Professional Documents
Culture Documents
ال�صحفية يف ال�سودان
قيود �أمنية ورقابة م�شددة
تقرير ور�صد حول الرقابة على ال�صحف يف الفرتة ما بني (يناير -دي�سمرب )2008
* تقرير حول الرقابة على ال�صحف يف ال�سودان �صادر �ضمن التقرير اال�سرتاتيجي ال�سنوي الذي ي�صدره مركز الدرا�سات ال�سودانية
احلريات ال�صحفية يف ال�سودان ..قيود �أمنية ورقابة م�شددة
(يناير -دي�سمرب )2008
يعترب �شهر فرباير 2008نقطة هامة حتول يف جمال حرية ال�صحافة يف ال�سودان ،ففي ذلك
ال�شهر �شددت الأجهزة الأمنية من رقابتها علي ال�صحف بعد توتر عالقة احلكومة مع دولة
ت�شاد املتاخمة حلدود ال�سودان الغربية مع �إقليم دارفور.
وتعترب احلكومة التعليقات حول عالقتها املتوترة مع ت�شاد من املحاذير ال�صحفية التي ال يجب
اخلو�ض فيها بكثري من التفا�صيل ،خا�صة �إذا كان املو�ضوع املن�شور يتعلق مبا يثار حول دعم
روبري مينار يف ر�سالة وجهها للمدير العام للهيئة القومية لالت�صاالت ان املنظمة قلقة حيال
حرية التعبري عرب الإنرتنت يف ال�سودان ،و�أ�شار روبري �إن يوتيوب موقع لتبادل املعلومات ،وقد
تع ّر�ض للرقابة يف دول �ش�أن ال�صني وتركيا وباك�ستان يف �سعيها �إىل ال�سيطرة على الإنرتنت
ل�ضبط موا�ضيع ح�سا�سة بطبيعة احلال ،و�أكد انه من اجلائز حجب ال�صفحات التي ترى
الدولة �أنها خملة ،و�أ�ضاف روبري �أن حجب املوقع ب�أ�سره يبقى غري منا�سبا ،وانتهاكا حلرية
والتعبري وال�صحافة على االنرتنت يف ال�سودان.
ظهرت االنرتنت يف ال�سودان م�ؤخرا كم�صدر من م�صادر الأخبار اليومية ،وما ال يجده القارئ
يف ال�صحف اليومية ،يبحث عنه يف �شبكة االنرتنت ومواقعها املتعددة واملختلفة التي تبث
الأخبار يوميا وب�شكل مبا�شر ،لكن يخ�شي الكثريون من حجب هذه املواقع نف�سها من على
ال�شبكة ،وقد �أ�صبح احد هذه املواقع وهو (�سودانيز اون الين) مالذا للكثري من ال�صحفيني
لن�شر الأخبار والتقارير ومقاالت الر�أي املحذوفة من �صحفهم ،بل وحتى �أخبار اعتقالهم
وا�ستدعائهم من قبل اجلهات الأمنية ،تلك الأخبار التي بالطبع مينع ن�شرها وتداولها يف
ال�صحف.
وما �ضاعف هذه اخل�شية هو تعر�ض عدد من املواقع على �شبكة االنرتنت لأعمال قر�صنة
متكررة ،وو�صل عدد املواقع املخرتقة يف اكتوبر �إىل 300موقعا الكرتونيا ،ومتكن املخرتقون
من تعطيل وحذف (�سودانيز اون الين) نف�سه من على ال�شبكة نهائيا بوا�سطة قرا�صنة (هكرز)
حمرتفني ،وتعطل املوقع لأكرث من �أ�سبوع خالل الن�صف الأول من �أكتوبر ،2008ويرتاد هذا
منتدى ي�شرتك فيه �أكرث من �ستة
ً املوقع �أكرث من �ألف مت�صفح وقارئ على مدار ال�ساعة ،وبه
الآف ع�ضوا ،معظمهم من ال�سيا�سيني وال�صحفيني والكتاب والفنانني وامل�سرحيني وغريهم،
و�أعلنت ال�سلطات القب�ض على املت�سببني يف تعطيل املوقع ولكنها �أفرجت عنهم الحقا.
