You are on page 1of 317

‫‪1‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫بسم ال الرحن الرحيم‬

‫بشرح كتاب التوحيد‬

‫تأليف‬
‫المام عبد الرحن بن حسن بن شيخ السلم ممد بن عبد الوهاب‬
‫رحهم ال تعال‬

‫( حقوق النشر لكل مسلم )‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪2‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫مقدمة الشارح‬
‫بسم ال الرحن الرحيم‬
‫وبه نستعي وعليه التكلن‬

‫المد ل رب العالي‪ ،‬والعاقبة للمتقي‪ ،‬ول عدوان إل على الظالي‪ ،‬كالبتدعة والشركي‪ ،‬وأشهد أن‬
‫ل إله إل ال وحده ول شريهك له‪ ،‬إله الوليه والخريهن‪ ،‬وقيوم السهماوات والرضيه‪ .‬وأشههد أن‬
‫ممدا عبده ورسوله‪ ،‬وخيته من خلقه أجعي‪.‬‬

‫الل هم صل على م مد وعلى آل م مد وأ صحابه و من تبع هم بإح سان إل يوم الد ين‪ ،‬و سلم ت سليما‬
‫كثيا‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫فإن كتاب التوحيد الذى ألفه المام شيخ السلم ممد بن عبد الوهاب أجزل ال له الجر والثواب‪،‬‬
‫وغفر له ولن أجاب دعوته إل يوم يقوم الساب‪ ،‬قد جاء بديعا ف معناه من بيان التوحيد بباهينه‪،‬‬
‫وجع جل من أدلته ليضاحه وتبيينه‪ .‬فصار علما للموحدين‪ ،‬وحجة على اللحدين‪ .‬فانتفع به اللق‬
‫الكث ي‪ ،‬وال م الغف ي‪ .‬فإن هذا المام رح ه ال ف مبدأ منشئه قد شرح ال صدره لل حق ال بي‪ ،‬الذى‬
‫بعث ال به الرسلي‪ :‬من إخلص العبادة بميع أنواعها ل رب العالي‪ ،‬وإنكار ما كان عليه الكثي من‬
‫شرك الشركي‪ ،‬فأعلى ال هته‪ ،‬وقوى عزيته‪ ،‬وتصدى لدعوة أهل ند إل التوحيد‪ ،‬الذى هو أساس‬
‫ال سلم واليان‪ ،‬ونا هم عن عبادة الشجار والحجار والقبور‪ ،‬والطواغ يت والوثان‪ ،‬و عن اليان‬
‫بالسحرة والنجمي والكهان‪.‬‬

‫فأبطل ال بدعوته كل بدعة وضللة يدعو إليها كل شيطان‪ ،‬وأقام ال به علم الهاد‪ ،‬وأدحض به شبه‬
‫العارضي من أهل الشرك والعناد‪ ،‬ودان بالسلم أكثر أهل تلك البلد‪ ،‬الاضر منهم والباد وانتشرت‬
‫دعو ته ومؤلفا ته ف الفاق‪ ،‬ح ت أ قر ال له بالف ضل من كان من أ هل الشقاق‪ .‬إل من ا ستحوذ عل يه‬
‫الشيطان‪ .‬وكره إل يه اليان‪ ،‬فأ صر على العناد والطغيان‪ .‬وقد أ صبح أ هل جزيرة العرب بدعوته‪ ،‬ك ما‬
‫قال قتادة رحه ال عن حال أول هذه المة إن السلمي لا قالوا ( ل إله إل ال) أنكر ذلك الشركون‬
‫وكبت عليهم‪ ،‬وضاق با إبليس‪ ،‬وجنوده‪ .‬فأب ال إل أن يضيها ويظهرها‪ ،‬ويفلجها وينصرها على‬
‫من ناوأها‪ ،‬إنا كلمة من خاصم با فلج‪ ،‬ومن قاتل با نصر‪ ،‬إنا يعرفها أهل هذه الزيرة الت يقطعها‬
‫الراكب ف ليال قلئل‪ ،‬ويسي من الدهر‪ ،‬ف فئام من الناس‪ ،‬ل يعرفونا ول يقرون با ‪.‬‬

‫وقد شرح ال صدور كثي من العلماء لدعوته‪ ،‬وسروا واستبشروا بطلعته‪ ،‬وأثنوا عليه نثرا ونظما‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪3‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫فمن ذلك ما قاله عال صنعاء‪ :‬ممد بن إساعيل المي ف هذا الشيخ رحه ال تعال‪:‬‬

‫يعد لنا الشرع الشريف با يبدى‬ ‫وقد جاءت الخبار عنه بأنه‬
‫ومبتدع منه‪ ،‬فوافق ما عندى‬ ‫وينشر جهرا ما طوى كل جاهل‬
‫مشاهد‪ ،‬ضل الناس فيها عن الرشد‬ ‫ويعمر أركان الشريعة هادما‬
‫يغوث وود‪ ،‬بئس ذلك من ود‬ ‫أعادوا با معن سواع ومثله‬
‫كما يهتف الضطر بالصمد الفرد‬ ‫وقد هتفوا عند الشدائد باسها‬
‫أهلت لغي ال جهرا على عمد‬ ‫وكم عقروا ف سوحها من عقية‬
‫ومستلم الركان منهن باليدى‬ ‫وكم طائف حول القبور مقبل‬

‫وقال شيخنا عال الحساء أبو بكر حسي بن غنام رحه ال تعال فيه‪:‬‬

‫بوقت به يعلى الضلل ويرفع‬ ‫لقد رفع الول به رتبة الدى‬


‫وعام بتيار العارف يقطع‬ ‫سقاه ني الفهم موله فارتوى‬
‫وأوهى به من مطلع الشرك مهيع‬ ‫فأحيا به التوحيد بعد اندراسه‬
‫سواه ول حاذى فناها سيذع‬ ‫سا ذروة الجد الت ما ارتقى لا‬
‫يشيد ويي ما تعفى‪ ،‬ويرفع‬ ‫وشرف منهاج سنة أحد‬
‫أمرنا إليها ف التنازع نرجع‬ ‫يناظر باليات والسنة الت‬
‫ثغرها وأمسى مياها يضىء ويلمع‬ ‫فأضحت به السمحاء يبسم‬
‫كان مسلوكا به الناس ترتع‬ ‫وعاد به نج الغواية طامسا وقد‬
‫وحق لا باللعى ترفع‬ ‫وجرت به ند ذبول افتخارها‬
‫وأنواره فيها تضىء وتلمع‬ ‫فأثاره فيها سوام سوافر‬

‫وأ ما كتا به الذكور فموضو عه ف بيان ما ب عث به ال ر سله‪ :‬من توح يد العبادة‪ ،‬وبيا نه بالدلة من‬
‫الكتاب والسنة‪ ،‬وذكر ما ينافيه من الشرك الكب أو يناف كماله الواجب‪ ،‬من الشرك الصغر ونوه‪،‬‬
‫وما يقرب من ذلك أو يوصل إليه‪.‬‬

‫وقد تصدى لشرحه حفيد الصنف‪ ،‬وهو الشيخ سليمان بن عبد ال رحه ال تعال فوضع عليه شرحا‬
‫أجاد فيه وأفاد‪ ،‬وأبرز فيه من البيان ما يب أن يطلب منه ويراد‪ ،‬وساه تيسي العزيز الميد‪ ،‬ف شرح‬
‫كتاب التوحيد ‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪4‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وحيث أطلق شيخ السلم فالراد به أبو العباس أحد بن عبد الليم بن عبد السلم بن تيمية‪ ،‬و الافظ‬
‫فالراد به أحد بن حجر العسقلن‪.‬‬

‫ولا قرأت شرحه رأيته أطنب ف مواضع‪ ،‬وف بعضها تكرار يستغن بالبعض منه عن الكل‪ ،‬ول يكمله‪.‬‬
‫فأخذت ف تذي به وتقري به وتكميله‪ ،‬ورب ا أدخلت ف يه ب عض النقول ال ستحسنة تتميما للفائدة و سيته‬
‫فتح الجيد بشرح كتاب التوحيد ‪.‬‬

‫ل من سعى‬
‫وأسأل ال أن ينفع به كل طالب للعلم ومستفيد‪ ،‬وأن يعله خالصا لوجهه الكري وموص ً‬
‫فيه إل جنات النعيم‪ ،‬ول حول ول قوة إل بال العلى العظيم‪.‬‬

‫قال الصنف رحه ال تعال‪( :‬بسم ال الرحن الرحيم) ‪:‬‬

‫ابتدأ كتا به بالب سملة اقتداء بالكتاب العز يز وعملً بد يث " كل أ مر ذى بال ل يبدأ ف يه بب سم ال‬
‫الرحن الرحيم فهو أقطع" أخرجه ابن حبان من طريقي‪ .‬قال ابن صلح‪ :‬والديث حسن‪ .‬ولب دواد‬
‫وابن ماجه " كل أمر ذى بال ل يبدأ فيه بالمد ل أو بالمد فهو أقطع " ولحد " كل أمر ذى بال‬
‫ل يفتتح بذكر ال فهو أبتر أو أقطع " وللدارقطن عن أب هريرة مرفوعا " كل أمر ذى بال ل يبدأ فيه‬
‫بذكر ال فهو أقطع "‪.‬‬

‫والصنف قد اقتصر ف بعض نسخه على البسملة‪ ،‬لنا من أبلغ الثناء والذكر للحديث التقدم‪ .‬وكان‬
‫النب صلى ال عليه وسلم يقتصر عليها ف مراسلته‪ ،‬كما ف كتابه لرقل عظيم الروم ووقع ل نسخة‬
‫ب طه رح ه ال تعال بدأ في ها بالب سملة‪ ،‬وث ن بال مد وال صلة على ال نب صلى ال عل يه و سلم وآله‪.‬‬
‫وعلى هذا فالبتداء بالب سملة حقي قى‪ ،‬وبالمدلة ن سب إضا ف‪ ،‬أى بالن سبة إل ما ب عد ال مد يكون‬
‫مبدوءا به‪.‬‬

‫والباء ف بسم ال متعلقة بحذوف‪ ،‬واختار كثي من التأخرين كونه فعلً خاصا متأخرا‪.‬‬
‫أما كونه فعل‪ ،‬فلن الصل ف العمل للفعال‪.‬‬
‫وأما كونه خاصا‪ ،‬فلن كل مبتدىء بالبسملة ف أمر يضمر ما جعل البسملة مبدأ له‪.‬‬
‫وأما كونه متأخرا‪ ،‬فلدللته على الختصاص‪ ،‬وأدخل ف التعظيم‪ ،‬وأوفق للوجود‪ ،‬ولن أهم ما يبدأ به‬
‫ذكر ال تعال‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪5‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وذكر العلمة ابن القيم رحه ال تعال لذف العامل فوائد‪ ،‬منها أنه موطن ل ينبغى أن يتقدم فيه غي‬
‫ذكر ال‪ .‬ومنها‪ :‬أن الفعل إذا حذف صح البتداء بالبسملة ف كل عمل وقول حركة‪ .‬فكان الذف‬
‫أعم‪ .‬إنتهى ملخصا‪.‬‬

‫وباء بسم ال للمصاحبة‪ .‬وقيل‪ :‬للستعانة‪ .‬فيكون التقدير‪ :‬بسم ال أؤلف حال كون مستعينا بذكره‪،‬‬
‫متبكا به‪ .‬وأما ظهوره ف " اقرأ باسم ربك " وف " بسم ال مريها " فلن القام يقتضى ذلك كما ل‬
‫يفى‪.‬‬

‫والسم مشتق من السمو وهو العلو‪ .‬وقيل‪ :‬من الوسم وهو العلمة‪ ،‬لن كل ما سى فقد نوه باسه‬
‫ووسم‪.‬‬

‫قوله ( ال ) ‪ :‬قال الك سائي والفراء‪ :‬أ صله الله‪ ،‬حذفوا المزة‪ ،‬وأدغموا اللم ف اللم‪ ،‬ف صارتا لما‬
‫واحدة مشددة مفخمة‪ .‬قال العلمة ابن القيم رحه ال‪ :‬الصحيح‪ :‬أنه مشتق‪ ،‬وأن أصله الله‪ ،‬كما هو‬
‫قول سيبويه وجهور أصحابه إل من شذ‪ .‬وهو الامع لعان الساء السن والصفات العلى‪ .‬والذين‬
‫قالوا بالشتقاق إن ا أرادوا أ نه دال على صفة له تعال‪ .‬و هى الل ية ك سائر أ سائه ال سن‪ ،‬كالعل يم‬
‫والقدير‪ ،‬والسميع‪ ،‬والبصي‪ ،‬ونو ذلك‪ .‬فإن هذه الساء مشتقة من مصادرها بل ريب‪ ،‬وهى قدية‪،‬‬
‫ونن ل نعن بالشتقاق إل أن ا ملقية ل صادرها ف اللفظ والع ن‪ ،‬ل أنا متولدة منه تولد الفرع من‬
‫أ صله‪ .‬وت سمية النحاة للم صدر والشت قق م نه‪ :‬أ صلً وفرعا‪ .‬ل يس معناه أن أحده ا متولد من ال خر‪.‬‬
‫وإنا هو باعتبار أن أحدها يتضمن الخر وزيادة‪.‬‬

‫قال أبو جعفر بن جرير ال أصله الله أسقطت المزة الت هى فاء السم‪ .‬فالتقت اللم الت هى عي‬
‫ال سم واللم الزائدة و هى ساكنة فأدغ مت ف الخرى‪ ،‬ف صارتا ف الل فظ لما واحدة مشددة‪ .‬وأ ما‬
‫تأويلل فإ نه على معن ما روى ل نا عن ع بد ال بن عباس قال‪ :‬هو الذى يأل ه كل شئ ويعبده كل‬
‫خلق و ساق ب سنده عن الضحاك عن ع بد ال بن عباس قال‪ :‬ال ذو اللوه ية والعبود ية على خل قه‬
‫لف‬ ‫أجع ي فإن قال ل نا قائل‪ :‬و ما دل على أن اللوه ية هى العبادة وأن الله هو العبود‪ ،‬وأن له أ ص ً‬
‫فعل ويفعل‪ ،‬وذكر بيت رؤية بن العجاج‪.‬‬

‫سبحن واسترجعن من تألى‬ ‫ل در الغانيات الده‬

‫يعن من تعبدى وطلب ال بعملى‪ .‬ول شك أن التأله التفعل‪ ،‬من أله يأله وأن معن أله إذا نطق به‪ :‬عبد‬
‫ال‪ .‬وقد جاء منه مصدر يدل على أن العرب قد نطقت منه بفعل يفعل بغي زيادة‪ .‬وذلك ما حدثنا به‬
‫سفيان بن وكيع ‪ -‬وساق السند إل ابن عباس أنه قرأ " ويذرك وآلتك " قال‪ :‬عبادتك‪ .‬ويقول‪ :‬إنه‬
‫كان يعبد ول يعبد وساق بسند آخر عن ابن عباس ويذرك وإلهتك‪ .‬قال‪ :‬إنا كان فرعون يعبد ول‬
‫يعبد وذكر مثله عن ماهد‪ ،‬ث قال‪ :‬فقد بي قول ابن عباس وماهد هذا‪ :‬أن أله عبد وأن اللة مصدره‬
‫و ساق حديثا عن أ ب سعيد مرفوعا أن عي سى أ سلمته أ مه إل الكتاب ليعل مه‪ .‬فقال له العلم‪ :‬اك تب‬
‫بسم ال‪ .‬فقال عيسى‪ :‬أتدرى ما ال ؟ ال إله اللة ‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪6‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قال العل مة ا بن الق يم رح ه ال‪ :‬لذا ال سم الث سريف ع شر خ صائص لفظ ية و ساقها‪ .‬ث قال‪ :‬وأ ما‬
‫خصائصه العنوية فقد قال أعلم اللق صلى ال عليه وسلم‪ " :‬ل أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت‬
‫على نفسك " وكيف نصى خصائص اسم لسماه كل كمال على الطلق‪ ،‬وكل مدح وحد‪ ،‬وكل‬
‫ثناء وكل مد‪ ،‬وكل جلل وكل كمال‪ ،‬وكل عز وكل جال‪ ،‬وكل خي وإحسان‪ ،‬وجود وفضل وبر‬
‫فله ومنه‪ ،‬فما ذكر هذا السم ف قليل إل كثره‪ ،‬ول عند خوف إل أزاله‪ ،‬ول عند كرب إل كشفه‪،‬‬
‫ول عند هم وغم إل فرجه‪ ،‬ول عند ضيق إل وسعه‪ ،‬ول تعلق به ضعيف إل أفاده القوة‪ ،‬ول ذليل إل‬
‫أناله العز‪ ،‬ول فقي إل أصاره غنيا‪ ،‬ول مستوحشا إل آنسه‪ ،‬ول مغلوب إل أيده ونصره‪ ،‬ول مضطر‬
‫إل ك شف ضره‪ ،‬ول شر يد إل آواه‪ .‬ف هو ال سم الذى تك شف به الكربات‪ ،‬وت ستنل به البكات‪،‬‬
‫وتاب به الدعوات‪ ،‬وتقال به العثرات‪ ،‬وتستدفع به ال سيئات‪ ،‬وتستجلب به ال سنات‪ .‬و هو السم‬
‫الذى قامت به الرض والسماوات‪ ،‬وبه أنزلت الكتب‪ ،‬وبه أرسلت الرسل‪ ،‬وبه شرعت الشرائع‪ .‬وبه‬
‫قا مت الدود‪ ،‬و به شرع الهاد‪ ،‬و به انق سمت اللي قة إل ال سعداء والشقياء‪ ،‬و به ح قت الا قة‪.‬‬
‫ووقعت الواقعة‪ .‬وبه وضعت الوازين القسط ونصب الصراط‪ ،‬وقام سوق النة والنار‪ .‬وبه عبد رب‬
‫العال ي وح د‪ ،‬وب قه بع ثت الر سل‪ ،‬وع نه ال سؤال ف ال قب ويوم الب عث والنشور و به ال صام وإل يه‬
‫الحاكمة‪ ،‬وفيه الوالة والعاداة‪ ،‬وبه سعد من عرفه وقام بقه‪ ،‬وبه شقى من جهله وترك حقه‪ ،‬فهو‬
‫سر اللق وال مر‪ .‬و به قا ما وثب تا‪ ،‬وإل يه انته يا‪ ،‬فاللق به وإل يه ولجله‪ .‬ف ما و جد خلق ول أ مر ول‬
‫ثواب ول عقاب إل مبتدئا منهه ومنتهيا إليهه‪ ،‬وذلك موجبهه ومقتضاه ‪ " :‬ربنها مها خلقهت هذا باطلً‬
‫سبحانك فقنا عذاب النار " إل آخر كلمه رحه ال‪.‬‬

‫قوله (الرحن الرحيم)‪ :‬قال ابن جرير‪ :‬حدثن السري بن يي حدثنا عثمان بن زفر سعت العزرمى‬
‫يقول‪ :‬الرحن بميع اللق‪ ،‬والرحيم بالؤمني‪ .‬وساق بسنده عن أب سعيد ‪ -‬يعن الدرى ‪" -‬قال‪:‬‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬إن عيسى ابن مري قال‪ :‬الرحن‪ :‬رحن الخرة والدنيا‪ .‬والرحيم‪:‬‬
‫رحيم الخرة"‪.‬‬

‫قال ا بن الق يم رح ه ال تعال‪ :‬فا سه ال دل على كو نه مألوها معبودا‪ .‬يأل ه اللئق‪ :‬م بة وتعظيما‬
‫وخضوعا‪ ،‬ومفزعا إليه ف الوائج والنوائب‪ .‬وذلك مستلزم لكمال ربوبيته ورحته‪ ،‬التضمني لكمال‬
‫اللك والمد‪ ،‬وإليته وربوبيته ورحانيته وملكه‪ ،‬مستلزم لميع صفات كماله‪ .‬إذ يستحيل ثبوت ذلك‬
‫ل ن ل يس ب ى‪ ،‬ول سيع‪ ،‬ول ب صي‪ ،‬ول قادر‪ ،‬ول متكلم‪ ،‬ولفعال ل ا ير يد‪ ،‬ول حك يم ف أقواله‬
‫وأفعاله‪ .‬فصهفات اللل والمال أخهص باسهم ال‪ ،‬وصهفات الفعهل والقدرة والتفرد بالضهر والنفهع‬
‫(العطاء وال نع ونفوذ الشيئة وكمال القوة وتدبر أ مر اللي قة‪ :‬أ خص با سم الرب)‪ ،‬و صفات الح سان‬
‫والود والب والنان والنة والرأفة والعطف أخص باسم الرحن‪.‬‬

‫وقال رح ه ال أيضا‪ :‬الرح ن دال على ال صفة القائ مة به سبحانه والرح يم دال على تعلق ها بالرحوم‪.‬‬
‫واذا أردت ف هم هذا فتأ مل قوله تعال‪" :‬وكان بالؤمن ي رحيما " ‪" :‬إ نه ب م رؤوف رح يم" ول ي يء‬
‫قط رحان بم‪.‬‬

‫وقال‪ :‬إن أساء الرب تعال هي أساء ونعوت‪ ،‬فإنا دالة على صفات كماله‪ .‬فل تناف فيها بي العلمية‬
‫والوصفية‪ ،‬فالرحن اسه تعال ووصفه‪ ،‬فمن حيث هو صفة جرى تابعا لسم ال‪ ،‬ومن حيث هو اسم‬
‫ورد فه القرآن غيه تابهع‪ ،‬بهل ورد السهم العلم‪ ،‬كقوله تعال "الرحنه على العرش اسهتوى " انتههى‬
‫ملخصا‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪7‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قال الصنف رحه ال تعال‪( :‬المد ل) ‪:‬‬

‫ومعناه الثناء بالكلم على الميهل الختياري على وجهه التعظيهم‪ ،‬فمورده‪ :‬اللسهان والقلب‪ ،‬والشكهر‬
‫يكون باللسان والنان والركان‪ ،‬فهو أعم من المد متعلقا‪ ،‬وأخص منه سببا‪ ،‬لنه يكون ف مقابلة‬
‫النعمة‪ ،‬والمد أعم سببا وأخص متعلقا‪،‬لنه يكون ف مقابلة النعمة وغيها‪ .‬فبينهما عموم وخصوص‬
‫وجهى‪ ،‬يتمعان ف مادة وينفرد كل واحد عن الخر ف مادة‪.‬‬

‫قال الصنف رحه ال‪( :‬وصلى ال على ممد وعلى آله وسلم) ‪:‬‬

‫أ صح ما ق يل ف مع ن صلة ال على عبده‪ :‬ما ذكره البخارى رح ه ال تعال عن أ ب العال ية قال‪:‬‬


‫"صلة ال على عبده ثناؤه عليه عند اللئكة" وقرره ابن القيم رحه ال ونصره ف كتابيه جلء الفهام‬
‫وبدائع الفوائد ‪.‬‬

‫قلت‪ :‬و قد يراد با الدعاء‪ ،‬كما ف السند عن على مرفوعا " اللئكة تصلى على أحدكم ما دام ف‬
‫مصله‪ :‬اللهم اغفر له اللهم ارحه "‪.‬‬

‫قوله (وعلى آله) ‪:‬‬

‫أى أتباعه على دينه‪ ،‬نص عليه المام أحد هنا‪ .‬وعليه أكثر الصحاب‪ .‬وعلى هذا فيشمل الصحابة‬
‫وغيهم من الؤمني‪.‬‬

‫قال الصنف رحه ال تعال‪( :‬كتاب التوحيد) ‪:‬‬

‫كتاب‪ :‬مصدر كتب يكتب كتابا وكتابة وكتبا‪ ،‬ومدار الادة على المع‪ .‬ومنه‪ :‬تكتب بنو فلن‪ ،‬إذا‬
‫اجتمعوا‪ .‬والكتي بة لما عة ال يل‪ ،‬والكتا بة بالقلم لجتماع الكلمات والروف‪ .‬و سى الكتاب كتابا‪:‬‬
‫لمعه ما وضع له‪.‬‬

‫والتوح يد نوعان‪ :‬توح يد ف العر فة والثبات‪ .‬و هو توح يد الربوب ية وال ساء وال صفات‪ .‬وتوح يد ف‬
‫الطلب والقصد‪ .‬وهو توحيد اللية والعبادة‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪8‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قال العلمة ابن القيم رح ه ال‪ :‬وأما التوحيد الذى دعت إليه الرسل ونزلت به الكتب فهو نوعان‪:‬‬
‫توحيد ف العرفة والثبات‪ ،‬وتوحيد ف الطلب والقصد‪.‬‬

‫فالول هو‪ :‬إثبات حقيقة ذات الرب تعال وصفاته وأفعاله وأسائه وتكلمه بكتبه وتكليمه لن شاء من‬
‫عباده‪ ،‬وإثبات عموم قضائه وقدره وحكمته‪ ،‬وقد أفصح القرآن عن هذا النوع جد الفصاح‪ ،‬كما ف‬
‫أول سهورة الديهد‪ ،‬وسهورة طهه‪ ،‬وآخهر الشهر‪ ،‬وأول تنيهل السهجدة‪ ،‬وأول آل عمران‪ ،‬وسهورة‬
‫الخلص بكمالا‪ ،‬وغي ذلك‪.‬‬

‫النوع الثا ن‪ :‬ما تضمن ته سورة " قل يا أي ها الكافرون " وقوله تعال‪ " :‬قل يا أ هل الكتاب تعالوا إل‬
‫كلمة سواء بيننا وبينكم أن ل نعبد إل ال ول نشرك به شيئا ول يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون ال‬
‫فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنها مسهلمون " وأول سهورة تنيهل الكتاب وآخرهها‪ .‬وأول سهورة الؤمهن‪:‬‬
‫ووسطها وآخرها‪ ،‬وأول سورة العراف وآخرها‪ .‬وجلة سورة النعام‪ ،‬وغالب سور القرآن‪ .‬بل كل‬
‫سورة ف القرآن فهي متضمنة لنوعى التوحيد‪ ،‬شاهدة به داعية إليه‪.‬‬

‫فإن القران إما خب عن ال وأسائه وصفاته وأفعاله وأقواله‪ ،‬فهو التوحيد العلمى البى وإما دعوة إل‬
‫عبادته وحده ل شريك له وخلع ما يعبد من دونه‪ ،‬فهو التوحيد الرادي الطلب‪ .‬وإما أمر ونى‪ ،‬وإلزام‬
‫بطاعته وأمره ونيه‪ ،‬فهو حقوق التوحيد ومكملته وإما خب عن إكرام أهل التوحيد وما فعل به ف‬
‫الدنيا وما يكرمهم به ف الخرة‪ ،‬فهو جزاء توحيده‪ ،‬وإما خب عن أهل الشرك وما فعل بم ف الدنيا‬
‫من النكال وما يل بم ف العقب من العذاب‪ .‬فهو جزاء من خرج عن حكم التوحيد‪ .‬فالقرآن كله ف‬
‫التوحيد‪ ،‬وحقوقه وجزائه‪ ،‬وف شأن الشرك وأهله وجزائهم‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫قال شيخ السلم‪ :‬التوحيد الذى جاءت به الرسل إنا يتضمن إثبات اللية ل وحده بأن يشهد أن ل‬
‫إله إل ال‪ :‬ل يعبهد إل إياه‪ ،‬ول يتوكهل إل عليهه‪ ،‬ول يوال إل له‪ ،‬ول يعادى إل فيهه‪ ،‬ول يعمهل إل‬
‫لجله‪ .‬وذلك يتضمن إثبات ما أثبته لنفسه من الساء والصفات‪ .‬قال تعال‪" :‬وإلكم إله واحد ل إله‬
‫إل هو الرحن الرحيم" قال تعال‪ " :‬وقال ال ل تتخذوا إلي اثني إنا هو إله واحد فإياي فارهبون "‬
‫وقال تعال‪" :‬و من يدع مع ال إل ا آ خر ل برهان له به فإن ا ح سابه ع ند ر به إ نه ل يفلح الكافرون"‬
‫وقال تعال‪" :‬واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحن آلة يعبدون" وأخب عن‬
‫كل نب من النبياء أنم دعوا الناس إل عبادة ال وحده ل شريك له‪ .‬وقال‪ " :‬قد كانت لكم أسوة‬
‫حسنة ف إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم وما تعبدون من دون ال كفرنا بكم وبدا‬
‫بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حت تؤمنوا بال وحده " وقال عن الشركي‪ " ،:‬إنم كانوا إذا قيل‬
‫لم ل إله إل ال يستكبون * ويقولون أإنا لتاركوا آلتنا لشاعر منون " وهذا ف القرآن كثي‪.‬‬
‫وليس الراد بالتوحيد‪ :‬مرد توحيد الربوبية‪ .‬وهو اعتقاد أن ال وحده خلق العال‪ ،‬كما يظن ذلك من‬
‫يظ نه من أ هل الكلم والت صوف‪ .‬وي ظن هؤلء أن م إذا أثبتوا ذلك بالدل يل ف قد أثبتوا غا ية التوح يد‪.‬‬
‫وأنم إذا شهدوا هذا وفنوا فيه فقد فنوا ف غاية التوحيد فإن الرجل لو أقر با يستحقه الرب تعال من‬
‫الصفات ونزهه عن كل ما ينه عنه‪ .‬وأقر بأنه وحده خالق كل شئ‪ ،‬ل يكن موحدا حت يشهد بأن‬
‫ل إله إل ال وحده‪ .‬في قر بأن ال وحده هو الله ال ستحق للعبادة‪ .‬ويلتزم بعبادة ال وحده ل شر يك‬
‫له‪ .‬و الله هو الألوه العبود الذى يستحق العبادة‪ .‬وليس هو الله بعن القادر على الختراع‪ .‬فإذا فسر‬
‫الفسر الله بعن القادر على الختراع واعتقد أن هذا العن هو أخص وصف الله‪ .‬وجعل إثبات هذا‬
‫هو الغاية ف التوحيد ‪ -‬كما يفعل ذلك من يفعله من متكلمة الصفاتية‪ .‬وهو الذى يقولونه عن أب‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪9‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫السن وأتباعه ل يعرفوا حقيقة التوحيد الذى بعث ال به رسوله صلى ال عليه وسلم‪ .‬فإن مشركى‬
‫العرب كانوا مقر ين بأن ال وحده خالق كل شئ‪ .‬وكانوا مع هذا مشرك ي‪ .‬قال تعال‪" :‬و ما يؤ من‬
‫أكثرههم بال إل وههم مشركون" قالت طائفهة مهن السهلف تسهألم‪ :‬مهن خلق السهموات والرض ؟‬
‫فيقولون‪ :‬ال و هم مع هذا يعبدون غيه قال تعال‪ " - :‬قل ل ن الرض و من في ها إن كن تم تعلمون *‬
‫سيقولون ل قل أفل تذكرون * قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم * سيقولون ل قل‬
‫أفل تتقون * قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يي ول يار عليه إن كنتم تعلمون * سيقولون ل‬
‫قل فأ ن ت سحرون " فل يس كل من أ قر بأن ال تعال رب كل شئ وخال قه يكون عابدا له‪ ،‬دون ما‬
‫سواه‪ .‬داع يا له دون ما سواه راجيا له خائفا م نه دون ما سواه‪ .‬يوال ف يه ويعادى ف يه‪ .‬ويط يع رسله‬
‫ويأمر با أمر به‪ .‬وينهى عما نى عنه‪ .‬وعامة الشركي أقروا بأن ال خالق كل شئ‪ .‬وأثبتوا الشفعاء‬
‫الذ ين يشركون م به وجعلوا له أندادا‪ .‬قال تعال‪ " ، :‬أم اتذوا من دون ال شفعاء قل أو لو كانوا ل‬
‫يلكون شيئا ول يعقلون * قل ل الشفاعة جيعا له ملك السماوات والرض " وقال تعال‪ " :‬ويعبدون‬
‫من دون ال ما ل يضر هم ول ينفع هم ويقولون هؤلء شفعاؤ نا ع ند ال قل أتنبئون ال ب ا ل يعلم ف‬
‫ال سماوات ول ف الرض سبحانه وتعال ع ما يشركون " وقال تعال‪" :‬ول قد جئتمو نا فرادى ك ما‬
‫خلقنا كم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنم‬
‫فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون" وقال تعال‪" :‬ومن الناس من يتخذ من‬
‫دون ال أندادا يبون م ك حب ال" ولذا كان أتباع هؤلء من ي سجد للش مس والق مر والكوا كب‬
‫ويدعوها‪ .‬ويصوم وينسك لا ويتقرأ إليها‪ .‬ث يقول‪ :‬إن هذا ليس بشرك‪ .‬إنا الشرك إذا اعتقدت أنا‬
‫الدبرة ل‪ .‬فإذا جعلتها سببا وواسطة ل أكن مشركا‪ .‬ومن العلوم بالضطرار من دين السلم أن هذا‬
‫شرك‪ .‬انتهى كلمه رحه ال تعال‪.‬‬

‫قال الصنف رحه ال تعال ‪( :‬وقول ال تعال‪" :‬وما خلقت الن والنس إل ليعبدون") ‪:‬‬

‫بالر عطف على التوحيد‪ .‬ويوز الرفع على البتداء‪.‬‬

‫قال شيخ السلم‪ :‬العبادة هى طاعة ال بامتثال ما أمر ال به على ألسنة الرسل‪.‬‬
‫وقال أيضا‪ :‬العبادة اسم جامع لكل ما يبه ال ويرضاه من القوال والعمال الظاهرة والباطنة‪.‬‬

‫قال ابن القيم‪ :‬ومدارها على خس عشرة قاعدة‪ .‬من كملها كمل مراتب العبودية‪.‬‬

‫وبيان ذلك‪ :‬أن العبادة منقسمة على القلب واللسان والوارح‪ .‬والحكام الت للعبودية خسة‪ :‬واجب‬
‫ومستحب وحرام ومكروه ومباح‪ .‬وهن لكل واحد من القلب واللسان والوارح‪.‬‬
‫وقال القرطهب‪ :‬أصهل العبادة التذلل والضوع‪ .‬وسهيت وظائف الشرع على الكلفيه عبادات‪ .‬لنمه‬
‫يلتزمونا ويفعلونا خاضعي متذللي ل تعال‪.‬‬
‫ومعن الية‪ :‬أن ال تعال أخب أنه ما خلق الن والنس إل لعبادته‪ .‬فهذا هو الكمة ف خلقهم‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وهي الكمة الشرعية الدينية‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪10‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قال العماد ابن كثي‪ :‬وعبادته هى طاعته بفعل الأمور وترك الحظور‪ .‬وذلك هو حقيقة دين السلم‪.‬‬
‫لن معن السلم‪ :‬الستسلم ل تعال‪ ،‬التضمن غاية النقياد والذل والضوع‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫وقال أيضا ف تفسي هذه الية‪ :‬ومعن الية أن ال خلق اللق ليعبدوه وحده ل شريك له‪ .‬فمن أطاعه‬
‫جازاه أت الزاء‪ .‬ومن عصاه عذبه أشد العذاب‪ .‬وأخب أنه غي متاج إليهم‪ .‬بل هم الفقراء ف جيع‬
‫أحوالم وهو خالقهم ورازقهم‪ .‬وقال علي بن أب طالب رضى ال عنه ف الية إل لمرهم أن يعبدون‬
‫وأدعوهم إل عبادتى وقال ماهد‪ :‬إل لمرهم وأناهم اختاره الزجاج وشيخ السلم‪ .‬قال‪ :‬ويدل على‬
‫هذا قوله ‪" :‬أيسب النسان أن يترك سدى" قال الشافعى‪ :‬ل يؤمر ول ينهى وقال ف القرآن ف غي‬
‫مو ضع "اعبدوا رب كم" "اتقوا رب كم" ف قد أمر هم ب ا خلقوا له‪ .‬وأر سل الر سل بذلك‪ .‬وهذا العن هو‬
‫الذى قصد بالية قطعا‪ ،‬وهو الذى يفهمه جاهي السلمي ويتجون بالية عليه‪.‬‬

‫قال وهذه الية تشبه قوله تعال‪" :‬وما أرسلنا من رسول إل ليطاع بإذن ال" ث قد يطاع وقد يعصى‪.‬‬
‫وكذلك ما خلقهم إل لعبادته‪ .‬ث قد يعبدون وقد ل يعبدون‪ .‬وهو سبحانه ل ي قل‪ :‬إنه ف عل الول‪.‬‬
‫وهو خلقهم ليفعل بم كلهم‪ .‬الثان‪ :‬وهو عبادته ولكن ذكر أنه فعل الول ليفعلوا هم الثان‪ .‬فيكونوا‬
‫هم الفاعلي له‪ .‬فيحصل لم بفعله سعادتم ويصل ما يبه ويرضاه منه ولم‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫ويشهد لذا العن‪ :‬ما تواترت به الحاديث‪.‬‬

‫فمنها ما أخرجه مسلم ف صحيحه عن أنس بن مالك رضي ال عنه عن النب صلى ال عليه وسلم‬
‫قال‪" :‬يقول ال تعال لهون أهل النار عذابا‪ :‬لو كانت لك الدنيا وما فيها ومثلها معها أكنت مفتديا‬
‫با ؟ فيقول‪ :‬نعم‪ .‬فيقول‪ :‬قد أردت منك أهون من هذا وأنت ف صلب آدم‪ .‬أن ل تشرك ‪ -‬أحسبه‬
‫قال‪ :‬ول أدخلك النار ‪ -‬فأبيت إل الشرك" فهذا الشرك قد خالف ما أراده ال تعال منه‪ :‬من توحيده‬
‫وأن ل يشرك به شيئا‪ .‬فخالف ما أراده ال منه فأشرك به غيه‪ .‬وهذه هى الرادة الشرعية الدينية كما‬
‫تقدم‪.‬‬

‫فبي الرادة الشرعية الدينية والرادة الكونية القدرية عموم وخصوص مطلق‪.‬‬

‫يتمعان ف حق الخلص الطيع‪ .‬وتنفرد الرادة الكونية القدرية ف حق العاصى‪ .‬فافهم ذلك تنج من‬
‫جهالت أرباب الكلم وتابعيهم‪.‬‬

‫قال الصسنف رحهس ال تعال‪( :‬وقوله ‪ " :‬ولقسد بعثنسا فس كسل أمسة رسسول أن اعبدوا ال واجتنبوا‬
‫الطاغوت ") ‪:‬‬

‫الطاغوت‪ :‬مشتهق مهن الطغيان‪ ،‬وههو ماوزة الده‪ .‬قال عمهر بهن الطاب رضهى ال عنهه‪ :‬الطاغوت‬
‫الشيطان‪ .‬وقال جابر رضى ال عنه الطاغوت كهان كانت تنل عليهم الشياطي رواها ابن أب حات‪.‬‬
‫وقال مالك‪ :‬الطاغوت كل ما عبد من دون ال‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪11‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قلت‪ :‬وذلك الذكور ب عض أفراده‪ ،‬و قد حده العل مة ا بن الق يم حدا جامعا فقال الطاغوت كل ما‬
‫تاوز به الع بد حده‪ :‬من معبود أو متبوع أو مطاع‪ .‬فطاغوت كل قوم‪ :‬من يتحاكمون إل يه غ ي ال‬
‫ور سوله‪ ،‬أو يعبدو نه من دون ال أو يتبعو نه على غ ي ب صية من ال أو يطيعو نه في ما ل يعلمون أ نه‬
‫طا عة ل‪ .‬فهذه طواغ يت العال‪ .‬إذا تأملت ها وتأملت أحوال الناس مع ها‪ .‬رأ يت أكثره هم أعرض عن‬
‫عبادة ال تعال إل عبادة الطاغوت و عن طا عة ر سول ال صلى ال عل يه و سلم إل طا عة الطاغوت‬
‫ومتابعته‪.‬‬

‫وأ ما مع ن ال ية‪ :‬فأ خب تعال أ نه ب عث ف كل طائ فة من الناس ر سولً بذه الكل مة "أن اعبدوا ال‬
‫واجتنبوا الطاغوت" أي اعبدوا ال وحده واتركوا عبادة مها سهواه‪ ،‬كمها قال تعال‪" :‬فمهن يكفهر‬
‫بالطاغوت ويؤمن بال فقد استمسك بالعروة الوثقى ل انفصام لا" وهذا معن ل إله إل ال فإنا هي‬
‫العروة الوثقى‪.‬‬

‫قال العماد ا بن كث ي ف هذه ال ية‪ :‬كل هم ‪ -‬أى الر سل ‪ -‬يد عو إل عبادة ال‪ ،‬وين هى عن عبادة ما‬
‫سواه‪ ،‬فلم يزل سبحانه يرسل إل الناس الرسل بذلك منذ حدث الشرك ف بن آدم ف قوم نوح الذين‬
‫أر سل إلي هم‪ ،‬وكان أول ر سول بع ثه ال تعال إل أ هل الرض إل أن ختم هم بح مد صلى ال عل يه‬
‫وسلم‪ ،‬الذى طبق دعوته النس والن ف الشارق والغارب‪ ،‬وكلهم كما قال ال تعال‪" :‬وما أرسلنا‬
‫من قبلك من رسول إل نوحي إليه أنه ل إله إل أنا فاعبدون" وقال تعال ف هذه الية الكرية‪ " :‬ولقد‬
‫بعثنا ف كل أمة رسول أن اعبدوا ال واجتنبوا الطاغوت " فكيف يسوغ لحد من الشركي بعد هذا‬
‫أن يقول‪ " :‬لو شاء ال ما عبد نا من دو نه من ش يء "‪ ،‬فمشيئة ال تعال الشرع ية عن هم منف ية‪ ،‬ل نه‬
‫ناههم عن ذلك على ألسن رسله‪ ،‬وأما مشيئته الكونية ‪ -‬وهى تكينهم من ذلك قدرا ‪ -‬فل حجة‬
‫لم فيها‪ ،‬لنه تعال خلق النار وأهلها من الشياطي والكفرة‪ ،‬وهو ل يرضى لعبادة الكفر‪ ،‬وله ف ذلك‬
‫الجة البالغة والكمة القاطعة‪ ،‬ث إنه تعال قد أخب أنه أنكر عليهم بالعقوبة ف الدنيا بعد إنذار الرسل‪،‬‬
‫فلهذا قال‪" :‬فمنهم من هدى ال ومنهم من حقت عليه الضللة" انتهى‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وهذه ال ية تف سي ال ية ال ت قبل ها‪ .‬وذلك قوله‪" :‬فمن هم من هدى ال ومن هم من ح قت عل يه‬
‫الضللة" فتدبر‪.‬‬

‫ودلت هذه ال ية على أن الك مة ف ار سال الر سل‪ ،‬دعوت م أم هم إل عبادة ال وحده‪ ،‬والن هي عن‬
‫عبادة ما سواه‪ ،‬وأن هذا هو دين النبياء والرسلي‪ ،‬وإن اختلفت شريعتهم كما قال تعال "لكل جعلنا‬
‫منكم شرعة ومنهاجا" وأنه ل بد ف اليان من عمل القلب والوارح‪.‬‬

‫قال الصنف رحه ال تعال‪( :‬قوله تعال‪ " :‬وقضى ربك أن ل تعبدوا إل إياه وبالوالدين إحسانا ")‪:‬‬

‫قال ماهد قضى يعن وصى‪ ،‬وكذا قرأ أب بن كعب وابن مسعود وغيهم ولبن جرير عن ابن عباس‬
‫وقضى ربك يعن أمر‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪12‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وقوله تعال‪ " :‬أن ل تعبدوا إل إياه " العن‪ ،‬أن تعبدوه وحده دون ما سواه‪ ،‬وهذا معن ل إله إل ال‪.‬‬

‫قال ا بن الق يم رح ه ال تعال‪ ،‬والن في ال حض ل يس توحيدا‪ ،‬وكذلك الثبات بدون الن في‪ ،‬فل يكون‬
‫التوحيد إل متضمنا للنفي والثبات‪ ،‬وهذا هو حقيقة التوحيد‪.‬‬

‫وقوله‪ ":‬وبالوالد ين إح سانا "أي وق ضى أن ت سنوا بالوالد ين إح سانا‪ ،‬ك ما ق ضى بعباد ته وحده ل‬
‫شريك له‪ .‬كما قال تعال ف الية الخرى ‪" :‬أن اشكر ل ولوالديك إل الصي"‬
‫وقوله‪" :‬إما يبلغن عندك الكب أحدها أو كلها فل تقل لما أف ول تنهرها" أى أل تسمعهما قولً‬
‫سيئا‪ ،‬حت ول التأفيف الذي هو أدن مراتب القول السيء "ول تنهرها" أي‪ :‬ل يصدر منك إليهما‬
‫فعل قبيح‪ ،‬كما قال عطاء بن أب رباح ل تنفض يديك عليهما‪.‬‬

‫ول ا ناه عن الف عل القب يح والقول القب يح أمره بالف عل ال سن والقول ال سن فقال‪" :‬و قل ل ما قو ًل‬
‫كريا" أي لينا طيبا بأدب وتوقي وقوله "واخفض لما جناح الذل من الرح ة" أى تواضع لما "و قل‬
‫رب ارحه ما" أي ف كبه ا وع ند وفات ما " ك ما ربيا ن صغيا " و قد ورد ف بر الوالد ين أحاد يث‬
‫كثية‪ ،‬منها‪ :‬الديث الروي من طرق عن أنس وغيه "أن رسول ال صلى ال عليه وسلم لا صعد‬
‫ال نب قال‪ :‬آم ي‪ ،‬آم ي‪ ،‬آم ي‪ ،‬فقالوا يا ر سول ال‪ ،‬على ما أم نت ؟ قال أتا ن جب يل فقال‪ :‬يا م مد‬
‫رغم أنف امرىء ذكرت عنده فلم يصل عليك قل‪ :‬آمي‪ ،‬فقلت‪ :‬آمي ث قال‪ :‬رغم أنف امرىء دخل‬
‫عليه شهر رمضان ث خرج ول يغفر له‪ ،‬قل آمي‪ :‬فقلت آمي‪ ،‬ث قال‪ :‬رغم أنف امرىء أدرك أبويه أو‬
‫أحدها فلم يدخله النة قل‪ :‬آمي‪ ،‬فقلت آمي" وروى المام أحد من حديث أب هريرة رضي ال‬
‫عنه عن النب صلى ال عليه وسلم "رغم أنف‪ ،‬ث رغم أنف‪ ،‬ث رغم أنف رجل أدرك والديه‪ ،‬أحدها‬
‫أو كلها ل يدخل النة " قال العماد ابن كثي‪ :‬صحيح من هذا الوجه عن أب بكرة رضى ال عنه‬
‫قال‪ :‬قال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ " :‬أل أنبئ كم بأ كب الكبائر قل نا‪ :‬بلى يا ر سول ال‪ ،‬قال‪:‬‬
‫الشراك بال‪ ،‬وعقوق الوالديهن‪ .‬وكان متكئا فجلس‪ ،‬فقال أل وقول الزور‪ ،‬أل وشهادة الزور‪ ،‬فمها‬
‫زال يكررها حت قلنا‪ :‬ليته سكت" رواه البخارى ومسلم‪ .‬وعن عبد ال بن عمرو رضي ال عنهما‬
‫قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬رضى الرب ف رضى الوالدين‪ ،‬وسخطه ف سخط الوالدين‬
‫"‪ ،‬عن أ سيد الساعدى رضى ال ع نه قال‪" :‬بينا نن جلوس عند النب صلى ال عل يه و سلم إذ جاءه‬
‫رجل من بن سلمة فقال‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬هل بقى من بر أبوي شئ أبرها به بعد موتما ؟ فقال‪ :‬نعم‪،‬‬
‫ال صلة عليه ما وال ستغفار ل ما‪ ،‬وإنفاذ عهده ا من بعده ا‪ ،‬و صلة الر حم ال ت ل تو صل إل ب ما‪،‬‬
‫وإكرام صديقهما " رواه أبو داود وابن ماجة‪ .‬والحاديث ف هذا العن كثية جدا‪.‬‬

‫قال الصنف رحه ال تعال‪( :‬وقوله‪" :‬واعبدوا ال ول تشركوا به شيئا") ‪:‬‬

‫قال العماد ا بن كث ي رح ه ال ف هذه ال ية‪ :‬يأ مر ال تعال عباده بعباد ته وحده ل شر يك له‪ ،‬فإ نه‬
‫الالق الرازق التف ضل على خل قه ف ج يع الالت‪ ،‬و هو ال ستحق من هم أن يوحدوه ول يشركوا به‬
‫شيئا من ملوقاته‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪13‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وهذه الية هى الت تسمى آية القوق العشرة‪ ،‬وف بعض النسخ العتمدة من نسخ هذا الكتاب تقدي‬
‫هذه الية على آية النعام‪ ،‬ولذا قدمتها لناسبة كلم ابن مسعود الت لية النعام‪ ،‬ليكون ذكره بعدها‬
‫أنسب‪.‬‬

‫قال الصنف رحه ال تعال‪( :‬وقوله تعال‪ " :‬قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن ل تشركوا به‬
‫شيئا وبالوالدين إحسانا " اليات) ‪:‬‬

‫قال العماد ابهن كثيه رحهه ال‪ :‬يقول تعال لنهبيه ورسهوله ممهد صهلى ال عليهه وسهلم (قهل) لؤلء‬
‫الشرك ي الذ ين عبدوا غ ي ال‪ ،‬وحرموا ما رزق هم ال (تعالوا) أي هلموا وأقبلوا (أ تل) أ قص علي كم‬
‫(ماحرم رب كم علي كم) حقا‪ ،‬ل تر صا ول ظنا‪ ،‬بل وحيا م نه وأمرا من عنده (أل تشركوا به شيئا)‬
‫وكأن ف الكلم مذوفا دل عليه السياق تقديره‪ :‬وصاكم أل تشركوا به شيئا‪ ،‬ولذا قال ف آخر الية‬
‫(ذلكم وصاكم به) ا هه‪.‬‬

‫قلت‪ :‬فيكون العن‪ :‬حرم عليكم ما وصاكم بتركه من الشراك به‪ ،‬وف الغن لبن هشام ف قوله تعال‬
‫" أن ل تشركوا به شيئا " سبعة أقوال‪ ،‬أحسنها‪ :‬هذا الذى ذكره ابن كثي‪ ،‬ويليه‪ :‬بي لكم ذلك لئل‬
‫تشركوا‪ ،‬فحذ فت الملة من أحده ا‪ ،‬و هى (و صاكم) وحرف ال ر و ما قبله من الخرى‪ .‬ولذا إذا‬
‫سئلوا ع ما يقول ل م ر سول ال صلى ال عل يه و سلم قالوا‪ :‬يقول اعبدوا ال ول تشركوا به شيئا‪،‬‬
‫واتركوا ما يقول آباؤكم كما قال أبو سفيان‪ ،‬لرقل وهذا هو الذى فهمه أبو سفيان وغيه من قول‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم لم قولوا ل اله إل ال تفلحوا‪.‬‬

‫وقوله تعال‪" :‬وبالوالد ين إح سانا" قال القر طب‪ :‬الح سان إل الوالد ين بره ا وحفظه ما و صيانتهما‬
‫وامتثال أمرها‪ ،‬وإزالة الرق عنهما‪ ،‬وترك السلطنة عليهما‪ ،‬و(إحسانا) نصب على الصدرية‪ ،‬وناصبه‬
‫فعل من لفظه تقديره‪ :‬وأحسنوا بالوالدين إحسانا‪.‬‬

‫وقوله "ول تقتلوا أولدكم من إملق نن نرزقكم وإياهم" إلملق‪ :‬الفقر‪ ،‬أى ل تئدوا بناتكم خشية‬
‫العيلة والفقر‪ ،‬فإن رازقكم وإياهم‪ ،‬وكان منهم من يفعل ذلك بالذكور خشية الفقر‪ ،‬ذكره القرطب‪.‬‬
‫وف الصحيحي "عن ابن مسعود رضى ال عنه (قلت‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬أى الذنب أعظم عند ال ؟ قال‪:‬‬
‫أن تعل ل ندا وهو خلقك‪ .‬قلت‪ :‬ث أى ؟ قال‪ :‬أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك‪ .‬قلت‪ :‬ث أي ؟‬
‫قال‪ :‬أن تزان بليلة جارك‪ .‬ث تل رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ " - :‬والذين ل يدعون مع ال إلا‬
‫آخهر ول يقتلون النفهس الته حرم ال إل بالقه ول يزنون ومهن يفعهل ذلك يلق أثامها * يضاعهف له‬
‫العذاب يوم القيامة ويلد فيه مهانا * إل من تاب وآمن وعمل عمل صالا فأولئك يبدل ال سيئاتم‬
‫حسنات وكان ال غفورا رحيما " "‪.‬‬

‫وقوله‪" :‬ول تقربوا الفواحهش مها ظههر منهها ومها بطهن" قال ابهن عطيهة‪ :‬نيه عام عهن جيهع أنواع‬
‫الفواحش‪ ،‬وهى العاصى‪.‬‬

‫و(ظهر) و (بطن) حالتان تستوفيان أقسام ما جلتا له من الشياء‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪14‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وقوله‪ " :‬ول تقتلوا الن فس ال ت حرم ال إل بال ق " ف ال صحيحي‪ " :‬عن ا بن عباس ر ضى ال ع نه‬
‫مرفوعا‪ :‬ل يله دم امرىء مسهلم يشههد أن ل إله إل ال وأن ممدا رسهول ال إل بإحدى ثلث‪:‬‬
‫الثيب الزان‪ ،‬والنفس بالنفس‪ ،‬والتارك لدينه الفارق للجماعة"‪.‬‬

‫وقوله‪" :‬ذل كم و صاكم به لعل كم تعقلون" قال ا بن عط ية‪( :‬ذل كم) إشارة إل هذه الحرمات والو صية‬
‫المر الؤكد القرر‪ .‬وقوله (لعلكم تعقلون) (لعل) للتعليل أى إن ال تعال وصانا بذه الوصايا لنعقلها‬
‫ع نه ونعمل ب ا‪ ،‬وف تف سي ال طبى الن فى‪ :‬ذ كر أو ل (تعقلون) ف (تذكرون) ث (تتقون) لنم إذا‬
‫عقلوا تذكروا وخافوا واتقوا‪.‬‬

‫وقوله‪ " :‬ول تقربوا مال اليتيم إل بالت هي أحسن حت يبلغ أشده " قال ابن عطية‪ :‬هذا نى عام عن‬
‫القرب الذى ي عم وجوه الت صرف وف يه سد الذري عة‪ ،‬ث ا ستثن ما ي سن و هو ال سعى ف نائه‪ ،‬قال‬
‫ما هد‪ :‬الت هي أح سن‪ ،‬إشارة ف يه‪ ،‬وف قوله‪( :‬حت يبلغ أشده) قال مالك وغيه‪ :‬هو الرشد وزوال‬
‫السفه مع البلوغ‪ ،‬روى نو هذا عن زيد بن أسلم والشعب وربيعة وغيهم‪.‬‬
‫وقوله‪" :‬وأوفوا الكيل واليزان بالقسط " قال ابن كثي‪ :‬يأمر تعال بإقامة العدل ف الخذ والعطاء " ل‬
‫نكلف نف سا إل و سعها " أي من اجتهاد بأداء ال ق وأخذه‪ ،‬فإن أخ طأ ب عد ا ستفراغ الو سع وبذل‬
‫جهده فل حرج عليه‪.‬‬

‫وقوله‪" :‬وإذا قل تم فاعدلوا ولو كان ذا قر ب" هذا أ مر بالعدل ف القول والف عل على القر يب والبع يد‪.‬‬
‫قال النفي‪ :‬العدل ف القول ف حق الول والعدو ل يتغي ف الرضى والغضب بل يكون على الق وإن‬
‫كان ذا قر ب فل ي يل إل ال بيب والقر يب ‪ " :‬ول يرمن كم شنآن قوم على أن ل تعدلوا اعدلوا هو‬
‫أقرب للتقوى "‪.‬‬

‫وقوله "وبع هد ال أوفوا" قال ا بن جر ير‪ :‬وبو صية ال تعال ال ت و صاكم ب ا فأوفوا‪ .‬وإيفاء ذلك بأن‬
‫يطيعوه با أمرهم به وناهم عنه‪ .‬وأن يعملوا بكتابه وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم ذلك هو الوفاء‬
‫بعهد ال‪ .‬وكذا قال غيه‪ ،‬وقوله "ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون" تتعظون وتنتهون عما كنتم فيه‪.‬‬

‫وقوله‪" :‬وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ول تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله" قال القرطب‪ :‬هذه‬
‫آ ية عظي مة عطف ها على ما تقدم‪ .‬فإ نه ن ي وأ مر وحذر عن اتباع غ ي سبيله على ما بين ته الحاد يث‬
‫الصحيحة وأقاويل السلف‪ .‬و (أن) ف موضع نصب‪ .‬أي أتلو أن هذا صراطي‪ ،‬عن الفراء و الكسائي‪.‬‬
‫ويوز أن يكون خفضا‪ .‬أي وصهاكم بهه وبأن هذا صهراطي‪ .‬قال‪ :‬والصهراط الطريهق الذي ههو ديهن‬
‫ال سلم‪( .‬م ستقيما) ن صب على الال ومعناه م ستويا قيما ل اعوجاج ف يه‪ .‬فأ مر باتباع طري قه الذي‬
‫طرقه على لسان ممد صلى ال عليه وسلم وشرعه ونايته النة وتشعبت منه طرق‪ ،‬فمن سلك الادة‬
‫نا‪ ،‬ومن خرج إل تلك الطرق أفضت به إل النار‪ .‬قال ال تعال‪" :‬ول تتبعوا السبل فتفرق بكم عن‬
‫سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون" أي ييل‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪15‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وروى المام أح د والن سائي و الدار مي و ا بن أ ب حا ت و الا كم ‪ -‬و صححه ‪ " -‬عن ا بن م سعود‬
‫رضي ال عنه قال‪ :‬خط رسول ال صلى ال عليه وسلم خطا بيده‪ ،‬ث قال هذا سبيل ال مستقيما‪ ،‬ث‬
‫خط خطوطا عن ي ي ذلك ال ط و عن شاله ث قال‪ :‬وهذه سبل ل يس من ها سبيل إل وعل يه شيطان‬
‫يد عو إل يه‪ ،‬ث قرأ "وأن هذا صراطي م ستقيما فاتبعوه ول تتبعوا ال سبل " ال ية "‪ .‬و عن ما هد‪ :‬ول‬
‫تتبعوا السبل‪ ،‬قال‪ :‬البدع والشهوات‪.‬‬

‫قال ابن الق يم رح ه ال‪ :‬ولنذ كر ف الصراط الستقيم قولً وجيزا فإن الناس قد تنو عت عبارات م عنه‬
‫ل لم إليه ول‬ ‫بسب صفاته ومتعلقاته‪ ،‬وحقيقته شئ واحد‪ ،‬وهو طريق ال الذي نصبه لعباده موص ً‬
‫طريق إليه سواه‪ ،‬بل الطرق كلها مسدودة على اللق إل طريقه الذي نصبه على ألسن رسله‪ ،‬وجعله‬
‫ل لعبادة ال وهو إفراده بالعبادات‪ ،‬وإفراد رسله بالطاعة‪ ،‬فل يشرك به أحدا ف عبادته ول يشرك‬‫موص ً‬
‫بر سوله صلى ال عل يه و سلم أحدا ف طاع ته‪ .‬فيجرد التوح يد‪ ،‬ويرد متاب عة الر سول صلى ال عل يه‬
‫و سلم‪ ،‬وهذا كله مضمون شهادة أن ل إله إل ال‪ ،‬وأن ممدا ر سول ال فأي شئ ف سر به ال صراط‬
‫الستقيم فهو داخل ف هذين الصلي‪ .‬ونكتة ذلك‪ ،‬أن تبه بقلبك وترضيه بهدك كله‪ ،‬فل يكون ف‬
‫قلبك موضع إل معمورا ببه‪ ،‬ول يكون لك إرادة متعلقة برضاته‪ .‬فالول يصل بتحقيق شهادة أن ل‬
‫إله إل ال‪ ،‬والثان يصل بتحقيق شهادة أن ممدا رسول ال‪ .‬وهذا هو الدى ودين الق‪ ،‬وهو معرفة‬
‫ال ق والعمل به‪ ،‬و هو معرفة ما بعث ال به رسوله والقيام به‪ ،‬وقل ما شئت من العبارات الت هذا‬
‫آخيتها وقطب رحاها‪ .‬قال‪ :‬وقال سهل بن عبد ال‪ :‬عليكم بالثر والسنة‪ ،‬فإن أخاف‪ ،‬إنه سيأت عن‬
‫قل يل زمان إذا ذ كر إن سان ال نب صلى ال عل يه و سلم والقتداء به ف ج يع أحواله ذموه ونفروا ع نه‬
‫وتبأوا منه‪ ،‬وأذلوه وأهانوه‪ .‬ا هه‪.‬‬
‫قال ال صنف رح ه ال تعال‪( :‬قال ا بن م سعود‪ :‬من أراد أن ين ظر إل و صية م مد صلى ال عل يه‬
‫و سلم ال ت علي ها خات ه فليقرأ‪ " :‬قل تعالوا أ تل ما حرم رب كم علي كم "‪ -‬إل قوله ‪ " -‬وأن هذا‬
‫صراطي مستقيما فاتبعوه " الية) ‪:‬‬

‫قوله‪ :‬ابن مسعود هو عبد ال بن مسعود بن غافل ‪ -‬بعجمة وفاء ‪ -‬ابن حبيب الذل أبو عبد الرحن‪،‬‬
‫صهحاب جليهل مهن السهابقي الوليه‪ ،‬وأههل بدر وأحهد والندق وبيعهة الرضوان مهن كبار علماء‬
‫الصحابة‪ ،‬أمر عمر على الكوفة‪ ،‬ومات سنة اثنتي وثلثي رضى ال عنه‪.‬‬

‫وهذا الثر رواه الترمذي وحسنه‪ ،‬وابن النذر وابن أب حات والطبان بنحوه‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬معناه من‬
‫أراد أن ينظر إل الوصية الت كأنا كتب وختم عليها فلم تغي ول تبدل فليقرأ‪( :‬قل تعالوا ‪-‬إل آخر‬
‫اليات) شبهها بالكتاب الذى كتب ث ختم فلم يزد فيه ول ينقص‪ .‬فإن النب صلى ال عليه وسلم ل‬
‫يوص إل بكتاب ال‪ ،‬كما قال فيما رواه مسلم‪" :‬وإن تارك فيكم ما إن تسكتم به لن تضلوا‪ :‬كتاب‬
‫ال" وقد روى عبادة بن الصامت قال‪" :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬أيكم يبايعن على هؤلء‬
‫اليات الثلث ؟ ث تل قوله تعال‪" :‬قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم" حت فرغ من الثلث اليات‪.‬‬
‫ث قال من وف بن فأجره على ال‪ ،‬ومن انتقص من هن شيئا فأدركه ال به ف الدنيا كانت عقوب ته‪،‬‬
‫ومن أخره إل الخرة كان أمره إل ال إن شاء آخذه وإن شاء عفا عنه " رواه ابن أب حات و الاكم‬
‫وصححه و ممد بن نصر ف العتصام‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪16‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قلت‪ :‬ولن النب صلى ال عليه وسلم ل يوص أمته إل با وصاهم ال تعال به على لسانه‪ .‬وف كتابه‬
‫الذى أنزله ‪ " :‬تبيانها لكهل شيهء وهدى ورحةه وبشرى للمسهلمي " وهذه اليات وصهية ال تعال‬
‫ووصية رسوله صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫قال الصنف رحه ال تعال‪( :‬وعن معاذ بن جبل قال‪ :‬كنت رديف النب صلى ال عليه وسلم على‬
‫حار فقال ل‪ :‬يا معاذ أتدري ما حق ال على العباد‪ ،‬وما حق العباد على ال ؟‪ .‬قلت‪ :‬ال ورسوله‬
‫أعلم‪ .‬قال‪ :‬حسق ال على العباد أن يعبدوه ول يشركوا بسه شيئا وحسق العباد على ال أن ل يعذب‬
‫من ل يشرك به شيئا ‪ ،‬قلت‪ :‬يا رسول ال أفل أبشر الناس ؟ قال‪ :‬ل تبشرهم فيتكلوا "‪ .‬أخرجاه‬
‫ف الصحيحي) ‪:‬‬

‫هذا الديث ف الصحيحي من طرق‪ .‬وف بعض رواياته نو ما ذكره الصنف‪.‬‬

‫ومعاذ بن ج بل ر ضى ال ع نه هو ا بن عمرو بن أوس الن صارى الزر جى أ بو ع بد الرح ن صحاب‬


‫مشهور من أعيان الصحابة‪ ،‬شهد بدرا وما بعدها‪ .‬وكان إليه النتهى ف العلم والحكام والقرآن رضي‬
‫ال عنه‪ .‬وقال النب صلى ال عليه وسلم معاذ يشر يوم القيا مة أمام العلماء برتوة أي بطوة‪ ،‬قال ف‬
‫القاموس والرتوة الطوة وشرف من الرض‪ ،‬وسويعة من الزمان‪ ،‬والدعوة‪ ،‬والفطرة‪ ،‬ورمية بسهم أو‬
‫نو ميل أو مدى البصر‪ .‬والرات العال الربان‪ .‬انتهى‬

‫وقال ف النها ية أ نه يتقدم العلماء برتوة أي برم ية سهم‪ .‬وق يل‪ :‬ب يل‪ ،‬وق يل‪ :‬مد الب صر‪ .‬وهذه الثل ثة‬
‫أشبه بعن الديث‪ .‬مات معاذ سنة ثان عشرة بالشام ف طاعون عمواس‪ .‬وقد استخلفه صلى ال عليه‬
‫وسلم على أهل مكة يوم الفتح يعلمهم دينهم‪.‬‬

‫قوله‪( :‬كنت رديف النب صلى ال عليه وسلم) فيه جواز الرداف على الدابة‪ ،‬وفضيلة معاذ رضى ال‬
‫عنه‪.‬‬

‫قوله‪( :‬على حار) ف رواية اسه عفي‪ ،‬قلت‪ :‬أهداه إليه القوقس صاحب مصر‪.‬‬

‫وفيه‪ :‬تواضعه صلى ال عليه وسلم لركوب المار والرادف عليه‪ ،‬خلفا لا عليه أهل الكب‪.‬‬

‫قوله‪( :‬أتدرى ما حق ال على العباد) أخرج السؤال بصيغة الستفهام ليكون أوقع ف النفس وأبلغ ف‬
‫فهم التعلم وحق ال على العباد وهو ما يستحقه عليهم وحق العباد على ال معناه أنه متحقق ل مالة‪،‬‬
‫لنه وعدهم ذلك جزاء لم على توحيده ‪" :‬وعد ال ل يلف ال وعده"‪.‬‬

‫قال شيخ السلم‪ :‬كون الطيع يستحق الزاء هو استحقاق إنعام وفضل‪ ،‬ليس هو استحقاق مقابلة‪،‬‬
‫ك ما ي ستحق الخلوق على الخلوق‪ ،‬ف من الناس من يقول‪ :‬ل مع ن لل ستحقاق‪ ،‬إل أ نه أ خب بذلك‬
‫ووعده صدق‪ ،‬ولكن أكثر الناس يثبتون استحقاقا زائدا على هذا‪ ،‬كما دل عل يه الكتاب والسنة قال‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪17‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫تعال ‪" :‬وكان حقا علي نا ن صر الؤمن ي" ل كن أ هل ال سنة يقولون‪ :‬هو الذي ك تب على نف سه الرح ة‬
‫وأوجهب على نفسهه القه‪ ،‬ول يوجبهه عليهه ملوق‪ ،‬والعتزلة يدعون أنهه واجهب عليهه بالقياس على‬
‫الخلوق وأن العباد هم الذ ين أطاعوه بدون أن يعل هم مطيع ي له‪ ،‬وأن م ي ستحقون الزاء بدون أن‬
‫يكون هو الو جب‪ ،‬وغلطوا ف ذلك‪ ،‬وهذا الباب غل طت ف يه الب ية والقدر ية أتباع ج هم والقدر ية‬
‫النافية‪.‬‬

‫قوله (قلت ال ورسوله أعلم) فيه حسن الدب من التعلم‪ ،‬وأنه ينبغي لن سئل عما ل يعلم أن يقول‬
‫ذلك‪ ،‬بلف أكثر التكلفي‪.‬‬

‫قوله‪( :‬أن يعبدوه ول يشركوا به شيئا) أي يوحدوه بالعبادة‪ .‬ول قد أحسن العل مة ابن القيم رح ه ال‬
‫حيث عرف العبادة بتعريف جامع فقال‪:‬‬

‫مع ذل عابده ها قطبان‬ ‫وعبادة الرحن غاية حبه‬


‫ل بالوى والنفس والشيطان‬ ‫ومداره بالمر أمر رسوله‬

‫قوله‪( :‬ول يشركوا به شيئا) أى يوحدوه بالعبادة‪ ،‬فلبد من التجرد من الشرك ف العبادة‪ ،‬ومن ل‬
‫يتجرد من الشرك ل يكن آتيا بعبادة ال وحده‪ ،‬بل هو مشرك قد جعل ل ندا‪ .‬وهذا معن قول‬
‫الصنف رحه ال‪( :‬وفيه أن العبادة هى التوحيد‪ ،‬لن الصومة فيه‪ ،‬وف بعض الثار اللية‪ :‬إن والن‬
‫والنس ف نبأ عظيم‪ ،‬أخلق ويعبد غيى‪ ،‬وأرزق ويشكر سواى‪ ،‬خيي إن العباد نازل‪ ،‬وشرهم إل‬
‫صاعد‪ ،‬أتبب إليهم بالنعم‪ ،‬ويتبغضون إل بالعاصى)‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وحق العباد على ال أل يعذب من ل يشرك به شيئا) قال الافظ‪ :‬اقتصر على نفي الشراك لنه‬
‫يستدعي التوحيد بالقتضاء‪ ،‬ويستدعى إثبات الرسالة باللزوم‪ ،‬إذ من كذب رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ف قد كذب ال‪ ،‬ومن كذب ال فهو مشرك وهو مثل قول القائل‪ :‬ومن توضأ صحت صلته‪،‬‬
‫أى مع سائر الشروط‪ .‬ا هه‪.‬‬

‫قوله‪( :‬أفل أبشهر الناس) فيهه اسهتحباب بشارة السهلم باه يسهره‪ ،‬وفيهه مها كان عليهه الصهحابة مهن‬
‫الستبشار بثل هذا‪ .‬قال الصنف رحه ال‪.‬‬

‫قوله (ل تبشر هم فيتكلوا) أى يعتمدوا على ذلك فيتركوا التنا فس ف العمال‪ .‬و ف روا ية‪ :‬فأ خب ب ا‬
‫معاذ عند موته تأثا أى ترجا من الث‪ .‬قال الوزير أبو الظفر‪ :‬ل يكن يكتمها إل عن جاهل يمله‬
‫جهله على سهوء الدب بترك الدمهة فه الطاعهة‪ ،‬فأمها الكياس الذيهن إذا سهعوا بثهل هذا زادوا فه‬
‫الطاعة‪ ،‬ورأوا أن زيادة النعم تستدعى زيادة الطاعة‪ ،‬فل وجه لكتمانا عنهم‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪18‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫و ف الباب من الفوائد غ ي ما تقدم‪ ،‬ال ث على إخلص العبادة ل وأن ا ل تن فع مع الشرك‪ ،‬بل ل‬
‫تسهمى عبادة‪ .‬والتنهبيه على عظمهة حهق الوالديهن‪ .‬وتريه عقوقهمها‪ .‬والتنهبيه على عظمهة اليات‬
‫الحكمات ف سورة النعام‪ .‬وجواز كتمان العلم للمصلحة‪.‬‬

‫قوله‪( :‬أخرجاه) أى البخارى ومسلم‪ .‬و البخارى رحه ال هو المام ممد ابن إساعيل بن إبراهيم بن‬
‫بردزبهه العفهي مولههم‪،‬الافهظ الكهبي صهاحب الصهحيح والتاريهخ والدب الفرد وغيه ذلك مهن‬
‫مصنفاته‪ .‬روى عن المام أحد بن حنبل والميدى وابن الدين وطبقتهم‪ .‬وروى عنه مسلم والنسائي‬
‫والترمذي والفربرى رواى الصحيح‪ .‬ولد سنة أربع وتسعي ومائة ومات سنة ست وخسي ومائتي‪.‬‬

‫ومسلم رحه ال هو ابن حجاج بن مسلم أبو السي القشيى النيسابورى صاحب الصحيح والعلل‬
‫والوجدان وغي ذلك روى عن أحد بن حنبل ويي بن معي وأب خيثمة وابن أب شيبة وطبقتهم‪.‬‬
‫وروى عن البخاري‪ .‬وروى عنهالترمذي وإبراه يم بن م مد بن سفيان راوى ال صحيح وغيه ا‪ .‬ولد‬
‫سنة أربع ومائتي‪ .‬ومات سنة إحدى وستي ومائتي بنيسابور رحهما ال‪.‬‬

‫باب‬
‫بيان فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪19‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪( :‬باب بيان فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب) ‪:‬‬

‫باب خب مبتدأ مذوف تقديره هذا (قلت) ويوز أن يكون مبتدأ خبه مذوف تقديره هذا‪ .‬و ما يوز‬
‫أن تكون موصولة والعائد مذوف‪ ،‬أي وبيان الذي يكفره من الذنوب‪ ،‬ويوز أن تكون مصدرية‪ ،‬أي‬
‫وتكفيه الذنوب‪ ،‬وهذا الثان أظهر‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وقول ال تعال‪" :‬الذين آمنوا ول يلبسوا إيانم بظلم أولئك لم المن وهم مهتدون") ‪:‬‬

‫قال ابن جرير‪ :‬حدثن الثن ‪ -‬وساق بسنده ‪ -‬عن الربيع ابن أنس قال‪ :‬اليان الخلص ل وحده‪.‬‬

‫وقال ابن كثي ف الية‪ :‬أى هؤلء الذين أخلصوا العبادة ل وحده ول يشركوا به شيئا هم المنون يوم‬
‫القيامة‪ ،‬الهتدون ف الدنيا والخرة‪ .‬وقال زيد بن أسلم وابن إسحاق‪ :‬هذا من ال على فصل القضاء‬
‫بي إبراهيم وقومه‪.‬‬

‫و عن ا بن م سعود‪( :‬ل ا نزلت هذه ال ية قالوا‪ :‬فأي نا ل يظلم نف سه ؟ فقال ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫وسلم‪ :‬ليس بذلكم‪ ،‬أل تسمعوا إل قول لقمان‪" :‬إن الشرك لظلم عظيم" )‪.‬‬

‫وساقه البخارى بسنده فقال "حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثنا أب حدثنا العمش حدثن إبراهيم‬
‫عن علق مة عن ع بد ال ر ضي ال ع نه قال‪ :‬ل ا نزلت‪" :‬الذ ين آمنوا ول يلب سوا إيان م بظلم" قل نا‪ :‬يا‬
‫رسول ال‪ ،‬أينا ل يظلم نفسه ؟ قال‪ :‬ليس كما تقولون‪ ،‬ل يلبسوا إيانم بظلم‪ ،‬بشرك‪ .‬أو ل تسمعوا‬
‫إل قول لقمان لبنه‪ " :‬يا بن ل تشرك بال إن الشرك لظلم عظيم " "‪.‬‬

‫ولح د بنحوه عن "ع بد ال قال‪ ( :‬ل ا نزلت "الذ ين آمنوا ول يلب سوا إيان م بظلم" شق ذلك على‬
‫أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالوا يا رسول ال‪ :‬فأينا ل يظلم نفسه ؟ قال‪ :‬إنه ليس الذى‬
‫تعنون‪ .‬أل تسمعوا ما قال العبد الصال‪ " :‬يا بن ل تشرك بال إن الشرك لظلم عظيم " إنا هو الشرك)‬
‫"‪ .‬وعن عمر أنه فسره بالذنب‪ .‬فيكون العن‪ :‬المن من كل عذاب‪ .‬وقال السن والكلب‪ :‬أولئك لم‬
‫المن‪ ،‬ف الخرة‪ ،‬وهم مهتدون ف الدنيا‪.‬‬

‫قال شيخ السلم‪ :‬والذى شق عليهم أنم ظنوا أن الظال الشروط عدمه هو ظلم العبد نفسه‪ ،‬وأنه ل‬
‫أمن ول اهتداء إل لن ل يظلم نفسه‪ ،‬فبي لم النب صلى ال عليه وسلم ما دلم على أن الشرك ظلم‬
‫ف كتاب ال‪ ،‬فل ي صل ال من وإلهتداء إل ل ن يل بس إيا نه بذا الظلم‪ ،‬فإن من ل يل بس إيا نه بذا‬
‫الظلم كان من أهل المن والهتداء‪ ،‬كما كان من أهل الصطفاء ف قوله‪" :‬ث أورثنا الكتاب الذين‬
‫اصطفينا من عبادنا فمنهم ظال لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق باليات بإذن ال ذلك هو الفضل‬
‫الكبي" وهذا ل ينفى أن يؤاخذ أحدهم بظلمه لنفسه بذنب إذا ل يتب كما قال تعال‪ " ، :‬فمن يعمل‬
‫مثقال ذرة خيا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره " وقد " سأل أبو بكر الصديق رضى ال عنه النب‬
‫صلى ال عليه وسلم فقال‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬أينا ل يعمل سوءا ؟ فقال‪ :‬يا أبا بكر ألست تنصب ؟ ألست‬
‫تزن ؟ أليهس يصهيبك اللواء ؟ فذلك ما تزون به" فهبي أن الؤمهن إذا مات دخهل ال نة قهد يزى‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪20‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫بسيئاته ف الدنيا بالصائب‪ .‬فمن سلم من أجناس الظلم الثلثة‪ :‬الشرك‪ ،‬وظلم العباد‪ .‬وظلمه لنفسه با‬
‫دون الشرك‪ .‬كان له المن التام والهتداء التام‪ .‬ومن ل يسلم من ظلمه لنفسه كان له المن والهتداء‬
‫الطلق‪ .‬بع ن أ نه ل بد أن يد خل ال نة ك ما و عد بذلك ف ال ية الخرى‪ :‬و قد هداه ال إل ال صراط‬
‫الستقيم الذى تكون عاقب ته ف يه إل ال نة‪ .‬ويصل له من نقص المن والهتداء بسب ما نقص من‬
‫إيانه بظلمه لنفسه وليس مراد النب صلى ال عليه وسلم بقوله إنا هو الشرك أن من ل يشرك الشرك‬
‫الكب يكون له المن التام والهتداء التام‪ .‬فإن أحاديثه الكثية مع نصوص القرآن تبي أن أهل الكبائر‬
‫معرضون للخوف‪ ،‬ل ي صل ل م ال من التام والهتداء التام اللذ ين يكونون ب ما مهتد ين إل ال صراط‬
‫ال ستقيم‪ ،‬صراط الذ ين أن عم ال علي هم‪ ،‬من غ ي عذاب ي صل ل م‪ .‬بل مع هم أ صل الهتداء إل هذا‬
‫الصراط‪ ،‬ومعهم أصل نعمة ال عليهم ولبد لم من دخول النة‪ .‬وقوله إنا هو الشرك إن أراد الكب‪،‬‬
‫فمقصوده أن من ل يكن من أهله فهو آمن ما وعد به الشركون من عذاب الدنيا والخرة‪ .‬وإن كان‬
‫مراده جنس الشرك‪ .‬يقال ظلم العبد نفسه‪،‬كبخله لب الال ببعض الواجب ‪ -‬هو شرك أصغر‪ .‬وحبه‬
‫مها يبغضهه ال تعال حته يقدم هواه على مبهة ال الشرك أصهغر ونوه ذلك‪ .‬فهذا فاتهه مهن المهن‬
‫والهتداء بسبه‪ .‬ولذا كان السلف يدخلون الذنوب ف هذا الشرك بذا العتبار ملخصا‪.‬‬

‫وقال ابن القيم رح ه ال‪ :‬قوله‪" :‬الذ ين آمنوا ول يلبسوا إيانم بظلم أولئك ل م المن وهم مهتدون"‬
‫قال الصهحابة‪ :‬وأينها يها رسهول ال ل يلبهس إيانهه بظلم ؟ قال‪ :‬ذلك الشرك‪ .‬أل تسهمعوا قول العبهد‬
‫الصال "إن الشرك لظلم عظيم" لا أشكل عليهم الراد بالظلم فظنوا أن ظلم النفس داخل فيه‪.‬‬

‫وأن من ظلم نفسه أى ظلم كان ل يكن آمنا ول مهتديا‪ .‬أجابم صلوات ال وسلمه عليه بأن الظلم‬
‫الرا فع لل من والدا ية على الطلق هو الشرك‪ .‬وهذا وال هو الواب‪ ،‬الذى يش في العل يل ويروي‬
‫الغل يل‪ .‬فإن الظلم الطلق التام هو الشرك‪ .‬الذى هو و ضع العبادة ف غ ي موضع ها‪ .‬وال من والدى‬
‫الطلق‪ :‬ها المن ف الدنيا والخرة‪.‬‬

‫والدى إل ال صراط الستقيم‪ .‬فالظلم الطلق التام رافع لل من والهتداء الطلق التام‪ .‬ول ينع أن يكون‬
‫الظلم مانعا من مطلق المن ومطلق الدى‪ .‬فتأمله‪ .‬فالطلق للمطلق‪ ،‬والصة للحصة ا ه ملخصا‪.‬‬

‫وقوله‪"( :‬عن عبادة بن الصامت رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬من شهد‬
‫أن ل إله إل ال وحده ل شريسك له‪ ،‬وأن ممدا عبده ورسسوله‪ ،‬وأن عيسسى عبسد ال ورسسوله‬
‫وكلمتسه ألقاهسا إل مريس وروح منسه‪ .‬والنسة حسق‪ ،‬أدخله ال النسة على مسا كان مسن العمسل "‪.‬‬
‫أخرجاه)‪:‬‬

‫عبادة بن ال صامت بن ق يس الن صارى الزر جى‪ ،‬أ بو الول يد‪ ،‬أ حد النقباء بدرى مشهور مات بالرملة‬
‫سنة أربع وثلثي وله اثنتان وسبعون سنة‪ ،‬وقيل‪ :‬عاش إل خلفة معاوية رضى ال عنه‪.‬‬

‫قوله (من شهد أن ل إله إل ال) أى من تكلم با عارفا لعناها‪ ،‬عاملً بقتضاها‪ ،‬باطنا وظاهرا‪ ،‬فلبد‬
‫ف الشهادتي من العلم واليقي والعمل بدلولا‪ ،‬كما قال ال تعال‪" :‬فاعلم أنه ل إله إل ال" وقوله ‪:‬‬
‫"إل من شهد بالق وهم يعلمون" أما النطق با من غي معرفة لعناها ول يقي ول عمل با تقتضيه‪:‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪21‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫من الباءة من الشرك‪ ،‬وإخلص القول والع مل‪ :‬قول القلب والل سان وع مل القلب والوارح ‪ -‬فغ ي‬
‫نافع بالجاع‪.‬‬

‫قال القرطب ف الفهم على صحيح مسلم‪ :‬باب ل يكفى مرد التلفظ بالشهادتي بل لبد من استيقان‬
‫القلب ‪ -‬هذه الترج ة ت نبيه على ف ساد مذ هب غلة الرجئة‪ ،‬القائل ي بأن التل فظ بالشهادت ي كاف ف‬
‫اليان‪ .‬وأحاد يث هذا الباب تدل على ف ساده‪ .‬بل هو مذ هب معلوم الف ساد من الشري عة ل ن و قف‬
‫عليها‪ .‬ولنه يلزم منه تسويغ النفاق‪ ،‬والكم للمنافق باليان الصحيح‪ .‬وهو باطل قطعا ا هه‪.‬‬

‫وف هذا الديث ما يدل على هذا‪ .‬وهو قوله‪ :‬من شهد فإن الشهادة ل تصح إل إذا كانت عن علم‬
‫ويقي وإخلص وصدق‪.‬‬

‫قال النووي‪ :‬هذا حد يث عظ يم جل يل الو قع‪ ،‬و هو أج ع ‪ -‬أو من أج ع ‪ -‬الحاد يث الشتملة على‬
‫العقائد‪ .‬فإنه صلى ال عليه وسلم جع فيه ما يرج من ملل الكفر على اختلف عقائدههم وتباعدها‪.‬‬
‫فاقتصر صلى ال عليه وسلم ف هذه الحرف على ما يباين جيعهم ا هه‪.‬‬

‫ومع ن ل إله إل ال ل معبود ب ق إل ال‪ .‬و هو ف غ ي مو ضع من القرآن‪ ،‬ويأت يك ف قول البقا عى‬
‫صريا قوله (وحده) تأكيد للثبات (ل شريك له) تأكيد للنفى‪ .‬قال الافظ‪ :‬كما قال تعال‪" :‬وإلكم‬
‫إله واحد ل إله إل هو الرحن الرحيم" وقال‪ " :‬وما أرسلنا من قبلك من رسول إل نوحي إليه أنه ل‬
‫إله إل أنا فاعبدون " وقال‪" :‬وإل عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا ال ما لكم من إله غيه" فأجابوه‬
‫ردا عليه بقولم‪ " :‬أجئتنا لنعبد ال وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا " وقال تعال‪ " :‬ذلك بأن ال هو‬
‫الق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن ال هو العلي الكبي "‪.‬‬

‫فتضمن ذلك نفى اللية عما سوى ال‪ ،‬وهي العبادة‪ .‬وإثباتا ل وحده ل شريك له‪ ،‬والقرآن من أوله‬
‫إل آخره يبي هذا ويقرره ويرشد إليه‪.‬‬

‫فالعبادة بم يع أنواع ها إن ا ت صدر عن تأله القلب بال ب والضوع والتذلل رغبا ورهبا‪ ،‬وهذا كله ل‬
‫يستحقه إل ال تعال‪ ،‬كما تقدم ف أدلة هذا الباب وما قبله‪ .‬فمن صرف من ذلك شيئا لغي ال فقد‬
‫جعله ل ندا‪ ،‬فل ينفعه مع ذلك قول ول عمل‪.‬‬

‫قد تقدم كلم ابن عباس‪ ،‬وقال الوزير أبو الظفر ف الفصاح‪ :‬قوله‪ :‬شهادة أن ل إله إل ال يقتضى أن‬
‫يكون الشاهد عالا بأ نه ل إله إل ال‪ ،‬كما قال تعال‪" :‬فاعلم أنه ل إله إل ال" قال‪ :‬واسم (ال) بعد‬
‫(إل) من ح يث أ نه الوا جب له الل ية‪ ،‬فل ي ستحقها غيه سبحانه‪ .‬قال‪ :‬وجلة الفائدة ف ذلك‪ :‬أن‬
‫تعلم أن هذه الكلمة مشتملة على الكفر بالطاغوت واليان بال‪ ،‬فإنك لا نفيت اللية وأثبت الياب‬
‫ل سبحانه كنت من كفر بالطاغوت وآمن بال‪.‬‬

‫وقال ابن القيم ف البدائع ردا لقول من قال‪ :‬إن الستثن مرج من الستثن منه‪ .‬قال ابن القيم‪ :‬بل هو‬
‫ل ف ال ستثن‪ ،‬إذ لو كان كذلك ل يد خل الر جل ف‬ ‫مرج من ال ستثن م نه وحك مه‪ ،‬فل يكون داخ ً‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪22‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫ال سلم بقوله‪ :‬ل إله إل ال ل نه ل يث بت الل ية ل تعال‪ .‬وهذه أع ظم كل مة تضم نت بالو ضع ن فى‬
‫اللية عما سوى ال وإثباتا له بوصف الختصاص‪ .‬فدللتها على إثبات إليته أعظم من دللة قولنا‪:‬‬
‫(ال إله) ول يستريب أحد ف هذا البتة‪ .‬انتهى بعناه‪.‬‬

‫وقال أ بو ع بد ال القر طب ف تف سيه (ل إله إل ال) أى ل معبود إل هو‪ .‬وقال الزمشرى‪ :‬الله من‬
‫أساء الجناس‪ .‬كالرجل والفرس‪ ،‬يقع على كل معبود بق أو باطل‪ ،‬ث غلب على العبود بق‪.‬‬
‫وقال ش يخ ال سلم‪ :‬الله هو العبود الطاع‪ ،‬فإن الله هو الألوه‪ ،‬والألوه هو الذى ي ستحق أن يع بد‪.‬‬
‫وكونه يستحق أن يعبد هو با اتصف به من الصفات الت تستلزم أن يكون هو الحبوب غاية الب‪،‬‬
‫الخضوع له غا ية الضوع‪ ،‬قال‪ :‬فإن الله هو الحبوب العبود الذى تأل ه القلوب بب ها‪ ،‬وت ضع له‬
‫وتذل له‪ ،‬وتا فه وترجوه‪ ،‬وتن يب إل يه ف شدائد ها‪ ،‬وتدعوه ف مهمات ا‪ ،‬وتتو كل عل يه ف م صالها‪،‬‬
‫وتل جأ إل يه وتطمئن بذكره‪ ،‬وت سكن إل ح به‪ ،‬ول يس ذلك إل ل وحده‪ ،‬ولذا كا نت (ل إله إل ال)‬
‫أ صدق الكلم‪ ،‬وكان أهل ها أ هل ال وحز به‪ ،‬والنكرون ل ا أعداءه وأ هل غض به ونقم ته‪ ،‬فإذا صحت‬
‫صح با كل مسألة وحال وذوق‪ ،‬وإذا ل يصححها العبد فالفساد لزم له ف علومه وأعماله‪.‬‬

‫وقال ا بن الق يم‪( :‬الله) هو الذى تأل ه القلوب م بة وإجللً وإنا بة‪ ،‬وإكراما وتعظيما وذلً وخضوعا‬
‫وخوفا ورجاء وتوكلً‪.‬‬

‫وقال ا بن ر جب‪( :‬الله) هو الذى يطاع فل يع صى‪ ،‬هي بة له وإجللً‪ ،‬وم بة وخوفا ورجاء‪ ،‬وتوك ً‬
‫ل‬
‫عليه‪ ،‬وسؤا ًل منه ودعاء له‪ ،‬ول يصلح هذا كله إل ال عز وجل‪ ،‬فمن أشرك ملوقا ف شئ من هذه‬
‫المور الت هي من خصائص اللية كان ذلك قدحا ف إخلصه ف قول (ل إله إل ال) وكان فيه من‬
‫عبودية الخلوق بسب مافيه من ذلك‪.‬‬

‫وقال البقا عي‪ :‬ل إله إل ال‪ ،‬أى انتفاء عظيما أن يكون معبود ب ق غ ي اللك الع ظم‪ ،‬فإن هذا العلم‬
‫هو أعظم الذكرى النجية من أهوال الساعة‪ ،‬وإنا يكون علما إذا كان نافعا‪ ،‬وإنا يكون نافعا إذا كان‬
‫مع الذعان والعمل با تقتضيه‪ ،‬وإل فهو جهل صرف‪.‬‬

‫وقال الطيهب‪( :‬الله) فعال بعنه مفعول‪ ،‬كالكتاب بعنه الكتوب‪ ،‬مهن أله إلةه أى عبهد عبادة‪ .‬قال‬
‫الشارح‪ :‬وهذا كثي ف كلم العلماء وإجاع منهم‪.‬‬

‫فدلت (ل إله إل ال) على ن في الل ية عن كل ما سوى ال تعال كائنا ما كان‪ ،‬وإثبات الل ية ل‬
‫وحده دون كل ما سواه‪ ،‬و هذا هو التوح يد الذى د عت إل يه الر سل ودل عل يه القرآن من أوله إل‬
‫آخره‪ ،‬كما قال تعال عن الن‪ " :‬قل أوحي إل أنه استمع نفر من الن فقالوا إنا سعنا قرآنا عجبا *‬
‫يهدي إل الر شد فآم نا به ولن نشرك برب نا أحدا " فل إله إل ال ل تن فع إل من عرف مدلول ا نفيا‬
‫وإثباتا‪ ،‬واعتقد ذلك وقبله وعمل به‪ .‬وأما من قال ا من غ ي علم واعتقاد وعمل‪ ،‬فقد تقدم ف كلم‬
‫العلماء أن هذا جهل صرف‪ ،‬فهى حجة عليه بل ريب‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪23‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫فقوله ف الد يث وحده ل شر يك له تأك يد وبيان لضمون معنا ها‪ .‬و قد أو ضح ال ذلك وبي نه ف‬
‫قصص النبياء والرسلي ف كتابه البي‪ ،‬فما أجهل عباد القبور بالم ! وما أعظم ما وقعوا فيه من‬
‫الشرك النا ف لكل مة الخلص ل إله إل ال ! فإن مشر كي العرب ونو هم جحدوا ل إله إل ال لفظا‬
‫ومع ن‪ .‬وهؤلء الشركون أقروا ب ا لفظا وجحدو ها مع ن‪ ،‬فت جد أحد هم يقول ا و هو يأله غ ي ال‬
‫بأنواع العبادة‪ ،‬كالب والتعظيم‪ ،‬والوف والرجاء والتوكل والدعاء‪ ،‬وغي ذلك من أنواع العبادة‪ .‬بل‬
‫زاد شركههم على شرك العرب براتهب‪ ،‬فإن أحدههم إذا وقهع فه شدة أخلص الدعاء لغيه ال تعال‪،‬‬
‫ويعتقدون أنه أسرع فرجا من ال‪ ،‬بلف حال الشركي الولي‪ ،‬فإنم يشركون ف الرخاء‪ ،‬وأما ف‬
‫الشدائد فإن ا يل صون ل وحده‪ ،‬ك ما قال تعال ‪ " :‬فإذا ركبوا ف الفلك دعوا ال مل صي له الد ين‬
‫فل ما نا هم إل الب إذا هم يشركون " ال ية‪ .‬فبهذا ي تبي أن مشر كي أ هل هذه الزمان أج هل بال‬
‫وبتوحيده من مشركي العرب ومن قبلهم‪.‬‬

‫وقوله‪( :‬وأن ممدا عبده ورسهوله) أي وشههد بذلك‪ ،‬وههو معطوف على مها قبله على نيهة تكرار‬
‫العا مل‪ ،‬ومع ن الع بد ه نا الملوك العا بد‪ ،‬أي أ نه ملوك ل تعال‪ .‬والعبود ية الا صة و صفه‪ ،‬ك ما قال‬
‫تعال‪" :‬أليس ال بكاف عبده" فأعلى مراتب العبد العبودية الاصة والرسالة فالنب صلى ال عليه وسلم‬
‫أكمل اللق ف هاتي الصفتي الشريفتي‪ .‬وأما الربوبية واللية فهما حق ال تعال‪ ،‬ل يشركه ف شئ‬
‫منه ما ملك مقرب ول نب مر سل‪ .‬وقوله‪ :‬عبده ور سوله أ تى بات ي ال صفتي وجعه ما دفعا للفراط‬
‫والتفريط‪ ،‬فإن كثيا من يدعى أنه من أمته أفرط بالغلو قولً وعملً‪ ،‬وفرط بترك متابعته‪ ،‬واعتمد على‬
‫الراء الخالفة ل ا جاء به‪ ،‬وتعسف ف تأو يل أخباره وأحكا مه‪ ،‬ب صرفها عن مدلول ا وال صدوف عن‬
‫النقياد لا مع إطراحها فإن شهادة أن ممدا رسول ال تقتضى اليان به وتصديقه فيما أخب‪ ،‬وطاعته‬
‫فيما أمر‪ ،‬والنتهاء عما عنه نى وزجر‪ ،‬وأن يعظم أمره ونيه‪ ،‬ول يقدم عليه قول أحد كائنا من كان‪.‬‬
‫والواقع اليوم وقبله ‪ -‬من يتنسب إل العلم من القضاة والفتي ‪ -‬خلف ذلك‪ ،‬وال الستعان‪ .‬وروى‬
‫الدارمى ف مسنده عن "عبد ال بن سلم رضى ال عنه أنه كان يقول‪ :‬إنا لنجد صفة رسول ال صلى‬
‫ال عليهه وسهلم‪ :‬إنها أرسهلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للمييه‪ ،‬أنهت عبدي ورسهول‪ ،‬سهيته‬
‫التوكل‪ ،‬ليس بفظ ول غليظ‪ ،‬ول صخاب بالسواق‪ ،‬ول يزى بالسيئة مثلها‪ ،‬ولكن يعفو ويتجاوز‪،‬‬
‫ولن أقبضه حت يقيم اللة التعوجة بأن يشهد أن ل إله إل ال‪ ،‬يفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا‬
‫غلفا " قال عطاء بن يسار‪ :‬وأخبن أبو واقد الليثى أنه سع كعبا يقول مثل ما قال ابن سلم‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وأن عيسى عبد ال ورسوله) أى خلفا لا يعتقده النصارى أنه ال أو ابن ال‪ ،‬أو ثالث ثلثة‪.‬‬
‫تعال ال ع ما يقولون علوا كبيا ‪ " :‬ما ات ذ ال من ولد و ما كان م عه من إله" فل بد أن يش هد أن‬
‫عيسى عبد ال ورسوله على علم ويقي بأنه ملوك ل‪ ،‬خلقه من أنثى بل ذكر‪ ،‬كما قال تعال‪" :‬إن‬
‫مثل عيسى عند ال كمثل آدم خلقه من تراب ث قال له كن فيكون" فليس ربا ول إلا‪ .‬سبحان ال‬
‫عما يشركون‪ .‬قال تعال ‪ " - :‬فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان ف الهد صبيا * قال إن عبد‬
‫ال آتان الكتاب وجعلن نبيا * وجعلن مباركا أين ما كنت وأوصان بالصلة والزكاة ما دمت حيا *‬
‫وبرا بوالد ت ول يعل ن جبارا شق يا * وال سلم علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أب عث ح يا * ذلك‬
‫عيسى ابن مري قول الق الذي فيه يترون * ما كان ل أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنا‬
‫يقول له كن فيكون * وإن ال رب وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم " وقال‪" :‬لن يستنكف السيح‬
‫أن يكون عبدا ل ول اللئ كة القربون و من ي ستنكف عن عباد ته وي ستكب ف سيحشرهم إل يه جيعا "‬
‫ويش هد الؤ من أيضا ببطلن قول أعدائه اليهود‪ :‬أ نه ولد ب غى‪ ،‬لعن هم ال تعال‪ .‬فل ي صح إ سلم أ حد‬
‫علم ما كانوا يقولونه حت يبأ من قول الطائفتي جيعا ف عيسى عليه السلم‪ ،‬ويعتقد ما قاله ال تعال‬
‫فيه‪ :‬أنه عبد ال ورسوله‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪24‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪( :‬وكلم ته) إن ا سى عي سى عل يه ال سلم كل مة لوجوده بقوله تعال‪ :‬كن ك ما قاله ال سلف من‬
‫الف سرين‪ .‬قال المام أح د ف الرد على الهم ية بالكل مة ال ت ألقا ها إل مر ي ح ي قال له كن فكان‬
‫عي سى ب كن ول يس عي سى هو كن ول كن ب كن كان‪ .‬ف كن من ال تعال قول‪ ،‬ول يس كن ملوقا‪،‬‬
‫وكذب النصارى والهمية على ال ف أمر عيسى انتهى‪.‬‬

‫قوله‪( :‬ألقاها إل مري) قال ابن كثي‪ :‬خلقه بالكلمة الت أرسل با جبيل إل مري فنفخ فيها من روحه‬
‫بأ مر ر به عز و جل‪ :‬فكان عي سى بإذن ال عز و جل‪ ،‬ف هو ناشىء عن الكل مة ال ت قال له كن فكان‬
‫والروح الت أرسل با‪ :‬هو جبيل عليه السلم‪.‬‬

‫وقوله‪( :‬وروح م نه) قال أ ب بن ك عب‪ :‬عي سى روح من الرواح ال ت خلق ها ال تعال وا ستنطقها‬
‫بقوله‪" :‬ألست بربكم قالوا بلى" بعثه ال إل مري فدخل فيها رواه عبد بن حيد وعبد ال بن أحد ف‬
‫زوائد السند‪ ،‬وابن جرير وابن أب حات وغيهم‪ .‬قال الافظ‪ :‬ووصفه بأنه منه‪ ،‬فالعن أنه كائن منه‪،‬‬
‫كما ف قوله تعال‪ " :‬وسخر لكم ما ف السماوات وما ف الرض جيعا منه " فالعن أنه كائن منه‪،‬‬
‫ك ما أن مع ن ال ية الخرى أ نه سخر هذه الشياء كائ نة م نه أي أ نه مكون ذلك وموجده بقدر ته‬
‫وحكمته‪.‬‬

‫قال ش يخ السلم‪ :‬الضاف إل ال تعال إذا كان معن ل يقوم بنفسه ول بغيه من الخلوقات وجب‬
‫أن يكون صفة ل تعال قائ مة به‪ ،‬وامت نع أن تكون إضاف ته إضا فة ملوق مربوب‪ .‬وإذا كان الضاف‬
‫عينا قائمة بنفسها كعيسى وجبيل عليهما السلم وأرواح بن آدم امتنع أن تكون صفة ل تعال‪ ،‬لن‬
‫ما قام بنفسه ل يكون صفة لغيه‪.‬‬
‫لكن العيان الضافة إل ال تعال على وجهي‪:‬‬
‫أحده ا‪ :‬أن تضاف إل يه لكو نه خلق ها وأبدع ها‪ ،‬فهذا شا مل لم يع الخلوقات‪ ،‬كقول م‪ :‬ساء ال‪،‬‬
‫وأرض ال‪ .‬فجميع الخلوقي عبيد ال‪ ،‬وجيع الال مال ال‪.‬‬
‫الوجه الثان‪ :‬أن يضاف إليه لا خصه به من معن يبه ويأمر به ويرضاه‪ ،‬كما خص البيت العتيق بعبادة‬
‫فيه ل تكون ف غيه‪ .‬وكما يقال ف مال المس والفىء‪ :‬هو مال ال ورسوله‪ .‬ومن هذا الوجه‪ :‬فعباد‬
‫ال هم الذ ين عبدوه وأطاعوا أمره‪ .‬فهذه إضا فة تتض من ألوهي ته وشر عه ودي نه‪ ،‬وتلك إضا فة تتض من‬
‫ربوبيته وخلقه‪ .‬ا‪ .‬ه ملخصا‪.‬‬

‫قوله‪( :‬والنة حق والنار حق) أى وشهد أن النة الت أخب با ال تعال ف كتابه أنه أعدها للمتقي‬
‫حق‪ ،‬أى ثابتة ل شك فيها‪ ،‬وشهد أن النار الت أخب با تعال ف كتابه أنه أعدها للكافرين حق كذلك‬
‫ثاب تة‪ ،‬ك ما قال تعال‪ " :‬سابقوا إل مغفرة من رب كم وج نة عرض ها كعرض ال سماء والرض أعدت‬
‫للذ ين آمنوا بال ور سله ذلك ف ضل ال يؤت يه من يشاء وال ذو الف ضل العظ يم " وقال تعال‪ " :‬فاتقوا‬
‫النار ال ت وقود ها الناس والجارة أعدت للكافر ين " و ف اليت ي ونظائره ا دل يل على أن ال نة والنار‬
‫ملوقتان الن‪ ،‬خلفا للمبتدعة‪ .‬وفيهما اليان بالعاد‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪25‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وقوله‪( :‬أدخله ال النة على ما كان من العمل) هذه الملة جواب الشرط وف رواية‪ :‬أدخله ال من‬
‫أى أبواب النة الثمانية شاء‪ .‬قال الافظ‪ :‬معن قوله‪ :‬على ما كان من العمل أى من صلح أو فساد‪،‬‬
‫لن أهل التوحيد لبد لم من دخول النة‪ ،‬ويتمل أن يكون معن قوله‪ :‬على ما كان من العمل أن‬
‫يدخله النه على حسب أعمال كل منهم ف الدرجات‪.‬‬

‫قال القاضى عياض‪ :‬ما ورد ف حديث عبادة يكون مصوصا لن قال ما ذكره صلى ال عليه وسلم‬
‫وقرن بالشهادت ي حقي قة اليان والتوح يد الذي ورد ف حدي ثه فيكون له من ال جر ما ير جح على‬
‫سيئاته ويوجب له الغفرة والرحة ودخول النة لول وهلة‪.‬‬

‫قال‪( :‬ولما ف حديث عتبان فإن ال حرم على النار من قال ل إله إل ال يبتغي بذلك وجه ال) ‪:‬‬

‫قوله‪( :‬ول ما) أي البخاري وم سلم ف صحيحيهما بكماله‪ .‬وهذا طرف من حد يث طو يل أخر جه‬
‫الشيخان‪.‬‬

‫وعتبان بكسر الهملة بعدها مثناة فوقية ث موحدة‪ ،‬ابن مالك بن عمرو بن العجلن النصاري‪ ،‬من بن‬
‫سال بن عوف‪ ،‬صحاب مشهور‪ ،‬مات ف خلفة معاوية‪.‬‬
‫وأخرج البخاري ف صحيحه بسنده "عن قتادة قال‪ :‬حدثنا أنس بن مالك أن النب صلى ال عليه وسلم‬
‫ومعاذ رديفه على الرحل قال‪ :‬يا معاذ‪ ،‬قال‪ :‬لبيك يا رسول ال وسعديك‪ .‬قال‪ :‬يا معاذ‪ ،‬قال لبيك يا‬
‫ر سول ال و سعديك‪ .‬قال‪ :‬يا معاذ‪ ،‬قال‪ :‬لب يك يا ر سول ال و سعديك ‪ -‬ثلثا ‪ -‬قال‪ :‬ما من أ حد‬
‫يش هد أن ل إله إل ال وأن ممدا ر سول ال صدقا من قل به إل حر مه ال تعال على النار‪ ،‬قال‪ :‬يا‬
‫ر سول ال أفل أ خب به الناس في ستبشروا ؟ قال‪ :‬إذا يتكلوا‪ ،‬فأ خب ب ا معاذ عند مو ته تأثا "‪ .‬و ساق‬
‫ب سند آ خر‪" :‬حدث نا معت مر قال‪ :‬سعت أ ب‪ ،‬قال‪ :‬سعت أن سا قال‪ :‬ذ كر ل أن ال نب صلى ال عل يه‬
‫وسلم قال لعاذ ابن ج بل‪ :‬من ل قى ال ل يشرك به شيئا دخل ال نة‪ .‬قال‪ :‬أل أبشر الناس ؟ قال‪ :‬ل‪،‬‬
‫إن أخاف أن يتكلوا "‪.‬‬

‫قلت‪ :‬فتبي بذا السياق معن شهادة أن ل إله إل ال‪ ،‬وأنا تتضمن ترك الشرك لن قالا بصدق ويقي‬
‫وإخلص‪.‬‬

‫قال شيخ السلم وغيه‪ :‬ف هذا الديث ونوه أنا فيمن قالا ومات عليها‪ ،‬كما جاءت مقيدة بقوله‪:‬‬
‫خالصا من قلبه غي شاك فيها بصدق ويقي فإن حقيقة التوحيد انذاب الروح إل ال تعال جلة‪ ،‬فمن‬
‫شهد أن ل إله إل ال خالصا من قلبه دخل النة‪ ،‬لن الخلص هو انذاب القلب إل ال تعال بأن‬
‫يتوب من الذنوب تو بة ن صوحا‪ ،‬فإذا مات على تلك الال نال ذلك فإ نه قد تواترت الحاد يث بأ نه‬
‫"يرج من النار من قال ل إله إل ال‪ ،‬وكان ف قلبه من الي ما يزن شعية‪ ،‬وما يزن خردلة‪ ،‬وما يزن‬
‫ذرة" وتواترت بأن كثيا من يقول ل إله إل ال يدخل النار ث يرج منها‪ ،‬وتواترت بأن ال حرم على‬
‫النار أن تأكل أثر السجود من ابن آدم‪ ،‬فهؤلء كانوا يصلون ويسجدون ل‪ ،‬وتواترت بأنه يرم على‬
‫النار مهن قال ل إله إل ال‪ ،‬ومهن شههد أن ل إله إل ال وأن ممدا رسهول ال‪ ،‬لكهن جاءت مقيدة‬
‫بالقيود الثقال‪ ،‬وأك ثر من يقول ا ل يعرف الخلص‪ ،‬وأك ثر من يقول ا إنا يقولا تقليدا أو عادة‪ ،‬ول‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪26‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫تالط حلوة اليان بشاشة قلبه‪ .‬وغالب من يفت عند الوت وف القبور أمثال هؤلء‪ ،‬كما ف الديث‬
‫"سعت الناس يقولون شيئا فقلته" وغالب أعمال هؤلء إنا هى تقليد واقتداء بأمثالم‪ ،‬وهم من أقرب‬
‫الناس من قوله تعال‪" :‬إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون"‪.‬‬

‫وحينئذ فل منافاة ب ي الحاد يث‪ ،‬فإ نه إذا قال ا بإخلص ويق ي تام ل ي كن ف هذه الال م صرا على‬
‫ذنب أصلً‪ ،‬فإن كمال إخلصه ويقينه يوجب أن يكون ال أحب إليه من كل شئ‪ ،‬فإذا ل يبقى ف‬
‫قلبه إرادة لا حرم ال‪ ،‬ول كراهة لا أمر ال‪ .‬وهذا هو الذي يرم على النار وإن كانت له ذنوب قبل‬
‫ذلك‪ ،‬فإن هذا اليان وهذا الخلص‪ ،‬وهذه التو بة وهذه الح بة وهذا اليق ي‪ ،‬ل تترك له ذنبا إل م ي‬
‫ع نه ك ما ي حو الل يل النهار‪ ،‬فإذا قال ا على و جه الكمال الا نع من الشرك ال كب وال صغر‪ ،‬فهذا غ ي‬
‫مصر على ذنب أصلً‪ ،‬فيغفر له ويرم على النار‪ ،‬وإن قالا على وجه خلص به من الشرك الكب دون‬
‫الصغر‪ ،‬ول يأت بعدها با يناقض ذلك‪ ،‬فهذه السنة ل يقاومها شئ من السيئات فيجح با ميزان‬
‫السنات‪ ،‬كما ف حديث البطاقة فيحرم على النار‪ ،‬ولكن تنقص درجته ف النة بقدر ذنوبه‪ ،‬وهذا‬
‫بلف من رج حت سيئاته ب سناته ومات م صرا على ذلك‪ ،‬فإ نه ي ستوجب النار‪ .‬وإن قال ل إله إل‬
‫ال وخلص با من الشرك الكب ولكنه ل يت على ذلك‪ ،‬بل أتى بعدها بسيئات رجحت على حسنة‬
‫توحيده‪ ،‬فإنه ف حال قولا كان ملصا لكنه أتى بذنوب أوهنت ذلك التوحيد والخلص فأضعفته‪،‬‬
‫وقويهت نار الذنوب حته أحرقهت ذلك بلف الخلص السهتيقن‪ ،‬فإن حسهناته ل تكون إل راجحهة‬
‫على سيئاته ول يكون مصرا على سيئات‪ ،‬فإن مات على ذلك دخل النة‪.‬‬

‫وإنا ياف على الخلص أن يأتى بسيئة راجحة فيضعف إيانه فل يقولا بإخلص ويقي مانع من جيع‬
‫السيئات‪ ،‬ويشى عليه من الشرك الكب والصغر‪ ،‬فإن سلم من الكب بقي معه من الصغر فيضيف‬
‫إل ذلك سيئات تن ضم إل هذا الشرك في جح جا نب ال سيئات فإن ال سيئات تض عف اليان واليق ي‪،‬‬
‫فيضعهف قول ل إله إل ال‪ ،‬فيمتنهع الخلص بالقلب‪ ،‬فيصهي التكلم باه كالاذى أو النائم‪ ،‬أو مهن‬
‫يسن صوته بالية من القرآن من غي ذوق طعم وحلوة‪ ،‬فهؤلء ل يقولوها بكمال الصدق واليقي‪،‬‬
‫بل يأتون بعدها بسيئات تنقض ذلك بل يقولونا من غي يقي وصدق وييون على ذلك‪ ،‬ويوتون على‬
‫ذلك‪ ،‬ول م سيئات كثية تنع هم من دخول ال نة‪ .‬فإذا كثرت الذنوب ث قل على الل سان قول ا وق سا‬
‫القلب عن قول ا‪ ،‬وكره العمل ال صال وث قل عل يه ساع القرآن‪ ،‬واستبشر بذ كر غ ي ال‪ ،‬واطمأن إل‬
‫الباطل‪ ،‬واستحلى الرفث‪ ،‬ومالطة أهل الغفلة‪ ،‬وكره مالطة أهل الق‪ ،‬فمثل هذا إذا قالا قال بلسانه‬
‫ما ليس ف قلبه‪ ،‬وبفيه ما ل يصدقه عمله‪.‬‬

‫قال ال سن‪ :‬ل يس اليان بالتحلي ول بالتم ن‪ ،‬ول كن ما و قر ف القلوب و صدقته العمال‪ .‬ف من قال‬
‫خيا وعمل خيا قبل منه‪ ،‬ومن قال خيا وعمل شرا ل يقبل منه‪.‬‬

‫وقال بكر بن عبد ال الزن‪ :‬ما سبقهم أبو بكر بكثرة صيام ول صلة ولكن بشئ وقر ف قلبه‪.‬‬

‫فمن قال‪ :‬ل إله إل ال ول يقم بوجبها بل اكتسب مع ذلك ذنوبا‪ ،‬وكان صادقا ف قولا موقنا با‪،‬‬
‫لكهن له ذنوب أضعفهت صهدقه ويقينهه‪ ،‬وانضاف إل ذلك الشرك الصهغر العملي‪ ،‬فرجحهت هذه‬
‫السيئات على هذه السنة‪ ،‬ومات مصرا على الذنوب‪ ،‬بلف من يقولا بيقي وصدق‪ ،‬فإنه إما أن ل‬
‫يكون مصرا على سيئة أصلً‪ ،‬ويكون توحيده التضمن لصدقه ويقينه رجح حسناته‪ .‬والذين يدخلون‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪27‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫النار م ن يقول ا‪ :‬إ ما أن م ل يقولو ها بال صدق واليق ي التام النافي ي لل سيئات أو لرجحان ا‪ ،‬أو قالو ها‬
‫واكتسبوا بعد ذلك سيئات رجحت على حسناتم‪ ،‬ث ضعف لذلك صدقهم ويقينهم‪ ،‬ث ل يقولوها‬
‫بعد ذلك بصدق ويقي تام‪ ،‬لن الذنوب قد أضعفت ذلك الصدق واليقي من قلوبم‪ ،‬فقولا من مثل‬
‫هؤلء ل يقوي على مو السيئات فترجح سيئاتم على حسناتم‪ .‬انتهى ملخصا‪.‬‬

‫وقد ذكر هذا كثي من العلماء كابن القيم و ابن رجب وغيهم‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وبا قرره شيخ السلم تتمع الحاديث‪.‬‬

‫قال‪ :‬وف الديث دليل على أنه ل يكفي ف اليان النطق من غ ي اعتقاد وبالعكس‪ ،‬وف تري النار‬
‫على أهل التوحيد الكامل وفيه إن العمل ل ينفع إل إذا كان خالصا لوجه ال تعال على ما شرعه على‬
‫لسان رسوله صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫(ت نبيه) قال القر طب ف تذكر ته‪ :‬قوله ف الد يث من إيان أي من أعمال اليان ال ت هي من أعمال‬
‫الوارح‪ ،‬فيكون فيه دللة على أن العمال الصالة من اليان‪ ،‬والدليل على أنه أراد باليان ما قلناه‪،‬‬
‫ول يرد مرد اليان الذي هو التوح يد ون في الشركاء والخلص بقول ل إله إل ال ما ف الد يث‬
‫نف سه من قوله أخرجوا ‪ -‬ث ب عد ذلك يق بض سبحانه قب ضة فيخرج قوما ل يعملوا خيا قط ير يد‬
‫بذلك التوحيد الجرد من العمال ا ه ملخصا من شرح سنن ابن ماجة‪.‬‬

‫قال الصنف رحه ال‪"( :‬وعن أب سعيد الدري رضي ال عنه عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫قال‪ :‬قال موسى عليه السلم‪ :‬يا رب علمن شيئا أذكرك وأدعوك به‪ ،‬قال‪ :‬قل يا موسى ل إله إل‬
‫ال‪ .‬قال‪ :‬كسل عبادك يقولون هذا‪ ،‬قال‪ :‬يسا موسسى لو أن السسموات السسبع وعامرهسن غيي‬
‫والرضي السبع ف كفة‪ ،‬ول إله إل ال ف كفة‪ ،‬مالت بن ل إله إل ال رواه ابن حبان والاكم‬
‫وصححه") ‪:‬‬

‫أبو سعيد‪ :‬اسه سعد بن مالك بن سنان بن عبيد النصاري الزرجي‪ ،‬صحاب جليل وأبوه كذلك‪،‬‬
‫استصغر أبو سعيد بأحد وشهد ما بعدها‪ ،‬مات بالدينة سنة ثلث أو أربع أو خس وستي وقيل سنة‬
‫أربع وستي‪.‬‬

‫قوله (أذكرك) أي أثن عليك به (وأدعوك) أي اسألك به‪.‬‬

‫قوله (قل يا موسى ل إله إل ال) فيه أن الذاكر با يقولا كلها‪ ،‬ول يقتصر على لفظ الللة‪ ،‬ول على‬
‫هو كما يفعله غلة جهال التصوفة‪ ،‬فإن ذلك بدعة وضلل‪.‬‬

‫قوله‪ ( :‬كل عبادك يقولون هذا) ث بت ب ط ال صنف بال مع‪ ،‬والذى ف ال صول يقول بالفراد مراعاة‬
‫للفظة كل وهو ف السند من حديث عبد ال بن عمر بلفظ المع كما ذكره الصنف على معن كل‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪28‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫ومعن قوله كل عبادك يقولون هذا أي إنا أريد شيئا تصن به من بي عموم عبادك‪ ،‬وف رواية بعد‬
‫قوله كل عبادك يقولون هذا ‪ -‬قل ل إله إل ال‪ ،‬قال ل إله إل أنت يارب‪،‬إنا أريد شيئا تصن به‪.‬‬

‫ول ا كان بالناس ‪ -‬بل بالعال كله ‪ -‬من الضرورة إل ل إله إل ال ما ل نا ية له‪ ،‬كا نت من أك ثر‬
‫الذكار وجودا‪ ،‬وأيسرها حصولً‪ ،‬وأعظمها معن‪ .‬والعوام والهال يعدلون عنها إل الدعوات البتدعة‬
‫الت ليست ف الكتاب ول ف السنة‪.‬‬

‫قوله (وعامرهن غيي) هو بالنصب عطف على السموات‪ ،‬أي لو أن السموات السبع ومن فيهن من‬
‫العمار غ ي ال تعال‪ ،‬والرض ي ال سبع و من في هن‪ ،‬وضعوا ف ك فة اليزان ول إله إل ال ف الك فة‬
‫الخرى‪ ،‬مالت بن ل إله إل ال‪.‬‬

‫وروى المام أح د عن "ع بد ال بن عمرو عن ال نب صلى ال عل يه و سلم أن نوحا عل يه ال سلم قال‬


‫لبنه عند موته‪ :‬آمرك بل إله إل ال‪ ،‬فإن السموات السبع والرضي السبع لو وضعت ف كفة‪ ،‬ول‬
‫إله إل ال ف ك فة رج حت ب ن ل إله إل ال‪ ،‬ولو أن ال سموات ال سبع والرض ي ال سبع كن حل قة‬
‫مبهمة لقصمتهن ل إله إل ال "‪.‬‬

‫قوله‪( :‬ف كفة) هو بكسر الكاف وتشديد الفاء‪ ،‬أي كفة اليزان‪.‬‬

‫قوله‪( :‬مالت بن) أي رجحت‪ .‬وذلك لا اشتملت عليه من نفي الشرك‪ ،‬وتوحيد ال الذي هو أفضل‬
‫العمال‪ .‬وأساس اللة والدين‪ ،‬فمن قالا بإخلص ويقي‪ ،‬وعمل بقتضاها ولوازمها وحقوقها‪ ،‬واستقام‬
‫على ذلك‪ ،‬فهذه ال سنة ل يوازن ا شئ‪ ،‬ك ما قال ال تعال‪" :‬إن الذ ين قالوا رب نا ال ث ا ستقاموا فل‬
‫خوف عليهم ول هم يزنون"‪.‬‬

‫ودل الد يث على أن ل إله إل ال أف ضل الذ كر‪ .‬كحد يث ع بد ال بن عمرو مرفوعا‪ :‬خ ي الدعاء‬
‫دعاء يوم عر فة وخ ي ما قلت أ نا وال نبيون من قبلى‪ :‬ل إله إل ال وحده ل شر يك له‪ ،‬له اللك وله‬
‫المد وهو على كل شئ قدير رواه أحد والترمذي‪ ،‬وعنه أيضا مرفوعا يصاح برجل من أمت على‬
‫رؤوس اللئق يوم القيامة فينشر له تسعة وتسعون سجلً‪ ،‬كل سجل منها مد البصر ث يقال‪ :‬أتنكر‬
‫من هذا شيئا ؟ أظلمك كتبت الافظون فيقول‪ :‬ل يارب‪ .‬فيقال‪ :‬أفلك عذر أو حسنة ؟ فيهاب الرجل‬
‫فيقول‪ :‬ل‪ ،‬فيقال‪ :‬بلى إن لك عندنا حسنة وإنه ل ظلم عليك اليوم‪ ،‬فيخرج له بطاقة فيها‪ :‬أشهد أن‬
‫ل إله إل ال وأن ممدا عبده ورسوله‪ .‬فيقول يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلت ؟ فيقال‪ :‬إنك‬
‫ل تظلم‪ ،‬فتوضع السجلت ف كفة‪ ،‬والبطاقة ف كفة فطاشت السجلت وثقلت البطاقة رواه الترمذي‬
‫وحسنه‪.‬‬

‫والنسائى وابن حبان والاكم‪ .‬وقال‪ :‬صحيح على شرط مسلم‪ ،‬وقال الذهب ف تلخيصه‪ :‬صحيح‪.‬‬

‫قال ابن القيم رحه ال‪ :‬فالعمال ل تتفاضل بصورها وعددها‪ ،‬وإنا تتفاضل بتفاضل ما ف القلوب‪،‬‬
‫فتكون صورة العمل ي واحدة وبينه ما من التفا ضل ك ما ب ي ال سماء والرض‪ .‬قال‪ :‬وتأ مل حد يث‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪29‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫ل كل سجل منها مدى البصر‪ ،‬فتثقل البطاقة‬ ‫البطاقة الت توضع ف كفة ويقابلها تسعة وتسعون سج ً‬
‫وتطيش السجلت‪ ،‬فل يعذب‪ .‬ومعلوم أن كل موحد له هذه البطاقة وكثي منهم يدخل النار بذنوبه‪.‬‬

‫قوله‪( :‬رواه ابن حبان والاكم) ابن حبان اسه ممد بن حبان ‪ -‬بكسر الهملة وتشديد الوحدة ‪ -‬ابن‬
‫أحد بن حبان بن معاذ‪ ،‬أبو حات التميمي البست الافظ صاحب التصانيف‪ :‬كالصحيح‪ ،‬والتاريخ‪،‬‬
‫والضعفاء‪ ،‬والثقات وغي ذلك‪ .‬قال الاكم‪ :‬كان من أوعية العلم ف الفقه واللغة والديث والوعظ‪،‬‬
‫ومن عقلء الرجال‪ .‬مات سنة أربع وخسي وثلثائة بدينة بست ‪ -‬بضم الوحدة وسكون الهملة‪.‬‬

‫وأما الاكم فاسه ممد بن عبد ال بن ممد النيسابورى أبوعبد ال الافظ ويعرف بابن البيع ولد سنة‬
‫إحدى وعشرين وثلثمائة‪،‬وصنف التصانيف‪ ،‬كالستدرك وتاريخ نيسابور وغيها‪ ،‬ومات سنة خس‬
‫وأربعمائة‪.‬‬

‫قال الصنف رحه ال (وللترمذي ‪ -‬وحسنه ‪" -‬عن أنس‪ :‬سعت رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫يقول‪ :‬قال ال تعال يا بن آدم لو أتيت ن بقراب الرض خطا يا ث لقيت ن ل تشرك ب شيئا لتي تك‬
‫بقرابا مغفرة") ‪:‬‬

‫ذ كر ال صنف رح ه ال الملة الخية من الد يث‪ ،‬و قد رواه الترمذي بتما مه فقال‪ " :‬عن أ نس قال‬
‫سهعت رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم يقول‪ :‬قال ال تبارك وتعال‪ :‬يها بهن آدم إنهك مها دعوتنه‬
‫ورجوتنه غفرت لك على مها كان منهك ول أبال‪ ،‬يها بهن آدم لو بلغهت ذنوبهك عنان السهماء ثه‬
‫استغفرتن غفرت لك ول أبال يا بن آدم‪ ،‬إنك لو أتيتن ‪ -‬الديث "‪.‬‬

‫الترمذي‪ :‬اسه ممد بن عيسى بن سورة ‪ -‬بفتح الهملة ‪ -‬بن موسى بن الضحاك السلمي أبو عيسى‪،‬‬
‫صاحب الا مع وأ حد الفاظ‪ ،‬كان ضر ير الب صر‪ ،‬روى عن قتي بة وهناد والبخاري وخلق‪ .‬مات سنة‬
‫تسع وسبعي ومائتي‪.‬‬

‫وأنس‪ :‬هو ابن مالك بن النضر النصاري الزرج]‪ ،‬خادم رسول ال صلى ال عليه وسلم خدمه عشر‬
‫سني‪ ،‬وقال له‪ :‬اللهم أكثر ماله وولده وأدخله النة مات سنة اثنتي وقيل‪ :‬ثلث وتسعي‪ ،‬وقد جاوز‬
‫الائة‪.‬‬
‫والديث قد رواه المام أحد من حديث أب ذر بعناه‪ ،‬وهذا لفظه "ومن عمل قراب الرض خطيئة ث‬
‫لقين ل يشرك ب جعلت له مثلها مغفرة" ورواه مسلم‪ ،‬وأخرجه ال طبان من حد يث ابن عباس عن‬
‫النب صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫قوله‪( :‬لو أتيت ن بقراب الرض) ب ضم القاف‪ :‬وق يل بك سرها وال ضم أش هر و هو ملؤ ها أو ما يقارب‬
‫ملئها‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪30‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪ ( :‬ث لقيت ن ل تشرك ب شيئا) شرط ثق يل ف الو عد ب صول الغفرة‪ ،‬و هو ال سلمة من الشرك‪:‬‬
‫كثيه وقليله‪ ،‬صغيه وكبيه‪ .‬ول يسلم من ذلك إل من سلم ال تعال‪ ،‬وذلك هو القلب السليم كما‬
‫قال تعال‪ " :‬يوم ل ينفع مال ول بنون * إل من أتى ال بقلب سليم "‪.‬‬

‫قال ابن رجب‪ :‬من جاء مع التوحيد بقراب الرض خطايا لقيه ال بقرابا مغفرة ‪-‬إل أن قال ‪ -‬فإن‬
‫كمل توحيد العبد وإخلصه ل تعال فيه‪ ،‬وقام بشروطه بقلبه ولسانه وجوارحه‪ ،‬أو بقلبه ولسانه عند‬
‫الوت‪ ،‬أعقب ذلك مغفرة ما قد سلف من الذنوب كلها ومنعه من دخول النار بالكل ية‪ .‬ف من تقق‬
‫بكلمة التوحيد قلبه أخرجت منه كل ما سوى ال‪ :‬مبة وتعظيما‪ ،‬وإجل ًل ومهابة وخشية وتوكلً‪،‬‬
‫وحينئذ ترق ذنوبه وخطاياه كلها‪ ،‬وإن كانت مثل زبد البحر ا ه ملخصا‪.‬‬

‫قال العلمة ابن القيم رحه ال تعال ف معن الديث‪ :‬ويعفى لهل التوحيد الحض الذي ل يشوبوه‬
‫بالشرك ما ل يعفى لن ليس كذلك‪ .‬فلو لقى الوحد الذي ل يشرك بال شيئا ألبته ربه بقراب الرض‬
‫خطايا أتاه بقرابا مغفرة‪ ،‬ول يصل هذا لن نقص توحيده‪ .‬فإن التوحيد الالص الذى ل يشوبه شرك‬
‫ل يبقى معه ذنب‪ ،‬لنه يتضمن من مبة ال وإجلله وتعظيمه‪ ،‬وخوفه ورجائه وحده ما يوجب غسل‬
‫الذنوب ولو كانت قراب الرض‪ ،‬فالنجاسة عارضة والدافع لا قوى‪ .‬ا هه‪.‬‬

‫وفه هذا الديهث‪ :‬كثرة ثواب التوحيهد‪ ،‬وسهعة كرم ال وجوده ورحتهه والرد على الوارج الذيهن‬
‫يكفرون ال سلم بالذنوب‪ ،‬وعلى العتزلة القائل ي بالنلة ب ي النلت ي‪ ،‬و هي الف سوق‪ ،‬ويقولون ل يس‬
‫بؤمن ول كافر‪ ،‬ويلد ف النار‪ .‬والصواب قول أهل السنه‪ :‬أنه ل يسلب عنه اسم اليان‪ ،‬و ل يعطاه‬
‫على الطلق‪ ،‬بهل يقال ههو مؤمهن عاص‪ ،‬أو مؤمهن بإيانهه‪ ،‬فاسهق بكهبيته‪ .‬وعلى هذا يدل الكتاب‬
‫والسنة وإجاع سلف المة‪ .‬و "عن عبد ال بن مسعود رضى ال عنه قال‪ :‬لا أسرى برسول ال صلى‬
‫ال عل يه و سلم انت هي به إل سدرة النت هى‪ ،‬فأع طي ثلثا‪ :‬أع طى ال صلوات ال مس‪ ،‬وخوات يم سورة‬
‫البقرة‪ ،‬وغفر لن ل يشرك بال من أمته شيئا‪ :‬القحمات " رواه مسلم‪.‬‬

‫قال ابن كثي ف تفسيه‪ :‬وأخرج المام أحد والترمذي وابن ماجه والنسائى "عن أنس ابن مالك قال‪:‬‬
‫قرأ رسول ال صلى ال عليبه وسلم هذه الية ‪" :‬هو أهل التقوى وأهل الغفرة" وقال‪ :‬قال ربكم‪ :‬أنا‬
‫ل أن أغفر له "‪.‬‬
‫أهل أن أتقى فل يعل معي إله‪ ،‬فمن اتقى أن يعل معي إلا كان أه ً‬

‫قال الصنف رحه ال‪( :‬تأمل المس اللوات ف حديث عبادة فإنك إذا جعت بينه وبي حديث عتبان‬
‫تبي لك معن قوله‪ :‬ل إله إل ال وتبي لك خطأ الغرورين‪.‬‬

‫وف يه أن ال نبياء يتاجون للت نبيه على ف ضل ل إله إل ال والت نبيه لرجحان ا بم يع الخلوقات‪ ،‬مع أن‬
‫كثيا من يقولا يف ميزانه‪ .‬وفيه إثبات الصفات خلفا للمعطلة‪ .‬وفيه أنك إذا عرفت حديث أنس‬
‫وقوله ف "حديث عتبان إن ال حرم على النار من قال ل إله إل ال يبتغى بذلك وجه ال " تبينت لك‬
‫أن ترك الشرك ف قولا باللسان فقط‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪31‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫باب‬
‫من حقق التوحيد دخل النة بغي حساب‬

‫قوله‪( :‬باب من حقق التوحيد دخل النة بغي حساب) ‪:‬‬

‫أي ول عذاب‪.‬‬
‫قلت‪ :‬تقيقه تليصه وتصفيته من شوائب الشرك والبدع والعاصى‪.‬‬

‫قال ال تعال‪" :‬إن إبراهيم كان أمة قانتا ل حنيفا ول يك من الشركي" وصف إبراهيم عليه السلم‬
‫بذه الصفات الت هي الغاية ف تقيق التوحيد‪.‬‬
‫الول‪ :‬أنه كان أمة‪ ،‬أي قدوة وإماما معلما للخي‪ .‬وما ذاك إل لتكميله مقام الصب واليقي الذين تنال‬
‫بما المامة ف الدين‪.‬‬
‫الثانيهة‪ :‬قوله قانتا قال شيهخ السهلم‪ :‬القنوت دوام الطاعهة‪ ،‬والصهلي إذا أطال قيامهه أو ركوعهه أو‬
‫سجوده فهو قانت‪ .‬قال تعال‪" :‬أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يذر الخرة ويرجو رحة ربه"‬
‫ا هه‪ .‬ملخصا‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬أنه كان حنيفا ‪.‬‬

‫قلت‪ :‬قال العلمة ابن القيم النيف القبل على ال‪ ،‬العرض عن كل ما سواه ا‪ .‬ه‪.‬‬

‫الرابعة‪ :‬أنه كان من الشركي‪ ،‬أي لصحة إخلصه وكمال صدقه‪ ،‬وبعده عن الشرك‪.‬‬

‫قلت‪ :‬يوضح هذا قوله تعال‪" :‬قد كانت لكم أسوة حسنة ف إبراهيم والذين معه" أي على دينه من‬
‫إخوانه الرسلي‪ ،‬قاله ابن جرير رحه ال تعال‪ " :‬إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم وما تعبدون من دون‬
‫ال كفر نا ب كم وبدا بين نا وبين كم العداوة والبغضاء أبدا ح ت تؤمنوا بال وحده إل قول إبراه يم لب يه‬
‫ل ستغفرن لك و ما أملك لك من ال من ش يء " وذ كر تعال عن خليله عل يه ال سلم أ نه قال لب يه‬
‫آزر‪ " ، :‬وأعتزل كم و ما تدعون من دون ال وأد عو ر ب ع سى أن ل أكون بدعاء ر ب شق يا * فل ما‬
‫اعتزلم وما يعبدون من دون ال وهبنا له إسحاق ويعقوب وكل جعلنا نبيا " فهذا هو تقيق التوحيد‪.‬‬
‫وهو الباءة من الشرك وأهله واعتزالم‪ ،‬والكفر بم وعداوتم وبغضهم‪ .‬فال الستعان‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪32‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قال ال صنف رح ه ال ف هذه ال ية‪" :‬إن إبراه يم كان أ مة" لئل ي ستوحش سالك الطر يق من قلة‬
‫السهالكي (قانتا ل) ل للملوك ول للتجار الترفيه (حنيفا) ل ييهل يينا ول شالً‪ ،‬كفعهل العلماء‬
‫الفتوني (ول يك من الشركي) خلفا لن كثر سوادهم وزعم أنه من السلمي‪ .‬ا هه‪.‬‬

‫وقد روى ابن أب حات عن ابن عباس ف قوله‪" :‬إن إبراهيم كان أمة" على السلم‪ .‬ول يك ف زمانه‬
‫أحد على السلم غيه‪.‬‬

‫قلت‪ :‬ول منافاة بي هذا وبي ما تقدم‪ :‬من أنه كان إماما يقتدى به ف الي‪.‬‬

‫قال‪( :‬وقوله تعال‪ " - :‬إن الذين هم من خشية ربم مشفقون * والذين هم بآيات ربم يؤمنون *‬
‫والذين هم بربم ل يشركون ") ‪:‬‬

‫وصف الؤمني السابقي إل النة فأثن عليهم بالصفات الت أعظمها‪ :‬أنم بربم ل يشركون‪ .‬ولا كان‬
‫الرء قد يعرض له ما يقدح ف إ سلمه‪ :‬من شرك جلي أو خ في‪ ،‬ن فى ذلك عن هم‪ ،‬وهذا هو تق يق‬
‫التوحيد‪ ،‬الذي حسنت بم أعمالم وكملت ونفعتهم‪.‬‬

‫قلت‪ :‬قوله حسنت وكملت هذا باعتبار سلمتهم من الشرك الصغر‪ ،‬وأما الشرك الكب فل يقال ف‬
‫تركه ذلك‪ ،‬فتدبر‪ .‬ولو قال الشارح‪ :‬صحت لكان أقوم‪.‬‬

‫قال ابن كثي‪" :‬والذين هم بربم ل يشركون" أي ل يعبدون مع ال غيه‪ ،‬بل يوحدونه ويعلمون أنه ل‬
‫إله إل ال أحد صمد‪ ،‬ل يتخذ صاحبة ول ولدا وأنه ل نظي له‪.‬‬

‫قال الصنف‪"( :‬عن حصي بن عبد ال بن عبد الرحن قال‪ :‬كنت عند سعيد بن جبي فقال‪ :‬أيكم‬
‫رأى الكوكب الذي انقض البارحة ؟ فقلت‪ :‬أنا‪ ،‬ث قلت‪ :‬أما إن ل أكن ف صلت ولكن لدغت‪،‬‬
‫قال‪ :‬فما صنعت ؟ قلت‪ :‬ارتقيت‪ .‬قال‪ :‬فما حلك على ذلك ؟ قلت‪ :‬حديث حدثناه الشعب‪ ،‬قال‪:‬‬
‫وما حدثكم ؟ قلت‪ :‬حدثنا عن بريدة بن الصيب أنه قال‪ :‬ل رقية إل من عي أو حة‪ .‬قال‪ :‬قد‬
‫أح سن من انت هى إل ما سع‪، ،‬ول كن حدث نا ا بن عباس عن ال نب صلى ال عل يه و سلم أ نه قال‪:‬‬
‫عرضت على المم‪ ،‬فرأيت النب ومعه الرهط‪ ،‬والنب ومعه الرجل والرجلن‪ ،‬والنب وليس معه‬
‫أ حد‪ .‬إذ ر فع ل سواد عظ يم‪ ،‬فظن نت أن م أم ت‪ ،‬فق يل‪ :‬هذا مو سى وقو مه‪ ،‬فنظرت فإذا سواد‬
‫عظ يم‪ ،‬فق يل ل‪ :‬هذه أم تك ومع هم سبعون ألفا يدخلون ال نة بغ ي ح ساب ول عذاب‪ .‬ث ن ض‬
‫فد خل منله‪ ،‬فخاض الناس ف أولئك‪ ،‬فقال بعض هم‪ :‬فلعل هم اللذ ين صحبوا ر سول ال صلى اله‬
‫عليه وسلم وقال بعضهم‪ :‬فلعلهم الذين ولدوا ف السلم‪ ،‬فلم يشركوا بال شيئا‪ ،‬وذكروا أشياء‪،‬‬
‫فخرج عليهسم رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم فأخسبوه‪ ،‬فقال‪ :‬هسم الذيسن ل يسسترقون‪ ،‬ول‬
‫يكتوون‪ ،‬ول يتطيون‪ ،‬وعلى رب م يتوكلون‪ .‬فقام عكا شة بن م صن فقال‪ :‬يا ر سول ال ادع ال‬
‫أن يعلن منهم‪ .‬قال‪ :‬أنت منهم ث قام رجل آخر فقال‪ :‬ادع ال أن يعلن منهم‪ .‬فقال‪ :‬سبقك با‬
‫عكاشة ")‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪33‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫هكذا أورده ال صنف غ ي معزو‪ ،‬و قد رواه البخارى مت صرا ومطولً‪ ،‬وم سلم‪ ،‬والل فظ له‪ ،‬والترمذي‬
‫والنسائي‪.‬‬

‫قوله‪ :‬عن (ح صي بن ع بد الرح ن) هو ال سلمي‪ ،‬أ بو الذ يل الكو ف‪ .‬ث قة‪ ،‬مات سنة ست وثلث ي‬
‫ومائة‪ ،‬وله ثلث وتسعون سنة‪.‬‬

‫وسعيد بن جبي‪ :‬هو المام الفقيه من جلة أصحاب ابن عباس‪ ،‬روايته عن عائشة وأب موسى مرسلة‪.‬‬
‫وهو كوف مول لبن أسد‪ ،‬قتل بي يدى الجاج سنة خس وتسعي ول يكمل المسي‪.‬‬

‫قوله‪( :‬انقض) هو بالقاف والضاد العجمة أى سقط‪ .‬والبارحة هى أقرب ليله مضت‪ .‬قال أبو العباس‬
‫ثعلب‪ :‬يقال قبل الزوال‪ :‬رأيت الليلة‪ ،‬وبعد الزوال‪ :‬رأيت البارحة‪ ،‬وكذا قال غيه‪ ،‬وهى مشتقة من‬
‫برح إذا زال‪.‬‬
‫قال‪( :‬أما إن ل أكن ف صلة) قال ف مغن اللبيب‪ :‬أما بالفتح والتخفيف على وجهي‪ :‬أحدها أن‬
‫تكون حرف ا ستفتاح بنلة أل فإذا وق عت أن بعد ها ك سرت‪ .‬الثا ن أن تكون بع ن حقا أو أ حق‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬هى كلمتان المزة للستفهام‪ ،‬ما اسم بعن شئ‪ ،‬أى أذلك الشئ حق‪ ،‬فالعن أحق هذا‬
‫؟ وهو الصواب و ما نصب على الظرفية‪ ،‬وهذه تفتح أن بعدها‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫والنسب هنا هو الوجه الول والقائل هو حصي‪ ،‬خاف أن يظن الاضرون أنه رآه وهو يصلي‪ ،‬فنفى‬
‫عهن نفسهه إبام العبادة‪ ،‬وهذا يدل على فضهل السهلف وحرصههم على الخلص وبعدههم على الرياء‬
‫والتزين با ليس فيهم‪.‬‬

‫وقوله (ولكن لدغت) بضم أوله وكسر ثانيه‪ ،‬قال أهل اللغة‪ :‬يقال لدغته العقرب وذوات السموم‪ ،‬إذا‬
‫أصابته بسمها‪ ،‬وذلك بأن تأبره بشوكتها‪.‬‬

‫قوله‪( :‬قلت وارتقيت) لفظ مسلم استرتقيت أي طلبت من يرقين‪.‬‬

‫قوله (فما حلك على ذلك) فيه طلب الجة على صحة الذهب‪.‬‬

‫وقوله (حديث حدثناه الشعب) اسه‪ :‬عامر بن شراحيل المدان ولد ف خلفة عمر‪ ،‬وهو من ثقات‬
‫التابعي وفقهائهم مات سنة ثلث ومائة‪.‬‬

‫قوله‪( :‬عن بريدة) بضم أوله وفتح ثانيه تصغي بردة‪ .‬ابن الصيب ‪ -‬بضم الاء وفتح الصاد الهملتي‬
‫‪ -‬ابن الارث السلمى‪ ،‬صحاب شهي‪ .‬مات سنة ثلث وستي‪ .‬قاله ابن سعد‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪34‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪( :‬ل رق ية إل من ع ي أو ح ة) و قد رواه أح د وا بن ما جة ع نه مرفوعا‪ .‬ورواه أح د وأ بو داود‬


‫والترمذى عن عمران بن حصي به مرفوعا قال اليثمى‪ :‬رجال أحد ثقات‪.‬‬

‫والعي هى إصابة العائن غيه بعينه‪ .‬والمة ‪ -‬بضم الهملة وتفيف اليم ‪ -‬سم العقرب وشبهها‪ .‬قال‬
‫الطاب‪ :‬ومعن الديث‪ :‬ل رقية أشفى وأول من رقية العي والمة‪ .‬وقد رقى النب صلى ال عليه‬
‫وسلم ورقي‪.‬‬

‫قوله‪( :‬قد أحسن من انتهى إل ما سع) أى من أخذ با بلغه من العلم وعمل به فقد أحسن بلف من‬
‫يعمل بهل‪ ،‬أو ل يعمل با يعلم فإنه مسىء آث‪ .‬وفيه فضيلة علم السلف وحسن أدبم‪.‬‬

‫قوله‪( :‬ول كن حدث نا ا بن عباس) هو ع بد ال بن عباس بن ع بد الطلب‪ ،‬ا بن عم ال نب صلى ال عل يه‬


‫و سلم‪ .‬د عا له فقال‪" :‬الل هم فق هه ف الد ين‪ ،‬وعل مه التأو يل " فكان كذلك‪ .‬مات بالطائف سنة ثان‬
‫وستي‪.‬‬

‫قال ال صنف رح ه ال‪( :‬وف يه ع مق علم ال سلف لقوله‪ :‬قد أح سن من انت هى إل ما سع ول كن كذا‬
‫وكذا‪ .‬فعلم أن الديث الول ل يالف الثان)‪.‬‬

‫قوله‪( :‬عر ضت على ال مم) و ف الترمذي والن سائي من روا ية عب ثر بن القا سم عن ح صي بن ع بد‬
‫الرحن أن ذلك كان ليلة السراء قال الافظ‪ :‬فإن كان ذلك مفوظا كان فيه قوة لن ذهب إل تعدد‬
‫السراء‪ ،‬وأنه وقع بالدينة أيضا (قلت) وف هذا نظر‪.‬‬

‫قوله‪( :‬فرأيت النب ومعه الرهط) والذي ف صحيح مسلم الرهيط بالتصغي ل غي‪ ،‬وهم الماعة دون‬
‫العشرة‪ ،‬قاله النووي‪.‬‬

‫قوله‪( :‬والنب ومعه الرجل والرجلن‪ ،‬والنب وليس معه أحد) فيه الرد على من احتج بالكثرة‪.‬‬

‫قوله‪( :‬إذ رفع ل سواد عظيم) الراد هنا الشخص الذى يرى من بعيد‪.‬‬

‫قوله‪( :‬فظن نت أن م أم ت) لن الشخاص ال ت ترى ف ال فق ل يدرك من ها إل ال صورة و ف صحيح‬


‫مسلم ولكن انظر إل الفق ول يذكره الصنف‪ ،‬فلعله سقط ف الصل الذى نقل الديث منه‪ .‬وال‬
‫أعلم‪.‬‬

‫قوله‪( :‬فقيل له‪ :‬هذا موسى وقومه) أي موسى بن عمران كليم الرحن‪ ،‬وقومه‪ :‬أتباعه على دينه من‬
‫بن إسرائيل‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪35‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪( :‬فنظرت فإذا سواد عظيم فقيل ل هذه أمتك ومعهم سبعي ألفا يدخلون النة بغي حساب ول‬
‫عذاب) أي لتحقيق هم التوح يد‪،‬و ف روا ية ا بن فض يل ويد خل ال نة من هؤلء من أم تك سبعون ألفا‬
‫و" ف حد يث أ ب هريرة ف ال صحيحي أن م تض يء وجوه هم إضاءة الق مر ليلة البدر " وروى المام‬
‫أح د والبيه قي ف "حد يث أ ب هريرةفا ستزدت ر ب فزاد ن مع كل ألف سبعي ألفا" قال الا فظ‪:‬‬
‫وسنده جيد‪.‬‬

‫قوله‪( :‬ثه نضه) أي قام‪ ،‬قوله‪( :‬فخاض الناس فه أولئك) خاض بالاء والضاد العجمتيه وفه هذا‬
‫إبا حة الناظرة والباح ثة ف ن صوص الشرع على و جه ال ستفادة وبيان ال ق‪ ،‬وف يه ع مق علم ال سلف‬
‫لعرفتهم أنم ل ينالوا ذلك إل بعمل‪ ،‬وفيه حرصهم على الي‪ ،‬ذكره الصنف‪.‬‬

‫قوله‪( :‬فقال هم الذين ل يسترقون) هكذا ثبت ف الصحيحي وهو كذلك ف حديث ابن مسعود ف‬
‫مسند أحد‪ .‬وف رواية لسلم ول يرقون قال شيخ السلم ابن تيمية‪ :‬هذه الزيادة وهم من الراوي‪ ،‬ل‬
‫يقل النب صلى ال عليه وسلم و ل يرقون وقد "قال النب صلى ال عليه وسلم وقد سئل على الرقى‪:‬‬
‫من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه"‪ .‬و"قال‪ :‬ل بأس بالرقى ما ل تكن شركا" قال‪ :‬وأيضا فقد‬
‫"رقى جبيل النب صلى ال عليه وسلم" و "رقى النب صلى ال عليه وسلم أصحابه" قال والفرق بي‬
‫الراقي والسترقي‪ :‬أن السترقى سائل مستعط ملتفت إل غي ال بقلب‪ ،‬والراقى مسن‪ .‬قال‪ :‬وإنا الراد‬
‫وصف السبعي ألفا بتمام التوكل‪ ،‬فل يسألون غيهم أن يرقيهم ول يكويهم‪ .‬وكذا قال ابن القيم‪.‬‬

‫قوله‪( :‬ول يكتوون) أي ل ي سألون غي هم أن يكوي هم ك ما ل ي سألون غي هم أن يرقي هم‪ ،‬ا ستسلما‬
‫للقضاء‪ ،‬وتلذذا بالبلء‪.‬‬

‫قلت‪ :‬والظا هر أن قوله ل يكتوون أ عم من أن ي سألوا ذلك أو يف عل ذلك باختيار هم‪ .‬أ ما ال كي ف‬
‫نفسه فجائز‪ ،‬كما ف الصحيح "عن جابر بن عبد ال أن النب صلى ال عليه وسلم بعث إل أب بن‬
‫كعب طبيبا فقطع له عرقا وكواه"‪.‬‬

‫و ف صحيح البخارى " عن أ نس أ نه كوى من ذات ال نب وال نب صلى ال عل يه و سلم حى" وروى‬
‫الترمذى وغيه "عن أنس أن النب صلى ال عليه وسلم كوى أسعد بن زرارة من الشوكة"‪.‬‬

‫وف صحيح البخارى "عن ابن عباس مرفوعا الشفاء ف ثلث‪ :‬شربة عسل‪ ،‬وشرطة مجم‪ ،‬وكية نار‪،‬‬
‫وأنا أنى أمت عن الكى وف لفظ‪:‬وما أحب أن أكتوى"‪.‬‬

‫قال ابن القيم رحه ال‪ :‬قد تضمنت أحاديث الكى أربعة أنواع (أحدها) فعله‪( .‬والثان) عدم مبته‪.‬‬
‫(والثالث) الثناء على من تر كه‪( .‬والرا بع) الن هي ع نه‪ .‬ول تعارض بين ها ب مد ال‪ ،‬فإن فعله يدل على‬
‫جوازه‪ ،‬وعدم مبته له ل يدل على النع منه‪ ،‬وأما الثناء على تاركه فيدل على أن تركه أول وأفضل‪،‬‬
‫وأما النهي عنه فعلى سبيل الختيار والكراهة‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪36‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪( :‬ول يتطيون) أي ل يتشاءمون بالطيور ونو ها‪ .‬و سيأت إن شاء ال تعال بيان الطية وما يتعلق‬
‫با ف بابا‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وعلى ربم يتوكلون) ذكر الصل الامع الذى تنوعت عنه هذه الفعال والصال وهو التوكل‬
‫على ال‪ ،‬وصدق اللتجاء إليه‪ ،‬والعتماد بالقلب عليه‪ ،‬الذي هو ناية تقيق التوحيد الذي يثمر كل‬
‫مقام شريف‪ :‬من الحبة والرجاء والوف‪ ،‬والرضا به ربا وإلا‪ ،‬والرضا بقضائه‪.‬‬

‫واعلم أن الد يث ل يدل على أن م ل يباشرون ال سباب أ صلً‪ ،‬فإن مباشرة ال سباب ف الملة أ مر‬
‫فطري ضروري‪ ،‬ل انفكاك ل حد ع نه‪ ،‬بل ن فس التو كل‪ :‬مباشرة لع ظم ال سباب ك ما قال تعال‪:‬‬
‫"و من يتو كل على ال ف هو ح سبه" أي كاف يه وإن ا الراد أن م يتركون المور الكرو هة مع حاجت هم‬
‫إليها‪ ،‬توكلً على ال تعال‪ ،‬كالكتواء والسترقاء‪ ،‬فتركهم له لكونه سببا مكروها‪ ،‬ل سيما والريض‬
‫يتشبث ‪-‬فيما يظنه سببا لشفائه ‪ -‬بيط العنكبوت‪.‬‬

‫وأمها مباشرة السهباب والتداوي على وجهه ل كراههة فيهه‪ ،‬فغيه قادح فه التوكهل‪ ،‬فل يكون تركهه‬
‫مشروعا‪ ،‬ل ا ف ال صحيحي " عن أ ب هريرة مرفوعا ما أنزل ال من داء إل أنزل له شفاء‪ ،‬عل مه من‬
‫علمه‪ ،‬وجهله من جهله"‪" .‬وعن أسامة بن شريك قال‪ :‬كنت عند النب صلى ال عليه وسلم وجاءت‬
‫العراب‪ ،‬فقالوا يا ر سول ال أنتداوى ؟ قال‪ :‬ن عم‪ .‬يا عباد ال تداووا‪ ،‬فإن ال عز و جل ل ي ضع داء‬
‫إل وضع له شفاء‪ ،‬غي داء واحد‪ .‬قالوا‪ :‬وما هو ؟ قال‪ :‬الرم" رواه أحد‪.‬‬

‫وقال ابن القيم رحه ال تعال‪ :‬وقد تضمنت هذه الحاديث إثبات السباب والسببات‪ ،‬وإبطال قول‬
‫من أنكر ها‪ ،‬وال مر بالتداوى‪ ،‬وأ نه ل ينا ف التو كل‪ ،‬ك ما ل يناف يه د فع أل الوع والع طش‪ ،‬وال ر‬
‫والبد‪ :‬بأضدادها بل ل تتم حقيقة التوحيد إل بباشرة السباب الت نصبها ال تعال مقتضية لسبباتا‬
‫قدرا وشرعا‪ ،‬وأن تعطيلها يقدح ف نفس التوكل‪ ،‬كما يقدح ف المر والكمة‪ .‬ويضعفه من حيث‬
‫ي ظن معطل ها أن ترك ها أقوى ف التو كل‪ ،‬فإن ترك ها ع جز ينا ف التو كل الذى حقيق ته اعتماد القلب‬
‫على ال تعال ف حصول ما ينفع العبد ف دينه ودنياه‪ ،‬ودفع ما يضره ف دينه ودنياه‪ .‬ول بد مع هذا‬
‫ل للحك مة والشرع‪ ،‬فل ي عل الع بد عجزه توكلً ول‬ ‫العتماد من مباشرة ال سباب‪ ،‬وإل كان معط ً‬
‫توكله عجزا‪.‬‬

