You are on page 1of 6

‫كلم ال تعالى ليس حرفا ول صوتا‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬

‫كلم ال تعالى ليس حرفا ول صوتا‬

‫من حيث أصل اللغة كلمة "قرءان" مصدر من قرأ يقرأ‪ ،‬ومعناه‪ :‬الكلم القائم‬
‫بالمتكلم‪ .‬فالقرءان بحسب أصل اللغة ينصرف إلى كلم ال الذاتي‪ .‬لذلك قال‬
‫البخاري رحمه ال‪" :‬القرءان قول ال تعالى والقول صفة القائل والقائل‬
‫موصوف به" اهـ وقال الفيومي في المصباح‪" :‬وإذا أطلق انصرف شرعًا‬
‫إلى المعنى القائم بالنفس ولغ ًة إلى الحروف المقطعة لنها هي التي تقرأ نحو‬
‫كتبت القرآن ومسسته" اهـ‪ .‬فعلم من ذلك أن القرءان عند الطلق ينصرف‬
‫إلى صفة ال تعالى‪ ،‬وصفات ال تعالى كلها ل توصف بأنها مخلوقة‪ ،‬لذلك‬
‫لم يرض أحد من علماء أهل السنة أن يقال "القرءان مخلوق"‪ ،‬بل قالوا عند‬
‫الطلق ل يجوز أن يقال القرءان مخلوق‪ ،‬لذلك المام أحمد بن حنبلٍ‬
‫رضي ال عنه ما رضي أن يطلق هذا اللفظ "القرءان مخلوق" لن القرءان‬
‫بحسب أصل اللغة ينصرف إلى كلم ال الذاتي‪ ،‬وحتى ل يتوهم حدوث‬
‫الصفة القائمة بذات ال‪ .‬أما عند التقييد فيجوز‪ ،‬كأن يقال "القرءان بمعنى‬
‫اللفظ المنزل مخلوق" فهذا ل بأس به‪ .‬والحق أن يقال كلم ال له إطلقان‬
‫يطلق على معنى الصفة القائمة بذات ال وهذا ل شك أنه أزلي ليس‬
‫بحرفٍ ول صوتٍ ول لغةٍ‪ ،‬ويطلق على معنى اللفظ المنزل على النبياء‬
‫الذي هو مكتوب في اللوح المحفوظ ومحفوظ في الصدور ومتلو باللسن‬
‫فهذا ل شك أنه حادث مخلوق‪ ،‬ولتقريب هذه العبارة إلى الفهام قال أهل‬
‫الحق إن كتب كاتب على لوحٍ حروف لفظ الجللة (ال) فسأل سائل ما‬
‫هذا؟ يكون الجواب ال فليس معناه أن الذات المقدس حل في اللوح إنما‬
‫المعنى أن هذه الحروف عبارة عن الذات المقدس الذي ليس كمثله شىء‬
‫فالعبارة شىء والمعبر عنه شىء ءاخر‪.‬‬

