Professional Documents
Culture Documents
قضاء الحاجة *
التعريف :
-من معاني القضاء في اللّغة :الفراغ ،ومنه قول القائل :قضيت حاجتي . 1
والقضاء أيضا بمعنى الحكم والقطع والفصل ،يقال :قضى يقضي قضا ًء .
إذا حكم وفصل ،وقضاء الشيء :إحكامه وإمضاؤه .
قال الزّهريّ :القضاء في اللّغة على وجوه :مرجعها إلى انقطاع الشيء وتمامه .
والحاجة :المأربة ،ويكنّى عنها في استعمال العرب بالبول والغائط ،كما يكنّى عن التبوّل
والتغوّط بقضاء الحاجة ،قال الغزاليّ :الكناية بقضاء الحاجة عن التبوّل والتغوّط أولى من
التصريح .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الستنجاء :
-من معاني الستنجاء :الخلص من الشيء ،يقال :استنجى حاجته منه أي خلصها ، 2
وقال ابن قتيبة :مأخوذ من النّجوة وهي ما ارتفع من الرض ،لنّه إذا أراد قضاء الحاجة
استتر بها .
واصطلحا :قال القليوبيّ :إزالة الخارج من الفرج عن الفرج بماء أو حجر .
ن الثاني يعقب الول .
والعلقة بين قضاء الحاجة والستنجاء أ ّ
ب -الخلء :
-الخلء في الصل المكان الخالي . 3
لما روى أبو أيّوب رضي ال عنه قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم « :إذا أتيتم
الغائط فل تستقبلوا القبلة ول تستدبروها ،ولكن شرّقوا ،أو غرّبوا ،قال أبو أيّوب :
فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض بنيت قبل القبلة فننحرف ،ونستغفر ال تعالى » ،ولما ورد
عن أبي هريرة :عن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال « :إذا جلس أحدكم على حاجته
فل يستقبل القبلة ول يستدبرها » .
وتتحقق حرمة الستقبال والستدبار هذه بشرطين :
-أن يكون في الصحراء . 1
وأما في البنيان ،أو إذا كان بينه وبين القبلة شيء يستره ففيه قولن :
أحدهما :ل يجوز أيضا ،وهو قول أبي حنيفة في الصحيح والثوريّ ،لعموم الحاديث في
النهي .
والثاني :يجوز استقبال القبلة واستدبارها في البنيان ،وروي ذلك عن العباس وابن عمر
رضي ال تعالى عنهم ،وبه قال مالك والشافعيّ ،وابن المنذر ،لما روت عائشة رضي
ال تعالى عنها « :أنّ رسول ال صلى ال عليه وسلم -ذكر له أن قوما يكرهون أن
يستقبلوا بفروجهم القبلة ،فقال :أُراهم قد فعلوها ؟ استَقبِلُوا بمقعدتي القبلة » .قال أبو
عبد ال :أحسن ما روى الرّخصة حديث عائشة رضي ال تعالى عنها ،وعن مروان
الصفر قال :رأيت ابن عمر رضي ال عنهما أناخ راحلته مستقبل القبلة ،ثم جلس يبول
إليها ،فقلت :يا أبا عبد الرحمن أليس قد نهي عن هذا ؟ قال :بلى ،إنّما نهي عن ذلك
في الفضاء فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فل بأس ،وهذا تفسير لنهي رسول ال
صلى ال عليه وسلم وفيه جمع بين الحاديث ،فيتعين المصير إليه .
وعن أبي حنيفة يجوز استدبار الكعبة في البنيان والفضاء جميعا ،لنّه غير مقابل للقبلة ،
ن فرجه مواز لها وما ينحطّ منه ،
وما ينحطّ منه ينحطّ نحو الرض بخلف المستقبل ،ل ّ
ينحطّ إليها .
وبه قال أحمد في رواية لما روى ابن عمر رضي ال عنهما قال « :ارتقيت فوق ظهر بيت
حفصة لبعض حاجتي فرأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقضي حاجته ،مستدبر القبلة
مستقبل الشام » .
وقال الشافعية في غير المكان المعدّ لقضاء الحاجة :ل تستقبل القبلة ببول ول تستدبر
بغائط ،لنّ الستقبال جعل الشيء قبالة الوجه والستدبار جعل الشيء جهة دبره ،فلو
استقبل وتغوط أو استدبر وبال لم يحرم ،وكذا لو استقبل ولوى ذكره يمينا أو يسارا
بخلف عكسه.
فإن جلس مستقبلً لها غافلً ،ثم تذكر انحرف ندبا ،لحديث « :من جلس يبول قبالة
القبلة فذكر ،فتحرف عنها إجل ًل لها ،لم يقم من مجلسه حتى يغفر له » هذا إن أمكنه
وإل فل بأس .
وقد صرح الحنفية بأنّه يكره تحريما للمرأة إمساك صغير لبول أو غائط نحو القبلة ،لنّه
قد وجد الفعل من المرأة .
ب -تجنّب استقبال بيت المقدس واستدباره :
-في استقبال بيت المقدس واستدباره حال قضاء الحاجة قولن : 5
الول :أنّه مكروه وليس بحرام ،وهذا قول الشافعية ،وظاهر إحدى الرّوايتين عن أحمد ،
قال النّوويّ :وهو الصحيح المشهور .
الثاني :أنّه ليس بحرام ول مكروه ،وهو قول المالكية ،وظاهر الرّواية الخرى عن المام
أحمد وهي المذهب .
قال الحطاب المالكيّ :ل يكره استقبال بيت المقدس ول استدباره حال قضاء الحاجة ،
ن بيت المقدس ليس قبلةً .
هكذا قال سند ،ل ّ
ج -استقبال الشمس والقمر :
-ذهب الحنفية والحنابلة إلى أنّه يكره استقبال الشمس والقمر لنّهما من آيات ال تعالى 6
أن يستقبل مهب الرّيح ،لئل يصيبه رشاش الخارج فينجّسه ،وزاد المالكية :ولو كانت
الرّيح ساكنةً لحتمال تحرّكها وهيجانها .
ولو هبت ريح عن يمين القبلة ويسارها ،وغلب على ظنّه عود النّجاسة عليه ،فالظاهر
ن الستقبال أفحش .
عند الحنفية أنّه يتعين عليه استدبار القبلة حيث أمكن ل ّ
هـ -كيفية الجلوس عند قضاء الحاجة :
-صرح الفقهاء بأنّه يستحبّ لقاضي الحاجة أن يوسّع بين رجليه في جلوسه لقضاء 8
الحاجة ،ويعتمد على رجله اليسرى ،لما روى سراقة بن مالك رضي ال تعالى عنه قال :
« علمنا رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا دخل أحدنا الخلء أن يعتمد اليسرى وينصب
اليمنى » ولنّه أسهل لخروج الخارج ،ويجتهد في الستفراغ منه ،ول يطيل المقام أكثر
من قدر الحاجة ،لنّ ذلك يضرّه ،وربما آذى من ينتظره .
ن ذلك يروى عن أبي بكر الصّدّيق رضي ال
ويستحبّ أن يغطّي رأسه حال الجلوس ،ل ّ
تعالى عنه ،ولنّه حال كشف العورة فيستحيي فيها من ال عز وجل ومن الملئكة ،وقيل
:لنّه أحفظ لمسا ّم الشعر من علوق الرائحة بها فتضرّه ،ويلبس حذاءه لئل تتنجس رجله
،ول يكشف عورته قبل أن يدنو إلى القعود .
و -التبوّل قائما :
-يكره عند جمهور الفقهاء أن يبول الرجل قائما لغير عذر ،لحديث عائشة رضي ال 9
عنها قالت « :من حدثك أنّ رسول ال صلى ال عليه وسلم بال قائما فل تصدّقه » ،وقال
جابر رضي ال عنه « :نهى رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يبول الرجل قائما » .
وفي رواية أخرى عن المام أحمد ذكرها في النصاف :ل يكره ولو بل حاجة إن أمن تلوّثا
أو ناظرا ،والمذهب كقول الجمهور ،قال صاحب المغني :وقد رويت الرّخصة فيه -يعني
البول من قيام -عن عمر وعليّ وابن عمر وزيد بن ثابت وسهل بن سعد وأنس وأبي
هريرة وعروة رضي ال عنهم .
فإن كان لعذر فليس بمكروه اتّفاقا ،قال الشافعية :بل ول خلف الولى ،لما ورد عن
ن النّبي صلى ال عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائما ،
حذيفة رضي ال عنه « :أ ّ
فتنحيت فقال :ادنه ،فدنوت حتى قمت عند عقبيه فتوضأ فمسح على خفيه » .
ن العرب كانت تستشفي به لوجع الصّلب ،فلعله كان به ،قال
وسبب بوله قائما ما قيل إ ّ
النّوويّ :ويجوز أن يكون فعله لبيان الجواز ،ويفهم مثل ذلك من تعليل الحنابلة .
وفصل المالكية في ذلك ،فرأوا أنّه إن كان المكان رخوا طاهرا كالرمل جاز فيه القيام ،
والجلوس أولى لنّه أستر ،وإن كان رخوا نجسا بال قائما مخافة أن تتنجس ثيابه ،وإن
كان صلبا طاهرا تعين الجلوس لئل يتطاير عليه شيء من البول ،وإن كان صلبا نجسا
تنحى عنه إلى غيره ول يبول فيه قائما ول قاعدا .
ول يعرف هذا التقسيم لغيرهم .
ز -ترك التكلّم بذكر أو بغيره :
-أما قراءة القرآن ففيها عند الفقهاء قولن : 10
الول :أنّها حرام ،وهو المذهب عند الحنابلة وقول للمالكية .
والثاني :أنّها مكروهة ،وهو مذهب الشافعية وقول للحنابلة .
ي حيث قال بتحريمه .
ن الكلم مكروه ولو بالقرآن خلفا للذرع ّ
قال الجمل :إ ّ
-وأما ما عدا القرآن :فقد نص الفقهاء في المذاهب الربعة على كراهة التكلّم حال 11
قضاء الحاجة بذكر أو غيره ،وفيه خلف لبعض المالكية ،قال الخرشيّ :إنّما طلب
السّكوت لنّ ذلك المحلّ مما يجب ستره وإخفاؤه والمحادثة تقتضي عدم ذلك ،والحجة
ن النّبي صلى ال عليه وسلم قال « :ل يخرج الرجلن
لهذه المسألة على قول الجمهور ،أ ّ
يضربان الغائط كاشفين عن عورتهما يتحدثان ،فإنّ ال يمقت على ذلك » ،وما رواه
المهاجر بن قنفذ رضي ال عنه قال « :أنّه أتى النّبي صلى ال عليه وسلم وهو يبول
فسلم عليه فلم يرد عليه حتى توضأ ،ثم اعتذر إليه فقال :إنّي كرهت أن أذكر ال عز
وجل إل على طهر » وما رواه جابر بن عبد ال رضي ال عنهما قال « :إنّ رجلً مر
على النبيّ صلى ال عليه وسلم وهو يبول ،فسلم عليه ،فقال له رسول ال صلى ال
عليه وسلم :إذا رأيتني على مثل هذه الحالة فل تسلّم علي ،فإنّك إن فعلت ذلك لم أرد
عليك » .
وقد صرح الحنفية بأنّ الكراهة في حال قضاء الحاجة سواء كانت بولً أو غائطًا ،وأنّه
يكره التكلّم كذلك في موضع الخلء ولو في غير حال قضاء الحاجة .
وقد صرح المالكية والشافعية والحنابلة باستثناء حالة الضرورة ،قال النّوويّ :كأن رأى
ضريرا يقع في بئر ،أو رأى حيةً أو غيرها تقصد إنسانا أو غيره من المحترمات ،فل
كراهة في الكلم في هذه المواضع بل يجب في أكثرها ،قال القليوبيّ :يجب للضرورة
ويندب للحاجة .
ومن الذكار التي نصّوا عليها أنّه ل يحمد إن عطس ،ول يشمّت عاطسا ،ول يجيب
المؤذّن ،ول يردّ السلم ول يسبّح ،لكن قال البغويّ من الشافعية ونقله عن الشعبيّ
ي وابن المبارك :إن عطس حمد ال في نفسه ،وكذا قال صاحب كشاف
والحسن والنّخع ّ
القناع من الحنابلة يجيب المؤذّن بقلبه ويقضيه بعد ذلك ول يكره الذّكر بالقلب ،وذكر في
ر ّد السلم قولين .ثانيهما أنّه ل يكره .
وعند الشافعية الحكم كذلك في ذكر الدّخول إلى الخلء إذا نسيه فيذكر ال في نفسه في
الحالتين .
وقال كنون في حاشيته :روى عياض جواز ذكر ال في الكنيف .
قال القاضي :وهو قول مالك والنّخعيّ وعبد ال بن عمرو بن العاص رضي ال عنهما ،
وقال ابن القاسم :إذا عطس وهو يبول فليحمد ال ،وقال ابن رشد :الدليل له من جهة
ن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يذكر ال على كلّ أحيانه » ،ومن طريق
الثر « أ ّ
ن ذكر ال يصعد إلى ال فل يتعلق به من دناءة المحلّ شيء فل ينبغي أن يمنع من
النظر أ ّ
ذكر ال على كلّ حال إل بنص ليس فيه احتمال .أ هـ .
وقد ذكر صاحب النصاف من الحنابلة روايةً عن أحمد أنّه ل يكره إجابة المؤذّن في تلك
ي الدّين ،والمذهب أنّه يكره .
الحال ،وبها أخذ الشيخ تق ّ
ح -إلقاء السلم على المتخلّي وردّه :
-ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى كراهة إلقاء السلم على المتغوّط ،واستدلّوا 12
مراعا ًة لسنّته ؟ أو يتركها مراعا ًة للمحلّ ؟ قال :الذي يظهر الثاني ،لتصريحهم بتقديم
النهي على المر .
وهو مقتضى ما عند الحنابلة من أنّ التسمية في الوضوء واجبة ،وأنّ الذّكر بالقلب ل
يكره .وذهب المالكية إلى أنّه يكره الذّكر في الخلء .
ي -النحنحة :
-قال ابن عابدين من الحنفية :ل يتنحنح في موضع الخلء إل بعذر كما إذا خاف 14
دخول أحد عليه ،وقال الشبراملسي من الشافعية :هل من الكلم ما يأتي به قاضي الحاجة
من التنحنح عند طرق باب الخلء من الغير ليعلم هل فيه أحد أم ل ؟ قال :فيه نظر ،
والقرب أنّ مثل هذا ل يسمى كلما ،وبتقديره فهو لحاجة ،وهي دفع دخول من يطرق
الباب عليه لظنّه خلو المحلّ .
ك -تكريم اليد اليمنى عن مسّ الفرج :
-يكره أن يمس النسان فرجه بيمينه حال قضاء الحاجة وغيرها ،لحديث أبي قتادة 15
رضي ال عنه مرفوعا « :إذا بال أحدكم فل يمسح ذكره بيمينه ،وإذا تمسح أحدكم فل
يتمسح بيمينه » ،قال البيّ من المالكية :وحمله الفقهاء على الكراهة ،وفي النصاف
للحنابلة :إنّه الصحيح من المذهب ،وفي وجه يحرم ،فإن كان لضرورة فل كراهة ول
تحريم .
ل -التنظيف والتطهّر من الفضلة :
-ينبغي لقاضي الحاجة بعد الفراغ أن يتنظف بمسح المحلّ بالحجار أو نحوها أو 16
يتطهر بغسله ،أو بهما جميعا ،وله أحكام وآداب شرعية ( ر :استنجاء ) .
ثانيا -أحكام تتعلق بأماكن قضاء الحاجة :
أ -قضاء الحاجة في طريق مسلوك وظلّ نافع وما في حكمهما :
-اتفق الفقهاء على أنّه ل يجوز أن يبول في طريق الناس ،ول مورد ماء ،ول ظلّ 17
ينتفع به الناس ،لما روى أبو هريرة رضي ال تعالى عنه قال :قال رسول ال صلى ال
عليه وسلم « :اتقوا اللعانين قالوا :وما اللعأنان يا رسول ال ؟ قال :الذي يتخلى في
طريق الناس أو في ظلّهم » .
ظلّ في النهي عن قضاء الحاجة فيه مجلس الناس ،أي المحلّ الذي يجلس فيه
ومثل ال ّ
ل ،أو يجلسون فيه في الشمس زمن الشّتاء للتحدّث ،وقال صاحب نيل
الناس في القمر لي ً
المآرب :إل أن يكون حديثهم غيبةً أو نميم ًة .
ظلّ وما
وصرح بعض فقهاء المالكية والشافعية بأنّ قضاء الحاجة في المورد والطريق وال ّ
ألحق به حرام .
ب -قضاء الحاجة تحت الشجر :
-كره الحنفية والشافعية والحنابلة في رواية قضاء الحاجة تحت الشجر المثمر ، 18
والرّواية الخرى عند الحنابلة أنّه حرام ،وفي قول لهم إن كانت الثمرة له كره ،وإن كانت
لغيره حرم .وإنّما كرهه الحنفية والحنابلة إذا كان ذلك وقت الثمر ،وألحقوا به ما قبله
بحيث ل يأمن زوال النّجاسة بمطر أو سقي ،أو -عند الحنفية -نحوه كجفاف أرض من
بول ،وسواء عند الحنفية أكان الثمر مأكولً أو مشموما ،لحترام الكلّ ،وخاص ًة ما تجمع
ثمرته من تحته كالزيتون .وكره الحنفية ذلك في الزرع أيضا .
وعلل الشافعية الكراهة بالتلويث ولئل تعافه النفس ،ولم يحرّموه ،قالوا :لنّ تنجّس
الثمرة غير متيقن ،وقالوا :ولو كان الشجر مباحا فإنّه يكره كذلك ،ول فرق عندهم بين
وقت الثمرة وغيره ،والكراهة في الغائط أش ّد لنّ البول يطهر بالماء وبجفافه بالشمس
والرّيح في قول ،وعمم في حاشية الجمل الحكم في كلّ ما ينتفع به في نحو دواء أو
دباغ ،وما يشمل الوراق المنتفع بها كذلك .
ومقتضى ما ذكروه جميعا أنّ الشجرة غير المثمرة ل يكره البول تحتها ،وأورد في المغني
في الستدلل على ذلك حديث « :أنّ النّبي صلى ال عليه وسلم كان أحب ما استتر به
لحاجته هدف أو حائش نخل » .
ج -قضاء الحاجة في الماء :
-ذهب الحنفية والمالكية إلى كراهة قضاء الحاجة في الماء ،بولً أو غائطا ،وذهب 19
الحنفية إلى أنّ الكراهة تحريمية وإن كان الماء راكدا لحديث جابر رضي ال عنه « :أنّ
النّبي صلى ال عليه وسلم نهى أن يبال في الماء الراكد » ،ولحديث أبي هريرة « :ل
يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي ل يجري ثم يغتسل فيه » ،وتكون الكراهة تنزيهيةً إن
كان الماء جاريا ،لحديث « :نهى الرسول أن يبال في الماء الجاري » .
قال ابن عابدين :والمعنى فيه أنّه يقذّره ،وربما أدى إلى تنجيسه ،وأما الراكد القليل
فيحرم البول فيه ،لنّه ينجّسه ويتلف ماليته ويغرّ غيره باستعماله ،والتغوّط في الماء
أقبح من البول ،وكذا إذا بال في إناء ثم صبه في الماء ،أو بال بقرب النّهر فجرى إليه ،
فكلّه قبيح مذموم منهيّ عنه .
قال القاضي عياض من المالكية :النهي الوارد في الحديث هو نهي كراهة وإرشاد ،وهو
في القليل أشدّ ،لنّه يفسده ،وقيل :النهي للتحريم ،لنّ الماء يفسد لتكرّر البائلين ويظنّ
ب النّجاسة .أ هـ ، .وقال ابن ناجي
الما ّر أنّه تغير من قراره ،ويلحق بالبول التغوّط وص ّ
في شرح المدونة :الجاري على أصل المذهب أنّ الكراهة على التحريم في القليل .وقال
الشافعية والحنابلة :يكره البول في الماء الراكد قليلً كان أو كثيرا للحديث .
ل كره وإن كان كثيرا لم يكره ،قال
وأما الجاري فقال جماعة من الشافعية :إن كان قلي ً
النّوويّ :وفيه نظر ،وينبغي أن يحرم البول في القليل مطلقا ،لنّه ينجّسه ويتلفه على
ن الولى اجتنابه ،ولعلهم لم يحرّموا
نفسه وعلى غيره ،وأما الكثير الجاري فل يحرم ،لك ّ
البول في الراكد كما هو ظاهر الحديث ،لنّ الماء غير متمول عادةً ،أو لنّه يمكن تطهيره
بالضافة .
وقيد بعضهم الماء الكثير الذي يكره التخلّي فيه بما لم يستبحر ،فإن استبحر بحيث ل تعافه
النفس فل كراهة .
ونص الشافعية أيضا على استثناء الماء المسبل والموقوف ،فيحرم .
وفرق الحنابلة بين التبوّل في الماء والتغوّط فيه فرأوا كراهة الول وتحريم الثاني ،ففي
كشاف القناع :يكره بوله في ماء راكد أو قليل جار ،ويحرم تغوّطه في ماء قليل أو كثير
راكد أو جار لنّه يقذّره ويمنع الناس النتفاع به
د -التبوّل في مكان الوضوء ومكان الستحمام :
-كره الحنفية والشافعية والحنابلة أن يبول النسان في موضع يتوضأ هو أو غيره أو 20
يغتسل فيه ،لما ورد عن رجل من الصحابة أنّه قال « :نهى رسول ال صلى ال عليه
وسلم أن يمتشط أحدنا كل يوم أو يبول في مغتسله » .
ن محل الكراهة إذا لم يكن ثم منفذ ينفذ فيه البول والماء .
ويضيف الشافعية :أ ّ
وفي كشاف القناع للحنابلة :أنّ موضع الكراهة أن يكون الموضع غير مقير أو مبلط ،
قال :فإن بال في المستحمّ المقير أو المبلط أو المجصص ،ثم أرسل عليه الماء قبل
اغتساله فيه -قال المام أحمد :إن صب عليه الماء وجرى في البالوعة -فل بأس ،
للمن من التلويث ،ومثله الوضوء .
هـ -قضاء الحاجة في المسجد :
-يحرم بالتّفاق البول والتغوّط في المسجد ،صيانةً له وتنزيها وتكريما لمكان العبادة، 21
الصفا والمروة أو قزح ،وألحق بعضهم بذلك محل الرمي ،وإطلقه يقتضي حرمة ذلك في
جميع السنة ،ولعل وجهه أنّها محالّ شريفة ضيّقة ،فلو جاز ذلك فيها لستمر وبقي وقت
الجتماع فيها ،فيؤذي حينئذ ،قال :ويظهر أنّ حرمة ذلك مفرع على الحرمة في محلّ
ن المرجح الكراهة ،أما عرفة ومزدلفة ومنىً فل يحرم فيها
جلوس الناس ،وسيأتي أ ّ
ن القول بالحرمة مرجوح ،وقال
ي في حاشية شرح المنهاج بأ ّ
لسعتها ،ولكن جزم القليوب ّ
بكراهة ذلك حتى في مزدلفة وعرفة وسائر أماكن اجتماع الحاجّ .
وقال الزركشيّ :تورع بعضهم عن قضاء الحاجة بمكة ،وكان يتأول أنّها مسجد ،وقال :
هذا التأويل مردود بالنص والجماع ،وقد فعله النبيّ صلى ال عليه وسلم وأصحابه
ن النّبي صلى ال عليه وسلم كان
والسلف ،ثم ذكر أحاديث تؤيّد هذا التورّع ،منها « أ ّ
يذهب لحاجته إلى المغمّس » وهو مكان على نحو الميلين من مكة .
ز -قضاء الحاجة في الكنائس والبيع :
-جاء في مواهب الجليل للحطاب المالكيّ نقلً عن المدخل لبن الحاجّ :يجتنب " 23
المتخلّي " بيع اليهود وكنائس النصارى ،لئل يفعلوا ذلك في مساجدنا ،كما نهي عن سبّ
اللهة المدعوة من دون ال لئل يسبّوا ال تعالى .
ح -قضاء الحاجة في المقابر :
ن الميّت يتأذى
-يرى الحنفية أنّه يكره قضاء الحاجة في المقابر ،قال ابن عابدين :ل ّ 24
ن رسول ال صلى ال عليه وسلم نهى أن يبال في الجحر » ولنّه ربما خرج
سرجس « :أ ّ
عليه من الجحر ما يلسعه ،أو يردّ عليه البول ،قال النّوويّ هذا متفق عليه ،وهي كراهة
ن به حيوانا
ي من الشافعية :يظهر تحريمه إذا غلب على ظنّه أ ّ
تنزيه ،وقال البجيرم ّ
محترما يتأذى أو يهلك به .
قال ابن عابدين من الحنفية :وهذا -يعني كراهة البول في الثّقوب -في غير المعدّ
لذلك ،كبالوعة فيما يظهر ،وفي كشاف القناع للحنابلة :يكره ولو كان فم بالوعة ،وفي
التّحفة وحاشية الشّروانيّ من كتب الشافعية :البالوعة قد يشملها الجحر ،وقد يمنع
الشّمول أنّ البالوعة في قوة المعدّ لقضاء الحاجة ( يعني فل يكره ) .
هذا وقد فرق المالكية بين أن يكون قريبا من الثقب ،فيكره البول فيه ،وبين أن يكون
بعيدا ،ففي قول يكره ،خيفة حشرات تنبعث عليه من الكوة ،وقيل :يباح لبعده من
الحشرات إن كانت فيها .
البول في النية :
-قال الشافعية :ل بأس بالبول في إناء ،لما روت عائشة رضي ال عنها قالت « : 26
لحديث أبي هريره مرفوعا « :من أتى الغائط فليستتر ،فإن لم يجد إل أن يجمع كثيبا من
رمل فليستدبره فإنّ الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم ،من فعل فقد أحسن ،ومن ل فل حرج
ي صلى ال عليه وسلم
» .وحديث عبد ال بن جعفر قال « :كان أحب ما استتر به النب ّ
هدف أو حائش نخل » والحائش هو الحائط .
وعند الشافعية :أنّ محل ع ّد ذلك من الداب ،أي المستحبات ،إذا لم يكن بحضرة من
يرى عورته ممن ل يحلّ له نظرها ،أما بحضرته فيكون سترها واجبا ،إذ كشفها بحضرته
حرام ،واعتمده المتآخرون منهم ،وهذا موافق لقواعد المذاهب الثلثة الخرى ،وزاد
ي من الشافعية :ولو أخذه البول وهو محبوس بين جماعة ،جاز له التكشّف ،
الرمل ّ
وعليهم الغضّ .
هذا وقد أطلق الشافعية والحنابلة قضاء الحاجة في هذه المسألة ،وبين المواق من المالكية
أنّ المطلوب عندهم لمريد البول أن يستر عن الناس عورته فقط ،ل أن يستتر بشخصه ،
أما مريد الغائط فيبتعد ويستتر بحيث ل يرى له شخص ،وقال المازريّ :السّنّة البعد من
البائل إذا كان قاعدا بخلف ما إذا كان قائما .
ن التستّر يحصل بمرتفع قدر ثلثي ذراع فأكثر ،إن كان بينه
وفي كلم الشافعية أيضا :أ ّ
وبينه ثلثة أذرع فأقلّ ،إن كان بفضاء أو بناء ل يمكن تسقيفه ،فإن كان ببناء مسقف أو
يمكن تسقيفه حصل التستّر به ،ولم يحد غيرهم في ذلك حدّا فيما اطلعنا عليه .
ولو تعارض التستّر والبعاد ،قال في شرح البهجة :الظاهر رعاية التستّر .
البتعاد عن الناس في الفضاء :
-ذكر المالكية والشافعية والحنابلة أنّه يندب لقاضي الحاجة إذا كان بالفضاء التباعد 28
وسلم « :كان إذا دخل الخلء وضع خاتمه » وقال الشّيرازيّ :كان عليه محمد رسول ال.
وهذا الحكم متفق عليه بين المذاهب الربعة من حيث الجملة إل قولً في مذهب أحمد ،
واختلفوا في بعض تفصيلت نوردها فيما يلي :
ن الحكم الكراهة بل نص الشافعية على أنّ
لم يفرّق الجمهور بين المصحف وغيره في أ ّ
ن تنحيته
حمل المصحف مكروه ل حرام ،وقال المالكية والحنابلة في المصحف خاصةً :إ ّ
واجبة والدّخول به حرام في غير حال الضرورة بخلف غيره مما فيه قرآن أو ذكر ،قال
العدويّ :يجب تنحية مصحف ولو مستورا ،ويكره الدّخول بشيء فيه قرآن أو ذكر غير
مستور وقال :فالدّخول ببعض القرآن ليس كالدّخول بكلّه ،وذلك محمول على نحو صحيفة
فيها آيات ،ل مثل جزء ،فإنّه يعطى حكم كلّه .أ هـ ، .وقال البهوتيّ من الحنابلة :
يحرم الدّخول بمصحف إل لحاجة وقال :ل شك في تحريمه قطعا ول يتوقف في هذا عاقل .
وذهب الحنفية إلى أنّه إذا كان ملفوفا في شيء فل بأس كذلك ،والتحرّز أولى .
وهذا قول المالكية أيضا ،كما تقدم نقله ،فل يحرم الدّخول بمصحف ،ول يكره الدّخول بما
فيه ذكر ال إل في غير حال ستره ،وفي اعتبار الجيب ساترا قولن ،وذلك لكونه ظرفا
متسعا ،لكن عند العدويّ ما يفيد أنّ حمل المصحف خاصةً في تلك الحال ممنوع ولو كان
مستورا ،وقد أطلق من سواهم القول ،ولم يفرّقوا بين المستور وغيره في الحكم ،فيما
اطلعنا عليه ،بل صرح صاحب مجمع النهر بقوله :ل يدخل وفي كمّه مصحف إل إذا
اضطر .
ولم يفرّق الحنفية والمالكية في معتمدهم والشافعية والحنابلة في قول بين أن يكون ما فيه
ذكر ال خاتما أو درهما أو دينارا أو غيره فرأوا الكراهة في ذلك ،وقد ذكر الشّيرازيّ من
الشافعية حديث أنس « :أنّ النّبي صلى ال عليه وسلم كان إذا دخل الخلء وضع خاتمه »
وقال :وإنّما وضعه لنّه كان عليه " محمد رسول ال صلى ال عليه وسلم " .
وخالف في ذلك بعض التابعين فرأوا أن ل كراهة في ذلك ،نقله ابن المنذر عن جماعة
منهم :ابن المسيّب والحسن وابن سيرين فيما حكاه النّوويّ في شأن الخاتم كما خالف فيه
أيضا مالك في رواية وابن القاسم من أتباعه ،والحنابلة في قول .
أما الستنجاء وفي أصبعه خاتم منقوش عليه ذكر ال تعالى أو اسم ال تعالى أو اسم النبيّ
صلى ال عليه وسلم ،فقد ذهب الحنفية إلى أنّه يستحبّ أن يجعل الفص في كمّه إذا دخل
الخلء وأن يجعله في يمينه إذا استنجى .
وللمالكية ثلثة أقوال :الجواز وهو الذي يفهم من كلم ابن القاسم وفعله ،والكراهة وهو
الذي يفهم من كلم مالك كما فهمه ابن رشد وهو المشهور ،والتحريم وهو الذي يفهم من
كلم التوضيح وابن عبد السلم .
ن حمل ما عليه ذكر ال تعالى إلى الخلء مكروه تعظيما للذّكر واقتداءً
وذهب الشافعية إلى أ ّ
ي صلى ال عليه وسلم فإنّه كان إذا دخل الخلء نزع خاتمه ،وكان نقشه " محمد
بالنب ّ
رسول ال " قال السنويّ :ومحاسن كلم الشريعة يشعر بتحريم بقاء الخاتم الذي عليه
ذكر ال تعالى في اليسار حال الستنجاء وهو ظاهر إذا أفضى ذلك إلى تنجيسه .
وقال المرداويّ من الحنابلة :حيث دخل الخلء بخاتم فيه ذكر ال تعالى جعل فصه في
باطن كفّه وإن كان في يساره أداره إلى يمينه لجل الستنجاء .
ومن اضطر إلى دخول الخلء بما فيه ذكر ال جاز له إدخاله ،ولم يكره ،نص الحنفية
والمالكية والشافعية على أنّه ل يحرم ول يكره ،واكتفى الحنابلة بأن تتحقق الحاجة إليه .
اجتناب حمل ما فيه اسم معظم غير اسم ال تعالى :
-قال ابن عابدين ولو نقش اسمه تعالى أو اسم نبيّه -أي على خاتمه -استحب أن 30
يجعل الفص في كمّه إذا دخل الخلء وأن يجعله في يمينه إذا استنجى .
وجاء في شرح البهجة وحاشيته من كتب الشافعية :يجتنب الداخل إلى الخلء حمل مكتوب
فيه اسم ال تعالى واسم النبيّ صلى ال عليه وسلم ،قال :ولعل المراد السماء المختصة
ل دون ما ل يختصّ كعزيز وكريم ومحمد وأحمد ،إذا لم يكن ما
به تعالى وبرسوله مث ً
يشعر بأنّه المراد كقوله بعد محمد :صلى ال عليه وسلم نبه عليه النّوويّ في تنقيحه ،
ويجتنب كل اسم معظم كالملئكة وألحق الرمليّ في نهاية المحتاج أسماء النبياء وإن لم
يكن رسولً ،وأسماء الملئكة ،ولكن وجدنا في بلغة السالك للمالكية .
ي " ،وفي كشاف القناع للحنابلة :يتوجه أنّ اسم الرسول كذلك .
ينحّي " اسم نب ّ
ما يقوله إذا أراد دخول الخلء :
-وردت أحاديث بأذكار معينة يقولها النسان إذا أراد دخول الخلء ،مضمونها تسمية 31
قضاء الحق *
انظر :أداء .
قضاء الفوائت *
التعريف :
-من معاني القضاء في اللّغة :الحكم والداء . 1
واصطلحا :قال ابن عابدين :القضاء فعل الواجب بعد وقته .
والفوائت في اللّغة جمع فائتة ،من فاته المر فوتا وفواتا :إذا مضى وقته ولم يفعل .
ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن المعنى اللّغويّ .
وقضاء الفوائت عند الفقهاء :قال الدردير :استدراك ما خرج وقته .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الداء :
-الداء لغةً :اليصال . 2
وأما في الصطلح :قال الحصكفيّ :العادة فعل مثل الواجب في وقته لخلل غير الفساد .
والصّلة بين القضاء وبين العادة هي :أنّ القضاء لما لم يسبق فعله في وقته ،والعادة
لما سبق فعله في وقته بخلل .
الحكم التكليفيّ :
-العبادات المحددة بوقت تفوت بخروج الوقت المحدد لها من غير أداءً ،وتتعلق بالذّمة 4
وإلى ما يقبل الداء والقضاء ،وما يتعذر وقت قضائه مع قبوله للتأخير ،وإلى ما يكون
قضاؤه متراخيا ،وما يجب قضاؤه على الفور ،وإلى ما يكون قضاؤه بمثل معقول وما
يكون قضاؤه بمثل غير معقول .
فأما ما يقضى في جميع الوقات ،فكالضحايا والهدايا المنذورات ،وأما ما ل يقضى إل في
مثل وقته فهو كالحجّ .
ن الصلوات المكتوبات هي
وأما ما يقبل الداء والقضاء فكالحجّ والصوم والصلة ،فإ ّ
ن الصّيام
مختصة الداء بالوقات المعروفة جائزة القضاء بعد خروج وقت الداء ،كما أ ّ
الواجب هو مخصوص بشهر رمضان قابل للقضاء .
وأما ما يقبل الداء ول يقبل القضاء فكالجمعات ،فإنّها مختصة بوقت الظّهر ل تقبل
القضاء.
وأما ما ل يوصف بقضاء ول أدا ًء من النّوافل المبتدآت التي ل أسباب لها ،فكالصّيام ،
والصلة التي ل أسباب لها ول أوقات ،وكذا الجهاد ل يتصور قضاؤه ،لنّه ليس له وقت
مضروب ل يزيد ول ينقص ،والحكم والفتيا ل يوصفان بقضاء ول أداء ،والمر
بالمعروف والنهي عن المنكر ،وكذلك افتتاح الصلة ،والذكار المشروعات في غير
الصلة .
وأما ما يتعذر وقت قضائه مع قبوله للتأخير ،فكصوم رمضان ،لكنّه مع ذلك ل يجوز
تأخيره إلى دخول رمضان ثان عند جمهور الفقهاء مع جواز قضائه مع قضاء رمضان
آخر .وأما ما يكون قضاؤه متراخيا ،فكقضاء صوم رمضان عند الحنفية ،وصلة الناسي
والنائم عند الشافعية .
وأما ما يجب قضاؤه على الفور ،فكالحجّ والعمرة إذا فسدا أو فاتا .
). 86 ( وانظر :صوم ف /
وأما ما يكون قضاؤه بمثل معقول ،فكقضاء الصوم بالصوم ،وأما ما يكون قضاؤه بمثل
غير معقول فمثل الفدية في الصوم ،وثواب النفقة في الحجّ بإحجاج النائب ،لنّا ل نعقل
المماثلة بين الصوم والفدية ،ل صور ًة ول معنىً ،فلم يكن مثلً قياسا .
من يجب عليه القضاء :
-اتفق الفقهاء على وجوب قضاء الصلة الفائتة على الناسي والنائم ،كما يرى الفقهاء 6
يؤدّها ،وهذا قول المالكية والشافعية ،وهو قول عند الحنابلة .
ن المتعدّي بإغمائه يجب عليه القضاء .
ونص الشافعية على أ ّ
ويرى الحنفية أنّه ليس على مغمًى عليه قضاء ما فاته في تلك الحالة إذا زادت الفوائت
على يوم وليلة .
ن المغمى عليه حكمه حكم النائم ،ل يسقط
ويقول الحنابلة على الصحيح من المذهب :إ ّ
عنه قضاء شيء من الواجبات التي يجب قضاؤها على النائم كالصلة والصّيام .
). 12 - 7 وللتفصيل في أثر الغماء في الصلة والصّيام والحجّ والزكاة ( ر :إغماء ف /
-وأما الصبيّ ،فل تجب الصلة عليه عند جمهور الفقهاء ،ولكنّه يؤمر بها إذا بلغ 12
سبع سنين ،ويضرب عليها لعشر سنين ،وصرح الشافعية بأنّ الصبي لو كان مميّزا
فتركها ثم بلغ أمر بالقضاء بعد البلوغ ندبا ،كما كان يستحبّ له أداؤها .
وفي أوجه الوجهين عند الشافعية يضرب على القضاء .
ي العاقل .
وفي أصحّ الرّوايتين عند الحنابلة تجب الصلة على الصب ّ
وبناء على هذه الرّواية يلزم الصبي قضاء ما فاته من الصلوات .
ن الصلة تجب على من بلغ عشرا ،وعنه تجب على المراهق ،وعنه تجب
وعن أحمد :إ ّ
على المميّز .
وعلى قول الجمهور إذا بلغ في أثنائها أو بعدها في الوقت فعليه إعادتها .
ي وظيفة الوقت ،ثم بلغ قبل خروج الوقت فيستحبّ له أن
وعند الشافعية إذا صلى الصب ّ
يعيدها ،ول تجب العادة على الصحيح .
-أما من أسلم في دار الحرب فترك صلوات أو صياما ل يعلم وجوبه ،لزمه قضاؤه 13
القدرة على استعمالهما كالمكره والمربوط ،ول يقضيها على المشهور إن تمكن بعد خروج
الوقت .
ويرى الشافعية أنّه يجب على فاقد الطهورين أن يصلّي الفرض فقط .
وذهب الحنفية إلى أنّه يتشبه بالمصلّين احتراما للوقت ،فيركع ويسجد إن وجد مكانا
يابسا ،وإل فيومئ قائما ،ويعيد الصلة بعد ذلك .
). 2 وللتفصيل ( ر :فقد الطهورين ف /
وصرح المالكية والشافعية ومحمد من الحنفية بأنّ من زال عقله بسبب مباح يقاس على
المجنون ،فل يلزمه قضاء ما فاته من الصلوات .
صفة قضاء الفوائت في السفر والحضر :
ن الفائتة تقضى على الصّفة التي فاتت إل لعذر
-ذهب الحنفية والمالكية والثوريّ إلى أ ّ 15
ي أربعا ،
وضرورة ،فيقضي المسافر في السفر ما فاته في الحضر من الفرض الرّباع ّ
والمقيم في القامة ما فاته في السفر منها ركعتين .
وقال الشافعية :المقضية إن فاتت في الحضر وقضاها في السفر لم يقصر خلفا للمزنيّ ،
وإن شك هل فاتت في السفر أو الحضر ؟ لم يقصر أيضا ،وإن فاتت في السفر فقضاها فيه
أو في الحضر فأربعة أقوال :
أظهرها :إن قضى في السفر قصر وإل فل .
والثاني :يتمّ فيهما ،والثالث :يقصر فيهما ،والرابع :إن قضى ذلك في السفر قصر ،
وإن قضى في الحضر أو سفر آخر أتم .
وقال الحنابلة :إذا نسي صلة الحضر فذكرها في السفر فعليه التمام ،لنّ الصلة تعين
عليه فعلها أربعا ،فلم يجز له النّقصان من عددها كما لو سافر ،ولنّه إنّما يقضي ما
فاته ،وقد فاته أربع .
وأما إن نسي صلة السفر فذكرها في الحضر فقال أحمد :عليه التمام احتياطا ،وبه قال
الوزاعيّ .
وإن نسي صلة سفر وذكرها فيه قضاها مقصورةً ،لنّها وجبت في السفر وفعلت فيه .
صفة القراءة في قضاء الفوائت :
-يرى الحنفية والمالكية والشافعية في القول المقابل للصحّ وأبو ثور وابن المنذر أنّ 16
العتبار في صفة القراءة بوقت الفوائت ،ليكون القضاء على وفق الداء ،ول فرق عند
هؤلء بين المنفرد والمام .
ويرى الشافعية على الصحّ العتبار بوقت القضاء ،ويقولون :إن قضى فائتة الليل بالليل
ل أو عكس ،
جهر ،وإن قضى فائتة النهار بالنهار أسر ،وإن قضى فائتة النهار لي ً
فالعتبار بوقت القضاء على الصحّ .
قال النّوويّ :صلة الصّبح وإن كانت نهاريةً فهي في القضاء جهرية ،ولوقتها حكم الليل
في الجهر وإطلقهم محمول على هذا .
وقال الحنابلة ُ :يسِرّ في قضاء صلة جهر كعشاء أو صبح قضاها نهاراً ،ولو جماعةً
اعتبارا بزمن القضاء ،كصلة سرّ قضاها ولو ليلً اعتبارا بالمقضية ،ويجهر بالجهرية
كأوليي المغرب إذا قضاها ليلً في جماعة فقط ،اعتبارا بالقضاء وشَ َبهِها بالداء ،لكونها
في جماعة ،فإن قضاها منفردا أسرها ،لفوات شبهها بالداء .
الترتيب بين الفوائت وفرض الوقت :
-ذهب الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أنّ الترتيب بين الفوائت وبين فرض الوقت 17
فيقدم الظّهر على العصر ،وهي على المغرب ،وهكذا وجوبا .
ي ،فمن أخل
وترتيب الفوائت في أنفسها واجب غير شرط على المشهور من المذهب المالك ّ
بهذا الترتيب ونكس صحت صلته ،وأثم إن تعمد ،ول يعيد المنكّس ،وقيل :إنّه واجب
شرطا ،وهو مذهب الحنابلة إذ قالوا :لنّه ترتيب واجب في الصلة ،فكان شرطا
لصحتها ،فمن أخل بهذا الترتيب لم تصح صلته .
والحنفية يقولون بوجوب الترتيب بين الفوائت نفسها ،إل أن تزيد الفوائت على ستّ
صلوات ،فيسقط الترتيب فيما بين الفوائت نفسها كما يسقط بينها وبين الوقتية ،وحدّ
الكثرة عندهم أن تصير الفوائت ستّا .
بخروج وقت الصلة السادسة المستلزمة لدخول وقت السابعة في الغلب ،وعن محمد أنّه
ن الكثرة بالدّخول
ي :والول هو الصحيح ،ل ّ
اعتبر دخول وقت السادسة ،قال المرغينان ّ
في حدّ التكرار ،وذلك في الول ،فإذا دخل وقت السابعة سقط الترتيب عند أبي حنيفة
وأبي يوسف ،وعند محمد إذا دخل وقت السادسة .
ويرى الشافعية أنّه يستحبّ الترتيب بين الفوائت ول يجب .
فورية قضاء الفوائت :
ي صلى ال عليه
-صرح المالكية والحنابلة بوجوب فورية قضاء الفوائت ،لقول النب ّ 19
وسلم « :فليصلّها إذا ذكرها » فأمر بالصلة عند الذّكر ،والمر للوجوب ،والمراد
بالفور الفور العادي ،بحيث ل يع ّد مفرّطا ،ل الحال الحقيقيّ ،وقيد الحنابلة الفورية بما
إذا لم يتضرر في بدنه أو في معيشة يحتاجها ،فإن تضرر بسبب ذلك سقطت الفورية .
وأما الشافعية ،فقال النّوويّ :من لزمه صلة ففاتته لزمه قضاؤها ،سواء فاتت بعذر أو
بغيره ،فإن كان فواتها بعذر كان قضاؤها على التراخي ،ويستحبّ أن يقضيها على الفور
.قال صاحب التهذيب :وقيل :يجب قضاؤها حين ذكر ،لحديث أنس رضي ال عنه عن
النبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :من نسي صلةً فليصلّ إذا ذكرها » ،والذي قطع به
الصحاب أنّه يجوز تأخيرها ،لحديث عمران بن حصين رضي ال عنه قال « :كنّا في
ي صلى ال عليه وسلم وإنّا أسرينا ،حتى إذا كنّا في آخر الليل وقعنا وقعةً ول
سفر مع النب ّ
وقعة أحلى عند المسافر منها ،فما أيقظنا إل ح ّر الشمس . . ،فلما استيقظ النبيّ صلى ال
عليه وسلم شكوا إليه الذي أصابهم قال :ل ضير -أو ل يضير -ارتحلوا فارتحل فسار
غير بعيد ،ثم نزل ،فدعا بالوضوء فتوضأ ،ونودي بالصلة ،فصلى بالناس » وهذا هو
المذهب .
وإن فوتها بل عذر فوجهان :
أصحّهما عند العراقيّين :أنّه يستحبّ القضاء على الفور ،ويجوز التأخير ،كما لو فاتت
بعذر ،وأصحّهما عند الخراسانيّين :أنّه يجب القضاء على الفور ،وبه قطع جماعات منهم
أو أكثرهم ،ونقل إمام الحرمين اتّفاق الصحاب عليه ،وهذا هو الصحيح ،لنّه مفرّط
بتركها ،ولنّه يقتل بترك الصلة التي فاتت ،ولو كان القضاء على التراخي لم يقتل .
ويرى الحنفية على الصحيح جواز التأخير والبدار في قضاء الصوم والصلة .
سقوط الترتيب :
يسقط الترتيب للسباب التية :
أ -ضيق الوقت :
-يرى الحنفية والحنابلة في المذهب ،وسعيد بن المسيّب والحسن والوزاعيّ 20
والثوريّ وإسحاق ،أنّه يسقط الترتيب بضيق وقت الحاضرة ،لنّ فرض الوقت آكد من
فرض الترتيب .
واختلف الحنفية فيما بينهم في المراد بالوقت الذي يسقط الترتيب بضيقه .
قال الطحاويّ :على قياس قول أبي حنيفة وأبي يوسف العبرة لصل الوقت ،وعلى قياس
قول محمد العبرة للوقت ،المستحبّ ،بيانه :أنّه إذا شرع في صلة العصر وهو ناس
للظّهر ،ثم تذكر الظّهر في وقت لو اشتغل بالظّهر يقع العصر في وقت مكروه ،فعلى قول
الشيخين يقطع العصر ويصلّي الظّهر ،وعلى قول محمد :يمضي في العصر ،ثم يصلّي
الظّهر بعد غروب الشمس .
وذهب المالكية إلى أنّه يجب مع ذكر -ل شرطا -ترتيب يسير الفوائت أصلً أو بقا ًء إذا
اجتمع مع الحاضرة ،فيقدم عليها وإن خرج وقتها ،وتندب عندهم البداءة بالحاضرة مع
الفوائت الكثيرة إن لم يخف فوات الوقت ،وإل وجب .
وقال أحمد في رواية عنه :الترتيب واجب مع سعة الوقت وضيقه ،وهذه الرّواية اختارها
الخلل وصاحبه ،وهو مذهب عطاء والزّهريّ والليث .
وفي رواية ثانية عن أحمد :إن كان وقت الحاضرة يتسع لقضاء الفوائت وجب الترتيب ،
وإن كان ل يتسع سقط الترتيب في أول وقتها .
وأما الشافعية فل يجب الترتيب عندهم أصلً .
ب -النّسيان :
-ذهب الحنفية والحنابلة في المذهب إلى أنّه يسقط وجوب الترتيب بالنّسيان ،لعموم 21
قوله صلى ال عليه وسلم « :إنّ ال وضع عن أمتي الخطأ والنّسيان وما استكرهوا
عليه» ،ولنّ المنسية ليست عليها أمارة تدعو لتذكّرها فجاز أن يؤثّر فيها النّسيان ،
كالصّيام .ويرى المالكية أنّه يجب مع الذّكر ابتداءً وفي الثناء على المعروف ترتيب
الحاضرتين ،كالظّهر والعصر ،أو المغرب والعشاء ،فيقدم كالظّهر على العصر ،
والمغرب على العشاء ،فلو بدأ بالخيرة ناسيا للولى أعاد الخيرة ما دام الوقت ،بعد أن
يصلّي الولى .
وقال ابن قدامة بعد أن نسب إلى مالك القول بوجوب الترتيب مع النّسيان :ولعل من يذهب
إلى ذلك يحتجّ بحديث أبي جمعة ،وبالقياس على المجموعتين .
وحكى ابن عقيل عن المام أحمد أنّه قال :ل يسقط الترتيب بالنّسيان .
ج -الجهل :
-يرى الحنفية والحنابلة في قول ،وهو اختيار المديّ :أنّ من جهل فرضية الترتيب 22
ن اشتراط الترتيب
ويرى الحنفية أنّه يسقط الترتيب بكثرة الفوائت الحقيقية أو الحكمية ،ل ّ
إذ ذاك ربما يفضي إلى تفويت الوقتية ،وهو حرام ،والمعتبر خروج وقت السادسة في
الصحيح ،لنّ الكثرة بالدّخول في ح ّد التكرار ،وروي بدخول وقت السادسة .
وصرح الحنفية بأنّه كما سقط الترتيب فيما بين الكثيرة والحاضرة سقط فيما بين أنفسها
على الصحّ .
ول يعود الترتيب بين الفوائت التي كانت كثير ًة بعودها إلى القليلة بقضاء بعضها ،لنّ
الساقط ل يعود في أصحّ الرّوايتين عند الحنفية وعليه الفتوى .
وقال بعضهم :يعود الترتيب ،وصحح هذا القول الصدر الشهيد ،وفي الهداية :هو
ن علة السّقوط الكثرة وقد زالت .
الظهر ،ل ّ
ول يعود الترتيب أيضا بفوت صلة حديثة بعد نسيان ستّ قديمة ،فتجوز الوقتية مع تذكّر
الحديثة لكثرة الفوائت على الصحّ عند الحنفية ،وعليه الفتوى عندهم .
وقيل :ل تجوز الوقتية ،ويجعل الماضي كأن لم يكن زجرا له ،وصححه في معراج
الدّراية ،وفي المحيط :وعليه الفتوى .
ويقول المالكية على المذهب بوجوب ترتيب الفوائت قلت أو كثرت ترتيبا غير شرط ،فيقدّم
الظّهر على العصر ،وهي على المغرب وهكذا ،وجوبا ،فإن نكس صحت ،وأثم إن تعمد
ول يعيد المنكس .
هـ -فوات الجماعة :
-يرى الحنفية أنّ من شرع في قضاء فائتة وأقيمت الحاضرة في المسجد فإنّه ل 24
يقطع ،أما إذا أقيمت الجماعة في ذلك الفرض بعينه فإنّه يقطع ويقتدي .
وذهب المالكية إلى أنّه إن أقيمت صلة لراتب بمسجد والمصلّي في فريضة غير المقامة ،
قطع صلته ودخل مع المام إن خشي بإتمامها فوات ركعة ،وإن لم يخش فوات ركعة مع
المام أتم صلته .
وصرح الشافعية بأنّه ل يجوز قلب الفائتة نفلً ليصلّيها جماعةً في فائتة أخرى أو حاضرة ،
إذ ل تشرع فيها الجماعة حينئذ خروجا من خلف العلماء ،فإن كانت الجماعة في تلك
الفائتة بعينها جاز ذلك ،لكنّه ل يندب .
وللحنابلة فيمن عليه فائتة وخشي فوات الجماعة روايتان :إحداهما :يسقط الترتيب ،لنّه
اجتمع واجبان :الترتيب والجماعة ،ول بد من تفويت أحدهما ،فكان مخيرا فيهما .
والثانية :ل يسقط الترتيب ،لنّه آكد من الجماعة ،بدليل اشتراطه لصحة الصلة بخلف
الجماعة ،وهذا ظاهر المذهب .
قضاء صلوات العمر :
-قال أبو نصر الحنفيّ فيمن يقضي صلوات عمره من غير أن يكون فاته شيء ،يريد 25
الحتياط ،فإن كان لجل النّقصان والكراهة فحسن ،وإن لم يكن لذلك لم يفعل ،وجاء في
المضمرات :والصحيح أنّه يجوز إل بعد صلة الفجر والعصر وقد فعل ذلك كثير من السلف
لشبهة الفساد .
وقال الحطاب :الشكّ الذي ل يستند لعلمة لغو ،لنّه وسوسة ،فل قضاء إل لشكّ عليه
دليل ،وقد أولع كثير من المنتمين للصلح بقضاء الفوائت لعدم تحقّق الفوات أو ظنّه أو
شكّ فيه ،ويسمّونه صلة العمر ،ويرونها كمالً ،ويريد بعضهم بذلك أنّه ل يصلّي نافلةً
أصلً ،بل يجعل في محلّ كلّ نافلة فائتةً لما عسى أن يكون من نقص أو تقصير أو جهل ،
وذلك بعيد عن حال السلف ،وفيه هجران المندوبات وتعلّق بما ل أجر له ،وقد سمعت
شيخنا أبا عبد ال محمد بن يوسف السنوسي ثم التّلمساني يذكر أنّ النهي عن ذلك
ي في الذخيرة ولم أقف عليه ،نعم ،رأيت
منصوص فحنقته عليه ،فقال :نص عليه القراف ّ
لسيّدي أبي عبد ال البلليّ في اختصار الحياء عكسه .
قضاء السّنن :
-يرى الحنفية والمالكية على المشهور ،والحنابلة في قول :أنّ السّنن -عدا سنّة 26
الفجر -ل تقضى بعد الوقت .ثم اختلف الحنفية في قضاء هذه السّنن تبعا للفرض ،فقال
بعضهم :يقضيها تبعا ،لنّه كم من شيء يثبت ضمنا ول يثبت .قصدا .
وقال بعضهم :ل يقضيها تبعا كما ل يقضيها مقصودةً ،قال العينيّ :وهو الصحّ ،
لختصاص القضاء بالواجب ،وفي مختصر البحر :ما سوى ركعتي الفجر من السّنن إذا
فاتت مع الفرض يقضي عند العراقيّين كالذان والقامة ،وعند الخراسانيّين ل يقضى .
وأما سنّة الفجر فإنّها تقضى تبعا للفرض إلى وقت الزوال عند أبي حنيفة وأبي يوسف ،
سواء كان قضى الفرض بالجماعة ،أو قضاه وحده ،وقال محمد :تقضى منفردةً بعد
الشمس قبل الزوال ،فل قضاء لسنّة الفجر منفرد ًة قبل الشمس ول بعد الزوال باتّفاق
الحنفية ،وسواء صلى منفردا أو بجماعة .
ثم اختلف مشايخ ما وراء النّهر في قضاء سنّة الفجر تبعا للفرض فيما بعد الزوال ،فقال
بعضهم :تقضى تبعا ،وقال بعضهم :ل تقضى تبعا ول مقصودةً .
وصرح المالكية بأنّه ل يقضى نفل خرج وقته سوى سنّة الفجر فإنّها تقضى بعد حلّ النافلة
للزوال سواء كان معها الصّبح أو ل .
ويرى الشافعية أنّ النّوافل غير المؤقتة كصلة الكسوفين والستسقاء وتحية المسجد ل
مدخل للقضاء فيها ،وأما النّوافل المؤقتة كالعيد والضّحى ،والرواتب التابعة للفرائض ،
ففي قضائها عندهم أقوال :أظهرها :أنّها تقضى ،والثاني :ل ،والثالث :ما استقل
كالعيد والضّحى قضي ،وما كان تبعا كالرواتب فل .
وعلى القول بأنّها تقضى ،فالمشهور :أنّها تقضى أبدا ،والثاني :تقضى صلة النهار ما
لم تغرب شمسه ،وفائت الليل ما لم يطلع فجره فيقضي ركعتي الفجر ما دام النهار باقيا ،
والثالث :يقضي كل تابع ما لم يصلّ فريضةً مستقبلةً ،فيقضي الوتر ما لم يصلّ الصّبح ،
ويقضي سنّة الصّبح ما لم يص ّل الظّهر ،والباقي على هذا المثال ،وقيل :على هذا
العتبار بدخول وقت المستقبلة ،ل بفعلها .
ن له قضاؤها ،وعن
ويرى الحنابلة على المذهب أنّ من فاته شيء من السّنن الرواتب س ّ
أحمد :ل يستحبّ قضاؤها ،وعنه :يقضي سنّة الفجر إلى الضّحى ،وقيل :ل يقضي إل
سنّة الفجر إلى وقت الضّحى وركعتي الظّهر .
وصرح الحنفية بأنّه يلزم التطوّع بالشّروع مضيّا وقضاءً ،بمعنى أنّه يلزمه المضيّ فيه
حتى إذا أفسده لزم قضاؤه .
). 18 ،وتطوّع ف / 20/ ،وأداء ف 9 - 7 وللتفصيل ( ر :نفل ،وصلة العيدين ف /
الذان والقامة للفوائت :
ن له أن يؤذّن للولى ،ثم يقيم لكلّ
ن من فاتته صلوات س ّ
-يرى جمهور الفقهاء أ ّ 27
والحنابلة بسنّية الجماعة في المقضية ،وقيد الشافعية السّنّية بكونها في المقضية التي
ن النّبي
يتفق المام والمأموم فيها ،بأن يكون قد فاتهما ظهر أو عصر مثلً ،واستدلّوا بأ ّ
صلى ال عليه وسلم يوم الخندق " فاته أربع صلوات فقضاهنّ في جماعة " ،وقد روى
عمران بن حصين رضي ال عنه قال « :سرينا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم فلما
كان في آخر الليل عرسنا -أي نزل بنا للستراحة -فلم نستيقظ حتى ح ّر الشمس فجعل
ي صلى ال عليه وسلم :أن يسكنوا ،ثم
الرجل منّا يقوم دهشا إلى طهوره ،فأمرهم النب ّ
ارتحلنا فسرنا حتى إذا ارتفعت الشمس ،توضأ ثم أمر بللً فأذن ثم صلى الركعتين قبل
الفجر ثم أقام فصلينا ،فقالوا :يا رسول ال ،أل نعيدها في وقتها في الغد لوقتها ؟ قال :
أينهاكم ربّكم تبارك وتعالى عن الرّبا ويقبله منكم ؟ » .
وقيد الشافعية السّنّية بكونها في المقضية التي يتفق المام والمأموم فيها بأن يكون قد
فاتهما ظهر أو عصر مثلً .
وحكي عن الليث بن سعد منع قضاء الفوائت في جماعة .
وللفقهاء خلف وتفصيل في القضاء خلف الداء ،والداء خلف القضاء ،وقضاء صلة
). 35 خلف من يقضي غيرها ،ينظر في ( اقتداء ف /
قضاء الفوائت في أوقات النهي :
ي والحكم وحماد والوزاعيّ
-ذهب المالكية والشافعية والحنابلة ،وأبو العالية والشعب ّ 29
وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر إلى أنّه يجوز قضاء الفرائض الفائتة في جميع أوقات النهي
وغيرها .
ي صلى ال عليه وسلم « :من نسي صل ًة أو نام عنها فكفارتها أن
واستدلّوا بقول النب ّ
يصلّيها إذا ذكرها » ،وبحديث أبي قتادة رضي ال عنه « :إنّما التفريط على من لم يصلّ
الصلة حتى يجيء وقت الصلة الخرى ،فمن فعل ذلك فليصلّها حين ينتبه لها » .
ويرى الحنفية عدم جواز قضاء الفوائت وقت طلوع الشمس ،ووقت الزوال ،ووقت
ن النّبي صلى ال عليه وسلم
الغروب ،لعموم النهي ،وهو متناول للفرائض وغيرها ،ول ّ
« لما نام عن صلة الفجر حتى طلعت الشمس أخرها حتى ابيضت الشمس » ولنّها
صلة ،فلم تجز في هذه الوقات كالنّوافل .
). 24 وللتفصيل ( ر :أوقات الصلة ف /
قضاء الزكاة :
-من ترك الزكاة التي وجبت عليه وهو متمكّن من إخراجها حتى مات ولم يوص 30
وهو المنذور ،وإما أن يكون تطوّعا ،فإن كان واجبا يقضي إذا قدر على القضاء ،إل
الرّدة خاصةً ،لنّه إذا فسد التحق بالعدم ،فصار فائتا معنىً ،فيحتاج إلى القضاء جبرا
ن المنذور به
للفوات ،ويقضي بالصوم ،لنّه فاته مع الصوم فيقضيه مع الصوم ،غير أ ّ
إن كان اعتكاف شهر بعينه ،يقضي قدر ما فسد ل غير ،ول يلزمه الستقبال ،كالصوم
المنذور به في شهر بعينه إذا أفطر يوما ،أنّه يقضي ذلك اليوم ،ول يلزمه الستئناف ،
كما في صوم رمضان ،وإذا كان اعتكاف شهر بغير عينه يلزمه الستقبال ،لنّه يلزمه
متتابعا فيراعى فيه صفة التتابع ،وسواء فسد بصنعه من غير عذر ،كالخروج والجماع
والكل والشّرب في النهار ،إل الرّدة ،أو فسد بصنعه لعذر ،كما إذا مرض فاحتاج إلى
ن القضاء
الخروج فخرج ،أو بغير صنعه رأسا ،كالحيض والجنون والغماء الطويل ،ل ّ
يجب جبرا للفائت ،والحاجة إلى الجبر متحقّقة في الحوال كلّها ،إل أنّ سقوط القضاء في
الرّدة عرف بالنص ،وهو قوله تعالى { قُل لِلّذِين َكفَرُواْ إِن يَن َتهُواْ ُي َغفَرْ َلهُم مّا قَدْ سَلَفَ } ،
ب ما قبله » ،والقياس في الجنون الطويل
ي صلى ال عليه وسلم « :السلم يج ّ
وقول النب ّ
ن سقوط
ن في الستحسان يقضي ،ل ّ
أن يسقط القضاء ،كما في صوم رمضان ،إل أ ّ
القضاء في صوم رمضان إنّما كان لدفع الحرج ،لنّ الجنون إذا طال قلما يزول ،فيتكرر
عليه صوم رمضان ،فيحرج في قضائه ،وهذا المعنى ل يتحقق في العتكاف ،وأما
اعتكاف التطوّع إذا قطعه قبل تمام اليوم فل شيء عليه في رواية الصل ،وفي رواية
ن اعتكاف التطوّع غير مقدر في رواية محمد عن أبي حنيفة
الحسن يقضي ،بناء على أ ّ
وفي رواية الحسن عنه مقدر بيوم .