‫وقد اختلف العلماء ف التداوى هل هو مباح‪ ،‬وتركه أفضل‪ ،‬أو مستحب أو واجب ؟‬

‫فالشهور عند أحد‪ :‬الول لذا الديث وما ف معناه‪ ،‬والشهور عند الشافعية الثان‪ ،‬حت ذكر النووى‬
‫ف شرح مسلم‪ :‬أنه مذهبهم ومذهب جهور السلف وعامة اللف‪ ،‬واختاره الوزير أبو الظفر‪ .‬قال‪:‬‬
‫ومذهب أب حنيفة أنه مؤكد حت يدان به الوجوب‪ .‬قال‪ :‬ومذهب مالك أنه يستوي فعله وتركه فإنه‬
‫قال‪ :‬ل بأس بالتداوي ول بأس بتركه‪.‬‬

‫وقان ش يخ ال سلم‪ :‬ل يس بوا جب ع ند جاه ي الئ مة وإن ا أوج به طائ فة قليلة من أ صحاب الشاف عي‬
‫وأحد‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪37‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫فقوله‪( :‬فقام عكاشة بن مصن) هو بضم العي وتشد يد الكاف‪ ،‬ومصن بك سر اليم وسكون الاء‬
‫وفتح الصاد الهملتي ابن حرثان ‪ -‬بضبم الهملة وسكون الراء بعدها مثلثة ‪ -‬السدي‪ :‬من بن أسد‬
‫بن خزية‪ .‬كان من السابقي إل السلم ومن أجل الرجال‪ ،‬هاجر وشهد بدرا وقاتل فيها‪ ،‬واستشهد‬
‫ف قتال الردة مع خالد بن الول يد ب يد طلي حة ال سدي سنة اثن ت عشرة‪ ،‬ث أ سلم طلي حة ب عد ذلك‬
‫وجاهد الفرس يوم القادسية مع سعيد بن أب وقاص‪ ،‬واستشهد ف وقعة السر الشهورة‪.‬‬

‫قوله‪( :‬فقال يا رسول ال ادع ال أن يعلن منهم‪ ،‬فقال أنت منهم) وللبخاري ف رواية‪ :‬فقال اللهم‬
‫اجعله منهم وفيه‪ :‬طلب الدعاء من الفاضل‪.‬‬

‫قوله‪( :‬ث قام رجل آخر) ذكر مبهما ول حاجة بنا إل البحث عن اسه‪.‬‬

‫قوله‪( :‬فقال سبقك ب ا عكا شة) قال القر طب‪ :‬ل ي كن ع ند الثا ن من الحوال ما كان ع ند عكا شة‪،‬‬
‫فلذلك ل ي به‪ ،‬إذ لو أجا به لاز أن يقلب ذلك كل مهن كان حاضرا فيتسهلسل المهر‪ ،‬فسهد الباب‬
‫بقوله ذلك ا هه‪.‬‬

‫قال الصنف رحه ال تعال‪ :‬وفيه استعمال العاريض وحسن خلقه صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫باب‬
‫الوف من الشرك‬

‫قوله‪( :‬باب الوف من الشرك‪ ،‬وقول ال عز وجل‪ :‬و "إن ال ل يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون‬
‫ذلك لن يشاء")‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪38‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قال ابن كثي‪ :‬أخب تعال أنه (ل يغفر أن يشرك به) أي ل يغفر لعبد لقيه وهو مشرك (ويغفر ما دون‬
‫ذلك لن يشاء) أي من الذنوب لن يشاء من عباده‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫فتبي بذه الية أن الشرك أعظم الذنوب‪ ،‬لن ال تعال أخب أنه ل يغفره لن ل يتب منه‪ ،‬وما دونه من‬
‫الذنوب فهو داخل تت الشيئة إن شاء غفره لن لقيه به‪ ،‬وإن شاء عذبه به‪ ،‬وذلك يوجب للعبد شدة‬
‫الوف مهن الشرك الذي هذا شأ نه ع ند ال‪ ،‬ل نه أق بح القبيهح وأظلم الظلم‪ ،‬وتن قص لرب العاليه‪،‬‬
‫وصهرف خالص حقهه لغيه وعدل غيه به‪ ،‬ك ما قال تعال‪ " :‬ث الذ ين كفروا بربمه يعدلون" ولنهه‬
‫مناقض للمقصود باللق والمر مناف له من كل وجه‪ ،‬وذلك غاية العاندة لرب العالي‪ ،‬والستكبار‬
‫عن طاعته‪ ،‬والذل له‪ ،‬والنقياد لوامره الذي ل صلح للعال إل بذلك‪ ،‬فمت خل منه خرب وقامت‬
‫القيا مة‪ ،‬ك ما "قال صلى ال عليه وسلم ل تقوم الساعة حت ل يقال ف الرض ال ال "رواه مسلم‪.‬‬
‫ولن الشرك ت شبيه للمخلوق بالالق تعال ومشار كة ف خ صائص الل ية‪ :‬من ملك ال ضر والنفهع‪،‬‬
‫والعطاء والنع‪ ،‬الذى يوجب تعلق الدعاء والوف والرجاء‪ ،‬والتوكل وأنواع العبادة كلها بال وحده‪،‬‬
‫فمهن علق ذلك بخلوق فقهد شبههه بالالق وجعهل مهن ل يلك لنفسهه ضرا ول موتا ول حياة ول‬
‫نشورا‪ ،‬شبيها ب ن له ال مد كله‪ ،‬وله اللق كله‪ ،‬وله اللك كله‪ ،‬وإل يه ير جع ال مر كله‪ ،‬وبيده ال ي‬
‫كله‪ ،‬فأز مة المور كل ها بيده سبحانه ومرجع ها إل يه‪ ،‬ف ما شاء كان و ما ل ي شأ ل ي كن‪ .‬ل ما نع ل ا‬
‫أعطى ول معطي لا منع‪ ،‬الذي إذا فتح للناس رحة فل مسك لا‪ ،‬وما يسك فل مرسل له من بعده‬
‫وهو العزيز الكيم‪ .‬فأقبح التشبيه تشبيه العاجز الفقي بالذات‪ :‬بالقادر الغن بالذات‪ .‬ومن خصائص‬
‫اللية‪ :‬الكمال الطلق من جيع الوجوه‪ ،‬الذى ل نقص فيه بوجه من الوجوه‪ .‬وذلك يوجب أن تكون‬
‫العبادة كلهها له وحده‪ ،‬والتعظيهم والجلل‪ ،‬والشيهة والدعاء‪ ،‬والرجاء والنابهة والتوكهل والتوبهة‬
‫والستعانة‪ ،‬وغاية الب مع غاية الذل‪ :‬كل ذلك يب عقلً وشرعا وفطرة أن يكون ل وحده‪ ،‬ويتنع‬
‫ل وشرعا وفطرة أن يكون لغيه‪ .‬فمن فعل شيئا من ذلك لغيه فقد شبه ذلك الغي بن ل شبيه له‬ ‫عق ً‬
‫ول مث يل له‪ ،‬ول ند له‪ ،‬وذلك أق بح الت شبيه وأبطله‪ .‬فلهذه المور وغي ها أ خب سبحانه وتعال أ نه ل‬
‫يغفره‪،‬مع أنه كتب على نفسه الرحة‪ .‬هذا معن كلم ابن القيم رحه ال‪.‬‬

‫و ف ال ية رد على الوارج الكفر ين بالذنوب‪ .‬وعلى العتزلة القائل ي بأن أ صحاب الكبائر يلدون ف‬
‫النار‪ ،‬وليسوا عندهم بؤمني ول كفار‪.‬‬

‫ول يوز أن يمل قوله‪" :‬ويغفر ما دون ذلك لن يشاء" على التائب‪ ،‬فإن التائب من الشرك مغفور له‬
‫كما قال تعال‪ " :‬قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ل تقنطوا من رحة ال إن ال يغفر الذنوب‬
‫جي عا " فه نا ع مم وأطلق‪ ،‬لن الراد به التائب‪ ،‬وهناك خص وعلق‪ ،‬لن الراد به من ل ي تب‪ .‬هذا‬
‫ملخص قول شيخ السلم‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وقال الليل عليه السلم‪" :‬واجنبن وبن أن نعبد الصنام") ‪:‬‬

‫الصنم ما كان منحوتا على صورة‪ ،‬والوثن ما كان موضوعا على غي ذلك‪ .‬ذكره الطبي عن ماهد‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪39‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قلت‪ :‬وقد يسمى الصنم وثنا كما قال الليل عليه السلم ‪ " :‬إنا تعبدون من دون ال أوثانا وتلقون‬
‫إفكا " الية ويقال‪ :‬إن الوثن أعم‪ ،‬وهو قوى‪ ،‬فالصنام أوثان‪ ،‬كما أن القبور أوثان‪.‬‬

‫قوله‪" :‬واجنب ن وب ن أن نع بد ال صنام" أي اجعل ن وب ن ف جا نب عن عبادة ال صنام‪ ،‬وبا عد بين نا‬


‫وبينها‪ .‬وقد استجاب ال تعال دعاءه‪ ،‬وجعل بنيه أنبياء‪ ،‬وجنبهم عبادة الصنام‪ .‬وقد بي ما يوجب‬
‫الوف من ذلك بقوله‪" :‬رب إن ن أضللن كثيا من الناس" فإ نه هو الوا قع ف كل زمان‪ .‬فإذا عرف‬
‫النسان أن كثيا وقعوا ف الشرك الكب وضلوا بعبادة الصنام‪ :‬أوجب ذلك خوفه من أن يقع فيما‬
‫وقع فيه الكثي من الشرك الذي ل يغفره ال‪.‬‬

‫قال إبراهيم التيمي‪ :‬من يأمن البلء بعد إبراهيم ؟ رواه إبن جرير وابن أب حات‪.‬‬

‫فل يأمن الوقوع ف الشرك إل من هو جاهل به وبا يلصه منه‪ :‬من العلم بال وبا بعث به رسوله من‬
‫توحيده‪ ،‬والنهي عن الشرك به‪.‬‬

‫قال الصنف‪( :‬وف الديث‪" :‬أخوف ما أخاف عليكم الشرك الصغر‪ ،‬فسئل عنه فقال‪ :‬الرياء") ‪:‬‬

‫أورد ال صنف هذا الد يث مت صرا غ ي معزو‪ .‬و قد رواه المام أح د وال طبان والبيه قي‪ ،‬وهذا ل فظ‬
‫أحد‪ :‬حدثنا يونس حدثنا ليث عن يزيد ‪ -‬يعن ابن الاد ‪ -‬عن عمرو عن ممود بن لبيد أن رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم قال‪ " :‬إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الصغر‪ .‬قالوا وما الشرك الصغر‬
‫ه رسهول ال ؟ قال‪ :‬الرياء‪ .‬يقول ال تعال يوم القيامهة‪ ،‬إذا جازى الناس بأعمالمه‪ :‬اذهبوا إل الذيهن‬
‫يا‬
‫كنتم تراءوا ف الدنيا فانظروا هل تدون عندهم جزاء "‪.‬‬

‫قال النذري‪ :‬وممود بن لبيد رأى النب صلى ال عليه وسلم ول يصح له منه ساع فيما أرى‪ .‬وذكر‬
‫ابن أب حات أن البخارى قال‪ :‬له صحبة‪ ،‬ورجحه ابن عبد الب والافظ‪ .‬وقد رواه الطبان بأسانيد‬
‫جيدة عن ممود بن لبيد عن رافع بن خديج‪ .‬مات ممود سنة ست وتسعي‪ .‬وقيل سنة سبع وتسعي‬
‫وله تسع وتسعون سنة‪.‬‬

‫قول‪( :‬إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الصغر) هذا من شفقته صلى ال عليه وسلم بأمته ورحته‬
‫ورأفته بم‪ ،‬فل خي إل دلم عليهم وأمرهم به‪ ،‬ول شر إل بينه لم وأخبهم به وناهم عنه‪ ،‬كما قال‬
‫صلى ال عليه وسلم فيما صح عنه‪ " :‬ما بعث ال من نب إل كان حقا عليه أن يدل أمته على خي ما‬
‫يعلمه لم‪ " ...‬الديث‪ ،‬فإذا كان الشرك الصغر موفا على أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫مع كمال علم هم وقوة إيان م‪ ،‬فك يف ل يا فه و ما فو قه من هو دون م ف العلم واليان برا تب ؟‬
‫خصوصا إذا عرف أن أكثر علماء المصار اليوم ل يعرفون من التوحيد إل ما أقر به الشركون‪ ،‬وما‬
‫عرفوا معن اللية الت نفتها كلمة الخلص عن كل ما سوى ال‪.‬‬

‫وأخرج أبو يعلى وابن النذر عن حذيفة بن اليمان عن أب بكر عن النب صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬‬
‫الشرك أخفى من دبيب النمل‪ .‬قال أبو بكر‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬وهل الشرك إل ما عبد من دون ال أو ما‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪40‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫د عى مع ال ؟ قال‪ :‬ثكل تك أ مك‪ ،‬الشرك في كم أخ فى من دب يب الن مل" الد يث‪ .‬وف يه‪ :‬أن تقول‬
‫أعطان ال وفلن‪ ،‬والند أن يقول النسان‪ :‬لول فلن قتلن فلن ا هه‪ .‬من الدر‪.‬‬

‫قال الصنف‪( :‬وعن ابن مسعود رضى ال عنه‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬من مات‬
‫وهو يدعو ل ندا دخل النار" رواه البخارى) ‪:‬‬

‫قال ابن القيم رحه ال‪ :‬الند الشبيه‪ ،‬يقال‪ :‬فلن ند فلن‪ ،‬وند يده‪ ،‬أى مثله وشبيهه ا هه‪ .‬قال تعال‪:‬‬
‫"فل تعلوا ل أندادا وأنتم تعلمون"‪.‬‬

‫قوله‪( :‬من مات وهو يدعو ل ندا) أي يعل ل ندا ف العبادة يدعوه ويسأله ويستغيث به دخل النار‪.‬‬
‫قال العلمة ابن القيم رحه ال‪:‬‬

‫ذا القسم يقابل الغفران‬ ‫والشرك فاحذره فشرك ظاهر‬


‫من حجر ومن إنسان‬ ‫وهو اتاذ الند للرحن أيا كان‬
‫ويبه كمحبة الديان‬ ‫يدعوه أو يرجوه ث يافه‬

‫واعلم أن اتاذ الند على قسمي‪:‬‬


‫الول‪ :‬أن يعله ل شريكا ف أنواع العبادة أو بعضها كما تقدم‪ ،‬وهو شرك أكب‪.‬‬
‫والثان‪ :‬ما كان من نوع الشرك الصغر كقول الرجل‪ :‬ما شاء ال وشئت‪ ،‬ولول ال وأنت‪ .‬وكيسي‬
‫الرياء‪ ،‬فقد ثبت أن النب صلى ال عليه وسلم لا قال له رجل‪" :‬ما شاء ال وشئت‪ ،‬قال‪ :‬أجعلتن ل‬
‫ندا ؟ بل ما شاء ال وحده" رواه أحد وابن أب شيبة والبخارى ف الدب الفرد والنسائي وابن ماجه‪.‬‬
‫وقد تقدم حكمه ف باب فضل التوحيد‪.‬‬

‫وفيه‪ :‬بيان أن دعوة غي ال فيما ل يقدر عليه إل ال شرك جلي‪ ،‬كطلب الشفاعة من الموات‪ ،‬فإنا‬
‫ملك ل تعال وبيده‪ ،‬ليهس بيهد غيه منهها شهئ‪ ،‬وههو الذي يأذن للشفيهع أن يشفهع فيمهن لقهى ل‬
‫بالخلص والتوحيد من أهل الكبائر‪ ،‬كما يأت تقريره ف باب الشفاعة إن شاء ال تعال‪.‬‬

‫قال الصنف رحه ال تعال‪( :‬ولسلم عن جابر أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬من لقي‬
‫ال ل يشرك به شيئا دخل النة‪ .‬ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار" ) ‪:‬‬

‫جابر‪ :‬هو ابن عبد ال بن عمرو بن حرام ‪ -‬بهملتي ‪ -‬النصاري ث السلمي ‪ -‬بفتحتي ‪ -‬صحاب‬
‫جليل هو وأبوه‪ ،‬ولبيه مناقب مشهورة رضى ال عنهما مات بالدينة بعد السبعي‪ ،‬وقد كف بصره‪،‬‬
‫وله أربع وتسعون سنة‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪41‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪( :‬من لقي ال ل يشرك به شيئا) قال القرطب‪ :‬أى ل يتخذ معه شريكا ف اللية‪ ،‬ول ف اللق‪،‬‬
‫ول ف العبادة‪ ،‬ومن العلوم من الشرع الجمع عليه عند أهل السنة‪ :‬أن من مات على ذلك فل بد له‬
‫من دخول ال نة‪ ،‬وإن جرت عل يه ق بل ذلك أنواع من العذاب والح نة‪ .‬وأن من مات على الشرك ل‬
‫يدخل النة ول يناله من ال رحة‪ ،‬ويلد ف النار أبد الباد‪ ،‬من غي انقطاع عذاب ول تصرم آماد‪.‬‬

‫وقال النووي‪ :‬أما دخول الشرك النار فهو على عمومه‪ ،‬فيدخلها ويلد فيها‪،‬ول فرق فيه بي الكتاب‬
‫اليهودي والنصران‪،‬وبي عبدة الوثان وسائر الكفرة‪ ،‬ول فرق عند أهل الق بي الكافر عنادا وغيه‪،‬‬
‫ول بي من خالف ملة السلم وبي من انتسب إليها ث حكم بكفره بحده وغي ذلك‪ .‬وأما دخول‬
‫من مات غي مشرك النة فهو مقطوع له به‪ .‬لكن إن ل يكن صاحب كبية مات مصرا عليها دخل‬
‫النة أول‪ ،‬وإن كان صاحب كبية مات مصرا عليها فهو تت الشيئة‪ .‬فإن عفا ال عنه دخل النة‬
‫أولً‪ ،‬وإل عذب ف النار ث أخرج من النار وأدخل النة‪.‬‬

‫وقال غيه‪ :‬اقتصر على نفي الشرك لستدعائه التوحيد بالقتضاء واستدعائه إثبات الرسالة باللزوم‪ .‬إذ‬
‫من كذب ر سل ال ف قد كذب ال‪ ،‬و من كذب ال ف هو مشرك‪ ،‬و هو كقولك‪ :‬من تو ضأ صحت‬
‫صلته‪ .‬أي مع سائر الشروط‪ ،‬فالراد‪ :‬من مات حال كونه مؤمنا بميع ما يب اليان به إجا ًل ف‬
‫ل ف التفصيلي‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫الجال وتفصي ً‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪42‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫باب‬
‫الدعاء إل شهادة أن ل إله إل ال‬

‫قوله‪( :‬باب الدعاء إل شهادة أن ل إله إل ال) ‪:‬‬

‫لا ذكر الصنف رحه ال التوحيد وفضله‪ ،‬وما يوجب الوف من ضده‪ ،‬نبه بذه الترجة على أنه ل‬
‫ينب غى ل ن عرف ذلك أن يقت صر على نف سه‪ ،‬بل ي ب عل يه أن يد عو إل ال تعال بالك مة والوع ظة‬
‫السنة‪ .‬كما هو سبيل الرسلي وأتباعهم كما قال السن البصري لا تل قوله تعال‪ " :‬ومن أحسن‬
‫قول من دعا إل ال وعمل صالا وقال إنن من السلمي " فقال‪ :‬هذا حبيب ال‪ ،‬هذا ول ال‪ ،‬هذا‬
‫صفوة ال‪ ،‬هذا خية ال‪ ،‬هذا أ حب أ هل الرض إل ال‪ ،‬أجاب ال ف دعو ته‪ .‬ود عا الناس إل ما‬
‫أجاب ال فيه من دعوته‪ ،‬وعمل صالا ف إجابته‪ :‬إنن من السلمي‪ .‬هذا خليفة ال‪.‬‬

‫قال رحه ال‪( :‬وقوله ‪" :‬قل هذه سبيلي أدعو إل ال على بصية أنا ومن اتبعن وسبحان ال وما‬
‫أنا من الشركي") ‪:‬‬

‫قال أبو جعفر ابن جرير‪ :‬يقول تعال ذكره لنبيه ممد صلى ال عليه وسلم (قل) يا ممد (هذه) الدعوة‬
‫ال ت أد عو إلي ها‪ ،‬والطري قة ال ت أ نا علي ها‪ ،‬من الدعاء إل توح يد ال‪ ،‬وإخلص العبادة له دون الل ة‬
‫والوثان‪ .‬والنتهاء إل طاع ته وترك معصيته (سبيلي) طريقت‪ ،‬ودعوت (أد عو إل ال) تعال وحده ل‬
‫شريك له (على بصية) بذلك‪ ،‬ويقي علم من به (أنا) ويدعو إليه على بصية أيضا من اتبعن وصدقن‬
‫وآمن ب (وسبحان ال) يقول له تعال ذكره‪ :‬وقل‪ .‬تنيها ل تعال وتعظيما له من أن يكون له شريك‬
‫ف ملكه أو معبود سواه ف سلطانه (وما أنا من الشركي) يقول‪ :‬وأنا برىء من أهل الشرك به‪ .‬لست‬
‫منهم ولهم من انتهى‪.‬‬

‫قال ف شرح النازل‪ :‬يريد أن تصل باستدللك إل أعلى درجات العلم وهى البصية الت تكون نسبة‬
‫العلوم فيها إل القلب كنسبة الائي إل البصر‪ ،‬وهذه هي الصيصة الت اختص با الصحابة عن سائر‬
‫المة وهي أعلى درجات العلماء‪ .‬قال تعال‪" :‬قل هذه سبيلي أدعو إل ال على بصية أنا ومن اتبعن"‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪43‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫أي أنا وأتباعي على بصية‪ .‬وقيل (من اتبعن) عطف على الرفوع ف (أدعو) أى أنا أدعو إل ال على‬
‫ب صية‪ ،‬و من اتبع ن كذلك يد عو إل ال تعال على ب صية‪ ،‬وعلى القول ي‪ :‬فال ية تدل على أن أتبا عه‬
‫هم أ هل البصائر الداعون إل ال تعال‪ ،‬ومن ليس منهم فل يس من أتباعه على القي قة والوافقة‪ ،‬وإن‬
‫كان من أتباعه على النتساب والدعوى‪.‬‬

‫قال الصنف رحه ال‪( :‬فيه مسائل‪ :‬منها التنبيه على الخلص لن كثيا ولو دعا إل الق فهو يدعو‬
‫إل نفسه‪ ،‬ومنها‪ :‬أن البصية من الفرائض‪ .‬ومنها‪ :‬أن من دلئل حسن التوحيد أنه تنيه ل تعال عن‬
‫السبة‪ .‬ومنها أن من قبح الشرك كونه مسبة ل تعال‪ .‬ومنها إبعاد السلم عن الشركي ل يصي منهم‬
‫ولو ل يشرك) ا هه‪.‬‬

‫وقال العل مة ا بن الق يم رح ه ال تعال ف مع ن قوله تعال‪ " :‬ادع إل سبيل ر بك بالك مة والوع ظة‬
‫السنة " الية‪ .‬ذكر سبحانه مراتب الدعوة وجعلها ثلثة أقسام بسب حال الدعو‪ ،‬فإنه إما أن يكون‬
‫طالبا للحق مبا له‪ .‬مؤثرا له على غيه إذا عرفه‪ .‬فهذا يدعى بالكمة‪ .‬ول يتاج إل موعظة وجدال‪.‬‬
‫وإمها أن يكون مشتغلً بضهد القه‪ .‬لكهن لو عرفهه آثره واتبعهه‪ .‬فهذا يتاج إل الوعظهة بالترغيهب‬
‫والترهيب‪ .‬وإما أن يكون معاندا معارضا‪ ،‬فهذا يادل بالت هى أحسن‪ .‬فإن رجع وإل انتقل معه إل‬
‫اللد إن أمكن‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫قال‪( :‬وعن ابن عباس رضى ال عنهما أن رسول ال صلى ال عليه وسلم لا بعث معاذا إل اليمن‬
‫قال‪" :‬إنك تأت قوما من أهل الكتاب‪ .‬فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن ل إله ال ال ‪ -‬وف‬
‫رواية‪ :‬إل أن يوحدوا ال ‪ -‬فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن ال افترض علي هم خس صلوات‬
‫ف كل يوم وليلة‪ .‬فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن ال افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم‬
‫وترد على فقرائ هم‪ .‬فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموال م‪ .‬وا تق دعوة الظلوم‪ .‬فإ نه ل يس‬
‫بينها وبي ال حجاب" أخرجاه) ‪:‬‬

‫قال الا فظ‪ :‬كان ب عث معاذ إل الي من سنة ع شر‪ .‬ق بل حج ال نب صلى ال عل يه و سلم ك ما ذكره‬
‫الصنف ‪ -‬يعن البخارى ف أواخر الغازي ‪ -‬وقيل‪ :‬كان ذلك ف آخر سنة تسع عند منصرفه صلى‬
‫ال عليه وسلم من تبوك‪ .‬رواه الواقدي بإسناد إل كعب بن مالك‪ .‬وأخرجه ابن سعد ف لطبقات عنه‬
‫واتفقوا على أ نه ل يزل على الي من إل أن قدم ف خل فة أ ب ب كر ر ضى ال ع نه ث تو جه إل الشام‬
‫فمات با‪.‬‬

‫قال شيخ السلم‪ :‬ومن فضائل معاذ رضى ال عنه أنه صلى ال عليه وسلم بعثه إل اليمن مبلغا عنه‪.‬‬
‫ومفقها ومعلما وحاكما‪.‬‬

‫قوله (إنك تأت قوما من أهل الكتاب) قال القرطب‪ :‬يعن اليهود والنصارى‪ ،‬لنم كانوا ف اليمن أكثر‬
‫من مشركي العرب أو أغلب‪ ،‬وإنا نبه على ذلك ليتهيأ لناظرتم‪.‬‬

‫وقال الافظ‪ :‬هو كالتوطئة للوصية لمع هته عليها‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪44‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله (فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن ل إله إل ال شهادة رفع على أنه اسم يكن مؤخر‪ .‬و أول‬
‫خبها مقدم‪ .‬ويوز العكس‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وف رواية إل أن يوحدوا ال) هذه الرواية ثابتة ف كتاب التوحيد من صحيح البخارى‪ .‬وأشار‬
‫الصنف بذ كر هذه الروا ية إل التنبية على مع ن شهادة أن ل إله إل ال فإن معنا ها توح يد ال بالعبادة‬
‫ون في عبادة ما سواه‪ .‬و ف روا ية فلي كن أول ما تدعو هم إل يه عبادة ال وذلك هو الك فر بالطاغوت‬
‫واليان بال‪ ،‬ك ما قال تعال‪ " :‬ف من يك فر بالطاغوت ويؤ من بال ف قد ا ستمسك بالعروة الوث قى ل‬
‫انفصام لا " والعروة الوثقى هى (ل إله إل ال) وف رواية للبخارى فقال‪ :‬ادعهم إل شهادة أن ل إله‬
‫إل ال وأن رسول ال‪.‬‬

‫قلت‪ :‬ل بد ف شهادة أن ل إله إل ال من سبعة شروط‪ ،‬ل تنفع قائلها إل باجتماعها‪ ،‬أحدها‪ :‬العلم‬
‫النا ف للج هل‪ .‬الثا ن‪ :‬اليق ي النا ف لل شك‪ .‬الثالث‪ :‬القبول النا ف للرد‪ .‬الرا بع‪ :‬النقياد النا ف للترك‪.‬‬
‫الامس‪ :‬الخلص الناف للشرك‪ .‬السادس‪ :‬الصدق الناف للكذب‪ .‬السابع‪ :‬الحبة النافية لضدها‪.‬‬

‫وفيه دليل على أن التوحيد ‪ -‬الذي هو إخلص العبادة ل وحده ل شريك له وترك عبادة ما سواه ‪-‬‬
‫هو أول وا جب‪ .‬ولذا كان أول ما د عت إل يه الر سل علي هم ال سلم‪" :‬أن اعبدوا ال ما ل كم من إله‬
‫غيه" وقال نوح‪" :‬أن ل تعبدوا إل ال" وفيه معن (ل إله إل ال) مطابقة‪.‬‬
‫قال شيخ السلم‪ :‬وقد علم بالضطرار من دين الرسول صلى ال عليه وسلم واتفقت عليه المة أن‬
‫أ صل ال سلم وأول ما يؤ مر به اللق‪ :‬شهادة أن ل إله إل ال‪ ،‬وأن ممدا ر سول ال‪ ،‬فبذلك ي صي‬
‫الكافر مسلما‪ ،‬والعدو وليا‪ ،‬والباح دمه وماله‪ :‬معصوم الدم والال‪ .‬ث إن كان ذلك من قلبه فقد دخل‬
‫ف اليان وإن قاله بلسانه دون قلبه فهو ف ظاهر السلم دون باطن اليان‪ .‬قال‪ :‬وأما إذا ل يتكلم با‬
‫مع القدرة فهو كافر باتفاق السلمي باطنا وظاهرا‪ ،‬عند سلف المة وأئمتها وجاهي العلماء ا هه‪.‬‬

‫قال ال صنف رح ه ال تعال‪( :‬وف يه أن الن سان قد يكون عالا و هو ل يعرف مع ن ل إله إل ال أو‬
‫يعرفه ول يعمل به) ‪.‬‬

‫قلت‪ :‬فما أكثر هؤلء ‪ -‬ل كثرهم ال تعال‪.‬‬

‫قوله‪( :‬فإن ههم أطاعوك لذلك) أي شهدوا وانقادوا لذلك (فأعلمههم أن ال افترض عليههم خسه‬
‫صلوات) فيه‪ :‬أن الصلة أعظم واجب بعد الشهادتي‪ .‬قال النووى ما معناه‪ :‬أنه يدل على أن الطالبة‬
‫بالفرائض ف الدن يا ل تكون إل ب عد ال سلم‪ .‬ول يلزم من ذلك أن ل يكو نا ما طبي ب ا‪ ،‬ويزاد ف‬
‫عذابم بسببها ف الخرة‪ .‬والصحيح أن الكفار ماطبون بفروع الشريعة الأمور به والنهى عنه‪ .‬وهذا‬
‫قول الكثرين ا هه‪.‬‬

‫قوله‪( :‬فأعلمهم أن ال افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم)‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪45‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫فيه دليل على أن الزكاة أوجب الركان بعد الصلوات‪ ،‬وأنا تؤخذ من الغنياء وتصرف إل الفقراء‪،‬‬
‫وإنا خص النب صلى ال عليه وسلم الفقراء لن حقهم ف الزكاة آكد من حق بقية الصناف الثمانية‪.‬‬

‫وف يه‪ :‬أن المام هو الذى يتول ق بض الزكاة و صرفها‪ :‬إما بنف سه أو نائ به‪ ،‬ف من امت نع عن آدائ ها إل يه‬
‫أخذت منه قهرا‪.‬‬

‫ف الديث دليل على أنه يكفي إخراج الزكاة ف صنف واحد‪ ،‬كما هو مذهب مالك وأحد‪.‬‬

‫وفيه‪ :‬أنه ل يوز دفعها إل غن ول إل كافر غي الؤلف‪ ،‬وإن الزكاة واجبة ف مال الصب والجنون‪،‬‬
‫كما هو قول المهور‪ ،‬لعموم الديث‪.‬‬

‫قلت‪ :‬والفقي إذا أفرد ف اللفظ تناول السكي وبالعكس‪ ،‬كنظائره‪ .‬كما قرره شيخ السلم‪.‬‬

‫قوله (إياك وكرائم أموالم) بنصب كرائم على التحذير‪ ،‬وجع كرية قال صاحب الطالع هي الامعة‬
‫للكمال الم كن ف حق ها‪ ،‬من غزارة ل ب‪ ،‬وجال صورة‪ ،‬وكثرة ل م و صوف‪ .‬ذ كر النووي (قلت)‬
‫وهي خيار الال وأنفسه وأكثره ثنا‪.‬‬

‫وفيه‪ :‬أنه يرم على العامل ف الزكاة أخذ كرائم الال‪ ،‬ويرم على صاحب الال إخراج شرار الال‪ .‬بل‬
‫يرج الوسط‪ ،‬فإن طابت نفسه بالكرية جاز‪.‬‬

‫قوله‪( :‬واتق دعوة الظلوم) أي اجعل بينك وبينها وقاية بالعدل وترك الظلم‪ ،‬وهذان المران يقيان من‬
‫رزقهما من جيع الشرور دنيا وأخرى‪.‬‬
‫وفيه تنبيه على التحذير من جيع أنواع الظلم‪.‬‬

‫قوله‪( :‬فإ نه) أي الشأن (ل يس بين ها وب ي ال حجاب) هذه الملة مف سرة لضم ي الشأن‪ ،‬أي فإن ا ل‬
‫تجب عن ال فيقبلها‪.‬‬

‫و ف الد يث أيضا قبول خب الوا حد العدل‪ ،‬ووجوب الع مل به‪ .‬وب عث المام العمال لبا ية الزكاة‪.‬‬
‫وأنه يعظ عماله وولته‪ ،‬ويأمرهم بتقوى ال تعال‪ ،‬ويعلمهم‪ ،‬وينهاهم عن الظلم ويعرفهم سوء عاقبته‪.‬‬
‫والتنبيه على التعليم بالتدريج‪ .‬قاله الصنف‪.‬‬

‫قلت‪ :‬ويبدأ بالهم فالهم‪.‬‬

‫واعلم أنه ل يذكر ف الديث الصوم والج‪ ،‬فأشكل ذلك على كثي من العلماء‪ .‬قال شيخ السلم‪:‬‬
‫أجاب بعض الناس‪ :‬أن بعض الرواة اختصر الديث وليس كذلك‪ .‬فإن هذا طعن ف الرواة‪ .‬لن ذلك‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪46‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫إن ا ي قع ف الد يث الوا حد‪ ،‬م ثل حد يث و فد ع بد الق يس ح يث ذ كر بعض هم ال صيام وبعض هم ل‬


‫يذكره‪ ،‬فأما الديثان النفصلن فليس المر فيها كذلك‪ ،‬ولكن عن هذا جوابان‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أن ذلك بسب نزول الفرائض‪ ،‬وأول ما فرض ال الشهادتي ث الصلة‪ .‬فإنه أمر بالصلة ف‬
‫أول أوقات الوحي‪ ،‬ولذا ل يذكر وجوب الج‪ ،‬كعامة الحاديث‪ ،‬إنا جاء ف الحاديث التأخرة‪.‬‬
‫الواب الثان‪ :‬أنه كان يذكر ف كل مقام ما يناسبه‪ .‬فيذكر تارة الفرائض الت يقاتل عليها‪ :‬كالصلة‬
‫والزكاة‪ .‬ويذ كر تارة ال صلة وال صيام ل ن ل ي كن عل يه زكاة‪ ،‬ويذ كر تارة ال صلة والزكاة وال صوم‪.‬‬
‫فإما أن يكون قبل فرض الج‪ ،‬وإما أن يكون الخاطب بذلك ل حج عليه‪ ،‬وأما الصلة والزكاة فلهما‬
‫شأن ليس لسائر الفرائض ولذا ذكر ال تعال ف كتابه القتال عليهما‪ ،‬لنما عبادتان ظاهرتان‪ ،‬بلف‬
‫ال صوم بأ نه أمر با طن من ج نس الوضوء والغت سال من النا بة‪ ،‬ون و ذلك م ا يؤتن عل يه الع بد فإن‬
‫النسان يكنه أن ل ينوي الصوم وأن يأكل سرا‪ ،‬كما يكنه أن يكتم حدثه وجنابته‪ ،‬وهو يذاكر ف‬
‫العمال الظاهرة ال ت يقا تل الناس علي ها وي صيون م سلمي بفعل ها‪ .‬فلهذا علق ذلك بال صلة والزكاة‬
‫دون ال صوم‪ ،‬وإن كان واجبا ك ما ف آي ت براءة نزلت ب عد فرض ال صيام باتفاق الناس‪ .‬وكذلك ل ا‬
‫بعث معاذا إل اليمن ل يذكر ف حديث الصوم‪ ،‬لنه تبع وهو باطن‪ ،‬ول ذكر الج لن وجوبه خاص‬
‫ليس بعام‪ ،‬و ل يب ف العمر إل مرة‪ .‬انتهى بعناه‪.‬‬

‫قوله (أخرجاه) أي البخارى ومسلم‪ ،‬وأخرجه أيضا أحد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة‪.‬‬

‫قال‪( :‬ولما عن سهل بن سعد رضي ال عنه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال يوم خيب‪" :‬‬
‫لعطيس الرايسة غدا رجلً يبس ال ورسسوله ويبسه ال ورسسوله‪ ،‬يفتسح ال على يديسه فبات الناس‬
‫يدوكون ليلت هم‪ ،‬أي هم يعطا ها‪ .‬فل ما أ صبحوا غدوا على ر سول ال صلى ال عل يه و سلم كل هم‬
‫يرجو أن يعطاها‪ ،‬فقال‪ :‬أين علي بن أب طالب ؟ فقيل‪ :‬هو يشتكي عينيه قال فأرسلوا إليه‪ ،‬فأت‬
‫به‪ ،‬فبصق ف عينيه ودعا له‪ ،‬فبأ كأن ل يكن به وجع‪ ،‬فأعطاه الراية‪ ،‬قال انفذ على رسلك حت‬
‫تنل بساحتهم‪ ،‬ث ادعهم إل السلم‪ ،‬وأخبهم با يب عليهم من حق ال تعال فيه‪،‬فو ال لن‬
‫يهدي ال بك رجلً واحدا خي لك من حر النعم") ‪:‬‬

‫يدوكون أي يوضون‪.‬‬

‫قوله‪( :‬عن سهل بن سعد) أي ابن مالك بن خالد النصارى الزرجى الساعدى‪ ،‬أب العباس صحاب‬
‫شهي‪ ،‬وأبوه صحاب أيضا‪ ،‬مات سنة ثان وثاني وقد جاوز الائة‪.‬‬

‫قوله‪( :‬قال يوم خيب) وف الصحيحي عن سلمة بن الكوع قال‪" :‬كان علي رضي ال عنه قد تلف‬
‫عن النب صلى ال عليه وسلم ف خيب‪ ،‬وكان أرمد‪ ،‬فقال‪ :‬أنا أتلف عن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم فخرج علي رضى ال عنه فلحق بالنب صلى ال عليه وسلم فلما كان مساء الليلة الت فتحها ال‬
‫عز وجل ف صباحها قال صلى ال عليه وسلم‪ :‬لعطي الراية ‪ -‬أو ليأخذن الراية ‪ -‬غدا رجل يبه ال‬
‫ورسوله‪ ،‬أو قال‪ :‬يب ال ورسوله‪ ،‬يفتح ال على يديه‪ .‬فإذا نن بعلي وما نرجوه‪ ،‬فقالوا‪ :‬هذا علي‪،‬‬
‫فأعطاه رسول ال صلى ال عليه وسلم الراية ففتح ال عليه"‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪47‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪( :‬لعط ي الراية) قال الافظ‪ :‬ف روا ية بريدة‪" :‬إن دافع اللواء إل ر جل يبه ال ورسوله" وقد‬
‫صرح جاعة من أهل اللغة بترادفها‪ ،‬ولكن روى أحد والترمذي من حديث ابن عباس "كانت راية‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم سوداء‪ ،‬ولواؤه أبيض" ومثله عند الطبان عن بريدة‪ .‬وعن ابن عدي‬
‫عن أب هريرة وزاد مكتوب فيه‪ :‬ل إله إل ال ممد رسول ال‪.‬‬

‫قوله‪( :‬يب ال ورسوله ويبه ال ورسوله) فيه فضيلة عظيمة لعلي رضى ال عنه‪.‬‬

‫قال شيخ السلم‪ :‬ليس هذا الوصف متصا بعلي ول بالئمة‪ ،‬فإن ال ورسوله يب كل مؤمن تقي‪،‬‬
‫ي ب ال ور سوله‪ ،‬ل كن هذا الد يث من أح سن ما ي تج به على النوا صب الذ ين ل يتولو نه‪ ،‬أو‬
‫يكفرونه أو يفسقونه‪ ،‬كالوارج‪ .‬لكن هذا الحتجاج ل يتم على قول الرافضة الذين يعلون النصوص‬
‫الدالة على فضائل الصحابة كانت قبل ردتم‪ ،‬فإن الوارج تقول ف علي مثل ذلك‪ ،‬ولكن هذا باطل‪،‬‬
‫فإن ال تعال ورسوله ل يطلق مثل هذا الدح على من يعلم ال أنه يوت كافرا‪.‬‬

‫وفيه إثبات صفة الحبة خلفا للجهمية ومن أخذ عنهم‪.‬‬

‫قوله‪( :‬يفتح ال على يديه) صريح ف البشارة بصول الفتح‪ ،‬فهو علم من أعلم النبوة‪.‬‬

‫قوله‪( :‬فبات الناس يدوكون ليلتههم) بنصهب (ليلتههم) و يدوكون قال الصهنف‪ :‬يوضون‪ .‬أي فيمهن‬
‫يدفعها إليه‪ .‬وفيه حرص الصحابة على الي واهتمامهم به‪ ،‬وعلو مرتبتهم ف العلم واليان‪.‬‬

‫قوله‪( :‬أيهم) هو برفع أي على البناء لضافتها وحذف صدر صلتها‪.‬‬

‫قوله‪( :‬فلما أصبحوا غدوا على رسول ال صلى ال عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها) وف رواية أب‬
‫هريرة عند مسلم أن عمر قال‪" :‬ما أحببت المارة إل يومئذ"‪.‬‬

‫قال ش يخ إل سلم‪ :‬إن ف ذلك شهادة ال نب صلى ال عل يه و سلم لعلي بإيا نه باطنا وظاهرا وإثباتا‬
‫لوالتهه ل تعال ورسهوله ووجوب موالة الؤمنيه له‪ ،‬وإذا شههد النهب صهلى ال عليهه وسهلم لعيه‬
‫بشهادة‪ ،‬أو د عا له أ حب كث ي من الناس أن يكون له م ثل تلك الشهادة وم ثل ذلك الدعاء‪ ،‬وإن كان‬
‫النب يشهد بذلك للق كثي ويدعو للق كثي‪ ،‬وهذا كالشهادة بالنة لثابت بن قيس‪.‬‬

‫وعبد ال بن سلم وإن كان شهد بالنة لخرين‪ ،‬والشهادة بحبة ال ورسوله للذي ضرب ف المر‪.‬‬
‫قوله‪( :‬فقال أين علي بن أب طالب) فيه سؤال المام عن رعيته‪ ،‬وتفقد أحوالم‪.‬‬

‫قوله‪( :‬فقيل هو يشتكي عينيه) أي من الرمد‪ ،‬كما ف صحيح مسلم عن سعد بن أب وقاص فقال‪:‬‬
‫ادعوا ل عليا فأت به أرمد الديث‪ ،‬وف نسخة صحيحة بط الصنف‪ :‬فقيل هو يشتكي عينيه‪ ،‬فأرسل‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪48‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫إليه مبن للفاعل‪ ،‬وهو ضمي مستتر ف الفعل راجع إل النب صلى ال عليه وسلم ويتمل أن يكون‬
‫مبنيا ل ا ل ي سم فاعله‪ .‬ول سلم من طر يق إياس بن سلمة بن الكوع عن أب يه قال‪ :‬فأر سلن إل علي‬
‫فجئت به أقوده أرمد‪.‬‬

‫قوله‪( :‬فبصق) بفتح الصاد‪ ،‬أي تفل‪.‬‬

‫وقوله (ودعا له فبأ) هو بفتح الراء والمزة‪ ،‬أي عوف ف الال‪ ،‬عافية كاملة كأن ل يكن به وجع من‬
‫رمد ول ضعف بصر‪.‬‬

‫وعند الطبان من حديث علي فما رمدت ول صدعت منذ دفع النب صلى ال عليه وسلم إل الراية‬
‫وفيه دليل على الشهادتي‪.‬‬

‫قوله (فأعطاه الراية) قال الصنف‪ :‬فيه اليان بالقدر لصولا لن ل يسع ومنعها عمن سعى‪.‬‬

‫وفيه إن فعل السباب الباحة أو الواجبة أو الستحبة ل يناف التوكل‪.‬‬

‫قوله (وقال ان فذ على ر سلك) ب ضم الفاء‪ ،‬اي ا مض ور سلك بك سر الراء و سكون ال سي‪ ،‬أي على‬
‫رفقك من غي عجلة‪ .‬وساحتهم فناء أرضهم وهو ما حولا‪.‬‬

‫وفيه‪ :‬الدب عند القتال وترك العجلة والطيش‪ ،‬والصوات الت ل حاجة إليها‪.‬‬

‫وف يه‪ :‬أ مر المام عماله بالر فق من غ ي ض عف ول انتقاض عزي ة‪ ،‬ك ما يش ي إل يه قوله ث ادع هم إل‬
‫ال سلم أي الذي هو مع ن شهادة أن ل إله إل ال وأن ممدا ر سول ال‪ ،‬وإن شئت قلت ال سلم‪:‬‬
‫شهادة أن ل إله إل ال وأن ممدا عبده ورسوله‪ ،‬وما اقتضته الشهادتان من إخلص العبادة ل وحده‪،‬‬
‫وإخلص الطا عة لر سوله صلى ال عل يه و سلم‪ .‬و من ه نا طا بق الد يث الترج ة ك ما قال تعال ل نبيه‬
‫ورسوله‪ " :‬قل يا أهل الكتاب تعالوا إل كلمة سواء بيننا وبينكم أن ل نعبد إل ال ول نشرك به شيئا‬
‫ول يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون ال فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون "‪.‬‬

‫قال شيخ السلم رحه ال‪ :‬والسلم هو الستسلم ل‪ ،‬وهو الضوع له والعبودية له‪ .‬كذا قال أهل‬
‫اللغة‪.‬‬

‫وقال رحه ال تعال‪ :‬ودين السلم الذي ارتضاه ال وبعث به رسله‪ :‬هو الستسلم له وحده‪ ،‬فأصله‬
‫ف القلب‪ .‬والضوع له وحده بعباد ته وحده دون ما سواه‪ .‬ف من عبده وع بد م عه إلا آ خر ل ي كن‬
‫م سلما‪ .‬و من ا ستكب عن عباد ته ل ي كن م سلما‪ ،‬و ف ال صل‪ :‬هو من باب الع مل‪ ،‬ع مل القلب‬
‫والوارح‪ .‬وأما اليان فأصله تصديق القلب‪ ،‬وإقراره ومعرفته‪ ،‬فهو من باب قول القلب التضمن عمل‬
‫القلب‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪49‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫فتبي أن أصل السلم هو التوحيد ونفي الشرك ف العبادة وهو دعوة جيع الرسلي‪ ،‬وهو الستسلم‬
‫ل تعال بالتوحيد‪ ،‬والنقياد له بالطاعة فيما أمرهم به على ألسن رسله‪ ،‬كما قال تعال عن نوح أول‬
‫رسول أرسله‪" :‬أن اعبدوا ال واتقوه وأطيعون"‪.‬‬

‫وفيه‪ :‬مشروعية الدعوة قبل القتال‪ ،‬لكن إن كانوا قد بلغتهم الدعوة جاز قتالم ابتداء لن النب صلى‬
‫ال عليه وسلم أغار على بن الصطلق وهم غارون وإن كانوا ل تبلغهم الدعوة وجبت دعوتم‪.‬‬

‫قوله وأخبهم با يب عليهم من حق ال تعال فيه أي ف السلم إذا أجابوك إليه فأخبهم با يب‬
‫من حقوقه الت لبد لم من فعلها‪ :‬كالصلة والزكاة‪ ،‬كما ف حديث أب هريرة‪" :‬فإذا فعلوا ذلك فقد‬
‫منعوا م ن دماء هم وأموال م إل بق ها " ول ا قال ع مر ل ب ب كر ف قتاله مان عي الزكاة‪ ":‬ك يف تقا تل‬
‫النساء وقد قال رسول ال صلى اله عليه وسلم‪ :‬أمرت أن أقاتل الناس حت يقولوا‪ :‬ل إله إل ال‪ .‬فإذا‬
‫قالو ها ع صموا م ن دماء هم وأموال م إل بق ها‪ .‬قال أ بو ب كر‪ :‬فإن الزكاة حق الال‪ ،‬وال لو منعو ن‬
‫عناقا كانوا يؤدونا إل رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬لقاتلتهم على منعها "‪.‬‬

‫وفيه‪ :‬بعث إلمام الدعاة إل ال تعال‪ ،‬كما كان النب صلى ال عليه وسلم وخلفائه الراشدون يفعلون‪،‬‬
‫كما ف السند عن عمر بن الطاب رضى ال عنه أنه قال ف خطبته‪ " :‬أل إن وال ما أرسل عمال‬
‫إليكم ليضربوا أبشاركم ول ليأخذوا أموالكم‪ .‬ولكن أرسلهم إليكم ليعلموكم دينكم وسننكم "‪.‬‬

‫قوله‪( :‬فو ال لن يهدى ال بك رجلً واحدا خي لك من حر النعم) أن مصدرية واللم قبلها مفتوحة‬
‫لنا لم القسم‪ .‬وأن والفعل بعدها ف تأويل مصدر‪ ،‬رفع على البتداء والب خي و حر بضم الهملة‬
‫وسكون اليم‪ ،‬جع أحر‪ .‬و النعم بفتح النون والعي الهملة‪ ،‬أي خي لك من البل المر‪ .‬وهي أنفس‬
‫أموال العرب‪.‬‬

‫قال النووي‪ :‬وتشبيه أمور الخرة بأمور الدنيا إنا هو للتقريب إل الفهام‪ ،‬وإل فذرة من الخرة خي‬
‫من الرض بأسرها وأمثالا معها‪.‬‬

‫وفيه‪ :‬فضيلة من اهتدى على يديه رجل واحد‪ ،‬وجواز اللف على الب والفتيا ولو ل يستحلف‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪50‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫باب‬
‫تفسي التوحيد وشهادة أن ل إله إل ال‬

‫قوله‪( :‬باب‪ :‬تفسي التوحيد وشهادة أن ل إله إل ال) ‪:‬‬

‫قلت‪ :‬هذا من عطف الدال على الدلول‪.‬‬

‫فإن قيل‪ :‬قد تقدم ف أول الكتاب من اليات ما يبي معن ل إله ال ال وما تضمنته من التوحيد كقوله‬
‫تعال ‪ " :‬وقضى ربك أن ل تعبدوا إل إياه " وسابقها ولحقها‪ ،‬وكذلك ما ذكره ف البواب بعدها‪،‬‬
‫فما فائدة هذه الترجة ؟‬

‫قيل‪ :‬هذه اليات الذكورات ف هذا الباب فيها مزيد بيان بصوصها لعن كلمة الخلص وما دلت‬
‫عليه‪ :‬من توحيد العبادة‪ .‬فيها‪ :‬الجة على من تعلق من النبياء والصالي يدعوهم ويسألم‪ .‬لن ذلك‬
‫هو سبب نزول بعض هذه اليات‪ ،‬كالية الول‪" :‬قل ادعوا الذين زعمتم من دونه" أكثر الفسرين‬
‫على أنا نزلت فيمن يعبد السيح وأمه‪ ،‬والعزير واللئكة‪ ،‬وقد نى ال عن ذلك أشد النهى‪ ،‬كما ف‬
‫هذه ال ية من التهد يد والوع يد على ذلك‪ .‬وهذا يدل على أن دعاء هم من دون ال شرك بال‪ ،‬ينا ف‬
‫التوحيد ويناف شهادة أن ل إله إل ال‪ ،‬فإن التوحيد أن ل يدعى إل ال وحده‪ .‬وكلمة الخلص نفت‬
‫هذا الشرك‪ ،‬لن دعوة غي ال تأليه وعبادة له‪ .‬و الدعاء مخ العبادة‪.‬‬

‫و ف هذه ال ية‪ :‬أن الد عو ل يلك لداع يه ك شف ضرر ول تويله من مكان إل مكان‪ ،‬ول من صفة‬
‫إل صفة‪ .‬ولو كان الد عو نبيا أو ملكا‪ .‬وهذا يقرر بطلن دعوة كل مد عو من دون ال كائنا من‬
‫كان‪ ،‬لن دعو ته تون داع يه أحوج ما كان إلي ها‪ ،‬ل نه أشرك مع ال من ل ينف عه ول يضره‪ .‬وهذه‬
‫الية تقرر التوحيد‪ ،‬ومعن ل إله إل ال‪.‬‬

‫وقوله تعال‪" :‬أولئك الذين يدعون يبتغون إل ربم الوسيلة"‪:‬‬

‫يبي أن هذا سبيل النبياء والرسلي ومن تبعهم من الؤمني‪ .‬قال قتادة‪ :‬تقربوا إليه بطاعته والعمل فيما‬
‫يرضيه وقرأ ابن زيد‪ ":‬أولئك الذين يدعون يبتغون إل ربم الوسيلة أيهم أقرب " قال العماد ابن كثي‪:‬‬
‫وهذا ل خلف فيه بي الفسرين‪ .‬وذكره عن عدة من أئمة التفسي‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪51‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قال العل مة ابن الق يم رح ه ال تعال‪ :‬ف هذه ال ية ذ كر القامات الثلث‪ :‬الب‪ ،‬وهو ابتغاء التقرب‬
‫إليه‪ .‬والتوسل إليه بالعمال الصالة‪ .‬والرجاء والوف‪ .‬وهذا هو حقيقة التوحيد وحقيقة دين السلم‬
‫كما ف السند عن بز بن حكيم عن أبيه عن جده أنه قال للنب صلى ال عليه وسلم " وال يا رسول‬
‫ال ما أتيتك إل بعد ما حلقت عدد أصابعي هذه‪ :‬أن ل آتيك‪ .‬فبالذي بعثك بالق‪ ،‬ما بعثك به ؟‬
‫قال‪ :‬السهلم‪ .‬قال‪ :‬ومها السهلم ؟ قال‪ :‬أن تسهلم قلبهك وأن توجهه وجههك إل ال‪ ،‬وأن تصهلي‬
‫ال صلوات الكتو بة‪ ،‬وتؤدي الزكاة الفرو ضة" وأخرج م مد بن ن صر الروزى من حد يث خالد بن‬
‫معدان عن أ ب هريرة قال‪ :‬قال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم " إن لل سلم صوى ومنارا كمنار‬
‫الطريق‪ .‬من ذلك أن تعبد ال ول تشرك به شيئا وتقيم الصلة وتؤت الزكاة وتصوم رمضان‪ ،‬والمر‬
‫بالعروف والنههي عهن النكهر" وهذا معنه قوله تعال‪" :‬ومهن يسهلم وجههه إل ال وههو مسهن فقهد‬
‫استمسك بالعروة الوثقى وإل ال عاقبة المور"‪.‬‬

‫وقوله تعال‪ " :‬وإذ قال إبراهيم لبيه وقومه إنن براء ما تعبدون * إل الذي فطرن فإنه سيهدين *‬
‫وجعلها كلمة باقية ف عقبه "‪:‬‬

‫أي ل إله إل ال‪.‬‬

‫فتدبر كيف عب الليل عليه السلم عن هذه الكلمة العظيمة بعناها الذي دلت عليه‪ .‬ووضعت له من‬
‫الباءة من كل ما يعبد من دون ال من العبودات الوجودة ف الارج‪ :‬كالكواكب والياكل والصنام‬
‫ال ت صورها قوم نوح على صور ال صالي‪ :‬ود و سواع ويغوث ويعوق ون سر‪ ،‬وغي ها من الوثان‬
‫والنداد ال ت كان يعبد ها الشركون بأعيان ا‪ .‬ول ي ستثن من ج يع العبودات إل الذي فطره‪ ،‬و هو ال‬
‫وحده ل شريك له‪ ،‬فهذا هو الذي دلت عليه كلمة الخلص‪ .‬كما قال تعال‪" :‬ذلك بأن ال هو الق‬
‫وأن ما يدعون من دونه هو الباطل" فكل عبادة يقصد با غي ال‪ :‬من دعاء وغيه فهي باطلة‪ ،‬وهي‬
‫الشرك الذي ل يغفره ال‪ ،‬قال تعال‪ " ، :‬ث قيل لم أين ما كنتم تشركون * من دون ال قالوا ضلوا‬
‫عنا بل ل نكن ندعوا من قبل شيئا كذلك يضل ال الكافرين "‪.‬‬

‫وقوله تعال‪" :‬اتذوا أحبارهم ورهبانم أربابا من دون ال والسيح ابن مري"‪:‬‬

‫و ف الد يث ال صحيح أن ال نب صلى ال عل يه و سلم تل هذه ال ية على عدي بن حا ت الطائي فقال‪:‬‬


‫"يارسهول ال‪ ،‬لسهنا نعبدههم‪ .‬قال‪ :‬أليهس يلون لكهم مها حرم ال فتحلونهه‪ ،‬ويرمون مها أحهل ال‬
‫فتحرمونه ؟ قال‪ :‬بلى‪ .‬قال النب صلى ال عليه وسلم‪ :‬فتلك عبادتم "‪.‬‬

‫فصارت طاعتهم ف العصية عبادة لغي ال وبا اتذوهم أربابا‪ ،‬كما هو الواقع ف هذه المة‪ ،‬وهذا من‬
‫الشرك الكب الناف للتوحيد الذي هو مدلول شهادة ل إله إل ال‪.‬‬

‫فتبي بذه الية أن كلمة الخلص نفت هذا كله لنافاته لدلول هذه الكلمة‪ .‬فأثبتوا ما نفته من الشرك‬
‫وتركوا ما أثبتته من التوحيد‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪52‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وقوله تعال‪" :‬ومن الناس من يتخذ من دون ال أندادا يبونم كحب ال" فكل من اتذ ندا ل يدعوه‬
‫من دون ال ويرغب إليه ويرجوه لا يؤمله منه من قضاء حاجاته وتفريج كرباته ‪ -‬كحال عباد القبور‬
‫والطواغيت والصنام ‪ -‬فل بد أن يعظموهم ويبوهم لذلك‪ ،‬فإنم أحبو هم مع ال وإن كانوا يبون‬
‫ال تعال‪.‬‬

‫ويقولون ل إله إل ال ويصهلون ويصهومون‪ ،‬فقهد أشركوا بال فه الحبهة بحبهة غيه وعبادة غيه‬
‫فاتاذهم النداد يبونم كحب ال يبطل كل قول يقولونه وكل عمل يعملونه‪ .‬لن الشرك ل يقبل‬
‫م نه ع مل‪ ،‬ول ي صح م نه‪ .‬وهؤلء وإن قالوا ل إله إل ال ف قد تركوا كل ق يد قيدت به هذه الكل مة‬
‫العظيمة‪ :‬من العلم بدلولا‪ .‬لن الشرك جاهل بعناها‪ ،‬ومن جهله بعناها جعل ال شريكا ف الحبة‬
‫وغيها‪ ،‬وهذا هو الهل الناف للعلم با دلت عليه من الخلص‪ :‬ول يكن صادقا ف قولا‪ :‬لنه ل‬
‫ينف ما نفته من الشرك‪ ،‬ول يثبت ما أثبتته من الخلص وترك اليقي أيضا‪ ،‬لنه لو عرف معناها وما‬
‫دلت عليه لنكره أو شك فيه‪ ،‬ول يقبله وهو الق‪ ،‬ول يكفر با يعبد من دون ال‪ ،‬كما ف الديث‪،‬‬
‫بل آ من ب ا يع بد من دون ال باتاذه ال ند ومب ته له وعباد ته إياه من دون ال ك ما قال تعال "والذ ين‬
‫آمنوا أشد حبا ل" لنم اخلصوا له الب فلم يبوا إل إياه‪،‬ويبون من أحب ويلصون أعمالم جيعا‬
‫ل‪ ،‬ويكفرون با عبد من دون ال‪ .‬فبهذا يتبي لن وفقه ال تعال لعرفة الق وقبوله دللة هذه اليات‬
‫العظيمهة على معنه شهادة أن ل إله إل ال‪ ،‬وعلى التوحيهد الذي ههو معناهها الذي دعها إليهه جيهع‬
‫الرسلي‪ .‬فتدبر‪.‬‬

‫قال‪( :‬قوله تعال ‪ " :‬أولئك الذ ين يدعون يبتغون إل رب م الو سيلة أي هم أقرب " ال ية‪،‬ي تبي مع ن‬
‫هذه ال ية بذ كر ما قبل ها‪ ،‬و هو قوله تعال " قل ادعوا الذ ين زعم تم من دو نه فل يلكون ك شف‬
‫الضر عنكم ول تويلً")‪.‬‬

‫قال ابن كثي رحه ال‪ :‬يقول تعال (قل) يا ممد للمشركي الذين عبدوا غي ال "ادعوا الذين زعمتم‬
‫من دو نه" من ال صنام والنداد وارغبوا إلي هم‪ ،‬فإن م ل يلكون ك شف ال ضر عن كم أي بالكل ية (ول‬
‫تويل) أي ول يولوه إل غيكم‪.‬‬

‫والع ن‪ :‬أن الذي يقدر على ذلك هو ال وحده ل شر يك له‪ ،‬الذي له اللق وال مر‪ .‬قال العو ف عن‬
‫ابن عباس ف الية‪ :‬كان أهل الشرك يقولون‪ :‬نعبد اللئكة والسيح وعزيرا‪ ،‬وهم الذين يدعون‪ .‬يعن‬
‫اللئكة والسيح وعزيرا ‪.‬‬

‫وروى البخاري ف الية عن ابن مسعود رضى ال عنه قال‪" :‬ناس من الن كانوا يعبدون فأسلموا "‬
‫وف رواية‪" :‬كان ناس من النس يعبدون ناسا من الن فأسلم الن وتسك هؤلء بدينهم"‪.‬‬

‫وقول ابن مسعود هذا يدل على أن الوسيلة هى السلم‪ ،‬وهو كذلك على كل القولي‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪53‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وقال السدي عن أب صال عن ابن عباس ف الية قال‪ :‬عيسى وأمه وعزير وقال مغية عن إبراهيم‪:‬‬
‫كان ا بن عباس يقول ف هذه ال ية‪ :‬هم عي سى وعز ير والش مس والق مر وقال ما هد‪ :‬عي سى وعز ير‬
‫واللئكة‪.‬‬

‫وقوله‪" :‬يرجون رح ته ويافون عذا به "ل ت تم العبادة إل بالوف والرجاء‪ ،‬ف كل داع د عا دعاء عبادة‬
‫أو استغاثة ل بد له من ذلك‪ ،‬فإما أن يكون خائفا وإما أن يكون راجيا‪ ،‬وإما أن يتمع فيه الوصفان‪.‬‬

‫قال شيخ السلم رحه ال تعال‪ ،‬ف هذه الية الكرية‪ ،‬لا ذكر أقوال الفسرين‪ :‬وهذه القوال كلها‬
‫حق‪ ،‬فإن ال ية ت عم من كان معبوده عابدا ل‪ ،‬سواء كان من اللئ كة أو من ال ن أو من الب شر‪،‬‬
‫وال سلف ف تف سيهم يذكرون تف سي ج نس الراد بال ية على نوع التمث يل‪ ،‬ك ما يقول الترجان ل ن‬
‫سأله‪ :‬ما معن البز ؟ فييه رغيفا‪ ،‬فيقول هذا‪ ،‬فالشارة إل نوعه ل إل عينه‪ ،‬وليس مرادهم من هذا‬
‫تصيص نوع من شول الية‪ ،‬فالية خطاب لكل من دعا من دون ال مدعوا‪ ،‬وذلك الدعو يبتغي ال‬
‫ال الوسيلة ويرجو رحته وياف عذابه‪ ،‬فكل من دعا ميتا أو غائبا من الولياء والصالي سواء كان‬
‫بلفظ الستغاثة أو غيها فقد تناولته هذه الية الكرية‪ ،‬كما تتناول من دعا اللئكة والن‪ ،‬فقد نى‬
‫ال تعال من دعائهم‪ ،‬وبي أنم ل يلكون كشف الضر عن الداعي ول تويله‪ ،‬ول يرفعونه بالكلية‬
‫ول يولو نه من مو ضع إل مو ضع‪ ،‬كتغي ي صفته أو قدره‪ ،‬ولذا قال‪( :‬ول تويل) فذ كر نكرة ت عم‬
‫أنواع التحويل‪ ،‬فكل من دعا ميتا أو غائبا من الولياء والصالي أو دعا اللئكة فقد دعا من ل يغيثه‬
‫ول يلك كشف الضر عنه ول تويله اه‪.‬‬

‫وف هذه الية رد على من يدعو صالا ويقول‪ :‬أنا ل أشرك بال شيئا‪ ،‬الشرك عبادة الصنام‪.‬‬

‫قال‪( :‬وقوله " وإذ قال إبراهيم لبيه وقومه إنن براء ما تعبدون * إل الذي فطرن " الية) ‪:‬‬

‫قال ابهن كثيه‪ :‬يقول تعال مبها عهن عبده ورسهوله وخليله إمام النفاء‪ ،‬ووالد مهن بعهث بعده مهن‬
‫النبياء‪ ،‬الذي تنتسب إليه قريش ف نسبها ومذهبها‪ :‬أنه تبأ من أبيه وقومه ف عبادتم الوثان فقال‪" :‬‬
‫إنن براء ما تعبدون * إل الذي فطرن فإنه سيهدين * وجعلها كلمة باقية ف عقبه لعلهم يرجعون " أي‬
‫هذه الكلمة وهي عبادة ال وحده ل شريك له‪ .‬وخلع ما سواه من الوثان‪ ،‬وهي ل إله إل ال جعلها‬
‫ف ذريته يقتدى به فيها من هداه ال من ذرية إبراهيم عليه السلم (لعلهم يرجعون) أي إليها‪.‬‬

‫قال عكرمة وماهد والضحاك وقتادة والسدي وغيهم ف قوله‪ " :‬وجعلها كلمة باقية ف عقبه لعلهم‬
‫يرجعون " يعن ل إله إل ل ل يزال ف ذريته من يقولا‪.‬‬

‫وروى ا بن جر ير عن قتادة " إن ن براء م ا تعبدون * إل الذي فطر ن " قال‪ :‬كانوا يقولون‪ :‬ال رب نا ‪:‬‬
‫"ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن ال" فلم يبأ من ربه رواه عبد بن حيد‪ .‬وروى ابن جرير وابن النذر‬
‫عن قتادة " وجعل ها كل مة باق ية ف عق به " قال‪ :‬الخلص والتوح يد ل يزال ف ذري ته من يع بد ال‬
‫ويوحده‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪54‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قلت‪ :‬فتبي أن معن ل إله إل ال توحيد العبادة بإخلص العبادة له والباءة من كل ما سواه‪.‬‬

‫قال الصنف رحه ال (وذكر سبحانه أن هذه الباءة وهذه الوالة‪ ،‬هي شهادة أن ل إله إل ال)‪.‬‬

‫وف هذا العن يقول العلمة الافظ ابن القيم رحه ال ف الكلمة الشافية‪:‬‬

‫وإذا توله امرؤ دون الورى طرا توله العظيم الشان‬

‫قال‪( :‬وقوله تعال "اتذوا أحبارهم ورهبانم أربابا من دون ال"‪ ...‬الية) ‪:‬‬

‫الحبار‪ :‬هم العلماء والرهبان هم العباد‪ .‬وهذه الية قد فسرها رسول ال صلى ال عليه وسلم لعدي‬
‫بن حا ت‪ ،‬وذلك أ نه ل ا جاء م سلما د خل على ر سول ال صلى ال عل يه و سلم فقرأ عل يه هذه ال ية‪.‬‬
‫قال‪ :‬فقلت‪ :‬إنمه ل يعبدوههم‪ .‬فقال‪ :‬بلى‪ :‬إنمه حرموا عليههم اللل وحللوا لمه الرام فاتبعوههم‪،‬‬
‫فذلك عبادتم إياهم رواه أحد والترمذي وحسنه‪ ،‬وعبد بن حيد وابن أب حات والطبان من طرق‪.‬‬

‫قال السهدي‪ :‬اسهتنصحوا الرجال ونبذوا كتاب ال وراء ظهورههم‪ .‬ولذا قال تعال‪" :‬ومها أمروا إل‬
‫ليعبدوا إلا واحدا ل إله إل هو سبحانه عما يشركون" فإن اللل ما أحله ال‪ ،‬والرام ما حرمه ال‪،‬‬
‫والدين ما شرعه ال‪.‬‬

‫فظ هر بذا أن ال ية دلت على أن من أطاع غ ي ال ور سوله‪ ،‬وأعرض عن ال خذ بالكتاب وال سنة ف‬
‫تليل ما حرم ال‪ ،‬أو تري ما أحله ال‪ ،‬وأطاعه ف معصية ال‪ ،‬واتبعه فيما ل يأذن به ال‪ ،‬فقد اتذه‬
‫ربا ومعبودا وجعله ل شريكا‪ ،‬وذلك يناف‬

‫التوح يد الذي هو د ين ال الذي دلت عل يه كل مة الخلص (ل إله إل ال) فإن الله هو العبود‪ ،‬و قد‬
‫سى ال تعال طاعت هم عبادة ل م‪ ،‬و ساهم أربابا ك ما قال تعال ‪" :‬ول يأمر كم أن تتخذوا اللئ كة‬
‫وال نبيي أربابا " أي شركاء ل تعال ف العبادة " أيأمر كم بالك فر ب عد إذ أن تم م سلمون " وهذا هو‬
‫الشرك‪ .‬فكل معبود رب‪ ،‬وكل مطاع ومتبع على غي ما شرعه ال ورسوله فقد اتذا الطيع التبع ربا‬
‫ومعبودا‪ ،‬كما قال تعال ف آية النعام‪" :‬وإن أطعتموهم إنكم لشركون" وهذا هو وجه مطابقة الية‬
‫للترجة‪ ،‬ويشبه هذه الية ف العن قوله تعال ‪" :‬أم لم شركاء شرعوا لم من الدين ما ل يأذن به ال"‬
‫وال أعلم‪.‬‬

‫قال ش يخ ال سلم ف مع ن قوله "اتذوا أحبار هم ورهبان م أربابا من دون ال" وهؤلء الذ ين اتذوا‬
‫أحبارههم ورهبانمه أربابا حيهث أطاعوههم فه تليهل مها حرم ال وتريه مها أحهل ال يكونون على‬
‫وجهي‪ :‬أحدها‪ :‬أن يعلموا أنم بدلوا دين ال فيتبعونم على هذا التبديل‪ ،‬فيعتقدون تليل ما حرم ال‬
‫أو تري ما أحل ال‪ ،‬اتباعا لرؤسائهم‪ ،‬مع علمهم أنم خالفوا دين الرسل‪ .‬فهذا كفر‪ ،‬وقد جعله ال‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪55‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫ورسوله شركا‪ ،‬وإن ل يكونوا يصلون لم ويسجدون لم‪ .‬فكان من اتبع غيه ف خلف الدين مع‬
‫علمه أنه خلف للدين‪ ،‬واعتقد ما قاله ذلك دون ما قاله ال ورسوله‪ ،‬مشركا مثل هؤلء‪.‬‬
‫الثان‪ :‬أن يكون اعتقادهم وإيانم بتحري الرام وتليل اللل ثابتا‪ ،‬لكنهم أطاعوهم ف معصية ال‪،‬‬
‫ك ما يف عل ال سلم ما يفعله من العا صي ال ت يعت قد أن ا معاص‪ ،‬فهؤلء ل م ح كم أمثال م من أ هل‬
‫الذنوب‪ ،‬كما قد ثبت "عن النب صلى ال عليه وسلم أنه قال‪ :‬إنا الطاعة ف العروف"‪.‬‬
‫ث ذلك الحرم للحلل والحلل للحرام إن كان متهدا ق صده اتباع الر سل ل كن خ فى عل يه ال ق ف‬
‫نفس المر وقد اتقى ال ما استطاع‪ ،‬فهذا ل يؤاخذه ال بطئه بل يثيبه على اجتهاده الذي أطاع به‬
‫ربه‪ .‬ولكن من علم أن هذا أخطأ فيما جاء به الرسول ث اتبعه على خطئه وعدل عن قول الرسول‪.‬‬
‫فهذا له ن صيب من هذا الشرك الذي ذ مه ال‪ ،‬ل سيما إن ات بع ذلك هواه ون صره بال يد والل سان مع‬
‫عل مه أ نه مالف للر سول‪ .‬فهذا شرك ي ستحق صاحبه العقو بة عل يه‪ ،‬ولذا ات فق العلماء على أ نه إذا‬
‫عرف الق ل يوز له تقليد أحد ف خلفه‪ ،‬وإنا تنازعوا ف جواز التقليد للقادر على الستدلل‪ .‬وإن‬
‫كان عا جز عن إظهار ال ق الذي يعل مه‪ .‬فهذا يكون ك من عرف أن الد ين ال سلم حق و هو ب ي‬
‫النصارى‪ ،‬فإذا فعل ما يقدر عليه من الق ل يؤاخذ با عجز عنه‪ ،‬وهؤلء كالنجاشي وغيه‪ .‬وقد أنزل‬
‫ال ف هؤلء اليات من كتابه كقوله تعال‪" :‬وإن من أهل الكتاب لن يؤمن بال وما أنزل إليكم وما‬
‫أنزل إليهم" وقوله‪" :‬وإذا سعوا ما أنزل إل الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع ما عرفوا من الق "‬
‫الية وقوله ‪" :‬ومن قوم موسى أمة يهدون بالق وبه يعدلون "‪ .‬وأما إن كان الت بع للمجتهد عاجزا‬
‫عن معرفة الق على التفضيل وقد فعل ما يقدر عليه مثله‪ :‬من الجتهاد ف التقليد فهذا ل يؤاخذ إن‬
‫أخطأ كما ف القبلة‪ .‬وأما من قلد شخصا دون نظيه بجرد هواه‪ ،‬ونصره بيده ولسانه من غي علم أن‬
‫م عه ال ق‪ ،‬فهذا من أ هل الاهل ية‪ ،‬وإن كان متبو عه م صيبا ل ي كن عمله صالا‪ ،‬وإن كان متبو عه‬
‫مطئا كان آثا‪ .‬كمن قال ف القرآن برأيه‪ ،‬فإن أصاب فقد أخطأ‪ ،‬وإن أخطأ فليتبوأ مقعده من النار‪،‬‬
‫وهؤلء من ج نس ما نع الزكاة الذي تقدم ف يه الوع يد‪ ،‬و من ج نس ع بد الدينار والدر هم والقطي فة‬
‫والمي صة‪ ،‬فإن ذلك ل ا أ حب الال من عه من عبادة ال وطاع ته و صار عبدا له‪،‬وكذلك هؤلء فيكون‬
‫فيهم شرك أصغر‪ ،‬ولم من الوعيد بسب ذلك‪ ،‬وف الديث‪" :‬إن يسي الرياء شرك" وهذا مبسوط‬
‫عند النصوص الت فيها إطلق الكفر والشرك على كثي الذنوب‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫وقال أبو جعفر بن جرير ف معن قول ال تعال "وتعلون له أندادا" أي وتعلون لن خلق ذلك أندادا‬
‫وهم الكفاء من الرجال تطيعونم ف معاصى ال‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫قلت‪ :‬كما هو الواقع من كثي ومن عباد القبور‪.‬‬

‫قال‪( :‬وقوله ‪" :‬ومن الناس من يتخذ من دون ال أندادا يبونم كحب ال "‪ ...‬الية) ‪:‬‬

‫قال العماد ا بن كث ي رح ه ال‪ :‬يذ كر ال حال الشرك ي به ف الدن يا ومآل م ف الدار الخرة‪ ،‬ح يث‬
‫جعلوا ل أندادا‪ ،‬أي أمثالً ونظراء يعبدون م م عه ويبون م كح به‪ ،‬و هو ال ل إله إل هو‪ ،‬ول ضد له‬
‫ول ند له‪ ،‬ول شر يك م عه‪ .‬و ف ل صحيحي عن "ع بد ال بن م سعود ر ضى ال ع نه قال‪ :‬قلت‪ :‬يا‬
‫رسول ال ؟ أي الذنب أعظم ؟ قال‪ :‬أن تعل ل ندا وهو خلقك"‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪56‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وقوله‪" :‬والذين آمنوا أشد حبا ل" ولبهم ل تعال وتام معرفتهم به وتوقيهم وتوحيدهم ل يشركون‬
‫به شيئا‪ .‬بل يعبدونه وحده ويتوكلون عليه‪ ،‬ويلجأون ف جيع أمورهم إليه‪ .‬ث توعد تعال الشركي‬
‫به‪ ،‬الظال ي لنف سهم بذلك‪ .‬فقال تعال‪" :‬ولو يرى الذ ين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة ل جيعا"‬
‫قال بعضههم تقديهر الكلم‪ ،‬لو عاينوا العذاب لعلموا حينئذ أن القوة ل جيعا‪ ،‬أي أن الكهم له وحده‬
‫ل شريهك له‪ ،‬فإن جيهع الشياء تته قهره وغلبتهه وسهلطانه " وأن ال شديهد العذاب " كمها قال‬
‫تعال‪ " ، :‬فيومئذ ل يعذب عذابه أحد * ول يوثق وثاقه أحد " يقول‪ :‬لو علموا ما يعانون هناك وما‬
‫يل بم من المر الفظيع النكر الائل على شركهم وكفرهم لنتهوا عما هم فيه من الضلل‪ .‬ث أخب‬
‫عن كفر هم بأعوان م و تبؤ التبوع ي من التابع ي‪ .‬فقال تعال‪" :‬إذ تبأ الذ ين اتبعوا من الذ ين اتبعوا"‬
‫ترأت منهم اللئكة الذين كانوا يزعمون أنم يعبدونم ف الدار الدنيا‪ ،‬فتقول اللئكة ‪" :‬تبأنا إليك ما‬
‫كانوا إيا نا يعبدون" ويقولون ‪ " :‬سبحانك أ نت ولي نا من دون م بل كانوا يعبدون ال ن أكثر هم ب م‬
‫مؤمنون" الن أيضا يتبأون منهم ويتنصلون من عبادتم لم‪ ،‬كما قال تعال‪ " ، :‬ومن أضل من يدعو‬
‫من دون ال من ل يستجيب له إل يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون * وإذا حشر الناس كانوا لم‬
‫أعداء وكانوا بعبادتم كافرين "‪ .‬انتهى كلمه‪.‬‬

‫روى ابن جرير عن كلمه ف قوله تعال "يبونم كحب ال" مباهاة ومضاهاة للحق سبحانه بالنداد‬
‫"والذين آمنوا أشد حبا ل" من الكفار لوثانم‪.‬‬

‫قال الصنف رحه ال تعال (ومن المور البينة لتفسي التوحيد وشهادة أن ل إله إل ال‪ :‬آية البقرة ف‬
‫الكفار الذ ين قال تعال في هم "وما هم بارج ي من النار" ذ كر أن م يبون أنداد هم ك حب ال‪ ،‬فدل‬
‫على أن م يبون ال حبا عظيما‪ ،‬فلم يدخلوا ف ال سلم‪ ،‬فك يف بن أ حب ال ند أكب من حب ال ؟‬
‫فكيف بن ل يب إل الند وحده ؟) ا هه‪.‬‬

‫ففى الية بيان أن من أشرك مع ال تعال غيه ف الحبة فقد جعله شريكا ل ف العبادة واتذه ندا من‬
‫دون ال‪ ،‬وأن ذلك هو الشرك الذى ل يغفره ال‪ ،‬ك ما قال تعال ف أولئك "و ما هم بارج ي من‬
‫النار" وقوله‪" :‬ولو يرى الذيهن ظلموا إذ يرون العذاب" الراد بالظلم هنها الشرك‪ .‬كقوله‪" :‬ول يلبسهوا‬
‫إيان م بظلم" ك ما تقدم‪ .‬ف من أ حب ال وحده‪ ،‬وأ حب ف يه وله ف هو ملص‪ ،‬و من أح به وأ حب م عه‬
‫غيه‪ ،‬ف هو مشرك‪ ،‬ك ما قال تعال‪ " ، :‬يا أي ها الناس اعبدوا رب كم الذي خلق كم والذ ين من قبل كم‬
‫لعل كم تتقون * الذي ج عل ل كم الرض فرا شا وال سماء بناء وأنزل من ال سماء ماء فأخرج به من‬
‫الثمرات رزقا لكم فل تعلوا ل أندادا وأنتم تعلمون "‪.‬‬

‫قال شيخ السلم ابن تيمية رحه ال ما معناه‪ :‬فمن رغب إل غي ال ف قضاء حاجة أو تفريج كربة‪:‬‬
‫لزم أن يكون مبا له ومبته هى الصل ف ذلك‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫فكلمهة الخلص ل إله إل ال تنفهى كهل شرك‪ .‬فه أى نوع كان مهن أنواع العبادة‪ ،‬وتثبهت العبادة‬
‫بميع أفرادها ل تعال‪ .‬وقد تقدم بيان أن الله هو الألوه الذى تأله القلوب بالحبة وغيها من أنواع‬
‫العبادة فل إله إل ال‪ ،‬ن فت ذلك كله عن غ ي ال‪ ،‬وأثبت ته ل وحده‪ .‬فهذا هو ما دلت عل يه كل مة‬
‫الخلص مطابقة‪ ،‬فلبد من معرفة معناها واعتقاده‪ ،‬وقبوله‪ ،‬والعمل به باطنا وظاهرا‪ .‬وال أعلم‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪57‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قال العلمة ابن القيم رحه ال تعال‪ :‬فتوحيد الحبوب أن ل يتعدد مبوبه‪ ،‬أى مع ال تعال بعبادته له‪،‬‬
‫وتوحيد الب‪ :‬أن ل يبقى ف قلبه بقية حب حت يبذلا له‪ ،‬فهذا الب ‪ -‬وإن سى عشقا ‪ -‬فهو غاية‬
‫صلح العبد ونعيمه وقرة عينه‪ ،‬وليس لقلبه صلح ول نعيم إل بأن يكون ال ورسوله أحب إليه من‬
‫كل ما سواها‪ ،‬وأن تكون مبته لغي ال تابعة لحبة ال تعال‪ ،‬فل يب إل ال‪ ،‬ول يب إل ال‪ ،‬كما‬
‫ف الديث الصحيح ثلث من كن فيه الديث ومبة رسول ال صلى ال عليه وسلم هى من مبة ال‪،‬‬
‫ومبة الرء إن كانت ل فهى من مبته‪ ،‬وإن كانت لغي ال فهى منقصة لحبة ال مضعفة لا‪ ،‬ويصدق‬
‫هذه الح بة بأن تكون كراهي ته لب غض الشياء إل ال مبو به و هو الك فر ‪ -‬بنلة كراهي ته للقائه ف‬
‫النار أو أشد‪ ،‬ول ر يب أن هذا من أع ظم الح بة‪ ،‬فإك الن سان ل يقدم على مبة نفسه وحياته شيئا‪،‬‬
‫فإذا قدم م بة اليان بال على نف سه ب يث لو خ ي ب ي الك فر وب ي إلقائه ف النار لختار أن يل قى ف‬
‫النار ول يك فر‪ ،‬كان أ حب إل يه من نف سه‪ ،‬وهذه الح بة هى فوق ما يده العشاق الحبون من م بة‬
‫مبوبيهم‪ ،‬بل ل نظي لذه الحبة‪ .‬كما ل مثل لن تعلقت به‪ ،‬وهى مبة تقتضى تقدي الحبوب فيها‬
‫على النفس والال والولد‪ .‬وتقتضى كمال الذل والضوع والتعظيم والجلل والطاعة والنقياد ظاهرا‬
‫وباطنا‪ .‬وهذا ل نظ ي له ف م بة الخلوق‪ ،‬ولو كان الخلوق من كان‪ .‬ولذا من أشرك ب ي ال وب ي‬
‫غيه ف هذه الحبة الاصة كان مشركا شركا ل يغفره ال‪ .‬كما قال تعال‪" :‬ومن الناس من يتخذ من‬
‫دون ال أندادا يبونم كحب ال والذين آمنوا أشد حبا ل" والصحيح‪ :‬أن معن الية‪ :‬أن الذين آمنوا‬
‫أشد حبا من ال أهل النداد لندادهم‪ .‬كما تقدم أن مبة الؤمني لربم ل ياثلها مبة ملوق أصلً‪،‬‬
‫كما ل ياثل مبوبم غيه‪ ،‬وكل أذى ف مبة غيه فهو نعيم ف مبته‪ .‬وكل مكروه ف مبة غيه فهو‬
‫قرة عي مبته‪ .‬ومن ضرب لحبته المثال الت ف مبة الخلوق للمخلوق‪ :‬كالوصل‪ ،‬والجر والتجن‬
‫بل سبب من ال حب‪ ،‬وأمثال ذلك م ا يتعال ال ع نه علوا كبيا‪ .‬ف هو مطىء أق بح ال طأ وأفح شه‪،‬‬
‫وهو حقيق بالبعاد والقت‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫(وف "ال صحيح عن ال نب صلى ال عل يه وسلم أنه قال‪ :‬من قال ل إله إل ال وكفر با يع بد من‬
‫دون ال حرم ماله ودمه وحسابه على ال" ) ‪:‬‬

‫قوله ف الصحيح‪ :‬أى صحيح مسلم عن أب مالك الشجعى عن أبيه عن النب صلى ال عليه وسلم‬
‫فذكره‪.‬‬

‫وأ بو مالك ا سه سعد بن طارق‪ ،‬كو ف ث قة مات ف حدود الربع ي ومائة‪ .‬وأبوه طارق بن أش يم ‪-‬‬
‫بالعجمة والثناة التحتية وزن أحر ‪ -‬ابن مسعود الشجعى‪ ،‬صحاب له أحاديث‪ .‬قال مسلم‪ :‬ل يرو‬
‫عنه غي ابنه‪ .‬وف مسند المام أحد عن أب مالك قال‪ :‬وسعته يقول للقوم‪":‬من وحد ال وكفر با‬
‫يع بد من دون ال حرم ماله ود مه وح سابه على ال عز و جل" ورواه المام أح د من طر يق يز يد بن‬
‫هارون قال أخبنا أبو مالك الشجعى عن أبيه‪ .‬ورواه أحد عن عبد ال بن إدريس قال‪ :‬سعت أبا‬
‫مالك قال‪ :‬قلت لب ‪ -‬الديث‪ .‬ورواية الديث بذا اللفظ تفسر‪ :‬ل إله إل ال‪.‬‬

‫قوله‪( :‬من قال ل إله إل ال وكفر يا يعبد من دون ال) اعلم أن النب صلى ال عليه وسلم علق عصمة‬
‫الال والدم ف هذا الديث بأمرين‪.‬‬

‫الول‪ :‬قول ل إله إل ال عن علم ويقي‪ ،‬كما هو قيد ف قولا ف غي ما حديث كما تقدم‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪58‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫والثان‪ :‬الكفر با يعبد من دون ال‪ ،‬فلم يكتف باللفظ الجرد عن العن‪ ،‬بل لبد من قولا والعمل با‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وفيه معن ‪" :‬فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بال فقد استمسك بالعروة الوثقى ل انفصام لا"‪.‬‬

‫قال الصنف رحه ال تعال‪( :‬وهذا من أعظم ما يبي معن ل إله إل ال‪ ،‬فإنه ل يعل اللفظ با عاصما‬
‫للدم والال‪ ،‬بل ول معرفة معناها مع لفظها‪ ،‬بل ول القرار بذلك‪ ،‬بل ول كونه ل يدعو إل ال وحده‬
‫ل شر يك له‪ ،‬بل ل يرم ماله ود مه ح ت يض يف إل ذلك الك فر ب ا يع بد من دون ال‪ ،‬فإن شك أو‬
‫تردد ل يرم ماله ود مه‪ .‬ف يا ل ا من م سألة ما أجل ها و يا له من بيان ما أوض حه‪ ،‬وح جة ما أقطع ها‬
‫للمنازع) انتهى‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وهذا هو الشرط ال صحح لقوله‪ :‬ل إله إل ال فل ي صح قول ا بدون هذا ال مس ال ت ذكر ها‬
‫الصهنف رحهه ال أصهلً‪ .‬قال تعال‪" :‬وقاتلوههم حته ل تكون فتنهة ويكون الديهن كله ل" وقال‪" :‬‬
‫فاقتلوا الشرك ي ح يث وجدتو هم وخذو هم واح صروهم واقعدوا ل م كل مر صد فإن تابوا وأقاموا‬
‫الصهلة وآتوا الزكاة فخلوا سهبيلهم " أمهر بقتالمه حته يتوبوا مهن الشرك ويلصهوا أعمالمه ل‬
‫تعال‪،‬ويقيموا الصلة‪ ،‬ويؤتوا الزكاة‪ ،‬فإن أبوا عن ذلك أو بعضه قوتلوا إجاعا‪.‬‬

‫وف صحيح مسلم عن "أب هريرة مرفوعا أمرت أن أقاتل الناس حت يشهدوا أن ل إله إل ال‪ ،‬ويؤمنوا‬
‫ب وب ا جئت به‪،‬فإذا فعلوا ذلك ع صموا م ن دماء هم وأموال م إل بق ها وح سابم على ال" و ف‬
‫"الصحيحي عن ابن عمر قال‪:‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حت يشهدوا‬
‫أن ل إله إل ال وأن ممدا رسهول ال ويقيموا الصهلة ويؤتوا الزكاة‪ .‬فإذا فعلوا ذلك عصهموا منه‬
‫دماءهم وأموالم إل بقها وحسابم على ال" وهذان الديثان تفسي اليتي‪ :‬آية النفال‪ ،‬وآية براءة‪.‬‬
‫وقد أجع العلماء على أن من قال‪ :‬ل إله إل ال ول يعتقد معناها ول يعمل بقتضاها‪ .‬أنه يقاتل حت‬
‫يعمل با دلت عليه من النفى والثبات‪.‬‬

‫قال أ بو سليمان الطا ب رح ه ال ف قوله‪ :‬أمرت أن أقا تل الناس ح ت يقولوا‪ :‬ل إله إل ال معلوم أن‬
‫الراد بذا أهل عبادة الوثان‪ ،‬دون أهل الكتاب‪ ،‬لنم يقولون‪ :‬ل إله إل ال ث يقاتلون ول يرفع عنهم‬
‫السيف‪.‬‬

‫وقال القاضهى عياض‪ :‬اختصهاص عصهمة الال والنفهس بنه قال ل إله إل ال تعهبي عهن الجابهة إل‬
‫اليان‪ ،‬وأن الراد بذلك مشر كو العرب وأ هل الوثان‪ ،‬فأما غيهم م ن ي قر بالتوحيد‪ ،‬فل يكتفى ف‬
‫عصمته بقول ل إله إل ال إذ كان يقولا ف كفره‪ .‬انتهى ملخصا‪.‬‬

‫وقال النووى‪ :‬ل بد مع هذا من اليان بم يع ما جاء به الر سول صلى ال عل يه و سلم ك ما جاء ف‬
‫الرواية ويؤمنوا ب وبا جئت به‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪59‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وقال شيخ السلم‪ ،‬لا سئل عن قتال التتار فقال‪ :‬كل طائفة متنعة عن التزام شرائع السلم الظاهرة‬
‫من هؤلء القوم أو غيهم فإنه يب قتالم حت يلتزموا شرائعه‪ ،‬وإن كانوا مع ذلك ناطقي بالشهادتي‬
‫وملتزمي بعض شرائعه‪ .‬كما قاتل أبو بكر والصحابة رضى ال عنهم مانعى الزكاة‪ .‬وعلى هذا اتفق‬
‫الفقهاء بعد هم‪ .‬قال‪ :‬فأي ا طائ فة امتن عت عن ب عض ال صلوات الفروضات أو ال صيام‪ ،‬أو ال ج أو عن‬
‫التزام تري الدماء‪ ،‬أو الموال أو المر‪ ،‬أو اليسر أو نكاح ذوات الحارم‪ ،‬أو عن التزام جهاد الكفار‪.‬‬
‫أو غ ي ذلك من التزام واجبات الد ين ومرما ته ال ت ل عذر ل حد ف جحود ها أو ترك ها‪ ،‬الت يك فر‬
‫الواحد بحودها‪ .‬فإن الطائفة المتنعة تقاتل عليها وإن كانت مقرة با‪ ،‬وهذا ما ل أعلم فيه خلفا بي‬
‫العلماء‪ .‬قال‪ :‬وهؤلء عند الحققي ليسوا بنلة البغاة‪ ،‬بل هم خارجون عن السلم‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وحسهابه على ال) أي ال تبارك وتعال ههو الذى يتول حسهاب الذي يشههد بلسهانه بذه‬
‫الشهادة‪ ،‬فإن كان صادقا جازاه بنات النع يم‪ ،‬وإن كان منافقا عذ به العذاب الل يم‪ .‬وأ ما ف الدن يا‬
‫فالكم على الظاهر‪ ،‬فمن أتى بالتوحيد ول يأت با ينافيه ظاهرا والتزم شرائع السلم وجب الكف‬
‫عنه‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وأفاد الديث أن النسان قد يقول ل إله إل ال ول يكفر با يعبدون من دون ال فلم يأت با‬
‫يعصم دمه وماله كما دل على ذلك اليات الحكمات والحاديث‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وشرح هذه الترجة ما بعدها من البواب) ‪:‬‬

‫قلت‪ :‬وأن ما بعدها من البواب فيه ما يبي التوحيد ويوضح معن ل إله إل ال وفيه أيضا‪ :‬بيان أشياء‬
‫كثية من الشرك الصغر والكب وما يوصل إل ذلك من الغلو والبدع‪ ،‬ما تركه من مضمون ل إله إل‬
‫ال ف من عرف ذلك وتق قه تبي له مع ن ل إله إل ال و ما دلت عل يه من الخلص ون فى الشرك‪،‬‬
‫وبضدها تتبي الشياء‪ ،‬فبمعر فة الصغر من الشرك يعرف ما هو أعظم م نه من الشرك ال كب الناف‬
‫للتوحيد‪ ،‬وأما الصغر فإنا يناف كماله‪ ،‬فمن اجتنبه فهو الوحد حقا‪ ،‬وبعرفة وسائل الشرك والنهى‬
‫عن ها لتجت نب تعرف الغايات ال ت ن ى عن الو سائل لجل ها‪ ،‬فإن اجتناب ذلك كله ي ستلزم التوح يد‬
‫والخلص بل يقتض يه‪ .‬وف يه أيضا من أدلة التوح يد إثبات ال صفات وتن يه الرب تعال ع ما ل يل يق‬
‫بلله وكل ما يعرف بال من صفات كماله وأدلة ربوبيته يدل على أنه هو العبود وحده‪ ،‬وأن العبادة‬
‫ل تصلح إل له‪ ،‬وهذا هو التوحيد‪ ،‬ومعن شهادة أن ل إله إل ال‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪60‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫باب‬
‫من الشرك لبس اللقة واليط ونوها‪ ،‬لرفع البلء أو دفعه‬

‫قوله‪( :‬باب من الشرك لبس اللقة واليط ونوها‪ ،‬لرفع البلء أو دفعه) ‪:‬‬

‫رفعه‪ :‬إزالته بعد نزوله‪ .‬دفعه‪ :‬منعه قبل نزوله‪.‬‬

‫قال‪( :‬وقول ال تعال‪ " :‬قل أفرأي تم ما تدعون من دون ال إن أراد ن ال ب ضر هل هن كاشفات‬
‫ضره أو أرادن برحة هل هن مسكات رحته ") ‪:‬‬

‫قال ابن كثي‪ :‬أي ل تستطيع شيئا من المر (قل حسب ال) أي ال كاف من توكل عليه (عليه يتوكل‬
‫التوكلون) كما قال هود عليه السلم حي قال قومه ‪ " - :‬إن نقول إل اعتراك بعض آلتنا بسوء قال‬
‫إن أشهد ال واشهدوا أن بريء ما تشركون * من دونه فكيدون جيعا ث ل تنظرون * إن توكلت‬
‫على ال رب وربكم ما من دابة إل هو آخذ بناصيتها إن رب على صراط مستقيم " قال مقاتل ف معن‬
‫الية‪ :‬فسألم النب صلى اله عليه وسلم فسكتوا‪ .‬أي لنم ل يعتقدون ذلك فيها‪.‬‬

‫وإنا كانوا يدعونا على معن أنا وسائط وشفعاء عند ال‪ ،‬ل على أنم يكشفون الضر‪ ،‬وييبون دعاء‬
‫الضطر‪،‬فهم يعلمون أن ذلك ل وحده‪ .‬كما قال تعال‪ " ، :‬ث إذا مسكم الضر فإليه تأرون * ث إذا‬
‫كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربم يشركون "‪.‬‬

‫قلت‪ :‬فهذه ال ية وأمثال ا تب طل تعلق القلب بغ ي ال ف جلب أو د فع ضر‪ ،‬وأن ذلك شرك بال‪ .‬و ف‬
‫الية بيان أن ال تعال وسم أهل الشرك بدعوة غي ال والرغبة إليه من دون ال‪ .‬والتوحيد ضد ذلك‪.‬‬
‫و هو أن ل يدعو إل ال‪ ،‬ول ير غب إل إل يه‪ ،‬ول يتو كل إل عليه‪ ،‬وكذا جيع أنواع العبادة ل يصلح‬
‫منها شئ لغي ال‪ .‬كما دل على ذلك الكتاب والسنة وإجاع سلف المة وأئمتها كما تقدم‪.‬‬

‫ل ف يده حل قة من صفر‬
‫قال‪"( :‬و عن عمران بن ح صي أن ال نب صلى ال عل يه و سلم رأى رج ً‬
‫فقال‪ :‬ما هذه ؟ قال‪ :‬من الواهنة‪ .‬قال‪ :‬انزعها فإنا ل تزيدك إل وهنا‪ ،‬فإنك لو مت وهى عليك‬
‫ما أفلحت أبدا " رواه أحد بسند ل بأس به) ‪:‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪61‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قال المام أحد‪ :‬حدثنا خلف بن الوليد حدثنا البارك عن "السن قال‪ :‬أخبن عمران بن حصي أن‬
‫النب صلى ال عليه وسلم أبصر على عضد رجل حلقة ‪ -‬قال أراها من صفر ‪ -‬فقال‪ :‬ويك ما هذه ؟‬
‫قال‪ :‬من الواهنة‪ .‬قال‪ :‬أما إنا ل تزيدك إل وهنا‪ .‬انبذها عنك فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت‬
‫أبدا " رواه ابن حبان ف صحيحه فقال‪ :‬فإنك لو مت وكلت إليها والاكم وقال‪ :‬صحيح السناد‪،‬‬
‫وأقره الذهب‪ ،‬وقال الاكم‪ :‬أكثر مشاينا على أن السن سع من عمران‪ ،‬وقوله ف السناد‪ :‬أخبن‬
‫عمران يدل على ذلك‪.‬‬

‫قوله (عن عمران بن حصي) أي ابن عبيد خلف الذاعي‪ ،‬أبو نيد ‪-‬بنون وجيم‪ -‬مصغر‪ ،‬صحاب‬
‫عن صحاب‪ ،‬أسلم عام خيب‪،‬ومات سنة اثنتي وخسي بالبصرة‪.‬‬

‫قوله (رأى رجلً) ف روا ية الا كم دخلت على ر سول ال صلى ال عل يه و سلم و ف عضدي حل قة‬
‫صفر‪ ،‬فقال‪ :‬ما هذه الديث فالبهم ف رواية أحد هو عمران راوي الديث‪.‬‬

‫قوله (ما هذه) يتمل أن الستفهام للستفسار عن سبب لبسها‪ ،‬ويتمل أن يكون للنكار وهو أشهر‪.‬‬

‫قوله‪( :‬من الواهنة) قال أبو السعادات‪ :‬الواهنة عرق يأخذ ف النكب واليد كلها‪ ،‬فيقى منها‪ ،‬وقيل هو‬
‫مرض يأخذ ف العضد‪ ،‬وهي تأخذ الرجال دون النساء وإنا نى عنها لنه إنا اتذها على أنا تعصمه‬
‫من الل‪ ،‬وفيه اعتبار القاصد‪.‬‬

‫قوله(انزعها فإنا ل تزيدك إل وهنا) النع هو الذب بقوة‪ ،‬أخب أنا ل تنفعه بل تضره وتزيده ضعفا‪،‬‬
‫وكذلك كل أمر نى عنه فإنه ل ينفع غالبا وإن نفع بعضه فضره أكب من نفعه‪.‬‬

‫قوله (فإنك لو مت وهو عليك ما أفلحت أبدا) لنه شرك‪ ،‬والفلح هو الفوز والظفر والسعادة‪.‬‬

‫قال الصنف رحه ال تعال‪ ( :‬فيه شاهد لكلم الصحابة‪ :‬إن الشرك الصغر أكب الكبائر‪ ،‬وأنه ل يعذر‬
‫بالهالة‪ .‬وفيه النكار بالتغليظ على من فعل مثل ذلك )‪.‬‬

‫قوله‪ ( :‬رواه أحد بسند ل بأس به ) هو المام أحد بن حنبل بن هلل ابن أسد بن إدريس بن عبد‬
‫ال بن حسان بن عبد ال بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن ابن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة‬
‫بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمى بن جديلة بن أسعد بن‬
‫ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان _ المام العال أبو عبد ال الذهلي ث الشيبان الروزي ث البغدادي‪،‬‬
‫إمام أهل عصره وأعلمهم بالفقه والديث‪ ،‬وأشدهم ورعا ومتابعة للسنة‪ ،‬وهو الذي يقول فيه بعض‬
‫أهل السنة‪ :‬عن الدنيا ما كان أصبه‪ ،‬وبالاضي ما كان أشبهه‪ ،‬أتته الدنيا فأباها‪ ،‬والشبه فنفاها‪ ،‬خرج‬
‫به من مرو وهو حل فولد ببغداد سنة أربع وستي ومائة ف شهر ربيع الول‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪62‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وطلب أحد العلم سنة وفاة مالك‪ ،‬وهي سنة تسع وسبعي فسمع من هشيم وجرير بن عبد الميد‬
‫وسفيان بن عيينة ومعتمر بن سليمان ويي بن سعيد القطان وممد بن إدر يس الشافعي ويزيد بن‬
‫هرون وع بد الرزاق وع بد الرح ن بن مهدي وخلق ل ي صون ب كة والب صرة والكو فة وبغداد والي من‬
‫وغيها من البلد‪ .‬روى عنه ابناه صال وعبد ال‪ ،‬والبخاري ومسلم وأبو داود وإبراهيم الرب وأبو‬
‫زرعة الرازي وأبو زرعة الدمشقي وعبد ال بن أب الدنيا وأبو بكر الثرم وعثمان بن سعيد الدارمي‬
‫وأبو القاسم البغوى‪ ،‬وهو آخر من حدث عنه‪ ،‬وروى عنه من شيوخه عبد الرحن بن مهدي والسود‬
‫بن عا مر‪ ،‬و من أقرا نه علي الدي ن وي ي بن مع ي‪ .‬قال البخاري‪ :‬مرض أح د لليلت ي خل تا من رب يع‬
‫الول ومات يوم الم عة لثن ت عشرة خلت م نه‪ ،‬وقال حن بل‪ :‬مات يوم الم عة ف رب يع الول سنة‬
‫إحدى وأربعي ومائتي وله سبع وسبعون سنة‪ .‬وقال ابنه عبد ال والفضل بن زياد‪ :‬مات ف ثان عشر‬
‫ربيع الخر رحه ال تعال‪.‬‬

‫قوله‪ ( :‬وله عن عقبة بن عامر مرفوعا من تعلق تيمة فل أت ال له‪ ،‬ومن تعلق ودعة فل ودع ال‬
‫له وف رواية‪ :‬من تعلق تيمة فقد أشرك ) ‪:‬‬

‫الديهث الول رواه المام أحده كمها قال الصهنف‪ ،‬ورواه أيضا أبهو يعلى والاكهم وقال‪ :‬صهحيح‬
‫السناد وأقره الذهب‪.‬‬
‫قوله‪( :‬وف رواية) أي من حديث آخر رواه أحد فقال‪ :‬حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث حدثنا عبد‬
‫العزيز بن مسلم حدثنا يزيد بن أب منصور عن دجي الجرى عن عقبة بن عامر الهن "أن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم أقبل إليه رهط فبايع تسعة وأمسك عن واحد‪ ،‬فقالوا يا رسول ال‪ ،‬بايعت تسعة‬
‫وأمسكت عن هذا ؟ فقال‪ :‬إن عليه تيمة فأدخل يده فقطعها‪ ،‬فبايعه وقال‪ :‬من تعلق تيمة فقد أشرك"‬
‫ورواه الاكم ونوه‪ .‬ورواته ثقات‪.‬‬

‫قوله‪( :‬عن عقبة بن عامر) صحاب مشهور فقيه فاضل‪ ،‬ول إمارة مصر لعاوية ثلث سني ومات قريبا‬
‫من الستي‪.‬‬

‫قوله‪( :‬من تعلق تيمة) أي علقها متعلقا با قلبه ف طلب خي أو دفع شر‪ ،‬قال النذري‪ :‬خرزة كانوا‬
‫يعلقونا يرون أنا تدفع عنهم الفات‪ ،‬وهذا جهل وضللة‪ ،‬إذ ل مانع ول دافع غي ال تعال‪.‬‬

‫وقال أ بو ال سعادات‪ :‬التمائم ج ع تي مة و هى خرزات كا نت العرب تعلق ها على أولد هم يتقون ب ا‬


‫العي‪ ،‬ف زعمهم‪ ،‬فأبطلها السلم‪.‬‬

‫قوله‪( :‬فل أت ال له) دعاء عليه‪.‬‬

‫قوله‪( :‬و من تعلق ود عة) بف تح الواو و سكون الهملة‪ .‬قال ف م سند الفردوس‪ :‬شئ يرج من الب حر‬
‫يشبه الصدف يتقون به العي‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪63‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪( :‬فل ودع ال له) بتخف يف الدال‪ ،‬أي ل جعله ف د عة و سكون‪ ،‬قال أ بو ال سعادات وهذا دعاء‬
‫عليه‪.‬‬

‫قوله‪ ( :‬وف رواية‪ :‬من تعلق تيمة فعد أشرك ) قال أبو السعادات‪ :‬إنا جعلها شركا لنم أرادوا دفع‬
‫القادير الكتوبة عليهم‪ ،‬وطلبوا دفع الذى من غي ال الذي هو دافعه‪.‬‬

‫ل ف يده خيط من المى‪ ،‬فقطعه‪،‬‬


‫قال الصنف رحه ال (ولبن أب حات عن حذيفة‪ :‬أنه رأى رج ً‬
‫وتل قوله تعال‪ " :‬وما يؤمن أكثرهم بال إل وهم مشركون ") ‪:‬‬

‫قال ابن أب حات‪ :‬حدثنا ممد بن السي بن إبراهيم بن أشكاب حدثنا يونس بن ممد حدثنا حاد بن‬
‫سلمة عن عا صم الحول عن عروة قال‪ :‬د خل حذي فة على مر يض‪ ،‬فرأى ف عضده سيا فقط عه أو‬
‫انتزعه‪ .‬ث قال‪ " :‬وما يؤمن أكثرهم بال إل وهم مشركون "‪.‬‬

‫وابن أب حات هو المام أبو ممد عبد الرحن بن أب حات ممد بن إدريس الرازي التميمي النظلي‬
‫الافظ‪ ،‬صاحب الرح والتعديل والتفسي وغيها مات سنة سبع وعشرين وثلثائة‪.‬‬

‫وحذيفة هو ابن اليمان‪ .‬واسم اليمان‪ :‬حسيل بهملتي مصغرا‪ ،‬ويقال حسل ‪ -‬بكسر ث سكون ‪-‬‬
‫العب سي بالوحدة‪ ،‬حل يف الن صار‪ ،‬صحاب جل يل من ال سابقي ويقال له صاحب ال سر وأبوه أيضا‬
‫صحاب‪ ،‬مات حذيفة ف أول خلفة علي رضي ال عنه سنة ست وثلثي‪.‬‬

‫ل ف يده خ يط من ال مى ) أي عن ال مى‪ .‬وكان الهال يعلقون التمائم واليوط‬ ‫قوله‪ ( :‬رأى رج ً‬


‫ونو ها لد فع ال مى وروى وك يع عن حذي فة‪ :‬أ نه د خل على مر يض يعوده فل مس عضده‪ ،‬فإذا ف يه‬
‫خيط‪ ،‬فقال‪ :‬ما هذا ؟ قال‪ :‬شئ رقى ل فيه‪ ،‬فقطعه وقال‪ :‬لو مت وهو عليك ما صليت عليك وفيه‬
‫إنكار مثل هذا‪ ،‬وإن كان يعتقد أنه سبب‪ ،‬فالسباب ل يوز منها إل ما أباحه ال تعال ورسوله مع‬
‫عدم العتماد علي ها‪ .‬وأ ما التمائم واليوط والروز والطل سم ون و ذلك م ا يعل قه الهال ف هو شرك‬
‫يب إنكاره وازالته بالقول والفعل‪ ،‬وإن ل يأذن فيه صاحبه‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وتل قوله‪" :‬وما يؤمن أكثرهم بال إل وهم مشركون" استدل حذيفة رضي ال عنه بالية على‬
‫أن هذا شرك‪ .‬ففيه صحة الستدلل على الشرك الصغر با أنزله ال ف الشرك الكب‪ ،‬لشمول الية‬
‫ودخوله ف مسمى الشرك‪ ،‬وتقدم معن هذه الية عن ابن عباس وغيه ف كلم شيخ السلم وغيه‪.‬‬
‫وال أعلم‪.‬‬

‫وف هذه الثار عن الصحابة‪ :‬ما يبي كمال علمهم بالتوحيد وما ينافيه أو يناف كماله‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪64‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫باب‬
‫ما جاء ف الرقي والتمائم‬

‫قوله‪( :‬باب ما جاء ف الرقى والتمائم) ‪:‬‬

‫أي من النهي وما ورد عن السلف ف ذلك‪.‬‬

‫قوله‪( :‬و ف ال صحيح عن أ ب بش ي الن صاري أ نه كان مع ال نب صلى ال عل يه و سلم ف ب عض‬


‫أسفاره فأرسل رسولً‪ :‬أن ل يبقي ف رقبة بعي قلدة من وتر أو قلدة إل قطعت) ‪:‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪65‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫هذا الديث ف الصحيحي‪.‬‬

‫قوله‪( :‬عن أب بشي) بفتح أوله وكسر العجمة‪ ،‬قيل اسه قيس بن عبيد قاله ابن سعد‪ .‬وقال ابن عبد‬
‫الب‪ :‬ل يو قف له على ا سم صحيح‪ ،‬هو صحاب ش هد الندق ومات ب عد ال ستي‪ .‬ويقال‪ :‬إ نه جاوز‬
‫الائة‪.‬‬

‫قوله‪( :‬ف بعض أسفاره) قال الافظ‪ :‬ل أقف على تعيينه‪.‬‬

‫قوله‪( :‬فأرسل رسولً) هو زيد بن حارثة‪ .‬روى ذلك الارث بن أب أسامة ف مسنده قاله الافظ‪.‬‬

‫قوله‪( :‬أن ل يبق ي) بالثناة التحت ية والقاف الفتوحت ي وقلدة مرفوع على أ نه فا عل و الو تر بفتحت ي‪،‬‬
‫وأحد أوتار القوس‪ .‬وكان أهل الاهلية إذا اخلولق الوتر أبدلوه بغيه وقلدوا به الدواب إعتقادا منهم‬
‫أنه يدفع عن الدابة العي‪.‬‬

‫قوله‪( :‬أو قلدة إل قطعت) معناه‪ :‬أن الراوى شك هل قال شيخه‪ :‬قلدة من وتر أو قال‪ :‬قلدة وأطلق‬
‫ول يقيده ؟ ويؤ يد الول ما روى عن مالك أ نه سئل عن القلدة ؟ فقال‪ :‬ما سعت بكراهت ها إل ف‬
‫الوتر‪ .‬ولب داود ول قلدة بغي شك‪.‬‬

‫قال البغوى ف شرح السنة‪ :‬تأول مالك أمره عليه الصلة والسلم بقطع القلئد على أنه من أجل العي‬
‫وذلك أنمه كانوا يشدون الوتار والتمائم ويعلقون عليهها العوذ‪ ،‬يظنون أناه تعصهمهم مهن الفات‪.‬‬
‫فنهاهم النب صلى ال عليه وسلم عنها وأعلمهم أنا ل ترد من أمر ال شيئا‪.‬‬

‫قال أ بو عب يد‪ :‬كانوا يقلدون ال بل الوتار‪ ،‬لئل ت صيبها الع ي‪ ،‬فأمر هم ال نب صلى ال عل يه و سلم‬
‫بإزالتها إعلما لم بأن الوتار ل ترد شيئا‪ .‬وكذا قال إبن الوزى وغيه‪.‬‬

‫قال الافظ‪ :‬ويؤيده حديث عقبة بن عامر‪ ،‬رفعه من تعلق تيمة فل أت ال له رواه أبو داود‪ .‬وهى ما‬
‫علق من القلئد خشية العي ونو ذلك‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫قال الصنف‪( :‬وعن ابن مسعود‪ :‬سعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪ :‬إن الرقى والتمائم‬
‫والتولة شرك رواه أحد وأبو داود) ‪:‬‬

‫وف يه ق صة‪ ،‬ول فظ أ ب داود‪ :‬عن "زي نب امرأة ع بد ال بن م سعود قالت‪ :‬إن ع بد ال رأى ف عن قى‬
‫خيطا فقال‪ :‬ما هذا ؟ قلت‪ :‬خيط رقى ل فيه‪ .‬قالت‪ :‬فأخذه ث قطعه‪ ،‬ث قال‪ :‬أنتم آل عبد ال لغنياء‬
‫عن الشرك سعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪ :‬إن الرقى والتمائم والتولة شرك‪ .‬فقلت‪ :‬لقد‬
‫كانت عين تقذف‪ ،‬وكنت أختلف إلىفلن اليهودي‪ ،‬فاذا رقى ف سكنت‪ .‬فقال عبد ال‪ :‬إنا ذلك‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪66‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫ع مل الشيطان‪ ،‬كان ينخ سها بيده‪ ،‬فإذا كف عن ها‪ .‬إن ا كان يكف يك أن تقول ك ما كان ر سول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم يقول‪ :‬أذهب البأس‪ ،‬رب البأس‪ ،‬واشف أنت الشاف‪ ،‬ل شفاء إل شفاؤك شفاء‬
‫ل يغادر سقما" ورواه ابن ماجه وابن حبان والاكم وقال‪ :‬صحيح‪ ،‬وأقره الذهب‪.‬‬

‫قوله‪( :‬إن الرقى) قال الصنف‪ ( :‬هى الت تسمى العزائم‪ ،‬و خص منه الدل يل ما خل من الشرك‪ ،‬ففد‬
‫رخص فيه رسول ال صلى ال عليه وسلم من العي والمة) يشي إل أن الرقى الوصوفة بكونا شركا‬
‫هى الت يستعان فيها بغي ال‪ ،‬وأما إذا ل يذكر فيها إل بأساء ال وصفاته وآياته‪ ،‬والأثور عن النب‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فهذا حسن جائز أو مستحب‪.‬‬

‫قوله (فقد رخص فيه رسول ال صلى ال عليه وسلم من العي والمة) كما تقدم ذلك ف باب من‬
‫حقق التوحيد‪ .‬وكذا رخص ف الرقى من غيها‪ ،‬كما ف صحيح مسلم عن "عوف بن مالك‪ :‬كنا‬
‫نرقى ف الاهلية‪ ،‬فقلنا يا رسول ال كيف ترى ف ذلك ؟ فقال‪ :‬اعرضوا علي رقاكم‪ .‬ل بأس بالرقى‬
‫ما ل تكن شركا" وف الباب أحاديث كثية‪.‬‬

‫قال الطاب‪ :‬وكان عليه السلم قد رقى ورقى‪ ،‬وأمر با وأجازها‪ ،‬فإذا كانت بالقرآن وبأساء ال فهى‬
‫مباحة أو مأمور با‪ ،‬وإنا جاءت الكراهة والنع فيما كان منها بغي لسان العرب‪ ،‬فإنه ربا كان كفرا‬
‫أو قو ًل يدخله شرك‪.‬‬

‫قلت‪ :‬من ذلك ما كان على مذا هب الاهل ية ال ت يتعاطون ا‪ ،‬وأن ا تد فع عن هم الفات ويعتقدون أن‬
‫ذلك من قبل الن ومعونتهم‪ .‬وبنحو هذا ذكر الطاب‪.‬‬

‫ل أن يدعو به‪ ،‬ولو عرف معناه‪ :‬لنه‬


‫وقال شيخ السلم‪ :‬كل اسم مهول فليس لحد أن يرقى به فض ً‬
‫يكره الدعاء بغي العربية‪،‬وإنا يرخص لن ل يسن العربية‪ ،‬فأما جعل اللفاظ العجمية شعارا فليس‬
‫من دين السلم‪.‬‬

‫وقال ال سيوطى‪ :‬قد أج ع العلماء على جواز الر قى عند اجتماع ثلث شروط‪ :‬أن تكون بكلم ال أو‬
‫بأ سائه و صفاته‪ ،‬وبالل سان العر ب‪ :‬ما يعرف معناه‪ ،‬وأن يعت قد أن الرق ية ل تؤ ثر بذات ا بل بتقد ير ال‬
‫تعال‪.‬‬

‫قوله‪( :‬والتمائم) قال ال صنف‪ ( :‬شئ يعلق على الولد من الع ي) وقال اللخال‪ :‬التمائم ج ع تي مة‬
‫و هى ما يعلق بأعناق الصبيان من خرزات وعظام لدفع الع ي‪ ،‬وهذا منهى عنه‪ .‬ل نه ل دا فع إل ال‪،‬‬
‫ول يطلب دفع الؤذيات ال بال وبأسائه وصفاته‪.‬‬

‫قال الصنف‪( :‬لكن إذا كان العلق من القرآن فرخص فيه بعض السلف‪ .‬وبعضهم ل يرخص فيه‬
‫ويعله من النهى عنه‪ .‬منهم ابن مسعود) ‪:‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪67‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫اعلم أن العلماء من الصحابة والتابعي فمن بعدهم اختلفوا ف جواز تعليق التمائم الت من القرآن أساء‬
‫ال وصفاته‪ ،‬فقالت طائفة يوز ذلك‪ ،‬وهو قول عبد ال بن عمرو بن العاص وهو ظاهر ما روى عن‬
‫عائشة‪ .‬وبه قال أبو جعفر الباقر وأحد ف رواية‪ .‬وحلوا الديث على التمائم الت فيها شرك‪.‬‬

‫وقالت طائفة ل يوز ذلك‪ .‬وبه قال ابن مسعود وابن عباس‪ .‬وهو ظاهر قول حذيفة وعقبة بن عامر‬
‫وابن عكيم‪ ،‬وبه قال جاعة من التابعي‪ ،‬منهم أصحاب ابن مسعود وأحد ف رواية اختارها كثي من‬
‫أصحابه‪ ،‬وحزم با التأخرون‪ ،‬واحتجوا بذا الديث وما ف معناه‪.‬‬

‫قلت‪ :‬هذا هو الصحيح لوجوه ثلثة تظهر للمتأمل‪:‬‬


‫الول‪ :‬عموم النهى ول مصص للعموم‪.‬‬
‫الثان‪ :‬سد الذريعة‪ ،‬فإنه يفضى إل تعليق ما ليس كذلك‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أنه إذا علق فلبد أن يتهنه التعلق بمله معه ف حال قضاء الاجة والستنجاء ونو ذلك‪.‬‬

‫وتأ مل هذه الحاد يث و ما كان عل يه ال سلف ر ضى ال تعال عن هم ي تبي لك بذلك غر بة ال سلم‪،‬‬


‫خصوصا إن عرفت عظيم ما وقع فيه الكثي بعد القرون الفضلة من تعظيم القبور واتاذ الساجد عليها‬
‫والقبال إلي ها بالقلب والو جه‪ ،‬و صرف جل الدعوات والرغبات والرهبات وأنواع العبادات ال ت هى‬
‫حق ال تعال إليها من دونه‪ ،‬كما قال تعال ‪ " ، :‬ول تدع من دون ال ما ل ينفعك ول يضرك فإن‬
‫فعلت فإ نك إذا من الظال ي * وإن ي سسك ال ب ضر فل كا شف له إل هو وإن يردك ب ي فل راد‬
‫لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم " ونظائرها ف القرآن أكثر من أن تصر‪.‬‬

‫قوله‪( :‬التولة)‪ ،‬قال الصنف‪( :‬هى شئ يصنعونه يزعمون أنه يبب الرأة إل زوجها والرجل إل امرأته‬
‫وبذا فسهرها ابهن مسهعود راوي الديهث‪ :‬كمها فه صهحيح ابهن حبان والاكهم قالوا‪ :‬يها أبها عبهد‬
‫الرحن‪،‬هذه الرقى والتمائم قد عرفناها فما التولة؟ قال‪ :‬شئ نصنعه للنساء يتحبب به إل أزواجهن‪.‬‬

‫قال الا فظ‪ :‬التولة‪ :‬بك سر الثناة وف تح الواو واللم مففا ‪ -‬شيئا كا نت الرأة تلب به م بة زوج ها‪،‬‬
‫وهو ضرب من السحر‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬

‫وكان من الشرك لا يراد به من دفع الضار وجلب النافع من غي ال تعال‪.‬‬

‫قال الصنف‪( :‬وعن عبد ال بن عكيم مرفوعا من تعلق شيئا وكل إليه رواه أحد والترمذي) ‪:‬‬

‫ورواه ابو داود والاكم‪ ،‬وعبد ال بن عكيم هو بضم الهملة مصغرا‪ ،‬ويكن أبا معبد‪ ،‬الهن الكوف‪.‬‬
‫قال البخاري‪ :‬أدرك زمن النب صلى ال عل يه وسلم ول يعرف له ساع صحيح وكذا قال أبو حات‪.‬‬
‫قال الطيب سكن الكوفة وقدم الدائن ف حياة حذيفة وكان ثقة‪ ،‬وذكر ابن سعد من غيه أنه مات‬
‫ف ولية الجاج‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪68‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪( :‬و من تعلق شيئا و كل إل يه) التعلق يكون بالقلب‪ ،‬ويكون بالف عل‪ ،‬ويكون ب ما و كل إل يه أي‬
‫وكله ال إل ذلك الشئ الذي تعلقه فمن تعلق بال وأنزل حوائجه إليه والتجأ إليه‪ ،‬وفوض أمره إليه‪،‬‬
‫وكفاه وقرب إل يه كل بع يد وي سر له كل ع سي‪ ،‬و من تعلق بغيه أو سكن إل رأ يه وعقله ودوائه‬
‫وتائمه ونو ذلك‪ ،‬وكله ال إل ذلك وخذله‪ ،‬وهذا معروف بالنصوص والتجارب‪ .‬قال تعال ‪" :‬ومن‬
‫يتوكل على ال فهو حسبه"‪.‬‬

‫قال المام أحد‪ :‬حدثنا هشام بن القاسم حدثنا أبو سعيد الؤدب حدثنا من سع عطاء الرسان قال‪:‬‬
‫لقيت وهب بن من به وهو يطوف بالبيت فقلت‪ :‬حدث ن حديثا أحفظه عنك ف مقامي هذا وأوجز‪.‬‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬اوحى ال تبارك وتعال إل داود‪ :‬يا داود‪،‬وأما عزت وعظمت ل يعتصم ب عبد من عبادي‬
‫دون خلقي أعرف ذلك من نيته‪ ،‬فتكيده السموات السبع ومن فيهن والرضون السبع ومن فيهن إل‬
‫جعلت له بينهن مرجا وأما عزت وعصمت ل يعتصم عبد من عبادي بخلوق دون أعرف ذلك من‬
‫نيته‪ ،‬إل قطعت أسباب السماء من يده وأسخت الرض من تت قدميه ث ل أبال بأي أوديتها هلك‪.‬‬

‫قال الصنف‪( :‬وروى المام أحد عن رويفع قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم " يا رويفع‪،‬‬
‫ل عل الياة ستطول بك‪ ،‬فأ خب الناس أن من ع قد لي ته أو تقلد وترا أو ا ستنجى برج يع دا بة أو‬
‫عظم‪ ،‬فإن ممدا بريء منه ") ‪:‬‬

‫الديث رواه المام أحد عن يي بن إسحاق والسن بن موسى الشيب كلها عن ابن ليعة‪ .‬وفيه‬
‫قصة اختصرها الصنف‪ .‬وهذا لفظ حسن‪ :‬حدثنا ابن ليعة حدثنا عياش بن عباس عن شييم بن بيتان‬
‫قال‪ :‬حدثنا رويفع بن ثابت قال‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يأخذ جل أخيه على أن يعطيه‬
‫النصف ما غنم وله النصف‪ ،‬حت إن أحدنا ليصي له النصل والريش وللخر القدح‪ .‬ث قال ل رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم‪ ...‬الديث‪.‬‬

‫ث رواه أحد بن يي بن غبلن حدثن الفضل عياش بن عباس أن شييم بن بيتان أخبه أنه سع شييان‬
‫القتبا ن ‪ -‬الد يث‪ .‬ا بن لي عة ف يه مقال‪ .‬و ف ال سناد الثا ن شيبان القتبا ن‪ ،‬ق يل ف يه مهول‪ .‬وبق ية‬
‫رجالما ثقات‪.‬‬

‫قوله‪( :‬فأخب الناس) دليل على وجوب إخبار الناس‪ ،‬وليس هذا متصا برويفع‪ ،‬بل كل من كان عنده‬
‫علم ليس عند غيه ما يتاج إليه الناس وجب إعلمهم به‪ ،‬فإن إشترك هو وغيه ف علم ذلك فالتبليغ‬
‫فرض كفاية‪ .‬قاله أبو زرعة ف شرح سنن أب داود‪.‬‬

‫قوله‪( :‬ل عل الياة ستطول بك) ف يه علم من أعلم النبوة‪ ،‬فإن رويفعا طالت ح يا ته إل سنة ست‬
‫وخسي فمات ببقة من أعمال مصر أميا عليها‪ ،‬وهو من النصار‪ .‬وقيل مات سنة ثلث وخسي‪.‬‬

‫قوله‪( :‬إن من عقد ليته) بكسر اللم ل غي‪ ،‬والمع لى بالكسر والضم قاله الوهري‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪69‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قال الطاب‪ :‬أما نيه عن عقد اللحية فيفسر على وجهي‪.‬‬


‫أحده ا‪ :‬ما كانوا يفعلو نه ف الرب‪ ،‬كانوا يعقدون لا هم‪ ،‬وذلك من زى ب عض العا جم يفتلون ا‬
‫ويعقدونا‪ .‬قال أبو السعادات‪ :‬تكبا وعجبا‪.‬‬
‫ثانيه ما‪ :‬أن معناه معال ة الش عر ليتع قد ويتج عد‪ ،‬وذلك من ف عل أ هل التأن يث وقال أ بو زر عة بن‬
‫العراقى‪ :‬والول حله على عقد اللحية ف الصلة‪ ،‬كما دلت عليه رواية ممد بن الربيع‪ .‬وفيه أن من‬
‫عقد ليته ف الصلة‪.‬‬

‫قوله‪ :‬أو تقلد وترا أي جعله قلدة ف عنقه أو عنق دابته‪ .‬وف رواية ممد بن الربيع أو تقلد وترا يريد‬
‫تيمة ‪.‬‬

‫فإذا كان هذا في من تقلد وترا فك يف ب ن تعلق بالموات و سألم قضاء الاجات‪ ،‬وتفر يج الكربات‪،‬‬
‫الذي جاء النهى عنه وتغليظه ف اليات الحكمات ؟‬

‫قوله‪ :‬أو ا ستنجى برج يع دا بة أو ع ظم فإن ممدا بر يء م نه قال لنووي‪ :‬أي بر يء من فعله‪ ،‬وهذا‬
‫خلف الظاهر‪ .‬والنووي كثيا ما يتأول الحاديث بصرفها عن ظاهرها فيغفر ال تعال له‪.‬‬

‫وف صحيح مسلم عن ابن مسعود رضي ال عنه مرفوعا‪ " :‬ل تستنجوا بالروث ول العظام فإنه زاد‬
‫إخوانكم من الن " وعليه ل يزى الستنجاء بما كما هو ظاهر مذهب أحد‪ ،‬لا روى ابن خزية‬
‫والدارقطن عن أب هريرة‪ " :‬أن النب صلى ال عليه وسلم نى أن يستنجي بعظم أو روث‪ ،‬وقال‪ :‬إنما‬
‫ل يطهران "‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وعن سعيد بن جبي قال‪ " :‬من قطع تيمة من إنسان كان كعدل رقبة " رواه وكيع) ‪:‬‬

‫هذا عنهد أههل العلم له حكهم الرفهع‪ ،‬لن مثهل ذلك ل يقال بالرأي ويكون هذا مرسهلً لن سهعيدا‬
‫تابعى‪ .‬وفيه فضل قطع التمائم لنا شرك‪ .‬ووكيع هو ابن الراح ابن وكيع الكوف‪ ،‬ثقة إمام‪ ،‬صاحب‬
‫تصانيف منها الامع وغيه‪ .‬روى عنه المام أحد وطبقته‪ .‬مات سنة سبع وتسعي ومائة‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وله عن إبراهيم قال‪ :‬كانوا يكرهون التمائم كلها من القرآن وغي القرآن) ‪:‬‬

‫وإبراهيم هو المام بن يزيد النخعى الكوف‪ ،‬يكن أبا عمران ثقة من كبار الفقهاء‪ .‬قال الزى‪ :‬دخل‬
‫على عائشة‪ ،‬ول يثبت له ساع منها‪ .‬مات سنة ست وتسعي‪ ،‬وله خسون سنة أو نوها‪.‬‬

‫قوله‪ :‬كانوا يكرهون التمائم إل آخره‪ ،‬مراده بذلك أ صحاب ع بد ال بن م سعود‪ ،‬كعلق مة وال سود‬
‫وأب وائل والارث بن سويد‪ ،‬وعبيد السلمان ومسروق والربيع بن خثيم‪ ،‬وسويد بن غفلة وغيهم‪،‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪70‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫و هو من سادات التابع ي وهذه ال صيغة ي ستعملها إبراه يم من حكا ية أقوال م ك ما ب ي ذلك الفاظ‬
‫العراقى وغيه‪.‬‬

‫باب‬
‫من تبك بشجرة ونوهها‬

‫قوله‪ ( :‬باب من تبك بشجر أو حجر ونوها) ‪:‬‬

‫كبقعة وقب ونو ذلك‪ ،‬أي فهو مشرك‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وقوله ال تعال‪ " :‬أفرأيتم اللت والعزى * ومناة الثالثة الخرى‪...‬اليات) ‪:‬‬

‫وكا نت اللت لثق يف‪ ،‬والعزى لقر يش وب ن كنا نة‪ ،‬ومناة لب ن هلل‪ .‬وقال ا بن هشام‪ :‬كا نت لذ يل‬
‫وخزاعة‪.‬‬

‫فأما اللت فقرأ المهور بتخفيف التاء‪ ،‬وقرأ ابن عباس وابن الزبي وماهد وحدي وأبو صال ورويس‬
‫بتشديد التاء‪.‬‬

‫فعلى الول قال العمش‪ :‬سوا اللت من الله‪ ،‬والعزى من العزيز‪ .‬قال ابن جرير‪ :‬وكانوا قد اشتقوا‬
‫ا سها من ال تعال‪ ،‬قالوا‪ :‬اللت مؤن ثة م نه‪ ،‬تعال ال عن قول م علوا كبيا قال‪ :‬وكذا العزى من‬
‫العزيز‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪71‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وقال ابن كث ي‪ :‬اللت كانت صخرة بيضاء منقو شة عليها بيت الطائف له أستار وسدنة وحوله فناء‬
‫مع ظم ع ند أ هل الطائف‪ ،‬و هم ثق يف و من تبع ها يفتخرون به على من عدا هم من أحياء العرب ب عد‬
‫قريش‪ ،‬قال ابن هشام‪ :‬فبعث رسول ال صلى ال عليه وسلم الغية بن شعبة فهدمها وحرقها بالنار‪.‬‬

‫ل يلت السهويق للحاج‪ ،‬فمها مات عكفوا على قهبه ذكره‬ ‫وعلى الثانيهة قال ابهن عباس‪ :‬كان رج ً‬
‫البخاري قال ابن عباس‪ :‬كان يبيع السويق والسمن عند صخرة ويسلؤه عليها‪ ،‬فلما مات ذلك الرجل‬
‫عبدت ثق يف تلك ال صخرة إعظاما ل صاحب ال سويق و عن ما هد نوه وقال‪ :‬فل ما مات عبدوه رواه‬
‫سعيد بن منصور‪ .‬وكذا روى ابن أب حات عن ابن عباس أنم عبدوه وبنحو هذا قال جاعة من أهل‬
‫العلم‪.‬‬

‫قلت‪ :‬ل منافاة بي القولي‪ .‬فإنم عبدوا الصخرة والقب تأليها وتظيما‪.‬‬

‫ولثل هذا بنيت الشاهد والقباب على القبور واتذت أوثانا‪ .‬وفيه بيان أن أهل الاهلية كانوا يعبدون‬
‫الصالي والصنام‪.‬‬

‫وأ ما العزى فقال ا بن جر ير‪ :‬كا نت شجرة علي ها بناء وأ ستار بنخلة ب ي م كة والطائف كا نت قر يش‬
‫يعظمون ا‪ ...‬ك ما قال أ بو سفيان يوم أ حذ‪ :‬ل نا العزى ولعزى ل كم فقال ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫و سلم " قولوا‪ :‬ال مول نا ول مول ل كم " وروى الن سائي وابن مردو ية عن أ ب الطف يل قال‪ :‬ل ا ف تح‬
‫رسول ال صلى ال عل يه وسلم مكة بعث خالد بن الوليد إل نلة وكا نت با العزى‪ ،‬وكانت على‬
‫ثلث سرات فق طع ال سمرات‪ ،‬وهدم الب يت الذي كان علي ها‪ .‬ث أ تى ال نب صلى ال عل يه و سلم‬
‫فأ خبه‪ .‬فقال ار جع فإ نك ل ت صنع شيئا‪ ،‬فر جع خالد‪ ،‬فل ما أب صرته ال سدنة أمعنوا ف ال بل و هم‬
‫يقولون‪ :‬يا عزى يا عزى‪ ،‬فأتاها خالد فإذا امرأة عريانة ناشرة شعرها تفن التراب على رأسها فعمها‬
‫بالسيف فقتلها ث رجع إل رسول ال صلى ال عليه وسلم فأخبه‪ .‬فقال‪ :‬تلك العزى قلت‪ :‬وكل هذا‬
‫وما هو أعظم منه يقع ف هذه الزمنة عند ضرائح الموات وف الشاهد‪.‬‬

‫وأ ما مناة فكا نت بالشلل ع ند قد يد‪ ،‬ب ي م كة والدي نة‪ ،‬وكا نت خزا عة والوس والزرج يعظمون ا‬
‫ويهلون من ها لل حج‪ ،‬وأ صل اشتقاق ها‪ :‬من إ سم ال النان‪ ،‬وق يل‪ :‬لكثرة ما ي ن أي يراق عند ها من‬
‫الدماء للتبك با‪.‬‬

‫قال البخاري رحه ال‪ ،‬ف حديث عروة عن عائشة رضي ال عنها‪ :‬إنا صنم بي مكة والدينة قال ابن‬
‫هشام‪ :‬فبعث رسول ال صلى ال عليه وسلم عليا فهدمها عام الفتح فمعن الية كما قال القرطب‪ :‬أن‬
‫فيها حذفا تقديره‪ :‬أفرأيتم هذه اللة‪ ،‬أنفعت أو ضرت‪ ،‬حت تكون شركاء ل تعال ؟‬

‫وقوله‪ " :‬أل كم الذ كر وله الن ثى " قال ا بن كث ي‪ :‬تعلون له ولدا وتعلون ولده أن ثى وتتارون ل كم‬
‫الذكور ؟ قوله‪ " :‬تلك إذا قسمة ضيزى " أي جور وباطلة‪ .‬فكيف تقاسون ربكم هذه القسمة الت لو‬
‫كانت بي ملوقي كانت جورا وسفها فتنهون أنفسكم عن الناث وتعلونن ل تعال‪ .‬وقوله‪ " :‬إن‬
‫هي إل أساء سيتموها أنتم وآباؤكم " أي من تلقاء أنفسكم " ما أنزل ال با من سلطان " أي من‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪72‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫حجة " إن يتبعون إل الظن " أي ليس لم مستند إل حسن ظنهم بآبائهم الذين سلكوا هذا السلك‬
‫الباطل قبلهم " وما توى النفس " وإل حظ أنفسهم ف رياستهم وتعظيم آبائهم القدمي‪ .‬قوله‪" :‬‬
‫ولقد جاءهم من ربم الدى " قال ابن كثي‪ :‬ولقد أرسل ال تعال إليهم الرسل بالق الني والجة‬
‫القاطعة‪ ،‬ومع هذا ما اتبعوا ما جاءوهم به ول انقادوا له ا هه‪.‬‬

‫ومطابقهة اليات للترجةه مهن جههة أن عباد هذه الوثان إنمه كانوا يعتقدون حصهول البكهة منهها‬
‫بتعظيم ها ودعائ ها وال ستعانة ب ا والعتماد علي ها ف ح صول ما يرجو نه من ها ويؤملو نه ببكت ها‬
‫وشفاعتهها وغيه ذلك‪ ،‬فالتهبك بقبور الصهالي كاللت‪ ،‬وبالشجار كالعزى ومناة مهن ضمهن فعهل‬
‫أولئك الشركي مع تلك الوثان‪ ،‬فمن فعل مثل ذلك واعتقد ف قب أو حجر أو شجر فقد ضا هى‬
‫عباد هذه الوثان في ما كانوا يفعلو نه مع ها من هذا الشرك‪ ،‬على أن الوا قع من هؤلء الشرك ي مع‬
‫معبوديهم أعظم ما وقع من أولئك‪ .‬فال الستعان‪.‬‬

‫قوله‪ ( :‬عن أ ب وا قد اللي ثي قال‪ " :‬خرج نا مع ر سول ال صلى ال عل يه و سلم إل حن ي‪ ،‬ون ن‬
‫حدثاء عهد بكفر‪ ،‬وللمشركي سدرة يعكفون عندها وينوطون با أسلحتهم‪ ،‬يقال لا ذات أنواط‬
‫فمرر نا ب سدرة‪ ،‬فقل نا يا ر سول ال‪ ،‬اج عل ل نا ذات أنواط ك ما ل م ذات أنواط‪ ،‬فقال ر سول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ :‬ال أكب إنا السنن قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لوسى "‬
‫اج عل ل نا إلا ك ما ل م آل ة قال إن كم قوم تهلون " لترك ب سنن من كان قبل كم " رواه الترمذي‬
‫وصححه) ‪:‬‬

‫أبو واقد إسه الارث بن عوف‪ ،‬وف الباب عن أب سعيد وأب هريرة قاله الترمذي وقد رواه أحد وأبو‬
‫يعلى وابن أب شيبة والنسائي وابن جرير وابن النذر وابن أب حات والطبان بنحوه‪.‬‬

‫قوله‪ :‬عن أ ب وا قد قد تقدم ذ كر إ سه ف قول الترمذي و هو صحاب مشهور مات سنة ثان و ستي‬
‫وثانون سنة‪.‬‬

‫قوله‪ :‬خرجنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم إل حني وف حديث عمرو بن عوف وهو عند ابن‬
‫أب حات وابن مردويه والطبان‪ .‬قال غزونا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم الفتح‪ ،‬ونن ألف‬
‫ونيف حت إذا كنا بي حني والطائف الديث‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ونن حدثاء عهد بكفر أي قريب عهدنا بالكفر‪ ،‬ففيه دليل على أن غيهم من تقدم إسلمه من‬
‫الصحابة ل يهل هذا وأن النتقل من الباطل الذي اعتاده قبله ل يأمن أن يكون ف قلبه بقية من تلك‬
‫العادة‪ .‬ذكره الصنف رحه ال‪.‬‬

‫قول‪ :‬وللمشركي سدرة يعكفون عندها العكوف هو القامة على الشئ ف الكان‪ ،‬ومنه قول الليل‬
‫عل يه ال سلم‪ " :‬ما هذه التماث يل ال ت أن تم ل ا عاكفون " وكان عكوف الشرك ي ع ند تلك ال سدرة‬
‫تبكا با وتعظيما لا وف حديث عمرو كان يناط با السلح فسميت ذات أنواط وكانت تعبد من‬
‫دون ال‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪73‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪ :‬وينوطون با أسلحتهم أي يعلقونا عليها للبكة‪.‬‬

‫قلت‪ :‬ف في هذا بيان أن عبادت م ل ا بالتعظ يم والعكوف وال تبك‪ ،‬وبذه المور الثل ثة عبدت الشجار‬
‫ونوها‪.‬‬

‫قوله‪ :‬فقلنا‪ :‬يا رسول ال اجعل لنا ذات أنواط قال أبو السعادات‪ :‬سألوه أن يعل لم مثلها فنهاهم‬
‫عن ذلك‪ .‬وأنواط ج ع نوط و هو م صدر سى ب ا النوط‪ .‬ظنوا أن هذا أ مر مبوب ع ند ال وق صدوا‬
‫التقرب به‪ ،‬وإل فهم أجل قدرا من أن يقصدوا مالفة النب صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫قوله‪ :‬فقال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ال أ كب و ف روا ية سبحان ال والراد تعظ يم ال تعال‬
‫وتنييه عن هذا الشرك بأي نوع كان‪ ،‬ما ل يوز أن يطلب أو يقصد به غي ال وكان النب صلى ال‬
‫عليه وسلم يستعمل التكبي والتسبيح ف حال التعجب تعظيما ل وتنيها له إذا سع من أحد ما ل يليق‬
‫بال ما فيه هضم للربوبية أو اللية‪.‬‬

‫قوله‪ :‬إنا السنن بضم السي أي الطرق‪.‬‬

‫قوله‪ :‬قل تم والذي نف سي بيده ك ما قالت ب نو إ سرائيل لو سى " اج عل ل نا إلا ك ما ل م آل ة " ش به‬
‫مقالت هم هذه بقول ب ن إ سرائيل‪ ،‬با مع أن كلً طلب أن ي عل له ما يأل ه ويعبده من دون ال‪ ،‬وإن‬
‫اختلف اللفظان‪ .‬فالعن واحد‪ ،‬فتغيي السم ل يغي القيقة‪.‬‬

‫ففيه الوف من الشرك‪ ،‬وأن النسان قد يستحسن شيئا يظن أنه يقربه إل ال‪ ،‬وهو أبعد ما يبعده من‬
‫رح ته ويقر هب من سخطه‪ ،‬ول يعرف هذا على القي قة إل من عرف ما و قع ف هذه الزمان من‬
‫كثي من العلماء والعباد مع أرباب القبور‪ ،‬من الغلو فيها وصرف جل العبادة لا‪ ،‬ويسبون أنم على‬
‫شئ وهو الذنب الذي ل يغفره ال‪.‬‬

‫قال الا فظ أ بو م مد ع بد الرح ن بن إ ساعيل الشاف عي العروف با بن أ ب شا مة ف كتاب البدع‬


‫والوادث‪ :‬ومن هذا القسم أيضا ما قد عم البتلء به من تزيي الشيطان للعامة تليق اليطان والعمد‬
‫وإسراج مواضع مصوصة ف كل بلد‪ ،‬يكى لم حاك أنه رأى ف منامه با أحدا من شهر بالصلح‬
‫والول ية‪ ،‬فيفعلون ذلك ويافظون عل يه مع تضييع هم لفرائض ال تعال و سننه‪ ،‬ويظنون أن م متقربون‬
‫بذلك‪ ،‬ث يتجاوزون هذا إل أن يعظم وقع تلك الماكن ف قلوبم فيعظمونا ويرجون الشفاء لرضاهم‬
‫وقضاء حوائجهم بالنذر لا‪ ،‬وهي من عيون وشجر وحائط وحجر‪ .‬وف مدينة دمشق من ذلك مواضع‬
‫متعددة كعوي نة ال مى خارج باب تو ما والعمود الخلق دا خل باب ال صغي‪ ،‬والشجرة اللعو نة خارج‬
‫باب النصر نفس قارعة الطريق سهل ال قطعها واجتثاثها من أصلها‪ ،‬فما أشبهها بذات أنواط الواردة‬
‫ف الديث‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪74‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وذكر ابن القيم رحه ال نو ما ذكره أبو شامة‪ ،‬ث قال‪ :‬فما أسرع أهل الشرك إل اتاذ الوثان من‬
‫دون ال ولو كا نت ما كا نت‪ ،‬ويقولون‪ :‬إن هذا ال جر وهذه الشجرة وهذه الع ي تق بل النذر‪ ،‬أي‬
‫تقبل العبادة من دون ال‪ ،‬فإن النذر عبادة وقربة يتقرب با الناذر إل النذور له‪ ،‬وسيأت ما يتعلق بذا‬
‫الباب عند قوله صلى ال عليه وسلم‪ " :‬اللهم ل تعل قبي وثنا يعبد"‪.‬‬

‫وفه هذه الملة مهن الفوائد‪ :‬أن مها يفعله مهن يعتقهد فه الشجار والقبور والحجار مهن التهبك باه‬
‫العكوف عند ها والذ بح ل ا هو الشرك‪ ،‬ول يغ تر بالعوام والطغام‪ ،‬ول ي ستبعد كون الشرك بال تعال‬
‫ي قع ف هذه ال مة‪ ،‬فإذا كان ب عض ال صحابة ظنوا ذلك ح سنا وطلبوه من ال نب صلى ال عل يه و سلم‬
‫ح ت ب ي ل م أن ذلك كقول ب ن إ سرائيل‪ " :‬اج عل ل نا إلا ك ما ل م آل ة " فك يف ل ي فى على من‬
‫دونم ف العلم والفضل بأضعاف مضاعفة مع غلبة الهل وبعد العهد بآثار النبوة ؟ ! بل خفى عليهم‬
‫عظائم الشرك ف اللية والربوبية‪ ،‬فأكبوا فعله واتذوه قربة‪.‬‬

‫وفيها أن العتبار ف الحكام بالعان ل بالساء‪ ،‬ولذا جعل النب صلى ال عليه وسلم طلبتهم كطلبة‬
‫بن إسرائيل‪ ،‬ول يلتفت إل كوفهم سوها ذات أنواط‪ .‬فالشرك مشرك وإن سى شركه ما ساه‪ .‬كمن‬
‫يسمى دعاء الموات والذ بح والنذر لم ون و ذلك تعظيما وم بة‪ ،‬فإن ذلك هو الشرك‪ ،‬وإن ساه ما‬
‫ساه‪ .‬وقس على ذلك‪.‬‬

‫قوله‪ :‬لترك ب سنن من كان قبل كم ب ضم الوحدة و ضم ال سي أي طرق هم ومناهج هم و قد يوز ف تح‬
‫السي على الفراد أي طريقهم‪ .‬وهذا خب صحيح‪ .‬والواقع من كثي من هذه المة يشهد له‪.‬‬

‫وفيه علم من أعلم النبوة من حيث إنه وقع كما أخب به صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫وف الديث‪ :‬النهى عن التشبه بأهل الاهلية وأهل الكتاب فيما كانوا يفعلونه‪ ،‬إل ما دل الدليل على‬
‫أنه من شريعة ممد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫قال الصنف رحه ال‪( :‬وفيه التنبيه على مسائل القب) ‪:‬‬

‫أما‪ :‬من ربك ؟ فواضح‪ .‬وأما‪ :‬من نبيك ؟ فمن إخباره أنباء الغيب‪ .‬وأما‪ :‬ما دينك ؟ فمن قولم اجعل‬
‫ل نا إلا إل‪ .‬وفيه‪ :‬أن الشرك ل بد أن يقع ف هذه ال مة خلفا ل ن اد عى خلف ذلك‪ ،‬وفيه الغضب‬
‫عند التعليم‪ ،‬وإن ما ذم ال به اليهود والنصارى فإنه قال لنا لنحذره قاله الصنف رحه ال‪.‬‬

‫وأما ما ادعاه بعض التأخرين من أنه يوز التبك بآثار الصالي فممنوع من وجوه‪:‬‬

‫منها‪ :‬أن السابقي الولي من الصحابة ومن بعدهم ل يكونوا يفعلون ذلك مع غي النب صلى ال عليه‬
‫و سلم‪ ،‬ل ف حيا ته ول ب عد مو ته‪ .‬ولو كان خيا ل سبقونا إل يه‪ ،‬وأف ضل ال صحابة أ بو ب كر وع مر‬
‫وعثمان وعلي رضي ال عنهم‪ .‬وقد شهد لم رسول ال صلى ال عليه وسلم فيمن شهد له بالنة‪،‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪75‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وما فعله أحد من الصحابة والتابعي مع أحد من هؤلء السادة‪ ،‬ول فعله التابعون مع ساداتم ف العلم‬
‫والدين وأهل السوة‪ .‬فل يوز أن يقاس على رسول ال صلى ال عليه وسلم أحد من المة‪ ،‬وللنب‬
‫صلى ال عليه وسلم ف حال الياة خصائص كثية ل يصلح أن يشاركه فيها غيه‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬أن ف النع عن ذلك سدا لذريعة الشرك كما ل يفى‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪76‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫باب‬
‫ما جاء ف الذبح لغي ال‬

‫قوله‪ ( :‬باب ما جاء ف الذبح لغي ال ) ‪:‬‬

‫من الوعيد وأنه شرك بال‪.‬‬

‫قوله‪ " ( :‬قل إن صلت ونسكي ومياي ومات ل رب العالي * ل شريك له " الية) ‪:‬‬

‫قال ابن كثي‪ :‬يأمره تعال أن يب الشركي الذي يعبدون غي ال ويذبون له‪ :‬بأنه أخلص ل صلته‬
‫وذبيحته‪ .‬لن الشركي يعبدون الصنام ويذبون لا‪ ،‬فأمره ال تعال بخالفتهم والنراف عما هم فيه‬
‫والقبال بالق صد والن ية والعزم على الخلص ل تعال‪ .‬قال ما هد‪ :‬الن سك الذ بح ف ال ج والعمرة‪.‬‬
‫وقال الثورى عهن السهدى عهن سهعيد ابهن جهبي‪ :‬ونسهكى ذبىه‪ .‬وكذا قال الضحاك‪ .‬وقال غيه "‬
‫ومياي ومات " أي وما آتيه ف حياتى وما أموت عليه من اليان والعمل الصال " ل رب العالي "‬
‫خالصا لوجهه " ل شريك له وبذلك " الخلص " أمرت وأنا أول السلمي " أى من هذه المة لن‬
‫إسلم كل نب متقدم‪.‬‬

‫قال ابن كثي‪ :‬وهو كما قال‪ ،‬فإن جيع النبياء قبله كانت دعوتم إل السلم‪ ،‬وهو عبادة ال وحده‬
‫ل شر يك له‪ .‬ك ما قال تعال‪ " :‬و ما أر سلنا من قبلك من ر سول إل نو حي إل يه أ نه ل إله إل أ نا‬
‫فاعبدون " وذكر آيات ف هذا العن‪.‬‬

‫وو جه مطاب قة ال ية للترج ة‪ :‬أن ال تعال تع بد عباده بأن يتقربوا إل يه بالن سك‪ ،‬ك ما تعبد هم بال صلة‬
‫وغيها من أنواع العبادات‪ ،‬فإن ال تعال أمرهم أن يلصوا جيع أنواع العبادة له دون كل ما سواه‪،‬‬
‫فإذا تقربوا إل غي ال بالذبح أو غيه من أنواع العبادة فقد جعلوا ل شريكا ف عبادته‪ ،‬ظاهر ف قوله‪:‬‬
‫" ل شريك له " نفى أن يكون ل تعال شريك ف هذه العبادات‪ ،‬وهو بمد ال واضح‪.‬‬

‫قوله‪ "( :‬فصل لربك وانر ") ‪:‬‬

‫قال شيخ السلم رحه ال تعال‪ :‬أمر ال أن يمع بي هاتي العبادتي‪ ،‬وها الصلة والنسك‪ ،‬الدالتان‬
‫على القرب والتواضع والفتقار وحسن الظن‪ ،‬وقوة اليقي‪ ،‬وطمأنينة القلب إل ال وإل عدته‪ ،‬عكس‬
‫حال أ هل ال كب والنفرة‪ ،‬وأ هل الغ ن عن ال الذ ين ل حا جة ل م ف صلتم إل رب م‪ ،‬والذ ين ل‬
‫ينحرون له خوفا من الف قر‪ ،‬ولذا ج ع بينه ما ف قوله‪ " :‬قل إن صلت ون سكي " ال ية والن سك‬
‫الذبيحهة ل تعال إبتغاء وجههه‪ .‬فإنمها أ جل ما يتقرب به إل ال‪ ،‬فإ نه أ تى فيهمها بالفاء الدالة على‬
‫ال سبب‪ ،‬لن ف عل ذلك سبب للقيام بش كر ما أعطاه ال تعال من الكو ثر‪ .‬وأ جل العبادات البدن ية‪:‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪77‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫الصلة‪ ،‬وأجل العبادات الالية‪ :‬النحر‪ .‬وما يتمع للعبد ف الصلة ل يتمع له ف غيها‪ ،‬كما عرفه‬
‫أرباب القلوب الية‪ ،‬وما يتمع له ف النحر إذا قارنه اليان والخلص‪ ،‬من قوة اليقي وحسن الظن‪:‬‬
‫أمر عجيب‪ ،‬وكان النب صلى ال عليه وسلم كثي الصلة‪ ،‬كثي النحر‪.‬ا ه‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وقد تضمنت الصلة من أنواع العبادات كثيا‪ ،‬فمن ذلك الدعاء والتكبي‪ ،‬والتسبيح والقراءة‪،‬‬
‫والتسهميع والثناء‪ ،‬والقيام والركوع‪ ،‬والسهجود والعتدال‪ ،‬وإقامهة الوجهه ل تعال‪ ،‬والقبال عليهه‬
‫بالقلب‪ ،‬وغ ي ذلك م ا هو مشروع ف ال صلة‪ ،‬و كل هذه المور من أنواع العبادة ال ت ل يوز أن‬
‫يصرف منها شئ لغي ال‪ :‬وكذلك النسك يتضمن أمورا من العبادة كما تقدم ف كلم شيخ السلم‬
‫رحه ال تعال‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وعن علي بن أب طالب قال‪ " :‬حدثن رسول ال صلى ال عليه وسلم بأربع كلمات‪ :‬لعن‬
‫ال من ذبح لغي ال‪ ،‬ولعن ال من لعن والديه‪ ،‬ولعن ال من آوى مدثا‪ ،‬ولعن ال من غي منار‬
‫الرض " رواه مسلم)‪:‬‬

