You are on page 1of 102

‫تفسير أولــي النــهى‬

‫تفسيرأولــي النــهى لقوله تعالى ‪ { .‬الرحمن على العرش‬


‫استوى}‬

‫يوجد فيه ردود على المجسمة ( الوهابية )‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬

‫المقدمة‬

‫الحمد ل المتعالي عن الشبيه والنظير ‪ ،‬الذي ليس كمثله شئ وهو السميع البصير ‪ ،‬وكل شئ‬
‫إليه فقير ‪ ،‬وكل أمر عليه يسير ‪،‬‬
‫ل يحتاج إلى شئ وهو على كل شئ قدير ‪.‬والصلة والسلم على سيدنا محمد الرسول المين‬
‫وخاتم النبيين وإمام المتقين وسيد السابقين واللحقين وعلى ءاله وأصحابه الطيبين ‪.‬‬

‫أما بعد ‪ ،‬فل زال علماء السلم من السلف والخلف يردون ويؤلفون في تفنيد وتزييف شبه‬
‫المنحرفين وأهل الهواء ‪ ،‬ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر عاملين بقول ال تعالى ‪{:‬‬
‫عنِ ا ْلمُنكَرِ َوُأوْلَـئِكَ ُهمُ‬
‫ف وَيَ ْن َهوْنَ َ‬
‫وَلْ َتكُن مّن ُكمْ ُأ ّمةٌ يَ ْدعُونَ إِلَى ا ْلخَيْرِ وَيَ ْأمُرُونَ بِا ْل َمعْرُو ِ‬
‫ا ْل ُمفْ ِلحُونَ }‬
‫[سورة ءال عمران ] ‪ ،‬ومن المنكر قول المبتدعة المجسمة نفاة التوسل ( الوهابية ) في حق‬
‫ال بالجلوس والستقرار على العرش ‪ ،‬تعالى ال عما يقول الظالمون علوا كبيرا ‪ .‬وليس لهم‬
‫فيما قالوه حجة بل زعمهم هذا فرية بل مرية ول يؤيده نقل ول عقل ول يثبت ذلك عن أحد من‬
‫أئمة أهل السنة ‪ ،‬وإنما دأبهم الغش والتلبيس والتدليس ‪.‬‬
‫ولما كان الوهابية عقيدتهم التشبيه والتجسيم وصفوا ال تعالى بالجلوس والستقرار فحملوا‬
‫اليات المتشابهة التي ظاهرها يوهم ذلك على ما اعتقدوه ‪ ،‬فقدموا رأيهم على اليات وجعلوها‬
‫تابعة لهم فقالوا استواء ال على العرش هو الجلوس والستقرار تعالى ال عن قولهم ‪ ،‬فشبهوا‬
‫ولم ينزهوا وخالفوا ما عليه الرسول صلى ال عليه وسلم وصحابته رضي ال عنهم ‪ ،‬فخرقوا‬
‫إجماع المة من تنزيه ال عن الجلوس والستقرار ‪ ،‬وصاروا يدورون بين العامة وينشرون‬
‫ش اسْ َتوَى } [سورة طه] يدل على ما زعموه ‪،‬‬
‫حمَنُ عَلَى ا ْلعَرْ ِ‬
‫بين الناس أن قوله تعالى ‪ { :‬ال ّر ْ‬
‫وهذه دعوى باطلة ل تقوم على أساس التوحيد وإنما على الوهام والتشبيه ‪ ،‬فلم يكتفوا بما‬
‫ارتكبوه من الثم والكفر ‪ ،‬بل ضللوا وبدعوا من تأول من أهل السنة هذه الية بالستيلء أي‬
‫على معنى القهر ‪ ،‬مع أن هذا التفسير جائز لغة وشرعا كما سيأتي ان شاء ال ‪ ،‬وأما زعم‬
‫الوهابية فباطل لغة وشرعا وعقل ‪.‬‬

‫ولما كان المر على ما ذكرنا كتبنا هذه الرسالة في بيان أن ال تعالى ل يوصف بالجلوس‬
‫والستقرار على العرش ول السكنى فوق العرش ‪ ،‬وأنه يجوز تفسير الستواء بالستيلء‬
‫والقهر مع ذكر الدلة على ذلك ‪ ،‬وقد سميناها‬
‫ش اسْ َتوَى })) ‪.‬‬
‫حمَنُ عَلَى ا ْلعَرْ ِ‬
‫ب (( تفسير أولي النهى لقوله تعالى ‪ { :‬ال ّر ْ‬

‫وال نسأل أن ينفع بها من قرأها ويجعلها عتقا لنا ولمن ساهم في نشرها من النار ‪ ،‬ءامين ‪،‬‬
‫وعلى ال العتماد إنه ولي السداد ‪.‬‬

‫بيان‬
‫أن ال منزه عن الجهة والجلوس والستقرار‬
‫على العرش بالدلة من القرءان والحديث‬
‫والعقل وأقوال الئمة‬
‫يءٌ }[سورة الشورى]‬
‫س َكمِثْ ِلهِ شَ ْ‬
‫أما ما يدل على ذلك من القرءان الكريم قول ال تعالى ‪ { :‬لَيْ َ‬
‫أي أن ال تعالى ل يشبه شيئا من خلقه‬
‫بوجه من الوجوه ‪ ،‬ففي هذه الية نفي المشابهة والمماثلة ‪ ،‬فل يحتاج إلى عرش ول إلى مكان‬
‫يحل فيه ول إلى جهة يتحيز فيها ‪.‬‬
‫وقول ال تعالى ‪ { :‬وَلِّل ِه ا ْلمَ َثلُ الَعْ َلىَ}[سورة النحل] أي ل الوصف الذي ل يشبه وصف‬
‫غيره ‪ ،‬فل يوصف ربنا عز وجل بصفات المخلوقين من التغير والتطور والحلول في الماكن‬
‫والسكنى فوق العرش ‪ ،‬تعالى ال عن ذلك علوا كبيرا ‪.‬‬

‫ل تَضْرِبُواْ لِّلهِ ا َلمْثَالَ }[سورة النحل ] أي ل تجعلوا ل الشبيه والمثيل فإن‬


‫وقال ال تعالى ‪ { :‬فَ َ‬
‫ال تعالى ل شبيه له ول مثيل له ‪ ،‬فل ذاته يشبه الذوات ول صفاته تشبه الصفات ‪.‬‬

‫وأما الحديث فقد قال رسول ال صلى ال عليه وسلم (( كان ال ولم يكن شئ غيره )) رواه‬
‫البخاري (‪ )1‬وغيره ‪ ،‬فهذا الحديث دليل على أنه لم يكن في الزل مكان ‪ ،‬فهو سبحانه وتعالى‬
‫موجود قبل المكان وبعد خلق المكان بل مكان ول جهة ‪.‬‬

‫وقال سيدنا علي رضي ال عنه ‪ (( :‬إن ال تعالى خلق العرش إظهارا لقدرته ولم يتخذه مكانا‬
‫لذاته ))‪ ،‬وقال أيضا ‪ (( :‬قد كان ول مكان وهو الن على ما عليه كان )) ‪ ،‬أي موجود بل‬
‫مكان (‪. )1‬‬

‫هـ) ما نصه (‪ (( : )2‬ومذهب أهل الحق قاطبة أن‬ ‫(‪478‬‬ ‫وقال إمام الحرمين الجويني الشافعي‬
‫ال سبحانه وتعالى يتعالى عن التحيز والتخصص بالجهات )) ا هـ‪.‬‬

‫هـ) في كتابه (( الفرق بين الفرق )) ما نصه (‪: )3‬‬ ‫(‪429‬‬ ‫وقال الستاذ عبد القاهر التميمي‬
‫((وأجمعوا على أنه ل يحويه مكان ول يجري عليه زمان )) ا هـ ‪.‬‬

‫هـ ) عن المام فخر الدين بن عساكر‬ ‫‪771‬‬ ‫ونقل الشيخ تاج الدين السبكي الشافعي الشعري (‬
‫هـ ) أنه قال ‪ (( :‬إن ال تعالى موجود قبل الخلق ‪ ،‬ليس له قبل ول بعد ول فوق ول‬ ‫‪620‬‬ ‫(ت‬
‫تحت ‪ ،‬ول يمين ول شمال ‪ ،‬ول أمام ول خلف )) ا هـ‪،‬‬

‫ثم قال تاج الدين السبكي بعد أن ذكر هذه العقيدة ما نصه (‪ (( : )4‬هذا ءاخر العقيدة وليس فيها‬
‫ما ينكره سني )) ا هـ ‪.‬‬
‫وأما الدليل العقلي على تنزيه ال عن المكان والجهة والجلوس ‪،‬‬
‫فنقول ‪:‬‬
‫اعلم أن النظر العقلي السليم ل يخرج عما جاء به الشرع ول يتناقض معه ‪ ،‬والعقل عند علماء‬
‫التوحيد شاهد للشرع إذ أن الشرع ل يأتي إل بمجوزات العقول كما قال الحافظ الفقيه الخطيب‬
‫البغدادي ‪ (( :‬الشرع إنما يرد بموجزات العقول وأما بخلف العقول فل )) ا هـ‪.‬‬
‫وقال أهل الحق ‪ :‬إن ال ليس بمتمكن في مكان أي ل يجوز عليه المماسة للمكان والستقرار‬
‫عليه ‪ ،‬وليس معنى المكان ما يتصل جسم به على أن يكون الجسمان محسوسين فقط ‪ ،‬بل‬
‫الفراغ الذي إذا حل فيه الجرم شغل غيره عن ذلك الفراغ مكان له ‪ ،‬كالشمس مكانها الفراغ‬
‫الذي تسبح فيه ‪ ،‬وعند المشبهة والكرامية والمجسمة ال متمكن على العرش وتعلقوا بظاهر‬
‫قوله تعالى ‪:‬‬
‫ش اسْ َتوَى } [سورة طه ] فقالوا ‪ :‬الستواء الستقرار ‪ ،‬وقال بعضهم ‪:‬‬
‫حمَنُ عَلَى ا ْلعَرْ ِ‬
‫{ ال ّر ْ‬
‫الجلوس وهؤلء المشبهة قسم منهم يعتقدون أن ال مستقر على العرش ‪ ،‬ويكتفون بهذا التعبير‬
‫من غير أن يفسروا هل هذا استقرار اتصال أم استقرار محاذاة من غير مماسة ‪،‬‬
‫وقسم منهم صرحوا بالجلوس ‪ ،‬والجلوس في لغة العرب معناه تماس جسمين أحدهما له نصف‬
‫أعلى ونصف أسفل ‪ ،‬فمن قال ‪ :‬إنه مستو على العرش استواء اتصال أي جلوس ‪ ،‬أو قال ‪:‬‬
‫استواؤه مجرد مماسة من غير صفة الجلوس فهو مجسم ضال ‪ ،‬والذين قالوا إنه مستو على‬
‫العرش من دون مماسة أي إنما يحاذيه من فوق أي كما تحاذي أرضنا السماء فهؤلء أيضا‬
‫ن عَلَى ا ْلعَرْشِ اسْ َتوَى} [سورة طه ]‬
‫حمَ ُ‬
‫مجسمة ضالون ‪ ،‬فل يجوز أن يكون قوله تعالى ‪ { :‬ال ّر ْ‬
‫على إحدى هذه الصفات الثلث ‪ ,‬والتفسير الصحيح تفسير من قال‬
‫ن عَلَى ا ْلعَرْشِ اسْ َتوَى } قهر‪ ،‬لن القهر صفة كمال ل تعالى ‪ ،‬وهو وصف نفسه به قال‬
‫حمَ ُ‬
‫{ال ّر ْ‬
‫يءٍ وَ ُه َو ا ْلوَاحِدُ ا ْل َقهّارُ}‬
‫تعالى ‪ُ { :‬قلِ الّلهُ خَالِقُ ُكلّ شَ ْ‬
‫[سورة الرعد] ‪ ،‬فيصح تأويل الستواء بالستيلء وإن كانت المعتزلة وافقت أهل السنة في ذلك‬
‫‪.‬‬

‫وأقبح هذه العتقادات الفاسدة اعتقاد أن ال تعالى جالس على العرش أو واقف عليه لن فيه‬
‫جعل ال تعالى محمول للعرش والعرش محمول للملئكة ‪ ،‬فالملئكة على هذا العتقاد قد حملوا‬
‫ال تعالى ‪ ،‬فكيف يليق بالله الذي أوجد العالم بأسره أن يحمله شئ من خلقه ‪ ،‬فعلى قول‬
‫هؤلء يلزم أن يكون ال محمول حامل ومحفوظ حافظ ‪،‬وهذا ما ل يقوله عاقل ‪.‬‬

‫قال المام أبو سعيد المتولي الشافعي الشعري ( ‪478‬هـ) في كتابه (( الغنية في أصول الدين))‬
‫ما نصه ‪ (( )1( :‬والغرض من هذا الفصل نفي الحاجة إلى المحل والجهة خلفا للكرامية‬
‫والحشوية والمشبهة الذين قالوا إن ل جهة فوق ‪.‬‬

‫وأطلق بعضهم القول بأنه جالس على العرش مستقر عليه تعالى ال عن قولهم ‪.‬‬

‫والدليل على أنه مستغن عن المحل أنه لو افتقر إلى المحل لزم أن يكون المحل قديما لنه ‪ -‬أي‬
‫ال – قديم ‪ ،‬أو يكون – أي ال على زعمهم ‪ -‬حادثا كما أن المحل حادث ‪ ،‬وكلهما كفر ‪.‬‬

‫والدليل عليه أنه لو كان على العرش على ما زعموا لكان ل يخلو إما أن يكون مثل العرش أو‬
‫أصغر منه أو أكبر ‪ ،‬وفي جميع ذلك إثبات التقدير والحد والنهاية وهو كفر ‪.‬‬