وأما حكمه إذا فات عن وقته المعين له ،بأن نذر اعتكاف شهر بعينه ،أنّه إذا فات بعضه
قضاه ل غير ،ول يلزمه الستقبال ،كما في الصوم ،وإن فاته كلّه قضى الكل متتابعا ،
لنّه لما لم يعتكف حتى مضى الوقت صار العتكاف دينا في ذمته ،فصار كانه أنشأ النذر
باعتكاف شهر بعينه ،فإن قدر على قضائه فلم يقضه حتى أيس من حياته يجب عليه أن
يوصي بالفدية لكلّ يوم طعام مسكين ،لجل الصوم ،ل لجل العتكاف ،كما في قضاء
رمضان والصوم المنذور في وقت بعينه ،وإن قدر على البعض دون البعض فلم يعتكف ،
فكذلك إن كان صحيحا وقت النذر ،فإن كان مريضا وقت النذر فذهب الوقت وهو مريض
حتى مات ،فل شيء عليه ،وإن صح يوما واحدا يلزمه أن يوصي بالطعام لجميع الشهر
في قول أبي حنيفة وأبي يوسف وعن محمد ل يلزمه إل مقدار ما يصحّ على ما ذكره
ي.
القدور ّ
وإذا نذر اعتكاف شهر بغير عينه ،فجميع العمر وقته ،كما في النذر بالصوم في وقت
ن اليجاب حصل مطلقا عن
بغير عينه ،وفي أيّ وقت أدى كان مؤدّيا ل قاضيا ،ل ّ
الوقت ،وإنّما يتضيق عليه الوجوب إذا أيس من حياته ،وعند ذلك يجب عليه أن يوصي
بالفدية كما في قضاء رمضان والصوم المنذور المطلق ،فإن لم يوص حتى مات سقط عنه
في أحكام الدّنيا حتى ل تؤخذ من تركته ،ول يجب على الورثة الفدية إل أن يتبرعوا به .
ن العذر الذي يقطع العتكاف إما إغماء أو جنون أو حيض أو نفاس أو
ويرى المالكية أ ّ
مرض ،والعتكاف إما نذر معين من رمضان أو غيره ،أو نذر غير معين ،وفي كلّ إما
أن يطرأ العذر قبل العتكاف ،أو مقارنا له ،أو بعد الدّخول فيه .
فإن كانت تلك الموانع في العتكاف المنذور المطلق أو المعين من رمضان ،فل بد من
البناء بعد زوالها ،سواء طرأت قبل العتكاف وقارنت ،أو بعد الدّخول .
وإن كان نذرا معينا من غير رمضان ،فإن طرأت خمسة العذار قبل الشّروع في
العتكاف ،أو مقارنةً ،فل يجب القضاء .
وإن طرأت بعد الدّخول ،فالقضاء متصلً .
وإن كان تطوّعا معينا أو غير معين فل قضاء ،سواء طرأت العذار الخمسة قبل الشّروع
أو بعده أو مقارن ًة له .
وبقي حكم ما إذا أفطر ناسيا ،والحكم أنّه يقضي ،سواء كان العتكاف نذرا معينا من
رمضان ،أو من غيره ،أو كان نذرا غير معين ،أو كان تطوّعا معينا أو غير معين .
وأما إن أفطر في اعتكافه متعمدا فإنّه يبتدئ اعتكافه ،وكذلك يبتدئ اعتكافه من جامع فيه
ل أو نهاراً ناسيا أو متعمدا .
لي ً
وقال الشافعية :إن نذر أن يعتكف شهرا نظر فإن كان شهرا بعينه لزمه اعتكافه ليلً
ن الشهر عبارة عما بين الهللين تم أو
ونهاراً ،سواء كان الشهر تامّا أو ناقصا ،ل ّ
نقص ،وإن نذر اعتكاف نهار الشهر ،لزمه النهار دون الليل ،لنّه خص النهار ،فل
يلزمه الليل ،فإن فاته الشهر ولم يعتكف فيه ،لزمه قضاؤه ويجوز أن يقضيه متتابعا أو
متفرّقا ،لنّ التتابع في أدائه بحكم الوقت ،فإذا فات سقط ،كالتتابع في يوم شهر
رمضان ،وإن نذر أن يعتكف متتابعا لزمه قضاؤه متتابعا ،لنّ التتابع هاهنا وجب لحكم
النذر ،فلم يسقط بفوات الوقت .
ويرى الحنابلة أنّ من نذر اعتكافا ثم أفسده ينظر ،فإن كان نذر أياما متتابعةً فسد ما
مضى من اعتكافه واستأنف ،لنّ التتابع وصف في العتكاف ،وقد أمكنه الوفاء به ،
فلزمه ،وإن كان نذر أياما معينةً كالعشرة الواخر من شهر رمضان ،ففيه وجهان :
أحدهما :يبطل ما مضى ويستأنفه ،لنّه نذر اعتكافا متتابعا فبطل بالخروج منه ،كما لو
قيده بالتتابع بلفظه .
ن ما مضى منه قد أدى العبادة فيه أداءً صحيحا ،فلم يبطل بتركها
والثاني :ل يبطل ،ل ّ
في غيره ،كما لو أفطر في أثناء شهر رمضان ،والتتابع هاهنا حصل ضرورة التعيين ،
والتعيين مصرح به ،وإذا لم يكن بدّ من الخلل بأحدهما ،ففيما حصل ضرور ًة أولى ،
ولنّ وجوب التتابع من حيث الوقت ل من حيث النذر ،فالخروج في بعضه ل يبطل ما
مضى منه ،فعلى هذا يقضي ما أفسد فيه فحسب ،وعليه الكفارة على الوجهين جميعا ،
لنّه تارك لبعض ما نذره .
قضاء مناسك الحجّ :
-ترك ركن من أركان الحجّ إما أن يكون بمانع قاهر يمنع المحرم من أركان النّسك ، 34
ويعبّر عنه الفقهاء بالحصار ،أو يكون بغير مانع قاهر ،ويعبّر عنه الفقهاء بالفوات .
وقد اتفق الفقهاء على أنّه يجب على المحصر قضاء النّسك الذي أحصر عنه إذا كان واجبا
كحجة السلم ،والحجّ والعمرة المنذورين عند جميعهم ،وكعمرة السلم عند الشافعية
والحنابلة ،ول يسقط هذا الواجب عنه بسبب الحصار .
وللتفصيل في أحكام قضاء النّسك الواجب الذي أحصر عنه المحرم ،وقضاء نسك التطوّع
). 123 - 121 ،وحجّ ف / 51 - 49 وما يلزم المحصر في القضاء ( ر :إحصار ف /
ومن فاته الحجّ يتحلل بطواف وسعي وحلق عند جمهور الفقهاء ويلزمه القضاء من قابل .
ي ،أنّه يمضي في حجّ فاسد ويلزمه جميع
ويرى الحنابلة في إحدى الرّوايتين ،والمزن ّ
ن سقوط ما فات وقته ل يمنع ما لم يفت .
أفعال الحجّ ،ل ّ
وللتفصيل في صور فوات الحجّ ،وتحلّل من فاته الحجّ ،وكيفية التحلّل ( ر :فوات ) .
قضاء الضحية لفوات وقتها :
-يرى الحنفية والمالكية أنّ التضحية تفوت بمضيّ وقتها ،ول يخاطب بها المكلف 35
فذهب الحنفية والمالكية إلى أنّ القسم يفوت بفوات زمنه سواء فات لعذر أم ل ،فل
ن القصد من القسم دفع الضرر الحاصل في
يقضي ،فليس للتي فاتت ليلتها ليلة بدلها ،ل ّ
الحال ،وذلك يفوت بفوات زمنه ،ولو قلنا بالقضاء ،لظلمت صاحبة الليلة المستقبلة .
ي نقلً عن المحيط والمبسوط :الزوج لو أقام عند واحدة شهرا ظلما ،ثم طلب
وقال العين ّ
القسم من الباقيات ،أو بغير طلب ،فليس عليه أن يعوّض ،لنّه ليس بمال ،فلم يكن
عليه دينا في الذّمة ،لكنّه ظالم يوعظ ،فإن استمر يؤدب تعزيرا .
ويرى الشافعية والحنابلة أنّه إن تعذر على الزوج المقام عند ذات الليلة ليلً لشغل أو
حبس ،أو ترك المقام عندها في ليلتها لغير عذر قضاه لها ،كسائر الواجبات .
وهذا ما اختاره ابن الهمام حيث قال :والذي يقتضيه النظر أن يؤمر بالقضاء إذا طلبت ،
ي ،وله قدرة على إيفائه .
لنّه حقّ آدم ّ
قضاء النّفقات :
-ذهب المالكية والشافعية والحنابلة في أظهر الرّوايتين ،والحسن وإسحاق وابن 37
المنذر إلى أنّ من ترك النفاق الواجب لمرأته مدةً لم يسقط بذلك ،وكان دينا في ذمته ،
سواء تركه لعذر أو لغير عذر ،لنّه مال يجب على سبيل البدل في عقد معاوضة ،فل
يسقط بمضيّ الزمان ،كالثمن والجرة والمهر .
ويرى الحنفية والحنابلة في الرّواية الخرى ،أنّه إذا مضت مدة ولم ينفق عليها سقطت
النفقة ،إل أن تكون قد قضي بها أو صالحته على مقدارها ،فيقضى لها بنفقة ما مضى ،
لنّ النفقة لم تجب عوضا عن البضع ،فبقي وجوبه جزا ًء عن الحتباس صلةً ورزقا ل
عوضا ،لنّ ال تعالى سماه رزقا بقوله { :وَعلَى ا ْل َموْلُودِ َلهُ ِرزْ ُقهُن } .
والرّزق اسم لما يذكر صل ًة ،وال صّلت ل تملك إل بالتسليم حقيقةً أو بقضاء القاضي ،كما
في الهبة ،أو بالتزامه بالتراضي .
وصرح الحنفية بأنّه إذا مات أحد الزوجين بعد القضاء أو الصطلح قبل القبض سقطت
النفقة ،لنّها صلة من الصّلت تسقط بالموت قبل القبض .
هذا حكم نفقة الزوجة ،وأما نفقة القريب ،فيرى الفقهاء أنّه إذا فات منها يوم أو أيام ولم
ينفق على من تلزمه نفقته لم يصر دينا عليه ،ولم يجب عليه قضاؤه ،لنّها تسقط بمضيّ
الزمان ،إل أن يكون القاضي أمر بالستدانة عليه ،فتصير دينا في ذمته ول تسقط .
وللتفصيل ( ر :نفقة ) .
قُضاة *
التعريف :
-القضاة :جمع قاض ،وهو القاطع للمور المحكم لها ،يقال :قضى قضا ًء فهو 1
قاض ،إذا حكم وفصل ،واستقضي فلن :جعل قاضيا يحكم بين الناس .
ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن المعنى اللّغويّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
الحكّام :
-الحكام .جمع حاكم ،وهو اسم يتناول الخليفة والوالي والقاضي والمحكم ،إل أنّه 2
المام ،لما أنّه ل يجوز له إخلء مسافة العدوى عن قاض لنّ الحضار من فوقها مشقة ،
لدخول ذلك في عموم وليته ،ول يصحّ إل من جهته ،ول يتوقف حتى يسأل ،لنّها من
الحقوق المسترعاة ،وقبول التولية فرض كفاية في حقّ الصالحين له .
والتفصيل في مصطلح ( قضاء ) .
وفي القضاء فضل عظيم لمن قوي على القيام به وأداء الحقّ فيه ،ولذلك جعل ال فيه
أجرا مع الخطأ وأسقط عنه حكم الخطأ .
والتفصيل في مصطلح ( قضاء ) .
شروط القاضي :
-اشترط الفقهاء فيمن يتولى القضاء شروطا ،اختلفوا في بعضها ،واتفقوا في بعضها 4
أحدهم عقود النكحة ،والخر الحكم في المداينات ،وآخر النظر في العقارات مثلً .
ويجوز أن يُولّي كلّا منهم عموم النظر في ناحية من نواحي البلد ،لعدم المنازعة بينهما ،
أما إن لم يخص كلّا من القاضيين بما ذكر بل عمم وليتهما فقد اختلف الفقهاء في ذلك على
مذاهب ،والتفصيل في مصطلح ( قضاء ) .
أخذ الرّزق على القضاء :
-يجوز للقاضي أخذ الرّزق من بيت مال المسلمين ،ورخص فيه شريح وابن سيرين ، 6
والشافعيّ ،وبعض الحنفية ،وعليه جمهور الفقهاء وأكثر أهل العلم ،والتفصيل في
مصطلح ( قضاء ) .
أما استئجاره على القضاء فل يجوز عند عامة الفقهاء .
والتفصيل في مصطلح ( قضاء ) .
قِطار *
التعريف :
-القِطار من البل في اللّغة :عدد على نسق واحد ،والجمع ُقطُر ،مثل كتاب وكتب ، 1
يقال َ :قطَر البل قطرا ،وقطّرها وأقطرها :قرّب بعضها إلى بعض على نسق .
والفقهاء يستعملون هذا اللفظ بالمعنى اللّغويّ نفسه .
ي :القطار :البل تقطر على نسق واحد .
قال البابرت ّ
وقال الزرقانيّ :القطار -بكسر القاف -هو ربط البل أو غيرها بعضها ببعض .
ويشترط بعض فقهاء الشافعية أن ل يزيد عدد القطار الواحد على تسعة للعادة الغالبة
وخالف ابن الصلح فقدره بسبعة .
قال النّوويّ :والصحّ التوسّط ،ذكره أبو الفرج السرخسيّ ،فقال :في الصحراء ل يتقيد
بعدد ،وفي العمران يعتبر ما جرت العادة بأن يجعل قطارا ،وهو ما بين سبعة إلى
ي :لم يعتبر ذلك الشافعيّ ول كثير من الصحاب ،منهم الشيخ أبو
عشرة ،وقال البلقين ّ
حامد وأتباعه ،والتقييد بالتّسع أو السبع ليس بمعتمد ،وذكر الذرعيّ والزركشيّ نحوه ،
ثم قال :وسبب اضطرابهم في العدد اضطراب العرف فيه ،فالشبه الرّجوع في كلّ مكان
إلى عرفه ،وبه صرح صاحب الوافي .
اللفاظ ذات الصّلة :
الراحلة :
-الراحلة :المركب من البل ذكرا كان أو أنثى ،والناقة التي تصلح للرحل ،والول هو 2
كان منه بحيث ل يراه فليس بمحرز ،وإن كان معه قائد ،فحرزه أن ينظر إليه كل ساعة
وينتهي نظره إليه إذا التفت ،فإن كان ل يرى البعض لحائل جبل أو بناء ،فذلك البعض
غير محرز .
وقال المالكية بقطع السارق لشيء من القطار بمجرد إبانته عن باقيه على المعتمد .
وحكى ابن كجّ وجها للشافعية أنّه ل يشترط انتهاء نظر القائد إلى آخر القطار .
وحيث يشترط انتهاء نظر القائد إلى القطار فقد اختلف فقهاء الشافعية في اشتراط بلوغ
الصوت ،فقال بعضهم :لو لم يبلغ صوته بعض القطار فإنّ ذلك البعض غير محرز ،
وسكت آخرون عن اعتبار بلوغ الصوت اكتفاءً بالنظر ،لنّه إذا قصد ما يراه أمكنه العدو
إليه .
ل لم يقطع ،لنّه ليس بحرز
ن من سرق من القطار بعيرا أو حم ً
وذهب الحنفية إلى أ ّ
مقصود ،فتتمكن فيه شبهة العدم ،وهذا لنّ السائق والراكب والقائد إنّما يقصدون قطع
المسافة ونقل المتعة دون الحفظ ،حتى لو كان مع الحمال من يتبعها للحفظ قالوا :
ن الجوالق في مثل هذا حرز ،لنّه يقصد بوضع
يقطع ،وإن شق الحمل وأخذ منه قطع ،ل ّ
المتعة فيه صيانتها كالكمّ ،فوجد الخذ من الحرز فيقطع .
). 37 وللتفصيل ( ر :سرقة ف /
ب -ضمان ما أتلفه القطار :
ل ،وإن كان معه
ن الدّية تجب على قائد قطار وطئ بعير منه رج ً
-نص الحنفية على أ ّ 4
ِقطّ *
انظر :هرّ .
قَطْع *
التعريف :
-القطع في اللّغة :إبانة جزء من الجرم ،يقال :قطعت الحبل قطعا :فصلت منه 1
جزءا ،ويطلق على المعاني :فكلّ من شرع في أمر من المور فلم يكمله يقال :إنّه
قطعه ،فمن تحلل عن الصلة بالسلم قبل إتمامها ،أو أتى ما يبطلها بعد الشّروع فيها فقد
ي عن المعنى اللّغويّ .
قطع صلته ول يخرج المعنى الصطلح ّ
الحكام المتعلّقة بالقطع :
تختلف أحكام القطع باختلف موضوع القطع :
قطع العبادة :
ي غير جائز باتّفاق الفقهاء ،
-قطع العبادة الواجبة بعد الشّروع فيها بل مسوّغ شرع ّ 2
لنّ قطعها بل مسوّغ شرعيّ عبث يتنافى مع حرمة العبادة ،وورد النهي عن إفساد
عمَا َلكُمْ } ،أما قطعها بمسوّغ شرعيّ فمشروع ،فتقطع
العبادة ،قال تعالى { :وَلَا تُ ْبطِلُوا أَ ْ
الصلة لقتل حية ونحوها للمر بقتلها ،وخوف ضياع مال له قيمة له أو لغيره ،ولغاثة
ملهوف ،وتنبيه غافل أو نائم قصدت إليه نحو حية ،ول يمكن تنبيهه بتسبيح ،ويقطع
الصوم لنقاذ غريق ،وخوف على نفس ،أو رضيع .
أما قطع التطوّع بعد الشّروع فيه فقد اختلف الفقهاء في حكمه فقال الحنفية والمالكية :ل
يجوز قطعه بعد الشّروع بل عذر كالفرض ويجب إتمامه ،لنّه عبادة ،ويلزم بالشّروع
فيه ،ول يجوز إبطاله ،لنّه عبادة .
وقال الشافعية والحنابلة :يجوز قطع التطوّع ،عدا الحجّ والعمرة ،لحديث « المتنفل أمير
نفسه » ولكن يستحبّ إتمامه ،أما الحجّ والعمرة فيجب إتمامهما ،وإن فسدا إذا شرع
). 21 ن نفلهما كفرضهما ( ر :تطوّع ف /
فيهما ،ل ّ
وتنقطع الصلة بإتيان ما يتنافى معها كتعمّد الحدث ،ونية الخروج منها بعد الحرام ،
والكلم الكثير عرفا ،والعمل الكثير ،ونحو ذلك من مبطلتها .
وقال الحنابلة :يقطعها أيضا :الكلب السود إذا مر بين يدي المصلّي ،وهو البهيم الذي
ليس في لونه شيء سوى السواد ،وفي رواية عن أحمد أنّه يقطع الصلة :الكلب
السود ،والحمار ،والمرأة إذا مرت بين يدي المصلّي ،ول يقطع شيء من ذلك عند عامة
الفقهاء .ويقطع عند الحنفية محاذاة المرأة الرجل في صلة مطلقةً يشتركان فيها ( ر :
). 11 اقتداء ف /
ويقطع الصوم ما يبطله من أكل أو شرب أو جماع ،ول ينقطع الصوم بنية القطع عند
). 33 الشافعية ( ر :صوم ف /
قطع القدوة :
-تنقطع قدوة المأموم بخروج إمامه من صلته بسلم ،أو غيره لزوال الرابطة . 3
ولو كان قصيرا قصد به قطع القراءة ،لشعار ذلك العراض عن القراءة .
قطع خطبة الجمعة :
-يشترط لصحة خطبة الجمعة سماع العدد الذي تنعقد به ،فإن انفضّوا أو بعضهم ففي 5
سواء أكان شجرا أو غيره ،ويستوي في ذلك المحرم وغيره ،لحديث « :حرّم ال مكة
فلم تحل لحد قبلي ول لحد بعدي أحلت لي ساعةً من نهار ،ل يختلى خلها ول يعضد
). 10 شجرها » ( .ر :حرم ف /
قطع سلعة أو عضو متآكل :
-للحرّ البالغ العاقل قطع سلعة -أي ورم ونحوه -من جسده ل خطر في قطعها ،ول 7
في تركها ،لنّ له غرضا في إزالة الشين ،فإن كان في قطعها خطر على نفسه بقول
طبيبين أو طبيب ثقة ول خطر في تركها ،أو زاد خطر القطع ،فل يجوز له قطعها ،لنّ
ذلك يؤدّي إلى هلك نفسه .وال يقول َ { :و َل تُ ْلقُواْ ِبأَيْدِيكُمْ إِلَى ال ّتهْلُ َكةِ } ،وإن قال
الطباء :إن لم يقطع حصل أمر يفضي إلى الهلك ،وجب القطع ،كما يجب دفع
المهلكات ،ومثل السّلعة العضو المتآكل في الحكام .
وللصل وإن عل :قطع نحو سلعة وعضو متآكل من صبيّ ،ومجنون مع الخطر فيه إن
زاد خطر الترك على خطر القطع ،لنّه يلي صون مالهما عن الضياع فبدنهما أولى ،
وللحاكم وغيره من الولياء غير الب والج ّد قطعها بل خطر ،أما مع الخطر فل يجوز .
قطع يد السارق :
-يجب على المام إقامة حدّ السرقة على سارق نصاب السرقة من حرز مثله إذا رفع 8
َقطْع الطريق *
انظر :حرابة .
قَفِيز *
انظر :مقادير .
قَلْس *
انظر :قيء .
ُقلْفَة *
انظر :حشفة ،ختان .
ُقلّة *
انظر :مقادير .
سوَة *
قَ َل ْن ُ
التعريف :
-القَلَ ْنسُوة لغةً :من ملبس الرّءوس . 1
تعالى عنه صالحهم على تغيير زيّهم بمحضر من الصحابة ،فإذا لبسوا القلنس يجب أن
تكون مخالفةً للقلنس التي يلبسها المسلمون وذلك بتمييزها بعلمة يُعرفون بها .
قال ابن عابدين :يمنع أهل الذّمة من لبس القلنس الصّغار ،وإنّما تكون طويلةً من
كرباس مصبوغةً بالسواد مضربةً مبطنةً وهذا في العلمة أولى .
وقد ذكر أبو يوسف في كتاب الخراج بإلزامهم لبس القلنس الطويلة المضربة وأنّ عمر
رضي ال تعالى عنه كان يأمر بذلك ،أي تكون علمةً يعرفون بها .
وقال الشّيرازيّ :إن لبسوا القلنس جعلوا فيها خِرَقا ليتميزوا عن قلنس المسلمين ،لما
روى عبد الرحمن بن غنم في الكتاب الذي كتبه لعمر حين صالح نصارى الشام فشرط أن
ل تتشبه بهم في شيء من لباسهم من قلنسوة ول عمامة .
وبمثل ذلك قال الحنابلة .
وقال المالكية :يُلزمون بلبس يميّزهم .
قِمار *
انظر :ميسر .
قَميص *
انظر :ألبسة .
ِقنْطار *
انظر :مقادير .
ُقنْفُذ *
انظر :أطعمة .
قِنّ *
انظر :رقّ .
ُقنُوت *
التعريف :
-يطلق القنوت في اللّغة على معان عدة ،منها : 1
الول :للحنفية والحنابلة والثوريّ :وهو أنّ القنوت في الصّبح غير مشروع ،وهو مرويّ
عن ابن عباس ،وابن عمر ،وابن مسعود ،وأبي الدرداء ،رضي ال عنهم ،وقال أبو
حنيفة :القنوت في الفجر بدعة ،وقال الحنابلة :يكره .
واستدلّوا على ذلك :بما ورد أنّ النّبي صلى ال عليه وسلم « قنت في صلة الفجر شهرا
يدعو في قنوته على أحياء من أحياء العرب ،ثم تركه » ،قالوا :فكان منسوخا ،إذ الترك
دليل النسخ ،وبما روي عن أبي مالك سعد بن طارق الشجعيّ قال « :قلت لبي :يا
أبت ،إنّك قد صليت خلف رسول ال ،وأبي بكر ،وعثمان ،وعليّ هاهنا بالكوفة نحوا من
خمس سنين ،أكانوا يقنتون ؟ قال :أي بني ،محدث » .وفي لفظ « :يا بني إنّها بدعة
» .قال التّرمذيّ :والعمل عليه عند أكثر أهل العلم .
ن النّبي
ن القنوت في الصّبح مستحبّ وفضيلة ،ل ّ
والثاني :للمالكية على المشهور :وهو أ ّ
صلى ال عليه وسلم « كان يقنت في صلة الصّبح » فيما روى أبو هريرة وخفاف بن
إيماء والبراء وأنس بن مالك .قال أنس « :ما زال رسول ال يقنت في الفجر حتى فارق
الدّنيا » ،وقال عليّ بن زياد بوجوب القنوت في الصّبح ،فمن تركه فسدت صلته .
ويجوز قبل الرّكوع وبعده في الركعة الثانية ،غير أنّ المندوب الفضل كونه قبل الرّكوع
عقب القراءة بل تكبيرة قبله ،وذلك لما فيه من الرّفق بالمسبوق ،وعدم الفصل بينه وبين
ركني الصلة ولنّه الذي استقر عليه عمل عمر رضي ال عنه بحضور الصحابة ،قال
القاضي عبد الوهاب البغداديّ " وروي عن أبي رجا العطارديّ قال :كان القنوت بعد
الرّكوع ،فصيره عمر قبله ليدرك المدرك وروي أنّ المهاجرين والنصار سألوه عثمان ،
فجعله قبل الرّكوع ،لنّ في ذلك فائدةً ل توجد فيما بعده ،وهي أنّ القيام يمتدّ فيلحق
المفاوت ،ولنّ في القنوت ضربا من تطويل القيام ،وما قبل الرّكوع أولى بذلك ،ل سيما
في الفجر .
ويندب كونه بلفظ :اللهم إنّا نستعينك ،ونستغفرك ،ونؤمن بك ،ونتوكل عليك ،ونخضع
لك ،ونخلع ونترك من يكفرك ،اللهم إياك نعبد ،ولك نصلّي ونسجد ،وإليك نسعى
ونحفد ،نرجو رحمتك ،ونخاف عذابك ،إنّ عذابك الجدّ بالكفار ملحق .
ومن ترك القنوت عمدا أو سهوا فل شيء عليه ،فإن سجد لتركه قبل السلم بطلت صلته
.وليس لدعاء القنوت حدّ محدود .
ول يرفع يديه في دعاء القنوت ،كما ل يرفع في التأمين ،ول في دعاء التشهّد .
ق المام والمأموم والمنفرد ،لنّه دعاء ،فينبغي السرار
والسرار به هو المستحبّ في ح ّ
به حذرا من الرّياء .
والمسبوق إذا أدرك الركعة الثانية ل يقنت في القضاء ،لنّه إنّما يقضي الركعة الولى ولم
يكن فيها قنوت ،قال ابن رشد :إن أدرك قبل ركوع الثانية لم يقنت في قضائه ،سواء
أدرك قنوت المام أم ل .
ن القنوت
الثالث :للشافعية :وهو أنّ القنوت في صلة الصّبح سنّة ،قال النّوويّ :اعلم أ ّ
مشروع عندنا في الصّبح ،وهو س ّن ٌة متأكّدة ،وذلك لما روى أنس بن مالك رضي ال عنه
« :ما زال رسول ال صلى ال عليه وسلم يقنت في الفجر حتى فارق الدّنيا » .
قالوا :ولو تركه لم تبطل صلته ،لكن يسجد للسهو ،سواء تركه عمدا أو سهوا .
أمّا محلّه ،فبعد الرفع من الرّكوع في الركعة الثانية من الصّبح ،فلو قنت قبل الرّكوع لم
يحسب له على الصحّ ،وعليه أن يعيده بعد الرّكوع ثم يسجد للسهو .
ي رضي ال عنهما قال :
وأمّا لفظه ،فالختيار أن يقول فيه ما روي عن الحسن بن عل ّ
« علمني رسول ال كلمات أقولهنّ في الوتر :اللهم اهدني فيمن هديت ،وعافني فيمن
عافيت ،وتولني فيمن توليت ،وبارك لي فيما أعطيت ،وقني شر ما قضيت ،فإنّك تقضي
ول يقضى عليك ،وأنّه ل يذلّ من واليت ،تباركت ربنا وتعاليت » ،وزاد العلماء فيه :
" ول يع ّز من عاديت " قبل " :تباركت ربنا وتعاليت " وبعده " :فلك الحمد على ما قضيت ،
أستغفرك وأتوب إليك " .
قال النّوويّ :قال أصحابنا :ل بأس بهذه الزّيادة ،وقال أبو حامد والبندنيجيّ وآخرون :
مستحبة .
ويسنّ أن يقول عقب هذا الدّعاء :اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد وسلّم .
وذلك في الوجه الصحيح المشهور .
ن القنوت ل يتعين فيه دعاء على المذهب المختار ،فأي دعاء دعا به
قال النّوويّ :واعلم أ ّ
حصل القنوت ،ولو قنت بآية أو آيات من القرآن العزيز ،وهي مشتملة على الدّعاء حصل
القنوت ،ولكنّ الفضل ما جاءت به السّنّة .
ولو قنت بالمنقول عن عمر بن الخطاب رضي ال عنه كان حسنا ،فقد روي أنّه قنت في
الصّبح بعد الرّكوع فقال :اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات ،والمسلمين والمسلمات ،
وألّف بين قلوبهم ،وأصلح ذات بينهم ،وانصرهم على عدوّك وعدوّهم ،اللهم العن كفرة
أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك ،ويكذّبون رسلك ،ويقاتلون أولياءك ،اللهم خالف
بين كلمتهم ،وزلزل أقدامهم ،وأنزل بهم بأسك الذي ل تردّه عن القوم المجرمين ،بسم
ال الرحمن الرحيم ،اللهم إنّا نستعينك ونستغفرك ،ونثني عليك ول نكفرك ،ونخلع
ونترك من يفجرك ،بسم ال الرحمن الرحيم ،اللهم إياك نعبد ولك نصلّي ونسجد ،ولك
نسعى ونحفد ،ونخشى عذابك الجد ،ونرجو رحمتك ،إنّ عذابك بالكافرين ملحق .
ثم إنّه يستحبّ الجمع بين قنوت عمر رضي ال عنه وما سبق ،فإن جمع بينهما ،فالصحّ
تأخ ير قنوت عمر ،وإن اقت صر فليقت صر على الول ،وإنّ ما يستحبّ الج مع بينه ما إذا كان
منفردا أو إمام جماعة محصورين يرضون بالتطويل .
ويستحبّ إذا كان المصلّي إماما أل يخص نفسه بالدّعاء ،بل يعمّم ،فيأتي بلفظ الجمع "
اللهم اهدنا ...إلخ " ،لما روي عن ثوبان رضي ال عنه قال :قال رسول ال صلى ال
عليه وسلم « :ل يؤمّ امرؤ قوما ،فيخص نفسه بدعوة دونهم ،فإن فعل فقد خانهم » .
أما رفع اليدين في القنوت ففيه وجهان مشهوران ،أصحّهما استحباب رفع اليدين فيه .
وأما مسح الوجه باليدين بعد الفراغ من الدّعاء -إن قلنا بالرفع -ففيه وجهان ،أصحّهما
عدم استحباب المسح .
وأما الجهر بالقنوت أو السرار به في صلة الصّبح ،فيفرق بين ما إذا كان المصلّي
إماما ،أو منفردا ،أو مأموما .
ب له الجهر بالقنوت في الصحّ .
-فإن كان إماما :فيستح ّ
-وإن كان منفردا فيس ّر به بل خلف .
-وإن كان مأموما :فإن لم يجهر المام قنت سرّا كسائر الدعوات ،وإن جهر المام
بالقنوت ،فإن كان المأموم يسمعه أمن على دعائه ،وشاركه في الثناء على آخره ،وإن
كان ل يسمعه قنت سرّا .
ب -القنوت في الوتر :
-اختلف الفقهاء في حكم القنوت في صلة الوتر على أربعة أقوال : 4
الول للحنفية :وهو أنّه ل يقنت في غير الوتر إل لنازل ٍة :كفتنة وبل ّيةٍ ،فيقنت المام في
الصلة الجهرية ،قال الطحاويّ :إنّما ل يقنت عندنا في صلة الفجر من دون وقوع بلية ،
فإن وقعت فتنة أو بلية فل بأس به ،فعله رسول ال صلى ال عليه وسلم .
وهل القنوت للنازلة قبل الرّكوع أو بعده ؟ احتمالن ،استظهر الحمويّ في حواشي الشباه
والنّظائر كونه قبله ،ورجح ابن عابدين ما استظهره الشرنبللي في مراقي الفلح أنّه
بعده .والثاني للمالكية في المشهور والشافعية في غير الصحّ :وهو أنّه ل يقنت في غير
ي :ل بوتر ول في سائر الصلوات عند الضرورة خلفا لزاعميه
الصّبح مطلقا ،قال الزرقان ّ
،لكن لو قنت في غيرها لم تبطل ،والظاهر أنّ حكمه في غير الصّبح الكراهة ،ودليلهم
على ذلك ما في الصحيحين عن أنس وأبي هريرة رضي ال عنهما « أنّه صلى ال عليه
وسلم قنت شهرا ثم تركه » .
والثالث للشافعية في الصحيح المشهور وبعض المالكية :وهو أنّه إذا نزلت بالمسلمين
نازلة ،كوباء ،وقحط ،أو مطر يضرّ بالعمران أو الزرع ،أو خوف عد ّو ،أو أسر عالم
قنتوا في جميع الصلوات المكتوبة ،قال النّوويّ :مقتضى كلم الكثرين أنّ الكلم والخلف
في غير الصّبح إنّما هو في الجواز ،ومنهم من يشعر إيراده بالستحباب ،قلت :الصحّ
استحبابه ،وصرح به صاحب العدة ،ونقله عن نص الشافعيّ في الملء ،فإن لم تكن
نازلة فل قنوت إل في صلة الفجر ،قال ابن علن :وإن لم تنزل فل يقنتوا ،أي يكره ذلك
لعدم ورود الدليل لغير النازلة ،وفارقت الصّبح غيرها بشرفها مع اختصاصها بالتأذين قبل
الوقت ،وبالتثويب ،وبكونها أقصرهن ،فكانت بالزّيادة أليق ،وليعود على يومه بالبركة ،
لما فيه -أي القنوت -من الذّلة والخضوع .
واستدلّوا على ذلك بحديث ابن عباس رضي ال عنهما « :قنت رسول ال صلى ال عليه
علٍ
وسلم شهرا متتابعا في الظّهر والعصر والمغرب والعشاء والصّبح ،يدعو على رِ ْ
وذكوان وعصيّة في دبر كلّ صلة إذا قال سمع ال لمن حمده من الركعة الخيرة ،ويؤمّن
من خلفه » قال ابن علن :إنّه صلى ال عليه وسلم قنت شهرا يدعو على قاتلي أصحابه
القراء ببئر معونة ،لدفع تمرّد القاتلين ،ل لتدارك المقتولين لتعذّره .وقيس غير خوف
العدوّ عليه .
وإذا قنت في غير الصّبح من الفرائض لنازلة ،فهل يجهر بالقنوت أم يس ّر به ؟ قال
النّوويّ :الراجح أنّها كلّها كالصّبح ،سرّي ًة كانت أم جهريةً ،ومقتضى إيراده في الوسيط
أنّه يسرّ في السرية ،وفي الجهرية الخلف .
والرابع للحنابلة على الراجح عندهم :وهو أنّه يكره القنوت في غير وتر إل أن تنزل
بالمسلمين نازلة -غير الطاعون -لنّه لم يثبت القنوت في طاعون عمواس ول في
ن للمام العظم -وهو الصحيح في
غيره ،ولنّه شهادة للخيار ،فل يسأل رفعه ،فيس ّ
المذهب -القنوت فيما عدا الجمعة من الصلوات المكتوبات -وهو المعتمد في المذهب -
ي صلى ال عليه وسلم « أنّه قنت شهرا يدعو
لرفع تلك النازلة ،ذلك لما روي عن النب ّ
على حيّ من أحياء العرب ،ثم تركه » ،وما روي عن عليّ رضي ال عنه أنّه قنت ثم قال
:إنّما استنصرنا على عدونا هذا .
ي صلى ال عليه وسلم وأصحابه ،وقد روي عن
ويقول المام في قنوته نحوا مما قال النب ّ
عمر رضي ال عنه أنّه كان يقول في القنوت " :اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات ،
والمسلمين والمسلمات ،وألّف بين قلوبهم ،وأصلح ذات بينهم ،وانصرهم على عدوّك
وعدوّهم ،اللهم العن كفرة أهل الكتاب الذين يكذّبون رسلك ،ويقاتلون أولياءك ،اللهم
خالف بين كلمتهم ،وزلزل أقدامهم ،وأنزل بهم بأسك الذي ل يردّ عن القوم المجرمين ،
بسم ال الرحمن الرحيم ،اللهم إنّا نستعينك ...إلخ .
ويجهر بالقنوت للنازلة في صلة جهرية ،قال ابن مفلح وظاهر كلمهم مطلقا ،ولو قنت
ن القنوت من جنس الصلة ،
في النازلة كلّ إمام جماعة أو كلّ مص ّل ،لم تبطل صلته .ل ّ
كما لو قال :آمين يا رب العالمين .
ُقِ ْنيَة *
التعريف :
-القنية في اللّغة :جمع المال وكسبه واتّخاذه للنفس ،يقال :اقتنيت المال :اتخذته 1
وشرعا :هو المال الذي لم تؤد زكاته وإن لم يكن مدفونا تحت الرض .
والعلقة بين القنية والكنز هي حبس المال وجمعه .
الحكم التكليفيّ :
-قنية الشياء قد يكون مباحا مثل اقتناء الذهب والفضة في حال دون حال ،وقد يكون 3
مندوبا مثل اقتناء المصاحف وكتب الحديث والعلم ،وقد يكون حراما مثل الخنزير والخمر
وآلت اللهو المحرمة .
). 2 انظر مصطلح ( اقتناء ف /
زكاة القنية :
-قسم ابن جزيّ العروض إلى أربعة أقسام :قسم للقنية خالصا ،وقسم للتّجارة خالصا 4
َقهْ َقهَة *
التعريف :
-القهقهة مصدر قهقه إذا مد ورجع في ضحكه ،وقيل :هو اشتداد الضحك . 1
السّرور .
وفي الصطلح :هو ما يكون مسموعا له دون جيرانه .
وبين الضحك والقهقهة عموم وخصوص .
ب -التبسّم :
-التبسّم مصدر تبسم ،والثّلثيّ بسم ،يقال :بسم يبسم بسما :انفرجت شفتاه عن 3
والحنابلة :إنّ الصلة تفسد بالقهقهة ول ينتقض الوضوء ،لما روى البيهقيّ عن أبي
الزّناد قال :كان من أدركت من فقهائنا الذين ينتهى إلى قولهم منهم سعيد بن المسيّب
وعروة بن الزّبير والقاسم بن محمد وأبو بكر بن عبد الرحمن وخارجة بن زيد بن ثابت
وغيرهم يقولون فيمن رعف غسل عنه الدم ولم يتوضأ وفيمن ضحك في الصلة أعادها
ولم يعد وضوءه .ولنّ الضحك لو كان ناقضا لنقض في الصلة وغيرها كالحدث ،فهي ل
توجب الوضوء خارج الصلة فل توجبه داخلها كالعطاس والسّعال .
وقال الحنفية :القهقهة في الصلة ذات الرّكوع والسّجود تنقض الوضوء وتفسد الصلة لما
روي عن أبي العالية والحسن البصريّ وإبراهيم النّخعيّ والزّهريّ « أنّ رجلً أعمى جاء
والنبيّ صلى ال عليه وسلم في الصلة ،فتردى في بئر ،فضحك طوائف من الصحابة ،
ي صلى ال عليه وسلم من ضحك أن يعيد الوضوء والصلة » ،وكما تبطل
فأمر النب ّ
بالحدث العمد إذا حصل قبل القعود الخير قدر التشهّد فإنّها تبطل كذلك ،بالقهقهة إذا
حصلت قبل القعود الخير قدر التشهّد كذلك أما إن كانت بعده فإنّها ل تبطل الصلة وإن
نقضت الوضوء .وأما إذا كانت القهقهة خارج الصلة ،أو في صلة الجنازة وسجدة
التّلوة وصلة الصبيّ وصلة الباني بعد الوضوء ل تفسد الوضوء في جميع ذلك .
قهقهة المام والمأموم :
ن قهقهة المام أولً تنقض وضوءه دون القوم ;
-ولو قهقه المام والقوم جميعا :فإ ّ 5
لنّ قهقهتهم لم تصادف تحريمة الصلة بفساد صلتهم لفساد صلة المام ،فجعلت
قهقهتهم خارج الصلة .
ن قهقهتهم حصلت في الصلة .
وإن قهقه القوم أولً ثم المام انتقض طهارة الكلّ ; ل ّ
ن قهقهة الكلّ حصلت في تحريمة الصلة .
وكذلك إن قهقهوا معا ; ل ّ
وهذا مذهب الحنفية .
َقوَادِح *
التعريف :
-القوادح في اللّغة جمع قادح :يقال قدح الرجل يقدحه قدحا إذا عابه بالطعن في نسبه 1
النص أو الجماع ،فل يتجه عليه فساد العتبار إل ممن ينكر القياس أصلً .
تعدّد القوادح :
-القوادح متعدّدة وقد اختلف الصوليّون في عددها : 3
ن من ّرجَا ِل ُكمْ
شهِيدَيْ ِ
شهِدُواْ َ
أ -الفسق فل تقبل الشهادة من فاسق لقوله تعالى { :وَاسْ َت ْ
شهَدَاء } والفاسق ليس بمرضيّ .
ن ال ّ
ن مِ َ
ضوْ َ
ج ٌل وَامْ َرأَتَانِ ِممّن تَرْ َ
فَإِن ّلمْ َيكُونَا َرجُلَيْنِ فَ َر ُ
ب -عدم المروءة :وهي سقوط الهمة ،وعدم الترفّع عن الدنايا ،فل يقبل شهادة من ل
مروءة له ; لنّه قد ل يترفع عن الكذب .
ج -عدم النّطق :فل يقبل شهادة البكم .
د -التّهمة :فل يقبل شهادة من يتهم بجرّ نفع ،أو دفع ضرر كأن يشهد لصله ،أو
فرعه.
وقال الشّربينيّ الخطيب :المداومة على ترك السّنن الراتبة ومستحبات الصلة تقدح في
الشهادة لتهاون مرتكبها بالدّين وإشعاره بقلة مبالته بالمهمات .
) وما بعدها . 22 وشهادة ف / 17 والتفصيل في مصطلح ( عدالة ف /
َقوَاعِد *
التعريف :
-القواعد لغةً جمع قاعدة وهي أساس الشيء وأصله . 1
فقواعد البناء أساسه الذي يعتمده ،قال الزجاج :القواعد أساطين البناء التي تعمّده ومنه
سمَاعِيلُ } .
ن الْبَيْتِ َوِإ ْ
قوله تعالى َ { :وإِذْ َيرْفَ ُع إِبْرَاهِيمُ ا ْل َقوَاعِدَ مِ َ
ن وقعدن عن الولد
والقواعد من النّساء العجز اللواتي قعدن عن التصرّف من أجل السّ ّ
والمحيض .
وفي الصطلح يطلق الفقهاء القواعد على معان منها :
القواعد الفقهية ،والقاعدة الفقهية قضية كلّية منطبقة على جميع جزئياتها ،وقال
الحمويّ :هي حكم أكثريّ ل كلّيّ ينطبق على أكثر جزئياته لتعرف أحكامها منه ،كما يطلق
الفقهاء القواعد من النّساء على المرأة التي قعدت عن الحيض والزواج من أجل السّنّ .
ويطلق الفقهاء قواعد البيت على أسسه التي يقوم عليها .
اللفاظ ذات الصّلة :
الصول :
-الصول في اللّغة جمع أصل ،وهو ما ينبني عليه غيره ،أو هو ما يفتقر إليه ول 2
مثلها كما يجوز لها أن تضع الجلباب والخمار بشرط أن ل تكون مظهرةً لما يتطلع إليه
الرّجال منها ،ول متعرّضةً بالتزيّن للنظر إليها ،ولكن خير لها أن تستعف بالتستّر الكامل
كالشابة .
قال القرطبيّ :إنّما خص القواعد من النّساء بذلك لنصراف النفس عنهنّ ،إذ ل مذهب
ن ما لم يبح لغيرهن ،وأزيل عنهنّ كلفة التحفّظ المتعب لهنّ ،ودليل
للرّجال فيهنّ فأبيح له ّ
ح أَن
ن جُنَا ٌ
س عَلَ ْيهِ ّ
ن ال ّنسَاء اللّاتِي لَا يَ ْرجُونَ ِنكَاحا فَلَيْ َ
ما ذكر قوله تعالى { :وَالْ َقوَاعِدُ مِ َ
سمِي ٌع عَلِيمٌ } .
ن خَيْ ٌر ّلهُنّ وَال َ
ن غَ ْيرَ مُتَ َب ّرجَاتٍ ِبزِي َنةٍ َوأَن َيسْ َت ْعفِفْ َ
ضعْنَ ثِيَا َبهُ ّ
يَ َ
). 5 والتفصيل في ( عجوز ف /
قِوامة *
التعريف :
-القِوامة في اللّغة من قام على الشيء يقوم قياما :أي حافظ عليه وراعى مصالحه ، 1
ومن ذلك القيّم وهو الذي يقوم على شأن شيء ويليه ويصلحه ،والقوّام على وزن فعال
للمبالغة من القيام على الشيء والستبداد بالنظر فيه وحفظه بالجتهاد .
قال البغويّ :القوام والقيّم بمعنى واحد ،والقوام أبلغ وهو القائم بالمصالح والتدبير
والتأديب .
وبتتبّع عبارات الفقهاء يتبين أنّهم يطلقون لفظ القوامة على المعاني التية :
أ -ولية يفوّضها القاضي إلى شخص كبير راشد بأن يتصرف لمصلحة القاصر في تدبير
شؤونه المالية ( ر :قيّم ) .
وكثيرا ما يسمّي الفقهاء القيّم بهذا المعنى وصي القاضي ،ويسمّي المالكية القيّم مقدم
القاضي .
ب -ولية يفوّض بموجبها صاحبها بحفظ المال الموقوف والعمل على إبقائه صالحا ناميا
بحسب شرط الواقف .
ج -ولية يفوّض بموجبها الزوج بتدبير شؤون زوجته وتأديبها وإمساكها في بيتها
ومنعها من البروز .
ويستعمل الفقهاء القيّم والناظر والمتولّي في باب الوقف بمعنىً واحد .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -اليصاء :
-اليصاء في اللّغة مصدر أوصى ،يقال أوصى فلن بكذا يوصي إيصا ًء ،والسم 2
الوصاية " بفتح الواو وكسرها " وهو أن يعهد إلى غيره في القيام بأمر من المور ،سواء
أكان القيام بذلك المر في حال حياة الطالب أم كان بعد وفاته .
وأما في الصطلح فاليصاء بمعنى الوصية ،وعند بعض الفقهاء هو إقامة النسان غيره
مقامه بعد وفاته في تصرّف من التصرّفات ،أو في تدبير شؤون أولده الصّغار ورعايتهم ،
وذلك الشخص المقام يسمى الوصي .
أما إقامة غيره مقامه في القيام بأمر في حال حياته فل يقال له في الصطلح إيصاء ،
). 1 وإنّما يقال له وكالة ( .ر :إيصاء ف /
ي والقيّم بأنّ القيّم من فوّض إليه حفظ المال والقيام عليه
وفرق بعض الفقهاء بين الوص ّ
وجمع الغلت دون التصرّف ،والوصيّ من فوّض إليه التصرّف والحفظ جميعا فيكون
بمنزلة الوكيل بالتصرّف والحفظ جميعا ،وعقب على ذلك ابن مازه بقوله :لكنّ هذا الفرق
كان من قبل ،أما في زماننا فإنّه ل فرق بين القيّم والوصيّ .
ب -الوكالة :
-الوكالة :إقامة الشخص غيره مقام نفسه في تصرّف مملوك قابل للنّيابة ليفعله في 3
ماله ،ويقوم عليه ويستوفي حقه ; لنّ القاضي نصّب ناظرا لكلّ عاجز عن النظر لنفسه ،
ي والمجنون ،وفي نصب ما ذكر نظر له فيفعل .
والمفقود عاجز عنه ،فصار كالصب ّ
وللتفصيل ( ر :مفقود ) .
القوامة على الوقف :
ن حق تولية أمر الوقف في الصل للواقف فإن شرطها لنفسه أو لغيره
-يرى الفقهاء أ ّ 7
حالها ،ويقوم عليها آمرا ناهيا كما يقوم الوالي على رعيته .
علَى ال ّنسَاء } ،أي الرجل قيّم
قال ابن كثير في تفسير قول ال تعالى { :ال ّرجَالُ َقوّامُونَ َ
على المرأة ،أي هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها مؤدّبها إذا اعوجت .
وقال الجصاص في تفسيره للية :قيامهم عليهنّ بالتأديب والتدبير والحفظ والصيانة لما
فضل ال الرجل على المرأة في العقل والرأي ،وبما ألزمه ال تعالى من النفاق عليها ،
فدلت الية على معان :
أحدها :تفضيل الرجل على المرأة في المنزلة ،وأنّه هو الذي يقوم بتدبيرها وتأديبها ،
ن له إمساكها في بيته ومنعها من الخروج ،وأنّ عليها طاعته وقبول أمره
وهذا يدلّ على أ ّ
ن َأ ْموَا ِل ِهمْ } .
ما لم تكن معصيةً ،ودلت على وجوب نفقتها عليه بقوله { :وَ ِبمَا أَن َفقُواْ مِ ْ
ن الولية تستحقّ بالفضل ل
وقال الزمخشريّ في تعليقه على الية :وفيه دليل على أ ّ
بالتغلّب والستطالة والقهر .
أسباب القوامة :
-ذكر العلماء أنّ القوامة جعلت على المرأة للرجل لثلثة أسباب : 9
ي :إنّ الرّجال لهم فضيلة في زيادة العقل والتدبير
الول :كمال العقل والتمييز ،قال القرطب ّ
ق القيام عليهنّ لذلك .
فجعل لهم ح ّ
الثاني :كمال الدّين .
الثالث :بذل المال من الصداق والنفقة ،قال ابن كثير في تفسيره لقول ال تعالى :
ن َأ ْموَا ِلهِمْ }
ض وَ ِبمَا أَن َفقُواْ مِ ْ
ض ُهمْ عَلَى َبعْ ٍ
ضلَ ال َبعْ َ
علَى ال ّنسَاء ِبمَا فَ ّ
{ ال ّرجَالُ َقوّامُونَ َ
ن في كتابه وسنّة نبيّه صلى ال
أي من المهور والنّفقات والكلف التي أوجبها ال عليهم له ّ
عليه وسلم فالرجل أفضل من المرأة في نفسه ،وله الفضل عليها ،فناسب أن يكون قيّما
عليها .
). 16 - 14 وزوجة ف / 11 - 2 ( ر :زوج ف /
مقتضى قوامة الرجل على المرأة :
-مقتضى قوامة الرجل على المرأة أنّ على الرجل أن يبذل المهر والنفقة ويحسن 10
العشرة ويحجب زوجته ويأمرها بطاعة ال وينهي إليها شعائر السلم من صلة وصيام ،
وعليها الحفظ لماله والحسان إلى أهله واللتزام لمره وقبول قوله في الطاعات .
َقوَد *
انظر :قصاص .
َقوْل *
التعريف :
-القول في اللّغة هو :الكلم ،أو كلّ لفظ نطق به اللّسان تامّا أو ناقصا . 1
ويستعمل القول مجازا للدللة على الحال مثل :وقالت له العينان :سمعا وطاعةً .
والقول هو القيل والمقالة والمذهب .
وجمع القول :أقوال وأقاويل .
ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن المعنى .
اللّغويّ الحكم التكليفيّ :
ن القول منوط بقائله إذا كان مكلفا ،إن خيرا وإن شرّا ،لقول ال
-أجمعت المة على أ ّ 2
والمعاملت صيغا ل تتمّ إل بالقول بها ; لنّ هذه العقود ل تصحّ إل بالرّضا كما قال ال
طلِ ِإلّ أَن َتكُونَ ِتجَارَ ًة عَن تَرَاضٍ
ن آمَنُواْ َل تَ ْأكُلُواْ َأ ْموَا َل ُكمْ بَيْ َنكُمْ بِالْبَا ِ
تعالى { :يَا أَ ّيهَا الّذِي َ
مّنكُمْ } ،ولقول النبيّ صلى ال عليه وسلم « :إنّما البيع عن تراض » ،والرّضا أمر خفيّ
ل يطلع عليه ،فنيط الحكم بسبب ظاهر وهو القول -وهو اليجاب والقبول . -
قبول القول في الدعوى :
ن قول المنكر
-اتفق الفقهاء على أنّ قول المدعي في الدعوى يقبل بالبينة ،وعلى أ ّ 4
يقبل باليمين لحديث « :البينة على من ادعى واليمين على من أنكر » .
). 12 والتفصيل في مصطلح ( دعوى ف /
وقال السّيوطيّ :يقبل القول بل يمين في فروع :
ن هذا النّتاج بعد الحول أو من
منها :من عليه الزكاة وادعى مسقطا لها كأن يقول مثلً :إ ّ
ن الصل براءته .
غير النّصاب ; ل ّ
ج عن أبيه مثلً ،فقال الجير :حججت فيقبل قوله ول يمين
ومنها :من اكترى من يح ّ
ن تصحيح ذلك بالبينة ل يمكن ،وكذا لو قال للجير :قد جامعت في
عليه ول بينة ; ل ّ
إحرامك فأفسدته ،وأنكر الجير قبل قول الجير ،وكذا لو ادعى أنّه جاوز الميقات بغير
إحرام أو قتل صيدا في إحرامه ونحو ذلك قبل قول الجير ; لنّه أمين في كلّ ذلك .
ومنها :الب أو الجدّ إذا طلب العفاف وادعى الحاجة إلى النّكاح قبل قوله بل يمين إذ ل
يليق بمنصبه تحليفه في مثل ذلك .
ومنها :المطلقة ثلثا إذا نكحت زوجا آخر وادعت أنّه أصابها ،فيقبل قولها في حلّها
للزوج الول .
ومنها :العنّين إذا ادعى الوطء قبل قوله لدفع الفسخ .
ومنها :المتزوّجة بشرط البكارة إذا ادعت زوال البكارة بوطئه قبل قولها لعدم الفسخ ،
ويقبل قول الزوج لعدم تمام المهر .
ومنها :الوكيل إذا ادعى قبض الثمن من المشتري وتسليمه إلى البائع يقبل قوله حتى ل
يلزمه الغرم .
وقال ابن قدامة :المودع أمين والقول قوله فيما يدعيه من تلف الوديعة بغير خلف ،قال
ابن المنذر :أجمع كلّ من أحفظ عنه من أهل العلم على أنّ المودع إذا أحرز الوديعة ثم
ذكر أنّها ضاعت أنّ القول قوله .
وتفاصيل هذه المواضيع في مصطلحاتها .
َقوْل الصحابيّ *
التعريف :
-القول في اللّغة :ك ّل لفظ نطق به اللّسان ،تامّا كان أو ناقصا . 1
ويطلق على الراء والعتقادات ،يقال :هذا قول فلن في المسألة أي رأيه فيها ،وسبب
تسمية الراء أقوالً :أنّ الراء تخفى فل تعرف إل بالقول أو ما يقوم مقامه من شاهد
الحال ،فلما كانت ل تظهر إل بالقول سمّيت قو ًل .
والقول اصطلحا ل يخرج عن معناه اللّغويّ .
ق من الصّحبة وهي الرّؤية والمجالسة والمعاشرة .
والصحابيّ في اللّغة مشت ّ
والصحابيّ اصطلحا :من لقي النّبي صلى ال عليه وسلم مؤمنا به ومات على السلم .
ويؤخذ مما سبق أنّ قول الصحابيّ :هو ما نقل عمن صحب النّبي صلى ال عليه وسلم من
قول لم يرفعه إليه ولم يكن له حكم الرفع .
الحكام المتعلّقة بقول الصحابيّ :
ي في مسائل الجتهاد ليس بحجة على
ن قول الصحاب ّ
-ل خلف بين الصوليّين في أ ّ 2
صحابيّ آخر ،مجتهدا كان أو إماما ،أو حاكما أو مفتيا ،وإنّما الخلف المشهور في
حجّيته على التابعين ومن بعدهم من المجتهدين ،وفيه أقوال :
الول :أنّه ليس بحجة مطلقا كغيره من المجتهدين ،وهو قول الشافعيّ في الجديد ،وإليه
ذهب جمهور الصوليّين من الشافعية ويومئ إليه أحمد ،واختاره أبو الخطاب من
أصحابه ،وقال عبد الوهاب من المالكية :إنّه الصحيح الذي يقتضيه مذهب مالك ; لنّه
نص على وجوب الجتهاد واتّباع ما يؤدّيه إليه صحيح النظر ،فقال :ليس في اختلف
الصحابة سعة ،إنّما هو :خطأ أو صواب .
الثاني :أنّه حجة شرعية مقدمة على القياس وإليه ذهب أكثر الحنفية ،ونقل عن مالك
وهو القول القديم للشافعيّ ،وقال أبو سعيد البردعيّ :تقليد الصحابيّ واجب ،يترك به
القياس ،وأدركنا مشايخنا عليه ،وقال محمد بن الحسن :ليس عن أصحابنا المتقدّمين
ي عن أبي حنيفة :إذا اجتمعت الصحابة سلمنا لهم ،وإذا جاء
مذهب ثابت ،والمرو ّ
التابعون زاحمناهم ; لنّه كان منهم -فل يثبت لهم بدون إجماع .
الثالث :أنّه حجة إذا انضم إليه القياس ،فيقدم حينئذ على قياس ليس معه قول صحابيّ ،
ي الجديد ،ونص على ذلك في الرّسالة .وقال :وأقوال أصحاب
وهو ظاهر قول الشافع ّ
النبيّ عليه السلم إذا تفرقوا نصير منها إلى ما وافق الكتاب ،أو السّنّة أو الجماع ،أو
كان أصح في القياس .
وإذا قال واحد منهم القول ل يحفظ عن غيره منهم له موافقةً ول خلفا صرت إلى اتّباع
قول واحدهم .إذا لم أجد كتابا ،ول س ّنةً ول إجماعا ول شيئا يحكم بحكمه أو وجد معه
قياس .الرابع :أنّه حجة إذا خالف القياس ; لنّه ل محمل لمخالفته إل بالتوقيف ،فيعلم
أنّه ما قاله إل توقيفا ،وقال ابن برهان في الوجيز :وهذا هو الحقّ المبين ،قال :
ومسائل أبي حنيفة والشافعيّ تد ّل عليه .
والتفصيل في الملحق الصوليّ .
ُقوّة *
التعريف :
-القوة في اللّغة :الطاقة الواحدة من طاقات الحبل ،أو الوَتَر أو الخَصْلة الواحدة منه ، 1
ففي الحديث « :ليُ ْنقَضَنّ السلم عروةً عروةً كما ينقض الحبل قوّ ًة قوّةً » ،ثم اشتهر فيما
يقابل الضعف ،يقال :قوي الرجل والضعيف يقوى قو ًة ،والقوى جمع قوة ،مثل غرفة
عّل َمهُ شَدِيدُ ا ْل ُقوَى ،ذُو مِرّةٍ
وغرف ،ويكون ذلك في الجسم ،ومنه قوله تعالى َ { :
فَاسْ َتوَى } ،كما يكون في المور النفسية المعنوية :كالعقل ونحوه ،ومنه قوله تعالى
حسَ ِنهَا
لنبيّه موسى عليه وعلى نبينا الصلة والسلم َ { :فخُذْهَا ِب ُقوّةٍ َو ْأمُرْ َق ْومَكَ يَ ْأخُذُواْ بِ َأ ْ
} أي خذ اللواح بقوة في دينك وحجتك ،وقوله { :يَا َيحْيَى خُذِ ا ْلكِتَابَ ِب ُقوّةٍ } أي بجدّ .
ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن المعنى اللّغويّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الستطاعة :
-قال الجوهريّ :الستطاعة :الطاقة ،وقال ابن ب ّريّ :هو كما ذكر ،بَيْ َد أنّ 2
الستطاعة للنسان خاصةً ،والطاقة عامة ،يقال :جمل مطيق لحِمله ،ول يقال :جمل
مستطيع .
والصّلة بين القوة وبين الستطاعة أنّها أخصّ من القوة .
ب -القدرة :
-القدرة لغةً :القوة على الشيء والتمكّن منه ،وهي عبارة عن أدنى قوة يتمكن بها 3
كما يفاضل بينهم في الرّزق وغيره من عطائه ،وهي نعمة عظيمة وفضل كبير من ال
لمن عرف قدرها وأحسن استعمالها شكرا ل عليها لنّها الداة اللزمة لجلب الخير للمة
ودفع الشرّ عنها ،وإزالة المنكر ،والمر بالمعروف ،ولذلك ينبغي للمؤمن أن يكون قويّا
في نفسه ولجماعة المسلمين أن يكونوا أقوياء كذلك .
جاء في الثر الصحيح « :المؤمن القويّ خير وأحبّ إلى ال من المؤمن الضعيف وفي كلّ
خير » .
الخذ بأسباب القوة :
-الخذ بأسباب القوة فريضة على المسلمين على اختلف صنوفها وألوانها ،وأسبابها ، 5
مادّيةً كانت أو معنويةً ،قال تعالى َ { :وأَعِدّواْ َلهُم مّا اسْ َتطَعْتُم مّن ُقوّةٍ } والخطاب لكافة
المسلمين ; لنّ المأمور به وظيفة كافتهم ،وتشمل كل ما يطيقونه مما يفيد في الحرب من
الوسائل مادّيّا كان كالسّلح والنفاق وتدريب المجاهدين في فنون الحرب ،وإتقان استعمال
طعْتُم } أو معنويّا ،كالتصافي ،واتّفاق الكلمة
أنواع السّلح المختلفة ،لقوله { :مّا اسْ َت َ
والثّقة بال وعدم خوض الحرب بغير إذن المام ،والختيار لمارة الجيش من كان ثقةً في
دينه ،والتوصية بتقوى ال ،وأخذ البيعة عليهم بالثبات على الجهاد وعدم الفرار ،وغير
ذلك مما يؤدّي إلى القوة البدنية والمعنوية .
فأخذ أسباب القوة بقسميها فرض على المسلمين ،بالمر القرآنيّ َ { :وأَعِدّو ْا َلهُم مّا
ن النّبي صلى ال عليه وسلم وأصحابه مارسوا كل عمل
طعْتُم مّن ُقوّةٍ } وقد ثبت أ ّ
اسْتَ َ
مشروع متاح لهم في بيئتهم يدلّ على عل ّو الهمة وكمال الرّجولة ،ويؤدّي إلى قوة الجسم
ودفع الكسل والميل إلى الدعة .
). 3 - 2 والتفصيل :في مصطلح ( عدة ف /
اشتراط القوة فيمن يتقلد إمارةً أو يوكل إليه أمر قاصر ونحوه :
-يشترط فيمن ُيقَلد إمار ًة أو يوكل إليه أمور القصر ،كاليتام ،والمجانين وأموال 6
الوقف :القدرة على القيام بها ،ول يجوز تقليد من ل يقوى على النّهوض بها ،كما ل
يجوز لمن ل يعلم في نفسه القدرة على القيام بها قبولها ،فعن أبي ذرّ رضي ال عنه قال
« :قلت يا رسول ال أل تستعملني ؟ قال :فضرب بيده على منكبي ،ثم قال :يا أبا ذرّ :
إنّك ضعيف ،وإنّها أمانة ،وإنّها يوم القيامة :خزي وندامة ،إل من أخذها بحقّها ،وأدى
الذي عليه فيها » .
َقيْء *
التعريف :
-القيء لغةً :مصدر قاء ،يقال قاء الرجل ما أكله قيئا من باب باع ،ثم أطلق المصدر 1
على الطعام المقذوف ،واستقاء استقاء ًة ،وتقيأ :تكلف القيء ،ويتعدى بالتضعيف فيقال
:قيّأه غيره .
واصطلحا :هو الخارج من الطعام بعد استقراره في المعدة .
اللفاظ ذات الصّلة :
القلس :
-القلَس لغةً :القذف وبابه ضرب ،وقال الخليل :القلس :ما خرج من الحلق ملء الفم 2
فيقول الحنفية والشافعية والحنابلة بنجاسته ولكلّ منهم تفصيله ،وبذلك يقول المالكية في
المتغيّر عن حال الطعام ولو لم يشابه أحد أوصاف العذرة .