‫ثم إن ال تبارك وتعالى أخبر في القرءان أنه يخلق الشياء بكلمه تعالى‬
‫الزلي البدي‪ ،‬كل ما خلق ال وما سيخلقه‪ ،‬ما أوجده وما سيوجده‪ ،‬وجوده‬
‫بكلم ال تعالى‪ ،‬هذا معنى " إنما أمره إذا أراد شيئًا إنما يقول له كن فيكون‬
‫" [سورة يس‪ ]82 ،‬معنى الية أن الشىء الذي أراد ال وجوده يخلقه بكلمه‬
‫الزلي المعبر عنه في القرءان بـ " كن " ليس المعنى أنه ينطق بالكاف‬
‫والنون‪ ،‬النطق بالكاف والنون من صفاتنا‪ ،‬ثم القول بأن ال يخلق الشياء‬
‫بالكاف والنون معناه أنه يخلق الشياء بعد النطق بالكاف والنون وهذا‬
‫مستحيل لنه يتضمن إثبات الحدوث ل لنه جعل ال ناطقًا وهذا من صفات‬
‫الخلق‪ ،‬إنما المعنى أنه يخلق الشياء التي أراد وجودها بالكلم الزلي الذي‬
‫ليس حرفًا ول صوتًا‪ ،‬هذا معنى الية " إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له‬
‫كن فيكون " [سورة يس‪ .]82 ،‬وأما ما يقوله بعض الناس (سبحان من أمره‬
‫بين الكاف والنون) فهو كلم فاسد‪ ،‬ل هو قرءان ول حديث ول هو كلم‬
‫أهل العلم وبينهما اختلف‪ ،‬الية ظاهرها –وهو ليس المقصود‪ -‬أنه بعد كن‬
‫يخلق الشىء وأما هذا القول فمعناه يخلق الشىء بين الكاف والنون وهو‬
‫مختلف مع ظاهر الية‪ .‬الية تقرأ كما جاءت ول تفسر على الظاهر أما‬
‫ذلك الكلم الذي ل يعرف مصدره فل يجوز أن يقال‪ ،‬بعض اليات‬
‫القرءانية من يحملها على الظاهر يهلك‪ .‬ال تعالى ليمتحن عباده أي ليبتليهم‬
‫أنزل ءاياتٍ من اعتقد ظاهرها ضل وهلك ول أن يمتحن عباده بما شاء‪،‬‬
‫وقد أخبرنا في القرءان بأن بعض القرءان يضل به بعض الناس ويهدي به‬
‫بعضًا وذلك من قوله تعالى " يضل به كثيرًا ويهدي به كثيرًا "‪ ،‬وكل الفرق‬
‫الضالة المدعية السلم يحتجون ببعض اليات‪ .‬المعتزلة الضالون يأخذون‬
‫بظاهر قوله تعالى " ل تدركه البصار وهو يدرك البصار " وأهل السنة‬
‫يخالفونهم في تفسيرها‪ ،‬ولهذه العبارة قول أهل السنة إن المؤمنين يرون ال‬
‫في الجنة بل كيفٍ سموا أهل السنة بالحمير المؤكفة‪ .‬والية معناها ل تصل‬
‫ب لقوله تعالى " وأن إلى‬
‫إليه تصورات العباد وهو موافق لتفسير أبي بن كع ٍ‬
‫ربك المنتهى " [سورة النجم‪ ]42 ،‬قال "إليه ينتهي فكر من تفكر فل تصل إليه‬
‫أفكار العباد" اهـ‪ .‬لنه ليس شيئًا يتصور وليس معناها أن ال ل يرى في‬
‫الخرة بل يرى‪ ،‬يراه المؤمنون في الخرة بل كيفٍ ول مكانٍ‪ ،‬ل يرى كما‬
‫يرى المخلوق‪ ،‬المخلوق يرى في جهةٍ ومكانٍ وله شكل وهيئة وصورة‪ ،‬قال‬
‫أبو سليمان الخطابي "إن الذي يجب علينا وعلى كل مكلفٍ أن يعلمه أن ربنا‬
‫ليس بذي هيئةٍ ول صورةٍ لن الصورة تقتضي الكيفية وهي عن ال وعن‬
‫صفاته منفية" اهـ‪.‬‬

‫من أقوى الدلة لهل السنة والجماعة أهل الحق الفرقة الناجية على أن كلم‬
‫ال الذي هو صفة ذاته ليس حرفًا ول صوتًا ول لغ ًة ليس ككلم العالمين أن‬
‫ال تعالى هو الذي يحاسب عباده في الخرة وذلك بأن يزيل عن أسماعهم‬
‫الحجاب المعنوي المانع من سماع كلمه الموجود أزلً وأبدًا ويسمع كل‬
‫النس والجن كلم ال فيفهمون منه السؤال عن أعمالهم ونياتهم وأقوالهم لم‬
‫فعلت كذا لم قلت كذا ألم أعطك كذا ويفرغ ال من حساب العباد في وقتٍ‬
‫قصيرٍ جدًا قال ال تعالى عن نفسه "سريع الحساب" [سورة الرعد‪]41 ،‬‬
‫وقال "ثم ردوا إلى ال مولهم الحق أل له الحكم وهو أسرع‬
‫الحاسبين"[سورة التوبة‪ ]62 ،‬معناه ال أسرع من كل حاسبٍ‪ ،‬فلو كان كلم‬
‫ال حرفًا وصوتًا ولغةً لخذ الحساب وقتًا طويلً جدًا ولكان ال أبطأ‬
‫الحاسبين ولم يكن أسرع الحاسبين كما قال وذلك مستحيل لن كلم ال‬
‫حق‪ ،‬فانظر يا طالب الحق لو كان حساب إبليس الذي خلق قبل ءادم‬
‫وسيعيش إلى يوم النفخ في الصور بكلمٍ هو حرف وصوت ولغة كم يأكل‬
‫ذلك من الوقت وقد ورد في صحيح البخاري "أن يأجوج ومأجوج ‪-‬وهم‬
‫كفار من بني ءادم‪ -‬البشر بالنسبة إليهم كواح ٍد إلى ألفٍ" وأنه يوجد خلفهم‬
‫ثلث أمم منسك وتاويل وتاريس كل هؤلء لو كان حسابهم بالسؤال بكلمٍ‬
‫هو لغة وحروف وأصوات لكل الحساب زمانًا طويلً جدًا ولكان ذلك ضد‬
‫قول ال تعالى "أسرع الحاسبين" الذي معناه أنا أسرع من كل حاسبٍ‪.‬‬
‫والدليل على أن كل العباد من إنسٍ وجنٍ يسمعون كلم ال في الخرة‬
‫للحساب ما جاء في صحيح البخاري أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‬
‫"ما منكم من أح ٍد إل سيكلمه ربه يوم القيامة ليس بينه وبينه ترجمان ول‬
‫حاجب" أما ما ورد عن رسول ال صلى ال عليه وسلم "ثلثة ل يكلمهم ال‬
‫يوم القيامة ول ينظر إليهم ول يزكيهم ولهم عذاب أليم" فليس فيه معارضة‬
‫لذلك الحديث الصحيح حديث البخاري لن معنى "ل يكلمهم" هنا ل يسمعون‬
‫كلمه فيفرحون ل أنهم ل يسمعون كلم ال فإن المؤمن التقي في الخرة إذا‬
‫سمع كلم ال يفرح والكافر يغتم ويحزن ومعنى قوله صلى ال عليه وسلم‬
‫"ول ينظر إليهم" أي ل يكرمهم‪ ،‬فال تعالى له صفة البصر بصره واحد‬
‫أزلي أبدي ليس بآلةٍ وليس كبصر غيره يرى ببصره كل ما يرى‪.‬‬