‫والدليل عليه أنه لو كان في جهة وقدرنا شخصا أعطاه ال تعالى قوة عظيمة واشتغل بقطع‬
‫المسافة والصعود إلى فوق ل يخلو إما أن يصل إليه وقتا ما أو ل يصل إليه ‪.‬‬

‫فإن قالوا ‪ :‬ل يصل إليه فهو قول بنفي الصانع لن كل موجودين بينهما مسافة معلومة وأحدهما‬
‫ل يزال يقطع تلك المسافة ول يصل إليه يدل على أنه ليس بموجود ‪.‬‬

‫فإن قالوا ‪ :‬يجوز أن يصل إليه ويحاذيه فيجوز أن يماسه أيضا ‪ ،‬ويلزم من ذلك كفران ‪:‬‬

‫أحدهما ‪ :‬قدم العالم ‪ ،‬لنا نستدل على حدوث العالم بالفتراق والجتماع‪.‬‬

‫والثاني ‪ :‬إثبات الولد والزوجة )) أ هـ‪.‬‬

‫هـ) على نفي‬ ‫‪597‬‬ ‫وقد نص المام المحدث الحافظ المفسر عبد الرحمن بن الجوزي الحنبلي (‬
‫التحيز في المكان والتصال والنفصال والجتماع والفتراق عن ال تعالى ‪ ،‬ورد في كتابه‬
‫(( الباز الشهب )) (‪ )1‬على ابن الزاغوني المجسم الذي قال ‪ (( :‬فلما قال – تعالى –{ ُثمّ‬
‫اسْ َتوَى }[ سورة العراف ] علمنا اختصاصه بتلك الجهة ))‪ ،‬وقال ابن الزاغوني أيضا ‪:‬‬
‫((ول بد أن يكون لذاته نهاية وغاية يعلمها )) ‪ ،‬وقال ابن الجوزي في الرد عليه ما نصه ‪:‬‬
‫(( قلت هذا رجل ل يدري ما يقول ‪ ،‬لنه إذا قدر غاية وفصل بين الخالق والمخلوق فقد حدده‬
‫وأقر بأنه جسم وهو يقول في كتابه أنه ليس بجوهر لن الجوهر ما يتحيز ‪ ،‬ثم يثبت له مكانا‬
‫يتحيز فيه ‪.‬‬

‫قلت ‪ - :‬أي ابن الجوزي – وهذا كلم جهل من قائله وتشبيه محض فما عرف هذا الشيخ ما‬
‫يجب للخالق تعالى وما يستحيل عليه ‪ ،‬فإن وجوده تعالى ليس كوجود الجواهر والجسام التي ل‬
‫بد لها من حيز ‪ ،‬والتحت والفوق إنما يكون فيما يقابل ويحاذى ‪ ،‬ومن ضرورة المحاذي أن‬
‫يكون أكبر من المحاذى أو أصغر أو مثله ‪ ،‬وأن هذا ومثله إنما يكون في الجسام ‪ ،‬وكل ما‬
‫يحاذي الجسام يجوز أن يمسها ‪ ،‬وما جاز عليه مماسة الجسام ومباينتها فهو حادث إذ قد ثبت‬
‫أن الدليل على حدوث الجواهر قبولها المماسة والمباينة ‪ ،‬فإن أجازوا هذا عليه قالوا بجواز‬
‫حدوثه ‪ ،‬وإن منعوا هذا عليه لم يبق لنا طريق لثبات حدوث الجواهر ‪ ،‬ومتى قدرنا مستغنيا‬
‫عن المحل ومحتاجا إلى الحيز ثم قلنا‪ :‬إما أن يكونا متجاورين أو متباينين كان ذلك محال ‪ ،‬فإن‬
‫التجاور والتباين من لوازم التحيز في المتحيزات ‪.‬‬

‫وقد ثبت أن الجتماع والفتراق من لوازم التحيز ‪ ،‬والحق سبحانه وتعالى ل يوصف بالتحيز‬
‫لنه لو كان متحيزا لم يخل إما أن يكون ساكنا في حيزه أو متحركا عنه ‪ ،‬ول يجوز أن يوصف‬
‫بحركة ول سكون ول اجتماع ول افتراق ‪ ،‬ومن جاور أو باين فقد تناهى ذاتا والتناهي إذا‬
‫اختص بمقدار استدعى مخصصا ‪ ،‬وكذا ينبغي أن يقال ليس بداخل في العالم وليس بخارج‬
‫منه ‪ ،‬لن الدخول والخروج من لوازم المتحيزات فهما كالحركة والسكون وسائر العراض التي‬
‫تختص بالجرام ‪.‬‬

‫وأما قولهم خلق الماكن ل في ذاته فثبت انفصاله عنها قلنا ‪ :‬ذاته المقدس ل يقبل أن يخلق فيه‬
‫شئ ول أن يحل فيه شئ ‪ ،‬وقد حملهم الحس على التشبيه والتخليط حتى قال بعضهم إنما ذكر‬
‫الستواء على العرش لنه أقرب الموجودات إليه ‪ ،‬وهذا جهل أيضا لن قرب المسافة ل يتصور‬
‫إل جسم ‪ ،‬ويعز علينا كيف ينسب هذا القائل إلى مذهبنا ‪.‬‬

‫صعَدُ ا ْلكَ ِلمُ الطّيّبُ وَا ْل َع َملُ الصّا ِلحُ َيرْ َف ُعهُ }[‬
‫واحتج بعضهم بأنه على العرش بقوله تعالى ‪ {:‬إِلَ ْيهِ يَ ْ‬
‫سورة فاطر] وبقوله ‪{ :‬وَ ُهوَ ا ْلقَا ِهرُ َفوْقَ عِبَادِهِ } [سورة النعام ] وجعلوا ذلك فوقية حسية‬
‫ونسوا أن الفوقية الحسية إنما تكون لجسم أو جوهر ‪ ،‬وأن الفوقية قد تطلق لعلو المرتبة فيقال‬
‫‪ :‬فلن فوق فلن‪ .‬ثم إنه كما قال تعالى ‪َ { :‬فوْقَ عِبَادِهِ وَ ُه َو ّم َع ُكمْ } ‪ ،‬فمن حملها على العلم‬
‫حمل خصمه الستواء على القهر‪ ،‬وذهبت طائفة إلى أن ال تعالى على عرشه وقد مله والشبه‬
‫– أي على زعم هذه الطائفة المجسمة – أنه مماس للعرش والكرسي موضع قدميه ‪ .‬قلت ‪:‬‬
‫المماسة إنما تقع بين جسمين وما أبقى هذا في التجسيم بقية )) انتهى كلم الحافظ ابن الجوزي‬
‫ولقد أجاد وشفى وكفى ‪.‬‬

‫هـ) ما نصه(‪ (( : )1‬فلو كان علو ال تعالى بسبب‬ ‫(‪606‬‬ ‫وقال المفسر فخر الدين الرازي‬
‫المكان لكان علو المكان الذي بسببه حصل هذا العلو ل تعالى صفه ذاتية ‪ ،‬ولكان حصول هذا‬
‫العلو ل تعالى حصول بتبعية حصوله في المكان ‪ ،‬فكان علو المكان أتم وأكمل من علو ذات ال‬
‫تعالى ‪ ،‬فيكون علو ال ناقصا وعلو غيره كامل وذلك محال )) ا هـ‪.‬‬

‫ش اسْ َتوَى }[سورة طه ] ما نصه (‪: )1‬‬


‫حمَنُ عَلَى ا ْلعَرْ ِ‬
‫وقال أيضا عند تفسير ءاية { ال ّر ْ‬
‫(( المسألة الثانية ‪ :‬المشبهة تعلقت بهذه الية في أن معبودهم جالس على العرش وهذا باطل‬
‫بالعقل والنقل من وجوه ‪:‬‬

‫أحدها‪ :‬أنه سبحانه وتعالى كان ول عرش ول مكان ‪ ،‬ولما خلق الخلق لم يحتج إلى مكان بل‬
‫كان غنيا عنه ‪ ،‬فهو بالصفة التي لم يزل عليها إل أن زاعم أنه لم يزل مع ال عرش‪.‬‬

‫وثانيها ‪ :‬أن الجالس على العرش ل بد وأن يكون الجزء الحاصل منه في يمين العرش غير‬
‫الحاصل في يسار العرش ‪ ،‬فيكون في نفسه مؤلفا مركبا وكل ما كان كذلك احتاج إلى المؤلف‬
‫والمركب ‪ ،‬وذلك محال‪.‬‬

‫وثالثها ‪ :‬أن الجالس على العرش إما أن يكون متمكنا من النتقال والحركة أو ل يمكنه ذلك ‪،‬‬
‫فإن كان الول فقد صار محل الحركة والسكون فيكون محدثا ل محالة ‪ ،‬وإن كان الثاني كان‬
‫كالمربوط‪.‬‬

‫ورابعها ‪ :‬هو أن معبودهم إما أن يحصل في كل مكان أو في مكان دون مكان ‪ ،‬فإن حصل في‬
‫كل مكان لزمهم أن يحصل في مكان النجاسات والقاذورات وذلك ل يقوله عاقل ‪ ،‬وإن حصل في‬
‫مكان دون مكان افتقر إلى مخصص يخصصه بذلك المكان فيكون محتاجا وهو على ال محال ))‬
‫ا هـ‪.‬‬

‫وقال الحافظ المحدث اللغوي الفقيه السيد محمد مرتضى الزبيدي الحنفي ( ‪1205‬هـ) عند شرح‬
‫كلم الغزالي (‪: )2‬‬
‫(( الستواء لو ترك على الستقرار والتمكن لزم منه كون المتمكن جسما مماسا للعرش ‪ :‬إما‬
‫مثله أو أكبر منه أو أصغر ‪ ،‬وذلك محال ‪ ،‬وما يؤدي إلى المحال فهو محال )) ما نصه (‪(( : )3‬‬
‫وتحقيقه أنه تعالى لو استقر على مكان أو حاذى مكانا لم يخل من أن يكون مثل المكان أو أكبر‬
‫منه أو أصغر منه ‪ ،‬فإن كان مثل المكان فهو إذا متشكل بأشكال المكان حتى إذا كان المكان‬
‫مربعا كان هو مربعا أو كان مثلثا كان وهو مثلثا وذلك محال‪ ،‬وإن كان أكبر من المكان فبعضه‬
‫على المكان ‪ ،‬ويشعر ذلك بأنه متجزئ وله كل ينطوي على بعض وكان بحيث ينتسب إليه‬
‫المكان بأنه ربعه أو خمسه ‪ ،‬وإن كان أصغر من ذلك المكان بقدر لم يتميز عن ذلك المكان إل‬
‫بتحديد وتتطرق إليه المساحة والتقدير ‪ ،‬وكل ما يؤدي إلى جواز التقدير على البارئ تعالى‬
‫فتجوزه (‪ )1‬في حقه كفر من معتقده‪ ،‬وكل من جاز عليه الكون بذاته على محل لم يتميز عن‬
‫ذلك المحل إل بكون (‪ ، )2‬وقبيح وصف البارئ بالكون‪ ،‬ومتى جاز عليه موازاة مكان أو‬
‫مماسته جاز عليه مباينته ‪ ،‬ومن جاز عليه المباينة والمماسة لم يكن إل حادثا ‪ ،‬وهل علمنا‬
‫حدوث العالم إل بجواز المماسة والمباينة على أجزائه ‪ .‬وقصارى الجهلة قولهم ‪:‬كيف يتصور‬
‫موجود ل في محل ؟ وهذه الكلمة تصدر عن بدع وغوائل ل يعرف غورها وقعرها إل كل‬
‫غواص على بحار الحقائق ‪ ،‬وهيهات طلب الكيفية حيث يستحيل محال‪.‬‬

‫والذي يدحض شبههم أن يقال لهم ‪ :‬قبل أن يخلق العالم أو المكان هل كان موجودا أم ل؟ فمن‬
‫ضرورة العقل أن يقول ‪:‬بلى ‪،‬فيلزمه لو صح قوله ‪ :‬ل يعلم موجود إل في مكان أحد أمرين ‪:‬‬
‫إما أن يقول‪ :‬المكان والعرش والعالم قديم ‪ ،‬وإما أن يقول ‪ :‬الرب تعالى محدث‪ ،‬وهذا مال‬
‫الجهلة الحشوية ليس القديم بالمحدث والمحدث بالقديم‪ .‬ونعوذ بال من الحيرة في الدين)) ا‬
‫هـ‪.‬‬

‫وقال أيضا ما نصه (‪ (( : )3‬فإن قيل ‪ :‬نفيه عن الجهات الست إخبار عن عدمه إذ ل عدم أشد‬
‫تحقيقا من نفي المذكور عن الجهات الست ‪ .‬قلت‪ :‬النفي عن الجهات الست ل يكون ذلك إخبارا‬
‫عن عدم ما لو كان لكان في جهة من النافي ل نفي ما يستحيل أن يكون في جهة منه ‪ ،‬أل ترى‬
‫أن من نفى نفسه عن الجهات الست ل يكون ذلك إخبارا عن عدمه لن نفسه ليست بجهة منه ‪.‬‬
‫وأما قول المعتزلة ‪ :‬القائمان بالذات يكون [كل] واحد منهما بجهة صاحبه ل محالة فالجواب‬
‫عنه‪ :‬هذا على الطلق أم بشريطة أن يكون كل واحد منهما محدودا متناهيا ؟ الول ممنوع ‪،‬‬
‫والثاني مسلم ولكن البارئ تعالى يستحيل أن يكون محدودا متناهيا‪.‬‬