ن نجاسته مغلظة ; لنّ كل ما يخرج من بدن النسان وهو موجب للتطهير
قال الحنفية :إ ّ
ي صلى ال عليه وسلم :
فنجاسته غليظة ول خلف عندهم في ذلك ،واستدلّوا بقول النب ّ
« يا عمار إنّما يغسل الثوب من خمس :من الغائط ،والبول ،والقيء ،والدم ،والمنيّ »،
وهذا إذا كان ملء الفم ،أما ما دونه فطاهر على ما هو المختار من قول أبي يوسف ،وفي
فتاوى نجم الدّين النّسفيّ :صبيّ ارتضع ثم قاء فأصاب ثياب المّ :إن كان ملء الفم
فنجس ،فإذا زاد على قدر الدّرهم منع الصلة في هذا الثوب ،وروى الحسن عن أبي
حنيفة :أنّه ل يمنع ما لم يفحش ; لنّه لم يتغير من كلّ وجه وهو الصحيح .
والثدي إذا قاء عليه الولد ،ثم رضعه حتى زال أثر القيء ،طهر حتى لو صلت صحت
صلتها .
وعند الشافعية :أنّه نجس ،وإن لم يتغير حيث وصل إلى المعدة ،ولو ماءً وعاد حا ًل بل
تغيّر ; لنّ شأن المعدة الحالة ،فهو طعام استحال في الجوف إلى النّتن والفساد ،فكان
نجسا كالغائط ،واستدلّوا لذلك بالحديث السابق ،وقالوا :إنّه لو ابتلي شخص بالقيء عفي
عنه في الثوب والبدن وإن كثر كدم البراغيث .
والمراد بالبتلء بذلك :أن يكثر وجوده بحيث يقلّ خلوّه منه ،واستثنوا من القيء عسل
النّحل فقالوا :إنّه طاهر ل نجس معفوّ عنه .
وعند الحنابلة :أنّه نجس ; لنّه طعام استحال في الجوف إلى الفساد أشبه الغائط .
واختلفت الرّواية عندهم في العفو عن يسير القيء فروي عن أحمد أنّه قال :هو عندي
بمنزلة الدم ،وذلك لنّه خارج من النسان نجس من غير السبيل فأشبه الدم ،وعنه أنّه ل
يعفى عن يسير شيء من ذلك ; لنّ الصل أن ل يعفى عن شيء من النّجاسة خولف في
الدم وما تولد منه فيبقى فيما عداه على الصل .
ن النّجس من القيء هو المتغيّر عن حال الطعام ولو لم يشابه أحد
وعند المالكية :أ ّ
أوصاف العذرة ،ويجب غسله عن الثوب والجسد والمكان ،فإن كان تغيّره بصفراء أو
بلغم ولم يتغير عن حالة الطعام فطاهر .
فإذا تغير بحموضة أو نحوها فهو نجس وإن لم يشابه أحد أوصاف العذرة كما هو ظاهر
المدونة واختاره سند والباجيّ وابن بشير وابن شاس وابن الحاجب خلفا للتّونسيّ وابن
رشد وعياض حيث قالوا :ل ينجس القيء إل إذا شابه أحد أوصاف العذرة .
أثر القيء في الوضوء :
-اختلف الفقهاء في نقض الوضوء بالقيء : 4
صلى ال عليه وسلم « :ل تقبل صلة بغير طهور » فتفسد الصلة إن فقدت شرطا من
شروط صحتها كالطهارة .
فعند الحنفية :أنّ من سبقه الحدث في الصلة فلينصرف وليتوضأ وليبن على صلته لقوله
صلى ال عليه وسلم « :من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذي فلينصرف فليتوضأ ثم
ليبن على صلته وهو في ذلك ل يتكلم » ،وقوله صلى ال عليه وسلم « :إذا صلى أحدكم
فقاء أو رعف فليضع يده على فمه وليقدّم من لم يسبق له شيء » ،فإن كان منفردا إن
شاء عاد إلى مكانه وإن شاء أتمها في منزله ،والمقتدي والمام يعودان إل أن يكون المام
الجديد قد أتم الصلة فيتخيران ،والستئناف أفضل لخروجه عن الخلف ،ولئل يفصل بين
أفعال الصلة بأفعال ليست منها ،وقيل :إن كان إماما أو مقتديا فالبناء أولى إحرازا
لفضيلة الجماعة ،وإن كان إماما استخلف لقوله صلى ال عليه وسلم « :أيّما إمام سبقه
ل لم يسبق بشيء فليقدّمه ليصلّي بالناس » ،وإنّما
الحدث في الصلة فلينصرف ولينظر رج ً
يجوز البناء إذا فعل ما ل بد منه كالمشي والغتراف حتى لو استقى أو غرز دلوه أو وصل
إلى نهر فجاوزه إلى غيره فسدت صلته ،وإن سبقه الحدث بعد التشهّد توضأ وسلم ; لنّه
لم يبق عليه سوى السلم ،وإن تعمد الحدث تمت صلته ; لنّه لم يبق عليه شيء من
أركان الصلة ،وقد تعذر البناء لمكان التعمّد وإذا لم يبق عليه شيء من أركان الصلة
تمت صلته.
وعند المالكية :أنّ من ذرعه قيء طاهر يسير لم يزدرد منه شيئا لم تبطل صلته ،فإن
كان نجسا أو كثيرا أو ازدرد شيئا منه عمدا بطلت صلته ،وإن ازدرد شيئا منه نسيانا لم
تبطل ويسجد للنّسيان بعد السلم ،وإن غلبه ففيه قولن ،والقلس كالقيء .
وذهب الشافعية :إلى أنّ من سبقه الحدث ففيه قولن :في الجديد تبطل صلته ; لنّه حدث
يبطل الطهارة فأبطل الصلة كحدث العمد ،وقال في القديم :ل تبطل صلته بل ينصرف
ن النّبي صلى ال
ويتوضأ ويبني على صلته ،لما روي عن عائشة رضي ال عنها « أ ّ
عليه وسلم قال :من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذي فلينصرف فليتوضأ ثم ليبن
صلته وهو في ذلك ل يتكلم » ; ولنّه حدث حصل بغير اختياره فأشبه سلس البول ،قال
في المجموع :لو رعف المصلّي أو قاء أو غلبته نجاسة أخرى جاز له على القديم أن
يخرج ويغسل نجاسته ويبني على صلته بالشّروط السابقة في الحدث نص عليه .
وعند الحنابلة :إن كان القيء فاحشا بطلت صلته وعليه العادة ،واختلف الرّواية عند
أحمد في يسيره ،فروي أنّه قال :هو عندي بمنزلة الدم وذلك ; لنّه خارج من النسان
ن الصل
نجس من غير السبيل فأشبه الدم ،وعنه أنّه ل يعفى عن يسير شيء من ذلك ; ل ّ
أن ل يعفى عن شيء من النّجاسة .
أثر القيء في الصوم :
-اتفق الفقهاء على أنّ الصائم إذا ذرعه القيء " أي غلبه " فل يبطل صومه لقول النبيّ 6
صلى ال عليه وسلم « :من ذرعه القيء فليس عليه قضاء ومن استقاء عمدا فليقض » .
ولو عاد القيء بنفسه بغير صنع الصائم فعند المالكية والشافعية وأبي يوسف من الحنفية
يفسد صومه ،وعند الحنابلة ومحمد من الحنفية ل يفسد صومه لعدم وجود الصّنع منه .
). 81 - 80 والتفصيل في مصطلح ( صوم /
قِياس *
التعريف :
-القياس في اللّغة :تقدير شيء على مثال شيء ،وتسويته به ،لذلك سمّي المكيال : 1
أما القياس الشرعيّ إذا عدم النص والجماع فقد ذهب جمهور أئمة الصحابة ،والتابعين ،
ن القياس الشرعي أصل من أصول التشريع ،يستدلّ به
وجمهور الفقهاء والمتكلّمين إلى أ ّ
على الحكام التي لم يرد بها السمع ،ونقل عن أحمد :ل يستغني أحد عن القياس .
ما يجري فيه القياس :
-اختلف العلماء في جريان القياس في بعض المور ،كالسباب والكفارات والمقدرات 4
ِقيافَة *
التعريف :
-القيافة مصدر قاف بمعنى تتبع أثره ليعرفه ،يقال :فلن يقوف الثر ويقتافه قيافةً . 1
المشويّ الذي لم يأكله « :لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه » .
كما يراد بها التردّد على الشيء والقرب منه والحوم عليه ،فعافت الطير أي :تحوم على
الماء ،وعافت على الجيف أي :تطير حولها تريد الوقوع عليها .
وتطلق على زجر الطّيور والسوانح ،والعتبار بأسمائها ومساقطها وممرّها وأصواتها .
قال الزهريّ :العيافة زجر الطير ،وهو أن يرى طائرا أو غرابا فيتطير وإن لم ير شيئا ،
فقال بالحدس كان عياف ًة أيضا وهذا هو الذي شهر به بنو لهب وبنو أسد .
وكان العائف هو الكاهن الذي يعمد إلى التضليل ،ويدعي التّصال بعالم الغيب ،وهناك
شواهد عديدة على ارتباط العيافة بالكهانة ،وهي بهذا تختلف عن القيافة التي ل تعلّق لها
بالكهانة ،وتقوم على النظر المنطقيّ التجريبيّ حسبما يتضح من شروط العمل بها .
ب -الفراسة :
-الفراسة :اسم فعله تفرس كتوسم وزنا ومعنىً ،أما الفراسة بفتح الفاء فمصدر الفعل 3
فَرُس يفرس ،ومعناها :العلم بركوب الخيل وركضها من الفروسية ،والفارس :الحاذق
بما يمارس من الشياء كلّها ،وبها سمّي الرجل فارسا .
وتطلق الفراسة في الصطلح على معنيين :
أولهما :نوع يتعلم بالدلئل والتجارب والخلق والخلق فتعرف به أحوال الناس ،ويستفاد
ي من تفسيره للتوسّم بأنّه
إطلق الفراسة على هذا النوع من العلمات عند ابن العرب ّ
العلمة التي يستد ّل بها على مطلوب غيرها ،وهي الفراسة ...وذلك استدلل بالعلمة ،
ومن العلمات ما يبدو لكلّ أحد بأول نظر ،ومنها ما هو خفيّ ل يبدو لكلّ أحد ،ول يدرك
ببادئ النظر .
والثاني :ما يوقعه ال تعالى في قلوب أوليائه ،فيعلمون أحوال بعض الناس بنوع من
ن والحدس ،ول يُكتسب هذا النوع من الفراسة ،وإنّما يكون طبقا
الكرامات وإصابة الظ ّ
لما ذكره القرطبيّ بجودة القريحة وحدة الخاطر وصفاء الفكر ...وتفريغ القلب من حشو
الدّنيا ،وتطهيره من أدناس المعاصي ،وكدورة الخلق وفضول الدّنيا .
وتتميز القيافة عن الفراسة من جهة أنّ القائف يقوم بجمع الدلة ويكشف عنها ،مع النظر
فيها والموازنة بينها بنوع خبرة ل تتاح إل بالتعلّم والتمرّس ومداومة النظر والدّراسة ،أما
ي والقدرة الذّهنية الخاصة لوزن الدلة المتعارضة
التفرّس فيختصّ بإعمال الذكاء الشخص ّ
وتقديرها .
ويلحق جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة الفراسة باللهام
والكرامة ،ول يجوز للقاضي الحكم بالفراسة عندهم لهذا .
ج -القرينة :
-القرينة في اللّغة :مأخوذة من المقارنة ،وهي المصاحبة ،يقال :فلن قرين لفلن 4
أولهما :قيافة الثر الذي يطلق عليه العيافة كذلك ،ويعرف هذا النوع بأنّه :علم باحث
عن تتبّع آثار القدام والخفاف والحوافر في الطّرق القابلة للثر .
أما النوع الثاني فهو قيافة البشر الذي يعرّفه بأنّه :علم باحث عن كيفية الستدلل بهيئات
أعضاء الشخصين على المشاركة والتّحاد في النّسب والولدة وسائر أحوالهما .
الحكام المتعلّقة بالقيافة :
أ -إثبات النّسب بالقيافة :
-اختلف الفقهاء في إثبات النّسب بالقيافة إلى رأيين : 6
فذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى إثبات النّسب بالقيافة ،وأجازوا العتماد عليها في
إثباته عند التنازع وعدم الدليل القوى منها ،أو عند تعارض الدلة القوى منها .
ن رسول ال صلى ال عليه
واستدلّوا بما روي عن عائشة رضي ال عنها قالت « :إ ّ
ن مُجزّزا نظر آنفا إلى زيد
وسلم دخل علي مسرورا تبرق أسارير وجهه ،فقال :ألم تري أ ّ
بن حارثة وأسامة بن زيد فقال :إنّ هذه القدام بعضها من بعض » ،وفي سنن أبي داود
« أنّهم كانوا في الجاهلية يقدحون في نسب أسامة ; لنّه " كان أسود شديد السواد مثل
القار ،وكان زيد أبيض مثل القطن » .
والحجة فيه :أنّ سروره صلى ال عليه وسلم بقول القائف إقرار منه صلى ال عليه وسلم
بجواز العمل به في إثبات النّسب .
كما استدلّوا بما روت عائشة رضي ال عنها « أنّ أم سُليم النصارية رضي ال عنها ،
وهي أمّ أنس بن مالك رضي ال عنه قالت :يا رسول ال إنّ ال ل يستحيي من الحقّ ،
فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت ؟ فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم :نعم إذا رأت
الماء فقالت أمّ سلمة :وتحتلم المرأة ؟ فقال :تربت يداك ،فبم يشبهها ولدها » .
والستدلل به :أنّ إخباره صلى ال عليه وسلم بذلك يستلزم أنّه " أي الشبه " مناط
شرعيّ ،وإل لما كان للخبار فائدة يعتدّ بها .
ن عمر بن الخطاب رضي ال عنه كان يليط -أي :يلحق -أولد
ومما استدلّوا به أ ّ
الجاهلية بمن ادعاهم في السلم في حضور الصحابة دون إنكار منهم ،وكان يدعو القافة
ويعمل بقولهم ،فدل هذا على جواز العمل به .
وكذلك فإنّ أصول الشرع وقواعده والقياس الصحيح يقتضي اعتبار الشبه في لحوق
النّسب ،والشارع متشوّف إلى اتّصال النساب وعدم انقطاعها ،ولهذا اكتفى في ثبوتها
بأدنى السباب من شهادة المرأة الواحدة على الولدة والدعوى المجردة مع المكان وظاهر
الفراش ،فل يستبعد أن يكون الشبه الخالي عن سبب مقاوم له كافيا في ثبوته .
-وذهب الشافعية والحنابلة وهو رواية ابن وهب عن مالك إلى أنّ القيافة يثبت بها 7
أ -الخبرة والتجربة :ذهب الشافعية إلى أنّه ل يوثق بقول القائف إل بتجربته في معرفة
النّسب عمليّا ،وذلك بأن يعرض عليه ولد في نسوة ليس فيهنّ أمّه ثلث مرات ،ثم في
ن أمّه ،فإن أصاب في المرات جميعا اعتمد قوله ...والب مع الرّجال كذلك على
نسوة فيه ّ
الصحّ ،فيعرض عليه الولد في رجال كذلك .
وإذا حصلت التجربة وتولدت الثّقة بخبرته فل حاجة لتكرار هذا الختبار عند كلّ إلحاق .
ونص الحنابلة بأنّه يترك الصبيّ مع عشرة من الرّجال غير من يدعيه ويرى إياهم ،فإن
ألحقه بواحد منهم سقط قوله لنّا تبينا خطأه ،وإن لم يلحقه بواحد منهم أريناه إياه مع
عشرين فيهم مدعيه ،فإن ألحقه به لحق ،ولو اعتبر بأن يرى صبيّا معروف النّسب مع
قوم فيهم أبوه أو أخوه ،فإذا ألحقه بقريبه علمت إصابته ،وإن ألحقه بغيره سقط قوله
جاز وهذه التجربة عند عرضه على القائف للحتياط في معرفة إصابته ،وإن لم يجرب في
الحال بعد أن يكون مشهورا بالصابة وصحة المعرفة في مرات كثيرة جاز .
ب -العدالة :اختلفت الرّوايات عن مالك في اشتراط عدالة القائف للعمل بقوله ،فرواية
ابن حبيب عن مالك أنّه يشترط العدالة في " القائف " الواحد ،وروى ابن وهب عن مالك
الجتزاء بقول واحد كما تقدم عن ابن القاسم ولم يشترط العدالة .
أما الشافعية والحنابلة فيشترطون العدالة للعمل بقول القائف ; لنّه حكم فتشترط فيه .
ج -التعدّد :الصحّ عند الجمهور أنّه ل يشترط التعدّد لثبات النّسب بقول القائف ،
ويكتفى بقول قائف واحد كالقاضي والمخبر ،لكن وجد في هذه المذاهب رأي آخر يقضي
باشتراط التعدّد ،جاء في " التبصرة " حكاية الخلف عن مالك في الجتزاء بقائف واحد
كالخبار ،وهو قول ابن القاسم أو ل بد من قائفين ،وهي رواية عن أشهب عن مالك ،
وقاله ابن دينار ،ورواه ابن نافع عن مالك ،ووجهه أنّه كالشهادة ،قال بعض الشّيوخ
والقياس على أصولهم أن يحكم بقول القائف الواحد ،وظاهر كلم أحمد كما جاء في
المغني أنّه ل يقبل إل قول اثنين ...فأشبه الشهادة ...وقال القاضي :يقبل قول الواحد ;
لنّه حكم ،ويقبل في الحكم قول واحد ،وحمل كلم أحمد على ما إذا تعارض قول
القائفين ،والراجح في المذهب الكتفاء بقول قائف واحد في إلحاق النّسب ،وهو كحاكم ،
فيكفي مجرد خبره ; لنّه ينفذ ما يقوله بخلف الشاهد ،وهو الراجح عند الشافعية كذلك .
ومبنى الخلف في اشتراط التعدّد أو عدم اشتراطه هو التردّد في اعتبار قول القائف من
ي إلحاق قول القائف بالشهادة للقضاء به في حقّ
باب الشهادة أو الرّواية ،وقد رجح القراف ّ
المعين واحتمال وقوع العداوة أو التّهمة لذلك ،ول يقدح انتصابه لهذا العمل على العموم
ن هذا مما يشترك فيه مع الشاهد ،أما السّيوطيّ فيرجّح إلحاق قول القائف بالرّواية ،
فإ ّ
يقول :والصحّ الكتفاء بالواحد تغليبًا لشبه الرّواية ; لنّه منتصب انتصابا عامّا للحاق
النّسب .
د -السلم :نص على اشتراطه الشافعية والحنابلة ،وهو الراجح في المذهب المالكيّ ،
وقد سبقت الشارة إلى الرّواية الخرى في هذا المذهب ،وهي القاضية بعدم اشتراط
العدالة ،ول يسلّم بعض فقهاء الحنابلة بوجوب اشتراط هذا الشرط للعمل بقول القائف في
مذهبهم .
ي اشتراط هذين الشرطين ،وهو
هـ -الذّكورة والحرّية :الصحّ في المذهب الشافع ّ
الراجح أيضا عند الحنابلة ،والمرجوح في المذهبين عدم اشتراط هذين الشرطين .
و -البصر والسمع ،وانتفاء مظنّة التّهمة ،بحيث ل يكون عدوّا لمن ينفي نسبه ،ول
أصلً أو فرعا لمن يثبت نسبه ،نص على اشتراط ذلك الشافعية .
ويتخرج اعتبار هذه الشّروط كذلك عند من ألحقوا القائف بالشاهد أو القاضي أو المفتي
فيشترط في القائف ما يشترط فيهم .
شروط القيافة :
-يشترط في القيافة للحاق النّسب بها ما يلي : 9
أ -عدم قيام مانع شرعيّ من اللحاق بالشبه ،فلو نفى نسب ولده من زوجته ،فإنّه
ن ال عز وجل شرع إجراء اللّعان بين
يلعنها ول يلتفت إلى إثبات الشبه بقول القافة ; ل ّ
الزوجين عند نفي النّسب ،وإلغاء الشبه باللّعان من باب تقديم أقوى الدليلين على
أضعفهما .ول يعتبر الشبه كذلك إذا تعارض مع الفراش ،يدلّ عليه ويوضّحه قضية سعد
بن أبي وقاص وعبد بن زمعة ،فعن عائشة رضي ال عنها قالت « :اختصم سعد بن أبي
وقاص وعبد بن زمعة إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم في ابن أمة زمعة ،فقال سعد :
أوصاني أخي عتبة إذا قدمت مكة أن أنظر إلى ابن أمة زمعة فأقبضه فإنّه ابنه ،وقال عبد
بن زمعة :أخي ابن أمة أبي ،ولد على فراش أبي ،فرأى رسول ال صلى ال عليه وسلم
شبها بيّنا بعتبة ،فقال :الولد للفراش ...واحتجبي عنه يا سودة » فقد ألغى النبيّ صلى
ال عليه وسلم الشبه وألحق النّسب بزمعة صاحب الفراش .
ب -وقوع التنازع في الولد نفيا أو إثباتا وعدم وجود دليل يقطع هذا التنازع ،كما إذا
ادعاه رجلن أو امرأتان ،وكما إذا وطئ رجلن امرأةً بشبهة وأمكن أن يكون الولد من
أحدهما ،وكلّ منهما ينفيه عن نفسه ،فإنّ الترجيح يكون بقول القافة .أما إذا ادعاه واحد
فإنّه يكون له ،ول يقوم التنازع حقيقةً فيما بينهما إذا تعين الولد لحدهما ،فلو ادعى
اللقيط رجلن ،وقال أحدهما :هو ابني ،وقال الخر :بنتي ،فإن كان اللقيط ابنا فهو
لمدعيه ،وإن كانت بنتا فهي لمدعيها ; لنّ كل واحد منهما ل يستحقّ غير ما ادعاه .
ج -إمضاء القاضي قول القائف عند التنازع فيما نص عليه الشافعية ،فل يلزم قوله على
هذا إل بإمضاء القاضي له ،جاء في حاشية الجمل :ول يصحّ إلحاق القائف حتى يأمر
القاضي ،وإذا ألحقه اشترط تنفيذ القاضي إن لم يكن قد حكم بأنّه قائف ،ورأى الزركشيّ
أنّ القائف إن ألحقه بأحدهما فإن رضيا بذلك بعد اللحاق ثبت نسبه ،وإل فإن كان القاضي
استخلفه وجعله حاكما بينهما جاز ،ونفذ حكمه بما رآه ،وإل فل يثبت النّسب بقوله
وإلحاقه حتى يحكم الحاكم .
د -حياة من يراد إثبات نسبه بالقيافة ،وهو شرط عند المالكية ،جاء في مواهب الجليل
:أنّها إن وضعته تماما ميّتا ل قافة في الموات ،ونقل الصقلّيّ عن سحنون :إن مات بعد
وضعه حيّا دعي له القافة ،قال الحطاب :ويحتمل ردّهما إلى وفاق ; لنّ السماع ( أي
لبن القاسم ) فيمن ولد ميّتا ،وقول سحنون فيما ولد حيّا .
ولم يشترط الشافعية حياة المقوف ،فإذا كان ميّتا جاز إثبات نسبه بالقافة ما لم يتغير أو
يدفن .
هـ -حياة من يلحق به النّسب :اشترط كثير من المالكية حياة الملحق به ،فعن سحنون
وعبد الملك أنّه ل تلحق القافة الولد إل بأب حيّ ،فإن مات فل قول للقافة في ذلك من جهة
قرابته إذ ل تعتمد على شبه غير الب ،ويجوز عند كثير من المالكية عرض الب على
القافة إن مات ولم يدفن ،جاء في التبصرة :ول تعتمد القافة إل على أب موجود بالحياة .
قال بعضهم :أو مات ولم يدفن ،قيل :ويعتمد على العصبة .
ول يشترط هذا الشرط فقهاء الشافعية والحنابلة .
اختلف القافة :
-إذا اختلفت أقوال القافة جمع بينها إن أمكن ذلك ،كما لو ألحق أحد القائفين نسب 10
اللقيط برجل ،وألحقه الخر بامرأة فإنّه ينسب إليهما ،وإن لم يمكن الجمع بينهما وترجح
أحدهما ،فإنّ الراجح هو الذي يؤخذ به .
وتفريعا عليه فإنّه يؤخذ بقول قائفين اثنين خالفهما قائف ثالث ،كبيطارين خالفهما بيطار
في عيب وكطبيبين خالفهما طبيب في عيب ،قاله في المنتخب ،ويثبت النّسب ،وذلك ;
لنّهما شاهدان فقولهما مقدم على قول شاهد واحد ،لكن ل يترجح قول ثلثة قافة على
قول قائفين بزيادة العدد فيما نص عليه ابن قدامة .
أما إذا لم يمكن الجمع ول الترجيح ،كأن يلحق القائف المقوف بأحد المتنازعين ،ويلحقه
الخر بغيره ،ففيه خلف الفقهاء :
ذهب المالكية والشافعية إلى أنّه ل يلحق الولد إل برجل واحد ،ويؤخر الولد إذ قضى القافة
باشتراك رجلين أو أكثر فيه إلى حين بلوغه ،فيخير في اللتحاق بمن يشاء منهم ،بناء
على ما ينعقد من ميل فطريّ بين الولد وأصله قد يعينه على التعرّف عليه ،جاء في بداية
المجتهد :الحكم عند مالك إذا قضى القافة بالشتراك أن يؤخر الصبيّ حتى يبلغ ،ويقال
ي.
له :وال أيهما شئت ،ول يلحق واحد باثنين ،وبه قال الشافع ّ
وفي مغني المحتاج :لو عدم القائف بدون مسافة القصر ،أو أشكل عليه الحال بأن تحير ،
ل ويختار النتساب إلى أحدهما
أو ألحقه بهما ،أو نفاه عنهما ،وقف المر حتى يبلغ عاق ً
ل إلى
بحسب الميل الذي يجده ،ويحبس ليختار إن امتنع من النتساب ،إل إن لم يجد مي ً
أحدهما فيوقف المر .
ول يقبل رجوع قائف إل قبل الحكم بقوله ،ثم ل يقبل قوله في حقّه لسقوط الثّقة بقوله
ي إمكان تعلّمه مع امتحان له بذلك .
ومعرفته ،وكذا ل يصدق لغير الخر إل بعد مض ّ
ل بإقراره دونها ،لجواز
ولو استلحق مجهولً نسبه وله زوجة فأنكرته زوجته لحقه عم ً
كونه من وطء شبهة أو زوجة أخرى ،وإن ادعته ،والحالة هذه ،امرأة أخرى وأنكره
زوجها ،وأقام زوج المنكرة بينتين تعارضتا فيسقطان ،ويعرض على القائف ،فإن ألحقه
بها لحقها ،وكذا زوجها على المذهب المنصوص كما قاله السنويّ خلفا لما جرى عليه
ابن المقري ،أو بالرجل لحقه وزوجته ،فإن لم يقم واحد منهما بينةً ،فالصحّ كما قال
السنويّ أنّه ليس ولدا لواحدة منهما .
ول يسقط حكم قائف بقول قائف آخر ،ولو ألحقه قائف بالشباه الظاهرة ،وآخر بالشباه
الخفية كالخلق وتشاكل العضاء ،فالثاني أولى من الول ; لنّ فيها زيادة حذق وبصيرة ،
ولو ألحق القائف التوأمين باثنين ،بأن ألحق أحدهما بأحدهما ،والخر بالخر بطل قوله
ن صدقه فيعمل بقوله ،كما لو ألحق الواحد باثنين ،ويبطل
حتى يمتحن ويغلب على الظ ّ
أيضا قول قائفين اختلفا في اللحاق حتى يمتحنا ويغلب على الظنّ صدقهما .
ويلغو انتساب بالغ أو توأمين إلى اثنين ،فإن رجع ،أحد التوأمين إلى الخر قبل ،ويؤمر
البالغ بالنتساب إلى أحدهما ،ومتى أمكن كونه منهما عرض على القائف وإن أنكره الخر
ن للولد حقّا في النّسب فل يثبت بالنكار من غيره وينفقان عليه إلى أن
أو أنكراه ; ل ّ
يعرض على القائف أو ينتسب ،ويرجع بالنفقة من لم يلحقه الولد على من لحقه إن أنفق
بإذن الحاكم ولم يدع الولد ،ويقبلن له الوصية التي أوصي له بها في مدة التوقّف ; لنّ
أحدهما أبوه ،ونفقة الحامل على المطلّق فيعطيها لها ويرجع بها على الخر إن ألحق الولد
بالخر ،فإن مات الولد قبل العرض على القائف عرض عليه ميّتا ،ل إن تغير أو دفن ،
وإن مات مدعيه عرض على القائف مع أبيه أو أخيه ونحوه من سائر العصبة .
ورجح الحنابلة إطلق العمل بقول القافة ،فإن ألحقوه بواحد من المتنازعين لحق به ،وإن
ن المعنى
ألحقوه باثنين لحق بهما ،وإن ألحقوه بأكثر من اثنين التحق بهم وإن كثروا ; ل ّ
الذي لجله ألحق بالثنين موجود فيما زاد عليه فيقاس عليه ،ودليل الحنابلة على مذهبهم
ما روي عن عمر بن الخطاب رضي ال عنه في رجلين ادعيا ولدا كلهما يزعم أنّه ابنه ،
فدعا عمر لهما بالقافة فنظروا وقالوا نراه يشبههما فألحقه عمر رضي ال عنه بهما
وجعله يرثهما ويرثانه .
وإن ادعت امرأتان نسب ولد ،ولم يمكن ترجيح قول إحداهما ببينة ،ففيه الختلف
السابق.
الثبات بقيافة الثر في المعاملت :
-ذكر ابن تيمية جواز اعتماد القاضي على القيافة في المعاملت والموال ،يقول : 11
ويتوجه أن يحكم بالقيافة في الموال كلّها ،كما حكمنا بذلك في الجذع المقلوع إذا كان له
موضع في الدار ،وكما حكمنا في الشتراك في اليد الحسّية بما يظهر من اليد العرفية ،
فأعطينا كل واحد من الزوجين ما يناسبه في العادة ،وكلّ واحد من الصانعين ما يناسبه ،
وكما حكمنا بالوصف في اللّقطة إذا تداعاها اثنان ،وهذا نوع قيافة أو شبيه به ،وكذلك لو
تنازعا غرأسا أو تمرا في أيديهما ،فشهد أهل الخبرة أنّه من هذا البستان ،ويرجع إلى
أهل الخبرة حيث يستوي المتداعيان ،كما رجع إلى أهل الخبرة بالنّسب ،وكذلك لو تنازع
اثنان لباسًا من لباس أحدهما دون الخر ،أو تنازعا دابةً تذهب من بعيد إلى إصطبل
أحدهما دون الخر ،أو تنازعا زوج خفّ أو مصراع باب مع الخر شكله ،أو كان عليه
علمة لحدهما كالزّربول التي للجند ،وسواء كان المدعى في أيديهما أو في يد ثالث .
ل فشهد القائف أنّ دابة هذا أنتجتها ينبغي أن يقضى بهذه
وكذلك لو تداعيا بهيم ًة أو فصي ً
الشهادة ،وتقدم على اليد الحسّية ،وقد « حكم النبيّ صلى ال عليه وسلم بالثر في
السيف في قضية ابني عفراء » .
ن النّبي صلى ال عليه وسلم سألهما :أيّكما قتله ؟ قال كلّ واحد
فقد جاء في حديثهما « أ ّ
منهما :أنا قتلته ،فقال :هل مسحتما سيفيكما ؟ قال :ل ،فنظر في السيفين فقال :
كلكما قتله » .
الثبات بقيافة الثر في الجنايات :
-يرجع إلى قائف الثر للقبض على المتهمين وإحضارهم مجلس القاضي ،كما حدث 12
في قضية العرنيّين ،فقد ورد « أنّ قوما من عرينة قدموا على رسول ال صلى ال عليه
وسلم قتلوا راعي رسول ال صلى ال عليه وسلم واستاقوا النعم ،فبعث رسول ال صلى
ال عليه وسلم في طلبهم قافةً فأتي بهم » .
ويرجع إليه كذلك في جمع الدلة والكشف عن كيفية ارتكاب الجناية .
ويعدّ رأي القائف شهاد ًة تثبت بها الحقوق والدعاوى عند الفقهاء ،مثاله فيما ذكره ابن
ص القائف أثر الوطء
تيمية :أن يدعي شخص أنّه ذهب من ماله شيء ،ويثبت ذلك ،فيقت ّ
من مكان إلى مكان آخر ،فشهادة القائف أنّ المال دخل إلى هذا الموضع توجب أحد
المرين :إما الحكم به ،وإما أن يكون الحكم به مع اليمين للمدعي ،وهو القرب ،فإنّ
هذه المارات ترجّح جانب المدعي ،واليمين مشروعة في أقوى الجانبين ،وقد حكم النبيّ
صلى ال عليه وسلم بالثر في السيف كما يذكر ابن فرحون في قصة عبد ال بن أنيس
وأصحابه رضي ال عنهم « لما دخلوا الحصن على ابن أبي الحقيق ليقتلوه ،وكان ذلك
ل ،فوقعوا فيه بالسّيوف ،ووضع عبد ال بن أنيس السيف في بطنه وتحامل عليه حتى
لي ً
نبع ظهره ،فلما رجعوا وقد قتلوه نظر عليه الصلة والسلم إلى سيوفهم فقال :هذا قتله »
لنّه رأى على السيف أثر الطّعان .
وقد استند إياس بن معاوية إلى الثر حين اختصم عنده رجلن في قطيفتين إحداهما حمراء
والخرى خضراء ،وأحدهما يدعي التي بيد الخر ،وأنّه ترك قطيفته ليغتسل ،فأخذها
الخر وترك قطيفته هو في محلّها ،ولم توجد بينة ،فطلب إياس أن يؤتى بمشط ،فسرح
رأس هذا ورأس هذا ،فخرج من رأس أحدهما صوف أحمر ،ومن رأس الخر صوف
أخضر ،فقضى بالحمراء للذي خرج من رأسه الصّوف الحمر وبالخضراء للذي خرج من
رأسه الصّوف الخضر .
وفي إحدى القضايا هرب القاتل واندس بين الناس فلم يعرف ،فمر المعتضد على الناس
يضع يده على قلب كلّ واحد منهم ،واحدا بعد واحد فيجده ساكنًا ،حتى وضع يده على
فؤاد ذلك الغلم ،فإذا به يخفق خفقا شديدا ،فركضه برجله ،واستقره فأقر فقتله .
ن الستناد إلى الثر ليس قرين ًة قطعيةً على ارتكاب الجريمة ،تشير إلى ذلك
ومع ذلك فإ ّ
قضية القصاب الذي ذهب إلى خربة للتبوّل ومعه سكّينه ،فإذا به أمام مقتول يتشحط في
دمه ،وما أفاق من ذهوله حتى وجد العسس يقبضون عليه ،وقد عجز الرجل عن الدّفاع
ن الدلة جميعها ضدّه ،ولم ينقذه من العقوبة المحتومة -وهي القتل -
عن نفسه معتقدا أ ّ
إل إقرار القاتل الحقيقيّ بالجريمة .
ِقيَام *
التعريف :
-القيام لغةً :من قام يقوم قوما وقياما :انتصب ،وهو نقيض الجلوس . 1
مكروها أو مباحا ،بحسب نوع الفعل المرتبط به ،والدليل الوارد فيه ،وتفصيل ذلك فيما
يلي :القيام في الصلة المفروضة :
-اتفق الفقهاء على أنّ القيام ركن في الصلة المفروضة على القادر عليه ،وكذا عند 5
الحنفية في العبادة الواجبة ،كنذر وسنّة صلة الفجر في الصحّ ،لقوله تعالى { :حَا ِفظُواْ
سطَى وَقُومُواْ لِّلهِ قَانِتِينَ } أي :مطيعين ،ومقتضى هذا المر
عَلَى الصّ َلوَاتِ والصّلَةِ ا ْل ُو ْ
الفتراض ; لنّه لم يفرض القيام خارج الصلة ،فوجب أن يراد به الفتراض الواقع في
الصلة .إعما ًل للنص في حقيقته حيث أمكن .
وأكدت السّنّة فرضية القيام فيما رواه الجماعة إل مسلما ،عن عمران بن حصين قال :
« كانت بي بواسير ،فسألت النّبي صلى ال عليه وسلم عن الصلة فقال :صلّ قائما ،فإن
لم تستطع فقاعدا ،فإن لم تستطع فعلى جنب » .
كيفية القيام :
-اتفق الفقهاء على أنّ القيام المطلوب شرعا في الصلة هو النتصاب معتدلً ،ول 6
يض ّر النحناء القليل الذي ل يجعله أقرب إلى أقلّ الرّكوع بحيث لو مد يديه ل ينال ركبتيه .
مقدار القيام :
-ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنّ القيام المفروض للقادر عليه يكون بقدر 7
تكبيرة الحرام وقراءة الفاتحة فقط ; لنّ الفرض عندهم ذلك ; ولنّ من عجز عن القراءة
وبدلها من الذّكر ،وقف بقدرها ،وأما السّورة بعدها فهي سنّة .
ن المسبوق
فإن أدرك المأموم المام في الرّكوع فقط ،فالرّكن من القيام بقدر التحريمة ; ل ّ
ق المسبوق خاصةً ،لدراك الركعة .
يدرك فرض القيام بذلك ،وهذا رخصة في ح ّ
وذهب الحنفية إلى أنّ فرض القيام وواجبه ومسنونه ومندوبه لقادر عليه وعلى السّجود
يكون بقدر القراءة المطلوبة فيه ،وهو بقدر آية فرض ،وبقدر الفاتحة وسورة واجب ،
وبطوال المفصل وأوساطه وقصاره في محالّها المطلوبة مسنون ،والزّيادة على ذلك في
نحو تهجّد مندوب ،فلو قدر المصلّي على القيام دون السّجود ،ندب إيماؤه قاعدا ،لقربه
من السّجود ،وجاز إيماؤه قائما .
سقوط القيام :
-اتفق الفقهاء على أنّ القيام يسقط في الفرض والنافلة لعاجز عنه ،لمرض أو غيره ، 8
لحديث عمران بن حصين المتقدّم « :صلّ قائما ،فإن لم تستطع فقاعدا ،فإن لم تستطع
فعلى جنب » .
فإن قدر المريض على بعض القراءة ولو آيةً قائما ،لزمه بقدرها .
). 6 ، 5 وتفصيل ذلك في مصطلح ( صلة المريض ف /
ويسقط القيام أيضا عند الحنفية والحنابلة عن العاري ،فإنّه يصلّي قاعدا باليماء إذا لم
يجد ساترا يستر به عورته ،خلفا للمالكية والشافعية ،فإنّه يصلّي عندهم قائما وجوبا .
). 7 وتفصيل ذلك في مصطلح ( عريان ف /
ويسقط القيام كذلك حالة شدة الخوف ،فيصلّي قاعدا أو موميًا ،ول إعادة عليه اتّفاقا .
). 9 وتفصيل ذلك في مصطلح ( صلة الخوف ف /
الستقلل في القيام :
-ذهب الحنفية والمالكية والحنابلة وهو قول عند الشافعية إلى اشتراط الستقلل في 9
القيام أثناء الصلة للقادر عليه في الفرائض دون النّوافل ،على تفصيل :
فذهب الحنفية ،إلى أنّ من اتكأ على عصاه ،أو على حائط ونحوه ،بحيث يسقط لو زال
لم تصح صلته ،فإن كان لعذر صحت ،أما في التطوّع أو النافلة :فل يشترط الستقلل
بالقيام ،سواء أكان لعذر أم ل ،إل أنّ صلته تكره ; لنّه إساءة أدب ،وثوابه ينقص إن
كان لغير عذر .
والقيام فرض بقدر التحريمة والقراءة المفروضة كما تقدم في فرض ،وملحق به كنذر
وسنّة فجر في الصحّ ،لقادر عليه وعلى السّجود .
وذهب المالكية إلى إيجاب القيام مستقلّا في الفرائض للمام والمنفرد حال تكبيرة الحرام ،
وقراءة الفاتحة ،والهويّ للرّكوع ،فل يجزئ إيقاع تكبيرة الحرام والفاتحة في الفرض
للقادر على القيام جالسا أو منحنيا ،ول قائما مستندا لعماد بحيث لو أزيل العماد لسقط ،
وأما حال قراءة السّورة فالقيام سنّة ،فلو استند إلى شيء لو أزيل لسقط ،فإن كان في
غير قراءة السّورة ،بطلت صلته ; لنّه لم يأت بالفرض الرّكنيّ ،وإن كان في حال قراءة
السّورة لم تبطل ،وكره استناده ،ولو جلس في حال قراءة السّورة بطلت صلته ; لخلله
بهيئة الصلة ،أما المأموم فل يجب عليه القيام لقراءة الفاتحة ،فلو استند حال قراءتها
لعمود بحيث لو أزيل لسقط ،صحت صلته .
وأما الشافعية في الصحّ فلم يشترطوا الستقلل في القيام ،فلو استند المصلّي إلى شيء
بحيث لو رفع السّناد لسقط أجزأه مع الكراهة ،لوجود اسم القيام ،والثاني يشترط ول
تصحّ مع الستناد في حال القدرة بحال ،والوجه الثالث يجوز الستناد إن كان بحيث لو
رفع السّناد لم يسقط ،وإل فل .
وذهب الحنابلة إلى أنّه لو استند استنادا قويّا على شيء بل عذر ،بطلت صلته ،والقيام
فرض بقدر تكبيرة الحرام وقراءة الفاتحة في الركعة الولى ،وفيما بعد الركعة الولى
بقدر قراءة الفاتحة فقط .
صلة القاعد خلف القائم وبالعكس :
-ل خلف بين الفقهاء في جواز صلة القاعد لعذر خلف القائم ،لما ثبت في السّنّة 10
من وقائع ،منها :ما ورد عن أنس بن مالك رضي ال عنه قال « :صلى رسول ال صلى
ال عليه وسلم في مرضه خلف أبي بكر قاعدا ،في ثوب ،متوشّحا به » ومنها ما ثبت
عن عائشة رضي ال عنها قالت « :صلى رسول ال صلى ال عليه وسلم خلف أبي بكر
في مرضه الذي مات فيه قاعدا » .
وأما صلة القائم خلف الجالس أو القاعد :فهي جائزة عند الحنفية والشافعية ; لنّه صلى
ي صلى ال
ال عليه وسلم « صلى آخر صلته قاعدا والناس قيام ،وأبو بكر يأتمّ بالنب ّ
عليه وسلم والناس بصلة أبي بكر وهي صلة الظّهر » .
وذهب المالكية والحنابلة ومحمد بن الحسن من الحنفية ،إلى عدم الجواز ،مستدلّين بقول
النبيّ صلى ال عليه وسلم « :ل َي ُؤمّن أحد بعدي جالسا » ; ولنّ حال القائم أقوى من
حال القاعد ،ول يجوز بناء القويّ على الضعيف ،إل أنّ الحنابلة استثنوا من عدم الجواز
إمام الحيّ المرجو زوال علته ،وهذا في غير النّفل ،أما في النّفل فيجوز اتّفاقا .
القيام في النّوافل :
-اتفق الفقهاء على جواز التنفل قاعدا لعذر أو غير عذر ،أما الضطجاع فقد ذهب 11
الحنفية والمالكية والحنابلة ومقابل الصحّ عند الشافعية إلى أنّه ل يجوز للقادر على القيام
أو الجلوس أن يصلّي النّفل مضطجعا إل لعذر ،وذهب الشافعية إلى جواز التنفل مضطجعا
مع القدرة على القيام في الصحّ ،لحديث عمران بن الحصين أنّه سأل النّبي صلى ال عليه
وسلم عن صلة الرجل قاعدا قال « :من صلى قائما فهو أفضل ومن صلى قاعدا فله نصف
أجر القائم ،ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد » .
والفضل أن يصلّي على شقّه اليمن فإن اضطجع على اليسر جاز ويلزمه أن يقعد للرّكوع
والسّجود قيل :يومئ بهما أيضا .
الجمع بين القيام والجلوس في الركعة الواحدة في صلة التطوّع :
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ للمصلّي تطوّعا القيام إذا ابتدأ الصلة جالسا ،لحديث 12
عائشة رضي ال عنها « :أنّها لم تر رسول ال صلى ال عليه وسلم يصلّي صلة الليل
قاعدا قطّ حتى أسنّ ،فكان يقرأ قاعدا حتى إذا أراد أن يركع قام فقرأ نحوا من ثلثين أو
أربعين آيةً ،ثم ركع » .
ويجوز للمصلّي أيضا أن يصلّي بعض الركعة قائما ثم يجلس أو العكس .
وذهب أبو يوسف ومحمد إلى كراهة القعود بعد القيام ،ومنع أشهب الجلوس بعد أن نوى
القيام .
). 20 وتفصيل ذلك في مصطلح ( صلة التطوّع فقرة /
القيام في الصلة في السفينة :
-ذهب المالكية والشافعية والحنابلة والصاحبان من الحنفية وهو الظهر في المذهب ، 13
إلى أنّه ل تصحّ الصلة فرضا في السفينة ونحوها كالمحفة والهودج والطائرة والسيارة
قاعدا إل لعذر .
وقال أبو حنيفة :لو صلى في الفلك قاعدا بل عذر صح لغلبة العجز وأساء ،أي يركع
ويسجد ل مومئا ،قال ابن عابدين :لغلبة العجز أي ; لنّ دوران الرأس فيها غالب
ن القيام أفضل ; لنّه أبعد
والغالب كالمتحقّق فأقيم مقامه ،ثم قال :وأساء :أشار إلى أ ّ
عن شبهة الخلف .
). 3 والتفصيل في مصطلح ( سفينة ف /
القيام في الذان والقامة :
-اتفق الفقهاء على أنّه يندب للمؤذّن والمقيم أن يؤذّن ويقيم قائما ،لحديث ابن عمر 14
ن النّبي صلى ال عليه وسلم قال :يا بلل ،قم فناد بالصلة » ;
في حديث بدء الذان « أ ّ
ولنّه أبلغ في العلم ،وترك القيام مكروه .
). 15 وتفصيل ذلك في مصطلح ( أذان ف ، /37وإقامة ف /
بقاء الداخل إلى المسجد قائما أثناء الذان :
-إذا دخل المسلم المسجد ،والمؤذّن يؤذّن ،فهل يظلّ قائما أو يجلس ؟ للفقهاء 15
اتّجاهان :
ذهب الشافعية والحنابلة إلى أنّه إذا دخل المصلّي المسجد ،والمؤذّن قد شرع في الذان ،
لم يأت بتحية ول بغيرها ،بل يجيب المؤذّن واقفا ،حتى يفرغ من أذانه ،ليجمع بين أجر
الجابة والتحية .
وذهب الحنفية إلى أنّه إذا دخل المصلّي المسجد ،والمؤذّن يؤذّن أو يقيم قعد حتى يفرغ
المؤذّن من أذانه ،فيصلّي التحية بعدئذ ،ليجمع بين أجر الجابة وتحية المسجد .
وقت القيام للصلة :
-ينبغي أن ل يقوم المصلّون للصلة عند القامة حتى يقوم المام أو يقبل ،أي عند 16
المام ،لقوله صلى ال عليه وسلم « :إذا أقيمت الصلة فل تقوموا حتى تروني قد خرجت
».
وأما تعيين وقت قيام المصلّين إلى الصلة ،ففيه اختلف بين المذاهب .
ذهب جمهور الحنفية ما عدا زفر إلى أنّ القيام للمام والمؤتمّ حين قول المقيم :حي على
الفلح ،أي عند الحيعلة الثانية ،وعند زفر عند قوله :حي على الصلة ،أي عند الحيعلة
الولى ; لنّه أمر به فيجاب ،هذا إذا كان المام حاضرا بقرب المحراب ،فإن لم يكن
حاضرا ،يقوم كلّ صفّ حين ينتهي إليه المام على الظهر ،وإن دخل المام من قدام ،
قاموا حين يقع بصرهم عليه ،وإن أقام المام بنفسه في مسجد ،فل يقف المؤتمّون حتى
يتم إقامته .
وذهب المالكية إلى أنّه يجوز للمصلّي القيام حال القامة أو أولها أو بعدها ،فل يطلب له
تعيين حال ،بل بقدر الطاقة للناس ،فمنهم الثقيل والخفيف ،إذ ليس في هذا شرع
مسموع إل حديث أبي قتادة أنّه عليه الصلة والسلم قال « :إذا أقيمت الصلة فل تقوموا
حتى تروني قد خرجت » ،وقال ابن رشد :فإن صح هذا وجب العمل به ،وإل فالمسألة
باقية على أصلها المعفوّ عنه ،أعني أنّه ليس فيها شرع ،وأنّه متى قام ك ّل واحد ،فحسن
.وذهب الشافعية إلى أنّه يستحبّ للمأموم والمام أن ل يقوما حتى يفرغ المؤذّن من
القامة ،وقال الماورديّ :ينبغي لمن كان شيخا بطيء النّهضة أن يقوم عند قوله :قد
قامت الصلة ،ولسريع النّهضة أن يقوم بعد الفراغ ،ليستووا قياما في وقت واحد .
ن المأمومين ل يقومون حتى
فإذا أقيمت الصلة وليس المام مع القوم بل يخرج إليهم فإ ّ
ن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال « :
يروا المام لما رواه أبو قتادة رضي ال عنه أ ّ
إذا أقيمت الصلة فل تقوموا حتى تروني قد خرجت » .
ب أن يقوم المصلّي عند قول المؤذّن :قد قامت الصلة ،لما
ورأي الحنابلة :أنّه يستح ّ
روي عن أنس « :أنّه كان يقوم إذا قال المؤذّن :قد قامت الصلة » .
القيام في خطبة الجمعة والعيدين ونحوهما :
-اختلف الفقهاء في حكم قيام الخطيب في خطبة الجمعة والعيدين والستسقاء 17
والكسوفين .
ي من المالكية ،إلى أنّ قيام الخطيب في الخطبة سنّة ،
فذهب الحنفية والحنابلة وابن العرب ّ
لفعله صلى ال عليه وسلم ولم يجب ; لنّه ِذكْر ليس من شرطه استقبال القبلة ،فلم يجب
له القيام ،كالذان .
ن قيام الخطيب حال الخطبة شرط ،إن قدر ،وذهب
وذهب الشافعية وأكثر المالكية إلى أ ّ
ن الظهر أنّ القيام واجب غير شرط ،فإن جلس أساء وصحت .
الدردير من المالكية إلى أ ّ
وزاد الشافعية أنّه إن عجز عن القيام خطب قاعدا ثم مضطجعا كالصلة ،ويصحّ القتداء
به ،والولى له أن يستنيب .
واستدلّوا للقيام في الخطبة بما ورد عن ابن عمر رضي ال عنهما قال « :كان النبيّ صلى
ال عليه وسلم يخطب يوم الجمعة قائما ،ثم يجلس ،ثم يقوم كما يفعلون اليوم » .
ن القيام حال الخطبة مشروع ،قال ابن المنذر ،وهو الذي عليه
وفي الحديث دليل على أ ّ
عمل أهل العلم من علماء المصار .
القيام في حال تلوة القرآن الكريم والذّكر :
-تجوز تلوة القرآن الكريم وترداد الذكار من تهليل وتسبيح وتحميد وغيرها في أيّ 18
حال ،قياما وقعودا ،وفي حالة الوقوف والمشي ،قال المام النّوويّ رحمه ال :ولو قرأ
القرآن قائما ،أو راكبا ،أو جالسا ،أو مضطجعا ،أو في فراشه ،أو على غير ذلك من
الحوال ،جاز ،وله أجر ،قال ال عز وجل { :فَإِذَا قَضَيْ ُتمُ الصّلَةَ فَا ْذكُرُواْ ال قِيَامًا
وَ ُقعُودًا وَعَلَى جُنُو ِبكُمْ } .
القيام للجنازة عند مرورها :
-اختلف الفقهاء في حكم القيام للجنازة عند مرورها : 19
فقال المالكية والحنابلة :يكره القيام للجنازة إذا مرّوا بها على جالس ; لنّه ليس عليه
عمل السلف .
وعند الحنفية :المختار أن ل يقوم لها ،وقال القليوبيّ :يندب القيام للجنازة على
ل له .
المعتمد ،وأن يدعو لها ويثني عليها خيرا ،إن كانت أه ً
القيام عند الكل والشّرب :
-ذهب الحنفية إلى كراهة الكل والشّرب قائما تنزيها ،واستثنوا الشّرب من زمزم 20
ولئل يصيبه الرشاش ،فيتنجس ،ويكره البول قائما عند جمهور الفقهاء إل لعذر .
). 9 وتفصيل ذلك في مصطلح ( قضاء الحاجة ف /
القيام للقادم والوالد والحاكم والعالم وأشراف القوم :
-ورد النهي عن القيام للقادم إذا كان بقصد المباهاة والسّمعة والكبرياء ،قال النبيّ 22
ولم يحفر له ،سواء أثبت الزّنا ببينة أم بإقرار ،وتضرب المرأة قاعد ًة عند الجمهور "
ي رضي ال عنه :يضرب
الحنفية والشافعية والحنابلة " ; لنّ ذلك أستر للمرأة ،ولقول عل ّ
الرّجال في الحدود قياما والنّساء قعودا .
وذهب المام مالك إلى أنّ الرجل يضرب قاعدا ،وكذا المرأة .
وأما إذا كان الحدّ رجما ،كما في رجم الزّناة المحصنين ،فترجم المرأة بالتّفاق قاعدةً .
ويخير المام عند الحنفية في الحفر لها :إن شاء حفر لها ،وإن شاء ترك الحفر ،أما
ن الرسول صلى ال عليه وسلم حفر للمرأة الغامدية
الحفر ; فلنّه أستر لها ،وقد روي « أ ّ
ن الحفر للستر ،وهي مستورة بثيابها ;
إلى ثَنْدوتها » " أي ثديها " ،وأما ترك الحفر فل ّ
لنّها ل تجرد عند إقامة الحدّ .
وهذا قول بعض الحنابلة أيضا بالحفر للمرأة إلى الصدر إن ثبت زناها بالبينة ،أما إن ثبت
زناها بالقرار ،فلم يحفر لها .
والصحّ عند الشافعية استحباب الحفر للمرأة إن ثبت زناها بالبينة لئل تنكشف ،بخلف ما
إذا ثبت زناها بالقرار ،لتتمكن من الهرب إن رجعت عن إقرارها .
وذهب المالكية على المشهور والحنابلة على الراجح إلى أنّه ل يحفر للمرأة ول للرجل ،
ن النّبي صلى ال عليه
لعدم ثبوته ،قال ابن قدامة :أكثر الحاديث على ترك الحفر ،فإ ّ
وسلم لم يحفر للجهنية ول لماعز ول لليهوديين .
وأما الرجل فيرجم عند الجمهور قائما ،وقال مالك :يرجم قاعدا .
قِيام الليل *
التعريف :
-القيام في اللّغة :نقيض الجلوس . 1
فهو هاجد ،والجمع هجود ،وهجد :صلى بالليل ،ويقال تهجد :إذا نام ،وتهجد إذا
صلى ،فهو من الضداد ،ومنه قيل لصلة الليل :التهجّد .
ن الهاجد هو النائم ،هجد ،هجودا إذا نام ،
ي :المعروف في كلم العرب :أ ّ
قال الزهر ّ
وأما المتهجّد فهو القائم إلى الصلة من النّوم ،وكانه قيل له متهجّد للقائه الهجود عن
نفسه .
وقد فسرت عائشة وابن عباس رضي ال تعالى عنهم ،ومجاهد ،قوله تعالى { :نَاشِ َئةَ
اللّ ْيلِ } ،بالقيام للصلة من النّوم ،فيكون موافقا للتهجّد .
وأما في الصطلح :فقد ذكر القاضي حسين من الشافعية :أنّ التهجّد في الصطلح هو
صلة التطوّع في الليل بعد النّوم ،ويؤيّده ما روي من حديث الحجاج بن عمرو رضي ال
عنه قال " :يحسب أحدكم إذا قام من الليل يصلّي حتى يصبح أنّه قد تهجد ،إنّما التهجّد :
المرء يصلّي الصلة بعد رقدة " ،وقيل :إنّه يطلق على صلة الليل مطلقا .
). 6 - 4 وتفصيله في مصطلح ( تهجّد ف /
والصّلة بين قيام الليل والتهجّد :أنّ قيام الليل أعمّ من التهجّد .
الحكم التكليفيّ :
-اتفق الفقهاء على مشروعية قيام الليل ،وهو سنّة عند الحنفية والحنابلة ،ومندوب 3
رضي ال عنه عن النبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال « :إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح
صلته بركعتين خفيفتين » .
واختلفوا بعد ذلك ،فقال الحنفية :منتهى ركعاته ثماني ركعات ،وهو عند المالكية عشر
ركعات ،أو اثنتا عشرة ركعةً .
وقال الشافعية :ل حصر لعدد ركعاته لخبر « :الصلة خير موضوع فمن استطاع أن
يستكثر فليستكثر » .
وقال ابن قدامة :اختلفت الرّوايات في عدد ركعات صلته صلى ال عليه وسلم بالليل :قال
ابن عباس رضي ال عنهما « :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يصلّي من الليل ثلث
عشرة ركعةً » ،وقالت عائشة رضي ال تعالى عنها « :ما كان رسول ال صلى ال
عليه وسلم يزيد في رمضان ول في غيره على إحدى عشرة ركعةً :يصلّي أربعا ،فل
ن ،ثم يصلّي أربعا فل تسأل عن حسنهنّ وطولهنّ ،ثم يصلّي
تسأل عن حسنهنّ وطوله ّ
ثلثا » ،وفي لفظ قالت « :كانت صلته صلى ال عليه وسلم في شهر رمضان وغيره
بالليل ثلث عشرة ركعةً ،منها ركعتا الفجر » .
). 11 ،وصلة التراويح ف / 6 وفي كلّ ذلك تفصيل ينظر في مصطلحي ( تهجّد ف /
وهل يصلى أربعا أربعا ،أو مثنى مثنى ؟ ذهب مالك والشافعية وأبو يوسف ومحمد إلى أنّه
يصلى مثنى مثنى ،احتجاجا بما روى ابن عمر رضي ال تعالى عنهما عن النبيّ صلى ال
ن عمل المة في التراويح
عليه وسلم أنّه قال « :صلة الليل مثنى ،مثنى ; » ...ول ّ
ن ذلك أفضل .
مثنى مثنى ،من لدن عمر رضي ال تعالى عنه إلى يومنا هذا ،فدل أ ّ
وقال أبو حنيفة :يصلى أربعا أربعا ،لحديث عائشة رضي ال تعالى عنها السابق .
ن كل ذلك نقل في
ت أو ثمان ; ل ّ
ي :صلة الليل ركعتان بتسليمة ،أو س ّ
وقال الموصل ّ
تهجّده صلى ال عليه وسلم وتكره الزّيادة على ذلك ; لنّه لم ينقل .
ترك قيام الليل لمعتاده :
-ذهب الفقهاء إلى أنّه يكره ترك تهجّد اعتاده بل عذر ،لقوله صلى ال عليه وسلم 6
لعبد ال بن عمرو رضي ال تعالى عنهما « :يا عبد ال ل تكن مثل فلن ،كان يقوم الليل
فترك قيام الليل » ،فينبغي للمكلف الخذ من العمل بما يطيقه ،ولذا قال صلى ال عليه
وسلم « :أحبّ العمال إلى ال أدومها وإن قل » .
ي صلى ال عليه وسلم إذا صلى صل ًة داوم
وقالت عائشة رضي ال عنها « :كان النب ّ
عليها » .
وقالت « :كان عمله ديمةً » ،وقالت « :كان إذا عمل عملً أثبته » .
الجتماع لقيام الليل :
ن النّبي صلى ال عليه
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يجوز التطوّع جماعةً وفرادى ; ل ّ 7
وصرح الشافعية بأنّه يكره تخصيص ليلة الجمعة بقيام .أي بصلة ،لحديث « :ل
تختصّوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي » .
أما تخصيص غيرها ،سواء كان بالصلة أو بغيرها ،فل يكره .
وكذلك ل يكره تخصيص ليلة الجمعة بغير الصلة ،كقراءة القرآن ،أو الذّكر ،أو الصلة
على النبيّ صلى ال عليه وسلم .
قيام ليلتي العيدين :
-اتفق الفقهاء على أنّه يندب قيام ليلتي العيدين لقوله صلى ال عليه وسلم « :من قام 9
صلى ال عليه وسلم قال « :إذا كانت ليلة النّصف من شعبان فقوموا ليلها ،وصوموا
نهارها ،فإنّ ال ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدّنيا ،فيقول :أل من مستغفر لي
فأغفر له ،أل من مسترزق فأرزقه ،أل مبتلًى فأعافيه ...أل كذا ...أل كذا ...حتى
يطلع الفجر » .
). 13 والتفصيل في ( إحياء الليل ف /
قيام ليالي العشر من ذي الحجة :
-صرح الحنفية والحنابلة أنّه يستحبّ قيام الليالي العشر الول من ذي الحجة ،لما 12
روي عن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال « :ما من أيام أحبّ إلى ال أن يتعبد له
فيها من عشر ذي الحجة ،يعدل صيام كلّ يوم منها بصيام سنة ،وقيام كلّ ليلة منها بقيام
ليلة القدر » .
قيام أول ليلة من رجب :
– يرى بعض الفقهاء أنّه يستحب قيام أول ليلة من رجب ،لنّها من الليالي الخمس 13
التي ل يردّ فيها الدعاء ،وهي :ليلة الجمعة ،وأول ليلة من رجب ،وليلة النصف من
شعبان ،وليلتا العيد .
ما يستحبّ في قيام الليل :
يستحبّ في قيام الليل ما يلي :
أ -الفتتاح بركعتين خفيفتين :
-صرح الشافعية والحنابلة بأنّه يستحبّ لقائم الليل أن يفتتح تهجّده بركعتين خفيفتين 14
لحديث أبي هريرة رضي ال تعالى عنه عن النبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :إذا قام
أحدكم من الليل فليفتتح صلته بركعتين خفيفتين » ،وعن زيد بن خالد رضي ال عنه أنّه
قال « :لرمقنّ صلة رسول ال صلى ال عليه وسلم الليلة ،فصلى ركعتين خفيفتين ...
» الحديث .
ب -ما يقوله القائم للتهجّد :
-اختلفت عبارات الفقهاء فيما يقوله قائم الليل إذا قام من الليل يتهجد ،تبعا لختلف 15
أنّ الحنفية قالوا :إنّ الجهر أفضل ما لم يؤذ نائما ونحوه ،وقال الحنابلة :إن كان الجهر
أنشط له في القراءة ،أو كان بحضرته من يستمع قراءته ،أو ينتفع بها ،فالجهر أفضل ،
وإن كان قريبا منه من يتهجد ،أو من يستض ّر برفع صوته ،فالسرار أولى ،وإن لم يكن
ل هذا ول هذا فليفعل ما شاء ،قال عبد ال بن أبي قيس « :سألت عائشة رضي ال
تعالى عنها ،كيف كان قراءة رسول ال صلى ال عليه وسلم ؟ فقالت :كلّ ذلك قد كان
يفعل ،ربما أسر بالقراءة ،وربما جهر » ،وقال أبو هريرة رضي ال عنه « :كانت
قراءة رسول ال صلى ال عليه وسلم في الليل يرفع طورا ويخفض طورا » .
وصرح المالكية بأنّه يندب الجهر في صلة الليل ما لم يشوّش على مصلّ آخر ،وإل حرم ،
والسّرّ فيها خلف الولى .
وقال الشافعية :يسنّ التوسّط بين السرار والجهر إن لم يشوّش على نائم أو مصلّ أو
نحوهما .
د -إيقاظ من يرجى تهجّده :
ب لمن قام يتهجد أن يوقظ من يطمع في تهجّده إذا لم
-نصّ الشافعية على أنّه يستح ّ 17
يخف ضررا ،لقوله صلى ال عليه وسلم « :من استيقظ من الليل وأيقظ امرأته ،فصليا
ركعتين جميعا كتبا من الذاكرين ال كثيرا ،والذاكرات » .
هـ -إطالة القيام وتكثير الركعات :
-ذهب جمهور الحنفية ،والمالكية في قول ،والشافعية ،وهو وجه عند الحنابلة ، 18
صلى ال عليه وسلم « :من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم يصلّي من الليل فغلبته عيناه
حتى أصبح كتب له ما نوى ،وكان نومه صدقةً عليه من ربّه عز وجل » .
َقيْح *
التعريف :
-القيح في اللّغة :المدة الخالصة التي ل يخالطها دم . 1
قال ال تعالى { :وَ ُيحَ ّرمُ عَلَ ْي ِهمُ ا ْلخَبَآئِثَ } ،والطّباع السليمة تستخبثه ،والتحريم ل
للحترام دليل النّجاسة ; لنّ معنى النّجاسة موجود في القيح إذ النّجس اسم للمستقذر وهذا
مما تستقذره الطّباع السليمة لستحالته إلى خبث ونتن رائحة ; ولنّه متولّد من الدم والدم
نجس .