�سودان تربيون و �سيتزن
يف اخلام�س والع�شرين من �أغ�سط�س 2008حظر املجل�س القومي لل�صحافة �صدور �صحيفتي
(�سودان تربيون) و (�سيتزن) الناطقتني بالإجنليزية ،وقال املجل�س �إن احلظر جاء نتيجة
لأ�سباب «�إدارية» تتعلق مبخالفة اتفاقية الرتخي�ص ،لكن رئي�سا حترير ال�صحيفتني �أ�شارا �إىل
ان احلظر مت لدوافع �سيا�سية ،وقال وليام ايزكال رئي�س حترير �صحيفة (�سودان تربيون) ان
قرار الإيقاف جاء لن�شره �أخبار عن ال�صراع يف جنوب ال�سودان «ب�شكل ال تر�ضى عنه احلكومة
ال�سودانية» ،ووافقه القول نيال بول رئي�س حترير (�سيتزن) ،ويف � 29أغ�سط�س �سمح املجل�س لـ
(�سودان تربيون) مبعاودة ال�صدور فيما �أبقى احلظر على (�سيتزن) لفرتة �أخرى.
ويف العا�شر من اكتوبر 2008قامت ال�شرطة بتوقيف واحتجاز نيال بول رئي�س حترير (�سيتزن)
على خلفيه ن�شره مقا ًال عن الف�ساد يف جنوب ال�سودان ،واتهمته بالقذف ون�شر �أخبار كاذبة،
ب�سبب املقال املن�شور يف �صحيفته يف ال�سابع من �أكتوبر وجه فيه انتقادات لوزير ال�شئون
القانونية يف حكومة جنوب ال�سودان (الذي يتمتع بحكم �شبه ذاتي) وقال بول « كان ينبغي
�أن تكون ق�ضية مدنية ،لكن قيل يل �أنني �س�أبقى يف احلب�س ثالثة �أيام دون �إمكانية اخلروج
ر�ؤ�ساء حترير و�صحفيون ي�شاركون يف تظاهرة احتجاجية يف يونيو 2007
بكفالة ».ويرى نيال �أنه بعد -حتققه من الوقائع الواردة يف املقال مو�ضوع االتهام -ال جتوز
مالحقته �إال من قبل حمكمة مدنية ،وال ينبغي �أن يو�ضع يف احلب�س ،وكان بول نف�سه قد احتجز
يف �أغ�سط�س من العام نف�سه لن�شره مقاال يف ق�ضية م�شابهة.
يف احل��ادي ع�شر من �أكتوبر 2008اعتقل جهاز الأم��ن مبدينة نياال بوالية جنوب دارفور،
ال�صحفي نور الدين حممد �سليمان برمية ،مرا�سل �صحيفة (�أجرا�س احلرية) وذلك عقب
م�شاركته يف لقاء جمع القوى ال�سيا�سية ومنظمات املجتمع املدين بالوالية يف �إطار مبادرة
�سالم ترعاها دولة قطر بدارفور ،وقام برمية برتجمة كالم احدى ن�ساء دارفور من لغة الفور
�إىل العربية �أثناء اللقاء ،ومل يطلق �سراحه �إال يف � 25أكتوبر دون توجيه �أي تهمة له.
و�سائل جديدة لالحتجاج
ازدادت وترية الرقابة القبلية على ال�صحف يف الأ�شهر الأخرية من العام ،2008وبد�أ ال�صحفيون
ال�سودانيون يفكرون يف و�سائل لالحتجاج �ضد احلجر على مهنتهم ومراقبتها ،ويف احلادي
ع�شر من نوفمرب �أعلنت �صحف (�أجرا�س احلرية ،ر�أي ال�شعب ،امليدان ،اخلرطوم مونيرت،
�سيتزن) اعت�صامها واحتجابها عن ال�صدور لثالث �أيام متتالية وذلك احتجاجا على الرقابة
القبلية ،اىل جانب جمموعة من ال�صحفيني والكتاب ،وقالت جمموعة ال�صحف ال�سابقة
يف بيان لها «ظلت العديد من ال�صحف ال�سودانية ال�صادرة بالعربية والإجنليزية ،اليومية
والأ�سبوعية ،تتعر�ض حلملة �شر�سة من قبل جهاز الأمن واملخابرات الوطني ،بفر�ض وممار�سة
رقابة يومية على كل ما يكتب بال�صحف ،من �أخبار و�أعمدة ومقاالت .وت�صل الرقابة القبلية
�إىل حد نزع الأخبار ،وحجب الأعمدة ،و�إزال��ة �صفحات ب�أكملها� ،إىل جانب منع ال�صدور،
وم�صادرة ال�صحيفة ،وحرقها بالنار بعد طباعتها! ( )..لذلك احتجاج ًا على ما تتعر�ض له
من م�ضايقات تعيق �أداءها ،وتعر�ضها للكثري من اخل�سائر املادية ،دخلت �صحف (�أجرا�س
احلرية ،ور�أي ال�شعب ،وامليدان وخرطوم مونيرت و �ستيزن) �إىل جانب العديد من ال�صحفيني،
والكتاب ،ومنظمات املجتمع املدين ،يف اعت�صام ملدة ثالثة �أيام و�إ�ضراب عن الطعام ليوم
واحد».