‫تنبيه ‪:‬هذا المعتقد ل يخالف فيه بالتحقيق سني ل محدث ول فقيه ول غيره ول يجئ قط في‬
‫الشرع على لسان نبي التصريح بلفظ الجهة‪ ،‬فالجهة بحسب التفسير المتقدم منفية معنى ولفظا‬
‫يءٌ } ولو كان في جهة بذلك العتبار لكان له أمثال‬
‫س َكمِثْ ِلهِ شَ ْ‬
‫وكيف ل والحق يقول ‪ { :‬لَيْ َ‬
‫فضل عن مثل واحد )) انتهى كلم الزبيدي ‪.‬‬

‫وممن صرح بنفي الجلوس والستقرار على العرش في حق ال من أئمة السلف المام المجتهد‬
‫أبو حنيفة رضي ال عنه ‪ .‬فقد قال في كتابه (( الوصية )) ‪ (( :‬نقر بأن ال على العرش‬
‫استوى من غير أن يكون له حاجة إليه واستقرار عليه ‪ ،‬وهو الحافظ للعرش وغير العرش ‪،‬‬
‫فلو كان محتاجا لما قدر على إيجاد العالم وتدبيره كالمخلوق )) (‪ )1‬ا هـ ‪.‬‬

‫هـ ) في كتابه ((عارضة الحوذي ))‬ ‫(ت‪543‬‬ ‫وقال القاضي أبو بكر بن العربي المالكي الندلسي‬
‫(‪ )2‬في الرد على المبتدعة الذين يزعمون أن ال في جهة فوق العرش ‪(( :‬قالوا – أي هؤلء‬
‫ش اسْ َتوَى}‬
‫حمَنُ عَلَى ا ْلعَرْ ِ‬
‫المبتدعة – وحجتهم ظاهر قول ال تعالى ‪ { :‬ال ّر ْ‬
‫[سورة طه] قلنا‪ :‬وما العرش في العربية ؟ وما الستواء ؟ قالوا ‪ :‬كما قال ال تعالى ‪ {:‬لِ َتسْ َتوُوا‬
‫ظهُورِهِ } [ سورة الزخرف] قلنا ‪ :‬إن ال ‪ ،‬تعالى أن يمثل استواؤه على عرشه باستوائنا‬
‫علَى ُ‬
‫َ‬
‫على ظهور الركائب ‪ ،‬قالوا ‪ :‬وكما قال ‪ {:‬وَاسْ َتوَتْ عَلَى ا ْلجُو ِديّ } [سورة هود ] قلنا‪ :‬تعالى‬
‫ال أن يكون كالسفينة جرت حتى لمست فوقفت ‪ ،‬قالوا ‪ :‬وكما قال ‪ {:‬فَإِذَا اسْ َتوَيْتَ أَنتَ َومَن‬
‫ك عَلَى ا ْلفُلْكِ} [سورة المؤمنون ] قلنا ‪ :‬معاذ ال أن يكون استواؤه كاستواء نوح وقومه لن‬
‫ّمعَ َ‬
‫هذا كله استواء مخلوق بارتفاع وتمكن في مكان واتصال ملمسة ‪ ،‬وقد اتفقت المة من قبل‬
‫سماع الحديث ومن بعده على أنه ليس استواؤه على شئ من ذلك ‪ ،‬فل يضرب له المثل بشئ‬
‫من خلقه ‪ ،‬قالوا ‪ :‬قال ال عز وجل‬
‫سمَاء }[ سورة البقرة ]‬
‫ش } [ سورة السجدة ] ‪ُ } { ،‬ثمّ اسْ َتوَى إِلَى ال ّ‬
‫{ ُثمّ اسْ َتوَى عَلَى ا ْلعَرْ ِ‬
‫قلنا ‪ :‬تناقضت تارة تقول إنه على العرش فوق السماء ثم تقول إنه في السماء لقوله ‪ { :‬ءَأمِنتُم‬
‫سمَاء } [سورة الملك ] وقلت إن معناه على السماء ‪ )) . . .‬ا هـ‪ ،‬إلى ءاخر كلمه‬
‫مّن فِي ال ّ‬
‫في الرد على من أثبت الجهة‪.‬‬

‫ثم قال ‪ (( :‬والذي يجب أن يعتقد في ذلك أن ال كان ول شئ معه ثم خلق المخلوقات من‬
‫العرش إلى الفرش فلم يتعين بها ول حدث له جهة منها ول كان له مكان فيها فإنه ل يحول ول‬
‫يزول ‪ ،‬قدوس ل يتغير ول يستحيل‪ .‬وللستواء في كلم العرب خمسة عشر معنى ما بين حقيقة‬
‫ومجاز ‪ ،‬منها ما يجوز على ال فيكون معنى الية ومنها ما ل يجوز على ال بحال وهو ما إذا‬
‫كان الستواء بمعنى التمكن أو الستقرار أو التصال أو المحاذاة فإن شيئا من ذلك ل يجوز على‬
‫البارئ تعالى ول يضرب له المثال في المخلوقات ‪ ،‬وإما أن ل يفسر كما قال مالك وغيره أن‬
‫الستواء معلوم يعني مورده في اللغة)) ا هـ‪ ،‬ثم قال‪ (( :‬فتحصل لك من كلم إمام المسلمين أن‬
‫الستواء معلوم وأن ما يجوز على ال غير متعين وما يستحيل عليه هو منزه عنه )) ا هـ ‪.‬‬

‫وقال الحافظ الفقيه اللغوي تقي الدين السبكي في (( السيف الصقيل )) ما نصه (‪ (( : )1‬ومن‬
‫أطلق القعود وقال إنه لم يرد صفات الجسام قال شيئا لم تشهد به اللغة فيكون باطل وهو‬
‫كالمقر بالتجسيم المنكر له فيؤخذ بإقراره ول يفيد إنكاره )) ا هـ ‪ .‬وقال الحافظ عبد الرحمن‬
‫هـ ) في كتابه (( الباز الشهب )) ما نصه (‪ (( : )1‬الخالق‬ ‫(ت‪597‬‬ ‫بن الجوزي الحنبلي‬
‫سبحانه وتعالى ل يجوز أن يوصف بالجلوس على شئ فيفضل من ذلك الشئ لن هذه صفة‬
‫الجسام )) ا هـ‪.‬‬

‫وقال الذهبي (‪748‬هـ ) في كتابه (( الكبائر )) ما نصه (‪ (( : )2‬ولو قال إن ال جلس للنصاف‬
‫أو قام للنصاف كفر )) ا هـ‪.‬‬
‫وقال الكمال بن الهمام الحنفي في (( فتح القدير )) ما نصه (‪ (( : )3‬من قال ال جسم ل‬
‫كالجسام كفر )) ا هـ ‪.‬‬

‫هـ) في (( المنهاج القويم )) ما نصه (‪ (( : )4‬واعلم أن‬ ‫(‪947‬‬ ‫وقال الشيخ ابن حجر الهيتمي‬
‫القرافي وغيره حكوا عن الشافعي ومالك واحمد وأبي حنيفة رضي ال عنهم القول بتكفير‬
‫القائلين بالجهة والتجسيم وهم حقيقون بذلك )) ا هـ ‪.‬‬

‫وفي مختصر الفادات (‪ )5‬لبن بلبان الدمشقي الحنبلي من أهل القرن الحادي العشر تكفير من‬
‫قال إن ال في مكان أو قال إنه تعالى بكل مكان بذاته وتكفير من قال إن ال جسم أو جسم ل‬
‫كالجسام ‪ .‬ا هـ ‪.‬‬

‫) ‪ (( :‬ومن‬ ‫‪6‬‬ ‫وقال الشيخ عبد الغني النابلسي الحنفي (‪1143‬هـ) في (( الفتح الرباني )) (‬
‫اعتقد أن ال جسم قاعد فوق العرش فهو كافر وإن زعم أنه مسلم )) ا هـ ‪.‬‬

‫قال الشيخ محمد زاهد الكوثري (‪1371‬هـ) ‪ (( :‬إن القول بإثبات الجهة له تعالى كفر عند الئمة‬
‫الربعة هداة المة كما نقل عنهم العراقي على ما في (( شرح المشكاة )) لعلي القاري ))ا هـ ‪.‬‬

‫وقال العلمة المحدث الفقيه الشيخ عبد ال الهرري في كتابه (( المقالت )) ما نصه (‪: )1‬‬
‫(( قولهم إن استواء ال على العرش جلوس لكن ل كجلوسنا ويستشهدون لذلك بقول بعض‬
‫الئمة (( ل وجه ل كوجوهنا ويد ل كأيدينا وعين ل كأعيننا )) ‪.‬‬
‫والجواب عنه ‪ :‬أن الجلوس في لغة العرب ل يكون إل من صفات الجسام ‪ ،‬فالعرب ل تطلق‬
‫الجلوس إل على اتصال جسم بجسم على أن يكون أحد الجسمين له نصفان نصف أعلى ونصف‬
‫أسفل ‪ ،‬وليس للجلوس في لغة العرب معنى إل هذا ‪ ،‬وهم في هذا أثبتوا – أي الوهابية –‬
‫الجسمية ل وبعض صفاتها ول يجوز ذلك على ال لنه لو كان كذلك لكان له أمثال ل تحصى ‪،‬‬
‫فالجلوس يشترك فيه النسان والجن والملئكة والبقر والكلب والقرد والحشرات وإن اختلفت‬
‫صفات جلوسهم ‪.‬‬

‫ويقال لهم ‪ :‬أما الوجه واليد والعين فليست كذلك فإن الوجه في لغة العرب يطلق على الجسم‬
‫وعلى غير الجسم ‪ ،‬والوجه بمعنى الجسم هو هذا الجزء الذي هو مركب في ابن ءادم وفي‬
‫سائر ذوات الرواح ‪ .‬وأما معنى الوجه الذي هو غير هذا الجزء في لغة العرب فمنه الملك كما‬
‫ج َههُ }[ سورة القصص] قال ‪:‬‬
‫ك إِلّا َو ْ‬
‫يءٍ هَالِ ٌ‬
‫فسر البخاري في جامعه (‪ )2‬قوله تعالى { ُكلّ شَ ْ‬
‫(( إل ملكه )) ا هـ ‪،‬‬
‫ويطلق الوجه إذا أضيف إلى ال بمعنى ما يقرب إلى ال من العمال كالصلة والصيام وسائر‬
‫العمال الصالحة ‪ .‬ويطلق على الذات ‪ ،‬والذات بالنسبة إلى المخلوقين الجرام الكثيف أو اللطيف‬
‫كحجم النسان وحجم النور والريح هذا معنى الذات في المخلوق ‪ ،‬أما الذات إذا أضيف إلى ال‬
‫فمعناه حقيقته ل بمعنى الحجم الكثيف أو اللطيف ‪ ،‬وأما اليد فلها في لغة العرب معان منها ما‬
‫هو أجرام وأجسام ومنها ما هو غير الجرام ‪ ،‬فاليد تأتي بمعنى الجارحة التي هي مركبة في‬
‫النسان وفي البهائم ‪ ،‬وتأتي بمعنى غير الجرم كالقوة ‪ ،‬وتأتي بمعنى العهد ‪ .‬وأما العين فتطلق‬
‫في لغة العرب على الجرم كعين النسان والحيوانات ‪ ،‬وتطلق على الذهب ‪ ،‬وتطلق على‬
‫الجاسوس‪ ،‬وتطلق على الماء النابع ‪ ،‬وتطلق بمعنى الحفظ ‪ .‬وبهذا بان الفرق بين الجلوس‬
‫وبين الوجه واليد والعين ‪.‬‬

‫فلما كانت هذه اللفاظ الثلثة واردة في القرءان مضافة إلى ال كان لها معان غير الجسم‬
‫وصفات الجسم ‪ ،‬فأراد أبو حنيفة وغيره من الذين أطلقوا هذه العبارة (( ل وجه ل كوجوهنا‬
‫ويد ل كأيدينا وعين ل كأعيننا )) معاني هذه اللفاظ الثلثة التي هي غير الجسم ول هي صفة‬
‫جسم مما يليق بال كالقوة والملك والذات والحفظ كما قال المفسرون في تفسير قول ال تعالى ‪:‬‬
‫علَى عَيْنِي } [سورة طه ] قالوا ‪ :‬على حفظي‪.‬‬
‫{وَلِتُصْ َنعَ َ‬
‫ولهم – أي الوهابية – تمويه ءاخر وهو قولهم ‪ (( :‬نثبت ل ما أثبت لنفسه وننفي عنه ما نفى‬
‫عن نفسه )) ‪ ،‬يقال لهم ‪ :‬أنتم على عكس الحقيقة تثبتون ل الجسمية والحركة والسكون‬
‫والتحيز في جهة أو مكان وهذا شئ نفاه ال عن نفسه بقوله تعالى ‪:‬‬
‫ن عَلَى ا ْلعَرْشِ اسْ َتوَى‬
‫حمَ ُ‬
‫س َكمِثْ ِلهِ شَيْ ٌء }[ سورة الشورى ] تدعون أن قوله تعالى ‪{ :‬ال ّر ْ‬
‫{ لَيْ َ‬
‫} [سورة طه] أنه جلوس على العرش والجلوس صفة للنسان والجن والملئكة والبقر وسائر‬
‫البهائم والكلب والقرود وهذا تنقيص ل تعالى ‪ ،‬أما الذي تنكرونه وهو تفسير الستواء بالقهر‬
‫فهو شئ أثبته ال لنفسه بقوله {وَ ُهوَ ا ْلوَاحِدُ ا ْل َقهّارُ } [سورة الرعد] ‪ .‬لذلك جرت عادة‬
‫المسلمين أن يسموا أولدهم عبد القاهر ولم يسم أحد من المسلمين عبد الجالس ‪ .‬ويقال لهم ‪:‬‬
‫أثبت ال لنفسه الستواء الذي يليق به وهو القهر وفي معناه الستيلء ‪ .‬وقد قال شارح‬
‫القاموس‪ ،‬وأبو القاسم الصبهاني اللغوي المشهور في (( مفردات القرءان )) إن الستواء إذا‬
‫عدي بعلى كان معناه الستيلء‬
‫(‪ ، )1‬ول معنى لقول ابن العرابي إن الستيلء ل يكون إل عن سبق مغالبة ‪ ،‬فإنكم قد خرجتم‬
‫عن الستواء اللئق ل تعالى وعمدتم إلى الستواء الذي هو ل يليق به وهو الجلوس انتهى‬
‫كلم الشيخ الهرري ‪.‬‬
‫ان شاء ال تعالى يتبع‬