انتقاض الوضوء بالقيح :
-اختلف الفقهاء في انتقاض الوضوء بالقيح ،فقال المالكية والشافعية :ل ينتقض 5
الوضوء بخروج القيح من البدن ; لنّ النّجاسة التي تنقض الوضوء عندهم هي ما خرجت
من السبيلين فقط ،فل ينتقض الوضوء بالنّجاسة الخارجة من غير السبيلين كالحجامة
ن رجلين من أصحاب النبيّ صلى ال عليه وسلم حرسا المسلمين
والقيح ; لما روي « :أ ّ
في غزوة ذات الرّقاع فقام أحدهما يصلّي فرماه رجل من الكفار بسهم فنزعه وصلى ودمه
يجري » .
ي صلى ال عليه وسلم به ولم ينكره .
وعلم النب ّ
ن خروج القيح من البدن إلى موضع يلحقه حكم التطهير ينقض
وذهب الحنفية إلى أ ّ
ي :لو تورم رأس الجرح فظهر به قيح ونحوه ل ينقض ما لم
الوضوء ،قال السرخس ّ
يتجاوز الورم ; لنّه ل يجب غسل موضع الورم فلم يتجاوز إلى موضع يلحقه حكم التطهير
ن البدن محلّ الدم والرّطوبات إل أنّه كان مستترا
ن الدم إذا لم يسل كان في محلّه ; ل ّ
;لّ
بالجلدة وانشقاقها يوجب زوال السّترة ل زوال الدم عن محلّه ول حكم للنّجس ما دام في
محلّه وكذا هاهنا ،أل ترى أنّه تجوز الصلة مع ما في البطن من النجاس .
ن ظهور النّجس
وقال زفر من الحنفية ينتقض الوضوء سواء سال القيح أو لم يسل ; ل ّ
اعتبر حدثا في السبيلين سال عن رأس المخرج أو لم يسل كذا في غير السبيلين .
والمذهب عند الحنابلة انتقاض الوضوء بالقيح إل أنّ الذي ينقض عندهم هو الكثير من ذلك
دون اليسير ،أما كون الكثير ينقض فلقوله عليه الصلة والسلم في حديث فاطمة بنت أبي
حبيش « :إنّما ذلك عرق ،فتوضئي لكلّ صلة » ; ولنّها نجاسة خارجة عن البدن
أشبهت الخارج من السبيل ،وأما كون اليسير من ذلك ل ينقض فلمفهوم قول ابن عباس
رضي ال عنهما في الدم :إذا كان فاحشا فعليه العادة .
ن الكثير هو ما فحش في نفس كلّ أحد بحسبه ،لقول ابن عباس
قال أحمد بن حنبل :إ ّ
رضي ال عنهما " :الفاحش ما فحش في قلبك ،وفي رواية أنّه ينقض قل أو كثر " .
صلة من كان في ثوبه أو بدنه قيح :
-قال الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وهو قول جماعة من الصحابة والتابعين إن 6
ن من
أصاب بدن النسان أو ثوبه شيء من القيح فإنّه ل تجوز الصلة إن كان كثيرا ; ل ّ
شروط الصلة طهارة الثوب والبدن والمكان ،وأما إذا كان القيح يسيرا فإنّه في الجملة
ن النسان غالبا ل يسلم من مثل هذا ; ولنّه يشقّ
يعفى عن اليسير وتجوز الصلة به ; ل ّ
التحرّز منه .
ثم اختلف الفقهاء في قدر اليسير المعفوّ عنه ،انظر تفصيل ذلك في مصطلح ( صديد ف /
). 17
قِيراط *
انظر :مقادير .
َقيْلُولة *
التعريف :
-القيلولة في اللّغة :من قال يقيل قيلً وقيلولةً ،وقائلةً :نام نصف النهار . 1
التعرّي ،وهي ثلثة أوقات ذكرها ال تعالى في قوله سبحانه { :مِن قَ ْبلِ صَلَاةِ ا ْل َفجْرِ
ظهِيرَةِ َومِن َبعْدِ صَلَاةِ ا ْل ِعشَاء } ،فما قبل الفجر وقت انتهاء
ن ال ّ
ضعُونَ ثِيَا َبكُم مّ َ
َوحِينَ تَ َ
النّوم ووقت وضع ثياب النّوم ولبس ثياب النهار ،ووقت القائلة وقت التجرّد أيضا وهي
الظهيرة ،وبعد صلة العشاء وقت التعرّي للنّوم فالتكشّف غالب في هذه الوقات ،يروى «
أنّ رسول ال صلى ال عليه وسلم بعث غلما من النصار يقال له مدلج إلى عمر بن
الخطاب رضي ال عنه ظهيرةً ليدعوه فوجده نائما قد أغلق عليه الباب فدق الغلم الباب
ن ال نهى
فناداه ودخل فاستيقظ عمر وجلس فانكشف منه شيء ،فقال عمر :وددت أ ّ
أبناءنا ونساءنا وخدمنا عن الدّخول علينا في هذه الساعات إل بإذن ،ثم انطلق إلى رسول
ن آمَنُوا لِ َيسْتَأْذِن ُكمُ الّذِينَ
ال صلى ال عليه وسلم فوجد هذه الية قد أنزلت { يَا أَ ّيهَا الّذِي َ
ضعُونَ
ث مَرّاتٍ مِن قَ ْبلِ صَلَا ِة ا ْل َفجْرِ َوحِينَ تَ َ
مَ َلكَتْ أَ ْيمَا ُنكُ ْم وَالّذِينَ َلمْ يَ ْبُلغُوا ا ْلحُُلمَ مِن ُكمْ ثَلَا َ
ت ّلكُمْ } ،فخر ساجدا شكرا ل تعالى
عوْرَا ٍ
ث َ
ظهِيرَ ِة َومِن َبعْ ِد صَلَاةِ ا ْل ِعشَاء ثَلَا ُ
ثِيَا َبكُم مّنَ ال ّ
» ،فقد أدب ال عز وجل عباده في هذه الية بأن يكون العبيد إذ ل بال لهم ،والطفال
الذين لم يبلغوا الحلم إل أنّهم عقلوا معاني الكشفة ونحوها يستأذنون على أهليهم في هذه
الوقات الثلثة وهي الوقات التي تقتضي عادة الناس النكشاف فيها وملزمة التعرّي .
ثم اختلف الصحابة في هذه الية هل هي محكمة أو منسوخة ؟ فقال ابن عمر رضي ال
عنهما :هي محكمة :يعني في الرّجال خاصةً ،وقال ابن عباس رضي ال عنهما قد ذهب
حكمها .روى عكرمة أنّ نفرا من أهل العراق سألوا ابن عباس فقالوا :يا ابن عباس ،
كيف ترى في هذه الية التي أمرنا فيها بما أمرنا فل يعمل بها أحد ،قول ال { :يَا أَ ّيهَا
ن ال رفيق
ت أَ ْيمَانُ ُكمْ ، } ...وقرأها .فقال ابن عباس :إ ّ
الّذِينَ آمَنُوا لِ َيسْتَأْذِن ُكمُ الّذِينَ مَ َلكَ ْ
بجميع المؤمنين يحبّ الستر وكان الناس ليس لبيوتهم ستور ول حجال ،فربما دخل الخادم
أو ولده أو يتيمه ،والرجل على أهله ،فأمر ال بالستئذان في تلك العورات .فجاءهم ال
بالسّتور والخير ،فلم أر أحدا يعمل بذلك .
قِيمَة *
التعريف :
-القيمة في اللّغة :الثمن الذي يقوم به المتاع ،والقيمة واحدة القيم ،وهي ثمن 1
اسم لما يأخذه البائع في مقابلة المبيع ،عينا كان أو سلعةً ،كلّ ما يحصل عوضا عن
شيء فهو ثمنه .
وفي اصطلح الفقهاء هو :ما يبذله المشتري من عوض للحصول على المبيع ،وتطلق
الثمان أيضا على الدراهم والدنانير .
وعلى ذلك فالثمن ما يقع به التراضي بين المتعاقدين سواء أكان مساويا للقيمة أم أزيد
منها أم أنقص .
ب -السّعر :
-السّعر في اللّغة :هو الذي يقوم عليه الثمن ،والجمع أسعار ،وقد سعّروا :اتفقوا 3
على سعر ،وسعرت الشيء تسعيرا :جعلت له سعرا معلوما ينتهي إليه .
ويقال :له سعر :إذا زادت قيمته ،وليس له سعر :إذا أفرط رخصه ،وسعر السّوق :ما
يكون شائعا بين التّجار ،والتسعير :تقدير السّلطان للناس سعرا محددا .
ول يخرج استعمال الفقهاء للفظ سعر عن المعنى اللّغويّ .
وعلى ذلك فالسّعر :ما يحدّده البائع ثمنا للسّلعة أو ما يحدّده السّلطان .
أما القيمة فهي ما يساويه الشيء في تقويم المقوّمين .
ج -المِثْل :
-المثل في اللّغة :الشبه ،يقال :هذا مثله ومثله كما يقال :شبيهه وشبهه . 4
ويطلق الفقهاء المثلي على ما تماثلت آحاده وأجزاؤه من الموال بحيث يمكن أن يقوم
بعضها مقام بعض دون فرق يعت ّد به .
وفي مجلة الحكام العدلية :هو ما يوجد مثله في السّوق بدون تفاوت يعتدّ به ،وهو يشمل
المكيلت والموزونات والمعدودات ،والمثليّ من الموال قسيم القيميّ .
وعلى ذلك فالقيمة يقدر بها الشياء القيمية ،أما المثل فيقدر به المثليات .
ما يتعلق بالقيمة من أحكام :
ما تجب فيه القيمة :
تجب القيمة فيما يأتي :
أولً -في الشياء القيمية إذا وجب ضمانها :
ومن أمثلة ذلك :
أ -المبيع في البيع الفاسد :
-البيع الفاسد واجب الفسخ حقّا ل تعالى ،ويجب ر ّد المبيع إلى البائع ،وردّ الثمن إلى 5
المشتري ،فإذا هلك المبيع عند المشتري وكان قيميّا كالحيوان والعروض والعقار ضمن
المشتري قيمته ،وهذا عند الحنفية ،وهو المذهب عند الحنابلة ،نص عليه أحمد في
رواية ابن منصور وأبي طالب .
ن المقبوض
وحكى القاضي في المجرد وابن عقيل في الفصول عن أبي بكر عبد العزيز أ ّ
ي الدّين وقال :إنّه قياس المذهب .
بالبيع الفاسد يضمن بالمسمى ،وهو اختيار الشيخ تق ّ
ويفصّل المالكية بين البيع الفاسد المختلف في فساده وبين الفاسد المتفق على فساده .
ففي البيع الفاسد المختلف في فساده -ولو خارج المذهب -إذا فات المبيع بيد المشتري
فإنّه يضمنه بالثمن الذي وقع به البيع إل ما يستثنى من ذلك .
وإن كان البيع متفقا على فساده فإنّ المشتري يضمن قيمته إن كان متقوما ،ومثله إن كان
مثليّا ،وهذا ما مشى عليه خليل وهو المشهور ،وهي طريقة ابن شاس وابن الحاجب ،
وأصلها لبن يونس وعزاها لبن القاسم في غير المدونة .
والطريقة الثانية لبن رشد وابن بشير واللخميّ والمازريّ أنّ اللزم مع الفوات هو القيمة
مطلقا سواء أكان المبيع قيميّا أم مثليّا .
ن المشتري يضمن مثله في المثليّ ،
وقال الشافعية :إذا تلف المبيع في البيع الفاسد فإ ّ
وأقصى قيمه إن كان متقوما ،وهذا ما جاء في بعض كتب الشافعية كمغني المحتاج وأسنى
المطالب ،وقال الشّهاب الرمليّ تعليقا على قول الروض " :يضمن المبيع التالف بالمثل في
المثليّ " ،هذا ما نص عليه الشافعيّ ،وإن صحح الماورديّ أنّه يضمن بقيمته أيضا ،
وادعى في البحر أنّه ل خلف فيه .
ي أنّ الرافعي أطلق وجوب القيمة دون تفصيل بين المثليّ والمتقوّم ،وبه
كذلك ذكر الزركش ّ
ي قال :إنّه ضعيف .
ن الزركش ّ
صرح الماورديّ ،لك ّ
هذا الذي سبق إنّما هو بالنّسبة للبيع الفاسد عند الحنفية ،وهو والباطل سواء عند
الجمهور .أما عند الحنفية في البيع الباطل فإنّ المبيع إذا تلف بيد المشتري فإنّه ل ضمان
على المشتري فيه عند أبي حنفية ; لنّه أمانة في يده فيهلك بغير شيء .
وعند أبي يوسف ومحمد يضمن قيمته ; لنّ البائع ما رضي بقبضه مجانا .
وقت وجوب القيمة في البيع الفاسد :
-إذا وجبت قيمة المبيع في البيع الفاسد فللفقهاء اتّجاهات في وقت وجوب القيمة . 6
فعند الحنفية ،وهو المشهور عند المالكية ،وفي وجه عند الشافعية :أنّه يجب ضمان
القيمة يوم قبض المبيع ،قال الحنفية :ولو زادت قيمته في يده فأتلفه ; لنّه إنّما يدخل في
ضمانه بالقبض فل يتغير كالغصب .
وعند الحنابلة -كما قاله القاضي ونص عليه أحمد -وهو قول محمد من الحنفية ووجه
عند الشافعية :أنّه يجب ضمان القيمة يوم تلف المبيع قالوا ; :لنّه مأذون في إمساكه
فأشبه العارية .
ن القيمة تجب بأقصى القيم من حين القبض إلى حين التلف ; لنّه
والمذهب عند الشافعية أ ّ
مخاطب في كلّ لحظة من جهة الشرع بردّه ،وهو قول عند الحنابلة ذكره الخرقيّ في
الغصب ،قال ابن قدامة :فيخرج هاهنا " البيع الفاسد " ،بل هو هنا أولى ; لنّ العين
كانت على ملك صاحبها في حال زيادتها وعليه ضمان نقصها مع زيادتها ،فكذلك في حال
تلفها .وفي قول عند المالكية تجب القيمة يوم البيع .
ب -المغصوب :
-من غصب شيئا لزمه ردّه ما كان باقيا لقول النبيّ صلى ال عليه وسلم « :على اليد 7
ما أخذت حتى تؤدّي » ،فإن تلف في يده لزمه بدله ; لنّه لما تعذر ردّ العين وجب ر ّد ما
يقوم مقامها في المالية ،فإن كان المغصوب مما له مثل كالمكيلت والموزونات والعدديات
ن ضمان الغصب ضمان اعتداء ،والعتداء لم يشرع إل
المتقاربة فعلى الغاصب مثله ; ل ّ
علَ ْيكُمْ } ،
ن اعْتَدَى عَلَ ْي ُكمْ فَاعْتَدُواْ عَلَ ْي ِه ِبمِ ْثلِ مَا اعْتَدَى َ
بالمثل ،قال ال تعالى َ { :فمَ ِ
والمثل المطلق هو المثل صور ًة ومعنىً ،فأما القيمة فمثل من حيث المعنى دون الصّورة .
ولنّ ضمان الغصب ضمان جبر الفائت ،ومعنى الجبر بالمثل أكمل منه من القيمة ،فل
يعدل عن المثل إلى القيمة إل عند التعذّر .
وإن كان مما ل مثل له فعليه قيمته ; لنّه تعذر إيجاب المثل معنىً وهو القيمة ; لنّها المثل
الممكن .
ن النّبي صلى
والصل في ضمان القيمة ما روى عبد ال بن عمر رضي ال تعالى عنهما أ ّ
ال عليه وسلم قال « :من أعتق شركًا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوّم عليه
قيمة العدل » ،فأمر صلى ال عليه وسلم بالتقويم في حصة الشريك ; لنّها متلفة بالعتق
ولم يأمر بالمثل ; ولنّ هذه الشياء ل تتساوى أجزاؤها وتتباين صفاتها ،فالقيمة فيها
أعدل وأقرب إليها فكانت أولى ،والنص الوارد في العبد يكون واردا في إتلف كلّ ما ل
مثل له دللةً .
وحكي عن العنبريّ أنّه يجب في كلّ شيء مثله مثليّا كان أو متقوما ،لما ورد عن عائشة
رضي ال تعالى عنها أنّها قالت « :ما رأيت صانعة طعام مثل صفية أهدت إلى النبيّ صلى
ال عليه وسلم إناء فيه طعام ،فما ملكت نفسي أن كسرته ،فسألت النّبي صلى ال عليه
وسلم عن كفارته فقال :إناء كاناء ،وطعام كطعام » .
وعن أنس « أنّ النّبي صلى ال عليه وسلم كان عند بعض نسائه ،فأرسلت إحدى أمهات
المؤمنين مع خادم بقصعة فيها طعام ،فضربت بيدها فكسرت القصعة فضمها وجعل فيها
الطعام ،وقال :كلوا ،وحبس الرسول والقصعة حتى فرغوا ،فدفع القصعة الصحيحة ،
وحبس المكسورة » .
ولنّ « النّبي صلى ال عليه وسلم استسلف بعيرا ورد مثله » .
). 23 ، 20 ، 19 وينظر تفصيل ذلك في ( غصب ف /
وقت وجوب القيمة في المغصوب :
-ذهب الحنفية والمالكية وهو رواية عن أحمد إلى أنّ الغاصب يضمن قيمة المتقوّم 8
التالف يوم الغصب .وعند الشافعية يضمن بأقصى قيمة من وقت الغصب إلى وقت التلف ;
لنّه غاصب في الحال التي زادت فيها قيمته فلزمه ضمان قيمته فيها :
والمذهب عند الحنابلة :وجوب القيمة يوم تلف المغصوب .
). 24 وينظر تفصيل ذلك في ( غصب ف /
ثانيا -تعذّر المثل :
ي إذا تعذر ردّ المثل ،وذلك كالمبيع في البيع
-مما تجب فيه القيمة أيضا المضمون المثل ّ 9
اشتريت بكذا ول بينة لواحد منهما ،تحالفا ويفسخ البيع إن لم يتراضيا .
فإذا تلف المبيع عند المشتري فقد اختلف الفقهاء في كيفية ضمانه .
ي من الشافعية وصححه في الحاوي ،وهو ما مشى عليه
فعند الحنابلة ،وهو قول النّوو ّ
ن المشتري يضمن
صاحب المهذب ،وهو قول عند المالكية على ما في التوضيح وغيره :أ ّ
المبيع بالقيمة ،سواء أكان مثليّا أم قيميّا .
ي الخطيب ،وهو قول عند المالكية :أنّ
والمشهور عند الشافعية على ما ذكره الشّربين ّ
المشتري يضمن المثل إن كان مثليّا ،والقيمة إن كان قيميّا .
ما يضمن بالقيمة والمثل معا :
-من المضمونات ما تجب فيه القيمة والمثل معا ،وذلك في الصيد المملوك إذا قتله 11
المحرم أو قتله الحلل في الحرم ،فإنّه يضمنه بالقيمة للمالك وبالمثل الصّوريّ لحقّ ال
تعالى ،وذلك كما إذا استعار صيدا مملوكا من حلل وتلف عنده ،وهذا إذا كان له مثل
لقوله تعالى َ { :فجَزَا ٌء مّ ْثلُ مَا قَ َت َل مِنَ ال ّن َعمِ } .
فإن كان مما ل مثل له من النعم كالعصافير المملوكة وجبت فيه قيمتان :إحداهما تجب
حقّا ل تعالى ،والخرى تجب لمالكه .
قِيمِيّات *
التعريف :
ي نسبةً إلى القيمة على
-القيميات في اللّغة :جمع مفرده قِي ِميّ ،يقال :شيء قِيمِ ّ 1
لفظها; لنّه ل وصف له ينضبط به في أصل الخلقة حتى ينسب إليه .
والقيمة :ثمن الشيء بالتقويم .
ي في الصطلح :ما ل يوجد له مثل في السّوق ،أو يوجد لكن مع التفاوت المعتدّ
والقيم ّ
ي المخلوط بغيره ،وكالعدديات المتفاوتة التي يكون بين أفرادها
به في القيمة كالمثل ّ
وآحادها تفاوت في القيمة كالنعام .
اللفاظ ذات الصّلة :
المثليات :
ي ،والمثل في اللّغة :الشبه يقال :هذا مثله ومثله ،كما يقال
-المثليات جمع مثل ّ 2
الفقهاء ،مع مراعاة استيفاء الشّروط المعتبرة في ذلك من كون هذه الموال مملوكةً للعاقد
طاهر ًة منتفعا بها مقدورا على تسليمها معلومةً لكلّ من العاقدين .
وما بعدها ) . 28 وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ( بيع ف /
ب -الجارة :
-يجوز أن تكون منفعة الموال القيمية محلّا لعقد الجارة كاستئجار دار للسّكنى ، 4
وحيوان للرّكوب أو لنقل متاع ،مع مراعاة استيفاء الشّروط المعتبرة في ذلك من كون
المنفعة معلومةً ومقدورا على استيفائها ...وغير ذلك ،وهذا باتّفاق .
وما بعدها ) . 29 وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ( إجارة ف /
ثانيا -من العقود ما يختلف الفقهاء في كون الموال القيمية محلّا للعقد فيها :
ومن أمثلة ذلك ما يلي :
أ -السلم :
-يشترط لصحة السلم أن يكون المسلم فيه مما يمكن أن يضبط قدره وصفته بالوصف 5
على وجه ل يبقى بعد الوصف إل تفاوت يسير ،ولذلك يجوز السلم في المثليات كالمكيلت
والموزونات ; لنّها ممكنة الضبط قدرا وصفةً ،وهذا باتّفاق .
وكذلك يجوز السلم في القيميات التي تنضبط بالصّفات عند الجمهور ،وذهب الحنفية إلى
عدم صحة السلم في القيميات إل أنّهم استثنوا بعضها استحسانا .
قال الكاسانيّ :أما الذرعيات كالثّياب والبسط والحصر والبواري ونحوها فالقياس أن ل
يجوز السلم فيها ; لنّها ليست من ذوات المثال للتفاوت الفاحش بين ثوب وثوب ،ولهذا
لم تضمن بالمثل في ضمان العدديات بل بالقيمة فأشبه السلم في الللئ والجواهر إل أنّا
صغِيرًا أَو كَبِيرًا
استحسنّا الجواز لقول ال عز وجل في آية الدين َ { :ولَ َتسْ َأ ُم ْواْ أَن َتكْتُبُوْ ُه َ
إِلَى َأجَ ِلهِ } ،والمكيل والموزون ل يقال فيه الصغير والكبير ،وإنّما يقال ذلك في الذرعيات
ن الناس تعاملوا السلم في الثّياب لحاجتهم إلى ذلك فيكون إجماعا منهم
والعدديات ; ول ّ
على الجواز فيترك القياس بمقابلته ; ولنّه إذا بين جنسه وصفته ونوعه وطوله وعرضه
يتقارب التفاوت فيلحق بالمثل في باب السلم لحاجة الناس .
). 21 ( ر :سلم ف
-واختلف الجمهور فيما يمكن ضبطه بالصّفات من القيميات فيجوز السلم فيه وما ل 6
كالحيوان والعقار وكلّ شيء متفاوت ; لنّ القرض إعارة ابتداءً حتى صح بلفظها ،
معاوضة انتهاءً ; لنّه ل يمكن النتفاع به إل باستهلك عينه فيستلزم إيجاب المثل في
ي ; لنّه ل
الذّمة ،وهذا ل يتأتى في غير المثليّ ،قال في البحر :ول يجوز في غير المثل ّ
يجب دينا في الذّمة ،ويملكه المستقرض بالقبض الصحيح ،والمقبوض بقرض فاسد يتعين
لردّ ،وفي القرض الجائز ل يتعين بل يردّ المثل وإن كان قائما .
وعلى هذا فإنّ قرض ما ل يجوز قرضه من القيميات يعتبر عاري ًة من حيث إنّه يجب ردّ
عينه .
ن القيميات التي ل
وفي الصحّ عند الشافعية وهو وجه عند الحنابلة قاله أبو الخطاب أ ّ
تنضبط أو يندر وجودها ل يجوز قرضها ; لنّه يتعذر أو يتعسر ردّ المثل ،ور ّد المثل هو
الواجب في الظهر .
وذهب المالكية وهو مقابل الصحّ عند الشافعية وهو الوجه الثاني عند الحنابلة أنّه يجوز
ن النّبي صلى ال عليه
قرض القيميات بناء على أنّه يجوز ردّ مثل المتقوّم صور ًة ; « ل ّ
وسلم استسلف بكرا ورد رباعيّا » ; ولنّه لو وجبت القيمة لفتقر إلى العلم بها .
قال ابن عبد البرّ :وقرض كلّ شيء واستقراضه جائز من العروض والعين والحيوان .
ج -الشركة :
ح أن يكون رأس مال الشركة من الموال القيمية ; لتعذّر الخلط في المتقومات ;
-ل يص ّ 8
لنّها أعيان متميّزة ،حينئذ تتعذر الشركة ; لنّ بعضها قد يتلف فيذهب على صاحبه وحده
; ولنّها تقتضي الرّجوع عند فسخها برأس المال أو مثله ،ول مثل لها يرجع إليه وقيمتها
ل يجوز عقدها عليها ; لنّها قد تزيد في أحدهما قبل بيعه فيشاركه الخر في العين
المملوكة له وثمنها معدوم حال العقد وغير مملوك لهما .
وهذا في الجملة عند جمهور الفقهاء خلفا للمالكية فيجوز عندهم في المتقوّم كالعروض
والعيان ،وكلّ بالقيمة .
). 44 وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ( شركة ف /
َقيّم *
التعريف :
-القيّم في اللّغة :من قام بالمر قياما وقوما :اهتم به بالرّعاية والحفظ ،ومنه قوله 1
علَى ال ّنسَاءِ } ،والقوام اسم لمن يكون مبالغا في القيام بالمر ،
تعالى { :ال ّرجَالُ َقوّامُونَ َ
وقيّم اليتيم هو الذي يقوم بأمره ،ويتعهد شؤونه بالرّعاية والحفظ .
وفي الصطلح هو من يعيّنه الحاكم لتنفيذ وصايا من لم يوص معينا لتنفيذ وصيته ،
والقيام بأمر المحجورين من أولده من أطفال ،ومجانين وسفهاء ،وحفظ أموال المفقودين
ممن ليس لهم وكيل .
ويسمّيه المالكية :مقدم القاضي أو نائب القاضي .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الوصيّ :
-الوصيّ هو من يعهد إليه الب أو الج ّد أو القاضي بالتصرّف بعد موت الب أو الجدّ 2
فيما كان له التصرّف فيه في حياته من شؤونه :كقضاء ديونه واقتضائها ،ور ّد المظالم
والودائع ،واستردادها ،وتنفيذ وصاياه والولية على أولده الذين له الولية عليهم من
أطفال ومجانين وسفهاء ،والنظر في أموالهم ،بحفظها والتصرّف فيها بما لهم فيه الحظّ .
ن الوصي أعمّ من القيّم .
والصّلة أ ّ
ب -الوكيل :
-الوكيل هو من يقوم بشؤون الغير بتفويض منه في حال حياته ،والوكيل ينصبه 3
كاتب *
انظر :توثيق .
كافر *
انظر :كفر .
كافل *
انظر :قيّم ،ولية .
كافُور *
انظر :تطيّب ،تكفين .
كَالِئ *
التعريف :
-الكالئ في اللّغة :النسيئة والسلف ،يقال :كل الدين يكل :تأخر فهو كالئ . 1
وفي الحديث أنّ النّبي صلى ال عليه وسلم « :نهى عن بيع الكالئ بالكالئ » ،قال أبو
عبيدة :يعني النسيئة بالنسيئة .
والمراد به في اصطلح الفقهاء :الدين .
ويذكرون لفظ الكالئ في الكلم على بيع الدين بالدين مستدلّين بالنهي الوارد عن النبيّ
صلى ال عليه وسلم .
ففي منح الجليل أثناء الكلم على ذكر البيوع الممنوعة قال :وكالئ بمثله ثم قال « :نهى
رسول ال صلى ال عليه وسلم عن الكالئ بالكالئ » ،أي الدين بالدين .
اللفاظ ذات الصّلة :
العين :
-تطلق العين في اللّغة على أشياء مختلفة ،فمنها العين الباصرة ،ومنها العين 2
الجارية .وتطلق العين أيضا على ما ضرب من الدنانير ،وقد يقال لغير المضروب :عين
أيضا ،قال في التهذيب والعين :النّقد ،يقال :اشتريت بالدين أو بالعين .
ويطلق الفقهاء في اصطلحهم كلمة العين في مقابل الدين ،باعتبار أنّ الدين هو ما يثبت
في الذّمة من غير أن يكون معينا مشخصا ،سواء كان نقدًا أو غيره ،أما العين فهي
الشيء المعين المشخص .
قال النّوويّ :المال المستحقّ عند غيره قسمان :دين ،وعين .
والصّلة بين العين والدين :أنّ العين مقابل الدين .
الحكم الجماليّ :
-من البيوع الممنوعة شرعا بيع الكالئ بالكالئ ،أي :بيع الدين بالدين ،وذلك لما 3
كاهن *
انظر :كهانة .
كَبائر *
التعريف :
-الكبائر جمع كبيرة ،وهي لغ ًة :الثم . 1
واصطلحا :كما قال القرطبيّ :كلّ ذنب عظم الشرع التوعّد عليه بالعقاب وشدده ،أو
عظم ضرره في الوجود .
ولها تعريفات أخرى .
وهناك من عرف الكبائر بالعدّ ،قال الزركشيّ :اختلفوا في الكبيرة ،هل تُعرّف بالحدّ أو
بالعدّ ،على وجهين .وبالول قال الجمهور .
وقد جاء في النّصوص الشرعية وكلم الفقهاء التعبير عن الكبيرة أيضا بالموبقة ،كما في
حديث « :اجتنبوا السبع الموبقات ، » ...وبالفاحشة ،كما في قوله تعالى { :وَالّذِينَ
َيجْتَنِبُونَ كَبَائِ َر الْإِ ْثمِ وَا ْل َفوَاحِشَ } خلفا للحليميّ ،فإنّه قسم الذّنوب إلى ثلثة أنواع هي
الصغائر ،والكبائر ،والفواحش ،ومثل لذلك بقتل النفس هو كبيرة ،فإن قتل ذا رحم
محرم فهو فاحشة ،وهكذا تنقسم سائر الذّنوب عنده بحسب ما يلبس الذنب .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -المعصية :
-المعصية ،أو العصيان لغةً :خلف الطاعة . 2
واصطلحا :مخالفة أمر ال تعالى ،بترك ما أمر به ،أو فعل ما نهى عنه ،سواء كان
الذنب كبيرا أم صغيرا ،فهي أعمّ من الصغائر والكبائر .
ب -الّلمَم :
-من معاني " اللمم " في اللّغة :صغار الذّنوب . 3
وَيَ َتعَدّ حُدُودَهُ يُ ْدخِ ْلهُ نَارا خَالِدا فِيهَا وَ َل ُه عَذَابٌ ّمهِينٌ } ،وقول النبيّ صلى ال عليه وسلم :
« اجتنبوا السبع الموبقات . » ...
مناط تقسيم المعاصي إلى صغائر وكبائر وضابط الكبيرة :
-ذهب جمهور العلماء إلى تقسيم المعاصي إلى صغائر وكبائر ،واستدلّوا لذلك بالكتاب 5
والسّنّة .
فمن الكتاب قوله تعالى { :إِن َتجْتَنِبُواْ كَبَآئِ َر مَا تُ ْن َهوْنَ عَ ْن ُه ُن َكفّرْ عَن ُكمْ سَيّئَا ِت ُكمْ } ،وكذلك
ن كَبَائِ َر الْإِ ْثمِ وَالْ َفوَاحِشَ إِلّا الّل َممَ } .
قوله تعالى في مدح المؤمنين التقياء { :الّذِينَ َيجْتَنِبُو َ
ومن السّنّة قوله صلى ال عليه وسلم « :أل أنبّئكم بأكبر الكبائر ، » ...وغير ذلك من
الحاديث .
ي :إنكار الفرق بين الصغيرة والكبيرة ل يليق بالفقيه .
وقد قال الغزال ّ
ي " ،وأبي إسحاق
وخالف في ذلك بعض الصوليّين ،كأبي بكر بن الطيّب " الباقلن ّ
السفرايينيّ ،وأبي المعالي الجوينيّ ،وأبي نصر عبد الرحيم القشيريّ ،وهو ما حكاه
القاضي عياض عن المحقّقين ،ونسبه ابن بطال إلى الشعرية ،فذهبوا إلى أنّ جميع
المعاصي كبائر بالنظر إلى من عصي سبحانه ،فكلّها بالنّسبة إلى جلله كبائر ،وإن كان
بعضها أعظم وقعا من بعض ،وإنّما يقال لبعضها صغائر بالضافة إلى ما هو أكبر منها ،
كالقبلة المحرمة صغيرة بالنّسبة إلى الزّنا ،ل أنّها صغيرة في نفسها ،كما استدلّوا بقول
ابن عباس رضي ال عنهما :كلّ ما نهى ال عنه كبيرة .
وقال القرافيّ :الصغيرة والكبيرة في المعاصي ليس من جهة من عصى ،بل من جهة
المفسدة الكائنة في ذلك الفعل ،فالكبيرة ما عظمت مفسدتها ،والصغيرة ما قلت مفسدتها .
أما ضابط الكبيرة ،فقد قال العزّ بن عبد السلم :لم أقف لحد من العلماء على ضابط
للكبيرة ل يسلم من العتراض ،والولى ضبطها بما يشعر بتهاون مرتكبها بدينه إشعارا
دون الكبائر المنصوص عليها ،قال الحافظ ابن حجر " :وهو ضابط جيّد " .
وقد سلك بعض المتأخّرين مسلكا مشابها ،لكنّه عول على المفسدة ،ل على التهاون ،فكلّ
معصية ساوت مفسدتها أدنى مفسدة كبيرة منصوص عليها فهي كبيرة ،ومثل لذلك بدللة
الكفار على المسلمين هي أشدّ فسادا من الفرار من الزحف المنصوص على أنّه كبيرة .
ومن الضوابط المذكورة للكبيرة :
-قول الزيلعيّ :ما كان حراما لعينه .
سمّي في الشرع فاحشةً أم لم يسم ولكن
-وقول خواهر زاده :ما كان حراما محضا سواء ُ
شرع عليه عقوبةً محضةً بنص قاطع إما في الدّنيا بالح ّد أو الوعيد بالنار في الخرة .
ي :ما أوجبت الحد أو توجه بسببها إلى الفاعل وعيد .
وقول الماورد ّ
وما نقله القاضي أبو يعلى عن المام أحمد بأنّها :ك ّل ذنب أوجب ال فيه حدّا في الدّنيا أو
ختمه بنار في الخرة .
ومن الضوابط قول ابن الصلح :للكبائر أمارات ،منها :إيجاب الحدّ ،ومنها :اليعاد
عليها بالعذاب بالنار ونحوها في الكتاب والسّنّة ،ومنها :وصف صاحبها بالفسق ،ومنها
:اللعن .
ي :قصدوا التقريب وليست بحدود جامعة .
وقال ابن حجر الهيتم ّ
ونفى الواحديّ وجود ضابط للكبيرة وأنّه بقصد الشارع فقال :الصحيح أنّه ليس للكبائر حدّ
يعرفه العباد وتتميز به عن الصغائر تمييز إشارة ،ولو عرف ذلك لكانت الصغائر مباحةً ،
ولكن أخفي ذلك على العباد ،ليجتهد كلّ واحد في اجتناب ما نهي عنه ،رجاء أن يكون
مجتنبا للكبائر ،ونظيره إخفاء الصلة الوسطى في الصلوات ،وليلة القدر في رمضان .
ن الحدود
قال ابن حجر الهيتميّ بعدما أورد بعض الحدود " :مقتضى كلم المام وغيره أ ّ
السابقة هي لما عدا الكفر ،وإن صح أن يسمى كبير ًة بل هو أكبر الكبائر " .
تعداد الكبائر :
-اختلف العلماء في حصر الكبائر بعدد أو عدم حصرها . 6
ن ما ورد منها بعدد معين ليس المراد منه الحصر ،وأجابوا عن الحكمة
فذهب أكثرهم إلى أ ّ
ل بأجوبة عديدة ،منها :
في القتصار في بعض الحاديث على عدد معين ،كسبع مث ً
أ -أنّ النّبي صلى ال عليه وسلم أُعْلِم بالكبائر المذكورات أولً ،ثم أعلم بما زاد ،فيجب
الخذ بالزائد .
ب -أنّ القتصار وقع بحسب المقام ،بالنّسبة للسائل أو من وقعت له واقعة .
وذهب بعض العلماء إلى حصرها في عدد معين هو :
أ -ثلث :روي ذلك عن ابن مسعود رضي ال عنه .
ب -أربع :روي أيضا عن ابن مسعود رضي ال عنه ،قال :الكبائر أربع :اليأس من
روح ال ،والقنوط من رحمة ال ،والمن من مكر ال ،والشّرك بال ،دل عليها
ن النّبي صلى ال عليه
القرآن ،وعن عبد ال بن عمرو بن العاص رضي ال عنهما أ ّ
وسلم قال :
« الكبائر :الشراك بال ،وعقوق الوالدين وقتل النفس ،واليمين الغموس » ،وعن أنس
رضي ال عنه ،ذكر رسول ال صلى ال عليه وسلم الكبائر ،أو سئل عن الكبائر فقال :
« الشّرك بال ،وقتل النفس ،وعقوق الوالدين ،فقال :أل أنبّئكم بأكبر الكبائر ؟ قال :
قول الزّور ،أو شهادة الزّور » .
ي إلى ضبط بعضهم الكبائر بأنّها كلّ فعل نص الكتاب على تحريمه
وأشار ابن حجر الهيتم ّ
" أي بصريح التحريم " وهو أربعة أشياء :أكل لحم الميتة ،والخنزير ،ومال اليتيم ،
والفرار من الزحف .
ج -سبع :واستدلّوا بما روى أبو هريرة رضي ال عنه « أنّ النّبي صلى ال عليه وسلم
قال :اجتنبوا السبع الموبقات قالوا :يا رسول ال ،وما هنّ ؟ قال :الشّرك بال ،
ق ،وأكل الرّبا ،وأكل مال اليتيم ،والتولّي يوم
والسّحر ،وقتل النفس التي حرم ال إل بالح ّ
الزحف ،وقذف المحصنات الغافلت المؤمنات » .
ن الكبائر سبع :عليّ رضي ال عنه ،وعطاء ،
قال ابن حجر الهيتميّ :وممن صرح بأ ّ
وعبيد بن عمير .
د -ثمان :وذلك بزيادة « عقوق الوالدين » على السبع التي في حديث أبي هريرة
السابق .وقد وفق بعض الشّراح بين ع ّد الكبائر سبعا ،وعدّها ثمانيا ،باعتبار أكل الرّبا
وأكل مال اليتيم كبيرةً واحدةً ،بجامع الظّلم .
هـ -تسع :أشار إلى هذا الزركشيّ لحديث « :الكبائر تسع » ،وزاد على حديث أبي
هريرة السابق « :اللحاد في الحرم ،وعقوق الوالدين » .
و -عشر :روي ذلك عن ابن مسعود .
ز -أربع عشرة :أشار إليه الزركشيّ .
ح -خمس عشرة :أشار إليه ابن حجر الهيتميّ .
ط -سبع عشرة :نقل القول بذلك الشيخ عليش .
ي -سبعون :قال الزركشيّ :أنهاها الذهبيّ إلى سبعين في جزء صنّفه في الكبائر .
ك -أربعمائة وسبع وستّون :أنهى ابن حجر الهيتميّ الكبائر إلى هذا العدد ،منها ستّ
وستّون كبائر باطنة مما ليس له مناسبة بخصوص أبواب الفقه ،أي تتعلق بأعمال
القلوب ،والباقي كبائر ظاهرة تتعلق بالجوارح .
ل -سبعمائة :روي ذلك عن ابن عباس رضي ال عنه ،أخرج الطبرانيّ عنه أنّه قيل له
:الكبائر سبع ،فقال :هي إلى السبعين أقرب ،وفي رواية إلى السبعمائة ،قال الحافظ ابن
حجر :ويحمل كلمه على المبالغة بالنّسبة لمن اقتصر على السبع .
قال القرافيّ :ما وردت السّنّة أو الكتاب العزيز بجعله كبير ًة أو أجمعت عليه المة أو ثبت
فيه حدّ من حدود ال تعالى ،كقطع السرقة وجلد الشّرب ونحوهما ،فإنّها كلها كبائر قادحة
في العدالة إجماعا وكذلك ما فيه وعيد صرّح به في الكتاب أو في السّنّة فنجعله أصلً
وننظر ،فما ساوى أدناه مفسدةً ،أو رجح عليها مما ليس فيه نص ألحقناه به ...
أكبر الكبائر :
-قسم الفقهاء الكبائر إلى كبيرة وأكبر ،وذلك لما روي عن أبي بكرة رضي ال عنه ، 7
قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم « :أل أنبّئكم بأكبر الكبائر ؟ قلنا :بلى يا رسول
ال قال ثلثا :الشراك بال ،وعقوق الوالدين ،وكان متكئا فجلس فقال :أل وقول الزّور
وشهادة الزّور ،أل وقول الزّور وشهادة الزّور فما زال يقولها حتى قلت :ل يسكت » ،
وفي رواية « حتى قلنا :ليته سكت » ،أي إشفاقا عليه صلى ال عليه وسلم قال الحافظ
ابن دقيق العيد :يستفاد من قوله صلى ال عليه وسلم « :أكبر الكبائر » انقسام الذّنوب
إلى كبير وأكبر ،وذلك بحسب تفاوت مفاسدها ،ول يلزم من كون هذه أكبر الكبائر استواء
رتبها أيضا في نفسها .
وقال الحافظ ابن حجر :حديث " أكبر الكبائر " ليس على ظاهره من الحصر ،بل " من "
فيه مقدرة ،أي من أكبر الكبائر فقد ثبت في أشياء أخر أنّها من أكبر الكبائر ،ثم ذكر
الحاديث الواردة في أكبر الكبائر ،فبلغت عشرين كبير ًة ،وبعد إسقاطه المتداخل منها
بلغت ثلث عشرة هي :
أ -الشراك بال .
ب -عقوق الوالدين .
ج -قول الزّور وشهادة الزّور " وهذه ثلثة التي في الحديث السابق " .
د -قتل النفس ،لحديث أنس في أكبر الكبائر .
هـ -الزّنا بحليلة الجار ،لحديث ابن مسعود :قلت « :يا رسول ال ،أيّ الذنب أعظم
قال :أن تجعل ل ندّا وهو خلقك ،قلت :ثم أيّ ؟ قال :أن تقتل ولدك من أجل أن يطعم
معك ،قلت :ثم أيّ ؟ قال .أن تزاني حليلة جارك » فأورد هذه بينها .
و -اليمين الغموس ،لحديث عبد ال بن عمرو بن العاص عن النبيّ صلى ال عليه وسلم
قال « :الكبائر :الشراك بال ،وعقوق الوالدين أو قال :اليمين الغموس » .
ز -استطالة المرء في عرض رجل مسلم ،لحديث أبي هريرة رضي ال عنه أنّ رسول
ال صلى ال عليه وسلم قال « :إنّ من أكبر الكبائر استطالة المرء في عرض رجل مسلم
ن رسول ال صلى
» .ح -منع فضل الماء ومنع الفحل ،لحديث بريدة رضي ال عنه أ ّ
ن من أكبر الكبائر الشراك بال ،وعقوق الوالدين ،ومنع فضل
ال عليه وسلم قال « :إ ّ
الماء ومنع الفحل » .
ط -سوء الظنّ بال تعالى ،لحديث ابن عمر رضي ال عنهما أنّ رسول ال صلى ال
عليه وسلم قال « :أكبر الكبائر سوء الظنّ بال » .
ي -مضاهاة الخلقة بالتصوير ،لحديث أبي هريرة رضي ال عنه مرفوعا :يقول ال
تعالى « :ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي » .
ك -اللدد في الخصومة ،لحديث عائشة رضي ال عنها مرفوعا « :أبغض الرّجال إلى
ال اللدّ الخصم » .
ن من أكبر
ب البوين ،لحديث عبد ال بن عمرو رضي ال عنهما مرفوعا « :إ ّ
ل-س ّ
الكبائر أن يلعن الرجل والديه . » ...
قال السّيواسيّ :أكبر الكبائر الشّرك ،وأصغر الصغائر حديث النفس ،وبينهما وسائط .
ترتيب الكبائر من حيث المفسدة والضرر :
-قال القرافيّ :رتب المفاسد مختلفة ،وأدنى رتب المفاسد يترتب عليها الكراهة ،ثم 8
كلما ارتقت المفسدة عظمت الكراهة ،حتى تكون أعلى رتب المكروهات ،تليها أدنى رتب
المحرمات ،ثم تترقى رتب المحرمات حتى تكون أعلى رتب الصغائر ،يليه أدنى الكبائر ثم
تترقى رتب الكبائر بعظم المفسدة حتى تكون أعلى رتب الكبائر ،يليها الكفر .
الكبيرة واليمان من حيث الزوال والنّقصان والبقاء :
ن أصل اليمان من التصديق بال
-ل يخرج المؤمن من اليمان بارتكابه الكبائر ; ل ّ 9
تعالى ،واليمان والتصديق موجودان في مرتكب الكبيرة ،وإذا مات قبل أن يتوب فهو في
مشيئة ال وعفوه :إن شاء غفر له ،وإن شاء أخذه بذنوبه ،ول يخلد في النار ،بل
تكون عاقبته إلى الجنّة ،هذا ما عليه أهل السّنّة ،واستدلّوا بقوله تعالى { :إِنّ ال لَ
ن مِنَ
شرَكَ ِب ِه وَ َيغْفِ ُر مَا دُونَ ذَِلكَ ِلمَن َيشَاء } ،وكذلك قوله تعالى َ { :وإِن طَا ِئفَتَا ِ
َيغْفِ ُر أَن ُي ْ
ا ْل ُم ْؤمِنِينَ اقْتَتَلُوا } فسماهم مؤمنين مع صدور القتال ظلما من إحدى الطائفتين .
انخرام العدالة بارتكاب الكبائر :
-العدالة :كما قال الغزاليّ هيئة راسخة في النفس تحمل على ملزمة التقوى 10
والمروءة جميعا ،حتى تحصل ثقة النّفوس بصدقه ،فل ثقة بقول من ل يخاف ال تعالى
خوفا وازعا عن الكذب .
ن ارتكاب الكبائر جرحة تردّ به الشهادة ،وقال الكاسانيّ :
وقد نقل ابن حزم الجماع على أ ّ
الصل أنّ من ارتكب جريمةً ،فإن كانت من الكبائر سقطت عدالته إل أن يتوب .
ن العدل هو من لم يفعل معصيةً كبير ًة بل توبة منها بأن لم يفعلها أصلً
وصرح المالكية بأ ّ
أو تاب منها ،فإن فعلها ولم يتب منها فل تقبل شهادته ،فل يشترط في العدل عدم مباشرة
المعصية مطلقا لتعذّره .
وفيما يلي بعض التوضيحات :
أ -صرح كلّ من القرافيّ وابن الشاطّ أنّ انخرام العدالة ورد الشهادة بارتكاب الكبائر ليس
سببه الرتكاب نفسه ،بل ما يلزم عنه ،وهو أنّه يدلّ على الجرأة على مخالفة المرتكب
للشارع في أوامره ونواهيه ،أو كما اختار ابن الشاطّ " احتمال الجرأة " فمن دلت قرائن
حاله على الجرأة ردت شهادته ،كمرتكب الكبيرة المعلوم من دلئل الشرع أنّها كبيرة ،أو
المصرّ على الصغيرة إصرارا يؤذن بالجرأة ،ومن احتمل حاله أنّه فعل ما فعل من ذلك
جرأةً أو فلتةً توقّف عن قبول شهادته ،ومن دلت دلئل حاله أنّه فعل ما فعله من ذلك فلتةً
ن السبب لردّ الشهادة ليس إل التّهمة
غير متصف بالجرأة قبلت شهادته ،وذلك ; ل ّ
بالجتراء على الكذب ،كالجتراء على ارتكاب ما ارتكبه من المخالفة .فإذا عري عن
التّصاف بالجرأة واحتمال التّصاف بها بظاهر حاله سقطت التّهمة .
ي أنّ العدالة المشترط فيها اجتناب الكبائر هي مطلق العدالة ،فمن لم
ب -بين الخرش ّ
يستوف هذا الشرط يكون فاسقا ،بخلف العدالة الخاصة المشترطة للشهادة ،فمن
شروطها اجتناب ما يخلّ بالمروءة ،وعدمه ليس فسقا .
ج -ل يترتب انخرام العدالة إل على الرتكاب للكبيرة فعلً ،فلو نوى العدل فعل كبيرة غدا
لم يصر بذلك فاسقا ،بخلف نية الكفر .
تفسيق مرتكب الكبيرة :
-عرف مما سبق في الكلم عن انخرام عدالة مرتكب الكبيرة أنّه يفسق بذلك . 11
قال الزركشيّ :من أتى بشيء من الكبائر فسق وسقطت عدالته ثم نقل عن الصيرفيّ
التصريح بذلك .
أثر الصرار في تحوّل الصغيرة إلى كبيرة :
-قال القرافيّ :الصغيرة ل تقدح في العدالة ول توجب فسوقا ،إل أن يصر عليها 12
فتكون كبيرةً ...فإنّه ل صغيرة مع إصرار ،ول كبيرة مع استغفار كما قال السلف ...
ويعنون بالستغفار التوبة بشروطها ،ل طلب المغفرة مع بقاء العزم ،فإنّ ذلك ل يزيل كِبَر
الكبيرة ألبتة .
وقد أورد الزركشيّ في عداد الكبائر إدمان الصغيرة .
ي ،حيث نقل عنه الزركشيّ أنّ الصرار
وخالف في هذا بعض الفقهاء ،كأبي طالب القضاع ّ
له حكم ما أصر به عليه فالصرار على الصغيرة صغيرة .
واعتبار الصرار على الصغيرة كبيرةً هو من باب اللحاق كما قال الرمليّ ،فهو ل يصيّر
الصغيرة كبير ًة حقيقةً ،وإنّما يلحقها بها في الحكم ،وبعبارة بعض الحنفية من شراح
المنار :الصرار على الصغيرة هو كبيرة لغيرها ،أما الكبيرة بالضابط الصليّ فهي كبيرة
بنفسها .
جاء في حواشي شرح المنار أنّ الصرار تكرار الفعل تكرّرا يشعر بقلة المبالة بأمر
الدّين ،وقال أمير بادشاه :الصرار أن تتكرر منه الصغيرة تكرارا يشعر بقلة مبالته بأمر
دينه إشعار ارتكاب الكبيرة بذلك .
وأما حقيقة التكرار المشترط في تحقّق الصرار فيعرف من تقسيم الزركشيّ الصرار إلى
قسمين :
أحدهما :حكميّ ،وهو العزم على فعل الصغيرة بعد الفراغ منها ،فهذا حكمه حكم من
ل ،بخلف التائب منها ،فلو ذهل عن ذلك ولم يعزم على شيء فهذا هو الذي
كررها فع ً
تكفّره العمال الصالحة .
والثاني :الصرار بالفعل ،وعبر عنه بعضهم بالمداومة أو الدمان ،وعن بعض الشافعية
قال :ل أجعل المقيم على الصغيرة المعفوّ عنها مرتكبًا للكبيرة إل أن يكون مقيما على
المعصية المخالفة أمر ال دائما ،ونحوه في المغني لبن قدامة .
أثر الكبيرة في إحباط الثواب :
ن الشّرك الذي هو أكبر الكبائر يحبط الثواب ،قال ال تعالى { :لَ ِئنْ
-ل خلف في أ ّ 13
عمَلُكَ } ،فمن أشرك بال بعد توحيده له تعالى ،أو كفر مرتدّا عن
َأشْ َركْتَ لَ َيحْ َبطَنّ َ
إيمانه ،أو كانت كبيرته استحلل محرم أو تحريم حلل كذلك ،فإنّه يحبط ثواب أعماله
للرّدة ،وقد نص عليه الشافعيّ .واختلف هل يحبط العمل أيضا ،بحيث يجب عليه إعادة
الحجّ بعد عودته للسلم ،وهل يترتب الحبوط على مجرد الرّدة أو بالموت عليها ،فذهب
ن الحبوط بالموت على الرّدة ،لقوله تعالى { :فَ َيمُتْ
الشافعية -خلفا للحنفية -إلى أ ّ
صحَابُ النّارِ ُهمْ فِيهَا
ك أَ ْ
عمَاُل ُهمْ فِي الدّنْيَا وَالخِرَةِ َوُأوْلَـئِ َ
ك حَ ِبطَتْ أَ ْ
وَ ُهوَ كَا ِفرٌ فَُأوْلَـئِ َ
خَالِدُونَ } ،فعليه ل يجب إعادة الحجّ الذي فعله قبل ردته إذا أسلم بعدها ،قال القليوبيّ :
قيد بعضهم العمل الذي تحبطه الرّدة بما وقع حال التكليف ل قبله .
). 48 وتفصيله في مصطلح ( ردة ف /
أما الكبائر الخرى فقد وردت نصوص في شأن بعضها بأنّه يحبط ثواب العمل ،مثل :
القذف :عن حذيفة رضي ال عنه قال رسول ال صلى ال عليه وسلم « :إنّ قذف
المحصنة يهدم عمل مائة سنة » .
-الرّبا :وفيه حديث عائشة رضي ال عنها وقولها لمّ ولد زيد بن أرقم رضي ال عنه :
« لقد أبطل جهاده مع رسول ال صلى ال عليه وسلم » ،وذلك في شأن معاملة فيها ربا .
ي رضي ال عنهن أنّ
-سؤال العراف :عن صفية رضي ال عنها عن بعض أزواج النب ّ
النّبي صلى ال عليه وسلم قال « :من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلة أربعين
ليل ًة » .
العفو عن الكبائر :
-يختلف المقصود بالعفو عن الكبائر بحسب نوع الكبيرة ،هل هي اعتداء على ما هو 14
حقّ ل تعالى ،كشرب الخمر ،أو اعتداء على ما فيه حقّ ل تعالى وللعبد ،كالقذف
والسرقة :
فالعفو بالنّسبة للنوع الول هو فيما يتعلق بالخرة ،فإذا لم يتب مرتكب الكبيرة فهو عند
ك ِبهِ وَ َي ْغفِرُ مَا
ن ال لَ َي ْغفِرُ أَن ُيشْرَ َ
أهل السّنّة في مشيئة ال وعفوه ،لقوله تعالى { :إِ ّ
دُونَ َذلِكَ ِلمَن َيشَاء } ،وقوله صلى ال عليه وسلم « :تبايعوني على أن ل تشركوا بال
شيئا ،ول تسرقوا ،ول تزنوا ،ول تقتلوا أولدكم ،ول تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم
وأرجلكم ،ول تعصوا في معروف ،فمن وفى منكم فأجره على ال ،ومن أصاب من ذلك
شيئا فعوقب في الدّنيا فهو كفارة له ،ومن أصاب من ذلك شيئا فستره ال فأمره إلى ال :
إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه قال :فبايعناه على ذلك » .
قال القرطبيّ :الكبائر عند أهل السّنّة تغفر لمن أقلع عنها قبل الموت ،وقد يغفر لمن مات
ك ِلمَن َيشَاء } ،والمراد بذلك من
ن ذَلِ َ
عليها من المسلمين كما قال تعالى { :وَ َيغْفِ ُر مَا دُو َ
مات على الذّنوب ،فلو كان المراد من تاب قبل الموت لم تكن للتفرقة بين الشراك وغيره
معنىً ،إذ التائب من الشّرك أيضا مغفور له .
ق ال وحقوق العباد فالحكم في العفو عنها
وأما بالنّسبة للكبائر التي فيها اعتداء على ح ّ
فيه تفصيل :
أ -إن كانت الكبيرة جناي ًة على النفس أو ما دونها عمدا عدوانًا فلولياء الدم -أو المجنيّ
عليه إن بقي حيّا -المطالبة بالقصاص أو الدّية أو العفو ،والتفصيل في مصطلح ( عفو
وما بعدها ) . 18 ف/
ب -وإذا كانت الكبيرة سرقةً يجوز عفو المسروق منه عن السارق قبل بلوغ المام ،
). 72 فيسقط الحدّ ،وتفصيله في مصطلح ( سرقة ف /
ج -وإذا كانت الكبيرة حرابةً وتاب المحاربون قبل أن يقدر عليهم سقط عنهم حدّ الحرابة
من القتل أو الصلب أو القطع أو النّفي ،ل إن تابوا بعد القدرة عليهم ،وفي الحالتين ل
تسقط عنهم حقوق العباد من القصاص في النفس وما دونها والدّيات وغرامة المال فيما ل
قصاص فيه .
). 24 وتفصيله في مصطلح ( حرابة ف /
د -ل يجوز العفو في شيء من الحدود بعد أن تبلغ المام ،كما تحرم الشفاعة وطلب
العفو ،لحديث عائشة رضي ال عنها « أنّ قريشا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت ،
فقالوا :من يكلّم فيها رسول ال صلى ال عليه وسلم ومن يجترئ عليه إل أسامة حبّ
رسول ال صلى ال عليه وسلم ؟ فكلم رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال :أتشفع في
حدّ من حدود ال ؟ ثم قام فخطب فقال :يا أيّها الناس ،إنّما ضل من كان قبلكم أنّهم كانوا
إذا سرق الشريف تركوه ،وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد ،وأيم ال لو أنّ
فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها » .
هـ -العفو في الكبائر التي فيها تعزير جائز للمام إذا رأى المصلحة في العفو ،واستثنى
). 32 ابن قدامة ما لو كان التعزير منصوصا عليه ،وتفصيله في مصطلح ( عفو ف /
أثر التوبة في انتفاء الفسق عن مرتكب الكبيرة ،وأثرها في تكفير الكبائر :
ن إقامة الحدّ
-ذهب الجمهور ،وهو رأي سعيد بن المسيّب وصفوان بن سليم ،إلى أ ّ 15
ليس بكفارة ،ول بد معه من التوبة ; لنّها فرض لزم على العباد ،قال ابن رشد ( الجدّ )
الحدّ يرفع الثم ويبقى عليه حكم الفسق ،ما لم يتب وتظهر توبته .
ن إقامة الحدّ بمجرده كفارة ،واستدلّوا بما رواه عبادة
وذهب مجاهد وزيد بن أسلم إلى أ ّ
بن الصامت رضي ال عنه أنّ النّبي صلى ال عليه وسلم قال « :ومن أصاب من ذلك
شيئا فعوقب فهو كفارة له » .
قال المنهاجيّ :التوبة فيما بين العبد وبين ال تعالى ،وهي تسقط الثم ،ويشترط فيها
ي إن تعلقت به ،كمنع زكاة أو
إقلع ،وندم ،وعزم أن ل يعود ،وتبرئة ذمته من حقّ مال ّ
غصب ،بردّه أو بدله إن تلف ،قال ابن مفلح :ويعتبر ردّ المظلمة وأن يستحله أو
ي :ل يشترط لصحة
يستمهله ،وهذا في الموال ،أما في مثل القذف والغيبة فقد قال الكرم ّ
التوبة منها إعلمه والتحلّل منه ،بل يحرم إعلمه ( أي :لدرء الفتنة ) ثم قال المنهاجيّ :
أما التوبة الظاهرة التي تعود بها الشهادة والولية فالمعاصي إن كانت قوليةً شرط فيها
القول ،فيقول في القذف :قذفي باطل ول أعود إليه ،أو ما كنت محقّا في قذفي .
وهل من شروط توبته إصلح العمل والكفّ عن المعصية سنة ؟ قال أحمد بن حنبل :مجرد
التوبة كاف ،وقال مالك :يشترط صلح حاله أو الزّيادة في صلحها .
وقال بعضهم :ظهور أفعال الخير عليه والتقرّب بالطاعات من غير حدّ بسنة ول غيرها .
وعند الحنفية أقوال :ففي الخانية :الفاسق إذا تاب ل تقبل شهادته ما لم يمض عليه زمن
تظهر فيه التوبة ،ثم بعضهم قدره بستة أشهر ،وبعضهم قدره بسنة ،والصحيح أنّ ذلك
مفوض إلى رأي القاضي والمعدّل ،وفي الخلصة :ولو كان عدلً فشهد بزور ثم تاب
وشهد تقبل توبته من غير مدة .
وهذا في الكبائر كلّها عدا القذف ففيه خلف ،بعد التّفاق على زوال اسم الفسق عنه
بالتوبة :ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنّه تقبل شهادة القاذف إن تاب سواء
أكانت توبته قبل الحدّ أم بعده .
ن تَابُوا }
ن ،إِلّا الّذِي َ
سقُو َ
شهَادَةً أَبَدًا َوُأوْلَئِكَ ُهمُ ا ْلفَا ِ
واستدلّوا بقوله تعالى { :وَلَا َتقْبَلُوا َل ُهمْ َ
وقالوا :الستثناء في سياق الكلم على أوله وآخره إل أن يفرّق بين ذلك خبر ،ولنّ رد
ن مالكًا اشترط أن ل تقبل شهادته في
الشهادة مستند إلى الفسق ،وقد ارتفع بالتوبة ،لك ّ
مثل الحدّ الذي أقيم عليه .
ي والحسن ومجاهد وعكرمة ومسروق وشريح والحنفية إلى أنّه ل تقبل شهادة
وذهب الشعب ّ
القاذف وإن تاب إذا كانت توبته بعد الحدّ ،وقالوا :إنّ الستثناء في الية عائد إلى أقرب
مذكور ،وهو الفسق ،ول يرجع إلى ما قبله ،وهو عدم قبول الشهادة ،لنّه مقترن
بالتأبيد ،ولنّ المنع من قبول الشهادة جعل من تمام عقوبة القاذف ،ولهذا ل يترتب المنع
-عندهم -إل بعد الحدّ ،وما كان من الحدود ولوازمها ل يسقط بالتوبة ،فلو قذف ولم
). 21 يحد لم ترد شهادته ،وتفصيله في مصطلح ( قذف ف /
تكفير الصغائر باجتناب الكبائر :
-ذهب جمهور الفقهاء وجماعة أهل التفسير إلى أنّ الصغائر تكفر باجتناب الكبائر ، 16
ل كَرِيمًا }
لقوله تعالى { :إِن َتجْتَنِبُواْ كَبَآئِ َر مَا تُ ْن َهوْنَ عَ ْن ُه ُن َكفّرْ عَن ُكمْ سَيّئَا ِت ُكمْ وَنُ ْدخِ ْلكُم مّ ْدخَ ً
ك وَاسِعُ ا ْل َمغْفِرَةِ } .
ن َيجْتَنِبُونَ كَبَائِ َر الْإِ ْثمِ وَا ْل َفوَاحِشَ إِلّا الّل َممَ إِنّ رَبّ َ
،وقوله تعالى { :الّذِي َ
ن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال « :
كما استدلّوا بحديث أبي هريرة رضي ال عنه أ ّ
ن إذا
الصلوات الخمس ،والجمعة إلى الجمعة ،ورمضان إلى رمضان ،مكفّرات ما بينه ّ
اجتنبت الكبائر » .
وذهب الصوليّون -كما قال القرطبيّ -إلى أنّه ل يجب على القطع تكفير الصغائر
باجتناب الكبائر ،وإنّما محمل ذلك على غلبة الظنّ وقوة الرجاء ،والمشيئة ثابتة بقوله
تعالى :
ك ِلمَن َيشَاء } ،قالوا ول ذنب عندنا يغفر واجبا باجتناب ذنب آخر ،
ن ذَلِ َ
{ وَ َي ْغفِرُ مَا دُو َ
ودل على ذلك أنّه لو قطعنا لمجتنب الكبائر وممتثل الفرائض بتكفير صغائره قطعا لكانت له
في حكم المباح الذي نقطع بأنّه ل تباعة عليه ،وذلك نقض لعرى الشريعة ،كما استدلّوا
بحديث « :من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب ال له النار وحرم عليه الجنّة ،
فقال له رجل :وإن كان شيئا يسيرا يا رسول ال ؟ قال :وإن قضيبا من أراك » فقد جاء
الوعيد الشديد على اليسير كما جاء على الكثير .