‫من طرق وفيه قصة‪ ،‬ورواه المام أحد كذلك عن أب طفيل قال قلنا لعلى‪ :‬أخبنا بشئ أسره إليك‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال‪ :‬ما أسر إل شيئا كتمه الناس‪ ،‬ولكن سعته يقول‪ :‬لعن ال من‬
‫ذبح لغي ال‪ ،‬ولعن ال من آوى مدثا‪ ،‬ولعن ال من لعن والديه‪ ،‬ولعن ال من غي توم الرض‪ ،‬يعن‬
‫النار ‪.‬‬

‫وعلى بن أ ب طالب‪ :‬هو المام أم ي الؤمن ي أ بو ال سن الاش ي ا بن عم ال نب صلى ال عل يه و سلم‬


‫وزوج ابن ته فاط مة الزهراء‪ ،‬كان من أ سبق ال سابقي الول ي و من أ هل بدر وبي عة الرضوان‪ ،‬وأ حد‬
‫العشرة الشهود ل م بال نة‪ ،‬ورا بع اللفاء الراشد ين‪ ،‬ومناق به مشهورة ر ضي ال ع نه‪ ،‬قتله ا بن مل جم‬
‫الارجي ف رمضان سنة أربعي‪.‬‬

‫قوله‪ :‬لعن ال اللعن‪ :‬البعد عن مظان الرحة ومواطنها‪ .‬قيل‪ :‬واللعي واللعون من حقت عليه اللعنة‪ ،‬أو‬
‫دعى عليه با‪ .‬قال أبو السعادات‪ :‬أصل اللعن‪ :‬الطرد والبعاد من ال‪ ،‬ومن اللق السب والدعاء‪.‬‬

‫قال شيخ السلم رحه ال ما معناه‪ :‬إن ال تعال يلعن من استحق اللعنة بالقول كما يصلي سبحانه‬
‫على من ا ستحق ال صلة من عباده قال تعال‪ " ، :‬هو الذي ي صلي علي كم وملئك ته ليخرج كم من‬
‫الظلمات إل النور وكان بالؤمن ي رحي ما * تيت هم يوم يلقو نه سلم " وقال‪ " :‬إن ال ل عن الكافر ين‬
‫وأ عد ل م سعيا " وقال‪" :‬ملعون ي أين ما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلً " والقرآن كل مه تعال أوحاه إل‬
‫جبيل عليه السلم وبلغه رسوله ممدا صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وجبيل سعه منه كما سيأت ف الصلة‬
‫إن شاء ال تعال‪ ،‬فال صلة ثناء ال تعال كما تقدم‪ .‬فال تعال هو الصلى وهو الث يب‪ ،‬كما دل على‬
‫ذلك الكتاب والسنة‪ ،‬وعليه سلف المة‪ .‬قال المام أحد رحه ال‪ :‬ل يزل ال متكلما إذا شاء ‪.‬‬

‫قوله‪ :‬من ذبح لغي ال قال شيخ السلم رحه ال تعال‪ " :‬وما أهل به لغي ال " ظاهره‪ :‬أنه ما ذبح‬
‫لغي ال‪ ،‬مثل أن يقول‪ :‬هذا ذبيحة لكذا‪ .‬وإذا كان هذا هو القصود فسواء لفظ به أو ل يلفظ‪ ،‬وتري‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪78‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫هذا أظهر من تري ما ذبه للصنم وقال فيه‪ :‬باسم السيح أو نوه‪ .‬كما أن ماذبناه متقربي به إل ال‬
‫كان أزكى وأعظم ما ذبناه للحم‪ ،‬وقلنا عليه‪ :‬بسم ال‪ .‬فإذا حرم ما قيل فيه باسم السيح أو الزهرة‪،‬‬
‫فلن يرم ما قيل ف يه ل جل السيح أو الزهرة أو قصد به ذلك أول‪ ،‬فإن العبادة لغ ي ال أع ظم كفرا‬
‫من الستعانة بغ ي ال‪ .‬وعلى هذا فلو ذبح لغ ي ال متقربا إل يه يرم‪ ،‬وإن قال ف يه باسم ال‪ ،‬ك ما قد‬
‫يفعله طائفة من منافقى هذه المة الذين يتقربون إل الكواكب بالذبح والبخور ونو ذلك وإن هؤلء‬
‫مرتدين ل تباح ذبيحتهم بال‪ .‬لكن يتمع ف الذبيحة مانعان‪:‬‬
‫الول‪ :‬أنه ما أهل به لغي ال‪.‬‬
‫والثان‪ :‬أنا ذبيحة مرتد‪.‬‬

‫ومن هذا الباب‪ :‬ما يفعله الاهلون بكة من الذبح للجن‪ ،‬ولذا روى عن النب صلى ال عليه وسلم أنه‬
‫نى عن ذبائح الن‪ .‬اه‪.‬‬

‫قال الزمشري‪ :‬كانوا إذا اشتروا دارا أو بنوها أو استخرجوا عينا ذبوا ذبيحة خوفا أن تصيبهم الن‪،‬‬
‫فأضيفت إليهم الذبائح لذلك‪.‬‬

‫وذكر إبراهيم الروزي‪ :‬أن ما ذبح عند استقبال السلطان تقربا إليه‪ ،‬أفت أهل بارى بتحريه‪ ،‬لنه ما‬
‫أهل به لغي ال‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ل عن ال من ل عن والد يه ‪ :‬يع ن أباه وأ مه وإن عل يا‪ .‬و ف ال صحيح أن ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫وسلم قال‪ " :‬من الكبائر شتم الرجل والديه‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول ال وهل يشتم الرجل والديه ؟ قال‪ :‬نعم‬
‫يسب أبا الرجل فيسب أباه‪ ،‬ويسب أمه فيسب أمه "‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ل عن ال من آوى مدثا ‪ :‬أى من عه من أن يؤ خذ م نه ال ق الذى و جب عل يه آوى بف تح المزة‬


‫مدوده أي ضمه إليه وحاه‪.‬‬

‫قال أبو السعادات‪ :‬أويت إل النل‪ ،‬وأويت غيى‪ ،‬وآويته‪ .‬وأنكر بعضهم القصور التعدى‪.‬‬

‫وأما مدثا فقال أبو السعادات‪ :‬يروى بكسر الدال وفتحها على الفاعل والفعول‪ ،‬فمعن الكسر‪ :‬من‬
‫نصر جانبا وآواه وأجاره من خصمه‪ ،‬وحال بينه وبي أن يقتص منه‪ .‬وبالفتح‪ :‬هو المر البتدع نفسه‪،‬‬
‫ويكون معن اليواء فيه الرضى به والصب عليه‪ ،‬فإنه إذا رضى بالبدعة وأقر فاعلها ول ينكر عليه فقد‬
‫آواه‪.‬‬

‫قال ابن القيم رحه ال تعال‪ :‬هذه الكبية تتلف مراتبها باختلف مراتب الدث ف نفسه فكلما كان‬
‫الدث ف نفسه أكب كانت الكبية أعظم‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪79‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪ :‬ولعن ال من غي منار الرض بفتح اليم علمات حدودها‪ .‬قال أبو السعادات ف النهاية ف مادة‬
‫ت م ملعون من غ ي توم الرض أي معال ها وحدود ها‪ ،‬وحد ها ت م ق يل‪ :‬أراد حدود الرم خا صة‪:‬‬
‫وقيل هو عام ف جيع الرض‪ ،‬وأراد العال الت يهتدى با ف الطريق‪ .‬وقيل هو أن يدخل الرجل ف‬
‫ملك غيه فيقتطعه ظلما‪ .‬قال ويروى توم بفتح التاء على الفراد وجعه تم بضم التاء والاء‪ .‬ا هه‪.‬‬

‫وتغييها‪ :‬أن يقدمها أو يؤخرها‪ ،‬فيكون هذا من ظلم الرض الذي قال فيه النب صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫" من ظلم شبا من الرض طو قه يوم القيا مة من سبع أرض ي " فف يه جواز ل عن أ هل الظلم من غ ي‬
‫تعيي‪.‬‬

‫وأما لعن الفاسق العي ففيه قولن‪:‬‬


‫أحدها‪ :‬أنه جائز‪ .‬اختاره ابن الوزى وغيه‪.‬‬
‫ثانيهما‪ :‬ل يوز‪ ،‬اختاره‪ ،‬أبو بكر عبد العزيز وشيخ السلم‪.‬‬

‫قوله‪ "( :‬و عن طارق بن شهاب أن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم قال‪ :‬د خل ال نة ر جل ف‬
‫ذباب‪ .‬ودخل النار رجل ف ذباب‪ .‬قالوا كيف يا رسول ال ؟ قال‪ :‬مر رجلن على قوم لم صنم‪،‬‬
‫ل يوزه أ حد ح ت يقرب له شيئا‪ ،‬فقالوا لحده ا‪ :‬قرب‪ .‬قال‪ :‬ل يس عندي شئ أقرب‪ .‬قالوا له‪:‬‬
‫قرب ولو ذبابا‪ .‬فقرب ذبابا‪ .‬فخلوا سسبيله‪ ،‬فدخسل النار‪ ،‬وقالوا للخسر‪ :‬قرب‪ ،‬فقال‪ :‬مسا كنست‬
‫لقرب لحد شيئا دون ال عز وجل‪ .‬فضربوا عنقه‪ ،‬فدخل النة " رواه أحد) ‪.:‬‬

‫قال ابن القيم رحه ال‪ :‬قال المام أحد رحه ال حدثنا أبو معاوية حدثنا العمش عن سليمان بن‬
‫ميسرة عن طارق بن شهاب يرفعه قال‪ :‬دخل النة ف رجل ف ذباب الديث‪.‬‬

‫وطارق بن شهاب‪ :‬هو البجلى الحس‪ ،‬أبو عبد ال‪ .‬رأى النب صلى ال عليه وسلم وهو رجل‪.‬‬

‫قال البغوي‪ :‬نزل الكو فة‪ .‬وقال أ بو داود‪ :‬رأى ال نب صلى ال عل يه و سلم ول ي سمع م نه شيئا‪ .‬قال‬
‫الافظ‪ :‬إذا ثبت أنه لقى النب فهو صحاب‪ .‬وإذا ثبت أنه ل يسمع منه فروايته عنه مرسل صحاب وهو‬
‫مقبول على الراجح‪ ،‬وكانت وفاته على ما جزم به ابن حبان سنة ثلث وثاني‪.‬‬

‫قوله‪ :‬دخل النة رجل ف ذباب أي من أجله‪.‬‬

‫قوله‪ :‬قالوا‪ :‬وكيف ذلك يا رسول ال كأنم تقالوا ذلك‪ ،‬وتعجبوا منه‪ .‬فبي لم النب صلى ال عليه‬
‫وسلم ما صي هذا المر القي عندهم عظيما يستحق هذا عليه النة‪ ،‬ويستوجب الخر عليه النار‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪80‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪ :‬فقال‪ :‬مر رجلن على قوم لم صنم الصنم ما كان منحوتا على صورة ويطلق عليه الوثن كما‬
‫مر‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ل ياوزه أي ل ير به ول يتعداه أحد حت يقرب إليه شيئا وإن قل‪.‬‬

‫قوله‪ :‬قالوا له قرب ولو ذبابا فقرب ذبابا فخلوا سبيله‪ ،‬فدخل النار ف هذا بيان عظمة الشرك‪ ،‬ولو ف‬
‫شئ قليل‪ ،‬وأنه يوجب النار‪ .‬كما قال تعال‪ " :‬إنه من يشرك بال فقد حرم ال عليه النة ومأواه النار‬
‫وما للظالي من أنصار "‪.‬‬

‫وف هذا الديث‪ :‬التحذير من الوقوع ف الشرك‪ ،‬وأن النسان قد يقع فيه وهو ل يدرى أنه من الشرك‬
‫الذي يوجب النار‪.‬‬

‫وفيه أنه دخل النار بسبب ل يقصده ابتداء‪ ،‬وإنا فعله تلصا من شر أهل الصنم‪.‬‬

‫وفيه أن ذلك الرجل كان مسلما قبل ذلك‪ ،‬وإل فلو ل يكن مسلما ل يقل دخل النار ف ذباب‪.‬‬

‫وفيه أن عمل القلب هو القصود العظم حت عند عبدة الوثان‪ ،‬ذكره الصنف بعناه‪.‬‬

‫قوله‪ :‬وقالوا للخر‪ :‬قرب‪ .‬قال‪ :‬ما كنت لقرب شيئا دون ال عز وجل ‪.‬‬

‫قال ال صنف رح ه ال‪ :‬وف يه معر فة قدر الشرك ف قلوب الؤمن ي ك يف صب على الق تل ول يوافق هم‬
‫على طلبتهم مع كونم ل يطلبوا منه إل العمل الظاهر ‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪81‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫باب‬
‫ل يذبح مكان يذبح فيه لغي ال‬

‫قوله‪( :‬باب‪ :‬ل يذبح بكان يذبح فيه لغي ال تعال ) ‪:‬‬

‫ل نافية ويتمل أنا للنهى وهو أظهر‪ ،‬قوله‪ :‬وقول ال تعال ‪ " :‬ل تقم فيه أبدا " الية قال الفسرون‬
‫إن ال تعال نى رسوله عن الصلة ف مسجد الضرار‪ ،‬والمة تبع له ف ذلك‪ ،‬ث إنه تعال حثه على‬
‫الصلة ف مسجد قباء الذي أسس من أول يوم بن على التقوى‪،‬وهي طاعة ال ورسوله صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وجعا لكلمة الؤمني ومعقلً ومنلً للسلم وأهله‪ ،‬ولذا جاء ف الديث الصحيح أن رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم قال‪ " :‬صلة ف مسجد قباء كعمرة " وف الصحيح‪ :‬أن رسول ال صلى ال‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪82‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫عليه وسلم كان يزور قباء راكبا وماشيا وقد صرح أن السجد الذكور ف الية هو مسجد قباء جاعة‬
‫من السلف‪ ،‬منهم ابن عباس‪ ،‬وعروة‪ ،‬والشعب‪ ،‬والسن وغيهم‪.‬‬

‫قلت‪ :‬ويؤيده قوله ف ال ية " ف يه رجال يبون أن يتطهروا " ‪ .‬وق يل هو م سجد ر سول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم لديث أب سعيد قال‪ " :‬تارى رجلن ف السجد الذي أسس على التقوى من أول يوم‪،‬‬
‫فقال رجل‪ :‬هو مسجد قباء‪ .‬وقال الخر‪ :‬هو مسجد رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ :‬هو مسجدي هذا " رواه مسلم‪ ،‬وهو قول عمر وابنه وزيد ابن ثابت وغيهم‪.‬‬

‫قال ابن كثي‪ :‬وهذا صحيح‪ .‬ول منافاة بي الية والديث‪ .‬لنه إذا كان مسجد قباء قد أسس على‬
‫التقوى من أول يوم‪ ،‬فم سجد ر سول ال صلى ال عل يه و سلم بطر يق الول‪ ،‬وهذا بلف م سجد‬
‫الضرار الذي أسس على معصية ال كما قال تعال‪ " :‬والذين اتذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بي‬
‫ه إل السهن وال يشههد إنمه‬ ‫الؤمنيه وإرصهادا لنه حارب ال ورسهوله من ق بل وليحلفهن إن أردن ا‬
‫لكاذبون "‪ .‬فلهذه المور نى ال نبيه عن القيام فيه للصلة‪ .‬وكان الذي بنوه جاءوا إل النب صلى ال‬
‫عليه وسلم قبل خروجه إل غزوة تبوك فسألوه أن يصلي فيه‪ ،‬وأنم إنا بنوه للضعفاء وأهل العلقة ف‬
‫الليلة الشاتية‪ ،‬فقال‪ " :‬إنا على سفر‪ ،‬ولكن إذا رجعنا إن شاء ال " فلما قفل عليه السلم راجعا إل‬
‫الدينة‪ ،‬ول يبق بينه وبينها إل يوم أو بعضه نزل الوحي بب السجد‪ ،‬فبعث إليه فهدمه قبل قدومه إل‬
‫الدينة‪ .‬وجه مناسبة الية للترجة‪ :‬أن الواضع العدة للذبح لغي ال يب اجتناب الذبح فيها ل‪ ،‬كما‬
‫أن هذا السجد لا أعد لعصية ال صار مل غضب لجل ذلك‪ ،‬فل توز الصلة فيه ل‪ .‬وهذا قياس‬
‫صحيح يؤيده حديث ثابت الضحاك التى‪.‬‬

‫قوله‪ " :‬ف يه رجال يبون أن يتطهروا "‪ :‬روى المام أح د وا بن خزي ة وغيه ا عن عو ي بن ساعدة‬
‫النصاري " أن النب صلى ال عليه وسلم آتاهم ف مسجد قباء فقال‪ :‬إن ال قد أحسن عليكم الثناء‬
‫بالطهور ف ق صة م سجدكم‪ ،‬ف ما هذا الطهور الذي تطهرون به ؟ فقالوا‪ :‬وال يا ر سول ال ما نعلم‬
‫شيئا إل أ نه كان ل نا جيان من اليهود كانوا يغ سلون أدبار هم من الغائط‪ ،‬فغ سلنا ك ما غ سلوا " و ف‬
‫رواية عن جابر وأنس هو ذاك فعليكموه رواه ابن ماجه وابن أب حات والدارقطن والاكم‪.‬‬

‫قوله‪ " :‬وال يب الطهرين " قال أبو العالية‪ :‬إن الطهور بالاء لسن ولكنهم التطهرون من الذنوب‪.‬‬
‫وفيه إثبات صفة الحبة‪،‬خلفا للشاعرة ونوهم‪.‬‬

‫قوله‪( :‬و عن ثا بت بن الضحاك قال‪ " :‬نذر ر جل أن ينحر إبلً ببوا نة‪ ،‬ف سأل ال نب صلى ال عل يه‬
‫وسلم فقال‪ :‬هل كان فيها وثن من أوثان الاهلية يعبد ؟ قالوا‪ :‬ل‪ .‬قال‪ :‬فهل كان فيها عيد من‬
‫أعيادهسم‪ .‬قالوا‪ :‬ل‪ .‬فقال رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم‪ :‬أوف بنذرك‪ ،‬فإنسه ل وفاء لنذر فس‬
‫معصية ال ول فيما ل يلك ابن آدم " رواه أبو داود‪ ،‬وإسناده على شرطهما ) ‪:‬‬

‫قوله‪ :‬عن ثابت بن الضحاك أي ابن خليفة الشهلى‪ ،‬صحاب مشهور‪ ،‬روى عنه أبو قلبة وغيه‪ .‬مات‬
‫سنة أربع وستي‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪83‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪ :‬ببوانهة بضهم الباء وقيهل بفتحهها‪ .‬قال البغوي‪ :‬موضهع فه أسهفل مكهة دون يلملم‪ .‬قال أبهو‬
‫السعادات‪ :‬هضبة من وراء ينبع‪.‬‬

‫قوله‪ :‬فهل كان فيها وثن من أوثان الاهلية يعبد ؟ فيه النع من الوفاء بالنذر إذا كان ف الكان وثن‪،‬‬
‫ولو بعد زواله‪ .‬قال الصنف رحه ال‪.‬‬

‫قوله‪ :‬فهل كان فيها عيد من أعيادهم ؟ قال شيخ السلم رحه ال‪ :‬العيد اسم لا يعود من الجتماع‬
‫العام على و جه معتاد عائد‪ ،‬إ ما بعود ال سنة أو ال سبوع أو الش هر أو ن و ذلك والراد به ه نا الجاع‬
‫العتاد من اجتماع أ هل الاهل ية‪ .‬فالع يد يمع أمورا منها يوم عائد‪ ،‬كيوم الفطر ويوم المعة‪ ،‬ومن ها‬
‫اجتماع فيه‪ ،‬ومنها أعمال تتبع ذلك من العبادات والعادات‪ ،‬وقد يتص العيد بكان بعينه‪ ،‬وقد يكون‬
‫مطلقا‪ ،‬وكل من هذه المور قد يسمى عيدا‪ .‬فالزمان كقول النب صلى ال عليه وسلم ف يوم المعة‬
‫"إن هذا يوم قد جعله ال للم سلمي عيدا " والجتماع والعمال كقول ا بن عباس شهدت الع يد مع‬
‫ر سول ال صلى ال عل يه و سلم والكان كقول ال نب صلى ال عل يه و سلم " ل تتخذوا قبى عيدا "‬
‫وقد يكون لفظ العيد إسا لجموع اليوم والعمل فيه وهو الغالب‪ ،‬كقول النب صلى ال عليه وسلم‪" :‬‬
‫دعهما يا أبا بكر فإن لكل قوم عيدا " انتهى‪.‬‬

‫قال الصنف‪ :‬وفيه استفصال الفت والنع من الوفاء بالنذر بكان عيد الاهلية ولو بعد زواله ‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وفيه سد الذريعة وترك مشابة الشركي‪ ،‬والنع ما هو وسيلة إل ذلك‪.‬‬

‫قوله‪ :‬فأوف بنذرك هذا يدل على أن الذ بح ل ف الكان الذي يذ بح ف يه الشركون لغ ي ال‪ .‬أي ف‬
‫مله أعيادههم‪ ،‬معصهية‪ ،‬لن قوله فأوف بنذرك تعقيهب للوصهف بالكهم بالفاء‪ ،‬وذلك يدل على أن‬
‫الو صف سبب ال كم‪ .‬فيكون سبب ال مر بالوفاء خلوه من هذ ين الو صفي‪ .‬فل ما قالوا ل قال أوف‬
‫بنذرك وهذا يقت ضى أن كون البق عة مكانا لعيد هم‪ ،‬أو ب ا و ثن من أوثان م‪ :‬ما نع من الذ بح ب ا ولو‬
‫نذره‪ .‬قال شيخ السلم‪.‬‬

‫وقوله‪ :‬فإ نه ل وفاء لنذر ف مع صية ال دل يل على أن هذا نذر مع صية لو قد و جد ف الكان ب عض‬
‫الوا نع‪ .‬و ما كان من نذر الع صية فل يوز الوفاء به بإجاع العلماء‪ .‬واختلفوا هل ت ب ف يه كفارة‬
‫يي ؟ ها روايتان عن أحد‪.‬‬
‫أحدها‪ :‬يب وهو الذهب‪ .‬وروى عن ابن مسعود وابن عباس‪ .‬وبه قال أبو حنيفة وأصحابه‪ ،‬لديث‬
‫عائ شة ر ضي ال عن ها مرفوعا‪ " :‬ل نذر ف مع صية‪ ،‬وكفار ته كفارة ي ي " رواه أح د وأ هل ال سنن‬
‫واحتج به أحد واسحق‪.‬‬
‫ثانيه ما‪ :‬ل كفارة عل يه‪ .‬وروى ذلك عن م سروق والش عب والشاف عي‪ ،‬لد يث الباب‪ .‬ول يذ كر ف يه‬
‫كفارة‪ .‬وجوابه‪ :‬أنه ذكر الكفارة ف الديث التقدم‪ .‬والطلق يمل على القيد‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪84‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪ :‬ول في ما ل يلك ا بن آدم قال ف شرح ال صابيح‪ :‬يع ن إذا أضاف النذر إل مع ي ل يل كه بأن‬
‫قال‪ :‬إن ش فى ال مري ضي فلله على أن أع تق ع بد فلن ون و ذلك‪ .‬فأ ما إذا التزم ف الذ مة شيئا‪ ،‬بأن‬
‫قال إن شفى ال مريضي فلله على أن أعتق رقبة‪ ،‬وهو ف تلك الال ل يلكها ول قيمتها‪ ،‬فإذا شفى‬
‫مريضه ثبت ذلك ف ذمته‪.‬‬

‫قوله‪ :‬رواه أبو داود وإسناده على شرطهما أي البخاري ومسلم‪.‬‬

‫وأبو داود‪ :‬اسه سليمان ابن الشعث بن اسحق بن بشي بن شداد الزدى السجستان صاحب المام‬
‫أح د‪ ،‬وم صنف ال سنن والرا سيل وغي ها‪ ،‬ث قة إمام حا فظ من كبار العلماء مات سنة خ س و سبعي‬
‫ومائتي‪ .‬رحه ال تعال‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪85‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫باب‬
‫من الشرك النذر لغي ال‬

‫قوله‪ ( :‬باب من الشرك النذر لغي ال تعال ) ‪:‬‬

‫أي لكونه عبادة يب الوفاء به إذا نذره ل‪ .‬فيكون النذر لغي ال تعال شركا ف العبادة‪.‬‬

‫(وقوله تعال‪ " :‬يوفون بالنذر ويافون يوما كان شره مستطيا ") ‪:‬‬

‫فالية دلت على وجوب الوفاء بالنذر ومدح من فعل ذلك طاعة ل ووفاء با تقرب به إليه‪.‬‬

‫(وقوله تعال‪ " :‬وما أنفقتم من نفقة أو نذرت من نذر فإن ال يعلمه ")‪:‬‬

‫قال ابهن كثيه‪ :‬يبه تعال أنهه عال بميهع مها يعله العاملون مهن اليات‪ ،‬مهن النفقات والنذورات‪،‬‬
‫وتضمن ذلك مازاته على ذلك أوفر الزاء للعاملي إبتغاء وجهه‪ .‬ا هه‪.‬‬

‫إذا علمت ذلك‪ :‬فهذه النذور الواقعة من عباد القبور‪ ،‬تقربا با إليهم ليقضوا لم حوائجهم وليشفعوا‬
‫ل م‪ ،‬كل ذلك شرك ف العبادة بل ر يب‪ .‬ك ما قال تعال‪ " :‬وجعلوا ل م ا ذرأ من الرث والنعام‬
‫ن صيبا فقالوا هذا ل بزعم هم وهذا لشركائ نا ف ما كان لشركائ هم فل ي صل إل ال و ما كان ل ف هو‬
‫يصل إل شركائهم ساء ما يكمون "‪.‬‬

‫قال شيخ السلم رحه ال‪ :‬وأما ما نذر لغي ال كالنذر للصنام والشمس والقمر والقبور ونو ذلك‪،‬‬
‫فههو بنلة أن يلف بغيه ال مهن الخلوقات‪ .‬والالف بالخلوقات ل وفاء عليهه ول كفارة‪ ،‬وكذلك‬
‫الناذر للمخلوقات‪ .‬فإن كلها شرك‪ .‬والشرك ليس له حرمة‪ ،‬بل عليه أن يستغفر ال من هذا ويقول‬
‫ما قال النب صلى ال عليه وسلم‪ " :‬من حلف وقال ف حلفه‪ :‬واللت والعزى فليقل ل إله إل ال "‪.‬‬

‫وقال فيمن نذر سعة أو نوها دهنا لتنور به ويقول‪ :‬إنا تقبل النذر كما يقوله بعض الضالي ‪ :‬وهذا‬
‫النذر مع صية باتفاق ال سلمي ل يوز الوفاء به وكذلك إذا نذر ما ًل لل سدنة أو الجاور ين العاكف ي‬
‫بتلك البق عة‪ .‬فإن في هم شبها من ال سدنة ال ت كا نت ع ند اللت والعزى ومناة‪ ،‬يأكلون أموال الناس‬
‫بالباطل ويصدون عن سبيل ال‪ .‬والجاورون هناك فيهم شبه من الذين قال فيهم الليل عليه السلم‪" :‬‬
‫ما هذه التماث يل ال ت أن تم ل ا عاكفون " والذ ين اجتاز ب م مو سى عل يه ال سلم وقو مه‪ ،‬قال تعال‪" :‬‬
‫وجاوزنها ببنه إسهرائيل البحهر فأتوا على قوم يعكفون على أصهنام لمه " فالنذر لولئك السهدنة‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪86‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫والجاور ين ف هذه البقاع نذر مع صية‪ .‬وف يه ش به من النذر ل سدنة ال صلبان والجاور ين عند ها‪ ،‬أو‬
‫لسدنة البداد ف الند والجاورين عندها‪.‬‬

‫وقال الرافعى ف شرح النهاج‪ :‬وأما النذر للمشاهد الت على قب ول أو شيخ أو على إسم من حلها‬
‫من الولياء‪ ،‬أو تردد ف تلك البقعة من الولياء والصالي فإن قصد الناذر بذلك وهو الغالب أو الواقع‬
‫من قصود العامة تعظيم البقعة والشهد‪ ،‬أو الزاوية‪ ،‬أو تعظيم من دفن با أو نسبت إليه‪ ،‬أو بنيت على‬
‫اسه فهذا النذر باطل غي منعقد‪ ،‬فإن معتقدهم أن لذه الماكن خصوصيات‪ ،‬ويرون أنا ما يدفع با‬
‫البلء ويستجلب با النعماء‪ ،‬ويستشفى بالنذر لا من الدواء حت إنم ينذرون لبعض الحجار لا قيل‬
‫لم‪ :‬إ نه ا ستند إلي ها عبد صال وينذرون لبعض القبور السرج والشموع والزيت‪ ،‬ويقولون إنا تق بل‬
‫النذر كما يقوله البعض يعنون بذلك أنه يصل به الغرض الأمول من شفاء مريض‪ ،‬أو قدوم غائب أو‬
‫سلمة مال‪ ،‬وغ ي ذلك من أنواع الجازاة‪ ،‬فهذا النذر على الو جه با طل ل شك ف يه‪ ،‬بل نذر الز يت‬
‫والشمع ونوها للقبور باطل مطلقا‪ .‬ومن ذلك نذر الشموع الكثية العظيمة وغيها لقب الليل عليه‬
‫السهلم ولقهب غيه مهن النهبياء والولياء‪ ،‬فإن الناذر ل يقصهد بذلك اليقاد على القهب إل تهبكا‬
‫وتعظيما‪ ،‬ظانا أن ذلك قربة‪ ،‬فهذا ما ل ريب ف بطلنه‪ ،‬واليقاد الذكور مرم‪ ،‬سواء انتفع به هناك‬
‫منتفع أم ل‪.‬‬

‫قال الشيخ قاسم النفى ف شرح درر البحار‪ :‬النذر الذي ينذره أكثر العوام على ما هو مشاهد‪ ،‬كأن‬
‫يكون للنسان غائب أو مريض أو له حاجة‪ ،‬فيأت إل بعض الصلحاء ويعل على رأسه ستره‪ ،‬ويقول‪:‬‬
‫يا سيدي فلن إن رد ال غائ ب أو عو ف مري ضي‪ ،‬أو قض يت حاج ت فلك من الذ هب كذا‪ ،‬أو من‬
‫الف ضة كذا‪ ،‬أو من الطعام كذا‪ ،‬أو من الاء كذا‪ ،‬أو من الش مع والز يت‪ .‬فهذا النذر با طل بالجاع‬
‫لوجوه‪ ،‬منها‪ :‬أنه نذر لخلوق‪ ،‬والنذر للمخلوق ل يوز‪ ،‬لنه عبادة والعبادة ل تكون لخلوق‪ ،‬ومنها‬
‫أن النذور له ميت‪ ،‬واليت ل يلك‪ ،‬ومنها أنه ظن أن اليت يتصرف ف المور دون ال‪ ،‬واعتقاد ذلك‬
‫ك فر إل أن قال‪ :‬إذا عل مت هذا ف ما يؤ خذ من الدرا هم والش مع والز يت وغي ها وين قل إل ضرائح‬
‫الولياء تقربا إليها فحرام بإجاع السلمي‪.‬‬

‫نقله عنه ابن نيم ف البحر الرائق‪ ،‬ونقله الرشدى ف تذكرته وغيها عنه وزاد‪ :‬قد ابتلى الناس بذا ل‬
‫سيما ف مولد البدوى‪.‬‬

‫وقال الشيخ صنع ال اللب النفي ف الرد على من أجاز الذبح والنذر للولياء‪ :‬فهذا الذبح والنذر إن‬
‫كان على اسم فلن فهو لغي ال‪ ،‬فيكون باطلً‪ .‬وف التنيل ‪ " :‬ول تأكلوا ما ل يذكر اسم ال عليه "‬
‫‪ " :‬قل إن صلت ون سكي ومياي وما ت ل رب العال ي * ل شر يك له " والنذر لغ ي ال إشراك مع‬
‫ال‪ ،‬كالذبح لغيه‪.‬‬

‫قوله‪ :‬عن عائ شة هي أم الؤمن ي‪ ،‬زوج ال نب صلى ال عل يه و سلم‪ ،‬واب نة ال صديق ر ضي ال عنه ما‬
‫تزوجها النب صلى ال عليه وسلم وهي ابنة سبع سني‪ ،‬ودخل با ابنة تسع وهي أفقه النساء مطلقا‪،‬‬
‫وهي أفضل أزواج النب صلى ال عليه وسلم إل خدية ففيها خلف‪ .‬ماتت سنة سبع وخسي على‬
‫الصحيح رضي ال عنها‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪87‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪ :‬من نذر أن يطيع ال فليطعه أي فليفعل ما نذره من طاعة ال وقد أجع العلماء على أن من نذر‬
‫طاعة لشرط يرجوه‪ ،‬كإن شفى ال مريضى فعلى أن أتصدق بكذا ونو ذلك وجب عليه‪ ،‬إن حصل‬
‫له ما علق نذره على ح صوله‪ .‬وح كى عن أ ب حني فة‪ :‬أ نه ل يلزم الوفاء إل ب ا جن سه وا جب بأ صل‬
‫الشرع كالصوم وأما ما ليس كذلك كالعتكاف فل يب عليه الوفاء به‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ومن نذر أن يعصى ال فل يعصه زاد الطحاوى‪ :‬وليكفر عن يينه وقد أجع العلماء على أنه ل‬
‫يوز الوفاء بنذر العصية‪.‬‬

‫قال الا فظ‪ :‬اتفقوا على تر ي النذر ف الع صية‪ ،‬وتنازعوا‪ :‬هل ينع قد موجبا للكفارة أم ل ؟ وتقدم‪.‬‬
‫وقد يستدل بالديث على صحة النذر ف الباح‪ ،‬كما هو مذهب أحد وغيه‪ ،‬يؤيده ما رواه أبو داود‬
‫عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده‪ ،‬وأحد والترمذي عن بريدة‪ :‬أن امرأة قالت‪" :‬يا رسول ال إن‬
‫نذرت أن أضرب على رأ سك بالدف‪ ،‬فقال أو ف بنذرك" وأ ما نذر اللجاج والغ ضب ف هو ي ي ع ند‬
‫أح د‪ ،‬فيخ ي ب ي فعله وكفارة ي ي‪ ،‬لد يث عمران بن ح صي مرفوعا " ل نذر ف غ ضب‪،‬وكفار ته‬
‫كفارة ي ي " رواه سعيد بن من صور وأح د والن سائي‪ ،‬فإن نذر مكروها كالطلق ا ستحب أن يك فر‬
‫ول يفعله‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪88‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫باب‬
‫من الشرك الستعاذة بغي ال‬

‫قوله‪( :‬باب‪ :‬من الشرك الستعاذة بغي ال) ‪:‬‬

‫الستعاذة اللتجاء والعتصام‪ ،‬ولذا يسمى الستعاذ به‪ :‬معاذا وملجأ فالعائذ بال قد هرب ما يؤذيه أو‬
‫يهل كه‪ ،‬إل ر به ومال كه‪ ،‬واعت صم وا ستجار به والت جأ إل يه‪ ،‬وهذا تث يل‪ ،‬وإل ف ما يقوم بالقلب من‬
‫اللتجاء إل ال‪ ،‬والعت صام به‪ ،‬والنطراح ب ي يدى الرب‪ ،‬والفتقار‪ ،‬والتذل يل له‪ ،‬أ مر ل ت يط به‬
‫العبارة‪ .‬قاله ابن القيم رحه ال‪.‬‬

‫وقال ا بن كث ي‪ :‬ال ستعاذة هي اللتجاء إل ال واللت صاق بنا به من شر كل ذى شر‪ .‬والعياذ يكون‬
‫لدفع الشر‪ .‬واللياذ لطلب الي‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وهي من العبادات الت أمر ال تعال با عباده‪ ،‬كما قال تعال‪ " :‬وإما ينغنك من الشيطان نزغ‬
‫فاستعذ بال إنه هو السميع العليم " وأمثال ذلك ف القرآن كثي كقوله‪ " :‬قل أعوذ برب الفلق " و "‬
‫قل أعوذ برب الناس " ف ما كان عبادة ل فصرفه لغي ال شرك ف العبادة‪ ،‬فمن صرف شيئا من هذه‬
‫العبادات لغ ي ال جعله شريكا ل ف عباد ته ونازع الرب ف إلي ته ك ما أن من صلى ل صلى لغيه‬
‫يكون عابدا لغي ال‪ ،‬ول فرق‪ ،‬كما سيأت تقريره قريبا إن شاء ال تعال‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وقول ال تعال‪ " :‬وأنه كان رجال من النس يعوذون برجال من الن فزادوهم رهقا ") ‪:‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪89‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫ل على ال نس لن م كانوا يعوذون ب نا‪ ،‬أي إذا نزلوا واديا أو‬


‫قال ا بن كث ي‪ :‬أي ك نا نرى أن ل نا فض ً‬
‫مكانا موحشا من الباري وغيها كما كانت عادة العرب ف جاهليتها يعوذون بعظيم ذلك الكان من‬
‫الان أن ي صيبهم ب شئ ي سوءهم‪ ،‬ك ما كان أحد هم يد خل بلد أعدائه ف جوار ر جل كبي وذما مه‬
‫وخفار ته‪ ،‬فل ما رأت ال ن أن ال نس يعوذون ب م من خوف هم من هم زادو هم رهقا‪ ،‬أي خوفا وإرهابا‬
‫وذعرا‪ ،‬حت يبقوا أشد منهم مافة وأكثر تعوذا بم إل أن قال قال أبو العالية والربيع وزيد بن أسلم‬
‫رهقا أي خوفا‪ .‬وقال العوف عن ابن عباس فزادوهم رهقا أي إثا‪ ،‬وكذا قال قتادة‪ .‬ا هه‪.‬‬

‫وذاك أن الرجل من العرب كان إذا أمسى بواد قفر وخاف على نفسه قال‪ :‬أعوذ بسيد هذا الوادي من‬
‫سفهاء قومه‪ ،‬يريد كبي الن‪ ،‬وقد أجع العلماء على أنه ل يوز الستعاذة بغي ال‪.‬‬

‫وقال مل على قاري الن في‪ :‬ل يوز ال ستعاذة بال ن‪ .‬ف قد ذم ال الكافر ين على ذلك وذ كر ال ية‬
‫وقال‪ :‬قال تعال ‪ " :‬ويوم يشر هم جي عا يا مع شر ال ن قد ا ستكثرت من ال نس وقال أولياؤ هم من‬
‫النس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إل ما شاء‬
‫ال إن ربك حكيم عليم " فاستمتاع النسى بالن ف قضاء حوائجه وامتثال أوامره وإخباره بشئ من‬
‫الغيبات‪ ،‬واستمتاع الن بالنسى تعظيمه إياه‪ ،‬وإستعاذته به وخضوعه له‪ .‬انتهى ملخصا‪.‬‬

‫قال الصنف‪ :‬وفيه أن كون الشئ يصل به منفعة دنيوية ل يدل على أنه ليس من الشرك ‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وعن خولة بنت حكيم قالت‪ :‬سعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪ " :‬من نزل من ًل‬
‫فقال‪ :‬أعوذ بكلمات ال التامات من شر ما خلق‪ ،‬ل يضره شئ حت يرتل من منله ذلك " رواه‬
‫مسلم ) ‪:‬‬

‫هي خولة بنت حكيم بن أمية السلمية‪ ،‬يقال لا أم شريك‪ ،‬ويقال إنا هي الواهبة وكانت قبل تت‬
‫عثمان بن مظعون‪.‬‬

‫قال ابن عبد الب‪ :‬وكانت صالة فاضلة‪.‬‬

‫قوله‪ :‬أعوذ بكلمات ال التامات شرع ال لهل السلم أن يستعيذوا به بدلً عما يفعله أهل الاهلية‬
‫من الستعاذة بالن‪ ،‬فشرع ال للمسلمي أن يستعيذوا بأسائه وصفاته‪.‬‬

‫قال القر طب ‪ :‬ق يل‪ :‬معناه الكاملت ال ت ل يلحق ها ن قص ول ع يب‪ ،‬ك ما يل حق كلم الب شر‪ .‬وق يل‬
‫معناه‪ :‬معناه الشافية الكاف ية‪ .‬وقيل الكلمات هنا هي القرآن‪ .‬فإن ال أخب عنه بأنه‪ :‬و ‪ :‬و ‪ " :‬هدى‬
‫وشفاء " وهذا ال مر على ج هة الرشاد إل ما يد فع به الذى‪ .‬ول ا كان ذلك ا ستعاذة ب صفات ال‬
‫تعال كان من باب الندوب إل يه الر غب ف يه‪ ،‬وعلى هذا ف حق السهتعيذ بال أو بأ سائه وصهفاته أن‬
‫ي صدق ال ف إلتجائه إل يه‪ ،‬ويتو كل ف ذلك عل يه‪ ،‬وي ضر ذلك ف قل به‪ ،‬فم ت ف عل ذلك و صل إل‬
‫منتهى طلبه ومغفرة ذنبه‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪90‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قال شيخ السلم رحه ال‪ :‬وقد نص الئمة كأحد وغيه على أنه ل يوز الستعاذة بخلوق‪ .‬وهذا‬
‫ما استدلوا به على أن كلم ال غي ملوق‪ .‬قالوا‪ :‬لنه ثبت عن النب صلى ال عليه وسلم أنه استعاذ‬
‫بكلمات ال وأمر بذلك‪ ،‬ولذا نى العلماء عن التعازي والتعاويذ الت ل يعرف معناها خشية أن يكون‬
‫فيها شرك‪.‬‬

‫وقال ابن القيم‪ :‬ومن ذبح للشيطان ودعاه‪ ،‬وا ستعاذ به وتقرب إليه با يب فقد عبده‪ ،‬وإن ل يسم‬
‫ذلك عبادة ويسهميه اسهتخداما‪ ،‬وصهدق‪ ،‬ههو اسهتخدام مهن الشيطان له‪ ،‬فيصهي مهن خدم الشيطان‬
‫وعابديه‪ ،‬وبذلك يدمه الشيطان‪ ،‬لكن خدمة الشيطان له ليست خدمة عباده‪ ،‬فإن الشيطان ل يضع‬
‫له ول يعبده كما يفعل هو به ا هه‪.‬‬

‫قوله‪ " :‬من شر ما خلق " قال ا بن الق يم رح ه ال‪ :‬أي من كل شر ف أي ملوق قام بن ال شر من‬
‫حيوان أو غيه‪ ،‬إن سيا أو جنيا‪ ،‬أو ها مة أو دا بة‪ ،‬أو ريا أو صاعقة‪ ،‬أو أي نوع من أنواع البلء ف‬
‫الدنيا والخرة‪.‬‬
‫وما ههنا موصولة وليس الراد با العموم الطلقي‪ ،‬بل الراد التقييدي الوصفي‪ ،‬والعن‪ :‬من كل شر‬
‫كل ملوق فيه شر‪،‬ل من شر كل ما خلقه ال‪ ،‬فإن النة واللئكة والنبياء ليس فيهم شر‪ ،‬والشر‬
‫يقال على شيئي‪ :‬على الل‪ ،‬وعلى ما يفضى إليه‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ل يضره شئ حت يرتل من منله ذلك قال القرطب‪ :‬هذا خب صحيح وقول صادق علمنا صدقه‬
‫دليلً وتر بة‪ ،‬فإ ن م نذ سعت هذا ال ب عملت عل يه فلم يضر ن شئ إل أن ترك ته‪ ،‬فلدغت ن عقرب‬
‫بالهدية ليلً‪ ،‬فتفكرت ف نفسي فإذا ب قد نسيت أن أتعوذ بتلك الكلمات‪.‬‬

‫باب‬
‫من الشرك الستعانة بغي ال ودعاء غي ال‬

‫قوله‪( :‬باب من الشرك أن يستغيث بغي ال أو يدعو غيه) ‪:‬‬

‫قال ش يخ ال سلم رح ه ال‪ :‬ال ستغاثة والدعاء أن ال ستغاثة ل تكون إل من الكروب‪ ،‬والدعاء أ عم‬
‫من ال ستغاثة‪ ،‬ل نه يكون من الكروب وغيه‪ .‬فع طف الدعاء على ال ستغاثة من ع طف العام على‬
‫الاص‪ .‬فبينه ما عموم وخ صوص مطلق‪ ،‬يتمعان ف مادة وينفرد الدعاء عن ها ف مادة‪ ،‬ف كل ا ستغاثة‬
‫دعاء‪ ،‬وليس كل دعاء استغاثة‪.‬‬

‫وقوله‪ :‬أو يدعو غيه‪ :‬اعلم أن الدعاء نوعان‪ :‬دعاء عبادة‪ ،‬ودعاء مسألة‪ ،‬ويراد به ف القرآن هذا تارة‪،‬‬
‫وهذا تارة‪ ،‬ويراد به مموعهما فدعاء السألة هو طلب ما ينفع الداعي من جلب نفع أو كشف ضر‪،‬‬
‫ولذا أنكر ال على من يدعو أحدا من دو نه من ل يلك ضرا ول نفعا‪ ،‬كقوله تعال‪ " :‬قل أتعبدون‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪91‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫من دون ال ما ل يلك لكم ضرا ول نفعا وال هو السميع العليم " وقوله‪ " :‬قل أندعوا من دون ال‬
‫ما ل ينفعنا ول يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا ال كالذي استهوته الشياطي ف الرض حيان‬
‫له أصحاب يدعونه إل الدى ائتنا قل إن هدى ال هو الدى وأمرنا لنسلم لرب العالي " وقال‪ " :‬ول‬
‫تدع من دون ال ما ل ينفعك ول يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالي "‪.‬‬

‫قال شيخ السلم رحه ال‪ :‬فكل دعاء عبادة مستلزم لدعاء السألة‪ ،‬وكل دعاء مسألة متضمن لدعاء‬
‫العبادة‪ ،‬قال ال تعال‪ " :‬ادعوا ربكم تضرعا وخفية إ نه ل يب العتد ين " وقال تعال‪ " :‬قل أرأيتكم‬
‫إن أتاكم عذاب ال أو أتتكم الساعة أغي ال تدعون إن كنتم صادقي * بل إياه تدعون فيكشف ما‬
‫تدعون إل يه إن شاء وتن سون ما تشركون " وقال تعال‪ " :‬له دعوة ال ق والذ ين يدعون من دو نه ل‬
‫يستجيبون لم بشيء إل كباسط كفيه إل الاء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إل ف ضلل‬
‫" وأمثال هذا ف القرآن ف دعاء ال سألة أك ثر من أن ي صر‪ ،‬و هو يتض من دعاء العبادة‪ ،‬لن ال سائل‬
‫أخلص سؤاله ل‪ ،‬وذلك من أف ضل العبادات‪ ،‬وكذلك الذا كر ل والتال لكتا به ونوه‪ ،‬طالب من ال‬
‫ف العن‪ ،‬فيكون داعيا عابدا‪.‬‬

‫ف تبي بذا من قول ش يخ ال سلم أن دعاء العبادة م ستلزم لدعاء ال سألة ك ما أن دعاء ال سألة متض من‬
‫لدعاء العبادة‪ ،‬وقد قال ال تعال عن خليله‪ " ، ، :‬وأعتزلكم وما تدعون من دون ال وأدعو رب عسى‬
‫أن ل أكون بدعاء رب شقيا * فلما اعتزلم وما يعبدون من دون ال وهبنا له إسحاق ويعقوب وكل‬
‫جعلنا نبيا " فصار الدعاء من أنواع العبادة‪ ،‬فإن قوله‪ " :‬وأدعو رب عسى أن ل أكون بدعاء رب شقيا‬
‫" كقول زكريا‪ " :‬إن وهن العظم من واشتعل الرأس شيبا ول أكن بدعائك رب شقيا "‪ .‬وقد أمر ال‬
‫تعال به ف مواضع من كتابه كقوله‪ " ، :‬ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه ل يب العتدين * ول تفسدوا‬
‫ف الرض بعد إصلحها وادعوه خوفا وطمعا إن رحة ال قريب من الحسني " وهذا هو دعاء السألة‬
‫التضمن للعبادة‪ ،‬فإن الداعي يرغب إل الدعو ويضع له ويتذلل‪.‬‬

‫وضابط هذا‪ :‬أن كل أمر شرعه ال لعباده وأمرهم به ففعله ل عبادة‪ ،‬فإذا صرف من تلك العبادة شيئا‬
‫لغي ال فهو مشرك مصادم لا بعث به رسوله من قوله‪ " :‬قل ال أعبد ملصا له دين " وسيأت لذا‬
‫مزيد بيان إن شاء ال تعال‪.‬‬

‫قال ش يخ ال سلم رح ه ال ف الر سالة ال سنية‪ :‬فإذا كان على ع هد ال نب صلى ال عل يه و سلم م ن‬
‫انتسب إل ال سلم من مرق م نه مع عباد ته العظيمة‪ ،‬فليعلم أن النت سب إل ال سلم وال سنة ف هذه‬
‫الزمان قد يرق أيضا من ال سلم ل سباب من ها‪ :‬الغلو ف ب عض الشا يخ‪ ،‬بل الغلو ف علي بن أ ب‬
‫طالب‪ ،‬بل الغلو ف السيح‪ ،‬فكل من غل ف نب أو رجل صال‪ ،‬وجعل فيه نوعا من اللية مثل أن‬
‫يقول‪ :‬يا سيدي فلن ان صرن أو أغث ن‪ ،‬أو ارزق ن‪ ،‬أو أ نا ف ح سبك‪ ،‬ون و هذه القوال‪ .‬ف كل هذا‬
‫شرك وضلل ي ستتاب صاحبه‪ ،‬فإن تاب وإل ق تل‪ .‬فإن ال سبحانه وتعال إن ا أر سل الر سل‪ ،‬وأنزل‬
‫الك تب‪ ،‬ليع بد وحده ل شر يك له‪ ،‬ول يد عى م عه إله آ خر‪ .‬والذي يدعون مع ال آل ة آخرى م ثل‬
‫ال سيح واللئ كة وال صنام‪ ،‬ل يكونوا يعتقدون أن ا تلق اللئق أو تنل ال طر أو تن بت النبات‪ ،‬وإن ا‬
‫كانوا يعبدون م‪ ،‬أو يعبدون قبور هم‪ ،‬أو يعبدون صورهم‪ ،‬يقولون‪ " :‬ما نعبد هم إل ليقربو نا إل ال‬
‫زلفى " ‪ " :‬ويقولون هؤلء شفعاؤنا عند ال " فبعث ال سبحانه رسله تنهى عن أن يدعى أحد من‬
‫دونه‪ ،‬ل دعاء عبادة ول دعاء استغاثة‪ .‬ا هه‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪92‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وقال أيضا‪ :‬من جعل بينه وبي ال وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألم كفر إجاعا‪.‬‬

‫نقله عنه صاحب الفروع وصاحب النصاف وصاحب القناع وغيهم‪ .‬وذكره شيخ السلم ونقلته‬
‫عنه ف الرد على ابن جرجيس ف مسألة الوسائط‪.‬‬

‫وقال ا بن الق يم رح ه ال‪ :‬و من أنوا عه يعن الشرك طلب الوائج من الوتى‪ ،‬وال ستغاثة ب م والتو جه‬
‫إلي هم‪ .‬وهذا أ صل شرك العال‪ .‬فإن ال يت قد انق طع عمله‪ ،‬و هو ل يلك لنف سه نفعا ول ضرا‪ ،‬فض ً‬
‫ل‬
‫عمن استغاث به أو سأله أن يشفع له إل ال‪ ،‬وهذا من جهله بالشافع والشفوع عنده‪ ،‬وسيأت تتمة‬
‫كلمه ف باب الشفاعة إن شاء ال تعال‪.‬‬

‫وقال الا فظ م مد بن ع بد الادي رح ه ال ف رده على ال سبكى ف قوله‪ :‬إن البال غة ف تعظي مه أي‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم واجبة ‪ .‬إن أريد به البالغة بسب ما يراه كل أحد تعظميا‪ ،‬حت الج‬
‫إل قبه والسجود له‪ ،‬والطواف به‪ ،‬واعتقاد أنه يعلم الغيب‪ ،‬وأنه يعطى وينع لن استغاث به من دون‬
‫ال الضهر والنفهع‪ ،‬وأنهه يقضهى حوائج السهائلي ويفرج كربات الكروبيه‪ ،‬وأنهه يشفهع فيمهن يشاء‪،‬‬
‫ويدخل النة من يشاء فدعوى البالغة ف هذا التعظيم مبالغة ف الشرك‪ ،‬وانسلخ من جلة الدين‪.‬‬

‫وف الفتاوى البزازية من كتب النفية ‪ :‬قال علماؤنا‪ :‬من قال أرواح الشائخ حاضرة تعلم‪ :‬يكفر‪.‬‬

‫وقال الشيخ صنع ال النفي رحه ال ف كتابه الرد على من ادعى أن للولياء تصرفات ف الياة وبعد‬
‫ه بيه السهلمي جاعات يدعون أن للولياء‬ ‫المات على سهبيل الكرامهة‪ :‬هذا وأنهه قهد ظههر الن فيم ا‬
‫ت صرفات بيات م وبعد مات م‪ ،‬وي ستغاث ب م ف الشدائد والبليات وبمم هم تكشف الهمات‪ ،‬فيأتون‬
‫قبورههم وينادونمه فه قضاء الاجات‪ ،‬مسهتدلي أن ذلك منههم كرامات وقالوا‪ :‬منههم أبدان ونقباء‪،‬‬
‫وأوتاد ونباء و سبعون و سبعة‪ ،‬وأربعون وأرب عة‪ ،‬والق طب هو الغوث للناس‪ ،‬وعل يه الدار بل التباس‪،‬‬
‫وجوزوا لم الذبائح والنذور‪ ،‬وأثبتوا فيهما الجور‪ ،‬قال‪ :‬وهذا كلم فيه تفريط وإفراد‪ ،‬بل فيه اللك‬
‫البدى والعذاب السرمدى‪،‬لا فيه من روائح الشرك الحقق‪ ،‬ومصادمة الكتاب العزيز الصدق‪ ،‬ومالفة‬
‫لعقائد الئمة وما اجتمعت عليه المة‪ .‬وف التنيل‪ " :‬ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبي له الدى‬
‫ويتبع غي سبيل الؤمني نوله ما تول ونصله جهنم وساءت مصيا "‪.‬‬

‫ث قال‪ :‬فأما قولم‪ :‬إن للولياء تصرفات ف حياتم وبعد المات‪ ،‬فيده قوله تعال‪ " :‬أإله مع ال " ‪" ،‬‬
‫أل له اللق والمر "‪ " ،‬ل ملك السموات والرض " ونوها من اليات الدالة على أنه النفرد باللق‬
‫والتدب ي والت صرف والتقد ير‪ ،‬ول شئ لغيه ف شئ ما بو جه من الوجوه فال كل ت ت مل كه وقهره‬
‫تصرفا وملكا‪ ،‬وإماتة وخلقا‪ .‬وتدح الرب تبار وتعال بانفراده بلكه ف آيات من كتابه كقوله‪ " :‬هل‬
‫من خالق غ ي ال ؟ " ‪ " :‬والذ ين تدعون من دو نه ما يلكون من قطم ي * إن تدعو هم ل ي سمعوا‬
‫دعاء كم ولو سعوا ما ا ستجابوا ل كم ويوم القيا مة يكفرون بشرك كم ول ينبئك م ثل خبي " وذ كر‬
‫آيات ف هذا العن‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪93‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫ث قوله‪ :‬فقوله ف اليات كل ها من دو نه أي من غيه‪ .‬فإ نه هام يد خل ف يه من اعتقد ته‪ ،‬و من ول‬
‫وشيطان تسهتمده‪ ،‬فإن مهن ل يقدر على نصهر نفسهه كيهف يده غيه ؟ إل أن قال‪ :‬إن هذا لقول‬
‫وخيهم‪،‬وشرك عظيهم‪ ،‬إل أن قال‪ :‬وأمها القول بالتصهرف بعهد المات فههو أشنهع وأبدع مهن القول‬
‫بالتصرف ف الياة‪ .‬قال جل ذكره‪ " :‬إنك ميت وإنم ميتون " ‪ " :‬ال يتوف النفس حي موتا والت‬
‫ل تت ف منامها فيمسك الت قضى عليها الوت ويرسل الخرى إل أجل مسمى " ‪ :‬و ‪ :‬و ‪ " :‬كل‬
‫نفس ذائقة الوت " ‪ " :‬كل نفس با كسبت رهينة " وف الديث‪ " :‬إذا مات ابن آدم انقطع عمله إل‬
‫مهن ثلث " الديهث فجميهع ذلك ومها ههو نوه دال على انقطاع السه والركهة مهن اليهت‪ ،‬وأن‬
‫أرواحهم مسكة وأن أعمالم منقطعة عن زيادة ونقصان‪ ،‬فدل ذلك على أنه ليس للميت تصرف ف‬
‫ل عن غيه‪ .‬فإذا ع جز عن حر كة نف سه‪ .‬فك يف يت صرف ف غيه ؟ فلله سبحانه ي ب أن‬ ‫ذا ته فض ً‬
‫الرواح عنده‪،‬وهؤلء اللحدون يقولون‪ :‬إن الرواح مطلقة متصرفة ‪ " :‬قل أأنتم أعلم أم ال ؟ "‪.‬‬

‫قال‪ :‬وأما اعتقادهم أن هذه التصرفات لم من الكرامات‪ ،‬فهو من الغالطة‪ ،‬لن الكرامة شئ من عند‬
‫ال يكرم به أولياءه‪ ،‬ل ق صد ل م ف يه ول تدى‪ ،‬ول قدرة ول علم‪ ،‬كما ف ق صة مر ي ب نت عمران‪،‬‬
‫وأسيد بن حضي‪ ،‬وأب مسلم الولن‪.‬‬

‫قال‪ :‬وأما قولم فيستغاث بم ف الشدائد‪ ،‬فهذا أقبح ما قبله وأبدع لصادمته قوله جل ذكره‪ " :‬أمن‬
‫ييب الضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويعلكم خلفاء الرض أإله مع ال ؟ " ‪ " ، :‬قل من ينجيكم‬
‫من ظلمات الب والب حر تدعو نه تضر عا وخف ية لئن أنا نا من هذه لنكو نن من الشاكر ين * قل ال‬
‫ينجيكم منها ومن كل كرب ث أنتم تشركون " وذكر آيات ف هذا العن‪ ،‬ث قال‪ :‬فإنه جل ذكره قرر‬
‫أنه الكاشف للضر ل غيه‪ ،‬وأنه النفرد بإجابة الضطرين‪ ،‬وأنه الستغاث لذلك كله‪ ،‬وأنه القادر على‬
‫دفع الضر‪ ،‬القادر على إيصال الي‪ .‬فهو النفرد بذلك‪ ،‬فإذا تعي هو جل ذكره خرج غيه من ملك‬
‫ونب وول‪.‬‬

‫قال‪ :‬والستغاثة توز ف السباب الظاهرة العادية من المور السية ف قتال‪ ،‬أو إدراك عدو أو سبع أو‬
‫نوه‪ ،‬كقولم‪ :‬يا لزيد‪ ،‬يا للمسلمي‪ ،‬بسب الفعال الظاهرة‪.‬‬

‫وأما الستغاثة بالقوة والتأثي أو ف المور العنوية من الشدائد‪ ،‬كالرض وخوف الغرق والضيق والفقر‬
‫وطلب الرزق ونوه فمن خصائص ال ل يطلب فيها غيه‪.‬‬

‫قال‪ :‬وأما كونم معتقدين التأثي منهم ف قضاء حاجاتم كما تفعله جاهلية العرب والصوفية والهال‪.‬‬
‫وينادونم ويستنجدون بم‪ .‬فهذا من النكرات‪ .‬فمن اعتقد أن لغي ال من نب أو ول أو روح أو غي‬
‫ذلك ف كشف كربة وغيه على وجه المداد منه‪ :‬أشرك مع ال‪ ،‬إذ ل قادر على الدفع غيه ول خي‬
‫إل خيه‪.‬‬
‫قال‪ :‬وأ ما ما قالوا إن من هم أبدالً ونقباء وأوتادا ونباء و سبعي و سبعة وأربع ي وأرب عة والق طب هو‬
‫الغوث للناس‪ .‬فهذا من موضوعات إفك هم‪ .‬ك ما ذكره القا ضي الحدث ف سراج الريد ين‪ ،‬وا بن‬
‫الوزى وابن تيمية‪ .‬انتهى باختصار‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪94‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫والق صود أن أ هل العلم ما زالوا ينكرون هذه المور الشرك ية ال ت ع مت ب ا البلوى واعتقد ها أ هل‬
‫الهواء‪ .‬فلو تتبعنا كلم العلماء النكرين لذه المور الشركية لطال الكتاب‪ .‬والبصي النبيل يدرك الق‬
‫مهن أول دليهل‪،‬ومهن قال قولً بل برهان فقوله ظاههر البطلن‪،‬مالف مها عليهه أههل القه واليان‬
‫التمسكون بحكم القرآن‪ ،‬التسجيون لداعى الق واليان‪ .‬وال الستعان وعليه التكلن‪.‬‬

‫قال‪( :‬وقوله تعال‪ " :‬ول تدع من دون ال ما ل ينفعك ول يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالي‬
‫") ‪:‬‬

‫قال ابن عطية‪ :‬معناه قيل ل ول تدع فهو عطف على أقم وهذا المر والخاطبة للنب صلى ال عليه‬
‫وسهلم‪ .‬إذا كانهت هكذا فأحرى أن يذر مهن ذلك غيه‪ .‬والطاب خرج مرج الصهوص وههو عام‬
‫للمة‪.‬‬

‫قال أبو جعفر ابن جرير ف هذه الية‪ :‬يقول تعال ذكره‪ :‬ول تدع يا ممد من دون معبودك وخالقك‬
‫شيئا ل ينفعك ف الدنيا ول ف الخرة‪ ،‬ول يضرك ف دين ول دنيا‪ ،‬يعن بذلك اللة والصنام‪ ،‬يقول‬
‫ل تعبد ها راجيا نفع ها أو خائفا ضر ها فإن ا ل تن فع ول ت ضر‪ .‬فإن فعلت ذلك فدعوت ا من دون ال‬
‫فإنك إذا من الظالي يكون من الشركي بال الظال لنفسه‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وهذه الية لا نظائر كقوله‪ " :‬فل تدع مع ال إلا آخر فتكون من العذبي " وقوله‪ " :‬ول تدع‬
‫مع ال إلا آ خر ل إله إل هو " ف في هذه اليات بيان أن كل مد عو يكون إلا‪ ،‬والل ية حق ل ل‬
‫ي صلح من ها شئ لغيه‪ .‬ولذا قال‪ " :‬ل إله إل هو " ك ما قال تعال‪ " :‬ذلك بأن ال هو ال ق وأن ما‬
‫يدعون من دو نه هو البا طل وأن ال هو العلي ال كبي " وهذا هو التوح يد الذي ب عث ال به ر سله‪،‬‬
‫وأنزل به كتبه‪ ،‬كما قال تعال‪ " :‬وما أمروا إل ليعبدوا ال ملصي له الدين " والدين‪ :‬كل ما يدان ال‬
‫به من العبادات الظاهرة والباطنة‪ .‬وفسره ابن جرير ف تفسيه بالدعاء‪ ،‬وهو فرد من أفراد العبادة‪ ،‬على‬
‫عادة السلف ف التفسي‪ ،‬يفسرون الية ببعض أفراد معناها‪ ،‬فمن صرف منها شيئا لقب أو صنم أو وثن‬
‫أو غي ذلك فقد اتذه معبودا وجعله شريكا ل ف اللية الت ل يستحقها إل هو‪ ،‬كما قال تعال‪" :‬‬
‫ومن يدع مع ال إلا آخر ل برهان له به فإنا حسابه عند ربه إنه ل يفلح الكافرون " فتبي بذه الية‬
‫ونوها أن دعوة غي ال كفر وشرك وضلل‪.‬‬

‫وقوله‪ "( :‬وإن يسسك ال بضر فل كاشف له إل هو وإن يردك بي فل راد لفضله ") ‪:‬‬

‫فإنه النفرد باللك والقهر‪ ،‬والعطاء والنع‪ ،‬والضر والنفع‪ ،‬دون كل ما سواه‪ .‬فيلزم من ذلك أن يكون‬
‫هو الدعو وحده‪ ،‬العبود وحده‪ ،‬فإن العبادة ل تصلح إل لالك الضر والنفع‪ .‬ول يلك ذلك ول شيئا‬
‫منه غيه تعال‪ ،‬فهو الستحق للعبادة وحده‪ ،‬دون من ل يضر ول ينفع‪.‬‬

‫وقوله تعال‪ " :‬قل أفرأيتم ما تدعون من دون ال إن أرادن ال بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادن‬
‫برحة هل هن مسكات رحته قل حسب ال عليه يتوكل التوكلون " ‪ ،‬وقال‪ " :‬ما يفتح ال للناس من‬
‫رحة فل مسك لا وما يسك فل مرسل له من بعده وهو العزيز الكيم " ‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪95‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫فهذا ما أخب به ال تعال ف كتابه من تفرده باللية والربوبية‪ ،‬ونصب الدلة على ذلك‪ .‬فاعتقد عباد‬
‫القبور والشاهد نقيض ما أخب به ال تعال‪ ،‬واتذوهم شركاء ل ف استجلب النافع ودفع الكاره‪،‬‬
‫ب سؤالم واللتجاء بالرغ بة والره بة والتضرع‪ ،‬وغ ي ذلك من العبادات ال ت ل ي ستحقها إل ال تعال‪،‬‬
‫واتذوههم شركاء ل فه ربوبيتهه وإليتهه‪ .‬وهذا فوق شرك كفار العرب القائليه‪ " :‬مها نعبدههم إل‬
‫ليقربونا إل ال زلفى " " هؤلء شفعاؤنا عند ال " فإن أولئك يدعونم ليشفعوا لم ويقربوهم إل ال‪.‬‬
‫وكانوا يقولون ف تلبيتهم‪ :‬لبيك‪ ،‬ل شريك لك* إل شريكا هو لك * تلكه وما ملك *‪.‬‬

‫وأما هؤلء الشركون فاعتقدوا ف أهل القبور والشاهد ما هو أعظم من ذلك‪ .‬فجعلوا لم نصيبا من‬
‫التصرف والتدبي‪ ،‬وجعلوهم معاذا لم وملذا ف الرغبات والرهبات " سبحان ال عما يشركون "‪.‬‬

‫وقوله‪ " :‬وهو الغفور الرحيم " أي لن تاب إليه‪.‬‬

‫قال‪( :‬وقوله تعال‪ " :‬فابتغوا عند ال الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون") ‪:‬‬

‫يأمر تعال عباده بابتغاء الرزق منه وحده دون ما سواه من ل يلك لم رزقا من السماوات والرض‬
‫شيئا"‪ .‬فتقديه الظرف يفيهد الختصهاص‪ .‬وقوله‪" :‬واعبدوه مهن عطهف العام على الاص‪ ،‬فإن ابتغاء‬
‫الرزق عنده من العبادة الت أمر ال با"‪.‬‬

‫قال العماد ابن كثي رحه ال تعال‪ :‬فابتغوا أي فاطلبوا عند ال الرزق أي ل عند غيه‪ .‬لنه الالك له‪،‬‬
‫وغيه ل يلك شيئا من ذلك واعبدوه أي أخل صوا له العبادة وحده ل شر يك له واشكروا له أي على‬
‫ما أنعم عليكم إليه ترجعون أي يوم القيامة فيجازى كل عامل بعمله‪.‬‬

‫قال‪( :‬وقوله‪ " :‬و من أ ضل م ن يد عو من دون ال من ل ي ستجيب له إل يوم القيا مة و هم عن‬


‫دعائهم غافلون * وإذا حشر الناس كانوا لم أعداء وكانوا بعبادتم كافرين ") ‪:‬‬

‫ن فى سبحانه أن يكون أ حد أ ضل م ن يد عو غيه‪ .‬وأ خب أ نه ل ي ستجيب له ما طلب م نه إل يوم‬


‫القيامة‪ .‬والية تعم على كل من يدعى من دون ال‪ ،‬كما قال تعال‪ " :‬قل ادعوا الذين زعمتم من دونه‬
‫ل " وف هذه الية أخب أنه ل يستجيب وأنه غافل عن داعيه "‬‫فل يلكون كشف الضر عنكم ول توي ً‬
‫وإذا ح شر الناس كانوا ل م أعداء وكانوا بعبادت م كافر ين " فتناولت ال ية كل داع و كل مد عو من‬
‫دون ال‪.‬‬

‫قال أ بو جع فر بن جر ير ف قوله‪ " :‬وإذا ح شر الناس كانوا ل م أعداءً " يقول تعال ذكره‪ :‬وإذا ج ع‬
‫الناس ليوم القيامة ف موقف الساب كانت هذه اللة الت يدعونا ف الدنيا لم أعداء‪ ،‬لنم يتبأون‬
‫من هم " وكانوا بعبادت م كافر ين " يقول تعال ذكره‪ :‬وكا نت آلت هم ال ت يعبدون ا ف الدن يا بعبادت م‬
‫جاحدين‪ ،‬لنم يقولون يوم القيامة‪ :‬ما أمرناهم ول شعرنا بعبادتا إيانا‪ .‬تبأنا منهم يا ربنا‪ .‬كما قال‬
‫تعال‪ " ، :‬ويوم يشرههم ومها يعبدون مهن دون ال فيقول أأنتهم أضللتهم عبادي هؤلء أم ههم ضلوا‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪96‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫السبيل * قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ولكن متعتهم وآباءهم حت‬
‫نسوا الذكر وكانوا قوما بورا "‪.‬‬

‫قال ابن جرير ‪ " :‬ويوم يشرهم وما يعبدون من دون ال " من اللئكة والنس والن وساق بسنده‬
‫عن ماهد قال‪ :‬عيسى وعزير واللئكة‪.‬‬
‫ث قال‪ :‬يقول تعال ذكره قالت اللئ كة الذ ين كان هؤلء الشركون يعبدون م من دون ال وعي سى‪:‬‬
‫تنيها لك يا ربنا وتبئ ًة ما أضاف إليك هؤلء الشركون " ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من‬
‫أولياء " نواليهم " أنت ولينا من دونم " انتهى‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وأكثر ما يستعمل الدعاء ف الكتاب والسنة واللغة ولسان الصحابة ومن بعدهم من العلماء‪ :‬ف‬
‫ال سؤال والطلب‪ ،‬ك ما قال العلماء من أ هل الل غة وغي هم‪ :‬ال صلة ل غة الدعاء‪ ،‬و قد قال تعال‪" ، :‬‬
‫والذين تدعون من دونه ما يلكون من قطمي " اليتي وقال‪ " :‬قل من ينجيكم من ظلمات الب والبحر‬
‫تدعونه تضرعا وخفية " وقال‪ " :‬وإذا مس النسان الضر دعانا لنبه أو قاعدا أو قائما " وقال‪ " :‬وإذا‬
‫مسه الشر فذو دعاء عر يض " وقال‪" :‬ل يسأم الن سان من دعاء ال ي " ال ية‪ .‬وقال‪ " :‬إذ تستغيثون‬
‫ربكم فاستجاب لكم " الية‪.‬‬

‫و ف حد يث أ نس مرفوعا‪ " :‬الدعاء مخ العبادة " و ف الد يث ال صحيح‪ " :‬ادعوا ال وأن تم موقنون‬
‫بالجابة " وف آخر‪ " :‬من يسأل ال يغضب عليه " وحديث‪ " :‬ليس شئ أكرم على ال من الدعاء "‬
‫رواه أحد والترمذي وابن ماجه وابن حبان والاكم وصححه‪ .‬وقوله‪ " :‬الدعاء سلح الؤمن وعماد‬
‫الدين ونور السماوات والرض " رواه الاكم وصححه‪ .‬وقوله‪ " :‬سلوا ال كل شئ حت الشسع إذا‬
‫انق طع " الد يث‪ .‬وقال ا بن عباس ر ضي ال عنه ما‪ :‬أف ضل العبادة الدعاء وقرأ‪" :‬وقال رب كم ادعو ن‬
‫أستجب لكم " الية‪ .‬رواه ابن النذر والاكم وصححه‪ .‬وحديث‪ " :‬اللهم إن أسألك بأن ل المد ل‬
‫إله إل أنت النان‪ "...‬الديث وحديث‪ " :‬اللهم إن أسألك بأنك أنت ال ل إله إل أنت الحد الصمد‬
‫الذي ل يلد ول يولد ول يكن له كفوا أ حد " وأمثال هذا ف الكتاب والسنة أك ثر من أن يصر‪ ،‬ف‬
‫الدعاء الذي ههو السهؤال والطلب‪ ،‬فمهن جحهد كون السهؤال والطلب عبادة فقهد صهادم النصهوص‬
‫وخالف اللغة واستعمال المة سلفا وخلفا‪.‬‬

‫وأما ما تقدم من كلم شيخ السلم‪ ،‬وتبعه العلمة ابن القيم رحهما ال تعال من أن الدعاء نوعان‪:‬‬
‫دعاء م سألة ودعاء عبادة‪ .‬و ما ذ كر بينه ما من التلزم وتض من أحده ا لل خر‪ .‬فذلك باعتبار كون‬
‫الذاكر والتال والصلى والتقرب بالنسك وغيه طالبا ف العن‪ .‬فيدخل ف مسمى الدعاء بذا العتبار‪،‬‬
‫و قد شرح ال تعال ف ال صلة الشرع ية من دعاء ال سألة ما ل ت صح ال صلة إل به‪ ،‬ك ما ف الفات ة‬
‫والسجدتي وف التشهد‪ ،‬وذلك عبادة كالركوع والسجود‪ .‬فتدبر هذا القام يتبي لك جهل الاهلي‬
‫بالتوحيد‪.‬‬

‫وما يتبي هذا القام ويزيد إيضاحا‪ .‬قوله العلمة ابن القيم رحه ال تعال ف قوله تعال‪ " :‬قل ادعوا ال‬
‫أو ادعوا الرح ن أ يا ما تدعوا فله ال ساء ال سن " وهذا الدعاء الشهور أ نه دعاء ال سألة‪ .‬قالوا‪ :‬كان‬
‫النب صلى ال عليه وسلم يدعو ربه ويقول مرة يا ال ومرة يا رحن فظن الشركون أنه يدعو إلي‬
‫فأنزل ال هذه الية‪ .‬ذكر هذا عن ابن عباس رضي ال عنهما‪ .‬وقيل‪ :‬إن هذا الدعاء هنا بعن التسمية‪،‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪97‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫والع ن‪ :‬أي سيتموه به من أ ساء ال تعال‪ ،‬إ ما ال وإ ما الرح ن فله ال ساء ال سن‪ .‬وهذا من لوازم‬
‫العن ف الية‪ .‬وليس هو عي الراد‪ .‬بل الراد بالدعاء معناه العهود الطرد ف القرآن‪ .‬وهو دعاء السؤال‬
‫ودعاء الثناء‪.‬‬

‫ث قال‪ :‬إذا عرف هذا فقوله‪ " :‬ادعوا ربكم تضرعا وخفية " يتناول نوعي الدعاء لكنه ظاهر ف دعاء‬
‫ال سألة متض من لدعاء العبادة‪ ،‬ولذا أ مر بإخفائه‪ .‬قال ال سن‪ :‬ب ي دعاء ال سر ودعاء العلن ية سبعون‬
‫ضعيفا‪ .‬ول قد كان ال سلمون يتهدون ف الدعاء ول ي سمع ل م صوت إن كان إل ه سا بين هم وب ي‬
‫ربم ‪ .‬وقوله تعال‪ " :‬وإذا سألك عبادي عن فإن قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان " يتناول نوعى‬
‫الدعاء‪ ،‬وبكل منهما فسرت الية قيل‪ :‬أعطيه إذا سألن‪ ،‬وقيل أثيبه إذا عبدن‪ ،‬وليس هذا من استعمال‬
‫اللفظ ف حقيقته ومازه‪ ،‬بل هذا استعمال ف حقيقته الواحدة التضمنة للمرين جعيا‪ .‬وهذا يأت ف‬
‫مسألة الصلة وإنا نقل عن مسماها ف اللغة وصارت حقيقة شرعية‪ ،‬واستعملت ف هذه العبادة مازا‬
‫للعلقة بينهما وبي السمى اللغوي وهي باقية على الوضع اللغوي‪ ،‬وضم إليها أركان وشرائط‪ .‬فعلى‬
‫ما قررناه ل حاجة إل شئ من ذلك‪ ،‬فإن الصلى من أول صلته إل آخرها ل ينفك عن دعاء‪ :‬إما‬
‫عبادة وثناء‪ ،‬أو دعاء طلب ومسألة‪ ،‬وهو ف الالتي داع‪ .‬ا هه‪ .‬ملخصا من البدائع‪.‬‬

‫قال‪( :‬وقوله‪ " :‬أ من ي يب الض طر إذا دعاه ويك شف ال سوء ويعل كم خلفاء الرض أإله مع ال‬
‫قليلً ما تذكرون") ‪:‬‬

‫بي تعال أن الشركي من العرب ونوهم قد علموا أنه ل ييب الضطر ويكشف السوء إل ال وحده‬
‫فذكر ذلك سبحانه متجا عليهم ف اتاذهم الشفعاء من دونه‪ ،‬ولذا قال " أإله مع ال ؟ " يعن يفعل‬
‫ذلك‪ .‬فإذا كا نت آلت هم ل تيب هم ف حال الضطرار فل ي صلح أن يعلو ها شركاء ل الذي ي يب‬
‫الضطر إذا دعاه ويكشف السوء وحده‪ .‬وهذا أصح ما فسرت به الية كسابقتها من قوله " أمن خلق‬
‫ال سماوات والرض وأنزل ل كم من ال سماء ماء فأنبت نا به حدائق ذات ب جة ما كان ل كم أن تنبتوا‬
‫شجرها أإله مع ال بل هم قوم يعدلون * أمن جعل الرض قرارا وجعل خللا أنارا وجعل لا رواسي‬
‫وجعل بي البحرين حاجزا أإله مع ال بل أكثرهم ل يعلمون " ول حقتها إل قوله‪ " :‬أمن يهديكم ف‬
‫ظلمات الب والبحر ومن يرسل الرياح بشرا بي يدي رحته أإله مع ال تعال ال عما يشركون * أمن‬
‫يبدأ اللق ث يعيده ومن يرزقكم من السماء والرض أإله مع ال قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقي‬
‫"‪.‬‬

‫فتأمل هذه اليات يتبي لك أن ال تعال احتج على الشركي با أقروا به على ما جحدوه‪ :‬من قصر‬
‫العبادة جعيها عليه‪ ،‬كما ف فاتة الكتاب‪ " :‬إياك نعبد وإياك نستعي "‪.‬‬

‫قال أ بو جع فر بن جر ير‪ :‬قوله‪ " :‬أ من ي يب الض طر إذا دعاه ويك شف ال سوء " إل قوله "قليلً ما‬
‫تذكرون " يقول تعال ذكره‪ :‬أم مها تشركون بال خيه‪ ،‬أم الذي ييهب الضطهر إذا دعاء ويكشهف‬
‫ال سوء النازل به ع نه ؟ وقوله‪ " :‬ويعل كم خلفاء الرض " يقول‪ :‬ي ستخلف ب عد أموات كم ف الرض‬
‫منكم خلفاء أحياء يلفونم‪ ،‬وقوله‪ " :‬أإله مع ال ؟ " أإله سواه يفعل هذه الشياء بكم وينعم عليكم‬
‫ل من عظ مة ال وأياد يه عند كم تذكرون‪،‬‬ ‫ل ما تذكرون " يقول تذكرا قلي ً‬
‫هذه الن عم ؟ وقوله‪ " :‬قلي ً‬
‫وتعتبون ححج ال عليكم يسيا‪ .‬فلذلك أشركوا بال وغيه ف عبادته‪ .‬ا هه‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪98‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪( :‬وروى ال طبان "أ نه كان ف ز من ال نب صلى ال عل يه و سلم منا فق يؤذي الؤمن ي‪ .‬فقال‬
‫بعضهم‪ :‬قوموا بنا نستغيث برسول ال صلى ال عليه وسلم من هذا النافق‪ ،‬فقال النب صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ :‬إنه ل يستغاث ب‪ ،‬وإنا يستغاث بال ") ‪:‬‬

‫ال طبان‪ :‬هو المام الا فظ سليمان بن أح د بن أيوب اللخ مي ال طبان‪ ،‬صاحب العا جم الثل ثة‬
‫وغيها‪ .‬روى عن النسائي وإسحاق بن إبراهيم الديرى وخلق كثي‪ .‬مات سنة ستي وثلثمائة‪ .‬روى‬
‫هذا الديث عن عبادة بن الصامت رضي ال عنه‪.‬‬

‫قوله‪ :‬أنه كان ف زمن النب صلى ال عليه وسلم منافق يؤذي الؤمني ل أقف على اسم هذا النافق‪.‬‬

‫قلت‪ :‬هو عبد ال بن أب كما صرح به ابن أب حات ف روايته‪.‬‬

‫قوله‪ :‬فقال بعضهم أي الصحابة رضي ال عنهم‪ ،‬هو أبو بكر رضي ال عنه‪.‬‬

‫قوله‪ :‬قوموا بنا نستغيث برسول ال صلى ال عليه وسلم من هذا النافق لنه صلى ال عليه وسلم يقدر‬
‫على كف أذاه‪.‬‬

‫قوله‪ :‬إنه ل يستغاث ب‪ ،‬وإنا يستغاث بال فيه النص على أنه ل يستغاث بالنب صلى ال عليه وسلم‬
‫ول بن دونه‪ .‬كره صلى ال عليه وسلم أن يستعمل هذا اللفظ ف حقه‪ ،‬وإن كان ما يقدر عليه ف‬
‫حيا ته‪ ،‬حا ية لناب التوح يد‪ ،‬و سدا لذرائع الشرك وأدبا وتواضعا لر به‪ ،‬وتذيرا لل مة من و سائل‬
‫الشرك ف القوال والفعال‪ .‬فإذا كان فيما يقدر عليه صلى ال عليه وسلم ف حياته‪ ،‬فكيف يوز أن‬
‫يستغاث به بعد وفاته ويطلب منه أمورا ل يقدر عليها إل ال عز وجل ؟ كما جرى على ألسنة كثي‬
‫من الشعراء كالبوصيي والبعي وغيهم‪ ،‬من الستغاثة بن ل يلك لنفسه ضرا ول نفعا ول موتا ول‬
‫حياة ول نشورا‪ ،‬ويعرضون عن ال ستغاثة بالرب العظ يم القادر على كل ش يء الذي له اللق وال مر‬
‫وحده‪ ،‬وله اللك وحده‪ ،‬ل إله غيه ول رب سواه‪ .‬قال تعال‪ " ) : ( :‬قل ل أملك لنف سي نفعا ول‬
‫ضرا إل ما شاء ال " ف موا ضع من القرآن ( ‪ " ) :‬قل إ ن ل أملك ل كم ضرا ول رشدا " فأعرض‬
‫ه دلت عليهه هذه اليات الحكمات‪ ،‬وتبعههم على ذلك الضلل‬ ‫هؤلء عهن القرآن واعتقدوا نقيهض م ا‬
‫اللق الكث ي وال م الغف ي‪ .‬فاعتقدوا الشرك بال دينا‪ ،‬والدى ضللً‪ ،‬فإ نا ل وإ نا إل يه راجعون‪ .‬ف ما‬
‫أعظمها من مصيبة عمت با البلوى‪ ،‬فعاندوا أهل التوحيد وبدعوا أهل التجريد‪ ،‬فال الستعان‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪99‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫باب‬
‫أيشركون ما ل يلق شيئا وهم يلقون‬

‫قوله‪( :‬باب قول ال تعال‪ " :‬أيشركون ما ل يلق شيئا وهم يلقون * ول يستطيعون لم نصرا ول‬
‫أنفسهم ينصرون ") ‪:‬‬

‫قوله " أيشركون " أي ف العبادة‪ .‬قال الفسرون‪ :‬ف هذه الية توبيخ وتعنيف للمشركي ف عبادتم‬
‫مع ال تعال ما ل يلق شيئا وهو ملوق‪ ،‬والخلوق ل يكون شريكا للخالق ف العبادة الت خلقهم لا‪،‬‬
‫وبي أنم ل يستطيعون لم نصرا ول أنفسهم ينصرون‪ ،‬فكيف يشركون به من ل يستطيع نصر عابديه‬
‫ول ن صر نف سه ؟ وهذا برهان ظا هر على بطلن ما كانوا يعبدو نه من دون ال‪ ،‬وهذا و صف كل‬
‫ملوق‪ ،‬حت اللئكة والنبياء والصالي‪ .‬وأشرف اللق ممد صلى ال عليه وسلم قد كان يستنصر‬
‫ربه على الشركي ويقول " اللهم أنت عضدي ونصيي‪ ،‬بك أحول وبك أصول‪ ،‬وبك أقاتل " وهذا‬
‫كقوله ‪ " :‬واتذوا من دو نه آل ة ل يلقون شيئا و هم يلقون ول يلكون لنف سهم ضرا ول نف عا ول‬
‫يلكون موتها ول حياة ول نشورا " وقوله ‪ " :‬قهل ل أملك لنفسهي نفعها ول ضرا إل مها شاء ال ولو‬
‫كنت أعلم الغيب لستكثرت من الي وما مسن السوء إن أنا إل نذير وبشي لقوم يؤمنون " وقوله ‪:‬‬
‫" قل إن ل أملك لكم ضرا ول رشدا * قل إن لن يين من ال أحد ولن أجد من دونه ملتحدا * إل‬
‫بلغا من ال ورسالته "‪.‬‬

‫فكفى بذه اليات برهانا على بطلن دعوة غي ال كائنا من كان‪ .‬فإن كان نبيا أو صالا فقد شرفه‬
‫ال تعال بإخلص العبادة له‪ ،‬والرضاء به ربا ومعبودا‪ ،‬فك يف يوز أن يعل العابد معبودا مع توج يه‬
‫الطاب إليه بالنهي عن هذا الشرك كما قال تعال‪ " :‬ول تدع مع ال إلا آخر ل إله إل هو كل شيء‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪100‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫هالك إل وج هه له ال كم وإل يه ترجعون " وقال ‪ " :‬إن ال كم إل ل أ مر أن ل تعبدوا إل إياه " ف قد‬
‫أمر عباده من النبياء والصالي وغيهم بإخلص العبادة له وحده‪ ،‬وناهم أن يعبدوا معه غيه‪ ،‬وهذا‬
‫هو دينه الذي بعث به رسله‪ ،‬وأنزل به كتبه‪ ،‬ورضيه لعباده‪ ،‬وهو دين السلم‪ ،‬كما روى البخاري‬
‫عن أب هريرة ف سؤال جبيل عليه السلم قال " يا رسول ال‪ ،‬ما السلم ؟ قال السلم أن تعبد ال‬
‫ول تشرك به شيئا‪ ،‬وتقيم الصلة‪ ،‬وتؤت الزكاة الفروضة‪ ،‬وتصوم رمضان " الديث‪.‬‬

‫وقوله تعال‪ " :‬والذين تدعون من دونه ما يلكون من قطمي * إن تدعوهم ل يسمعوا دعاءكم ولو‬
‫سعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ول ينبئك مثل خبي " ‪:‬‬

‫ي ب تعال عن حال الدعو ين من دو نه من اللئ كة وال نبياء وال صنام وغي ها ب ا يدل على عجز هم‬
‫وضعفهم وأنم قد انتفت عنهم السباب الت تكون ف الدعو‪ ،‬وهي اللك‪ ،‬وساع الدعاء‪ ،‬والقدرة‬
‫على استجابته‪ ،‬فمت ل توجد هذه الشروط تامة بطلت دعوته فكيف إذا عدمت بالكلية ؟ فنفى عنهم‬
‫اللك بقوله " مها يلكون مهن قطميه " قال ابهن عباس وماههد وعكرمهة‪ ،‬وعطاء والسهن وقتادة‪:‬‬
‫القطمي‪ :‬اللفافة الت تكون على نواة التمر كما قال تعال‪ " :‬ويعبدون من دون ال ما ل يلك لم رزقا‬
‫مهن السهموات والرض شيئا ول يسهتطيعون " وقال ‪ " ، :‬قهل ادعوا الذيهن زعمتهم مهن دون ال ل‬
‫يلكون مثقال ذرة ف السماوات ول ف الرض وما لم فيهما من شرك وما له منهم من ظهي * ول‬
‫تنفع الشفاعة عنده إل لن أذن له " ونفى عنهم ساع الدعاء بقوله " إن تدعوهم ل يسمعوا " لنه ما‬
‫ب ي م يت وغائب عن هم‪ ،‬مشت غل ب ا خلق له‪ ،‬م سخر ب ا أ مر به كاللئ كة‪ ،‬ث قال " ولو سعوا ما‬
‫ا ستجابوا ل كم " لن ذلك ل يس ل م‪ ،‬فإن ال تعال ل يأذن ل حد من عباده ف دعاء أ حد من هم‪ ،‬ل‬
‫استقللً ول واسطة‪ ،‬كما تقدم بعض أدلة ذلك‪ .‬وقوله " ويوم القيامة يكفرون بشرككم " فتبي بذا‬
‫أن دعوة غ ي ال شرك‪ .‬وقال تعال‪ " ، :‬واتذوا من دون ال آل ة ليكونوا ل م عزا * كل سيكفرون‬
‫بعبادتمه ويكونون عليههم ضدا " وقوله تعال‪ " :‬ويوم القيامهة يكفرون بشرككهم " قال ابهن كثيه‪:‬‬
‫يتبأون منكم‪ ،‬كما قال تعال‪ " ، :‬ومن أضل من يدعو من دون ال من ل يستجيب له إل يوم القيامة‬
‫وهم عن دعائهم غافلون * وإذا حشر الناس كانوا لم أعداء وكانوا بعبادتم كافرين "‪.‬‬

‫قال‪( :‬وقوله " ول ينبئك مثل خبي " أي ول يبك بعواقب المور ومآلا وما تصي إليه مثل خبي با‪.‬‬
‫قال قتادة‪ :‬يعن نفسه تبارك وتعال‪ .‬فإنه أخب بالواقع ل مالة) ‪.‬‬

‫قلت‪ :‬والشركون ل ي سلموا للعل يم ال بي ما أ خب به عن معبودات م فقالوا‪ :‬تلك وت سمع وت ستجيب‬


‫وتشفع لن دعاها‪ ،‬ول يلتفتوا إل ما أخب به البي من أن كل معبود يعادى عابده يوم القيامة ويتبأ‬
‫م نه‪ ،‬ك ما قال تعال‪ " :‬ويوم نشر هم جي عا ث نقول للذ ين أشركوا مكان كم أن تم وشركاؤ كم فزيل نا‬
‫بين هم وقال شركاؤ هم ما كن تم إيا نا تعبدون * فك فى بال شهيدا بين نا وبين كم إن ك نا عن عبادت كم‬
‫لغافلي * هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت وردوا إل ال مولهم الق وضل عنهم ما كانوا يفترون "‬
‫أخرج ابن جرير عن ابن جريح قال‪ :‬قال ماهد " إن كنا عن عبادتكم لغافلي " قال يقول ذلك كل‬
‫شئ كان يعبد من دون ال‪.‬‬

‫فالكيس يستقبل هذه اليات الت هي الجة والنور والبهان باليان والقبول والعمل‪ ،‬فيجرد أعماله ل‬
‫وحده دون كل ماسواه من ل يلك لنفسه نفعا ول دفعا‪ ،‬فضلً عن غيه‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪101‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪( :‬فس الصسحيح عسن أنسس رضسي ال عنسه قال " شسج النسب صسلى ال عليسه وسسلم يوم أحسد‬
‫وكسرت رباعيته‪ .‬فقال‪ :‬كيف يفلح قوم شجوا نبيهم ؟ فنلت الية ‪ " :‬ليس لك من المر شيء‬
‫") ‪:‬‬

‫قوله‪ :‬ف ال صحيح أي ال صحيحي‪ .‬عل قه البخاري‪ .‬قال وقال ح يد وثا بت عن أ نس‪ .‬وو صله أح د‬
‫والترمذي والن سائي عن ح يد عن أ نس‪ .‬وو صله م سلم عن ثا بت عن أ نس‪ .‬وقال ا بن إ سحاق ف‬
‫الغازي‪ .‬حدثنا حيد الطويل عن أنس قال كسرت رباعية النب صلى ال عليه وسلم يوم أحد وشج‬
‫وج هه‪ ،‬فج عل الدم ي سيل على وج هه‪ ،‬وج عل ي سح الدم و هو يقول‪ :‬ك يف يفلح قوم خضبوا و جه‬
‫نبيهم وهو يدعوهم إل ربم ؟ فأنزل ال الية ‪.‬‬

‫قوله‪ :‬شج النب صلى ال عليه وسلم قال أبو ال سعادات‪ :‬الشج ف الرأس خاصة ف الصل‪ ،‬وهو أن‬
‫يضربه بشئ فيجرحه فيه ويشقه‪ ،‬ث استعمل ف غيه من العضاء‪ ،‬وذكر ابن هشام من حديث أب‬
‫سعيد الدري أن عتبة بن أب وقاص هو الذي كسر رباعية النب صلى ال عليه وسلم السفلى وجرح‬
‫شفته العليا وأن عبد ال بن شهاب الزهري هو الذي شجه ف وجهه‪ ،‬وأن عبد ال بن قمئة جرحه ف‬
‫وجنته‪ ،‬فدخلت حلقتان من حلق الغفر ف وجنته وأن مالك ابن سنان مص الدم من وجه رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم وازدرده‪ .‬فقال له‪ :‬لن تسك النار ‪.‬‬

‫قال القرطب‪ :‬والرباعية بفتح الراء وتفيف الياء وهي كل سن بعد ثنية‪.‬‬

‫قال النووي رحه ال‪ :‬وللنسان أربع رباعيات‪.‬‬

‫قال الافظ ‪ :‬والراد أنا كسرت‪ ،‬فذهب منها فلقة ول تقلع من أصلها‪.‬‬

‫قال النووي ‪ :‬وف هذا وقوع السقام والبتلء بالنبياء صلوات ال وسلمه عليهم لينالوا بذلك جزيل‬
‫الجر والثواب‪ .‬ولتعرف المم ما أصابم ويأتسوا بم‪.‬‬

‫قال القا ضي ‪ :‬وليعلم أن م من الب شر ت صيبهم م ن الدن يا‪ ،‬ويطرأ على أج سامهم ما يطرأ على أج سام‬
‫البشر ليتيقن أنم ملوقون مربوبون‪ .‬ول يفت با ظهر على أيديهم من العجزات ويلبس الشيطان من‬
‫أمرهم ما لبسه على النصارى وغيهم انتهى‪.‬‬

‫قلت‪ :‬يعن من الغلو والعبادة‪.‬‬

‫قوله‪ :‬يوم أحد هو شرقي الدينة‪ .‬قال صلى ال عليه وسلم " أحد جبل يبنا ونبه " وهو جبل معروف‬
‫كانت عنده الواقعة الشهورة‪ .‬فأضيفت إليه‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪102‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪ :‬كيف يفلح قوم شجوا نبيهم زاد مسلم مسلم كسروا رباعيته وأدموا وجهه ‪.‬‬

‫قوله‪ :‬فأنزل ال‪ " :‬ليس لك من المر شيء " قال ابن عطية‪ :‬كأن النب صلى ال عليه وسلم لقه ف‬
‫تلك الال يأس من فلح كفار قريش‪ ،‬فقيل له بسبب ذلك " ليس لك من المر شيء " أي عواقب‬
‫المور بيد ال‪ ،‬فامض أنت لشأنك‪ ،‬ودم على الدعاء لربك‪.‬‬

‫وقال ابن إسحاق‪ " :‬ليس لك من المر شيء " ف عبادي إل ما أمرتك به فيهم‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وفيه عن ابن عمر رضي ال عنهما أنه سع رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول إذا رفع‬
‫رأسه من الركوع ف الركعة الخية من الفجر‪ :‬اللهم العن فلنا وفلنا بعد ما يقول‪ :‬سع ال لن‬
‫حده‪ ،‬ربنا ولك المد‪ .‬فأنزل ال " ليس لك من المر شيء " وف رواية يدعو على صفوان بن‬
‫أمية‪ ،‬وسهيل بن عمرو‪ ،‬والارث بن هشام فنلت " ليس لك من المر شيء ") ‪:‬‬

‫قوله‪ :‬وفيه أي ف صحيح البخاري‪ .‬رواه النسائي‪.‬‬

‫قوله‪ :‬عن ابن عمر هو عبد ال بن عمر بن الطاب‪ ،‬صحاب جليل‪ ،‬شهد له رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم بالصلح‪ ،‬مات سنة ثلث وسبعي ف آخرها أو ف أول الت تليها‪.‬‬

‫قوله‪ :‬أنه سع رسول ال هذا القنوت على هؤلء بعد ما شج وكسرت رباعيته يوم أحد‪.‬‬

‫قوله‪ :‬اللههم العهن فلنا وفلنا قال أبهو السهعادات‪ :‬أصهل اللعهن والطرد والبعاد مهن ال‪ .‬ومهن اللق‬
‫السب والدعاء وتقدم كلم شيخ السلم رحه ال‪.‬‬

‫قوله‪ :‬فلنا وفلنا يع ن صفوان بن أم ية و سهيل بن عمرو والارث بن هشام‪ ،‬ك ما بي نه ف الروا ية‬
‫التية‪.‬‬

‫وفيه‪ :‬جواز الدعاء على الشركي بأعيانم ف الصلة‪ ،‬وأن ذلك ل يضر ف الصلة‪.‬‬
‫قوله‪ :‬ب عد ما يقول؛ سع ال ل ن حده قال أ بو ال سعادات‪ :‬أي أجاب حده وت قبيله‪ .‬وقال ال سهيلي‪:‬‬
‫مفعول سع مذوف‪،‬لن ال سمع متعلق بالقوال وال صوات دون غي ها فاللم تؤذن بع ن زائد و هو‬
‫الستجابة للسمع‪ ،‬فاجتمع ف الكلمة الياز والدللة على الزائد‪ ،‬وهو الستجابة لن حده‪.‬‬

‫وقال ابن القيم رحه ال ما معناه‪ :‬سع ال لن حده باللم التضمنة معن استجاب له‪ .‬ول حذف وإنا‬
‫هو مضمن‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪103‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪ :‬ربنا لك المد‪ ،‬ف بعض روايات البخاري بإسقاط الواو‪ .‬قال ابن دقيق الع يد‪ :‬كأن إثباتا دال‬
‫على معن زائد‪ ،‬لنه يكون التقدير‪ :‬ربنا استجب ولك المد‪ .‬فيشتمل على معن الدعاء ومعن الب‪.‬‬

‫قال شيخ السلم‪ :‬والمد ضد الذم‪ ،‬والمد يكون على ماسن الحمود مع الحبة له‪ .‬كما أن الذم‬
‫يكون على مساويه مع البغض له‪.‬‬

‫وكذا قال ابن القيم‪ :‬وفرق بينه وبي الدح بأن الخبار عن ماسن الغي إما أن يكون إخبار مردا عن‬
‫حب وإرادة‪ ،‬أو يكون مقرونا ب به وإراد ته‪ .‬فإن كان الول ف هو الدح‪ ،‬وإن كان الثا ن ف هو ال مد‪.‬‬
‫فالمد إخبار عن ماسن الحمود مع حبه وإجلله وتعظيمه‪ .‬ولذا كان خبا يتضمن النشاء بلف‬
‫الدح‪ ،‬فإنه خب مرد‪ .‬فالقائل إذا قال‪ :‬المد ل أو قال ربنا ولك المد تضمن كلمه الب عن كل‬
‫ما ي مد عل يه تعال بإ سم جا مع م يط متض من ل كل فرد من أفراد الملة الحق قة والقدرة‪ ،‬وذلك‬
‫يستلزم إثبات كل كمال يمد عليه الرب تعال‪ ،‬ولذا ل تصلح هذه اللفظة على هذا الوجه ول تنبغي‬
‫إل لن هذا شأنه‪ ،‬وهو الميد الجيد‪.‬‬

‫وف يه‪ :‬الت صريح بأن المام ي مع ب ي الت سميع والتحم يد‪ ،‬و هو قول الشاف عي وأح د وخالف ف ذلك‬
‫مالك وأبو حنيفة‪ ،‬وقال‪ :‬يقتصر على سع ال لن حده ‪.‬‬

‫قوله‪ :‬وف رواية يدعو على صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو والارث بن هشام ‪.‬‬

‫وذلك لن م رؤوس الشرك ي يوم أ حد‪ ،‬هم وأ بو سفيان بن حرب‪ ،‬ف ما ا ستجيب له صلى ال عل يه‬
‫وسلم فيهم بل أنزل ال " ليس لك من المر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبم " فتاب عليهم فأسلموا‬
‫وح سن إ سلمهم‪ .‬و ف كله مع ن شهادة أن ل إله إل ال الذي له ال مر كله‪ ،‬يهدي من يشاء بفضله‬
‫ورحته‪ ،‬ويضل من يشاء بعدله وحكمته‪.‬‬

‫و ف هذا من ال جج والباه ي ما يبي بطلن ما يعتقده عباد القبور ف الولياء وال صالي‪ .‬بل ف‬
‫الواغ يت من أن م ينتفعون من دعا هم‪ ،‬وينعون من لذ بما هم‪ .‬ف سبحان من حال بين هم وب ي ف هم‬
‫الكتاب‪ .‬وذلك عدله سبحانه‪ ،‬وهو الذي يول بي الرء وقلبه‪ ،‬وبه الول والقوة‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وفيه عن أب هريرة رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم حي أنزل ال‬
‫عليه ‪ " :‬وأنذر عشيتك القربي " قال " يا معشر قريش أو كلمة نوها اشتروا أنفسكم ل أغن‬
‫عنكم من ال شيئا‪ .‬يا عباس بن عبد الطلب ل أغن عنك من ال شيئا‪ .‬يا صفية عمة رسول ال‪،‬‬
‫ل أغن عنك من ال شيئا‪ .‬يا فاط مة ب نت ممد‪ ،‬سلين من مال ما شئت‪ ،‬ل أغ ن عنك من ال‬
‫شيئا ") ‪:‬‬

‫قوله‪ :‬وفيه أي وف صحيح البخاري‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪104‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪ :‬عن أ ب هريرة اختلف ف ا سه‪ .‬و صحيح النووي أن ا سه ع بد الرح ن ا بن صخر‪ ،‬ك ما رواه‬
‫الاكم ف الستدرك عن أب هريرة قال‪ :‬كان اسي ف الاهلية عبد الرحن وروى الدولب بإسناده عن‬
‫أب هريرة أن النب صلى ال عليه وسلم ساه عبد ال وهو دوسي من فضلء الصحابة وحفاظهم‪ ،‬حفظ‬
‫عن النب صلى ال عليه وسلم أكثر ما حفظه غيه مات سنة سبع أو ثان أو تسع وخسي‪ ،‬وهو ابن‬
‫ثان وسبعي سنة‪.‬‬

‫قوله‪ :‬قام رسول ال صلى ال عليه وسلم ف الصحيح من رواية ابن عباس صعد رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم على الصفا ‪.‬‬

‫قوله‪ :‬حي أنزل عليه " وأنذر عشيتك القربي " عشية الرجل‪ :‬هم بنو أبيه الدنون أو قبيلته‪ .‬لنم‬
‫أحهق الناس بهبك وإحسهانك الدينه والدنيوي‪ ،‬كمها قال تعال‪ " :‬يها أيهها الذيهن آمنوا قوا أنفسهكم‬
‫وأهلي كم نارا وقود ها الناس والجارة " و قد أمره ال تعال أيضا بالنذارة العا مة‪ ،‬ك ما قال ‪ " :‬لتنذر‬
‫قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون " ‪ " ) :‬وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب "‪.‬‬

‫قوله‪ :‬يا معشر قريش العشر الماعة‪.‬‬

‫قوله‪ :‬أو كلمة نوها هو بنصب كلمة عطف على ما قبله‪.‬‬

‫قوله‪ :‬اشتروا أنفسهكم أي بتوحيهد ال وإخلص العبادة له وحده ل شريهك له وطاعتهه فيمها أمهر بهه‬
‫والنتهاء عمها نىه عنهه‪ .‬فإن ذلك ههو الذي ينجهي مهن عذاب ال ل العتماد على النسهاب‬
‫والحساب‪ ،‬فإن ذلك غي نافع عند رب الرباب‪.‬‬

‫قوله‪ " :‬ما أغ ن عن كم من ال من ش يء " ف يه ح جة على من تعلق على ال نبياء وال صالي‪ ،‬ور غب‬
‫إليهم ليشفعوا له وينفعوه‪ ،‬أو يدفعوا عنه‪ ،‬فإن ذلك هو الشرك الذي حرمه ال تعال‪ ،‬وأقام نبيه صلى‬
‫ال عليه وسلم بالنذار عنه‪ ،‬كما أخب تعال عن الشركي ف قوله ‪ " :‬والذين اتذوا من دونه أولياء‬
‫ما نعبدهم إل ليقربونا إل ال زلفى " ‪ " :‬هؤلء شفعاؤنا عند ال " فأبطل ال ذلك ونزه نفسه عن هذا‬
‫الشرك‪ ،‬و سيأت تقر ير هذا القام إن شاء ال تعال‪ .‬و ف صحيح البخاري يا ب ن ع بد مناف ل أغ ن‬
‫عنكم من ال شيئا ‪.‬‬

‫قوله‪ :‬يا عباس بن عبد الطلب بنصب بن ويوز ف عباس الرفع النصب‪ .‬وكذا ف قوله يا صفية عمة‬
‫رسول ال‪ ،‬ويا فاطمة بنت ممد‪.‬‬

‫قوله‪ :‬سلين من مال ما شئت ب ي ر سول ال صلى ال عل يه و سلم أ نه ل ين جي من عذاب ال إل‬


‫اليان والعمل الصال‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪105‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وفيه‪ :‬أنه ل يوز أن يسأل العبد إل ما يقدر عليه من أمور الدنيا‪ .‬وأما الرحة والغفرة والنة والنجاة‬
‫من النار ون و ذلك من كل ما ل يقدر عل يه إل ال تعال‪ ،‬فل يوز أن يطلب إل م نه تعال‪ ،‬فإن ما‬
‫عند ال ل ينال إل بتجريد التوحيد‪ ،‬والخلص له با شرعه ورضيه لعباده أن يتقربوا إليه به‪ ،‬فإذا كان‬
‫ل ين فع بن ته ول ع مه ول عم ته ول قراب ته إل ذلك‪ ،‬فغي هم أول وأحرى‪ .‬و ف ق صة ع مه أ ب طالب‬
‫معتب‪.‬‬

‫فانظر إل الواقع الن من كثي من الناس اللتجاء إل الموات والتوجه إليهم بالرغبات والرهبات‪ ،‬وهم‬
‫عاجزون ل يلكون لنف سهم ضرا ول نفعا‪ ،‬فضلً عن غي هم _ ي تبي لك أن م لي سو على شئ ‪" :‬‬
‫إن م اتذوا الشياط ي أولياء من دون ال ويسبون أن م مهتدون " أظ هر ل م الشيطان الشرك ف قالب‬
‫مبة الصالي‪ ،‬وكل صال يبأ إل ال من هذا الشرك ف الدنيا ويوم يقوم الشهاد‪ .‬ول ريب أن مبة‬
‫الصالي إنا تصل بوافقتهم ف الدين‪ ،‬ومتابعتهم ف طاعة رب العالي‪ ،‬ل باتاذهم أندادا من دون‬
‫ال يبون م ك حب ال إشراكا بال‪ ،‬وعبادة لغ ي ال‪ ،‬وعداوة ل ور سوله وال صالي من عباده‪ ،‬ك ما‬
‫قال تعال‪ " ، :‬وإذ قال ال يا عي سى ا بن مري أأ نت قلت للناس اتذو ن وأ مي إل ي من دون ال قال‬
‫سبحانك ما يكون ل أن أقول ما ليس ل بق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما ف نفسي ول أعلم ما‬
‫ف نف سك إ نك أ نت علم الغيوب * ما قلت ل م إل ما أمرت ن به أن اعبدوا ال ر ب ورب كم وك نت‬
‫عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتن كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد "‪.‬‬

‫قال العلمة ابن القيم رحه ال ف هذه الية بعد كلم سبق‪ :‬ث نفى أن يكون قال لم غي ما أمر به‬
‫وهو مض التوحيد فقال " ما قلت لم إل ما أمرتن به أن اعبدوا ال رب وربكم " ث أخب أن شهادته‬
‫عليههم مدة مقامهه فيههم‪ ،‬وأنهه بعهد الوفاة ل إطلع له عليههم‪ ،‬وأن ال عهز وجهل النفرد بعهد الوفاة‬
‫بالطلع علي هم فقال " وك نت علي هم شهيدا ما د مت في هم فل ما توفيت ن ك نت أ نت الرق يب علي هم‬
‫وأنت على كل شيء شهيد " وصف ال سبحانه بأن شهادته فوق كل شهادة وأعم ا هه‪.‬‬

‫قلت‪ :‬ففي هذا بيان أن الشركي خالفوا ما أمر ال به رسله من توحيده الذي هو دينهم الذي اتفقوا‬
‫عليه‪ ،‬ودعوا الناس إليه‪ ،‬وفارقوا فيه إل من آمن‪ ،‬فكيف يقال لن دان بدينهم‪ ،‬وأطاعهم فيما أمروا به‬
‫من إخلص العبادة ل وحده‪ :‬إنه قد تنقصهم بذا التوحيد الذي أطاع به ربه‪ ،‬واتبع فيه رسله عليهم‬
‫السلم‪ ،‬ونزه به ربه عن الشرك الذي هو هضم للربوبية‪ .‬وتنقص لللية وسوء ظن برب العالي ؟‪.‬‬

‫والشركون هم أعداء الرسل وخصماؤهم ف الدنيا والخرة‪ ،‬وقد شرعوا لتباعهم أن يتبأوا من كل‬
‫مشرك ويكفروا به‪ ،‬ويبغضوه ويعادوه ف رب م ومعبود هم ‪ " :‬قل فلله ال جة البال غة فلو شاء لدا كم‬
‫أجعي "‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪106‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫باب‬
‫قول ال " حت إذا فزع عن قلوبم "‬

‫قوله‪( :‬باب قول ال تعال‪ " :‬ح ت إذا فزع عن قلوب م قالوا ماذا قال رب كم قالوا ال ق و هو العلي‬
‫الكبي ") ‪:‬‬

‫قوله‪ " :‬ح ت إذا فزع عن قلوب م " أي زال الفزع عن ها‪ .‬قاله ا بن عباس وا بن ع مر وأ بو ع بد الرح ن‬
‫السلمى والشعب والسن وغيهم‪.‬‬

‫وقال ابن جرير‪ :‬قال بعضهم‪ :‬الذين فزع عن قلوبم‪ :‬اللئكة قالوا‪ :‬وإنا فزع عن قلوبم من غشية‬
‫تصيبهم عند ساعهم كلم ال بالوحي وقال ابن عطية‪ :‬ف الكلم حذف ما يدل عليه الظاهر‪ .‬كأنه‬
‫قال‪ :‬ول هم شفعاء ك ما تزعمون أن تم‪ ،‬بل هم عبدة م سلمون ل أبدا‪ ،‬يع ن منقادون‪ ،‬ح ت إذا فزع‬
‫عن قلوبم‪ .‬والراد اللئكة على ما اختاره ابن جرير وغيه‪.‬‬

‫قال ابن كثي‪ :‬وهو الق الذي ل مرية فيه‪ ،‬لصحة الحاديث فيه والثار‪.‬‬

‫وقال أبو حيان‪ :‬تظاهرت الحاديث عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أن قوله‪ " :‬حت إذا فزع عن‬
‫قلوب م " إنا هي اللئكة إذا سعت الو حي إل جب يل يأمره ال به سعت كجر سلسلة الديد على‬
‫الصفوان‪ ،‬فتفزع عند ذلك تعظيما وهيبة‪ .‬قال‪ :‬وبذا العن من ذكر اللئكة ف صدر الية تتسق هذه‬
‫ال ية على الول‪ ،‬و من ل يش عر أن اللئ كة مشار إلي هم من أول قوله‪ " :‬الذ ين زعم تم " ل تت صل له‬
‫هذه الية با قبلها‪.‬‬

‫ها ؟ ولو كان كلم ال ملوقا لقالوا‪ :‬ماذا‬


‫هم ؟ " ول يقولوا ماذا خلق ربنه‬
‫قوله‪ " :‬قالوا ماذا قال ربكه‬
‫خلق ؟ ؟ انتهى من شرح سنن ابن ماجة‪.‬‬

‫ومثله الديث ماذا قال ربنا يا جبيل وأمثال هذا ف الكتاب والسنة كثي‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪107‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪ " :‬قالوا القه " أي قال ال القه‪ .‬وذلك لنمه إذا سهعوا كلم ال صهعقوا ثه إذا أفاقوا أخذوا‬
‫يسألون‪ ،‬فيقولون‪ :‬ماذا قال ربكم ؟ فيقولون‪ :‬قال الق‪.‬‬

‫قوله‪ " :‬و هو العلي ال كبي " علو القدر وعلو الق هر وعلو الذات‪ ،‬فله العلو الكا مل من ج يع الوجوه‪،‬‬
‫كما قال عبدال بن البارك لا قيل له‪ :‬با نعرف ربنا ؟ قال بأنه على عرشه بائن من خلقه تسكا منه‬
‫بالقرآن لقوله تعال‪ " :‬الرحنه على العرش اسهتوى " ‪ " :‬ثه اسهتوى على العرش الرحنه " فه سهبعة‬
‫مواضع من القرآن ‪.‬‬

‫قوله‪ :‬الكبي أي الذي ل أكب منه ول أعظم منه تبارك وتعال‪.‬‬

‫قوله‪( :‬ف الصحيح عن أب هريرة رضي ال عنه عن النب صلى ال عليه وسلم قال‪ " :‬إذا قضى ال‬
‫ال مر ف ال سماء ضر بت اللئ كة بأجنحت ها خضعانا لقوله‪ ،‬كأ نه سلسلة على صفوان‪ ،‬ينفذ هم‬
‫ذلك‪ ،‬ح ت إذا فزع عن قلوب م قالوا‪ :‬ماذا قال رب كم ؟ قالوا‪ :‬ال ق و هو العلي ال كبي‪ ،‬في سمعها‬
‫م سترق ال سمع وم سترق ال سمع هكذا بع ضه فوق ب عض‪ .‬و صفة سفيان بك فه فحرف ها وبدد ب ي‬
‫أ صابعه في سمع الكل مة فيلقي ها إل من ت ته‪ ،‬ث يلقي ها ال خر إل أن ت ته‪ ،‬ح ت يلقي ها على ل سان‬
‫الساحر أو الكاهن‪،‬فربا أدركه الشهاب قبل من يلقيها‪ ،‬وربا ألقاها قبل أن يدركه‪ ،‬فيكذب معها‬
‫مائة كذ بة‪ ،‬فيقال‪ :‬أل يس قد قال ل نا اليوم كذا وكذا‪ :‬وكذا و كذا ؟ في صدق بتلك الكل مة ال ت‬
‫سعت من السماء ") ‪:‬‬

‫قوله‪ :‬ف الصحيح أي صحيح البخاري‪.‬‬

‫قوله‪ :‬إذا قضي ال المر ف السماء أي إذا تكلم ال بالمر الذي يوحيه إل جبيل با أراد‪ ،‬كما صرح‬
‫به ف الديث الت‪،‬وكما روى سعيد بن منصور وأبو داود وابن جرير عن ابن مسعود " إذا تكلم ال‬
‫بالوحي سع أهل السموات صلصة كجر السلسلة على الصفوان "‪.‬‬

‫وروى ابن أب حات وابن مردويه عن ابن عباس قال‪ :‬لا أوحي البار إل ممد صلى ال عليه وسلم‬
‫دعا الرسول من اللئكة ليبعثه بالوحي‪ ،‬فسمعت اللئكة صوت البار يتكلم بالوحي‪ .‬فما كشف عن‬
‫قلوبم سألوا عما قال ال‪ .‬فقالوا‪ :‬الق‪ .‬وعلموا أن ال ل يقول إل حقا ‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ضربت اللئكة بأجنحتها خضعانا لقوله أي لقول ال تعال‪ .‬قال الافظ‪ :‬خضعانا بفتحتي من‬
‫الضوع‪ .‬وف رواية بضم أوله وسكون ثانيه‪ .‬وهو مصدر بعن خاضعي‪.‬‬

‫قوله‪ :‬كأنه سلسلة على صفوان أي كأن الصوت السموع سلسلة على صفوان وهو الجر الملس‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ينفذههم ذلك ههو بفتهح التحتيهة وسهكون النون وضهم الفاء والذال العجمهة ذلك أي القول‪،‬‬
‫والضم ي ف ينفذ هم للملئ كة‪،‬أي ين فذ ذلك القول اللئ كة أي يلص ذلك القول وي ضي في هم ح ت‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪108‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫يفزعوا منه‪ .‬وعند ابن مردويه من حديث ابن عباس فل ينل على أهل ساء إل صعقوا وعند أب داود‬
‫وغيه مرفوعا "إذا تكلم ال بالوحهي سهع أههل السهماء الدنيها صهلصلة كجهر السهلسلة على الصهفا‬
‫فيصعقون‪ ،‬فل يزالون كذلك حت يأتيهم جبيل " الديث‪.‬‬

‫قوله‪ :‬حت إذا فزع عن قلوبم تقدم معناه‪.‬‬

‫قوله‪ :‬قالوا ماذا قال ربكم ؟ قالوا الق أي قالوا‪ :‬قال ال الق‪ ،‬علموا أن ال ل يقول إل الق‪.‬‬

‫قوله‪ :‬فيسمعها مسترق السمع أي يسمع الكلمة الت قضاها ال‪ ،‬وهم الشياطي يركب بعضهم بعضا‪.‬‬
‫و ف صحيح البخاري عن عائ شة مرفوعا‪ " :‬إن اللئ كة تنل ف العنان و هو ال سحاب فتذ كر ال مر‬
‫قضى ف السماء‪ ،‬فتسترق الشياطي السمع‪ ،‬فتوجه إل الكهان"‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ومسترق السمع هكذا وصفه سفيان بكفه أي وصف ركوب بعضهم فوق بعض‪.‬‬

‫وسفيان هو ابن عيينة أبو ممد اللل الكوف ث الكي‪ ،‬ثقة حافظ‪ ،‬فقيه‪ ،‬إمام حجة‪ ،‬مات سنة ثان‬
‫وتسعي ومائة وله إحدى وتسعون سنة‪.‬‬

‫قوله‪ :‬فحرفها باء مهملة وراء مشددة وفاء‪ .‬قوله‪ :‬وبدد أي فرق بي أصابعه‪.‬‬
‫قوله‪ :‬فيسمع الكلمة فيلقيها إل من تته أي يسمع الفوقان الكلمة فيلقيها إل آخر تته‪ ،‬ث يلقيها إل‬
‫من تته حت يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن‪.‬‬

‫قوله‪ :‬فرب ا أدر كه الشهاب ق بل أن يلقي ها الشهاب هو الن جم الذي ير مي به‪ ،‬أي رب ا أدرك الشهاب‬
‫السترق‪ ،‬وهذا يدل على أن الرمي بالشهب قبل البعث‪ .‬لا روى أحد وغيه والسياق له ف السند من‬
‫طر يق مع مر ‪ :‬أنبأ نا الزهري عن علي بن ال سي عن ا بن عباس قال كان ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫وسلم جالسا ف نفر من أصحابه قال عبد الرزاق‪ :‬من النصار قال‪ :‬فرمى بنجم عظيم‪ ،‬فاستنار‪ ،‬قال‪:‬‬
‫مها كنتهم تقولون إذا كان مثهل هذا فه الاهليهة ؟ قال‪ :‬كنها نقول‪ :‬لعله يولد عظيهم أو يوت‪ ،‬قلت‬
‫للزهري‪ :‬أكان يرمى با ف الاهلية ؟ قال نعم‪ ،‬ولكن غلظت حي بعث النب صلى ال عليه وسلم‬
‫قال‪ :‬فإنا ل يرمى با لوت أحد ول لياته‪ ،‬ولكن ربنا تبارك اسه إذا قضى أمرا سبح حلة العرش‪ ،‬ث‬
‫سبح أهل السماء الذين يلونم ث الذين يلونم‪ ،‬حت يبلغ التسبيح هذه السماء الدنيا‪ .‬ث يستخب أهل‬
‫السهماء الذيهن يلون حلة العرش‪ ،‬فيقول الذيهن يلون حلة العرش لملة العرش‪ :‬ماذا قال ربكهم ؟‬
‫فيخبونم‪ ،‬ويب أهل كل ساء حت ينتهي الب إل هذه السماء‪ ،‬وتطف الن السمع فيمون‪ ،‬فما‬
‫جاءوا به على وجهه فهو حق‪ ،‬ولكنهم يقرفون فيه ويزيدون ‪ .‬قال عبد ال‪ :‬قال أب‪ :‬قال عبد الرزاق‬
‫ويطف الن ويرمون وف رواية له لكنهم يزيدون فيه ويقرفون وينقصون ‪.‬‬

‫قوله‪ :‬فيكذب معها مائة كذبة أي الكاهن أو الساحر‪.‬‬


‫وكذبة بفتح الكاف وسكون الذال العجمة‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪109‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪ :‬أليهس قهد قال لنها يوم كذا وكذا‪ :‬وكذا وكذا ؟ هكذا فه نسهخة بطه الصهنف‪ ،‬وكالذي فه‬
‫صحيح البخاري سواء‪.‬‬

‫قال الصنف‪ :‬وفيه قبول النفوس للباطل‪ ،‬كيف يتعلقون بواحدة ول يعتبون بائة كذبة ؟ ‪.‬‬

‫وفيه‪ :‬أن الشئ إذا كان فيه شئ من الق فل يدل على أنه حق كله‪ ،‬فكثيا ما يلبس أهل الضلل الق‬
‫بالباطل ليكون أقبل لباطلهم‪ ،‬قال تعال‪" :‬ول تلبسوا الق بالباطل وتكتموا الق وأنتم تعلمون "‪.‬‬

‫و ف هذه الحاد يث و ما بعد ها و ما ف معنا ها‪ :‬إثبات علو ال تعال على خل قه على ما يل يق بلله‬
‫وعظمته‪ ،‬وأنه تعال ل يزل متكلما إذا شاء بكلم يسمعه اللئكة‪ ،‬وهذا قول أهل السنة قاطبة سلفا‬
‫وخلفا‪ .‬خلفا للشاعرة والهمية‪ ،‬ونفاة العتزلة‪ .‬فإياك أن تلتفت إل مازخرفه أهل التعطيل‪ ،‬وحسبنا‬
‫ال ونعم الوكيل‪.‬‬

‫قوله‪( :‬و عن النواس بن سعان قال‪ :‬قال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم " إذا أراد ال تعال أن‬
‫يو حي بال مر تكلم بالو حي أخذت ال سموات م نه رج فة أو قال رعدة شديدة خوفا من ال عز‬
‫وجل‪ .‬فإذا سع ذلك أهل السموات صعقوا وخروا ل سجدا فيكون أول من يرفع رأسه جبيل‪،‬‬
‫فيكلمه ال من وحيه با أراد‪ ،‬ث ير جبيل على اللئكة‪ ،‬كلما مر بسماء سأله ملئكتها‪ :‬ماذا قال‬
‫ربنا يا جبيل ؟ فيقول جبيل‪ :‬قال الق‪ ،‬وهو العلي الكبي‪ .‬فيقولون كلهم مثل ما قال جبيل‪،‬‬
‫فينتهي جبيل بالوحي إل حيث أمره ال عز وجل") ‪:‬‬

‫هذا الديث رواه ابن أب حات بسنده كما ذكره العماد ابن كثي ف تفسيه‪.‬‬

‫النواس بن سعان‪ ،‬بكسر السي‪ ،‬بن خالد الكلب‪ ،‬ويقال‪ :‬النصاري صحاب‪ .‬ويقال‪ :‬إن أباه صحاب‬
‫أيضا‪.‬‬

‫قوله‪ :‬إذا أراد ال أن يوحهي بالمهر إل آخره‪ .‬فيهه النهص على أن ال تعال يتكلم بالوحهي‪ .‬وهذا مهن‬
‫حجة أهل السنة على النفاة‪ :‬ل يزل ال متكلما إذا شاء‪.‬‬

‫قوله‪ :‬أخذت ال سموات م نه رج فة ال سموات مفعول مقدم‪ ،‬والفا عل رج فة أي أ صاب ال سموات من‬
‫كلمه تعال رجفة‪ ،‬أي ارتفت‪ .‬وهو صريح ف أنا تسمع كلمه تعال‪ ،‬كما روى ابن أب حات عن‬
‫عكرمة‪ .‬قال إذا قضى ال أمرا تكلم تبارك وتعال رجفت السموات والرض والبال‪ ،‬وخرت اللئكة‬
‫كلهم سجدا ‪.‬‬

‫قوله‪ :‬أو قال رعدة شديدة شك من الراوي‪ .‬هل قال النب صلى ال عليه وسلم رجفة‪ ،‬أو قال رعدة‪.‬‬
‫والراء مفتوحة فيهما‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪110‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪ :‬خوفا من ال عز وجل وهذا ظاهر ف أن السموات تاف ال‪ ،‬با يعل تعال فيها من الحساس‬
‫ومعر فة من خلق ها‪ .‬و قد أ خب تعال أن هذه الخلوقات العظي مة ت سبحه ك ما قال تعال‪ " :‬ت سبح له‬
‫ال سماوات السبع والرض و من في هن وإن من ش يء إل ي سبح بمده ولكن ل تفقهون تسبيحهم إ نه‬
‫كان حليما غفورا " وقال تعال‪ " :‬تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الرض وتر البال هدا " وقال‬
‫تعال‪ " :‬وإن من ها ل ا يه بط من خش ية ال " و قد قرر العل مة ا بن الق يم رح ه ال أن هذه الخلوقات‬
‫تسبح ال وتشاه حقيقة‪ ،‬مستدلً بذه اليات وما ف معناها‪.‬‬

‫وف البخاري عن ابن مسعود قال كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل وف حديث أب ذر " أن النب‬
‫صلى ال عليه وسلم أخذ ف يده حصيات‪ ،‬فسمع لن تسبيح‪ "...‬الديث ‪ .‬وف الصحيح قصة حني‬
‫الذع الذي كان يطب عليه النب صلى ال عليه وسلم قبل اتاذ النب‪ .‬ومثل هذا كثي‪.‬‬

‫قوله‪ :‬صعقوا وخروا ل سجدا الصعوق هو الغشي‪ ،‬ومعه السجود‪.‬‬

‫قوله‪ :‬فيكون أول من ير فع رأ سه جب يل بن صب أول خب يكون مقدم على ا سها‪ .‬ويوز الع كس‪.‬‬
‫ومعن جبيل‪ :‬عبد ال‪،‬كما روى ابن جرير وغيه عن على ابن السي قال‪ :‬كان اسم جبيل‪ :‬عبد‬
‫ال‪ ،‬واسم ميكائيل عبيد ال‪ ،‬وإسرافيل عبد الرحن‪ .‬وكل شئ رجع إل ايل فهو معبد ل عز وجل‪.‬‬
‫وفيه فضيلة جبيل عليه السلم‪ .‬كما قال تعال‪ " - :‬إنه لقول رسول كري * ذي قوة عند ذي العرش‬
‫مكي * مطاع ث أمي "‪.‬‬

‫قال ابن كثي رحه ال تعال‪ :‬إن هذا القرآن لتبليغ رسول كري‪ .‬وقال أبو صال ف الية جبيل يدخل‬
‫ف سبعي حجابا من نور بغي إذن ‪.‬‬

‫ولحد بإسناد صحيح عن ابن مسعود قال رأى رسول ال صلى ال عليه وسلم جبيل ف صورته وله‬
‫ستمائة جناح‪ ،‬كل جناح منها قد سد الفق‪ ،‬يسقط من جناحه من التهاويل والدر والياقوت ما ال به‬
‫عل يم فإذا كان هذا ع ظم هذه الخلوقات فخالف ها أع ظم وأ جل وأ كب‪ .‬فك يف ي سوى به غيه ف‬
‫العبادة‪ :‬دعاء وخوفا ورجاء وتوكلً وغ ي ذلك من العبادات ال ت ل ي ستحقها غيه ؟ فان ظر إل حال‬
‫اللئكة وشدة خوفهم من ال تعال‪ ،‬وقد قال تعال‪ " _ :‬بل عباد مكرمون * ل يسبقونه بالقول وهم‬
‫بأمره يعملون * يعلم ما بي أيديهم وما خلفهم ول يشفعون إل لن ارتضى وهم من خشيته مشفقون‬
‫* ومن يقل منهم إن إله من دونه فذلك نزيه جهنم كذلك نزي الظالي "‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ث ينتهي جبيل بالوحي إل حيث أمره ال عز وجل من السماء والرض وهذا تام الديث‪.‬‬

‫واليات الذكورة فه هذا الباب والحاديهث تقرر التوحيهد الذي ههو مدلول شهادة أن ل إله إل ال‪،‬‬
‫فإن اللك العظيم الذي تصعق الملك من كلمه خوفا منه ومهابة وترجف منه الخلوقات‪ ،‬الكامل ف‬
‫ذاته وصفاته‪ ،‬وعلمه وقدرته وملكه وعزه‪ ،‬وغناه عن جيع خلقه‪ ،‬وافتقارهم جيعا إليه‪ ،‬ونفوذ تصرفه‬
‫وقدره فيهم لعلمه وحكمته‪ ،‬ل يوز شرعا ول عقلً أن يعل له شريك من خلقه ف عبادته الت هي‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪111‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫حقه عليهم‪ ،‬فكيف يعل الربوب ربا‪ ،‬والعبد معبودا ؟ أين ذهبت عقول الشركي ؟ سبحان ال عما‬
‫يشركون‪.‬‬

‫وقال تعال‪ " :‬إن كل من ف السموات والرض إل آت الرحن عبدا " من أولم إل آخرهم تزجرهم‬
‫عن ذلك الشرك وتنهاهم عن عبادة ما سوى ال‪ .‬انتهى من شرح سنن ابن ماجه‪.‬‬

‫باب‬
‫الشفاعة‬
‫قوله‪ ( :‬باب الشفاعة ) ‪:‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪112‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫أي بيان ما أثبته القرآن منها وما نفاه‪ .‬وحقيقة ما دل القرآن على إثباته‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وقول ال عز وجل‪ " :‬وأنذر به الذين يافون أن يشروا " ) ‪:‬‬

‫الخافة والتحذير منها‪.‬‬

‫قوله‪ :‬به قال ا بن عباس بالقرآن " الذ ين يافون أن يشروا إل ربم " و هم الؤمنون وعن الفض يل بن‬
‫عياض ليس كل خلقه عاتب‪ ،‬إنا عاتب الذين يعقلون‪ ،‬فقال‪ " :‬وأنذر به الذين يافون أن يشروا إل‬
‫ربم " وهم الؤمنون أصحاب العقول الواعية ‪.‬‬

‫قوله‪ "( :‬ليس لم من دونه ول ول شفيع ") ‪:‬‬

‫قال الزجاج‪ :‬مو ضع ل يس ن صب على الال‪ ،‬كأ نه قال‪ :‬متخل ي من كل ول وشف يع‪ .‬والعا مل ف يه‬
‫يافون‪.‬‬

‫ل ينجيهم ال به من عذاب يوم القيامة‪.‬‬


‫قوله‪ :‬لعلهم يتقون؛ أي فيعملون ف هذه الدار عم ً‬

‫وقوله‪ " :‬قل ل الشفاعة جيعا " وقبلها " أم اتذوا من دون ال شفعاء قل أو لو كانوا ل يلكون شيئا‬
‫ول يعقلون " وهذه كقوله تعال‪ " :‬ويعبدون مهن دون ال مها ل يضرههم ول ينفعههم ويقولون هؤلء‬
‫شفعاؤنا عند ال قل أتنبئون ال با ل يعلم ف السموات ول ف الرض سبحانه وتعال عما يشركون "‬
‫فبي تعال ف هذه اليات وأمثالا أن وقوع الشفاعة على هذا الوجه منتف ومتنع‪ ،‬وأن اتاذهم شفعاء‬
‫شرك‪ ،‬يتنه الرب تعال ع نه‪ .‬و قد قال تعال‪ " :‬فلول ن صرهم الذ ين اتذوا من دون ال قربانا آلة بل‬
‫ضلوا عن هم وذلك إفك هم و ما كانوا يفترون " فبي تعال أن دعوا هم أن م يشفعون ل م بتأليه هم‪ .‬إن‬
‫ذلك منهم إفك وافتراء‪.‬‬

‫وقوله تعال‪ " :‬قل ل الشفاعة جيعا " أي هو مالكها‪ ،‬فليس لن تطلب منه شئ منها‪ ،‬وإنا تطلب من‬
‫يلكها دون كل من سواه‪ ،‬لن ذلك عبادة وتأليه ل يصلح إل ل‪.‬‬

‫قال البيضاوي‪ :‬لعله رد لا عسى أن ييبوا به‪ ،‬وهو أن الشفعاء أشخاص مقربون‪.‬‬

‫وقوله تعال‪ " :‬له ملك السهموات والرض " تقريهر لبطلن اتاذ الشفعاء مهن دونهه‪ ،‬لنهه مالك‬
‫اللك‪،‬فاندرج ف ذلك ملك الشفا عة‪،‬فإذا كان هو مالك ها ب طل أن تطلب م ن ل يلك ها ‪ " :‬من ذا‬
‫الذي يشفع عنده إل بإذنه " ‪ " :‬ول يشفعون إل لن ارتضى "‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪113‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قال ابن جرير ‪ :‬نزلت لا قال الكفار‪ :‬ما نعبد أوثاننا هذه إل ليقربونا إل ال زلفى قال ال تعال‪ " :‬له‬
‫ملك السموات والرض ث إليه ترجعون "‪.‬‬
‫قال‪( :‬وقوله ‪ " :‬من ذا الذي يشفع عنده إل بإذنه ") ‪:‬‬

‫قد تبي ما تقدم من اليات أن الشفاعة الت نفاها القرآن هي الت تطلب من غي ال‪ .‬وف هذه الية‬
‫بيان أن الشفاعة إنا تقع ف الدار الخرة بإذنه‪ ،‬كما قال تعال‪ " :‬يومئذ ل تنفع الشفاعة إل من أذن له‬
‫الرحن ورضي له قول " فبي أنه ل تقع لحد إل بشرطي‪ :‬إذن الرب تعال للشافع أن يشفع‪ ،‬ورضاه‬
‫عن الأذون بالشفا عة ف يه‪ ،‬و هو تعال ل ير ضى من القوال والعمال الظاهرة والباط نة إل ما أريد به‬
‫وج هه‪ ،‬ول قى الع بد به ر به مل صا غ ي شاك ف ذلك‪ ،‬ك ما دل على ذلك الد يث الصحيح‪ .‬و سيأت‬
‫ذلك مقررا أيضا ف كلم شيخ السلم رحه ال‪.‬‬

‫وقوله‪ " :‬وكم من ملك ف السموات ل تغن شفاعتهم شيئا إل من بعد أن يأذن ال لن يشاء ويرضى‬
‫" قال ابن كثي رحه ال " وكم من ملك ف السموات ل تغن شفاعتهم شيئا إل من بعد أن يأذن ال‬
‫لن يشاء ويرضى " كقوله " من ذا الذي يشفع عنده إل بإذنه " " ول تنفع الشفاعة عنده إل لن أذن‬
‫له " فإذا كان هذا ف حق اللئكة القربي‪ ،‬فكيف ترجون أيها الاهلون شفاعة هذه النداد عند ال‪،‬‬
‫وهو ل يشرع عبادتا ول أذن فيها‪ ،‬بل قد نى عنها على ألسنة جيع رسله‪ ،‬وأنزل بالنهي عن ذلك‬
‫جيع كتبه ؟‬

‫قال‪ ( :‬وقوله تعال‪ " :‬قل ادعوا الذين زعمتم من دون ال ل يلكون مثقال ذرة ف السماوات ول‬
‫ف الرض وما لم فيهما من شرك وما له منهم من ظهي * ول تنفع الشفاعة عنده إل لن أذن له‬
‫") ‪:‬‬

‫قال ابهن القيهم رحهه ال تعال فه الكلم على هذه اليات‪ :‬وقهد قطهع ال السهباب الته يتعلق باه‬
‫الشركون جيعها‪ .‬فالشرك إنا يتخذ معبوده لا يصل له من النفع‪ ،‬والنفع ل يكون إل من فيه خصلة‬
‫من هذه الر بع‪ :‬إ ما مالك ل ا ير يد عابده م نه‪،‬فإن ل ي كن مالكا كان شريكا للمالك‪ ،‬فإن ل ي كن‬
‫شريكا له كان معينا له وظهيا‪ ،‬فإن ل يكهن معنيا ول ظهيا كان شفيعا عنده‪ .‬فنفهى ال سهبحانه‬
‫ل من العلى إل الدن‪ ،‬فنفى اللك والشركة والظاهرة والشفاعة الت‬ ‫الراتب الربع نفيا مرتبا‪ ،‬متنق ً‬
‫يطلب ها الشرك‪ ،‬وأث بت شفا عة ل ن صيب في ها لشرك‪ ،‬و هي الشفا عة بإذ نه‪ .‬فك فى بذه ال ية نورا‬
‫وبرهانا وتريدا للتوحيد‪ ،‬وقطعا لصول الشرك ومواده لن عقلها‪ .‬والقرآن ملوء من أمثالا ونظائرها‪،‬‬
‫ولكن أكثر الناس ل يشعرون بدخول الواقع تته وتضمنه له‪ ،‬ويظنونا ف نوع وقوم قد خلوا من قبل‬
‫ول يعقبوا وارثا‪ ،‬فهذا ههو الذي يول بيه القلب وبيه فههم القرآن‪ .‬ولعمهر ال‪ ،‬إن كان أولئك قهد‬
‫خلوا فقد ورثهم من هو مثلهم أو شر منهم أو دونم‪ ،‬وتناول القرآن لم كتناوله لولئك‪.‬‬

‫ث قال‪ :‬ومن أنوا عه أي الشرك طلب الوائج من الو تى وال ستغاثة ب م‪ ،‬وهذا أصل شرك العال‪ .‬فإن‬
‫اليت قد انقطع عمله وهو ل يلك لنفسه نفعا ول ضرا‪ ،‬فضلً عمن استغاث به وسأله أن يشفع له إل‬
‫ال‪ .‬وهذا من جهله بالشافع والشفوع عنده‪ .‬فإنه ل يقدر أن يشفع له عند ال إل بإذنه‪ ،‬وال ل يعل‬
‫استغاثته وسؤاله سببا لذنه‪ ،‬فإنه ل يقدر أن يشفع له عند ال إل بإذنه‪ ،‬وال ل يعل استغاثته وسؤاله‬
‫سببا لذنه‪ ،‬وإنا السبب كمال التوحيد‪ ،‬فجاء هذا الشرك بسبب ينع الذن‪ ،‬وهو بنلة من استعان ف‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪114‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫حاجته با ينع حصولا‪ .‬وهذه حالة كل مشرك‪ ،‬فجمعوا بي الشرك بالعبود وتغيي دينه‪ ،‬ومعاداة أهل‬
‫التوحيد‪ ،‬ونسبة أهله إل التنقص بالموات‪ ،‬وهم قد تنقصوا الالق بالشرك‪ ،‬وأولياءه الوحدين بذمهم‬
‫وعيب هم ومعادات م‪ ،‬وتنق صوا من أشركوا به غا ية التن قص‪ ،‬إذا ظنوا أن م راضون من هم بذا‪ ،‬وأن م‬
‫أمروهم به‪ ،‬وأنم يوالونم عليه‪ ،‬وهؤلء هم أعداء الرسل ف كل زمان ومكان‪ ،‬وما أكثر الستجيبي‬
‫لم‪ ،‬وما نى من شرك هذا الشرك الكب إل من جرد توحيده ل‪ ،‬وعادى الشركي ف ال‪ ،‬وتقرب‬
‫بقت هم إل ال‪ ،‬وات ذ ال وحده ول يه وإل ه ومعبوده‪ .‬فجرد ح به ل وخو فه ل‪ ،‬ورجاءه ل‪ ،‬وذله ل‪،‬‬
‫وتوكله على ال‪ ،‬واسهتعانته بال‪ ،‬والتجاءه إل ال‪ ،‬واسهتغاثته بال‪ ،‬وقصهده ل‪ ،‬متبعا لمره متطلبا‬
‫لرضاته‪ ،‬إذا سأل سأل ال‪ ،‬وإذا استعان استعان بال‪ ،‬وإذا عمل عمل ل‪ .‬فهو ل وبال ومع ال‪ .‬انتهى‬
‫كلمه رحه ال تعال‪.‬‬

‫وهذا الذي ذكره هذا المام ف معن الية هو حقيقة دين السلم‪ ،‬كما قال تعال‪ " :‬ومن أحسن دينا‬
‫من أسلم وجهه ل وهو مسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتذ ال إبراهيم خليلً "‪.‬‬

‫قوله‪ :‬قال أبو العباس هذه كنية شيخ السلم أحد بن عبد الليم بن عبد السلم ابن تيمية الران إمام‬
‫السلمي رحه ال‪.‬‬

‫نفى ال عما سواه كل ما يتعلق به الشركون‪ ،‬فنفى أن يكون لغيه ملك أو قسط منه‪ ،‬أو يكون عونا‬
‫ل‪ .‬فلم يبق إل الشفاعة‪ .‬فبي أنا ل تنفع إل لن أذن له الرب‪ ،‬كما قال تعال‪ " :‬ول يشفعون إل لن‬
‫ارت ضى " فهذه الشفا عة ال ت يظن ها الشركون هي منتف ية يوم القيا مة ك ما نفا ها القرآن‪ ،‬وأ خب ال نب‬
‫صلى ال عليه وسلم أنه يأت فيسجد لربه ويمده‪ ،‬ل يبدأ بالشفاعة أولً‪ .‬ث يقال له‪ :‬ارفع رأسك وقل‬
‫يسمع‪ ،‬وسل تعطه‪ ،‬واشفع تشفع ‪ .‬وقال له أبو هريرة "من أسعد الناس بشفاعتك ؟ قال‪ :‬من قال ل‬
‫إله إل ال خالصها مهن قلبهه " فتلك الشفاعهة لههل الخلص بإذن ال‪ ،‬ول تكون لنه أشرك بال‪،‬‬
‫وحقيقت ها‪ :‬أن ال سبحانه وتعال هو الذي يتف ضل على أ هل الخلص‪ ،‬فيغ فر ل م بوا سطة دعاء من‬
‫أذن له أن يش فع ليكر مه وينال القام الحمود‪ .‬فالشفا عة ال ت نفا ها القرآن ما كان في ها شرك‪ ،‬ولذا‬
‫أث بت الشفا عة بإذ نه ف موا ضع‪ ،‬و قد ب ي ال نب صلى ال عل يه و سلم أن ا ل تكون إل ل هل التوح يد‬
‫والخلص انتهى ‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وقال أبو هريرة إل آخره‪ .‬هذا الديث رواه البخاري والنسائي عن أب هريرة ورواه أحد‬
‫وصححه ابن حبان وفيه " وشفاعت لن قال ل إله إل ال ملصا‪ ،‬يصدق قلبه لسانه‪ ،‬ولسانه قلبه"‬
‫وشاهده ف صحيح مسلم عن أب هريرة قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم " لكل نب دعوة‬
‫مستجابة‪ ،‬فتجعل كل نب دعوته‪ ،‬وإن اختبأت دعوت شفاعة لمت يوم القيامة‪ .‬فهي نائلة إن شاء‬
‫ال من مات ل يشرك بال شيئا ") ‪:‬‬

‫وقد ساق الصنف رحه ال كلم شيخ السلم هنا‪ ،‬فقام مقام الشرح والتفسي لا ف هذا الباب من‬
‫اليات‪ ،‬وهو كاف واف بتحقيق مع الياز‪ .‬وال أعلم‪.‬‬

‫وقد عرف الخلص بتعريف حسن فقال‪ :‬الخلص مبة ال وحده وإرادة وجهه‪ .‬ا هه‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪115‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وقال ابن القيم رحه ال ف معن حديث أب هريرة‪ :‬تأمل هذا الديث كيف جعل أعظم السباب الت‬
‫تنال ب ا شفاع ته تر يد التوح يد‪ ،‬ع كس ما ع ند الشركي أن الشفا عة تنال باتاذ هم شفعاء وعبادت م‬
‫وموالتم‪ ،‬فقلب ال نب صلى ال عل يه و سلم ما ف زعمهم الكاذب‪ ،‬وأ خب أن سبب الشفا عة تر يد‬
‫التوح يد‪ ،‬فحينئذ يأذن ال للشافع أن يشفع ومن جهل الشرك اعتقاده أن من اتذه وليا أو شفيعا أنه‬
‫يش فع له وينف عه ع ند ال‪ ،‬ك ما يكون خواص الولة واللوك تن فع من وال هم ول يعلموا أ نه ل يش فع‬
‫عنده أحد إل بإذنه ف الشفاعة‪ ،‬ول يأذن ف الشفاعة إل لن رضى قوله وعمله‪ ،‬كما قال ف الفصل‬
‫الول ‪ " :‬من ذا الذي يش فع عنده إل بإذ نه " و ف الف صل الثا ن ‪ " :‬ول يشفعون إل ل ن ارت ضى "‬
‫وبقى فصل ثالث‪ ،‬وهو أنه ل يرضى من القول والعمل إل توحيده واتباع رسوله صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫فهذه ثلثة فصول تقطع شجرة الشرك من قلب من عقلها ووعاها‪ .‬ا هه‪.‬‬

‫وذكر أيضا رحه ال تعال أن الشفاعة ستة أنواع‪:‬‬


‫الول‪ :‬الشفا عة ال كبى ال ت يتأ خر عن ها أولو العزم عليهم ال صلة وال سلم ح ت تنت هي إل يه صلى ال‬
‫عليه وسلم فيقول‪ :‬أنا لا وذلك حي يرغب اللئق إل النبياء ليشفعوا لم إل ربم حت يريهم من‬
‫مقامهم ف الوقف‪ .‬وهذه شفاعة يتص با ل يشركه فيها أحد‪.‬‬
‫الثان‪ :‬شفاعته لهل النة ف دخولا‪ .‬وقد ذكرها أبو هريرة ف حديثه الطويل التفق عليه‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬شفاعته لقوم من العصاة من أمته قد استوجبوا النار بذنوبم‪ ،‬فيشفع لم أن ل يدخلوها‪.‬‬
‫الرا بع‪ :‬شفاع ته ف العصاة من أ هل التوحيد الذي يدخلون النار بذنوب م‪ .‬والحاد يث ب ا متواترة عن‬
‫النب صلى ال عليه وسلم‪ .‬وقد أجع عليها الصحابة وأهل السنة قاطبة وبدعوا من أنكرها‪ ،‬وصاحوا به‬
‫من كل جانب ونادوا عليه بالضلل‪.‬‬
‫الا مس‪ :‬شفاع ته لقوم من أ هل ال نة ف زيادة ثواب م ورفعة درجات م‪ ،‬وهذه م ا ل ينازع في ها أ حد‪.‬‬
‫وكل ها مت صة بأ هل الخلص الذ ين ل يتخذوا من دون ال وليا ول شفيعا‪ ،‬ك ما قال تعال‪ " :‬وأنذر‬
‫به الذين يافون أن يشروا إل ربم ليس لم من دونه ول ول شفيع "‪.‬‬
‫السادس‪ :‬شفاعته ف بعض أهل الكفار من أهل النار حت يفف عذابه وهذه خاصة بأب طالب وحده‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪116‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫باب‬
‫إنك ل تدي من أحببت‬

‫قوله‪( :‬باب قول ال تعال‪ " :‬إنسك ل تدي مسن أحببست ولكسن ال يهدي مسن يشاء وهسو أعلم‬
‫بالهتدين ") ‪:‬‬

‫سبب نزول هذه الية‪ ،‬موت أب طالب على ملة عبد الطلب‪ ،‬كما سيأت بيان ذلك ف حديث الباب‪.‬‬

‫قال ابن كثي رحه ال تعال‪ :‬يقول تعال لرسوله‪ :‬إنك يا ممد ل تدي من أحببت‪ ،‬أي ليس إليك‬
‫ذلك‪ ،‬إنا عليك البلغ وال يهدي من يشاء‪ .‬وله الكمة البالغة‪ ،‬والجة الدامغة‪ ،‬كما قال تعال‪" :‬‬
‫ليس عليك هداهم ولكن ال يهدي من يشاء " وقال تعال‪ " :‬وما أكثر الناس ولو حرصت بؤمني "‪.‬‬

‫قلت‪ :‬والنفى هنا هداية التوفيق والقبول‪ ،‬فإن أمر ذلك إل ال‪ ،‬وهو القادر عليه‪ .‬وأما الداية الذكورة‬
‫ف قول ال تعال‪ " :‬وإنك لتهدي إل صراط مستقيم " فإن ا هدا ية الدللة والبيان‪ ،‬فهو البي عن ال‬
‫والدال على دينه وشرعه‪.‬‬

‫وقوله‪( :‬ف الصحيح عن ابن السيب عن أبيه قال‪ " :‬لا حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول ال‬
‫صلى ال عل يه و سلم وعنده ع بد ال بن أ ب أم ية وأ بو ج هل‪ ،‬فقال له‪ :‬يا عم قل ل إله إل ال‪،‬‬
‫كل مة أحاج با ع ند ال‪ .‬فقال له‪ :‬أتر غب عن ملة ع بد الطلب ؟ فأعاد عليه ال نب صلى ال عل يه‬
‫وسلم‪ ،‬فأعاد‪ .‬فكان أخر ما قال‪ :‬هو على ملة عبد الطلب‪ .‬وأب أن يقول ل إله إل ال‪ .‬فقال النب‬
‫صلى ال عليه وسلم لستغفرن لك مال أنه عنك "‪ .‬فأنزل ال عز وجل ‪ " :‬ما كان للنب والذين‬
‫آمنوا أن ي ستغفروا للمشرك ي ولو كانوا أول قر ب من ب عد ما تبي ل م أن م أ صحاب الح يم "‬
‫وأنزل ال ف أب طالب‪ " :‬إنك ل تدي من أحببت ولكن ال يهدي من يشاء ") ‪:‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪117‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪ :‬ف الصحيح أي ف الصحيحي‪ .‬وابن السيب هو سعيد بن السيب بن حزن بن أب وهب بن‬
‫عمر بن عائذ بن عمران بن مزوم القرشي الخزومي‪ ،‬أحد العلماء والفقهاء الكبار السبعة من التابعي‪.‬‬
‫اتفق أ هل الديث على أن مرا سيله أصح الرا سيل‪ .‬وقال ابن الدين‪ :‬ل أعلم ف التابع ي أوسع علما‬
‫منه‪ .‬مات بعد التسعي وقد ناهز الثماني‪.‬‬

‫وأ بو ال سيب صحاب‪ ،‬ب قى إل خل فة عثمان ر ضي ال ع نه‪ ،‬وكذلك جده حزن‪ ،‬صحاب ا ستشهد‬
‫باليمامة‪.‬‬

‫قوله‪ :‬لا حضرت أبا طالب الوفاة أي علماتا ومقدماتا‪.‬‬

‫قوله‪ :‬جاء ر سول ال صلى ال عل يه و سلم يت مل أن يكون ال سيب ح ضر مع الثن ي فإن ما من ب ن‬


‫مزوم‪ ،‬وهو أيضا مزومي‪ ،‬وكان الثلثة إذ ذاك كفارا‪ ،‬فقتل أبو جهل على كفره وأسلم الخران‪.‬‬

‫قوله‪ :‬يا عم منادي مضاف يوز ف يه إثبات الياء وحذف ها‪ ،‬حذ فت الياء ه نا‪ ،‬وبق يت الك سرة دليلً‬
‫عليها‪.‬‬