‫وقال الحافظ البيهقي في كتابه (( العتقاد)) ما نصه (‪ (( :)2‬يجب أن يعلم أن استواء ال‬
‫سبحانه وتعالى ليس باستواء اعتدال عن اعوجاج ول استقرار في مكان ول مماسة لشئ من‬
‫خلقه )) ا هـ ‪.‬‬
‫وقال الرازي في تفسيره ما نصه (‪ (( : )3‬أما قوله تعالى ‪ُ { :‬ثمّ اسْ َتوَى عَلَى ا ْلعَرْشِ }[سورة‬
‫العراف] فاعلم أنه ل يمكن أن يكون المراد منه كونه مستقرا على العرش‪ ،‬ويدل على فساده‬
‫وجوه عقلية ووجوه نقلية‪ ،‬أما العقلية فأمور أولها ‪ :‬أنه لو كان مستقرا على العرش لكان من‬
‫الجانب الذي يلي العرش متناهيا وإل لزم كون العرش داخل في ذاته وهو محال ‪ ،‬وكل ما كان‬
‫متناهيا فإن العقل يقضي بأنه ل يمنع أن يصير أزيد منه أو أنقص منه بذرة ‪ ،‬والعلم بهذا‬
‫الجواز ضروري‪ .‬فلو كان البارئ تعالى متناهيا من بعض الجوانب لكان ذاته قابل للزيادة‬
‫والنقصان ‪ ،‬وكل ما كان كذلك كان اختصاصه بذلك المقدار المعين بتخصيص مخصص وتقدير‬
‫مقدر‪،‬وكل ما كان كذلك فهو محدث ‪ ،‬فثبت أنه تعالى لو كان على العرش لكان من الجانب الذي‬
‫يلي العرش متناهيا ‪ ،‬ولو كان كذلك لكان محدثا وهذا محال ‪ ،‬فكونه عل العرش يجب أن يكون‬
‫محال ))ا هـ‪.‬‬

‫وقد قال المفسر اللغوي أبو حيان الندلسي (‪745‬هـ) في تفسيره ما نصه (‪ (( :)4‬وأما استواؤه‬
‫تعالى على العرش فحمله على ظاهره من الستقرار بذاته على العرش قوم‪ ،‬تعالى ال عما يقول‬
‫الظالمون والجاحدون علوا كبيرا )) اهـ‪.‬‬
‫وذكر الشيخ أبو إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي (‪476‬هـ) صاحب(( التنبيه ))عقيدة أهل‬
‫الحق فقال في كتابه ‪ (( :‬الشارة ))(‪ )1‬ما نصه ‪ (( :‬إن ال عز وجل مستو على العرش ‪ ،‬قال‬
‫ال عز وجل ‪:‬‬
‫سمَاوَاتِ وَالَرْضَ فِي سِ ّت ِة أَيّامٍ ُثمّ اسْ َتوَى عَلَى ا ْلعَرْشِ} [سورة‬
‫ق ال ّ‬
‫{ إِنّ رَ ّب ُكمُ الّل ُه الّذِي خَلَ َ‬
‫يونس ]‪ ،‬وأن استواءه ليس باستقرار ول ملصقة لن الستقرار والملصقة صفة الجسام‬
‫المخلوقة والرب عز وجل قديم أزلي ل يجوز عليه التغيير ول التبديل ول النتقال ول التحريك‬
‫))اهـ‪.‬‬

‫وقال الشيخ عز الدين عبد العزيز عبد السلم (ت‪660‬هـ ) في عقيدته المشهورة التي رد بها‬
‫على مجسمة عصره ما نصه (‪:)2‬‬
‫(( استوى على العرش المجيد على الوجه الذي قاله وبالمعنى الذي أراده ‪ ،‬استواءا منزها عن‬
‫المماسة والستقرار والتمكن والحلول والنتقال ‪ ،‬فتعالى ال الكبير المتعال عما يقول أهل الغي‬
‫والضلل ‪ ،‬بل ل يحمله العرش ‪ ،‬بل العرش وحملته محمولون بلطف قدرته)) اهـ‪.‬‬

‫وكان هؤلء المجسمة يكرهون الشيخ عز الدين لنه كان من الشاعرة _والوهابية كذلك‬
‫يكرهون الشاعرة ويضللونهم – والشاعرة عم أتباع المام أبي الحسن الشعري وهم‬
‫والماتريدية أتباع المام أبي منصور الماتريدي أهل السنة والجماعة جمهور أمة محمد صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬فصاروا أي المشبهة يحرضون السلطان الشرف ضد الشيخ فإنه كانت لهم صلة‬
‫به ‪ ،‬فقد صحبهم السلطان في صغره ‪ ،‬وعلم بذلك الشيخ العلمة جمال الدين أبو عمرو بن‬
‫الحاجب المالكي وكان عالم مذهبه في زمانه ‪ ،‬فقام بنصرة الحق وأهله وقال (‪: )3‬‬
‫((ما قاله ابن عبد السلم هو مذهب أهل الحق وأن جمهور السلف والخلف على ذلك ولم‬
‫يخالفهم فيه إل طائفة مخذولة )) اهـ‪.‬‬
‫ولم تخمد هذه الفتنة بل ظل المجسمة يعيثون في الرض فسادا حتى علم الشيخ العلمة جمال‬
‫الدين الحصيري شيخ الحنفية في زمانه بما جرى للشيخ عز الدين وكيف أن المجسمة‬
‫استنصروا على أهل السنة وعلت كلمتهم بحيث عن المجسمة صاروا إذا خلوا بأهل السنة أي‬
‫الشاعرة في المواضع الخالية يسبونهم ويضربونهم ويذمونهم – وكذا الوهابية اليوم يذمون‬
‫الشاعرة ويسبونهم ويكفرونهم – فاجتمع بالسلطان وتكلم معه في بيان عقيدة أهل السنة من‬
‫أن ال منزه عن الستقرار ول يشبهه شئ وأن كلم ال ليس بحرف ول صوت ‪ ،‬فانكسرت‬
‫المبتدعة بعض النكسار ‪ ،‬ولم يزل المر مستمرا على ذلك إلى أن اتفق وصول السلطان الملك‬
‫الكامل رحمه ال تعالى من الديار المصرية وكان اعتقاده صحيحا‪ ،‬وكان وهو بالديار المصرية‬
‫قد سمع ما جرى في دمشق للشيخ ‪ ،‬فرام الجتماع بالشيخ ابن عبد السلم فاعتذر إليه ‪،‬‬
‫وعاتب السلطان الشرف على ما صدر منه ‪،‬وهكذا ذلت رقاب المبتدعة وانقلبوا خائنين وعادوا‬
‫خاسئين ‪ ،‬وكان ذلك على يد السلطان الملك الكامل ‪ ،‬واعتذر السلطان الشرف من الشيخ وقال‬
‫(‪)1‬‬
‫(( لقد غلطنا في حق ابن عبد السلم غلطة عظيمة )) ا هـ‪.‬‬
‫فصار يطلب أن يقرأ عليه العقيدة التي أملها الشيخ ابن عبد السلم ويأمر بقراءتها في‬
‫المجالس العامة لتعم الفائدة ‪.‬‬
‫فرحم ال تعالى من عمل على نشر عقيدة أهل الحق ودافع عنها فإنها رأس مال المؤمن التي‬
‫يدخرها لخرته‪.‬‬

‫بيان‬
‫أن الئمة الربعة على التنزيه‬
‫في مسئلة الستواء‬
‫ثبت عن المام مالك رضي ال عنه ما رواه الحافظ البيهقي في كتابه (( السماء والصفات ))(‬
‫‪ ، )1‬بإسناد جيد كما قال الحافظ في‬
‫(( الفتح )) (‪ )2‬من طريق عبد ال بن وهب قال ‪ :‬كنا عند مالك بن أنس فدخل رجل فقال ‪ :‬يا‬
‫أبا عبد ال الرحمن على العرش استوى كيف استواؤه؟ قال‪ :‬فأطرق مالك وأخذته الرحضاء ثم‬
‫رفع رأسه فقال ‪ :‬الرحمن على العرش استوى كما وصف نفسه ول يقال كيف وكيف عنه‬
‫مرفوع وأنت رجل سوء صاحب بدعة أخرجوه ‪ ،‬قال ‪ :‬فأخرج الرجل ‪.‬‬

‫فقول المام مالك ‪ (( :‬وكيف عنه مرفوع )) أي ليس استواؤه على العرش كيفا أي هيئة‬
‫كاستواء المخلوقين من جلوس ونحوه ‪ .‬وقوله ‪ :‬أنت رجل سوء صاحب بدعة أخرجوه ))‪،‬‬
‫وذلك لن الرجل سأله بقوله كيف استوى ‪ ،‬ولو كان الذي حصل مجرد سؤال عن معنى هذه‬
‫الية مع اعتقاد أنها ل تؤخذ على ظاهرها ما كان اعترض عليه ‪.‬‬

‫وروى الحافظ البيهقي (‪ )3‬من طريق يحيى بن يحيى قال ‪ :‬كنا عند مالك بن أنس فجاء رجل‬
‫فقال ‪ :‬يا أبا عبد ال الرحمن على العرش استوى فكيف استوى ؟ قال ‪ :‬فأطرق مالك رأسه حتى‬
‫عله الرحضاء ثم قال ‪:‬الستواء غير مجهول‪ ،‬والكيف غير معقول واليمان به واجب والسؤال‬
‫عنه بدعة وما أراك إل مبتدعا فأمر به أن يخرج ‪ ،‬قال البيهقي ‪:‬وروي في ذلك أيضا عن ربيعة‬
‫بن عبد الرحمن أستاذ مالك بن أنس رضي ال عنهما )) ا هـ ‪.‬‬
‫قال المحدث الشيخ سلمة العزامي (‪ – )1‬من علماء الزهر ‪ : -‬قول مالك عن هذا الرجل‬
‫(( صاحب بدعة )) لن سؤاله عن كيفية الستواء يدل على أنه فهم الستواء على معناه الظاهر‬
‫الحسي الذي هو من قبيل تمكن جسم على جسم واستقراره عليه وإنما شك في كيفية هذا‬
‫الستقرار‪ .‬فسال عنها وهذا هو التشبيه بعينه الذي أشار إليه المام بالبدعة ‪ .‬ا هـ‪.‬‬

‫قلنا ‪ :‬وهذا فيمن سأل كيف استوى فما بالكم بالذي فسره بالجلوس والقعود والستقرار؟ ثم إن‬
‫المام مالكا عالم المدينة وإمام دار الهجرة نجم العلماء أمير المؤمنين في الحديث رضي ال‬
‫عنه ينفي عن ال الجهة كسائر أئمة الهدى ‪ ،‬فقد ذكر المام العلمة قاضي قضاة السكندرية‬
‫ناصر الدين بن المنير المالكي من أهل القرن السابع الفقيه المفسر النحوي الصولي الخطيب‬
‫الديب البارع في علوم كثيرة في كتابه (( المقتفى في شرف المصطفى)) لما تكلم عن الجهة‬
‫وقرر نفيها ‪ ،‬قال ‪ :‬ولهذا المعنى أشار مالك رحمه ال في قوله صلى ال عليه وسلم ‪ (( :‬ل‬
‫تفضلوني على يونس بن متى))‪ ،‬فقال مالك‪ :‬إنما خص يونس للتنبيه على التننزيه لنه صلى‬
‫ال عليه وسلم رفع على العرش ويونس عليه السلم هبط على قابوس البحر ونسبتهما مع ذلك‬
‫من حيث الجهة على الحق جل جلله نسبة واحدة ‪ ،‬ولو كان الفضل بالمكان لكان عليه الصلة‬
‫والسلم أقرب من يونس بن متى وأفضل مكانا ولما نهى عن ذلك ‪ ،‬ثم أخذ الفقيه ناصر الدين‬
‫يبين أن الفضل بالمكانة ل بالمكان )) ا هـ‪.‬‬
‫ونقل ذلك عنه أيضا المام الحافظ تقي الدين السبكي الشافعي في كتابه (( السيف الصقيل )) (‬
‫‪ )2‬والمام الحافظ محمد مرتضى الزبيدي الحنفي في (( إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء‬
‫علوم الدين )) (‪ )3‬وغيرهما ‪.‬‬
‫وأما ما يرويه سريج بن النعمان عن عبد ال بن نافع عن مالك أنه كان يقول ‪ :‬ال في السماء‬
‫وعلمه في كل مكان ‪ ،‬فغير ثابت ‪ .‬قال المام أحمد ‪ :‬عبد ال بن نافع الصائغ لم يكن صاحب‬
‫حديث وكان ضعيفا فيه ‪.‬قال ابن عدي‪ :‬يروي غرائب عن مالك ‪ ،‬وقال ابن فرحون ‪ :‬كان أصم‬
‫أميا ل يكتب ‪ .‬وراجع ترجمة سريج وابن نافع في كتب الضعفاء ‪ ،‬وبمثل هذا السند ل ينسب‬
‫إلى مثل مالك مثل هذا ‪.‬فبان مما ذكرناه أن ما تنسبه المشبهة للمام مالك تقول عليه بما لم يقل‬
‫‪.‬‬

