You are on page 1of 248

‫الموسوعة الفقهية ‪ /‬الجزء الرابع والثلثون‬

‫قضاء الحاجة *‬
‫التعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬من معاني القضاء في اللّغة ‪ :‬الفراغ ‪ ،‬ومنه قول القائل ‪ :‬قضيت حاجتي ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫والقضاء أيضا بمعنى الحكم والقطع والفصل ‪ ،‬يقال ‪ :‬قضى يقضي قضا ًء ‪.‬‬
‫إذا حكم وفصل ‪ ،‬وقضاء الشيء ‪ :‬إحكامه وإمضاؤه ‪.‬‬
‫قال الزّهريّ ‪ :‬القضاء في اللّغة على وجوه ‪ :‬مرجعها إلى انقطاع الشيء وتمامه ‪.‬‬
‫والحاجة ‪ :‬المأربة ‪ ،‬ويكنّى عنها في استعمال العرب بالبول والغائط ‪ ،‬كما يكنّى عن التبوّل‬
‫والتغوّط بقضاء الحاجة ‪ ،‬قال الغزاليّ ‪ :‬الكناية بقضاء الحاجة عن التبوّل والتغوّط أولى من‬
‫التصريح ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الستنجاء ‪:‬‬
‫‪ -‬من معاني الستنجاء ‪ :‬الخلص من الشيء ‪ ،‬يقال ‪ :‬استنجى حاجته منه أي خلصها ‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫وقال ابن قتيبة ‪ :‬مأخوذ من النّجوة وهي ما ارتفع من الرض ‪ ،‬لنّه إذا أراد قضاء الحاجة‬
‫استتر بها ‪.‬‬
‫واصطلحا ‪ :‬قال القليوبيّ ‪ :‬إزالة الخارج من الفرج عن الفرج بماء أو حجر ‪.‬‬
‫ن الثاني يعقب الول ‪.‬‬
‫والعلقة بين قضاء الحاجة والستنجاء أ ّ‬
‫ب ‪ -‬الخلء ‪:‬‬
‫‪ -‬الخلء في الصل المكان الخالي ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫وفي اصطلح الفقهاء هو المكان المعدّ لقضاء الحاجة ‪.‬‬


‫والعلقة أنّ قضاء الحاجة يكون في الخلء ‪.‬‬
‫الحكام المتعلّقة بقضاء الحاجة ‪:‬‬
‫أولً ‪ -‬أحكام تتعلق بكيفية قضاء الحاجة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬استقبال القبلة واستدبارها ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب أكثر أهل العلم إلى أنّه ل يجوز استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة ‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫لما روى أبو أيّوب رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬إذا أتيتم‬
‫الغائط فل تستقبلوا القبلة ول تستدبروها ‪ ،‬ولكن شرّقوا ‪ ،‬أو غرّبوا ‪ ،‬قال أبو أيّوب ‪:‬‬
‫فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض بنيت قبل القبلة فننحرف ‪ ،‬ونستغفر ال تعالى » ‪ ،‬ولما ورد‬
‫عن أبي هريرة ‪ :‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬إذا جلس أحدكم على حاجته‬
‫فل يستقبل القبلة ول يستدبرها » ‪.‬‬
‫وتتحقق حرمة الستقبال والستدبار هذه بشرطين ‪:‬‬
‫‪ -‬أن يكون في الصحراء ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬أن يكون بل حائل ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫وأما في البنيان ‪ ،‬أو إذا كان بينه وبين القبلة شيء يستره ففيه قولن ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬ل يجوز أيضا ‪ ،‬وهو قول أبي حنيفة في الصحيح والثوريّ ‪ ،‬لعموم الحاديث في‬
‫النهي ‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬يجوز استقبال القبلة واستدبارها في البنيان ‪ ،‬وروي ذلك عن العباس وابن عمر‬
‫رضي ال تعالى عنهم ‪ ،‬وبه قال مالك والشافعيّ ‪ ،‬وابن المنذر ‪ ،‬لما روت عائشة رضي‬
‫ال تعالى عنها ‪ « :‬أنّ رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ -‬ذكر له أن قوما يكرهون أن‬
‫يستقبلوا بفروجهم القبلة ‪ ،‬فقال ‪ :‬أُراهم قد فعلوها ؟ استَقبِلُوا بمقعدتي القبلة » ‪ .‬قال أبو‬
‫عبد ال ‪ :‬أحسن ما روى الرّخصة حديث عائشة رضي ال تعالى عنها ‪ ،‬وعن مروان‬
‫الصفر قال ‪ :‬رأيت ابن عمر رضي ال عنهما أناخ راحلته مستقبل القبلة ‪ ،‬ثم جلس يبول‬
‫إليها ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا أبا عبد الرحمن أليس قد نهي عن هذا ؟ قال ‪ :‬بلى ‪ ،‬إنّما نهي عن ذلك‬
‫في الفضاء فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فل بأس ‪ ،‬وهذا تفسير لنهي رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم وفيه جمع بين الحاديث ‪ ،‬فيتعين المصير إليه ‪.‬‬
‫وعن أبي حنيفة يجوز استدبار الكعبة في البنيان والفضاء جميعا ‪ ،‬لنّه غير مقابل للقبلة ‪،‬‬
‫ن فرجه مواز لها وما ينحطّ منه ‪،‬‬
‫وما ينحطّ منه ينحطّ نحو الرض بخلف المستقبل ‪ ،‬ل ّ‬
‫ينحطّ إليها ‪.‬‬
‫وبه قال أحمد في رواية لما روى ابن عمر رضي ال عنهما قال ‪ « :‬ارتقيت فوق ظهر بيت‬
‫حفصة لبعض حاجتي فرأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقضي حاجته ‪ ،‬مستدبر القبلة‬
‫مستقبل الشام » ‪.‬‬
‫وقال الشافعية في غير المكان المعدّ لقضاء الحاجة ‪ :‬ل تستقبل القبلة ببول ول تستدبر‬
‫بغائط ‪ ،‬لنّ الستقبال جعل الشيء قبالة الوجه والستدبار جعل الشيء جهة دبره ‪ ،‬فلو‬
‫استقبل وتغوط أو استدبر وبال لم يحرم ‪ ،‬وكذا لو استقبل ولوى ذكره يمينا أو يسارا‬
‫بخلف عكسه‪.‬‬
‫فإن جلس مستقبلً لها غافلً ‪ ،‬ثم تذكر انحرف ندبا ‪ ،‬لحديث ‪ « :‬من جلس يبول قبالة‬
‫القبلة فذكر ‪ ،‬فتحرف عنها إجل ًل لها ‪ ،‬لم يقم من مجلسه حتى يغفر له » هذا إن أمكنه‬
‫وإل فل بأس ‪.‬‬
‫وقد صرح الحنفية بأنّه يكره تحريما للمرأة إمساك صغير لبول أو غائط نحو القبلة ‪ ،‬لنّه‬
‫قد وجد الفعل من المرأة ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬تجنّب استقبال بيت المقدس واستدباره ‪:‬‬
‫‪ -‬في استقبال بيت المقدس واستدباره حال قضاء الحاجة قولن ‪:‬‬ ‫‪5‬‬

‫الول ‪ :‬أنّه مكروه وليس بحرام ‪ ،‬وهذا قول الشافعية ‪ ،‬وظاهر إحدى الرّوايتين عن أحمد ‪،‬‬
‫قال النّوويّ ‪ :‬وهو الصحيح المشهور ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أنّه ليس بحرام ول مكروه ‪ ،‬وهو قول المالكية ‪ ،‬وظاهر الرّواية الخرى عن المام‬
‫أحمد وهي المذهب ‪.‬‬
‫قال الحطاب المالكيّ ‪ :‬ل يكره استقبال بيت المقدس ول استدباره حال قضاء الحاجة ‪،‬‬
‫ن بيت المقدس ليس قبلةً ‪.‬‬
‫هكذا قال سند ‪ ،‬ل ّ‬
‫ج ‪ -‬استقبال الشمس والقمر ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنفية والحنابلة إلى أنّه يكره استقبال الشمس والقمر لنّهما من آيات ال تعالى‬ ‫‪6‬‬

‫ن المراد استقبال عينهما مطلقا ل‬


‫الباهرة ‪ ،‬فيكره استقبالهما تعظيما لهما ‪ ،‬والظاهر أ ّ‬
‫جهتهما ‪ ،‬وأنّه لو كان ساتر يمنع عن العين ولو سحابا فل كراهة ‪ ،‬لنّه لو استتر عن‬
‫القبلة جاز ‪ ،‬فهاهنا أولى ‪.‬‬
‫ويرى المالكية أنّه يجوز استقبالهما ‪ ،‬والمراد بالجواز خلف الولى عندهم ‪.‬‬
‫وأما استدبارهما فيجوز عند جمهور الفقهاء ‪.‬‬
‫ونقل ابن عابدين عن بعض الحنفية أنّه يكره استدبارهما أيضا ‪.‬‬
‫وهو ما نقل عن المفتاح ‪ :‬ول يقعد مستقبلً للشمس والقمر ول مستدبرا لهما للتعظيم ‪،‬‬
‫وقال الشّربينيّ ‪ :‬وقيل يكره استدبارهما ‪.‬‬
‫د ‪ -‬استقبال مهبّ الرّيح ‪:‬‬
‫‪ -‬ل خلف بين الفقهاء في أنّه يكره لقاضي الحاجة إذا كانت الحاجة بو ًل أو غائطا رقيقا‬ ‫‪7‬‬

‫أن يستقبل مهب الرّيح ‪ ،‬لئل يصيبه رشاش الخارج فينجّسه ‪ ،‬وزاد المالكية ‪ :‬ولو كانت‬
‫الرّيح ساكنةً لحتمال تحرّكها وهيجانها ‪.‬‬
‫ولو هبت ريح عن يمين القبلة ويسارها ‪ ،‬وغلب على ظنّه عود النّجاسة عليه ‪ ،‬فالظاهر‬
‫ن الستقبال أفحش ‪.‬‬
‫عند الحنفية أنّه يتعين عليه استدبار القبلة حيث أمكن ل ّ‬
‫هـ ‪ -‬كيفية الجلوس عند قضاء الحاجة ‪:‬‬
‫‪ -‬صرح الفقهاء بأنّه يستحبّ لقاضي الحاجة أن يوسّع بين رجليه في جلوسه لقضاء‬ ‫‪8‬‬

‫الحاجة ‪ ،‬ويعتمد على رجله اليسرى ‪ ،‬لما روى سراقة بن مالك رضي ال تعالى عنه قال ‪:‬‬
‫« علمنا رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا دخل أحدنا الخلء أن يعتمد اليسرى وينصب‬
‫اليمنى » ولنّه أسهل لخروج الخارج ‪ ،‬ويجتهد في الستفراغ منه ‪ ،‬ول يطيل المقام أكثر‬
‫من قدر الحاجة ‪ ،‬لنّ ذلك يضرّه ‪ ،‬وربما آذى من ينتظره ‪.‬‬
‫ن ذلك يروى عن أبي بكر الصّدّيق رضي ال‬
‫ويستحبّ أن يغطّي رأسه حال الجلوس ‪ ،‬ل ّ‬
‫تعالى عنه ‪ ،‬ولنّه حال كشف العورة فيستحيي فيها من ال عز وجل ومن الملئكة ‪ ،‬وقيل‬
‫‪ :‬لنّه أحفظ لمسا ّم الشعر من علوق الرائحة بها فتضرّه ‪ ،‬ويلبس حذاءه لئل تتنجس رجله‬
‫‪ ،‬ول يكشف عورته قبل أن يدنو إلى القعود ‪.‬‬
‫و ‪ -‬التبوّل قائما ‪:‬‬
‫‪ -‬يكره عند جمهور الفقهاء أن يبول الرجل قائما لغير عذر ‪ ،‬لحديث عائشة رضي ال‬ ‫‪9‬‬

‫عنها قالت ‪ « :‬من حدثك أنّ رسول ال صلى ال عليه وسلم بال قائما فل تصدّقه » ‪ ،‬وقال‬
‫جابر رضي ال عنه ‪ « :‬نهى رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يبول الرجل قائما » ‪.‬‬
‫وفي رواية أخرى عن المام أحمد ذكرها في النصاف ‪ :‬ل يكره ولو بل حاجة إن أمن تلوّثا‬
‫أو ناظرا ‪ ،‬والمذهب كقول الجمهور ‪ ،‬قال صاحب المغني ‪ :‬وقد رويت الرّخصة فيه ‪ -‬يعني‬
‫البول من قيام ‪ -‬عن عمر وعليّ وابن عمر وزيد بن ثابت وسهل بن سعد وأنس وأبي‬
‫هريرة وعروة رضي ال عنهم ‪.‬‬
‫فإن كان لعذر فليس بمكروه اتّفاقا ‪ ،‬قال الشافعية ‪ :‬بل ول خلف الولى ‪ ،‬لما ورد عن‬
‫ن النّبي صلى ال عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائما ‪،‬‬
‫حذيفة رضي ال عنه ‪ « :‬أ ّ‬
‫فتنحيت فقال ‪ :‬ادنه ‪ ،‬فدنوت حتى قمت عند عقبيه فتوضأ فمسح على خفيه » ‪.‬‬
‫ن العرب كانت تستشفي به لوجع الصّلب ‪ ،‬فلعله كان به ‪ ،‬قال‬
‫وسبب بوله قائما ما قيل إ ّ‬
‫النّوويّ ‪ :‬ويجوز أن يكون فعله لبيان الجواز ‪ ،‬ويفهم مثل ذلك من تعليل الحنابلة ‪.‬‬
‫وفصل المالكية في ذلك ‪ ،‬فرأوا أنّه إن كان المكان رخوا طاهرا كالرمل جاز فيه القيام ‪،‬‬
‫والجلوس أولى لنّه أستر ‪ ،‬وإن كان رخوا نجسا بال قائما مخافة أن تتنجس ثيابه ‪ ،‬وإن‬
‫كان صلبا طاهرا تعين الجلوس لئل يتطاير عليه شيء من البول ‪ ،‬وإن كان صلبا نجسا‬
‫تنحى عنه إلى غيره ول يبول فيه قائما ول قاعدا ‪.‬‬
‫ول يعرف هذا التقسيم لغيرهم ‪.‬‬
‫ز ‪ -‬ترك التكلّم بذكر أو بغيره ‪:‬‬
‫‪ -‬أما قراءة القرآن ففيها عند الفقهاء قولن ‪:‬‬ ‫‪10‬‬

‫الول ‪ :‬أنّها حرام ‪ ،‬وهو المذهب عند الحنابلة وقول للمالكية ‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬أنّها مكروهة ‪ ،‬وهو مذهب الشافعية وقول للحنابلة ‪.‬‬
‫ي حيث قال بتحريمه ‪.‬‬
‫ن الكلم مكروه ولو بالقرآن خلفا للذرع ّ‬
‫قال الجمل ‪ :‬إ ّ‬
‫‪ -‬وأما ما عدا القرآن ‪ :‬فقد نص الفقهاء في المذاهب الربعة على كراهة التكلّم حال‬ ‫‪11‬‬

‫قضاء الحاجة بذكر أو غيره ‪ ،‬وفيه خلف لبعض المالكية ‪ ،‬قال الخرشيّ ‪ :‬إنّما طلب‬
‫السّكوت لنّ ذلك المحلّ مما يجب ستره وإخفاؤه والمحادثة تقتضي عدم ذلك ‪ ،‬والحجة‬
‫ن النّبي صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬ل يخرج الرجلن‬
‫لهذه المسألة على قول الجمهور ‪ ،‬أ ّ‬
‫يضربان الغائط كاشفين عن عورتهما يتحدثان ‪ ،‬فإنّ ال يمقت على ذلك » ‪ ،‬وما رواه‬
‫المهاجر بن قنفذ رضي ال عنه قال ‪ « :‬أنّه أتى النّبي صلى ال عليه وسلم وهو يبول‬
‫فسلم عليه فلم يرد عليه حتى توضأ ‪ ،‬ثم اعتذر إليه فقال ‪ :‬إنّي كرهت أن أذكر ال عز‬
‫وجل إل على طهر » وما رواه جابر بن عبد ال رضي ال عنهما قال ‪ « :‬إنّ رجلً مر‬
‫على النبيّ صلى ال عليه وسلم وهو يبول ‪ ،‬فسلم عليه ‪ ،‬فقال له رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ :‬إذا رأيتني على مثل هذه الحالة فل تسلّم علي ‪ ،‬فإنّك إن فعلت ذلك لم أرد‬
‫عليك » ‪.‬‬
‫وقد صرح الحنفية بأنّ الكراهة في حال قضاء الحاجة سواء كانت بولً أو غائطًا ‪ ،‬وأنّه‬
‫يكره التكلّم كذلك في موضع الخلء ولو في غير حال قضاء الحاجة ‪.‬‬
‫وقد صرح المالكية والشافعية والحنابلة باستثناء حالة الضرورة ‪ ،‬قال النّوويّ ‪ :‬كأن رأى‬
‫ضريرا يقع في بئر ‪ ،‬أو رأى حيةً أو غيرها تقصد إنسانا أو غيره من المحترمات ‪ ،‬فل‬
‫كراهة في الكلم في هذه المواضع بل يجب في أكثرها ‪ ،‬قال القليوبيّ ‪ :‬يجب للضرورة‬
‫ويندب للحاجة ‪.‬‬
‫ومن الذكار التي نصّوا عليها أنّه ل يحمد إن عطس ‪ ،‬ول يشمّت عاطسا ‪ ،‬ول يجيب‬
‫المؤذّن ‪ ،‬ول يردّ السلم ول يسبّح ‪ ،‬لكن قال البغويّ من الشافعية ونقله عن الشعبيّ‬
‫ي وابن المبارك ‪ :‬إن عطس حمد ال في نفسه ‪ ،‬وكذا قال صاحب كشاف‬
‫والحسن والنّخع ّ‬
‫القناع من الحنابلة يجيب المؤذّن بقلبه ويقضيه بعد ذلك ول يكره الذّكر بالقلب ‪ ،‬وذكر في‬
‫ر ّد السلم قولين ‪ .‬ثانيهما أنّه ل يكره ‪.‬‬
‫وعند الشافعية الحكم كذلك في ذكر الدّخول إلى الخلء إذا نسيه فيذكر ال في نفسه في‬
‫الحالتين ‪.‬‬
‫وقال كنون في حاشيته ‪ :‬روى عياض جواز ذكر ال في الكنيف ‪.‬‬
‫قال القاضي ‪ :‬وهو قول مالك والنّخعيّ وعبد ال بن عمرو بن العاص رضي ال عنهما ‪،‬‬
‫وقال ابن القاسم ‪ :‬إذا عطس وهو يبول فليحمد ال ‪ ،‬وقال ابن رشد ‪ :‬الدليل له من جهة‬
‫ن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يذكر ال على كلّ أحيانه » ‪ ،‬ومن طريق‬
‫الثر « أ ّ‬
‫ن ذكر ال يصعد إلى ال فل يتعلق به من دناءة المحلّ شيء فل ينبغي أن يمنع من‬
‫النظر أ ّ‬
‫ذكر ال على كلّ حال إل بنص ليس فيه احتمال ‪ .‬أ هـ ‪.‬‬
‫وقد ذكر صاحب النصاف من الحنابلة روايةً عن أحمد أنّه ل يكره إجابة المؤذّن في تلك‬
‫ي الدّين ‪ ،‬والمذهب أنّه يكره ‪.‬‬
‫الحال ‪ ،‬وبها أخذ الشيخ تق ّ‬
‫ح ‪ -‬إلقاء السلم على المتخلّي وردّه ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى كراهة إلقاء السلم على المتغوّط ‪ ،‬واستدلّوا‬ ‫‪12‬‬

‫بالحديث المتقدّم في المسألة السابقة ‪.‬‬


‫وكره ذلك الحنفية أيضا ‪ ،‬قال ابن عابدين ‪ :‬ويراد به ما يعمّ البول ‪ ،‬قال ‪ :‬وظاهره‬
‫التحريم‪.‬‬
‫ط ‪ -‬الذّكر إذا كان مكان الخلء هو مكان الوضوء ‪:‬‬
‫‪ -‬قال ابن عابدين ‪ :‬لو توضأ في الخلء فهل يأتي بالبسملة وغيرها من أدعية الوضوء‬ ‫‪13‬‬

‫مراعا ًة لسنّته ؟ أو يتركها مراعا ًة للمحلّ ؟ قال ‪ :‬الذي يظهر الثاني ‪ ،‬لتصريحهم بتقديم‬
‫النهي على المر ‪.‬‬
‫وهو مقتضى ما عند الحنابلة من أنّ التسمية في الوضوء واجبة ‪،‬وأنّ الذّكر بالقلب ل‬
‫يكره‪ .‬وذهب المالكية إلى أنّه يكره الذّكر في الخلء ‪.‬‬
‫ي ‪ -‬النحنحة ‪:‬‬
‫‪ -‬قال ابن عابدين من الحنفية ‪ :‬ل يتنحنح في موضع الخلء إل بعذر كما إذا خاف‬ ‫‪14‬‬

‫دخول أحد عليه ‪ ،‬وقال الشبراملسي من الشافعية ‪ :‬هل من الكلم ما يأتي به قاضي الحاجة‬
‫من التنحنح عند طرق باب الخلء من الغير ليعلم هل فيه أحد أم ل ؟ قال ‪ :‬فيه نظر ‪،‬‬
‫والقرب أنّ مثل هذا ل يسمى كلما ‪ ،‬وبتقديره فهو لحاجة ‪ ،‬وهي دفع دخول من يطرق‬
‫الباب عليه لظنّه خلو المحلّ ‪.‬‬
‫ك ‪ -‬تكريم اليد اليمنى عن مسّ الفرج ‪:‬‬
‫‪ -‬يكره أن يمس النسان فرجه بيمينه حال قضاء الحاجة وغيرها ‪ ،‬لحديث أبي قتادة‬ ‫‪15‬‬

‫رضي ال عنه مرفوعا ‪ « :‬إذا بال أحدكم فل يمسح ذكره بيمينه ‪ ،‬وإذا تمسح أحدكم فل‬
‫يتمسح بيمينه » ‪ ،‬قال البيّ من المالكية ‪ :‬وحمله الفقهاء على الكراهة ‪ ،‬وفي النصاف‬
‫للحنابلة ‪ :‬إنّه الصحيح من المذهب ‪ ،‬وفي وجه يحرم ‪ ،‬فإن كان لضرورة فل كراهة ول‬
‫تحريم ‪.‬‬
‫ل ‪ -‬التنظيف والتطهّر من الفضلة ‪:‬‬
‫‪ -‬ينبغي لقاضي الحاجة بعد الفراغ أن يتنظف بمسح المحلّ بالحجار أو نحوها أو‬ ‫‪16‬‬

‫يتطهر بغسله ‪ ،‬أو بهما جميعا ‪ ،‬وله أحكام وآداب شرعية ( ر ‪ :‬استنجاء ) ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ -‬أحكام تتعلق بأماكن قضاء الحاجة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬قضاء الحاجة في طريق مسلوك وظلّ نافع وما في حكمهما ‪:‬‬
‫‪ -‬اتفق الفقهاء على أنّه ل يجوز أن يبول في طريق الناس ‪ ،‬ول مورد ماء ‪ ،‬ول ظلّ‬ ‫‪17‬‬

‫ينتفع به الناس ‪ ،‬لما روى أبو هريرة رضي ال تعالى عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ « :‬اتقوا اللعانين قالوا ‪ :‬وما اللعأنان يا رسول ال ؟ قال ‪ :‬الذي يتخلى في‬
‫طريق الناس أو في ظلّهم » ‪.‬‬
‫ظلّ في النهي عن قضاء الحاجة فيه مجلس الناس ‪ ،‬أي المحلّ الذي يجلس فيه‬
‫ومثل ال ّ‬
‫ل ‪ ،‬أو يجلسون فيه في الشمس زمن الشّتاء للتحدّث ‪ ،‬وقال صاحب نيل‬
‫الناس في القمر لي ً‬
‫المآرب ‪ :‬إل أن يكون حديثهم غيبةً أو نميم ًة ‪.‬‬
‫ظلّ وما‬
‫وصرح بعض فقهاء المالكية والشافعية بأنّ قضاء الحاجة في المورد والطريق وال ّ‬
‫ألحق به حرام ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬قضاء الحاجة تحت الشجر ‪:‬‬
‫‪ -‬كره الحنفية والشافعية والحنابلة في رواية قضاء الحاجة تحت الشجر المثمر ‪،‬‬ ‫‪18‬‬

‫والرّواية الخرى عند الحنابلة أنّه حرام ‪ ،‬وفي قول لهم إن كانت الثمرة له كره ‪ ،‬وإن كانت‬
‫لغيره حرم ‪ .‬وإنّما كرهه الحنفية والحنابلة إذا كان ذلك وقت الثمر ‪ ،‬وألحقوا به ما قبله‬
‫بحيث ل يأمن زوال النّجاسة بمطر أو سقي ‪ ،‬أو ‪ -‬عند الحنفية ‪ -‬نحوه كجفاف أرض من‬
‫بول ‪ ،‬وسواء عند الحنفية أكان الثمر مأكولً أو مشموما ‪ ،‬لحترام الكلّ ‪ ،‬وخاص ًة ما تجمع‬
‫ثمرته من تحته كالزيتون ‪ .‬وكره الحنفية ذلك في الزرع أيضا ‪.‬‬
‫وعلل الشافعية الكراهة بالتلويث ولئل تعافه النفس ‪ ،‬ولم يحرّموه ‪ ،‬قالوا ‪ :‬لنّ تنجّس‬
‫الثمرة غير متيقن ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬ولو كان الشجر مباحا فإنّه يكره كذلك ‪ ،‬ول فرق عندهم بين‬
‫وقت الثمرة وغيره ‪ ،‬والكراهة في الغائط أش ّد لنّ البول يطهر بالماء وبجفافه بالشمس‬
‫والرّيح في قول ‪ ،‬وعمم في حاشية الجمل الحكم في كلّ ما ينتفع به في نحو دواء أو‬
‫دباغ ‪ ،‬وما يشمل الوراق المنتفع بها كذلك ‪.‬‬
‫ومقتضى ما ذكروه جميعا أنّ الشجرة غير المثمرة ل يكره البول تحتها ‪ ،‬وأورد في المغني‬
‫في الستدلل على ذلك حديث ‪ « :‬أنّ النّبي صلى ال عليه وسلم كان أحب ما استتر به‬
‫لحاجته هدف أو حائش نخل » ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬قضاء الحاجة في الماء ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنفية والمالكية إلى كراهة قضاء الحاجة في الماء ‪ ،‬بولً أو غائطا ‪ ،‬وذهب‬ ‫‪19‬‬

‫الحنفية إلى أنّ الكراهة تحريمية وإن كان الماء راكدا لحديث جابر رضي ال عنه ‪ « :‬أنّ‬
‫النّبي صلى ال عليه وسلم نهى أن يبال في الماء الراكد » ‪ ،‬ولحديث أبي هريرة ‪ « :‬ل‬
‫يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي ل يجري ثم يغتسل فيه » ‪ ،‬وتكون الكراهة تنزيهيةً إن‬
‫كان الماء جاريا ‪ ،‬لحديث ‪ « :‬نهى الرسول أن يبال في الماء الجاري » ‪.‬‬
‫قال ابن عابدين ‪ :‬والمعنى فيه أنّه يقذّره ‪ ،‬وربما أدى إلى تنجيسه ‪ ،‬وأما الراكد القليل‬
‫فيحرم البول فيه ‪ ،‬لنّه ينجّسه ويتلف ماليته ويغرّ غيره باستعماله ‪ ،‬والتغوّط في الماء‬
‫أقبح من البول ‪ ،‬وكذا إذا بال في إناء ثم صبه في الماء ‪ ،‬أو بال بقرب النّهر فجرى إليه ‪،‬‬
‫فكلّه قبيح مذموم منهيّ عنه ‪.‬‬
‫قال القاضي عياض من المالكية ‪ :‬النهي الوارد في الحديث هو نهي كراهة وإرشاد ‪ ،‬وهو‬
‫في القليل أشدّ ‪ ،‬لنّه يفسده ‪ ،‬وقيل ‪ :‬النهي للتحريم ‪ ،‬لنّ الماء يفسد لتكرّر البائلين ويظنّ‬
‫ب النّجاسة ‪ .‬أ هـ ‪ ، .‬وقال ابن ناجي‬
‫الما ّر أنّه تغير من قراره ‪ ،‬ويلحق بالبول التغوّط وص ّ‬
‫في شرح المدونة ‪ :‬الجاري على أصل المذهب أنّ الكراهة على التحريم في القليل ‪ .‬وقال‬
‫الشافعية والحنابلة ‪ :‬يكره البول في الماء الراكد قليلً كان أو كثيرا للحديث ‪.‬‬
‫ل كره وإن كان كثيرا لم يكره ‪ ،‬قال‬
‫وأما الجاري فقال جماعة من الشافعية ‪ :‬إن كان قلي ً‬
‫النّوويّ ‪ :‬وفيه نظر ‪ ،‬وينبغي أن يحرم البول في القليل مطلقا ‪ ،‬لنّه ينجّسه ويتلفه على‬
‫ن الولى اجتنابه ‪ ،‬ولعلهم لم يحرّموا‬
‫نفسه وعلى غيره ‪ ،‬وأما الكثير الجاري فل يحرم ‪ ،‬لك ّ‬
‫البول في الراكد كما هو ظاهر الحديث ‪ ،‬لنّ الماء غير متمول عادةً ‪ ،‬أو لنّه يمكن تطهيره‬
‫بالضافة ‪.‬‬
‫وقيد بعضهم الماء الكثير الذي يكره التخلّي فيه بما لم يستبحر ‪ ،‬فإن استبحر بحيث ل تعافه‬
‫النفس فل كراهة ‪.‬‬
‫ونص الشافعية أيضا على استثناء الماء المسبل والموقوف ‪ ،‬فيحرم ‪.‬‬
‫وفرق الحنابلة بين التبوّل في الماء والتغوّط فيه فرأوا كراهة الول وتحريم الثاني ‪ ،‬ففي‬
‫كشاف القناع ‪ :‬يكره بوله في ماء راكد أو قليل جار ‪ ،‬ويحرم تغوّطه في ماء قليل أو كثير‬
‫راكد أو جار لنّه يقذّره ويمنع الناس النتفاع به‬
‫د ‪ -‬التبوّل في مكان الوضوء ومكان الستحمام ‪:‬‬
‫‪ -‬كره الحنفية والشافعية والحنابلة أن يبول النسان في موضع يتوضأ هو أو غيره أو‬ ‫‪20‬‬

‫يغتسل فيه ‪ ،‬لما ورد عن رجل من الصحابة أنّه قال ‪ « :‬نهى رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم أن يمتشط أحدنا كل يوم أو يبول في مغتسله » ‪.‬‬
‫ن محل الكراهة إذا لم يكن ثم منفذ ينفذ فيه البول والماء ‪.‬‬
‫ويضيف الشافعية ‪ :‬أ ّ‬
‫وفي كشاف القناع للحنابلة ‪ :‬أنّ موضع الكراهة أن يكون الموضع غير مقير أو مبلط ‪،‬‬
‫قال‪ :‬فإن بال في المستحمّ المقير أو المبلط أو المجصص ‪ ،‬ثم أرسل عليه الماء قبل‬
‫اغتساله فيه ‪ -‬قال المام أحمد ‪ :‬إن صب عليه الماء وجرى في البالوعة ‪ -‬فل بأس ‪،‬‬
‫للمن من التلويث ‪ ،‬ومثله الوضوء ‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬قضاء الحاجة في المسجد ‪:‬‬
‫‪ -‬يحرم بالتّفاق البول والتغوّط في المسجد ‪ ،‬صيانةً له وتنزيها وتكريما لمكان العبادة‪،‬‬ ‫‪21‬‬

‫ي صلى ال عليه وسلم « النهي عن البصاق فيه » فالبول‬


‫وإذا كان قد صح عن النب ّ‬
‫ي صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫والتغوّط أولى ‪ ،‬وقد ورد ‪ « :‬أنّ أعرابيّا بال في المسجد فقال النب ّ‬
‫دعوه ‪ :‬فلما فرغ دعا بدلو من ماء فصبه عليه » وفي رواية زاد ‪ « :‬ثم إنّ رسول ال‬
‫ن هذه المساجد ل تصلح لشيء من هذا البول ول‬
‫صلى ال عليه وسلم دعاه فقال له ‪ :‬إ ّ‬
‫القذر ‪ ،‬إنّما هي لذكر ال عز وجل والصلة وقراءة القرآن » ‪.‬‬
‫أما لو بال في المسجد في إناء وتحفظ من إصابة أرض المسجد ‪ ،‬فالجمهور على أنّه حرام‬
‫أيضا ‪ ،‬صرح بذلك الحنفية والحنابلة ‪ ،‬وهو الراجح عند المالكية والصحّ عند الشافعية ‪،‬‬
‫قال ابن قدامة ‪ :‬لنّ المساجد لم تبن لهذا ‪ ،‬وهو مما يقبح ويفحش ويستخفى به ‪ ،‬فوجب‬
‫صيانة المسجد عنه ‪ ،‬كما لو أراد أن يبول في أرضه ثم يغسله ‪.‬‬
‫والقول الخر عند كلّ من المالكية والشافعية جواز ذلك بشرط التحرّز ‪ ،‬جاء في نوازل‬
‫الونشريسيّ من كتب المالكية ‪ :‬أجازه صاحب الشامل ‪ ،‬وقال الزركشيّ من الشافعية ‪:‬‬
‫الثاني أنّه مكروه ‪ ،‬قال ‪ :‬وفي كتاب الطهور لبي عبيد عن سعيد بن أبي بردة أنّه أبصر أبا‬
‫وائل شقيق بن سلمة في المسجد يبول في طست وهو معتكف ‪ ،‬وورد عن عائشة ‪ ،‬أنّها‬
‫قالت ‪ « :‬اعتكفت مع رسول ال صلى ال عليه وسلم امرأة مستحاضة من أزواجه ‪ ،‬فكانت‬
‫ترى الحمرة والصّفرة ‪ ،‬فربما وضعت الطست تحتها وهي تصلّي » ‪.‬‬
‫وفي حكم قضاء الحاجة في رحاب المسجد ‪ ،‬التي ل يثبت لها حكم المسجد ‪ ،‬قولن ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أنّه حرام ‪ ،‬استظهره الزركشيّ من الشافعية ‪ ،‬وقال ‪ :‬يجب الجزم به إذا كانت‬
‫مطروقةً ‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬أنّه مكروه فقط ‪ ،‬صرح بذلك الحنفية ‪ .‬وأضافوا ‪ :‬ومصلى العيد ‪ ،‬أي إذا كان في‬
‫الصحراء ‪ ،‬وصرح به أيضا الشافعية ‪.‬‬
‫و ‪ -‬قضاء الحاجة في البقاع المعظمة ‪:‬‬
‫‪ -‬قال الرمليّ من الشافعية ‪ :‬ذكر المحبّ الطبريّ الحرمة ‪ -‬أي في التخلّي ‪ -‬على‬ ‫‪22‬‬

‫الصفا والمروة أو قزح ‪ ،‬وألحق بعضهم بذلك محل الرمي ‪ ،‬وإطلقه يقتضي حرمة ذلك في‬
‫جميع السنة ‪ ،‬ولعل وجهه أنّها محالّ شريفة ضيّقة ‪ ،‬فلو جاز ذلك فيها لستمر وبقي وقت‬
‫الجتماع فيها ‪ ،‬فيؤذي حينئذ ‪ ،‬قال ‪ :‬ويظهر أنّ حرمة ذلك مفرع على الحرمة في محلّ‬
‫ن المرجح الكراهة ‪ ،‬أما عرفة ومزدلفة ومنىً فل يحرم فيها‬
‫جلوس الناس ‪ ،‬وسيأتي أ ّ‬
‫ن القول بالحرمة مرجوح ‪ ،‬وقال‬
‫ي في حاشية شرح المنهاج بأ ّ‬
‫لسعتها ‪ ،‬ولكن جزم القليوب ّ‬
‫بكراهة ذلك حتى في مزدلفة وعرفة وسائر أماكن اجتماع الحاجّ ‪.‬‬
‫وقال الزركشيّ ‪ :‬تورع بعضهم عن قضاء الحاجة بمكة ‪ ،‬وكان يتأول أنّها مسجد ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫هذا التأويل مردود بالنص والجماع ‪ ،‬وقد فعله النبيّ صلى ال عليه وسلم وأصحابه‬
‫ن النّبي صلى ال عليه وسلم كان‬
‫والسلف ‪ ،‬ثم ذكر أحاديث تؤيّد هذا التورّع ‪ ،‬منها « أ ّ‬
‫يذهب لحاجته إلى المغمّس » وهو مكان على نحو الميلين من مكة ‪.‬‬
‫ز ‪ -‬قضاء الحاجة في الكنائس والبيع ‪:‬‬
‫‪ -‬جاء في مواهب الجليل للحطاب المالكيّ نقلً عن المدخل لبن الحاجّ ‪ :‬يجتنب "‬ ‫‪23‬‬

‫المتخلّي " بيع اليهود وكنائس النصارى ‪ ،‬لئل يفعلوا ذلك في مساجدنا ‪ ،‬كما نهي عن سبّ‬
‫اللهة المدعوة من دون ال لئل يسبّوا ال تعالى ‪.‬‬
‫ح ‪ -‬قضاء الحاجة في المقابر ‪:‬‬
‫ن الميّت يتأذى‬
‫‪ -‬يرى الحنفية أنّه يكره قضاء الحاجة في المقابر ‪ ،‬قال ابن عابدين ‪ :‬ل ّ‬ ‫‪24‬‬

‫ن الكراهة تحريمية ‪ ،‬والتحريم هو أيضا قول الشافعية‬


‫ي ‪ ،‬والظاهر أ ّ‬
‫مما يتأذى به الح ّ‬
‫والحنابلة ‪ ،‬إل أنّ التحريم يتحقق عند الشافعية إذا تبول على القبر ‪ ،‬أما إن بال بقرب القبر‬
‫كره ولم يحرم إل أن يكون قبر نبيّ فيحرم ‪ ،‬والحرمة عند الحنابلة هي التي اقتصر عليها‬
‫صاحب كشاف القناع ‪ ،‬وفي النصاف ‪ :‬ل يكره على الصحيح من المذهب ‪ ،‬وعنه ‪ -‬يعني‬
‫المام أحمد ‪ : -‬يكره ‪.‬‬
‫وتعرض الشافعية للمقبرة إذا كانت منبوشةً فرأوا تحريم قضاء الحاجة فيها لما فيه من‬
‫تنجيس أجزاء الميّت ‪.‬‬
‫ط ‪ -‬قضاء الحاجة في ثقب أو نحوه ‪:‬‬
‫‪ -‬يكره التبوّل في ثقب أو سرب ‪ ،‬وهذا باتّفاق المذاهب الربعة ‪ ،‬لما روى عبد ال بن‬ ‫‪25‬‬

‫ن رسول ال صلى ال عليه وسلم نهى أن يبال في الجحر » ولنّه ربما خرج‬
‫سرجس ‪ « :‬أ ّ‬
‫عليه من الجحر ما يلسعه ‪ ،‬أو يردّ عليه البول ‪ ،‬قال النّوويّ هذا متفق عليه ‪ ،‬وهي كراهة‬
‫ن به حيوانا‬
‫ي من الشافعية ‪ :‬يظهر تحريمه إذا غلب على ظنّه أ ّ‬
‫تنزيه ‪ ،‬وقال البجيرم ّ‬
‫محترما يتأذى أو يهلك به ‪.‬‬
‫قال ابن عابدين من الحنفية ‪ :‬وهذا ‪ -‬يعني كراهة البول في الثّقوب ‪ -‬في غير المعدّ‬
‫لذلك ‪ ،‬كبالوعة فيما يظهر ‪ ،‬وفي كشاف القناع للحنابلة ‪ :‬يكره ولو كان فم بالوعة ‪ ،‬وفي‬
‫التّحفة وحاشية الشّروانيّ من كتب الشافعية ‪ :‬البالوعة قد يشملها الجحر ‪ ،‬وقد يمنع‬
‫الشّمول أنّ البالوعة في قوة المعدّ لقضاء الحاجة ( يعني فل يكره ) ‪.‬‬
‫هذا وقد فرق المالكية بين أن يكون قريبا من الثقب ‪ ،‬فيكره البول فيه ‪ ،‬وبين أن يكون‬
‫بعيدا‪ ،‬ففي قول يكره ‪ ،‬خيفة حشرات تنبعث عليه من الكوة ‪ ،‬وقيل ‪ :‬يباح لبعده من‬
‫الحشرات إن كانت فيها ‪.‬‬
‫البول في النية ‪:‬‬
‫‪ -‬قال الشافعية ‪ :‬ل بأس بالبول في إناء ‪ ،‬لما روت عائشة رضي ال عنها قالت ‪« :‬‬ ‫‪26‬‬

‫ي ‪ ،‬لقد دعا بالطست ليبول فيها ‪،‬‬


‫يقولون إنّ النّبي صلى ال عليه وسلم أوصى إلى عل ّ‬
‫فانخنثت نفسه ‪ ،‬وما أشعر ‪ ،‬فإلى من أوصى » ‪.‬‬
‫ولحديث أميمة بنت رقيقة رضي ال عنها قالت ‪ « :‬كان للنبيّ صلى ال عليه وسلم قدح‬
‫من عيدان ‪ ،‬يبول فيه ويضعه تحت السرير » ‪.‬‬
‫وكرهه الحنابلة إذا كان بل حاجة ‪ ،‬قال في منار السبيل ‪ :‬نص عليه أحمد ‪ ،‬فإن كانت‬
‫حاجة كالمرض لم يكره ‪ ،‬لحديث أميمة بنت رقيقة ‪ ،‬وفي قول ذكره صاحب النصاف في‬
‫أصل المسألة ‪ :‬أنّه ل يكره ‪.‬‬
‫وخص المالكية الكراهة ‪ -‬كما في مواهب الجليل ‪ -‬بالنية النّفيسة ‪ ،‬للسرف ‪ ،‬قالوا ‪:‬‬
‫ويحرم في آنية الذهب والفضة ‪ ،‬لحرمة اتّخاذها واستعمالها ‪.‬‬
‫الستتار من الناس ‪:‬‬
‫ن عند المالكية والشافعية والحنابلة ‪ ،‬لقاضي الحاجة أن يستتر عن النظر ‪،‬‬
‫‪ -‬يس ّ‬ ‫‪27‬‬

‫لحديث أبي هريره مرفوعا ‪ « :‬من أتى الغائط فليستتر ‪ ،‬فإن لم يجد إل أن يجمع كثيبا من‬
‫رمل فليستدبره فإنّ الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم ‪ ،‬من فعل فقد أحسن ‪ ،‬ومن ل فل حرج‬
‫ي صلى ال عليه وسلم‬
‫» ‪ .‬وحديث عبد ال بن جعفر قال ‪ « :‬كان أحب ما استتر به النب ّ‬
‫هدف أو حائش نخل » والحائش هو الحائط ‪.‬‬
‫وعند الشافعية ‪ :‬أنّ محل ع ّد ذلك من الداب ‪ ،‬أي المستحبات ‪ ،‬إذا لم يكن بحضرة من‬
‫يرى عورته ممن ل يحلّ له نظرها ‪ ،‬أما بحضرته فيكون سترها واجبا ‪ ،‬إذ كشفها بحضرته‬
‫حرام‪ ،‬واعتمده المتآخرون منهم ‪ ،‬وهذا موافق لقواعد المذاهب الثلثة الخرى ‪ ،‬وزاد‬
‫ي من الشافعية ‪ :‬ولو أخذه البول وهو محبوس بين جماعة ‪ ،‬جاز له التكشّف ‪،‬‬
‫الرمل ّ‬
‫وعليهم الغضّ ‪.‬‬
‫هذا وقد أطلق الشافعية والحنابلة قضاء الحاجة في هذه المسألة ‪ ،‬وبين المواق من المالكية‬
‫أنّ المطلوب عندهم لمريد البول أن يستر عن الناس عورته فقط ‪ ،‬ل أن يستتر بشخصه ‪،‬‬
‫أما مريد الغائط فيبتعد ويستتر بحيث ل يرى له شخص ‪ ،‬وقال المازريّ ‪ :‬السّنّة البعد من‬
‫البائل إذا كان قاعدا بخلف ما إذا كان قائما ‪.‬‬
‫ن التستّر يحصل بمرتفع قدر ثلثي ذراع فأكثر ‪ ،‬إن كان بينه‬
‫وفي كلم الشافعية أيضا ‪ :‬أ ّ‬
‫وبينه ثلثة أذرع فأقلّ ‪ ،‬إن كان بفضاء أو بناء ل يمكن تسقيفه ‪ ،‬فإن كان ببناء مسقف أو‬
‫يمكن تسقيفه حصل التستّر به ‪ ،‬ولم يحد غيرهم في ذلك حدّا فيما اطلعنا عليه ‪.‬‬
‫ولو تعارض التستّر والبعاد ‪ ،‬قال في شرح البهجة ‪ :‬الظاهر رعاية التستّر ‪.‬‬
‫البتعاد عن الناس في الفضاء ‪:‬‬
‫‪ -‬ذكر المالكية والشافعية والحنابلة أنّه يندب لقاضي الحاجة إذا كان بالفضاء التباعد‬ ‫‪28‬‬

‫عن الناس ‪ ،‬لحديث ‪ « :‬كان إذا ذهب المذهب أبعد » ‪.‬‬


‫واشترط الحنابلة لذلك أن ل يجد ما يستره عن الناس ‪ ،‬فإن وجد ما يستره عن الناس كفى‬
‫الستتار عن البعد ‪ ،‬والمالكية والشافعية صرحوا بأنّ الستتار ل يغني عن البتعاد إذا كان‬
‫قاضي الحاجة في الفضاء ‪.‬‬
‫وقال المالكية والشافعية في تحديد مدى البتعاد ‪ :‬إلى حيث ل يسمع للخارج منه صوت ول‬
‫ي من المالكية ‪ :‬حتى ل يسمع له صوت ول يرى له عورة ‪،‬‬
‫يشمّ له ريح ‪ ،‬وعبارة الخرش ّ‬
‫قالوا ‪ :‬وأما في الكنيف فل يض ّر سماع صوته ول شمّ ريحه للمشقة ‪.‬‬
‫وعند الشافعية ‪ :‬أنّه يبتعد في البنيان أيضا ‪ ،‬إل إن كان المحلّ معدّا لقضاء الحاجة ‪.‬‬
‫واشترط الشافعية والحنابلة للبتعاد أن يكون المحلّ آمنا ‪ ،‬فلو خاف على نفسه من سبع‬
‫أو عدوّ يغتاله فإنّه يقضي حاجته قريبا من المكان الذي هو فيه ‪ ،‬وعبارة الشافعية ‪ :‬الكلم‬
‫حيث أمكن البعد ‪ ،‬وسهل عليه ‪ ،‬وأمن ‪ ،‬وأراده ‪ ،‬وإل سنّ لغيره من الناس البعد عنه بقدر‬
‫بعده عنهم ‪.‬‬
‫اجتناب الدّخول بما فيه ذكر ال تعالى ‪:‬‬
‫‪ -‬يكره الدّخول إلى الخلء بشيء فيه ذكر ال تعالى لما ورد أنّ النّبي صلى ال عليه‬ ‫‪29‬‬

‫وسلم ‪ « :‬كان إذا دخل الخلء وضع خاتمه » وقال الشّيرازيّ ‪ :‬كان عليه محمد رسول ال‪.‬‬
‫وهذا الحكم متفق عليه بين المذاهب الربعة من حيث الجملة إل قولً في مذهب أحمد ‪،‬‬
‫واختلفوا في بعض تفصيلت نوردها فيما يلي ‪:‬‬
‫ن الحكم الكراهة بل نص الشافعية على أنّ‬
‫لم يفرّق الجمهور بين المصحف وغيره في أ ّ‬
‫ن تنحيته‬
‫حمل المصحف مكروه ل حرام ‪ ،‬وقال المالكية والحنابلة في المصحف خاصةً ‪ :‬إ ّ‬
‫واجبة والدّخول به حرام في غير حال الضرورة بخلف غيره مما فيه قرآن أو ذكر ‪ ،‬قال‬
‫العدويّ ‪ :‬يجب تنحية مصحف ولو مستورا ‪ ،‬ويكره الدّخول بشيء فيه قرآن أو ذكر غير‬
‫مستور وقال‪ :‬فالدّخول ببعض القرآن ليس كالدّخول بكلّه ‪ ،‬وذلك محمول على نحو صحيفة‬
‫فيها آيات ‪ ،‬ل مثل جزء ‪ ،‬فإنّه يعطى حكم كلّه ‪ .‬أ هـ ‪ ، .‬وقال البهوتيّ من الحنابلة ‪:‬‬
‫يحرم الدّخول بمصحف إل لحاجة وقال ‪ :‬ل شك في تحريمه قطعا ول يتوقف في هذا عاقل ‪.‬‬
‫وذهب الحنفية إلى أنّه إذا كان ملفوفا في شيء فل بأس كذلك ‪ ،‬والتحرّز أولى ‪.‬‬
‫وهذا قول المالكية أيضا ‪ ،‬كما تقدم نقله ‪ ،‬فل يحرم الدّخول بمصحف ‪ ،‬ول يكره الدّخول بما‬
‫فيه ذكر ال إل في غير حال ستره ‪ ،‬وفي اعتبار الجيب ساترا قولن ‪ ،‬وذلك لكونه ظرفا‬
‫متسعا ‪ ،‬لكن عند العدويّ ما يفيد أنّ حمل المصحف خاصةً في تلك الحال ممنوع ولو كان‬
‫مستورا ‪ ،‬وقد أطلق من سواهم القول ‪ ،‬ولم يفرّقوا بين المستور وغيره في الحكم ‪ ،‬فيما‬
‫اطلعنا عليه‪ ،‬بل صرح صاحب مجمع النهر بقوله ‪ :‬ل يدخل وفي كمّه مصحف إل إذا‬
‫اضطر ‪.‬‬
‫ولم يفرّق الحنفية والمالكية في معتمدهم والشافعية والحنابلة في قول بين أن يكون ما فيه‬
‫ذكر ال خاتما أو درهما أو دينارا أو غيره فرأوا الكراهة في ذلك ‪ ،‬وقد ذكر الشّيرازيّ من‬
‫الشافعية حديث أنس ‪ « :‬أنّ النّبي صلى ال عليه وسلم كان إذا دخل الخلء وضع خاتمه »‬
‫وقال ‪ :‬وإنّما وضعه لنّه كان عليه " محمد رسول ال صلى ال عليه وسلم " ‪.‬‬
‫وخالف في ذلك بعض التابعين فرأوا أن ل كراهة في ذلك ‪ ،‬نقله ابن المنذر عن جماعة‬
‫منهم‪ :‬ابن المسيّب والحسن وابن سيرين فيما حكاه النّوويّ في شأن الخاتم كما خالف فيه‬
‫أيضا مالك في رواية وابن القاسم من أتباعه ‪ ،‬والحنابلة في قول ‪.‬‬
‫أما الستنجاء وفي أصبعه خاتم منقوش عليه ذكر ال تعالى أو اسم ال تعالى أو اسم النبيّ‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقد ذهب الحنفية إلى أنّه يستحبّ أن يجعل الفص في كمّه إذا دخل‬
‫الخلء وأن يجعله في يمينه إذا استنجى ‪.‬‬
‫وللمالكية ثلثة أقوال ‪ :‬الجواز وهو الذي يفهم من كلم ابن القاسم وفعله ‪ ،‬والكراهة وهو‬
‫الذي يفهم من كلم مالك كما فهمه ابن رشد وهو المشهور ‪ ،‬والتحريم وهو الذي يفهم من‬
‫كلم التوضيح وابن عبد السلم ‪.‬‬
‫ن حمل ما عليه ذكر ال تعالى إلى الخلء مكروه تعظيما للذّكر واقتداءً‬
‫وذهب الشافعية إلى أ ّ‬
‫ي صلى ال عليه وسلم فإنّه كان إذا دخل الخلء نزع خاتمه ‪ ،‬وكان نقشه " محمد‬
‫بالنب ّ‬
‫رسول ال " قال السنويّ ‪ :‬ومحاسن كلم الشريعة يشعر بتحريم بقاء الخاتم الذي عليه‬
‫ذكر ال تعالى في اليسار حال الستنجاء وهو ظاهر إذا أفضى ذلك إلى تنجيسه ‪.‬‬
‫وقال المرداويّ من الحنابلة ‪ :‬حيث دخل الخلء بخاتم فيه ذكر ال تعالى جعل فصه في‬
‫باطن كفّه وإن كان في يساره أداره إلى يمينه لجل الستنجاء ‪.‬‬
‫ومن اضطر إلى دخول الخلء بما فيه ذكر ال جاز له إدخاله ‪ ،‬ولم يكره ‪ ،‬نص الحنفية‬
‫والمالكية والشافعية على أنّه ل يحرم ول يكره ‪ ،‬واكتفى الحنابلة بأن تتحقق الحاجة إليه ‪.‬‬
‫اجتناب حمل ما فيه اسم معظم غير اسم ال تعالى ‪:‬‬
‫‪ -‬قال ابن عابدين ولو نقش اسمه تعالى أو اسم نبيّه ‪ -‬أي على خاتمه ‪ -‬استحب أن‬ ‫‪30‬‬

‫يجعل الفص في كمّه إذا دخل الخلء وأن يجعله في يمينه إذا استنجى ‪.‬‬
‫وجاء في شرح البهجة وحاشيته من كتب الشافعية ‪ :‬يجتنب الداخل إلى الخلء حمل مكتوب‬
‫فيه اسم ال تعالى واسم النبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬قال ‪ :‬ولعل المراد السماء المختصة‬
‫ل دون ما ل يختصّ كعزيز وكريم ومحمد وأحمد ‪ ،‬إذا لم يكن ما‬
‫به تعالى وبرسوله مث ً‬
‫يشعر بأنّه المراد كقوله بعد محمد ‪ :‬صلى ال عليه وسلم نبه عليه النّوويّ في تنقيحه ‪،‬‬
‫ويجتنب كل اسم معظم كالملئكة وألحق الرمليّ في نهاية المحتاج أسماء النبياء وإن لم‬
‫يكن رسولً‪ ،‬وأسماء الملئكة ‪ ،‬ولكن وجدنا في بلغة السالك للمالكية ‪.‬‬
‫ي " ‪ ،‬وفي كشاف القناع للحنابلة ‪ :‬يتوجه أنّ اسم الرسول كذلك ‪.‬‬
‫ينحّي " اسم نب ّ‬
‫ما يقوله إذا أراد دخول الخلء ‪:‬‬
‫‪ -‬وردت أحاديث بأذكار معينة يقولها النسان إذا أراد دخول الخلء ‪ ،‬مضمونها تسمية‬ ‫‪31‬‬

‫ال تعالى والستعاذة به من الشياطين ‪ ،‬فاستحب الفقهاء قولها ‪:‬‬


‫منها ‪ « :‬اللهم إنّي أعوذ بك من الخبث والخبائث » وعلى هذا اقتصر الحنفية والمالكية‬
‫ي ‪ :‬الخبث بضمّ الباء جمع الخبيث ‪ ،‬والخبائث جمع الخبيثة ‪ ،‬يريد‬
‫والشافعية ‪ ،‬قال الخطاب ّ‬
‫ذكور الشياطين وأناثهم ‪.‬‬
‫وفي الحديث أيضا ‪ « :‬ستر ما بين أعين الجنّ وعورات بني آدم إذا دخل أحدهم الخلء أن‬
‫يقول ‪ :‬بسم ال » ‪.‬‬
‫ن النّبي قال ‪ « :‬ل يعجز أحدكم إذا دخل مرفقه أن يقول ‪:‬‬
‫ومنها ما نقله ابن قدامة أيضا ‪ ،‬أ ّ‬
‫اللهم إنّي أعوذ بك من الرّجس النّجس ‪ ،‬الخبيث المخبث ‪ ،‬الشيطان الرجيم » ‪.‬‬
‫هذا وقد نص الحنفية والشافعية على أنّه يقدّم البسملة على التعوّذ ‪ ،‬ويخالف هذا التعوّذ‬
‫في القراءة فإنّه يقدم على البسملة ‪.‬‬
‫ي من الشافعية على كراهية إكمال التسمية ‪ ،‬بل يكتفى ببسم ال ‪ ،‬ول يقول ‪:‬‬
‫ونص القليوب ّ‬
‫الرحمن الرحيم ‪ ،‬وقال النّوويّ ‪ :‬قال أصحابنا ‪ :‬هذا الذّكر مشترك بين البنيان والصحراء ‪.‬‬
‫وعند المالكية ‪ :‬يقول الذّكر الوارد قبل الوصول إلى محلّ الحدث ‪ ،‬سواء أكان الموضع معدّا‬
‫لقضاء الحاجة أم ل ‪ ،‬فإن فاته أن يقول ذلك قبل وصوله إلى المحلّ قاله بعد وصوله إن لم‬
‫ن الصمت مشروع حال الجلوس ‪ ،‬أما إن‬
‫يكن المحلّ معدّا لقضاء الحاجة وقبل جلوسه ‪ ،‬ل ّ‬
‫كان المحلّ معدّا لقضاء الحاجة فل يقول الذّكر فيه ويفوت بالدّخول ‪ ،‬وعند الشافعية يقوله‬
‫في نفسه ‪.‬‬
‫ووردت أحاديث بأذكار أخرى يقولها النسان إذا خرج من الخلء ‪ ،‬فرأى الفقهاء أنّ قولها‬
‫مستحبّ ‪ ،‬منها ما جاء في الفتاوى الهندية للحنفية ‪ ،‬يقول إذا خرج ‪ « :‬الحمد ل الذي‬
‫أخرج عنّي ما يؤذيني ‪ ،‬وأبقى في ما ينفعني » ‪.‬‬
‫وذكر المالكية والشافعية والحنابلة صيغا أخرى منها ‪ « :‬غفرانك » قال القليوبيّ ‪ :‬ويكرّرها‬
‫ثلثا ‪ ،‬ولم يذكر دليلً ‪.‬‬
‫ومنها ‪ « :‬الحمد ل الذي أذهب عنّي الذى وعافاني » ‪.‬‬
‫تقديم اليسرى على اليمنى في الدّخول ‪:‬‬
‫‪ -‬صرح جمهور الفقهاء بأنّه يقدّم رجله اليسرى في الدّخول ‪ ،‬واليمنى في الخروج ‪،‬‬ ‫‪32‬‬

‫ن ما كان من باب التشريف والتكريم يندب فيه‬


‫عكس المسجد فيهما ‪ ،‬لقاعدة الشرع ‪ :‬أ ّ‬
‫التيامن ‪ ،‬وما كان بضدّه يندب فيه التياسر ‪.‬‬

‫قضاء الحق *‬
‫انظر ‪ :‬أداء ‪.‬‬

‫قضاء الفوائت *‬
‫التعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬من معاني القضاء في اللّغة ‪ :‬الحكم والداء ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫واصطلحا ‪ :‬قال ابن عابدين ‪ :‬القضاء فعل الواجب بعد وقته ‪.‬‬
‫والفوائت في اللّغة جمع فائتة ‪ ،‬من فاته المر فوتا وفواتا ‪ :‬إذا مضى وقته ولم يفعل ‪.‬‬
‫ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن المعنى اللّغويّ ‪.‬‬
‫وقضاء الفوائت عند الفقهاء ‪ :‬قال الدردير ‪ :‬استدراك ما خرج وقته ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الداء ‪:‬‬
‫‪ -‬الداء لغةً ‪ :‬اليصال ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫وفي الصطلح قال الحصكفيّ ‪ :‬الداء فعل الواجب في وقته ‪.‬‬


‫والصّلة بين الداء وقضاء الفوائت هي أنّ كليهما من أقسام المأمور به ‪ ،‬ويختلف القضاء‬
‫ن الداء يختصّ بفعل العبادة في الوقت المحدد لها ‪ ،‬وأنّ القضاء يختصّ‬
‫عن الداء في أ ّ‬
‫بفعل العبادة في غير وقتها المحدد لها ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬العادة ‪:‬‬
‫‪ -‬العادة في اللّغة ‪ :‬ردّ الشيء ثانيا ‪ ،‬ومنه ‪ :‬إعادة الصلة ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫وأما في الصطلح ‪ :‬قال الحصكفيّ ‪ :‬العادة فعل مثل الواجب في وقته لخلل غير الفساد ‪.‬‬
‫والصّلة بين القضاء وبين العادة هي ‪ :‬أنّ القضاء لما لم يسبق فعله في وقته ‪ ،‬والعادة‬
‫لما سبق فعله في وقته بخلل ‪.‬‬
‫الحكم التكليفيّ ‪:‬‬
‫‪ -‬العبادات المحددة بوقت تفوت بخروج الوقت المحدد لها من غير أداءً ‪ ،‬وتتعلق بالذّمة‬ ‫‪4‬‬

‫)‪.‬‬ ‫‪7‬‬ ‫إلى أن تقضى ‪ ( .‬ر ‪ :‬أداء ف ‪/‬‬


‫والفقهاء متفقون على وجوب قضاء الفوائت المتعلّقة بالذّمة في الجملة ‪ ،‬قال السّيوطيّ ‪:‬‬
‫كلّ من وجب عليه شيء ففات لزمه قضاؤه استدراكا لمصلحته ‪.‬‬
‫وقال صاحب التلخيص ‪ :‬ك ّل عبادة واجبة إذا تركها المكلف لزمه القضاء أو الكفارة ‪ ،‬إل‬
‫واحدةً ‪ ،‬وهي الحرام لدخول مكة إذا أوجبناه فدخلها غير محرم ‪ ،‬ل يجب عليه القضاء في‬
‫ن دخوله ثانيا يقتضي إحراما آخر ‪ ،‬فهو واجب بأصل‬
‫أصحّ القولين ‪ ،‬لنّه ل يمكن ‪ ،‬ل ّ‬
‫الشرع ل بالقضاء ‪ ،‬نعم لو صار ممن ل يجب عليه الحرام كالحطاب قضى لتمكّنه ‪.‬‬
‫وجاء في الفتاوى الهندية ‪ :‬والقضاء فرض في الفرض ‪ ،‬وواجب في الواجب ‪ ،‬وسنّة في‬
‫السّنّة ‪.‬‬
‫أنواع العبادات من حيث تعلّق القضاء بها ‪:‬‬
‫‪ -‬العبادات منقسمة إلى ما يقضى في جميع الوقات ‪ ،‬وما ل يقضى إل في مثل وقته ‪،‬‬ ‫‪5‬‬

‫وإلى ما يقبل الداء والقضاء ‪ ،‬وما يتعذر وقت قضائه مع قبوله للتأخير ‪ ،‬وإلى ما يكون‬
‫قضاؤه متراخيا ‪ ،‬وما يجب قضاؤه على الفور ‪ ،‬وإلى ما يكون قضاؤه بمثل معقول وما‬
‫يكون قضاؤه بمثل غير معقول ‪.‬‬
‫فأما ما يقضى في جميع الوقات ‪ ،‬فكالضحايا والهدايا المنذورات ‪ ،‬وأما ما ل يقضى إل في‬
‫مثل وقته فهو كالحجّ ‪.‬‬
‫ن الصلوات المكتوبات هي‬
‫وأما ما يقبل الداء والقضاء فكالحجّ والصوم والصلة ‪ ،‬فإ ّ‬
‫ن الصّيام‬
‫مختصة الداء بالوقات المعروفة جائزة القضاء بعد خروج وقت الداء ‪ ،‬كما أ ّ‬
‫الواجب هو مخصوص بشهر رمضان قابل للقضاء ‪.‬‬
‫وأما ما يقبل الداء ول يقبل القضاء فكالجمعات ‪ ،‬فإنّها مختصة بوقت الظّهر ل تقبل‬
‫القضاء‪.‬‬
‫وأما ما ل يوصف بقضاء ول أدا ًء من النّوافل المبتدآت التي ل أسباب لها ‪ ،‬فكالصّيام ‪،‬‬
‫والصلة التي ل أسباب لها ول أوقات ‪ ،‬وكذا الجهاد ل يتصور قضاؤه ‪ ،‬لنّه ليس له وقت‬
‫مضروب ل يزيد ول ينقص ‪ ،‬والحكم والفتيا ل يوصفان بقضاء ول أداء ‪ ،‬والمر‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر ‪ ،‬وكذلك افتتاح الصلة ‪ ،‬والذكار المشروعات في غير‬
‫الصلة ‪.‬‬
‫وأما ما يتعذر وقت قضائه مع قبوله للتأخير ‪ ،‬فكصوم رمضان ‪ ،‬لكنّه مع ذلك ل يجوز‬
‫تأخيره إلى دخول رمضان ثان عند جمهور الفقهاء مع جواز قضائه مع قضاء رمضان‬
‫آخر‪ .‬وأما ما يكون قضاؤه متراخيا ‪ ،‬فكقضاء صوم رمضان عند الحنفية ‪ ،‬وصلة الناسي‬
‫والنائم عند الشافعية ‪.‬‬
‫وأما ما يجب قضاؤه على الفور ‪ ،‬فكالحجّ والعمرة إذا فسدا أو فاتا ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪86‬‬ ‫( وانظر ‪ :‬صوم ف ‪/‬‬
‫وأما ما يكون قضاؤه بمثل معقول ‪ ،‬فكقضاء الصوم بالصوم ‪ ،‬وأما ما يكون قضاؤه بمثل‬
‫غير معقول فمثل الفدية في الصوم ‪ ،‬وثواب النفقة في الحجّ بإحجاج النائب ‪ ،‬لنّا ل نعقل‬
‫المماثلة بين الصوم والفدية ‪ ،‬ل صور ًة ول معنىً ‪ ،‬فلم يكن مثلً قياسا ‪.‬‬
‫من يجب عليه القضاء ‪:‬‬
‫‪ -‬اتفق الفقهاء على وجوب قضاء الصلة الفائتة على الناسي والنائم ‪ ،‬كما يرى الفقهاء‬ ‫‪6‬‬

‫وجوب قضاء الفوائت على السكران بالمحرم ‪.‬‬


‫ول خلف بينهم في أنّه ل يجب قضاء الصلوات على الحائض والنّفساء والكافر الصليّ إذا‬
‫أسلم ‪.‬‬
‫‪ -7‬واختلفوا في وجوب القضاء على تارك الصلة عمدا ‪ ،‬والمرت ّد ‪ ،‬والمجنون بعد‬
‫الفاقة ‪ ،‬والمغمى عليه ‪ ،‬والصبيّ إذا بلغ في الوقت ‪ ،‬ومن أسلم في دار الحرب ‪ ،‬وفاقد‬
‫الطهورين ‪.‬‬
‫‪ -8‬فأما المتعمّد في الترك ‪ ،‬فيرى جمهور الفقهاء أنّه يلزمه قضاء الفوائت ‪ ،‬ومما يدلّ‬
‫ن النّبي صلى ال عليه وسلم‬
‫على وجوب القضاء حديث أبي هريرة رضي ال عنه ‪ « :‬أ ّ‬
‫أمر المجامع في نهار رمضان أن يصوم يوما مع الكفارة » أي بدل اليوم الذي أفسده‬
‫بالجماع عمدا ‪ ،‬ولنّه إذا وجب القضاء على التارك ناسيا فالعامد أولى ‪.‬‬
‫ويرى بعض الفقهاء عدم وجوب القضاء على المتعمّد في الترك ‪ ،‬قال عياض ‪ :‬ول يصحّ‬
‫عند أحد سوى داود وابن عبد الرحمن الشافعيّ ‪.‬‬
‫‪ -9‬وأما المرتدّ فيرى الحنفية والمالكية عدم وجوب قضاء الصلة التي تركها أثناء ردته ‪،‬‬
‫لنّه كان كافرا وإيمانه يجبّها ‪.‬‬
‫وذهب الشافعية إلى وجوب القضاء بعد إسلمه تغليظا عليه ‪ ،‬ولنّه التزمها بالسلم فل‬
‫ق الدميّ ‪.‬‬
‫تسقط عنه بالجحود كح ّ‬
‫وذكر أبو إسحاق بن شاقل عن أحمد في وجوب القضاء على المرتدّ روايتين ‪:‬‬
‫ي في هذه المسألة ‪ ،‬فعلى هذا ل يلزمه قضاء‬
‫إحداهما ‪ :‬ل يلزمه ‪ ،‬وهو ظاهر كلم الخرق ّ‬
‫ما ترك في حال كفره ‪ ،‬ول في حال إسلمه قبل ردته ‪ ،‬ولو كان قد حج لزمه استئنافه ‪،‬‬
‫لنّ عمله قد حبط بكفره ‪.‬‬
‫والثانية ‪ :‬يلزم قضاء ما ترك من العبادات في حال ردته وإسلمه قبل ردته ‪ ،‬ول يجب‬
‫ن العمل إنّما يحبط بالشراك مع الموت ‪.‬‬
‫عليه إعادة الحجّ ‪ ،‬ل ّ‬
‫وفي النصاف ‪ :‬وإن كان مرتدّا فالصحيح من المذهب أنّه يقضي ما تركه قبل ردته ‪ ،‬ول‬
‫يقضي ما فاته زمن ردته ‪.‬‬
‫‪ -‬وأما المجنون فل خلف بين الفقهاء في أنّه غير مكلف بأداء الصلة في حال جنونه‪.‬‬ ‫‪10‬‬

‫)‪.‬‬ ‫‪11‬‬ ‫( ر ‪ :‬جنون ف ‪/‬‬


‫وإنّما اختلفوا في وجوب القضاء عليه بعد الفاقة ‪:‬‬
‫فذهب الحنفية إلى أنّه ل قضاء على مجنون حالة جنونه لما فاته في حالة عقله ‪ ،‬كما ل‬
‫قضاء عليه في حالة عقله لما فاته حالة جنونه ‪ ،‬هذا إذا استمر جنونه أكثر من خمس‬
‫صلوات للحرج ‪ ،‬وإل وجب عليه القضاء ‪.‬‬
‫ويرى المالكية أنّه إن أفاق المجنون وقد بقي إلى غروب الشمس خمس ركعات في الحضر‬
‫وثلث في السفر ‪ ،‬وجبت عليه الظّهر والعصر ‪ ،‬وإن بقي أق ّل من ذلك إلى ركعة وجبت‬
‫العصر وحدها ‪ ،‬وإن بقي أق ّل من ركعة سقطت الصلتان ‪ ،‬وفي المغرب والعشاء إن بقي‬
‫إلى طلوع الفجر بعد ارتفاع الجنون خمس ركعات وجبت الصلتان ‪ ،‬وإن بقي ثلثا سقطت‬
‫المغرب ‪ ،‬وإن بقي أربع فقيل ‪ :‬تسقط المغرب ‪ ،‬لنّه أدرك قدر العشاء خاصةً ‪ ،‬وقيل ‪:‬‬
‫تجب الصلتان ‪ ،‬لنّه يصلّي المغرب كاملةً ويدرك العشاء بركعة ‪.‬‬
‫وذهب الشافعية إلى أنّه ل قضاء على ذي جنون غير متعدّ فيه ‪ ،‬ويسنّ له القضاء ‪ ،‬أما‬
‫المتعدّي فعليه قضاء ما فاته من الصلوات زمن ذلك لتعدّيه ‪.‬‬
‫وصرح الحنابلة بأنّ المجنون غير مكلف ‪ ،‬ول يلزمه قضاء ما ترك في حال جنونه ‪ ،‬إل أن‬
‫يفيق في وقت الصلة ‪ ،‬لنّ مدته تطول غالبا ‪ ،‬فوجوب القضاء عليه يشقّ ‪ ،‬فعفي عنه ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪11‬‬ ‫وللتفصيل في أثر الجنون في سقوط الصلة ( ر ‪ :‬جنون ف ‪/‬‬
‫‪ -‬وأما المغمى عليه ‪ ،‬فل يلزمه قضاء الصلة إل أن يفيق في جزء من وقتها ولم‬ ‫‪11‬‬

‫يؤدّها ‪ ،‬وهذا قول المالكية والشافعية ‪ ،‬وهو قول عند الحنابلة ‪.‬‬
‫ن المتعدّي بإغمائه يجب عليه القضاء ‪.‬‬
‫ونص الشافعية على أ ّ‬
‫ويرى الحنفية أنّه ليس على مغمًى عليه قضاء ما فاته في تلك الحالة إذا زادت الفوائت‬
‫على يوم وليلة ‪.‬‬
‫ن المغمى عليه حكمه حكم النائم ‪ ،‬ل يسقط‬
‫ويقول الحنابلة على الصحيح من المذهب ‪ :‬إ ّ‬
‫عنه قضاء شيء من الواجبات التي يجب قضاؤها على النائم كالصلة والصّيام ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪7‬‬ ‫وللتفصيل في أثر الغماء في الصلة والصّيام والحجّ والزكاة ( ر ‪ :‬إغماء ف ‪/‬‬
‫‪ -‬وأما الصبيّ ‪ ،‬فل تجب الصلة عليه عند جمهور الفقهاء ‪ ،‬ولكنّه يؤمر بها إذا بلغ‬ ‫‪12‬‬

‫سبع سنين ‪ ،‬ويضرب عليها لعشر سنين ‪ ،‬وصرح الشافعية بأنّ الصبي لو كان مميّزا‬
‫فتركها ثم بلغ أمر بالقضاء بعد البلوغ ندبا ‪ ،‬كما كان يستحبّ له أداؤها ‪.‬‬
‫وفي أوجه الوجهين عند الشافعية يضرب على القضاء ‪.‬‬
‫ي العاقل ‪.‬‬
‫وفي أصحّ الرّوايتين عند الحنابلة تجب الصلة على الصب ّ‬
‫وبناء على هذه الرّواية يلزم الصبي قضاء ما فاته من الصلوات ‪.‬‬
‫ن الصلة تجب على من بلغ عشرا ‪ ،‬وعنه تجب على المراهق ‪ ،‬وعنه تجب‬
‫وعن أحمد ‪ :‬إ ّ‬
‫على المميّز ‪.‬‬
‫وعلى قول الجمهور إذا بلغ في أثنائها أو بعدها في الوقت فعليه إعادتها ‪.‬‬
‫ي وظيفة الوقت ‪ ،‬ثم بلغ قبل خروج الوقت فيستحبّ له أن‬
‫وعند الشافعية إذا صلى الصب ّ‬
‫يعيدها ‪ ،‬ول تجب العادة على الصحيح ‪.‬‬
‫‪ -‬أما من أسلم في دار الحرب فترك صلوات أو صياما ل يعلم وجوبه ‪ ،‬لزمه قضاؤه‬ ‫‪13‬‬

‫عند الحنابلة ‪ ،‬وهو المفهوم من كلم الشافعية وإطلقات المالكية ‪.‬‬


‫ويرى الحنفية أنّه يعذر من أسلم بدار الحرب فلم يصم ولم يصلّ ولم يزكّ وهكذا ‪ ،‬لجهله‬
‫الشرائع ‪ ،‬جاء في الفتاوى الهندية ‪ :‬ل قضاء على مسلم أسلم في دار الحرب ولم يصلّ‬
‫مدةً لجهله بوجوبها ‪.‬‬
‫‪ -‬وأما فاقد الطهورين ‪ ،‬فقد قال المالكية ‪ :‬ل تجب الصلة على فاقد الطهورين أو‬ ‫‪14‬‬

‫القدرة على استعمالهما كالمكره والمربوط ‪ ،‬ول يقضيها على المشهور إن تمكن بعد خروج‬
‫الوقت ‪.‬‬
‫ويرى الشافعية أنّه يجب على فاقد الطهورين أن يصلّي الفرض فقط ‪.‬‬
‫وذهب الحنفية إلى أنّه يتشبه بالمصلّين احتراما للوقت ‪ ،‬فيركع ويسجد إن وجد مكانا‬
‫يابسا‪ ،‬وإل فيومئ قائما ‪ ،‬ويعيد الصلة بعد ذلك ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪2‬‬ ‫وللتفصيل ( ر ‪ :‬فقد الطهورين ف ‪/‬‬
‫وصرح المالكية والشافعية ومحمد من الحنفية بأنّ من زال عقله بسبب مباح يقاس على‬
‫المجنون ‪ ،‬فل يلزمه قضاء ما فاته من الصلوات ‪.‬‬
‫صفة قضاء الفوائت في السفر والحضر ‪:‬‬
‫ن الفائتة تقضى على الصّفة التي فاتت إل لعذر‬
‫‪ -‬ذهب الحنفية والمالكية والثوريّ إلى أ ّ‬ ‫‪15‬‬

‫ي أربعا ‪،‬‬
‫وضرورة ‪ ،‬فيقضي المسافر في السفر ما فاته في الحضر من الفرض الرّباع ّ‬
‫والمقيم في القامة ما فاته في السفر منها ركعتين ‪.‬‬
‫وقال الشافعية ‪ :‬المقضية إن فاتت في الحضر وقضاها في السفر لم يقصر خلفا للمزنيّ ‪،‬‬
‫وإن شك هل فاتت في السفر أو الحضر ؟ لم يقصر أيضا ‪ ،‬وإن فاتت في السفر فقضاها فيه‬
‫أو في الحضر فأربعة أقوال ‪:‬‬
‫أظهرها ‪ :‬إن قضى في السفر قصر وإل فل ‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬يتمّ فيهما ‪ ،‬والثالث ‪ :‬يقصر فيهما ‪ ،‬والرابع ‪ :‬إن قضى ذلك في السفر قصر ‪،‬‬
‫وإن قضى في الحضر أو سفر آخر أتم ‪.‬‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬إذا نسي صلة الحضر فذكرها في السفر فعليه التمام ‪ ،‬لنّ الصلة تعين‬
‫عليه فعلها أربعا ‪ ،‬فلم يجز له النّقصان من عددها كما لو سافر ‪ ،‬ولنّه إنّما يقضي ما‬
‫فاته ‪ ،‬وقد فاته أربع ‪.‬‬
‫وأما إن نسي صلة السفر فذكرها في الحضر فقال أحمد ‪ :‬عليه التمام احتياطا ‪ ،‬وبه قال‬
‫الوزاعيّ ‪.‬‬
‫وإن نسي صلة سفر وذكرها فيه قضاها مقصورةً ‪ ،‬لنّها وجبت في السفر وفعلت فيه ‪.‬‬
‫صفة القراءة في قضاء الفوائت ‪:‬‬
‫‪ -‬يرى الحنفية والمالكية والشافعية في القول المقابل للصحّ وأبو ثور وابن المنذر أنّ‬ ‫‪16‬‬

‫العتبار في صفة القراءة بوقت الفوائت ‪ ،‬ليكون القضاء على وفق الداء ‪ ،‬ول فرق عند‬
‫هؤلء بين المنفرد والمام ‪.‬‬
‫ويرى الشافعية على الصحّ العتبار بوقت القضاء ‪ ،‬ويقولون ‪ :‬إن قضى فائتة الليل بالليل‬
‫ل أو عكس ‪،‬‬
‫جهر ‪ ،‬وإن قضى فائتة النهار بالنهار أسر ‪ ،‬وإن قضى فائتة النهار لي ً‬
‫فالعتبار بوقت القضاء على الصحّ ‪.‬‬
‫قال النّوويّ ‪ :‬صلة الصّبح وإن كانت نهاريةً فهي في القضاء جهرية ‪ ،‬ولوقتها حكم الليل‬
‫في الجهر وإطلقهم محمول على هذا ‪.‬‬
‫وقال الحنابلة ‪ُ :‬يسِرّ في قضاء صلة جهر كعشاء أو صبح قضاها نهاراً ‪ ،‬ولو جماعةً‬
‫اعتبارا بزمن القضاء ‪ ،‬كصلة سرّ قضاها ولو ليلً اعتبارا بالمقضية ‪ ،‬ويجهر بالجهرية‬
‫كأوليي المغرب إذا قضاها ليلً في جماعة فقط ‪ ،‬اعتبارا بالقضاء وشَ َبهِها بالداء ‪ ،‬لكونها‬
‫في جماعة ‪ ،‬فإن قضاها منفردا أسرها ‪ ،‬لفوات شبهها بالداء ‪.‬‬
‫الترتيب بين الفوائت وفرض الوقت ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أنّ الترتيب بين الفوائت وبين فرض الوقت‬ ‫‪17‬‬

‫ي والليث وإسحاق ‪ ،‬وعن ابن‬


‫واجب ‪ ،‬وبه قال النّخعيّ والزّهريّ وربيعة ويحيى النصار ّ‬
‫ي صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬من‬
‫عمر رضي ال عنهما ما يد ّل عليه ‪ ،‬واستدلّوا بقول النب ّ‬
‫نسي صلةً أو نام عنها فكفارتها أن يصلّيها إذا ذكرها » ‪ ،‬وفي بعض الرّوايات ‪ « :‬من‬
‫نسي صلةً فوقتها إذا ذكرها » ‪ ،‬فقد جعل وقت التذكّر وقت الفائتة ‪ ،‬فكان أداء الوقتية قبل‬
‫قضاء الفائتة أداءً قبل وقتها ‪ ،‬فل يجوز وروي عن ابن عمر رضي ال عنهما عن النبيّ‬
‫صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬إذا نسي أحدكم صلته فلم يذكرها إل وهو مع المام فليصلّ‬
‫مع المام ‪ ،‬فإذا فرغ من صلته فليصلّ الصلة التي نسي ‪ ،‬ثم ليعد صلته التي صلى مع‬
‫المام » ‪ ،‬وروى أحمد « أنّه صلى ال عليه وسلم عام الحزاب صلى المغرب ‪ ،‬فلما فرغ‬
‫قال ‪ :‬هل علم أحد منكم أنّي صليت العصر ؟ قالوا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ما صليتها ‪ ،‬فأمر‬
‫المؤذّن فأقام الصلة فصلى العصر ‪ ،‬ثم أعاد المغرب » ‪ ،‬وقد قال ‪ « :‬صلّوا كما رأيتموني‬
‫أصلّي » وكالمجموعتين ‪.‬‬
‫ووجوب الترتيب بين الفائتة والوقتية عند الحنفية والمالكية يقتصر على ما إذا كانت‬
‫الفوائت يسيرةً ‪ ،‬فيجب تقديم يسير الفوائت على الحاضرة ‪ ،‬ويسير الفوائت عند الحنفية ما‬
‫ت صلوات ‪.‬‬
‫دون س ّ‬
‫وقال المالكية ‪ :‬يسير الفوائت خمس فأقلّ ‪ ،‬وقيل ‪ :‬أربع فأقلّ ‪ ،‬فالربع يسير اتّفاقا ‪،‬‬
‫والسّتة كثير اتّفاقا ‪ ،‬والخلف في الخمس ‪.‬‬
‫وصرح المالكية على المشهور بأنّ الترتيب في هذه الحالة واجب وجوبا غير شرط ‪ ،‬وأما‬
‫الترتيب بين مشتركتي الوقت فواجب وجوب شرط ‪.‬‬
‫وذهب الشافعية والمالكية في قول إلى أنّ الترتيب في قضاء الصلوات بين فريضة الوقت‬
‫والمقضية مستحبّ ‪ ،‬فإن دخل وقت فريضة وتذكر فائتةً ‪ ،‬فإن اتسع وقت الحاضرة استحب‬
‫البدء بالفائتة ‪ ،‬وإن ضاق وجب تقديم الحاضرة ‪ ،‬ولو تذكر الفائتة بعد شروعه في‬
‫الحاضرة أتمها ‪ ،‬ضاق الوقت أم اتسع ‪ ،‬ثم يقضي الفائتة ‪ ،‬ويستحبّ أن يعيد الحاضرة‬
‫بعدها ‪.‬‬
‫الترتيب بين الفوائت نفسها ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب المالكية والحنابلة إلى أنّ ترتيب الفوائت في أنفسها واجب ‪ ،‬قلت أو كثرت ‪،‬‬ ‫‪18‬‬

‫فيقدم الظّهر على العصر ‪ ،‬وهي على المغرب ‪ ،‬وهكذا وجوبا ‪.‬‬
‫ي ‪ ،‬فمن أخل‬
‫وترتيب الفوائت في أنفسها واجب غير شرط على المشهور من المذهب المالك ّ‬
‫بهذا الترتيب ونكس صحت صلته ‪ ،‬وأثم إن تعمد ‪ ،‬ول يعيد المنكّس ‪ ،‬وقيل ‪ :‬إنّه واجب‬
‫شرطا ‪ ،‬وهو مذهب الحنابلة إذ قالوا ‪ :‬لنّه ترتيب واجب في الصلة ‪ ،‬فكان شرطا‬
‫لصحتها‪ ،‬فمن أخل بهذا الترتيب لم تصح صلته ‪.‬‬
‫والحنفية يقولون بوجوب الترتيب بين الفوائت نفسها ‪ ،‬إل أن تزيد الفوائت على ستّ‬
‫صلوات ‪ ،‬فيسقط الترتيب فيما بين الفوائت نفسها كما يسقط بينها وبين الوقتية ‪ ،‬وحدّ‬
‫الكثرة عندهم أن تصير الفوائت ستّا ‪.‬‬
‫بخروج وقت الصلة السادسة المستلزمة لدخول وقت السابعة في الغلب ‪ ،‬وعن محمد أنّه‬
‫ن الكثرة بالدّخول‬
‫ي ‪ :‬والول هو الصحيح ‪ ،‬ل ّ‬
‫اعتبر دخول وقت السادسة ‪ ،‬قال المرغينان ّ‬
‫في حدّ التكرار ‪ ،‬وذلك في الول ‪ ،‬فإذا دخل وقت السابعة سقط الترتيب عند أبي حنيفة‬
‫وأبي يوسف ‪ ،‬وعند محمد إذا دخل وقت السادسة ‪.‬‬
‫ويرى الشافعية أنّه يستحبّ الترتيب بين الفوائت ول يجب ‪.‬‬
‫فورية قضاء الفوائت ‪:‬‬
‫ي صلى ال عليه‬
‫‪ -‬صرح المالكية والحنابلة بوجوب فورية قضاء الفوائت ‪ ،‬لقول النب ّ‬ ‫‪19‬‬

‫وسلم ‪ « :‬فليصلّها إذا ذكرها » فأمر بالصلة عند الذّكر ‪ ،‬والمر للوجوب ‪ ،‬والمراد‬
‫بالفور الفور العادي ‪ ،‬بحيث ل يع ّد مفرّطا ‪ ،‬ل الحال الحقيقيّ ‪ ،‬وقيد الحنابلة الفورية بما‬
‫إذا لم يتضرر في بدنه أو في معيشة يحتاجها ‪ ،‬فإن تضرر بسبب ذلك سقطت الفورية ‪.‬‬
‫وأما الشافعية ‪ ،‬فقال النّوويّ ‪ :‬من لزمه صلة ففاتته لزمه قضاؤها ‪ ،‬سواء فاتت بعذر أو‬
‫بغيره ‪ ،‬فإن كان فواتها بعذر كان قضاؤها على التراخي ‪ ،‬ويستحبّ أن يقضيها على الفور‬
‫‪ .‬قال صاحب التهذيب ‪ :‬وقيل ‪ :‬يجب قضاؤها حين ذكر ‪ ،‬لحديث أنس رضي ال عنه عن‬
‫النبيّ صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬من نسي صلةً فليصلّ إذا ذكرها » ‪ ،‬والذي قطع به‬
‫الصحاب أنّه يجوز تأخيرها ‪ ،‬لحديث عمران بن حصين رضي ال عنه قال ‪ « :‬كنّا في‬
‫ي صلى ال عليه وسلم وإنّا أسرينا ‪ ،‬حتى إذا كنّا في آخر الليل وقعنا وقعةً ول‬
‫سفر مع النب ّ‬
‫وقعة أحلى عند المسافر منها ‪ ،‬فما أيقظنا إل ح ّر الشمس ‪ . . ،‬فلما استيقظ النبيّ صلى ال‬
‫عليه وسلم شكوا إليه الذي أصابهم قال ‪ :‬ل ضير ‪ -‬أو ل يضير ‪ -‬ارتحلوا فارتحل فسار‬
‫غير بعيد ‪ ،‬ثم نزل ‪ ،‬فدعا بالوضوء فتوضأ ‪ ،‬ونودي بالصلة ‪ ،‬فصلى بالناس » وهذا هو‬
‫المذهب ‪.‬‬
‫وإن فوتها بل عذر فوجهان ‪:‬‬
‫أصحّهما عند العراقيّين ‪ :‬أنّه يستحبّ القضاء على الفور ‪ ،‬ويجوز التأخير ‪ ،‬كما لو فاتت‬
‫بعذر ‪ ،‬وأصحّهما عند الخراسانيّين ‪ :‬أنّه يجب القضاء على الفور ‪ ،‬وبه قطع جماعات منهم‬
‫أو أكثرهم ‪ ،‬ونقل إمام الحرمين اتّفاق الصحاب عليه ‪ ،‬وهذا هو الصحيح ‪ ،‬لنّه مفرّط‬
‫بتركها ‪ ،‬ولنّه يقتل بترك الصلة التي فاتت ‪ ،‬ولو كان القضاء على التراخي لم يقتل ‪.‬‬
‫ويرى الحنفية على الصحيح جواز التأخير والبدار في قضاء الصوم والصلة ‪.‬‬
‫سقوط الترتيب ‪:‬‬
‫يسقط الترتيب للسباب التية ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬ضيق الوقت ‪:‬‬
‫‪ -‬يرى الحنفية والحنابلة في المذهب ‪ ،‬وسعيد بن المسيّب والحسن والوزاعيّ‬ ‫‪20‬‬

‫والثوريّ وإسحاق ‪ ،‬أنّه يسقط الترتيب بضيق وقت الحاضرة ‪ ،‬لنّ فرض الوقت آكد من‬
‫فرض الترتيب ‪.‬‬
‫واختلف الحنفية فيما بينهم في المراد بالوقت الذي يسقط الترتيب بضيقه ‪.‬‬
‫قال الطحاويّ ‪ :‬على قياس قول أبي حنيفة وأبي يوسف العبرة لصل الوقت ‪ ،‬وعلى قياس‬
‫قول محمد العبرة للوقت ‪ ،‬المستحبّ ‪ ،‬بيانه ‪ :‬أنّه إذا شرع في صلة العصر وهو ناس‬
‫للظّهر ‪ ،‬ثم تذكر الظّهر في وقت لو اشتغل بالظّهر يقع العصر في وقت مكروه ‪ ،‬فعلى قول‬
‫الشيخين يقطع العصر ويصلّي الظّهر ‪ ،‬وعلى قول محمد ‪ :‬يمضي في العصر ‪ ،‬ثم يصلّي‬
‫الظّهر بعد غروب الشمس ‪.‬‬
‫وذهب المالكية إلى أنّه يجب مع ذكر ‪ -‬ل شرطا ‪ -‬ترتيب يسير الفوائت أصلً أو بقا ًء إذا‬
‫اجتمع مع الحاضرة ‪ ،‬فيقدم عليها وإن خرج وقتها ‪ ،‬وتندب عندهم البداءة بالحاضرة مع‬
‫الفوائت الكثيرة إن لم يخف فوات الوقت ‪ ،‬وإل وجب ‪.‬‬
‫وقال أحمد في رواية عنه ‪ :‬الترتيب واجب مع سعة الوقت وضيقه ‪ ،‬وهذه الرّواية اختارها‬
‫الخلل وصاحبه ‪ ،‬وهو مذهب عطاء والزّهريّ والليث ‪.‬‬
‫وفي رواية ثانية عن أحمد ‪ :‬إن كان وقت الحاضرة يتسع لقضاء الفوائت وجب الترتيب ‪،‬‬
‫وإن كان ل يتسع سقط الترتيب في أول وقتها ‪.‬‬
‫وأما الشافعية فل يجب الترتيب عندهم أصلً ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬النّسيان ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنفية والحنابلة في المذهب إلى أنّه يسقط وجوب الترتيب بالنّسيان ‪ ،‬لعموم‬ ‫‪21‬‬

‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬إنّ ال وضع عن أمتي الخطأ والنّسيان وما استكرهوا‬
‫عليه» ‪ ،‬ولنّ المنسية ليست عليها أمارة تدعو لتذكّرها فجاز أن يؤثّر فيها النّسيان ‪،‬‬
‫كالصّيام ‪ .‬ويرى المالكية أنّه يجب مع الذّكر ابتداءً وفي الثناء على المعروف ترتيب‬
‫الحاضرتين ‪ ،‬كالظّهر والعصر ‪ ،‬أو المغرب والعشاء ‪ ،‬فيقدم كالظّهر على العصر ‪،‬‬
‫والمغرب على العشاء‪ ،‬فلو بدأ بالخيرة ناسيا للولى أعاد الخيرة ما دام الوقت ‪ ،‬بعد أن‬
‫يصلّي الولى ‪.‬‬
‫وقال ابن قدامة بعد أن نسب إلى مالك القول بوجوب الترتيب مع النّسيان ‪ :‬ولعل من يذهب‬
‫إلى ذلك يحتجّ بحديث أبي جمعة ‪ ،‬وبالقياس على المجموعتين ‪.‬‬
‫وحكى ابن عقيل عن المام أحمد أنّه قال ‪ :‬ل يسقط الترتيب بالنّسيان ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬الجهل ‪:‬‬
‫‪ -‬يرى الحنفية والحنابلة في قول ‪ ،‬وهو اختيار المديّ ‪ :‬أنّ من جهل فرضية الترتيب‬ ‫‪22‬‬

‫ل يفترض عليه ‪ ،‬كالناسي ‪.‬‬


‫وذهب الحنابلة في المذهب إلى أنّه ل يعذر في ترك الترتيب بالجهل بوجوبه ‪ ،‬لنّ الجهل‬
‫بأحكام الشرع مع التمكّن من العلم ل يسقط أحكامها ‪ ،‬كالجهل بتحريم الكل في الصوم ‪،‬‬
‫ل بالحكم ‪ ،‬فإنّه‬
‫وهذا رأي المالكية فيمن جهل وجوب ترتيب الحاضرتين فبدأ بالخيرة جه ً‬
‫يعيد الخيرة أبدا بعد أن يصلّي الولى ‪.‬‬
‫د ‪ -‬كثرة الفوائت ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنابلة والمالكية في قول إلى أنّ الترتيب واجب في قضاء الفوائت وإن كثرت‪.‬‬ ‫‪23‬‬

‫ن اشتراط الترتيب‬
‫ويرى الحنفية أنّه يسقط الترتيب بكثرة الفوائت الحقيقية أو الحكمية ‪ ،‬ل ّ‬
‫إذ ذاك ربما يفضي إلى تفويت الوقتية ‪ ،‬وهو حرام ‪ ،‬والمعتبر خروج وقت السادسة في‬
‫الصحيح ‪ ،‬لنّ الكثرة بالدّخول في ح ّد التكرار ‪ ،‬وروي بدخول وقت السادسة ‪.‬‬
‫وصرح الحنفية بأنّه كما سقط الترتيب فيما بين الكثيرة والحاضرة سقط فيما بين أنفسها‬
‫على الصحّ ‪.‬‬
‫ول يعود الترتيب بين الفوائت التي كانت كثير ًة بعودها إلى القليلة بقضاء بعضها ‪ ،‬لنّ‬
‫الساقط ل يعود في أصحّ الرّوايتين عند الحنفية وعليه الفتوى ‪.‬‬
‫وقال بعضهم ‪ :‬يعود الترتيب ‪ ،‬وصحح هذا القول الصدر الشهيد ‪ ،‬وفي الهداية ‪ :‬هو‬
‫ن علة السّقوط الكثرة وقد زالت ‪.‬‬
‫الظهر‪ ،‬ل ّ‬
‫ول يعود الترتيب أيضا بفوت صلة حديثة بعد نسيان ستّ قديمة ‪ ،‬فتجوز الوقتية مع تذكّر‬
‫الحديثة لكثرة الفوائت على الصحّ عند الحنفية ‪ ،‬وعليه الفتوى عندهم ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬ل تجوز الوقتية ‪ ،‬ويجعل الماضي كأن لم يكن زجرا له ‪ ،‬وصححه في معراج‬
‫الدّراية‪ ،‬وفي المحيط ‪ :‬وعليه الفتوى ‪.‬‬
‫ويقول المالكية على المذهب بوجوب ترتيب الفوائت قلت أو كثرت ترتيبا غير شرط ‪ ،‬فيقدّم‬
‫الظّهر على العصر ‪ ،‬وهي على المغرب وهكذا ‪ ،‬وجوبا ‪ ،‬فإن نكس صحت ‪ ،‬وأثم إن تعمد‬
‫ول يعيد المنكس ‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬فوات الجماعة ‪:‬‬
‫‪ -‬يرى الحنفية أنّ من شرع في قضاء فائتة وأقيمت الحاضرة في المسجد فإنّه ل‬ ‫‪24‬‬

‫يقطع‪ ،‬أما إذا أقيمت الجماعة في ذلك الفرض بعينه فإنّه يقطع ويقتدي ‪.‬‬
‫وذهب المالكية إلى أنّه إن أقيمت صلة لراتب بمسجد والمصلّي في فريضة غير المقامة ‪،‬‬
‫قطع صلته ودخل مع المام إن خشي بإتمامها فوات ركعة ‪ ،‬وإن لم يخش فوات ركعة مع‬
‫المام أتم صلته ‪.‬‬
‫وصرح الشافعية بأنّه ل يجوز قلب الفائتة نفلً ليصلّيها جماعةً في فائتة أخرى أو حاضرة ‪،‬‬
‫إذ ل تشرع فيها الجماعة حينئذ خروجا من خلف العلماء ‪ ،‬فإن كانت الجماعة في تلك‬
‫الفائتة بعينها جاز ذلك ‪ ،‬لكنّه ل يندب ‪.‬‬
‫وللحنابلة فيمن عليه فائتة وخشي فوات الجماعة روايتان ‪ :‬إحداهما ‪ :‬يسقط الترتيب ‪ ،‬لنّه‬
‫اجتمع واجبان ‪ :‬الترتيب والجماعة ‪ ،‬ول بد من تفويت أحدهما ‪ ،‬فكان مخيرا فيهما ‪.‬‬
‫والثانية ‪ :‬ل يسقط الترتيب ‪ ،‬لنّه آكد من الجماعة ‪ ،‬بدليل اشتراطه لصحة الصلة بخلف‬
‫الجماعة ‪ ،‬وهذا ظاهر المذهب ‪.‬‬
‫قضاء صلوات العمر ‪:‬‬
‫‪ -‬قال أبو نصر الحنفيّ فيمن يقضي صلوات عمره من غير أن يكون فاته شيء ‪ ،‬يريد‬ ‫‪25‬‬

‫الحتياط ‪ ،‬فإن كان لجل النّقصان والكراهة فحسن ‪ ،‬وإن لم يكن لذلك لم يفعل ‪ ،‬وجاء في‬
‫المضمرات ‪ :‬والصحيح أنّه يجوز إل بعد صلة الفجر والعصر وقد فعل ذلك كثير من السلف‬
‫لشبهة الفساد ‪.‬‬
‫وقال الحطاب ‪ :‬الشكّ الذي ل يستند لعلمة لغو ‪ ،‬لنّه وسوسة ‪ ،‬فل قضاء إل لشكّ عليه‬
‫دليل ‪ ،‬وقد أولع كثير من المنتمين للصلح بقضاء الفوائت لعدم تحقّق الفوات أو ظنّه أو‬
‫شكّ فيه ‪ ،‬ويسمّونه صلة العمر ‪ ،‬ويرونها كمالً ‪ ،‬ويريد بعضهم بذلك أنّه ل يصلّي نافلةً‬
‫أصلً ‪ ،‬بل يجعل في محلّ كلّ نافلة فائتةً لما عسى أن يكون من نقص أو تقصير أو جهل ‪،‬‬
‫وذلك بعيد عن حال السلف ‪ ،‬وفيه هجران المندوبات وتعلّق بما ل أجر له ‪ ،‬وقد سمعت‬
‫شيخنا أبا عبد ال محمد بن يوسف السنوسي ثم التّلمساني يذكر أنّ النهي عن ذلك‬
‫ي في الذخيرة ولم أقف عليه ‪ ،‬نعم ‪ ،‬رأيت‬
‫منصوص فحنقته عليه ‪ ،‬فقال ‪ :‬نص عليه القراف ّ‬
‫لسيّدي أبي عبد ال البلليّ في اختصار الحياء عكسه ‪.‬‬
‫قضاء السّنن ‪:‬‬
‫‪ -‬يرى الحنفية والمالكية على المشهور ‪ ،‬والحنابلة في قول ‪ :‬أنّ السّنن ‪ -‬عدا سنّة‬ ‫‪26‬‬

‫الفجر ‪ -‬ل تقضى بعد الوقت ‪ .‬ثم اختلف الحنفية في قضاء هذه السّنن تبعا للفرض ‪ ،‬فقال‬
‫بعضهم ‪ :‬يقضيها تبعا ‪ ،‬لنّه كم من شيء يثبت ضمنا ول يثبت ‪ .‬قصدا ‪.‬‬
‫وقال بعضهم ‪ :‬ل يقضيها تبعا كما ل يقضيها مقصودةً ‪ ،‬قال العينيّ ‪ :‬وهو الصحّ ‪،‬‬
‫لختصاص القضاء بالواجب ‪ ،‬وفي مختصر البحر ‪ :‬ما سوى ركعتي الفجر من السّنن إذا‬
‫فاتت مع الفرض يقضي عند العراقيّين كالذان والقامة ‪ ،‬وعند الخراسانيّين ل يقضى ‪.‬‬
‫وأما سنّة الفجر فإنّها تقضى تبعا للفرض إلى وقت الزوال عند أبي حنيفة وأبي يوسف ‪،‬‬
‫سواء كان قضى الفرض بالجماعة ‪ ،‬أو قضاه وحده ‪ ،‬وقال محمد ‪ :‬تقضى منفردةً بعد‬
‫الشمس قبل الزوال ‪ ،‬فل قضاء لسنّة الفجر منفرد ًة قبل الشمس ول بعد الزوال باتّفاق‬
‫الحنفية ‪ ،‬وسواء صلى منفردا أو بجماعة ‪.‬‬
‫ثم اختلف مشايخ ما وراء النّهر في قضاء سنّة الفجر تبعا للفرض فيما بعد الزوال ‪ ،‬فقال‬
‫بعضهم ‪ :‬تقضى تبعا ‪ ،‬وقال بعضهم ‪ :‬ل تقضى تبعا ول مقصودةً ‪.‬‬
‫وصرح المالكية بأنّه ل يقضى نفل خرج وقته سوى سنّة الفجر فإنّها تقضى بعد حلّ النافلة‬
‫للزوال سواء كان معها الصّبح أو ل ‪.‬‬
‫ويرى الشافعية أنّ النّوافل غير المؤقتة كصلة الكسوفين والستسقاء وتحية المسجد ل‬
‫مدخل للقضاء فيها ‪ ،‬وأما النّوافل المؤقتة كالعيد والضّحى ‪ ،‬والرواتب التابعة للفرائض ‪،‬‬
‫ففي قضائها عندهم أقوال ‪ :‬أظهرها ‪ :‬أنّها تقضى ‪ ،‬والثاني ‪ :‬ل ‪ ،‬والثالث ‪ :‬ما استقل‬
‫كالعيد والضّحى قضي ‪ ،‬وما كان تبعا كالرواتب فل ‪.‬‬
‫وعلى القول بأنّها تقضى ‪ ،‬فالمشهور ‪ :‬أنّها تقضى أبدا ‪ ،‬والثاني ‪ :‬تقضى صلة النهار ما‬
‫لم تغرب شمسه ‪ ،‬وفائت الليل ما لم يطلع فجره فيقضي ركعتي الفجر ما دام النهار باقيا ‪،‬‬
‫والثالث ‪ :‬يقضي كل تابع ما لم يصلّ فريضةً مستقبلةً ‪ ،‬فيقضي الوتر ما لم يصلّ الصّبح ‪،‬‬
‫ويقضي سنّة الصّبح ما لم يص ّل الظّهر ‪ ،‬والباقي على هذا المثال ‪ ،‬وقيل ‪ :‬على هذا‬
‫العتبار بدخول وقت المستقبلة ‪ ،‬ل بفعلها ‪.‬‬
‫ن له قضاؤها ‪ ،‬وعن‬
‫ويرى الحنابلة على المذهب أنّ من فاته شيء من السّنن الرواتب س ّ‬
‫أحمد ‪ :‬ل يستحبّ قضاؤها ‪ ،‬وعنه ‪ :‬يقضي سنّة الفجر إلى الضّحى ‪ ،‬وقيل ‪ :‬ل يقضي إل‬
‫سنّة الفجر إلى وقت الضّحى وركعتي الظّهر ‪.‬‬
‫وصرح الحنفية بأنّه يلزم التطوّع بالشّروع مضيّا وقضاءً ‪ ،‬بمعنى أنّه يلزمه المضيّ فيه‬
‫حتى إذا أفسده لزم قضاؤه ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪18‬‬ ‫‪ ،‬وتطوّع ف ‪/‬‬ ‫‪20/‬‬ ‫‪ ،‬وأداء ف‬ ‫‪9‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪7‬‬ ‫وللتفصيل ( ر ‪ :‬نفل ‪ ،‬وصلة العيدين ف ‪/‬‬
‫الذان والقامة للفوائت ‪:‬‬
‫ن له أن يؤذّن للولى ‪ ،‬ثم يقيم لكلّ‬
‫ن من فاتته صلوات س ّ‬
‫‪ -‬يرى جمهور الفقهاء أ ّ‬ ‫‪27‬‬

‫صلة إقامةً ‪.‬‬


‫وأضاف الحنفية والشافعية إلى أنّ ذلك يكون إن والى بين الفوائت ‪ ،‬فإن لم يوال بينها أذن‬
‫وأقام لكلّ ‪.‬‬
‫وصرح الحنفية بأنّ الكمل فعلهما في ك ّل منها ‪ ،‬كما فعله النبيّ صلى ال عليه وسلم «‬
‫حين شغله الكفار يوم الحزاب عن أربع صلوات ‪ :‬الظّهر والعصر والمغرب والعشاء ‪،‬‬
‫ن»‪.‬‬
‫فقضاهنّ مرتبًا على الولء ‪ ،‬وأمر بللً أن يؤذّن ويقيم لكلّ واحدة منه ّ‬
‫وذهب المالكية إلى كراهية الذان لفائتة ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪44‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪43‬‬ ‫وللتفصيل في المسائل المتعلّقة بالذان للفوائت ( ر ‪ :‬أذان ف ‪/‬‬
‫قضاء الفوائت في جماعة ‪:‬‬
‫‪ -‬يرى جمهور الفقهاء جواز الجماعة في قضاء الفوائت ‪ ،‬وصرح المالكية والشافعية‬ ‫‪28‬‬

‫والحنابلة بسنّية الجماعة في المقضية ‪ ،‬وقيد الشافعية السّنّية بكونها في المقضية التي‬
‫ن النّبي‬
‫يتفق المام والمأموم فيها ‪ ،‬بأن يكون قد فاتهما ظهر أو عصر مثلً ‪ ،‬واستدلّوا بأ ّ‬
‫صلى ال عليه وسلم يوم الخندق " فاته أربع صلوات فقضاهنّ في جماعة " ‪ ،‬وقد روى‬
‫عمران بن حصين رضي ال عنه قال ‪ « :‬سرينا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم فلما‬
‫كان في آخر الليل عرسنا ‪ -‬أي نزل بنا للستراحة ‪ -‬فلم نستيقظ حتى ح ّر الشمس فجعل‬
‫ي صلى ال عليه وسلم ‪ :‬أن يسكنوا ‪ ،‬ثم‬
‫الرجل منّا يقوم دهشا إلى طهوره ‪ ،‬فأمرهم النب ّ‬
‫ارتحلنا فسرنا حتى إذا ارتفعت الشمس ‪ ،‬توضأ ثم أمر بللً فأذن ثم صلى الركعتين قبل‬
‫الفجر ثم أقام فصلينا ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أل نعيدها في وقتها في الغد لوقتها ؟ قال ‪:‬‬
‫أينهاكم ربّكم تبارك وتعالى عن الرّبا ويقبله منكم ؟ » ‪.‬‬
‫وقيد الشافعية السّنّية بكونها في المقضية التي يتفق المام والمأموم فيها بأن يكون قد‬
‫فاتهما ظهر أو عصر مثلً ‪.‬‬
‫وحكي عن الليث بن سعد منع قضاء الفوائت في جماعة ‪.‬‬
‫وللفقهاء خلف وتفصيل في القضاء خلف الداء ‪ ،‬والداء خلف القضاء ‪ ،‬وقضاء صلة‬
‫)‪.‬‬ ‫‪35‬‬ ‫خلف من يقضي غيرها ‪ ،‬ينظر في ( اقتداء ف ‪/‬‬
‫قضاء الفوائت في أوقات النهي ‪:‬‬
‫ي والحكم وحماد والوزاعيّ‬
‫‪ -‬ذهب المالكية والشافعية والحنابلة ‪ ،‬وأبو العالية والشعب ّ‬ ‫‪29‬‬

‫وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر إلى أنّه يجوز قضاء الفرائض الفائتة في جميع أوقات النهي‬
‫وغيرها ‪.‬‬
‫ي صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬من نسي صل ًة أو نام عنها فكفارتها أن‬
‫واستدلّوا بقول النب ّ‬
‫يصلّيها إذا ذكرها » ‪ ،‬وبحديث أبي قتادة رضي ال عنه ‪ « :‬إنّما التفريط على من لم يصلّ‬
‫الصلة حتى يجيء وقت الصلة الخرى ‪ ،‬فمن فعل ذلك فليصلّها حين ينتبه لها » ‪.‬‬
‫ويرى الحنفية عدم جواز قضاء الفوائت وقت طلوع الشمس ‪ ،‬ووقت الزوال ‪ ،‬ووقت‬
‫ن النّبي صلى ال عليه وسلم‬
‫الغروب ‪ ،‬لعموم النهي ‪ ،‬وهو متناول للفرائض وغيرها ‪ ،‬ول ّ‬
‫« لما نام عن صلة الفجر حتى طلعت الشمس أخرها حتى ابيضت الشمس » ولنّها‬
‫صلة ‪ ،‬فلم تجز في هذه الوقات كالنّوافل ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪24‬‬ ‫وللتفصيل ( ر ‪ :‬أوقات الصلة ف ‪/‬‬
‫قضاء الزكاة ‪:‬‬
‫‪ -‬من ترك الزكاة التي وجبت عليه وهو متمكّن من إخراجها حتى مات ولم يوص‬ ‫‪30‬‬

‫)‪.‬‬ ‫‪126‬‬ ‫بإخراجها أثم إجماعا ‪ ( .‬ر ‪ :‬زكاة ف ‪/‬‬


‫ن من وجبت عليه الزكاة وتمكن من أدائها فلم يفعل حتى مات‬
‫ثم ذهب جمهور الفقهاء إلى أ ّ‬
‫وجب قضاء ذلك من تركته ‪ ،‬لنّه متى لزم في حال الحياة لم يسقط بالموت ‪ ،‬كدين الدميّ‬
‫‪ .‬وللمالكية تفصيل قال الدّسوقيّ ‪ :‬زكاة العين في عام الموت لها أحوال أربعة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬إن اعترف بحلولها وبقائها في ذمته ‪ ،‬وأوصى بإخراجها ‪ ،‬فمن رأس المال جبرا على‬
‫الورثة ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬وإن اعترف بحلولها ولم يعترف ببقائها ولم يوص بإخراجها ‪ ،‬فل يجبرون على‬
‫إخراجها ‪ ،‬ل من الثّلث ول من رأس المال ‪ ،‬وإنّما يؤمرون من غير جبر ‪ ،‬إل أن يتحقق‬
‫الورثة عدم إخراجها فتخرج من رأس المال جبرا ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬وإن لم يعترف ببقائها وأوصى بإخراجها ‪ ،‬أخرجت من الثّلث جبرا ‪.‬‬
‫د ‪ -‬وإن اعترف ببقائها ولم يوص بإخراجها ‪ ،‬لم يقض عليهم بإخراجها ‪ ،‬وإنّما يؤمرون‬
‫بغير جبر ‪ ،‬لحتمال أن يكون أخرجها ‪ ،‬فإن علموا عدم إخراجها أجبروا عليها من رأس‬
‫المال ‪.‬‬
‫ويرى الحنفية وابن سيرين والشعبيّ والنّخعيّ وحماد بن سليمان وحميد الطويل والمثنّى‬
‫والثوريّ أنّ الزكاة تسقط بموت ربّ المال ‪ ،‬ول تؤخذ من تركته بغير وصية ‪ ،‬لفقد شرطها‬
‫وهو النّية ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪126‬‬ ‫والتفصيل في مصطلح ( زكاة ف ‪/‬‬
‫قضاء زكاة الفطر ‪:‬‬
‫‪ -‬يرى المالكية والشافعية والحنابلة أنّ من أخر زكاة الفطر عن يوم العيد مع القدرة‬ ‫‪31‬‬

‫على إخراجها أثم ‪ ،‬ولزمه القضاء ‪.‬‬


‫وصرح الحنفية بكراهة التأخير ‪ ،‬إل أنّ وقت أداء زكاة الفطر عندهم موسع ل يضيق إل في‬
‫آخر العمر ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪9‬‬ ‫وللتفصيل في سبب وجوب زكاة الفطر ووقت وجوب أدائها ( ر ‪ :‬زكاة الفطر ف ‪- 8/‬‬
‫قضاء الصوم الفائت من رمضان ‪:‬‬
‫‪ -‬من أفطر أياما من رمضان قضى بعدة ما فاته ‪ ،‬لنّ القضاء يجب أن يكون بعدة ما‬ ‫‪32‬‬

‫ن أَيّا ٍم أُخَرَ } ‪.‬‬


‫سفَرٍ َفعِدّةٌ مّ ْ‬
‫فاته ‪ ،‬لقوله تعالى ‪َ { :‬ومَن كَان مَرِيضًا َأوْ عَلَى َ‬
‫)‪.‬‬ ‫‪86‬‬ ‫وللتفصيل فيما يوجب القضاء انظر ( صوم ف ‪/‬‬
‫قضاء العتكاف ‪:‬‬
‫ن العتكاف إذا فسد ‪ ،‬فالذي فسد ل يخلو إما أن يكون واجبا ‪،‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنفية إلى أ ّ‬ ‫‪33‬‬

‫وهو المنذور ‪ ،‬وإما أن يكون تطوّعا ‪ ،‬فإن كان واجبا يقضي إذا قدر على القضاء ‪ ،‬إل‬
‫الرّدة خاصةً ‪ ،‬لنّه إذا فسد التحق بالعدم ‪ ،‬فصار فائتا معنىً ‪ ،‬فيحتاج إلى القضاء جبرا‬
‫ن المنذور به‬
‫للفوات ‪ ،‬ويقضي بالصوم ‪ ،‬لنّه فاته مع الصوم فيقضيه مع الصوم ‪ ،‬غير أ ّ‬
‫إن كان اعتكاف شهر بعينه ‪ ،‬يقضي قدر ما فسد ل غير ‪ ،‬ول يلزمه الستقبال ‪ ،‬كالصوم‬
‫المنذور به في شهر بعينه إذا أفطر يوما ‪ ،‬أنّه يقضي ذلك اليوم ‪ ،‬ول يلزمه الستئناف ‪،‬‬
‫كما في صوم رمضان ‪ ،‬وإذا كان اعتكاف شهر بغير عينه يلزمه الستقبال ‪ ،‬لنّه يلزمه‬
‫متتابعا فيراعى فيه صفة التتابع ‪ ،‬وسواء فسد بصنعه من غير عذر ‪ ،‬كالخروج والجماع‬
‫والكل والشّرب في النهار ‪ ،‬إل الرّدة ‪ ،‬أو فسد بصنعه لعذر ‪ ،‬كما إذا مرض فاحتاج إلى‬
‫ن القضاء‬
‫الخروج فخرج ‪ ،‬أو بغير صنعه رأسا ‪ ،‬كالحيض والجنون والغماء الطويل ‪ ،‬ل ّ‬
‫يجب جبرا للفائت ‪ ،‬والحاجة إلى الجبر متحقّقة في الحوال كلّها ‪ ،‬إل أنّ سقوط القضاء في‬
‫الرّدة عرف بالنص ‪ ،‬وهو قوله تعالى { قُل لِلّذِين َكفَرُواْ إِن يَن َتهُواْ ُي َغفَرْ َلهُم مّا قَدْ سَلَفَ } ‪،‬‬
‫ب ما قبله » ‪ ،‬والقياس في الجنون الطويل‬
‫ي صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬السلم يج ّ‬
‫وقول النب ّ‬
‫ن سقوط‬
‫ن في الستحسان يقضي ‪ ،‬ل ّ‬
‫أن يسقط القضاء ‪ ،‬كما في صوم رمضان ‪ ،‬إل أ ّ‬
‫القضاء في صوم رمضان إنّما كان لدفع الحرج ‪ ،‬لنّ الجنون إذا طال قلما يزول ‪ ،‬فيتكرر‬
‫عليه صوم رمضان ‪ ،‬فيحرج في قضائه ‪ ،‬وهذا المعنى ل يتحقق في العتكاف ‪ ،‬وأما‬
‫اعتكاف التطوّع إذا قطعه قبل تمام اليوم فل شيء عليه في رواية الصل ‪ ،‬وفي رواية‬
‫ن اعتكاف التطوّع غير مقدر في رواية محمد عن أبي حنيفة‬
‫الحسن يقضي ‪ ،‬بناء على أ ّ‬
‫وفي رواية الحسن عنه مقدر بيوم ‪.‬‬
‫وأما حكمه إذا فات عن وقته المعين له ‪ ،‬بأن نذر اعتكاف شهر بعينه ‪ ،‬أنّه إذا فات بعضه‬
‫قضاه ل غير ‪ ،‬ول يلزمه الستقبال ‪ ،‬كما في الصوم ‪ ،‬وإن فاته كلّه قضى الكل متتابعا ‪،‬‬
‫لنّه لما لم يعتكف حتى مضى الوقت صار العتكاف دينا في ذمته ‪ ،‬فصار كانه أنشأ النذر‬
‫باعتكاف شهر بعينه ‪ ،‬فإن قدر على قضائه فلم يقضه حتى أيس من حياته يجب عليه أن‬
‫يوصي بالفدية لكلّ يوم طعام مسكين ‪ ،‬لجل الصوم ‪ ،‬ل لجل العتكاف ‪ ،‬كما في قضاء‬
‫رمضان والصوم المنذور في وقت بعينه ‪ ،‬وإن قدر على البعض دون البعض فلم يعتكف ‪،‬‬
‫فكذلك إن كان صحيحا وقت النذر ‪ ،‬فإن كان مريضا وقت النذر فذهب الوقت وهو مريض‬
‫حتى مات ‪ ،‬فل شيء عليه ‪ ،‬وإن صح يوما واحدا يلزمه أن يوصي بالطعام لجميع الشهر‬
‫في قول أبي حنيفة وأبي يوسف وعن محمد ل يلزمه إل مقدار ما يصحّ على ما ذكره‬
‫ي‪.‬‬
‫القدور ّ‬
‫وإذا نذر اعتكاف شهر بغير عينه ‪ ،‬فجميع العمر وقته ‪ ،‬كما في النذر بالصوم في وقت‬
‫ن اليجاب حصل مطلقا عن‬
‫بغير عينه ‪ ،‬وفي أيّ وقت أدى كان مؤدّيا ل قاضيا ‪ ،‬ل ّ‬
‫الوقت ‪ ،‬وإنّما يتضيق عليه الوجوب إذا أيس من حياته ‪ ،‬وعند ذلك يجب عليه أن يوصي‬
‫بالفدية كما في قضاء رمضان والصوم المنذور المطلق ‪ ،‬فإن لم يوص حتى مات سقط عنه‬
‫في أحكام الدّنيا حتى ل تؤخذ من تركته ‪ ،‬ول يجب على الورثة الفدية إل أن يتبرعوا به ‪.‬‬
‫ن العذر الذي يقطع العتكاف إما إغماء أو جنون أو حيض أو نفاس أو‬
‫ويرى المالكية أ ّ‬
‫مرض ‪ ،‬والعتكاف إما نذر معين من رمضان أو غيره ‪ ،‬أو نذر غير معين ‪ ،‬وفي كلّ إما‬
‫أن يطرأ العذر قبل العتكاف ‪ ،‬أو مقارنا له ‪ ،‬أو بعد الدّخول فيه ‪.‬‬
‫فإن كانت تلك الموانع في العتكاف المنذور المطلق أو المعين من رمضان ‪ ،‬فل بد من‬
‫البناء بعد زوالها ‪ ،‬سواء طرأت قبل العتكاف وقارنت ‪ ،‬أو بعد الدّخول ‪.‬‬
‫وإن كان نذرا معينا من غير رمضان ‪ ،‬فإن طرأت خمسة العذار قبل الشّروع في‬
‫العتكاف‪ ،‬أو مقارنةً ‪ ،‬فل يجب القضاء ‪.‬‬
‫وإن طرأت بعد الدّخول ‪ ،‬فالقضاء متصلً ‪.‬‬
‫وإن كان تطوّعا معينا أو غير معين فل قضاء ‪ ،‬سواء طرأت العذار الخمسة قبل الشّروع‬
‫أو بعده أو مقارن ًة له ‪.‬‬
‫وبقي حكم ما إذا أفطر ناسيا ‪ ،‬والحكم أنّه يقضي ‪ ،‬سواء كان العتكاف نذرا معينا من‬
‫رمضان ‪ ،‬أو من غيره ‪ ،‬أو كان نذرا غير معين ‪ ،‬أو كان تطوّعا معينا أو غير معين ‪.‬‬
‫وأما إن أفطر في اعتكافه متعمدا فإنّه يبتدئ اعتكافه ‪ ،‬وكذلك يبتدئ اعتكافه من جامع فيه‬
‫ل أو نهاراً ناسيا أو متعمدا ‪.‬‬
‫لي ً‬
‫وقال الشافعية ‪ :‬إن نذر أن يعتكف شهرا نظر فإن كان شهرا بعينه لزمه اعتكافه ليلً‬
‫ن الشهر عبارة عما بين الهللين تم أو‬
‫ونهاراً‪ ،‬سواء كان الشهر تامّا أو ناقصا ‪ ،‬ل ّ‬
‫نقص ‪ ،‬وإن نذر اعتكاف نهار الشهر ‪ ،‬لزمه النهار دون الليل ‪ ،‬لنّه خص النهار ‪ ،‬فل‬
‫يلزمه الليل ‪ ،‬فإن فاته الشهر ولم يعتكف فيه ‪ ،‬لزمه قضاؤه ويجوز أن يقضيه متتابعا أو‬
‫متفرّقا ‪ ،‬لنّ التتابع في أدائه بحكم الوقت ‪ ،‬فإذا فات سقط ‪ ،‬كالتتابع في يوم شهر‬
‫رمضان ‪ ،‬وإن نذر أن يعتكف متتابعا لزمه قضاؤه متتابعا ‪ ،‬لنّ التتابع هاهنا وجب لحكم‬
‫النذر ‪ ،‬فلم يسقط بفوات الوقت ‪.‬‬
‫ويرى الحنابلة أنّ من نذر اعتكافا ثم أفسده ينظر ‪ ،‬فإن كان نذر أياما متتابعةً فسد ما‬
‫مضى من اعتكافه واستأنف ‪ ،‬لنّ التتابع وصف في العتكاف ‪ ،‬وقد أمكنه الوفاء به ‪،‬‬
‫فلزمه ‪ ،‬وإن كان نذر أياما معينةً كالعشرة الواخر من شهر رمضان ‪ ،‬ففيه وجهان ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬يبطل ما مضى ويستأنفه ‪ ،‬لنّه نذر اعتكافا متتابعا فبطل بالخروج منه ‪ ،‬كما لو‬
‫قيده بالتتابع بلفظه ‪.‬‬
‫ن ما مضى منه قد أدى العبادة فيه أداءً صحيحا ‪ ،‬فلم يبطل بتركها‬
‫والثاني ‪ :‬ل يبطل ‪ ،‬ل ّ‬
‫في غيره ‪ ،‬كما لو أفطر في أثناء شهر رمضان ‪ ،‬والتتابع هاهنا حصل ضرورة التعيين ‪،‬‬
‫والتعيين مصرح به ‪ ،‬وإذا لم يكن بدّ من الخلل بأحدهما ‪ ،‬ففيما حصل ضرور ًة أولى ‪،‬‬
‫ولنّ وجوب التتابع من حيث الوقت ل من حيث النذر ‪ ،‬فالخروج في بعضه ل يبطل ما‬
‫مضى منه ‪ ،‬فعلى هذا يقضي ما أفسد فيه فحسب ‪ ،‬وعليه الكفارة على الوجهين جميعا ‪،‬‬
‫لنّه تارك لبعض ما نذره ‪.‬‬
‫قضاء مناسك الحجّ ‪:‬‬
‫‪ -‬ترك ركن من أركان الحجّ إما أن يكون بمانع قاهر يمنع المحرم من أركان النّسك ‪،‬‬ ‫‪34‬‬