وا�ضاف البيان ان جهاز الرقابة غيب ال�صحف املذكورة �صباح ال�سبت 8نوفمرب ب�سبب الرقابة
امل�شددة ،وبعد �أن مت ا�ستدعاء رئي�س حترير (�أجرا�س احلرية) ومدير (ر�أي ال�شعب) للجهاز،
�سمح لهما مبعاودة ال�صدور ،لكن ال�صحف املذكورة قررت موا�صلة امل�شوار «من �أجل �صحافة
حرة �أو ال �صحافة» بالتجمع واالعت�صام مبقر (�أجرا�س احلرية) �صباح الثالثاء 11نوفمرب
والإ�ضراب عن ال�صدور ،واملطالبة بالف�صل يف الطعن الد�ستوري املقدم من �أجرا�س احلرية،
وامليدان ،ور�أي ال�شعب ،منذ �أكرث من �شهر� ،ضد الرقابة الأمنية.
وقال البيان «�إن احلظر امل�سبق للن�شر يعد ت ِّعدي ًا على الدميقراطية ،وخمالفة للد�ستور،
بن�ص املادة (( )39تكفل الدولة حرية ال�صحافة وو�سائل الإعالم الأخرى ).و�إن ا�ستمرار
الرقابة بكل �أ�شكالها على ال�صحف يحجب املعلومات واحلقائق عن �سائر املواطنني ،ويطعن
يف جدية وم�صداقية احلكومة ،وي�ؤكد يومي ًا �إ�صرار (امل�ؤمتر الوطني) (احلزب احلاكم)
على التم�سك بال�سلطة ،وعدم احرتامه حرية الن�شر والتعبري ،وانتهاكه حقوق الإن�سان ،وعدم
رغبته يف �إحداث �أي حت ُّول دميقراطي حقيقي بال�سودان ،مما يجعله مهدد ًا ال�ستقرار ووحدة
البالد ،وا�ضاف البيان�:إن الرتاجع اخلطري يف احلريات العامة ،وحرية ال�صحافة ،ومنهج
تعامل الأجهزة الأمنية ،ي�ساهم يف تخريب الن�سيج االجتماعي ويهدد الوحدة الوطنية ،وينذر
جمموعة من ال�صحفيات داخل �سجن ام درمان مت اعتقالهن من امام الربملان
بحرب �أهلية مت�صاعدة ،ت�ؤدي لتعميق الأزمة ال�سودانية ،ويبقى املدخل لت�صحيح م�سار احلياة
ال�سيا�سية والت�شريعية يف ال�سودان يف تعديل كل القوانني املتعلقة باحلقوق واحلريات ،لتتما�شى
مع الد�ستور ،ويف مقدمتها قانوين (الأمن وال�صحافة).
وبالفعل نفذت ال�صحف اخلم�س جمتمعة �إ�ضرابها واحتجابها ،وهي (�أجرا�س احلرية)
وما يذكر انها �صحيفة م�ستقلة مقربة من (احلركة ال�شعبية) ال�شريك الثاين يف احلكومة،
و(ر�أي ال�شعب) ناطقة با�سم امل�ؤمتر ال�شعبي الإ�سالمي املعار�ض( ،وامليدان) ل�سان حال
احلزب ال�شيوعي ال�سوداين ،و(خرطوم مونيرت) (و�سيتزن) (والأخريتني ناطقتني باللغة
االجنليزية).