‫وسئل المام أبو حنيفة رضي ال عنه عن الستواء فقال ‪ (( :‬من قال ل أعرف ال أفي السماء‬
‫هو أم في الرض فقد كفر )) (‪ )1‬لن هذا القول يوهم أن للحق مكانا ومن توهم أن للحق مكانا‬
‫فهو مشبه ‪ .‬وهذا القول ثابت عن المام أبي حنيفة نقله من ل يحصى كالمام ابن عبد السلم‬
‫في حل الرموز والمام تقي الدين الحصني في (( دفع شبه من شبه وتمرد )) (‪ )2‬والمام أحمد‬
‫الرفاعي في‬
‫(( البرهان المؤيد )) (‪ )3‬وغيرهم ‪.‬‬

‫وأما ما قاله المجسم ابن القيم في نونيته ‪:‬‬


‫كذلك قال النعمان وبعده يعقوب واللفاظ للنعمان من لم يقر بعرشه سبحانه فوق السماء وفوق‬
‫كل مكان ويقر أن ال فوق العرش ل يخفى عليه هواجس الذهان فهو الذي ل شك في تكفيره‬
‫ل درك من إمام زمان هو الذي في الفقه الكبر عندهم وله شروح عدة لبيان‬

‫نقول ‪ :‬إن هذا المجسم يريد أن يروج بدعته هذه بالكذب على المام أبي حنيفة رضي ال عنه ‪.‬‬
‫وهذا الفقه الكبر بين أيدينا فليراجعه من شاء‪ ،‬وغير غريب أن يكذب هذا الرجل فإنه مبتدع‬
‫داعية إلى بدعته غال فيها كل الغلو وكل مبتدع هذا شأنه ل يتوقى الكذب لينصر بدعته ‪ ،‬فهذا‬
‫(( الفقه الكبر)) (‪ )1‬فيه ‪ (( :‬وال واحد ل من طريق العدد ولكن من طريق أنه ل شريك له لم‬
‫يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ل يشبه شيئا من الشياء من خلقه ول يشبهه شئ من خلقه‬
‫)) وفيه أيضا (‪ (( :)2‬ويراه المؤمنون وهم في الجنة بأعين رؤوسهم بل تشبيه ول كيفية ول‬
‫كمية ول يكون بينه وبين خلقه مسافة )) ‪ ،‬وفي (( الوصية ))(‪ )3‬للمام ‪ (( :‬لقاء ال تعالى‬
‫لهل الجنة حق بل كيفية ول تشبيه ول جهة )) ‪ ،‬وفي (( الوصية )) (‪(( : )4‬نقر بأن ال على‬
‫العرش استوى من غير أن يكون له حاجة إليه واستقرار عليه وهو الحافظ للعرش وغير‬
‫العرش من غيراحتياج ‪ ،‬فلو كان محتاجا لما قدر على إيجاد العالم وتدبيره كالمخلوق ولو كان‬
‫محتاجا إلى الجلوس والقرار فقبل خلق العرش أين كان ال تعالى ! تعالى ال عن ذلك علوا‬
‫كبيرا ‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫وفي (( الفقه البسط ))(‪ : )5‬كان ال ول مكان كان قبل أن يخلق الخلق كان ولم يكن أين ول‬
‫خلق ول شئ وهو خالق كل شئ))‬
‫وقال أيضا ‪ (( :‬فمن قال ل أعرف ربي أفي السماء هو أم في الرض فهو كافر ‪ ،‬كذلك من قال‬
‫إنه على العرش ول أدري العرش أفي السماء أم في الرض)) ‪ ،‬اهـ‪.‬‬
‫وإنما كفر المام قائل هاتين العبارتين لنه جعل ال مختصا بجهة وحيز وكل ما هو مختص‬
‫بالجهة والتحيز فإنه محتاج محدث بالضرورة أي بل شك وليس مراده كما زعم المشبهة إثبات‬
‫أن السماء والعرش مكان ل تعالى بدليل كلمه السابق الصريح في نفي الجهة عن ال – وقد‬
‫نقلنا ذلك‪ ،-‬ومن ذلك قوله ‪(( :‬ولو كان محتاجا إلى الجلوس والقرار فقبل خلق العرش أين كان‬
‫!))‪ .‬ففي هذه إشارة من المام رضي ال عنه إلى إكفار من أطلق التشبيه والتحيز على ال كما‬
‫قال العلمة البياضي الحنفي في‬
‫) والشيخ الكوثري في ((تكملته )) (‪ )7‬وغيرهما ‪.‬‬ ‫‪6‬‬ ‫(( إشارات المرام )) (‬

‫وفي (( شرح الفقه الكبر )) (‪ )1‬لمل علي القاري ‪ (( :‬وما روي عن أبي مطيع البلخي أنه‬
‫سأل أبا حنيفة رحمه ال عمن قال ل أعرف ربي في السماء هو أم في الرض ‪ ،‬فقال قد كفر‬
‫ش اسْ َتوَى} [سورة طه ] ‪ ،‬وعرشه فوق سبع‬
‫حمَنُ عَلَى ا ْلعَرْ ِ‬
‫لن ال تعالى يقول ‪{ :‬ال ّر ْ‬
‫سمواته ‪ ،‬قلت ‪ :‬فإن قال أنه على العرش ول أدري العرش أفي السماء أم في الرض !‪،‬‬
‫قال ‪ :‬هو كافر لنه أنكر كونه في السماء فمن أنكر كونه في السماء فقد كفر لن ال تعالى في‬
‫أعلى عليين وهو يدعى من أعلى ل من أسفل )) اهـ‪.‬‬
‫والجواب أنه ذكر الشيخ المام ابن عبد السلم في كتابه (( حل الرموز)) أن المام أبا حنيفة قال‬
‫‪ (( :‬من قال ل أعرف ال تعالى في السماء هو أم في الرض كفر لن هذا القول بوهم أن للحق‬
‫مكانا ومن توهم أن للحق مكانا فهو مشبه )) اهـ‬
‫ول شك أن ابن عبد السلم من أجل العلماء وأوثقهم فيجب العتماد على نقله ل على مانقله‬
‫الشارح شارح عقيدة الطحاوي ‪ ،‬مع أن أبا مطيع رجل وضاع عند أهل الحديث كما صرح به‬
‫غير واحد)) انتهى كلم مل علي القاري ‪.‬‬

‫قال الشيخ مصطفى أبو السيف الحمامي في كتابه (( غوث العباد ببيان الرشاد ))‪ (( :‬ومن هذا‬
‫الكلم يعلم أمور منها ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن تلك المقالة ليست في (( الفقه الكبر)) ‪ ،‬وإنما نقلها عن أبي حنيفة ناقل فيكون إسنادها‬
‫إلى الفقه الكبر كذبا يراد به ترويج البدعة‪.‬‬
‫‪ -2‬أن هذا الناقل مطعون فيه بأنه وضاع ل يحل العتماد عليه في نقل يبنى عليه حكم فرعي‬
‫فضل عن أصلي فالعتماد عليه وحاله ماذكر خيانة يريد الرجل بها أن يروح بدعته ‪.‬‬
‫‪ -3‬أن هذا الناقل صرح به إمام ثقة هو ابن عبد السلم بما يكذبه عن أبي حنيفة بالنقل الذي‬
‫نقله عن هذا المام العظيم رضي ال عنه ‪،‬فاعتماد الكذاب وإغفال الثقة خيانة يراد به تأييد‬
‫بدعته وهي جرائم تكفي واحدة منها فقط لن تسقط الرجل من عداد العدول العاديين ل أقول من‬
‫عداد العلماء أو أكابر العلماء أو الئمة المجتهدين ‪ ،‬ويعظم المر إذا علمنا أن الخيانات الثلث‬
‫في نقل واحد وهو مما يرغم الناظر في كلم هذا الرجل على أن ل يثق بنقل واحد ينقله فإنه ل‬
‫فرق بين نقل ونقل ‪ ،‬فإذا ثبت خيانته في هذا جاز أن تثبت في غيره وغيره )) انتهى كلم‬
‫الحمامي ‪.‬‬

‫وأما ما نسبه المجسم ابن القيم إلى يعقوب وهو المام أبو يوسف صاحب المام أبي حنيفة‬
‫رضي ال عنهما ‪ ،‬قال الشيخ مصطفى الحمامي – من علماء الزهر ‪ (( : -‬ل شك أنه كذب‬
‫يروج به هذا الرجل بدعته )) ا هـ‬

‫وكذا قال الكوثري في (( تكملته ))(‪ . )1‬فبهذا ينتسف ما قاله المجسم ابن القيم وكذلك ما تنسبه‬
‫الوهابية إلى أبي حنيفة أنه قال ‪:‬‬
‫(( ال في السماء )) فغير ثابت ففي سنده أبو محمد بن حيان ونعيم بن حماد (‪ )2‬ونوح بن أبي‬
‫مريم أبو عصمة (‪، )3‬فالول ضعفه بلدية الحافظ العسال ‪ .‬ونعيم بن حماد مجسم‪ .‬وكذا زوج‬
‫أمه نوح ربيب مقاتل بن سليمان شيخ المجسمة ‪ .‬فنوح أفسده زوج أمه ونعيم أفسده زوج‬
‫أمه ‪ ،‬وقد ذكره كثير من أئمة أصول الدين في عداد المجسمة ‪ ،‬فأين التعويل على رواية مجسم‬
‫فيما يحتج به لمذهبه ؟!‪ ،‬قال الحافظ ابن الجوزي في (( دفع شبه التشبيه)) (‪ )4‬عن نعيم بن‬
‫حماد ‪ (( :‬قال ابن عدي (‪ : )5‬كان يضع الحاديث وسئل عنه المام أحمد فأعرض بوجهه عنه‬
‫وقال ‪ :‬حديث منكر مجهول ‪ .‬ا هـ‪.‬‬

‫فإن قالت الوهابية ‪ :‬ذكره الذهبي نقل عن البيهقي في (( السماء والصفات))‪.‬قلنا ‪ :‬رواه‬
‫) وقال ‪ (( :‬إن صحت الحكاية ))‪ ،‬فهذا يدل على عدم‬ ‫‪6‬‬ ‫البيهقي في (( السماء والصفات )) (‬
‫أمانة الذهبي في النقل حيث أغفل هذا القيد ليوهم القارئ أن القول بأن ال في السماء كلم إمام‬
‫مثل أبي حنيفة ‪.‬‬

‫قال الشيخ الكوثري في تكملته (‪(( : )1‬وقد أشار البيهقي بقوله ‪ (( :‬إن صحت الحكاية)) إلى ما‬
‫في الرواية من وجوه الخلل )) ا هـ‪.‬‬
‫على أن المام البيهقي ذكر في (( السماء والصفات )) في كثير من المواضع أن ال منزه عن‬
‫المكان والحد ومن ذلك قوله (‪: )2‬‬
‫(( واستدل بعض أصحابنا في ففي المكان عنه – تعالى – بقول النبي صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫(( أنت الظاهر فليس فوقك شئ وأنت الباطن فليس دونك شئ )) (‪ )3‬وإذا لم يكن فوقه شئ ول‬
‫دونه شئ لم يكن في مكان )) ا هـ‪.‬‬
‫وقوله (‪ (( : )4‬ومل تفرد به الكلبي وأمثاله يوجب الحد والحد يوجب الحدث لحاجة الحد على‬
‫حاد خصه به والبارئ قديم لم يزل ))‬
‫ا هـ‪.‬‬
‫وقوله (‪(( : )5‬وان ال تعالى ل مكان له )) ‪ ،‬ثم قال ‪ (( :‬فإن الحركة والسكون والستقرار من‬
‫صفات الجسام وال تعالى أحد صمد ليس كمثله شئ )) اهـ‪.‬‬

‫فوضح بعد هذا البيان الشافي أن دعوى إثبات المكان ل تعالى أخذا من كلم أبي حنيفة رضي‬
‫ال عنه افتراء عليه وتقويل له بما لم يقل ‪.‬‬

‫وقال إمامنا الشافعي رضي ال عنه لما سئل عن الستواء ‪ (( :‬ءامنت بل تشبيه وصدقت بل‬
‫تمثيل واتهمت نفسي في الدراك وأمسكت عن الخوض فيه كل المساك ))‪.‬‬

‫) والمام تقي الدين الحصني في ((دفع‬ ‫‪6‬‬ ‫ذكره المام أحمد الرفاعي في (( البرهان المؤيد)) (‬
‫شبه من شبه وتمرد )) (‪ )7‬وغيرهما كثير ‪ ،‬وقال أيضا ‪ (( :‬ءامنت بما جاء عن ال على مراد‬
‫ال وبما جاء عن رسول ال على مراد رسول ال ))‪ .‬ذكره شيخنا المحدث عبد ال الهرري في‬
‫كتابه (( الصراط المستقيم ))(‪)1‬والمام الحصني في (( دفع شبه من شبه وتمرد)) (‪ )2‬والشيخ‬
‫سلمة العزامي وغيرهم ‪ ،‬ومعناه ل على ما قد تذهب إليه الوهام والظنون من المعاني الحسية‬
‫والجسمية التي ل تجوز في حق ال تعالى‪.‬‬

‫ولما سئل عن صفات ال تعالى قال ‪ (( :‬حرام على العقول أن تمثل ال تعالى وعلى الوهام أن‬
‫تحد وعلى الظنون أن تقطع وعلى النفوس أن تفكر وعلى الضمائر أن تعمق وعلى الخواطر أن‬
‫تحيط إل ما وصف به نفسه – أي ال – على لسان نبيه صلى ال عليه وسلم ))‪ .‬اهـ‬
‫ذكره الشيخ ابن جهبل في رسالته في نفي الجهة عن ال التي رد فيها على المجسم ابن تيمية‪.‬‬