‫ويعبّر عنه الفقهاء بالحصار ‪ ،‬أو يكون بغير مانع قاهر ‪ ،‬ويعبّر عنه الفقهاء بالفوات ‪.‬‬
‫وقد اتفق الفقهاء على أنّه يجب على المحصر قضاء النّسك الذي أحصر عنه إذا كان واجبا‬
‫كحجة السلم ‪ ،‬والحجّ والعمرة المنذورين عند جميعهم ‪ ،‬وكعمرة السلم عند الشافعية‬
‫والحنابلة ‪ ،‬ول يسقط هذا الواجب عنه بسبب الحصار ‪.‬‬
‫وللتفصيل في أحكام قضاء النّسك الواجب الذي أحصر عنه المحرم ‪ ،‬وقضاء نسك التطوّع‬
‫)‪.‬‬ ‫‪123‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪121‬‬ ‫‪ ،‬وحجّ ف ‪/‬‬ ‫‪51‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪49‬‬ ‫وما يلزم المحصر في القضاء ( ر ‪ :‬إحصار ف ‪/‬‬
‫ومن فاته الحجّ يتحلل بطواف وسعي وحلق عند جمهور الفقهاء ويلزمه القضاء من قابل ‪.‬‬
‫ي ‪ ،‬أنّه يمضي في حجّ فاسد ويلزمه جميع‬
‫ويرى الحنابلة في إحدى الرّوايتين ‪ ،‬والمزن ّ‬
‫ن سقوط ما فات وقته ل يمنع ما لم يفت ‪.‬‬
‫أفعال الحجّ ‪ ،‬ل ّ‬
‫وللتفصيل في صور فوات الحجّ ‪ ،‬وتحلّل من فاته الحجّ ‪ ،‬وكيفية التحلّل ( ر ‪ :‬فوات ) ‪.‬‬
‫قضاء الضحية لفوات وقتها ‪:‬‬
‫‪ -‬يرى الحنفية والمالكية أنّ التضحية تفوت بمضيّ وقتها ‪ ،‬ول يخاطب بها المكلف‬ ‫‪35‬‬

‫بعد مضيّ زمنها ‪.‬‬


‫ثم قال الحنفية ‪ :‬إن كان أوجب على نفسه شا ًة بعينها ‪ ،‬بأن قال ‪ :‬ل علي أن أضحّي بهذه‬
‫الشاة ‪ ،‬سواء كان الموجب فقيرا أو غنيّا ‪ ،‬أو كان المضحّي فقيرا وقد اشترى شا ًة بنية‬
‫ح حتى مضت أيام النّحر ‪ ،‬تصدق بها حيةً ‪ ،‬وإن كان من لم يضحّ غنيّا‬
‫الضحية فلم يض ّ‬
‫ولم يوجب على نفسه شاةً بعينها ‪ ،‬تصدق بقيمة شاة اشترى أو لم يشتر ‪.‬‬
‫وعند المالكية ل تتعين الضحية إل بالذبح ‪ ،‬فل تتعين أضحية بالنذر ول بالنّية ول بالتمييز‬
‫لها ‪.‬‬
‫ن من لم يضحّ حتى فات الوقت فإن كان تطوّعا لم يضحّ ‪،‬‬
‫وذهب الشافعية والحنابلة إلى أ ّ‬
‫بل قد فاتت التضحية هذه السنة ‪ ،‬وإن كان منذورا لزمه أن يضحّي ويقضي الواجب كالداء‬
‫)‪.‬‬ ‫‪44‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪42‬‬ ‫‪ .‬وللتفصيل ( ر ‪ :‬أضحية ف ‪/‬‬
‫قضاء ما فات من القسم بين الزوجات ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الفقهاء في قضاء ما فات من القسم ‪:‬‬ ‫‪36‬‬

‫فذهب الحنفية والمالكية إلى أنّ القسم يفوت بفوات زمنه سواء فات لعذر أم ل ‪ ،‬فل‬
‫ن القصد من القسم دفع الضرر الحاصل في‬
‫يقضي‪ ،‬فليس للتي فاتت ليلتها ليلة بدلها ‪ ،‬ل ّ‬
‫الحال ‪ ،‬وذلك يفوت بفوات زمنه ‪ ،‬ولو قلنا بالقضاء ‪ ،‬لظلمت صاحبة الليلة المستقبلة ‪.‬‬
‫ي نقلً عن المحيط والمبسوط ‪ :‬الزوج لو أقام عند واحدة شهرا ظلما ‪ ،‬ثم طلب‬
‫وقال العين ّ‬
‫القسم من الباقيات ‪ ،‬أو بغير طلب ‪ ،‬فليس عليه أن يعوّض ‪ ،‬لنّه ليس بمال ‪ ،‬فلم يكن‬
‫عليه دينا في الذّمة ‪ ،‬لكنّه ظالم يوعظ ‪ ،‬فإن استمر يؤدب تعزيرا ‪.‬‬
‫ويرى الشافعية والحنابلة أنّه إن تعذر على الزوج المقام عند ذات الليلة ليلً لشغل أو‬
‫حبس‪ ،‬أو ترك المقام عندها في ليلتها لغير عذر قضاه لها ‪ ،‬كسائر الواجبات ‪.‬‬
‫وهذا ما اختاره ابن الهمام حيث قال ‪ :‬والذي يقتضيه النظر أن يؤمر بالقضاء إذا طلبت ‪،‬‬
‫ي ‪ ،‬وله قدرة على إيفائه ‪.‬‬
‫لنّه حقّ آدم ّ‬
‫قضاء النّفقات ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب المالكية والشافعية والحنابلة في أظهر الرّوايتين ‪ ،‬والحسن وإسحاق وابن‬ ‫‪37‬‬

‫المنذر إلى أنّ من ترك النفاق الواجب لمرأته مدةً لم يسقط بذلك ‪ ،‬وكان دينا في ذمته ‪،‬‬
‫سواء تركه لعذر أو لغير عذر ‪ ،‬لنّه مال يجب على سبيل البدل في عقد معاوضة ‪ ،‬فل‬
‫يسقط بمضيّ الزمان ‪ ،‬كالثمن والجرة والمهر ‪.‬‬
‫ويرى الحنفية والحنابلة في الرّواية الخرى ‪ ،‬أنّه إذا مضت مدة ولم ينفق عليها سقطت‬
‫النفقة ‪ ،‬إل أن تكون قد قضي بها أو صالحته على مقدارها ‪ ،‬فيقضى لها بنفقة ما مضى ‪،‬‬
‫لنّ النفقة لم تجب عوضا عن البضع ‪ ،‬فبقي وجوبه جزا ًء عن الحتباس صلةً ورزقا ل‬
‫عوضا ‪ ،‬لنّ ال تعالى سماه رزقا بقوله ‪ { :‬وَعلَى ا ْل َموْلُودِ َلهُ ِرزْ ُقهُن } ‪.‬‬
‫والرّزق اسم لما يذكر صل ًة ‪ ،‬وال صّلت ل تملك إل بالتسليم حقيقةً أو بقضاء القاضي ‪ ،‬كما‬
‫في الهبة ‪ ،‬أو بالتزامه بالتراضي ‪.‬‬
‫وصرح الحنفية بأنّه إذا مات أحد الزوجين بعد القضاء أو الصطلح قبل القبض سقطت‬
‫النفقة ‪ ،‬لنّها صلة من الصّلت تسقط بالموت قبل القبض ‪.‬‬
‫هذا حكم نفقة الزوجة ‪ ،‬وأما نفقة القريب ‪ ،‬فيرى الفقهاء أنّه إذا فات منها يوم أو أيام ولم‬
‫ينفق على من تلزمه نفقته لم يصر دينا عليه ‪ ،‬ولم يجب عليه قضاؤه ‪ ،‬لنّها تسقط بمضيّ‬
‫الزمان ‪ ،‬إل أن يكون القاضي أمر بالستدانة عليه ‪ ،‬فتصير دينا في ذمته ول تسقط ‪.‬‬
‫وللتفصيل ( ر ‪ :‬نفقة ) ‪.‬‬

‫قُضاة *‬
‫التعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬القضاة ‪ :‬جمع قاض ‪ ،‬وهو القاطع للمور المحكم لها ‪ ،‬يقال ‪ :‬قضى قضا ًء فهو‬ ‫‪1‬‬

‫قاض‪ ،‬إذا حكم وفصل ‪ ،‬واستقضي فلن ‪ :‬جعل قاضيا يحكم بين الناس ‪.‬‬
‫ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن المعنى اللّغويّ ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫الحكّام ‪:‬‬
‫‪ -‬الحكام ‪ .‬جمع حاكم ‪ ،‬وهو اسم يتناول الخليفة والوالي والقاضي والمحكم ‪ ،‬إل أنّه‬ ‫‪2‬‬

‫عند الطلق في عبارات الفقهاء ينصرف إلى القاضي ‪.‬‬


‫والصّلة بين القضاة والحكام عموم وخصوص ‪.‬‬
‫الحكم التكليفيّ ‪:‬‬
‫‪ -‬ل خلف بين الفقهاء في أنّ تولية القضاة فورا في قضاء القاليم فرض عين على‬ ‫‪3‬‬

‫المام ‪ ،‬لما أنّه ل يجوز له إخلء مسافة العدوى عن قاض لنّ الحضار من فوقها مشقة ‪،‬‬
‫لدخول ذلك في عموم وليته ‪ ،‬ول يصحّ إل من جهته ‪ ،‬ول يتوقف حتى يسأل ‪ ،‬لنّها من‬
‫الحقوق المسترعاة ‪ ،‬وقبول التولية فرض كفاية في حقّ الصالحين له ‪.‬‬
‫والتفصيل في مصطلح ( قضاء ) ‪.‬‬
‫وفي القضاء فضل عظيم لمن قوي على القيام به وأداء الحقّ فيه ‪ ،‬ولذلك جعل ال فيه‬
‫أجرا مع الخطأ وأسقط عنه حكم الخطأ ‪.‬‬
‫والتفصيل في مصطلح ( قضاء ) ‪.‬‬
‫شروط القاضي ‪:‬‬
‫‪ -‬اشترط الفقهاء فيمن يتولى القضاء شروطا ‪ ،‬اختلفوا في بعضها ‪ ،‬واتفقوا في بعضها‬ ‫‪4‬‬

‫الخر ‪ ،‬والتفصيل في مصطلح ( قضاء ) ‪.‬‬


‫تعدّد القضاة ‪:‬‬
‫‪ -‬يجوز أن يولّي المام قاضيين ‪ .‬أو ثلثةً في بلد واحد يجعل لكلّ منهم عملً ‪ ،‬فيتولى‬ ‫‪5‬‬

‫أحدهم عقود النكحة ‪ ،‬والخر الحكم في المداينات ‪ ،‬وآخر النظر في العقارات مثلً ‪.‬‬
‫ويجوز أن يُولّي كلّا منهم عموم النظر في ناحية من نواحي البلد ‪ ،‬لعدم المنازعة بينهما ‪،‬‬
‫أما إن لم يخص كلّا من القاضيين بما ذكر بل عمم وليتهما فقد اختلف الفقهاء في ذلك على‬
‫مذاهب ‪ ،‬والتفصيل في مصطلح ( قضاء ) ‪.‬‬
‫أخذ الرّزق على القضاء ‪:‬‬
‫‪ -‬يجوز للقاضي أخذ الرّزق من بيت مال المسلمين ‪ ،‬ورخص فيه شريح وابن سيرين ‪،‬‬ ‫‪6‬‬

‫والشافعيّ ‪ ،‬وبعض الحنفية ‪ ،‬وعليه جمهور الفقهاء وأكثر أهل العلم ‪ ،‬والتفصيل في‬
‫مصطلح ( قضاء ) ‪.‬‬
‫أما استئجاره على القضاء فل يجوز عند عامة الفقهاء ‪.‬‬
‫والتفصيل في مصطلح ( قضاء ) ‪.‬‬

‫قِطار *‬
‫التعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬القِطار من البل في اللّغة ‪ :‬عدد على نسق واحد ‪ ،‬والجمع ُقطُر ‪ ،‬مثل كتاب وكتب ‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫يقال ‪َ :‬قطَر البل قطرا ‪ ،‬وقطّرها وأقطرها ‪ :‬قرّب بعضها إلى بعض على نسق ‪.‬‬
‫والفقهاء يستعملون هذا اللفظ بالمعنى اللّغويّ نفسه ‪.‬‬
‫ي ‪ :‬القطار ‪ :‬البل تقطر على نسق واحد ‪.‬‬
‫قال البابرت ّ‬
‫وقال الزرقانيّ ‪ :‬القطار ‪ -‬بكسر القاف ‪ -‬هو ربط البل أو غيرها بعضها ببعض ‪.‬‬
‫ويشترط بعض فقهاء الشافعية أن ل يزيد عدد القطار الواحد على تسعة للعادة الغالبة‬
‫وخالف ابن الصلح فقدره بسبعة ‪.‬‬
‫قال النّوويّ ‪ :‬والصحّ التوسّط ‪ ،‬ذكره أبو الفرج السرخسيّ ‪ ،‬فقال ‪ :‬في الصحراء ل يتقيد‬
‫بعدد ‪ ،‬وفي العمران يعتبر ما جرت العادة بأن يجعل قطارا ‪ ،‬وهو ما بين سبعة إلى‬
‫ي ‪ :‬لم يعتبر ذلك الشافعيّ ول كثير من الصحاب ‪ ،‬منهم الشيخ أبو‬
‫عشرة ‪ ،‬وقال البلقين ّ‬
‫حامد وأتباعه ‪ ،‬والتقييد بالتّسع أو السبع ليس بمعتمد ‪ ،‬وذكر الذرعيّ والزركشيّ نحوه ‪،‬‬
‫ثم قال‪ :‬وسبب اضطرابهم في العدد اضطراب العرف فيه ‪ ،‬فالشبه الرّجوع في كلّ مكان‬
‫إلى عرفه ‪ ،‬وبه صرح صاحب الوافي ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫الراحلة ‪:‬‬
‫‪ -‬الراحلة ‪ :‬المركب من البل ذكرا كان أو أنثى ‪ ،‬والناقة التي تصلح للرحل ‪ ،‬والول هو‬ ‫‪2‬‬

‫مراد الفقهاء والراحلة جزء من القطار ‪.‬‬


‫الحكم الجماليّ ‪:‬‬
‫هناك أحكام تتعلق بالقطار تكلم الفقهاء عنها ‪ ،‬منها ‪ :‬الحرز ‪ ،‬وضمان ما أتلفه القطار ‪،‬‬
‫على الوجه التي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الحرز ‪:‬‬
‫ن القطار إن كان معه سائق يسوقه ‪ ،‬فحرزه نظره إليه ‪ ،‬وما‬
‫‪ -‬يرى الشافعية والحنابلة أ ّ‬ ‫‪3‬‬

‫كان منه بحيث ل يراه فليس بمحرز ‪ ،‬وإن كان معه قائد ‪ ،‬فحرزه أن ينظر إليه كل ساعة‬
‫وينتهي نظره إليه إذا التفت ‪ ،‬فإن كان ل يرى البعض لحائل جبل أو بناء ‪ ،‬فذلك البعض‬
‫غير محرز ‪.‬‬
‫وقال المالكية بقطع السارق لشيء من القطار بمجرد إبانته عن باقيه على المعتمد ‪.‬‬
‫وحكى ابن كجّ وجها للشافعية أنّه ل يشترط انتهاء نظر القائد إلى آخر القطار ‪.‬‬
‫وحيث يشترط انتهاء نظر القائد إلى القطار فقد اختلف فقهاء الشافعية في اشتراط بلوغ‬
‫الصوت ‪ ،‬فقال بعضهم ‪ :‬لو لم يبلغ صوته بعض القطار فإنّ ذلك البعض غير محرز ‪،‬‬
‫وسكت آخرون عن اعتبار بلوغ الصوت اكتفاءً بالنظر ‪ ،‬لنّه إذا قصد ما يراه أمكنه العدو‬
‫إليه ‪.‬‬
‫ل لم يقطع ‪ ،‬لنّه ليس بحرز‬
‫ن من سرق من القطار بعيرا أو حم ً‬
‫وذهب الحنفية إلى أ ّ‬
‫مقصود ‪ ،‬فتتمكن فيه شبهة العدم ‪ ،‬وهذا لنّ السائق والراكب والقائد إنّما يقصدون قطع‬
‫المسافة ونقل المتعة دون الحفظ ‪ ،‬حتى لو كان مع الحمال من يتبعها للحفظ قالوا ‪:‬‬
‫ن الجوالق في مثل هذا حرز ‪ ،‬لنّه يقصد بوضع‬
‫يقطع ‪ ،‬وإن شق الحمل وأخذ منه قطع ‪ ،‬ل ّ‬
‫المتعة فيه صيانتها كالكمّ ‪ ،‬فوجد الخذ من الحرز فيقطع ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪37‬‬ ‫وللتفصيل ( ر ‪ :‬سرقة ف ‪/‬‬
‫ب ‪ -‬ضمان ما أتلفه القطار ‪:‬‬
‫ل ‪ ،‬وإن كان معه‬
‫ن الدّية تجب على قائد قطار وطئ بعير منه رج ً‬
‫‪ -‬نص الحنفية على أ ّ‬ ‫‪4‬‬

‫ن ضمان النفس على العاقلة وضمان المال في‬


‫سائق ضمنا لستوائهما في التسبّب ‪ ،‬لك ّ‬
‫ماله‪ ،‬هذا لو كان السائق من جانب من البل ‪ ،‬فلو توسطها وأخذ بزمام واحد ضمن ما‬
‫خلفه ‪ ،‬وضمنا ما قدامه ‪ ،‬وضمن راكب على بعير وسط القطار الوسط فقط ول يضمن ما‬
‫قدامه لنّه غير سائق له ول ما خلفه لنّه غير قائد ما لم يأخذ بزمام ما خلفه ‪ ،‬وإن قتل‬
‫ل ضمن عاقلة القائد الدّية ‪ ،‬ورجعوا بها على‬
‫بعير ربط على قطار سائر بل علم قائده رج ً‬
‫عاقلة الرابط ‪ ،‬لنّه دية ل خسران ‪ ،‬ولو ربط البعير والقطار واقف ضمنها عاقلة القائد بل‬
‫رجوع لقوده بل إذن ‪.‬‬
‫وقال المالكية ‪ :‬من قاد قطارا فهو ضامن لما وطئ البعير في أول القطار أو آخره ‪ ،‬وإن‬
‫ل بيدها أو رجلها لم يضمن القائد ‪ ،‬إل أن يكون ذلك من شيء فعله بها ‪.‬‬
‫نفحت رج ً‬
‫وعند الحنابلة ‪ :‬قال شمس الدّين ابن قدامة ‪ :‬الجمل المقطور على الجمل الذي عليه راكب‬
‫يضمن الراكب جنايته لنّه في حكم القائد ‪ ،‬فأما الجمل المقطور على الجمل الثاني فينبغي‬
‫أل يضمن جنايته إل أن يكون له سائق ‪ ،‬لنّ الراكب الول ل يمكنه حفظه عن الجناية ‪.‬‬

‫ِقطّ *‬
‫انظر ‪ :‬هرّ ‪.‬‬

‫قَطْع *‬
‫التعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬القطع في اللّغة ‪ :‬إبانة جزء من الجرم ‪ ،‬يقال ‪ :‬قطعت الحبل قطعا ‪ :‬فصلت منه‬ ‫‪1‬‬

‫جزءا ‪ ،‬ويطلق على المعاني ‪ :‬فكلّ من شرع في أمر من المور فلم يكمله يقال ‪ :‬إنّه‬
‫قطعه ‪ ،‬فمن تحلل عن الصلة بالسلم قبل إتمامها ‪ ،‬أو أتى ما يبطلها بعد الشّروع فيها فقد‬
‫ي عن المعنى اللّغويّ ‪.‬‬
‫قطع صلته ول يخرج المعنى الصطلح ّ‬
‫الحكام المتعلّقة بالقطع ‪:‬‬
‫تختلف أحكام القطع باختلف موضوع القطع ‪:‬‬
‫قطع العبادة ‪:‬‬
‫ي غير جائز باتّفاق الفقهاء ‪،‬‬
‫‪ -‬قطع العبادة الواجبة بعد الشّروع فيها بل مسوّغ شرع ّ‬ ‫‪2‬‬

‫لنّ قطعها بل مسوّغ شرعيّ عبث يتنافى مع حرمة العبادة ‪ ،‬وورد النهي عن إفساد‬
‫عمَا َلكُمْ } ‪ ،‬أما قطعها بمسوّغ شرعيّ فمشروع ‪ ،‬فتقطع‬
‫العبادة‪ ،‬قال تعالى ‪ { :‬وَلَا تُ ْبطِلُوا أَ ْ‬
‫الصلة لقتل حية ونحوها للمر بقتلها ‪ ،‬وخوف ضياع مال له قيمة له أو لغيره ‪ ،‬ولغاثة‬
‫ملهوف ‪ ،‬وتنبيه غافل أو نائم قصدت إليه نحو حية ‪ ،‬ول يمكن تنبيهه بتسبيح ‪ ،‬ويقطع‬
‫الصوم لنقاذ غريق ‪ ،‬وخوف على نفس ‪ ،‬أو رضيع ‪.‬‬
‫أما قطع التطوّع بعد الشّروع فيه فقد اختلف الفقهاء في حكمه فقال الحنفية والمالكية ‪ :‬ل‬
‫يجوز قطعه بعد الشّروع بل عذر كالفرض ويجب إتمامه ‪ ،‬لنّه عبادة ‪ ،‬ويلزم بالشّروع‬
‫فيه‪ ،‬ول يجوز إبطاله ‪ ،‬لنّه عبادة ‪.‬‬
‫وقال الشافعية والحنابلة ‪ :‬يجوز قطع التطوّع ‪ ،‬عدا الحجّ والعمرة ‪ ،‬لحديث « المتنفل أمير‬
‫نفسه » ولكن يستحبّ إتمامه ‪ ،‬أما الحجّ والعمرة فيجب إتمامهما ‪ ،‬وإن فسدا إذا شرع‬
‫)‪.‬‬ ‫‪21‬‬ ‫ن نفلهما كفرضهما ( ر ‪ :‬تطوّع ف ‪/‬‬
‫فيهما‪ ،‬ل ّ‬
‫وتنقطع الصلة بإتيان ما يتنافى معها كتعمّد الحدث ‪ ،‬ونية الخروج منها بعد الحرام ‪،‬‬
‫والكلم الكثير عرفا ‪ ،‬والعمل الكثير ‪ ،‬ونحو ذلك من مبطلتها ‪.‬‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬يقطعها أيضا ‪ :‬الكلب السود إذا مر بين يدي المصلّي ‪ ،‬وهو البهيم الذي‬
‫ليس في لونه شيء سوى السواد ‪ ،‬وفي رواية عن أحمد أنّه يقطع الصلة ‪ :‬الكلب‬
‫السود ‪ ،‬والحمار ‪ ،‬والمرأة إذا مرت بين يدي المصلّي ‪ ،‬ول يقطع شيء من ذلك عند عامة‬
‫الفقهاء ‪ .‬ويقطع عند الحنفية محاذاة المرأة الرجل في صلة مطلقةً يشتركان فيها ( ر ‪:‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪11‬‬ ‫اقتداء ف ‪/‬‬
‫ويقطع الصوم ما يبطله من أكل أو شرب أو جماع ‪ ،‬ول ينقطع الصوم بنية القطع عند‬
‫)‪.‬‬ ‫‪33‬‬ ‫الشافعية ( ر ‪ :‬صوم ف ‪/‬‬
‫قطع القدوة ‪:‬‬
‫‪ -‬تنقطع قدوة المأموم بخروج إمامه من صلته بسلم ‪ ،‬أو غيره لزوال الرابطة ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫ن الجماعة فرض كفاية ‪،‬‬


‫ويجوز عند الشافعية للمأموم قطعها بنية المفارقة ‪ ،‬وإن قلنا ‪ :‬إ ّ‬
‫لنّ فرض الكفاية ل يلزم بالشّروع عندهم ‪ ،‬كالتطوّع ‪ ،‬إل في الجهاد وصلة الجنازة ‪ ،‬لنّ‬
‫« الفرقة الولى فارقت النّبي صلى ال عليه وسلم في ذات الرّقاع » ‪ ،‬لكن يكره قطعها إل‬
‫لعذر ‪ ،‬كمرض ‪ ،‬وتطويل المام لمن ل يصبر لضعف ‪ ،‬أو شغل ‪ ،‬وتركه س ّن ًة مقصودةً‬
‫كتشهّد أو قنوت ‪.‬‬
‫قطع موالة الفاتحة ‪:‬‬
‫‪ -‬يقطع موالة الفاتحة تخلّل ذكر ‪ ،‬وإن قل ‪ ،‬وسكوت طويل عرف بل عذر ‪ ،‬أو سكوت‬ ‫‪4‬‬

‫ولو كان قصيرا قصد به قطع القراءة ‪ ،‬لشعار ذلك العراض عن القراءة ‪.‬‬
‫قطع خطبة الجمعة ‪:‬‬
‫‪ -‬يشترط لصحة خطبة الجمعة سماع العدد الذي تنعقد به ‪ ،‬فإن انفضّوا أو بعضهم ففي‬ ‫‪5‬‬

‫)‪.‬‬ ‫‪24‬‬ ‫ذلك تفصيل ينظر في ( خطبة ف ‪/‬‬


‫قطع نبات الحرم ‪:‬‬
‫‪ -‬اتفق الفقهاء على حرمة قطع أو قلع نبات الحرم إذا كان مما ل يستنبته الناس عادةً ‪،‬‬ ‫‪6‬‬

‫سواء أكان شجرا أو غيره ‪ ،‬ويستوي في ذلك المحرم وغيره ‪ ،‬لحديث ‪ « :‬حرّم ال مكة‬
‫فلم تحل لحد قبلي ول لحد بعدي أحلت لي ساعةً من نهار ‪ ،‬ل يختلى خلها ول يعضد‬
‫)‪.‬‬ ‫‪10‬‬ ‫شجرها » ‪ ( .‬ر ‪ :‬حرم ف ‪/‬‬
‫قطع سلعة أو عضو متآكل ‪:‬‬
‫‪ -‬للحرّ البالغ العاقل قطع سلعة ‪ -‬أي ورم ونحوه ‪ -‬من جسده ل خطر في قطعها ‪ ،‬ول‬ ‫‪7‬‬

‫في تركها ‪ ،‬لنّ له غرضا في إزالة الشين ‪ ،‬فإن كان في قطعها خطر على نفسه بقول‬
‫طبيبين أو طبيب ثقة ول خطر في تركها ‪ ،‬أو زاد خطر القطع ‪ ،‬فل يجوز له قطعها ‪ ،‬لنّ‬
‫ذلك يؤدّي إلى هلك نفسه ‪ .‬وال يقول ‪َ { :‬و َل تُ ْلقُواْ ِبأَيْدِيكُمْ إِلَى ال ّتهْلُ َكةِ } ‪ ،‬وإن قال‬
‫الطباء ‪ :‬إن لم يقطع حصل أمر يفضي إلى الهلك ‪ ،‬وجب القطع ‪ ،‬كما يجب دفع‬
‫المهلكات ‪ ،‬ومثل السّلعة العضو المتآكل في الحكام ‪.‬‬
‫وللصل وإن عل ‪ :‬قطع نحو سلعة وعضو متآكل من صبيّ ‪ ،‬ومجنون مع الخطر فيه إن‬
‫زاد خطر الترك على خطر القطع ‪ ،‬لنّه يلي صون مالهما عن الضياع فبدنهما أولى ‪،‬‬
‫وللحاكم وغيره من الولياء غير الب والج ّد قطعها بل خطر ‪ ،‬أما مع الخطر فل يجوز ‪.‬‬
‫قطع يد السارق ‪:‬‬
‫‪ -‬يجب على المام إقامة حدّ السرقة على سارق نصاب السرقة من حرز مثله إذا رفع‬ ‫‪8‬‬

‫طعُواْ أَيْدِ َي ُهمَا } ‪،‬‬


‫ق وَالسّارِ َقةُ فَا ْق َ‬
‫إلى المام وثبتت السرقة عنده ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬وَالسّارِ ُ‬
‫وحديث ‪ « :‬تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا » ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪62‬‬ ‫والتفصيل في مصطلح ( سرقة ف ‪/‬‬
‫قطع أيدي المحاربين وأرجلهم من خلف ‪:‬‬
‫‪ -‬ل خلف بين الفقهاء في أنّ من بين عقوبات المحاربين قطع أيديهم وأرجلهم ‪ ،‬قال‬ ‫‪9‬‬

‫س َعوْنَ فِي الَ ْرضِ َفسَادا أَن ُيقَتّلُواْ َأوْ‬


‫ن ال وَ َرسُو َلهُ وَ َي ْ‬
‫ن ُيحَارِبُو َ‬
‫تعالى ‪ { :‬إِ ّنمَا جَزَاء الّذِي َ‬
‫ن خِلفٍ } ‪.‬‬
‫يُصَلّبُواْ َأوْ ُت َقطّعَ أَيْدِي ِهمْ َوأَ ْرجُُلهُم مّ ْ‬
‫وما بعدها ) ‪.‬‬ ‫‪7‬‬ ‫والتفصيل في مصطلح ( حرابة ف ‪/‬‬

‫َقطْع الطريق *‬
‫انظر ‪ :‬حرابة ‪.‬‬

‫قَفِيز *‬
‫انظر ‪ :‬مقادير ‪.‬‬

‫قَلْس *‬
‫انظر ‪ :‬قيء ‪.‬‬

‫ُقلْفَة *‬
‫انظر ‪ :‬حشفة ‪ ،‬ختان ‪.‬‬

‫ُقلّة *‬
‫انظر ‪ :‬مقادير ‪.‬‬

‫سوَة *‬
‫قَ َل ْن ُ‬
‫التعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬القَلَ ْنسُوة لغةً ‪ :‬من ملبس الرّءوس ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫والتقليس ‪ :‬لبس القلنسوة ‪.‬‬


‫ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن المعنى اللّغويّ ‪.‬‬
‫ما يتعلق بالقلنسوة من أحكام ‪:‬‬
‫حكم المسح عليها في الوضوء ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنفية والحنابلة في المذهب إلى أنّه ل يجوز المسح في الوضوء على القلنسوة‬ ‫‪2‬‬

‫لعدم الحرج في نزعها ‪.‬‬


‫قال إسحاق بن إبراهيم ‪ :‬قال أحمد ‪ :‬ل يمسح على القلنسوة ‪.‬‬
‫وقال المالكية ‪ :‬يجوز المسح على القلنسوة إن خيف من نزعها ضرر ‪.‬‬
‫وقال الشافعية ‪ :‬إن عسر رفع القلنسوة ‪ ،‬أو لم يرد ذلك كمل بالمسح عليها وإن لبسها‬
‫على حدث ‪ ،‬لخبر مسلم « أنّه صلى ال عليه وسلم توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة‬
‫» ‪ ،‬وسواء أعسر عليه تنحيتها أم ل ‪.‬‬
‫حكم لبس المحرم القلنسوة ‪:‬‬
‫‪ -‬يحرم على المحرم لبس القلنسوة ‪ ،‬لنّ ستر الرأس من محظورات الحرام ‪ ،‬لما روى‬ ‫‪3‬‬

‫ن النّبي صلى ال عليه وسلم قال في المحرم ‪ :‬ل يلبس‬


‫ابن عمر رضي ال تعالى عنهما « أ ّ‬
‫القمص ول العمائم ول السراويلت ول البرانس ول الخفاف إل أحد ل يجد نعلين فليلبس‬
‫خفين وليقطعهما أسفل من الكعبين » ‪.‬‬
‫قال ابن بطال ‪ :‬قوله « ول البرانس » قال في الصّحاح البرنس ‪ :‬قلنسوة طويلة وكان‬
‫النّساك يلبسونها في صدر السلم ‪.‬‬
‫فإن لبس المحرم القلنسوة لزمه الفدية وهذا باتّفاق الفقهاء ‪.‬‬
‫حكم لبس أهل الذّمة القلنس ‪:‬‬
‫‪ -‬من أحكام أهل الذّمة أنّهم يُلزمون بلبس يميّزهم عن المسلمين ‪ ،‬لنّ عمر رضي ال‬ ‫‪4‬‬

‫تعالى عنه صالحهم على تغيير زيّهم بمحضر من الصحابة ‪ ،‬فإذا لبسوا القلنس يجب أن‬
‫تكون مخالفةً للقلنس التي يلبسها المسلمون وذلك بتمييزها بعلمة يُعرفون بها ‪.‬‬
‫قال ابن عابدين ‪ :‬يمنع أهل الذّمة من لبس القلنس الصّغار ‪ ،‬وإنّما تكون طويلةً من‬
‫كرباس مصبوغةً بالسواد مضربةً مبطنةً وهذا في العلمة أولى ‪.‬‬
‫وقد ذكر أبو يوسف في كتاب الخراج بإلزامهم لبس القلنس الطويلة المضربة وأنّ عمر‬
‫رضي ال تعالى عنه كان يأمر بذلك ‪ ،‬أي تكون علمةً يعرفون بها ‪.‬‬
‫وقال الشّيرازيّ ‪ :‬إن لبسوا القلنس جعلوا فيها خِرَقا ليتميزوا عن قلنس المسلمين ‪ ،‬لما‬
‫روى عبد الرحمن بن غنم في الكتاب الذي كتبه لعمر حين صالح نصارى الشام فشرط أن‬
‫ل تتشبه بهم في شيء من لباسهم من قلنسوة ول عمامة ‪.‬‬
‫وبمثل ذلك قال الحنابلة ‪.‬‬
‫وقال المالكية ‪ :‬يُلزمون بلبس يميّزهم ‪.‬‬

‫قِمار *‬
‫انظر ‪ :‬ميسر ‪.‬‬

‫قَميص *‬
‫انظر ‪ :‬ألبسة ‪.‬‬

‫ِقنْطار *‬
‫انظر ‪ :‬مقادير ‪.‬‬

‫ُقنْفُذ *‬
‫انظر ‪ :‬أطعمة ‪.‬‬

‫قِنّ *‬
‫انظر ‪ :‬رقّ ‪.‬‬

‫ُقنُوت *‬
‫التعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬يطلق القنوت في اللّغة على معان عدة ‪ ،‬منها ‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫ت وَالَ ْرضِ ُكلّ ّلهُ قَانِتُونَ } ‪.‬‬


‫سمَاوَا ِ‬
‫‪ -‬الطاعة ‪ :‬ومن ذلك قوله تعالى ‪ّ { :‬ل ُه مَا فِي ال ّ‬
‫سجُدِي وَا ْر َكعِي مَعَ الرّاكِعِينَ‬
‫ك وَا ْ‬
‫‪ -‬والصلة ‪ :‬ومن ذلك قوله تعالى ‪ { :‬يَا مَرْ َيمُ اقْنُتِي ِلرَبّ ِ‬
‫}‪ .‬وطول القيام ‪ :‬ومن ذلك قوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬أفضل الصلة طول القنوت » أي‬
‫طول القيام ‪.‬‬
‫وسئل ابن عمر رضي ال عنهما عن القنوت ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما أعرف القنوت إل طول القيام ‪ ،‬ثم‬
‫قرأ قوله تعالى ‪َ { :‬أمّنْ ُهوَ قَانِتٌ آنَاء اللّ ْيلِ سَاجِدا َوقَائِما } ‪.‬‬
‫‪ -‬والسّكوت ‪ :‬حيث ورد عن زيد بن أرقم رضي ال عنه قال ‪ :‬كنّا نتكلم في الصلة ‪ ،‬يكلّم‬
‫الرجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصلة حتى نزلت { وَقُومُواْ ِلّلهِ قَانِتِينَ } فأمرنا بالسّكوت‬
‫ونهينا عن الكلم ‪.‬‬
‫ن القنوت الدّعاء ‪ ،‬وأنّ‬
‫‪ -‬والدّعاء ‪ :‬وهو أشهرها ‪ ،‬قال الزجاج ‪ :‬المشهور في اللّغة أ ّ‬
‫القانت الداعي ‪ ،‬وحكى النّوويّ أنّ القنوت يطلق على الدّعاء بخير وشرّ ‪ ،‬يقال ‪ :‬قنت له‬
‫وقنت عليه ‪.‬‬
‫وفي الصطلح ‪ :‬قال ابن علن ‪ :‬القنوت عند أهل الشرع اسم للدّعاء في الصلة في محلّ‬
‫مخصوص من القيام ‪.‬‬
‫القنوت في الصلة ‪:‬‬
‫‪ -‬القنوت منحصر في ثلثة مواطن ‪ :‬صلة الصّبح ‪ ،‬وصلة الوتر ‪ ،‬وفي النّوازل ‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫وبيان ذلك فيما يأتي ‪:‬‬


‫أ ‪ -‬القنوت في الصّبح ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الفقهاء في حكم القنوت في صلة الصّبح على أربعة أقوال ‪:‬‬ ‫‪3‬‬

‫الول ‪ :‬للحنفية والحنابلة والثوريّ ‪ :‬وهو أنّ القنوت في الصّبح غير مشروع ‪ ،‬وهو مرويّ‬
‫عن ابن عباس ‪ ،‬وابن عمر ‪ ،‬وابن مسعود ‪ ،‬وأبي الدرداء ‪ ،‬رضي ال عنهم ‪ ،‬وقال أبو‬
‫حنيفة ‪ :‬القنوت في الفجر بدعة ‪ ،‬وقال الحنابلة ‪ :‬يكره ‪.‬‬
‫واستدلّوا على ذلك ‪ :‬بما ورد أنّ النّبي صلى ال عليه وسلم « قنت في صلة الفجر شهرا‬
‫يدعو في قنوته على أحياء من أحياء العرب ‪ ،‬ثم تركه » ‪ ،‬قالوا ‪ :‬فكان منسوخا ‪ ،‬إذ الترك‬
‫دليل النسخ ‪ ،‬وبما روي عن أبي مالك سعد بن طارق الشجعيّ قال ‪ « :‬قلت لبي ‪ :‬يا‬
‫أبت ‪ ،‬إنّك قد صليت خلف رسول ال ‪ ،‬وأبي بكر ‪ ،‬وعثمان ‪ ،‬وعليّ هاهنا بالكوفة نحوا من‬
‫خمس سنين ‪ ،‬أكانوا يقنتون ؟ قال ‪ :‬أي بني ‪ ،‬محدث » ‪ .‬وفي لفظ ‪ « :‬يا بني إنّها بدعة‬
‫» ‪ .‬قال التّرمذيّ ‪ :‬والعمل عليه عند أكثر أهل العلم ‪.‬‬
‫ن النّبي‬
‫ن القنوت في الصّبح مستحبّ وفضيلة ‪ ،‬ل ّ‬
‫والثاني ‪ :‬للمالكية على المشهور ‪ :‬وهو أ ّ‬
‫صلى ال عليه وسلم « كان يقنت في صلة الصّبح » فيما روى أبو هريرة وخفاف بن‬
‫إيماء والبراء وأنس بن مالك ‪ .‬قال أنس ‪ « :‬ما زال رسول ال يقنت في الفجر حتى فارق‬
‫الدّنيا » ‪ ،‬وقال عليّ بن زياد بوجوب القنوت في الصّبح ‪ ،‬فمن تركه فسدت صلته ‪.‬‬
‫ويجوز قبل الرّكوع وبعده في الركعة الثانية ‪ ،‬غير أنّ المندوب الفضل كونه قبل الرّكوع‬
‫عقب القراءة بل تكبيرة قبله ‪ ،‬وذلك لما فيه من الرّفق بالمسبوق ‪ ،‬وعدم الفصل بينه وبين‬
‫ركني الصلة ولنّه الذي استقر عليه عمل عمر رضي ال عنه بحضور الصحابة ‪ ،‬قال‬
‫القاضي عبد الوهاب البغداديّ " وروي عن أبي رجا العطارديّ قال ‪ :‬كان القنوت بعد‬
‫الرّكوع‪ ،‬فصيره عمر قبله ليدرك المدرك وروي أنّ المهاجرين والنصار سألوه عثمان ‪،‬‬
‫فجعله قبل الرّكوع ‪ ،‬لنّ في ذلك فائدةً ل توجد فيما بعده ‪ ،‬وهي أنّ القيام يمتدّ فيلحق‬
‫المفاوت ‪ ،‬ولنّ في القنوت ضربا من تطويل القيام ‪ ،‬وما قبل الرّكوع أولى بذلك ‪ ،‬ل سيما‬
‫في الفجر ‪.‬‬
‫ويندب كونه بلفظ ‪ :‬اللهم إنّا نستعينك ‪ ،‬ونستغفرك ‪ ،‬ونؤمن بك ‪ ،‬ونتوكل عليك ‪ ،‬ونخضع‬
‫لك ‪ ،‬ونخلع ونترك من يكفرك ‪ ،‬اللهم إياك نعبد ‪ ،‬ولك نصلّي ونسجد ‪ ،‬وإليك نسعى‬
‫ونحفد ‪ ،‬نرجو رحمتك ‪ ،‬ونخاف عذابك ‪ ،‬إنّ عذابك الجدّ بالكفار ملحق ‪.‬‬
‫ومن ترك القنوت عمدا أو سهوا فل شيء عليه ‪ ،‬فإن سجد لتركه قبل السلم بطلت صلته‬
‫‪ .‬وليس لدعاء القنوت حدّ محدود ‪.‬‬
‫ول يرفع يديه في دعاء القنوت ‪ ،‬كما ل يرفع في التأمين ‪ ،‬ول في دعاء التشهّد ‪.‬‬
‫ق المام والمأموم والمنفرد ‪ ،‬لنّه دعاء ‪ ،‬فينبغي السرار‬
‫والسرار به هو المستحبّ في ح ّ‬
‫به حذرا من الرّياء ‪.‬‬
‫والمسبوق إذا أدرك الركعة الثانية ل يقنت في القضاء ‪ ،‬لنّه إنّما يقضي الركعة الولى ولم‬
‫يكن فيها قنوت ‪ ،‬قال ابن رشد ‪ :‬إن أدرك قبل ركوع الثانية لم يقنت في قضائه ‪ ،‬سواء‬
‫أدرك قنوت المام أم ل ‪.‬‬
‫ن القنوت‬
‫الثالث ‪ :‬للشافعية ‪ :‬وهو أنّ القنوت في صلة الصّبح سنّة ‪ ،‬قال النّوويّ ‪ :‬اعلم أ ّ‬
‫مشروع عندنا في الصّبح ‪ ،‬وهو س ّن ٌة متأكّدة ‪ ،‬وذلك لما روى أنس بن مالك رضي ال عنه‬
‫‪ « :‬ما زال رسول ال صلى ال عليه وسلم يقنت في الفجر حتى فارق الدّنيا » ‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬ولو تركه لم تبطل صلته ‪ ،‬لكن يسجد للسهو ‪ ،‬سواء تركه عمدا أو سهوا ‪.‬‬
‫أمّا محلّه ‪ ،‬فبعد الرفع من الرّكوع في الركعة الثانية من الصّبح ‪ ،‬فلو قنت قبل الرّكوع لم‬
‫يحسب له على الصحّ ‪ ،‬وعليه أن يعيده بعد الرّكوع ثم يسجد للسهو ‪.‬‬
‫ي رضي ال عنهما قال ‪:‬‬
‫وأمّا لفظه ‪ ،‬فالختيار أن يقول فيه ما روي عن الحسن بن عل ّ‬
‫« علمني رسول ال كلمات أقولهنّ في الوتر ‪ :‬اللهم اهدني فيمن هديت ‪ ،‬وعافني فيمن‬
‫عافيت ‪ ،‬وتولني فيمن توليت ‪ ،‬وبارك لي فيما أعطيت ‪ ،‬وقني شر ما قضيت ‪ ،‬فإنّك تقضي‬
‫ول يقضى عليك ‪ ،‬وأنّه ل يذلّ من واليت ‪ ،‬تباركت ربنا وتعاليت » ‪ ،‬وزاد العلماء فيه ‪:‬‬
‫" ول يع ّز من عاديت " قبل ‪ " :‬تباركت ربنا وتعاليت " وبعده ‪ " :‬فلك الحمد على ما قضيت ‪،‬‬
‫أستغفرك وأتوب إليك " ‪.‬‬
‫قال النّوويّ ‪ :‬قال أصحابنا ‪ :‬ل بأس بهذه الزّيادة ‪ ،‬وقال أبو حامد والبندنيجيّ وآخرون ‪:‬‬
‫مستحبة ‪.‬‬
‫ويسنّ أن يقول عقب هذا الدّعاء ‪ :‬اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد وسلّم ‪.‬‬
‫وذلك في الوجه الصحيح المشهور ‪.‬‬
‫ن القنوت ل يتعين فيه دعاء على المذهب المختار ‪ ،‬فأي دعاء دعا به‬
‫قال النّوويّ ‪ :‬واعلم أ ّ‬
‫حصل القنوت ‪ ،‬ولو قنت بآية أو آيات من القرآن العزيز ‪ ،‬وهي مشتملة على الدّعاء حصل‬
‫القنوت ‪ ،‬ولكنّ الفضل ما جاءت به السّنّة ‪.‬‬
‫ولو قنت بالمنقول عن عمر بن الخطاب رضي ال عنه كان حسنا ‪ ،‬فقد روي أنّه قنت في‬
‫الصّبح بعد الرّكوع فقال ‪ :‬اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات ‪ ،‬والمسلمين والمسلمات ‪،‬‬
‫وألّف بين قلوبهم ‪ ،‬وأصلح ذات بينهم ‪ ،‬وانصرهم على عدوّك وعدوّهم ‪ ،‬اللهم العن كفرة‬
‫أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك ‪ ،‬ويكذّبون رسلك ‪ ،‬ويقاتلون أولياءك ‪ ،‬اللهم خالف‬
‫بين كلمتهم ‪ ،‬وزلزل أقدامهم ‪ ،‬وأنزل بهم بأسك الذي ل تردّه عن القوم المجرمين ‪ ،‬بسم‬
‫ال الرحمن الرحيم ‪ ،‬اللهم إنّا نستعينك ونستغفرك ‪ ،‬ونثني عليك ول نكفرك ‪ ،‬ونخلع‬
‫ونترك من يفجرك ‪ ،‬بسم ال الرحمن الرحيم ‪ ،‬اللهم إياك نعبد ولك نصلّي ونسجد ‪ ،‬ولك‬
‫نسعى ونحفد ‪ ،‬ونخشى عذابك الجد ‪ ،‬ونرجو رحمتك ‪ ،‬إنّ عذابك بالكافرين ملحق ‪.‬‬
‫ثم إنّه يستحبّ الجمع بين قنوت عمر رضي ال عنه وما سبق ‪ ،‬فإن جمع بينهما ‪ ،‬فالصحّ‬
‫تأخ ير قنوت عمر ‪ ،‬وإن اقت صر فليقت صر على الول ‪ ،‬وإنّ ما يستحبّ الج مع بينه ما إذا كان‬
‫منفردا أو إمام جماعة محصورين يرضون بالتطويل ‪.‬‬
‫ويستحبّ إذا كان المصلّي إماما أل يخص نفسه بالدّعاء ‪ ،‬بل يعمّم ‪ ،‬فيأتي بلفظ الجمع "‬
‫اللهم اهدنا ‪ ...‬إلخ " ‪ ،‬لما روي عن ثوبان رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ « :‬ل يؤمّ امرؤ قوما ‪ ،‬فيخص نفسه بدعوة دونهم ‪ ،‬فإن فعل فقد خانهم » ‪.‬‬
‫أما رفع اليدين في القنوت ففيه وجهان مشهوران ‪ ،‬أصحّهما استحباب رفع اليدين فيه ‪.‬‬
‫وأما مسح الوجه باليدين بعد الفراغ من الدّعاء ‪ -‬إن قلنا بالرفع ‪ -‬ففيه وجهان ‪ ،‬أصحّهما‬
‫عدم استحباب المسح ‪.‬‬
‫وأما الجهر بالقنوت أو السرار به في صلة الصّبح ‪ ،‬فيفرق بين ما إذا كان المصلّي‬
‫إماما ‪ ،‬أو منفردا ‪ ،‬أو مأموما ‪.‬‬
‫ب له الجهر بالقنوت في الصحّ ‪.‬‬
‫‪ -‬فإن كان إماما ‪ :‬فيستح ّ‬
‫‪ -‬وإن كان منفردا فيس ّر به بل خلف ‪.‬‬
‫‪ -‬وإن كان مأموما ‪ :‬فإن لم يجهر المام قنت سرّا كسائر الدعوات ‪ ،‬وإن جهر المام‬
‫بالقنوت‪ ،‬فإن كان المأموم يسمعه أمن على دعائه ‪ ،‬وشاركه في الثناء على آخره ‪ ،‬وإن‬
‫كان ل يسمعه قنت سرّا ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬القنوت في الوتر ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الفقهاء في حكم القنوت في صلة الوتر على أربعة أقوال ‪:‬‬ ‫‪4‬‬

‫ن القنوت واجب في الوتر قبل الرّكوع في جميع السنة ‪ ،‬وقال‬


‫الول ‪ :‬لبي حنيفة ‪ :‬وهو أ ّ‬
‫الصاحبان أبو يوسف ومحمد ‪ :‬هو سنّة في كلّ السنة قبل الرّكوع ‪.‬‬
‫فعند الحنفية إذا فرغ مصلّي الوتر من القراءة في الركعة الثالثة كبر رافعا يديه ‪ ،‬ثم يقرأ‬
‫دعاء القنوت ‪ ،‬واستدلّوا على ذلك بما روي أنّه صلى ال عليه وسلم « قنت في آخر الوتر‬
‫قبل الرّكوع » ‪.‬‬
‫سمَاء انشَقّتْ } ‪ ،‬لما روي‬
‫ن مقدار القيام في القنوت مقدار سورة { إِذَا ال ّ‬
‫وذكر الكرخيّ أ ّ‬
‫عن النبيّ صلى ال عليه وسلم « أنّه كان يقرأ في القنوت ‪ :‬اللهم إنّا نستعينك … إلخ »‬
‫« اللهم اهدنا فيمن هديت ‪ ...‬إلخ » وكلهما على مقدار هذه السّورة ‪.‬‬
‫وليس في القنوت دعاء مؤقت ‪ ،‬كذا ذكر الكرخيّ في كتاب الصلة ‪ ،‬لنّه روي عن الصحابة‬
‫ن المؤقت من الدّعاء يجري على لسان الداعي من غير‬
‫أدعية في حال القنوت ‪ ،‬ول ّ‬
‫احتياجه إلى إحضار قلبه وصدق الرغبة منه إلى ال تعالى ‪ ،‬فيبعد عن الجابة ‪ ،‬ولنّه ل‬
‫توقيت في القراءةِ لشيءٍ من الصلوات ‪ ،‬ففي دعاء القنوت أولى ‪ ،‬وقد روي عن محمد أنّه‬
‫قال ‪ :‬التوقيت في الدّعاء يذهب رقة القلب ‪ ،‬وقال بعض مشايخنا ‪ :‬المراد من قوله ‪ :‬ليس‬
‫ن الصحابة اتفقوا على‬
‫في القنوت دعاء مؤقت ما سوى قوله ‪ « :‬اللهم إنّا نستعينك ‪ » ..‬ل ّ‬
‫هذا في القنوت ‪ ،‬فالولى أن يقرأه ‪ ،‬ولو قرأ غيره جاز ‪ ،‬ولو قرأ معه غيره كان حسنا ‪،‬‬
‫ي رضي ال‬
‫والولى أن يقرأ بعده ما علم رسول ال صلى ال عليه وسلم الحسن بن عل ّ‬
‫عنهما في قنوته « اللهم اهدنا فيما هديت ‪ ، » ..‬إلى آخره ‪.‬‬
‫ومن ل يحسن القنوت بالعربية أو ل يحفظه ‪ ،‬ففيه ثلثة أقوال مختارة ‪ ،‬قيل ‪ :‬يقول ‪ " :‬يا‬
‫ب " ثلث مرات ‪ ،‬ثم يركع ‪ ،‬وقيل ‪ :‬يقول ‪ :‬اللهم اغفر لي ثلث مرات ‪ ،‬وقيل ‪ :‬يقول ‪:‬‬
‫ر ّ‬
‫اللهم ربنا آتنا في الدّنيا حسنة وفي الخرة حسنة ‪ ،‬وقنا عذاب النار ‪ ،‬قال ابن نجيم بعد أن‬
‫ن الخير أفضل‬
‫ذكر القوال الثلثة ‪ :‬والظاهر أنّ الختلف في الفضلية ل في الجواز ‪ ،‬وأ ّ‬
‫لشموله ‪ ،‬وأنّ التقييد بمن ل يحسن العربية ليس بشرط ‪ ،‬بل يجوز لمن يعرف الدّعاء‬
‫المعروف أن يقتصر على واحد مما ذكر لما علمت أنّ ظاهر الرّواية عدم توقيته ‪.‬‬
‫وأما صفة دعاء القنوت من الجهر والمخافتة ‪ ،‬فقد ذكر القاضي في شرحه مختصر‬
‫الطحاويّ أنّه إن كان منفردا فهو بالخيار ‪ :‬إن شاء جهر وأسمع غيره ‪ ،‬وإن شاء جهر‬
‫وأسمع نفسه ‪ ،‬وإن شاء أسر كما في القراءة ‪.‬‬
‫وإن كان إماما يجهر بالقنوت ‪ ،‬لكن دون الجهر بالقراءة في الصلة ‪ ،‬والقوم يتابعونه هكذا‬
‫إلى قوله ‪ :‬إنّ عذابك بالكفار ملحق ‪.‬‬
‫قال أبو يوسف ‪ :‬يسنّ أن يقرأ المقتدي أيضا وهو المختار ‪ ،‬لنّه دعاء كسائر الدعية ‪،‬‬
‫ن له شبهة القرآن احتياطا ‪.‬‬
‫وقال محمد ‪ :‬ل يقرأ بل يؤمّن ل ّ‬
‫وقال في الذخيرة ‪ :‬استحسنوا الجهر في بلد العجم للمام ليتعلموا ‪ ،‬كما جهر عمر رضي‬
‫ال عنه بالثناء حين قدم عليه وفد العراق ‪ ،‬ونص في الهداية على أنّ المختار المخافتة ‪،‬‬
‫وفي المحيط على أنّه الصحّ ‪.‬‬
‫ق المام‬
‫وفي البدائع ‪ :‬واختار مشايخنا بما وراء النّهر الخفاء في دعاء القنوت في ح ّ‬
‫خفْ َيةً } وقول النبيّ صلى ال عليه‬
‫والقوم جميعا ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬ادْعُواْ رَ ّب ُكمْ تَضَرّعًا َو ُ‬
‫ي»‪.‬‬
‫وسلم ‪ « :‬خير الذّكر الخف ّ‬
‫أما الصلة على النبيّ صلى ال عليه وسلم في القنوت ‪ .‬فقد قال أبو القاسم الصفار ‪ :‬ل‬
‫يفعل ‪ ،‬لنّ هذا ليس موضعها ‪ ،‬وقال الفقيه أبو الليث ‪ :‬يأتي بها ‪ ،‬لنّ القنوت دعاء ‪،‬‬
‫ي صلى ال عليه وسلم ذكره في الفتاوى ‪.‬‬
‫فالفضل أن يكون فيه الصلة على النب ّ‬
‫وأما حكم القنوت إذا فات عن محلّه ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬إذا نسي القنوت حتى ركع ثم تذكر بعدما رفع‬
‫رأسه من الرّكوع ل يعود ‪ ،‬ويسقط عنه القنوت ويسجد للسهو ‪ ،‬وإن تذكره في الرّكوع ‪،‬‬
‫فكذلك في ظاهر الرّواية ‪ ،‬كما في البدائع ‪ ،‬وصححه في الفتاوى الخانية ‪ ،‬وروي عن أبي‬
‫ن له شبها بالقراءة فيعود ‪ ،‬كما لو ترك الفاتحة أو‬
‫يوسف ‪ :‬أنّه يعود إلى القنوت ‪ ،‬ل ّ‬
‫السّورة فتذكرها في الرّكوع أو بعد رفع الرأس منه ‪ ،‬فإنّه يعود وينتقض ركوعه‪ ،‬كذا‬
‫هاهنا‪ .‬والثاني ‪ :‬للمالكية في المشهور وطاوس ‪ ،‬وهو رواية عن ابن عمر رضي ال‬
‫عنهما ‪ :‬أنّه ل يشرع القنوت في صلة الوتر من السنة كلّها ‪ ،‬فعن طاوس أنّه قال ‪:‬‬
‫القنوت في الوتر بدعة ‪ ،‬وعن ابن عمر ‪ :‬أنّه ل يقنت في صلة بحال ‪ ،‬ومشهور مذهب‬
‫مالك كراهة القنوت في الوتر ‪.‬‬
‫وفي رواية عن مالك أنّه يقنت في الوتر في النّصف الخير من رمضان ‪.‬‬
‫والثالث ‪ :‬للشافعية في الصحّ ‪ :‬وهو أنّه يستحبّ القنوت في الوتر في النّصف الخير من‬
‫شهر رمضان خاصةً ‪ ،‬فإن أوتر بركعة قنت فيها ‪ ،‬وإن أوتر بأكثر قنت في الخيرة ‪.‬‬
‫وفي وجه للشافعية ‪ :‬أنّه يقنت في جميع رمضان ‪.‬‬
‫وحكى الرّويانيّ وجها أنّه يجوز القنوت في جميع السنة بل كراهة ‪ ،‬ول يسجد للسهو‬
‫لتركه في غير النّصف الخير من رمضان ‪ ،‬قال ‪ :‬وهذا حسن وهو اختيار مشايخ طبرستان‬
‫‪.‬‬
‫ي كراهة القنوت في غير النّصف الخير من رمضان ‪.‬‬
‫قال الرافعيّ ‪ :‬وظاهر كلم الشافع ّ‬
‫أما محلّ القنوت في الوتر ‪ ،‬فهو بعد رفع الرأس من الرّكوع في الصحيح المشهور ‪.‬‬
‫أما لفظ القنوت في الوتر فكالصّبح ‪.‬‬
‫واستحب الشافعية أن يضم إلى ما ذكرنا من دعاء القنوت قنوت عمر رضي ال عنه ‪.‬‬
‫أما الجهر بالقنوت في الوتر ورفع اليدين ومسح الوجه فحكمها ما سبق في قنوت الصّبح‬
‫نفسه ‪.‬‬
‫ن القنوت جميع السنة في الركعة الواحدة الخيرة من‬
‫والرابع ‪ :‬للحنابلة ‪ :‬وهو أنّه يس ّ‬
‫ن النّبي صلى ال عليه وسلم قنت بعد‬
‫الوتر بعد الرّكوع ‪ ،‬لما روى أبو هريرة وأنس « أ ّ‬
‫الرّكوع » ‪ ،‬قال ابن قدامة في تعليل مشروعيته كل السنة ‪ :‬لنّه وتر ‪ ،‬فيشرع فيه‬
‫القنوت ‪ ،‬كالنّصف الخير من رمضان ‪ ،‬ولنّه ذكر شرع في الوتر ‪ ،‬فشرع في جميع‬
‫السنة كسائر الذكار ‪.‬‬
‫ولو كبّر ورفع يديه بعد القراءة ‪ ،‬ثم قنت قبل الرّكوع جاز ‪ ،‬لما روى أبيّ بن كعب « أنّ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم قنت في الوتر قبل الرّكوع » ‪.‬‬
‫وهيئة القنوت أن يرفع يديه إلى صدره حال قنوته ويبسطهما وبطونهما نحو السماء ولو‬
‫كان مأموما ‪ ،‬ويقول جهرا ‪ -‬سواء أكان إماما أو منفردا ‪ " : -‬اللهم إنّا نستعينك ‪،‬‬
‫ونستهديك ‪ ،‬ونستغفرك ‪ ،‬ونتوب إليك ‪ ،‬ونؤمن بك ‪ ،‬ونتوكل عليك ‪ ،‬ونثني عليك الخير‬
‫كله‪ ،‬نشكرك ول نكفرك ‪ ،‬اللهم إياك نعبد ‪ ،‬ولك نصلّي ونسجد ‪ ،‬وإليك نسعى ونحفد ‪،‬‬
‫نرجو رحمتك ‪ ،‬ونخشى عذابك ‪ ،‬إنّ عذابك الجد بالكفار ملحق ‪ ،‬اللهم اهدنا فيمن هديت ‪،‬‬
‫وعافنا فيمن عافيت ‪ ،‬وتولنا فيمن توليت ‪ ،‬وبارك لنا فيما أعطيت ‪ ،‬وقنا شر ما قضيت ‪،‬‬
‫إنّك تقضي ول يقضى عليك ‪ ،‬وإنّه ل يذلّ من واليت ‪ ،‬ول يعزّ من عاديت ‪ ،‬تباركت ربنا‬
‫وتعاليت‪ ،‬اللهم إنّا نعوذ برضاك من سخطك ‪ ،‬وبعفوك من عقوبتك ‪ ،‬وبك منك ‪ ،‬ل نحصى‬
‫ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك " ‪.‬‬
‫وله أن يزيد ما شاء مما يجوز به الدّعاء في الصلة ‪ ،‬قال المجد ابن تيمية ‪ :‬فقد صحّ عن‬
‫ي صلى ال عليه‬
‫عمر رضي ال عنه أنّه كان يقنت بقدر مائة آية ‪ ،‬ثم يصلّي على النب ّ‬
‫وسلم ويفرد المنفرد الضمير ‪ ،‬فيقول اللهم اهدني ‪ .‬اللهم إنّي أستعيذك ‪ ...‬إلخ ‪ ،‬وهو‬
‫الصحيح في المذهب ‪ .‬وعليه نص أحمد ‪ ،‬وعند ابن تيمية ‪ ،‬يجمعه ‪ ،‬لنّه يدعو لنفسه‬
‫وللمؤمنين ‪ .‬والمأموم إذا سمع قنوت إمامه أمن عليه بل قنوت ‪ ،‬وإن لم يسمعه دعا ‪،‬‬
‫وهل يمسح وجهه بيديه إذا فرغ ؟ على روايتين ‪:‬‬
‫أشهرهما ‪ :‬أنّه يمسح بهما وجهه ‪ ،‬نقله أحمد ‪ ،‬واختاره الكثر ‪ ،‬لما روى السائب بن يزيد‬
‫عن أبيه « أنّ النّبي صلى ال عليه وسلم كان إذا دعا فرفع يديه ‪ ،‬مسح وجهه بيديه » ‪،‬‬
‫وكخارج الصلة ‪.‬‬
‫والثانية ‪ :‬ل ‪ ،‬نقلها الجماعة ‪ ،‬واختارها الج ّريّ لضعف الخبر ‪ ،‬وعنه ‪ :‬يكره ‪ ،‬صححها‬
‫في الوسيلة ‪ ،‬وعنه ‪ :‬يمرّهما على صدره ‪ ،‬وبعد ذلك يرفع يديه إذا أراد السّجود ‪ ،‬لنّ‬
‫القنوت مقصود في القيام ‪ ،‬فهو كالقراءة ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬القنوت عند النازلة ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الفقهاء في حكم القنوت عند النّوازل على أربعة أقوال ‪:‬‬ ‫‪5‬‬

‫الول للحنفية ‪ :‬وهو أنّه ل يقنت في غير الوتر إل لنازل ٍة ‪ :‬كفتنة وبل ّيةٍ ‪ ،‬فيقنت المام في‬
‫الصلة الجهرية ‪ ،‬قال الطحاويّ ‪ :‬إنّما ل يقنت عندنا في صلة الفجر من دون وقوع بلية ‪،‬‬
‫فإن وقعت فتنة أو بلية فل بأس به ‪ ،‬فعله رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫وهل القنوت للنازلة قبل الرّكوع أو بعده ؟ احتمالن ‪ ،‬استظهر الحمويّ في حواشي الشباه‬
‫والنّظائر كونه قبله ‪ ،‬ورجح ابن عابدين ما استظهره الشرنبللي في مراقي الفلح أنّه‬
‫بعده‪ .‬والثاني للمالكية في المشهور والشافعية في غير الصحّ ‪ :‬وهو أنّه ل يقنت في غير‬
‫ي ‪ :‬ل بوتر ول في سائر الصلوات عند الضرورة خلفا لزاعميه‬
‫الصّبح مطلقا ‪ ،‬قال الزرقان ّ‬
‫‪ ،‬لكن لو قنت في غيرها لم تبطل ‪ ،‬والظاهر أنّ حكمه في غير الصّبح الكراهة ‪ ،‬ودليلهم‬
‫على ذلك ما في الصحيحين عن أنس وأبي هريرة رضي ال عنهما « أنّه صلى ال عليه‬
‫وسلم قنت شهرا ثم تركه » ‪.‬‬
‫والثالث للشافعية في الصحيح المشهور وبعض المالكية ‪ :‬وهو أنّه إذا نزلت بالمسلمين‬
‫نازلة‪ ،‬كوباء ‪ ،‬وقحط ‪ ،‬أو مطر يضرّ بالعمران أو الزرع ‪ ،‬أو خوف عد ّو ‪ ،‬أو أسر عالم‬
‫قنتوا في جميع الصلوات المكتوبة ‪ ،‬قال النّوويّ ‪ :‬مقتضى كلم الكثرين أنّ الكلم والخلف‬
‫في غير الصّبح إنّما هو في الجواز ‪ ،‬ومنهم من يشعر إيراده بالستحباب ‪ ،‬قلت ‪ :‬الصحّ‬
‫استحبابه ‪ ،‬وصرح به صاحب العدة ‪ ،‬ونقله عن نص الشافعيّ في الملء ‪ ،‬فإن لم تكن‬
‫نازلة فل قنوت إل في صلة الفجر ‪ ،‬قال ابن علن ‪ :‬وإن لم تنزل فل يقنتوا ‪ ،‬أي يكره ذلك‬
‫لعدم ورود الدليل لغير النازلة ‪ ،‬وفارقت الصّبح غيرها بشرفها مع اختصاصها بالتأذين قبل‬
‫الوقت ‪ ،‬وبالتثويب ‪ ،‬وبكونها أقصرهن ‪ ،‬فكانت بالزّيادة أليق ‪ ،‬وليعود على يومه بالبركة ‪،‬‬
‫لما فيه ‪ -‬أي القنوت ‪ -‬من الذّلة والخضوع ‪.‬‬
‫واستدلّوا على ذلك بحديث ابن عباس رضي ال عنهما ‪ « :‬قنت رسول ال صلى ال عليه‬
‫علٍ‬
‫وسلم شهرا متتابعا في الظّهر والعصر والمغرب والعشاء والصّبح ‪ ،‬يدعو على رِ ْ‬
‫وذكوان وعصيّة في دبر كلّ صلة إذا قال سمع ال لمن حمده من الركعة الخيرة ‪ ،‬ويؤمّن‬
‫من خلفه » قال ابن علن ‪ :‬إنّه صلى ال عليه وسلم قنت شهرا يدعو على قاتلي أصحابه‬
‫القراء ببئر معونة ‪ ،‬لدفع تمرّد القاتلين ‪ ،‬ل لتدارك المقتولين لتعذّره ‪ .‬وقيس غير خوف‬
‫العدوّ عليه ‪.‬‬
‫وإذا قنت في غير الصّبح من الفرائض لنازلة ‪ ،‬فهل يجهر بالقنوت أم يس ّر به ؟ قال‬
‫النّوويّ‪ :‬الراجح أنّها كلّها كالصّبح ‪ ،‬سرّي ًة كانت أم جهريةً ‪ ،‬ومقتضى إيراده في الوسيط‬
‫أنّه يسرّ في السرية ‪ ،‬وفي الجهرية الخلف ‪.‬‬
‫والرابع للحنابلة على الراجح عندهم ‪ :‬وهو أنّه يكره القنوت في غير وتر إل أن تنزل‬
‫بالمسلمين نازلة ‪ -‬غير الطاعون ‪ -‬لنّه لم يثبت القنوت في طاعون عمواس ول في‬
‫ن للمام العظم ‪ -‬وهو الصحيح في‬
‫غيره‪ ،‬ولنّه شهادة للخيار ‪ ،‬فل يسأل رفعه ‪ ،‬فيس ّ‬
‫المذهب ‪ -‬القنوت فيما عدا الجمعة من الصلوات المكتوبات ‪ -‬وهو المعتمد في المذهب ‪-‬‬
‫ي صلى ال عليه وسلم « أنّه قنت شهرا يدعو‬
‫لرفع تلك النازلة ‪ ،‬ذلك لما روي عن النب ّ‬
‫على حيّ من أحياء العرب ‪ ،‬ثم تركه » ‪ ،‬وما روي عن عليّ رضي ال عنه أنّه قنت ثم قال‬
‫‪ :‬إنّما استنصرنا على عدونا هذا ‪.‬‬
‫ي صلى ال عليه وسلم وأصحابه ‪ ،‬وقد روي عن‬
‫ويقول المام في قنوته نحوا مما قال النب ّ‬
‫عمر رضي ال عنه أنّه كان يقول في القنوت ‪ " :‬اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات ‪،‬‬
‫والمسلمين والمسلمات ‪ ،‬وألّف بين قلوبهم ‪ ،‬وأصلح ذات بينهم ‪ ،‬وانصرهم على عدوّك‬
‫وعدوّهم ‪ ،‬اللهم العن كفرة أهل الكتاب الذين يكذّبون رسلك ‪ ،‬ويقاتلون أولياءك ‪ ،‬اللهم‬
‫خالف بين كلمتهم ‪ ،‬وزلزل أقدامهم ‪ ،‬وأنزل بهم بأسك الذي ل يردّ عن القوم المجرمين ‪،‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪ ،‬اللهم إنّا نستعينك ‪ ...‬إلخ ‪.‬‬
‫ويجهر بالقنوت للنازلة في صلة جهرية ‪ ،‬قال ابن مفلح وظاهر كلمهم مطلقا ‪ ،‬ولو قنت‬
‫ن القنوت من جنس الصلة ‪،‬‬
‫في النازلة كلّ إمام جماعة أو كلّ مص ّل ‪ ،‬لم تبطل صلته ‪ .‬ل ّ‬
‫كما لو قال ‪ :‬آمين يا رب العالمين ‪.‬‬

‫ُقِ ْنيَة *‬
‫التعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬القنية في اللّغة ‪ :‬جمع المال وكسبه واتّخاذه للنفس ‪ ،‬يقال ‪ :‬اقتنيت المال ‪ :‬اتخذته‬ ‫‪1‬‬

‫لنفسي قني ًة ل للتّجارة ‪ ،‬وقنى الشيء قنيا ‪ :‬كسبه وجمعه ‪.‬‬


‫والقنية في الصطلح ‪ :‬حبس المال للنتفاع ل للتّجارة ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫الكنز ‪:‬‬
‫‪ -‬الكنز لغةً ‪ :‬من كنزت المال كنزا أي جمعته وادخرته ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫وشرعا ‪ :‬هو المال الذي لم تؤد زكاته وإن لم يكن مدفونا تحت الرض ‪.‬‬
‫والعلقة بين القنية والكنز هي حبس المال وجمعه ‪.‬‬
‫الحكم التكليفيّ ‪:‬‬
‫‪ -‬قنية الشياء قد يكون مباحا مثل اقتناء الذهب والفضة في حال دون حال ‪ ،‬وقد يكون‬ ‫‪3‬‬

‫مندوبا مثل اقتناء المصاحف وكتب الحديث والعلم ‪ ،‬وقد يكون حراما مثل الخنزير والخمر‬
‫وآلت اللهو المحرمة ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪2‬‬ ‫انظر مصطلح ( اقتناء ف ‪/‬‬
‫زكاة القنية ‪:‬‬
‫‪ -‬قسم ابن جزيّ العروض إلى أربعة أقسام ‪ :‬قسم للقنية خالصا ‪ ،‬وقسم للتّجارة خالصا‬ ‫‪4‬‬

‫ففيه الزكاة ‪ ،‬وقسم للقنية والتّجارة ‪ ،‬وقسم للغلة والكراء ‪.‬‬


‫وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ عرض التّجارة يصير للقنية بنية القنية وتسقط الزكاة‬
‫منه‪ ،‬لنّ القنية هي الصل ‪ ،‬ويكفي في الر ّد إلى الصل مجرد النّية ‪ ،‬كما لو نوى المسافر‬
‫القامة في مكان صالح للقامة يصير مقيما في الحال بمجرد النّية ; ولنّ نية التّجارة شرط‬
‫لوجوب الزكاة في العروض ‪ ،‬فإذا نوى القنية زالت نية التّجارة ففات شرط الوجوب ; ولنّ‬
‫ن العرض إذا صار للقنية‬
‫القنية هي الحبس للنتفاع وقد وجد بالنّية مع المساك ‪ ،‬كما أ ّ‬
‫بالنّية ل يصير للتّجارة بالنّية المجردة ما لم يقترن بها فعل التّجارة ; لنّ التّجارة هي تقليب‬
‫ن الصل القنية ‪ ،‬والتّجارة‬
‫العروض بقصد الرباح ‪ ،‬ولم يوجد ذلك بمجرد النّية ; ول ّ‬
‫عارض فلم يصر إليها بمجرد النّية ‪ ،‬كما لو نوى الحاضر السفر ل يثبت له حكم السفر‬
‫بمجرد النّية ‪ ،‬بل ل بد من الشّروع فيه والخروج عن عمران المصر ‪.‬‬
‫وخالف في ذلك أبو ثور وابن عقيل وأبو بكر من الحنابلة وأحمد في رواية حيث ذهبوا إلى‬
‫أنّ القنية تصير للتّجارة بمجرد النّية ‪ ،‬واستدلّوا بحديث سمرة رضي ال عنه قال ‪ « :‬أما‬
‫بعد فإنّ رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يأمرنا أن نخرج الصدقة مما نعدّه للبيع » ‪،‬‬
‫قال ابن قدامة ‪ :‬قال بعض أصحابنا ‪ :‬هذا على أصحّ الرّوايتين ; لنّ نية القنية بمجردها‬
‫كافية فكذلك نية التّجارة بل أولى ; لنّ إيجاب الزكاة يغلب على إسقاطها احتياطا ; ولنّه‬
‫أحظّ للمساكين فاعتبر كالتقويم ‪.‬‬

‫َقهْ َقهَة *‬
‫التعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬القهقهة مصدر قهقه إذا مد ورجع في ضحكه ‪ ،‬وقيل ‪ :‬هو اشتداد الضحك ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫وفي الصطلح ‪ :‬الضحك المسموع له ولجيرانه ‪.‬‬


‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الضحك ‪:‬‬
‫ضحِكا ‪ :‬انفرجت شفتاه وبدت أسنانه من‬
‫ك يضحك ضِحكا و َ‬
‫ضحِ َ‬
‫‪ -‬الضحك لغةً ‪ :‬مصدر َ‬ ‫‪2‬‬

‫السّرور ‪.‬‬
‫وفي الصطلح ‪ :‬هو ما يكون مسموعا له دون جيرانه ‪.‬‬
‫وبين الضحك والقهقهة عموم وخصوص ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬التبسّم ‪:‬‬
‫‪ -‬التبسّم مصدر تبسم ‪ ،‬والثّلثيّ بسم ‪ ،‬يقال ‪ :‬بسم يبسم بسما ‪ :‬انفرجت شفتاه عن‬ ‫‪3‬‬

‫ثناياه ضاحكا بدون صوت ‪ ،‬وهو أخفّ من الضحك ‪.‬‬


‫ي بقوله ‪ :‬ما ل يكون مسموعا له ولجيرانه ‪.‬‬
‫وعرفه الجرجان ّ‬
‫والصّلة بين التبسّم والقهقهة أنّ التبسّم غالبا مقدّمة للقهقهة ‪.‬‬
‫الحكم الجماليّ ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الفقهاء في القهقهة في الصلة ‪ ،‬فقال جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية‬ ‫‪4‬‬

‫والحنابلة ‪ :‬إنّ الصلة تفسد بالقهقهة ول ينتقض الوضوء ‪ ،‬لما روى البيهقيّ عن أبي‬
‫الزّناد قال ‪ :‬كان من أدركت من فقهائنا الذين ينتهى إلى قولهم منهم سعيد بن المسيّب‬
‫وعروة بن الزّبير والقاسم بن محمد وأبو بكر بن عبد الرحمن وخارجة بن زيد بن ثابت‬
‫وغيرهم يقولون فيمن رعف غسل عنه الدم ولم يتوضأ وفيمن ضحك في الصلة أعادها‬
‫ولم يعد وضوءه ‪ .‬ولنّ الضحك لو كان ناقضا لنقض في الصلة وغيرها كالحدث ‪ ،‬فهي ل‬
‫توجب الوضوء خارج الصلة فل توجبه داخلها كالعطاس والسّعال ‪.‬‬
‫وقال الحنفية ‪ :‬القهقهة في الصلة ذات الرّكوع والسّجود تنقض الوضوء وتفسد الصلة لما‬
‫روي عن أبي العالية والحسن البصريّ وإبراهيم النّخعيّ والزّهريّ « أنّ رجلً أعمى جاء‬
‫والنبيّ صلى ال عليه وسلم في الصلة ‪ ،‬فتردى في بئر ‪ ،‬فضحك طوائف من الصحابة ‪،‬‬
‫ي صلى ال عليه وسلم من ضحك أن يعيد الوضوء والصلة » ‪ ،‬وكما تبطل‬
‫فأمر النب ّ‬
‫بالحدث العمد إذا حصل قبل القعود الخير قدر التشهّد فإنّها تبطل كذلك ‪ ،‬بالقهقهة إذا‬
‫حصلت قبل القعود الخير قدر التشهّد كذلك أما إن كانت بعده فإنّها ل تبطل الصلة وإن‬
‫نقضت الوضوء‪ .‬وأما إذا كانت القهقهة خارج الصلة ‪ ،‬أو في صلة الجنازة وسجدة‬
‫التّلوة وصلة الصبيّ وصلة الباني بعد الوضوء ل تفسد الوضوء في جميع ذلك ‪.‬‬
‫قهقهة المام والمأموم ‪:‬‬
‫ن قهقهة المام أولً تنقض وضوءه دون القوم ;‬
‫‪ -‬ولو قهقه المام والقوم جميعا ‪ :‬فإ ّ‬ ‫‪5‬‬

‫لنّ قهقهتهم لم تصادف تحريمة الصلة بفساد صلتهم لفساد صلة المام ‪ ،‬فجعلت‬
‫قهقهتهم خارج الصلة ‪.‬‬
‫ن قهقهتهم حصلت في الصلة ‪.‬‬
‫وإن قهقه القوم أولً ثم المام انتقض طهارة الكلّ ; ل ّ‬
‫ن قهقهة الكلّ حصلت في تحريمة الصلة ‪.‬‬
‫وكذلك إن قهقهوا معا ; ل ّ‬
‫وهذا مذهب الحنفية ‪.‬‬

‫َقوَادِح *‬
‫التعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬القوادح في اللّغة جمع قادح ‪ :‬يقال قدح الرجل يقدحه قدحا إذا عابه بالطعن في نسبه‬ ‫‪1‬‬

‫أو عدالته ‪.‬‬


‫ول يخرج المعنى الصطلحيّ الفقهيّ عن المعنى اللّغويّ ‪.‬‬
‫وفي اصطلح الصوليّين قال العضد ‪ :‬هي في الحقيقة اعتراضات على الدليل الدالّ على‬
‫العلّية ‪.‬‬
‫الحكم الجماليّ ‪:‬‬
‫ما ترد عليه القوادح ‪:‬‬
‫‪ -‬ل ترد القوادح على كلّ قياس ; لنّ من القيسة ما ل ترد عليه كالقياس مع عدم‬ ‫‪2‬‬

‫النص أو الجماع ‪ ،‬فل يتجه عليه فساد العتبار إل ممن ينكر القياس أصلً ‪.‬‬
‫تعدّد القوادح ‪:‬‬
‫‪ -‬القوادح متعدّدة وقد اختلف الصوليّون في عددها ‪:‬‬ ‫‪3‬‬

‫ل بدون الحكم ‪.‬‬


‫ومنها ‪ :‬تخلّف الحكم عن العلة بأن وجدت العلة في صورة مث ً‬
‫ومنها ‪ :‬العكس ‪ :‬وهو انتفاء الحكم لنتفاء العلة ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬عدم التأثير ‪ :‬وهو أن ل يكون بين الوصف والحكم مناسبة ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬القلب ‪ :‬وهو دعوى المعترض أنّ ما يستدلّ به المستدلّ في المسألة المتنازع فيها‬
‫على ذلك الوجه عليه ل له إن صح ذلك المستدلّ به ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬القول بالموجب وهو ‪ :‬تسليم دليل المستدلّ مع بقاء محلّ النّزاع ‪ ،‬كأن يقول‬
‫المستدلّ في القصاص بالقتل بالمثقل ‪ :‬قتل بما يقتل غالبا فل ينافي القصاص ‪ ،‬فيسلّم‬
‫المعترض بعدم المنافاة بين القتل بالمثقل والقصاص ‪ ،‬ويقول ‪ :‬ولكن لم قلت إنّه يقتضي‬
‫القصاص وهو محلّ النّزاع ‪.‬‬
‫والتفصيل في الملحق الصوليّ ‪.‬‬
‫قوادح العدالة ‪:‬‬
‫‪ -‬من قوادح العدالة ما يأتي ‪:‬‬ ‫‪4‬‬

‫ن من ّرجَا ِل ُكمْ‬
‫شهِيدَيْ ِ‬
‫شهِدُواْ َ‬
‫أ ‪ -‬الفسق فل تقبل الشهادة من فاسق لقوله تعالى ‪ { :‬وَاسْ َت ْ‬
‫شهَدَاء } والفاسق ليس بمرضيّ ‪.‬‬
‫ن ال ّ‬
‫ن مِ َ‬
‫ضوْ َ‬
‫ج ٌل وَامْ َرأَتَانِ ِممّن تَرْ َ‬
‫فَإِن ّلمْ َيكُونَا َرجُلَيْنِ فَ َر ُ‬
‫ب ‪ -‬عدم المروءة ‪ :‬وهي سقوط الهمة ‪ ،‬وعدم الترفّع عن الدنايا ‪ ،‬فل يقبل شهادة من ل‬
‫مروءة له ; لنّه قد ل يترفع عن الكذب ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬عدم النّطق ‪ :‬فل يقبل شهادة البكم ‪.‬‬
‫د ‪ -‬التّهمة ‪ :‬فل يقبل شهادة من يتهم بجرّ نفع ‪ ،‬أو دفع ضرر كأن يشهد لصله ‪،‬أو‬
‫فرعه‪.‬‬
‫وقال الشّربينيّ الخطيب ‪ :‬المداومة على ترك السّنن الراتبة ومستحبات الصلة تقدح في‬
‫الشهادة لتهاون مرتكبها بالدّين وإشعاره بقلة مبالته بالمهمات ‪.‬‬
‫) وما بعدها ‪.‬‬ ‫‪22‬‬ ‫وشهادة ف ‪/‬‬ ‫‪17‬‬ ‫والتفصيل في مصطلح ( عدالة ف ‪/‬‬

‫َقوَاعِد *‬
‫التعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬القواعد لغةً جمع قاعدة وهي أساس الشيء وأصله ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫فقواعد البناء أساسه الذي يعتمده ‪ ،‬قال الزجاج ‪ :‬القواعد أساطين البناء التي تعمّده ومنه‬
‫سمَاعِيلُ } ‪.‬‬
‫ن الْبَيْتِ َوِإ ْ‬
‫قوله تعالى ‪َ { :‬وإِذْ َيرْفَ ُع إِبْرَاهِيمُ ا ْل َقوَاعِدَ مِ َ‬
‫ن وقعدن عن الولد‬
‫والقواعد من النّساء العجز اللواتي قعدن عن التصرّف من أجل السّ ّ‬
‫والمحيض ‪.‬‬
‫وفي الصطلح يطلق الفقهاء القواعد على معان منها ‪:‬‬
‫القواعد الفقهية ‪ ،‬والقاعدة الفقهية قضية كلّية منطبقة على جميع جزئياتها ‪ ،‬وقال‬
‫الحمويّ‪ :‬هي حكم أكثريّ ل كلّيّ ينطبق على أكثر جزئياته لتعرف أحكامها منه ‪ ،‬كما يطلق‬
‫الفقهاء القواعد من النّساء على المرأة التي قعدت عن الحيض والزواج من أجل السّنّ ‪.‬‬
‫ويطلق الفقهاء قواعد البيت على أسسه التي يقوم عليها ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫الصول ‪:‬‬
‫‪ -‬الصول في اللّغة جمع أصل ‪ ،‬وهو ما ينبني عليه غيره ‪ ،‬أو هو ما يفتقر إليه ول‬ ‫‪2‬‬

‫يفتقر هو إلى غيره ‪.‬‬


‫والصل في الشرع ‪ :‬عبارة عما يبنى عليه غيره ول يبنى هو على غيره أو هو ما يثبت‬
‫حكمه بنفسه ويبنى عليه غيره ‪.‬‬
‫ن القاعدة الكلّية أصل لجزئياتها ‪.‬‬
‫والصّلة بين الصول وبين القواعد أ ّ‬
‫أولً ‪ :‬القواعد الفقهية ‪:‬‬
‫‪ -‬أورد العلماء قواعد كلّيةً للفقه متفق عليها ترجع إليها مسائل الفقه في الجملة ويندرج‬ ‫‪3‬‬

‫تحتها ما ل ينحصر من الصّور الجزئية ‪ ،‬ومن هذه القواعد ما يلي ‪:‬‬


‫أ ‪ -‬المور بمقاصدها ‪:‬‬
‫وقد استخرج الفقهاء من هذه القاعدة أحكاما منها ‪ :‬أنّ الشيء الواحد يتصف بالحلّ‬
‫ل أخذ اللّقطة بقصد حفظها وردّها إلى أصحابها جائز ‪،‬‬
‫والحرمة باعتبار ما قصد به ‪ .‬فمث ً‬
‫أما أخذها بقصد الستيلء عليها وتملّكها فل يجوز بل يكون الخذ غاصبا آثما أو إلى غير‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬اليقين ل يزول بالشكّ ‪:‬‬
‫قال السّيوطيّ ‪ :‬هذه القاعدة يتفرع عليها مسائل من الطهارة والعبادات والطلق وإنكار‬
‫المرأة وصول النفقة إليها واختلف الزوجين في التمكين من الوطء والسّكوت والردّ ‪،‬‬
‫واختلف المتبايعين ودعوى المطلقة الحمل وغير ذلك ‪.‬‬
‫والتفصيل في الملحق الصوليّ ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬القواعد من النّساء ‪:‬‬
‫‪ -‬قال بعض الفقهاء ‪ :‬يجوز النظر إلى ما يظهر غالبا من المرأة العجوز التي ل يشتهى‬ ‫‪4‬‬

‫مثلها كما يجوز لها أن تضع الجلباب والخمار بشرط أن ل تكون مظهرةً لما يتطلع إليه‬
‫الرّجال منها ‪ ،‬ول متعرّضةً بالتزيّن للنظر إليها ‪ ،‬ولكن خير لها أن تستعف بالتستّر الكامل‬
‫كالشابة ‪.‬‬
‫قال القرطبيّ ‪ :‬إنّما خص القواعد من النّساء بذلك لنصراف النفس عنهنّ ‪ ،‬إذ ل مذهب‬
‫ن ما لم يبح لغيرهن ‪ ،‬وأزيل عنهنّ كلفة التحفّظ المتعب لهنّ ‪ ،‬ودليل‬
‫للرّجال فيهنّ فأبيح له ّ‬
‫ح أَن‬
‫ن جُنَا ٌ‬
‫س عَلَ ْيهِ ّ‬
‫ن ال ّنسَاء اللّاتِي لَا يَ ْرجُونَ ِنكَاحا فَلَيْ َ‬
‫ما ذكر قوله تعالى ‪ { :‬وَالْ َقوَاعِدُ مِ َ‬
‫سمِي ٌع عَلِيمٌ } ‪.‬‬
‫ن خَيْ ٌر ّلهُنّ وَال َ‬
‫ن غَ ْيرَ مُتَ َب ّرجَاتٍ ِبزِي َنةٍ َوأَن َيسْ َت ْعفِفْ َ‬
‫ضعْنَ ثِيَا َبهُ ّ‬
‫يَ َ‬
‫)‪.‬‬ ‫‪5‬‬ ‫والتفصيل في ( عجوز ف ‪/‬‬

‫قِوامة *‬
‫التعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬القِوامة في اللّغة من قام على الشيء يقوم قياما ‪ :‬أي حافظ عليه وراعى مصالحه ‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫ومن ذلك القيّم وهو الذي يقوم على شأن شيء ويليه ويصلحه ‪ ،‬والقوّام على وزن فعال‬
‫للمبالغة من القيام على الشيء والستبداد بالنظر فيه وحفظه بالجتهاد ‪.‬‬
‫قال البغويّ ‪ :‬القوام والقيّم بمعنى واحد ‪ ،‬والقوام أبلغ وهو القائم بالمصالح والتدبير‬
‫والتأديب ‪.‬‬
‫وبتتبّع عبارات الفقهاء يتبين أنّهم يطلقون لفظ القوامة على المعاني التية ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬ولية يفوّضها القاضي إلى شخص كبير راشد بأن يتصرف لمصلحة القاصر في تدبير‬
‫شؤونه المالية ( ر ‪ :‬قيّم ) ‪.‬‬
‫وكثيرا ما يسمّي الفقهاء القيّم بهذا المعنى وصي القاضي ‪ ،‬ويسمّي المالكية القيّم مقدم‬
‫القاضي ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬ولية يفوّض بموجبها صاحبها بحفظ المال الموقوف والعمل على إبقائه صالحا ناميا‬
‫بحسب شرط الواقف ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬ولية يفوّض بموجبها الزوج بتدبير شؤون زوجته وتأديبها وإمساكها في بيتها‬
‫ومنعها من البروز ‪.‬‬
‫ويستعمل الفقهاء القيّم والناظر والمتولّي في باب الوقف بمعنىً واحد ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬اليصاء ‪:‬‬
‫‪ -‬اليصاء في اللّغة مصدر أوصى ‪ ،‬يقال أوصى فلن بكذا يوصي إيصا ًء ‪ ،‬والسم‬ ‫‪2‬‬

‫الوصاية " بفتح الواو وكسرها " وهو أن يعهد إلى غيره في القيام بأمر من المور ‪ ،‬سواء‬
‫أكان القيام بذلك المر في حال حياة الطالب أم كان بعد وفاته ‪.‬‬
‫وأما في الصطلح فاليصاء بمعنى الوصية ‪ ،‬وعند بعض الفقهاء هو إقامة النسان غيره‬
‫مقامه بعد وفاته في تصرّف من التصرّفات ‪ ،‬أو في تدبير شؤون أولده الصّغار ورعايتهم ‪،‬‬
‫وذلك الشخص المقام يسمى الوصي ‪.‬‬
‫أما إقامة غيره مقامه في القيام بأمر في حال حياته فل يقال له في الصطلح إيصاء ‪،‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪1‬‬ ‫وإنّما يقال له وكالة ‪ ( .‬ر ‪ :‬إيصاء ف ‪/‬‬
‫ي والقيّم بأنّ القيّم من فوّض إليه حفظ المال والقيام عليه‬
‫وفرق بعض الفقهاء بين الوص ّ‬
‫وجمع الغلت دون التصرّف ‪ ،‬والوصيّ من فوّض إليه التصرّف والحفظ جميعا فيكون‬
‫بمنزلة الوكيل بالتصرّف والحفظ جميعا ‪ ،‬وعقب على ذلك ابن مازه بقوله ‪ :‬لكنّ هذا الفرق‬
‫كان من قبل ‪ ،‬أما في زماننا فإنّه ل فرق بين القيّم والوصيّ ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الوكالة ‪:‬‬
‫‪ -‬الوكالة ‪ :‬إقامة الشخص غيره مقام نفسه في تصرّف مملوك قابل للنّيابة ليفعله في‬ ‫‪3‬‬

‫ن كلّا منهما فيه تفويض للغير في القيام ببعض‬


‫حال حياته ‪ ،‬فهي تشبه القوامة من حيث إ ّ‬
‫ن التفويض في القوامة‬
‫المور نياب ًة عمن فوضه إل أنّ القوامة تختلف عن الوكالة في أ ّ‬
‫يكون من قبل القاضي غالبا ‪ ،‬أما الوكالة فل يشترط أن يكون التفويض فيها من قبل‬
‫القاضي‪.‬‬
‫ج ‪ -‬الولية ‪:‬‬
‫‪ -‬الولية في اللّغة ‪ :‬المحبة والنّصرة ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫ي وقيّم الوقف وولية وجوب‬


‫وفي الصطلح تنفيذ القول على الغير ‪ ،‬ومنه ولية الوص ّ‬
‫أداء صدقة الفطر ‪.‬‬
‫والولية أعمّ من القوامة ‪.‬‬
‫أحكام القوامة ‪:‬‬
‫للقوامة أحكام منها ‪:‬‬
‫القوامة على المحجور عليهم ‪:‬‬
‫‪ -‬تثبت القوامة على الصغير ‪ ،‬والمجنون ‪ ،‬والمعتوه ‪ ،‬والسفيه ‪ ،‬وذي الغفلة ‪.‬‬ ‫‪5‬‬
‫واختلف الفقهاء فيمن له الولية على أموالهم ‪ ،‬وقدم كلّ منهم من رآه أشفق على‬
‫المحجور عليه وأحرص على مصلحته ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪11‬‬ ‫‪،‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪ ،‬وإيصاء ف ‪/‬‬ ‫‪4‬‬ ‫والتفصيل في ( ولية ‪ ،‬ووصيّ ‪ ،‬وقيّم ف ‪/‬‬
‫نصب القيّم على مال المفقود ‪:‬‬
‫‪ -‬إذا غاب الرجل فلم يعرف له موضع ول يعلم أحيّ هو أم ميّت نصب القاضي من يحفظ‬ ‫‪6‬‬

‫ماله ‪ ،‬ويقوم عليه ويستوفي حقه ; لنّ القاضي نصّب ناظرا لكلّ عاجز عن النظر لنفسه ‪،‬‬
‫ي والمجنون ‪ ،‬وفي نصب ما ذكر نظر له فيفعل ‪.‬‬
‫والمفقود عاجز عنه ‪ ،‬فصار كالصب ّ‬
‫وللتفصيل ( ر ‪ :‬مفقود ) ‪.‬‬
‫القوامة على الوقف ‪:‬‬
‫ن حق تولية أمر الوقف في الصل للواقف فإن شرطها لنفسه أو لغيره‬
‫‪ -‬يرى الفقهاء أ ّ‬ ‫‪7‬‬

‫اتّبع شرطه ‪.‬‬


‫وأما إذا لم يشترط الواقف الولية لحد أو شرطها فمات المشروط له فاختلف الفقهاء في‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫والتفصيل في مصطلح ( وقف ) ‪.‬‬
‫قوامة الزوج على زوجته ‪:‬‬
‫‪ -‬الزوج قيّم على زوجته ‪ ،‬والمقصود أنّ الزوج أمين عليها يتولى أمرها ويصلحها في‬ ‫‪8‬‬

‫حالها ‪ ،‬ويقوم عليها آمرا ناهيا كما يقوم الوالي على رعيته ‪.‬‬
‫علَى ال ّنسَاء } ‪ ،‬أي الرجل قيّم‬
‫قال ابن كثير في تفسير قول ال تعالى ‪ { :‬ال ّرجَالُ َقوّامُونَ َ‬
‫على المرأة ‪ ،‬أي هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها مؤدّبها إذا اعوجت ‪.‬‬
‫وقال الجصاص في تفسيره للية ‪ :‬قيامهم عليهنّ بالتأديب والتدبير والحفظ والصيانة لما‬
‫فضل ال الرجل على المرأة في العقل والرأي ‪ ،‬وبما ألزمه ال تعالى من النفاق عليها ‪،‬‬
‫فدلت الية على معان ‪:‬‬
‫أحدها ‪ :‬تفضيل الرجل على المرأة في المنزلة ‪ ،‬وأنّه هو الذي يقوم بتدبيرها وتأديبها ‪،‬‬
‫ن له إمساكها في بيته ومنعها من الخروج ‪ ،‬وأنّ عليها طاعته وقبول أمره‬
‫وهذا يدلّ على أ ّ‬
‫ن َأ ْموَا ِل ِهمْ } ‪.‬‬
‫ما لم تكن معصيةً ‪ ،‬ودلت على وجوب نفقتها عليه بقوله ‪ { :‬وَ ِبمَا أَن َفقُواْ مِ ْ‬
‫ن الولية تستحقّ بالفضل ل‬
‫وقال الزمخشريّ في تعليقه على الية ‪ :‬وفيه دليل على أ ّ‬
‫بالتغلّب والستطالة والقهر ‪.‬‬
‫أسباب القوامة ‪:‬‬
‫‪ -‬ذكر العلماء أنّ القوامة جعلت على المرأة للرجل لثلثة أسباب ‪:‬‬ ‫‪9‬‬
‫ي ‪ :‬إنّ الرّجال لهم فضيلة في زيادة العقل والتدبير‬
‫الول ‪ :‬كمال العقل والتمييز ‪ ،‬قال القرطب ّ‬
‫ق القيام عليهنّ لذلك ‪.‬‬
‫فجعل لهم ح ّ‬
‫الثاني ‪ :‬كمال الدّين ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬بذل المال من الصداق والنفقة ‪ ،‬قال ابن كثير في تفسيره لقول ال تعالى ‪:‬‬
‫ن َأ ْموَا ِلهِمْ }‬
‫ض وَ ِبمَا أَن َفقُواْ مِ ْ‬
‫ض ُهمْ عَلَى َبعْ ٍ‬
‫ضلَ ال َبعْ َ‬
‫علَى ال ّنسَاء ِبمَا فَ ّ‬
‫{ ال ّرجَالُ َقوّامُونَ َ‬
‫ن في كتابه وسنّة نبيّه صلى ال‬
‫أي من المهور والنّفقات والكلف التي أوجبها ال عليهم له ّ‬
‫عليه وسلم فالرجل أفضل من المرأة في نفسه ‪ ،‬وله الفضل عليها ‪ ،‬فناسب أن يكون قيّما‬
‫عليها ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪14‬‬ ‫وزوجة ف ‪/‬‬ ‫‪11‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪2‬‬ ‫( ر ‪ :‬زوج ف ‪/‬‬
‫مقتضى قوامة الرجل على المرأة ‪:‬‬
‫‪ -‬مقتضى قوامة الرجل على المرأة أنّ على الرجل أن يبذل المهر والنفقة ويحسن‬ ‫‪10‬‬

‫العشرة ويحجب زوجته ويأمرها بطاعة ال وينهي إليها شعائر السلم من صلة وصيام ‪،‬‬
‫وعليها الحفظ لماله والحسان إلى أهله واللتزام لمره وقبول قوله في الطاعات ‪.‬‬

‫َقوَد *‬
‫انظر ‪ :‬قصاص ‪.‬‬

‫َقوْل *‬
‫التعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬القول في اللّغة هو ‪ :‬الكلم ‪ ،‬أو كلّ لفظ نطق به اللّسان تامّا أو ناقصا ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫ويستعمل القول مجازا للدللة على الحال مثل ‪ :‬وقالت له العينان ‪ :‬سمعا وطاعةً ‪.‬‬
‫والقول هو القيل والمقالة والمذهب ‪.‬‬
‫وجمع القول ‪ :‬أقوال وأقاويل ‪.‬‬
‫ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن المعنى ‪.‬‬
‫اللّغويّ الحكم التكليفيّ ‪:‬‬
‫ن القول منوط بقائله إذا كان مكلفا ‪ ،‬إن خيرا وإن شرّا ‪ ،‬لقول ال‬
‫‪ -‬أجمعت المة على أ ّ‬ ‫‪2‬‬

‫ن قول الكفر من مكلف غير مكره كفر‬


‫ب عَتِيدٌ } ‪ ،‬وأ ّ‬
‫تعالى ‪ { :‬مَا يَ ْل ِفظُ مِن َق ْولٍ إِلّا لَدَ ْيهِ رَقِي ٌ‬
‫ن القول قد يكون واجبا كالمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪ ،‬وقد يكون‬
‫وقال الفقهاء ‪ :‬إ ّ‬
‫حراما كشهادة الزّور والغيبة ونحوهما ‪ ،‬وقد يكون مندوبا كالكثار من الصلة على النبيّ‬
‫صلى ال عليه وسلم وقد يكون مكروها كالبسملة على المكروه ‪ ،‬وقد يكون مباحا في غير‬
‫ما سبق ‪.‬‬
‫العقود منوطة بالقول غالبا ‪:‬‬
‫‪ -‬لما كانت القوال تعريفا ودللةً على ما في نفوس الناس جعل الشارع للعقود‬ ‫‪3‬‬

‫والمعاملت صيغا ل تتمّ إل بالقول بها ; لنّ هذه العقود ل تصحّ إل بالرّضا كما قال ال‬
‫طلِ ِإلّ أَن َتكُونَ ِتجَارَ ًة عَن تَرَاضٍ‬
‫ن آمَنُواْ َل تَ ْأكُلُواْ َأ ْموَا َل ُكمْ بَيْ َنكُمْ بِالْبَا ِ‬
‫تعالى ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِي َ‬
‫مّنكُمْ } ‪ ،‬ولقول النبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬إنّما البيع عن تراض » ‪ ،‬والرّضا أمر خفيّ‬
‫ل يطلع عليه ‪ ،‬فنيط الحكم بسبب ظاهر وهو القول ‪ -‬وهو اليجاب والقبول ‪. -‬‬
‫قبول القول في الدعوى ‪:‬‬
‫ن قول المنكر‬
‫‪ -‬اتفق الفقهاء على أنّ قول المدعي في الدعوى يقبل بالبينة ‪ ،‬وعلى أ ّ‬ ‫‪4‬‬

‫يقبل باليمين لحديث ‪ « :‬البينة على من ادعى واليمين على من أنكر » ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪12‬‬ ‫والتفصيل في مصطلح ( دعوى ف ‪/‬‬
‫وقال السّيوطيّ ‪ :‬يقبل القول بل يمين في فروع ‪:‬‬
‫ن هذا النّتاج بعد الحول أو من‬
‫منها ‪ :‬من عليه الزكاة وادعى مسقطا لها كأن يقول مثلً ‪ :‬إ ّ‬
‫ن الصل براءته ‪.‬‬
‫غير النّصاب ; ل ّ‬
‫ج عن أبيه مثلً ‪ ،‬فقال الجير ‪ :‬حججت فيقبل قوله ول يمين‬
‫ومنها ‪ :‬من اكترى من يح ّ‬
‫ن تصحيح ذلك بالبينة ل يمكن ‪ ،‬وكذا لو قال للجير ‪ :‬قد جامعت في‬
‫عليه ول بينة ; ل ّ‬
‫إحرامك فأفسدته ‪ ،‬وأنكر الجير قبل قول الجير ‪ ،‬وكذا لو ادعى أنّه جاوز الميقات بغير‬
‫إحرام أو قتل صيدا في إحرامه ونحو ذلك قبل قول الجير ; لنّه أمين في كلّ ذلك ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬الب أو الجدّ إذا طلب العفاف وادعى الحاجة إلى النّكاح قبل قوله بل يمين إذ ل‬
‫يليق بمنصبه تحليفه في مثل ذلك ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬المطلقة ثلثا إذا نكحت زوجا آخر وادعت أنّه أصابها ‪ ،‬فيقبل قولها في حلّها‬
‫للزوج الول ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬العنّين إذا ادعى الوطء قبل قوله لدفع الفسخ ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬المتزوّجة بشرط البكارة إذا ادعت زوال البكارة بوطئه قبل قولها لعدم الفسخ ‪،‬‬
‫ويقبل قول الزوج لعدم تمام المهر ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬الوكيل إذا ادعى قبض الثمن من المشتري وتسليمه إلى البائع يقبل قوله حتى ل‬
‫يلزمه الغرم ‪.‬‬
‫وقال ابن قدامة ‪ :‬المودع أمين والقول قوله فيما يدعيه من تلف الوديعة بغير خلف ‪ ،‬قال‬
‫ابن المنذر ‪ :‬أجمع كلّ من أحفظ عنه من أهل العلم على أنّ المودع إذا أحرز الوديعة ثم‬
‫ذكر أنّها ضاعت أنّ القول قوله ‪.‬‬
‫وتفاصيل هذه المواضيع في مصطلحاتها ‪.‬‬

‫َقوْل الصحابيّ *‬
‫التعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬القول في اللّغة ‪ :‬ك ّل لفظ نطق به اللّسان ‪ ،‬تامّا كان أو ناقصا ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫ويطلق على الراء والعتقادات ‪ ،‬يقال ‪ :‬هذا قول فلن في المسألة أي رأيه فيها ‪ ،‬وسبب‬
‫تسمية الراء أقوالً ‪ :‬أنّ الراء تخفى فل تعرف إل بالقول أو ما يقوم مقامه من شاهد‬
‫الحال ‪ ،‬فلما كانت ل تظهر إل بالقول سمّيت قو ًل ‪.‬‬
‫والقول اصطلحا ل يخرج عن معناه اللّغويّ ‪.‬‬
‫ق من الصّحبة وهي الرّؤية والمجالسة والمعاشرة ‪.‬‬
‫والصحابيّ في اللّغة مشت ّ‬
‫والصحابيّ اصطلحا ‪ :‬من لقي النّبي صلى ال عليه وسلم مؤمنا به ومات على السلم ‪.‬‬
‫ويؤخذ مما سبق أنّ قول الصحابيّ ‪ :‬هو ما نقل عمن صحب النّبي صلى ال عليه وسلم من‬
‫قول لم يرفعه إليه ولم يكن له حكم الرفع ‪.‬‬
‫الحكام المتعلّقة بقول الصحابيّ ‪:‬‬
‫ي في مسائل الجتهاد ليس بحجة على‬
‫ن قول الصحاب ّ‬
‫‪ -‬ل خلف بين الصوليّين في أ ّ‬ ‫‪2‬‬

‫صحابيّ آخر ‪ ،‬مجتهدا كان أو إماما ‪ ،‬أو حاكما أو مفتيا ‪ ،‬وإنّما الخلف المشهور في‬
‫حجّيته على التابعين ومن بعدهم من المجتهدين ‪ ،‬وفيه أقوال ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أنّه ليس بحجة مطلقا كغيره من المجتهدين ‪ ،‬وهو قول الشافعيّ في الجديد ‪ ،‬وإليه‬
‫ذهب جمهور الصوليّين من الشافعية ويومئ إليه أحمد ‪ ،‬واختاره أبو الخطاب من‬
‫أصحابه ‪ ،‬وقال عبد الوهاب من المالكية ‪ :‬إنّه الصحيح الذي يقتضيه مذهب مالك ; لنّه‬
‫نص على وجوب الجتهاد واتّباع ما يؤدّيه إليه صحيح النظر ‪ ،‬فقال ‪ :‬ليس في اختلف‬
‫الصحابة سعة‪ ،‬إنّما هو ‪ :‬خطأ أو صواب ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أنّه حجة شرعية مقدمة على القياس وإليه ذهب أكثر الحنفية ‪ ،‬ونقل عن مالك‬
‫وهو القول القديم للشافعيّ ‪ ،‬وقال أبو سعيد البردعيّ ‪ :‬تقليد الصحابيّ واجب ‪ ،‬يترك به‬
‫القياس ‪ ،‬وأدركنا مشايخنا عليه ‪ ،‬وقال محمد بن الحسن ‪ :‬ليس عن أصحابنا المتقدّمين‬
‫ي عن أبي حنيفة ‪ :‬إذا اجتمعت الصحابة سلمنا لهم ‪ ،‬وإذا جاء‬
‫مذهب ثابت ‪ ،‬والمرو ّ‬
‫التابعون زاحمناهم ; لنّه كان منهم ‪ -‬فل يثبت لهم بدون إجماع ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬أنّه حجة إذا انضم إليه القياس ‪ ،‬فيقدم حينئذ على قياس ليس معه قول صحابيّ ‪،‬‬
‫ي الجديد ‪ ،‬ونص على ذلك في الرّسالة ‪ .‬وقال ‪ :‬وأقوال أصحاب‬
‫وهو ظاهر قول الشافع ّ‬
‫النبيّ عليه السلم إذا تفرقوا نصير منها إلى ما وافق الكتاب ‪ ،‬أو السّنّة أو الجماع ‪ ،‬أو‬
‫كان أصح في القياس ‪.‬‬
‫وإذا قال واحد منهم القول ل يحفظ عن غيره منهم له موافقةً ول خلفا صرت إلى اتّباع‬
‫قول واحدهم ‪ .‬إذا لم أجد كتابا ‪ ،‬ول س ّنةً ول إجماعا ول شيئا يحكم بحكمه أو وجد معه‬
‫قياس ‪ .‬الرابع ‪ :‬أنّه حجة إذا خالف القياس ; لنّه ل محمل لمخالفته إل بالتوقيف ‪ ،‬فيعلم‬
‫أنّه ما قاله إل توقيفا ‪ ،‬وقال ابن برهان في الوجيز ‪ :‬وهذا هو الحقّ المبين ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫ومسائل أبي حنيفة والشافعيّ تد ّل عليه ‪.‬‬
‫والتفصيل في الملحق الصوليّ ‪.‬‬

‫ُقوّة *‬
‫التعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬القوة في اللّغة ‪ :‬الطاقة الواحدة من طاقات الحبل ‪ ،‬أو الوَتَر أو الخَصْلة الواحدة منه ‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫ففي الحديث ‪ « :‬ليُ ْنقَضَنّ السلم عروةً عروةً كما ينقض الحبل قوّ ًة قوّةً » ‪ ،‬ثم اشتهر فيما‬
‫يقابل الضعف ‪ ،‬يقال ‪ :‬قوي الرجل والضعيف يقوى قو ًة ‪ ،‬والقوى جمع قوة ‪ ،‬مثل غرفة‬
‫عّل َمهُ شَدِيدُ ا ْل ُقوَى ‪ ،‬ذُو مِرّةٍ‬
‫وغرف ‪ ،‬ويكون ذلك في الجسم ‪ ،‬ومنه قوله تعالى ‪َ { :‬‬
‫فَاسْ َتوَى } ‪ ،‬كما يكون في المور النفسية المعنوية ‪ :‬كالعقل ونحوه ‪ ،‬ومنه قوله تعالى‬
‫حسَ ِنهَا‬
‫لنبيّه موسى عليه وعلى نبينا الصلة والسلم ‪َ { :‬فخُذْهَا ِب ُقوّةٍ َو ْأمُرْ َق ْومَكَ يَ ْأخُذُواْ بِ َأ ْ‬
‫} أي خذ اللواح بقوة في دينك وحجتك ‪ ،‬وقوله ‪ { :‬يَا َيحْيَى خُذِ ا ْلكِتَابَ ِب ُقوّةٍ } أي بجدّ ‪.‬‬
‫ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن المعنى اللّغويّ ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الستطاعة ‪:‬‬
‫‪ -‬قال الجوهريّ ‪ :‬الستطاعة ‪ :‬الطاقة ‪ ،‬وقال ابن ب ّريّ ‪ :‬هو كما ذكر ‪ ،‬بَيْ َد أنّ‬ ‫‪2‬‬

‫الستطاعة للنسان خاصةً ‪ ،‬والطاقة عامة ‪ ،‬يقال ‪ :‬جمل مطيق لحِمله ‪ ،‬ول يقال ‪ :‬جمل‬
‫مستطيع ‪.‬‬
‫والصّلة بين القوة وبين الستطاعة أنّها أخصّ من القوة ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬القدرة ‪:‬‬
‫‪ -‬القدرة لغةً ‪ :‬القوة على الشيء والتمكّن منه ‪ ،‬وهي عبارة عن أدنى قوة يتمكن بها‬ ‫‪3‬‬

‫المأمور من أداء ما لزمه بدنِيّا كان أم ماليّا ‪.‬‬


‫والصّلة بين القوة والقدرة أنّها درجة من درجات القوة ‪.‬‬
‫الحكام المتعلّقة بالقوة ‪:‬‬
‫فضل القوة ‪:‬‬
‫‪ -‬القوة من الخصال الفطرية يودعها ال من يشاء من عباده ويفاضل فيها بين الناس‬ ‫‪4‬‬

‫كما يفاضل بينهم في الرّزق وغيره من عطائه ‪ ،‬وهي نعمة عظيمة وفضل كبير من ال‬
‫لمن عرف قدرها وأحسن استعمالها شكرا ل عليها لنّها الداة اللزمة لجلب الخير للمة‬
‫ودفع الشرّ عنها ‪ ،‬وإزالة المنكر ‪ ،‬والمر بالمعروف ‪ ،‬ولذلك ينبغي للمؤمن أن يكون قويّا‬
‫في نفسه ولجماعة المسلمين أن يكونوا أقوياء كذلك ‪.‬‬
‫جاء في الثر الصحيح ‪ « :‬المؤمن القويّ خير وأحبّ إلى ال من المؤمن الضعيف وفي كلّ‬
‫خير » ‪.‬‬
‫الخذ بأسباب القوة ‪:‬‬
‫‪ -‬الخذ بأسباب القوة فريضة على المسلمين على اختلف صنوفها وألوانها ‪ ،‬وأسبابها ‪،‬‬ ‫‪5‬‬

‫مادّيةً كانت أو معنويةً ‪ ،‬قال تعالى ‪َ { :‬وأَعِدّواْ َلهُم مّا اسْ َتطَعْتُم مّن ُقوّةٍ } والخطاب لكافة‬
‫المسلمين ; لنّ المأمور به وظيفة كافتهم ‪ ،‬وتشمل كل ما يطيقونه مما يفيد في الحرب من‬
‫الوسائل مادّيّا كان كالسّلح والنفاق وتدريب المجاهدين في فنون الحرب ‪ ،‬وإتقان استعمال‬
‫طعْتُم } أو معنويّا ‪ ،‬كالتصافي ‪ ،‬واتّفاق الكلمة‬
‫أنواع السّلح المختلفة ‪ ،‬لقوله ‪ { :‬مّا اسْ َت َ‬
‫والثّقة بال وعدم خوض الحرب بغير إذن المام ‪ ،‬والختيار لمارة الجيش من كان ثقةً في‬
‫دينه ‪ ،‬والتوصية بتقوى ال ‪ ،‬وأخذ البيعة عليهم بالثبات على الجهاد وعدم الفرار ‪ ،‬وغير‬
‫ذلك مما يؤدّي إلى القوة البدنية والمعنوية ‪.‬‬
‫فأخذ أسباب القوة بقسميها فرض على المسلمين ‪ ،‬بالمر القرآنيّ ‪َ { :‬وأَعِدّو ْا َلهُم مّا‬
‫ن النّبي صلى ال عليه وسلم وأصحابه مارسوا كل عمل‬
‫طعْتُم مّن ُقوّةٍ } وقد ثبت أ ّ‬
‫اسْتَ َ‬
‫مشروع متاح لهم في بيئتهم يدلّ على عل ّو الهمة وكمال الرّجولة ‪ ،‬ويؤدّي إلى قوة الجسم‬
‫ودفع الكسل والميل إلى الدعة ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪2‬‬ ‫والتفصيل ‪ :‬في مصطلح ( عدة ف ‪/‬‬
‫اشتراط القوة فيمن يتقلد إمارةً أو يوكل إليه أمر قاصر ونحوه ‪:‬‬
‫‪ -‬يشترط فيمن ُيقَلد إمار ًة أو يوكل إليه أمور القصر ‪ ،‬كاليتام ‪ ،‬والمجانين وأموال‬ ‫‪6‬‬

‫الوقف ‪ :‬القدرة على القيام بها ‪ ،‬ول يجوز تقليد من ل يقوى على النّهوض بها ‪ ،‬كما ل‬
‫يجوز لمن ل يعلم في نفسه القدرة على القيام بها قبولها ‪ ،‬فعن أبي ذرّ رضي ال عنه قال‬
‫‪ « :‬قلت يا رسول ال أل تستعملني ؟ قال ‪ :‬فضرب بيده على منكبي ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬يا أبا ذرّ ‪:‬‬
‫إنّك ضعيف‪ ،‬وإنّها أمانة ‪ ،‬وإنّها يوم القيامة ‪ :‬خزي وندامة ‪ ،‬إل من أخذها بحقّها ‪ ،‬وأدى‬
‫الذي عليه فيها » ‪.‬‬

‫َقيْء *‬
‫التعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬القيء لغةً ‪ :‬مصدر قاء ‪ ،‬يقال قاء الرجل ما أكله قيئا من باب باع ‪ ،‬ثم أطلق المصدر‬ ‫‪1‬‬

‫على الطعام المقذوف ‪ ،‬واستقاء استقاء ًة ‪ ،‬وتقيأ ‪ :‬تكلف القيء ‪ ،‬ويتعدى بالتضعيف فيقال‬
‫‪ :‬قيّأه غيره ‪.‬‬
‫واصطلحا ‪ :‬هو الخارج من الطعام بعد استقراره في المعدة ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫القلس ‪:‬‬
‫‪ -‬القلَس لغةً ‪ :‬القذف وبابه ضرب ‪ ،‬وقال الخليل ‪ :‬القلس ‪ :‬ما خرج من الحلق ملء الفم‬ ‫‪2‬‬

‫أو دونه وليس بقيء ‪ ،‬فإن عاد فهو القيء ‪.‬‬


‫ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن المعنى اللّغويّ ‪.‬‬
‫ن القلس دون القيء ‪.‬‬
‫والصّلة بينهما ‪ :‬أ ّ‬
‫الحكام المتعلّقة بالقيء ‪:‬‬
‫للقيء أحكام منها ‪:‬‬
‫طهارة القيء ونجاسته ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلفت الراء في طهارة القيء ونجاسته ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫فيقول الحنفية والشافعية والحنابلة بنجاسته ولكلّ منهم تفصيله ‪ ،‬وبذلك يقول المالكية في‬
‫المتغيّر عن حال الطعام ولو لم يشابه أحد أوصاف العذرة ‪.‬‬
‫ن نجاسته مغلظة ; لنّ كل ما يخرج من بدن النسان وهو موجب للتطهير‬
‫قال الحنفية ‪ :‬إ ّ‬
‫ي صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫فنجاسته غليظة ول خلف عندهم في ذلك ‪ ،‬واستدلّوا بقول النب ّ‬
‫« يا عمار إنّما يغسل الثوب من خمس ‪ :‬من الغائط ‪ ،‬والبول ‪ ،‬والقيء ‪ ،‬والدم ‪ ،‬والمنيّ »‪،‬‬
‫وهذا إذا كان ملء الفم ‪ ،‬أما ما دونه فطاهر على ما هو المختار من قول أبي يوسف ‪ ،‬وفي‬
‫فتاوى نجم الدّين النّسفيّ ‪ :‬صبيّ ارتضع ثم قاء فأصاب ثياب المّ ‪ :‬إن كان ملء الفم‬
‫فنجس ‪ ،‬فإذا زاد على قدر الدّرهم منع الصلة في هذا الثوب ‪ ،‬وروى الحسن عن أبي‬
‫حنيفة ‪ :‬أنّه ل يمنع ما لم يفحش ; لنّه لم يتغير من كلّ وجه وهو الصحيح ‪.‬‬
‫والثدي إذا قاء عليه الولد ‪ ،‬ثم رضعه حتى زال أثر القيء ‪ ،‬طهر حتى لو صلت صحت‬
‫صلتها ‪.‬‬
‫وعند الشافعية ‪ :‬أنّه نجس ‪ ،‬وإن لم يتغير حيث وصل إلى المعدة ‪ ،‬ولو ماءً وعاد حا ًل بل‬
‫تغيّر ; لنّ شأن المعدة الحالة ‪ ،‬فهو طعام استحال في الجوف إلى النّتن والفساد ‪ ،‬فكان‬
‫نجسا كالغائط ‪ ،‬واستدلّوا لذلك بالحديث السابق ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬إنّه لو ابتلي شخص بالقيء عفي‬
‫عنه في الثوب والبدن وإن كثر كدم البراغيث ‪.‬‬
‫والمراد بالبتلء بذلك ‪ :‬أن يكثر وجوده بحيث يقلّ خلوّه منه ‪ ،‬واستثنوا من القيء عسل‬
‫النّحل فقالوا ‪ :‬إنّه طاهر ل نجس معفوّ عنه ‪.‬‬
‫وعند الحنابلة ‪ :‬أنّه نجس ; لنّه طعام استحال في الجوف إلى الفساد أشبه الغائط ‪.‬‬
‫واختلفت الرّواية عندهم في العفو عن يسير القيء فروي عن أحمد أنّه قال ‪ :‬هو عندي‬
‫بمنزلة الدم ‪ ،‬وذلك لنّه خارج من النسان نجس من غير السبيل فأشبه الدم ‪ ،‬وعنه أنّه ل‬
‫يعفى عن يسير شيء من ذلك ; لنّ الصل أن ل يعفى عن شيء من النّجاسة خولف في‬
‫الدم وما تولد منه فيبقى فيما عداه على الصل ‪.‬‬
‫ن النّجس من القيء هو المتغيّر عن حال الطعام ولو لم يشابه أحد‬
‫وعند المالكية ‪ :‬أ ّ‬
‫أوصاف العذرة ‪ ،‬ويجب غسله عن الثوب والجسد والمكان ‪ ،‬فإن كان تغيّره بصفراء أو‬
‫بلغم ولم يتغير عن حالة الطعام فطاهر ‪.‬‬
‫فإذا تغير بحموضة أو نحوها فهو نجس وإن لم يشابه أحد أوصاف العذرة كما هو ظاهر‬
‫المدونة واختاره سند والباجيّ وابن بشير وابن شاس وابن الحاجب خلفا للتّونسيّ وابن‬
‫رشد وعياض حيث قالوا ‪ :‬ل ينجس القيء إل إذا شابه أحد أوصاف العذرة ‪.‬‬
‫أثر القيء في الوضوء ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الفقهاء في نقض الوضوء بالقيء ‪:‬‬ ‫‪4‬‬