يف نف�س التوقيت قامت ال�سلطات الأمنية باعتقال ال�صحفي �صالح باب اهلل من �صحيفة
(االنتباهة) ب�سبب ن�شره خرب ًا عن انت�شار احلمى النزفية يف �إقليم كردفان بغرب البالد،
وال تقت�صر الرقابة على الأخبار ال�سيا�سية والع�سكرية فقط ،فهناك الأخبار اخلا�صة بانت�شار
�أمرا�ض الكولريا و�شلل الأطفال يف مع�سكرات النازحني يف غرب البالد بدارفور ،وغريها
من الأمرا�ض التي ت�صيب الرثوة احليوانية ،وهي �أخبار تعتربها احلكومة م�شجعة لهروب
امل�ستثمرين ومهددة لالقت�صاد ال�سوداين.
اعتقال �صحفيني باجلملة
يف ال�سابع ع�شر من نوفمرب اعتقلت ال�سلطات �أك�ثر من � 60صحفيا بينهم ر�ؤ�ساء حترير
وكتاب مقاالت �أثناء تنظيمهم احتجاجا على الرقابة ،نظمه ال�صحفيون العاملون يف خمتلف
ال�صحف �أمام الربملان ،وحمل املتظاهرون الفتات ترف�ض الرقابة على ال�صحف وتطالب
بحرية التعبري.
وجتمع �أكرث من � 150صحفيا �أمام املجل�س الوطني (الربملان) للتعبري عن رف�ضهم للرقابة
امل�سبقة على ال�صحف ،وبغر�ض ت�سليمهم مذكرة للربملان للتدخل لوقف االنتهاك ال�صارخ
حلرية ال�صحافة والتعبري بالبالد ،و�ضرورة �سن ت�شريع ي�ضمن حرية ال�صحافة ويحمي
العاملون يف املهنة ،ويلزم الدولة بتطبيق مواد احلريات التي ن�ص عليها د�ستور البالد املوقع
عليه عقب اتفاقية ال�سالم بني ال�شمال واجلنوب وعلى الرغم من ان االتفاقية بني احلزب
احلاكم واحلركة ال�شعبية يف 2005ن�صت ر�سميا على كفالة حرية ال�صحافة والتعبري ،لكن
ال�شرطة قامت بتفريغ جموع ال�صحفيني ومنعتهم من دخول �ساحة الربملان ،بل وقامت باعتقال
� 63صحفيا و�صحفية قبل �أن تطلق �سراحهم الحقا وتتوعد بتقدميهم للمحاكمة.
ومنعت ال�سلطات يف نف�س الوقت ال�صحفيني من الدخول للربملان وح�ضور جل�ساته ،وا�ستثنت
فقط �صحفيون يحملون بطاقة ح�ضور اجلل�سات.
و�شارك يف هذه االحتجاجات �صحفيون وحمررون ور�ؤ�ساء حترير وكتاب الر�أي واملقاالت ،لكن
الفعالية نظمتها جمموعة من ال�صحفيني �أطلقت على نف�سها (�شبكة ال�صحفيني ال�سودانيني)
وهم جمموعة من ال�شباب ت�أ�س�ست يف �أواخر �أكتوبر 2008وتهدف لالرتقاء مبهنة ال�صحافة
و�أو�ضاع ال�صحفيني املهنية واملعي�شية ،ولي�س هذه املجموعة الأوىل من نوعها فقد تكونت يف
الثالث �سنوات الأخرية ما يقارب الـ 10كيانات ومنظمات �صحفية هدفت لنف�س ما �أعلنته
املجموعة الأخرية.
وعقب �إطالق �سراح ال�صحفيني املحتجزين مبا�شر ًة ،عقدت ال�شبكة م�ؤمترا �صحفيا مبقر
جريدة (ال�صحافة) ا�ستنكرت ما حدث و�أعلنت من خالله ثمانية �صحف احتجابها عن
ال�صدور يف اليوم الذي يليه ،وذلك احتجاج ًا لتعر�ض ال�صحفيني وال�صحفيات للحجز ومنعهم
من االحتجاج على الرقابة ومعاملتهم بطريقة ال تليق بكرامتهم ومهنتهم وم�صادرة حقهم يف
التعبري.