‫قوله‪ :‬قهل ل إله إل ال أمره أن يقولاه لعلم أبه طالب باه دلت عليهه مهن نفهى الشرك بال وإخلص‬
‫العبادة له وحده‪ ،‬فإن من قال ا عن علم ويق ي ف قد برىء من الشرك والشرك ي ود خل ف ال سلم‪.‬‬
‫لنم يعلمون ما دلت عليه‪ ،‬وف ذلك الوقت ل يكن بكة إل مسلم أو كافر‪ .‬فل يقولا إل من ترك‬
‫الشرك وبرىء م نه‪ .‬ول ا ها جر ال نب صلى ال عل يه و سلم وأ صحابه إل الدي نة كان في ها ال سلمون‬
‫الوحدون والنافقون الذين يقولونا بألسنتهم وهم يعرفون معناها‪ ،‬لكن ل يعتقدونا‪ ،‬لا ف قلوبم من‬
‫العداوة وال شك والر يب‪ ،‬ف هم مع ال سلمي بظا هر العمال دون البا طن‪ ،‬وفي ها اليهود‪ ،‬و قد أقر هم‬
‫ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ل ا ها جر‪ ،‬ووادع هم بأن ل يظاهروا عل يه عدوا ك ما هو مذكور ف‬
‫كتب الديث والسي‪.‬‬

‫قوله‪ :‬كل مة‪ :‬قال القر طب‪ :‬بالن صب على أ نه بدل من ل إله إل ال ويوز الر فع على أ نه خب مبتدأ‬
‫مذوف‪.‬‬

‫قوله‪ :‬أحاج لك با عند ال هو بتشديد اليم من الحاجة‪ ،‬والراد با بيان الجة با لو قالا ف تلك‬
‫الال‪ .‬وف يه دليل على أن العمال بالوات يم‪ ،‬لنه لو قالا ف تلك الال معتقدا ما دلت عل يه مطابقة‬
‫من النفي والثبات لنفعته‪.‬‬

‫قوله‪ :‬فقال له‪ :‬أترغب عن ملة عبد الطلب ذكراه الجة اللعونة الت يتج با الشركون على الرسلي‪،‬‬
‫كقول فرعون لوسى‪ " :‬فما بال القرون الول " وكقوله تعال‪ " :‬وكذلك ما أرسلنا من قبلك ف قرية‬
‫من نذير إل قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون "‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪118‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪ :‬فأعاد النب صلى ال عليه وسلم فأعادا فيه معرفتهما لعن ل إله إل ال لنما عرفا أن أبا طالب‬
‫لو قال ا لبىء من ملة ع بد الطلب‪ .‬فإن ملة ع بد الطلب هي الشرك بال ف إلي ته‪ .‬وأ ما الربوب ية فقد‬
‫أقروا ب ا ك ما تقدم‪ .‬و قد قال ع بد الطلب لبر هة‪ :‬أ نا رب ال بل‪ ،‬والب يت له رب ين عه م نك وهذه‬
‫القالة منهما عند قول النب صلى ال عليه وسلم لعمه‪ :‬قل ل إله إل ال استكبارا عن العمل بدلولا‪.‬‬
‫كما قال ال تعال عنهما وعن أمثالما من أولئك الشركي‪ " ، :‬إنم كانوا إذا قيل ل م ل إله إل ال‬
‫ي ستكبون * ويقولون أإ نا لتاركوا آلت نا لشا عر منون " فرد علي هم بقوله‪ " :‬بل جاء بال ق و صدق‬
‫الرسلي " فبي تعال أن استكبارهم عن قوله ل إله إل ال لدللتها على نفي عبادتم اللة الت كانوا‬
‫يعبدوناه مهن دون ال‪ .‬فإن دللة هذه الكلمهة على نفهي ذلك دللة تضمهن‪ ،‬ودللتهها عليهه وعلى‬
‫الخلص دللة مطابقة‪.‬‬

‫و من حك مة الرب تعال ف عدم هدا ية أ ب طالب إل ال سلم ل يبي لعباده أن ذلك إل يه‪ ،‬و هو القادر‬
‫عليه دون من سواه‪ ،‬فلو كان عند النب صلى ال عليه وسلم الذي هو أفضل خلقه من هداية القلوب‬
‫وتفريهج الكروب‪ ،‬ومغفرة الذنوب‪ ،‬والنجاة مهن العذاب‪ ،‬ونوه ذلك شهئ‪ ،‬لكان أحهق الناس بذلك‬
‫وأولهم به عمه الذي كان يوطه ويميه وينصره ويؤويه‪ ،‬فسبحان من برت حكمته العقول‪ ،‬وأرشد‬
‫العباد إل ما يدلم على معرفته وتوحيده‪ ،‬وإخلص العمل له وتريده‪.‬‬

‫قوله‪ :‬فكان آخر ما قال الحسن فيه الرفع على أنه اسم كان وجلة هو وما بعدها الب‪.‬‬

‫قوله‪ :‬هو على ملة ع بد الطلب الظا هر أن أ با طالب قال‪ :‬أ نا فغيه الراوى ا ستقباحا لل فظ الذكور‪،‬‬
‫وهو من التصرفات السنة‪ ،‬قاله الافظ‪.‬‬

‫قوله‪ :‬وأبه أن يقول ل إله إل ال قال الافهظ‪ :‬هذا تأكيهد مهن الراوى فه نفهي وقوع ذلك مهن أبه‬
‫طالب‪.‬‬

‫قال الصنف رحه ال‪ :‬وفيه الرد على من زعم إسلم عبد الطلب وأسلفه ومضرة أصحاب السوء على‬
‫النسان‪ ،‬ومضرة تعظيم السلف ‪.‬‬

‫أي إذا زاد على الشروع‪ ،‬بيث تعل أقوالم حجة يرجع إليها عند التنازع‪.‬‬

‫قوله‪ :‬فقال النب صلى ال عليه وسلم لستغفرن لك ما ل أنه عنك قال النووي‪ :‬وفيه جواز اللف من‬
‫غي استحلف‪ .‬وكان اللف هنا لتأكيد العزم على الستغفار تطييبا لنفس أب طالب‪.‬‬

‫وكانت وفاة أب طالب بكة قبل الجرة بقليل‪.‬‬

‫قال ا بن فارس‪ :‬مات أ بو طالب ولر سول ال صلى ال عل يه و سلم ت سع وأربعون سنة وثان ية أش هر‬
‫وأحد عشر يوما‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪119‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وتوفيت خدية أم الؤمني رضي ال عنها بعد موت أب طالب بثمانية أيام‪.‬‬

‫قوله‪ " :‬ما كان لل نب والذ ين آمنوا أن يستغفروا للمشركي ولو كانوا أول قرب " ال ية أي ما ينب غي‬
‫لم ذلك‪ .‬وهو خب بعن النهي‪ ،‬والظاهر أن هذه الية نزلت ف أب طالب‪ .‬فإن التيان بالفاء الفيدة‬
‫للترتيب ف قوله‪ :‬فأنزل ال بعد قوله لستغفرن لك ما ل أنه عنك يفيد ذلك‪.‬‬

‫وقد ذكر العلماء لنول الية الثانية فواضح ف قصة أب طالب‪ .‬وأما نزول الية الت قبلها ففيه نظر‪،‬‬
‫ويظهر أن الراد أن الية التعلقة بالستغفار نزلت بعد أب طالب بدة‪ ،‬وهي عامة ف حقه وحق غيه‪،‬‬
‫ويو ضح ذلك ما يأ ت ف التف سي‪ ،‬فأنزل ال ب عد ذلك‪ " :‬ما كان لل نب والذ ين آمنوا أن ي ستغفروا‬
‫للمشركي " الية‪ .‬ونزل ف أب طالب‪ " :‬إنك ل تدي من أحببت " كله ظاهر ف أنه مات على غي‬
‫السلم‪ .‬ويضعف ما ذكره السهيلي أنه روى ف بعض كتب السعودى أنه أسلم‪ ،‬لن مثل ذلك ل‬
‫يعارض ما ف الصحيح‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫وفيه تري الستغفار للمشركي وموالتم ومبتهم‪ ،‬لنه إذا حرم الستغفار لم فموالتهم ومبتهم أول‪.‬‬

‫باب‬
‫ما جاء أن سبب كفر بن آدم وتركهم دينم هو الغلو ف الصالي‬

‫قوله‪( :‬باب‪ :‬ما جاء أن سبب كفر بن آدم وتركهم دينم هو الغلو ف الصالي) ‪:‬‬

‫قوله‪ :‬ترك هم بال ر عطفا على الضاف إل يه‪ .‬وأراد ال صنف رح ه ال تعال بيان ما يؤول إله الغلو ف‬
‫الصالي من الشرك بال ف اللية الذي هو أعظم ذنب عصى ال به‪ ،‬وهو يناف التوحيد الذي دلت‬
‫عليه كلمة الخلص‪ :‬شهادة أن ل إله إل ال‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪120‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪( :‬وقول ال عز وجل ‪ " :‬يا أ هل الكتاب ل تغلوا ف دين كم ول تقولوا على ال إل ال ق إن ا‬
‫السيح عيسى ابن مري رسول ال وكلمته ألقاها إل مري وروح منه ") ‪:‬‬

‫الغلو هو الفراط ف التعظ يم بالقول والعتقاد‪ ،‬أي ل ترفعوا الخلوق عن منل ته ال ت أنزله ال فتنلوه‬
‫النلة الت ل تنبغي إل ل‪ .‬والطاب وإن كان لهل الكتاب فإنه عام يتناول جيع المة‪ ،‬تذيرا لم أن‬
‫يفعلوا بنبيهم صلى ال عليه وسلم فعل النصارى ف عيسى‪ ،‬واليهود ف العزير كما قال تعال‪ " :‬أل يأن‬
‫للذ ين آمنوا أن ت شع قلوب م لذ كر ال و ما نزل من ال ق ول يكونوا كالذ ين أوتوا الكتاب من ق بل‬
‫فطال علي هم ال مد فق ست قلوب م وكث ي من هم فا سقون " ولذا قال ال نب صلى ال عل يه و سلم " ل‬
‫تطرون كما أطرت النصارى ابن مري " ويأت‪.‬‬

‫فكل من دعا نبيا أو وليا من دون ال فقد اتذ إلا‪ ،‬وضاهأ النصارى ف شركهم‪ ،‬وضاهأ اليهود ف‬
‫تفريط هم‪ .‬فإن الن صارى غلوا ف عي سى عل يه ال سلم‪ ،‬واليهود عادوه و سبوه وتنق صوه‪ .‬فالن صارى‬
‫أفرطوا‪ ،‬واليهود فرطوا‪ .‬وقال تعال‪ " :‬ما ال سيح ا بن مر ي إل ر سول قد خلت من قبله الر سل وأ مه‬
‫صديقة كانا يأكلن الطعام " ففي هذه الية وأمثالا الرد على اليهود والنصارى‪.‬‬

‫قال شيخ السلم رحه ال‪ :‬ومن تشبه من هذه المة باليهود والنصارى‪ ،‬وغل ف الدين فإفراط فيه أو‬
‫تفريط فقد شابهم‪ .‬قال‪ :‬وعلى رضى ال عنه حرق الغالية من الرافضة‪ ،‬فأمر بأخاديد خدت لم عند‬
‫باب كندة فقذفهم فيها‪ .‬واتفق الصحابة على قتلهم‪ .‬لكن ابن عباس مذهبه أن يقتلوا بالسفق من غي‬
‫تريق‪ .‬وهو قول أكثر العلماء‪.‬‬

‫قوله‪ ( :‬ف ال صحيح عن ا بن عباس ر ضي ال عنه ما ف قوله تعال ‪ " :‬وقالوا ل تذرن آلت كم ول‬
‫تذرن ودا ول سواعا ول يغوث ويعوق ونسرا " قال‪ :‬هذه أساء رجال صالي من قوم نوح‪ ،‬فلما‬
‫هلكوا أوحى الشيطان إل قومهم‪ :‬أن انصبوا إل مالسهم الت كانوا يلسون فيها أنصابا وسوها‬
‫بأسائهم‪ ،‬ففعلوا‪ ،‬ول تعبد‪ ،‬حت إذا هلك أولئك ونسى العلم عبدت) ‪:‬‬

‫قوله‪ :‬وف الصحيح‪ :‬أي صحيح البخاري‪.‬‬

‫وهذا الثر اختصره الصنف‪ .‬ولفظ ما ف البخاري‪ :‬عن ابن عباس رضي ال عنهما قال صارت الوثان‬
‫الت ف قوم نوح ف العرب بعد‪ .‬أما ود فكانت لكلب بدومة الندل‪ .‬وأما سواع فكانت لذيل‪ .‬وأما‬
‫يغوث فكا نت لراد ث لب ن غط يف بالرف ع ند سبأ‪ .‬وأ ما يعوق فكا نت لمدان‪ .‬وأ ما ن سر فكا نت‬
‫لمي لل ذي الكلع‪ :‬أساء رجال صالي ف قوم نوح‪ ...‬إل آخره‪.‬‬
‫وروى عكرمة والضحاك وابن إسحاق نو هذا‪.‬‬

‫قال ابن جرير‪ :‬حدثنا ابن حيد قال حدثنا مهران عن سفيان عن موسى عن ممد ابن قيس أن يغوث‬
‫ويعوق ونسرا كانوا قوما صالي من بن آدم‪ ،‬وكان لم أتباع يقتدون بم‪ .‬فلما ماتوا قال أصحابم‪:‬‬
‫لو صورناهم كان أشوق ل نا إل العبادة‪ ،‬فصوروهم‪ ،‬فل ما ماتوا وجاء آخرون دب إليهم إبل يس فقال‪:‬‬
‫إنا كانوا يعبدونم وبم يسقون الطر‪ .‬فعبدوهم ‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪121‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪ :‬أن انصبوا هو بكسر الصاد الهملة‪.‬‬

‫قوله‪ :‬أنصابا جع نصب‪ ،‬والراد به هنا الصنام الصورة على صور أولئك الصالي الت نصبوها ف‬
‫مالسهم‪ ،‬وسوها بأسائهم‪ .‬وف سياق حديث ابن عباس ما يدل على أن الصنام تسمى أوثانا‪ .‬فاسم‬
‫الوثن يتناول كل معبود من دون ال‪ ،‬سواء كان ذلك العبود قبا أو مشهدا‪ ،‬أو صورة أو غي ذلك‪.‬‬

‫قوله‪ :‬حت إذا هلك أولئك أي الذين صوروا تلك الصنام‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ونسى العلم ورواية البخاري وينسخ وللكشميهن ونسخ العلم أي درست آثاره بذهاب العلماء‪،‬‬
‫وعم الهل حت صاروا ل ييزون بي التوحيد والشرك فوقعوا ف الشرك ظنا منهم أنه ينفعهم عند ال‪.‬‬

‫قوله‪ :‬عبدت لا قال لم إبليس‪ :‬إن من كان قبلكم كانوا يعبدونم وبم يسقون الطر‪ ،‬هو الذي زين‬
‫لم عبادة الصنام وأمرهم با‪ ،‬فصار هو معبودهم ف القيقة‪ .‬كما قال تعال‪ " :‬أل أعهد إليكم يا بن‬
‫آدم أن ل تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبي * وأن اعبدون هذا صراط مستقيم * ولقد أضل منكم‬
‫جبل كثيا أفلم تكونوا تعقلون " وهذا يفيهد الذر مهن الغلو ووسهائل الشرك‪ ،‬وإن كان القصهد باه‬
‫حسنا‪ .‬فإن الشيطان أدخل أولئك ف الشرك من باب الغلو ف الصالي والفراط ف مبتهم‪ ،‬كما قد‬
‫وقع مثل ذلك ف هذه المة‪ :‬أظهر لم الغلو والبدع ف قالب تعظيم الصالي ومبتهم‪ ،‬ليوقعهم فيما‬
‫هو أعظم من ذلك‪ ،‬من عبادتم لم من دون ال وف رواية أنم قالوا‪ :‬ما عظم أولنا هؤلء إل وهم‬
‫يرجون شفاعتههم عنهد ال أي يرجون شفاعهة أولئك ال ‪U‬اليه الذيهن صهوروا تلك الصهنام على‬
‫صورهم و سوها بأ سائهم‪ .‬و من ه نا يعلم أن اتاذ الشفعاء ورجاء شفائ هم بطلب ها من هم‪ :‬شرك بال‪،‬‬
‫كما تقدم بيانه ف اليات الحكمات‪.‬‬

‫قال ابن القيم لا ماتوا عكفوا على قبورهم‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وقال ا بن الق يم رح ه ال‪ :‬قال غ ي وا حد من ال سلف‪ :‬ل ا ماتوا عكفوا على قبور هم‪ ،‬ث‬
‫صوروا تاثيلهم‪ ،‬ث طال عليهم المد فعبدوا) ‪:‬‬

‫قوله‪ :‬وقال ابن القيم رحه ال هو المام العلمة ممد بن أب بكر بن أيوب الزرعي الدمشقي العروف‬
‫با بن ق يم الوز ية‪ .‬قال الا فظ ال سخاوي‪ :‬العل مة ال جة التقدم ف سعة العلم ومعر فة اللف وقوة‬
‫النان‪ ،‬الج مع عل يه ب ي الوا فق والخالف‪ ،‬صاحب الت صانيف ال سائرة والحا سن ال مة‪ .‬مات سنة‬
‫إحدى وخسي وسبعمائة‪.‬‬

‫قوله‪ :‬وقال غي واحد من السلف هو بعن ما ذكره البخاري وابن جرير إل أنه ذكر عكوفهم على‬
‫قبورهم قبل تصويرهم تاثيلهم‪ .‬وذلك من وسائل الشرك بل هو الشرك‪ ،‬لن العكوف ل ف الساجد‬
‫عبادة‪ .‬فإذا عكفوا على القبور صار عكوفهم تعظيما ومبة‪ :‬عبادة لا‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪122‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪ :‬ث طال عليهم المد فعبدوهم أي طال عليهم الزمان‪ .‬وسبب تلك العبادة والوصل إليها هو ما‬
‫جرى من الولي من التعظيم بالعكوف على قبورهم‪ ،‬ونصب صورهم ف مالسهم‪ ،‬فصارت بذلك‬
‫أوثانا تعبد من دون ال‪ ،‬كما ترجم به الصنف رحه ال تعال‪ .‬فإنم تركوا بذلك دين السلم الذي‬
‫كان أولئك عليه قبل حدوث وسائل هذا الشرك‪ ،‬وكفروا بعبادة تلك الصور واتذوهم شفعاء‪ .‬وهذا‬
‫أول شرك حدث ف الرض‪.‬‬

‫قال القرطب‪ :‬وإنا صور أوائلهم الصور ليتأسوا بم ويتذكروا أفعالم الصالة‪ ،‬فيجتهدوا كاجتهادهم‪،‬‬
‫ويعبدوا ال عند قبورهم‪ .‬ث خلفهم قوم جهلوا مرادهم‪ ،‬فوسوس لم الشيطان أسلفهم كانوا يعبدون‬
‫هذه الصور ويعظمونا ا هه‪.‬‬

‫قال ابن القيم رحه ال‪ :‬وما زال الشيطان يوحي إل عباد القبور ويلقى إليهم أن البناء والعكوف عليها‬
‫من مبة أهل القبور من النبياء والصالي‪ ،‬وأن الدعاء عندها مستجاب‪ ،‬ث ينقلها من هذه الرتبة إل‬
‫الدعاء با‪ ،‬والقسام على ال با‪ ،‬فإن شأن ال أعظم من أن يقسم عليه أو يسأل بأحد من خلقه‪.‬‬

‫فإذا تقرر ذلك عند هم نقل هم م نه إل دعائه وعباد ته‪ ،‬و سؤاله الشفا عة من دون ال‪ ،‬واتاذ قبه وثنا‬
‫تعلق عليه القانديل والستور‪،‬ويطاف به ويستلم ويقبل‪ ،‬ويج إليه ويذبح عنده‪ ،‬فإذا تقرر ذلك عندهم‬
‫نقلههم منهه إل دعاء الناس إل عبادتهه‪ ،‬واتاذه عيدا ومنسهكا‪ ،‬ورأوا أن ذلك أنفهع لمه فه دنياههم‬
‫وأخراهم‪ .‬وكل هذا ما قد علم بالضطرار من دين السلم أنه مضاد لا بعث ال به رسوله صلى ال‬
‫عليه وسلم من تديد التوحيد‪ ،‬وأن ل يعبد إل ال‪.‬‬

‫فإذا تقرر ذلك عندهم نقلهم منه إل أن من نى عن ذلك فقد تنقص أهل هذه الرتب العالية وحطهم‬
‫عن منلتهم‪ ،‬وزعم أنه ل حرمة لم ول قدر‪ ،‬فغضب الشركون واشأزت قلوبم‪ ،‬كما قال تعال‪" :‬‬
‫وإذا ذكهر ال وحده اشأزت قلوب الذيهن ل يؤمنون بالخرة وإذا ذكهر الذيهن مهن دونهه إذا ههم‬
‫ي ستبشرون " و سرى ذلك ف نفوس كث ي من الهال والطغام‪ ،‬وكث ي م ن ينت سب إل العلم والد ين‪،‬‬
‫حت عادوا أهل التوحيد ورموهم بالعظائم ونفروا الناس عنهم‪ ،‬ووالوا أهل الشرك وعظموهم‪ ،‬وزعموا‬
‫أن م أولياء ال وأن صار دي نه ور سوله‪،‬ويأ ب ال ذلك ‪ " :‬و ما كانوا أولياءه إن أولياؤه إل التقون "‪ .‬اه‬
‫كلم ابن القيم رحه ال‪.‬‬

‫وف القصة فوائد ذكرها الصنف رحه ال‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬رد الشبه الت يسميها أهل الكلم عقليات‪ ،‬ويدفعون با ما جاء به الكتاب والسنة من توحيد‬
‫الصفات‪ ،‬وإثباتا على ما يليق بلل ال وعظمته وكبيائه‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬مضرة التقليد‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬ضرورة المة إل ما جاء به رسول ال صلى ال عليه وسلم علما وعملً با يدل عليه الكتاب‬
‫والسنة فإن ضرورة العبد إل ذلك فوق كل ضرورة‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪123‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪( :‬وعن عمر رضي ال عنه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال " ل تطرون كما أطرت‬
‫النصارى ابن مري‪ .‬إنا أعبد عبد‪ ،‬فقولوا عبد ال ورسوله " أخرجاه) ‪:‬‬

‫قوله عن عمر هو ابن الطاب بن نفيل بنون وفاء مصغرا العدوى أمي الؤمني وأفضل الصحابة بعد‬
‫الصديق رضي ال عنهم‪ .‬ول اللفة عشر سني ونصفا‪ .‬فامتلت الدنيا عدلً‪ ،‬وفتحت ف أيامه مالك‬
‫كسرى وقيصر‪ .‬واستهشد ف ذي الجة سنة ثلث وعشرين رضي ال عنه‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ل تطرون كما أطرت النصارى ابن مري الطراء ماوزة الد ف الدح والكذب عليه‪ .‬قاله أبو‬
‫السعادات‪ .‬وقال غيه‪ :‬أي ل تدحون بالباطل‪ ،‬ول تاوزوا الد ف مدحي‪.‬‬

‫قوله‪ :‬إن ا أ نا ع بد فقولوا ع بد ال ور سوله أي ل تدحو ن فتغلوا ف مد حي ك ما غلت الن صارى ف‬


‫عي سى عل يه ال سلم فادعوا ف يه الل ية‪ .‬وإن ا أ نا ع بد ال ور سوله‪ ،‬ف صفون بذلك ك ما و صفن ر ب‪،‬‬
‫فقولوا عبد ال ورسوله‪ ،‬فأب الشركون إل مالفة أمره وارتكاب نيه‪ ،‬وعظموه با ناهم عنه وحذرهم‬
‫م نه‪ ،‬وناقضوه أع ظم مناق ضة‪ ،‬وضاهوا الن صارى ف غلو هم وشرك هم‪ ،‬ووقعوا ف الحذور‪ ،‬وجرى‬
‫منهم من الغلو والشرك شعرا ونثرا ما يطول عده‪ ،‬وصنفوا فيه مصنفات‪.‬‬

‫وقد ذكر شيخ السلم رحه ال عن بعض أهل زمانه أنه جوز الستغاثة بالرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫ف كل ما ي ستغاث ف يه بال‪ ،‬و صنف ف ذلك م صنفا رده ش يخ ال سلم‪ ،‬ورده موجود ب مد ال‪.‬‬
‫ويقول‪ :‬إنه يعلم مفاتيح الغيب الت ل يعلهما إل ال‪ .‬وذكر لم أشياء من هذا النمط‪ .‬نعوذ بال من‬
‫عمى البصية وقد اشتهر ف نظم البوصيي قوله‪:‬‬

‫سواك عند حدوث الادث العمم‬ ‫يا أكرم اللق ما ل من ألوذ به‬

‫ومها بعده مهن البيات الته مضموناه إخلص الدعاء واللياذ والرجاء والعتماد فه أضيهق الالت‪،‬‬
‫وأعظم الضطرار لغي ال‪ ،‬فناقضوا الرسول صلى ال عليه وسلم بارتكاب ما نى عنه أعظم مناقضة‪،‬‬
‫وشاقوا ال وروسوله أعظم مشاقة‪ ،‬وذلك أن الشيطان أظهر لم هذا الشرك العظيم ف قالب مبة النب‬
‫صلى ال عل يه و سلم وتعظي مه‪ ،‬وأظ هر ل م التوح يد والخلص الذي بع ثه ال به ف قالب تنقي صه‪،‬‬
‫وهؤلء الشركون هم التنق صون الناق صون‪ ،‬أفرطوا ف تعظي مه ب ا نا هم ع نه أ شد الن هي‪ ،‬وفرطوا ف‬
‫متابع ته‪ ،‬فلم يعبأوا بأقواله وأفعاله‪ ،‬ول رضوا بك مه ول سلموا له‪ .‬وإن ا ي صل تعظ يم الر سول صلى‬
‫ال عل يه و سلم بتعظ يم أمره ون يه‪ ،‬والهتداء بد يه‪ ،‬واتباع سنته‪ ،‬والدعوة إل دي نه الذي د عا إل يه‬
‫ونصرته‪ ،‬وموالة من عمل به‪ ،‬ومعاداة من خالفه‪ .‬فعكس أولئك الشركون ما أراد ال ورسوله علما‬
‫وعملً‪ ،‬وارتكبوا ما نى عنه ورسوله‪ .‬فال الستعان‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم " إياكم والغلو‪ .‬فإنا أهلك من كان قبلكم الغلو ") ‪:‬‬

‫هذا الديث ذكره الصنف بدون ذكر راويه‪ .‬وقد رواه المام أحد والترمذي وابن ماجه من حديث‬
‫ابن عباس‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪124‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وهذا لفظ رواية أحد‪ :‬عن ابن عباس رضي ال عنهما قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم غداة‬
‫جع‪ " :‬هلم القط ل‪ .‬فلقطت له حصيات هن حصى الذف‪ .‬فما وضعهن ف يده قال‪ :‬ن عم بأمثال‬
‫هؤلء فارموا‪ .‬وإياكم والغلو ف الدين‪ ،‬فإنا هلك من كان قبلكم بالغلو ف الدين "‪.‬‬
‫قال شيخ السلم‪ :‬هذا عام ف جيع أنواع الغلو ف العتقادات والعمال وسبب هذا اللفظ العلم رمي‬
‫المار‪ ،‬وهو داخل فيه‪ ،‬مثل الرمي بالجارة الكبار‪ ،‬بناء على أنه أبلغ من الصغار‪ .‬ث علله با يقتضي‬
‫مانبة هدى من كان قبل نا إبعادا عن الوقوع في ما هلكوا به‪ ،‬فإن الشارك لم ف ب عض هدي هم ياف‬
‫عليه من اللك‪.‬‬

‫قوله‪( :‬ولسلم عن ابن مسعود أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪ :‬هلك التتطعون قالا ثلثا)‬
‫‪:‬‬

‫قال الطاب‪ :‬التنطع التعمق ف الشئ‪ ،‬التكلف البحث عن علي مذاهب أهل الكلم الداخلي فيما ل‬
‫يعنيهم‪ ،‬الائضي فيما ل تبلغه عقولم‪.‬‬

‫ومن التنطع‪ :‬المتناع من الباح مطلقا‪ ،‬كالذي يتنع من أكل اللحم والبز‪ ،‬ومن لبس الكتان والقطن‪،‬‬
‫ول يلبس إل الصوف‪ ،‬ويتنع من نكاح النساء‪ ،‬ويظن أن هذا من الزهد الستحب‪ .‬قال الشيخ تقي‬
‫الدين‪ :‬فهذا جاهل ضال‪ ،‬انتهى‪.‬‬

‫وقال ابن القيم رحه ال‪ :‬قال الغزال‪ :‬والتنطعون ف البحث والستقصاء‪.‬‬

‫وقال أبو السعادات‪ :‬هم التعمقون الغالون ف الكلم‪ ،‬التكلمون بأقصى حلوقهم‪ .‬مأخوذ من النطع‪،‬‬
‫وهو الغار العلى من الفم‪ ،‬ث استعمل ف كل متعمق قو ًل وفعلً‪.‬‬

‫وقال النووي‪ :‬فيه كراهة التقعر ف الكلم بالتشدق وتكلف الفصاحة‪ ،‬واستعمال وحشى اللغة ودقائق‬
‫العراب ف ماطبة العوام ونوهم‪.‬‬

‫قوله‪ :‬قال ا ثلثا أي قال هذه الكل مة ثلث مرات‪ ،‬مبال غة ف التعل يم والبلغ‪ ،‬ف قد بلغ البلغ ال بي‪.‬‬
‫صلوات ال وسلمه عليه وعلى آله وصحبه أجعي‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪125‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫باب‬
‫ما جاء من التغليظ فيمن عبد ال عند قب رجل صال‬
‫فكيف إذا عبده ؟‬

‫قوله‪( :‬باب‪ :‬ما جاء من التغليظ فيمن عبد ال عند قب رجل صال‪ ،‬فكيف إذا عبده ؟ ) ‪:‬‬

‫أي الرجل الصال‪ ،‬فإن عبادته هي الشرك الكب‪ ،‬وعبادة ال عنده وسيلة إل عبادته‪ ،‬ووسائل الشرك‬
‫مرمة‪ .‬لنا تؤدي إل الشرك الكب وهو أعظم الذنوب‪.‬‬

‫قوله‪ ( :‬ف ال صحيح‪ :‬عن عائ شة ر ضي ال عن ها أن أم سلمة ذكرت لر سول ال صلى ال عل يه‬
‫وسلم كنيسة رأتا بأرض البشة وما فيها من الصور‪ .‬فقال‪ " :‬أولئك إذا مات فيهم الرجل الصال‬
‫أو الع بد ال صال‪ ،‬بنوا على قبه م سجدا‪ ،‬و صوروا ف يه تلك ال صور أولئك شرار اللق ع ند ال "‬
‫فهؤلء جعوا بي الفتنتي‪ :‬فتنة القبور وفتنة التماثيل) ‪:‬‬

‫قوله‪ :‬ف الصحيح أي الصحيحي‪.‬‬

‫قوله‪ :‬أن أم سلمة هي هند بنت أب أمية بن الغية بن عبد ال بن عمر بن مزوم القرشية الخزومية‪.‬‬
‫تزوجها رسول ال صلى ال عليه وسلم بعد أب سلمة سنة أربع‪ ،‬وقيل‪ :‬ثلث‪ ،‬وكانت قد هاجرت‬
‫مع أب سلمة إل البشة ماتت سنة اثنتي وستي‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ذكرت لرسول ال وف الصحيحي أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا ذلك لرسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم و الكنسية بفتح الكاف وكسر النون‪ :‬معبد النصارى‪.‬‬

‫قوله‪ :‬أولئك بكسر الكاف خطاب للمرأة‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪126‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪ :‬إذا مات في هم الرجل الصال أو العبد الصال هذا وال أعلم شك من بعض رواة الديث‪ :‬هل‬
‫قال النب صلى ال عليه وسلم هذا أو هذا ؟ ففيه التحري ف الرواية‪ .‬وجواز الرواية بالعن‪.‬‬

‫قوله‪ :‬وصوروا فيه تلك الصور الشارة إل ما ذكرت أم سلمة وأم حبيبة من التصاوير الت ف الكنسية‪.‬‬

‫قوله‪ :‬أولئك شرار اللق عند ال وهذا يقتضى تري بناء الساجد على القبور‪ ،‬وقد لعن صلى ال عليه‬
‫وسلم من فعل ذلك كما سيأت‪.‬‬

‫قال البيضاوي ‪ :‬ل ا كا نت اليهود والنصهارى ي سجدون لقبور النهبياء تعظيما لشأن م‪ ،‬ويعلن ها قبلة‬
‫يتوجهون ف الصلة نوها واتذوها أوثانا لعنهم النب صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫قال القرطب‪ :‬وإنا صور أوائلهم الصور ليتأسوا با ويتذكروا أعمالم الصالة‪ ،‬فيجتهدوا كاجتهادهم‪،‬‬
‫ويعبدوا ال عنهد قبورههم‪ ،‬ثه خلفههم قوم جهلوا مرادههم ووسهوس لمه الشيطان أن أسهلفهم كانوا‬
‫يعبدون هذه الصور ويعظمونا‪ .‬فحذر النب صلى ال عليه وسلم عن مثل ذلك‪ ،‬سدا للذريعة الؤدية‬
‫إل ذلك‪.‬‬
‫قوله‪ :‬فهؤلء جعوا بي الفتنتي‪ :‬فتنة القبور وفتنة التماثيل هذا من كلم شيخ السلم ابن تيمية رحه‬
‫ال تعال‪ ،‬ذكره الصنف رحه ال تنبيها على ما وقع من شدة الفتنة بالقبور والتماثيل فإن فتنة بالقبور‬
‫كالفتنة بالصنام أو أشد‪.‬‬

‫قال شيهخ السهلم رحهه ال‪ :‬وهذه العلة الته لجلهها نىه الشارع صهلى ال عليهه وسهلم عهن اتاذ‬
‫ال ساجد على القبور لن ا هي ال ت أوق عت كثيا من ال مم إ ما ف الشرك ال كب أو في ما دو نه من‬
‫الشرك‪ .‬فإن النفوس قد أشركت بتماثيل الصالي‪ ،‬وتاثيل يزعمون أنا طلسم الكواكب ونو ذلك‪.‬‬
‫فإن الشرك ب قب الر جل الذي يعت قد صلحه أقرب إل النفوس من الشرك بش بة أو ح جر‪ .‬ولذا ت د‬
‫أ هل الشرك يتضرعون عند ها‪ ،‬ويشعون ويضعون‪ ،‬ويعبدون بقلوب م عبادة ل يفعلون ا ف بيوت ال‬
‫ول و قت ال سحر‪ ،‬ومن هم من ي سجد ل ا‪ ،‬وأكثر هم يرجون من بر كة ال صلة عند ها والدعاء ما ل‬
‫يرجونه ف الساجد‪ ،‬فلجل هذه الفسدة حسم النب صلى ال عليه وسلم مادتا‪ .‬حت ني عن الصلة‬
‫ف القبة مطلقا‪ ،‬وإن ل يقصد الصلى بركة البقعة بصلته‪ ،‬كما يقصد بصلته بركة الساجد‪ ،‬كما‬
‫ن ى عن ال صلة و قت طلوع الش مس وغروب ا‪ ،‬لن ا أوقات يق صد في ها الشركون ال صلة للش مس‪،‬‬
‫فنهى أمته عن الصلة حينئذ وإن ل يقصد ما قصده الشركون‪ ،‬سدا للذريعة‪ .‬وأما إذا قصد الرجل‬
‫ال صلة ع ند القبور م تبكا بال صلة ف تلك البق عة فهذا ع ي الحادة ل ولر سوله‪ ،‬والخال فة لدي نه‬
‫وابتداع دين ل يأذن به ال‪ ،‬فإن السلمي قد أجعوا على ما علموه بالضطرار من دين الرسول صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ :‬أن الصلة عند القبور منهى عنها‪ ،‬وأنه صلى ال عليه وسلم لعن من اتذها مساجد‪،‬‬
‫ف من أع ظم الحدثات وأ سباب الشرك‪ :‬ال صلة عند ها واتاذ ها م ساجد‪ ،‬وبناء ال ساجد علي ها‪ .‬و قد‬
‫تواترت الن صوص عن ال نب صلى ال عل يه و سلم بالن هي عن ذلك والتغل يظ ف يه‪ .‬و قد صرح عا مة‬
‫الطوائف بالنهي عن بناء الساجد عليها متابعة منهم للسنة الصحيحة الصرية‪ .‬وصرح أصحاب أحد‬
‫وغي هم من أ صحاب مالك والشاف عي بتحر ي ذلك‪ .‬وطائ فة أطل قت الكرا هة والذي ينب غي أن ت مل‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪127‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫على كراهة التحري‪ ،‬إحسانا للظن بالعلماء‪ ،‬وأن ل يظن بم أن يوزوا فعل ما تواتر عن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم لعن فاعله والنهي عنه‪ .‬ا ه كلمه رحه ال تعال‪.‬‬

‫قوله‪( :‬ولما عنها أي عن عائشة رضي ال عنها قالت‪ " :‬لا نزل برسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫طفسق يطرح خيصسة له على وجهسه‪ ،‬فإذا اغتسم باس كشفهسا فقال وهسو كذلك ‪ :‬لعسن ال اليهود‬
‫والنصارى‪ ،‬اتذوا قبور أنبيائهم مساجد‪ ،‬يذر ما صنعوا‪ .‬ولول ذلك أبرز قبه‪ ،‬غي أنه خشى أن‬
‫يتخذ مسجدا " أخرجاه) ‪:‬‬

‫قوله‪ :‬ولما أي البخاري ومسلم‪ .‬وهو يغن عن قوله ف آخره أخرجاه ‪.‬‬

‫قوله‪ :‬لا نزل هو بضم النون وكسر الزاي‪ .‬أي نزل به ملك الوت واللئكة الكرام عليهم السلم‪.‬‬

‫قوله‪ :‬طفق بكسر الفاء وفتحها‪ ،‬والكسر أفصح‪ .‬وبه جاء القرآن‪ ،‬ومعناه جعل‪.‬‬

‫قوله‪ :‬خيصة بفتح العجمة والصاد الهملة‪ .‬كساء له أعلم‪.‬‬

‫قوله‪ :‬فإذا اغتم با كشفها أي عن وجهه‪.‬‬

‫قوله‪ :‬لعن ال اليهود والنصارى اتذوا قبور أنبيائهم مساجد يبي أن من فعل مثل ذلك حل عليه من‬
‫اللعنة ما حل على اليهود والنصارى‪.‬‬
‫قوله‪ :‬يذر ما صنعوا الظاهر أن هذا كلم عائشة رضي ال عنها لنا فهمت من قول النب صلى ال‬
‫عليه وسلم ذلك تذير أمته من هذا الصنيع الذي كانت تفعله اليهود والنصارى ف قبور أنبيائهم‪ ،‬فإنه‬
‫من الغلو ف النبياء‪ ،‬ومن أعظم الوسائل إل الشرك‪ .‬ومن غربة السلم أن هذا الذي لعن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم فاعليه تذيرا لمته أن يفعلوه معه صلى ال عليه وسلم ومع الصالي من أمته قد‬
‫فعله اللق الكثيه مهن متأخري هذه المهة‪ ،‬واعتقدوه قربهة مهن القربات‪ ،‬وههو مهن أعظهم السهيئات‬
‫والنكرات‪ ،‬وما شعروا أن ذلك مادة ل ورسوله‪.‬‬

‫قال القرطب ف معن الديث‪ :‬وكل ذلك لقطع الذريعة الؤدية إل عبادة من فيها كما كان السبب ف‬
‫عبادة الصنام‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫إذ ل فرق ب ي عبادة ال قب و من ف يه وعبادة ال صنم‪ ،‬وتأ مل قول ال تعال عن نبيه يو سف ا بن يعقوب‬
‫حيث قال‪ " :‬واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بال من شيء " نكرة‬
‫ف سياق النفي تعم كل شرك‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪128‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪ :‬ولول ذلك أي ما كان يذر من اتاذ قب النب صلى ال عليه وسلم مسجدا لبرز قبه وجعل‬
‫مع قبور الصحابة الذين كانت قبورهم ف البقيع‪.‬‬

‫قوله‪ :‬غ ي أ نه خ شي أن يت خذ م سجدا روى بف تح الاء وضم ها‪ ،‬فعلى الف تح يكون هو الذي خ شي‬
‫ذلك صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وأمرهم أن يدفنوه ف الكان الذي قبض فيه‪ .‬وعلى رواية الضم يتمل أن‬
‫يكون الصحابة هم الذين خافوا أن يقع ذلك من بعض المة‪ ،‬فلم يبزوا قبه‪ ،‬خشية أن يقع ذلك من‬
‫بعض المة غلوا وتعظيما با أبدى وأعاد من النهي والتحذير منه ولعن فاعله‪.‬‬

‫قال القرطب‪ :‬ولذا بالغ السلمون ف سد الذريعة ف قب النب صلى ال عليه وسلم فأعلوا حيطان تربته‬
‫وسدوا الداخل إليها‪ ،‬وجعلوها مدقة بقبه صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ث خافوا أن يتخذ موضع قبه قبلة‬
‫إذا كان مستقبل الصلي‪ ،‬فتصور ال صلة إليه بصورة العبادة فبنوا جدار ين من رك ن ال قب الشماليي‬
‫وحرفوها حت التقيا على زاوية مثلثة من ناحية الشمال حت ل يكنوا أحد من استقبال قبه انتهى‪.‬‬

‫قوله‪( :‬ولسلم عن جندب بن عبد ال قال‪ :‬سعت النب صلى ال عليه وسلم قبل أن يوت بمس‪،‬‬
‫وهو يقول‪ " :‬إن أبرأ إل ال أن يكون ل منكم خليل‪ .‬فإن ال قد اتذن خليلً‪ ،‬كما اتذ إبراهيم‬
‫خليلً ولو كنست متخذا مسن أمتس خليلً لتذت أبسا بكسر خليلً‪ ،‬أل وإن مسن كان قبلكسم كانوا‬
‫يتخذون قبور أنبيائهم مساجد‪ ،‬أل فل تتخذوا القبور مساجد‪ ،‬فإن أناكم عن ذلك ") ‪:‬‬

‫قوله‪ :‬عن جندب بن ع بد ال أي ا بن سفيان البجلي‪ ،‬وين سب إل جده‪ ،‬صحاب مشهور‪ .‬مات ب عد‬
‫الستي‪.‬‬

‫قوله‪ :‬أ ن أبرأ إل ال أن يكون ل من كم خل يل أي أمت نع ع ما ل يوز ل أن أفعله‪ .‬واللة فوق الح بة‬
‫والل يل هو الحبوب غا ية ال ب‪ ،‬مش تق من اللة بف تح الاء و هي تلل الودة ف القلب‪ ،‬ك ما قال‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫وبذا سى الليل خليلً‬ ‫قد تللت مسلك الروح من‬

‫هذا هو الصحيح ف معناها كما ذكره شيخ السلم وابن القيم وابن كثي وغيهم رحهم ال تعال‪.‬‬
‫قال القرطب‪ :‬وإنا كان ذلك لن قلبه صلى ال عليه وسلم قد امتل من مبة ال وتعظيمه ومعرفته فل‬
‫يسع خلة غيه‪.‬‬

‫قوله‪ :‬فإن ال قد اتذن خليلً فيه بيان أن اللة فوق الحبة‪.‬‬

‫قال ابن القيم رحه ال‪ :‬وأما ما يظنه بعض الغالطي من أن الحبة أكمل من اللة‪ ،‬وأن إبراهيم خليل‬
‫ال‪ ،‬وممد حبيب ال فمن جهلهم‪ ،‬فإن الحبة عامة‪ ،‬واللة خاصة وهي ناية الحبة‪ .‬وقد أخب النب‬
‫ل ونفى أن يكون له خليل غي ربه‪ ،‬مع إخباره ببه لعائشة‬‫صلى ال عليه وسلم أن ال قد اتذه خلي ً‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪129‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫ولبي ها‪ ،‬ولع مر بن الطاب‪ ،‬ومعاذ بن ج بل وغي هم ر ضي ال عن هم‪ .‬وأيضا فإن ال ي ب التواب ي‬
‫ويب التطهرين ويب الصابرين‪ ،‬وخلته خاصة بالليلي‪.‬‬

‫ل ل تذت أبا بكر خليلً فيه بيان أن الصديق أفضل الصحابة‪ .‬وفيه الرد‬
‫قوله‪ :‬ولو كنت متخذا خلي ً‬
‫على الرافضة وعلى الهمية وها شر أهل البدع‪ ،‬وأخرجهم بعض السلف من الثنتي والسبعي فرقة‪.‬‬
‫وبسبب الرافضة حدث الشرك وعبادة القبور‪ ،‬وهم أول من بن عليها الساجد‪ .‬قاله الصنف رحه ال‪،‬‬
‫وهو كما قال بل ريب‪.‬‬

‫وفيه إشارة إل خلفة أب بكر‪ ،‬لن من كانت مبته لشخص أشد كان أول به من غيه‪ .‬وقد استخلفه‬
‫على الصلة بالناس‪ ،‬وغضب صلى ال عليه وسلم لا قيل يصلي بم عمر وذلك ف مرضه الذي توف‬
‫فيه صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫وا سم أ ب ب كر‪ :‬ع بد ال بن عثمان بن عا مر بن عمرو بن ك عب بن سعد بن ت يم بن مرة ال صديق‬


‫الكب‪ ،‬خليفة رسول ال صلى ال عليه وسلم وأفضل الصحابة بإجاع من يعتد بقوله من أهل العلم‪.‬‬
‫مات ف جادى الول سنة ثلث عشرة‪ ،‬وله ثلث وستون سنة رضي ال عنه‪.‬‬

‫قوله‪ :‬أل حرف استفتاح أل وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد‪ ...‬الديث قال‬
‫اللخال‪ :‬وإنكار النب صلى ال عليه وسلم صنيعهم هذا مرج على وجهي‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أنم يسجدون لقبور النبياء تعظيما‪.‬‬
‫الثان‪ :‬أنم يوزون الصلة ف مدافن النبياء والتوجه إليها حالة الصلة‪ ،‬نظرا منهم بذلك إل عبادة‬
‫ال والبالغة ف تعظيم النبياء‪ .‬والول‪ :‬هو الشرك اللي‪ .‬والثان‪ :‬اللفي‪ ،‬فلذلك استحقوا اللعن‪.‬‬

‫قوله‪ :‬فقد نى عنه ف آخر حياته أي كما ف حديث جندب‪ .‬وهذا من كلم شيخ السلم‪ .‬وكذا ما‬
‫بعده‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ث إنه لعن‪ ،‬وهو ف السياق من فعله كما ف حديث عائشة‪.‬‬

‫قلت‪ :‬فك يف ي سوع ب عد هذا التغل يظ من سيد الر سلي أن تع ظم القبور ويب ن علي ها وي صلى عند ها‬
‫وإليها ؟ هذا أعظم مشاقة ومادة ل تعال ولرسوله لو كانوا يعقلون‪.‬‬

‫قوله‪ :‬الصلة عندها من ذلك‪ ،‬وإن ل يب مسجد أي من اتاذها مساجد اللعون فاعله‪.‬‬
‫وهذا يقتضي تري الصلة عند القبور وإليها‪.‬‬

‫وعن أب سعيد الدري رضي ال عنه مرفوعا " الرض كلها مسجد إل القبة والمام " رواه أحد‬
‫وأهل السنن وصححه ابن حبان والاكم‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪130‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قال ابن القيم رحه ال‪ :‬وبالملة فمن له معرفة بالشرك وأسبابه وذرائعه وفهم عن رسول ال صلى ال‬
‫عل يه و سلم مقا صده‪ ،‬جزم جزما ل يت مل النق يض أن هذه البال غة والل عن والن هي ب صيغته صيغة ل‬
‫تفعلوا وصيغة أن أناكم عن ذلك ليس لجل النجاسة‪ ،‬بل هو لجل ناسة الشرك اللحقة لن عصاه‪،‬‬
‫وارتكب ما عنه ناه‪ ،‬واتبع هواه‪ ،‬ول يش ربه وموله‪ ،‬وقل نصيبه أو عدم من ل إله إل ال فإن هذا‬
‫وأمثاله مهن النهب صهلى ال عليهه وسهلم صهيانة لمهى التوحيهد أن يلحقهه الشرك ويغشاه‪ ،‬وتريهد له‬
‫وغضب لربه أن يعدل به سواه‪ ،‬فأب الشركون إل معصية لمره وارتكابا لنهيه‪ ،‬وغرهم الشيطان بأن‬
‫هذا تعظيم لقبور الشايخ والصالي‪ ،‬وكلما كنتم لا أشد تعظيما وأشد فيهم غلوا كنتم بقربم أسعد‪،‬‬
‫ومن أعدائهم أبعد‪ ،‬ولعمر ال‪ ،‬من هذا الباب دخل الشيطان على عباد يعوق ويغوث ونسرا‪ ،‬ودخل‬
‫على عباد ال صنام م نذ كانوا إل يوم القيا مة‪ ،‬فج مع الشركون ب ي الغلو في هم والط عن ف طريقت هم‪،‬‬
‫فهدى ال أ هل التوح يد ل سلوك طريقت هم وإنزال م منازل م ال ت أنزل م ال إيا ها من العبود ية و سلب‬
‫خصائص اللية عنهم‪.‬‬

‫قال الشارح رح ه ال تعال‪ :‬وم ن علل بوف الفت نة بالشرك‪ :‬المام الشاف عي‪ ،‬وأ بو ب كر الثرم‪ ،‬وأ بو‬
‫ممد القدسي‪ .‬وشيخ السلم وغيهم رحهم ال‪ .‬وهو الق الذي ل ريب فيه‪.‬‬

‫قوله‪ :‬فإن الصحابة ل يكونوا ليبنوا حول قبه مسجدا أي لا علموا من تشديده ف ذلك وتغليظه النهي‬
‫عنه‪ ،‬ولعن من فعله‪.‬‬

‫قوله‪ :‬وكل موضع قصدت الصلة فيه فقد اتذ مسجدا أي وإن ل يب مسجد‪ ،‬بل كل موضع يصلى‬
‫فيه يسمى مسجدا‪ ،‬يعن وإن ل يقصد بذلك‪ ،‬كما إذا عرض لن أراد أن يصلي فأوقع الصلة ف ذلك‬
‫الوضع الذي حانت الصلة عنده من غ ي أن يقصد ذلك الو ضع بصوصه‪ ،‬فصار بفعل الصلة فيه‬
‫مسجدا‪.‬‬

‫قوله‪ :‬كمها قال صهلى ال عليهه وسهلم " جعلت ل الرض مسهجدا وطهورا " أي فسهمى الرض‬
‫مسجدا‪ ،‬توز الصلة ف كل بقعة منها إل ما استثن من الواضع الت ل توز الصلة فيها‪ ،‬كالقبة‬
‫ونوها‪.‬‬

‫قال البغوي ف شرح السنة‪ :‬أراد أن أهل الكتاب ل تبح لم الصلة إل ف بيعهم وكنائسهم‪ ،‬فأباح ال‬
‫لذه ال مة ال صلة ح يث كانوا‪ ،‬تفيفا علي هم وتي سيا‪ ،‬ث خص من ج يع الوا ضع‪ :‬المام وال قبة‬
‫والكان النجس‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫قوله‪( :‬ولحد بسند جيد عن ابن مسعود مرفوعا " إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم‬
‫أحياء‪ ،‬والذين يتخذون القبور مساجد " ورواه أبو حات ابن حبان ف صحيحه) ‪:‬‬

‫قوله‪ :‬إن من شرار الناس بكسر الشي جع شرير‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪131‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪ :‬من تدركهم الساعة وهم أحياء أي مقدمتها‪ ،‬كخروج الدابة‪ ،‬وطلوع الشمس ف مغربا‪ .‬وبعد‬
‫ذلك ينفخ ف الصور نفخة الفزع‪.‬‬
‫قوله‪ :‬والذين يتخذون القبور مساجد معطوف على خب إن ف مل نصب على نية تكرار العامل‪ ،‬أي‬
‫وإن من شرار الناس الذ ين يتخذون القبور م ساجد أي بال صلة عند ها وإلي ها‪ ،‬وبناء ال ساجد علي ها‪،‬‬
‫وتقدم ف الحاديث الصحيحة أن هذا من عمل اليهود والنصارى وأن النب صلى ال عليه وسلم لعنهم‬
‫على ذلك‪ ،‬تذيرا للمة أن يفعلوا مع نبيهم وصاليهم مثل اليهود والنصارى‪ .‬فما رفع أكثرهم بذلك‬
‫رأسا‪ ،‬بل اعتقدوا أن هذا المر قربة ل تعال‪ ،‬وهو ما يبعدهم عن ال ويطردهم عن رحته ومغفرته‪.‬‬
‫والعجب أن أكثر من يدعى العلم من هو من هذه المة ل ينكرون ذلك‪ ،‬بل ربا استحسنوه ورغبوا‬
‫ف فعله‪ ،‬فلقد اشتدت غربة السلم وعاد العروف منكرا والنكر معروفا‪ ،‬والسنة بدعة والبدعة سنة‪،‬‬
‫تنشأ على هذا الصغي وهرم عليه الكبي‪.‬‬

‫قال شيخ السلم‪ :‬أما بناء الساجد على القبور فقد صرح عام الطوائف بالنهي عنه‪ ،‬متابعة للحاديث‬
‫الصحيحة‪ .‬وصرح أصحابنا وغيهم من أصحاب مالك والشافعي بتحريه‪ ،‬ث ذكر الحاديث ف ذلك‬
‫إل أن قال وهذه الساجد البنية على قبور النبياء والصالي‪ ،‬أو اللوك وغيهم تتعي إزالتها بدم أو‬
‫غيه‪ .‬هذا ما ل أعلم فيه خلفا بي العلماء العرفي‪.‬‬

‫وقال ابن القيم رحه ال‪ :‬يب هدم القباب الت بنيت على القبور‪ ،‬لنا أسست على معصية الرسول‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وقد أفت جاعة من الشافعية بدم ما ف القرافة من البنية‪ ،‬منهم ابن الميزي‬
‫والظهي التزمين وغيها‪.‬‬

‫وقال القاضي ابن كج‪ :‬ول يوز أن تصص القبور‪ ،‬ول أن يبن عليها قباب‪ ،‬ول غي قباب‪ ،‬والوصية‬
‫با باطلة‪.‬‬

‫وقال الذرعي‪ :‬وأما بطلن الوصية ببناء القباب وغيها من البنية وانفاق الموال الكثية‪ ،‬فل ريب ف‬
‫تريه‪.‬‬

‫وقال القرطب ف حديث جابر رضي ال عنه نى أن يصص القب أو يين عليه وبظاهر هذا الديث‬
‫قال مالك‪ ،‬وكره البناء والص على القبور‪ .‬وقد أجازه غيه‪ ،‬وهذا الديث حجة عليه‪.‬‬

‫وقال ابن رشد‪ :‬كره مالك البناء على القب وجعل البلطة الكتوبة‪ ،‬وهو من بدع أهل الطول‪ ،‬أحدثوه‬
‫إرادة الفخر والباهاة والسمعة‪ ،‬وهو ما ل اختلف عليه‪.‬‬

‫وقال الزيلغي ف شرح الك ن‪ :‬ويكره أن يبن على ال قب‪ .‬وذ كر قا ضي خان‪ :‬أ نه ل ي صص ال قب ول‬
‫يب ن عل يه‪ .‬ل ا روى عن ال نب صلى ال عل يه و سلم أ نه ن ى عن التج صيص وللبناء فوق ال قب‪ .‬والراد‬
‫بالكراهة عند النفية رحهم ال كراهة التحري‪ .‬وقد ذكر ذلك ابن نيم ف شرح الكن‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪132‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وقال الشاف عي رح ه ال‪ :‬أكره أن يع ظم ملوق‪ ،‬ح ت ي عل قبه م سجدا ما فة الفت نة عل يه وعلى من‬
‫بعده من الناس‪ .‬وكلم الشافعي رحه ال يبي أن مرده بالكراهة كراهة التحري‪.‬‬

‫قال الشارح رح ه ال تعال‪ :‬وجزم النووي رح ه ال ف شرح الهذب بتحر ي البناء مطلقا‪ ،‬وذ كر ف‬
‫شرح مسلم نوه أيضا‪.‬‬

‫وقال أ بو م مد ع بد ال بن أح د بن قدا مة إمام النابلة صاحب ال صنفات الكبار كالغ ن‪ ،‬والكا ف‬


‫وغيها رحه ال تعال‪ :‬ول يوز اتاذ الساجد على القبور‪ .‬لن النب صلى ال عليه وسلم قال‪ " :‬لعن‬
‫ال اليهود والنصارى‪ " ...‬الديث وقد روينا أن ابتداء عبادة الصنام‪ :‬تعظيم الموات واتاذ صورهم‪،‬‬
‫والتمسح با والصلة عندها‪ ،‬انتهى‪.‬‬

‫قال شيخ السلم ابن تيمية رحه ال‪ :‬وأما القبة فل فرق فيها بي الديدة والعتقية‪ ،‬انقلبت تربتها أو‬
‫ل تنقلب‪ .‬ول فرق بي أن يكون بينه وبي الرض حائل أو ل‪ ،‬لعموم السم وعموم العلة‪ ،‬ولن النب‬
‫صلى ال عليه وسلم لعن الذين اتذوا قبور أنبيائهم مساجد‪ ،‬ومعلوم أن قبور النبياء ل تنجس‪.‬‬

‫وبالملة فمن علل النهي عن الصلة ف القبة بنجاسة التربة خاصة فهو بعيد عن مقصود النب صلى‬
‫ال عل يه وسلم‪ ،‬ث ل يلو أن يكون القب قد بن عليه م سجد‪ ،‬فل يصلي ف هذا الكان سواء صلى‬
‫خلف القب أو أمامه بغي خلف ف الذهب‪ :‬لن النب صلى ال عليه وسلم قال " إن من كان قبلكم‬
‫كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصاليهم مساجد‪ ،‬أل فل تتخذوا القبور مساجد فإن أناكم عن ذلك "‬
‫وخص قبور النبياء لن عكوف الناس على قبورهم أعظم‪ ،‬واتاذها مساجد أشد‪ ،‬وكذلك إن ل يكن‬
‫عليه بن مسجد‪ ،‬فهذا قد ارتكب حقيقة الفسدة الت كان النهي عن الصلة عند القبور من أجلها‪،‬‬
‫فإن كل مكان صلى فيه يسمى مسجدا‪،‬كما قال صلى ال عليه وسلم " جعلت ل الرض مسجدا‬
‫وطهورا " وإن كان موضع قب أو قبين‪.‬‬

‫وقال بعض أصحابنا‪ :‬ل ينع الصلة فيها لنه ل يتناولا اسم القبة‪ ،‬وليس ف كلم أحد ول بعض‬
‫أصحابه هذا الفرق‪ ،‬بل عموم كلمهم يقتضى منع الصلة عند كل قب‪.‬‬

‫وقد تقدم عن علي رضي ال عنه أنه قال‪ :‬ل أصلي ف حام ول عند قب ‪.‬‬

‫فعلى هذا ينبغي أن يكون النهي متناولً لري القب وفنائه‪ ،‬ول توز الصلة ف مسجد بن ف مقبة‪،‬‬
‫سواء كان له حيطان تجز بينه وبي القبور أو كان مكشوفا‪.‬‬

‫قال ف رواية الثرم‪ :‬إذا كان السجد بي القبور ل يصلى فيه الفريضة‪ ،‬وإن كان بينها وبي السجد‬
‫حاجز فرخص أن يصلي فيه على النائز ول يصلى فيه على غي النائز‪ .‬وذكر حديث أب مرثد عن‬
‫النب صلى ال عليه وسلم‪ :‬ل تصلوا على القبور وقال‪ :‬إسناده جيد‪ ،‬انتهى‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪133‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫ولو تتبعنها كلم العلماء فه ذلك ل حتمهل عدة أوراق‪ .‬فتهبي بذا أن العلماء رحههم ال بينوا أن علة‬
‫النهي ما يؤدي إليه ذلك‪ :‬من الغلو فيها وعبادتا من دون ال كما هو الواقع وال الستعان‪.‬‬

‫وقد حدث بعد الئمة الذين يعتد بقولم أناس كثر ف أبواب العلم بال اضطرابم‪ ،‬وغلظ عن معرفة ما‬
‫ب عث ال به ر سوله من الدى والعلم حجاب م فقيدوا ن صوص الكتاب وال سنة بقيود أوه نت النقياد‬
‫وغيوا با ما قصده الرسول صلى ال عليه وسلم بالنهي وأراد‪ .‬فقال لتنجسها بصديد الوتى‪ ،‬وهذا‬
‫كله باطل من وجوه‪ :‬منها‪ :‬أنه من القول على ال بل علم‪ .‬وهو حرام بنص الكتاب‪.‬‬

‫ومن ها‪ :‬أن ما قالوه ل يقت ضى ل عن فاعله والتغل يظ عل يه‪ ،‬و ما الا نع له أن يقول‪ :‬صلى ف بق عة ن سة‬
‫فعل يه لع نة ال‪ .‬ويلزم على ما قاله هؤلء أن ال نب صلى ال عل يه و سلم ل يبي العلة‪ ،‬وأحال ال مة ف‬
‫بيانا على من ييء بعده صلى ال عليه وسلم وبعد القرون الفضلة والئمة‪ ،‬وهذا باطل قطعا وعقلً‬
‫وشرعا‪ ،‬ل يلزم عليه من أن الرسول صلى ال عليه وسلم عجز عن البيان أو قصر ف البلغ‪ ،‬وهذا من‬
‫أبطل الباطل‪ .‬فإن النب صلى ال عليه وسلم بلغ البلغ البي‪ ،‬وقدرته ف البيان فوق قدرة كل أحد‪،‬‬
‫فإذا بطل اللزم بطل اللزوم‪.‬‬

‫ويقال أيضا‪ :‬هذا الل عن والتغل يظ الشد يد إن ا هو في من ات ذ قبور ال نبياء م ساجد‪ ،‬وجاء ف ب عض‬
‫الن صوص ما ي عم ال نبياء وغي هم‪ ،‬فلو كا نت هذه هي العلة لكا نت منتف ية ف قبور ال نبياء‪ ،‬لكون‬
‫أجسادهم طرية ل يكون لا صديد ينع من الصلة عند قبورهم‪ ،‬فإذا كان النهي عن اتاذ الساجد‬
‫ع ند القبور يتناول قبور ال نبياء بال نص‪ ،‬علم أن العلة ما ذكره هؤلء العلماء الذ ين قد نقلت أقوال م‪،‬‬
‫والمهد ل على ظهور الجهة وبيان الحجهة‪ .‬والمهد ل الذي هدانها لذا‪ ،‬ومها كنها لنهتدي لول أن‬
‫هدانا ال‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪134‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫باب‬
‫ما جاء أن الغلو ف قبور الصالي يصيها أوثانا تعبد من دون ال‬

‫قوله‪( :‬باب‪ :‬ما جاء أن الغلو ف قبور الصالي يصيها أوثانا تعبد من دون ال) ‪:‬‬

‫روى مالك ف الوطأ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪ " :‬اللهم ل تعل قبى وثنا يعبد‪ ،‬اشتد‬
‫غضب ال على قوم اتذوا قبور أنبيائهم مساجد " ‪.‬‬

‫ل عن زيد بن أسلم‪ ،‬عن عطاء بن يسار‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه‬ ‫هذا الديث رواه مالك مرس ً‬
‫وسلم قال‪ ...‬الديث‪ .‬ورواه ابن أب شيبة ف مصنفه عن ابن عجلن عن زيد بن أسلم به‪ ،‬ول يذكر‬
‫عطاء‪ ،‬ورواه البزار عن زيد عن عطاء عن أب سعيد الدري مرفوعا‪.‬‬

‫وله شاهد عند المام أحد بسنده عن سهيل بن أب صال عن أبيه عن أب هريرة رفعه‪ :‬اللهم ل تعل‬
‫قبي وثنا‪ ،‬لعن ال قوما اتذوا قبور أنبيائهم مساجد ‪.‬‬

‫قوله‪ :‬روى مالك ف الوطأ هو المام مالك بن أنس بن مالك بن أب عامر بن عمرو الصبحي‪ ،‬أبو‬
‫عبدال الدن‪ .‬إمام دار الجرة وأحد الئمة الربعة وأحد التقني للحديث‪ ،‬حت قال البخاري‪ :‬أصح‬
‫السانيد مالك عن نافع عن ابن عمر‪ ،‬مات سنة تسع وسبعي ومائة‪ .‬وكان مولده سنة ثلث وتسعي‪.‬‬
‫وقيل أربع وتسعي‪ .‬وقال الواقدي‪ :‬بلغ تسعي سنة‪.‬‬

‫قوله‪ :‬اللهم ل تعل قبى وثنا يعيد قد استجاب ال دعاءه كما قال ابن القيم رحه ال تعال‪:‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪135‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وأحاطه بثلثة الداران‬ ‫فأجاب رب العالي دعاءه‬


‫ف عزة وحاية وصيان‬ ‫حت غدت أرجاؤه بدعائه‬

‫ودل الديث على أن قب النب صلى ال عليه وسلم لو عبد لكان وثنا‪ ،‬لكن حاه ال تعال با حال بينه‬
‫وبي الناس فل يوصل إليه‪ .‬ودل الديث على أن الوثن هو ما يباشره العابد من القبور والتوابيت الت‬
‫عليها‪ .‬وقد عظمت الفتنة بالقبور لتعظيمها وعبادتا‪ ،‬كما قال عبد ال بن مسعود رضي ال عنه كيف‬
‫أنتم إذا مستكم فتنة يهرم فيها الكبي‪ ،‬وينشأ فيها الصغي‪ .‬ترى على الناس يتخذونا سنة‪ ،‬إذا غيت‬
‫قيل‪ :‬غيت السنة انتهى‪.‬‬

‫ولوف الفتنة نى عن عمر تتبع آثار النب صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫قال ابن وضاح‪ :‬سعت عيسى بن يونس يقول‪ :‬أمر عمر بن الطاب رضي ال عنه بقطع الشجرة الت‬
‫بويع تتها النب صلى ال عليه وسلم فقطعها لن الناس كانوا يذهبون فيصلون تتها‪ ،‬فخاف عليهم‬
‫الفتنة‪.‬‬

‫وقال العرور بن سويد‪ :‬صليت مع عمر بن الطاب بطريق مكة صلة الصبح‪ .‬ث رأى الناس يذهبون‬
‫مذاهب‪ ،‬فقال‪ :‬أين يذهب هؤلء ؟ فقيل‪ :‬يا أمي الؤمني‪ ،‬مسجد صلى فيه النب صلى ال عليه وسلم‬
‫ف هم ي صلون ف يه‪ ،‬فقال‪ :‬إن ا هلك من كان قبل كم ب ثل هذا‪ ،‬كانوا يتتبعون آثار أ نبيائهم ويتخذون ا‬
‫كنائس وبيعا‪ ،‬فمن أدركته الصلة ف هذه الساجد فليصل‪ .‬ومن ل فليمض ول يتعمدها ‪.‬‬
‫وف مغازي ابن إسحاق من زيادات يونس بن بكي عن أب خلدة خالد بن دينار‪ .‬حدثنا أبو العالية‬
‫قال‪ :‬لا فتحنا تستر وجدنا ف بيت مال الرمزان سريرا عليه رجل ميت‪ ،‬عند رأسه مصحف‪ .‬فأخذنا‬
‫الصحف فحملناه إل عمر‪ ،‬فدعا له كعبا فنسخه بالعربية‪ ،‬فأنا أول رجل قرأه من العرب‪ ،‬قرأته مثل‬
‫ما أقرأ القرآن‪ .‬فقلت ل ب العال ية‪ :‬ما كان ف يه ؟‪ .‬قال‪ :‬سيتكم وأمور كم ولون كلم كم و ما هو‬
‫كائن ب عد‪ .‬قلت‪ :‬فماذا صنعتم بالر جل ؟ قال‪ :‬حفر نا له بالنهار ثل ثة عشرة قبا متفر قة‪ .‬فل ما كان‬
‫الل يل دفناه و سوينا القبور كل ها لنعم يه عن الناس ل ينبشو نه‪ .‬قلت‪ :‬و ما يرجون م نه ؟ قال‪ :‬كا نت‬
‫السماء إذا حبست عنهم برزوا بسريره فيمطرون‪ .‬فقلت‪ :‬من كنتم تظنون الرجل ؟ قال‪ :‬رجل يقال له‬
‫دانيال‪ .‬فقلت‪ :‬منذ كم وجدتوه مات ؟ قال‪ :‬منذ ثلثائة سنة‪.‬‬

‫قلت‪ :‬ما كان تغي منه شئ ؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬إل شعيات من قفاه‪ ،‬إن لوم النبياء ل تبليها الرض‪.‬‬

‫قال ابن القيم رحه ال‪ :‬ففي هذه القصة ما فعله الهاجرون والنصار رضي ال عنهم من تعمية قبه‬
‫لئل يفتت به‪ ،‬ول يبزوه للدعاء عنده والتبك به‪ ،‬ولو ظفر به التأخرون لالدوا عليه بالسيف ولعبدوه‬
‫من دون ال‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪136‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قال شيخ السلم رحه ال‪ :‬وهو إنكار منهم لذلك‪ ،‬فمن قصد بقعة يرجو الي بقصدها ول يستحب‬
‫الشارع ق صدها ف هو من النكرات‪ ،‬وبع ضه أ شد من ب عض‪ ،‬سواء ق صدها لي صلي عند ها أو ليد عو‬
‫عندها‪ ،‬أو ليقرأ عندها أو ليذكر ال عندها‪ ،‬أو لينسك عندها بيث يص تلك البقعة بنوع من العبادة‬
‫الت ل يشرع تصيصها به ل نوعا ول عينا‪ ،‬إل أن ذلك قد يوز بكم التفاق ل لقصد الدعاء فيها‪،‬‬
‫كمن يزورها ويسلم عليها‪ ،‬ويسأل ال العافية له وللموتى‪ ،‬كما جاءت به السنة‪ .‬وأما ترى الدعاء‬
‫عندها بيث يستشعر أن الدعاء هناك أجوب منه ف غيه‪ ،‬فهذا هو النهى عنه‪ .‬انتهى ملخصا‪.‬‬

‫قوله‪ :‬اشتد غضب ال على قوم اتذوا قبور أنبيائهم فيه تري البناء على القبور‪ ،‬وتري الصلة عندها‪،‬‬
‫وأن ذلك من الكبائر‪.‬‬

‫و ف القرى لل طبى من أ صحاب مالك عن مالك أ نه كره أن يقول‪ :‬زرت قب ال نب صلى ال عل يه‬
‫وسلم‪ ،‬وعلل ذلك بقوله صلى ال عليه وسلم‪ " :‬اللهم ل تعل قبي وثنا يعبد " الديث‪ .‬كره إضافة‬
‫هذا اللفظ إل القب‪ ،‬لئل يقع التشبه بفعل أولئك‪ ،‬سدا للذريعة‪.‬‬

‫قال ش يخ ال سلم رح ه ال تعال‪ :‬ومالك قد أدرك التابعي‪ ،‬و هم أعلم الناس بذه ال سألة‪ ،‬فدل ذلك‬
‫على أ نه ل ي كن معروفا عند هم ألفاظ زيارة قب ال نب صلى ال عل يه و سلم إل أن قال و قد ذكروا‬
‫أسباب كراهته لن يقول‪ :‬زرت قب النب صلى ال عليه وسلم لن هذا اللفظ قد صار كثي من الناس‬
‫يريد به الزيارة البدعية‪ ،‬وهو قصد اليت لسؤاله ودعائه‪ ،‬والرغبة إليه ف قضاء الوائج‪ ،‬ونو ذلك ما‬
‫يفعله كث ي مهن الناس‪ ،‬ف هم يعنون بلفهظ الزيارة م ثل هذا‪ .‬وهذا ليهس بشروع باتفاق الئ مة‪ .‬وكره‬
‫مالك أن يتكلم بلفظ ممل يدل على معن فاسد‪ ،‬بلف الصلة والسلم عليه‪ ،‬فإن ذلك ما أمر ال‬
‫به‪ .‬أ ما ل فظ الزيارة ف عموم القبور فل يف هم من ها م ثل هذا الع ن‪ .‬أل ترى إل قوله‪ :‬فزوروا القبور‬
‫فإنا تذكركم الخرة مع زيارته لقب أمه‪ .‬فإن هذا يتناول قبور الكفار‪ .‬فل يفهم من ذلك زيارة اليت‬
‫لدعائه وسهؤاله والسهتغاثة بهه‪ ،‬ونوه ذلك ماه يفعله أههل الشرك والبدع‪ ،‬بلف مها إذا كان الزور‬
‫معظما فه الديهن كالنهبياء والصهالي‪ ،‬فإنهه كثيا مها يعنه بزيارة قبورههم هذه الزيارة البدعيهة‬
‫الشركية‪،‬فلهذا كره مالك ذلك ف مثل هذا‪ ،‬وإن ل يكره ذلك ف موضع آخر ليس فيه هذه الفسدة‪ .‬ا‬
‫هه‪.‬‬
‫وفيه‪ :‬أن النب صلى ال عليه وسلم ل يستعذ إل ما ياف وقوعه‪ .‬ذكره الصنف رحه ال تعال‪.‬‬

‫قوله‪( :‬ول بن جرير بسنده عن سفيان عن منصور عن ماهد " أفرأيتم اللت والعزى " قال‪ :‬كان‬
‫يلت ل م ال سويق‪ ،‬فمات فعكفوا على قبه‪ ،‬كذا قال أ بو الوزاء عن ا بن عباس قال‪ :‬كان يلت‬
‫السويق للحاج) ‪:‬‬

‫قوله‪ :‬ول بن جر ير هو المام الا فظ م مد بن جر ير بن يز يد ال طبي‪ ،‬صاحب التف سي والتار يخ‬


‫والحكام وغيها‪ .‬قال ابن خزية‪ :‬ل أعلم على الرض أعلم من ممد بن جرير وكان من الجتهدين‬
‫ل يقلد أحدا‪ .‬وله أ صحاب يتفقهون على مذه به ويأخذون بأقواله‪ .‬ولد سنة أر بع وعشر ين ومائت ي‪،‬‬
‫ومات ليومي بقيا من شوال سنة عشر وثلثائة‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪137‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪ :‬عن سفيان الظاهر‪ :‬أنه سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري أبو عبد ال الكوف ثقة حافظ فقيه‬
‫إمام عابهد كان متهدا‪ ،‬وله أتباع يتفقهون على مذهبهه‪ .‬مات سهنة إحدى وسهتي ومائة‪ ،‬وله أربهع‬
‫وستون سنة‪.‬‬

‫قوله‪ :‬عن منصور هو ابن العتمر بن عبد ال السلمي ثقة ثبت فقيه‪ .‬مات سنة اثنتي وثلثي ومائة‪.‬‬

‫قوله‪ :‬عن ماهد هو ابن جب باليم الواحدة أبو الجاج الخزومي مولهم الكي‪ ،‬ثقة إمام ف التفسي‪،‬‬
‫أخذ عن ابن عباس وغيه رضي ال عنهم‪ .‬مات سنة أربع ومائة‪ ،‬قاله يي القطان‪ ،‬وقال ابن حبان‪:‬‬
‫مات سنة اثنتي أو ثلث ومائة وهو ساجد‪ ،‬ولد سنة إحدى وعشرين ف خلفة عمر رضي ال عنه‪.‬‬

‫قوله‪ :‬كان يلت ال سويق ل م فمات فعكفوا على قبه ف روا ية‪ :‬فيط عم من ي ر من الناس‪ .‬فل ما مات‬
‫عبدوه‪ ،‬وقالوا‪ :‬هو اللت رواه سعيد بن منصور‪.‬‬

‫ومناسبته للترجة‪ :‬أنم غلوا فيه لصلحه حت عبدوه وصار قبه وثنا من أوثان الشركي‪.‬‬

‫قوله‪ :‬وكذا قال أبو الوزاء هو أوس بن عبد ال الربعي‪ ،‬فتح الراء والباء‪ ،‬مات سنة ثلث وثاني‪.‬‬

‫قال البخاري‪ :‬حدث نا م سلم و هو ا بن إبراه يم‪ .‬حدث نا أ بو الش هب حدث نا أ بو الوزاء عن ا بن عباس‬
‫قال‪ :‬كان اللت رجلً يلت سويق الجاج ‪.‬‬

‫قال ا بن خزي ة‪ :‬وكذا العزى‪ ،‬وكا نت شجرة علي ها بناء وأ ستار بنخلة‪ ،‬ب ي م كة والطائف‪ ،‬كا نت‬
‫قريش يعظمونا‪ ،‬كما قال أبو سفيان يوم أحد‪ :‬لنا العزى ول عزى لكم ‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وعن ابن عباس رضي ال عنهما قال‪ " :‬لعن رسول ال صلى ال عليه وسلم زائرات القبور‬
‫والتخذين عليها الساجد والسرج " رواه أهل السنن) ‪:‬‬

‫قلت‪ :‬وف الباب حديث عن أب هريرة وحديث حسان بن ثابت‪ .‬فأما حديث أب هريرة فرواه أحد‬
‫والترمذي وصححه‪ .‬وحديث حسان أخرجه ابن ماجه من رواية عبد الرحن بن حسان بن ثابت عن‬
‫أبيه قال‪ " :‬لعن رسول ال صلى ال عليه وسلم زوارات القبور "‪.‬‬

‫وحديث ابن عباس هذا ف إسناده أبو صال مول أم هانء‪ ،‬وقد ضعفه بعضهم ووثقة بعضهم‪ .‬قال‬
‫على بن الدي ن‪ ،‬عن ي ي القطان‪ :‬ل أر أحدا من أ صحابنا ترك أ با صال مول أم ها ن‪ .‬و ما سعت‬
‫أحدا من الناس يقول فيه شيئا‪ ،‬ول يتركه شعبة ول زائدة ول عبد ال بن عثمان‪ .‬قال ابن معي‪ :‬ليس‬
‫به بأس ولذا أخرجه ابن السكن ف صحيحه‪ .‬انتهى من الذهب البريز عن الافظ الزي‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪138‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قال شيخ السلم رحه ال تعال‪ :‬وقد جاء عن النب صلى ال عليه وسلم من طريقي‪ :‬فعن أب هريرة‬
‫رضي ال عنه‪ " :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم لعن زوارات القبور " وذكر حديث ابن عباس‪ .‬ث‬
‫قال‪ :‬ورجال هذا ليهس رجال هذا‪ .‬فلم يأخذه أحدهاه عهن الخهر‪ .‬وليهس فه السهنادين مهن يتههم‬
‫بالكذب‪ .‬ومثل هذا حجة بل ريب‪ .‬وهذا من أجود السن الذي شرطه الترمذي‪ ،‬فإنه جعل السن ما‬
‫تعددت طرقه ول يكن فيه متهم‪ ،‬ول يكن شاذا‪ ،‬أي مالفا لا ثبت بنقل الثقات وهذا الديث تعددت‬
‫طرقه وليس فيها متهم ول خالفه أحد من الثقات‪ ،‬هذا لو كان عن صاحب واحد‪ ،‬فكيف إذا كان‬
‫رواه عن صاحب وذاك عن آخر ؟ فهذا كله يبي أن الديث ف الصل معروف‪.‬‬

‫والذين رخصوا ف الزيارة اعتمدوا على ما روى عن عائشة رضي ال عنها أنا زارت قب أخيها عبد‬
‫الرحن وقالت‪ :‬لو شهدتك ما زرتك وهذا يدل على أن الزيارة ليست مستحبة للنساء كما تستحب‬
‫الرجال‪ .‬إذ لو كان كذلك ل ستحبت زيارته سواء شهدته أم ل‪.‬‬

‫قلت‪ :‬فعلى هذا ل حجة فيه لن قال بالرخصة‪.‬‬

‫وهذا السياق لديث عائشة رواه الترمذي من رواية عبد ال بن أب مليكة عنها‪ ،‬وهو يالف سياق‬
‫الثرم له عن عبد ال بن أب مليكة أيضا‪ :‬أن عائشة رضي ال عنها أقبلت ذات يوم من القابر‪ .‬فقلت‬
‫لا‪ :‬يا أم الؤمني‪ ،‬أليس نى رسول ال صلى ال عليه وسلم عن زيارة القبور ؟ قالت‪ :‬نعم نى عن‬
‫زيارة القبور‪ ،‬ث أمر بزيارتا ‪.‬‬

‫فأجاب ش يخ ال سلم رح ه ال عن هذا وقال‪ :‬ول ح جة ف حد يث عائ شة فإن الح تج علي ها اح تج‬
‫بالن هي العام‪ ،‬فدف عت ذلك بأن الن هي من سوخ‪ ،‬ول يذ كر ل ا الح تج الن هي الاص بالن ساء الذي ف يه‬
‫لعن هن على الزيارة‪ .‬يبي ذلك قول ا قد أ مر بزيارت ا فهذا يبي أ نه أ مر ب ا أمرا يقت ضي ال ستحباب‪،‬‬
‫والستحباب إنا هو ثابت للرجال خاصة‪ .‬ولو كانت تعتقد أن النساء مأمورات بزيارة القبور لكانت‬
‫تفعل ذلك كما يفعله الرجال ول تقل لخيها لا زرتك واللعن صريح ف التحري‪ ،‬والطاب بالذن ف‬
‫قوله فزورو ها ل يتناول النساء فل يدخلن ف الكم النا سخ‪ ،‬والعام إذا عرف أ نه بعد الاص ل يكن‬
‫ناسخا له عند جهور العلماء‪،‬وهو مذهب الشافعي وأحد ف أشهر الروايتي عنه‪ ،‬وهو العروف عند‬
‫أصحابه‪ ،‬فكيف إذا ل يعلم أن هذا العام بعد الاص ؟ إذ قد يكون قوله‪ :‬لعن ال زوارات القبور بعد‬
‫إذ نه للرجال ف الزيارة‪ .‬يدل على ذلك أ نه قر نه بالتخذ ين علي ها ال ساجد وال سرج‪ .‬ومعلوم أن اتاذ‬
‫الساجد والسرج النهي عنها مكم‪ ،‬كما دلت عليه الحاديث الصحيحة وكذلك الخر‪.‬‬

‫والصحيح‪ :‬أن النساء ل يدخلن ف الذن ف زيارة القبور لعدة أوجه‪:‬‬

‫أحد ها‪ :‬أن قوله صلى ال عل يه و سلم فزورو ها صيغة تذك ي‪ .‬وإن ا يتناول الن ساء أيضا على سبيل‬
‫التغليب‪ .‬لكن هذا فيه قولن‪ ،‬قيل‪ :‬إنه يتاج إل دليل منفصل‪ ،‬وحينئذ فيحتاج تناول ذلك للنساء إل‬
‫دليل منفصل‪ ،‬وقيل أنه يتمل على ذلك عند الطلق‪ .‬وعلى هذا فيكون دخول النساء بطريق العموم‬
‫الضع يف‪ ،‬والعام ل يعارض الدلة الا صة ول ين سخها ع ند جهور العلماء‪ ،‬ولو كان الن ساء داخلت‬
‫ف هذا الطاب ل ستحب لن زيارة القبور‪ .‬وما علمنا أحدا من الئمة استحب لن زيارة القبور‪ ،‬ول‬
‫كان النساء على عهد النب صلى ال عليه وسلم وخلفائه الراشدين يرجن إل زيارة القبور‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪139‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫ومنها‪ :‬أن النب صلى ال عليه وسلم علل الذن للرجال بأن ذلك " يذكر الوت‪ ،‬ويرقق القلب‪ ،‬وتدمع‬
‫الع ي " هكذا ف م سند أح د‪ .‬ومعلوم أن الرأة إذا ف تح بال ا هذا الباب أخرج ها إل الزع والندب‬
‫والنياحة‪ ،‬لا فيها من الضعف وقلة الصب‪ .‬وإذا كانت زيارة النساء مظنة وسببا للمور الحرمة فإنه ل‬
‫ي كن أن ي د القدار الذي ل يف ضي إل ذلك‪ ،‬ول التمي يز ب ي نوع ونوع‪ ،‬و من أ صول الشري عة‪ :‬أن‬
‫الك مة إذا كا نت خف ية أو منتشرة علق ال كم بظنت ها‪ .‬فيحرم هذا الباب سدا للذري عة‪ ،‬ك ما حرم‬
‫النظر إل الزينة الباطنة‪ ،‬وكما حرم اللوة بالجنبية وغي ذلك‪ .‬وليس ف ذلك من الصلحة ما يعارض‬
‫هذه الفسدة‪ .‬فإنه ليس ف ذلك إل دعاؤها للميت وذلك مكن ف بيتها‪.‬‬

‫و من العلماء من يقول‪ :‬التشي يع كذلك‪ ،‬وي تج بقوله صلى ال عل يه و سلم " ارج عن مأزورات غ ي‬
‫مأجورات‪ ،‬فإن كن تف ت ال ي وتؤذ ين ال يت "‪ ،‬وقوله لفاط مة‪ " :‬أ ما إ نك لو بل غت مع هم الكدى ل‬
‫تدخلي النة " ويؤيده ما ثبت ف الصحيحي من أنه نى النساء عن اتباع النائز ومعلوم أن قوله صلى‬
‫ال عل يه وسلم‪ " :‬من صلى على جنازة فله قياط ومن تبعها حت تدفن فله قياطان " وهو أدل على‬
‫العموم من صيغة التذك ي‪ .‬فإن ل فظ من يتناول الرجال والن ساء باتفاق الناس‪ ،‬و قد علم بالحاد يث‬
‫الصحيحة أن هذا العموم ل يتناول النساء لنهي النب صلى ال عليه وسلم لن عن اتباع النائز‪ ،‬فإذا ل‬
‫يدخلن ف هذا العموم فكذلك ف ذلك بطريق الول‪ .‬انتهى ملخصا‪.‬‬

‫قلت‪ :‬ويكون الذن فه زيارة القبور مصهوصا للرجال‪ ،‬خهص بقوله‪ :‬لعهن ال زوارات القبور‪....‬‬
‫الديث فيكون من العام الخصوص‪.‬‬

‫وعندما استدل به القائلون بالنسخ أجوبة أيضا‪.‬‬

‫منها‪ :‬أن ما ذكروه عن عائشة وفاطمة رضي ال عنهما معارض ما ورد عنهما ف هذا الباب فل يثبت‬
‫به نسخ‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬أن قول الصحاب وفعله ليس حجة على الديث بل نزاع‪ ،‬وأما تعليمه عائشة كيف تقول إذا‬
‫زارت القبور ون و ذلك‪ ،‬فل يدل على ن سخ ما دلت عل يه الحاد يث الثل ثة من ل عن زائرات القبور‪،‬‬
‫لحتمال أن يكون ذلك قبل هذا النهي الكيد والوعيد الشديد وال أعلم‪.‬‬

‫قال م مد بن ا ساعيل ال صنعان رح ه ال ف كتا به تطه ي العتقاد ‪ :‬فإن هذه القباب والشا هد ال ت‬
‫صارت أعظم ذريعة إل الشرك واللاد‪ ،‬وأكب وسيلة إل هدم السلم وخراب بنيانه‪ :‬غالب بل كل‬
‫من يعمرها هم اللوك والسلطي والرؤساء والولة‪ ،‬إما على قريب لم أو على من يسنون الظن فيه‬
‫من فاضل أو عال أو صوف أو فقي أو شيخ أو كبي‪ ،‬ويزوره الناس الذي يعرفونه زيارة الموات من‬
‫دون توسل به ول هتف بإسه‪ ،‬بل يدعون له ويستغفرون حت ينقرض من يعرفه أو أكثرهم‪ ،‬فيأت من‬
‫بعدهم فيجد قبا قد شيد عليه البناء‪ ،‬وسرجت عليه الشموع‪ ،‬وفرش بالفراش الفاخر‪ ،‬وأرخيب عليه‬
‫الستور‪ ،‬وألقيت عليه الوراد والزهور‪ ،‬فيعتقد أن ذلك لنفع أو دفع ضر‪ ،‬وتأتيه السدنة يكذبون على‬
‫اليت بأنه فعل وفعل‪ ،‬وأنزل بفلن الضر النفع‪ .‬حت يغرسوا ف جبلته كل باطل‪ ،‬والمر ما ثبت ف‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪140‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫الحاد يث النبو ية من ل عن من أ سرج على القبور وك تب علي ها وب ن علي ها‪ .‬وأحاد يث ذلك وا سعة‬
‫معروفة فإن ذلك ف نفسه منهى عنه‪ .‬ث هو ذريعة إل مفسدة عظيمة‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫ومنه تعلم مطابقة الديث للترجة وال أعلم‪.‬‬

‫قوله‪ :‬والتخذين عليها الساجد‪ :‬تقدم شرحه ف الباب قبله‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ال سرج قال أ بو م مد القد سي‪ :‬لو أب يح اتاذ ال سرج علي ها ل يل عن من فعله‪ ،‬لن ف يه تضييعا‬
‫للمال ف غي فائدة‪ ،‬وإفراطا ف تعظيم القبور أشبه بتعظيم الصنام‪.‬‬

‫وقال ابن القيم رحه ال‪ :‬اتاذها مساجد وإيقاد السرج عليها من الكبائر‪.‬‬

‫قوله‪ :‬رواه أهل السنن يعن أن أبا داود والترمذي وابن ماجه فقط ول يروه النسائي‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪141‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫باب‬
‫ما جاء ف حاية الصطفى صلى ال عليه وسلم وسده كل طريق‬
‫يوصل إل الشرك‬

‫قوله‪ :‬باب ( ما جاء ف حاية الصطفى صلى ال عليه وسلم وسده كل طريق يوصل إل الشرك ) ‪:‬‬

‫الناب‪ :‬هو الانب‪ .‬والراد حايته عما يقر منه أو يالطه من الشرك وأسبابه‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وقول ال تعال‪ " :‬ل قد جاء كم ر سول من أنف سكم عز يز عل يه ما عن تم حر يص علي كم‬
‫بالؤمن ي رؤوف رح يم * فإن تولوا فقسل ح سب ال ل إله إل هو عل يه توكلت و هو رب العرش‬
‫العظيم ") ‪:‬‬

‫قال ابن كثي رحه ال‪ :‬يقول ال تعال متنا على الؤمني با أرسل إليهم رسولً من أنفسهم أي من‬
‫جنسهم وعلى لغتهم كما قال إبراهيم عليه السلم‪ " :‬ربنا وابعث فيهم رسو ًل منهم " وقال تعال‪" :‬‬
‫ل قد من ال على الؤمن ي إذ ب عث في هم ر سولً من أنف سهم " وقال تعال‪ " :‬ل قد جاء كم ر سول من‬
‫أنفسكم " أي منكم‪ ،‬كما قال جعفر بن أب طالب للنجاشي‪ ،‬والغية بن شعبة لرسول كسرى‪ :‬إن‬
‫ال بعث فينا رسو ًل منا نعرف نسبه وصفته‪ ،‬ومدخله ومرجه‪ ،‬وصدقه وأمانته وذكر الديث‪ .‬قال أبو‬
‫سفيان بن عيينة عن جعفر بن ممد عن أبيه ف قوله تعال‪ ":‬لقد جاءكم رسول من أنفسكم" قال‪ :‬ل‬
‫يصبه شئ ف ولدة الاهلية ‪.‬‬

‫وقوله‪ " :‬عزيز عليه ما عنتم " أي يعز عليه الشئ الذي يعنت أمته ويشق عليها ولذا جاء ف الديث‬
‫الروي من طرق عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال‪ " :‬بعثت بالنيفية السمحة " وف الصحيح ‪ " :‬إن‬
‫هذا الدين يسر" وشريعته كلها سحة سهلة كاملة‪ ،‬ميسية على من يسرها ال عليه‪.‬‬

‫قوله‪" :‬حر يص علي كم " أي على هدايت كم وو صول الن فع الدنيوي والخروي إلي كم‪ .‬و عن أ ب ذر‬
‫ر ضي ال ع نه قال‪ :‬تركنا رسول ال صلى ال عل يه وسلم وما طائر يقلب جناح يه ف الواء إل و هو‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪142‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫يذكر لنا منه علما أخرجه الطبان‪ ،‬قال‪ :‬وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ " :‬ما بقى شئ يقر من‬
‫النة ويباعد من النار إل وقد بينته لكم "‪.‬‬

‫وقوله‪ " :‬بالؤمني رؤوف رحيم " ك ما قال تعال‪ " :‬واخفض جناحك لن اتبعك من الؤمني * فإن‬
‫ع صوك ف قل إ ن بر يء م ا تعملون * وتو كل على العز يز الرح يم " وهكذا أمره تعال ف هذه ال ية‬
‫الكرية وهي قوله‪ " :‬فإن تولوا " أي عما جئتم به من الشريعة العظيمة الطهرة الكاملة " حسب ال ل‬
‫إله إل هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم "‪.‬‬

‫قلت‪ :‬فاقتضت هذه الوصاف الت وصف با رسول ال صلى ال عليه وسلم ف حق أمته أن أنذرهم‬
‫وحذرهم الشرك الذي هو أعظم الذنوب‪ ،‬وبي لم ذرائعه الوصلة إليه‪ ،‬وأبلغ ف نيهم عنها ومن ذلك‬
‫تعظيم القبور والغلو فيها‪ ،‬والصلة عندها وإليها‪ ،‬ونو ذلك ما يوصل إل عبادتا‪ ،‬كما تقدم‪ ،‬وكما‬
‫سيأت ف أحاديث الباب‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وعن أب هريرة رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم " ل تعلوا بيوتكم‬
‫قبورا ول تعلوا قسبى عيدا‪ ،‬وصسلوا فإن صسلتكم تبلغنس حيسث كنتسم " رواه أبسو داود بإسسناد‬
‫حسن‪ .‬رواته ثقات) ‪:‬‬

‫قوله‪ :‬ل تعلوا بيوت كم قبورا قال ش يخ ال سلم‪ :‬أي ل تعطلو ها من ال صلة في ها والدعاء والقراءة‪،‬‬
‫فتكون بنلة القبور‪ ،‬فأ مر بتحري العبادة ف البيوت ون ى عن تريه ما ع ند القبور‪ ،‬ع كس ما يفعله‬
‫الشركون من النصارى ومن تشبه بم من هذه المة‪.‬‬

‫و ف ال صحيحي عن ا بن ع مر مرفوعا‪ " :‬اجعلوا من صلتكم ف بيوت كم ول تتخذو ها قبورا " و ف‬


‫صحيح مسلم عن ابن عمر مرفوعا‪ " :‬ل تعلوا بيوتكم مقابر فإن الشيطان يفر من البيت الذي يسمع‬
‫سورة البقرة تقرأ فيه "‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ول تعلوا قبى عيدا قال شيخ السلم رح ه ال تعال‪ :‬العيد اسم لا يعود من الجتماع العام‬
‫على وجه معتاد‪ ،‬عائدا إما بعود السنة أو بعود السبوع أو الشهر ونو ذلك‪.‬‬

‫وقال ابهن القيهم رحهه ال تعال‪ :‬العيهد مها يعتاد ميئه وقصهده مهن زمان ومكان‪ ،‬مأخوذ مهن العاودة‬
‫والعتياد‪ .‬فإذا كان اسا للمكان فهو الكان الذي يقصد فيه الجتماع وانتيابه للعبادة وغيها‪ ،‬كما أن‬
‫السجد الرام ومن ومزدلفة وعرفة والشاعر جعلها ال عيدا للحنفاء ومثابة‪ ،‬كما جعل أيام العيد فيها‬
‫عيدا‪ .‬وكان للمشركي أعياد زمنية ومكانية‪ .‬فلما جاء ال بالسلم أبطلها وعوض النفاء منها عيد‬
‫الفطر وعيد النحر وأيام من‪ ،‬كما عوضهم من أعياد الشركي الكانية بالكعبة ومن ومزدلفة وعرفة‬
‫والشاعر‪.‬‬

‫قوله‪ :‬وصلوا علي فإن صلتكم تبلغن حيث كنتم ‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪143‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قال ش يخ ال سلم رح ه ال تعال‪ :‬يش ي بذلك إل أن ما ينالن منكم من ال صلة وال سلم يصل مع‬
‫قربكم من قبي وبعدكم‪ ،‬فل حاجة لكم إل اتاذه عيدا‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ل تعلوا بيوتكم قبورا تقدم كلم شيخ السلم ف معن الديث قبله ا هه‪.‬‬

‫ل ييء إل فرجة كانت عند قب النب‬ ‫قوله‪( :‬وعن علي بن السي رضي ال عنه‪ " :‬أنه رأى رج ً‬
‫صلى ال عليه وسلم فيدخل فيها فيدعو‪ ،‬فنهاه وقال‪ :‬أل أحدثكم حديثا سعته من أب عن جدي‬
‫عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ؟ قال‪ :‬ل تتخذوا قبي عيدا‪ ،‬ول بيوتكم قبورا‪ ،‬وصلوا علي‬
‫فإن تسليمكم يبلغن أين كنتم " رواه ف الختار) ‪:‬‬

‫هذا الديث والذي قبله جيدان حسنا السنادين‪.‬‬

‫أما الول‪ :‬فرواه أ بو داود وغيه من حد يث ع بد ال بن نا فع ال صائغ قال‪ :‬أ خبن ا بن أب ذئب عن‬
‫سعيد القبي عن أب هريرة فذكره‪ ،‬ورواته ثقات مشاهي‪ ،‬لكن عبد ال بن نافع قال فيه أبو حات‪:‬‬
‫ليس بالافظ‪ ،‬تعرف وتنكر‪ .‬وقال ابن معي‪ :‬هو ثقة وقال أبو زرعة‪ :‬ل بأس به‪ .‬قال شيخ السلم‬
‫رح ه ال‪ :‬وم ثل هذا إذا كان لد يث شوا هد علم أ نه مفوظ‪ ،‬وهذا له شوا هد متعددة‪ .‬وقال الا فظ‬
‫ممد بن عبد الادي‪ :‬هو حديث حسن جيد السناد‪ ،‬وله شواهد يرتقى با إل درجة الصحة‪.‬‬
‫وأما الديث الثان‪ :‬فرواه أبو يعلى والقاضي إساعيل والافظ الضياء ممد بن عبد الواحد القدسي ف‬
‫الختارة‪.‬‬

‫قال شيخ السلم رحه ال تعال‪ :‬فانظر هذه السنة كيف مرجها من أهل الدنية وأهل البيت الذين‬
‫لم من رسول ال صلى ال عليه وسلم قرب النسب وقرب الدار‪ ،‬لنم إل ذلك أحوج من غيهم‪،‬‬
‫فكانوا له أضبط‪ .‬ا هه‪.‬‬

‫وقال سعيد بن منصور ف سننه‪ ،‬حدث نا عبد العز يز بن ممد أ خبن سهيل بن أب سهل قال‪ :‬رآن‬
‫السن بن علي بن أب طالب رضي ال عنهم عند القب‪ ،‬فنادان‪ ،‬وهو ف بيت فاطمة رضي ال عنها‬
‫يتعشى‪ ،‬فقال‪ :‬هلم إل العشاء‪ .‬فقلت‪ :‬ل أريده‪ .‬فقال‪ :‬ما ل رأي تك ع ند القب ؟ فقلت‪ :‬سلمت على‬
‫النب صلى ال عليه وسلم‪ .‬فقال‪ :‬إذا دخلت السجد فسلم‪ .‬ث قال‪ :‬إن رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫قال‪ " :‬ل تتخذوا قبي عيدا‪ ،‬ول تتخذوا بيوتكم مقابر‪ ،‬وصلوا علي فإن صلتكم تبلغن حيثما كنتم‪،‬‬
‫لعن ال اليهود والنصارى اتذوا قبور أنبيائهم مساجد‪ ،‬ما أنتم وبن بالندلس إل سواء "‪.‬‬

‫وقال سعيد أيضا‪ :‬حدث نا حبان بن علي‪ ،‬حدث نا م مد عجلن عن أ ب سعيد مول الهري قال‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم " ل تتخذوا قبي عيدا ول بيوتكم قبورا‪ ،‬وصلوا علي فإن صلتكم‬
‫تبلغن "‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪144‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قال شيخ السلم‪ :‬فهذان الرسلن من هذين الوجي الختلفي يدلن على ثبوت الديث ل سيما وقد‬
‫احتج به من أرسله‪ .‬وذلك يقتضي ثبوته عنده هذا لو ل يرو من وجوه مسندة غي هذين‪ ،‬فكيف وقد‬
‫تقدم مسندا‪.‬‬

‫قوله‪ :‬على بن السي أي ابن علي بن أب طالب‪ ،‬العروف بزين العابدين رضي ال عنه‪ ،‬أفضل التابعي‬
‫مهن أههل بيتهه وأعلمههم‪ .‬قال الزهري‪ :‬مها رأيهت قرشيا أفضهل منهه‪ .‬مات سهنة ثلث وتسهعي على‬
‫الصحيح‪ .‬وأبوه السي سبط رسول ال صلى ال عليه وسلم وريانته‪ ،‬حفظ عن النب صلى ال عليه‬
‫وسلم واستشهد يوم عاشوراء سنة إحدى وستي وله ست وخسون سنة رضي ال عنه‪.‬‬

‫قوله‪ :‬أنه رأى رجلً ييء إل فرجة بضم الفاء وسكون الراء‪ ،‬وهي الكوة ف الدار والوخة ونوها‪.‬‬

‫قوله‪ :‬فيد خل فيها فيد عو فنهاه هذا يدل على النهي عن ق صد القبور والشا هد ل جل الدعاء وال صلة‬
‫عندها‪.‬‬

‫قال ش يخ ال سلم رح ه ال تعال‪ :‬ما عل مت أحدا ر خص ف يه‪ ،‬لن ذلك نوع من اتاذه عيدا ويدل‬
‫أيضا على أن قصد القب للسلم إذا دخل السجد ليصلي منهى عنه‪ ،‬لن ذلك ل يشرع‪ ،‬وكره مالك‬
‫لهل الدينة كلما دخل النسان السجد أن يأت قب النب صلى ال عليه وسلم لن السلف ل يكونوا‬
‫يفعلون ذلك‪ ،‬قال‪ :‬ولن يصلح آخر هذه المة إل ما أصلح أولا وكان الصحابة والتابعون رضي ال‬
‫عن هم يأتون إل م سجد ال نب صلى ال عل يه و سلم في صلون‪ ،‬فإذا قضوا ال صلة قعدوا أو خرجوا‪ ،‬ول‬
‫يكونوا يأتون القب للسلم‪ ،‬لعلمهم أن الصلة والسلم عليه ف الصلة أكمل وأفضل‪ ،‬وأما دخولم‬
‫عند قبه للصلة والسلم عليه هناك‪ ،‬أو للصلة والدعاء فلم يشرعه لم‪ ،‬بل ناهم عنه ف قوله " ل‬
‫تتخذوا قبي عيدا و صلوا علي فإن صلتكم تبلغ ن " فبي أن ال صلة ت صل إل يه من ب عد وكذلك‬
‫ال سلم‪ ،‬ول عن من ات ذ قبور ال نبياء م ساجد‪ .‬وكا نت الجرة ف زمان م يد خل إلي ها من الباب‪ ،‬إذا‬
‫كا نت عائ شة ر ضي ال عن ها في ها‪ ،‬وب عد ذلك إل أن ب ن الائط ال خر‪ ،‬و هم مع ذلك التم كن من‬
‫الوصول إل قبه ل يدخلون عليه‪ ،‬ل للسلم ول للصلة‪ ،‬ول للدعاء لنفسهم ول لغيهم‪ ،‬ول لسؤال‬
‫عن حد يث أو علم‪ ،‬ول كان الشيطان يط مع في هم ح ت ي سمعهم كلما أو سلما فيظنون أ نه هو‬
‫كلمهم وأفتاهم‪ ،‬وبي لم الحاديث‪ ،‬أو أنه قد رد عليهم السلم بصوت يسمع من خارج‪ ،‬كما طمع‬
‫الشيطان ف غيهم فأضلهم عند قبه وقب غيه‪ ،‬حت ظنوا أن صاحب القب يأمرهم وينهاهم ويفتيهم‬
‫ويدث هم ف الظا هر‪ ،‬وأ نه يرج من ال قب ويرو نه خارجا من ال قب‪ ،‬ويظنون أن ن فس أبدان الو تى‬
‫خر جت تكلم هم‪ ،‬وأن روح ال يت ت سدت ل م فرأو ها ك ما رآ هم ال نب صلى ال عل يه و سلم ليلة‬
‫العراج‪.‬‬

‫والقصود‪ :‬أن الصحابة رضي ال عنهم ل يكونوا يعتادون والسلم عليه عند قبه كما يفعله من بعدهم‬
‫من اللوف‪ ،‬وإنا كان بعضهم يأت من خارج فيسلم عليه إذا قد من سفر‪ .‬كما كان ابن عمر يفعله‪.‬‬
‫قال عبيد ال بن عمر عن نافع كان ابن عمر إذا قدم من سفر أتى قب النب صلى ال عليه وسلم فقال‪:‬‬
‫السلم عليك يا رسول ال‪ .‬السلم عليك يا أبا بكر‪ .‬السلم عليك يا أبتاه ث ينصرف قال عبيد ال ما‬
‫نعلم أحدا من أصحاب النب صلى ال عليه وسلم فعل ذلك إل ابن عمر وهذا يدل على أنه ل يقف‬
‫عند القب للدعاء إذا سلم كما يفعله كثي‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪145‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قال شيخ السلم رحه ال‪ :‬لن ذلك ل ينقل عن أحد من الصحابة‪ ،‬فكان بدعة مضة‪ .‬وف البسوط‪:‬‬
‫قال مالك‪ :‬ل أرى أن يقف عند قب النب صلى ال عليه وسلم ولكن يسلم ويضى‪ .‬ونص أحد أنه‬
‫يستقبل القبلة ويعل الجرة عن يساره لئل يستدبره‪.‬‬

‫وبالملة فقد اتفق الئمة على أنه إذا دعا ل يستقبل القب‪ ،‬وتنازعوا‪ :‬هل يستقبله عند السلم عليه أم‬
‫ل ؟ و ف الد يث دل يل على م نع شد الرحال إل قبه وإل غيه من القبور والشا هد‪ ،‬لن ذلك من‬
‫اتاذها أعيادا‪ .‬بل من أعظم أسباب الشراك بأصحابا‪ .‬وهذه هي السألة الت أفت با شيخ السلم‬
‫رح ه ال أع ن من سافر لجرد زيارة قبور ال نبياء وال صالي ون قل في ها اختلف العلماء‪ ،‬ف من مب يح‬
‫لذلك‪ .‬كالغزال وأ ب م مد القد سي‪ .‬و من ما نع لذلك‪ ،‬كا بن ب طة وا بن عق يل‪ ،‬وأ ب م مد الوي ن‪،‬‬
‫والقاضي عياض‪ .‬وهو قول المهور‪ ،‬نص عليه مالك ول يالفه أحد من الئمة‪ ،‬وهو الصواب‪ .‬لا ف‬
‫الصحيحي عن أب سعيد عن النب صلى ال عليه وسلم قال‪ " :‬ل تشد الرحال إل إل ثلثة مساجد‪:‬‬
‫ال سجد الرام‪ ،‬وم سجدي هذا‪ ،‬وال سجد الق صى " فد خل ف الن هي شد ها لزيارة القبور والشا هد‪،‬‬
‫فإما أن يكون نيا‪ ،‬وإما أن يكون نفيا‪ .‬وجاء ف رواية بصيغة النهي‪ ،‬فتعي أن يكون للنهي‪ ،‬ولذا فهم‬
‫منه الصحابة رضي ال عنهم النع كما ف الوطأ والسند والسنن عن بصرة بن أب بصرة الغفاري أنه‬
‫قال لب هريرة وقد أقبل من الطور ‪ :‬لو أدركت قبل أن ترج إليه لا خرجت‪ :‬سعت رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم يقول‪ " :‬ل تعمل الطي إل إل ثلثة مساجد‪ :‬السجد الرام‪ ،‬ومسجدي هذا‪ ،‬والسجد‬
‫القصى " وروى المام أحد وعمر بن شبة ف أخبار الدينة بإسناد جيد عن قزعة قال‪ :‬أتيت ابن عمر‬
‫فقلت‪ :‬إ ن أر يد الطور‪ .‬فقال‪ :‬إن ا ت شد الرحال إل ثل ثة م ساجد‪ :‬ال سجد الرام‪ ،‬وم سجد الدي نة‪،‬‬
‫ل الطور ما ني عن‬ ‫والسجد القصى‪ .‬فدع عنك الطور ول تأته فابن عمر وبصرة بن أب بصرة جع ً‬
‫شد الرحال إليه‪ .‬لن اللفظ الذي ذكراه فيه النهي عن شدها إل غي الثلثة ما يقصد به القربة‪ ،‬فعلم‬
‫أن ال ستن م نه عام ف ال ساجد وغي ها‪ ،‬وأن الن هي ل يس خا صا بال ساجد‪ ،‬ولذا ن يا عن شد ها إل‬
‫الطور م ستدلي بذا الد يث‪ .‬والطور إن ا ي سافر من ي سافر إل يه لفضيلة البق عة‪ .‬فإن ال ساه الوادي‬
‫القدس‪ ،‬والبق عة البار كة وكلم كلي مه مو سى عل يه ال سلم هناك‪ ،‬وهذا هو الذي عل يه الئ مة الرب عة‬
‫وجهور العلماء‪ ،‬ومن أراد بسط القول ف ذلك والواب عما يعارضه فعليه با كتبه شيخ السلم ميبا‬
‫لبن الخنائي فيما أعترض به على ما دلت عليه الحاديث الصحيحة وأخذ به العلماء وقياس الول‪.‬‬
‫لن الفسدة ف ذلك ظاهرة‪.‬‬

‫وأما النهي عن زيارة غي الساجد الثلثة فغاية ما فيها‪ :‬أنا ل مصلحة ف ذلك توجب شد الرحال‪،‬‬
‫ول مزية تدعو إليه‪ .‬وقد بسط القول ف ذلك الافظ ممد بن عبد الادي ف كتاب الصارم النكي ف‬
‫رده ال سبكي‪ ،‬وذ كر ف يه علل الحاد يث الواردة ف زيارة قب ال نب صلى ال عل يه و سلم وذ كر هو‬
‫وشيخ السلم رحهما ال تعال أنه ل يصح منها حديث عن النب صلى ال عليه وسلم ول عن أحد‬
‫من أ صحابه‪ ،‬مع أن ا ل تدل على م ل الناع‪ .‬إذ ل يس في ها إل مطلق الزيارة‪ ،‬وذلك ل ينكره أ حد‬
‫بدون شد الرحال‪ ،‬فيحمل على الزيارة الشرعية الت ليس فيها شرك ول بدعة‪.‬‬

‫قوله‪ :‬رواه ف الختارة الختارة‪ :‬كتاب جع فيه مؤلفه الحاديث الياد الزائدة عن الصحيحي‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪146‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫ومؤلفه‪ :‬هو أبو عبد ال ممد بن عبد الواحد القدسي الافظ ضياء الدين النبلي أحد العلم‪ .‬قال‬
‫الذهب‪ :‬أفن عمره ف هذا الشأن مع الدين التي‪ ،‬والورع والفضيلة التامة والتقان‪ .‬فال يرحه ويرضى‬
‫عنه‪.‬‬

‫وقال شيخ السلم‪ :‬تصحيحه ف متاراته خي من تصحيح الاكم بل ريب‪ .‬مات سنة ثلث وأربعي‬
‫وستمائة‪.‬‬

‫باب‬
‫ما جاء أن بعض هذه المة يعبد الوثان‬

‫قوله‪( :‬باب‪ :‬مسا جاء أن بعسض هذه المسة يعبسد الوثان‪ ،‬وقول ال تعال‪ " :‬أل تسر إل الذيسن أوتوا‬
‫نصيبا من الكتاب يؤمنون بالبت والطاغوت ") ‪:‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪147‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫الوثن يطلق على ما قصد بنوع من أنواع العبادة من دون ال من القبور والشاهد وغيها لقول الليل‬
‫عليه السلم‪ " :‬إنا تعبدون من دون ال أوثانا وتلقون إفكا " ومع قوله‪ " :‬قالوا نعبد أصناما فنظل لا‬
‫عاكفي " وقوله‪ " :‬أتعبدون ما تنحتون " فبذلك يعلم أن الوثن يطلق على الصنام وغيها ما عبد من‬
‫دون ال‪ ،‬كما تقدم ف الديث‪.‬‬

‫قول اليهود‪ :‬هؤلء أهدى من الذين آمنوا سبيلً‪.‬‬

‫قوله‪ " :‬يؤمنون بالبت والطاغوت " روى ابن أب حات عن عكرمة قال‪ :‬جاء حيي بن أخطب وكعب‬
‫بن الشرف إل أهل مكة فقالوا لم‪ :‬أنتم أهل الكتاب وأهل العلم‪ ،‬فأخبونا عنا وعن ممد‪ .‬فقالوا‪:‬‬
‫ما أنتم وما ممد ؟ فقالوا‪ :‬نن نصل الرحام‪ ،‬وننحر الكوماء‪ ،‬ونسقي الاء على اللب‪ ،‬ونفك العناة‪،‬‬
‫ونسقي الجيج‪ ،‬وممد صنبور‪ ،‬قطع أرحامنا‪ ،‬واتبعه سراق الجيج من غفار‪ .‬فنحن خي أم هو ؟‬
‫فقالوا‪ :‬أن تم خيا وأهدى سبيلً فأنزل ال تعال‪ " :‬أل تر إل الذ ين أوتوا ن صيبا من الكتاب يؤمنون‬
‫ل " وف مسند أح د عن‬ ‫بال بت والطاغوت ويقولون للذ ين كفروا هؤلء أهدى من الذ ين آمنوا سبي ً‬
‫ابن عباس نوه‪.‬‬

‫قال عمر بن الطاب رضي ال عنه البت السحر‪ ،‬والطاغوت الشيطان وكذلك قول ابن عباس وأبو‬
‫العالية وماهد والسن وغيهم‪ .‬وعن ابن عباس وعكرمة وأب مالك البت الشيطان زاد ابن عباس‪:‬‬
‫بالبشية وعن ابن عباس أيضا‪ :‬البت الشرك وعنه البت الصنام وعنه البت‪ :‬حي بن أخطب وعن‬
‫الش عب ال بت الكا هن و عن ما هد‪ :‬ال بت ك عب بن الشرف قال الوهري ال بت كل مة ت قع على‬
‫الصنم والكاهن والساحر ونو ذلك‪.‬‬

‫قال الصنف رحه ال تعال‪ :‬وفيه معرفة اليان بالبت والطاغوت ف هذا الوضع هل هو اعتقاد قلب‪،‬‬
‫أو هو موافقة أصحابا‪ ،‬مع بغضها ومعرفة بطلنا ؟ ‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وقوله تعال‪ " :‬قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند ال من لعنه ال وغضب عليه وجعل‬
‫منهم القردة والنازير وعبد الطاغوت ") ‪:‬‬

‫يقول تعال لنبيه ممد صلى ال عليه وسلم‪ :‬قل يا ممد هل أخبكم بشر جزاء عند ال يوم القيامة ما‬
‫تظنو نه ب نا ؟ و هم أن تم أي ها الت صفون بذه ال صفات الف سرة بقوله‪ :‬من لع نه ال أي أبعده من رح ته‬
‫وغ ضب عل يه أي غضبا ل ير ضى بعده أبدا " وج عل من هم القردة والناز ير " و قد قال الثوري عن‬
‫علقمة بن مرثد عن الغية بن عبد ال اليشكري عن العرور بن سويد أن ابن مسعود رضي ال عنه قال‬
‫" سئل رسول ال صلى ال عليه وسلم عن القردة والنازير‪ ،‬أهي ما مسخ ال ؟ فقال‪ :‬إن ال ل يهلك‬
‫قوما أو قال ل ي سخ قوما فج عل ل م ن سلً ول عقبا‪ ،‬وإن ا القردة والناز ير كا نت ق بل ذلك " رواه‬
‫مسلم‪.‬‬
‫قال البغوي ف تفسيه قل يا ممد هل أنبئكم أخبكم بشر من ذلك الذي ذكرت‪ ،‬يعن قولم‪ :‬ل نر‬
‫أهل دين أقل حظا ف الدنيا والخرة منكم‪ ،‬ول دينا شرا من دينكم‪ ،‬فذكر الواب بلفظ البتداء وإن‬
‫ل يكن البتداء شرا‪ ،‬لقوله تعال‪ " :‬قل أفأنبئكم بشر من ذلكم النار "‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪148‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وقوله‪ :‬مثوبة ثوابا وجزاء‪ ،‬نصب على التفسي عند ال‪ ،‬من لعنه ال أي هو من لعنه ال وغضب عليه‬
‫يعن اليهود " وجعل منهم القردة والنازير " فالقردة أصحاب السبت‪ ،‬والنازير كفار مائدة عيسى‪.‬‬
‫وعن علي بن أب طلحة عن ابن عباس أن السخي كلها من أصحاب السبت‪ ،‬فشبابم مسخوا قردة‬
‫وشيوخهم مسخوا خنازير ‪.‬‬

‫وعبد الطاغوت أي وجعل منهم من عبد الطاغوت‪ ،‬أي أطاع الشيطان فيما سول له‪ ،‬وقرأ ابن مسعود‬
‫عبدوا الطاغوت وقرأ حزة و عبهد بضهم الباء‪ ،‬و الطاغوت بره التاء أراد العبهد‪ .‬وهاه لغتان‪ :‬عبهد‬
‫بسكون الباء‪ ،‬وعبد بضمنها‪ ،‬مثل سبع وسبع وقرأ السن وعبد الطاغوت على الواحد‪.‬‬

‫و ف تف سي الطب سي‪ :‬قرأ حزة وحده وع بد الطاغوت ب ضم الياء و جر التاء‪ ،‬والباقون وع بد الطاغوت‬
‫بنصب الباء وفتح التاء‪ .‬وقرأ ابن عباس وابن مسعود وإبراهيم الخعي والعمش وأبان بن تغلب وعبد‬
‫الطاغوت بضمن العي والباء وفتح الدال وخفض التاء‪ ،‬قال‪ :‬وحجة حزة ف قراءته وعبد الطاغوت أنه‬
‫يمله على ما ع مل ف يه ج عل كأ نه‪ :‬وج عل من هم ع بد الطاغوت‪ .‬ومع ن ج عل خلق ‪ .‬كقوله وج عل‬
‫الظلمات والنور وليس عبد لفظ جع لنه ليس من أبنية الموع شئ على هذا البناء‪ ،‬ولكنه واحد يراد‬
‫به الكثرة‪ ،‬أل ترى أن ف ال ساء الفردة الضا فة إل العارف ما لف ظه الفراد ومعناه ال مع‪ ،‬ك ما ف‬
‫قوله تعال‪ " :‬وإن تعدوا نعمة ال ل تصوها " ولن بناء فعل يراد به البالغة والكثرة نو يقظ ودنس‪،‬‬
‫وكأن تقديره‪ :‬أنه ذهب ف عبادة الطاغوت كل مذهب‪.‬‬

‫وأما من فتح فقال وعبد الطاغوت فإنه عطفه على بناء الضي الذي ف الصلة وهو قوله لعنه ال وأفرد‬
‫الضمي ف عبد وإن كان العن فيه الكثرة‪ ،‬لن الكلم ممول على لفظه دون معناه‪ ،‬وفاعله ضمي من‬
‫ك ما أن فا عل المثلة العطوف علي ها ضم ي من فأفرد ل مل ذلك جيعا على الل فظ‪ .‬وأ ما قوله‪ :‬ع بد‬
‫الطاغوت فهو جع عبد‪.‬‬

‫وقال أحد بن يي‪ :‬عبد جع عابد‪ ،‬كبازل وبزل‪ ،‬وشارف وشرف‪ ،‬وكذلك عبد جع عابد‪ .‬ومثله‬
‫عباد وعباد‪ .‬ا هه‪.‬‬

‫وقال شيخ السلم ف قوله وعبد الطاغوت الصواب أنه معطوف على ماقبله من الفعال‪ ،‬أي من لعنه‬
‫وغ ضب عل يه‪ ،‬و من ج عل من هم القردة والناز ير و من ع بد الطاغوت‪ .‬قال‪ :‬والفعال التقد مة الفا عل‬
‫فيها اسم ال‪ ،‬مظهرا أو مضمرا‪ .‬وهنا الفاعل اسم من عبد الطاغوت‪ .‬وهو الضمي ف عبد ول يعد‬
‫سبحانه من لنه جعل هذه الفعال صفة لصنف واحد وهم اليهود‪.‬‬

‫قوله‪ :‬أولئك شر مكانا ما تظنون بنا وأضل عن سواء السبيل وهذا من باب استعمال أفعل التفضيل‬
‫فيما ليس ف الطرف الخر له مشارك كقوله تعال‪ " :‬أصحاب النة يومئذ خي مستقرا وأحسن مقيل‬
‫" قاله العماد ابن كثي ف تفسيه‪ ،‬وهو ظاهر‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وقول ال تعال‪ " :‬قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا ") ‪:‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪149‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫والراد أنم فعلوا مع الفتية بعد موتم ما يذم فاعله‪ .‬لن النب صلى ال عليه وسلم قال‪ :‬لعن ال اليهود‬
‫والنصارى اتذوا قبور أنبيائهم وصاليهم مساجد أراد تذير أمته أن يفعلوا كفعلهم ‪.‬‬

‫قوله‪( :‬عن أب سعيد رضي ال عنه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪ " :‬لتتبعن سنن من كان‬
‫قبلكسم حذو القذة بالقذة‪ ،‬حتس لو دخلوا جحسر ضسب لدخلتموه قالوا يسا رسسول ال‪ :‬اليهود‬
‫والنصارى ؟ قال‪ :‬فمن ؟ " أخرجاه وهذا سياق مسلم) ‪:‬‬

‫قوله‪ :‬سنن بفتح الهملة أي طريق من كان قبلكم‪ .‬قال الهلب‪ :‬فتح أول‪.‬‬

‫قوله‪ :‬حذو القذة بالقذة بنصب حذو على الصدر‪ .‬والقذة بضم القاف واحدة القذذ وموريش السهم‪.‬‬
‫أي لتتبعن طريقهم ف كل ما فعلوه‪ ،‬وتشبهوهم ف ذلك كما تشبه قذة السهم القذة الخرى‪ .‬وبذا‬
‫تظهر مناسبة اليات للترجة‪ .‬وقد وقع كما أخب‪ ،‬وهو علم من أعلم النبوة‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ح ت لو دخلوا ج حر ضب لدخلتموه و ف حد يث آ خر ح ت لو كان في هم من يأ ت أ مة علن ية‬


‫لكان ف أم ت من يف عل ذلك أراد صلى ال عل يه و سلم أن أم ته ل تدع شيئا م ا كان يفعله اليهود‬
‫والنصارى إل فعلته كله ل تترك منه شيئا ولذا قال سفيان بن عيينة‪ :‬من فسد من علمائنا ففيه شبه‬
‫من اليهود‪ ،‬ومن فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى‪ .‬ا هه‪.‬‬

‫قلت‪ :‬فما أكثر الفريقي‪ ،‬لكن من رحة ال تعال ونعمته أن جعل هذه المة ل تتمع على ضللة كما‬
‫ف حديث ثوبان الت قريبا‪.‬‬

‫قوله‪ :‬قالوا يا رسول ال‪ ،‬اليهود والنصارى ؟ قال فمن ؟ هو برفع اليهود خب مبتدأ مذوف‪ ،‬أي أهم‬
‫اليهود والنصارى الذين نتبع سننهم ؟ ويوز النصب بفعل مذوف تقديره‪ :‬تعن‪.‬‬

‫قوله‪ :‬قال فمن ؟ استفهام إنكاري‪ .‬أي فمن هم غي أولئك ؟‬

‫قوله‪( :‬ولسلم عن ثوبان رضي ال عنه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪ " :‬إن ال زوى ل‬
‫الرض فرأ يت مشارق ها ومغارب ا‪ ،‬وإن أم ت سيبلغ ملك ها ما زوى ل من ها‪ .‬وأعط يت الكن ين‪:‬‬
‫الحر‪ ،‬والبيض‪ .‬وإن سألت رب لمت أن ل يهلكها بسنة بعامة‪ ،‬وأن ل يسلط عليهم عدوا من‬
‫سسوى أنفسسهم‪ ،‬فيسستبيح بيضتهسم‪ ،‬وإن ربس قال‪ :‬يسا ممسد‪ ،‬إذا قضيست قضاء فإنسه ل يرد‪ ،‬وإن‬
‫أعطيتك لمتك أن ل أهلكها بسنة بعامة‪ .‬وأن ل أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح‬
‫بيضتهم‪ ،‬ولو اجتمع عليهم من بإقطارها حت يكون بعضهم يهلك بعضا‪ ،‬ويسب بعضهم بعضا "‬
‫ورواه البقان ف صحيحه وزاد " وإنا أخاف على أمت الئمة الضلي‪ .‬وإذا وقع عليهم السيف ل‬
‫يرفع إل يوم القيامة ول تقوم الساعة حت يلحق حي من أمت‪ ،‬بالشركي وحت تعبد فئام من أمت‬
‫الوثان‪ .‬وأنه سيكون ف أمت كذابون ثلثون‪ ،‬كلهم يزعم أنه نب‪ ،‬وأنا خات النبيي ل نب بعدي‪،‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪150‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫ول تزال طائفة من أمت على الق منصورة ل يضرهم من خذلم ول من خالفهم حت يأت أمر ال‬
‫تبارك وتعال ") ‪:‬‬

‫هذا الديث رواه أبو داود ف سننه وابن ماجه بالزيادة الت ذكرها الصنف‪.‬‬

‫قوله‪ :‬عن ثوبان هو مول النب صلى ال عليه وسلم صحبه‪ .‬ولزمه‪ .‬ونزل بعده الشام ومات بمص‬
‫سنة أربع وخسي‪.‬‬

‫قوله‪ :‬زوى ل الرض قال التوربشت‪ :‬زويت الشئ جعته وقبضته‪ ،‬يريد تقريب البعيد منها حت اطلع‬
‫عليه إطلعه على القريب‪ .‬وحاصله أنه طوى له الرض وجعلها مموعة كهيئة كف ف مرآة ينظره‪.‬‬
‫قال الطيب‪ :‬أي جعها‪ ،‬حت بصرت ما تلكه أمت من أقصى الشارق والغارب منها‪.‬‬

‫قوله‪ :‬وإن أمت سيبلغ ملكها ما زوى ل منها قال القرطب‪ :‬هذا الب وجد مبه كما قال‪ ،‬وكان ذلك‬
‫من دلئل نبو ته‪ ،‬وذلك أن ملك أم ته ات سع إل أن بلغ أق صى طن جة بالنون وال يم الذي هو منت هى‬
‫عمارة الغرب‪ ،‬إل أقصى الشرق ما هو وراء خراسان والنهر‪ ،‬وكثي من بلد السند والند والصغد‪،‬‬
‫ول يتسع ذلك التساع من جهة النوب والشمال‪ .‬وذلك ل يذكر عليه السلم أنه أريه ول أخب أن‬
‫ملك أمته يبلغه‪.‬‬

‫قوله‪ :‬زوى ل منها يتمل أن يكون مبينا للفاعل‪ ،‬وأن يكون مبنيا للمفعول‪.‬‬

‫قوله‪ :‬وأعطيت الكنين‪ :‬الحر والبيض قال القرطب‪ :‬عن به كن كسرى‪ ،‬وهو ملك الفرس‪ ،‬وكن‬
‫قيصر وهو ملك الروم وقصورها وبلدها‪ .‬وقد قال صلى ال عليه وسلم‪ " :‬والذي نفسي بيده لتنفقن‬
‫كنوزها ف سبيل ال " وعب بالحر عن كن قيصر لن الغالب عندهم كالذهب‪ ،‬وبالبيض عن كن‬
‫ك سرى لن الغالب عند هم كان الو هر والف ضة‪ .‬وو جد ذلك ف خل فة ع مر‪ .‬فإ نه سيق إل يه تاج‬
‫كسرى وحليته وما كان ف بيوت أمواله‪ ،‬وجيع ما حوته ملكته على سعتها وعظمتها‪ ،‬وكذلك فعل‬
‫ال بقيصر والبيض والحر منصوبان على البدل‪.‬‬

‫قوله‪ :‬وإن سألت رب لمت أن ل يهلكها بسنة بعامة هكذا ثبت ف أصل الصنف رحه ال بعامة بالباء‬
‫وهي رواية صحيحة ف صحيح مسلم وف بعضها بذفها‪ .‬قال القرطب‪ :‬وكأنا زائدة لن عامة‪ :‬صفة‬
‫ال سنة‪ ،‬وال سنة الدب الذي يكون به اللك العام‪ ،‬ويسمى الدب والق حط‪ :‬سنة‪ .‬يمع على سني‪،‬‬
‫كما قال تعال‪ " :‬ولقد أخذنا آل فرعون بالسني " أي الدب التوال‪.‬‬

‫قوله‪ :‬من سوى أنفسهم أي من غيهم من الكفار من إهلك بعضهم بعضا‪ ،‬وسب بعضهم بعضا‪ ،‬كما‬
‫هو مبسوط ف التاريخ فيما قيل‪ .‬وف زماننا هذا‪ ،‬نسأل ال العفو والعافية‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪151‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪ :‬فيستبيح بيضتهم قال الوهري‪ :‬بيضة كل شئ جوزته‪ .‬وبيضة القوم ساحتهم‪ ،‬وعلى هذا فيكون‬
‫معن الديث‪ :‬إن ال تعال ل يسلط العدو على كافة السلمي حت يستبيح جيع ما حازوه من البلد‬
‫والرض‪ ،‬ولو اجتمع عليهم من بأقطار الرض وهي جوانبها‪ .‬وقيل‪ :‬بيضتهم معظمهم وجاعتهم‪ ،‬وإن‬
‫قلوا‪.‬‬

‫قوله‪ :‬حت يكون بعضهم يهلك بعضا‪ ،‬ويسب بعضهم بعضا والظاهر أن حت عاطفة‪ ،‬أو تكون لنتهاء‬
‫الغاية‪ ،‬أي إن أمر المة ينتهي إل أن يكون بعضهم يهلك بعضا‪ .‬وقد سلط بعهضم على بعض كما‬
‫هو الواقع‪ ،‬وذلك لكثرة اختلفهم وتفرقهم‪.‬‬

‫قوله‪ :‬وإن رب قال‪ :‬يا ممد‪ ،‬إذا قضيت قضاء فإنه ل يرد قال بعضهم‪ :‬أي إذا حكمت حكما مبما‬
‫نافذا فإنه ل يرد بشئ‪،‬ول يقدر أحد على رده‪ ،‬كما قال النب صلى ال عليه وسلم ول راد لا قضيت‪.‬‬
‫قوله‪ :‬رواه البقان ف صحيحه هو الافظ الكبي أبو بكر أحد بن ممد بن أحد بن غالب الوارزمي‬
‫الشاف عي‪ .‬ولد سنة ست وثلث ي وثلثائة ومات سنة خ س وعشر ين وأربعمائة‪ .‬قال الط يب‪ :‬كان‬
‫ثبتا ورعا‪ ،‬ل نر ف شيوخنا أثبت منه‪ ،‬عارفا بالفقه كثي التصانيف‪ .‬صنف مسندا ضمنه ما أشتمل‬
‫عليه الصحيحان‪ .‬وجع حديث الثوري وحديث شعبة وطائفة‪.‬‬

‫وهذا الديث رواه أبو داود بتمامه بسنده إل أب قلبة عن أب أساء عن ثوبان رضي ال عنه قال‪ :‬قال‬
‫رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم " إن ال أو قال إن ربه زوى ل الرض فأريهت مشارق الرض‬
‫ومغارب ا‪ ،‬وإن ملك أم ت سيبلغ ما زوى ل من ها‪ .‬وأعط يت الكن ين‪ :‬الح ر والب يض‪ .‬وإ ن سألت‬
‫لمت أن ل يهلكها بسنة عامة ول يسلط عليهم عدوا سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم‪ .‬وأن رب قال‬
‫ل‪ :‬يا م مد إ ن إذا قض يت قضاء فإ نه ل يرد‪ ،‬ول أهلك هم ب سنة عا مة‪ ،‬ول أ سلط علي هم عدوا من‬
‫سوى أنف سهم في ستبيح بيضت هم‪ .‬وإن ر ب قال ل‪ :‬يا م مد إ ن إذا قض يت قضاء فإ نه ل يرد‪ ،‬ول‬
‫أهلكهم بسنة عامة‪ ،‬ول أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من‬
‫بي أقطارها أو قال‪ :‬بأقطارها حت يكون بعضهم يهلك بعضا‪ ،‬وحت يكون بعضهم يسب بعضا‪ .‬وإنا‬
‫أخاف على أم ت الئ مة الضل ي‪ .‬وإذا و ضع ال سيف ف أم ت ل ير فع عن ها إل يوم القيا مة‪ .‬ول تقوم‬
‫ال ساعة ح ت يل حق قبائل أم ت بالشرك ي‪ ،‬وح ت تع بد قبائل من أم ت الوثان وإ نه سيكون ف أم ت‬
‫كذابون ثلثون كلهم يزعم أنه نب‪ ،‬وأنا خات النبيي ل نب بعدي‪ ،‬ول تزال طائفة من أمت على الق‬
‫قال ابن عيسى‪ :‬ظاهرين ث اتفقا ل يضرهم من خالفهم حت يأت أمر ال تعال "‪.‬‬

‫وروى أبو داود أيضا عن عبد ال بن مسعود رضي ال عنه عن النب صلى ال عليه وسلم أنه قال‪" :‬‬
‫تدور رحى السلم لمس وثلثي‪ ،‬أو ست وثلثي‪ ،‬أو سبع وثلثي‪ ،‬فإن يهلكوا فسبيل من هلك‪،‬‬
‫وإن يقم لم دينهم يقم سبعي عاما قلت‪ :‬أما بقى أو ما مضى ؟ قال‪ :‬ما مضى "‪.‬‬

‫وروى ف سننه أيضا عن أب هريرة رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ":‬يتقارب‬
‫الزمان وينقص العلم‪ ،‬وتظهر الفت‪ ،‬ويلقى الشح‪ ،‬ويكثر الرج‪ ،‬قيل‪ :‬يا رسول ال أيه هو ؟ قال‪ :‬القتل‬
‫القتل "‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪152‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪ :‬وإناه أخاف على أمته الئمهة الضليه أي المراء والعلماء والعباد فيحكمون فيههم بغيه علم‬
‫فيضلونم‪ ،‬كما قال تعال‪ " :‬وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكباءنا فأضلونا السبيل " وكان بعض هؤلء‬
‫يقول ل صحابه‪ :‬من كان له حا جة فليأت إل قبي فإ ن أقضي ها له ول خ ي ف ر جل يج به عن‬
‫أصحابه ذراع من تراب‪ ،‬ونو هذا‪ .‬وهذا هو الضلل البعيد‪،‬يدعو أصحابه إل أن يعبدوه من دون ال‬
‫ويسألوه ما ل يقدر عليه من قضاء حاجاتم وتفريج كرباتا‪ ،‬وقد قال تعال‪ " ، :‬يدعو من دون ال ما‬
‫ل يضره و ما ل ينف عه ذلك هو الضلل البع يد * يد عو ل ن ضره أقرب من نف عه لبئس الول ولبئس‬
‫العش ي " وقال تعال‪ " :‬واتذوا من دو نه آل ة ل يلقون شيئا و هم يلقون ول يلكون لنف سهم ضرا‬
‫ول نفعا ول يلكون موتا ول حياة ول نشورا " وقال تعال‪ " :‬فابتغوا عنههههد ال الرزق واعبدوه‬
‫واشكروا له إليه ترجعون " وأمثال هذا ف القرآن كثي‪ ،‬يبي ال تعال به الدى من الضلل‪.‬‬

‫ومن هذا الضرب‪ :‬من يدعى أنه يصل مع ال إل حال تسقط فيها عنه التكاليف‪ ،‬ويدعى أن الولياء‬
‫يدعون ويستغاث بم ف حياتم وماتم‪ ،‬وأنم ينفعون ويضرون ويدبرون المور على سبيل الكرامة‪،‬‬
‫وأ نه يطلع على اللوح الحفوظ‪ ،‬يعلم أ سرار الناس و ما ف ضمائر هم‪ ،‬ويوز بناء ال ساجد على قبور‬
‫ال نبياء وال صالي وإيقاد ها بال سرج ون و ذلك من الغلو والفراط والعبادة لغ ي ال‪ .‬ف ما أك ثر هذا‬
‫الذيان والكفر والحادة ل ولكتابه ولرسوله‪.‬‬
‫وقوله صلى ال عليه وسلم‪ " :‬وإنا أخاف على أمت الئمة الضلي " أتى بإنا الت قد تأت للحصر بيانا‬
‫لشدة خوفه على أمته من أئمة الضلل‪ ،‬وما وقع ف خلد النب صلى ال عليه وسلم من ذلك إل لا‬
‫أطلعه ال عليه من غيبه أنه سيقع نظي ما ف الديث قبله من قوله‪ " :‬لتتبعن سنن من كان قبلكم‪" ...‬‬
‫الديث‪.‬‬

‫وعن أب الدرداء رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ " :‬إن أخوف ما أخاف على‬
‫أمت الئمة الضلون " رواه أبو داود الطيالسي‪ .‬وعن ثوبان رضي ال عنه أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم قال‪ " :‬إنا أخاف على أمت الئمة الضلي " رواه الدارمى‪.‬‬

‫وقد بي ال تعال ف كتابه صراطه الستقيم الذي هو سبيل الؤمني‪ .‬فكل من أحدث حدثا ليس ف‬
‫كتاب ال ول ف سنة رسوله صلى ال عليه وسلم فهو ملعون وحدثه مردود‪ ،‬كما قال صلى ال عليه‬
‫و سلم‪ " :‬من أحدث حدثا أو آوى مدثا فعل يه لع نة ال واللئ كة والناس أجع ي ل يق بل ال م نه يوم‬
‫القيامة صرفا ول عدلً " وقال‪ " :‬من أحدث ف أمرنا ما ليس منه فهو رد " وقال‪ " :‬كل مدثة بدعة‬
‫وكهل بدعهة ضللة " وهذه أحاديهث صهحيحة‪ .‬ومدار أصهول الديهن وأحكامهه على هذه الحاديهث‬
‫ونو ها‪ .‬و قد ب ي ال تعال هذا ال صل ف موا ضع من كتا به العز يز ك ما قال تعال‪ " :‬اتبعوا ما أنزل‬
‫ل ما تذكرون " وقال تعال‪ " :‬ث جعلناك على شريعة من‬ ‫إليكم من ربكم ول تتبعوا من دونه أولياء قلي ً‬
‫المر فاتبعها ول تتبع أهواء الذين ل يعلمون " ونظائرها ف القرآن كثي‪.‬‬

‫و عن زياد بن حد ير قال‪ :‬قال ل ع مر ر ضي ال ع نه‪ :‬هل تعرف ما يهدم ال سلم ؟ قلت‪ :‬ل‪ ،‬قال‬
‫يهدمه زلة العال‪ ،‬وجدال النافق بالكتاب‪ ،‬وحكم الئمة الضلي رواه الدارمى‪.‬‬

‫وقال يز يد بن عم ي‪ :‬كان معاذ بن ج بل ر ضي ال ع نه ل يلس مل سا للذ كر إل ويقول‪ :‬ال ح كم‬


‫قسط‪ :‬هلك الرتابون وفيه‪ :‬فاحذروا زيغة الكيم فإن الشيطان قد يقول الضللة على لسان الكيم‪،‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪153‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫و قد يقول النا فق كل مة ال ق‪ .‬قلت لعاذ‪ :‬و ما يدري ن رح ك ال أن الكيم قد يقول كل مة الضللة‪،‬‬


‫والنا فق قد يقول كل مة ال ق ؟ فقال‪ :‬اجت نب من كلم الك يم الشتبهات ال ت يقول‪ :‬ما هذه‪ :‬ول‬
‫يثن يك ذلك ع نه‪ ،‬فإ نه لعله أن يرا جع ال ق‪ ،‬وتلق ال ق إذا سعته‪ ،‬فإن على ال ق نورا رواه أ بو داود‬
‫وغيه‪.‬‬

‫قوله‪ :‬وإذا وقع السيف ل يرفع إل يوم القيامة وكذلك وقع‪ .‬فإن السيف لا وقع بقتل عثمان رضي ال‬
‫عنه ل يرفع‪ ،‬وكذلك يكون إل يوم القيامة‪ ،‬ولكن قد يكثر تارة ويقل أخرى‪ ،‬ويكون ف جهة ويرتفع‬
‫عن أخرى ‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ول تقوم بال ساعة ح ت يل حق حي من أم ت بالشرك ي ال ي وا حد الحياء و هي القبائل‪ :‬و ف‬


‫رواية أب داود حت يلحق قبائل من أمت بالشركي والعن‪ :‬أنم يكونون معهم ويرتدون برغبتهم عن‬
‫أهل السلم ويلحقون بأهل الشرك‪.‬‬

‫وقوله‪ :‬حت تعبد فئام من أمت الوثان الفئام بكسر الفاء مهموز الماعات الكبية‪ ،‬قاله أبو السعادات‪.‬‬

‫وف رواية أب داود‪ :‬حت تعبد قبائل من أمت الوثان‪.‬‬

‫وهذا هو شا هد الترج ة‪ ،‬فف يه الرد على من قال بل فه من عباد القبور الاحد ين ل ا ي قع من هم من‬
‫الشرك بال بعبادتم الوثان‪ .‬وذلك لهلهم بقيقة التوحيد وما يناقضه من الشرك والتنديد‪ ،‬فالتوحيد‬
‫هو أعظم مطلوب والشرك هو أعظم الذنوب‪.‬‬

‫وف معن هذا الديث‪ :‬ما ف الصحيحي عن أب هريرة رضي ال عنه مرفوعا‪ " :‬ل تقوم الساعة حت‬
‫تضطرب أليات نسهاء دوس على ذي اللصهة قال‪ :‬وذو اللصهة طاغيهة دوس الته كانوا يعبدون فه‬
‫الاهلية " وروى ابن حبان عن معمر قال‪ :‬إن عليه الن بيتا مبنيا مغلقا‪.‬‬

‫قال العلمة ابن القيم رح ه ال ف قصة هدم اللت‪ ،‬لا أسلمت ثقيف‪ :‬فيه أنه ل يوز إبقاء مواضع‬
‫الشرك والطواغيت بعد القدرة على هدمها وإبطالا يوما واحدا‪ ،‬وكذا حكم الشاهد الت بنيت على‬
‫القبور‪ ،‬وال ت اتذت أوثانا تع بد من دون ال‪ ،‬والحجار ال ت تق صد لل تبك والنذر ل يوز إبقاء شئ‬
‫منها على وجه الرض مع القدرة على إزالتها‪ ،‬وكثي منها بنلة اللت والعزى ومناة‪،‬أو أعظم شركا‬
‫عندها وبا‪ .‬فاتبع هؤلء سنن من كان قبلهم‪ ،‬وسلكوا سبيلهم حذو القذة بالقذة‪ ،‬وغلب الشرك على‬
‫أكثر النفوس‪ ،‬لظهور الهل وخفاء العلم‪ ،‬وصار العروف منكرا والنكر معروفا‪ ،‬والسنة بدعة والبدعة‬
‫سنة‪ ،‬وطمست العلم‪ ،‬واشتدت غربة السلم‪ ،‬وقل العلماء‪ ،‬وغلب السفهاء‪ ،‬وتفاقم المر‪ ،‬واشتد‬
‫البأس‪ ،‬وظههر الفسهاد‪ ،‬فه الب والبحهر باه كسهبت أيدي الناس‪ ،‬ولكهن ل تزال طائفهة مهن العصهابة‬
‫الحمدية بالق قائمي‪ ،‬ولهل الشرك والبدع ماهدين‪ ،‬إل أن يرث ال الرض ومن عليها وهو خي‬
‫الوارثي ا ه ملخصا‪.‬‬

‫قلت‪ :‬فإذا كان هذا ف القرن السابع وقبله‪ ،‬فما بعده أعظم فسادا كما هو الواقع‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪154‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وقوله‪ :‬وإنه سيكون ف أمت كذابون ثلثون كلهم يزعم أنه نب قال القرطب‪ :‬وقد جاء عددهم معينا‬
‫ف حد يث حذيفة قال‪ :‬قال ر سول ال صلى ال عليه وسلم‪ " :‬يكون ف أم ت كذابون دجالون سبع‬
‫وعشرون‪ ،‬منهم أربع نسوة " أخرجه أبو نعيم‪ .‬وقال‪ :‬هذا حديث غريب‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫وحديث ثوبان أصح من هذا‪.‬‬

‫قال القاضي عياض‪ :‬عد من تنبأ من زمن رسول ال صلى ال عليه وسلم إل الن من اشتهر بذلك‬
‫وعرف وأتب عه جا عة على ضللة‪ .‬فو جد هذا العدد في هم‪ ،‬و من طالع ك تب الخبار والتوار يخ عرف‬
‫صحة هذا‪.‬‬

‫وقال الافظ‪ :‬وقد ظهر مصداق ذلك ف زمن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فخرج مسيلمة الكذاب‬
‫باليما مة‪ ،‬وال سود العن سي بالي من‪ ،‬و ف خل فة أ ب ب كر‪ :‬طلي حة بن خويلد ف ب ن أ سد بن خزي ة‪،‬‬
‫وسجاح ف بن تيم‪ ،‬وقتل السود قبل أن يوت النب صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وقتل مسيلمة ف خلفة أب‬
‫بكر رضي ال عنه‪ ،‬قتله وحشي قاتل حزة يوم أحد‪ ،‬وشاركه ف قتل مسيلمة يوم اليمامة رجل من‬
‫النصار‪ ،‬وتاب طليحة ومات على السلم ف زمن عمر رضي ال عنه‪ .‬ونقل أن سجاح تابت أيضا‪.‬‬
‫ث خرج الختار بن أب عبيد الثقفي وغلب على الكوفة ف أول خلفة الزبي‪ .‬وأظهر مبة أهل البيت‬
‫ودعا الناس إل طلب قتلة السي‪ ،‬فتتبعهم فقتل كثيا من باشر ذلك‪ ،‬وأعان عل يه‪ .‬فأحبه الناس‪ ،‬ث‬
‫ل عليه السلم يأتيه‪ .‬ومنهم الرث الكذاب‪ ،‬خرج ف خلفة عبد اللك بن‬ ‫ادعى النبوة وزعم أن جبي ً‬
‫مروان فقتل‪ .‬وخرج ف خلفة بن العباس جاعة‪.‬‬

‫ول يس الراد بالد يث من اد عى النبوة مطلقا‪ .‬فإن م ل ي صحون كثرة لكون غالب هم تن شأ دعو ته عن‬
‫جنون أو سوداء‪ .‬وإنا الراد من قامت له شوكة وبدأ له شبهة كمن وصفنا‪ .‬وقد أهلك ال تعال من‬
‫وقع له منهم ذلك وبقي منهم من يلحقه بأصحابه وآخرهم الدجال الكب‪.‬‬

‫قوله‪ :‬وأنا خات النبيي قال السن‪ .‬الات الذي ختم به يعن أنه آخر النبيي‪ ،‬كما قال تعال‪ " :‬ما كان‬
‫ممد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول ال وخات النبيي " وإنا ينل عيسى ابن مري ف آخر الزمان‬
‫حاكما بشريعة ممد صلى ال عليه وسلم مصليا إل قبلته‪ .‬فهو كأحد من أمته‪ ،‬بل هو أفضل هذه‬
‫ال مة‪ .‬قال ال نب صلى ال عل يه و سلم‪ " :‬والذي نف سي بيده لينلن في كم ا بن مر ي حكما مق سطا‪.‬‬
‫فليكسرن الصليب‪ ،‬وليقتلن النير‪ ،‬وليضعن الزية "‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ول تزال طائفة من أمت على الق منصورة ل يضرهم من خذلم ول من خالفهم قال يزيد بن‬
‫هرون‪ ،‬وأحد بن حنبل‪ :‬إن ل يكونوا أهل الديث فل أدري من هم ؟ ‪.‬‬

‫قال ابن البارك وعلى بن الدين‪ ،‬وأحد بن سنان والبخاري وغيهم إنم أهل الديث وعن ابن الدين‬
‫رواية هم العرب واستدل برواية من روى‪ ،‬هم أهل الغرب‪ .‬وفسر الغرب بالدلو العظيمة‪ ،‬لن العرب‬
‫هم الذين يستقون با‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪155‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قال النووي ‪ :‬يوز أن تكون الطائفة جاعة متعددة من أنواع الؤمني ما بي شجاع وبصي بالرب‪،‬‬
‫وفق يه ومدث ومف سر‪ ،‬وقائم بال مر بالعروف والن هي عن الن كر‪ .‬وزا هد وعا بد‪ ،‬ول يلزم أن يكونوا‬
‫متمع ي ف بلد وا حد‪ ،‬بل يوز اجتماع هم ف ق طر وا حد‪ ،‬وافتراق هم ف أقطار الرض‪ ،‬ويوز أن‬
‫يتمعوا ف البلد الوا حد وأن يكونوا ف ب عض دون ب عض م نه‪ ،‬ويوز إخلء الرض من بعض هم أولً‬
‫بأول إل أن ل يبقى إل فرقة واحدة ببلد واحد‪ ،‬فإذا انقرضوا جاء أمر ال‪ .‬ا ه ملخصا مع زيادة فيه‪.‬‬
‫قاله الافظ‪.‬‬

‫قال القرطب‪ :‬وفيه دليل على أن الجاع حجة لن المة اجتمعت فقد دخل فيهم الطائفة النصورة‪.‬‬

‫قال الصنف رحه ال‪ :‬وف الية العظيمة‪ :‬أنم مع قلتهم ل يضرهم من خذلم ول من خالفهم‪ .‬وفيه‬
‫البشارة بأن الق ل يزول بالكلية ‪.‬‬

‫قتل‪ :‬واحتج به المام أحد على أن الجتهاد ل ينقطع ما دامت هذه الطائفة موجودة‪.‬‬

‫قوله‪ :‬حت يأت أمر ال الظاهر أن الراد به ما روى من قبض من بقي من الؤمني بالريح الطيبة‪ ،‬ووقوع‬
‫اليات العظام‪ ،‬ث ل يبقى إل شرار الناس‪ ،‬كما روى الاكم أن عبد ال بن عمر قال‪ :‬ل تقوم الساعة‬
‫إل على شرار اللق‪ ،‬هم شر أ هل الاهل ية فقال عق بة بن عا مر لع بد ال‪ :‬اعلم ما تقول‪ ،‬وأ ما أ نا‬
‫ف سمعت ال نب صلى ال عل يه و سلم يقول‪ :‬ل تزال ع صابة من أم ت يقاتلون على أ مر ال ظاهر ين ل‬
‫يضرهم من خالفهم حت تأتيهم الساعة وهم على ذلك قال عبد ال‪ :‬ويبعث ال ريا ريها السك‪،‬‬
‫ومسها مس الرير فل تترك أحدا ف قلبه مثقال ذرة من إيان إل قبضته‪ ،‬ث يبقى شرار الناس فعليهم‬
‫تقوم الساعة وف صحيح مسلم‪ :‬ل تقوم الساعة حت ل يقال ف الرض ال ال ‪.‬‬

‫وعلى هذا فالراد بقوله ف حد يث عق بة و ما أشب هه ح ت تأتي هم ال ساعة ساعتهم و هي و قت موت م‬


‫ببوب الريح‪ .‬ذكره الافظ‪.‬‬
‫وقد اختلف ف مل هذه الطائفة‪ ،‬فقال ابن بطال‪ :‬إنا تكون ف بيت القدس‪ ،‬كما رواه الطبان من‬
‫حديث أب أمامة قيل‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬أين هم ؟ قال‪ :‬بيت القدس وقال معاذ بن جبل رضي ال عنه‪:‬‬
‫هم بالشام وف كلم الطبي ما يدل على أنه ل يب أن تكون ف الشام أو ف بيت القدس دائما‪ ،‬بل‬
‫قد تكون ف موضع آخر ف بعض الزمنة‪.‬‬

‫قلت‪ :‬ويشهد له الواقع وحال أهل الشام وأهل بيت القدس‪ ،‬فإنم من أزمنة طويلة ل يعرف فيهم من‬
‫قام بذا المر بعد شيخ السلم ابن تيمية رضي ال عنه وأصحابه ف القرن السابع وأول الثامن‪ ،‬فإنم‬
‫كانوا ف زمان م على ال ق يدعون إل يه‪ ،‬ويناظرون عل يه‪ ،‬وياهدون ف يه‪ .‬و قد ي يء من أمثال م ب عد‬
‫بالشام من يقوم مقامهم بالدعوة إل الق والتمسك بالسنة‪ .‬وال على كل شئ قدير‪.‬‬

‫وما يؤيد هذا أن أهل الق والسنة ف زمن الئمة الربعة وتوافر العلماء ف ذلك الزمان وقبله وبعده ل‬
‫يكونوا ف مل واحد‪ ،‬بل هم ف غالب المصار ف الشام منهم الئمة‪ ،‬وف الجار وف مصر‪ ،‬وف‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪156‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫العراق واليمن‪ ،‬وكلهم على الق يناضلون‪ ،‬وياهدون أهل البدع‪ ،‬ولم الصنفات الت صارت أعلما‬
‫لهل السنة‪ ،‬وحجة على كل مبتدع‪.‬‬

‫فعلى هذا‪ ،‬فهذه الطائفة قد تتمع وقد تتفرق‪ ،‬وقد تكون ف الشام‪ ،‬وقد تكون ف غيه‪ ،‬فإن حديث‬
‫أب أمامة‪ ،‬وقول معاذ‪ ،‬ل يفيد حصرها بالشام وإنا يفيد أنا تكون ف الشام ف مصر بعض الزمنة ل‬
‫ف كلها‪.‬‬

‫وكل جلة من هذا الديث علم من أعلم النبوة‪ ،‬فإن كل ما أخب به النب صلى ال عليه وسلم ف هذا‬
‫الديث وقع كما أخب صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫وقوله‪ :‬تبارك وتعال قال ابن القيم‪ :‬البكة نوعان‪:‬‬