‫فذهب المالكية والشافعية إلى أنّه ل ينقضه ‪.‬‬


‫ن القيء ينقض الوضوء متى كان ملء الفم ‪ ،‬سواء كان قيء طعام أو ماء‬
‫وعند الحنفية أ ّ‬
‫وإن لم يتغير ‪.‬‬
‫وحدّ ملئه ‪ :‬أن ل ينطبق عليه الفم إل بتكلّف " أي مشقة " على الصحّ من التفاسير فيه ‪،‬‬
‫وقيل ح ّد ملئه ‪ :‬أن يمنع الكلم ‪ ،‬وذلك لتنجّسه بما في قعر المعدة وهو مذهب العشرة‬
‫المبشرين بالجنّة ; ولنّ النّبي صلى ال عليه وسلم « قاء فتوضأ » ; ولنّ خروج النّجاسة‬
‫مؤثّر في زوال الطهارة ‪.‬‬
‫فإذا لم يمل الفم ل ينقض الوضوء ; لنّه من أعلى المعدة ‪ ،‬وكذا ل ينقضه قيء بلغم ولو‬
‫كان كثيرا لعدم تخلّل النّجاسة فيه وهو طاهر ‪.‬‬
‫وإن قاء قليلً قليلً متفرّقا ولو جمع تقديرا كان ملء الفم ‪ ،‬فأبو يوسف اعتبر اتّحاد‬
‫المجلس; لنّه جامع للمتفرّقات ‪ ،‬ومحمد اعتبر اتّحاد السبب وهو الغثيان ; لنّه دليل على‬
‫اتّحاده ‪ ،‬وهو الصحّ ‪ ،‬وعلى هذا ينقض القيء المتفرّق الوضوء إن كان قدر ملء الفم ‪.‬‬
‫وعند زفر ينقض قليله كثيره وهما في ذلك سواء ; لنّه لما كان الخارج من غير السبيلين‬
‫حدثا بما دل عليه من الدليل وجب أن يستوي فيه القليل والكثير كالخارج من السبيلين ‪،‬‬
‫ولقوله ‪ « :‬القلس حدث » ‪.‬‬
‫ولو قاء دما وهو علق يعتبر فيه ملء الفم ; لنّه سوداء محترقة ‪ ،‬وإن كان مائعا فكذلك‬
‫عند محمد اعتبارا بسائر أنواعه ‪ ،‬وعندهما ‪ :‬إن سال بقوة نفسه ينقض الوضوء وإن كان‬
‫ل ; لنّ المعدة ليست بمحلّ الدم ‪ ،‬فيكون من قرحة في الجوف ‪.‬‬
‫قلي ً‬
‫وعند الحنابلة ‪ :‬أنّه ينقض الوضوء إن فحش في نفس كلّ أحد بحسبه ; لنّ اعتبار حال‬
‫النسان بما يستفحشه غيره حرج فيكون منفيّا لما رواه معدان بن طلحة عن أبي الدرداء‬
‫ن النّبي صلى ال عليه وسلم قاء فتوضأ فلقيت ثوبان في مسجد دمشق‬
‫رضي ال عنه « أ ّ‬
‫فذكرت له ذلك فقال ‪ :‬صدق أنا صببت له وضوءه » ‪ ،‬ول ينقض اليسير لقول ابن عباس‬
‫في الدم ‪ :‬إذا كان فاحشا فعليه العادة ‪.‬‬
‫وتفصيله في مصطلح ( وضوء ) ‪.‬‬
‫أثر القيء في الصلة ‪:‬‬
‫‪ -‬الطهارة في الصلة شرط من شروط صحتها وما يبطل الطهارة يبطل الصلة لقوله‬ ‫‪5‬‬

‫صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬ل تقبل صلة بغير طهور » فتفسد الصلة إن فقدت شرطا من‬
‫شروط صحتها كالطهارة ‪.‬‬
‫فعند الحنفية ‪ :‬أنّ من سبقه الحدث في الصلة فلينصرف وليتوضأ وليبن على صلته لقوله‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذي فلينصرف فليتوضأ ثم‬
‫ليبن على صلته وهو في ذلك ل يتكلم » ‪ ،‬وقوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬إذا صلى أحدكم‬
‫فقاء أو رعف فليضع يده على فمه وليقدّم من لم يسبق له شيء » ‪ ،‬فإن كان منفردا إن‬
‫شاء عاد إلى مكانه وإن شاء أتمها في منزله ‪ ،‬والمقتدي والمام يعودان إل أن يكون المام‬
‫الجديد قد أتم الصلة فيتخيران ‪ ،‬والستئناف أفضل لخروجه عن الخلف ‪ ،‬ولئل يفصل بين‬
‫أفعال الصلة بأفعال ليست منها ‪ ،‬وقيل ‪ :‬إن كان إماما أو مقتديا فالبناء أولى إحرازا‬
‫لفضيلة الجماعة ‪ ،‬وإن كان إماما استخلف لقوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬أيّما إمام سبقه‬
‫ل لم يسبق بشيء فليقدّمه ليصلّي بالناس » ‪ ،‬وإنّما‬
‫الحدث في الصلة فلينصرف ولينظر رج ً‬
‫يجوز البناء إذا فعل ما ل بد منه كالمشي والغتراف حتى لو استقى أو غرز دلوه أو وصل‬
‫إلى نهر فجاوزه إلى غيره فسدت صلته ‪ ،‬وإن سبقه الحدث بعد التشهّد توضأ وسلم ; لنّه‬
‫لم يبق عليه سوى السلم ‪ ،‬وإن تعمد الحدث تمت صلته ; لنّه لم يبق عليه شيء من‬
‫أركان الصلة ‪ ،‬وقد تعذر البناء لمكان التعمّد وإذا لم يبق عليه شيء من أركان الصلة‬
‫تمت صلته‪.‬‬
‫وعند المالكية ‪ :‬أنّ من ذرعه قيء طاهر يسير لم يزدرد منه شيئا لم تبطل صلته ‪ ،‬فإن‬
‫كان نجسا أو كثيرا أو ازدرد شيئا منه عمدا بطلت صلته ‪ ،‬وإن ازدرد شيئا منه نسيانا لم‬
‫تبطل ويسجد للنّسيان بعد السلم ‪ ،‬وإن غلبه ففيه قولن ‪ ،‬والقلس كالقيء ‪.‬‬
‫وذهب الشافعية ‪ :‬إلى أنّ من سبقه الحدث ففيه قولن ‪ :‬في الجديد تبطل صلته ; لنّه حدث‬
‫يبطل الطهارة فأبطل الصلة كحدث العمد ‪ ،‬وقال في القديم ‪ :‬ل تبطل صلته بل ينصرف‬
‫ن النّبي صلى ال‬
‫ويتوضأ ويبني على صلته ‪ ،‬لما روي عن عائشة رضي ال عنها « أ ّ‬
‫عليه وسلم قال ‪ :‬من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذي فلينصرف فليتوضأ ثم ليبن‬
‫صلته وهو في ذلك ل يتكلم » ; ولنّه حدث حصل بغير اختياره فأشبه سلس البول ‪ ،‬قال‬
‫في المجموع ‪ :‬لو رعف المصلّي أو قاء أو غلبته نجاسة أخرى جاز له على القديم أن‬
‫يخرج ويغسل نجاسته ويبني على صلته بالشّروط السابقة في الحدث نص عليه ‪.‬‬
‫وعند الحنابلة ‪ :‬إن كان القيء فاحشا بطلت صلته وعليه العادة ‪ ،‬واختلف الرّواية عند‬
‫أحمد في يسيره ‪ ،‬فروي أنّه قال ‪ :‬هو عندي بمنزلة الدم وذلك ; لنّه خارج من النسان‬
‫ن الصل‬
‫نجس من غير السبيل فأشبه الدم ‪ ،‬وعنه أنّه ل يعفى عن يسير شيء من ذلك ; ل ّ‬
‫أن ل يعفى عن شيء من النّجاسة ‪.‬‬
‫أثر القيء في الصوم ‪:‬‬
‫‪ -‬اتفق الفقهاء على أنّ الصائم إذا ذرعه القيء " أي غلبه " فل يبطل صومه لقول النبيّ‬ ‫‪6‬‬

‫صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬من ذرعه القيء فليس عليه قضاء ومن استقاء عمدا فليقض » ‪.‬‬
‫ولو عاد القيء بنفسه بغير صنع الصائم فعند المالكية والشافعية وأبي يوسف من الحنفية‬
‫يفسد صومه ‪ ،‬وعند الحنابلة ومحمد من الحنفية ل يفسد صومه لعدم وجود الصّنع منه ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪81‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪80‬‬ ‫والتفصيل في مصطلح ( صوم ‪/‬‬
‫قِياس *‬
‫التعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬القياس في اللّغة ‪ :‬تقدير شيء على مثال شيء ‪ ،‬وتسويته به ‪ ،‬لذلك سمّي المكيال ‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫مقياسا ‪ ،‬يقال ‪ :‬فلن ل يقاس على فلن ‪ :‬ل يساويه ‪.‬‬


‫أما في الصطلح فقد اختلف علماء الصول فيه ‪ ،‬حتى قال إمام الحرمين ‪ :‬يتعذر الحدّ‬
‫الحقيقيّ في القياس ; لشتماله على حقائق مختلفة ‪ ،‬كالحكم ‪ ،‬والعلة ‪ ،‬والفرع والجامع ‪.‬‬
‫وعرّفه المحقّقون بأنّه ‪ :‬مساواة فرع لصل في علة الحكم أو زيادته عليه في المعنى‬
‫المعتبر في الحكم ‪ ،‬وقيل ‪ :‬حمل معلوم على معلوم في إثبات حكم لهما أو نفيه عنهما‬
‫بجامع حكم أو صفة أو نفيهما ‪.‬‬
‫أركان القياس ‪:‬‬
‫‪ -‬ل تتمّ ماهية القياس ‪ ،‬إل بوجود أركانه ‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫وهي أربعة ‪:‬‬


‫أ ‪ -‬الصل ‪ :‬وهو مح ّل الحكم المشبه به ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬والفرع ‪ :‬وهو المشبه ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬والحكم ‪ :‬وهو ما ثبت بالشرع في الصل كتحريم الخمر ‪.‬‬
‫د ‪ -‬والعلة ‪ :‬وهو الوصف الجامع بين الصل والفرع ‪.‬‬
‫أما شروط كلّ ركن من هذه الركان ‪ ،‬وآراء العلماء فيرجع في ذلك إلى الملحق الصوليّ ‪.‬‬
‫الحكام المتعلّقة بالقياس ‪:‬‬
‫حجّية القياس ‪:‬‬
‫ن القياس حجة في المور الدّنيوية كالغذية ‪ ،‬والدوية ‪.‬‬
‫‪ -‬ل خلف بين العلماء في أ ّ‬ ‫‪3‬‬

‫أما القياس الشرعيّ إذا عدم النص والجماع فقد ذهب جمهور أئمة الصحابة ‪ ،‬والتابعين ‪،‬‬
‫ن القياس الشرعي أصل من أصول التشريع ‪ ،‬يستدلّ به‬
‫وجمهور الفقهاء والمتكلّمين إلى أ ّ‬
‫على الحكام التي لم يرد بها السمع ‪ ،‬ونقل عن أحمد ‪ :‬ل يستغني أحد عن القياس ‪.‬‬
‫ما يجري فيه القياس ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف العلماء في جريان القياس في بعض المور ‪ ،‬كالسباب والكفارات والمقدرات‬ ‫‪4‬‬

‫التي ل نص فيها ول إجماع وغير ذلك ‪.‬‬


‫فذهب أصحاب أبي حنيفة ‪ ،‬وجماعة من الشافعية ‪ ،‬وكثير من علماء الصول ‪ ،‬إلى أنّه ل‬
‫يجري القياس في السباب ‪.‬‬
‫وذهب أكثر الشافعية ‪ ،‬إلى أنّه يجري فيها ‪.‬‬
‫ومعنى القياس في السباب أن يجعل الشارع وصفًا سببا لحكم ‪ ،‬فيقاس عليه وصف آخر ‪،‬‬
‫فيحكم بكونه سببا ‪.‬‬
‫كما اختلفوا في جريانه في الحدود والكفارات ‪ ،‬والمقدرات التي ل نص ول إجماع فيها ‪،‬‬
‫فمنعه الحنفية وجوزه غيرهم ‪.‬‬
‫والتفصيل في الملحق الصوليّ ‪.‬‬

‫ِقيافَة *‬
‫التعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬القيافة مصدر قاف بمعنى تتبع أثره ليعرفه ‪ ،‬يقال ‪ :‬فلن يقوف الثر ويقتافه قيافةً ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫ن القائف هو ‪ :‬الذي يتتبع الثار ويعرفها ‪ ،‬ويعرف شبه الرجل بأخيه‬


‫وفي لسان العرب أ ّ‬
‫وأبيه ‪.‬‬
‫ول يخرج المعنى الصطلحيّ للقيافة ومشتقاتها عن المعنى اللّغويّ المتعلّق بتتبّع الثر‬
‫ومعرفة الشبه ‪.‬‬
‫ن القائف هو الذي يعرف النّسب بفراسته‬
‫ففي التعريفات للجرجانيّ وفي دستور العلماء أ ّ‬
‫ي بما ل يبعد عن ذلك ‪.‬‬
‫ونظره إلى أعضاء المولود ‪ ،‬ويعرّفه ابن رشد وابن حجر والصنعان ّ‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬العِيافَة ‪:‬‬
‫‪ -‬تأتي هذه المادة في اللّغة ويراد بها الكراهة ‪ ،‬كقوله صلى ال عليه وسلم في الضبّ‬ ‫‪2‬‬

‫المشويّ الذي لم يأكله ‪ « :‬لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه » ‪.‬‬
‫كما يراد بها التردّد على الشيء والقرب منه والحوم عليه ‪ ،‬فعافت الطير أي ‪ :‬تحوم على‬
‫الماء ‪ ،‬وعافت على الجيف أي ‪ :‬تطير حولها تريد الوقوع عليها ‪.‬‬
‫وتطلق على زجر الطّيور والسوانح ‪ ،‬والعتبار بأسمائها ومساقطها وممرّها وأصواتها ‪.‬‬
‫قال الزهريّ ‪ :‬العيافة زجر الطير ‪ ،‬وهو أن يرى طائرا أو غرابا فيتطير وإن لم ير شيئا ‪،‬‬
‫فقال بالحدس كان عياف ًة أيضا وهذا هو الذي شهر به بنو لهب وبنو أسد ‪.‬‬
‫وكان العائف هو الكاهن الذي يعمد إلى التضليل ‪ ،‬ويدعي التّصال بعالم الغيب ‪ ،‬وهناك‬
‫شواهد عديدة على ارتباط العيافة بالكهانة ‪ ،‬وهي بهذا تختلف عن القيافة التي ل تعلّق لها‬
‫بالكهانة ‪ ،‬وتقوم على النظر المنطقيّ التجريبيّ حسبما يتضح من شروط العمل بها ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الفراسة ‪:‬‬
‫‪ -‬الفراسة ‪ :‬اسم فعله تفرس كتوسم وزنا ومعنىً ‪ ،‬أما الفراسة بفتح الفاء فمصدر الفعل‬ ‫‪3‬‬

‫فَرُس يفرس ‪ ،‬ومعناها ‪ :‬العلم بركوب الخيل وركضها من الفروسية ‪ ،‬والفارس ‪ :‬الحاذق‬
‫بما يمارس من الشياء كلّها ‪ ،‬وبها سمّي الرجل فارسا ‪.‬‬
‫وتطلق الفراسة في الصطلح على معنيين ‪:‬‬
‫أولهما ‪ :‬نوع يتعلم بالدلئل والتجارب والخلق والخلق فتعرف به أحوال الناس ‪ ،‬ويستفاد‬
‫ي من تفسيره للتوسّم بأنّه‬
‫إطلق الفراسة على هذا النوع من العلمات عند ابن العرب ّ‬
‫العلمة التي يستد ّل بها على مطلوب غيرها ‪ ،‬وهي الفراسة ‪ ...‬وذلك استدلل بالعلمة ‪،‬‬
‫ومن العلمات ما يبدو لكلّ أحد بأول نظر ‪ ،‬ومنها ما هو خفيّ ل يبدو لكلّ أحد ‪ ،‬ول يدرك‬
‫ببادئ النظر ‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬ما يوقعه ال تعالى في قلوب أوليائه ‪ ،‬فيعلمون أحوال بعض الناس بنوع من‬
‫ن والحدس ‪ ،‬ول يُكتسب هذا النوع من الفراسة ‪ ،‬وإنّما يكون طبقا‬
‫الكرامات وإصابة الظ ّ‬
‫لما ذكره القرطبيّ بجودة القريحة وحدة الخاطر وصفاء الفكر ‪ ...‬وتفريغ القلب من حشو‬
‫الدّنيا‪ ،‬وتطهيره من أدناس المعاصي ‪ ،‬وكدورة الخلق وفضول الدّنيا ‪.‬‬
‫وتتميز القيافة عن الفراسة من جهة أنّ القائف يقوم بجمع الدلة ويكشف عنها ‪ ،‬مع النظر‬
‫فيها والموازنة بينها بنوع خبرة ل تتاح إل بالتعلّم والتمرّس ومداومة النظر والدّراسة ‪ ،‬أما‬
‫ي والقدرة الذّهنية الخاصة لوزن الدلة المتعارضة‬
‫التفرّس فيختصّ بإعمال الذكاء الشخص ّ‬
‫وتقديرها ‪.‬‬
‫ويلحق جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة الفراسة باللهام‬
‫والكرامة‪ ،‬ول يجوز للقاضي الحكم بالفراسة عندهم لهذا ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬القرينة ‪:‬‬
‫‪ -‬القرينة في اللّغة ‪ :‬مأخوذة من المقارنة ‪ ،‬وهي المصاحبة ‪ ،‬يقال ‪ :‬فلن قرين لفلن‬ ‫‪4‬‬

‫أي مصاحب له ‪.‬‬


‫وفي الصطلح ‪ :‬العلمة الدالة على شيء مطلوب ‪.‬‬
‫ن القيافة نوع من القرائن ‪.‬‬
‫والصّلة بين القيافة وبين القرينة أ ّ‬
‫نوعا القيافة ‪:‬‬
‫‪ -‬يقسم صاحب كشف الظّنون القيافة إلى قسمين ‪:‬‬ ‫‪5‬‬

‫أولهما ‪ :‬قيافة الثر الذي يطلق عليه العيافة كذلك ‪ ،‬ويعرف هذا النوع بأنّه ‪ :‬علم باحث‬
‫عن تتبّع آثار القدام والخفاف والحوافر في الطّرق القابلة للثر ‪.‬‬
‫أما النوع الثاني فهو قيافة البشر الذي يعرّفه بأنّه ‪ :‬علم باحث عن كيفية الستدلل بهيئات‬
‫أعضاء الشخصين على المشاركة والتّحاد في النّسب والولدة وسائر أحوالهما ‪.‬‬
‫الحكام المتعلّقة بالقيافة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬إثبات النّسب بالقيافة ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الفقهاء في إثبات النّسب بالقيافة إلى رأيين ‪:‬‬ ‫‪6‬‬

‫فذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى إثبات النّسب بالقيافة ‪ ،‬وأجازوا العتماد عليها في‬
‫إثباته عند التنازع وعدم الدليل القوى منها ‪ ،‬أو عند تعارض الدلة القوى منها ‪.‬‬
‫ن رسول ال صلى ال عليه‬
‫واستدلّوا بما روي عن عائشة رضي ال عنها قالت ‪ « :‬إ ّ‬
‫ن مُجزّزا نظر آنفا إلى زيد‬
‫وسلم دخل علي مسرورا تبرق أسارير وجهه ‪ ،‬فقال ‪ :‬ألم تري أ ّ‬
‫بن حارثة وأسامة بن زيد فقال ‪ :‬إنّ هذه القدام بعضها من بعض » ‪ ،‬وفي سنن أبي داود‬
‫« أنّهم كانوا في الجاهلية يقدحون في نسب أسامة ; لنّه " كان أسود شديد السواد مثل‬
‫القار ‪ ،‬وكان زيد أبيض مثل القطن » ‪.‬‬
‫والحجة فيه ‪ :‬أنّ سروره صلى ال عليه وسلم بقول القائف إقرار منه صلى ال عليه وسلم‬
‫بجواز العمل به في إثبات النّسب ‪.‬‬
‫كما استدلّوا بما روت عائشة رضي ال عنها « أنّ أم سُليم النصارية رضي ال عنها ‪،‬‬
‫وهي أمّ أنس بن مالك رضي ال عنه قالت ‪ :‬يا رسول ال إنّ ال ل يستحيي من الحقّ ‪،‬‬
‫فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت ؟ فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬نعم إذا رأت‬
‫الماء فقالت أمّ سلمة ‪ :‬وتحتلم المرأة ؟ فقال ‪ :‬تربت يداك ‪ ،‬فبم يشبهها ولدها » ‪.‬‬
‫والستدلل به ‪ :‬أنّ إخباره صلى ال عليه وسلم بذلك يستلزم أنّه " أي الشبه " مناط‬
‫شرعيّ‪ ،‬وإل لما كان للخبار فائدة يعتدّ بها ‪.‬‬
‫ن عمر بن الخطاب رضي ال عنه كان يليط ‪ -‬أي ‪ :‬يلحق ‪ -‬أولد‬
‫ومما استدلّوا به أ ّ‬
‫الجاهلية بمن ادعاهم في السلم في حضور الصحابة دون إنكار منهم ‪ ،‬وكان يدعو القافة‬
‫ويعمل بقولهم ‪ ،‬فدل هذا على جواز العمل به ‪.‬‬
‫وكذلك فإنّ أصول الشرع وقواعده والقياس الصحيح يقتضي اعتبار الشبه في لحوق‬
‫النّسب‪ ،‬والشارع متشوّف إلى اتّصال النساب وعدم انقطاعها ‪ ،‬ولهذا اكتفى في ثبوتها‬
‫بأدنى السباب من شهادة المرأة الواحدة على الولدة والدعوى المجردة مع المكان وظاهر‬
‫الفراش ‪ ،‬فل يستبعد أن يكون الشبه الخالي عن سبب مقاوم له كافيا في ثبوته ‪.‬‬
‫‪ -‬وذهب الشافعية والحنابلة وهو رواية ابن وهب عن مالك إلى أنّ القيافة يثبت بها‬ ‫‪7‬‬

‫نسب الولد من الزوجة أو المة ‪.‬‬


‫ن القافة إنّما يقضى بها‬
‫ي والمواق أ ّ‬
‫والمشهور من مذهب مالك فيما نقله ابن رشد والقراف ّ‬
‫ي ‪ :‬وإنّما يجيزه مالك في ولد المة يطؤها‬
‫في ملك اليمين فقط ل في النّكاح ‪ ،‬يقول القراف ّ‬
‫رجلن في طهر واحد ‪ ،‬وتأتي بولد يشبه أن يكون منهما ‪ ،‬والمشهور عدم قبوله في ولد‬
‫الزوجة ‪.‬‬
‫كما ذهب الحنابلة إلى أنّه إذا وطئ رجلن امرأ ًة وطئا يثبت به النّسب ‪ ،‬كالموطوءة بشبهة‬
‫أو في زواج فاسد وكالمة المشتركة ‪ ،‬فإنّها إن أتت بولد واحتمل أن يكون من أحدهما ‪،‬‬
‫كما لو تزوج معتدةً وأتت بالولد بعد ستة أشهر من الزواج وقبل انتهاء أقصى مدة الحمل ‪،‬‬
‫كان القائف هو الذي يلحقه بأيّ من الرجلين ‪.‬‬
‫كما ذهب المالكية إلى أنّه إذا تنازع شخصان أو أكثر بنوة أحد ‪ ،‬ولم يترجح قول أيّ منهما‬
‫ببينة ‪ ،‬فلو ادعيا جميعا صبيّا واحدا ‪ ...‬يقول كلّ واحد منهما هذا ابني ‪ ...‬الواجب في هذا‬
‫عندي على أصولهم أن تدعى له القافة أيضا ‪ ،‬ومن جنسه ما أورده المواق عن أشهب‬
‫فيمن نزل على رجل له أ ّم ولد حامل ‪ ،‬فولدت هي وولدت امرأة الضيف في ليلة صبيين فلم‬
‫تعرف كلّ واحدة منهما ولدها ‪ ،‬دعي لهما القافة ‪ ،‬وكذا لو وضع وليدها في مكان فاختلط‬
‫بغيره ‪ ،‬إل إذا كانت متعدّيةً في تركها له ‪ ،‬كأن قصدت نبذه والخلص منه ‪ ،‬فل يثبت نسبه‬
‫منها عند بعض المالكية ول يدعى لها القافة ‪.‬‬
‫ويتصور الحكم بالقافة في اللقيط إذا تنازع بنوته رجلن أو أكثر ‪.‬‬
‫ن القيافة كالكهانة في الذمّ‬
‫وذهب الحنفية إلى أنّه ل يثبت النّسب بقول القافة ‪ ،‬ل ل ّ‬
‫ن الشبه ل يثبت بها ‪ ،‬وإنّما ; لنّ الشرع حصر دليل النّسب في الفراش ‪،‬‬
‫والحرمة‪ ،‬أو أ ّ‬
‫وغاية القيافة إثبات المخلوقية من الماء ل إثبات الفراش ‪ ،‬فل تكون حجةً لثبات النّسب ‪.‬‬
‫ويستدلّون على مذهبهم بأنّ ال عز وجل شرع حكم اللّعان بين الزوجين عند نفي النّسب ‪،‬‬
‫ولم يأمر بالرّجوع إلى قول القائف ‪ ،‬فلو كان قوله حجةً لمر بالمصير إليه عند الشتباه ‪.‬‬
‫ولنّ مجرد الشبه غير معتبر ‪ ،‬فقد يشبه الولد أباه الدنى ‪ ،‬وقد يشبه الب العلى الذي‬
‫باعتباره يصير منسوبا إلى الجانب في الحال ‪ ،‬وإليه أشار رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫حين « أتاه رجل فقال ‪ :‬إنّ امرأتي ولدت غلما أسود ‪ ،‬فقال النبيّ صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫هل لك من إبل ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ .‬قال ‪ :‬ما ألوانها ؟ قال ‪ :‬حمر ‪ ،‬قال ‪ :‬فهل فيها من أورق قال‬
‫‪ :‬نعم ‪ ،‬قال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬فأنّى هو ؟ فقال ‪ :‬لعله يا رسول ال يكون نزعه عرق‬
‫له » ‪ ،‬فبين صلى ال عليه وسلم أنّه ل عبرة للشبه ‪ ،‬وقوله صلى ال عليه وسلم ‪« :‬‬
‫الولد للفراش وللعاهر الحجر » ‪ .‬أي الولد لصاحب الفراش ‪ ...‬والمراد من الفراش هو‬
‫عةٍ } أنّها نساء أهل الجنّة ‪.‬‬
‫ش مّ ْرفُو َ‬
‫المرأة ‪ .‬وفي التفسير في قوله عز وجل ‪ { :‬وَفُرُ ٍ‬
‫ودللة الحديث من وجوه ثلثة ‪:‬‬
‫ن النّبي صلى ال عليه وسلم أخرج الكلم مخرج القسمة ‪ ،‬فجعل الولد لصاحب‬
‫أحدها ‪ :‬أ ّ‬
‫الفراش والحجر للزاني ‪ ،‬فاقتضى أل يكون الولد لمن ل فراش له ‪ ،‬كما ل يكون الحجر‬
‫لمن ل زنا منه ‪ ،‬إذ القسمة تنفي الشركة ‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬أنّه عليه الصلة والسلم جعل الولد لصاحب الفراش ‪ ،‬ونفاه عن الزاني بقوله‬
‫عليه الصلة والسلم ‪ « :‬وللعاهر الحجر » ; لنّ مثل هذا الكلم يستعمل في النّفي ‪.‬‬
‫والثالث ‪ :‬أنّه جعل كل جنس الولد لصاحب الفراش ‪ ،‬فلو ثبت نسب ولد لمن ليس بصاحب‬
‫الفراش لم يكن كلّ جنس الولد لصاحب الفراش ‪ ،‬وهذا خلف النص ‪ ،‬فعلى هذا إذا زنى‬
‫رجل بامرأة فادعاه الزاني لم يثبت نسبه منه لنعدام الفراش ‪ ،‬وأما المرأة فيثبت نسبه‬
‫ن الحكم في جانبها يتبع الولدة ‪.‬‬
‫منها; ل ّ‬
‫ومفاد هذا كلّه أنّ النّسب يثبت للرجل عند الحنفية بثبوت سببه وهو النّكاح أو ملك‬
‫اليمين ‪ ،‬ول يرجع عمل القائف إلى شيء من ذلك ‪ ،‬وإنّما يرجع إلى معرفة التخلّق من‬
‫ن النّسب ل‬
‫الماء وهو ل يثبت به النّسب ‪ ،‬حتى لو تيقنّا من هذا التخلّق ول فراش ‪ ،‬فإ ّ‬
‫يثبت ‪.‬‬
‫شروط القائف ‪:‬‬
‫‪ -‬يشترط في القائف ما يلي ‪:‬‬ ‫‪8‬‬

‫أ ‪ -‬الخبرة والتجربة ‪ :‬ذهب الشافعية إلى أنّه ل يوثق بقول القائف إل بتجربته في معرفة‬
‫النّسب عمليّا ‪ ،‬وذلك بأن يعرض عليه ولد في نسوة ليس فيهنّ أمّه ثلث مرات ‪ ،‬ثم في‬
‫ن أمّه ‪ ،‬فإن أصاب في المرات جميعا اعتمد قوله ‪ ...‬والب مع الرّجال كذلك على‬
‫نسوة فيه ّ‬
‫الصحّ ‪ ،‬فيعرض عليه الولد في رجال كذلك ‪.‬‬
‫وإذا حصلت التجربة وتولدت الثّقة بخبرته فل حاجة لتكرار هذا الختبار عند كلّ إلحاق ‪.‬‬
‫ونص الحنابلة بأنّه يترك الصبيّ مع عشرة من الرّجال غير من يدعيه ويرى إياهم ‪ ،‬فإن‬
‫ألحقه بواحد منهم سقط قوله لنّا تبينا خطأه ‪ ،‬وإن لم يلحقه بواحد منهم أريناه إياه مع‬
‫عشرين فيهم مدعيه ‪ ،‬فإن ألحقه به لحق ‪ ،‬ولو اعتبر بأن يرى صبيّا معروف النّسب مع‬
‫قوم فيهم أبوه أو أخوه ‪ ،‬فإذا ألحقه بقريبه علمت إصابته ‪ ،‬وإن ألحقه بغيره سقط قوله‬
‫جاز وهذه التجربة عند عرضه على القائف للحتياط في معرفة إصابته ‪ ،‬وإن لم يجرب في‬
‫الحال بعد أن يكون مشهورا بالصابة وصحة المعرفة في مرات كثيرة جاز ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬العدالة ‪ :‬اختلفت الرّوايات عن مالك في اشتراط عدالة القائف للعمل بقوله ‪ ،‬فرواية‬
‫ابن حبيب عن مالك أنّه يشترط العدالة في " القائف " الواحد ‪ ،‬وروى ابن وهب عن مالك‬
‫الجتزاء بقول واحد كما تقدم عن ابن القاسم ولم يشترط العدالة ‪.‬‬
‫أما الشافعية والحنابلة فيشترطون العدالة للعمل بقول القائف ; لنّه حكم فتشترط فيه ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬التعدّد ‪ :‬الصحّ عند الجمهور أنّه ل يشترط التعدّد لثبات النّسب بقول القائف ‪،‬‬
‫ويكتفى بقول قائف واحد كالقاضي والمخبر ‪ ،‬لكن وجد في هذه المذاهب رأي آخر يقضي‬
‫باشتراط التعدّد ‪ ،‬جاء في " التبصرة " حكاية الخلف عن مالك في الجتزاء بقائف واحد‬
‫كالخبار ‪ ،‬وهو قول ابن القاسم أو ل بد من قائفين ‪ ،‬وهي رواية عن أشهب عن مالك ‪،‬‬
‫وقاله ابن دينار ‪ ،‬ورواه ابن نافع عن مالك ‪ ،‬ووجهه أنّه كالشهادة ‪ ،‬قال بعض الشّيوخ‬
‫والقياس على أصولهم أن يحكم بقول القائف الواحد ‪ ،‬وظاهر كلم أحمد كما جاء في‬
‫المغني أنّه ل يقبل إل قول اثنين ‪ ...‬فأشبه الشهادة ‪ ...‬وقال القاضي ‪ :‬يقبل قول الواحد ;‬
‫لنّه حكم ‪ ،‬ويقبل في الحكم قول واحد ‪ ،‬وحمل كلم أحمد على ما إذا تعارض قول‬
‫القائفين ‪ ،‬والراجح في المذهب الكتفاء بقول قائف واحد في إلحاق النّسب ‪ ،‬وهو كحاكم ‪،‬‬
‫فيكفي مجرد خبره ; لنّه ينفذ ما يقوله بخلف الشاهد ‪ ،‬وهو الراجح عند الشافعية كذلك ‪.‬‬
‫ومبنى الخلف في اشتراط التعدّد أو عدم اشتراطه هو التردّد في اعتبار قول القائف من‬
‫ي إلحاق قول القائف بالشهادة للقضاء به في حقّ‬
‫باب الشهادة أو الرّواية ‪ ،‬وقد رجح القراف ّ‬
‫المعين واحتمال وقوع العداوة أو التّهمة لذلك ‪ ،‬ول يقدح انتصابه لهذا العمل على العموم‬
‫ن هذا مما يشترك فيه مع الشاهد ‪ ،‬أما السّيوطيّ فيرجّح إلحاق قول القائف بالرّواية ‪،‬‬
‫فإ ّ‬
‫يقول ‪ :‬والصحّ الكتفاء بالواحد تغليبًا لشبه الرّواية ; لنّه منتصب انتصابا عامّا للحاق‬
‫النّسب ‪.‬‬
‫د ‪ -‬السلم ‪ :‬نص على اشتراطه الشافعية والحنابلة ‪ ،‬وهو الراجح في المذهب المالكيّ ‪،‬‬
‫وقد سبقت الشارة إلى الرّواية الخرى في هذا المذهب ‪ ،‬وهي القاضية بعدم اشتراط‬
‫العدالة‪ ،‬ول يسلّم بعض فقهاء الحنابلة بوجوب اشتراط هذا الشرط للعمل بقول القائف في‬
‫مذهبهم ‪.‬‬
‫ي اشتراط هذين الشرطين ‪ ،‬وهو‬
‫هـ ‪ -‬الذّكورة والحرّية ‪ :‬الصحّ في المذهب الشافع ّ‬
‫الراجح أيضا عند الحنابلة ‪ ،‬والمرجوح في المذهبين عدم اشتراط هذين الشرطين ‪.‬‬
‫و ‪ -‬البصر والسمع ‪ ،‬وانتفاء مظنّة التّهمة ‪ ،‬بحيث ل يكون عدوّا لمن ينفي نسبه ‪ ،‬ول‬
‫أصلً أو فرعا لمن يثبت نسبه ‪ ،‬نص على اشتراط ذلك الشافعية ‪.‬‬
‫ويتخرج اعتبار هذه الشّروط كذلك عند من ألحقوا القائف بالشاهد أو القاضي أو المفتي‬
‫فيشترط في القائف ما يشترط فيهم ‪.‬‬
‫شروط القيافة ‪:‬‬
‫‪ -‬يشترط في القيافة للحاق النّسب بها ما يلي ‪:‬‬ ‫‪9‬‬

‫أ ‪ -‬عدم قيام مانع شرعيّ من اللحاق بالشبه ‪ ،‬فلو نفى نسب ولده من زوجته ‪ ،‬فإنّه‬
‫ن ال عز وجل شرع إجراء اللّعان بين‬
‫يلعنها ول يلتفت إلى إثبات الشبه بقول القافة ; ل ّ‬
‫الزوجين عند نفي النّسب ‪ ،‬وإلغاء الشبه باللّعان من باب تقديم أقوى الدليلين على‬
‫أضعفهما‪ .‬ول يعتبر الشبه كذلك إذا تعارض مع الفراش ‪ ،‬يدلّ عليه ويوضّحه قضية سعد‬
‫بن أبي وقاص وعبد بن زمعة ‪ ،‬فعن عائشة رضي ال عنها قالت ‪ « :‬اختصم سعد بن أبي‬
‫وقاص وعبد بن زمعة إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم في ابن أمة زمعة ‪ ،‬فقال سعد ‪:‬‬
‫أوصاني أخي عتبة إذا قدمت مكة أن أنظر إلى ابن أمة زمعة فأقبضه فإنّه ابنه ‪ ،‬وقال عبد‬
‫بن زمعة‪ :‬أخي ابن أمة أبي ‪ ،‬ولد على فراش أبي ‪ ،‬فرأى رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫شبها بيّنا بعتبة ‪ ،‬فقال ‪ :‬الولد للفراش ‪ ...‬واحتجبي عنه يا سودة » فقد ألغى النبيّ صلى‬
‫ال عليه وسلم الشبه وألحق النّسب بزمعة صاحب الفراش ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬وقوع التنازع في الولد نفيا أو إثباتا وعدم وجود دليل يقطع هذا التنازع ‪ ،‬كما إذا‬
‫ادعاه رجلن أو امرأتان ‪ ،‬وكما إذا وطئ رجلن امرأةً بشبهة وأمكن أن يكون الولد من‬
‫أحدهما ‪ ،‬وكلّ منهما ينفيه عن نفسه ‪ ،‬فإنّ الترجيح يكون بقول القافة ‪ .‬أما إذا ادعاه واحد‬
‫فإنّه يكون له ‪ ،‬ول يقوم التنازع حقيقةً فيما بينهما إذا تعين الولد لحدهما ‪ ،‬فلو ادعى‬
‫اللقيط رجلن ‪ ،‬وقال أحدهما ‪ :‬هو ابني ‪ ،‬وقال الخر ‪ :‬بنتي ‪ ،‬فإن كان اللقيط ابنا فهو‬
‫لمدعيه ‪ ،‬وإن كانت بنتا فهي لمدعيها ; لنّ كل واحد منهما ل يستحقّ غير ما ادعاه ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬إمضاء القاضي قول القائف عند التنازع فيما نص عليه الشافعية ‪ ،‬فل يلزم قوله على‬
‫هذا إل بإمضاء القاضي له ‪ ،‬جاء في حاشية الجمل ‪ :‬ول يصحّ إلحاق القائف حتى يأمر‬
‫القاضي ‪ ،‬وإذا ألحقه اشترط تنفيذ القاضي إن لم يكن قد حكم بأنّه قائف ‪ ،‬ورأى الزركشيّ‬
‫أنّ القائف إن ألحقه بأحدهما فإن رضيا بذلك بعد اللحاق ثبت نسبه ‪ ،‬وإل فإن كان القاضي‬
‫استخلفه وجعله حاكما بينهما جاز ‪ ،‬ونفذ حكمه بما رآه ‪ ،‬وإل فل يثبت النّسب بقوله‬
‫وإلحاقه حتى يحكم الحاكم ‪.‬‬
‫د ‪ -‬حياة من يراد إثبات نسبه بالقيافة ‪ ،‬وهو شرط عند المالكية ‪ ،‬جاء في مواهب الجليل‬
‫‪ :‬أنّها إن وضعته تماما ميّتا ل قافة في الموات ‪ ،‬ونقل الصقلّيّ عن سحنون ‪ :‬إن مات بعد‬
‫وضعه حيّا دعي له القافة ‪ ،‬قال الحطاب ‪ :‬ويحتمل ردّهما إلى وفاق ; لنّ السماع ( أي‬
‫لبن القاسم ) فيمن ولد ميّتا ‪ ،‬وقول سحنون فيما ولد حيّا ‪.‬‬
‫ولم يشترط الشافعية حياة المقوف ‪ ،‬فإذا كان ميّتا جاز إثبات نسبه بالقافة ما لم يتغير أو‬
‫يدفن ‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬حياة من يلحق به النّسب ‪ :‬اشترط كثير من المالكية حياة الملحق به ‪ ،‬فعن سحنون‬
‫وعبد الملك أنّه ل تلحق القافة الولد إل بأب حيّ ‪ ،‬فإن مات فل قول للقافة في ذلك من جهة‬
‫قرابته إذ ل تعتمد على شبه غير الب ‪ ،‬ويجوز عند كثير من المالكية عرض الب على‬
‫القافة إن مات ولم يدفن ‪ ،‬جاء في التبصرة ‪ :‬ول تعتمد القافة إل على أب موجود بالحياة ‪.‬‬
‫قال بعضهم ‪ :‬أو مات ولم يدفن ‪ ،‬قيل ‪ :‬ويعتمد على العصبة ‪.‬‬
‫ول يشترط هذا الشرط فقهاء الشافعية والحنابلة ‪.‬‬
‫اختلف القافة ‪:‬‬
‫‪ -‬إذا اختلفت أقوال القافة جمع بينها إن أمكن ذلك ‪ ،‬كما لو ألحق أحد القائفين نسب‬ ‫‪10‬‬

‫اللقيط برجل ‪ ،‬وألحقه الخر بامرأة فإنّه ينسب إليهما ‪ ،‬وإن لم يمكن الجمع بينهما وترجح‬
‫أحدهما ‪ ،‬فإنّ الراجح هو الذي يؤخذ به ‪.‬‬
‫وتفريعا عليه فإنّه يؤخذ بقول قائفين اثنين خالفهما قائف ثالث ‪ ،‬كبيطارين خالفهما بيطار‬
‫في عيب وكطبيبين خالفهما طبيب في عيب ‪ ،‬قاله في المنتخب ‪ ،‬ويثبت النّسب ‪ ،‬وذلك ;‬
‫لنّهما شاهدان فقولهما مقدم على قول شاهد واحد ‪ ،‬لكن ل يترجح قول ثلثة قافة على‬
‫قول قائفين بزيادة العدد فيما نص عليه ابن قدامة ‪.‬‬
‫أما إذا لم يمكن الجمع ول الترجيح ‪ ،‬كأن يلحق القائف المقوف بأحد المتنازعين ‪ ،‬ويلحقه‬
‫الخر بغيره ‪ ،‬ففيه خلف الفقهاء ‪:‬‬
‫ذهب المالكية والشافعية إلى أنّه ل يلحق الولد إل برجل واحد ‪ ،‬ويؤخر الولد إذ قضى القافة‬
‫باشتراك رجلين أو أكثر فيه إلى حين بلوغه ‪ ،‬فيخير في اللتحاق بمن يشاء منهم ‪ ،‬بناء‬
‫على ما ينعقد من ميل فطريّ بين الولد وأصله قد يعينه على التعرّف عليه ‪ ،‬جاء في بداية‬
‫المجتهد ‪ :‬الحكم عند مالك إذا قضى القافة بالشتراك أن يؤخر الصبيّ حتى يبلغ ‪ ،‬ويقال‬
‫ي‪.‬‬
‫له‪ :‬وال أيهما شئت ‪ ،‬ول يلحق واحد باثنين ‪ ،‬وبه قال الشافع ّ‬
‫وفي مغني المحتاج ‪ :‬لو عدم القائف بدون مسافة القصر ‪ ،‬أو أشكل عليه الحال بأن تحير ‪،‬‬
‫ل ويختار النتساب إلى أحدهما‬
‫أو ألحقه بهما ‪ ،‬أو نفاه عنهما ‪ ،‬وقف المر حتى يبلغ عاق ً‬
‫ل إلى‬
‫بحسب الميل الذي يجده ‪ ،‬ويحبس ليختار إن امتنع من النتساب ‪ ،‬إل إن لم يجد مي ً‬
‫أحدهما فيوقف المر ‪.‬‬
‫ول يقبل رجوع قائف إل قبل الحكم بقوله ‪ ،‬ثم ل يقبل قوله في حقّه لسقوط الثّقة بقوله‬
‫ي إمكان تعلّمه مع امتحان له بذلك ‪.‬‬
‫ومعرفته ‪ ،‬وكذا ل يصدق لغير الخر إل بعد مض ّ‬
‫ل بإقراره دونها ‪ ،‬لجواز‬
‫ولو استلحق مجهولً نسبه وله زوجة فأنكرته زوجته لحقه عم ً‬
‫كونه من وطء شبهة أو زوجة أخرى ‪ ،‬وإن ادعته ‪ ،‬والحالة هذه ‪ ،‬امرأة أخرى وأنكره‬
‫زوجها ‪ ،‬وأقام زوج المنكرة بينتين تعارضتا فيسقطان ‪ ،‬ويعرض على القائف ‪ ،‬فإن ألحقه‬
‫بها لحقها ‪ ،‬وكذا زوجها على المذهب المنصوص كما قاله السنويّ خلفا لما جرى عليه‬
‫ابن المقري ‪ ،‬أو بالرجل لحقه وزوجته ‪ ،‬فإن لم يقم واحد منهما بينةً ‪ ،‬فالصحّ كما قال‬
‫السنويّ أنّه ليس ولدا لواحدة منهما ‪.‬‬
‫ول يسقط حكم قائف بقول قائف آخر ‪ ،‬ولو ألحقه قائف بالشباه الظاهرة ‪ ،‬وآخر بالشباه‬
‫الخفية كالخلق وتشاكل العضاء ‪ ،‬فالثاني أولى من الول ; لنّ فيها زيادة حذق وبصيرة ‪،‬‬
‫ولو ألحق القائف التوأمين باثنين ‪ ،‬بأن ألحق أحدهما بأحدهما ‪ ،‬والخر بالخر بطل قوله‬
‫ن صدقه فيعمل بقوله ‪ ،‬كما لو ألحق الواحد باثنين ‪ ،‬ويبطل‬
‫حتى يمتحن ويغلب على الظ ّ‬
‫أيضا قول قائفين اختلفا في اللحاق حتى يمتحنا ويغلب على الظنّ صدقهما ‪.‬‬
‫ويلغو انتساب بالغ أو توأمين إلى اثنين ‪ ،‬فإن رجع ‪ ،‬أحد التوأمين إلى الخر قبل ‪ ،‬ويؤمر‬
‫البالغ بالنتساب إلى أحدهما ‪ ،‬ومتى أمكن كونه منهما عرض على القائف وإن أنكره الخر‬
‫ن للولد حقّا في النّسب فل يثبت بالنكار من غيره وينفقان عليه إلى أن‬
‫أو أنكراه ; ل ّ‬
‫يعرض على القائف أو ينتسب ‪ ،‬ويرجع بالنفقة من لم يلحقه الولد على من لحقه إن أنفق‬
‫بإذن الحاكم ولم يدع الولد ‪ ،‬ويقبلن له الوصية التي أوصي له بها في مدة التوقّف ; لنّ‬
‫أحدهما أبوه ‪ ،‬ونفقة الحامل على المطلّق فيعطيها لها ويرجع بها على الخر إن ألحق الولد‬
‫بالخر‪ ،‬فإن مات الولد قبل العرض على القائف عرض عليه ميّتا ‪ ،‬ل إن تغير أو دفن ‪،‬‬
‫وإن مات مدعيه عرض على القائف مع أبيه أو أخيه ونحوه من سائر العصبة ‪.‬‬
‫ورجح الحنابلة إطلق العمل بقول القافة ‪ ،‬فإن ألحقوه بواحد من المتنازعين لحق به ‪ ،‬وإن‬
‫ن المعنى‬
‫ألحقوه باثنين لحق بهما ‪ ،‬وإن ألحقوه بأكثر من اثنين التحق بهم وإن كثروا ; ل ّ‬
‫الذي لجله ألحق بالثنين موجود فيما زاد عليه فيقاس عليه ‪ ،‬ودليل الحنابلة على مذهبهم‬
‫ما روي عن عمر بن الخطاب رضي ال عنه في رجلين ادعيا ولدا كلهما يزعم أنّه ابنه ‪،‬‬
‫فدعا عمر لهما بالقافة فنظروا وقالوا نراه يشبههما فألحقه عمر رضي ال عنه بهما‬
‫وجعله يرثهما ويرثانه ‪.‬‬
‫وإن ادعت امرأتان نسب ولد ‪ ،‬ولم يمكن ترجيح قول إحداهما ببينة ‪ ،‬ففيه الختلف‬
‫السابق‪.‬‬
‫الثبات بقيافة الثر في المعاملت ‪:‬‬
‫‪ -‬ذكر ابن تيمية جواز اعتماد القاضي على القيافة في المعاملت والموال ‪ ،‬يقول ‪:‬‬ ‫‪11‬‬

‫ويتوجه أن يحكم بالقيافة في الموال كلّها ‪ ،‬كما حكمنا بذلك في الجذع المقلوع إذا كان له‬
‫موضع في الدار ‪ ،‬وكما حكمنا في الشتراك في اليد الحسّية بما يظهر من اليد العرفية ‪،‬‬
‫فأعطينا كل واحد من الزوجين ما يناسبه في العادة ‪ ،‬وكلّ واحد من الصانعين ما يناسبه ‪،‬‬
‫وكما حكمنا بالوصف في اللّقطة إذا تداعاها اثنان ‪ ،‬وهذا نوع قيافة أو شبيه به ‪ ،‬وكذلك لو‬
‫تنازعا غرأسا أو تمرا في أيديهما ‪ ،‬فشهد أهل الخبرة أنّه من هذا البستان ‪ ،‬ويرجع إلى‬
‫أهل الخبرة حيث يستوي المتداعيان ‪ ،‬كما رجع إلى أهل الخبرة بالنّسب ‪ ،‬وكذلك لو تنازع‬
‫اثنان لباسًا من لباس أحدهما دون الخر ‪ ،‬أو تنازعا دابةً تذهب من بعيد إلى إصطبل‬
‫أحدهما دون الخر ‪ ،‬أو تنازعا زوج خفّ أو مصراع باب مع الخر شكله ‪ ،‬أو كان عليه‬
‫علمة لحدهما كالزّربول التي للجند ‪ ،‬وسواء كان المدعى في أيديهما أو في يد ثالث ‪.‬‬
‫ل فشهد القائف أنّ دابة هذا أنتجتها ينبغي أن يقضى بهذه‬
‫وكذلك لو تداعيا بهيم ًة أو فصي ً‬
‫الشهادة ‪ ،‬وتقدم على اليد الحسّية ‪ ،‬وقد « حكم النبيّ صلى ال عليه وسلم بالثر في‬
‫السيف في قضية ابني عفراء » ‪.‬‬
‫ن النّبي صلى ال عليه وسلم سألهما ‪ :‬أيّكما قتله ؟ قال كلّ واحد‬
‫فقد جاء في حديثهما « أ ّ‬
‫منهما ‪ :‬أنا قتلته ‪ ،‬فقال ‪ :‬هل مسحتما سيفيكما ؟ قال ‪ :‬ل ‪ ،‬فنظر في السيفين فقال ‪:‬‬
‫كلكما قتله » ‪.‬‬
‫الثبات بقيافة الثر في الجنايات ‪:‬‬
‫‪ -‬يرجع إلى قائف الثر للقبض على المتهمين وإحضارهم مجلس القاضي ‪ ،‬كما حدث‬ ‫‪12‬‬

‫في قضية العرنيّين ‪ ،‬فقد ورد « أنّ قوما من عرينة قدموا على رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم قتلوا راعي رسول ال صلى ال عليه وسلم واستاقوا النعم ‪ ،‬فبعث رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم في طلبهم قافةً فأتي بهم » ‪.‬‬
‫ويرجع إليه كذلك في جمع الدلة والكشف عن كيفية ارتكاب الجناية ‪.‬‬
‫ويعدّ رأي القائف شهاد ًة تثبت بها الحقوق والدعاوى عند الفقهاء ‪ ،‬مثاله فيما ذكره ابن‬
‫ص القائف أثر الوطء‬
‫تيمية ‪ :‬أن يدعي شخص أنّه ذهب من ماله شيء ‪ ،‬ويثبت ذلك ‪ ،‬فيقت ّ‬
‫من مكان إلى مكان آخر ‪ ،‬فشهادة القائف أنّ المال دخل إلى هذا الموضع توجب أحد‬
‫المرين‪ :‬إما الحكم به ‪ ،‬وإما أن يكون الحكم به مع اليمين للمدعي ‪ ،‬وهو القرب ‪ ،‬فإنّ‬
‫هذه المارات ترجّح جانب المدعي ‪ ،‬واليمين مشروعة في أقوى الجانبين ‪ ،‬وقد حكم النبيّ‬
‫صلى ال عليه وسلم بالثر في السيف كما يذكر ابن فرحون في قصة عبد ال بن أنيس‬
‫وأصحابه رضي ال عنهم « لما دخلوا الحصن على ابن أبي الحقيق ليقتلوه ‪ ،‬وكان ذلك‬
‫ل ‪ ،‬فوقعوا فيه بالسّيوف ‪ ،‬ووضع عبد ال بن أنيس السيف في بطنه وتحامل عليه حتى‬
‫لي ً‬
‫نبع ظهره ‪ ،‬فلما رجعوا وقد قتلوه نظر عليه الصلة والسلم إلى سيوفهم فقال ‪ :‬هذا قتله »‬
‫لنّه رأى على السيف أثر الطّعان ‪.‬‬
‫وقد استند إياس بن معاوية إلى الثر حين اختصم عنده رجلن في قطيفتين إحداهما حمراء‬
‫والخرى خضراء ‪ ،‬وأحدهما يدعي التي بيد الخر ‪ ،‬وأنّه ترك قطيفته ليغتسل ‪ ،‬فأخذها‬
‫الخر وترك قطيفته هو في محلّها ‪ ،‬ولم توجد بينة ‪ ،‬فطلب إياس أن يؤتى بمشط ‪ ،‬فسرح‬
‫رأس هذا ورأس هذا ‪ ،‬فخرج من رأس أحدهما صوف أحمر ‪ ،‬ومن رأس الخر صوف‬
‫أخضر ‪ ،‬فقضى بالحمراء للذي خرج من رأسه الصّوف الحمر وبالخضراء للذي خرج من‬
‫رأسه الصّوف الخضر ‪.‬‬
‫وفي إحدى القضايا هرب القاتل واندس بين الناس فلم يعرف ‪ ،‬فمر المعتضد على الناس‬
‫يضع يده على قلب كلّ واحد منهم ‪ ،‬واحدا بعد واحد فيجده ساكنًا ‪ ،‬حتى وضع يده على‬
‫فؤاد ذلك الغلم ‪ ،‬فإذا به يخفق خفقا شديدا ‪ ،‬فركضه برجله ‪ ،‬واستقره فأقر فقتله ‪.‬‬
‫ن الستناد إلى الثر ليس قرين ًة قطعيةً على ارتكاب الجريمة ‪ ،‬تشير إلى ذلك‬
‫ومع ذلك فإ ّ‬
‫قضية القصاب الذي ذهب إلى خربة للتبوّل ومعه سكّينه ‪ ،‬فإذا به أمام مقتول يتشحط في‬
‫دمه ‪ ،‬وما أفاق من ذهوله حتى وجد العسس يقبضون عليه ‪ ،‬وقد عجز الرجل عن الدّفاع‬
‫ن الدلة جميعها ضدّه ‪ ،‬ولم ينقذه من العقوبة المحتومة ‪ -‬وهي القتل ‪-‬‬
‫عن نفسه معتقدا أ ّ‬
‫إل إقرار القاتل الحقيقيّ بالجريمة ‪.‬‬

‫ِقيَام *‬
‫التعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬القيام لغةً ‪ :‬من قام يقوم قوما وقياما ‪ :‬انتصب ‪ ،‬وهو نقيض الجلوس ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫ول يخرج اصطلح الفقهاء عن المعنى اللّغويّ ‪.‬‬


‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬القعود ‪:‬‬
‫‪ -‬القعود في اللّغة ‪ :‬الجلوس ‪ ،‬أو هو من القيام ‪ ،‬والجلوس من الضّجعة ومن السّجود ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫ول يخرج اصطلح الفقهاء عن المعنى اللّغويّ ‪.‬‬


‫والصّلة بين القيام والقعود التضادّ ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الضطجاع ‪:‬‬
‫‪ -‬الضطجاع ‪ :‬وضع الجنب بالرض ‪ ،‬والضطجاع في السّجود ‪ :‬أن يتضام ويلصق‬ ‫‪3‬‬

‫صدره بالرض ‪.‬‬


‫ول يخرج اصطلح الفقهاء عن المعنى اللّغويّ ‪.‬‬
‫والصّلة بين القيام والضطجاع التضادّ ‪.‬‬
‫الحكم التكليفيّ ‪:‬‬
‫‪ -‬يتردد حكم القيام في العبادات وغيرها بين أن يكون واجبا أو حراما أو س ّن ًة أو‬ ‫‪4‬‬

‫مكروها أو مباحا ‪ ،‬بحسب نوع الفعل المرتبط به ‪ ،‬والدليل الوارد فيه ‪ ،‬وتفصيل ذلك فيما‬
‫يلي ‪ :‬القيام في الصلة المفروضة ‪:‬‬
‫‪ -‬اتفق الفقهاء على أنّ القيام ركن في الصلة المفروضة على القادر عليه ‪ ،‬وكذا عند‬ ‫‪5‬‬

‫الحنفية في العبادة الواجبة ‪ ،‬كنذر وسنّة صلة الفجر في الصحّ ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬حَا ِفظُواْ‬
‫سطَى وَقُومُواْ لِّلهِ قَانِتِينَ } أي ‪ :‬مطيعين ‪ ،‬ومقتضى هذا المر‬
‫عَلَى الصّ َلوَاتِ والصّلَةِ ا ْل ُو ْ‬
‫الفتراض ; لنّه لم يفرض القيام خارج الصلة ‪ ،‬فوجب أن يراد به الفتراض الواقع في‬
‫الصلة ‪ .‬إعما ًل للنص في حقيقته حيث أمكن ‪.‬‬
‫وأكدت السّنّة فرضية القيام فيما رواه الجماعة إل مسلما ‪ ،‬عن عمران بن حصين قال ‪:‬‬
‫« كانت بي بواسير ‪ ،‬فسألت النّبي صلى ال عليه وسلم عن الصلة فقال ‪ :‬صلّ قائما ‪ ،‬فإن‬
‫لم تستطع فقاعدا ‪ ،‬فإن لم تستطع فعلى جنب » ‪.‬‬
‫كيفية القيام ‪:‬‬
‫‪ -‬اتفق الفقهاء على أنّ القيام المطلوب شرعا في الصلة هو النتصاب معتدلً ‪ ،‬ول‬ ‫‪6‬‬

‫يض ّر النحناء القليل الذي ل يجعله أقرب إلى أقلّ الرّكوع بحيث لو مد يديه ل ينال ركبتيه ‪.‬‬
‫مقدار القيام ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنّ القيام المفروض للقادر عليه يكون بقدر‬ ‫‪7‬‬

‫تكبيرة الحرام وقراءة الفاتحة فقط ; لنّ الفرض عندهم ذلك ; ولنّ من عجز عن القراءة‬
‫وبدلها من الذّكر ‪ ،‬وقف بقدرها ‪ ،‬وأما السّورة بعدها فهي سنّة ‪.‬‬
‫ن المسبوق‬
‫فإن أدرك المأموم المام في الرّكوع فقط ‪ ،‬فالرّكن من القيام بقدر التحريمة ; ل ّ‬
‫ق المسبوق خاصةً ‪ ،‬لدراك الركعة ‪.‬‬
‫يدرك فرض القيام بذلك ‪ ،‬وهذا رخصة في ح ّ‬
‫وذهب الحنفية إلى أنّ فرض القيام وواجبه ومسنونه ومندوبه لقادر عليه وعلى السّجود‬
‫يكون بقدر القراءة المطلوبة فيه ‪ ،‬وهو بقدر آية فرض ‪ ،‬وبقدر الفاتحة وسورة واجب ‪،‬‬
‫وبطوال المفصل وأوساطه وقصاره في محالّها المطلوبة مسنون ‪ ،‬والزّيادة على ذلك في‬
‫نحو تهجّد مندوب ‪ ،‬فلو قدر المصلّي على القيام دون السّجود ‪ ،‬ندب إيماؤه قاعدا ‪ ،‬لقربه‬
‫من السّجود ‪ ،‬وجاز إيماؤه قائما ‪.‬‬
‫سقوط القيام ‪:‬‬
‫‪ -‬اتفق الفقهاء على أنّ القيام يسقط في الفرض والنافلة لعاجز عنه ‪ ،‬لمرض أو غيره ‪،‬‬ ‫‪8‬‬

‫لحديث عمران بن حصين المتقدّم ‪ « :‬صلّ قائما ‪ ،‬فإن لم تستطع فقاعدا ‪ ،‬فإن لم تستطع‬
‫فعلى جنب » ‪.‬‬
‫فإن قدر المريض على بعض القراءة ولو آيةً قائما ‪ ،‬لزمه بقدرها ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪،‬‬ ‫‪5‬‬ ‫وتفصيل ذلك في مصطلح ( صلة المريض ف ‪/‬‬
‫ويسقط القيام أيضا عند الحنفية والحنابلة عن العاري ‪ ،‬فإنّه يصلّي قاعدا باليماء إذا لم‬
‫يجد ساترا يستر به عورته ‪ ،‬خلفا للمالكية والشافعية ‪ ،‬فإنّه يصلّي عندهم قائما وجوبا ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪7‬‬ ‫وتفصيل ذلك في مصطلح ( عريان ف ‪/‬‬
‫ويسقط القيام كذلك حالة شدة الخوف ‪ ،‬فيصلّي قاعدا أو موميًا ‪ ،‬ول إعادة عليه اتّفاقا ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪9‬‬ ‫وتفصيل ذلك في مصطلح ( صلة الخوف ف ‪/‬‬
‫الستقلل في القيام ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنفية والمالكية والحنابلة وهو قول عند الشافعية إلى اشتراط الستقلل في‬ ‫‪9‬‬

‫القيام أثناء الصلة للقادر عليه في الفرائض دون النّوافل ‪ ،‬على تفصيل ‪:‬‬
‫فذهب الحنفية ‪ ،‬إلى أنّ من اتكأ على عصاه ‪ ،‬أو على حائط ونحوه ‪ ،‬بحيث يسقط لو زال‬
‫لم تصح صلته ‪ ،‬فإن كان لعذر صحت ‪ ،‬أما في التطوّع أو النافلة ‪ :‬فل يشترط الستقلل‬
‫بالقيام ‪ ،‬سواء أكان لعذر أم ل ‪ ،‬إل أنّ صلته تكره ; لنّه إساءة أدب ‪ ،‬وثوابه ينقص إن‬
‫كان لغير عذر ‪.‬‬
‫والقيام فرض بقدر التحريمة والقراءة المفروضة كما تقدم في فرض ‪ ،‬وملحق به كنذر‬
‫وسنّة فجر في الصحّ ‪ ،‬لقادر عليه وعلى السّجود ‪.‬‬
‫وذهب المالكية إلى إيجاب القيام مستقلّا في الفرائض للمام والمنفرد حال تكبيرة الحرام ‪،‬‬
‫وقراءة الفاتحة ‪ ،‬والهويّ للرّكوع ‪ ،‬فل يجزئ إيقاع تكبيرة الحرام والفاتحة في الفرض‬
‫للقادر على القيام جالسا أو منحنيا ‪ ،‬ول قائما مستندا لعماد بحيث لو أزيل العماد لسقط ‪،‬‬
‫وأما حال قراءة السّورة فالقيام سنّة ‪ ،‬فلو استند إلى شيء لو أزيل لسقط ‪ ،‬فإن كان في‬
‫غير قراءة السّورة ‪ ،‬بطلت صلته ; لنّه لم يأت بالفرض الرّكنيّ ‪ ،‬وإن كان في حال قراءة‬
‫السّورة لم تبطل ‪ ،‬وكره استناده ‪ ،‬ولو جلس في حال قراءة السّورة بطلت صلته ; لخلله‬
‫بهيئة الصلة ‪ ،‬أما المأموم فل يجب عليه القيام لقراءة الفاتحة ‪ ،‬فلو استند حال قراءتها‬
‫لعمود بحيث لو أزيل لسقط ‪ ،‬صحت صلته ‪.‬‬
‫وأما الشافعية في الصحّ فلم يشترطوا الستقلل في القيام ‪ ،‬فلو استند المصلّي إلى شيء‬
‫بحيث لو رفع السّناد لسقط أجزأه مع الكراهة ‪ ،‬لوجود اسم القيام ‪ ،‬والثاني يشترط ول‬
‫تصحّ مع الستناد في حال القدرة بحال ‪ ،‬والوجه الثالث يجوز الستناد إن كان بحيث لو‬
‫رفع السّناد لم يسقط ‪ ،‬وإل فل ‪.‬‬
‫وذهب الحنابلة إلى أنّه لو استند استنادا قويّا على شيء بل عذر ‪ ،‬بطلت صلته ‪ ،‬والقيام‬
‫فرض بقدر تكبيرة الحرام وقراءة الفاتحة في الركعة الولى ‪ ،‬وفيما بعد الركعة الولى‬
‫بقدر قراءة الفاتحة فقط ‪.‬‬
‫صلة القاعد خلف القائم وبالعكس ‪:‬‬
‫‪ -‬ل خلف بين الفقهاء في جواز صلة القاعد لعذر خلف القائم ‪ ،‬لما ثبت في السّنّة‬ ‫‪10‬‬

‫من وقائع ‪ ،‬منها ‪ :‬ما ورد عن أنس بن مالك رضي ال عنه قال ‪ « :‬صلى رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم في مرضه خلف أبي بكر قاعدا ‪ ،‬في ثوب ‪ ،‬متوشّحا به » ومنها ما ثبت‬
‫عن عائشة رضي ال عنها قالت ‪ « :‬صلى رسول ال صلى ال عليه وسلم خلف أبي بكر‬
‫في مرضه الذي مات فيه قاعدا » ‪.‬‬
‫وأما صلة القائم خلف الجالس أو القاعد ‪ :‬فهي جائزة عند الحنفية والشافعية ; لنّه صلى‬
‫ي صلى ال‬
‫ال عليه وسلم « صلى آخر صلته قاعدا والناس قيام ‪ ،‬وأبو بكر يأتمّ بالنب ّ‬
‫عليه وسلم والناس بصلة أبي بكر وهي صلة الظّهر » ‪.‬‬
‫وذهب المالكية والحنابلة ومحمد بن الحسن من الحنفية ‪ ،‬إلى عدم الجواز ‪ ،‬مستدلّين بقول‬
‫النبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬ل َي ُؤمّن أحد بعدي جالسا » ; ولنّ حال القائم أقوى من‬
‫حال القاعد ‪ ،‬ول يجوز بناء القويّ على الضعيف ‪ ،‬إل أنّ الحنابلة استثنوا من عدم الجواز‬
‫إمام الحيّ المرجو زوال علته ‪ ،‬وهذا في غير النّفل ‪ ،‬أما في النّفل فيجوز اتّفاقا ‪.‬‬
‫القيام في النّوافل ‪:‬‬
‫‪ -‬اتفق الفقهاء على جواز التنفل قاعدا لعذر أو غير عذر ‪ ،‬أما الضطجاع فقد ذهب‬ ‫‪11‬‬

‫الحنفية والمالكية والحنابلة ومقابل الصحّ عند الشافعية إلى أنّه ل يجوز للقادر على القيام‬
‫أو الجلوس أن يصلّي النّفل مضطجعا إل لعذر ‪ ،‬وذهب الشافعية إلى جواز التنفل مضطجعا‬
‫مع القدرة على القيام في الصحّ ‪ ،‬لحديث عمران بن الحصين أنّه سأل النّبي صلى ال عليه‬
‫وسلم عن صلة الرجل قاعدا قال ‪ « :‬من صلى قائما فهو أفضل ومن صلى قاعدا فله نصف‬
‫أجر القائم ‪ ،‬ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد » ‪.‬‬
‫والفضل أن يصلّي على شقّه اليمن فإن اضطجع على اليسر جاز ويلزمه أن يقعد للرّكوع‬
‫والسّجود قيل ‪ :‬يومئ بهما أيضا ‪.‬‬
‫الجمع بين القيام والجلوس في الركعة الواحدة في صلة التطوّع ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ للمصلّي تطوّعا القيام إذا ابتدأ الصلة جالسا ‪ ،‬لحديث‬ ‫‪12‬‬

‫عائشة رضي ال عنها ‪ « :‬أنّها لم تر رسول ال صلى ال عليه وسلم يصلّي صلة الليل‬
‫قاعدا قطّ حتى أسنّ ‪ ،‬فكان يقرأ قاعدا حتى إذا أراد أن يركع قام فقرأ نحوا من ثلثين أو‬
‫أربعين آيةً ‪ ،‬ثم ركع » ‪.‬‬
‫ويجوز للمصلّي أيضا أن يصلّي بعض الركعة قائما ثم يجلس أو العكس ‪.‬‬
‫وذهب أبو يوسف ومحمد إلى كراهة القعود بعد القيام ‪ ،‬ومنع أشهب الجلوس بعد أن نوى‬
‫القيام ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪20‬‬ ‫وتفصيل ذلك في مصطلح ( صلة التطوّع فقرة ‪/‬‬
‫القيام في الصلة في السفينة ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب المالكية والشافعية والحنابلة والصاحبان من الحنفية وهو الظهر في المذهب ‪،‬‬ ‫‪13‬‬

‫إلى أنّه ل تصحّ الصلة فرضا في السفينة ونحوها كالمحفة والهودج والطائرة والسيارة‬
‫قاعدا إل لعذر ‪.‬‬
‫وقال أبو حنيفة ‪ :‬لو صلى في الفلك قاعدا بل عذر صح لغلبة العجز وأساء ‪ ،‬أي يركع‬
‫ويسجد ل مومئا ‪ ،‬قال ابن عابدين ‪ :‬لغلبة العجز أي ; لنّ دوران الرأس فيها غالب‬
‫ن القيام أفضل ; لنّه أبعد‬
‫والغالب كالمتحقّق فأقيم مقامه ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬وأساء ‪ :‬أشار إلى أ ّ‬
‫عن شبهة الخلف ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪3‬‬ ‫والتفصيل في مصطلح ( سفينة ف ‪/‬‬
‫القيام في الذان والقامة ‪:‬‬
‫‪ -‬اتفق الفقهاء على أنّه يندب للمؤذّن والمقيم أن يؤذّن ويقيم قائما ‪ ،‬لحديث ابن عمر‬ ‫‪14‬‬

‫ن النّبي صلى ال عليه وسلم قال ‪ :‬يا بلل ‪ ،‬قم فناد بالصلة » ;‬
‫في حديث بدء الذان « أ ّ‬
‫ولنّه أبلغ في العلم ‪ ،‬وترك القيام مكروه ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪15‬‬ ‫وتفصيل ذلك في مصطلح ( أذان ف ‪ ، /37‬وإقامة ف ‪/‬‬
‫بقاء الداخل إلى المسجد قائما أثناء الذان ‪:‬‬
‫‪ -‬إذا دخل المسلم المسجد ‪ ،‬والمؤذّن يؤذّن ‪ ،‬فهل يظلّ قائما أو يجلس ؟ للفقهاء‬ ‫‪15‬‬

‫اتّجاهان ‪:‬‬
‫ذهب الشافعية والحنابلة إلى أنّه إذا دخل المصلّي المسجد ‪ ،‬والمؤذّن قد شرع في الذان ‪،‬‬
‫لم يأت بتحية ول بغيرها ‪ ،‬بل يجيب المؤذّن واقفا ‪ ،‬حتى يفرغ من أذانه ‪ ،‬ليجمع بين أجر‬
‫الجابة والتحية ‪.‬‬
‫وذهب الحنفية إلى أنّه إذا دخل المصلّي المسجد ‪ ،‬والمؤذّن يؤذّن أو يقيم قعد حتى يفرغ‬
‫المؤذّن من أذانه ‪ ،‬فيصلّي التحية بعدئذ ‪ ،‬ليجمع بين أجر الجابة وتحية المسجد ‪.‬‬
‫وقت القيام للصلة ‪:‬‬
‫‪ -‬ينبغي أن ل يقوم المصلّون للصلة عند القامة حتى يقوم المام أو يقبل ‪ ،‬أي عند‬ ‫‪16‬‬

‫المام ‪ ،‬لقوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬إذا أقيمت الصلة فل تقوموا حتى تروني قد خرجت‬
‫»‪.‬‬
‫وأما تعيين وقت قيام المصلّين إلى الصلة ‪ ،‬ففيه اختلف بين المذاهب ‪.‬‬
‫ذهب جمهور الحنفية ما عدا زفر إلى أنّ القيام للمام والمؤتمّ حين قول المقيم ‪ :‬حي على‬
‫الفلح ‪ ،‬أي عند الحيعلة الثانية ‪ ،‬وعند زفر عند قوله ‪ :‬حي على الصلة ‪ ،‬أي عند الحيعلة‬
‫الولى ; لنّه أمر به فيجاب ‪ ،‬هذا إذا كان المام حاضرا بقرب المحراب ‪ ،‬فإن لم يكن‬
‫حاضرا ‪ ،‬يقوم كلّ صفّ حين ينتهي إليه المام على الظهر ‪ ،‬وإن دخل المام من قدام ‪،‬‬
‫قاموا حين يقع بصرهم عليه ‪ ،‬وإن أقام المام بنفسه في مسجد ‪ ،‬فل يقف المؤتمّون حتى‬
‫يتم إقامته ‪.‬‬
‫وذهب المالكية إلى أنّه يجوز للمصلّي القيام حال القامة أو أولها أو بعدها ‪ ،‬فل يطلب له‬
‫تعيين حال ‪ ،‬بل بقدر الطاقة للناس ‪ ،‬فمنهم الثقيل والخفيف ‪ ،‬إذ ليس في هذا شرع‬
‫مسموع إل حديث أبي قتادة أنّه عليه الصلة والسلم قال ‪ « :‬إذا أقيمت الصلة فل تقوموا‬
‫حتى تروني قد خرجت » ‪ ،‬وقال ابن رشد ‪ :‬فإن صح هذا وجب العمل به ‪ ،‬وإل فالمسألة‬
‫باقية على أصلها المعفوّ عنه ‪ ،‬أعني أنّه ليس فيها شرع ‪ ،‬وأنّه متى قام ك ّل واحد ‪ ،‬فحسن‬
‫‪ .‬وذهب الشافعية إلى أنّه يستحبّ للمأموم والمام أن ل يقوما حتى يفرغ المؤذّن من‬
‫القامة ‪ ،‬وقال الماورديّ ‪ :‬ينبغي لمن كان شيخا بطيء النّهضة أن يقوم عند قوله ‪ :‬قد‬
‫قامت الصلة‪ ،‬ولسريع النّهضة أن يقوم بعد الفراغ ‪ ،‬ليستووا قياما في وقت واحد ‪.‬‬
‫ن المأمومين ل يقومون حتى‬
‫فإذا أقيمت الصلة وليس المام مع القوم بل يخرج إليهم فإ ّ‬
‫ن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪« :‬‬
‫يروا المام لما رواه أبو قتادة رضي ال عنه أ ّ‬
‫إذا أقيمت الصلة فل تقوموا حتى تروني قد خرجت » ‪.‬‬
‫ب أن يقوم المصلّي عند قول المؤذّن ‪ :‬قد قامت الصلة ‪ ،‬لما‬
‫ورأي الحنابلة ‪ :‬أنّه يستح ّ‬
‫روي عن أنس ‪ « :‬أنّه كان يقوم إذا قال المؤذّن ‪ :‬قد قامت الصلة » ‪.‬‬
‫القيام في خطبة الجمعة والعيدين ونحوهما ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الفقهاء في حكم قيام الخطيب في خطبة الجمعة والعيدين والستسقاء‬ ‫‪17‬‬

‫والكسوفين ‪.‬‬
‫ي من المالكية ‪ ،‬إلى أنّ قيام الخطيب في الخطبة سنّة ‪،‬‬
‫فذهب الحنفية والحنابلة وابن العرب ّ‬
‫لفعله صلى ال عليه وسلم ولم يجب ; لنّه ِذكْر ليس من شرطه استقبال القبلة ‪ ،‬فلم يجب‬
‫له القيام ‪ ،‬كالذان ‪.‬‬
‫ن قيام الخطيب حال الخطبة شرط ‪ ،‬إن قدر ‪ ،‬وذهب‬
‫وذهب الشافعية وأكثر المالكية إلى أ ّ‬
‫ن الظهر أنّ القيام واجب غير شرط ‪ ،‬فإن جلس أساء وصحت ‪.‬‬
‫الدردير من المالكية إلى أ ّ‬
‫وزاد الشافعية أنّه إن عجز عن القيام خطب قاعدا ثم مضطجعا كالصلة ‪ ،‬ويصحّ القتداء‬
‫به‪ ،‬والولى له أن يستنيب ‪.‬‬
‫واستدلّوا للقيام في الخطبة بما ورد عن ابن عمر رضي ال عنهما قال ‪ « :‬كان النبيّ صلى‬
‫ال عليه وسلم يخطب يوم الجمعة قائما ‪ ،‬ثم يجلس ‪ ،‬ثم يقوم كما يفعلون اليوم » ‪.‬‬
‫ن القيام حال الخطبة مشروع ‪ ،‬قال ابن المنذر ‪ ،‬وهو الذي عليه‬
‫وفي الحديث دليل على أ ّ‬
‫عمل أهل العلم من علماء المصار ‪.‬‬
‫القيام في حال تلوة القرآن الكريم والذّكر ‪:‬‬
‫‪ -‬تجوز تلوة القرآن الكريم وترداد الذكار من تهليل وتسبيح وتحميد وغيرها في أيّ‬ ‫‪18‬‬

‫حال ‪ ،‬قياما وقعودا ‪ ،‬وفي حالة الوقوف والمشي ‪ ،‬قال المام النّوويّ رحمه ال ‪ :‬ولو قرأ‬
‫القرآن قائما ‪ ،‬أو راكبا ‪ ،‬أو جالسا ‪ ،‬أو مضطجعا ‪ ،‬أو في فراشه ‪ ،‬أو على غير ذلك من‬
‫الحوال ‪ ،‬جاز ‪ ،‬وله أجر ‪ ،‬قال ال عز وجل ‪ { :‬فَإِذَا قَضَيْ ُتمُ الصّلَةَ فَا ْذكُرُواْ ال قِيَامًا‬
‫وَ ُقعُودًا وَعَلَى جُنُو ِبكُمْ } ‪.‬‬
‫القيام للجنازة عند مرورها ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الفقهاء في حكم القيام للجنازة عند مرورها ‪:‬‬ ‫‪19‬‬

‫فقال المالكية والحنابلة ‪ :‬يكره القيام للجنازة إذا مرّوا بها على جالس ; لنّه ليس عليه‬
‫عمل السلف ‪.‬‬
‫وعند الحنفية ‪ :‬المختار أن ل يقوم لها ‪ ،‬وقال القليوبيّ ‪ :‬يندب القيام للجنازة على‬
‫ل له ‪.‬‬
‫المعتمد ‪ ،‬وأن يدعو لها ويثني عليها خيرا ‪ ،‬إن كانت أه ً‬
‫القيام عند الكل والشّرب ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنفية إلى كراهة الكل والشّرب قائما تنزيها ‪ ،‬واستثنوا الشّرب من زمزم‬ ‫‪20‬‬

‫والشّرب من ماء الوضوء بعده ‪ ،‬حيث نفوا الكراهة عنهما ‪.‬‬


‫وذهب المالكية إلى أنّه يباح الكل والشّرب قائما ‪.‬‬
‫وذهب الشافعية إلى أنّ شرب الشخص قائما بل عذر خلف الولى ‪.‬‬
‫وذهب الحنابلة إلى عدم كراهة الشّرب قائما ‪ ،‬أما الكل قائما فقد قال البهوتيّ ‪ :‬وظاهر‬
‫كلمهم ل يكره أكله قائما ‪ ،‬ويتوجه كشرب ‪.‬‬
‫وفي رواية عندهم أنّه يكره الكل والشّرب ‪ ،‬قائما ‪.‬‬
‫وسبب الختلف أنّه وردت أحاديث متعارضة في الكل والشّرب قائما ‪.‬‬
‫ن النّبي صلى ال عليه وسلم زجر وفي رواية ‪ :‬نهى عن الشّرب‬
‫منها ‪ :‬عن أنس ‪ « :‬أ ّ‬
‫قائما » ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬فقلنا ‪ :‬فالكل ‪ ،‬فقال ‪ :‬ذاك شرّ وأخبث " ‪ ،‬ويدلّ هذا الحديث على منع‬
‫الكل والشّرب قائما ‪.‬‬
‫وهناك أحاديث أخرى تجيز الكل والشّرب قائما وقاعدا وماشيا ‪.‬‬
‫منها ‪ :‬ما ورد عن ابن عمر رضي ال عنهما قال ‪ « :‬كنّا نأكل على عهد رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ونحن نمشي ‪ ،‬ونشرب ونحن قيام » ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬ما رواه ابن عباس قال ‪ « :‬شرب النبيّ صلى ال عليه وسلم من زمزم وهو قائم‬
‫»‪.‬‬
‫القيام حال التبوّل ‪:‬‬
‫ب باتّفاق الفقهاء أن يبول النسان قاعدا ; لنّه أستر وأبعد من مماسة البول ;‬
‫‪ -‬يستح ّ‬ ‫‪21‬‬

‫ولئل يصيبه الرشاش ‪ ،‬فيتنجس ‪ ،‬ويكره البول قائما عند جمهور الفقهاء إل لعذر ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪9‬‬ ‫وتفصيل ذلك في مصطلح ( قضاء الحاجة ف ‪/‬‬
‫القيام للقادم والوالد والحاكم والعالم وأشراف القوم ‪:‬‬
‫‪ -‬ورد النهي عن القيام للقادم إذا كان بقصد المباهاة والسّمعة والكبرياء ‪ ،‬قال النبيّ‬ ‫‪22‬‬

‫سرّهُ أن يتمثل له الرّجال قياما ‪ ،‬فليتبوأ مقعده من النار » ‪،‬‬


‫صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬من َ‬
‫وثبت جواز القيام للقادم إذا كان بقصد إكرام أهل الفضل ‪ ،‬لحديث أبي سعيد الخدريّ ‪ « :‬أنّ‬
‫أهل قريظة نزلوا على حكم سعد بن معاذ ‪ -‬سيّد الوس ‪ -‬فأرسل رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم إلى سعد ‪ ،‬فأتاه على حمار ‪ ،‬فلما دنا من المسجد ‪ ،‬قال للنصار ‪ :‬قوموا إلى‬
‫سيّدكم أو خيركم ‪. » ..‬‬
‫قال النّوويّ في شرح صحيح مسلم معلّقا على هذا الحديث ‪ :‬فيه إكرام أهل الفضل ‪،‬‬
‫وتلقّيهم بالقيام لهم ‪ ،‬إذا أقبلوا ‪ ،‬واحتج به جماهير العلماء لستحباب القيام ‪ ،‬قال القاضي‬
‫عياض ‪ :‬وليس هذا من القيام المنهيّ عنه ‪ ،‬وإنّما ذلك فيمن يقومون عليه ‪ ،‬وهو جالس ‪،‬‬
‫ويمثلون قياما طوال جلوسه ‪ ،‬وأضاف النّوويّ ‪ :‬قلت ‪ :‬القيام للقادم من أهل الفضل‬
‫مستحبّ ‪ ،‬وقد جاء فيه أحاديث ‪ ،‬ولم يصح في النهي عنه شيء صريح ‪.‬‬
‫ن احترام هؤلء مطلوب شرعا وأدبا ‪.‬‬
‫ويستحبّ القيام لهل الفضل كالوالد والحاكم ; ل ّ‬
‫وقال الشيخ وجيه الدّين أبو المعالي في شرح الهداية ‪ :‬وإكرام العلماء وأشراف القوم‬
‫بالقيام سنّة مستحبة ‪.‬‬
‫ج عن ابن رشد ‪ -‬في البيان والتحصيل ‪ -‬أنّ القيام يكون على أوجه ‪:‬‬
‫ونقل ابن الحا ّ‬
‫الول ‪ :‬يكون القيام محظورا ‪ ،‬وهو أن يقوم إكبارا وتعظيما لمن يحبّ أن يقام إليه تكبّرا‬
‫وتجبرا ‪.‬‬
‫ب أن يقام إليه ‪ ،‬ول‬
‫الثاني ‪ :‬يكون مكروها ‪ ،‬وهو قيامه إكبارا وتعظيما وإجللً لمن ل يح ّ‬
‫يتكبر على القائمين إليه ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬يكون جائزا ‪ ،‬وهو أن يقوم تجلةً وإكبارا لمن ل يريد ذلك ‪ ،‬ول يشبه حاله حال‬
‫الجبابرة ‪ ،‬ويؤمن أن تتغير نفس المقوم إليه ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬يكون حسنا ‪ ،‬وهو أن يقوم لمن أتى من سفر فرحا بقدومه ‪ ،‬أو للقادم عليه‬
‫سرورا به لتهنئته بنعمة ‪ ،‬أو يكون قادما ليعزّيه بمصاب ‪ ،‬وما أشبه ذلك ‪.‬‬
‫وقال ابن القيّم ‪ :‬وقد قال العلماء ‪ :‬يستحبّ القيام للوالدين والمام العادل وفضلء الناس ‪،‬‬
‫وقد صار هذا كالشّعار بين الفاضل ‪ .‬فإذا تركه النسان في حقّ من يصلح أن يفعل في حقّه‬
‫لم يأمن أن ينسبه إلى الهانة والتقصير في حقّه ‪ ،‬فيوجب ذلك حقدا ‪ ،‬واستحباب هذا في‬
‫حقّ القائم ل يمنع الذي يقام له أن يكره ذلك ‪ ،‬ويرى أنّه ليس بأهل لذلك ‪.‬‬
‫ى ‪ ،‬وبحث‬
‫ي ‪ :‬ويسنّ القيام لنحو عالم ومصالح وصديق وشريف ل لجل غن ً‬
‫وقال القليوب ّ‬
‫بعضهم وجوب ذلك في هذه الزمنة ; لنّ تركه صار قطيعةً ‪.‬‬
‫ن النّبي صلى ال عليه وسلم كان إذا دخلت فاطمة عليه قام إليها فقبلها‬
‫وقد ورد « أ ّ‬
‫ي صلى ال عليه وسلم إذا دخل عليها قامت من مجلسها‬
‫وأجلسها في مجلسه ‪ ،‬وكان النب ّ‬
‫فقبلته وأجلسته في مجلسها » ‪.‬‬
‫وورد عن محمد بن هلل عن أبيه أنّه قال ‪ « :‬إنّ النّبي صلى ال عليه وسلم كان إذا خرج‬
‫قمنا له حتى يدخل بيته » ‪.‬‬
‫وعن أبي أمامة رضي ال عنه قال ‪ « :‬خرج علينا رسول ال صلى ال عليه وسلم متوكّئًا‬
‫على عصا ‪ ،‬فقمنا له ‪ ،‬فقال ‪ :‬ل تقوموا كما تقوم العاجم ‪ ،‬يعظّم بعضها بعضا » ‪.‬‬
‫ي صلى ال عليه‬
‫وورد عن أنس رضي ال عنه قال ‪ :‬لم يكن شخص أحب إليهم من النب ّ‬
‫وسلم وكانوا إذا رأوه لم يقوموا ‪ ،‬لما يعلمون من كراهيته لذلك ‪.‬‬
‫القيام في العقوبات ‪:‬‬
‫إقامة الحدّ جلدا أو رجما أثناء القيام أو القعود ‪:‬‬
‫‪ -‬إذا كان الحدّ جلدا في الزّنا والقذف ‪ ،‬فيقام الحدّ على الرجل قائما ‪ ،‬ولم يوثق بشيء‬ ‫‪23‬‬

‫ولم يحفر له ‪ ،‬سواء أثبت الزّنا ببينة أم بإقرار ‪ ،‬وتضرب المرأة قاعد ًة عند الجمهور "‬
‫ي رضي ال عنه ‪ :‬يضرب‬
‫الحنفية والشافعية والحنابلة " ; لنّ ذلك أستر للمرأة ‪ ،‬ولقول عل ّ‬
‫الرّجال في الحدود قياما والنّساء قعودا ‪.‬‬
‫وذهب المام مالك إلى أنّ الرجل يضرب قاعدا ‪ ،‬وكذا المرأة ‪.‬‬
‫وأما إذا كان الحدّ رجما ‪ ،‬كما في رجم الزّناة المحصنين ‪ ،‬فترجم المرأة بالتّفاق قاعدةً ‪.‬‬
‫ويخير المام عند الحنفية في الحفر لها ‪ :‬إن شاء حفر لها ‪ ،‬وإن شاء ترك الحفر ‪ ،‬أما‬
‫ن الرسول صلى ال عليه وسلم حفر للمرأة الغامدية‬
‫الحفر ; فلنّه أستر لها ‪ ،‬وقد روي « أ ّ‬
‫ن الحفر للستر ‪ ،‬وهي مستورة بثيابها ;‬
‫إلى ثَنْدوتها » " أي ثديها " ‪ ،‬وأما ترك الحفر فل ّ‬
‫لنّها ل تجرد عند إقامة الحدّ ‪.‬‬
‫وهذا قول بعض الحنابلة أيضا بالحفر للمرأة إلى الصدر إن ثبت زناها بالبينة ‪ ،‬أما إن ثبت‬
‫زناها بالقرار ‪ ،‬فلم يحفر لها ‪.‬‬
‫والصحّ عند الشافعية استحباب الحفر للمرأة إن ثبت زناها بالبينة لئل تنكشف ‪ ،‬بخلف ما‬
‫إذا ثبت زناها بالقرار ‪ ،‬لتتمكن من الهرب إن رجعت عن إقرارها ‪.‬‬
‫وذهب المالكية على المشهور والحنابلة على الراجح إلى أنّه ل يحفر للمرأة ول للرجل ‪،‬‬
‫ن النّبي صلى ال عليه‬
‫لعدم ثبوته ‪ ،‬قال ابن قدامة ‪ :‬أكثر الحاديث على ترك الحفر ‪ ،‬فإ ّ‬
‫وسلم لم يحفر للجهنية ول لماعز ول لليهوديين ‪.‬‬
‫وأما الرجل فيرجم عند الجمهور قائما ‪ ،‬وقال مالك ‪ :‬يرجم قاعدا ‪.‬‬

‫قِيام الليل *‬
‫التعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬القيام في اللّغة ‪ :‬نقيض الجلوس ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫والليل في اللّغة من مغرب الشمس إلى طلوع الفجر الصادق ‪.‬‬


‫وفي اصطلح الفقهاء هو ‪ :‬قضاء الليل ولو ساع ًة بالصلة أو غيرها ‪ ،‬ول يشترط أن‬
‫يكون مستغرقا لكثر الليل ‪.‬‬
‫ويرى ابن عباس رضي ال تعالى عنهما أنّه يحصل بصلة العشاء جماعةً والعزم على‬
‫صلة الصّبح جماعةً ‪ ،‬لقول رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬من صلى العشاء في‬
‫جماعة فكانما قام نصف الليل ‪ ،‬ومن صلى الصّبح في جماعة فكانما صلى الليل كله» ‪.‬‬
‫وجاء في مراقي الفلح ‪ :‬معنى القيام أن يكون مشتغلً معظم الليل بطاعة ‪ ،‬وقيل ‪ :‬ساعةً‬
‫ي صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫منه ‪ ،‬يقرأ القرآن أو يسمع الحديث أو يسبّح أو يصلّي على النب ّ‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫التهجّد ‪:‬‬
‫‪ -‬التهجّد في اللّغة من الهجود ‪ ،‬ويطلق على النّوم والسهر ‪ :‬يقال ‪ :‬هجد ‪ :‬نام بالليل ‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫فهو هاجد ‪ ،‬والجمع هجود ‪ ،‬وهجد ‪ :‬صلى بالليل ‪ ،‬ويقال تهجد ‪ :‬إذا نام ‪ ،‬وتهجد إذا‬
‫صلى‪ ،‬فهو من الضداد ‪ ،‬ومنه قيل لصلة الليل ‪ :‬التهجّد ‪.‬‬
‫ن الهاجد هو النائم ‪ ،‬هجد ‪ ،‬هجودا إذا نام ‪،‬‬
‫ي ‪ :‬المعروف في كلم العرب ‪ :‬أ ّ‬
‫قال الزهر ّ‬
‫وأما المتهجّد فهو القائم إلى الصلة من النّوم ‪ ،‬وكانه قيل له متهجّد للقائه الهجود عن‬
‫نفسه ‪.‬‬
‫وقد فسرت عائشة وابن عباس رضي ال تعالى عنهم ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬قوله تعالى ‪ { :‬نَاشِ َئةَ‬
‫اللّ ْيلِ } ‪ ،‬بالقيام للصلة من النّوم ‪ ،‬فيكون موافقا للتهجّد ‪.‬‬
‫وأما في الصطلح ‪ :‬فقد ذكر القاضي حسين من الشافعية ‪ :‬أنّ التهجّد في الصطلح هو‬
‫صلة التطوّع في الليل بعد النّوم ‪ ،‬ويؤيّده ما روي من حديث الحجاج بن عمرو رضي ال‬
‫عنه قال ‪ " :‬يحسب أحدكم إذا قام من الليل يصلّي حتى يصبح أنّه قد تهجد ‪ ،‬إنّما التهجّد ‪:‬‬
‫المرء يصلّي الصلة بعد رقدة " ‪ ،‬وقيل ‪ :‬إنّه يطلق على صلة الليل مطلقا ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪4‬‬ ‫وتفصيله في مصطلح ( تهجّد ف ‪/‬‬
‫والصّلة بين قيام الليل والتهجّد ‪ :‬أنّ قيام الليل أعمّ من التهجّد ‪.‬‬
‫الحكم التكليفيّ ‪:‬‬
‫‪ -‬اتفق الفقهاء على مشروعية قيام الليل ‪ ،‬وهو سنّة عند الحنفية والحنابلة ‪ ،‬ومندوب‬ ‫‪3‬‬

‫عند المالكية ‪ ،‬ومستحبّ عند الشافعية ‪.‬‬


‫ي صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫واختلفوا في فرضيته على النب ّ‬
‫)‪.‬‬ ‫‪4‬‬ ‫وينظر تفصيله في مصطلح ( اختصاص ف ‪/‬‬
‫كما صرحوا بأنّ صلة الليل أفضل من صلة النهار ‪ ،‬قال أحمد ‪ :‬ليس بعد المكتوبة عندي‬
‫أفضل من قيام الليل ‪ ،‬وقد صرحت الحاديث بفضله والحثّ عليه ‪ ،‬كما روى أبو هريرة‬
‫رضي ال تعالى عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬عليكم بقيام الليل ‪ ،‬فإنّه‬
‫دأب الصالحين قبلكم ‪ ،‬وهو قربة لكم إلى ربّكم ‪ ،‬ومكفرة للسيّئات ‪ ،‬ومنهاة عن الثم » ‪.‬‬
‫الوقت الفضل لقيام الليل ‪:‬‬
‫‪ -‬ل خلف بين الفقهاء في أنّ قيام الليل ل يكون إل بعد صلة العشاء ‪ ،‬سواء سبقه نوم‬ ‫‪4‬‬

‫أو لم يسبقه ‪ ،‬وأنّ كونه بعد النّوم أفضل ‪.‬‬


‫واختلفوا بعد ذلك في أفضل الوقات لقيام الليل على أقوال ‪:‬‬
‫ن الفضل مطلقا السّدس الرابع والخامس من الليل ‪ ،‬لما روى عبد ال‬
‫فذهب الجمهور إلى أ ّ‬
‫ن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪ :‬أحبّ الصلة إلى‬
‫بن عمرو رضي ال عنهما « أ ّ‬
‫ال صلة داود عليه السلم ‪ ،‬وأحبّ الصّيام إلى ال صيام داود وكان ينام نصف الليل ‪،‬‬
‫ويقوم ثلثه ‪ ،‬وينام سدسه ويصوم يوما ويفطر يوما » ‪.‬‬
‫وأما لو أراد أن يجعل الليل نصفين ‪ :‬أحدهما للنّوم ‪ ،‬والخر للقيام ‪ ،‬فالنّصف الخير‬
‫أفضل ‪ ،‬لقلة المعاصي فيه غالبا ‪ ،‬ولحديث أبي هريرة رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدّنيا حين يبقى ثلث‬
‫الليل الخر ‪ ،‬يقول ‪ :‬من يدعوني فأستجيب له ؟ من يسألني فأعطيه ؟ من يستغفرني فأغفر‬
‫له ؟ » ‪ .‬ولو أراد أن يجعله أثلثا ‪ ،‬فيقوم ثلثه ‪ ،‬وينام ثلثيه ‪ ،‬فالثّلث الوسط أفضل من‬
‫ي صلى‬
‫ن الغفلة فيه أتمّ ‪ ،‬والعبادة فيه أثقل ‪ ،‬والمصلّين فيه أقلّ ‪ ،‬ولهذا قال النب ّ‬
‫طرفيه ; ل ّ‬
‫ال عليه وسلم ‪ « :‬ذاكر ال في الغافلين مثل الشجرة الخضراء في وسط الشجر » ‪.‬‬
‫ن الفضل قيام ثلث الليل الخر لمن تكون عادته النتباه آخر الليل ‪ ،‬أما من‬
‫ويرى المالكية أ ّ‬
‫كان غالب حاله أن ل ينتبه آخره ‪ ،‬فالفضل أن يجعله أول الليل احتياطا ‪.‬‬
‫أما الليل كلّه ‪ ،‬فقد صرح الشافعية والحنابلة بكراهة قيامه ‪ ،‬لحديث عائشة رضي ال تعالى‬
‫عنها ‪ « :‬ل أعلم نبي ال صلى ال عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة ‪ ،‬ول صلى ليل ًة إلى‬
‫الصّبح ‪ ،‬ول صام شهرا كاملً غير رمضان » ‪.‬‬
‫ولما روي أنّ النّبي صلى ال عليه وسلم « قال لعبد ال بن عمرو بن العاص رضي ال‬
‫عنهما ‪ :‬ألم أخبر أنّك تصوم النهار وتقوم الليل ؟ فقلت ‪ :‬بلى يا رسول ال ‪ ،‬فقال ‪ :‬فل‬
‫ن لعينك عليك حقّا وإن لزوجك‬
‫تفعل ‪ ،‬صم وأفطر ‪ ،‬وقم ونم ‪ ،‬فإنّ لجسدك عليك حقّا وإ ّ‬
‫عليك حقّا ولزورك عليك حقّا » ‪.‬‬
‫واستثنوا ليالي مخصوصةً لحديث عائشة رضي ال تعالى عنها ‪ « :‬أنّ النّبي صلى ال‬
‫عليه وسلم كان إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد المئزر » ‪.‬‬
‫عدد ركعاته ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الفقهاء إلى أنّه يستحبّ افتتاح قيام الليل بركعتين خفيفتين ‪ ،‬لما روى أبو هريرة‬ ‫‪5‬‬

‫رضي ال عنه عن النبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال ‪ « :‬إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح‬
‫صلته بركعتين خفيفتين » ‪.‬‬
‫واختلفوا بعد ذلك ‪ ،‬فقال الحنفية ‪ :‬منتهى ركعاته ثماني ركعات ‪ ،‬وهو عند المالكية عشر‬
‫ركعات ‪ ،‬أو اثنتا عشرة ركعةً ‪.‬‬
‫وقال الشافعية ‪ :‬ل حصر لعدد ركعاته لخبر ‪ « :‬الصلة خير موضوع فمن استطاع أن‬
‫يستكثر فليستكثر » ‪.‬‬
‫وقال ابن قدامة ‪ :‬اختلفت الرّوايات في عدد ركعات صلته صلى ال عليه وسلم بالليل ‪ :‬قال‬
‫ابن عباس رضي ال عنهما ‪ « :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يصلّي من الليل ثلث‬
‫عشرة ركعةً » ‪ ،‬وقالت عائشة رضي ال تعالى عنها ‪ « :‬ما كان رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم يزيد في رمضان ول في غيره على إحدى عشرة ركعةً ‪ :‬يصلّي أربعا ‪ ،‬فل‬
‫ن ‪ ،‬ثم يصلّي أربعا فل تسأل عن حسنهنّ وطولهنّ ‪ ،‬ثم يصلّي‬
‫تسأل عن حسنهنّ وطوله ّ‬
‫ثلثا » ‪ ،‬وفي لفظ قالت ‪ « :‬كانت صلته صلى ال عليه وسلم في شهر رمضان وغيره‬
‫بالليل ثلث عشرة ركعةً ‪ ،‬منها ركعتا الفجر » ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪11‬‬ ‫‪ ،‬وصلة التراويح ف ‪/‬‬ ‫‪6‬‬ ‫وفي كلّ ذلك تفصيل ينظر في مصطلحي ( تهجّد ف ‪/‬‬
‫وهل يصلى أربعا أربعا ‪ ،‬أو مثنى مثنى ؟ ذهب مالك والشافعية وأبو يوسف ومحمد إلى أنّه‬
‫يصلى مثنى مثنى ‪ ،‬احتجاجا بما روى ابن عمر رضي ال تعالى عنهما عن النبيّ صلى ال‬
‫ن عمل المة في التراويح‬
‫عليه وسلم أنّه قال ‪ « :‬صلة الليل مثنى ‪ ،‬مثنى ‪ ; » ...‬ول ّ‬
‫ن ذلك أفضل ‪.‬‬
‫مثنى مثنى ‪ ،‬من لدن عمر رضي ال تعالى عنه إلى يومنا هذا ‪ ،‬فدل أ ّ‬
‫وقال أبو حنيفة ‪ :‬يصلى أربعا أربعا ‪ ،‬لحديث عائشة رضي ال تعالى عنها السابق ‪.‬‬
‫ن كل ذلك نقل في‬
‫ت أو ثمان ; ل ّ‬
‫ي ‪ :‬صلة الليل ركعتان بتسليمة ‪ ،‬أو س ّ‬
‫وقال الموصل ّ‬
‫تهجّده صلى ال عليه وسلم وتكره الزّيادة على ذلك ; لنّه لم ينقل ‪.‬‬
‫ترك قيام الليل لمعتاده ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الفقهاء إلى أنّه يكره ترك تهجّد اعتاده بل عذر ‪ ،‬لقوله صلى ال عليه وسلم‬ ‫‪6‬‬

‫لعبد ال بن عمرو رضي ال تعالى عنهما ‪ « :‬يا عبد ال ل تكن مثل فلن ‪ ،‬كان يقوم الليل‬
‫فترك قيام الليل » ‪ ،‬فينبغي للمكلف الخذ من العمل بما يطيقه ‪ ،‬ولذا قال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ « :‬أحبّ العمال إلى ال أدومها وإن قل » ‪.‬‬
‫ي صلى ال عليه وسلم إذا صلى صل ًة داوم‬
‫وقالت عائشة رضي ال عنها ‪ « :‬كان النب ّ‬
‫عليها » ‪.‬‬
‫وقالت ‪ « :‬كان عمله ديمةً » ‪ ،‬وقالت ‪ « :‬كان إذا عمل عملً أثبته » ‪.‬‬
‫الجتماع لقيام الليل ‪:‬‬
‫ن النّبي صلى ال عليه‬
‫‪ -‬ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يجوز التطوّع جماعةً وفرادى ; ل ّ‬ ‫‪7‬‬

‫وسلم فعل المرين كليهما ‪.‬‬


‫والفضل في غير التراويح المنزل ‪ ،‬لحديث ‪ « :‬عليكم بالصلة في بيوتكم ‪ ،‬فإنّ خير صلة‬
‫المرء في بيته إل المكتوبة » ‪.‬‬
‫وفي رواية ‪ « :‬صلة المرء في بيته أفضل من صلته في مسجدي هذا إل المكتوبة » ‪.‬‬
‫ولكن إذا كان في بيته ما يشغل باله ‪ ،‬ويقلّل خشوعه ‪ ،‬فالفضل أن يصلّيها في المسجد‬
‫ن اعتبار الخشوع أرجح ‪.‬‬
‫فرادى ; ل ّ‬
‫ونص الحنفية على كراهة الجماعة في التطوّع إذا كان على سبيل التداعي ‪ ،‬بأن يقتدي‬
‫أربعة بواحد ‪.‬‬
‫وصرح المالكية بأنّه يكره الجمع في النافلة غير التراويح إن كثرت الجماعة ‪ ،‬سواء كان‬
‫المكان الذي أريد الجمع فيه مشتهرا كالمسجد ‪ ،‬أو ل كالبيت ‪ ،‬أو قلت الجماعة وكان‬
‫المكان مشتهرا ‪ ،‬وذلك لخوف الرّياء ‪.‬‬
‫فإن قلت وكان المكان غير مشتهر فل كراهة ‪ ،‬إل في الوقات التي صرح العلماء ببدعة‬
‫الجمع فيها ‪ ،‬كليلة النّصف من شعبان ‪ ،‬وأول جمعة من رجب ‪ ،‬وليلة عاشوراء ‪ ،‬فإنّه ل‬
‫خلف في الكراهة مطلقا ‪.‬‬
‫قيام ليلة الجمعة ‪:‬‬
‫ص الحنفية على ندب إحياء ليلة الجمعة ‪.‬‬
‫‪-‬ن ّ‬ ‫‪8‬‬

‫وصرح الشافعية بأنّه يكره تخصيص ليلة الجمعة بقيام ‪ .‬أي بصلة ‪ ،‬لحديث ‪ « :‬ل‬
‫تختصّوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي » ‪.‬‬
‫أما تخصيص غيرها ‪ ،‬سواء كان بالصلة أو بغيرها ‪ ،‬فل يكره ‪.‬‬
‫وكذلك ل يكره تخصيص ليلة الجمعة بغير الصلة ‪ ،‬كقراءة القرآن ‪ ،‬أو الذّكر ‪ ،‬أو الصلة‬
‫على النبيّ صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫قيام ليلتي العيدين ‪:‬‬
‫‪ -‬اتفق الفقهاء على أنّه يندب قيام ليلتي العيدين لقوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬من قام‬ ‫‪9‬‬

‫ليلتي العيدين محتسبا ل لم يمت قلبه يوم تموت القلوب » ‪.‬‬


‫)‪.‬‬ ‫‪11‬‬ ‫وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ( إحياء الليل ف ‪/‬‬
‫قيام ليالي رمضان ‪:‬‬
‫‪ -‬ل خلف بين الفقهاء في سنّية قيام ليالي رمضان ‪ ،‬لقوله صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬ ‫‪10‬‬

‫« من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه » ‪.‬‬


‫ن التراويح هي قيام رمضان ‪ ،‬ولذلك فالفضل استيعاب أكثر الليل بها ;‬
‫وقال الفقهاء ‪ :‬إ ّ‬
‫لنّها قيام الليل ‪.‬‬
‫قيام ليلة النّصف من شعبان والجتماع له ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب جمهور الفقهاء إلى ندب قيام ليلة النّصف من شعبان ‪ ،‬لما روي عن رسول ال‬ ‫‪11‬‬

‫صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬إذا كانت ليلة النّصف من شعبان فقوموا ليلها ‪ ،‬وصوموا‬
‫نهارها ‪ ،‬فإنّ ال ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدّنيا ‪ ،‬فيقول ‪ :‬أل من مستغفر لي‬
‫فأغفر له ‪ ،‬أل من مسترزق فأرزقه ‪ ،‬أل مبتلًى فأعافيه ‪ ...‬أل كذا ‪ ...‬أل كذا ‪ ...‬حتى‬
‫يطلع الفجر » ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪13‬‬ ‫والتفصيل في ( إحياء الليل ف ‪/‬‬
‫قيام ليالي العشر من ذي الحجة ‪:‬‬
‫‪ -‬صرح الحنفية والحنابلة أنّه يستحبّ قيام الليالي العشر الول من ذي الحجة ‪ ،‬لما‬ ‫‪12‬‬

‫روي عن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬ما من أيام أحبّ إلى ال أن يتعبد له‬
‫فيها من عشر ذي الحجة ‪ ،‬يعدل صيام كلّ يوم منها بصيام سنة ‪ ،‬وقيام كلّ ليلة منها بقيام‬
‫ليلة القدر » ‪.‬‬
‫قيام أول ليلة من رجب ‪:‬‬
‫– يرى بعض الفقهاء أنّه يستحب قيام أول ليلة من رجب ‪ ،‬لنّها من الليالي الخمس‬ ‫‪13‬‬

‫التي ل يردّ فيها الدعاء ‪ ،‬وهي ‪ :‬ليلة الجمعة ‪ ،‬وأول ليلة من رجب ‪ ،‬وليلة النصف من‬
‫شعبان ‪ ،‬وليلتا العيد ‪.‬‬
‫ما يستحبّ في قيام الليل ‪:‬‬
‫يستحبّ في قيام الليل ما يلي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الفتتاح بركعتين خفيفتين ‪:‬‬
‫‪ -‬صرح الشافعية والحنابلة بأنّه يستحبّ لقائم الليل أن يفتتح تهجّده بركعتين خفيفتين‬ ‫‪14‬‬

‫لحديث أبي هريرة رضي ال تعالى عنه عن النبيّ صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬إذا قام‬
‫أحدكم من الليل فليفتتح صلته بركعتين خفيفتين » ‪ ،‬وعن زيد بن خالد رضي ال عنه أنّه‬
‫قال ‪ « :‬لرمقنّ صلة رسول ال صلى ال عليه وسلم الليلة ‪ ،‬فصلى ركعتين خفيفتين ‪...‬‬
‫» الحديث ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬ما يقوله القائم للتهجّد ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلفت عبارات الفقهاء فيما يقوله قائم الليل إذا قام من الليل يتهجد ‪ ،‬تبعا لختلف‬ ‫‪15‬‬

‫ي صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬


‫الرّوايات عن النب ّ‬
‫فقال سليمان الجمل ‪ :‬إنّه يستحبّ أن يمسح المستيقظ النّوم عن وجهه ‪ ،‬وأن ينظر إلى‬
‫سمَاوَاتِ وَالَ ْرضِ } إلى آخر‬
‫ق ال ّ‬
‫السماء ولو أعمى وتحت سقف ‪ ،‬وأن يقرأ ‪ { :‬إِنّ فِي خَلْ ِ‬
‫اليات ‪.‬‬
‫ي صلى ال عليه وسلم أنّه قال ‪ « :‬من تعا ّر " استيقظ‬
‫وعن عبادة رضي ال عنه ‪ ،‬عن النب ّ‬
‫"‪ ،‬من الليل فقال ‪ :‬ل إله إل ال وحده ل شريك له ‪ ،‬له الملك وله الحمد وهو على كلّ‬
‫شيء قدير ‪ ،‬الحمد ل ‪ ،‬وسبحان ال ‪ ،‬ول إله إل ال وال أكبر ‪ ،‬ول حول ول قوة إل بال‬
‫‪ ،‬ثم قال ‪ :‬اللهم اغفر لي ‪ ،‬أو دعا ‪ ،‬استجيب له ‪ ،‬فإن توضأ وصلى قبلت صلته » ‪.‬‬
‫وعن ابن عباس رضي ال عنهما قال ‪ « :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا قام من‬
‫ن ‪ ،‬ولك الحمد‬
‫الليل يتهجد ‪ ،‬قال ‪ :‬اللهم لك الحمد ‪ ،‬أنت قيّم السماوات والرض ومن فيه ّ‬
‫ن ‪ ،‬ولك الحمد أنت نور السماوات والرض ‪ ،‬ولك‬
‫لك ملك السماوات والرض ومن فيه ّ‬
‫الحمد أنت ملك السماوات والرض ‪ ،‬ولك الحمد ‪ ،‬أنت الحقّ ‪ ،‬ووعدك الحقّ ‪ ،‬ولقاؤك‬
‫ق ‪ ،‬ومحمد صلى ال عليه وسلم‬
‫ق ‪ ،‬والنّبيّون ح ّ‬
‫حقّ‪ ،‬وقولك حقّ ‪ ،‬والجنّة حقّ ‪ ،‬والنار ح ّ‬
‫حقّ ‪ ،‬والساعة حقّ ‪ ،‬اللهم لك أسلمت ‪ ،‬وبك آمنت ‪ ،‬وعليك توكلت ‪ ،‬وإليك أنبت ‪ ،‬وبك‬
‫خاصمت‪ ،‬وإليك حاكمت ‪ ،‬فاغفر لي ما قدمت وما أخرت ‪ ،‬وما أسررت وما أعلنت ‪ ،‬أنت‬
‫المقدّم ‪ ،‬وأنت المؤخّر ‪ ،‬ل إله إل أنت ‪ ،‬أو ل إله غيرك » وزاد في رواية ‪ « :‬ول حول ول‬
‫قوة إل بال » ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬كيفية القراءة في قيام الليل ‪:‬‬
‫ن قائم الليل مخير بين الجهر بالقراءة والسرار بها ‪ ،‬غير‬
‫‪ -‬قال الحنفية والحنابلة ‪ :‬إ ّ‬ ‫‪16‬‬

‫أنّ الحنفية قالوا ‪ :‬إنّ الجهر أفضل ما لم يؤذ نائما ونحوه ‪ ،‬وقال الحنابلة ‪ :‬إن كان الجهر‬
‫أنشط له في القراءة ‪ ،‬أو كان بحضرته من يستمع قراءته ‪ ،‬أو ينتفع بها ‪ ،‬فالجهر أفضل ‪،‬‬
‫وإن كان قريبا منه من يتهجد ‪ ،‬أو من يستض ّر برفع صوته ‪ ،‬فالسرار أولى ‪ ،‬وإن لم يكن‬
‫ل هذا ول هذا فليفعل ما شاء ‪ ،‬قال عبد ال بن أبي قيس ‪ « :‬سألت عائشة رضي ال‬
‫تعالى عنها ‪ ،‬كيف كان قراءة رسول ال صلى ال عليه وسلم ؟ فقالت ‪ :‬كلّ ذلك قد كان‬
‫يفعل ‪ ،‬ربما أسر بالقراءة ‪ ،‬وربما جهر » ‪ ،‬وقال أبو هريرة رضي ال عنه ‪ « :‬كانت‬
‫قراءة رسول ال صلى ال عليه وسلم في الليل يرفع طورا ويخفض طورا » ‪.‬‬
‫وصرح المالكية بأنّه يندب الجهر في صلة الليل ما لم يشوّش على مصلّ آخر ‪ ،‬وإل حرم ‪،‬‬
‫والسّرّ فيها خلف الولى ‪.‬‬
‫وقال الشافعية ‪ :‬يسنّ التوسّط بين السرار والجهر إن لم يشوّش على نائم أو مصلّ أو‬
‫نحوهما ‪.‬‬
‫د ‪ -‬إيقاظ من يرجى تهجّده ‪:‬‬
‫ب لمن قام يتهجد أن يوقظ من يطمع في تهجّده إذا لم‬
‫‪ -‬نصّ الشافعية على أنّه يستح ّ‬ ‫‪17‬‬

‫يخف ضررا ‪ ،‬لقوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬من استيقظ من الليل وأيقظ امرأته ‪ ،‬فصليا‬
‫ركعتين جميعا كتبا من الذاكرين ال كثيرا ‪ ،‬والذاكرات » ‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬إطالة القيام وتكثير الركعات ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب جمهور الحنفية ‪ ،‬والمالكية في قول ‪ ،‬والشافعية ‪ ،‬وهو وجه عند الحنابلة ‪،‬‬ ‫‪18‬‬

‫ل وطول القيام أفضل ممن‬


‫إلى أنّ طول القيام أفضل من كثرة العدد ‪ ،‬فمن صلى أربعا مث ً‬
‫صلى ثمانيا ولم يطوّله ‪ ،‬للمشقة الحاصلة بطول القيام ‪ ،‬ولقول رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ « :‬أفضل الصلة طول القنوت » والقنوت ‪ :‬القيام ‪.‬‬
‫ولنّ النّبي صلى ال عليه وسلم كان أكثر صلته التهجّد ‪ ،‬وكان يطيله ‪ ،‬وهو صلى ال‬
‫عليه وسلم ل يداوم إل على الفضل ‪.‬‬
‫ن كثرة العدد أفضل ‪،‬‬
‫وزاد الشافعية قولهم ‪ :‬هذا إن صلى قائما ‪ ،‬فإن صلى قاعدا فالقرب أ ّ‬
‫لتساويهما في القعود الذي ل مشقة فيه ‪ ،‬حيث زادت كثرة العدد بالرّكوعات والسّجودات‬
‫وغيرها ‪.‬‬
‫وقال أبو يوسف من الحنفية ‪ :‬إذا لم يكن له ورد فطول القيام أفضل ‪ ،‬وأما إذا كان له ورد‬
‫من القرآن يقرؤه ‪ ،‬فكثرة السّجود أفضل ‪.‬‬
‫وذهب المالكية في الظهر ‪ ،‬وهو وجه عند الحنابلة ‪ :‬إلى أنّ الفضل كثرة الرّكوع‬
‫والسّجود‪ ،‬لقوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬عليك بكثرة السّجود ‪ ،‬فإنّك ل تسجد ل سجدةً إل‬
‫رفعك ال بها درجةً ‪ ،‬وحط عنك بها خطيئةً » ; ولنّ السّجود في نفسه أفضل وآكد ‪ ،‬بدليل‬
‫أنّه يجب في الفرض والنّفل ‪ ،‬ول يباح بحال إل ل تعالى ‪ ،‬بخلف القيام ‪ ،‬فإنّه يسقط في‬
‫النّفل ‪ ،‬ويباح في غير الصلة للوالدين ‪ ،‬والحاكم ‪ ،‬وسيّد القوم والستكثار مما هو آكد‬
‫وأفضل أولى ‪.‬‬
‫وللحنابلة وجه ثالث ‪ ،‬وهو ‪ :‬أنّهما سواء ‪ ،‬لتعارض الخبار في ذلك ‪.‬‬
‫و ‪ -‬نية قيام الليل عند النّوم ‪:‬‬
‫‪ -‬صرح الشافعية والحنابلة بأنّه يندب أن ينوي الشخص قيام الليل عند النّوم ‪ ،‬لقوله‬ ‫‪19‬‬

‫صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم يصلّي من الليل فغلبته عيناه‬
‫حتى أصبح كتب له ما نوى ‪ ،‬وكان نومه صدقةً عليه من ربّه عز وجل » ‪.‬‬

‫َقيْح *‬
‫التعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬القيح في اللّغة ‪ :‬المدة الخالصة التي ل يخالطها دم ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫ول يخرج استعمال الفقهاء عن المعنى اللّغويّ ‪.‬‬


‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الصديد ‪:‬‬
‫‪ -‬الصديد هو ماء الجرح الرقيق المختلط بدم قبل أن تغلظ المدة ‪ ،‬ول يخرج استعمال‬ ‫‪2‬‬

‫الفقهاء له عن المعنى اللّغويّ ‪.‬‬


‫والعلقة بينهما أنّ الصديد يكون في الجرح قبل القيح ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الدم ‪:‬‬
‫‪ -‬الدم ‪ -‬بالتخفيف ‪ -‬هو ذلك السائل الحمر الذي يجري في عروق الحيوانات وعليه‬ ‫‪3‬‬

‫تقوم الحياة ‪.‬‬


‫ويستعمل الفقهاء الدم بهذا المعنى ‪ ،‬وكذلك بمعنى القصاص والهدي ‪.‬‬
‫والدم بالمعنى الول أصل القيح ‪.‬‬
‫الحكام التي تتعلق بالقيح ‪:‬‬
‫حكم القيح من حيث النّجاسة والطهارة ‪:‬‬
‫‪ -‬اتفق الفقهاء على أنّ القيح إذا خرج من بدن النسان فهو نجس ; لنّه من الخبائث ‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫قال ال تعالى ‪ { :‬وَ ُيحَ ّرمُ عَلَ ْي ِهمُ ا ْلخَبَآئِثَ } ‪ ،‬والطّباع السليمة تستخبثه ‪ ،‬والتحريم ل‬
‫للحترام دليل النّجاسة ; لنّ معنى النّجاسة موجود في القيح إذ النّجس اسم للمستقذر وهذا‬
‫مما تستقذره الطّباع السليمة لستحالته إلى خبث ونتن رائحة ; ولنّه متولّد من الدم والدم‬
‫نجس ‪.‬‬
‫انتقاض الوضوء بالقيح ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الفقهاء في انتقاض الوضوء بالقيح ‪ ،‬فقال المالكية والشافعية ‪ :‬ل ينتقض‬ ‫‪5‬‬

‫الوضوء بخروج القيح من البدن ; لنّ النّجاسة التي تنقض الوضوء عندهم هي ما خرجت‬
‫من السبيلين فقط ‪ ،‬فل ينتقض الوضوء بالنّجاسة الخارجة من غير السبيلين كالحجامة‬
‫ن رجلين من أصحاب النبيّ صلى ال عليه وسلم حرسا المسلمين‬
‫والقيح ; لما روي ‪ « :‬أ ّ‬
‫في غزوة ذات الرّقاع فقام أحدهما يصلّي فرماه رجل من الكفار بسهم فنزعه وصلى ودمه‬
‫يجري » ‪.‬‬
‫ي صلى ال عليه وسلم به ولم ينكره ‪.‬‬
‫وعلم النب ّ‬
‫ن خروج القيح من البدن إلى موضع يلحقه حكم التطهير ينقض‬
‫وذهب الحنفية إلى أ ّ‬
‫ي ‪ :‬لو تورم رأس الجرح فظهر به قيح ونحوه ل ينقض ما لم‬
‫الوضوء‪ ،‬قال السرخس ّ‬
‫يتجاوز الورم ; لنّه ل يجب غسل موضع الورم فلم يتجاوز إلى موضع يلحقه حكم التطهير‬
‫ن البدن محلّ الدم والرّطوبات إل أنّه كان مستترا‬
‫ن الدم إذا لم يسل كان في محلّه ; ل ّ‬
‫;لّ‬
‫بالجلدة وانشقاقها يوجب زوال السّترة ل زوال الدم عن محلّه ول حكم للنّجس ما دام في‬
‫محلّه وكذا هاهنا ‪ ،‬أل ترى أنّه تجوز الصلة مع ما في البطن من النجاس ‪.‬‬
‫ن ظهور النّجس‬
‫وقال زفر من الحنفية ينتقض الوضوء سواء سال القيح أو لم يسل ; ل ّ‬
‫اعتبر حدثا في السبيلين سال عن رأس المخرج أو لم يسل كذا في غير السبيلين ‪.‬‬
‫والمذهب عند الحنابلة انتقاض الوضوء بالقيح إل أنّ الذي ينقض عندهم هو الكثير من ذلك‬
‫دون اليسير ‪ ،‬أما كون الكثير ينقض فلقوله عليه الصلة والسلم في حديث فاطمة بنت أبي‬
‫حبيش ‪ « :‬إنّما ذلك عرق ‪ ،‬فتوضئي لكلّ صلة » ; ولنّها نجاسة خارجة عن البدن‬
‫أشبهت الخارج من السبيل ‪ ،‬وأما كون اليسير من ذلك ل ينقض فلمفهوم قول ابن عباس‬
‫رضي ال عنهما في الدم ‪ :‬إذا كان فاحشا فعليه العادة ‪.‬‬
‫ن الكثير هو ما فحش في نفس كلّ أحد بحسبه ‪ ،‬لقول ابن عباس‬
‫قال أحمد بن حنبل ‪ :‬إ ّ‬
‫رضي ال عنهما ‪ " :‬الفاحش ما فحش في قلبك ‪ ،‬وفي رواية أنّه ينقض قل أو كثر " ‪.‬‬
‫صلة من كان في ثوبه أو بدنه قيح ‪:‬‬
‫‪ -‬قال الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وهو قول جماعة من الصحابة والتابعين إن‬ ‫‪6‬‬