ويف ذات يوم االعت�صام قام جهاز الأمن واملخابرات با�ستدعاء ال�صحفي خالد �سعد ،الذي
يعمل بجريدة (ال�صحافة) ،ويعمل �أي�ضا كمرا�سل جلريدة (الريا�ض) ال�سعودية ،ومت ا�ستجوابه
من قبل الأجهزة الأمنية حول ما ُن�شر يف (الريا�ض) حول االحتجاجات التي نظمتها «�شبكة
ال�صحفيني ال�سودانيني» ،وعالقته باملجموعة ،وتكرر ا�ستدعاء جهاز الأمن لل�صحفي خالد
لأيام متتالية ،حيث كان ميكث يف مباين اجلهاز من ال�صباح وحتى امل�ساء دون توجيه �أي تهمة
له.
وحوى اخلرب الذي ن�شرته (الريا�ض) ان جمموعة با�سم �شبكة ال�صحفيني ال�سودانيني �أعلنت
عن ترتيبات و�إج��راءات خمتلفة ملناه�ضة الرقابة الأمنية ،يف وقت رفع رئي�س كتلة التجمع
الوطني الدميقراطي فاروق ابوعي�سى م�س�ألة م�ستعجلة �إىل رئي�س الربملان ب�ش�أن الرقابة الأمنية
على ال�صحف ،وابلغ النائب �أبو عي�سى ال�صحيفة انه رفع م�س�ألة م�ستعجلة بناء على املادة 41
من الئحة تنظيم �أعمال املجل�س الوطني ل�سنة 2005م ،و�أ�شار اخلرب �إىل ان ال�صحفيون
اقرتحوا خيارات عديدة من بينها االعت�صام والإ�ضراب عن العمل ،وتنظيم تظاهرات �سلمية
احتجاجا على الرقابة.
�صُ حف جت�أر بال�شكوى
انتهي العام 2008ومل تنتهي رقابة الأجهزة الأمنية على ال�صحف وال�صحفيني ،ويف 30
دي�سمرب 2008قام التيجاين الطيب رئي�س حترير �صحيفة (امليدان) بتوجيه خطاب احتجاج
للمجل�س القومي لل�صحافة واملطبوعات ال�صحفية� ،أ�شار فيه اىل ان «الرقابة القبلية ما زالت
متار�س من قبل الأجهزة الأمنية ،بل زادت حدتها علي (امليدان) ب�شكل خا�ص ،فقد �أ�صبح
عن�صر الأمن املكلف بالرقابة علي �صحيفة امليدان يتدخل با�ستمرار وبنهج ثابت ومتحامل
خالل ال�شهور املا�ضية وحتى تاريخه وذلك بحجب العديد من املواد بحجة �أن الن�شر فيها
حمظور يف حني �أن �أغلبها يتم ن�شره يف �صحف �أخري».
و�أ�شار رئي�س حترير (امليدان) �إىل �شكاوى ومالحظات عديدة قدمتها ال�صحيفة للمجل�س �آخرها
كان بتاريخ الأول من �أبريل 2008بخ�صو�ص رف�ض ال�صحيفة للرقابة القبلية التي ميار�سها
جهاز الأمن واملخابرات علي ال�صحف ،وقالت (امليدان) يف خطابها «و�صل الأمر بالرقيب
لدرجة حذف كلمة (امليدان) وهي متثل ر�أي احلزب يف الأحداث و�أكرث من ذلك ي�صر علي
حجب (تروي�سة) الأعمدة التي يرف�ض ن�شر مادتها ..يف حني �أن الو�ضع يف ال�صحف االخري
بخالف ذلك» ،وكررت ال�صحيفة احتجاجها علي هذا التدخل الأمني املتحامل واالنتقائي
�ضدها ،معتربة اياه تدخال ميثل انتهاك ًا �صارخ ًا حلقها يف حرية الن�شر والتعبري الذي كفله
الد�ستور االنتقايل كما كفلته كل العهود واملواثيق الدولية ،مطالبة املجل�س ب�أن ي�ضطلع بدوره
املنوط به يف حماية حرية ال�صحافة والتعبري كما جاء بقانون ال�صحافة واملطبوعات للعام
.2004
وبعثت (امليدان) بن�سخة من خطابها لل�صحف ووكاالت الأنباء املحلية والعاملية والف�ضائيات،
�إ�ضافة للجهات ذات ال�ش�أن مثل �إحتاد ال�صحفيني الدويل ،احتاد ال�صحفيني العرب ،احتاد
ال�صحفيني الأفارقة ،احتاد ال�صحفيني ال�سودانيني ،منظمات املجتمع املدين.