‫أحدهاه‪ :‬بركهة ههي فعلة والفعهل منهها بارك‪ ،‬ويتعدى بنفسهه تارة وبأداة على تارة‪ ،‬وبأداة فه‬
‫تارة‪،‬والفعول منها مبارك‪ .‬وهو ما جعل منها كذلك‪ ،‬فكان مباركا بعله تعال‪.‬‬
‫والنوع الثا ن‪ :‬بر كة تضاف إل يه إضا فة الرح ة والعزة‪ ،‬والف عل من ها تبارك‪ ،‬ولذا ل يقال لغيه ذلك‪،‬‬
‫ول يصلح إل له عز وجل‪ ،‬فهو سبحانه التبارك‪ ،‬وعبده ورسوله البارك‪ ،‬كما قال السيح عليه السلم‪:‬‬
‫" وجعلن مباركا أين ما كنت " فمن يبارك ال فيه وعليه فهو البارك‪.‬‬

‫وأ ما صفة تبارك فمخت صة به‪ ،‬ك ما أطل قه على نف سه ف قوله‪ " :‬تبارك ال رب العال ي " ‪ " :‬تبارك‬
‫الذي بيده اللك وهو على كل شيء قدير " أفل تراها كيف اطردت ف القرآن جارية عليه متصة به‪،‬‬
‫ل تطلق على غيه ؟ وجاءت على بناء السهعة والبالغهة‪ ،‬كتعال وتعاظهم ونوه‪ ،‬فجاء بناء تبارك على‬
‫بناء تعال الذي ههو دال على كمال العلو ونايتهه‪ ،‬فكذلك تبارك دال على كمال بركتهه وعظمتهه‬
‫وسعتها‪ .‬وهذا معن قول من قال من السلف تبارك تعاظم‪ .‬وقال ابن عباس رضي ال عنهما‪ :‬جاء بكل‬
‫بركة‪.‬‬

‫قوله‪( :‬قال عمر رضي ال عنه‪ :‬البت‪ :‬السحر‪ .‬والطاغوت‪ :‬الشيطان) ‪:‬‬

‫هذا الثر رواه ابن أب حات وغيه‪.‬‬

‫قوله‪ :‬وقال جابر‪ :‬الطواغيت كهان كان ينل عليهم الشيطان‪ ،‬ف كل حي واحد هذا الثر رواه ابن‬
‫أ ب حا ت بنحوه مطو ًل عن و هب بن من به قال‪ :‬سألت جابر بن ع بد ال عن الطواغ يت ال ت كانوا‬
‫يتحاكمون إلي ها‪ ،‬فقال‪ :‬إن ف جهي نة واحدا‪ ،‬و ف أ سلم واحدا‪ ،‬و ف هلل واحدا‪ ،‬و ف كل حي‬
‫واحدا‪ ،‬وهم كهان كانت تنل عليهم الشياطي ‪.‬‬

‫قوله‪ :‬قال جابر هو عبد ال بن حرام النصاري‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪157‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪ :‬الطواغيت كهان أراد أن الكهان من الطواغيت‪ :‬فهو من إفراد العن‪.‬‬

‫قوله‪ :‬كان ينل عليههم الشيطان أراد النهس ل الشيطان الذي ههو إبليهس خاصهة‪ ،‬بهل تنل عليههم‬
‫الشياطي وياطبونم ويبونم با يسترقون من السمع‪ ،‬فيصدقون مرة ويكذبون مائة‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ف كل حي وا حد ال ي وا حد الحياء‪ ،‬و هم القبائل‪ ،‬أي ف كل قبيلة كا هن يتحاكمون إل يه‬


‫ويسهألونه عهن الغ يب‪ ،‬وكذلك كان ال مر ق بل مب عث النهب صلى ال عل يه وسهلم فأب طل ال ذلك‬
‫بالسلم وحرست السماء بكثرة الشهب‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وعن أ ب هريرة رضي ال ع نه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عل يه و سلم‪ " :‬اجتنبوا السبع‬
‫الوبقات‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول ال وما هن ؟ قال‪ :‬الشرك بال‪ ،‬والسحر‪ ،‬وقتل النفس الت حرم ال إل‬
‫بال ق‪ ،‬وأ كل الر با‪ ،‬وأ كل مال اليت يم‪ ،‬والتول يوم الز حف‪ ،‬وقذف الح صنات الغافلت الؤمنات‬
‫")‪:‬‬

‫كذا أورده الصنف غي معزو‪ .‬وقد رواه البخاري ومسلم‪.‬‬

‫قوله‪ :‬اجتنبوا أي ابعدوا‪ ،‬وهو أبلغ من قوله‪ :‬دعوا واتركوا‪ ،‬لن النهي عن القربان أبلغ‪ ،‬كقوله‪ " :‬ول‬
‫تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن "‪.‬‬

‫قوله‪ :‬الوبقات بوحدة وقاف‪ .‬أي الهلكات‪ .‬وسهيت هذه موبقات لناه تلك فاعلهها فه الدنيها باه‬
‫يترتب عليها من العقوبات‪،‬وف الخرة من العذاب‪.‬‬

‫وف حديث ابن عمر عند البخاري ف الدب الفرد والطبي ف التفسي‪ ،‬وعبد الرزاق مرفوعا وموقوفا‬
‫قال‪ :‬الكبائر تسع وذكر السبع الذكورة وزاد‪ :‬واللاد ف الرم‪ ،‬وعوق الوالدين ولبن أب حات عن‬
‫علي قال‪ :‬الكبائر فذكهر السهبع إل مال اليتيهم‪ ،‬وزاد العقوق‪ ،‬والتعرب بعهد الجرة‪ ،‬وفراق‪ :‬الماعهة‬
‫ونكث الصفقة ‪.‬‬

‫قال الافظ‪ :‬ويتاج عندي هذا الواب عن الكمة ف القتصار على سبع‪.‬‬

‫وياب‪ :‬بأن مفهوم العدد ل يس ب جة و هو ضع يف‪ ،‬أو بأ نه أعلم أو ل بالذكورات‪ .‬ث أعلم ب ا زاد‪،‬‬
‫فيجب الخذ بالزائد‪ ،‬أو أن القتصار وقع بسب القام بالنسبة إل السائل‪.‬‬

‫وقد أخرج الطبان وإساعيل القاضي عن ابن عباس أنه قيل له‪ :‬الكبائر سبع قال‪ :‬هن أكثر من سبع‬
‫وسبع وف رواية هي إل سبعي أقرب وف رواية‪ :‬إل السبعمائة ‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪158‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪ :‬قال؛ الشرك بال هو أن ي عل ل ندا يدعوه ويرجوه‪ ،‬ويا فه ك ما ياف ال‪ ،‬بدأ به ل نه أع ظم‬
‫ذنب عصى ال به‪ ،‬كما ف الصحيحي عن ابن مسعود " سألت النب صلى ال عليه وسلم أي الذنب‬
‫أعظم عند ال ؟ قال‪ :‬أن تعل ل ندا وهو خلقك‪ "... ،‬الديث‪ ،‬وأخرج الترمذي بسنده عن صفوان‬
‫بن ع سال قال‪ :‬قال يهودي ل صاحبه‪ :‬اذ هب ب نا إل هذا ال نب‪ ،‬فقال له صاحبه‪ :‬ل ت قل نب‪ ،‬إ نه لو‬
‫سعك لكان له أربع أعي‪ ،‬فأتيا رسول ال صلى ال عليه وسلم فسأله عن تسع آيات بينات‪ ،‬فقال‬
‫النب صلى ال عليه وسلم‪ " :‬ل تشركوا بال شيئا‪ ،‬ول تسرقوا‪ ،‬ول تزنوا‪ ،‬ول تقتلوا النفس الت حرم‬
‫ال إل بالقه‪ ،‬ول تشوا بهبيء إل ذي سهلطان ليقتله‪ ،‬ول تسهحروا‪ ،‬ول تأكلوا الربها‪ ،‬ول تقذفوا‬
‫مصهنة‪ ،‬ول تولوا للفرار يوم الزحهف‪ ،‬وعليكهم خاصهة اليهود أن ل تعدوا فه السهبت‪ .‬فقبل يديهه‬
‫ورجليه‪ .‬وقال‪ :‬نشهد أنك نب‪ "...‬الديث‪ .‬وقال‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬

‫قوله‪ :‬السحر تقدم معناه‪ .‬وهذا وجه مناسبة الديث للترجة‪.‬‬

‫وقوله‪ :‬وقتل النفس الت حرم ال أي حرم قتلها‪ .‬وهي نفس السلم العصوم‪.‬‬

‫قوله‪ :‬إل بالق أي بأن تفعل ما يوجب قتلها‪ .‬كالشرك والنفس بالنفس‪ ،‬والزان بعد الحصان‪ ،‬وكذا‬
‫قتل العاهد‪ ،‬كما ف الديث "من قتل معاهدا ل يرح رائحة النة "‪.‬‬

‫واختلف العلماء فيمن قتل مؤمنا متعمدا‪ ،‬وهل له توبة أم ل ؟ فذهب ابن عباس وأبو هريرة وغيها‬
‫إل أنه ل توبة له‪ ،‬استدل ًل بقوله تعال‪ " :‬ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها " وقال‬
‫ابن عباس نزلت هذه الية وهي آخر ما نزل وما نسخها شئ وف رواية‪ :‬لقد نزلت ف آخر ما نزل‬
‫وما نسخها شئ حت قبض رسول ال صلى ال عليه وسلم وما نزل وحي وروى ف ذلك آثار تدل لا‬
‫ذهب إليه هؤلء‪ ،‬كما عند المام أحد والنسائي وابن النذر عن معاوية‪ :‬سعت رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم يقول‪ " :‬كل ذنب عسى ال أن يغفره إل الرجل يوت كافرا أو الرجل يقتل مؤمنا متعمدا‬
‫"‪.‬‬

‫وذهب جهور المة سلفا وخلفا إل أن القاتل له توبة فيما بينه وبي ال‪ ،‬فإن تاب وأناب عمل صالا‬
‫بدل ال سيئاته حسنات‪ ،‬كما قال تعال‪ " :‬والذين ل يدعون مع ال إلا آخر ول يقتلون النفس الت‬
‫حرم ال إل بال ق ول يزنون و من يف عل ذلك يلق أثا ما * يضا عف له العذاب يوم القيا مة ويلد ف يه‬
‫مهانا * إل من تاب وآمن وعمل عمل صالا " اليات‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ومن يقتل مؤمنا متعمدا قال أبو هريرة وغيه هذا جزاؤه إن جازاه ‪.‬‬

‫وقد روى عن ابن عباس ما يوافق قول المهور‪ ،‬فروى عبد بن حيد والنحاس عن سعيد بن عبادة أن‬
‫ا بن عباس ر ضي ال ع نه كان يقول‪ :‬ل ن ق تل مؤمنا تو بة وكذلك ا بن ع مر ر ضي ال عنه ما‪ .‬وروى‬
‫مرفوعا " أن جزاءه جهنم إن جازاه "‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪159‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪ :‬وآكل الربا أي تناوله بأي وجه كان‪ ،‬كما قال تعال‪ " :‬الذين يأكلون الربا ل يقومون إل كما‬
‫يقوم الذي يتخب طه الشيطان من ال س " اليات‪ .‬قال ا بن دق يق الع يد‪ :‬و هو مرب ل سوء الات ة‪ .‬نعوذ‬
‫بال من ذلك‪.‬‬

‫قوله‪ :‬وآكل مال اليتيم يعن التعدي فيه‪ .‬وعب بالكل لنه أعم وجوه النتفاع‪ ،‬كما قال تعال‪ " :‬إن‬
‫الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنا يأكلون ف بطونم نارا وسيصلون سعيا "‪.‬‬

‫قوله‪ :‬والتول يوم الزحف أي الدبار عن الكفار وقت التحام القتال‪ ،‬وإنا يكون كبية إذا فر إل غي‬
‫فئة أو غي متحرف لقتال‪ .‬كما قيد به ف الية‪.‬‬

‫قوله‪ :‬وقذف الحصهنات الغافلت الؤمنات وههو بفتهح الصهاد‪ :‬الحفوظات مهن الزنها‪ ،‬وبكسهرها‬
‫الافظات فروجههن منهه‪ ،‬والراد بالرائر العفيفات‪ ،‬والراد رميههن بزنها أو لواط‪ .‬والغافلت‪ ،‬أي عهن‬
‫الفواحش وما رمي به‪ .‬فهو كناية عن البيئات‪ .‬لن الغافل بريء عما بت به‪ .‬والؤمنات‪ ،‬أي بال‬
‫تعال احترازا من قذف الكافرات‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وعن جندب مرفوعا " حد الساحر ضربه بالسيف " رواه الترمذي) ‪:‬‬

‫وقال‪ :‬الصحيح أنه موقوف‪.‬‬

‫قوله‪ :‬عن جندب ظا هر صنيع ال طبان ف ال كبي أ نه جندب بن ع بد ال البجلي‪ .‬ل جندب ال ي‬
‫الزدي قاتل الساحر فإنه رواه ف ترجة جندب البجلي من طريق خالد العبد عن السن عن جندب‬
‫عن النب صلى ال عليه وسلم‪ .‬وخالد العبد ضعيف‪ .‬قال الافظ‪ :‬والصواب أنه غيه‪ .‬وقد رواه ابن‬
‫قانع والسن بن سفيان من وجهي عن السن عن جندب الي‪ :‬أنه جاء إل ساحر فضربه بالسيف‬
‫ح ت مات‪ ،‬وقال‪ :‬سعت ر سول ال صلى ال عل يه و سلم يقول فذكره وجندب ال ي هو جندب بن‬
‫كعب‪ ،‬وقيل‪ :‬جندب بن زهي‪ ،‬وقيل‪ :‬ها واحد‪ ،‬كما قال ابن حبان‪ :‬أبو عبد ال الزدي الغامدي‬
‫صحاب روى ابن السكن من حديث بريدة أن النب صلى ال عليه وسلم قال‪ " :‬يضرب ضربة واحدة‬
‫فيكون أمة واحدة "‪.‬‬

‫قوله‪ :‬حد الساحر ضربه بالسيف وروى بالاء وبالتاء‪ ،‬وكلها صحيح‪.‬‬

‫وبذا الد يث أ خذ مالك وأح د وأ بو حني فة فقالوا‪ :‬يق تل ال ساحر‪ .‬وروى ذلك عن ع مر‪ ،‬وعثمان‪،‬‬
‫وابن عمر‪ ،‬وحفصة‪ ،‬وجندب بن عبد ال‪ ،‬وجندب بن كعب‪ ،‬وقيس ابن سعد‪ ،‬وعمر بن عبد العزيز‪،‬‬
‫ول ير الشافعي القتل عليه بجرد السحر إل إن عمل ف سحره ما يبلغ الكفر‪ .‬وبه قال ابن النذر وهو‬
‫رواية عن أحد‪ .‬والول أول للحديث ولثر عمر‪ ،‬وعمل به الناس ف خلفته من غي نكي‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪160‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قال‪( :‬و ف صحيح البخاري عن بالة بن عبدة قال‪ :‬ك تب ع مر بن الطاب أن اقتلوا كل ساحر‬
‫وساحرة‪ .‬قال فقتلنا ثلث سواحر) ‪:‬‬

‫هذا الثر رواه البخاري كما قال الصنف رحه ال‪ ،‬لكن ل يذكر قتل السواحر‪.‬‬

‫قوله‪ :‬عن بالة بفتح الوحدة بعدها جيم‪ ،‬ابن عبدة بفتحتي‪ ،‬التميمي العنبي بصرى ثقة‪.‬‬

‫قوله‪ :‬كتب إلينا عمر بن الطاب أن اقتلوا كل ساحر وساحرة وظاهره أنه يقتل من غي استتابة‪ .‬وهو‬
‫كذلك على الشهور عن أحد‪ ،‬وبه قال مالك‪ ،‬لن علم السحر ل يزول بالتوبة‪ .‬وعن أحد يستتاب‪،‬‬
‫فإن تاب قبلت توب ته‪ ،‬و به قال الشاف عي لن ذن به ل يز يد عن الشرك‪ ،‬والشرك ي ستتاب وتق بل توب ته‬
‫ولذلك صح إيان سحرة فرعون وتوبتهم‪.‬‬

‫قوله‪ :‬وصح عن حفصة أنا أمرت بقتل جارية لا سحرتا فقتلت ‪.‬‬

‫هذا الثر وراه مالك ف الوطأ‪.‬‬

‫وحفصة هي أم الؤمني بنت عمر بن الطاب تزوجها النب صلى ال عليه وسلم بعد خينس بن حذافة‬
‫وماتت سنة خس وأربعي‪.‬‬

‫قوله‪ :‬وكذلك صح عن جندب أشار ال صنف بذا إل قتلة ال ساحر ك ما رواه البخاري ف تاري ه عن‬
‫أ ب عثمان النهدي قال‪ :‬كان ع ند الول يد ر جل يل عب فذ بح إن سانا وأبان رأ سه فعجب نا‪ ،‬فأعاد رأ سه‬
‫فجاء جندب الزدى فقتله ورواه البيهقي ف الدلئل مطولً‪ .‬وفيه فأمر به الوليد فسجن فذكر القصة‬
‫بتمامها ولا طرق كثية‪.‬‬

‫قوله‪ :‬قال أحد عن ثلث من أصحاب النب صلى ال عليه وسلم أحد هو المام ابن ممد بن حنبل‪.‬‬

‫قوله‪ :‬عن ثلثة أي صح قتل الساحر عن ثلثة‪ ،‬أو جاء قتل الساحر عن ثلثة من أصحاب النب صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ ،‬يعن عمر‪ ،‬وحفصة‪ ،‬وجندبا‪ .‬وال أعلم‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪161‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫باب‬
‫بيان شيء من أنواع السحر‬

‫قوله‪( :‬باب‪ :‬بيان شئ من أنواع السحر ) ‪:‬‬

‫قلت‪ :‬ذكر الشارح رحه ال تعال ها هنا شيئا من الوارق وكرامات الولياء وذكر ما اغتر به كثي‬
‫من الناس من الحوال الشيطان ية ال ت غرت كثيا من العوام والهال‪ ،‬وظنوا أن ا تدل على ول ية من‬
‫جرت على يد يه منه هو من أولياء الشيطان ل من أولياء الرح ن‪ ،‬ث قال‪ :‬ولش يخ ال سلم كتاب‬
‫الفرقان بي أولياء الرحن وأولياء الشيطان فراجعه‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫قال رح ه ال تعال‪( :‬قال أح د‪ :‬حدث نا م مد بن جع فر‪ .‬حدث نا عوف عن حيان ا بن العلء‪ ،‬حدث نا‬
‫قطن بن قبيصة عن أبيه أنه سع النب صلى ال عليه وسلم قال‪ " :‬إن العيافة‪ ،‬والطرق‪ ،‬والطية من‬
‫البت " قال عوف‪ :‬العيافة زجر الطي‪ ،‬والطرق الط يط ف الرض‪ ،‬والبت‪ :‬قال السن رنة‬
‫الشيطان إسناده جيد‪ .‬ولب داود والنسائي وابن حبان ف صحيحه السند منه) ‪:‬‬

‫قوله‪ :‬قال أحد هو المام أحد بن ممد بن حنبل‪.‬‬

‫وممد بن جعفر هو الشهور بغندر الذل البصري‪ ،‬ثقة مشهور‪ ،‬مات سنة ست ومائتي‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪162‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وعوف هو ابن أب جيلة بفتح اليم العبدي البصري‪ ،‬العروف بعوف العراب‪ ،‬ثقة مات سنة ست أو‬
‫سبع وأربعي‪ ،‬وله ست وثانون سنة‪.‬‬

‫وحيان بن العلء هو بالتحتية‪ ،‬ويقال حيان بن مارق‪ ،‬أبو العلء البصري‪ ،‬مقبول‪.‬‬

‫وقطن‪ ،‬بفتحتي أبو سهل البصري صدوق‪.‬‬

‫قوله‪ :‬عن أبيه هو قبيصة بفتح أوله ابن مارق بضم اليم أبو عبد ال اللل‪ .‬صحاب‪ ،‬نزل البصرة‪.‬‬

‫قوله‪ :‬إن العيا فة والطرق والطية من البت قال عوف‪ :‬العيافة زجر الط ي والتفاؤل بأ سائها وأ صواتا‬
‫ومرها‪ ،‬وهو من عادات العرب‪ ،‬وكثي من أشعارهم‪ ،‬يقال‪ :‬عاف يعيف عيفا‪ ،‬إذا زجر وحدس وظن‪.‬‬

‫قوله‪ :‬والطرق الط يط الرض كذا فسره عوف‪ ،‬وهو كذلك‪.‬‬

‫وقال أبو السعادات‪ :‬هو الضرب بالصى الذي يفعله النساء‪ .‬وأما الطية فيأت الكلم عليها ف بابا إن‬
‫شاء ال تعال‪.‬‬

‫قوله‪ :‬من البت أي السحر‪ .‬قال القاضي‪ :‬والبت ف الصل الفضل الذي ل خي فيه‪ ،‬ث استعي لا‬
‫يعبد من دون ال‪ ،‬وللساحر والسحر‪.‬‬

‫قوله‪ :‬قال السن‪ :‬ر نة الشيطان قلت‪ :‬ذ كر إبراهيم بن ممد بن مفلح أن ف تف سي بقي بن ملد أن‬
‫إبل يس رن أر بع رنات‪ :‬ر نة ح ي ل عن‪ ،‬ور نة ح ي أه بط‪ ،‬ور نة ح ي ولد ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫وسلم‪ ،‬ورنة حي نزلت فاتة الكتاب‪ .‬قال سعيد بن جيي‪ :‬لا لعن ال تعال إبليس تغيت صورته عن‬
‫صورة اللئكة‪ ،‬ورن رنة‪ ،‬فكل رنة منها ف الدنيا إل يوم القيامة‪ .‬رواه ابن أب حات‪ .‬وعن سعيد بن‬
‫جبي عن ا بن عباس قال‪ :‬ل ا ف تح ر سول ال صلى ال عل يه و سلم م كة رن إبل يس ر نة اجتم عت إل يه‬
‫جنوده‪ .‬رواه الا فظ الضياء ف الختارة ‪ :‬الرن ي ال صوت‪ .‬و قد رن يرن رنينا‪ ،‬وبذا يظ هر مع ن قول‬
‫السن رحه ال تعال‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ولب داود وابن حبان ف صحيحه‪ :‬السند منه ول يذكر التفسي الذي فسره به عوف‪ .‬وقد رواه‬
‫أبو داود بالتفسي الذكور بدون كلم السن‪.‬‬

‫قوله‪( :‬و عن أ ب عباس ر ضي ال عنه ما قال‪ :‬قال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ " :‬من اقت بس‬
‫شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر‪ ،‬زاد ما زاد " رواه أبو داود وإسناد صحيح) ‪:‬‬

‫وكذا صححه النووي والذهب ورواه أحد وابن ماجه‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪163‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪ :‬من اقتبس قال أبو السعادات‪ :‬قبست العلم واقتبسته إذا علمته ‪.‬اهه‪.‬‬

‫قوله‪ :‬شعبة أي طائفة من النجوم علم‪ .‬والشعبة الطائفة‪ .‬ومنه الديث " الياة شعبة من اليان " أي‬
‫جزء منه‪.‬‬

‫قوله‪ :‬فقد اقتبس شعبة من السحر الحرم تعلمه‪.‬‬

‫قال ش يخ ال سلم رح ه ال تعال‪ :‬ف قد صرح ر سول ال صلى ال عل يه و سلم بأن علم النجوم من‬
‫السحر‪ ،‬وقال تعال‪ " :‬ول يفلح الساحر حيث أتى "‪.‬‬

‫قوله‪ :‬زاد ما زاد من تعلم علم النجوم زاد ف الث الاصل بزيادة القتباس من شعبه‪ ،‬فإن ما يعتقده ف‬
‫النجوم من التأثي باطل‪ ،‬كما أن تأثي السحر باطل‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وللنسائي من حديث أب هريرة رضي ال عنه‪ " :‬من عقد عقدة ث ن فث فيها فقد سحر‪.‬‬
‫ومن سحر فقد أشرك‪ .‬ومن تعلق شيئا وكل إليه ") ‪:‬‬

‫هذا حديث ذكره الصنف من حديث أب هريرة وعزاه للنسائي‪ .‬وقد رواه النسائي مرفوعا وحسنه ابن‬
‫مفلح‪.‬‬

‫قوله‪ :‬وللنسائي هو المام الافظ أحد بن شعيب بن علي بن سنان بن بر بن دينار أبو عبد الرحن‬
‫صاحب السنن وغيها‪ .‬وروى عن ممد بن الثن وابن بشار وقتيبة وخلق‪ ،‬وكان إليه النتهي ف العلم‬
‫بعلل الديث‪ ،‬مات سنة ثلث وثلثمائة‪ ،‬وله ثان وثانون سنة رحه ال تعال‪.‬‬

‫قوله‪ :‬من ع قد عقدة ث نفث في ها فقد سحر اعلم أن ال سحرة إذا أرادوا ع مل ال سحر عقدوا اليوط‬
‫ونفثوا على كل عقدة‪ ،‬حت ينعقد ما يريدون من السحر‪ ،‬قال ال تعال‪ " :‬ومن شر النفاثات ف العقد‬
‫" يعن السواحر اللت يفعلن ذلك‪ ،‬والنفث هو النفخ مع الريق‪ ،‬وهو دون التفل‪ .‬والنفث فعل الساحر‪،‬‬
‫فإذا تكي فت نف سه بال بث وال شر الذي يريده ال سحور وي ستعي عل يه بالرواح البي ثة ن فخ ف تلك‬
‫العقيدة نفخا معه ريق‪ .‬فيخرج من نفسه البيثة نفس مازج للشر والذى مقارن للريق المارج لذلك‪،‬‬
‫وقد يتساعد هو والروح الشيطانية على أذى السحور فيصيبه بإذن ال الكون القدرى ل الشرعي‪ ،‬قاله‬
‫ابن القيم رحه ال تعال‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ومن سحر فقد أشرك نص ف أن الساحر مشرك‪ ،‬إذا ل يتأتى السحر بدون الشرك كما حكاه‬
‫الافظ عن بعضهم‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪164‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪ :‬ومن تعلق شيئا وكل إليه أي من تعلق قل به شيئا‪ :‬بيث يعتمد عليه ويرجوه وكله ال إل ذلك‬
‫ال شئ‪ .‬ف من تعلق على ر به وإل ه و سيده وموله رب كل شئ وملي كه‪ ،‬كفاه ووقاه وحف ظه وتوله‪.‬‬
‫فنعهم الول ونعهم النصهي‪ .‬قال تعال‪ " :‬أليهس ال بكاف عبده " ومهن تعلق على السهحرة والشياطيه‬
‫وغي هم من الخلوق ي وكله ال إل من تعلق فهلك‪ .‬و من تأ مل ذلك ف أحوال اللق ون ظر بع ي‬
‫البصية رآى ذلك عيانا‪ ،‬وهذا من جوامع الكلم‪ .‬وال أعلم‪.‬‬

‫قال‪( :‬وعن ابن مسعود رضي ال عنه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪ " :‬أل هل أنبئكم ما‬
‫العضه ؟ هي النميمة‪ ،‬القالة بي الناس " رواه مسلم) ‪:‬‬

‫قوله‪ :‬أل هل أنبئكم أخبكم و العضه بفتح الهملة وسكون العجمة‪ ،‬قال أبو السعادات‪ :‬هكذا يروي‬
‫ف ك تب الد يث‪ .‬والذي ف ك تب الغر يب أل أنبئ كم ما الع ضه بك سر الع ي وف تح الضاد‪ .‬قال‬
‫الزمشري‪ :‬أصلها العضهة فعلة من العضة وهو البهت‪ .‬فحذفت لمه‪ ،‬كما حذفت من السنة والشفة‪،‬‬
‫وت مع على عض ي ث ن ف سره بقوله‪ :‬هي النمي مة القالة ب ي فأطلق علي ها الع ضه لن ا ل تن فك من‬
‫الكذب والبهتان غالبا‪ .‬ذكره القرطب‪.‬‬

‫وذكر ابن عبد الب عن يي بن أب كثي قال‪ :‬يفسد النمام والكذاب ف ساعة ما ل يفسد الساحر ف‬
‫سنة ‪ .‬وقال أبو الطاب ف عيون السائل‪ :‬ومن السحر السعي بالنميمة والفساد بي الناس‪ .‬قال ف‬
‫الفروع‪ :‬ووج هه أن يق صد الذى بكل مه وعمله على و جه ال كر واليلة‪ ،‬أش به ال سحر‪ ،‬وهذا يعرف‬
‫بالعرف والعادة أ نه يؤ ثر وين تج ما يعمله ال سحر‪ ،‬أو أك ثر فيع طى حك مه ت سوية ب ي التماثل ي أو‬
‫التقارب ي‪ .‬ل كن يقال‪ :‬ال ساحر إن ا يك فر لو صف ال سحر و هو أ مر خاص ودليله خاص‪ ،‬وهذا ل يس‬
‫بساحر‪ .‬وإنا يؤثر عمله ما يؤثره فيعطي حكمه إل فيما اختص به من الكفر وعدم قبول التوبة‪ .‬انتهى‬
‫ملخصا‪.‬‬

‫وبه يظهر مطابقة الديث للترجة‪ .‬وهو يدل على تري النميمة‪ ،‬وهو ممع عليه قال ابن حزم رحه‬
‫ال‪ :‬اتفقوا على تري الغيبة والنميمة ف غي النصيحة الواجبة‪ .‬وفيه دليل على أنا من الكبائر‪.‬‬

‫قوله‪ :‬القالة ب ي الناس قال أ بو ال سعادات‪ :‬أي كثرة القول وإيقاع ال صومة ب ي الناس وم نه الد يث‪:‬‬
‫"فشت القالة بي الناس"‪.‬‬

‫قال‪( :‬ولما عن ابن عمر أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪ " :‬إن من البيان لسحر ") ‪:‬‬

‫البيان البلغة والفصاحة‪ .‬قال صعصعة بن صوحان‪ :‬صدق نب ال‪ ،‬فإن الرجل يكون عليه الق وهو‬
‫ألن بالجج من صاحب الق‪ ،‬فيسحر القوم ببيانه فيذهب بالق وقال ابن عبد الب تأوله طائفة على‬
‫الذم‪ .‬لن السحر مذموم‪ ،‬وذهب أكثر أهل العلم وجاعة أهل الدب إل أنه على الدح‪ .‬لن ال تعال‬
‫مدح البيان‪ .‬قال‪ :‬وقد قال عمر بن عبد العزيز لرجل سأله عن حاجة فأحسن السألة فأعجبه قوله‪.‬‬
‫قال‪ :‬هذا ول السحر اللل انتهى‪ .‬والول أصح والراد به البيان الذي فيه تويه على السامع وتلبيس‪،‬‬
‫كما قال بعضهم‪:‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪165‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫والق قد يعتريه سوء تعبي‬ ‫ف زخرف القول تزيي لباطله‬

‫مأخوذ من قول الشاعر‪:‬‬

‫وإن تشأ قلت‪ :‬ذا قيء الزنابي‬ ‫تقول‪ :‬هذا ماج النحل‪ ،‬تدحه‬
‫والق قد يعتريه سوء تعبي‬ ‫مدحا وذما‪ ،‬وما جاوزت وصفهما‬

‫قوله‪ :‬إن من البيان ل سحرا هذا من الت شبيه البل يغ‪ ،‬لكون ذلك يع مل ع مل ال سحر‪ ،‬فيج عل ال ق ف‬
‫قالب البا طل‪ ،‬والبا طل ف قالب ال ق‪ .‬في ستميل به قلوب الهال‪ ،‬ح ت يقبلوا البا طل وينكروا ال ق‪،‬‬
‫ونسأل ال الثبات والستقامة على الدى‪.‬‬

‫وأ ما البيان الذي يو ضح ال ق ويقرره‪ ،‬ويب طل البا طل و يبينه‪ .‬فهذا هو المدوح‪ .‬وهكذا حال الر سل‬
‫وأتباعهم‪ ،‬ولذا علت مراتبهم ف الفضائل وعظمت حسناتم‪.‬‬

‫وبالملة فالبيان ل يمد إل إذا ل يرج إل حد السهاب والطناب‪ ،‬وتغطية الق‪ ،‬وتسي الباطل‪.‬‬
‫فإذا خرج إل هذا فههو مذموم‪ .‬وعلى هذا تدل الحاديهث كحد يث الباب وحديهث " إن ال يب غض‬
‫البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه كما تتخلل البقرة بلسانا " رواه أحد وأبو داود‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪166‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫باب‬
‫ما جاء ف الكهانة‬

‫قوله‪ ( :‬باب ما جاء ف الكهان ونوهم ) ‪:‬‬

‫الكاهن هو الذي يأخذ عن مسترق السمع‪ ،‬وكانوا قبل البعث كثيا‪ .‬وأما بعد البعث فإنم قليل‪ .‬لن‬
‫ال تعال حرس السماء بالشهب‪ .‬وأكثر ما يقع ف هذه المة ما يب به الن أولياءهم من النس عن‬
‫الشياء الغائبة با يقع ف الرض من الخبار‪ ،‬فيظنه الاهل كشفا وكرامة‪ ،‬وقد اغتر بذلك كثي من‬
‫الناس يظنون الخهب لمه بذلك عهن النه وليا ل‪ .‬وههو مهن أولياء الشيطان‪ ،‬كمها قال تعال‪ " :‬ويوم‬
‫يشر هم جيعا يا معشر الن قد استكثرت من النس وقال أولياؤ هم من النس رب نا استمتع بعض نا‬
‫ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إل ما شاء ال إن ربك حكيم عليم‬
‫"‪.‬‬

‫قوله‪( :‬روى مسلم ف صحيحه عن بعض أزواج النب صلى ال عليه وسلم عن النب صلى ال عليه‬
‫وسلم قال‪ " :‬من أتى عرافا فسأله عن شئ‪ ،‬فصدقه با يقول‪ ،‬ل تقبل له صلة أربعي يوما ") ‪:‬‬

‫قوله‪ :‬عن بعض أزواج النب صلى ال عليه وسلم هي حفصة‪ ،‬ذكره أبو مسعود الثقفي‪ .‬لنه ذكر هذا‬
‫الديث ف الطراف ف مسندها‪.‬‬

‫قوله‪ :‬من أ تى عرافا سيأت بيان العراف إن شاء ال تعال‪ .‬وظا هر هذا الد يث أن الوع يد مر تب على‬
‫ميئه وسؤاله‪ ،‬سواء صدقه أو شك ف خبه‪ .‬فإن ف بعض روايات الصحيح "من أتى عرافا فسأله عن‬
‫شئ ل تقبل له صلة أربعي ليلة "‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ل تقبل له صلة إذا كانت هذه حال السائل‪ ،‬فكيف بالسئول ؟ قال النووي وغيه‪ :‬معناه أنه ل‬
‫ثواب له في ها‪ ،‬وإن كا نت مزئة ب سقوط الفرض ع نه‪ ،‬ول بد من هذا التأو يل ف هذا الد يث‪ ،‬فإن‬
‫العلماء متفقون على أنه ل يلزم من أتى العراف إعادة صلة أربعي ليلة‪ .‬ا ه ملخصا‪.‬‬

‫وف الد يث النهي عن إتيان الكا هن ونوه‪ .‬قال القر طب‪ :‬يب على من قدر على ذلك من متسب‬
‫وغيه أن يقيم من يتعاطى شيئا من ذلك من السواق وينكر عليهم أشد النكي‪ ،‬وعلى من ييء إليهم‪،‬‬
‫ول يغتر بصدقهم ف بعض المور ول بكثرة من ييء إليهم من ينتسب إل العلم‪ ،‬فإنم غي راسخي‬
‫ف العلم بل من الهال با ف إتيانم من الحذور‪.‬‬

‫قال‪( :‬عن أب هريرة رضي ال عنه عن النب صلى ال عليه وسلم قال‪ " :‬من أتى كاهنا فصدقه با‬
‫يقول فقد كفر با أنزل على ممد صلى ال عليه وسلم " رواه أبو داود) ‪:‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪167‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وف رواية أب داود أو أتى امرأة قال مسدد‪ :‬امرأته حائضا أو أتى امرأة‪ .‬قال مسدد‪ :‬امرأته ف دبرها‬
‫فقد بريء ما أنزل على ممد صلى ال عليه وسلم فناقل هذا الديث من السنن حذف منه هذه الملة‬
‫واقتصر على ما يناسب الترجة‪.‬‬

‫قال‪( :‬وللربعة والاكم وقال صحيح على شرطهما عن النب صلى ال عليه وسلم من أتى عرافا‬
‫أو كاهنا فصدقه با يقول فقد كفر با أنزل على ممد صلى ال عليه وسلم) ‪:‬‬

‫هكذا بيض الصنف لسم الراوي‪ .‬وقد رواه أحد والبيهقي والاكم عن أب هريرة مرفوعا‪.‬‬

‫قوله‪ :‬من أتى كاهنا قال بعضهم ل تعارض بي هذا وبي حديث من أتى عرافا فسأله عن شئ ل تقبل‬
‫له صلة أربعي ليلة هذا على قول من يقول هو كفر دون كفر‪ ،‬أما على قول من يقول بظاهر الديث‬
‫فيسأل عن وجه المع بي الديثي‪ .‬وظاهر الديث أن يكفر مت اعتقد صدقه بأي وجه كان‪ .‬وكان‬
‫غالب الكهان قبل النبوة إنا كانوا يأخذون عن الشياطي‪.‬‬

‫قوله‪ :‬فقد كفر ب ا أنزل على ممد صلى ال عليه وسلم قال القرطب‪ :‬الراد بالنل الكتاب وال سنة‪ .‬ا‬
‫هه‪ .‬وهل الكفر ف هذا الوضع كفر دون كفر‪ ،‬فل ينقل عن اللة‪ ،‬أم يتوقف فيه‪ ،‬فل يقال يرج عن‬
‫اللة ول يرج ؟ وهذا أشهر الروايتي عن أحد رحه ال تعال‪.‬‬

‫قال‪( :‬ولب يعلى بسند جيد عن ابن مسعود مثله مرفوعا) ‪:‬‬

‫أبو يعلى اسه أحد بن علي بن الثن الوصلى المام صاحب التصانيف كالسند وغيه‪ .‬روى عن يي‬
‫بن معي وأب بكر بن أب شيبة وخلق‪ .‬وكان من الئمة الفاظ‪ ،‬مات سنة سبع وثلثائة‪ ،‬وهذا الثر‬
‫رواه البزار أيضا ولفظه‪ :‬من أتى كاهنا أو ساحرا فصدقه با يقول فقد كفر با أنزل على ممد صلى‬
‫ال عليه وسلم وفيه دليل على كفر الكاهن والساحر لنما يدعيان علم الغيب وذلك كفر‪ ،‬والصدق‬
‫لما يعتقد ذلك ويرضى به وذلك كفر أيضا‪.‬‬

‫قال‪( :‬وعن عمران بن حصي رضي ال عنه مرفوعا " ليس منا من تطي أو تطي له‪ ،‬أو تكهن أو‬
‫تكهن له‪ ،‬أو سحر أو سحر له‪ .‬ومن أتى كاهنا فصدقه با يقول فقد كفر با أنزل على ممد صلى‬
‫ال عليه وسلم " رواه البزار بإسناد جيد‪ ،‬ورواه الطبان ف الوسط بإسناد حسن من حديث ابن‬
‫عباس دون قوله‪ :‬ومن أتى كاهنا ‪ ...‬الديث) ‪:‬‬

‫قوله‪ :‬ليس منا فيه وعيد شديد يدل على أن هذه المور من الكبائر وتقدم أن الكهانة والسحر كفر‪.‬‬

‫قوله‪ :‬من تطي أي فعل الطية أو تطي له أي قبل قول التطي له وتابعه كذا معن أو تكهن أو تكهن له‬
‫كالذي يأت الكاهن ويصدقه ويتابعه‪ ،‬وكذلك من عمل الساحر له السحر‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪168‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫ف كل من تلقى هذه المور ع من تعاطا ها فقد بريء م نه ر سول ال صلى ال عل يه و سلم لكون ا إ ما‬
‫شركا‪ ،‬كالطية‪ ،‬أو كفرا كالكهانة والسحر‪ ،‬فمن رضي بذلك وتابع عليه فهو كالفاعل لقبوله الباطل‬
‫واتباعه‪.‬‬

‫قوله‪ :‬رواه البزار هو أح د بن ع مر بن ع بد الالق‪ ،‬أ بو ب كر البزار الب صري صاحب ال سند ال كبي ‪.‬‬
‫وروى عن ابن بشار وابن الثن وخلق‪ ،‬مات سنة اثنتي وتسعي ومائتي‪.‬‬

‫قوله‪ :‬قال البغوي إل آخره البغوي بفتحتي هو السي بن مسعود الفراء الشافعي‪ ،‬صاحب التصانيف‬
‫وعال أ هل خرا سان‪ ،‬كان ث قة‪ ،‬فقيها زاهدا‪ ،‬مات ف شوال سنة ست عشرة وخ سمائة رح ه ال‬
‫تعال‪.‬‬
‫قوله‪ :‬العراف‪ :‬الذي يدعهى معرفهة المور ظاهرة‪ :‬أن العراف ههو الذي يبه عهن الوقائع كالسهرقة‬
‫وسارقها والضالة ومكانا‪.‬‬

‫وقال شيهخ ال سلم ابهن تيميهة رحهه ال تعال‪ :‬إن العراف اسهم للكاههن والنجهم والرمال ونوههم‪،‬‬
‫كالارز الذي يدعى علم الغيب أو يدعى الكشف‪.‬‬

‫وقال أيضا‪ :‬والنجم يدخل ف اسم العراف‪ ،‬وعند بعضهم هو معناه‪.‬‬

‫وقال أيضا‪ :‬والنجم يدخل ف اسم الكاهن عند الطاب وغيه من العلماء‪ ،‬وحكى ذلك عن العرب‪.‬‬
‫وعند آخرين هو من جنس الكاهن‪ ،‬وأسوء حالً منه‪ ،‬فيلحق به من جهة العن‪.‬‬

‫وقال المام أحد‪ :‬العرافة طرف من السحر‪ .‬والساحر أخبث‪.‬‬

‫وقال أبو السعادات‪ :‬العراف النجم‪ ،‬والارز الذي يدعى علم الغيب‪ ،‬وقد استأثر ال تعال به‪.‬‬

‫وقال ابن القيم رحه ال تعال‪ :‬من اشتهر بإحسان الزجر عندهم سوه عائفا‪ ،‬وعرافا‪.‬‬

‫والقصود من هذا‪ :‬معرفة أن من يدعى معرفة علم الشئ من الغيبات فهو إما داخل ف اسم الكاهن‪،‬‬
‫وإما مشارك له ف العن فيلحق به‪ .‬وذلك أن إصابة الخب ببعض المور الغائبة ف بعض الحيان يكون‬
‫بالك شف‪ .‬وم نه ما هو من الشياط ي ويكون بالفأل والز جر والطية والضرب بال صى وال ط ف‬
‫الرض والتنج يم والكها نة وال سحر‪ ،‬ون و هذا من علوم الاهل ية‪ ،‬ونع ن بالاهل ية كل من ل يس من‬
‫أتباع الرسل عليهم السلم‪ ،‬كالفلسفة والكهان والنجم ي‪ ،‬وجاهلية العرب الذين كانوا قبل مبعث‬
‫ال نب صلى ال عل يه و سلم‪ ،‬فإن هذا علوم لقوم ل يس ل م علم ب ا جاءت به الر سل صلى ال علي هم‬
‫وسلم‪ ،‬وكل هذه المور تسمى صاحبها كاهنا أو عرافا أو ف معناها‪ ،‬فمن أتاهم فصدقهم با يقولون‬
‫لقه الوعيد‪ .‬وقد ورث هذه العلوم عن هم أقوام فادعوا با علم الغيب الذي استأثر ال بعل مه‪ ،‬وادعوا‬
‫أنم أولياء وأن ذلك كرامة‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪169‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫ول ر يب أن من اد عى الولية‪ ،‬واستدل بإخباره ببعض الغيبات فهو من أولياء الشيطان ل من أولياء‬
‫الرحن‪ ،‬إن الكرامة أمر يريه ال على يد عبده الؤمن التقى‪ ،‬إما بدعاء أو أعمال صالة ل صنع للول‬
‫في ها‪ ،‬ول قدرة له علي ها‪ ،‬بلف من يد عى أنه ول ويقول للناس‪ :‬اعلموا أن أعلم الغيبات‪ ،‬فإن هذه‬
‫المور قد تصل با ذكرنا من السباب‪ ،‬وإن كانت أسبابا مرمة كاذبة ف الغالب‪ ،‬ولذا قال النب‬
‫صلى ال عل يه وسلم ف و صف الكهان‪ :‬فيكذبون مع ها مائة كذ بة فبي أنم يصدقون مرة ويكذبون‬
‫مائة‪ ،‬وهكذا حال من سلك سبيل الكهان م ن يد عى الول ية تزك ية الن فس الن هي عن ها بقوله‪ " :‬فل‬
‫تزكوا أنفسكم " وليس هذا من شأن الولياء‪ ،‬فإن شأنم الزراء على نفوسهم وعيبهم لا‪ ،‬وخوفهم‬
‫من رب م‪ ،‬فك يف يأتون الناس ويقولون‪ :‬اعرفوا أن نا أولياء‪ ،‬وأ نا نعلم الغ يب ؟ و ف ض من ذلك طلب‬
‫النلة ف قلوب اللق واقتناص الدن يا بذه المور‪ .‬وح سبك بال ال صحابة والتابع ي ر ضي ال عن هم‪،‬‬
‫وهم سادات الولياء‪ ،‬أفكان عندهم من هذه الدعاوى والشطحات شئ ؟ ل وال بل كان أحدهم ل‬
‫يلك نفسه من البكاء إذا قرآ القرآن‪ ،‬كالصديق رضي ال عنه‪ ،‬وكان عمر رضي اله عنه يسمع نشيجه‬
‫من وراء ال صفوف يبكي ف صلته‪ ،‬وكان ي ر بال ية ف ورده من الل يل فيمرض من ها ليال يعودو نه‪،‬‬
‫وكان ت يم الداري يتقلب على فرا شه ول ي ستطيع النوم إل قليلً خوفا من النار ث يقوم إل صلته‪.‬‬
‫ويكفيهك فه صهفات الولياء مها ذكره ال تعال فه صهفاتم فه سهورة الرعهد والؤمنيه والفرقان‬
‫والذاريات والطور فالتصفون بتلك الصفات هم الولياء الصفياء‪ ،‬ل أهل الدعوى والكذب ومنازعة‬
‫رب العالي فيما اختص به من الكبياء والعظمة وعلم الغيب‪ ،‬بل مرد دعواه علم الغيب كفر‪ .‬فكيف‬
‫يكون الدعى لذلك وليا ل ؟ ولقد عظم الضرر واشتد الطب بؤلء الفترين الذين ورثوا هذه العلوم‬
‫عن الشركي‪ ،‬ولبسوا با على خفافيش القلوب‪ :‬نسأل ال السلمة والعافية ف الدنيا والخرة‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وقال ابن عباس ف قوم يكتبون أبا جاد ‪ ...‬إل آخره) ‪:‬‬

‫هذا الثر رواه الطبان عن ابن عباس مرفوعا‪ .‬وإسناده ضعيف‪ .‬ولفظه " رب معلم حروف أب جاد‬
‫دارس ف النجوم ل يس له ع ند ال خلق يوم القيا مة " ورواه ح د بن زنو يه ع نه بل فظ رب نا ظر ف‬
‫النجوم ومتعلم حروف أب جاد ليس له عند ال خلق ‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ما أرى بوز فتح المزة بعن‪ :‬ل أعلم‪ .‬ويوز ضمها بعن‪ :‬ل أظن وكتابه أب جاد وتعلمها لن‬
‫يد عى ب ا علم الغ يب هو الذي ي سمى علم الرف‪ ،‬و هو الذي جاء ف الوع يد‪ ،‬فأ ما تعلم ها للته جي‬
‫وحساب المل فل بأس به‪.‬‬

‫قوله‪ :‬وينظرون ف النجوم أي يعتقدون أن لا تأثيا كما سيأت ف باب التنجيم‪ .‬وفيه من الفوائد عدم‬
‫الغترار ب ا يؤتاه أ هل البا طل من معارف هم وعلوم هم ك ما قال تعال‪ " :‬فل ما جاءت م ر سلهم بالبينات‬
‫فرحوا با عندهم من العلم وحاق بم ما كانوا به يستهزئون "‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪170‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫باب‬
‫ما جاء ف النشرة‪ ،‬وما هي النشرة‬

‫قوله‪ ( :‬باب‪ :‬ما جاء ف النشرة ) ‪:‬‬

‫بضم النون‪ ،‬كما ف القاموس‪ ،‬قال أبو السعادات‪ :‬النشرة ضرب من العلج والرقية‪ ،‬يعال به من يظن‬
‫أن به مسا من الن‪ ،‬سيت نشرة لنه ينشر با عنه ما خامره من الداء‪ ،‬أي يكشف ويزال‪.‬‬

‫قال السن‪ :‬النشرة من السحر‪ .‬وقد نشرت عنه تنشيا‪ ،‬ومنه الديث‪ :‬فلعل طبا أصابه‪ ،‬ث نشره بقل‬
‫أعوذ برب الناس أي رقاه‪.‬‬

‫وقال ابن الوزي‪ :‬النشرة حل السحر عن السحور‪ .‬ول يكاد يقدر عليه إل من يعرف السحر‪.‬‬

‫قال‪( :‬عن جابر رضي ال عنهما أن رسول ال صلى ال عليه وسلم سئل عن النشرة ؟ فقال‪ " :‬هي‬
‫من الشيطان " رواه أحد بسند ج يد‪ .‬وأ بو داود‪ ،‬وقال‪ :‬سئل أحد عنها فقال‪ :‬ا بن مسعود يكره‬
‫هذا كله) ‪:‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪171‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫هذا الد يث رواه أح د ورواه ع نه أ بو داود ف سننه‪ .‬والف ضل بن زياد ف كتاب ال سائل عن ع بد‬
‫الرزاق عن عق يل بن مع قل بن من به عن جابر فذكره قال ا بن مفلح‪ :‬إ سناد ج يد‪ ،‬وح سن الا فظ‬
‫إسناده‪.‬‬

‫قوله‪ :‬سهئل عهن النشرة واللف واللم فيالنشرة للعههد أي النشرة العهودة الته كان أههل الاهليهة‬
‫يصنعونا هي من عمل الشيطان‪.‬‬

‫قوله‪ :‬وقال‪ :‬سئل أحد عنها فقال‪ :‬ابن مسعود يكره هذا كله أراد أحد رحه ال أن ابن مسعود يكره‬
‫النشرة الت هي من عمل الشيطان كما يكره تعليق التمائم مطلقا‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وللبخاري عن قتادة‪ :‬قلت ل بن ال سيب ر جل به طب أو يؤ خذ عن امرأ ته أي ل ع نه‪ ،‬أو‬


‫ينشر ؟ قال‪ :‬ل بأس به‪ :‬إنا يريدون به الصلح فأما ما ينفع فلم ينه عنه) ‪:‬‬

‫قوله‪ :‬عن قتادة هو ابن دعامة بكسر الدال الدوسي ثقة فقيه من أحفظ التابعي‪ .‬قالوا إنه ولد أكمه‪.‬‬
‫مات سنة بضع عشرة ومائة‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ر جل به طب بك سر الطاء‪ .‬أي سحر‪ ،‬يقال‪ :‬طب الر جل بال ضم ذا سحر‪ .‬ويقال‪ :‬كنوا عن‬
‫السحر بالطب تفاؤلً‪ .‬كما يقال للديغ‪ :‬سليم‪.‬‬

‫وقال ابن النباري‪ :‬الطب من الضداد‪ .‬يقال لعلج الداء طب‪ ،‬والسحر من الداء يقال له طب‪.‬‬

‫قوله‪ :‬يؤخذ بفتح الواو مهموزة وتشديد الاء العجمة وبعدها ذال معجمة‪ .‬أي يبس عن امرأته ول‬
‫يصل إل جاعها‪ .‬والخذة بضم المزة الكلم الذي يقوله الساحر‪.‬‬
‫قوله‪ :‬أيل بضم الياء وفتح الاء مبن للمفعول‪.‬‬

‫قوله‪ :‬أو ينشر بتشديد العجمة‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ل بأس به يعن أن النشرة ل بأس با لنم يريدون با الصلح‪ ،‬أي إزالة السحر‪ ،‬ول ينه عما‬
‫يراد به الصلح‪ ،‬وهذا من ابن السيب يمل على نوع من النشرة ل يعلم أنه سحر‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وروى ال سن أ نه قال‪ :‬ل ي ل ال سحر إل ساحر هذا ال ثر ذكره ا بن الوزي ف جا مع‬
‫السانيد) ‪:‬‬

‫والسن هو ابن أب السن واسه‪ :‬يسار بالتحتية والهملة البصرى النصاري‪ :‬مولهم‪ .‬ثقة فقيه‪ ،‬إمام‬
‫من خيار التابعي‪ .‬مات سنة عشرة ومائة رحه ال‪ ،‬وقد قارب التسعي‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪172‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪( :‬قال ابن القيم‪ :‬النشرة حل السحر عن السحور‪ ،‬وهي نوعان‪ ،‬حل بسحر مثله‪ ،‬وهو الذي‬
‫من عمل الشيطان إل آخره) ‪:‬‬

‫وما جاء ف صفة النشرة الائزة‪ :‬ما رواه ابن أب حات وأبو الشيخ عن ليث بن أب سليم قال‪ :‬بلغن أن‬
‫هؤلء اليات شفاء من السحر بإذن ال‪ ،‬تقرأ ف إناء فيه ماء‪ ،‬ث يصب على رأس السحور‪ :‬الية الت‬
‫ف سورة يونس‪ " ، :‬فل ما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن ال سيبطله إن ال ل يصلح عمل‬
‫الفسدين * ويق ال الق بكلماته ولو كره الجرمون " وقوله‪ " :‬فوقع الق وبطل ما كانوا يعملون "‬
‫إل آخر اليات الربع‪ .‬وقوله‪ " :‬إنا صنعوا كيد ساحر ول يفلح الساحر حيث أتى "‪.‬‬

‫وقال ابن بطال‪ :‬ف كتاب وهب بن منبه‪ :‬أنه يأخذ سبع ورقات من سدر أخضر فيدقه بي حجرين ث‬
‫يضربه بالاء ويقرأ فيه آية الكرسي والقواقل ث يسو منه ثلث حسوات ث يغتسل به يذهب عنه كل‬
‫مابه‪ ،‬هو جيد للرجل إذا حبس عن أهله‪.‬‬

‫قلت‪ :‬قول العل مة ا بن الق يم والثا ن النشرة بالرق ية والتعوذات والدعوات والدو ية البا حة ف هو جائز‬
‫يشي رحه ال إل مثل هذا‪ ،‬وعليه يمل كلم من أجاز النشرة من العلماء‪.‬‬

‫والا صل‪ :‬أن ما كان م نه بال سحر فيحرم‪ ،‬و ما كان بالقرآن والدعوات والدو ية البا حة فجائز‪ ،‬وال‬
‫أعلم‪.‬‬

‫باب‬
‫ما جاء ف التطي‬

‫قوله‪ ( :‬باب‪ :‬ما جاء ف التطي ) ‪:‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪173‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫أي من النهي عنه والوعيد فيه‪ ،‬مصدر تطي يتطي‪ ،‬و الطية بكسر الطاء وفتح الياء‪ ،‬وقد تسكن اسم‬
‫مصدر من تطي طية‪ ،‬كما يقال تي خية‪ ،‬ول ييء ف الصادر على هذه الزنة غيها‪ ،‬وأصله التطي‬
‫بالسهوانح والبوارح مهن الطيه والظباء وغيهاه‪ ،‬وكان ذلك يصهدهم عهن مقاصهدهم‪ ،‬فنفاه الشارع‬
‫وأبطله‪ ،‬وأخب أنه ل تأثي له ف جلب نفع ول دفع ضر‪.‬‬

‫قال الدائن سألت رؤبه بن العجاج قلت‪ :‬ما السانح ؟ قال‪ :‬ما ولك ميامنه‪ .‬قلت‪ :‬فما البارح ؟ قال‪:‬‬
‫ما ولك مياسره‪ .‬والذي ييء من أمامك فهو الناطح والنطيح‪ ،‬والذي ييء من خلفك فهو القاعد‬
‫والقعيد ‪.‬‬

‫ولاه كانهت الطية مهن الشرك النافه لكمال التوحيهد الواجهب لكوناه مهن إلقاء الشيطان وتويفهه‬
‫ووسوسته ذكرها الصنف رحه ال ف كتاب التوحيد تذيرا ما يناف كما التوحيد الواجب‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وقول ال تعال‪ " :‬أل إنا طائرهم عند ال ‪ ...‬الية" ) ‪:‬‬

‫ذكر تعال هذه الية ف سياق قوله‪ " :‬فإذا جاءتم السنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيوا بوسى‬
‫ومن معه " الية‪ .‬العن‪ :‬أن آل فرعون كانوا إذا أصابتهم السنة‪ ،‬أي الصب والسعة والعافية‪ ،‬كما‬
‫فسره ماهد وغيه قالوا‪ :‬لنا هذه‪ ،‬أي نن الديرون والقيقيون به‪ ،‬ونن أهله‪ .‬وإن تصبهم سيئة‪ .‬أي‬
‫بلء وقحط تطيوا بوسى ومن معه‪ ،‬فيقولون‪ :‬هذا بسبب موسى وأصحابه أصابنا بشؤمهم فقال ال‬
‫تعال‪ " :‬أل إنا طائرهم عند ال " قال ابن عباس طائرهم‪ :‬ماقضى عليهم وقدر لم وف رواية شؤمهم‬
‫عند ال ومن قبله أي إنا جاءهم الشؤم من قبله بكفرهم وتكذيبهم بآياته ورسله‪.‬‬

‫قوله‪ " :‬ولكهن أكثرههم ل يعلمون " أي أن أكثرههم جهال ل يدرون‪ .‬ولو فهموا وعقلوا لعلموا أنهه‬
‫ليس فيما جاء به موسى عليه السلم إل الي والبكة والسعادة والفلح لن آمن به واتبعه‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وقوله تعال‪ " :‬قالوا طائركم معكم ‪ ...‬الية" ) ‪:‬‬

‫العن وال أعلم حظكم وما نابكم من شر معكم‪ ،‬بسبب أفعالكم وكفركم ومالفتكم الناصحي‪ ،‬ليس‬
‫هو من أجلنا ول بسببنا‪ .‬بل ببغيكم وعدوانكم‪ .‬فطائر الباغي الظال معه‪ ،‬فما وقع به من الشر فهو‬
‫سهببه الالب له‪ .‬وذلك بقضاء ال وقدره وحكمتهه وعدله‪ ،‬كمها قال تعال‪ " ، :‬أفنجعهل السهلمي‬
‫كالجرم ي * ما ل كم ك يف تكمون " ويت مل أن يكون الع ن‪ :‬طائر كم مع كم‪ .‬أي را جع علي كم‪،‬‬
‫فالتطي الذي حصل لكم إنا يعود عليكم‪ .‬وهذا من باب القصاص ف الكلم‪ .‬ونظيه قوله عليه الصلة‬
‫والسلم‪ " :‬إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا‪ :‬وعليكم " ذكره ابن القيم رحه ال‪.‬‬

‫قوله تعال‪ " :‬أإن ذكرت " أي من أجل أنا ذكرناكم وأمرناكم بتوحيد ال قابلتمونا بذا الكلم " بل‬
‫أنتم قوم مسرفون " قال قتادة‪ :‬أئن ذكرناكم بال تطيت بنا ؟‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪174‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫ومناسبة اليتي للترجة‪ :‬أن التطي من عمل أهل الاهلية والشركي‪ .‬وقد ذمهم ال تعال به ومقتهم‪،‬‬
‫وقد نى رسول ال صلى ال عليه وسلم عن التطي وأخب أنه شرك‪ .‬كما سيأت ف أحاديث الباب‪.‬‬

‫قال ‪( :‬و عن أ ب هريرة ر ضي ال ع نه أن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم قال‪ " :‬ل عدوى ول‬
‫طية ول هامة ول صفر " أخرجاه‪ .‬زاد مسلم‪ " :‬ول نوء ول غول ") ‪:‬‬

‫قال أبو السعادات‪ :‬العدوى اسم من العداء‪ .‬كالدعوى‪ .‬يقال‪ :‬أعداء الداء يعديه إعداد إذا أصابه مثل‬
‫ما بصاحب الداء‪.‬‬

‫وقال غي‪ :‬ل عدوى هو اسم من العداد‪ ،‬وهو ماوزة العلة من صاحبها إل غيه والنفي نفس سراية‬
‫العلة أو إضافتها إل العلة‪ .‬والول هو الظاهر‪.‬‬

‫وف رواية لسلم أن أبا هريرة كان يدث بديث ل عدوى‪ ،‬ويدث عن النب صلى ال عليه وسلم أنه‬
‫قال‪ " :‬ل يورد مرض على م صح " ث إن أ با هريرة اقتصهر على حد يث‪ :‬ل يورد مرض على مصهح‬
‫وأمسك عن حديث ل عدوى فراجعوه وقالوا‪ :‬سعناك تدث به‪ ،‬فأب أن يعترف به‪ .‬قال أبو مسلمة‬
‫الراوي عن أب هريرة‪ :‬فل أدري أنسى أبو هريرة أو نسخ أحد القولي الخر ؟‬

‫و قد روى حد يث ل عدوى جا عة من ال صحابة‪ :‬أ نس بن مالك‪ ،‬وجابر بن ع بد ال‪ ،‬وال سائب بن‬
‫يزيد‪ ،‬وابن عمر‪ ،‬وغيهم‪ ،‬وف بعض روايات هذا الديث وفر من الجذوم كما تفر من السد‪.‬‬

‫وقد اختلف العلماء ف ذلك‪ .‬وأحسن ما قيل فيه‪ :‬قول البيهقي‪ ،‬وتبعه ابن الصلح وابن القيم‪ ،‬وابن‬
‫رجب‪ ،‬وابن مفلح وغيهم‪ :‬أن قوله‪ :‬ل عدوىعلى الوجه الذي يعتقده أهل الاهلية من إضافة الفعل‬
‫إل غ ي ال تعال‪ ،‬وإن هذه المور تعدى بطبع ها‪ .‬وإل ف قد ي عل ال بشيئ ته مال طة ال صحيح من به‬
‫شئ من المراض سببا لدوث ذلك‪ ،‬ولذا قال‪ :‬فر من الجذوم ك ما ت فر من ال سد وقال‪ :‬ل يورد‬
‫مرض على مصح وقال ف الطاعون‪ :‬من سع به ف أرض فل يقدم عليه وكل ذلك بتقدير ال تعال‪.‬‬
‫ولح د والترمذي عن ا بن م سعود مرفوعا‪ " :‬ل يعدي شئ قال ا ثلثا فقال أعرا ب يا ر سول ال إن‬
‫النقبة من الرب تكون بشفر البعي أو بذنبه ف البل العظيمة فتجرب كلها ؟ فقال رسول ال صلى‬
‫ال عليهه وسهلم‪ :‬فمهن أجرب الول ؟ ل عدوى ول طية ول هامهة ول صهفر‪ ،‬خلق ال كهل نفهس‬
‫وك تب حيات ا وم صائبها ورزق ها " فأ خب صلى ال عل يه و سلم أن ذلك كله قضاء ال وقدره‪ ،‬والع بد‬
‫مأمور باتقاء أسباب الشر إذا كان ف عافية‪ .‬فكما أنه يؤمر أن ل يلقى نفسه ف الاء والنار‪ ،‬ما جرت‬
‫العادة أن يهلك أو ي ضر‪ .‬فكذلك اجت نب مقار بة الر يض كالجذوم‪ ،‬والقدوم على بلد الطاعون‪ .‬فإن‬
‫هذه كلها أسباب للمرض والتلف‪ ،‬فال سبحانه هو خالق السباب ومسبباتا‪ .‬ل خالق غيه ول مقدر‬
‫غيه‪ .‬وأ ما إذا قوى التو كل على ال واليان بقضاء ال وقدره فقو يت الن فس على مباشرة ب عض هذه‬
‫السباب اعتمادا على ال ورجاء منه أن ل يصل به ضرر‪ ،‬ففي هذه الال توز مباشرة ذلك‪ ،‬لسيما‬
‫إذا كانت مصلحة عامة أو خاصة‪ ،‬وعلى هذا يمل الديث الذي رواه أبو داود والترمذي‪ " :‬أن النب‬
‫صلى ال عليه وسلم أخذ بيد مذوم فأدخلها معه ف القصعة‪ ،‬ث قال كل بسم ال ثقة بال وتوكلً‬
‫عليه " وقد أخذ به المام أحد‪ .‬وروى ذلك عن ابن عمر وابنه وسلمان رضي ال عنهم‪ .‬ونظي ذلك‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪175‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫ما روى عن خالد بن الوليد رضي ال عنه أنه أكل السم ومنه مشى سعد بن أب وقاص وأب مسلم‬
‫الولن على مت البحر‪ ،‬قاله ابن رجب رحه ال‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ول طية قال ابن القيم رحه ال تعال‪ :‬يتمل أن يكون نفيا أو نيا أي ل تطيوا‪ ،‬ولكن قوله ف‬
‫الديث‪ :‬ل عدوي ول صفر ول هامة يدل على أن الراد النفي وإبطال هذه المور الت كانت الاهلية‬
‫تعانيها‪ .‬والنفي ف هذا أبلغ من النهي‪ .‬لن النفي يدل على بطلن ذلك وعدم تأثيه‪ ،‬والنهي إنا يدل‬
‫على النع منه‪.‬‬

‫وف صحيح مسلم عن معاوية بن الكم أنه قال لرسول ال صلى ال عليه وسلم " ومنا أناس يتطيون‪.‬‬
‫قال‪ :‬ذلك شئ يده أحدكم ف نفسه فل يصدنكم " فأخب أن تأذيه وتشاؤمه بالطية إنا هو ف نفسه‬
‫وعقدته‪ ،‬ل ف التطي به‪ ،‬فوهه وخوفه وإشراكه هو الذي يطيه ويصده لا رآه وسعه‪ ،‬فأوضح صلى‬
‫ال عليه وسلم لمته المر‪ ،‬وبي لم فساد الطية ليعلموا أن ال سبحانه ل يعل لم عليه علمة‪ ،‬ول‬
‫فيها دللة‪ ،‬ول نصبها سببا لا يافونه ويذرونه‪ ،‬ولتطمئن قلوبم‪ ،‬وتسكن نفوسهم إل وحدانيته تعال‬
‫الت أرسل با ر سله‪ ،‬وأنزل با كت به‪ ،‬وخلق لجل ها السماوات والرض‪ ،‬وعمر الدار ين ال نة والنار‬
‫ب سبب التوح يد فق طع صلى ال عل يه و سلم علق الشرك ف قلوب م‪ ،‬لئل يب قى في ها عل قة من ها‪ ،‬ول‬
‫يتلبسوا بعمل من أعمال أهل النار البتة‪.‬‬

‫فمن استمسك بعروة التوحيد الوثقى‪ ،‬واعتصم ببله التي‪ ،‬وتوكل على ال‪ ،‬قطع هاجس الطية من‬
‫قبل استقرارها‪ ،‬وبادر خواطرها من قبل استكمانا‪ .‬قال عكرمة‪ :‬كنا جلوسا عند ابن عباس‪ ،‬فمر طائر‬
‫ي صيح‪ ،‬فقال ر جل من القوم‪ :‬خ ي خ ي‪ .‬فقال له ا بن عباس‪ :‬لخ ي ول شر‪.‬فبادره بلنكار عل يه لئل‬
‫يعتقد تأثيه ف الي والشر‪ .‬وخرج طاوس مع صاحب له ف سفر‪ ،‬فصاح غراب‪ ،‬فقال الرجل‪ :‬خي‪.‬‬
‫فقال طاوس‪ :‬وأي خي عند هذا ؟ ل تصحب‪ .‬ا ه ملخصا‪.‬‬

‫و قد جاءت أحاد يث ظن ب عض الناس أن ا تدل على جواز الطية‪ ،‬كقوله‪ :‬الشؤم ف ثلث‪ :‬ف الرأة‪،‬‬
‫والدابة‪ ،‬والدار ونو هذا‪.‬‬

‫قال ابن القيم رحه ال تعال‪ :‬إخباره صلى ال عليه وسلم بالشؤم ف هذه الثلثة ليس فيه إثبات الطية‬
‫الته نفاهها ال سهبحانه‪ ،‬وإناه غايتهه أن ال سهبحانه قهد يلق منهها أعيانا مشؤومهة على مهن قارباه‬
‫و ساكنها‪ ،‬وأعيانا مبار كة ل يلحق من قاربا شؤم ول شر‪ ،‬وهذا كما يع طي سبحانه الوالد ين ولدا‬
‫مباركا يريان اليه على وجههه‪ ،‬ويعطهى غيهاه ولدا مشؤوما يريان الشهر على وجههه‪ ،‬وكذلك مها‬
‫يعطاه العبد من ولية وغيها‪ ،‬فكذلك الدار والرأة والفرس‪ .‬وال سبحانه خالق الي والشر والسعود‬
‫والنحوس‪ ،‬فيخلق بعهض هذه العيان سهعودا مباركهة‪ ،‬ويقضهي بسهعادة مهن قارباه وحصهول اليمهن‬
‫والب كة له‪ .‬ويلق بعض ها نو سا يتن حس ب ا من قارب ا‪ .‬و كل ذلك بقضائه وقدره‪ ،‬ك ما خلق سائر‬
‫السباب وربطها بسبباتا التضادة والختلفة‪ .‬كما خلق السك وغيه من الرواح الطيبة ولذذ با من‬
‫قاربا من الناس‪ .‬وخلق ضدها وجعلها سببا لل من قاربا من الناس‪ ،‬والفرق بي هذين النوعي مدرك‬
‫بالس‪ ،‬فكذلك الديار والنساء واليل‪ .‬فهذا لون والطية الشركية لون‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪176‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪ :‬ول هامة بتخفيف اليم على الصحيح‪ .‬قال الفراء‪ :‬الامة طي من طي الليل‪ .‬كأنه يعن البومة‪.‬‬
‫قال ابن العراب‪ :‬كانوا يتشاءمون با إذا وقعت على بيت أحدهم‪ ،‬يقول‪ :‬نعت إل نفسي أو أحدا من‬
‫أهل داري‪ ،‬فجاء الديث بنفي ذلك وإبطاله‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ول صفر بفتح الفاء‪ ،‬روى أبو عبيدة ف غريب الديث عن رؤبة أنه قال‪ :‬هي حية تكون ف‬
‫الب طن ت صيب الاش ية والناس‪ ،‬و هي أعدى من الرب ع ند العرب‪ .‬وعلى هذا فالراد بنف يه ما كانوا‬
‫يعتقدونه من العدوى ومن قال بذا سفيان بن عيينة والمام أحد والبخاري وابن جرير‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬الراد به ش هر صفر‪ ،‬والن في ل ا كان أ هل الاهل ية يفعلو نه ف الن سيء وكانوا يلون‬
‫الحرم ويرمون صفر مكانه‪،‬وهو قول مالك‪.‬‬

‫وروى أبو داود عن ممد بن راشد عمن سعه يقول‪ :‬إن أهل الاهلية يتشاءمون بصفر‪ ،‬ويقولون‪ :‬إنه‬
‫مشؤوم‪ ،‬فأبطهل النهب صهلى ال عليهه وسهلم ذلك‪ .‬قال ابهن رجهب‪ :‬ولعهل هذا القول أشبهه القوال‪،‬‬
‫والتشاؤم بصهفر ههو مهن جنهس الطية النههي عنهها‪ ،‬وكذلك التشاؤم بيوم مهن اليام كيوم الربعاء‬
‫وتشاؤم أهل الاهلية بشوال ف النكاح فية خاصة‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ول نواء النوء واحد النواء‪ ،‬وسيأت الكلم عليه ف بابه إن شاء ال تعال‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ول غول هو بالضم اسم‪ ،‬وجعه أغوال وغيلن‪ ،‬وهو الراد هنا‪.‬‬

‫قال أبو السعادات‪ :‬الغول واحد الغيلن‪ ،‬وهو جنس من الن والشياطي كانت العرب تزعم أن الغول‬
‫ف الفلة تتراءى للناس‪ ،‬تتلون تلونا ف صور ش ت وتغول م‪ ،‬أي تضل هم عن الطر يق وتلك هم‪ ،‬فنفاه‬
‫النب صلى ال عليه وأبطله‪.‬‬

‫فإن قيل‪ :‬ما معن النفي وقد قال النب صلى ال عليه وسلم‪ " :‬إذا تغولت الغيلن فبادروا بالذان "‪.‬‬

‫أجيب عنه‪ :‬بأن ذلك كان ف البتداء‪ ،‬ث دفعها ال عن عباده‪ .‬أو يقال‪ :‬النفى ليس وجود الغول‪ ،‬بل‬
‫ما يزعمه العرب من تصرفه ف نفسه‪ ،‬أو يكون العن بقوله ل غول أنا ل تستطيع أن تضل أحدا مع‬
‫ذكر ال والتوكل عليه‪ .‬ويشهد له الديث الخر " ل غول ولكن السعال سحرة الن " أي ولكن ف‬
‫ال ن سحرة ل م تلب يس وتي يل‪ .‬وم نه الد يث " إذا تغولت الغيلن فبادروا بالذان " أي ادفعوا شر ها‬
‫بذلك بذكر ال‪.‬‬

‫وهذا يدل على أنه ل يرد بنفيها أو عدمه‪ .‬ومنه حديث أب أيوب " كان ل تر ف سهوة فكانت الغول‬
‫تي فتأخذ "‪.‬‬

‫قوله‪( :‬ول ما عن أ نس قال‪ :‬قال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ل عدوى ول طية‪ ،‬ويعجب ن‬
‫الفأل‪ ،‬قالوا‪ :‬وما الفأل ؟ قال‪ :‬الكلمة الطيبة ") ‪:‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪177‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪ :‬ويعجب ن الفأل قال أ بو ال سعادات‪ :‬الفأل‪ ،‬مهموز في ما ي سر وي سوء‪ ،‬والطية ل تكون إل في ما‬
‫يسهوء‪ ،‬ورباه ا ستعملت في ما ي سر‪ .‬يقال‪ :‬تفاءلت بكذا وتفاولت‪ ،‬على التحقيهق والقلب‪ ،‬و قد أولع‬
‫الناس بترك المزة تفيفا‪ ،‬وإنا أحب الفأل لن الناس إذا أملوا فائدة ال ورجوا عائدته عند كل سبب‬
‫ضع يف أو قوى ف هم على خ ي‪ ،‬وإذا قطعوا آمال م ورجاء هم من ال تعال كان ذلك من ال شر‪ .‬وأ ما‬
‫الطية فإن فيها سوء الظن بال وتوقع البلء‪ ،‬والتفاؤل‪ :‬أن يكون رجل مريض فيسمع آخر يقول‪ :‬يا‬
‫سال‪ ،‬أو يكون طالب ضالة فيسمع آخر يقول‪ :‬يا واجد‪ ،‬فيقع ف ظنه أنه يبأ من مرضه ويد ضالته‪.‬‬
‫ومنه الديث‪" :‬قيل يا رسول ال ما الفأل ؟ قال‪ :‬الكلمة الطيبة "‪.‬‬

‫قوله‪ :‬قالوا‪ :‬وما الفأل ؟ قال‪ :‬الكلمة الطيبة بي صلى ال عليه وسلم أن الفأل يعجبه فدل على أنه ليس‬
‫من الطية النهى عنها‪.‬‬

‫قال ا بن الق يم رح ه ال تعال‪ :‬ل يس ف العجاب بالفأل ومب ته شئ من الشرك‪ ،‬بل ذلك إبا نة عن‬
‫مقت ضى الطبي عة ومو جب الفطرة الن سانية ال ت ت يل إل ما يوافقها ويلئم ها‪ ،‬ك ما أ خبهم صلى ال‬
‫عليه وسلم أنه حبب إليه من الدنيا النساء والطيب‪ ،‬وكان يب اللواء والعسل‪ ،‬ويب حسن الصوت‬
‫بالقرآن والذان ويستمع إليه ويب معال الخلق ومكارم الشيم‪ .‬بالملة يب كل كمال وخي ما‬
‫يف ضي إليه ما‪ ،‬وال سبحانه قد ج عل ف غرائز الناس العجاب ب سماع ال سم ال سن ومب ته‪ ،‬وم يل‬
‫نفوسهم إليه‪ ،‬وكذلك جعل فيها الرتياح والستبشار والسرور باسم الفلح والسلم والنجاح والتهنئة‬
‫والبشرى والفوز والظفر ونو ذلك‪ ،‬فإذا قرعت هذه الساء الساع استشبت با النفوس وانشرح لا‬
‫ال صدر وقوى ب ا القلب‪ ،‬وإذا سعت أضداد ها أو جب ل ا ضد هذه الال‪ .‬فأحزن ا ذلك‪ ،‬وأثار ل ا‬
‫خوفا وطية وانكماشا وانقباضا عما قصدت له وعزمت عليه‪ ،‬فأورث لا ضررا ف الدنيا ونقصا ف‬
‫اليان ومقارفة الشرك‪.‬‬

‫وقال الليمي‪ :‬وإنا كان صلى ال عليه وسلم يعجبه الفأل لن التشاؤم سوء ظن بال تعال بغي سبب‬
‫مقق‪ ،‬والتفاؤل حسن ظن به‪ ،‬والؤمن مأمور بسن الظن بال تعال على كل حال‪.‬‬

‫قوله‪( :‬ولب داود بسند صحيح عن عقبة بن عامر قال‪ :‬ذكرت الطية عند رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم فقال‪ " :‬أحسنها الفأل‪ ،‬ول ترد مسلما‪ ،‬فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل‪ :‬اللهم ل يأت‬
‫بالسنات إل أنت‪ ،‬ول يدفع السيئات إل أنت ول حول ول قوة إل بك ") ‪:‬‬

‫قوله‪ :‬عن عقبة بن عامر هكذا وقع ف نسخ التوحيد‪ ،‬وصوابه‪ :‬عن عروة ابن عامر كذا أخرجه أحد‬
‫وأبو داود وغيها‪ .‬وهو مكي اختلف ف نسبه‪ ،‬فقال أحد‪ :‬عن عروة بن عامر القرشي‪ ،‬وقال غيه‪:‬‬
‫اله ن‪ .‬واختلف ف صحبته‪ ،‬فقال الاوردي‪ :‬له صحبة‪ ،‬وذكره ا بن حبان ف ثقات التابع ي‪ ،‬وقال‬
‫الزي‪ :‬ل صحبة له تصح‪.‬‬

‫قوله‪ :‬فقال أح سنها الفأل قد تقدم أن ال نب صلى ال عل يه و سلم كان يعج به الفأل‪ .‬وروى الترمذي‬
‫وصححه عن أنس رضي ال عنه " أن النب صلى ال عليه وسلم كان إذا خرج لاجته يب أن يسمع‪:‬‬
‫يا نيح‪ ،‬يا راشد " وروى أبو داود عن بريدة أن النب صلى ال عليه وسلم كان ل يتطي من شئ‪،‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪178‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫ل سأله عن ا سه فإذا أعجبه فرح به‪ ،‬وإن كره اسه رؤي كراه ية ذلك ف وج هه‬‫وكان إذا بعث عام ً‬
‫وإسناده حسن‪ .‬وهذا فيه استعمال الفأل‪.‬‬

‫قال ا بن الق يم‪ :‬أ خب صلى ال عل يه و سلم أن الفأل من الطية و هو خي ها‪ ،‬فأب طل الطية وأ خب أن‬
‫الفأل من ها ولك نه خ ي من ها‪ ،‬فف صل ب ي الفأل والطية ل ا بينه ما من المتياز والتضاد‪ ،‬ون فع أحده ا‬
‫ومضرة الخر‪ ،‬ونظي هذا‪ :‬منعه من الرقي بالشرك وإذنه ف الرقية إذا ل يكن فيها شرك‪ ،‬لا فيها من‬
‫النفعة الالية من الفسدة‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ول ترد مسلما قال الطيب‪ :‬تعريض بأن الكافر بلفه‪.‬‬

‫قوله‪ :‬اللهم ل يأت بالسنات إل أنت ول يدفع السيئات إل أنت أي ل تأت الطية السنة ول تدفع‬
‫الكروهات‪ ،‬بل أ نت وحدك ل شر يك لك الذي تأ ت بال سنات‪ ،‬وتد فع ال سيئات‪ ،‬و ال سنات ه نا‬
‫النعم‪ ،‬و السيئات الصائب‪ ،‬كقوله ‪ " ، :‬وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند ال وإن تصبهم سيئة‬
‫يقولوا هذه من عندك قل كل من ع ند ال فمال هؤلء القوم ل يكادون يفقهون حدي ثا * ما أ صابك‬
‫من حسنة فمن ال وما أصابك من سيئة فمن نفسك " ففيه نفي تعليق القلب بغي ال ف جلب نفع أو‬
‫دفع ضر‪ ،‬وهذا هو التوحيد‪ ،‬وهو دعاء مناسب لن وقع ف قلبه شئ من الطية وتصريح بأنا ل تلب‬
‫نفعا ول تدفع ضرا‪ ،‬ويعد من اعتقدها سفيها مشركا‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ول حول ول قوة إل بك استعانة بال تعال على فعل التوكل وعدم اللتفات إل الطية الت قد‬
‫تكون سببا لوقوع الكروه عقوبة لفاعلها‪ .‬وذلك الدعاء إنا يصدر عن حقيقة التوكل الذي هو أقوى‬
‫السباب ف جلب اليات ودفع الكروهات‪.‬‬

‫و الول التحول والنتقال من حال إل حال‪ ،‬و القوة على ذلك بال وحده ل شر يك له‪ .‬فف يه ال تبي‬
‫من الول والقوة والشيئة بدون حول ال وقوته ومشيئ ته‪ .‬وهذا هو التوحيد ف الربوبية‪ ،‬وهو الدليل‬
‫على توح يد الل ية الذي هو إفراد ال تعال بم يع أنواع العبادة‪ ،‬و هو توح يد الق صد والرادة‪ ،‬و قد‬
‫تقدم بيان ذلك بمد ال‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وعن ابن مسعود رضي ال عنه مرفوعا‪ " :‬الطية شرك‪ ،‬والطية شرك‪ .‬وما منا إل‪ ،‬ولكن‬
‫ال يذهبه بالتوكل " رواه أبو داود والترمذي وصححه‪ .‬وجعل آخره من قول ابن مسعود) ‪:‬‬

‫ورواه ابهن ماجهه وابهن حبان‪ .‬ولفهظ أبه داود الطية شرك‪ ،‬الطية شرك‪ ،‬الطية شرك‪ .‬ثلثا وهذا‬
‫صريح ف تري الطية‪ ،‬وأنا من الشرك لا فيها من تعلق القلب على غي ال تعال‪.‬‬

‫قال ابن حدان‪ :‬تكره الطية‪ ،‬وكذا قال غيه من أصحاب أحد‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪179‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قال ابهن مفلح‪ :‬والول القطهع بتحريهها لناه شرك‪ ،‬وكيهف يكون الشرك مكروها الكراهيهة‬
‫الصطلحية ؟‬

‫قال ف شرح ال سنن‪ :‬وإن ا ج عل الطية من الشرك لن م كانوا يعتقدون أن الطية تلب ل م نفعا أو‬
‫تدفع عنهم ضرا إذا عملوا بوجبها‪ ،‬فكأنم أشركوا مع ال تعال‪.‬‬

‫قوله‪ :‬وما منا إل قال أبو القاسم الصبهان‪ ،‬والنذري‪ :‬ف الديث إضمار‪ .‬التقدير‪ :‬وما منا إل وقد‬
‫وقع ف قلبه شئ من ذلك‪ .‬ا هه‪.‬‬

‫وقال اللخان‪ :‬حذف الستثن لا يتضمنه من الالة الكروهة‪ .‬وهذا من أدب الكلم‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ولكن ال يذهبه بالتوكل أي لكن لا توكلنا على ال ف جلب النفع ودفع الضر أذهبه ال عنا‬
‫بتوكلنا عليه وحده‪.‬‬

‫قوله‪ :‬وجعل آخره من قول ابن مسعود قال ابن القيم‪ :‬وهو من الصواب‪ ،‬فإن الطية نوع من الشرك‪.‬‬

‫قال‪( :‬ولحد من حديث ابن عمر‪ ":‬ومن ردته الطية عن حاجته فقد أشرك‪ .‬قالوا فما كفارة ذلك‬
‫؟ قال‪ :‬أن تقول‪ :‬اللهم ل خي إل خيك‪ ،‬ول طي إل طيك‪ ،‬ول إله غيك ") ‪:‬‬

‫هذا الديث رواه أحد والطبان عن عبد ال بن عمرو بن العاص‪ ،‬وف إسناده ابن ليعة وبقية رجاله‬
‫ثقات‪.‬‬
‫قوله‪:‬من حديث ابن عمرو وهو عبد ال بن عمرو بن العاص بن وائل السهمي أبو ممد‪ .‬وقيل أبو عبد‬
‫الرحن‪ ،‬أحد السابقي الكثرين من الصحابة وأحد العبادلة الفقهاء‪ .‬مات ف ذي الجة ليال الرة على‬
‫الصح بالطائف‪.‬‬

‫قوله‪ :‬من ردته الطية عن حاجته فقد أشرك وذلك أن الطية هي التشاؤم بالشئ الرئي أو السموع‪،‬‬
‫فإذا رده شئ من ذلك عن حاجته الت عزم عليها كإرادة السفر ونوه‪ ،‬فمنعه عما أراده وسعى فيه ما‬
‫رأى وما سع تشاؤما‪ ،‬فقد دخل ف الشرك‪ .‬كما تقدم‪ ،‬فلم يلص توكله على ال بالتفاته إل ما سواه‬
‫فيكون للشيطان منه نصيب‪.‬‬

‫قوله‪ :‬فما كفارة ذلك ؟ إل آخره‪ .‬فإذا قال ذلك وأعرض عما وقع ف قلبه‪ ،‬ول يلتفت إليه‪ ،‬كفر ال‬
‫عنه ما وقع ف قلبه ابتداء لزواله عن قلبه بذا الدعاء التضمن للعتماد على ال وحده‪ ،‬والعراض عما‬
‫سواه‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪180‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وتض من الد يث أن الطية ل ت ضر من كره ها وم ضى ف طري قه‪ ،‬وأ ما من ل يلص توكله على ال‬
‫واسترسل مع الشيطان ف ذلك‪ ،‬فقد يعاقب بالوقوع فيما يكره‪ ،‬لنه أعرض عن واجب اليان بال‪،‬‬
‫وأن الي كله بيده‪ ،‬فهو الذي يلبه لعبده بشيئ ته وإراد ته‪ ،‬و هو الذي يدفع ع نه الضر وحده بقدر ته‬
‫ولطفه وإحسانه‪ ،‬فل خي إل منه‪ ،‬وهو الذي يدفع الشر عن عبده فما أصابه من ذلك فبذنبه‪ ،‬كما قال‬
‫تعال‪ " :‬ما أصابك من حسنة فمن ال وما أصابك من سيئة فمن نفسك "‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وله من حديث الفضل بن عباس‪ " :‬إنا الطية ما أمضاك أو ردك ") ‪:‬‬

‫هذا الد يث ع ند المام أح د من حد يث الف ضل بن عباس قال‪ " :‬خر جت مع ر سول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم يوما‪ ،‬فبح ظب‪ ،‬فمال ف شقه فاحتضنته‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسول ال تطيت‪ ،‬فقال‪ :‬إنا الطية‬
‫ما أمضاك أو ردك " وف إسناده انقطاع‪ ،‬أي بي مسلمة رواية وبي الفضل‪ ،‬وهو الفضل بن العباس‬
‫بن عبد الطلب ابن عم النب صلى ال عليه وسلم‪ .‬قال ابن معي‪ :‬قتل يوم اليموك‪ .‬وقال غيه‪ :‬قتل‬
‫يوم مرج ال صفر سنة ثلث عشرة و هو ا بن اثنت ي وعشر ين سنة‪ .‬وقال أ بو داود‪ :‬ق تل بدم شق‪ .‬كان‬
‫عليه درع رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫قوله‪ :‬إنا الطية ما أمضاك أو ردك هذا حد الطية النهى عنها‪ :‬أنا ما يمل النسان على الضمي فيما‬
‫أراده‪ ،‬وينعه من الضي فيه كذلك‪ .‬وأما الفأل الذي كان يبه النب صلى ال عليه وسلم فيه نوع من‬
‫بشارة‪ ،‬في سر به الع بد ول يعت مد عل يه بلف ما يض يه أو يرده‪ ،‬فإن للقلب عل يه نوع اعتماد‪ .‬فاف هم‬
‫الفرق وال أعلم‪.‬‬

‫باب‬
‫ما جاء ف التنجيم‬

‫قوله‪ ( :‬باب‪ :‬ما جاء ف التنجيم ) ‪:‬‬

‫قال شيخ السلم رحه ال‪ :‬التنجيم هو الستدلل بالحوال الفكلية على الوادث الرضية‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪181‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وقال الطاب‪ :‬علم النجوم النهى عنه هو ما يدعيه أهل التنجيم من علم الكوائن والوادث الت ستقع‬
‫ف مستقبل الزمان‪ ،‬كأوقات هبوب الرياح وميء الطر‪ ،‬وتغي السعار‪ ،‬وما ف معناها من المور الت‬
‫يزعمون أنا تدرك معرفتها بسي الكواكب ف ماريها‪ ،‬واجتماعها وافتراقها‪ ،‬يدعون أن لا تأثيا ف‬
‫السفليات‪ ،‬وهذا منهم تكم على الغيب‪ ،‬وتعاط لعلم قد استأثر ال به‪ ،‬ول يعلم الغيب سواه‪.‬‬

‫قوله‪( :‬قال البخاري ف صحيحه‪ :‬قال قتادة‪ :‬خلق ال هذه النجموم لثلث‪ :‬زينة للسماء‪ ،‬ورجوما‬
‫للشياطي‪ ،‬وعلمات يهتدى با‪ ،‬فمن تأول فيها غي ذلك أخطأ وأضاع نصيبه‪ ،‬وتكلف ما ل علم‬
‫له به) ‪:‬‬

‫هذا ال ثر عل قه البخاري ف صحيحه‪ .‬وأخر جه ع بد الرزاق وع بد بن ح يد وا بن جر ير وا بن النذر‬


‫وغيهم‪ .‬وأخر جه الطيب ف كتاب النجوم عن قتادة‪ ،‬ولف ظه قال‪ :‬إنا ج عل ال هذه النجوم لثلث‬
‫خصال‪ :‬جعلها زينة للسماء‪ ،‬وجعلها يهتدى با‪ ،‬وجعلها رجوما للشيطاطي‪ .‬فمن تعاطى فيها غي‬
‫ذلك فقد قال برأيه‪ ،‬وأخطأ حظه وأضاع نصيبه‪ ،‬وتكلف ما ل علم له به‪ ،‬وإن ناسا جهلة بأمر ال قد‬
‫أحدثوا فه هذه النجوم كهانهة‪ :‬مهن أعرس بنجهم كذا وكذا كان كذا وكذا‪ ،‬ومهن سهافر بنجهم كذا‬
‫وكذا كان كذا وكذا‪ .‬ولعمري ما من ن م إل يولد به الح ر وال سود والطو يل والق صي وال سن‬
‫والدميم‪ ،‬وما علم هذه النجوم وهذا الدا بة وهذا الطائر بشئ من هذا الغيب ولو أن أحدا علم الغيب‬
‫لعلمه آدم الذي خلقه ال بيده وأسجد له ملئكته وعلمه أساء كل شئ انتهى‪.‬‬

‫فتأمل ما أنكره هذا المام ما حدث من النكرات ف عصر التابعي‪ ،‬وما زال الشر يزداد ف كل عصر‬
‫بعدهم حت بلغ الغاية ف هذه العصار‪ ،‬وعمت به البلوى ف جيع المصار فمقل ومستكثر‪ ،‬وعز ف‬
‫الناس من ينكره‪ ،‬وعظمت الصيبة به ف الدين‪ .‬فإنا ل وإنا إليه راجعون‪.‬‬

‫قوله‪ :‬خلق ال هذه النجوم لثلث قال تعال‪ " :‬ولقهد زينها السهماء الدنيها بصهابيح وجعلناهها رجوما‬
‫للشياطيه " وقال تعال‪ " :‬وعلمات وبالنجهم ههم يهتدون " وفيهه إشارة إل أن النجوم فه السهماء‬
‫الدنيا‪ ،‬كما روى ابن مردويه عن ابن مسعود رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم "‬
‫أما السماء الدنيا فإن ال خلقها من دخان وجعل فيها سراجا وقمرا منيا‪ ،‬وزينها بصابيح وجعلها‬
‫رجوما للشياطي‪ ،‬وحفظا من كل شيطان رجيم "‪.‬‬

‫قوله‪ :‬وعلمات ‪ :‬أي دللت على الهات يهتدي با أي يهتدي با الناس ف ذلك‪ .‬كما قال تعال‪" :‬‬
‫وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا با ف ظلمات الب والبحر " أي لتعرفوا با جهة قصدكم‪ ،‬وليس‬
‫الراد أن يهتدي با ف علم الغيب‪ ،‬كما يعتقده النجمون‪ ،‬وقد تقدم وجه بطلنه وأنه ل حقيقة له كما‬
‫قال قتادة‪ :‬فمن تأول فيها غي ذلك أي زعم فيها غي ما ذكر ال ف كتابه من هذه الثلث فقد أخطأ‪.‬‬
‫حيث زعم شيئا ما أنزل ال به من سلطان‪ ،‬وأضاع نصيبه من كل خي‪ ،‬لنه شغل نفسه با يضره ول‬
‫ينفعه‪.‬‬

‫فإن قيل‪ :‬النجم قد يصدق ؟ قيل‪ :‬صدقه كصدق الكاهن‪ ،‬ويصدق ف كلمة ويكذب ف مائة‪ .‬وصدقه‬
‫ليس عن علم‪ ،‬بل قد يوافق قدرا‪ ،‬فيكون فتنة ف حق من صدقه‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪182‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وعن ابن عباس رضي ال عنهما ف قوله‪ " :‬وألقى ف الرض رواسي أن تيد بكم وأنارا وسبل لعلكم‬
‫تتدون * وعلمات " فقوله‪ :‬علمات معطوف على ما تقدم ما ذكره ف الرض‪ ،‬ث استأنف فقال‪" :‬‬
‫وبالنجم هم يهتدون " ذكره ابن جرير عن ابن عباس بعناه‪.‬‬

‫وقد جاءت الحاديث عن النب صلى ال عليه وسلم بإبطال علم التنجيم‪ ،‬كقوله‪ " :‬من اقتبس شعبة‬
‫من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر‪ .‬زاد ما زاد "‪.‬‬

‫وعن رجاء بن حيوة أن النب صلى ال عليه وسلم قال‪ " :‬إن ما أخاف على أمت‪ :‬التصديق بالنجوم‪،‬‬
‫والتكذ يب بالقدر‪ ،‬وح يث الئمة " رواه عبد بن ح يد‪ .‬و عن أ ب م جن مرفوعا‪ " :‬أخاف على أمت‬
‫ثلثا‪ :‬حيف الئمة‪ ،‬وإيانا بالنجوم وتكذيبا للقدر " رواه ابن عساكر وحسنه السيوطي‪.‬‬

‫و عن أنس رضي ال مرفوعا "أخاف على أمت بعدي خصلتي‪ :‬تكذيبا بالقدر‪ ،‬وإيان بالنجوم " رواه‬
‫أ بو يعلي وا بن عدي والطاب ف كتاب النجوم وح سنه ال سيوطي أيضا‪ .‬والحاد يث ف ذم التنج يم‬
‫والتحذير منه كثية‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وكره قتادة تعلم منازل الق مر‪ .‬ول ير خص ا بن عيي نة ف يه‪ .‬ذكره حرب عنه ما‪ .‬ور خص ف‬
‫تعلم النازل أحد وإسحاق) ‪:‬‬

‫قال الطا ب‪ :‬أما علم النجوم الذي يدرك من طر يق الشاهدة وال ب الذي يعرف به الزوال‪ ،‬وتعلم به‬
‫جهة القبلة فإنه غي داخل فيما نى عنه‪ .‬وذلك أن معرفة رصد الظل ليس شيئا أكثر من أن الظل ما‬
‫دام متناقصا فالشمس بعد صاعدة نو وسط السماء من الفق الشرقي‪ ،‬وإذا أخد ف الزيادة فالشمس‬
‫هابطة من وسط السماء نو الفق الغرب‪ ،‬وهذا علم يصح إدراكه بالشاهدة‪ ،‬إل أن أهل هذه الصناعة‬
‫قد دبروها با اتذوه من اللت الت يستغن الناظر فيها عن مراعاة مدته ومراصدته‪ .‬وأما ما يستدل به‬
‫من النجوم على جهة القبلة فإنا كواكب رصدها أهل البة من الئمة الذين ل نشك ف عنايتهم بأمر‬
‫الد ين ومعرفتهم ب ا و صدقهم في ما أ خبوا به عنها‪ ،‬م ثل أن يشاهد ها بضرة الكع بة ويشاهد ها على‬
‫حال الغيبة عنها‪ ،‬فكان إدراكهم الدللة منها بالعاينة‪ ،‬وإدراكنا ذلك بقبول خبهم إذ كانوا عندنا غي‬
‫مهتمي ف دينهم‪ ،‬ول مقصرين ف معرفتهم‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫وروى ابن النذر عن ماهد أنه كان ل يرى بأسا أن يتعلم الرجل منازل القمر‪ .‬وروى عن إبراهيم أنه‬
‫كان ل يرى بأسا أن يتعلم الرجل من النجوم ما يهتدي به‪ .‬قال ابن رجب‪ :‬والأذون ف تعلمه التسيي‬
‫ل علم التأثي فإنه باطل مرم‪ ،‬قليله وكثيه‪ .‬وأما علم التسيي فيتعلم ما يتاج إليه منه للهتداء ومعرفة‬
‫القبلة والطرق جائز عند المهور‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ذكره حرب عنه ما هو المام الا فظ حرب بن إ ساعيل أ بو م مد الكرما ن الفق يه من جلة‬
‫أصحاب المام أحد‪ .‬روى عن أحد وإسحاق وابن الدين وابن معي وغيهم‪ .‬وله كتاب السائل الت‬
‫سئل عن ها المام أح د وغيه‪ ،‬مات سنة ثان ي ومائت ي‪ .‬وأ ما إ سحاق ف هو ا بن إبراه يم بن ملد أ بو‬
‫أيوب النظلي النيسابوري‪ ،‬المام العروف بابن راهويه‪ .‬روى عن ابن البارك وأب أسامة وابن عيينة‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪183‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وطبقت هم‪ .‬قال أح د‪ :‬إ سحاق عند نا إمام من أئ مة ال سلمي‪ .‬روى ع نه أح د والبخاري وم سلم وأ بو‬
‫داود وغيهم‪ .‬وروى هو أيضا عن أحد‪ .‬مات سنة تسع وثلثي ومائتي‪.‬‬

‫قال‪( :‬وعن أب موسى رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ " :‬ثلثة ل يدخلون‬
‫النة‪ :‬مدمن المر‪ ،‬وقاطع الرحم‪ ،‬ومصدق بالسحر " رواه أحد وابن حبان ف صحيحه) ‪:‬‬

‫هذا الد يث رواه أيضا ال طبان والا كم وقال‪ :‬صحيح‪ .‬وأقره الذ هب‪ .‬وتامه ومن مات و هو يدمن‬
‫المر سقاه ال من نر الغوطة‪ :‬نر يري من فروج الومسات‪ ،‬يؤذي أهل النار ريح فروجهن ‪.‬‬

‫قوله‪ :‬وعن أب موسى هو عبد ال بن قيس بن سليم بن حضار بفتح الهملة وتشديد الضاد‪ ،‬أب موسى‬
‫الشعري‪ .‬صحاب جليل‪ .‬مات سنة خسي‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ثل ثة ل يدخلون ال نة هذا من ن صوص الوع يد ال ت كره ال سلف تأويل ها‪ .‬وقالوا‪ :‬أمرو ها ك ما‬
‫جاءت‪ ،‬وعن تأولا فهو على خطر من القول على ال بل علم‪ .‬وأحسن ما يقال‪ :‬إن كل عمل دون‬
‫الشرك والك فر الخرج على ملة ال سلم فإ نه ير جع إل مشيئة ال‪ ،‬فإن عذ به ف قد ا ستوجب العذاب‪،‬‬
‫وإن غفر له فبفضله وعفوه ورحته‪.‬‬

‫قوله‪ :‬مدمن المر أي الداوم على شربا‪.‬‬

‫قوله‪ :‬وقاطهع الرحهم يعنه القرابهة كمها قال تعال‪ " :‬فههل عسهيتم إن توليتهم أن تفسهدوا فه الرض‬
‫وتقطعوا أرحامكم " الية‪.‬‬

‫قوله‪ :‬وم صدق بال سحر أي مطلقا‪ .‬وم نه التنج يم‪ ،‬ل ا تقدم من الد يث‪ .‬وهذا و جه مطاب قة الد يث‬
‫للترجة‪.‬‬

‫قال الذهب ف الكبائر‪ :‬ويدخل فيه تعلم السيميا وعملها‪ ،‬وعقد الرء عن زوجته ومبة الزوج لمرأته‬
‫وبغضها وبغضه‪ .‬وأشباه ذلك بكلمات مهولة‪ .‬قال‪ :‬وكثي من الكبائر بل عامتها إل القل يهل خلق‬
‫من المة تريه‪ ،‬وما بلغه الزجر فيه‪ ،‬ول الوعيد عليه ا هه‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪184‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫باب‬
‫ما جاء ف الستسقاء بالنواء‬

‫قوله‪ ( :‬ما جاء ف الستسقاء بالنواء ) ‪:‬‬

‫أي من الوع يد‪ ،‬والراد‪ :‬ن سبة ال سقيا وم يء ال طر إل النواء‪ .‬ج ع نوء و هي منازل الق مر‪ .‬قال أ بو‬
‫ال سعادات‪ :‬و هي ثان وعشرون منلة‪ .‬ينل الق مر كل ليلة من ها‪ .‬وم نه قوله تعال‪ " :‬والق مر قدرناه‬
‫منازل " يسقط ف الغرب كل ثلث عشرة ليلة منلة طلوع الفجر‪ ،‬وتظلع أخرى مقابلتها ذلك الوقت‬
‫من الشرق‪ ،‬فتقضي جيعها مع انقضاء السنة‪ .‬وكانت العرب تزعم أن مع سقوط النلة وطلوع رقيبها‬
‫يكون مطر‪ ،‬وينسبونه إليها‪ ،‬ويقولون مطرنا بنوء كذا وكذا وإنا سى نوءا لنه إذا سقط الساقط منها‬
‫ناء الطالع بالشرق‪ ،‬أي نض وطلع‪.‬‬

‫قال‪( :‬وقوله تعال ‪ " :‬وتعلون رزقكم أنكم تكذبون ") ‪:‬‬

‫روى المام أحد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن أب حات والضياء ف الختارة عن علي رضي ال‬
‫عنهه‪ ،‬قال‪ :‬قال رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم‪ " " :‬وتعلون رزقكهم " يقول‪ :‬شكركهم " أنكهم‬
‫تكذبون " تقولون‪ :‬مطر نا بنوء كذا وكذا‪ :‬بن جم كذا وكذا " و هذ أول ما ف سرت به ال ية‪ .‬وروى‬
‫ذلك عن علي وابن عباس وقتادة والضحاك وعطاء الراسان وغيهم وهو قول جهور الفسرين وبه‬
‫يظهر وجه استدلل الصنف رحه ال بالية‪.‬‬

‫قال ا بن الق يم رح ه ال‪ :‬أي تعلون حظ كم من هذا الرزق الذي به حيات كم‪ :‬التكذ يب به‪ ،‬يع ن‬
‫القرآن‪ .‬قال ال سن‪ :‬تعلون حظ كم ون صيبكم من القرآن أن كم تكذبون قال‪ :‬وخ سر ع بد ل يكون‬
‫حظه من القرآن إل التكذيب‪.‬‬

‫قوله‪ ( :‬عن أ ب مالك الشعري ر ضي ال ع نه أن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم قال‪ " :‬أر بع ف‬
‫أمت من أمر الاهلية ل يتركونن‪ :‬الفخر بالحساب‪ ،‬والطعن ف النساب‪ ،‬والستسقاء بالنجوم‪،‬‬
‫والنياحة "‪ .‬وقال‪ " :‬النائحة إذا ل تتب قبل موتا تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع‬
‫من جرب " رواه مسلم ) ‪:‬‬

‫أبو مالك اسه الرث بن الرث الشامي‪ .‬صحاب تفرد عنه بالرواية أبو سلم‪ .‬وف الصحابة أبو مالك‬
‫الشعري اثنان غي هذا‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪185‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪ :‬أربع ف أمت من أمر بالاهلية ل يتركونن ستفعلها هذه المة إما مع العلم بتحريها أو مع الهل‬
‫بذلك‪ ،‬مع كونا من أعمال الاهلية الذمومة الكروهة الحرمة‪ .‬والراد بالاهلية هنا‪ :‬ما قبل البعث‪،‬‬
‫سوا ذلك لفرط جهلهم‪ .‬وكل ما يالف ما جاء به الرسول صلى ال عليه وسلم فهو جاهلية‪ ،‬فقد‬
‫خالف هم ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ف كث ي من أمور هم أو أكثر ها‪ .‬وذلك يدرك بتدبر القرآن‬
‫ومعرفة السنة‪ .‬ولشخنا رحه ال مصنف لطيف ذكر فيه ما خالف رسول ال صلى ال عليه وسلم فيه‬
‫أهل الاهلية‪ ،‬بلغ مائة وعشرين مسألة‪.‬‬

‫قال شيخ السلم رحه ال تعال‪ :‬أخب أن بعض أمر الاهلية ل يتركه الناس كلهم ذما لن ل يتركه‪،‬‬
‫وهذا يقت ضي أن كل ما كان من أ مر الاهلية وفعلهم فهو مذموم ف د ين السلم‪ ،‬وإل ل يكن ف‬
‫إضافة هذه النكرات إل الاهلية ذم لا‪ ،‬ومعلوم أن إضافتها إل الاهلية خرج مرج الذم‪ ،‬وهذا كقوله‬
‫تعال‪ " :‬ول تبجن تبج الاهلية الول " فإن ف ذلك ذما للتبج وذما لال الاهلية الول‪ ،‬وذلك‬
‫يقتضي النع من مشابتهم ف الملة‪.‬‬

‫قوله‪ :‬الف خر بالح ساب أي التعا ظم على الناس بالباء ومآثر هم‪ ،‬وذلك ج هل عظ يم‪ ،‬إذ ل كرم إل‬
‫بالتقوى‪ ،‬ك ما قال تعال‪ " :‬إن أكرم كم ع ند ال أتقا كم " وقال تعال‪ " :‬و ما أموال كم ول أولد كم‬
‫بال ت تقرب كم عند نا زل فى إل من آ من وع مل صالا فأولئك ل م جزاء الض عف ب ا عملوا و هم ف‬
‫الغرفات آمنون "‪.‬‬

‫ول ب داود عن أ ب هريرة مرفوعا‪ " :‬إن ال قد أذ هب عن كم عب ية الاهل ية وفخر ها بالباء‪ ،‬إن ا هو‬
‫مؤمن تقي‪ ،‬أو فاجر شقي‪ ،‬الناس بنو آدم وآدم من تراب‪ ،‬ليدعن رجال فخرهم بأقوام إنا فحم من‬
‫فحم جهنم‪ ،‬أو ليكونن أهون على ال من العلن "‪.‬‬

‫ل بأمه‬
‫قوله‪ :‬والطعن ف النساب أي الوقوع فيها بالعيب والتنقص‪ .‬ولا عي أبو ذر رضي ال عنه رج ً‬
‫قال له النب صلى ال عل يه و سلم‪ ":‬أعي ته بأ مه ؟ إ نك امرؤ ف يك جاهل ية " مت فق عل يه‪ .‬فدل على أن‬
‫الطعن ف النساب من عمل الاهلية‪ ،‬وأن السلم قد يكون فيه شئ من هذه الصال باهلية ويهودية‬
‫ونصرانية‪ ،‬ول يوجب ذلك كفره ول فسقه‪ .‬قاله شيخ السلم رحه ال‪.‬‬

‫قوله‪ :‬وال ستسقاء بالنجوم أي ن سبة الطر إل النوء وهو سقوط النجم‪ .‬كما أخرج المام أح د وابن‬
‫جر ير ال سوائي قال‪ :‬سعت رسول ال صلى ال عل يه و سلم يقول‪ ":‬أخاف على أم ت ثلثا‪ :‬استسقاء‬
‫بالنجوم‪ .‬وحيف السلطان‪ .‬وتكذيبا بالقدر "‪.‬‬

‫فإذا قال قائلهم‪ :‬مطرنا بنجم كذا أو بنوء كذا‪ .‬فل يلوا إما أن يعتقد أن له تأثيا ف إنزال الطر‪ .‬فهذا‬
‫شرك وك فر‪ .‬و هو الذي يعتقده أ هل الاهل ية كاعتقاد هم أن دعاء ال يت والغائب يلب ل م نفعا‪ ،‬أو‬
‫يد فع عن هم ضرا‪ .‬أو أ نه يش فع بدعائ هم إياه‪ ،‬فهذا هو الشرك الذي ب عث ال ر سوله صلى ال عل يه‬
‫وسلم بالنهي عنه وقتال من فعله‪ .‬كما قال تعال‪" :‬وقاتلوهم حت ل تكون فتنة ويكون الدين كله ل "‬
‫والفت نة الشرك‪ ،‬وإ ما أن يقول‪ :‬مطر نا بنوء كذا مثل‪ ،‬ل كن مع اعتقاده أن الؤ ثر هو ال وحده‪ .‬لك نه‬
‫أجرى العادة بوجود الطر عند سقوط ذلك النجم‪ ،‬والصحيح‪ :‬أنه يرم نسبة ذلك إل النجم ولو على‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪186‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫طر يق الجاز‪ ،‬ف قد صرح ا بن مفلح ف الفروع‪ :‬بأ نه يرم قول مطر نا بنوء كذا وجزم ف الن صاف‬
‫بتحري ه ولو على طر يق الجاز‪ ،‬ول يذ كر خلفا‪ .‬وذلك أن القائل لذلك ن سب ما هو من ف عل ال‬
‫تعال الذي ل يقدر عل يه غيه إل خلق م سخر ل ين فع ول ي ضر ول قدرة له على شئ‪ ،‬فيكون ذلك‬
‫شركا أصغر‪ .‬وال أعلم‪.‬‬

‫قوله‪ :‬والنياحهة أي رفهع الصهوت بالندب على اليهت لناه تسهخط بقضاء ال‪ ،‬وذلك ينافه الصهب‬
‫الواجب‪ ،‬وهي من الكبائر لشدة الوعيد والعقوبة‪.‬‬

‫قوله‪ :‬والنائحة إذا ل تتب قبل موتا فيه تنبيه على أن التوبة تكفر الذنب وإن عظم‪ ،‬هذا ممع عليه ف‬
‫الملة‪ ،‬ويكفر أيضا السنات الاحية والصائب‪ ،‬ودعاء السلمي بعضهم لبعض‪ ،‬وبالشفاعة بإذن ال‪،‬‬
‫وعفو ال عمن شاء من ل يشرك به شيئا وف الديث عن ابن عمر مرفوعا‪ ":‬إن ال تعال يقبل توبة‬
‫العبد ما ل يغرغر" رواه أحد والترمذي وابن ماجه وابن حبان‪.‬‬

‫قوله‪ :‬تقام يوم القيامهة وعليهها سهربال مهن قطران ودرع مهن جرب قال القرطهب ‪ :‬السهربال واحهد‬
‫السرابيل‪ ،‬وهي الثياب والقميص‪،‬يعن أنن يلطخن بالقطران‪ ،‬فيكون لم كالقمص‪ ،‬حت يكون اشتعال‬
‫النار بأجسادهن أعظم‪ ،‬ورائحتهن أنت‪ ،‬وألهن بسبب الرب أشد‪ .‬وروى عن ابن عباس‪ :‬إن القطران‬
‫هو النحاس الذاب‪.‬‬

‫قال‪"( :‬ولما عن زيد بن خالد رضي ال عنه قال‪ :‬صلى لنا رسول ال صلى ال عليه وسلم صلة‬
‫الصبح بالديبية على إثر ساء كانت من الليل‪ ،‬فلما انصرف أقبل على الناس فقال‪ :‬أتدرون ماذا‬
‫قال ربكم ؟ قالوا‪ :‬ال ورسوله أعلم‪ .‬قال‪ :‬قال‪ :‬أصبح من عبادي مؤمن ب وكافر‪ ،‬فأما من قال‪:‬‬
‫مطرنا بفضل ال ورحته فذلك مؤمن ب كافر بالكوكب‪ ،‬وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك‬
‫كافر ب مؤمن بالكوكب ") ‪:‬‬

‫زيد بن خالد الهن صحاب مشهور‪ ،‬مات سنة ثان وستي‪ ،‬وقيل‪ :‬غي ذلك‪ ،‬وله خس وثانون سنة‪.‬‬

‫قوله‪ :‬صلى لنا رسول ال صلى ال عليه وسلم أي بنا‪ ،‬فاللم بعن الباء‪ .‬قال الافظ‪ :‬وفيه إطلق ذلك‬
‫مازا‪ .‬وإنا الصلة ل‪.‬‬

‫قوله‪ :‬بالديبية بالهملة الضمومة وتفيف يائها وتثقل‪.‬‬

‫قوله‪ :‬على إثر ساء كانت من الليل بكسر المزة وسكون الثلثة على الشهور‪ ،‬وهو ما يعقب الشئ‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ساء أي مطر‪ .‬لنه ينل من السحاب‪ ،‬والسماء يطلق على كل ما ارتفع‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪187‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪ :‬فل ما ان صرف أي من صلته‪ ،‬أي الت فت إل الأموم ي‪ ،‬ك ما يدل عل يه قوله‪ :‬أق بل على الناس‬
‫ويتمل أنه أراد السلم‪.‬‬

‫قوله‪ :‬هل تدرون لفظ استفهام ومعناه التنبيه‪ .‬وف النسائي‪ :‬أل تسمعوا ما قال ربكم الليلة ؟ وهذا من‬
‫الحاديث القدسية‪ .‬وفيه إلقاء العال على أصحابه السألة ليختبهم‪.‬‬

‫قوله‪ :‬قالوا ال ور سوله أعلم ف يه ح سن الدب للم سئول ع ما ل يعلم أن ي كل العلم إل عال ه‪ .‬وذلك‬
‫يب‪.‬‬

‫قوله‪ :‬أصبح من عبادي الضافة هنا للعموم بدليل التقسيم إل مؤمن وكافر كقوله تعال‪ " :‬هو الذي‬
‫خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن "‪.‬‬

‫قوله‪ :‬مؤمهن به وكافهر إذا اعتقهد أن للنوء تأثيا فه إنزال الطهر فهذا كفهر لنهه أشرك فه الربوبيهة‪.‬‬
‫والشرك كافر‪ .‬وإن ل يعتقد ذلك فهو من الشرك الصغر‪ ،‬لنه نسب نعمة ال إل غيه‪ ،‬ولن ال ل‬
‫يعل النوء سببا لنزال الطر فيه‪ ،‬وإنا هو فضل من ال ورحته يبسه إذا شاء وينله إذا شاء‪.‬‬

‫ودل هذا الد يث على أ نه ل يوز ل حد أن يض يف أفعال ال إل غيه ولو على سبيل الجاز‪ .‬وأيضا‬
‫الباء تتمل معان‪ ،‬وكلها ل تصدق بذا اللفظ‪ ،‬فليست للسببية ول للستعانة‪ ،‬لا عرفت من أن هذا‬
‫باطل‪ .‬ول تصدق أيضا على أنا للمصاحبة‪ ،‬لن الطر قد ييء ف هذا الوقت وقد ل ييء فيه‪ ،‬وإنا‬
‫ييء الطر ف الوقت الذي أراد ال ميئه فيه برحته وحكمته وفضله‪ .‬فكل معن تمل عليه الباء ف هذا‬
‫اللفظ النهى عنه فاسد‪ .‬فيظهر على هذا تري هذه اللفظة مطلقا لفساد العن‪ .‬وقد تقدم القطع بتحريه‬
‫ف كلم صاحب الفروع والنصاف‪.‬‬

‫قال الصنف رحه ال‪ :‬وفيه التفطن لليان ف هذا الوضع يشي إل أنه الخلص‪.‬‬

‫قوله‪ :‬فأمها مهن قال‪ :‬مطرنها بفضهل ال ورحتهه فالفضهل والرحةه صهفتان ل‪ ،‬ومذههب أههل السهنة‬
‫والماعة‪ :‬أن ما وصف ال به نفسه ووصفه به رسوله من صفات الذات‪ :‬كالياة والعلم‪ ،‬وصفات‬
‫الفعال‪ ،‬كالرحة الت يرحم با عباده‪ .‬كلها صفات ل قائمة بذاته ليست قائمة بغيه‪ ،‬فتفطن لذا فقط‬
‫غلط فيه طوائف‪.‬‬

‫و ف هذا الد يث‪ :‬إن ن عم ال ل يوز أن تضاف إل إل يه وحده‪ ،‬و هو الذي ي مد علي ها‪ ،‬وهذه حال‬
‫أهل التوحيد‪.‬‬

‫قوله‪ :‬وأما من قال‪ :‬مطرنا بنوء كذا وكذا إل أخره‪ ،‬تقدم ما يتعلق بذلك‪.‬‬

‫قال الصنف رحه ال‪ :‬وفيه التفطن للكفر ف هذا الوضع ‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪188‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫يشي إل أنه نسبة النعمة إل غي ال كفر‪ ،‬ولذا قطع بعض العلماء بتحريه‪ ،‬وإن ل يعتقد تأثي النوء‬
‫بإنزال الطر‪ ،‬فيكون من كفر النعم‪ ،‬لعدم نسبتها إل الذي أنعم با‪ ،‬ونسبتها إل غيه‪ ،‬كما سيأت ف‬
‫قوله تعال‪ " :‬يعرفون نعمة ال ث ينكرونا "‪.‬‬

‫قال القرطب ف شرح حديث زيد بن خالد‪ :‬وكانت العرب إذا طلع نم من الشرق وسقط آخر من‬
‫الغرب فحدث عند ذلك مطر أو ريح‪ ،‬فمنهم من ينسبه إل الطالع‪ ،‬ومنهم من ينسبه إل الغارب نسبة‬
‫إل إياد واختراع‪ ،‬ويطلقون ذلك القول الذكور فه الديهث‪ .‬فنههى الشارع عهن إطلق ذلك لئل‬
‫يعتقد أحد اعتقادهم ول يتشبه بم ف نطقهم‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫قوله‪ :‬فمن هم من ين سبه ن سبة إياد يدل على أن بعض هم كان ل يعت قد ذلك‪ ،‬ك ما قال تعال‪ " :‬ولئن‬
‫سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الرض من بعد موتا ليقولن ال قل المد ل بل أكثرهم ل‬
‫يعقلون " فدل على أن منهم من يعرف ويقر بأن ال هو الذي أوجد الطر‪ ،‬وقد يعتقد هؤلء أن النوء‬
‫فيه شيئا من التأثي‪ ،‬والقرطب ف شرحه ل يصرح أن العرب كلهم يعتقدون ذلك العتقدالذي ذكره‪.‬‬
‫فل اعتراض عليه بلية للحتمال الذكور‪.‬‬

‫قوله‪( :‬ولما من حديث ابن عباس معناه‪ ،‬وفيه‪ :‬قال بعضهم‪ :‬لقد صدق نوء كذا وكذا‪ .‬فأنزل ال‬
‫هذه اليات‪ " - :‬فل أق سم بوا قع النجوم * وإ نه لق سم لو تعلمون عظ يم * إ نه لقرآن كر ي * ف‬
‫كتاب مكنون * ل ي سه إل الطهرون * تن يل من رب العال ي * أفبهذا الد يث أن تم مدهنون *‬
‫وتعلون رزقكم أنكم تكذبون "‪ .‬وبلفظه عن ابن عباس قال‪ :‬مطر الناس على عهد النب صلى ال‬
‫عل يه و سلم فقال ال نب صلى ال عل يه و سلم‪ ":‬أ صبح من الناس شا كر‪ ،‬ومن هم كا فر‪ .‬قالوا‪ :‬هذه‬
‫رحة ال‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬لقد صدق نوء كذا وكذا "‪ .‬فقال‪ :‬فنلت هذه الية‪ " :‬فل أقسم بواقع‬
‫النجوم ") ‪:‬‬

‫هذا قسم من ال عز وجل‪ ،‬يقسم با شاء من خلقه على ما شاء‪ .‬وجواب القسم‪ " :‬إنه لقرآن كري "‬
‫فتكون ل صلة لتأكيد النفي‪ ،‬فتقدير الكلم‪ ،‬ليس المر كما زعمتم ف القرآن أنه سحر‪ ،‬أو كهانة‪ ،‬بل‬
‫هو قرآن كري‪ .‬قال ابن جرير‪ :‬قال بعض أهل العربية‪ :‬معن قوله‪ :‬فل أقسم فليس المر كما تقولون‪،‬‬
‫ث استؤنف القسم بعد فقيل‪ :‬أقسم بواقع النجوم‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬يعن نوم القرآن‪ ،‬فإنه نزل جلة ليلة‬
‫القدر من ال سماء الدنيا‪ ،‬ث نزل مفرقا ف السني بعد‪ ،‬ث قرأ ا بن عباس هذه الية‪ .‬ومواقع ها‪ :‬نزول ا‬
‫شيئا بعد شئ‪ .‬وقال ماهد‪ :‬مواقع النجوم مطالعها ومشارقها‪ .‬واختاره ابن جرير‪ .‬وعلى هذه فتكون‬
‫الناسبة بي القسم به والقسم عليه وهو القرآن من وجوه‪ :‬أحدها‪ :‬أن النجوم جعلها ال يهتدي با ف‬
‫ظلمات الب والبحهر‪ ،‬وآيات القرآن يهتدي باه فه ظلمات الغهي والههل‪ .‬فتلك هدايهة فه الظلمات‬
‫السية‪ ،‬والقرآن هداية ف الظلمات العنوية‪ .‬فجمع بي الدايتي مع ما ف النجوم من الزينة الظاهرة‪.‬‬
‫وف القرآن من الزينة الباطنة‪ ،‬ومع ما ف النجوم من الرجوم للشياطي‪ ،‬وف القرآن من رجوم شياطي‬
‫ال ن وال نس‪ .‬والنجوم آيا ته الشهودة العيان ية‪ ،‬والقرآن آيا ته التلوة ال سمعية‪ ،‬مع ما ف مواقع ها ع ند‬
‫الغروب من العبة والدللة على آياته القرآنية ومواقعها عند النول ذكره ابن القيم رحه ال‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪189‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وقوله‪ " :‬وإ نه لق سم لو تعلمون عظ يم " قال ا بن كث ي‪ :‬أي وإن هذا الق سم الذي أق سمت به لق سم‬
‫عظيم لو تعلمون عظمته لعظمتم القسم به عليه‪.‬‬

‫وقوله‪ " :‬إ نه لقرآن كر ي " هذا هو الق سم عل يه‪ ،‬و هو القرآن‪ ،‬أي إ نه و حي ال وتنيله وكل مه‪ ،‬ل‬
‫كما يقول الكفار‪ :‬إنه سحر أو كهانة‪ ،‬أو شعر‪ .‬بل هو قرآن كري أي عظيم كثي الي لنه كلم ال‪.‬‬

‫قال ابن القيم رحه ال تعال‪ :‬فوصفه با يقتضي حسنه وكثرة خيه ومنافعه وجللته‪ ،‬فإن الكري هو‬
‫البهي الكثي الي العظيم‪ ،‬وهو من كل شئ أحسنه وأفضله‪ .‬وال سبحانه وتعال وصف نفسه بالكرم‬
‫وو صف به كل مه‪ ،‬وو صف به عر شه‪ ،‬وو صف به ما ك ثر خيه وح سن منظره من النبات وغيه‬
‫ولذلك فسر السلف الكري بالسن قال الزهري‪ :‬الكري اسم جامع لا يمد‪،‬وال تعال كري جيل‬
‫الفعال‪ ،‬وإنه لقرآن كري يمد لا فيه من الدى والبيان والعلم والكمة‪.‬‬

‫وقوله‪ " :‬ف كتاب مكنون " أي ف كتاب معظم مفوظ موقر‪ ،‬قاله ابن كثي‪.‬‬

‫وقال ا بن الق يم رح ه ال تعال‪ :‬اختلف الف سرون ف هذا‪ ،‬فق يل‪ :‬هو اللوح الحفوظ وال صحيح أ نه‬
‫الكتاب الذي بأيدي اللئكة‪ ،‬و هو الذكور ف قوله‪ " :‬ف صحف مكرمة * مرفو عة مطهرة * بأيدي‬
‫سفرة * كرام بررة " ويدل على أنه الكتاب الذي بأيدي اللئكة قوله‪ " :‬ل يسه إل الطهرون " فهذا‬
‫يدل على أنه بأيديهم يسونه‪.‬‬

‫قوله‪ " :‬ل ي سه إل الطهرون " قال ا بن عباس ر ضي ال عنه ما‪ :‬ل ي سه إل الطهرون‪ .‬قال‪ :‬الكتاب‬
‫الذي ف السماء وف رواية ل يسه إل الطهرون يعن اللئكة وقال قتادة‪ :‬ل يسه عند ال إل الطهرون‬
‫فأما ف الدنيا فإنه يسه الجوسي النجس والنافق الرجس واختار هذا القول كثيون‪ ،‬منهم ابن القيم‬
‫رحه ال ورجحه‪ ،‬وقال ابن زيد‪ :‬زعمت قريش أن هذا القرآن تنلت به الشياطي‪ ،‬فأخب ال تعال أنه‬
‫ل يسه إل الطهرون كما قال تعال‪ " :‬وما تنلت به الشياطي * وما ينبغي لم وما يستطيعون * إنم‬
‫عن ال سمع لعزولون " قال ا بن كث ي‪ :‬هذا قول ج يد‪ .‬و هو ل يرج عن القول قبله‪ .‬وقال البخاري‬
‫رحه ال تعال ف صحيحه ف هذه الية‪ :‬ل يد طعمه إل من آمن به ‪.‬‬

‫قال ابن القيم رحه ال‪ :‬هذا من إشارة الية وتنبيهها‪ ،‬وهو أنه ل يلتذ به وبقراءته وفهمه وتدبره إل‬
‫من يشهد أنه كلم ال تكلم به حقا‪ ،‬وأنزله على رسوله وحيا‪ .‬ل ينال معانيه إل من ل يكن ف قلبه‬
‫حرج منه بوجه من الوجوه‪.‬‬

‫وقال آخرون‪ " :‬ل يسه إل الطهرون " أي من النابة والديث‪ .‬قالوا‪ :‬ولفظ الية خب معناه الطلب‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬والراد بالقرآن ههنا الصحف‪ .‬واحتجوا على ذلك با رواه مالك ف الوطأ عن عبد ال بن ممد‬
‫بن أ ب ب كر بن م مد بن عمرو بن حزم‪ :‬إن ف الكتاب الذي كت به ر سول ال صلى ال عل يه وسلم‬
‫لعمرو بن حزم‪ :‬أن ل يس القرآن إل طاهر ‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪190‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وقوله‪ ":‬تنيل من رب العالي " قال ابن كث ي‪ :‬هذا القرآن منل من رب العالي وليس كما يقولون‬
‫إنه سحر أو كهانة أو شعر‪،‬بل هو الق الذي ل مرية فيه‪ ،‬وليس وراءه حق نافع‪ .‬وف هذه الية‪ :‬أنه‬
‫كلم ال تكلم به‪.‬‬

‫قال ا بن الق يم رح ه ال‪ :‬ونظيه‪ " :‬ول كن حق القول م ن " وقوله‪ " :‬قل نزله روح القدس من ر بك‬
‫بالق " هو إثبات علو ال تعال على خلقه‪ .‬فإن النول والتنيل الذي تعقله العقول وتعرفه الفطر هو‬
‫وصول الشئ من أعلى إل أسفل ول يرد عليه قوله‪ " :‬وأنزل لكم من النعام ثانية أزواج" لنا نقول‪:‬‬
‫إن الذي أنزلا فوق ساواته‪ .‬فأنزلا لنا بأمره‪.‬‬

‫قال ا بن الق يم رح ه ال‪ :‬وذ كر التن يل مضافا إل ربوبي ته للعال ي ال ستلزمة لل كه ل ا وت صرفه في هم‪،‬‬
‫وحكمه عليهم‪ ،‬وإحسانه إليهم‪ ،‬وإنعامه عليهم‪ ،‬وأن من هذا شأنه مع اللق كيف يليق به مع ربوبيته‬
‫التامة أن يتكرهم سدى‪ ،‬ويدعهم هلً‪ ،‬ويلقهم عبثا‪ .‬ل يأمرهم ول ينهاهم ول يثيبهم ول يعاقبهم ؟‬
‫ف من أ قر بأ نه رب العال ي أ قر بأن القرآن تنيله على ر سوله‪ .‬وا ستدل بكو نه رب العال ي على ثبوت‬
‫رسالة رسوله وصحة ما جاء به‪ ،‬وهذا الستدلل أقوى وأشرف من الستدلل بالعجزات والوارق‪.‬‬
‫وإن كانت دللتها أقرب إل أذهان عموم الناس‪ .‬وذلك إنا تكون لواص العقلء‪.‬‬

‫قوله‪ " :‬أفبهذا الديث أنتم مدهنون " ‪ :‬قال ماهد‪ :‬أتريدون أن تالئوهم فيه وتركنوا إليهم ؟‪.‬‬

‫قال ابن القيم رحه ال تعال‪ :‬ث وبهم على وضعهم الدهان ف غي موضعه‪ ،‬وأنم يداهنون فيما حقه‬
‫أن ي صدع به ويعرف به‪ ،‬وي عض عل يه بالنوا جذ‪ ،‬وتث ن عل يه النا صر‪ ،‬وتع قد عل يه القلوب والفئدة‪،‬‬
‫ويارب وي سال لجله‪ ،‬ول يلتوى ع نه ينة ول ي سرة‪ ،‬ول يكون للقلب التفات إل غيه‪ ،‬ول ماكمة‬
‫إل إل يه‪ ،‬ول ما صمة إل به‪ ،‬ول اهتداء ف طرق الطالب العال ية إل بنوره‪،‬ول شفاء إل به‪ ،‬ف هو روح‬
‫الوجود‪ ،‬وحياة العال‪ ،‬ومدار السهعادة‪ ،‬وقائد الفلح‪ ،‬وطريهق النجاة‪ ،‬وسهبيل الرشاد‪،‬ونور البصهائر‪.‬‬
‫فكيف تطلب الداهنة با هذا شأنه‪ ،‬ول ينل للمداهنة‪ ،‬وإنا نزل بالق وللحق‪ ،‬والداهنة إنا تكون ف‬
‫باطل قوى ل تكن إزالته‪ ،‬أو ف حق ضعيف ل تكن إقامته‪ ،‬فيحتاج الداهن إل أن يترك بعض الق‬
‫ويلتزم بعض الباطل‪ ،‬فأما الق الذي قام به كل حق فكيف يداهن به ؟‬

‫قوله‪ " :‬وتعلون رزقكم أنكم تكذبون " تقدم الكلم عليها أول الباب‪ ،‬وال تعال أعلم‪.‬‬

‫باب‬
‫قول ال تعال ومن الناس من يتخذ من دون ال أندادا‬

‫قوله‪( :‬باب قول ال تعال‪ " :‬ومن الناس من يتخذ من دون ال أندادا يبونم كحب ال ") ‪:‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪191‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫لا كانت مبته سبحانه هي أصل دين السلم الذي يدور عليه قطب رحاه‪ ،‬فبكمالا يكمل‪ ،‬وبنقصها‬
‫ينقص توحيد النسان‪ ،‬نبه الصنف على ذلك بذه الترجة‪.‬‬

‫قوله تعال‪ " :‬ومن الناس من يتخذ من دون ال أندادا " الية‪.‬‬

‫قال ف شرح النازل‪ :‬أخب تعال أن من أحب من دون ال شيئا كما يب ال تعال فهو من اتذ من‬
‫دون ال أندادا‪ ،‬فهذا ند ف الحبة ل ف اللق والربوبية‪ ،‬فإن أحدا من أهل الرض ل يثبت هذا الند‪،‬‬
‫بلف ند الحبة‪ .‬فإن أكثر أهل الرض قد اتذوا من دون ال أندادا ف الب والتعظيم‪ .‬ث قال تعال‪:‬‬
‫" يبونم كحب ال " وف تقدير الية قولن‪:‬‬

‫أحدها‪ :‬والذين آمنوا أشد حبا ل من أصحاب النداد لندادهم وآلتهم الت يبونا ويعظمونا من‬
‫دون ال‪.‬‬
‫وروى ا بن جر ير عن ما هد ف قوله تعال‪ " :‬يبون م ك حب ال " مباهاة ومضاهاة لل حق بالنداد "‬
‫والذ ين آمنوا أشد حبا ل" من الكفار لوثانم‪ .‬ث روى عن ا بن ز يد قال‪ :‬هؤلء الشركون أنداد هم‬
‫آلت هم ال ت عبدوا مع ال يبون م ك ما ي ب الذ ين آمنوا ال‪ ،‬والذ ين آمنوا أ شد حبا ل من حب هم‬
‫آلتهم‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫والثان‪ :‬والذين آمنوا أشد حبا ل من الشركي بالنداد ل‪ ،‬فإن مبة الؤمني خالصة‪ ،‬ومبة أصحاب‬
‫النداد قد ذه بت أنداد هم بق سط من ها‪ ،‬والح بة الال صة أ شد من الشتر كة‪ .‬والقولن مرتبان على‬
‫القولي ف قوله تعال‪ " :‬يبونم كحب ال " فإن فيها قولي أيضا‪:‬‬

‫أحدها‪ :‬يبونم كما يبون ال‪ .‬فيكون قد أثبت لم مبة ال‪ .‬ولكنها مبة أشركوا فيها مع ال تعال‬
‫أندادهم‪.‬‬

‫والثان‪ :‬أن العن يبون أندادهم كما يب الؤمنون ال‪ ،‬ث بي تعال أن مبة الؤمني ل أشد من مبة‬
‫أصحاب النداد لندادهم‪.‬‬

‫وكان شيخ السلم ابن تيمية رحه ال يرجح القول الول ويقول‪ :‬إنا ذموا بأن شركوا بي ال وبي‬
‫أنداد هم ف الح بة ول يل صوها ل كمح بة الؤمن ي له‪ ،‬وهذه الت سوية الذكورة ف قوله تعال حكا ية‬
‫عنهم‪ ،‬وهم ف النار أنم يقولون للتهم وأندادهم وهي مضرة معهم ف العذاب ‪ " ، :‬تال إن كنا لفي‬
‫ضلل مبي * إذ نسويكم برب العالي " ومعلوم أنم ما سووهم برب العالي ف اللق والربوبية وإنا‬
‫سووهم به ف الح بة والتعظ يم‪،‬وهذا أيضا هو العدل الذكور ف قوله تعال‪ " :‬ال مد ل الذي خلق‬
‫السموات والرض وجعل الظلمات والنور ث الذين كفروا بربم يعدلون " به غيه ف العبادة الت هي‬
‫الحبة والتعظيم‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪192‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وقال تعال‪ " :‬قل إن كنتم تبون ال فاتبعون يببكم ال " وهذه تسمى آية الحنة‪ .‬قال بعض السلف‪:‬‬
‫ادعى قوم مبة ال فأنزل ال تعال آية الحنة‪ " :‬قل إن كنتم تبون ال فاتبعون يببكم ال " إشارة إل‬
‫دليل الحبة وثرتا وفائدتا‪ ،‬فدليلها وعلمتها‪ :‬اتباع الرسول صلى ال عليه وسلم وفائدتا وثرتا‪ ،‬مبة‬
‫الرسل لكم‪ ،‬فما ل تصل منكم التابعة فمحبتكم له غي حاصلة‪ ،‬ومبته لكم منتفية‪.‬‬

‫وقال تعال‪ " :‬يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأت ال بقوم يبهم ويبونه أذلة على‬
‫الؤمني أعزة على الكافرين ياهدون ف سبيل ال ول يافون لومة لئم " ذكر لا أربع علمات‪:‬‬

‫إحداها‪ :‬أنم أذلة على الؤمني‪ ،‬قيل‪ :‬معناه أرقاء رحاء مشفقي عاطفي عليهم‪ ،‬فلما ضمن أذلة هذا‬
‫الع ن عداه بأداة على‪ .‬قال عطاء رح ه ال‪ :‬للمؤمن ي كالولد لوالده وكالع بد ل سيده‪ ،‬وعلى الكافر ين‬
‫كالسد على فريسته‪ " ،‬أشداء على الكفار رحاء بينهم "‪.‬‬
‫العلمة الثالثة‪ :‬الهاد ف سبيل ال بالنفس واليد والال واللسان‪ .‬وذلك تقيق دعوى الحبة‪.‬‬
‫العل مة الرابعة‪ :‬إن م ل تأخذ هم ف ال لومة لئم‪ .‬وهذه عل مة صحة الح بة‪ .‬ف كل م ب أخذه اللوم‬
‫على مبوبه فليس بحب على القيقة‪ .‬وقال تعال‪ " :‬أولئك الذين يدعون يبتغون إل ربم الوسيلة أيهم‬
‫أقرب ويرجون رحته ويافون عذابه " فذكر القامات الثلثة‪ :‬الب‪ .‬وهو ابتغاء القرب إليه‪ ،‬والتوسل‬
‫إليهه بالعمال الصهالة‪ .‬والرجاء والوف يدل على أن ابتغاء الوسهيلة أمهر زائد على رجاء الرحةه‬
‫وخوف العذاب‪ ،‬و من العلوم قطعا أ نه ل يتنا فس إل ف قرب من ي ب قر به‪ ،‬و حب قر به ت بع لح بة‬
‫ذاته‪ ،‬بل مبة ذاته أوجبت مبة القرب منه‪ .‬وعند الهمية والعطلة‪ :‬ما من ذلك كله شئ فإنه عندهم ل‬
‫تقرب ذاته من شئ‪ ،‬ول يقرب من ذاته شئ‪ ،‬ول يب‪ ،‬فأنكروا حياة القلوب‪ ،‬ونعيم الرواح وبجة‬
‫النفوس‪ ،‬وقرة العيون وأعلى نعيم الدنيا والخرة‪ .‬ولذلك ضربت قلوبم بالقسوة وضرب دونم ودون‬
‫ال حجاب على معرفتهه ومبتهه‪،‬فل يعرفونهه ول يبونهه ول يذكرونهه إل عنهد تعطيهل أسهائه‬
‫وصهفاته‪،‬فذكرههم أعظهم آثامههم وأوزارههم‪ ،‬بهل يعاقبون من يذكره بأسهائه و صفاته ونعوت جلله‬
‫ويرمونم بالدواء الت هم أحق با وأهلها‪ .‬وحسب ذي البصية وحياة القلب ما يرى على كلمهم‬
‫من القسوة والقت والتنفي عن مبة ال تعال ومعرفته وتوحيده وال الستعان‪.‬‬

‫وقال رحهه ال تعال أيضا‪ :‬ل تده الحبهة بده أوضهح منهها‪ ،‬فالدود ل تزيدهها إل خفاء‪ .‬فحدهها‬
‫وجودها ول توصف الحبة بوصف أظهر من الحبة‪ ،‬وإنا يتكلم الناس ف أسبابا وموجباتا وعلماتا‬
‫وشواهدها وثراتا وأحكامها‪ .‬وأجع ما قيل ف ذلك‪ :‬ما ذكره أبو بكر الكتان عن النيد‪.‬‬

‫قال أبو بكر‪ :‬جرت مسألة ف الحبة بكة أعزها ال ف أيام الوسم فتكلم الشيوخ فيها‪ ،‬وكان النيد‬
‫أصغرهم سنا‪ ،‬فقالوا‪ :‬هات ما عندك يا عراقي‪ ،‬فأطرق رأسه ودمعت عيناه‪ ،‬ث قال‪ :‬عبد ذاهب عن‬
‫نفسه‪ ،‬متصل بذكر ربه‪ ،‬قائم بأداء حقوقه‪ ،‬ناظر إليه بقلبه‪ ،‬أحرق قلبه أنوار هيبته‪ ،‬وصفا شرابه من‬
‫كأس مودته‪ ،‬وانكشف له الياء من أستار غيبه‪ ،‬فإن تكلم فبال‪ ،‬وإن نطق فعن ال‪ ،‬وإن ترك فبأمر‬
‫ال‪ ،‬وإن سكن فمع ال‪ ،‬فهو ل وبال ومع ال‪ .‬فبكى الشيوخ وقالوا‪ :‬ما على هذا مزيد‪ ،‬جبك ال يا‬
‫تاج العارفي ‪.‬‬

‫وذكر رحه ال تعال‪ :‬أن السباب الالبة للمحبة عشرة‪:‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪193‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫أحدها‪ :‬قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لعانيه وما أريد به‪.‬‬


‫الثان‪ :‬التقرب إل ال تعال بالنوافل بعد الفرائض‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬دوام ذكره على كل حال باللسان والقلب والعمل والال فنصيبه من الحبة على قدر هذا‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬إيثار مابه على مابك عند غلبات الوى‪.‬‬
‫الامس‪ :‬مطالعة القلب لسائه ومشاهدتا وتقلبه ف رياض هذه العرفة وميادينها‪.‬‬
‫السادس‪ :‬مشاهدة بره وإحسانه ونعمه الظاهرة والباطنة‪.‬‬
‫السابع‪ :‬وهو أعجبها إنكسار القلب بي يديه‪.‬‬
‫الثامن‪ :‬اللوة وقت النول اللي وتلوة كتابه ث ختم ذلك بالستغفار والتوبة‪.‬‬
‫التاسهع‪ :‬مالسهة الحهبي الصهادقي‪ ،‬والتقاط أطايهب ثرات كلمههم‪ ،‬ول تتكلم إل إذا ترجحهت‬
‫مصلحةالكلم وعلمت أن فيه مزيدا لالك ومنفعة لغيك‪.‬‬
‫العاشرة‪ :‬مباعدة كل سبب يول بي القلب وبي ال عز وجل‪.‬‬

‫فمن هذه السباب العشرة وصل الحبون إل منازل الحبة ودخلوا على البيب‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وقول ال تعال‪ " :‬قل إن كان آباؤكم وأبناؤ كم وإخوان كم وأزواجكم وعشيت كم وأموال‬
‫اقترفتموها وتارة تشون كسادها ومساكن ترضونا أحب إليكم من ال ورسوله وجهاد ف سبيله‬
‫فتربصوا حت يأت ال بأمره وال ل يهدي القوم الفاسقي ") ‪:‬‬

‫أمر ال نبيه صلى ال عليه وسلم أن يتوعد من أحب أهله وماله وعشيته وتارته ومسكنه فآثارها‪ ،‬أو‬
‫بعضها على فعل ما أوجبه ال عليه من العمال الت يبها ال تعال ويرضاها‪ ،‬كالجرة والهاد ونو‬
‫ذلك‪.‬‬

‫قال العماد ابن كثي رحه ال تعال‪ :‬أي إن كانت هذه الشياء " أحب إليكم من ال ورسوله وجهاد‬
‫ف سبيله فترب صوا " أي انتظروا ما ي ل ب كم من عقا به‪ .‬روى المام أح د وأ بو داود والل فظ له من‬
‫حد يث أ ب ع بد الرح ن ال سلمي عن عطاء الرا سان عن نا فع عن ا بن ع مر ر ضي ال عنه ما قال‪:‬‬
‫سعت ر سول ال صلى ال عل يه و سلم يقول‪ ":‬إذا تبايع تم بالعي نة‪ ،‬وأخذ ت أذناب الب قر‪ ،‬ورضيت هم‬
‫بالزرع‪ ،‬وتركتم الهاد‪،‬سلط ال عليكم ذلً ل ينعه عنكم حت تراجعوا دينكم "‪.‬‬

‫فل بد من إيثار ما أحبه ال من عبده وأراده على ما يبه العبد ويريده‪ ،‬فيحب ما يبه ال ويبغض ما‬
‫يبغضه‪ ،‬ويوال فيه ويعادي فيه ويتابع رسوله صلى ال عليه وسلم كما تقدم ف آية الحنة ونظائرها‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وعن أنس رضي ال عنه‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪ " :‬ل يؤمن أحدكم حت‬
‫أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجعي " أخرجاه أي البخاري ومسلم) ‪:‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪194‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪ :‬ل يؤمن أحدكم أي اليان الواجب‪ ،‬والراد كماله‪ ،‬حت يكون الرسول أحب إل العبد من ولده‬
‫ووالده والناس أجعي‪ ،‬بل ول يصل هذا الكمال إل بأن يكون الرسول أحب إليه من نفسه‪ ،‬كما ف‬
‫الديث‪ " :‬أن عمر بن الطاب رضي ال عنه قال‪ :‬يا رسول ال لنت أحب إل من كل شئ إل من‬
‫نفسي‪ .‬فقال‪ :‬والذي نفسي بيده حت أكون أحب إليك من نفسك‪ ،‬فقال له عمر‪ :‬فإنك الن أحب‬
‫إل من نفسي‪ ،‬فقال‪ :‬الن يا عمر " رواه البخاري‪.‬‬

‫فمهن قال‪ :‬إن النفهي ههو الكمال‪ ،‬فإن أراد الكمال الواجهب الذي يذم تاركهه ويعرض للعقوبهة فقهد‬
‫صدق‪ ،‬وإن أراد أن الن في الكمال ال ستحب‪ ،‬فهذا ل ي قع قط ف كلم ال ور سوله صلى ال عل يه‬
‫وسلم‪ .‬قاله شيخ السلم رحه ال‪.‬‬

‫فمن ادعى مبة النب صلى ال عليه وسلم بدون متابعة وتقدي قوله على قول غيه فقد كذب كما قال‬
‫تعال‪ " :‬ويقولون آمنا بال وبالرسول وأطعنا ث يتول فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالؤمني "‬
‫فنفى اليان عمن تول عن طاعة الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬لكن كل مسلم يكون مبا بقدر ما‬
‫معه من السلم وكل مسلم ل بد أن يكون مؤمنا وإن ل يكن مؤمنا اليان الطلق‪ .‬لن ذلك ليصل‬
‫إل لواص الؤمني‪.‬‬

‫قال شيخ السلم رحه ال‪ :‬وعامة الناس إذا أسلموا بعد كفر‪ ،‬أو ولدوا على السلم والتزموا شرائعه‬
‫وكانوا من أهل الطاعة ل ورسوله‪ .‬فهم مسلمون ومعهم إيان ممل‪ ،‬لكن دخول حقيقة اليان إل‬
‫قلوبمه يصهل شيئا فشيئا إن أعطاههم ال ذلك‪ ،‬وإل فكثيه مهن الناس ل يصهلون إل اليقيه ول إل‬
‫ه يدرأ‬
‫الهاد‪ ،‬ولو شككوا لشكوا‪ ،‬ولو أمروا بالهاد لاه جاهدوا‪ .‬إذ ليهس عندههم مهن علم اليقيه م ا‬
‫الر يب‪ ،‬ول عند هم من قوة ال ب ل ور سوله ما يقدمو نه على ال هل والال‪ ،‬فهؤلء إن عرفوا من‬
‫الحنة ماتوا ودخلوا النة‪ ،‬وإن ابتلوا بن يدخل عليهم شبهات توجب ريبهم فإن ل ينعم ال عليهم با‬
‫يزيل الريب وإل صاروا مرتابي‪ ،‬وانتقلوا إل نوع من النفاق‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫وف هذا الديث‪ :‬أن العمال من اليان‪ .‬لن الحبة عمل القلب‪.‬‬

‫وف يه‪ :‬أن م بة الر سول صلى ال عل يه و سلم واج بة تاب عة لح بة ال لز مة ل ا‪ ،‬فإن ا ل ولجله‪ ،‬تز يد‬
‫بزيادة مبة ال ف قلب الؤمن وتنقص بنقصها‪ ،‬وكل من كان مبا ل فإنا يب ف ال ولجله كما‬
‫يب اليان والعمل الصال‪ .‬وهذه الحبة ليس فيها شئ من شوائب الشرك كالعتماد عليه ورجائه ف‬
‫حصول مرغوب منه أو دفع مرهوب منه‪ .‬وما كان فيها ذلك فمحبته مع ال لا فيها من التعلق على‬
‫غيه والرغ بة إل يه من دون ال‪ ،‬فبهذا ي صل التمي يز ب ي الح بة ف ال ولجله‪ ،‬ال ت هي من كمال‬
‫التوحيد‪ ،‬وبي الحبة مع ال الت هي مبة النداد من دون ال لا يتعلق ف قلوب الشركي من اللية‬
‫الت ل توز إل ل وحده‪.‬‬

‫قوله‪( :‬ولما عنه أي البخاري ومسلم‪ ،‬عن أنس رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ " :‬ثلث من كن فيه وجد حلوة اليان‪ :‬أن يكون ال ورسوله أحب إليه ما سواها‪ ،‬وأن‬
‫ي ب الرء ل ي به إل ل‪ ،‬وأن يكره أن يعود ف الك فر ب عد إذ أنقذه ال م نه ك ما يكره أن يقذف‬
‫بالنار " وف رواية‪ :‬ل يد أحد حلوة اليان حت يب الرء ل يبه إل ل‪ ...‬إل) ‪:‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪195‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪ :‬ثلث أي ثلث خصال‪.‬‬

‫قوله‪ :‬من كن فيه أي وجدت فيه تامة‪.‬‬

‫قوله‪ :‬وجد بن حلوة اليان اللوة هنا هي الت يعب عنها بالذوق لا يصل به من لذة القلب ونعيمه‬
‫وسروره وغذائه‪ ،‬وهي شئ مسوس يده أهل اليان ف قلوبم‪.‬‬

‫قال السيوطي رحه ال ف التوشيح‪ :‬وجد حلوة اليان فيه استعارة تييلية‪ .‬شبه رغبة الؤمن ف اليان‬
‫بشئ حلو‪،‬وأثبت له لزم ذلك الشئ‪ ،‬وأضافه إليه‪.‬‬

‫وقال النووي‪ :‬معنه حلوة اليان اسهتلذاذ الطاعات وتمهل الشاق وإيثار ذلك على أغراض الدنيها‪،‬‬
‫ومبة العبد ل بفعل طاعته وترك مالفته‪ .‬وكذلك الرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫قال يي بن معاذ‪ :‬حقيقة الب ف ال‪ :‬أن ل يزيد بالب ول ينقص بالفاء‪.‬‬

‫قوله‪ :‬أن يكون ال ورسوله أحب إليه ما سواها يعن بالسوى‪ :‬ما يبه النسان بطبعه‪ ،‬كمحبة الولد‬
‫والال والزواج ونوها‪ .‬فتكون أحب هنا على بابا‪.‬‬

‫وقال الطاب‪ :‬الراد بالحبة هنا حب الختيار ل حب الطبع كذا قال‪.‬‬

‫وأمها الحبهة الشركيهة الته قهد تقدم بياناه فقليلهها وكثيهها ينافه مبهة ال ورسهوله وفه بعهض‬
‫الحاد يث‪":‬أحبوا ال ب كل قلوب كم" ف من علمات م بة ال ور سوله‪ :‬أن ي ب ما ي به ال ويكره ما‬
‫يكرهه ال‪ ،‬ويؤثر مرضاته على ما سواه‪ ،‬ويسعى ف مرضاته ما استطاع‪ ،‬ويبعد عما حرمه ال ويكرهه‬
‫أشد الكراهة‪ ،‬ويتابع رسوله ويتثل أمره ويترك نيه‪ ،‬كما قال تعال‪ " :‬من يطع الرسول فقد أطاع ال‬
‫" ف من آثر أمر غيه على أمره وخالف ما ن ى عنه‪ ،‬فذلك أ حب ال وأطا عه أحب الر سول وأطاعه‪.‬‬
‫ومن ل فل‪ ،‬كما ف آية الحنة‪ ،‬ونظائرها‪ .‬وال الستعان‪.‬‬

‫قال شيخ السلم رحه ال تعال‪ :‬أخب النب صلى ال عليه وسلم أن هذه الثلث من كن فيه وجد‬
‫حلوة اليان‪ .‬لن وجود اللوة لل شئ يت بع الح بة له ف من أ حب شيئا واشتهاه‪ ،‬إذا ح صل له مراده‬
‫فإ نه ي د اللوة واللذة وال سرور بذلك‪ ،‬واللذة أ مر ي صل عق يب إدراك اللئم الذي هو الحبوب أو‬
‫الشتههى‪ .‬قال‪ :‬فحلوة اليان التضمنهة للذة والفرح تتبهع كمال مبهة العبهد ل‪ .‬وذلك بثلثهة أمور‪:‬‬
‫تكميل هذه الحبة وتفريغها‪ ،‬ودفع ضدها‪ .‬فتكميلها أن يكون ال ورسوله أحب إل العبد ما سواها‪،‬‬
‫فإن مبة ال ورسوله ل يكتفى فيها بأصل الب‪ ،‬بل أن يكون ال ورسوله أحب إليه ما سواها‪.‬‬