‫ن من‬
‫أصاب بدن النسان أو ثوبه شيء من القيح فإنّه ل تجوز الصلة إن كان كثيرا ; ل ّ‬
‫شروط الصلة طهارة الثوب والبدن والمكان ‪ ،‬وأما إذا كان القيح يسيرا فإنّه في الجملة‬
‫ن النسان غالبا ل يسلم من مثل هذا ; ولنّه يشقّ‬
‫يعفى عن اليسير وتجوز الصلة به ; ل ّ‬
‫التحرّز منه ‪.‬‬
‫ثم اختلف الفقهاء في قدر اليسير المعفوّ عنه ‪ ،‬انظر تفصيل ذلك في مصطلح ( صديد ف ‪/‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪17‬‬

‫قِيراط *‬
‫انظر ‪ :‬مقادير ‪.‬‬

‫َقيْلُولة *‬
‫التعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬القيلولة في اللّغة ‪ :‬من قال يقيل قيلً وقيلولةً ‪ ،‬وقائلةً ‪ :‬نام نصف النهار ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫ي الخطيب ‪ :‬القيلولة هي‬


‫ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن المعنى اللّغويّ ‪ ،‬قال الشّربين ّ‬
‫النّوم قبل الزوال ‪.‬‬
‫ي ‪ :‬القيلولة معناها النّوم في الظهيرة ‪.‬‬
‫وقال العين ّ‬
‫وقال المناويّ ‪ :‬القيلولة ‪ :‬النّوم وسط النهار عند الزوال وما قاربه من قبل أو بعد ‪.‬‬
‫الحكم التكليفيّ ‪:‬‬
‫‪ -‬نوم القائلة مستحبّ ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫قال الموصليّ ‪ :‬تستحبّ القيلولة ‪.‬‬


‫ن الشياطين ل تقيل » ‪ ،‬وقال ‪ « :‬استعينوا بطعام‬
‫قال عليه الصلة والسلم ‪ « :‬قيلوا فإ ّ‬
‫السحر على صيام النهار ‪ ،‬وبالقيلولة على قيام الليل » ‪ ،‬يعني الصلة فيه وهو التهجّد وما‬
‫ن النفس إذا أخذت حظها من نوم النهار استقبلت السهر بنشاط‬
‫في معناه من ذكر وقراءة فإ ّ‬
‫وقوة انبساط ‪ ،‬فأفاد ندب التسحّر والنّوم وسط النهار وبقصد التقوّي على الطاعة ‪.‬‬
‫ن للمتهجّد القيلولة وهي النّوم قبل الزوال وهي بمنزلة‬
‫وقال الشّربينيّ الخطيب ‪ :‬يس ّ‬
‫السّحور للصائم ‪.‬‬
‫وللتفصيل ( ر ‪ :‬نوم ) ‪.‬‬
‫الستئذان للدّخول وقت القيلولة ‪:‬‬
‫‪ -‬وقت القائلة هو من الوقات التي تقتضي عادة الناس النكشاف فيها وملزمة‬ ‫‪3‬‬

‫التعرّي ‪ ،‬وهي ثلثة أوقات ذكرها ال تعالى في قوله سبحانه ‪ { :‬مِن قَ ْبلِ صَلَاةِ ا ْل َفجْرِ‬
‫ظهِيرَةِ َومِن َبعْدِ صَلَاةِ ا ْل ِعشَاء } ‪ ،‬فما قبل الفجر وقت انتهاء‬
‫ن ال ّ‬
‫ضعُونَ ثِيَا َبكُم مّ َ‬
‫َوحِينَ تَ َ‬
‫النّوم ووقت وضع ثياب النّوم ولبس ثياب النهار ‪ ،‬ووقت القائلة وقت التجرّد أيضا وهي‬
‫الظهيرة ‪ ،‬وبعد صلة العشاء وقت التعرّي للنّوم فالتكشّف غالب في هذه الوقات ‪ ،‬يروى «‬
‫أنّ رسول ال صلى ال عليه وسلم بعث غلما من النصار يقال له مدلج إلى عمر بن‬
‫الخطاب رضي ال عنه ظهيرةً ليدعوه فوجده نائما قد أغلق عليه الباب فدق الغلم الباب‬
‫ن ال نهى‬
‫فناداه ودخل فاستيقظ عمر وجلس فانكشف منه شيء ‪ ،‬فقال عمر ‪ :‬وددت أ ّ‬
‫أبناءنا ونساءنا وخدمنا عن الدّخول علينا في هذه الساعات إل بإذن ‪ ،‬ثم انطلق إلى رسول‬
‫ن آمَنُوا لِ َيسْتَأْذِن ُكمُ الّذِينَ‬
‫ال صلى ال عليه وسلم فوجد هذه الية قد أنزلت { يَا أَ ّيهَا الّذِي َ‬
‫ضعُونَ‬
‫ث مَرّاتٍ مِن قَ ْبلِ صَلَا ِة ا ْل َفجْرِ َوحِينَ تَ َ‬
‫مَ َلكَتْ أَ ْيمَا ُنكُ ْم وَالّذِينَ َلمْ يَ ْبُلغُوا ا ْلحُُلمَ مِن ُكمْ ثَلَا َ‬
‫ت ّلكُمْ } ‪ ،‬فخر ساجدا شكرا ل تعالى‬
‫عوْرَا ٍ‬
‫ث َ‬
‫ظهِيرَ ِة َومِن َبعْ ِد صَلَاةِ ا ْل ِعشَاء ثَلَا ُ‬
‫ثِيَا َبكُم مّنَ ال ّ‬
‫» ‪ ،‬فقد أدب ال عز وجل عباده في هذه الية بأن يكون العبيد إذ ل بال لهم ‪ ،‬والطفال‬
‫الذين لم يبلغوا الحلم إل أنّهم عقلوا معاني الكشفة ونحوها يستأذنون على أهليهم في هذه‬
‫الوقات الثلثة وهي الوقات التي تقتضي عادة الناس النكشاف فيها وملزمة التعرّي ‪.‬‬
‫ثم اختلف الصحابة في هذه الية هل هي محكمة أو منسوخة ؟ فقال ابن عمر رضي ال‬
‫عنهما ‪ :‬هي محكمة ‪ :‬يعني في الرّجال خاصةً ‪ ،‬وقال ابن عباس رضي ال عنهما قد ذهب‬
‫حكمها ‪ .‬روى عكرمة أنّ نفرا من أهل العراق سألوا ابن عباس فقالوا ‪ :‬يا ابن عباس ‪،‬‬
‫كيف ترى في هذه الية التي أمرنا فيها بما أمرنا فل يعمل بها أحد ‪ ،‬قول ال ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا‬
‫ن ال رفيق‬
‫ت أَ ْيمَانُ ُكمْ ‪ ، } ...‬وقرأها ‪ .‬فقال ابن عباس ‪ :‬إ ّ‬
‫الّذِينَ آمَنُوا لِ َيسْتَأْذِن ُكمُ الّذِينَ مَ َلكَ ْ‬
‫بجميع المؤمنين يحبّ الستر وكان الناس ليس لبيوتهم ستور ول حجال ‪ ،‬فربما دخل الخادم‬
‫أو ولده أو يتيمه ‪ ،‬والرجل على أهله ‪ ،‬فأمر ال بالستئذان في تلك العورات ‪ .‬فجاءهم ال‬
‫بالسّتور والخير ‪ ،‬فلم أر أحدا يعمل بذلك ‪.‬‬

‫قِيمَة *‬
‫التعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬القيمة في اللّغة ‪ :‬الثمن الذي يقوم به المتاع ‪ ،‬والقيمة واحدة القيم ‪ ،‬وهي ثمن‬ ‫‪1‬‬

‫الشيء بالتقويم ‪.‬‬


‫وفي الصطلح ‪ :‬ما قوّم به الشيء بمنزلة المعيار من غير زيادة ول نقصان ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الثمن ‪:‬‬
‫‪ -‬الثمن في اللّغة ‪ :‬العوض ‪ ،‬والجمع أثمان ‪ ،‬وثمنته تثمينا ‪ :‬جعلت له ثمنا ‪ ،‬والثمن ‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫اسم لما يأخذه البائع في مقابلة المبيع ‪ ،‬عينا كان أو سلعةً ‪ ،‬كلّ ما يحصل عوضا عن‬
‫شيء فهو ثمنه ‪.‬‬
‫وفي اصطلح الفقهاء هو ‪ :‬ما يبذله المشتري من عوض للحصول على المبيع ‪ ،‬وتطلق‬
‫الثمان أيضا على الدراهم والدنانير ‪.‬‬
‫وعلى ذلك فالثمن ما يقع به التراضي بين المتعاقدين سواء أكان مساويا للقيمة أم أزيد‬
‫منها أم أنقص ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬السّعر ‪:‬‬
‫‪ -‬السّعر في اللّغة ‪ :‬هو الذي يقوم عليه الثمن ‪ ،‬والجمع أسعار ‪ ،‬وقد سعّروا ‪ :‬اتفقوا‬ ‫‪3‬‬

‫على سعر ‪ ،‬وسعرت الشيء تسعيرا ‪ :‬جعلت له سعرا معلوما ينتهي إليه ‪.‬‬
‫ويقال ‪ :‬له سعر ‪ :‬إذا زادت قيمته ‪ ،‬وليس له سعر ‪ :‬إذا أفرط رخصه ‪ ،‬وسعر السّوق ‪ :‬ما‬
‫يكون شائعا بين التّجار ‪ ،‬والتسعير ‪ :‬تقدير السّلطان للناس سعرا محددا ‪.‬‬
‫ول يخرج استعمال الفقهاء للفظ سعر عن المعنى اللّغويّ ‪.‬‬
‫وعلى ذلك فالسّعر ‪ :‬ما يحدّده البائع ثمنا للسّلعة أو ما يحدّده السّلطان ‪.‬‬
‫أما القيمة فهي ما يساويه الشيء في تقويم المقوّمين ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬المِثْل ‪:‬‬
‫‪ -‬المثل في اللّغة ‪ :‬الشبه ‪ ،‬يقال ‪ :‬هذا مثله ومثله كما يقال ‪ :‬شبيهه وشبهه ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫ويطلق الفقهاء المثلي على ما تماثلت آحاده وأجزاؤه من الموال بحيث يمكن أن يقوم‬
‫بعضها مقام بعض دون فرق يعت ّد به ‪.‬‬
‫وفي مجلة الحكام العدلية ‪ :‬هو ما يوجد مثله في السّوق بدون تفاوت يعتدّ به ‪ ،‬وهو يشمل‬
‫المكيلت والموزونات والمعدودات ‪ ،‬والمثليّ من الموال قسيم القيميّ ‪.‬‬
‫وعلى ذلك فالقيمة يقدر بها الشياء القيمية ‪ ،‬أما المثل فيقدر به المثليات ‪.‬‬
‫ما يتعلق بالقيمة من أحكام ‪:‬‬
‫ما تجب فيه القيمة ‪:‬‬
‫تجب القيمة فيما يأتي ‪:‬‬
‫أولً ‪ -‬في الشياء القيمية إذا وجب ضمانها ‪:‬‬
‫ومن أمثلة ذلك ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬المبيع في البيع الفاسد ‪:‬‬
‫‪ -‬البيع الفاسد واجب الفسخ حقّا ل تعالى ‪ ،‬ويجب ر ّد المبيع إلى البائع ‪ ،‬وردّ الثمن إلى‬ ‫‪5‬‬

‫المشتري ‪ ،‬فإذا هلك المبيع عند المشتري وكان قيميّا كالحيوان والعروض والعقار ضمن‬
‫المشتري قيمته ‪ ،‬وهذا عند الحنفية ‪ ،‬وهو المذهب عند الحنابلة ‪ ،‬نص عليه أحمد في‬
‫رواية ابن منصور وأبي طالب ‪.‬‬
‫ن المقبوض‬
‫وحكى القاضي في المجرد وابن عقيل في الفصول عن أبي بكر عبد العزيز أ ّ‬
‫ي الدّين وقال ‪ :‬إنّه قياس المذهب ‪.‬‬
‫بالبيع الفاسد يضمن بالمسمى ‪ ،‬وهو اختيار الشيخ تق ّ‬
‫ويفصّل المالكية بين البيع الفاسد المختلف في فساده وبين الفاسد المتفق على فساده ‪.‬‬
‫ففي البيع الفاسد المختلف في فساده ‪ -‬ولو خارج المذهب ‪ -‬إذا فات المبيع بيد المشتري‬
‫فإنّه يضمنه بالثمن الذي وقع به البيع إل ما يستثنى من ذلك ‪.‬‬
‫وإن كان البيع متفقا على فساده فإنّ المشتري يضمن قيمته إن كان متقوما ‪ ،‬ومثله إن كان‬
‫مثليّا ‪ ،‬وهذا ما مشى عليه خليل وهو المشهور ‪ ،‬وهي طريقة ابن شاس وابن الحاجب ‪،‬‬
‫وأصلها لبن يونس وعزاها لبن القاسم في غير المدونة ‪.‬‬
‫والطريقة الثانية لبن رشد وابن بشير واللخميّ والمازريّ أنّ اللزم مع الفوات هو القيمة‬
‫مطلقا سواء أكان المبيع قيميّا أم مثليّا ‪.‬‬
‫ن المشتري يضمن مثله في المثليّ ‪،‬‬
‫وقال الشافعية ‪ :‬إذا تلف المبيع في البيع الفاسد فإ ّ‬
‫وأقصى قيمه إن كان متقوما ‪ ،‬وهذا ما جاء في بعض كتب الشافعية كمغني المحتاج وأسنى‬
‫المطالب ‪ ،‬وقال الشّهاب الرمليّ تعليقا على قول الروض ‪ " :‬يضمن المبيع التالف بالمثل في‬
‫المثليّ " ‪ ،‬هذا ما نص عليه الشافعيّ ‪ ،‬وإن صحح الماورديّ أنّه يضمن بقيمته أيضا ‪،‬‬
‫وادعى في البحر أنّه ل خلف فيه ‪.‬‬
‫ي أنّ الرافعي أطلق وجوب القيمة دون تفصيل بين المثليّ والمتقوّم ‪ ،‬وبه‬
‫كذلك ذكر الزركش ّ‬
‫ي قال ‪ :‬إنّه ضعيف ‪.‬‬
‫ن الزركش ّ‬
‫صرح الماورديّ ‪ ،‬لك ّ‬
‫هذا الذي سبق إنّما هو بالنّسبة للبيع الفاسد عند الحنفية ‪،‬وهو والباطل سواء عند‬
‫الجمهور‪ .‬أما عند الحنفية في البيع الباطل فإنّ المبيع إذا تلف بيد المشتري فإنّه ل ضمان‬
‫على المشتري فيه عند أبي حنفية ; لنّه أمانة في يده فيهلك بغير شيء ‪.‬‬
‫وعند أبي يوسف ومحمد يضمن قيمته ; لنّ البائع ما رضي بقبضه مجانا ‪.‬‬
‫وقت وجوب القيمة في البيع الفاسد ‪:‬‬
‫‪ -‬إذا وجبت قيمة المبيع في البيع الفاسد فللفقهاء اتّجاهات في وقت وجوب القيمة ‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫فعند الحنفية ‪ ،‬وهو المشهور عند المالكية ‪ ،‬وفي وجه عند الشافعية ‪ :‬أنّه يجب ضمان‬
‫القيمة يوم قبض المبيع ‪ ،‬قال الحنفية ‪ :‬ولو زادت قيمته في يده فأتلفه ; لنّه إنّما يدخل في‬
‫ضمانه بالقبض فل يتغير كالغصب ‪.‬‬
‫وعند الحنابلة ‪ -‬كما قاله القاضي ونص عليه أحمد ‪ -‬وهو قول محمد من الحنفية ووجه‬
‫عند الشافعية ‪ :‬أنّه يجب ضمان القيمة يوم تلف المبيع قالوا ‪ ; :‬لنّه مأذون في إمساكه‬
‫فأشبه العارية ‪.‬‬
‫ن القيمة تجب بأقصى القيم من حين القبض إلى حين التلف ; لنّه‬
‫والمذهب عند الشافعية أ ّ‬
‫مخاطب في كلّ لحظة من جهة الشرع بردّه ‪ ،‬وهو قول عند الحنابلة ذكره الخرقيّ في‬
‫الغصب ‪ ،‬قال ابن قدامة ‪ :‬فيخرج هاهنا " البيع الفاسد " ‪ ،‬بل هو هنا أولى ; لنّ العين‬
‫كانت على ملك صاحبها في حال زيادتها وعليه ضمان نقصها مع زيادتها ‪ ،‬فكذلك في حال‬
‫تلفها ‪ .‬وفي قول عند المالكية تجب القيمة يوم البيع ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬المغصوب ‪:‬‬
‫‪ -‬من غصب شيئا لزمه ردّه ما كان باقيا لقول النبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬على اليد‬ ‫‪7‬‬

‫ما أخذت حتى تؤدّي » ‪ ،‬فإن تلف في يده لزمه بدله ; لنّه لما تعذر ردّ العين وجب ر ّد ما‬
‫يقوم مقامها في المالية ‪ ،‬فإن كان المغصوب مما له مثل كالمكيلت والموزونات والعدديات‬
‫ن ضمان الغصب ضمان اعتداء ‪ ،‬والعتداء لم يشرع إل‬
‫المتقاربة فعلى الغاصب مثله ; ل ّ‬
‫علَ ْيكُمْ } ‪،‬‬
‫ن اعْتَدَى عَلَ ْي ُكمْ فَاعْتَدُواْ عَلَ ْي ِه ِبمِ ْثلِ مَا اعْتَدَى َ‬
‫بالمثل ‪ ،‬قال ال تعالى ‪َ { :‬فمَ ِ‬
‫والمثل المطلق هو المثل صور ًة ومعنىً ‪ ،‬فأما القيمة فمثل من حيث المعنى دون الصّورة ‪.‬‬
‫ولنّ ضمان الغصب ضمان جبر الفائت ‪ ،‬ومعنى الجبر بالمثل أكمل منه من القيمة ‪ ،‬فل‬
‫يعدل عن المثل إلى القيمة إل عند التعذّر ‪.‬‬
‫وإن كان مما ل مثل له فعليه قيمته ; لنّه تعذر إيجاب المثل معنىً وهو القيمة ; لنّها المثل‬
‫الممكن ‪.‬‬
‫ن النّبي صلى‬
‫والصل في ضمان القيمة ما روى عبد ال بن عمر رضي ال تعالى عنهما أ ّ‬
‫ال عليه وسلم قال ‪ « :‬من أعتق شركًا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوّم عليه‬
‫قيمة العدل » ‪ ،‬فأمر صلى ال عليه وسلم بالتقويم في حصة الشريك ; لنّها متلفة بالعتق‬
‫ولم يأمر بالمثل ; ولنّ هذه الشياء ل تتساوى أجزاؤها وتتباين صفاتها ‪ ،‬فالقيمة فيها‬
‫أعدل وأقرب إليها فكانت أولى ‪ ،‬والنص الوارد في العبد يكون واردا في إتلف كلّ ما ل‬
‫مثل له دللةً ‪.‬‬
‫وحكي عن العنبريّ أنّه يجب في كلّ شيء مثله مثليّا كان أو متقوما ‪ ،‬لما ورد عن عائشة‬
‫رضي ال تعالى عنها أنّها قالت ‪ « :‬ما رأيت صانعة طعام مثل صفية أهدت إلى النبيّ صلى‬
‫ال عليه وسلم إناء فيه طعام ‪ ،‬فما ملكت نفسي أن كسرته ‪ ،‬فسألت النّبي صلى ال عليه‬
‫وسلم عن كفارته فقال ‪ :‬إناء كاناء ‪ ،‬وطعام كطعام » ‪.‬‬
‫وعن أنس « أنّ النّبي صلى ال عليه وسلم كان عند بعض نسائه ‪ ،‬فأرسلت إحدى أمهات‬
‫المؤمنين مع خادم بقصعة فيها طعام ‪ ،‬فضربت بيدها فكسرت القصعة فضمها وجعل فيها‬
‫الطعام ‪ ،‬وقال ‪ :‬كلوا ‪ ،‬وحبس الرسول والقصعة حتى فرغوا ‪ ،‬فدفع القصعة الصحيحة ‪،‬‬
‫وحبس المكسورة » ‪.‬‬
‫ولنّ « النّبي صلى ال عليه وسلم استسلف بعيرا ورد مثله » ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪23‬‬ ‫‪،‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪،‬‬ ‫‪19‬‬ ‫وينظر تفصيل ذلك في ( غصب ف ‪/‬‬
‫وقت وجوب القيمة في المغصوب ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنفية والمالكية وهو رواية عن أحمد إلى أنّ الغاصب يضمن قيمة المتقوّم‬ ‫‪8‬‬

‫التالف يوم الغصب ‪ .‬وعند الشافعية يضمن بأقصى قيمة من وقت الغصب إلى وقت التلف ;‬
‫لنّه غاصب في الحال التي زادت فيها قيمته فلزمه ضمان قيمته فيها ‪:‬‬
‫والمذهب عند الحنابلة ‪ :‬وجوب القيمة يوم تلف المغصوب ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪24‬‬ ‫وينظر تفصيل ذلك في ( غصب ف ‪/‬‬
‫ثانيا ‪ -‬تعذّر المثل ‪:‬‬
‫ي إذا تعذر ردّ المثل ‪ ،‬وذلك كالمبيع في البيع‬
‫‪ -‬مما تجب فيه القيمة أيضا المضمون المثل ّ‬ ‫‪9‬‬

‫الفاسد إذا كان مثليّا ‪ ،‬وكالمغصوب المثليّ كذلك ‪.‬‬


‫ويوضّح الشافعية والحنابلة كيفية تعذّر المثل في أنّه إما لعدم وجوده ‪ ،‬أو لبعده وعدم‬
‫إمكان الوصول إليه ‪ ،‬أو لوجوده بزيادة على ثمن مثله ‪ ،‬ففي هذه الحالت تجب قيمة المثل‬
‫وهي معتبرة عند الشافعية أقصى قيمة من وقت قبض المبيع الفاسد أو من وقت الغصب‬
‫إلى وقت تعذّر المثل ‪ ،‬وعند الحنابلة إنّما تجب قيمة المثل يوم إعواز المثل لوجوب القيمة‬
‫في الذّمة حين انقطاع المثل فاعتبرت القيمة حينئذ ‪.‬‬
‫وعند الحنفية تجب قيمة المثل يوم الخصومة عند أبي حنيفة ‪ ،‬وقال أبو يوسف تجب القيمة‬
‫يوم الغصب ‪ ،‬وقال محمد تجب القيمة يوم النقطاع ‪.‬‬
‫ويفرّق المالكية بين ما يجب عند تعذّر المثل في البيع الفاسد وبين تعذّره في الغصب ‪،‬‬
‫فقالوا‪ :‬إنّ المبيع في البيع الفاسد إذا تلف وكان مثليّا فإنّه يضمن بالقيمة في الحوال‬
‫التية‪:‬‬
‫أ ‪ -‬إذا تعذر وجوده ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬إذا بيع جزافا ولم يعلم كيله أو وزنه بعد البيع ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬إذا بيع بكيل أو وزن أو عدّ ولكن نسي ذلك وقت القضاء بالردّ ‪.‬‬
‫د ‪ -‬إذا علم كيله أو وزنه أو عدده ولكن تعذر وجوده يوم القضاء بالر ّد ‪.‬‬
‫ففي هذه الحوال يضمن قيمته يوم القضاء بالر ّد ‪.‬‬
‫ي إذا تلف فإنّ المغصوب منه يصبر لوقت الوجود ليأخذ المثل ‪.‬‬
‫أما المغصوب المثل ّ‬
‫ثالثا ‪ -‬المبيع في البيع المفسوخ للختلف في الثمن ‪:‬‬
‫‪ -‬إذا اختلف البائع والمشتري في ثمن المبيع فقال البائع ‪ :‬بعتك بكذا ‪ ،‬وقال المشتري‪:‬‬ ‫‪10‬‬

‫اشتريت بكذا ول بينة لواحد منهما ‪ ،‬تحالفا ويفسخ البيع إن لم يتراضيا ‪.‬‬
‫فإذا تلف المبيع عند المشتري فقد اختلف الفقهاء في كيفية ضمانه ‪.‬‬
‫ي من الشافعية وصححه في الحاوي ‪ ،‬وهو ما مشى عليه‬
‫فعند الحنابلة ‪ ،‬وهو قول النّوو ّ‬
‫ن المشتري يضمن‬
‫صاحب المهذب ‪ ،‬وهو قول عند المالكية على ما في التوضيح وغيره ‪ :‬أ ّ‬
‫المبيع بالقيمة ‪ ،‬سواء أكان مثليّا أم قيميّا ‪.‬‬
‫ي الخطيب ‪ ،‬وهو قول عند المالكية ‪ :‬أنّ‬
‫والمشهور عند الشافعية على ما ذكره الشّربين ّ‬
‫المشتري يضمن المثل إن كان مثليّا ‪ ،‬والقيمة إن كان قيميّا ‪.‬‬
‫ما يضمن بالقيمة والمثل معا ‪:‬‬
‫‪ -‬من المضمونات ما تجب فيه القيمة والمثل معا ‪ ،‬وذلك في الصيد المملوك إذا قتله‬ ‫‪11‬‬

‫المحرم أو قتله الحلل في الحرم ‪ ،‬فإنّه يضمنه بالقيمة للمالك وبالمثل الصّوريّ لحقّ ال‬
‫تعالى ‪ ،‬وذلك كما إذا استعار صيدا مملوكا من حلل وتلف عنده ‪ ،‬وهذا إذا كان له مثل‬
‫لقوله تعالى ‪َ { :‬فجَزَا ٌء مّ ْثلُ مَا قَ َت َل مِنَ ال ّن َعمِ } ‪.‬‬
‫فإن كان مما ل مثل له من النعم كالعصافير المملوكة وجبت فيه قيمتان ‪ :‬إحداهما تجب‬
‫حقّا ل تعالى ‪ ،‬والخرى تجب لمالكه ‪.‬‬

‫قِيمِيّات *‬
‫التعريف ‪:‬‬
‫ي نسبةً إلى القيمة على‬
‫‪ -‬القيميات في اللّغة ‪ :‬جمع مفرده قِي ِميّ ‪ ،‬يقال ‪ :‬شيء قِيمِ ّ‬ ‫‪1‬‬

‫لفظها; لنّه ل وصف له ينضبط به في أصل الخلقة حتى ينسب إليه ‪.‬‬
‫والقيمة ‪ :‬ثمن الشيء بالتقويم ‪.‬‬
‫ي في الصطلح ‪ :‬ما ل يوجد له مثل في السّوق ‪ ،‬أو يوجد لكن مع التفاوت المعتدّ‬
‫والقيم ّ‬
‫ي المخلوط بغيره ‪ ،‬وكالعدديات المتفاوتة التي يكون بين أفرادها‬
‫به في القيمة كالمثل ّ‬
‫وآحادها تفاوت في القيمة كالنعام ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫المثليات ‪:‬‬
‫ي ‪ ،‬والمثل في اللّغة ‪ :‬الشبه يقال ‪ :‬هذا مثله ومثله ‪ ،‬كما يقال‬
‫‪ -‬المثليات جمع مثل ّ‬ ‫‪2‬‬

‫شبيهه وشبهه ‪.‬‬


‫ويطلق الفقهاء المثلي على ما تماثلت آحاده وأجزاؤه من الموال بحيث يمكن أن يقوم‬
‫بعضها مقام بعض دون فرق يعت ّد به ‪.‬‬
‫وفي المجلة ‪ :‬المثليّ ما يوجد مثله في السّوق بدون تفاوت يعتدّ به كالمكيل والموزون‬
‫والعدديات المتقاربة ‪.‬‬
‫ي قسيم القيميّ من الموال ‪.‬‬
‫وعلى ذلك فالمثل ّ‬
‫الحكم الجماليّ ‪:‬‬
‫أولً ‪ -‬من العقود ما يجوز أن يكون المعقود عليه فيها من الموال القيمية‬
‫باتّفاق ‪:‬‬
‫ومن أمثلة ذلك ما يلي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬البيع ‪:‬‬
‫‪ -‬يجوز أن تكون الموال القيمية كالعروض والحيوانات وغير ذلك محلّا للبيع باتّفاق‬ ‫‪3‬‬

‫الفقهاء ‪ ،‬مع مراعاة استيفاء الشّروط المعتبرة في ذلك من كون هذه الموال مملوكةً للعاقد‬
‫طاهر ًة منتفعا بها مقدورا على تسليمها معلومةً لكلّ من العاقدين ‪.‬‬
‫وما بعدها ) ‪.‬‬ ‫‪28‬‬ ‫وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ( بيع ف ‪/‬‬
‫ب ‪ -‬الجارة ‪:‬‬
‫‪ -‬يجوز أن تكون منفعة الموال القيمية محلّا لعقد الجارة كاستئجار دار للسّكنى ‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫وحيوان للرّكوب أو لنقل متاع ‪ ،‬مع مراعاة استيفاء الشّروط المعتبرة في ذلك من كون‬
‫المنفعة معلومةً ومقدورا على استيفائها ‪ ...‬وغير ذلك ‪ ،‬وهذا باتّفاق ‪.‬‬
‫وما بعدها ) ‪.‬‬ ‫‪29‬‬ ‫وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ( إجارة ف ‪/‬‬
‫ثانيا ‪ -‬من العقود ما يختلف الفقهاء في كون الموال القيمية محلّا للعقد فيها ‪:‬‬
‫ومن أمثلة ذلك ما يلي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬السلم ‪:‬‬
‫‪ -‬يشترط لصحة السلم أن يكون المسلم فيه مما يمكن أن يضبط قدره وصفته بالوصف‬ ‫‪5‬‬

‫على وجه ل يبقى بعد الوصف إل تفاوت يسير ‪ ،‬ولذلك يجوز السلم في المثليات كالمكيلت‬
‫والموزونات ; لنّها ممكنة الضبط قدرا وصفةً ‪ ،‬وهذا باتّفاق ‪.‬‬
‫وكذلك يجوز السلم في القيميات التي تنضبط بالصّفات عند الجمهور ‪ ،‬وذهب الحنفية إلى‬
‫عدم صحة السلم في القيميات إل أنّهم استثنوا بعضها استحسانا ‪.‬‬
‫قال الكاسانيّ ‪ :‬أما الذرعيات كالثّياب والبسط والحصر والبواري ونحوها فالقياس أن ل‬
‫يجوز السلم فيها ; لنّها ليست من ذوات المثال للتفاوت الفاحش بين ثوب وثوب ‪ ،‬ولهذا‬
‫لم تضمن بالمثل في ضمان العدديات بل بالقيمة فأشبه السلم في الللئ والجواهر إل أنّا‬
‫صغِيرًا أَو كَبِيرًا‬
‫استحسنّا الجواز لقول ال عز وجل في آية الدين ‪َ { :‬ولَ َتسْ َأ ُم ْواْ أَن َتكْتُبُوْ ُه َ‬
‫إِلَى َأجَ ِلهِ } ‪ ،‬والمكيل والموزون ل يقال فيه الصغير والكبير ‪ ،‬وإنّما يقال ذلك في الذرعيات‬
‫ن الناس تعاملوا السلم في الثّياب لحاجتهم إلى ذلك فيكون إجماعا منهم‬
‫والعدديات ; ول ّ‬
‫على الجواز فيترك القياس بمقابلته ; ولنّه إذا بين جنسه وصفته ونوعه وطوله وعرضه‬
‫يتقارب التفاوت فيلحق بالمثل في باب السلم لحاجة الناس ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪21‬‬ ‫( ر ‪ :‬سلم ف‬
‫‪ -‬واختلف الجمهور فيما يمكن ضبطه بالصّفات من القيميات فيجوز السلم فيه وما ل‬ ‫‪6‬‬

‫يمكن ضبطه بالصّفات فل يجوز السلم فيه ‪.‬‬


‫ن كل القيميات يجوز السلم فيها ; لنّها يمكن ضبطها بالصّفات ‪ ،‬ولذلك‬
‫فذهب المالكية إلى أ ّ‬
‫ن كل ذلك يمكن ضبطه‬
‫أجازوا السلم في الثّياب والحيوان واللّؤلؤ والجواهر الكبيرة ; ل ّ‬
‫بالصّفات عندهم فقالوا في اللّؤلؤ ‪ :‬يمكن حصر صفته بذكر جنسه وعدده ووزن كلّ حبة‬
‫وبيان صفتها وهكذا ‪.‬‬
‫ن ذلك مما يمكن‬
‫وعند الشافعية يجوز السلم في الثّياب والصواف والخشاب والحجار ; ل ّ‬
‫عندهم ضبطه بالوصف كما أجازوا السلم في الحيوان ‪ ،‬قالوا ‪ ; :‬لنّه ثبت في الذّمة قرضا‬
‫ن النّبي صلى ال عليه وسلم استسلف من رجل بكرا فقدمت عليه إبل من إبل‬
‫بحديث ‪ « :‬أ ّ‬
‫الصدقة ‪ ،‬فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره ‪ ،‬فرجع إليه أبو رافع فقال ‪ :‬لم أجد فيها إل‬
‫خيارا رباعيّا ‪ ،‬فقال ‪ :‬أعطه إياه ‪ .‬إنّ خيار الناس أحسنهم قضاءً » فقيس السلم على‬
‫القرض ‪ ،‬ولم يجيزوا السلم في الجواهر كاللّؤلؤ والعقيق والياقوت ول في الجلود ; لنّ‬
‫ذلك مما ل يمكن ضبطه بالوصف ‪.‬‬
‫واختلفت الرّواية عند الحنابلة في السلم في الشياء القيمية ‪ ،‬قال ابن قدامة ‪ :‬اختلفت‬
‫الرّواية في السلم في الحيوان ‪ ،‬فروي أنّه ل يصحّ السلم فيه وهو قول الثوريّ ‪ ،‬وروي‬
‫ذلك عن عمر وابن مسعود وحذيفة وسعيد بن جبير والشعبيّ والجوزجانيّ ; لما روي عن‬
‫ن منها السلم‬
‫عمر بن الخطاب رضي ال تعالى عنه أنّه قال ‪ :‬إنّ من الرّبا أبوابا ل تخفى وإ ّ‬
‫في السّنّ ; ولنّ الحيوان يختلف اختلفا متباينا فل يمكن ضبطه ‪ ،‬وظاهر المذهب صحة‬
‫السلم فيه ‪ ،‬نص عليه في رواية الثرم ‪ ،‬قال ابن المنذر ‪ :‬وممن روينا عنه أنّه ل بأس‬
‫بالسلم في الحيوان ابن مسعود وابن عباس وابن عمر وسعيد بن المسيّب والحسن‬
‫ي صلى ال‬
‫ن أبا رافع قال ‪ « :‬استسلف النب ّ‬
‫ي ; ول ّ‬
‫ي ومجاهد والزّهريّ والوزاع ّ‬
‫والشعب ّ‬
‫عليه وسلم من رجل بكرا » ; ولنّه ثبت في الذّمة صداقا فثبت في السلم كالثّياب ‪.‬‬
‫وقال ابن قدامة ‪ :‬واختلفت الرّواية في السلم في غير الحيوان مما ل يكال ول يوزن ول‬
‫يذرع فنقل إسحاق بن إبراهيم عن أحمد أنّه قال ‪ :‬ل أرى السلم إل فيما يكال أو يوزن أو‬
‫يوقف عليه ‪ ،‬قال أبو الخطاب ‪ :‬معناه يوقف عليه بحدّ معلوم ل يختلف كالذرع ‪ ،‬فأما‬
‫الرّمان والبيض فل أرى السلم فيه ‪ ،‬وحكى ابن المنذر عنه وعن إسحاق ‪ :‬أنّه ل خير في‬
‫السلم في الرّمان والسفرجل والبطّيخ والقثاء والخيار ; لنّه ل يكال ول يوزن ومنه الصغير‬
‫والكبير ‪ ،‬فعلى هذه الرّواية ل يصحّ السلم في ك ّل معدود مختلف كالبقول ; لنّه يختلف ول‬
‫يمكن تقدير البقل بالحزم ; لنّ الحزم يمكن في الصغير والكبير فلم يصح السلم فيه‬
‫كالجواهر ‪ ،‬ونقل إسماعيل بن سعيد وابن منصور جواز السلم في الفواكه والسفرجل‬
‫ن كثيرا من ذلك مما يتقارب وينضبط بالصّغر‬
‫والرّمان والموز والخضراوات ونحوها ; ل ّ‬
‫والكبر ‪ ،‬وما ل يتقارب ينضبط بالوزن ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬القرض ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الفقهاء في قرض الشياء القيمية فعند الحنفية ل يصحّ قرض القيميات‬ ‫‪7‬‬

‫كالحيوان والعقار وكلّ شيء متفاوت ; لنّ القرض إعارة ابتداءً حتى صح بلفظها ‪،‬‬
‫معاوضة انتهاءً ; لنّه ل يمكن النتفاع به إل باستهلك عينه فيستلزم إيجاب المثل في‬
‫ي ; لنّه ل‬
‫الذّمة ‪ ،‬وهذا ل يتأتى في غير المثليّ ‪ ،‬قال في البحر ‪ :‬ول يجوز في غير المثل ّ‬
‫يجب دينا في الذّمة ‪ ،‬ويملكه المستقرض بالقبض الصحيح ‪ ،‬والمقبوض بقرض فاسد يتعين‬
‫لردّ ‪ ،‬وفي القرض الجائز ل يتعين بل يردّ المثل وإن كان قائما ‪.‬‬
‫وعلى هذا فإنّ قرض ما ل يجوز قرضه من القيميات يعتبر عاري ًة من حيث إنّه يجب ردّ‬
‫عينه ‪.‬‬
‫ن القيميات التي ل‬
‫وفي الصحّ عند الشافعية وهو وجه عند الحنابلة قاله أبو الخطاب أ ّ‬
‫تنضبط أو يندر وجودها ل يجوز قرضها ; لنّه يتعذر أو يتعسر ردّ المثل ‪ ،‬ور ّد المثل هو‬
‫الواجب في الظهر ‪.‬‬
‫وذهب المالكية وهو مقابل الصحّ عند الشافعية وهو الوجه الثاني عند الحنابلة أنّه يجوز‬
‫ن النّبي صلى ال عليه‬
‫قرض القيميات بناء على أنّه يجوز ردّ مثل المتقوّم صور ًة ; « ل ّ‬
‫وسلم استسلف بكرا ورد رباعيّا » ; ولنّه لو وجبت القيمة لفتقر إلى العلم بها ‪.‬‬
‫قال ابن عبد البرّ ‪ :‬وقرض كلّ شيء واستقراضه جائز من العروض والعين والحيوان ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬الشركة ‪:‬‬
‫ح أن يكون رأس مال الشركة من الموال القيمية ; لتعذّر الخلط في المتقومات ;‬
‫‪ -‬ل يص ّ‬ ‫‪8‬‬

‫لنّها أعيان متميّزة ‪ ،‬حينئذ تتعذر الشركة ; لنّ بعضها قد يتلف فيذهب على صاحبه وحده‬
‫; ولنّها تقتضي الرّجوع عند فسخها برأس المال أو مثله ‪ ،‬ول مثل لها يرجع إليه وقيمتها‬
‫ل يجوز عقدها عليها ; لنّها قد تزيد في أحدهما قبل بيعه فيشاركه الخر في العين‬
‫المملوكة له وثمنها معدوم حال العقد وغير مملوك لهما ‪.‬‬
‫وهذا في الجملة عند جمهور الفقهاء خلفا للمالكية فيجوز عندهم في المتقوّم كالعروض‬
‫والعيان ‪ ،‬وكلّ بالقيمة ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪44‬‬ ‫وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ( شركة ف ‪/‬‬

‫َقيّم *‬
‫التعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬القيّم في اللّغة ‪ :‬من قام بالمر قياما وقوما ‪ :‬اهتم به بالرّعاية والحفظ ‪ ،‬ومنه قوله‬ ‫‪1‬‬

‫علَى ال ّنسَاءِ } ‪ ،‬والقوام اسم لمن يكون مبالغا في القيام بالمر ‪،‬‬
‫تعالى ‪ { :‬ال ّرجَالُ َقوّامُونَ َ‬
‫وقيّم اليتيم هو الذي يقوم بأمره ‪ ،‬ويتعهد شؤونه بالرّعاية والحفظ ‪.‬‬
‫وفي الصطلح هو من يعيّنه الحاكم لتنفيذ وصايا من لم يوص معينا لتنفيذ وصيته ‪،‬‬
‫والقيام بأمر المحجورين من أولده من أطفال ‪ ،‬ومجانين وسفهاء ‪ ،‬وحفظ أموال المفقودين‬
‫ممن ليس لهم وكيل ‪.‬‬
‫ويسمّيه المالكية ‪ :‬مقدم القاضي أو نائب القاضي ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الوصيّ ‪:‬‬
‫‪ -‬الوصيّ هو من يعهد إليه الب أو الج ّد أو القاضي بالتصرّف بعد موت الب أو الجدّ‬ ‫‪2‬‬

‫فيما كان له التصرّف فيه في حياته من شؤونه ‪ :‬كقضاء ديونه واقتضائها ‪ ،‬ور ّد المظالم‬
‫والودائع ‪ ،‬واستردادها ‪ ،‬وتنفيذ وصاياه والولية على أولده الذين له الولية عليهم من‬
‫أطفال ومجانين وسفهاء ‪ ،‬والنظر في أموالهم ‪ ،‬بحفظها والتصرّف فيها بما لهم فيه الحظّ ‪.‬‬
‫ن الوصي أعمّ من القيّم ‪.‬‬
‫والصّلة أ ّ‬
‫ب ‪ -‬الوكيل ‪:‬‬
‫‪ -‬الوكيل هو من يقوم بشؤون الغير بتفويض منه في حال حياته ‪ ،‬والوكيل ينصبه‬ ‫‪3‬‬

‫الشخص في حال حياته ‪ ،‬والقيّم ينصبه القاضي ‪.‬‬


‫الحكام المتعلّقة بالقيّم ‪:‬‬
‫يتعلق بالقيّم أحكام منها ‪:‬‬
‫ترتيبه في ولية المحجورين ‪:‬‬
‫ي وصيّهما مطلقا عند‬
‫‪ -‬ولية القيّم ‪ ،‬بعد ولية الب ‪ ،‬والجدّ ‪ ،‬ووصيّهما ووص ّ‬ ‫‪4‬‬

‫ي من اليصاء عند المالكية ‪ ،‬وإن أذن له الوليّ في اليصاء في‬


‫الحنفية ‪ ،‬وإن لم يمنعه الول ّ‬
‫الظهر عند الشافعية والحنابلة ; لنّه ‪ :‬يستفيدها من القاضي ‪ ،‬وهي متأخّرة عن هؤلء ‪،‬‬
‫لخبر ‪:‬‬
‫ي من ل ولي له » ; ولنّ البوة داعية إلى كمال النظر في حقّ الصغير‬
‫« السّلطان ول ّ‬
‫لوفور شفقة الب ووصيّه قائم مقامه ; لنّه اختاره ورضيه ‪ ،‬فالظاهر أنّه ما اختاره من‬
‫ن شفقته على ورثته مثل شفقته عليهم وكذا الجدّ ‪ ،‬ووصيّه ; ولنّ‬
‫بين الناس إل لعلمه بأ ّ‬
‫شفقة الب والجدّ تنشأ عن القرابة ‪ ،‬ووصيّهما يقوم مقامهما ‪ ،‬بخلف القاضي ووصيّه ‪،‬‬
‫فإنّها تنشأ لكونه مظنّة العلم والعدالة والتقوى فتأخرت وليته عن وليتهما ‪ ،‬ووصيّه نائب‬
‫عنه ‪.‬‬
‫تصرّفات القيّم ‪:‬‬
‫ي الميّت في التصرّفات إل في بعض المسائل ذكرها الحنفية ‪ ،‬وخالفهم‬
‫‪ -‬القيّم كوص ّ‬ ‫‪5‬‬

‫غيرهم في معظمها ‪.‬‬


‫الولى ‪ :‬أنّه ليس للقيّم الشّراء لنفسه ول أن يبيع ممن ل تقبل شهادته له ‪ ،‬بخلف وصيّ‬
‫الصل فيجوز له ذلك إذا كان فيه للمحجور غبطة ظاهرة عند أبي حنيفة ‪.‬‬
‫وقال المالكية ‪ :‬ل يشتري الوصيّ مطلقا من التركة على جهة الكراهة ; لنّه يتهم على‬
‫المحاباة فإن اشترى شيئا من التركة تعقبه الحاكم بالنظر في المصلحة فإن كان صوابا‬
‫أمضاه وإل رده ‪.‬‬
‫وقال الشافعية ‪ :‬ليس للوصيّ بيع مال الموصى عليه لنفسه ول بيع مال نفسه له ‪،‬‬
‫والقاضي وأمينه كالوصيّ ‪ ،‬والمجنون والسفيه كالطّفل أما الب والجدّ فلهما ذلك ‪.‬‬
‫ي صغير وسفيه ومجنون من مال مولّيه لنفسه أو‬
‫ح أن يبيع ول ّ‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬ل يص ّ‬
‫يشتري لنفسه ; لنّه مظنّة التّهمة أما الب فله ذلك ‪.‬‬
‫الثانية ‪ :‬إذا خصص القاضي ولية القيّم بشيء معين تخصص به فل يجاوزه ‪ ،‬بخلف‬
‫وصيّ الصل ‪.‬‬
‫وقال جمهور الفقهاء ‪ :‬ليس للوصيّ مطلقا أن يتجاوز ما خصص له الموصي في‬
‫التصرّفات ول يكون وصيّا في غير ما خصص له الموصي ; لنّه استفاد التصرّف بإذن‬
‫الموصي فكان مقصورا على ما أذن له ‪.‬‬
‫الثالثة ‪ :‬جاء في الدّ ّر المختار ل يجوز للقيّم أن يؤجّر الصغير لعمل ما ‪ ،‬قال ابن عابدين ‪:‬‬
‫ي أن يؤجّر نفس اليتيم‬
‫ينبغي أن يستثنى تسليمه في حرفة ‪ .‬وفي أدب الوصياء ‪ :‬للوص ّ‬
‫وعقاراته وسائر أمواله ولو بيسير الغبن ‪.‬‬
‫ي وللحاكم أو من يقيمه أن يبيع ما تدعو الضرورة لبيعه من مال‬
‫وعند المالكية يجوز للوص ّ‬
‫اليتيم والتسوّق بالمبيع ‪.‬‬
‫وعند الشافعية ‪ :‬يجبر القاضي الصبي والسفيه على الكتساب إن كان لهما كسب ليرتفقا به‬
‫في النفقة وغيرها ‪.‬‬
‫ي الصل إن ضعف عن الكفاية ‪ ،‬بل يضمّ إليه من يعينه ‪،‬‬
‫الرابعة ‪ :‬ليس للقاضي عزل وص ّ‬
‫فمنصوب الصل يحتفظ به ما أمكن ول يعزل عن التصرّف ‪ ،‬وله عزل القيّم ; لنّه هو الذي‬
‫ولّاه ‪.‬‬
‫الخامسة ‪ :‬ل يملك القيّم القبض إل بإذن مبتدأ من القاضي بعد اليصاء ‪ ،‬بخلف وصيّ‬
‫الصل ‪.‬‬
‫السادسة ‪ :‬للقاضي نهي القيّم عن بعض التصرّفات وليس له نهي وصيّ الميّت عند‬
‫الحنفية‪ .‬وعند جمهور الفقهاء ‪ :‬يستويان في امتناع ما منع منهما ‪ ( .‬ر ‪ :‬وصيّ ) ‪.‬‬
‫ي عند موته وإذا فعل ل يصير الثاني وصيّا ‪ ،‬بخلف وصيّ‬
‫السابعة ‪ :‬ليس للقيّم نصب وص ّ‬
‫ي وصيّ الصل وصيّا إل إذا أذن‬
‫الصل ‪ ،‬هذا عند الحنفية ‪ ،‬وقال الجمهور ‪ :‬ل يكون وص ّ‬
‫الصل في حياته لوصيّه بذلك ‪.‬‬
‫( ر ‪ :‬وصيّ ) ‪.‬‬

‫كاتب *‬
‫انظر ‪ :‬توثيق ‪.‬‬

‫كافر *‬
‫انظر ‪ :‬كفر ‪.‬‬

‫كافل *‬
‫انظر ‪ :‬قيّم ‪ ،‬ولية ‪.‬‬

‫كافُور *‬
‫انظر ‪ :‬تطيّب ‪ ،‬تكفين ‪.‬‬

‫كَالِئ *‬
‫التعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬الكالئ في اللّغة ‪ :‬النسيئة والسلف ‪ ،‬يقال ‪ :‬كل الدين يكل ‪ :‬تأخر فهو كالئ ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫وفي الحديث أنّ النّبي صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬نهى عن بيع الكالئ بالكالئ » ‪ ،‬قال أبو‬
‫عبيدة ‪ :‬يعني النسيئة بالنسيئة ‪.‬‬
‫والمراد به في اصطلح الفقهاء ‪ :‬الدين ‪.‬‬
‫ويذكرون لفظ الكالئ في الكلم على بيع الدين بالدين مستدلّين بالنهي الوارد عن النبيّ‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫ففي منح الجليل أثناء الكلم على ذكر البيوع الممنوعة قال ‪ :‬وكالئ بمثله ثم قال ‪ « :‬نهى‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم عن الكالئ بالكالئ » ‪ ،‬أي الدين بالدين ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫العين ‪:‬‬
‫‪ -‬تطلق العين في اللّغة على أشياء مختلفة ‪ ،‬فمنها العين الباصرة ‪ ،‬ومنها العين‬ ‫‪2‬‬

‫الجارية‪ .‬وتطلق العين أيضا على ما ضرب من الدنانير ‪ ،‬وقد يقال لغير المضروب ‪ :‬عين‬
‫أيضا ‪ ،‬قال في التهذيب والعين ‪ :‬النّقد ‪ ،‬يقال ‪ :‬اشتريت بالدين أو بالعين ‪.‬‬
‫ويطلق الفقهاء في اصطلحهم كلمة العين في مقابل الدين ‪ ،‬باعتبار أنّ الدين هو ما يثبت‬
‫في الذّمة من غير أن يكون معينا مشخصا ‪ ،‬سواء كان نقدًا أو غيره ‪ ،‬أما العين فهي‬
‫الشيء المعين المشخص ‪.‬‬
‫قال النّوويّ ‪ :‬المال المستحقّ عند غيره قسمان ‪ :‬دين ‪ ،‬وعين ‪.‬‬
‫والصّلة بين العين والدين ‪ :‬أنّ العين مقابل الدين ‪.‬‬
‫الحكم الجماليّ ‪:‬‬
‫‪ -‬من البيوع الممنوعة شرعا بيع الكالئ بالكالئ ‪ ،‬أي ‪ :‬بيع الدين بالدين ‪ ،‬وذلك لما‬ ‫‪3‬‬

‫ن النّبي صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬نهى عن بيع‬


‫روى ابن عمر رضي ال تعالى عنهما أ ّ‬
‫الكالئ بالكالئ » ‪ ،‬قال ابن عرفة ‪ :‬تلقّي الئمة هذا الحديث بالقبول يغني عن طلب السناد‬
‫فيه ‪ ،‬وقال ابن المنذر ‪ :‬أجمعوا على أنّ بيع الدين بالدين ل يجوز ‪.‬‬
‫ي ‪ : -‬أنّه إذا اشتملت‬
‫والحكمة في النهي عن بيع الكالئ بالكالئ هي ‪ -‬كما يقول القراف ّ‬
‫المعاملة على شغل الذّمتين توجهت المطالبة من الجهتين ‪ ،‬فكان ذلك سببا لكثرة‬
‫الخصومات والعداوات ‪ ،‬فمنع الشرع ما يفضي لذلك وهي بيع الدين بالدين ‪.‬‬
‫أما بيع الكالئ بالعين ففيه تفصيل واختلف بين الفقهاء ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪62‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪58‬‬ ‫‪ ،‬ودين ف ‪/‬‬ ‫‪57‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪53‬‬ ‫ي عنه ف ‪/‬‬
‫والتفصيل في ( بيع منه ّ‬

‫كاهن *‬
‫انظر ‪ :‬كهانة ‪.‬‬

‫كَبائر *‬
‫التعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬الكبائر جمع كبيرة ‪ ،‬وهي لغ ًة ‪ :‬الثم ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫واصطلحا ‪ :‬كما قال القرطبيّ ‪ :‬كلّ ذنب عظم الشرع التوعّد عليه بالعقاب وشدده ‪ ،‬أو‬
‫عظم ضرره في الوجود ‪.‬‬
‫ولها تعريفات أخرى ‪.‬‬
‫وهناك من عرف الكبائر بالعدّ ‪ ،‬قال الزركشيّ ‪ :‬اختلفوا في الكبيرة ‪ ،‬هل تُعرّف بالحدّ أو‬
‫بالعدّ ‪ ،‬على وجهين ‪ .‬وبالول قال الجمهور ‪.‬‬
‫وقد جاء في النّصوص الشرعية وكلم الفقهاء التعبير عن الكبيرة أيضا بالموبقة ‪ ،‬كما في‬
‫حديث ‪ « :‬اجتنبوا السبع الموبقات ‪ ، » ...‬وبالفاحشة ‪ ،‬كما في قوله تعالى ‪ { :‬وَالّذِينَ‬
‫َيجْتَنِبُونَ كَبَائِ َر الْإِ ْثمِ وَا ْل َفوَاحِشَ } خلفا للحليميّ ‪ ،‬فإنّه قسم الذّنوب إلى ثلثة أنواع هي‬
‫الصغائر ‪ ،‬والكبائر ‪ ،‬والفواحش ‪ ،‬ومثل لذلك بقتل النفس هو كبيرة ‪ ،‬فإن قتل ذا رحم‬
‫محرم فهو فاحشة ‪ ،‬وهكذا تنقسم سائر الذّنوب عنده بحسب ما يلبس الذنب ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬المعصية ‪:‬‬
‫‪ -‬المعصية ‪ ،‬أو العصيان لغةً ‪ :‬خلف الطاعة ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫واصطلحا ‪ :‬مخالفة أمر ال تعالى ‪ ،‬بترك ما أمر به ‪ ،‬أو فعل ما نهى عنه ‪ ،‬سواء كان‬
‫الذنب كبيرا أم صغيرا ‪ ،‬فهي أعمّ من الصغائر والكبائر ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الّلمَم ‪:‬‬
‫‪ -‬من معاني " اللمم " في اللّغة ‪ :‬صغار الذّنوب ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن المعنى اللّغويّ ‪.‬‬


‫والصّلة بينهما أنّ اللمم قسيم الكبائر ‪.‬‬
‫الحكم التكليفيّ ‪:‬‬
‫‪ -‬ل خلف بين الفقهاء في تحريم الكبائر لقول ال تعالى ‪َ { :‬ومَن َيعْصِ ال وَ َرسُو َلهُ‬ ‫‪4‬‬

‫وَيَ َتعَدّ حُدُودَهُ يُ ْدخِ ْلهُ نَارا خَالِدا فِيهَا وَ َل ُه عَذَابٌ ّمهِينٌ } ‪ ،‬وقول النبيّ صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫« اجتنبوا السبع الموبقات ‪. » ...‬‬
‫مناط تقسيم المعاصي إلى صغائر وكبائر وضابط الكبيرة ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب جمهور العلماء إلى تقسيم المعاصي إلى صغائر وكبائر ‪ ،‬واستدلّوا لذلك بالكتاب‬ ‫‪5‬‬

‫والسّنّة ‪.‬‬
‫فمن الكتاب قوله تعالى ‪ { :‬إِن َتجْتَنِبُواْ كَبَآئِ َر مَا تُ ْن َهوْنَ عَ ْن ُه ُن َكفّرْ عَن ُكمْ سَيّئَا ِت ُكمْ } ‪ ،‬وكذلك‬
‫ن كَبَائِ َر الْإِ ْثمِ وَالْ َفوَاحِشَ إِلّا الّل َممَ } ‪.‬‬
‫قوله تعالى في مدح المؤمنين التقياء ‪ { :‬الّذِينَ َيجْتَنِبُو َ‬
‫ومن السّنّة قوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬أل أنبّئكم بأكبر الكبائر ‪ ، » ...‬وغير ذلك من‬
‫الحاديث ‪.‬‬
‫ي ‪ :‬إنكار الفرق بين الصغيرة والكبيرة ل يليق بالفقيه ‪.‬‬
‫وقد قال الغزال ّ‬
‫ي " ‪ ،‬وأبي إسحاق‬
‫وخالف في ذلك بعض الصوليّين ‪ ،‬كأبي بكر بن الطيّب " الباقلن ّ‬
‫السفرايينيّ ‪ ،‬وأبي المعالي الجوينيّ ‪ ،‬وأبي نصر عبد الرحيم القشيريّ ‪ ،‬وهو ما حكاه‬
‫القاضي عياض عن المحقّقين ‪ ،‬ونسبه ابن بطال إلى الشعرية ‪ ،‬فذهبوا إلى أنّ جميع‬
‫المعاصي كبائر بالنظر إلى من عصي سبحانه ‪ ،‬فكلّها بالنّسبة إلى جلله كبائر ‪ ،‬وإن كان‬
‫بعضها أعظم وقعا من بعض ‪ ،‬وإنّما يقال لبعضها صغائر بالضافة إلى ما هو أكبر منها ‪،‬‬
‫كالقبلة المحرمة صغيرة بالنّسبة إلى الزّنا ‪ ،‬ل أنّها صغيرة في نفسها ‪ ،‬كما استدلّوا بقول‬
‫ابن عباس رضي ال عنهما ‪ :‬كلّ ما نهى ال عنه كبيرة ‪.‬‬
‫وقال القرافيّ ‪ :‬الصغيرة والكبيرة في المعاصي ليس من جهة من عصى ‪ ،‬بل من جهة‬
‫المفسدة الكائنة في ذلك الفعل ‪ ،‬فالكبيرة ما عظمت مفسدتها ‪ ،‬والصغيرة ما قلت مفسدتها ‪.‬‬
‫أما ضابط الكبيرة ‪ ،‬فقد قال العزّ بن عبد السلم ‪ :‬لم أقف لحد من العلماء على ضابط‬
‫للكبيرة ل يسلم من العتراض ‪ ،‬والولى ضبطها بما يشعر بتهاون مرتكبها بدينه إشعارا‬
‫دون الكبائر المنصوص عليها ‪ ،‬قال الحافظ ابن حجر ‪ " :‬وهو ضابط جيّد " ‪.‬‬
‫وقد سلك بعض المتأخّرين مسلكا مشابها ‪ ،‬لكنّه عول على المفسدة ‪ ،‬ل على التهاون ‪ ،‬فكلّ‬
‫معصية ساوت مفسدتها أدنى مفسدة كبيرة منصوص عليها فهي كبيرة ‪ ،‬ومثل لذلك بدللة‬
‫الكفار على المسلمين هي أشدّ فسادا من الفرار من الزحف المنصوص على أنّه كبيرة ‪.‬‬
‫ومن الضوابط المذكورة للكبيرة ‪:‬‬
‫‪ -‬قول الزيلعيّ ‪ :‬ما كان حراما لعينه ‪.‬‬
‫سمّي في الشرع فاحشةً أم لم يسم ولكن‬
‫‪ -‬وقول خواهر زاده ‪ :‬ما كان حراما محضا سواء ُ‬
‫شرع عليه عقوبةً محضةً بنص قاطع إما في الدّنيا بالح ّد أو الوعيد بالنار في الخرة ‪.‬‬
‫ي ‪ :‬ما أوجبت الحد أو توجه بسببها إلى الفاعل وعيد ‪.‬‬
‫وقول الماورد ّ‬
‫وما نقله القاضي أبو يعلى عن المام أحمد بأنّها ‪ :‬ك ّل ذنب أوجب ال فيه حدّا في الدّنيا أو‬
‫ختمه بنار في الخرة ‪.‬‬
‫ومن الضوابط قول ابن الصلح ‪ :‬للكبائر أمارات ‪ ،‬منها ‪ :‬إيجاب الحدّ ‪ ،‬ومنها ‪ :‬اليعاد‬
‫عليها بالعذاب بالنار ونحوها في الكتاب والسّنّة ‪ ،‬ومنها ‪ :‬وصف صاحبها بالفسق ‪ ،‬ومنها‬
‫‪ :‬اللعن ‪.‬‬
‫ي ‪ :‬قصدوا التقريب وليست بحدود جامعة ‪.‬‬
‫وقال ابن حجر الهيتم ّ‬
‫ونفى الواحديّ وجود ضابط للكبيرة وأنّه بقصد الشارع فقال ‪ :‬الصحيح أنّه ليس للكبائر حدّ‬
‫يعرفه العباد وتتميز به عن الصغائر تمييز إشارة ‪ ،‬ولو عرف ذلك لكانت الصغائر مباحةً ‪،‬‬
‫ولكن أخفي ذلك على العباد ‪ ،‬ليجتهد كلّ واحد في اجتناب ما نهي عنه ‪ ،‬رجاء أن يكون‬
‫مجتنبا للكبائر ‪ ،‬ونظيره إخفاء الصلة الوسطى في الصلوات ‪ ،‬وليلة القدر في رمضان ‪.‬‬
‫ن الحدود‬
‫قال ابن حجر الهيتميّ بعدما أورد بعض الحدود ‪ " :‬مقتضى كلم المام وغيره أ ّ‬
‫السابقة هي لما عدا الكفر ‪ ،‬وإن صح أن يسمى كبير ًة بل هو أكبر الكبائر " ‪.‬‬
‫تعداد الكبائر ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف العلماء في حصر الكبائر بعدد أو عدم حصرها ‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫ن ما ورد منها بعدد معين ليس المراد منه الحصر ‪ ،‬وأجابوا عن الحكمة‬
‫فذهب أكثرهم إلى أ ّ‬
‫ل بأجوبة عديدة ‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫في القتصار في بعض الحاديث على عدد معين ‪ ،‬كسبع مث ً‬
‫أ ‪ -‬أنّ النّبي صلى ال عليه وسلم أُعْلِم بالكبائر المذكورات أولً ‪ ،‬ثم أعلم بما زاد ‪ ،‬فيجب‬
‫الخذ بالزائد ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬أنّ القتصار وقع بحسب المقام ‪ ،‬بالنّسبة للسائل أو من وقعت له واقعة ‪.‬‬
‫وذهب بعض العلماء إلى حصرها في عدد معين هو ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬ثلث ‪ :‬روي ذلك عن ابن مسعود رضي ال عنه ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬أربع ‪ :‬روي أيضا عن ابن مسعود رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬الكبائر أربع ‪ :‬اليأس من‬
‫روح ال ‪ ،‬والقنوط من رحمة ال ‪ ،‬والمن من مكر ال ‪ ،‬والشّرك بال ‪ ،‬دل عليها‬
‫ن النّبي صلى ال عليه‬
‫القرآن ‪ ،‬وعن عبد ال بن عمرو بن العاص رضي ال عنهما أ ّ‬
‫وسلم قال ‪:‬‬
‫« الكبائر ‪ :‬الشراك بال ‪ ،‬وعقوق الوالدين وقتل النفس ‪ ،‬واليمين الغموس » ‪ ،‬وعن أنس‬
‫رضي ال عنه ‪ ،‬ذكر رسول ال صلى ال عليه وسلم الكبائر ‪ ،‬أو سئل عن الكبائر فقال ‪:‬‬
‫« الشّرك بال ‪ ،‬وقتل النفس ‪ ،‬وعقوق الوالدين ‪ ،‬فقال ‪ :‬أل أنبّئكم بأكبر الكبائر ؟ قال ‪:‬‬
‫قول الزّور ‪ ،‬أو شهادة الزّور » ‪.‬‬
‫ي إلى ضبط بعضهم الكبائر بأنّها كلّ فعل نص الكتاب على تحريمه‬
‫وأشار ابن حجر الهيتم ّ‬
‫" أي بصريح التحريم " وهو أربعة أشياء ‪ :‬أكل لحم الميتة ‪ ،‬والخنزير ‪ ،‬ومال اليتيم ‪،‬‬
‫والفرار من الزحف ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬سبع ‪ :‬واستدلّوا بما روى أبو هريرة رضي ال عنه « أنّ النّبي صلى ال عليه وسلم‬
‫قال ‪ :‬اجتنبوا السبع الموبقات قالوا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬وما هنّ ؟ قال ‪ :‬الشّرك بال ‪،‬‬
‫ق ‪ ،‬وأكل الرّبا ‪ ،‬وأكل مال اليتيم ‪ ،‬والتولّي يوم‬
‫والسّحر‪ ،‬وقتل النفس التي حرم ال إل بالح ّ‬
‫الزحف ‪ ،‬وقذف المحصنات الغافلت المؤمنات » ‪.‬‬
‫ن الكبائر سبع ‪ :‬عليّ رضي ال عنه ‪ ،‬وعطاء ‪،‬‬
‫قال ابن حجر الهيتميّ ‪ :‬وممن صرح بأ ّ‬
‫وعبيد بن عمير ‪.‬‬
‫د ‪ -‬ثمان ‪ :‬وذلك بزيادة « عقوق الوالدين » على السبع التي في حديث أبي هريرة‬
‫السابق‪ .‬وقد وفق بعض الشّراح بين ع ّد الكبائر سبعا ‪ ،‬وعدّها ثمانيا ‪ ،‬باعتبار أكل الرّبا‬
‫وأكل مال اليتيم كبيرةً واحدةً ‪ ،‬بجامع الظّلم ‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬تسع ‪ :‬أشار إلى هذا الزركشيّ لحديث ‪ « :‬الكبائر تسع » ‪ ،‬وزاد على حديث أبي‬
‫هريرة السابق ‪ « :‬اللحاد في الحرم ‪ ،‬وعقوق الوالدين » ‪.‬‬
‫و ‪ -‬عشر ‪ :‬روي ذلك عن ابن مسعود ‪.‬‬
‫ز ‪ -‬أربع عشرة ‪ :‬أشار إليه الزركشيّ ‪.‬‬
‫ح ‪ -‬خمس عشرة ‪ :‬أشار إليه ابن حجر الهيتميّ ‪.‬‬
‫ط ‪ -‬سبع عشرة ‪ :‬نقل القول بذلك الشيخ عليش ‪.‬‬
‫ي ‪ -‬سبعون ‪ :‬قال الزركشيّ ‪ :‬أنهاها الذهبيّ إلى سبعين في جزء صنّفه في الكبائر ‪.‬‬
‫ك ‪ -‬أربعمائة وسبع وستّون ‪ :‬أنهى ابن حجر الهيتميّ الكبائر إلى هذا العدد ‪ ،‬منها ستّ‬
‫وستّون كبائر باطنة مما ليس له مناسبة بخصوص أبواب الفقه ‪ ،‬أي تتعلق بأعمال‬
‫القلوب ‪ ،‬والباقي كبائر ظاهرة تتعلق بالجوارح ‪.‬‬
‫ل ‪ -‬سبعمائة ‪ :‬روي ذلك عن ابن عباس رضي ال عنه ‪ ،‬أخرج الطبرانيّ عنه أنّه قيل له‬
‫‪ :‬الكبائر سبع ‪ ،‬فقال ‪ :‬هي إلى السبعين أقرب ‪ ،‬وفي رواية إلى السبعمائة ‪ ،‬قال الحافظ ابن‬
‫حجر ‪ :‬ويحمل كلمه على المبالغة بالنّسبة لمن اقتصر على السبع ‪.‬‬
‫قال القرافيّ ‪ :‬ما وردت السّنّة أو الكتاب العزيز بجعله كبير ًة أو أجمعت عليه المة أو ثبت‬
‫فيه حدّ من حدود ال تعالى ‪ ،‬كقطع السرقة وجلد الشّرب ونحوهما ‪ ،‬فإنّها كلها كبائر قادحة‬
‫في العدالة إجماعا وكذلك ما فيه وعيد صرّح به في الكتاب أو في السّنّة فنجعله أصلً‬
‫وننظر‪ ،‬فما ساوى أدناه مفسدةً ‪ ،‬أو رجح عليها مما ليس فيه نص ألحقناه به ‪...‬‬
‫أكبر الكبائر ‪:‬‬
‫‪ -‬قسم الفقهاء الكبائر إلى كبيرة وأكبر ‪ ،‬وذلك لما روي عن أبي بكرة رضي ال عنه ‪،‬‬ ‫‪7‬‬

‫قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬أل أنبّئكم بأكبر الكبائر ؟ قلنا ‪ :‬بلى يا رسول‬
‫ال قال ثلثا ‪ :‬الشراك بال ‪ ،‬وعقوق الوالدين ‪ ،‬وكان متكئا فجلس فقال ‪ :‬أل وقول الزّور‬
‫وشهادة الزّور ‪ ،‬أل وقول الزّور وشهادة الزّور فما زال يقولها حتى قلت ‪ :‬ل يسكت » ‪،‬‬
‫وفي رواية « حتى قلنا ‪ :‬ليته سكت » ‪ ،‬أي إشفاقا عليه صلى ال عليه وسلم قال الحافظ‬
‫ابن دقيق العيد ‪ :‬يستفاد من قوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬أكبر الكبائر » انقسام الذّنوب‬
‫إلى كبير وأكبر ‪ ،‬وذلك بحسب تفاوت مفاسدها ‪ ،‬ول يلزم من كون هذه أكبر الكبائر استواء‬
‫رتبها أيضا في نفسها ‪.‬‬
‫وقال الحافظ ابن حجر ‪ :‬حديث " أكبر الكبائر " ليس على ظاهره من الحصر ‪ ،‬بل " من "‬
‫فيه مقدرة ‪ ،‬أي من أكبر الكبائر فقد ثبت في أشياء أخر أنّها من أكبر الكبائر ‪ ،‬ثم ذكر‬
‫الحاديث الواردة في أكبر الكبائر ‪ ،‬فبلغت عشرين كبير ًة ‪ ،‬وبعد إسقاطه المتداخل منها‬
‫بلغت ثلث عشرة هي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الشراك بال ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬عقوق الوالدين ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬قول الزّور وشهادة الزّور " وهذه ثلثة التي في الحديث السابق " ‪.‬‬
‫د ‪ -‬قتل النفس ‪ ،‬لحديث أنس في أكبر الكبائر ‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬الزّنا بحليلة الجار ‪ ،‬لحديث ابن مسعود ‪ :‬قلت ‪ « :‬يا رسول ال ‪ ،‬أيّ الذنب أعظم‬
‫قال ‪ :‬أن تجعل ل ندّا وهو خلقك ‪ ،‬قلت ‪ :‬ثم أيّ ؟ قال ‪ :‬أن تقتل ولدك من أجل أن يطعم‬
‫معك ‪ ،‬قلت ‪ :‬ثم أيّ ؟ قال ‪ .‬أن تزاني حليلة جارك » فأورد هذه بينها ‪.‬‬
‫و ‪ -‬اليمين الغموس ‪ ،‬لحديث عبد ال بن عمرو بن العاص عن النبيّ صلى ال عليه وسلم‬
‫قال ‪ « :‬الكبائر ‪ :‬الشراك بال ‪ ،‬وعقوق الوالدين أو قال ‪ :‬اليمين الغموس » ‪.‬‬
‫ز ‪ -‬استطالة المرء في عرض رجل مسلم ‪ ،‬لحديث أبي هريرة رضي ال عنه أنّ رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬إنّ من أكبر الكبائر استطالة المرء في عرض رجل مسلم‬
‫ن رسول ال صلى‬
‫» ‪ .‬ح ‪ -‬منع فضل الماء ومنع الفحل ‪ ،‬لحديث بريدة رضي ال عنه أ ّ‬
‫ن من أكبر الكبائر الشراك بال ‪ ،‬وعقوق الوالدين ‪ ،‬ومنع فضل‬
‫ال عليه وسلم قال ‪ « :‬إ ّ‬
‫الماء ومنع الفحل » ‪.‬‬
‫ط ‪ -‬سوء الظنّ بال تعالى ‪ ،‬لحديث ابن عمر رضي ال عنهما أنّ رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم قال ‪ « :‬أكبر الكبائر سوء الظنّ بال » ‪.‬‬
‫ي ‪ -‬مضاهاة الخلقة بالتصوير ‪ ،‬لحديث أبي هريرة رضي ال عنه مرفوعا ‪ :‬يقول ال‬
‫تعالى ‪ « :‬ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي » ‪.‬‬
‫ك ‪ -‬اللدد في الخصومة ‪ ،‬لحديث عائشة رضي ال عنها مرفوعا ‪ « :‬أبغض الرّجال إلى‬
‫ال اللدّ الخصم » ‪.‬‬
‫ن من أكبر‬
‫ب البوين ‪ ،‬لحديث عبد ال بن عمرو رضي ال عنهما مرفوعا ‪ « :‬إ ّ‬
‫ل‪-‬س ّ‬
‫الكبائر أن يلعن الرجل والديه ‪. » ...‬‬
‫قال السّيواسيّ ‪ :‬أكبر الكبائر الشّرك ‪ ،‬وأصغر الصغائر حديث النفس ‪ ،‬وبينهما وسائط ‪.‬‬
‫ترتيب الكبائر من حيث المفسدة والضرر ‪:‬‬
‫‪ -‬قال القرافيّ ‪ :‬رتب المفاسد مختلفة ‪ ،‬وأدنى رتب المفاسد يترتب عليها الكراهة ‪ ،‬ثم‬ ‫‪8‬‬

‫كلما ارتقت المفسدة عظمت الكراهة ‪ ،‬حتى تكون أعلى رتب المكروهات ‪ ،‬تليها أدنى رتب‬
‫المحرمات ‪ ،‬ثم تترقى رتب المحرمات حتى تكون أعلى رتب الصغائر ‪ ،‬يليه أدنى الكبائر ثم‬
‫تترقى رتب الكبائر بعظم المفسدة حتى تكون أعلى رتب الكبائر ‪ ،‬يليها الكفر ‪.‬‬
‫الكبيرة واليمان من حيث الزوال والنّقصان والبقاء ‪:‬‬
‫ن أصل اليمان من التصديق بال‬
‫‪ -‬ل يخرج المؤمن من اليمان بارتكابه الكبائر ; ل ّ‬ ‫‪9‬‬

‫تعالى ‪ ،‬واليمان والتصديق موجودان في مرتكب الكبيرة ‪ ،‬وإذا مات قبل أن يتوب فهو في‬
‫مشيئة ال وعفوه ‪ :‬إن شاء غفر له ‪ ،‬وإن شاء أخذه بذنوبه ‪ ،‬ول يخلد في النار ‪ ،‬بل‬
‫تكون عاقبته إلى الجنّة ‪ ،‬هذا ما عليه أهل السّنّة ‪ ،‬واستدلّوا بقوله تعالى ‪ { :‬إِنّ ال لَ‬
‫ن مِنَ‬
‫شرَكَ ِب ِه وَ َيغْفِ ُر مَا دُونَ ذَِلكَ ِلمَن َيشَاء } ‪ ،‬وكذلك قوله تعالى ‪َ { :‬وإِن طَا ِئفَتَا ِ‬
‫َيغْفِ ُر أَن ُي ْ‬
‫ا ْل ُم ْؤمِنِينَ اقْتَتَلُوا } فسماهم مؤمنين مع صدور القتال ظلما من إحدى الطائفتين ‪.‬‬
‫انخرام العدالة بارتكاب الكبائر ‪:‬‬
‫‪ -‬العدالة ‪ :‬كما قال الغزاليّ هيئة راسخة في النفس تحمل على ملزمة التقوى‬ ‫‪10‬‬

‫والمروءة جميعا ‪ ،‬حتى تحصل ثقة النّفوس بصدقه ‪ ،‬فل ثقة بقول من ل يخاف ال تعالى‬
‫خوفا وازعا عن الكذب ‪.‬‬
‫ن ارتكاب الكبائر جرحة تردّ به الشهادة ‪ ،‬وقال الكاسانيّ ‪:‬‬
‫وقد نقل ابن حزم الجماع على أ ّ‬
‫الصل أنّ من ارتكب جريمةً ‪ ،‬فإن كانت من الكبائر سقطت عدالته إل أن يتوب ‪.‬‬
‫ن العدل هو من لم يفعل معصيةً كبير ًة بل توبة منها بأن لم يفعلها أصلً‬
‫وصرح المالكية بأ ّ‬
‫أو تاب منها ‪ ،‬فإن فعلها ولم يتب منها فل تقبل شهادته ‪ ،‬فل يشترط في العدل عدم مباشرة‬
‫المعصية مطلقا لتعذّره ‪.‬‬
‫وفيما يلي بعض التوضيحات ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬صرح كلّ من القرافيّ وابن الشاطّ أنّ انخرام العدالة ورد الشهادة بارتكاب الكبائر ليس‬
‫سببه الرتكاب نفسه ‪ ،‬بل ما يلزم عنه ‪ ،‬وهو أنّه يدلّ على الجرأة على مخالفة المرتكب‬
‫للشارع في أوامره ونواهيه ‪ ،‬أو كما اختار ابن الشاطّ " احتمال الجرأة " فمن دلت قرائن‬
‫حاله على الجرأة ردت شهادته ‪ ،‬كمرتكب الكبيرة المعلوم من دلئل الشرع أنّها كبيرة ‪ ،‬أو‬
‫المصرّ على الصغيرة إصرارا يؤذن بالجرأة ‪ ،‬ومن احتمل حاله أنّه فعل ما فعل من ذلك‬
‫جرأةً أو فلتةً توقّف عن قبول شهادته ‪ ،‬ومن دلت دلئل حاله أنّه فعل ما فعله من ذلك فلتةً‬
‫ن السبب لردّ الشهادة ليس إل التّهمة‬
‫غير متصف بالجرأة قبلت شهادته ‪ ،‬وذلك ; ل ّ‬
‫بالجتراء على الكذب ‪ ،‬كالجتراء على ارتكاب ما ارتكبه من المخالفة ‪ .‬فإذا عري عن‬
‫التّصاف بالجرأة واحتمال التّصاف بها بظاهر حاله سقطت التّهمة ‪.‬‬
‫ي أنّ العدالة المشترط فيها اجتناب الكبائر هي مطلق العدالة ‪ ،‬فمن لم‬
‫ب ‪ -‬بين الخرش ّ‬
‫يستوف هذا الشرط يكون فاسقا ‪ ،‬بخلف العدالة الخاصة المشترطة للشهادة ‪ ،‬فمن‬
‫شروطها اجتناب ما يخلّ بالمروءة ‪ ،‬وعدمه ليس فسقا ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬ل يترتب انخرام العدالة إل على الرتكاب للكبيرة فعلً ‪ ،‬فلو نوى العدل فعل كبيرة غدا‬
‫لم يصر بذلك فاسقا ‪ ،‬بخلف نية الكفر ‪.‬‬
‫تفسيق مرتكب الكبيرة ‪:‬‬
‫‪ -‬عرف مما سبق في الكلم عن انخرام عدالة مرتكب الكبيرة أنّه يفسق بذلك ‪.‬‬ ‫‪11‬‬

‫قال الزركشيّ ‪ :‬من أتى بشيء من الكبائر فسق وسقطت عدالته ثم نقل عن الصيرفيّ‬
‫التصريح بذلك ‪.‬‬
‫أثر الصرار في تحوّل الصغيرة إلى كبيرة ‪:‬‬
‫‪ -‬قال القرافيّ ‪ :‬الصغيرة ل تقدح في العدالة ول توجب فسوقا ‪ ،‬إل أن يصر عليها‬ ‫‪12‬‬

‫فتكون كبيرةً ‪ ...‬فإنّه ل صغيرة مع إصرار ‪ ،‬ول كبيرة مع استغفار كما قال السلف ‪...‬‬
‫ويعنون بالستغفار التوبة بشروطها ‪ ،‬ل طلب المغفرة مع بقاء العزم ‪ ،‬فإنّ ذلك ل يزيل كِبَر‬
‫الكبيرة ألبتة ‪.‬‬
‫وقد أورد الزركشيّ في عداد الكبائر إدمان الصغيرة ‪.‬‬
‫ي ‪ ،‬حيث نقل عنه الزركشيّ أنّ الصرار‬
‫وخالف في هذا بعض الفقهاء ‪ ،‬كأبي طالب القضاع ّ‬
‫له حكم ما أصر به عليه فالصرار على الصغيرة صغيرة ‪.‬‬
‫واعتبار الصرار على الصغيرة كبيرةً هو من باب اللحاق كما قال الرمليّ ‪ ،‬فهو ل يصيّر‬
‫الصغيرة كبير ًة حقيقةً ‪ ،‬وإنّما يلحقها بها في الحكم ‪ ،‬وبعبارة بعض الحنفية من شراح‬
‫المنار‪ :‬الصرار على الصغيرة هو كبيرة لغيرها ‪ ،‬أما الكبيرة بالضابط الصليّ فهي كبيرة‬
‫بنفسها ‪.‬‬
‫جاء في حواشي شرح المنار أنّ الصرار تكرار الفعل تكرّرا يشعر بقلة المبالة بأمر‬
‫الدّين ‪ ،‬وقال أمير بادشاه ‪ :‬الصرار أن تتكرر منه الصغيرة تكرارا يشعر بقلة مبالته بأمر‬
‫دينه إشعار ارتكاب الكبيرة بذلك ‪.‬‬
‫وأما حقيقة التكرار المشترط في تحقّق الصرار فيعرف من تقسيم الزركشيّ الصرار إلى‬
‫قسمين ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬حكميّ ‪ ،‬وهو العزم على فعل الصغيرة بعد الفراغ منها ‪ ،‬فهذا حكمه حكم من‬
‫ل ‪ ،‬بخلف التائب منها ‪ ،‬فلو ذهل عن ذلك ولم يعزم على شيء فهذا هو الذي‬
‫كررها فع ً‬
‫تكفّره العمال الصالحة ‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬الصرار بالفعل ‪ ،‬وعبر عنه بعضهم بالمداومة أو الدمان ‪ ،‬وعن بعض الشافعية‬
‫قال ‪ :‬ل أجعل المقيم على الصغيرة المعفوّ عنها مرتكبًا للكبيرة إل أن يكون مقيما على‬
‫المعصية المخالفة أمر ال دائما ‪ ،‬ونحوه في المغني لبن قدامة ‪.‬‬
‫أثر الكبيرة في إحباط الثواب ‪:‬‬
‫ن الشّرك الذي هو أكبر الكبائر يحبط الثواب ‪ ،‬قال ال تعالى ‪ { :‬لَ ِئنْ‬
‫‪ -‬ل خلف في أ ّ‬ ‫‪13‬‬

‫عمَلُكَ } ‪ ،‬فمن أشرك بال بعد توحيده له تعالى ‪ ،‬أو كفر مرتدّا عن‬
‫َأشْ َركْتَ لَ َيحْ َبطَنّ َ‬
‫إيمانه ‪ ،‬أو كانت كبيرته استحلل محرم أو تحريم حلل كذلك ‪ ،‬فإنّه يحبط ثواب أعماله‬
‫للرّدة ‪ ،‬وقد نص عليه الشافعيّ ‪ .‬واختلف هل يحبط العمل أيضا ‪ ،‬بحيث يجب عليه إعادة‬
‫الحجّ بعد عودته للسلم ‪ ،‬وهل يترتب الحبوط على مجرد الرّدة أو بالموت عليها ‪ ،‬فذهب‬
‫ن الحبوط بالموت على الرّدة ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬فَ َيمُتْ‬
‫الشافعية ‪ -‬خلفا للحنفية ‪ -‬إلى أ ّ‬
‫صحَابُ النّارِ ُهمْ فِيهَا‬
‫ك أَ ْ‬
‫عمَاُل ُهمْ فِي الدّنْيَا وَالخِرَةِ َوُأوْلَـئِ َ‬
‫ك حَ ِبطَتْ أَ ْ‬
‫وَ ُهوَ كَا ِفرٌ فَُأوْلَـئِ َ‬
‫خَالِدُونَ } ‪ ،‬فعليه ل يجب إعادة الحجّ الذي فعله قبل ردته إذا أسلم بعدها ‪ ،‬قال القليوبيّ ‪:‬‬
‫قيد بعضهم العمل الذي تحبطه الرّدة بما وقع حال التكليف ل قبله ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪48‬‬ ‫وتفصيله في مصطلح ( ردة ف ‪/‬‬
‫أما الكبائر الخرى فقد وردت نصوص في شأن بعضها بأنّه يحبط ثواب العمل ‪ ،‬مثل ‪:‬‬
‫القذف ‪ :‬عن حذيفة رضي ال عنه قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬إنّ قذف‬
‫المحصنة يهدم عمل مائة سنة » ‪.‬‬
‫‪ -‬الرّبا ‪ :‬وفيه حديث عائشة رضي ال عنها وقولها لمّ ولد زيد بن أرقم رضي ال عنه ‪:‬‬
‫« لقد أبطل جهاده مع رسول ال صلى ال عليه وسلم » ‪ ،‬وذلك في شأن معاملة فيها ربا ‪.‬‬
‫ي رضي ال عنهن أنّ‬
‫‪ -‬سؤال العراف ‪ :‬عن صفية رضي ال عنها عن بعض أزواج النب ّ‬
‫النّبي صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلة أربعين‬
‫ليل ًة » ‪.‬‬
‫العفو عن الكبائر ‪:‬‬
‫‪ -‬يختلف المقصود بالعفو عن الكبائر بحسب نوع الكبيرة ‪ ،‬هل هي اعتداء على ما هو‬ ‫‪14‬‬

‫حقّ ل تعالى ‪ ،‬كشرب الخمر ‪ ،‬أو اعتداء على ما فيه حقّ ل تعالى وللعبد ‪ ،‬كالقذف‬
‫والسرقة ‪:‬‬
‫فالعفو بالنّسبة للنوع الول هو فيما يتعلق بالخرة ‪ ،‬فإذا لم يتب مرتكب الكبيرة فهو عند‬
‫ك ِبهِ وَ َي ْغفِرُ مَا‬
‫ن ال لَ َي ْغفِرُ أَن ُيشْرَ َ‬
‫أهل السّنّة في مشيئة ال وعفوه ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬إِ ّ‬
‫دُونَ َذلِكَ ِلمَن َيشَاء } ‪ ،‬وقوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬تبايعوني على أن ل تشركوا بال‬
‫شيئا ‪ ،‬ول تسرقوا ‪ ،‬ول تزنوا ‪ ،‬ول تقتلوا أولدكم ‪ ،‬ول تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم‬
‫وأرجلكم ‪ ،‬ول تعصوا في معروف ‪ ،‬فمن وفى منكم فأجره على ال ‪ ،‬ومن أصاب من ذلك‬
‫شيئا فعوقب في الدّنيا فهو كفارة له ‪ ،‬ومن أصاب من ذلك شيئا فستره ال فأمره إلى ال ‪:‬‬
‫إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه قال ‪ :‬فبايعناه على ذلك » ‪.‬‬
‫قال القرطبيّ ‪ :‬الكبائر عند أهل السّنّة تغفر لمن أقلع عنها قبل الموت ‪ ،‬وقد يغفر لمن مات‬
‫ك ِلمَن َيشَاء } ‪ ،‬والمراد بذلك من‬
‫ن ذَلِ َ‬
‫عليها من المسلمين كما قال تعالى ‪ { :‬وَ َيغْفِ ُر مَا دُو َ‬
‫مات على الذّنوب ‪ ،‬فلو كان المراد من تاب قبل الموت لم تكن للتفرقة بين الشراك وغيره‬
‫معنىً ‪ ،‬إذ التائب من الشّرك أيضا مغفور له ‪.‬‬
‫ق ال وحقوق العباد فالحكم في العفو عنها‬
‫وأما بالنّسبة للكبائر التي فيها اعتداء على ح ّ‬
‫فيه تفصيل ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬إن كانت الكبيرة جناي ًة على النفس أو ما دونها عمدا عدوانًا فلولياء الدم ‪ -‬أو المجنيّ‬
‫عليه إن بقي حيّا ‪ -‬المطالبة بالقصاص أو الدّية أو العفو ‪ ،‬والتفصيل في مصطلح ( عفو‬
‫وما بعدها ) ‪.‬‬ ‫‪18‬‬ ‫ف‪/‬‬
‫ب ‪ -‬وإذا كانت الكبيرة سرقةً يجوز عفو المسروق منه عن السارق قبل بلوغ المام ‪،‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪72‬‬ ‫فيسقط الحدّ ‪ ،‬وتفصيله في مصطلح ( سرقة ف ‪/‬‬
‫ج ‪ -‬وإذا كانت الكبيرة حرابةً وتاب المحاربون قبل أن يقدر عليهم سقط عنهم حدّ الحرابة‬
‫من القتل أو الصلب أو القطع أو النّفي ‪ ،‬ل إن تابوا بعد القدرة عليهم ‪ ،‬وفي الحالتين ل‬
‫تسقط عنهم حقوق العباد من القصاص في النفس وما دونها والدّيات وغرامة المال فيما ل‬
‫قصاص فيه ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪24‬‬ ‫وتفصيله في مصطلح ( حرابة ف ‪/‬‬
‫د ‪ -‬ل يجوز العفو في شيء من الحدود بعد أن تبلغ المام ‪ ،‬كما تحرم الشفاعة وطلب‬
‫العفو‪ ،‬لحديث عائشة رضي ال عنها « أنّ قريشا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت ‪،‬‬
‫فقالوا ‪ :‬من يكلّم فيها رسول ال صلى ال عليه وسلم ومن يجترئ عليه إل أسامة حبّ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ؟ فكلم رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬أتشفع في‬
‫حدّ من حدود ال ؟ ثم قام فخطب فقال ‪ :‬يا أيّها الناس ‪ ،‬إنّما ضل من كان قبلكم أنّهم كانوا‬
‫إذا سرق الشريف تركوه ‪ ،‬وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد ‪ ،‬وأيم ال لو أنّ‬
‫فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها » ‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬العفو في الكبائر التي فيها تعزير جائز للمام إذا رأى المصلحة في العفو ‪ ،‬واستثنى‬
‫)‪.‬‬ ‫‪32‬‬ ‫ابن قدامة ما لو كان التعزير منصوصا عليه ‪ ،‬وتفصيله في مصطلح ( عفو ف ‪/‬‬
‫أثر التوبة في انتفاء الفسق عن مرتكب الكبيرة ‪ ،‬وأثرها في تكفير الكبائر ‪:‬‬
‫ن إقامة الحدّ‬
‫‪ -‬ذهب الجمهور ‪ ،‬وهو رأي سعيد بن المسيّب وصفوان بن سليم ‪ ،‬إلى أ ّ‬ ‫‪15‬‬

‫ليس بكفارة ‪ ،‬ول بد معه من التوبة ; لنّها فرض لزم على العباد ‪ ،‬قال ابن رشد ( الجدّ )‬
‫الحدّ يرفع الثم ويبقى عليه حكم الفسق ‪ ،‬ما لم يتب وتظهر توبته ‪.‬‬
‫ن إقامة الحدّ بمجرده كفارة ‪ ،‬واستدلّوا بما رواه عبادة‬
‫وذهب مجاهد وزيد بن أسلم إلى أ ّ‬
‫بن الصامت رضي ال عنه أنّ النّبي صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬ومن أصاب من ذلك‬
‫شيئا فعوقب فهو كفارة له » ‪.‬‬
‫قال المنهاجيّ ‪ :‬التوبة فيما بين العبد وبين ال تعالى ‪ ،‬وهي تسقط الثم ‪ ،‬ويشترط فيها‬
‫ي إن تعلقت به ‪ ،‬كمنع زكاة أو‬
‫إقلع ‪ ،‬وندم ‪ ،‬وعزم أن ل يعود ‪ ،‬وتبرئة ذمته من حقّ مال ّ‬
‫غصب ‪ ،‬بردّه أو بدله إن تلف ‪ ،‬قال ابن مفلح ‪ :‬ويعتبر ردّ المظلمة وأن يستحله أو‬
‫ي ‪ :‬ل يشترط لصحة‬
‫يستمهله ‪ ،‬وهذا في الموال ‪ ،‬أما في مثل القذف والغيبة فقد قال الكرم ّ‬
‫التوبة منها إعلمه والتحلّل منه ‪ ،‬بل يحرم إعلمه ( أي ‪ :‬لدرء الفتنة ) ثم قال المنهاجيّ ‪:‬‬
‫أما التوبة الظاهرة التي تعود بها الشهادة والولية فالمعاصي إن كانت قوليةً شرط فيها‬
‫القول ‪ ،‬فيقول في القذف ‪ :‬قذفي باطل ول أعود إليه ‪ ،‬أو ما كنت محقّا في قذفي ‪.‬‬
‫وهل من شروط توبته إصلح العمل والكفّ عن المعصية سنة ؟ قال أحمد بن حنبل ‪ :‬مجرد‬
‫التوبة كاف ‪ ،‬وقال مالك ‪ :‬يشترط صلح حاله أو الزّيادة في صلحها ‪.‬‬
‫وقال بعضهم ‪ :‬ظهور أفعال الخير عليه والتقرّب بالطاعات من غير حدّ بسنة ول غيرها ‪.‬‬
‫وعند الحنفية أقوال ‪ :‬ففي الخانية ‪ :‬الفاسق إذا تاب ل تقبل شهادته ما لم يمض عليه زمن‬
‫تظهر فيه التوبة ‪ ،‬ثم بعضهم قدره بستة أشهر ‪ ،‬وبعضهم قدره بسنة ‪ ،‬والصحيح أنّ ذلك‬
‫مفوض إلى رأي القاضي والمعدّل ‪ ،‬وفي الخلصة ‪ :‬ولو كان عدلً فشهد بزور ثم تاب‬
‫وشهد تقبل توبته من غير مدة ‪.‬‬
‫وهذا في الكبائر كلّها عدا القذف ففيه خلف ‪ ،‬بعد التّفاق على زوال اسم الفسق عنه‬
‫بالتوبة ‪ :‬ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنّه تقبل شهادة القاذف إن تاب سواء‬
‫أكانت توبته قبل الحدّ أم بعده ‪.‬‬
‫ن تَابُوا }‬
‫ن ‪ ،‬إِلّا الّذِي َ‬
‫سقُو َ‬
‫شهَادَةً أَبَدًا َوُأوْلَئِكَ ُهمُ ا ْلفَا ِ‬
‫واستدلّوا بقوله تعالى ‪ { :‬وَلَا َتقْبَلُوا َل ُهمْ َ‬
‫وقالوا ‪ :‬الستثناء في سياق الكلم على أوله وآخره إل أن يفرّق بين ذلك خبر ‪ ،‬ولنّ رد‬
‫ن مالكًا اشترط أن ل تقبل شهادته في‬
‫الشهادة مستند إلى الفسق ‪ ،‬وقد ارتفع بالتوبة ‪ ،‬لك ّ‬
‫مثل الحدّ الذي أقيم عليه ‪.‬‬
‫ي والحسن ومجاهد وعكرمة ومسروق وشريح والحنفية إلى أنّه ل تقبل شهادة‬
‫وذهب الشعب ّ‬
‫القاذف وإن تاب إذا كانت توبته بعد الحدّ ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬إنّ الستثناء في الية عائد إلى أقرب‬
‫مذكور ‪ ،‬وهو الفسق ‪ ،‬ول يرجع إلى ما قبله ‪ ،‬وهو عدم قبول الشهادة ‪ ،‬لنّه مقترن‬
‫بالتأبيد ‪ ،‬ولنّ المنع من قبول الشهادة جعل من تمام عقوبة القاذف ‪ ،‬ولهذا ل يترتب المنع‬
‫‪ -‬عندهم ‪ -‬إل بعد الحدّ ‪ ،‬وما كان من الحدود ولوازمها ل يسقط بالتوبة ‪ ،‬فلو قذف ولم‬
‫)‪.‬‬ ‫‪21‬‬ ‫يحد لم ترد شهادته ‪ ،‬وتفصيله في مصطلح ( قذف ف ‪/‬‬
‫تكفير الصغائر باجتناب الكبائر ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب جمهور الفقهاء وجماعة أهل التفسير إلى أنّ الصغائر تكفر باجتناب الكبائر ‪،‬‬ ‫‪16‬‬

‫ل كَرِيمًا }‬
‫لقوله تعالى ‪ { :‬إِن َتجْتَنِبُواْ كَبَآئِ َر مَا تُ ْن َهوْنَ عَ ْن ُه ُن َكفّرْ عَن ُكمْ سَيّئَا ِت ُكمْ وَنُ ْدخِ ْلكُم مّ ْدخَ ً‬
‫ك وَاسِعُ ا ْل َمغْفِرَةِ } ‪.‬‬
‫ن َيجْتَنِبُونَ كَبَائِ َر الْإِ ْثمِ وَا ْل َفوَاحِشَ إِلّا الّل َممَ إِنّ رَبّ َ‬
‫‪ ،‬وقوله تعالى ‪ { :‬الّذِي َ‬
‫ن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪« :‬‬
‫كما استدلّوا بحديث أبي هريرة رضي ال عنه أ ّ‬
‫ن إذا‬
‫الصلوات الخمس ‪ ،‬والجمعة إلى الجمعة ‪ ،‬ورمضان إلى رمضان ‪ ،‬مكفّرات ما بينه ّ‬
‫اجتنبت الكبائر » ‪.‬‬
‫وذهب الصوليّون ‪ -‬كما قال القرطبيّ ‪ -‬إلى أنّه ل يجب على القطع تكفير الصغائر‬
‫باجتناب الكبائر ‪ ،‬وإنّما محمل ذلك على غلبة الظنّ وقوة الرجاء ‪ ،‬والمشيئة ثابتة بقوله‬
‫تعالى ‪:‬‬
‫ك ِلمَن َيشَاء } ‪ ،‬قالوا ول ذنب عندنا يغفر واجبا باجتناب ذنب آخر ‪،‬‬
‫ن ذَلِ َ‬
‫{ وَ َي ْغفِرُ مَا دُو َ‬
‫ودل على ذلك أنّه لو قطعنا لمجتنب الكبائر وممتثل الفرائض بتكفير صغائره قطعا لكانت له‬
‫في حكم المباح الذي نقطع بأنّه ل تباعة عليه ‪ ،‬وذلك نقض لعرى الشريعة ‪ ،‬كما استدلّوا‬
‫بحديث ‪ « :‬من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب ال له النار وحرم عليه الجنّة ‪،‬‬
‫فقال له رجل ‪ :‬وإن كان شيئا يسيرا يا رسول ال ؟ قال ‪ :‬وإن قضيبا من أراك » فقد جاء‬
‫الوعيد الشديد على اليسير كما جاء على الكثير ‪.‬‬
‫قال القرطبيّ ‪ :‬إنّ ال تعالى يغفر الصغائر باجتناب الكبائر لكن بضميمة أخرى إلى‬
‫الجتناب‪ ،‬وهي إقامة الفرائض ‪.‬‬
‫واختلف هل شرط التكفير للصغائر عدم ملبسته لشيء من الكبائر أو ل يشترط ؟ حكى ابن‬
‫عطية وغيره عن الجمهور الشتراط ‪ ،‬لظاهر حديث ‪ « :‬الصلوات الخمس والجمعة إلى‬
‫الجمعة ‪ ،‬ورمضان إلى رمضان مكفّرات ما بينهنّ إذا اجتنبت الكبائر » واختار بعض‬
‫المحقّقين أنّه ل يشترط ‪ ،‬قالوا ‪ :‬والشرط في الحديث بمعنى الستثناء ‪ ،‬والتقدير ‪ :‬مكفّرات‬
‫ما بينهما إل الكبائر ‪.‬‬
‫ويساعد ذلك مطلق الحاديث المصرّحة بالتكفير من غير شرط ‪.‬‬
‫تكفير الحجّ للكبائر ‪:‬‬
‫ن رسول ال صلى ال عليه وسلم دعا‬
‫‪ -‬روى عباس بن مرداس رضي ال عنه « أ ّ‬ ‫‪17‬‬

‫لمته عشية عرفة بالمغفرة فأجيب ‪ :‬إنّي قد غفرت لهم ما خل الظالم فإنّي آخذ للمظلوم‬
‫منه‪ ،‬قال ‪ :‬أي ربّ ‪ ،‬إن شئت أعطيت المظلوم من الجنّة وغفرت للظالم ‪ ،‬فلم يجب‬
‫عشيته ‪ ،‬فلما أصبح بالمزدلفة أعاد الدّعاء ‪ ،‬فأجيب إلى ما سأل ‪ ، » ...‬وروى ابن‬
‫المبارك « أنّ النّبي صلى ال عليه وسلم قال ‪ :‬إنّ ال عز وجل غفر لهل عرفات وأهل‬
‫المشعر وضمن عنهم التبعات ‪ ،‬فقام عمر بن الخطاب رضي ال عنه فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪،‬‬
‫هذا لنا خاص ًة ؟ قال ‪ :‬هذا لكم ولمن أتى من بعدكم إلى يوم القيامة ‪ ،‬فقال عمر بن الخطاب‬
‫رضي ال عنه ‪ :‬كثر خير ال وطاب » ‪ ،‬قال ابن عابدين ‪ :‬وتمامه في الفتح وساق فيه‬
‫ن حديث ابن ماجه ‪ -‬وإن ضعّف ‪ -‬فله شواهد تصحّحه ‪ ،‬والية‬
‫أحاديث أخر ‪ ،‬والحاصل أ ّ‬
‫أيضا تؤيّده ‪ ،‬ومما يشهد له أيضا حديث ‪ « :‬من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته‬
‫ن السلم يهدم ما‬
‫أمّه » ‪ ،‬وقوله صلى ال عليه وسلم لعمرو بن العاص ‪ « :‬أما علمت أ ّ‬
‫ن الحج يهدم ما كان قبله » ‪.‬‬
‫ن الهجرة تهدم ما كان قبلها ‪ ،‬وأ ّ‬
‫كان قبله ‪ ،‬وأ ّ‬
‫ن الحربي تحبط ذنوبه كلّها بالسلم‬
‫لكن ذكر الكمل في شرح المشارق في هذا الحديث أ ّ‬
‫والهجرة والحجّ حتى لو قتل وأخذ المال وأحرزه بدار الحرب ثم أسلم لم يؤاخذ بشيء من‬
‫ذلك ‪ ،‬وعلى هذا كان السلم كافيا في تحصيل مراده ولكن ذكر صلى ال عليه وسلم‬
‫ن الهجرة والحج ل يكفّران المظالم‬
‫الهجرة والحج تأكيدًا في بشارته وترغيبا في مبايعته فإ ّ‬
‫ول يقطع فيهما بمحو الكبائر وإنّما يكفّران الصغائر ‪ ،‬ويجوز أن يقال والكبائر التي ليست‬
‫ي ‪ ،‬وكذا ذكر المام الطّيبيّ في شرحه وقال ‪ :‬إنّ الشارحين‬
‫من حقوق أحد كإسلم ال ّذمّ ّ‬
‫اتفقوا عليه ‪ ،‬وهكذا ذكر النّوويّ والقرطبيّ في شرح مسلم ‪.‬‬
‫ن الحج يهدم الكبائر والمظالم ‪،‬‬
‫قال ابن عابدين ‪ :‬وفي شرح اللّباب ‪ :‬ومشى الطّيبيّ على أ ّ‬
‫ي ‪ ،‬وبين الشيخ‬
‫ووقع منازعة غريبة بين أمير بادشاه من الحنفية حيث مال إلى قول الطّيب ّ‬
‫ابن حجر المكّيّ من الشافعية وقد مال إلى قول الجمهور ‪ ،‬وكتبت رسالةً في بيان هذه‬
‫المسألة ‪ ،‬وظاهر كلم الفتح الميل إلى تكفير المظالم أيضا ‪ ،‬وعليه مشى المام السرخسيّ‬
‫في شرح السّير الكبير ‪ ،‬وإليه ذهب القرطبيّ ‪.‬‬
‫وقال عياض ‪ :‬هو محمول بالنّسبة إلى المظالم على من تاب وعجز عن وفائها ‪ ،‬والحاصل‬
‫أنّ تأخير الدين وغيره ‪ ،‬وتأخير نحو الصلة والزكاة من حقوقه تعالى ‪ ،‬فيسقط إثم التأخير‬
‫فقط عما مضى دون الصل ودون التأخير المستقبل ‪ ،‬ونقله عن التّرمذيّ واللقانيّ ‪،‬‬
‫ن تقييد عياض‬
‫واستظهر ابن عابدين سقوط الدين أيضا عند العجز كما قال عياض لك ّ‬
‫بالتوبة والعجز غير ظاهر ; لنّ التوبة مكفّرة بنفسها ‪ ،‬وهي إنّما تسقط حق ال تعالى ل‬
‫حق العبد‪ ،‬فتعين كون المسقط هو الحج كما اقتضته الحاديث ‪.‬‬
‫قال ابن نجيم ‪ :‬والصحيح أنّ الحج ل يكفّر الكبائر ‪ ،‬وليس مراد القائل بأنّه يكفّرها أنّه‬
‫يسقط عنه قضاء ما لزمه من العبادات وتركه والمظالم والدين ‪ ،‬وإنّما مراده أنّه يكفّر إثم‬
‫تأخير ذلك ‪ ،‬فإذا فرغ منه طولب بقضاء ما لزمه ‪ ،‬فإن لم يفعل مع قدرته فقد ارتكب الن‬
‫الكبيرة الخرى ‪ ،‬والمسألة ظنّية ‪ ،‬فل يقطع بتكفير الحجّ للكبائر من حقوقه تعالى ‪ ،‬فضلً‬
‫عن حقوق العباد ‪.‬‬
‫شفاعته صلى ال عليه وسلم لهل الكبائر وعدم خلودهم في النار ‪:‬‬
‫‪ -‬للنبيّ صلى ال عليه وسلم من الشفاعات الخاصة به شفاعته في قوم استوجبوا النار‬ ‫‪18‬‬

‫بأعمالهم ‪ ،‬فيشفع فيهم ‪ ،‬فل يدخلونها ‪ ،‬هذا مذهب أهل السّنّة ‪.‬‬
‫وقد جزم السّيوطيّ في الخصائص بأنّ هذه الشفاعة من خصائصه صلى ال عليه وسلم‬
‫ي بعدم اختصاصه صلى ال عليه وسلم بها ‪ ،‬وأشار العزّ بن عبد‬
‫وجزم القاضي وابن السّبك ّ‬
‫السلم إلى أنّه يشاركه فيه صلى ال عليه وسلم الملئكة والنبياء عليهم الصلة والسلم‬
‫والمؤمنون ‪.‬‬
‫وهذه الشفاعة هي غير الشفاعة العامة أو العظمى لفصل القضاء بين الناس بعد المحشر ‪،‬‬
‫فتلك تعمّ جميع الخلق ‪ ،‬وهي متفق عليها بين المة أنّها من خصائصه ‪.‬‬
‫قال الشعريّ ‪ :‬أجمع المسلمون أنّ لرسول ال صلى ال عليه وسلم شفاعةً ‪ ...‬وهي‬
‫للمذنبين المرتكبين الكبائر ‪.‬‬
‫واستدلّوا لشفاعته صلى ال عليه وسلم في أهل الكبائر بما روى أنس رضي ال عنه أنّ‬
‫النّبي صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬شفاعتي لهل الكبائر من أمتي » ‪.‬‬
‫قال ابن أبي العزّ ‪ :‬تواترت الحاديث في شفاعته صلى ال عليه وسلم في أهل الكبائر ‪،‬‬
‫وقد خفي علم ذلك عن الخوارج والمعتزلة ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪6‬‬ ‫والتفصيل في مصطلح ( شفاعة ف ‪/‬‬

‫َكبِد *‬
‫انظر ‪ :‬أطعمة ‪.‬‬

‫ِكبْر *‬
‫التعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬الكِبر بكسر الكاف وسكون الباء عند أهل اللّغة ‪ :‬العظمة ‪ ،‬وكبر الشيء معظمه ‪ ،‬قال‬ ‫‪1‬‬

‫عظِيمٌ } أي ‪ :‬تحمل معظمه ‪.‬‬


‫تعالى ‪ { :‬وَالّذِي َتوَلّى كِبْرَهُ مِ ْن ُهمْ َل ُه عَذَابٌ َ‬
‫ي بأنّه الخلق الذي في النفس ‪ ،‬وهو السترواح والرّكون إلى‬
‫واصطلحا ‪ :‬عرفه الغزال ّ‬
‫رؤية النفس فوق المتكبر عليه ‪.‬‬
‫وعرفه ابن القيّم بأنّه خلق باطن يصدر عن أعمال هي ثمرته ‪ ،‬فيظهر على الجوارح ‪،‬‬
‫وذلك الخلق هو رؤية النفس على المتكبر عليه ‪ ،‬يعني يرى نفسه فوق الغير في صفات‬
‫الكمال ‪.‬‬
‫وهو في سنّة الرسول صلى ال عليه وسلم ‪ :‬عدم قبول الحقّ ترفّعا ‪ ،‬واحتقار الناس ‪ ،‬فعن‬
‫عبد ال بن مسعود رضي ال عنه أنّ النّبي صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬الكبر بطر الحقّ‬
‫وغمط الناس » ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الكبرياء ‪:‬‬
‫‪ -‬قال الراغب الصفهانيّ ‪ :‬الكبرياء هي الترفّع عن النقياد ‪ ،‬وذلك ل يستحقّه غير ال ‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫حكِيمُ } ‪ ،‬وفي الحديث ‪« :‬‬


‫ض وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ‬
‫ت وَالْأَرْ ِ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫قال تعالى ‪ { :‬وَ َل ُه ا ْلكِبْرِيَاء فِي ال ّ‬
‫قال ال ‪ :‬الكبرياء ردائي ‪ ،‬والعظمة إزاري ‪ ،‬فمن نازعني واحدا منهما قذفته في النار »‬
‫بينما يرى أبو هلل العسكريّ أنّ الكبرياء هي الع ّز والملك ‪ ،‬وليست من الكبر في شيء ‪،‬‬
‫قال تعالى ‪ { :‬وَ َتكُونَ َل ُكمَا ا ْلكِبْرِيَاء فِي الَرْضِ } ‪ ،‬يعني ‪ :‬الملك والسّلطان والعزة ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬ال ُعجْب ‪:‬‬
‫‪ -‬العجب بالشيء الزهو وكثرة السّرور به ‪ ،‬وفلن معجب بنفسه ‪ :‬إذا كان مسرورا‬ ‫‪3‬‬

‫ي بن عيسى ‪ :‬العجب عقد النفس‬


‫بخصالها ‪ ،‬وليس العجب من الكبر في شيء ‪ ،‬قال عل ّ‬
‫على فضيلة لها ينبغي أن يتعجب منها وليست هي لها ‪ ،‬ولكنّه يدعو إلى الكبر ; لنّه أحد‬
‫ن العُجب هو استعظام النّعمة والرّكون إليها مع نسيان‬
‫أسبابه‪ .‬ويرى ابن حجر الهيتميّ ‪ :‬أ ّ‬
‫إضافتها إلى ال تعالى ‪ ،‬ويذكر أبو حامد الغزاليّ ‪ -‬ويوافقه ابن قيّم الجوزية ‪ -‬في ذلك‬
‫فرقا بين الكبر والعجب فيقول ‪ :‬العجب ل يستدعي غير المعجب ‪ ،‬حتى لو قدّر أن يخلق‬
‫النسان وحده تصوّر أن يكون معجبا ‪ ،‬ول يتصور أن يكون متكبّرا إل أن يكون معه‬
‫غيره ‪ ،‬وهو يرى نفسه فوقه ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬الجُبْر ‪:‬‬
‫ن الواو والتاء للمبالغة ‪،‬‬
‫‪ -‬الجبر هو التعاظم مع القهر ‪ ،‬والجبروت أبلغ من الجبر ‪ ،‬ل ّ‬ ‫‪4‬‬

‫كالملك والملكوت ‪ ،‬قال النّوويّ ‪ :‬الجبروت هو الكبر والتعظّم والرتفاع والقهر ‪ ،‬والجبار‬
‫هو المتكبّر الشرس سيّئ الخلق ‪ ،‬ويقال أيضا للقاهر غيرَه ‪ :‬جبار ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬نحْنُ‬
‫ت عَلَ ْيهِم ِبجَبّارٍ } ‪ ،‬ونقل ابن كثير عن أبي عمران الجونيّ وقتادة‬
‫أَعْ َلمُ ِبمَا َيقُولُونَ َومَا أَن َ‬
‫أنّهما قال ‪ :‬آية الجبابرة القتل بغير حقّ ‪.‬‬
‫ويقول الراغب الصفهانيّ ‪ :‬الجبار هو من يجبر نقيصته بادّعاء منزلة من التعالي ل‬
‫ب ُكلّ جَبّا ٍر عَنِيدٍ } ‪.‬‬
‫يستحقّها ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ { :‬وَاسْتَفْ َتحُواْ َوخَا َ‬
‫والكبر أعمّ من الجبر ‪.‬‬
‫الحكم التكليفيّ ‪:‬‬
‫ي‪.‬‬
‫ن الكبر من الكبائر ‪ ،‬ذكر ذلك الذهب ّ‬
‫‪ -‬اتفق العلماء على أ ّ‬ ‫‪5‬‬

‫ن مِن زِينَ ِتهِنّ‬


‫ن لِ ُيعْ َلمَ مَا ُيخْفِي َ‬
‫ن بِأَ ْرجُ ِلهِ ّ‬
‫ضرِبْ َ‬
‫وذكر القرطبيّ في تفسير قوله تعالى ‪ { :‬وَلَا يَ ْ‬
‫}‪ ،‬قال ‪ :‬من ضرب بنعله من الرّجال ‪ ،‬إن فعل ذلك تعجّبا حرم ‪ ،‬فإنّ العجب كبيرة ‪ ،‬وذلك‬
‫لقوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬ل يدخل الجنّة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر » ‪،‬‬
‫وقوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬مثقال ذرة » يشمل القليل والكثير منه ‪ ،‬فل يرخص بالكبر‬
‫ن الكبر مانع من دخول الجنّة وإن بلغ‬
‫ي ‪ :‬والحديث يدلّ على أ ّ‬
‫ل ‪ ،‬قال الشوكان ّ‬
‫مهما كان قلي ً‬
‫من القلة إلى الغاية ‪.‬‬
‫وإذا كان الكبر هو الصّفة النفسية ‪ ،‬وهي قصد الستعلء على الغير في مكرمة من‬
‫ن هذا الكبر ‪ -‬أي ‪ :‬التكبّر ‪ -‬إما أن يحتاج إليه ‪ ،‬أو ل يحتاج إليه ‪.‬‬
‫المكارم ‪ ،‬فإ ّ‬
‫فإن احتيج إليه كان محمودا ‪ ،‬كالتكبّر على الظلمة ‪ ،‬وعلى أعداء ال من الكفار‬
‫المحاربين ‪ ،‬ونحوهم ‪ ،‬ولذلك جاز الختيال في الحرب إرهابا للعدوّ ‪.‬‬
‫وإن لم يحتج إليه ‪ ،‬فإنّه إما أن ترافقه نية التكبّر ‪ ،‬أو ل ترافقه نية التكبّر ‪ ،‬فإن رافقته نية‬
‫التكبّر فهو كبيرة من الكبائر ‪.‬‬
‫ن الفعل إما أن يكون من شعار المتكبّرين ‪ ،‬أو ل يكون من‬
‫وإن لم ترافقه نية التكبّر ‪ ،‬فإ ّ‬
‫شعار المتكبّرين ‪.‬‬
‫فإن كان من شعار المتكبّرين كتصعير الخدّ ‪ ،‬والختيال في المشي ‪ ،‬وإسبال الزار ‪ ،‬ونحو‬
‫ذلك ‪ ،‬كان مكروها ‪.‬‬
‫وإن لم يكن من شعار المتكبّرين ‪ ،‬كالكل متكئا ‪ ،‬وتشمير الكمام ‪ ،‬ونحو ذلك لم يكن به‬
‫ن كل ما كان على وجه التكبّر يكره ‪ ،‬وإن فعل‬
‫بأس ‪ ،‬قال في الفتاوى الهندية ‪ :‬والحاصل أ ّ‬
‫ن من لبس الثّياب الجميلة الرفيعة من‬
‫لحاجة أو ضرورة ل ‪ -‬أي ‪ :‬ل يكره ‪ ، -‬على هذا فإ ّ‬
‫غير نية التكبّر فل إثم عليه ‪ ،‬قال الشوكانيّ ‪ :‬وهذا مما ل خلف فيه فيما أعلم ‪ ،‬بل إنّ‬
‫لبس رفيع الثّياب من غير نية التكبّر ‪ ،‬بل بنية أن يكون له وقع في قلوب سامعيه وهو‬
‫ن العمال بالنّيات ‪،‬‬
‫يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر كان مثابا ‪ ،‬قال الشوكانيّ ‪ :‬إ ّ‬
‫فلبس المنخفض من الثّياب تواضعا وكسرا لسورة النفس التي ل يؤمن عليها من التكبّر إن‬
‫لبست غالي الثّياب من المقاصد الصالحة الموجبة للمثوبة من ال ‪ ،‬ولبس الغالي من الثّياب‬
‫عند المن على النفس من التسامي المشوب بنوع من التكبّر لقصد التوصّل بذلك إلى تمام‬
‫المطالب الدّينية من أمر بمعروف أو نهي عن منكر عند من ل يلتفت إل إلى ذوي الهيئات‬
‫ل شك أنّه من الموجبات للجر ‪ ،‬لكنّه ل بد من تقييد ذلك بما يحلّ لبسه شرعا ‪.‬‬
‫مظاهر الكبر ‪:‬‬
‫‪ -‬الكبر صفة نفسية في النسان ‪ ،‬لها مظاهر أكثر من أن تحصى ‪ ،‬ومن هذه المظاهر ‪:‬‬ ‫‪6‬‬