معايري خمتلفة للرقابة
يختلف ت�شديد الرقابة الأمنية من �صحيفة �إىل �أخرى ،ففي الوقت الذي ت�صدر فيه بال�سودان
حوايل � 44صحيفة وجملة ،تخ�ضع معظم هذه ال�صحف �إىل رقابة يومية �صارمة ،تبد�أ من
�أ�صغر العناوين �إىل التقارير والتحقيقات املطولة ،وفى كثري من احلاالت يكون تقدير احلذف
ومع الن�شر ذاتي يرجع لرجل الرقابة وتقديره ال�شخ�صي ،وفى بع�ض احلاالت مينع مقال �أو
تقرير بوا�سطة رجل �أمن حمدد وي�أتي يف اليوم الذي يليه رجل �أمن �آخر وي�سمح بن�شر ذلك
املقال ،وهو ما جعل �أجهزة الأمن ت�شرتط على ال�صحف عدم �إعادة ن�شر املواد ال�صحفية التي
حذفت من قبل.
ويح�ضر �إىل ال�صحيفة رجل �أمن واحد �أو اثنني ،وفى بع�ض املرات �أكرث من ذلك ،ويدخل
كثري من ال�صحفيني يف مناو�شات مع رجال الأمن ،لإ�صرار الرقيب الأمني على حذفه مواد
�صحفية من �صحيفة حمددة وتركها يف �أخرى ،وهو ما يثبت ان التقدير ذاتي ،ويتناوب رجال
�أمن معرفون على ال�صحف وبع�ضهم �أ�صبح م�ألوفا لدي ال�صحفيني.
وكانت الرقابة ال�صحفية منذ العام 2006تتم بوا�سطة عدد حمدد من رجال الأمن ال يتجاوز
الثالث ويقوم ه�ؤالء الأفراد الثالث بتنفيذ مهمة فر�ض الرقابة على جميع ال�صحف ،لكن
العام � 2008شهد زيادة ملحوظة يف �أعداد �أفراد الرقابة الأمنية على ال�صحف ،وو�صل لأكرث
من 15رجل �أمن يتناوبون على ال�صحف ال�صادرة يف اخلرطوم.
وي�سمى ال�صحفيون رجال الرقابة الأمنية (ر�ؤ�ساء ر�ؤ�ساء التحرير) ،فلهم الكلمة الأخرية
يف �صدور ال�صحيفة من عدمه ،وال وجود الي جهة �أو احتاد �صحفيني �أو نقابة يف ال�سودان
ت�ستطيع ان متنع الرقيب الأمني من ممار�سة مهامه �أو �إيقافها ،فاحتاد ال�صحفيني حم�سوب
على احلكومة ،وجمل�س ال�صحافة كذلك ،فهو م�ؤ�س�سة حكومية تنظم عمل املهنة وال تتدخل
فيما يخ�ص الرقابة الأمنية ،وال ترف�ض امل�ؤ�س�ستان الرقابة على ال�صحف ب�صورة قاطعة،
ويعتقد كثري من العاملني يف مهنة ال�صحافة �أن قرار الرقابة على ال�صحف هو قرار �صادر
من جهات �سيادية يف الدولة ،وال جمال للتوقف عن هذه الرقابة وحت�سن �أجواء العمل ال�صحفي
�إال با�ستقرار الأو�ضاع ال�سيا�سية يف البالد.
وتوجد بالبالد جمموعات ومنظمات �صحفية تدافع عن حقوق ال�صحفيني وحرية ال�صحافة،
ولكنها ال متلك �أي�ضا الكثري لفعله.