قال القرطبيّ :إنّ ال تعالى يغفر الصغائر باجتناب الكبائر لكن بضميمة أخرى إلى
الجتناب ،وهي إقامة الفرائض .
واختلف هل شرط التكفير للصغائر عدم ملبسته لشيء من الكبائر أو ل يشترط ؟ حكى ابن
عطية وغيره عن الجمهور الشتراط ،لظاهر حديث « :الصلوات الخمس والجمعة إلى
الجمعة ،ورمضان إلى رمضان مكفّرات ما بينهنّ إذا اجتنبت الكبائر » واختار بعض
المحقّقين أنّه ل يشترط ،قالوا :والشرط في الحديث بمعنى الستثناء ،والتقدير :مكفّرات
ما بينهما إل الكبائر .
ويساعد ذلك مطلق الحاديث المصرّحة بالتكفير من غير شرط .
تكفير الحجّ للكبائر :
ن رسول ال صلى ال عليه وسلم دعا
-روى عباس بن مرداس رضي ال عنه « أ ّ 17
لمته عشية عرفة بالمغفرة فأجيب :إنّي قد غفرت لهم ما خل الظالم فإنّي آخذ للمظلوم
منه ،قال :أي ربّ ،إن شئت أعطيت المظلوم من الجنّة وغفرت للظالم ،فلم يجب
عشيته ،فلما أصبح بالمزدلفة أعاد الدّعاء ،فأجيب إلى ما سأل ، » ...وروى ابن
المبارك « أنّ النّبي صلى ال عليه وسلم قال :إنّ ال عز وجل غفر لهل عرفات وأهل
المشعر وضمن عنهم التبعات ،فقام عمر بن الخطاب رضي ال عنه فقال :يا رسول ال ،
هذا لنا خاص ًة ؟ قال :هذا لكم ولمن أتى من بعدكم إلى يوم القيامة ،فقال عمر بن الخطاب
رضي ال عنه :كثر خير ال وطاب » ،قال ابن عابدين :وتمامه في الفتح وساق فيه
ن حديث ابن ماجه -وإن ضعّف -فله شواهد تصحّحه ،والية
أحاديث أخر ،والحاصل أ ّ
أيضا تؤيّده ،ومما يشهد له أيضا حديث « :من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته
ن السلم يهدم ما
أمّه » ،وقوله صلى ال عليه وسلم لعمرو بن العاص « :أما علمت أ ّ
ن الحج يهدم ما كان قبله » .
ن الهجرة تهدم ما كان قبلها ،وأ ّ
كان قبله ،وأ ّ
ن الحربي تحبط ذنوبه كلّها بالسلم
لكن ذكر الكمل في شرح المشارق في هذا الحديث أ ّ
والهجرة والحجّ حتى لو قتل وأخذ المال وأحرزه بدار الحرب ثم أسلم لم يؤاخذ بشيء من
ذلك ،وعلى هذا كان السلم كافيا في تحصيل مراده ولكن ذكر صلى ال عليه وسلم
ن الهجرة والحج ل يكفّران المظالم
الهجرة والحج تأكيدًا في بشارته وترغيبا في مبايعته فإ ّ
ول يقطع فيهما بمحو الكبائر وإنّما يكفّران الصغائر ،ويجوز أن يقال والكبائر التي ليست
ي ،وكذا ذكر المام الطّيبيّ في شرحه وقال :إنّ الشارحين
من حقوق أحد كإسلم ال ّذمّ ّ
اتفقوا عليه ،وهكذا ذكر النّوويّ والقرطبيّ في شرح مسلم .
ن الحج يهدم الكبائر والمظالم ،
قال ابن عابدين :وفي شرح اللّباب :ومشى الطّيبيّ على أ ّ
ي ،وبين الشيخ
ووقع منازعة غريبة بين أمير بادشاه من الحنفية حيث مال إلى قول الطّيب ّ
ابن حجر المكّيّ من الشافعية وقد مال إلى قول الجمهور ،وكتبت رسالةً في بيان هذه
المسألة ،وظاهر كلم الفتح الميل إلى تكفير المظالم أيضا ،وعليه مشى المام السرخسيّ
في شرح السّير الكبير ،وإليه ذهب القرطبيّ .
وقال عياض :هو محمول بالنّسبة إلى المظالم على من تاب وعجز عن وفائها ،والحاصل
أنّ تأخير الدين وغيره ،وتأخير نحو الصلة والزكاة من حقوقه تعالى ،فيسقط إثم التأخير
فقط عما مضى دون الصل ودون التأخير المستقبل ،ونقله عن التّرمذيّ واللقانيّ ،
ن تقييد عياض
واستظهر ابن عابدين سقوط الدين أيضا عند العجز كما قال عياض لك ّ
بالتوبة والعجز غير ظاهر ; لنّ التوبة مكفّرة بنفسها ،وهي إنّما تسقط حق ال تعالى ل
حق العبد ،فتعين كون المسقط هو الحج كما اقتضته الحاديث .
قال ابن نجيم :والصحيح أنّ الحج ل يكفّر الكبائر ،وليس مراد القائل بأنّه يكفّرها أنّه
يسقط عنه قضاء ما لزمه من العبادات وتركه والمظالم والدين ،وإنّما مراده أنّه يكفّر إثم
تأخير ذلك ،فإذا فرغ منه طولب بقضاء ما لزمه ،فإن لم يفعل مع قدرته فقد ارتكب الن
الكبيرة الخرى ،والمسألة ظنّية ،فل يقطع بتكفير الحجّ للكبائر من حقوقه تعالى ،فضلً
عن حقوق العباد .
شفاعته صلى ال عليه وسلم لهل الكبائر وعدم خلودهم في النار :
-للنبيّ صلى ال عليه وسلم من الشفاعات الخاصة به شفاعته في قوم استوجبوا النار 18
بأعمالهم ،فيشفع فيهم ،فل يدخلونها ،هذا مذهب أهل السّنّة .
وقد جزم السّيوطيّ في الخصائص بأنّ هذه الشفاعة من خصائصه صلى ال عليه وسلم
ي بعدم اختصاصه صلى ال عليه وسلم بها ،وأشار العزّ بن عبد
وجزم القاضي وابن السّبك ّ
السلم إلى أنّه يشاركه فيه صلى ال عليه وسلم الملئكة والنبياء عليهم الصلة والسلم
والمؤمنون .
وهذه الشفاعة هي غير الشفاعة العامة أو العظمى لفصل القضاء بين الناس بعد المحشر ،
فتلك تعمّ جميع الخلق ،وهي متفق عليها بين المة أنّها من خصائصه .
قال الشعريّ :أجمع المسلمون أنّ لرسول ال صلى ال عليه وسلم شفاعةً ...وهي
للمذنبين المرتكبين الكبائر .
واستدلّوا لشفاعته صلى ال عليه وسلم في أهل الكبائر بما روى أنس رضي ال عنه أنّ
النّبي صلى ال عليه وسلم قال « :شفاعتي لهل الكبائر من أمتي » .
قال ابن أبي العزّ :تواترت الحاديث في شفاعته صلى ال عليه وسلم في أهل الكبائر ،
وقد خفي علم ذلك عن الخوارج والمعتزلة .
). 6 والتفصيل في مصطلح ( شفاعة ف /
َكبِد *
انظر :أطعمة .
ِكبْر *
التعريف :
-الكِبر بكسر الكاف وسكون الباء عند أهل اللّغة :العظمة ،وكبر الشيء معظمه ،قال 1
كالملك والملكوت ،قال النّوويّ :الجبروت هو الكبر والتعظّم والرتفاع والقهر ،والجبار
هو المتكبّر الشرس سيّئ الخلق ،ويقال أيضا للقاهر غيرَه :جبار ،كما قال تعالى َ { :نحْنُ
ت عَلَ ْيهِم ِبجَبّارٍ } ،ونقل ابن كثير عن أبي عمران الجونيّ وقتادة
أَعْ َلمُ ِبمَا َيقُولُونَ َومَا أَن َ
أنّهما قال :آية الجبابرة القتل بغير حقّ .
ويقول الراغب الصفهانيّ :الجبار هو من يجبر نقيصته بادّعاء منزلة من التعالي ل
ب ُكلّ جَبّا ٍر عَنِيدٍ } .
يستحقّها ،كقوله تعالى { :وَاسْتَفْ َتحُواْ َوخَا َ
والكبر أعمّ من الجبر .
الحكم التكليفيّ :
ي.
ن الكبر من الكبائر ،ذكر ذلك الذهب ّ
-اتفق العلماء على أ ّ 5
أ -تصعير الوجه :وهو يعني :ميل العنق ،والشاحة بالوجه عن النظر كبرا ،وهو من
ك لِلنّاسِ
صعّ ْر خَدّ َ
صفات المتكبّرين ،ولذلك نهى ال تعالى عنه بقوله جل شأنه { :وَلَا تُ َ
ب ُكلّ ُمخْتَالٍ َفخُورٍ } .
ن ال لَا ُيحِ ّ
وَلَا َتمْشِ فِي الْ َأرْضِ َمرَحا إِ ّ
ب -الختيال في المشي :وهو يعني التبختر والتعالي في المشية ،وهو محرم بقوله
ض وَلَن تَبْلُ َغ ا ْلجِبَالَ طُولً ُ ،كلّ ذَلِكَ
ق الَرْ َ
ك لَن َتخْرِ َ
ض مَ َرحًا إِنّ َ
تعالىَ { :ولَ َتمْشِ فِي الَرْ ِ
ك َمكْرُوها } ،وبقوله صلى ال عليه وسلم « :بينما رجل يمشي في حلة
كَانَ سَيّ ُئ ُه عِنْدَ رَبّ َ
تعجبه نفسه ،مرجل شعره ،إذ خسف ال به ،فهو يتجلجل إلى يوم القيامة » .
وكما يكون الختيال باللّباس الفاخر يكون أيضا بفرش البيوت ،وبركوب السيارات
الفاخرة ،قال في الفتاوى الهندية :إرخاء السّتر على الباب مكروه ; لنّه زينة وتكبّر .
و ُرخّص بالختيال في الحرب على ما تقدم .
ج -الترفّع عن مجالسة من هو أدنى منه :كما ترفع المشركون عن مجالسة الفقراء من
أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم :سلمان وصهيب وبلل وخباب ،ونحوهم رضي
ال عنهم أجمعين ،حيث قالوا لرسول ال صلى ال عليه وسلم :لو طردت هؤلء عنك
لغشيناك وحضرنا مجلسك ،فقد روى سعد بن أبي وقاص رضي ال عنه قال « :كنّا مع
النبيّ صلى ال عليه وسلم ستة نفر ،فقال المشركون للنبيّ صلى ال عليه وسلم :اطرد
هؤلء ل يجترئون علينا ،قال :وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلل ورجلن
لست أسمّيهما ،فوقع في نفس رسول ال صلى ال عليه وسلم ما شاء ال أن يقع ،فحدث
ج َههُ
ن يَدْعُونَ رَ ّبهُم بِا ْلغَدَاةِ وَا ْل َعشِيّ ُيرِيدُونَ َو ْ
نفسه ،فأنزل ال عز وجل َ { :و َل َتطْرُدِ الّذِي َ
ن من ترفع عن مجالسة
} » .ويدخل في الترفّع عن المجالسة الترفّع عن الزّيارة ،ل ّ
شخص تكبرا ترفع عن زيارته .
د -الترفّع عن السلم أو مصافحة من هو أدنى منه منزل ًة في المال أو الجاه أو نحو
ذلك ،احتقارا له .
هـ -أن يمشي ويمشي أتباعه خلفه :يكره للرجل أن يمشي ومعه أتباعه من جند أو
تلميذ أو أنصار يمشون خلفه ،إذا أراد بذلك التكبّر .
و -الرّكوب ومعه أتباعه :يكره للرجل الرّكوب ومعه رجاله يمشون إذا أراد به التكبّر .
ز -حُبّه القيام له :والقيام على ضربين :
الول :قيام على رأسه وهو قاعد ،فهذا منهيّ عنه ،قال صلى ال عليه وسلم « :من
سره أن يتمثل له الرّجال قياما فليتبوأ مقعده من النار » ،وهذه عادة العاجم والمتكبّرين .
الثاني :قيام عند مجيء النسان ،فقد كان السلف ل يكادون يفعلونه ،قال أنس « :لم
يكن شخص أحب إليهم -أي :إلى الصحابة -من رسول ال صلى ال عليه وسلم قال :
وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذلك » .
وقد قال العلماء :يستحبّ القيام للوالدين والمام العادل وفضلء الناس ،وقد صار هذا
ق من يصلح أن يفعل في حقّه لم يأمن أن
كالشّعار بين الفاضل ،فإذا تركه النسان في ح ّ
ينسبه إلى الهانة والتقصير في حقّه فيوجب ذلك حقدا ،واستحباب هذا في حقّ القائم ل
يمنع الذي يقام له أن يكره ذلك ،ويرى أنّه ليس بأهل لذلك .
ح -التميّز في الطعام :ذكر في الفتاوى الهندية أنّه يكره للرجل أن يأكل وسط الخبز ويدع
حواشيه لغيره ; لنّ فيه تكبرا ،ويكره أن يأكل الخبز الحواري -أي :البيض -ويطعم
مماليكه خشكار -أي :السمر . -
ط -الكل متكئا :اتفقوا على تحريم الكل متكئا تكبرا ،فإن كان لغير التكبّر فقد اختلفوا
في كراهته ،فكرهه بعضهم ; لنّه من فعل المتكبّرين ،وأصله مأخوذ من ملوك العجم ،إل
أن يكون بالمرء مانع ل يتمكن معه من الكل إل متكئا فيباح له ذلك ،وأباحه البعض الخر
،وقد نقل عن بعض السلف جواز الكل متكئا ،بينما ينقل إبراهيم النّخعيّ عن السلف أنّهم
كانوا يكرهون أن يأكلوا تكأةً ،ولكنّه جعل علةً ذلك مخافة أن تعظم بطونهم ،والصل في
ذلك قوله صلى ال عليه وسلم « :إنّي ل آكل متكئا » .
ي -لبس جلود الحيوانات الكاسرة :يحرم لبس جلود الحيوانات الكاسرة كالنّمور والسّباع
تكبرا ،وإذا حرم لبسها فإنّه يحرم فرشها تكبرا في البيوت التي يستقبل فيها الضّيوف ،
ى أو مِيْثَرَةُ السرج .
ولكن ل بأس أن يجعل منها مصّل ً
ك -إطالة الثوب إلى أسفل من الكعبين :اتفقوا على تحريم إطالة الثوب إلى أسفل من
الكعبين اختيا ًل وتكبرا ; لقوله صلى ال عليه وسلم « :من جر ثوبه خيلء لم ينظر ال
إليه يوم القيامة » ،واتفقوا على إباحة إطالة الثوب إلى أسفل من الكعبين للحاجة ،كما إذا
كان بساقيه حموشة -أي :دقة ورقة -فل يكره ما لم يقصد التدليس .
واختلفوا في إطالتها إلى أسفل من الكعبين من غير كبر ول اختيال ول حاجة :فذهب
الجمهور إلى الكراهة التنزيهية .
ل -مسح العرق وماء الوضوء بالخرقة :
كره الحنفية أن يحمل الشخص خرق ًة خاصةً ليمسح بها عرقه أو ينشّف بها ماء الوضوء
عن أعضائه أو يتمخط بها ،إن أراد بذلك التكبّر ،أما إذا لم يرد بها التكبّر فل كراهة في
ذلك .
علج الكبر :
-قال ابن قيّم الجوزية :إنّ الكبر من المهلكات ،ومداواته فرض عين ،ولك في 7
ِكتَاب *
التعريف :
-الكتاب في اللّغة مصدر كتب ،يقال :كتب الشيء يكتبه كتبا وكتابا وكتابةً ،ويطلق 1
وأسجلت للرجل إسجالً :كتبت له كتابا ،وسجل القاضي :قضى وحكم وأثبت حكمه في
السّجلّ .
وفي الصطلح يطلق السّجلّ على كتاب القاضي الذي فيه حكمه ،قال الحصكفيّ :هذا في
عرفهم وفي عرفنا :كتاب كبير تضبط فيه وقائع الناس .
وعلى ذلك فالسّجلّ أخصّ من الكتاب ; لنّه يطلق على كتاب مخصوص .
ب -الدفتر :
-الدفتر لغةً :جريدة الحساب ،والدفتر جماعة الصّحف المضمومة ،والدفتر واحد 3
الدفاتر وهي الكراريس ،وهو عربيّ ،قال ابن دريد :ول يعرف له اشتقاق .
ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن المعنى اللّغويّ .والصّلة بين الدفتر والكتاب عموم
وخصوص مطلق والدفتر أعمّ من الكتاب ،والفرق بينهما أنّ الكتاب يفيد أنّه مكتوب ،ول
يفيد الدفتر ذلك ،تقول :عندي دفتر بياض ول تقول :عندي كتاب بياض .
ج -الرّسالة :
-في اللّغة :رِسالة -بكسر الراء -اسم من ال َرسَالة -بفتح الراء -يقال ِرسَل َرسَلً 4
و َرسَال ًة من باب تعب .يقال أرسلت رسولً :بعثته برسالة يؤدّيها .
والفقهاء يستعملونها تار ًة بمعنى الرسول ،وتار ًة بمعنى الكتاب .
ي.
وعلى هذا فبين الكتاب والرّسالة عموم وخصوص نسب ّ
ما يتعلق بالكتاب من أحكام :
تتعلق بالكتاب أحكام تختلف باختلف استعمالته كما يلي :
أولً :الكتاب بمعنى الرّسالة :
أي إرسال كتاب إلى الغير بشأن أمر من المور أو طلب شيء ،ويأتي ذلك في مواضع
متعدّدة من أبواب الفقه منها :
كتاب القاضي إلى القاضي :
-ذهب الفقهاء إلى جواز كتابة القاضي إلى القاضي بما ثبت لديه من البينات وغيرها ، 5
كتب :هي طالق طلقت في الحال سواء وصل إليها الكتاب أو لم يصل ،وهذا باتّفاق ،لكن
ن الكتابة
قال المالكية والشافعية إذا كتب لزوجته ناويا الطلق حين الكتابة وقع الطلق ; ل ّ
طريق في إفهام المراد كالعبارة وقد اقترنت بالنّية ،فإن لم ينو لم تطلق ; لنّ الكتابة
تحتمل الفسخ والحكاية وتجربة القلم والمداد وغيرها ،وأضاف الشافعية أنّه إذا قرأ ما كتبه
حال الكتابة أو بعدها فصريح فإن قال قرأته حاكيا ما كتبته بل نية طلق صدّق بيمينه .
وقال ابن رشد من المالكية :إن كتب مستشيرا أو متردّدا وأخرج الكتاب عازما على الطلق
أو ل نية له وقع الطلق لحمله على أنّه نوى الطلق ،وإن كتب الطلق غير عازم عليه ،
بل كتبه متردّدا أو مستشيرا ولم يخرجه ،أو أخرجه متردّدا فل يقع الطلق إل إذا وصل
الكتاب إلى الزوجة ،وإن لم يصل ل يقع الطلق .
وإن كان الطلق معلقا فقد ذهب جمهور الفقهاء -الحنفية والشافعية والحنابلة -إلى أنّ
الزوج لو علق الطلق على شرط الوصول إليها ،بأن كتب :إذا وصل كتابي إليك فأنت
طالق ،ل يقع الطلق حتى يصل إليها الكتاب ; لنّه علق الوقوع بشرط الوصول فل يقع
قبله كما لو علقه بشرط آخر .
ن " إن " صريحة في الشرط فل
والحكم كذلك عند المالكية إذا كانت أداة الشرط " إن " ; ل ّ
تطلق إل عند وصول الكتاب إليها ،أما إذا كانت أداة الشرط " إذا " فقد اختلف المالكية في
ي والخرشيّ إلى وقوع الطلق في الحال مثل
وقت وقوع الطلق ،فذهب الدردير والدّسوق ّ
ن أداة الشرط ( إذا ) لمجرد الظرفية فينجز
قوله لها في كتابه :أنت طالق وهذا بناء على أ ّ
الطلق كمن أجل الطلق بمستقبل .
ي أنّه إذا كتب :إذا وصل لك كتابي ففي توقّفه على
ونقل الدّسوقيّ عن مصطفى الرماص ّ
الوصول خلف ،وقوى القول بتوقّفه على الوصول ،لتضمّن " إذا " معنى الشرط .
ن عدم التنجيز وتوقّف وقوع الطلق على وصول
واعتبر الشيخ عليش في منح الجليل أ ّ
الكتاب ظاهر مشهور .
مَحْو ما في كتاب الطلق :
-ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أنّه إن انمحى ما في كتاب الطلق المعلق على 7
الوصول أو انطمس ما فيه لعرَق أو غيره بحيث ل يمكن قراءة ما فيه لم يقع الطلق وإن
ن الكتاب عبارة عما فيه الكتابة .
وصل الكتاب ; لنّ الشرط وصول الكتاب ولم يوجد ; ل ّ
وإن ذهب موضع الطلق فقط وانمحق ووصل باقيه لم يقع الطلق ; لنّه لم يبلغها جميع
ي منه ،وهذا ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة .
الكتاب ول ما هو المقصود الصل ّ
وقال الحنفية :إن محا ذكر الطلق منه وأنفذ الكتاب وقد بقي منه كلم يسمى كتابا ورسالةً
وقع الطلق لوجود الشرط وهو وصول الكتاب إليها .
وإن انمحى ما في الكتاب سوى ما فيه ذكر الطلق ،أو تخرق بعض ما فيه الكتابة سوى
ما فيه ذكر الطلق ،ومثل ذلك :ما لو ذهبت سوابقه ولواحقه كالبسملة والحمدلة وبقيت
مقاصده ،ووصل الكتاب فإنّها تطلق لوصول المقصود ،وهذا عند الشافعية والحنابلة .
وقال بعض الحنفية :إذا محا ما سوى كتابة الطلق وأنفذه فوصل إليها ل يقع ،بناء على
أنّ الرّسالة المتضمنة لمجرد الطلق ل تكون كتابا ،ذكر ذلك الكمال بن الهمام في فتح
القدير ثم قال :وفيه نظر .
-8وللمذاهب فروع مختلفة في وقوع الطلق بالكتاب بيانها فيما يلي :
قال الحنفية :كتب في قرطاس :إذا أتاك كتابي هذا فأنت طالق ،ثم نسخه في كتاب آخر ،
أو أمر غيره بنسخه ولم يمله عليه ،فأتاها الكتابان طلقت طلقتين قضاءً ،إن أقر أنّهما
كتاباه أو برهنت ،وفي الدّيانة تقع واحدة بأيّهما أتاها ويبطل الخر .
ولو استكتب من آخر كتابا بطلقها وقرأه على الزوج ،فأخذه الزوج وختمه وعنونه وبعث
به إليها ،فأتاها وقع إن أقر الزوج أنّه كتابه .
وكذلك الحكم لو قال للرجل ابعث به إليها ،أو قال له :اكتب نسخةً وابعث بها إليها .
وإن أنكر ولم يقر أنّه كتابه ولم تقم بينة على أنّه كتابه ،لكنّه وصف المر على وجهه ل
تطلق قضا ًء ول ديان ًة .
وكذا كلّ كتاب لم يكتبه بخطّه ولم يمله بنفسه ل يقع الطلق ما لم يقر أنّه كتابه .
ومن كانت له امرأة تدعى زينب ثم تزوج في بلدة أخرى امرأةً تدعى عائشة ،فبلغ زينب
فخاف منها ،فكتب إليها :كلّ امرأة لي غيرك وغير عائشة طالق ،ثم محا قوله :وغير
عائشة ،وبعث الكتاب إلى زينب لم تطلق عائشة ،قال ابن عابدين :وينبغي أن يشهد على
كتابة ما محاه ; لئل يظهر الحال ،فيحكم عليه القاضي بطلق عائشة .
وقال الحنفية :لو كتب إلى امرأته بطلقها ثم أنكر الكتاب وقامت عليه البينة أنّه كتبه بيده
فرّق بينهما في القضاء أما فيما بينه وبين ال تعالى إن كان لم ينو الطلق فهي امرأته ،
ولو كتب إليها :أما بعد :أنت طالق إن شاء ال تعالى ،إن كان موصولً بكتابته ل تطلق ،
ن المكتوب إلى
ن الطلق يقع ; ل ّ
وإن كتب الطلق ثم فتر فتر ًة ،ثم كتب :إن شاء ال ،فإ ّ
الغائب كالملفوظ ،كذا في الفتاوى الكبرى للخاصّيّ والخلصة .
وقال الشافعية :لو كتب :إذا بلغك نصف كتابي هذا ،فبلغها كلّه طلقت ،فإن ادعت وصول
كتابه بالطلق ،فأنكر صدّق بيمينه ،فإن أقامت بين ًة بأنّه خطّه لم تسمع إل برؤية الشاهد
بكتابه وحفظه عنده لوقت الشهادة .
وإن كتب :إذا قرأت كتابي فأنت طالق وهي قارئة ،فقرأته طلقت لوجود المعلق عليه .
قال الشّربينيّ الخطيب :وعبارة النّوويّ تقتضي أمرين أحدهما :اشتراط اللفظ به إذ
القراءة تعطي ذلك ،لكن نقل المام التّفاق على أنّها لو طالعت الكتاب وفهمت ما فيه طلقت
وإن لم تتلفظ بشيء .
والشرط الثاني :اشتراط قراءة جميع الكتاب ،والظاهر الكتفاء بقراءة المقاصد كما بحثه
ئ عليها الكتاب فل تطلق في
ي فحكم قراءة بعض الكتاب كوصول بعضه ،وإن قُ ِر َ
الذرع ّ
الصحّ لعدم قراءتها مع إمكانها القراءة ،ومقابل الصحّ أنّها تطلق ; لنّ المقصود إطلعها
على ما في الكتاب وقد وجد ،وإذا كانت ل تعرف القراءة ،والزوج يعلم ذلك ،فقرئ عليها
ي محمولة على الطّلع على ما في الكتاب ،وقد وجد
طلقت ; لنّ القراءة في حقّ المّ ّ
بخلف القارئة ،أما إذا لم يعلم الزوج حالها فإنّها ل تطلق على القرب في الروضة
وأصلها .ولو علق بوصول الكتاب ،ثم علق بوصول الطلق ،ووصل ،طلقت طلقتين .
وقال الحنابلة :إذا كتب لزوجته :إذا أتاك طلقي فأنت طالق ،ثم كتب إليها :إذا أتاك
كتابي فأنت طالق فأتاها الكتاب طلقت طلقتين لوجود الصّفتين في مجيء الكتاب ،فإن قال :
أردت إذا أتاك كتابي فأنت طالق بذلك الطلق الذي علقته دين ،وهل يقبل في الحكم ؟
يخرج على روايتين .
وإذا كتب لزوجته أنت طالق ثم استمد " أي أخذ المداد من الدواة بالقلم " فكتب :إذا أتاك
كتابي ،أو علقه بشرط أو استثناء ،وكان في حال كتابته للطلق مريدا للشرط لم يقع
طلقه في الحال ; لنّه لم ينو الطلق في الحال ،بل نواه في وقت آخر ،وإن كان نوى
ن ال ُمطْلَق يقع
الطلق في الحال غير معلق بشرط طلقت للحال ،وإن لم ينو شيئا وقلنا :إ ّ
به الطلق نظرنا ،فإن كان استمدادا لحاجة أو عادة ،لم يقع الطلق قبل وجود الشرط ;
لنّه لو قال :أنت طالق ،ثم أدركه النفس أو شيء يسكته فسكت لذلك ،ثم أتى بشرط
تعلق به فالكتابة أولى .
وإن استمد لغير حاجة ول عادة وقع الطلق ،كما لو سكت بعد قوله :أنت طالق لغير
حاجة ثم ذكر شرطا .
وإن قال :إنّني كتبته مريدا للشرط فقياس قول أصحابنا أنّها ل تطلق قبل الشرط ،إل أنّه
يُديّن وهل يقبل في الحكم ؟ على وجهين .
واشترط الحنابلة الشهادة لثبات كتاب الطلق ،جاء في المغني :ول يثبت الكتاب بالطلق
ن هذا كتابه ،قال أحمد في رواية حرب في امرأة أتاها كتاب زوجها
إل بشاهدين عدلين أ ّ
بخطّه وخاتمه بالطلق :ل تتزوج حتى يشهد عندها شهود عدول ،قيل له :فإن شهد
حامل الكتاب ؟ قال :ل ،إل شاهدان ،فلم يقبل قول حامل الكتاب وحده حتى يشهد معه
غيره ; لنّ الكتب المثبتة للحقوق ل تثبت إل بشاهدين ككتاب القاضي ،وظاهر كلم أحمد
أنّ الكتاب يثبت عندها بشهادتهما بين يديها وإن لم يشهدا به عند الحاكم ; لنّ أثره في
حقّها في العدة وجواز التزويج بعد انقضائها .
ص به ،ل يثبت به حقّ على الغير ،فاكتفي فيه بسماعها للشهادة .
وهذا معنىً يخت ّ
ن هذا خطّ فلن لم يقبل ; لنّ الخط يشبه به ويزور ،ولهذا لم يقبله
ولو شهد شاهدان أ ّ
الحاكم ،ولو اكتفي بمعرفة الخطّ لكتفي بمعرفتها له من غير شهادة .
قال ابن قدامة :وذكر القاضي :أنّه ل يصحّ شهادة الشاهدين حتى يشاهداه يكتبه ،ثم ل
يغيب عنهما حتى يؤدّيا الشهادة .
ن كتاب القاضي ل يشترط فيه ذلك فهذا
ن هذا ليس بشرط ،فإ ّ
قال ابن قدامة :والصحيح أ ّ
أولى ،وقد يكون صاحب الكتاب ل يعرف الكتابة ،وإنّما يستنيب فيها ،وقد يستنيب فيها
من يعرفها ،بل متى أتاها بكتاب وقرأه عليها وقال :هذا كتابي كان لهما أن يشهدا به .
الكتاب الذي يعتبر إيجابا أو قبولً في العقود :
-جاء في الهداية وشروحها في باب البيع :الكتاب كالخطاب ،وكذا الرسال ،حتى 9
اعتبر مجلس بلوغ الكتاب وأداء الرّسالة ،فصورة الكتاب بأن يكتب :أما بعد :فقد بعت
عبدي منك بكذا ،فلما بلغه الكتاب وفهم ما فيه قال :قبلت ،وكان ذلك في المجلس انعقد .
). 13 وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ( عقد ف /
ردّ جواب الكتاب :
-روى أبو جعفر عن ابن عباس رضي ال عنهما مرفوعا " :إنّي لرى لردّ جواب 10
الكتاب علي حقّا كما أرى رد جواب السلم " ،قال الشيخ تقيّ الدّين :وهو المحفوظ عن
ابن عباس يعني موقوفًا ،قال ابن مفلح :ويتوجه القول به استحبابا ،ويتوجه في الوجوب
ما في المكافأة على الهدية ور ّد جواب كلمة طيّبة ونحو ذلك .
ن وإيقاع عداوة ونحو ذلك توجه الوجوب .
أما إن أفضى ترك ذلك إلى سوء ظ ّ
ول بد من ردّ جواب ما قصده الكاتب ،وإل كان الردّ كعدمه شرعا وعرفا .
ي :إذا ورد على إنسان كتاب التحية أو نحوها ينبغي أن يرد الجواب ; لنّ
وقال القرطب ّ
الكتاب من الغائب كالسلم من الحاضر .
كيفية البدء في الكتاب :
ب ابتداء الكتاب والرّسالة ببسم ال الرحمن الرحيم ،اقتدا ًء بالكتب السماوية
-يستح ّ 11
ي صلى ال
سمّى فَاكْتُبُوهُ } ،وقد وثق النب ّ
جلٍ ّم َ
ن إِلَى َأ َ
ن آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْ ٍ
{ يَا أَ ّيهَا الّذِي َ
عليه وسلم فباع وكتب ومن ذلك « :هذا ما اشترى العداء بن خالد بن هوذة من محمد
رسول ال صلى ال عليه وسلم اشترى منه عبدا أو أمةً ل داء ول غائلة ول خبثة ،بيع
المسلم من المسلم » .
ي صلى ال عليه وسلم بالكتاب في الصّلح فيما بينه وبين المشركين .
وأمر النب ّ
). 12 وينظر تفصيل ذلك في ( توثيق ف /
ثالثا :الكتاب بمعنى كتب العلم :
-يأتي الكتاب بمعنى كتب العلم سواء أكانت شرعي ًة أم غير شرعية وهو المعنى الذي 13
عبر عنه صاحب الكلّيات بقوله :الكتاب هو الذي يشتمل على المسائل سواء كانت قليل ًة أو
كثيرةً من فنّ أو فنون ،وكذلك ما جاء في أسنى المطالب .
ويتعلق بالكتاب بهذا المعنى أحكام متعدّدة منها :
الستنجاء بالكتب :
-اتفق الفقهاء على أنّه ل يجوز الستنجاء بمحترم كالكتب التي فيها ذكر ال تعالى 14
ككتب الحديث والفقه ; لحرمة الحروف ،ولما في ذلك من هتك الشريعة والستخفاف
بحرمتها .
واختلفوا في الكتب غير المحترمة ،ومثلوا لها بكتب السحر والفلسفة وبالتوراة والنجيل
إذا علم تبدّلهما .
فذهب المالكية إلى أنّه ل يجوز الستنجاء بهذه الكتب لحرمة الحروف -أي لشرفها -قال
ي ،وإل فل حرمة
إبراهيم اللقانيّ :محلّ كون الحروف لها حرمة إذا كانت مكتوبةً بالعرب ّ
ي الجهوريّ :الحروف لها
لها إل إذا كان المكتوب بها من أسماء ال تعالى ،وقال عل ّ
ي أو بغيره .
حرمة سواء كتبت بالعرب ّ
ن الحرمة
ل كالسّحر ; ل ّ
وقال الحطاب :ل يجوز الستجمار بالمكتوب ولو كان المكتوب باط ً
للحروف ،وأسماء ال تعالى إن كتبت في أثناء ما تجب إهانته كالتوراة والنجيل بعد
ن الستنجاء بهذه الكتب إهانة
تحريفهما ،فيجوز إحراقها وإتلفها ،ول يجوز إهانتها ; ل ّ
ن حرمة أسماء ال تعالى ل
لمكان ما فيها من أسماء ال تعالى ; لنّها وإن كانت محرمةً فإ ّ
تبدل على وجه .
وذهب الشافعية إلى أنّ غير المحترم من الكتب ككتب الفلسفة وكذا التوراة والنجيل إذا علم
تبدّلهما وخلوّهما عن اسم معظم فإنّه يجوز الستنجاء به .
ن للحروف حرمةً ولو مقطعةً ،وذكر بعض
وقال ابن عابدين من الحنفية :نقلوا عندنا أ ّ
ن حروف الهجاء قرآن أنزلت على هود عليه السلم ،ومفاده الحرمة بالمكتوب
القراء أ ّ
مطلقا .
مسّ غير المتطهّر كتب العلوم الشرعية :
-اختلف الفقهاء في حكم مسّ غير المتطهّر كتب العلوم الشرعية . 15
فبالنّسبة لكتب التفسير أجاز المالكية والحنابلة أن يمسها غير المتطهّر ; لنّها ل تسمى
ن المقصود من التفسير معاني القرآن ل تلوته ،قال المالكية :وظاهره
مصحفا عرفا ; ول ّ
ولو كتبت فيه آيات كثيرة متوالية وقصدها بالمسّ كما قال ابن مرزوق .
وعامة الحنفية على منع مسّ لفظ القرآن الكريم ،قال في السّراج عن اليضاح :ل يجوز
مسّ موضع القرآن منها ،أما ما سوى ذلك من التفسير وسائر الكتب الشرعية فالتحقيق
أنّ فيها ثلثة أقوال :قول بالكراهة ،وقول بعدمها ،والثالث :الكراهة في التفسير دون
غيره .قال ابن عابدين :والقول الثالث هو الظهر والحوط لظهور الفرق ،فإنّ القرآن في
التفسير أكثر منه في غيره .
وقال الشافعية :إن كان القرآن أكثر ل يجوز المسّ وإن كان التفسير أكثر جاز مسّه .
وقال ابن عرفة من المالكية :ل يجوز مسّ التفاسير التي فيها آيات كثيرة متوالية .
-واختلف الفقهاء كذلك في مسّ الكتب السماوية -غير القرآن -كالتوراة والنجيل 16
والزبور .
فأجاز مسّها لغير المتطهّر المالكية والشافعية والحنابلة ; لنّها ليست قرآنا .
ن أنّ في
ن الشافعية قالوا :إن ظ ّ
قال المالكية :يجوز مسّها ولو كانت غير مبدلة ،إل أ ّ
التوراة ونحوها غير مبدل كره مسّه .
واختلفت أقوال الحنفية ،ففي حاشية ابن عابدين :قال الشيخ إسماعيل :وفي المبتغى .
ول يجوز مسّ التوراة والنجيل والزبور .وعلل بعض فقهاء الحنفية ذلك باشتراك سائر
الكتب السماوية في وجوب التعظيم ،لكنّه قال :نعم ،ينبغي أن يخص بما لم يبدل .
وفي قول آخر للحنفية أنّه يجوز المسّ ،ففي الدّرّ المختار :الظاهر جواز المسّ ،قال في
ن الجملة صفة للقرآن
طهّرُونَ } ،بناء على أ ّ
سهُ إِلّا ا ْل ُم َ
النّهر :وقوله تعالى { :لّا َي َم ّ
يقتضي اختصاص المنع به .
س غير المتطهّر كتب الفقه والحديث والصول
-وكذلك اختلف الفقهاء في حكم م ّ 17
ونحوه ،قال ابن عابدين :وهل التفسير والكتب الشرعية كذلك ؟ أقول :الظاهر نعم .
وقال الشافعية :يحرم توسّد القرآن وإن خاف سرقته ،نعم ،إن خاف على المصحف من
تلف نحو حرق أو تنجّس أو كافر جاز له أن يتوسده ،بل يجب عليه ،ويحرم توسّد كتب
علم محترم إل لخوف من نحو سرقة ،فإنّه يجوز توسّدها .
ن ذلك ابتذال له ،قال
وقال الحنابلة :يحرم توسّد المصحف والوزن به والتّكاء عليه ; ل ّ
في الداب الشرعية :واختار ابن حمدان التحريم ،وقطع به في المغني والشرح ،وبذلك
ي في كتابه مجمع البحرين ،لكن جاء في الداب الشرعية :ويكره توسّد
قال ابن عبد القو ّ
المصحف ،ذكره ابن تميم .
أما كتب العلم فقد قال الحنابلة :إن كان فيها قرآن حرم توسّدها والوزن بها والتّكاء عليها
وإن لم يكن فيها قرآن كره ذلك ،أما إن خاف عليها سرقةً فل بأس أن يتوسدها للحاجة ،
قال أحمد في رواية نعيم بن ناعم وقد سأله :أيضع الرجل الكتب تحت رأسه ؟ قال :أي
كتب ؟ قلت :كتب الحديث ،قال :إذا خاف أن تسرق فل بأس ،وأما أن تتخذ وسادةً فل
.
كيفية وضع الكتب فوق بعضها :
-ذكر الحنفية كيفية ترتيب الكتب من حيث الولوية عند وضعها فوق بعضها .فقالوا 19
:توضع كتب النحو واللّغة أولً ،ثم كتب تعبير الرّؤيا ككتب ابن سيرين وابن شاهين
لفضليته ،لكونه تفسيرا لما هو جزء من ستة وأربعين جزءا من النّبوة وهو الرّؤيا ،ثم
ن معظم أدلته من الكتاب والسّنّة ،فيكثر فيه اليات
كتب الكلم ،ثم كتب الفقه ; ل ّ
ص بالسمعيات منه فقط ،ثم كتب الخبار
والحاديث ،بخلف علم الكلم ،فإنّ ذلك خا ّ
والمواعظ ،ثم التفسير ،ثم المصحف فوق الجميع .
النظر في كتب أهل الكتاب وما يشبهها :
-ذهب الحنفية والحنابلة إلى أنّه ل يجوز النظر في كتب أهل الكتاب ،نقل ابن عابدين 20
قول عبد الغنيّ النابلسيّ :نهينا عن النظر في شيء من التوراة والنجيل ،سواء نقلها
إلينا الكفار أو من أسلم منهم .
وسئل أحمد عن قراءة التوراة والنجيل والزبور ونحو ذلك فغضب ،وظاهره النكار وذكره
ن النّبي صلى ال عليه وسلم « لما رأى في يد عمر قطعةً من التوراة
القاضي ،واحتج بأ ّ
غضب وقال :ألم آت بها بيضاء نقيةً » .
وقد ذكر ابن حجر نص الحديث قال « :نسخ عمر كتابا من التوراة بالعربية فجاء به إلى
النبيّ صلى ال عليه وسلم فجعل يقرأ ووجه رسول ال صلى ال عليه وسلم يتغير ،فقال
له رجل من النصار :ويحك يا ابن الخطاب أل ترى وجه رسول ال صلى ال عليه وسلم
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم :ل تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنّهم لن يهدوكم
ق أو تصدّقوا بباطل ،وال لو كان موسى بين أظهركم
وقد ضلّوا ،وإنّكم إما أن تكذّبوا بح ّ
ما حل له إل أن يتبعني » .
وقد أهدى رجل إلى السيّدة عائشة رضي ال تعالى عنها هديةً فقالت :ل حاجة لي في
ك ا ْلكِتَابَ
هديته بلغني أنّه يتتبع الكتب الول ،وال تعالى يقول َ { :أوَ َلمْ َي ْك ِفهِمْ أَنّا أَنزَلْنَا عَلَيْ َ
يُتْلَى عَلَ ْي ِهمْ } .
ونقل ابن حجر في فتح الباري عن الشيخ بدر الدّين الزركشيّ أنّه قال :اغتر بعض
المتأخّرين ،فرأى جواز مطالعة التوراة ; لنّ التحريف في المعنى فقط قال الزركشيّ :
وهو قول باطل ،ول خلف أنّهم حرفوا وبدلوا ،والشتغال بنظرها وكتابتها ل يجوز
ي صلى ال عليه وسلم حين رأى مع عمر رضي ال عنه
بالجماع ،وقد « غضب النب ّ
صحيفةً فيها شيء من التوراة » ..إلى آخر الحديث ،ولول أنّه معصية ما غضب النبيّ
صلى ال عليه وسلم .
وبعد أن ذكر ابن حجر روايات متعدّدةً للحديث بطرق مختلفة قال :والذي يظهر أنّ كراهية
ذلك للتنزيه ل للتحريم ،ثم قال :والولى في هذه المسألة التفرقة بين من لم يتمكن
ويصير من الراسخين في اليمان ،فل يجوز له النظر في شيء من ذلك بخلف الراسخ
فيجوز له ،ول سيما عند الحتياج إلى الردّ على المخالف ،ويد ّل على ذلك نقل الئمة
قديما وحديثا من التوراة ،وإلزامهم اليهود بالتصديق بمحمد صلى ال عليه وسلم بما
يستخرجونه من كتابهم ،ولول اعتقادهم جواز النظر فيه لما فعلوه وتواردوا عليه ،
وغضب الرسول صلى ال عليه وسلم ل يدلّ على التحريم ،فإنّه صلى ال عليه وسلم قد
يغضب من فعل المكروه ،ومن فعل ما هو خلف الولى إذا صدر ممن ل يليق منه ذلك ،
كغضبه من تطويل معاذ صلة الصّبح بالقراءة ،وقد يغضب ممن يقع منه تقصير في فهم
المر الواضح مثل الذي سأل عن لقطة البل .
وقال الحنابلة :ول يجوز النظر في كتب أهل البدع ،ول في الكتب المشتملة على الحقّ
والباطل ،ول روايتها لما في ذلك من ضرر إفساد العقائد .
وقال القليوبيّ :تحرم قراءة كتب الرقائق والمغازي الموضوعة كفتوح الشام وقصص
النبياء وحكاياتهم المنسوبة للواقديّ ،وقال أيضا :ذكر المام الشعراويّ في المغني ما
نصه :ويحذّر من مطالعة مواضع من كتاب إحياء علوم الدّين للغزاليّ ،ومن كتاب قوت
ي ،ومن كلم
القلوب لبي طالب المكّيّ ،ومن تفسير مكّيّ ،ومن كلم ابن ميسرة الحنبل ّ
ي ،ومن مطالعة كتب أبي حيان ،أو كتب إخوان الصفا ،أو كلم
منذر بن سعيد البلّوط ّ
ي أو كلم
إبراهيم النّجام ،أو كتاب خلع النّعلين لبن قسيّ ،أو كتب محمد بن حزم الظاهر ّ
ي ،أو تائية محمد بن وفا ،أو نحو ذلك .
المفيد بن رشيديّ ،أو كتب محيي الدّين بن عرب ّ
بيع الكتب :
-نص الشافعية على جواز بيع كتب الدب . 21
ونص الحنابلة غير أبي طالب على جواز بيع كتب العلم .
وكره مالك بيع كتب الفقه ،قال ابن يونس من المالكية قد أجاز غير المام مالك بيع كتب
الفقه ،قال ابن عبد الحكم :بيعت كتب ابن وهب بثلثمائة دينار وأصحابنا متوافرون فلم
ينكروه ،وكان أبي وصيّه .
وقال الشافعية :ل يصحّ بيع كتب الكفر والسّحر والتنجيم والشعبذة والفلسفة ،بل يجب
إتلفها لتحريم الشتغال به .
وأجاز الحنفية والمالكية والشافعية بيع المصاحف وشراءها لما روي عن ابن عباس رضي
ال تعالى عنهما أنّه سئل عن بيع المصاحف فقال :ل بأس يأخذون أجور أيديهم ; ولنّه
طاهر منتفع به فهو كسائر الموال ،وقال ابن وهب :أخبرني رجال من أهل العلم عن
يحيى بن سعيد ومكحول وغير واحد من التابعين أنّهم لم يكونوا يرون ببيع المصاحف بأسا
،وسئل عبد ال ابن عباس رضي ال عنهما ومروان بن الحكم عن بيع المصاحف
والتّجارة فيها فقال :ل نرى أن يجعله متجرا ،ولكن ما عملت بذلك فل بأس .
وقال أبو الخطاب من الحنابلة :يجوز بيع المصاحف مع الكراهة .
وقال ابن قدامة :ورخص في بيع المصاحف الحسن والحكم وعكرمة ; لنّ البيع يقع على
الجلد والورق ،وبيع ذلك مباح .
والمذهب عند الحنابلة أنّه يحرم بيع المصحف ولو في دين ،قال أحمد :ل نعلم في بيع
ن تعظيمه واجب ،وفي بيعه ابتذال له وترك لتعظيمه .
المصحف رخصةً ; ل ّ
لكنّ الحنابلة أجازوا شراء المصحف ; لنّه استنقاذ له كشراء السير ،كما أجازوا شراء
كتب الزندقة لتلفها ; لنّ في الكتب مالية الورق وتعود ورقا منتفعا به بالمعالجة .
-ول يجوز بيع المصاحف وكتب العلوم الشرعية للكافر . 22
قال المالكية :مُنع بيع مصحف وجزئه وكتب حديث وفقه ،وعلم شرعيّ لكافر ،ويشمل
العلم الشرعي نحو النحو من آلت العلوم الشرعية لشتماله على اليات والحاديث وأسماء
ال تعالى .
ي :يمنع بيع كتب العلم لهم مطلقا وظاهره ولو كان الكافر الذي يشتري ما
وقال الدّسوق ّ
ذكر يعظّمه ; لنّ مجرد تملّكه له إهانة ،ويمنع أيضا ،بيع التوراة والنجيل لهم ; لنّها
مبدلة ،ففيه إعانة لهم على ضللهم .
ويجبر الكافر على إخراج ما بيع له من ذلك من ملكه .
وقال الشافعية :ل يصحّ شراء الكافر المصحف ول يتملكه بسلم ول بهبة ول وصية ،ول
كتب حديث ول آثار سلف ول كتب فقه لما في ذلك من الهانة لها ،قال الذرعيّ :والمراد
بآثار السلف حكايات الصالحين لما في ذلك من الهانة والستهزاء بهم ،قال السّبكيّ :
والحسن أن يقال :كتب علم وإن خلت عن الثار تعظيما للعلم الشرعيّ ،وتعليله يفيد
جواز تملّكه كتب علوم غير شرعية .
وينبغي منعه من تملّك ما يتعلق منها بالشرع ككتب النحو واللّغة ،قال شيخنا :وفيما قاله
نظر ،أي بل الظاهر الجواز وهو كذلك .
وقال الحنابلة :إن اشترى الكافر مصحفا فالبيع باطل ; لنّه يمنع من استدامة الملك عليه ،
فمنع منه ابتدا ًء كسائر ما يحرم بيعه .
رهن الكتب :
-رهن كتب الحديث لغير المسلم فيها عند الشافعية قولن :أحدهما :يبطل الرهن ، 23
فالشرط باطل ،ول يصحّ هذا الرهن ; لنّ الكتب غير مضمونة في يد الموقوف عليه ،ول
يقال لها عارية أيضا ،بل الخذ لها إن كان من أهل الوقف استحق النتفاع ويده عليها يد
أمانة فشرط أخذ الرهن عليها فاسد ،وإن أعطى يكون رهنا فاسدا ويكون في يد خازن
الكتب أمانةً ،هذا إن أريد الرهن الشرعيّ ،وإن أريد مدلوله لغةً ،وأن يكون تذكرةً فيصحّ
الشرط ; لنّه غرض صحيح ،وإذا لم يعلم مراد الواقف فالقرب الحمل على اللّغويّ
تصحيحا لكلمه ،وفي بعض الوقات يقول الواقف :ل تخرج إل بتذكرة فيصحّ ،ويكون
ن تجويز الواقف النتفاع مشروط بذلك ،ول نقول :إنّها تبقى رهنا ،بل له
المقصود أ ّ
أخذها فيطالبه الخازن بردّ الكتاب ،وعلى كلّ فل تثبت له أحكام الرهن ول بيعه ،ول بدل
الكتاب الموقوف بتلفه إن لم يفرّط .
إعارة الكتب واستعارتها :
-ذهب الفقهاء إلى جواز إعارة الكتب واستعارتها . 26
وذهب الشافعية والحنابلة إلى وجوب إعارة المصحف ،قال الشافعية :وذلك لمن دخل
عليه وقت الصلة ولم يجد من يعلّمه وهو يحسن القراءة ،وقال بعضهم :الوجوب مسلم
من جهة المستعير إذا وجد من يعيره ،وأما على المالك فل .
وقال الحنابلة :تجب إعارة المصحف لمحتاج لقراءة فيه ولم يجد غيره ،وهذا إذا لم يكن
مالكه محتاجا إليه .
وفي الداب الشرعية :إن طلب أحد المصحف ليقرأ فيه لم يجب بذله ،وقيل :يجب ،
وقيل :عند الحاجة إليه .
وأفتى أبو عبد ال الزّبيديّ بوجوب إعارة كتب الحديث إذا كتب صاحبها اسم من سمعه
ن العارية ل تجب عينا ،بل هي أو النقل
ليكتب نسخة السماع ،وقال الزركشيّ :والقياس أ ّ
إذا كان الناقل ثقةً .
وخرج أبو عقيل من الحنابلة وجوب إعارة الكتب للمحتاج إليها من القضاة والحكام وأهل
الفتوى .
وقال ابن الجوزيّ :ينبغي لمن ملك كتابا أن ل يبخل بإعارته لمن هو أهل له .
إصلح الخطأ في الكتاب المستعار :
-قال الحنفية :من استعار كتابا فوجد به خطًأ أصلحه إن علم رضا صاحبه ،وإن علم 27
أنّ صاحب الكتاب يكره إصلحه ينبغي أن ل يصلحه ،وإل فإن أصلحه جاز ،ولو لم يفعله
ن إصلحه واجب بخطّ مناسب .
ل إثم عليه إل في القرآن ; ل ّ
وقال الشافعية :لو استعار كتابا ليقرأ فيه فوجد فيه خطأً ل يصلحه ،إل أن يكون قرآنا
فيجب كما قاله العباديّ ،وتقييده بالصلح يعلم أنّ ذلك لو كان يؤدّي إلى نقص قيمته
لرداءة خطّ ونحوه امتنع ; لنّه إفساد لماليته ل إصلح .
قال الجمل :وينبغي أن يدفعه لمن يصلحه حيث كان خطّه مناسبا للمصحف ،وغلب على
ظنّه إجابة المدفوع إليه ،ولم تلحقه مشقة في سؤاله .
أما الكتاب الموقوف فيصلح جزما ،خصوصا ما كان خطأً محضا ل يحتمل التأويل ،وهذا
إذا تحقق ذلك دون ما ظنّه ،ومتى تردد في عين لفظ أو في الحكم ل يصلح شيئا وما اعتيد
من كتابة ( لعله كذا ) إنّما يجوز في ملك الكاتب .
ول يكتب حواشي بهامش الكتاب وإن احتيج إليها ،لما فيها من تغيير الكتاب من أصله ،
ول نظر لزيادة القيمة بفعله .
إجارة الكتب :
-ذهب الحنفية والمالكية إلى عدم جواز إجارة الكتب ،سواء أكانت كتب فقه أم أدب 28
أم شعر أم غناء ،قال ابن عابدين ; :لنّ القراءة إن كانت طاعةً كالقرآن ،أو كانت
معصيةً كالغناء ،فالجارة عليها ل تجوز ،وإن كانت مباح ًة كالدب والشّعر ،فهذا مباح له
قبل الجارة فل تجوز ،ولو انعقدت تنعقد على الحمل وتقليب الوراق ،والجارة عليه ل
تنعقد ولو نص عليه ; لنّه ل فائدة فيه للمستأجر .
وعند الحنابلة يجوز إجارة الكتب ،قال البهوتيّ :يجوز استئجار كتاب حديث أو فقه أو
شعر مباح أو لغة أو صرف أو نحوه لنظر أو قراءة أو نقل أو به خطّ حسن يكتب عليه
ويتمثل منه ; لنّه ل تجوز إعارته لذلك فجازت إجارته .
-وأجاز المالكية وهو وجه عند الحنابلة إجارة المصحف ; لنّه انتفاع مباح تجوز 29
المالكية :كتب العلم المحرم كالتوراة والنجيل يجوز إحراقها وإتلفها إذا كانا محرفين .
وقال الشافعية يجب إتلف كتب الكفر والسّحر والتنجيم والشعبذة والفلسفة لتحريم الشتغال
بها .
ن في الكتب مالية الورق ،وتعود
وصرح الحنابلة بأنّه يصحّ شراء كتب الزندقة لتلفها ; ل ّ
ورقا منتفعا به بالمعالجة .
وقال الحنفية :الكتب التي ل ينتفع بها يمحى عنها اسم ال وملئكته ورسله ويحرق
الباقي ،ول بأس بأن تلقى في ماء جار كما هي ،أو تدفن وهو أحسن كما في النبياء ،
وكذا جميع الكتب إذا بليت وخرجت عن النتفاع بها ،قال ابن عابدين :وفي الذخيرة :
المصحف إذا صار خلقا وتعذرت القراءة منه ل يحرق بالنار ،وإليه أشار محمد وبه نأخذ ،
ول يكره دفنه ،وينبغي أن يلف بخرقة طاهرة ويلحد له ; لنّه لو شق ودفن يحتاج إلى
إهالة التّراب عليه وفي ذلك نوع تحقير ،إل إذا جعل فوقه سقف ،وإن شاء غسله
بالماء ،أو وضعه في موضع طاهر ل تصل إليه يد محدث ول غبار ول قذر ،تعظيما لكلم
ال عز وجل .
وقف الكتب :
-يجوز عند المالكية والشافعية والحنابلة وقف الكتب النافعة ; لنّها في حكم الخيل 33
سرق كتبا نافعةً ،كالتفسير والحديث والفقه وغيرها من العلوم النافعة إذا بلغت قيمة
المسروق نصابا .
ي الخطيب من الشافعية :أنّه لو سرق شخص المصحف الموقوف على
وأضاف الشّربين ّ
القراءة لم يقطع إذا كان قارئًا ; لنّ له فيه حقّا ،وكذا إن كان غير قارئ ; لنّه ربما تعلم
منه ،قال الزركشيّ :أو يدفعه إلى من يقرأ فيه لستماع الحاضرين .
وذهب الحنفية والحنابلة إلى أنّه ل يقام الحدّ على من يسرق المصحف ،وقال الحنفية ول
ن آخذها يتأول
على من يسرق كتب التفسير والحديث والفقه وغيرها من العلوم النافعة ; ل ّ
في أخذه القراءة والتعلّم .
). 31 - 28 وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ( سرقة ف /
كِتابة *
انظر :توثيق ،مكاتبة .
كِتابِيّ *
انظر :أهل الكتاب .
كِتا ِبيّة *
انظر :أهل الكتاب .
َكتِف *
التعريف :
-الكَتِف والكِتْف في اللّغة :عظم عريض خلف المنكب ،ويؤنّث وهي تكون للنسان ، 1
وغيره ،وفي الحديث « :ائتوني بالكتف والدواة أكتب لكم كتابا » ،كانوا يكتبون فيها لقلة
القراطيس عندهم .
ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن المعنى اللّغويّ .
ما يتعلق بالكتف من أحكام :
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يجري القصاص في قطع اليد من مفصل الكتف بشرط أن 2
يؤمن من حدوث جائفة في الجسم ،فإن خيف جائفة فللمجنيّ عليه أن يقتص من مرفقه ،
وهو ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة ; لنّه أخذ ما أمكن من حقّه ،وله أن يأخذ العوض .
ول يجب في كسرها قصاص كسائر العظام ،وليس فيها أرش مقدر ،وإنّما تجب في
). 31 ،وجناية على ما دون النفس ف / 7 كسرها حكومة ( ،ر :حكومة عدل ف /
وقد ذكر الفقهاء أحكاما أخرى تتعلق بالكتف منها :السدل في الصلة ،وهو عند الحنابلة
أن يطرح المصلّي ثوبا على كتفه ول يردّ أحد طرفيه على الكتف الخرى ،وهو مكروه
عندهم .
ونص الحنابلة على وجوب أن يضع المصلّي على أحد كتفيه شيئا من اللّباس إن كان قادرا
على ذلك ويشترط ذلك لصحة الصلة في ظاهر المذهب .
). 85 ( ر :صلة ف /
ومنها الضطباع في الطواف وهو أن يدخل المحرم رداءه الذي يلبسه تحت منكبه اليمن
فيلقيه على عاتقه اليسر وتبقى كتفه اليمنى مكشوف ًة ،وهو مستحبّ عند جمهور الفقهاء
). 4 - 1 في طواف القدوم ( ر :اضطباع ف
ِكتْمان *
انظر :إفشاء السّرّ .
كُحْل *
انظر :اكتحال .
كَدِك *
التعريف :
-لم يرد ذكر كلمة الكدك أو الجدك في كتب اللّغة المشهورة . 1
وعند الفقهاء يطلق الكدك على ما يثبت في الحانوت على وجه القرار مما ل ينقل ول
يحول ،كالبناء والرّفوف المركبة والغلق ونحو ذلك ،وهذا ما يسمّيه الفقهاء سكنى .
ل ل على وجه القرار ،كالخشب الذي يركب
كما يطلق على ما يوضع في الحانوت متص ً
ن التّصال وجد لكن ل على وجه القرار .
بالحانوت لوضع عدة الحلق مثلً ،فإ ّ
ل ،كالبكارج والفناجين بالنّسبة للقهوة ،والفوط
ويطلق أيضا على العين غير المتصلة أص ً
بالنّسبة للحمام .
ويطلق على مجرد المنفعة المقابلة للدراهم ،وهذا ما يعبّر عنه الفقهاء بالخلوّ .
وللتفصيل في أحكام الكدك بهذا المعنى ينظر ( خلوّ ) .
قال محمد قدري باشا :يطلق الكدك على العيان المملوكة للمستأجر المتصلة بالحانوت
على وجه القرار ،كالبناء ،أو ل على وجه القرار ،كآلت الصّناعة المركبة به ،ويطلق
أيضا على الكردار في الراضي ،كالبناء والغراس فيها .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الكردار :
-الكردار هو أن يحدث المزارع والمستأجر في الرض بناء أو غرأسا أو كبسا بالتّراب 2
بعمارته أو مرمته بها ،فيعمّره المستأجر من ماله على قصد الرّجوع بذلك في مال الوقف
عند حصوله ،أو اقتطاعه من الجرة .
والمرصد بهذه الصّفة دين مستق ّر على جهة الوقف للمستأجر الذي عمر من ماله عمارةً
ضروري ًة في مستغلّ من مستغلت الوقف للوقف .
والفرق بين الكدك وبين المرصد ،أنّ صاحب المرصد ليس له إل دين معلوم على الوقف ،
فل يجوز له أن يبيعه ول يبيع البناء الذي بناه للوقف ،وإنّما له مطالبة المتولّي بالدين
الذي له إن لم يرد استقطاعه من أصل أجر المثل ،وأما الكدك ،فهو أموال متقومة مملوكة
للمستأجر تباع وتورث ،ولصحابها حقّ القرار .
ج -المسكة :
-المسكة هي عبارة عن استحقاق الحراثة في أرض الغير ،مأخوذة من المسكة لغةً ، 4
وهي ما يتمسك به ،فكان المتسلّم للرض المأذون له من صاحبها في الحرث صار له
مسكة يتمسك بها في الحرث فيها ،وحكمها أنّها ل تقوم ،فل تملك ول تباع ول تورث ،
وقد جرى في عرف الفلحين إطلق الفلحة على المسكة ،فيقول أحدهم :فرغت عن
فلحتي أو مسكتي أو مشدّي ،ويريد معنىً واحدا وهي استحقاق الحرث .
والمسكة بهذا المعنى تكون في الراضي الجرداء ،وقد تكون في البساتين وتسمى بالقيمة
ق الستمساك بالرض ،
ن صاحب المسكة يثبت له ح ّ
.والصّلة بين الكدك وبين المسكة ،أ ّ
كما أنّ صاحب الكدك يثبت له حقّ القرار في الحانوت ،فالمسكة خاصة بالراضي أما الكدك
ص بالحوانيت .
فخا ّ
د -الخلوّ :
-يطلق الخلوّ على معان منها : 5
أنّه اسم للمنفعة التي جعل في مقابلتها الدراهم ،ويطلق كذلك على حقّ مستأجر الرض
الميرية في التمسّك بها إن كان له فيها أثر من غراس أو بناء أو كبس بالتّراب ،على أن
يؤدّي ما عليها من الحقوق لبيت المال ،كما يطلق على البناء والغرس ونحوهما الذي
). 1 يقيّمه من بيده عقار وقف أو أرض أميرية ( ر :خلوّ ف /
ن صاحب الخلوّ يملك جزءا من منفعة الوقف
والصّلة بين الخلوّ بالمعنى الول والكدك ،أ ّ
ول يملك العيان ،أما الكدك فهو أعيان مملوكة لمستأجر الحانوت .
). 1 ( ر :خلوّ ف /
ن الخلو مرادف للكدك .
وأما الصّلة بالمعنيين الثاني والثالث ،فهي أ ّ
الحكام المتعلّقة بالكدك :
ثبوت حقّ القرار لصاحب الكدك :
أولً :وضع الكدك في المباني الوقفية المؤجرة :
ق القرار بسبب ما ينشئه في مبنى الوقف من بناء أو نحوه
-يثبت لصاحب الكدك ح ّ 6
استبقاؤه بأجر المثل ،أما إذا كان الكدك في الحانوت الملك ،فلصاحب الحانوت أن يكلّف
المستأجر برفع الكدك لنّ الجارة تنتهي بمضيّ المدة ،ول يبقى لها أثر إجماعا .
والفرق -كما قال ابن عابدين -أنّ الملك قد يمتنع صاحبه عن إيجاره ويريد أن يسكنه
بنفسه ،أو يبيعه أو يعطّله ،بخلف الموقوف المعدّ لليجار ،فإنّه ليس للناظر إل أن
يؤجّره ،فإيجاره من ذي اليد بأجرة مثله أولى من إيجاره من أجنبيّ ،لما فيه من النظر
للوقف ولذي اليد .
قال خير الدّين الرمليّ :إذا استأجر أرضا ملكا ليس للمستأجر أن يستبقيها كذلك إن أبى
المالك إل القلع ،بل يكلّفه على ذلك ،إل إذا كانت قيمة الغراس أكثر من قيمة الرض
فإذن ل يكلّفه عليه بل يضمن المستأجر قيمة الرض للمالك ،فتكون الغراس والرض
للغارس ،وفي العكس يضمن المالك للغارس قيمة الغراس فتكون الرض والشجار له ،
وكذا الحكم في العارية .