‫قلت‪ :‬ومبة ال تعال تستلزم مبة طاعته‪ ،‬فإنه يب من عبده أن يطيعه‪ .‬والحب يب ما يبه مبوبه‬
‫ول بد‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪196‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫ومن لوازم مبة ال أيضا‪ :‬مبة أهل طاعته‪ ،‬كمحبة أنبيائه ورسله والصالي من عباده‪ .‬فمحبة ما يبه‬
‫ال ومن يبه ال من كمال اليان‪ ،‬كما ف حديث ابن عباس الت‪.‬‬

‫قال‪ :‬وتفريغهها‪ .‬أن يبه الرء ل يبهه إل ل‪ ،‬قال‪ :‬ودفهع ضدهها أن يكره ضهد اليان كمها يكره أن‬
‫يقذف ف النار‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫قوله‪ :‬أحب إليه ما سواها فيه جع ضمي ال تعال وضمي رسوله صلى ال عليه وسلم وفيه قولن‪:‬‬

‫أحدها‪ :‬أنه ثن الضمي هنا إياء إل أن العتب هو الجموع الركب من الحبتي‪ ،‬ل كل واحدة فإنا‬
‫وحدها لغية‪ .‬وأمر بالفراد ف حديث الطيب إشعارا بأن كل واحد من العصياني مستقل باستلزام‬
‫الغواية إذ العطف ف تقدير التكرير‪ ،‬والصل استقلل كل من العطوفي ف الكم‪.‬‬

‫الثان‪ :‬حل حديث الطيب على الدب والول‪ ،‬وهذا هو الواز‪.‬‬

‫وجواب ثالث‪ :‬وهو أن هذا وارد على الصل‪ ،‬وحديث الطيب ناقل فيكون أرجح‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ك ما يكره أن يقذف ف النار أي ي ستوى عنده المران‪ .‬وف يه رد على الغلة الذ ين يتوهون أن‬
‫صدور الذنب من العبد نقص ف حقه مطلقا وإن تاب منه‪.‬‬

‫وال صواب‪ :‬أ نه إن ل ي تب كان نق صا وإن تاب فل‪ ،‬ولذا كان الهاجرون والن صار ر ضي ال عن هم‬
‫أفضل هذه المة مع كونم ف الصل كفارا فهداهم ال إل السلم‪ ،‬والسلم يحو ما قبله‪ ،‬وكذلك‬
‫الجرة‪ .‬كما صح الديث بذلك‪.‬‬

‫قوله‪ :‬وف رواية‪ " :‬ل يد أحد" ‪ :‬هذه الرواية أخرجها البخاري ف الدب من صحيحه‪ .‬ولفظها‪ :‬ل‬
‫يد أحد حلوة اليان حت يب الرء ل يبه إل ل‪ ،‬وحت أن يقذف ف النار أحب إليه من أن يرجع‬
‫إل الكفر بعد إذ أنقذه ال منه‪ ،‬وحت يكون ال ورسوله أحب إليه ما سواها ‪.‬‬

‫و قد تقدم أن الح بة ه نا عبارة ع ما يده الؤ من من اللذة والبه جة وال سرور والجلل والي بة ولوازم‬
‫ذلك‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬

‫على‪ ،‬ولكن ملء عي حبيبها‬ ‫أهابك إجللً‪ .‬وما بك قدرة‬

‫قوله‪ ( :‬وعن ابن عباس رضي ال عنهما‪" :‬من أحب ف ال‪ ،‬وأبغض ف ال‪ ،‬ووال ف ال‪ ،‬وعادى‬
‫ف ال‪ ،‬فإنا تنال ولية ال بذلك‪ ،‬ولن يد عبد طعم اليان وإن كثرت صلته وصومه حت يكون‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪197‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫كذلك‪ .‬وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا‪ ،‬وذلك ل يدي على أهله شيئا " رواه ابن‬
‫جرير) ‪:‬‬

‫وأخرج ابن أب شيبة وابن أب حات الملة الول منه فقط‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ومن أحب ف ال أي أحب أهل اليان بال وطاعته من أجل ذلك‪.‬‬

‫قوله‪ :‬وأبغض ف ال أي أبغض من كفر بال وأشرك به وفسق عن طاعته لجل ما فعلوه ما يسخط ال‬
‫وإن كانوا أقرب الناس إليه‪ ،‬ك ما قال تعال‪ " :‬ل تد قوما يؤمنون بال واليوم الخر يوادون من حاد‬
‫ال ورسوله " الية‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ووال فه ال هذا والذي قبله مهن لوازم مبهة العبهد ل تعال‪ ،‬فمهن أحهب فيهه‪ ،‬ووال أولياءه‪،‬‬
‫وعادى أ هل مع صيته وأبغض هم‪ ،‬وجا هد أعداءه ون صر أن صاره‪ .‬وكل ما قو يت م بة الع بد ل ف قل به‬
‫قويت هذه العمال الترتبة عليها‪ ،‬وبكمالا يكمل توحيد العبد‪ ،‬ويكون ضعفها على قدر ضعف مبة‬
‫العبد لربه‪ ،‬فمقل ومستكثر ومروم‪.‬‬

‫قوله‪ :‬فإناه تنال وليهة ال بذلك أي توليهه لعبده‪ .‬و وليهة بفتهح الواو ل غيه‪ :‬أي الخوة والحبهة‬
‫والنصرة‪ ،‬وبالكسر المارة‪ ،‬والراد هنا الول‪ .‬ولحد والطبان عن النب صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬‬
‫ل يد العبد صريح اليان حت يب ل ويبغض ل‪ .‬فإذا أحب ل وأبغض ل‪ ،‬فقد استحق الولية ل "‬
‫وف حديث آخر‪ " :‬أوثق عري اليان الب ف ال‪ ،‬والبغض ف ال عز وجل " رواه الطبان‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ولن يده ع بد ط عم اليان إل آخره‪ .‬أي ل ي صل له ذوق اليان ولذ ته و سروره وإن كثرت‬
‫صلته وصومه‪ ،‬حت يكون كذلك‪ ،‬أي حت يب ف ال ويبغض ف ال‪ ،‬ويعادي ف ال‪ ،‬ويوال فيه‪.‬‬
‫وف حديث أب أمامة مرفوعا‪ " :‬من أحب ال وأبغض ل وأعطى ل ومنع ل فقد استكمل اليان "‬
‫رواه أبو داود‪.‬‬

‫قوله‪ :‬و قد صارت عا مة مؤاخاة الناس على أ مر الدن يا‪ .‬وذلك ل يدي على أهله شيئا أي ل ينفع هم‪،‬‬
‫بل يضرهم كما قال تعال‪ " ، :‬الخلء يومئذ بعضهم لبعض عدو إل التقي " فإذا كانت البلوى قد‬
‫عمت بذا ف زمن ابن عباس خي القرون ف ما زاد المر بعد ذلك إل شدة‪ ،‬حت وقعت الوالة على‬
‫الشرك والبدع والف سوق والعصيان‪ .‬وقد و قع ما أ خب به صلى ال عل يه وسلم بقوله‪ " :‬بدأ ال سلم‬
‫غريبا وسيعود غريبا كما بدأ "‪ .‬وقد كان الصحابة رضي ال عنهم من الهاجرين والنصار ف عهد‬
‫نبيهم صلى ال عليه وسلم وعهد أب بكر وعمر رضي ال عنهما يؤثر بعضهم بعضا على نفسه مبة ف‬
‫ال وتقربا إليه‪ ،‬كما قال تعال‪ " :‬ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بم خصاصة " وعن ابن عمر رضي‬
‫ال عنهما قال‪ :‬لقد رأيتنا على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم وما منا أحد يرى أنه أحق بديناره‬
‫ودرهه من أخيه السلم رواه ابن ماجه‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪198‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪( :‬وقال ابن عباس ف قوله تعال‪ " :‬وتقطعت بم السباب " قال‪ :‬الودة) ‪:‬‬

‫هذا الثر رواه عبد بن حيد وابن جرير وابن النذر وابن أب حات والاكم وصححه‪.‬‬

‫قوله‪ :‬قال الودة أي الت كانت بينهم ف الدنيا خانتهم أحوج ما كانوا إليها‪ ،‬وتبأ بعضهم من بعض‪،‬‬
‫كما قال تعال‪ " :‬وقال إنا اتذت من دون ال أوثانا مودة بينكم ف الياة الدنيا ث يوم القيامة يكفر‬
‫بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين "‪.‬‬

‫قال العا مة ا بن الق يم ف قوله تعال‪ " ، :‬إذ تبأ الذ ين اتبعوا من الذ ين اتبعوا ورأوا العذاب " اليت ي‬
‫فهؤلء التبوعون كانوا على الدى وأتباع هم ادعوا أن م على طريق هم ومناهج هم‪ ،‬و هم مالفون ل م‬
‫سالكون غي طريقهم‪ ،‬ويزعمون أن مبتهم لم تنفعهم مع مالفتهم‪ ،‬فيتبآون منهم يوم القيامة فإنم‬
‫اتذو هم أولياء من دون ال‪ .‬وهذا حال كل من ات ذ من دون ال أولياء‪ ،‬يوال ل م‪ ،‬ويعادي ل م‪،‬‬
‫ويرضى لم‪ ،‬ويغضب لم‪ ،‬فإن أعماله كلها باطلة‪ ،‬يراها يوم القيامة حسرات عليه مع كثرتا وشدة‬
‫تعبه فيها ونصبه‪ ،‬إذ ل يرد موالته ومعاداته وحبه وبغضه وإنتصاره وإيثاره ل ورسوله‪ ،‬فأبطل ال عز‬
‫و جل ذلك الع مل كله‪ .‬وق طع تلك ال سباب‪ .‬فينق طع يوم القيا مة كل سبب و صلة وو سيلة ومودة‬
‫كانت لغي ال‪ ،‬ول يبقى إل السبب الواصل بي العبد وربه‪ .‬وهو حظه من الجرة إليه وإل رسوله‬
‫وتريده عباد ته ل وحده ولوازم ها‪ :‬من ال ب والب غض‪ ،‬والعطاء وال نع‪ ،‬والوالة والعاداة‪ ،‬والتقرب‬
‫والبعاد‪ ،‬وتر يد ومتاب عة ر سول ال صلى ال عل يه و سلم تريدا مضا بريئا من شوائب اللتفات إل‬
‫ل عن الشرك بي نه وب ي غيه‪ ،‬فضلً عن تقد ي قول غيه عل يه‪ .‬فهذا ال سبب هو الذي ل‬ ‫غيه‪ ،‬فض ً‬
‫ينقطع بصاحبه‪ .‬وهذه هي النسبة الت بي العبد وربه‪ ،‬وهي نسبة العبودية الحضة‪ ،‬وهي آخيته الت‬
‫يول ما يول وإليها مرجعه‪ ،‬ول تتحقق إل بتجريده متابعة الرسل صلوات ال وسلمه عليهم‪ ،‬إذ هذه‬
‫العبودية إنا جاءت على ألسنتهم‪ ،‬وما عرفت إل بم ول سبيل إلي ها إل بتابعتهم‪ .‬وقد قال تعال‪" :‬‬
‫وقدمنا إل ما عملوا من عمل فجعلناه هبا ًء منثورا " فهذه هي العمال الت كانت ف الدنيا على غي‬
‫سنة رسله وطريقتهم ولغي وجهه‪ ،‬يعلها ال هبا ًء منثورا ل ينتفع منها صحابا بشئ أصلً‪ .‬وهذا من‬
‫أع ظم السرات على الع بد يوم القيامة‪ :‬أن يرى سعيه ضائعا‪ .‬وقد سعد أ هل ال سعي النافع بسعيهم‪.‬‬
‫انتهى ملخصا‪.‬‬

‫باب‬
‫قول ال تعال إنا ذلكم الشيطان يوف أولياءه‬

‫قوله‪( :‬باب قول ال تعال‪ " :‬إناس ذلكسم الشيطان يوف أولياءه فل تافوهسم وخافون إن كنتسم‬
‫مؤمني ") ‪:‬‬

‫الوف من أفضل مقامات الدين وأجلها‪ ،‬وأجع أنواع العبادة الت يب إخلصها ل تعال‪ .‬قال تعال‪:‬‬
‫" وهم من خشيته مشفقون " وقال تعال‪ " :‬يافون ربم من فوقهم " وقال تعال‪ " :‬ولن خاف مقام‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪199‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫ربههه جنتان " وقال تعال‪ " :‬فإياي فارهبون " وقال تعال‪ " :‬فل تشوا الناس واخشون " وأمثال هذه‬
‫اليات ف القرآن كثي‪.‬‬

‫والوف من حيث هو على ثلثة أقسام‪:‬‬

‫أحد ها‪ :‬خوف ال سر‪ ،‬و هو أن ياف من غ ي ال من و ثن أو طاغوت أن ي صيبه ب ا يكره‪ ،‬ك ما قال‬
‫تعال عن قوم هود عليه السلم إنم قالوا له‪ " :‬إن نقول إل اعتراك بعض آلتنا بسوء قال إن أشهد ال‬
‫واشهدوا أن بريء ما تشركون * من دونه فكيدون جيعا ث ل تنظرون " وقال تعال‪ " :‬ويوفونك‬
‫بالذ ين من دو نه " وهذا هو الوا قع من عباد القبور ونو ها من الوثان يافون ا‪ ،‬ويوفون ب ا أ هل‬
‫التوحيد إذا أنكروا عبادتا وأمروا بإخلص العبادة ل‪ ،‬وهذا يناف التوحيد‪.‬‬

‫الثا ن‪ :‬أن يترك الن سان ما ي ب عل يه‪ ،‬خوفا من ب عض الناس‪ ،‬فهذا مرم و هو نوع من الشرك بال‬
‫النا ف لكمال التوح يد‪ .‬وهذا هو سبب نزول هذه ال ية‪ .‬ك ما قال تعال‪ " :‬الذ ين قال ل م الناس إن‬
‫الناس قد جعوا ل كم فاخشو هم فزاد هم إيا نا وقالوا ح سبنا ال ون عم الوك يل * فانقلبوا بنع مة من ال‬
‫وفضل ل يسسهم سوء واتبعوا رضوان ال وال ذو ف ضل عظ يم* إن ا ذل كم الشيطان يوف أولياءه "‬
‫ال ية‪ .‬و ف الد يث‪ " :‬إن ال تعال يقول للع بد يوم القيا مة‪ :‬ما من عك إذ رأ يت الن كر أن ل تغيه ؟‬
‫فيقول‪ :‬رب خشية الناس‪ .‬فيقول‪ :‬إباي كنت أحق أن تشى "‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬الوف الطبيعي‪ ،‬و هو الوف من عدو أو سبع أو غ ي ذلك‪ .‬فهذا ل يذم‪ .‬ك ما قال تعال ف‬
‫قصة موسى عليه السلم‪ " :‬فخرج منها خائفا يترقب " الية‪.‬‬

‫ومع ن قوله‪ " :‬إن ا ذل كم الشيطان يوف أولياءه " أي يوف كم أولياءه " فل تافو هم وخافون " وهذا‬
‫نى من ال تعال للمؤمني أن يافوا غيه‪ ،‬وأمر لم أن يقصروا خوفهم على ال‪ ،‬فل يافون إل إياه‪.‬‬
‫وهذا هو الخلص الذي أمر به عباده ورضيه منهم‪ .‬فإذا أخلصوا له الوف وجيع العبادة أعطاهم ما‬
‫يرجون وأمنهم من ماوف الدنيا والخرة‪ ،‬كما قال تعال‪ " :‬أليس ال بكاف عبده ويوفونك بالذين‬
‫من دونه " الية‪.‬‬

‫قال العلمة ا بن الق يم رح ه ال تعال‪ :‬ومن ك يد عدو ال‪ :‬أ نه يوف الؤمني من جنده وأوليائه‪ ،‬لئل‬
‫ياهدوهم‪ ،‬ل يأمروهم بعروف‪ ،‬ول ينهوم عن منكر‪ .‬وأخب تعال أن هذا من كيد الشيطان وتويفه‪.‬‬
‫ونانا أن نافهم‪ .‬قال‪ :‬والعن عند جيع الفسرين‪ :‬يوفهم بأوليائه‪ .‬قال قتادة‪ :‬يعظمهم ف صدوركم‪.‬‬
‫فكل ما قوى إيان الع بد زال خوف أولياء الشيطان من قل به‪ ،‬وكل ما ض عف إيا نه قوى خو فه من هم‪.‬‬
‫فدلت هذه الية على أن إخلص الوف من كمال شروط اليان‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وقول ال تعال‪ " :‬إناس يعمسر مسساجد ال مسن آمسن بال واليوم الخسر وأقام الصسلة وآتسى‬
‫الزكاة ول يش إل ال فعسى أولئك أن يكونوا من الهتدين ") ‪:‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪200‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫أ خب تعال أن م ساجد ال ل يعمر ها إل أ هل اليان بال واليوم ال خر‪ ،‬الذ ين آمنوا بقلوب م وعملوا‬
‫بوارحهم‪ ،‬وأخلصوا له الشية دون من سواه‪ ،‬فأثبت لم عمارة الساجد بعد أن نفاها عن الشركي‪.‬‬
‫لن عمارة الساجد بالطاعة والعمل الصال‪ ،‬والشرك وإن عمل فعمله‪ " :‬كسراب بقيعة يسبه الظمآن‬
‫ماء ح ت إذا جاءه ل يده شيئا " أو ‪ " :‬كرماد اشتدت به الر يح ف يوم عا صف " و ما كان كذلك‬
‫فالعدم خي منه‪ ،‬فل تكون الساجد عامرة إل باليان الذي معظمه التوحيد مع العمل الصال الالص‬
‫من شوائب الشرك والبدع‪ ،‬وذلك كله داخل ف مسمى اليان الطلق عند أهل السنة والجاع‪.‬‬

‫قوله‪ " :‬ول يش إل ال " قال ابن عطية‪ :‬يريد خشية التعظيم والعبادة والطاعة‪ ،‬ول مالة أن النسان‬
‫يشى الحاذير الدنيوية‪ ،‬وينبغي ف ذلك كله قضاء ال وتصريفه‪.‬‬

‫وقال ا بن الق يم رح ه ال‪ :‬الوف عبود ية القلب‪ .‬فل ي صلح إل ل‪ ،‬كالذل والنا بة والح بة والتو كل‬
‫والرجاء وغيها من عبودية القلب‪.‬‬

‫قوله‪ " :‬فع سى أولئك أن يكونوا من الهتد ين " قال بن أ ب طل حة عن ا بن عباس ر ضي ال عنه ما‪:‬‬
‫يقول‪ :‬إن أولئك هم الهتدون‪ ،‬وكل عسى ف القرآن فهي واجبة وف الديث‪ " :‬إذا رأيتم الرجل يعتاد‬
‫السجد فاشهدوا له باليان قال ال تعال‪ " :‬إنا يعمر مساجد ال من آمن بال واليوم الخر " " رواه‬
‫أحد والترمذي والاكم عن أب سعيد الدري‪.‬‬

‫قوله‪ " :‬ومن الناس من يقول آمنا بال فإذا أوذي ف ال جعل فتنة الناس كعذاب ال "‪.‬‬

‫قال ابن كثي رحه ال تعال‪ :‬يقول تعال مبا عن صفات قوم من الكذبي يدعون اليان بألسنتهم‪،‬‬
‫ول يث بت ف قلوبم‪ :‬أن م إذا جاءت م منة وفت نة ف الدن يا اعتقدوا أن ا من نق مة ال بم‪ ،‬فارتدوا عن‬
‫السلم‪ .‬قال ابن عباس رضي ال عنهما‪ :‬يعن فتنة أن يرتد عن دينه إذا أوذي ف ال ‪.‬‬

‫وقال ابن القيم رح ه ال تعال‪ :‬الناس إذا أرسل إلي هم الر سل ب ي أمرين‪ :‬إما أن يقول أحدهم‪ :‬آم نا‪،‬‬
‫وإ ما أن ل يقول ذلك‪ .‬بل ي ستمر على ال سيئات والك فر‪ ،‬ف من قال‪ :‬آم نا امتح نه ر به وابتله وفت نه‪.‬‬
‫والفت نة‪ :‬البتلء والختبار‪ ،‬لي تبي ال صادق من الكاذب‪ ،‬و من ل يقل‪ :‬آم نا‪ .‬فل يسب أ نه يعجر ال‬
‫ويفوته ويسبقه‪ .‬فمن آمن بالرسل وأطاعهم عاداه أعداؤهم وآذوه وابتلى با يؤله‪ ،‬ومن ل يؤمن بم‬
‫ول يطعهم عوقب ف الدنيا والخرة وحصل له ما يؤله‪ ،‬وكان هذا الل أعظم وأدوم من أل أتباعهم‪.‬‬
‫فل بد من حصول الل لكل نفس‪ ،‬آمنت أو رغبت عن اليان‪ ،‬لكن الؤمن يصل له الل ف الدنيا‬
‫ابتداء ث تكون له العاقبة ف الدنيا والخرة‪ ،‬والعرض عن اليان تصل له اللذة ابتداء ث يصي ف الل‬
‫الدائم‪ ،‬والن سان ل بد أن يع يش مع الناس‪ ،‬والناس ل م إرادات وت صورات‪ ،‬فيطلبون م نه أن يوافق هم‬
‫عليها‪ ،‬وإن ل يوافقهم آذوه وعذبوه‪ ،‬وإن وافقهم حصل له العذاب تارة منهم وتارة من غيهم‪ ،‬كمن‬
‫عنده دين وتقي حل بي قوم فجار ظلمة ل يتمكنون من فجورهم وظلمهم إل بوافقته لم أو سكوته‬
‫عن هم‪ ،‬فإن وافق هم أو سكت عن هم سلم من شر هم ف البتداء‪ ،‬ث يت سلطون عل يه بالها نة والذى‬
‫أضعاف ما كان يافه ابتداء لو أنكر عليهم وخالفهم‪ ،‬وإن سلم منهم فل بد أن يهان ويعاقب على يد‬
‫غيهم‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪201‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫فالزم كل الزم ب ا قالت أم الؤمن ي عائ شة ر ضي ال عن ها لعاو ية ر ضي ال ع نه‪ " :‬من أر ضى ال‬
‫بسخط الناس كفاه ال مؤونة الناس‪ .‬ومن أرضى الناس بسخط ال ل يغنوا من ال شيئا "‪.‬‬

‫فمن هداه ال وألمه رشده ووقاه شر نفسه امتنع من الوافقة على فعل الحرم وصب على عداوتم‪ ،‬ث‬
‫تكون له العاقبة ف الدنيا والخرة‪ ،‬كما كانت للرسل وأتباعهم‪.‬‬

‫ث أ خب تعال عن حال الدا خل ف اليان بل ب صية وأ نه إذا أوذي ف ال ج عل فت نة الناس له‪ ،‬و هي‬
‫أذاهم ونيلهم إياه بالكروه‪ ،‬وهو الل الذي ل بد أن ينال الرسل وأتباعهم من خالفهم‪ ،‬جعل ذلك ف‬
‫فراره منه وتركه السبب الذي يناله به‪ :‬كعذاب ال الذي فر منه الؤمنون باليان‪.‬‬

‫فالؤمنون لكمال بصيتم فروا من أل عذاب ال إل اليان‪ ،‬وتملوا ما فيه من الل الزائل الفارق عن‬
‫قرب‪ .‬وهذا لضعف بصيته فر من أل أعداء الرسل إل موافقتهم ومتابعتهم‪ ،‬ففر من أل عذابم إل أل‬
‫عذاب ال‪ .‬فجعل أل فتنة الناس ف الفرار منه بنلة عذاب ال‪ .‬وغب كل الغب إذ استجار من الرمضاء‬
‫بالنار‪ .‬وفر من أل ساعة إل أل البد‪ ،‬وإذا نصر ال جنده وأولياءه قال‪ :‬إن كنت معكم‪ ،‬وال أعلم با‬
‫انطوى عليه صدره من النفاق‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫وف الية رد على الرجئة والكرامية‪ ،‬ووجهه‪ :‬أنه ل ينفع هؤلء قولم‪ :‬آمنا بال‪ .‬مع عدم صبهم على‬
‫أذى مهن عاداههم فه ال‪ ،‬فل ينفهع القول والتصهديق بدون العمهل‪ .‬فل يصهدق اليان الشرعهي على‬
‫الن سان إل باجتماع الثل ثة‪ :‬الت صديق بالقلب وعمله‪ ،‬والقول بالل سان‪ ،‬والع مل بالركان‪ .‬وهذا قول‬
‫أهل السنة والماعة سلفا وخلفا‪ ،‬وال سبحانه وتعال أعلم‪.‬‬

‫وفيه الوف من مداهنة اللق ف الق‪ .‬والعصوم من عصمه ال‪.‬‬

‫قوله‪( :‬عن أب سعيد مرفوعا‪ :‬إن من ضعف اليقي أن ترضى الناس بسخط ال‪ ،‬وأن تمدهم على‬
‫رزق ال‪ ،‬وأن تذم هم على ما ل يؤ تك ال‪ ،‬إن رزق ال ل يره حرص حر يص‪ ،‬ول يرده كراه ية‬
‫كاره) ‪:‬‬

‫هذا الد يث رواه أبو نعيم ف الل ية والبيه قي‪ ،‬وأعله بحمد بن مروان السدى وقال‪ :‬ضعيف‪ ،‬وف يه‬
‫أيضا عطيهة العوفه‪ :‬ذكره الذههب الضعفاء والتروكيه‪ ،‬ومعنه الديهث صهحيح‪ ،‬وتامهه‪ " :‬وإن ال‬
‫بكمته جعل الروح والفرح ف الرضى واليقي‪ ،‬وجعل الم والزن ف الشك والسخط "‪.‬‬

‫قوله‪ :‬إن من ض عف اليق ي الض عف ي ضم ويرك‪ ،‬ضد القوة‪ ،‬ض عف ككرم ون صر‪ ،‬ضعفا‪ ،‬وضع فة‪،‬‬
‫وضعاف ية‪ ،‬ف هو ضع يف وضعوف وضعفان‪ ،‬وال مع‪ :‬ضعاف وضعفاء وضع فة وضع فى‪ ،‬أو الض عف‬
‫بالفتح ف الرأي وبالضم ف البدن‪ ،‬فهي ضعيفة وضعوف‪ .‬اليقي كمال اليان‪ .‬قال ابن مسعود‪ :‬اليقي‬
‫اليان كله‪ ،‬وال صب ن صف اليان رواه أ بو نع يم الل ية‪ ،‬والبيه قي ف الز هد من حدي ثه مرفوعا‪ .‬قال‪:‬‬
‫ويدخل ف ذلك تقيق اليان بالقدر السابق‪ ،‬كما ف حديث ابن عباس مرفوعا‪ " :‬فإن استطعت أن‬
‫تعمل بالرضى ف اليقي فافعل‪ ،‬فإن ل تستطع فإن ف الصب على ما تكره خيا كثيا " وف رواية‪" :‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪202‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قلت يا رسول ال كيف أصنع باليقي ؟ قال‪ :‬أن تعلم أن ما أصابك ل يكن ليخطئك‪ ،‬وما أخطأك ل‬
‫يكن ليصيبك "‪.‬‬

‫قوله‪ :‬أن ترضى الناس بسخط ال أي تؤثر رضاهم على ر ضى ال‪ ،‬وذلك إذا ل يقم بقل به من إعظام‬
‫ال وإجلله وهيبته ما ينعه من استجلب رضى الخلوق با يلب له سخط خالقه وربه ومليكه الذي‬
‫يتصرف ف القلوب ويفرج الكروب ويغفر الذنوب‪ .‬وبذا العتبار يدخل ف نوع من الشرك‪ .‬لنه آثر‬
‫رضى الخلوق على رضى ال‪ .‬وتقرب إليه با يسخط ال‪ .‬ول يسلم من هذا إل من سلمه ال‪ .‬ووفقه‬
‫لعرفته ومعرفة ما يوز على ال من إثبات صفاته على ما يليق بلله‪ ،‬وتنيهه تعال عن كل ما يناف‬
‫كماله‪ ،‬ومعرفة توحيده من ربوبيته وإليته وبال التوفيق‪.‬‬

‫قوله‪ :‬وأن تمدهم على رزق ال أي على ما وصل إليك من أيديهم‪ ،‬بأن تضيفه إليهم وتمدهم عليه‪.‬‬
‫فإن التفضل ف القيقة هو ال وحده الذي قدره لك وأوصله إليك‪ ،‬وإذا أراد أمرا قيض له أسبابا‪ .‬ول‬
‫ينا ف هذا حد يث‪ " :‬من ل يش كر الناس ل يش كر ال " لن شكر هم إن ا هو بالدعاء ل م لكون ال‬
‫ساقه على أيديهم فتدعو لم أو تكافئهم‪ ،‬لديث‪ " :‬ومن صنع إليكم معروفا فكافئوه‪ ،‬فإن ل تدوا ما‬
‫تكافئونه فادعوا له حت تروا أنكم قد كافأتوه "‪ .‬فإضافة الصنيعة إليهم لكونم صاروا سببا ف إيصال‬
‫العروف إليك‪ ،‬والذي قدره وساقه هو ال وحده‪.‬‬

‫قوله‪ :‬وأن تذم هم على ما ل يؤ تك ال ل نه ل يقدر لك ما طلب ته على أيدي هم فلو قدره لك ل ساقته‬
‫القادير إليك‪ .‬فمن علم أن التفرد بالعطاء والنع هو ال وحده وأنه هو الذي يرزق العبد بسبب وبل‬
‫سبب‪ ،‬و من ح يث ل يت سب‪ ،‬ل يدح ملوقا على رزق ول يذ مه على م نع‪ ،‬ويفوض أمره إل ال‪،‬‬
‫ويعت مد عل يه ف أ مر دي نه ودنياه‪ .‬و قد قرر ال نب هذا الع ن بقوله ف الد يث‪ " :‬إن رزق ال ل يره‬
‫حرص حريص ول يرده كراهية كاره " كما قال تعال‪ " :‬ما يفتح ال للناس من رحة فل مسك لا‬
‫وما يسك فل مرسل له من بعده وهو العزيز الكيم "‪.‬‬

‫قال شيخ السلم رحه ال‪ :‬اليقي يتضمن اليقي ف القيام بأمر ال وما عدا ال أهل طاعته‪ ،‬ويتضمن‬
‫اليقي بقدر ال وخلقه وتدبيه‪ ،‬فإذا أرضيتهم بسخط ال ل تكن موقنا ل بوعده ول برزقه‪ ،‬فإنه إنا‬
‫ي مل الن سان على ذلك إ ما م يل إل ما ف أيدي هم فيترك القيام في هم بأ مر ال ل ا يرجوه من هم‪ ،‬وإ ما‬
‫ضعف تصديقه با وعد ال أهل طاعته من النصر والتأييد والثواب ف الدنيا والخرة‪ .‬فإنك إذا أرضيت‬
‫ال نصرك ورزقك وكفاك مؤونتهم‪ .‬وإرضاؤهم با يسخطه إنا يكون خوفا منهم ورجا ًء لم وذلك‬
‫من ضعف اليقي‪ .‬وإذا ل يقدر لك ما تظن يفعلونه معك فالمر ف ذلك إل ال ل لم‪ .‬فإنه ما شاء‬
‫كان و ما ل ي شأ ل ي كن‪ ،‬فإذا ذمت هم على ما ل يقدر كان ذلك من ض عف يقي نك‪ ،‬فل تف هم ول‬
‫ترجهم ول تذمهم من جهة نفسك وهواك‪ ،‬ولكن من حده ال ورسوله منهم فهو الحمود‪ ،‬ومن ذمه‬
‫ال ورسوله منهم فهو الذموم‪ .‬ولا قال بعض وفد بن تيم‪ " :‬أي ممد أعطن‪ .‬فإن حدي زين وذمي‬
‫شي‪ ،‬قال النب صلى ال عليه وسلم ذاك ال " ودل الديث على أن اليان يزيد وينقص وأن العمال‬
‫من مسمى اليان‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪203‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪( :‬وعن عائشة رضي ال عنها أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪ " :‬من التمس رضى ال‬
‫ب سخط الناس رضي ال ع نه وأرضى عنه الناس‪ ،‬و من الت مس رضى الناس ب سخط ال سخط ال‬
‫عليه وأسخط عليه الناس " رواه ابن حبان ف صحيحه ) ‪:‬‬

‫هذا الديث رواه ا بن حبان بذا اللفظ‪ ،‬ورواه الترمذي عن رجل من أ هل الدي نة قال‪ :‬كتب معاوية‬
‫ر ضي ال ع نه إل عائ شة ر ضي ال عن ها‪ :‬أن اك تب ل كتابا تو صين ف يه‪ ،‬ول تكثري علي‪ ،‬فكت بت‬
‫عائشة رضي ال عنها‪ :‬إل معاوية‪ ،‬سلم عليك‪،‬أما بعد فإن سعت رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫يقول‪ " :‬من التمس رضا ال بسخط الناس كفاه ال مؤونة الناس‪ ،‬ومن التمس رضا الناس بسخط ال‬
‫وكله ال إل الناس‪ .‬والسلم عليك " ورواه أبو نعيم ف اللية‪.‬‬

‫قال شيخ السلم‪ :‬وكتبت عائشة إل معاوية‪ ،‬وروي أنا رفعته‪ " :‬من أرضى ال بسخط الناس كفاه‬
‫ال مؤو نة الناس‪ ،‬و من أر ضى الناس ب سخط ال ل يغنوا ع نه من ال شيئا " هذا ل فظ الرفوع‪ .‬ول فظ‬
‫الوقوف‪ " :‬من أرضى ال بسخط الناس رضى ال عنه وأرضى عنه الناس‪ ،‬ومن أرضى الناس بسخط‬
‫ال عاد حامده من الناس له ذما " وهذا من أعظم الفقه ف الدين فإن من أرضى ال بسخطهم كان قد‬
‫اتقاه وكان عبده ال صال‪ ،‬وال يتول ال صالي‪ ،‬وال كاف عبده‪ " ، :‬و من ي تق ال ي عل له مر جا *‬
‫ويرزقه من حيث ل يتسب "‪ .‬وال يكفيه مؤنة الناس بل ريب‪ .‬وأما كون الناس كلهم يرضون عنه‬
‫قد ل يصل ذلك‪ ،‬لكن يرضون عنه إذا سلموا من الغراض وإذا تبي لم العاقبة‪ .‬ومن أرضى الناس‬
‫ب سخط ال ل يغنوا ع نه من ال شيئا كالظال الذي ي عض يد يه‪ .‬وأ ما كون حامده ينقلب ذاما‪ ،‬فهذا‬
‫يقع كثيا ويصل ف العاقبة‪ .‬فإن العاقبة للتقوى ل تصل ابتداء عند أهوائهم‪ .‬ا هه‪.‬‬

‫وقد أحسن من قال‪:‬‬

‫فكل الذي فوق التراب تراب‬ ‫إذا صح منك الود يا غاية الن‬

‫قال ابن رجب رحه ال‪ :‬فمن تقق أن كل ملوق فوق التراب فهو تراب فكيف يقدم طاعة من هو‬
‫تراب على طاعة رب الرباب ؟ أم كيف يرضى التراب بسخط اللك الوهاب ؟ إن هذا لشئ عجاب‪.‬‬

‫وف الديث‪ :‬عقوبة من خاف الناس وآثرهم رضاهم على ال‪ ،‬وأن العقوبة قد تكون ف الدين‪ .‬عياذا‬
‫بال من ذلك‪ .‬كما قال تعال‪ " :‬فأعقبهم نفاقا ف قلوبم إل يوم يلقونه با أخلفوا ال ما وعدوه وبا‬
‫كانوا يكذبون "‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪204‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫باب‬
‫قوله ال تعال‪ " :‬وعلى ال فتوكلوا إن كنتم مؤمني "‬

‫قوله‪( :‬باب قوله ال تعال‪ " :‬وعلى ال فتوكلوا إن كنتم مؤمني ") ‪:‬‬

‫قال أبهو السهعادات‪ :‬يقال‪ :‬توكهل بالمهر‪ .‬إذا ضمهن القيام بهه‪ ،‬ووكلت أمري إل فلن‪ .‬إذا اعتمدت‬
‫عليه‪ ،‬ووكل فلن فلنا إذا استكفاه أمره ثقة بكفايته‪ ،‬أو عجزا عن القيام بأمر نفسه‪ .‬ا هه‪.‬‬

‫وأراد الصنف رح ه ال بذه الترج ة بال ية بيان أن التو كل فريضة ي ب إخل صه ل تعال‪ ،‬فإن تقدي‬
‫العمول يف يد ال صر‪ .‬أي وعلى ال فتوكلوا ل على غيه‪ ،‬ف هو من أج ع أنواع العبادة وأعظم ها‪ ،‬ل ا‬
‫ينشأ عنه من العمال الصالة‪ ،‬فإنه إذا اعتمد على ال ف جيع أموره الدينية والدنيوية‪ ،‬دون كل من‬
‫سواه صح إخلصه ومعاملته مع ال تعال‪ ،‬فهو من أعظم منازل " إياك نعبد وإياك نستعي " فل يصل‬
‫كمال التوح يد بأنوا عه الثل ثة إل بكمال التو كل على ال‪ ،‬ك ما ف هذه ال ية‪ ،‬وك ما قال تعال‪ " :‬إن‬
‫كن تم آمن تم بال فعل يه توكلوا إن كن تم م سلمي " وقوله‪ " :‬رب الشرق والغرب ل إله إل هو فاتذه‬
‫ل " اليات ف المر به كثية جدا‪ .‬قال المام أحد رحه ال‪ :‬التوكل عمل القلب ‪.‬‬ ‫وكي ً‬

‫وقال ا بن الق يم ف مع ن ال ية التر جم ب ا‪ :‬فج عل التو كل على ال شرطا ف اليان فدل على إنتفاء‬
‫اليان عند انتفائه‪ ،‬وف الية الخرى‪ " :‬قال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بال فعليه توكلوا إن كنتم‬
‫مسلمي " فجعل دليل صحة السلم التوكل‪ ،‬وكلما قوى إيان العبد كان توكله أقوى‪ ،‬وإذا ضعف‬
‫ل على ضعف اليان ول بد‪ .‬وال تعال يمع‬ ‫اليان ضعف التوكل وإذا كان التوكل ضعيفا كان دلي ً‬
‫ب ي التو كل والعبادة‪ ،‬وب ي التو كل واليان‪ ،‬وب ي التو كل والتقوى‪ ،‬وب ي التو كل وال سلم‪ ،‬وب ي‬
‫التوكل والداية‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪205‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫فظ هر أن التو كل أ صل ج يع مقامات اليان والح سان‪ ،‬ولم يع أعمال ال سلم‪ ،‬وأن منل ته من ها‬
‫كمنلة السد من الرأس‪ ،‬فكما ل يقوم الرأس إل على البدن فكذلك ل يقوم اليان ومقاماته وأعماله‬
‫إل على ساق التوكل‪.‬‬

‫قال شيخ السلم رحه ال تعال‪ :‬وما رجا أحد ملوقا ول توكل عليه إل خاب ظنه فيه‪ ،‬فإنه مشرك‪:‬‬
‫" ومن يشرك بال فكأنا خر من السماء فتخطفه الطي أو توي به الريح ف مكان سحيق "‪.‬‬

‫قال الشارح رحه ال تعال‪ :‬قلت‪ :‬لكن التوكل على ال قسمان‪:‬‬

‫أحدهاه‪ :‬التوكهل فه المور الته ل يقدر ال‪ ،‬كالذيهن يتوكلون على الموات والطواغيهت فه رجاء‬
‫مطالبهم من نصر‪ ،‬أو حفظ أو رزق أو شفاعة‪ .‬فهذا شرك أكب‪.‬‬

‫الثان‪ :‬التوكل ف السباب الظاهرة‪ ،‬كمن يتوكل على أمي أو سلطان فيما أقدره ال تعال عليه من‬
‫رزق‪ ،‬أو دفع أذى ونو ذلك‪ ،‬فهو نوع شرك أصغر‪ .‬والوكالة الائزة هي توكيل النسان النسان ف‬
‫فعل ما يقدر عليه نيابة عنه‪ ،‬لكن ليس له أن يعتمد ف حصوله ما وكل فيه‪ ،‬بل يتوكل على ال ف‬
‫تيسي أمره الذي يطلبه بنفسه أو نائبه‪ ،‬وذلك من جلة السباب الت يوز فعلها‪ ،‬ول يعتمد عليها بل‬
‫يعتمد على السبب الذي أوجد السبب والسبب‪.‬‬

‫قال‪( :‬وقول ال تعال‪ " :‬إنا الؤمنون الذين إذا ذكر ال وجلت قلوبم " اليات) ‪:‬‬

‫قال ا بن عباس ف ال ية‪ :‬النافقون ل يد خل ف قلوب م شئ من ذ كر ال ع ند أداء فرائ ضه ول يؤمنون‬


‫بشئ من آيات ال‪ ،‬ول يتوكلون على ال‪ ،‬ول يصلون إذا غابوا‪ ،‬ول يؤدون زكاة أموالم‪ ،‬فأخب ال‬
‫أنم ليسوا بؤمني‪ ،‬ث وصف الؤمني فقال‪ " :‬إنا الؤمنون الذين إذا ذكر ال وجلت قلوبم " فأدوا‬
‫فرائضه رواه ابن جرير وابن أب حات‪ ،‬ووجل القلب من ال مستلزم القيام بفعل ما أمر به وترك ما نى‬
‫عنه‪ :‬قال السدى‪ ":‬الذين إذا ذكر ال وجلت قلوبم" هو الرجل يريد أن يظلم‪ ،‬أو قال يهم بعصية‪،‬‬
‫فيقال له‪ :‬اتق ال‪ ،‬فيجل قلبه رواه ابن أب شيبة وابن جرير‪.‬‬

‫قوله‪ " :‬وإذا تليت عليهم آياته زادتم إيانا " استدل الصحابة رضي ال عنهم والتابعون ومن تبعهم من‬
‫أهل السنة بذه الية ونظائرها على زيادة اليان ونقصانه‪.‬‬

‫قال عم ي بن حبيب ال صحاب‪ " :‬إن اليان يز يد وين قص‪ ،‬فق يل له‪ :‬و ما زياد ته ونق صانه ؟ قال‪ :‬إذا‬
‫ذكرنا ال وخشيناه فذلك زيادته‪ .‬وإذا غفلنا ونسينا وضيعنا فذلك نقصانه "‪ .‬رواه ابن سعد‪.‬‬

‫وقال ماهد‪ :‬اليان يزيد وينقص وهو قول وعمل رواه ابن أب حات‪.‬‬

‫وحكى الجاع على ذلك الشافعي وأحد وأبو عبيد وغيهم رحهم ال تعال‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪206‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪ " :‬وعلى رب م يتوكلون " أي يعتمدون عل يه بقلوب م مفوضي إليه أمور هم فل يرجون سواه ول‬
‫يقصدون إل إياه‪ ،‬ول يرغبون إل إليه‪ ،‬يعلمون أن ما شاء كان وما ل يشأ ل يكن‪ ،‬وأنه التصرف ف‬
‫اللك وحده‪ ،‬والعبود وحده‪ ،‬ل شريك له‪ .‬وف الية وصف الؤمني حقا بثلث مقامات من مقامات‬
‫الحسان‪ ،‬وهي‪ :‬الوف‪ ،‬وزياة اليان‪ ،‬والتوكل على ال وحده‪ .‬وهذه القامات تقتضي كمال اليان‬
‫وحصول أعماله الباطنة والظاهرة مثال ذلك الصلة‪ ،‬فمن أقام الصلة وحافظ عليها وأدى الزكاة كما‬
‫أمره ال ا ستلزم ذلك الع مل ب ا يقدر عل يه من الواجبات وترك ج يع الحرمات‪ ،‬ك ما قال تعال‪ " :‬إن‬
‫الصلة تنهى عن الفحشاء والنكر ولذكر ال أكب "‪.‬‬

‫قال ‪ ( :‬وقوله ‪ " :‬يا أيها النب حسبك ال ومن اتبعك من الؤمني ") ‪:‬‬

‫قال ابن القيم رحه ال‪ :‬أي ال وحده كافيك وكاف أتباعك‪ :‬فل تتاجون معه إل أحد‪ ،‬وهذا اختيار‬
‫شيخ السلم ابن تيمية رحه ال‪.‬‬

‫وقيل‪ :‬العن حسبك ال وحسبك الؤمنون‪.‬‬

‫قال ا بن الق يم رح ه ال‪ :‬وهذا خ طأ م ض ل يوز ح ل ال ية عل يه‪ ،‬فإن ال سب والكفا ية ل وحده‬


‫كالتوكهل والتقوى والعبادة‪ .‬قال ال تعال‪ " :‬وإن يريدوا أن يدعوك فإن حسهبك ال ههو الذي أيدك‬
‫بنصهره وبالؤمنيه " ففرق بيه السهب والتأييهد‪ ،‬فجعهل السهب له وحده وجعهل التأييهد له بنصهره‬
‫وبعباده‪ ،‬وأثن على أهل التوحيد من عباده حيث أفردوه بالسب‪ ،‬فقال تعال‪ " :‬الذين قال لم الناس‬
‫إن الناس قد جعوا ل كم فاخشو هم فزاد هم إيانا وقالوا ح سبنا ال ون عم الوك يل " ول يقولوا‪ :‬ح سبنا‬
‫ال ور سوله‪ .‬ونظ ي هذا قوله سبحانه‪ " :‬وقالوا ح سبنا ال سيؤتينا ال من فضله ور سوله إ نا إل ال‬
‫راغبون "‪ .‬فتأمل كيف جعل اليتاء ل والرسول‪ ،‬وجعل السب له وحده‪ .‬فلم يقل‪ :‬وقالوا حسبنا ال‬
‫ور سوله‪ ،‬بل جعله خالص ح قه‪ ،‬ك ما قال " إ نا إل ال راغبون " فج عل الرغ بة إل يه وحده‪،‬ك ما قال‬
‫تعال "وإل ربهك فارغهب" فالرغبهة والتوكهل والنابهة والسهب ل وحده‪ ،‬كمها أن العبادة والتقوى‬
‫والسجود والنذر واللق ل يكون إل له سبحانه وتعال‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫وبذا ي تبي مطاب قة ال ية للترج ة‪ .‬فإذا كان هو الكا ف لعبده و جب أل يتو كل إل عل يه‪ ،‬وم ت الت فت‬
‫بقلبه إل سواه وكله ال إل من التفت إليه‪ ،‬كما ف الديث‪ " :‬من تعلق شيئا وكل إليه "‪.‬‬

‫قال‪( :‬وقول ال تعال‪ " :‬ومن يتوكل على ال فهو حسبه ") ‪:‬‬

‫قال ابن القيم رحه ال وغيه‪ :‬أي كافيه‪ .‬ومن كان ال كافيه وواقيه فل مطمع فيه لعدوه ول يضره‬
‫إل أذى ل بد منه‪ ،‬كالر والبد والوع والعطش‪ .‬وأما أن يضره با يبلغ به مراده منه فل يكون أبدا‪،‬‬
‫وفرق بي الذى الذي هو الظاهر إيذاء وف القيقة إحسان وإضرار بنفسه‪ ،‬وبي الضرر الذي يتشفى‬
‫به م نه‪ .‬قال ب عض ال سلف‪ :‬ج عل ال ل كل ع مل جزاء من نف سه‪ ،‬وج عل جزاء التو كل عل يه ن فس‬
‫كفاي ته‪ ،‬فقال‪ " :‬و من يتو كل على ال ف هو ح سبه " فلم ي قل‪ :‬فله كذا وكذا من ال جر ك ما قال ف‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪207‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫العمال‪ ،‬بل جعل نفسه سبحانه كاف عبده التوكل عليه وحسبه وواقيه‪ .‬فلو توكل العبد على ال حق‬
‫توكله‪ ،‬وكادته السموات والرض ومن فيهن‪ ،‬لعل ال له مرجا وكفاه رزقه ونصره‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫وف أثر رواه أحد ف الزهد عن وهب بن منبه قال‪ " :‬قال ال عز وجل ف بعض كتبه‪ :‬بعزت إنه من‬
‫اعت صم ب فكاد ته ال سموات بن في هن والرضون بن في هن‪ ،‬فإ ن أجعل له من ذلك مرجا‪ ،‬ومن ل‬
‫يعتصم ب فإن أقطع يديه من أسباب السماء وأخسف من تت قدميه الرض‪ ،‬فأجعله ف الواء ث‬
‫أكله إل نف سه‪ .‬ك فى ب لعبدي مآلً‪ .‬إذا كان عبدي ف طاع ت أعط يه ق بل أن ي سألن‪ ،‬وأ ستجيب له‬
‫قبل أن يدعون‪ .‬فأنا أعلم باجته الت نرفق به منه "‪.‬‬

‫و ف ال ية دل يل على ف ضل التو كل‪ ،‬وأ نه أع ظم ال سباب ف جلب النا فع ود فع الضار‪ .‬لن ال تعال‬
‫علق الملة الخية على الول وتعليهق الزاء على الشرط‪ .‬فيمتنهع أن يكون وجود الشرك كعدمهه‪،‬‬
‫لنه ال تعال رتب الكم على الوصف الناسب له‪ ،‬فعلم أن توكله هو سبب كون ال حسبا له‪.‬‬

‫وفيها تنبيه على القيام بالسباب مع التوكل‪ ،‬لنه تعال ذكر التقوى ث ذكر التوكل‪ ،‬كما قال تعال‪" :‬‬
‫واتقوا ال وعلى ال فليتو كل الؤمنون " فجلع التو كل مع التقوى الذي هو قيام ال سباب الأمور ب ا‪.‬‬
‫فالتو كل بدون القيام بال سباب الأمور ب ا ع جز م ض‪ ،‬وإن كان مشوبا بنوع من التو كل فل ينب غي‬
‫للعبد أن يعل توكله عجزا ول عجزه توكلً‪ ،‬بل يعل توكله من جلة السباب الت ل يتم القصود‬
‫إل با كلها‪ .‬ذكره ابن القيم بعناه‪.‬‬

‫قال‪( :‬و عن ا بن عباس رضي ال عنهما قال‪ " :‬حسبنا ال ون عم الوك يل "‪ ،‬قال ا إبراهيم صلى ال‬
‫عليه وسلم حي ألقي ف النار‪ ،‬وقالا ممد صلى ال عليه وسلم حي قالوا له‪ " :‬إن الناس قد جعوا‬
‫لكم فاخشوهم فزادهم إيانا وقالوا حسبنا ال ونعم الوكيل " رواه البخاري) ‪:‬‬

‫قوله‪ :‬حسبنا ال أي كافينا‪ .‬فل نتوكل إل عليه‪ .‬قال تعال ‪ " :‬أليس ال بكاف عبده ؟ "‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ونعم الوكيل أي نعم الوكل إليه‪ ،‬كما قال تعال‪ " :‬واعتصموا بال هو مولكم فنعم الول ونعم‬
‫النصي " ومصوص نعم مذوف تقديره هو‪.‬‬
‫قال ا بن الق يم رح ه ال‪ :‬هو ح سب من تو كل عل يه وكا ف من ل أ إل يه‪ ،‬و هو الذي يؤ من خوف‬
‫الائف‪ ،‬وي ي ال ستجي‪ ،‬ف من توله وا ستنصر به وتو كل عل يه‪ ،‬وانق طع بكلي ته إل يه‪ ،‬توله وحف ظه‬
‫وحرسه وصانه‪ .‬ومن خافه واتقاه‪ ،‬أمنه ما ياف ويذر‪ ،‬ويلب إليه ما يتاج إليه من النافع‪.‬‬

‫قوله‪ :‬قالا إبراهيم صلى ال عليه وسلم حي ألقي ف النار قال تعال‪ " :‬قالوا حرقوه وانصروا آلتكم‬
‫إن كنتم فاعلي * قلنا يا نار كون بردا وسلما على إبراهيم * وأرادوا به كيدا فجعلناهم الخسرين‬
‫"‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪208‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪ :‬وقالا ممد صلى ال عليه وسلم حي قالوا له‪ " :‬إن الناس قد جعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيانا‬
‫وقالوا حسبنا ال ونعم الوكيل " وذلك بعد منصرف قريش والحزاب من أحد " بلغه أن أبا سفيان‬
‫و من معه قد أجعوا الكرة علي هم‪ ،‬فخرج النب صلى ال عل يه و سلم ف سبعي راكبا ح ت انتهى إل‬
‫حراء السد‪ ،‬فألقى ال الرعب ف قلب أب سفيان‪ .‬فرجع إل مكة بن معه‪ ،‬ومر به ركب من عبد‬
‫القيس فقال‪ :‬أين تريدون ؟ قالوا‪ :‬نريد الدينة‪ .‬قال‪ :‬فهل أنتم مبلغون ممدا عن رسالة ؟ قالوا‪ :‬نعم‪.‬‬
‫قال فإذا وافيتموه فأخبوه أنا قد أجعنا السي إليه وإل أصحابه لنستأصل بقيتهم‪ .‬فمر الركب برسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم و هو بمراء ال سد‪ ،‬فأخبوه بالذي قال أبو سفيان‪ .‬فقال‪ :‬ح سبنا ال ونعم‬
‫الوكيل " ففي هاتي القصتي فضل هذه الكلمة العظيمة وأنا قول الليلي عليهما الصلة والسلم ف‬
‫الشدائد‪ .‬وجاء ف الديث‪ " :‬إذا وقعتم ف المر العظيم فقولوا‪ :‬حسبنا ال ونعم الوكيل "‪.‬‬

‫باب‬
‫قول ال " أفأمنوا مكر ال "‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪209‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪( :‬باب قول ال تعال‪ " :‬أفأمنوا مكر ال فل يأمن مكر ال إل القوم الاسرون ") ‪:‬‬

‫قصد الصنف رحه ال بذه الية التنبيه على أن المن من مكر ال من أعظم الذنوب‪ .‬وأنه يناف كمال‬
‫التوح يد‪ ،‬ك ما أن القنوط من رح ه ال كذلك وذلك ير شد إل أن الؤ من ي سي إل ال ب ي الوف‬
‫والرجاء‪ ،‬كما دل على ذلك الكتاب والسنة وأرشد إليه سلف المة والئمة‪.‬‬

‫ومع ن ال ية‪ :‬أن ال تبارك وتعال ل ا ذ كر حال أ هل القرى الكذب ي للر سل ب ي أن الذي حل هم على‬
‫ذلك هو المن مكر ال وعدم الوف منه‪ ،‬كما قال تعال‪ " :‬أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا‬
‫وهم نائمون * أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون * أفأمنوا مكر ال فل يأمن مكر‬
‫ال إل القوم الاسهرون "‪ .‬أي الالكون‪ .‬وذلك أنمه أمنوا مكهر ال لاه اسهتدرجهم بالسهراء والنعهم‪،‬‬
‫فاستبعدوا أن يكون ذلك مكرا‪.‬‬

‫قال السن رحه ال‪ :‬من وسع ال عليه فلم ير أنه يكر به فل رأى له ‪.‬‬

‫وقال قتادة‪ :‬بغت القوم أمر ال‪ ،‬وما أخذ ال قوما قط إل عند سلوتم ونعمتهم غرتم‪ .‬فل تغتروا بال‬
‫‪.‬‬

‫وف الديث‪ " :‬إذا رأيت ال يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يب فإنا هو استدراج " رواه أحد‬
‫وابن جرير وابن أب حات‪.‬‬

‫وقال إساعيل بن رافع‪ " :‬من المن من مكر ال إقامة العبد على الذنب يتمن على ال الغفرة " رواه‬
‫ابن أب حات‪.‬‬

‫وهذا هو تفسي الكر ف قول بعض السلف‪ :‬يستدرجهم ال بالنعم إذا عصوه‪ ،‬ويلى لم ث يأخذهم‬
‫أخذ عزيز مقتدر‪ .‬وهذا هو معن الكر والديعة ونو ذلك‪ ،‬ذكره ابن جرير بعناه‪.‬‬

‫قال‪( :‬وقول ال تعال‪ " :‬ومن يقنط من رحة ربه إل الضالون ") ‪:‬‬

‫القنوط‪ :‬استبعاد الفرج واليأس منه‪ .‬وهو يقابل المن من مكر ال‪ .‬وكلها ذنب عظيم‪ .‬وتقدم ما فيه‬
‫لنافاته لكمال التوحيد‪.‬‬

‫وذكر الصنف رحه ال تعال هذه الية مع الت قبلها تنبيها على أنه ل يوز لن خاف ال أن يقنط من‬
‫رحته‪ ،‬بل يكون خائفا راجيا‪ ،‬ياف ذنوبه ويعمل بطاعته‪ ،‬ويرجو رحته‪ ،‬كما قال تعال‪ " :‬أمن هو‬
‫قانت آناء الليل ساجدا وقائما يذر الخرة ويرجو رحة ربه " وقال‪ " :‬إن الذين آمنوا والذين هاجروا‬
‫وجاهدوا ف سبيل ال أولئك يرجون رح ة ال وال غفور رح يم " فالرجاء مع الع صية وترك الطا عة‬
‫غرور من الشيطان‪ ،‬ليوقع العبد ف الخاوف مع ترك ال سباب النجية من الهالك‪ ،‬بلف حال أهل‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪210‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫اليان الذيهن أخذوا بأسهباب النجاة خوفا مهن ال تعال وهربا مهن عقابهه‪ ،‬وطمعا فه الغفرة ورجاء‬
‫لثوابه‪.‬‬
‫والع ن أن ال تعال ح كى قول خليله إبراه يم عل يه ال سلم‪ ،‬ل ا بشر ته اللئ كة باب نه إ سحاق‪ " :‬قال‬
‫أبشرتون على أن مسن الكب فبم تبشرون " لن العادة أن الرجل إذا كب سنه وسن زوجته استبعد أن‬
‫يولد له منها‪ .‬وال على كل شئ قدير‪ ،‬فقالت اللئكة‪ " :‬بشرناك بالق " الذي ل ريب فيه‪ .‬فإن ال‬
‫إذا أراد شيئا إنا يقول له كن فيكون‪ " :‬فل تكن من القانطي " أي من اليسي‪ ،‬فقال عليه السلم‪" :‬‬
‫ومن يق نط من رح ة ر به إل الضالون " فإ نه يعلم من قدرة ال ورح ته ما هو أبلغ من ذلك وأع ظم‪،‬‬
‫لكنه وال أعلم قال ذلك على وجه التعجب‪.‬‬

‫قوله‪ " :‬إل الضالون " قال بعضههم‪ :‬إل الخطئون طريهق الصهواب‪ ،‬أو إل الكافرون‪ .‬كقوله‪ " :‬إنهه ل‬
‫ييأس من روح ال إل القوم الكافرون "‪.‬‬

‫قوله‪( :‬و عن ا بن عباس ر ضي ال عنه ما أن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم " سئل عن الكبائر‪،‬‬
‫فقال‪ :‬الشرك بال‪ ،‬واليأس من روح ال‪ ،‬والمن من مكر ال ") ‪:‬‬

‫هذا الد يث رواه البزار وا بن أب حات من طر يق شبيب بن بشر عن عكرمة عن ا بن عباس ورجاله‬
‫ثقات إل شبيب بن بشر‪ .‬فقال ابن معي‪ :‬ثقة‪ .‬ولينه أبو حات‪ .‬وقال ابن كثي‪ :‬ف إسناده نظر‪ .‬والشبه‬
‫أن يكون موقوفا‪.‬‬

‫قوله‪ :‬الشرك بال هو أكب الكبائر‪ .‬قال ابن القيم رحه ال‪ :‬الشرك بال هضم للربوبية وتنقص لللية‪،‬‬
‫وسوء ظن برب العالي‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫ولقد صدق ونصح‪ .‬قال تعال‪ " :‬ث الذين كفروا بربم يعدلون " وقال تعال‪ " :‬إن الشرك لظلم عظيم‬
‫" ولذا ل يغفره ال إل بالتوبة منه‪.‬‬

‫قوله‪ :‬واليأس من روح ال أي قطع الرجاء الول والمل من ال فيما يافه ويرجوه‪ ،‬وذلك إساءة ظن‬
‫بال‪ ،‬وجهل به وبسعة رحته وجوده ومغفرته‪.‬‬

‫قوله‪ :‬وال من من م كر ال أي من ا ستدراجه للع بد و سلبه ما أعطاه من اليان‪ ،‬نعوذ بال من ذلك‪.‬‬
‫وذلك جهل بال وبقدرته‪ ،‬وثقة بالنفس وعجب با‪.‬‬

‫واعلم أن هذا الد يث ل يرد به ح صر الكبائر ف الثلث‪ ،‬بل الكبائر كث ي وهذه الثلث من أ كب‬
‫الكبائر الذكورة ف الكتاب والسنة‪ ،‬وضابطها ما قاله الحققون من العلماء‪ :‬كل ذنب ختمه ال بنار‬
‫أو لعنة أو غضب أو عذاب‪ .‬زاد شيخ السلم ابن تيمية رحه ال‪ :‬أو نفى اليان‪.‬‬

‫قلت‪ :‬ومن برىء منه رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬أو قال‪ " :‬ليس منا من فعل كذا وكذا "‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪211‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وعن ابن عباس رضي ال عنهما‪ :‬هي إل سبعمائة أقرب منها إل سبع‪ ،‬غي أنه ل كبية مع الستغفار‬
‫ول صغية مع الصرار‬

‫قوله‪( :‬و عن ا بن م سعود ر ضي ال ع نه قال‪ " :‬أ كب الكبائر الشراك بال‪ .‬وال من من م كر ال‪،‬‬
‫والقنوط من رحة ال‪ ،‬واليأس من روح ال " رواه عبد الرزاق) ‪:‬‬

‫ورواه ابن جرير بأسانيد صحاح عن ابن مسعود رضي ال عنه‪.‬‬

‫قوله‪ :‬والقنوط من رحة ال قال أبو السعادات‪ :‬هو أشد اليأس‪.‬‬

‫وف يه الت نبيه على الرجاء والوف‪ ،‬فإذا خاف فل يق نط ول ييأس‪ ،‬بل ير جو رح ة ال‪ .‬وكان ال سلف‬
‫ي ستحبون أن يقوى ف ال صحة الوف‪ ،‬و ف الرض الرجاء‪ .‬وهذه طري قة أ ب سليمان الدارا ن وغيه‪.‬‬
‫قال‪ :‬ينبغهي للقلب أن يكون الغالب عليهه الوف‪،‬فإذا غلب الرجاء الوف فسهد القلب‪ .‬قال تعال‪" :‬‬
‫إن الذيهن يشون ربمه بالغيهب لمه مغفرة وأجهر كهبي " وقال‪ " :‬يافون يومها تتقلب فيهه القلوب‬
‫والبصار " قال تعال‪ " :‬والذين يؤتون ما آتوا وقلوبم وجلة أنم إل ربم راجعون * أولئك يسارعون‬
‫ف اليات و هم ل ا سابقون " وقال تعال‪ " :‬أ من هو قا نت آناء الل يل ساجدا وقائ ما يذر الخرة‬
‫ويرجو رحة ربه " الية‪ .‬قدم الذر على الرجاء ف هذه الية‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪212‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫باب‬
‫من اليان بال الصب على أقدار ال‬

‫قوله‪ ( :‬باب من اليان بال‪ :‬الصب على أقدار ال ) ‪:‬‬

‫قال المام أح د‪ :‬ذ كر ال تعال ال صب ف ت سعي موضعا من كتا به‪ .‬و ف الد يث ال صحيح‪ " :‬ال صب‬
‫ضياء " رواه أحد ومسلم‪،‬وللبخاري ومسلم مرفوعا‪ " :‬ما أعطى أحد عطاء خيا أوسع من الصب "‬
‫قال عمر رضي ال عنه‪ :‬وجدنا خي عيشنا بالصب رواه البخاري‪ .‬قال علي رضي ال عنه‪ " :‬إن الصب‬
‫من اليان بنلة الرأس من السد ث رفع صوته فقال‪ :‬أل إنه ل إيان لن ل صب له "‪.‬‬

‫واشتقا قه‪ :‬من صب إذا ح بس وم نع‪ .‬وال صب ح بس الن فس عن الزع‪ ،‬وح بس الل سان عن التش كي‬
‫والتسخط‪ ،‬والوارح عن لطم الدود وشق اليوب ونوها ذكره ابن القيم رحه ال‪.‬‬

‫واعلم أن الصب ثل ثة أقسام‪ :‬صب على ما أ مر ال به‪ ،‬و صب عما نى ع نه‪ ،‬و صب على ما قدره من‬
‫الصائب‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وقول ال تعال‪ " :‬ومن يؤمن بال يهد قلبه ") ‪:‬‬

‫وأول ال ية‪ " :‬ما أ صاب من م صيبة إل بإذن ال " أي بشيئ ته وإراد ته وحكم ته‪ ،‬ك ما قال ف ال ية‬
‫الخرى‪ " :‬ما أصاب من مصيبة ف الرض ول ف أنفسكم إل ف كتاب من قبل أن نبأها إن ذلك‬
‫على ال ي سي " وقال‪ " :‬وب شر ال صابرين * الذ ين إذا أ صابتهم م صيبة قالوا إ نا ل وإ نا إل يه راجعون *‬
‫أولئك عليهم صلوات من ربم ورحة وأولئك هم الهتدون "‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪213‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪ " :‬و من يؤ من بال ي هد قل به " ‪ :‬قال ا بن عباس ف قوله‪ " :‬إل بإذن ال " إل بأ مر ال يع ن عن‬
‫قدره ومشيئ ته " و من يؤ من بال ي هد قل به " أي من صابته م صيبة فعلم أن ا بقدر ال ف صب واحت سب‬
‫واستسلم لقضاء ال هدى ال قلبه وعوضه عما فاته من الدنيا هدى ف قلبه‪ ،‬ويقينا صادقا‪ .‬وقد يلف‬
‫عليه ما كان أخذ منه‪.‬‬

‫قوله‪ " :‬وال بكل شيء عليم " تنبيه على أن ذلك إنا يصدر عن علمه التضمن لكمته‪ .‬وذلك يوجب‬
‫الصب والرضا‪.‬‬

‫قوله‪( :‬قال علقمة‪ :‬هو الرجل تصيبه الصيبة فيعلم أنا من عند ال فيضى ويسلم) ‪:‬‬

‫هذا الثر رواه ابن جرير وابن أب حات‪.‬‬

‫وعلقمة‪ :‬هو قيس بن عبد ال النخعي الكوف‪ .‬ولد ف حياة النب صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وسع من أب‬
‫ب كر وعثمان وعلي و سعد وا بن م سعود وعائ شة وغي هم ر ضي ال عن هم‪ .‬و هو من كبار التابع ي‬
‫وأجلئهم وعلمائهم وثقاتم مات بعد الستي‪.‬‬

‫قوله‪ :‬هو الر جل ت صيبه ال صيبة إل‪ .‬هذا ال ثر رواه الع مش عن أ ب ظبيان‪ .‬قال‪ :‬ك نا ع ند علق مة‬
‫فقرىء عليه هذه الية‪ " :‬ومن يؤمن بال يهد قلبه " قال هو الرجل تصيبه الصيبة فيعلم أنا من عند ال‬
‫فيضى ويسلم‪ .‬هذا سياق ابن جرير‪ .‬وف هذا دليل على أن العمال من مسمى اليان‪ .‬قال سعيد بن‬
‫جبي‪ " :‬و من يؤمن بال يهد قل به " يعن يسترجع‪ .‬يقول إ نا ل وإ نا إل يه راجعون‪ .‬وف ال ية بيان أن‬
‫الصب سبب لداية القلب وأنا من ثواب الصابرين‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وف صحيح مسلم عن أب هريرة رضي ال عنه‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬‬
‫اثنتان ف الناس ها بم كفر‪ :‬الطعن ف النسب‪ ،‬والنياحة على اليت ") ‪:‬‬

‫أي ها بالناس كفر حيث كانتا من أعمال الاهلية‪ ،‬وها قائمتان بالناس ول يسلم منهما إل من سلمه‬
‫ال تعال ورز قه علما وإيانا ي ستضيء به‪ .‬ل كن ل يس من قام بشع بة من ش عب الك فر ي صي كافرا‬
‫كالكفر الطلق‪ .‬كما أنه ليس من قام به شبعة من شعب اليان يصي مؤمنا اليان الطلق‪ .‬وفرق بي‬
‫الكفر العرف باللم كما ف قوله‪ " :‬ليس بي العبد وبي الكفر أو الشرك إل ترك الصلة " وبي كفر‬
‫منكر ف الثبات‪.‬‬

‫قوله‪ :‬الطعن ف النسب أي عيبه‪ ،‬يدخل فيه أن يقال‪ :‬هذا ليس ابن فلن مع ثبوت نسبه‪.‬‬

‫قوله‪ :‬والنياحة على اليت أي رفع الصوت بالندب وتعداد فضائل اليت‪ ،‬لا فيه من التسخط على القدر‬
‫الناف للصب‪ ،‬كقول النائحة‪ :‬واعضداه‪ ،‬واناصراه‪ ،‬ونو ذلك‪ .‬وفيه دليل على أن الصب واجب‪ ،‬وأن‬
‫الكفر ما ل ينقل عن اللة‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪214‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪( :‬ولما عن ابن مسعود مرفوعا‪ " :‬ليس منا من ضرب الدود‪ ،‬وشق اليوب‪ ،‬ودعا بدعوى‬
‫الاهلية ") ‪:‬‬

‫هذا من نصوص الوعيد‪ ،‬وقد جاء عن سفيان الثوري وأحد كراهية تأويلها ليكون أوقع ف النفوس‪،‬‬
‫وأبلغ ف الزجر‪ ،‬وهو يدل على أن ذلك يناف كمال اليان الواجب‪.‬‬

‫قوله‪ :‬من ضرب الدود وقال الافظ‪ :‬خص الد لكونه الغالب وإل فضرب بقية الوجه مثله‪.‬‬

‫قوله‪ :‬و شق اليوب هو الذي يد خل ف يه الرأس من الثوب‪ ،‬وذلك من عادة أ هل الاهل ية حزنا على‬
‫اليت‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ودعا بدعوى الاهلية قال شيخ السلم رحه ال تعال‪ :‬هو ندب اليت‪ .‬وقال غيه‪ :‬هو الدعاء‬
‫بالو يل والثبور‪ .‬وقال ا بن الق يم رح ه ال‪ :‬الدعاء بدعوى الاهل ية كالدعاء إل القبائل والع صبية‪،‬ومثله‬
‫التع صب إل الذا هب والطوائف والشا يخ‪،‬وتفض يل بعض هم على ب ضع‪ ،‬يد عو إل ذلك ويوال عل يه‬
‫ويعادي‪ ،‬فكل هذا من دعوى الاهلية‪.‬‬

‫وعند ابن ماجه وصححه ابن حبان عن أب أمامة‪ " :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم لعن الامشة‬
‫وجهها‪ ،‬والشاقة جبيها‪ ،‬والداعية بالويل والثبور "‪.‬‬

‫وهذا يدل على أن هذه المور من الكبائر‪ ،‬وقد يعفى عنه الشئ اليسي من ذلك إذا كان صدقا وليس‬
‫على وجه النوح والتسخط نص عليه أحد رحه ال‪ ،‬لا وقع لب بكر وفاطمة رضي ال عنهما لا توف‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫وليس ف هذه الحاديث ما يدل على النهي عن البكاء‪ ،‬لا ف الصحيح أن ر سول ال صلى ل عليه‬
‫وسلم لا مات ابنه إبراهيم قال‪ " :‬تدمع العي ويزن القلب‪ ،‬ول نقول إل ما يرضي الرب‪ ،‬وإنا بك يا‬
‫إبراهيم لحزونون " وف الصحيحي عن أسامة بن زيد رضي ال عنه‪ " :‬أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم انطلق إل إحدى بناته ولا صب ف الوت‪ ،‬فرفع إليه ونفسه تقعقع كأنا شن‪ ،‬ففاضت عيناه‪،‬‬
‫فقال سعد‪ :‬ما هذا يا رسول ال ؟ قال‪ :‬هذه رحة جعلها ال ف قلوب عباده‪ ،‬وإنا يرحم ال من عبادة‬
‫الرحاء "‪.‬‬

‫قوله‪ "( :‬وعن أنس رضي ال عنه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪ :‬إذا أراد ال بعبده الي‬
‫عجل له العقوبة ف الدنيا‪ ،‬وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حت يواف به يوم القيامة ") ‪:‬‬

‫هذا الديث رواه الترمذي والاكم وحسنه الترمذي‪ .‬وأخرجه الطبان والاكم عن عبد ال بن مغفل‬
‫ابن عدي عن أب هريرة‪ ،‬والطبان عن عمار بن ياسر‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪215‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪ :‬إذا أراد ال بعبده ال ي ع جل له العقو بة ف الدن يا أي ي صب عل يه البلء وال صائب ل ا فرط من‬
‫الذنوب منه‪ ،‬فيخرج منها وليس عليه ذنب يواف به يوم القيامة‪.‬‬

‫قال ش يخ ال سلم رح ه ال تعال‪ :‬ال صائب نع مة‪ ،‬لن ا مكفرات للذنوب‪ ،‬وتد عو إل ال صب فيثاب‬
‫علي ها‪ .‬وتقت ضي النا بة إل ال والذل له‪ ،‬والعراض عن اللق‪ ،‬إل غ ي ذلك من ال صال العظي مة‪.‬‬
‫فنفس البلء يكفر ال به الذنوب والطايا‪ .‬وهذا من أعظم النعم‪ .‬فالصائب رحة ونعمة ف حق عموم‬
‫اللق إل أن يدخل صاحبها بسببها ف معاصي أعظم ما كان قبل ذلك فيكون شرا عليه من جهة ما‬
‫أصابه ف دينه‪ ،‬فإن من الناس من إذا ابتلى بفقر أو مرض أو وجع حصل له من النفاق والزع ومرض‬
‫القلب والكفر الظاهر وترك بعض الواجبات وفعل بعض الحرمات ما يوجب له الضرر ف دينه‪ ،‬فهذا‬
‫كا نت العاف ية خيا له من ج هة ما أورث ته ال صيبة ل من ج هة ن فس ال صيبة‪ ،‬ك ما أن من أوج بت له‬
‫الصيبة صبا وطاعة‪ ،‬كانت ف حقه نعمة دينية‪ ،‬فهي بعينها فعل الرب عز وجل ورحة للخلق وال‬
‫تعال ممود عليها‪ ،‬فمن ابتلى فرزق الصب كان الصب عليه نعمة ف دينه‪ ،‬وحصل له بعد ما كفر من‬
‫خطاياه رحة‪ ،‬وحصل له بثنائه على ربه صلة ربه عليه‪ ،‬قال تعال‪ " :‬أولئك عليهم صلوات من ربم‬
‫ورح ة " وحصل له غفران السيئات ور فع الدرجات‪ .‬فمن قام بال صب الواجب حصل له ذلك انتهى‬
‫ملخصا‪.‬‬

‫قوله‪ :‬وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه أي أخر عنه العقوبة بذنبه حت يواف به يوم القيامة وهو بضم‬
‫الياء وكسر الفاء منصوبا بت مبنيا للفاعل‪ .‬قال العزيزي‪ :‬أي ل يازيه بذنبه ف الدنيا حت ييء ف‬
‫الخرة مستوفر الذنوب وافيها‪ ،‬فيستوف ما يستحقه من العقاب‪ .‬وهذه الملة هي آخر الديث‪ .‬فأما‬
‫قوله‪ :‬وقال ال نب صلى ال عل يه و سلم " إن ع ظم الزاء مع ع ظم البلء " إل آخره ف هو أول حد يث‬
‫آخر‪ ،‬لكن لا رواها الترمذي بإسناد واحد وصحاب واحد جعلهما الصنف كالديث الواحد‪.‬‬

‫وفيه التنبيه على حسن الرجاء وحسن الظن بال فيما يقضيه لك‪ ،‬كما قال تعال‪ " :‬وعسى أن تكرهوا‬
‫شيئا وهو خي لكم وعسى أن تبوا شيئا وهو شر لكم وال يعلم وأنتم ل تعلمون "‪.‬‬
‫قوله‪( :‬وقال النب صلى ال عليه وسلم " إن عظم الزاء مع عظم البلء‪ .‬وإن ال تعال إذا أحب‬
‫قوما ابتلهم‪ ،‬فمن رضي فله الرضى‪ ،‬ومن سخط فله السخط " حسنه الترمذي) ‪:‬‬

‫قال الترمذي‪ :‬حدثنا قتيبة ثنا الليث عن يزيد بن أب حبيب عن سعد بن سنان عن أنس‪ ،‬فذكر الديث‬
‫السابق ث قال‪ :‬وبذا السناد عن النب صلى ال عليه وسلم أنه قال‪ " :‬إن عظم الزاء‪ " ...‬الديث‪ .‬ث‬
‫قال حد يث ح سن غر يب من هذا الو جه‪ .‬ورواه ا بن ما جه‪ .‬وروى المام أح د عن ممود بن لب يد‬
‫رفعه‪ " :‬إذا أحب ال قوما ابتلهم‪ ،‬فمن صب فله الصب‪ ،‬ومن جزع فله الزع " قال النذري‪ :‬رواته‬
‫ثقات‪.‬‬

‫قوله‪ :‬إن عظم الزاء بكسر العي وفتح الظاء فيها‪ .‬ويوز ضمها مع سكون الطاء‪ .‬أي من كان ابتلؤه‬
‫أعظم كمية وكيفية‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪216‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وقد يتج بذا الديث من يقول‪ :‬إن الصائب يثاب عليها مع تكفي الطايا‪ ،‬ورجح ابن القيم أن ثوابا‬
‫تكفي الطايا فقط‪ ،‬إل إذا كانت سببا لعمل صال‪ ،‬كالصب والرضا والتوبة والستغفار‪ .‬فإنه حينئذ‬
‫يثاب على ما تولد من ها‪ ،‬وعلى هذا يقال ف مع ن الد يث‪ :‬إن ع ظم الزاء مع ع ظم البلء إذا صب‬
‫واحتسب‪.‬‬

‫قوله‪ :‬وإن ال إذا أحب قوما ابتلهم ولذا ورد ف حديث سعد‪ " :‬سئل النب صلى ال عليه وسلم‪ :‬أي‬
‫الناس أ شد بلء ؟ قال ال نبياء‪ ،‬ث الم ثل فالم ثل‪ ،‬يبتلي الر جل على ح سب دي نه‪ ،‬فإن كان ف دي نه‬
‫صلبة اشتد بلؤه‪ ،‬وإن كان ف دينه رقة ابتلى على قدر دينه‪ ،‬فما يبح البلء بالعبد حت يتركه يشي‬
‫على الرض وما عليه خطيئة " رواه الدرامى وابن ماجه والترمذي وصححه‪.‬‬

‫وهذا الديث ونوه من أدلة التوحيد‪ ،‬فإذا عرف العبد أن النبياء والولياء يصيبهم البلء ف أنفسهم‬
‫الذي هو ف القيقة رحة ول يدفعه عنهم إل ال‪ ،‬عرف أنم ل يلكون لنفسهم نفعا ول دفعا‪ ،‬فلن‬
‫ل يلكوه لغي هم أول وأحرى‪ ،‬فيحرم ق صدهم والرغ بة إلي هم ف قضاء حا جة أو تفر يج كر بة‪ ،‬و ف‬
‫وقوع البتلء بالنبياء والصالي من السرار والكم والصال وحسن العاقبة ما ل يصى‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ف من ر ضى فله الرضاء أي من ال تعال‪ ،‬والرضاء قد و صف ال تعال به نف سه ف موا ضع من‬


‫كتابه كقوله تعال ‪ " :‬جزاؤهم عند ربم جنات عدن تري من تتها النار خالدين فيها أبدا رضي‬
‫ال عنهم ورضوا عنه " ومذهب السلف وأتباعهم من أهل السنة‪ :‬إثبات الصفات الت وصف ال با‬
‫نفسه ووصفه با رسول ال صلى ال عليه وسلم على ما يليق بلله وعظمته إثباتا بل تثيل وتنيها بل‬
‫تعطيل‪ :‬فإذا رضي ال تعال عنه حصل له كل خي‪ ،‬وسلم من كل شر‪ ،‬والرضى هو أن يسلم العبد‬
‫أمره إل ال‪ ،‬ويسن الظن به‪ ،‬ويرغب ف ثوابه‪ ،‬وقد يد لذلك راحة وانبساطا مبة ل وثقة به‪ ،‬كما‬
‫قال ابن مسعود رضي ال عنه‪ :‬إن ال بقسطه وعدله جعل الروح والفرح ف اليقي والرضا‪ ،‬وجعل الم‬
‫والزن ف الشك والسخط‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ومن سخط وهو بكسر الاء‪ ،‬قال أبو السعادات‪ :‬السخط الكراهية للشئ وعدم الرضا به‪ .‬أي‬
‫من سخط على ال في ما دبره فله ال سخط‪ ،‬أي من ال‪ ،‬وك فى بذلك عقو بة‪ .‬و قد ي ستدل به على‬
‫وجوب الر ضا و هو اختيار ا بن عق يل‪ .‬واختار القا ضي عدم الوجوب‪ ،‬ورج حه ش يخ ال سلم وا بن‬
‫القيم‪.‬‬

‫قال شيخ السلم‪ :‬ول ييء المر به كما جاء المر بالصب‪ .‬وإنا جاء الثناء على أصحابه‪ .‬قال‪ :‬وأما‬
‫ما يروى من ل يصب على بلئي ول يرض بقضائي فليتخذ ربا سوائي فهذا إسرائيلي ل يصح عن النب‬
‫صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫قال شيخ السلم‪ :‬وأعلى من ذلك أي من الرضا أن يشكر ال على الصيبة لا يرى من إنعام ال عليه‬
‫با‪ .‬ا ه وال أعلم‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪217‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫باب‬
‫ما جاء ف الرياء‬
‫قوله‪ ( :‬باب‪ :‬ما جاء ف الرياء ) ‪:‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪218‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫أي من النهي والتحذير‪ .‬قال الافظ‪ :‬هو مشتق من الرؤية‪ .‬والراد با إظهار العبادة لقصد رؤية الناس‬
‫لا فيحمدون صاحبها‪ .‬والفرق بينه وبي السمعة‪ :‬أن الرياء لا يرى من العمل كالصلة‪ .‬والسمعة لا‬
‫يسمع كالقراءة والوعظ والذكر‪ ،‬ويدخل ف ذلك التحدث با عمله‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وقول ال تعال‪ " :‬قل إن ا أ نا ب شر مثلكم يو حى إل أن ا إلكم إله واحد " أي ل يس ل من‬
‫الربوبية ول من اللية شئ‪ ،‬بل ذلك كله وحده ل شريك له أوحاه إل " فمن كان يرجو لقاء ربه‬
‫" أي يافه " فليعمل عملً صالا ول يشرك بعبادة ربه أحدا ") ‪:‬‬

‫قوله أحدا نكرة فه سهياق النههي تعهم‪ ،‬وهذا العموم يتناول النهبياء واللئكهة والصهالي والولياء‬
‫وغيهم‪.‬‬

‫قال شيخ السلم رحه ال‪ :‬أما اللقاء فقد فسره طائفة من السلف واللف با يتضمن العاينة‪ ،‬وقالوا‪:‬‬
‫لقاء ال يتضمن رؤيته سبحانه وتعال يوم القيامة‪ ،‬وذكر الدلة على ذلك‪.‬‬

‫قال ابن القيم رحه ال ف الية‪ :‬أي كما أن ال واحد ل إله سواه‪ ،‬فكذلك ينبغي أن تكون العبادة له‬
‫وحده ل شريك له‪ ،‬فكما تفرد باللية يب أن يفرد بالعبودية‪ ،‬فالعمل الصال‪ :‬هو الالص من الرياء‬
‫القيد بالسنة‪.‬‬

‫وف الية دليل على أن أصل الدين الذي بعث ال به رسول ال صلى ال عليه وسلم والرسلي قبله‪،‬‬
‫هو إفراده تعال بأنواع العبادة‪ ،‬كما قال تعال‪ " :‬وما أرسلنا من قبلك من رسول إل نوحي إليه أنه ل‬
‫إله إل أ نا فاعبدون " والخالف لذا ال صل من هذه ال مة أق سام‪ :‬إ ما طاغوت ينازع ال ف ربوبي ته‬
‫وإلي ته‪ ،‬ويد عو الناس إل عباد ته‪ ،‬أو طاغوت يد عو الناس إل عبادة الوثان‪ ،‬أو مشرك يد عو غ ي ال‬
‫ويتقرب إل يه بأنواع العبادة أو بعض ها‪ ،‬أو شاك ف التوح يد‪ :‬أ هو حق أم يوز أن ي عل ل شر يك ف‬
‫عبادتهه ؟ أو جاههل يعتقهد أن الشرك ديهن يقرب إل ال‪ ،‬وهذا ههو الغالب على أكثهر العوام للههم‬
‫وتقليدهم من قبلهم‪ ،‬لا اشتدت غربة الدين ونسى العلم بدين الرسلي‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وعن أ ب هريرة رضي ال ع نه مرفوعا‪ " :‬قال ال تعال‪ :‬أنا أغ ن الشركاء عن الشرك‪ .‬من‬
‫عمل عملً أشرك معي فيه غيي تركته وشركه" رواه مسلم) ‪:‬‬

‫قوله ‪ :‬من عمل عملً أشرك فيه غيي أي من قصد بعمله غيي من الخلوقي تركته وشركه‪ .‬ولبن‬
‫ما جه فأ نا بر يء و هو الذي أشرك قال الط يب‪ :‬الضم ي الن صوب ف قوله ترك ته يوز أن ير جع إل‬
‫العمل‪.‬‬

‫قال ابن رجب رحه ال‪ :‬واعلم أن العمل لغي ال أقسام فتارة يكون رياء مضا كحال النافقي‪ .‬كما‬
‫قال تعال‪ " :‬وإذا قاموا إل ال صلة قاموا ك سال يراؤون الناس ول يذكرون ال إل قليل " وهذا الرياء‬
‫ال حض ل يكاد ي صدر عن مؤ من ف فرض ال صلة أو ال ت يتعدى نفع ها‪ ،‬فإن الخلص في ها عز يز‪،‬‬
‫وهذا العمل ل يشك مسلم أنه حابط‪ ،‬وأن صاحبه يستحق القت من ال والعقوبة‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪219‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وتارة يكون الع مل ل ويشار كه الرياء‪ ،‬فإن شار كه من أضله فالن صوص ال صحيحة تدل على بطل نه‬
‫وذ كر أحاد يث تدل على ذلك من ها‪ :‬هذا الد يث وحد يث شداد بن أوس مرفوعا " من صلى يرائى‬
‫ف قد أشرك‪ ،‬ومن صام يرائي فقد أشرك‪ ،‬ومن ت صدق يرائي فقد أشرك‪ ،‬وإن ال عز و جل يقول‪ :‬أنا‬
‫خي قسم لن أشرك ب‪ ،‬فمن أشرك ب شيئا فإن جدة عمله وقليله وكثيه لشريكه الذي أشرك به‪ .‬أنا‬
‫ل نية غي الرياء‪ ،‬مثل‬ ‫عنه غن " رواه أحد‪ ،‬وذكر أحاديث ف العن ث قال‪ :‬فإن خالط نية الهاد مث ً‬
‫أخذ أجرة الدمة أو أخذ من الغنيمة أو التجارة نقص بذلك أجر جهاده ول يبطل بالكلية‪.‬‬

‫قال ابن رجب‪ :‬وقال المام أحد رحه ال‪ :‬التاجر والستأجر والكرى أجرهم على قدر ما يلص من‬
‫نياتم ف غزواتم‪ ،‬ول يكون مثل من جاهد بنفسه وماله ل يلط به غيه‪.‬‬

‫وقال أيضا في من يأ خذ ج عل الهاد‪ :‬إذا ل يرج ل جل الدرا هم فل بأس كأ نه خرج لدي نه إن أع طى‬
‫شيئا أخذه‪ .‬وروى عن عبد ال بن عمرو رضي ال عنهما قال‪ " :‬إذا أجع أحدكم على الغزو فعوضه‬
‫ال رزقا فل بأس بذلك‪ ،‬وأ ما إن أحد كم أع طى درا هم غزا وإن ل ي عط ل ي غز فل خ ي ف ذلك "‪.‬‬
‫وروى عن ماهد رحه ال أنه قال ف حج المال وحج الجي‪ ،‬وحج التاجر‪ :‬هو تام ل ينقص من‬
‫أجرهم شئ أي لن قصدهم الصلي كان هو الج دون التكسب‪ .‬قال‪ :‬وأما إن كان أصل العمل ل‬
‫ث طرأ عل يه ن ية الرياء‪ ،‬فإن كان خاطرا ث دفعه فل يضره بغ ي خلف‪ ،‬وإن ا سترسل معه فهل يبط‬
‫عمله أم ل فيجازى على أ صل ني ته ؟ ف ذلك اختلف ب ي العلماء من ال سلف قد حكاه المام أح د‬
‫وابن جرير‪ ،‬ورجحا أن عمله ل يبطل بذلك‪ ،‬وأنه يازي بنيته الول‪ ،‬وهو مروى عن السن وغيه‪.‬‬
‫وف هذا العن جاء حديث أب ذر عن النب صلى ال عليه وسلم‪ " :‬أنه سئل عن الرجل يعمل العمل‬
‫من الي يمده الناس عليه‪ ،‬فقال‪ :‬تلك عاجل بشرى الؤمن " رواه مسلم‪ .‬انتهى ملخصا‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وتام هذا القام يتبي ف شرح حديث أب سعيد إن شاء ال تعال‪.‬‬

‫قوله‪( :‬و عن أ ب سعيد مرفوعا " أل أ خبكم ب ا هو أخوف علي كم عندي من ال سيح الدجال ؟‬
‫قالوا‪ :‬بلى يا ر سول ال‪ .‬قال‪ :‬الشرك ال في‪ :‬يقوم الر جل في صلي فيز ين صلته ل ا يرى من ن ظر‬
‫رجل " رواه أحد) ‪:‬‬

‫وروى ابن خزية ف صحيحه عن ممود بن لبيد قال‪ " :‬خرج عليه رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫فقال‪ :‬أي ها الناس‪ ،‬إيا كم وشرك ال سرائر‪ ،‬قالوا يا ر سول ال و ما شرك ال سرائر ؟ قال‪ :‬يقوم الر جل‬
‫فيصلي فيزين صلته لا يرى من نظر الرجل إليه‪ .‬فذلك شرك السرائر "‪.‬‬

‫قوله‪ :‬عن أب سعيد الدري وتقدم‪.‬‬

‫قوله‪ :‬الشرك الفي ساه خفيا لن صاحبه يظهر أن عمله ل وقد قصد به غيه‪ ،‬أو شركه فيه بتزيي‬
‫صلته لجله‪ .‬و عن شداد بن أوس قال‪ :‬ك نا ن عد الرياء على ع هد ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪220‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫الشرك الصغر رواه ا بن أ ب الدن يا ف كتاب الخلص‪ ،‬وا بن جر ير ف التهذيب‪ ،‬وال طبان والا كم‬
‫وصححه‪.‬‬

‫قال ابهن القيهم‪ :‬وأمها الشرك الصهغر فكيسهي الرياء والتصهنع للخلق واللف بغيه ال‪ ،‬وقول الرجهل‬
‫للرجل ماشاء ال وشئت‪ ،‬وهذا من ال ومنك‪ ،‬وأنا بال وبك‪ ،‬وما ل إل ال وأنت‪ ،‬وأنا متوكل على‬
‫ال وعليهك‪ ،‬ولول ال وأنهت ل يكهن كذا وكذا‪ .‬وقهد يكون هذا شرك أكهب بسهب حال قائله‬
‫ومقصده‪ ،‬انتهى‪.‬‬

‫ه قال الفضيهل بهن عياض‬


‫ول خلف أن الخلص شرط لصهحة العمهل وقبوله‪ ،‬وكذلك التابعهة‪ ،‬كم ا‬
‫رحه ال ف قوله تعال‪ " :‬ليبلوكم أي كم أحسن عملً " قال‪ :‬أيكم أخلصه ول يكن صوابا ل يق بل‪،‬‬
‫وإذا كان صهوابا ل يقبهل‪ ،‬وإذا كان صهوابا ول يكهن خالصها ل يقبهل حته يكون خالصها صهوابا‪،‬‬
‫فالالص ما كان ل‪ ،‬والصواب ما كان على السنة ‪.‬‬

‫و ف الديث عن الفوائد‪ :‬شفقة النب صلى ال عل يه وسلم على أمته ونصحه لم‪ ،‬وأن الرياء أخوف‬
‫على الصالي من فتنة الدجال‪ .‬فإن كان النب صلى ال عليه وسلم يافه على سادات الولياء مع قوة‬
‫إيانم وعلمهم فغيهم من هو دونم بأضعاف أول بالوف من الشرك أصغره وأكبه‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪221‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫باب‬
‫من الشرك إرداة النسان بعمله الدنيا‬
‫قوله‪ ( :‬باب‪ :‬من الشرك إرادة النسان بعمله الدنيا ) ‪:‬‬

‫فإن قيل‪ :‬فما الفرق بي هذه الترجة وبي ترجة الباب قبله ؟‬

‫قلت‪ :‬بينه ما عموم وخ صوص مطلق‪ ،‬يتمعان ف مادة‪ ،‬و هو ما إذا أراد الن سان بعمله التز ين ع ند‬
‫الناس والتصنع لم والثناء‪ ،‬فهذا رياء كما تقدم بيانه‪ ،‬كحال النافقي‪ .‬وهو أيضا إرادة الدنيا بالتصنع‬
‫ل صالا‪ ،‬أراد به عرضا من‬ ‫عند الناس‪ ،‬وطلب الدحة منهم والكرام‪ .‬ويفارق الرياء بكونه عمل عم ً‬
‫الدنيا‪ ،‬كمن ياهد ليأخذ مالً‪ ،‬كما ف الديث " تعس عبد الدينار " أو ياهد للمغنم أو غي ذلك من‬
‫المور الت ذكرها شيخنا عن ابن عباس رضي ال عنه وغيه من الفسرين ف معن قوله تعال‪ " :‬من‬
‫كان يريد الياة الدنيا وزينتها "‪.‬‬

‫وأراد ال صنف رح ه ال بذه الترج ة و ما بعد ها أن الع مل ل جل الدن يا شرك ينا ف كمال التوح يد‬
‫الواجب‪ ،‬ويبط العمال‪ ،‬وهو أعظم من الرياء‪ ،‬لن مريد الدنيا قد تغلب إرادته تلك على كثي من‬
‫عمله‪ ،‬وأما الرياء فقد يعرض له ف عمل دون عمل‪ ،‬ول يسترسل معه‪ ،‬والؤمن يكون حذرا من هذا‬
‫وهذا‪.‬‬

‫سل‬ ‫س وهسم فيه ا‬


‫قال‪( :‬وقوله تعال‪ " :‬من كان ير يد الياة الدن يا وزينت ها نوف إليهسم أعمالمس فيه ا‬
‫يبخ سون * أولئك الذ ين ل يس لمس فس الخرة إل النار وحبسط ما صسنعوا في ها وبا طل ما كانوا‬
‫يعملون") ‪:‬‬

‫قال ابن عباس رضي ال عنه‪ " :‬من كان يريد الياة الدنيا " أي ثوابا‪ .‬وزينتها‪ ،‬أي مالا‪ .‬نوف‪ ،‬أي‬
‫نوفهر لمه ثواب أعمالمه بالصهحة والسهرور فه الال والههل والولد‪ " :‬وههم فيهها ل يبخسهون " ل‬
‫ينق صون‪ ،‬ث ن سختها‪ " ، :‬من كان ير يد العاجلة عجل نا له في ها ما نشاء ل ن نر يد " اليت ي‪ .‬رواه‬
‫النحاس ف ناسخه‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪222‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪ :‬ث نسختها أي قيدتا‪ .‬فلم تبق الية على إطلقها‪.‬‬

‫وقال قتادة‪ :‬من كانت الدنيا هه وطلبته ونيته جازاه ال بسناته ف الدنيا ث يفضي إل الخرة وليس له‬
‫حسنة يعطي با جزاء‪ ،‬وأما الؤمن فيجازى بسناته ف الدنيا ويثاب عليها ف الخرة ذكره ابن جرير‬
‫بسنده‪ ،‬ث ساق حديث أب هريرة عن ابن البارك عن حيوة ابن شريح قال‪ :‬حدثن الوليد بن أب الوليد‬
‫أبو عثمان أن عقبة بن مسلم حدثه أن شفى بن ماتع الصبحي حدثه‪ ( :‬أنه دخل الدينة فإذا هو برجل‬
‫قد اجتمع عليه الناس‪ ،‬فقال‪ :‬من هذا ؟ فقالوا‪ :‬أبو هريرة‪ .‬قال‪ :‬فدنوت منه حت قعدت بي يديه‪ ،‬وهو‬
‫يدث الناس‪ .‬فما سكت وخل قلت‪ :‬أنشدك بق وبق لا حدثتن حديثا سعته من رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم عقلته وعلمته‪ .‬قال‪ :‬فقال أبو هريرة‪ :‬أفعل‪ ،‬لحدثنك حديثا حدثنيه رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ف هذا البيت ما فيه أحد غيي وغيه ث نشغ أبو هريرة نشغة‪ ،‬ث أفاق فقال‪ :‬لحدثنك‬
‫حديثا حدثن يه ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ف هذا الب يت ما ف يه غيي أ حد وغيه‪ .‬ث ن شغ أ بو‬
‫هريرة نشغة أخرى‪ ،‬ث مال خارا على وجهه‪ ،‬واشتد به طويلً‪ .‬ث أفاق فقال‪ :‬حدثن رسول ال صلى‬
‫ال عل يه و سلم‪ " :‬إن ال تبارك وتعال إذا كان يوم القيا مة نزل إل القيا مة ليق ضي بين هم‪ ،‬و كل أ مة‬
‫جاثية‪ .‬فأول من يد عو به رجل جع القرآن‪ ،‬ور جل ق تل ف سبيل ال‪ ،‬ور جل كث ي الال‪ .‬فيقول ال‬
‫تبارك وتعال للقارىء‪ :‬أل أعل مك ما أنزلت على ر سول ؟ قال‪ :‬بلى يا رب‪ .‬قال‪ :‬فماذا عملت في ما‬
‫عل مت ؟ قال‪ :‬ك نت أقوم آناء الل يل وآناء النهار‪ .‬فيقول ال له‪ :‬كذ بت‪ ،‬وتقول له اللئ كة‪ :‬كذ بت‪،‬‬
‫ويقول ال له‪ :‬بل أردت أن يقال فلن قارىء ف قد ق يل ذلك‪ .‬ويؤ ت ب صاحب الال فيقول ال له‪ :‬أل‬
‫أو سع عل يك ح ت ل أد عك تتاج إل أ حد ؟ قال‪ :‬بلى يا رب‪ ،‬قال‪ :‬ف ما عملت في ما آتي تك ؟ قال‪:‬‬
‫كنت أصل الرحم وأتصدق‪ ،‬فيقول ال له‪ :‬كذبت‪ ،‬وتقول له اللئكة‪ :‬كذبت‪ ،‬ويقول ال‪ :‬بل أردت‬
‫أن يقال فلن جواد‪ ،‬ف قد ق يل ذلك‪ .‬ويؤ ت بالذي ق تل ف سبيل ال فيقال له‪ :‬فبماذا قتلت ؟ فيقول‪:‬‬
‫أمرت بالهاد فه سهبيلك فقاتلت حته قتلت‪ ،‬فيقول ال له‪ :‬كذبهت‪ ،‬وتقول له اللئكهة‪ :‬كذبهت‪،‬‬
‫ويقول ال له‪ :‬بل أردت أن يقال فلن جريء فقد قيل ذلك‪ .‬ث ضرب رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫على ركبت فقال‪ :‬يا أبا هريرة‪ ،‬أولئك الثلثة أول خلق ال تسعر بم النار يوم القيامة "‪.‬‬

‫وقد سئل شيخنا الصنف رحه ال عن هذه الية فأجاب با حاصله‪ :‬ذكر عن السلف فيها أنواع ما‬
‫يفعله الناس اليوم ول يعرفون معناه‪.‬‬

‫فمهن ذلك‪ :‬العمهل الصهال الذي يفعله كثيه مهن الناس ابتغاء وجهه ال‪ :‬مهن صهدقة وصهلة‪ ،‬وصهلة‬
‫وإحسان إل الناس‪ ،‬وترك ظلم‪ ،‬ونو ذلك ما يفعله النسان أو يتركه خالصا ل‪ ،‬لكنه ل يريد ثوابه‬
‫ف الخرة‪ ،‬إنا يريد أن يازيه ال بفظ ماله وتنميته‪ ،‬أو حفظ أهله وعياله‪ ،‬أو إدامة النعمة عليهم‪ ،‬ول‬
‫ه ة له ف طلب ال نة والرب من النار‪ ،‬فهذا يع طي ثواب عمل يه ف الدن يا ول يس له ف الخرة من‬
‫نصيب‪ .‬وهذا النوع ذكره ابن عباس‪.‬‬

‫النوع الثان‪ :‬و هو أكب من الول وأخوف‪ ،‬و هو الذي ذكره ما هد ف ال ية‪ :‬أنا نزلت ف يه و هو أن‬
‫يعمل أعمالً صالة ونيته رياء الناس‪ ،‬ل طلب ثواب الخرة‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪223‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫النوع الثالث‪ :‬أن يعمل أعما ًل صالة يقصد با مالً‪ ،‬مثل أن يج لال يأخذه أو يهاجر لدنيا يصيبها‪،‬‬
‫أو امرأة يتزوج ها‪ ،‬أو يا هد ل جل الغنم‪ ،‬فقد ذ كر أيضا هذا النوع ف تف سي هذه ال ية‪ ،‬ك ما يتعلم‬
‫الرجل لجل مدرسة أهله أو مكسبهم أو رياستهم‪ ،‬أو يتعلم القرآن ويواظب على الصلة لجل وظيفة‬
‫السجد‪ ،‬كما هو واقع كثيا‪.‬‬

‫النوع الرا بع‪ :‬أن يعمل بطا عة ال ملصا ف ذلك ل وحده ل شر يك له لك نه على عمل يكفره كفرا‬
‫يرجه عن السلم‪ ،‬مثل اليهود والنصارى إذا عبدوا ال‪ ،‬أو تصدقوا أو صاموا إبتغاء وجه ال والدار‬
‫الخرة‪ ،‬وم ثل كث ي من هذه ال مة الذ ين في هم ك فر أو شرك أ كب يرج هم من ال سلم بالكل ية‪ ،‬إذا‬
‫أطاعوا ال طاعهة خالصهة يريدون باه ثواب ال فه الدار الخرة ؟ لكنههم على أعمال ترجههم مهن‬
‫السلم وتنع قبول أعمالم‪ ،‬فهذا النوع أيضا قد ذكر ف هذه الية عن أنس بن مالك وغيه‪ ،‬وكان‬
‫السلف يافون منها‪ ،‬قال بعضهم‪ :‬لو أعلم أن ال تقبل من سجدة واحدة لتمنيت الوت لن ال تعال‬
‫يقول‪ " :‬إنا يتقبل ال من التقي "‪.‬‬

‫ث قال‪ :‬بقي أن يقال‪ :‬إذا عمل الرجل الصلوات المس والزكاة والصوم والج إبتغاء وجه ال‪ ،‬طالبا‬
‫ثواب الخرة‪ ،‬ث بعد ذلك عمل أعمالً قاصدا با الدنيا‪ ،‬مثل أن يج فرضه ل‪ ،‬ث يج بعده لجل‬
‫الدن يا ك ما هو وا قع‪ ،‬ف هو ل ا غلب عل يه منه ما‪ .‬و قد قال بعض هم‪ :‬القرآن كثيا ما يذ كر أ هل ال نة‬
‫اللص وأهل النار اللص‪ ،‬ويسكت عن صاحب الشائبتي‪ ،‬وهو هذا وأمثاله ا هه‪.‬‬
‫قوله‪( :‬ف الصحيح عن أب هريرة رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ " :‬تعس‬
‫عبد الدينار‪ ،‬تعس عبد الدرهم‪ ،‬تعس عبد الميصة‪ ،‬تعس عبد الميلة‪ ،‬إن أعطى رضى‪ ،‬وإن ل‬
‫يعط سخط‪ ،‬تعس وانتكس وإذا شك فل انتقش‪ .‬طوب لعبد أخذ بعنان فرسه ف سبيل ال أشعث‬
‫رأسه‪ ،‬مغبة قدماه‪ ،‬إن كان ف الراسة كان ف الراسة‪ ،‬وإن كان ف الساقة كان ف الساقة‪ .‬إن‬
‫استأذن ل يؤذن له‪ ،‬وإن شفع ل يشفع له ") ‪:‬‬

‫قوله‪ :‬ف الصحيح أي صحيح البخاري‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ت عس هو بك سر الع ي ويوز الف تح أي سقط‪ ،‬والراد ه نا هلك‪ .‬قاله الا فظ‪ ،‬وقال ف مو ضع‬
‫آخر‪ :‬وهو ضد سعد‪ .‬أي شقي‪ .‬قال أبو السعادات‪ :‬يقال تعس يتعس إذا عثر وانكب لوجهه‪ .‬وهو‬
‫دعاء عليه باللك‪.‬‬

‫قوله‪ :‬عبد الدينار هو العروف من الذهب كالثقال ف الوزن‪.‬‬

‫قوله‪ :‬تعس عبد الدرهم وهو من الفضة‪ ،‬قدره الفقهاء بالشعي وزنا‪ ،‬وعندنا منه درهم من ضرب بن‬
‫أمية وهو زنة خسي حبة شعي وخسا حبة ساه عبدا له‪ ،‬لكونه هو القصود بعمله‪ ،‬فكل من توجه‬
‫بقصده لغي ال فقد جعله شريكا له ف عبوديته كما هو حال الكثر‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪224‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪ :‬تعس عبد الميصة قال أبو السعادات‪ :‬هي ثوب خز أو صوف معلم‪ ،‬وقيل ل تسمى خيصة إل‬
‫أن تكون سوداء معل مة‪،‬وت مع على خائص‪ .‬والميلة بف تح الاء العج مة وقال أ بو ال سعادات‪ :‬ذات‬
‫المل‪ ،‬ثياب لا خل من أي شئ كان‪.‬‬

‫قوله‪ :‬تعس وانتكس قال الافظ‪ :‬هو بالهملة‪ ،‬أي عاوده الرض‪ .‬وقال أبو السعادات‪ :‬أي انقلب على‬
‫رأسه‪ .‬وهو دعاء عليه باليبة‪ .‬قال الطيب‪ :‬فيه الترقي بالدعاء عليه‪ .‬لنه إذا تعس انكب على وجهه‪.‬‬
‫وإذا انتكس انقلب على رأسه بعد أن سقط‪.‬‬

‫قوله‪ :‬وإذا شيك أي أصابته شوكة فل انتقش أي فل يقدر على إخراجها بالنقاش قاله أبو السعادات‪.‬‬

‫والراد أن من كا نت هذه حاله فإ نه يستحق أن يدعى عليه با يسوءه ف العواقب‪ ،‬ومن كانت هذه‬
‫حاله فل بد أن يد أثر هذه الدعوات ف الوقوع فيما يضره ف عاجل دنياه وآجل أخراه‪.‬‬

‫قال شيخ السلم رحه ال‪ :‬فسماه النب صلى ال عليه وسلم عبد الدينار والدرهم وعبد القطيفة وعبد‬
‫الميصة‪ .‬وذكر فيه ما هو دعاء بلفظ الب وهو قوله‪ :‬تعس وانتكس وإذا شيك فل انتقش وهذه حال‬
‫مهن إذا أصهابه شهر ل يرج منهه ول يفلح‪ ،‬لكونهه تعهس وانتكهس‪ ،‬فل نال الطلوب‪ ،‬ول خلص مهن‬
‫الكروه‪ ،‬وهذا حال من عبد الال‪ .‬وقد وصف ذلك بأنه‪ :‬إن أعطى رضى‪ ،‬وإن منع سخط كما قال‬
‫تعال‪ " :‬ومنهم من يلمزك ف الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن ل يعطوا منها إذا هم يسخطون "‬
‫فرضاؤهم لغي ال‪ ،‬وسخطهم لغي ال‪ ،‬وهكذا حال من كان متعلقا منها برياسة أو صورة ونو ذلك‬
‫من أهواء نفسه‪ ،‬إن حصل له رضى‪ ،‬وإن ل يصل له سخط‪ ،‬فهذا عبد ما يهواه من ذلك وهو رقيق‬
‫له‪ ،‬إذ الرق والعبودية ف القيقة هو رق القلب وعبوديته‪ ،‬فما استرق القلب واستعبده فهو عبده إل أن‬
‫قال‪:‬‬

‫وهكذا أيضا طالب الال‪ ،‬فإن ذلك يستعبده ويسترقه وهذه المور نوعان‪ ،‬فمنها ما يتاج إليه العبد‪،‬‬
‫ك ما يتاج إل طعا مه وشرا به ومنك حه وم سكنه ون و ذلك‪ ،‬فهذا يطلب من ال وير غب إل يه ف يه‪.‬‬
‫فيكون الال عنده يستعمله ف حاج ته بنلة حاره الذي يرك به‪ ،‬وبساطه الذي يلس عل يه من غ ي أن‬
‫يستعبده فيكون هلوعا‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬ما ل يتاج إليه العبد‪ ،‬فهذا ينبغي أن ل يعلق قلبه با‪ ،‬فإذا تعلق قلبه با صار مستعبدا لا‪ ،‬وربا‬
‫صار مستعبدا متعمدا على غي ال فيها‪ ،‬فل يبقى معه حقيقة العبودية ل ول حقيقة التوكل عليه‪ ،‬بل‬
‫فيه شعبة من العبادة لغي ال وشعبة من التوكل على غي ال‪ ،‬وهذا من أحق الناس بقوله صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ " :‬تعس عبد الدينار‪ ،‬تعس عبد الدرهم‪ ،‬تعس عبد الميصة‪ ،‬تعس عبد الميلة " وهذا هو عبد‬
‫لذه المور ولو طلبها من ال‪ ،‬فإن ال إذا أعطاه إياه رضى‪ ،‬وإن منعه إياها سخط‪ ،‬وإنا عبد ال من‬
‫يرض يه ما ير ضي ال وي سخطه ما ي سخط ال وي ب ما أح به ال ور سوله ويب غض ما أبغ ضه ال‬
‫ورسوله‪ ،‬ويوال أولياء ال ويعادى أعداء ال فهذا الذي استكمل اليان‪ ،‬انتهى ملخصا‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪225‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪ :‬طوب لعبد قال أبو السعادات‪ :‬طوب اسم النة‪ ،‬وقيل‪ :‬هي شجرة فيها ويؤيد هذا ما روى ابن‬
‫وهب بسنده عن أب سعيد قال‪ " :‬قال رجل‪ :‬يا رسول ال وما طوب ؟ قال‪ :‬شجرة ف النة مسية‬
‫مائة سنة‪ ،‬ثياب أهل النة ترج من أكمامها " ورواه المام أحد‪ :‬حدثنا حسن بن موسى سعت عبد‬
‫ال بن ليعة حدثنا دراج أبو السمح أن أبا اليثم حدثه أبو سعيد الدري عن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم " إن رجلً قال‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬طوب لن رآك وآمن بك‪ ،‬قال طوب لن رآن وآمن ب‪ ،‬وطوب‬
‫ث طوب ث طوب لن آمن ب ول يرن‪ .‬قال له رجل‪ :‬وما طوب ؟ قال‪ :‬شجرة ف النة مسية مائة عام‪،‬‬
‫ثياب أ هل ال نة ترج من أكمام ها " وله شوا هد ف ال صحيحي وغيه ا‪ .‬و قد روى ا بن جر ير عن‬
‫و هب بن من به هاهنا أثرا غريبا عجيبا‪ .‬قال و هب رح ه ال‪ :‬إن ف ال نة شجرة يقال ل ا طوب ي سي‬
‫الراكب ف ظلها مائة عام ل يقطعها‪ :‬زهرها رياط‪ ،‬وورقها برود وقضبانا عنب‪ ،‬وبطحاؤها ياقوت‪،‬‬
‫وترابا كافور‪ ،‬ووحلها مسك‪ ،‬يرج من أصلها أنار المر واللب والعسل‪ ،‬وهي ملس لهل النة‪،‬‬
‫بين ما هم ف مل سهم إذا أتت هم اللئ كة من رب م يقودون نبا مزمومة ب سلسل من ذ هب‪ ،‬وجوه ها‬
‫كالصابيح من حسنها‪ ،‬ووبرها كخز الرعزي من لينه‪ ،‬عليها رحال ألواحها من ياقوت‪ ،‬ودفوفها من‬
‫ذ هب وثياب ا من سندس وإ ستبق‪ ،‬فينيخون ا ويقولون‪ :‬إن رب نا أر سل إلي كم لتزوروه وت سلموا عل يه‬
‫قال‪ :‬فيكبونا‪ ،‬قال‪ :‬فهي أسرع من الطائر‪ ،‬وأوطأ من الفراش‪ .‬خبا من غي مهنة‪ ،‬يسي الراكب إل‬
‫جنهب أخيهه وههو يكلمهه ويناجيهه‪ ،‬ل تصهيب أذن راحلة منهها أذن صهاحبتها‪ ،‬ول برك راحلة برك‬
‫صاحبتها‪ ،‬حت إن الشجرة لتنتحى عن طريقهم لئل تفرق بي الرجل وأخيه‪ .‬قال‪ :‬فيأتون إل الرحن‬
‫الرحيم فيسفر لم عن وجهه الكري حت ينظروا إليه‪ ،‬فإذا رأوه قالوا‪ :‬اللهم أنت السلم ومنك السلم‪،‬‬
‫وحهق لك اللل والكرام‪ ،‬قال‪ :‬فيقول تبارك وتعال عنهد ذلك‪ ،‬أنها السهلم ومنه السهلم وعليكهم‬
‫ح قت رح ت ومب ت‪ ،‬مرحبا بعبادي الذ ين خشو ن بالغ يب وأطاعوا أمري‪ .‬قال فيقولون‪ :‬رب نا إ نا ل‬
‫نعبدك حق عبادتك‪ ،‬ول نقدرك‪ ،‬فائذن لنا بالسجود قدامك‪ .‬قال‪ :‬فيقول ال‪ :‬إنا ليست بدار نصب‬
‫ول عبادة‪ ،‬ولكنها دار ملك ونعيم‪ ،‬وإن قد رفعت عنكم نصب العبادة‪ ،‬فسلون ما شئتم‪ ،‬بأن لكل‬
‫رجل منكم أمنيته‪ .‬فيسألونه‪ ،‬حت إن أقصرهم أمنية ليقول‪ :‬رب‪ ،‬تنافس أهل الدنيا ف دنياهم فتضايقوا‬
‫في ها‪ ،‬رب فآت ن من كل شئ كانوا ف يه من يوم خلقت ها إل أن انت هت الدن يا‪ ،‬فيقول ال تعال‪ :‬ل قد‬
‫ق صرت بك اليوم أمني تك‪ .‬ول قد سألت دون منل تك‪ .‬هذا لك م ن و سأتفك بنل ت لن ل يس ف‬
‫عطائي ن كد ول ق صر يد‪ .‬قال‪ :‬ث يقول‪ :‬اعرضوا على عبادي ما ل تبلغ أماني هم ول ي طر على بال‪.‬‬
‫قال‪ :‬فيعرضون علي هم ح ت تق صر ب م أماني هم ال ت ف أنف سهم‪ ،‬فيكون في ما يعرضون علي هم براذ ين‬
‫مقرنة على كل أربعة منها سرير من ياقوتة واحدة‪ .‬على كل سرير منها قبة من ذهب مفزعة‪ .‬ف كل‬
‫قبة منها فرش من فرش النة مظاهرة‪ .‬ف كل قبة منها جاريتان من الور العي‪ .‬على كل جارية منهن‬
‫ثوبان من ثياب النة‪ .‬وليس ف النة لون إل وهو فيهما‪ .‬ول ريح طيب إل قد عبق بما‪ .‬ينفذ ضوء‬
‫وجوههما غلظ القبة‪ .‬حت يظن من يراها أنما من دون القبة يرى مهما من فوق سوقهما كالسلك‬
‫البيض ف يا قوته حراء‪ .‬يريان له من الفضل على صحابته كفضل الشمس على الجارة أو أفضل‪.‬‬
‫ويرى ل ما م ثل ذلك‪ .‬ث يد خل عليه ما فيحييا نه ويقبل نه ويعانقا نه ويقولن له‪ :‬وال ما ظن نا أن ال‬
‫يلق مثلك‪ .‬ث يأمر ال تعال اللئكة فيسيون بم صفا ف النة حت ينتهي كل رجل منهم إل منلته‬
‫الت أعدت له ‪.‬‬

‫و قد روى هذا ال ثر ا بن أ ب حا ت ب سنده عن و هب بن من به وزاد‪ :‬فانظروا إل موا هب رب كم الذي‬


‫وهب لكم‪ ،‬فإذا بقباب ف الرفيق العلى‪ ،‬وغرف مبنية بالدر والرجان أبوابا من ذهب وسررها من‬
‫ياقوت‪ ،‬وفرش ها من سندس وا ستبق‪ ،‬ومنابر ها من نور‪ ،‬يفور من أبواب ا وعرا صها نور م ثل شعاع‬
‫الشمس‪ ،‬عنده مثل الكوكب الدري ف النهار الضيء‪ ،‬وإذا بقصور شامة ف أعلى عليي من الياقوت‬
‫يزهو نورها‪ .‬فلول أنه مسخر إذا للتمع البصار‪ ،‬فما كان من تلك القصور من الياقوت البيض فهو‬
‫مفروش بالرير البيض‪ ،‬وما كان منها من الياقوت الخضر فهو مفروش بالسندس الخضر‪ ،‬وما كان‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪226‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫من ها من الياقوت ال صفر ف هو مفروش بالرجوان ال صفر‪ ،‬مبو بة بالزمرد الخ ضر والذ هب الح ر‬
‫ه غرف مهن‬ ‫والفضهة البيضاء‪ ،‬قوائمهها وأركاناه مهن الوههر‪ ،‬وشرفهها مهن قباب مهن لؤلؤ‪ ،‬وبروجه ا‬
‫الرجان‪ .‬فل ما ان صرفوا إل ما أعطا هم رب م قر بت ل م براذ ين من ياقوت أب يض منفوخ في ها الروح‪،‬‬
‫تتها الولدان الخلدون‪ ،‬بيد كل وليد منهم حكمة برذون من تلك الباذين ولمها وأعنتها من فضة‬
‫بيضاء منظومهة بالدر والياقوت‪ ،‬سهرر موضونهة مفروشهة بالسهندس والسهتبق‪ ،‬فانطلقهت بمه تلك‬
‫الباذ ين تزف فينظرون رياض ال نة فل ما انتهوا إل منازل م وجدوا اللئ كة قعدوا على منابر من نور‬
‫ينتظرونم ليزوروهم ويصافحوهم ويهنئوهم كرامة ربم‪ ،‬فلما دخلوا قصورهم وجدوا فيها جيع ما‬
‫تطاول به علي هم و ما سألوا و ما تنوا‪ ،‬وإذا على باب كل ق صر من تلك الق صور أرب عة جنان جنتان‬
‫ذواتا أفنان وجنتان مدهامتان وفيهمها عينان نضاختان‪ ،‬وفيهمها مهن كهل فاكههة زوجان‪ ،‬وحور‬
‫مقصورات ف اليام‪ ،‬فلما تبوءوا منازلم واستقروا قرارهم قال لم ربم‪ " :‬هل وجدت ما وعد ربكم‬
‫حقا قالوا ن عم " ورب نا‪ .‬قال‪ :‬هل رضي تم ثواب رب كم ؟ قالوا‪ :‬رب نا رضي نا فارض ع نا‪ ،‬قال‪ :‬فبضائي‬
‫عنكم أحللتكم داري ونظرت إل وجهي‪ ،‬فعند ذلك قالوا‪ " :‬المد ل الذي أذهب عنا الزن إن ربنا‬
‫لغفور شكور * الذي أحل نا دار القا مة من فضله ل ي سنا في ها ن صب ول ي سنا في ها لغوب " وهذا‬
‫سياق غريب وأثر عجيب ولبعضه شواهد ف الصحيحي‪.‬‬

‫وقال خالد بن معدان‪ :‬إن ف النة شجرة يقال لا طوب‪ ،‬ضروع كلها‪ ،‬ترضع صبيان أهل النة‪ ،‬وإن‬
‫سقط الرأة يكون ف نر من أنار النة يتقلب فيه حت تقوم القيامة فيبعث ابن أربعي سنة رواه ابن أب‬
‫حات‪.‬‬

‫قوله‪ :‬أخذ بعنان فرسه ف سبيل ال أي ف جهاد الشركي‪.‬‬

‫قوله‪ :‬أشعث مرور بالفتحة لنه اسم ل ينصرف للوصفية ووزن الفعل‪ ،‬ورأسه مرفوع على الفاعلية‪،‬‬
‫وهو طائر الشعر‪ ،‬شغله الهاد ف سبيل ال عن التنعم بالدهان وتسريح الشعر‪.‬‬

‫قوله‪ :‬مغبة قدماه هو بالر صفة ثانية لعبد‪.‬‬

‫قوله‪ :‬إن كان ف الراسة كان ف الراسة هو بكسر الاء أي حى اليش عن أن يهجم العدو عليهم‪.‬‬

‫قوله‪ :‬كان ف الراسة أي غي مقصر فيها ول غافل‪ ،‬وهذا اللفظ يستعمل ف حق من قام بالمر على‬
‫وجه الكمال‪.‬‬

‫قوله‪ :‬وإن كان ف الساقة كان ف الساقة أي ف مؤخرة اليش‪ ،‬يقلب نفسه ف مصال الهاد‪ ،‬ف كل‬
‫مقام يقوم فيه إن كان ليلً أو نارا‪ ،‬رغبة ف ثواب ال وطلبا لرضاته ومبة لطاعته‪.‬‬

‫قال ابن الوزي رحه ال‪ :‬وهو خامل الذكر ل يقصد السمو‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪227‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وقال اللخال‪ :‬العن ائتماره با أمر‪ ،‬وإقامته حيث أقيم‪ .‬ل يفقد من مقامه‪ ،‬وإنا ذكر الراسة والساقة‬
‫لنما أشد مشقة‪ .‬انتهى‪ .‬وفيه فضل الراسة ف سبيل ال‪.‬‬

‫قوله‪ :‬إن استأذن ل يؤذن له أي إن استأذن على المراء ونوهم ل يؤذن له لنه ل جاه له عندهم ول‬
‫منلة‪ .‬لنه ليس من طلبا‪ .‬وإنا يطلب ما عند ال ل يقصد بعمله سواه‪.‬‬

‫قوله‪ :‬وإن شفع بفتح أوله وثانية ل يشفع بفتح الفاء مشددة‪ .‬يعن لو ألأته الال إل أن يشفع ف أمر‬
‫يبه ال ورسوله ل تقبل شفاعته عند المراء ونوهم‪.‬‬

‫وروى المام أح د وم سلم عن أ ب هريرة مرفوعا‪ " :‬رب أش عث مدفوع بالبواب لو أق سم على ال‬
‫لبره "‪.‬‬

‫وروى المام أحد أيضا عن مصعب بن ثابت بن عبد ال بن الزبي قال‪ :‬قال عثمان رضي ال وهو‬
‫يطب على م نبه‪ " :‬إن مدث كم حديثا سعته من ر سول ال صلى ال عل يه وسلم ل يكن ينع ن أن‬
‫أحدثكم به إل الظن بكم‪ .‬سعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪ :‬حرس ليلة ف سبيل ال أفضل‬
‫من ألف ليلة يقام ليلها ويصام نارها "‪.‬‬

‫وروى الا فظ ابن عساكر ف ترجة ع بد ال بن البارك قال ع بد ال بن ممد قا ضي نصيبي حدثن‬
‫م مد بن إبراه يم بن أ ب سكينة أ نه أملى عل يه ع بد ال بن البارك هذه البيات بطر سوس وواعده‬
‫الروج‪ .‬وأنشدها معه إل الفضيل بن عياض ف سنة سبع وسبعي ومائة‪ .‬قال‪:‬‬

‫لعلمت أنك ف العبادة تلعب‬ ‫يا عابد الرمي لو أبصرتنا‬


‫فنحورنا بدمائنا تتخضب‬ ‫من كان يصب خده بدموعه‬
‫فخيولم يوم الصبيحة تتعب‬ ‫أو كان يتعب خيله ف باطل‬
‫رهج السنابك والغبار الطيب‬ ‫ريح العبي لكم‪ ،‬ونن عبينا‬
‫قول صحيح صادق ل يكذب‬ ‫ولقد أتانا من مقال نبينا‬
‫ف أنف امرىء ودخان نار تلهب‬ ‫ل يستوي غبار خيل الليل‬
‫ليس الشهيد بيت ل يكذب‬ ‫هذا كتاب ال ينطق بيننا‬

‫قال‪ :‬فلق يت الفض يل بكتا به ف ال سجد الرام فل ما قرأه ذر فت عيناه فقال‪ :‬صدق أ بو ع بد الرح ن‬
‫ون صحن‪ ،‬ث قال‪ :‬أ نت م ن يك تب الد يث ؟ قلت‪ :‬ن عم قال ل‪ :‬اك تب هذا الد يث‪ ،‬وأملى على‬
‫الفضيل بن عياض‪ :‬حدثنا منصور بن العتمر عن أب صال عن أب هريرة‪" :‬أن رجلً قال‪ :‬يا رسول ال‬
‫علمن عملً أنال به ثواب الجاهدين ف سبيل ال‪ ،‬فقال‪ :‬هل تستطيع أن تصلي فل تفتر‪ ،‬وتصوم فل‬
‫تف طر ؟ فقال‪ :‬يا ر سول ال أ نا أض عف من أن أ ستطيع ذلك‪ ،‬ث قال ال نب صلى ال عل يه و سلم‪ :‬فو‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪228‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫الذي نفسي بيده لو طوقت ذلك ما بلغت فضل الجاهدين ف سبيل ال‪ ،‬أما علمت أن فرس الجاهد‬
‫ليست ف طوله فيكتب له بذلك حسنات ؟ "‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪229‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫باب‬
‫من أطاع العلماء والمراء ف تري ما أحل ال‬
‫قوله‪( :‬باب‪ :‬من أطاع العلماء والمراء ف تر ي ما أ حل ال أو تل يل ما حرم ال‪ ،‬ف قد اتذ هم‬
‫أربابا من دون ال) ‪:‬‬

‫لقول ال تعال‪ " :‬اتذوا أحبارهم ورهبانم أربابا من دون ال والسيح ابن مري وما أمروا إل ليعبدوا‬
‫إلا واحدا ل إله إل هو سبحانه عما يشركون" وتقدي تفسي هذا ف أصل الصنف رحه ال عند ذكر‬
‫حديث عدي ابن حات رضي ال عنه‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وقال ابن عباس رضي ال عنهما‪ " :‬يوشك أن تنل عليكم حجارة من السماء‪ .‬أقول‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم وتقولون‪ :‬قال أبو بكر وعمر ؟ ") ‪:‬‬

‫قوله‪ :‬يوشك بضم أوله وكسر الشي العجمة أي يقرب ويسرع‪.‬‬

‫وهذا القول من ابن عباس رضي ال عنهما جواب لن قال‪ :‬إن أبا بكر وعمر رضي ال عنهما ل يريان‬
‫التم تع بالعمرة إل ال ج‪،‬ويريان أن إفراد ال ج أف ضل‪ :‬أو ما هو مع ن هذا‪ ،‬وكان ا بن عباس يرى أن‬
‫التم تع بالعمرة إل ال ج وا جب ويقول‪ :‬إذا طاف بالب يت وسعى ب ي ال صفا والروة سبعة أشواط فقد‬
‫حل من عمرته شاء أم أب" لديث سراقة بن مالك حي أمرهم النب صلى ال عليه وسلم أن يعلوها‬
‫عمرة ويلوا إذا طافوا بالبيت وسعوا بي الصفا والروة‪ ،‬فقال سراقة‪ :‬يا رسول ال ألعامنا هذا أم للبد‬
‫؟ فقال‪ :‬بل للبد " والديث ف الصحيحي‪ ،‬وحينئذ فل عذر لن استفى أن ينظر ف مذاهب العلماء‬
‫و ما استدل به كل إمام ويأخذ من أقوالم ما دل عليه الدل يل إذا كان له ملكة يقتدر با على ذلك‪.‬‬
‫كما قال تعال‪ " :‬فإن تنازعتم ف شيء فردوه إل ال والرسول إن كنتم تؤمنون بال واليوم الخر ذلك‬
‫خي وأحسن تأويل "‪.‬‬

‫وللبخاري ومسلم وغيها أن النب صلى ال عليه وسلم قال‪ " :‬لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما‬
‫أهديت ولول أن معي الدى لحللت " هذا لفظ البخاري ف حديث عائشة رضي ال عنها‪ .‬ولفظه ف‬
‫حديهث جابر‪ " :‬افعلوا مها أمرتكهم بهه فلول أنه سهقت الدى لفعلت مثهل الذي أمرتكهم " فه عدة‬
‫أحاديث تؤيد قول ابن عباس‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪230‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وبالملة فلهذا قال ا بن عباس ل ا عارضوا الد يث برأي أ ب ب كر وع مر ر ضي ال عنه ما‪ :‬يو شك أن‬
‫تنل عليكم حجارة من السماء‪ ....‬الديث‪.‬‬

‫وقال المام مالك رح ه ال تعال‪ :‬ما م نا إل راد ومردود عل يه‪ ،‬إل صاحب هذا ال قب صلى ال عل يه‬
‫وسلم ‪.‬‬

‫وكلم الئمة ف هذا العن كثي‪.‬‬

‫وما زال العلماء رحهم ال يتهدون ف الوقائع فمن أصاب منهم فله أجران‪ ،‬ومن أخطأ فله أجر‪ ،‬كما‬
‫ف الديث‪ ،‬لكن إذا استبان لم الدليل أخذوا به وتركوا اجتهادهم‪ .‬وأما إذا ل يبلغهم الديث أو ل‬
‫يثبت عن النب صلى ال عليه وسلم عندهم فيه حد يث‪ ،‬أو ثبت وله معارض أو مصص ون و ذلك‬
‫فحينئذ يسوغ للمام أن يتهد‪ .‬وف عصر الئمة الربعة رحهم ال تعال إنا كان طلب الحاديث من‬
‫هي عنده باللقى والسماع‪ ،‬ويسافر الرجل ف طلب الديث إل المصار عدة سني‪ .‬ث اعتن الئمة‬
‫بالتصانيف ودونوا الحاديث ورووها بأسانيدها‪ ،‬وبينوا صحيحها من حسنها من ضعيفها‪ .‬والفقهاء‬
‫صنفوا ف كل مذ هب‪ ،‬وذكروا ح جج الجتهد ين‪ .‬ف سهل ال مر على طالب العلم‪ .‬و كل إمام يذ كر‬
‫الكم بدليله عنده‪ ،‬وف كلم ابن عباس رضي ال عنهما ما يدل على أن من يبلغه الدليل فلم يأخذ به‬
‫تقليدا لمامه فإنه يب النكار عليه بالتغليظ لخالفته الدليل‪.‬‬

‫وقال المام أحد‪ :‬حدثنا أحد بن عمر البزار‪ ،‬حدثنا زياد بن أيوب‪ ،‬حدثنا أبو عبيدة الداد عن مالك‬
‫بن دينار عن عكرمة ابن عباس قال‪ :‬ليس منا أحد إل يؤخذ من قوله ويدع غي النب صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪.‬‬

‫وعلى هذا فيجب النكار على من ترك الدليل لقول أحد من العلماء كائنا من كان‪ ،‬ونصوص الئمة‬
‫على هذا‪ ،‬وأنه ل يسوغ التقليد إل ف مسائل الجتهاد الت ل دليل فيها يرجع إليه من كتاب ول سنة‪،‬‬
‫فهذا هو الذي عناه بعض العلماء بقوله‪ :‬ل إنكار ف مسائل الجتهاد‪ .‬وأما من خالف الكتاب والسنة‬
‫فيجب الرد عليه كما قال ابن عباس والشافعي ومالك وأحد‪ ،‬وذلك ممع عليه‪ ،‬كما تقدم ف كلم‬
‫الشافعي رحه ال تعال‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وقال المام أحدس‪ :‬عجبست لقوم عرفوا السسناد وصسحته‪ ،‬ويذهبون إل رأي سسفيان‪ .‬وال‬
‫تعال يقول‪ " :‬فليحذر الذين يالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم " أتدرون ما‬
‫الفتنة ؟ الفتنة الشرك‪ ،‬لعله إذا رد بعض قوله أن يقع ف قلبه شئ من الزيغ فيهلك) ‪:‬‬

‫هذا الكلم من المام أح د رح ه ال رواه ع نه الف ضل بن زياد وأ بو طالب‪ .‬قال الف ضل عن أح د‪:‬‬
‫نظرت ف الصحف فوجدت طاعة الرسول صلى ال عليه وسلم ف ثلث وثلثي موضعا‪ ،‬ث جعل‬
‫يتلو‪ " :‬فليحذر الذين يالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة " الية‪ ،‬فذكر من قوله‪ :‬الفتنة الشرك إل قوله‬
‫فيهلك ‪ .‬ث جعل يتلو هذه الية‪ " :‬فل وربك ل يؤمنون حت يكموك فيما شجر بينهم ث ل يدوا ف‬
‫أنفسهم حرجا ما قضيت ويسلموا تسليما "‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪231‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وقال أ بو طالب عن أح د وق يل له‪ :‬إن قوما يدعون الد يث ويذهبون إل رأي سفيان وغيه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫أعجب لقوم سعوا الديث وعرفوا السناد وصحته يدعونه ويذهبون إل رأي سفيان وغيه‪ ،‬قال ال‬
‫تعال‪ " :‬فليحذر الذ ين يالفون عن أمره أن ت صيبهم فت نة أو ي صيبهم عذاب أل يم " أتدري ما الفت نة ؟‬
‫الفتنة‪ :‬الكفر‪ .‬قال ال تعال‪ " :‬والفتنة أكب من القتل " فيدعون الديث عن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم وتغلبهم أهواؤهم إل الرأي ذكر ذلك عنه شيخ السلم رحه ال تعال‪.‬‬

‫قوله‪ :‬عرفوا السناد أي إسناد الديث وصحته‪ ،‬فإن صح إسناد الديث فهو صحيح عند أهل الديث‬
‫وغيهم من العلماء‪.‬‬

‫وسفيان‪ :‬هو الثوري المام الزاهد العابد الثقة الفقيه‪ ،‬وكان له أصحاب يأخذون عنه‪ ،‬ومذهبه مشهور‬
‫يذكره العلماء رحههم ال فه الكتهب الته يذكهر فيهها مذاههب الئمهة‪ ،‬كالتمهيهد لبهن عبهد الب‪،‬‬
‫والستذكار له‪ ،‬وكتاب الشراف على مذاهب الشراف لبن النذر‪ ،‬والحلى لبن حزم‪ ،‬والغن لب‬
‫ممد عبد ال بن أحد بن قدامة النبلي‪ .‬وغي هؤلء‪.‬‬
‫فقول المام أح د رح ه ال‪ :‬عج بت لقوم عرفوا ال سناد و صحته‪ ...‬إل إنكار م نه لذلك‪ .‬وأ نه يؤول‬
‫إل ز يع القلوب الذي يكون به الرء كافرا‪ .‬و قد ع مت البلوى بذا الن كر خ صوصا م ن ينت سب إل‬
‫العلم‪ ،‬نصبوا البائل ف الصد عن الخذ بالكتاب والسنة‪ ،‬وصدوا عن متابعة الرسول صلى ال عليه‬
‫و سلم وتعظ يم أمره ون يه‪ ،‬ف من ذلك قول م‪ :‬ل ي ستدل بالكتاب وال سنة إل الجت هد‪ .‬والجتهاد قد‬
‫انق طع ويقول‪ :‬هذا الذي قلد ته أعلم م نك بالد يث وبنا سخه ومن سوخه‪ ،‬ون و ذلك من القوال ال ت‬
‫غايتها ترك متابعة الرسول صلى ال عليه وسلم الذي ل ينطق عن الوى‪ ،‬والعتماد على قول من يوز‬
‫عليه الطأ‪ ،‬وغيه من الئمة يالفه‪ ،‬وينع قوله بدليل‪ ،‬فما من إمام إل والذي معه بعض العلم ل كله‪.‬‬
‫فالواجب على كل مكلف إذا بلغه الدليل من كتاب ال وسنة رسوله وفهم معن ذلك‪ :‬أن ينتهي إليه‬
‫ويعمل به‪ ،‬وإن خالفه من خالفه‪ ،‬كما قال تعال‪ " :‬اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ول تتبعوا من دونه‬
‫ل ما تذكرون " وقال تعال ‪ " :‬أول يكفهم أ نا أنزل نا عليك الكتاب يتلى عليهم إن ف ذلك‬ ‫أولياء قلي ً‬
‫لرحةه وذكرى لقوم يؤمنون " وقهد تقدم حكايهة الجاع على ذلك‪ ،‬وبيان أن القلد ليهس مهن أههل‬
‫العلم‪ ،‬وقد حكى أيضا أبو عمر ابن عبد الب وغيه الجاع على ذلك‪.‬‬

‫قلت‪ :‬ول يالف فه ذلك إل جهال القلدة‪ ،‬لهلههم بالكتاب والسهنة‪ ،‬ورغبتههم عنهها‪ ،‬وهؤلء وإن‬
‫ظنوا أنم قد اتبعوا الئمة فإنم ف القيقة قد خالفوهم‪ ،‬واتبعوا غي سبيلهم‪ .‬كما قدمنا من قول مالك‬
‫والشاف عي وأح د‪ ،‬ول كن ف كلم أح د رح ه ال إشارة إل أن التقل يد ق بل بلوغ ال جة ل يذم وإن ا‬
‫ين كر على من بلغ ته ال جة وخالف هم لقول إمام من الئ مة‪ ،‬وذلك إن ا ين شأ عن العراض عن تدبر‬
‫كتاب ال وسنة رسوله والقبال على كتب من تأخروا والستغناء با عن الوحيي‪ ،‬وهذا يشبه ما وقع‬
‫من أهل الكتاب الذي قال ال فيهم‪ " :‬اتذوا أحبارهم ورهبانم أربابا من دون ال " كما سيأت بيان‬
‫ذلك ف حديث عدي بن حات‪ ،‬فيجب على من نصح نفسه إذا قرأ كتب العلماء ونظر فيها وعرف‬
‫أقوالم أن يعرضها على ما ف الكتاب والسنة‪ ،‬فإن كل متهد من العلماء ومن تبعه وانتسب إل مذهبه‬
‫ل بد أن يذكر دليله‪ ،‬والق ف السألة واحد‪،‬والئمة مثابون على اجتهادهم‪،‬فالصنف يعل النظر ف‬
‫كلم هم وتأمله طريقا إل معر فة ال سائل وا ستحضارها ذهنا وتييزا لل صواب من ال طأ بالدلة ال ت‬
‫يذكرها الستدلون‪ ،‬ويعرف بذلك من هو أسعد بالدليل من العلماء فيتبعه‪ ،‬والدلة على هذا الصل ف‬
‫كتاب ال أك ثر و ف ال سنة كذلك‪ ،‬ك ما أخرج أ بو داود ب سنده عن أناس من أ صحاب معاذ‪ " :‬أن‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪232‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ل ا أراد أن يب عث معاذا إل الي من قال‪ :‬ك يف تق ضي إذا عرض لك‬
‫قضاء ؟ قال‪ :‬أقضي بكتاب ال تعال‪ ،‬قال‪ :‬فإن ل تد ف كتاب ال ؟ قال‪ :‬فبسنة رسول ال صلى ال‬
‫عل يه و سلم قال فإن ل ت د ف سنة ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ول ف كتاب ال ؟ قال‪ :‬أجت هد‬
‫رأيي ول آلو‪ ،‬قال‪ :‬فضرب رسول ال صلى ال عليه وسلم صدره وقال‪ :‬المد ل الذي وفق رسول‬
‫رسول ال لا يرضي رسول ال" وساق بسنده عن الارث بن عمر عن أناس من أصحاب معاذ بن‬
‫جبل رضي ال عنه‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم لا بعثه إل اليمن بعناه ‪.‬‬

‫والئمة رحهم ال ل يقصروا ف البيان‪ ،‬بل نوا عن تقليدهم إذا استبانت السنة‪ ،‬لعلمهم أن من العلم‬
‫شيئا ل يعلموه‪ ،‬وقد يبلغ غيهم‪ ،‬وذلك كثي كما ل يفى على من نظر ف أقوال العلماء‪.‬‬

‫قال أبو حنيفة رحه ال‪ :‬إذا جاء الديث عن رسول ال صلى ال عليه وسلم فعلى الرأس والعي‪ ،‬وإذا‬
‫جاء عن الصحابة رضي ال عنهم فعلى الرأس والعي‪ ،‬وإذا جاء عن التابعي فنحن رجال وهم رجال‪.‬‬

‫وقال‪ :‬إذا قلت قولً وكتاب ال يال فه فاتركوا قول لكتاب ال‪ .‬ق يل‪ :‬إذا كان قول ر سول ال صلى‬
‫ال عليهه وسهلم يالفهه ؟ قال‪ :‬اتركوا قول ل ب الرسهول صهلى ال عليهه وسهلم‪ .‬وقيهل إذا كان قول‬
‫الصحابة يالفه ؟ قال‪ :‬اتركوا قول لصحابة‪.‬‬
‫وقال الربيع‪ :‬سعت الشافعي رحه ال يقول‪ :‬إذا وجدت ف كتاب خلف سنة رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم فخذوا سنة رسول ال صلى ال عليه وسلم ودعوا ما قلت‪.‬‬

‫وقال‪ :‬إذا صح الديث با يالف قول فاضربوا بقول الائط‪.‬‬

‫وقال مالك‪ :‬كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إل رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫وتقدم له مثل ذلك‪ ،‬فل عذر لقلد بعد هذا‪ .‬ولو استقضينا كلم العلماء ف هذا لرج عما قصدناه من‬
‫الختصار‪ ،‬وفيما ذكرناه كفاية لطالب الدى‪.‬‬

‫قوله‪ :‬لعله إذا رد ب عض قوله أي قول الر سول صلى ال عل يه و سلم أي ي قع ف قل به شئ من الز يغ‬
‫فيهلك نبه رحه ال أن رد قول الرسول صلى ال عليه وسلم سبب لزيغ القلب‪ ،‬وذلك هو اللك ف‬
‫الدنيا والخرة كما قال تعال‪ " :‬فلما زاغوا أزاغ ال قلوبم وال ل يهدي القوم الفاسقي "‪.‬‬

‫قال شيهخ السهلم رحهه ال فه معنه قول ال تعال‪ " :‬فليحذر الذيهن يالفون عهن أمره " فإن كان‬
‫الخالف لمره قد حذر من الك فر والشرك‪ ،‬أو من العذاب الل يم‪ ،‬دل على أ نه قد يكون مفضيا إل‬
‫الكفر والعذاب الليم‪ ،‬ومعلوم أن إفضاءه إل العذاب الليم هو مرد فعل العصية‪ ،‬فإفضاؤه إل الكفر‬
‫إنا هو لا يقترن به من الستخفاف ف حق المر‪ ،‬كما فعل إبليس لعنه ال تعال ا هه‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪233‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وقال أبو جعفر ابن جرير رحه ال تعال عن الضحاك‪ " :‬فليحذر الذين يالفون عن أمره أن تصيبهم‬
‫فتنة " قال‪ :‬يطبع على قلبه فل يؤمن أن يظهر الكفر بلسانه فتضرب عنقه‪.‬‬

‫قال أ بو جع فر بن جر ير‪ :‬أدخلت عن لن مع ن الكلم فليحذر الذ ين يلوذون عن أمره ويدبرون ع نه‬
‫معرضي‪.‬‬

‫قوله‪ :‬أو يصيبهم ف الدنيا عذاب من ال موجع على خلفهم أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫قوله‪( :‬عن عدي بن حات رضي ال عنه‪ :‬أنه سع النب صلى ال عليه وسلم يقرأهذه الية‪ " :‬اتذوا‬
‫أحبار هم ورهبان م أربابا من دون ال وال سيح ا بن مري " ال ية‪ .‬فقلت‪ " :‬إ نا ل سنا نعبد هم‪ .‬قال‪:‬‬
‫أليس يرمون ما أحل ال فتحرمونه ويلون ما حرم ال فتحلونه ؟ فقلت‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬فتلك عبادتم‬
‫" رواه أحد والترمذي وحسنه) ‪:‬‬

‫هذا الديث قد روى من طرق‪ ،‬فرواه ابن سعد وعبد بن حيد وابن النذر وابن جرير وابن أب حات‬
‫والطبان‪ ،‬وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي‪.‬‬

‫قوله‪ :‬عن عدي بن حات أي الطائي الشهور‪ .‬وحات هو ابن عبد ال بن سعد بن الشرج بفتح الاء‬
‫الشهور بالسخاء والكرم‪ .‬قدم عدي على النب صلى ال عليه وسلم ف شعبان سنة تسع من الجرة‪.‬‬
‫فأسلم وعاش مائة وعشرين سنة‪.‬‬

‫و ف الديث دليل على أن طاعة الحبار والرهبان ف معصية ال عبادة لم من دون ال‪ ،‬ومن الشرك‬
‫ال كب الذي ل يغفره ال لقوله تعال ف آ خر ال ية‪ " :‬و ما أمروا إل ليعبدوا إلا واحدا ل إله إل هو‬
‫سبحانه عما يشركون " ونظي ذلك ف قوله تعال‪ " :‬ول تأكلوا ما ل يذكر اسم ال عليه وإنه لفسق‬
‫وإن الشياطي ليوحون إل أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لشركون " وهذا قد وقع فيه كثي‬
‫من الناس مع من قلدو هم‪ ،‬لعدم إعتبار هم الدل يل إذا خالف القلد‪ ،‬و هو من هذا الشرك‪ .‬ومن هم من‬
‫يغلو ف ذلك ويعتقد أن ال خذ بالدل يل والالة هذه يكره‪ ،‬أو يرم‪ ،‬فعظمت الفت نة‪ .‬ويقول‪ :‬هم أعلم‬
‫منا بالدلة‪ .‬ول يأخذ بالدليل إل الجتهد‪ ،‬وربا تفوهوا بذم من يعمل بالدليل‪ ،‬ول ريب أن هذا من‬
‫غربة السلم كما قال شيخنا رحه ال ف السائل‪:‬‬

‫فتغيت الحوال‪ ،‬وآلت إل هذه الغايهة فصهارت عنهد الكثهر عبادة الرهبان ههي أفضهل العمال‪،‬‬
‫ويسمونا ولية‪ ،‬وعبادة الحبار هي العلم والفقه‪ .‬ث تغيت الال إل أن عبد من ليس من الصالي‪،‬‬
‫وعبد بالعن الثان من هو من الاهلي‪.‬‬

‫وأما طاعة المراء ومتابعتهم فيما يالف ما شرعه ال ورسوله فقد عمت با البلوى قديا وحديثا ف‬
‫أك ثر الولة بعد اللفاء الراشدين وهلم جرا‪ .‬وقد قال تعال‪ " :‬فإن ل يستجيبوا لك فاعلم أنا يتبعون‬
‫أهواءهم ومن أضل من اتبع هواه بغي هدى من ال إن ال ل يهدي القوم الظالي "‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪234‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وعن زياد بن حدير قال‪ :‬قال ل عمر رضي ال عنه‪ " :‬هل تعرف ما يهدم السلم ؟ قلت‪ :‬ل‪ ،‬قال‪:‬‬
‫يهدمه زلة العال‪ ،‬وجدال النافق بالقرآن‪ ،‬وحكم الئمة الضلي " رواه الدارمى‪.‬‬

‫جعلنا ال وإياكم من الذين يهدون بالق وبه يعدلون‪.‬‬

‫باب‬
‫" أل تر إل الذين يزعمون أنم آمنوا "‬

‫قوله‪( :‬باب‪ :‬قول ال تعال‪ " :‬أل تر إل الذين يزعمون أنم آمنوا با أنزل إليك وما أنزل من قبلك‬
‫" اليات) ‪:‬‬

‫قال العماد ابن كثي رحه ال تعال‪ :‬والية ذامة لن عدل عن الكتاب والسنة وتاكم إل ما سواها من‬
‫الباطل‪ ،‬وهو الراد بالطاغوت ههنا‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪235‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وتقدم ما ذكره ابن القيم رحه ال ف حده للطاغوت‪ ،‬وأنه كل ما تاوز به العبد حده من معبود أو‬
‫متبوع أو مطاع‪ ،‬فكل من حاكم إل غي كتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم فقد حاكم إل‬
‫الطاغوت الذي أ مر ال تعال عباده الؤمن ي أن يكفروا به‪ ،‬فإن التحا كم ل يس إل إل كتاب ال و سنة‬
‫رسوله صلى ال عليه وسلم ومن كان يكم بما‪ ،‬فمن تاكم إل غيها فقد تاوز به حده‪ ،‬وخرج‬
‫عما شرعه ال ورسوله صلى ال عليه وسلم وأنزله منلة ل يستحقها‪ .‬وكذلك من عبد شيئا دون ال‬
‫فإنا عبد الطاغوت‪ ،‬فإن كان العبود صالا صارت عبادة العابد له راجعة إل الشيطان الذي أمره با‪،‬‬
‫ك ما قال تعال‪ " :‬يوم نشر هم جي عا ث نقول للذ ين أشركوا مكان كم أن تم وشركاؤ كم فزيل نا بين هم‬
‫وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون * فكفى بال شهيدا بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلي *‬
‫هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت وردوا إل ال مولهم الق وضل عنهم ما كانوا يفترون " وكقوله‪" :‬‬
‫ويوم يشر هم جي عا ث يقول للملئ كة أهؤلء إيا كم كانوا يعبدون * قالوا سبحانك أ نت ولي نا من‬
‫دونم بل كانوا يعبدون الن أكثرهم بم مؤمنون " وإن كان من يدعو إل عبادة نفسه أو كان شجرا‬
‫أو حجرا أو قبا وغ ي ذلك م ا يتخذه الشركون أ صناما على صور ال صالي واللئ كة وغ ي ذلك‪،‬‬
‫ف هي من الطاغوت الذي أ مر ال تعال عباده أن يكفروا بعباد ته‪ ،‬وي تبأوا م نه‪ ،‬و من عبادة كل معبود‬
‫سوى ال كائنا من كان‪ ،‬وهذا كله من عمل الشيطان وتسويله‪ ،‬فهو الذي دعا إل كل باطل وزينة‬
‫لنه فعهل‪ ،‬وهذا ينافه التوحيهد الذي ههو معنه شهادة أن ل إله إل ال‪ .‬فالتوحيهد‪ :‬ههو الكفهر بكهل‬
‫طاغوت عبده العابدون من دون ال‪ ،‬كما قال تعال‪ " :‬قد كانت لكم أسوة حسنة ف إبراهيم والذين‬
‫م عه إذ قالوا لقوم هم إ نا برآء من كم وم ا تعبدون من دون ال كفر نا ب كم وبدا بين نا وبين كم العداوة‬
‫والبغضاء أبدا حت تؤمنوا بال وحده " وكل من عبد غي ال فقد جاوز به حده وأعطاه من العبادة ما‬
‫ل يستحقه‪.‬‬

‫قال المام مالك رحه ال الطاغوت ما عبد من دون ال ‪.‬‬

‫وكذلك من دعا إل تكيم غي ال ورسوله فقد ترك ما جاء به الرسول صلى ال عليه وسلم ورغب‬
‫عنه‪ ،‬وجعل ل شريكا ف الطاعة وخالف ما جاء به رسول ال صلى ال عليه وسلم فيما أمره ال تعال‬
‫به ف قوله‪ " :‬وأن احكم بينهم با أنزل ال ول تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل‬
‫ال إليك " وقوله تعال‪ " :‬فل وربك ل يؤمنون حت يكموك فيما شجر بينهم ث ل يدوا ف أنفسهم‬
‫حرجا ما قضيت ويسلموا تسليما " فمن خالف ما أمر ال به ورسوله صلى ال عليه وسلم بأن حكم‬
‫ب ي الناس بغ ي ما أنزل ال‪ ،‬أو طلب ذلك أتباعا ل ا يهواه ويريده ف قد خلع رب قة ال سلم واليان ف‬
‫عنقه‪ .‬وإن زعم أنه مؤمن‪ ،‬فإن ال تعال أنكر على من أراد ذلك‪ ،‬وأكذبم ف زعمهم اليان لا ف‬
‫ض من قوله‪ " :‬يزعمون " من ن فى إيان م‪ ،‬فإن " يزعمون " إن ا يقال غالبا ل ن اد عى دعوى هو في ها‬
‫ه وعمله ب ا ينافيهها‪،‬يقهق هذا قوله‪ " :‬وقهد أمروا أن يكفروا به " لن الكفهر‬
‫كاذب لخالفتهه لوجبه ا‬
‫بالطاغوت ر كن التوح يد‪ ،‬ك ما ف آ ية البقرة فإن ل ي صل هذا الر كن ل ي كن موحدا والتوح يد هو‬
‫أ ساس اليان الذي ت صلح به ج يع العمال وتف سد بعد مه‪ .‬ك ما أن ذلك ب ي ف قوله تعال‪ " :‬ف من‬
‫يك فر بالطاغوت ويؤ من بال ف قد ا ستمسك بالعروة الوث قى " ال ية‪ .‬وذلك أن التحا كم إل الطاغوت‬
‫إيان به‪.‬‬

‫وقوله‪ " :‬وير يد الشيطان أن يضل هم ضل ًل بعيدا " يبي تعال ف هذه ال ية أن التحا كم إل الطاغوت‬
‫ما يأمر به الشيطان ويزينه لن أطاعه‪ :‬ويبي أن ذلك ما أضل به الشيطان من أضله‪ ،‬وأكده بالصدر‪،‬‬
‫ووصفه بالبعد‪ .‬فدل على أن ذلك من أعظم الضلل وأبعده عن الدى‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪236‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫ففي هذه الية أربعة أمور‪:‬‬