‫أ ‪ -‬تصعير الوجه ‪ :‬وهو يعني ‪ :‬ميل العنق ‪ ،‬والشاحة بالوجه عن النظر كبرا ‪ ،‬وهو من‬
‫ك لِلنّاسِ‬
‫صعّ ْر خَدّ َ‬
‫صفات المتكبّرين ‪ ،‬ولذلك نهى ال تعالى عنه بقوله جل شأنه ‪ { :‬وَلَا تُ َ‬
‫ب ُكلّ ُمخْتَالٍ َفخُورٍ } ‪.‬‬
‫ن ال لَا ُيحِ ّ‬
‫وَلَا َتمْشِ فِي الْ َأرْضِ َمرَحا إِ ّ‬
‫ب ‪ -‬الختيال في المشي ‪ :‬وهو يعني التبختر والتعالي في المشية ‪ ،‬وهو محرم بقوله‬
‫ض وَلَن تَبْلُ َغ ا ْلجِبَالَ طُولً ‪ُ ،‬كلّ ذَلِكَ‬
‫ق الَرْ َ‬
‫ك لَن َتخْرِ َ‬
‫ض مَ َرحًا إِنّ َ‬
‫تعالى‪َ { :‬ولَ َتمْشِ فِي الَرْ ِ‬
‫ك َمكْرُوها } ‪ ،‬وبقوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬بينما رجل يمشي في حلة‬
‫كَانَ سَيّ ُئ ُه عِنْدَ رَبّ َ‬
‫تعجبه نفسه ‪ ،‬مرجل شعره ‪ ،‬إذ خسف ال به ‪ ،‬فهو يتجلجل إلى يوم القيامة » ‪.‬‬
‫وكما يكون الختيال باللّباس الفاخر يكون أيضا بفرش البيوت ‪ ،‬وبركوب السيارات‬
‫الفاخرة ‪ ،‬قال في الفتاوى الهندية ‪ :‬إرخاء السّتر على الباب مكروه ; لنّه زينة وتكبّر ‪.‬‬
‫و ُرخّص بالختيال في الحرب على ما تقدم ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬الترفّع عن مجالسة من هو أدنى منه ‪ :‬كما ترفع المشركون عن مجالسة الفقراء من‬
‫أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬سلمان وصهيب وبلل وخباب ‪ ،‬ونحوهم رضي‬
‫ال عنهم أجمعين ‪ ،‬حيث قالوا لرسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬لو طردت هؤلء عنك‬
‫لغشيناك وحضرنا مجلسك ‪ ،‬فقد روى سعد بن أبي وقاص رضي ال عنه قال ‪ « :‬كنّا مع‬
‫النبيّ صلى ال عليه وسلم ستة نفر ‪ ،‬فقال المشركون للنبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ :‬اطرد‬
‫هؤلء ل يجترئون علينا ‪ ،‬قال ‪ :‬وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلل ورجلن‬
‫لست أسمّيهما ‪ ،‬فوقع في نفس رسول ال صلى ال عليه وسلم ما شاء ال أن يقع ‪ ،‬فحدث‬
‫ج َههُ‬
‫ن يَدْعُونَ رَ ّبهُم بِا ْلغَدَاةِ وَا ْل َعشِيّ ُيرِيدُونَ َو ْ‬
‫نفسه ‪ ،‬فأنزل ال عز وجل ‪َ { :‬و َل َتطْرُدِ الّذِي َ‬
‫ن من ترفع عن مجالسة‬
‫} » ‪ .‬ويدخل في الترفّع عن المجالسة الترفّع عن الزّيارة ‪ ،‬ل ّ‬
‫شخص تكبرا ترفع عن زيارته ‪.‬‬
‫د ‪ -‬الترفّع عن السلم أو مصافحة من هو أدنى منه منزل ًة في المال أو الجاه أو نحو‬
‫ذلك ‪ ،‬احتقارا له ‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬أن يمشي ويمشي أتباعه خلفه ‪ :‬يكره للرجل أن يمشي ومعه أتباعه من جند أو‬
‫تلميذ أو أنصار يمشون خلفه ‪ ،‬إذا أراد بذلك التكبّر ‪.‬‬
‫و ‪ -‬الرّكوب ومعه أتباعه ‪ :‬يكره للرجل الرّكوب ومعه رجاله يمشون إذا أراد به التكبّر ‪.‬‬
‫ز ‪ -‬حُبّه القيام له ‪ :‬والقيام على ضربين ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬قيام على رأسه وهو قاعد ‪ ،‬فهذا منهيّ عنه ‪ ،‬قال صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬من‬
‫سره أن يتمثل له الرّجال قياما فليتبوأ مقعده من النار » ‪ ،‬وهذه عادة العاجم والمتكبّرين ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬قيام عند مجيء النسان ‪ ،‬فقد كان السلف ل يكادون يفعلونه ‪ ،‬قال أنس ‪ « :‬لم‬
‫يكن شخص أحب إليهم ‪ -‬أي ‪ :‬إلى الصحابة ‪ -‬من رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذلك » ‪.‬‬
‫وقد قال العلماء ‪ :‬يستحبّ القيام للوالدين والمام العادل وفضلء الناس ‪ ،‬وقد صار هذا‬
‫ق من يصلح أن يفعل في حقّه لم يأمن أن‬
‫كالشّعار بين الفاضل ‪ ،‬فإذا تركه النسان في ح ّ‬
‫ينسبه إلى الهانة والتقصير في حقّه فيوجب ذلك حقدا ‪ ،‬واستحباب هذا في حقّ القائم ل‬
‫يمنع الذي يقام له أن يكره ذلك ‪ ،‬ويرى أنّه ليس بأهل لذلك ‪.‬‬
‫ح ‪ -‬التميّز في الطعام ‪ :‬ذكر في الفتاوى الهندية أنّه يكره للرجل أن يأكل وسط الخبز ويدع‬
‫حواشيه لغيره ; لنّ فيه تكبرا ‪ ،‬ويكره أن يأكل الخبز الحواري ‪ -‬أي ‪ :‬البيض ‪ -‬ويطعم‬
‫مماليكه خشكار ‪ -‬أي ‪ :‬السمر ‪. -‬‬
‫ط ‪ -‬الكل متكئا ‪ :‬اتفقوا على تحريم الكل متكئا تكبرا ‪ ،‬فإن كان لغير التكبّر فقد اختلفوا‬
‫في كراهته ‪ ،‬فكرهه بعضهم ; لنّه من فعل المتكبّرين ‪ ،‬وأصله مأخوذ من ملوك العجم ‪ ،‬إل‬
‫أن يكون بالمرء مانع ل يتمكن معه من الكل إل متكئا فيباح له ذلك ‪ ،‬وأباحه البعض الخر‬
‫‪ ،‬وقد نقل عن بعض السلف جواز الكل متكئا ‪ ،‬بينما ينقل إبراهيم النّخعيّ عن السلف أنّهم‬
‫كانوا يكرهون أن يأكلوا تكأةً ‪ ،‬ولكنّه جعل علةً ذلك مخافة أن تعظم بطونهم ‪ ،‬والصل في‬
‫ذلك قوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬إنّي ل آكل متكئا » ‪.‬‬
‫ي ‪ -‬لبس جلود الحيوانات الكاسرة ‪ :‬يحرم لبس جلود الحيوانات الكاسرة كالنّمور والسّباع‬
‫تكبرا ‪ ،‬وإذا حرم لبسها فإنّه يحرم فرشها تكبرا في البيوت التي يستقبل فيها الضّيوف ‪،‬‬
‫ى أو مِيْثَرَةُ السرج ‪.‬‬
‫ولكن ل بأس أن يجعل منها مصّل ً‬
‫ك ‪ -‬إطالة الثوب إلى أسفل من الكعبين ‪ :‬اتفقوا على تحريم إطالة الثوب إلى أسفل من‬
‫الكعبين اختيا ًل وتكبرا ; لقوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬من جر ثوبه خيلء لم ينظر ال‬
‫إليه يوم القيامة » ‪ ،‬واتفقوا على إباحة إطالة الثوب إلى أسفل من الكعبين للحاجة ‪ ،‬كما إذا‬
‫كان بساقيه حموشة ‪ -‬أي ‪ :‬دقة ورقة ‪ -‬فل يكره ما لم يقصد التدليس ‪.‬‬
‫واختلفوا في إطالتها إلى أسفل من الكعبين من غير كبر ول اختيال ول حاجة ‪ :‬فذهب‬
‫الجمهور إلى الكراهة التنزيهية ‪.‬‬
‫ل ‪ -‬مسح العرق وماء الوضوء بالخرقة ‪:‬‬
‫كره الحنفية أن يحمل الشخص خرق ًة خاصةً ليمسح بها عرقه أو ينشّف بها ماء الوضوء‬
‫عن أعضائه أو يتمخط بها ‪ ،‬إن أراد بذلك التكبّر ‪ ،‬أما إذا لم يرد بها التكبّر فل كراهة في‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫علج الكبر ‪:‬‬
‫‪ -‬قال ابن قيّم الجوزية ‪ :‬إنّ الكبر من المهلكات ‪ ،‬ومداواته فرض عين ‪ ،‬ولك في‬ ‫‪7‬‬

‫معالجته مقامان ‪:‬‬


‫الول ‪ :‬في استئصال أصله وقطع شجرته ‪ ،‬وذلك بأن يعرف النسان نفسه ‪ ،‬ويعرف ربه ‪،‬‬
‫فإنّه إن عرف نفسه حق المعرفة ‪ ،‬علم أنّه أذلّ من كلّ ذليل ‪ ،‬ويكفيه أن ينظر في أصل‬
‫وجوده بعد العدم من تراب ‪ ،‬ثم من نطفة خرجت من مخرج البول ‪ ،‬ثم من علقة ‪ ،‬ثم من‬
‫مضغة ‪ ،‬فقد صار شيئا مذكورا بعد أن كان جمادا ل يسمع ول يبصر ول يحسّ ول‬
‫يتحرك ‪ ،‬فقد ابتدأ بموته قبل حياته ‪ ،‬وبضعفه قبل قوته ‪ ،‬وبفقره قبل غناه ‪ ،‬وقد أشار ال‬
‫ط َفةٍ خَ َل َقهُ َفقَدّرَ ُه ‪ُ ،‬ثمّ السّبِيلَ َيسّرَهُ }‬
‫يءٍ خَ َل َقهُ ‪ ،‬مِن ّن ْ‬
‫تعالى إلى هذه بقوله ‪ { :‬مِنْ َأيّ شَ ْ‬
‫سمِيعًا بَصِيرًا } فأحياه بعد الموت ‪ ،‬وأحسن تصويره ‪ ،‬وأخرجه إلى‬
‫وبقوله ‪َ { :‬فجَعَلْنَا ُه َ‬
‫الدّنيا فأشبعه وأرواه ‪ ،‬وكساه وهداه وقواه ‪ ،‬فمن هذه بدايته فأي وجه لكبره وفخره ؟ ! !‬
‫‪.‬‬
‫على أنّه لو دام له الوجود على اختياره لكان لطغيانه طريق ‪ ،‬بل قد سلّط عليه الخلط‬
‫المتضادة ‪ ،‬والمراض الهائلة ‪ ،‬بينما بنيانه قد تم ‪ ،‬إذ هو قد هوى وتهدم ‪ ،‬ل يملك لنفسه‬
‫ضرّا ول نفعا ‪ ،‬بينما هو يذكر الشيء فينساه ‪ ،‬ويستلذّ الشيء فيرديه ‪ ،‬ويروم الشيء فل‬
‫يناله ‪ ،‬ثم ل يأمن أن يسلب حياته بغتةً ‪.‬‬
‫هذا أوسط حاله ‪ ،‬وذاك أول أمره ‪ ،‬وأما آخر أمره ‪ :‬فالموت الذي يعيده جمادا كما كان ‪،‬‬
‫ثم يلقى في التّراب فيصير جيفةً منتنةً ‪ ،‬وتبلى أعضاؤه ‪ ،‬وتنخر عظامه ‪ ،‬ويأكل الدّود‬
‫أجزاءه‪ ،‬ويعود ترابا يعمل منه الكيزان ‪ ،‬ويعمر منه البنيان ‪ ،‬ثم بعد طول البلى تجمع‬
‫أجزاؤه المتفرّقة ويساق إلى الحساب ‪.‬‬
‫ن هذا تعزّز بكمال غيره ‪ ،‬ثم يعلم أباه‬
‫والثاني ‪ :‬من اعتراه الكبر من جهة النّسب ‪ ،‬فليعلم أ ّ‬
‫وجده ‪ ،‬فإنّ أباه القريب نطفة قذرة ‪ ،‬وأباه البعيد تراب ‪ .‬ومن اعتراه الكبر بالجمال فلينظر‬
‫إلى باطنه نظر العقلء ‪ ،‬ول ينظر إلى ظاهره نظر البهائم ‪.‬‬
‫ومن اعتراه من جهة القوة ‪ ،‬فليعلم أنّه لو آلمه عرق عاد أعجز من كلّ عاجز ‪ ،‬وإن شوكة‬
‫دخلت في رجله لعجزته ‪ ،‬وبقة لو دخلت في أذنه لقلقته ‪.‬‬
‫من تكبر بالغنى ‪ ،‬فإذا تأمل خلقا من اليهود وجدهم أغنى منه ‪ ،‬فأفّ لشرف تسبقه به‬
‫اليهود‪ ،‬ويستلبه السارق في لحظة ‪ ،‬فيعود صاحبه ذليلً ‪.‬‬
‫ن حجة ال على العالم آكد من حجته على الجاهل ‪ ،‬وليتفكر‬
‫ومن تكبر بسبب العلم ‪ ،‬فليعلم أ ّ‬
‫في الخطر العظيم الذي هو بصدده ‪ ،‬فإنّ خطره أعظم من خطر غيره ‪ ،‬كما أنّ قدره أعظم‬
‫من قدر غيره ‪.‬‬
‫وليعلم أيضا ‪ :‬أنّ الكِبْر ل يليق إل بال تعالى ‪ ،‬وأنّه إذا تكبر صار ممقوتا عند ال بغيضا‬
‫عنده ‪ ،‬وقد أحب ال تعالى منه أن يتواضع ‪ ،‬وكذلك كلّ سبب يعالجه بنقيضه ‪ ،‬ويستعمل‬
‫التواضع ‪.‬‬

‫ِكتَاب *‬
‫التعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬الكتاب في اللّغة مصدر كتب ‪ ،‬يقال ‪ :‬كتب الشيء يكتبه كتبا وكتابا وكتابةً ‪ ،‬ويطلق‬ ‫‪1‬‬

‫على عدة معان منها ‪:‬‬


‫أ ‪ -‬أنّه اسم لما كتب مجموعا ‪ ،‬قاله الزهريّ ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬يطلق على ما يكتبه الشخص ويرسله إلى غيره ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬يطلق على المكتوب وعلى ما كتب فيه ‪.‬‬
‫د ‪ -‬يطلق على المنزل من عند ال تعالى ‪ ،‬فيشمل القرآن والتوراة والنجيل ‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬يطلق على الصّحف المجموعة ‪.‬‬
‫وفي اصطلح الفقهاء ‪ :‬الكتاب هو الذي يشتمل على المسائل سواء كانت قليلةً أو كثيرةً‬
‫ن أو فنون ‪.‬‬
‫من ف ّ‬
‫ك ا ْلكِتَابَ تِبْيَانًا ّل ُكلّ‬
‫وعند الصوليّين الكتاب هو القرآن الكريم ‪ ،‬قال تعالى ‪ { :‬وَنَزّلْنَا عَلَيْ َ‬
‫شَيْءٍ } ‪ ،‬والفقهاء يستعملون هذا المعنى فيقولون في الستدلل ‪ :‬ودليله الكتاب والسّنّة ‪،‬‬
‫والكتاب عند الحنفية يطلق على مختصر المام القدوريّ ‪.‬‬
‫والكتاب الحكميّ عند الفقهاء ما يكتب فيه شهادة الشّهود على غائب بل حكم ليحكم‬
‫المكتوب إليه من القضاة به ويسمى كتاب القاضي إلى القاضي ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬السّجلّ ‪:‬‬
‫‪ -‬من معاني السّجلّ لغةً ‪ :‬كتاب العهد ونحوه ‪ ،‬وكتاب القاضي ‪ ،‬والجمع سجلت ‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫وأسجلت للرجل إسجالً ‪ :‬كتبت له كتابا ‪ ،‬وسجل القاضي ‪ :‬قضى وحكم وأثبت حكمه في‬
‫السّجلّ ‪.‬‬
‫وفي الصطلح يطلق السّجلّ على كتاب القاضي الذي فيه حكمه ‪ ،‬قال الحصكفيّ ‪ :‬هذا في‬
‫عرفهم وفي عرفنا ‪ :‬كتاب كبير تضبط فيه وقائع الناس ‪.‬‬
‫وعلى ذلك فالسّجلّ أخصّ من الكتاب ; لنّه يطلق على كتاب مخصوص ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الدفتر ‪:‬‬
‫‪ -‬الدفتر لغةً ‪ :‬جريدة الحساب ‪ ،‬والدفتر جماعة الصّحف المضمومة ‪ ،‬والدفتر واحد‬ ‫‪3‬‬

‫الدفاتر وهي الكراريس ‪ ،‬وهو عربيّ ‪ ،‬قال ابن دريد ‪ :‬ول يعرف له اشتقاق ‪.‬‬
‫ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن المعنى اللّغويّ ‪ .‬والصّلة بين الدفتر والكتاب عموم‬
‫وخصوص مطلق والدفتر أعمّ من الكتاب ‪ ،‬والفرق بينهما أنّ الكتاب يفيد أنّه مكتوب ‪ ،‬ول‬
‫يفيد الدفتر ذلك ‪ ،‬تقول ‪ :‬عندي دفتر بياض ول تقول ‪ :‬عندي كتاب بياض ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬الرّسالة ‪:‬‬
‫‪ -‬في اللّغة ‪ :‬رِسالة ‪ -‬بكسر الراء ‪ -‬اسم من ال َرسَالة ‪ -‬بفتح الراء ‪ -‬يقال ِرسَل َرسَلً‬ ‫‪4‬‬

‫و َرسَال ًة من باب تعب ‪ .‬يقال أرسلت رسولً ‪ :‬بعثته برسالة يؤدّيها ‪.‬‬
‫والفقهاء يستعملونها تار ًة بمعنى الرسول ‪ ،‬وتار ًة بمعنى الكتاب ‪.‬‬
‫ي‪.‬‬
‫وعلى هذا فبين الكتاب والرّسالة عموم وخصوص نسب ّ‬
‫ما يتعلق بالكتاب من أحكام ‪:‬‬
‫تتعلق بالكتاب أحكام تختلف باختلف استعمالته كما يلي ‪:‬‬
‫أولً ‪ :‬الكتاب بمعنى الرّسالة ‪:‬‬
‫أي إرسال كتاب إلى الغير بشأن أمر من المور أو طلب شيء ‪ ،‬ويأتي ذلك في مواضع‬
‫متعدّدة من أبواب الفقه منها ‪:‬‬
‫كتاب القاضي إلى القاضي ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الفقهاء إلى جواز كتابة القاضي إلى القاضي بما ثبت لديه من البينات وغيرها ‪،‬‬ ‫‪5‬‬

‫واختلفوا في الشّروط واللّزوم ‪.‬‬


‫)‪.‬‬ ‫‪53‬‬ ‫‪،‬‬ ‫‪52‬‬ ‫‪،‬‬ ‫‪49‬‬ ‫والتفصيل في مصطلح ( قضاء ف ‪/‬‬
‫كتاب الزوج لزوجته بالطلق ‪:‬‬
‫‪ -‬إذا كتب الزوج إلى زوجته كتابا بطلقها ‪ ،‬فإن كتب إليها ‪ :‬يا فلنة أنت طالق ‪ ،‬أو‬ ‫‪6‬‬

‫كتب ‪ :‬هي طالق طلقت في الحال سواء وصل إليها الكتاب أو لم يصل ‪ ،‬وهذا باتّفاق ‪ ،‬لكن‬
‫ن الكتابة‬
‫قال المالكية والشافعية إذا كتب لزوجته ناويا الطلق حين الكتابة وقع الطلق ; ل ّ‬
‫طريق في إفهام المراد كالعبارة وقد اقترنت بالنّية ‪ ،‬فإن لم ينو لم تطلق ; لنّ الكتابة‬
‫تحتمل الفسخ والحكاية وتجربة القلم والمداد وغيرها ‪ ،‬وأضاف الشافعية أنّه إذا قرأ ما كتبه‬
‫حال الكتابة أو بعدها فصريح فإن قال قرأته حاكيا ما كتبته بل نية طلق صدّق بيمينه ‪.‬‬
‫وقال ابن رشد من المالكية ‪ :‬إن كتب مستشيرا أو متردّدا وأخرج الكتاب عازما على الطلق‬
‫أو ل نية له وقع الطلق لحمله على أنّه نوى الطلق ‪ ،‬وإن كتب الطلق غير عازم عليه ‪،‬‬
‫بل كتبه متردّدا أو مستشيرا ولم يخرجه ‪ ،‬أو أخرجه متردّدا فل يقع الطلق إل إذا وصل‬
‫الكتاب إلى الزوجة ‪ ،‬وإن لم يصل ل يقع الطلق ‪.‬‬
‫وإن كان الطلق معلقا فقد ذهب جمهور الفقهاء ‪ -‬الحنفية والشافعية والحنابلة ‪ -‬إلى أنّ‬
‫الزوج لو علق الطلق على شرط الوصول إليها ‪ ،‬بأن كتب ‪ :‬إذا وصل كتابي إليك فأنت‬
‫طالق ‪ ،‬ل يقع الطلق حتى يصل إليها الكتاب ; لنّه علق الوقوع بشرط الوصول فل يقع‬
‫قبله كما لو علقه بشرط آخر ‪.‬‬
‫ن " إن " صريحة في الشرط فل‬
‫والحكم كذلك عند المالكية إذا كانت أداة الشرط " إن " ; ل ّ‬
‫تطلق إل عند وصول الكتاب إليها ‪ ،‬أما إذا كانت أداة الشرط " إذا " فقد اختلف المالكية في‬
‫ي والخرشيّ إلى وقوع الطلق في الحال مثل‬
‫وقت وقوع الطلق ‪ ،‬فذهب الدردير والدّسوق ّ‬
‫ن أداة الشرط ( إذا ) لمجرد الظرفية فينجز‬
‫قوله لها في كتابه ‪ :‬أنت طالق وهذا بناء على أ ّ‬
‫الطلق كمن أجل الطلق بمستقبل ‪.‬‬
‫ي أنّه إذا كتب ‪ :‬إذا وصل لك كتابي ففي توقّفه على‬
‫ونقل الدّسوقيّ عن مصطفى الرماص ّ‬
‫الوصول خلف ‪ ،‬وقوى القول بتوقّفه على الوصول ‪ ،‬لتضمّن " إذا " معنى الشرط ‪.‬‬
‫ن عدم التنجيز وتوقّف وقوع الطلق على وصول‬
‫واعتبر الشيخ عليش في منح الجليل أ ّ‬
‫الكتاب ظاهر مشهور ‪.‬‬
‫مَحْو ما في كتاب الطلق ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أنّه إن انمحى ما في كتاب الطلق المعلق على‬ ‫‪7‬‬

‫الوصول أو انطمس ما فيه لعرَق أو غيره بحيث ل يمكن قراءة ما فيه لم يقع الطلق وإن‬
‫ن الكتاب عبارة عما فيه الكتابة ‪.‬‬
‫وصل الكتاب ; لنّ الشرط وصول الكتاب ولم يوجد ; ل ّ‬
‫وإن ذهب موضع الطلق فقط وانمحق ووصل باقيه لم يقع الطلق ; لنّه لم يبلغها جميع‬
‫ي منه ‪ ،‬وهذا ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة ‪.‬‬
‫الكتاب ول ما هو المقصود الصل ّ‬
‫وقال الحنفية ‪ :‬إن محا ذكر الطلق منه وأنفذ الكتاب وقد بقي منه كلم يسمى كتابا ورسالةً‬
‫وقع الطلق لوجود الشرط وهو وصول الكتاب إليها ‪.‬‬
‫وإن انمحى ما في الكتاب سوى ما فيه ذكر الطلق ‪ ،‬أو تخرق بعض ما فيه الكتابة سوى‬
‫ما فيه ذكر الطلق ‪ ،‬ومثل ذلك ‪ :‬ما لو ذهبت سوابقه ولواحقه كالبسملة والحمدلة وبقيت‬
‫مقاصده ‪ ،‬ووصل الكتاب فإنّها تطلق لوصول المقصود ‪ ،‬وهذا عند الشافعية والحنابلة ‪.‬‬
‫وقال بعض الحنفية ‪ :‬إذا محا ما سوى كتابة الطلق وأنفذه فوصل إليها ل يقع ‪ ،‬بناء على‬
‫أنّ الرّسالة المتضمنة لمجرد الطلق ل تكون كتابا ‪ ،‬ذكر ذلك الكمال بن الهمام في فتح‬
‫القدير ثم قال ‪ :‬وفيه نظر ‪.‬‬
‫‪ -8‬وللمذاهب فروع مختلفة في وقوع الطلق بالكتاب بيانها فيما يلي ‪:‬‬
‫قال الحنفية ‪ :‬كتب في قرطاس ‪ :‬إذا أتاك كتابي هذا فأنت طالق ‪ ،‬ثم نسخه في كتاب آخر ‪،‬‬
‫أو أمر غيره بنسخه ولم يمله عليه ‪ ،‬فأتاها الكتابان طلقت طلقتين قضاءً ‪ ،‬إن أقر أنّهما‬
‫كتاباه أو برهنت ‪ ،‬وفي الدّيانة تقع واحدة بأيّهما أتاها ويبطل الخر ‪.‬‬
‫ولو استكتب من آخر كتابا بطلقها وقرأه على الزوج ‪ ،‬فأخذه الزوج وختمه وعنونه وبعث‬
‫به إليها ‪ ،‬فأتاها وقع إن أقر الزوج أنّه كتابه ‪.‬‬
‫وكذلك الحكم لو قال للرجل ابعث به إليها ‪ ،‬أو قال له ‪ :‬اكتب نسخةً وابعث بها إليها ‪.‬‬
‫وإن أنكر ولم يقر أنّه كتابه ولم تقم بينة على أنّه كتابه ‪ ،‬لكنّه وصف المر على وجهه ل‬
‫تطلق قضا ًء ول ديان ًة ‪.‬‬
‫وكذا كلّ كتاب لم يكتبه بخطّه ولم يمله بنفسه ل يقع الطلق ما لم يقر أنّه كتابه ‪.‬‬
‫ومن كانت له امرأة تدعى زينب ثم تزوج في بلدة أخرى امرأةً تدعى عائشة ‪ ،‬فبلغ زينب‬
‫فخاف منها ‪ ،‬فكتب إليها ‪ :‬كلّ امرأة لي غيرك وغير عائشة طالق ‪ ،‬ثم محا قوله ‪ :‬وغير‬
‫عائشة ‪ ،‬وبعث الكتاب إلى زينب لم تطلق عائشة ‪ ،‬قال ابن عابدين ‪ :‬وينبغي أن يشهد على‬
‫كتابة ما محاه ; لئل يظهر الحال ‪ ،‬فيحكم عليه القاضي بطلق عائشة ‪.‬‬
‫وقال الحنفية ‪ :‬لو كتب إلى امرأته بطلقها ثم أنكر الكتاب وقامت عليه البينة أنّه كتبه بيده‬
‫فرّق بينهما في القضاء أما فيما بينه وبين ال تعالى إن كان لم ينو الطلق فهي امرأته ‪،‬‬
‫ولو كتب إليها ‪ :‬أما بعد ‪ :‬أنت طالق إن شاء ال تعالى ‪ ،‬إن كان موصولً بكتابته ل تطلق ‪،‬‬
‫ن المكتوب إلى‬
‫ن الطلق يقع ; ل ّ‬
‫وإن كتب الطلق ثم فتر فتر ًة ‪ ،‬ثم كتب ‪ :‬إن شاء ال ‪ ،‬فإ ّ‬
‫الغائب كالملفوظ ‪ ،‬كذا في الفتاوى الكبرى للخاصّيّ والخلصة ‪.‬‬
‫وقال الشافعية ‪ :‬لو كتب ‪ :‬إذا بلغك نصف كتابي هذا ‪ ،‬فبلغها كلّه طلقت ‪ ،‬فإن ادعت وصول‬
‫كتابه بالطلق ‪ ،‬فأنكر صدّق بيمينه ‪ ،‬فإن أقامت بين ًة بأنّه خطّه لم تسمع إل برؤية الشاهد‬
‫بكتابه وحفظه عنده لوقت الشهادة ‪.‬‬
‫وإن كتب ‪ :‬إذا قرأت كتابي فأنت طالق وهي قارئة ‪ ،‬فقرأته طلقت لوجود المعلق عليه ‪.‬‬
‫قال الشّربينيّ الخطيب ‪ :‬وعبارة النّوويّ تقتضي أمرين أحدهما ‪ :‬اشتراط اللفظ به إذ‬
‫القراءة تعطي ذلك ‪ ،‬لكن نقل المام التّفاق على أنّها لو طالعت الكتاب وفهمت ما فيه طلقت‬
‫وإن لم تتلفظ بشيء ‪.‬‬
‫والشرط الثاني ‪ :‬اشتراط قراءة جميع الكتاب ‪ ،‬والظاهر الكتفاء بقراءة المقاصد كما بحثه‬
‫ئ عليها الكتاب فل تطلق في‬
‫ي فحكم قراءة بعض الكتاب كوصول بعضه ‪ ،‬وإن قُ ِر َ‬
‫الذرع ّ‬
‫الصحّ لعدم قراءتها مع إمكانها القراءة ‪ ،‬ومقابل الصحّ أنّها تطلق ; لنّ المقصود إطلعها‬
‫على ما في الكتاب وقد وجد ‪ ،‬وإذا كانت ل تعرف القراءة ‪ ،‬والزوج يعلم ذلك ‪ ،‬فقرئ عليها‬
‫ي محمولة على الطّلع على ما في الكتاب ‪ ،‬وقد وجد‬
‫طلقت ; لنّ القراءة في حقّ المّ ّ‬
‫بخلف القارئة ‪،‬أما إذا لم يعلم الزوج حالها فإنّها ل تطلق على القرب في الروضة‬
‫وأصلها‪ .‬ولو علق بوصول الكتاب ‪ ،‬ثم علق بوصول الطلق ‪ ،‬ووصل ‪ ،‬طلقت طلقتين ‪.‬‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬إذا كتب لزوجته ‪ :‬إذا أتاك طلقي فأنت طالق ‪ ،‬ثم كتب إليها ‪ :‬إذا أتاك‬
‫كتابي فأنت طالق فأتاها الكتاب طلقت طلقتين لوجود الصّفتين في مجيء الكتاب ‪ ،‬فإن قال ‪:‬‬
‫أردت إذا أتاك كتابي فأنت طالق بذلك الطلق الذي علقته دين ‪ ،‬وهل يقبل في الحكم ؟‬
‫يخرج على روايتين ‪.‬‬
‫وإذا كتب لزوجته أنت طالق ثم استمد " أي أخذ المداد من الدواة بالقلم " فكتب ‪ :‬إذا أتاك‬
‫كتابي ‪ ،‬أو علقه بشرط أو استثناء ‪ ،‬وكان في حال كتابته للطلق مريدا للشرط لم يقع‬
‫طلقه في الحال ; لنّه لم ينو الطلق في الحال ‪ ،‬بل نواه في وقت آخر ‪ ،‬وإن كان نوى‬
‫ن ال ُمطْلَق يقع‬
‫الطلق في الحال غير معلق بشرط طلقت للحال ‪ ،‬وإن لم ينو شيئا وقلنا ‪ :‬إ ّ‬
‫به الطلق نظرنا ‪ ،‬فإن كان استمدادا لحاجة أو عادة ‪ ،‬لم يقع الطلق قبل وجود الشرط ;‬
‫لنّه لو قال ‪ :‬أنت طالق ‪ ،‬ثم أدركه النفس أو شيء يسكته فسكت لذلك ‪ ،‬ثم أتى بشرط‬
‫تعلق به فالكتابة أولى ‪.‬‬
‫وإن استمد لغير حاجة ول عادة وقع الطلق ‪ ،‬كما لو سكت بعد قوله ‪ :‬أنت طالق لغير‬
‫حاجة ثم ذكر شرطا ‪.‬‬
‫وإن قال ‪ :‬إنّني كتبته مريدا للشرط فقياس قول أصحابنا أنّها ل تطلق قبل الشرط ‪ ،‬إل أنّه‬
‫يُديّن وهل يقبل في الحكم ؟ على وجهين ‪.‬‬
‫واشترط الحنابلة الشهادة لثبات كتاب الطلق ‪ ،‬جاء في المغني ‪ :‬ول يثبت الكتاب بالطلق‬
‫ن هذا كتابه ‪ ،‬قال أحمد في رواية حرب في امرأة أتاها كتاب زوجها‬
‫إل بشاهدين عدلين أ ّ‬
‫بخطّه وخاتمه بالطلق ‪ :‬ل تتزوج حتى يشهد عندها شهود عدول ‪ ،‬قيل له ‪ :‬فإن شهد‬
‫حامل الكتاب ؟ قال ‪ :‬ل ‪ ،‬إل شاهدان ‪ ،‬فلم يقبل قول حامل الكتاب وحده حتى يشهد معه‬
‫غيره ; لنّ الكتب المثبتة للحقوق ل تثبت إل بشاهدين ككتاب القاضي ‪ ،‬وظاهر كلم أحمد‬
‫أنّ الكتاب يثبت عندها بشهادتهما بين يديها وإن لم يشهدا به عند الحاكم ; لنّ أثره في‬
‫حقّها في العدة وجواز التزويج بعد انقضائها ‪.‬‬
‫ص به ‪ ،‬ل يثبت به حقّ على الغير ‪ ،‬فاكتفي فيه بسماعها للشهادة ‪.‬‬
‫وهذا معنىً يخت ّ‬
‫ن هذا خطّ فلن لم يقبل ; لنّ الخط يشبه به ويزور ‪ ،‬ولهذا لم يقبله‬
‫ولو شهد شاهدان أ ّ‬
‫الحاكم ‪ ،‬ولو اكتفي بمعرفة الخطّ لكتفي بمعرفتها له من غير شهادة ‪.‬‬
‫قال ابن قدامة ‪ :‬وذكر القاضي ‪ :‬أنّه ل يصحّ شهادة الشاهدين حتى يشاهداه يكتبه ‪ ،‬ثم ل‬
‫يغيب عنهما حتى يؤدّيا الشهادة ‪.‬‬
‫ن كتاب القاضي ل يشترط فيه ذلك فهذا‬
‫ن هذا ليس بشرط ‪ ،‬فإ ّ‬
‫قال ابن قدامة ‪ :‬والصحيح أ ّ‬
‫أولى ‪ ،‬وقد يكون صاحب الكتاب ل يعرف الكتابة ‪ ،‬وإنّما يستنيب فيها ‪ ،‬وقد يستنيب فيها‬
‫من يعرفها ‪ ،‬بل متى أتاها بكتاب وقرأه عليها وقال ‪ :‬هذا كتابي كان لهما أن يشهدا به ‪.‬‬
‫الكتاب الذي يعتبر إيجابا أو قبولً في العقود ‪:‬‬
‫‪ -‬جاء في الهداية وشروحها في باب البيع ‪ :‬الكتاب كالخطاب ‪ ،‬وكذا الرسال ‪ ،‬حتى‬ ‫‪9‬‬

‫اعتبر مجلس بلوغ الكتاب وأداء الرّسالة ‪ ،‬فصورة الكتاب بأن يكتب ‪ :‬أما بعد ‪ :‬فقد بعت‬
‫عبدي منك بكذا ‪ ،‬فلما بلغه الكتاب وفهم ما فيه قال ‪ :‬قبلت ‪ ،‬وكان ذلك في المجلس انعقد ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪13‬‬ ‫وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ( عقد ف ‪/‬‬
‫ردّ جواب الكتاب ‪:‬‬
‫‪ -‬روى أبو جعفر عن ابن عباس رضي ال عنهما مرفوعا ‪ " :‬إنّي لرى لردّ جواب‬ ‫‪10‬‬

‫الكتاب علي حقّا كما أرى رد جواب السلم " ‪ ،‬قال الشيخ تقيّ الدّين ‪ :‬وهو المحفوظ عن‬
‫ابن عباس يعني موقوفًا ‪ ،‬قال ابن مفلح ‪ :‬ويتوجه القول به استحبابا ‪ ،‬ويتوجه في الوجوب‬
‫ما في المكافأة على الهدية ور ّد جواب كلمة طيّبة ونحو ذلك ‪.‬‬
‫ن وإيقاع عداوة ونحو ذلك توجه الوجوب ‪.‬‬
‫أما إن أفضى ترك ذلك إلى سوء ظ ّ‬
‫ول بد من ردّ جواب ما قصده الكاتب ‪ ،‬وإل كان الردّ كعدمه شرعا وعرفا ‪.‬‬
‫ي ‪ :‬إذا ورد على إنسان كتاب التحية أو نحوها ينبغي أن يرد الجواب ; لنّ‬
‫وقال القرطب ّ‬
‫الكتاب من الغائب كالسلم من الحاضر ‪.‬‬
‫كيفية البدء في الكتاب ‪:‬‬
‫ب ابتداء الكتاب والرّسالة ببسم ال الرحمن الرحيم ‪ ،‬اقتدا ًء بالكتب السماوية‬
‫‪ -‬يستح ّ‬ ‫‪11‬‬

‫ي من إجماع علماء كلّ ملة‬


‫التي أشرفها القرآن الكريم ; لما قاله العلمة أبو بكر التّونس ّ‬
‫ن ال سبحانه افتتح جميع كتبه ببسم ال الرحمن الرحيم ويشهد له خبر ‪ « :‬بسم ال‬
‫على أ ّ‬
‫الرحمن الرحيم فاتحة كلّ كتاب » ‪ ،‬وعملً بخبر ‪ « :‬كلّ أمر ذي بال ل يبدأ فيه ببسم ال‬
‫فهو أقطع » ‪ ،‬أي قليل البركة أو مقطوعها ‪.‬‬
‫قال القرطبيّ ‪ :‬اتفقوا على كتب بسم ال الرحمن الرحيم في أول الكتب والرسائل وعلى‬
‫ختمها ; لنّه أبعد من الرّيبة ‪ ،‬وعلى هذا جرى الرسم ‪ ،‬وبه جاء الثر عن عمر بن‬
‫الخطاب رضي ال عنه أنّه قال ‪ :‬أيّما كتاب لم يكن مختومًا فهو أغلف ‪.‬‬
‫وبعد البسملة في الكتاب المرسل إلى الغير يكتب إلى فلن ‪ ،‬ول يكتب لفلن ‪ ،‬قال ابن‬
‫ي أحمد بن سعيد ‪ :‬كتب إليّ أبو عبد ال أحمد بن حنبل ‪ :‬لبي‬
‫مفلح‪ :‬قال أبو جعفر الدارم ّ‬
‫جعفر أكرمه ال من أحمد بن حنبل ‪ ،‬قال ‪ :‬نكتب ‪ :‬إلى أبي فلن ول نكتب ‪ :‬لبي فلن ‪،‬‬
‫ي ‪ :‬كان أبو عبد ال يكتب عنوان‬
‫قال ‪ :‬ليس له معنىً إذا كتب لبي فلن ‪ ،‬وقال المروز ّ‬
‫الكتاب ‪ :‬إلى أبي فلن وقال ‪ :‬هو أصوب من أن يكتب لبي فلن ‪.‬‬
‫قال أبو جعفر ‪ :‬فأما ابتداء النسان بنفسه وكتبه من فلن إلى فلن ففيه اختلف بين‬
‫العلماء في العنوان وصدر الكتاب ‪ ،‬فأكثرهم يرى أن يبتدئ بنفسه ; لنّ ذلك عنده هو‬
‫ي رضي ال عنه كتب إلى رسول‬
‫ن العلء بن الحضرم ّ‬
‫السّنّة‪ ،‬كما روى محمد بن سيرين أ ّ‬
‫ال صلى ال عليه وسلم فبدأ بنفسه قال أبو جعفر ‪ :‬وعن نافع أنّ ابن عمر رضي ال‬
‫عنهما كان يقول لغلمانه وولده ‪ :‬إذا كتبتم إلى فلن فل تبدءوا بي وكان إذا كتب إلى‬
‫المراء بدأ بنفسه ‪ ،‬وروي عن النبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬إذا كتب أحدكم فليبدأ بنفسه‬
‫إل إلى والد أو والدة ‪ ،‬وإمام يخاف عقوبته » ‪ ،‬وقال الربيع بن أنس ‪ :‬ما كان أحد أعظم‬
‫حرمةً من رسول ال صلى ال عليه وسلم وكان أصحابه يكتبون إليه فيبدءون بأنفسهم ‪.‬‬
‫ن أهل فارس إذا كتبوا‬
‫ي صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬إ ّ‬
‫وفي القرطبيّ قال ابن سيرين ‪ :‬قال النب ّ‬
‫بدءوا بعظمائهم ‪ ،‬فل يبدأ الرجل إل بنفسه » ‪ ،‬قال أبو الليث في كتاب البستان ‪ :‬ولو بدأ‬
‫ن المة قد اجتمعت عليه وفعلوه لمصلحة رأوا في ذلك ‪ ،‬أو نسخ ما‬
‫بالمكتوب إليه جاز ; ل ّ‬
‫كان من قبل ‪.‬‬
‫فالحسن في زماننا هذا أن يبدأ بالمكتوب إليه ثم بنفسه ; لنّ البداية بنفسه تعدّ منه‬
‫استخفافا بالمكتوب إليه إل أن يكتب إلى غلم من غلمانه ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬الكتاب بمعنى الوثيقة والعهد ‪:‬‬
‫‪ -‬أمر ال سبحانه وتعالى بتوثيق المعاملت التي تجري بين الناس في قوله تعالى ‪:‬‬ ‫‪12‬‬

‫ي صلى ال‬
‫سمّى فَاكْتُبُوهُ } ‪ ،‬وقد وثق النب ّ‬
‫جلٍ ّم َ‬
‫ن إِلَى َأ َ‬
‫ن آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْ ٍ‬
‫{ يَا أَ ّيهَا الّذِي َ‬
‫عليه وسلم فباع وكتب ومن ذلك ‪ « :‬هذا ما اشترى العداء بن خالد بن هوذة من محمد‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم اشترى منه عبدا أو أمةً ل داء ول غائلة ول خبثة ‪ ،‬بيع‬
‫المسلم من المسلم » ‪.‬‬
‫ي صلى ال عليه وسلم بالكتاب في الصّلح فيما بينه وبين المشركين ‪.‬‬
‫وأمر النب ّ‬
‫)‪.‬‬ ‫‪12‬‬ ‫وينظر تفصيل ذلك في ( توثيق ف ‪/‬‬
‫ثالثا ‪ :‬الكتاب بمعنى كتب العلم ‪:‬‬
‫‪ -‬يأتي الكتاب بمعنى كتب العلم سواء أكانت شرعي ًة أم غير شرعية وهو المعنى الذي‬ ‫‪13‬‬

‫عبر عنه صاحب الكلّيات بقوله ‪ :‬الكتاب هو الذي يشتمل على المسائل سواء كانت قليل ًة أو‬
‫كثيرةً من فنّ أو فنون ‪ ،‬وكذلك ما جاء في أسنى المطالب ‪.‬‬
‫ويتعلق بالكتاب بهذا المعنى أحكام متعدّدة منها ‪:‬‬
‫الستنجاء بالكتب ‪:‬‬
‫‪ -‬اتفق الفقهاء على أنّه ل يجوز الستنجاء بمحترم كالكتب التي فيها ذكر ال تعالى‬ ‫‪14‬‬

‫ككتب الحديث والفقه ; لحرمة الحروف ‪ ،‬ولما في ذلك من هتك الشريعة والستخفاف‬
‫بحرمتها ‪.‬‬
‫واختلفوا في الكتب غير المحترمة ‪ ،‬ومثلوا لها بكتب السحر والفلسفة وبالتوراة والنجيل‬
‫إذا علم تبدّلهما ‪.‬‬
‫فذهب المالكية إلى أنّه ل يجوز الستنجاء بهذه الكتب لحرمة الحروف ‪ -‬أي لشرفها ‪ -‬قال‬
‫ي ‪ ،‬وإل فل حرمة‬
‫إبراهيم اللقانيّ ‪ :‬محلّ كون الحروف لها حرمة إذا كانت مكتوبةً بالعرب ّ‬
‫ي الجهوريّ ‪ :‬الحروف لها‬
‫لها إل إذا كان المكتوب بها من أسماء ال تعالى ‪ ،‬وقال عل ّ‬
‫ي أو بغيره ‪.‬‬
‫حرمة سواء كتبت بالعرب ّ‬
‫ن الحرمة‬
‫ل كالسّحر ; ل ّ‬
‫وقال الحطاب ‪ :‬ل يجوز الستجمار بالمكتوب ولو كان المكتوب باط ً‬
‫للحروف ‪ ،‬وأسماء ال تعالى إن كتبت في أثناء ما تجب إهانته كالتوراة والنجيل بعد‬
‫ن الستنجاء بهذه الكتب إهانة‬
‫تحريفهما ‪ ،‬فيجوز إحراقها وإتلفها ‪ ،‬ول يجوز إهانتها ; ل ّ‬
‫ن حرمة أسماء ال تعالى ل‬
‫لمكان ما فيها من أسماء ال تعالى ; لنّها وإن كانت محرمةً فإ ّ‬
‫تبدل على وجه ‪.‬‬
‫وذهب الشافعية إلى أنّ غير المحترم من الكتب ككتب الفلسفة وكذا التوراة والنجيل إذا علم‬
‫تبدّلهما وخلوّهما عن اسم معظم فإنّه يجوز الستنجاء به ‪.‬‬
‫ن للحروف حرمةً ولو مقطعةً ‪ ،‬وذكر بعض‬
‫وقال ابن عابدين من الحنفية ‪ :‬نقلوا عندنا أ ّ‬
‫ن حروف الهجاء قرآن أنزلت على هود عليه السلم ‪ ،‬ومفاده الحرمة بالمكتوب‬
‫القراء أ ّ‬
‫مطلقا ‪.‬‬
‫مسّ غير المتطهّر كتب العلوم الشرعية ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الفقهاء في حكم مسّ غير المتطهّر كتب العلوم الشرعية ‪.‬‬ ‫‪15‬‬

‫فبالنّسبة لكتب التفسير أجاز المالكية والحنابلة أن يمسها غير المتطهّر ; لنّها ل تسمى‬
‫ن المقصود من التفسير معاني القرآن ل تلوته ‪ ،‬قال المالكية ‪ :‬وظاهره‬
‫مصحفا عرفا ; ول ّ‬
‫ولو كتبت فيه آيات كثيرة متوالية وقصدها بالمسّ كما قال ابن مرزوق ‪.‬‬
‫وعامة الحنفية على منع مسّ لفظ القرآن الكريم ‪ ،‬قال في السّراج عن اليضاح ‪ :‬ل يجوز‬
‫مسّ موضع القرآن منها ‪ ،‬أما ما سوى ذلك من التفسير وسائر الكتب الشرعية فالتحقيق‬
‫أنّ فيها ثلثة أقوال ‪ :‬قول بالكراهة ‪ ،‬وقول بعدمها ‪ ،‬والثالث ‪ :‬الكراهة في التفسير دون‬
‫غيره‪ .‬قال ابن عابدين ‪ :‬والقول الثالث هو الظهر والحوط لظهور الفرق ‪ ،‬فإنّ القرآن في‬
‫التفسير أكثر منه في غيره ‪.‬‬
‫وقال الشافعية ‪ :‬إن كان القرآن أكثر ل يجوز المسّ وإن كان التفسير أكثر جاز مسّه ‪.‬‬
‫وقال ابن عرفة من المالكية ‪ :‬ل يجوز مسّ التفاسير التي فيها آيات كثيرة متوالية ‪.‬‬
‫‪ -‬واختلف الفقهاء كذلك في مسّ الكتب السماوية ‪ -‬غير القرآن ‪ -‬كالتوراة والنجيل‬ ‫‪16‬‬

‫والزبور ‪.‬‬
‫فأجاز مسّها لغير المتطهّر المالكية والشافعية والحنابلة ; لنّها ليست قرآنا ‪.‬‬
‫ن أنّ في‬
‫ن الشافعية قالوا ‪ :‬إن ظ ّ‬
‫قال المالكية ‪ :‬يجوز مسّها ولو كانت غير مبدلة ‪ ،‬إل أ ّ‬
‫التوراة ونحوها غير مبدل كره مسّه ‪.‬‬
‫واختلفت أقوال الحنفية ‪ ،‬ففي حاشية ابن عابدين ‪ :‬قال الشيخ إسماعيل ‪ :‬وفي المبتغى ‪.‬‬
‫ول يجوز مسّ التوراة والنجيل والزبور ‪ .‬وعلل بعض فقهاء الحنفية ذلك باشتراك سائر‬
‫الكتب السماوية في وجوب التعظيم ‪ ،‬لكنّه قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬ينبغي أن يخص بما لم يبدل ‪.‬‬
‫وفي قول آخر للحنفية أنّه يجوز المسّ ‪ ،‬ففي الدّرّ المختار ‪ :‬الظاهر جواز المسّ ‪ ،‬قال في‬
‫ن الجملة صفة للقرآن‬
‫طهّرُونَ } ‪ ،‬بناء على أ ّ‬
‫سهُ إِلّا ا ْل ُم َ‬
‫النّهر ‪ :‬وقوله تعالى ‪ { :‬لّا َي َم ّ‬
‫يقتضي اختصاص المنع به ‪.‬‬
‫س غير المتطهّر كتب الفقه والحديث والصول‬
‫‪ -‬وكذلك اختلف الفقهاء في حكم م ّ‬ ‫‪17‬‬

‫والرسائل التي فيها قرآن ‪.‬‬


‫فأجاز المالكية والشافعية والحنابلة وبعض فقهاء الحنفية وهو الصحّ عند أبي حنيفة لغير‬
‫ن النّبي صلى ال‬
‫المتطهّر أن يمسها ويحملها ولو كان فيها آيات من القرآن ‪ ،‬بدليل ‪ « :‬أ ّ‬
‫عليه وسلم كتب إلى هرقل كتابا وفيه آية » ; ولنّه ل يقع على مثل ذلك اسم مصحف ول‬
‫تثبت لها حرمته ‪.‬‬
‫س كتب الحاديث والفقه‬
‫وقال بعض فقهاء الحنفية ‪ ،‬ومنهم أبو يوسف ومحمد ‪ :‬إنّه يكره م ّ‬
‫لغير المتطهّر ; لنّها ل تخلو عن آيات القرآن ‪ ،‬وقد تقدم ترجيح ابن عابدين القول بقصر‬
‫الكراهة على كتب التفسير وحدها ‪.‬‬
‫وقال الشافعية ‪ :‬يستحبّ التطهّر لحمل كتب الحديث ومسّها ‪.‬‬
‫توسّد الكتب والتّكاء عليها ‪:‬‬
‫‪ -‬قال الحنفية ‪ :‬يكره أن يضع المصحف تحت رأسه إل للحفظ أي حفظه من سارق‬ ‫‪18‬‬

‫ونحوه ‪ ،‬قال ابن عابدين ‪ :‬وهل التفسير والكتب الشرعية كذلك ؟ أقول ‪ :‬الظاهر نعم ‪.‬‬
‫وقال الشافعية ‪ :‬يحرم توسّد القرآن وإن خاف سرقته ‪ ،‬نعم ‪ ،‬إن خاف على المصحف من‬
‫تلف نحو حرق أو تنجّس أو كافر جاز له أن يتوسده ‪ ،‬بل يجب عليه ‪ ،‬ويحرم توسّد كتب‬
‫علم محترم إل لخوف من نحو سرقة ‪ ،‬فإنّه يجوز توسّدها ‪.‬‬
‫ن ذلك ابتذال له ‪ ،‬قال‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬يحرم توسّد المصحف والوزن به والتّكاء عليه ; ل ّ‬
‫في الداب الشرعية ‪ :‬واختار ابن حمدان التحريم ‪ ،‬وقطع به في المغني والشرح ‪ ،‬وبذلك‬
‫ي في كتابه مجمع البحرين ‪ ،‬لكن جاء في الداب الشرعية ‪ :‬ويكره توسّد‬
‫قال ابن عبد القو ّ‬
‫المصحف ‪ ،‬ذكره ابن تميم ‪.‬‬
‫أما كتب العلم فقد قال الحنابلة ‪ :‬إن كان فيها قرآن حرم توسّدها والوزن بها والتّكاء عليها‬
‫وإن لم يكن فيها قرآن كره ذلك ‪ ،‬أما إن خاف عليها سرقةً فل بأس أن يتوسدها للحاجة ‪،‬‬
‫قال أحمد في رواية نعيم بن ناعم وقد سأله ‪ :‬أيضع الرجل الكتب تحت رأسه ؟ قال ‪ :‬أي‬
‫كتب ؟ قلت ‪ :‬كتب الحديث ‪ ،‬قال ‪ :‬إذا خاف أن تسرق فل بأس ‪ ،‬وأما أن تتخذ وسادةً فل‬
‫‪.‬‬
‫كيفية وضع الكتب فوق بعضها ‪:‬‬
‫‪ -‬ذكر الحنفية كيفية ترتيب الكتب من حيث الولوية عند وضعها فوق بعضها ‪ .‬فقالوا‬ ‫‪19‬‬

‫‪ :‬توضع كتب النحو واللّغة أولً ‪ ،‬ثم كتب تعبير الرّؤيا ككتب ابن سيرين وابن شاهين‬
‫لفضليته‪ ،‬لكونه تفسيرا لما هو جزء من ستة وأربعين جزءا من النّبوة وهو الرّؤيا ‪ ،‬ثم‬
‫ن معظم أدلته من الكتاب والسّنّة ‪ ،‬فيكثر فيه اليات‬
‫كتب الكلم ‪ ،‬ثم كتب الفقه ; ل ّ‬
‫ص بالسمعيات منه فقط ‪ ،‬ثم كتب الخبار‬
‫والحاديث ‪ ،‬بخلف علم الكلم ‪ ،‬فإنّ ذلك خا ّ‬
‫والمواعظ ‪ ،‬ثم التفسير ‪ ،‬ثم المصحف فوق الجميع ‪.‬‬
‫النظر في كتب أهل الكتاب وما يشبهها ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنفية والحنابلة إلى أنّه ل يجوز النظر في كتب أهل الكتاب ‪ ،‬نقل ابن عابدين‬ ‫‪20‬‬

‫قول عبد الغنيّ النابلسيّ ‪ :‬نهينا عن النظر في شيء من التوراة والنجيل ‪ ،‬سواء نقلها‬
‫إلينا الكفار أو من أسلم منهم ‪.‬‬
‫وسئل أحمد عن قراءة التوراة والنجيل والزبور ونحو ذلك فغضب ‪ ،‬وظاهره النكار وذكره‬
‫ن النّبي صلى ال عليه وسلم « لما رأى في يد عمر قطعةً من التوراة‬
‫القاضي ‪ ،‬واحتج بأ ّ‬
‫غضب وقال ‪ :‬ألم آت بها بيضاء نقيةً » ‪.‬‬
‫وقد ذكر ابن حجر نص الحديث قال ‪ « :‬نسخ عمر كتابا من التوراة بالعربية فجاء به إلى‬
‫النبيّ صلى ال عليه وسلم فجعل يقرأ ووجه رسول ال صلى ال عليه وسلم يتغير ‪ ،‬فقال‬
‫له رجل من النصار ‪ :‬ويحك يا ابن الخطاب أل ترى وجه رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬ل تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنّهم لن يهدوكم‬
‫ق أو تصدّقوا بباطل ‪ ،‬وال لو كان موسى بين أظهركم‬
‫وقد ضلّوا ‪ ،‬وإنّكم إما أن تكذّبوا بح ّ‬
‫ما حل له إل أن يتبعني » ‪.‬‬
‫وقد أهدى رجل إلى السيّدة عائشة رضي ال تعالى عنها هديةً فقالت ‪ :‬ل حاجة لي في‬
‫ك ا ْلكِتَابَ‬
‫هديته بلغني أنّه يتتبع الكتب الول ‪ ،‬وال تعالى يقول ‪َ { :‬أوَ َلمْ َي ْك ِفهِمْ أَنّا أَنزَلْنَا عَلَيْ َ‬
‫يُتْلَى عَلَ ْي ِهمْ } ‪.‬‬
‫ونقل ابن حجر في فتح الباري عن الشيخ بدر الدّين الزركشيّ أنّه قال ‪ :‬اغتر بعض‬
‫المتأخّرين ‪ ،‬فرأى جواز مطالعة التوراة ; لنّ التحريف في المعنى فقط قال الزركشيّ ‪:‬‬
‫وهو قول باطل ‪ ،‬ول خلف أنّهم حرفوا وبدلوا ‪ ،‬والشتغال بنظرها وكتابتها ل يجوز‬
‫ي صلى ال عليه وسلم حين رأى مع عمر رضي ال عنه‬
‫بالجماع ‪ ،‬وقد « غضب النب ّ‬
‫صحيفةً فيها شيء من التوراة ‪ » ..‬إلى آخر الحديث ‪ ،‬ولول أنّه معصية ما غضب النبيّ‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫وبعد أن ذكر ابن حجر روايات متعدّدةً للحديث بطرق مختلفة قال ‪ :‬والذي يظهر أنّ كراهية‬
‫ذلك للتنزيه ل للتحريم ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬والولى في هذه المسألة التفرقة بين من لم يتمكن‬
‫ويصير من الراسخين في اليمان ‪ ،‬فل يجوز له النظر في شيء من ذلك بخلف الراسخ‬
‫فيجوز له ‪ ،‬ول سيما عند الحتياج إلى الردّ على المخالف ‪ ،‬ويد ّل على ذلك نقل الئمة‬
‫قديما وحديثا من التوراة ‪ ،‬وإلزامهم اليهود بالتصديق بمحمد صلى ال عليه وسلم بما‬
‫يستخرجونه من كتابهم‪ ،‬ولول اعتقادهم جواز النظر فيه لما فعلوه وتواردوا عليه ‪،‬‬
‫وغضب الرسول صلى ال عليه وسلم ل يدلّ على التحريم ‪ ،‬فإنّه صلى ال عليه وسلم قد‬
‫يغضب من فعل المكروه ‪ ،‬ومن فعل ما هو خلف الولى إذا صدر ممن ل يليق منه ذلك ‪،‬‬
‫كغضبه من تطويل معاذ صلة الصّبح بالقراءة ‪ ،‬وقد يغضب ممن يقع منه تقصير في فهم‬
‫المر الواضح مثل الذي سأل عن لقطة البل ‪.‬‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬ول يجوز النظر في كتب أهل البدع ‪ ،‬ول في الكتب المشتملة على الحقّ‬
‫والباطل ‪ ،‬ول روايتها لما في ذلك من ضرر إفساد العقائد ‪.‬‬
‫وقال القليوبيّ ‪ :‬تحرم قراءة كتب الرقائق والمغازي الموضوعة كفتوح الشام وقصص‬
‫النبياء وحكاياتهم المنسوبة للواقديّ ‪ ،‬وقال أيضا ‪ :‬ذكر المام الشعراويّ في المغني ما‬
‫نصه ‪ :‬ويحذّر من مطالعة مواضع من كتاب إحياء علوم الدّين للغزاليّ ‪ ،‬ومن كتاب قوت‬
‫ي ‪ ،‬ومن كلم‬
‫القلوب لبي طالب المكّيّ ‪ ،‬ومن تفسير مكّيّ ‪ ،‬ومن كلم ابن ميسرة الحنبل ّ‬
‫ي ‪ ،‬ومن مطالعة كتب أبي حيان ‪ ،‬أو كتب إخوان الصفا ‪ ،‬أو كلم‬
‫منذر بن سعيد البلّوط ّ‬
‫ي أو كلم‬
‫إبراهيم النّجام ‪ ،‬أو كتاب خلع النّعلين لبن قسيّ ‪ ،‬أو كتب محمد بن حزم الظاهر ّ‬
‫ي ‪ ،‬أو تائية محمد بن وفا ‪ ،‬أو نحو ذلك ‪.‬‬
‫المفيد بن رشيديّ ‪ ،‬أو كتب محيي الدّين بن عرب ّ‬
‫بيع الكتب ‪:‬‬
‫‪ -‬نص الشافعية على جواز بيع كتب الدب ‪.‬‬ ‫‪21‬‬

‫ونص الحنابلة غير أبي طالب على جواز بيع كتب العلم ‪.‬‬
‫وكره مالك بيع كتب الفقه ‪ ،‬قال ابن يونس من المالكية قد أجاز غير المام مالك بيع كتب‬
‫الفقه ‪ ،‬قال ابن عبد الحكم ‪ :‬بيعت كتب ابن وهب بثلثمائة دينار وأصحابنا متوافرون فلم‬
‫ينكروه ‪ ،‬وكان أبي وصيّه ‪.‬‬
‫وقال الشافعية ‪ :‬ل يصحّ بيع كتب الكفر والسّحر والتنجيم والشعبذة والفلسفة ‪ ،‬بل يجب‬
‫إتلفها لتحريم الشتغال به ‪.‬‬
‫وأجاز الحنفية والمالكية والشافعية بيع المصاحف وشراءها لما روي عن ابن عباس رضي‬
‫ال تعالى عنهما أنّه سئل عن بيع المصاحف فقال ‪ :‬ل بأس يأخذون أجور أيديهم ; ولنّه‬
‫طاهر منتفع به فهو كسائر الموال ‪ ،‬وقال ابن وهب ‪ :‬أخبرني رجال من أهل العلم عن‬
‫يحيى بن سعيد ومكحول وغير واحد من التابعين أنّهم لم يكونوا يرون ببيع المصاحف بأسا‬
‫‪ ،‬وسئل عبد ال ابن عباس رضي ال عنهما ومروان بن الحكم عن بيع المصاحف‬
‫والتّجارة فيها فقال ‪ :‬ل نرى أن يجعله متجرا ‪ ،‬ولكن ما عملت بذلك فل بأس ‪.‬‬
‫وقال أبو الخطاب من الحنابلة ‪ :‬يجوز بيع المصاحف مع الكراهة ‪.‬‬
‫وقال ابن قدامة ‪ :‬ورخص في بيع المصاحف الحسن والحكم وعكرمة ; لنّ البيع يقع على‬
‫الجلد والورق ‪ ،‬وبيع ذلك مباح ‪.‬‬
‫والمذهب عند الحنابلة أنّه يحرم بيع المصحف ولو في دين ‪ ،‬قال أحمد ‪ :‬ل نعلم في بيع‬
‫ن تعظيمه واجب ‪ ،‬وفي بيعه ابتذال له وترك لتعظيمه ‪.‬‬
‫المصحف رخصةً ; ل ّ‬
‫لكنّ الحنابلة أجازوا شراء المصحف ; لنّه استنقاذ له كشراء السير ‪ ،‬كما أجازوا شراء‬
‫كتب الزندقة لتلفها ; لنّ في الكتب مالية الورق وتعود ورقا منتفعا به بالمعالجة ‪.‬‬
‫‪ -‬ول يجوز بيع المصاحف وكتب العلوم الشرعية للكافر ‪.‬‬ ‫‪22‬‬

‫قال المالكية ‪ :‬مُنع بيع مصحف وجزئه وكتب حديث وفقه ‪ ،‬وعلم شرعيّ لكافر ‪ ،‬ويشمل‬
‫العلم الشرعي نحو النحو من آلت العلوم الشرعية لشتماله على اليات والحاديث وأسماء‬
‫ال تعالى ‪.‬‬
‫ي ‪ :‬يمنع بيع كتب العلم لهم مطلقا وظاهره ولو كان الكافر الذي يشتري ما‬
‫وقال الدّسوق ّ‬
‫ذكر يعظّمه ; لنّ مجرد تملّكه له إهانة ‪ ،‬ويمنع أيضا ‪ ،‬بيع التوراة والنجيل لهم ; لنّها‬
‫مبدلة ‪ ،‬ففيه إعانة لهم على ضللهم ‪.‬‬
‫ويجبر الكافر على إخراج ما بيع له من ذلك من ملكه ‪.‬‬
‫وقال الشافعية ‪ :‬ل يصحّ شراء الكافر المصحف ول يتملكه بسلم ول بهبة ول وصية ‪ ،‬ول‬
‫كتب حديث ول آثار سلف ول كتب فقه لما في ذلك من الهانة لها ‪ ،‬قال الذرعيّ ‪ :‬والمراد‬
‫بآثار السلف حكايات الصالحين لما في ذلك من الهانة والستهزاء بهم ‪ ،‬قال السّبكيّ ‪:‬‬
‫والحسن أن يقال ‪ :‬كتب علم وإن خلت عن الثار تعظيما للعلم الشرعيّ ‪ ،‬وتعليله يفيد‬
‫جواز تملّكه كتب علوم غير شرعية ‪.‬‬
‫وينبغي منعه من تملّك ما يتعلق منها بالشرع ككتب النحو واللّغة ‪ ،‬قال شيخنا ‪ :‬وفيما قاله‬
‫نظر ‪ ،‬أي بل الظاهر الجواز وهو كذلك ‪.‬‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬إن اشترى الكافر مصحفا فالبيع باطل ; لنّه يمنع من استدامة الملك عليه ‪،‬‬
‫فمنع منه ابتدا ًء كسائر ما يحرم بيعه ‪.‬‬
‫رهن الكتب ‪:‬‬
‫‪ -‬رهن كتب الحديث لغير المسلم فيها عند الشافعية قولن ‪ :‬أحدهما ‪ :‬يبطل الرهن ‪،‬‬ ‫‪23‬‬

‫ي الطبريّ في الفصاح ‪:‬‬


‫والقول الثاني ‪ :‬يصحّ ويجبر على تركه في يد مسلم ‪ ،‬وقال أبو عل ّ‬
‫يصحّ الرهن قولً واحدا ويجبر على تركه في يد مسلم ‪.‬‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬يصحّ رهن كتب الحديث والتفسير لكافر بشرط جعلها بيد مسلم عدل لمن‬
‫المفسدة ‪ ،‬فإن لم يشترط ذلك لم يصح ‪.‬‬
‫‪ -‬وقد اختلف الفقهاء في رهن المصحف ‪ ،‬فأجاز رهنه الحنفية والمالكية والشافعية ‪.‬‬ ‫‪24‬‬

‫وحكى ابن قدامة من الحنابلة روايتين في رهن المصحف ‪.‬‬


‫ن المقصود من الرهن استيفاء الدين من ثمنه ‪ ،‬ول‬
‫إحداهما ‪ :‬ل يصحّ رهنه ‪ ،‬وذلك ; ل ّ‬
‫يحصل ذلك إل ببيعه ‪ ،‬وبيعه غير جائز ‪.‬‬
‫والثانية ‪ :‬يصحّ رهنه وعللها بقوله ‪ :‬إذا رهن مصحفا ل يقرأ فيه إل بإذنه فظاهر هذا‬
‫صحة رهنه ‪.‬‬
‫رهن الكتب الموقوفة ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الواقف لو شرط أن ل يعار الكتاب الموقوف إل برهن‬ ‫‪25‬‬

‫فالشرط باطل ‪ ،‬ول يصحّ هذا الرهن ; لنّ الكتب غير مضمونة في يد الموقوف عليه ‪ ،‬ول‬
‫يقال لها عارية أيضا ‪ ،‬بل الخذ لها إن كان من أهل الوقف استحق النتفاع ويده عليها يد‬
‫أمانة فشرط أخذ الرهن عليها فاسد ‪ ،‬وإن أعطى يكون رهنا فاسدا ويكون في يد خازن‬
‫الكتب أمانةً ‪ ،‬هذا إن أريد الرهن الشرعيّ ‪ ،‬وإن أريد مدلوله لغةً ‪ ،‬وأن يكون تذكرةً فيصحّ‬
‫الشرط ; لنّه غرض صحيح ‪ ،‬وإذا لم يعلم مراد الواقف فالقرب الحمل على اللّغويّ‬
‫تصحيحا لكلمه ‪ ،‬وفي بعض الوقات يقول الواقف ‪ :‬ل تخرج إل بتذكرة فيصحّ ‪ ،‬ويكون‬
‫ن تجويز الواقف النتفاع مشروط بذلك ‪ ،‬ول نقول ‪ :‬إنّها تبقى رهنا ‪ ،‬بل له‬
‫المقصود أ ّ‬
‫أخذها فيطالبه الخازن بردّ الكتاب ‪ ،‬وعلى كلّ فل تثبت له أحكام الرهن ول بيعه ‪ ،‬ول بدل‬
‫الكتاب الموقوف بتلفه إن لم يفرّط ‪.‬‬
‫إعارة الكتب واستعارتها ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الفقهاء إلى جواز إعارة الكتب واستعارتها ‪.‬‬ ‫‪26‬‬
‫وذهب الشافعية والحنابلة إلى وجوب إعارة المصحف ‪ ،‬قال الشافعية ‪ :‬وذلك لمن دخل‬
‫عليه وقت الصلة ولم يجد من يعلّمه وهو يحسن القراءة ‪ ،‬وقال بعضهم ‪ :‬الوجوب مسلم‬
‫من جهة المستعير إذا وجد من يعيره ‪ ،‬وأما على المالك فل ‪.‬‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬تجب إعارة المصحف لمحتاج لقراءة فيه ولم يجد غيره ‪ ،‬وهذا إذا لم يكن‬
‫مالكه محتاجا إليه ‪.‬‬
‫وفي الداب الشرعية ‪ :‬إن طلب أحد المصحف ليقرأ فيه لم يجب بذله ‪ ،‬وقيل ‪ :‬يجب ‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬عند الحاجة إليه ‪.‬‬
‫وأفتى أبو عبد ال الزّبيديّ بوجوب إعارة كتب الحديث إذا كتب صاحبها اسم من سمعه‬
‫ن العارية ل تجب عينا ‪ ،‬بل هي أو النقل‬
‫ليكتب نسخة السماع ‪ ،‬وقال الزركشيّ ‪ :‬والقياس أ ّ‬
‫إذا كان الناقل ثقةً ‪.‬‬
‫وخرج أبو عقيل من الحنابلة وجوب إعارة الكتب للمحتاج إليها من القضاة والحكام وأهل‬
‫الفتوى ‪.‬‬
‫وقال ابن الجوزيّ ‪ :‬ينبغي لمن ملك كتابا أن ل يبخل بإعارته لمن هو أهل له ‪.‬‬
‫إصلح الخطأ في الكتاب المستعار ‪:‬‬
‫‪ -‬قال الحنفية ‪ :‬من استعار كتابا فوجد به خطًأ أصلحه إن علم رضا صاحبه ‪ ،‬وإن علم‬ ‫‪27‬‬

‫أنّ صاحب الكتاب يكره إصلحه ينبغي أن ل يصلحه ‪ ،‬وإل فإن أصلحه جاز ‪ ،‬ولو لم يفعله‬
‫ن إصلحه واجب بخطّ مناسب ‪.‬‬
‫ل إثم عليه إل في القرآن ; ل ّ‬
‫وقال الشافعية ‪ :‬لو استعار كتابا ليقرأ فيه فوجد فيه خطأً ل يصلحه ‪ ،‬إل أن يكون قرآنا‬
‫فيجب كما قاله العباديّ ‪ ،‬وتقييده بالصلح يعلم أنّ ذلك لو كان يؤدّي إلى نقص قيمته‬
‫لرداءة خطّ ونحوه امتنع ; لنّه إفساد لماليته ل إصلح ‪.‬‬
‫قال الجمل ‪ :‬وينبغي أن يدفعه لمن يصلحه حيث كان خطّه مناسبا للمصحف ‪ ،‬وغلب على‬
‫ظنّه إجابة المدفوع إليه ‪ ،‬ولم تلحقه مشقة في سؤاله ‪.‬‬
‫أما الكتاب الموقوف فيصلح جزما ‪ ،‬خصوصا ما كان خطأً محضا ل يحتمل التأويل ‪ ،‬وهذا‬
‫إذا تحقق ذلك دون ما ظنّه ‪ ،‬ومتى تردد في عين لفظ أو في الحكم ل يصلح شيئا وما اعتيد‬
‫من كتابة ( لعله كذا ) إنّما يجوز في ملك الكاتب ‪.‬‬
‫ول يكتب حواشي بهامش الكتاب وإن احتيج إليها ‪ ،‬لما فيها من تغيير الكتاب من أصله ‪،‬‬
‫ول نظر لزيادة القيمة بفعله ‪.‬‬
‫إجارة الكتب ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنفية والمالكية إلى عدم جواز إجارة الكتب ‪ ،‬سواء أكانت كتب فقه أم أدب‬ ‫‪28‬‬

‫أم شعر أم غناء ‪ ،‬قال ابن عابدين ‪ ; :‬لنّ القراءة إن كانت طاعةً كالقرآن ‪ ،‬أو كانت‬
‫معصيةً كالغناء ‪ ،‬فالجارة عليها ل تجوز ‪ ،‬وإن كانت مباح ًة كالدب والشّعر ‪ ،‬فهذا مباح له‬
‫قبل الجارة فل تجوز ‪ ،‬ولو انعقدت تنعقد على الحمل وتقليب الوراق ‪ ،‬والجارة عليه ل‬
‫تنعقد ولو نص عليه ; لنّه ل فائدة فيه للمستأجر ‪.‬‬
‫وعند الحنابلة يجوز إجارة الكتب ‪ ،‬قال البهوتيّ ‪ :‬يجوز استئجار كتاب حديث أو فقه أو‬
‫شعر مباح أو لغة أو صرف أو نحوه لنظر أو قراءة أو نقل أو به خطّ حسن يكتب عليه‬
‫ويتمثل منه ; لنّه ل تجوز إعارته لذلك فجازت إجارته ‪.‬‬
‫‪ -‬وأجاز المالكية وهو وجه عند الحنابلة إجارة المصحف ; لنّه انتفاع مباح تجوز‬ ‫‪29‬‬

‫العارة من أجله فجازت فيه الجارة كسائر الكتب ‪.‬‬


‫ول تجوز إجارته عند الحنفية وفي وجه عند الحنابلة ‪ ،‬قال الحنفية ‪ ; :‬لنّ القراءة فيه‬
‫طاعة والجارة على الطاعة ل تجوز ‪.‬‬
‫وقال ابن قدامة ‪ :‬علة ذلك إجلل كلم ال وكتابه عن المعاوضة به وابتذاله بالجر في‬
‫الجارة ‪.‬‬
‫بيع كتب المحجور عليه للفلس ‪:‬‬
‫ن المحجور عليه لفلس يباع ماله ولو كتبا ‪ ،‬ولو احتاج‬
‫‪ -‬ذهب الحنفية والمالكية إلى أ ّ‬ ‫‪30‬‬

‫لها ‪ ،‬ولو فقها ; لنّ شأن العلم أن يحفظ ‪.‬‬


‫ن الخلف هو في‬
‫ن الكتب ل تباع أصلً ‪ ،‬قال الدّسوقيّ ‪ :‬واعلم أ ّ‬
‫وفي قول عند المالكية ‪ :‬إ ّ‬
‫الكتب الشرعية كالفقه والتفسير والحديث وآلة ذلك ‪ ،‬أما غيرها فل خلف في وجوب‬
‫بيعها‪ .‬وما ذهب إليه الحنفية والمالكية هو ما يستفاد من كلم الحنابلة ‪ ،‬فقد جاء في‬
‫المغني عند الكلم على بيع متاع المفلس قال ‪ :‬ويستحبّ بيع كلّ شيء في سوقه ‪ :‬البزّ في‬
‫البزازين ‪ ،‬والكتب في سوقها ‪.‬‬
‫وذهب العباديّ وغيره من الشافعية إلى أنّه يترك للعالم كتبه ‪ ،‬فل تباع لسداد الدين ‪.‬‬
‫وقالوا ‪ :‬يشترى للمفلس ما يحتاج إليه ‪.‬‬
‫وقالوا أيضا ‪ :‬يباع المصحف مطلقا ; لنّه تسهل مراجعة حفظته ‪ ،‬ومنه يؤخذ أنّه لو كان‬
‫بمحلّ ل حافظ فيه ترك له ‪.‬‬
‫النظر في كتاب الغير ‪:‬‬
‫ي صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬من نظر في‬
‫‪ -‬الصل في النظر في كتاب الغير حديث النب ّ‬ ‫‪31‬‬

‫كتاب أخيه بغير إذنه فإنّما ينظر في النار » ‪.‬‬


‫قال ابن الثير في النّهاية ‪ :‬هذا محمول على الكتاب الذي فيه سرّ وأمانة يكره صاحبه أن‬
‫يطلع عليه ‪ ،‬قال ‪ :‬وقيل ‪ :‬هو عامّ في كلّ كتاب ‪.‬‬
‫وقال المروزيّ ‪ :‬قلت لبي عبد ال ‪ :‬رجل سقطت منه ورقة فيها أحاديث فوائد فأخذتها ‪،‬‬
‫ترى أن أنسخها وأسمعها ؟ قال ‪ :‬ل ‪ ،‬إل بإذن صاحبها ‪.‬‬
‫ص منه ما‬
‫وقال ابن حجر العسقلنيّ ‪ :‬الثر الوارد في النهي عن النظر في كتاب الغير يخ ّ‬
‫يتعين طريقًا إلى دفع مفسدة هي أكثر من مفسدة النظر ‪.‬‬
‫ومما يدخل في مسألة النظر في كتاب الغير ‪ :‬النظر في الكتاب المرهون ‪ ،‬هل يجوز‬
‫للمرتهن النظر فيه أم ل ؟ ‪.‬‬
‫نقل الطحطاويّ عن الولوالجية ‪ :‬أنّه لو رهن مصحفا وأمره بالقراءة فيه ‪ ،‬فإن قرأ فيه‬
‫صار عاريةً وبطل الرهن ‪ ،‬حتى لو هلك في تلك الحالة لم يهلك بالدين ‪ ،‬فإن فرغ منه صار‬
‫رهنا‪ ،‬ولو هلك يهلك بالدين ‪.‬‬
‫وفي المدونة ‪ :‬قلت ‪ :‬أرأيت المصحف أيجوز أن يرتهن في قول مالك ؟ قال ‪ :‬نعم ول يقرأ‬
‫ب المصحف أن‬
‫فيه ‪ ،‬قلت ‪ :‬فإن لم يكن في أصل الرهن شرط أن يقرأ فيه ‪ ،‬فتوسع له ر ّ‬
‫يقرأ فيه بعد ذلك ‪ ،‬قال مالك ‪ :‬ل يعجبني ذلك ‪.‬‬
‫وفي الداب الشرعية قال أحمد في رواية مهنا في رجل رهن مصحفا هل يقرأ فيه ؟ قال ‪:‬‬
‫أكره أن ينتفع من الرهن بشيء ‪ ،‬وقال في رواية عبد ال في الرجل يكون عنده مصحف‬
‫رهن ‪ :‬ل يقرأ إل بإذنه ‪ ،‬وقال في رواية إسحاق بن إبراهيم في الرجل رهن عنده‬
‫المصحف يستأذنه في القراءة فيه ‪ ،‬فإن أذن له قرأ فيه ‪.‬‬
‫إتلف الكتب ‪:‬‬
‫ن الكتب المحرمة يجوز إتلفها ‪ ،‬قال‬
‫‪ -‬ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أ ّ‬ ‫‪32‬‬

‫المالكية‪ :‬كتب العلم المحرم كالتوراة والنجيل يجوز إحراقها وإتلفها إذا كانا محرفين ‪.‬‬
‫وقال الشافعية يجب إتلف كتب الكفر والسّحر والتنجيم والشعبذة والفلسفة لتحريم الشتغال‬
‫بها ‪.‬‬
‫ن في الكتب مالية الورق ‪ ،‬وتعود‬
‫وصرح الحنابلة بأنّه يصحّ شراء كتب الزندقة لتلفها ; ل ّ‬
‫ورقا منتفعا به بالمعالجة ‪.‬‬
‫وقال الحنفية ‪ :‬الكتب التي ل ينتفع بها يمحى عنها اسم ال وملئكته ورسله ويحرق‬
‫الباقي‪ ،‬ول بأس بأن تلقى في ماء جار كما هي ‪ ،‬أو تدفن وهو أحسن كما في النبياء ‪،‬‬
‫وكذا جميع الكتب إذا بليت وخرجت عن النتفاع بها ‪ ،‬قال ابن عابدين ‪ :‬وفي الذخيرة ‪:‬‬
‫المصحف إذا صار خلقا وتعذرت القراءة منه ل يحرق بالنار ‪ ،‬وإليه أشار محمد وبه نأخذ ‪،‬‬
‫ول يكره دفنه‪ ،‬وينبغي أن يلف بخرقة طاهرة ويلحد له ; لنّه لو شق ودفن يحتاج إلى‬
‫إهالة التّراب عليه وفي ذلك نوع تحقير ‪ ،‬إل إذا جعل فوقه سقف ‪ ،‬وإن شاء غسله‬
‫بالماء ‪ ،‬أو وضعه في موضع طاهر ل تصل إليه يد محدث ول غبار ول قذر ‪ ،‬تعظيما لكلم‬
‫ال عز وجل ‪.‬‬
‫وقف الكتب ‪:‬‬
‫‪ -‬يجوز عند المالكية والشافعية والحنابلة وقف الكتب النافعة ; لنّها في حكم الخيل‬ ‫‪33‬‬

‫تحبس للغزو عليها ‪ ،‬والسّلح للقتال به ‪.‬‬


‫واختلف فقهاء الحنفية بناء على اختلفهم في وقف المنقول ‪.‬‬
‫قال الكاسانيّ ‪ :‬ل يجوز وقف الكتب على أصل أبي حنيفة ; " لنّه ل يجيز وقف المنقول "‬
‫وأما على قولهما ‪ -‬أي أبي يوسف ومحمد ‪ -‬فقد اختلف المشايخ فيه ‪ ،‬وحكي عن نصر‬
‫بن يحيى أنّه وقف كتبه على الفقهاء من أصحاب أبي حنيفة ‪.‬‬
‫وفي الهداية وشروحها ‪ :‬كان محمد بن سلمة ل يجيزه ‪ ،‬ونصر بن يحيى يجيزه ‪ ،‬ووقف‬
‫ن كل واحد يمسك للدّين تعليما وتعلّما‬
‫كتبه إلحاقا لها بالمصاحف ‪ ،‬وهذا صحيح ; ل ّ‬
‫وقراءةً‪ ،‬والفقيه أبو جعفر يجيزه وبه نأخذ ‪ ،‬وفي العناية عن فتاوى قاضي خان ‪ :‬اختلف‬
‫المشايخ في وقف الكتب ‪ ،‬وجوزه الفقيه أبو الليث وعليه الفتوى ‪.‬‬
‫ح الوقف على كتب التوراة والنجيل ; لنّها‬
‫ونص الحنابلة والشافعية على أنّه ل يص ّ‬
‫ي صلى ال عليه وسلم حين رأى مع‬
‫معصية لكونها منسوخةً مبدلةً ‪ ،‬ولذلك غضب النب ّ‬
‫عمر صحيفةً فيها شيء من التوراة وقال ‪ « :‬ألم آت بها بيضاء نقيةً ؟ » ‪.‬‬
‫قال الحنابلة ‪ :‬ويلحق في ذلك كتب الخوارج والقدرية ونحوهما ‪.‬‬
‫سرقة الكتب ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب المالكية والشافعية والحنابلة وأبو يوسف من الحنفية إلى إقامة الحدّ على من‬ ‫‪34‬‬

‫سرق كتبا نافعةً ‪ ،‬كالتفسير والحديث والفقه وغيرها من العلوم النافعة إذا بلغت قيمة‬
‫المسروق نصابا ‪.‬‬
‫ي الخطيب من الشافعية ‪ :‬أنّه لو سرق شخص المصحف الموقوف على‬
‫وأضاف الشّربين ّ‬
‫القراءة لم يقطع إذا كان قارئًا ; لنّ له فيه حقّا ‪ ،‬وكذا إن كان غير قارئ ; لنّه ربما تعلم‬
‫منه ‪ ،‬قال الزركشيّ ‪ :‬أو يدفعه إلى من يقرأ فيه لستماع الحاضرين ‪.‬‬
‫وذهب الحنفية والحنابلة إلى أنّه ل يقام الحدّ على من يسرق المصحف ‪ ،‬وقال الحنفية ول‬
‫ن آخذها يتأول‬
‫على من يسرق كتب التفسير والحديث والفقه وغيرها من العلوم النافعة ; ل ّ‬
‫في أخذه القراءة والتعلّم ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪31‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪28‬‬ ‫وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ( سرقة ف ‪/‬‬

‫كِتابة *‬
‫انظر ‪ :‬توثيق ‪ ،‬مكاتبة ‪.‬‬

‫كِتابِيّ *‬
‫انظر ‪ :‬أهل الكتاب ‪.‬‬

‫كِتا ِبيّة *‬
‫انظر ‪ :‬أهل الكتاب ‪.‬‬

‫َكتِف *‬
‫التعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬الكَتِف والكِتْف في اللّغة ‪ :‬عظم عريض خلف المنكب ‪ ،‬ويؤنّث وهي تكون للنسان ‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫وغيره ‪ ،‬وفي الحديث ‪ « :‬ائتوني بالكتف والدواة أكتب لكم كتابا » ‪ ،‬كانوا يكتبون فيها لقلة‬
‫القراطيس عندهم ‪.‬‬
‫ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن المعنى اللّغويّ ‪.‬‬
‫ما يتعلق بالكتف من أحكام ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يجري القصاص في قطع اليد من مفصل الكتف بشرط أن‬ ‫‪2‬‬

‫يؤمن من حدوث جائفة في الجسم ‪ ،‬فإن خيف جائفة فللمجنيّ عليه أن يقتص من مرفقه ‪،‬‬
‫وهو ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة ; لنّه أخذ ما أمكن من حقّه ‪ ،‬وله أن يأخذ العوض ‪.‬‬
‫ول يجب في كسرها قصاص كسائر العظام ‪ ،‬وليس فيها أرش مقدر ‪ ،‬وإنّما تجب في‬
‫)‪.‬‬ ‫‪31‬‬ ‫‪ ،‬وجناية على ما دون النفس ف ‪/‬‬ ‫‪7‬‬ ‫كسرها حكومة ‪ ( ،‬ر ‪ :‬حكومة عدل ف ‪/‬‬
‫وقد ذكر الفقهاء أحكاما أخرى تتعلق بالكتف منها ‪ :‬السدل في الصلة ‪ ،‬وهو عند الحنابلة‬
‫أن يطرح المصلّي ثوبا على كتفه ول يردّ أحد طرفيه على الكتف الخرى ‪ ،‬وهو مكروه‬
‫عندهم ‪.‬‬
‫ونص الحنابلة على وجوب أن يضع المصلّي على أحد كتفيه شيئا من اللّباس إن كان قادرا‬
‫على ذلك ويشترط ذلك لصحة الصلة في ظاهر المذهب ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪85‬‬ ‫( ر ‪ :‬صلة ف ‪/‬‬
‫ومنها الضطباع في الطواف وهو أن يدخل المحرم رداءه الذي يلبسه تحت منكبه اليمن‬
‫فيلقيه على عاتقه اليسر وتبقى كتفه اليمنى مكشوف ًة ‪ ،‬وهو مستحبّ عند جمهور الفقهاء‬
‫)‪.‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫في طواف القدوم ( ر ‪ :‬اضطباع ف‬

‫ِكتْمان *‬
‫انظر ‪ :‬إفشاء السّرّ ‪.‬‬

‫كُحْل *‬
‫انظر ‪ :‬اكتحال ‪.‬‬

‫كَدِك *‬
‫التعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬لم يرد ذكر كلمة الكدك أو الجدك في كتب اللّغة المشهورة ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫وعند الفقهاء يطلق الكدك على ما يثبت في الحانوت على وجه القرار مما ل ينقل ول‬
‫يحول‪ ،‬كالبناء والرّفوف المركبة والغلق ونحو ذلك ‪ ،‬وهذا ما يسمّيه الفقهاء سكنى ‪.‬‬
‫ل ل على وجه القرار ‪ ،‬كالخشب الذي يركب‬
‫كما يطلق على ما يوضع في الحانوت متص ً‬
‫ن التّصال وجد لكن ل على وجه القرار ‪.‬‬
‫بالحانوت لوضع عدة الحلق مثلً ‪ ،‬فإ ّ‬
‫ل ‪ ،‬كالبكارج والفناجين بالنّسبة للقهوة ‪ ،‬والفوط‬
‫ويطلق أيضا على العين غير المتصلة أص ً‬
‫بالنّسبة للحمام ‪.‬‬
‫ويطلق على مجرد المنفعة المقابلة للدراهم ‪ ،‬وهذا ما يعبّر عنه الفقهاء بالخلوّ ‪.‬‬
‫وللتفصيل في أحكام الكدك بهذا المعنى ينظر ( خلوّ ) ‪.‬‬
‫قال محمد قدري باشا ‪ :‬يطلق الكدك على العيان المملوكة للمستأجر المتصلة بالحانوت‬
‫على وجه القرار ‪ ،‬كالبناء ‪ ،‬أو ل على وجه القرار ‪ ،‬كآلت الصّناعة المركبة به ‪ ،‬ويطلق‬
‫أيضا على الكردار في الراضي ‪ ،‬كالبناء والغراس فيها ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الكردار ‪:‬‬
‫‪ -‬الكردار هو أن يحدث المزارع والمستأجر في الرض بناء أو غرأسا أو كبسا بالتّراب‬ ‫‪2‬‬

‫بإذن الواقف أو بإذن الناظر ‪.‬‬


‫قال ابن عابدين ‪ :‬ومن الكردار ما يسمى الن كدكا في حوانيت الوقف ونحوها ‪ ،‬من رفوف‬
‫مركبة في الحانوت ‪ ،‬وأغلق على وجه القرار ‪ ،‬ومنه ما يسمى قيمةً في البساتين وفي‬
‫الحمامات ‪ ،‬فالكردار أعمّ من الكدك ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬المرصد ‪:‬‬
‫ل ويأذن له المتولّي‬
‫‪ -‬المرصد هو أن يستأجر رجل عقار الوقف من دار أو حانوت مث ً‬ ‫‪3‬‬

‫بعمارته أو مرمته بها ‪ ،‬فيعمّره المستأجر من ماله على قصد الرّجوع بذلك في مال الوقف‬
‫عند حصوله ‪ ،‬أو اقتطاعه من الجرة ‪.‬‬
‫والمرصد بهذه الصّفة دين مستق ّر على جهة الوقف للمستأجر الذي عمر من ماله عمارةً‬
‫ضروري ًة في مستغلّ من مستغلت الوقف للوقف ‪.‬‬
‫والفرق بين الكدك وبين المرصد ‪ ،‬أنّ صاحب المرصد ليس له إل دين معلوم على الوقف ‪،‬‬
‫فل يجوز له أن يبيعه ول يبيع البناء الذي بناه للوقف ‪ ،‬وإنّما له مطالبة المتولّي بالدين‬
‫الذي له إن لم يرد استقطاعه من أصل أجر المثل ‪ ،‬وأما الكدك ‪ ،‬فهو أموال متقومة مملوكة‬
‫للمستأجر تباع وتورث ‪ ،‬ولصحابها حقّ القرار ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬المسكة ‪:‬‬
‫‪ -‬المسكة هي عبارة عن استحقاق الحراثة في أرض الغير ‪ ،‬مأخوذة من المسكة لغةً ‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫وهي ما يتمسك به ‪ ،‬فكان المتسلّم للرض المأذون له من صاحبها في الحرث صار له‬
‫مسكة يتمسك بها في الحرث فيها ‪ ،‬وحكمها أنّها ل تقوم ‪ ،‬فل تملك ول تباع ول تورث ‪،‬‬
‫وقد جرى في عرف الفلحين إطلق الفلحة على المسكة ‪ ،‬فيقول أحدهم ‪ :‬فرغت عن‬
‫فلحتي أو مسكتي أو مشدّي ‪ ،‬ويريد معنىً واحدا وهي استحقاق الحرث ‪.‬‬
‫والمسكة بهذا المعنى تكون في الراضي الجرداء ‪ ،‬وقد تكون في البساتين وتسمى بالقيمة‬
‫ق الستمساك بالرض ‪،‬‬
‫ن صاحب المسكة يثبت له ح ّ‬
‫‪ .‬والصّلة بين الكدك وبين المسكة ‪ ،‬أ ّ‬
‫كما أنّ صاحب الكدك يثبت له حقّ القرار في الحانوت ‪ ،‬فالمسكة خاصة بالراضي أما الكدك‬
‫ص بالحوانيت ‪.‬‬
‫فخا ّ‬
‫د ‪ -‬الخلوّ ‪:‬‬
‫‪ -‬يطلق الخلوّ على معان منها ‪:‬‬ ‫‪5‬‬

‫أنّه اسم للمنفعة التي جعل في مقابلتها الدراهم ‪ ،‬ويطلق كذلك على حقّ مستأجر الرض‬
‫الميرية في التمسّك بها إن كان له فيها أثر من غراس أو بناء أو كبس بالتّراب ‪ ،‬على أن‬
‫يؤدّي ما عليها من الحقوق لبيت المال ‪ ،‬كما يطلق على البناء والغرس ونحوهما الذي‬
‫)‪.‬‬ ‫‪1‬‬ ‫يقيّمه من بيده عقار وقف أو أرض أميرية ( ر ‪ :‬خلوّ ف ‪/‬‬
‫ن صاحب الخلوّ يملك جزءا من منفعة الوقف‬
‫والصّلة بين الخلوّ بالمعنى الول والكدك ‪ ،‬أ ّ‬
‫ول يملك العيان ‪ ،‬أما الكدك فهو أعيان مملوكة لمستأجر الحانوت ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪1‬‬ ‫( ر ‪ :‬خلوّ ف ‪/‬‬
‫ن الخلو مرادف للكدك ‪.‬‬
‫وأما الصّلة بالمعنيين الثاني والثالث ‪ ،‬فهي أ ّ‬
‫الحكام المتعلّقة بالكدك ‪:‬‬
‫ثبوت حقّ القرار لصاحب الكدك ‪:‬‬
‫أولً ‪ :‬وضع الكدك في المباني الوقفية المؤجرة ‪:‬‬
‫ق القرار بسبب ما ينشئه في مبنى الوقف من بناء أو نحوه‬
‫‪ -‬يثبت لصاحب الكدك ح ّ‬ ‫‪6‬‬

‫متصل اتّصال قرار ‪.‬‬


‫قال ابن عابدين في تنقيح الفتاوى الحامدية ‪ :‬يثبت له " أي لصاحب الكدك " حقّ القرار ما‬
‫دام يدفع أجرة مثل الحانوت خاليةً عن جدكه وقال في موضع آخر ‪ :‬إذا كان هذا الجدك‬
‫المسمى بالسّكنى قائما في أرض وقف ‪ ،‬فهو من قبيل مسألة البناء أو الغرس في الرض‬
‫المحتكرة ‪ ،‬لصاحبه الستبقاء بأجرة مثل الرض حيث ل ضرر على الوقف وإن أبى الناظر‬
‫‪ ،‬نظرا للجانبين ‪.‬‬
‫) من مرشد الحيران ‪ :‬الكدك المتصل بالرض بناء أو غرأسا أو‬ ‫‪707‬‬ ‫وجاء في المادة (‬
‫تركيبا على وجه القرار هو أموال متقومة تباع وتورث ‪ ،‬ولصحابها حقّ القرار ‪ ،‬ولهم‬
‫استبقاؤها بأجر المثل ‪.‬‬
‫هذا هو مذهب الحنفية ‪ ،‬وبه يقول المالكية ‪ ،‬فقد قال الشيخ عليش ‪ :‬الخلوّ من المنفعة ‪،‬‬
‫فلذلك يورث ‪ ،‬وليس للناظر أن يخرجها عنه وإن كانت الجارة مشاهرةً ‪ ،‬ول الجارة‬
‫لغيره‪ .‬كما قال الشيخ عليش ‪ :‬الخلوّ ربما يقاس عليه الجدك المتعارف في حوانيت مصر‬
‫‪ ...‬نعم بعض الجدكات بناء أو إصلح أخشاب في الحانوت مثلً بإذن ‪ ،‬وهذا قياسه على‬
‫الخلوّ ظاهر‪ ،‬خصوصا وقد استندوا في تأبيد الحكر للعرف ‪ ،‬والعرف حاصل في الجدك ‪.‬‬
‫ي ‪ :‬إذا استأجر إنسان دارا موقوف ًة مدةً معينةً ‪ ،‬وأذن له الناظر بالبناء فيها‬
‫وقال الدّسوق ّ‬
‫ليكون له خلوّا ‪ ،‬وجعل عليها حكرا كل سنة لجهة الوقف ‪ ،‬فليس للناظر أن يؤاجرها لغير‬
‫مستأجرها مدةً تلي مدة إيجار الول ‪ ،‬لجريان العرف بأن ل يستأجرها إل الول ‪ ،‬والعرف‬
‫كالشرط ‪ ،‬فكانه اشترط عليه ذلك في صلب العقد ‪ ،‬ومحلّه إذا دفع الول من الجرة ما‬
‫يدفعه غيره ‪ ،‬وإل جاز إيجارها للغير ‪.‬‬
‫ومستند هؤلء الفقهاء في إثبات حقّ القرار لصاحب الكدك هو المصلحة ‪ ،‬قال ابن عابدين‬
‫ومثل ذلك أصحاب الكردار في البساتين ونحوها ‪ ،‬وكذا أصحاب الكدك في الحوانيت‬
‫ونحوها‪ ،‬فإنّ إبقاءها في أيديهم سبب لعمارتها ودوام استغللها ‪ ،‬ففي ذلك نفع للوقاف‬
‫وبيت المال ‪ ،‬ولكن كلّ ذلك بعد كونهم يؤدون أجرة مثلها بل نقصان فاحش ‪.‬‬
‫وقال البنانيّ ‪ :‬وقعت الفتوى من شيوخ فاس من المتأخّرين ‪ ،‬كالشيخ القصار ‪ ،‬وابن‬
‫ي ‪ ،‬وسيّدي عبد القادر الفاسيّ ‪ ،‬وأضرابهم ‪ ،‬ويعبّرون عن الخلوّ‬
‫عاشر‪ ،‬وأبي زيد الفاس ّ‬
‫المذكور بالجلسة جرى بها العرف ‪ ،‬لما رأوه من المصلحة فيها ‪ ،‬فهي عندهم كراء على‬
‫التبقية ‪.‬‬
‫‪ -7‬ويشترط لثبوت حقّ القرار لصاحب الكدك عند هؤلء الفقهاء ما يلي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬إذن الناظر للمستأجر في وضع كدكه أو كرداره ‪ ،‬فإن وضعه دون إذن فل عبرة به ‪،‬‬
‫ول يجب تجديد الجارة له ‪.‬‬
‫قال الخير الرمليّ ‪ :‬صرح علماؤنا بأنّ لصاحب الكردار حق القرار ‪ ،‬وهو أن يحدث‬
‫المزارع والمستأجر في الرض بناء ‪ ،‬أو غرأسا ‪ ،‬أو كبسا بالتّراب ‪ ،‬بإذن الواقف ‪ ،‬أو‬
‫بإذن الناظر‪ ،‬فتبقى في يده ‪.‬‬
‫ل عن مؤيد زاده ‪ :‬حانوت وقف بنى فيه ساكنه بل إذن متولّيه ‪ ،‬إن لم‬
‫قال الحصكفيّ نق ً‬
‫يضر رفعه رفعه ‪ ،‬وإن ضر فهو المضيّع ماله ‪ ،‬فليتربص إلى أن يتخلص ماله من البناء‬
‫ثم يأخذه ‪ ،‬ول يكون بناؤه مانعًا من صحة الجارة لغيره ‪ ،‬إذ ل يد له على ذلك البناء ‪،‬‬
‫حيث ل يملك رفعه ‪.‬‬
‫ح إيجار الوقف بأقل من أجرة‬
‫ب ‪ -‬دفع أجرة المثل منعًا للضرر عن الوقف ‪ ،‬إذ ل يص ّ‬
‫المثل إل عن ضرورة ‪.‬‬
‫قال ابن عابدين ‪ :‬يثبت له بذلك " الكدك " حقّ القرار ما دام يدفع أجرة مثل الحانوت خاليةً‬
‫عن كدكه ‪.‬‬
‫وقال في موضع آخر عند الكلم عن الفرق بين التصرّف في المملوك والتصرّف في‬
‫الموقوف ‪ :‬أما الموقوف المعدّ لليجار ‪ ،‬فإنّه ليس للناظر إل أن يؤجّره ‪ ،‬فإيجاره من ذي‬
‫اليد بأجرة مثله أولى من إيجاره من أجنبيّ ; لما فيه من النظر للوقف ولذي اليد ‪ ،‬والمراد‬
‫بأجرة المثل أن ينظر بكم يستأجر إذا كان خاليا عن ذلك الجدك بل زيادة ضرر ول زيادة‬
‫ص ‪ ،‬بل العبرة بالجرة التي يرضاها الكثر ‪.‬‬
‫رغبة من شخص خا ّ‬
‫فلو زاد أجر المثل بعد العقد زياد ًة فاحشةً ‪ ،‬فالصحّ عند الحنفية أنّه يجب تجديد العقد‬
‫بالجرة الزائدة ‪ ،‬وقبول المستأجر الزّيادة يكفي عن تجديد العقد ‪ ،‬والمراد زيادة أجر مثل‬
‫الوقف في نفسه عند الكلّ بل زيادة أحد ‪ ،‬وليس المراد زيادة تعنّت أي إضرار من واحد أو‬
‫اثنين ‪ ،‬فإنّها غير مقبولة ‪ ،‬ول الزّيادة بعمارة المستأجر بماله لنفسه ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬عدم الضرر ‪ ،‬قال ابن عابدين نقلً عن القنية ‪ :‬استأجر أرضا وقفًا وغرس فيها وبنى‬
‫ثم مضت مدة الجارة ‪ ،‬فللمستأجر أن يستبقيها بأجر المثل إذا لم يكن في ذلك ضرر ‪.‬‬
‫وقال ابن عابدين نقلً عن الخير الرمليّ ‪ :‬لو حصل ضرر ما ‪ ،‬بأن كان هو أو وارثه مفلسا‬
‫أو سيّئ المعاملة أو متغلّبا يخشى على الوقف منه أو غير ذلك من أنواع الضرر ‪ ،‬ل يجبر‬
‫الموقوف عليهم ‪ .‬ا ‪ .‬هـ ‪ .‬وأضاف ‪ :‬ويؤيّده ما في السعاف وغيره ‪ ،‬من أنّه لو تبين أنّ‬
‫المستأجر يخاف منه على رقبة الوقف يفسخ القاضي الجارة ويخرجه من يده ‪.‬‬
‫وقال العلمة قنالي زاده ‪ :‬يجب على كلّ قاض عادل عالم ‪ ،‬وعلى كلّ قيّم أمين غير ظالم ‪،‬‬
‫أن ينظر في الوقاف ‪ ،‬فإن كان بحيث لو رفع البناء والغرس تستأجر بأكثر ‪ ،‬أن يفسخ‬
‫الجارة ‪ ،‬ويرفع بناءه وغرسه ‪ ،‬أو يقبلها بهذه الجرة ‪ ،‬وقلما يضرّ الرفع بالرض ‪.‬‬
‫وفي أوقاف الخصاف ‪ :‬حانوت أصله وقف ‪ ،‬وعمارته لرجل ‪ ،‬وهو ل يرضى أن يستأجر‬
‫أرضه بأجر المثل ‪ ،‬قالوا ‪ :‬إن كانت العمارة بحيث لو رفعت يستأجر الصل بأكثر مما‬
‫يستأجر صاحب البناء كلّف رفعه ‪ ،‬ويؤجر من غيره ‪ ،‬وإل يترك في يده بذلك الجر ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬وضع الكدك في الملك الخاصة ‪:‬‬
‫‪ -‬يرى الحنفية أنّه إذا كان الكدك المسمى بالسّكنى قائما في أرض وقف ‪ ،‬فلصاحبه‬ ‫‪8‬‬

‫استبقاؤه بأجر المثل ‪ ،‬أما إذا كان الكدك في الحانوت الملك ‪ ،‬فلصاحب الحانوت أن يكلّف‬
‫المستأجر برفع الكدك لنّ الجارة تنتهي بمضيّ المدة ‪ ،‬ول يبقى لها أثر إجماعا ‪.‬‬
‫والفرق ‪ -‬كما قال ابن عابدين ‪ -‬أنّ الملك قد يمتنع صاحبه عن إيجاره ويريد أن يسكنه‬
‫بنفسه ‪ ،‬أو يبيعه أو يعطّله ‪ ،‬بخلف الموقوف المعدّ لليجار ‪ ،‬فإنّه ليس للناظر إل أن‬
‫يؤجّره ‪ ،‬فإيجاره من ذي اليد بأجرة مثله أولى من إيجاره من أجنبيّ ‪ ،‬لما فيه من النظر‬
‫للوقف ولذي اليد ‪.‬‬
‫قال خير الدّين الرمليّ ‪ :‬إذا استأجر أرضا ملكا ليس للمستأجر أن يستبقيها كذلك إن أبى‬
‫المالك إل القلع ‪ ،‬بل يكلّفه على ذلك ‪ ،‬إل إذا كانت قيمة الغراس أكثر من قيمة الرض‬
‫فإذن ل يكلّفه عليه بل يضمن المستأجر قيمة الرض للمالك ‪ ،‬فتكون الغراس والرض‬
‫للغارس ‪ ،‬وفي العكس يضمن المالك للغارس قيمة الغراس فتكون الرض والشجار له ‪،‬‬
‫وكذا الحكم في العارية ‪.‬‬
‫ن هذا إذا كان المستأجر بنى أو غرس بإذن‬
‫قال التاسيّ بعد نقل هذا القول ‪ :‬الظاهر أ ّ‬
‫المالك; لنّه يكون غير متعدّ بالبناء والغرس ‪ ...‬وأما إذا كان البناء أو الغرس بدون إذن‬
‫مالك الرض ‪ ،‬فليس إل القلع أو تخيير المالك بين تكليفه به أو تملّكه بقيمته مستحق‬
‫القلع‪ ،‬إن كان القلع يضرّ بالرض ; لنّه متعدّ بالبناء والغرس ‪.‬‬
‫أما وضع الكدك المتصل اتّصال قرار قصدا بتعاقد بين المستأجر وصاحب الحانوت ‪ ،‬فإنّه‬
‫يثبت حق القرار للمستأجر عند بعض متأخّري الحنفية ‪ ،‬فل يملك صاحب الحانوت إخراج‬
‫المستأجر منه ول إجارته لغيره ‪.‬‬
‫وكذلك الحكم عند المالكية فقد قال عليش ‪ :‬إنّ الخلو ربما يقاس عليه الجدك المتعارف في‬
‫حوانيت مصر ‪ ،‬فإن قال قائل ‪ :‬الخلوّ إنّما هو في الوقف لمصلحة وهذا يكون في الملك ‪،‬‬
‫قيل له ‪ :‬إذا صح في وقف فالملك أولى لنّ المالك يفعل في ملكه ما يشاء ‪ ،‬نعم بعض‬
‫الجدكات بناء أو إصلح أخشاب في الحانوت مثلً بإذن وهذا قياسه على الخلوّ ظاهر ‪،‬‬
‫خصوصا وقد استندوا في تأبيد الحكر للعرف ‪ ،‬والعرف حاصل في الجدك ‪ ،‬وبعض الجدكات‬
‫أمور مستقلة في المكان غير مستمرة فيه ‪ ،‬كما يقع في الحمامات وحوانيت القهوة‬
‫ن للمالك إخراجها ‪.‬‬
‫بمصر ‪ ،‬فهذه بعيدة الخلوات ‪ ،‬فالظاهر أ ّ‬
‫ولم يستدل على نص للشافعية والحنابلة بخصوص إقامة المستأجر الجدك في الحانوت‬
‫ن البناء والغراس ملك‬
‫الملك‪ ،‬ويفهم مما ذكروه في استئجار الرض للبناء أو الغراس ‪ ،‬أ ّ‬
‫للمستأجر ‪ ،‬والرض ملك لصاحبها ‪.‬‬
‫قال ابن رجب ‪ :‬غراس المستأجر وبناؤه بعد انقضاء المدة إذا لم يقلعه المالك فللمؤجّر‬
‫تملّكه بالقيمة لنّه ل يملك قلعه بدون ضمان نقصه ‪ ،‬وفيه ضرر عليه ‪.‬‬
‫وقال النّوويّ ‪ :‬استأجر للبناء أو الغراس ‪ ،‬فإن شرط القلع صح العقد ولزم المستأجر القلع‬
‫بعد المدة ‪ ،‬وليس على المالك أرش النّقصان ‪ ،‬ول على المستأجر تسوية الرض ‪ ،‬ول‬
‫أرش نقصها ‪ ،‬لتراضيهما بالقلع ‪ ،‬ولو شرطا البقاء بعد المدة ‪ ،‬فوجهان ‪ :‬أحدهما ‪ :‬العقد‬
‫ح ; لنّ الطلق‬
‫فاسد لجهالة المدة ‪ ،‬وهذا أصحّ عند المام والبغويّ ‪ ،‬والثاني ‪ :‬يص ّ‬
‫يقتضي البقاء ‪ ،‬فل يضرّ شرطه ‪ ،‬وبهذا قطع العراقيّون أو جمهورهم ‪ ،‬ويتأيد به كلم‬
‫السرخسيّ في مسألة الزرع ‪ ،‬فإن قلنا بالفساد ‪ ،‬لزم المستأجر أجرة المثل للمدة ‪ ...‬أما إذا‬
‫أطلقا ‪ ،‬فالمذهب صحة العقد ‪ ،‬وقيل ‪ :‬وجهان ‪ ،‬وليس بشيء ‪ ،‬ثم ينظر بعد المدة ‪ ،‬فإن‬
‫أمكن القلع والرفع بل نقص فعل ‪ ،‬وإل ‪ ،‬فإن اختار المستأجر القلع فله ذلك ; لنّه ملكه ‪...‬‬
‫وإن لم يختر القلع ‪ ،‬فهل للمؤجّر أن يقلعه مجانا ؟ فيه طريقان ‪ :‬أحدهما القطع بالمنع ‪،‬‬
‫والثاني على وجهين أصحّهما هذا ; لنّه بناء محترم ‪ ،‬والثاني ‪ :‬نعم ‪ ، ...‬وإذا انتهى المر‬
‫إلى القلع ‪ ،‬فمباشرة القلع ‪ ،‬أو بدل مئونته هل هي على المؤجّر لنّه الذي اختاره ‪ ،‬أم على‬
‫المستأجر لنّه شغل الرض فليفرغها ؟ وجهان ‪ :‬أصحّهما الثاني ‪.‬‬
‫وقف الكدك ‪:‬‬
‫‪ -‬صرح الحنفية بعدم جواز وقف الكدك ‪ ،‬قال ابن عابدين ‪ :‬ما يسمى الن كدكًا في‬ ‫‪9‬‬

‫حوانيت الوقف ونحوها ‪ ،‬من رفوف مركبة في الحانوت ‪ ،‬وأغلق على وجه القرار ‪،‬‬
‫ح وقفه ‪ ،‬لعدم العرف الشائع ‪ ،‬بخلف وقف البناء والشجر ‪ ،‬فإنّه مما‬
‫فالظاهر أنّه ل يص ّ‬
‫شاع وذاع في عامة البقاع ‪.‬‬
‫ويؤخذ من عبارات المالكية صحة وقف الكدك الذي يقيمه المستأجر في الحانوت ‪.‬‬
‫ي من‬
‫ن الذي عليه العمل ما أفتى به شهاب الدّين أحمد السنهور ّ‬
‫قال الغرقاويّ المالكيّ ‪ :‬إ ّ‬
‫صحة وقف الخلوّ وجرى به العمل كثيرا في الدّيار المصرية ‪.‬‬
‫ن الخلو ربما يقاس عليه الجدك المتعارف في حوانيت مصر ‪.‬‬
‫وصرح عليش بأ ّ‬
‫ولم نجد نصا للشافعية والحنابلة بخصوص وقف الكدك ‪ ،‬إل أنّهم يجيزون وقف الغراس‬
‫والبناء ‪ ،‬وهذا ليس محل خلف بين الفقهاء ‪.‬‬
‫بيع الكدك ‪:‬‬
‫‪ -‬إذا ثبت للمستأجر حقّ القرار في حانوت الوقف ‪ ،‬فالكدك الذي يضعه فيه يكون ملكا‬ ‫‪10‬‬

‫له على وجه القرار ‪ ،‬ويكون لهذا المستأجر بيع ما وضعه ‪ ،‬وينتقل حقّ القرار للمشتري‬
‫فقد قال المهديّ العباسيّ ‪ :‬فإن أحدث شيئا من ذلك بعد إذن الناظر على هذا الوجه ‪ ،‬فحينئذ‬
‫ل حاجة إلى تكلّف السقاط في أثناء مدة إجارته أو بعدها ‪ ،‬ول إلى استئجار الجنبيّ من‬
‫الناظر ‪ ،‬بل يكون للمستأجر المذكور بيع ما أحدثه من الجنبيّ ‪ ،‬فينتقل حقّ القرار‬
‫للمشتري‪ ،‬ويكون على المشتري المذكور أجر مثل الرض خاليةً عما أحدث فيها ‪.‬‬
‫وجاء في مرشد الحيران ‪ :‬الكدك المتصل بالرض بناء وغرأسا أو تركيبا على وجه القرار‬
‫هو أموال متقومة ‪ ،‬تباع وتورث ‪ ،‬ولصحابها حقّ القرار ‪ ،‬ولهم استبقاؤها بأجر المثل ‪.‬‬
‫ن المالكية يقيسون الجدك المتصل اتّصال قرار على‬
‫هذا عند الحنفية والمالكية أيضا إذ إ ّ‬
‫الخلوّ ‪ ،‬قال عليش ‪ :‬بعض الجدكات بناء أو إصلح أخشاب في الحانوت مثلً بإذن وهذا‬
‫قياسه على الخلوّ ظاهر ‪.‬‬
‫والخلوّ يصير كالملك يجري عليه البيع والجارة والهبة والرهن ووفاء الدين والرث ‪.‬‬
‫الشّفعة في الكدك ‪:‬‬
‫‪ -‬ل تثبت الشّفعة عند الحنفية والشافعية في بيع البناء بدون الرض إل أنّه ذكر السيّد‬ ‫‪11‬‬

‫ي في حاشيته على الشباه ‪ :‬لو كان الخلوّ بناء أو غرأسا بالرض‬


‫محمد أبو السّعود الحنف ّ‬
‫ق الشّفعة ; لنّه لما اتصل بالرض اتّصال قرار التحق‬
‫المحتكرة أو المملوكة يجري فيه ح ّ‬
‫بالعقار ‪ ،‬وتعقبه ابن عابدين بقوله ‪ :‬ما ذكره " السيّد محمد أبو السّعود " من جريان‬
‫الشّفعة فيه سهو ظاهر ‪ ،‬لمخالفته المنصوص عليه في كتب المذهب ‪.‬‬
‫وعند المالكية يكون لمن اشترك في البناء في أرض الوقف المحتكرة الخذ بالشّفعة ‪ ،‬قال‬
‫العدويّ عند بيان صور الخلوّ ‪ :‬أن تكون أرض محبسة فيستأجرها من الناظر ويبني فيها‬
‫ل على أنّ عليه في كلّ شهر لجهة الوقف ثلثين نصفا فض ًة ‪ ،‬ولكنّ الدار تكرى‬
‫دارا مث ً‬
‫بستّين نصف فضة مثلً ‪ ،‬فالمنفعة التي تقابل الثلثين الخرى يقال لها خل ّو ‪ ،‬وإذا اشترك‬
‫في البناء المذكور جماعة وأراد بعضهم بيع حصته في الباء ‪ ،‬فلشركائه الخذ بالشّفعة ‪.‬‬

‫كَذِب *‬
‫التعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬الكذب لغةً ‪ :‬الخبار عن الشيء بخلف ما هو ‪ ،‬سواء فيه العمد والخطأ ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫ول يخرج اصطلح الفقهاء عن المعنى اللّغويّ ‪.‬‬


‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬التزوير ‪:‬‬
‫‪ -‬التزوير في اللّغة ‪ :‬تزيين الكذب ‪ ،‬وزورت الكلم في نفسي ‪ :‬هيأته ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫وفي الصطلح ‪ :‬تحسين الشيء ووصفه بخلف صفته حتى يخيل إلى من سمعه أو رآه‬
‫ق‪.‬‬
‫أنّه بخلف ما هو عليه في الحقيقة ‪ ،‬فهو تمويه الباطل بما يوهم أنّه ح ّ‬
‫وبين الكذب والتزوير عموم وخصوص وجهيّ ‪ ،‬فالتزوير يكون في القول والفعل ‪ ،‬والكذب‬
‫)‪.‬‬ ‫‪1‬‬ ‫ل يكون إل في القول ‪ ( .‬ر ‪ :‬تزوير ف ‪/‬‬
‫والكذب قد يكون مُزينا أو غير مزين ‪ ،‬والتزوير ل يكون إل في الكذب المموه ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الفتراء ‪:‬‬
‫ن افْتَرَاهُ }‬
‫‪ -‬الفتراء في اللّغة والصطلح ‪ :‬الكذب والختلق ‪ ،‬قال تعالى ‪ { :‬أَ ْم َيقُولُو َ‬ ‫‪3‬‬

‫أي اختلقه وكذب به على ال ‪.‬‬


‫ن الكذب قد يقع على سبيل‬
‫والصّلة بين الكذب والفتراء عموم وخصوص مطلق ‪ ،‬فإ ّ‬
‫الفساد‪ ،‬وقد يكون على سبيل الصلح ‪ ،‬كالكذب للصلح بين المتخاصمين ‪ ،‬أما الفتراء‬
‫)‪.‬‬ ‫‪1‬‬ ‫ن استعماله ل يكون إل في الفساد ( ر ‪ :‬افتراء ف ‪/‬‬
‫فإ ّ‬
‫الحكم التكليفيّ ‪:‬‬
‫‪ -‬الصل في الكذب أنّه حرام بالكتاب والسّنّة وإجماع المة ‪ ،‬وهو من أقبح الذّنوب‬ ‫‪4‬‬

‫للٌ وَهَـذَا‬
‫ف أَ ْلسِنَتُ ُكمُ ا ْلكَذِبَ هَـذَا حَ َ‬
‫وفواحش العيوب ‪ ،‬قال تعالى ‪َ { :‬و َل َتقُولُواْ ِلمَا تَصِ ُ‬
‫ب لَ ُيفْ ِلحُونَ } ‪.‬‬
‫علَى الّل ِه الْكَذِ َ‬
‫ن َيفْتَرُونَ َ‬
‫ن الّذِي َ‬
‫حَرَامٌ لّ َتفْتَرُواْ عَلَى الّلهِ ا ْلكَذِبَ إِ ّ‬
‫ن الصّدق يهدي إلى البرّ ‪،‬‬
‫ن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬إ ّ‬
‫وروى ابن مسعود أ ّ‬
‫ن الرجل ليصدق حتى يكون صدّيقا ‪ ،‬وإنّ الكذب يهدي إلى‬
‫وإنّ البر يهدي إلى الجنّة ‪ ،‬وإ ّ‬
‫ن الرجل ليكذب حتى يكتب عند ال كذابا » ‪.‬‬
‫الفجور ‪ ،‬وإنّ الفجور يهدي إلى النار ‪ ،‬وإ ّ‬
‫وقال عليه الصلة والسلم ‪ « :‬كبرت خيان ًة أن تحدّث أخاك حديثا هو لك به مصدّق وأنت‬
‫له به كاذب » ‪.‬‬
‫وإجماع المة منعقد على تحريمه مع النّصوص المتظاهرة على ذلك ‪.‬‬
‫‪ -5‬وقد يكون الكذب مباحا أو واجبا ‪ ،‬فالكلم وسيلة إلى المقاصد ‪ ،‬وكلّ مقصود محمود‬
‫يمكن تحصيله بغير الكذب يحرم الكذب فيه ‪ ،‬وإن لم يمكن تحصيله إل بالكذب جاز الكذب‬
‫فيه ‪ ،‬ثم إن كان تحصيل ذلك القصد مباحا كان الكذب مباحا وإن كان واجبا كان الكذب‬
‫واجبا ‪ ،‬كما أنّ عصمة دم المسلم واجبة ‪ ،‬فإذا كان في الصّدق سفك دم امرئ مسلم قد‬
‫اختفى من ظالم فالكذب فيه واجب ‪ ،‬ومحلّ الوجوب ما لم يخش التبين ويعلم أنّه يترتب‬
‫عليه ضرر شديد ل يحتمل ‪.‬‬
‫وإذا كان ل يتمّ مقصود الحرب أو إصلح ذات البين أو استمالة قلب المجنيّ عليه إل بكذب‬
‫فالكذب فيه مباح ‪ ،‬إل أنّه ينبغي أن يحترز منه ما أمكن ; لنّه إذا فتح باب الكذب على‬
‫نفسه فيخشى أن يتداعى إلى ما يستغنى عنه ‪ ،‬وإلى ما ل يقتصر على حدّ الضرورة ‪،‬‬
‫فيكون الكذب حراما إل لضرورة ‪ ،‬والذي يد ّل على هذا الستثناء ما ورد عن أمّ كلثوم‬
‫رضي ال عنها ‪ :‬أنّها سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪ « :‬ليس الكذاب الذي‬
‫يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقول خيرا » ‪ ،‬وورد عنها ‪ « :‬لم أسمع يرخص في شيء‬
‫مما يقول الناس كذب إل في ثلث ‪ :‬الحرب ‪ ،‬والصلح بين الناس ‪ ،‬وحديث الرجل امرأته‬
‫وحديث المرأة زوجها » ‪ ،‬فهذه الثلث ورد فيها صريح الستثناء وفي معناها ما عداها إذا‬
‫ارتبط به مقصود صحيح له أو لغيره ‪.‬‬
‫فأما ما هو صحيح له فمثل أن يأخذه ظالم ويسأله عن ماله فله أن ينكره ‪ ،‬أو يأخذه سلطان‬
‫فيسأله عن فاحشة بينه وبين ال تعالى ارتكبها فله أن ينكر ذلك ‪ ،‬فيقول ما زنيت ‪ ،‬ما‬
‫سرقت ‪ ،‬وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬اجتنبوا هذه القاذورة التي نهى ال‬
‫عنها‪ ،‬فمن ألم فليستتر بستر ال وليتب إلى ال فإنّه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب ال‬
‫عز وجل » ‪ ،‬وذلك أنّ إظهار الفاحشة فاحشة أخرى ‪ ،‬فللرجل أن يحفظ دمه وماله الذي‬
‫يؤخذ ظلما وعرضه بلسانه وإن كان كاذبا ‪.‬‬
‫ن الحد فيه أنّ‬
‫وأما عرض غيره فبأن يُسأل عن سرّ أخيه فله أن ينكره ‪ ،‬ونحو ذلك ‪ ،‬ولك ّ‬
‫الكذب محذور ‪ ،‬ولو صدق في هذه المواضع تولد منه محذور ‪ ،‬فينبغي أن يقابل أحدهما‬
‫بالخر ‪ ،‬ويزن بالميزان القسط ‪ ،‬فإذا علم أنّ المحذور الذي يحصل بالصّدق أشدّ وقعا في‬
‫الشرع من الكذب فله أن يكذب ‪ ،‬وإن كان المقصود أهون من مقصود الصّدق فيجب‬
‫الصّدق‪ ،‬وقد يتقابل المران بحيث يتردد فيهما ‪ ،‬وعند ذلك الميل إلى الصّدق أولى ; لنّ‬
‫الكذب يباح لضرورة أو حاجة مهمة ‪ ،‬فإن شك في كون الحاجة مهمةً ‪ ،‬فالصل التحريم ‪،‬‬
‫فيرجع إليه ‪ .‬ولجل غموض إدراك مراتب المقاصد وينبغي أن يحترز النسان من الكذب ما‬
‫أمكنه ‪ ،‬وكذلك مهما كانت الحاجة له فيستحبّ له أن يترك أغراضه ويهجر الكذب ‪ ،‬فأما‬
‫ق الغير والضرار به ‪.‬‬
‫إذا تعلق الغرض بغيره فل تجوز المسامحة لح ّ‬
‫وقالت طائفة من العلماء ‪ :‬ل يجوز الكذب في شيء مطلقا ‪ ،‬وحملوا الكذب المراد في حديث‬
‫أ ّم كلثوم بنت عقبة على التورية والتعريض ‪ ،‬كمن يقول للظالم دعوت لك أمس ‪ ،‬وهو يريد‬
‫قوله ‪ :‬اللهم اغفر للمسلمين ‪ ،‬ويعد امرأته بعطية شيء ‪ ،‬ويريد إن قدر ال ذلك ‪.‬‬
‫ن المراد بالكذب في حقّ المرأة والرجل إنّما هو فيما ل يسقط حقّا عليه أو‬
‫واتفقوا على أ ّ‬
‫عليها أو أخذ ما ليس له أو لها ‪.‬‬
‫تغليظ الكذب على ال تعالى وعلى رسوله صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫‪ -‬الكذب على ال تعالى وعلى رسوله صلى ال عليه وسلم من الكبائر التي ل يقاومها‬ ‫‪6‬‬