‫وقال الشافعي رضي ال عنه أيضا جامعا جميع ما قيل في التوحيد ‪ (( :‬من انتهض لمعرفة‬
‫مدبره فانتهى إلى موجود ينتهي إليه فكره فهو مشبه وإن اطمئن إلى العدم الصرف فهو معطل‬
‫وإن اطمئن لموجود واعترف بالعجز عن إدراكه فهو موحد)) رواه البيهقي وغيره‪.‬‬

‫قلنا ‪ :‬ما أدقها من عبارة وما أوسع معناها شفى فيها صدور قوم مؤمنين فرضي ال عنه‬
‫س َكمِثْ ِلهِ شَيْ ٌء } [سورة‬
‫وجزاه عنا وعن السلم خيرا وقد أخذها من قوله تعالى ‪{ :‬لَيْ َ‬
‫ضرِبُواْ لِّل ِه ا َلمْثَالَ } [سورة النحل] ‪ .‬ومن قوله تعالى‬
‫الشورى] ‪ ،‬ومن قوله عز وجل ‪ { :‬فَلَ تَ ْ‬
‫‪:‬‬
‫سمِيّا } [سورة مريم] ‪،‬ومن قوله تعالى ‪{ :‬أَفِي الّل ِه شَكّ} [سورة إبراهيم] ‪ .‬وكل‬
‫{ َهلْ َتعْ َلمُ َل ُه َ‬
‫هذا يدل على أن المام الشافعي رضي ال عنه على تنزيه ال عما يخطر في الذهان من معاني‬
‫الجسمية وصفاتها كالجلوس والتحيز في جهة وفي مكان والحركة والسكون ونحو ذلك‪ ،‬نعم فقد‬
‫روى النووي وغيره أن المام الشافعي قال ‪ (( :‬المجسم كافر )) ‪.‬‬

‫قال الشيخ المام المتكلم ابن المعلم القرشي في كتابه (( نجم المهتدي ))(‪ )1‬ما نصه ‪ (( :‬نقل‬
‫عن الشيخ المام أقضى القضاة نجم الدين في كتابه المسمى (( كفاية النبيه في شرح التنبيه ))‬
‫في قول الشيخ أبي إسحاق رضي ال عنه في باب صفة الئمة ‪:‬ول تجوز الصلة خلف كافر‬
‫لنه ل صلة له فكيف يقتدى به ))‪ .‬قال ‪ (( :‬وهذا يفهم من كفره مجمع عليه ومن كفرنا من‬
‫أهل القبلة كالقائلين بخلق القرءان وبأنه ل يعلم المعدومات قبل وجودها ومن لم يؤمن بالقدر‬
‫وكذا من يعتقد أن ال جالس على العرش كما حكاه القاضي حسين هنا عن نص الشافعي رضي‬
‫ال عنه )) ‪ .‬ا هـ‬

‫وأما ما ترويه المشبهة عن الشافعي مما هو خلف العقيدة السنية ففي سنده أمثال العشارى‬
‫وابن كادش ‪ .‬أما ابن كادش فهو أبو العز بن كادش أحمد بن عبيد ال المتوفى سنة ‪526‬هـ من‬
‫أصحاب العشارى اعترف بالوضع ‪ ،‬راجع الميزان (‪ )2‬وحكم مشله عند أهل النقد معروف ‪.‬‬
‫هـ مغفل وقد راجت‬ ‫‪452‬‬ ‫وأما العشارى فهو أبو طالب محمد بن علي العشارى المتوفى سنة‬
‫عليه العقيدة المنسوبة إلى الشافعي كذبا وكل ذلك باعتراف الذهبي نفسه في الميزان (‪ )3‬وغيره‬
‫‪ ،‬وكذا ما ينسب للشافعي‬
‫(( وصية الشافعي )) فهو رواية أبي الحسن الهكاري المعروف بوضعه كما هو معروف في‬
‫كتب الجرح والتعديل (‪ ، )4‬فاليحذر تمويهات المجسمة فإن هذا دأبهم ذكر ما يوافق هواهم وإن‬
‫كان كذبا وباطل‪.‬‬

‫وسئل المام أحمد رضي ال عنه عن الستواء فقال ‪ (( :‬استوى كما أخبر ل كما يخطر للبشر‬
‫)) ذكره المام أحمد الرفاعي في‬
‫(( البرهان المؤيد )) (‪ )5‬والمام الحصني في (( دفع شبه من شبه وتمرد ونسب ذلك على‬
‫) ‪ ،‬والرملي وغيرهم ‪.‬‬ ‫‪6‬‬ ‫السيد الجليل أحمد )) (‬

‫فانظر رحمك ال بتوفيقه إلى هذه العبارة ما ارشقها فهي اعتقاد قويم ومنهاج سليم إذ فيها‬
‫تنزيه استواء ال على العرش عما يخطر للبشر من جلوس واستقرار ومحاذاة ونحو ذلك ‪ ،‬أما‬
‫المشبهة ففسروا الستواء بما يخطر في أذهانهم في جلوس وقعود ونحو ذلك ‪ ،‬وهذا فيه دليل‬
‫على تبرئة المام أحمد رضي ال عنه من المنتسبين إليه زورا الذين يحرفون كلمة ((استوى ))‬
‫فيقولون جلس ‪ ،‬قعد ‪ ،‬استقر ‪ ،‬تعالى ال عما يقول الظالمون علوا كبيرا كالمجسم ابن تيمية‬
‫حيث صرح في (( مجموع الفتاوى )) (‪ )1‬فقال ‪:‬‬
‫((إن محمدا رسول ال يجلسه ربه على العرش معه )) ا هـ ‪ .‬وقال فيما رءاه المام أبو حيان‬
‫الندلسي بخطه‪:‬‬
‫(( إن ال يجلس على الكرسي وقد اخلى مكانا يقعد فيه رسول ال )) ا هـ كما في (( النهر‬
‫الماد )) (‪ )2‬إلى غير ذلك من تخريفاته و تحريفاته‪.‬‬

‫والمام أحمد بن حنبل رضي ال عنه من أبعد الناس عن نسبة الجسم والجهة والحد والحركة‬
‫والسكون إلى ال تعالى ‪ ،‬فقد نقل أبو الفضل التميمي رئيس الحنابلة ببغداد وابن رئيسها في‬
‫كتابه (( اعتقاد المام أحمد )) (‪ )3‬عن المام أحمد أنه قال ‪:‬‬
‫(( وأنكر أحمد على من يقول بالجسم وقال إن السماء مأخوذة من الشريعة واللغة ‪ ،‬وأهل اللغة‬
‫وضعوا هذا السم على ذي طول وعرض وسمك وتركيب وصورة وتأليف وال تعالى خارج عن‬
‫ذلك كله ‪ ،‬فلم يجز أن يسمى جسما لخروجه عن معنى الجسمية ولم يجئ في الشريعة ذلك فبطل‬
‫)) اهـ ونقله الحافظ البيهقي عنه في ((مناقب أحمد )) (‪ .)4‬ونقل أبو الفضل التميمي في كتاب‬
‫(( اعتقاد المام أحمد )) (‪ )5‬عن المام أنه قال ‪ (( :‬وال تعالى ل يلحقه تغير ول تبدل ول‬
‫تلحقه الحدود قبل خلق العرش ول بعد خلق العرش ‪ ،‬وكان ينكر‪ -‬المام أحمد – على من يقول‬
‫إن ال في كل مكان بذاته لن المكنة كلها محدودة )) ‪.‬‬

‫وبين المام الحافظ ابن الجوزي الحنبلي في كتابه (( دفع شبه التشبيه )) (‪ )1‬براءة أهل السنة‬
‫عامة والمام أحمد خاصة من مذهب المشبهة وقال‪ (( :‬وكان أحمد ل يقول بالجهة للبارئ ))‬
‫انتهى بحروفه ‪.‬‬

‫وقال القاضي بدر الدين بن جماعة في كتابه (( إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل (‪ )2‬إن‬
‫المام أحمد كان ل يقول بالجهة للبارئ تعالى ))ا هـ‪.‬‬

‫وقال المحدث الفقيه بدر الدين الزركشي في كتابه (( تشنيف المسامع )) (‪ (( : )3‬ونقل صاحب‬
‫الخصال من الحنابلة عن أحمد أنه قال عن من قال جسم ل كالجسام كفر )) اهـ‪.‬‬

‫وروى الحافظ البيهقي في مناقب أحمد عن الحاكم عن أبي عمرو بن السماك عن حنبل عن‬
‫أحمد بن حنبل تأول قول ال‬
‫ك } [سورة الفجر ] أنه جاء ثوابه ‪ ،‬ثم قال البيهقي ‪ (( :‬وهذا إسناد ل غبار عليه‬
‫{ َوجَاء رَبّ َ‬
‫))‪ .‬نقل ذلك ابن كثير في تاريخه (‪ . )4‬وقال الحافظ البيهقي أيضا في (( مناقب أحمد )) ‪:‬‬
‫(( أنبأنا الحاكم قال حدثنا أبو عمرو بن السماك قال حدثنا حنبل ابن إسحاق قال سمعت عمي أبا‬
‫عبد ال – يعني أحمد – يقول ‪(( :‬احتجوا علي يومئذ – يعني يوم نوظر في دار أمير المؤمنين‬
‫– فقالوا تجيء سورة البقرة يوم القيامة وتجيء سورة تبارك‪ ،‬فقلت لهم ‪ :‬إنما هو الثواب قال‬
‫ك } [سورة الفجر] إنما يأتي قدرته وإنما القرءان أمثال ومواعظ ‪ .‬قال‬
‫ال تعالى ‪َ { :‬وجَاء رَبّ َ‬
‫الحافظ البيهقي ‪ :‬وفيه دليل على أنه كان ل يعتقد في المجيء الذي ورد به الكتاب والنزول الذي‬
‫وردت به السنة انتقال من مكان إلى مكان كمجيء ذوات الجسام ونزولها وإنما هو عبارة عن‬
‫ظهور ءايات قدرته فإنهم لما زعموا أن القرءان لو كان كلم ال وصفة من صفات ذاته لم يجز‬
‫عليه المجيء والتيان فأجابهم أبو عبد ال بأنه إنما يجيء ثواب قراءته التي يريد إظهارها‬
‫يومئذ فعبر عن إظهاره إياه بمجيئه ‪ ،‬وهذا الذي أجابهم به أبو عبد ال ل يهتدي إليه إل الحذاق‬
‫من أهل العلم المنزهون عن التشبيه )) ا هـ‪.‬‬

‫وقال شيخنا المحدث الشيخ عبد ال الهرري (‪ (( :)1‬وهذا دليل على أن المام أحمد رضي ال‬
‫عنه ما كان يحمل ءايات الصفات وأحاديث الصفات التي توهم أن ال متحيز في مكان أو أن له‬
‫حركة وسكونا وانتقال من علو إلى سفل على ظواهرها كما يحملها ابن تيمية وأتباعه فيثبون‬
‫اعتقادا التحيز ل في المكان والجسمية ويقولون لفظا ما يموهون به على الناس ليظن بهم أنهم‬
‫منزهون ل عن مشابهة المخلوق فتارة يقولون (( بل كيف )) كما قالت الئمة وتارة يقولون ((‬
‫على ما يليق بال )) ‪ ،‬نقول ‪ :‬لو كان المام أحمد يعتقد في ال الحركة والسكون والنتقال لترك‬
‫الية على ظاهرها وحملها على المجيء بمعنى التنقل من علو وسفل كمجيء الملئكة ‪ ،‬وما فاه‬
‫بهذا التأويل )) ‪ .‬انتهى بحروفه ‪.‬‬

‫بيان‬
‫معنى استوى في لغة العرب‬

‫الستواء في كلم العرب منصرف على وجوه ‪ ،‬فيأتي بمعنى ‪:‬‬

‫‪ -1‬التمكن والستقرار ‪:‬‬

‫ومنه قوله تعالى ‪ { :‬وَاسْ َتوَتْ عَلَى ا ْلجُو ِديّ } [ سورة هود ] أي أن السفينة نوح عليه السلم‬
‫استقرت على جبل الجودي (‪. )1‬‬
‫ويقال ‪ :‬استوى الرجل على ظهر دابته أي استقر عليها ‪ ،‬قاله اللغويون وغيرهم (‪.)2‬‬

‫‪ -2‬الستقامة والعتدال ‪:‬‬

‫ومنه قوله تعالى ‪ { :‬فَاسْ َتوَى عَلَى سُو ِقهِ } [سورة الفتح ] أي الزرع ‪ ،‬والمراد بالستواء في‬
‫هذه الية الستقامة التي هي ضد العوجاج‪.‬‬

‫قال المفسر أبو حيان في تفسيره ما نصه (‪ (( : )3‬فاستوى أي تم نباته على سوقه جمع ساق‬
‫كناية عن أصوله )) ا هـ‪،‬‬
‫وقال البيضاوي في تفسيره ما نصه (‪ (( : )4‬فاستقام على قصبه جمع ساق)) ا هـ‪،‬‬
‫ومثله قال النسفي في تفسيره (‪ ، )1‬وقال القرطبي في تفسيره (‪: )2‬‬
‫(( فاستوى على سوقه ‪ :‬على عوده الذي يقوم عليه فيكون ساقا له )) ا هـ‪.‬‬

‫وقال الحافظ اللغوي محمد مرتضى الزبيدي في شرح القاموس (‪ )3‬ممزوجا بالمتن ‪:‬‬
‫علَى سُو ِق ِه }[سورة الفتح ] )) ا‬
‫(( (واستوى ‪ :‬اعتدل ) في ذاته ‪ ،‬ومنه قوله تعالى ‪{ :‬فَاسْ َتوَى َ‬
‫هـ‪ ،‬ويقال ‪ :‬استوى الشئ اعتدل (‪. )4‬‬