‫أما قول ال تعالى "ل تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرءانه فإذا‬
‫قرأناه فاتبع قرءانه" [سورة القيامة‪ ]16 ،‬فمعناه يا محمد ل تقرإ القرءان أثناء‬
‫تلوة جبريل عليك خشية أن ينفلت منك نحن ضمنا لك أن ل ينفلت منك فإذا‬
‫جمعناه لك في صدرك "فاتبع قرءانه" أي فاعمل به‪ ،‬وفسر بعضهم قوله‬
‫تعالى "فإذا قرأناه فاتبع قرءانه" أي فإذا قرأه جبريل عليك بأمرنا فاتبع‬
‫قراءته‪ ،‬كما في قول ال تعالى "فنفخنا فيه من روحنا" [سورة النبياء‪]91 ،‬‬
‫أي أمرنا الملك جبريل فنفخ في فم مريم روح عيسى بأمرٍ من ال‪.‬‬

‫وأما قوله تعالى "إنه لقول رسولٍ كريم" [سورة التكوير‪ ]19 ،‬ففيه دليل على‬
‫أن هذا القرءان المنزل هو مقروء جبريل لن ال ل يسمى رسولً كريمًا‬
‫والدليل على أن المقصود به جبريل قوله تعالى بعد هذه الية "ذي قوةٍ عنذ‬
‫ذي العرش مكين" [سورة التكوير‪ ]20 ،‬أي جبريل قوي وله درجة عالية عند‬
‫خالق العرش أي ال "مطاعٍ ثم أمين" [سورة التكوير‪ ]21 ،‬أي يطيعه الملئكة‬
‫في السماوات فهو رئيسهم وهو رسول الملئكة وأفضلهم‪.‬‬

‫فتبين لك يا طالب الحق أن كلم ال الذي هو صفته ليس ككلم العالمين‬


‫إنما هو كلم واحد أزلي أبدي ل يوصف بأنه لغة أو حرف أو صوت وأن‬
‫القرءان الكريم وسائر الكتب المنزلة على النبياء هي عبارات عن ذلك‬
‫الكلم وتبين لك أنه ل يجوز أن يقال إن ال قرأ القرءان على محمدٍ كما‬
‫يقرأ الستاذ على التلميذ إنما الذي قرأه على محم ٍد هو جبريل عليهما‬
‫السلم‪ ،‬وتبين لك أنه ل يجوز أن يقال عن ال ناطق لن هذا من صفات‬
‫الخلق إنما يقال ال متكلم‪.‬‬

‫وال أعلم وأحكم‪.‬‬

‫اللهم فرج عن المسلمين في فلسطين والعراق وجميع انحاء المعمورة‬


‫واضرب الكافرين بالكافرين وأخرج المسلمين من بينهم سالمين‪ .‬يا رب‬
‫العالمين يا أرحم الرحمين يا أرحم الرحمين يا أرحم الرحمين ارحم أمواتنا‬
‫المسلمين واشف مرضى وجرحى المسلمين يا رب العالمين وانتقم من‬
‫الكافرين وأثلج قلوب المؤمنين يا رب العالمين‪ .‬ءامين ءامين ءامين‬

You might also like