‫ي إِلَيّ وَ َلمْ يُوحَ‬


‫ن َأظْلَ ُم ِممّنِ افْ َترَى عَلَى الّلهِ كذبا َأوْ قَا َل ُأوْحِ َ‬
‫شيء ‪ ،‬قال ال تعالى ‪َ { :‬ومَ ْ‬
‫إِلَ ْيهِ شَيْ ٌء َومَن قَالَ سَأُن ِزلُ مِ ْث َل مَا أَنَز َل الّلهُ } ‪ ،‬وقال سبحانه ‪ { :‬وَ َي ْومَ ا ْلقِيَا َمةِ تَرَى الّذِينَ‬
‫ن رسول ال صلى‬
‫سوَدّةٌ } وعن أبي هريرة رضي ال عنه ‪ :‬أ ّ‬
‫كَذَبُواْ عَلَى الّل ِه ُوجُو ُههُم ّم ْ‬
‫ال عليه وسلم قال ‪ « :‬من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار » ‪.‬‬
‫قال ابن حجر ‪ :‬عدّ هذين كبيرتين هو ما صرحوا به وهو ظاهر ‪ ،‬بل قال أبو محمد‬
‫ن الكذب على النبيّ صلى ال عليه وسلم كفر ‪ ،‬وقال بعض المتأخّرين ‪ :‬وقد‬
‫الجوينيّ‪ :‬إ ّ‬
‫ن الكذب على ال ورسوله كفر يخرج عن الملة ول ريب أنّ‬
‫ذهبت طائفة من العلماء إلى أ ّ‬
‫تعمّد الكذب على ال ورسوله في تحليل حرام أو تحريم حلل كفر محض ‪ ،‬وإنّما الكلم في‬
‫الكذب عليهما فيما سوى ذلك ‪.‬‬
‫قال النّوويّ ‪ :‬وكما يحرم تعمّد الكذب على رسول ال صلى ال عليه وسلم فإنّه يحرم رواية‬
‫الحديث الموضوع على من عرف كونه موضوعا ‪ ،‬أو غلب على ظنّه وضعه ولم يبيّن حال‬
‫رواته ووضعه ‪ ،‬فهو داخل في هذا الوعيد مندرج في جملة الكذابين على رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ويدلّ عليه قوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬من حدث عنّي بحديث يرى أنّه‬
‫كذب فهو أحد الكاذبين » ‪.‬‬
‫ولهذا قال العلماء ‪ :‬ينبغي لمن أراد رواية الحديث أو ذكره أن ينظر فإن كان صحيحا أو‬
‫حسنا قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم كذا ‪ ،‬أو فعله ‪ ،‬أو نحو ذلك من صيغ‬
‫الجزم‪ ،‬وإن كان ضعيفا فل يقل ‪ :‬قال أو فعل أو أمر أو نهى وشبه ذلك من صيغ الجزم ‪،‬‬
‫بل يقول ‪ :‬روي عنه كذا أو جاء عنه كذا أو يروى أو يذكر أو يحكى أو يقال أو بلغنا وما‬
‫أشبهه ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬
‫اليمين الكاذبة ‪:‬‬
‫ن المر بخلف‬
‫‪ -‬اليمين الكاذبة وتسمى الغموس وهي التي يحلفها النسان عامدا عالما أ ّ‬ ‫‪7‬‬

‫ل أو يبطل حقّا ‪.‬‬


‫ما حلف عليه ليحق بها باط ً‬
‫)‪.‬‬ ‫‪114‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪102‬‬ ‫وتفصيل ذلك ينظر في مصطلح ( أيمان ف ‪/‬‬
‫شهادة الزّور ‪:‬‬
‫‪ -‬شهادة الزّور ‪ :‬هي الشهادة بالكذب ليتوصل بها إلى الباطل من إتلف نفس أو أخذ‬ ‫‪8‬‬

‫مال أو تحليل حرام أو تحريم حلل ‪.‬‬


‫)‪.‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫وتفصيل ذلك في مصطلح ( شهادة الزّور ف ‪/‬‬
‫الكذب في المزاح ‪:‬‬
‫‪ -‬الكذب في المزاح حرام كالكذب في غيره ‪ ،‬لقوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬ل يؤمن‬ ‫‪9‬‬

‫العبد اليمان كله حتى يترك الكذب من المزاحة ‪ ،‬ويترك المراء وإن كان صادقا » ‪ ،‬وقوله‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬إنّي لمزح ول أقول إل حقّا » ‪.‬‬
‫الكذب في ملعبة الصّبيان ‪:‬‬
‫‪ -‬ينبغي الحذر من الكذب في ملعبة الصّبيان فإنّه يكتب على صاحبه ‪ ،‬وقد حذر منه‬ ‫‪10‬‬

‫رسول ال صلى ال عليه وسلم فقد روي عن عبد ال بن عامر رضي ال عنه قال ‪« :‬‬
‫دعتني أمّي يوما ورسول ال صلى ال عليه وسلم قاعد في بيتنا فقالت ‪ :‬ها تعال أعطيك ‪،‬‬
‫فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬وما أردت أن تعطيه ؟ قالت ‪ :‬أعطيه تمرا ‪ ،‬فقال‬
‫لها رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬أما إنّك لو لم تعطيه شيئا كتبت عليك كذبة » ‪ ،‬وعن‬
‫أبي هريرة رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬من قال لصبيّ‬
‫تعال هاك ثم لم يعطه فهي كذبة » ‪.‬‬
‫الكذب في الرّؤيا ‪:‬‬
‫‪ -‬حذر الشارع من الكذب في الرّؤيا ونهى عنه ‪ ،‬فعن واثلة بن السقع قال ‪ :‬قال‬ ‫‪11‬‬

‫ن من أعظم الفرى أن يدعى الرجل إلى غير أبيه ‪ ،‬أو‬


‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬إ ّ‬
‫يري عينه ما لم تر ‪ ،‬أو يقول على رسول ال صلى ال عليه وسلم ما لم يقل » ‪ ،‬وقال‬
‫عليه الصلة والسلم ‪ « :‬من تحلم كاذبا كلّف يوم القيامة أن يعقد بين شعرتين ولن يعقد‬
‫بينهما » ‪.‬‬
‫ن الكذب في اليقظة قد يكون أشد مفسدةً منه ; إذ‬
‫قال القرطبيّ ‪ :‬إنّما اشتد فيه الوعيد مع أ ّ‬
‫ن الكذب في المنام كذب على ال أنّه أراه ما‬
‫قد تكون شهادةً في قتل أو ح ّد أو أخذ مال ‪ ،‬ل ّ‬
‫شهَادُ‬
‫لم يره ‪ ،‬والكذب على ال أشدّ من الكذب على المخلوقين لقوله تعالى ‪ { :‬وَ َيقُولُ ا َل ْ‬
‫ن كَذَبُواْ عَلَى رَ ّبهِ ْم َألَ َلعْ َنةُ الّلهِ عَلَى الظّا ِلمِينَ } ‪ ،‬وإنّما كان الكذب في المنام‬
‫هَـؤُلء الّذِي َ‬
‫كذبا على ال لحديث ‪ « :‬الرّؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النّبوة » ‪ ،‬وما‬
‫كان من أجزاء النّبوة فهو من قبل ال تعالى ‪.‬‬
‫قال القرطبيّ ‪ :‬قال علماؤنا ‪ :‬إن قيل من كذب في رؤياه ففسرها العابر له أيلزمه حكمها ؟‬
‫قلنا ‪ :‬ل يلزمه ‪ ،‬وإنّما كان ذلك في يوسف عليه السلم عندما قال للساقي ‪ :‬إنّك تردّ على‬
‫عملك الذي كنت عليه من سقي الملك بعد ثلثة أيام ‪ ،‬وقال للخر وكان خبازا ‪ :‬وأما أنت‬
‫فتدعى إلى ثلثة أيام فتصلب فتأكل الطير من رأسك ‪ ،‬قال الخباز ‪ :‬وال ما رأيت شيئا ‪،‬‬
‫ي ا َلمْرُ الّذِي فِيهِ َتسْ َتفْتِيَانِ } ‪.‬‬
‫قال‪ :‬رأيت أو لم تر { قُضِ َ‬
‫ي حكم ‪ ،‬وقد قال ‪ :‬إنّه يكون كذا وكذا فأوجد ال ما أخبر كما قال‬
‫ي وتعبير النب ّ‬
‫لنّه نب ّ‬
‫تحقيقا لنبوته ‪.‬‬
‫من انتسب إلى غير أبيه ‪:‬‬
‫ن من الكبائر التي حذر منها الشارع لما يترتب عليها من المفاسد وتغيير ما شرع‬
‫‪-‬إّ‬ ‫‪12‬‬

‫ال تعالى أن ينتسب المرء إلى غير أبيه ‪ ،‬أو يدعي ابنا ليس ابنه وهو يعلم أنّه كاذب فيما‬
‫ي صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬ل ترغبوا‬
‫ادعاه ‪ ،‬فعن أبي هريره رضي ال عنه عن النب ّ‬
‫عن آبائكم فمن رغب عن أبيه فهو كفر » ‪ ،‬والكفر المذكور في الحديث له تأويلن ذكرهما‬
‫ق المستحلّ ‪ ،‬والثاني ‪ :‬أنّه كفر النّعمة والحسان وحقّ ال‬
‫النّوويّ ‪ :‬أحدهما ‪ :‬أنّه في ح ّ‬
‫تعالى وحقّ أبيه ‪ ،‬وليس المراد الكفر الذي يخرج عن ملة السلم ‪.‬‬
‫وكذلك الحكم لمن ينفي نسب ابنه وهو يعلم كذبه لما روي عن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم أنّه قال ‪ « :‬أيّما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من ال في شيء ولن‬
‫يدخلها ال جنّته ‪ ،‬وأيّما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب ال منه وفضحه على‬
‫رءوس الولين والخرين يوم القيامة » ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪2‬‬ ‫وتفصيل ذلك في مصطلح ( نسب ‪ ،‬استلحاق ف ‪/‬‬
‫الكذب في البيع والغشّ فيه ‪:‬‬
‫‪ -‬من المنكرات المعتادة في السواق الكذب في المرابحة وإخفاء العيب فمن قال ‪:‬‬ ‫‪13‬‬

‫اشتريت هذه السّلعة بعشرة وأربح فيها كذا ‪ ،‬وكان كاذبا فهو فاسق ‪ ،‬وعلى من عرف ذلك‬
‫أن يخبر المشتري بكذبه ‪ ،‬فإن سكت مراعا ًة لقلب البائع كان شريكا له في الثم وعصى‬
‫بسكوته ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪5‬‬ ‫شف‪/‬‬
‫وتفصيل ذلك في مصطلح ( غ ّ‬
‫غشّ الوالي رعيته وكذبه عليهم ‪:‬‬
‫‪ -‬غشّ الوالي رعيته وكذبه عليهم من الكبائر ‪ ،‬فمن قلده ال شيئا من أمر المسلمين‬ ‫‪14‬‬

‫واسترعاه عليهم ونصبه لمصلحتهم في دينهم ودنياهم ‪ ،‬وجب عليه أن ينصح لهم وأل‬
‫يغشهم ‪ ،‬وأن يكون صادقا معهم ‪ ،‬وإل استحق ما أعده ال له من العذاب الليم ‪ ،‬فعن أبي‬
‫هريرة رضي ال عنه قال ‪ :‬قال صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬ثلثة ل يكلّمهم ال ول يزكّيهم‬
‫ول ينظر إليهم ولهم عذاب أليم ‪ :‬شيخ زان ‪ ،‬وملك كذاب ‪ ،‬وعائل مستكبر » ‪ ،‬وعن معقل‬
‫ن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬ل يسترعي ال عبدا رعيةً‬
‫بن يسار قال ‪ « :‬إ ّ‬
‫ش لها إل حرم ال عليه الجنّة » ‪.‬‬
‫يموت حين يموت وهو غا ّ‬
‫وعنه رضي ال عنه " سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪ « :‬ما من أمير يلي‬
‫أمر المسلمين ثم ل يجهد لهم وينصح إل لم يدخل معهم الجنّة » ‪ ،‬قال القاضي عياض ‪ :‬إذا‬
‫خان المير فيما أؤتمن عليه فلم ينصح فيما قلده إما بتضييعه تعريفهم ما يلزمهم من‬
‫دينهم‪ ،‬وأخذهم به ‪ ،‬وإما بالقيام بما يتعين عليه من حفظ شرائعهم والذبّ عنها لكلّ متصدّ‬
‫بإدخال داخلة فيها ‪ ،‬أو تحريف لمعانيها أو إهمال حدودهم ‪ ،‬أو تضييع حقوقهم ‪ ،‬أو ترك‬
‫حماية حوزتهم ومجاهدة عدوّهم أو ترك سيرة العدل فيهم فقد غشهم ‪ ،‬وقد نبه صلى ال‬
‫عليه وسلم أنّ ذلك من الكبائر الموبقة المبعدة عن الجنّة ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬
‫التحدّث بكلّ ما سمع ‪:‬‬
‫‪ -‬نهى الشارع أن يحدّث المرء بكلّ ما سمع ‪ ،‬فعن أبي هريرة رضي ال عنه قال ‪ :‬قال‬ ‫‪15‬‬

‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬كفى بالمرء كذبا أن يحدّث بك ّل ما سمع » ‪ ،‬قال‬
‫النّوويّ‪ :‬والثار في هذا الباب كثيرة ‪ ،‬وفي هذا الزجر عن التحدّث بكلّ ما سمع النسان ‪،‬‬
‫فإنّه يسمع في العادة الصّدق والكذب ‪ ،‬فإذا حدث بكلّ ما سمع فقد كذب لخباره بما لم‬
‫ق أنّ الكذب ‪ :‬الخبار عن الشيء بخلف ما هو عليه ‪ ،‬ول يشترط‬
‫يكن ‪ ،‬ومذهب أهل الح ّ‬
‫ن التعمّد شرط في كونه إثما ‪.‬‬
‫فيه التعمّد ‪ ،‬لك ّ‬
‫الستغناء عن الكذب بالمعاريض ‪:‬‬
‫ن في المعاريض مندوحةً عن الكذب ‪ ،‬قال عمر رضي ال‬
‫‪ -‬نقل عن بعض السلف ‪ :‬أ ّ‬ ‫‪16‬‬

‫عنه ‪ :‬أما في المعاريض ما يكفي الرجل عن الكذب ‪ ،‬وروي ذلك عن ابن عباس رضي ال‬
‫عنهما وغيره ‪ ،‬وإنّما أرادوا بذلك إذا اضطر النسان إلى الكذب ‪ ،‬فأما إذا لم تكن حاجة‬
‫ن التعريض أهون ‪.‬‬
‫وضرورة فل يجوز التعريض ول التصريح جميعا ‪ ،‬ولك ّ‬
‫ومثال التعريض ‪ :‬ما روي أنّ معاذ بن جبل رضي ال عنه كان عاملً لعمر رضي ال عنه‬
‫فلما رجع قالت امرأته ‪ :‬ما جئت به مما أتى به العمال إلى أهلهم ؟ وما كان قد أتاها‬
‫بشيء‪ ،‬فقال ‪ :‬كان عندي ضاغط ‪ ،‬قالت ‪ :‬كنت أمينا عند رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫وعند أبي بكر رضي ال عنه ‪ ،‬فبعث عمر معك ضاغطا ‪ .‬وقامت بذلك بين نسائها ‪،‬‬
‫واشتكت عمر ‪ ،‬فلما بلغه ذلك دعا معاذا وقال ‪ :‬بعثت معك ضاغطا ؟ قال ‪ :‬لم أجد ما أعتذر‬
‫به إليها إل ذلك‪ ،‬فضحك عمر رضي ال عنه وأعطاه شيئا ‪ ،‬فقال ‪ :‬أرضها به ‪ ،‬ومعنى‬
‫قوله ‪ " :‬ضاغطا " يعني رقيبا ‪ ،‬وأراد به ال سبحانه وتعالى ‪.‬‬
‫وكان النّخعيّ ل يقول لبنته ‪ :‬أشتري لك سكرا ‪ ،‬بل يقول ‪ :‬أرأيت لو اشتريت لك سكرا ؟‬
‫فإنّه ربما ل يتفق له ذلك ‪ ،‬وكان إبراهيم إذا طلبه من يكره أن يخرج إليه وهو في الدار‬
‫قال للجارية ‪ :‬قولي له ‪ :‬اطلبه في المسجد ‪ ،‬ول تقولي ‪ :‬ليس هنا كي ل يكون كذبا ‪.‬‬
‫ن هذا تفهيم للكذب وإن‬
‫وهذا كلّه في موضع الحاجة ‪ ،‬فأما في غير موضع الحاجة فل ; ل ّ‬
‫لم يكن اللفظ كذبا فهو مكروه على الجملة ‪ ،‬كما روى عبد ال بن عتبة قال ‪ :‬دخلت مع أبي‬
‫على عمر بن عبد العزيز رحمه ال تعالى ‪ ،‬فخرجت وعلي ثوب ‪ ،‬فجعل الناس يقولون ‪:‬‬
‫هذا كساكه أمير المؤمنين ؟ فكنت أقول ‪ :‬جزى ال أمير المؤمنين خيرا ‪ ،‬فقال لي أبي ‪ :‬يا‬
‫ن كاذب لجل غرض‬
‫بني اتق الكذب وما أشبهه فنهاه عن ذلك ; لنّ فيه تقريرا لهم على ظ ّ‬
‫المفاخرة ‪ ،‬وهذا غرض باطل ل فائدة فيه ‪.‬‬
‫وتباح المعاريض لغرض خفيف كتطييب قلب الغير بالمزاح ‪ ،‬كما روي عن الحسن قال ‪:‬‬
‫ي صلى ال عليه وسلم فقال لها صلى ال عليه وسلم ‪ :‬ل يدخل الجنّة‬
‫« أتت عجوز إلى النب ّ‬
‫عجوز ‪ ،‬فبكت فقال ‪ :‬إنّك لست بعجوز يومئذ قال ال تعالى ‪ { :‬إِنّا أَنشَأْنَا ُهنّ إِنشَاء ‪،‬‬
‫ن أَ ْبكَارا } » ‪ ،‬وقال زيد بن أسلم ‪ « :‬إنّ امرأةً يقال لها أمّ أيمن جاءت إلى رسول‬
‫جعَلْنَاهُ ّ‬
‫َف َ‬
‫ال صلى ال عليه وسلم فقالت ‪ :‬إنّ زوجي يدعوك ‪ ،‬قال ‪ :‬ومن هو ؟ أهو الذي بعينه‬
‫بياض ؟ قالت ‪ :‬وال ما بعينه بياض ‪ ،‬فقال ‪ :‬بلى ‪ ،‬إنّ بعينه بياضا ‪ ،‬فقالت ‪ :‬ل وال ‪،‬‬
‫فقال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬ما من أحد إل وبعينه بياض » وأراد به البياض المحيط‬
‫بالحدقة‪.‬‬
‫ل استحمل رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬إنّي‬
‫وحديث أنس بن مالك ‪ « :‬أنّ رج ً‬
‫حاملك على ولد الناقة ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول ال ما أصنع بولد الناقة ؟ فقال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪ :‬وهل تلد البل إل النّوق ؟ ‪ ،‬وكان يمزح به » ‪.‬‬

‫كِراء *‬
‫انظر ‪ :‬إجارة ‪.‬‬

‫كِراء العَقِب *‬
‫التعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬الكراء ‪ -‬بالمدّ ‪ -‬الجرة ‪ ،‬وهو في الصل مصدر من كاريته من باب قاتل ‪ ،‬والفاعل‬ ‫‪1‬‬

‫مكار على النقص والجمع مكارون ‪ ،‬ومكارين ‪ ،‬مثل ‪ :‬قاضون وقاضين ‪ ،‬وأكريته الدار‬
‫وغيرها إكراءً فاكتراه بمعنى آجرته فاستأجر ‪ ،‬والكريّ على فعيل مكري الدوابّ ‪.‬‬
‫والعقب في الصل مجيء الشيء بعقب الشيء الخر أي متأخّرا عنه ‪ ،‬ومنه قولهم في‬
‫الليل والنهار ‪ :‬المتعاقبان ‪ ،‬أي يأتي كلّ منهما عقب صاحبه ‪ ،‬والعقبة ‪ :‬النّوبة والجمع‬
‫عقب ‪ ،‬مثل غرفة وغرف وتعاقبوا على الراحلة ركب كلّ واحد عقبةً ‪.‬‬
‫وكراء العقب عند الفقهاء ‪ :‬أن يؤجّر دابةً لرجلين ليركب هذا أياما وذا أياما أخر ‪ ،‬أو‬
‫ليركب هذا مساف ًة معلومةً من الطريق وذا مسافةً معلومةً أخرى ‪ ،‬وسمّيت هذه الجارة‬
‫بهذا السم; لنّ كلّا منهما يعقب صاحبه ويركب موضعه ‪.‬‬
‫الحكم التكليفيّ ‪:‬‬
‫‪ -‬قال جمهور الفقهاء ‪ :‬يجوز كراء العقب وله صورتان ‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫الولى ‪ :‬أن يؤجّر دابته لرجلين ليركب هذا أياما وذا أياما معلومةً بالتناوب ‪ ،‬أو ليركب‬
‫ل ويركب الخر مساف ًة معلومةً أخرى ما‬
‫أحدهما مساف ًة معلومةً كنصف الطريق أو ربعه مث ً‬
‫لم تكن هناك عادة ‪ ،‬فإن كانت هناك عادة مضبوطة بزمان أو مسافة اتّبعت ‪.‬‬
‫والثانية أن يؤجّرها شخصا ليركبها بعض الطريق مضبوطا ‪ -‬كما سبق ‪ -‬بزمان أو مسافة‬
‫معلومتين ويركب المؤجّر البعض الخر تناوبا مع عدم شرط البداءة بالمؤجّر ‪ -‬كما هو‬
‫نص الشافعية ‪ -‬سواء أشرطاها للمستأجر أم أطلقا أو قال ليركب أحدنا ‪ ،‬وسواء وردت‬
‫الجارة على العين أم في الذّمة ‪ ،‬لثبوت الستحقاق حالً ‪ ،‬والتأخير الواقع من ضرورة‬
‫القسمة ‪.‬‬
‫أما إذا اشترطا ‪ -‬في الصّورة الثانية ‪ -‬أن يركبها المؤجّر أولً فإنّ العقد باطل في إجارة‬
‫العين ; لتأخير حقّ المكتري وتعلّق الجارة بالمستقبل ‪.‬‬
‫وإن استأجرا دابةً على أن يركب أحدهما بعض الطريق ويركب الثاني البعض الخر دون‬
‫تحديد هذا البعض فإن كانت هناك عادة مضبوطة بزمان مثل أن يركب هذا ليلً ويمشي‬
‫نهاراً‪ ،‬أو يركب الخر نهاراً ويمشي ليلً ‪ ،‬أو بمسافة مثل أن يركب أحدهما بفراسخ‬
‫معلومة ويركب الخر بفراسخ معلومة أخرى اتّبعت هذه العادة فيقتسمان الرّكوب بالتراضي‬
‫على الوجه المعتاد أو المبين ‪ ،‬فإن تنازعا في البتداء أقرع بينهما ‪.‬‬
‫والزمان المحسوب في المناوبة زمن السير دون زمن النّزول حتى لو نزل أحدهما‬
‫للستراحة أو لعلف الدابة لم يحسب زمن النّزول ; لنّ نفس الزمان غير مقصود وإنّما‬
‫المقصود قطع المسافة ‪.‬‬
‫ولو استأجر اثنان دابةً ل تحملهما معا حمل الستئجار على التعاقب ويقتسمان بالزمان أو‬
‫المسافة فإن تنازعا في البداءة أقرع بينهما ‪.‬‬
‫وإن كانت تحملهما معا ركباها جميعا ‪.‬‬
‫ولو استأجر دابةً ليركبها بعض الطريق متواليا صح ‪ ،‬وكذا لو أطلق ‪ ،‬أو استأجر نصف‬
‫الدابة إلى موضع كذا صحت الجارة مشاعةً كبيع المشاع ويأخذ حصته بالزمان أو المسافة‬
‫كما سبق فإن تنازعا في البداءة أقرع بينهما كما مر ‪.‬‬
‫وإن اتفقا على أن يركب يوما ويمشي يوما جاز ‪ ،‬وإن اتفقا على أن يركب ثلثة أيام‬
‫ويمشي ثلثة أيام أو ما زاد ونقص جاز كذلك ‪.‬‬
‫فإن اختلفا لم يجبر الممتنع منهما ; لنّ فيه ضررا على كلّ واحد منهما ‪ ،‬الماشي لدوام‬
‫المشي عليه ‪ ،‬على الدابة لدوام الرّكوب عليها ; ولنّه إذا ركب بعد شدة تعبه كان أثقل‬
‫على الدابة ‪.‬‬
‫وإن اكترى اثنان جملً يركبانه عقبةً وعقبةً جاز ويكون كراؤهما طول الطريق والستيفاء‬
‫بينهما على ما يتفقان عليه ‪ ،‬وإن تشاحا قسم بينهما لك ّل واحد منهما فراسخ معلومة أو‬
‫لحدهما الليل وللخر النهار ‪ ،‬وإن كان بذلك عرف رجع إليه ‪ ،‬وإن اختلفا في البادئ منهما‬
‫أقرع بينهما ‪.‬‬
‫قال ابن قدامة ‪ :‬ويحتمل أن ل يصح كراؤهما إل أن يتفقا على ركوب معلوم لكلّ واحد‬
‫منهما‪ ،‬لنّه عقد على مجهول بالنّسبة إلى كلّ واحد منهما فلم يصح كما لو اشتريا عبدين‬
‫على أنّ لكلّ واحد منهما عبدا معينا منهما ‪.‬‬
‫ومقابل الصحّ لدى الشافعية أوجه ‪ :‬أصحّها المنع ‪ ،‬أي منع كراء العقب بصورتيه ; لنّها‬
‫إجارة أزمان منقطعة ‪.‬‬
‫ح كراء العقب في الصّورة التي تؤجر الدابة فيها لرجلين ; لتّصال زمن‬
‫والثاني ‪ :‬يص ّ‬
‫الجارة فيها دون الصّورة الخرى وهي التي يتعاقب في ركوب الدابة المؤجّر والمستأجر ‪.‬‬
‫ح في الصّورتين إن كانت في الذّمة ‪.‬‬
‫والثالث ‪ :‬تص ّ‬
‫ق أحدهما عن العقد‬
‫قال المام المزنيّ ‪ :‬ل يجوز اكتراء العقبة إل مضمونا ‪ ،‬لنّه يتأخر ح ّ‬
‫فلم يجز كما لو أكراه ظهرا في مدة تتأخر عن العقد ‪.‬‬
‫ول يصحّ في هذا الوجه إن كانت معينةً ‪.‬‬
‫وهذا التفصيل الذي سبق إنّما هو عند الشافعية والحنابلة ‪.‬‬
‫وجاء في نصوص الحنفية ما يفيد جواز كراء العقب ‪ ،‬ففي باب الحجّ عند الكلم عن‬
‫الراحلة ما نصه ‪ :‬وإن أمكنه أن يكتري عقبةً أي ما يتعاقب عليه في الرّكوب فرسخا‬
‫ن المفروض‬
‫بفرسخ أو منز ًل بمنزل فل حج عليه ; لعدم الراحلة إذ ذاك في جميع السفر ل ّ‬
‫هو الحجّ راكبا ل ماشيا والراكب عقبةً ل يركب في كلّ الطريق بل يركب في البعض‬
‫ويمشي في البعض الخر ‪.‬‬
‫ن كراء العقب في أصله جائز عندهم ول سيما الصّورة التي يكتري فيها‬
‫وهذا يدلّ على أ ّ‬
‫الثنان راحلةً يتعاقبان عليها يركب أحدهما مرحل ًة والخر مرحلةً أخرى لنصهم على هذه‬
‫الصّورة ‪.‬‬
‫ونص المالكية على أنّه يجوز عقبة الجير ‪ ،‬قالوا في شرح هذه العبارة التي وردت في‬
‫مختصر خليل ‪ :‬أي يجوز للمكري اشتراط ركوب الجير الميل السادس على الدابة مع‬
‫المكتري أو بدله ويمشيه المكتري لنّه أمر معروف ‪.‬‬
‫ويجوز للمستأجر أن يشترط على الجمال أنّه بعد كلّ خمسة أميال يركب خدام المستأجر‬
‫الميل السادس أو بما جرى عليه العرف أو بما يتفقان عليه من مسافة قليلة أو كثيرة مما‬
‫يدلّ على أنّ كراء العقب في الصل جائز عندهم ‪.‬‬

‫كَرامة *‬
‫التعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬الكرامة لغةً ‪ :‬مصدر كرم ‪ ،‬يقال ‪ :‬كرم الرجل كرامةً ‪ :‬عز ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫وفي الصطلح ‪ :‬تطلق على عدة معان ‪ :‬فتطلق أولً ‪ :‬بمعنى ‪ :‬ظهور أمر خارق للعادة‬
‫على يد شخص ظاهر الصلح غير مقارن لدعوى النّبوة والرّسالة ‪.‬‬
‫وتطلق ثانيا ‪ :‬بمعنى ‪ :‬العزاز والتفضيل والتشريف ‪ ،‬وتطلق ثالثا ‪ :‬بمعنى ‪ :‬إكرام‬
‫الضيف‪ .‬اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬المعجزة ‪:‬‬
‫‪ -‬المعجزة في اللّغة ‪ :‬هي ما يعجز الخصم عند التحدّي ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫واصطلحا ‪ :‬هي أمر خارق للعادة مقرون بدعوى النّبوة قصد به إظهار صدق من ادعى‬
‫النّبوة مع عجز المنكرين عن التيان بمثله ‪.‬‬
‫وعلى هذا فالمعجزة أخصّ من الكرامة ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الرهاص ‪:‬‬
‫‪ -‬الرهاص ‪ :‬ما يظهر من الخوارق قبل ظهور النبيّ ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫والكرامة أع ّم منه ‪.‬‬


‫ج ‪ -‬الستدراج ‪:‬‬
‫‪ -‬الستدراج ‪ :‬ما يظهر من خارق للعادة على يد كافر أو فاسق ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫والصّلة بين الستدراج والكرامة الضّدية من حيث المقصود ‪.‬‬


‫الحكام المتعلّقة بالكرامة ‪:‬‬
‫الكرامة بمعنى التشريف والعزاز ‪:‬‬
‫‪ -‬الكرامة بمعنى التشريف والعزاز ‪ ،‬منزلة جعلها ال لبني آدم وفضلهم بها على كثير‬ ‫‪5‬‬

‫حمَلْنَا ُهمْ فِي الْبَ ّر وَالْ َبحْرِ َورَزَقْنَاهُم‬


‫من خلقه ‪ ،‬قال عز من قائل ‪ { :‬وَ َلقَدْ كَ ّرمْنَا بَنِي آ َدمَ َو َ‬
‫ن خَ َلقْنَا َتفْضِيلً } ‪ ،‬قال ابن كثير في تفسير الية ‪ :‬أي‬
‫ت وَفَضّلْنَا ُهمْ عَلَى كَثِيرٍ ّممّ ْ‬
‫مّنَ الطّيّبَا ِ‬
‫‪ :‬لقد شرفنا ذرّية آدم على جميع المخلوقات ‪ ،‬بالعقل ‪ ،‬والعلم ‪ ،‬والنّطق ‪ ،‬وتسخير ما في‬
‫الكون لهم ‪ ،‬وفضلناهم على من خلقنا من سائر الحيوانات ‪ ،‬وأصناف المخلوقات من‬
‫الجنّ ‪ ،‬والبهائم والوحش والطير ‪ ،‬وقد حافظ السلم على هذه المنزلة لبني آدم جعله مبدأ‬
‫الحكم ‪ ،‬وأساس المعاملة ‪ ،‬وأحاطه بسياج من التشريعات ‪ ،‬فل يحلّ لحد إهدار كرامة أحد‬
‫س َأوْ َفسَادٍ فِي الَرْضِ َفكَأَ ّنمَا‬
‫بالعتداء عليها ‪ :‬بالقتل ‪ ،‬قال تعالى ‪ { :‬مَن قَ َت َل َنفْسا ِبغَيْرِ َنفْ ٍ‬
‫ن ا ْل ُمحْصَنَاتِ ُثمّ َلمْ‬
‫ن يَ ْرمُو َ‬
‫جمِيعا } أو بهتك عرضه ‪ ،‬قال ال تعالى ‪ { :‬وَالّذِي َ‬
‫قَ َتلَ النّاسَ َ‬
‫شهَادَةً أَبَدا } ‪ ،‬أو بالسّخرية منه‬
‫ن جَلْدَةً وَلَا َتقْبَلُوا َل ُهمْ َ‬
‫شهَدَاء فَاجْلِدُو ُه ْم َثمَانِي َ‬
‫يَأْتُوا بِ َأرْ َب َعةِ ُ‬
‫عسَى أَن َيكُونُوا‬
‫سخَرْ قَو ٌم مّن َق ْومٍ َ‬
‫والستهزاء به ‪ ،‬قال تعالى ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا لَا َي ْ‬
‫ن وَلَا تَ ْلمِزُوا أَن ُفسَ ُكمْ وَلَا تَنَابَزُوا‬
‫ن خَيْرا مّ ْنهُ ّ‬
‫عسَى أَن َيكُ ّ‬
‫خَيْرًا مّ ْن ُهمْ وَلَا ِنسَاء مّن ّنسَاء َ‬
‫بِالْأَ ْلقَابِ } ‪ ،‬ونهى عن المثلة في حياته ‪ ،‬وبعد مماته ‪ ،‬ولو كان من العداء أثناء الحرب ‪،‬‬
‫وبعد انتهائها ‪ ،‬وفي الحديث ‪ « :‬ل تغلّوا ‪ ،‬ول تغدروا ‪ ،‬ول تمثّلوا » ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪31‬‬ ‫( ر ‪ :‬جهاد ف ‪/‬‬
‫إكرام الضيف ‪:‬‬
‫‪ -‬رغب السلم في كرامة الضيف وعدها من أمارات صدق اليمان ‪ ،‬فقد ورد عن النبيّ‬ ‫‪6‬‬

‫صلى ال عليه وسلم أنّه قال ‪ « :‬من كان يؤمن بال واليوم الخر فليكرم ضيفه » ‪.‬‬
‫سنّ ‪ ،‬وحملة القرآن وأهل الفضل ‪:‬‬
‫كرامة العلماء وكبار ال ّ‬
‫ن وحملة القرآن ‪ ،‬وأهل الفضل ‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫‪ -‬حث السلم على توقير العلماء وكبار السّ ّ‬ ‫‪7‬‬

‫ن وَالّذِينَ لَا َيعْ َلمُونَ } ‪ ،‬وفي الحديث ‪ « :‬إنّ من إجلل ال‬


‫{ ُقلْ َه ْل َيسْ َتوِي الّذِينَ َيعْ َلمُو َ‬
‫تعالى ‪ :‬إكرام ذي الشيبة المسلم ‪ ،‬وحامل القرآن غير الغالي فيه ‪ ،‬والجافي عنه ‪ ،‬وإكرام‬
‫ب شيخا لسنّه إل قيض‬
‫ذي السّلطان المقسط » ‪ ،‬وقال عليه الصلة والسلم ‪ « :‬ما أكرم شا ّ‬
‫ال له من يكرمه عند سنّه » ‪.‬‬
‫الكرامة بمعنى ظهور أمر خارق للعادة على يد غير نبيّ ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب جمهور علماء أهل السّنّة إلى جواز ظهور أمر خارق للعادة على يد مؤمن ظاهر‬ ‫‪8‬‬

‫الصلح إكرامًا من ال له ‪ ،‬وإلى وقوعها فعلً ‪ ،‬ويسمى وليّا ‪.‬‬


‫والوليّ في هذا المقام ‪ :‬هو العارف بال تعالى وبصفاته حسب المكان ‪ ،‬والمواظب على‬
‫الطاعة المجتنب للمعاصي ‪ ،‬بمعنى أنّه ل يرتكب معصيةً بدون توبة ‪ ،‬وليس المراد أنّه ل‬
‫يقع منه معصية بالكلّية ‪ ،‬لنّه ل عصمة إل للنبياء ( ر ‪ :‬ولية ) ‪.‬‬
‫واستدلّوا على جوازها بأنّه ل يلزم على فرض وقوعها محالّ ‪ ،‬وكلّ ما كان كذلك فهو‬
‫جائز‪ .‬واستدلّوا على وقوعها بما جاء في القرآن الكريم في قصة مريم قال عز من قائل ‪:‬‬
‫خلَ عَلَ ْيهَا َزكَرِيّا ا ْل ِمحْرَابَ َوجَدَ عِندَهَا رِزْقا قَالَ يَا َمرْ َيمُ أَنّى لَكِ هَـذَا‬
‫{ َو َكفّ َلهَا َزكَرِيّا كُّلمَا َد َ‬
‫حسَابٍ } ‪ ،‬قال البيضاويّ في تفسير‬
‫ق مَن َيشَاء ِبغَيْ ِر ِ‬
‫ن عِندِ الّل ِه إنّ الّل َه يَ ْرزُ ُ‬
‫قَالَتْ ُه َو مِ ْ‬
‫الية ‪ :‬هذا دليل جواز الكرامة للولياء ‪ ،‬وفي حاشية الشيخ زاده على تفسير البيضاويّ ‪:‬‬
‫لنّ حصول الرّزق عندها على الوجه المذكور ل شك أنّه أمر خارق للعادة ظهر على يد من‬
‫ن النّبي الموجود في ذلك الزمان هو زكريا عليه‬
‫ل يدعي النّبوة ‪ ،‬وليس معجزةً لنبيّ ‪ ،‬ل ّ‬
‫وعلى نبينا الصلة والسلم ‪ ،‬ولو كان ذلك معجز ًة له لكان عالما بحاله ‪ ،‬ولم يشتبه أمره‬
‫عليه ولم يقل لمريم ‪ { :‬أَنّى لَكِ هَـذَا } وأيضا قوله تعالى بعد هذه الية ‪ { :‬هُنَاِلكَ دَعَا‬
‫سمِي ُع الدّعَاء } ‪ ،‬مشعر بأنّه لما سألها‬
‫ب لِي مِن لّدُنْكَ ُذرّ ّيةً طَيّ َب ًة إِنّكَ َ‬
‫َزكَرِيّا رَ ّبهُ قَالَ رَبّ هَ ْ‬
‫عن أمر تلك الشياء ‪ -‬قيل ‪ :‬أنّه كان يجد عندها فاكهة الشّتاء في الصيف ‪ ،‬وفاكهة‬
‫الصيف في الشّتاء ‪ -‬لما سألها عن تلك الشياء غير العادية ‪ ،‬وذكرت له ‪ :‬أنّ ذلك من عند‬
‫ال ‪ ،‬هنالك طمع في انخراق العادة بحصول الولد من المرأة العاقر الشيخة ‪ ،‬بناء على أنّه‬
‫كان يائسا من الولد بسبب شيخوخته وشيخوخة زوجته وعقمها ‪ ،‬فلو لم يعتقد ما رآه في‬
‫حقّ مريم من الخوارق وأنّ ذلك العلم لم يحصل له إل بإخبار مريم ‪ -‬لو لم يعتقد ذلك كله‬
‫لما كانت رؤية تلك الخوارق في مريم سببا لطمعه بولدة العاقر ‪ ،‬والشيخ الكبير ‪ -‬وإذا‬
‫ثبت ذلك ‪ :‬ثبت أنّ تلك الخوارق ما كانت معجزةً لزكريا عليه وعلى نبينا الصلة والسلم‬
‫ي غيره ‪ ،‬لعدم وجوده ‪ ،‬فتعين أنّها كرامة لمريم فثبت المطلوب ‪.‬‬
‫ول لنب ّ‬
‫كما استدلّوا على وقوعها بقصة أهل الكهف التي وردت في سورة الكهف ‪ ،‬فإنّهم كانوا‬
‫فتي ًة سبعةً من أشراف الرّوم خافوا على إيمانهم من ملكهم فخرجوا من المدينة ‪ ،‬ودخلوا‬
‫غارا فلبثوا فيه بل طعام ول شراب ثلثمائة وتسع سنين بل آفة ‪ ،‬ول شك أنّ هذا شيء‬
‫خارق للعادة ظهر على يد من لم يدع النّبوة ‪ ،‬ول الرّسالة ‪.‬‬
‫وكذلك بقصة الذي كان عنده علم من الكتاب في زمن سليمان عليه وعلى نبينا الصلة‬
‫والسلم ‪ :‬فقد أتى بعرش بلقيس قبل أن يرتد طرف سليمان إليه مع بعد المسافة بين اليمن‬
‫والشام فرأى سليمان العرش مستقرّا عنده بلمحة طرف العين ‪ ،‬قال تعالى ‪ { :‬قَالَ الّذِي‬
‫ك ِبهِ قَ ْبلَ أَن َيرْتَدّ إِلَ ْيكَ طَ ْرفُكَ فَ َلمّا رَآ ُه ُمسْ َتقِرّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن‬
‫ن ا ْلكِتَابِ أَنَا آتِي َ‬
‫عِندَ ُه عِ ْلمٌ مّ َ‬
‫ضلِ رَبّي } ‪.‬‬
‫فَ ْ‬
‫وكذلك بما وقع للصحابة من كرامات في حياتهم وبعد موتهم ‪ ،‬فعن ابن عمر رضي ال‬
‫ل يدعى ‪ :‬سارية ‪ ،‬فبينا عمر رضي ال‬
‫عنهما قال ‪ :‬وجّه عمر جيشا ‪ ،‬ورأس عليهم رج ً‬
‫عنه يخطب جعل ينادي ‪ :‬يا سارية ‪ :‬الجبل ثلث مرات ‪ ،‬ثم قدم رسول الجيش فسأله‬
‫عمر ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا أمير المؤمنين هزمنا فبينا نحن كذلك إذ سمعنا صوتا ينادي ‪ :‬يا سارية‬
‫إلى الجبل ثلث مرات فأسندنا ظهورنا إلى الجبل فهزمهم ال تعالى ‪ ،‬وكانت المسافة بين‬
‫المدينة حيث كان يخطب عمر وبين مكان الجيش مسيرة شهر ‪.‬‬
‫ي عن أنس رضي ال عنه ‪ « :‬أنّ رجلين خرجا من عند النبيّ صلى ال‬
‫وأخرج البخار ّ‬
‫عليه وسلم في ليلة مظلمة وإذا نور بين أيديهما حتى تفرقا فتفرق النّور معهما » ‪ ،‬وفي‬
‫رواية ‪ « :‬أنّ الرجلين هما عباد بن بشر وأسيد بن حضير » ‪.‬‬
‫ووقعت للصحابة كرامات بعد موتهم ‪ ،‬روى أبو نعيم في الحلية ‪ « :‬أنّ رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم قال في حنظلة رضي ال عنه ‪ :‬وقد استشهد في أحد ‪ :‬إنّ صاحبكم تغسله‬
‫الملئكة فاسألوا أهله ما شأنه ؟ فسئلت صاحبته ‪ ،‬فقالت ‪ :‬إنّه خرج لما سمع الهائعة وهو‬
‫جنب ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬لذلك غسلته الملئكة » ‪.‬‬
‫ول تزال تقع الكرامات لصلحاء المؤمنين ‪ ،‬لنّ ال جلت قدرته وعد أن ينصرهم ويعينهم ‪،‬‬
‫ويؤيّدهم ‪ ،‬جاء في الحديث القدسيّ ‪ « :‬وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنّوافل حتى أحبه ‪،‬‬
‫فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ‪ ،‬ويده التي يبطش بها ‪،‬‬
‫ورجله التي يمشي بها ‪ ،‬وإن سألني لعطينّه ‪ ،‬ولئن استعاذ بي لعيذنّه » ‪ ،‬وهذا كناية‬
‫عن نصرة ال للعبد الصالح وتأييده ‪ ،‬وإعانته ‪ ،‬حتى كانه سبحانه ‪ :‬ينزل نفسه من عبده‬
‫منزلة اللت التي يستعين بها ‪ ،‬ولذا جاء في رواية ‪ « :‬فبي يسمع ‪ ،‬وبي يبصر ‪ ،‬وبي‬
‫يبطش ‪ ،‬وبي يمشي » ‪ ،‬ومن كانت هذه صلته بال فل يستبعد أن يكرمه بظهور ما ل‬
‫يطيقه غيره على يديه تكريما له ‪.‬‬
‫وأنكر أبو إسحاق السفرايينيّ وأبو عبد ال الحليميّ حصول ما يخرق العادة على يد غير‬
‫نبيّ ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬إنّ الخوارق دللت صدق النبياء ‪ ،‬ودليل النّبوة ل يوجد عند غير النبيّ ‪،‬‬
‫ولنّها لو ظهرت بأيدي الولياء لكثرت بكثرتهم ‪ ،‬ولخرجت عن كونها خارقةً للعادة ‪،‬‬
‫والفرض أنّها كذلك ‪.‬‬
‫قول من ادعى ما ل يمكن عادةً ‪:‬‬
‫‪ -‬إذا ادعى أحد ما ل يمكن عادةً ‪ ،‬ويمكن بالكرامة فل يقبل شرعا وهو لغو ‪ ،‬كأن ادعى‬ ‫‪9‬‬

‫أنّه رهن داره بالشام وأقبضه إياها ‪ ،‬وهما بمكة لم يقبل قوله ‪ ،‬قال القاضي أبو الطيّب ‪:‬‬
‫وهذا يدلّ على أنّه ل يحكم بما يمكن من كرامات الولياء ‪ ،‬وكذا إن تزوج بامرأة في‬
‫المغرب وهو بالمشرق وولدت لستة أشهر ل يلحقه ‪ ،‬لنّ هذه المور ل يعول عليها‬
‫بالشرع ‪ ،‬وإن خص الشارع شخصا بحكم يبقى الحكم خاصّا به ‪ ،‬ول يتعداه إلى غيره‬
‫بالقياس ‪ ،‬كقوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬من شهد له خزيمة أو شهد عليه فحسبه » ‪،‬‬
‫وهذه مكرمة خاصة بخزيمة بعد شهادته بشهادتين ‪ ،‬فل يقاس عليه غيره لنّه كرامة‬
‫مختصة به ‪ ،‬ول يقاس عليه غيره‬

‫كَراهة *‬
‫التعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬الكراهة في اللّغة مصدر كره ‪ ،‬يقال ‪ :‬كره الشيء كرها وكراه ًة وكراهي ًة فل أحبه ‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫فهو كريه ومكروه ‪.‬‬


‫وفي الصطلح ‪ :‬خطاب الشارع المقتضي الكف عن الفعل اقتضا ًء غير جازم ‪.‬‬
‫أقسام الكراهة ‪:‬‬
‫‪ -‬قال الزركشيّ ‪ :‬قد تكون الكراهة شرعي ًة ‪ ،‬وقد تكون إرشاديةً أي لمصلحة دنيوية ‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫ي صلى ال عليه وسلم أكل التمر لصهيب وهو أرمد » ‪ ،‬ومنه كراهة‬
‫ومنه « كراهة النب ّ‬
‫الماء المشمس على رأي ‪.‬‬
‫وتنقسم الكراهة إلى كراهة تحريمية ‪ ،‬وكراهة تنزيهية ‪.‬‬
‫قال ابن عابدين ‪ :‬قد يطلق المكروه على الحرام ‪ ،‬كقول القدوريّ في مختصره ‪ :‬ومن صلى‬
‫الظّهر في منزله يوم الجمعة قبل صلة المام ول عذر له كره له ذلك ‪ ،‬ويطلق على‬
‫المكروه تحريما ‪ ،‬وهو ما كان إلى الحرام أقرب ويسمّيه محمد حراما ظنّيّا ‪.‬‬
‫ويطلق على المكروه تنزيها وهو ما كان تركه أولى من فعله ‪ ،‬ويرادف خلف الولى ‪،‬‬
‫وفي البحر من مكروهات الصلة في هذا الباب نوعان ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬ما كره تحريما ‪ ،‬وهو المحمل عند إطلقهم الكراهة ‪ ،‬وذكر في فتح القدير ‪ :‬أنّه‬
‫ي الثّبوت ‪.‬‬
‫في رتبة الواجب ل يثبت إل بما يثبت به الواجب يعني بالظنّ ّ‬
‫ثانيهما ‪ :‬المكروه تنزيها ‪ ،‬ومرجعه إلى ما تركه أولى ‪ ،‬وكثيرا ما يطلقون " الكراهة " ‪...‬‬
‫فحينئذ إذا ذكروا مكروها فل بد من النظر في دليله ‪ ،‬فإن كان نهيا ظنّيّا يحكم بكراهة‬
‫التحريم ‪ ،‬إل لصارف للنهي عن التحريم إلى النّدب ‪ ،‬فإن لم يكن الدليل نهيا ‪ ،‬بل كان‬
‫للترك غير الجازم فهي تنزيهية ‪.‬‬
‫قال الزركشيّ ‪ :‬ويطلق " المكروه " على أربعة أمور ‪.‬‬
‫ك َمكْرُوها } أي محرما ‪.‬‬
‫ك كَانَ سَيّ ُئ ُه عِنْدَ رَبّ َ‬
‫أحدها ‪ :‬الحرام ‪ ،‬ومنه قوله تعالى ‪ُ { :‬كلّ ذَلِ َ‬
‫ي في باب النية ‪ :‬وأكره آنية‬
‫ووقع ذلك في عبارة الشافعيّ ومالك ‪ ،‬ومنه قول الشافع ّ‬
‫ن العجف‬
‫العاج‪ ،‬وفي باب السلم ‪ :‬وأكره اشتراط العجف والمشويّ والمطبوخ ; ل ّ‬
‫معيب ‪ ،‬وشرط المعيب مفسد ‪ ،‬قال الصيدلنيّ ‪ :‬وهو غالب في عبارة المتقدّمين كراهة أن‬
‫للٌ وَهَـذَا حَرَامٌ }‬
‫ف أَ ْلسِنَتُ ُكمُ ا ْلكَذِبَ هَـذَا حَ َ‬
‫يتناولهم قوله تعالى ‪َ { :‬و َل َتقُولُواْ ِلمَا تَصِ ُ‬
‫فكرهوا إطلق لفظ التحريم ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬ما نهي عنه نهي تنزيه وهو المقصود هنا ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬ترك الولى ‪ ،‬كصلة الضّحى لكثرة الفضل في فعلها ‪ ،‬حكى المام في النّهاية ‪ :‬أنّ‬
‫ترك غسل الجمعة مكروه مع أنّه ل نهي فيه ‪ ،‬قال ‪ :‬وهذا عندي جار في كلّ مسنون صح‬
‫المر به مقصودا ‪ .‬قلت ‪ :‬ويؤيّده نص الشافعيّ في المّ على أنّ ترك غسل الحرام‬
‫مكروه ‪ ،‬وفرق معظم الفقهاء بينه وبين الذي قبله ‪ :‬أنّ ما ورد فيه نهي مقصود يقال فيه ‪:‬‬
‫مكروه ‪ ،‬وما ل ‪ ،‬يقال فيه خلف الولى ول يقال ‪ :‬مكروه ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬ما وقعت الشّبهة في تحريمه كلحم السبع ويسير النّبيذ ‪ ،‬هكذا عدّه الغزاليّ في‬
‫المستصفى من أقسام الكراهة ‪ ،‬وبه صرح أصحابنا في الفروع في أكثر المسائل الجتهادية‬
‫المختلف في جوازها ‪ ،‬لكنّ الغزالي استشكله بأنّ من أداه اجتهاده إلى تحريمه فهو عليه‬
‫حرام ‪ ،‬ومن أداه اجتهاده إلى حلّه فل معنى للكراهة في حقّه ‪ ،‬إل إذا كان في شبهة الخصم‬
‫حزازة في نفسه ‪ ،‬ووقع في قلبه ‪ ،‬فل يصلح إطلق لفظ الكراهة ; لما فيه من خوف‬
‫التحريم ‪ ،‬وإن كان غالب الظنّ الحل ‪ ،‬ويتجه هذا على مذهب من يقول ‪ :‬المصيب واحد ‪،‬‬
‫وأما على قول من يقول ‪ :‬كلّ مجتهد مصيب فالحلّ عنده مقطوع به إذا غلب على ظنّه ‪.‬‬
‫‪ -‬وهل إطلق الكراهة على هذه المور من المشترك أو هو حقيقة في التنزيه مجاز في‬ ‫‪3‬‬

‫غيره ‪ ،‬وهل المكروه من التكليف أم ل وهل المكروه من القبيح أم ل يوصف بقبح ول‬
‫ي عنه أم ل وهل ترك‬
‫حسن‪ ،‬وهل المكروه يدخل تحت المر المطلق أم ل ‪ ،‬وهل هو منه ّ‬
‫المندوب يعتبر من المكروه تنزيها أم ل ؟ ‪.‬‬
‫وتفصيل ذلك كلّه ينظر في الملحق الصوليّ ‪.‬‬
‫خلف الولى ‪:‬‬
‫‪ -‬قال الزركشيّ ‪ :‬هذا النوع أهمله الصوليّون وإنّما ذكره الفقهاء وهو واسطة بين‬ ‫‪4‬‬

‫الكراهة والباحة ‪ ،‬واختلفوا في أشياء كثيرة هل هي مكروهة ‪ ،‬أو خلف الولى كالنّفض‬
‫والتنشيف في الوضوء وغيرهما ؟‬
‫قال إمام الحرمين ‪ ...‬التعرّض للفصل بينهما مما أحدثه المتآخرون ‪ ،‬وفرقوا بينهما بأنّ ما‬
‫ورد فيه نهي مقصود يقال فيه ‪ :‬مكروه ‪ ،‬وما ل فهو خلف الولى ول يقال ‪ :‬مكروه ‪،‬‬
‫والمراد بالنهي المقصود أن يكون مصرحا به كقوله ‪ :‬ل تفعلوا كذا ‪ ،‬أو نهيتكم عن كذا ‪،‬‬
‫ن تركه ل يكون مكروها ‪ ،‬وإن كان المر بالشيء نهيا عن‬
‫بخلف ما إذا أمر بمستحبّ فإ ّ‬
‫ضدّه ; لنّا استفدناه باللزم وليس بمقصود ‪ ،‬وقال في موضع آخر ‪ :‬إنّما يقال ‪ :‬ترك‬
‫الولى إذا كان منضبطا كالضّحى وقيام الليل ‪ ،‬وما ل تحديد له ول ضابط من المندوبات ل‬
‫يسمى تركه مكروها ‪ ،‬وإل لكان النسان في كلّ وقت ملبسا للمكروهات الكثيرة من حيث‬
‫إنّه لم يقم فيصلّي ركعتين ‪ ،‬أو يعود مريضا ونحوه ‪.‬‬
‫ن خلف الولى قسم من المكروه ‪،‬‬
‫قال الزركشيّ بعد نقل هذه القوال ‪ :‬والتحقيق ‪ :‬أ ّ‬
‫ودرجات المكروه تتفاوت كما في السّنّة ‪ ،‬ول ينبغي أن يعد قسما آخر وإل لكانت الحكام‬
‫ستةً وهو خلف المعروف أو كان خلف الولى خارجا عن الشريعة وليس كذلك ‪ ،‬وهذا‬
‫رأي بعض الحنفية حيث قال ‪ :‬إنّ مرجع كراهة التنزيه خلف الولى ‪.‬‬
‫وأشار بعضهم إلى أنّه قد يفرق بينهما بأنّ خلف الولى ما ليس فيه صيغة نهي كترك‬
‫ب ثبوت‬
‫صلة الضّحى ‪ ،‬بخلف المكروه تنزيها ‪ ،‬قال في البحر ‪ :‬ول يلزم من ترك المستح ّ‬
‫الكراهة ; إذ ل بد لها من دليل خاصّ ‪ ،‬وقال ابن عابدين عقب هذا الكلم ‪ :‬أقول وهذا هو‬
‫ن النّوافل من الطاعات كالصلة والصوم ونحوهما فعلها أولى من‬
‫الظاهر ; إذ ل شبهة أ ّ‬
‫ن تركها مكروه تنزيها ‪.‬‬
‫تركها بل عارض ‪ ،‬ول يقال ‪ :‬إ ّ‬
‫ِكرْدار *‬
‫التعريف‬
‫‪ -‬الكِرْدار ‪ -‬ويسمى بخوارزم حق القرار ‪ -‬فارسيّ يطلق على ما يبنى أو يغرس في‬ ‫‪1‬‬

‫الرض المحتكرة للوقف ‪ ،‬والراضي التي حازها المام لبيت المال ويدفعها مزارعةً إلى‬
‫الناس بالنّصف فيصير لهم فيها بناء وغرس أو كبس بالتّراب ‪.‬‬
‫الحكم الجماليّ ‪:‬‬
‫‪ -‬يجوز لمستأجري الراضي المحتكرة للوقف ونحوها بيع ما أحدثوه فيها من بناء ‪ ،‬أو‬ ‫‪2‬‬

‫ن ما أحدثه فيها ملكه ‪ ،‬وله في‬


‫غرس ‪ ،‬أو كبس بالتّراب إذا كان الكِرْدار معلوما ; ل ّ‬
‫الرض حقّ القرار فيجوز له بيعه ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪11‬‬ ‫وأما الشّفعة في الكردار فينظر تفصيله في مصطلح ( كدك ف ‪/‬‬

‫ُكرّ *‬
‫انظر ‪ :‬مقادير ‪.‬‬

‫َ ُكرّاث *‬
‫التعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬الكُرّاث لغةً بفتح الكاف وضمّها وتشديد الراء‪ :‬بقل معروف خبيث الرائحة كريه‬ ‫‪1‬‬

‫العرق‪.‬‬
‫ويقال ‪ :‬الكَرَاث بفتح الكاف وتخفيف الراء ‪ ،‬وهو ضرب من النبات واحدته كراثة وبه سمّي‬
‫الرجل كراثةً ‪.‬‬
‫قال أبو حنيفة الدينوريّ ‪ :‬الكَرَاث شجرة جبلية لها خضرة ناعمة ليّنة ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬البقل ‪:‬‬
‫‪ -‬وهو كلّ ما يُنبت الربيع ‪ ،‬وكلّ نبات اخضرت به الرض ‪ ،‬وكلّ ما ينبت أصله وفرعه‬ ‫‪2‬‬

‫في الشّتاء فهو بقل ‪.‬‬


‫فهو أعمّ من الكراث ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الثّوم ‪:‬‬
‫‪ -‬بقلة معروفة قوية الرائحة ‪ ،‬وهي ببلد العرب كثيرة ‪ ،‬منها ب ّريّ ومنها ريفيّ ‪ ،‬واحدته‬ ‫‪3‬‬

‫ثومة ‪.‬‬
‫والكراث والثّوم نوعان مختلفان من البقل ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬البصل ‪:‬‬
‫‪ -‬نبات معروف ينمو تحت الرض وله جذور دقيقة ويؤكل نيئا أو مطبوخا ‪ ،‬واحدته‬ ‫‪4‬‬

‫بصلة ‪.‬‬
‫وهو غير الكراث وهما نوعان مختلفان ‪.‬‬
‫د ‪ -‬الفجل ‪:‬‬
‫‪ -‬بقلة حولية وله أرومة خبيثة الجشاء ‪ ،‬واحدته ُفجْلة ‪ -‬بضمّ الفاء وسكون الجيم ‪-‬‬ ‫‪5‬‬

‫و ُفجُلة ‪ -‬بضمّ الفاء والجيم ‪. -‬‬


‫وهو غير الكراث ‪ ،‬وهما نوعان مختلفان من البقول ‪.‬‬
‫ما يتعلق بالكراث من أحكام ‪:‬‬
‫حكم أكله وأثره في حضور الجماعة ‪:‬‬
‫ن من العذار التي تبيح التخلّف عن الجماعة ‪ :‬أكل كلّ ذي رائحة‬
‫‪ -6‬اتفق الفقهاء على أ ّ‬
‫ي صلى ال‬
‫كريهة كبصل وثوم وكراث وفجل إذا تعذر زوال رائحته لحديث جابر عن النب ّ‬
‫عليه وسلم قال ‪ « :‬من أكل من هذه البقلة الثّوم وقال مر ًة ‪ :‬من أكل البصل والثّوم والكراث‬
‫فل يقربن مسجدنا ‪ ،‬فإنّ الملئكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم » ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪33‬‬ ‫والتفصيل في مصطلح ( صلة الجماعة ف ‪/‬‬
‫‪ -7‬وهذا الحكم فيمن أراد الذهاب إلى المسجد ‪ ،‬أما من لم يرد الذهاب للمسجد فصرح‬
‫الفقهاء أيضا بكراهية أكله إل لمن قدر على إزالة ريحها ‪.‬‬
‫قال ابن قدامة ‪ :‬ويكره أكل البصل والثّوم والكراث والفجل وكلّ ذي رائحة كريهة من أجل‬
‫رائحته ‪ ،‬سواء أراد دخول المسجد أم لم يرد ‪ ،‬لنّ النّبي صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬إنّ‬
‫الملئكة تتأذى مما يتأذى منه الناس » ‪.‬‬
‫وفي حاشية الدّسوقيّ ‪ :‬وأما أكله خارج المسجد في غير الجمعة فمكروه إن لم يرد الذهاب‬
‫للمسجد ‪ ،‬وإن أراد الذهاب إلى المسجد فالمعتمد أنّه حرام ‪.‬‬
‫ي ‪ :‬وأكلها مكروه في حقّه صلى ال عليه وسلم على الراجح وكذا في حقّنا ولو‬
‫وقال القليوب ّ‬
‫في غير المسجد ‪ .‬نعم ‪ .‬قال ابن حجر وشيخ السلم ‪ :‬ل يكره أكلها لمن قدر على إزالة‬
‫ريحها ول لمن لم يرد الجتماع مع الناس ‪ ،‬ويحرم أكلها بقصد إسقاط واجب كالجمعة‬
‫ويجب السعي في إزالة ريحها ‪.‬‬
‫وحكى النّوويّ إجماع من يعتدّ به على أنّ هذه البقول حلل ‪.‬‬
‫أكل الزوجة للكراث ‪:‬‬
‫ن من حقّ الزوج على زوجته أن يمنعها من أكل ما له رائحة كريهة‬
‫‪ -‬صرح الفقهاء بأ ّ‬ ‫‪8‬‬

‫كثوم أو بصل أو كراث لنّه يمنع القبلة وكمال الستمتاع ‪.‬‬


‫ففي فتح القدير والفتاوى الهندية ‪ :‬وله أن يمنعها من أكل ما يتأذى من رائحته ‪.‬‬
‫وفي الشرح الصغير ‪ :‬يجوز للزوج منعها من أكل كلّ ما له رائحة كريهة ما لم يأكله معها‬
‫أو يكن فاقد الشمّ وأما هي فليس لها منعه من ذلك ولو لم تأكل ‪.‬‬
‫وفي مغني المحتاج ‪ :‬وله منعها من أكل ما يتأذى من رائحته كبصل أو ثوم ‪.‬‬
‫وفي كشاف القناع ‪ :‬وتمنع الزوجة من أكل ما له رائحة كريهة كبصل أو ثوم وكراث لنّه‬
‫يمنع كمال الستمتاع ‪.‬‬
‫وهناك قول للحنابلة أنّه ليس للزوج منع الزوجة من ذلك لنّه ل يمنع الوطء ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪14‬‬ ‫وتفصيل ذلك في مصطلح ( عشرة ف ‪/‬‬
‫السلم في الكراث ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الفقهاء في صحة السلم في البقول وألتي منها الكراث ‪ ،‬فذهب الحنفية وهو‬ ‫‪9‬‬

‫قول الحنابلة في المذهب إلى عدم صحة ذلك لنّ البقول من ذوات المثال ; ولنّها تختلف‬
‫ول يمكن تقديرها بالحزم ‪.‬‬
‫وذهب المالكية والشافعية وهو رواية للحنابلة إلى صحة ذلك ‪.‬‬
‫بيع الكراث ‪:‬‬
‫‪ -‬اتفق الفقهاء في الجملة على صحة بيع الكراث بعد بدوّ صلحه لعموم حديث ابن‬ ‫‪10‬‬

‫عمر « أنّ النّبي صلى ال عليه وسلم نهى عن بيع الثّمار حتى يبدو صلحها » ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪87‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪70‬‬ ‫ولهم في ذلك تفصيلت وخلف ينظر في مصطلح ( بيع منهيّ عنه ف ‪/‬‬

‫ُكرْكيّ *‬
‫انظر ‪ :‬أطعمة ‪.‬‬

‫* ُكرْه‬
‫التعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬الكره في اللّغة ‪ -‬بض ّم الكاف وفتحها ‪ -‬المشقة ‪ ،‬وهو مصدر من كرهت الشيء‬ ‫‪1‬‬

‫أكرهه كُرها ‪ -‬بالضمّ والفتح ‪ -‬ض ّد أحببته فهو مكروه ‪.‬‬


‫وذهب كثير من أهل اللّغة إلى أنّ الكَره والكُره لغتان ‪ ،‬فبأيّ لغة وقع فهو جائز ‪ ،‬إل الفراء‬
‫فإنّه زعم أنّ الكره ‪ -‬بالضمّ ‪ -‬ما أكرهت نفسك عليه ‪ ،‬والكَره ‪ -‬بالفتح ‪ -‬ما أكرهك‬
‫غيرك عليه ‪.‬‬
‫وفي المصباح ‪ :‬الكره ‪ -‬بالفتح ‪ -‬المشقة ‪ ،‬وبالضمّ ‪ :‬القهر ‪ ،‬وقيل ‪ :‬بالفتح ‪ :‬الكراه ‪،‬‬
‫وبالضمّ المشقة ‪.‬‬
‫ول يخرج استعمال الفقهاء له عن المعنى اللّغويّ ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬البغض ‪:‬‬
‫‪ -‬البغض في اللّغة ‪ :‬نقيض الحبّ ‪ ،‬و َبغَض الشيء بغضا ‪ :‬مقته وكرهه ‪ ،‬وبَغُض الرجل‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬بالضمّ ‪َ -‬بغَاضةً ‪ ،‬أي صار بغيضًا ‪ ،‬وبغّضه ال إلى الناس تبغيضًا فأبغضوه ‪ ،‬أي‬
‫مقتوه‪ .‬وفي المفردات ‪ :‬البغض ‪ :‬نفار النفس عن الشيء الذي ترغب عنه ‪ ،‬وهو ضدّ‬
‫الحبّ ‪.‬‬
‫ي بين الكراهة والبغض فقال ‪ :‬إنّه قد اتسع بالبغض ما لم يتسع‬
‫وقد فرق أبو هلل العسكر ّ‬
‫بالكراهة ‪ ،‬فقيل ‪ :‬أبغض زيدا أي أبغض إكرامه ونفعه ‪ ،‬ول يقال ‪ :‬أكرهه بهذا المعنى ‪،‬‬
‫ومع هذا فإنّ الكراهة تستعمل فيما ل يستعمل فيه البغض ‪ ،‬فيقال ‪ :‬أكره هذا الطعام ول‬
‫يقال أبغضه ‪ ،‬والمراد أنّي أكره أكله ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الحبّ ‪:‬‬
‫‪ -‬الحبّ في اللّغة ‪ :‬نقيض البغض ‪ ،‬والحبّ ‪ :‬الوداد والمحبة ‪ ،‬وأحبّه فهو محبّ وحَبّه‬ ‫‪3‬‬

‫ُيحِبّه ‪ -‬بالكسر ‪ -‬فهو محبوب ‪ ،‬وتحبب إليه ‪ :‬تودد ‪.‬‬


‫والحبّ نقيض الكره ‪.‬‬
‫أنواع الكُره ‪:‬‬
‫‪ -‬جاء في المفردات ‪ :‬الكره على ضربين ‪:‬‬ ‫‪4‬‬

‫أحدهما ‪ :‬ما يعاف من حيث الطبع ‪.‬‬


‫والثاني ‪ :‬ما يُعاف من حيث العقل أو الشرع ‪.‬‬
‫ولهذا يصحّ أن يقول النسان في الشيء الواحد ‪ :‬إنّي أريده وأكرهه ‪ ،‬بمعنى أنّي أريده من‬
‫حيث الطبع ‪ ،‬وأكرهه من حيث العقل أو الشرع ‪ ،‬وأريده من حيث العقل أو الشرع ‪،‬‬
‫وأكرهه من حيث الطبع ‪ ،‬وقوله تعالى ‪ { :‬كُتِبَ عَلَ ْي ُكمُ ا ْلقِتَالُ وَ ُهوَ كُرْ ٌه ّل ُكمْ } ‪ ،‬أي تكرهونه‬
‫من حيث الطبع ‪.‬‬
‫ن فيه إخراج المال ومفارقة‬
‫وقد قال القرطبيّ في تفسير هذه الية ‪ :‬كان الجهاد كرها ل ّ‬
‫الهل والوطن ‪ ،‬والتعرّض بالجسد للشّجاج والجراح وذهاب النفس فكانت كراهيتهم لذلك ‪،‬‬
‫ل أنّهم كرهوا فرض ال ‪.‬‬
‫الحكم التكليفيّ ‪:‬‬
‫‪ -‬الكره قد يكون واجبا ككره الكفر وكره المعصية ولذلك كان من فضل ال على‬ ‫‪5‬‬

‫المؤمنين أنّه كرّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان ‪.‬‬


‫ي صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬ثلث من كنّ فيه وجد حلوة اليمان ‪ :‬أن يكون ال‬
‫ويقول النب ّ‬
‫ورسوله أحب إليه مما سواهما ‪ ،‬وأن يحب المرء ل يحبّه إل ل ‪ ،‬وأن يكره أن يعود في‬
‫الكفر كما يكره أن يقذف في النار » ‪.‬‬
‫وقد يكون الكره حراما ككره السلم أو الرسول صلى ال عليه وسلم أو الصحابة رضوان‬
‫ال تعالى عليهم أو الصالحين ‪ ،‬ويدخل في ذلك كراهة النّعمة عند الغير وحبّ زوالها عن‬
‫المنعم عليه ‪.‬‬
‫ن النسان مطالب بالرّضا‬
‫وقد يكون الكُره مباحا ككراهة المقضيّ به إن كان معصيةً ; ل ّ‬
‫بالقضاء مطلقا ‪ ،‬أما المقضيّ به فإن كان طاعةً فالواجب الرّضا بالقضاء والمقضيّ به‬
‫ي به معصيةً فليرض بالقضاء ول يرضى بالمقضيّ به بل يكرهه ‪.‬‬
‫جميعا‪ ،‬وإن كان المقض ّ‬
‫ن السخط بالقضاء حرام إجماعا والرّضا بالقضاء واجب إجماعا‬
‫يقول القرافيّ ‪ :‬اعلم أ ّ‬
‫بخلف المقضيّ به ‪ ،‬فعلى هذا إذا ابتلي النسان بمرض فتألم من المرض بمقتضى طبعه‬
‫فهذا ليس عدم رضا بالقضاء بل عدم رضا بالمقضيّ ونحن لم نؤمر بأن تطيب لنا البليا‬
‫والرزايا ومؤلمات الحوادث ‪ ،‬ولم ترد الشريعة بتكليف أحد بما ليس في طبعه ‪ ،‬ولم يؤمر‬
‫الرمد باستطابة الرمد المؤلم ول غيره من المرض ‪ ،‬بل ذم ال قوما ل يتألمون ول يجدون‬
‫للبأساء وقعا فذمهم بقوله تعالى ‪ { :‬وَ َلقَدْ َأخَذْنَاهُم بِا ْلعَذَابِ َفمَا اسْ َتكَانُوا لِرَ ّب ِهمْ َومَا‬
‫يَتَضَرّعُونَ } ‪ ،‬فمن لم يستكن ولم يذل للمؤلمات ويظهر الجزع منها ويسأل ربه إقالة‬
‫ي والمقدور أثر القضاء والقدر ‪،‬‬
‫العثرة منها فهو جبار عنيد بعيد عن طرق الخير ‪ ،‬فالمقض ّ‬
‫ي فقد يكون الرّضا به واجبا كاليمان بال‬
‫فالواجب هو الرّضا بالقضاء فقط ‪ ،‬أما المقض ّ‬
‫تعالى والواجبات إذا قدرها ال تعالى للنسان ‪ ،‬وقد يكون مندوبا في المندوبات وحراما في‬
‫المحرمات ‪ ،‬ومباحا في المباحات ‪ ،‬وأما الرّضا بالقضاء فواجب على الطلق ‪ ،‬وقد « حزن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم لموت ولده إبراهيم ورمي السيّدة عائشة بما رميت به »‬
‫ن هذا كله من المقضيّ ‪ ،‬والنبياء عليهم السلم طباعهم تتألم وتتوجع من‬
‫إلى غير ذلك ; ل ّ‬
‫ي به غير حاصل في طبائع النبياء‬
‫المؤلمات وتس ّر بالمسرات ‪ ،‬وإذا كان الرّضا بالمقض ّ‬
‫فغيرهم بطريق الولى ‪.‬‬
‫ومن الكره المباح ما ينقص النسان من المباحات ‪ ،‬يقول الغزاليّ ‪ :‬ل حرج على من يكره‬
‫تخلّف نفسه ونقصانها في المباحات ‪.‬‬
‫أثر الكره في العقيدة ‪:‬‬
‫‪ -‬من كره السلم ‪ ،‬أو كره الرسول صلى ال عليه وسلم فإنّه يعتبر كافرا ويقتل من‬ ‫‪6‬‬

‫ظهر منه ذلك إن لم يتب ‪.‬‬


‫أما بغض النصار والصحابة رضوان ال عليهم فإذا كان كرهه لهم من حيث إعزازهم الدين‬
‫وبذلهم النفس والمال في نصرة السلم ونصرة النبيّ صلى ال عليه وسلم فمن كرههم من‬
‫هذه الحيثية فهو كافر ‪ ،‬أما من كرههم لذواتهم فهو عاص ‪.‬‬
‫أثر الكره في المامة في الصلة ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الفقهاء إلى كراهة التصدّي للمامة إذا كان القوم يكرهونه لما روى أبو أمامة‬ ‫‪7‬‬

‫ن النّبي صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬ثلثة ل تجاوز صلتهم آذانهم ‪ :‬العبد‬
‫رضي ال عنه أ ّ‬
‫البق حتى يرجع ‪ ،‬وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط ‪ ،‬وإمام قوم وهم له كارهون » ‪.‬‬
‫ق بالمامة منه كره ذلك‬
‫قال الحنفية ‪ :‬إن كان القوم يكرهونه لفساد فيه أو لنّهم أح ّ‬
‫تحريما‪ ،‬وإن كان هو الحق بالمامة فل يكره والكراهة عليهم ‪.‬‬
‫وقال المالكية ‪ :‬إن كرهه أقلّ القوم ولو غير ذوي الفضل منهم لتلبّسه بالمور المزرية‬
‫الموجبة للزّهد فيه والكراهة له أو لتساهله في ترك السّنن كالوتر والعيدين وترك النّوافل‬
‫كرهت إمامته ‪ ،‬أما إذا كرهه كلّ القوم أو جلّهم أو ذوو الفضل منهم وإن قلّوا فتحرم إمامته‬
‫لحديث أبي أمامة ‪ ،‬ولقول عمر رضي ال تعالى عنه ‪ :‬لن تضرب عنقي أحبّ إلي من‬
‫ذلك‪ .‬وقال الشافعية ‪ :‬يكره تنزيها أن يؤم الرجل قوما أكثرهم له كارهون لمر مذموم‬
‫شرعا كوال ظالم أو متغلّب على إمامة الصلة ول يستحقّها أو ل يحترز من النّجاسة ‪ ،‬أو‬
‫يمحو هيئات الصلة ‪ ،‬أو يتعاطى معيشةً مذمومةً ‪ ،‬أو يعاشر الفسقة أو نحوهم وإن نصبه‬
‫لها المام العظم ‪ ،‬لحديث ‪ « :‬ثلثة ل تجاوز صلتهم آذانهم ‪ » ...‬ومنهم ‪ « :‬إمام قوم‬
‫وهم له كارهون » ‪.‬‬
‫والكثر في حكم الكلّ ‪ ،‬وإنّما كان الحكم لكره الكثر ل القلّ لنّهم يختلفون هل يتصف‬
‫المام بما يجعله مكروها أم ل ‪ ،‬فيعتبر قول الكثر لنّه من باب الرّواية ‪ ،‬أما إذا كرهه دون‬
‫الكثر ل لمر مذموم فل تكره له المامة ‪.‬‬
‫ونقل الشّربينيّ الخطيب أنّه يكره أن يولّي المام العظم على قوم رجلً يكرهه أكثرهم نص‬
‫عليه الشافعيّ ول يكره إن كرهه دون الكثر بخلف المامة العظمى فإنّها ‪ ،‬تكره إذا كرهها‬
‫البعض ‪.‬‬
‫ق كخلل‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬يكره أن يؤم رجل قوما أكثرهم له كارهون إذا كانت كراهتهم له بح ّ‬
‫في دينه أو فضله للحديث ‪ ،‬فإن كرهوه بغير حقّ لم يكره أن يؤمهم ‪ ،‬وذلك بأن كان ذا دين‬
‫وسنّة ‪ ،‬قال منصور ‪ :‬إنّا سألنا أمر المامة فقيل لنا ‪ :‬إنّما عنى بهذا الظلمة ‪ ،‬فأما من أقام‬
‫السّنّة فإنّما الثم على من كرهه ‪.‬‬
‫وهذا بالنّسبة للكثر من القوم أما الق ّل فقد قال المام أحمد ‪ :‬إذا كرهه واحد أو اثنان أو‬
‫ثلثة فل بأس حتى يكرهه أكثر القوم ‪.‬‬
‫أثر كره أحد الزوجين للخر ‪:‬‬
‫‪ -‬إذا كره الزوج زوجته لدمامة أو سوء خلق أو سوء عشرة من غير ارتكاب فاحشة أو‬ ‫‪8‬‬

‫ن بِا ْل َمعْرُوفِ فَإِن‬


‫شرُوهُ ّ‬
‫نشوز فإنّه يندب له احتمالها وعدم فراقها لقول ال تعالى ‪ { :‬وَعَا ِ‬
‫كَرِهْ ُتمُوهُنّ َف َعسَى أَن َتكْرَهُواْ شَيْئا وَ َيجْ َعلَ الّلهُ فِي ِه خَيْرًا كَثِيرا } ‪.‬‬
‫ن مع الكراهة فيه خير كثير لكم في الدّنيا والخرة ;‬
‫أي فعسى أن يكون صبركم في إمساكه ّ‬
‫إذ عسى أن يؤول المر إلى أن يرزقه ال منها أولدا صالحين ‪ ،‬ومن هذا المعنى ما ورد‬
‫عن أبي هريرة رضي ال تعالى عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬ل يفرك‬
‫مؤمن مؤمنةً إن كره منها خلقا رضي منها آخر » أي ل يبغضها بغضا كلّيّا يحمله على‬
‫فراقها ‪ ،‬بل يغفر سيّئتها لحسنتها ويتغاضى عما يكره لما يحبّ ‪.‬‬
‫أما إذا كره الزوج زوجته لكونها غير عفيفة أو لتفريطها في حقوق ال تعالى الواجبة‬
‫عليها مثل الصلة ونحوها ول يمكنه إجبارها عليها ‪ ،‬فل ينبغي له إمساكها لنّ فيه نقصا‬
‫ل أتى‬
‫لدينه ول يأمن إفسادها لفراشه وإلحاقها به ولدا ليس هو منه ‪ ،‬وقد روي « أنّ رج ً‬
‫ن امرأتي ل تردّ يد لمس فقال له النبيّ صلى ال عليه‬
‫النّبي صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬إ ّ‬
‫وسلم ‪ :‬طلّقها » ‪.‬‬
‫قال ابن قدامة ‪ :‬ول بأس بعضلها في هذه الحال والتضييق عليها لتفتدي منه ‪ ،‬قال ال‬
‫شةٍ مّبَيّ َنةٍ } ‪.‬‬
‫ح َ‬
‫ن ِبفَا ِ‬
‫تعالى ‪َ { :‬و َل َتعْضُلُوهُنّ لِتَ ْذهَبُواْ بِ َبعْضِ مَا آتَيْ ُتمُو ُهنّ ِإلّ أَن يَأْتِي َ‬
‫وإذا كرهت المرأة زوجها لقبح منظر أو سوء عشرة أو كبره أو ضعفه وخشيت أل تؤدّي‬
‫حق ال في طاعته جاز لها أن تخالعه بعوض تفتدي به نفسها منه لقول ال تعالى ‪ { :‬فَإِنْ‬
‫ن امرأة ثابت‬
‫ت ِبهِ } ‪ ،‬وقد ورد ‪ « :‬أ ّ‬
‫علَ ْي ِهمَا فِيمَا افْتَدَ ْ‬
‫خفْتُمْ َألّ ُيقِيمَا حُدُودَ الّلهِ فَلَ جُنَاحَ َ‬
‫ِ‬
‫بن قيس جاءت إلى النبيّ صلى ال عليه وسلم فقالت ‪ :‬يا رسول ال ما أنقم على ثابت في‬
‫دين ول خلق ‪ ،‬إل أنّي أخاف الكفر في السلم فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫أفتردين عليه حديقته ؟ فقالت ‪ :‬نعم ‪ ،‬فردت عليه وأمره ففارقها » ‪ ،‬فإن خالعته لغير بغض‬
‫كره لها ذلك ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪9‬‬ ‫وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ( خلع ف ‪/‬‬
‫َكسَاد *‬
‫انظر ‪ :‬نقود ‪.‬‬

‫َكسْب‬
‫التعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬الكسب في اللّغة ‪ :‬مصدر كسب ‪ ،‬يقال ‪ :‬كسب مالً أي ربحه واكتسب كذلك ‪ ،‬وكسب‬ ‫‪1‬‬

‫لهله واكتسب ‪ :‬طلب المعيشة ‪ ،‬وكسب الثم واكتسبه ‪ :‬تحمله ‪.‬‬


‫واصطلحا ‪ :‬هو الفعل المفضي إلى اجتلب نفع أو دفع ضرر ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الحِرفة ‪:‬‬
‫‪ -‬الحرفة ‪ -‬بالكسر ‪ -‬في اللّغة ‪ :‬الطّعمة ‪ ،‬والصّناعة يرتزق منها ‪ ،‬وكلّ ما اشتغل‬ ‫‪2‬‬

‫النسان ورضي به يسمى صنعةً وحرف ًة ; لنّه يتحرف إليها ‪.‬‬


‫ول يخرج استعمال الفقهاء لهذا اللفظ عن المعنى اللّغويّ ‪ ،‬قال الرمليّ ‪ :‬الحرفة ما يتحرف‬
‫به لطلب الرّزق من الصنائع وغيرها ‪.‬‬
‫ن الكسب قد يكون حرفةً‬
‫والصّلة بين الحرفة والكسب هي أنّ الكسب أعمّ من الحرفة ; ل ّ‬
‫وقد ل يكون ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الرّبح ‪:‬‬
‫‪ -‬الرّبح في اللّغة ‪ :‬المكسب ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫قال الزهريّ ‪ :‬ربح في تجارته ‪ :‬إذا أفضل فيها ‪.‬‬


‫ول يخرج استعمال الفقهاء لهذا اللفظ عن المعنى اللّغويّ ‪.‬‬
‫والصّلة بين الرّبح والكسب أنّ الرّبح ثمرة الكسب ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬الغنى ‪:‬‬
‫‪ -‬الغنى بالكسر والقصر في اللّغة ‪ :‬اليسار ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن المعنى اللّغويّ إل أنّه عند الفقهاء أنواع ‪.‬‬
‫ن الكسب وسيلة من وسائل الغنى ‪.‬‬
‫والصّلة بين الغنى والكسب أ ّ‬
‫الحكم التكليفيّ ‪:‬‬
‫‪ -‬الكسب قد يكون فرضا ‪ ،‬وهو الكسب بقدر الكفاية لنفسه وعياله وقضاء ديونه ونفقة‬ ‫‪5‬‬

‫ي صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬كفى بالمرء إثما أن يحبس عمن‬


‫من يجب عليه نفقته ‪ ،‬قال النب ّ‬
‫يملك قوته » ‪ ،‬فإن ترك الكتساب بعد ذلك وسعه ‪ ،‬وإن اكتسب ما يدخره لنفسه وعياله‬
‫ن النّبي صلى ال عليه وسلم كان يحبس لهله قوت سنتهم »‬
‫فهو في سعة ‪ ،‬فقد صح « أ ّ‬
‫‪.‬‬
‫وقد يكون الكسب مستحبّا ‪ ،‬وهو كسب ما زاد على أقلّ الكفاية ليواسي به فقيرا أو يصل به‬
‫قريبا ‪.‬‬
‫ويباح كسب الحلل لزيادة المال والجاه والترفّه والتنعم والتوسعة على العيال مع سلمة‬
‫الدّين والعرض والمروءة وبراءة الذّمة ; لنّه ل مفسدة فيه إذن ‪.‬‬
‫وأما الكسب للتفاخر والتكاثر ‪ -‬وإن كان من حلّ ‪ -‬فهو مكروه عند الحنفية ‪ ،‬وصرح‬
‫الحنابلة بحرمته لما فيه من التعاظم المفضي إلى هلك صاحبه دنيا وأخرى ‪.‬‬
‫آداب الكسب ‪:‬‬
‫‪ -‬قال أبو الليث السمرقنديّ ‪ :‬من أراد أن يكون كسبه طيّبا فعليه أن يحفظ خمسة أشياء‪:‬‬ ‫‪6‬‬

‫أولها ‪ :‬أن ل يؤخّر شيئا من فرائض ال تعالى لجل الكسب ‪ ،‬ول يدخل النقص فيها ‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬أن ل يؤذي أحدا من خلق ال لجل الكسب ‪.‬‬
‫والثالث ‪ :‬أن يقصد بكسبه استعفافا لنفسه ولعياله ‪ ،‬ول يقصد به الجمع والكثرة ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬أن ل يجهد نفسه في الكسب جدّا ‪.‬‬
‫والخامس ‪ :‬أن ل يرى رزقه من الكسب ‪ ،‬ويرى الرّزق من ال تعالى ‪ ،‬والكسب سببا ‪.‬‬
‫كما يجب على كلّ مسلم مكتسب تحصيل علم الكسب ‪ ،‬وذلك لمعرفة أحكام العقود التي ل‬
‫تنفكّ المكاسب عنها ‪ ،‬وهي البيع والرّبا والسلم والجارة والشركة والقراض ‪ ،‬ومهما‬
‫حصل علم هذه العقود وقف المكتسب على مفسدات المعاملة فيتقيها ‪.‬‬
‫المفاضلة بين الكسب وبين التفرّغ للعبادة ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الفقهاء في المفاضلة بين الشتغال بالكسب والتفرّغ للعبادة بعد تحصيل ما ل بد‬ ‫‪7‬‬

‫للمرء منه ‪:‬‬


‫ن الكسب الذي ل يقصد به التكاثر ‪ ،‬وإنّما يقصد به التوسّل إلى‬
‫فذهب أكثر الفقهاء إلى أ ّ‬
‫طاعة ال ‪ ،‬من صلة الخوان والتعفّف عن وجوه الناس ‪ ،‬هو أفضل من التفرّغ للعبادة من‬
‫ن ما اكتسبه الزارع تصل منفعته إلى‬
‫الصلة والصوم والحجّ ; لنّ منفعة الكتساب أعمّ ‪ ،‬فإ ّ‬
‫الجماعة عادةً ‪ ،‬والذي يشتغل بالعبادة إنّما ينفع نفسه ; لنّه بفعله يحصّل النّجاة لنفسه‬
‫والثواب لجسمه ‪ ،‬وما كان أعم فهو أفضل ‪ ،‬لقوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬خير الناس‬
‫أنفعهم للناس » ‪ ،‬ولهذا كان الشتغال بطلب العلم أفضل من التفرّغ للعبادة ; لنّ منفعة ذلك‬
‫أعمّ ‪ ،‬ولهذا كانت المارة والسلطنة بالعدل أفضل من التخلّي للعبادة كما اختاره الخلفاء‬
‫ي صلى ال‬
‫الراشدون رضوان ال عليهم ; لنّ ذلك أع ّم نفعا ‪ ،‬وإلى هذا المعنى أشار النب ّ‬
‫عليه وسلم في قوله ‪ « :‬العبادة عشرة أجزاء » وقوله عليه السلم ‪ « :‬الجهاد عشرة‬
‫أجزاء تسعة منها في طلب الحلل » ‪ ،‬يعني طلب الحلل للنفاق على العيال ‪ ،‬والدليل عليه‬
‫أنّه بالكسب يتمكن من أداء أنواع الطاعات من الجهاد والحجّ والصدقة وب ّر الوالدين وصلة‬
‫الرحم والحسان إلى القارب والجانب ‪ ،‬وفي التفرّغ للعبادة ل يتمكن إل من أداء بعض‬
‫النواع كالصوم والصلة ‪.‬‬
‫ويرى الحنفية على الصحّ أنّ التفرّغ للعبادة أفضل ; لنّ النبياء والرّسل عليهم السلم ما‬
‫اشتغلوا بالكسب في عامة الوقات ‪ ،‬ول يخفى على أحد أنّ اشتغالهم بالعبادة في عمرهم‬
‫كان أكثر من اشتغالهم بالكسب ‪ ،‬ومعلوم أنّهم كانوا يختارون لنفسهم أعلى الدرجات ‪ ،‬ول‬
‫ن أعلى مناهج الدّين طريق المرسلين عليهم السلم ‪ ،‬وكذا الناس في العادة إذا حزبهم‬
‫شك أ ّ‬
‫أمر يحتاجون إلى دفعه عن أنفسهم فيشتغلون بالعبادة ل بالكسب ‪ ،‬والناس إنّما يتقربون‬
‫إلى العباد دون المكتسبين ‪.‬‬
‫المفاضلة بين الغنى والفقر ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الفقهاء في المفاضلة بين الغنى والفقر ‪ ،‬مع اتّفاقهم على أنّ ما أحوج من‬ ‫‪8‬‬

‫الفقر مكروه ‪ ،‬وما أبطر من الغنى مذموم ‪ ،‬فذهب قوم إلى تفضيل الغنى على الفقر ; لنّ‬
‫الغني مقتدر ‪ ،‬والفقير عاجز ‪ ،‬والقدرة أفضل من العجز ‪ ،‬قال الماورديّ ‪ :‬وهذا مذهب من‬
‫غلب عليه حبّ النّباهة ‪.‬‬
‫ن الفقير تارك ‪ ،‬والغني ملبس ‪ ،‬وترك‬
‫وذهب آخرون إلى تفضيل الفقر على الغنى ; ل ّ‬
‫ب السلمة ‪.‬‬
‫الدّنيا أفضل من ملبستها ‪ ،‬قال الماورديّ ‪ :‬وهذا مذهب من غلب عليه ح ّ‬
‫والمذهب عند الحنفية أنّ صفة الفقر أعلى ‪.‬‬
‫وذهب آخرون إلى تفضيل التوسّط بين المرين بأن يخرج عن ح ّد الفقر إلى أدنى مراتب‬
‫الغنى ‪ ،‬ليصل إلى فضيلة المرين ‪ ،‬ويسلم من مذمة الحالين ‪ ،‬قال الماورديّ ‪ :‬وهذا مذهب‬
‫من يرى تفضيل العتدال ‪ ،‬وأنّ خيار المور أوساطها ‪.‬‬
‫التوفيق بين كسب الرّزق وبين التوكّل ‪:‬‬
‫‪ -‬جاء في المبسوط ‪ :‬المذهب عند جمهور الفقهاء من أهل السّنّة والجماعة أنّ الكسب‬ ‫‪9‬‬

‫بقدر ما ل بد منه فريضة ‪.‬‬


‫ي ‪ -‬قد يكون على ثلثة أوجه ‪:‬‬
‫وتقصير النسان عن طلب كفايته ‪ -‬كما قال الماورد ّ‬
‫فيكون تارةً كسلً ‪ ،‬وتار ًة توكّلً ‪ ،‬وتارةً زهدا وتقنّعا ‪.‬‬
‫فإن كان تقصيره لكسل فقد حرم ثروة النّشاط ومرح الغتباط ‪ ،‬فلن ُيعْدَمَ أن يكون كَلّا قصيّا‬
‫أو ضائعا شقيّا ‪.‬‬
‫ن ال‬
‫ك حزم قد غير اسمه ‪ ،‬ل ّ‬
‫وإن كان تقصيره لتوكّل فذلك عجز قد أعذر به نفسه ‪ ،‬وتر ُ‬
‫تعالى أمر بالتوكّل عند انقطاع الحيل والتسليم إلى القضاء بعد العذار ‪ ،‬فقد روى سفيان‬
‫ن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يرافق‬
‫عن أيّوب عن أبي قلبة رضي ال عنه « أ ّ‬
‫بين أصحابه رفقاء ‪ ،‬فجاءت رفقة يهرفون برجل يقولون ‪ :‬ما رأينا مثل فلن ‪ ،‬إن نزلنا‬
‫فصلة وإن ركبنا فقراءة ‪ ،‬ول يفطر ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬من كان‬
‫يرحل له ‪ ،‬ومن كان يعمل له ؟ وذكر أشياء فقالوا ‪ :‬نحن ‪ ،‬فقال ‪ :‬كلّكم خير منه » ‪.‬‬
‫ن الكسب ينفي التوكّل على ال أو ينقص منه ‪ ،‬وقد أمرنا‬
‫وجاء في المبسوط ‪ :‬قال قوم ‪ :‬إ ّ‬
‫بالتوكّل قال ال تعالى ‪ { :‬وَعَلَى الّلهِ فَلْيَ َت َو ّكلِ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ } فما يتضمن نفي ما أمر به من‬
‫التوكّل يكون حراما ‪ ،‬والدليل على أنّه ينفي التوكّل قوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬لو أنّكم‬
‫كنتم توكلون على ال حق توكّله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا » ‪.‬‬
‫وهو قول مردود ‪.‬‬
‫أنواع الكسب ‪:‬‬
‫ن حاجة النسان للمادة لزمة ل يعرى منها بشر ‪ ،‬فإذا عدم المادة التي هي قوام‬
‫‪-‬إّ‬ ‫‪10‬‬

‫نفسه لم تدم له حياة ‪ ،‬ولم تستقم له دنيا ‪ ،‬وإذا تعذر شيء منها عليه لحقه من الوهن في‬
‫نفسه والختلل في دنياه بقدر ما تعذر من المادة عليه ; لنّ الشيء القائم بغيره يكمل‬
‫بكماله ‪ ،‬ويختلّ باختلله ‪ ،‬ثم لما كانت الموادّ مطلوبةً لحاجة الكافة إليها ‪ ،‬أعوزت بغير‬
‫طلب ‪.‬‬
‫ثم إنّه جلت قدرته جعل سد حاجة الناس وتوصّلهم إلى منافعهم من وجهين ‪ :‬بمادة وكسب‬
‫‪ .‬فأما المادة فهي حادثة عن اقتناء أصول نامية بذواتها ‪.‬‬
‫وأما الكسب فيكون بالفعال الموصّلة إلى المادة ‪ ،‬والتصرّف المؤدّي إلى الحاجة ‪ ،‬وذلك‬
‫من وجهين ‪ :‬أحدهما ‪ :‬تقلّب في تجارة ‪ ،‬والثاني ‪ :‬تصرّف في صناعة ‪ ،‬وهذان الوجهان‬
‫هما فرع لوجهي المادة ‪ ،‬فصارت أسباب الموادّ المألوفة وجهات المكاسب المعروفة من‬
‫أربعة أوجه ‪ :‬نماء زراعة ‪ ،‬ونتاج حيوان ‪ ،‬وربح تجارة ‪ ،‬وكسب صناعة ‪.‬‬
‫المفاضلة بين أنواع المكاسب المختلفة ‪:‬‬
‫ي ‪ :‬المكاسب أربعة ‪:‬‬
‫‪ -‬قال السرخس ّ‬ ‫‪11‬‬

‫الجارة والتّجارة والزّراعة والصّناعة وكلّ ذلك في الباحة سواء ‪.‬‬


‫وصرح الحنفية بأنّ أفضل أنواع الكسب الجهاد ; لنّ فيه الجمع بين حصول الكسب وإعزاز‬
‫الدّين وقهر عد ّو ال ‪.‬‬
‫ثم اختلف مشايخ الحنفية في المفاضلة بين التّجارة والزّراعة ‪ :‬فذهب الكثرون إلى أنّ‬
‫الزّراعة أفضل من التّجارة لنّها أعمّ نفعا ‪ ،‬فبعمل الزّراعة يحصل ما يقيم به المرء صلبه ‪،‬‬
‫ويتقوى على الطاعة ‪ ،‬وبالتّجارة ل يحصل ذلك ولكن ينمو المال ‪ ،‬وقال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ « :‬خير الناس أنفعهم للناس » ‪ ،‬والشتغال بما يكون نفعه أعمّ يكون أفضل ; ولنّ‬
‫ب والطّيور ‪،‬‬
‫الصدقة في الزّراعة أظهر ‪ ،‬فل بد أن يتناول مما يكتسبه الزّراع الناس والدوا ّ‬
‫وكلّ ذلك صدقة له ‪ ،‬قال صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع‬
‫زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إل كان له به صدقة » ‪.‬‬
‫وقال بعضهم ‪ :‬التّجارة أفضل من الزّراعة ‪.‬‬
‫وتأتي الصّناعة بعد الجهاد والزّراعة والتّجارة ‪.‬‬
‫وقال الماورديّ ‪ :‬أصول المكاسب ‪ :‬الزّراعة والتّجارة والصنعة ‪ ،‬وأيّها أطيب ؟ فيه ثلثة‬
‫ي ‪ :‬أنّ التّجارة أطيب ‪ ،‬قال الماورديّ ‪ :‬والشبه‬
‫مذاهب للناس ‪ :‬أشبهها مذهب الشافع ّ‬
‫عندي‪ :‬أنّ الزّراعة أطيب ; لنّها أقرب إلى التوكّل ‪.‬‬
‫ي صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬ما أكل أحد طعاما قطّ خيرا من أن يأكل‬
‫قال النّوويّ ‪ :‬قال النب ّ‬
‫من عمل يده وإنّ نبي ال داود عليه السلم كان يأكل من عمل يده » ‪ ،‬فهذا صريح في‬
‫ترجيح الزّراعة والصنعة ; لكونهما من عمل يده ‪ ،‬لكنّ الزّراعة أفضلهما لعموم النفع بها‬
‫للدميّ وغيره وعموم الحاجة إليها ‪.‬‬
‫سؤال القادر على الكسب ‪:‬‬
‫ن سؤال المال ‪ ،‬والمنفعة الدّنيوية ممن ل حق له فيه أي في المسئول منهما‬
‫‪ -‬الصل أ ّ‬ ‫‪12‬‬

‫حرام ; لنّه ل ينفكّ عن ثلثة أمور محرمة ‪:‬‬


‫أحدها ‪ :‬إظهار الشكوى ‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬إذلل نفسه ‪ ،‬وما ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه ‪.‬‬
‫والثالث ‪ :‬إيذاء المسئول غالبا ‪.‬‬
‫وإنّما يباح السّؤال في حالة الضرورة والحاجة المهمة القريبة من الضرورة ‪.‬‬
‫وإن كان المحتاج بحيث يقدر على التكسّب فعليه أن يكتسب ‪ ،‬ول يحلّ له أن يسأل لما روي‬
‫عن النبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال ‪ « :‬من سأل وهو غنيّ عن المسألة يحشر يوم‬
‫القيامة وهي خموش في وجهه » ‪.‬‬
‫ن عبد ال بن عديّ بن الخيار قال ‪ « :‬أخبرني رجلن أنّهما أتيا النّبي صلى ال‬
‫وورد أ ّ‬
‫عليه وسلم في حجة الوداع وهو يقسم الصدقة ‪ ،‬فسأله منها ‪ ،‬فرفع فينا البصر وخفضه ‪،‬‬
‫ي مكتسب » معناه ل‬
‫فرآنا جلدين ‪ ،‬فقال ‪ :‬إن شئتما أعطيتكما ‪ ،‬ول حظ فيها لغنيّ ول لقو ّ‬
‫حق لهما في السّؤال ‪ ،‬وقال صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬ل تحلّ الصدقة لغنيّ ول لذي مرة‬
‫سويّ » يعني ل يحلّ السّؤال للقويّ القادر على التكسّب ‪ ،‬ولكنّه لو سأل فأعطي حل له أن‬
‫يتناول ‪ ،‬لقوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬إن شئتما أعطيتكما » فلو كان ل يحلّ التناول لما‬
‫قال صلى ال عليه وسلم لهما ذلك ‪.‬‬
‫ت لِ ْل ُفقَرَاء } والقادر على الكسب فقير هذا عند الحنفية ‪.‬‬
‫وقد قال ال تعالى ‪ { :‬إِ ّنمَا الصّدَقَا ُ‬
‫ي ول لقويّ يقدر على الكسب ‪.‬‬
‫ويرى أكثر أهل العلم أنّ الزكاة ل تحلّ لغن ّ‬
‫قال النّوويّ ‪ :‬واتفقوا على النهي عن السّؤال بل ضرورة ‪ ،‬وفي القادر على الكسب‬
‫وجهان‪ :‬أصحّهما أنّه حرام ‪ ،‬والثاني يحلّ بشرط أن ل يذل نفسه ‪ ،‬ول يلح في السّؤال ‪،‬‬
‫ول يؤذي المسئول ‪ ،‬وإل حرم اتّفاقا ‪.‬‬
‫وإذا كان المحتاج عاجزا عن الكسب ‪ ،‬ولكنّه قادر على أن يخرج فيطوف على البواب‬
‫ويسأل ‪ ،‬فإنّه يفترض عليه ذلك ‪ ،‬فإذا لم يفعل ذلك حتى هلك كان إثما عند أهل الفقه ; لنّه‬
‫ن السّؤال يوصله إلى ما يقوّم به نفسه في هذه الحالة‬
‫ألقى بنفسه إلى التهلكة ‪ ،‬فإ ّ‬
‫كالكسب ‪ ،‬ول ذل في هذه الحالة ‪ ،‬فقد أخبر ال تعالى عن موسى عليه السلم وصاحبه‬
‫أنّهما أتيا أهل قرية استطعما أهلها ‪.‬‬
‫وقال بعض المتقشّفة ‪ :‬السّؤال مباح له بطريق الرّخصة ‪ ،‬فإن تركه حتى مات لم يكن‬
‫إثما; لنّه متمسّك بالعزيمة ‪.‬‬
‫ومن اشتد جوعه حتى عجز عن طلب القوت ‪ ،‬ففرض على كلّ من علم به أن يطعمه ‪ ،‬أو‬
‫يدل عليه من يطعمه ; صونا له عن الهلك ‪ ،‬فإن امتنعوا عن ذلك حتى مات اشتركوا في‬
‫الثم ‪ ،‬قال عليه الصلة والسلم ‪ « :‬ما أمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو‬
‫يعلم به » وإن أطعمه واحد سقط الثم عن الباقين ‪.‬‬
‫نفقة القريب العاجز عن الكسب ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الفقهاء في وجوب النفقة للفقير القادر على الكسب على من تجب عليه نفقته‪.‬‬ ‫‪13‬‬

‫ن النفقة ل تجب للفقير إل إذا كان عاجزا عن الكسب حقيقةً أو حكما ‪.‬‬
‫فذهب الجمهور إلى أ ّ‬
‫وخالف الحنفية في البوين وقالوا ‪ :‬تجب النفقة لهما إذا كانا فقيرين وإن قدرا على الكسب;‬
‫لنّهما يتضرران بالكسب ‪ ،‬والولد مأمور بدفع الضرر عنهما ‪.‬‬
‫وقال الشافعية ‪ :‬إن قدر القريب الفقير على الكسب فأقوال ‪ ،‬أظهرها كما قال النّوويّ ‪ :‬تجب‬
‫لصل دون فرع ‪.‬‬
‫والتفصيل في مصطلح ( نفقة ) ‪.‬‬
‫إجبار المفلّس على التكسّب ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنفية والمالكية والشافعية ‪ ،‬وهو رواية عند الحنابلة إلى أنّه ليس على‬ ‫‪14‬‬

‫المفلّس بعد القسمة أن يكتسب أو يؤجّر نفسه لوفاء ما بقي عليه من الدين ولو كان قادرا‬
‫عسْرَةٍ فَ َنظِرَ ٌة إِلَى مَ ْيسَرَةٍ } ‪ ،‬أمر بإنظاره ولم يأمر‬
‫عليه ‪ ،‬لقول ال تعالى ‪َ { :‬وإِن كَانَ ذُو ُ‬
‫ل أصيب في عهد رسول ال‬
‫ي رضي ال عنه « أنّ رج ً‬
‫باكتسابه ‪ ،‬وروى أبو سعيد الخدر ّ‬
‫صلى ال عليه وسلم في ثمار ابتاعها فكثر دينه ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫تصدقوا عليه فتصدق الناس عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم لغرمائه ‪ :‬خذوا ما وجدتم وليس لكم إل ذلك » ‪.‬‬
‫ولنّ هذا تكسّب للمال فلم يجبره عليه كقبول الهبة والصدقة ‪ ،‬وكما ل تجبر المرأة على‬
‫التزويج لتأخذ المهر ‪.‬‬
‫وأضاف الشافعية ‪ :‬أنّه إن وجب الدين بسبب عصى به ‪ -‬كإتلف مال الغير عمدا ‪ -‬وجب‬
‫عليه الكتساب ‪ ،‬وأمر به ‪ ،‬ولو بإيجار نفسه ‪ ،‬لنّ التوبة من ذلك واجبة ‪ ،‬وهي متوقّفة‬
‫في حقوق الدميّين على الردّ ‪.‬‬
‫ويرى الحنابلة في المذهب عندهم أنّه يجبر على الكسب ‪ ،‬وهو قول عمر بن عبد العزيز‬
‫ن النّبي صلى ال عليه وسلم « باع سرّقا في دينه ‪ ،‬وكان‬
‫وسوار العنبريّ وإسحاق ‪ ،‬ل ّ‬
‫ل دخل المدينة ‪ ،‬وذكر أنّ وراءه مالً ‪ ،‬فداينه الناس ‪ ،‬فركبته ديون ولم يكن‬
‫سُرّق رج ً‬
‫وراءه مال ‪ ،‬فسماه سرّقا ‪ ،‬وباعه بأربعة أبعرة » ‪ ،‬والحرّ ل يباع ‪ ،‬ثبت أنّه باع منافعه‬
‫ولنّ المنافع تجري مجرى العيان في صحة العقد عليها وتحريم أخذ الزكاة وثبوت الغنى‬
‫بها ‪ ،‬فكذلك في وفاء الدين منها ‪ ،‬ولنّ الجارة عقد معاوضة فجاز إجباره عليها كبيع ماله‬
‫في وفاء الدين منها ‪.‬‬
‫وقال ابن قدامة ‪ :‬ل يجبر على الكسب إل من في كسبه فضل عن نفقته ونفقة من يمونه ‪.‬‬
‫وذهب اللخميّ من المالكية إلى أن يجبر على التكسّب إذا كان صانعا وشرط عليه التكسّب‬
‫في عقد الدين ‪.‬‬
‫تكليف الصغير بالتكسّب ‪:‬‬
‫‪ -‬ندب السلم إلى الستغناء والتنزّه عن تكليف الصغير بالكسب ‪ ،‬فقد أخرج مالك من‬ ‫‪15‬‬

‫حديث أبي سهيل بن مالك عن أبيه أنّه سمع عثمان بن عفان وهو يخطب ويقول ‪ :‬ل تكلّفوا‬
‫المة غير ذات الصنعة الكسب ‪ ،‬فإنّكم متى كلفتموها ذلك كسبت بفرجها ‪ ،‬ول تكلّفوا‬
‫الصغير الكسب ‪ ،‬فإنّه إذا لم يجد سرق ‪ ،‬وعفّوا إذا أعفكم ال ‪ ،‬وعليكم من المطاعم بما‬
‫طاب منها ‪ .‬وقال أبو الوليد الباجيّ ضمن تعليقه على أثر عثمان رضي ال عنه ‪ :‬الصغير‬
‫إذا كلّف الكسب ‪ ،‬وأن يأتي بالخراج وهو ل يطيق ذلك ‪ ،‬فإنّه ربما اضطره إلى أن يتخلص‬
‫مما لزمه من الخراج بأن يسرق ‪.‬‬
‫وقال ابن عبد الب ّر في تعليقه على الثر المذكور ‪ :‬هذا كلم صحيح واضح المعنى ‪ ،‬موافق‬
‫للسّنّة ‪ ،‬والقول في شرحه تكلّف ‪.‬‬
‫التكسّب في المسجد ‪:‬‬
‫‪ -‬يرى الحنفية والشافعية وبعض المالكية وابن عقيل من الحنابلة كراهة التكسّب بعمل‬ ‫‪16‬‬

‫الصّناعات مثل الخياطة في المسجد ‪ ،‬ول يكره من ذلك ما قل ‪ ،‬مثل رقع ثوبه أو خصف‬
‫نعله ‪.‬‬
‫ل عن النّوويّ ‪ :‬فأما من ينسخ فيه شيئا من العلم ‪ ،‬أو اتفق قعوده فيه‬
‫قال الزركشيّ نق ً‬
‫فخاط ثوبا ‪ ،‬ولم يجعله مقعدا للخياطة ‪ ،‬فل بأس به ‪ ،‬وقال في الروضة ‪ :‬يكره عمل‬
‫الصنائع منه أي المداومة ‪ ،‬أما من دخل لصلة أو اعتكاف فخاط ثوبه لم يكره ‪.‬‬
‫واستثنى الحنفية من الكراهة ما إذا كانت الصّناعة لجل حفظ المسجد ل للتكسّب فقد جاء‬
‫في الفتاوى الهندية ‪ :‬الخياط إذا كان يخيط في المسجد يكره ‪ ،‬إل إذا جلس لدفع الصّبيان‬
‫وصيانة المسجد ‪ ،‬فحينئذ ل بأس به ‪.‬‬
‫وذهب الحنابلة إلى أنّه يحرم تكسّب بصنعة في المسجد ; لنّه لم يبن لذلك غير كتابة ; لنّ‬
‫الكتابة نوع من تحصيل العلم ‪.‬‬
‫ص بمنفعة آحاد‬
‫وقال بعض المالكية ‪ :‬إنّما يمنع في المساجد من عمل الصّناعات ما يخت ّ‬
‫الناس مما يتكسب به ‪ ،‬فل يتخذ المسجد متجرا ‪ ،‬فأما إن كانت لما يشمل المسلمين في‬
‫دينهم مثل المثاقفة " وهي الملعبة لظهار المهارة والحذق " وإصلح آلت الجهاد مما ل‬
‫مهنة في عمله للمسجد فل بأس به ‪.‬‬
‫وأما التكسّب في المسجد بالبيع والشّراء فيرى المالكية والشافعية على الظهر وبعض‬
‫الحنابلة كراهته ‪ ،‬فقد ورد من حديث أبي هريرة رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪ « :‬إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا ‪ :‬ل أربح ال تجارتك ‪،‬‬
‫وإذا رأيتم من ينشد فيه ضال ًة فقولوا ‪ :‬ل رد ال عليك » ‪.‬‬
‫ل ثوبا عليه أو سلعةً تقدمت رؤيتها ‪ ،‬وقال‬
‫وفي جامع الذخيرة ‪ :‬جوز مالك أن يساوم رج ً‬
‫الجزوليّ ‪ :‬ول يجوز البيع في المسجد ول الشّراء ‪ ،‬واختلف إذا رأى سلعةً خارج المسجد‬
‫هل يجوز أن يعقد البيع في المسجد أم ل ؟ قولن ‪ :‬من غير سمسار ‪ ،‬وأما البيع بالسّمسار‬
‫فيه فممنوع باتّفاق ‪.‬‬
‫ويرى الحنفية أنّه يمنع من البيع والشّراء وكلّ عقد لغير المعتكف في المسجد ‪ ،‬ويجوز‬
‫للمعتكف بشرط أن ل يكون للتّجارة ‪ ،‬بل يكون ما يحتاجه لنفسه أو عياله بدون إحضار‬
‫السّلعة ‪.‬‬
‫وصرح الحنابلة بأنّه يحرم في المسجد البيع والشّراء ول يصحان ‪.‬‬
‫وقال ابن بطال ‪ :‬أجمع العلماء على أنّ ما عقد من البيع في المسجد ل يجوز نقضه ‪.‬‬
‫ويرى الشافعية في قول أنّ البيع والشّراء في المسجد ل يكره بل يباح ‪ ،‬ونقل الزركشيّ‬
‫ترخيص بعض أهل العلم فيه ‪.‬‬
‫الكسب الخبيث ومصيره ‪:‬‬
‫‪ -‬طلب الحلل فرض على ك ّل مسلم ‪ ،‬وقد أمر ال تعالى بالكل من الطيّبات ‪ ،‬فقال‬ ‫‪17‬‬

‫ت مَا رَ َزقْنَا ُكمْ } ‪ ،‬وقال في ذمّ الحرام ‪:‬‬


‫سبحانه وتعالى ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ كُلُو ْا مِن طَيّبَا ِ‬
‫طلِ } إلى غير ذلك من اليات ‪.‬‬
‫{ َو َل تَ ْأكُلُو ْا َأمْوَا َلكُم بَيْ َنكُم بِالْبَا ِ‬
‫وفي حديث ابن مسعود رضي ال عنه ‪ :‬أنّ النّبي صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬ول يكسب‬
‫عبد مالً من حرام ‪ ،‬فينفق منه فيبارك له فيه ‪ ،‬ول يتصدق به فيقبل منه ‪ ،‬ول يترك خلف‬
‫ي صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬ل يربو لحم نبت من‬
‫ظهره إل كان زاده إلى النار » ‪ ،‬وقال النب ّ‬
‫سحت إل كانت النار أولى به » ‪.‬‬
‫ن بعضه أخبث من بعض ‪ ،‬فإنّ المأخوذ بعقد فاسد حرام ‪ ،‬ولكنّه‬
‫والحرام كلّه خبيث ‪ ،‬لك ّ‬
‫ليس في درجة المغصوب على سبيل القهر ‪ ،‬بل المغصوب أغلظ ; إذ فيه إيذاء الغير وترك‬
‫طريق الشرع في الكتساب ‪ ،‬وليس في العقود الفاسدة إل ترك طريق التعبّد فقط ‪ ،‬وكذلك‬
‫ي أو‬
‫ي أو غن ّ‬
‫المأخوذ ظلما من فقير أو صالح أو يتيم أخبث وأغلظ من المأخوذ من قو ّ‬
‫فاسق‪.‬‬
‫والكسب الخبيث هو أخذ مال الغير ل على وجه إذن الشرع ‪ ،‬فيدخل فيه القمار والخداع‬
‫والغصوب وجحد الحقوق وما ل تطيب نفس مالكه ‪ ،‬أو حرمته الشريعة وإن طابت به نفس‬
‫ي وحلوان الكاهن وأثمان الخمور والخنازير وغير ذلك ‪.‬‬
‫مالكه كمهر البغ ّ‬
‫والواجب في الكسب الخبيث تفريغ الذّمة والتخلّص منه بردّه إلى أربابه إن علموا ‪ ،‬وإل‬
‫إلى الفقراء ‪.‬‬
‫قال النّوويّ نقلً عن الغزاليّ ‪ :‬إذا كان معه مال حرام ‪ ،‬وأراد التوبة والبراءة منه ‪ ،‬فإن‬
‫كان له مالك معين وجب صرفه إليه أو إلى وكيله ‪ ،‬فإن كان ميّتا وجب دفعه إلى وارثه ‪،‬‬
‫وإن كان لمالك ل يعرفه ‪ ،‬ويئس من معرفته ‪ ،‬فينبغي أن يصرفه في مصالح المسلمين‬
‫العامة كالقناطر والرّبط والمساجد ومصالح طريق مكة ونحو ذلك مما يشترك المسلمون فيه‬
‫‪ ،‬وإل فيتصدق به على فقير أو فقراء ‪ ،‬وينبغي أن يتولى ذلك القاضي إن كان عفيفا ‪ ،‬فإن‬
‫لم يكن عفيفًا لم يجز التسليم إليه ‪ ،‬فإن سلمه إليه صار المسلم ضآمنا ‪ ،‬بل ينبغي أن يحكّم‬
‫ن التحكّم أولى من النفراد ‪ ،‬فإن عجز عن ذلك توله‬
‫ل من أهل البلد دينا عالما ‪ ،‬فإ ّ‬
‫رج ً‬
‫ن المقصود هو الصرف إلى هذه الجهة ‪ ،‬وإذا دفعه إلى الفقير ل يكون حراما‬
‫بنفسه ‪ ،‬فإ ّ‬
‫على الفقير‪ ،‬بل يكون حللً طيّبا ‪ ،‬وله أن يتصدق به على نفسه وعياله إذا كان فقيرا ‪،‬‬
‫لنّ عياله إذا كانوا فقراء فالوصف موجود فيهم ‪ ،‬بل هم أولى من يتصدق عليه ‪ ،‬وله هو‬
‫أن يأخذ منه قدر حاجته ; لنّه أيضا فقير ‪.‬‬
‫قال النّوويّ بعد أن نقل قول الغزاليّ المذكور ‪ :‬وهذا الذي قاله الغزاليّ في هذا الفرع ذكره‬
‫ي أيضا عن معاوية بن أبي سفيان‬
‫الخرون من الصحاب ‪ ،‬وهو كما قالوه ‪ ،‬ونقله الغزال ّ‬
‫رضي ال عنه وغيره من السلف ‪ ،‬وعن أحمد بن حنبل والحارث المحاسبيّ وغيرهما من‬
‫أهل الورع ; لنّه ل يجوز إتلف هذا المال ورميه في البحر ‪ ،‬فلم يبق إل صرفه في مصالح‬
‫المسلمين ‪.‬‬
‫ومن ورث ما ًل ولم يعلم من أين كسبه مورّثه ‪ :‬أمن حلل أم حرام ؟ ولم تكن علمة فهو‬
‫حلل بإجماع العلماء ‪.‬‬
‫وصرح الحنفية بأنّه إذا مات الرجل وكسبه خبيث ‪ ،‬كأن كان من بيع الباذق أو الظّلم أو أخذ‬
‫الرّشوة ‪ ،‬فالولى لورثته أن يردّوا المال إلى أربابه ‪ ،‬فإن لم يعرفوا أربابه تصدقوا به ;‬
‫لنّ سبيل الكسب الخبيث التصدّق إذا تعذر الر ّد على صاحبه ‪.‬‬
‫وفي البزازية ‪ :‬إن علم المال الحرام بعينه ل يحلّ له ( للوارث ) أخذه ‪ ،‬وإن لم يعلمه بعينه‬
‫أخذه حكما ‪ ،‬وأما في الدّيانة فإنّه يتصدق به بنية الخصماء ‪.‬‬
‫ن من ورث ما ًل ‪ ،‬وعلم أنّ فيه حراما وشك في قدره ‪ ،‬أخرج القدر‬
‫وذهب الشافعية إلى أ ّ‬
‫الحرام بالجتهاد ‪ .‬ويمنع والي الحسبة الناس من الكسب الخبيث ‪ ،‬قال الماورديّ ‪ :‬ويمنع‬
‫من التكسّب بالكهانة واللهو ‪ ،‬ويؤدّب عليه الخذ والمعطي ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪34‬‬ ‫وللتفصيل ر ‪ ( :‬حسبة ف ‪/‬‬

‫َكسْر *‬
‫التعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬من معاني الكسر في اللّغة ‪ :‬قولهم كسر الشيء ‪ :‬إذا هشمه وفرق بين أجزائه ‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫والكسر من الحساب جزء غير تامّ من أجزاء الواحد كالنّصف والخمس ‪.‬‬
‫ي ‪ :‬الكسر فصل الجسم‬
‫ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن المعنى اللّغويّ ‪ ،‬قال الجرجان ّ‬
‫الصّلب بدفع دافع قويّ من غير نفوذ جسم فيه ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬القطع ‪:‬‬
‫‪ -‬القطع إبانة بعض أجزاء الجرم من بعض فصلً ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫وفي الصطلح فصل الجسم بنفوذ جسم آخر فيه ‪.‬‬


‫فالكسر أعمّ والقطع أخصّ ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الجرح ‪:‬‬
‫‪ -‬الجرح من جرحه جرحا ‪ :‬أثر فيه بالسّلح ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫ص من الكسر ‪.‬‬
‫فهو أخ ّ‬
‫ج ‪ -‬الشجة ‪:‬‬
‫‪ -‬الشجة ‪ :‬الجرح في الوجه ‪ ،‬والرأس خاصةً ‪ ،‬ول يكون في غيرهما من الجسم ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫فهي أخصّ من الكسر ‪.‬‬


‫الحكام المتعلّقة بالكسر ‪:‬‬
‫حكم كسر العظم ‪:‬‬
‫‪ -‬كسر عظم محقون الدم بالسلم أو الذّمة أو العهد ظلما وعدوانا محظور ‪ ،‬كحرمة‬ ‫‪5‬‬

‫العتداء على نفسه أو ماله إجماعا ‪.‬‬


‫ما يجب في كسر عظم الدميّ ‪:‬‬
‫ن عمدا ‪ ،‬إذا تحققت فيه شروط‬
‫‪ -‬ذهب الفقهاء إلى وجوب القود في كسر السّ ّ‬ ‫‪6‬‬

‫القصاص ‪ ،‬وأمن من الزّيادة على القدر المكسور ‪ ،‬أو انقلع السّنّ ‪ ،‬أو اسوداد ما بقي‬
‫منه ‪ ،‬أو احمراره ‪ ،‬لقوله تعالى ‪َ { :‬وكَتَبْنَا عَلَ ْي ِهمْ فِيهَا أَنّ ال ّنفْسَ بِال ّنفْسِ وَا ْلعَيْنَ بِا ْلعَيْنِ‬
‫ن بِالسّنّ } ‪.‬‬
‫وَالَنفَ بِالَنفِ وَالُذُنَ بِالُذُنِ وَالسّ ّ‬
‫فإن لم يؤمن من الزّيادة فل قود ‪ ،‬ويجب فيه الرش ; لنّ توهّم الزّيادة يمنع القصاص‬
‫وما بعدها ) ‪.‬‬ ‫‪4‬‬ ‫( ر‪ :‬أرش ‪ ،‬ف ‪/‬‬
‫واختلفوا فيما عداها من العظام ‪ :‬فذهب الحنفية ‪ ،‬والشافعية ‪ ،‬والحنابلة ‪ ،‬إلى أنّه ل قود‬
‫في كسر العظام ; لعدم وثوق المماثلة فيها ‪ ( .‬ر ‪ :‬قصاص ) ‪.‬‬
‫وقال المالكية ‪ :‬يجري فيها القود كسائر جراحات الجسم ‪ ،‬إل ما عظم خطره منها ‪ ،‬كعظم‬
‫الصدر ‪ ،‬والصّلب ‪ ،‬وعظام العنق والفخذ ‪ ،‬أما ما ل خطر في إجراء القصاص فيه ففيه‬
‫القود ‪ ،‬كالزندين ‪ ،‬والذّراعين ‪ ،‬والعضدين ‪ ،‬والساقين ‪ ،‬ونحوها ‪.‬‬
‫دية كسر العظم ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة ‪ :‬إلى أنّه ليس في كسر العظم أرش مقدر شرعا ‪،‬‬ ‫‪7‬‬

‫وإنّما تجب فيه الحكومة ‪ ،‬وهي ما يراه الحاكم أو المحكّم بشرطه ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪4‬‬ ‫( ر ‪ :‬حكومة عدل ف ‪/‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪10‬‬ ‫واستثنوا منها السّنّ ‪ ،‬ففيه أرش مقدر ‪ ،‬وهو خمسة أبعرة للنصّ ( ر ‪ :‬سنّ ف ‪/‬‬
‫واستثنى الحنابلة أيضا ‪ :‬الترقوتين ‪ ،‬والزندين ‪ ،‬والضّلع ‪ ،‬ففيها أرش مقدر ‪ ،‬قالوا ‪ :‬وكان‬
‫مقتضى الدليل وجوب الحكومة في العظام كلّها ‪ ،‬وإنّما خالفناه لثار وردت في هذه‬
‫العظم ‪ ،‬وما عداها يبقى على مقتضى الدليل ‪ ،‬فيجب في الزندين أربعة أبعرة ‪ ،‬وفي كسر‬
‫الساق بعيران ‪ ،‬وفي الساقين أربعة ‪ ،‬وفي الفخذ بعيران ‪.‬‬
‫وقال المالكية ‪ :‬إن لم يجب في كسر العظم قصاص ‪ ،‬وبرئ وعاد العضو لهيئه فل شيء‬
‫‪ ،‬حكومة عدل‬ ‫‪68‬‬ ‫‪-‬ف‬ ‫‪63‬‬ ‫فيه‪ ،‬وإن برئ وفيه اعوجاج ففيه الحكومة ( ر ‪ :‬ديات ف ‪/‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪4‬‬ ‫ف‪/‬‬
‫كسر آلت اللهو والصّلبان وظروف الخمر ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الفقهاء في وجوب الضمان في كسر آلت اللهو ‪ ،‬والصّلبان ‪ ،‬وأوعية الخمر ‪.‬‬ ‫‪8‬‬