ن هذا إذا كان المستأجر بنى أو غرس بإذن
قال التاسيّ بعد نقل هذا القول :الظاهر أ ّ
المالك; لنّه يكون غير متعدّ بالبناء والغرس ...وأما إذا كان البناء أو الغرس بدون إذن
مالك الرض ،فليس إل القلع أو تخيير المالك بين تكليفه به أو تملّكه بقيمته مستحق
القلع ،إن كان القلع يضرّ بالرض ; لنّه متعدّ بالبناء والغرس .
أما وضع الكدك المتصل اتّصال قرار قصدا بتعاقد بين المستأجر وصاحب الحانوت ،فإنّه
يثبت حق القرار للمستأجر عند بعض متأخّري الحنفية ،فل يملك صاحب الحانوت إخراج
المستأجر منه ول إجارته لغيره .
وكذلك الحكم عند المالكية فقد قال عليش :إنّ الخلو ربما يقاس عليه الجدك المتعارف في
حوانيت مصر ،فإن قال قائل :الخلوّ إنّما هو في الوقف لمصلحة وهذا يكون في الملك ،
قيل له :إذا صح في وقف فالملك أولى لنّ المالك يفعل في ملكه ما يشاء ،نعم بعض
الجدكات بناء أو إصلح أخشاب في الحانوت مثلً بإذن وهذا قياسه على الخلوّ ظاهر ،
خصوصا وقد استندوا في تأبيد الحكر للعرف ،والعرف حاصل في الجدك ،وبعض الجدكات
أمور مستقلة في المكان غير مستمرة فيه ،كما يقع في الحمامات وحوانيت القهوة
ن للمالك إخراجها .
بمصر ،فهذه بعيدة الخلوات ،فالظاهر أ ّ
ولم يستدل على نص للشافعية والحنابلة بخصوص إقامة المستأجر الجدك في الحانوت
ن البناء والغراس ملك
الملك ،ويفهم مما ذكروه في استئجار الرض للبناء أو الغراس ،أ ّ
للمستأجر ،والرض ملك لصاحبها .
قال ابن رجب :غراس المستأجر وبناؤه بعد انقضاء المدة إذا لم يقلعه المالك فللمؤجّر
تملّكه بالقيمة لنّه ل يملك قلعه بدون ضمان نقصه ،وفيه ضرر عليه .
وقال النّوويّ :استأجر للبناء أو الغراس ،فإن شرط القلع صح العقد ولزم المستأجر القلع
بعد المدة ،وليس على المالك أرش النّقصان ،ول على المستأجر تسوية الرض ،ول
أرش نقصها ،لتراضيهما بالقلع ،ولو شرطا البقاء بعد المدة ،فوجهان :أحدهما :العقد
ح ; لنّ الطلق
فاسد لجهالة المدة ،وهذا أصحّ عند المام والبغويّ ،والثاني :يص ّ
يقتضي البقاء ،فل يضرّ شرطه ،وبهذا قطع العراقيّون أو جمهورهم ،ويتأيد به كلم
السرخسيّ في مسألة الزرع ،فإن قلنا بالفساد ،لزم المستأجر أجرة المثل للمدة ...أما إذا
أطلقا ،فالمذهب صحة العقد ،وقيل :وجهان ،وليس بشيء ،ثم ينظر بعد المدة ،فإن
أمكن القلع والرفع بل نقص فعل ،وإل ،فإن اختار المستأجر القلع فله ذلك ; لنّه ملكه ...
وإن لم يختر القلع ،فهل للمؤجّر أن يقلعه مجانا ؟ فيه طريقان :أحدهما القطع بالمنع ،
والثاني على وجهين أصحّهما هذا ; لنّه بناء محترم ،والثاني :نعم ، ...وإذا انتهى المر
إلى القلع ،فمباشرة القلع ،أو بدل مئونته هل هي على المؤجّر لنّه الذي اختاره ،أم على
المستأجر لنّه شغل الرض فليفرغها ؟ وجهان :أصحّهما الثاني .
وقف الكدك :
-صرح الحنفية بعدم جواز وقف الكدك ،قال ابن عابدين :ما يسمى الن كدكًا في 9
حوانيت الوقف ونحوها ،من رفوف مركبة في الحانوت ،وأغلق على وجه القرار ،
ح وقفه ،لعدم العرف الشائع ،بخلف وقف البناء والشجر ،فإنّه مما
فالظاهر أنّه ل يص ّ
شاع وذاع في عامة البقاع .
ويؤخذ من عبارات المالكية صحة وقف الكدك الذي يقيمه المستأجر في الحانوت .
ي من
ن الذي عليه العمل ما أفتى به شهاب الدّين أحمد السنهور ّ
قال الغرقاويّ المالكيّ :إ ّ
صحة وقف الخلوّ وجرى به العمل كثيرا في الدّيار المصرية .
ن الخلو ربما يقاس عليه الجدك المتعارف في حوانيت مصر .
وصرح عليش بأ ّ
ولم نجد نصا للشافعية والحنابلة بخصوص وقف الكدك ،إل أنّهم يجيزون وقف الغراس
والبناء ،وهذا ليس محل خلف بين الفقهاء .
بيع الكدك :
-إذا ثبت للمستأجر حقّ القرار في حانوت الوقف ،فالكدك الذي يضعه فيه يكون ملكا 10
له على وجه القرار ،ويكون لهذا المستأجر بيع ما وضعه ،وينتقل حقّ القرار للمشتري
فقد قال المهديّ العباسيّ :فإن أحدث شيئا من ذلك بعد إذن الناظر على هذا الوجه ،فحينئذ
ل حاجة إلى تكلّف السقاط في أثناء مدة إجارته أو بعدها ،ول إلى استئجار الجنبيّ من
الناظر ،بل يكون للمستأجر المذكور بيع ما أحدثه من الجنبيّ ،فينتقل حقّ القرار
للمشتري ،ويكون على المشتري المذكور أجر مثل الرض خاليةً عما أحدث فيها .
وجاء في مرشد الحيران :الكدك المتصل بالرض بناء وغرأسا أو تركيبا على وجه القرار
هو أموال متقومة ،تباع وتورث ،ولصحابها حقّ القرار ،ولهم استبقاؤها بأجر المثل .
ن المالكية يقيسون الجدك المتصل اتّصال قرار على
هذا عند الحنفية والمالكية أيضا إذ إ ّ
الخلوّ ،قال عليش :بعض الجدكات بناء أو إصلح أخشاب في الحانوت مثلً بإذن وهذا
قياسه على الخلوّ ظاهر .
والخلوّ يصير كالملك يجري عليه البيع والجارة والهبة والرهن ووفاء الدين والرث .
الشّفعة في الكدك :
-ل تثبت الشّفعة عند الحنفية والشافعية في بيع البناء بدون الرض إل أنّه ذكر السيّد 11
كَذِب *
التعريف :
-الكذب لغةً :الخبار عن الشيء بخلف ما هو ،سواء فيه العمد والخطأ . 1
وفي الصطلح :تحسين الشيء ووصفه بخلف صفته حتى يخيل إلى من سمعه أو رآه
ق.
أنّه بخلف ما هو عليه في الحقيقة ،فهو تمويه الباطل بما يوهم أنّه ح ّ
وبين الكذب والتزوير عموم وخصوص وجهيّ ،فالتزوير يكون في القول والفعل ،والكذب
). 1 ل يكون إل في القول ( .ر :تزوير ف /
والكذب قد يكون مُزينا أو غير مزين ،والتزوير ل يكون إل في الكذب المموه .
ب -الفتراء :
ن افْتَرَاهُ }
-الفتراء في اللّغة والصطلح :الكذب والختلق ،قال تعالى { :أَ ْم َيقُولُو َ 3
للٌ وَهَـذَا
ف أَ ْلسِنَتُ ُكمُ ا ْلكَذِبَ هَـذَا حَ َ
وفواحش العيوب ،قال تعالى َ { :و َل َتقُولُواْ ِلمَا تَصِ ُ
ب لَ ُيفْ ِلحُونَ } .
علَى الّل ِه الْكَذِ َ
ن َيفْتَرُونَ َ
ن الّذِي َ
حَرَامٌ لّ َتفْتَرُواْ عَلَى الّلهِ ا ْلكَذِبَ إِ ّ
ن الصّدق يهدي إلى البرّ ،
ن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال « :إ ّ
وروى ابن مسعود أ ّ
ن الرجل ليصدق حتى يكون صدّيقا ،وإنّ الكذب يهدي إلى
وإنّ البر يهدي إلى الجنّة ،وإ ّ
ن الرجل ليكذب حتى يكتب عند ال كذابا » .
الفجور ،وإنّ الفجور يهدي إلى النار ،وإ ّ
وقال عليه الصلة والسلم « :كبرت خيان ًة أن تحدّث أخاك حديثا هو لك به مصدّق وأنت
له به كاذب » .
وإجماع المة منعقد على تحريمه مع النّصوص المتظاهرة على ذلك .
-5وقد يكون الكذب مباحا أو واجبا ،فالكلم وسيلة إلى المقاصد ،وكلّ مقصود محمود
يمكن تحصيله بغير الكذب يحرم الكذب فيه ،وإن لم يمكن تحصيله إل بالكذب جاز الكذب
فيه ،ثم إن كان تحصيل ذلك القصد مباحا كان الكذب مباحا وإن كان واجبا كان الكذب
واجبا ،كما أنّ عصمة دم المسلم واجبة ،فإذا كان في الصّدق سفك دم امرئ مسلم قد
اختفى من ظالم فالكذب فيه واجب ،ومحلّ الوجوب ما لم يخش التبين ويعلم أنّه يترتب
عليه ضرر شديد ل يحتمل .
وإذا كان ل يتمّ مقصود الحرب أو إصلح ذات البين أو استمالة قلب المجنيّ عليه إل بكذب
فالكذب فيه مباح ،إل أنّه ينبغي أن يحترز منه ما أمكن ; لنّه إذا فتح باب الكذب على
نفسه فيخشى أن يتداعى إلى ما يستغنى عنه ،وإلى ما ل يقتصر على حدّ الضرورة ،
فيكون الكذب حراما إل لضرورة ،والذي يد ّل على هذا الستثناء ما ورد عن أمّ كلثوم
رضي ال عنها :أنّها سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول « :ليس الكذاب الذي
يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقول خيرا » ،وورد عنها « :لم أسمع يرخص في شيء
مما يقول الناس كذب إل في ثلث :الحرب ،والصلح بين الناس ،وحديث الرجل امرأته
وحديث المرأة زوجها » ،فهذه الثلث ورد فيها صريح الستثناء وفي معناها ما عداها إذا
ارتبط به مقصود صحيح له أو لغيره .
فأما ما هو صحيح له فمثل أن يأخذه ظالم ويسأله عن ماله فله أن ينكره ،أو يأخذه سلطان
فيسأله عن فاحشة بينه وبين ال تعالى ارتكبها فله أن ينكر ذلك ،فيقول ما زنيت ،ما
سرقت ،وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم « :اجتنبوا هذه القاذورة التي نهى ال
عنها ،فمن ألم فليستتر بستر ال وليتب إلى ال فإنّه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب ال
عز وجل » ،وذلك أنّ إظهار الفاحشة فاحشة أخرى ،فللرجل أن يحفظ دمه وماله الذي
يؤخذ ظلما وعرضه بلسانه وإن كان كاذبا .
ن الحد فيه أنّ
وأما عرض غيره فبأن يُسأل عن سرّ أخيه فله أن ينكره ،ونحو ذلك ،ولك ّ
الكذب محذور ،ولو صدق في هذه المواضع تولد منه محذور ،فينبغي أن يقابل أحدهما
بالخر ،ويزن بالميزان القسط ،فإذا علم أنّ المحذور الذي يحصل بالصّدق أشدّ وقعا في
الشرع من الكذب فله أن يكذب ،وإن كان المقصود أهون من مقصود الصّدق فيجب
الصّدق ،وقد يتقابل المران بحيث يتردد فيهما ،وعند ذلك الميل إلى الصّدق أولى ; لنّ
الكذب يباح لضرورة أو حاجة مهمة ،فإن شك في كون الحاجة مهمةً ،فالصل التحريم ،
فيرجع إليه .ولجل غموض إدراك مراتب المقاصد وينبغي أن يحترز النسان من الكذب ما
أمكنه ،وكذلك مهما كانت الحاجة له فيستحبّ له أن يترك أغراضه ويهجر الكذب ،فأما
ق الغير والضرار به .
إذا تعلق الغرض بغيره فل تجوز المسامحة لح ّ
وقالت طائفة من العلماء :ل يجوز الكذب في شيء مطلقا ،وحملوا الكذب المراد في حديث
أ ّم كلثوم بنت عقبة على التورية والتعريض ،كمن يقول للظالم دعوت لك أمس ،وهو يريد
قوله :اللهم اغفر للمسلمين ،ويعد امرأته بعطية شيء ،ويريد إن قدر ال ذلك .
ن المراد بالكذب في حقّ المرأة والرجل إنّما هو فيما ل يسقط حقّا عليه أو
واتفقوا على أ ّ
عليها أو أخذ ما ليس له أو لها .
تغليظ الكذب على ال تعالى وعلى رسوله صلى ال عليه وسلم :
-الكذب على ال تعالى وعلى رسوله صلى ال عليه وسلم من الكبائر التي ل يقاومها 6
العبد اليمان كله حتى يترك الكذب من المزاحة ،ويترك المراء وإن كان صادقا » ،وقوله
صلى ال عليه وسلم « :إنّي لمزح ول أقول إل حقّا » .
الكذب في ملعبة الصّبيان :
-ينبغي الحذر من الكذب في ملعبة الصّبيان فإنّه يكتب على صاحبه ،وقد حذر منه 10
رسول ال صلى ال عليه وسلم فقد روي عن عبد ال بن عامر رضي ال عنه قال « :
دعتني أمّي يوما ورسول ال صلى ال عليه وسلم قاعد في بيتنا فقالت :ها تعال أعطيك ،
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم :وما أردت أن تعطيه ؟ قالت :أعطيه تمرا ،فقال
لها رسول ال صلى ال عليه وسلم :أما إنّك لو لم تعطيه شيئا كتبت عليك كذبة » ،وعن
أبي هريرة رضي ال عنه قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم « :من قال لصبيّ
تعال هاك ثم لم يعطه فهي كذبة » .
الكذب في الرّؤيا :
-حذر الشارع من الكذب في الرّؤيا ونهى عنه ،فعن واثلة بن السقع قال :قال 11
ال تعالى أن ينتسب المرء إلى غير أبيه ،أو يدعي ابنا ليس ابنه وهو يعلم أنّه كاذب فيما
ي صلى ال عليه وسلم قال « :ل ترغبوا
ادعاه ،فعن أبي هريره رضي ال عنه عن النب ّ
عن آبائكم فمن رغب عن أبيه فهو كفر » ،والكفر المذكور في الحديث له تأويلن ذكرهما
ق المستحلّ ،والثاني :أنّه كفر النّعمة والحسان وحقّ ال
النّوويّ :أحدهما :أنّه في ح ّ
تعالى وحقّ أبيه ،وليس المراد الكفر الذي يخرج عن ملة السلم .
وكذلك الحكم لمن ينفي نسب ابنه وهو يعلم كذبه لما روي عن رسول ال صلى ال عليه
وسلم أنّه قال « :أيّما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من ال في شيء ولن
يدخلها ال جنّته ،وأيّما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب ال منه وفضحه على
رءوس الولين والخرين يوم القيامة » .
). 2 وتفصيل ذلك في مصطلح ( نسب ،استلحاق ف /
الكذب في البيع والغشّ فيه :
-من المنكرات المعتادة في السواق الكذب في المرابحة وإخفاء العيب فمن قال : 13
اشتريت هذه السّلعة بعشرة وأربح فيها كذا ،وكان كاذبا فهو فاسق ،وعلى من عرف ذلك
أن يخبر المشتري بكذبه ،فإن سكت مراعا ًة لقلب البائع كان شريكا له في الثم وعصى
بسكوته .
). 5 شف/
وتفصيل ذلك في مصطلح ( غ ّ
غشّ الوالي رعيته وكذبه عليهم :
-غشّ الوالي رعيته وكذبه عليهم من الكبائر ،فمن قلده ال شيئا من أمر المسلمين 14
واسترعاه عليهم ونصبه لمصلحتهم في دينهم ودنياهم ،وجب عليه أن ينصح لهم وأل
يغشهم ،وأن يكون صادقا معهم ،وإل استحق ما أعده ال له من العذاب الليم ،فعن أبي
هريرة رضي ال عنه قال :قال صلى ال عليه وسلم « :ثلثة ل يكلّمهم ال ول يزكّيهم
ول ينظر إليهم ولهم عذاب أليم :شيخ زان ،وملك كذاب ،وعائل مستكبر » ،وعن معقل
ن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال « :ل يسترعي ال عبدا رعيةً
بن يسار قال « :إ ّ
ش لها إل حرم ال عليه الجنّة » .
يموت حين يموت وهو غا ّ
وعنه رضي ال عنه " سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول « :ما من أمير يلي
أمر المسلمين ثم ل يجهد لهم وينصح إل لم يدخل معهم الجنّة » ،قال القاضي عياض :إذا
خان المير فيما أؤتمن عليه فلم ينصح فيما قلده إما بتضييعه تعريفهم ما يلزمهم من
دينهم ،وأخذهم به ،وإما بالقيام بما يتعين عليه من حفظ شرائعهم والذبّ عنها لكلّ متصدّ
بإدخال داخلة فيها ،أو تحريف لمعانيها أو إهمال حدودهم ،أو تضييع حقوقهم ،أو ترك
حماية حوزتهم ومجاهدة عدوّهم أو ترك سيرة العدل فيهم فقد غشهم ،وقد نبه صلى ال
عليه وسلم أنّ ذلك من الكبائر الموبقة المبعدة عن الجنّة .وال أعلم .
التحدّث بكلّ ما سمع :
-نهى الشارع أن يحدّث المرء بكلّ ما سمع ،فعن أبي هريرة رضي ال عنه قال :قال 15
رسول ال صلى ال عليه وسلم « :كفى بالمرء كذبا أن يحدّث بك ّل ما سمع » ،قال
النّوويّ :والثار في هذا الباب كثيرة ،وفي هذا الزجر عن التحدّث بكلّ ما سمع النسان ،
فإنّه يسمع في العادة الصّدق والكذب ،فإذا حدث بكلّ ما سمع فقد كذب لخباره بما لم
ق أنّ الكذب :الخبار عن الشيء بخلف ما هو عليه ،ول يشترط
يكن ،ومذهب أهل الح ّ
ن التعمّد شرط في كونه إثما .
فيه التعمّد ،لك ّ
الستغناء عن الكذب بالمعاريض :
ن في المعاريض مندوحةً عن الكذب ،قال عمر رضي ال
-نقل عن بعض السلف :أ ّ 16
عنه :أما في المعاريض ما يكفي الرجل عن الكذب ،وروي ذلك عن ابن عباس رضي ال
عنهما وغيره ،وإنّما أرادوا بذلك إذا اضطر النسان إلى الكذب ،فأما إذا لم تكن حاجة
ن التعريض أهون .
وضرورة فل يجوز التعريض ول التصريح جميعا ،ولك ّ
ومثال التعريض :ما روي أنّ معاذ بن جبل رضي ال عنه كان عاملً لعمر رضي ال عنه
فلما رجع قالت امرأته :ما جئت به مما أتى به العمال إلى أهلهم ؟ وما كان قد أتاها
بشيء ،فقال :كان عندي ضاغط ،قالت :كنت أمينا عند رسول ال صلى ال عليه وسلم
وعند أبي بكر رضي ال عنه ،فبعث عمر معك ضاغطا .وقامت بذلك بين نسائها ،
واشتكت عمر ،فلما بلغه ذلك دعا معاذا وقال :بعثت معك ضاغطا ؟ قال :لم أجد ما أعتذر
به إليها إل ذلك ،فضحك عمر رضي ال عنه وأعطاه شيئا ،فقال :أرضها به ،ومعنى
قوله " :ضاغطا " يعني رقيبا ،وأراد به ال سبحانه وتعالى .
وكان النّخعيّ ل يقول لبنته :أشتري لك سكرا ،بل يقول :أرأيت لو اشتريت لك سكرا ؟
فإنّه ربما ل يتفق له ذلك ،وكان إبراهيم إذا طلبه من يكره أن يخرج إليه وهو في الدار
قال للجارية :قولي له :اطلبه في المسجد ،ول تقولي :ليس هنا كي ل يكون كذبا .
ن هذا تفهيم للكذب وإن
وهذا كلّه في موضع الحاجة ،فأما في غير موضع الحاجة فل ; ل ّ
لم يكن اللفظ كذبا فهو مكروه على الجملة ،كما روى عبد ال بن عتبة قال :دخلت مع أبي
على عمر بن عبد العزيز رحمه ال تعالى ،فخرجت وعلي ثوب ،فجعل الناس يقولون :
هذا كساكه أمير المؤمنين ؟ فكنت أقول :جزى ال أمير المؤمنين خيرا ،فقال لي أبي :يا
ن كاذب لجل غرض
بني اتق الكذب وما أشبهه فنهاه عن ذلك ; لنّ فيه تقريرا لهم على ظ ّ
المفاخرة ،وهذا غرض باطل ل فائدة فيه .
وتباح المعاريض لغرض خفيف كتطييب قلب الغير بالمزاح ،كما روي عن الحسن قال :
ي صلى ال عليه وسلم فقال لها صلى ال عليه وسلم :ل يدخل الجنّة
« أتت عجوز إلى النب ّ
عجوز ،فبكت فقال :إنّك لست بعجوز يومئذ قال ال تعالى { :إِنّا أَنشَأْنَا ُهنّ إِنشَاء ،
ن أَ ْبكَارا } » ،وقال زيد بن أسلم « :إنّ امرأةً يقال لها أمّ أيمن جاءت إلى رسول
جعَلْنَاهُ ّ
َف َ
ال صلى ال عليه وسلم فقالت :إنّ زوجي يدعوك ،قال :ومن هو ؟ أهو الذي بعينه
بياض ؟ قالت :وال ما بعينه بياض ،فقال :بلى ،إنّ بعينه بياضا ،فقالت :ل وال ،
فقال صلى ال عليه وسلم :ما من أحد إل وبعينه بياض » وأراد به البياض المحيط
بالحدقة.
ل استحمل رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال :إنّي
وحديث أنس بن مالك « :أنّ رج ً
حاملك على ولد الناقة ،فقال :يا رسول ال ما أصنع بولد الناقة ؟ فقال رسول ال صلى
ال عليه وسلم :وهل تلد البل إل النّوق ؟ ،وكان يمزح به » .
كِراء *
انظر :إجارة .
كِراء العَقِب *
التعريف :
-الكراء -بالمدّ -الجرة ،وهو في الصل مصدر من كاريته من باب قاتل ،والفاعل 1
مكار على النقص والجمع مكارون ،ومكارين ،مثل :قاضون وقاضين ،وأكريته الدار
وغيرها إكراءً فاكتراه بمعنى آجرته فاستأجر ،والكريّ على فعيل مكري الدوابّ .
والعقب في الصل مجيء الشيء بعقب الشيء الخر أي متأخّرا عنه ،ومنه قولهم في
الليل والنهار :المتعاقبان ،أي يأتي كلّ منهما عقب صاحبه ،والعقبة :النّوبة والجمع
عقب ،مثل غرفة وغرف وتعاقبوا على الراحلة ركب كلّ واحد عقبةً .
وكراء العقب عند الفقهاء :أن يؤجّر دابةً لرجلين ليركب هذا أياما وذا أياما أخر ،أو
ليركب هذا مساف ًة معلومةً من الطريق وذا مسافةً معلومةً أخرى ،وسمّيت هذه الجارة
بهذا السم; لنّ كلّا منهما يعقب صاحبه ويركب موضعه .
الحكم التكليفيّ :
-قال جمهور الفقهاء :يجوز كراء العقب وله صورتان : 2
الولى :أن يؤجّر دابته لرجلين ليركب هذا أياما وذا أياما معلومةً بالتناوب ،أو ليركب
ل ويركب الخر مساف ًة معلومةً أخرى ما
أحدهما مساف ًة معلومةً كنصف الطريق أو ربعه مث ً
لم تكن هناك عادة ،فإن كانت هناك عادة مضبوطة بزمان أو مسافة اتّبعت .
والثانية أن يؤجّرها شخصا ليركبها بعض الطريق مضبوطا -كما سبق -بزمان أو مسافة
معلومتين ويركب المؤجّر البعض الخر تناوبا مع عدم شرط البداءة بالمؤجّر -كما هو
نص الشافعية -سواء أشرطاها للمستأجر أم أطلقا أو قال ليركب أحدنا ،وسواء وردت
الجارة على العين أم في الذّمة ،لثبوت الستحقاق حالً ،والتأخير الواقع من ضرورة
القسمة .
أما إذا اشترطا -في الصّورة الثانية -أن يركبها المؤجّر أولً فإنّ العقد باطل في إجارة
العين ; لتأخير حقّ المكتري وتعلّق الجارة بالمستقبل .
وإن استأجرا دابةً على أن يركب أحدهما بعض الطريق ويركب الثاني البعض الخر دون
تحديد هذا البعض فإن كانت هناك عادة مضبوطة بزمان مثل أن يركب هذا ليلً ويمشي
نهاراً ،أو يركب الخر نهاراً ويمشي ليلً ،أو بمسافة مثل أن يركب أحدهما بفراسخ
معلومة ويركب الخر بفراسخ معلومة أخرى اتّبعت هذه العادة فيقتسمان الرّكوب بالتراضي
على الوجه المعتاد أو المبين ،فإن تنازعا في البتداء أقرع بينهما .
والزمان المحسوب في المناوبة زمن السير دون زمن النّزول حتى لو نزل أحدهما
للستراحة أو لعلف الدابة لم يحسب زمن النّزول ; لنّ نفس الزمان غير مقصود وإنّما
المقصود قطع المسافة .
ولو استأجر اثنان دابةً ل تحملهما معا حمل الستئجار على التعاقب ويقتسمان بالزمان أو
المسافة فإن تنازعا في البداءة أقرع بينهما .
وإن كانت تحملهما معا ركباها جميعا .
ولو استأجر دابةً ليركبها بعض الطريق متواليا صح ،وكذا لو أطلق ،أو استأجر نصف
الدابة إلى موضع كذا صحت الجارة مشاعةً كبيع المشاع ويأخذ حصته بالزمان أو المسافة
كما سبق فإن تنازعا في البداءة أقرع بينهما كما مر .
وإن اتفقا على أن يركب يوما ويمشي يوما جاز ،وإن اتفقا على أن يركب ثلثة أيام
ويمشي ثلثة أيام أو ما زاد ونقص جاز كذلك .
فإن اختلفا لم يجبر الممتنع منهما ; لنّ فيه ضررا على كلّ واحد منهما ،الماشي لدوام
المشي عليه ،على الدابة لدوام الرّكوب عليها ; ولنّه إذا ركب بعد شدة تعبه كان أثقل
على الدابة .
وإن اكترى اثنان جملً يركبانه عقبةً وعقبةً جاز ويكون كراؤهما طول الطريق والستيفاء
بينهما على ما يتفقان عليه ،وإن تشاحا قسم بينهما لك ّل واحد منهما فراسخ معلومة أو
لحدهما الليل وللخر النهار ،وإن كان بذلك عرف رجع إليه ،وإن اختلفا في البادئ منهما
أقرع بينهما .
قال ابن قدامة :ويحتمل أن ل يصح كراؤهما إل أن يتفقا على ركوب معلوم لكلّ واحد
منهما ،لنّه عقد على مجهول بالنّسبة إلى كلّ واحد منهما فلم يصح كما لو اشتريا عبدين
على أنّ لكلّ واحد منهما عبدا معينا منهما .
ومقابل الصحّ لدى الشافعية أوجه :أصحّها المنع ،أي منع كراء العقب بصورتيه ; لنّها
إجارة أزمان منقطعة .
ح كراء العقب في الصّورة التي تؤجر الدابة فيها لرجلين ; لتّصال زمن
والثاني :يص ّ
الجارة فيها دون الصّورة الخرى وهي التي يتعاقب في ركوب الدابة المؤجّر والمستأجر .
ح في الصّورتين إن كانت في الذّمة .
والثالث :تص ّ
ق أحدهما عن العقد
قال المام المزنيّ :ل يجوز اكتراء العقبة إل مضمونا ،لنّه يتأخر ح ّ
فلم يجز كما لو أكراه ظهرا في مدة تتأخر عن العقد .
ول يصحّ في هذا الوجه إن كانت معينةً .
وهذا التفصيل الذي سبق إنّما هو عند الشافعية والحنابلة .
وجاء في نصوص الحنفية ما يفيد جواز كراء العقب ،ففي باب الحجّ عند الكلم عن
الراحلة ما نصه :وإن أمكنه أن يكتري عقبةً أي ما يتعاقب عليه في الرّكوب فرسخا
ن المفروض
بفرسخ أو منز ًل بمنزل فل حج عليه ; لعدم الراحلة إذ ذاك في جميع السفر ل ّ
هو الحجّ راكبا ل ماشيا والراكب عقبةً ل يركب في كلّ الطريق بل يركب في البعض
ويمشي في البعض الخر .
ن كراء العقب في أصله جائز عندهم ول سيما الصّورة التي يكتري فيها
وهذا يدلّ على أ ّ
الثنان راحلةً يتعاقبان عليها يركب أحدهما مرحل ًة والخر مرحلةً أخرى لنصهم على هذه
الصّورة .
ونص المالكية على أنّه يجوز عقبة الجير ،قالوا في شرح هذه العبارة التي وردت في
مختصر خليل :أي يجوز للمكري اشتراط ركوب الجير الميل السادس على الدابة مع
المكتري أو بدله ويمشيه المكتري لنّه أمر معروف .
ويجوز للمستأجر أن يشترط على الجمال أنّه بعد كلّ خمسة أميال يركب خدام المستأجر
الميل السادس أو بما جرى عليه العرف أو بما يتفقان عليه من مسافة قليلة أو كثيرة مما
يدلّ على أنّ كراء العقب في الصل جائز عندهم .
كَرامة *
التعريف :
-الكرامة لغةً :مصدر كرم ،يقال :كرم الرجل كرامةً :عز . 1
وفي الصطلح :تطلق على عدة معان :فتطلق أولً :بمعنى :ظهور أمر خارق للعادة
على يد شخص ظاهر الصلح غير مقارن لدعوى النّبوة والرّسالة .
وتطلق ثانيا :بمعنى :العزاز والتفضيل والتشريف ،وتطلق ثالثا :بمعنى :إكرام
الضيف .اللفاظ ذات الصّلة :
أ -المعجزة :
-المعجزة في اللّغة :هي ما يعجز الخصم عند التحدّي . 2
واصطلحا :هي أمر خارق للعادة مقرون بدعوى النّبوة قصد به إظهار صدق من ادعى
النّبوة مع عجز المنكرين عن التيان بمثله .
وعلى هذا فالمعجزة أخصّ من الكرامة .
ب -الرهاص :
-الرهاص :ما يظهر من الخوارق قبل ظهور النبيّ . 3
صلى ال عليه وسلم أنّه قال « :من كان يؤمن بال واليوم الخر فليكرم ضيفه » .
سنّ ،وحملة القرآن وأهل الفضل :
كرامة العلماء وكبار ال ّ
ن وحملة القرآن ،وأهل الفضل ،قال تعالى:
-حث السلم على توقير العلماء وكبار السّ ّ 7
أنّه رهن داره بالشام وأقبضه إياها ،وهما بمكة لم يقبل قوله ،قال القاضي أبو الطيّب :
وهذا يدلّ على أنّه ل يحكم بما يمكن من كرامات الولياء ،وكذا إن تزوج بامرأة في
المغرب وهو بالمشرق وولدت لستة أشهر ل يلحقه ،لنّ هذه المور ل يعول عليها
بالشرع ،وإن خص الشارع شخصا بحكم يبقى الحكم خاصّا به ،ول يتعداه إلى غيره
بالقياس ،كقوله صلى ال عليه وسلم « :من شهد له خزيمة أو شهد عليه فحسبه » ،
وهذه مكرمة خاصة بخزيمة بعد شهادته بشهادتين ،فل يقاس عليه غيره لنّه كرامة
مختصة به ،ول يقاس عليه غيره
كَراهة *
التعريف :
-الكراهة في اللّغة مصدر كره ،يقال :كره الشيء كرها وكراه ًة وكراهي ًة فل أحبه ، 1
ي صلى ال عليه وسلم أكل التمر لصهيب وهو أرمد » ،ومنه كراهة
ومنه « كراهة النب ّ
الماء المشمس على رأي .
وتنقسم الكراهة إلى كراهة تحريمية ،وكراهة تنزيهية .
قال ابن عابدين :قد يطلق المكروه على الحرام ،كقول القدوريّ في مختصره :ومن صلى
الظّهر في منزله يوم الجمعة قبل صلة المام ول عذر له كره له ذلك ،ويطلق على
المكروه تحريما ،وهو ما كان إلى الحرام أقرب ويسمّيه محمد حراما ظنّيّا .
ويطلق على المكروه تنزيها وهو ما كان تركه أولى من فعله ،ويرادف خلف الولى ،
وفي البحر من مكروهات الصلة في هذا الباب نوعان :
أحدهما :ما كره تحريما ،وهو المحمل عند إطلقهم الكراهة ،وذكر في فتح القدير :أنّه
ي الثّبوت .
في رتبة الواجب ل يثبت إل بما يثبت به الواجب يعني بالظنّ ّ
ثانيهما :المكروه تنزيها ،ومرجعه إلى ما تركه أولى ،وكثيرا ما يطلقون " الكراهة " ...
فحينئذ إذا ذكروا مكروها فل بد من النظر في دليله ،فإن كان نهيا ظنّيّا يحكم بكراهة
التحريم ،إل لصارف للنهي عن التحريم إلى النّدب ،فإن لم يكن الدليل نهيا ،بل كان
للترك غير الجازم فهي تنزيهية .
قال الزركشيّ :ويطلق " المكروه " على أربعة أمور .
ك َمكْرُوها } أي محرما .
ك كَانَ سَيّ ُئ ُه عِنْدَ رَبّ َ
أحدها :الحرام ،ومنه قوله تعالى ُ { :كلّ ذَلِ َ
ي في باب النية :وأكره آنية
ووقع ذلك في عبارة الشافعيّ ومالك ،ومنه قول الشافع ّ
ن العجف
العاج ،وفي باب السلم :وأكره اشتراط العجف والمشويّ والمطبوخ ; ل ّ
معيب ،وشرط المعيب مفسد ،قال الصيدلنيّ :وهو غالب في عبارة المتقدّمين كراهة أن
للٌ وَهَـذَا حَرَامٌ }
ف أَ ْلسِنَتُ ُكمُ ا ْلكَذِبَ هَـذَا حَ َ
يتناولهم قوله تعالى َ { :و َل َتقُولُواْ ِلمَا تَصِ ُ
فكرهوا إطلق لفظ التحريم .
الثاني :ما نهي عنه نهي تنزيه وهو المقصود هنا .
الثالث :ترك الولى ،كصلة الضّحى لكثرة الفضل في فعلها ،حكى المام في النّهاية :أنّ
ترك غسل الجمعة مكروه مع أنّه ل نهي فيه ،قال :وهذا عندي جار في كلّ مسنون صح
المر به مقصودا .قلت :ويؤيّده نص الشافعيّ في المّ على أنّ ترك غسل الحرام
مكروه ،وفرق معظم الفقهاء بينه وبين الذي قبله :أنّ ما ورد فيه نهي مقصود يقال فيه :
مكروه ،وما ل ،يقال فيه خلف الولى ول يقال :مكروه .
الرابع :ما وقعت الشّبهة في تحريمه كلحم السبع ويسير النّبيذ ،هكذا عدّه الغزاليّ في
المستصفى من أقسام الكراهة ،وبه صرح أصحابنا في الفروع في أكثر المسائل الجتهادية
المختلف في جوازها ،لكنّ الغزالي استشكله بأنّ من أداه اجتهاده إلى تحريمه فهو عليه
حرام ،ومن أداه اجتهاده إلى حلّه فل معنى للكراهة في حقّه ،إل إذا كان في شبهة الخصم
حزازة في نفسه ،ووقع في قلبه ،فل يصلح إطلق لفظ الكراهة ; لما فيه من خوف
التحريم ،وإن كان غالب الظنّ الحل ،ويتجه هذا على مذهب من يقول :المصيب واحد ،
وأما على قول من يقول :كلّ مجتهد مصيب فالحلّ عنده مقطوع به إذا غلب على ظنّه .
-وهل إطلق الكراهة على هذه المور من المشترك أو هو حقيقة في التنزيه مجاز في 3
غيره ،وهل المكروه من التكليف أم ل وهل المكروه من القبيح أم ل يوصف بقبح ول
ي عنه أم ل وهل ترك
حسن ،وهل المكروه يدخل تحت المر المطلق أم ل ،وهل هو منه ّ
المندوب يعتبر من المكروه تنزيها أم ل ؟ .
وتفصيل ذلك كلّه ينظر في الملحق الصوليّ .
خلف الولى :
-قال الزركشيّ :هذا النوع أهمله الصوليّون وإنّما ذكره الفقهاء وهو واسطة بين 4
الكراهة والباحة ،واختلفوا في أشياء كثيرة هل هي مكروهة ،أو خلف الولى كالنّفض
والتنشيف في الوضوء وغيرهما ؟
قال إمام الحرمين ...التعرّض للفصل بينهما مما أحدثه المتآخرون ،وفرقوا بينهما بأنّ ما
ورد فيه نهي مقصود يقال فيه :مكروه ،وما ل فهو خلف الولى ول يقال :مكروه ،
والمراد بالنهي المقصود أن يكون مصرحا به كقوله :ل تفعلوا كذا ،أو نهيتكم عن كذا ،
ن تركه ل يكون مكروها ،وإن كان المر بالشيء نهيا عن
بخلف ما إذا أمر بمستحبّ فإ ّ
ضدّه ; لنّا استفدناه باللزم وليس بمقصود ،وقال في موضع آخر :إنّما يقال :ترك
الولى إذا كان منضبطا كالضّحى وقيام الليل ،وما ل تحديد له ول ضابط من المندوبات ل
يسمى تركه مكروها ،وإل لكان النسان في كلّ وقت ملبسا للمكروهات الكثيرة من حيث
إنّه لم يقم فيصلّي ركعتين ،أو يعود مريضا ونحوه .
ن خلف الولى قسم من المكروه ،
قال الزركشيّ بعد نقل هذه القوال :والتحقيق :أ ّ
ودرجات المكروه تتفاوت كما في السّنّة ،ول ينبغي أن يعد قسما آخر وإل لكانت الحكام
ستةً وهو خلف المعروف أو كان خلف الولى خارجا عن الشريعة وليس كذلك ،وهذا
رأي بعض الحنفية حيث قال :إنّ مرجع كراهة التنزيه خلف الولى .
وأشار بعضهم إلى أنّه قد يفرق بينهما بأنّ خلف الولى ما ليس فيه صيغة نهي كترك
ب ثبوت
صلة الضّحى ،بخلف المكروه تنزيها ،قال في البحر :ول يلزم من ترك المستح ّ
الكراهة ; إذ ل بد لها من دليل خاصّ ،وقال ابن عابدين عقب هذا الكلم :أقول وهذا هو
ن النّوافل من الطاعات كالصلة والصوم ونحوهما فعلها أولى من
الظاهر ; إذ ل شبهة أ ّ
ن تركها مكروه تنزيها .
تركها بل عارض ،ول يقال :إ ّ
ِكرْدار *
التعريف
-الكِرْدار -ويسمى بخوارزم حق القرار -فارسيّ يطلق على ما يبنى أو يغرس في 1
الرض المحتكرة للوقف ،والراضي التي حازها المام لبيت المال ويدفعها مزارعةً إلى
الناس بالنّصف فيصير لهم فيها بناء وغرس أو كبس بالتّراب .
الحكم الجماليّ :
-يجوز لمستأجري الراضي المحتكرة للوقف ونحوها بيع ما أحدثوه فيها من بناء ،أو 2
ُكرّ *
انظر :مقادير .
َ ُكرّاث *
التعريف :
-الكُرّاث لغةً بفتح الكاف وضمّها وتشديد الراء :بقل معروف خبيث الرائحة كريه 1
العرق.
ويقال :الكَرَاث بفتح الكاف وتخفيف الراء ،وهو ضرب من النبات واحدته كراثة وبه سمّي
الرجل كراثةً .
قال أبو حنيفة الدينوريّ :الكَرَاث شجرة جبلية لها خضرة ناعمة ليّنة .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -البقل :
-وهو كلّ ما يُنبت الربيع ،وكلّ نبات اخضرت به الرض ،وكلّ ما ينبت أصله وفرعه 2
ثومة .
والكراث والثّوم نوعان مختلفان من البقل .
ج -البصل :
-نبات معروف ينمو تحت الرض وله جذور دقيقة ويؤكل نيئا أو مطبوخا ،واحدته 4
بصلة .
وهو غير الكراث وهما نوعان مختلفان .
د -الفجل :
-بقلة حولية وله أرومة خبيثة الجشاء ،واحدته ُفجْلة -بضمّ الفاء وسكون الجيم - 5
قول الحنابلة في المذهب إلى عدم صحة ذلك لنّ البقول من ذوات المثال ; ولنّها تختلف
ول يمكن تقديرها بالحزم .
وذهب المالكية والشافعية وهو رواية للحنابلة إلى صحة ذلك .
بيع الكراث :
-اتفق الفقهاء في الجملة على صحة بيع الكراث بعد بدوّ صلحه لعموم حديث ابن 10
عمر « أنّ النّبي صلى ال عليه وسلم نهى عن بيع الثّمار حتى يبدو صلحها » .
). 87 - 70 ولهم في ذلك تفصيلت وخلف ينظر في مصطلح ( بيع منهيّ عنه ف /
ُكرْكيّ *
انظر :أطعمة .
* ُكرْه
التعريف :
-الكره في اللّغة -بض ّم الكاف وفتحها -المشقة ،وهو مصدر من كرهت الشيء 1
-بالضمّ َ -بغَاضةً ،أي صار بغيضًا ،وبغّضه ال إلى الناس تبغيضًا فأبغضوه ،أي
مقتوه .وفي المفردات :البغض :نفار النفس عن الشيء الذي ترغب عنه ،وهو ضدّ
الحبّ .
ي بين الكراهة والبغض فقال :إنّه قد اتسع بالبغض ما لم يتسع
وقد فرق أبو هلل العسكر ّ
بالكراهة ،فقيل :أبغض زيدا أي أبغض إكرامه ونفعه ،ول يقال :أكرهه بهذا المعنى ،
ومع هذا فإنّ الكراهة تستعمل فيما ل يستعمل فيه البغض ،فيقال :أكره هذا الطعام ول
يقال أبغضه ،والمراد أنّي أكره أكله .
ب -الحبّ :
-الحبّ في اللّغة :نقيض البغض ،والحبّ :الوداد والمحبة ،وأحبّه فهو محبّ وحَبّه 3
ن النّبي صلى ال عليه وسلم قال « :ثلثة ل تجاوز صلتهم آذانهم :العبد
رضي ال عنه أ ّ
البق حتى يرجع ،وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط ،وإمام قوم وهم له كارهون » .
ق بالمامة منه كره ذلك
قال الحنفية :إن كان القوم يكرهونه لفساد فيه أو لنّهم أح ّ
تحريما ،وإن كان هو الحق بالمامة فل يكره والكراهة عليهم .
وقال المالكية :إن كرهه أقلّ القوم ولو غير ذوي الفضل منهم لتلبّسه بالمور المزرية
الموجبة للزّهد فيه والكراهة له أو لتساهله في ترك السّنن كالوتر والعيدين وترك النّوافل
كرهت إمامته ،أما إذا كرهه كلّ القوم أو جلّهم أو ذوو الفضل منهم وإن قلّوا فتحرم إمامته
لحديث أبي أمامة ،ولقول عمر رضي ال تعالى عنه :لن تضرب عنقي أحبّ إلي من
ذلك .وقال الشافعية :يكره تنزيها أن يؤم الرجل قوما أكثرهم له كارهون لمر مذموم
شرعا كوال ظالم أو متغلّب على إمامة الصلة ول يستحقّها أو ل يحترز من النّجاسة ،أو
يمحو هيئات الصلة ،أو يتعاطى معيشةً مذمومةً ،أو يعاشر الفسقة أو نحوهم وإن نصبه
لها المام العظم ،لحديث « :ثلثة ل تجاوز صلتهم آذانهم » ...ومنهم « :إمام قوم
وهم له كارهون » .
والكثر في حكم الكلّ ،وإنّما كان الحكم لكره الكثر ل القلّ لنّهم يختلفون هل يتصف
المام بما يجعله مكروها أم ل ،فيعتبر قول الكثر لنّه من باب الرّواية ،أما إذا كرهه دون
الكثر ل لمر مذموم فل تكره له المامة .
ونقل الشّربينيّ الخطيب أنّه يكره أن يولّي المام العظم على قوم رجلً يكرهه أكثرهم نص
عليه الشافعيّ ول يكره إن كرهه دون الكثر بخلف المامة العظمى فإنّها ،تكره إذا كرهها
البعض .
ق كخلل
وقال الحنابلة :يكره أن يؤم رجل قوما أكثرهم له كارهون إذا كانت كراهتهم له بح ّ
في دينه أو فضله للحديث ،فإن كرهوه بغير حقّ لم يكره أن يؤمهم ،وذلك بأن كان ذا دين
وسنّة ،قال منصور :إنّا سألنا أمر المامة فقيل لنا :إنّما عنى بهذا الظلمة ،فأما من أقام
السّنّة فإنّما الثم على من كرهه .
وهذا بالنّسبة للكثر من القوم أما الق ّل فقد قال المام أحمد :إذا كرهه واحد أو اثنان أو
ثلثة فل بأس حتى يكرهه أكثر القوم .
أثر كره أحد الزوجين للخر :
-إذا كره الزوج زوجته لدمامة أو سوء خلق أو سوء عشرة من غير ارتكاب فاحشة أو 8
َكسْب
التعريف :
-الكسب في اللّغة :مصدر كسب ،يقال :كسب مالً أي ربحه واكتسب كذلك ،وكسب 1
ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن المعنى اللّغويّ إل أنّه عند الفقهاء أنواع .
ن الكسب وسيلة من وسائل الغنى .
والصّلة بين الغنى والكسب أ ّ
الحكم التكليفيّ :
-الكسب قد يكون فرضا ،وهو الكسب بقدر الكفاية لنفسه وعياله وقضاء ديونه ونفقة 5
أولها :أن ل يؤخّر شيئا من فرائض ال تعالى لجل الكسب ،ول يدخل النقص فيها .
والثاني :أن ل يؤذي أحدا من خلق ال لجل الكسب .
والثالث :أن يقصد بكسبه استعفافا لنفسه ولعياله ،ول يقصد به الجمع والكثرة .
الرابع :أن ل يجهد نفسه في الكسب جدّا .
والخامس :أن ل يرى رزقه من الكسب ،ويرى الرّزق من ال تعالى ،والكسب سببا .
كما يجب على كلّ مسلم مكتسب تحصيل علم الكسب ،وذلك لمعرفة أحكام العقود التي ل
تنفكّ المكاسب عنها ،وهي البيع والرّبا والسلم والجارة والشركة والقراض ،ومهما
حصل علم هذه العقود وقف المكتسب على مفسدات المعاملة فيتقيها .
المفاضلة بين الكسب وبين التفرّغ للعبادة :
-اختلف الفقهاء في المفاضلة بين الشتغال بالكسب والتفرّغ للعبادة بعد تحصيل ما ل بد 7
الفقر مكروه ،وما أبطر من الغنى مذموم ،فذهب قوم إلى تفضيل الغنى على الفقر ; لنّ
الغني مقتدر ،والفقير عاجز ،والقدرة أفضل من العجز ،قال الماورديّ :وهذا مذهب من
غلب عليه حبّ النّباهة .
ن الفقير تارك ،والغني ملبس ،وترك
وذهب آخرون إلى تفضيل الفقر على الغنى ; ل ّ
ب السلمة .
الدّنيا أفضل من ملبستها ،قال الماورديّ :وهذا مذهب من غلب عليه ح ّ
والمذهب عند الحنفية أنّ صفة الفقر أعلى .
وذهب آخرون إلى تفضيل التوسّط بين المرين بأن يخرج عن ح ّد الفقر إلى أدنى مراتب
الغنى ،ليصل إلى فضيلة المرين ،ويسلم من مذمة الحالين ،قال الماورديّ :وهذا مذهب
من يرى تفضيل العتدال ،وأنّ خيار المور أوساطها .
التوفيق بين كسب الرّزق وبين التوكّل :
-جاء في المبسوط :المذهب عند جمهور الفقهاء من أهل السّنّة والجماعة أنّ الكسب 9
نفسه لم تدم له حياة ،ولم تستقم له دنيا ،وإذا تعذر شيء منها عليه لحقه من الوهن في
نفسه والختلل في دنياه بقدر ما تعذر من المادة عليه ; لنّ الشيء القائم بغيره يكمل
بكماله ،ويختلّ باختلله ،ثم لما كانت الموادّ مطلوبةً لحاجة الكافة إليها ،أعوزت بغير
طلب .
ثم إنّه جلت قدرته جعل سد حاجة الناس وتوصّلهم إلى منافعهم من وجهين :بمادة وكسب
.فأما المادة فهي حادثة عن اقتناء أصول نامية بذواتها .
وأما الكسب فيكون بالفعال الموصّلة إلى المادة ،والتصرّف المؤدّي إلى الحاجة ،وذلك
من وجهين :أحدهما :تقلّب في تجارة ،والثاني :تصرّف في صناعة ،وهذان الوجهان
هما فرع لوجهي المادة ،فصارت أسباب الموادّ المألوفة وجهات المكاسب المعروفة من
أربعة أوجه :نماء زراعة ،ونتاج حيوان ،وربح تجارة ،وكسب صناعة .
المفاضلة بين أنواع المكاسب المختلفة :
ي :المكاسب أربعة :
-قال السرخس ّ 11
ن النفقة ل تجب للفقير إل إذا كان عاجزا عن الكسب حقيقةً أو حكما .
فذهب الجمهور إلى أ ّ
وخالف الحنفية في البوين وقالوا :تجب النفقة لهما إذا كانا فقيرين وإن قدرا على الكسب;
لنّهما يتضرران بالكسب ،والولد مأمور بدفع الضرر عنهما .
وقال الشافعية :إن قدر القريب الفقير على الكسب فأقوال ،أظهرها كما قال النّوويّ :تجب
لصل دون فرع .
والتفصيل في مصطلح ( نفقة ) .
إجبار المفلّس على التكسّب :
-ذهب الحنفية والمالكية والشافعية ،وهو رواية عند الحنابلة إلى أنّه ليس على 14
المفلّس بعد القسمة أن يكتسب أو يؤجّر نفسه لوفاء ما بقي عليه من الدين ولو كان قادرا
عسْرَةٍ فَ َنظِرَ ٌة إِلَى مَ ْيسَرَةٍ } ،أمر بإنظاره ولم يأمر
عليه ،لقول ال تعالى َ { :وإِن كَانَ ذُو ُ
ل أصيب في عهد رسول ال
ي رضي ال عنه « أنّ رج ً
باكتسابه ،وروى أبو سعيد الخدر ّ
صلى ال عليه وسلم في ثمار ابتاعها فكثر دينه ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم :
تصدقوا عليه فتصدق الناس عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه ،فقال رسول ال صلى ال عليه
وسلم لغرمائه :خذوا ما وجدتم وليس لكم إل ذلك » .
ولنّ هذا تكسّب للمال فلم يجبره عليه كقبول الهبة والصدقة ،وكما ل تجبر المرأة على
التزويج لتأخذ المهر .
وأضاف الشافعية :أنّه إن وجب الدين بسبب عصى به -كإتلف مال الغير عمدا -وجب
عليه الكتساب ،وأمر به ،ولو بإيجار نفسه ،لنّ التوبة من ذلك واجبة ،وهي متوقّفة
في حقوق الدميّين على الردّ .
ويرى الحنابلة في المذهب عندهم أنّه يجبر على الكسب ،وهو قول عمر بن عبد العزيز
ن النّبي صلى ال عليه وسلم « باع سرّقا في دينه ،وكان
وسوار العنبريّ وإسحاق ،ل ّ
ل دخل المدينة ،وذكر أنّ وراءه مالً ،فداينه الناس ،فركبته ديون ولم يكن
سُرّق رج ً
وراءه مال ،فسماه سرّقا ،وباعه بأربعة أبعرة » ،والحرّ ل يباع ،ثبت أنّه باع منافعه
ولنّ المنافع تجري مجرى العيان في صحة العقد عليها وتحريم أخذ الزكاة وثبوت الغنى
بها ،فكذلك في وفاء الدين منها ،ولنّ الجارة عقد معاوضة فجاز إجباره عليها كبيع ماله
في وفاء الدين منها .
وقال ابن قدامة :ل يجبر على الكسب إل من في كسبه فضل عن نفقته ونفقة من يمونه .
وذهب اللخميّ من المالكية إلى أن يجبر على التكسّب إذا كان صانعا وشرط عليه التكسّب
في عقد الدين .
تكليف الصغير بالتكسّب :
-ندب السلم إلى الستغناء والتنزّه عن تكليف الصغير بالكسب ،فقد أخرج مالك من 15
حديث أبي سهيل بن مالك عن أبيه أنّه سمع عثمان بن عفان وهو يخطب ويقول :ل تكلّفوا
المة غير ذات الصنعة الكسب ،فإنّكم متى كلفتموها ذلك كسبت بفرجها ،ول تكلّفوا
الصغير الكسب ،فإنّه إذا لم يجد سرق ،وعفّوا إذا أعفكم ال ،وعليكم من المطاعم بما
طاب منها .وقال أبو الوليد الباجيّ ضمن تعليقه على أثر عثمان رضي ال عنه :الصغير
إذا كلّف الكسب ،وأن يأتي بالخراج وهو ل يطيق ذلك ،فإنّه ربما اضطره إلى أن يتخلص
مما لزمه من الخراج بأن يسرق .
وقال ابن عبد الب ّر في تعليقه على الثر المذكور :هذا كلم صحيح واضح المعنى ،موافق
للسّنّة ،والقول في شرحه تكلّف .
التكسّب في المسجد :
-يرى الحنفية والشافعية وبعض المالكية وابن عقيل من الحنابلة كراهة التكسّب بعمل 16
الصّناعات مثل الخياطة في المسجد ،ول يكره من ذلك ما قل ،مثل رقع ثوبه أو خصف
نعله .
ل عن النّوويّ :فأما من ينسخ فيه شيئا من العلم ،أو اتفق قعوده فيه
قال الزركشيّ نق ً
فخاط ثوبا ،ولم يجعله مقعدا للخياطة ،فل بأس به ،وقال في الروضة :يكره عمل
الصنائع منه أي المداومة ،أما من دخل لصلة أو اعتكاف فخاط ثوبه لم يكره .
واستثنى الحنفية من الكراهة ما إذا كانت الصّناعة لجل حفظ المسجد ل للتكسّب فقد جاء
في الفتاوى الهندية :الخياط إذا كان يخيط في المسجد يكره ،إل إذا جلس لدفع الصّبيان
وصيانة المسجد ،فحينئذ ل بأس به .
وذهب الحنابلة إلى أنّه يحرم تكسّب بصنعة في المسجد ; لنّه لم يبن لذلك غير كتابة ; لنّ
الكتابة نوع من تحصيل العلم .
ص بمنفعة آحاد
وقال بعض المالكية :إنّما يمنع في المساجد من عمل الصّناعات ما يخت ّ
الناس مما يتكسب به ،فل يتخذ المسجد متجرا ،فأما إن كانت لما يشمل المسلمين في
دينهم مثل المثاقفة " وهي الملعبة لظهار المهارة والحذق " وإصلح آلت الجهاد مما ل
مهنة في عمله للمسجد فل بأس به .
وأما التكسّب في المسجد بالبيع والشّراء فيرى المالكية والشافعية على الظهر وبعض
الحنابلة كراهته ،فقد ورد من حديث أبي هريرة رضي ال عنه قال :قال رسول ال صلى
ال عليه وسلم « :إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا :ل أربح ال تجارتك ،
وإذا رأيتم من ينشد فيه ضال ًة فقولوا :ل رد ال عليك » .
ل ثوبا عليه أو سلعةً تقدمت رؤيتها ،وقال
وفي جامع الذخيرة :جوز مالك أن يساوم رج ً
الجزوليّ :ول يجوز البيع في المسجد ول الشّراء ،واختلف إذا رأى سلعةً خارج المسجد
هل يجوز أن يعقد البيع في المسجد أم ل ؟ قولن :من غير سمسار ،وأما البيع بالسّمسار
فيه فممنوع باتّفاق .
ويرى الحنفية أنّه يمنع من البيع والشّراء وكلّ عقد لغير المعتكف في المسجد ،ويجوز
للمعتكف بشرط أن ل يكون للتّجارة ،بل يكون ما يحتاجه لنفسه أو عياله بدون إحضار
السّلعة .
وصرح الحنابلة بأنّه يحرم في المسجد البيع والشّراء ول يصحان .
وقال ابن بطال :أجمع العلماء على أنّ ما عقد من البيع في المسجد ل يجوز نقضه .
ويرى الشافعية في قول أنّ البيع والشّراء في المسجد ل يكره بل يباح ،ونقل الزركشيّ
ترخيص بعض أهل العلم فيه .
الكسب الخبيث ومصيره :
-طلب الحلل فرض على ك ّل مسلم ،وقد أمر ال تعالى بالكل من الطيّبات ،فقال 17
َكسْر *
التعريف :
-من معاني الكسر في اللّغة :قولهم كسر الشيء :إذا هشمه وفرق بين أجزائه ، 1
والكسر من الحساب جزء غير تامّ من أجزاء الواحد كالنّصف والخمس .
ي :الكسر فصل الجسم
ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن المعنى اللّغويّ ،قال الجرجان ّ
الصّلب بدفع دافع قويّ من غير نفوذ جسم فيه .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -القطع :
-القطع إبانة بعض أجزاء الجرم من بعض فصلً . 2
ص من الكسر .
فهو أخ ّ
ج -الشجة :
-الشجة :الجرح في الوجه ،والرأس خاصةً ،ول يكون في غيرهما من الجسم . 4
القصاص ،وأمن من الزّيادة على القدر المكسور ،أو انقلع السّنّ ،أو اسوداد ما بقي
منه ،أو احمراره ،لقوله تعالى َ { :وكَتَبْنَا عَلَ ْي ِهمْ فِيهَا أَنّ ال ّنفْسَ بِال ّنفْسِ وَا ْلعَيْنَ بِا ْلعَيْنِ
ن بِالسّنّ } .
وَالَنفَ بِالَنفِ وَالُذُنَ بِالُذُنِ وَالسّ ّ
فإن لم يؤمن من الزّيادة فل قود ،ويجب فيه الرش ; لنّ توهّم الزّيادة يمنع القصاص
وما بعدها ) . 4 ( ر :أرش ،ف /
واختلفوا فيما عداها من العظام :فذهب الحنفية ،والشافعية ،والحنابلة ،إلى أنّه ل قود
في كسر العظام ; لعدم وثوق المماثلة فيها ( .ر :قصاص ) .
وقال المالكية :يجري فيها القود كسائر جراحات الجسم ،إل ما عظم خطره منها ،كعظم
الصدر ،والصّلب ،وعظام العنق والفخذ ،أما ما ل خطر في إجراء القصاص فيه ففيه
القود ،كالزندين ،والذّراعين ،والعضدين ،والساقين ،ونحوها .
دية كسر العظم :
-ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة :إلى أنّه ليس في كسر العظم أرش مقدر شرعا ، 7
وإنّما تجب فيه الحكومة ،وهي ما يراه الحاكم أو المحكّم بشرطه .
). 4 ( ر :حكومة عدل ف /
). 10 واستثنوا منها السّنّ ،ففيه أرش مقدر ،وهو خمسة أبعرة للنصّ ( ر :سنّ ف /
واستثنى الحنابلة أيضا :الترقوتين ،والزندين ،والضّلع ،ففيها أرش مقدر ،قالوا :وكان
مقتضى الدليل وجوب الحكومة في العظام كلّها ،وإنّما خالفناه لثار وردت في هذه
العظم ،وما عداها يبقى على مقتضى الدليل ،فيجب في الزندين أربعة أبعرة ،وفي كسر
الساق بعيران ،وفي الساقين أربعة ،وفي الفخذ بعيران .
وقال المالكية :إن لم يجب في كسر العظم قصاص ،وبرئ وعاد العضو لهيئه فل شيء
،حكومة عدل 68 -ف 63 فيه ،وإن برئ وفيه اعوجاج ففيه الحكومة ( ر :ديات ف /
). 4 ف/
كسر آلت اللهو والصّلبان وظروف الخمر :
-اختلف الفقهاء في وجوب الضمان في كسر آلت اللهو ،والصّلبان ،وأوعية الخمر . 8
فذهب أبو حنيفة إلى أنّه إن َكسَرَ آلة له ٍو صالحةً لغير اللهو ضمَن قيمتها صالحةً لغير
اللهو; لنّها أموال متقومة صالحة للنتفاع بها لغير اللهو ،فلم يناف الضمان .
فإن لم تصلح لغير اللهو لم يضمن شيئا .
ويفهم من كلم المالكية أنّ آلت اللهو تضمن قيمتها مكسورةً .
وقال الشافعية :الصنام والصّلبان وآلت الملهي ،والواني المحرم اتّخاذها ،غير
ن منفعتها محرّمة ،والمحرّم ل يقابل بشيء مع
مضمونة ،فل يجب في إبطالها شيء ; ل ّ
وجوب إبطالها على القادر عليه .
والصحّ عندهم أنّها ل تكسر الكسر الفاحش ; لمكان إزالة الهيئة المحرمة مع بقاء بعض
المالية ،بل تفصل لتعود كما قبل التأليف ،لزوال اسمها وهيئتها المحرمة بذلك ،فل تكفي
إزالة الوتار مع بقاء الجلد اتّفاقا ; لنّها مجاورة لها منفصلة .
والثاني ل يجب تفصيل الجميع ،بل بقدر ما يصلح للستعمال .
وقالوا إن عجز المنكر عن رعاية هذا الحدّ في النكار لمنع صاحب المنكر من يريد إبطاله
لقوته ،أبطله كيف تيسر ولو بإحراق تعين طريقا ،وإل فبكسر ،فإن أحرقها ولم يتعين
غرم قيمتها مكسورةً بالحدّ المشروع ،لتموّل رضاضها واحترامه ،بخلف ما لو جاوز
الحد المشروع مع إمكانه ،فإنّه ل يلزمه سوى التفاوت بين قيمتها مكسورةً بالحدّ
المشروع وقيمتها منتهيةً إلى الحدّ الذي أتى به .
ومثل آلت اللهو في الحكام :أواني الخمر ،وظروفها ،إن تعذر إراقة الخمر لضيق
رءوس الواني ،وخشية لحوق من يمنعه من إراقتها ،فيكسر الظرف ول شيء عليه ،
وكذا إن كانت إراقته تأخذ من وقته زمنا غير تافه ،تتعطل فيه مصالحه إذا شغل بكسرها ،
هذا للحاد ،أما الولة ،فلهم كسر ظروفها مطلقا زجرا وتأديبا .
وقال الحنابلة وأبو يوسف ومحمد من الحنفية :ل يجب في كسرها شيء مطلقا ،كالميتة ،
ن ال ورسوله حرم بيع الخمر ،والميتة والخنزير ،والصنام » ،وورد « :
لحديث « :إ ّ
أمرني ربّي عز وجل بمحق المعازف والمزامير » وكذا آنية الذهب والفضة ،فل يضمن إن
ن اتّخاذها محرم وفي ضمان أواني الخمر روايتان عن أحمد ،إحداهما :
كسرها ; ل ّ
يضمنها ،لنّه مال يمكن النتفاع به ويحلّ بيعه ،فيضمنها ،كما لو لم يكن فيها خمر ،
لنّ جعل الخمر فيها ل يقتضي سقوط ضمانها ،كالبيت الذي جعل مخزنا للخمر ،والثاني :
ن عبد ال بن عمر رضي ال عنهما قال « :أمرني رسول ال صلى
ل يضمن ،لما روي أ ّ
ال عليه وسلم أن آتيه بمدية -وهي الشفرة -فأتيته بها فأرسل بها فأر َهقْت ثم أعطانيها
ي بها ففعلت ،فخرج بأصحابه إلى أسواق المدينة ،وفيها زقاق خمر قد
،وقال :اغد عل ّ
جلبت من الشام ،فأخذ المدية منّي ،فشق ما كان من تلك الزّقاق بحضرته وأعطانيها ،
وأمر أصحابه الذين كانوا معه أن يمضوا معي وأن يعاونوني ،وأمرني أن آتي السواق
كلها فل أجد فيها زق خمر إل شققته ففعلت فلم أترك في أسواقها زقّا إل شققته » .