‫‪ -3‬التمام ‪:‬‬

‫ومنه قوله تعالى ‪ { :‬وَ َلمّا بَلَ َغ َأشُدّهُ وَاسْ َتوَى } [ سورة القصص ] ))‬
‫أي تمت قوته الجسدية ‪.‬‬

‫ففي (( القاموس )) (‪ (( : )5‬واستوى الرجل ‪ :‬بلغ أشده )) ا هـ ‪ ،‬قال الحافظ محمد مرتضى‬
‫)‪:‬‬ ‫‪6‬‬ ‫الزبيدي شارح القاموس (‬
‫(( فعلى هذا قوله تعالى ‪ { :‬وَ َلمّا َبلَغَ َأشُدّ ُه وَاسْ َتوَى } [سورة القصص ] )) ا هـ‪ ،‬وفي ((‬
‫مختار الصحاح )) ما نصه (‪: )7‬‬
‫(( واستوى الرجل ‪ :‬انتهى شبابه )) ا هـ ‪ ،‬وكذا في (( لسان العرب )) (‪ )8‬وفيه أيضا ما نصه‬
‫(‪ (( : )9‬قال الفراء ‪ :‬الستواء في كلم العرب على وجهين ‪ :‬أحدهما أن يستوى الرجل وينتهي‬
‫شبابه وقوته ‪ ))...‬ا هـ‪.‬‬
‫وقال اللغوي الفيروزابادي ما نصه (‪ { : )10‬وَ َلمّا بَلَ َغ َأشُدّهُ وَاسْ َتوَى } [ سورة القصص ] ‪،‬‬
‫قوي واشتد)) ا هـ‪.‬‬
‫‪ -4‬الستيلء أي القهر‪:‬‬

‫يقال استوى فلن على بلدة كذا إذا احتوى على مقاليد الملك واستولى عليها وحازها ‪.‬‬

‫وسيأتي مزيد تفصيل إن شاء ال تعالى لبيان أن استوى في لغة العرب تأتي بمعنى استولى في‬
‫(( فصل في إزالة شبه المانعين من تفسير الستواء بالستيلء )) عند الكلم على الشبهة‬
‫الولى ‪.‬‬

‫وقال اللغوي الفيومي في (( المصباح المنير )) ما نصه ‪ (( :‬واستوى على سرير الملك كناية‬
‫عن التملك وإن لم يجلس عليه )) اهـ ‪.‬‬

‫‪ -5‬النضج ‪:‬‬

‫وقال اللغوي الفيومي في (( المصباح المنير )) ما نصه (‪ (( : )1‬استوى الطعام أي نضج )) ا‬


‫هـ‪.‬‬

‫‪ -6‬القصد أو القبال ‪:‬‬

‫قال اللغوي الفيومي في (( المصباح المنير)) ما نصه (‪ (( : )3‬واستوى إلى العراق ‪ :‬قصد )) ا‬
‫هـ‪ ،‬والستواء بهذا المعنى قد يكون بالذات وهذا مستحيل على ال وقد يكون بالتدبير ‪.‬‬
‫وسيأتي مزيد تفصيل لذلك إن شاء ال تعالى ‪.‬‬

‫وقال ابن منظور في (( لسان العرب )) (‪: )4‬‬


‫(( تقول ‪ :‬قد بلغ المير من بلد كذا وكذا ثم استوى إلى بلد كذا معناه قصد بالستواء إليه ))‬
‫اهـ‪،‬‬
‫ثم قال ‪ (( :‬قال الفراء ‪ :‬تقول كان فلن مقبل على فلن ثم استوى علي وإلي يشاتمني على‬
‫معنى أقبل إلي وعلي )) ا هـ‪.‬‬

‫‪ -7‬التماثل والتساوي ‪:‬‬

‫وفي (( المصباح المنير )) ما نصه (‪: )1‬‬


‫(( استوى القوم في المال إذا لم يفضل منهم أحد على غيره وتساووا فيه وهم فيه سواء )) ا‬
‫هـ‪.‬‬

‫وفي (( لسان العرب )) ما نصه (‪ (( : )2‬استوى الشيئان وتساويا ‪ :‬تماثل )) ا هـ‪.‬‬

‫‪ -8‬الجلوس ‪:‬‬

‫يقال‪ :‬استوى على السرير إذا جلس عليه ‪.‬‬

‫‪ -9‬العلو ‪:‬‬

‫قال ابن منظور في (( لسان العرب )) ما نصه (‪ (( : )3‬قال الخفش ‪ :‬استوى أي عل ‪،‬تقول ‪:‬‬
‫استويت فوق الدابة وعلى ظهر البيت أي علوته )) اهـ ‪ .‬والستواء بمعنى العلو قد يكون‬
‫بالرتبة وقد يكون بالمكان وهذا مستحيل على ال ‪ ،‬وسيأتي مزيد تفصيل لذلك إن شاء ال‬
‫تعالى‪.‬‬

‫وقال اللغوي الفيروزابادي عند تعداد معنى الستواء ما نصه (‪ (( : )4‬بمعنى الركوب والستعلء‬
‫‪:‬‬
‫{ ُثمّ تَ ْذكُرُوا ِن ْع َمةَ رَ ّب ُكمْ إِذَا اسْ َتوَيْ ُتمْ } [سورة الزخرف] أي ركبتم واستعليتم )) ا هـ‪.‬‬
‫وللستواء غير ذلك من المعاني ‪ ،‬فمن أراد التوسع فليطلبها في معاجم اللغة ‪.‬‬

‫بيان‬
‫معنى استولى في لغة العرب‬

‫تأتي استولى في اللغة بمعنى ‪:‬‬

‫‪ -1‬بلوغ الغاية ‪:‬‬

‫قال ابن منظور في (( لسان العرب )) (‪ (( : )1‬استولى على المد أي بلغ الغاية ‪ ،‬ويقال استبق‬
‫الفارسان على فرسيهما إلى غاية تسابقا إليها فاستولى أحدهما على الغاية إذا سبق الخر‪،‬‬
‫ومنه قول الذبياني (‪ : )2‬سبق الجواد إذا استولى على المد‪ .‬واستيلؤه على المد أن يغلب‬
‫عليه بسبقه إليه ‪ ،‬ومن هذا يقال ‪ :‬استولى فلن على مالي أي غلبني عليه )) ا هـ‪.‬‬

‫‪ -2‬القهر ‪:‬‬

‫قال الفيومي في (( المصباح المنير )) (‪ (( : )3‬واستولى عليه ‪ :‬غلب عليه وتمكن منه )) ا‬
‫هـ‪ ،‬أي قهره وصار تحت تصرفه ‪.‬‬

‫‪ -3‬التملك ‪:‬‬

‫قال الحافظ اللغوي محمد مرتضى الزبيدي في (( تاج العروس )) (‪ (( : )4‬واستولى على الشئ‬
‫إذا صار في يده )) اهـ‪،‬‬
‫وهذا فيه أيضا معنى القهر ‪.‬‬

‫بيان‬

‫مسلك العلماء في تأويل ءاية الستواء‬

‫اعلم أن لعلماء أهل الحق مسلكان كل منهما صحيح ‪:‬‬


‫الول ‪ :‬مسلك السلف وهم من كان من أهل القرون الثلثة الولى وقرن أتباع التابعين وقرن‬
‫التابعين وقرن الصحابة وهو قرن الرسول صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬هؤلء يسمون السلف ‪،‬‬
‫والغالب عليهم أن يؤولوا اليات المتشابهة تأويل إجماليا باليمان بها واعتقاد أن لها معنى‬
‫حمَنُ‬
‫يليق بجلل ال وعظمته ليست من صفات المخلوقين بل تعيين معنى خاص كآية ‪ { :‬ال ّر ْ‬
‫ش اسْ َتوَى } [سورة طه ]وغيرها من المتشابه بأن يقولوا بل كيف أو على ما يليق‬
‫علَى ا ْلعَرْ ِ‬
‫َ‬
‫بال ‪ ،‬وهذا يقال له تأويل إجمالي ‪ ،‬أي قالوا استوى استواء يليق به مع تنزيهه عن صفات‬
‫الحوادث ‪ ،‬ونفوا الكيفية عن ال تعالى أي من غير أن يكون بهيئة ومن غير أن يكون‬
‫كالجلوس والستقرار والحركة والسكون وغيرها مما هو صفة حادثة‪ .‬هذا مسلك غالب السلف‬
‫ردوها من حيث العتقاد إلى اليات المحكمة كقول تعالى ‪:‬‬
‫يءٌ } [سورة طه ] وتركوا تعيين معنى معين لها مع نفي تشبيه ال بخلقه ‪.‬‬
‫س َكمِثْ ِلهِ شَ ْ‬
‫{لَيْ َ‬

‫قال المام الشافعي رضي ال عنه ‪(( :‬ءامنت بما جاء عن ال على مراد ال ‪ ،‬وبما جاء عن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم على مراد رسول ال )) يعني رضي ال عنه ل على ما قد‬
‫تذهب إليه الوهام والظنون من المعاني الحسية الجسمية التي ل تجوز في حق ال تعالى‪.‬‬

‫قال الحافظ البيهقي في (( السماء والصفات )) ما نصه (‪ (( : )1‬فأما الستواء فالمتقدمون من‬
‫أصحابنا رضي ال عنهم كانوا ل يفسرونه ول يتكلمون فيه كنحو مذهبهم في أمثال ذلك )) ا‬
‫هـ‪ ،‬وقال في موضع ءاخر (‪ (( : )1‬وحكينا عن المتقدمين من أصحابنا ترك الكلم في أمثال‬
‫ذلك‪ ،‬هذا مع اعتقادهم نفي الحد والتشبيه والتمثيل عن ال سبحانه وتعالى )) ا هـ ‪ ،‬ثم أسند‬
‫إلى أبي داود قوله (‪:)2‬‬
‫(( كان سفيان الثوري وشعبة وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وشريك وأبو عوانة ل يحدون ول‬
‫يشبهون ول يمثلون ‪ ،‬يروون الحديث ل يقولون كيف‪ ،‬وإذا سئلوا أجابوا بالثر‪ ،‬قال أبو داود‪:‬‬
‫وهو قولنا‪.‬قلت‪ :‬وعلى هذا مضى أكابرنا )) اهـ‪ ،‬وقال في موضع ءاخر (‪: )3‬‬
‫(( عن الوزاعي عن الزهري ومكحول قال ‪ :‬أمضوا الحاديث على ما جاءت )) اهـ ‪ ،‬ثم قال ‪:‬‬
‫((سئل الوزاعي ومالك وسفيان الثوري والليث بن سعد عن هذه الحاديث التي جاءت في‬
‫التشبيه – أي ظاهرها يوهم ذلك – فقالوا ‪ :‬أمروها كما جاءت بل كيفية ))‬
‫اهـ ‪ ،‬وقال في موضع ءاخر (‪ (( :)4‬عن سفيان ابن عيينة قال ‪ :‬كل ما وصف ال تعالى به‬
‫نفسه في كتابه فتفسيره تلوته والسكوت عليه )) اهـ‪ ،‬وقال المام مالك ‪ (( :‬الرحمن على‬
‫العرش استوى كما وصف نفسه ‪ ،‬ول يقال كيف ‪ ،‬وكيف عنه مرفوع ))‪ ،‬وفي رواية‪:‬‬
‫((الستواء غير مجهول والكيف غير معقول )) اهـ‪ ،‬رواهما البيهقي في (( السماء والصفات‬
‫)‬ ‫‪6‬‬ ‫)) (‪ ، )5‬وقال المام أحمد عندما سئل عن الستواء ‪ (( :‬استوى كما أخبر ل يخطر للبشر (‬
‫)) اهـ‪.‬‬

‫والثاني ‪ :‬مسلك الخلف وهم الذين جاءوا بعد السلف ‪ ،‬وهم يؤولونها تفصيل بتعيين معان لها‬
‫مما تقتضيه لغة العرب ول يحملونها على ظواهرها أيضا كالسلف ‪ ،‬فيقولوا استوى أي قهر ‪،‬‬
‫ومن قال استولى فالمعنى واحد أي قهر ‪ ،‬ول بأس بسلوكه ول سميا عند الخوف من تزلزل‬
‫العقيدة حفظا من التشبيه ‪.‬‬

‫قال الحافظ البيهقي في كتابه (( العتقاد )) ما نصه (‪ (( : )1‬وأصحاب الحديث فيما ورد به‬
‫الكتاب والسنة من أمثال هذا – يعني المتشابه – ولم يتكلم أحد من الصحابة والتابعين في تأويله‬
‫على قسمين ‪ :‬منهم من قبله وءامن به ولم يؤوله ووكل علمه إلى ال ونفى الكيفية والتشبيه‬
‫عنه ‪ ،‬ومنهم من قبله وءامن به وحمله على وجه يصح استعماله في اللغة ول يناقض التوحيد‪،‬‬
‫وقد ذكرنا هاتين الطريقتين في كتاب (( السماء والصفات )) التي تكلموا فيها من هذا الباب ))‬
‫اهـ‪.‬‬