‫فذهب أبو حنيفة إلى أنّه إن َكسَرَ آلة له ٍو صالحةً لغير اللهو ضمَن قيمتها صالحةً لغير‬
‫اللهو; لنّها أموال متقومة صالحة للنتفاع بها لغير اللهو ‪ ،‬فلم يناف الضمان ‪.‬‬
‫فإن لم تصلح لغير اللهو لم يضمن شيئا ‪.‬‬
‫ويفهم من كلم المالكية أنّ آلت اللهو تضمن قيمتها مكسورةً ‪.‬‬
‫وقال الشافعية ‪ :‬الصنام والصّلبان وآلت الملهي ‪ ،‬والواني المحرم اتّخاذها ‪ ،‬غير‬
‫ن منفعتها محرّمة ‪ ،‬والمحرّم ل يقابل بشيء مع‬
‫مضمونة ‪ ،‬فل يجب في إبطالها شيء ; ل ّ‬
‫وجوب إبطالها على القادر عليه ‪.‬‬
‫والصحّ عندهم أنّها ل تكسر الكسر الفاحش ; لمكان إزالة الهيئة المحرمة مع بقاء بعض‬
‫المالية ‪ ،‬بل تفصل لتعود كما قبل التأليف ‪ ،‬لزوال اسمها وهيئتها المحرمة بذلك ‪ ،‬فل تكفي‬
‫إزالة الوتار مع بقاء الجلد اتّفاقا ; لنّها مجاورة لها منفصلة ‪.‬‬
‫والثاني ل يجب تفصيل الجميع ‪ ،‬بل بقدر ما يصلح للستعمال ‪.‬‬
‫وقالوا إن عجز المنكر عن رعاية هذا الحدّ في النكار لمنع صاحب المنكر من يريد إبطاله‬
‫لقوته ‪ ،‬أبطله كيف تيسر ولو بإحراق تعين طريقا ‪ ،‬وإل فبكسر ‪ ،‬فإن أحرقها ولم يتعين‬
‫غرم قيمتها مكسورةً بالحدّ المشروع ‪ ،‬لتموّل رضاضها واحترامه ‪ ،‬بخلف ما لو جاوز‬
‫الحد المشروع مع إمكانه ‪ ،‬فإنّه ل يلزمه سوى التفاوت بين قيمتها مكسورةً بالحدّ‬
‫المشروع وقيمتها منتهيةً إلى الحدّ الذي أتى به ‪.‬‬
‫ومثل آلت اللهو في الحكام ‪ :‬أواني الخمر ‪ ،‬وظروفها ‪ ،‬إن تعذر إراقة الخمر لضيق‬
‫رءوس الواني ‪ ،‬وخشية لحوق من يمنعه من إراقتها ‪ ،‬فيكسر الظرف ول شيء عليه ‪،‬‬
‫وكذا إن كانت إراقته تأخذ من وقته زمنا غير تافه ‪ ،‬تتعطل فيه مصالحه إذا شغل بكسرها ‪،‬‬
‫هذا للحاد ‪ ،‬أما الولة ‪ ،‬فلهم كسر ظروفها مطلقا زجرا وتأديبا ‪.‬‬
‫وقال الحنابلة وأبو يوسف ومحمد من الحنفية ‪ :‬ل يجب في كسرها شيء مطلقا ‪ ،‬كالميتة ‪،‬‬
‫ن ال ورسوله حرم بيع الخمر ‪ ،‬والميتة والخنزير ‪ ،‬والصنام » ‪ ،‬وورد ‪« :‬‬
‫لحديث ‪ « :‬إ ّ‬
‫أمرني ربّي عز وجل بمحق المعازف والمزامير » وكذا آنية الذهب والفضة ‪ ،‬فل يضمن إن‬
‫ن اتّخاذها محرم وفي ضمان أواني الخمر روايتان عن أحمد ‪ ،‬إحداهما ‪:‬‬
‫كسرها ; ل ّ‬
‫يضمنها ‪ ،‬لنّه مال يمكن النتفاع به ويحلّ بيعه ‪ ،‬فيضمنها ‪ ،‬كما لو لم يكن فيها خمر ‪،‬‬
‫لنّ جعل الخمر فيها ل يقتضي سقوط ضمانها ‪ ،‬كالبيت الذي جعل مخزنا للخمر ‪ ،‬والثاني ‪:‬‬
‫ن عبد ال بن عمر رضي ال عنهما قال ‪ « :‬أمرني رسول ال صلى‬
‫ل يضمن ‪ ،‬لما روي أ ّ‬
‫ال عليه وسلم أن آتيه بمدية ‪ -‬وهي الشفرة ‪ -‬فأتيته بها فأرسل بها فأر َهقْت ثم أعطانيها‬
‫ي بها ففعلت ‪ ،‬فخرج بأصحابه إلى أسواق المدينة ‪ ،‬وفيها زقاق خمر قد‬
‫‪ ،‬وقال ‪ :‬اغد عل ّ‬
‫جلبت من الشام ‪ ،‬فأخذ المدية منّي ‪ ،‬فشق ما كان من تلك الزّقاق بحضرته وأعطانيها ‪،‬‬
‫وأمر أصحابه الذين كانوا معه أن يمضوا معي وأن يعاونوني ‪ ،‬وأمرني أن آتي السواق‬
‫كلها فل أجد فيها زق خمر إل شققته ففعلت فلم أترك في أسواقها زقّا إل شققته » ‪.‬‬
‫الكسر في سهام الورثة من التركة ‪:‬‬
‫‪ -‬إذا لم تقبل القسمة سهام بعض الورثة الحاصلة من أصل المسألة المستحقة على‬ ‫‪9‬‬

‫مستحقّيها إل بكسر ‪ ،‬يصحح الكسر بجعل السّهام قابلةً للقسمة على الورثة بدون كسر ‪،‬‬
‫وتصحيح المسألة ‪ :‬أن يضرب أصل المسألة إن عالت في أقلّ عدد يمكن معه أن يأخذ كلّ‬
‫وارث بقدر من السّهام بل كسر ‪ ،‬وحاصل الضرب هو أصل المسألة بعد التصحيح ‪ ،‬ويتمّ‬
‫)‪.‬‬ ‫‪72‬‬ ‫ذلك وفق قواعد تذكر في مصطلح ( إرث ف ‪/‬‬

‫كُسوف *‬
‫انظر ‪ :‬صلة الكسوف ‪.‬‬

‫سوَة *‬
‫ُكِ ْ‬
‫التعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬الكسوة ‪ -‬بض ّم الكاف وكسرها ‪ -‬في اللّغة ‪ :‬الثوب يستتر به ويتحلى ‪ ،‬والجمع كسًى‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫مثل مدًى ‪ ،‬والكساء ‪ :‬اللّباس ‪ ،‬والجمع أكسية ‪ ،‬يقال ‪ :‬كسوته ثوبا إذا ألبسته ‪ ،‬والكاسي‬
‫خلف العاري ‪ ،‬وجمعه كساة ‪ ،‬ومنه قولهم ‪ :‬أم قوما عراةً وكساةً ‪.‬‬
‫ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن المعنيّ اللّغويّ ‪.‬‬
‫الحكم التكليفيّ ‪:‬‬
‫يختلف الحكم التكليفيّ للكسوة بحسب أحوالها ‪ ،‬ومن ذلك ‪:‬‬
‫أولً ‪ -‬كسوة الزوجة على زوجها ‪:‬‬
‫‪ -‬أجمع الفقهاء على أنّه تجب الكسوة للزوجة على زوجها إذا مكنته من نفسها على‬ ‫‪2‬‬

‫سوَ ُتهُنّ بِا ْل َمعْرُوفِ } ‪.‬‬


‫ن وَ ِك ْ‬
‫الوجه الواجب عليها ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬وَعلَى ا ْل َموْلُودِ َلهُ ِرزْ ُقهُ ّ‬
‫ن في كسوتهنّ‬
‫ولقول النبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬وحقّهنّ عليكم أن تحسنوا إليه ّ‬
‫ن وكسوتهنّ بالمعروف‬
‫ن عليكم رزقه ّ‬
‫ن » ‪ .‬وقوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬وله ّ‬
‫وطعامه ّ‬
‫ن الكسوة ل بد منها على الدوام ‪ ،‬فلزمته كالنفقة ‪ ،‬كما أجمعوا على أنّه يجب أن‬
‫»‪ .‬ول ّ‬
‫تكون الكسوة كافيةً للمرأة ‪ ،‬وأنّ هذه الكفاية تختلف باختلف طولها وقصرها وسمنها‬
‫وهزالها ‪ ،‬وباختلف البلد التي تعيش فيها في الحرّ والبرد ‪.‬‬
‫‪ -‬ولكنّ الفقهاء اختلفوا في بعض التفاصيل ‪:‬‬ ‫‪3‬‬

‫فذهب الحنفية إلى أنّ الكسوة يعتبر فيها حال الزوج في يساره وإعساره ل حال المرأة ‪،‬‬
‫ن النفقة عامة تجب بحسب حال الزوجين معا ‪.‬‬
‫هذا في ظاهر الرّواية ‪ ،‬والفتوى على أ ّ‬
‫فعلى ظاهر الرّواية إذا كان الزوج معسرا يكسوها أدنى ما يكفيها من الملبس الصيفية‬
‫والشتوية ‪ ،‬وإن كان متوسّطا يكسوها أرفع من ذلك بالمعروف ‪ ،‬وإن كان غنيّا كساها أرفع‬
‫من ذلك بالمعروف ‪.‬‬
‫قال الكاسانيّ ‪ :‬وإنّما كانت الكسوة بالمعروف لنّ دفع الضرر عن الزوجين واجب ‪ ،‬وذلك‬
‫في إيجاب الوسط من الكفاية ‪ ،‬وهو تفسير المعروف ‪ ،‬فيكفيها من الكسوة في الصيف ‪،‬‬
‫قميص وخمار وملحفة وسراويل على قدر حاله من الخشونة واللّيونة والوسطية ‪.‬‬
‫فالخشن إذا كان الزوج من الفقراء ‪ ،‬والليّن إذا كان من الغنياء ‪ ،‬والوسط إذا كان من‬
‫الوساط ‪ ،‬وذلك كلّه من القطن والكتان على حسب عادة البلدان ‪ ،‬إل الخمار ‪ ،‬فإنّه يفرض‬
‫ي خمار من حرير ‪ ،‬ويجب لها كذلك مداس رجلها والزار ‪ ،‬والمكعب وما تنام‬
‫على الغن ّ‬
‫عليه‪ ،‬وتزاد على ذلك جبة حشويّا وفروة ‪ ،‬لحافا وفراشا ‪ ،‬وكلّ ما يدفع به أذى الحرّ‬
‫والبرد‪ ،‬فيجب في الشّتاء جبة وخفّ وجورب لدفع البرد الشديد ‪ ،‬ويختلف ذلك باختلف‬
‫الماكن والزمان والبلدان والعراف ‪.‬‬
‫وتفرض الكسوة للزوجة عند الحنفية في كلّ نصف حول مر ًة ; لتجدّد الحاجة حرّا وبردا ‪،‬‬
‫ويجب تسليم الكسوة إليها في أول هذه المدة ; لنّها تستحقّها معجلةً ل بعد تمام المدة ‪ ،‬إل‬
‫أنّه ل يجب عليه أن يجدّد الكسوة ما لم يتخرق ما عندها ‪ ،‬فإذا مضت هذه المدة وبقي ما‬
‫ن الكسوة في حقّه باعتبار الحاجة ولهذا يجب‬
‫عندها صالحا لم تجب عليه كسوة أخرى ; ل ّ‬
‫عليه أن يصرف لها كسوةً أخرى إذا تخرقت القديمة بالستعمال المعتاد قبل مضيّ المدة‬
‫المذكورة ; لظهور الخطأ في التقدير ‪ ،‬حيث وقت وقتا ل تبقى معه الكسوة ‪.‬‬
‫أما إذا أسرفت في الستعمال على وجه غير معتاد ‪ ،‬أو سرق منها ‪ ،‬أو هلك عندها قبل‬
‫مضيّ المدة ‪ ،‬فل يجب عليه لها كسوة أخرى ‪.‬‬
‫وذهب المالكية ‪ ،‬إلى مثل ما ذهب إليه الحنفية في ظاهر الرّواية ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬وتقدر الكسوة‬
‫في السنة مرتين ‪ ،‬بالشّتاء ما يناسبه من فرو ولبد ولحاف وغير ذلك ‪ ،‬وبالصيف ما‬
‫يناسبه‪ ،‬وهذا إذا لم تناسب كسوة كلّ من الصيف والشّتاء الخر عاد ًة ‪ ،‬وإل كفت واحدة إذا‬
‫لم تخلق ‪ ،‬قالوا ‪ :‬ومثل ذلك الغطاء والوطاء صيفا وشتاءً ‪.‬‬
‫ن كسوة الزوجة على قدر كفايتها ; لنّها ليست مقدرةً من‬
‫وذهب الشافعية والحنابلة ‪ ،‬إلى أ ّ‬
‫الشرع ‪ ،‬ويرجع في ذلك إلى اجتهاد الحاكم عند المنازعة ‪ ،‬فيفرض لها على قدر كفايتها ‪.‬‬
‫قال الشافعية ‪ :‬يجب للزوجة على زوجها في ك ّل ستة أشهر قميص ‪ ،‬وهو ثوب مخيط يستر‬
‫جميع البدن ‪ -‬وخياطته على الزوج ‪ -‬وسراويل ‪ -‬وهو ثوب مخيط يستر أسفل البدن‬
‫ويصون العورة ‪ -‬وقد يقوم الزار أو الفوطة مقام السراويل إذا اعتادت المرأة على‬
‫لبسهما‪ .‬وخمار ‪ ،‬وهو ما يغطى به الرأس ‪ ،‬ومكعب ‪ ،‬وهو مداس الرّجل من نعل أو‬
‫غيره ‪ ،‬ويجب لها القبقاب إن اقتضاه العرف ‪.‬‬
‫قال الماورديّ ‪ :‬ولو جرت عادة نساء أهل القرى أن ل يلبسن في أرجلهنّ شيئا في داخل‬
‫ن شيء ‪.‬‬
‫البيوت لم يجب لرجله ّ‬
‫ويزاد في الشّتاء وفي البلد الباردة جبة محشوة قطنا ‪ ،‬فإن اشتد البرد فجبتان فأكثر بقدر‬
‫الحاجة لدفع البرد ‪ ،‬وقد يقوم الفرو مقام الجبة إذا جرت عادة أهل البلد على لبسها ‪.‬‬
‫ويجب لها توابع ما ذكرناه ‪ ،‬من كوفية للرأس ‪ ،‬وتكة للّباس ‪ ،‬وزرّ للقميص والجبة‬
‫ونحوهما ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬ل يختلف عدد الكسوة باختلف يسار الزوج وإعساره ‪ ،‬ولكنّهما‬
‫يؤثّران في الجودة والرداءة ‪.‬‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬وأق ّل الكسوة الواجبة قميص وسراويل ومقنّعة ومداس وجبة للشّتاء ‪،‬‬
‫ويزيد من عدد الثّياب ما جرت العادة بلبسه مما ل غنى عنه ‪ ،‬دون ما للتجمّل والزّينة ‪.‬‬
‫ل للموسرة تحت الموسر من أرفع الثّياب في البلد ‪ ،‬من الكتان ‪ ،‬والحرير ‪،‬‬
‫فيفرض مث ً‬
‫والبريسم ‪ ،‬وللمعسرة تحت المعسر غليظ القطن والكتان ‪ ،‬وللمتوسّطة تحت المتوسّط‬
‫المتوسّط من الثّياب ‪ ،‬وهكذا يكسوها ما جرت عادة أمثالهما به من الكسوة ‪.‬‬
‫ثم قال الحنابلة ‪ :‬على الزوج أن يدفع الكسوة إلى زوجته في كلّ عام مر ًة ; لنّ ذلك هو‬
‫العادة ‪ ،‬ويكون الدفع في أول العام ; لنّه أول وقت الوجوب فإن بليت الكسوة في الوقت‬
‫الذي يبلى فيه مثلها لزمه أن يدفع إليها كسوةً أخرى ; لنّ ذلك وقت الحاجة إليها ‪ ،‬وإن‬
‫بليت قبل ذلك لكثرة دخولها وخروجها أو استعمالها لم يلزمه إبدالها ‪ ،‬لنّه ليس بوقت‬
‫الحاجة إلى الكسوة في العرف ‪.‬‬
‫وإن مضى الزمان الذي تبلى في مثله الثّياب بالستعمال المعتاد ولم تبل ‪ ،‬فهل يلزمه‬
‫بدلها ؟ فيه وجهان ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬ل يلزمه بدلها لنّها غير محتاجة إلى الكسوة ‪.‬‬
‫ثانيهما ‪ :‬يلزمه البدل لنّ العتبار بمضيّ الزمان دون حقيقة الحاجة ‪ ،‬بدليل أنّها لو بليت‬
‫قبل ذلك لم يلزمه بدلها ‪.‬‬
‫ولو أهدى إليها كسوةً لم تسقط كسوته ‪.‬‬
‫‪ -‬واختلف الفقهاء فيها لو كساها ثم طلقها أو مات أو ماتت قبل أن تبلى الثّياب ‪ ،‬فهل‬ ‫‪4‬‬

‫له أن يسترجعها ؟ فذهب الحنفية والمالكية وهو الصحّ عند الشافعية وأحد الوجهين عند‬
‫الحنابلة ‪ ،‬إلى أنّه ليس له أو لورثته السترجاع ‪ ،‬لنّه وفاها ما عليه ودفع إليها الكسوة‬
‫بعد وجوبها عليه ‪ ،‬فلم يكن له الرّجوع فيها ‪ ،‬كما لو دفع إليها النفقة بعد وجوبها ثم طلقها‬
‫قبل أكلها ‪ ،‬إل أنّ المالكية اشترطوا مضي أكثر من شهرين بعد دفع الكسوة إليها ‪ ،‬فإذا‬
‫مات أحدهما أو طلقها لشهرين أو أقل ‪ ،‬فله استرجاع الكسوة منها ‪.‬‬
‫ن له استرجاع الكسوة منها ‪،‬‬
‫ومقابل الصحّ عند الشافعية والوجه الثاني عند الحنابلة ‪ ،‬أ ّ‬
‫لنّ هذه الكسوة لمدة لم تأت ‪ ،‬كنفقة المستقبل ‪ ،‬فإذا طلقها قبل مضيّه كان له‬
‫استرجاعها ‪ ،‬كما لو دفع إليها نفقة للمستقبل ثم طلقها قبل انقضاء المدة ‪ ،‬وعليه فلو‬
‫أعطاها كسوة سنة فماتت أو طلقها في أثناء الفصل الول استرد كسوة الفصل الثاني ‪،‬‬
‫كالزكاة المعجلة ‪.‬‬
‫ولو لم تقبض الكسوة حتى ماتت في أثناء فصل أو طلقت فيه ‪ ،‬استحقت كسوة كلّ الفصل‬
‫كنفقة اليوم ; لنّ الكسوة تستحقّ بأول الفصل ‪.‬‬
‫وإن لم يعطها الكسوة مدةً من الزمن صارت دينا عليه يجب قضاؤها وإن كان فقيرا ‪ ،‬حكم‬
‫بها قاض أو لم يحكم ‪.‬‬
‫وفي قول عند الشافعية ‪ :‬ل يكون دينا عليه ‪ ،‬لنّ الكسوة مجرد إمتاع للمرأة ‪ ،‬وليس‬
‫تمليكا لها ‪ ،‬كالمسكن والخادم ‪ ،‬بجامع النتفاع في كلّ مع بقاء العين ‪ ،‬بخلف الطعام ‪،‬‬
‫وهذا مذهب الحنفية ‪ ،‬إل إذا استدانت عليه بأمر القاضي ‪ ،‬فإن استدانت عليه بأمر القاضي‬
‫صارت دينا عليه ‪.‬‬
‫أما المالكية فقالوا ‪ :‬إن لم يعطها الكسوة بسبب إعساره ‪ ،‬فل تكون دينا عليه وإن أيسر‬
‫بعد ذلك ‪.‬‬
‫أما إذا كان غنيّا ومرت مدة لم يعطها الكسوة ‪ ،‬فتجب في ذمته ‪ ،‬أي تصير دينا عليه ‪،‬‬
‫سواء فرضها حاكم أو لم يفرض ‪.‬‬
‫‪ -5‬واختلفوا أيضا فيما إذا أ أعسر الزوج عن كسوة الزوجة ؟ فذهب المالكية ‪ ،‬والشافعية‬
‫على الظهر ‪ ،‬والحنابلة ‪ ،‬إلى أنّه إن أعسر الزوج بكسوة زوجته فللزوجة الفسخ إن لم‬
‫حسَانٍ } ‪.‬‬
‫سرِيحٌ بِ ِإ ْ‬
‫ك ِب َمعْرُوفٍ َأوْ َت ْ‬
‫تصبر ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬فَ ِإ ْمسَا ٌ‬
‫فإذا عجز عن الول ‪ -‬وهو المساك بالمعروف ‪ -‬تعين الثاني ; ولنّ الكسوة ل بد منها‬
‫ول يمكن الصبر عنها ول يقوم البدن بدونها ‪.‬‬
‫ن لها‬
‫قال الشّربينيّ ‪ :‬سكت الشيخان عن العسار ببعض الكسوة ‪ ،‬وأطلق الفارقيّ أ ّ‬
‫ن المعجوز‬
‫الفسخ ‪ ،‬والتحرير فيها كما قال الذرعيّ ‪ :‬ما أفتى به ابن الصلح ‪ ،‬وهو ‪ :‬أ ّ‬
‫عنه إن كان مما ل بد منه ‪ ،‬كالقميص والخمار وجبة الشّتاء ‪ ،‬فلها الخيار ‪ ،‬وإن كان منه‬
‫بدّ كالسراويل والنّعل وبعض ما يفرش والمخدة ‪ ،‬فل خيار ‪.‬‬
‫واتفق الجمهور على أنّه إذا ثبت العجز عن الكسوة لم يفرق بينهما إل بحكم حاكم ‪ ،‬ول‬
‫يجوز للحاكم أن يفرّق بينهما إل إذا طلبت المرأة ذلك ; لنّ هذا من حقّها ‪ ،‬فلها أن تصبر‬
‫وترضى بالمقام معه ‪.‬‬
‫وذهب الحنفية إلى أنّه ل يفرق بينهما بسبب عجزه عن الكسوة ‪ ،‬بل يفرض الحاكم لها‬
‫الكسوة ثم يأمرها بالستدانة لتحيل عليه ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬الكسوة الواجبة للقريب ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الفقهاء إلى وجوب كسوة القريب الذي تجب نفقته ‪ ،‬بشرط اليسار ‪ ،‬لقوله‬ ‫‪6‬‬

‫ن ِإحْسَانا } ‪.‬‬
‫ك َألّ َتعْبُدُواْ ِإ ّل إِيّاهُ وَبِا ْلوَالِدَيْ ِ‬
‫تعالى‪ { :‬وَقَضَى رَبّ َ‬
‫ول شك أنّ كسوتها من الحسان الذي أمرت به الية ‪ ،‬وقوله تعالى ‪ { :‬وَعلَى ا ْل َموْلُودِ َلهُ‬
‫ث مِ ْثلُ ذَِلكَ } ‪.‬‬
‫سوَ ُتهُنّ } إلى أن قال ‪ { :‬وَعَلَى ا ْلوَارِ ِ‬
‫ن وَ ِك ْ‬
‫ِرزْ ُقهُ ّ‬
‫ولقول النبيّ صلى ال عليه وسلم لهند رضي ال عنها ‪ « :‬خذي ما يكفيك ‪ ،‬وولدك‬
‫بالمعروف » ‪.‬‬
‫والواجب في كسوة القريب هو قدر الكفاية ‪ ،‬لنّها وجبت للحاجة ‪ ،‬فتقدر بما تندفع به‬
‫الحاجة ‪ ،‬مع اعتبار سنّه وحاله وعادة البلد ‪.‬‬
‫ي من المالكية ‪ :‬ويكون قدرها ‪ -‬أي الكسوة ‪ -‬وجودتها على حسب حال‬
‫قال ابن جز ّ‬
‫المنفق وعوائد البلد ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬الكسوة الواجبة في كفارة اليمين ‪:‬‬
‫ن الحالف‬
‫‪ -‬أجمع الفقهاء على أنّ كسوة عشرة مساكين أحد أنواع كفارة اليمين ‪ ،‬وأ ّ‬ ‫‪7‬‬

‫مخير بين العتق والطعام والكسوة ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬لَ ُيؤَاخِ ُذكُمُ الّل ُه بِالّل ْغوِ فِي أَ ْيمَا ِن ُكمْ‬
‫ط ِعمُونَ‬
‫سطِ مَا ُت ْ‬
‫ن َأوْ َ‬
‫عشَرَ ِة َمسَاكِينَ مِ ْ‬
‫طعَامُ َ‬
‫عقّد ّتمُ الَ ْيمَانَ َف َكفّارَ ُتهُ ِإ ْ‬
‫وَلَـكِن ُيؤَاخِ ُذكُم ِبمَا َ‬
‫أَهْلِي ُكمْ َأوْ ِكسْوَ ُت ُهمْ َأوْ َتحْرِيرُ رَقَ َبةٍ } ‪.‬‬
‫ولكنّهم اختلفوا في القدر المجزئ من الكسوة فذهب المالكية والحنابلة ومحمد من الحنفية ‪،‬‬
‫ح به الصلة فيه ‪ ،‬فإن كان رجلً فثوب تجزئ الصلة فيه ‪ ،‬وإن‬
‫إلى أنّها تتقدر بما تص ّ‬
‫كانت امرأةً فدرع وخمار ‪ ،‬أي ما تصحّ صلتها فيه ‪ ،‬وذهب الحنفية غير محمد إلى أنّ‬
‫كسوة المسكين تتقدر بما يصلح لوساط الناس ‪ ،‬ول يعتبر فيه حال القابض ‪ ،‬وقيل ‪ :‬يعتبر‬
‫في الثوب حال القابض ‪ ،‬إن كان يصلح له يجوز وإل فل ‪.‬‬
‫وبما ينتفع به فوق ثلثة أشهر ; لنّها أكثر من نصف مدة الثوب الجديد ‪ ،‬وعليه فل‬
‫يشترط أن يكون جديدا ‪.‬‬
‫وبما يستر عامة البدن كالملءة أو الجبة أو القميص أو القباء ‪ ،‬ل السراويل ; لنّ لبسه‬
‫يسمى عريانا ‪ ،‬ول العمامة ول القلنسوة إل باعتبار قيمة الطعام ‪.‬‬
‫وذهب الشافعية إلى أنّه يجزئ في الكسوة الواجبة بسبب الكفارة كلّ ما يسمى كسوةً مما‬
‫يعتاد لبسه ‪ ،‬كقميص أو عمامة أو إزار أو رداء أو طيلسان أو منديل أو جبة أو قباء أو‬
‫ف وقفازان ومكعب وقلنسوة ‪.‬‬
‫درع من صوف ‪ ،‬ل خ ّ‬
‫ول يشترط صلحيته للمدفوع إليه فيجوز سراويل صغير لكبير ل يصلح له ; لوقوع اسم‬
‫الكسوة عليه ‪ ،‬ويجوز لبيس لم تذهب قوته ‪ ،‬فإن ذهبت قوته فل يجوز ‪ ،‬ول يجوز نجس‬
‫العين من الثّياب ‪ ،‬ويجوز المتنجّس منه لنّه يمكن تطهيره ‪ ،‬وعليه أن يخبر من يعطيه‬
‫إياها بتنجّسها حتى يطهّرها منها ‪.‬‬

‫َكشْف *‬
‫التعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬الكشف في اللّغة هو ‪ :‬رفع الحجاب ‪ ،‬وكشف الشيء وكشف عنه كشفا ‪ :‬رفع عنه‬ ‫‪1‬‬

‫مما يواريه ويغطّيه ‪ ،‬ويقال ‪ :‬كشف المر وعنه أي أظهره ‪ ،‬وكشف ال غمّه ‪ :‬أزاله ‪،‬‬
‫ومنه قوله تعالى في التنزيل ‪ { :‬رَبّنَا ا ْكشِفْ عَنّا ا ْلعَذَابَ إِنّا ُم ْؤمِنُونَ } ‪ ،‬وكشف الثوب عن‬
‫وجهه ونحوه واكتشفت المرأة ‪ :‬بالغت في إبداء محاسنها ‪.‬‬
‫وكشف فلن ‪ :‬انحسر مقدم رأسه ‪ ،‬وانهزم في الحرب ‪.‬‬
‫ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن المعنى اللّغويّ ‪ ،‬وهو ‪ :‬أن يرفع عن الشيء ما يواريه‬
‫ويغطّيه ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الغطاء ‪:‬‬
‫‪ -‬الغِطاء ‪ -‬بالكسر ‪ -‬في اللّغة الستر ‪ ،‬وهو ما يجعل فوق الشيء من طبق ونحوه ‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫ومنه غطاء المائدة وغطاء الفراش ‪.‬‬


‫غطَاءكَ } ‪.‬‬
‫ك ِ‬
‫شفْنَا عَن َ‬
‫وقد استعير للجهالة ‪ ،‬ومنه قوله تعالى في التنزيل ‪َ { :‬ف َك َ‬
‫والعلقة بين الكشف والغطاء هي التضادّ ‪.‬‬
‫ما يتعلق بالكشف من أحكام ‪:‬‬
‫تتعلق بالكشف الحكام التالية ‪:‬‬
‫أولً ‪ -‬كشف العورة في الصلة ‪:‬‬
‫ن من ترك‬
‫‪ -‬أجمع الفقهاء على أنّ ستر العورة شرط لصحة الصلة كالطهارة لها ‪ ،‬وأ ّ‬ ‫‪3‬‬

‫ستر عورته وهو قادر على سترها تبطل صلته ‪ ،‬أو ل تنعقد ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪120‬‬ ‫والتفصيل في مصطلح ( صلة ف ‪/‬‬
‫ثانيا ‪ -‬كشف الرأس والوجه حالة الحرام ‪:‬‬
‫‪ -‬يجب على الرجل المحرم بحجّ أو عمرة كشف رأسه ويجب على المرأة المحرمة بحجّ‬ ‫‪4‬‬

‫وعمرة كشف وجهها ‪ ،‬وكذلك الرجل عند بعض الفقهاء ‪.‬‬


‫)‪.‬‬ ‫‪65‬‬ ‫‪،‬‬ ‫‪62‬‬ ‫والتفصيل في مصطلح ( إحرام ف ‪/‬‬
‫ثالثا ‪ -‬كشف العورة خارج الصلة ‪:‬‬
‫‪ -‬اتفق الفقهاء على أنّه يحرم على البالغ العاقل أن يكشف عورته أمام غيره ‪ ،‬سواء‬ ‫‪5‬‬

‫كانت هذه العورة من العورة المغلظة أو من المخففة ‪ ،‬وأنّ كشف العورة المغلظة أشدّ من‬
‫كشف العورة المخففة ‪ ،‬سواء كان هذا من الرجل أو من المرأة ‪ ،‬للتّفاق على أنّها عورة ‪،‬‬
‫وأنّها أفحش من غيرها في الكشف والنظر ‪ ،‬ولهذا سمّي القبل والدّبر ‪ -‬وهما من العورة‬
‫ن كشفهما يسوء صاحبه ‪ ،‬قال ال تعالى ‪ { :‬فَ َلمّا ذَاقَا‬
‫المغلظة باتّفاق ‪ -‬السوأتين ل ّ‬
‫سوْءَا ُت ُهمَا } ‪.‬‬
‫ت َل ُهمَا َ‬
‫شجَرَةَ بَدَ ْ‬
‫ال ّ‬
‫كما اتفقوا على أنّ حرمة النظر إلى العورة المغلظة أشدّ من حرمة النظر إلى العورة‬
‫المخففة‪.‬‬
‫‪ -6‬ويستثنى من ذلك ما يلي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬ما بين الزوجين ‪ ،‬فيجوز باتّفاق الفقهاء أن يكشف كلّ من الزوجين عورته للخر ‪،‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪11‬‬ ‫والتفصيل في ( عورة ف ‪/‬‬
‫ب ‪ -‬إذا دعت الضرورة أو الحاجة إلى كشف العورة ‪ ،‬فيجوز للنسان أن يكشف عورته‬
‫لجل الحاجة ‪ ،‬كالعلج والفصد والحجامة والختان وغير ذلك ‪ ،‬كما يجوز له أن يكشفها‬
‫ل وأداءً بشرط أن يكون ذلك كلّه بقدر الحاجة ‪ ،‬فل يجوز له أن يكشف من‬
‫للشهادة تحمّ ً‬
‫عورته أكثر من الحاجة كما ل يجوز للناظر أن ينظر أكثر مما دعت إليه الحاجة ; لنّها‬
‫)‪.‬‬ ‫‪18‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪17‬‬ ‫تقدر بقدرها ( ر ‪ :‬عورة ف ‪/‬‬
‫رابعا ‪ :‬كشف العورة في الخلوة ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الفقهاء في حكم كشف العورة في الخلوة ‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫فقال بعضهم ‪ :‬ل يجوز كشف العورة في الخلوة إل لحاجة ‪ ،‬كتغوّط واستنجاء وغيرهما ‪،‬‬
‫ق أن‬
‫لطلق المر بالسّترة ‪ ،‬وهو يشمل الخلوة والجلوة ; ولنّ ال سبحانه وتعالى أح ّ‬
‫يستحيا منه ‪ ،‬وهو سبحانه وتعالى وإن كان يرى المستور كما يرى المكشوف ‪ ،‬لكنّه يرى‬
‫المكشوف تاركا للدب والمستور متأدبا ‪ ،‬وهذا الدب واجب مراعاته عند القدرة عليه ‪،‬‬
‫وهذا رأي جمهور الفقهاء ‪.‬‬
‫وذهب بعض الفقهاء إلى جواز كشف العورة في الخلوة من غير حصول حاجة ‪ ،‬قال‬
‫صاحب الذخائر ‪ :‬يجوز كشف العورة في الخلوة لدنى غرض ‪ ،‬ول يشترط حصول‬
‫الحاجة ‪ ،‬ثم قال‪ :‬ومن الغراض كشف العورة للتبريد وصيانة الثوب من الدناس والغبار‬
‫عند كنس البيت وغيره ‪.‬‬
‫قال ابن عابدين ‪ :‬وحكى في القنية أقوالً في تجرّده للغتسال منفردا ‪ ،‬منها أنّه يكره ‪،‬‬
‫ومنها ‪ :‬أنّه يعذر إن شاء ال ‪ ،‬ومنها ‪ :‬أنّه يجوز في المدة اليسيرة ‪ ،‬ومنها ‪ :‬أنّه يجوز‬
‫في بيت الحمام الصغير ‪ ،‬ومنها ‪ :‬أنّه ل بأس ‪.‬‬

‫كَعْب *‬
‫التعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬الكعب في اللّغة العقدة بين النبوبين من القصب ‪ ،‬وكعبا الرجل ‪ :‬هما العظمان‬ ‫‪1‬‬

‫الناشزان من جانبي القدم ‪ ،‬قال الزهريّ ‪ :‬الكعبان ‪ :‬الناتئان في منتهى الساق مع القدم‬
‫عن يمنة القدم ويسرتها ‪.‬‬
‫ي وجماعة ‪ :‬الكعب هو المفصل بين الساق والقدم والجمع كعوب وأكعب‬
‫وقال ابن العراب ّ‬
‫ن الكعب في ظهر القدم ‪.‬‬
‫وكعاب ‪ ،‬وأنكر الصمعيّ قول الناس ‪ :‬إ ّ‬
‫والكعب عند جمهور الفقهاء هو ‪ :‬العظم الناتئ عند ملتقى الساق والقدم ‪.‬‬
‫ن الكعبين هما العظمان في مجمع مفصل‬
‫وقال الشافعيّ رحمه ال ‪ :‬لم أعلم مخالفا في أ ّ‬
‫الساق ‪.‬‬
‫وقال الحنفية ‪ :‬الكعب يطلق على ما تقدم من قول الجمهور وعلى العظم الذي في ظهر‬
‫القدم عند معقد الشّراك ‪ ،‬ويؤخذ المعنى الول في الوضوء ويؤخذ المعنى الثاني في الحرام‬
‫بالحجّ احتياطا ‪.‬‬
‫الحكام المتعلّقة بالكعب ‪:‬‬
‫غسل الرّجلين إلى الكعبين في الوضوء ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الفقهاء إلى أنّه يجب في الوضوء غسل القدمين إلى الكعبين ‪ ،‬لقول ال تعالى ‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫{ َوأَ ْرجُ َل ُكمْ إِلَى ا ْل َكعْبَينِ } ‪.‬‬


‫والتفصيل في مصطلح ( وضوء ) ‪.‬‬
‫قطع الخفّين أسفل من الكعبين في الحرام ‪:‬‬
‫‪ -‬من لم يجد نعلين في الحرام فإنّه يقطع الخفين أسفل من الكعبين ويلبسهما ‪ ،‬لقول‬ ‫‪3‬‬

‫النبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬ل تلبسوا القمص ول العمائم ول السراويلت ول البرانس‬
‫ول الخفاف ‪ ،‬إل أحد ل يجد النّعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين » ‪.‬‬
‫وهذا عند الجمهور ‪ ،‬والمعتمد عند الحنابلة أنّه ل يقطع الخفين ‪.‬‬
‫وفسر الجمهور الكعبين اللذين يقطع الخفّ أسفل منهما بأنّهما العظمان الناتئان عند مفصل‬
‫الساق والقدم ‪ ،‬وفسره الحنفية بالمفصل الذي في وسط القدم عند معقد الشّراك ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪95‬‬ ‫والتفصيل في مصطلح ( إحرام ف ‪/‬‬
‫ستر الكعبين بالخفّ الذي يمسح عليه ‪:‬‬
‫‪ -‬من شروط الخفّ الذي يجوز المسح عليه في الوضوء أن يكون ساترا محل فرض‬ ‫‪4‬‬

‫الغسل في الوضوء ‪ ،‬وهو القدم بكعبه من سائر الجوانب ‪.‬‬


‫والتفصيل في مصطلح ( مسح على الخفين ) ‪.‬‬
‫قطع الرّجل من الكعب في السرقة والحرابة ‪:‬‬
‫ن موضع قطع رجل السارق هو مفصل الكعب ‪ ،‬وفعل عمر‬
‫‪ -‬ذهب أكثر الفقهاء إلى أ ّ‬ ‫‪5‬‬

‫رضي ال عنه ذلك ‪.‬‬


‫وحكي عن قوم من السلف ‪ :‬أنّه يقطع من نصف القدم من معقد الشّراك ‪ ،‬ويترك له‬
‫العقب ‪ ،‬لنّ عليّا رضي ال عنه كان يفعل ذلك ويدع له عقبا يمشي عليها ‪،‬وحكي هذا عن‬
‫أبي ثور‪ .‬ويراعى في كيفية قطع رجل قاطع الطريق ما يراعى في قطع السارق ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪66‬‬ ‫‪ ،‬وسرقة ف ‪/‬‬ ‫‪20‬‬ ‫ر ‪ ( :‬حرابة ف ‪/‬‬

‫كَعْبة *‬
‫التعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬الكعبة في اللّغة البيت المربع وجمعه كعاب ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫قال ابن منظور ‪ :‬والكعبة البيت الحرام ‪ .‬سمّيت بذلك لتربيعها ‪ ،‬والتكعيب ‪ :‬التربيع ‪ ،‬وأكثر‬
‫بيوت العرب مدورة ل مربعة ‪ ،‬وقيل ‪ :‬سمّيت كعبةً لنتوئها وبروزها ‪ ،‬وكلّ بارز كعب ‪،‬‬
‫مستديرًا أو غير مستدير ‪ ،‬ومنه كعب القدم ‪.‬‬
‫ج َعلَ الّلهُ ا ْل َكعْ َبةَ الْبَيْتَ ا ْلحَرَامَ قِيَامًا لّلنّاسِ } الية ‪.‬‬
‫قال تعالى { َ‬
‫وفي الصطلح تطلق على البيت الحرام ‪ ،‬قال النّوويّ في تهذيب السماء واللّغات ‪:‬‬
‫والكعبة المعظمة البيت الحرام ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬القبلة ‪:‬‬
‫‪ -‬القبلة ‪ -‬بكسر القاف ‪ -‬في اللّغة ‪ :‬الجهة وكلّ ما يستقبل من الشيء ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫وفي الصطلح ‪ :‬جهة يُصلّى نحوها مما يحاذي الكعبة أو جهتها ‪ ،‬وغلب هذا السم على‬
‫هذه الجهة حتى صار كالعلم لها وصارت معرفةً عند الطلق ‪ ،‬وإنّما سمّيت بذلك لنّ‬
‫الناس يقابلونها في صلتهم والقبلة أعمّ من الكعبة ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬المسجد الحرام ‪:‬‬
‫‪ -‬يطلق المسجد الحرام ويراد به الكعبة ‪ ،‬وقد يطلق ويراد به الكعبة وما حولها ‪ ،‬وقد‬ ‫‪3‬‬

‫يراد به مكة كلّها ‪ ،‬وقد يراد به مكة كلّها مع الحرم حولها بكماله ‪.‬‬
‫وقد جاءت النّصوص الشرعية بهذه القسام الربعة ‪.‬‬
‫انظر مصطلح ( المسجد الحرام ) ‪.‬‬
‫فعلى الطلق الول وأنّه يراد به الكعبة ‪ ،‬يكون مساويا لها ‪ ،‬وعلى غيره تكون الكعبة‬
‫أخص ‪.‬‬
‫ما يتعلق بالكعبة من أحكام ‪:‬‬
‫استقبال الكعبة في الصلة ‪:‬‬
‫جهَكَ‬
‫‪ -‬ل خلف في أنّ من شروط صحة الصلة استقبال الكعبة لقوله تعالى ‪َ { :‬ف َولّ َو ْ‬ ‫‪4‬‬

‫ن من يعاين‬
‫شطْرَهُ } وقال الفقهاء إ ّ‬
‫جوِ َه ُكمْ َ‬
‫سجِدِ ا ْلحَرَامِ َوحَيْثُ مَا كُن ُتمْ َفوَلّواْ ُو ُ‬
‫شطْرَ ا ْل َم ْ‬
‫َ‬
‫الكعبة فعليه إصابة عينها ‪ ،‬أي مقابلة ذات بناء الكعبة يقينًا ول يكفي الجتهاد ول استقبال‬
‫جهتها ‪ ،‬وأما غير المعاين ففيه خلف بين الفقهاء ‪.‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪،‬‬ ‫‪9‬‬ ‫والتفصيل في ( استقبال ف ‪/‬‬
‫حكم الصلة في جوف الكعبة ‪:‬‬
‫‪ -‬قال الشافعية والحنفية ‪ :‬الصلة في جوف الكعبة جائزة فرضا كانت أو نفلً ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫واستدلّوا بحديث ابن عمر ‪ « :‬أنّه أتى فقيل له ‪ :‬هذا رسول ال صلى ال عليه وسلم دخل‬
‫الكعبة ‪ ،‬فقال ابن عمر ‪ :‬فأقبلت والنبيّ صلى ال عليه وسلم قد خرج وأجد بللً قائما بين‬
‫ي صلى ال عليه وسلم في الكعبة ؟ قال ‪ :‬نعم ‪،‬‬
‫البابين فسألت بللً فقلت ‪ :‬أصلى النب ّ‬
‫ركعتين بين الساريتين اللتين على يساره إذا دخلت ‪ ،‬ثم خرج فصلى في وجه الكعبة‬
‫ركعتين » ‪.‬‬
‫ن الصلة في جوف الكعبة صحيحة إذا استقبل المصلّي جدارها أو‬
‫ونص الشافعية على أ ّ‬
‫بابها مردودا أو مفتوحا مع ارتفاع عتبته ثلثي ذراع لنّه يكون متوجها إلى الكعبة أو جزء‬
‫منها أو إلى ما هو كالجزء منها ‪.‬‬
‫وقال المالكية والحنابلة ‪ :‬الصلة في جوف الكعبة جائزة نفلً ل فرضا ‪.‬‬
‫ي صلى ال عليه وسلم البيت دعا في‬
‫واستدلّوا بحديث ابن عباس قال ‪ « :‬لما دخل النب ّ‬
‫نواحيه كلّها ولم يصلّ حتى خرج منه فلما خرج ركع ركعتين في قبل الكعبة وقال ‪ :‬هذه‬
‫القبلة » ‪ ،‬فحملوا حديث ابن عباس هذا على الفرض ‪ ،‬وحملوا حديث ابن عمر المتقدّم‬
‫على النّفل جمعا بين الدلة ‪.‬‬
‫وقال ابن جرير وجماعة من الظاهرية وأصبغ بن الفرج من المالكية ‪ -‬وحكي عن ابن‬
‫عباس ‪ -‬ل تجوز الصلة في جوف الكعبة ل فرضا ول نفلً ‪.‬‬
‫وما بعدها ) ‪.‬‬ ‫‪12‬‬ ‫والتفصيل في مصطلح ( استقبال ف ‪/‬‬
‫الصلة على ظهر الكعبة ‪:‬‬
‫ح الفريضة على ظهر الكعبة ‪ ،‬واستدلّوا بأنّه لم‬
‫‪ -‬ذهب المالكية والحنابلة إلى أنّه ل تص ّ‬ ‫‪6‬‬

‫يستقبل شيئا من الكعبة ‪ ،‬والهواء ليس هو الكعبة والمطلوب استقبالها ‪.‬‬


‫ح الفريضة على ظهر‬
‫وذهب الحنفية والشافعية وهو رواية عن الحنابلة إلى أنّه تص ّ‬
‫الكعبة‪ ،‬واشترط الشافعية والحنابلة في الرّواية الثانية أن يقف آخر السطح أو العرصة‬
‫ويستقبل الباقي ‪ ،‬أو يقف وسطهما ويكون أمامه شاخص من أجزاء الكعبة بقدر ثلثي ذراع‬
‫لنّه إذا كان السطح أمامه كلّه أو كان أمامه شاخص فهو مستقبل للقبلة وإل لم تصح بدون‬
‫ما تقدم‪ .‬واستدل الحنفية بأنّه مستقبل لهوائها والكعبة عندهم هواء ل بناء ‪ ،‬إل أنّهم نصوا‬
‫على كراهة الصلة لما فيه من إساءة الدب بالستعلء عليها وترك تعظيمها ‪.‬‬
‫أما النافلة فتصحّ فوقها عند الحنابلة والشافعية إذا كان أمامه شاخص ‪.‬‬
‫وعن المالكية في النافلة المؤكدة المنع ابتدا ًء والجواز بعد الوقوع ‪ ،‬وكذا الحنفية يجيزون‬
‫النافلة عليها من باب أولى ; لنّهم يجيزون الفرض عليها ‪.‬‬
‫أما الصلة في السطح المجاورة لها والمرتفعات كجبل أبي قبيس وغيره من المواضع‬
‫ح وهذا موضع اتّفاق عند الجميع‬
‫العالية فتص ّ‬
‫الصلة تحت الكعبة ‪:‬‬
‫ي ‪ :‬والمعتبر في القبلة العرصة ل البناء‬
‫‪ -‬مقتضى مذهب الحنفية الجواز ‪ ،‬قال الحصكف ّ‬ ‫‪7‬‬

‫فهي من الرض السابعة إلى العرش ‪.‬‬


‫ن ما تحت‬
‫للّ‬
‫أما الصلة تحت الكعبة فل تصحّ عند المالكية مطلقا فرضا كانت أو نف ً‬
‫المسجد ل يعطى حكمه بحال ‪ ،‬أل ترى أنّه يجوز للجنب الدّخول تحته ول يجوز له الطيران‬
‫ن الواجب استقبال‬
‫فوقه ‪ .‬وتجوز الصلة في مكان أسفل من الكعبة عند الحنابلة وعللوا بأ ّ‬
‫الكعبة وما يسامتها من فوقها أو تحتها بدليل ما لو زالت الكعبة ‪ -‬والعياذ بال ‪ -‬أنّه‬
‫يستقبل محلّها وهذا موضع وفاق ل خلف فيه ‪.‬‬

‫ُكفْء *‬
‫التعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬الكفء في اللّغة ‪ :‬النّظير والمساوي ‪ ،‬وهذا كفاء هذا وكفيئه وكفؤه ‪ ،‬أي مثله ‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫ل ‪ ،‬والجمع أكفاء ‪ ،‬وفي الحديث ‪ « :‬المؤمنون‬


‫وفلن كفء فلنة إذا كان يصلح لها بع ً‬
‫تكافأ دماؤهم ‪ ،‬وهم يد على من سواهم ويسعى بذمتهم أدناهم » ‪.‬‬
‫وكلّ شيء ساوى شيئا فهو مكافئ له ‪.‬‬
‫ول يخرج استعمال الفقهاء للفظ الكفء عن المعنى اللّغويّ ‪.‬‬
‫حكم تزويج المرأة بالكفء ‪:‬‬
‫ق الجبار وذلك عند‬
‫‪ -‬تزويج المرأة بالزوج الكفء أمر واجب على الولياء الذين لهم ح ّ‬ ‫‪2‬‬

‫ي صلى‬
‫جمهور الفقهاء ‪ -‬الشافعية والحنابلة وأبي يوسف ومحمد من الحنفية ‪ -‬لقول النب ّ‬
‫ال عليه وسلم ‪ « :‬أل ل يزوّج النّساء إل الولياء ‪ ،‬ول يزوجن إل من الكفاء » ‪.‬‬
‫ي صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬ل‬
‫قال الكمال بن الهمام ‪ :‬ل يخفى أنّ الظاهر من قول النب ّ‬
‫ن إل من الكفاء ‪.‬‬
‫ن الخطاب للولياء نهيا لهم أن يزوّجوه ّ‬
‫يزوجن إل من الكفاء » أ ّ‬
‫ثم قال الكمال ‪ :‬ومقتضى الدلة التي ذكرناها الوجوب ‪ ،‬أعني وجوب نكاح الكفاء ‪ ،‬ثم هذا‬
‫الوجوب يتعلق بالولياء حقّا لها ‪ ،‬ويتعلق بها حقّا للولياء ‪.‬‬
‫لكن إنّما تتحقق المعصية في حقّ الولياء إذا كانت صغير ًة ; لنّها إذا كانت كبير ًة ل ينفذ‬
‫عليها تزويجهم إل برضاها فتكون حينئذ تاركةً لحقّها ‪.‬‬
‫والتفصيل في ( كفاءة ) ‪.‬‬
‫حكم التزويج من غير كفء ‪:‬‬
‫ي غير المجبر تزويج مولّيته بغير كفء دون رضاها باتّفاق الفقهاء ‪.‬‬
‫‪ -‬ل يجوز للول ّ‬ ‫‪3‬‬

‫ق المرأة والولياء ‪ ،‬فإذا‬


‫ن الكفاءة ح ّ‬
‫فأما إذا زوجها بغير كفء برضاها جاز النّكاح ل ّ‬
‫اتفقت معهم على تركها جاز ‪.‬‬
‫واستدل الفقهاء على ذلك بأنّ النّبي صلى ال عليه وسلم زوج بناته ‪ ،‬ول أحد يكافئه ‪.‬‬
‫وقد « أمر النبيّ صلى ال عليه وسلم فاطمة بنت قيس وهي قرشية بنكاح أسامة بن زيد‬
‫ي صلى ال عليه وسلم » ‪.‬‬
‫وهو مولى للنب ّ‬
‫والتفصيل في ( كفاءة ) ‪.‬‬
‫التزويج من غير كفء برضا بعض الولياء ‪:‬‬
‫ي ورضي أحدهم أو بعضهم بتزويجها من غير كفء‬
‫‪ -‬لو كان للمرأة أكثر من ول ّ‬ ‫‪4‬‬

‫برضاها دون رضا الباقين ‪.‬‬


‫ح ويكون لمن لم يرض من الولياء حقّ‬
‫فذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ النّكاح يص ّ‬
‫ن الكفاءة حقّ للجميع ‪.‬‬
‫ن النّكاح باطل ; ل ّ‬
‫العتراض‪ .‬وقال بعضهم ‪ :‬إ ّ‬
‫على تفصيل يذكر في مصطلح ( كفاءة ) ‪.‬‬
‫امتناع الوليّ من تزويج الكفء ‪:‬‬
‫ي أن يزوّجها من كفء يفترض عليه تزويجها منه فامتنع‬
‫‪ -‬لو طلبت المرأة من الول ّ‬ ‫‪5‬‬

‫ل ‪ ،‬وينوب القاضي منابه في التزويج ‪ ،‬وهذا ل خلف فيه بين الفقهاء ‪ ،‬قال‬
‫يصير عاض ً‬
‫معقل بن يسار ‪ « :‬زوجت أختا لي من رجل فطلقها ‪ ،‬حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها ‪،‬‬
‫فقلت له ‪ :‬زوجتك وأفرشتك وأكرمتك فطلقتها ثم جئت تخطبها ; ل وال ل تعود إليك أبدا ‪،‬‬
‫وكان رجلً ل بأس به ‪ ،‬وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه ‪ ،‬فأنزل ال تعالى هذه الية ‪{ :‬‬
‫ن } فقلت ‪ :‬الن أفعل يا رسول ال ‪ ،‬قال ‪ :‬فزوجها إياه » ‪.‬‬
‫ل َتعْضُلُوهُ ّ‬
‫فَ َ‬
‫ولو رغبت المرأة في كفء بعينه وأراد الوليّ تزويجها من كفء غيره ‪ ،‬فقد قال المالكية ‪:‬‬
‫كفؤها أولى أي مقدم إن لم تكن مجبرةً أو كانت مجبر ًة وتبين ضررها ‪ ،‬فيأمره الحاكم أن‬
‫يزوّجها من رضيت به ‪ ،‬ثم إن امتنع سأله عن وجه امتناعه ‪ ،‬فإن رآه صوابا زجرها‬
‫وردها إليه ‪ ،‬وإل عد عاضلً ‪ ،‬وزوج الحاكم المرأة لخاطبها الذي رضيت به ‪.‬‬
‫وقال الشافعية ‪ :‬لو عينت المجبرة كفئا ‪ ،‬وأراد الب أو الجدّ كفئا غيره فله ذلك في‬
‫الصحّ ‪ ،‬لنّه أكمل نظرا منها ‪.‬‬
‫ومقابل الصحّ ‪ :‬يلزمه إجابتها إعفافا لها ‪ ،‬واختاره السّبكيّ ‪ ،‬أما غير المجبرة فالمعتبر‬
‫ن أصل تزويجها يتوقف على إذنها ‪.‬‬
‫من عينته جزما كما اقتضاه كلم الشيخين ; ل ّ‬
‫ويتعين عند الحنابلة تزويجها من الذي رغبت فيه إذا كان كفئا ‪ ،‬قال ابن قدامة ‪ :‬إن رغبت‬
‫في كفء بعينه وأراد تزويجها لغيره من أكفائها وامتنع من تزويجها من الذي أرادته كان‬
‫عاضلً لها ‪.‬‬

‫كَفاءة *‬
‫التعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬الكفاءة لغةً ‪ :‬المماثلة والمساواة ‪ ،‬يقال ‪ :‬كافأ فلن فلنا مكافأ ًة وكفاءً وهذا كفاء هذا‬ ‫‪1‬‬

‫وكفؤه ‪ :‬أي مثله ‪ ،‬يكون هذا في كلّ شيء ‪ ،‬وفلن كفء فلنة ‪ :‬إذا كان يصلح بعلً لها ‪،‬‬
‫والجمع أكفاء ‪.‬‬
‫وفي الصطلح ‪ :‬يختلف تعريف الكفاءة باختلف موطن بحثها ‪ :‬في القصاص ‪ ،‬أو‬
‫المبارزة‪ ،‬أو النّكاح ‪.‬‬
‫ففي النّكاح ‪ :‬عرفها الحنفية بأنّها مساواة مخصوصة بين الرجل والمرأة ‪.‬‬
‫وعرفها المالكية ‪ :‬بأنّها المماثلة والمقاربة في التديّن والحال ‪ ،‬أي السلمة من العيوب‬
‫الموجبة للخيار ‪.‬‬
‫وعرفها الشافعية ‪ :‬بأنّها أمر يوجب عدمه عارا ‪.‬‬
‫وعرفها الحنابلة ‪ :‬بأنّها المماثلة والمساواة في خمسة أشياء أما في القصاص ‪ ،‬فقد عرفها‬
‫الشافعية ‪ :‬بأنّها مساواة القاتل القتيل بأن ل يفضله بإسلم أو أمان أو حرّية أو أصلية أو‬
‫سيادة ‪.‬‬
‫وفي المبارزة عرفها الحنابلة ‪ :‬بأن يعلم الشخص الذي يخرج لها من نفسه القوة‬
‫والشجاعة‪ ،‬وأنّه لن يعجز عن مقاومة خصمه ‪.‬‬
‫حكم الكفاءة في النّكاح ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الفقهاء في الحكم التكليفيّ لعتبار الكفاءة في النّكاح ‪ :‬فذهب الحنفية والحنابلة‬ ‫‪2‬‬

‫إلى أنّه يجب اعتبارها فيجب تزويج المرأة من الكفاء ‪ ،‬ويحرم على وليّ المرأة تزويجها‬
‫بغير كفء ‪.‬‬
‫ن الكفاءة تعتبر في جانب الرّجال للنّساء ‪ ،‬ول تعتبر في جانب النّساء‬
‫وذهبوا إلى أ ّ‬
‫ن النّبي صلى ال‬
‫للرّجال ‪ ،‬لنّ النّصوص وردت باعتبارها في جانب الرّجال خاصةً ‪ ،‬فإ ّ‬
‫عليه وسلم ل مكافئ له ‪ ،‬وقد تزوج من أحياء العرب ‪ ،‬وتزوج صفية بنت حييّ رضي ال‬
‫تعالى عنها ‪ ،‬وقال ‪ « :‬ثلثة يؤتون أجرهم مرتين ‪ :‬الرجل تكون له المة فيعلّمها فيحسن‬
‫ن المعنى الذي شرعت‬
‫تعليمها ‪ ،‬ويؤدّبها فيحسن تأديبها ‪ ،‬فيتزوجها ‪ ،‬فله أجران » ; ول ّ‬
‫الكفاءة من أجله يوجب اختصاص اعتبارها بجانب الرّجال ; لنّ المرأة هي التي تستنكف ل‬
‫الرجل ‪ ،‬فهي المستفرشة ‪ ،‬والزوج هو المستفرش ‪ ،‬فل تلحقه النفة من قبلها ‪ ،‬إذ إنّ‬
‫الشريفة تأبى أن تكون فراشا للدنيّ ‪ ،‬والزوج المستفرش ل تغيظه دناءة الفراش ‪ ،‬وكذلك‬
‫ن الولد يشرف بشرف أبيه ل بأمّه ‪.‬‬
‫فإ ّ‬
‫ن الكفاءة في جانب النّساء معتبرة ‪.‬‬
‫ونقل عن أبي يوسف ومحمد أ ّ‬
‫قال الكمال ‪ :‬مقتضى الدلة وجوب إنكاح الكفاء ‪ ،‬وهذا الوجوب يتعلق بالولياء حقّا لها ‪،‬‬
‫وبها حقّا لهم لكن إنّما تتحقق المعصية في حقّهم إذا كانت صغير ًة ; لنّها إذا كانت كبير ًة ل‬
‫ينفذ عليها تزويجهم إل برضاها ‪ ،‬فهي تاركة لحقّها ‪ ،‬كما إذا رضي الوليّ بترك حقّه حيث‬
‫ينفذ ‪.‬‬
‫ي المرأة تزويجها بغير كفء بغير رضاها لنّه إضرار بها‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬يحرم على ول ّ‬
‫وإدخال للعار عليها ‪ ،‬ويفسق الوليّ بتزويجها بغير كفء دون رضاها ‪ ،‬وذلك إن تعمده ‪.‬‬
‫واختلف الرأي عند المالكية ‪:‬‬
‫فقال خليل ‪ :‬للمرأة وللوليّ تركها ‪ ..‬أي الكفاءة ‪.‬‬
‫وقال الدردير ‪ :‬لهما معا تركها وتزويجها من فاسق سكّير يؤمن عليها منه ‪ ،‬وإل رده‬
‫ق ال تعالى ; حفظا للنّفوس وكذا تزويجها من معيب ‪ ،‬لكنّ السلمة‬
‫المام وإن رضيت ‪ ،‬لح ّ‬
‫ي فيه كلم ‪.‬‬
‫من العيوب حقّ للمرأة فقط ‪ ،‬وليس للول ّ‬
‫ن ظاهر ما نقله الحطاب وغيره واستظهره الشيخ‬
‫ي ‪ :‬حاصل ما في المسألة أ ّ‬
‫وقال الدّسوق ّ‬
‫ابن رحال منع تزويجها من الفاسق ابتدا ًء وإن كان يؤمن عليها منه وأنّه ليس لها ول‬
‫للوليّ الرّضا به ‪ ،‬وهو ظاهر ; لنّ مخالطة الفاسق ممنوعة ‪ ،‬وهجره واجب شرعا ‪ ،‬فكيف‬
‫بخلطة النّكاح ‪.‬‬
‫وقال الشافعية ‪ :‬يكره التزويج من غير كفء عند الرّضا إل لمصلحة ‪.‬‬
‫وقال الع ّز بن عبد السلم ‪ :‬يكره كراه ًة شديدةً التزويج من فاسق إل ريب ًة تنشأ من عدم‬
‫تزويجها له ‪ ،‬كأن خيف زناه بها لو لم ينكحها ‪ ،‬أو يسلّط فأجرا عليها ‪.‬‬
‫‪ -‬واختلف الفقهاء ‪ -‬كذلك ‪ -‬في حكم الكفاءة من حيث اعتبارها في النّكاح أو عدم‬ ‫‪3‬‬

‫اعتبارها ‪ ،‬وهل هي ‪ -‬في حال اعتبارها ‪ -‬شرط في صحة النّكاح أم في لزومه ‪:‬‬
‫فذهب الشافعية ‪ ،‬والحنفية في ظاهر الرّواية ‪ ،‬وهو المعتمد عند المالكية الذي شهره‬
‫الفاكهانيّ ‪ ،‬والمذهب عند أكثر متأخّري الحنابلة والصحّ كما قال في المقنع والشرح ‪ ،‬إلى‬
‫ح النّكاح مع فقدها ; لنّها حقّ للمرأة‬
‫أنّ الكفاءة تعتبر للزوم النّكاح ل لصحته غالبا ‪ ،‬فيص ّ‬
‫وللولياء ‪ ،‬فإن رضوا بإسقاطها فل اعتراض عليهم وهو ما روي عن عمر وابن مسعود ‪،‬‬
‫وعمر بن عبد العزيز وعبيد بن عمير ‪ ،‬وحماد بن أبي سليمان وابن سيرين ‪.‬‬
‫واستدلّوا بأنّ النّبي صلى ال عليه وسلم زوج بناته ول أحد يكافئه ‪ ،‬وبأنّه « صلى ال‬
‫عليه وسلم أمر فاطمة بنت قيس وهي قرشية أن تنكح أسامة بن زيد موله ‪ ،‬فنكحها بأمره‬
‫» ‪ « ،‬وزوج صلى ال عليه وسلم زيد بن حارثة ابنة عمته زينب بنت جحش السدية » ‪،‬‬
‫ن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة تبنى سالما وأنكحه ابنة أخيه الوليد بن عتبة ‪ ،‬وهو‬
‫وبأ ّ‬
‫ن الكفاءة ل تخرج عن كونها حقّا للمرأة والولياء ‪ ،‬فلم‬
‫مولى لمرأة من النصار ‪ ،‬وبأ ّ‬
‫يشترط وجودها ‪.‬‬
‫ووجه اعتبارها عندهم ‪ ،‬أنّ انتظام المصالح يكون عادةً بين المتكافئين ‪ ،‬والنّكاح شرع‬
‫لنتظامها ‪ ،‬ول تنتظم المصالح بين غير المتكافئين ‪ ،‬فالشريفة تأبى أن تكون مستفرشةً‬
‫ن النّكاح وضع لتأسيس القرابات الصّهرية ‪ ،‬ليصير البعيد‬
‫للخسيس ‪ ،‬وتعير بذلك ; ول ّ‬
‫قريبا عضدا وساعدا ‪ ،‬يسرّه ما يسرّك ‪ ،‬وذلك ل يكون إل بالموافقة والتقارب ‪ ،‬ول مقاربة‬
‫ق والحرّية ‪ ،‬ونحو ذلك ‪ ،‬فعقده مع غير‬
‫للنّفوس عند مباعدة النساب ‪ ،‬والتّصاف بالرّ ّ‬
‫المكافئ قريب الشبه من عقد ل تترتب عليه مقاصده ‪.‬‬
‫ي وابن بشير وابن‬
‫وذهب الحنفية ‪ -‬في رواية الحسن المختارة للفتوى عندهم ‪ -‬واللخم ّ‬
‫ن الكفاءة شرط في‬
‫فرحون وابن سلمون ‪ -‬من المالكية ‪ -‬وهو رواية عن أحمد ‪ ..‬إلى أ ّ‬
‫صحة النّكاح ‪ ،‬قال أحمد ‪ :‬إذا تزوج المولى العربية فرّق بينهما ‪ ،‬وقال في الرجل يشرب‬
‫الشراب ‪ :‬ما هو بكفء لها يفرق بينهما ‪ ،‬وقال ‪ :‬لو كان المتزوّج حائكًا فرقت بينهما ‪،‬‬
‫لقول عمر رضي ال تعالى عنه ‪ " :‬لمنعنّ فروج ذوات الحساب إل من الكفاء " ‪.‬‬
‫ولقول سلمان رضي ال عنه ‪ :‬ثنتان فضلتمونا بها يا معشر العرب ‪ ،‬ل ننكح نساءكم ول‬
‫ق من يحدث من الولياء بغير إذنه ‪،‬‬
‫نؤمّكم ‪ ،‬ولنّ التزوّج مع فقد الكفاءة تصرّف في ح ّ‬
‫فلم يصح ‪ ،‬كما لو زوجها بغير إذنها ‪.‬‬
‫ي والجصاص وهو قول سفيان الثوريّ والحسن البصريّ إلى عدم اعتبار‬
‫وذهب الكرخ ّ‬
‫ل ‪ ،‬واحتجّوا بما روي عن أبي هريرة‬
‫الكفاءة ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬إنّها ليست بشرط في النّكاح أص ً‬
‫أنّ رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬يا بني بياضة أنكحوا أبا هند وأنكحوا إليه ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬وكان حجّاما » ‪ ،‬أمرهم رسول ال صلى ال عليه وسلم بالتزويج عند عدم الكفاءة‬
‫ي على عجميّ‬
‫ولو كانت معتبرةً لما أمر ‪ ،‬وبقوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬ل فضل لعرب ّ‬
‫ول لعجميّ على عربيّ ‪ ،‬ول لحمر على أسود ول أسود على أحمر إل بالتقوى » ‪ ،‬وبأنّ‬
‫الكفاءة لو كانت معتبرةً في الشرع لكان أولى البواب بالعتبار بها باب الدّماء ‪ ،‬لنّه يحتاط‬
‫فيه ما ل يحتاط في سائر البواب ‪ ،‬ومع هذا لم تعتبر ‪ ،‬حتى يقتل الشريف بالوضيع ‪،‬‬
‫فهاهنا أولى ‪ ،‬والدليل عليه أنّها لم تعتبر في جانب المرأة ‪ ،‬فكذا في جانب الزوج ‪.‬‬
‫وقال الشافعية ‪ :‬إنّ الكفاءة وإن كانت ل تعتبر لصحة النّكاح غالبا بل لكونها حقّا للوليّ‬
‫والمرأة إل أنّها قد تعتبر للصّحة كما في التزويج بالجبار ‪.‬‬
‫وقت اعتبار الكفاءة ‪:‬‬
‫ن الكفاءة تعتبر عند عقد النّكاح ‪ ،‬فلو كان‬
‫‪ -‬ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أ ّ‬ ‫‪4‬‬

‫الزوج عند عقد النّكاح مستوفيا لخصال الكفاءة ثم زالت هذه الخصال أو اختلت ‪ ،‬فإنّ العقد‬
‫ل يبطل بذلك ‪ ..‬وهذا في الجملة ‪ ،‬ولكلّ منهم في ذلك تفصيل ‪:‬‬
‫فقال الحنفية ‪ :‬تعتبر الكفاءة عند ابتداء العقد ‪ ،‬فل يضرّ زوالها بعده ‪ ،‬فلو كان وقته كفؤا‬
‫ثم زالت كفاءته لم يفسخ ‪ ،‬وأما لو كان دباغا فصار تأجرا ‪ ،‬فإن بقي عارها لم يكن كفؤا ‪،‬‬
‫وإن تناسى أمرها لتقادم زمانها كان كفؤا ‪.‬‬
‫وقال الشافعية ‪ :‬العبرة في خصال الكفاءة بحالة العقد ‪ ،‬نعم إن ترك الحرفة الدنيئة قبله ل‬
‫يؤثّر إل إن مضت سنة ‪ -‬كما أطلقه جمع ‪ -‬وهو واضح إن تلبس بغيرها ‪ ،‬بحيث زال عنه‬
‫اسمها ولم ينسب إليها أصلً ‪ ،‬وإل فل بد من مضيّ زمن يقطع نسبتها عنه ‪ ،‬بحيث ل يعير‬
‫ي أنّ الفاسق إذا تاب ل يكافئ العفيفة ‪ ،‬وصرح ابن‬
‫بها ‪ ،‬وقد بحث ابن العماد والزركش ّ‬
‫العماد في موضع آخر بأنّ الزاني المحصن وإن تاب وحسنت توبته ل يعود كفؤا ‪ ،‬كما ل‬
‫ن المحجور عليه بسفه ليس بكفْء للرشيدة ‪.‬‬
‫تعود عفته ‪ ،‬وبأ ّ‬
‫ن طروّ الحرفة الدنيئة ل يثبت الخيار ‪ .‬وهو الوجه ; لنّ الخيار في النّكاح بعد‬
‫وقالوا ‪ :‬إ ّ‬
‫صحته ل يوجد إل بالسباب الخمسة المنصوص عليها في بابه ‪ ،‬وبالعتق تحت رقيق ‪.‬‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬لو زالت الكفاءة بعد العقد فللزوجة فقط الفسخ دون أوليائها ‪ ،‬كعتقها تحت‬
‫ن حق الولياء في ابتداء العقد ل في استدامته ‪.‬‬
‫عبد ; ول ّ‬
‫الحقّ في الكفاءة ‪:‬‬
‫ن لها الحق في أن تصون نفسها‬
‫‪ -‬ذهب الفقهاء إلى أنّ الكفاءة حقّ للمرأة وللولياء ; ل ّ‬ ‫‪5‬‬

‫عن ذلّ الستفراش لمن ل يساويها في خصال الكفاءة ‪ ،‬فكان لها حقّ في الكفاءة أما‬
‫الولياء فإنّهم يتفآخرون بعلوّ نسب الختن ‪ ،‬ويتعيرون بدناءة نسبه ‪ ،‬فيتضررون بذلك ‪،‬‬
‫فكان لهم أن يدفعوا الضرر عن أنفسهم بالعتراض على نكاح من ل تتوافر فيه خصال‬
‫الكفاءة فاقتضى ذلك تقرير الحقّ لهم في الكفاءة ‪.‬‬
‫وللفقهاء فيما وراء ذلك تفصيل ‪:‬‬
‫ي واحدا كان أو جماع ًة مستوين في درجة ‪ ،‬فل بد‬
‫قال الشافعية ‪ :‬الكفاءة حقّ للمرأة والول ّ‬
‫مع رضاها بغير الكفء من رضا الولياء به ‪ ،‬ل رضا أحدهم ‪ ،‬فإنّ رضا أحدهم ل يكفي‬
‫عن رضا الباقين ; لنّ لهم حقّا في الكفاءة فاعتبر رضاهم بتركها كالمرأة ‪ ،‬فإن تفاوت‬
‫الولياء‪ ،‬فللوليّ القرب أن يزوّجها بغير الكفء برضاها ‪ ،‬وليس للوليّ البعد العتراض ‪،‬‬
‫فلو كان الذي يلي أمرها السّلطان ‪ ،‬فهل له تزويجها بغير الكفء إذا طلبته ؟ قال النّوويّ ‪:‬‬
‫قولن أو وجهان أصحّهما المنع ‪ ،‬لنّه كالنائب ‪ ،‬فل يترك الحظ ‪.‬‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬الكفاءة حقّ للمرأة والولياء كلّهم ‪ ،‬القريب والبعيد ‪ ،‬حتى من يحدث منهم‬
‫بعد العقد ; لتساويهم في لحوق العار بفقد الكفاءة ‪.‬‬
‫خصال الكفاءة ‪:‬‬
‫‪ -‬الكفاءة معتبرة في النّكاح لدفع العار والضّرار ‪ ،‬وخصالها أي الصّفات المعتبرة فيها‬ ‫‪6‬‬

‫ليعتبر في الزوج مثلها في الجملة ‪ ،‬هي ‪ :‬الدّين ‪ ،‬والنّسب وقد يعبر عنه بالحسب ‪،‬‬
‫والحرفة ‪ ،‬والحرّية ‪ ،‬والمال ‪ ،‬والتنقّي من العيوب المثبتة للخيار ‪ ،‬لكنّ الفقهاء لم يتفقوا‬
‫على اعتبارها كلّها كامل ًة ‪ ،‬بل كان لهم فيها تفصيل وخلف ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الدّين ‪:‬‬
‫ن من خصال الكفاءة الدّين ‪ ،‬أي المماثلة والمقاربة بين‬
‫‪ -‬ذهب جمهور الفقهاء إلى أ ّ‬ ‫‪7‬‬

‫الزوجين في التديّن بشرائع السلم ‪ ،‬ل في مجرد أصل السلم ‪ ،‬ولهم فيما وراء ذلك‬
‫تفصيل ‪:‬‬
‫فقال أبو حنيفة وأبو يوسف ‪ :‬لو أنّ امرأةً من بنات الصالحين زوجت نفسها من فاسق ‪،‬‬
‫كان للولياء حقّ العتراض ; لنّ التفاخر بالدّين أحقّ من التفاخر بالنّسب والحرّية‬
‫والمال ‪ ،‬والتعيير بالفسق أشدّ وجوه التعيير وقال محمد ‪ :‬ل تعتبر الكفاءة في الدّين ; لنّ‬
‫هذا من أمور الخرة ‪ ،‬والكفاءة من أحكام الدّنيا ‪ ،‬فل يقدح فيها الفسق إل إذا كان شيئا‬
‫فاحشا ‪ ،‬بأن كان الفاسق ممن يسخر منه ويضحك عليه ويصفع ‪ ،‬فإن كان ممن يهاب‬
‫ن هذا الفسق ل يعدّ شيئا في العادة ‪ ،‬فل يقدح‬
‫منه ‪ ،‬بأن كان أميرا قتالً فإنّه يكون كفئا ل ّ‬
‫ن الفاسق إن كان معلنا ل يكون كفئا وإن كان مستترا يكون‬
‫في الكفاءة ‪ .‬وعن أبي يوسف أ ّ‬
‫كفئا ‪.‬‬
‫وقال المالكية ‪ :‬المراد بالدّين السلم مع السلمة من الفسق ‪ ،‬ول تشترط المساواة في‬
‫الصلح ‪ ،‬فإن فقد الدّين وكان الزوج فاسقا فليس بكفء ‪.‬‬
‫وقال الشافعية ‪ :‬من خصال الكفاءة الدّين والصلح والكفّ عما ل يحلّ ‪ ،‬والفاسق ليس‬
‫بكفء للعفيفة ‪ ،‬وغير الفاسق ‪ -‬عد ًل كان أو مستورا ‪ -‬كفء لها ‪ ،‬ول تعتبر الشّهرة‬
‫بالصلح ‪ ،‬فغير المشهور بالصلح كفء للمشهورة به ‪ ،‬والفاسق كفء للفاسقة مطلقا إل‬
‫إن زاد فسقه أو اختلف نوعه كما بحثه السنويّ ‪ ،‬والمبتدع ليس بكفء للعفيفة أو السّنّية‬
‫‪ .‬وقال الحنابلة ‪ :‬الدّين مما يعتبر في الكفاءة ‪ ،‬فل تزوج عفيفة عن الزّنا بفاجر ‪ ،‬أي‬
‫بفاسق بقول أو فعل أو اعتقاد ‪ ،‬قال أحمد في رواية أبي بكر ‪ :‬ل يزوّج ابنته من حروريّ‬
‫قد مرق من الدّين ‪ ،‬ول من الرافضيّ ول من القدريّ ‪ ،‬فإن كان ل يدعو فل بأس ‪ ،‬ول‬
‫تزوج امرأة عدل بفاسق كشارب خمر ‪ ،‬لنّه ليس بكفء ‪ ،‬سكر منها أو لم يسكر ‪ ،‬وكذلك‬
‫من سكر من خمر أو غيرها من المسكر ليس بكفء ‪ ،‬قال إسحاق إذا زوج كريمته من‬
‫فاسق فقد قطع رحمه ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬النّسب ‪:‬‬
‫‪ -‬من الخصال المعتبرة في الكفاءة عند الحنفية ‪ ،‬والشافعية ‪ ،‬والحنابلة النّسب ‪ ،‬وعبر‬ ‫‪8‬‬

‫عنه الحنابلة بالمنصب ‪ ،‬واستدلّوا على ذلك بقول عمر رضي ال تعالى عنه ‪ :‬لمنعنّ‬
‫فروج ذوات الحساب إل من الكفاء ‪ ،‬وفي رواية قلت ‪ :‬وما الكفاء ؟ قال ‪ :‬في الحساب ;‬
‫ولنّ العرب يعتمدون الكفاءة في النّسب ويتفآخرون برفعة النّسب ‪ ،‬ويأنفون من نكاح‬
‫الموالي ‪ ،‬ويرون ذلك نقصا وعارا ; ولنّ العرب فضلت المم برسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪.‬‬
‫ن العرب تفتخر به فيهم دون المهات ‪ ،‬فمن انتسبت لمن‬
‫والعتبار في النّسب بالباء ; ل ّ‬
‫ي أبا وإن كانت أمّه عربيةً ليس كفء‬
‫تشرف به لم يكافئها من لم يكن كذلك ‪ ،‬فالعجم ّ‬
‫ن ال تعالى اصطفى العرب على غيرهم ‪ ،‬وميزهم عنهم‬
‫عربية وإن كانت أمّها عجميةً ‪ ،‬ل ّ‬
‫بفضائل جمةً ‪ ،‬كما صحت به الحاديث ‪.‬‬
‫ن بعض‬
‫وذهب مالك وسفيان الثوريّ إلى عدم اعتبار النّسب في الكفاءة ‪ ،‬قيل لمالك ‪ :‬إ ّ‬
‫هؤلء القوم فرقوا بين عربية ومولًى ‪ ،‬فأعظم ذلك إعظاما شديدا وقال ‪ :‬أهل السلم كلّهم‬
‫جعَلْنَاكُمْ‬
‫بعضهم لبعض أكفاء ‪ ،‬لقول ال تعالى في التنزيل ‪ { :‬إِنّا خَ َلقْنَاكُم مّن َذكَرٍ َوأُنثَى َو َ‬
‫ن أَكْ َر َم ُكمْ عِن َد الّلهِ أَ ْتقَاكُمْ } ‪ ،‬وكان سفيان الثوريّ يقول ‪ :‬ل تعتبر‬
‫شعُوبًا وَقَبَا ِئلَ لِ َتعَارَفُوا إِ ّ‬
‫ُ‬
‫الكفاءة في النّسب ; لنّ الناس سواسية بالحديث ‪ ،‬قال صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬ل فضل‬
‫ي ‪ ،‬ول لحمر على أسود ‪ ،‬ول أسود على أحمر‬
‫لعربيّ على عجميّ ‪ ،‬ول لعجميّ على عرب ّ‬
‫ن أَكْ َر َم ُكمْ عِن َد الّلهِ أَ ْتقَاكُمْ } ‪ ،‬ولجمهور‬
‫إل بالتقوى » ‪ ،‬وقد تأيد ذلك بقوله تعالى ‪ { :‬إِ ّ‬
‫الفقهاء القائلين باعتبار النّسب في الكفاءة بعد اتّفاقهم على ما سبق تفصيل ‪:‬‬
‫قال الحنفية ‪ :‬قريش بعضهم لبعض أكفاء ‪ ،‬والعرب بعضهم لبعض أكفاء ‪ ،‬والموالي‬
‫بعضهم لبعض أكفاء ‪ ،‬لما روي عن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬قريش بعضهم‬
‫أكفاء لبعض ‪ ،‬والعرب بعضهم أكفاء لبعض ‪ ،‬قبيلة بقبيلة ‪ ،‬ورجل برجل ‪ ،‬والموالي‬
‫بعضهم أكفاء لبعض ‪ ،‬قبيلة بقبيلة ‪ ،‬ورجل برجل إل حائك أو حجام » ‪.‬‬
‫ي كفء للقرشية على اختلف القبيلة ‪ ،‬ول يعتبر التفاضل فيما بين قريش‬
‫وقالوا ‪ :‬القرش ّ‬
‫ي كالتيميّ والمويّ والعدويّ كفء للهاشمية لقوله‬
‫ي الذي ليس بهاشم ّ‬
‫في الكفاءة ‪ ،‬فالقرش ّ‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬قريش بعضهم أكفاء لبعض » وقريش تشتمل على بني هاشم وإن‬
‫كان لبني هاشم من الفضيلة ما ليس لسائر قريش ‪ ،‬لكنّ الشرع أسقط اعتبار تلك الفضيلة‬
‫في باب النّكاح ما عرفنا ذلك بفعل رسول ال صلى ال عليه وسلم وإجماع الصحابة رضي‬
‫ال عنهم ولنّ رسول ال صلى ال عليه وسلم « زوج ابنتيه من عثمان رضي ال تعالى‬
‫عنه ‪ ،‬وكان أمويّا ل هاشميّا » ‪ ،‬وزوج عليّ رضي ال عنه ابنته من عمر رضي ال عنه‬
‫ن الكفاءة في قريش ل تختصّ ببطن دون بطن ‪.‬‬
‫ولم يكن هاشميّا بل عدويّا ‪ ،‬فدل على أ ّ‬
‫واستثنى محمد بيت الخلفة ‪ ،‬فلم يجعل القرشي الذي ليس بهاشميّ كفئا له ‪ ،‬فلو تزوجت‬
‫قرشية من أولد الخلفاء قرشيّا ليس من أولدهم ‪ ،‬كان للولياء حقّ العتراض وقال‬
‫الحنفية ‪ :‬العرب بعضهم أكفاء لبعض بالنص ‪ ،‬ول تكون العرب كفئا لقريش ; لفضيلة‬
‫ي صلى ال عليه وسلم ‪« :‬‬
‫قريش على سائر العرب ولذلك اختصت المامة بهم ‪ ،‬قال النب ّ‬
‫الئمة من قريش » ‪.‬‬
‫والموالي بعضهم أكفاء لبعض بالنص ‪ ،‬ول تكون الموالي أكفاءً للعرب ‪ ،‬لفضل العرب على‬
‫العجم ‪ ،‬وموالي العرب أكفاء لموالي قريش ‪ ،‬لعموم قوله صلى ال عليه وسلم ‪« :‬‬
‫والموالي بعضهم أكفاء لبعض رجل برجل » ومفاخرة العجم بالسلم ل بالنّسب ‪ ،‬فمن له‬
‫أبوان في السلم فصاعدا فهو من الكفاء لمن له آباء فيه ‪ ،‬ومن أسلم بنفسه أو له أب‬
‫ن تمام النّسب بالب والجدّ ‪،‬‬
‫واحد في السلم ل يكون كفئا لمن له أبوان في السلم ; ل ّ‬
‫ومن أسلم بنفسه ل يكون كفئا لمن له أب واحد في السلم ‪.‬‬
‫وقال الشافعية ‪ :‬غير القرشيّ من العرب ليس كفء القرشية ‪ ،‬لخبر ‪ « :‬قدّموا قريشا ول‬
‫ي من‬
‫تقدموها » ولنّ ال تعالى اصطفى قريشا من كنانة ‪ ،‬وليس غير الهاشميّ والمطلب ّ‬
‫قريش كفئا للهاشمية أو المطلبية ‪ ،‬لخبر ‪ « :‬إنّ ال اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ‪،‬‬
‫واصطفى قريشا من كنانة ‪ ،‬واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم » ‪،‬‬
‫والمطلبيّ كفء الهاشمية وعكسه ‪ ،‬لحديث ‪ « :‬إنّما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد‬
‫» ‪ ،‬فهما متكافئان ‪ ،‬ومحلّه إذا لم تكن شريفةً ‪ ،‬أما الشريفة فل يكافئها إل شريف ‪،‬‬
‫ص بأولد الحسن والحسين رضي ال تعالى عنهما وعن أبويهما ‪ ..‬نبه على‬
‫والشرف مخت ّ‬
‫ي أو مطلبيّ أم ًة فأتت منه ببنت‬
‫ذلك ابن ظهيرة ‪ ،‬ومحلّه أيضا في الحرة ‪ ،‬فلو نكح هاشم ّ‬
‫ن وصمة الرّقّ الثابت‬
‫فهي مملوكة لمالك أمّها ‪ ،‬فله تزويجها من رقيق ودنيء النّسب ‪ ،‬ل ّ‬
‫من غير شكّ ألغت اعتبار ك ّل كمال معه ‪ ،‬مع كون الحقّ في الكفاءة في النّسب لسيّدها ل‬
‫لها على ما جزم به الشيخان ‪.‬‬
‫أما غير قريش من العرب فإنّ بعضهم أكفاء بعض ‪ ..‬نقله الرافعيّ عن جماعة ‪ ،‬وقال في‬
‫زيادة الروضة إنّه مقتضى كلم الكثرين ‪.‬‬
‫وقالوا ‪ :‬الصحّ اعتبار النّسب في العجم كالعرب قياسا عليهم ‪ ،‬فالفرس أفضل من القبط ‪،‬‬
‫لما روي أنّه صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬لو كان الدّين عند الثّريا لذهب به رجل من‬
‫فارس» ‪ ،‬وبنو إسرائيل أفضل من القبط ‪ ،‬ومقابل الصحّ ‪ :‬أنّه ل يعتبر النّسب في العجم ;‬
‫لنّهم ل يعتنون بحفظ النساب ول يدوّنونها بخلف العرب ‪ ،‬والعتبار في النّسب بالب ‪،‬‬
‫ول يكافئ من أسلم أو أسلم أحد أجداده القربين أقدم منه في السلم ‪ ،‬فمن أسلم بنفسه‬
‫ليس كفء من لها أب أو أكثر في السلم ‪ ،‬ومن له أبوان في السلم ليس كفء من لها‬
‫ثلثة آباء فيه ‪.‬‬
‫واختلفت الرّواية عن أحمد ‪ ،‬فروي عنه أنّ غير قريش من العرب ل يكافئها ‪ ،‬وغير بني‬
‫ن ال اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ‪ ،‬واصطفى قريشا من‬
‫هاشم ل يكافئهم ‪ ،‬لحديث ‪ « :‬إ ّ‬
‫ن العرب فضّلت‬
‫كنانة ‪ ،‬واصطفى من قريش بني هاشم ‪ ،‬واصطفاني من بني هاشم » ‪ ،‬ول ّ‬
‫على المم برسول ال صلى ال عليه وسلم وقريش أخصّ به من سائر العرب ‪ ،‬وبنو هاشم‬
‫أخصّ به من قريش ‪ ،‬وكذلك قال عثمان وجبير بن مطعم ‪ :‬إنّ إخواننا من بني هاشم ل‬
‫ننكر فضلهم علينا لمكانك الذي وضعك ال به منهم ‪.‬‬
‫ن العرب بعضهم لبعض أكفاء ‪ ،‬والعجم بعضهم لبعض أكفاء ‪،‬‬
‫والرّواية الثانية عن أحمد أ ّ‬
‫لنّ « النّبي صلى ال عليه وسلم زوج ابنتيه عثمان » ‪ ،‬وزوج عليّ عمر ابنته أم كلثوم‬
‫رضي ال تعالى عنهم ‪.‬‬
‫والكفاءة في النّسب غير معتبرة عند المالكية ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬الحرّية ‪:‬‬
‫ن الحرّية من خصال‬
‫‪ -‬ذهب الحنفية والشافعية ‪ ،‬وهو الصحيح عند الحنابلة ‪ ،‬إلى أ ّ‬ ‫‪9‬‬

‫الكفاءة ‪ ،‬فل يكون القنّ أو المبعض أو المدبر أو المكاتب كفئا للحرة ولو عتيقةً ; لنّها‬
‫تتعير به ‪ ،‬إذ النقص والشين بال ّرقّ فوق النقص والشين بدناءة النّسب ; ولنّها تتضرر‬
‫بنكاحه لنّه ينفق نفقة المعسرين ‪ ،‬ول ينفق على ولده ‪ ،‬وهو ممنوع من التصرّف في‬
‫كسبه‪ ،‬غير مالك له ‪ ،‬مشغول عن امرأته بحقوق سيّده ‪ ،‬وملك السيّد رقبته يشبه ملك‬
‫البهيمة ‪.‬‬
‫واستدلّوا بما روى عروة عن عائشة « أنّ بريرة أعتقت فخيرها رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم » ‪ ،‬ولو كان زوجها حرّا لم يخيّرها ‪ ،‬واختلف المالكية في كفاءة العبد للحرة أو‬
‫عدمها في تأوّلين ‪.‬‬
‫فأجاز ابن القاسم نكاح العبد عربيةً ‪ ،‬وقال عبد الباقي ‪ :‬إنّه الحسن ورجح الدردير عدم‬
‫كفاءة العبد للحرة ‪ ،‬وقال الدّسوقيّ ‪ :‬إنّه المذهب ‪.‬‬
‫د ‪ -‬الحرفة ‪:‬‬
‫‪ -‬الحرفة ما يطلب به الرّزق من الصنائع وغيرها ‪ ،‬والحرفة الدنيئة ما دلت ملبستها‬ ‫‪10‬‬

‫على انحطاط المروءة وسقوط النفس ‪ ،‬كملبسة القاذورات ‪.‬‬


‫وقد ذهب الحنفية ‪ -‬في المفتى به وهو قول أبي يوسف ‪ -‬والشافعية والحنابلة ‪ -‬في‬
‫الرّواية المعتمدة عن أحمد ‪ -‬إلى اعتبار الحرفة في الكفاءة في النّكاح ‪ ،‬لقوله تعالى ‪{ :‬‬
‫علَى َبعْضٍ فِي ا ْلرّزْقِ } ‪ ،‬أي في سببه ‪ ،‬فبعضهم يصل إليه بعزّ‬
‫ض َل َبعْضَ ُكمْ َ‬
‫وَالّلهُ فَ ّ‬
‫وراحة ‪ ،‬وبعضهم بذ ّل ومشقة ; ولنّ الناس يتفآخرون بشرف الحرف ويتعيرون بدناءتها ‪.‬‬
‫ن الحرفة غير معتبرة في الكفاءة في النّكاح ;‬
‫وعن أبي حنيفة وفي رواية عن أحمد ‪ :‬أ ّ‬
‫لنّه يمكن النتقال والتحوّل عن الخسيسة إلى النّفيسة منها ‪ ،‬فليست وصفا لزما ‪.‬‬
‫وروي نحو ذلك عن أبي يوسف ‪ ،‬حيث قال ‪ :‬إنّها غير معتبرة إل أن تكون فاحشةً ‪..‬‬
‫كحرفة الحجام والكنّاس والدباغ ‪ ،‬فل يكون كلّ منهم كفء بنت العطار والصيرفيّ‬
‫والجوهريّ ‪.‬‬
‫ووفق ما ذهب إليه جمهور الفقهاء ل يكون الرجل صاحب الصّناعة أو الحرفة الدنيئة أو‬
‫الخسيسة كفء بنت صاحب الصّناعة أو الحرفة الرفيعة أو الشريفة ‪ ..‬لما سبق ‪ ،‬ولما‬
‫ذكره الحنابلة من أنّه نقص في عرف الناس أشبه نقص النّسب ‪ ،‬ولما روي في حديث ‪« :‬‬
‫العرب بعضهم أكفاء لبعض » وفي آخره « إل حائك أو حجام » ‪ ،‬قيل لحمد ‪ :‬كيف تأخذ‬
‫به وأنت تضعّفه ؟ قال ‪ :‬العمل عليه ‪ ،‬يعني أنّه موافق لهل العرف ‪.‬‬
‫وقال الحنفية ‪ :‬تثبت الكفاءة بين الحرفتين في جنس واحد ‪ ،‬كالبزاز مع البزاز ‪ ،‬والحائك‬
‫مع الحائك ‪ ،‬وتثبت عند اختلف جنس الحرفة إذا كان يقارب بعضها بعضا ‪ ،‬كالبزاز مع‬
‫الصائغ‪ ،‬والصائغ مع العطار ‪ ،‬ول تثبت فيما ل مقاربة بينهما ‪ ،‬كالعطار مع البيطار ‪،‬‬
‫والبزاز مع الخراز ‪.‬‬
‫ن المدار على تعييرها‬
‫وقال الشافعية ‪ :‬العتبار بالعرف العامّ لبلد الزوجة ل لبلد العقد ; ل ّ‬
‫أو عدمه ‪ ،‬وذلك يعرف بالنّسبة لحرف بلدها ‪ ،‬أي التي هي بها حالة العقد ‪.‬‬
‫ن كل ذي‬
‫قال الرمليّ ‪ :‬حرفة الباء ‪ -‬كحرفة الزوج ‪ -‬معتبرة في الكفاءة ‪ ،‬والوجه أ ّ‬
‫حرفة فيها مباشرة نجاسة ليس كفء الذي حرفته ل مباشرة فيها للنّجاسة ‪ ،‬وأنّ بقية‬
‫ل متساوية إل إن اطرد العرف بتفاوتها ‪ ..‬وقال ‪ :‬من له‬
‫الحرف التي لم يذكروا فيها تفاض ً‬
‫حرفتان ‪ :‬دنية ورفيعة اعتبر ما اشتهر به ‪ ،‬وإل غلبت الدنية ‪ ،‬بل لو قيل بتغليبها مطلقا لم‬
‫يبعد ; لنّه ل يخلو عن تعييره بها ‪.‬‬
‫وأضاف القليوبيّ ‪ :‬لو ترك حرفةً لرفع منها أو عكسه ‪ ،‬اعتبر قطع نسبته عن الولى ‪،‬‬
‫وليس تعاطي الحرفة الدنيئة لتواضع أو كسر نفس أو لنفع المسلمين بغير أجرة مضرّا في‬
‫الكفاءة والعلم ‪ -‬بشرط عدم الفسق ‪ -‬وكذلك القضاء أرفع الحرف كلّها ‪ ،‬فيكافئان سائر‬
‫الحرف ‪ ،‬فلو جاءت امرأة ل يعرف نسبها إلى قاض ليزوّجها ‪ ،‬ل يزوّجها إل من ابن عالم‬
‫أو قاض دون غيرهما ; لحتمال شرفها بالنّسب إلى أحدهما ‪.‬‬
‫والمراد ببنت العالم والقاضي في ظاهر كلمهم ‪ -‬كما قال الرمليّ ‪ -‬من في آبائها المنسوبة‬
‫ن العلم مع الفسق ل أثر‬
‫ن ذلك مما تفتخر به ‪ ،‬وبحث الذرعيّ أ ّ‬
‫إليهم أحدهما وإن عل ; ل ّ‬
‫له ‪ ،‬إذ ل فخر له حينئذ في العرف فضلً عن الشرع ‪ ،‬وصرح بذلك في القضاء فقال ‪ :‬إن‬
‫كان القاضي أهلً فعالم وزيادة ‪ ،‬أو غير أهل ففي النظر إليه نظر ‪.‬‬
‫ن العلم إذا اعتبر في آبائها فلن‬
‫ي ‪ -‬ل يكون كفء عالمة ‪ ،‬ل ّ‬
‫والجاهل ‪ -‬كما أضاف الرمل ّ‬
‫يعتبر فيها بالولى ‪ ،‬إذ أقلّ مراتب العلم أن يكون كالحرفة ‪ ،‬وصاحب الحرفة الدنيئة ل‬
‫يكافئ صاحب الشريفة ‪.‬‬
‫ول يعتبر المالكية الحرفة من خصال الكفاءة في النّكاح ; إذ الكفاءة عندهم في الدّين‬
‫والحال‪ ،‬وأما الدّين فهو المماثلة أو المقاربة في التديّن بشرائع السلم ل في مجرد أصل‬
‫السلم ‪ .‬وأما الحال فهو المماثلة أو المقاربة في السلمة من العيوب الموجبة للخيار ‪ ،‬ل‬
‫الحسب والنّسب ‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬اليسار ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلف الفقهاء في اعتبار اليسار ‪ -‬ويعبّر عنه الحنفية بالمال ‪ -‬من خصال الكفاءة‬ ‫‪11‬‬

‫في النّكاح أو عدم اعتباره ‪:‬‬


‫فذهب الحنفية ‪ ،‬والحنابلة ‪ -‬في الرّواية المعتمدة ‪ -‬وهو مقابل الصحّ عند الشافعية ‪ ،‬إلى‬
‫اعتباره ‪ ،‬فل يكون الفقير كفء الغنية ‪ ،‬لنّ التفاخر بالمال أكثر من التفاخر بغيره عادةً ‪،‬‬
‫ولنّ للنّكاح تعلّقا لزما بالمهر والنفقة ‪ ،‬ول تعلّق له بالنّسب والحرّية ‪ ،‬فلما اعتبرت‬
‫ن على الموسرة ضررا في إعسار زوجها لخلله‬
‫الكفاءة ثمة فلن تعتبر هاهنا أولى ; ول ّ‬
‫بنفقتها ومؤنة أولدها ‪ ،‬ولهذا ملكت الفسخ بإخلله بنفقتها ومؤنة أولدها عند بعض‬
‫الفقهاء ‪ ،‬ولنّ ذلك معدود نقصا في عرف الناس ‪ ،‬ويتفاضلون فيه كتفاضلهم في النّسب‬
‫وأبلغ ‪ ،‬فكان من شروط الكفاءة كالنّسب ‪.‬‬
‫والمعتبر في اليسار القدرة على مهر مثل الزوجة والنفقة ‪ ،‬ول تعتبر الزّيادة على ذلك ‪،‬‬
‫حتى إنّ الزوج إذا كان قادرا على مهر مثلها ونفقتها يكون كفئا لها وإن كان ل يساويها‬
‫ن من ل يملك‬
‫في المال ; لنّ القدر المعتبر من المال في اليسار هو الذي يحتاج إليه ‪ ،‬إذ إ ّ‬
‫ن المهر بدل البضع فل بد من إيفائه ‪ ،‬وبالنفقة قوام‬
‫مهرا ول نفقة ل يكون كفئا ل ّ‬
‫ن من ل قدرة له على المهر والنفقة‬
‫الزدواج ودوامه ‪ ،‬فل بد من القدرة عليهما ‪ ،‬ول ّ‬
‫يستحقر ويستهان به في العادة ‪ ،‬كمن له نسب دنيء ‪ ،‬فتختلّ به المصالح كما تختلّ عند‬
‫دناءة النّسب ‪ .‬والمراد بالمهر قدر ما تعارفوا تعجيله ; لنّ ما وراءه مؤجل عرفا ‪ ،‬قال‬
‫البابرتيّ ‪ :‬ليس بمطالب به فل يسقط الكفاءة ‪.‬‬
‫وروي عن أبي يوسف أنّه اعتبر القدرة على النفقة دون المهر ; لنّه تجري المساهلة في‬
‫المهر ويعدّ المرء قادرا عليه بيسار أبيه ‪.‬‬
‫ن تساوي الزوج والمرأة في الغنى شرط تحقّق الكفاءة ‪،‬‬
‫وروي عن أبي حنيفة ومحمد أ ّ‬
‫حتى إنّ الفائقة اليسار ل يكافئها القادر على المهر والنفقة ; لنّ الناس يتفآخرون بالغنى‬
‫ويتعيرون بالفقر ‪.‬‬
‫وقال ابن عقيل من الحنابلة ‪ :‬قياس المذهب أن ل يتقدر المال بمقدار ملك النّصاب أو‬
‫غيره‪ ،‬بل إن كان حال أبيها ممن ل يزري عليها بتزويجها بالزوج ‪ ،‬بأن يكون موازيا أو‬
‫مساويا له في المال الذي يقدر به على نفقة الموسرين ‪ ،‬بحيث ل تتغير عادتها عند أبيها‬
‫في بيته ‪ ،‬فذلك المعتبر ‪.‬‬
‫والقائلون من الشافعية في مقابل الصحّ اختلفوا في مقدار اليسار المعتبر في الكفاءة ‪،‬‬
‫فقيل‪ :‬يعتبر بقدر المهر والنفقة ‪ ،‬فيكون بهما كفئا لصاحبة اللوف ‪ ،‬والصحّ أنّه ل يكفي‬
‫ي وفقير ومتوسّط ‪ ،‬وكلّ صنف أكفاء وإن اختلفت المراتب ‪.‬‬
‫ن الناس أصناف ‪ :‬غن ّ‬
‫ذلك ; ل ّ‬
‫ن المال غاد ورائح ول يفتخر به‬
‫والصحّ عند الشافعية أنّ اليسار ل يعتبر في الكفاءة ; ل ّ‬
‫ن الفقر شرف في‬
‫أهل المروءات والبصائر ‪ ،‬وروي عن أحمد عدم اعتبار اليسار ; ل ّ‬
‫الدّين‪ ،‬والمعتبر في اليسار ما يقدر به على النفقة والمهر ‪.‬‬
‫و ‪ -‬السلمة من العيوب ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب المالكية والشافعية وابن عقيل وغيره من الحنابلة ‪ ،‬إلى أنّ السلمة من العيوب‬ ‫‪12‬‬

‫المثبتة لخيار فسخ النّكاح من خصال الكفاءة في النّكاح ‪.‬‬


‫وقال ابن راشد من المالكية ‪ :‬المراد أن يساويها في الصّحة ‪ ،‬أي يكون سالما من العيوب‬
‫الفاحشة ‪ ،‬وهذا هو الذي يؤخذ من كلم ابن بشير وابن شاس وغيرهما من الصحاب ‪.‬‬
‫وفصل الشافعية فقالوا ‪ :‬من الخصال المعتبرة في الكفاءة السلمة من العيوب المثبتة‬
‫للخيار ‪ ،‬فمن به بعضها كالجنون أو الجذام أو البرص ل يكون كفئا لسليمة عنها ; لنّ‬
‫النفس تعاف صحبة من به ذلك ‪ ،‬ويختلّ به مقصود النّكاح ‪ ،‬ولو كان بها عيب أيضا ‪ ،‬فإن‬
‫اختلف العيبان فل كفاءة ‪ ،‬وإن اختلفا وما به أكثر فكذلك ‪ ،‬وكذا إن تساويا أو كان ما بها‬
‫أكثر في الصحّ ; لنّ النسان يعاف من غيره ما ل يعاف من نفسه ‪ ،‬وكذا لو كان مجبوبا‬
‫وهي رتقاء أو قرناء ‪.‬‬
‫واستثنى البغويّ والخوارزميّ العنّة لعدم تحقّقها ‪ ،‬فل نظر إليها في الكفاءة وجرى على‬
‫ذلك السنويّ وابن المقري ‪ ،‬قال الشيخان وفي تعليق الشيخ أبي حامد وغيره التسوية‬
‫ي الخطيب ‪ :‬وهذا هو المعتمد ‪،‬‬
‫بينها وبين غيرها ‪ ،‬وإطلق الجمهور يوافقه ‪ ،‬قال الشّربين ّ‬
‫ن الحكام تبنى على الظاهر ول تتوقف على التحقّق ‪.‬‬
‫ووجّه بأ ّ‬
‫ي بالعيوب الخمسة العيوب المنفّرة ‪ ،‬كالعمى والقطع وتشوّه الصّورة ‪ ،‬وقال‬
‫وألحق الرّويان ّ‬
‫‪ :‬هي تمنع الكفاءة عندي ‪ ،‬وبه قال بعض الصحاب ‪ ،‬وهذا خلف المذهب ‪.‬‬
‫واشتراط السلمة من هذه العيوب هو على عمومه بالنّسبة إلى المرأة ‪ ،‬أما بالنّسبة إلى‬
‫الوليّ ‪ ،‬فيعتبر في حقّه الجنون والجذام والبرص ‪ ،‬ل الجبّ والعنّة ‪.‬‬
‫قال الزركشيّ والهرويّ ‪ :‬والتنقّي من العيوب إنّما يعتبر في الزوجين خاصةً دون آبائهما ‪،‬‬
‫فابن البرص كفء لمن أبوها سليم ‪ ...‬قال الشّربينيّ الخطيب ‪ :‬والوجه والقرب أنّه ليس‬
‫كفئا لها لنّها تعير به ‪.‬‬
‫وقال القاضي ‪ :‬يؤثّر في الزوج كلّ ما يكسر سورة التوقان ‪.‬‬
‫وقال المقدسيّ والرحيبانيّ من الحنابلة ‪ :‬ويتجه أنّه مما ينبغي اشتراطه في الكفاءة فقد‬
‫العيوب المثبتة لخيار الفسخ ‪ ،‬ولم يذكره أصحابنا ‪ ،‬لكن عند ابن عقيل وأبي محمد أنّه‬
‫شرط‪ ،‬قال الشيخ تقيّ الدّين ‪ :‬وقد أومأ إليه أحمد ‪ :‬أنّها ل تزوج بمعيب وإن أرادت ‪ ،‬فعلى‬
‫هذا السلمة من العيوب من جملة خصال الكفاءة ‪.‬‬
‫وقال الحنفية وأكثر الحنابلة ‪ :‬ل تعتبر في الكفاءة السلمة من العيوب ‪ ،‬لكنّ ابن عابدين‬
‫نقل عن الفتاوى الحامدية ‪ ،‬أنّ غير الب والجدّ من الولياء لو زوج الصغيرة من عنّين‬
‫معروف لم يجز ‪ ،‬لنّ القدرة على الجماع شرط الكفاءة كالقدرة على المهر والنفقة ‪ ،‬بل‬
‫ن الكبيرة لو زوجها الوكيل غنيّا مجبوبا جاز ‪ ،‬وإن كان لها‬
‫أولى ‪ ،‬ونقل عن البحر أ ّ‬
‫التفريق بعد ‪.‬‬
‫تقابل خصال الكفاءة ‪:‬‬
‫ن بعض خصال الكفاءة ل يقابل ببعض في الصحّ ‪ ،‬فل تجبر‬
‫‪ -‬نص الشافعية على أ ّ‬ ‫‪13‬‬

‫نقيصة بفضيلة ‪ ،‬أي ل تزوج عفيفة رقيقة بفاسق حرّ ‪ ،‬ول سليمة من العيوب دنيئة بمعيب‬
‫نسيب ‪ ..‬لما بالزوج في الصّور المذكورة من النقص المانع من الكفاءة ‪ ،‬ول ينجبر بما فيه‬
‫من الفضيلة الزائدة عليها ‪.‬‬
‫ومقابل الصحّ عندهم أنّ دناءة نسب الزوج تنجبر بعفته الظاهرة ‪ ،‬وأنّ المة العربية‬
‫ي‪.‬‬
‫يقابلها الح ّر العجم ّ‬
‫وفصل المام فقال ‪ :‬السلمة من العيوب ل تقابل بسائر فضائل الزوج ‪ ،‬وكذا الحرّية ‪ ،‬وكذا‬
‫النّسب ‪ ،‬وفي انجبار دناءة نسبه بعفته الظاهرة وجهان ‪ :‬أصحّهما المنع ‪ ،‬قال ‪ :‬والتنقّي‬
‫من الحرف الدنية يقابله الصلح وفاقا ‪ ،‬والصلح إن اعتبرناه يقابل بكلّ خصلة ‪ ،‬والمة‬
‫العربية بالحرّ العجميّ على هذا الخلف ‪.‬‬
‫وذكر ابن عابدين ‪ :‬أنّه لو كان الزوج ذا جاه كالسّلطان والعالم ولم يملك إل النفقة ‪ ،‬قيل ‪:‬‬
‫ي كفء للعربيّ الجاهل ‪،‬‬
‫ن الخلل ينجبر به ‪ ،‬ومن ثم قالوا ‪ :‬الفقيه العجم ّ‬
‫يكون كفئا ل ّ‬
‫ن شرف النّسب أو العلم يجبر نقص الحرفة ‪ ،‬بل يفوق سائر‬
‫وقال‪ :‬والذي يظهر لي أ ّ‬
‫الحرف ‪.‬‬
‫تخلّف ما لم ينص عليه في خصال الكفاءة ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الصّفات التي ل تعتبر في خصال الكفاءة التي سبق‬ ‫‪14‬‬

‫بيانها ل تؤثّر في الكفاءة ‪ ،‬كالكرم وعكسه ‪ ،‬واختلف البلد ‪ ،‬ونحو ذلك ‪ ،‬قالوا ‪ :‬لنّه ليس‬
‫بشيء ‪ ،‬وقد خالف بعضهم في اعتبار ذلك كما يلي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬كفاءة الدميم للجميلة ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الجمال ليس من الخصال المعتبرة في الكفاءة للنّكاح ‪،‬‬ ‫‪15‬‬

‫لكنّ الرّوياني من الشافعية اعتبره من تلك الخصال ‪ ،‬ومع موافقة الحنفية لجمهور الفقهاء‬
‫فإنّهم قالوا ‪ :‬لكنّ النصيحة أن يراعي الولياء المجأنسة في الحسن والجمال ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬كفاءة ولد الزّنا لذات النّسب ‪:‬‬
‫‪ -‬نصّ الحنابلة على هذه المسألة واختلف قولهم فيها فنقل البهوتيّ أنّه قد قيل إنّه‬ ‫‪16‬‬

‫كفء لذات نسب ‪ ،‬وقال ابن قدامة ‪ :‬يحتمل أل يكون كفئا لذات نسب ‪ ،‬ونقل البهوتيّ وابن‬
‫قدامة عن أحمد أنّه ذكر له أنّ ولد الزّنا ينكح وينكح إليه فكأنه لم يحب ذلك ; لنّ المرأة‬
‫تعير به هي ووليّها ‪ ،‬ويتعدى ذلك إلى ولدها ‪ ،‬وأما كونه ليس بكفء لعربية فل إشكال‬
‫فيه‪ ،‬لنّه أدنى حا ًل من الموالي ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬كفاءة الجاهل للعالمة ‪:‬‬
‫‪ -‬ذكر الشافعية هذه المسألة ‪ ،‬واختلفوا فيها ‪ ،‬فصحح في زيادة الروضة كون الرجل‬ ‫‪17‬‬

‫الجاهل كفئا للعالمة ‪ ،‬ورجح الرّويانيّ أنّه غير كفء لها ‪ ،‬واختاره السّبكيّ ‪ ،‬واحتج بأنّهم‬
‫ي الخطيب بعد أن‬
‫يعتبرون العلم في الب ‪ ،‬فاعتباره في المرأة نفسها أولى ‪ ،‬قال الشّربين ّ‬
‫نقل ما سبق ‪ :‬وهذا متعين ‪.‬‬
‫د ‪ -‬كفاءة القصير لغير القصيرة ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الشافعية إلى أنّ الطّول أو القصر ل يعتبر أيّ منهما في الكفاءة للنّكاح ; لنّه‬ ‫‪18‬‬

‫ي ‪ :‬فيما إذا أفرط القصر في الرجل‬


‫ليس بشيء ‪ ،‬وهو فتح لباب واسع ‪ ،‬وقال الذرع ّ‬
‫نظر ‪ ،‬وينبغي أل يجوز للب تزويج ابنته بمن هو كذلك ‪ ،‬فإنّه ممن تتعير به المرأة ‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬كفاءة الشيخ للشابة ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الشافعية إلى أنّ الشيخ كفء للشابة ‪ ،‬لكنّ الرّوياني ذكر أنّ الشيخ ل يكون‬ ‫‪19‬‬

‫كفئا للشابة على الصحّ ‪ ،‬قال النّوويّ ‪ :‬الصحيح خلف ما قاله الرّويانيّ ‪ ،‬وقال الرمليّ ‪:‬‬
‫هو ضعيف لكن ينبغي مراعاته ‪.‬‬
‫و ‪ -‬كفاءة المحجور عليه بسفه للرشيدة ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الشافعية إلى أنّ المحجور عليه بسفه كفء للرشيدة ‪ ،‬وقال الزركشيّ ‪ :‬فيه‬ ‫‪20‬‬

‫نظر ; لنّها تتعير غالبا بالحجر على الزوج ‪ ،‬وقال النصاريّ ‪ :‬الوجه أنّه غير كفء ‪.‬‬
‫ما يترتب على تخلّف الكفاءة ‪:‬‬
‫‪ -‬إذا تخلفت الكفاءة عند من يشترطونها لصحة النّكاح فإنّه يكون باطلً أو فاسدا ‪ ،‬أما‬ ‫‪21‬‬

‫ن تخلّف الكفاءة ل يبطل‬


‫من ل يعتبرونها لصحة النّكاح ‪ ،‬ويرونها حقّا للمرأة والولياء فإ ّ‬
‫النّكاح عندهم في الجملة ‪ ،‬بل يجعله عرض ًة للفسخ ‪.‬‬
‫وللفقهاء وراء ذلك تفصيل ‪:‬‬
‫ي أن يفرّق بينهما‬
‫قال الحنفية ‪ -‬على ظاهر الرّواية ‪ -‬إذا تزوجت المرأة غير كفء فللول ّ‬
‫دفعا للعار ما لم يجئ منه دللة الرّضا ‪ ،‬والتفريق إلى القاضي ; لنّه مجتهد فيه ‪ ،‬وكلّ من‬
‫الخصمين يتشبث بدليل ‪ ،‬فل ينقطع النّزاع إل بفصل القاضي ‪ ،‬وما لم يفرّق فأحكام النّكاح‬
‫ن الطلق‬
‫ثابتة ‪ ،‬يتوارثان به إذا مات أحدهما قبل القضاء ‪ ،‬ول يكون الفسخ طلقا ; ل ّ‬
‫ن الفسخ إنّما يكون طلقا إذا فعله القاضي‬
‫تصرّف في النّكاح وهذا فسخ لصل النّكاح ; ول ّ‬
‫نيابةً عن الزوج ‪ ،‬وهذا ليس كذلك ‪ ،‬ولهذا ل يجب لها شيء من المهر إن كان قبل‬
‫الدّخول‪ ،‬وإن دخل بها فلها المسمى ‪ ،‬وعليها العدة ولها نفقة العدة للدّخول في عقد صحيح‬
‫‪ ،‬والخلوة الصحيحة عندهم في هذا كالدّخول ‪.‬‬
‫وقالوا ‪ :‬إن قبض الوليّ المهر أو جهز به أو طالب بالنفقة فقد رضي ‪ ،‬لنّ ذلك تقرير‬
‫للنّكاح وأنّه يكون رضا ‪ ،‬كما إذا زوجها فمكنت الزوج من نفسها ‪ ،‬وإن سكت ل يكون قد‬
‫ن السّكوت عن الحقّ‬
‫رضي وإن طالت المدة ‪ ،‬ما لم تلد ‪ ،‬فليس له حينئذ التفريق ; ل ّ‬
‫ن له‬
‫المتأكّد ل يبطله ‪ ،‬لحتمال تأخّره إلى وقت يختار فيه الخصومة ‪ ،‬وعن شيخ السلم أ ّ‬
‫التفريق بعد الولدة أيضا ‪.‬‬
‫وإن رضي أحد الولياء فليس لغيره ممن هو في درجته أو أسفل منه العتراض ‪ ،‬لنّ حق‬
‫الولياء ل يتجزأ ‪ ،‬وهو دفع العار ‪ ،‬فجعل كلّ واحد منهم كالمنفرد ‪ ،‬لنّه صح السقاط في‬
‫حقّه ‪ ،‬فيسقط في حقّ غيره ضرورة عدم التجزّؤ ‪ ،‬كالعفو عن القصاص ‪ ،‬بخلف ما إذا‬
‫رضيت ; لنّ حقها غير حقّهم ‪ ،‬إذ أنّ حقها صيانة نفسها عن ذلّ الستفراش ‪ ،‬وحقهم دفع‬
‫العار ‪ ،‬فسقوط أحدهما ل يقتضي سقوط الخر ‪ ،‬وقال أبو يوسف‪ :‬للباقين حقّ العتراض ;‬
‫ق الخرين ‪ ،‬وإن كان‬
‫ق ثبت لجماعتهم ‪ ،‬فإذا رضي أحدهم فقد أسقط حقه وبقي ح ّ‬
‫لنّه ح ّ‬
‫الوليّ المعترض أقرب من الوليّ الذي رضي فله حقّ العتراض ‪.‬‬
‫ن المرأة إذا‬
‫وروى الحسن عن أبي حنيفة ‪ -‬وروايته هي المختارة للفتوى عند الحنفية ‪ -‬أ ّ‬
‫تزوجت بغير كفء لم يجز ول يصحّ العقد أصلً ‪ ،‬قال السرخسيّ ‪ :‬وهو أحوط ‪ ،‬فليس كلّ‬
‫وليّ يحسن المرافعة إلى القاضي ‪ ،‬ول كلّ قاض يعدل ‪ ،‬فكان الحوط سد هذا الباب ‪ ،‬وقال‬
‫في الخانية ‪ :‬هذا أصحّ وأحوط ‪.‬‬
‫وقد نقل الكمال بن الهمام عن أبي الليث ‪ :‬أنّ للمرأة التي زوجت نفسها من غير كفء أن‬
‫ن من حجة المرأة أن تقول ‪ :‬إنّما تزوجتك على رجاء أن‬
‫تمتنع عن تمكينه من وطئها ; ل ّ‬
‫ي ‪ ،‬وعسى أن ل يرضى ‪ ،‬فيفرّق ‪.‬‬
‫يجيز الول ّ‬
‫وقال المالكية ‪ -‬كما حكى البنانيّ ‪ -‬إذا تزوجت المرأة من غير كفء في الدّين ‪ ،‬فيتحصل‬
‫في العقد ثلثة أقوال ‪:‬‬
‫ي وابن بشير وغيرهما ‪.‬‬
‫أحدها ‪ :‬لزوم فسخه لفساده ‪ ،‬وهو ظاهر اللخم ّ‬
‫الثاني ‪ :‬أنّه نكاح صحيح ‪ ،‬وشهره الفاكهانيّ ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬لِصبغ ‪ :‬إن كان ل يؤمن عليها منه رده المام وإن رضيت به ‪.‬‬
‫ن القول الول هو الراجح ‪.‬‬
‫وقال البنانيّ ‪ :‬وظاهر كلم الحطاب أ ّ‬
‫ونقل الحطاب عن ابن فرحون أنّه قال في تبصرته ‪ :‬من الطلق الذي يوقعه الحاكم بغير‬
‫إذن المرأة وإن كرهت إيقاعه نكاحها الفاسق ‪ ،‬وعقب الحطاب بقوله ‪ :‬سواء كان فاسقا‬
‫بالجوارح أو بالعتقاد ‪ ،‬وظاهر كلمهم أنّه يفسخ مطلقا بعد الدّخول وقبله ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬وأما‬
‫الحال ‪ -‬أي تخلّف الكفاءة بسبب الحال وليس بسبب الدّين ‪ -‬فل إشكال أنّ للمرأة ووليّها‬
‫إسقاطه ‪.‬‬
‫ي المنفرد المرأة غير كفء برضاها ‪ ،‬أو زوجها بعض‬
‫وقال الشافعية ‪ :‬لو زوج الول ّ‬
‫الولياء المستوين غير كفء برضاها ورضا الباقين ممن في درجته ‪ ،‬صح التزويج ; لنّ‬
‫الكفاءة حقّها وحقّ الولياء ‪ -‬كما سبق ‪ -‬فإن رضوا بإسقاطها فل اعتراض عليهم ‪.‬‬
‫ولو زوجها الوليّ القرب غير كفء برضاها فليس للبعد العتراض ; إذ ل حق له الن في‬
‫التزويج ‪.‬‬
‫ولو زوجها أحد الولياء المستوين في الدرجة بغير الكفء برضاها دون رضاء باقي‬
‫ن لهم حقّا في الكفاءة ‪ ،‬فاعتبر رضاهم ‪ -‬ويستثنى ما‬
‫المستوين لم يصح التزويج به ; ل ّ‬
‫ب أو عنّة برضاها ‪ ،‬فإنّه يصحّ ‪ -‬وفي قول ‪ :‬يصحّ ولهم الفسخ ; لنّ‬
‫لو زوجها بمن به جَ ّ‬
‫النقصان يقتضي الخيار ل البطلن ‪ ،‬كما لو اشترى معيبا ‪.‬‬
‫ويجري القولن في تزويج الب أو الجدّ بكرا صغيرةً أو بالغةً بغير رضاها من غير كفء ‪،‬‬
‫ن ولي المال ل يصحّ تصرّفه‬
‫وفي الظهر ‪ :‬التزويج باطل ; لنّه على خلف الغبطة ; ل ّ‬
‫ي البضع أولى ‪ ،‬وفي الخر ‪ :‬يصحّ ‪ ،‬وللبالغة الخيار في الحال ‪،‬‬
‫بغير الغبطة ‪ ،‬فول ّ‬
‫وللصغيرة إذا بلغت ‪ ،‬ويجري الخلف في تزويج غير المجبر إذا أذنت في التزويج مطلقا ‪.‬‬
‫ولو طلبت من ل ولي خاصّا لها أن يزوّجها السّلطان أو نائبه بغير كفء ففعل لم يصح‬
‫تزويجه في الصحّ ; لنّه نائب المسلمين ولهم حظّ في الكفاءة ‪ ،‬والثاني ‪ :‬يصحّ كالوليّ‬
‫الخاصّ ‪ ،‬وصححه البلقينيّ ‪.‬‬
‫ولو كان للمرأة وليّ خاصّ ‪ ،‬ولكن زوجها السّلطان لغيبته أو عضله أو إحرامه ‪ ،‬فل تزوج‬
‫إل من كفء قطعا ; لنّه نائب عنه في التصرّف ‪ ،‬فل يصحّ التزويج من غير كفء مع عدم‬
‫إذنه ‪.‬‬
‫ولو كان الوليّ حاضرا وفيه مانع من فسق ونحوه وليس بعده إل السّلطان ‪ ،‬فزوج‬
‫السّلطان من غير كفء برضاها فظاهر إطلقهم طرد الوجهين ‪.‬‬
‫ادّعاء المرأة كفاءة الخاطب ‪:‬‬
‫‪ -‬وإذا ادعت المرأة كفاءة الخاطب وأنكرها الوليّ رفع المر إلى القاضي ‪ ،‬فإن ثبتت‬ ‫‪22‬‬