الرقابة ..ت�شكيك يف �أداء ال�صحفي
يعترب الكثري من �أ�ساتذة ال�صحافة والإعالم �أن الرقابة على ال�صحف ت�ؤثر على اجلانب املهني
لل�صحفيني وت�شكك يف قدرتهم على �أداء املهام ال�صحفية ح�سب ما هو خمطط لها ،و�شهدت
ال�سنوات الأخرية يف ال�سودان اختفاء نوع مهم من ال�صحافة ،وهو �صحافة التحقيقات ،وهي
ال�صحافة التي تعمل على ك�شف ظواهر الف�ساد واملح�سوبية وتناول الق�ضايا التي تعتربها
الرقابة الأمنية من املحظورات التي ال يجب تناولها �أو تداولها يف ال�صحف ،وحتى التحقيقات
التي ُتن�شر ،تتعر�ض للق�ص واحلذف وهذا ما ي�شكك يف مهنية ال�صحفي ومقدراته ،وح�سب
مالحظة مدير حترير �أحدى هذه ال�صحف ،فان كثريا من الق�ضايا والتحقيقات املتميزة
ت�صطدم بحائط الرقابة الأمنية ،ومتتلئ حوا�سيب و�أدراج �صحفيي التحقيقات يف هذه
ال�صحف بالكثري من هذه التحقيقات التي مل جتد طريقها للن�شر.
جعلت الرقابة الأمنية على ال�صحف يف ال�سودان الكثري من ال�صحفيون يعي�شون يف حالة
من الي�أ�س والإحباط ب�سبب بذلهم جمهودا كبريا يف كتابة التقارير �أو الأخبار ويفاج�أون يف
اليوم التايل بعدم ن�شرها ب�سبب الرقيب الأمني ،ومل يهن�أ ال�صحفيون بهام�ش احلريات الذي
جاء عقب توقيع اتفاق �سالم �شامل بني �شمال ال�سودان وجنوبه ،ليجدوا �أنف�سهم �أمام رقيب
قوي ال انفكاك من قراره ،كما تقلل الرقابة على ال�صحف وحتكم االجهزة االمنية على ما
ين�شر يف و�سائل االعالم ،تقلل من فر�ص اجراء انتخابات حرة ونزيهة ،خا�صة ان احلكومة
ت�سيطر على االذاعة والتلفزيون ،االمر الذي ي�ضعف فر�ص االحزاب االخرى يف املناف�سة
وب��أي حال لن تكون الفر�ص مت�ساوية يف ظل وجود رقابة على ال�صحف امل�ستقلة ،بينما
�ستجرى االنتخابات العامة يف العام املقبل� ،أما ما جعل ال�صحفيون يعي�شون يف حالة من
الغنب والغ�ضب هو �أن بع�ضا من ال�صحف ال�صادرة ال تخ�ضع �أ�صال للرقابة الأمنية ،وذلك
الرتباطها الوثيق باحلزب احلاكم� ،أو تابعة له مثل �صحيفة (الرائد) �أو (�آخر حلظة) املقربة
من النظام ،وحتى لو كانت هناك رقابة علي بع�ض هذا النوع من ال�صحف ،ف�إنها تكون يف
العناوين البارزة لل�صحيفة ،وفى بع�ض املرات يت�صل م�س�ؤول �أو مدير التحرير يف هذه ال�صحف
ليقر�أ على اجلهات الرقابية عناوين ال�صحيفة البارزة فقط ،دون �أن يكلف الرقيب الأمني
نف�سه باحل�ضور �إىل مقر ال�صحيفة ،فيما ينتظر بقية ال�صحفيني يف ال�صحف الأخرى ح�ضور
الرقيب الأمني ل�ساعات طوال ،ويطلع على حمتواها وي�أذن بطباعتها ،وهو ما ي�ؤخر ال�صحيفة
من اللحاق باملطبعة يف وقت منا�سب خا�صة �أن 5من هذه ال�صحف تطبع يف مطبعة واحدة
ولكل منها زمن حمدد ،و�إذا ت�أخرت عنه تفقد حقها يف الطباعة وبالتايل ال�صدور يف اليوم
التايل ،وهو ما يعد نوعا من �أنواع القيود على ال�صحف امل�ستقلة يف ال�سودان التي ال متتلك
مطابع خا�صة بها ،وما ي�شار �إليه �إىل ان �أحد �أف�ضل مطابع ال�صحف يف ال�سودان تعود ملكيتها
اىل نافذين يف الدولة ،و ُتطبع فيها �صحف احلزب احلاكم واملقربة له.