الكسر في سهام الورثة من التركة :
-إذا لم تقبل القسمة سهام بعض الورثة الحاصلة من أصل المسألة المستحقة على 9
مستحقّيها إل بكسر ،يصحح الكسر بجعل السّهام قابلةً للقسمة على الورثة بدون كسر ،
وتصحيح المسألة :أن يضرب أصل المسألة إن عالت في أقلّ عدد يمكن معه أن يأخذ كلّ
وارث بقدر من السّهام بل كسر ،وحاصل الضرب هو أصل المسألة بعد التصحيح ،ويتمّ
). 72 ذلك وفق قواعد تذكر في مصطلح ( إرث ف /
كُسوف *
انظر :صلة الكسوف .
سوَة *
ُكِ ْ
التعريف :
-الكسوة -بض ّم الكاف وكسرها -في اللّغة :الثوب يستتر به ويتحلى ،والجمع كسًى، 1
مثل مدًى ،والكساء :اللّباس ،والجمع أكسية ،يقال :كسوته ثوبا إذا ألبسته ،والكاسي
خلف العاري ،وجمعه كساة ،ومنه قولهم :أم قوما عراةً وكساةً .
ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن المعنيّ اللّغويّ .
الحكم التكليفيّ :
يختلف الحكم التكليفيّ للكسوة بحسب أحوالها ،ومن ذلك :
أولً -كسوة الزوجة على زوجها :
-أجمع الفقهاء على أنّه تجب الكسوة للزوجة على زوجها إذا مكنته من نفسها على 2
فذهب الحنفية إلى أنّ الكسوة يعتبر فيها حال الزوج في يساره وإعساره ل حال المرأة ،
ن النفقة عامة تجب بحسب حال الزوجين معا .
هذا في ظاهر الرّواية ،والفتوى على أ ّ
فعلى ظاهر الرّواية إذا كان الزوج معسرا يكسوها أدنى ما يكفيها من الملبس الصيفية
والشتوية ،وإن كان متوسّطا يكسوها أرفع من ذلك بالمعروف ،وإن كان غنيّا كساها أرفع
من ذلك بالمعروف .
قال الكاسانيّ :وإنّما كانت الكسوة بالمعروف لنّ دفع الضرر عن الزوجين واجب ،وذلك
في إيجاب الوسط من الكفاية ،وهو تفسير المعروف ،فيكفيها من الكسوة في الصيف ،
قميص وخمار وملحفة وسراويل على قدر حاله من الخشونة واللّيونة والوسطية .
فالخشن إذا كان الزوج من الفقراء ،والليّن إذا كان من الغنياء ،والوسط إذا كان من
الوساط ،وذلك كلّه من القطن والكتان على حسب عادة البلدان ،إل الخمار ،فإنّه يفرض
ي خمار من حرير ،ويجب لها كذلك مداس رجلها والزار ،والمكعب وما تنام
على الغن ّ
عليه ،وتزاد على ذلك جبة حشويّا وفروة ،لحافا وفراشا ،وكلّ ما يدفع به أذى الحرّ
والبرد ،فيجب في الشّتاء جبة وخفّ وجورب لدفع البرد الشديد ،ويختلف ذلك باختلف
الماكن والزمان والبلدان والعراف .
وتفرض الكسوة للزوجة عند الحنفية في كلّ نصف حول مر ًة ; لتجدّد الحاجة حرّا وبردا ،
ويجب تسليم الكسوة إليها في أول هذه المدة ; لنّها تستحقّها معجلةً ل بعد تمام المدة ،إل
أنّه ل يجب عليه أن يجدّد الكسوة ما لم يتخرق ما عندها ،فإذا مضت هذه المدة وبقي ما
ن الكسوة في حقّه باعتبار الحاجة ولهذا يجب
عندها صالحا لم تجب عليه كسوة أخرى ; ل ّ
عليه أن يصرف لها كسوةً أخرى إذا تخرقت القديمة بالستعمال المعتاد قبل مضيّ المدة
المذكورة ; لظهور الخطأ في التقدير ،حيث وقت وقتا ل تبقى معه الكسوة .
أما إذا أسرفت في الستعمال على وجه غير معتاد ،أو سرق منها ،أو هلك عندها قبل
مضيّ المدة ،فل يجب عليه لها كسوة أخرى .
وذهب المالكية ،إلى مثل ما ذهب إليه الحنفية في ظاهر الرّواية ،فقالوا :وتقدر الكسوة
في السنة مرتين ،بالشّتاء ما يناسبه من فرو ولبد ولحاف وغير ذلك ،وبالصيف ما
يناسبه ،وهذا إذا لم تناسب كسوة كلّ من الصيف والشّتاء الخر عاد ًة ،وإل كفت واحدة إذا
لم تخلق ،قالوا :ومثل ذلك الغطاء والوطاء صيفا وشتاءً .
ن كسوة الزوجة على قدر كفايتها ; لنّها ليست مقدرةً من
وذهب الشافعية والحنابلة ،إلى أ ّ
الشرع ،ويرجع في ذلك إلى اجتهاد الحاكم عند المنازعة ،فيفرض لها على قدر كفايتها .
قال الشافعية :يجب للزوجة على زوجها في ك ّل ستة أشهر قميص ،وهو ثوب مخيط يستر
جميع البدن -وخياطته على الزوج -وسراويل -وهو ثوب مخيط يستر أسفل البدن
ويصون العورة -وقد يقوم الزار أو الفوطة مقام السراويل إذا اعتادت المرأة على
لبسهما .وخمار ،وهو ما يغطى به الرأس ،ومكعب ،وهو مداس الرّجل من نعل أو
غيره ،ويجب لها القبقاب إن اقتضاه العرف .
قال الماورديّ :ولو جرت عادة نساء أهل القرى أن ل يلبسن في أرجلهنّ شيئا في داخل
ن شيء .
البيوت لم يجب لرجله ّ
ويزاد في الشّتاء وفي البلد الباردة جبة محشوة قطنا ،فإن اشتد البرد فجبتان فأكثر بقدر
الحاجة لدفع البرد ،وقد يقوم الفرو مقام الجبة إذا جرت عادة أهل البلد على لبسها .
ويجب لها توابع ما ذكرناه ،من كوفية للرأس ،وتكة للّباس ،وزرّ للقميص والجبة
ونحوهما ،وقالوا :ل يختلف عدد الكسوة باختلف يسار الزوج وإعساره ،ولكنّهما
يؤثّران في الجودة والرداءة .
وقال الحنابلة :وأق ّل الكسوة الواجبة قميص وسراويل ومقنّعة ومداس وجبة للشّتاء ،
ويزيد من عدد الثّياب ما جرت العادة بلبسه مما ل غنى عنه ،دون ما للتجمّل والزّينة .
ل للموسرة تحت الموسر من أرفع الثّياب في البلد ،من الكتان ،والحرير ،
فيفرض مث ً
والبريسم ،وللمعسرة تحت المعسر غليظ القطن والكتان ،وللمتوسّطة تحت المتوسّط
المتوسّط من الثّياب ،وهكذا يكسوها ما جرت عادة أمثالهما به من الكسوة .
ثم قال الحنابلة :على الزوج أن يدفع الكسوة إلى زوجته في كلّ عام مر ًة ; لنّ ذلك هو
العادة ،ويكون الدفع في أول العام ; لنّه أول وقت الوجوب فإن بليت الكسوة في الوقت
الذي يبلى فيه مثلها لزمه أن يدفع إليها كسوةً أخرى ; لنّ ذلك وقت الحاجة إليها ،وإن
بليت قبل ذلك لكثرة دخولها وخروجها أو استعمالها لم يلزمه إبدالها ،لنّه ليس بوقت
الحاجة إلى الكسوة في العرف .
وإن مضى الزمان الذي تبلى في مثله الثّياب بالستعمال المعتاد ولم تبل ،فهل يلزمه
بدلها ؟ فيه وجهان :
أحدهما :ل يلزمه بدلها لنّها غير محتاجة إلى الكسوة .
ثانيهما :يلزمه البدل لنّ العتبار بمضيّ الزمان دون حقيقة الحاجة ،بدليل أنّها لو بليت
قبل ذلك لم يلزمه بدلها .
ولو أهدى إليها كسوةً لم تسقط كسوته .
-واختلف الفقهاء فيها لو كساها ثم طلقها أو مات أو ماتت قبل أن تبلى الثّياب ،فهل 4
له أن يسترجعها ؟ فذهب الحنفية والمالكية وهو الصحّ عند الشافعية وأحد الوجهين عند
الحنابلة ،إلى أنّه ليس له أو لورثته السترجاع ،لنّه وفاها ما عليه ودفع إليها الكسوة
بعد وجوبها عليه ،فلم يكن له الرّجوع فيها ،كما لو دفع إليها النفقة بعد وجوبها ثم طلقها
قبل أكلها ،إل أنّ المالكية اشترطوا مضي أكثر من شهرين بعد دفع الكسوة إليها ،فإذا
مات أحدهما أو طلقها لشهرين أو أقل ،فله استرجاع الكسوة منها .
ن له استرجاع الكسوة منها ،
ومقابل الصحّ عند الشافعية والوجه الثاني عند الحنابلة ،أ ّ
لنّ هذه الكسوة لمدة لم تأت ،كنفقة المستقبل ،فإذا طلقها قبل مضيّه كان له
استرجاعها ،كما لو دفع إليها نفقة للمستقبل ثم طلقها قبل انقضاء المدة ،وعليه فلو
أعطاها كسوة سنة فماتت أو طلقها في أثناء الفصل الول استرد كسوة الفصل الثاني ،
كالزكاة المعجلة .
ولو لم تقبض الكسوة حتى ماتت في أثناء فصل أو طلقت فيه ،استحقت كسوة كلّ الفصل
كنفقة اليوم ; لنّ الكسوة تستحقّ بأول الفصل .
وإن لم يعطها الكسوة مدةً من الزمن صارت دينا عليه يجب قضاؤها وإن كان فقيرا ،حكم
بها قاض أو لم يحكم .
وفي قول عند الشافعية :ل يكون دينا عليه ،لنّ الكسوة مجرد إمتاع للمرأة ،وليس
تمليكا لها ،كالمسكن والخادم ،بجامع النتفاع في كلّ مع بقاء العين ،بخلف الطعام ،
وهذا مذهب الحنفية ،إل إذا استدانت عليه بأمر القاضي ،فإن استدانت عليه بأمر القاضي
صارت دينا عليه .
أما المالكية فقالوا :إن لم يعطها الكسوة بسبب إعساره ،فل تكون دينا عليه وإن أيسر
بعد ذلك .
أما إذا كان غنيّا ومرت مدة لم يعطها الكسوة ،فتجب في ذمته ،أي تصير دينا عليه ،
سواء فرضها حاكم أو لم يفرض .
-5واختلفوا أيضا فيما إذا أ أعسر الزوج عن كسوة الزوجة ؟ فذهب المالكية ،والشافعية
على الظهر ،والحنابلة ،إلى أنّه إن أعسر الزوج بكسوة زوجته فللزوجة الفسخ إن لم
حسَانٍ } .
سرِيحٌ بِ ِإ ْ
ك ِب َمعْرُوفٍ َأوْ َت ْ
تصبر ،لقوله تعالى { :فَ ِإ ْمسَا ٌ
فإذا عجز عن الول -وهو المساك بالمعروف -تعين الثاني ; ولنّ الكسوة ل بد منها
ول يمكن الصبر عنها ول يقوم البدن بدونها .
ن لها
قال الشّربينيّ :سكت الشيخان عن العسار ببعض الكسوة ،وأطلق الفارقيّ أ ّ
ن المعجوز
الفسخ ،والتحرير فيها كما قال الذرعيّ :ما أفتى به ابن الصلح ،وهو :أ ّ
عنه إن كان مما ل بد منه ،كالقميص والخمار وجبة الشّتاء ،فلها الخيار ،وإن كان منه
بدّ كالسراويل والنّعل وبعض ما يفرش والمخدة ،فل خيار .
واتفق الجمهور على أنّه إذا ثبت العجز عن الكسوة لم يفرق بينهما إل بحكم حاكم ،ول
يجوز للحاكم أن يفرّق بينهما إل إذا طلبت المرأة ذلك ; لنّ هذا من حقّها ،فلها أن تصبر
وترضى بالمقام معه .
وذهب الحنفية إلى أنّه ل يفرق بينهما بسبب عجزه عن الكسوة ،بل يفرض الحاكم لها
الكسوة ثم يأمرها بالستدانة لتحيل عليه .
ثانيا :الكسوة الواجبة للقريب :
-ذهب الفقهاء إلى وجوب كسوة القريب الذي تجب نفقته ،بشرط اليسار ،لقوله 6
ن ِإحْسَانا } .
ك َألّ َتعْبُدُواْ ِإ ّل إِيّاهُ وَبِا ْلوَالِدَيْ ِ
تعالى { :وَقَضَى رَبّ َ
ول شك أنّ كسوتها من الحسان الذي أمرت به الية ،وقوله تعالى { :وَعلَى ا ْل َموْلُودِ َلهُ
ث مِ ْثلُ ذَِلكَ } .
سوَ ُتهُنّ } إلى أن قال { :وَعَلَى ا ْلوَارِ ِ
ن وَ ِك ْ
ِرزْ ُقهُ ّ
ولقول النبيّ صلى ال عليه وسلم لهند رضي ال عنها « :خذي ما يكفيك ،وولدك
بالمعروف » .
والواجب في كسوة القريب هو قدر الكفاية ،لنّها وجبت للحاجة ،فتقدر بما تندفع به
الحاجة ،مع اعتبار سنّه وحاله وعادة البلد .
ي من المالكية :ويكون قدرها -أي الكسوة -وجودتها على حسب حال
قال ابن جز ّ
المنفق وعوائد البلد .
ثالثا :الكسوة الواجبة في كفارة اليمين :
ن الحالف
-أجمع الفقهاء على أنّ كسوة عشرة مساكين أحد أنواع كفارة اليمين ،وأ ّ 7
مخير بين العتق والطعام والكسوة ،لقوله تعالى { :لَ ُيؤَاخِ ُذكُمُ الّل ُه بِالّل ْغوِ فِي أَ ْيمَا ِن ُكمْ
ط ِعمُونَ
سطِ مَا ُت ْ
ن َأوْ َ
عشَرَ ِة َمسَاكِينَ مِ ْ
طعَامُ َ
عقّد ّتمُ الَ ْيمَانَ َف َكفّارَ ُتهُ ِإ ْ
وَلَـكِن ُيؤَاخِ ُذكُم ِبمَا َ
أَهْلِي ُكمْ َأوْ ِكسْوَ ُت ُهمْ َأوْ َتحْرِيرُ رَقَ َبةٍ } .
ولكنّهم اختلفوا في القدر المجزئ من الكسوة فذهب المالكية والحنابلة ومحمد من الحنفية ،
ح به الصلة فيه ،فإن كان رجلً فثوب تجزئ الصلة فيه ،وإن
إلى أنّها تتقدر بما تص ّ
كانت امرأةً فدرع وخمار ،أي ما تصحّ صلتها فيه ،وذهب الحنفية غير محمد إلى أنّ
كسوة المسكين تتقدر بما يصلح لوساط الناس ،ول يعتبر فيه حال القابض ،وقيل :يعتبر
في الثوب حال القابض ،إن كان يصلح له يجوز وإل فل .
وبما ينتفع به فوق ثلثة أشهر ; لنّها أكثر من نصف مدة الثوب الجديد ،وعليه فل
يشترط أن يكون جديدا .
وبما يستر عامة البدن كالملءة أو الجبة أو القميص أو القباء ،ل السراويل ; لنّ لبسه
يسمى عريانا ،ول العمامة ول القلنسوة إل باعتبار قيمة الطعام .
وذهب الشافعية إلى أنّه يجزئ في الكسوة الواجبة بسبب الكفارة كلّ ما يسمى كسوةً مما
يعتاد لبسه ،كقميص أو عمامة أو إزار أو رداء أو طيلسان أو منديل أو جبة أو قباء أو
ف وقفازان ومكعب وقلنسوة .
درع من صوف ،ل خ ّ
ول يشترط صلحيته للمدفوع إليه فيجوز سراويل صغير لكبير ل يصلح له ; لوقوع اسم
الكسوة عليه ،ويجوز لبيس لم تذهب قوته ،فإن ذهبت قوته فل يجوز ،ول يجوز نجس
العين من الثّياب ،ويجوز المتنجّس منه لنّه يمكن تطهيره ،وعليه أن يخبر من يعطيه
إياها بتنجّسها حتى يطهّرها منها .
َكشْف *
التعريف :
-الكشف في اللّغة هو :رفع الحجاب ،وكشف الشيء وكشف عنه كشفا :رفع عنه 1
مما يواريه ويغطّيه ،ويقال :كشف المر وعنه أي أظهره ،وكشف ال غمّه :أزاله ،
ومنه قوله تعالى في التنزيل { :رَبّنَا ا ْكشِفْ عَنّا ا ْلعَذَابَ إِنّا ُم ْؤمِنُونَ } ،وكشف الثوب عن
وجهه ونحوه واكتشفت المرأة :بالغت في إبداء محاسنها .
وكشف فلن :انحسر مقدم رأسه ،وانهزم في الحرب .
ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن المعنى اللّغويّ ،وهو :أن يرفع عن الشيء ما يواريه
ويغطّيه .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الغطاء :
-الغِطاء -بالكسر -في اللّغة الستر ،وهو ما يجعل فوق الشيء من طبق ونحوه ، 2
ستر عورته وهو قادر على سترها تبطل صلته ،أو ل تنعقد .
). 120 والتفصيل في مصطلح ( صلة ف /
ثانيا -كشف الرأس والوجه حالة الحرام :
-يجب على الرجل المحرم بحجّ أو عمرة كشف رأسه ويجب على المرأة المحرمة بحجّ 4
كانت هذه العورة من العورة المغلظة أو من المخففة ،وأنّ كشف العورة المغلظة أشدّ من
كشف العورة المخففة ،سواء كان هذا من الرجل أو من المرأة ،للتّفاق على أنّها عورة ،
وأنّها أفحش من غيرها في الكشف والنظر ،ولهذا سمّي القبل والدّبر -وهما من العورة
ن كشفهما يسوء صاحبه ،قال ال تعالى { :فَ َلمّا ذَاقَا
المغلظة باتّفاق -السوأتين ل ّ
سوْءَا ُت ُهمَا } .
ت َل ُهمَا َ
شجَرَةَ بَدَ ْ
ال ّ
كما اتفقوا على أنّ حرمة النظر إلى العورة المغلظة أشدّ من حرمة النظر إلى العورة
المخففة.
-6ويستثنى من ذلك ما يلي :
أ -ما بين الزوجين ،فيجوز باتّفاق الفقهاء أن يكشف كلّ من الزوجين عورته للخر ،
). 11 والتفصيل في ( عورة ف /
ب -إذا دعت الضرورة أو الحاجة إلى كشف العورة ،فيجوز للنسان أن يكشف عورته
لجل الحاجة ،كالعلج والفصد والحجامة والختان وغير ذلك ،كما يجوز له أن يكشفها
ل وأداءً بشرط أن يكون ذلك كلّه بقدر الحاجة ،فل يجوز له أن يكشف من
للشهادة تحمّ ً
عورته أكثر من الحاجة كما ل يجوز للناظر أن ينظر أكثر مما دعت إليه الحاجة ; لنّها
). 18 - 17 تقدر بقدرها ( ر :عورة ف /
رابعا :كشف العورة في الخلوة :
-اختلف الفقهاء في حكم كشف العورة في الخلوة . 7
فقال بعضهم :ل يجوز كشف العورة في الخلوة إل لحاجة ،كتغوّط واستنجاء وغيرهما ،
ق أن
لطلق المر بالسّترة ،وهو يشمل الخلوة والجلوة ; ولنّ ال سبحانه وتعالى أح ّ
يستحيا منه ،وهو سبحانه وتعالى وإن كان يرى المستور كما يرى المكشوف ،لكنّه يرى
المكشوف تاركا للدب والمستور متأدبا ،وهذا الدب واجب مراعاته عند القدرة عليه ،
وهذا رأي جمهور الفقهاء .
وذهب بعض الفقهاء إلى جواز كشف العورة في الخلوة من غير حصول حاجة ،قال
صاحب الذخائر :يجوز كشف العورة في الخلوة لدنى غرض ،ول يشترط حصول
الحاجة ،ثم قال :ومن الغراض كشف العورة للتبريد وصيانة الثوب من الدناس والغبار
عند كنس البيت وغيره .
قال ابن عابدين :وحكى في القنية أقوالً في تجرّده للغتسال منفردا ،منها أنّه يكره ،
ومنها :أنّه يعذر إن شاء ال ،ومنها :أنّه يجوز في المدة اليسيرة ،ومنها :أنّه يجوز
في بيت الحمام الصغير ،ومنها :أنّه ل بأس .
كَعْب *
التعريف :
-الكعب في اللّغة العقدة بين النبوبين من القصب ،وكعبا الرجل :هما العظمان 1
الناشزان من جانبي القدم ،قال الزهريّ :الكعبان :الناتئان في منتهى الساق مع القدم
عن يمنة القدم ويسرتها .
ي وجماعة :الكعب هو المفصل بين الساق والقدم والجمع كعوب وأكعب
وقال ابن العراب ّ
ن الكعب في ظهر القدم .
وكعاب ،وأنكر الصمعيّ قول الناس :إ ّ
والكعب عند جمهور الفقهاء هو :العظم الناتئ عند ملتقى الساق والقدم .
ن الكعبين هما العظمان في مجمع مفصل
وقال الشافعيّ رحمه ال :لم أعلم مخالفا في أ ّ
الساق .
وقال الحنفية :الكعب يطلق على ما تقدم من قول الجمهور وعلى العظم الذي في ظهر
القدم عند معقد الشّراك ،ويؤخذ المعنى الول في الوضوء ويؤخذ المعنى الثاني في الحرام
بالحجّ احتياطا .
الحكام المتعلّقة بالكعب :
غسل الرّجلين إلى الكعبين في الوضوء :
-ذهب الفقهاء إلى أنّه يجب في الوضوء غسل القدمين إلى الكعبين ،لقول ال تعالى : 2
النبيّ صلى ال عليه وسلم « :ل تلبسوا القمص ول العمائم ول السراويلت ول البرانس
ول الخفاف ،إل أحد ل يجد النّعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين » .
وهذا عند الجمهور ،والمعتمد عند الحنابلة أنّه ل يقطع الخفين .
وفسر الجمهور الكعبين اللذين يقطع الخفّ أسفل منهما بأنّهما العظمان الناتئان عند مفصل
الساق والقدم ،وفسره الحنفية بالمفصل الذي في وسط القدم عند معقد الشّراك .
). 95 والتفصيل في مصطلح ( إحرام ف /
ستر الكعبين بالخفّ الذي يمسح عليه :
-من شروط الخفّ الذي يجوز المسح عليه في الوضوء أن يكون ساترا محل فرض 4
كَعْبة *
التعريف :
-الكعبة في اللّغة البيت المربع وجمعه كعاب . 1
قال ابن منظور :والكعبة البيت الحرام .سمّيت بذلك لتربيعها ،والتكعيب :التربيع ،وأكثر
بيوت العرب مدورة ل مربعة ،وقيل :سمّيت كعبةً لنتوئها وبروزها ،وكلّ بارز كعب ،
مستديرًا أو غير مستدير ،ومنه كعب القدم .
ج َعلَ الّلهُ ا ْل َكعْ َبةَ الْبَيْتَ ا ْلحَرَامَ قِيَامًا لّلنّاسِ } الية .
قال تعالى { َ
وفي الصطلح تطلق على البيت الحرام ،قال النّوويّ في تهذيب السماء واللّغات :
والكعبة المعظمة البيت الحرام .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -القبلة :
-القبلة -بكسر القاف -في اللّغة :الجهة وكلّ ما يستقبل من الشيء . 2
وفي الصطلح :جهة يُصلّى نحوها مما يحاذي الكعبة أو جهتها ،وغلب هذا السم على
هذه الجهة حتى صار كالعلم لها وصارت معرفةً عند الطلق ،وإنّما سمّيت بذلك لنّ
الناس يقابلونها في صلتهم والقبلة أعمّ من الكعبة .
ب -المسجد الحرام :
-يطلق المسجد الحرام ويراد به الكعبة ،وقد يطلق ويراد به الكعبة وما حولها ،وقد 3
يراد به مكة كلّها ،وقد يراد به مكة كلّها مع الحرم حولها بكماله .
وقد جاءت النّصوص الشرعية بهذه القسام الربعة .
انظر مصطلح ( المسجد الحرام ) .
فعلى الطلق الول وأنّه يراد به الكعبة ،يكون مساويا لها ،وعلى غيره تكون الكعبة
أخص .
ما يتعلق بالكعبة من أحكام :
استقبال الكعبة في الصلة :
جهَكَ
-ل خلف في أنّ من شروط صحة الصلة استقبال الكعبة لقوله تعالى َ { :ف َولّ َو ْ 4
ن من يعاين
شطْرَهُ } وقال الفقهاء إ ّ
جوِ َه ُكمْ َ
سجِدِ ا ْلحَرَامِ َوحَيْثُ مَا كُن ُتمْ َفوَلّواْ ُو ُ
شطْرَ ا ْل َم ْ
َ
الكعبة فعليه إصابة عينها ،أي مقابلة ذات بناء الكعبة يقينًا ول يكفي الجتهاد ول استقبال
جهتها ،وأما غير المعاين ففيه خلف بين الفقهاء .
). 12 ، 9 والتفصيل في ( استقبال ف /
حكم الصلة في جوف الكعبة :
-قال الشافعية والحنفية :الصلة في جوف الكعبة جائزة فرضا كانت أو نفلً . 5
واستدلّوا بحديث ابن عمر « :أنّه أتى فقيل له :هذا رسول ال صلى ال عليه وسلم دخل
الكعبة ،فقال ابن عمر :فأقبلت والنبيّ صلى ال عليه وسلم قد خرج وأجد بللً قائما بين
ي صلى ال عليه وسلم في الكعبة ؟ قال :نعم ،
البابين فسألت بللً فقلت :أصلى النب ّ
ركعتين بين الساريتين اللتين على يساره إذا دخلت ،ثم خرج فصلى في وجه الكعبة
ركعتين » .
ن الصلة في جوف الكعبة صحيحة إذا استقبل المصلّي جدارها أو
ونص الشافعية على أ ّ
بابها مردودا أو مفتوحا مع ارتفاع عتبته ثلثي ذراع لنّه يكون متوجها إلى الكعبة أو جزء
منها أو إلى ما هو كالجزء منها .
وقال المالكية والحنابلة :الصلة في جوف الكعبة جائزة نفلً ل فرضا .
ي صلى ال عليه وسلم البيت دعا في
واستدلّوا بحديث ابن عباس قال « :لما دخل النب ّ
نواحيه كلّها ولم يصلّ حتى خرج منه فلما خرج ركع ركعتين في قبل الكعبة وقال :هذه
القبلة » ،فحملوا حديث ابن عباس هذا على الفرض ،وحملوا حديث ابن عمر المتقدّم
على النّفل جمعا بين الدلة .
وقال ابن جرير وجماعة من الظاهرية وأصبغ بن الفرج من المالكية -وحكي عن ابن
عباس -ل تجوز الصلة في جوف الكعبة ل فرضا ول نفلً .
وما بعدها ) . 12 والتفصيل في مصطلح ( استقبال ف /
الصلة على ظهر الكعبة :
ح الفريضة على ظهر الكعبة ،واستدلّوا بأنّه لم
-ذهب المالكية والحنابلة إلى أنّه ل تص ّ 6
ُكفْء *
التعريف :
-الكفء في اللّغة :النّظير والمساوي ،وهذا كفاء هذا وكفيئه وكفؤه ،أي مثله ، 1
ي صلى
جمهور الفقهاء -الشافعية والحنابلة وأبي يوسف ومحمد من الحنفية -لقول النب ّ
ال عليه وسلم « :أل ل يزوّج النّساء إل الولياء ،ول يزوجن إل من الكفاء » .
ي صلى ال عليه وسلم « :ل
قال الكمال بن الهمام :ل يخفى أنّ الظاهر من قول النب ّ
ن إل من الكفاء .
ن الخطاب للولياء نهيا لهم أن يزوّجوه ّ
يزوجن إل من الكفاء » أ ّ
ثم قال الكمال :ومقتضى الدلة التي ذكرناها الوجوب ،أعني وجوب نكاح الكفاء ،ثم هذا
الوجوب يتعلق بالولياء حقّا لها ،ويتعلق بها حقّا للولياء .
لكن إنّما تتحقق المعصية في حقّ الولياء إذا كانت صغير ًة ; لنّها إذا كانت كبير ًة ل ينفذ
عليها تزويجهم إل برضاها فتكون حينئذ تاركةً لحقّها .
والتفصيل في ( كفاءة ) .
حكم التزويج من غير كفء :
ي غير المجبر تزويج مولّيته بغير كفء دون رضاها باتّفاق الفقهاء .
-ل يجوز للول ّ 3
ل ،وينوب القاضي منابه في التزويج ،وهذا ل خلف فيه بين الفقهاء ،قال
يصير عاض ً
معقل بن يسار « :زوجت أختا لي من رجل فطلقها ،حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها ،
فقلت له :زوجتك وأفرشتك وأكرمتك فطلقتها ثم جئت تخطبها ; ل وال ل تعود إليك أبدا ،
وكان رجلً ل بأس به ،وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه ،فأنزل ال تعالى هذه الية { :
ن } فقلت :الن أفعل يا رسول ال ،قال :فزوجها إياه » .
ل َتعْضُلُوهُ ّ
فَ َ
ولو رغبت المرأة في كفء بعينه وأراد الوليّ تزويجها من كفء غيره ،فقد قال المالكية :
كفؤها أولى أي مقدم إن لم تكن مجبرةً أو كانت مجبر ًة وتبين ضررها ،فيأمره الحاكم أن
يزوّجها من رضيت به ،ثم إن امتنع سأله عن وجه امتناعه ،فإن رآه صوابا زجرها
وردها إليه ،وإل عد عاضلً ،وزوج الحاكم المرأة لخاطبها الذي رضيت به .
وقال الشافعية :لو عينت المجبرة كفئا ،وأراد الب أو الجدّ كفئا غيره فله ذلك في
الصحّ ،لنّه أكمل نظرا منها .
ومقابل الصحّ :يلزمه إجابتها إعفافا لها ،واختاره السّبكيّ ،أما غير المجبرة فالمعتبر
ن أصل تزويجها يتوقف على إذنها .
من عينته جزما كما اقتضاه كلم الشيخين ; ل ّ
ويتعين عند الحنابلة تزويجها من الذي رغبت فيه إذا كان كفئا ،قال ابن قدامة :إن رغبت
في كفء بعينه وأراد تزويجها لغيره من أكفائها وامتنع من تزويجها من الذي أرادته كان
عاضلً لها .
كَفاءة *
التعريف :
-الكفاءة لغةً :المماثلة والمساواة ،يقال :كافأ فلن فلنا مكافأ ًة وكفاءً وهذا كفاء هذا 1
وكفؤه :أي مثله ،يكون هذا في كلّ شيء ،وفلن كفء فلنة :إذا كان يصلح بعلً لها ،
والجمع أكفاء .
وفي الصطلح :يختلف تعريف الكفاءة باختلف موطن بحثها :في القصاص ،أو
المبارزة ،أو النّكاح .
ففي النّكاح :عرفها الحنفية بأنّها مساواة مخصوصة بين الرجل والمرأة .
وعرفها المالكية :بأنّها المماثلة والمقاربة في التديّن والحال ،أي السلمة من العيوب
الموجبة للخيار .
وعرفها الشافعية :بأنّها أمر يوجب عدمه عارا .
وعرفها الحنابلة :بأنّها المماثلة والمساواة في خمسة أشياء أما في القصاص ،فقد عرفها
الشافعية :بأنّها مساواة القاتل القتيل بأن ل يفضله بإسلم أو أمان أو حرّية أو أصلية أو
سيادة .
وفي المبارزة عرفها الحنابلة :بأن يعلم الشخص الذي يخرج لها من نفسه القوة
والشجاعة ،وأنّه لن يعجز عن مقاومة خصمه .
حكم الكفاءة في النّكاح :
-اختلف الفقهاء في الحكم التكليفيّ لعتبار الكفاءة في النّكاح :فذهب الحنفية والحنابلة 2
إلى أنّه يجب اعتبارها فيجب تزويج المرأة من الكفاء ،ويحرم على وليّ المرأة تزويجها
بغير كفء .
ن الكفاءة تعتبر في جانب الرّجال للنّساء ،ول تعتبر في جانب النّساء
وذهبوا إلى أ ّ
ن النّبي صلى ال
للرّجال ،لنّ النّصوص وردت باعتبارها في جانب الرّجال خاصةً ،فإ ّ
عليه وسلم ل مكافئ له ،وقد تزوج من أحياء العرب ،وتزوج صفية بنت حييّ رضي ال
تعالى عنها ،وقال « :ثلثة يؤتون أجرهم مرتين :الرجل تكون له المة فيعلّمها فيحسن
ن المعنى الذي شرعت
تعليمها ،ويؤدّبها فيحسن تأديبها ،فيتزوجها ،فله أجران » ; ول ّ
الكفاءة من أجله يوجب اختصاص اعتبارها بجانب الرّجال ; لنّ المرأة هي التي تستنكف ل
الرجل ،فهي المستفرشة ،والزوج هو المستفرش ،فل تلحقه النفة من قبلها ،إذ إنّ
الشريفة تأبى أن تكون فراشا للدنيّ ،والزوج المستفرش ل تغيظه دناءة الفراش ،وكذلك
ن الولد يشرف بشرف أبيه ل بأمّه .
فإ ّ
ن الكفاءة في جانب النّساء معتبرة .
ونقل عن أبي يوسف ومحمد أ ّ
قال الكمال :مقتضى الدلة وجوب إنكاح الكفاء ،وهذا الوجوب يتعلق بالولياء حقّا لها ،
وبها حقّا لهم لكن إنّما تتحقق المعصية في حقّهم إذا كانت صغير ًة ; لنّها إذا كانت كبير ًة ل
ينفذ عليها تزويجهم إل برضاها ،فهي تاركة لحقّها ،كما إذا رضي الوليّ بترك حقّه حيث
ينفذ .
ي المرأة تزويجها بغير كفء بغير رضاها لنّه إضرار بها
وقال الحنابلة :يحرم على ول ّ
وإدخال للعار عليها ،ويفسق الوليّ بتزويجها بغير كفء دون رضاها ،وذلك إن تعمده .
واختلف الرأي عند المالكية :
فقال خليل :للمرأة وللوليّ تركها ..أي الكفاءة .
وقال الدردير :لهما معا تركها وتزويجها من فاسق سكّير يؤمن عليها منه ،وإل رده
ق ال تعالى ; حفظا للنّفوس وكذا تزويجها من معيب ،لكنّ السلمة
المام وإن رضيت ،لح ّ
ي فيه كلم .
من العيوب حقّ للمرأة فقط ،وليس للول ّ
ن ظاهر ما نقله الحطاب وغيره واستظهره الشيخ
ي :حاصل ما في المسألة أ ّ
وقال الدّسوق ّ
ابن رحال منع تزويجها من الفاسق ابتدا ًء وإن كان يؤمن عليها منه وأنّه ليس لها ول
للوليّ الرّضا به ،وهو ظاهر ; لنّ مخالطة الفاسق ممنوعة ،وهجره واجب شرعا ،فكيف
بخلطة النّكاح .
وقال الشافعية :يكره التزويج من غير كفء عند الرّضا إل لمصلحة .
وقال الع ّز بن عبد السلم :يكره كراه ًة شديدةً التزويج من فاسق إل ريب ًة تنشأ من عدم
تزويجها له ،كأن خيف زناه بها لو لم ينكحها ،أو يسلّط فأجرا عليها .
-واختلف الفقهاء -كذلك -في حكم الكفاءة من حيث اعتبارها في النّكاح أو عدم 3
اعتبارها ،وهل هي -في حال اعتبارها -شرط في صحة النّكاح أم في لزومه :
فذهب الشافعية ،والحنفية في ظاهر الرّواية ،وهو المعتمد عند المالكية الذي شهره
الفاكهانيّ ،والمذهب عند أكثر متأخّري الحنابلة والصحّ كما قال في المقنع والشرح ،إلى
ح النّكاح مع فقدها ; لنّها حقّ للمرأة
أنّ الكفاءة تعتبر للزوم النّكاح ل لصحته غالبا ،فيص ّ
وللولياء ،فإن رضوا بإسقاطها فل اعتراض عليهم وهو ما روي عن عمر وابن مسعود ،
وعمر بن عبد العزيز وعبيد بن عمير ،وحماد بن أبي سليمان وابن سيرين .
واستدلّوا بأنّ النّبي صلى ال عليه وسلم زوج بناته ول أحد يكافئه ،وبأنّه « صلى ال
عليه وسلم أمر فاطمة بنت قيس وهي قرشية أن تنكح أسامة بن زيد موله ،فنكحها بأمره
» « ،وزوج صلى ال عليه وسلم زيد بن حارثة ابنة عمته زينب بنت جحش السدية » ،
ن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة تبنى سالما وأنكحه ابنة أخيه الوليد بن عتبة ،وهو
وبأ ّ
ن الكفاءة ل تخرج عن كونها حقّا للمرأة والولياء ،فلم
مولى لمرأة من النصار ،وبأ ّ
يشترط وجودها .
ووجه اعتبارها عندهم ،أنّ انتظام المصالح يكون عادةً بين المتكافئين ،والنّكاح شرع
لنتظامها ،ول تنتظم المصالح بين غير المتكافئين ،فالشريفة تأبى أن تكون مستفرشةً
ن النّكاح وضع لتأسيس القرابات الصّهرية ،ليصير البعيد
للخسيس ،وتعير بذلك ; ول ّ
قريبا عضدا وساعدا ،يسرّه ما يسرّك ،وذلك ل يكون إل بالموافقة والتقارب ،ول مقاربة
ق والحرّية ،ونحو ذلك ،فعقده مع غير
للنّفوس عند مباعدة النساب ،والتّصاف بالرّ ّ
المكافئ قريب الشبه من عقد ل تترتب عليه مقاصده .
ي وابن بشير وابن
وذهب الحنفية -في رواية الحسن المختارة للفتوى عندهم -واللخم ّ
ن الكفاءة شرط في
فرحون وابن سلمون -من المالكية -وهو رواية عن أحمد ..إلى أ ّ
صحة النّكاح ،قال أحمد :إذا تزوج المولى العربية فرّق بينهما ،وقال في الرجل يشرب
الشراب :ما هو بكفء لها يفرق بينهما ،وقال :لو كان المتزوّج حائكًا فرقت بينهما ،
لقول عمر رضي ال تعالى عنه " :لمنعنّ فروج ذوات الحساب إل من الكفاء " .
ولقول سلمان رضي ال عنه :ثنتان فضلتمونا بها يا معشر العرب ،ل ننكح نساءكم ول
ق من يحدث من الولياء بغير إذنه ،
نؤمّكم ،ولنّ التزوّج مع فقد الكفاءة تصرّف في ح ّ
فلم يصح ،كما لو زوجها بغير إذنها .
ي والجصاص وهو قول سفيان الثوريّ والحسن البصريّ إلى عدم اعتبار
وذهب الكرخ ّ
ل ،واحتجّوا بما روي عن أبي هريرة
الكفاءة ،وقالوا :إنّها ليست بشرط في النّكاح أص ً
أنّ رسول ال صلى ال عليه وسلم قال « :يا بني بياضة أنكحوا أبا هند وأنكحوا إليه ،
قال :وكان حجّاما » ،أمرهم رسول ال صلى ال عليه وسلم بالتزويج عند عدم الكفاءة
ي على عجميّ
ولو كانت معتبرةً لما أمر ،وبقوله صلى ال عليه وسلم « :ل فضل لعرب ّ
ول لعجميّ على عربيّ ،ول لحمر على أسود ول أسود على أحمر إل بالتقوى » ،وبأنّ
الكفاءة لو كانت معتبرةً في الشرع لكان أولى البواب بالعتبار بها باب الدّماء ،لنّه يحتاط
فيه ما ل يحتاط في سائر البواب ،ومع هذا لم تعتبر ،حتى يقتل الشريف بالوضيع ،
فهاهنا أولى ،والدليل عليه أنّها لم تعتبر في جانب المرأة ،فكذا في جانب الزوج .
وقال الشافعية :إنّ الكفاءة وإن كانت ل تعتبر لصحة النّكاح غالبا بل لكونها حقّا للوليّ
والمرأة إل أنّها قد تعتبر للصّحة كما في التزويج بالجبار .
وقت اعتبار الكفاءة :
ن الكفاءة تعتبر عند عقد النّكاح ،فلو كان
-ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أ ّ 4
الزوج عند عقد النّكاح مستوفيا لخصال الكفاءة ثم زالت هذه الخصال أو اختلت ،فإنّ العقد
ل يبطل بذلك ..وهذا في الجملة ،ولكلّ منهم في ذلك تفصيل :
فقال الحنفية :تعتبر الكفاءة عند ابتداء العقد ،فل يضرّ زوالها بعده ،فلو كان وقته كفؤا
ثم زالت كفاءته لم يفسخ ،وأما لو كان دباغا فصار تأجرا ،فإن بقي عارها لم يكن كفؤا ،
وإن تناسى أمرها لتقادم زمانها كان كفؤا .
وقال الشافعية :العبرة في خصال الكفاءة بحالة العقد ،نعم إن ترك الحرفة الدنيئة قبله ل
يؤثّر إل إن مضت سنة -كما أطلقه جمع -وهو واضح إن تلبس بغيرها ،بحيث زال عنه
اسمها ولم ينسب إليها أصلً ،وإل فل بد من مضيّ زمن يقطع نسبتها عنه ،بحيث ل يعير
ي أنّ الفاسق إذا تاب ل يكافئ العفيفة ،وصرح ابن
بها ،وقد بحث ابن العماد والزركش ّ
العماد في موضع آخر بأنّ الزاني المحصن وإن تاب وحسنت توبته ل يعود كفؤا ،كما ل
ن المحجور عليه بسفه ليس بكفْء للرشيدة .
تعود عفته ،وبأ ّ
ن طروّ الحرفة الدنيئة ل يثبت الخيار .وهو الوجه ; لنّ الخيار في النّكاح بعد
وقالوا :إ ّ
صحته ل يوجد إل بالسباب الخمسة المنصوص عليها في بابه ،وبالعتق تحت رقيق .
وقال الحنابلة :لو زالت الكفاءة بعد العقد فللزوجة فقط الفسخ دون أوليائها ،كعتقها تحت
ن حق الولياء في ابتداء العقد ل في استدامته .
عبد ; ول ّ
الحقّ في الكفاءة :
ن لها الحق في أن تصون نفسها
-ذهب الفقهاء إلى أنّ الكفاءة حقّ للمرأة وللولياء ; ل ّ 5
عن ذلّ الستفراش لمن ل يساويها في خصال الكفاءة ،فكان لها حقّ في الكفاءة أما
الولياء فإنّهم يتفآخرون بعلوّ نسب الختن ،ويتعيرون بدناءة نسبه ،فيتضررون بذلك ،
فكان لهم أن يدفعوا الضرر عن أنفسهم بالعتراض على نكاح من ل تتوافر فيه خصال
الكفاءة فاقتضى ذلك تقرير الحقّ لهم في الكفاءة .
وللفقهاء فيما وراء ذلك تفصيل :
ي واحدا كان أو جماع ًة مستوين في درجة ،فل بد
قال الشافعية :الكفاءة حقّ للمرأة والول ّ
مع رضاها بغير الكفء من رضا الولياء به ،ل رضا أحدهم ،فإنّ رضا أحدهم ل يكفي
عن رضا الباقين ; لنّ لهم حقّا في الكفاءة فاعتبر رضاهم بتركها كالمرأة ،فإن تفاوت
الولياء ،فللوليّ القرب أن يزوّجها بغير الكفء برضاها ،وليس للوليّ البعد العتراض ،
فلو كان الذي يلي أمرها السّلطان ،فهل له تزويجها بغير الكفء إذا طلبته ؟ قال النّوويّ :
قولن أو وجهان أصحّهما المنع ،لنّه كالنائب ،فل يترك الحظ .
وقال الحنابلة :الكفاءة حقّ للمرأة والولياء كلّهم ،القريب والبعيد ،حتى من يحدث منهم
بعد العقد ; لتساويهم في لحوق العار بفقد الكفاءة .
خصال الكفاءة :
-الكفاءة معتبرة في النّكاح لدفع العار والضّرار ،وخصالها أي الصّفات المعتبرة فيها 6
ليعتبر في الزوج مثلها في الجملة ،هي :الدّين ،والنّسب وقد يعبر عنه بالحسب ،
والحرفة ،والحرّية ،والمال ،والتنقّي من العيوب المثبتة للخيار ،لكنّ الفقهاء لم يتفقوا
على اعتبارها كلّها كامل ًة ،بل كان لهم فيها تفصيل وخلف :
أ -الدّين :
ن من خصال الكفاءة الدّين ،أي المماثلة والمقاربة بين
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أ ّ 7
الزوجين في التديّن بشرائع السلم ،ل في مجرد أصل السلم ،ولهم فيما وراء ذلك
تفصيل :
فقال أبو حنيفة وأبو يوسف :لو أنّ امرأةً من بنات الصالحين زوجت نفسها من فاسق ،
كان للولياء حقّ العتراض ; لنّ التفاخر بالدّين أحقّ من التفاخر بالنّسب والحرّية
والمال ،والتعيير بالفسق أشدّ وجوه التعيير وقال محمد :ل تعتبر الكفاءة في الدّين ; لنّ
هذا من أمور الخرة ،والكفاءة من أحكام الدّنيا ،فل يقدح فيها الفسق إل إذا كان شيئا
فاحشا ،بأن كان الفاسق ممن يسخر منه ويضحك عليه ويصفع ،فإن كان ممن يهاب
ن هذا الفسق ل يعدّ شيئا في العادة ،فل يقدح
منه ،بأن كان أميرا قتالً فإنّه يكون كفئا ل ّ
ن الفاسق إن كان معلنا ل يكون كفئا وإن كان مستترا يكون
في الكفاءة .وعن أبي يوسف أ ّ
كفئا .
وقال المالكية :المراد بالدّين السلم مع السلمة من الفسق ،ول تشترط المساواة في
الصلح ،فإن فقد الدّين وكان الزوج فاسقا فليس بكفء .
وقال الشافعية :من خصال الكفاءة الدّين والصلح والكفّ عما ل يحلّ ،والفاسق ليس
بكفء للعفيفة ،وغير الفاسق -عد ًل كان أو مستورا -كفء لها ،ول تعتبر الشّهرة
بالصلح ،فغير المشهور بالصلح كفء للمشهورة به ،والفاسق كفء للفاسقة مطلقا إل
إن زاد فسقه أو اختلف نوعه كما بحثه السنويّ ،والمبتدع ليس بكفء للعفيفة أو السّنّية
.وقال الحنابلة :الدّين مما يعتبر في الكفاءة ،فل تزوج عفيفة عن الزّنا بفاجر ،أي
بفاسق بقول أو فعل أو اعتقاد ،قال أحمد في رواية أبي بكر :ل يزوّج ابنته من حروريّ
قد مرق من الدّين ،ول من الرافضيّ ول من القدريّ ،فإن كان ل يدعو فل بأس ،ول
تزوج امرأة عدل بفاسق كشارب خمر ،لنّه ليس بكفء ،سكر منها أو لم يسكر ،وكذلك
من سكر من خمر أو غيرها من المسكر ليس بكفء ،قال إسحاق إذا زوج كريمته من
فاسق فقد قطع رحمه .
ب -النّسب :
-من الخصال المعتبرة في الكفاءة عند الحنفية ،والشافعية ،والحنابلة النّسب ،وعبر 8
عنه الحنابلة بالمنصب ،واستدلّوا على ذلك بقول عمر رضي ال تعالى عنه :لمنعنّ
فروج ذوات الحساب إل من الكفاء ،وفي رواية قلت :وما الكفاء ؟ قال :في الحساب ;
ولنّ العرب يعتمدون الكفاءة في النّسب ويتفآخرون برفعة النّسب ،ويأنفون من نكاح
الموالي ،ويرون ذلك نقصا وعارا ; ولنّ العرب فضلت المم برسول ال صلى ال عليه
وسلم .
ن العرب تفتخر به فيهم دون المهات ،فمن انتسبت لمن
والعتبار في النّسب بالباء ; ل ّ
ي أبا وإن كانت أمّه عربيةً ليس كفء
تشرف به لم يكافئها من لم يكن كذلك ،فالعجم ّ
ن ال تعالى اصطفى العرب على غيرهم ،وميزهم عنهم
عربية وإن كانت أمّها عجميةً ،ل ّ
بفضائل جمةً ،كما صحت به الحاديث .
ن بعض
وذهب مالك وسفيان الثوريّ إلى عدم اعتبار النّسب في الكفاءة ،قيل لمالك :إ ّ
هؤلء القوم فرقوا بين عربية ومولًى ،فأعظم ذلك إعظاما شديدا وقال :أهل السلم كلّهم
جعَلْنَاكُمْ
بعضهم لبعض أكفاء ،لقول ال تعالى في التنزيل { :إِنّا خَ َلقْنَاكُم مّن َذكَرٍ َوأُنثَى َو َ
ن أَكْ َر َم ُكمْ عِن َد الّلهِ أَ ْتقَاكُمْ } ،وكان سفيان الثوريّ يقول :ل تعتبر
شعُوبًا وَقَبَا ِئلَ لِ َتعَارَفُوا إِ ّ
ُ
الكفاءة في النّسب ; لنّ الناس سواسية بالحديث ،قال صلى ال عليه وسلم « :ل فضل
ي ،ول لحمر على أسود ،ول أسود على أحمر
لعربيّ على عجميّ ،ول لعجميّ على عرب ّ
ن أَكْ َر َم ُكمْ عِن َد الّلهِ أَ ْتقَاكُمْ } ،ولجمهور
إل بالتقوى » ،وقد تأيد ذلك بقوله تعالى { :إِ ّ
الفقهاء القائلين باعتبار النّسب في الكفاءة بعد اتّفاقهم على ما سبق تفصيل :
قال الحنفية :قريش بعضهم لبعض أكفاء ،والعرب بعضهم لبعض أكفاء ،والموالي
بعضهم لبعض أكفاء ،لما روي عن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال « :قريش بعضهم
أكفاء لبعض ،والعرب بعضهم أكفاء لبعض ،قبيلة بقبيلة ،ورجل برجل ،والموالي
بعضهم أكفاء لبعض ،قبيلة بقبيلة ،ورجل برجل إل حائك أو حجام » .
ي كفء للقرشية على اختلف القبيلة ،ول يعتبر التفاضل فيما بين قريش
وقالوا :القرش ّ
ي كالتيميّ والمويّ والعدويّ كفء للهاشمية لقوله
ي الذي ليس بهاشم ّ
في الكفاءة ،فالقرش ّ
صلى ال عليه وسلم « :قريش بعضهم أكفاء لبعض » وقريش تشتمل على بني هاشم وإن
كان لبني هاشم من الفضيلة ما ليس لسائر قريش ،لكنّ الشرع أسقط اعتبار تلك الفضيلة
في باب النّكاح ما عرفنا ذلك بفعل رسول ال صلى ال عليه وسلم وإجماع الصحابة رضي
ال عنهم ولنّ رسول ال صلى ال عليه وسلم « زوج ابنتيه من عثمان رضي ال تعالى
عنه ،وكان أمويّا ل هاشميّا » ،وزوج عليّ رضي ال عنه ابنته من عمر رضي ال عنه
ن الكفاءة في قريش ل تختصّ ببطن دون بطن .
ولم يكن هاشميّا بل عدويّا ،فدل على أ ّ
واستثنى محمد بيت الخلفة ،فلم يجعل القرشي الذي ليس بهاشميّ كفئا له ،فلو تزوجت
قرشية من أولد الخلفاء قرشيّا ليس من أولدهم ،كان للولياء حقّ العتراض وقال
الحنفية :العرب بعضهم أكفاء لبعض بالنص ،ول تكون العرب كفئا لقريش ; لفضيلة
ي صلى ال عليه وسلم « :
قريش على سائر العرب ولذلك اختصت المامة بهم ،قال النب ّ
الئمة من قريش » .
والموالي بعضهم أكفاء لبعض بالنص ،ول تكون الموالي أكفاءً للعرب ،لفضل العرب على
العجم ،وموالي العرب أكفاء لموالي قريش ،لعموم قوله صلى ال عليه وسلم « :
والموالي بعضهم أكفاء لبعض رجل برجل » ومفاخرة العجم بالسلم ل بالنّسب ،فمن له
أبوان في السلم فصاعدا فهو من الكفاء لمن له آباء فيه ،ومن أسلم بنفسه أو له أب
ن تمام النّسب بالب والجدّ ،
واحد في السلم ل يكون كفئا لمن له أبوان في السلم ; ل ّ
ومن أسلم بنفسه ل يكون كفئا لمن له أب واحد في السلم .
وقال الشافعية :غير القرشيّ من العرب ليس كفء القرشية ،لخبر « :قدّموا قريشا ول
ي من
تقدموها » ولنّ ال تعالى اصطفى قريشا من كنانة ،وليس غير الهاشميّ والمطلب ّ
قريش كفئا للهاشمية أو المطلبية ،لخبر « :إنّ ال اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ،
واصطفى قريشا من كنانة ،واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم » ،
والمطلبيّ كفء الهاشمية وعكسه ،لحديث « :إنّما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد
» ،فهما متكافئان ،ومحلّه إذا لم تكن شريفةً ،أما الشريفة فل يكافئها إل شريف ،
ص بأولد الحسن والحسين رضي ال تعالى عنهما وعن أبويهما ..نبه على
والشرف مخت ّ
ي أو مطلبيّ أم ًة فأتت منه ببنت
ذلك ابن ظهيرة ،ومحلّه أيضا في الحرة ،فلو نكح هاشم ّ
ن وصمة الرّقّ الثابت
فهي مملوكة لمالك أمّها ،فله تزويجها من رقيق ودنيء النّسب ،ل ّ
من غير شكّ ألغت اعتبار ك ّل كمال معه ،مع كون الحقّ في الكفاءة في النّسب لسيّدها ل
لها على ما جزم به الشيخان .
أما غير قريش من العرب فإنّ بعضهم أكفاء بعض ..نقله الرافعيّ عن جماعة ،وقال في
زيادة الروضة إنّه مقتضى كلم الكثرين .
وقالوا :الصحّ اعتبار النّسب في العجم كالعرب قياسا عليهم ،فالفرس أفضل من القبط ،
لما روي أنّه صلى ال عليه وسلم قال « :لو كان الدّين عند الثّريا لذهب به رجل من
فارس» ،وبنو إسرائيل أفضل من القبط ،ومقابل الصحّ :أنّه ل يعتبر النّسب في العجم ;
لنّهم ل يعتنون بحفظ النساب ول يدوّنونها بخلف العرب ،والعتبار في النّسب بالب ،
ول يكافئ من أسلم أو أسلم أحد أجداده القربين أقدم منه في السلم ،فمن أسلم بنفسه
ليس كفء من لها أب أو أكثر في السلم ،ومن له أبوان في السلم ليس كفء من لها
ثلثة آباء فيه .
واختلفت الرّواية عن أحمد ،فروي عنه أنّ غير قريش من العرب ل يكافئها ،وغير بني
ن ال اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ،واصطفى قريشا من
هاشم ل يكافئهم ،لحديث « :إ ّ
ن العرب فضّلت
كنانة ،واصطفى من قريش بني هاشم ،واصطفاني من بني هاشم » ،ول ّ
على المم برسول ال صلى ال عليه وسلم وقريش أخصّ به من سائر العرب ،وبنو هاشم
أخصّ به من قريش ،وكذلك قال عثمان وجبير بن مطعم :إنّ إخواننا من بني هاشم ل
ننكر فضلهم علينا لمكانك الذي وضعك ال به منهم .
ن العرب بعضهم لبعض أكفاء ،والعجم بعضهم لبعض أكفاء ،
والرّواية الثانية عن أحمد أ ّ
لنّ « النّبي صلى ال عليه وسلم زوج ابنتيه عثمان » ،وزوج عليّ عمر ابنته أم كلثوم
رضي ال تعالى عنهم .
والكفاءة في النّسب غير معتبرة عند المالكية .
ج -الحرّية :
ن الحرّية من خصال
-ذهب الحنفية والشافعية ،وهو الصحيح عند الحنابلة ،إلى أ ّ 9
الكفاءة ،فل يكون القنّ أو المبعض أو المدبر أو المكاتب كفئا للحرة ولو عتيقةً ; لنّها
تتعير به ،إذ النقص والشين بال ّرقّ فوق النقص والشين بدناءة النّسب ; ولنّها تتضرر
بنكاحه لنّه ينفق نفقة المعسرين ،ول ينفق على ولده ،وهو ممنوع من التصرّف في
كسبه ،غير مالك له ،مشغول عن امرأته بحقوق سيّده ،وملك السيّد رقبته يشبه ملك
البهيمة .
واستدلّوا بما روى عروة عن عائشة « أنّ بريرة أعتقت فخيرها رسول ال صلى ال عليه
وسلم » ،ولو كان زوجها حرّا لم يخيّرها ،واختلف المالكية في كفاءة العبد للحرة أو
عدمها في تأوّلين .
فأجاز ابن القاسم نكاح العبد عربيةً ،وقال عبد الباقي :إنّه الحسن ورجح الدردير عدم
كفاءة العبد للحرة ،وقال الدّسوقيّ :إنّه المذهب .
د -الحرفة :
-الحرفة ما يطلب به الرّزق من الصنائع وغيرها ،والحرفة الدنيئة ما دلت ملبستها 10
نقيصة بفضيلة ،أي ل تزوج عفيفة رقيقة بفاسق حرّ ،ول سليمة من العيوب دنيئة بمعيب
نسيب ..لما بالزوج في الصّور المذكورة من النقص المانع من الكفاءة ،ول ينجبر بما فيه
من الفضيلة الزائدة عليها .
ومقابل الصحّ عندهم أنّ دناءة نسب الزوج تنجبر بعفته الظاهرة ،وأنّ المة العربية
ي.
يقابلها الح ّر العجم ّ
وفصل المام فقال :السلمة من العيوب ل تقابل بسائر فضائل الزوج ،وكذا الحرّية ،وكذا
النّسب ،وفي انجبار دناءة نسبه بعفته الظاهرة وجهان :أصحّهما المنع ،قال :والتنقّي
من الحرف الدنية يقابله الصلح وفاقا ،والصلح إن اعتبرناه يقابل بكلّ خصلة ،والمة
العربية بالحرّ العجميّ على هذا الخلف .
وذكر ابن عابدين :أنّه لو كان الزوج ذا جاه كالسّلطان والعالم ولم يملك إل النفقة ،قيل :
ي كفء للعربيّ الجاهل ،
ن الخلل ينجبر به ،ومن ثم قالوا :الفقيه العجم ّ
يكون كفئا ل ّ
ن شرف النّسب أو العلم يجبر نقص الحرفة ،بل يفوق سائر
وقال :والذي يظهر لي أ ّ
الحرف .
تخلّف ما لم ينص عليه في خصال الكفاءة :
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الصّفات التي ل تعتبر في خصال الكفاءة التي سبق 14
بيانها ل تؤثّر في الكفاءة ،كالكرم وعكسه ،واختلف البلد ،ونحو ذلك ،قالوا :لنّه ليس
بشيء ،وقد خالف بعضهم في اعتبار ذلك كما يلي :
أ -كفاءة الدميم للجميلة :
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الجمال ليس من الخصال المعتبرة في الكفاءة للنّكاح ، 15
لكنّ الرّوياني من الشافعية اعتبره من تلك الخصال ،ومع موافقة الحنفية لجمهور الفقهاء
فإنّهم قالوا :لكنّ النصيحة أن يراعي الولياء المجأنسة في الحسن والجمال .
ب -كفاءة ولد الزّنا لذات النّسب :
-نصّ الحنابلة على هذه المسألة واختلف قولهم فيها فنقل البهوتيّ أنّه قد قيل إنّه 16
كفء لذات نسب ،وقال ابن قدامة :يحتمل أل يكون كفئا لذات نسب ،ونقل البهوتيّ وابن
قدامة عن أحمد أنّه ذكر له أنّ ولد الزّنا ينكح وينكح إليه فكأنه لم يحب ذلك ; لنّ المرأة
تعير به هي ووليّها ،ويتعدى ذلك إلى ولدها ،وأما كونه ليس بكفء لعربية فل إشكال
فيه ،لنّه أدنى حا ًل من الموالي .
ج -كفاءة الجاهل للعالمة :
-ذكر الشافعية هذه المسألة ،واختلفوا فيها ،فصحح في زيادة الروضة كون الرجل 17
الجاهل كفئا للعالمة ،ورجح الرّويانيّ أنّه غير كفء لها ،واختاره السّبكيّ ،واحتج بأنّهم
ي الخطيب بعد أن
يعتبرون العلم في الب ،فاعتباره في المرأة نفسها أولى ،قال الشّربين ّ
نقل ما سبق :وهذا متعين .
د -كفاءة القصير لغير القصيرة :
-ذهب الشافعية إلى أنّ الطّول أو القصر ل يعتبر أيّ منهما في الكفاءة للنّكاح ; لنّه 18
كفئا للشابة على الصحّ ،قال النّوويّ :الصحيح خلف ما قاله الرّويانيّ ،وقال الرمليّ :
هو ضعيف لكن ينبغي مراعاته .
و -كفاءة المحجور عليه بسفه للرشيدة :
-ذهب الشافعية إلى أنّ المحجور عليه بسفه كفء للرشيدة ،وقال الزركشيّ :فيه 20
نظر ; لنّها تتعير غالبا بالحجر على الزوج ،وقال النصاريّ :الوجه أنّه غير كفء .
ما يترتب على تخلّف الكفاءة :
-إذا تخلفت الكفاءة عند من يشترطونها لصحة النّكاح فإنّه يكون باطلً أو فاسدا ،أما 21
كفاءته ألزمه تزويجها ،فإن امتنع زوجها القاضي به ،وإن لم تثبت كفاءته فل يلزمه
تزويجها به ،نص على ذلك ابن المقري والنصاريّ من الشافعية .
تزويج من ل يوجد لها كفء :
-نص بعض الشافعية على أنّه إذا كانت المرأة بحيث ل يوجد لها كفء أصلً جاز 23
نفسها منه ثانيا ،كان لذلك الوليّ التفريق ،ول يكون الرّضا بالول رضا بالثاني ; لنّ
النسان ل يبعد رجوعه عن خلة دنيئة ،وكذا لو زوجها هو من غير كفء فطلقها فتزوجت
آخر غير كفء ،ولو تزوجته ثانيا في العدة ففرق بينهما لزمه مهر ثان ،واستأنفت
العدة ،وإن كان قبل الدّخول في الثاني .
وقال المالكية :ليس لوليّ رضي بتزويج وليته غير كفء وزوجه إياها ،فطلقها طلقا بائنا
أو رجعيّا ،امتناع من تزويجها له ثانيا -إن رضيت به -بل عيب حادث مقتض
للمتناع ،لسقوط حقّه في الكفاءة ،حيث رضي به أولً ،فإن امتنع عد عاضلً ،وله
المتناع بعيب حادث .
وقال الشافعية :لو رضي الولياء بتزويجها بغير كفء ،ثم خالعها الزوج ،ثم زوجها أحد
الولياء به برضاها دون رضا الباقين فإنّه يصحّ ،كما هو قضية كلم الروضة ،وجزم به
ابن المقري ; لرضاهم به أولً ،وإن خالف في ذلك صاحب النوار ،وفي معنى المختلع :
الفاسخ والمطلّق رجعيّا إذا أعاد زوجته بعد البينونة ،والمطلّق قبل الدّخول .