‫كفاءته ألزمه تزويجها ‪ ،‬فإن امتنع زوجها القاضي به ‪ ،‬وإن لم تثبت كفاءته فل يلزمه‬
‫تزويجها به ‪ ،‬نص على ذلك ابن المقري والنصاريّ من الشافعية ‪.‬‬
‫تزويج من ل يوجد لها كفء ‪:‬‬
‫‪ -‬نص بعض الشافعية على أنّه إذا كانت المرأة بحيث ل يوجد لها كفء أصلً جاز‬ ‫‪23‬‬

‫للوليّ تزويجها ‪ -‬للضرورة ‪ -‬بغير الكفء ‪.‬‬


‫قال الحنابلة ‪ :‬إن تزوجت المرأة غير كفء ‪ ،‬وكانت الكفاءة معدومةً حال العقد ‪ ،‬فرضيت‬
‫ن الكفاءة ليست شرطا في صحة النّكاح وإن‬
‫المرأة والولياء كلّهم صح النّكاح على القول بأ ّ‬
‫لم يرض بعضهم ففيه روايتان عن أحمد ‪:‬‬
‫ق لجميعهم ‪ ،‬والعاقد متصرّف فيها بغير رضاهم ‪ ،‬فلم‬
‫ن الكفاءة ح ّ‬
‫إحداهما ‪ :‬أنّه باطل ‪ ،‬ل ّ‬
‫ي‪.‬‬
‫يصح ‪ ،‬كتصرّف الفضول ّ‬
‫ي صلى ال عليه وسلم أنّ‬
‫والثانية ‪ :‬أنّه صحيح ‪ ،‬بدليل « أنّ المرأة التي رفعت إلى النب ّ‬
‫ي صلى ال عليه وسلم ولم يبطل النّكاح من‬
‫أباها زوجها من غير كفئها » ‪ ،‬خيرها النب ّ‬
‫أصله ; ولنّ العقد وقع بالذن ‪ ،‬والنقص الموجود فيه ل يمنع صحته ‪ ،‬وإنّما يثبت خيار‬
‫الفسخ ‪ ،‬والحقّ في الخيار لمن لم يرض بالنّكاح من المرأة والولياء كلّهم ‪ ،‬حتى من يحدث‬
‫من عصبتها بعد العقد ; لنّ العار في تزويج من ليس بكفء عليهم أجمعين ‪ ،‬وهذا الحقّ‬
‫في الفسخ على الفور وعلى التراخي لنّه خيار لنقص في المعقود عليه ‪ ،‬فأشبه خيار‬
‫العيب‪ ،‬فل يسقط الخيار إل بإسقاط العصبة الولياء بقول مثلَ ‪ :‬أسقطنا الكفاءة ‪ ،‬أو‬
‫رضينا به غير كفء ‪ ،‬ونحوه ‪ ،‬وأما سكوتهم فليس رضا ‪ ،‬وخيار الزوجة يسقط بما يدلّ‬
‫على رضاها من قول أو فعل ‪ ،‬كأن مكنته من نفسها عالمةً أنّه غير كفء ‪.‬‬
‫ويملك الحق في خيار الفسخ لفقد الكفاءة البعد من الولياء مع رضا القرب منهم به ‪،‬‬
‫ومع رضا الزوجة ; دفعا لما يلحقه من العار ‪ ،‬فلو زوج الب بنته بغير كفء برضاها ‪،‬‬
‫ن العار في تزويج من ليس بكفء عليهم أجمعين ‪.‬‬
‫فللخوة الفسخ ; ل ّ‬
‫تخلّف الكفاءة فيمن رضي به الولياء في نكاح سابق ‪:‬‬
‫ن الولي لو زوج المرأة بإذنها من غير كفء فطلقها ‪ ،‬ثم زوجت‬
‫‪ -‬ذهب الحنفية إلى أ ّ‬ ‫‪24‬‬

‫نفسها منه ثانيا ‪ ،‬كان لذلك الوليّ التفريق ‪ ،‬ول يكون الرّضا بالول رضا بالثاني ; لنّ‬
‫النسان ل يبعد رجوعه عن خلة دنيئة ‪ ،‬وكذا لو زوجها هو من غير كفء فطلقها فتزوجت‬
‫آخر غير كفء ‪ ،‬ولو تزوجته ثانيا في العدة ففرق بينهما لزمه مهر ثان ‪ ،‬واستأنفت‬
‫العدة ‪ ،‬وإن كان قبل الدّخول في الثاني ‪.‬‬
‫وقال المالكية ‪ :‬ليس لوليّ رضي بتزويج وليته غير كفء وزوجه إياها ‪ ،‬فطلقها طلقا بائنا‬
‫أو رجعيّا ‪ ،‬امتناع من تزويجها له ثانيا ‪ -‬إن رضيت به ‪ -‬بل عيب حادث مقتض‬
‫للمتناع ‪ ،‬لسقوط حقّه في الكفاءة ‪ ،‬حيث رضي به أولً ‪ ،‬فإن امتنع عد عاضلً ‪ ،‬وله‬
‫المتناع بعيب حادث ‪.‬‬
‫وقال الشافعية ‪ :‬لو رضي الولياء بتزويجها بغير كفء ‪ ،‬ثم خالعها الزوج ‪ ،‬ثم زوجها أحد‬
‫الولياء به برضاها دون رضا الباقين فإنّه يصحّ ‪ ،‬كما هو قضية كلم الروضة ‪ ،‬وجزم به‬
‫ابن المقري ; لرضاهم به أولً ‪ ،‬وإن خالف في ذلك صاحب النوار ‪ ،‬وفي معنى المختلع ‪:‬‬
‫الفاسخ والمطلّق رجعيّا إذا أعاد زوجته بعد البينونة ‪ ،‬والمطلّق قبل الدّخول ‪.‬‬
‫تكلّم المّ إن تخلفت كفاءة زوج ابنتها ‪:‬‬
‫‪ -‬نص المالكية على مسألة تكلّم أمّ الزوجة في ر ّد تزويج الب ابنتهما الموسرة‬ ‫‪25‬‬

‫المرغوب فيها من رجل فقير ‪ ،‬ففي المدونة ‪ :‬أتت امرأة مطلقة إلى مالك فقالت له ‪ :‬إنّ لي‬
‫ابنةً في حجري موسرةً مرغوبا فيها ‪ ،‬فأراد أبوها أن يزوّجها من ابن أخ له فقير ‪ ،‬وفي‬
‫المهمات ‪ :‬معدم ل مال له ‪ ،‬أفترى لي في ذلك تكلّما ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬إنّي لرى لك تكلّما ‪،‬‬
‫ورويت المدونة أيضا بالنّفي ‪ ،‬أي نعم ‪ ،‬ل أرى لك تكلّما ‪.‬‬
‫قال ابن القاسم ‪ :‬ل أرى لها تكلّما ‪ ،‬وأراه ماضيا ‪ ،‬إل لضرر بيّن فلها التكلّم ‪.‬‬
‫قال خليل والبيّ وغيرهما ‪ :‬هل قول ابن القاسم وفاق لقول مالك بحمل رواية الثبات على‬
‫ثبوت الضرر ‪ ،‬ورواية النّفي على عدمه ‪ ،‬أو خلف بحمل كلم مالك على ظاهره ‪ ،‬وهو‬
‫إطلق الكلم على رواية الثبات ‪ ،‬وإطلق عدمه على رواية النّفي ؟ فيه تأويلن ‪ :‬التوفيق‬
‫لبي عمران وابن محرز عن بعض المتأخّرين ‪ ،‬والخلف لبن حبيب ‪.‬‬
‫كَفَالَة *‬
‫التعريف ‪:‬‬
‫ل وكفولً ‪،‬‬
‫‪ -‬الكفالة لغةً ‪ :‬من كَفَل المالَ وبالمال ‪ :‬ضمنه و َكفَل بالرجل يكفُل ويكفِل كَفْ ً‬ ‫‪1‬‬

‫وكَفَا َلةً ‪ ،‬و َك ُفلَ وكَفِل وتكفّل به كلّه ‪ :‬ضمنه ‪ ،‬وأكفله إياه وكفّله ‪ :‬ضمّنه ‪ ،‬و َكفَلْت عنه‬
‫المال لغريمه وتكفّل بدينه تكفّلً ‪.‬‬
‫وفي التهذيب ‪ :‬وأما الكافل فهو الذي كفل إنسانا يعوله وينفق عليه ‪ ،‬وفي الحديث ‪:‬‬
‫« الربيب كافل » ‪ ،‬وهو زوج أمّ اليتيم ‪ ،‬كانه كفل نفقة اليتيم ‪ ،‬والمكافل ‪ :‬المعاقد‬
‫المحالف‪ ،‬والكفيل من هذا أخذ ‪.‬‬
‫وأما الكفالة في الصطلح ‪ :‬فقد اختلف الفقهاء في تعريف الكفالة تبعا لختلفهم فيما‬
‫يترتب عليها من أثر ‪.‬‬
‫فعرفها جمهور الحنفية بأنّها ‪ :‬ضمّ ذمة الكفيل إلى ذمة الصيل في المطالبة بنفس أو دين‬
‫أو عين ‪.‬‬
‫وعرفها بعضهم بأنّها ‪ :‬ض ّم ذمة الكفيل إلى ذمة الصيل في الدين ‪.‬‬
‫قال في الهداية ‪ :‬والول هو الصحّ ‪.‬‬
‫ن الكفالة هي ‪ :‬أن يلتزم الرشيد بإحضار‬
‫ويرى المالكية والشافعية في المشهور والحنابلة أ ّ‬
‫بدن من يلزم حضوره في مجلس الحكم ‪.‬‬
‫فالحنفية يطلقون الكفالة على كفالة المال والوجه ‪ ،‬والمالكية والشافعية يقسمون الضمان‬
‫إلى ضمان المال وضمان الوجه ‪ ،‬ويطلق الشافعية الكفالة على ضمان العيان البدنية ‪.‬‬
‫ق في ذمة شخص آخر ‪ ،‬والكفالة التزام‬
‫وأما عند الحنابلة ‪ :‬فالضمان يكون التزام ح ّ‬
‫بحضور بدنه إلى مجلس الحكم ‪.‬‬
‫ل وصبيرا وقبيلً‬
‫ل وكفي ً‬
‫ويسمى الملتزم بالحقّ ضآمنا وضمينا وحميلً وزعيما وكاف ً‬
‫ن العرف جار بأنّ الضمين يستعمل في الموال ‪ ،‬والحميل في الدّيات ‪،‬‬
‫وغريما‪ ،‬غير أ ّ‬
‫والزعيم في الموال العظام ‪ ،‬والكفيل في النّفوس ‪ ،‬والقبيل والصبير في الجمع ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬البراء ‪:‬‬
‫‪ -‬من معاني البراء في اللّغة ‪ :‬التنزيه والتخليص والمباعدة عن الشيء ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫وفي الصطلح ‪ :‬هو إسقاط الشخص حقّا له في ذمة آخر أو قبله ‪.‬‬
‫فالبراء عكس الكفالة لنّه يفيد خلو الذّمة ‪ ،‬وهي تفيد انشغالها ( ر ‪ :‬إبراء ف ‪. ) 1/‬‬
‫ب ‪ -‬الحَمالة ‪:‬‬
‫‪ -‬الحمالة بالفتح ‪ :‬ما يتحمله النسان عن غيره من دية أو غرامة ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫ووجه الصّلة بين الحمالة والكفالة ‪ :‬أنّ العرف خص الحمالة بالدّية والغرم لصلح ذات‬
‫البين ‪ ،‬وأطلق الكفالة على ضمان الدين والعين والنفس ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬الحوالة ‪:‬‬
‫‪ -‬الحوالة في اللّغة ‪ :‬التحوّل والنتقال ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫وفي الصطلح ‪ :‬نقل الدين من ذمة إلى ذمة أخرى ‪.‬‬


‫ن الحوالة نقل للدين من ذمة إلى ذمة أخرى ‪،‬‬
‫والفرق بين الحوالة والكفالة أو الضمان ‪ :‬أ ّ‬
‫أما الكفالة أو الضمان فهو ضمّ ذمة إلى ذمة في اللتزام بالحقّ ‪ ،‬فهما متباينان ; لنّ‬
‫بالحوالة تبرأ ذمة المحيل ‪ ،‬وفي الكفالة ل تبرأ ذمة المكفول ‪.‬‬
‫د ‪ -‬القَبَالة ‪:‬‬
‫‪ -‬القبالة في الصل مصدر قبل به إذا كفل ‪ ،‬وقبل إذا صار كفيلً ‪ ،‬وتقبل له ‪ :‬تكفل ‪،‬‬ ‫‪5‬‬

‫والقبيل ‪ :‬الكفيل ‪.‬‬


‫ن بعضهم خص الكفالة‬
‫وكثير من الفقهاء يستعمل لفظ القبالة بمعنى الكفالة ووزنه ‪ ،‬ولك ّ‬
‫بالنفس أو العين ‪ ،‬وعمم القبالة في المال والدّية والنفس والعين ‪.‬‬
‫والقبالة عند بعض الفقهاء أعمّ من الكفالة ‪.‬‬
‫الحكم التكليفيّ ‪:‬‬
‫‪ -‬الكفالة مشروعة بالكتاب والسّنّة والجماع ‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫ح ْملُ َبعِي ٍر َوأَنَاْ ِبهِ زَعِيمٌ‬


‫ع ا ْلمَلِكِ وَ ِلمَن جَاء ِبهِ ِ‬
‫صوَا َ‬
‫فمن الكتاب قوله تعالى ‪ { :‬قَالُواْ َن ْفقِدُ ُ‬
‫}‪ ،‬أي كفيل ‪ :‬ضامن وقوله تعالى ‪ { :‬سَ ْلهُم أَ ّيهُم بِذَلِكَ َزعِيمٌ } ‪ ،‬أي ‪ :‬كفيل ‪.‬‬
‫ومن السّنّة ‪ :‬قوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬العارية مؤداة ‪ ،‬والزعيم غارم والدين مقضيّ‬
‫ي وغيره ‪ :‬الزعيم الكفيل ‪ ،‬والزعامة الكفالة ‪ ،‬وما روى أبو قتادة « أنّ‬
‫» ‪ ،‬قال الخطاب ّ‬
‫ي صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫النّبي صلى ال عليه وسلم أتي برجل ليصلّي عليه ‪ ،‬فقال النب ّ‬
‫صلّوا على صاحبكم فإنّ عليه دينا ‪ ،‬قال أبو قتادة ‪ :‬هو علي ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ :‬بالوفاء ؟ قال ‪ :‬بالوفاء ‪ ،‬فصلى عليه » ‪.‬‬
‫وقد نقل كثير من الفقهاء الجماع على جواز الكفالة ‪ -‬وإن اختلفوا في بعض الفروع ‪-‬‬
‫ي صلى ال‬
‫لحاجة الناس إليها ودفع الضرر عن المدين ‪ ،‬قال في الختيار ‪ « :‬بعث النب ّ‬
‫عليه وسلم والناس يتكفلون فأقرهم عليه » ‪ ،‬وعليه الناس من لدن المصدر الول إلى‬
‫يومنا هذا من غير نكير ‪.‬‬
‫ولهذه الدلة رأى بعض الفقهاء أنّ الضمانالشامل للكفالة مندوب لقادر واثق بنفسه أمن‬
‫غائلته ‪.‬‬
‫أركان الكفالة وشروطها ‪:‬‬
‫أركان الكفالة ‪ :‬الصّيغة ‪ ،‬والكفيل ‪ ،‬والمكفول له ‪ ،‬والمكفول عنه ‪ ،‬والمكفول به ‪.‬‬
‫الرّكن الول ‪ -‬صيغة الكفالة ‪:‬‬
‫ن صيغة‬
‫‪ -‬ذهب المالكية والحنابلة ‪ ،‬وهو الصحّ عند الشافعية ‪ ،‬وأبو يوسف إلى أ ّ‬ ‫‪7‬‬

‫ن الكفالة مجرد‬
‫الكفالة تتمّ بإيجاب الكفيل وحده ‪ ،‬ول تتوقف على قبول المكفول له ; ل ّ‬
‫التزام من الكفيل بأداء الدين ل معاوضة فيه ‪ ،‬بل هو تبرّع ينشأ بعبارته وحده ‪ ،‬فيكفي فيه‬
‫إيجاب الكفيل ‪.‬‬
‫وفي قول ثان عند الشافعية يشترط الرّضا ثم القبول ‪ ،‬والثالث يشترط الرّضا دون القبول‬
‫لفظا ‪.‬‬
‫وذهب أبو حنيفة ومحمد ‪ ،‬وهو رأي عند الشافعية إلى أنّ صيغة الكفالة تتركب من إيجاب‬
‫يصدر من الكفيل ‪ ،‬وقبول يصدر عن المكفول له ; لنّ الكفالة عقد يملك به المكفول له حق‬
‫ن الكفالة ل تتمّ‬
‫مطالبة الكفيل أو حقّا ثبت في ذمته فوجب قبوله ‪ ،‬ويترتب على ذلك أ ّ‬
‫بعبارة الكفيل وحده ‪ ،‬سواء كانت الكفالة بالنفس أو بالمال ‪ ،‬بل ل بد من قبول المكفول له‬
‫‪ .‬وإيجاب الكفيل يتحقق بكلّ لفظ يفهم منه التعهّد والتزام والضمان ‪ ،‬صراحةً أو ضمنا ‪،‬‬
‫كما يتحقق بكلّ تعبير عن الرادة يؤدّي هذا المعنى ‪.‬‬
‫‪ -‬قد تكون الكفالة منجزةً أو معلقةً أو مضافةً إلى زمن مستقبل وقد توصف بأنّها مطلقة‬ ‫‪8‬‬

‫أو مؤقتة أو مقترنة بشرط ‪ ،‬وتفصيل ذلك فيما يلي ‪:‬‬


‫أ ‪ -‬الكفالة المنجزة ‪:‬‬
‫‪ -‬وهي التي تكون صيغتها خاليةً من التعليق بشرط أو الضافة لجل ‪ ،‬فمعنى التنجيز ‪:‬‬ ‫‪9‬‬

‫أن تترتب آثار الكفالة في الحال بمجرد وجود الصّيغة مستوفي ًة شروطها ‪ ،‬فإذا قال شخص‬
‫لخر ‪ :‬أنا كفيل بدينك على فلن وقبل الدائن الكفالة ‪ -‬على رأي من يوجب لتمام الصّيغة‬
‫ن الكفيل يصير مطالبا بأداء الدين في الحال إذا كان الدين حالً ‪.‬‬
‫قبول الدائن ‪ -‬فإ ّ‬
‫أما إذا كان الدين مؤجلً فيثبت الدين أو المطالبة به في ذمة الكفيل بصفته من الحلول‬
‫والتأجيل متى كانت صيغة الكفالة مطلقةً غير مقترنة بشرط يغيّر من وصف الدين ‪.‬‬
‫ن كل عقد يدخله الحلول فإنّه يحمل‬
‫ويرى الحنابلة أنّ الكفالة إذا أطلقت انعقدت حال ًة ‪ ،‬ل ّ‬
‫عليه عند إطلقه ‪ ،‬كالثمن في البيع ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الكفالة المعلقة ‪:‬‬
‫‪ -‬وهي التي يعلق وجودها على وجود شيء آخر ‪ ،‬كما إذا قال شخص للمشتري ‪ :‬أنا‬ ‫‪10‬‬

‫كفيل لك بالثمن إذا استحق المبيع ‪ ،‬فإذا كان الشيء الذي علّقت به الكفالة موجودا وقت‬
‫التعليق ‪ ،‬فإنّ الكفالة تنعقد منجزةً ‪ ،‬وذلك كما لو قال الكفيل للدائن ‪ :‬إذا أفلس فلن فأنا‬
‫كفيل لك بهذا الدين ‪ ،‬ثم تبين أنّ فلنا هذا كان قد أفلس فعلً وقت إنشاء الكفالة ‪.‬‬
‫‪ -‬وللفقهاء في حكم الكفالة المعلقة خلف يمكن إيجازه فيما يلي ‪:‬‬ ‫‪11‬‬

‫ذهب الحنفية إلى صحة الكفالة المعلقة على شرط ملئم ‪ ،‬وهو الشرط الذي يكون سببا‬
‫لوجوب الحقّ ‪ ،‬كقول الكفيل للمشتري ‪ :‬إذا استحق المبيع فأنا ضامن الثمن ‪ ،‬أو الشرط‬
‫الذي يكون سببا لمكان الستيفاء ‪ ،‬كقول الكفيل للدائن ‪ :‬إذا قدم فلن ‪ -‬أي المكفول عنه‬
‫‪ -‬فأنا كفيل بدينك عليه ‪ ،‬أو الشرط الذي يكون سببا لتعذّر الستيفاء ‪ ،‬كقول الكفيل للدائن‬
‫‪ :‬إذا غاب فلن ‪ -‬المدين ‪ -‬عن البلد فأنا كفيل بالدين ‪.‬‬
‫وذهبوا كذلك إلى صحة الكفالة المعلقة بشرط جرى به العرف ‪ ،‬كما لو قال الكفيل ‪ :‬إن لم‬
‫يؤدّ فلن ما لك عليه من دين إلى ستة أشهر فأنا له ضامن ‪ ،‬لنّه علق الكفالة بالمال‬
‫بشرط متعارف فصح ‪.‬‬
‫فأما إذا علّقت الكفالة على شرط غير ملئم ‪ ،‬كقوله ‪ :‬إن هبت الرّيح أو إن نزل المطر أو‬
‫ن تعليق الكفالة على شرط غير ملئم ل‬
‫ح الكفالة ; ل ّ‬
‫إن دخلت الدار فأنا كفيل ‪ ،‬فل تص ّ‬
‫ح إذا ما علّقت‬
‫يظهر فيه غرض صحيح ‪ ،‬وذهب بعض فقهاء المذهب إلى أنّ الكفالة تص ّ‬
‫على شرط غير ملئم ‪ ،‬ويلغو التعليق ‪.‬‬
‫ن الكفالة تكون صحيحةً إذا علّقت على الشّروط‬
‫ويبدو مما ذكره المالكية من فروع ‪ :‬أ ّ‬
‫الملئمة ‪ ،‬ول تكون صحيحةً إذا علّقت على شرط غير ملئم ‪.‬‬
‫أما الشافعية فالصحّ عندهم عدم جواز تعليق الضمان والكفالة لنّ كلّا من الضمان والكفالة‬
‫عقد كالبيع ‪ ،‬وهو ل يجوز تعليقه بالشرط ‪.‬‬
‫ومقابل الصحّ عندهم ‪ :‬جواز تعليق الضمان والكفالة ‪ ،‬لنّ القبول ل يشترط فيهما ‪ ،‬فجاز‬
‫تعليقهما كالطلق ‪ ،‬والقول الثالث ‪ :‬يمتنع تعليق الضمان دون الكفالة ; لنّ الكفالة مبنية‬
‫على الحاجة ‪.‬‬
‫وعند الحنابلة روايتان ‪ :‬تذهب أولهما إلى بطلن الكفالة مع التعليق ‪ ،‬وهو ما اختاره‬
‫القاضي ; لنّ في التعليق خطرا فلم يجز تعليق الضمان عليه ‪ ،‬والكفالة تثبت حقّا لدميّ‬
‫معين فلم يجز تعليق ثبوته على شرط ‪.‬‬
‫ن تعليق الكفالة والضمان على‬
‫وتذهب الرّواية الخرى إلى صحة تعليق الكفالة مطلقا ‪ ،‬ل ّ‬
‫شرط صحيح كضمان العهدة ‪ ،‬وقد مال إلى هذه الرّواية ‪ :‬الشريف أبو جعفر وأبو‬
‫الخطاب ‪ ،‬لنّه أضاف الضمانإلى سبب الوجود فيجب أن يصح كضمان الدرك ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬الكفالة المضافة ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز إضافة الكفالة بالمال إلى أجل مستقبل كأن يقول‬ ‫‪12‬‬

‫الكفيل ‪ :‬أنا ضامن لك هذا المال أو هذا الدين ابتدا ًء من أول الشهر القادم ‪ ،‬وفي هذه‬
‫الحالة ل يكون كفيلً إل في ذلك الوقت ‪ ،‬أما قبله فل يعدّ كفيلً ول يطالب بالمال ‪ ،‬وإذا‬
‫توفّي قبل الوقت المحدد ل يؤخذ الدين من تركته ‪.‬‬
‫وفرق الحنفية بين إضافة الكفالة وتأجيل الدين المكفول به ‪ ،‬فالكفالة المضافة هي التي‬
‫تتعلق بدين غير موجود عند إنشائها ‪ ،‬ولكنّها تعلقت به بسبب إضافتها إليه ‪ ،‬كما لو قال‬
‫الكفيل للدائن ‪ :‬أنا كفيل بما ستقرضه لفلن من المال ‪ ،‬أو بسبب تعليقها به ‪ ،‬كما لو قال ‪:‬‬
‫إن أقرضت فلنا مبلغ كذا فأنا كفيل به ‪ ،‬وهذا النوع من الكفالة ل ينعقد إل بعد وقوع ما‬
‫علّق به ‪ ،‬ول يترتب عليه أثر إل من ذلك الوقت ‪.‬‬
‫أما إن كان الدين المكفول موجودا عند إنشاء الكفالة ‪ ،‬فقد يكون حا ًل وقد يكون مؤجلً ‪،‬‬
‫فإن كان الدين المكفول حا ًل ‪ ،‬وأضيفت كفالته إلى زمن مستقبل ‪ ،‬كأن يقول الكفيل للدائن ‪:‬‬
‫كفلت لك دينك الذي على فلن ابتداءً من أول الشهر التي ‪ ،‬فل يكون للكفالة أثر إل من‬
‫أول الشهر التي ‪ ،‬ويتأجل الدين بالنّسبة إلى الكفيل وحده بسبب إضافة الكفالة ‪ ،‬أما‬
‫بالنّسبة إلى المدين فل يتغير وصف الدين بل يظ ّل حالً ; إذ ل يلزم من تأجيل الدين على‬
‫الكفيل بسبب كفالته المضافة تأجيله على المدين الصيل ‪ ،‬وفي هذه الصّورة تكون الكفالة‬
‫منعقدةً في الحال ‪ ،‬ولكنّ آثارها ل تظهر إل عند حلول الجل ‪.‬‬
‫وإن كان الدين المكفول مؤجلً عند إنشاء الكفالة ‪ ،‬وكانت الكفالة مطلقةً بأن قال الكفيل ‪:‬‬
‫كفلت لك دينك الذي على فلن ‪ ،‬فإنّ مطالبة الكفيل ترجأ إلى وقت حلول الدين على الصيل‬
‫ن الكفالة المطلقة بدين تلزم بما يتصف به من الحلول أو التأجيل ‪ ،‬وفي هذه الصّورة‬
‫;لّ‬
‫أيضا تكون الكفالة منعقدةً في الحال ‪ ،‬ولكنّ آثارها ل تظهر إل عند حلول الجل ‪.‬‬
‫ن جمهور الحنفية يجيز إضافة الكفالة بالمال إلى الزمن المستقبل ‪،‬‬
‫ومن هذا يتضح أ ّ‬
‫ن إضافتها إلى وقت معلوم ‪ .‬أو مجهول جهالةً غير فاحشة ل يمنع من‬
‫ويرتّب على ذلك ‪ :‬أ ّ‬
‫جوازها إلى الجل الذي ذكر ‪ ،‬وذلك كإضافتها إلى الحصاد أو إلى المهرجان أو إلى النّيروز‬
‫ح ; لنّ ذلك‬
‫‪ ،‬أما إضافة الكفالة إلى أجل مجهول جهال ًة فاحشةً ‪ -‬كنزول المطر ‪ -‬فل تص ّ‬
‫ليس من الجال المتعارفة أو المنضبطة ‪ ،‬وإذا بطل الجل لتفاحش الجهالة فيه وعدم‬
‫تعارفه ‪ ،‬صحت الكفالة ‪ ،‬وكانت منجز ًة ‪.‬‬
‫وذهب المالكية إلى صحة إضافة الكفالة إلى زمن مستقبل معلوم ‪ ،‬وحينئذ ل يطالب الكفيل‬
‫إل إذا حل الجل ‪ ،‬وكذلك تصحّ الكفالة إذا أضيفت إلى أجل مجهول جهالةً غير فاحشة ‪،‬‬
‫ن القاضي يضرب له أجلً بقدر ما يرى ‪ ،‬وعندئذ ل يترتب على‬
‫كخروج العطاء ‪ ،‬ولك ّ‬
‫الكفالة أثرها إل بحلول الجل الذي أضيفت إليه ‪.‬‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬إن كفل إلى أجل مجهول لم تصح الكفالة لنّه ليس له وقت يستحقّ مطالبته‬
‫فيه وهكذا الضمان ‪ ،‬وإن جعله إلى الحصاد والجزاز والعطاء خرج على الوجهين ‪ ،‬كالجل‬
‫في البيع ‪ ،‬والولى صحتها هنا ‪ ،‬لنّه تبرّع من غير عوض جعل له عوضا ل يمنع من‬
‫حصول المقصود منه فصح ‪ ،‬كالنذر ‪ ،‬وهكذا كلّ مجهول ل يمنع مقصود الكفالة ‪.‬‬
‫وقال الشافعية ‪ :‬لو نجز الكفالة وشرط تأخير المكفول به شهرا كضمنت إحضاره ‪،‬‬
‫وأحضره بعد شهر جاز ‪ ،‬لنّه التزام بعمل في الذّمة ‪ ،‬فكان كعمل الجارة يجوز حالً‬
‫ومؤجلً ‪.‬‬
‫ح التأجيل إليه ‪ ،‬والصحّ أنّه يصحّ‬
‫ل التأجيل بمجهول ‪ ،‬كالحصاد فل يص ّ‬
‫وخرج بشهر مث ً‬
‫ضمان الحالّ مؤجلً أجلً معلوما ; إذ الضمان تبرّع ‪ ،‬والحاجة تدعو إليه ‪ ،‬فكان على حسب‬
‫ق الضامن على الصحّ ‪ ،‬فل يطالب إل كما التزم ‪.‬‬
‫ما التزمه ويثبت الجل في ح ّ‬
‫ومقابل الصحّ ‪ :‬ل يصحّ الضمان للمخالفة ‪ ،‬ووقع في بعض نسخ المحرر تصحيحه ‪ ،‬قال‬
‫في الدقائق ‪ :‬والصحّ ما في بقية النّسخ والمنهاج ‪ ،‬ولو ضمن المؤجل مؤجلً بأجل أطول‬
‫من الول فكضمان الحالّ مؤجلً ‪.‬‬
‫د ‪ -‬الكفالة المؤقتة ‪:‬‬
‫‪ -‬توقيت الكفالة معناه ‪ :‬أن يكفل الكفيل الدين مد ًة معلومةً محددةً ‪ ،‬فإذا انقضت تلك‬ ‫‪13‬‬

‫المدة يبرأ بعدها من التزامه وتنتهي الكفالة ‪ ،‬وذلك مثل قول الكفيل ‪ :‬أنا كفيل بنفس فلن‬
‫أو بديته من اليوم إلى نهاية هذا الشهر ‪ ،‬فإذا انقضى الشهر برئت من الكفالة ‪.‬‬
‫وقد اختلف الفقهاء في صحة توقيت الكفالة بناء على اختلفهم في الثر المترتّب عليها ‪،‬‬
‫ن ذمة الكفيل ل تشغل بالدين وإنّما يطالب فقط بأدائه ‪ ،‬أجاز الكفالة المؤقتة ‪،‬‬
‫فمن رأى أ ّ‬
‫ن ذمة الكفيل تصير مشغولةً بالدين‬
‫وقيد المطالبة بالمدة المتفق عليها ‪ ،‬أما من ذهب إلى أ ّ‬
‫ن الذّمة إذا‬
‫ن المعهود في الشرع أ ّ‬
‫إلى جانب ذمة المدين ‪ ،‬فلم يجز توقيت الكفالة ; ل ّ‬
‫شغلت بدين صحيح فإنّها ل تبرأ منه إل بالداء أو البراء ‪ ،‬وقبول الكفالة للتوقيت يترتب‬
‫عليه سقوط الدين عن الكفيل دون أداءً أو إبراء ‪ ،‬وتطبيقا على ذلك ذهب أغلب الحنفية إلى‬
‫ي الشهر بل‬
‫أنّ الكفيل لو قال ‪ :‬كفلت فلنا من هذه الساعة إلى شهر ‪ ،‬تنتهي الكفالة بمض ّ‬
‫خلف ‪ ،‬ولو قال ‪ :‬كفلت فلنا شهرا أو ثلثة أيام ‪ ...‬من المشايخ من قال ‪ :‬إنّ الكفيل في‬
‫ي المدة ‪ ...‬ومنهم من ذهب إلى أنّه يكون كفيلً‬
‫هذه الصّورة يطالب في المدة ويبرأ بمض ّ‬
‫أبدا ويلغو التوقيت ‪.‬‬
‫وذهب المالكية إلى جواز توقيت الكفالة في إحدى حالتين ‪ :‬أن يكون المدين موسرا ولو في‬
‫أول الجل فقط ‪ ،‬أو أن يكون معسرا والعادة أنّه ل يوسر في الجل الذي ضمن الضامن‬
‫إليه‪ ،‬بل بمضيّ ذلك الجل عليه وهو معسر ‪ ،‬فإن لم يعسر في جميعه ‪ ،‬بل أيسر في أثنائه‬
‫كبعض أصحاب الغلت والوظائف ‪ ،‬كأن يضمنه إلى أربعة أشهر وعادته اليسار بعد‬
‫ق مسلّفا ‪،‬‬
‫ن الزمن المتأخّر عن ابتداء يساره يعدّ فيه صاحب الح ّ‬
‫ح;لّ‬
‫شهرين‪ ،‬فل يص ّ‬
‫ب الحقّ على أخذه منه عند اليسار ‪ ،‬هذا قول ابن القاسم بناء على أنّ اليسار‬
‫لقدرة ر ّ‬
‫ن الصل استصحاب عسره ‪.‬‬
‫المترقب كالمحقق ‪ ،‬وأجازه أشهب ل ّ‬
‫والصحّ عند الشافعية أنّه ل يجوز توقيت الكفالة ‪ ،‬كانا كفيل بزيد إلى شهر وأكون بعده‬
‫بريئا ‪ ،‬ومقابل الصحّ عندهم ‪ :‬أنّه يجوز ‪ ،‬لنّه قد يكون له غرض في تسليمه هذه المدة ‪،‬‬
‫ن المقصود منه الداء ; فلهذا امتنع تأقيت الضمان قطعا ‪.‬‬
‫بخلف المال فإ ّ‬
‫واختلف الحنابلة في صحة توقيت الكفالة على وجهين ‪ :‬الول ‪ :‬أنّ الكفالة تكون صحيحةً ‪،‬‬
‫ويبرأ الكفيل بمضيّ المدة التي عينها وإن لم يحدث فيها وفاء ‪ .‬والثاني ‪ :‬عدم صحة‬
‫الكفالة; لنّ الشأن في الدّيون أنّها ل تسقط بمضيّ الزمن ‪.‬‬
‫تقييد الكفالة بالشرط ‪:‬‬
‫‪ -‬إن قيد الكفالة بشرط ‪ ،‬فقد تصحّ الكفالة والشرط ‪ ،‬وقد تصحّ الكفالة ويلغو الشرط ‪،‬‬ ‫‪14‬‬

‫وقد تلغو الكفالة والشرط ‪.‬‬


‫وقد اختلف الفقهاء في التفريق بين أنواع الشّروط السابقة وأثر كلّ منها على الكفالة ‪.‬‬
‫فذهب الحنفية إلى أنّه لو كفل رجل عن رجل بألف درهم بأمره على أن يعطيه المكفول عنه‬
‫هذا العبد رهنا ولم يشترط ذلك على الطالب ‪ ،‬ثم إنّ المكفول عنه أبى أن يدفع العبد كان‬
‫له ذلك ول يتخير الكفيل بين أن يمضي في الكفالة وبين أن يفسخ وإن لم يسلّم له شرطه ;‬
‫لنّ هذا الشرط جرى بين الكفيل وبين المكفول عنه ‪ ،‬ولم يجر بينه وبين الطالب ‪ ،‬بخلف‬
‫ما لو شرط ذلك على الطالب بأن قال للطالب ‪ :‬أكفل لك بهذا المال على أن يعطيني المطلوب‬
‫بهذا المال عبده هذا رهنا ‪ ،‬فكفل على هذا الشرط ‪ ،‬فأبى المطلوب أن يعطيه الرهن فإنّ‬
‫الكفيل يتخير ‪.‬‬
‫ولو ضمنها على أن يقضيها من ثمن هذه الدار ‪ ،‬فباع الدار بعبد ‪ ،‬لم يلزمه المال ‪ ،‬ولم‬
‫يجبر على بيع العبد في الضمان ‪.‬‬
‫وقال الشافعية ‪ :‬الصحّ أنّه لو شرط في الكفالة أنّه يغرم المال إن فات التسليم ‪ ،‬كقوله ‪:‬‬
‫كفلت بدنه بشرط الغرم ‪ ،‬أو على أنّي أغرم ‪ ،‬بطلت الكفالة ; لنّه شرط ينافي مقتضاها ‪،‬‬
‫بناء على أنّه ل يغرم عند الطلق ‪.‬‬
‫والقول الثاني ‪ :‬يصحّ بناء على مقابله أي إنّه يغرم المال ‪.‬‬
‫ح الكفالة بشرط براءة الصيل لمخالفة مقتضى العقد ‪.‬‬
‫ح أنّه ل تص ّ‬
‫والص ّ‬
‫ح الضمان والشرط ‪ ،‬لما رواه جابر في قصة أبي قتادة للميّت ‪ ،‬قال ‪ « :‬فجعل‬
‫الثاني ‪ :‬يص ّ‬
‫النبيّ صلى ال عليه وسلم يقول ‪ :‬هما عليك وفي مالك والميّت منهما بريء فقال ‪ :‬نعم ‪.‬‬
‫ح الضمان فقط ‪.‬‬
‫فصلى عليه » ‪ ،‬والقول الثالث ‪ :‬يص ّ‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬إن قال ‪ :‬كفلت ببدن فلن على أن يبرأ فلن الكفيل أو على أن تبرئه من‬
‫الكفالة لم يصح ; لنّه شرط شرطا ل يلزم الوفاء به فيكون فاسدا ‪ ،‬وتفسد الكفالة به ‪،‬‬
‫ويحتمل أن تصح الكفالة لنّه شرط تحويل الوثيقة التي على الكفيل إليه ‪ ،‬فعلى هذا ل‬
‫تلزمه الكفالة إل أن يبرئ المكفول له الكفيل الول ; لنّه إنّما كفل بهذا الشرط ‪ ،‬فل تثبت‬
‫كفالته بدون شرطه ‪.‬‬
‫وإن قال ‪ :‬كفلت لك بهذا الغريم على أن تبرئني من الكفالة بفلن ‪ ،‬أو ضمنت لك هذا الدين‬
‫بشرط أن تبرئني من ضمان الدين الخر ‪ ،‬أو على أن تبرئني من الكفالة بفلن ‪ ،‬خرج فيه‬
‫ح ‪ ،‬لنّه شرط فسخ عقد في عقد ‪ ،‬فلم يصح ‪ ،‬كالبيع بشرط‬
‫الوجهان ‪ ،‬والولى ‪ :‬أنّه ل يص ّ‬
‫فسخ بيع آخر ‪.‬‬
‫وكذلك لو شرط في الكفالة أو الضمان أن يتكفل المكفول له ‪ ،‬أو المكفول به بآخر ‪ ،‬أو‬
‫يضمن دينا عليه ‪ ،‬أو يبيعه شيئا عينه أو يؤجّره داره ‪ ،‬لم يصح ; لما ذكر ‪.‬‬
‫الرّكن الثاني ‪ -‬الكفيل ‪:‬‬
‫ن الكفالة من التبرّعات ‪ ،‬وعلى‬
‫‪ -‬يشترط الفقهاء في الكفيل أن يكون أهلً للتبرّع ; ل ّ‬ ‫‪15‬‬

‫ي ‪ ،‬ولو كان مميّزا مأذونا أو أجازها‬


‫ح الكفالة من المجنون أو المعتوه أو الصب ّ‬
‫ذلك ل تص ّ‬
‫ي‪.‬‬
‫الوليّ أو الوص ّ‬
‫إل أنّ ابن عابدين قال ‪ :‬إل إذا استدان له وليّه وأمره أن يكفل المال عنه فتصحّ ‪ ،‬ويكون‬
‫ن الصبي يطالب بهذا المال بموجب الكفالة ‪ ،‬ولولها لطولب‬
‫إذنا في الداء ‪ ،‬ومفاده أ ّ‬
‫الوليّ‪ ،‬ول تصحّ الكفالة من مريض إل من الثّلث ‪.‬‬
‫ح ضمانه ول كفالته عند جمهور الفقهاء ‪.‬‬
‫أما المحجور عليه لسفه فل يص ّ‬
‫ي إلى أنّ كفالة السفيه تقع صحيحةً غير نافذة ويتبع بها بعد‬
‫وذهب القاضي أبو يعلى الحنبل ّ‬
‫ك الحجر عنه ‪ ،‬كإقراره بالدين ‪ ،‬وكذلك ل تصحّ الكفالة مع الكراه عند الحنفية والشافعية‬
‫فّ‬
‫والحنابلة ‪ ،‬وعند المالكية ل تلزم الكفيل المكره ‪.‬‬
‫أما المحجور عليه للدين ‪ ،‬فقد ذهب الشافعية ‪ -‬على الصحيح عندهم ‪ ، -‬والحنابلة ‪ ،‬إلى‬
‫أنّه يجوز له أن يكفل ; لنّه أهل للتصرّف ‪ ،‬والحجر يتعلق بماله ل بذمته ‪ ،‬فيثبت الدين في‬
‫ذمته الن ‪ ،‬ول يطالب إل إذا انفك عنه الحجر وأيسر ‪.‬‬
‫وذهب الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أنّه تصحّ كفالة المريض من مرض الموت ‪ ،‬بحيث ل‬
‫يتجاوز ‪ -‬مع سائر تبرّعاته ‪ -‬ثلث التركة ‪ ،‬فإن جاوزته تكون موقوف ًة على إجازة الورثة‬
‫ن الكفالة تبرّع ‪ ،‬وتبرّع المريض مرض الموت يأخذ حكم الوصية ‪.‬‬
‫;لّ‬
‫وذهب الشافعية إلى أنّ ضمان المريض يكون من رأس ماله ‪ ،‬إل إذا ضمن وهو معسر‬
‫واستمر إعساره إلى وقت وفاته ‪ ،‬أو ضمن ضمانا ل يستوجب رجوعه على المدين ‪،‬‬
‫فيكون حينئذ في حدود الثّلث ‪ ،‬وإذا استغرق الدين مال المريض ‪ -‬وقضى به ‪ -‬بطل‬
‫الضمان إل إذا أجازه الدائن ; لنّ الدين يقدم على الضمان ‪.‬‬
‫كفالة المرأة ‪:‬‬
‫‪ -‬ل يفرّق جمهور الفقهاء بين الرجل والمرأة في حكم التصرّفات المالية ‪ ،‬ولكنّ‬ ‫‪16‬‬

‫المالكية يرون أنّ ضمان المرأة ‪ -‬إذا كانت ذات زوج ‪ -‬ينفذ في حدود ثلث مالها ‪ ،‬أما إذا‬
‫ح ولكنّه ل يلزم إل بإجازة الزوج ‪ .‬أما المرأة اليّم غير ذات الزوج ‪-‬‬
‫زاد على الثّلث فيص ّ‬
‫إذا كانت ل يولى عليها ‪ -‬فهي بمنزلة الرجل في الكفالة ‪.‬‬
‫الرّكن الثالث ‪ -‬المكفول له ‪:‬‬
‫يشترط في المكفول له أن يكون معلوما للكفيل ‪ ،‬وقد اختلف الفقهاء في اشتراط كونه بالغا‬
‫عاقلً ‪ ،‬وفي اشتراط رضاه بالكفالة وقبوله لها ‪ ،‬وذلك على النحو التالي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬كون المكفول له معلوما للكفيل ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنفية ‪ ،‬والشافعية في الصحّ عندهم ‪ ،‬والقاضي من الحنابلة ‪ ،‬إلى اشتراط‬ ‫‪17‬‬

‫كون المكفول له معلوما للكفيل ‪ ،‬سواء كانت الكفالة منجز ًة أو معلقةً أو مضافةً ‪ ،‬فإن كان‬
‫مجهو ًل له ‪ ،‬كما لو قال ‪ :‬أنا كفيل بما يحصل من هذا الدلل من ضرر على الناس ‪ ،‬لم‬
‫ل وليعلم الضامن هل هو‬
‫تصح الكفالة ; لتفاوت الناس في استيفاء حقوقهم تشديدا وتسهي ً‬
‫ن أبا حنيفة ومحمدا يشترطان أن يكون المكفول له‬
‫أهل لسداء الجميل إليه أو ل ‪ ،‬ثم إ ّ‬
‫حاضرا في مجلس العقد ‪ -‬بنفسه أو بنائبه ‪ -‬فلو كفل الكفيل لشخص غائب عن المجلس ‪،‬‬
‫ح الكفالة عندهما إذا لم يقبل عنه حاضر بالمجلس ; لنّ في‬
‫وبلغه الخبر فأجاز ‪ ،‬ل تص ّ‬
‫الكفالة معنى التمليك ‪ ،‬والتمليك ل يحصل إل بإيجاب وقبول ‪ ،‬فل بد من توافره لتمام‬
‫صيغة العقد ‪.‬‬
‫وعن أبي يوسف روايتان ‪ :‬الراجحة منهما تجيز الكفالة للغائب عن المجلس ول تحتاج إلى‬
‫قبوله ‪ ،‬ومع ذلك فقد اشترط أيضا أن يكون المكفول له معلوما للكفيل ; لنّ الكفالة شرعت‬
‫لتوثيق الدين ‪ ،‬فإذا كان المكفول له مجهولً ‪ ،‬فل يتحقق مقصود الكفالة ‪.‬‬
‫ن جهالة‬
‫وذهب المالكية ‪ ،‬والحنابلة عدا القاضي منهم ‪ ،‬والشافعية في مقابل الصحّ إلى أ ّ‬
‫المكفول له ل تض ّر ‪ ،‬والكفالة صحيحة ‪ ،‬فإذا قال الضامن ‪ :‬أنا ضامن الدين الذي على زيد‬
‫للناس ‪ -‬وهو ل يعرف عين من له الدين ‪ -‬صحت الكفالة ‪ ،‬لحديث أبي قتادة المتقدّم فقد‬
‫كفل أبو قتادة دين الميّت دون أن يعرف المكفول له ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬اشتراط البلوغ والعقل في المكفول له ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب المالكية والحنابلة وأبو يوسف إلى عدم اشتراط البلوغ والعقل في المكفول له ;‬ ‫‪18‬‬

‫لنّ الكفالة تنعقد بإيجاب الكفيل دون حاجة إلى قبول المكفول له ‪ ،‬فل يلزم أن يكون أهلً‬
‫ن الكفالة‬
‫ل;لّ‬
‫للقبول ‪ ،‬وذهب أبو حنيفة ومحمد إلى اشتراط أن يكون المكفول له بالغا عاق ً‬
‫تحتاج إلى إيجاب من الكفيل وقبول من المكفول له ‪.‬‬
‫ويجوز قبول الصبيّ المميّز والسفيه ‪ ،‬لنّ ضمان حقّهما نفع محض ‪ ،‬فل يتوقف على‬
‫إجازة وليّهما ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬قبول المكفول له ‪:‬‬
‫ن أبا حنيفة ومحمدا يريان أنّ الكفالة ل تتمّ إل بإيجاب‬
‫‪ -‬تقدم في صيغة الكفالة أ ّ‬ ‫‪19‬‬

‫ن قبول المكفول له ركن فيها ; لنّ الكفالة عقد يملك به المكفول له حق مطالبة‬
‫وقبول‪ ،‬وأ ّ‬
‫الكفيل أو حقّا في ذمة الكفيل ‪ ،‬وإذا كانت كذلك وجب قبول المكفول له ‪ ،‬إذ ل يملك إنسان‬
‫حقّا رغم أنفه ‪ ،‬فكانت كالبيع تفيد ملكا ‪ ،‬فل تتحقق إل بإيجاب وقبول ‪.‬‬
‫ن المالكية والحنابلة وأبا يوسف وهو الصحّ عند الشافعية يرون أنّ‬
‫وتقدم هناك أيضا أ ّ‬
‫الكفالة تتمّ وتتحقق بإيجاب الكفيل وحده ‪ ،‬فل تتوقف على قبول المكفول له ‪ ،‬ذلك أنّ‬
‫الكفالة مجرد التزام صادر من الكفيل بأن يوفّي ما وجب للمكفول له في ذمة المكفول عنه‬
‫مع بقاء المكفول له على حقّه بالنّسبة إلى المدين ‪ ،‬وذلك التزام ل معاوضة فيه ‪ ،‬ول يضرّ‬
‫بحقّ أحدهما أو ينقص منه ‪ ،‬بل هو تبرّع من الكفيل فيتمّ بعبارته وحده ‪ ،‬وقد تقدم في‬
‫حديث أبي قتادة ‪ « :‬أنّ أبا قتادة رضي ال عنه كفل الميّت دون أن يعرف الدائن أو أن‬
‫ي صلى ال عليه وسلم كفالته وصلى على الميّت بناء عليها » ‪.‬‬
‫يطلب قبوله فأقر النب ّ‬
‫الرّكن الرابع ‪ -‬المكفول عنه ‪:‬‬
‫اشترط بعض الفقهاء أن يكون المكفول عنه معلوما للكفيل ‪ ،‬واشترط بعضهم رضا المكفول‬
‫عنه ‪ ،‬واشترط بعضهم كذلك أن يكون المكفول عنه قادرا على الوفاء بالمكفول به ‪ ،‬وذلك‬
‫على التفصيل التي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬كون المكفول عنه معلوما للكفيل ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب جمهور الفقهاء من المالكية ‪ ،‬والشافعية في الصحّ ‪ ،‬والحنابلة ‪ ،‬إلى عدم‬ ‫‪20‬‬

‫ن النّبي صلى ال عليه وسلم أقر‬


‫اشتراط معرفة الكفيل للمكفول عنه ‪ ،‬للحديث المتقدّم ‪ ،‬فإ ّ‬
‫الكفالة من غير أن يسأل الضأمن هل يعرف المكفول عنه أو ل ‪ ،‬ولنّ الضمانتبرّع بالتزام‬
‫ق فل حاجة لمعرفة‬
‫ن الواجب أداء ح ّ‬
‫مال فل يشترط معرفة من يتبرع عنه به كالنذر ; ول ّ‬
‫ما سواه ‪ ،‬وذهب الحنفية وهو مقابل الصحّ عند الشافعية وبعض الحنابلة إلى اشتراط علم‬
‫ل لصطناع المعروف إليه‬
‫الكفيل بالمكفول عنه ; ليعلم الضامن ما إذا كان المضمون عنه أه ً‬
‫أو ل ‪ ،‬وزاد الشافعية أنّه اشترط ذلك ليعرف هل المكفول عنه موسر وممن يبادر إلى‬
‫ن اشتراط كون المكفول عنه معلوما للكفيل هو في حالة‬
‫قضاء دينه أو ل ‪ ،‬وزاد الحنفية ‪ :‬أ ّ‬
‫ما إذا كانت الكفالة معلقةً أو مضافةً ‪ ،‬أما في حال التنجيز فل تمنع جهالة المكفول عنه‬
‫صحة الكفالة ‪ ،‬وعلى ذلك ‪ :‬لو قال شخص لخر ‪ :‬ما بايعت أحدا من الناس أو ما أقرضت‬
‫أحدا من الناس فأنا كفيل به ‪ ،‬فإنّ الكفالة تكون غير صحيحة ‪ ،‬ولكن لو قال لشخص ‪:‬‬
‫كفلت لك بمالك على فلن أو فلن ‪ ،‬صحت الكفالة ‪ ،‬ويكون للكفيل حقّ تعيين المكفول عنه‬
‫منهما ‪ ،‬لنّه الملتزم بالدين ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬رضا المكفول عنه بالكفالة ‪:‬‬
‫‪ -‬اتفق الفقهاء على أنّه ل يشترط لصحة الكفالة رضا المكفول عنه أو إذنه ‪ ،‬بل تصحّ‬ ‫‪21‬‬

‫مع كراهته لذلك ‪ ،‬ففي الحديث السابق « أقر النبيّ صلى ال عليه وسلم كفالة أبي قتادة‬
‫ن عقد الكفالة‬
‫رضي ال عنه دين الميّت » ‪ ،‬والميّت ل يتأتى منه رضاء ول إذن ; ول ّ‬
‫ق نفسه ‪ ،‬وفيه نفع للطالب ‪ ،‬ول ضرر فيه‬
‫التزام المطالبة ‪ ،‬وهذا اللتزام تصرّف في ح ّ‬
‫على المطلوب ‪ ،‬لنّ ضرره بثبوت الرّجوع ‪ ،‬ول رجوع عليه ; لنّه عند أمره ‪ ،‬وعند أمره‬
‫يكون قد رضي به ‪ ،‬ولنّ قضاء دين الغير بغير إذنه جائز ‪ ،‬فالتزامه أولى ‪ ،‬وكما يصحّ‬
‫الضمان عن الميّت اتّفاقا وإن لم يخلف وفا ًء ‪.‬‬
‫ن الكفالة تصحّ إذا كان المكفول عنه صبيّا أو مجنونًا أو غائبا ; لنّ‬
‫ويترتب على ذلك أ ّ‬
‫الحاجة إلى الكفالة تظهر غالبا في مثل هذه الحوال ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬قدرة المكفول عنه على تنفيذ محلّ اللتزام ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنابلة والصاحبان ( محمد وأبو يوسف ) إلى أنّه ل يشترط لصحة الكفالة أن‬ ‫‪22‬‬

‫يكون المكفول عنه قادرا على تسليم المكفول به ‪ ،‬فيصحّ الضمان عن كلّ من وجب عليه‬
‫حقّ ‪ ،‬حيّا كان أو ميّتا ‪ ،‬مليئا أو مفلسا ‪ ،‬ترك كفيلً بهذا الدين أو لم يترك ‪ ،‬ففي الحديث ‪:‬‬
‫« أقر النبيّ صلى ال عليه وسلم الكفالة عن ميّت لم يترك وفا ًء ول كفيلً » ‪ ،‬ويؤيّد ذلك‬
‫أيضا صحة إبراء المتوفى عن دين وإن لم يترك ما ًل ‪ ،‬وصحة التبرّع بالداء عنه ‪.‬‬
‫وذهب أبو حنيفة إلى أنّه يشترط في المكفول عنه أن يكون قادرا على الوفاء بالمكفول به‬
‫إما بنفسه وإما بنائبه ‪ ،‬فل يصحّ عنده ضمان ميّت مدين توفّي ل عن تركة ول عن كفيل‬
‫بالدين ; لنّ الميّت في هذه الحال عاجز عن الوفاء ‪ ،‬غير أهل للمطالبة ‪ ،‬والضمان ‪ :‬ضمّ‬
‫ذمة إلى ذمة في الدين أو في المطالبة ‪ ،‬ول دين هنا ول مطالبة لنّه بالوفاة عن غير مال‬
‫ن الحديث المتقدّم يحمل‬
‫ول كفيل تصير ذمته خربةً وغير صالحة لن تشغل بدين ‪ ،‬وعنده أ ّ‬
‫على القرار بكفالة سابقة ل على إنشائها ‪ ،‬أو أنّه وعد بالتبرّع وهو جائز عن الميّت ‪.‬‬
‫الرّكن الخامس ‪ :‬محلّ الكفالة ‪:‬‬
‫قد تكون الكفالة بالمال ‪ ،‬ويطلق عليها كثير من الفقهاء ‪ :‬الضمان‪ ،‬وقد تكون بالنفس ‪،‬‬
‫ويطلق عليها البعض ‪ :‬كفالة البدن ‪ ،‬وكفالة الوجه ‪.‬‬
‫أولً ‪ -‬كفالة المال ‪:‬‬
‫قد يكون المكفول به دينا ‪ ،‬وقد يكون عينا ‪ ،‬والحكم يتغير في كلّ حالة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬كفالة الدين ‪:‬‬
‫‪ -‬يشترط الفقهاء لصحة كفالة الدين ‪ :‬أن يكون دينا صحيحا ‪ ،‬وأن يكون واجبا في‬ ‫‪23‬‬

‫الذّمة على التفصيل التي ‪:‬‬


‫أولً ‪ -‬أن يكون دينا صحيحا ‪:‬‬
‫يشترط في الدين المكفول به أن يكون دينا صحيحا ‪ ،‬وهو ما ل يسقط إل بالداء أو‬
‫البراء ‪ ،‬وعلى ذلك تجوز كفالة نفقة الزوجة عند وجوبها بالقضاء أو الرّضاء سواء كانت‬
‫ماضيةً أو حاضرةً أو مستقبلةً ‪.‬‬
‫وقال الشافعيّ ‪ -‬في الجديد ‪ : -‬تجب نفقة الزوجة بالعقد والتمكين وحينئذ ل يصحّ ضمان‬
‫النفقة المستقبلة ‪.‬‬
‫فإذا كان الدين صحيحا ‪ ،‬فل يشترط جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة‬
‫ن الكفالة من قبيل التبرّع ‪،‬‬
‫والشافعيّ في القديم أن يكون معلوم القدر والصّفة والعين ‪ ،‬ل ّ‬
‫والتبرّع يصحّ مع الجهالة كالنذر ‪ ،‬وقد جرى بها العرف ‪ ،‬والحاجة إلى التعامل بها تبرّر‬
‫ذلك ‪ ،‬غير أنّ الحنابلة يشترطون لصحة الكفالة بدين مجهول أن يكون مآله إلى العلم‬
‫بمقداره ‪ ،‬كأن يقول الكفيل ‪ :‬كفلت لك بمالك قبل فلن ‪ ،‬ول يعلم مقدار ذلك ‪.‬‬
‫وذهب الشافعيّ ‪ -‬في الجديد ‪ -‬إلى عدم صحة الكفالة بالدين المجهول ‪ ،‬وهو ما ذهب إليه‬
‫ن الكفالة التزام دين في الذّمة ‪،‬‬
‫الثوريّ والليث وابن أبي ليلى وابن المنذر وغيرهم ; ل ّ‬
‫والتزام المجهول غرر ينهى عنه الشارع ‪ ،‬فوجب أن يكون الدين معلوما حتى يكون الكفيل‬
‫على بينة من أمره ومن قدرته على الوفاء بما التزم به ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ -‬أن يكون واجبا في الذّمة ‪:‬‬
‫ي في القديم أن يكون الدين المكفول به واجبا‬
‫يشترط الحنفية والمالكية والحنابلة والشافع ّ‬
‫في الذّمة عند الكفالة به ‪ ،‬أو أن يكون مآله إلى الوجوب ‪ ،‬وعلى ذلك تصحّ الكفالة بالدين‬
‫الموعود به ‪ -‬وإن لم يكن موجودا عند الكفالة ‪ -‬لنّ مآله إلى الوجوب ‪ ،‬وذلك كأن يقول‬
‫الكفيل ‪ :‬أقرض فلنا وأنا كفيل بما ستقرضه إياه ‪.‬‬
‫واشترط الشافعيّ ‪ -‬في الجديد ‪ -‬أن يكون الدين ثابتًا في الذّمة عند الكفالة ‪ ،‬وعلى ذلك ‪:‬‬
‫ن الكفالة ل تصحّ ‪ -‬على هذا القول ‪ -‬بما سيكون من دين موعود به ‪ ،‬وما ذهب إليه‬
‫فإ ّ‬
‫ن الكفالة ضمّ‬
‫الشافعيّ ‪ -‬في الجديد ‪ -‬من عدم صحة الكفالة بالدين قبل ثبوته ‪ ،‬يرجع إلى أ ّ‬
‫ذمة إلى ذمة في الدين ‪ ،‬والدين قبل ثبوته ل تشغل به ذمة ‪ ،‬فل يتحقق معنى الكفالة ‪.‬‬
‫ن الحاجة تدعو‬
‫واتفق الفقهاء على صحة الكفالة بالدرك ‪ -‬رغم أنّه لم يثبت ولم يلزم ‪ -‬ل ّ‬
‫إليه ‪ ،‬وعلى ذلك يجوز أن يضمن شخص لحد العاقدين ما بذله للخر إن خرج مقابله‬
‫مستحقّا أو معيبا أو ناقصا ورُ ّد ‪ ،‬سواء كان ذلك قبل قبض الثمن أو كان بعده ‪.‬‬
‫ح بعد القبض ; لنّه إنّما يضمن ما دخل‬
‫والمذهب عند الشافعية ‪ :‬أنّ ضمان الدرك إنّما يص ّ‬
‫في يد البائع ‪ ،‬ول يدخل الثمن في ضمانه إل بقبضه ‪ ،‬وضمان الدرك أن يضمن للمشتري‬
‫الثمن إن خرج المبيع مستحقّا ‪ ،‬أو إن أخذ بشفعة سابقة على البيع ببيع آخر ‪ ،‬ول يختصّ‬
‫ضمان الدرك بالثمن بل يجري في المبيع فيضمنه للبائع إن خرج الثمن المعين مستحقّا أو‬
‫أخذ بشفعة سابقة ‪.‬‬
‫أما الجعل في الجعالة فأجاز الكفالة به الحنفية والمالكية والحنابلة ‪ ،‬سواء كانت الكفالة قبل‬
‫الشّروع في العمل أو كانت بعده لنّه آيل إلى اللّزوم ‪ ،‬والصحّ عند الشافعية عدم صحة‬
‫الكفالة بالجعل قبل الفراغ من العمل ; لنّه غير آيل للّزوم بنفسه ‪ ،‬بل بالعمل ‪ ،‬ومقابل‬
‫الصحّ جواز الكفالة به بعد الشّروع في العمل ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬كفالة العين ‪:‬‬
‫‪ -‬المقصود بضمان العين أو كفالتها ‪ :‬أن يلتزم الكفيل بر ّد عينها إن كانت قائمةً ‪ ،‬وبردّ‬ ‫‪24‬‬

‫مثلها أو قيمتها إذا تلفت ‪ ،‬وللفقهاء في حكم كفالة العيان تفصيل يرجع إلى ثبوت الحقّ‬
‫في ذمة الصيل أو عدم ثبوته ‪ ،‬وذلك على التفصيل التي ‪:‬‬
‫قد يكون المكفول به من العيان المضمونة سواء كانت مضمونة بنفسها أو مضمونة‬
‫بغيرها‪ ،‬وقد يكون المكفول به أمانةً في يد حائزه ‪ ،‬فهذه حالت ثلث تفصيلها كما يلي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬العين المضمونة بنفسها ‪:‬‬
‫‪ -‬هي التي يجب على حائزها أن يردها إلى صاحبها إن كانت قائمةً أو يرد مثلها أو‬ ‫‪25‬‬

‫قيمتها إن تلفت ‪ ،‬وذلك كالعين المغصوبة أو المقبوضة على سوم الشّراء ‪.‬‬
‫وقد ذهب الحنفية والحنابلة وهو قول عند الشافعية إلى صحة كفالة هذا النوع من العيان‬
‫‪ :‬فيلتزم الكفيل بردّ العين ما دامت قائمةً ‪ ،‬وبر ّد المثل إن كانت مثليةً ‪ ،‬وبردّ القيمة إن‬
‫كانت قيمي ًة ‪ ،‬والحكم كذلك عند الحنفية في العين المبيعة بعقد فاسد ‪.‬‬
‫وذهب المالكية وهو قول آخر للشافعية إلى أنّه ل تجوز الكفالة بالعيان ‪ ،‬على أنّه إذا‬
‫استحق لزمه عينه ‪ ،‬وإنّما تصحّ إذا ضمن المعين على أنّه إذا تلف بتع ّد أو تقصير التزم‬
‫بدفع قيمته أو بر ّد مثله ‪ ،‬وعلى ذلك ‪ :‬إذا ضمن عين المغصوب لم يصح الضمان ‪ ،‬ولكن‬
‫إذا كفله على أنّه ملزم بضمانه إذا تعذر ردّه صح الضمان ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬العين المضمونة بغيرها ‪:‬‬
‫‪ -‬وهي التي يجب على حائزها أن يردها إلى صاحبها إن كانت قائمةً ‪ ،‬فإذا هلكت ل‬ ‫‪26‬‬

‫يجب أن يرد مثلها أو قيمتها ‪ ،‬بل يجب عليه التزام آخر ‪ ،‬مثال ذلك ‪ :‬المبيع في يد البائع ‪،‬‬
‫فإنّه مضمون بالثمن ‪ ،‬فإذا هلك سقط الثمن عن المشتري إذا لم يكن دفعه ‪ ،‬ووجب على‬
‫البائع ردّه إليه إن كان دفعه ‪ ،‬وكذلك الرهن في يد المرتهن ‪ ،‬فإنّه مضمون بالدين إذا كانت‬
‫قيمته تزيد عليه ‪ ،‬وإل كان مضمونا بقدر قيمته من الدين ‪.‬‬
‫وقد ذهب الحنفية والحنابلة إلى أنّ هذا النوع من العيان يجوز ضمان تسليمه فقط ما دام‬
‫قائما ‪ ،‬فإذا هلك سقطت الكفالة ‪ ،‬لنّه إذا هلك هلك على صاحب اليد بما هو مضمون به ‪،‬‬
‫فالمبيع مضمون بالثمن ‪ ،‬وإذا هلك في يد البائع سقط الثمن عن المشتري ‪ ،‬وعند المالكية‬
‫ل يصحّ ضمان العيان ‪ ،‬على معنى تسليمها بذاتها ‪ ،‬وقد تقدم في العين المضمونة بنفسها‬
‫عرض قولي الشافعية ‪ ،‬فيجريان أيضا في هذه المسألة ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬المانة ‪:‬‬
‫‪ -‬قسم الحنفية العيان التي تعدّ أمانةً في يد حائزها قسمين ‪ :‬قسم يجب على صاحب‬ ‫‪27‬‬

‫اليد تسليمه ‪ ،‬بمعنى أنّه ملتزم بأن يسعى إلى تسليمه إلى مالكه ‪ ،‬كالعارية في يد المستعير‬
‫والعين المستأجرة في يد المستأجر ‪ ،‬وهذا القسم تجوز الكفالة بتسليمه لوجوب التسليم‬
‫على صاحب اليد ‪ ،‬فإذا هلك ل يلزم الكفيل شيء لكونه أمانةً ‪ ،‬والمانة إذا هلكت تهلك‬
‫مجانا ‪ .‬والقسم الخر ل يجب على صاحب اليد تسليمه ‪ ،‬بل على المالك أن يسعى إلى‬
‫ذلك ‪ ،‬كالودائع وأموال المضاربة ‪ ،‬وهذا القسم ل تجوز الكفالة بتسليمه ‪ ،‬كما ل تجوز‬
‫بقيمته ; إذ ليس شيء منهما مضمونا أو واجبا على صاحب اليد ‪ ،‬ول كفالة إل بما هو‬
‫واجب ‪.‬‬
‫وذهب المالكية إلى عدم صحة ضمان الودائع والعاريات ومال القراض ‪ ،‬على أنّها إذا تلفت‬
‫أتى بعينها ‪ ،‬ولكن إذا ضمنها على أنّها إذا تلفت بتعدّ أو تقصير التزم بدفع القيمة أو ردّ‬
‫المثل ‪ ،‬صح الضمان ولزم ; لنّها كفالة معلقة على ثبوت الدين ‪ ،‬وهي جائزة عندهم ‪.‬‬
‫ن العين إذا لم تكن مضمونة على من هي في يده ‪ ،‬كالوديعة والمال‬
‫وذهب الشافعية إلى أ ّ‬
‫ن الواجب فيها التخلية دون الردّ ‪.‬‬
‫ح ضمانها ; ل ّ‬
‫في يد الشريك والوكيل والوصيّ ‪ ،‬فل يص ّ‬
‫ن المأنات ‪ ،‬كالوديعة والعين المؤجرة والشركة والمضاربة والعين‬
‫وذهب الحنابلة إلى أ ّ‬
‫التي يدفعها إلى القصار والخياط ل يصحّ ضمانها إن ضمنها من غير تعدّ فيها ‪ ،‬لنّها غير‬
‫مضمونة على من هي في يده ‪ ،‬فكذلك على ضامنه ‪ ،‬أما إن ضمنها إن تعدى فيها فظاهر‬
‫كلم أحمد يدلّ على صحة الضمان ‪ ،‬فعلى هذا إن تلفت العين بغير تعدّ ول تفريط لم يلزم‬
‫الضأمن شيء ‪ ،‬وإن تلفت بتفريط أو تع ّد لزم الحائز ضمانها ‪ ،‬ولزم ضأمنه ذلك ; لنّها‬
‫مضمونة على من هي في يده ‪ ،‬فلزم ضأمنه ‪ ،‬كالغصوب والعواريّ ‪ ،‬وهذا في الحقيقة‬
‫ضمان ما لم يجب ‪ ،‬وهو جائز عندهم ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ -‬كفالة النفس ‪:‬‬
‫‪ -‬هي التزام الكفيل بإحضار المكفول إلى المكفول له أو إلى مجلس الحكم أو نحو ذلك ‪،‬‬ ‫‪28‬‬

‫وفي هذه الحالة يتحد المكفول به والمكفول عنه ‪.‬‬


‫وقد اختلفت كلمة الفقهاء في حكم الكفالة بالنفس ‪ ،‬وفي مضمونها وذلك على التفصيل‬
‫التالي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬حكم الكفالة بالنفس ‪:‬‬
‫ن الكفالة بالنفس صحيحة ‪ ،‬وهذا مذهب‬
‫‪ -‬ذهب الحنفية ‪ ،‬والمالكية ‪ ،‬والحنابلة إلى أ ّ‬ ‫‪29‬‬

‫ن أُ ْرسِ َلهُ َم َعكُمْ حَتّى ُتؤْتُونِ‬


‫ي والليث بن سعد وغيرهم ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬قَا َل لَ ْ‬
‫شريح والثور ّ‬
‫ي ‪ " :‬أنّ‬
‫ط ِبكُمْ } ‪ ،‬ولما رواه حمزة بن عمرو السلم ّ‬
‫ن الّلهِ لَتَأْتُنّنِي ِب ِه ِإلّ أَن ُيحَا َ‬
‫َموْثِقا مّ َ‬
‫عمر رضي ال عنه بعثه مصدّقا ‪ ،‬فوقع رجل على جارية امرأته ‪ ،‬فأخذ حمزة من الرجل‬
‫كفلء حتى قدم على عمر ‪ ،‬وكان عمر قد جلده مائة جلدة ‪ ،‬فصدقهم ‪ ،‬وعذره بالجهالة "‪،‬‬
‫قال ابن حجر ‪ :‬استفيد من هذه القصة مشروعية الكفالة بالبدان ‪ ،‬فإنّ حمزة بن عمرو‬
‫السلمي صحابيّ ‪ ،‬وقد فعله ‪ ،‬ولم ينكر عليه عمر مع كثرة الصحابة حينئذ ‪ ،‬وروى‬
‫البخاريّ كذلك قول جرير والشعث لعبد ال بن مسعود في المرتدين ‪ :‬استتبهم وكفّلهم ‪،‬‬
‫فتابوا وكفلهم عشائرهم ‪ ،‬قال ابن حجر ‪ :‬قال ابن المنير ‪ :‬أخذ البخاريّ الكفالة بالبدان في‬
‫الدّيون من الكفالة بالبدان في الحدود بطريق الولى ‪ ،‬والكفالة بالنفس قال بها الجمهور ‪.‬‬
‫والمذهب عند الشافعية صحة كفالة البدن في الجملة للحاجة إليها واستؤنس لها بقوله‬
‫ن الّلهِ لَتَأْتُنّنِي ِبهِ ِإلّ أَن ُيحَاطَ ِب ُكمْ } ‪.‬‬
‫ن أُ ْرسِ َلهُ َم َعكُمْ حَتّى ُتؤْتُونِ َموْثِقا مّ َ‬
‫تعالى‪ { :‬قَا َل لَ ْ‬
‫وفي قول ل تصحّ ; لنّ الحر ل يدخل تحت اليد ول يقدر على تسليمه ‪ ،‬وقطع بعضهم‬
‫بالول ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬مضمون الكفالة بالنفس ‪:‬‬
‫‪ -‬ل خلف بين الفقهاء في صحة كفالة النفس بالنظر إلى من عليه دين ‪ ،‬ولكنّهم‬ ‫‪30‬‬

‫اختلفوا في جوازها ببدن من عليه ح ّد أو قصاص ‪ ،‬وذلك على التفصيل التي ‪:‬‬
‫ذهب الحنفية إلى جواز الكفالة ببدن من عليه دين ; لنّها مجرد التزام بإحضار من يجب‬
‫إحضاره إلى مجلس ينبغي أن يحضره ‪ ،‬ول تتضمن التزاما بدين المكفول إل بالشرط ‪ ،‬كأن‬
‫يقول الكفيل ‪ :‬إن لم أحضره إلى مجلس القضاء الفلنيّ في وقت كذا فعلي ما عليه من‬
‫الدين ‪.‬‬
‫كما ذهبوا إلى عدم جواز الكفالة ببدن من عليه حدّ خالص ل ‪ ،‬كحدّ الزّنا وشرب الخمر ;‬
‫لنّها تندرئ بالشّبهات ‪ ،‬فل يليق بها الستيثاق ‪ ،‬سواء طابت نفس المطلوب بالكفالة أو لم‬
‫تطب ‪ ،‬وسواء كان ذلك قبل إقامة البينة أو بعدها ‪ ،‬أما الكفالة ببدن من عليه حدّ فيه حقّ‬
‫للعبد ‪ ،‬كحدّ القذف ‪ ،‬أو ببدن من عليه قصاص ‪ ،‬فإنّها تصحّ باتّفاق الحنفية ‪ ،‬إن طابت بها‬
‫نفس المطلوب ; لنّه أمكن ترتيب موجبه عليه ‪ ،‬وهو تسليم النفس ; لنّ تسليم النفس‬
‫فيهما واجب ‪ ،‬فيطالب به الكفيل ‪ ،‬فيتحقق الضمّ ‪.‬‬
‫وإن لم تطب نفس المطلوب بإعطاء الكفيل بل جبر ‪ -‬في القصاص وحدّ القذف ‪ -‬فل تجوز‬
‫الكفالة عند أبي حنيفة ‪ ،‬أي ل يجبر على إعطاء كفيل بنفسه يحضره في مجلس القضاء‬
‫لثبات ادّعاء خصمه عليه ‪ ،‬وتجوز الكفالة بالبدن في هذه الحالة عند الصاحبين ‪ ،‬لوجود‬
‫حقّ العبد ‪ ،‬فيليق الستيثاق ‪.‬‬
‫ويميّز المالكية بين نوعين من كفالة الوجه ‪:‬‬
‫ضمان الوجه ‪:‬‬
‫‪ -‬وهو التزام التيان بذات المضمون وإحضاره وقت الحاجة إليه ‪ ،‬وهذا ل يجوز إل إذا‬ ‫‪31‬‬

‫ن مقتضى الضمان إحضاره إلى الطالب ليتمكن من استيفاء دينه‬


‫كان المضمون مدينا ; ل ّ‬
‫ح ضمان الوجه فيمن يثبت عليه قصاص أو حدّ أو تعزير ‪،‬‬
‫منه ‪ ،‬وبناء على ذلك ل يص ّ‬
‫وللزوج ر ّد ضمان الوجه إذا صدر من زوجته ‪ ،‬سواء كان ضمانها له أو لغيره ‪ ،‬وسواء‬
‫كان الدين الذي على المضمون يبلغ ثلث مالها أو أقل أو أكثر ; لنّه مظنّة لخروجها‬
‫لطلبه ‪ ،‬وفي ذلك معرة عليه ‪.‬‬
‫الضمان بالطلب ‪:‬‬
‫‪ -‬وهو التزام طلب الغريم والتفتيش عليه إن تغيب والدللة عليه دون اللتزام‬ ‫‪32‬‬

‫بإحضاره‪ ،‬وقيل ‪ :‬يلتزم بإحضاره ‪ ،‬ولذا صح ضمان الطلب فيمن كان مطلوبا بسبب حقّ‬
‫ي ‪ ،‬أو بسبب قصاص ونحوه من الحقوق البدنية من حدود وتعزيرات متعلّقة بآدميّ ‪،‬‬
‫مال ّ‬
‫كأن يقول الكفيل ‪ :‬أنا حميل بطلبه ‪ ،‬أو ل أضمن إل الطلب ‪ ،‬أو ل أضمن إل وجهه ‪ ،‬أو‬
‫أضمن وجهه بشرط عدم غرم المال إن لم أجده ‪.‬‬
‫وحاصل كفالة البدن عند الشافعية كما قال المام الغزاليّ ‪ :‬التزام إحضار المكفول ببدنه ‪،‬‬
‫فكلّ من يلزمه حضور مجلس الحكم عند الستعداء ‪ ،‬أو يستحقّ إحضاره ‪ ،‬تجوز الكفالة‬
‫ي كمدين وأجير وكفيل ‪ ،‬وببدن من‬
‫ببدنه ‪ ،‬فتجوز الكفالة ببدن من عليه حقّ ماليّ لدم ّ‬
‫ح قطعا ‪ ،‬ول‬
‫ي كالقصاص وحدّ القذف ‪ -‬على الظهر ‪ -‬وقيل ‪ :‬ل تص ّ‬
‫عليه عقوبة آدم ّ‬
‫تصحّ الكفالة ببدن من عليه ح ّد ل تعالى كالزّنا والخمر ‪ -‬على المذهب ‪ -‬وقيل ‪ :‬قولن ‪.‬‬
‫فإن كفل بدن من عليه مال لم يشترط العلم بقدره ; لعدم لزومه للكفيل ‪ ،‬ولكن يشترط أن‬
‫يكون مما يصحّ ضمانه ‪.‬‬
‫وتصحّ الكفالة ببدن صبيّ ومجنون بإذن وليّهما ; لنّه قد يستحقّ إحضارهما لقامة الشهادة‬
‫على صورتهما في التلف وغيره ‪ ،‬وببدن محبوس وغائب ‪ ،‬وإن تعذر تحصيل الغرض في‬
‫الحال ‪ ،‬وببدن ميّت قبل دفنه ليشهد على صورته بإذن الوارث ‪.‬‬
‫والقاعدة ‪ :‬أنّ كل دين ‪ ،‬لو ادّعي به على شخص عند حاكم لزمه الحضور له تصحّ الكفالة‬
‫ببدن من هو عليه ‪.‬‬
‫ي إلى ربّه ‪ ،‬سواء من كان‬
‫وذهب الحنابلة إلى صحة اللتزام بإحضار من عليه حقّ مال ّ‬
‫عليه الحقّ حاضرا أو غائبا ‪ ،‬ولذا صحت الكفالة ببدن من عليه دين لزم ‪ ،‬معلوما كان‬
‫الدين ‪ -‬للكفيل ‪ -‬أو مجهولً ‪ ،‬ول يمنع من جوازها أن يكون المكفول محبوسا عند الحاكم‬
‫‪ ،‬إذ المحبوس عنده يمكن تسليمه بأمر الحاكم ‪.‬‬
‫ي ‪ ،‬كحدّ‬
‫ول تصحّ الكفالة ببدن من عليه حدّ ل ‪ - ،‬كحدّ الزّنا ‪ ،‬أو ببدن من عليه حدّ لدم ّ‬
‫القذف ‪ ،‬لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه مرفوعا ‪ « :‬ل كفالة في حدّ » ; ولنّ‬
‫مبناه على السقاط والدرء بالشّبهة ‪ ،‬فل يدخله الستيثاق ول يمكن استيفاؤه من غير‬
‫ح الكفالة ببدن من عليه قصاص ; لنّه بمنزلة الحدّ ‪ ،‬وتصحّ الكفالة‬
‫الجاني ‪ ،‬ول تص ّ‬
‫ي والمجنون ‪ ،‬وببدن المحبوس والغائب ‪.‬‬
‫بالصب ّ‬
‫وتصحّ الكفالة ‪ -‬عندهم ‪ -‬مع اشتراط أن يضمن المال إذا لم يحضر المكفول ‪ ،‬وتصحّ‬
‫الكفالة حالةً ومؤجلةً ‪ ،‬كما صح الضمان كذلك ‪.‬‬
‫آثار الكفالة ‪:‬‬
‫أولً ‪ :‬علقة المكفول له بالكفيل ‪:‬‬
‫يختلف المر فيما إذا كانت الكفالة بالمال أو بالنفس ‪.‬‬
‫أ ‪ -‬كفالة المال ‪:‬‬
‫قد يكون المال المكفول به دينا ‪ ،‬وقد يكون عينا ‪.‬‬
‫أولً ‪ -‬كفالة الدين ‪:‬‬
‫يتعلق بكفالة الدين أحكام هي ‪:‬‬
‫حقّ المطالبة ‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أنّ الدائن المكفول له يستطيع أن يطالب الكفيل‬ ‫‪33‬‬

‫بأداء الدين عند حلوله دون أن يتقيد بتعذّر مطالبة الصيل المكفول عنه ‪ ،‬كما يستطيع أن‬
‫يطالب الصيل به عند حلول أجله عليه ; لنّ ذمة كلّ منهما مشغولة بالدين جميعه ‪ ،‬فكان‬
‫له مطالبة أيّهما شاء اجتماعا وانفرادا ‪.‬‬
‫أما المالكية فعندهم رواية ‪ -‬جرى عليها العمل في بعض البلد ‪ -‬وهو الظهر ‪ ،‬تقرّر نفس‬
‫الحكم ‪.‬‬
‫وعندهم رواية أخرى ل تجيز للدائن المكفول له أن يطالب الكفيل بالدين المكفول به إذا كان‬
‫الدين حا ًل والصيل حاضر موسر ليس ذا لدد في الخصومة ول مماطلًا في الوفاء ‪ ،‬أو كان‬
‫الصيل غائبا وله مال حاضر ظاهر يمكن الستيفاء منه بدون بعد ومشقة ‪ ،‬وهذا إذا لم يكن‬
‫قد اشترط في عقد الكفالة أن يأخذ بالحقّ من أيّهما شاء ‪ ،‬وذلك أنّ الدين إنّما وجب ابتداءً‬
‫على الصيل ‪ ،‬والكفالة وثيقة فل يستوفى الحقّ منها إل عند تعذّر استيفائه من الصيل ‪،‬‬
‫كالرهن ‪.‬‬
‫تعدّد الكفلء ‪:‬‬
‫‪ -‬للدائن المكفول له أن يطالب كل واحد من الكفلء بكلّ الدين إذا كانت كفالتهم على‬ ‫‪34‬‬

‫التعاقب ‪ ،‬ويكون الكفيل الول بالنّسبة للكفيل الثاني كالصيل بالنّسبة للكفيل المنفرد ; لنّ‬
‫كل واحد منهم كفيل بكلّ الدين فل يؤثّر في ضمانه أن يضمنه غيره ‪ ،‬وإذا تعدد الكفلء‬
‫بالدين في عقد واحد ‪ ،‬فإنّ الدين ينقسم عليهم بحسب رءوسهم ‪ -‬عند الحنفية والمالكية‬
‫والحنابلة ‪ ،‬وفي قول عند الشافعية ‪ -‬لنّ الضأمن للدين مجموعهم ‪ ،‬فصاروا في ضمانه‬
‫شركاء ‪ ،‬والمكفول به يقبل النقسام ‪ ،‬فوجب أن ينقسم عليهم ‪.‬‬
‫والقول الخر للشافعية ‪ :‬أنّ للدائن قبل كلّ واحد منهم من الحقوق ما له قبل الكفيل‬
‫ل بكلّ الدين ‪.‬‬
‫المنفرد‪ ،‬إذ يعدّ كلّ واحد منهم كفي ً‬
‫ن الدائن لو اشترط حمالة بعضهم عن بعض ‪ ،‬كان له أخذ جميع حقوقه من‬
‫وزاد المالكية أ ّ‬
‫أحدهم إن غاب غيره أو افتقر فصار معدما ‪ ،‬أما إن حضروا جميعا ملءً فإنّه يتبع كل واحد‬
‫منهم بحصته فقط حسب انقسام الدين عليهم ‪.‬‬
‫زمان ومكان وموضوع المطالبة ‪:‬‬
‫‪ -‬يتحدد التزام الكفيل بما كان يلتزم به الصيل من دين ‪ ،‬فيؤدّيه في الزمان والمكان‬ ‫‪35‬‬

‫المتفق عليهما ‪ ،‬وذلك مع مراعاة ما تضمنه عقد الكفالة من الشّروط ‪ ،‬ومع مراعاة ما‬
‫تقدم بيانه في صيغة الكفالة من تنجيز أو تعليق أو إضافة إلى أجل أو تأقيت أو اقتران‬
‫بشرط ‪ .‬وإذا مات الكفيل بالدين المؤجل حل الدين بموته عند الحنفية ما عدا زفر ‪،‬‬
‫ق مطالبة الورثة‬
‫ن ذمته خربت ‪ ،‬وثبت للدائن ح ّ‬
‫والشافعية ‪ ،‬وفي رواية عند الحنابلة ; ل ّ‬
‫بالدين من تركته ‪ .‬وفي المشهور من مذهب أحمد ‪ :‬أنّ الدين ل يحلّ بالموت إذا ما وثقه‬
‫الورثة برهن أو كفيل‪ .‬وذهب المالكية إلى أنّه إذا مات الضامن قبل حلول أجل الدين ‪،‬‬
‫ق نفسه‪ ،‬وخيّر الطالب بين بقائه إلى حين حلول الجل ومن ثم يطالب‬
‫انتهى ضمانه في ح ّ‬
‫الصيل ‪ ،‬وبين أن يتعجل استيفاء حقّه فيأخذه من تركة الضامن ‪ ،‬حتى لو كان الصيل‬
‫حاضرا مليئا لعدم حلول أجله ‪ ،‬أما إذا مات الضامن عند حلول الجل أو بعده فل يؤخذ‬
‫الدين من التركة إذا كان المدين حاضرا مليئا ‪ ،‬وإنّما يؤخذ منها إذا كان غائبا معدما ‪ ،‬أو ل‬
‫يستطاع الستيفاء منه بدون مشقة ‪.‬‬
‫حقوق الكفيل قبل الدائن ‪:‬‬
‫‪ -‬إذا كان الضمان بإذن الصيل كان للكفيل الحقّ في مطالبة الدائن ‪ -‬إذا ما توفّي‬ ‫‪36‬‬

‫الصيل قبل الوفاء ‪ -‬أن يأخذ من تركة مدينه ما يفي بدينه ‪ ،‬أو ما يخصّه منها عند‬
‫المزاحمة ‪ ،‬أو يبرئه ‪ ،‬ليتجنّب بذلك احتمال تلفها وعدم الرّجوع فيها إذا ما وفى الدين من‬
‫ماله ‪ ،‬ويثبت هذا الحقّ للضامن عندما يفلّس الصيل ‪ ،‬فيطلب الدائن بيع مال الصيل‬
‫ليستوفي دينه أو ما يخصّه عند المزاحمة ‪ ،‬وذلك قبل الرّجوع عليه ‪.‬‬
‫ن المدين‬
‫وذهب المالكية إلى أنّ للضامن ‪ -‬إذا ما طالبه الدائن بالدين ‪ -‬أن يدفع طلبه بأ ّ‬
‫حاضر موسر فيجب مطالبته أولً ‪ ،‬أو بأنّ للمدين مالً حاضرا يمكن الوفاء منه بدون‬
‫مشقة‪ ،‬وإن لم يكن المدين حاضرا ‪ ،‬وللضامن ‪ -‬عندهم ‪ -‬حقّ العتراض على تأجيل‬
‫الدائن الدين للمدين عند يساره ‪ ،‬فيخير الدائن بين أمرين ‪ :‬إما عدوله عن التأجيل ‪ ،‬وإما‬
‫إمضاؤه التأجيل وإبراؤه من الكفالة ‪.‬‬
‫كذلك للضامن أن يلزم الدائن بمطالبة المدين بالدين إذا ما حل أجله ‪ ،‬خشية أن يموت أو‬
‫يفلس إذا كان المدين قادرا على الوفاء ‪ ،‬وإل أسقط الكفالة ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ -‬كفالة العين ‪:‬‬
‫ن الكفيل إذا كفل عينا مضمونة بنفسها ‪ -‬فإنّه يلتزم‬
‫‪ -‬ذهب الحنفية والحنابلة إلى أ ّ‬ ‫‪37‬‬

‫بتسليمها ما دامت قائمةً ‪ ،‬وإن هلكت ألزم بردّ المثل إن كانت مثليةً أو بدفع القيمة إن كانت‬
‫قيميةً ‪.‬‬
‫وإذا كفل عينا مضمونة بغيرها ‪ ،‬فل يجب عليه إل تسليمها إن كانت قائمةً ‪ ،‬وإن هلكت‬
‫سقطت الكفالة ول يلزمه شيء ‪.‬‬
‫وإذا كفل أمانةً واجبة التسليم ‪ ،‬فإنّه يلتزم بتسليمها إن كانت قائمةً ‪ ،‬وإن هلكت ل يلزمه‬
‫شيء ‪ ،‬وإذا كفل بأمانة غير واجبة التسليم فل يلزمه شيء ‪.‬‬
‫وذهب المالكية إلى أنّ الكفيل إذا ضمن العين على أنّها إذا تلفت بتعدّ أو تقصير التزم بردّ‬
‫المثل أو دفع القيمة ‪ ،‬يكون ملزما بهذا الضمان ‪ ،‬أما إذا ضمن تسليمها بذاتها ‪ ،‬فل يلزمه‬
‫شيء ‪.‬‬
‫وذهب الشافعية على القول بصحة كفالة العيان المضمونة إلى أنّ الضأمن يلتزم بتسليمها‬
‫إن كانت قائمةً ‪ ،‬فإن هلكت فعندهم وجهان ‪ :‬أولهما يوجب ضمانها على الكفيل ‪ ،‬والخر ل‬
‫يضمنه وتنتهي الكفالة ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬كفالة النفس ‪:‬‬
‫ن الكفالة بالنفس يترتب عليها وجوب التخلية بين الطالب‬
‫‪ -‬ذهب الحنفية إلى أ ّ‬ ‫‪38‬‬

‫والمكفول في موضع يقدر الطالب فيه على إحضاره مجلس القضاء ‪ ،‬إذ يحصل بذلك‬
‫مقصود العقد ‪ ،‬وهو استيفاء الحقّ أمام القاضي ‪ ،‬فإذا قام بذلك انتهت الكفالة ‪ ،‬وبناء على‬
‫ذلك ‪ :‬لو سلم الكفيل المطلوب في صحراء ‪ ،‬فل يكون قد أوفى بالتزامه ‪ ،‬ولكن لو سلمه‬
‫في مصر ‪ ،‬فإنّه يخرج بهذا التسليم من الكفالة ‪ ،‬حتى لو قيّدت بالتسليم في مجلس القاضي‬
‫‪ ،‬إذ الغرض من الكفالة تسليم المطلوب في مكان يتمكن فيه من إحضاره مجلس القاضي ‪،‬‬
‫فل يتقيد بمكان خلف مجلسه ; لعدم الفائدة من التقييد ‪.‬‬
‫ولو شرط في الكفالة أن يسلّمه في مصر معين ‪ ،‬فسلمه في مصر آخر ‪ ،‬خرج من الكفالة‬
‫ص ‪ ،‬فل يتقيد بقاض‬
‫عند أبي حنيفة ; لنّ المقصود هو الوصول إلى الحقّ أمام قاض مخت ّ‬
‫ن الكفيل ل يخرج بذلك التسليم من الكفالة ; لنّ الطالب‬
‫دون آخر ‪ ،‬وذهب الصاحبان إلى أ ّ‬
‫وضع شرطا معتبرا وهو يقصد اللزام به ‪ ،‬فقد تكون حجته وبينته في هذا المصر دون‬
‫غيره ‪.‬‬
‫ولو تعدد الكفلء بالنفس فأحضر المطلوبَ أحدهم ‪ ،‬برئ الجميع إن كانت الكفالة بعقد‬
‫واحد; لنّ المكفول فيها فعل واحد ‪ -‬هو إحضاره ‪ -‬فيتمّ بأحدهم ‪ ،‬وإن كانت الكفالة بعقود‬
‫ن المكفول حينئذ أفعال متعدّدة بعددهم ‪،‬‬
‫متعدّدة بعددهم ‪ ،‬لم يبرأ إل من يحضر المطلوب ; ل ّ‬
‫ل لغيره ‪.‬‬
‫ففعل أحدهم ل يعدّ فع ً‬
‫ق له أن يطلب مهل ًة إذا كان‬
‫ويلتزم الكفيل بإحضار المطلوب في الوقت المعين ‪ ،‬ول يح ّ‬
‫محلّ المطلوب معلوما ‪ ،‬فإذا لم يحضره أجبر على ذلك ; لنّه امتنع عن أداء حقّ لزم عليه‬
‫ن مقتضى كفالة البدن ‪ -‬عند الحنفية ‪ -‬مجرد اللتزام‬
‫‪ ،‬ولكن ل يلزمه دين المطلوب ; ل ّ‬
‫بالحضار ‪ ،‬إل إذا شرط ذلك في العقد كأن يقول ‪ :‬إن لم أحضره ‪ ..‬فعلي ما عليه من‬
‫الدين‪ ،‬فيلزمه الدين ‪ ،‬ول يبرأ من الكفالة بالنفس إن كان قادرا على إحضاره ‪ ،‬وإذا رفض‬
‫المطلوب مطاوعة الكفيل بتسليم نفسه ‪ ،‬كان له مراجعة الحاكم ليعينه بأعوانه ‪ ،‬وهذا إذا‬
‫كانت الكفالة بأمر من المطلوب ‪ ،‬فإن لم تكن بأمره ‪ ،‬فل يملك الكفيل إل إرشاد المكفول له‬
‫إلى مكانه ‪ ،‬ثم يخلّي بينهما ‪.‬‬
‫وإذا ارتد المكفول ولحق بدار الحرب ‪ ،‬لم يخرج الكفيل من الكفالة ; لنّ لحاقه بدار‬
‫ق نفسه فهو‬
‫الحرب إنّما اعتبر كموته حكما في حقّ أمواله وقسمتها بين ورثته ‪ ،‬أما في ح ّ‬
‫مطالب بالتوبة والرّجوع وتسليم نفسه إلى خصمه ‪ ،‬فيبقى الكفيل على كفالته ‪ ،‬ويمهله‬
‫القاضي مد ًة مناسبةً ‪.‬‬
‫وإذا مات المكفول به برئ الكفيل بالنفس من الكفالة ; لنّه عجز عن إحضاره ; ولنّه سقط‬
‫الحضور عن الصيل فيسقط الحضار عن الكفيل ‪ ،‬وكذا إذا مات الكفيل لنّه لم يعد قادرا‬
‫على تسليم المكفول بنفسه ‪ ،‬وماله ل يصلح ليفاء هذا الواجب بخلف الكفيل بالمال ‪ ،‬ولو‬
‫ي أن يطالب الكفيل ‪ ،‬فإن لم يكن فلوارثه لقيامه مقام الميّت ‪.‬‬
‫مات المكفول له فللوص ّ‬
‫وذهب المالكية إلى أنّ الكفيل بضمان الوجه يلتزم بتسليم المطلوب بعد حلول الدين في‬
‫مكان يقدر فيه الطالب على خلص دينه منه أمام القضاء ‪ ،‬فيبرأ من الكفالة إذا سلمه في‬
‫مكان به حاكم أو قاض ‪ ،‬وإن لم يكن بالبلد الذي حدث به الضمان ‪ ،‬كما يبرأ إذا سلم‬
‫المطلوب نفسه للدائن بعد حلول دينه إن أمره الضامن بذلك ‪ ،‬فإن كان التسليم قبل حلول‬
‫الدين ‪ ،‬أو بعده من غير أمر الكفيل ‪ ،‬لم يبرأ الضامن من الكفالة ‪.‬‬
‫والمشهور في المذهب ‪ :‬أنّه إذا لم يحضر الضامن المضمون في الوقت المعين ‪ ،‬فإنّه يلزم‬
‫بما عليه من الدين من بعد تلوّم " إمهال " خفيف ‪ -‬كاليوم ‪ -‬إن قربت غيبة الغريم ‪ ،‬وبل‬
‫تلوّم إن بعدت غيبته ‪ ،‬وذهب ابن عبد الحكم إلى القول بعدم الضمان ‪ ،‬وأنّه ل يلتزم إل‬
‫بإحضاره ‪.‬‬
‫ن المطلوب كان معسرا عند حلول الجل ‪ ،‬فل يلزمه الضمان خلفا لبن‬
‫وإذا أثبت الكفيل أ ّ‬
‫رشد ‪ ،‬وكذلك ل يلتزم بالضمان إذا أثبت أنّ المكفول قد مات قبل الحكم عليه بالغرم ; لنّ‬
‫النفس المضمونة قد ذهبت ‪ ،‬أما إن ثبت موته بعد الحكم فالغرم ماض ‪.‬‬
‫أما ضمان الطلب ‪ :‬فل يلتزم فيه الكفيل إل بطلب الغريم بما يقوى عليه ‪ ،‬فإن ادعى أنّه لم‬
‫يجده صدّق ‪ ،‬وحلف أنّه ما قصر في طلبه ول يعلم موضعه ‪ ،‬فإذا نكل عن اليمين غرم ‪.‬‬
‫وكذلك يغرم إذا فرط في التيان به ‪ ،‬أو في الدللة عليه عند علمه بموضعه حتى تمكن من‬
‫الهرب ‪.‬‬
‫ن الكفيل بالبدن يلتزم بإحضار الغريم وتسليمه في المكان المعين‬
‫وذهب الشافعية إلى أ ّ‬
‫بالعقد إن كان صالحا ‪ ،‬وإل تعين مكان الكفالة إن صلح ‪ ،‬وقيد بلد التسليم معتبر تجب‬
‫مراعاته ‪ ،‬ويجوز للمكفول له أن يرفض التسليم في غيره ‪ ،‬ولو عين مكان محدد في البلد‬
‫ففي المهذب ‪ :‬إن أحضره في غير الموضع الذي شرط فيه التسليم فإن كان عليه ضرر‬
‫بقبوله فيه ‪ ،‬أو كان له غرض في ردّه ‪ ،‬لم يلزمه قبوله ‪ ،‬وإن لم يكن عليه ضرر وليس له‬
‫غرض وجب قبوله ‪ ،‬فإن لم يتسلمه أحضر الكفيل المطلوب عند الحاكم ليتسلم عنه ويبرأ ‪.‬‬
‫ويبرأ الكفيل إذا سلم الغريم في مكان التسليم بل حائل يمنع الطالب منه ‪ ،‬كمتغلّب يمنعه‬
‫منه‪ ،‬وإل فل يبرأ ‪ .‬وكذلك يبرأ من الكفالة إذا سلم المكفول نفسه ‪ ،‬مظهرا أنّه يسلّم نفسه‬
‫براء ًة للكفيل ‪ ،‬ول يكفي مجرد حضوره دون إظهار ذلك ‪.‬‬
‫وإذا غاب المطلوب لم يلزم الكفيل بإحضاره إن جهل مكانه لقيام عذره ‪ ،‬فإن علم مكانه‬
‫لزمه إحضاره عند أمن الطريق ‪ ،‬ويمهل مدة الذهاب والياب على العادة ‪ ،‬فإن مضت ولم‬
‫يحضره حبس ما لم يؤدّ الدين لنّه مقصّر ‪ ،‬وقيل ‪ :‬إن كانت غيبته مسافة قصر لم يلزم‬
‫إحضاره ‪ ،‬والصحّ ‪ :‬أنّه إذا مات المكفول أو هرب أو توارى ولم يعرف مكانه لم يطالب‬
‫الكفيل بما عليه من الدين ‪ ،‬ومقابل الصحّ ‪ :‬أنّه يغرم ‪ ،‬والصحّ ‪ :‬أنّه لو شرط في الكفالة‬
‫تغريم الكفيل المال عند عدم إحضار المكفول بطلت ; لنّه شرط ينافي مقتضاها ‪ ،‬ومقابل‬
‫الصحّ ‪ :‬أنّ الكفالة تصحّ مع هذا الشرط ‪.‬‬
‫ومذهب الحنابلة ‪ :‬أنّ الكفالة بالنفس إذا وقعت مطلقةً عن المكان تعين إحضار المكفول في‬
‫محلّ الكفالة ‪ ،‬فإن تعين المكان بالعقد وجب إحضاره فيه ‪ ،‬وإذا سلم المكفول نفسه في‬
‫زمان التسليم ومكانه برئ الكفيل بذلك كما يبرأ الكفيل بموت المكفول ‪.‬‬
‫وإذا غاب المكفول ‪ ،‬وعلم الكفيل بمكانه ‪ ،‬أمهل بقدر ما يمضي إلى هذا المكان ويحضره ‪،‬‬
‫فإن مضى إليه ولم يحضره لتواريه أو هربه أو امتناعه ‪ ،‬لزمه ما عليه من الدين ‪ ،‬إل إذا‬
‫شرط البراءة من المال ‪ ،‬وإن لم يعلم مكانه لزمه ما على المكفول من الدين لتقصيره في‬
‫تقصّي حاله ‪ ،‬فكان بسبب ذلك متلفا ‪.‬‬
‫وإذا ضمن شخص لخر معرفة إنسان ‪ ،‬كأن جاء إنسان إلى آخر يستدين منه ‪ -‬مثلً ‪-‬‬
‫فقال له ‪ :‬ل أعرفك فل أعطيك ‪ ،‬فجاء شخص وضمن له معرفته ‪ ،‬فداينه ‪ ،‬ثم غاب‬
‫المستدين أو توارى ‪ ،‬أخذ الضأمن بالدين ‪ ،‬ما لم يعرّف الدائن بالمدين ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬علقة الكفيل بالمكفول عنه ‪:‬‬
‫‪ -‬إذا كانت الكفالة بأمر المدين ‪ ،‬فإنّ الكفيل يحقّ له أن يطالبه بتخليصه من الكفالة ‪،‬‬ ‫‪39‬‬

‫ق له أن يرجع عليه بما أداه للدائن على التفصيل التي ‪:‬‬


‫وكذلك يح ّ‬
‫أ ‪ -‬مطالبة المدين بتخليصه من الكفالة ‪:‬‬
‫ن الكفالة إذا كانت بأمر المدين ‪ ،‬ثبت للكفيل الحقّ في أن يطالبه‬
‫‪ -‬ذهب الحنفية إلى أ ّ‬ ‫‪40‬‬

‫بتخليصه من الكفالة إذا طالبه الدائن بالدين ‪ ،‬وذلك بأن يؤدّي الدين للدائن ‪ ،‬ويثبت له‬
‫الحقّ كذلك في ملزمته إذا لزمه الدائن ‪ ،‬والحقّ في المطالبة بحبسه إذا ما طالب الدائن‬
‫ن المدين هو الذي أوقعه فيما صار إليه ‪ ،‬فحق له أن‬
‫بحبس الكفيل ‪ ،‬وإنّما كان له ذلك ل ّ‬
‫يعامله بمثل ما يعامل به ‪.‬‬
‫وأما إذا كانت الكفالة بغير أمر المدين فليس للكفيل الحقّ في مطالبته بذلك ‪ ،‬لنّه متبرّع‬
‫ق إلزام غيره بما التزم به ‪.‬‬
‫بالكفالة وبما يترتب عليها ‪ ،‬فل يثبت له ح ّ‬
‫وذهب المالكية إلى أنّ للضامن الحق في مطالبة المضمون بدفع ما عليه من الدين إلى‬
‫ق له أن يجبره على ذلك عند حلول الجل ‪ ،‬سواء طالبه‬
‫الدائن ليخلص من الضمان ‪ ،‬ويح ّ‬
‫الدائن أو ل ‪ ،‬وسواء كانت الكفالة بإذن المدين أو بغير إذنه ‪ ،‬وليس للضامن أن يطالب‬
‫ن المدين ل يبرأ بالدفع إليه ‪.‬‬
‫المدين بتسليم ما به الوفاء إليه ليدفعه إلى الدائن ; ل ّ‬
‫ق له أن يطالبه‬
‫وذهب الشافعية إلى أنّ الضأمن إذا ضمن من غير إذن المضمون ‪ ،‬ل يح ّ‬
‫بتخليصه من الكفالة ; لنّه لم يدخل في الضمان بإذنه ‪ ،‬فل يلزمه تخليصه منه ‪ ،‬وإن‬
‫ضمن بإذن المدين ‪ ،‬ثم طالبه الدائن ‪ ،‬جاز له مطالبته بأن يخلّصه من الكفالة ; لنّه إذا‬
‫جاز له أن يغرّمه إذا غرم جاز له كذلك أن يطالبه بتخليصه من الكفالة إذا طولب ‪ ،‬وإن‬
‫ح أنّه ل يستطيع مطالبة المدين ; لنّه لما لم‬
‫ضمن بإذن المدين ‪ ،‬ولم يطالبه الدائن ‪ ،‬فالص ّ‬
‫يكن له أن يغرّمه قبل أن يغرم لم يكن له أن يطالبه قبل أن يطالب ‪ ،‬ومقابل الصحّ في‬
‫ن له حق مطالبته بتخليصه ‪ ،‬لنّه شغل ذمته بالدين بإذنه ‪ ،‬فجاز له أن يطالبه‬
‫المذهب ‪ :‬أ ّ‬
‫بتفريغ ذمته منه ‪ ،‬كما إذا أعاره عينا ليرهنها ‪ ،‬كان له أن يطالب المستعير بتخليصها ‪.‬‬
‫وعند الحنابلة ‪ :‬إذا ضمن عن رجل بإذنه ‪ ،‬فطولب الضامن ‪ ،‬فله مطالبة المضمون عنه‬
‫بتخليصه ; لنّه لزمه الداء عنه بأمره ‪ ،‬فكان له المطالبة بتبرئة ذمته ‪ ،‬وإن لم يطالب‬
‫الضامن لم يملك مطالبة المضمون عنه ; لنّه لما لم يكن له الرّجوع بالدين قبل غرامته ‪،‬‬
‫ن له المطالبة ; لنّه شغل ذمته‬
‫لم يكن له المطالبة به قبل طلبه منه ‪ ،‬وفيه وجه آخر ‪ :‬أ ّ‬
‫بإذنه‪ ،‬فكانت له المطالبة بتفريغها ‪ ،‬كما لو استعار عينا فرهنها ‪ ،‬كان لصاحبها مطالبته‬
‫بفكاكها وتفريغها من الرهن ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬رجوع الضامن على المدين ‪:‬‬
‫‪ -‬ل خلف بين الفقهاء في أنّ الضأمن ل يحقّ له أن يطلب من المدين أن يسلّمه ما به‬ ‫‪41‬‬

‫وفاء الدين قبل قيامه بأدائه للدائن ‪.‬‬


‫ول خلف بينهم في أنّ الضأمن إذا أدى ما على المضمون بنية التبرّع عن المدين ‪ ،‬لم يكن‬
‫له حقّ الرّجوع عليه ‪ ،‬أما إذا أدى الضامن حق الدائن بنية الرّجوع على المدين ‪ ،‬ففي حكم‬
‫رجوعه تفصيل وبيان كما يلي ‪:‬‬
‫أولً ‪ -‬شروط الرّجوع ‪:‬‬
‫‪ -‬يشترط الحنفية لرجوع الكفيل على المكفول عنه ثلثة شروط ‪:‬‬ ‫‪42‬‬

‫الول ‪ :‬أن تكون الكفالة بأمر المدين ‪ ،‬إذا كان ممن يجوز إقراره بالدين على نفسه ‪ ،‬فلو‬
‫كان المدين صبيّا مميّزا أو محجورا عليه لعته أو سفه ‪ ،‬فل يثبت للكفيل حقّ الرّجوع ; لنّ‬
‫ي والمحجور عليه ل يتعلق‬
‫الكفالة بالمر في حقّ المكفول عنه استقراض واستقراض الصب ّ‬
‫به الضمان ‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬أن يتضمن كلم المدين ما يدلّ على أمر الضامن بأن يقوم بالضمان عنه ‪ ،‬كأن‬
‫يقول ‪ :‬اضمن عنّي ‪ ،‬فإذا قال له ‪ :‬اضمن الدين الذي في ذمتي لفلن ‪ ،‬دون أن يضيف‬
‫ن هذا المر ل يتضمن طلب‬
‫الضمانلنفسه ‪ ،‬لم يكن للكفيل حقّ الرّجوع عليه عند الداء ; ل ّ‬
‫ن الداء تم بناء على المر بالضمان ‪ ،‬وهو‬
‫إقراض ‪ ،‬وقال أبو يوسف ‪ :‬يرجع مطلقا ; ل ّ‬
‫يقتضي أن يكون نائبا عنه في الداء مطلقا ‪.‬‬
‫ن حق الرّجوع قد ثبت بناء‬
‫والثالث ‪ :‬أن يترتب على أداء الكفيل إبراء ذمة المكفول ; ل ّ‬
‫على نيابة الكفيل عن المدين في أداء الدين ‪ ،‬وعلى ذلك لو أدى الكفيل الدين للدائن ‪ ،‬وهو‬
‫ن المدين قد قام بأدائه ‪ ،‬لم يكن له حقّ الرّجوع على المدين بما أدى ‪ ،‬وإنّما‬
‫ل يعلم أ ّ‬
‫يستر ّد ما دفعه ممن دفعه إليه ‪.‬‬
‫وذهب المالكية إلى أنّ الضأمن إذا أدى دين المضمون ثبت له حقّ الرّجوع على‬
‫المضمون ‪ ،‬سواء أكانت الكفالة بإذنه أم كانت بدون إذنه ‪ ،‬حتى لو أدى عن صغير بغير‬
‫إذن وليّه ‪ ،‬فله أن يرجع بما أدى في مال الصغير ‪ ،‬وذلك لنّه قام بوفاء ما كان واجبا على‬
‫الصيل ‪ ،‬فيرجع بما غرم في هذه السبيل ‪.‬‬
‫وذهب الشافعية إلى أنّ للضامن الذي أدى الدين حق الرّجوع على المضمون إن وجد إذنه‬
‫في الضمان والداء جميعا ‪ ،‬وليس له حقّ الرّجوع إن انتفى إذنه فيهما ‪ ،‬فإن أذن الصيل‬
‫في الضمان فقط وسكت عن الداء ‪ ،‬رجع الكفيل عليه في الصحّ ; لنّه أذن له في سبب‬
‫ن الغرم حصل بغير إذن ‪ ،‬وإن أذن‬
‫الغرم ‪ ،‬ومقابل الصحّ ‪ :‬ل يثبت له حقّ الرّجوع ; ل ّ‬
‫الصيل في الداء ولم يأذن في الضمان ل يرجع الكفيل عليه في الصحّ ; لنّ الغرم‬
‫بالضمان ولم يأذن فيه ‪ ،‬ومقابل الصحّ ‪ :‬يثبت للكفيل حقّ الرّجوع على الصيل ; لنّه‬
‫أسقط الدين عنه بإذنه ‪.‬‬
‫وذهب الحنابلة إلى أنّ الضأمن الذي أدى الدين المضمون بنية الرّجوع به على المدين ‪ ،‬له‬
‫أربعة أحوال ‪:‬‬
‫الحالة الولى ‪ :‬أن يكون الضامن قد ضمن بإذن المدين ‪ ،‬ثم أوفاه كذلك ‪ ،‬فله حقّ‬
‫الرّجوع ‪ ،‬سواء قال له ‪ :‬اضمن عنّي وأ ّد عنّي ‪ ،‬أو أطلق الذن بالضمان والداء فلم يضفه‬
‫إلى نفسه‪ .‬الحالة الثانية ‪ :‬أن يكون الضامن قد ضمن بإذن المدين ‪ ،‬ولكنّه أدى بدون‬
‫ن الذن في الضمان يتضمن الذن في الداء عرفا ‪.‬‬
‫إذنه ‪ ،‬فله حقّ الرّجوع أيضا ; ل ّ‬
‫الحالة الثالثة ‪ :‬أن يكون الضامن قد ضمن بدون إذن المدين ‪ ،‬ولكنّه أدى الدين بإذنه ‪ ،‬فله‬
‫ن أذن المدين بالداء يدلّ على أنّه أراد أن يقوم الكفيل عنه فيه ‪.‬‬
‫كذلك حقّ الرّجوع ; ل ّ‬
‫الحالة الرابعة ‪ :‬أن يكون الضامن قد ضمن بدون إذن المدين ‪ ،‬ثم أدى بدون إذن منه ‪،‬‬
‫ففيه روايتان ‪ :‬إحداهما ‪ :‬يرجع بما أدى ; لنّه أداء مبرئ من دين واجب ‪ ،‬فكان من‬
‫ضمان مَنْ هو عليه ‪ ،‬وقيام النسان بقضاء ما هو واجب على غيره يستلزم حق رجوعه‬
‫ي صلى ال‬
‫عليه ما لم يكن متبرّعا ‪ ،‬والرّواية الخرى ‪ :‬ل يرجع بشيء لنّ صلة النب ّ‬
‫ن ذمته برئت من الدين ‪ ،‬ولو‬
‫عليه وسلم على الميّت المدين ‪ ،‬بعد ضمان دينه تدلّ على أ ّ‬
‫كان للضامن حقّ الرّجوع على المدين بمجرد ضمانه من غير إذنه ما برئت ذمة الميّت ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ -‬كيفية الرّجوع ‪:‬‬
‫ن الكفيل الذي له حقّ الرّجوع يرجع على المكفول عنه بما أدى ‪،‬‬
‫‪ -‬ذهب الحنفية إلى أ ّ‬ ‫‪43‬‬

‫ن الكفيل ‪ -‬وقد أمر بالضمان وقام بالوفاء بناء‬


‫إذا كان ما وفاه مثل الدين ومن جنسه ; ل ّ‬
‫عليه ‪ -‬يتملك الدين بذلك الوفاء ‪ ،‬فإذا أداه من جنسه حل محل الدائن فيه ‪ ،‬وإذا أدى أقل‬
‫من الدين ‪ ،‬فإنّما يتملك بقدر ما أدى ‪ ،‬تجنّبا للرّبا بسبب اختلف القدر مع اتّحاد الجنس ‪،‬‬
‫أما إذا أدى بغير جنسه مطلقا ‪ ،‬أو تصالح مع الدائن على بعض الدين ‪ ،‬فإنّه يرجع على‬
‫المدين بما ضمن ‪ -‬وهو الدين ‪ -‬لنّه تملك الدين بالداء ‪ ،‬فيرجع بما تمت الكفالة عليه ‪،‬‬
‫وشبهة الرّبا غير واردة ‪.‬‬
‫ن الضأمن ‪ -‬الذي له حقّ الرّجوع ‪ -‬يرجع على المدين بمثل ما أدى إذا‬
‫وعند المالكية ‪ :‬أ ّ‬
‫كان ما أداه من جنس الدين ‪ ،‬سواء كان الدين مثليّا أو قيميّا ‪ ،‬لنّ الضأمن كالمسلّف ‪،‬‬
‫وفي السلف يرجع بالمثل حتى في المقومات ‪ ،‬وإذا لم يكن ما أداه من جنس الدين ‪ ،‬فإنّه‬
‫يرجع على المكفول بالق ّل من الدين وقيمة ما أدى ‪ ،‬وذلك إذا لم يكن الضامن قد اشترى ما‬
‫أدى به ‪ ،‬فإنّه في هذه الحالة يرجع بثمنه ما لم يكن في شرائه محاباة ‪ ،‬وإل لم يرجع بما‬
‫زاد على قيمته ‪ ،‬وإذا تصالح الحميل والدائن فل يرجع الضامن على المدين إل بالق ّل من‬
‫المرين ‪ ،‬الدين وقيمة ما صالح به ‪.‬‬
‫ح أنّه يرجع بما غرم ‪،‬‬
‫وذهب الشافعية إلى أنّ الضأمن ‪ -‬إذا ثبت له حقّ الرّجوع ‪ -‬فالص ّ‬
‫ل بما لم يغرم ‪ ،‬فيرجع بالدين إن أداه ‪ ،‬ويرجع بما أدى إن كان أقل ‪ ،‬ويرجع بالقلّ مما‬
‫أدى ومن الدين إن صالح عن الدين بخلف جنسه ‪ ،‬ومقابل الصحّ رجوعه بالدين كلّه ;‬
‫لنّه حصل البراءة منه بما فعل ‪ ،‬والمسامحة جرت معه ‪.‬‬
‫وذهب الحنابلة إلى أنّ الضأمن يرجع على المضمون عنه بأقلّ المرين مما قضى أو قدر‬
‫الدين ; لنّه إن كان القلّ الدين فالزائد لم يكن واجبا ‪ ،‬فهو متبرّع بأدائه ‪ ،‬وإن كان‬
‫المقضيّ أقل ‪ ،‬فإنّما يرجع بما غرم ‪ ،‬ولهذا لو أبرأه غريمه لم يرجع بشيء ‪ .‬وإن دفع عن‬
‫الدين عرضا رجع بأق ّل المرين من قيمته أو قدر الدين ‪ ،‬فإن قضى المؤجل قبل أجله لم‬
‫يرجع به قبل أجله ; لنّه ل يجب له أكثر مما كان للغريم ‪ ،‬فإن أحاله كانت الحوالة بمنزلة‬
‫تقبيضه ‪ ،‬ويرجع بالقلّ مما أحال به أو قدر الدين ‪ ،‬سواء قبض الغريم من المحال عليه ‪،‬‬
‫أو أبرأه ‪ ،‬أو تعذر عليه الستيفاء لفلس أو مطل ‪ ،‬لنّ نفس الحوالة كالقباض ‪.‬‬
‫انتهاء الكفالة ‪:‬‬
‫‪ -‬انتهاء الكفالة يعني براءة ذمة الكفيل مما التزم به بعقد الكفالة ‪ ،‬وقد تكون هذه‬ ‫‪44‬‬

‫ن التزام الكفيل تابع للتزام الصيل ‪ ،‬وإذا سقط‬


‫البراءة تابعةً لنتهاء التزام المدين ; ل ّ‬
‫الصل سقط التبع ‪ ،‬كما تكون هذه البراءة بصفة أصلية ‪ ،‬فتنتهي الكفالة ويبقى التزام‬
‫الصيل ‪ ،‬إذ ل يلزم من انتهاء اللتزام التابع انتهاء اللتزام الصليّ ‪ ،‬وعلى ذلك يكون‬
‫لنتهاء الكفالة حالتان ‪ :‬انتهاؤها تبعا لنتهاء التزام الصيل ‪ ،‬وانتهاؤها بصفة أصلية ‪.‬‬
‫أ ‪ -‬انتهاء الكفالة تبعا لنتهاء التزام الصيل ‪:‬‬
‫‪ -‬تنتهي الكفالة بانقضاء الدين المكفول به بأيّ طريق من طرق انقضاء الدين ‪ ،‬كالداء‬ ‫‪45‬‬

‫والبراء والمقاصة وغير ذلك ‪.‬‬


‫)‪.‬‬ ‫‪78‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪70‬‬ ‫وتفصيل ذلك في مصطلح ( دين ف ‪/‬‬
‫أما الكفالة في العين فتنتهي بتسليم العين المكفولة ‪.‬‬
‫وأما الكفالة في البدن فتنتهي بإحضار المكفول ببدنه أو موته ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬انتهاء الكفالة بصفة أصلية ‪:‬‬
‫تنتهي الكفالة بصفة أصلية بما يأتي ‪:‬‬
‫أولً ‪ -‬مصالحة الكفيل الدائن ‪:‬‬
‫‪ -‬إذا صالح الكفيل الدائن على بعض الدين بشرط أن يبرئه من الكفالة ‪ ،‬انتهت الكفالة‬ ‫‪46‬‬

‫بالنّسبة للدين كلّه ‪ ،‬وبرئت ذمة الصيل إزاء دائنه من الجزء الذي تم عليه الصّلح ‪،‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪39‬‬ ‫ويرجع الكفيل على المدين وفقا للشّروط وللحكام التي تقدم بيانها ( ر ‪ :‬ف ‪/‬‬
‫ثانيا ‪ -‬البراء ‪:‬‬
‫‪ -‬إذا أبرأ الدائن الكفيل من التزامه ‪ ،‬فإنّه هذا البراء يع ّد منه تنازلً عن الكفالة ‪،‬‬ ‫‪47‬‬

‫وتنتهي بذلك ‪.‬‬


‫)‪.‬‬ ‫‪14‬‬ ‫( ر ‪ :‬إبراء ف ‪/‬‬
‫ثالثا ‪ -‬إلغاء عقد الكفالة ‪:‬‬
‫‪ -‬إذا بطل عقد الكفالة ‪ ،‬أو فسخ ‪ ،‬أو استعمل المكفول له حق الخيار ‪ ،‬أو تحقق شرط‬ ‫‪48‬‬

‫البراءة منها ‪ ،‬أو انقضت مدة الكفالة المؤقتة ‪ ،‬أو نحو ذلك ‪ ،‬فإنّ الكفالة تنتهي بالنّسبة‬
‫)‪.‬‬ ‫‪7‬‬ ‫للكفيل ‪ ،‬دون أن تبرأ ذمة الصيل نحو دائنه ( ر ‪ :‬ف ‪/‬‬
‫رابعا ‪ -‬موت الكفيل بالبدن ‪:‬‬
‫ن الكفالة تنتهي ; لنّه لم‬
‫‪ -‬إذا مات الكفيل في ضمان الوجه أو في ضمان الطلب ‪ ،‬فإ ّ‬ ‫‪49‬‬

‫يبق قادرا على إحضار المكفول بنفسه ‪ ،‬ول التفتيش عنه أو الدللة عليه ‪.‬‬
‫خامسا ‪ -‬تسليم العين المكفولة ‪:‬‬
‫‪ -‬إذا سلم الكفيل العين المضمونة بنفسها إن كانت قائم ًة ‪ ،‬أو رد مثلها أو دفع قيمتها‬ ‫‪50‬‬

‫إن كانت هالكةً ‪ ،‬فإنّه يبرأ من التزامه ‪ ،‬وتنتهي الكفالة بذلك ‪.‬‬

‫*******************‬

‫نهاية الجزء الرابع والثلثين ‪ /‬الموسوعة الفقهية‬

You might also like