‫الول‪ :‬أنه إرادة الشيطان‪.‬‬
‫الثان‪ :‬إنه ضلل‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬تأكيده بالصدر‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬وصفه بالبعد عن سبيل الق والدى‪.‬‬

‫ف سبحان ال ما أع ظم هذا القرآن و ما أبل غه‪ ،‬و ما أدله على أ نه كلم رب العال ي‪ ،‬أوحاه إل ر سوله‬
‫الكري‪ ،‬وبلغه عبده الصادق المي‪ .‬صلوات ال وسلمه عليه‪.‬‬

‫قوله‪ " :‬وإذا ق يل ل م تعالوا إل ما أنزل ال وإل الر سول رأ يت النافقي ي صدون ع نك صدودا " ب ي‬
‫تعال أن هذه صفة النافق ي‪ ،‬وأن من فعل ذلك أو طلبه‪ ،‬وإن زعم أنه مؤمن فإ نه ف غاية البعد عن‬
‫اليان‪.‬‬

‫قال العلمة ابن القيم رحه ال تعال‪ :‬هذا دليل على أن من دعى إل تكيم الكتاب والسنة فأب أنه من‬
‫النافقي‪.‬‬

‫قوله‪ " :‬ويصدون " لزم وهو بعن يعرضون‪ ،‬لن مصدره صدودا فما أكثر من اتصف بذا الوصف‪،‬‬
‫خصوصا من يدعى العلم‪ ،‬فإنم صدوا عما توجبه الدلة من كتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه‬
‫وسهلم إل أقوال مهن يطىء كثيا منه ينتسهب إل الئمهة الربعهة فه تقليدههم مهن ل يوز تقليده‪،‬‬
‫واعتمادههم على قول مهن ل يوز العتماد على قوله‪ ،‬ويعلون قوله الخالف لنهص الكتاب والسهنة‬
‫وقواعد الشريعة هو العتمد عندهم الذي ل تصح الفتوى إل به‪ .‬فصار التبع للرسول صلى ال عليه‬
‫وسلم بي أولئك غريبا‪ ،‬كما تقدم التنبيه على هذا ف الباب الذي قبل هذا‪.‬‬

‫فتدبر هذه اليات وما بعدها يتبي لك ما وقع فيه غالب الناس من العراض عن الق وترك العمل به‬
‫ف أكثر الوقائع‪ .‬وال الستعان‪.‬‬

‫قوله‪ " :‬وإذا قيل لم ل تفسدوا ف الرض قالوا إنا نن مصلحون " ‪:‬‬

‫قال أبو العالية ف الية‪ :‬يعن ل تعصوا ف الرض‪ .‬لن من عصى ال ف الرض أو أمر بعصية ال فقد‬
‫أفسد ف الرض‪ ،‬لن صلح الرض والسماء إنا هو بطاعة ال ورسوله‪ .‬وقد أخب تعال عن إخوة‬
‫يوسف عليه السلم ف قوله تعال‪ " :‬ث أذن مؤذن أيتها العي إنكم لسارقون" إل قوله "قالوا تال لقد‬
‫علمتم ما جئنا لنفسد ف الرض وما كنا سارقي " فدلت الية على أن كل معصية فساد ف الرض‪.‬‬

‫ومناسبة الية للترجة‪ :‬أن التحاكم إل غي ال ورسوله من أعمال النافقي وهو الفساد ف الرض‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪237‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وف الية‪ :‬التنبيه على عدم الغترار بأقوال أهل الهواء وإن زخرفوها بالدعوى‪.‬‬

‫وفيها التحذير من الغترار بالرأي ما ل يقم على صحة دليل من كتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه‬
‫وسلم فما أكثر من يصدق بالكذب ويكذب بالصدق إذا جاءه‪ ،‬وهذا من الفساد ف الرض ويترتب‬
‫عل يه من الف ساد أمور كثية‪ ،‬ترج صاحبها عن ال ق وتدخله ف البا طل‪ .‬ن سأل ال الع فو والعاف ية‬
‫والعافاة الدائمة ف الدين والدنيا والخرة‪.‬‬

‫فتدبر ت د ذلك ف حال الك ثر إل من ع صمه ال و من عل يه بقوة دا عي اليان‪ ،‬وأعطاه عقلً كام ً‬
‫ل‬
‫عنهد ورود الشهوات‪ ،‬وبصهرا نافذا عنهد ورود الشبهات‪ ،‬وذلك فضهل ال يؤتيهه مهن يشاء وال ذو‬
‫الفضل العظيم‪.‬‬

‫قوله‪ " :‬ول تفسدوا ف الرض بعد إصلحها " ‪:‬‬

‫قال أبو بكر بن عياش ف الية‪ :‬إن ال بعث ممدا صلى ال عليه وسلم إل أهل الرض وهم فساد‪،‬‬
‫فأصلحهم ال بحمد صلى ال عليه وسلم فمن دعا إل خلف ما جاء به ممد صلى ال عليه وسلم‬
‫فهو من الفسدين ف الرض‪.‬‬

‫وقال ابن القيم رحه ال‪ :‬قال أكثر الفسرين‪ :‬ل تفسدوا فيها بالعاصي والدعاء إل غي طاعة ال بعد‬
‫إصلح ال لا ببعث الرسل‪ ،‬وبيان الشريعة والدعاء إل طاعة ال‪ ،‬فإن عبادة غي ال والدعوة إل غيه‬
‫والشرك به هو أعظم فساد ف الرض‪ ،‬بل فساد الرض ف القيقة إنا هو بالشرك به ومالفة أمره‪،‬‬
‫فالشرك والدعوة إل غي ال وإقامة معبود غيه‪ ،‬ومطاع متبع غي رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬هو‬
‫أع ظم ف ساد ف الرض‪ ،‬ول صلح ل ا ول لهل ها إل أن يكون ال وحده هو الطاع‪ ،‬والدعوة له ل‬
‫لغيه‪ ،‬والطاعة والتباع لرسوله ليس إل‪ ،‬وغيه إنا تب طاعته إذا أمر بطاعة الرسول صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ .‬فإذا أمر بعصية وخلف شريعته فل سع ول طاعة‪ .‬ومن تدبر أحوال العال وجد كل صلح‬
‫ف الرض فسببه توحيد ال وعبادته وطاعة رسوله‪،‬وكل شر ف العال وفتنة وبلء وقحط وتسليط عدو‬
‫وغي ذلك فسببه مالفة رسوله والدعوة إل غي ال ورسوله‪ .‬ا هه‪.‬‬

‫وو جه مطاب قة هذه ال ية للترج ة‪ :‬أن التحا كم إل غ ي ال ور سوله من أع ظم ما يف سد الرض من‬


‫العاصي‪ ،‬فل صلح لا إل بتحكيم كتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وهو سبيل الؤمني‪،‬‬
‫كما قال تعال‪ " :‬ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبي له الدى ويتبع غي سبيل الؤمني نوله ما تول‬
‫ونصله جهنم وساءت مصيا "‪.‬‬

‫قوله‪ ( :‬وقول ال تعال‪ " :‬أفحكم الاهلية يبغون ومن أحسن من ال حكما لقوم يوقنون ") ‪:‬‬

‫قال ابن كثي رحه ال‪ :‬ينكر تعال على من خرج عن حكم ال تعال الشتمل على كل خي‪ ،‬الناهي‬
‫عن كل شر وعدل إل ما سواه من الراء والهواء والصطلحات الت وضعها الرجال بل مستند من‬
‫شري عة ال‪ ،‬ك ما كان أ هل الاهل ية يكمون به من الهالت والضللت ك ما ي كم به التتار من‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪238‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫السياسات الأخوذة عن جنكيز خان الذي وضع لم الياسق وهو عبارة عن كتاب أحكام قد اقتبسها‬
‫من شرائع شت من اليهودية والنصرانية واللة السلمية وفيها كثي من الحكام أخذها عن مرد نظرة‬
‫وهواه‪ .‬فصارت ف بنيه شرعا يقدمونا على الكم بالكتاب والسنة‪ ،‬فمن فعل ذلك فهو كافر يب‬
‫قتاله حت يرجع إل حكم ال ورسوله‪ ،‬فل يكم بسواه ف قليل ول كثي‪.‬‬
‫قوله‪ " :‬و من أح سن من ال حكما لقوم يوقنون " ‪ :‬ا ستفهام إنكار أي ل ح كم أح سن من حك مه‬
‫تعال‪ .‬وهذا من باب استعمال أف عل التفض يل فيما ل يس له ف الطرف ال خر مشارك‪ ،‬أي ومن أعدل‬
‫من ال حكما لن عقل عن ال شرعه وآمن وأيقن أنه تعال أحكم الاكمي‪ ،‬وأرحم بعباده من الوالدة‬
‫بولدها‪ ،‬العليم بصال عباده القادر على كل شئ‪ ،‬الكم ف أقواله وأفعاله وشره وقدره ؟‪.‬‬

‫وف الية‪ ،‬التحذير من حكم الاهلية وإختياره على حكم ال ورسوله‪ ،‬فمن فعل ذلك فقد أعرض عن‬
‫الحسن‪ ،‬وهو الق‪ ،‬إل ضده من الباطل‪.‬‬

‫قوله‪( :‬عن عبد ال بن عمر رضي ال عنهما‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪ " :‬ل يؤمن‬
‫أحد كم ح ت يكون هواه تبعا ل ا جئت به " قال النووي‪ :‬حد يث صحيح رويناه ف كتاب ال جة‬
‫بإسناد صحيح) ‪:‬‬

‫هذا الد يث رواه الش يخ أ بو الف تح ن ضر بن إبراه يم القد سي الشاف عي ف كتاب‪ :‬ال جة على تارك‬
‫الجهة بإسهناد صهحيح كمها قاله الصهنف رحهه ال عهن النووي‪ .‬ورواه الطهبان وأبهو بكهر بهن‬
‫عاصم‪،‬والافظ أبو نعيم ف الربعي الت شرط لا أن تكون ف صحيح الخبار ‪ ،‬وشاهده ف القرآن‬
‫قوله تعال‪ " :‬فل ور بك ل يؤمنون ح ت يكموك في ما ش جر بين هم " ال ية‪ .‬وقوله‪ " :‬و ما كان لؤ من‬
‫ول مؤم نة إذا ق ضى ال ور سوله أمرا أن يكون ل م الية من أمر هم " وقوله‪ " :‬فإن ل ي ستجيبوا لك‬
‫فاعلم أنا يتبعون أهواءهم " ونو هذه اليات‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ل يؤ من أحد كم أي ل يكون من أ هل كمال اليان الوا جب الذي و عد ال أهله عل يه بدخول‬
‫النة والنجاة من النار‪ .‬وقد يكون ف درجة أهل الساءة والعاصي من أهل السلم‪.‬‬

‫قوله‪ :‬حت يكون هواه تبعا لا جئت به‪ .‬الوى بالقصر‪ ،‬أي ما يهواه وتبه نفسه وتيل إليه‪ ،‬فإن كان‬
‫الذي تبه وتيل إليه نفسه ويعمل به تابعا لا جاء به رسول ال صلى ال عليه وسلم ل يرج عنه إل‬
‫ما يال فه‪ .‬فهذه صفة أ هل اليان الطلق‪ ،‬وإن كان بلف ذلك أو ف ب عض أحواله أو أكثر ها انت فى‬
‫عنه من اليان كماله الواجب‪ ،‬كما ف حديث أب هريرة‪ " :‬ل يزن الزان حي يزن وهو مؤمن‪ ،‬ول‬
‫يسرق السارق حي يسرق وهو مؤمن " يعن أنه بالعصية ينتفي عنه كمال اليان الواجب وينل عنه‬
‫ف در جة ال سلم وين قص إيا نه‪ ،‬فل يطلق عل يه اليان إل بق يد الع صية‪ ،‬أو الف سوق‪ ،‬فيقال‪ :‬مؤ من‬
‫عاص‪ ،‬أو يقال‪ :‬مؤ من بإيا نه فا سق بع صيته‪ ،‬فيكون م عه مطلق اليان الذي ل ي صح إ سلمه إل به‪.‬‬
‫كما قال تعال‪ " :‬فتحرير رقبة مؤمنة " والدلة على ما عليه سلف المة وأئمتها‪ :‬أن اليان قول وعمل‬
‫ونية يزيد بالطاعة وينقص بالعصية‪ :‬من كتاب ال تعال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم أكثر من أن‬
‫تصى‪ ،‬فمن ذلك قوله تعال‪ " :‬وما كان ال ليضيع إيانكم " أي صلتكم إل بيت القدس قبل تويل‬
‫القبلة‪ ،‬وقول ال نب صلى ال عل يه و سلم لو فد ع بد الق يس‪ " :‬آمر كم باليان بال وحده‪ ،‬أتدرون ما‬
‫اليان بال وحده ؟ شهادة أن ل إله إل ال " الديث‪ ،‬وهو ف الصحيحي والسنن‪ .‬والدليل على أن‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪239‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫اليان يز يد قوله تعال‪ " :‬ويزداد الذ ين آمنوا إيانا " ال ية‪ .‬وقوله‪ " :‬فأ ما الذ ين آمنوا فزادت م إيا نا "‬
‫اليهة‪ .‬خلفا لنه قال‪ :‬إن اليان ههو القول‪ ،‬وههم الرجئة‪ ،‬ومهن قال‪ :‬إن اليان ههو التصهديق‬
‫كالشاعرة‪ .‬و من العلوم عقلً وشرعا أن ن ية ال ق ت صديق‪ ،‬والع مل به ت صديق وقول ال ق ت صديق‬
‫وليس مع أهل البدع ما يناف قول أهل السنة والماعة ول المد والنة‪ .‬قال ال تعال‪ " :‬ليس الب أن‬
‫تولوا وجوه كم ق بل الشرق والغرب ول كن الب من آ من بال واليوم ال خر" إل قوله "أولئك الذ ين‬
‫صهدقوا " أي فيمها عملوا بهه فه هذه اليهة مهن العمال الظاهرة والباطنهة‪ .‬وشاهده فه كلم العرب‬
‫قول م‪ :‬حلة صادقة‪ .‬وقد سي ال تعال الوى الخالف ل ا جاء به الرسول صلى ال عليه وسلم إلا‪،‬‬
‫فقال تعال‪ " :‬أفرأيت من اتذ إله هواه " قال بعض الفسرين‪ :‬ل يهوى شيئا إل ركبه‪.‬‬

‫قال ابن رجب رحه ال‪ :‬أما معن الديث‪ :‬فهو أن النسان ل يكون مؤمنا كامل اليان الواجب حت‬
‫تكون مبته تابعة لا جاء به الرسول صلى ال عليه وسلم من الوامر والنواهي وغيها‪ .‬فيجب ما أمر‬
‫به ويكره ما نى عنه‪ ،‬وقد ورد القرآن مثل هذا العن ف غي موضع‪ ،‬وذم سبحانه من كره ما أحبه ال‬
‫أو أ حب ما كر هه ال ك ما قال تعال‪ " :‬ذلك بأن م اتبعوا ما أ سخط ال وكرهوا رضوا نه فأح بط‬
‫أعمالم " فالواجب على كل مؤمن أن يب ما أحبه ال مبة توجب له التيان با أوجب عليه منه‪،‬‬
‫فإن زادت الحبة حت أتى با ندب إليه منه كان ذلك فضلً‪ ،‬وأن يكره ما يكرهه ال كراهة توجب له‬
‫الكف عما حرم عليه منه‪ ،‬فإن زادت الكراهة حت أوجبت الكف عما كراهه تنيها كان ذلك فضلً‪.‬‬
‫فمن أحب ال ورسوله مبة صادقة من قلبه أوجب ذلك له أن يب بقلبه ما يب ال ورسوله ويكره‬
‫ما يكر هه ال ور سوله‪ ،‬في ضي ما ير ضي ال ور سوله‪ ،‬وي سخط ما ي سخط ال ور سوله‪ ،‬ويع مل‬
‫بوار حه بقت ضى هذا ال ب والب غض‪ ،‬فإن ع مل بوار حه شيئا يالف ذلك‪ ،‬بأن ارت كب ب عض ما‬
‫يكر هه ال ور سوله وترك ما ي به ال ور سوله مع وجو به والقدرة عل يه‪ ،‬دل ذلك على ن قص مب ته‬
‫الواج بة‪ ،‬فعل يه أن يتوب من ذلك وير جع إل تكم يل الح بة الواج بة ال ت هي ر كن العبادة إذا كملت‬
‫فجميع العاصي تنشأ عن تقدي هوى النفس على مبة ال ورسوله‪ .‬وقد وصف ال الشركي باتباع‬
‫الوى ف مواضع من كتابه‪ ،‬فقال تعال‪ " :‬فإن ل يستجيبوا لك فاعلم أنا يتبعون أهواءهم ومن أضل‬
‫م ن ات بع هواه بغ ي هدى من ال " وكذلك البدع إن ا تن شأ من تقد ي الوى على الشرع‪ .‬ولذا سي‬
‫أهل ها أ هل الهواء‪ ،‬وكذلك العا صي إن ا تن شأ من تقدي الوى على م بة ال وم بة ما ي به‪ ،‬وكذلك‬
‫حب الشخاص‪ :‬الوا جب ف يه أن يكون تبعا ل ا جاء به الر سول صلى ال عل يه و سلم‪ ،‬في جب على‬
‫الؤ من م بة ما ي به ال من اللئ كة والر سل وال نبياء وال صديقي والشهداء وال صالي عموما‪ ،‬ولذا‬
‫كان مهن علمات وجود حلوة اليان‪ :‬أن يبه الرء ل يبهه إل ل فتحرم موالة أعداء ال ومهن‬
‫يكر هه ال عموما‪ ،‬وبذا يكون الد ين كله ل‪ .‬و من أ حب ل وأب غض ل‪ ،‬وأع طى ل وم نع ل ف قد‬
‫استكمل اليان‪ ،‬ومن كان حبه وبغضه وعطاؤه ومنعه لوى نفسه كان ذلك نقصا ف إيانه الواجب‪.‬‬
‫فتجب التوبة من ذلك‪ :‬انتهى ملخصا‪.‬‬

‫ومناسهبة الديهث للترج ة‪ :‬بيان الفرق بيه أ هل اليان وأ هل النفاق والعا صي ف أقوالمه وأفعالمه‬
‫وإرادتم‪.‬‬

‫قوله‪ :‬وقال الشعب هو عامر بن شراحيل الكوف‪ ،‬عال أهل زمانه‪ ،‬وكان حافظا علمة ذا فنون‪ .‬كان‬
‫يقول‪ :‬ما كت بت سوداء ف بيضاء ‪ ،‬وأدرك خلقا كثيا من ال صحابة وعاش بضعا وثان ي سنة‪ .‬قال‬
‫الذهب‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪240‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وفيما قاله الشعب ما يبي أن النافق يكون أشد كراهة لكم ال ورسوله من اليهود والنصارى‪ .‬ويكون‬
‫أشد عداوة منهم لهل اليان‪ .‬كما هو الواقع ف هذه الزمنة وقبلها من إعانة العدو على السلمي‪.‬‬
‫وحرصهم على إطفاء نور السلم واليان‪ :‬ومن تدبر ما ف التاريخ وما وقع منهم من الوقائع عرف‬
‫أن هذا حال النافقي قديا وحديثا‪ ،‬وقد حذر ال نبيه صلى ال عليه وسلم من طاعتهم والقرب منهم‪،‬‬
‫وحضه على جهادهم ف مواضع من كتابه‪ ،‬قال تعال‪ " :‬يا أيها النب جاهد الكفار والنافقي واغلظ‬
‫عليهم " الية‪ .‬وف قصة عمر رضي ال عنه وقتله النافق الذي طلب التحاكم إل كعب بن الشرف‬
‫اليهودي دل يل على ق تل من أظ هر الك فر والنفاق‪ ،‬وكان ك عب بن الشرف هذا شد يد العداوة لل نب‬
‫صلى ال عل يه و سلم والذى له والظهار لعداو ته فانت قض به عهده‪ .‬و حل به قتله‪ .‬وروى م سلم ف‬
‫صحيحه عن ع مر‪ :‬سعت جابرا يقول‪ ::‬قال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ " :‬من لك عب ا بن‬
‫الشرف ؟ فإنه قد آذى ال ورسوله‪ ،‬قال ممد بن سلمة‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬أتب أن أقتله ؟ قال‪ :‬نعم‪.‬‬
‫قال‪ :‬ائذن ل فلقل‪ ،‬قال‪ :‬قل‪ ،‬فأتاه فقال له‪ ،‬وذكر ما بينهما وقال‪ :‬إن هذا الرجل قد أراد صدقة وقد‬
‫عنانا‪ .‬فما سعه قال‪ :‬وأنا أيضا وال لتملنه‪ ،‬قال‪ :‬إنا قد اتبعناه الن‪ ،‬ونكره أن ندعه حت ننظر إل أي‬
‫شئ ي صي أمره‪،‬قال‪ :‬و قد أردت أن ت سلفن سلفا‪ ،‬قال‪ :‬ف ما ترهن ن ؟ قال‪ :‬ما تر يد‪ .‬قال‪ :‬ترهن ن‬
‫نسائكم ؟ قالت‪ :‬أنت أجل العرب‪ ،‬أنرهنك نسائنا ؟ قال‪ :‬ترهنون أولدكم ؟ قال‪ :‬يسب ابن أحدنا‬
‫فيقال‪ :‬رهن ف وسقي من تر‪ .‬ولكن نرهنك اللمة يعن السلح قال‪ :‬فنعم‪ :‬وواعده أن يأتيه بالارث‬
‫وأ ب ع بس بن جب وعباد بن ب شر‪ .‬قال‪ :‬فجاءوا فدعوه ليلً فنل إلي هم قال سفيان قال غ ي عمرو‪:‬‬
‫قالت له أمرأته‪ :‬إن أسع صوتا كأنه صوت دم‪ ،‬قال‪ :‬إنا هذا ممد بن مسلمة ورضيعه وأبو نائلة إن‬
‫الكريه لو دعهى إل طعنهة ليلً لجاب‪ ،‬قال ممهد إنه إذا جاء فسهوف أمهد يدي إل رأسهه‪ ،‬فإذا‬
‫استمكنت منه فدونكم قال‪ :‬فلما نزل وهو متوشح‪ .‬فقالوا‪ :‬ند منك ريح الطيب‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬تت‬
‫فلنة أعطر نساء العرب‪ ،‬قال‪ :‬فتأذن ل أن أشتم منه ؟ قال‪ :‬نعم فشم‪ ،‬فتناول فشم‪ ،‬ث قال‪ :‬أتأذن ل‬
‫أن أعود ؟ قال‪ :‬فاستمكن من رأسه‪ .‬ث قال‪ :‬دونكم‪ .‬قال‪ :‬فقتلوه "‪.‬‬

‫وف قصة عمر‪ :‬بيان أن النافق الغموض بالنفاق إذا أظهر نفاقه قتل‪ ،‬كما ف الصحيحي وغيها‪ :‬أن‬
‫النب صلى ال عليه وسلم إنا ترك قتل من أظهر نفاقه منهم تأليفا للناس‪ ،‬فإنه قال‪ " :‬ل يتحدث الناس‬
‫أن ممدا يقتل أصحابه " فصلوات ال وسلمه عليه‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪241‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫باب‬
‫من جحد شيئا من الساء والصفات‬

‫وقول ال تعال‪ " :‬وهم يكفرون بالرحن قل هو رب ل إله إل هو عليه توكلت وإليه متاب "‪.‬‬

‫سبب نزول هذه الية معلوم مذكور ف كتب التفسي وغيها‪ .‬وهو أن مشركي قريش جحدوا اسم‬
‫الرحن عنادا‪ ،‬وقال تعال‪ " :‬قل ادعوا ال أو ادعوا الرحن أيا ما تدعوا فله الساء السن " و الرحن‬
‫اسهم وصهفته‪ ،‬دل هذا السهم على أن الرحةه وصهفه سهبحانه‪ ،‬وههي مهن صهفات الكمال‪ ،‬فإن كان‬
‫الشركون جحدوا إسا من أسائه تعال‪ ،‬وهو من الساء الت دلت على كماله سبحانه وبمده فجمود‬
‫معن هذا السم ونوه من الساء يكون كذلك‪ ،‬فإن جهم بن صفوان ومن تبعه يزعمون أنا ل تدل‬
‫على صفة قائ مة بال تعال‪ .‬وتبع هم على ذلك طوائف من العتزلة والشاعرة وغي هم‪ .‬فلهذا كفر هم‬
‫كثيون من أهل السنة‪ .‬قال العلمة ابن القيم رحه ال تعال‪:‬‬

‫ف عشر من العلماء ف البلدان‬ ‫ولقد تقلد كفرهم خسون‬


‫ههم بل حكاه قبله الطبان‬ ‫الكائي المام حكاه عنه‬

‫فإن هؤلء الهمية ومن وافقهم على التعطيل جحدوا ما وصف به نفسه ووصفه به رسوله من صفات‬
‫كماله ونعوت جلله‪ ،‬وبنوا هذا التعط يل على أ صل با طل أ صلوه من ع ند أنف سهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬هذه هي‬
‫صهفات الجسهام‪ .‬فيلزم مهن إثباتاه أن يكون ال جسهما‪ ،‬هذا منشهأ ضلل عقولمه‪ ،‬ل يفهموا مهن‬
‫صفات ال إل ما فهموه من خصائص صفات الخلوقي‪ ،‬فشبهوا ال ف إبتداء آرائهم الفاسدة بلقه ث‬
‫عطلوه مهن صهفات كماله‪ ،‬وشبهوه بالناقصهات والمادات والعدومات‪ ،‬فشبهوا أولً وعطلوا ثانيا‪.‬‬
‫وشبهوه ثالثا بكل ناقص ومعدوم‪ ،‬فتركوا ما دل عليه الكتاب والسنة من إثبات ما وصف ال به نفسه‬
‫ووصفه به رسوله على ما يليق بلله وعظمته‪ .‬وهذا هو الذي عليه سلف المة وأئمتها‪ ،‬فإنم أثبتوا ل‬
‫ما أثبته لنفسه وأثبته له رسوله صلى ال عليه وسلم إثباتا بل تثيل‪ ،‬وتنيها بل تعطيل‪ ،‬فإن الكلم ف‬
‫الصهفات فرع عهن الكلم فه الذات يتذى حذوه فكمها أن هؤلء العطلة يثبتون ل ذاتا ل تشبهه‬
‫لذوات‪ ،‬فأهل السنة يقولون ذلك ويثبتون ما وصف ال به نفسه ووصفه به رسوله من صفات كماله‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪242‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫ونعوت جلله ل تشبه صفاته صفات خلقه‪ ،‬فإنم آمنوا بكتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم‬
‫ول يتناقضوا‪ ،‬وأولئك العطلة كفروا ب ا ف الكتاب وال سنة من ذلك‪ ،‬وتناقضوا‪ .‬فب طل قول العطل ي‬
‫بالعقل والنقل ول المد والنة‪ ،‬وإجاع أهل السنن من الصحابة والتابعي وتابعيهم وأئمة السلمي‪.‬‬

‫وقد صنف العلماء رحهم ال تعال ف الرد على الهمية والعطلة والعتزلة والشاعرة وغيهم ف إبطال‬
‫هذه البدع و ما في ها من التنا قض والتها فت‪ :‬كالمام أح د رح ه ال تعال ف رده الشهور‪ ،‬وكتاب‬
‫السنة لبنه عبد ال‪ ،‬وصاحب اليدة عبد العزيز الكتان ف رده على بشر الريسي‪ ،‬وكتاب السنة لب‬
‫عبد ال الروزي‪ ،‬ورد عثمان بن سعيد على الكافر العنيد‪ .‬وهو بشر الريسي‪ ،‬وكتاب التوحيد لمام‬
‫الئمة ممد بن خزية الشافعي‪ ،‬وكتاب السنة لب بكر اللل‪ ،‬وأب عثمان الصابون الشافعي‪ ،‬وشيخ‬
‫السلم النصاري‪ ،‬وأب عمر بن عبد الب النمري‪ ،‬وخلق كثي من أصحاب الئمة الربعة وأتباعهم‪،‬‬
‫وأهل الديث ومن متأخريهم أبو ممد عبد ال بن أحد بن قدامة‪ ،‬وشيخ السلم ابن تيمية وأصحابه‬
‫وغي هم رح هم ال تعال‪ .‬فلله ال مد وال نة على بقاء ال سنة وأهل ها مع تفرق الهواء وتش عب الراء‪.‬‬
‫وال أعلم‪.‬‬

‫قوله‪( :‬و ف صحيح البخاري عن علي ر ضي ال ع نه‪ :‬حدثوا الناس ب ا يعرفون أتريدون أن يكذب‬
‫ال ورسوله) ‪:‬‬

‫على هو أمي الؤمني أبو السن علي بن أب طالب‪ ،‬وأحد اللفاء الراشدين‪ .‬وسبب هذا القول وال‬
‫أعلم ما حدث ف خلفته من كثرة إقبال الناس على الديث‪ ،‬وكثرة القصاص وأهل الوعظ‪ .‬فيأتون ف‬
‫ق صصهم بأحاد يث ل تعرف من هذا القب يل‪ ،‬فرب ا ا ستنكرها ب عض الناس ورد ها و قد يكون لبعض ها‬
‫أ صل أو مع ن صحيح‪ ،‬في قع ب عض الفا سد لذلك‪ ،‬فأرشد هم أم ي الؤمن ي ر ضي ال ع نه إل أن م ل‬
‫يدثون عامة الناس إل با هو معروف ينفع الناس ف أصل دينهم وأحكامه‪ ،‬من بيان اللل من الرام‬
‫الذي كلفوا به علما وعملً‪ ،‬دون ما يشغل عن ذلك ما قد يؤدي إل رد الق وعدم قبوله فيفضي بم‬
‫إل التكذيب‪ ،‬ول سيما مع اختلف الناس ف وقته‪ ،‬وكثرة خوضهم وجدلم‪.‬‬

‫وقد كان شيخنا الصنف رحه ال ل يب أن يقرأ على الناس إل ما ينفعهم ف أصل دينهم وعباداتم‬
‫ومعاملتم الذي ل غن ل م عن معرف ته‪ ،‬وينهاهم عن القراءة ف م ثل ك تب ا بن الوزي‪ :‬كالن عش‪،‬‬
‫والرعش‪ ،‬والتبصرة لا ف ذلك من العراض عما هو أوجب وأنفع‪ ،‬وفيها ما ال به وأعلم ما ل ينبغي‬
‫اعتقاده‪ .‬والعصوم من عصمه ال‪.‬‬

‫وقد كان أمي الؤمني معاوية بن أب سفيان ينهى القصاص عن القصص‪ ،‬لا ف قصصهم من الغرائب‬
‫والتساهل ف النقل وغي ذلك‪ ،‬ويقول‪ :‬ل يقص إل أمي أو مأمور وكل هذا مافظة على لزوم الثبات‬
‫ل ونية وقصدا‪ ،‬وترك كل ما كان وسيلة إل الروج عنه من البدع‬‫على الصراط الستقيم علما وعم ً‬
‫ووسائلها‪ ،‬وال الوفق للصواب‪ ،‬ول حول ول قوة إل بال‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وروى عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس‪ :‬أنه رأى رجلً انتفض‬
‫لا سع حديثا عن النب صلى ال عل يه وسلم ف الصفات استنكارا لذلك فقال‪ :‬ما فرق هؤلء ؟‬
‫يدون رقة عند مكمه‪ ،‬ويهلكون عند متشابه) ‪:‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪243‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪ :‬وروى عبد الرزاق هو ابن هام الصنعان الحدث مدث اليمن صاحب التصانيف‪،‬أكثر الرواية‬
‫عن معمر بن راشد صاحب الزهري‪ .‬وهو شيخ عبد الرزاق يروي عنه كثيا‪.‬‬

‫ومع مر بف تح اليم ي و سكون الع ي أ بو عروة بن أ ب عمرو را شد الزدي الرا ن ث اليما ن‪ ،‬أ حد‬
‫العلم من أصحاب ممد بن شهاب الزهري يروي عنه كثيا‪.‬‬

‫قوله‪ :‬عن ابن طاوس هو عبد ال بن طاوس اليمان‪ .‬قال معمر‪ :‬كان من أعلم الناس بالعربية‪ .‬وقال ابن‬
‫عيينة‪ :‬مات سنة اثنتي وثلثي ومائة‪.‬‬

‫قوله‪ :‬عن أبيه هو طاوس بن كيسان الندي بفتح اليم والنون المام العلم‪ ،‬قيل اسه ذكوان‪ ،‬قاله ابن‬
‫الوزي‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وهو من أئمة التفسي ومن أوعية العلم‪ ،‬قال ف تذيب الكمال‪ :‬عن الوليد الوقري عن الزهري‬
‫قال‪ :‬قد مت على ع بد اللك بن مروان فقال‪ :‬من أ ين قد مت يا زهري ؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬من م كة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ومن خلفت يسودها وأهلها ؟ قلت‪ :‬عطاء بن أب رباح‪ ،‬قال‪ :‬فمن العرب أم من الوال ؟ قلت‪ :‬من‬
‫الوال‪ ،‬قال‪ :‬ف بم سادهم ؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬بالديا نة والروا ية‪ .‬قال‪ :‬إن الديا نة والروا ية لينب غي أن ي سودوا‪.‬‬
‫قال‪ :‬فمن يسود أهل اليمن ؟ قلت‪ :‬طاوس بن كيسان‪ ،‬قال‪ :‬فمن العرب أم من الوال ؟ قال‪ :‬قلت‪:‬‬
‫من الوال‪ ،‬قال‪ :‬ف بم سادهم ؟ قلت‪ :‬ب ا ساد به عطاء‪ ،‬قال‪ :‬إ نه لينب غي ذلك‪ .‬قال‪ :‬ف من ي سود أ هل‬
‫م صر ؟ ؟ قلت يز يد بن حبيب‪ ،‬قال‪ :‬ف من العرب أم من الوال ؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬من الوال‪ ،‬قال‪ :‬ف من‬
‫يسود أهل الشام ؟ قلت‪ :‬مكحول‪ ،‬قال‪ :‬فمن العرب أم من الوال ؟ قلت من الوال‪ ،‬عبد نوب أعتقته‬
‫امرأة من هذ يل‪ .‬قال‪ :‬ف من ي سود أ هل الزيرة ؟ قلت‪ :‬ميمون بن مهروان‪ ،‬قال‪ :‬ف من العرب أم من‬
‫الوال‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬من الوال‪ .‬قال فمن يسود أهل خراسان ؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬الضحاك بن مزاحم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فمن العرب أم من الوال ؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬من الوال‪ ،‬قال‪ :‬فمن يسود أهل البصرة ؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬السن‬
‫الب صري‪ ،‬قال ف من العرب أم من الوال ؟ قلت‪ :‬من الوال‪ .‬قال‪ :‬ويلك‪ ،‬و من ي سود أ هل الكو فة ؟‬
‫قال‪ :‬قلت‪ :‬إبراه يم النخ عي‪ ،‬قال‪ :‬ف من العرب أم من الوال ؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬من العرب‪ .‬قال‪ :‬ويلك يا‬
‫زهري فر جت ع ن‪ ،‬وال لت سودن الوال على العرب ف هذا البلد ح ت ي طب ل ا على النابر والعرب‬
‫تتها‪ .‬قال‪ :‬قلت‪ :‬يا أمي الؤمني‪ ،‬إنا هو دين‪ :‬من حفظه ساد ومن ضيعه سقط ‪.‬‬

‫قوله‪ :‬عن ابن عباس قد تقدم‪ ،‬وهو حب المة وترجان القرآن‪ ،‬ودعا له النب صلى ال عليه وسلم قال‪:‬‬
‫" اللهم فقهه ف الدين وعلمه التأويل " وروى عنه أصحابه أئمة التفسي‪ :‬كمجاهد‪ ،‬وسعيد بن جبي‪،‬‬
‫وعطاء بن أب رباح‪ ،‬وطاوس وغيهم‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ما فرق هؤلء يستفهم من أصحابه‪ ،‬يشي إل أناس من يضر ملسه من عامة الناس‪ ،‬فإذا سعوا‬
‫شيئا من م كم القرآن ومعناه ح صل مع هم فرق أي خوف‪ ،‬فإذا سعوا شيئا من أحاد يث ال صفات‬
‫انتفضوا كالنكر ين له‪ ،‬فلم يصل من هم اليان الوا جب الذي أوج به ال تعال على عباده الؤمني قال‬
‫الذ هب‪ :‬حد يث وك يع عن إ سرائيل بد يث‪:‬إذا جلس الرب على الكر سي فاقش عر ر جل ع ند وك يع‪.‬‬
‫فغضب وكيع‪ .‬وقال‪ :‬أدرك نا العمش وسفيان يدثون بذه الحاديث ول ينكرونا أخرجه عبد ال‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪244‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫بن أح د ف كتاب الرد على الهم ية‪ .‬ورب ا ح صل مع هم من عدم تلق يه بالقبول ترك ما و جب من‬
‫اليان به‪ ،‬فشبه حالم حال من قال ال فيهم‪ " :‬أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض " فل يسلم‬
‫من الكفر إل من عمل با وجب عليه ف ذلك من اليان بكتاب ال كله واليقي كما قال تعال‪ " :‬هو‬
‫الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات مكمات هن أم الكتاب وأخر متشابات فأما الذين ف قلوبم زيغ‬
‫فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إل ال والراسخون ف العلم يقولون آمنا‬
‫به كل من ع ند رب نا و ما يذ كر إل أولو اللباب " فهؤلء الذ ين ذكر هم ا بن عباس ر ضي ال عنه ما‬
‫ه وجهب عليههم مهن اليان باه ل يعرفوا معناه مهن القرآن‪ ،‬وههو حق ل يرتاب فيهه مؤمهن‪،‬‬ ‫تركوا م ا‬
‫وبعضهم يفهم منه غي الراد من العن الذي أراد ال فيحمله على غي معناه‪ ،‬كما جرى لهل البدع‪،‬‬
‫كالوارج والراف ضة والقدر ية‪ ،‬ونو هم م ن يتأول ب عض آيات القرآن على بدع ته‪ .‬و قد و قع من هم‬
‫البتداع والروج عن ال صراط الستقيم‪ ،‬فإن الوا قع من أ هل البدع وتريف هم لع ن اليات يبي مع ن‬
‫قول ابن عباس‪.‬‬

‫وسبب هذه البدع جهل أهلها وقصورهم ف الفهم‪ ،‬وعدم أخذ العلوم الشرعية على وجهها‪ ،‬وتلقيها‬
‫من أهل ها العارف ي لعنا ها الذ ين وفق هم ال تعال لعر فة الراد‪ ،‬والتوف يق ب ي الن صوص‪ ،‬والق طع بأن‬
‫بعض ها ل يالف بعضا‪ ،‬ورد التشا به إل الح كم‪ .‬وهذه طري قة أ هل ال سنة والما عة ف كل زمان‬
‫ومكان‪ ،‬فلله المد ل نصي ثناء عليه‪.‬‬

‫( ذكر ما ورد عن علماء السلف ف التشابه )‬

‫قال ف الدر النثور‪ :‬أخرج الاكم وصححه عن ابن مسعود عن النب صلى ال عليه وسلم قال‪ " :‬كان‬
‫الكتاب الول ينل من باب وا حد على حرف وا حد‪ ،‬فنل القرآن من سبعة أحرف‪ :‬ز جر‪ ،‬وأ مر‪،‬‬
‫وحلل‪ ،‬وحرام‪ ،‬ومكم ومتشابه‪ ،‬وأمثال‪ .‬فأحلوا حلله‪ ،‬وحرموا حرامه‪ ،‬وافعلوا ما أمرت به‪ ،‬وانتهوا‬
‫عما نيتم عنه‪ ،‬واعتبوا بأمثاله واعملوا بحكمة‪ ،‬وآمنوا بتشابه‪ ،‬وقولوا آمنا به كل من عند ربنا "‪.‬‬

‫قال‪ :‬وأخرج عبد بن حيد عن قتادة ف قوله تعال‪ " :‬فأما الذين ف قلوبم زيغ فيتبعون ما تشابه منه "‬
‫ال ية‪ .‬قال‪ :‬طلب القوم التأو يل‪ ،‬فأخطأوا التأو يل وأ صابوا الفت نة‪ ،‬وطلبوا ما تشا به م نه فهلكوا ب ي‬
‫ذلك‪.‬‬

‫وأخرج عبد بن حيد وابن جرير وابن أب حات عن ابن عباس ف قوله‪ " :‬آيات مكمات " قال‪ :‬منهن‬
‫قوله تعال‪ " :‬قل تعالوا أ تل ما حرم رب كم علي كم " إل ثلث آيات‪ ،‬ومن هن‪ " :‬وق ضى ر بك أن ل‬
‫تعبدوا إل إياه " إل آخر اليات ‪.‬‬

‫وأخرج ابن جرير من طريق أب مالك عن أب صال عن ابن عباس‪ ،‬وعن مرة عن ابن مسعود وناس‬
‫من الصحابة رضي ال عنهم‪ :‬الحكمات الناسخات الت يعمل بن‪ ،‬والتشابات النسوخات ‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪245‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وأخرج ع بد بن حيد وا بن جر ير وا بن أب حات عن إسحق بن سويد أن يي بن يعمر وأبا فاخ تة‬


‫تراجعا هذه الية " هن أم الكتاب " فقال أوب فاختة‪ :‬هن فواتح السور‪ .‬منها يستخرج القرآن‪ " :‬ال‬
‫* ذلك الكتاب " منهها اسهتخرجت البقرة و " ال * ال ل إله إل ههو " منهها اسهتخرجت آل عمران‪.‬‬
‫وقال يي‪ :‬هن اللت فيهن الفرائض‪ ،‬والمر والنهي والال والرام‪ .‬والدود وعماد الدين ‪.‬‬

‫وأخرج ا بن جر ير عن م مد بن جع فر بن الزب ي قال‪ :‬الحكمات في هن ح جة الرب وع صمة العباد‪،‬‬


‫ودفع الصوم والباطل‪ ،‬ليس فيها تصريف ول تريف عما وضعت عليه وأخر متشابات ف الصدق‪،‬‬
‫لن تصريف وتريف وتأويل‪ ،‬ابتلى ال بن العباد كما ابتلهم باللل والرام‪ ،‬ل يصرفن إل الباطل‬
‫ول يرفن عن الق ‪.‬‬

‫وأخرج ابن أب حات مقاتل بن حيان إنا قال‪ " :‬هن أم الكتاب " لنه ليس من أهل دين ل يرضي بن‪:‬‬
‫" وأخر متشابات " يعن فيما بلغنا أل و الص و الر ‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وليس ف هذه الثار ونوها ما يشعر بأن أساء ال تعال وصفاته من التشابه‪ ،‬وما قال النفاة من‬
‫أنا من التشابه دعوى بل برهان‪.‬‬

‫قوله‪( :‬ولا سعت قريش رسول ال صلى ال عليه وسلم يذكر الرحن أنكروا ذلك فأنزل ال فيهم‪:‬‬
‫" وهم يكفرون بالرحن " روى ابن جرير عن قتادة‪ " :‬وهم يكفرون بالرحن " روى ابن جرير عن‬
‫قتادة‪ " :‬وهم يكفرون بالرحن " ذكر لنا أن نب ال صلى ال عليه وسلم زمن الديبية حي صال‬
‫قريشا كتب‪ :‬هذا ما صال عل يه ممد رسول ال‪ ،‬فقال مشركوا قريش‪ :‬لئن كنت رسول ال ث‬
‫قاتلناك لقد ظلمناك‪ ،‬ولكن اكتب‪ :‬هذا ما صال عليه ممد بن عبد ال‪ .‬فقال أصحاب رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ :‬يا رسول ال دعنا نقاتلهم‪ .‬فقال‪ :‬ل‪ .‬اكتبوا كما يريدون‪ :‬إن ممد بن عبد‬
‫ال فل ما ك تب الكا تب ب سم ال الرح ن الرح يم قالت قر يش‪ :‬أ ما الرح ن فل نعر فه‪ .‬وكان أ هل‬
‫الاهل ية يكتبون‪ :‬باسك اللهم‪ .‬فقال أ صحابه‪ :‬دع نا نقاتلهم‪ .‬قال‪ :‬ل‪ .‬ول كن اكتبوا ك ما يريدون‬
‫وروى أيضا عن ما هد قال‪ :‬قوله‪ " :‬كذلك أر سلناك ف أ مة قد خلت من قبل ها أ مم لتتلو علي هم‬
‫الذي أوحينا إليك وهم يكفرون بالرحن قل هو رب ل إله إل هو عليه توكلت وإليه متاب " قال‪:‬‬
‫هذا ما كا تب عل يه ر سول ال صلى ال عل يه و سلم قريشا ف الديب ية‪ ،‬ك تب ب سم ال الرح ن‬
‫الرحيم قالوا‪ :‬ل تكتب الرحن‪ ،‬ل ندري ما الرحن ؟ ل نكتب إل باسك اللهم‪ .‬قال تعال‪ " :‬وهم‬
‫يكفرون بالرحن " الية) ‪:‬‬

‫وروى أيضا عن ابن عباس رضي ال عنهما قال‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يدعو ساجدا‪:‬‬
‫يا رحن يا رحيم‪ .‬فقال الشركون‪ :‬هذا يزعم أنه يدعو واحدا وهو يدعو مثن مثن‪ .‬فأنزل ال‪ " :‬قل‬
‫ادعوا ال أو ادعوا الرحن أيا ما تدعوا فله الساء السن " الية ‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪246‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫باب‬
‫قول ال تعال‪ " :‬يعرفون نعمة ال ث ينكرونا وأكثرهم الكافرون "‪.‬‬

‫قوله‪( :‬باب‪ :‬قول ال تعال‪ " :‬يعرفون نعمة ال ث ينكرونا وأكثرهم الكافرون ") ‪:‬‬

‫ذكر الصنف رحه ال ما ذكر بعض العلماء ف معناها‪ .‬وقال ابن جرير‪ :‬فإن أهل التأويل اختلفوا ف‬
‫العن بالنع مة‪ .‬فذ كر عن سفيان عن ال سدى‪ " :‬يعرفون نعمة ال ث ينكرون ا " قال‪ :‬ممد صلى ال‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪247‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫عل يه و سلم وقال آخرون بل مع ن ذلك أن م يعرفون أن ما عدد ال تعال ذكره ف هذه ال سورة من‬
‫الن عم من ع ند ال‪ ،‬وأن ال هو الن عم علي هم بذلك‪ ،‬ولكن هم ينكرون ذلك‪ ،‬فيزعمون أن م ورثوه عن‬
‫آبائهم‪.‬‬

‫وأخرج عن ما هد‪ " :‬يعرفون نع مة ال ث ينكرون ا "‪ ،‬قال‪ :‬هي ال ساكن والنعام و ما يرزقون من ها‬
‫وال سرابيل من الديد والثياب‪ ،‬تعرف هذا كفار قر يش ث تنكره‪ ،‬بأن تقول‪ :‬هذا كان لبائنا فورثونا‬
‫إياه وقال آخرون‪ :‬معن ذلك أن الكفار إذا قيل لم من‪ :‬رزقكم ؟ أقروا بأن ال هو الذي يرزقهم ث‬
‫ينكرونه بقولم‪ :‬رزقنا ذلك شفاعة آلتنا‪.‬‬

‫وذكر الصنف مثل هذا عن ابن قتيبة وهو أبو ممد عبد ال بن مسلم بن قتيبة الدينوري قاضي مصر‬
‫النحوي اللغوي‪ ،‬صهاحب الصهنفات البديعهة الفيدة الحتويهة على علوم جةه‪ ،‬اشتغهل ببغداد وسهع‬
‫الديث على إسحاق بن راهوية وطبقته‪ .‬توف سنة ست وسبعي ومائتي‪.‬‬

‫وقال آخرون‪ :‬ما ذكره الصنف عن عون بن عبد ال بن عتبة بن مسعود الذل أبو عبد ال الكوف‬
‫الزا هد عن أب يه وعائ شة وا بن عباس وع نه قتادة وأ بو الزب ي والزهري‪ ،‬وث قة أح د وا بن مع ي قال‬
‫البخاري‪ :‬مات بعهد العشريهن ومائة " يعرفون نعمهة ال ثه ينكروناه " قال‪ :‬إنكارههم إياهها أن يقول‬
‫الرجل‪ :‬لول فلن ما كان كذا وكذا‪ ،‬ولول فلن ما أصبت كذا وكذا وإختار ابن جرير القول الول‪،‬‬
‫واختار غيه أن الية تعم ما ذكره العلماء ف معناها‪ .‬وهو الصواب وال أعلم‪.‬‬

‫قوله‪ :‬قال ماهد هو شيخ التفسي‪ :‬المام الربان‪ ،‬ماهد بن جب الكي مول بن مزوم‪ .‬قال الفضل بن‬
‫ميمون‪ :‬سعت ماهدا يقول عرضت الصحف على ابن عباس مرات‪ ،‬أقفه عند كل آية وأسأله‪ :‬فيم‬
‫نزلت ؟ وكيف نزلت ؟ وكيف معناها ؟ توف سنة اثنتي ومائة‪ .‬وله ثلث وثانون سنة رحه ال‪.‬‬

‫قوله‪ :‬وقال أبو العباس هو شيخ السلم أحد بن عبد الليم بن عبد السلم ابن تيمية المام الليل‬
‫رحه ال بعد حديث زيد بن خالد وقد تقدم ف باب ما جاء ف الستسقاء بالنواء‪ .‬قال‪ :‬وهذا كثي‬
‫ف الكتاب والسنة‪ ،‬يذم سبحانه من يضيف إنعامه إل غيه ويشرك به‪ .‬قال بعض السلف هو كقولم‪:‬‬
‫كانت الريح طيبة‪ ،‬واللح حاذقا‪ .‬نو ذلك ما هو جار على ألسنة كثي‪ .‬ا هه‪.‬‬

‫وكلم ش يخ ال سلم يدل على أن ح كم هذه ال ية عام في من ن سب الن عم إل غ ي ال الذي أن عم ب ا‪،‬‬


‫وأسند أسبابا إل غيه‪ ،‬كما هو مذكور ف كلم الفسرين الذكور بعضه هنا‪.‬‬

‫قال شيخنا رحه ال‪ :‬وفيه اجتماع الضدين ف القلب‪ ،‬وتسمية هذا الكلم إنكارا للنعمة‪.‬‬

‫باب‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪248‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قول ال تعال‪ " :‬فل تعلوا ل أندادا وأنتم تعلمون "‪.‬‬

‫قوله‪( :‬باب‪ :‬قول ال تعال‪ " :‬فل تعلوا ل أندادا وأنتم تعلمون ") ‪:‬‬

‫الند‪ :‬الثل والنظي‪ .‬وجعل الند ل‪ :‬هو صرف أنواع العبادة أو شئ منها لغي ال‪ ،‬كحال عبدة الوثان‬
‫الذ ين يعتقدون في من دعوه ورجوه أ نه ينفع هم ويد فع عن هم‪ ،‬ويش فع ل م‪ .‬وهذه ال ية ف سياق قوله‬
‫تعال‪ " :‬يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون * الذي جعل لكم‬
‫الرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فل تعلوا ل أندادا‬
‫وأنتم تعلمون " قال العماد ابن كثي رحه ال ف تفسيه‪ :‬قال أبو العالية‪ :‬ل تعلوا ل أندادا أي عدلء‬
‫شركاء‪ .‬وهكذا قال الربيع بن أنس وقتادة والسدى وأبو مالك واساعيل بن أب خالد‪.‬‬

‫وقال ابهن عباس‪ " :‬فل تعلوا ل أندادا وأنتهم تعلمون " أي ل تشركون بال شيئا مهن النداد الته ل‬
‫تن فع ول ت ضر‪ ،‬وأن تم تعلمون أ نه رب كم ل رب ل كم يرزق كم غيه‪ ،‬و قد علم تم أن الذي يدعو كم‬
‫الرسول إليه من توحيده هو الق الذي ل شك فيه‪ .‬وكذلك قال قتادة وماهد‪ " :‬فل تعلوا ل أندادا‬
‫" قال أكفاء من الرجال تطيعون م ف مع صية ال‪ .‬وقال ا بن ز يد‪ :‬النداد هي الل ة ال ت جعلو ها م عه‬
‫وجعلوا لاه مثهل مها جعلوا له‪ .‬وعهن ابهن عباس‪ " :‬فل تعلوا ل أندادا " أشباها‪ .‬وقال ماههد‪ " :‬فل‬
‫تعلوا ل أندادا وأن تم تعلمون " قال تعلمون أ نه إله وا حد ف التوراة والن يل‪ .‬وذ كر حديثا ف مع ن‬
‫هذه الية الكرية وهو ما ف مسند أحد عن الارث الشعري أن نب ال صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬‬
‫إن ال أمر يي بن زكريا عليه السلم بمس كلمات أن يعمل بن وأن يأمر بن إسرائيل أن يعملوا‬
‫بن‪ ،‬وأ نه كاد أن يبط يء با‪ .‬فقال له عيسى عليه ال سلم‪ :‬إن ال أمرك بمس كلمات أن تعمل بن‬
‫وتأمر بن إسرائيل أن يعملوا بن فإما أن تبلغهن وإما أن أبلغهن‪ ،‬فقال‪ :‬يا أخي‪ ،‬إن أخشى إن سبقتن‬
‫أن أعذب أو يسف ب‪ .‬قال‪ :‬فجمع يي بن زكريا بن إسرائيل ف بيت القدس‪ ،‬حت امتل السجد‬
‫وقعد على الشرف‪ .‬فحمد ال وأثن عليه ث قال‪ :‬إن ال أمرن بمس كلمات أن أعمل بن وآمركم‬
‫أن تعملوا بن‪ :‬أولهن أن تعبدوا ال ول تشركوا به شيئا‪ :‬فإن مثل ذلك مثل رجل اشترى عبدا من‬
‫خالص ماله بذ هب أو ورق‪ ،‬فج عل يع مل ويؤدي غل ته إل غ ي سيده‪ ،‬فأي كم ي سره أن يكون عبده‬
‫كذلك ؟ وإن ال خلق كم ورزق كم فاعبدوه ول تشركوا به شيئا‪ .‬وآمر كم بال صلة فإن ال ين صب‬
‫وجهه لوجه عبده ما ل يلتفت‪ .‬فإذا صليتم فل تلتفتوا‪ .‬وآمركم بالصيام‪ ،‬فإن مثل ذلك كمثل رجل‬
‫معه صرة من مسك ف عصابة كلهم يد ريح السك‪ .‬وإن خلوف فم الصائم عند ال أطيب من ريح‬
‫ال سك‪ .‬وآمر كم بال صدقة‪ .‬فإن م ثل ذلك كم ثل ر جل أ سره العدو فشدوا يد يه إل عن قه‪ ،‬وقدموه‬
‫ليضربوا عن قه‪ .‬فقال ل م‪ :‬هل ل كم أن أفتدي نف سي من كم ؟ فج عل يفتدى بالقل يل والكث ي ح ت فك‬
‫نف سه‪ .‬وآمر كم بذ كر ال كثيا‪ :‬فإن م ثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعا ف أثره‪ ،‬فأتى ح صنا‬
‫حصينا فتحصن فيه‪ ،‬وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان ف ذكر ال‪ .‬قال‪ :‬وقال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬وأنا آمركم بمس ال أمرن بن‪ :‬الماعة‪ ،‬والسمع والطاعة‪،‬والجرة والهاد‬
‫ف سبيل ال‪ ،‬فإنه من خرج من الماعة قيد شب فقد خلع ربقة السلم من عنقه إل أن يراجع‪ ،‬ومن‬
‫د عا بدعوى الاهل ية ف هو من ج ثي جه نم‪ .‬قالوا يا ر سول ال وإن صلى و صام ؟ فقال‪ :‬وإن صلى‬
‫وصام وزعم أنه مسلم‪ ،‬فادعوا السلمي بأسائهم الت ساهم ال عز وجل‪ :‬السلمي الؤمني عباد ال‬
‫"‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪249‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وهذا حديث حسن‪ ،‬والشاهد منه ف هذه الية قوله‪ " :‬واعبدوا ال ول تشركوا به شيئا " وهذه الية‬
‫دالة على توحيد ال تعال بالعبادة وحده ل شريك له‪ .‬وقد استدل با كثي من الفسرين على وجود‬
‫الصهانع‪ ،‬وههي دالة على ذلك بطريهق الول‪ .‬واليات الدالة على هذا القام فه القرآن كثية جدا‪.‬‬
‫وسئل أبو نواس عن ذلك فأنشد‪:‬‬

‫إل آثار ما صنع الليك‬ ‫تأمل ف نبات الرض وانظر‬


‫بأحداق هي الذهب السبيك‬ ‫عيون من لي ناظرات‬
‫بأن ال ليس له شريك‬ ‫على قضب الزبرجد شاهدات‬

‫وقال ابن العتز‪:‬‬

‫هه أم كيف يحده الاحد ؟‬ ‫فيا عجبا‪ ،‬كيف يعصى الله‬


‫تدل على أنه واحد‬ ‫وف كل شئ له آية‬

‫قوله‪ :‬و عن ا بن عباس ر ضي ال عنه ما ف ال ية النداد هو الشرك‪ ،‬أخ فى من دب يب الن مل على‬


‫صفاة سوداء ف ظلمة الليل‪ .‬وهو أن تقول‪ :‬وال‪ ،‬وحياتك يا فلنة‪ .‬وحيات‪ ،‬وتقول‪ :‬لول كليبة‬
‫هذا لتانا اللصوص‪ .‬ولول ال وفلن‪ .‬ل تعل فيها فلنا‪ .‬هذا كله به شرك رواه ابن أب حات ) ‪:‬‬

‫بي ابن عباس رضي ال عنهما أن هذا كله من الشرك‪ ،‬وهو الواقع اليوم على ألسن كثي من ل يعرف‬
‫التوحيد ول الشرك‪ :‬فتنبه لذه المور‪ .‬فإنا من النكر العظيم الذي يب النهي عنه والتغليظ فيه لكونه‬
‫من أكب الكبائر‪ .‬وهذا من ابن عباس رضي ال عنهما تنبيه بالدن من الشرك على العلى‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وعن عمر بن الطاب رضي ال عنه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪ " :‬من حلف‬
‫بغي ال فقد كفر أو أشرك " رواه الترمذي وحسنه وصححه الاكم) ‪:‬‬

‫قوله‪ :‬ف قد ك فر أو أشرك يت مل ل أن يكون شكا من الراوي ويت مل أن تكون أو بع ن الواو فيكون‬
‫قد كفر وأشرك‪ .‬ويكون الكفر الذي هو دون الكفر الكب‪ .‬كما هو من الشرك الصغر‪ .‬وورد مثل‬
‫هذا عن ابن مسعود بذا اللفظ‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وقال ابن مسعود‪ :‬لن أحلف بال كاذبا أحب إل من أن أحلف بغيه صادقا) ‪:‬‬

‫ومن العلوم أن اللف بال كاذبا كبية من الكبائر لكن الشرك أكب من الكبائر‪ .‬وإن كان أصغر كما‬
‫تقدم بيان ذلك‪ ،‬فإذا كان هذا حال الشرك ال صغر فك يف بالشرك ال كب الو جب للخلود ف النار ؟‬
‫كدعوة غي ال والستغاثة به‪ ،‬والرغبة إليه‪ ،‬وإنزال حوائجه به‪ ،‬كما هو حال الكثر من هذه المة ف‬
‫هذه الزمان و ما قبل ها‪ :‬من تعظ يم القبور‪ ،‬واتاذه ها أوثانا‪ ،‬والبناء علي ها‪ ،‬واتاذ ها م ساجد‪ ،‬وبناء‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪250‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫الشاهد باسم اليت لعبادة من بنيت باسه وتعظيمه‪ ،‬والقبال عليه بالقلوب والقوال والعمال‪ .‬وقد‬
‫عظمت البلوى بذا الشرك الكب الذي ل يغفره ال‪ ،‬وتركوا ما دل عليه القرآن العظيم من النهي عن‬
‫هذا الشرك ومها يوصهل إليهه‪ .‬قال ال تعال‪ " :‬فمهن أظلم منه افترى على ال كذبا أو كذب بآياتهه‬
‫أولئك ينالم نصيبهم من الكتاب حت إذا جاءتم رسلنا يتوفونم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون ال‬
‫قالوا ضلوا عنا وشهدوا على أنفسهم أنم كانوا كافرين " كفرهم ال تعال بدعوتم من كانوا يدعونه‬
‫من دونه ف دار الدنيا‪ .‬وقد قال تعال‪ " :‬وأن الساجد ل فل تدعو مع ال أحدا " وقال تعال‪ " :‬قل‬
‫إن ا أد عو ر ب ول أشرك به أحدا * قل إن ل أملك لكم ضرا ول رشدا " وهؤلء الشركون عك سوا‬
‫المر فخالفوا ما بلغ به المة وأخب به عن نفسه صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فعاملوه با ناهم عنه من الشرك‬
‫بال والتعلق على غي ال حت قال قائلهم‪:‬‬

‫سواك عند حلول الادث العمم‬ ‫يا أكرم اللق ما ل من ألوذ به‬
‫فضلً‪ ،‬وإل فقل‪ :‬يا زلة القدم‬ ‫إن ل تكن ف معادي آخذا بيدي‬
‫ومن علومك علم اللوح والقلم‬ ‫فإن من جودك الدنيا وضرتا‬

‫فانظر إل هذا الهل العظيم حيث اعتقد أنه ل ناة له إل بعياذه ولياذه بغي ال‪ ،‬وانظر إل هذا الطراء‬
‫العظيم الذي تاوز الد ف الطراء الذي ني عنه صلى ال عليه وسلم بقوله‪ " :‬ل تطرون كما أطرت‬
‫النصارى ابن مري‪ ،‬إنا أنا عبد فقولوا عبد ال ورسوله " رواه مالك وغيه‪ ،‬وقد قال تعال‪ " :‬قل ل‬
‫أقول لكم عندي خزائن ال ول أعلم الغيب ول أقول لكم إن ملك "‪.‬‬

‫فانظر إل هذه العارضة العظيمة للكتاب والسنة والحادة ل ورسوله‪ .‬وهذا الذي يقوله هذا الشاعر هو‬
‫الذي فه نفوس كثيه خصهوصا منه يدعون العلم والعرفهة‪ .‬ورأوا قراءة هذه النظومهة ونوهها لذلك‬
‫وتعظيمها من القربات فإن ل وإنا إليه راجعون‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وعن حذيفة رضي ال عنه عن النب صلى ال عليه وسلم قال‪ " :‬ل تقولوا ما شاء ال وشاء‬
‫فلن‪ ،‬ولكن قولوا ما شاء ال‪ ،‬ث شاء فلن " رواه أبو داود بسند صحيح) ‪:‬‬

‫وذلك لن العطوف بالواو يكون مسهاويا للمعطوف عليهه‪ ،‬لكوناه إناه وضعهت لطلق المهع‪ .‬فل‬
‫تقتضي ترتيبا ول تعقيبا‪ .‬وتسوية الخلوق بالالق شرك‪ ،‬إن كان ف الصغر مثل هذا فهو أصغر‪ ،‬وإن‬
‫كان ف الكب فهو أكب‪ .‬كما قال تعال عنهم ف الدار الخرة‪ " ، :‬تال إن كنا لفي ضلل مبي * إذ‬
‫نسهويكم برب العاليه " بلف العطوف بثهم‪ .‬فإن العطوف باه يكون متراخيا عهن العطوف عليهه‬
‫بهملة‪ .‬فل مذور لكونه صار تابعا‪.‬‬

‫قوله‪( :‬و عن إبراه يم النخ عي‪ :‬أ نه يكره أن يقول الر جل أعوذ بال و بك‪ .‬ويوز أن يقول‪ :‬بال ث‬
‫بك‪ .‬قال ويقول‪ :‬لول ال ث فلن‪ .‬ل تقولوا‪ :‬لول ال وفلن) ‪:‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪251‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وقد تقدم الفرق بي ما يوز وما ل يوز من ذلك‪ .‬هذا إنا هو ف الي الاضر الذي له قدرة وسبب‬
‫ف الشئ‪ .‬وهو الذي يري ف حقه مثل ذلك‪ .‬وأما ف حق الموات الذين ل إحساس لم بن يدعوهم‬
‫ول قدرة لم على نفع ول ضر‪ .‬فل يقال ف حقهم شئ من ذلك‪ .‬فل يوز التعلق عليه بشئ ما بوجه‬
‫من الوجوه‪ ،‬والقرآن يبي ذلك وينادي بأنه يعلهم آلة إذا سئلوا شيئا من ذلك‪ ،‬أو رغب إليهم أحد‬
‫بقوله أو عمله الباطن أو الظاهر‪ ،‬فمن تدبر القرآن ورزق فهمه صار على بصية من دينه وبال التوفيق‪.‬‬

‫والعلم ل يؤخذ قسرا وإنا يؤخذ بأسباب ذكرها بعضهم ف قوله‪:‬‬

‫سأنبيك عن تفصيلها ببيان‬ ‫أخي‪ ،‬لن تنال العلم إل بستة‬


‫وإرشاد أستاذ‪ ،‬وطول زمان‬ ‫ذكاء وحرص‪ ،‬واجتهاد وبلغة‬

‫وأعظم من هذه الستة من رزقه ال تعال الفهم والفظ‪ ،‬وأتعب نفسه ف تصيله فهو الوفق لن شاء‬
‫من عباده‪ .‬كما قال تعال‪ " :‬وعلمك ما ل تكن تعلم وكان فضل ال عليك عظيما "‪.‬‬
‫ولقد أحسن العلمة ابن القيم رحه ال تعال من حيث قال‪:‬‬

‫أمران ف التركيب متفقان‬ ‫والهل داء قاتل وشفاؤه‬


‫وطبيب ذاك العال الربان‬ ‫نص من القرآن‪ ،‬أو من سنة‬
‫من رابع‪ ،‬والق ذو تبيان‬ ‫والعلم أقسام ثلث‪ ،‬ما لا‬
‫وكذلك الساء للرحن‬ ‫علم بأوصاف الله وفعله‬
‫وجزاؤه يوم العاد الثان‬ ‫والمر والنهي الذي هو دينه‬
‫جاءت عن البعوث بالقرآن‬ ‫والكل ف القرآن والسنن الت‬
‫متحذلق بسواها إل من الذيان‬ ‫وال ما قال امرؤ‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪252‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫باب‬
‫ما جاء فيمن ل يقنع باللف بال والنهي عن اللف بالباء‬

‫قوله‪( :‬باب‪ :‬ما جاء فيمن ل يقنع باللف بال ‪:‬‬


‫عن ابن عمر أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪ " :‬ل تلفوا بآبائكم‪ .‬من حلف بال فليصدق‪.‬‬
‫ومن حلف له بال فليض‪ .‬ومن ل يرض فليس من ال " رواه ابن ماجه بسند حسن) ‪:‬‬

‫قوله‪ :‬ل تلفوا بآباكم تقدم النهي عن اللف بغي ال عموما‪.‬‬

‫قوله‪ :‬من حلف بال فلي صدق هذا م ا أوج به ال على عباده وحض هم عل يه ف كتا به‪ .‬قال تعال‪ " :‬يا‬
‫أيها الذين آمنوا اتقوا ال وكونوا مع الصادقي " وقال‪ " :‬والصادقي والصادقات " وقال‪ " :‬فلو صدقوا‬
‫ال لكان خيا لمه " وههو حال أههل الب‪ ،‬كمها قال تعال‪ " :‬ولكهن الب مهن آمهن بال واليوم الخهر‬
‫واللئكة والكتاب والنبيي " إل قوله "أولئك الذين صدقوا وأولئك هم التقون "‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪253‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وقوله‪ :‬من حلف فليض‪ ،‬ومن ل يرض فليس من ال أما إذا ل يكن له بكم الشريعة على خصمه إل‬
‫اليم ي فأحل فه فل ر يب أ نه ي ب عل يه الر ضا‪ .‬وأ ما إذا كان في ما يري ب ي الناس م ا قد ي قع ف‬
‫العتذارات من بعضهم لبعض ونو ذلك‪ .‬فهذا من حق السلم على السلم‪ :‬أن يقبل منه إذا حلف له‬
‫معتذرا أو متبئا من تمة ومن حقه عليه‪ :‬أن يسن به الظن إذا ل يتبي خلفه‪ ،‬كما ف الثر عن عمر‬
‫رضي ال عنه‪ :‬ول تظنن بكلمة خرجت من مسلم شرا وأنت تد لا ف الي مملً ‪.‬‬

‫وفيه‪ :‬من التواضع واللفة والحبة وغي ذلك من الصال الت يبها ال ما ل يفى على من له فهم‪.‬‬
‫وذلك من أ سباب اجتماع القلوب على طا عة ال‪ ،‬ث إ نه يد خل ف ح سن اللق الذي هو أث قل ما‬
‫يوضع ف ميزان العبد‪ ،‬كما ف الديث وهو من مكارم الخلق‪.‬‬

‫فتأمل أيها الناصح لنفسه ما يصلحك مع ال تعال‪ :‬من القيام بقوقه وحقوق عباده‪ ،‬وإدخال السرور‬
‫على ال سلمي‪ ،‬وترك النقباض عن هم والتر فع علي هم‪ .‬فإن ف يه من الضرر ما ل ي طر بالبال ول يدور‬
‫باليال‪ .‬وبسهط هذه المور وذكهر مها ورد فيهها مذكور فه كتهب الدب وغي ها‪ .‬فمهن رزق ذلك‬
‫والعمل با ينبغي العمل به من وترك ما يب تركه من ذلك‪ ،‬دل على وفور دينه‪ ،‬وكمال عقله‪ .‬وال‬
‫الوفق لعبده الضعيف السكي‪ .‬وال أعلم‪.‬‬

‫باب‬
‫قول ما شاء ال وشئت‬

‫عن قتيلة‪ " :‬أن يهوديا أ تى ال نب صلى ال عل يه و سلم‪ ،‬فقال‪ :‬إن كم تشركون‪ .‬تقولون‪ :‬ما شاء ال‬
‫وشئت‪ ،‬وتقولون‪ ،‬وتقولون‪ :‬والكعبهة‪ .‬فأمرههم النهب صهلى ال عليهه وسهلم إذا أرادوا أن يلفوا أن‬
‫يقولوا‪ :‬ورب الكعبة‪ .‬وأن يقولوا‪ :‬ما شاء ال ث شئت " رواه النسائي وصححه‪.‬‬

‫قوله‪ :‬عن قتيلة بثناة مصغرة بنت صيفي النصارية صحابية مهاجرة‪ ،‬لا حديث ف سنن النسائي‪ ،‬وهو‬
‫الذكور ف الباب‪ .‬ورواه عنها عبد ال بن يسار العفي‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪254‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وفيه‪ :‬قبول الق ما جاء به كائنا من كان‪ .‬وفيه‪ :‬بيان النهي عن اللف بالكعبة‪ ،‬مع أنا بيت ال الت‬
‫حجها وقصدها بالج والعمرة فريضة‪ .‬وهذا يبي أن النهي عن الشرك بال عام ل يصلح منه شئ‪ ،‬ل‬
‫للك مقرب ول نب مرسل‪ .‬ول للكعبة الت هي بيت ال ف أرضه‪ .‬وأنت ترى ما وقع من الناس اليوم‬
‫من اللف بالكعبة وسؤالا ما ل يقدر عليه إل ال‪ .‬ومن العلوم أن الكعبة ل تضر ول تنفع‪ .‬وإنا شرع‬
‫ال لعباده الطواف ب ا والعبادة عند ها وجعل ها لل مة قبلة‪ :‬فالطواف ب ا مشروع وال ف ب ا ودعاؤ ها‬
‫منوع‪ .‬فميز أيها الكلف بي ما يشرع وما ينع‪ ،‬وإن خالفك من خالفك من جهة الناس الذين هم‬
‫كالنعام‪ ،‬بل هم أضل سبيلً‪.‬‬

‫قوله‪ :‬إنكم تشركون‪ .‬تقولون‪ :‬ما شاء ال وشئت والعبد وإن كانت له مشيئة فمشيئته تابعة لشيئة ال‪،‬‬
‫ول قدرة له على أن يشأ شيئا إل إذا كان ال قد شاءه‪ ،‬كما قال تعال‪ " ، :‬لن شاء منكم أن يستقيم‬
‫* وما تشاؤون إل أن يشاء ال رب العالي " وقوله‪ " ، :‬إن هذه تذكرة فمن شاء اتذ إل ربه سبيل *‬
‫وما تشاؤون إل أن يشاء ال إن ال كان عليما حكيما "‪.‬‬

‫و ف هذه اليات والحاد يث‪ :‬الرد على القدر ية والعتزلة‪ ،‬نفاة القدر الذ ين يثبتون للع بد مشيئة تالف‬
‫ما أراده ال تعال من العبد وشاءه‪ ،‬وسيأت ما يبطل قولم ف‪ :‬باب ما جاء ف منكري القدر إن شاء‬
‫ال تعال‪ ،‬وأنم موس هذه المة‪.‬‬

‫وأما أهل السنة والماعة فتمسكوا بالكتابة والسنة ف هذا الباب وغيه‪ .‬واعتقدوا أن مشيئة العبد تابعة‬
‫لشيئة ال تعال ف كل شئ ما يوافق ما شرعه ال وما يالفه‪ ،‬من أفعال العباد وأقوالم‪ .‬فالكل بشيئة‬
‫ال وإرادته‪ .‬فما وافق ما شرعه رضيه وأحبه‪ .‬وما خالفه كرهه من العبد‪ ،‬كما قال تعال‪ " :‬إن تكفروا‬
‫فإن ال غن عنكم ول يرضى لعباده الكفر " الية‪ .‬وفيه‪ :‬بيان أن اللف بالكعبة شرك‪ .‬فإن النب صلى‬
‫ال عليه وسلم أقر اليهودي على قوله‪ :‬إنكم تشركون ‪.‬‬

‫ل قال للنب صلى ال عليه وسلم ما شاء‬


‫قوله‪( :‬وله أيضا عن ابن عباس رضي ال عنهما " أن رج ً‬
‫ال وشئت‪ ،‬قال‪ :‬أجعلتن ل ندا ؟ بل ما شاء ال وحده ") ‪:‬‬

‫هذا يقرر ما تقدم من أن هذا شرك‪ ،‬لوجود التسوية ف العطف بالواو‪.‬‬

‫وقوله‪ :‬أجعلتن ل ندا فيه بيان أن من سوى العبد بال ولو ف الشرك الصغر فقد جعله ندا ل شاء أم‬
‫أب‪ ،‬خلفا لا يقوله الاهلون‪ ،‬ما يتص بال تعال من عباده‪ ،‬وما يب النهي عنه من الشرك بنوعيه‪.‬‬
‫ومن يرد ال به خيا يفقهه ف الدين‪.‬‬
‫قوله‪( :‬ولبن ماجه‪ :‬عن الطفيل أخي عائشة لمها قال‪ :‬رأيت فيما يرى النائم كأن أتيت على نفر‬
‫من اليهود‪ ،‬فقلت‪ :‬من أنتم ؟ قالوا‪ :‬نن اليهود‪ ،‬قلت‪ :‬إنكم لنتم القوم‪ ،‬لول أنكم تقولون عزير‬
‫ا بن ال‪ .‬قالوا‪ :‬وإنكم لنتم القوم‪ ،‬لول أنكم تقولون‪ :‬ما شاء ال وشاء ممد‪ .‬ث مررت بنفر من‬
‫النصارى فقلت‪ :‬من أنتم ؟ قالوا نن النصارى‪ .‬قلت إنكم لنتم القوم لول أنكم تقولون‪ :‬السيح‬
‫ابن ال‪ ،‬قالوا‪ :‬وإنكم لنتم القوم لول أنكم تقولون‪ :‬ما شاء ال وشاء ممد‪ ،‬فلما أصبحت أخبت‬
‫با من أخبت ث أت يت النب صلى ال عل يه وسلم فأخبته‪ ،‬فقال‪ :‬هل أخبت با أحدا ؟ قلت‪:‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪255‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫ل رأى رؤ يا أ خب ب ا من أ خب من كم‪،‬‬
‫ن عم‪ .‬قال‪ :‬فح مد ال وأث ن عل يه‪ .‬ث قال‪ :‬أ ما ب عد فإن طفي ً‬
‫وإنكم قلتم كلمة كان ينعن كذا وكذا أن أناكم عنها‪ .‬فل تقولوا‪ :‬ما شاء ال وشاء ممد‪ ،‬ولكن‬
‫قولوا‪ :‬ما شاء ال وحده) ‪:‬‬

‫قوله‪ :‬عن الطفيل أخي عائشة لمها هو الطفيل بن عبد ال بن سخبة أخو عائشة لمها‪ ،‬صحاب له‬
‫حديث عند ابن ماجه‪ ،‬وهو ما ذكره الصنف ف الباب‪.‬‬

‫وهذه الرؤيا حق أقرها رسول ال صلى ال عليه وسلم وعمل بقتضاها‪ .‬فنهاهم أن يقولوا‪ :‬ما شاء ال‬
‫وشاء ممد‪ ،‬وأمرهم أن يقولوا‪ :‬ما شاء ال وحده ‪.‬‬

‫وهذا الديث والذي قبله فيه أن يقولوا‪ :‬ما شاء ال وحده ول ريب أن هذا أكمل ف الخلص وأبعد‬
‫عن الشرك من أن يقولوا‪ :‬ث شاء فلن لن فيه التصريح بالتوحيد الناف للتنديد ف كل وجه‪ .‬فالبصي‬
‫يتار لنفسه أعلى مراتب الكمال ف مقام التوحيد والخلص‪.‬‬

‫قوله‪ :‬كان ينعن كذا وكذا أن أناكم عنها ورد ف بعض الطرق‪ :‬أنه كان ينعه الياء منهم وبعد هذا‬
‫الديث الذي حدثه به الطفيل عن رؤياه خطبهم صلى ال عليه وسلم فنهى عن ذلك نيا بليغا‪ ،‬فما‬
‫زال صلى ال عليه وسلم يبلغهم حت أكمل ال له الدين وأت له به النعمة‪ ،‬وبلغ البلغ البي‪ ،‬صلوات‬
‫ال وسلمهم عليه وعلى آله وصبحه أجعي‪.‬‬

‫وفيه معن قوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬الرؤيا الصالة جزء من ستة وأربعي جزءا من النبوة "‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وإن كان رؤيا منام فهي وحي يثبت با ما يثبت بالوحي أمرا ونيا‪ .‬وال أعلم‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪256‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫باب‬
‫من سب الدهر فقد آذى ال‬

‫قوله‪( :‬باب‪ :‬من سب الدهر فقد آذى ال‪:‬‬


‫وقول ال تعال‪ " :‬وقالوا ما هي إل حياتنا الدنيا نوت ونيا وما يهلكنا إل الدهر ") ‪:‬‬

‫قال العماد ابن كثي ف تفسيه‪ :‬يب تعال عن دهرية الكفار ومن وافقهم من مشركي العرب ف إنكار‬
‫العاد‪ " :‬وقالوا ما هي إل حياتنا الدنيا نوت ونيا وما يهلكنا إل الدهر " ما ث إل هذه الدار‪ ،‬يوت‬
‫قوم ويعيهش آخرون‪ ،‬ومها ثه معاد ول قيامهة‪ .‬وهذا يقوله مشركهو العرب النكرون للمعاد‪ ،‬ويقوله‬
‫الفل سفة الليون من هم‪ ،‬و هم ينكرون البدأة والرج عة‪ .‬وتقول الفل سفة الدهر ية الدور ية‪ ،‬النكرون‬
‫للصانع‪ ،‬العتقدون أن ف كل ستة وثلثي ألف سنة يعود كل شئ إل ما كان عليه‪ .‬وزعموا أن هذا‬
‫قد تكرر مرات ل تتناهى‪ ،‬فكابروا العقول وكذبوا النقول‪ ،‬ولذا قالوا‪ " :‬وما يهلكنا إل الدهر " قال‬
‫ال تعال‪ " :‬وما لم بذلك من علم إن هم إل يظنون " أي يتوهون ويتخيلون‪.‬‬

‫فأ ما الد يث الذي أخر جه صاحب ال صحيح وأ بو داود والن سائي من روا ية سفيان ا بن عيي نة عن‬
‫الزهري عن سعيد بن ال سيب عن أ ب هريرة قال‪ :‬قال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ " :‬يقول ال‬
‫تعال‪ :‬يؤذي ن ا بن آدم‪ ،‬ي سب الد هر وأ نا الد هر‪ ،‬بيدي ال مر‪ ،‬أقلب الل يل والنهار " و ف روا ية‪ " :‬ل‬
‫تسبوا الدهر فإن أنا الدهر " وف رواية‪ " :‬ل يقل ابن آدم يا خيبة الدهر‪ ،‬فإن أنا الدهر‪ ،‬أرسل الليل‬
‫والنهار‪ ،‬فإذا شئت قبضتهما " ا هه‪.‬‬

‫قال ف شرح السنة‪ :‬حديث متفق على صحته أخرجاه من طريق معمر من أوجه عن أب هريرة قال‪:‬‬
‫ومعناه أن العرب كان من شأنا ذم الدهر أي سبه عند النوازل‪ ،‬لنم كانوا ينسبون إليه ما يصيبهم من‬
‫الصائب والكاره فيقولون‪ :‬أصابتهم قوارع الدهر وأبادهم الدهر‪ ،‬فإذا أضافوا إل الدهر ما نالم من‬
‫الشدائد الت يصنعونا فنهوا عن سب الدهر‪ .‬ا ه باختصار‪.‬‬

‫وقد أورده ابن جرير بسياق غريب جدا بذا الطريق‪ .‬قال‪ :‬كان أهل الاهلية يقولون‪ :‬إنا يهلكنا الليل‬
‫والنهار و هو الذي يهلك نا وييت نا وييي نا‪ ،‬فقال ال ف كتا به‪ " :‬وقالوا ما هي إل حيات نا الدن يا نوت‬
‫ونيا وما يهلكنا إل الدهر "‪ .‬ويسبون الدهر‪ .‬فقال ال عز وجل‪ :‬يؤذين ابن آدم‪ ،‬يسب الدهر وأنا‬
‫الدهر‪ ،‬بيدي المر‪ ،‬أقلب الليل والنهار ‪.‬‬

‫وكذا رواه ابن أب حات عن أحد بن منصور عن سريج بن النعمان عن ابن عيينة مثله‪ .‬ث روى عن‬
‫يونس عن ابن وهب عن الزهري عن أب سلمة عن أب هريرة‪ :‬سعت رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫يقول‪ " :‬يقول ال تعال‪ :‬ي سب ا بن آدم الد هر وأ نا الد هر‪ ،‬بيدي الل يل والنهار " وأخر جه صاحب‬
‫الصحيح والنسائي من حديث يونس بن يزيد به‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪257‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وقال ممد بن إسحاق عن العلء بن عبدالرحن عن أبيه عن أب هريرة أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم قال‪ " :‬يقول ال عز وجل‪ :‬استقرضت عبدي فلم يعطن‪ ،‬ويسبن عبدي‪ ،‬يقول‪ :‬وادهراه‪ ،‬وأنا‬
‫الدهر "‪.‬‬

‫قال الشافعي وأبو عبيد وغيها من الئمة ف تفسي قوله‪ :‬أل تسبوا الدهر فإن ال هو الدهر كانت‬
‫العرب ف جاهليت ها إذا أ صابم شدة أو بلء أو نك بة قالوا‪ :‬يا خي بة الد هر في سندون تلك الفعال إل‬
‫الدهر ويسبونه‪ ،‬وإنا فاعلها هو ال تعال‪ .‬فكأنا إنا سبوا ال سبحانه‪ ،‬لنه فاعل ذلك ف القيقة‪،‬‬
‫فلهذا نى عن سب الدهر بذا العتبار لن ال هو الدهر الذي يعنونه ويسندون إليه تلك الفعال‪ .‬هذا‬
‫أحسن ما قيل ف تفسيه وهو الراد وال أعلم‪.‬‬

‫و قد غلط ا بن حزم و من ن ا نوه من الظاهرة ف عد هم الد هر من ال ساء ال سن أخذا من هذا‬


‫الديث‪ .‬ا هه‪.‬‬

‫وقد بي معناه ف الديث بقوله‪ :‬أقلب الليل والنهار وتقليبه تصرفه تعال فيه با يبه الناس ويكرهونه‪.‬‬

‫وف هذا الديث زيادة ل يذكرها الصنف رحه ال تعال‪ ،‬وهي قوله‪ :‬بيدي المر ‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وف رواية‪ :‬ل تسبوا الدهر فإن ال هو الدهر) ‪:‬‬

‫معن هذه الرواية‪ :‬هو ما صرح به ف الديث من قوله‪ :‬وأنا الدهر‪ ،‬أقلب الليل والنهار يعن ما يري‬
‫فيه من خي وشر بإرادة ال وتدبيه‪ ،‬بعلم منه تعال وحكمة‪ ،‬ل يشاركه ف ذلك غيه‪ .‬ما شاء كان‬
‫وما ل يشأ ل يكن‪ ،‬فالواجب عند ذلك حده ف الالتي وحسن الظن به سبحانه وبمده‪ ،‬والرجوع‬
‫إليه بالتوبة والنابة‪ .‬كما قال ال تعال‪ " :‬وبلوناهم بالسنات والسيئات لعلهم يرجعون " وقال تعال‪:‬‬
‫" ونبلو كم بال شر وال ي فت نة وإلي نا ترجعون " ون سبة الف عل إل الد هر وم سبته كثية‪ ،‬ك ما ف أشعار‬
‫الولدين‪ ،‬كابن العتز والتنب وغيها‪ .‬وليس منه وصف السني بالشدة ونو ذلك كقوله تعال‪ " :‬ث‬
‫يأت من بعد ذلك سبع شداد " الية‪ .‬وقال بعض الشعراء‪:‬‬

‫تطوى وتنشر بينها العمار‬ ‫إن الليال من الزمان مهولة‬


‫وطوالن مع السرور قصار‬ ‫فقصارهن مع الموم طويلة‬

‫وقال أبو تام‪:‬‬

‫ذكر النوى‪ ،‬فكأنا أيام‬ ‫أعوام وصل كاد ينسى طيبها‬


‫نوى أسى‪ ،‬فكأنا أعوام‬ ‫ث انبت أيام هجر أعقبت‬
‫وأهلها فكأنا وكأنم أحلم‬ ‫ث انقضت تلك السنون‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪258‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫باب‬
‫التسمى بقاضي القضاة‬

‫قوله‪( :‬باب‪ :‬التسمى بقاضي القضاة ونوه) ‪:‬‬

‫ذ كر ال صنف رح ه ال هذه الترج ة إشارة إل الن هى عن الت سمى بقا ضي القضاة قيا سا على ما ف‬
‫حديث الباب‪ .‬لكونه شبهه ف العن فينهى عنه‪.‬‬

‫قوله‪( :‬ف ال صحيح عن أ ب هريرة رضي ال ع نه عن النب صلى ال عليه وسلم قال‪ " :‬إن أخ نع‬
‫اسم عند ال رجل تسمى ملك الملك‪ ،‬ل مالك إل ال ") ‪:‬‬

‫لن هذا اللفظ إنا يصدق على ال تعال‪ .‬فهو ملك الملك ل ملك أعظم ول أكب منه‪ .‬مالك اللك‬
‫ذو اللل والكرام‪ .‬وكل ملك يؤتيه ال من يشاء من عباده فهو عارية يسرع ردها إل العي‪ .‬وهو‬
‫ال تعال‪ ،‬ينع اللك من ملكه تارة وينع اللك منه تارة فيصي ل حقيقة له سوى اسم زال مسماه‪.‬‬
‫وأما رب العالي فملكه دائم كامل ل انتهاء له بيده القسط يفضه ويرفعه‪ ،‬ويفظ على عباده أعمالم‬
‫بعل مه سبحانه وتعال‪ ،‬و ما تكت به الف ظة علي هم‪ .‬فيجازى كل عا مل بعمله إن خيا فخ ي وإن شرا‬
‫ف شر‪ .‬ك ما ورد ف الد يث‪ " :‬الل هم لك ال مد كله ولك اللك كله وبيدك ال ي كله‪ .‬وإل يك ير جع‬
‫المر كله‪ .‬أسألك من الي كله‪ ،‬وأعوذ بك من الشر كله "‪.‬‬

‫قوله‪( :‬قال سفيان يعن ابن عيينة مثل شاهنشاه عند العجم عبارة عن ملك الملك‪ .‬ولذا مثل به‬
‫سفيان لنه عبارة عنه بلغة العجم) ‪:‬‬

‫قوله‪( :‬وف رواية‪ :‬أغيظ رجل على ال وأخبثه) ‪:‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪259‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪ :‬أغيظ من الغيظ وهو مثل الغضب والبغض‪ .‬فيكون بغيضا إل ال مغضوبا عليه‪ .‬وال أعلم‪.‬‬

‫قوله‪ :‬وأخب ثه و هو يدل أيضا على أن هذا خبيث ع ند ال فاجتم عت ف ح قه هذه المور لتعاظ مه ف‬
‫نفسه وتعظيم الناس له بذه الكلمة الت هي من أعظم التعظيم‪ ،‬فتعظمه ف نفسه وتعظيم الناس له با‬
‫ليس له بأهل‪ ،‬وضعه عند ال يوم القيامة‪ .‬فصار أخبث اللق وأبغضهم إل ال وأحقرهم‪ ،‬لن البيث‬
‫البغيض عند ال يكون يوم القيامة أحقر اللق وأخبثهم‪ ،‬لتعاظمه ف نفسه على خلق ال بنعم ال‪.‬‬

‫قوله‪ :‬أخنع‪ :‬يعن أوضع هذا هو معن أخنع فيفيد ما ذكرنا ف معن أغيظ أنه يكون حقيا بغيضا عند‬
‫ال‪.‬‬

‫وفيه التحذير من كل ما فيه تعاظم‪ .‬كما أخرج أبو داود عن أب ملذ قال‪ :‬خرج معاوية رضي ال عنه‬
‫على ا بن الزب ي وا بن عا مر‪ .‬فقام ا بن عا مر وجلس ا بن الزب ي‪ .‬فقال معاو ية ل بن عا مر‪ :‬اجلس‪ ،‬فإ ن‬
‫سعت ر سول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪" :‬من أحب أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من‬
‫النار " وأخرجه الترمذي أيضا‪ ،‬وقال حسن‪ .‬وعن أب أمامة رضي ال عنه قال‪ " :‬خرج علينا رسول‬
‫ال صلى ال عل يه و سلم متكئا على ع صا‪ ،‬فقم نا إل يه‪ .‬فقال‪ :‬ل تقوموا ك ما تقوم العا جم‪ ،‬يع ظم‬
‫بعضهم بعضا " رواه أبو داود‪.‬‬
‫قوله‪ :‬أغ يظ ر جل هذا من ال صفات ال ت ت ر ك ما جاءت‪ ،‬ول يس شئ م ا ورد ف الكتاب وال سنة إل‬
‫وي ب اتباع الكتاب وال سنة ف ذلك وإثبا ته على و جه يل يق بلل ال وعظم ته تعال‪ ،‬إثباتا بل تث يل‬
‫وتنيها بل تعط يل ك ما تقدم‪ ،‬والباب كله وا حد‪ .‬وهذا هو قول أ هل ال سنة والما عة من ال صحابة‬
‫والتابعي فمن بعدهم من الفرق الناجية من الثلث والسبعي فرقة‪ .‬وهذا التفرق والختلف إنا حدث‬
‫فه أواخهر القرن الثالث ومها بعده كمها ل يفهى على مهن له معرفهة باه وقهع فه المهة مهن التفرق‬
‫والختلف والروج عن الصراط الستقيم‪ ،‬وال الستعان‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪260‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫باب‬
‫احترام أساء ال تعال وتغيي السم لجل ذلك‬

‫عن أب شريح‪ :‬أنه كان يكن أبا الكم‪ .‬فقال له النب صلى ال عليه وسلم‪ " :‬إن ال هو الكم‪ .‬وإليه‬
‫ال كم‪ ،‬فقال‪ :‬إن قو مي إذا اختلفوا ف شئ أتو ن فحك مت بين هم فر ضى كل الفريق ي‪ .‬فقال‪ :‬ما‬
‫أحسن هذا‪ .‬فما لك من الولد ؟ قل‪ :‬شريح ومسلم وعبد ال‪ .‬قال‪ :‬فمن أكبهم ؟ قلت‪ :‬شريح‪ .‬قال‪:‬‬
‫فأنت أبو شريح " رواه أبو داود وغيه ‪.‬‬

‫قوله‪ :‬عن أب شريح قال ف خلصة التهذيب‪ :‬هو أبو شريح الزاعي اسه خويلد بن عمرو أسلم يوم‬
‫الف تح‪ ،‬له عشرون حديثا‪ ،‬اتف قا على حديث ي وانفرد البخاري بد يث‪ ،‬وروى ع نه أ بو سعيد ال قبي‬
‫ونافع بن جيي وطائفة‪ .‬قال ابن سعد‪ :‬مات بالدينة سنة ثان وستي‪ .‬وقال الشارح اسه هانء بن يزيد‬
‫الكندي قاله الافظ‪ ،‬وقيل‪ :‬الارث الضباب‪ .‬قاله الزي‪.‬‬

‫قوله‪ :‬يكن الكنية ما صدر بأب أو أم ونو ذلك واللقب ما ليس كذلك كزين العابدين ونوه‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪261‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وقول النب صلى ال عليه وسلم‪ :‬إن ال هو الكم وإليه الكم فهو سبحانه الكم ف الدنيا والخرة‪،‬‬
‫يكم بي خلقه ف الدنيا بوحيه الذي أنزل على أنبيائه ورسله‪ ،‬وما من قضية إل ول فيها حكم با‬
‫أنزل على نبيه من الكتاب والك مة‪ ،‬و قد ي سر ال معر فة ذلك لك ثر العلماء من هذه ال مة‪ ،‬فإن ا ل‬
‫تتمع على ضللة‪ ،‬فإن العلماء وإن اختلفوا ف ب عض الحكام فل بد أن يكون الصيب فيهم واحدا‪،‬‬
‫فمن رزقه ال تعال قوة الفهم وأعطاه ملكة يقتدر با على فهم الصواب من أقوال العلماء يسر له ذلك‬
‫بفضله ومنه عليه وإحسانه إليه‪ ،‬فما أجلها من عطية‪ ،‬فنسأل ال من فضله‪.‬‬

‫قوله‪ :‬وإل يه ال كم ف الدن يا والخرة ك ما قال تعال‪ " :‬و ما اختلف تم ف يه من ش يء فحك مه إل ال "‬
‫وقال‪ " :‬فإن تنازع تم ف ش يء فردوه إل ال والر سول إن كن تم تؤمنون بال واليوم ال خر ذلك خ ي‬
‫وأحسن تأويل " فالكم إل ال هو الكم إل كتابه‪ ،‬والكم إل رسوله هو الكم إليه ف حياته وإل‬
‫سنته بعد وفاته‪.‬‬

‫وقد قال صلى ال عليه وسلم لعاذ لا بعثه إل اليمن‪ " :‬ب تكم ؟ قال‪ :‬بكتاب ال‪ :‬قال‪ :‬فإن ل تد ؟‬
‫قال‪ :‬بسنة رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬قال فإن ل تد ؟ قال أجتهد رأيي‪ .‬فقال المد ل الذي‬
‫و فق ر سول ر سول ال إل ما ير ضى ر سول ال " فمعاذ من أ جل علماء ال صحابة بالحكام ومعر فة‬
‫اللل من الرام‪ ،‬ومعرفة أحكام الكتاب والسنة‪ .‬ولذا ساغ له الجتهاد إذا ل يد للقضية حكما ف‬
‫كتاب ال‪ ،‬ول ف سنة رسوله صلى ال عل يه و سلم‪ ،‬بلف ما يقع اليوم وقبله من أ هل التفر يط ف‬
‫الحكام من يهل حكم ال ف كتابه وسنة رسوله‪ ،‬فيظن أنه الجتهاد يسوغ له مع الهل بأحكام‬
‫الكتاب والسنة وهيهات‪.‬‬

‫وأ ما يوم القيا مة فل ي كم ب ي اللق إل ال عز و جل إذا نزل لف صل القضاء ب ي العباد‪ ،‬فيح كم ب ي‬


‫خل قه بعل مه‪ .‬و هو الذي ل ي فى عل يه خاف ية من أعمال خل قه‪ " :‬إن ال ل يظلم مثقال ذرة وإن تك‬
‫ح سنة يضاعف ها ويؤت من لد نه أجرا عظيما " وال كم يوم القيا مة إن ا هو بال سنات وال سيئات‪،‬‬
‫فيؤخذ للمظلوم من الظال من حسناته بقدر ظلمته إن كان له حسنات‪ ،‬وإن ل يكن له حسنات أخذ‬
‫من سيئات الظلوم‪ ،‬فطرح على سيئات الظال ل يز يد على هذا مثقال ذرة ول ين قص هذا عن ح قه‬
‫بثقال ذرة‪.‬‬
‫قوله‪ :‬فإن قومي إذا اختلفوا ف شئ أتو ن فحك مت بين هم فر ضى كل الفريقي فقال‪ :‬ما أحسن هذا‬
‫فالع ن وال أعلم أن أ با شر يح ل ا عرف م نه قو مه أ نه صاحب إن صاف وت ر للعدل بين هم ومعر فة ما‬
‫يرضيهم من الانبي صار عندهم مرضيا وهذا هو الصلح‪ :‬لن مدارؤ على الرضى ل على اللزام‪ .‬ول‬
‫على الكهان وأههل الكتاب مهن اليهود والنصهارى‪ ،‬ول على السهتناد إل أوضاع أههل الاهليهة مهن‬
‫أحكام كهبائهم وأسهلفهم الته تالف حكهم الكتاب والسهنة‪ .‬كمها قهد يقهع اليوم كثيا‪ ،‬كحال‬
‫الطواغ يت الذ ين ل يلتفتون إل ح كم ال ول إل ح كم ر سوله‪ .‬وإن ا العت مد عند هم ما حكموا به‬
‫بأهوائهم وآرائهم‪.‬‬

‫و قد يلت حق بذا ب عض القلدة ل ن ل ي سغ تقليده فيعت مد على قول من قلده ويترك ما هو ال صواب‬
‫الوافق لصول الكتاب والسنة‪ .‬وال الستعان‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪262‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وقول رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ " :‬فما لك من الولد ؟ قال شريح‪ ،‬ومسلم‪ ،‬وعبد ال‪ .‬قال‪ :‬فمن‬
‫أكبهم ؟ قلت‪ :‬شريح‪ .‬قال‪ :‬فأنت أبو شريح " فيه تقدي الكب ف الكنية وغيها غالبا‪ .‬وجاء هذا‬
‫العن ف غي ما حديث وال أعلم‪.‬‬

‫باب‬
‫من هزل بشيء فيه ذكر ال والرسول‬

‫قوله‪( :‬باب ‪ :‬من هزل بشئ فيه ال أو القرآن أو الرسول ) ‪:‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪263‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫أي فقد كفر‬

‫قوله‪( :‬وقول ال تعال‪ " :‬ولئن سألتهم ليقولن إنا كنا نوض ونلعب قل أبال وآياته ورسوله كنتم‬
‫تستهزئون") ‪:‬‬

‫قال العماد ا بن كث ي رح ه ال ف تف سيه‪ :‬قال أ بو مع شر الد ن عن م مد بن ك عب القر ظي وغيه‪:‬‬


‫قالوا‪ :‬قال رجل من النافقي‪ :‬ما أرى مثل قرائنا هؤلء ؟ أرغبنا بطونا‪ ،‬وأكذبنا ألسنا‪ ،‬وأجبننا عند‬
‫اللقاء‪ ،‬فرفع ذلك إل رسول ال صلى ال عليه وسلم وقد ارتل وركب ناقته‪ .‬فقال يا رسول ال‪ ،‬إنا‬
‫كنا نوض ونلعب‪ ،‬ونتحدث حديث الركب نقطع به عنا الطريق‪ .‬فقال‪ " :‬أبال وآياته ورسوله كنتم‬
‫ت ستهزئون * ل تعتذروا قد كفر ت ب عد إيان كم إن ن عف عن طائ فة من كم نعذب طائ فة بأن م كانوا‬
‫مرم ي " وإن رجل يه لي سفعان الجارة‪ ،‬و ما يلت فت إل يه ر سول ال صلى ال عل يه و سلم و هو متعلق‬
‫بنسعة ناقة رسول ال صلى ال عليه وسلم وقال عبد ال بن وهب‪ :‬أخبن هشام بن سعد عن زيد بن‬
‫أسلم عن عبد ال بن عمر قال‪ :‬قال رجل ف غزوة تبوك ف ملس‪ :‬ما رأينا مثل قرائنا هؤلء أرغب‬
‫بطونا‪ ،‬ول أكذب ألسهنا‪ ،‬ول أجبه عنهد اللقاء‪ .‬فقال رجهل فه الجلس‪ :‬كذبهت‪ ،‬ولكنهك منافهق‪،‬‬
‫لخبن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬فبلغ ذلك رسول ال صلى ال عليه وسلم ونزل القرآن‪ .‬قال‬
‫عبد ال بن عمر‪ :‬وأنا رأيته متعلقا بقب ناقة ر سول ال صلى ال عليه وسلم تنك به الجارة‪ ،‬و هو‬
‫يقول‪ :‬يا ر سول ال إن ا ك نا نوض ونل عب‪ ،‬ور سول ال صلى ال عل يه و سلم يقول‪ " :‬أبال وآيا ته‬
‫ور سوله كن تم ت ستهزئون * ل تعتذروا قد كفر ت ب عد إيان كم " و قد رواه الل يث عن هشام بن سعد‬
‫بنحو هذا‪.‬‬

‫وقال ابن إسحاق‪ :‬وقد كان جاعة من النافقي منهم وديعة بن ثابت أخو بن أمية ابن زيد بن عمرو‬
‫بن عوف‪ ،‬ورجل من أشجع حليف لبن سلمة يقال له‪ :‬مشي بن حي‪ ،‬يشيون إل رسول ال صلى‬
‫ال عل يه وسلم وهو منطلق إل تبوك‪ ،‬فقال بعض هم لبعض‪ :‬أتسبون جلد بن ال صفر كقتال العرب‬
‫بعضهم بعضا ؟ وال لكأنا بكم غدا مقرني ف البال‪ ،‬إرتافا وترهيبا للمؤمني‪ .‬فقال مشي بن حي‪:‬‬
‫وال لوددت أنه أقاضهي على أن يضرب كهل رجهل منها مائة جلدة‪ ،‬وأنها نتلفهت أن ينل فينها قرآن‬
‫لقالتكم هذه‪ ،‬وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم فيما بلغن لعمار بن ياسر‪ :‬أدرك القوم فإنم قد‬
‫احترقوا‪ ،‬فسلهم عما قالوا‪ ،‬فإن أنكروا فقل‪ :‬بل قلتم كذا وكذا وكذا‪ ،‬فانطلق إليهم عمار‪ ،‬فقال ذلك‬
‫لم‪ ،‬فأتوا رسول ال صلى ال عليه وسلم يعتذورن إليه‪ .‬فقال وديعة بن ثابت ورسول ال واقف على‬
‫راحلته فجعل يقول وهو آخذ بقها‪ :‬يا رسول ال إنا كنا نوض ونلعب‪ ،‬فقال مشي بن حي‪ :‬يا‬
‫رسول ال قعد ب اسي واسم أب‪ ،‬فكان الذي عناه أي بقوله تعال‪ " :‬إن نعف عن طائفة منكم نعذب‬
‫طائفة " ف هذه الية‪ :‬مشي بن حي فسمى عبد الرحن‪،‬وسأل ال أن يقتل شهيدا ل يعلم بكانه‪،‬‬
‫فقتل يوم اليمامة فلم يوجد له أثر ‪.‬‬

‫وقال عكرمة ف تفسي هذه الية‪ :‬كان رجل من إن شاء ال عفا عنه يقول‪ :‬اللهم إن أسع آية أنا أعن‬
‫ل ف سبيلك‪ ،‬ل يقول أ حد أ نا‬ ‫ب ا تقش عر من ها اللود‪ ،‬وت ل من ها القلوب‪ .‬الل هم فاج عل وفا ت قت ً‬
‫غسلت‪ ،‬أنا كفنت‪ ،‬أنا دفنت‪ .‬قال‪ :‬فأصيب يوم اليمامة‪ ،‬فما أحد من السلمي إل وقد وجد غيه ‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪264‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وقوله‪ " :‬ل تعتذروا قد كفر ت ب عد إيان كم " أي بذه القالة ال ت ا ستهزأت ب ا " إن ن عف عن طائ فة‬
‫منكم " أي مشي بن حي " نعذب طائفة " أي ل يعفى عن جيعكم‪ ،‬ول بد من عذاب بعضكم "‬
‫إنم كانوا مرمي " أي بذه القالة الفاجرة الاطئة‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫قال شيخ السلم‪ :‬وقد أمره ال تعال أن يقول لم‪ " :‬قد كفرت بعد إيانكم " وقول من يقول‪ :‬إنم‬
‫كفروا بعد إيانم بل سانم مع كفر هم أو ًل بقلوب م‪ :‬ل يصح لن اليان باللسان مع ك فر القلب قد‬
‫قارنه الكفر‪ ،‬فل يقال‪ :‬قد كفرت بعد إيانكم‪ ،‬فإنم ل يزالوا كافرين ف نفس المر‪ ،‬وإن أريد أنكم‬
‫أظهرت الكفر بعد إظهاركم اليان‪ ،‬فهم ل يظهروا للناس إل لواصهم‪ ،‬وهم مع خواصهم ما زالوا‬
‫كذلك‪ .‬ول يدل اللفظ على أنم ما زالوا منافقي‪.‬‬

‫وقال رحه ال ف موضع آخر‪ :‬فقد أخب أنم كفروا بعد إيانم مع قولم‪ :‬إنا تكلمنا بالكفر من غي‬
‫اعتقاد له‪ ،‬بل إنا كنا نوض ونلعب‪ .‬وبي أن الستهزاء بآيات ال كفر‪ .‬ول يكون هذا إل من شرح‬
‫صدرا بذا الكلم‪ ،‬ولو كان اليان ف قل به لن عه أن يتكلم بذا الكلم‪ ،‬والقرآن يبي أن إيان القلب‬
‫يستلزم العمل الظاهر بسبه‪ .‬كقوله تعال‪ " :‬ويقولون آمنا بال وبالرسول وأطعنا ث يتول فريق منهم‬
‫من بعد ذلك" إل قوله "إنا كان قول الؤمني إذا دعوا إل ال ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سعنا‬
‫وأطعنا وأولئك هم الفلحون " فنفى اليان عمن تول عن طاعة الرسول‪ ،‬وأخب أن الؤمني إذا دعوا‬
‫إل ال ورسوله ليحكم بينهم سعوا وأطاعوا‪ ،‬فبي أن هذا من لوازم اليان‪ ،‬انتهى‪.‬‬

‫وف يه‪ :‬بيان أن الن سان قد يكفر بكلمة يتكلم ب ا أو عمل يعمل به‪ .‬وأشد ها خطرا إرادات القلوب‪.‬‬
‫فهي كالبحر الذي ل ساحل له‪ .‬ويفيد الوف من النفاق الكب‪ .‬فإن ال تعال أثبت لؤلء إيانا قبل‬
‫أن يقولوا ما قالوه‪ ،‬ك ما قال ا بن أ ب ملي كة‪ :‬أدر كت ثلث ي من أ صحاب ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫وسلم كلهم ياف النفاق على نفسه ‪ .‬نسأل ال السلمة والعفو والعافية ف الدنيا والخرة‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪265‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫باب‬
‫قول ال " ولئن أذقناه رحة منا من بعد ضراء مسته " الية‬

‫قوله‪ ( :‬باب‪ :‬قول ال تعال‪ " :‬ولئن أذقناه رحة منا من بعد ضراء مسته " الية) ‪:‬‬

‫ذكر الصنف رحه ال تعال عن ابن عباس وغيه من الفسرين ف معن هذه الية وما بعدها ما يكفي‬
‫ف العن ويشفي‪.‬‬

‫قوله‪( :‬قال ماهد‪ :‬هذا بعملي وأنا مقوق به‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬يريد من عندي‪ .‬وقوله‪ " :‬قال إنا‬
‫أوتي ته على علم عندي " قال قتادة‪ :‬على علم م ن بوجوه الكا سب‪ :‬وقال آخرون‪ :‬على علم من‬
‫ال أن له أهل وهذا معن قول ماهد‪ :‬أوتيته على شرف) ‪:‬‬

‫وليس فيما ذكروه اختلف وإنا هي افراد العن‪.‬‬

‫قال العماد ابن كثي رحه ال ف معن قوله تعال‪ " :‬إذا خولناه نعمة منا قال إنا أوتيته على علم بل هي‬
‫فت نة " ي ب أن الن سان ف حالة ال ضر يضرع إل ال تعال وين يب إل يه ويدعوه‪ ،‬ث إذا خوله نع مة م نه‬
‫طغى وبغى و " قال إنا أوتيته على علم " أي لا يعلم ال من استحقاق له‪ ،‬ولول أن عند ال حظيظ‬
‫ل ا خول ن هذا‪ .‬قال تعال‪ " :‬بل هي فت نة" أي ل يس ال مر ك ما ز عم بل إن ا أنعم نا عل يه بذه النع مة‬
‫لنختبه فيما أنعمنا عليه أيطيع أم يعصى ؟ مع علمنا التقدم بذلك " بل هي فتنة " أي إختبار " ولكن‬
‫أكثرهم ل يعلمون " فلهذا يقولون ما يقولون‪ ،‬ويدعون ما يدعون‪ " :‬قد قالا الذين من قبلهم " أي قد‬
‫قال هذه القالة وزعم هذا الزعم وادعى هذه الدعوى كثي من سلف من المم " فما أغن عنهم ما‬
‫كانوا يكسبون " أي فما صح قولم ول نفعهم جعهم‪ ،‬وما كانوا يكسبون‪ .‬كما قال تعال مبا عن‬
‫قارون‪ " :‬إذ قال له قومه ل تفرح إن ال ل يب الفرحي * وابتغ فيما آتاك ال الدار الخرة ول تنس‬
‫نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن ال إليك ول تبغ الفساد ف الرض إن ال ل يب الفسدين *‬
‫قال إن ا أوتي ته على علم عندي أول يعلم أن ال قد أهلك من قبله من القرون من هو أ شد م نه قوة‬
‫وأكثر جعا ول يسأل عن ذنوبم الجرمون " وقال تعال‪ " :‬وقالوا نن أكثر أموالً وأولدا وما نن‬
‫بعذبي " ا هه‪.‬‬

‫قوله‪( :‬و عن أ ب هريرة ر ضي ال ع نه أ نه سع ر سول ال صلى ال عل يه و سلم يقول‪ :‬إن ثل ثة‪..‬‬


‫الديث) ‪:‬‬

‫قوله‪ :‬أخرجاه أي البخاري ومسلم‪ .‬والناقة العشراء بضم العي وفتح الشي وبالد هي الامل‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪266‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪ :‬أنتج وف رواية فنتج معناه تول نتاجها‪ ،‬والناتج للناقة كالقابلة للمرأة‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ولد هذا هو بتشد يد اللم‪ ،‬أي تول ولدت ا‪ ،‬و هو بع ن أن تج ف النا قة‪ ،‬فالولد والنا تج والقابلة‬
‫بعن واحد‪ ،‬لكن هذا للحيوان‪ ،‬وذلك لغيه‪.‬‬

‫وقوله‪ :‬انقطعت ب البال هو بالاء الهملة والباء الوحدة‪ :‬هي السباب‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ل أجهدك معناه‪ :‬ل أشق عليك ف رد شئ تأخذ‪ ،‬أو تطلب من مال ذكره النووي‪.‬‬

‫وهذا حديث عظيم‪ ،‬وفيه معتب‪ :‬فإن الولي جحدا نعمة ال‪ ،‬فما أقرا ل بنعمة‪ ،‬ول نسبا النعمة إل‬
‫النعم با‪ ،‬ول أديا حق ال فيها‪ ،‬فحل عليهما السخط‪ .‬وأما العمى فاعترف بنعمة ال‪ ،‬ونسبها إل‬
‫من أن عم عل يه ب ا‪ ،‬وأدى حق ال في ها‪ ،‬فا ستحق الر ضا من ال بقيا مه بش كر النع مة ل ا أ تى بأركان‬
‫الشكر الثلثة الت ل يقوم الشكر إل با‪ .‬وهي القرار بالنعمة ونسبتها إل النعم‪ ،‬وبذلا فيما يب‪.‬‬

‫قال العلمة ابن القيم رحه ال‪ :‬أصل الشكر هو العتراف بإنعام النعم على وجه الضوع له‪ ،‬والذل‬
‫والح بة‪ ،‬فمن ل يعرف النعمة بل كان جاهلً ب ا ل يشكر ها‪ ،‬ومن عرفها ول يعرف ب ا ل يشكر ها‬
‫أيضا‪ ،‬ومن عرف النعمة والنعم لكن جحدها كما يجد النكر لنعمة النعم عليه با فقد كفرها‪ ،‬ومن‬
‫عرف النعمة والنعم با‪ ،‬وأقر با ول يحدها‪ ،‬ولكن ل يضع له ول يبه ويرض به وعنه‪ ،‬ل يشكره‬
‫أيضا‪ ،‬ومن عرفها وعرف النعم با وأقر با‪ ،‬وخضع للمنعم با‪ ،‬وأحبه ورضى به وعنه‪ ،‬واستعملها ف‬
‫مابه وطاعته‪ ،‬فهذا هو الشاكر لا‪ ،‬فل بد ف الشكر من علم القلب‪ ،‬وعمل يتبع العلم‪ ،‬وهو اليل إل‬
‫النعم ومبته والضوع له‪.‬‬

‫قوله‪ :‬قذرن الناس بكراهة رؤيته وقربه منهم‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪267‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫باب‬
‫قول ال " فلما آتاها صالا " الية‬

‫قوله‪( :‬قول ال تعال‪ " :‬فلما آتاها صالا جعل له شركاء فيما آتاها فتعال ال عما يشركون ") ‪:‬‬

‫قال المام أحد رحه ال ف معن هذه الية‪ :‬حدثنا عبد الصمد حدثنا عمر بن إبراهيم حدثنا قتادة عن‬
‫السن عن سرة عن النب صلى ال عليه وسلم قال‪ " :‬لا ولدت حواء طاف با إبليس وكان ل يعيش‬
‫لا ولد فقال‪ :‬سيه عبد الارث فإنه يعيش‪ ،‬فسمته عبد الارث فعاش‪ .‬وكان ذلك من وحي الشيطان‬
‫وأمره " وهكذا رواه ا بن جر ير عن م مد بن بشار بندار عن ع بد ال صمد بن ع بد الوارث به‪ .‬ورواه‬
‫الترمذي ف تفسي هذه الية عن ممد ابن الثن عن عبد الصمد به‪ ،‬وقال‪ :‬هذا حديث حسن غريب‪،‬‬
‫ل نعرفه إل من حديث عمر بن إبراهيم‪ ،‬ورواه بعضهم عن عبد الصمد ول يرفعه‪ .‬ورواه الاكم ف‬
‫م ستدركه من حد يث ع بد ال صمد مرفوعا‪ ،‬وقال‪ :‬هذا حد يث صحيح ال سناد‪ ،‬ول يرجاه‪ .‬ورواه‬
‫المام أبو ممد بن أب حات ف تفسيه عن أب زرعة الرازي عن هلل بن فياض عن عمر بن إبراهيم‬
‫به مرفوعا‪.‬‬

‫وقال ابن جرير‪ :‬حدثنا ابن وكيع‪ ،‬حدثنا سهيل بن يوسف عن عمرو عن السن " جعل له شركاء‬
‫فيما آتاها " قال‪ :‬كان هذا ف بعض أهل اللل ول يكن آدم ‪ .‬وحدثنا بشر بن معاذ قال‪ :‬حدثن يزيد‪،‬‬
‫حدثنها سهعيد عهن قتادة قال‪ :‬كان السهن يقول‪ :‬ههم اليهود والنصهارى‪ ،‬رزقههم ال أولدا فهودوا‬
‫ونصروا وهذا إسناد صحيح عن السن رحه ال‪.‬‬

‫قال العماد ابن كثي ف تفسيه‪ :‬وأما الثار‪ :‬فقال‪ :‬ممد بن إسحاق عن داود ابن الصي عن عكرمة‬
‫عن ابن عباس قال‪ :‬كانت حواء تلد لدم عليه السلم أولدا فتعبدهم ل وتسميهم عبد ال وعبيد ال‬
‫ون و ذلك‪ ،‬في صيبهم الوت‪ ،‬فأتاها إبليس فقال‪ :‬أما إنكما لو تسميانه بغ ي الذي ت سميانه به لعاش‪،‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪268‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫ل فسماه عبد الارث‪ ،‬ففيه أنزل ال‪ " :‬هو الذي خلقكم من نفس واحدة " الية وقال‬ ‫فولدت له رج ً‬
‫العوف عن ابن عباس‪:‬فأتاها الشيطان فقال‪ :‬هل تدريان ما يولد لكما ؟ أم هل تدريان ما يكون‪ ،‬أبيمة‬
‫أم ل ؟ وز ين ل ما البا طل‪ ،‬إ نه لغوي مبي‪ ،‬و قد كا نت ق بل ذلك ولدت ولد ين فما تا‪ ،‬فقال ل ما‬
‫الشيطان‪ :‬إنكما إن ل تسمياه ب ل يرج سويا‪ ،‬ومات كما مات الول‪ .‬فسميا ولدها عبد الارث‪،‬‬
‫فذلك قوله تعال‪ " :‬فلما آتاها صالا جعل له شركاء فيما آتاها فتعال ال عما يشركون " ‪.‬‬

‫وذكر مثله عن سعيد بن جيي عن ابن عباس‪ .‬ورواه ابن أب حات‪ .‬وقد تلقى هذا الثر عن ابن عباس‬
‫جاعة من أصحابه كمجاهد وعكرمة وسعيد بن جبي‪ ،‬ومن الطبقة الثانية‪ :‬قتادة والسدى وجاعة من‬
‫اللف‪ ،‬و من الف سرين والتأخر ين جاعات ل ي صون كثرة‪ .‬قال العماد ا بن كث ي‪ :‬وكأن أ صله وال‬
‫أعلم مأخوذ من أهل الكتاب‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وهذا بعيد جدا‪.‬‬

‫قوله‪( :‬قال ابن حزم‪ :‬اتفقوا على تري كل اسم معبد لغي ال كعبد عمرو وعبد الكعبة‪ ،‬وما أشبه‬
‫ذلك‪ ،‬حاشى عبد الطلب) ‪:‬‬

‫ا بن حزم‪ :‬هو عال الندلس‪ ،‬أ بو م مد على بن أح د بن سعيد بن حزم القر طب الظاهري‪ .‬صاحب‬
‫التصانيف‪ ،‬توف سنة ست وخسي وأربعمائة‪ .‬وله اثنتان وسبعون سنة‪.‬‬

‫وعبد الطلب هذا هو جد رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬وهو ابن هاشم بن عبد مناف بن قصى بن‬
‫كلب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزية بن مدركة‬
‫بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان‪ ،‬وما فوق عدنان متلف فيه‪ .‬ول ر يب أنم من ذرية‬
‫إساعيل بن إبراهيم الليل عليهما السلم‪.‬‬

‫حكى رحه ال اتفاق العلماء على تري كل ما عبد لغي ال‪ ،‬لنه شرك ف الربوبية واللية‪ .‬لن اللق‬
‫كل هم ملك ل وعب يد له‪ ،‬ا ستعبدهم لعباد ته وحده‪ ،‬وتوحيده ف ربوبي ته وإلي ته‪ ،‬فمن هم من ع بد ال‬
‫ووحده ف ربوبي ته وإلي ته‪ ،‬ومن هم من أشرك به ف إلي ته وأقر له بربوبيته وأ سائه و صفاته‪ ،‬وأحكامه‬
‫القدرية جارية عليهم ول بد‪ ،‬كما قال تعال‪ " :‬إن كل من ف السماوات والرض إل آت الرحن عبدا‬
‫" فهذه هي العبودية العامة‪.‬‬

‫وأما العبودية الاصة فإنا تص بأهل الخلص والطاعة‪ ،‬كما قال تعال‪ " :‬أليس ال بكاف عبده "‬
‫ونوها‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪269‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪ :‬حا شى ع بد الطلب‪ :‬هذا ا ستثناء من العموم ال ستفاد من كل وذلك أن ت سميته بذا ال سم ل‬
‫مذور فيها‪ ،‬لن أصله من عبودية الرق‪ ،‬وذلك أن الطلب أخو هاشم قدم الدينة‪ ،‬وكان ابن أخيه شيبة‬
‫هذا قد نشأ ف أخواله بن النجار من الزرج‪،‬لن هاشا تزوج فيهم امرأة‪ ،‬فجاءت منه بذا البن‪ ،‬فلما‬
‫شب ف أخواله‪ ،‬وبلغ سن التمييز سافر به عمه الطلب إل مكة بلد أبيه وعشيته فقدم به مكة وهو‬
‫رديفه‪ ،‬فرآه أهل مكة وقد تغي لونه بالسفر‪ ،‬فحسبوه عبدا للمطلب‪ ،‬فقالوا‪ :‬هذا عبد الطلب‪ ،‬فعلق به‬
‫هذا السم وركبه‪ ،‬فصار ل يذكر ول يدعى إل به‪ ،‬فلم يبق للصل معن مقصود‪ .‬وقد قال النب صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ " :‬أنا ابن عبد الطلب " وقد صار معظما ف قريش والعرب‪ ،‬فهو سيد قريش وأشرفهم‬
‫ف جاهليته‪ ،‬وهو الذي حفر زمزم وصارت له السقاية وف ذريته من بعده‪ .‬وعبد ال والد رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم أحد بن عبد الطلب‪ ،‬وتوف ف حياة أبيه‪ .‬قال الافظ صلح الدين العلئي ف‬
‫كتاب الدرة السنية ف مولد خي البية‪ :‬كان سن أبيه عبد ال حي حلت منه آمنة برسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم نو ثانية عشر عاما‪ ،‬ث ذهب إل الدينة ليمتار منها ترا لهله فمات با عند أخواله‬
‫بن عدي بن النجار‪ ،‬والنب صلى ال عليه حل على الصحيح‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وصار النب صلى ال عليه وسلم لا أوضعته أمه ف كفالة جده عبد الطلب‪ .‬قال الافظ الذهب‪:‬‬
‫وتوف أبوه عبد ال وللنب ثانية وعشرون شهرا‪ ،‬وقيل أقل من ذلك‪ ،‬وقيل‪ :‬وهو حل‪ .‬توف بالدينة‪،‬‬
‫وكان قد قدم ها ليمتار ترا‪ ،‬وق يل‪ :‬بل مر ب ا راجعا من الشام‪ ،‬وعاش خ سة وعشر ين سنة‪ .‬قال‬
‫الواقدي‪ :‬وذلك أثبت القاويل ف سنه ووفاته‪ .‬وتوفيت أمه آمنة بالبواء وهي راجعة به صلى ال عليه‬
‫وسلم إل مكة من زيارة أخوال أبيه بن عدي بن النجار‪ ،‬وهو يومئذ ابن ست سني ومائة يوم‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫ابن أربع سني‪ .‬فلما ماتت أمه حلته أم أين مولته إل جده‪ ،‬فكان ف كفالته إل أن توف جده‪ ،‬وللنب‬
‫صلى ال عليه وسلم ثان سني فأوصى به إل عمه أبو طالب ا هه‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وعن ابن عباس رضي ال عنهما ف الية‪: ). . .‬‬

‫قد قدمنا نظيه عن ابن عباس ف العن‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وله بسند صحيح عن قتادة قال‪ :‬شركاء ف طاعته ول يكن ف عبادته) ‪:‬‬

‫قال شيخنا رحه ال‪ :‬إن هذا الشرك ف مرد تسمية‪ ،‬ل يقصدا حقيقته الت يريدها إبليس‪ ،‬وهو ممل‬
‫ح سن يبي أن ما و قع من البو ين من ت سميتهما ابنه ما ع بد الارث إن ا هو مرد ت سمية ل يق صدا‬
‫تعبيده لغي ال وهذا معن قول قتادة‪ :‬شركاء ف طاعته ول يكن ف عبادته‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪270‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫باب‬
‫قول ال " ول الساء السن فادعوه با "‬

‫قوله‪( :‬باب قول ال تعال‪ " :‬ول السساء السسن فادعوه باس وذروا الذيسن يلحدون فس أسسائه "‬
‫الية)‪:‬‬

‫عن أب هريرة رضي ال عنه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪ " :‬إن ل تسعة وتسعي اسا‪ ،‬مائة‬
‫إل واحدا‪ ،‬من أحصاها دخل النة‪ ،‬وهو وتر يب الوتر " أخرجاه ف الصحيحي من حديث سفيان‬
‫ا بن عيي نة‪ .‬ورواه البخاري عن أ ب اليمان عن أ ب الزناد عن العرج ع نه‪ .‬وأخر جه الوزجا ن عن‬
‫صفوان بن صال عن الوليد بن مسلم عن شعيب بسنده مثله‪ .‬وزار بعد قوله‪ " :‬يب الوتر ‪ :‬هو ال‬
‫الذي ل إله إل هو‪ ،‬الرحن‪ ،‬الرحيم‪ ،‬اللك‪ ،‬القدوس‪ ،‬السلم‪ ،‬الؤمن‪ ،‬الهيمن‪ ،‬العزيز‪ ،‬البار‪ ،‬التكب‪،‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪271‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫الالق‪ ،‬البارىء‪ ،‬الصور‪ ،‬القهار‪ ،‬الغفار‪ ،‬الوهاب‪ ،‬الرزاق‪ ،‬الفتاح‪ ،‬العليم‪ ،‬القابض‪ ،‬الباسط‪ ،‬الافض‪،‬‬
‫الرافهع‪ ،‬العهز‪ ،‬الذل‪ ،‬السهميع‪ ،‬البصهي‪ ،‬الكهم‪ ،‬العدل‪ ،‬اللطيهف‪ ،‬البهي‪ ،‬الليهم‪ ،‬العظيهم‪ ،‬الغفور‪،‬‬
‫الشكور‪ ،‬العلي‪ ،‬الكبي‪ ،‬الفيظ‪ ،‬القيت‪ ،‬السيب‪ ،‬الليل‪ ،‬الكري‪ ،‬الرقيب‪ ،‬الجيب‪ ،‬الواسع‪ ،‬الكيم‪،‬‬
‫الودود‪ ،‬الج يد‪ ،‬البا عث‪ ،‬الشه يد‪ ،‬ال ق‪ ،‬الوك يل‪ ،‬القوي‪ ،‬الت ي‪ ،‬الول‪ ،‬الم يد‪ ،‬الح صي‪ ،‬البدىء‪،‬‬
‫العيد‪ ،‬الحي‪ ،‬الميت‪ ،‬الي‪ ،‬القيوم‪ ،‬الواجد‪ ،‬الاجد‪ ،‬الواحد‪ ،‬الحد‪ ،‬الفرد‪ ،‬الصمد‪ ،‬القادر‪ ،‬القتدر‪،‬‬
‫القدم‪ ،‬الؤخر‪ ،‬الول‪ ،‬ال خر‪ ،‬الظاهر‪ ،‬الباطن‪ ،‬الوال‪ ،‬التعال‪ ،‬الب‪ ،‬التواب‪ ،‬النتقم‪ ،‬العفو‪ ،‬الرؤوف‪،‬‬
‫مالك اللك‪ ،‬ذو اللل والكرام‪ ،‬القسط‪ ،‬الامع‪ ،‬الغن‪ ،‬الغن‪ ،‬العطي‪ ،‬الانع‪ ،‬الضار‪ ،‬النافع‪ ،‬النور‪،‬‬
‫الادي‪ ،‬البديع‪ ،‬البا قي‪ ،‬الوارث‪ ،‬الرش يد‪ ،‬ال صبور "‪ .‬ث قال الترمذي‪ :‬هذا حد يث غر يب‪ .‬وقد روى‬
‫من غ ي و جه عن أ ب هريرة‪ ،‬ول نعلم ف كث ي من الروايات ذ كر ال ساء إل ف هذا الديث‪ .‬الذي‬
‫عول عليه جاعة من الفاظ أن سرد الساء ف هذا الديث مدرج فيه‪ .‬وإنا ذلك كما رواه الوليد بن‬
‫مسلم وعبد اللك بن ممد الصنعان عن زهي بن ممد أنه بلغه عن غي واحد من أهل العلم أنم قالوا‬
‫ذلك‪ .‬أي أنم جعوها من القرآن كما روى عن جعفر بن ممد وسفيان وأب زيد اللغوي وال أعلم‪.‬‬

‫هذا ما ذكره العماد ابن كث ي ف تف سيه‪ .‬ث قال‪ :‬ليعلم أن الساء السن ليست منحصرة ف تسعة‬
‫وت سعي‪ .‬بدل يل ما رواه أح د عن يز يد بن هارون عن فض يل بن مرزوق عن أ ب سلمة اله ن عن‬
‫القاسم بن عبد الرحن عن أبيه عن عبد ال بن مسعود عن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪ " :‬ما‬
‫أ صاب أحدا قط هم ول حزن فقال‪ :‬الل هم إ ن عبدك بن عبدك‪ ،‬بن أم تك‪ ،‬نا صيت بيدك‪ .‬ماض ف‬
‫حكمك‪ .‬عدل ف قضاؤك‪ .‬أسألك اللهم بكل اسم هو لك‪ .‬سيت به نفسك‪ .‬أو أنزلته ف كتابك‪ .‬أو‬
‫علمته أحدا من خلقك‪ .‬أو استأثرت به ف علم الغيب عنك‪ .‬أن تعل القرآن العظيم ربيع قلب ونور‬
‫صدري‪ .‬وجلء حزن‪ .‬وذهاب هي وغمى‪ .‬إل أذهب ال هه وحزنه‪ .‬وأبدله مكانه فرحا فقيل‪ :‬يا‬
‫رسول ال‪ :‬أل نتعلهما ؟ فقال‪ :‬بلى‪ .‬ينبغي لن سعها أن يتعلمها " وقد أخرجه أبو حات وابن حبان ف‬
‫صحيحه‪.‬‬

‫وقال العوف عن ابن عباس ف قوله تعال‪ " :‬وذروا الذين يلحدون ف أسائه " قال‪ :‬إلاد اللحدين‪ :‬أن‬
‫دعوا اللت ف أساء ال وقال ابن جريج عن ماهد‪ " :‬وذروا الذين يلحدون ف أسائه " قال‪ :‬اشتقوا‬
‫اللت من ال‪ .‬واشتقوا العزى من العزيز ‪.‬‬

‫وقال قتادة‪ :‬يلحدون‪ :‬يشركون وقال علي بن أب طلحة عن ابن عباس اللاد التكذيب ‪.‬‬

‫وأ صل اللاد ف كلم العرب‪ :‬العدول عن الق صد‪ .‬وال يل والور والنراف‪ .‬وم نه الل حد ف ال قب‪.‬‬
‫لنرافه إل جهة القبلة عن ست الفر‪.‬‬

‫قال ابن القيم رحه ال تعال‪:‬‬

‫هراك والتعطيل والنكران‬ ‫وحقيقة اللاد فيها اليل بالشه‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪272‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وقال رحه ال تعال‪ :‬فاللاد إما بحدها وإنكارها‪ .‬وإما بحد معانيها وتعطيلها وإما بتحريفها عن‬
‫ال صواب وإخراج ها عن ال ق بالتأويلت‪ .‬وإ ما أن يعل ها أ ساء لذه الخلوقات كإلاد أ هل التاد‪.‬‬
‫فإن م جعلو ها أ ساء هذا الكون ممود ها ومذموم ها‪ .‬ح ت قال زعيم هم‪ :‬هو ال سمى بع ن كل ا سم‬
‫ل وشرعا وعرفا‪ .‬تعال عمها يقولون علوا كهبيا‪،‬‬‫ل وشرعا وعرفا‪ .‬وبكهل اسهم مذموم عق ً‬‫مدوح عق ً‬
‫انتهى‪.‬‬

‫قتل‪ :‬والذي عليه أهل السنة والماعة قاطبة‪ .‬متقدمهم ومتأخرهم‪ :‬إثبات الصفات الت وصف ال با‬
‫نف سه وو صفه ب ا ر سول ال صلى ال عل يه و سلم على ما يل يق بلل ال وعظم ته‪ .‬إثباتا بل تث يل‪.‬‬
‫وتنيها بل تعطيل‪ .‬كما قال تعال‪ " :‬ليس كمثله شيء وهو السميع البصي " وأن الكلم ف الصفات‬
‫فرع عن الكلم ف الذات يتذى حذوه ومثاله‪ .‬فكما أنه يب العلم بأن ال ذاتا حقيقة ل تشبه شيئا‬
‫من ذوات الخلوق ي‪ ،‬فله صفات حقي قة ل تش به شيئا من صفات الخلوق ي‪ ،‬ف من ج حد شيئا م ا‬
‫وصف ال به نفسه أو وصفه به رسوله‪ ،‬أو تأوله على غي ما ظهر من معناه فهو جهمي قد اتبع غي‬
‫سبيل الؤمن ي‪ .‬ك ما قال تعال‪ " :‬و من يشا قق الر سول من ب عد ما تبي له الدى ويت بع غ ي سبيل‬
‫الؤمني نوله ما تول ونصله جهنم وساءت مصيا "‪.‬‬

‫وقال العلمة ابن القيم رحه ال تعال أيضا‪:‬‬

‫( فائدة جليلة )‬

‫ما يري صفة أو خبا على الرب تبارك وتعال أقسام‪:‬‬

‫أحدها‪ :‬ما يرجع إل نفس الذات‪ ،‬كقولك‪ :‬ذات وموجود‪.‬‬

‫الثان‪ :‬ما يرجع صفاته ونعوته‪ ،‬كالعليم والقدير‪ ،‬والسميع والبصي‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬ما يرجع إل أفعاله‪ .‬كالالق والرازق‪.‬‬

‫الرابع‪ :‬التنيه الحض‪ .‬ول بد من تضمنه ثبوتا‪ ،‬إذا ل كمال ف العدم الحض‪ ،‬كالقدوس والسلم‪.‬‬

‫الامس‪ :‬ول يذكره أكثر الناس وهو السم الدال على جلة أوصاف عديدة ل تتص بصفة معينة‪ ،‬بل‬
‫دال على معان‪ ،‬نوه الجيهد العظيهم الصهمد‪ .‬فإن الجيهد مهن اتصهف بصهفات متعددة‪ ،‬مهن صهفات‬
‫الكمال‪ ،‬ولفظهه يدل على هذا‪ .‬فإنهه موضوع للسهعة والزيادة والكثرة‪ ،‬فمنهه اسهتمجد الرخ والعفار‬
‫وأمد الناقة‪ ،‬علفها‪ .‬ومنه رب العرش الجيد صفة العرش لسعته وعظمته وشرفه‪ .‬وتأمل كيف جاء هذا‬
‫السم مقترنا بطلب الصلة من ال على رسوله كما علمناه صلى ال عليه وسلم لنه ف مقام طلب‬
‫الزيد والتعرض لسعة العطاء‪ ،‬وكثرته ودوامه‪ .‬فأتى ف هذا الطلوب باسم يقتضيه‪ ،‬كما تقول‪ :‬اغفر ل‬
‫وارحن إنك أنت الغفور الرحيم‪ ،‬فهو راجع إل التوسل إليه بأسائه وصفاته‪ .‬وهو من أقرب الوسائل‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪273‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وأحبها إليه‪ .‬ومنه الديث الذي ف الترمذي‪ " :‬ألظوا بياذا اللل والكرام " ومنه‪ " :‬اللهم إن أسألك‬
‫ه ذا اللل والكرام " فهذا سؤال له‬ ‫بأن لك ال مد ل إله إل أ نت النان بد يع ال سموات والرض ي ا‬
‫وتوسل إليه بمده وأنه ل إله إل هو النان‪ .‬فهو توسل إليه بأسائه وصفاته‪ .‬وما أحق ذلك بالجابة‬
‫وأعظمه موقعا عند السؤول‪ .‬وهذا باب عظيم من أبواب التوحيد‪.‬‬

‫السادس‪ :‬صفة تصل من اقتران أحد السي والوصفي بالخر‪ .‬وذكل قدر زائد على مفرديهما نو‬
‫الغن الميد‪ ،‬الغفور القدير‪ ،‬الميد الجيد‪ ،‬وهكذا عامة الصفات القترنة والساء الزدوجة ف القرآن‪.‬‬
‫فإن الغ ن صفة كمال و ال مد كذلك‪ ،‬واجتماع الغ ن مع ال مد كمال آ خر‪ ،‬فله ثناء من غناه من‬
‫حده‪ ،‬وثناء من اجتماعه ما‪ ،‬وكذلك الغفور القد ير‪ ،‬والم يد الج يد‪ ،‬والعز يز الك يم‪ ،‬فتأمله فإ نه‬
‫أشرف العارف‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪274‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫باب‬
‫ل يقال السلم على ال‬

‫قوله‪ ( :‬باب ل يقال‪ :‬السلم على ال ) ‪:‬‬

‫قوله‪( :‬ف الصحيح عن ابن مسعود إل) ‪:‬‬

‫هذا الديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث شقيق بن سلمة عن عبد‬
‫ال بن مسعود رضي ال عنه قال‪ " :‬كنا إذا جلسنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم ف الصلة قلنا‪:‬‬
‫ال سلم على ال ق بل عباده‪ ،‬ال سلم على فلن وفلن الد يث " و ف آخره ذ كر التش هد الخ ي‪ .‬رواه‬
‫الترمذي من حديث السود بن يزيد عن ابن مسعود‪ .‬وذكر ف الديث سبب النهي عن ذلك بقوله‪" :‬‬
‫فإن ال هو السلم ومنه السلم " وقد كان النب صلى ال عليه وسلم إذا انصرف من الصلة الكتوبة‬
‫يسهتغفر ثلثا ويقول‪ " :‬اللههم أنهت السهلم ومنهك السهلم‪ ،‬تباركهت يها ذا اللل والكرام "‪ .‬وفه‬
‫الد يث‪" :‬إن هذا هو ت ية أ هل ال نة لرب م تبارك وتعال " و ف التن يل ما يدل على أن الرب تبارك‬
‫وتعال يسلم عليهم ف النة‪ .‬كما قال تعال‪ " :‬سلم قو ًل من رب رحيم "‪.‬‬

‫ومعن قوله‪ :‬إن ال هو السلم إن ال سال من كل نقص ومن كل تثيل‪ .‬فهو الوصوف بكل كمال‪،‬‬
‫النه عن كل عيب ونقص‪.‬‬

‫قال العل مة ا بن الق يم ف بدائع الفوائد‪ :‬ال سلم ا سم م صدر‪ .‬و هو من ألفاظ الدعاء‪ .‬يتض من النشاء‬
‫والخبار‪ ،‬فجهة الب فيه ل تناقض الهة النشائية‪ .‬وهو معن السلم الطلوب عند التحية‪ .‬وفيه قولن‬
‫مشهوران‪:‬‬

‫الول‪ :‬أن السلم هنا هو ال عز وجل‪ .‬ومعن الكلم‪ :‬نزلت بركته عليكم ونو ذلك‪ .‬فاختي ف هذا‬
‫العن من أسائه عز وجل اسم السلم دون غيه من الساء‪.‬‬

‫الثان‪ :‬أن السلم مصدر بعن السلمة‪ .‬وهو الطلوب الدعو به عند التحية ومن حجة أصحاب القول‪:‬‬
‫أ نه يأ ت منكرا‪ ،‬فيقول ال سلم‪ :‬سلم علي كم ولو كان ا سا من أ ساء ال ل ي ستعمل كذلك‪ .‬و من‬
‫حجتهم‪ :‬أنه ليس القصود من السلم هذا العن‪ ،‬وإنا القصود منه اليذان بالسلمة خبا ودعاء‪.‬‬

‫قال العلمة ابن القيم رحه ال‪ :‬وفصل الطاب أن يقال‪ :‬الق ف مموع القولي‪ .‬فكل منهما بعض‬
‫الق‪ ،‬والصواب ف مموعهما‪ .‬وإنا يتبي ذلك بقاعدة‪ .‬وهي‪ :‬أن حق من دعا ال بأسائه السن أن‬
‫ي سأل ف كل مطلوب ويتو سل بال سم القت ضى لذلك الطلوب‪ ،‬النا سب ل صوله‪ ،‬ح ت إن الدا عي‬
‫متشفع إل ال تعال متوسل به إل يه‪ .‬فإذا قال‪ :‬رب اغفر ل وتب علي إنك أنت التواب الغفور‪ .‬فقد‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪275‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫سأله أمرين وتوسل إليه باسي من أسائه‪ ،‬مقتضيي لصول مطلوبه‪ .‬وقال صلى ال عليه وسلم لب‬
‫بكر رضي ال عنه وقد سأله ما يدعو به " قل‪ :‬اللهم أن ظلمت نفسي ظلما كثيا‪ ،‬ول يغفر الذنوب‬
‫إل أ نت فاغ فر ل مفغرة من عندك‪ ،‬وارح ن إ نك أ نت الغفور الرح يم " فالقام ل ا كان مقام طلب‬
‫ال سلمة ال ت هي أ هم ع ند الر جل‪ ،‬أ تى ف طلب ها ب صيغة ا سم من أ ساء ال تعال و هو ال سلم الذي‬
‫تطلب منه السلمة‪ .‬فتضمن لفظ السلم معني‪ :‬أحدها‪ :‬ذكر ال‪،‬والثان‪ :‬طلب السلمة‪ .‬وهو مقصود‬
‫السلم‪ .‬فقد تضمن سلم عليكم اسا من اساء ال وطلب السلمة منه‪ .‬فتأمل هذه الفائدة‪ .‬وحقيقته‪:‬‬
‫الباءة واللص والنجاة من الشر والعيوب‪ .‬وعلى هذا العن تدور تصاريفه‪ ،‬فمن ذاك قولم‪ :‬سلمك‬
‫ال‪ ،‬ومنه دعاء الؤمني على الصراط رب سلم سلم ومنه سلم الشئ لفلن‪ ،‬أي خلص له وحده‪ .‬قال‬
‫ل سلما لر جل " أي خال صا له وحده ل‬ ‫ل ف يه شركاء متشاك سون ورج ً‬ ‫تعال‪ " :‬ضرب ال مثلً رج ً‬
‫يلكه معه غيه‪ .‬ومنه السلم ضد الرب‪ :‬لن كل واحد من التحاربي يلص ويسلم من أذى الخر‪،‬‬
‫ولذا ب ن ف يه على الفاعلة‪ ،‬فق يل‪ :‬ال سالة م ثل الشار كة‪ .‬وم نه القلب ال سليم و هو الن في من الد غل‬
‫والعيهب‪ .‬وحقيقتهه‪ :‬الذي قهد سهلم ل وحده‪ ،‬فخلص مهن دغهل الشرك وغله‪ ،‬ودغهل الذنوب‬
‫والخالفات‪ ،‬فهو مستقيم على صدق حبه وحسن معاملته‪ .‬وهذا هو الذي ضمن له النجاة من عذاب‬
‫ال والفوز بكرامته‪ .‬ومنه أخذ السلم‪ ،‬فإنه من هذه الادة‪ ،‬لنه الستسلم والنقياد ل‪ ،‬والتخلص من‬
‫شوائب الشرك‪ ،‬فسلم لربه وخلص له‪ ،‬كالعبد الذي سلم لوله ليس له فيه شركاء متشاكسون‪ .‬ولذا‬
‫ضرب سبحانه هذين الثلي للمسلم الالص لربه وللمشرك به‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪276‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫باب‬
‫قول‪ :‬اللهم اغفر ل إن شئت‬

‫قوله‪( :‬باب ‪ :‬قول‪ :‬اللهم اغفر ل إن شئت) ‪:‬‬

‫يعن أن ذلك ل يوز لورود النهي عنه ف حديث الباب‪.‬‬

‫قوله‪( :‬ف الصحيح عن أب هريرة رضي ال عنه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪ " :‬ل يقل‬
‫أحدكم‪ :‬اللهم اغفر ل إن شئت‪ ،‬اللهم ارحن إن شئت‪ ،‬ليعزم السألة فإن ال ل مكره له ‪: )"...‬‬

‫بلف العبد‪ ،‬فإنه قد يعطي السائل مسألته‪ .‬لاجته إليه‪،‬أو لوفه أو رجائه‪ ،‬فيعطيه مسألته وهو كاره‪.‬‬
‫فاللئق بال سائل للمخلوق أن يعلق ح صول حاج ته على مشيئة ال سؤول‪ ،‬ما فة أن يعط يه و هو كاره‪،‬‬
‫بلف رب العال ي‪ ،‬فإ نه تعال ل يل يق به ذلك لكمال غناه عن ج يع خل قه‪ ،‬وكمال جوده وكر مه‪،‬‬
‫وكلهم فقي إليه‪ ،‬متاج ل يستغن عن ربه طرفة عي وعطاؤه كلم‪ .‬وف الديث‪ " :‬يي ال ملى ل‬
‫يغيضها نفقة‪ ،‬سخاء الليل والنهار‪ .‬أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والرض ؟ فإنه ل يغض ما ف‬
‫يينه‪ ،‬وف يده الخرى القسط يفضه ويرفعه " يعطي تعال لكمة وينع لكمة وهو الكيم البي‪.‬‬
‫فاللئق بن سأل ال أن يعزم السألة‪ ،‬فإ نه ل يعطي عبده شيئا عن كراهة ول عن عظم مسألة‪ .‬وقد‬
‫قال بعض الشعراء فيمن يدحه‪:‬‬

‫ويصغر ف عي العظيم العظائم‬ ‫ويعظم ف عي الصغي صغارها‬

‫وهذا بالن سبة إل ما ف نفوس أرباب الدن يا‪ ،‬وإل فإن الع بد يع طي تارة وي نع أك ثر‪ ،‬ويع طي كرها‪،‬‬
‫والب خل عل يه أغلب‪ .‬وبالن سبة إل حاله هذه فل يس عطاؤه بعظ يم‪ ،‬وأ ما ما يعط يه ال تعال عباده ف هو‬
‫دائم مستمر‪ ،‬يود بالنوال قبل السؤال من حي وضعت النطفة ف الرحم‪ .‬فنعمه على الني ف بطن‬
‫أمه دارة‪ ،‬يربيه أحسن تربية‪ ،‬فإذا وضعته أمه عطف عليه والديه ورباه بنعمة حت يبلغ أشد‪ ،‬يتقلب ف‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪277‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫نعم ال مدة حياته‪ ،‬فإن كانت حياته على اليان والتقوى ازدادت نعم ال تعال عليه إذا توفاه أضعاف‬
‫أضعاف ما كان عليه ف الدنيا من النعم الت ل يقدر قدرها إل ال‪ ،‬ما أعده ال تعال لعباده الؤمني‬
‫التقي‪ .‬وكل ما يناله العبد ف الدنيا من النعم وإن كان بعضها على يد ملوق فهو بإذن ال وإرادته‬
‫وإح سانه إل عبده‪ ،‬فال تعال هو الحمود على الن عم كل ها‪ ،‬ف هو الذي شاء ها وقدر ها وأجرا ها عن‬
‫كرمه وجوده وفضله‪ .‬فله النعمة وله الفضل وله الثناء السن‪ .‬قال تعال‪ " :‬وما بكم من نعمة فمن ال‬
‫ث إذا م سكم ال ضر فإل يه تأرون " و قد ي نع سبحانه عبده إذا سأله لكمة وعلم ب ا ي صلح عبده من‬
‫العطاء والنع‪ ،‬وقد يؤخر ما سأله عبده لوقته القدر‪ ،‬أو ليعطيه أكثر‪ .‬فتبارك ال رب العالي‪.‬‬

‫وقوله‪( :‬ولسلم‪ :‬وليعظم الرغبة‪: )...‬‬

‫أي ف سؤاله ربه حاجته‪ ،‬فإنه يعطي العظائم كرما وجودا وإحسانا‪ .‬فال تعال ل يتعاظمه شئ أعطاه‪،‬‬
‫أي ليس شئ عنده بعظيم‪ ،‬وإن عظم ف نفس الخلوق‪ .‬لن سائل الخلوق ل يسأله إل ما يهون عليه‬
‫هن فيكون "‬‫ه‪ ،‬فإن عطاءه كلم ‪ " :‬إنا ه أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كه‬
‫بذله بلف رب العاليه‬
‫فسبحان من ل يقدر اللق قدره‪ ،‬ل إله غيه ول رب سواه‪.‬‬
‫باب‬
‫ل يقول‪ :‬عبدي وأمت‬

‫قوله‪( :‬باب ‪ :‬ل يقول‪ :‬عبدي وأمت ) ‪:‬‬

‫ذكر الديث الذي ف الصحيح‪ :‬عن أب هريرة رضي ال عنه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪:‬‬
‫" ل يقولن أحد كم‪ :‬أط عم ر بك‪ .‬وض يء ر بك‪ .‬ولي قل‪ :‬سيدي ومولي‪ .‬ول ي قل أحد كم‪ :‬عبدي‬
‫وأمت‪ ،‬وليقل‪ :‬فتاي وفتات وغلمي "‪.‬‬

‫هذه اللفاظ النهى عنها‪ .‬وإن كانت تطلق لغة‪ .‬فالنب صلى ال عليه وسلم نى عنها تقيقا للتوحيد‬
‫وسدا لذرائع الشرك لا فيها من التشريك ف اللفظ‪ .‬لن ال تعال هو رب العباد جيع هم‪ .‬فإذا أطلق‬
‫على غيه شار كه ف ال سم‪ .‬فين هى ع نه لذلك‪ .‬وإن ل يق صد بذلك التشر يك ف الربوب ية ال ت هي‬
‫وصف ال تعال‪ .‬وإنا العن أن هذا مالك له‪ .‬فيطلق عليه هذا اللفظ بذا العتبار‪ .‬فالنهي عنه حسما‬
‫لادة التشريك بي الالق والخلوق‪ .‬وتقيقا للتوحيد‪ .‬وبعدا عن الشرك حت ف اللفظ‪ .‬وهذا أحسن‬
‫مقاصد الشريعة‪ .‬لا فيه من تعظيم الرب تعال‪ ،‬وبعده عن مشابة الخلوقي‪ ،‬فأرشدهم صلى ال عليه‬
‫و سلم إل ما يقوم مقام هذه اللفاظ‪ .‬و هو قوله سيدي ومولي وكذا قوله‪ :‬ول ي قل أحد كم عبدي‬
‫وأمت لن العبيد عبيد ال‪ .‬والماء إماء ال‪ .‬قال ال تعال‪ " :‬إن كل من ف السماوات والرض إل آت‬
‫الرحن عبدا " ففي إطلق هاتي الكلمتي على غي ال تشريك ف اللفظ‪ ،‬فنهاهم عن ذلك تعظيما ل‬
‫تعال وأدبا وبعدا عن الشرك وتقيقا للتوح يد‪ ،‬وأرشد هم إل أن يقولوا‪ :‬فتاي وفتا ت وغل مي وهذا‬
‫من باب حاية الصطفى صلى ال عليه وسلم جناب التوحيد‪ ،‬فقد بلغ صلى ال عليه وسلم أمته كل ما‬
‫ف يه ل م ن فع‪ ،‬ونا هم عن كل ما ف يه ن قص ف الد ين‪ .‬فل خ ي إل دل م عل يه‪ ،‬خ صوصا ف تق يق‬
‫التوحيد‪ ،‬ول شر إل حذرهم منه‪ ،‬خصوصا ما يقرب من الشرك لفظا وإن ل يقصد به‪ .‬وبال التوفيق‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪278‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫باب‬
‫ل يرد من سأل ال‬

‫قوله‪( :‬باب‪ :‬ل يرد من سأل بال) ‪:‬‬

‫ظاهر الديث النهي عن رد السائل إذا سأل بال‪ .‬لكن هذا العموم يتاج إل تفصيل بسب ما ورد ف‬
‫الكتاب وال سنة‪ ،‬في جب إذا سأل ال سائل ما له ف يه حق كبيت الال أن ياب فيع طى م نه على قدر‬
‫حاجته وما يستحقه وجوبا‪ ،‬وكذلك إذا سأل الحتاج من ف ماله فضل فيجب أن يعطيه على حسب‬
‫حاله ومسألته‪ ،‬خصوصا إذا سأل من ل فضل عنده‪ ،‬فيستحب أن يعطيه على قدر حال السؤول ما ل‬
‫يضر به ول يضر عائلته‪ ،‬وإن كان مضطرا وجب أن يعطيه ما يدفع ضرورته‪.‬‬

‫ومقام النفاق من أشرف مقامات الدين‪ ،‬وتفاوت الناس فيه بسب ما جبلوا عليه من الكرم وضدها‬
‫من البخل والشح‪ .‬فالول‪ :‬ممود ف الكتاب والسنة‪ .‬والثان‪ :‬مذموم فيهما‪ .‬وقد حث ال تعال عباده‬
‫على النفاق لعظم نفعه وتعد يه وكثرة ثوابه‪ .‬قال ال تعال‪ " ، :‬يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات‬
‫ما كسبتم وما أخرجنا لكم من الرض ول تيمموا البيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إل أن تغمضوا‬
‫فيهه واعلموا أن ال غنه حيهد * الشيطان يعدكهم الفقهر ويأمركهم بالفحشاء وال يعدكهم مغفرة منهه‬
‫وفضل وال واسع عليم " وقال تعال‪ " :‬وأنفقوا ما جعلكم مستخلفي فيه " وذلك النفاق من خصال‬
‫الب الذكورة ف قوله تعال‪ " :‬ليس الب أن تولوا وجوهكم قبل الشرق والغرب ولكن الب من آمن بال‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪279‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫واليوم ال خر واللئ كة والكتاب وال نبيي وآ تى الال على ح به ذوي القر ب واليتا مى وال ساكي وا بن‬
‫ال سبيل وال سائلي " ال ية فذكره ب عد ذ كر أ صول اليان وق بل ذ كر ال صلة‪ .‬ذلك وال أعلم لتعدي‬
‫نفعه‪ .‬وذكره تعال ف العمال الت أمر ال با عباده‪ .‬وتعبدهم با ووعدهم عليها الجر العظيم‪ .‬قال‬
‫تعال‪ " :‬إن السهلمي والسهلمات والؤمنيه والؤمنات والقانتيه والقانتات والصهادقي والصهادقات‬
‫والصهابرين والصهابرات والاشعيه والاشعات والتصهدقي والتصهدقات والصهائمي والصهائمات‬
‫والافظي فروجهم والافظات والذاكرين ال كثيا والذاكرات أعد ال لم مغفرة وأجرا عظيما "‪.‬‬