تكلّم المّ إن تخلفت كفاءة زوج ابنتها :
-نص المالكية على مسألة تكلّم أمّ الزوجة في ر ّد تزويج الب ابنتهما الموسرة 25
المرغوب فيها من رجل فقير ،ففي المدونة :أتت امرأة مطلقة إلى مالك فقالت له :إنّ لي
ابنةً في حجري موسرةً مرغوبا فيها ،فأراد أبوها أن يزوّجها من ابن أخ له فقير ،وفي
المهمات :معدم ل مال له ،أفترى لي في ذلك تكلّما ؟ قال :نعم ،إنّي لرى لك تكلّما ،
ورويت المدونة أيضا بالنّفي ،أي نعم ،ل أرى لك تكلّما .
قال ابن القاسم :ل أرى لها تكلّما ،وأراه ماضيا ،إل لضرر بيّن فلها التكلّم .
قال خليل والبيّ وغيرهما :هل قول ابن القاسم وفاق لقول مالك بحمل رواية الثبات على
ثبوت الضرر ،ورواية النّفي على عدمه ،أو خلف بحمل كلم مالك على ظاهره ،وهو
إطلق الكلم على رواية الثبات ،وإطلق عدمه على رواية النّفي ؟ فيه تأويلن :التوفيق
لبي عمران وابن محرز عن بعض المتأخّرين ،والخلف لبن حبيب .
كَفَالَة *
التعريف :
ل وكفولً ،
-الكفالة لغةً :من كَفَل المالَ وبالمال :ضمنه و َكفَل بالرجل يكفُل ويكفِل كَفْ ً 1
وكَفَا َلةً ،و َك ُفلَ وكَفِل وتكفّل به كلّه :ضمنه ،وأكفله إياه وكفّله :ضمّنه ،و َكفَلْت عنه
المال لغريمه وتكفّل بدينه تكفّلً .
وفي التهذيب :وأما الكافل فهو الذي كفل إنسانا يعوله وينفق عليه ،وفي الحديث :
« الربيب كافل » ،وهو زوج أمّ اليتيم ،كانه كفل نفقة اليتيم ،والمكافل :المعاقد
المحالف ،والكفيل من هذا أخذ .
وأما الكفالة في الصطلح :فقد اختلف الفقهاء في تعريف الكفالة تبعا لختلفهم فيما
يترتب عليها من أثر .
فعرفها جمهور الحنفية بأنّها :ضمّ ذمة الكفيل إلى ذمة الصيل في المطالبة بنفس أو دين
أو عين .
وعرفها بعضهم بأنّها :ض ّم ذمة الكفيل إلى ذمة الصيل في الدين .
قال في الهداية :والول هو الصحّ .
ن الكفالة هي :أن يلتزم الرشيد بإحضار
ويرى المالكية والشافعية في المشهور والحنابلة أ ّ
بدن من يلزم حضوره في مجلس الحكم .
فالحنفية يطلقون الكفالة على كفالة المال والوجه ،والمالكية والشافعية يقسمون الضمان
إلى ضمان المال وضمان الوجه ،ويطلق الشافعية الكفالة على ضمان العيان البدنية .
ق في ذمة شخص آخر ،والكفالة التزام
وأما عند الحنابلة :فالضمان يكون التزام ح ّ
بحضور بدنه إلى مجلس الحكم .
ل وصبيرا وقبيلً
ل وكفي ً
ويسمى الملتزم بالحقّ ضآمنا وضمينا وحميلً وزعيما وكاف ً
ن العرف جار بأنّ الضمين يستعمل في الموال ،والحميل في الدّيات ،
وغريما ،غير أ ّ
والزعيم في الموال العظام ،والكفيل في النّفوس ،والقبيل والصبير في الجمع .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -البراء :
-من معاني البراء في اللّغة :التنزيه والتخليص والمباعدة عن الشيء . 2
وفي الصطلح :هو إسقاط الشخص حقّا له في ذمة آخر أو قبله .
فالبراء عكس الكفالة لنّه يفيد خلو الذّمة ،وهي تفيد انشغالها ( ر :إبراء ف . ) 1/
ب -الحَمالة :
-الحمالة بالفتح :ما يتحمله النسان عن غيره من دية أو غرامة . 3
ووجه الصّلة بين الحمالة والكفالة :أنّ العرف خص الحمالة بالدّية والغرم لصلح ذات
البين ،وأطلق الكفالة على ضمان الدين والعين والنفس .
ج -الحوالة :
-الحوالة في اللّغة :التحوّل والنتقال . 4
ن الكفالة مجرد
الكفالة تتمّ بإيجاب الكفيل وحده ،ول تتوقف على قبول المكفول له ; ل ّ
التزام من الكفيل بأداء الدين ل معاوضة فيه ،بل هو تبرّع ينشأ بعبارته وحده ،فيكفي فيه
إيجاب الكفيل .
وفي قول ثان عند الشافعية يشترط الرّضا ثم القبول ،والثالث يشترط الرّضا دون القبول
لفظا .
وذهب أبو حنيفة ومحمد ،وهو رأي عند الشافعية إلى أنّ صيغة الكفالة تتركب من إيجاب
يصدر من الكفيل ،وقبول يصدر عن المكفول له ; لنّ الكفالة عقد يملك به المكفول له حق
ن الكفالة ل تتمّ
مطالبة الكفيل أو حقّا ثبت في ذمته فوجب قبوله ،ويترتب على ذلك أ ّ
بعبارة الكفيل وحده ،سواء كانت الكفالة بالنفس أو بالمال ،بل ل بد من قبول المكفول له
.وإيجاب الكفيل يتحقق بكلّ لفظ يفهم منه التعهّد والتزام والضمان ،صراحةً أو ضمنا ،
كما يتحقق بكلّ تعبير عن الرادة يؤدّي هذا المعنى .
-قد تكون الكفالة منجزةً أو معلقةً أو مضافةً إلى زمن مستقبل وقد توصف بأنّها مطلقة 8
أن تترتب آثار الكفالة في الحال بمجرد وجود الصّيغة مستوفي ًة شروطها ،فإذا قال شخص
لخر :أنا كفيل بدينك على فلن وقبل الدائن الكفالة -على رأي من يوجب لتمام الصّيغة
ن الكفيل يصير مطالبا بأداء الدين في الحال إذا كان الدين حالً .
قبول الدائن -فإ ّ
أما إذا كان الدين مؤجلً فيثبت الدين أو المطالبة به في ذمة الكفيل بصفته من الحلول
والتأجيل متى كانت صيغة الكفالة مطلقةً غير مقترنة بشرط يغيّر من وصف الدين .
ن كل عقد يدخله الحلول فإنّه يحمل
ويرى الحنابلة أنّ الكفالة إذا أطلقت انعقدت حال ًة ،ل ّ
عليه عند إطلقه ،كالثمن في البيع .
ب -الكفالة المعلقة :
-وهي التي يعلق وجودها على وجود شيء آخر ،كما إذا قال شخص للمشتري :أنا 10
كفيل لك بالثمن إذا استحق المبيع ،فإذا كان الشيء الذي علّقت به الكفالة موجودا وقت
التعليق ،فإنّ الكفالة تنعقد منجزةً ،وذلك كما لو قال الكفيل للدائن :إذا أفلس فلن فأنا
كفيل لك بهذا الدين ،ثم تبين أنّ فلنا هذا كان قد أفلس فعلً وقت إنشاء الكفالة .
-وللفقهاء في حكم الكفالة المعلقة خلف يمكن إيجازه فيما يلي : 11
ذهب الحنفية إلى صحة الكفالة المعلقة على شرط ملئم ،وهو الشرط الذي يكون سببا
لوجوب الحقّ ،كقول الكفيل للمشتري :إذا استحق المبيع فأنا ضامن الثمن ،أو الشرط
الذي يكون سببا لمكان الستيفاء ،كقول الكفيل للدائن :إذا قدم فلن -أي المكفول عنه
-فأنا كفيل بدينك عليه ،أو الشرط الذي يكون سببا لتعذّر الستيفاء ،كقول الكفيل للدائن
:إذا غاب فلن -المدين -عن البلد فأنا كفيل بالدين .
وذهبوا كذلك إلى صحة الكفالة المعلقة بشرط جرى به العرف ،كما لو قال الكفيل :إن لم
يؤدّ فلن ما لك عليه من دين إلى ستة أشهر فأنا له ضامن ،لنّه علق الكفالة بالمال
بشرط متعارف فصح .
فأما إذا علّقت الكفالة على شرط غير ملئم ،كقوله :إن هبت الرّيح أو إن نزل المطر أو
ن تعليق الكفالة على شرط غير ملئم ل
ح الكفالة ; ل ّ
إن دخلت الدار فأنا كفيل ،فل تص ّ
ح إذا ما علّقت
يظهر فيه غرض صحيح ،وذهب بعض فقهاء المذهب إلى أنّ الكفالة تص ّ
على شرط غير ملئم ،ويلغو التعليق .
ن الكفالة تكون صحيحةً إذا علّقت على الشّروط
ويبدو مما ذكره المالكية من فروع :أ ّ
الملئمة ،ول تكون صحيحةً إذا علّقت على شرط غير ملئم .
أما الشافعية فالصحّ عندهم عدم جواز تعليق الضمان والكفالة لنّ كلّا من الضمان والكفالة
عقد كالبيع ،وهو ل يجوز تعليقه بالشرط .
ومقابل الصحّ عندهم :جواز تعليق الضمان والكفالة ،لنّ القبول ل يشترط فيهما ،فجاز
تعليقهما كالطلق ،والقول الثالث :يمتنع تعليق الضمان دون الكفالة ; لنّ الكفالة مبنية
على الحاجة .
وعند الحنابلة روايتان :تذهب أولهما إلى بطلن الكفالة مع التعليق ،وهو ما اختاره
القاضي ; لنّ في التعليق خطرا فلم يجز تعليق الضمان عليه ،والكفالة تثبت حقّا لدميّ
معين فلم يجز تعليق ثبوته على شرط .
ن تعليق الكفالة والضمان على
وتذهب الرّواية الخرى إلى صحة تعليق الكفالة مطلقا ،ل ّ
شرط صحيح كضمان العهدة ،وقد مال إلى هذه الرّواية :الشريف أبو جعفر وأبو
الخطاب ،لنّه أضاف الضمانإلى سبب الوجود فيجب أن يصح كضمان الدرك .
ج -الكفالة المضافة :
-ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز إضافة الكفالة بالمال إلى أجل مستقبل كأن يقول 12
الكفيل :أنا ضامن لك هذا المال أو هذا الدين ابتدا ًء من أول الشهر القادم ،وفي هذه
الحالة ل يكون كفيلً إل في ذلك الوقت ،أما قبله فل يعدّ كفيلً ول يطالب بالمال ،وإذا
توفّي قبل الوقت المحدد ل يؤخذ الدين من تركته .
وفرق الحنفية بين إضافة الكفالة وتأجيل الدين المكفول به ،فالكفالة المضافة هي التي
تتعلق بدين غير موجود عند إنشائها ،ولكنّها تعلقت به بسبب إضافتها إليه ،كما لو قال
الكفيل للدائن :أنا كفيل بما ستقرضه لفلن من المال ،أو بسبب تعليقها به ،كما لو قال :
إن أقرضت فلنا مبلغ كذا فأنا كفيل به ،وهذا النوع من الكفالة ل ينعقد إل بعد وقوع ما
علّق به ،ول يترتب عليه أثر إل من ذلك الوقت .
أما إن كان الدين المكفول موجودا عند إنشاء الكفالة ،فقد يكون حا ًل وقد يكون مؤجلً ،
فإن كان الدين المكفول حا ًل ،وأضيفت كفالته إلى زمن مستقبل ،كأن يقول الكفيل للدائن :
كفلت لك دينك الذي على فلن ابتداءً من أول الشهر التي ،فل يكون للكفالة أثر إل من
أول الشهر التي ،ويتأجل الدين بالنّسبة إلى الكفيل وحده بسبب إضافة الكفالة ،أما
بالنّسبة إلى المدين فل يتغير وصف الدين بل يظ ّل حالً ; إذ ل يلزم من تأجيل الدين على
الكفيل بسبب كفالته المضافة تأجيله على المدين الصيل ،وفي هذه الصّورة تكون الكفالة
منعقدةً في الحال ،ولكنّ آثارها ل تظهر إل عند حلول الجل .
وإن كان الدين المكفول مؤجلً عند إنشاء الكفالة ،وكانت الكفالة مطلقةً بأن قال الكفيل :
كفلت لك دينك الذي على فلن ،فإنّ مطالبة الكفيل ترجأ إلى وقت حلول الدين على الصيل
ن الكفالة المطلقة بدين تلزم بما يتصف به من الحلول أو التأجيل ،وفي هذه الصّورة
;لّ
أيضا تكون الكفالة منعقدةً في الحال ،ولكنّ آثارها ل تظهر إل عند حلول الجل .
ن جمهور الحنفية يجيز إضافة الكفالة بالمال إلى الزمن المستقبل ،
ومن هذا يتضح أ ّ
ن إضافتها إلى وقت معلوم .أو مجهول جهالةً غير فاحشة ل يمنع من
ويرتّب على ذلك :أ ّ
جوازها إلى الجل الذي ذكر ،وذلك كإضافتها إلى الحصاد أو إلى المهرجان أو إلى النّيروز
ح ; لنّ ذلك
،أما إضافة الكفالة إلى أجل مجهول جهال ًة فاحشةً -كنزول المطر -فل تص ّ
ليس من الجال المتعارفة أو المنضبطة ،وإذا بطل الجل لتفاحش الجهالة فيه وعدم
تعارفه ،صحت الكفالة ،وكانت منجز ًة .
وذهب المالكية إلى صحة إضافة الكفالة إلى زمن مستقبل معلوم ،وحينئذ ل يطالب الكفيل
إل إذا حل الجل ،وكذلك تصحّ الكفالة إذا أضيفت إلى أجل مجهول جهالةً غير فاحشة ،
ن القاضي يضرب له أجلً بقدر ما يرى ،وعندئذ ل يترتب على
كخروج العطاء ،ولك ّ
الكفالة أثرها إل بحلول الجل الذي أضيفت إليه .
وقال الحنابلة :إن كفل إلى أجل مجهول لم تصح الكفالة لنّه ليس له وقت يستحقّ مطالبته
فيه وهكذا الضمان ،وإن جعله إلى الحصاد والجزاز والعطاء خرج على الوجهين ،كالجل
في البيع ،والولى صحتها هنا ،لنّه تبرّع من غير عوض جعل له عوضا ل يمنع من
حصول المقصود منه فصح ،كالنذر ،وهكذا كلّ مجهول ل يمنع مقصود الكفالة .
وقال الشافعية :لو نجز الكفالة وشرط تأخير المكفول به شهرا كضمنت إحضاره ،
وأحضره بعد شهر جاز ،لنّه التزام بعمل في الذّمة ،فكان كعمل الجارة يجوز حالً
ومؤجلً .
ح التأجيل إليه ،والصحّ أنّه يصحّ
ل التأجيل بمجهول ،كالحصاد فل يص ّ
وخرج بشهر مث ً
ضمان الحالّ مؤجلً أجلً معلوما ; إذ الضمان تبرّع ،والحاجة تدعو إليه ،فكان على حسب
ق الضامن على الصحّ ،فل يطالب إل كما التزم .
ما التزمه ويثبت الجل في ح ّ
ومقابل الصحّ :ل يصحّ الضمان للمخالفة ،ووقع في بعض نسخ المحرر تصحيحه ،قال
في الدقائق :والصحّ ما في بقية النّسخ والمنهاج ،ولو ضمن المؤجل مؤجلً بأجل أطول
من الول فكضمان الحالّ مؤجلً .
د -الكفالة المؤقتة :
-توقيت الكفالة معناه :أن يكفل الكفيل الدين مد ًة معلومةً محددةً ،فإذا انقضت تلك 13
المدة يبرأ بعدها من التزامه وتنتهي الكفالة ،وذلك مثل قول الكفيل :أنا كفيل بنفس فلن
أو بديته من اليوم إلى نهاية هذا الشهر ،فإذا انقضى الشهر برئت من الكفالة .
وقد اختلف الفقهاء في صحة توقيت الكفالة بناء على اختلفهم في الثر المترتّب عليها ،
ن ذمة الكفيل ل تشغل بالدين وإنّما يطالب فقط بأدائه ،أجاز الكفالة المؤقتة ،
فمن رأى أ ّ
ن ذمة الكفيل تصير مشغولةً بالدين
وقيد المطالبة بالمدة المتفق عليها ،أما من ذهب إلى أ ّ
ن الذّمة إذا
ن المعهود في الشرع أ ّ
إلى جانب ذمة المدين ،فلم يجز توقيت الكفالة ; ل ّ
شغلت بدين صحيح فإنّها ل تبرأ منه إل بالداء أو البراء ،وقبول الكفالة للتوقيت يترتب
عليه سقوط الدين عن الكفيل دون أداءً أو إبراء ،وتطبيقا على ذلك ذهب أغلب الحنفية إلى
ي الشهر بل
أنّ الكفيل لو قال :كفلت فلنا من هذه الساعة إلى شهر ،تنتهي الكفالة بمض ّ
خلف ،ولو قال :كفلت فلنا شهرا أو ثلثة أيام ...من المشايخ من قال :إنّ الكفيل في
ي المدة ...ومنهم من ذهب إلى أنّه يكون كفيلً
هذه الصّورة يطالب في المدة ويبرأ بمض ّ
أبدا ويلغو التوقيت .
وذهب المالكية إلى جواز توقيت الكفالة في إحدى حالتين :أن يكون المدين موسرا ولو في
أول الجل فقط ،أو أن يكون معسرا والعادة أنّه ل يوسر في الجل الذي ضمن الضامن
إليه ،بل بمضيّ ذلك الجل عليه وهو معسر ،فإن لم يعسر في جميعه ،بل أيسر في أثنائه
كبعض أصحاب الغلت والوظائف ،كأن يضمنه إلى أربعة أشهر وعادته اليسار بعد
ق مسلّفا ،
ن الزمن المتأخّر عن ابتداء يساره يعدّ فيه صاحب الح ّ
ح;لّ
شهرين ،فل يص ّ
ب الحقّ على أخذه منه عند اليسار ،هذا قول ابن القاسم بناء على أنّ اليسار
لقدرة ر ّ
ن الصل استصحاب عسره .
المترقب كالمحقق ،وأجازه أشهب ل ّ
والصحّ عند الشافعية أنّه ل يجوز توقيت الكفالة ،كانا كفيل بزيد إلى شهر وأكون بعده
بريئا ،ومقابل الصحّ عندهم :أنّه يجوز ،لنّه قد يكون له غرض في تسليمه هذه المدة ،
ن المقصود منه الداء ; فلهذا امتنع تأقيت الضمان قطعا .
بخلف المال فإ ّ
واختلف الحنابلة في صحة توقيت الكفالة على وجهين :الول :أنّ الكفالة تكون صحيحةً ،
ويبرأ الكفيل بمضيّ المدة التي عينها وإن لم يحدث فيها وفاء .والثاني :عدم صحة
الكفالة; لنّ الشأن في الدّيون أنّها ل تسقط بمضيّ الزمن .
تقييد الكفالة بالشرط :
-إن قيد الكفالة بشرط ،فقد تصحّ الكفالة والشرط ،وقد تصحّ الكفالة ويلغو الشرط ، 14
المالكية يرون أنّ ضمان المرأة -إذا كانت ذات زوج -ينفذ في حدود ثلث مالها ،أما إذا
ح ولكنّه ل يلزم إل بإجازة الزوج .أما المرأة اليّم غير ذات الزوج -
زاد على الثّلث فيص ّ
إذا كانت ل يولى عليها -فهي بمنزلة الرجل في الكفالة .
الرّكن الثالث -المكفول له :
يشترط في المكفول له أن يكون معلوما للكفيل ،وقد اختلف الفقهاء في اشتراط كونه بالغا
عاقلً ،وفي اشتراط رضاه بالكفالة وقبوله لها ،وذلك على النحو التالي :
أ -كون المكفول له معلوما للكفيل :
-ذهب الحنفية ،والشافعية في الصحّ عندهم ،والقاضي من الحنابلة ،إلى اشتراط 17
كون المكفول له معلوما للكفيل ،سواء كانت الكفالة منجز ًة أو معلقةً أو مضافةً ،فإن كان
مجهو ًل له ،كما لو قال :أنا كفيل بما يحصل من هذا الدلل من ضرر على الناس ،لم
ل وليعلم الضامن هل هو
تصح الكفالة ; لتفاوت الناس في استيفاء حقوقهم تشديدا وتسهي ً
ن أبا حنيفة ومحمدا يشترطان أن يكون المكفول له
أهل لسداء الجميل إليه أو ل ،ثم إ ّ
حاضرا في مجلس العقد -بنفسه أو بنائبه -فلو كفل الكفيل لشخص غائب عن المجلس ،
ح الكفالة عندهما إذا لم يقبل عنه حاضر بالمجلس ; لنّ في
وبلغه الخبر فأجاز ،ل تص ّ
الكفالة معنى التمليك ،والتمليك ل يحصل إل بإيجاب وقبول ،فل بد من توافره لتمام
صيغة العقد .
وعن أبي يوسف روايتان :الراجحة منهما تجيز الكفالة للغائب عن المجلس ول تحتاج إلى
قبوله ،ومع ذلك فقد اشترط أيضا أن يكون المكفول له معلوما للكفيل ; لنّ الكفالة شرعت
لتوثيق الدين ،فإذا كان المكفول له مجهولً ،فل يتحقق مقصود الكفالة .
ن جهالة
وذهب المالكية ،والحنابلة عدا القاضي منهم ،والشافعية في مقابل الصحّ إلى أ ّ
المكفول له ل تض ّر ،والكفالة صحيحة ،فإذا قال الضامن :أنا ضامن الدين الذي على زيد
للناس -وهو ل يعرف عين من له الدين -صحت الكفالة ،لحديث أبي قتادة المتقدّم فقد
كفل أبو قتادة دين الميّت دون أن يعرف المكفول له .
ب -اشتراط البلوغ والعقل في المكفول له :
-ذهب المالكية والحنابلة وأبو يوسف إلى عدم اشتراط البلوغ والعقل في المكفول له ; 18
لنّ الكفالة تنعقد بإيجاب الكفيل دون حاجة إلى قبول المكفول له ،فل يلزم أن يكون أهلً
ن الكفالة
ل;لّ
للقبول ،وذهب أبو حنيفة ومحمد إلى اشتراط أن يكون المكفول له بالغا عاق ً
تحتاج إلى إيجاب من الكفيل وقبول من المكفول له .
ويجوز قبول الصبيّ المميّز والسفيه ،لنّ ضمان حقّهما نفع محض ،فل يتوقف على
إجازة وليّهما .
ج -قبول المكفول له :
ن أبا حنيفة ومحمدا يريان أنّ الكفالة ل تتمّ إل بإيجاب
-تقدم في صيغة الكفالة أ ّ 19
ن قبول المكفول له ركن فيها ; لنّ الكفالة عقد يملك به المكفول له حق مطالبة
وقبول ،وأ ّ
الكفيل أو حقّا في ذمة الكفيل ،وإذا كانت كذلك وجب قبول المكفول له ،إذ ل يملك إنسان
حقّا رغم أنفه ،فكانت كالبيع تفيد ملكا ،فل تتحقق إل بإيجاب وقبول .
ن المالكية والحنابلة وأبا يوسف وهو الصحّ عند الشافعية يرون أنّ
وتقدم هناك أيضا أ ّ
الكفالة تتمّ وتتحقق بإيجاب الكفيل وحده ،فل تتوقف على قبول المكفول له ،ذلك أنّ
الكفالة مجرد التزام صادر من الكفيل بأن يوفّي ما وجب للمكفول له في ذمة المكفول عنه
مع بقاء المكفول له على حقّه بالنّسبة إلى المدين ،وذلك التزام ل معاوضة فيه ،ول يضرّ
بحقّ أحدهما أو ينقص منه ،بل هو تبرّع من الكفيل فيتمّ بعبارته وحده ،وقد تقدم في
حديث أبي قتادة « :أنّ أبا قتادة رضي ال عنه كفل الميّت دون أن يعرف الدائن أو أن
ي صلى ال عليه وسلم كفالته وصلى على الميّت بناء عليها » .
يطلب قبوله فأقر النب ّ
الرّكن الرابع -المكفول عنه :
اشترط بعض الفقهاء أن يكون المكفول عنه معلوما للكفيل ،واشترط بعضهم رضا المكفول
عنه ،واشترط بعضهم كذلك أن يكون المكفول عنه قادرا على الوفاء بالمكفول به ،وذلك
على التفصيل التي :
أ -كون المكفول عنه معلوما للكفيل :
-ذهب جمهور الفقهاء من المالكية ،والشافعية في الصحّ ،والحنابلة ،إلى عدم 20
مع كراهته لذلك ،ففي الحديث السابق « أقر النبيّ صلى ال عليه وسلم كفالة أبي قتادة
ن عقد الكفالة
رضي ال عنه دين الميّت » ،والميّت ل يتأتى منه رضاء ول إذن ; ول ّ
ق نفسه ،وفيه نفع للطالب ،ول ضرر فيه
التزام المطالبة ،وهذا اللتزام تصرّف في ح ّ
على المطلوب ،لنّ ضرره بثبوت الرّجوع ،ول رجوع عليه ; لنّه عند أمره ،وعند أمره
يكون قد رضي به ،ولنّ قضاء دين الغير بغير إذنه جائز ،فالتزامه أولى ،وكما يصحّ
الضمان عن الميّت اتّفاقا وإن لم يخلف وفا ًء .
ن الكفالة تصحّ إذا كان المكفول عنه صبيّا أو مجنونًا أو غائبا ; لنّ
ويترتب على ذلك أ ّ
الحاجة إلى الكفالة تظهر غالبا في مثل هذه الحوال .
ج -قدرة المكفول عنه على تنفيذ محلّ اللتزام :
-ذهب الحنابلة والصاحبان ( محمد وأبو يوسف ) إلى أنّه ل يشترط لصحة الكفالة أن 22
يكون المكفول عنه قادرا على تسليم المكفول به ،فيصحّ الضمان عن كلّ من وجب عليه
حقّ ،حيّا كان أو ميّتا ،مليئا أو مفلسا ،ترك كفيلً بهذا الدين أو لم يترك ،ففي الحديث :
« أقر النبيّ صلى ال عليه وسلم الكفالة عن ميّت لم يترك وفا ًء ول كفيلً » ،ويؤيّد ذلك
أيضا صحة إبراء المتوفى عن دين وإن لم يترك ما ًل ،وصحة التبرّع بالداء عنه .
وذهب أبو حنيفة إلى أنّه يشترط في المكفول عنه أن يكون قادرا على الوفاء بالمكفول به
إما بنفسه وإما بنائبه ،فل يصحّ عنده ضمان ميّت مدين توفّي ل عن تركة ول عن كفيل
بالدين ; لنّ الميّت في هذه الحال عاجز عن الوفاء ،غير أهل للمطالبة ،والضمان :ضمّ
ذمة إلى ذمة في الدين أو في المطالبة ،ول دين هنا ول مطالبة لنّه بالوفاة عن غير مال
ن الحديث المتقدّم يحمل
ول كفيل تصير ذمته خربةً وغير صالحة لن تشغل بدين ،وعنده أ ّ
على القرار بكفالة سابقة ل على إنشائها ،أو أنّه وعد بالتبرّع وهو جائز عن الميّت .
الرّكن الخامس :محلّ الكفالة :
قد تكون الكفالة بالمال ،ويطلق عليها كثير من الفقهاء :الضمان ،وقد تكون بالنفس ،
ويطلق عليها البعض :كفالة البدن ،وكفالة الوجه .
أولً -كفالة المال :
قد يكون المكفول به دينا ،وقد يكون عينا ،والحكم يتغير في كلّ حالة :
أ -كفالة الدين :
-يشترط الفقهاء لصحة كفالة الدين :أن يكون دينا صحيحا ،وأن يكون واجبا في 23
مثلها أو قيمتها إذا تلفت ،وللفقهاء في حكم كفالة العيان تفصيل يرجع إلى ثبوت الحقّ
في ذمة الصيل أو عدم ثبوته ،وذلك على التفصيل التي :
قد يكون المكفول به من العيان المضمونة سواء كانت مضمونة بنفسها أو مضمونة
بغيرها ،وقد يكون المكفول به أمانةً في يد حائزه ،فهذه حالت ثلث تفصيلها كما يلي :
أ -العين المضمونة بنفسها :
-هي التي يجب على حائزها أن يردها إلى صاحبها إن كانت قائمةً أو يرد مثلها أو 25
قيمتها إن تلفت ،وذلك كالعين المغصوبة أو المقبوضة على سوم الشّراء .
وقد ذهب الحنفية والحنابلة وهو قول عند الشافعية إلى صحة كفالة هذا النوع من العيان
:فيلتزم الكفيل بردّ العين ما دامت قائمةً ،وبر ّد المثل إن كانت مثليةً ،وبردّ القيمة إن
كانت قيمي ًة ،والحكم كذلك عند الحنفية في العين المبيعة بعقد فاسد .
وذهب المالكية وهو قول آخر للشافعية إلى أنّه ل تجوز الكفالة بالعيان ،على أنّه إذا
استحق لزمه عينه ،وإنّما تصحّ إذا ضمن المعين على أنّه إذا تلف بتع ّد أو تقصير التزم
بدفع قيمته أو بر ّد مثله ،وعلى ذلك :إذا ضمن عين المغصوب لم يصح الضمان ،ولكن
إذا كفله على أنّه ملزم بضمانه إذا تعذر ردّه صح الضمان .
ب -العين المضمونة بغيرها :
-وهي التي يجب على حائزها أن يردها إلى صاحبها إن كانت قائمةً ،فإذا هلكت ل 26
يجب أن يرد مثلها أو قيمتها ،بل يجب عليه التزام آخر ،مثال ذلك :المبيع في يد البائع ،
فإنّه مضمون بالثمن ،فإذا هلك سقط الثمن عن المشتري إذا لم يكن دفعه ،ووجب على
البائع ردّه إليه إن كان دفعه ،وكذلك الرهن في يد المرتهن ،فإنّه مضمون بالدين إذا كانت
قيمته تزيد عليه ،وإل كان مضمونا بقدر قيمته من الدين .
وقد ذهب الحنفية والحنابلة إلى أنّ هذا النوع من العيان يجوز ضمان تسليمه فقط ما دام
قائما ،فإذا هلك سقطت الكفالة ،لنّه إذا هلك هلك على صاحب اليد بما هو مضمون به ،
فالمبيع مضمون بالثمن ،وإذا هلك في يد البائع سقط الثمن عن المشتري ،وعند المالكية
ل يصحّ ضمان العيان ،على معنى تسليمها بذاتها ،وقد تقدم في العين المضمونة بنفسها
عرض قولي الشافعية ،فيجريان أيضا في هذه المسألة .
ج -المانة :
-قسم الحنفية العيان التي تعدّ أمانةً في يد حائزها قسمين :قسم يجب على صاحب 27
اليد تسليمه ،بمعنى أنّه ملتزم بأن يسعى إلى تسليمه إلى مالكه ،كالعارية في يد المستعير
والعين المستأجرة في يد المستأجر ،وهذا القسم تجوز الكفالة بتسليمه لوجوب التسليم
على صاحب اليد ،فإذا هلك ل يلزم الكفيل شيء لكونه أمانةً ،والمانة إذا هلكت تهلك
مجانا .والقسم الخر ل يجب على صاحب اليد تسليمه ،بل على المالك أن يسعى إلى
ذلك ،كالودائع وأموال المضاربة ،وهذا القسم ل تجوز الكفالة بتسليمه ،كما ل تجوز
بقيمته ; إذ ليس شيء منهما مضمونا أو واجبا على صاحب اليد ،ول كفالة إل بما هو
واجب .
وذهب المالكية إلى عدم صحة ضمان الودائع والعاريات ومال القراض ،على أنّها إذا تلفت
أتى بعينها ،ولكن إذا ضمنها على أنّها إذا تلفت بتعدّ أو تقصير التزم بدفع القيمة أو ردّ
المثل ،صح الضمان ولزم ; لنّها كفالة معلقة على ثبوت الدين ،وهي جائزة عندهم .
ن العين إذا لم تكن مضمونة على من هي في يده ،كالوديعة والمال
وذهب الشافعية إلى أ ّ
ن الواجب فيها التخلية دون الردّ .
ح ضمانها ; ل ّ
في يد الشريك والوكيل والوصيّ ،فل يص ّ
ن المأنات ،كالوديعة والعين المؤجرة والشركة والمضاربة والعين
وذهب الحنابلة إلى أ ّ
التي يدفعها إلى القصار والخياط ل يصحّ ضمانها إن ضمنها من غير تعدّ فيها ،لنّها غير
مضمونة على من هي في يده ،فكذلك على ضامنه ،أما إن ضمنها إن تعدى فيها فظاهر
كلم أحمد يدلّ على صحة الضمان ،فعلى هذا إن تلفت العين بغير تعدّ ول تفريط لم يلزم
الضأمن شيء ،وإن تلفت بتفريط أو تع ّد لزم الحائز ضمانها ،ولزم ضأمنه ذلك ; لنّها
مضمونة على من هي في يده ،فلزم ضأمنه ،كالغصوب والعواريّ ،وهذا في الحقيقة
ضمان ما لم يجب ،وهو جائز عندهم .
ثانيا -كفالة النفس :
-هي التزام الكفيل بإحضار المكفول إلى المكفول له أو إلى مجلس الحكم أو نحو ذلك ، 28
اختلفوا في جوازها ببدن من عليه ح ّد أو قصاص ،وذلك على التفصيل التي :
ذهب الحنفية إلى جواز الكفالة ببدن من عليه دين ; لنّها مجرد التزام بإحضار من يجب
إحضاره إلى مجلس ينبغي أن يحضره ،ول تتضمن التزاما بدين المكفول إل بالشرط ،كأن
يقول الكفيل :إن لم أحضره إلى مجلس القضاء الفلنيّ في وقت كذا فعلي ما عليه من
الدين .
كما ذهبوا إلى عدم جواز الكفالة ببدن من عليه حدّ خالص ل ،كحدّ الزّنا وشرب الخمر ;
لنّها تندرئ بالشّبهات ،فل يليق بها الستيثاق ،سواء طابت نفس المطلوب بالكفالة أو لم
تطب ،وسواء كان ذلك قبل إقامة البينة أو بعدها ،أما الكفالة ببدن من عليه حدّ فيه حقّ
للعبد ،كحدّ القذف ،أو ببدن من عليه قصاص ،فإنّها تصحّ باتّفاق الحنفية ،إن طابت بها
نفس المطلوب ; لنّه أمكن ترتيب موجبه عليه ،وهو تسليم النفس ; لنّ تسليم النفس
فيهما واجب ،فيطالب به الكفيل ،فيتحقق الضمّ .
وإن لم تطب نفس المطلوب بإعطاء الكفيل بل جبر -في القصاص وحدّ القذف -فل تجوز
الكفالة عند أبي حنيفة ،أي ل يجبر على إعطاء كفيل بنفسه يحضره في مجلس القضاء
لثبات ادّعاء خصمه عليه ،وتجوز الكفالة بالبدن في هذه الحالة عند الصاحبين ،لوجود
حقّ العبد ،فيليق الستيثاق .
ويميّز المالكية بين نوعين من كفالة الوجه :
ضمان الوجه :
-وهو التزام التيان بذات المضمون وإحضاره وقت الحاجة إليه ،وهذا ل يجوز إل إذا 31
بإحضاره ،وقيل :يلتزم بإحضاره ،ولذا صح ضمان الطلب فيمن كان مطلوبا بسبب حقّ
ي ،أو بسبب قصاص ونحوه من الحقوق البدنية من حدود وتعزيرات متعلّقة بآدميّ ،
مال ّ
كأن يقول الكفيل :أنا حميل بطلبه ،أو ل أضمن إل الطلب ،أو ل أضمن إل وجهه ،أو
أضمن وجهه بشرط عدم غرم المال إن لم أجده .
وحاصل كفالة البدن عند الشافعية كما قال المام الغزاليّ :التزام إحضار المكفول ببدنه ،
فكلّ من يلزمه حضور مجلس الحكم عند الستعداء ،أو يستحقّ إحضاره ،تجوز الكفالة
ي كمدين وأجير وكفيل ،وببدن من
ببدنه ،فتجوز الكفالة ببدن من عليه حقّ ماليّ لدم ّ
ح قطعا ،ول
ي كالقصاص وحدّ القذف -على الظهر -وقيل :ل تص ّ
عليه عقوبة آدم ّ
تصحّ الكفالة ببدن من عليه ح ّد ل تعالى كالزّنا والخمر -على المذهب -وقيل :قولن .
فإن كفل بدن من عليه مال لم يشترط العلم بقدره ; لعدم لزومه للكفيل ،ولكن يشترط أن
يكون مما يصحّ ضمانه .
وتصحّ الكفالة ببدن صبيّ ومجنون بإذن وليّهما ; لنّه قد يستحقّ إحضارهما لقامة الشهادة
على صورتهما في التلف وغيره ،وببدن محبوس وغائب ،وإن تعذر تحصيل الغرض في
الحال ،وببدن ميّت قبل دفنه ليشهد على صورته بإذن الوارث .
والقاعدة :أنّ كل دين ،لو ادّعي به على شخص عند حاكم لزمه الحضور له تصحّ الكفالة
ببدن من هو عليه .
ي إلى ربّه ،سواء من كان
وذهب الحنابلة إلى صحة اللتزام بإحضار من عليه حقّ مال ّ
عليه الحقّ حاضرا أو غائبا ،ولذا صحت الكفالة ببدن من عليه دين لزم ،معلوما كان
الدين -للكفيل -أو مجهولً ،ول يمنع من جوازها أن يكون المكفول محبوسا عند الحاكم
،إذ المحبوس عنده يمكن تسليمه بأمر الحاكم .
ي ،كحدّ
ول تصحّ الكفالة ببدن من عليه حدّ ل - ،كحدّ الزّنا ،أو ببدن من عليه حدّ لدم ّ
القذف ،لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه مرفوعا « :ل كفالة في حدّ » ; ولنّ
مبناه على السقاط والدرء بالشّبهة ،فل يدخله الستيثاق ول يمكن استيفاؤه من غير
ح الكفالة ببدن من عليه قصاص ; لنّه بمنزلة الحدّ ،وتصحّ الكفالة
الجاني ،ول تص ّ
ي والمجنون ،وببدن المحبوس والغائب .
بالصب ّ
وتصحّ الكفالة -عندهم -مع اشتراط أن يضمن المال إذا لم يحضر المكفول ،وتصحّ
الكفالة حالةً ومؤجلةً ،كما صح الضمان كذلك .
آثار الكفالة :
أولً :علقة المكفول له بالكفيل :
يختلف المر فيما إذا كانت الكفالة بالمال أو بالنفس .
أ -كفالة المال :
قد يكون المال المكفول به دينا ،وقد يكون عينا .
أولً -كفالة الدين :
يتعلق بكفالة الدين أحكام هي :
حقّ المطالبة :
-ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أنّ الدائن المكفول له يستطيع أن يطالب الكفيل 33
بأداء الدين عند حلوله دون أن يتقيد بتعذّر مطالبة الصيل المكفول عنه ،كما يستطيع أن
يطالب الصيل به عند حلول أجله عليه ; لنّ ذمة كلّ منهما مشغولة بالدين جميعه ،فكان
له مطالبة أيّهما شاء اجتماعا وانفرادا .
أما المالكية فعندهم رواية -جرى عليها العمل في بعض البلد -وهو الظهر ،تقرّر نفس
الحكم .
وعندهم رواية أخرى ل تجيز للدائن المكفول له أن يطالب الكفيل بالدين المكفول به إذا كان
الدين حا ًل والصيل حاضر موسر ليس ذا لدد في الخصومة ول مماطلًا في الوفاء ،أو كان
الصيل غائبا وله مال حاضر ظاهر يمكن الستيفاء منه بدون بعد ومشقة ،وهذا إذا لم يكن
قد اشترط في عقد الكفالة أن يأخذ بالحقّ من أيّهما شاء ،وذلك أنّ الدين إنّما وجب ابتداءً
على الصيل ،والكفالة وثيقة فل يستوفى الحقّ منها إل عند تعذّر استيفائه من الصيل ،
كالرهن .
تعدّد الكفلء :
-للدائن المكفول له أن يطالب كل واحد من الكفلء بكلّ الدين إذا كانت كفالتهم على 34
التعاقب ،ويكون الكفيل الول بالنّسبة للكفيل الثاني كالصيل بالنّسبة للكفيل المنفرد ; لنّ
كل واحد منهم كفيل بكلّ الدين فل يؤثّر في ضمانه أن يضمنه غيره ،وإذا تعدد الكفلء
بالدين في عقد واحد ،فإنّ الدين ينقسم عليهم بحسب رءوسهم -عند الحنفية والمالكية
والحنابلة ،وفي قول عند الشافعية -لنّ الضأمن للدين مجموعهم ،فصاروا في ضمانه
شركاء ،والمكفول به يقبل النقسام ،فوجب أن ينقسم عليهم .
والقول الخر للشافعية :أنّ للدائن قبل كلّ واحد منهم من الحقوق ما له قبل الكفيل
ل بكلّ الدين .
المنفرد ،إذ يعدّ كلّ واحد منهم كفي ً
ن الدائن لو اشترط حمالة بعضهم عن بعض ،كان له أخذ جميع حقوقه من
وزاد المالكية أ ّ
أحدهم إن غاب غيره أو افتقر فصار معدما ،أما إن حضروا جميعا ملءً فإنّه يتبع كل واحد
منهم بحصته فقط حسب انقسام الدين عليهم .
زمان ومكان وموضوع المطالبة :
-يتحدد التزام الكفيل بما كان يلتزم به الصيل من دين ،فيؤدّيه في الزمان والمكان 35
المتفق عليهما ،وذلك مع مراعاة ما تضمنه عقد الكفالة من الشّروط ،ومع مراعاة ما
تقدم بيانه في صيغة الكفالة من تنجيز أو تعليق أو إضافة إلى أجل أو تأقيت أو اقتران
بشرط .وإذا مات الكفيل بالدين المؤجل حل الدين بموته عند الحنفية ما عدا زفر ،
ق مطالبة الورثة
ن ذمته خربت ،وثبت للدائن ح ّ
والشافعية ،وفي رواية عند الحنابلة ; ل ّ
بالدين من تركته .وفي المشهور من مذهب أحمد :أنّ الدين ل يحلّ بالموت إذا ما وثقه
الورثة برهن أو كفيل .وذهب المالكية إلى أنّه إذا مات الضامن قبل حلول أجل الدين ،
ق نفسه ،وخيّر الطالب بين بقائه إلى حين حلول الجل ومن ثم يطالب
انتهى ضمانه في ح ّ
الصيل ،وبين أن يتعجل استيفاء حقّه فيأخذه من تركة الضامن ،حتى لو كان الصيل
حاضرا مليئا لعدم حلول أجله ،أما إذا مات الضامن عند حلول الجل أو بعده فل يؤخذ
الدين من التركة إذا كان المدين حاضرا مليئا ،وإنّما يؤخذ منها إذا كان غائبا معدما ،أو ل
يستطاع الستيفاء منه بدون مشقة .
حقوق الكفيل قبل الدائن :
-إذا كان الضمان بإذن الصيل كان للكفيل الحقّ في مطالبة الدائن -إذا ما توفّي 36
الصيل قبل الوفاء -أن يأخذ من تركة مدينه ما يفي بدينه ،أو ما يخصّه منها عند
المزاحمة ،أو يبرئه ،ليتجنّب بذلك احتمال تلفها وعدم الرّجوع فيها إذا ما وفى الدين من
ماله ،ويثبت هذا الحقّ للضامن عندما يفلّس الصيل ،فيطلب الدائن بيع مال الصيل
ليستوفي دينه أو ما يخصّه عند المزاحمة ،وذلك قبل الرّجوع عليه .
ن المدين
وذهب المالكية إلى أنّ للضامن -إذا ما طالبه الدائن بالدين -أن يدفع طلبه بأ ّ
حاضر موسر فيجب مطالبته أولً ،أو بأنّ للمدين مالً حاضرا يمكن الوفاء منه بدون
مشقة ،وإن لم يكن المدين حاضرا ،وللضامن -عندهم -حقّ العتراض على تأجيل
الدائن الدين للمدين عند يساره ،فيخير الدائن بين أمرين :إما عدوله عن التأجيل ،وإما
إمضاؤه التأجيل وإبراؤه من الكفالة .
كذلك للضامن أن يلزم الدائن بمطالبة المدين بالدين إذا ما حل أجله ،خشية أن يموت أو
يفلس إذا كان المدين قادرا على الوفاء ،وإل أسقط الكفالة .
ثانيا -كفالة العين :
ن الكفيل إذا كفل عينا مضمونة بنفسها -فإنّه يلتزم
-ذهب الحنفية والحنابلة إلى أ ّ 37
بتسليمها ما دامت قائمةً ،وإن هلكت ألزم بردّ المثل إن كانت مثليةً أو بدفع القيمة إن كانت
قيميةً .
وإذا كفل عينا مضمونة بغيرها ،فل يجب عليه إل تسليمها إن كانت قائمةً ،وإن هلكت
سقطت الكفالة ول يلزمه شيء .
وإذا كفل أمانةً واجبة التسليم ،فإنّه يلتزم بتسليمها إن كانت قائمةً ،وإن هلكت ل يلزمه
شيء ،وإذا كفل بأمانة غير واجبة التسليم فل يلزمه شيء .
وذهب المالكية إلى أنّ الكفيل إذا ضمن العين على أنّها إذا تلفت بتعدّ أو تقصير التزم بردّ
المثل أو دفع القيمة ،يكون ملزما بهذا الضمان ،أما إذا ضمن تسليمها بذاتها ،فل يلزمه
شيء .
وذهب الشافعية على القول بصحة كفالة العيان المضمونة إلى أنّ الضأمن يلتزم بتسليمها
إن كانت قائمةً ،فإن هلكت فعندهم وجهان :أولهما يوجب ضمانها على الكفيل ،والخر ل
يضمنه وتنتهي الكفالة .
ب -كفالة النفس :
ن الكفالة بالنفس يترتب عليها وجوب التخلية بين الطالب
-ذهب الحنفية إلى أ ّ 38
والمكفول في موضع يقدر الطالب فيه على إحضاره مجلس القضاء ،إذ يحصل بذلك
مقصود العقد ،وهو استيفاء الحقّ أمام القاضي ،فإذا قام بذلك انتهت الكفالة ،وبناء على
ذلك :لو سلم الكفيل المطلوب في صحراء ،فل يكون قد أوفى بالتزامه ،ولكن لو سلمه
في مصر ،فإنّه يخرج بهذا التسليم من الكفالة ،حتى لو قيّدت بالتسليم في مجلس القاضي
،إذ الغرض من الكفالة تسليم المطلوب في مكان يتمكن فيه من إحضاره مجلس القاضي ،
فل يتقيد بمكان خلف مجلسه ; لعدم الفائدة من التقييد .
ولو شرط في الكفالة أن يسلّمه في مصر معين ،فسلمه في مصر آخر ،خرج من الكفالة
ص ،فل يتقيد بقاض
عند أبي حنيفة ; لنّ المقصود هو الوصول إلى الحقّ أمام قاض مخت ّ
ن الكفيل ل يخرج بذلك التسليم من الكفالة ; لنّ الطالب
دون آخر ،وذهب الصاحبان إلى أ ّ
وضع شرطا معتبرا وهو يقصد اللزام به ،فقد تكون حجته وبينته في هذا المصر دون
غيره .
ولو تعدد الكفلء بالنفس فأحضر المطلوبَ أحدهم ،برئ الجميع إن كانت الكفالة بعقد
واحد; لنّ المكفول فيها فعل واحد -هو إحضاره -فيتمّ بأحدهم ،وإن كانت الكفالة بعقود
ن المكفول حينئذ أفعال متعدّدة بعددهم ،
متعدّدة بعددهم ،لم يبرأ إل من يحضر المطلوب ; ل ّ
ل لغيره .
ففعل أحدهم ل يعدّ فع ً
ق له أن يطلب مهل ًة إذا كان
ويلتزم الكفيل بإحضار المطلوب في الوقت المعين ،ول يح ّ
محلّ المطلوب معلوما ،فإذا لم يحضره أجبر على ذلك ; لنّه امتنع عن أداء حقّ لزم عليه
ن مقتضى كفالة البدن -عند الحنفية -مجرد اللتزام
،ولكن ل يلزمه دين المطلوب ; ل ّ
بالحضار ،إل إذا شرط ذلك في العقد كأن يقول :إن لم أحضره ..فعلي ما عليه من
الدين ،فيلزمه الدين ،ول يبرأ من الكفالة بالنفس إن كان قادرا على إحضاره ،وإذا رفض
المطلوب مطاوعة الكفيل بتسليم نفسه ،كان له مراجعة الحاكم ليعينه بأعوانه ،وهذا إذا
كانت الكفالة بأمر من المطلوب ،فإن لم تكن بأمره ،فل يملك الكفيل إل إرشاد المكفول له
إلى مكانه ،ثم يخلّي بينهما .
وإذا ارتد المكفول ولحق بدار الحرب ،لم يخرج الكفيل من الكفالة ; لنّ لحاقه بدار
ق نفسه فهو
الحرب إنّما اعتبر كموته حكما في حقّ أمواله وقسمتها بين ورثته ،أما في ح ّ
مطالب بالتوبة والرّجوع وتسليم نفسه إلى خصمه ،فيبقى الكفيل على كفالته ،ويمهله
القاضي مد ًة مناسبةً .
وإذا مات المكفول به برئ الكفيل بالنفس من الكفالة ; لنّه عجز عن إحضاره ; ولنّه سقط
الحضور عن الصيل فيسقط الحضار عن الكفيل ،وكذا إذا مات الكفيل لنّه لم يعد قادرا
على تسليم المكفول بنفسه ،وماله ل يصلح ليفاء هذا الواجب بخلف الكفيل بالمال ،ولو
ي أن يطالب الكفيل ،فإن لم يكن فلوارثه لقيامه مقام الميّت .
مات المكفول له فللوص ّ
وذهب المالكية إلى أنّ الكفيل بضمان الوجه يلتزم بتسليم المطلوب بعد حلول الدين في
مكان يقدر فيه الطالب على خلص دينه منه أمام القضاء ،فيبرأ من الكفالة إذا سلمه في
مكان به حاكم أو قاض ،وإن لم يكن بالبلد الذي حدث به الضمان ،كما يبرأ إذا سلم
المطلوب نفسه للدائن بعد حلول دينه إن أمره الضامن بذلك ،فإن كان التسليم قبل حلول
الدين ،أو بعده من غير أمر الكفيل ،لم يبرأ الضامن من الكفالة .
والمشهور في المذهب :أنّه إذا لم يحضر الضامن المضمون في الوقت المعين ،فإنّه يلزم
بما عليه من الدين من بعد تلوّم " إمهال " خفيف -كاليوم -إن قربت غيبة الغريم ،وبل
تلوّم إن بعدت غيبته ،وذهب ابن عبد الحكم إلى القول بعدم الضمان ،وأنّه ل يلتزم إل
بإحضاره .
ن المطلوب كان معسرا عند حلول الجل ،فل يلزمه الضمان خلفا لبن
وإذا أثبت الكفيل أ ّ
رشد ،وكذلك ل يلتزم بالضمان إذا أثبت أنّ المكفول قد مات قبل الحكم عليه بالغرم ; لنّ
النفس المضمونة قد ذهبت ،أما إن ثبت موته بعد الحكم فالغرم ماض .
أما ضمان الطلب :فل يلتزم فيه الكفيل إل بطلب الغريم بما يقوى عليه ،فإن ادعى أنّه لم
يجده صدّق ،وحلف أنّه ما قصر في طلبه ول يعلم موضعه ،فإذا نكل عن اليمين غرم .
وكذلك يغرم إذا فرط في التيان به ،أو في الدللة عليه عند علمه بموضعه حتى تمكن من
الهرب .
ن الكفيل بالبدن يلتزم بإحضار الغريم وتسليمه في المكان المعين
وذهب الشافعية إلى أ ّ
بالعقد إن كان صالحا ،وإل تعين مكان الكفالة إن صلح ،وقيد بلد التسليم معتبر تجب
مراعاته ،ويجوز للمكفول له أن يرفض التسليم في غيره ،ولو عين مكان محدد في البلد
ففي المهذب :إن أحضره في غير الموضع الذي شرط فيه التسليم فإن كان عليه ضرر
بقبوله فيه ،أو كان له غرض في ردّه ،لم يلزمه قبوله ،وإن لم يكن عليه ضرر وليس له
غرض وجب قبوله ،فإن لم يتسلمه أحضر الكفيل المطلوب عند الحاكم ليتسلم عنه ويبرأ .
ويبرأ الكفيل إذا سلم الغريم في مكان التسليم بل حائل يمنع الطالب منه ،كمتغلّب يمنعه
منه ،وإل فل يبرأ .وكذلك يبرأ من الكفالة إذا سلم المكفول نفسه ،مظهرا أنّه يسلّم نفسه
براء ًة للكفيل ،ول يكفي مجرد حضوره دون إظهار ذلك .
وإذا غاب المطلوب لم يلزم الكفيل بإحضاره إن جهل مكانه لقيام عذره ،فإن علم مكانه
لزمه إحضاره عند أمن الطريق ،ويمهل مدة الذهاب والياب على العادة ،فإن مضت ولم
يحضره حبس ما لم يؤدّ الدين لنّه مقصّر ،وقيل :إن كانت غيبته مسافة قصر لم يلزم
إحضاره ،والصحّ :أنّه إذا مات المكفول أو هرب أو توارى ولم يعرف مكانه لم يطالب
الكفيل بما عليه من الدين ،ومقابل الصحّ :أنّه يغرم ،والصحّ :أنّه لو شرط في الكفالة
تغريم الكفيل المال عند عدم إحضار المكفول بطلت ; لنّه شرط ينافي مقتضاها ،ومقابل
الصحّ :أنّ الكفالة تصحّ مع هذا الشرط .
ومذهب الحنابلة :أنّ الكفالة بالنفس إذا وقعت مطلقةً عن المكان تعين إحضار المكفول في
محلّ الكفالة ،فإن تعين المكان بالعقد وجب إحضاره فيه ،وإذا سلم المكفول نفسه في
زمان التسليم ومكانه برئ الكفيل بذلك كما يبرأ الكفيل بموت المكفول .
وإذا غاب المكفول ،وعلم الكفيل بمكانه ،أمهل بقدر ما يمضي إلى هذا المكان ويحضره ،
فإن مضى إليه ولم يحضره لتواريه أو هربه أو امتناعه ،لزمه ما عليه من الدين ،إل إذا
شرط البراءة من المال ،وإن لم يعلم مكانه لزمه ما على المكفول من الدين لتقصيره في
تقصّي حاله ،فكان بسبب ذلك متلفا .
وإذا ضمن شخص لخر معرفة إنسان ،كأن جاء إنسان إلى آخر يستدين منه -مثلً -
فقال له :ل أعرفك فل أعطيك ،فجاء شخص وضمن له معرفته ،فداينه ،ثم غاب
المستدين أو توارى ،أخذ الضأمن بالدين ،ما لم يعرّف الدائن بالمدين .
ثانيا :علقة الكفيل بالمكفول عنه :
-إذا كانت الكفالة بأمر المدين ،فإنّ الكفيل يحقّ له أن يطالبه بتخليصه من الكفالة ، 39
بتخليصه من الكفالة إذا طالبه الدائن بالدين ،وذلك بأن يؤدّي الدين للدائن ،ويثبت له
الحقّ كذلك في ملزمته إذا لزمه الدائن ،والحقّ في المطالبة بحبسه إذا ما طالب الدائن
ن المدين هو الذي أوقعه فيما صار إليه ،فحق له أن
بحبس الكفيل ،وإنّما كان له ذلك ل ّ
يعامله بمثل ما يعامل به .
وأما إذا كانت الكفالة بغير أمر المدين فليس للكفيل الحقّ في مطالبته بذلك ،لنّه متبرّع
ق إلزام غيره بما التزم به .
بالكفالة وبما يترتب عليها ،فل يثبت له ح ّ
وذهب المالكية إلى أنّ للضامن الحق في مطالبة المضمون بدفع ما عليه من الدين إلى
ق له أن يجبره على ذلك عند حلول الجل ،سواء طالبه
الدائن ليخلص من الضمان ،ويح ّ
الدائن أو ل ،وسواء كانت الكفالة بإذن المدين أو بغير إذنه ،وليس للضامن أن يطالب
ن المدين ل يبرأ بالدفع إليه .
المدين بتسليم ما به الوفاء إليه ليدفعه إلى الدائن ; ل ّ
ق له أن يطالبه
وذهب الشافعية إلى أنّ الضأمن إذا ضمن من غير إذن المضمون ،ل يح ّ
بتخليصه من الكفالة ; لنّه لم يدخل في الضمان بإذنه ،فل يلزمه تخليصه منه ،وإن
ضمن بإذن المدين ،ثم طالبه الدائن ،جاز له مطالبته بأن يخلّصه من الكفالة ; لنّه إذا
جاز له أن يغرّمه إذا غرم جاز له كذلك أن يطالبه بتخليصه من الكفالة إذا طولب ،وإن
ح أنّه ل يستطيع مطالبة المدين ; لنّه لما لم
ضمن بإذن المدين ،ولم يطالبه الدائن ،فالص ّ
يكن له أن يغرّمه قبل أن يغرم لم يكن له أن يطالبه قبل أن يطالب ،ومقابل الصحّ في
ن له حق مطالبته بتخليصه ،لنّه شغل ذمته بالدين بإذنه ،فجاز له أن يطالبه
المذهب :أ ّ
بتفريغ ذمته منه ،كما إذا أعاره عينا ليرهنها ،كان له أن يطالب المستعير بتخليصها .
وعند الحنابلة :إذا ضمن عن رجل بإذنه ،فطولب الضامن ،فله مطالبة المضمون عنه
بتخليصه ; لنّه لزمه الداء عنه بأمره ،فكان له المطالبة بتبرئة ذمته ،وإن لم يطالب
الضامن لم يملك مطالبة المضمون عنه ; لنّه لما لم يكن له الرّجوع بالدين قبل غرامته ،
ن له المطالبة ; لنّه شغل ذمته
لم يكن له المطالبة به قبل طلبه منه ،وفيه وجه آخر :أ ّ
بإذنه ،فكانت له المطالبة بتفريغها ،كما لو استعار عينا فرهنها ،كان لصاحبها مطالبته
بفكاكها وتفريغها من الرهن .
ب -رجوع الضامن على المدين :
-ل خلف بين الفقهاء في أنّ الضأمن ل يحقّ له أن يطلب من المدين أن يسلّمه ما به 41
الول :أن تكون الكفالة بأمر المدين ،إذا كان ممن يجوز إقراره بالدين على نفسه ،فلو
كان المدين صبيّا مميّزا أو محجورا عليه لعته أو سفه ،فل يثبت للكفيل حقّ الرّجوع ; لنّ
ي والمحجور عليه ل يتعلق
الكفالة بالمر في حقّ المكفول عنه استقراض واستقراض الصب ّ
به الضمان .
والثاني :أن يتضمن كلم المدين ما يدلّ على أمر الضامن بأن يقوم بالضمان عنه ،كأن
يقول :اضمن عنّي ،فإذا قال له :اضمن الدين الذي في ذمتي لفلن ،دون أن يضيف
ن هذا المر ل يتضمن طلب
الضمانلنفسه ،لم يكن للكفيل حقّ الرّجوع عليه عند الداء ; ل ّ
ن الداء تم بناء على المر بالضمان ،وهو
إقراض ،وقال أبو يوسف :يرجع مطلقا ; ل ّ
يقتضي أن يكون نائبا عنه في الداء مطلقا .
ن حق الرّجوع قد ثبت بناء
والثالث :أن يترتب على أداء الكفيل إبراء ذمة المكفول ; ل ّ
على نيابة الكفيل عن المدين في أداء الدين ،وعلى ذلك لو أدى الكفيل الدين للدائن ،وهو
ن المدين قد قام بأدائه ،لم يكن له حقّ الرّجوع على المدين بما أدى ،وإنّما
ل يعلم أ ّ
يستر ّد ما دفعه ممن دفعه إليه .
وذهب المالكية إلى أنّ الضأمن إذا أدى دين المضمون ثبت له حقّ الرّجوع على
المضمون ،سواء أكانت الكفالة بإذنه أم كانت بدون إذنه ،حتى لو أدى عن صغير بغير
إذن وليّه ،فله أن يرجع بما أدى في مال الصغير ،وذلك لنّه قام بوفاء ما كان واجبا على
الصيل ،فيرجع بما غرم في هذه السبيل .
وذهب الشافعية إلى أنّ للضامن الذي أدى الدين حق الرّجوع على المضمون إن وجد إذنه
في الضمان والداء جميعا ،وليس له حقّ الرّجوع إن انتفى إذنه فيهما ،فإن أذن الصيل
في الضمان فقط وسكت عن الداء ،رجع الكفيل عليه في الصحّ ; لنّه أذن له في سبب
ن الغرم حصل بغير إذن ،وإن أذن
الغرم ،ومقابل الصحّ :ل يثبت له حقّ الرّجوع ; ل ّ
الصيل في الداء ولم يأذن في الضمان ل يرجع الكفيل عليه في الصحّ ; لنّ الغرم
بالضمان ولم يأذن فيه ،ومقابل الصحّ :يثبت للكفيل حقّ الرّجوع على الصيل ; لنّه
أسقط الدين عنه بإذنه .
وذهب الحنابلة إلى أنّ الضأمن الذي أدى الدين المضمون بنية الرّجوع به على المدين ،له
أربعة أحوال :
الحالة الولى :أن يكون الضامن قد ضمن بإذن المدين ،ثم أوفاه كذلك ،فله حقّ
الرّجوع ،سواء قال له :اضمن عنّي وأ ّد عنّي ،أو أطلق الذن بالضمان والداء فلم يضفه
إلى نفسه .الحالة الثانية :أن يكون الضامن قد ضمن بإذن المدين ،ولكنّه أدى بدون
ن الذن في الضمان يتضمن الذن في الداء عرفا .
إذنه ،فله حقّ الرّجوع أيضا ; ل ّ
الحالة الثالثة :أن يكون الضامن قد ضمن بدون إذن المدين ،ولكنّه أدى الدين بإذنه ،فله
ن أذن المدين بالداء يدلّ على أنّه أراد أن يقوم الكفيل عنه فيه .
كذلك حقّ الرّجوع ; ل ّ
الحالة الرابعة :أن يكون الضامن قد ضمن بدون إذن المدين ،ثم أدى بدون إذن منه ،
ففيه روايتان :إحداهما :يرجع بما أدى ; لنّه أداء مبرئ من دين واجب ،فكان من
ضمان مَنْ هو عليه ،وقيام النسان بقضاء ما هو واجب على غيره يستلزم حق رجوعه
ي صلى ال
عليه ما لم يكن متبرّعا ،والرّواية الخرى :ل يرجع بشيء لنّ صلة النب ّ
ن ذمته برئت من الدين ،ولو
عليه وسلم على الميّت المدين ،بعد ضمان دينه تدلّ على أ ّ
كان للضامن حقّ الرّجوع على المدين بمجرد ضمانه من غير إذنه ما برئت ذمة الميّت .
ثانيا -كيفية الرّجوع :
ن الكفيل الذي له حقّ الرّجوع يرجع على المكفول عنه بما أدى ،
-ذهب الحنفية إلى أ ّ 43
بالنّسبة للدين كلّه ،وبرئت ذمة الصيل إزاء دائنه من الجزء الذي تم عليه الصّلح ،
). 39 ويرجع الكفيل على المدين وفقا للشّروط وللحكام التي تقدم بيانها ( ر :ف /
ثانيا -البراء :
-إذا أبرأ الدائن الكفيل من التزامه ،فإنّه هذا البراء يع ّد منه تنازلً عن الكفالة ، 47
البراءة منها ،أو انقضت مدة الكفالة المؤقتة ،أو نحو ذلك ،فإنّ الكفالة تنتهي بالنّسبة
). 7 للكفيل ،دون أن تبرأ ذمة الصيل نحو دائنه ( ر :ف /
رابعا -موت الكفيل بالبدن :
ن الكفالة تنتهي ; لنّه لم
-إذا مات الكفيل في ضمان الوجه أو في ضمان الطلب ،فإ ّ 49
يبق قادرا على إحضار المكفول بنفسه ،ول التفتيش عنه أو الدللة عليه .
خامسا -تسليم العين المكفولة :
-إذا سلم الكفيل العين المضمونة بنفسها إن كانت قائم ًة ،أو رد مثلها أو دفع قيمتها 50
إن كانت هالكةً ،فإنّه يبرأ من التزامه ،وتنتهي الكفالة بذلك .
*******************