‫وكان النب صلى ال عليه وسلم يث أصحابه على الصدقة حت النساء‪ .‬نصحا للمة وحثا لم على ما‬
‫ينفعههم عاجلً وآجلً‪ .‬وقهد أثنه ال سهبحانه على النصهار رضهي ال عنههم باليثار‪ ،‬فقال تعال‪" :‬‬
‫ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بم خصاصة‪ ،‬ومن يوق شح نفسه فأولئك هم الفلحون " واليثار من‬
‫أف ضل خ صال الؤ من ك ما تفيده هذه ال ية الكري ة‪ ،‬و قد قال تعال‪ " ، :‬ويطعمون الطعام على ح به‬
‫مسكينا ويتيما وأسيا * إنا نطعمكم لوجه ال ل نريد منكم جزاء ول شكورا "‪.‬‬

‫واليات والحاديث ف فضل الصدقة كثية جدا‪ ،‬ومن كان سعيه للخرة رغب ف هذا ورغب‪ ،‬بال‬
‫التوفيق‪.‬‬

‫قوله‪ :‬من دعاكم فأجيبوه هذا من حقوق السلمي بعضهم على بعض‪ :‬إجابة دعوة السلم‪ ،‬وتلك من‬
‫أسباب اللفة والحبة بي السلمي‪.‬‬

‫قوله‪ :‬و من صنع إلي كم معروفا فكافئوه ندب م صلى ال عل يه و سلم على الكافأة على العروف‪ ،‬فإن‬
‫الكافأة على العروف من الروءة الت يبها ال ورسوله‪ ،‬كما دل عليه هذا الديث ول يهمل الكافأة‬
‫على العروف إل اللئام من الناس‪ ،‬وب عض اللئام يكافء على الح سان بال ساءة‪ ،‬ك ما ي قع كثيا من‬
‫بعض هم‪ .‬ن سأل ال الع فو والعاف ية ف الدن يا والخرة‪ ،‬بلف حال أ هل التقوى واليان فإن م يدفعون‬
‫السيئة بالسنة طاعة ل ومبة لا يبه لم ويرضاه‪ ،‬كما قال تعال‪ " :‬ادفع بالت هي أحسن السيئة نن‬
‫أعلم ب ا ي صفون * و قل رب أعوذ بك من هزات الشياط ي * وأعوذ بك رب أن يضرون " وقال‬
‫تعال‪ " ، :‬ادفع بالت هي أحسن فإذا الذي بينك وبي نه عداوة كأنه ول حيم * وما يلقا ها إل الذ ين‬
‫صبوا وما يلقاها إل ذو حظ عظيم " وهم الذين سبقت لم من ال تعال السعادة‪.‬‬

‫قوله‪ :‬فإن ل تدوا ما تكافئو نه فادعوا له أرشد هم صلى ال عل يه و سلم إل أن الدعاء ف حق من ل‬


‫يد الكافأة مكافأة للمعروف‪ :‬فيدعو له على حسب معروفه‪.‬‬

‫قوله‪ :‬تروا بضم التاء تظنوا أنكم قد كافأتوه ويتمل أنا مفتوحة بعن تعلموا‪ .‬ويؤيده ما ف سنن أب‬
‫داود من حديث ابن عمر‪ :‬حت تعلموا فتعي الثان للتصريح به‪ .‬وفيه‪ :‬من سألكم بال فأجيبوه أي إل‬
‫ما سأل‪ .‬فيكون بعن‪ :‬أعطوه‪ ،‬وعند أب داود ف رواية أب نيك عن ابن عباس‪ :‬من سألكم بوجه ال‬
‫فأعطوه وف رواية عبيد ال القواريري لذا الديث ومن سألكم بال كما ف حديث ابن عمر‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪280‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫باب‬
‫ل يسأل بوحه ال إل النة‬

‫قوله‪( :‬باب‪ :‬ل يسأل بوجه ال إل النة) ‪:‬‬

‫ذكر فيه حديث جابر رواه أبو داود عن جابر قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ " :‬ل يسأل‬
‫بوجه ال إل النة "‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪281‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وهنا سؤال‪ :‬وهو أنه قد ورد ف دعاء النب صلى ال عليه وسلم عند منصرفه من الطائف حي كذبه‬
‫أهل الطائف ومن ف الطائف من أهل مكة‪ ،‬فدعا النب صلى ال عليه وسلم بالدعاء الأثور‪ " :‬اللهم‬
‫إليك أشكو ضعف قوت‪ ،‬وقلة حيلت‪ ،‬وهوان على الناس‪ .‬أنت رب الستضعفي وأنت رب‪ ،‬إل من‬
‫تكلن ؟ إل بعيد يتجهمن‪ ،‬أو إل عدو ملك ته أمري ؟ إن ل يك ب كل غضب علي فل أبال‪ ،‬غ ي أن‬
‫عافي تك هي أو سع ل " و ف آخره‪ " :‬أعوذ بنور وج هك الذي أشر قت له الظلمات و صلح عل يه أ مر‬
‫الدن يا والخرة‪ .‬أن ي ل على غض بك‪ ،‬أو ينل ب سخطك‪ .‬لك الع تب ح ت تر ضى ول حول ول قوة‬
‫إل بال "‪ .‬والديث الروي ف الذكار‪ " :‬الل هم أنت أ حق من ذ كر وأ حق من عبد وف آخره أعوذ‬
‫بنور وجهك الذي أشرقت له السموات والرض " وف حديث آخر‪ " :‬أعوذ بوجه ال الكري‪ ،‬وباسم‬
‫ال العظيم وبكلماته التامة من شر السامة واللمة‪ ،‬ومن شر ما خلقت‪ ،‬أي رب‪ ،‬ومن شر هذا اليوم‬
‫ومن شر ما بعده‪ ،‬ومن شر الدنيا والخرة "‪ .‬وأمثال ذلك ف الحاديث الرفوعة بالسانيد الصحيحة‬
‫أو السان‪.‬‬

‫فالواب‪ :‬أن ما ورد من ذلك فهو ف سؤال ما يقرب إل النة أو ما ينعه من العمال الت تنعه من‬
‫النة‪ ،‬فيكون قد سأل بوجه ال وبنور وجهه ما يقرب إل النة كما ف الديث الصحيح‪ " :‬اللهم إن‬
‫أسألك النة وما يقرب إليها من قول وعمل‪ ،‬وأعوذ بك من النار وما يقرب إليها من قول وعمل "‬
‫بلف ما ي تص بالدنيا كسؤال الال والرزق والسعة ف العيشة رغ بة ف الدنيا‪ ،‬مع ق طع الن ظر عن‬
‫كونه أراد بذلك ما يعينه على عمل الخرة‪ .‬فل ريب أن الديث يدل على النع من أن يسأل حوائج‬
‫دنياه بوجه ال‪ .‬وعلى هذا فل تعارض بي الحاديث‪ .‬كما ل يفى‪ .‬وال أعلم‪.‬‬

‫وحديث الباب من جلة الدلة التواترة ف الكتاب والسنة على إثبات الوجه ل تعال‪ .‬فإنه صفة كمال‪:‬‬
‫وسلبه غاية النقص والتشبيه بالناقصات‪ .‬كسلبهم جيع الصفات أو بعضها‪ .‬فوقعوا ف أعظم ما فروا‬
‫م نه‪ .‬تعال ال ع ما يقول الظالون علوا كبيا‪ .‬وطري قة أ هل ال سنة والما عة سلفا وخلفا‪ .‬اليان ب ا‬
‫وصف ال به نفسه ف كتابه ووصفه به رسوله صلى ال عليه وسلم ف سنته على ما يليق بلل ال‬
‫وعظمته‪ ،‬فيثبتون له ما أثبته لنفسه ف كتابه وأثبته له رسوله صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وينفون عنه مشابة‬
‫الخلوق‪ .‬فكما أن ذات الرب ل تشبه الذوات فصفاته كذلك ل تشبه الصفات‪ ،‬فمن نفاها فقد سلبه‬
‫الكمال‪.‬‬

‫باب‬
‫ما جاء ف اللو‬

‫قوله‪( :‬باب‪ :‬ما جاء ف اللو) ‪:‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪282‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫أي من الوعيد والنهي عنه عند المور الكروهة‪ ،‬كالصائب إذا جرى با القدر لا فيه من الشعار بعد‬
‫الصب والسى على ما فات‪ ،‬ما ل يكن استدراكه‪ ،‬فالواجب التسليم للقدر‪ ،‬والقيام بالعبودية الواجبة‬
‫و هو ال صب على ما أ صاب الع بد م ا يكره‪ .‬واليان بالقدر أ صل من أ صول اليان ال ستة‪ .‬وأد خل‬
‫ال صنف رح ه ال أداة التعر يف على لو وهذه ف هذا القام ل تف يد تعريفا كنظائر ها‪ ،‬لن الراد هذا‬
‫اللفظ كما قال الشاعر‪:‬‬

‫شديدا بأعباء اللفة كأهله‬ ‫رأيت الوليد بن اليزيد مباركا‬

‫وقوله‪( :‬وقول ال عز وجل‪ " :‬يقولون لو كان لنا من المر شيء ما قتلنا هاهنا ") ‪:‬‬

‫قال بعض النافقي يوم أحد‪ ،‬لوفهم وجزعهم وخورهم‪.‬‬

‫قال بن إسحاق‪ :‬فحدثن يي بن عباد بن عبد ال بن الزبي عن أبيه عن عبد ال ابن الزبي قال‪ :‬قال‬
‫الزبي‪ :‬لقد رأيتن مع رسول ال صلى ال عليه وسلم حي اشتد الوف علينا أرسل ال علينا النوم‪ .‬فما‬
‫منا رجل إل ذقنه ف صدره‪ ،‬قال‪ :‬فو ال إن لسع قول معتب بن قشي ما أسعه إل كاللم‪ :‬لو كان‬
‫لنا من المر شئ ما قتلنا ها هنا‪ .‬فحفظتها منه‪ ،‬وف ذلك أنزل ال عز وجل‪ " :‬يقولون لو كان لنا من‬
‫المر شيء ما قتلنا هاهنا " لقول معتب رواه ابن أب حات‪ .‬قال ال تعال‪ " :‬قل لو كنتم ف بيوتكم‬
‫لبز الذين كتب عليهم القتل إل مضاجعهم " أي هذا قدر مقدر من ال عز وجل وحكم حتم لزم ل‬
‫ميد عنه ول مناص منه‪.‬‬

‫وقوله‪ " :‬الذين قالوا لخوانم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا " الية‪.‬‬

‫قال العماد ابن كثي‪ :‬الذين قالوا لخوانم‪ ،‬وقعدوا‪ :‬لو أطاعونا ما قتلوا أي لو سعوا مشورتنا عليهم‬
‫بالقعود وعدم الروج ما قتلوا مع من قتل‪ .‬قال ال تعال‪ " :‬قل فادرؤوا عن أنفسكم الوت إن كنتم‬
‫صادقي " أي إذا كان القعود يسلم به الشخص من القتل والوت‪ ،‬فينبغي لكم أن ل توتوا‪ ،‬والوت ل‬
‫بد آت إلي كم‪ ،‬ولو كن تم ف بروج مشيدة‪ ،‬فادفعوا عن أنف سكم الوت إن كن تم صادقي‪ .‬قال ما هد‬
‫عن جابر بن ع بد ال‪ :‬نزلت هذه ال ية ف ع بد ال بن أ ب وأ صحابه يع ن أ نه هو الذي قال ذلك‪.‬‬
‫وأخرج البيهقي عن أ نس أن أ با طلحة قال‪ :‬غشي نا النعاس ونن ف مصافنا يوم أ حد‪ ،‬فج عل ي سقط‬
‫سيفي وآخذه وي سقط وآخذه‪ .‬قال‪ :‬والطائ فة الخرى النافقون ل يس ل ا هم إل أنف سهم‪ ،‬أج ب قوم‪،‬‬
‫وأرعبه‪ ،‬وأخذله للحق " يظنون بال غي الق ظن الاهلية " إنا هم أهل ريب وشك بال عز وجل ‪.‬‬

‫قوله‪ :‬قد أهت هم أنف سهم يع ن ل يغشا هم النعاس عن القلق والزع والوف‪ " :‬يظنون بال غ ي ال ق‬
‫ظن الاهلية "‪.‬‬

‫قال شيخ السلم رحه ال‪ :‬لا ذكر ما وقع من عبد ال بن أب ف غزوة أحد قال‪ :‬فلما انذل يوم‬
‫أحد وقال‪ :‬يدع رأيي ورأيه ويأخذ برأي الصبيان ؟ أو كما قال‪ ...‬انذل معه خلق كثي‪ ،‬كان كثي‬
‫منهم ل ينافق قبل ذلك‪ .‬فأولئك كانوا مسلمي وكان معهم إيان‪ ،‬هو الضوء الذي ضرب ال به الثل‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪283‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫فلو ماتوا قبل الح نة والنفاق لاتوا على السلم‪،‬ول يكونوا من الؤمني حقا الذ ين امتحنوا فثبتوا على‬
‫الحنة‪ ،‬ول من النافقي حقا الذين ارتدوا عن اليان بالحنة‪ .‬وهذا حال كثي من السلمي ف زماننا‬
‫أو أكثر هم إذا ابتلوا بالح نة ال ت يتضع ضع في ها أ هل اليان ين قص إيان م كثيا وينا فق كث ي من هم‪.‬‬
‫ومنهم من يظهر الردة إذا كان العدو غالبا‪ ،‬وقد رأينا من هذا ورأى غينا من هذا ما فيه عبة‪ .‬وإذا‬
‫كا نت العاف ية‪ ،‬أو كان ال سلمون ظاهر ين على عدو هم كانوا م سلمي‪ ،‬و هم مؤمنون بالر سل باطنا‬
‫وظاهرا‪ ،‬لك نه إيان ل يث بت على الح نة‪ ،‬ولذا يك ثر ف هؤلء ترك الفرائض وانتهاك الحارم وهؤلء‬
‫من الذ ين قالوا‪ :‬آم نا‪ ،‬فق يل ل م‪ " :‬ل تؤمنوا ول كن قولوا أ سلمنا ول ا يد خل اليان ف قلوب كم " أي‬
‫اليان الطلق الذي أهله هم الؤمنون حقا‪ ،‬فإن هذا هو اليان إذا أطلق ف كتاب ال تعال‪ ،‬ك ما دل‬
‫عليه الكتاب والسنة‪،‬فلم يصل لم ريب عند الحن الت تقلقل اليان ف القلوب‪ ،‬انتهى‪.‬‬

‫قوله‪ :‬وقد رأينا من هذا ورأى غينا ما فيه عبة‪.‬‬

‫قلت‪ :‬ون ن كذلك رأي نا من ذلك ما ف يه عبة ع ند غل بة العدو‪ ،‬من إعانت هم العدو على ال سلمي‪،‬‬
‫والطعن ف الدين‪ ،‬وإظهار العداوة والشماتة‪ ،‬وبذل الهد ف إطفاء نور السلم‪ ،‬وذهاب أهله‪ ،‬وغي‬
‫ذلك ما يطول ذكره‪ .‬وال الستعان‪.‬‬

‫قوله‪ ( :‬ف ال صحيح أي صحيح م سلم عن أ ب هريرة ر ضي ال ع نه أن ر سول ال صلى ال عل يه‬


‫وسلم قال‪ :‬احرص الديث) ‪:‬‬

‫اختصر الصنف رحه ال هذا الديث‪ ،‬وتامه‪ :‬عن النب صلى ال عليه وسلم أنه قال‪ " :‬الؤمن القوي‬
‫خ ي وأ حب إل ال من الؤ من الضع يف‪ ،‬و ف كل خ ي‪ .‬اخرص على ما ينف عك " أي ف معا شك‬
‫ومعادك‪ .‬والراد الرص على ف عل ال سباب ال ت تن فع الع بد ف دنياه وأخراه م ا شر عه ال تعال لعباده‬
‫من السباب الواجبة والستحبة والباحة‪ ،‬ويكون العبد ف حال فعله السبب مستعينا بال وحده دون‬
‫كل ما سواه ليتم له سببه وينفعه‪ .‬ويكون اعتماده على ال تعال ف ذلك‪ ،‬لن ال تعال هو الذي خلق‬
‫السبب والسبب‪ ،‬ول ينفعه سبب إل إذا نفعه ال به‪ ،‬فيكون اعتماده ف فعل السبب على ال تعال‪.‬‬
‫ففعل السبب سنة‪ ،‬والتوكل على ال توحيد‪ .‬فإذا جع بينهما ت له مراده بإذن ال‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ول تعجزن النون نون التأكيد الفيفة‪ .‬ناه صلى ال عليه وسلم عن العجز وذمه‪ ،‬والعجز مذموم‬
‫شرعا وعقلً‪ ،‬و ف الد يث‪ " :‬الك يس من دان نف سه وع مل ل ا ب عد الوت‪ ،‬والعا جر من أت بع نف سه‬
‫هواها وتن على ال المان " فأرشده صلى ال عليه وسلم ف هذا الديث إذا أصابه ما يكره أن ل‬
‫يقول‪ :‬لو أنه فعلت كذا لكان كذا وكذا‪ .‬ولكهن يقول‪ :‬قدر ال ومها شاء فعهل‪ ،‬أي هذا قدر ال‬
‫والواجب التسليم للقدر‪ ،‬والرضى به‪ ،‬واحتساب الثواب عليه‪.‬‬

‫قوله‪ :‬فإن لو تف تح ع مل الشيطان أي ما ف يه من التأ سف على ما فات والتح سر ولوم القدر‪ ،‬وذلك‬
‫يناف الصب والرضى‪ ،‬والصب واجب‪ ،‬واليان بالقدر فرض‪ ،‬قال تعال‪ " ، :‬ما أصاب من مصيبة ف‬
‫الرض ول ف أنفسكم إل ف كتاب من قبل أن نبأها إن ذلك على ال يسي * لكي ل تأسوا على ما‬
‫فاتكم ول تفرحوا با آتاكم وال ل يب كل متال فخور "‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪284‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قال أم ي الؤمن ي على بن أ ب طالب ر ضي ال ع نه‪ :‬ال صب من اليان بنلة الرأس من ال سد وقال‬
‫المام أحد‪ :‬ذكر ال الصب ف تسعي موضعا من القرآن ‪.‬‬
‫قال شيخ السلم رحه ال وذكر حديث الباب بتمامه ث قال ف معناه‪ :‬ل تعجز عن مأمور‪ ،‬ول تزع‬
‫عن مقدور‪ ،‬و من الناس من ي مع كل الشر ين‪ ،‬فأ مر ال نب صلى ال عل يه و سلم بالرص على النا فع‬
‫والستعانة بال‪ ،‬والمر يقتضي الوجوب‪ ،‬وإل فالستحباب‪ ،‬ونى عن العجز وقال‪ :‬إن ال يلوم على‬
‫العجز والعاجز ضد الذين هم ينتصرون فالمر بالصب والنهي عن العجز مأمور به ف مواضع كثية‪،‬‬
‫وذلك لن الن سان ب ي أمر ين‪ :‬أ مر أ مر بفعله‪ ،‬فعل يه أن يفعله ويرص عل يه وي ستعي ال ول يع جز‪،‬‬
‫وأمر أصيب به من غي فعله‪ .‬فعليه أن يصب عليه ول يزع منه‪ ،‬ولذا قال بعض العقلء ابن القفع أو‬
‫غيه المور أمران‪ :‬أمر فيه حيلة فل تعجز عنه‪ ،‬وأمر ل حيلة فيه فل تزع منه‪ .‬وهذا ف جيع المور‬
‫لكن عند الؤمن‪ :‬الذي فيه حيلة هو ما أمره ال به‪ ،‬وأحبه له‪ .‬فإن ال ل يأمره إل با فيه حيلة له‪ ،‬إذ‬
‫ل يكلف ال نفسا إل وسعها‪ ،‬وقد أمره بكل خي له فيه حيلة‪ .‬وما ل حيلة له فيه ما أصيب به من‬
‫غ ي فعله‪ .‬واسم ال سنات وال سيئات يتناول قسمي‪ :‬فالفعال م ثل قوله تعال‪ " :‬من جاء بالسنة فله‬
‫عشر أمثالا ومن جاء بالسيئة فل يزى إل مثلها " ومثل قوله تعال‪ " :‬إن أحسنتم أحسنتم لنفسكم‬
‫وإن أسأت فلها " ومثل قوله تعال‪ " :‬وجزاء سيئة سيئة مثلها " ومثل قوله تعال‪ " :‬بلى من كسب سيئة‬
‫وأحاطت به خطيئته " إل آيات كثية من هذا النس وال أعلم‪.‬‬

‫والق سم الثا ن‪ :‬ما يري على الع بد بغ ي فعله من الن عم وال صائب‪ .‬ك ما قال تعال‪ " :‬ما أ صابك من‬
‫حسهنة فمهن ال ومها أصهابك مهن سهيئة فمهن نفسهك " واليهة قبلهها‪ ،‬فالسهنة فه هاتيه اليتيه‪:‬‬
‫النعم‪،‬والسيئة‪ :‬الصائب‪ ،‬هذا هو الثان من القسمي‪.‬‬

‫وأظن شيخ السلم رحه ال ذكره ف هذا الوضع ولعل الناسخ أسقطه وال أعلم‪.‬‬

‫ث قال رحه ال‪ :‬فإن النسان ليس مأمورا أن ينظر إل القدر عندما يؤمر به من الفعال ولكن عندما‬
‫يري عل يه الصائب الت ل حيلة له ف دفعها‪ ،‬فما أصابك بفعل الدميي أو بغي فعلهم فاصب عليه‬
‫وارض وسلم‪ .‬قال تعال‪ " :‬ما أصاب من مصيبة إل بإذن ال ومن يؤمن بال يهد قلبه " ولذا قال آدم‬
‫لوسى‪ :‬أتلومن على أمر قدره ال على قبل أن أخلق بأربعي سنة ؟ فحج أدم موسى لن موسى قال‬
‫له‪ :‬لاذا أخرجتنا ونفسك من النة فلمه على الصيبة الت حصلت بسبب فعله‪ ،‬ل لجل كونا ذنبا‪.‬‬
‫وأما كونا لجل الذنب كما يظنه طوائف من الناس فليس مرادا بالديث‪ ،‬فإن آدم عليه السلم كان‬
‫قد تاب من الذنب‪ .‬والتائب من الذنب كمن ل ذنب له‪ .‬ول يوز لوم التائب باتفاق الناس‪ ،‬انتهى‪.‬‬

‫قال العلمة ابن القيم رحه ال‪ :‬فتضمن هذا الديث أصولً عظيمة من أصول اليان‪ .‬أحدها‪ :‬أن ال‬
‫سبحانه موصوف بالحبة وأنه يب حقيقة‪ .‬الثان‪ :‬أنه يب مقتضى أسائه وصفاته وما يوافقها‪ ،‬فهو‬
‫القوي ويب الؤمن القوي‪ ،‬وهو وتر ويب الوتر‪ ،‬وجيل يب المال‪ ،‬وعليم يب العلماء‪ ،‬ونظيف‬
‫ي ب النظا فة‪ ،‬ومؤ من ي ب الؤمن ي‪ ،‬وم سن ي ب الح سني‪ ،‬و صابر ي ب ال صابرين‪ ،‬وشا كر ي ب‬
‫الشاكرين‪.‬‬

‫ومنها أن مبته للمؤمني تتفاضل‪ ،‬فيحب بعضهم أكثر من بعض‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪285‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫ومنهها‪ :‬أن سهعادة النسهان فه حرصهه على مها ينفعهه فه معاشهه ومعاده‪ ،‬والرص ههو بذل الههد‬
‫واستفراغ الوسع‪ .‬فإذا صادف ما ينتفع به الريص كان حرصه ممودا وكماله كله ف مموع هذين‬
‫المرين‪ :‬أن يكون حريصا وأن يكون حرصه على ما ينتفع به‪،‬فإن حرص على ما ل ينفعه أو فعل ما‬
‫ينفعه من غي حرص فإنه من الكمال بقدر ما فاته من ذلك‪ ،‬فالي كله ف الرص على ما ينفع‪.‬‬

‫ول ا كان حرص الن سان وفعله إن ا هو بعو نة ال ومشيئ ته وتوفي قه أمره أن ي ستعي بال ليجت مع له‬
‫مقام‪ " :‬إياك نعبد وإياك نستعي " فإن حرصه على ما ينف عه عبادة ل تعال‪ .‬ول ي تم إل بعونته فأمره‬
‫أن يعبده وأن يستعي به‪ .‬فالريص على ما ينفعه‪ ،‬الستعي بال ضد العاجز‪ ،‬فهذا إرشاد له قبل وقوع‬
‫القدور إل مها ههو أعظهم أسهباب حصهوله‪ ،‬وههو الرص عليهه مهع السهتعانة بنه أزمهة المور بيده‬
‫ومصدرها منه ومردها إليه‪.‬‬

‫فإن فاته ما ل يقدر له فله حالتان‪ :‬عجز‪ .‬وهو مفتاح عمل الشيطان‪ ،‬فيلقيه العجز إل لو ول فائدة من‬
‫لو هه نا بل هي مفتاح اللوم والع جز وال سخط وال سف والزن‪ ،‬وذلك كله من ع مل الشيطان فنهاه‬
‫صهلى ال عليهه وسهلم عهن افتتاح عمله بذا الفتتاح‪ ،‬وأمره بالالة الثانيهة‪ .‬وههي النظهر إل القدر‬
‫وملحظته وأنه لو قدر له ل يفته ول يغلبه عليه أحد‪ ،‬فلم يبق له ها هنا أنفع من شهود القدر ومشيئة‬
‫الرب النافذة الته توجهب وجوب القدور‪ ،‬وإن انتفهت امتنهع وجوده‪ ،‬ولذا قال‪ :‬فإن غلبهك أمهر فل‬
‫تقل‪ :‬لو أن فعلت كذا وكذا ولكن قل‪ :‬قدر ال وما شاء فعل فأرشده إل ما ينفعه ف الالتي‪ :‬حال‬
‫حصول الطلوب‪ ،‬وحالة فواته‪ ،‬فلهذا كان هذا الديث ما ل يستغن عنه العبد أبدا‪ ،‬بل هو أشد إليه‬
‫ضرورة‪ ،‬وههو يتضمهن إثبات القدر والكسهب والختيار والقيام بالعبوديهة ظاهرا وباطنا فه حالته‬
‫الطلوب وعدمه‪ ،‬وبال التوفيق‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪286‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫باب‬
‫النهي عن سب الريح وما يقول عند هياج الريح‬

‫قوله‪( :‬باب‪ :‬النهي عن سب الريح) ‪:‬‬

‫قوله‪( :‬عن أب بن كعب رضي ال عنه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪ " :‬ل تسبوا الريح‬
‫فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا‪ :‬اللهم إنا نسألك من خي هذه الريح وخي ما فيها‪ ،‬وخي ما أمرت‬
‫به‪ ،‬ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما أمرت به "‪ .‬صححه الترمذي) ‪:‬‬

‫لنا أي الريح إنا تب عن إياد ال تعال وخلقه لا وأمره‪ .‬لنه هو الذي أوجدها وأمرها‪ ،‬فمسبتها‬
‫مسبة للفاعل‪ ،‬وهو ال سبحانه‪ .‬كما تقدم ف النهي عن سب الدهر وهذا يشبهه‪ ،‬ول يفعله إل أهل‬
‫ال هل بال ودي نه وب ا شر عه لعباده‪ ،‬فن هى صلى ال عل يه و سلم أ هل اليان ع ما يقوله أ هل ال هل‬
‫والفاء وأرشدهم إل ما يب أن يقال عند هبوب الرياح فقال‪ :‬إذا رأيتم ما تكرهون فقولوا‪ :‬اللهم إنا‬
‫نسألك من خي هذه الريح وخي ما فيها وخي ما أمرت به يعن إذا رأيتم ما تكرهون من الريح إذا‬
‫هبت فارجعوا إل ربكم بالتوحيد وقولوا " اللهم إنا نسألك من خي هذه الريح وخي ما فيها‪ ،‬وخي ما‬
‫أمرت به‪ .‬ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما أمرت به " ففي هذا عبودية ل وطاعة له‬
‫ولرسوله‪ ،‬واستدفاع للشرور به‪ ،‬وتعرض لفضله ونعمته وهذه حال أهل التوحيد واليان‪ ،‬خلفا لال‬
‫أهل الفسوق والعصيان الذين حرموا ذوق طعم التوحيد الذي هو حقيقة اليان‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪287‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫باب‬
‫قول ال تعال‪ " :‬يظنون بال غي الق ظن الاهلية"‬

‫قوله‪( :‬باب قول ال تعال‪ " :‬يظنون بال غي الق ظن الاهلية يقولون هل لنا من المر من شيء‬
‫قل إن المر كله ل " الية) ‪:‬‬

‫وهذه الية ذكرها ال ف سياق قوله تعال ف ذكر وقعة أحد " ث أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا‬
‫يغ شى طائ فة من كم " يع ن أ هل اليان والثبات والتو كل ال صادق‪ ،‬و هم الازمون بأن ال تعال ين صر‬
‫ر سوله صلى ال عل يه و سلم وين جز له مأموله‪ ،‬ولذا قال‪ " :‬وطائ فة قد أهت هم أنف سهم " يع ن ل‬
‫يغشاهم النعاس من الزع والقلق والوف " يظنون بال غي الق ظن الاهلية " كما قال تعال‪ " :‬بل‬
‫ظننتم أن لن ينقلب الرسول والؤمنون إل أهليهم أبدا وزين ذلك ف قلوبكم وظننتم ظن السوء وكنتم‬
‫قوما بورا " وهكذا هؤلء اعتقدوا أن الشركي لا ظهروا تلك الساعة ظنوا أنا الفيصلة‪ ،‬وأن السلم‬
‫قد باد وأهله‪ .‬وهذا شأن أهل الريب والشك إذا حصل أمر من المور الفظيعة تصل لم هذه المور‬
‫الشنيعة‪ ،‬عن ابن جريج قال‪ :‬قيل لعبد ال بن أب‪ :‬قتل بنو الزرج اليوم ؟ قال‪ :‬وهل لنا من المور من‬
‫شئ ؟ ‪.‬‬

‫قال العلمة ابن القيم رحه ال تعال ف الكلم على ما تضمنته وقعة أحد‪ :‬وقد فسر هذا الظن الذي ل‬
‫يل يق بال سبحانه بأ نه ل ين صر ر سوله‪ ،‬وأن أمره سيضمحل وأ نه ي سلمه للق تل‪ ،‬وف سر بظن هم أن ما‬
‫أ صابم ل ي كن بقضاء ال وقدره ول حك مة له ف يه‪ .‬فف سر بإنكار الك مة‪ .‬وإنكار القدر‪ ،‬وإنكار أن‬
‫ي تم أمر رسول ال صلى ال عل يه و سلم وأن يظهره على الد ين كله‪ .‬وهذا هو ظن ال سوء الذي ظ نه‬
‫النافقون والشركون ف سورة الفتح حيث يقول‪ " :‬ويعذب النافقي والنافقات والشركي والشركات‬
‫الظاني بال ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب ال عليهم ولعنهم وأعد لم جهنم وساءت مصيا‬
‫" وإنا كان هذا هو ظن السوء وظن الاهلية وهو النسوب إل أهل الهل وظن غي الق‪ ،‬لنه ظن‬
‫غي ما يليق بأسائه السن وصفاته العليا وذاته البأة من كل عيب وسوء‪ ،‬وخلف ما يليق بكمته‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪288‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وحده وتفرده بالربوبية واللية‪ ،‬وما يليق بوعده الصادق الذي ل يلفه‪ ،‬وبكلمته الت سبقت لرسله‬
‫أ نه ين صرهم ول يذلم‪ .‬ولنده بأن م هم الغالبون‪ .‬ف من ظن به أ نه ل ين صر ر سله ول ي تم أمره ول‬
‫يؤيده ويؤيد حزبه ويعليهم ويظفرهم بأعدائهم ويظهرهم‪ ،‬وأنه ل ينصر دينه وكتابه‪ ،‬وأنه يديل الشرك‬
‫على التوحيد‪ ،‬والباطل على الق إدالة مستقرة‪ ،‬يضمحل معها التوحيد والق اضمحل ًل ل يقوم بعده‬
‫أبدا‪ .‬ف قد ظن بال ظن ال سوء‪ ،‬ون سبه إل خلف ما يل يق بلله وكماله و صفاته ونعو ته‪ ،‬فإن حده‬
‫وعزته وحكمته وإليته تأب ذلك وتأب أن يذل حزبه وجنده‪ ،‬وأن تكون النصرة الستقرة والظفر الدائم‬
‫لعدائه الشرك ي به العادل ي به‪ .‬ف من ظن به ذلك ف ما عر فه ول عرف أ ساءه ول عرف صفاته‬
‫وكماله‪ .‬وكذلك من أنكر أن يكون ذلك بقضاءه وقدره‪ .‬فما عرفه ولعرف ربوبيته وملكه وعظمته‪.‬‬
‫وكذلك من أن كر أن يكون قدر ما قدره من ذلك وغيه لك مة بال غة وغا ية ممودة ي ستحق ال مد‬
‫عليها‪ ،‬وأن ذلك إنا صدر عن مشيئة مردة عن حكمته وغاية مطلوبة هي أحب إليه من فواتا‪ .‬وأن‬
‫تلك ال سباب الكرو هة له الفض ية إلي ها‪ ،‬ل يرج تقدير ها عن الك مة‪ ،‬لفضائ ها إل ما ي ب وإن‬
‫كانت مكروهة له‪ ،‬فما قدرها سدى ول شاءها عبثا ول خلقها باطلً‪ " :‬ذلك ظن الذين كفروا فويل‬
‫للذين كفروا من النار "‪.‬‬

‫وأكثر الناس يظنون بال غي الق ظن السوء فيما يتص بم‪ ،‬وفيما يفعله بغيه‪ ،‬ول يسلم من ذلك إل‬
‫من عرف ال وعرف أسائه وصفاته‪ ،‬وعرف موجب حكمته وحده‪ .‬فمن قنط من رحته وأيس من‬
‫روحه فقد ظن به ظن السوء‪ .‬ومن جوز عليه أن يعذب أولياءه مع إحسانم وإخلصهم ويسوى بينهم‬
‫وبي أعدائه فقد ظن به ظن السوء‪ .‬ومن ظن أن يترك خلقه سدى معطلي عن المر والنهي‪ ،‬ل يرسل‬
‫ل كالنعام فقد ظن به ظن السوء‪ ،‬ومن ظن أنه لن‬ ‫إليهم رسله ول ينل عليهم كتبه بل يتركهم ه ً‬
‫يمع عبيده بعد موتم للثواب والعقاب ف دار يازى الحسن فيها بإحسانه والسيء بإساءته‪ ،‬ويبي‬
‫للقه حقيقة ما اختلفوا فيه ويظهر للعالي كلهم صدقه وصدق رسله‪ ،‬وأن أعداءه كانوا هم الكاذبي‬
‫فقد ظن به ظن السوء‪ .‬ومن ظن أنه يضيع عليه عمله الصال الذي عمله خالصا لوجهه على امتثال‬
‫أمره‪ ،‬ويبطله عليه بل سبب من العبد‪ ،‬وأنه يعاقب با ل صنع له فيه ول اختيار له ول قدرة ول إرادة‬
‫له ف حصوله‪ ،‬بل يعاقبه على فعله هو سبحانه به‪ ،‬أو ظن به أنه يوز عليه أن يؤيد أعداءه الكاذبي‬
‫عليه بالعجزات الت يؤيد با أنبياءه ورسله ويريها على أيديهم ليضلوا با عباده‪ ،‬وأنه يسن منه كل‬
‫شئ حت تعذ يب من أفن عمره ف طاع ته فيخلده ف الحيم ف اسفل السافلي‪ ،‬وينعم من استنفذ‬
‫عمره ف عداوته وعداوة رسله ودينه فيفعه إل أعلى عليي‪ ،‬وكل المرين ف السن عنده سواء‪ ،‬ول‬
‫يعرف امتناع أحدها ووقوع الخر إل بب صادق‪ ،‬وإل فالعقل ل يقضي بقبح أحدها وحسن الخر‪.‬‬
‫فقد ظن به ظن السوء‪.‬‬

‫ومن ظن أنه أخب عن نفسه وصفاته وأفعاله با ظاهره باطل وتشبيه وتثيل‪ ،‬وترك الق ل يب به وإنا‬
‫رمز إليه رموزا بعيدة‪ ،‬وأشار إليه إشارة ملغزة ول يصرح به وصرح دائما بالتشبيه والتمثيل والباطل‪،‬‬
‫وأراد من خلقه أن يتعبوا أذهانم وقواهم وأفكارهم ف تريف كلمه عن مواضعه‪ ،‬وتأويله على غي‬
‫تأويله‪ ،‬ويتطلبوا له وجوه الحتمالت ال ستكرهة والتأويلت ال ت هي باللغاز والحا جي أش به من ها‬
‫بالكشف والبيان‪ ،‬وأحالم ف معرفة أسائه وصفاته على عقولم وآرائهم ل على كتابه‪ .‬بل أراد منهم‬
‫أل يملوا كلمه على ما يعرفونه من خطابم ولغتهم‪ ،‬مع قدرته على أن يصرح لم بالق الذي ينبغي‬
‫التصريح به‪ ،‬ويريهم من اللفاظ الت توقعهم ف اعتقاد الباطل فلم يفعل‪ ،‬بل سلك بم خلف طريق‬
‫الدى والبيان‪ .‬فقد ظن به ظن السوء‪ ،‬فإنه إن قال‪ :‬إنه غي قادر على التعبي عن الق باللفظ الصريح‬
‫الذي عب به هو و سلفه ف قد ظن بقدر ته الع جز‪ ،‬وإن قال إ نه قادر ول يبي‪ ،‬وعدل عن البيان و عن‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪289‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫التصريح بالق إل ما يوهم‪ ،‬بل يوقع ف الباطل الحال والعتقاد الفاسد‪ .‬فقد ظن بكمته ورحته ظن‬
‫السوء‪.‬‬

‫و من ظن أ نه هو و سلفه عبوا عن ال ق ب صريه دون ال ور سوله‪ .‬وأن الدى وال ق ف كلم هم‬
‫ه كلم ال فإناه يؤ خذ مهن ظاهره الت شبيه والتمثيهل والضلل وظا هر كلم التهوكيه‬
‫وعبارات م وأم ا‬
‫واليارى هو الدى والق فهذا أسوأ الظن بال‪.‬‬

‫فكل هؤلء من الظاني بال ظن السوء ومن الظاني بال غي الق ظن الاهلية‪.‬‬

‫ومن ظن به أن يكون ف ملكه ما ل يشاء ول يقدر على إياده وتكوينه‪ ،‬فقد ظن بال ظن السوء‪.‬‬

‫ل من الزل إل البد عن أن يف عل‪ ،‬ول يو صف حينئذ بالقدرة على الفعل ث‬‫ومن ظن أ نه كان معط ً‬
‫صار قادرا عليه بعد أن ل يكن قادرا‪ ،‬فقد ظن به ظن السوء‪.‬‬

‫و من ظن أ نه ل ي سمع ول يب صر ول يعلم الوجودات‪ ،‬ول عدد ال سموات ول النجوم‪ ،‬ول ب ن آدم‬


‫وحركاتم وأفعالم‪ ،‬ول يعلم شيئا من الوجودات ف العيان‪ ،‬فقد ظن بم ظن السوء‪.‬‬

‫ومن ظن به أنه ل سع له ول بصر ول علم ول إرادة‪ ،‬ول كلم يقوم به‪ ،‬وأنه ل يكلم أحدا من اللق‬
‫ول يتكلم أبدا‪ ،‬ول قال‪ ،‬ول يقول‪ ،‬ول له أمر ول ني يقوم به‪ ،‬فقد ظن بم ظن السوء‪.‬‬
‫و من ظن به أ نه ل يس فوق سواته على عر شه بائن من خل قه‪ ،‬وأن ن سبة ذا ته إل عر شه كن سبتها إل‬
‫أسفل سافلي‪ ،‬وإل المكنة الت يرغب عن ذكرها‪ ،‬وأنه أسفل كما أنه أعلى‪ ،‬وأنه من قال‪ :‬سبحان‬
‫رب السفل كان كمن قال‪ :‬سبحان رب العلى‪ .‬فقد ظن به أقبح الظن وأسوأه‪.‬‬

‫ومن ظن أنه يب الكفر والفسوق والعصيان‪ ،‬ويب الفساد كما يب اليان والب والطاعة والصلح‬
‫ز فقد ظن به ظن السوء‪.‬‬

‫ومن ظن به أنه ل يب ول يرضى‪ ،‬ول يغضب ول يسخط‪ ،‬ول يوال ول يعادي‪ ،‬ول يقرب من أحد‬
‫من خل قه‪ ،‬ول يقرب م نه أ حد‪ .‬وأن ذوات الشياط ي ف القرب من ذا ته كذوات اللئ كة القرب ي‬
‫وأوليائه الفلحي‪ .‬فقد ظن به ظن السوء‪.‬‬

‫ومن ظن به أنه يسوي بي التضادين‪ ،‬أو يفرق بي التساويي من كل وجه‪ ،‬أو يبط طاعات العمر‬
‫الديد الالصة الصواب بكبية واحدة تكون بعدها‪ ،‬فيخلد فاعل تلك الطاعات ف الحيم أبد البدين‬
‫بتلك الكبية‪ ،‬ويبط با جيع طاعاته ويلده ف العذاب كما يلد من ل يؤمن به طرفة عي‪ ،‬واستنفذ‬
‫ساعات عمره ف مساخطة ومعاداة رسله ودينه‪ ،‬فقد ظن به ظن السوء‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪290‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫ومن ظن به أن له ولدا أو شريكا‪ ،‬أو أن أحدا يشفع عنده بدون إذنه‪ ،‬أو أن بينه وبي خلقه وسائط‬
‫يرفعون حوائج هم إل يه‪ ،‬وأ نه ن صب لعباده أولياء من دو نه يتقربون ب م إل يه‪ ،‬ويتو صلون ب م إل يه‪،‬‬
‫ويعلونم وسائط بينه وبينهم‪ ،‬فيدعونم ويافونم ويرجونم فقد ظن به أقبح الظن وأسوأه‪.‬‬

‫و من ظن به أ نه ينال ما عنده بع صيته ومالف ته‪ ،‬ك ما يناله بطاع ته والتقرب إل يه‪ ،‬ف قد ظن به خلف‬
‫حكمته وخلف موجب أسائه وصفاته وهو من ظن السوء‪.‬‬

‫ومن ظن به أنه إذا ترك شيئا من أجله ل يعوضه خيا منه‪ ،‬أو من فعل شيئا لجله ل يعطه أفضل منه‪،‬‬
‫فقد ظن به ظن السوء‪.‬‬

‫و من ظن به أ نه يغ ضب على عبده ويعاق به وير مه بغ ي جرم ول سبب من الع بد إل بجرد الشيئة‬


‫ومض الرادة فقد ظن به ظن السوء‪.‬‬

‫ومن ظن به أنه إذا صدقه ف الرغبة والرهبة وتضرع إليه وسأله واستعان به وتوكل عليه أنه ييبه ول‬
‫يعطيه ما سأله‪ ،‬فقد ظن به ظن السوء‪ .‬وظن به خلف ما هو أهله‪.‬‬

‫ومن ظن أنه يثيبه إذا عصاه كما يثيبه إذا أطاعه‪ ،‬وسأله ذلك ف دعائه‪ ،‬فقد ظن به خلف ما تقتضيه‬
‫حكمته وحده‪ ،‬وخلف ما هو أهله وما ل يفعله‪.‬‬

‫ومن ظن به أنه إذا أغضبه وأسخطه وأوضع ف معاصيه ث اتذ من دونه أولياء ودعا من دونه ملكا أو‬
‫بشرا حيا أو ميتا يرجو بذلك أن ينفعه عند ربه ويلصه من عذابه‪ ،‬فقد ظن به ظن السوء‪.‬‬

‫فأكثر اللق بل كلهم إل من شاء ال يظنون بال غيه الق وظن السوء‪ ،‬فإن غالب بن آدم يعتقد أنه‬
‫مبخوس ال ق نا قص ال ظ‪ ،‬وأ نه ي ستحق فوق ما شاءه ال وأعطاه‪ .‬ول سان حاله يقول‪ :‬ظلم ن ر ب‬
‫ومنعن ما أستحقه ونفسه تشهد عليه بذلك‪ ،‬وهو بلسانه ينكره ول يتجاسر على التصريح به‪ .‬ومن‬
‫فتش نفسه وتغلغل ف معرفة طواياها رأي ذلك فيها كامنا كمون النار ف الزناد‪ ،‬فاقدح زناد من شئت‬
‫ينبئك شراره عمها فه زناده‪ ،‬ولو فتشهت مهن فتشهت لرأيهت عنده تعنتا وتعتبا على القدر وملمهة له‬
‫واقتراحا عل يه خلف ما جرى به‪ ،‬وإ نه كان ينب غي أن يكون كذا وكذا‪ .‬فم ستقل وم ستكثر‪ ،‬وف تش‬
‫نفسك هل أنت سال من ذلك ؟‬

‫وإل فإن ل إخالك ناجيا‬ ‫فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة‬

‫فليع ت اللب يب النا صح لنف سه بذا الو ضع‪ ،‬ولي تب إل ال وي ستغفره ف كل و قت من ظ نه بر به ظن‬
‫السوء‪ ،‬وليظن السوء بنفسه الت هي مادة كل سوء ومنبع كل شر‪ ،‬الركبة على الهل والظلم‪ .‬فهي‬
‫أول بظن السوء من أحكام الاكمي‪ ،‬وأعدل العادلي‪ ،‬وأرحم الراحي الغن الميد‪ ،‬الذي له الغن‬
‫التام‪ ،‬وال مد التام‪ ،‬والك مة التا مة‪ ،‬النه عن كل سوء ف ذا ته و صفاته وأفعاله وأ سائه‪ ،‬فذا ته ل ا‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪291‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫الكمال الطلق من كل و جه و صفاته كذلك وأفعاله كل ها حك مة وم صلحة ورح ة وعدل‪ ،‬وأ ساؤه‬
‫كلها حسن‪.‬‬

‫فإن ال أول بالميل‬ ‫فل تظنن بربك ظن سوء‬


‫فكيف بظال جان جهول‬ ‫ول تظنن بنفسك قط خيا‬
‫أترجو الي من ميت بيل‬ ‫وقل‪ :‬يا نفس مأوى كل سوء‬
‫كذاك وخيها كالستحيل‬ ‫وظن بنفسك السوأى تدها‬
‫فتلك مواهب الرب الليل‬ ‫وما بك من تقي فيها وخي‬
‫من الرحن فاشكر للدليل‬ ‫وليس لا ول منها ولكن‬

‫قوله‪ " :‬الظان ي بال ظن ال سوء " قال ا بن جر ير ف تف سيه " ويعذب النافق ي والنافقات والشرك ي‬
‫والشركات الظاني بال ظن السوء " الظاني بال أنه لن ينصرك وأهل اليان بك على أعدائك‪ ،‬ولن‬
‫يظهر كلمته فيجعلها العليا على كلمة الكافرين به‪ .‬وذلك كان السوء من ظنونم الت ذكرها ال ف‬
‫هذا الوضع‪ .‬يقول تعال ذكره‪ :‬على النافق ي والنافقات والشركي والشركات الذين ظنوا هذا الظن‬
‫دائرة السوء‪ .‬يعن دائرة العذاب تدور عليهم به‪ .‬واختلف القراء ف قراءة ذلك‪ :‬فقرأته عامة قراء الكوفة‬
‫دائرة السوء بفتح السي‪ .‬وقرأ بعض قراء البصرة دائرة السوء بالضم‪ .‬وكان الفراء يقول‪ :‬الفتح أفشى‬
‫ف السي‪ .‬وقل ما تقول العرب دائرة السوء بضم السي‪.‬‬

‫وقوله‪ " :‬وغضب ال عليهم ولعنهم " يعن ونالم ال بغضب منه ولعنهم‪ .‬يقول‪ :‬وأبعدهم فأقصاهم‬
‫من رحته " وأعد لم جهنم " يقول‪ :‬وأعد لم جهنم يصلونا يوم القيامة " وساءت مصيا " يقول‪:‬‬
‫وساءت جهنم منلً يصي إليه هؤلء النافقون والنافقات والشركون والشركات‪.‬‬

‫وقال العماد ا بن كث ي رح ه ال تعال‪ " :‬ويعذب النافق ي والنافقات والشرك ي والشركات الظان ي‬
‫بال ظن السوء " أي يتهمون ال ف حكمه ويظنون بالرسول صلى ال عليه وسلم وأصحابه أن يقتلوا‬
‫ويذهبوا بالكلية‪ .‬ولذا قال تعال‪ " :‬عليهم دائرة السوء " وذكر ف معن الية الخرى نوا ما ذكره‬
‫ابن جرير رحهما ال تعال‪:‬‬

‫قوله‪( :‬قال ابن القيم رحه ال تعال‪: )...‬‬

‫الذي ذكره الصنف ف الت قدمته لندراجه ف كلمه الذي سقته من أوله إل آخره‪.‬‬
‫باب‬
‫ما جاء ف منكري القدر‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪292‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪( :‬باب‪ :‬ما جاء ف منكري القدر) ‪:‬‬

‫أي من الوعيد الشديد ونو ذلك‪.‬‬

‫أخرج أبو داود عن عبد العزيز بن أب حازم عن أبيه عن ابن عمر رضي ال عنهما عن النب صلى ال‬
‫عليه وسلم قال‪ " :‬القدرية موس هذه المة‪ ،‬إن مرضوا فل تعودوهم‪ .‬وإن ماتوا فل تشهدوهم "‪.‬‬

‫و عن ع مر مول غفرة عن ر جل من الن صار عن حذي فة و هو ا بن اليمان ر ضي ال عنه ما قال‪ :‬قال‬


‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ " :‬لكل أمة موس‪ ،‬وموس هذه المة الذين يقولون‪ :‬ل قدر‪ ،‬من مات‬
‫منهم فل تشهدوا جنازته ومن مرض منهم فل تعودوه‪ ،‬وهم شيعة الدجال‪ ،‬وحق على ال أن يلحقهم‬
‫بالدجال "‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وقول ابسن عمسر‪ :‬والذي نفسسي بيده‪ ...‬إل حديسث ابسن عمسر أخرجسه مسسلم وأبسو داود‬
‫والترمذي والنسائي وابن ماجه عن يي بن يعمر قال‪ :‬كان أول من تكلم ف القدر بالبصرة معبد‬
‫الهن‪ ،‬فانطلقت أنا وحيد بن عبد الرحن الميي حاجي‪ ،‬أو معتمرين‪ .‬فقلنا‪ :‬لو لقينا أحدا من‬
‫أصحاب رسول ال صلى ال عل يه وسلم ف سألناه عما يقول هؤلء ف القدر ؟ فو فق ال تعال ل نا‬
‫عبد ال بن عمر داخلً ف السجد‪ ،‬فاكتنفته أنا وصاحب‪ ،‬فظننت أن صاحب سيكل الكلم إل‪،‬‬
‫فقلت‪ :‬أ با ع بد الرح ن‪ ،‬إ نه قد ظ هر قبل نا أناس يقرآون القرآن‪ ،‬ويتقفرون العلم يزعمون أن ل‬
‫قدر‪ ،‬وأن ال مر أ نف‪ ،‬فقال‪ :‬إذا لق يت أولئك فأ خبهم أ ن من هم بر يء‪ ،‬وأن م م ن برآء‪ .‬والذي‬
‫يلف به عبد ال بن عمر لو أن لحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه ف سبيل ال ما قبله ال منه‪ ،‬حت‬
‫يؤمن بالقدر‪ .‬ث قال حدثن عمر بن الطاب رضي ال عنه قال‪ " :‬بينما نن جلوس عند رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم إذا طلع علينا رجل شديد بياض الثياب‪ ،‬شديد سواد الشعر ل يرى عليه أثر‬
‫ال سفر‪ ،‬ول يعر فه م نا أ حد‪ .‬ح ت جلس إل ال نب صلى ال عل يه وسلم فأ سند ركبت يه إل ركبت يه‪،‬‬
‫ووضع كفيه على فخذيه‪ .‬وقال‪ :‬يا ممد أخبن عن السلم‪ .‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫ال سلم أن تش هد أن ل إله إل ال وأن ممدا ر سول ال‪ ،‬وتق يم ال صلة‪ ،‬وتؤ ت الزكاة‪ ،‬وت صوم‬
‫رمضان‪ ،‬وت ج الب يت إن ا ستطعت إل يه سبيلً‪ .‬قال‪ :‬صدقت‪ .‬فعجب نا له ي سأله وي صدقه‪ .‬قال‪:‬‬
‫فأخبن عن اليان‪ .‬قال‪ :‬أن تؤمن بال وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر‪ ،‬وتؤمن بالقدر خيه‬
‫وشره‪ ،‬قال‪ :‬صدقت‪ .‬قال‪ :‬فأ خبن عن الح سان‪ ،‬قال‪ :‬أن تع بد ال كأ نك تراه فإن ل ت كن تراه‬
‫فإنه يراك‪ .‬قال‪ :‬فأخبن عن الساعة‪ ،‬قال‪ :‬ما السؤول عنها بأعلم من السائل‪ .‬قال‪ :‬فأخبن عن‬
‫أمارات ا قال‪ :‬أن تلد ال مة ربت ها وأن ترى الفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون ف البنيان‪ .‬قال‬
‫فانطلق‪ .‬فلبث ثلثا‪ ،‬وف رواية مليا‪ ،‬ث قال يا عمر أتدري من السائل ؟ قلت‪ :‬ال ورسوله أعلم‪،‬‬
‫قال‪ :‬فإنه جبيل أتاكم يعلكم دينكم ") ‪:‬‬

‫ففي هذا الديث أن اليان بالقدر من أصول اليان الستة الذكورة‪ ،‬فمن ل يؤمن بالقدر خيه وشره‬
‫ل من أصول الدين وجحده‪ ،‬فيشبه من قال ال فيهم‪ " :‬أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون‬
‫فقد ترك أص ً‬
‫ببعض " الية‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪293‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪( :‬وعن عبادة‪:)...‬‬

‫قد تقدم ذكره ف باب فضل التوحيد‪ ،‬وحديثه هذا رواه أبو داود ورواه المام أحد بكماله قال حدثنا‬
‫السن بن سوار حدثنا ليث عن معاوية عن أيوب بن زياد‪ ،‬حدثن عبادة بن الوليد بن عبادة ثن أب‬
‫قال‪ :‬دخلت على عبادة وههو مريهض أتايهل فيهه الوت‪ ،‬فقلت‪ :‬يها أبتاه أوصهن واجتههد ل‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫أجل سون‪ .‬قال‪ :‬يا ب ن إ نك لن ت د ط عم اليان‪ ،‬ولن تبلغ حقي قة العلم بال ح ت تؤ من بالقدر خيه‬
‫وشره‪ ،‬قلت‪ :‬يها أبتاه فكيهف ل أن أعلم مها خيه القدر وشره ؟ قال‪ :‬تعلم أن مها أخطأك ل يكهن‬
‫ليصيبك‪ ،‬وما أصابك ل يكن ليخطئك‪ ،‬يا بن سعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪" :‬إن أول‬
‫ما خلق ال القلم‪ ،‬فقال له‪ :‬اكتب‪ ،‬فجرى ف تلك الساعة با هو كائن إل يوم القيامة‪ .‬يا بن‪ ،‬إن مت‬
‫ولست على ذلك دخلت النار "‪ .‬ورواه الترمذي ب سنده التصل إل عطاء بن أب رباح عن الول يد بن‬
‫عبادة عن أبيه‪ ،‬وقال‪ :‬حسن صحيح وغريب‪.‬‬

‫و ف هذا الد يث ونوه‪ :‬بيان شول علم ال تعال وإحاط ته ب ا كان ويكون ف الدن يا والخرة‪ ،‬ك ما‬
‫قال تعال‪ " :‬ال الذي خلق سبع ساوات ومن الرض مثلهن يتنل المر بينهن لتعلموا أن ال على كل‬
‫شيء قدير وأن ال قد أحاط بكل شيء علما "‪.‬‬

‫وقد قال المام أحد رحه ال لا سئل عن القدر قال‪ :‬القدر قدرة الرحن واستحسن ابن عقيل هذا من‬
‫أحد رحه ال‪.‬‬

‫والعنه‪ :‬أنهه ل ينهع عهن قدرة ال شهئ‪ .‬ونفاة القدر قهد جحدوا كمال قدرة ال تعال فضلوا سهواء‬
‫السبيل‪ .‬وقد قال بعض السلف‪ :‬ناظروهم بالعلم‪ ،‬فإن أقروا به خصموا وإن جحدوه كفروا‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وف السند وسنن أب داود عن ابن الديلمي‪: )...‬‬

‫وهو أبو بسر بالسي الهملة‪ ،‬وبالباء الضمومة‪ .‬ويقال أبو بشر بالشي العجمة وكسر الباء وبعضهم‬
‫صحح الول‪ .‬وإسه عبد ال بن فيوز‪ .‬ولفظ أب داود قال‪ :‬لو أن ال عذب أهل سواته وأهل أرضه‪،‬‬
‫عذبم وهو غي ظال لم‪ .‬ولو رحهم لكانت رحته خيا لم من أعمالم‪ .‬ولو أنفقت مثل أحد ذهبا‬
‫مها قبله ال منهك حته تؤمهن بالقدر‪ ،‬وتعلم أن مها أصهابك ل يكهن ليخطئك ومها أخطأك ل يكهن‬
‫ليصيبك‪ ،‬ولو مت على غي هذا لكنت من أهل النار‪ .‬قال‪ :‬فأتيت عبد ال بن مسعود فقال مثل ذلك‬
‫ث أتيت حذيفة بن اليمان فقال مثل ذلك‪ ،‬قال‪ :‬ث أتيت زيد بن ثابت‪ ،‬قال‪ :‬فحدثن عن النب صلى‬
‫ال عليه وسلم مثل ذلك وأخرجه ابن ماجه‪.‬‬

‫وقال العماد ابن كثي رحه ال‪ :‬عن سفيان عن منصور عن ربعي بن حراش عن رجل عن علي بن أب‬
‫طالب ر ضي ال ع نه قال‪ :‬قال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ " :‬ل يؤ من ع بد ح ت يؤ من بأر بع‪:‬‬
‫يش هد أن ل إله إل ال وأ ن ر سول ال بعث ن بال ق‪ ،‬ويؤ من بالب عث ب عد الوت‪ ،‬ويؤ من بالقدر خيه‬
‫وشره " وكذا رواه الترمذي عن النضر بن شيل عن شعبة عن منصور به‪ .‬ورواه من حديث أب داود‬
‫الطياليسي عن شعبة عن ربعي عن على فذكره‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪294‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫و قد ث بت ف صحيح مسلم من روا ية ع بد ال بن و هب وغيه عن أ ب ها نئ الول ن عن أ ب ع بد‬


‫الرحن البلى عن عبد ال بن عمرو قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ " :‬إن ال كتب مقادير‬
‫اللئق ق بل أن يلق ال سموات والرض بم سي ألف سنة زاد ا بن و هب ‪ :‬وكان عر شه على الاء "‬
‫رواه الترمذي وقال‪ :‬حديث حسن غريب‪.‬‬

‫وكل هذه الحاديث وما ف معناها فيها الوعيد الشديد على عدم اليان بالقدر وهي الجة على نفاة‬
‫القدر من العتزلة وغي هم‪ .‬ومن مذهبهم‪ :‬تل يد أهل العا صي ف النار‪ .‬وهذا الذي اعتقدوه من أكب‬
‫الكبائر وأعظم العاصي‪.‬‬

‫وف القيقة إذا اعتبنا إقامة الجة عليهم با تواترت به نصوص الكتاب والسنة من إثبات القدر فقد‬
‫حكموا على أنف سهم باللود ف النار إن ل يتوبوا‪ .‬وهذا لزم ل م على مذهب هم هذا‪ ،‬و قد خالفوا ما‬
‫تواترت به أدلة الكتاب والسنة من إثبات القدر‪ ،‬وعدم تليد أهل الكبائر من الوحدين ف النار‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪295‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫باب‬
‫ما جاء ف الصورين‬

‫قوله‪( :‬باب‪ :‬ما جاء ف الصورين) ‪:‬‬

‫أي من عظيم عقوبة ال لم وعذابه‪.‬‬

‫وقد ذكر النب صلى ال عليه وسلم العلة‪ :‬وهي الضاهاة بلق ال‪ ،‬لن ال تعال له اللق والمر‪ ،‬فهو‬
‫رب كل شئ ومليكه‪،‬وهو خالق كل شئ وهو الذي صور جيع اللوقات‪ ،‬وجعل فيها الرواح الت‬
‫تصل با الياة‪ ،‬كما قال تعال‪ " :‬الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق النسان من طي * ث جعل‬
‫نسله من سللة من ماء مهي * ث سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والبصار والفئدة‬
‫قليل ما تشكرون " فال صور ل ا صور ال صورة على ش كل ما خل قه ال تعال من إن سان وبي مة صار‬
‫مضاهئا للق ال‪ .‬ف صار ما صوره عذابا له يوم القيا مة‪ ،‬وكلف أن ين فخ في ها الروح ول يس بنا فخ‪.‬‬
‫فكان أشد الناس عذابا‪ ،‬لن ذنبه من أكب الذنوب‪.‬‬

‫فإن كان هذا في من صور صورة على مثال ما خل قه ال تعال من اليوان‪ ،‬فك يف بال من سوى‬
‫الخلوق برب العاليه وشبههه بلقهه‪ ،‬وصهرف له شيئا مهن العبادة الته مها خلق ال اللق إل ليعبدوه‬
‫وحده با ل يستحقه غيه من كل ع مل ي به ال من الع بد ويرضاه‪ .‬فت سوية الخلوق بالالق بصرف‬
‫حقه لن ل يستحقه من خلقه‪ ،‬وجعله شريكا له فيما اختص به تعال وتقدس‪ ،‬وهو أعظم ذنب عصى‬
‫ال تعال بهه‪ .‬ولذا أرسهل رسهله وأنزل كتبهه لبيان هذا الشرك والنههي عنهه‪ ،‬وإخلص العبادة بميهع‬
‫أنواعها ل تعال‪ .‬فنجى ال تعال رسله ومن أطاعهم‪ .‬وأهلك من جهل التوحيد‪ ،‬واستمر على الشرك‬
‫والتند يد‪ ،‬ف ما أعظ مه من ذ نب‪ " : :‬إن ال ل يغ فر أن يشرك به ويغ فر ما دون ذلك ل ن يشاء " ‪" :‬‬
‫ومن يشرك بال فكأنا خر من السماء فتخطفه الطي أو توي به الريح ف مكان سحيق "‪.‬‬

‫قوله‪( :‬ولسلم عن أب الياج السدي حيان بن حصي قال‪ :‬قال ل علي رضي ال عنه‪: )...‬‬

‫هو أمي الؤمني على بن أب طالب رضي ال عنه‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪296‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪ :‬أل أبعثك على ما بعثن عليه رسول ال صلى ال عليه وسلم ؟ أن ل تدع صورة إل طمستها ول‬
‫قبا مشرفا إل سويته ‪.‬‬

‫ف يه ت صريح بأن ال نب صلى ال عل يه و سلم ب عث عليا لذلك‪ .‬أ ما ال صور فلمضاهات ا للق ال‪ .‬وأ ما‬
‫ت سوية القبور فل ما ف تعليت ها من الفت نة بأرباب ا وتعظيم ها‪ ،‬و هو من ذرائع الشرك وو سائله‪ .‬ف صرف‬
‫ال مم إل هذا وأمثاله من م صال الد ين ومقا صده وواجبا ته‪ .‬ول ا و قع الت ساهل ف هذه المور و قع‬
‫الحذور‪ ،‬وعظمت الفتنة بأرباب القبور‪ ،‬وصارت مطا لرحال العابدين العظمي لا‪ .‬فصرفوا لا جل‬
‫العبادة‪ :‬من الدعاء والستعانة والستغاثة‪ ،‬والتضرع لا‪ ،‬والذبح لا‪ ،‬والنذور‪ ،‬وغي ذلك من كل شرك‬
‫مظور‪.‬‬

‫قال العلمة ابن القيم رحه ال‪ :‬ومن جع بي سنة رسول ال صلى ال عليه وسلم ف القبور وما أمر به‬
‫ونى عنه وما كان عليه أصحابه‪ ،‬وبي ما عليه أكثر الناس اليوم‪ .‬رأى أحدها مضادا للخر‪ ،‬مناقضا‬
‫له بيث ل يتمعان أبدا‪ .‬فنهى رسول ال صلى ال عليه وسلم عن الصلة إل القبور‪ ،‬وهؤلء يصلون‬
‫عندها وإليها‪.‬‬

‫ونى عن اتاذها مساجد‪ ،‬وهؤلء يبنون عليها الساجد‪ ،‬ويسمونا مشاهد مضاهاة لبيوت ال‪ .‬ونى‬
‫عن إيقاد ال سرج علي ها وهؤلء يوقفون الوقوف على إيقاد القناد يل علي ها‪ .‬ون ى عن أن تت خذ عيدا‪،‬‬
‫وهؤلء يتخذون ا أعيادا ومنا سك‪ ،‬ويتمعون ل ا كاجتماعات م للع يد أو أك ثر‪ .‬وا مر بت سويتها‪ ،‬ك ما‬
‫روى مسلم ف صحيحه عن أب الياج السدي فذكر حديث الباب وحديث تامة بن شفي وهو عند‬
‫م سلم أيضا قال‪ :‬ك نا مع فضالة بن عب يد بأرض الروم بدردس‪ ،‬فتو ف صاحب ل نا‪ ،‬فأ مر فضالة ب قبه‬
‫فسوى‪ ،‬ث قال‪ :‬سعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يأمر بتسويتها وهؤلء يبالغون ف مالفة هذين‬
‫الديثي‪،‬ويرفعونا عن الرض كالبيت‪ ،‬ويعقدون عليها القباب‪ .‬ونى عن تصيص القب والبناء عليه‪.‬‬
‫كما روى مسلم ف صحيحه عن جابر رضي ال عنه قال‪ :‬نى رسول ال صلى ال عليه وسلم عن‬
‫تصيص القب وأن يعقد عليه‪ ،‬وأن يبن عليه ونى عن الكتابة عليها‪ ،‬كما روى أبو داود ف سننه‪ .‬عن‬
‫جابر أن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ " :‬نى عن تصيص القبور‪ ،‬وأن يكتب عليها " قال الترمذي‪:‬‬
‫حد يث ح سن صحيح‪ .‬وهؤلء يتخذون علي ها اللواح‪ ،‬ويكتبون علي ها القرآن وغيه‪ ،‬ون ى أن يزاد‬
‫عليها غي ترابا‪ .‬كما روى أبو داود عن جابر أيضا أن رسول ال صلى ال عليه وسلم نى أن يصص‬
‫القهب‪ ،‬أو يكتهب عليهه‪ ،‬أو يزاد عليهه وهؤلء يزيدون عليهه الجهر والصه والحجار‪ .‬قال إبراهيهم‬
‫النخعي‪ :‬كانوا يكرهون الجر على قبورهم‪.‬‬

‫والق صود‪ :‬أن هؤلء العظم ي للقبور التخذين ها أعيادا‪ ،‬الوقد ين علي ها ال سرج‪ ،‬الذ ين يبنون علي ها‬
‫الساجد والقباب مناقضون لا أمر به رسول ال صلى ال عليه وسلم مادون لا جاء به‪ ،‬وأعظم ذلك‬
‫اتاذها مساجد‪ ،‬وإيقاد السرج عليها‪ .‬وهو من الكبائر‪ .‬وقد صرح الفقهاء من أصحاب أحد وغيهم‬
‫بتحريه‪.‬‬

‫قال أبو ممد القدسي‪ :‬ولو أتيح اتاذ السرج عليها ل يلعن من فعله‪ .‬ولن فيه تضييعا للمال ف غي‬
‫فائدة وإفراطا فه تعظيهم القبور أشبهه تعظيهم بالصهنام‪ .‬قال‪ :‬ول يوز اتاذ السهاجد على القبور لذا‬
‫الب‪ ،‬ولن النب صلى ال عليه وسلم قال‪ " :‬لعن ال اليهود والنصارى اتذوا قبور أنبيائهم مساجد‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪297‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫يذر ما صنعوا " متفق عليه‪ .‬ولن تصيص القبور بالصلة عندها يشبه تعظيم الصنام بالسجود لا‬
‫والتقرب إليهها‪ ،‬وقهد روينها أن ابتداء عبادة الصهنام تعظيهم الموات باتاذ صهورهم‪ ،‬والتمسهح باه‬
‫والصلة عندها‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫و قد آل ال مر بؤلء الضلل الشرك ي إل أن شرعوا للقبور حجا‪ .‬ووضعوا ل ا منا سك ح ت صنف‬


‫بعض غلتم ف ذلك كتابا وساه مناسك حج الشاهد مضاهاة منه القبور بالبيت الرام‪ ،‬ول يفى أن‬
‫هذا مفارقة لدين السلم‪ ،‬ودخول ف دين عباد الصنام‪ ،‬فانظر إل هذا التباين العظيم بي ما شرعه‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم وقصده‪ ،‬من النهي عما تقدم ذكره ف القبور‪ ،‬وبي ما شرعه وقصدوه‪،‬‬
‫ول ريب أن ف ذلك من الفاسد ما يعجز عن حصره‪.‬‬

‫فمنها‪ :‬تعظيمها الوقع ف الفتتان با‪ .‬ومنها‪ :‬اتاذها أعيادا‪ .‬ومنها السفر إليها‪ .‬ومنها‪ :‬مشابة عباد‬
‫الصنام با يفعل عندها من العكوف عليها والجاورة عندها وتعليق الستور عليها وسدانتها‪ ،‬وعبادها‬
‫يرجحون الجاورة عندها على الجاورة عند السجد الرام‪ ،‬ويرون سدانتها أفضل من خدمة الساجد‪،‬‬
‫والو يل عند هم لقيم ها ليلة يطفىء القند يل العلق علي ها‪ .‬ومن ها‪ :‬النذر ل ا ول سدنتها‪ .‬ومن ها‪ :‬اعتقاد‬
‫الشرك ي في ها أن ب ا يك شف البلء وين صر على العداء‪ ،‬وي ستنل غ يث ال سماء‪ ،‬وتفرج الكروب‪،‬‬
‫وتق ضي الوائج‪ ،‬وين صر الظلوم‪ ،‬ويار الائف إل غ ي ذلك‪ .‬ومن ها‪ :‬الدخول ف لع نة ال ور سوله‬
‫باتاذ الساجد عليها وإيقاد السرج عليها‪ .‬ومنها‪ :‬الشرك الكب الذي يفعل عندها‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬إيذاء أصحابا با يفعله الشركون بقبورهم‪ .‬فإنم يؤذيهم ما يفعل عند قبورهم‪ ،‬ويكرهونه غاية‬
‫الكراه ية‪ ،‬ك ما أن ال سيح عل يه ال سلم يكره ما يفعله الن صارى ع ند قبه‪ ،‬وكذلك غيه من ال نبياء‬
‫والولياء والشايخ يؤذيهم ما يفعله أشباه النصارى عند قبورهم‪ .‬ويوم القيامة يتبأون منهم‪ ،‬كما قال‬
‫تعال‪ " ، :‬ويوم يشرههم ومها يعبدون مهن دون ال فيقول أأنتهم أضللتهم عبادي هؤلء أم ههم ضلوا‬
‫السبيل * قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ولكن متعتهم وآباءهم حت‬
‫نسوا الذكر وكانوا قوما بورا " قال ال تعال للمشركي‪ " :‬فقد كذبوكم با تقولون " وقال تعال‪" :‬‬
‫وإذ قال ال يا عي سى ا بن مر ي أأ نت قلت للناس اتذو ن وأ مي إل ي من دون ال قال سبحانك ما‬
‫يكون ل أن أقول مها ليهس ل بقه " اليهة وقال تعال‪ " ، :‬ويوم يشرههم جيعها ثه يقول للملئكهة‬
‫أهؤلء إياكم كانوا يعبدون * قالوا سبحانك أنت ولينا من دونم بل كانوا يعبدون الن أكثرهم بم‬
‫مؤمنون "‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬إماتة السنن وإحياء البدع‪.‬‬

‫ومنهها تفصهيلها على خيه البقاع وأحبهها إل ال‪ ،‬فإن عباد القبور يقصهدونا مهع التعظيهم والحترام‬
‫والشوع ور قة القلب‪ ،‬والعكوف بال مة على الو تى ب ا ل يفعلو نه ف ال ساجد ول ي صل ل م في ها‬
‫نظيه ول قريبا منه‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬أن الذي شرعه الرسول صلى ال عليه وسلم عند زيارة القبور إنا هو تذكر الخرة‪ ،‬والحسان‬
‫إل الزور بالدعاء له‪ ،‬والتر حم عل يه‪ ،‬وال ستغفار له‪ .‬و سؤال العاف ية له‪ ،‬فيكون الزائر م سنا إل نف سه‬
‫وإل ال يت‪ .‬فقلب هؤلء الشركون المهر وعكسهوا الديهن‪ ،‬وجعلوا الق صود بالزيارة الشرك بال يت‪،‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪298‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫ودعاءه والدعاء به‪ ،‬و سؤالم حوائج هم‪ ،‬وا ستنال الب كة م نه‪ ،‬ون صره ل م على العداء‪ .‬ون و ذلك‪.‬‬
‫ف صاروا م سيئي إل أنف سهم وإل ال يت‪ .‬وكان ر سول ال صلى ال عل يه و سلم قد ن ى الرجال عن‬
‫زيادة القبور سدا للذريعة فلما تكن التوحيد ف قلوبم أذن لم ف زيارتا على الوجه الذي شرعه‪،‬‬
‫وناهم أن يقولوا هجرا‪ ،‬ومن أعظم الجر‪ :‬الشرك عندها قو ًل وفعلً‪.‬‬

‫و ف صحيح م سلم عن أ ب هريرة ر ضي ال ع نه قال‪ :‬قال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم " زوروا‬
‫القبور‪ ،‬فإنا تذكر الوت " وعن ابن عباس رضي ال عنهما قال‪ :‬مر رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫بقبور الدينة‪ ،‬فأقبل عليهم بوجهه فقال‪ ":‬السلم عليكم يأهل القبور‪ ،‬يغفر ال لنا ولكم‪ ،‬أنتم سلفنا‬
‫ونن بالثر " رواه أحد والترمذي وحسنه‪.‬‬

‫فهذه الزيارة الت شرعها رسول ال صلى ال عليه وسلم لمته‪ ،‬وعلمهم إياها‪ ،‬هل تد فيها شيئا ما‬
‫يعتمده أهل الشرك والبدع ؟ أم تدها مضادة لا هم عليه من كل وجه ؟ وما أحسن ما قال مالك بن‬
‫أنس رح ه ال‪ :‬لن يصلح آ خر هذه ال مة إل ما أ صلح أولا ولكن كل ما ضعف ت سك المم بعهود‬
‫أنبيائهم ونقص إيانم عوضوا عن ذلك با أحدثوه من البدع والشرك‪.‬‬

‫ولقد جرد السلف الصال التوحيد وحوا جانبه‪ ،‬حت كان أحدهم إذا سلم على النب صلى ال عليه‬
‫وسلم ث أراد الدعاء استقبل القبلة‪ ،‬وجعل ظهره إل جدار القب ث دعا ونص على ذلك الئمة الربعة‪:‬‬
‫أنه يستقبل القبلة وقت الدعاء حت ل يدعو عند القب‪ ،‬فإن الدعاء عبادة‪ .‬وف الترمذي وغيه‪ :‬الدعاء‬
‫هو العبادة فجرد السلف العبادة ل ول يفعلوا عند القبور منها إل ما أذن فيه رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ،‬من الدعاء لصحابا والستغفار لم والترحم عليهم‪ .‬وأخرج أبو داود عن أب هريرة قال‪ :‬قال‬
‫ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ " :‬ل تعلوا بيوت كم قبورا‪ ،‬ول تعلوا قبي عيدا‪ ،‬و صلوا علي فإن‬
‫صلتكم تبلغن حيث كنتم " وإسناده جيد ورواته ثقات مشي‪ .‬قوله‪ :‬ل تعلوا بيوتكم قبورا أي ل‬
‫تعطلوها عن الصلة فيها والدعاء والقراءة فتكون بنلة القبور فأمر بتحري النافلة ف البيوت ونى عن‬
‫ترير النافلة عند القبور‪ ،‬وهذا ضد ما عليه الشركون من النصارى وأشباههم‪.‬‬

‫ث إن ف تعظيم القبور واتاذها أعيادا من الفاسد العظيمة الت ل يعلمها إل ال ما يغضب ال لجله‬
‫كل من ف قلبه وقار ال وغية على التوحيد وتجي وتقبيح للشرك‪ ،‬ولكن ما لرح بيت إيلم‪.‬‬

‫فمن الفاسد‪ :‬اتاذها أعيادا والصلة إليها والطواف با وتقبيلها واستلمها وتعفي الدود على ترابا‬
‫وعبادة أ صحابا‪ ،‬وال ستغاثة ب م‪ ،‬و سؤالم الن صر والرزق والعاف ية‪ ،‬وقضاء الد ين‪ ،‬وتفر يج الكربات‪،‬‬
‫وإغاثة اللهفات وغي ذلك من أنواع الطلبات الت كان عباد الوثان يسألونا أوثانم‪ .‬فلو رأيت غلة‬
‫التخذين لا عيدا‪ ،‬وقد نزلوا عن الكوار والدواب إذا رأوها من مكان بعيد‪ ،‬فوضعوا لا الباه‪ ،‬وقبلوا‬
‫الرض‪ ،‬وكشفوا الرؤوس‪ ،‬وارتفعت أصواتم‪ ،‬بالضجيج‪ ،‬وتباكوا حت تسمع لم النشيج‪ ،‬ورأو أنم‬
‫قد أربوا ف الربح على الجيج‪ ،‬فاستغاثوا بن ل يبديء ول يعيد‪ ،‬ونادوا ولكن من مكان بعيد‪ ،‬حت‬
‫إذا دنوا منهها صهلوا عنهد القهب ركعتيه‪ ،‬ورأوا أنمه قهد أحرزوا مهن الجهر ول أجهر مهن صهلى إل‬
‫ل من اليت ورضوانا‪ ،‬وقد ملوا أكفهم خيبة‬ ‫القبلتي !!‍ فتراهم حول القب ركعا سجدا يبتغون فض ً‬
‫وخسرانا‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪299‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫فلغيه ال بهل الشيطان مها يراق هناك مهن العهبات‪ ،‬ويرتفهع مهن الصهوات‪ ،‬ويطلب مهن اليهت مهن‬
‫الاجات‪ ،‬وي سأل من تفر يج الكربات‪ ،‬وإغا ثة اللهفات‪ ،‬وإغناء ذوي الفاقات‪ ،‬ومعافاة ذوي العاهات‬
‫والبليات‪ ،‬ث انثنوا بعد ذلك حول القب طائفي‪ ،‬تشبيها له بالبيت الرام الذي جعله ال مباركا وهدى‬
‫للعالي‪ .‬ث أخذوا ف التقبيل والستلم‪ .‬أرأيت الجر السود وما يفعل به وفد البيت الرام‪ .‬ث عفروا‬
‫لديه تلك الباه والدود‪ ،‬الت يعلم ال أنه ل تعفر كذلك بي يديه ف السجود‪ ،‬ث كملوا مناسك حج‬
‫القب بالتقصي هناك واللق واستمتعوا بلقهم من ذلك الوثن إذ ل يكن لم عند ال من خلق‪ ،‬وقد‬
‫قربوا لذلك الوثن القرابي وكانت صلتم ونسكهم وقربانم لغي ال رب العالي‪ ،‬فلو رأيتهم يهنء‬
‫بعضهم بعضا ويقول‪ :‬أجزل ال لنا ولكم أجرا وافرا وحظا‪ ،‬فإن رجعوا سألم غلة التخلفي أن يبيع‬
‫أحدهم ثواب حجة القب بجة التخلف إل البيت الرام‪ ،‬فيقول‪ :‬ل ول بجك كل عام‪.‬‬

‫هذا ول نتجاوز فيما حكيناه عنهم‪ ،‬ول استقصينا جيع بدعهم وضللم‪ ،‬إذ هي فوق ما يطر بالبال‪،‬‬
‫ويدور ف اليار‪ ،‬وهذا مبدأ الصنام ف قوم نوح كما تقدم‪ .‬وكل من شم أدن رائحة من العلم والفقه‬
‫يعلم أن من أ هم المور‪ ،‬سد الذري عة إل هذا الحظور‪ .‬وأن صاحب الشرع أعلم بعاق بة ما ن ى ع نه‬
‫وما يؤول إليه‪ ،‬وأحكم ف نيه عنه وتوعده عليه‪ ،‬وأن الي والدى ف اتباعه وطاعته‪ ،‬والشر والضلل‬
‫ف معصيته ومالفته‪ .‬ا ه كلمه رحه ال تعال‪.‬‬

‫باب‬
‫ما جاء ف كثرة اللف‬

‫قوله‪( :‬باب‪ :‬ما جاء ف كثرة اللف) ‪:‬‬

‫أي من النهي عنه والوعيد‪.‬‬

‫وقول ال تعال‪ " :‬واحفظوا أيانكم " ‪.‬‬

‫قال ا بن جرير ل تتركوها بغ ي تكف ي‪ .‬وذ كر غيه من الف سرين عن ا بن عباس ير يد ل تلفوا‪ .‬وقال‬
‫آخرون‪ :‬احفظوا أيان كم عن ال نث فل تنثوا‪ .‬وال صنف أراد من ال ية الع ن الذي ذكره ا بن عباس‪،‬‬
‫فإن القول ي متلزمان‪ ،‬فيلزم من كثرة اللف كثرة ال نث مع ما يدل عل يه من ال ستخفاف‪ ،‬وعدم‬
‫التعظيم ل‪ ،‬وغي ذلك ما يناف كمال التوحيد الواجب أو عدمه‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪300‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫عن أب هريرة رضي ال عنه قال سعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪ ":‬اللف منفقة للسلعة‬
‫محقة للكسب " أخرجاه‪.‬‬

‫أي البخاري وم سلم‪ .‬وأخر جه أ بو داود والن سائي‪ .‬والع ن‪ :‬أ نه إذا حلف على سلعته أ نه أع طى في ها‬
‫كذا وكذا‪ ،‬أو أنه اشتراها بكذا وكذا‪ ،‬وقد يظنه الشتري صادقا فيما حلف عليه فيأخذها بزيادة على‬
‫قيمتها‪ ،‬والبائع كذاب وحلف طمعا ف الزيادة‪ ،‬فيكون قد عصى ال تعال‪ ،‬فيعاقب بحق البكة‪ ،‬فإذا‬
‫ذهبت بركة كسبه دخل عليه من النقص أعظم من تلك الزيادة الت دخلت عليه بسب حلفه‪ ،‬وربا‬
‫ذ هب ث ن تلك ال سلعة رأ سا‪ .‬و ما ع ند ال ل ينال إل بطاع ته وإن تزخر فت الدن يا للعا صي فعاقبت ها‬
‫اضمحلل وذهاب وعقاب‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وعن سلمان رضي ال عنه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪ " :‬ثلثة ل يكلمهم ال‬
‫ول يزكي هم ول م عذاب أل يم‪ :‬أشي مط زان‪ ،‬وعائل مستكب‪ ،‬ورجل ج عل ال بضاع ته‪ ،‬ل يشتري‬
‫إل بيمينه‪ ،‬ول يبيع إل بيمينه " رواه الطبان بسند صحيح) ‪:‬‬

‫و سلمان لعله سلمان الفار سي أ بو ع بد ال‪ ،‬أ سلم مقدم ال نب صلى ال عل يه و سلم الدي نة‪ ،‬وش هد‬
‫الندق‪ ،‬روى عنه أبو عثمان النهدي وشرحبيل بن السمط وغيها‪ .‬قال النب صلى ال عليه وسلم‪":‬‬
‫سلمان م نا أ هل الب يت‪ ،‬إن ال ي ب من أ صحاب أرب عة‪ :‬عليا‪ ،‬وأ با ذر‪ ،‬و سلمان‪ ،‬والقداد " أخر جه‬
‫الترمذي وابن ماجه‪ .‬قال السن‪ :‬كان سلمان أميا على ثلثي ألفا يطب بم ف عباءة يفترش نصفها‬
‫ويل بس ن صفها‪ .‬تو ف ف خل فة عثمان ر ضي ال ع نه‪ .‬قال أ بو عبيده سنة ست وثلث ي عن ثلثائة‬
‫وخسي سنة‪ .‬ويتمل أنه سلمان بن عامر بن أوس الضب‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ثل ثة ل يكلم هم ال ن فى كلم الرب تعال وتقدس عن هؤلء الع صاة دل يل على أن يكلم من‬
‫أطا عه‪ .‬وأن الكلم صفة كماله‪ .‬والدلة على ذلك من الكتاب وال سنة أظ هر شئ وأبي نه‪ .‬وهذا هو‬
‫الذي عل يه أ هل ال سنة والما عة من الحقق ي قيام الفعال بال سبحانه‪ ،‬وأن الف عل ي قع بشيئ ته تعال‬
‫وقدرته شيئا فشيئا ول يزل متصفا به‪ .‬فهو حادث الحاد قدي النوع‪ ،‬كما يقول ذلك أئمة أصحاب‬
‫الد يث وغي هم من أ صحاب الشاف عي وأح د و سائر الطوائف‪ ،‬ك ما قال تعال‪ " :‬إن ا أمره إذا أراد‬
‫شيئا أن يقول له كههن فيكون " فأتههى بالروف الدالة على السههتقبال والفعال الدالة على الال‬
‫والستقبال أيضا‪ .‬وذلك ف القرآن كثي‪.‬‬

‫قال شيخ السلم ابن تيمية رحه ال‪ :‬فإذا قالوا لنا يعن النفاة‪ :‬فهذا يلزمه أن تكون الوادث قائمة به‪.‬‬
‫قل نا‪ :‬و من أن كر هذا قبل كم من ال سلف والئ مة ؟ ون صوص القرآن وال سنة تتض من ذلك مع صريح‬
‫العقل‪ .‬ولفظ الوادث ممل‪ ،‬فقد يراد به العراض والنقائص‪ ،‬وال تعال منه عن ذلك ولكن يقوم به‬
‫ما يشاء من كل مه وأفعاله ون و ذلك‪ :‬م ا دل عل يه الكتاب وال سنة‪ .‬والقول ال صحيح‪ :‬هو قول أ هل‬
‫العلم والديهث الذيهن يقولون‪ :‬ل يزل ال متكلما إذا شاء‪ ،‬كمها قال ابهن البارك وأحده بهن حنبهل‬
‫وغيها من أئمة السنة‪ ،‬ا هه‪.‬‬

‫قلت‪ :‬ومعن قيام الوادث به تعال‪ :‬قدرته عليها وإياده لا بشيئته وأمره‪ .‬وال أعلم‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪301‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪ :‬ول يزكي هم ول م عذاب أل يم ل ا ع ظم ذنب هم عظ مت عقوبت هم‪ ،‬فعوقبوا بذه الثلث ال ت هي‬
‫أعظم العقوبات‪.‬‬

‫قوله‪ :‬أشي مط زان صغره تقيا له وذلك لن دا عي الع صية ض عف ف ح قه‪ ،‬فدل على أن الا مل له‬
‫على الزنا‪ :‬مبة العصية والفجور‪ ،‬وعدم خوفه من ال‪ .‬وضعف الداعي إل العصية مع فعلها يوجب‬
‫تغليظ العقوبة عليه‪ ،‬بلف الشاب‪ ،‬فإن قوة داعي الشهوة منه قد تغلبه مع خوفه من ال‪ ،‬وقد يرجع‬
‫على نفسه بالندم‪ ،‬ولومها على العصية فينتهي ويراجع‪.‬‬

‫وكذا العائل ال ستكب ل يس له ما يدعوه إل ال كب‪ ،‬لن الدا عي إل ال كب ف الغالب كثرة الال والن عم‬
‫والرياسة‪ .‬والعائل الفقي ل داعي له إل أن يستكب‪ ،‬فاستكباره مع عدم الداعي إليه يدل على أن الكب‬
‫طبيع له‪ ،‬كامن ف قلبه‪ ،‬فعظمت عقوبته لعدم الداعي إل هذا اللق الذميم الذي هو من أكب العاصي‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ورجل جعل ال بضاعته بنصب السم الشريف‪ ،‬أي اللف به‪ ،‬جعله بضاعته للزمته له وغلبته‬
‫عل يه‪ .‬وهذه أعمال تدل على أن صاحبها إن كان موحدا فتوحيده ضع يف وأعماله ضعي فة ب سب ما‬
‫قام بقلبه وظهر على لسانه وعمله من تلك العاصي العظيمة على قلة الداعي إليها‪ .‬نسأل ال السلمة‬
‫والعافية‪ ،‬نعوذ بال من كل عمل ل يبه ربنا ول يرضاه‪.‬‬

‫قوله‪ :‬وف الصحيح أي صحيح مسلم‪ .‬وأخرجه أبو داود والترمذي‪ ،‬ورواه البخاري بلفظ خيكم ‪.‬‬

‫قوله‪ :‬عن عمران بن حصي رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ " :‬خي أمت قرن‬
‫ث الذين يلونم‪ ،‬ث الذين يلونم قال عمران‪ :‬فل أدري أذكر بعد قرنيه مرتي أو ثلثا ؟ ث إن بعدكم‬
‫قوما يشهدون ول يستشهدون‪ ،‬ويونون ول يؤتنون‪ ،‬وينذرون ول يوفون‪ ،‬ويظهر فيهم السمن " ‪.‬‬

‫قوله‪ :‬خ ي أم ت قر ن لفضيلة أ هل ذلك القرن ف العلم واليان والعمال ال صالة ال ت يتنا فس في ها‬
‫التناف سون‪ ،‬ويتفا ضل في ها العاملون‪ ،‬فغلب ال ي في ها وك ثر أهله‪ ،‬و قل ال شر في ها وأهله واع تز في ها‬
‫السلم واليان‪ ،‬وكثر فيها العلم والعلماء ث الذين يلونم فضلوا على من بعدهم لظهور السلم فيهم‬
‫وكثرة الدا عي إل يه والرا غب ف يه والقائم به‪ .‬و ما ظ هر ف يه من البدع أن كر وا ستعظم وأذ يل‪ ،‬كبد عة‬
‫الوارج والقدر ية والراف ضة‪ ،‬فهذه البدع وإن كا نت قد ظهرت فأهل ها ف غا ية الذل وال قت والوان‬
‫والقتل فيمن عاند منهم ول يتب‪.‬‬
‫قوله‪ :‬فل أدري أذكر بعد قرنه مرتي أو ثلثا هذا شك من راوي الديث عمران بن حصي رضي ال‬
‫عنه‪ .‬والشهور ف الروايات‪ :‬أن القرون الفضلة ثلثة‪ ،‬الثالث دون الولي ف الفضل‪ ،‬لكثرة البدع فيه‪،‬‬
‫ل كن العلماء متوافرون وال سلم ف يه ظا هر والهاد ف يه قائم‪ ،‬ث ذ كر ما و قع ب عد القرون الثل ثة من‬
‫الفاء ف الدين‪ ،‬وكثرة الهواء‪.‬‬

‫فقال‪ :‬ث إن بعدكم قوما يشهدون ول يستشهدون لستخفافهم بأمر الشهادة وعدم تريهم الصدق‪،‬‬
‫وذلك لقلة دينهم وضعف إسلمهم‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪302‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪ :‬ويونون ول يؤتنون يدل على أن اليانهة قهد غلبهت على كثيه منههم أو أكثرههم وينذرون ول‬
‫يوفون أي ل يؤدون ما وجب عليهم‪ ،‬فظهور هذه العمال الذميمة يدل على ضعف إسلمهم وعدم‬
‫إيانم‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ويظ هر في هم ال سمن لرغبت هم ف الدن يا‪ ،‬ون يل شهوات م والتن عم ب ا‪ ،‬وغفلت هم عن الدار الخرة‬
‫والعمل لا‪ .‬وف حديث أنس‪ " :‬ل يأت على الناس زمان إل والذي بعده شر منه حت تلقوا ربكم "‬
‫قال أنس‪ :‬سعته من نبيكم صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فما زال الشر يزيد ف المة حت ظهر الشرك والبدع‬
‫ف كثي منهم حت فيمن ينتسب إل العلم ويتصدر للتعليم والتصنيف‪.‬‬

‫قلت‪ :‬بل قد دعوا إل الشرك والضلل والبدع‪ ،‬و صنفوا ف ذلك نظما ونثرا فنعوذ بال من موجبات‬
‫غضبه‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وفيه عن ابن مسعود رضي ال عنه أن النب صلى ال عليه وسلم قال‪ " :‬خي الناس قرن ث‬
‫الذ ين يلون م‪ ،‬ث الذ ين يلون م‪ ،‬ث الذ ين يلون م‪ ،‬ث ي يء قوم ت سبق شهادة أحد هم يي نه ويي نه‬
‫شهادته ") ‪:‬‬

‫قلت‪ :‬وهذه حال من صرف رغب ته إل الدن يا ون سى العاد‪ ،‬ف خف أ مر الشهادة واليم ي عنده تم ً‬
‫ل‬
‫وأداء‪ ،‬لقلة خوفه من ال وعدم مبالته بذلك‪ ،‬وهذا هو الغالب على الك ثر‪ .‬وال الستعان‪ .‬فإذا كان‬
‫هذا قد وقع ف صدر السلم الول فما بعده أكثر بأضعاف‪ .‬فكان الناس على حذر‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وقال إبراهيم هو النخعي كانوا يضربوننا على الشهادة والعهد ونن صغار) ‪:‬‬

‫وذلك لكثرة علم التابعي‪ ،‬وقوة إيانم ومعرفتهم بربم‪ ،‬وقيامهم بوظيفة المر بالعروف والنهي عن‬
‫النكر‪ ،‬لنه من أفضل الهاد ول يقوم الدين إل به‪ .‬وف هذا رغبة ف ترين الصغار على طاعة ربم‬
‫ونيهم عما يضرهم‪ .‬وذلك فضل ال يؤتيه من يشاء وال ذو الفضل العظيم‪.‬‬

‫باب‬
‫ما جاء ف ذمة ال وذمة نبيه‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪303‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪( :‬باب‪ :‬ما جاء ف ذمة ال وذمة نبيه؛‬


‫وقول ال تعال‪ " :‬وأوفوا بعهسد ال إذا عاهدتس ول تنقضوا اليان بعسد توكيدهسا وقسد جعلتسم ال‬
‫عليكم كفيل " الية) ‪:‬‬

‫قال العماد بن كث ي‪ :‬وهذا م ا يأ مر ال تعال به و هو الوفاء بالعهود والواث يق‪ ،‬والحاف ظة على اليان‬
‫الؤكدة‪ .‬ولذا قال‪ " :‬ول تنقضوا اليان ب عد توكيد ها " ول تعارض ب ي هذا وقوله‪ " :‬ول تعلوا ال‬
‫عر ضة ليانكم " وبي قوله‪ " :‬ذلك كفارة أيان كم إذا حلفتم واحفظوا أيانكم " أي ل تتركو ها بل‬
‫تكفي‪ .‬وبي قوله صلى ال عليه وسلم ف الصحيحي‪ " :‬إن وال إن شاء ال ل أحلف على يي فأرى‬
‫غيها خيا منها إل أتيت الذي هو خي منها وتللتها وف رواية وكفرت عن يين " ل تعارض بي‬
‫هذا كله وبي الية الذكورة هنا وهي‪ " :‬ول تنقضوا اليان بعد توكيدها " لن هذه اليان الراد با‬
‫الداخلة ف العهود والواثيق‪ ،‬ل اليان الواردة على حث أو منع‪ ،‬ولذا قال ماهد ف هذه الية‪ :‬يعن‬
‫اللف أي حلف الاهلية‪ .‬ويؤيده ما رواه المام أحد عن جبي بن مطعم قال‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ " :‬ل حلف ف السلم‪ ،‬وإنا حلف كان ف الاهلية ل يزده السلم إل شدة " وكذا‬
‫رواه مسهلم‪ ،‬ومعناه أن السهلم ل يتاج معهه إل اللف الذي كان أههل الاهليهة يفعلونهه‪،‬فإن فه‬
‫التمسك بالسلم كفاية عما كانوا فيه‪.‬‬

‫وقوله تعال‪ " :‬إن ال يعلم ما تفعلون " تديد ووعيد لن نقض اليان بعد توكيدها‪.‬‬

‫قوله‪( :‬عن بريدة هو ابن الصيب السلمي‪: )...‬‬

‫وهذا الديث من رواية ابنه سليمان عنه‪ .‬قال ف الفهم‪.‬‬

‫وصايا النب صلى ال عليه وسلم لقواد جيوشه بأن ل يغلوا ول يغدروا ول يقتلوا وليدا إل‬

‫قوله‪ " :‬قال‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا أمر أميا على جيش أو سرية أوصاه ف خاصته‬
‫بتقوى ال تعال " فيه من الفقه تأمي المراء ووصيتهم‪.‬‬

‫قال الرب‪ :‬السرية‪ :‬اليل تبلغ أربعمائة ونوها‪ .‬واليش ما كان أكثر من ذلك‪ .‬وتقوى ال‪ :‬التحرز‬
‫بطاعته من عقوبته‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وذلك بالعمل با أمر ال به والنتهاء عما نى عنه‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ومن معه من السلمي خيا أي ووصاه بن معه أن يفعل معهم خيا‪ :‬من الرفق بم‪ ،‬والحسان‬
‫إليهم‪ ،‬وخفض الناح لم‪ ،‬وترك التعاظم عليهم‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪304‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪ :‬اغزوا با سم ال هذا أي اشرعوا ف ف عل الغزو م ستعيني بال مل صي له‪ .‬قلت‪ :‬فتكون الباء ف‬
‫بسم ال هنا للستعانة والتوكل على ال‪.‬‬
‫قوله‪ :‬قاتلوا من كفر بال هذا العموم يشمل جيع أهل الكفر الحاربي وغيهم‪ .‬وقد خصص منهم من‬
‫ل به‪ :‬ول تقتلوا وليدا وإنا نى عن قتل‬‫له عهد والرهبان والنسوان‪ ،‬ومن ل يبلغ اللم‪ ،‬وقد قال متص ً‬
‫الرهبان والنسوان لنه ل يكون منهم قتال غالبا‪ .‬وإن كان منهم قتال أو تدبي قتلوا‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وكذلك الذراري والولد‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ول تغلوا ول تغدروا ول تثلوا الغلو‪ :‬ال خذ من الغني مة من غ ي ق سمتها‪ .‬الغدر ن قض الع هد‪.‬‬
‫والتمث يل ه نا التشو يه بالقت يل‪ ،‬كق طع أن فه وأذ نه والع بث به‪ .‬ول خلف ف تر ي الغلو والغدر‪ .‬و ف‬
‫كراهية الثلة‪.‬‬

‫قوله‪ :‬وإذا لقيت عدوك من الشركي فادعهم إل ثلث خلل أو خصال الرواية بالشك وهو من بعض‬
‫الرواة‪ .‬ومعن اللل والصال واحد‪.‬‬

‫قوله‪ :‬فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم قيدناه عمن يوثق بعلمه وتقييده بنصب أيتهنعلى أن‬
‫يع مل في ها أجابوك ل على إ سقاط حرف ال ر‪ .‬و ما زائدة‪ .‬ويكون تقد ير الكلم‪ :‬فإل أيت هن أجابوك‬
‫فاقبل منهم‪ .‬كما تقول‪ :‬جئتك إل كذا وف كذا‪ .‬فيعدى إل الثان برف جر‪.‬‬

‫قلت‪ :‬فيكون ف ناصب أيتهن وجهان‪ :‬ذكرها الشارح‪ .‬الول‪ :‬منصوب على الشتغال‪ .‬والثان‪ :‬على‬
‫نزع الافض‪.‬‬

‫قوله‪ :‬ثه ادعههم إل السهلم كذا وقعهت الروايهة فه جيهع نسهخ كتاب مسهلم ثه ادعههم بزيادة ثه‬
‫والصواب إسقاطها‪ .‬كما روى ف غي كتاب مسلم‪ .‬كمصنف أب داود‪ ،‬وكتاب الموال لب عبيد‪.‬‬
‫لن ذلك هو إبتداء تفسي الثلث خصال‪.‬‬

‫وقوله‪ :‬ث ادع هم إل التحول إل دار الهاجر ين يع ن الدي نة‪ .‬وكان ف أول ال مر وجوب الجرة إل‬
‫الدينة على كل من دخل ف السلم‪ .‬وهذا يدل على أن الجرة واجبة على كل من آمن من أهل مكة‬
‫وغيهم‪.‬‬

‫قوله‪ :‬فإن أبوا أن يتحولوا يعن أن من أسلم ول يهاجر ول ياهد ل يعطي من المس ول من الفيء‬
‫شيئا‪ .‬وقد أخذ الشافعي رحه ال بالديث ف العراب‪ ،‬فلم ير لم من الفيء شيئا‪ .‬إنا لم الصدقة‬
‫الأخوذة من أغنيائهم فترد على فقرائهم‪ .‬كما أن أهل الهاد وأجناد السلمي ل حق لم ف الصدقة‬
‫عنده‪ ،‬وم صرف كل مال ف أهله‪ .‬و سوى مالك رح ه ال وأ بو حني فة رح ه ال ب ي الال ي‪ ،‬وجوزا‬
‫صرفهما للضعيف‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪305‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪ :‬فإن هم أبوا فاسألم الزية فيه حجة لالك وأصحابه والوزاعي ف أخذ الزية من كل كافر‪:‬‬
‫عربيا كان أو غيه‪ ،‬كتابيا كان أو غيه‪ .‬وذهب أبو حنيفة رحه ال إل أنا تؤخذ من الميع إل من‬
‫مشر كي العرب ومو سهم‪ .‬وقال الشاف عي ل تؤ خذ إل من أ هل الكتاب عربا كانوا أو عجما‪ .‬و هو‬
‫قول المام أحد ف ظاهر مذهبه‪ ،‬وتؤخذ من الجوس‪.‬‬

‫قلت‪ :‬لن النب صلى ال عليه وسلم أخذها منهم‪ .‬وقال‪ " :‬سنوا بم سنة أهل الكتاب "‪.‬‬

‫وقد اختلفوا ف القدر الفروض من الزية‪ :‬فقال مالك‪ :‬أربعة دناني على أهل الذهب‪ ،‬وأربعون درها‬
‫على أهل الورق‪ .‬وهل ينقص منها الضعيف أو ل ؟ قولن‪ .‬قال الشافعي‪ :‬فيه دينار على الغن والفقي‪.‬‬
‫وقال أبو حنيفة رحه ال‪ ،‬والكوفيون‪ :‬على الغن ثانية وأربعون درها والوسط أربعة وعشرون درها‪.‬‬
‫والفقي اثنا عشر درها‪.‬‬

‫وهو قول أحد بن حنبل رحه ال‪.‬‬

‫قال يي بن يوسف الصرصري النبلي رحه ال‪:‬‬

‫هوس‪ ،‬فإن هم سلموا الزية أصدد‬ ‫وقاتل يهودا والنصارى وعصبة الجه‬
‫وأربعة من بعد عشرين زد‬ ‫على الدون اثن عشر درها افرضن‬
‫ً ثانية مع أربعي لتنقد‬ ‫لوسطهم حالً ومن كان موسرا‬
‫وشيخ لم فان وأعمى ومقعد‬ ‫وتسقط عن صبيانم ونسائهم‬
‫ومن وجبت منهم عليه فيهتدي‬ ‫وذي الفقر والجنون أو عبد مسلم‬

‫وعند مالك وكافة العلماء على الرجال الحرار البالغي العقلء دون غيهم‪ ،‬وإنا تؤخذ من كان تت‬
‫قهر السلمي ل من نأى بداره‪ ،‬ويب تويلهم إل بلد السلمي أو حربم‪.‬‬

‫قوله‪ :‬وإذا حا صرت أ هل ح صن الكلم إل آخره ف يه ح جة ل ن يقول من الفقهاء وأ هل ال صول‪ :‬إن‬


‫ال صيب ف م سائل الجتهاد وا حد‪ .‬و هو العروف من مذ هب مالك وغيه وو جه ال ستدلل به أ نه‬
‫صلى ال عليه وسلم قد نص على أن ال تعال قد حكم حكما معينا ف الجتهدات‪ .‬فمن وافقه فهو‬
‫الصيب ومن ل يوافقه فهو الخطىء‪.‬‬

‫قوله‪ :‬وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تعل لم ذمة ال وذمة نبيه‪ :‬الديث الذمة العهد‪ ،‬وتفر‬
‫تن قض يقال‪ :‬أخفرت الر جل إذا نق ضت عهده‪ ،‬وخفر ته‪ :‬أجر ته‪ ،‬ومعناه أ نه خاف من ن قض من ل‬
‫يعرف حق الوفاء بالعهد‪ ،‬كجملة العراب‪ :‬فكأنه يقول‪ :‬إن وقع نقض من متعد معتد كان نقض عهد‬
‫اللق أهون من نقض عهد ال تعال‪ .‬وال أعلم‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪306‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪ :‬وقول نافع وقد سئل عن الدعوة قبل القتال‪ ،‬ذكر فيه أن مذهب مالك يمع بي الحاديث ف‬
‫الدعوة ق بل القتال‪ ،‬قال و هو أن مالكا قال‪ :‬ل يقا تل الكفار ق بل أن يدعوا ول تلت مس غرت م إل أن‬
‫يكونوا قد بلغتهم الدعوة‪ .‬فيجوز أن تلتمس غرتم وهذا الذي صار إليه مالك هو الصحيح لن فائدة‬
‫الدعوة أن يعرف العدو أن السلمي ل يقاتلون للدنيا ول للعصبية وإنا يقاتلون للدين فإذا علموا بذلك‬
‫ل لم إل النقياد إل الق‪ ،‬بلف ما إذا جهلوا مقصود السلمي‪ .‬فقد‬ ‫أمكن أن يكون ذلك سببا مي ً‬
‫يظنون أنم يقاتلون للملك وللدنيا فيزدادون عتوا وبغضا‪ .‬وال أعلم‪.‬‬

‫باب‬
‫ما جاء ف القسام على ال‬

‫قوله‪( :‬باب‪ :‬ما جاء ف القسام على ال) ‪:‬‬

‫ذ كر ال صنف ف حد يث‪ :‬عن جندب بن ع بد ال ر ضي ال ع نه قال‪ :‬قال ر سول ال صلى ال عل يه‬


‫و سلم‪ " :‬قال ر جل‪ :‬وال ل يغ فر ال لفلن‪ .‬قال ال عز و جل‪ :‬من ذا الذي يتأل على أن ل أغ فر‬
‫لفلن ؟ إن قد غفرت له وأحبطت عملك " رواه مسلم ‪.‬‬

‫قوله‪ :‬يتأل أي يلف‪ .‬واللية بالتشديد اللف‪ .‬وصح من حديث أب هريرة قال البغوي ف شرح السنة‬
‫وساق بالسند إل عكرمة بن عمار قال‪ :‬دخلت مسجد الدينة فنادان شيخ قال‪ :‬يا يامي‪ ،‬تعال‪ ،‬وما‬
‫أعر فه‪ ،‬قال‪ :‬ل تقولن لر جل‪ :‬وال ل يغ فر ال لك أبدا ول يدخلك ال نة‪ .‬قلت‪ :‬و من أ نت يرح ك‬
‫ال‪ .‬قال‪ :‬أبو هريرة‪ ،‬فقلت‪ :‬إن هذه كلمة يقولا أحدنا لبعض أهله إذا غضب‪ ،‬أو لزوجته أو لادمه‪،‬‬
‫قال‪ ،‬فإن سعت ر سول ال صلى ال عل يه وسلم يقول‪ " :‬إن رجلي كا نا ف ب ن إسرائيل متحابي‪،‬‬
‫أحدها متهد ف العبادة‪ ،‬والخر‪ ،‬كأنه يقول مذنب‪ ،‬فجعل يقول‪ :‬أقصر عما أنت فيه‪ .‬قال فيقول‪:‬‬
‫خلن ورب‪ ،‬قال‪ :‬فوجده يوما على ذنب استعظمه فقال‪ :‬أقصر‪ ،‬فقال‪ :‬خلن ورب‪ ،‬أبعثت علي رقيبا‪،‬‬
‫فقال‪ :‬وال ل يغ فر ال لك ول يدخلك ال نة أبدا‪ .‬قال‪ :‬فب عث ال إليه ما ملكا‪ ،‬فق بض أرواحه ما‪،‬‬
‫فاجتمعا عنده‪ ،‬فقال للمذنب‪ :‬ادخل النة برحت‪،‬وقال للخر‪ :‬أتستطيع أن تظر على عبدي رحت ؟‬
‫قال‪ :‬ل يا رب‪ ،‬قال‪ :‬اذهبوا به إل النار‪ .‬قال أبو هريرة‪ :‬والذي نفسي بيده لتكلم بكلمة أو بقت دنياه‬
‫وآخرته "‪ .‬ورواه أبو داود ف سننه‪ ،‬وهذا لفظه عن أب هريرة رضي ال عنه يقول‪ " :‬كان رجلن ف‬
‫بن إسرائيل متآخيي فكان أحدها يذنب‪ ،‬والخر متهد ف العبادة‪ .‬فكان ل يزال الجتهد يرى الخر‬
‫على الذنب فيقول‪ :‬أقصر‪ ،‬فوجده يوما على ذنب فقال له‪ :‬أقصر‪ ،‬فقال‪ :‬خلن ورب أبعثت علي رقيبا‬
‫؟ قال‪ :‬وال ل يغ فر ال لك ول يدخلك ال نة‪ ،‬فقب ضت أرواحه ما‪ ،‬فاجتم عا ع ند رب العال ي‪ ،‬فقال‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪307‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫لذا الجت هد‪ :‬أك نت ب عالا‪ ،‬أو ك نت على ما ف يدي قادرا ؟ فقال للمذ نب‪ :‬اذ هب فاد خل ال نة‬
‫وقال للخر‪ :‬اذهبوا به إل النار "‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وف حديث أب هريرة أن القائل رجل عابد) ‪:‬‬

‫يشي إل قوله ف هذا الديث‪ :‬أحدها متهد ف العبادة وف هذه الحاديث بيان خطر اللسان وذلك‬
‫يفيد التحرز من الكلم‪ ،‬كما ف حديث معاذ " قلت يا رسول ال‪ ،‬وإنا لؤاخذون با نتكلم به ؟ قال‪:‬‬
‫ثكلتهك أمهك يها معاذ‪ ،‬وههل يكهب الناس فه النار على وجوههم أو قال على مناخرههم إل حصهائد‬
‫ألسنتهم "‪ .‬ال أعلم‪.‬‬

‫باب‬
‫ل يشتشفع بال على خلقه‬

‫قوله‪( :‬باب‪ :‬ل يستشفع بال على خلقه) ‪:‬‬

‫وذكر الديث وسياق أب داود ف سننه أت ما ذكره الصنف رحه ال ولفظه‪ :‬عن جبي بن ممد بن‬
‫جبي بن مطعم عن أبيه عن جده قال‪ " :‬أتى رسول ال صلى ال عليه وسلم أعراب فقال‪ :‬يا رسول‬
‫ال‪ ،‬جهدت النفهس‪ ،‬وضاعهت العيال‪ ،‬ونكهت الموال‪ ،‬وهلكهت النعام‪ ،‬فاسهتسق ال لنها‪ ،‬فإنها‬
‫نستشفع بك على ال‪ ،‬ونستشفع بال عليك‪ ،‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬ويك‪ ،‬أتدري ما‬
‫تقول ؟ وسبح رسول ال صلى ال عليه وسلم فما زال يسبح حت عرف ذلك ف وجوه أصحابه‪ ،‬ث‬
‫قال‪ :‬ويك‪ ،‬إنه ل يستشفع بال على أحد من خلقه‪ ،‬شأن ال أعظم من ذلك‪،‬ويك أتدري ما ال‪.‬‬
‫إن عرشه على سواته لكذا وقال بأصابعه مثل القبة عليه وإنه ليئط به أطيط الرجل بالراكب " قال ابن‬
‫بشار ف حديثه‪ " :‬إن ال فوق عرشه فوق ساواته "‪.‬‬

‫قال الا فظ الذ هب‪ :‬رواه أ بو داود بإ سناد ح سن عنده ف الرد على الهم ية من حد يث م مد بن‬
‫إسحاق بن يسار‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪308‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪ :‬ويك إنه ل يستشفع بال على أحد من خلقه فإنه تعال رب كل شئ ومليكه‪ ،‬والي كله بيده‪،‬‬
‫ل مانع لا أعطى ول معطي لا منع‪ ،‬ول راد لا قضى‪ ،‬وما كان ال ليعجزه من شئ ف السموات ول‬
‫ف الرض إنه كان عليما قديرا‪ .‬إنا أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون‪ .‬واللق وما ف أيديهم‬
‫ملكه يتصرف فيهم كيف يشاء وهو الذي يشفع الشافع إليه‪ ،‬ولذا أنكر على العراب‪.‬‬

‫قوله‪ :‬و سبح ل كثيا وعظ مه لن هذا القول ل يل يق بالالق سبحانه وبمده إن شأن ال أع ظم من‬
‫ذلك‪.‬‬

‫وف هذا الديث‪ :‬إثبات علو ال على خلقه‪ ،‬وأن عرشه فوق ساواته‪ .‬وفيه تفسي الستواء بالعلو كما‬
‫فسهره الصهحابة والتابعون والئمهة‪ ،‬خلفا للمعطلة والهميهة والعتزلة ومهن أخهذ عنههم‪ ،‬كالشاعرة‬
‫ونو هم م ن أل د ف ا ساء ال و صفاته و صرفها عن الع ن الذي وض عت له ودلت عل يه من إثبات‬
‫صفات ال تعال الت دلت على كماله جل وعل‪ ،‬كما عل يه السلف ال صال والئمة ومن تبعهم م ن‬
‫ت سك بال سنة‪ ،‬فإن م أثبتوا ما أثب ته ال لنف سه وأثب ته له ر سوله من صفات كماله على ما يل يق بلله‬
‫وعظمته إثباتا بل تثيل‪ ،‬وتنيها بل تعطيل‪.‬‬

‫قال العل مة ا بن الق يم رح ه ال تعال ف مفتاح دار ال سعادة ب عد كلم سبق في ما يعرف الع بد بنف سه‬
‫وبربه من عجائب ملوقاته‪ .‬قال بعد ذلك‪:‬‬

‫والثان‪ :‬أن يتجاوز هذا إل النظر بالبصية الباطنة فتفتح له أبواب السماء‪ ،‬فيجول ف أقطارها وملكوتا‬
‫وب ي ملئكت ها‪ ،‬ث يف تح له باب ب عد باب ح ت ينت هي به سي القلب إل عرش الرح ن فين ظر سعته‬
‫وعظم ته وجلله ومده ورفع ته‪ ،‬ويرى ال سماوات ال سبع والرض ي ال سبع بالن سة إل يه كحل قة ملقاة‬
‫بأرض فلة‪ ،‬ويرى اللئكة حافي من حول العرش لم زجل بالتسبيح والتحميد والتقديس والتكبي‪،‬‬
‫وال مر ينل من فو قه بتدب ي المالك والنود ال ت ل يعلم ها إل رب ا ومليك ها‪ ،‬فينل ال مر بإحياء قوم‬
‫وإما تة آخر ين‪ ،‬وإعزاز قوم إذلل آخر ين‪ ،‬وإنشاء ملك و سلب ملك‪ ،‬وتو يل نع مة من م ل إل م ل‬
‫وقضاء الاجات على إختلفها وتبيانا وكثرتا‪ :‬من جب كسي‪ ،‬وإغناء فقي‪ ،‬وشفاء مريض‪ ،‬وتفريج‬
‫كرب‪ ،‬ومغفرة ذ نب‪ ،‬وك شف ضر‪ ،‬ون صر مظلوم‪ ،‬وهدا ية حيان‪ ،‬وتعل يم جا هل‪ ،‬ورد آ بق‪ ،‬وأمان‬
‫خائف‪ ،‬وإجارة م ستجي‪ ،‬ومدد لضع يف‪ ،‬وإغا ثة للهوف‪ ،‬وإعا نة لعا جز‪ ،‬وانتقام من ظال‪ ،‬و كف‬
‫لعدوان‪ ،‬فهي مراسيم دائرة بي العدل والفضل‪ ،‬والكمة والرحة‪ ،‬تنفذ ف أقطار العوال‪ ،‬ل يشغله سع‬
‫شئ منها عن سع غيه‪ ،‬ول تغلطه كثرة السائل والوائج على اختلف لغاتا وتبيانا واتاد قوتا‪ ،‬ول‬
‫يتبم بإلاح اللحي‪ ،‬ول تنقص ذرة من خزائنه‪ ،‬ل إله إل هو العزيز الكيم‪ .‬فحينئذ يقوم القلب بي‬
‫يدي الرح ن مطرقا ليئ ته خاشعا لعظم ته عانيا لعز ته‪ ،‬في سجد ب ي يدي اللك ال ق ال بي‪ ،‬سجدة ل‬
‫ير فع رأ سه منها إل يوم الزيد‪ ،‬فهذا سفر القلب‪ ،‬و هو ف وط نه وداره وم ل مل كه‪ ،‬وهذا من أع ظم‬
‫آيات ال وعجائب صنعه‪ ،‬فياله من سفر ما أبركه وأروحه‪ ،‬وأعظم ثرته وربه‪ ،‬وأجل منفعته وأحسن‬
‫عاقبته‪ ،‬سفر هو حياة الرواح‪ ،‬ومفتاح السعادة‪ ،‬وغنيمة العقول واللباب‪ ،‬ل كالسفر الذي هو قطعة‬
‫من العذاب‪ .‬ا هه كلمه رحه ال‪.‬‬

‫وأما الستشفاع بالرسول صلى ال عليه وسلم ف حياته فالراد به استجلب دعائه‪ ،‬وليس خاصا به‬
‫صلى ال عل يه و سلم بل كل حي ير جى أن ي ستجاب له فل بأس أن يطلب م نه أن يد عو لل سائل‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪309‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫بالطالب الاصة والعامة‪ ،‬كما قال النب صلى ال عليه وسلم لعمر لا أراد أن يعتمر من الدينة ل تنسنا‬
‫يا أخي من صال دعائك وأما اليت فإنا يشرع ف حقه الدعاء له على جنازته على قبه وف غي ذلك‪.‬‬
‫و هذ هو الذي يشرع ف حق ال يت‪ ،‬وأ ما دعاؤه فلم يشرع‪ ،‬بل قد دل الكتاب وال سنة على الن هي‬
‫والوع يد عل يه‪ ،‬ك ما قال تعال‪ " ، :‬والذ ين تدعون من دو نه ما يلكون من قطم ي * إن تدعو هم ل‬
‫يسمعوا دعاءكم ولو سعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم " فبي ال تعال أن دعاء‬
‫من ل يسمع ول يستجيب شرك يكفر به الدعو يوم القيامة أي ينكره ويعادي من فعله‪ ،‬كما ف آية‬
‫الحقاف‪ " :‬وإذا حشر الناس كانوا لم أعداء وكانوا بعبادتم كافرين " فكل ميت أو غائب ل يسمع‬
‫ول ي ستجيب ول ين فع ول ي ضر‪ .‬وال صحابة ر ضي ال عن هم‪ ،‬ل سيما أ هل ال سوابق من هم كاللفاء‬
‫الراشد ين‪ ،‬ل ينقل عن أحد من هم ول عن غيه أنم أنزلوا حاجت هم بال نب صلى ال عل يه وسلم ب عد‬
‫وفاته‪ ،‬حت ف أوقات الدب‪ ،‬كما وقع لعمر رضي ال عنه لا خرج ليستسقي بالناس خرج بالعباس‬
‫عم النب صلى ال عليه وسلم فأمره أن يستسقي لنه حي حاضر يدعو ربه فلو جاز أن يستسقي بأحد‬
‫بعد وفاته لستسقى عمر رضي ال عنه والسابقون الولون بالنب صلى ال عليه وسلم‪ .‬وبذا يظهر‬
‫الفرق بي الي واليت‪ ،‬لن القصود من الي دعاءه إذا كان حاضرا‪ .‬فإنم ف القيقة إنا توجهوا إل‬
‫ال بطلب دعاء من يدعوه ويتضرع إليه‪ ،‬وهم يدعون ربم‪ ،‬فمن تعدى الشروع إل ما ل يشرع ضل‬
‫وأ ضل‪ .‬ولو كان دعاء ال يت خيا لكان ال صحابة إل يه أ سبق وعل يه أحرص‪ ،‬وب م أل يق‪ ،‬وب قه أعلم‬
‫وأقوم‪ .‬فمن تسك بكتاب ال نا‪ ،‬ومن تركه واعتمد على عقله هلك‪ .‬وبال التوفيق‪.‬‬

‫باب‬
‫ما جاء ف حاية النب حى التوحيد‬

‫قوله‪( :‬باب‪ :‬ما جاء ف حاية النب صلى ال عليه وسلم حى التوحيد‪ ،‬وسد طرق الشرك) ‪:‬‬

‫حايته صلى ال عليه وسلم حى التوحيد عما يشوبه من القوال والعمال الت يضمحل معها التوحيد‬
‫أو ين قص وكذا كث ي ف ال سنة الثاب تة ع نه صلى ال عل يه و سلم كقوله‪ " :‬ل تطرو ن ك ما أطرت‬
‫الن صارى ا بن مر ي إن ا أ نا ع بد فقولوا‪ :‬ع بد ال ور سوله " وتقدم‪ .‬وقوله‪ " :‬إ نه ل ي ستغاث ب وإن ا‬
‫ي ستغاث بال عز و جل " ون و ذلك‪ .‬ون ى عن التمادح وشدد القول ف يه‪ ،‬كقوله ل ن مدح إن سانا‪:‬‬
‫ويلك قطعت ع نق صاحبك‪ ...‬الد يث أخر جه أ بو داود عن ع بد الرح ن بن أ ب بكرة عن أب يه‪ :‬أن‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪310‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫رجلً أثن على رجل عند النب صلى ال عليه وسلم فقال له‪" :‬قطعت عنق صاحبك‪ ...‬ثلثا " وقال‪:‬‬
‫"إذا لقي تم الداح ي فاحثوا ف وجوه هم التراب " أخر جه م سلم والترمذي وا بن ما جه عن القداد بن‬
‫السود‪.‬‬

‫و ف هذا الد يث‪ :‬ن ى عن أن يقولوا‪ :‬أ نت سيدنا وقال‪ :‬ال سيد ال تبارك وتعال ونا هم أن يقولوا‪:‬‬
‫ل وأعظمنا طولً وقال‪ :‬ل يستجرينكم الشيطان ‪.‬‬ ‫وأفضلنا فض ً‬

‫وكذلك قوله ف حديث أنس‪ " :‬أن ناسا قالوا‪ :‬يا رسول ال يا خينا وابن خينا "‪ ...‬إل‪ .‬كره صلى‬
‫ال عليه وسلم أن يواجهوه بالدح فيفضي بم إل الغلو‪ .‬وأخب صلى ال عليه وسلم أن مواجهة الادح‬
‫للمدوح بدحه ولو با هو فيه من عمل الشيطان لا تفضي مبة الدح إليه من تعاظم المدوح ف نفسه‬
‫وذلك ينا ف كمال التوح يد فإن العبادة ل تقوم إل بق طب رحا ها الذي ل تدور إل عل يه‪ ،‬وذلك غا ية‬
‫الذل ف غا ية الح بة‪ ،‬وكمال الذل يقت ضي الضوع والش ية وال ستكانة ل تعال‪ ،‬وأن ل يرى نف سه‬
‫إل ف مقام الذم لا والعاتبة لا ف حق ربه‪ ،‬وكذلك الب ل تصل غايته إل إذا كا يب ما يبه ال‪،‬‬
‫ويكره ما يكرهه ال من القوال والعمال والرادات‪ ،‬ومبة الدح من العبد لنفسه تالف ما يبه ال‬
‫منه والادح يغره من نفسه فيكون آثا‪ ،‬فمقام العبودية يقتضي كراهة الدح رأسا‪ ،‬والنهي عنه صيانة‬
‫لذا القام‪ ،‬فمت أخلص العبد الذل ل والحبة له خلصت أعماله وصحت ومت أدخل عليها ما يشوبا‬
‫من هذه الشوائب د خل على مقام العبود ية بالن قص أو الف ساد‪ ،‬وإذا أداه الدح إل التعا ظم ف نف سه‬
‫والعجاب ب ا و قع ف أمر عظ يم يناف العبود ية الا صة كما ف الديث‪ " :‬ال كبياء درائي والعظمة‬
‫إزاري فمن نازعن شيئا منهما عذبته "‪ :‬وف الديث‪ " :‬ل يدخل النة من كان ف قلبه مثقال ذرة من‬
‫كب"‪ :‬وهذه الفات قد تكون مبة الدح سببا لا وسلما إليها‪ ،‬والعجب يأكل السنات كما تأكل‬
‫النار ال طب‪ ،‬وأ ما الادح ف قد يف ضي به الدح إل أن ينل المدوح منلة ل ي ستحقها‪ ،‬ك ما يو جد‬
‫كثيا ف أشعارهم من الغلو الذي نى عنه الرسول صلى ال عليه وسلم وحذر أمته أن يقع منهم‪ ،‬فقد‬
‫وقع الكثي منه حت صرحوا فيه بالشرك ف الربوبية واللية واللك‪ ،‬كما تقدمت الشارة إل شئ من‬
‫ذلك‪ .‬والنب صلى ال عليه وسلم لا أكمل ال له مقام العبودية صار يكره أن يدح‪ ،‬صيانة لذا القام‪،‬‬
‫وأرشد المة إل ترك ذلك نصحا لم‪ ،‬وحاية لقام التوحيد عن أن يدخله ما يفسده‪ ،‬أو يضعفه من‬
‫الشرك ووسائله‪ " :‬فبدل الذين ظلموا قولً غي الذي قيل لم " ورأو أن فعل ما ناهم صلى ال عليه‬
‫وسلم عن فعله قربة من أفضل القربات وحسنه من أعظم السنات !‬

‫وأما تسمية العبد بالسيد فاختلف العلماء ف ذلك‪.‬‬

‫قال العل مة ا بن الق يم ف بدائع الفوائد‪ :‬اختلف الناس ف جواز إطلق ال سيد على الب شر‪ .‬فمن عه قوم‪،‬‬
‫ونقل عن مالك‪ ،‬واحتجوا بقول النب صلى ال عليه وسلم لا قيل له‪ :‬يا سيدنا قال‪ :‬السيد ال تبارك‬
‫وتعال وجوزه قوم‪ ،‬واحتجوا بقول النب صلى ال عليه وسلم للنصار‪ :‬قوموا إل سيدكم وهذا أصح‬
‫من الد يث الول‪ .‬قال هؤلء‪ :‬ال سيد أ حد ما يضاف إل يه‪ ،‬فل يقال للتمي مي سيد كندة‪ ،‬ول يقال‬
‫اللك سيد البشر‪ .‬قال‪ :‬وعلى هذا فل يوز أن يطلق على ال هذا السم‪ ،‬وف هذا نظر‪ ،‬فإن السيد إذا‬
‫أطلق عليه تعال فهو ف منلة الالك‪ ،‬والول والرب‪ .‬ل بعن الذي يطلق على الخلوق‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪311‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قلت‪ :‬فقد صح عن ابن عباس رضي ال عنهما أنه قال ف معن قول ال تعال‪ " :‬قل أغي ال أبغي ربا‬
‫" أي إلا وسيدا وقال ف قول ال تعال‪ " :‬ال الصمد " أنه السيد الذي كمل ف جيع أنواع السؤدد‪:‬‬
‫وقال أ بو وائل‪ :‬هو ال سيد الذي انت هى سؤدده ‪ .‬وأ ما ا ستدللم بقول ال نب صلى ال عل يه و سلم‬
‫للنصار قوموا إل سيدكم فالظا هر أن النب صلى ال عل يه وسلم ل يوا جه سعدا به‪ ،‬فيكون ف هذا‬
‫القام تفضيل وال أعلم‪.‬‬

‫باب‬
‫ما جاء ف قول ال تعال‪ " :‬وما قدروا ال حق قدره "‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪312‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قوله‪( :‬باب قول ال تعال‪ " :‬وما قدروا ال حق قدره والرض جيعا قبضته يوم القيامة والسماوات‬
‫مطويات بيمينسه سسبحانه وتعال عمسا يشركون " أي مسن الحاديسث والثار فس معنس هذه اليسة‬
‫الكرية) ‪:‬‬

‫قال العماد ابن كثي رحه ال تعال‪ :‬يقول تعال‪ :‬ما قدر الشركون ال حق قدره حت عبدوا معه غيه‪،‬‬
‫وهو العظيم الذي ل أعظم منه‪ ،‬القادر على كل شئ الالك لكل شئ‪ ،‬وكل شئ تت قهره وقدرته‪.‬‬
‫قال ماهد‪ :‬نزلت ف قريش‪ .‬وقال السدى‪ :‬ما عظموه حق عظمته‪ .‬وقال ممد بن كعب‪ :‬لو قدروه‬
‫حق قدره ما كذبوه‪ .‬وقال علي بن أ ب طل حة عن ا بن عباس‪ :‬هم الكفار الذ ين ل يؤمنوا بقدرة ال‬
‫عليهم فمن آمن أن ال على كل شئ قدير‪ ،‬فقد قدر ال حق قدره‪ ،‬ومن ل يؤمن بذلك فلم يقدر ال‬
‫حق قدره‪.‬‬

‫وقد وردت أحاد يث كثية متعلقة بذه ال ية‪ ،‬الطر يق فيها وف أمثال ا مذ هب ال سلف‪ ،‬و هو إمرار ها‬
‫كما جاءت من غي تكييف ول تريف وذكر حديث ابن مسعود كما ذكره الصنف رحه ال ف هذا‬
‫الباب قال‪ :‬ورواه البخاري ف غ ي مو ضع من صحيحه‪ .‬والمام أح د وم سلم والترمذي والن سائي‬
‫كلهم من حديث سليمان بن مهران وهو العمش عن إبراهيم عن عبيدة عن ابن مسعود بنحوه‪.‬‬

‫قال المام أحد‪ :‬حدثنا معاوية حدثنا العمش‪ ،‬عن إبراهيم عن علقمة عن عبد ال قال‪ " :‬جاء رجل‬
‫من أ هل الكتاب إل النب صلى ال عل يه وسلم فقال‪ :‬يا أبا القاسم أبلغك أن ال تعال يعل اللئق‬
‫على إ صبع وال سموات على إ صبع‪ ،‬والرض ي على إ صبع‪ ،‬والش جر على إ صبع‪ ،‬والثرى على إ صبع‬
‫وسائر اللق على إصبع‪ .‬فيقول‪ :‬أنا اللك‪ .‬فضحك رسول ال صلى ال عليه وسلم حت بدت نواجذه‬
‫تصديقا لقول الب‪ .‬قال‪ :‬وأنزل ال‪ " :‬وما قدروا ال حق قدره " "الية‪ .‬وهكذا رواه البخاري ومسلم‬
‫والنسائي من طرق عن العمش به‪.‬‬

‫وقال المام أحد‪ :‬حدثنا السي بن حسن الشقر‪ ،‬حدثنا أبو كدينة عن عطاء‪.‬‬

‫عن أب الضحى عن ابن عباس قال‪ " :‬مر يهودي برسول ال صلى ال عليه وسلم وهو جالس‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ك يف تقول يا أ با القا سم يوم ي عل ال ال سموات على ذه وأشار بال سبابة والرض على ذه‪ ،‬والبال‬
‫على ذه وسهائر اللق على ذه ؟ كهل ذلك يشيه بأ صابعه‪ ،‬فأنزل ال‪ " :‬ومها قدروا ال حهق قدره " "‬
‫وكذا رواه الترمذي ف التفسي بسنده عن أب الضحى مسلم بن صبيح به‪ .‬وقال‪ :‬حسن صحيح غريب‬
‫ل نعرفه إل من هذا الوجه‪ .‬ث قال البخاري‪ :‬حدثنا سعيد بن عفي حدثنا الليث حدثن عبد الرحن بن‬
‫خالد بن مسافر عن ابن شهاب عن أب سلمة بن عبد الرحن أن أبا هريرة رضي ال عنه قال‪ :‬سعت‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪ " :‬يقبض ال الرض ويطوي السماء بيمينه‪ ،‬فيقول‪ :‬أنا اللك أين‬
‫ملوك الرض ؟ " تفرد به من هذا الوجه‪ ،‬ورواه مسلم من وجه آخر‪.‬‬

‫وقال البخاري ف موضع آخر‪ :‬حدثنا مقدم بن ممد حدثنا عمى القاسم بن يي عن عبيد ال عن نافع‬
‫عن ابن عمر رضي ال عنهما قال‪ :‬إن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪ " :‬إن ال تعال يقبض يوم‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪313‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫القيامة الرضي على إصبع وتكون السماء بيمينه ث يقول‪ :‬أنا اللك " تفرد به أيضا من هذا الوجه‪.‬‬
‫ورواه مسلم من وجه آخر‪.‬‬

‫و قد رواه المام أحد من طر يق آ خر بل فظ أبسط من هذا ال سياق وأطول فقال‪ :‬حدث نا عفان حدث نا‬
‫حاد بن سلمة‪ ،‬أنبأنا إسحاق بن عبد ال بن أب طلحة عن عبيد ال ابن مقسم عن ابن عمر أن رسول‬
‫ال صلى ال عل يه و سلم قرأ هذه ال ية ذات يوم على ال نب " و ما قدروا ال حق قدره والرض جيعا‬
‫قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه‪ ،‬سبحانه وتعال عما يشركون " ورسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم يقول هكذا بيده يركها‪ ،‬يقبل با ويدبر‪ ،‬يجد الرب تعال نفسه‪ :‬أنا البار‪ ،‬أنا التكب‪ ،‬أنا‬
‫اللك‪ ،‬أنا العزيز‪ ،‬أنا الكري‪ ،‬فرجف برسول ال صلى ال عليه وسلم النب حت قلنا‪ :‬ليخرن به ا هه‪.‬‬

‫قوله‪( :‬ولسلم عن ابن عمر‪ ...‬الديث ) ‪:‬‬

‫كذا ف روا ية م سلم‪ .‬قال الميدي و هي أ ت‪ ،‬و هي ع ند م سلم من حد يث سال عن أب يه‪ .‬وأخر جه‬
‫البخاري من حديث عبيد ال عن نافع عن ابن عمر رضي ال عنهما قال‪ " :‬إن ال يقبض يوم القيامة‬
‫الرضي وتكون السماء بيمينه " وأخرجه مسلم من حديث عبيد ال بن مقسم ‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وهذه الحاديث وما ف معناها تدل على عظمة ال وعظيم قدرته وعظم ملوقاته‪ .‬وقد تعرف‬
‫سبحانه وتعال إل عباده ب صفاته وعجائب ملوقا ته‪ ،‬وكلها تعرف وتدل على كماله‪ ،‬وأ نه هو العبود‬
‫ل شريك له ف ربوبيته وإليته وتدل على إثبات الصفات له على ما يليق بلل ال وعظمته‪ ،‬إثباتا بل‬
‫تثيل‪ ،‬وتنيها بل تعطيل‪ ،‬وهذا هو الذي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وعليه سلف المة وأئمتها‬
‫ومن تبعهم بإحسان‪ ،‬واقتفى أثرهم على السلم واليان‪.‬‬

‫وتأمل ما ف هذه الحاديث الصحيحة من تعظيم النب صلى ال عليه وسلم ربه بذكر صفات كماله‬
‫على ما يليق بعظمته وجلله وتصديقه اليهود فيما أخبوا به عن ال من الصفات الت تدل على عظمته‬
‫وتأمل ما فيها من إثبات علو ال تعال على عرشه‪ ،‬ول يقل النب صلى ال عليه وسلم ف شئ منها‪ .‬إن‬
‫ظاهرها غي مراد‪ ،‬وأنا تدل على تشبيه صفات ال بصفات خلقه‪ ،‬فلو كان هذا حقا بلغه أمينه أمته‪،‬‬
‫فإن ال أكمل به الدين وأت به النعمة فبلغ البلغ البي‪ .‬صلوات ال وسلمه عليه وعلى آله وصحبه‬
‫ومن تبعهم إل يوم الدين‪ .‬وتلقى الصحابة رضي ال عنهم عن نبيهم صلى ال عليه وسلم ما وصف به‬
‫ر به من صفات كماله ونعوت جلله‪ ،‬فآمنوا به وآمنوا بكتاب ال و ما تضم نه من صفات رب م جل‬
‫وعل‪ ،‬كما قال تعال‪ " :‬والراسخون ف العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا " وكذلك التابعون لم‬
‫بإح سان وتابعو هم‪ ،‬والئ مة من الحدث ي والفقهاء كل هم و صف ال ب ا و صف به نف سه وو صفه به‬
‫ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ول يحدوا شيئا من ال صفات‪ ،‬ول قال أ حد منهم‪ :‬إن ظاهر ها غ ي‬
‫مراد ول أ نه يلزم من إثبات ا الت شبيه‪ ،‬بل أنكروا على من قال ذلك غا ية النكار‪ ،‬ف صنفوا ف رد هذه‬
‫الشبهات الصنفات الكبار العروفة الوجودة بأيدي أهل السنة والماعة‪.‬‬

‫قال شيخ السلم أحد بن تيمية رحه ال تعال‪ :‬وهذا كتاب ال من أوله إل آخره وسنة رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وكلم الصحابة والتابعي‪ ،‬وكلم سائر الئمة ملوءة كلها با هو نص أو ظاهر‬
‫أن ال تعال فوق كل شئ‪ ،‬وأنه فوق العرش فوق السموات مستو على عرشه‪ ،‬مثل قوله تعال‪ " :‬إليه‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪314‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫يصعد الكلم الطيب والعمل الصال يرفعه " وقوله تعال‪ " :‬يا عيسى إن متوفيك ورافعك إل " وقوله‬
‫تعال‪ " :‬بل رفعه ال إليه " وقوله تعال‪ " : :‬ذي العارج * تعرج اللئكة والروح إليه " وقوله تعال‪" :‬‬
‫يدبر المر من السماء إل الرض ث يعرج إليه " وقوله تعال‪ " :‬يافون ربم من فوقهم " وقوله تعال‪:‬‬
‫" هو الذي خلق لكم ما ف الرض جيعا ث استوى إل السماء فسواهن سبع ساوات " وقوله تعال‪" :‬‬
‫إن رب كم ال الذي خلق ال سماوات والرض ف ستة أيام ث ا ستوى على العرش يغ شي الل يل النهار‬
‫يطل به حثي ثا والش مس والق مر والنجوم م سخرات بأمره أل له اللق وال مر تبارك ال رب العال ي "‬
‫وقوله‪ " :‬إن ربكم ال الذي خلق السماوات والرض ف ستة أيام ث استوى على العرش يدبر المر ما‬
‫من شف يع إل من ب عد إذ نه "‪ ...‬ال ية فذ كر التوحيد ين ف هذه ال ية‪ .‬قوله تعال‪ " :‬ال الذي ر فع‬
‫السهماوات بغيه عمهد تروناه ثه اسهتوى على العرش " وقوله تعال‪ " ، :‬تنيل منه خلق الرض‬
‫والسماوات العلى * الرحن على العرش استوى " وقوله‪ " ، :‬وتوكل على الي الذي ل يوت وسبح‬
‫بمده وك فى به بذنوب عباده خبيا * الذي خلق السهماوات والرض و ما بينه ما ف ستة أيام ث‬
‫استوى على العرش الرحن فاسأل به خبيا " وقوله تعال‪ " ، :‬ال الذي خلق السماوات والرض وما‬
‫بينه ما ف ستة أيام ث ا ستوى على العرش ما ل كم من دو نه من ول ول شف يع أفل تتذكرون * يدبر‬
‫المر من السماء إل الرض ث يعرج إليه ف يوم كان مقداره ألف سنة ما تعدون " وقوله‪ " :‬هو الذي‬
‫خلق السماوات والرض ف ستة أيام ث استوى على العرش يعلم ما يلج ف الرض وما يرج منها وما‬
‫ينل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أ ين ما كن تم وال با تعملون بصي " فذكر عموم عل مه‬
‫وعموم قدر ته وعموم إحاط ته وعموم رؤي ته‪ .‬وقوله تعال‪ " ، :‬أأمن تم من ف ال سماء أن ي سف ب كم‬
‫الرض فإذا هي تور * أم أمنتم من ف السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير " وقوله‬
‫تعال‪ " :‬تنيل من حكيم حيد " وقوله‪ " :‬تنيل الكتاب من ال العزيز الكيم " وقوله تعال‪ " ، :‬وقال‬
‫فرعون يا هامان ا بن ل صرحا لعلي أبلغ ال سباب * أ سباب ال سماوات فأطلع إل إله مو سى وإ ن‬
‫لظنه كاذبا "‪ .‬انتهى كلمه رحه ال‪.‬‬

‫وقوله تعال‪ " :‬تنيل من حكيم حيد " وقوله‪ " :‬تنيل الكتاب من ال العزيز الكيم " وقوله تعال‪، :‬‬
‫" وقال فرعون يا هامان ا بن ل صرحا لعلي أبلغ ال سباب * أ سباب ال سماوات فأطلع إل إله مو سى‬
‫وإن لظنه كاذبا "‪ .‬انتهى كلمه رحه ال‪.‬‬

‫قلت‪ :‬و قد ذ كر الئ مة رح هم ال تعال في ما صنفوه ف الرد على نقاة ال صفات من الهم ية والعتزلة‬
‫والشاعرة ونو هم أقوال ال صحابة والتابعي‪ .‬ف من ذلك ما رواه الافظ الذ هب ف كتاب العلو وغيه‬
‫بالسانيد الصحيحة عن أم سلمة زوج النب صلى ال عل يه وسلم أن ا قالت ف قوله تعال‪ " :‬الرح ن‬
‫على العرش استوى " قالت‪ :‬الستواء غي مهول‪ ،‬والكيف غي معقول‪ ،‬والقرار به إيان‪ ،‬والحود به‬
‫كفر رواه ا بن النذر والللكائي وغيه ا بأ سانيد صحاح‪ .‬قال‪ :‬وثبت عن سفيان بن عيي نة رح ه ال‬
‫تعال أنه قال‪ :‬لا سئل ربيعة بن أب عبد الرحن‪ :‬كيف الستواء‪ ،‬قال‪ :‬الستواء غي مهول‪ ،‬والكيف‬
‫غي معقول‪ ،‬ومن ال الرسالة‪ ،‬وعلى الرسول البلغ‪ ،‬وعلينا التصديق‪ .‬وقال ابن وهب‪ :‬كنا عند مالك‬
‫فدخل رجل فقال‪ :‬يا أبا عبد ال " الرحن على العرش استوى " كيف استوى ؟ فأطرق مالك رحه‬
‫ال وأخذته الرحضاء وقال‪ :‬الرحن على العرش استوى‪ ،‬كما وصف نفسه ول يقال كيف ؟ و كيف‬
‫عنه مرفوع‪ ،‬وأنت صاحب بدعة‪ .‬أخرجوه رواه البيهقي بإسناد صحيح عن ابن وهب‪ ،‬ورواه عن يي‬
‫بن يي أيضا‪ ،‬ولفظه قال‪ :‬الستواء غي مهول‪ ،‬والكيف غي معقول‪،‬واليان به واجب‪ ،‬والسؤال عنه‬
‫بدعة‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪315‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫قال الذهب‪ :‬فانظر إليهم كيف أثبتوا الستواء ل‪ ،‬وأخبوا أنه معلوم ل يتاج لفظه إل تفسي‪ ،‬ونفوا‬
‫عنه الكيفية‪ ،‬قال البخاري ف صحيحه‪ :‬قال ماهد استوى عل على العرش‪ .‬وقال إسحاق بن راهويه‬
‫سعت غي واحد من الفسرين يقول‪ " :‬الرحن على العرش استوى " أي ارتفع‪ .‬وقال ممد ابن جرير‬
‫الطبي ف قوله تعال‪ " :‬الرحن على العرش استوى " أي عل وارتفع‪.‬‬

‫وشواهده ف أقوال الصحابة والتابعي وأتباعهم‪ ،‬فمن ذلك قول عبد ال بن رواحة رضي ال عنه‪:‬‬

‫وأن النار مثوى الكافرينا‬ ‫شهدت بأن وعد ال حق‬


‫وفوق العرش رب العالينا‬ ‫وأن العرش فوق الاء طاف‬
‫ملئكة الله مسومينا‬ ‫وتمله ملئكة شداد‬

‫وروى الدارمى والاكم والبيهقي بأصح إسناد إل علي بن السي بن شقيق‪ ،‬قال‪ :‬سعت عبد ال بن‬
‫البارك يقول‪ :‬نعرف ربنا بأنه فوق سبع ساواته على العرش استوى‪ ،‬بائن ف خلقه‪ ،‬ول نقول كما قال‬
‫الهمية قال الدارمي‪ :‬حدثنا السن بن الصباح البزار حدثنا علي بن السي بن شقيق عن ابن البارك‪:‬‬
‫قيل له‪ :‬كيف نعرف ربنا ؟ قال‪ :‬بأنه فوق السماء السابعة على العرش بائن من خلفه ‪.‬‬

‫وقد تقدم قول الوزاعي‪ :‬كنا والتابعون متوافرون نقول‪ :‬إن ال تعال ذكره بائن من خلقه‪ ،‬ونؤمن با‬
‫وردت به السنة‪.‬‬

‫وقال أ بو عمر الطلمن كي ف كتاب ال صول ‪ :‬أج ع ال سلون من أ هل ال سنة على أن ال استوى على‬
‫عر شه بذا ته‪ .‬وقال ف هذا الكتاب أيضا‪ :‬أج ع أ هل ال سنة على أن ال تعال ا ستوى على عر شه على‬
‫القيقة ل على الجاز‪ ،‬ث ساق بسنده عن مالك قوله‪ :‬ال ف السماء وعلمه ف كل مكان‪ :‬ث قال ف‬
‫هذا الكتاب‪ :‬أجع السلمون من أهل السنة أن معن قوله‪ " :‬وهو معكم أين ما كنتم " ونو ذلك من‬
‫القرآن‪ :‬أن ذلك عل مه‪ ،‬وأن ال فوق ال سماوات بذا ته م ستو على عر شه ك يف شاء‪ .‬وهذا لف ظه ف‬
‫كتابه‪.‬‬

‫وهذا كث ي ف كلم ال صحابة والتابع ي والئ مة‪ ،‬أثبتوا ما أثب ته ال ف كتا به على ل سان ر سوله على‬
‫القيقة على ما يليق بلل ال وعظمته‪ ،‬ونفوا عنه مشابة الخلوقي‪ ،‬ول يثلوا ول يكيفوا‪ ،‬كما ذكرنا‬
‫ذلك عنهم ف هذا الباب‪.‬‬

‫وقال الا فظ الذ هب‪ :‬وأول و قت سعت مقالة من أن كر أن ال فوق عر شه‪ :‬هو ال عد بن در هم‪.‬‬
‫وكذلك أنكر جيع الصفات‪ .‬وقتله خالد بن عبد ال القسري وقصته مشهورة‪ ،‬فأخذ هذه القالة عنه‬
‫ال هم بن صفوان إمام الهم ية‪ ،‬فأظهر ها واح تج ل ا بالشبهات‪ ،‬وكان ذلك ف آ خر ع صر التابع ي‬
‫فأنكر مقالته أئمة ذلك العصر مثل الوزاعي وأب حنيفة‪ ،‬ومالك والليث بن سعد والثوري‪ ،‬وحاد بن‬
‫ز يد‪ ،‬وحاد بن سلمة وا بن البارك و من بعد هم من أئ مة الدى‪ .‬فقال الوزا عي إمام أ هل الشام على‬
‫رأس المسي ومائة عند ظهور هذه القالة‪ :‬ما أخبنا عبد الواسع البري بسنده إل أب بكر البيهقي‪:‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪316‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫أنبأنا أبو عبد ال الافظ‪ ،‬أخبن ممد بن علي الوهري ببغداد حدثنا إبراهيم بن اليثم حدثنا ممد‬
‫بن كثي الصيصي سعت الوزاعي يقول‪ :‬كنا والتابعون متوافرون نقول‪ :‬إن ال فوق عرشه‪ .‬ونؤمن با‬
‫وردت به السنة من صفاته‪ .‬أخرجه البيهقي ف الصفات ورواته أئمة ثقات‪.‬‬

‫وقال المام الشاف عي رح ه ال تعال‪ :‬ل أ ساء و صفات ل ي سع أحدا رد ها و من خالف ب عد ثبوت‬
‫الجة عليه كفر‪ ،‬وأما قبل قيام الجة فإنه يعذر بالهل‪ ،‬ونثبت هذه الصفات وننفي عنه التشبيه‪ ،‬كما‬
‫نفى عن نفسه فقال‪ " :‬ليس كمثله شيء وهو السميع البصي " ا ه من فتح الباري‪.‬‬

‫قوله‪( :‬عن العباس بن عبد الطلب ساقه الصنف رحه ال متصرا‪ ،‬والذي ف سنن أب داود‪ :‬عن‬
‫العباس بن ع بد الطلب قال‪ :‬ك نت ف البطحاء ف ع صابة في هم ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪،‬‬
‫فمرت ب م سحابة فن ظر إلي ها فقال‪ ":‬ما ت سمون هذه؟ قالوا‪ :‬ال سحاب قال‪ :‬والزن قالوا‪ :‬والزن‪.‬‬
‫قال‪ :‬والعنان قالوا‪ :‬والعنان قال أبسو داود‪ :‬ل أتقسن العنان جيدا قال‪ :‬هسل تدرون مسا بعسد مسا بيس‬
‫السماوات والرض ؟ قالوا‪ :‬ل ندري قال‪ :‬إن بعد ما بينهما إما واحدة أو اثنتان أو ثلث وسبعون‬
‫سنة‪ ،‬ث السماء الت فوقها كذلك‪ ،‬حت عد سبع ساوات‪ ،‬ث فوق السابعة بر بي أسلفه وأعله‬
‫م ثل ما ب ي ساء إل ساء‪ ،‬ث فوق ذلك ثان ية أوعال‪ ،‬ب ي أظلف هم وركب هم م ثل ما ب ي ساء إل‬
‫ساء‪ ،‬ث على ظهور هم العرش ب ي أ سلفه وأعله ك ما ب ي ساء إل ساء‪ ،‬ث ال تعال فوق ذلك "‬
‫وأخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي‪ :‬حسن غريب) ‪:‬‬

‫وقال الافظ الذهب‪ :‬رواه أبو داود بإسناد حسن وروى الترمذي نوه من حديث أب هريرة وفيه‪ :‬ما‬
‫بي ساء إل ساء خسمائة عام ول منافاة بينهما‪ .‬لن تقدير ذلك بمسمائة عام هو على سي القافلة‬
‫مثلً‪ ،‬ونيف وسبعون سنة على سي البيد‪ ،‬لنه يصح أن يقال‪ :‬بيننا وبي مصر عشرون يوما باعتبار‬
‫سي العادة‪ ،‬وثلثة أيام باعتبار سي البيد‪ .‬وروى شريك بعض هذا الديث عن ساك فوقفه‪ .‬هذا آخر‬
‫كلمه‪.‬‬

‫قلت‪ :‬ف يه الت صريح بأن ال فوق عر شه ك ما تقدم ف اليات الحكمات‪ ،‬والحاد يث ال صحيحة و ف‬
‫كلم السلف من الصحابة والتابعي وتابعيهم‪ ،‬وهذا الديث له شوا هد ف الصحيحي وغيها‪ ،‬ول‬
‫عبة بقول من ضعفه لكثرة شواهده الت يستحيل دفعها وصرفها عن ظواهرها‪.‬‬

‫وهذا الديث كأمثاله يدل على عظمة ال وكماله وعظم ملوقاته‪ ،‬وأنه التصف بصفات الكمال الت‬
‫و صف ب ا نفسه ف كتابه وو صفه با رسول ال صلى ال عل يه وسلم‪ ،‬وعلى كمال قدر ته وأ نه هو‬
‫العبود وحده ل شريك له دون كل ما سواه‪.‬‬

‫وبال التوفيق‬
‫ول حول ول قوة إل بال العلي العظيم‬
‫وحسبنا ال ونعم الوكيل‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫‪317‬‬ ‫فتح الجيد شرح كتاب التوحيد‬

‫وصلى ال على سيدنا ممد وعلى آله وصحبه أجعي‬


‫ت كتاب ( فتح الجيد ) بعون ال الميد‬

‫ت تنسزيل هذه الادة من‬


‫منب التوحيد والهاد‬
‫‪http://www.tawhed.ws‬‬
‫‪http://www.almaqdese.com‬‬
‫‪http://www.alsunnah.info‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬

You might also like