‫وقال القاضي أبو بكر الباقلني (ت‪403‬هـ) في كتابه (( النصاف )) ما نصه (‪ (( : )2‬إنه تعالى‬
‫متقدس عن الختصاص بالجهات والتصاف بصفات المحدثات ‪،‬وكذلك ل يوصف بالتحول‬
‫يءٌ}‬
‫س َكمِثْ ِلهِ شَ ْ‬
‫والنتقال ول القيام ول القعود لقوله تعالى‪ { :‬لَيْ َ‬
‫[سورة الشورى] ‪ ،‬وقوله ‪ { :‬وَ َلمْ َيكُن ّلهُ ُك ُفوًا َأحَدٌ }[ سورة الخلص ] ‪،‬ولن هذه الصفات‬
‫حمَنُ عَلَى ا ْلعَرْشِ‬
‫تدل على الحدوث‪ ،‬وال تعالى يتقدس عن ذلك ‪ .‬فإن قيل أليس قد قال ‪ { :‬ال ّر ْ‬
‫اسْ َتوَى }[سورة طه ] ‪ ،‬قلنا ‪ :‬بلى قد قال ذلك‪ ،‬ونحن نطلق ذلك وأمثاله على ما جاء في الكتاب‬
‫والسنة لكن ننفي عنه أمارة الحدوث ‪ ،‬ونقول ‪ :‬استواؤه ل يشبه استواء الخلق ‪ ،‬ول نقول إن‬
‫العرش له قرار ول مكان – أي ل نقول إن العرش مكان له – لن ال تعالى كان ول مكان ‪،‬‬
‫فلما خلق المكان لم يتغير عما كان )) اهـ‪.‬‬
‫وقال البيضاوي في تفسيره (‪ُ { : )3‬ثمّ اسْ َتوَى عَلَى ا ْلعَرْشِ } [سورة العراف] استوى أمره أو‬
‫استولى ‪ ،‬وعن أصحابنا أن الستواء على العرش صفه ل بل كيف ‪ ،‬والمعنى أن له تعالى‬
‫استواء على العرش على الوجه الذي عناه منزها عن الستقرار والتمكن )) اهـ‪.‬‬

‫فالحاصل أن الذي ل يحمل اليات المتشابهة على ظاهرها بل يقول لها معان ل أعلمها تليق بال‬
‫تعالى غير هذه الظواهر مثل استواء ال على العرش له معنى غير الجلوس وغير الستقرار‬
‫غير استواء المخلوقين لكن ل أعلمه فهذا سلم‪ ،‬وهذا هو الغالب على السلف حيث ل يخوضون‬
‫بتعيين معان لها وتأويلها مع اعتقاد تنزيه ال عن الجلوس والستقرار‪ .‬وكذلك الذي يقول‬
‫استواء ال على العرش هو قهره للعرش سلم من التشبيه‪ .‬فالول هو التأويل الجمالي أي يقول‬
‫استوى استواء يليق به من غير أن يفسره بالقهر‪،‬والثاني هو التأويل التفصيلي أي يقول‬
‫استوى معناه قهر‪ ،‬فمن شاء أخذ بذالك ومن شاء أخذ بهذا‪.‬‬

‫أما الوهابية فليسوا على ما كان عليه السف ول الخلف‪ ،‬بل هم على مسلك المجسمة المشبهة ‪،‬‬
‫لن الوهابية حملوا الستواء على الستقرار ومنهم حمله على الجلوس فوقعوا في تشبيه ال‬
‫بخلقه ‪ ،‬فل يقال عنهم (( السلفيون)) أو (( السلفية ))وإن سموا أنفسهم بذلك ليخدعوا الناس‬
‫أنهم على مذهب السلف ‪ ،‬وقد علمت أن مذهب السلف إنما هو التوحيد والتنزيه دون التجسيم‬
‫والتشبيه ‪ ،‬والمبتدعة يزعمون أنهم على مذهب السلف ‪ ،‬فهم كما قال القائل ‪:‬‬

‫وكــل يــدعــي وصــل بـلـيـلى ولــيلـى ل تــقر لــهـم بــذاكـا‬

‫بيان‬

‫من تأول من علماء أهل السنة‬


‫الستواء على العرش بالستيلء والقهر‬

‫‪ -1‬اللغوي السلفي الديب أبو عبد الرحمن عبد ال بن يحيى بن المبارك (ت‪237‬هـ) ‪ ،‬كان‬
‫عارفا باللغة والنحو ‪ ،‬قال في كتابه‬
‫ن عَلَى ا ْلعَرْشِ اسْ َتوَى } [سورة طه ] ‪:‬‬
‫حمَ ُ‬
‫(( غريب القرءان وتفسيره )) ما نصه (‪ { : )1‬ال ّر ْ‬
‫استوى ‪ :‬استولى )) اهـ ‪.‬‬

‫‪ -2‬المام اللغوي أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج (ت‪311‬هـ )‬


‫قال فيه الذهبي (‪ (( :)2‬نحوي زمانه)) اهـ ‪ .‬قال في كتابه ((معاني القرءان )) ما نصه (‪: )3‬‬
‫((وقالوا ‪ :‬معنى استوى ‪:‬استولى )) اهـ ‪.‬‬

‫‪ -3‬المام أبو منصور محمد بن محمد الماتريدي الحنفي (ت‪333‬هـ) إمام أهل السنة والجماعة ‪،‬‬
‫قال في كتابه المسمى‬
‫ن عَلَى ا ْلعَرْشِ اسْ َتوَى} [سورة طه]‬
‫حمَ ُ‬
‫(( تأويلت أهل السنة )) في تفسير قوله تعالى ‪ { :‬ال ّر ْ‬
‫ما نصه (‪: )4‬‬
‫(( أو الستيلء [عليه ] وأن ل سلطان لغيره ول تدبير لحد فيه )) اهـ‪.‬‬

‫‪ -4‬الغوي أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي (ت‪340‬هـ) قال فيه الذهبي ما نصه ‪( :‬‬
‫‪)5‬‬
‫((شيخ العربية وتلميذ العلمة أبي إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج ‪ ،‬وهو منسوب إليه ))‬
‫اهـ‪،‬‬
‫) ‪ (( :‬والعلي والعالي أيضا ‪:‬القاهر الغالب‬ ‫‪6‬‬ ‫قال في كتابه (( اشتقاق أسماء ال )) ما نصه (‬
‫للشياء ‪ ،‬فقول العرب ‪ :‬عل فلن فلنا أي غلبه وقهره كما قال الشاعر ‪:‬‬

‫فــلمــا عـلـونـا واسـتـويـنـا عــلـيـهـم تــركــنـاهـم صــرعـى‬


‫لــنسر وكــاسـر‬
‫يعني غلبناهم وقهرناهم واستولينا عليهم )) اهـ‪.‬‬

‫‪ -5‬الشيخ أبو بكر أحمد الرازي الجصاص الحنفي (ت‪370‬هـ) في كتابه (( أحكام القرءان )) (‬
‫‪. )1‬‬
‫هـ ) قال في تفسيره (( النكت‬ ‫‪450‬‬ ‫‪ -6‬المفسر أبو الحسن علي بن محمد الماوردي (ت‬
‫والعيون )) ما نصه (‪: )2‬‬
‫{ ُثمّ اسْ َتوَى عَلَى ا ْلعَرْشِ } [ سورة العراف ] ‪ :‬فيه قولن ‪... :‬والثاني ‪ :‬استولى على العرش‬
‫كما قال الشاعر ‪:‬‬

‫قــد اســـتوى بشــر عـلــى الــعراق مــــــن غــير ســيـف ودم‬


‫مــهــراق )) اهــ‬

‫‪ -7‬قال الحافظ البيهقي ( ت ‪458‬هــ ) في كتابه (( السماء والصفات )) ما نصه (‪: )3‬‬
‫(( وفيما كتب إلي الستاذ أبو منصور بن أبي أيوب أن كثيرا من متأخري أصحابنا ذهبوا إلى أن‬
‫الستواء هو القهر والغلبة )) اهــ‪.‬‬

‫) في تفسره (( الوجيز )) (‪. )4‬‬ ‫(ت‪478‬‬ ‫‪ -8‬أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي‬

‫) في كتابه (( إصلح الوجوه )) (‪. )5‬‬ ‫(ت‪478‬‬ ‫‪ -9‬الشيخ الحسين بن محمد الدامغاني الحنفي‬

‫‪ -10‬إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن عبد ال الجويني الشافعي (ت ‪578‬هـ ) قال في‬
‫)‪:‬‬ ‫‪6‬‬ ‫كتابه (( الرشاد )) ما نصه ‪( :‬‬
‫(( الستواء القهر والغلبة ‪ ،‬وذلك شائع في اللغة إذ تقول ‪ :‬استوى فلن على المملك إذا احتوى‬
‫على مقاليد الملك واستعلى على الرقاب )) اهــ‪.‬‬

‫هــ ) قال في كتابه‬ ‫(ت‪478‬‬ ‫‪ -11‬المام عبد الرحمن بن محمد الشافعي المعروف بالمتولي‬
‫(( الغنية )) في دفع شبهة من منع تفسير الستواء بالقهر ما نصه (‪ : )1‬فإن قيل الستواء إذا‬
‫كان بمعنى القهر والغلبة فيقضي منازعة سابقة وذلك محال في وصفه ‪ .‬وقلنا ‪ :‬والستواء‬
‫بمعنى الستقرار يقتضي سبق الضطراب والعوجاج ‪ ،‬وذلك محال في وصفه )) اهــ‪.‬‬
‫هـ ) قال في‬ ‫(ت‪502‬‬ ‫‪ -12‬اللغوي أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الصبهاني‬
‫كتابه (( المفردات )) ما نصه (‪:)2‬‬
‫ن عَلَى‬
‫حمَ ُ‬
‫(( ومتى عدي‪ -‬أي الستواء – ب (( على )) اقتضى معنى الستيلء كقوله ‪ { :‬ال ّر ْ‬
‫ش اسْ َتوَى } [سورة طه ] )) اهــ‪.‬‬
‫ا ْلعَرْ ِ‬

‫‪ -13‬الشيخ الفقيه أبو حامد الغزالي الشافعي (ت‪505‬هــ ) قال في كتابه (( إحياء علوم الدين‬
‫)) عندما تكلم عن الستواء ما نصه (‪: )3‬‬
‫(( وليس ذلك إل بطريق القهر والستيلء )) اهــ ‪.‬‬

‫‪ -14‬المتكلم أبو المعين ميمون بن محمد النسفي الحنفي ( ت‪508‬هــ ) قال في كتابه (( تبصرة‬
‫الدلة )) بعد أن ذكر معاني الستواء وأن منها الستيلء ما نصه (‪ (( : )4‬فعلي هذا يحتمل أن‬
‫يكون المراد منه ‪ :‬استولى على العرش الذي هو أعظم المخلوقات )) اهــ‪.‬‬

‫هـ )الذي وصفه‬ ‫ت‪514‬‬ ‫‪ -15‬المام أبو نصر عبد الرحيم بن عبد الكريم بن هوازن القشيري (‬
‫الحافظ عبد الرزاق الطبسي بإمام الئمة (‪. )5‬‬
‫ن عَلَى ا ْلعَرْشِ اسْ َتوَى }[سورة‬
‫حمَ ُ‬
‫) ‪{ :‬ال ّر ْ‬ ‫‪6‬‬ ‫قال في كتابه (( التذكرة الشرقية )) ما نصه (‬
‫طه ]‪ :‬قهر وحفظ وأبقى )) اهــ ‪.‬‬

‫‪ -16‬القاضي الشيخ أبو الوليد محمد بن أحمد المالكي قاضي الجماعة بقرطبة المعروف بابن‬
‫رشد الجد (ت‪520‬هــ )‪ :‬قال ما نصه ‪:‬‬
‫(( والستواء في قوله تعالى ‪ُ { :‬ثمّ اسْ َتوَى عَلَى ا ْلعَرْشِ } [ سورة العراف] معناه استولى ))‬
‫اهــ‪ ،‬ذكره ابن الحاج المالكي في كتابه‬
‫(( المدخل )) (‪ )1‬موافقا له ومقرا لكلمه ‪.‬‬

‫‪ -17‬العلمة الفقيه الصولي أبو الثناء محمود بن زيد اللمشي الحنفي الماتريدي ( توفي في‬
‫أوائل القرن السادس الهجري ) قال ما نصه (‪:)2‬‬
‫((ووجه ذلك أن الستواء قد يذكر ويراد به الستقرار ‪ ،‬وقد يذكر ويراد به الستيلء فيحمل‬
‫على الستيلء دفعا للتناقض وإنما خص العرش بالذكر تعظيما له كما خصه بالذكر في قوله‬
‫ب ا ْلعَرْشِ ا ْل َعظِيمِ } [سورة التوبة ] وإن كان هو رب كل شئ))‪.‬‬
‫تعالى ‪{ :‬وَ ُهوَ رَ ّ‬

‫‪ -18‬الحافظ الكبير محدث الشام المؤرخ أبو القاسم علي بن الحسن ابن هبة ال ( ت‪571‬هــ)‬
‫‪ :‬قال ما نصه (‪: )3‬‬

‫خـلق الســماء كــمـا يشـا ء بــل دعــائـم مســتـقـلـة‬


‫ل لــلتـحـيـز كـي تـكــو ن لـــذاتـه جــهـة مــقـلـة‬
‫رب عـلى الــعرش اسـتـوى قــهــرا ويــنزل ل بــنـقـلـة‬

‫‪ -19‬المفسر فخر الدين الرازي الشافعي (ت‪606‬هـ) ‪ :‬قال في تفسره ما نصه (‪ (( : )4‬فثبت أن‬
‫المراد استواؤه على عالم الجسام بالقهر والقدرة والتدبير والحفظ )) اهــ‪ ،‬وقال في موضع‬
‫ءاخر ما نصه (‪ (( : )5‬قال بعض العلماء ‪ :‬المراد من الستواء الستيلء )) اهـ ‪ ،‬وقال في‬
‫) ‪ (( :‬وإذا ثبت هذا ظهر أنه ليس المراد من الستواء الستقرار ‪،‬‬ ‫‪6‬‬ ‫كتابه (( أساس التقديس (‬

‫فوجب أن يكون المراد هو الستيلء والقهر وهذا مستقيم على قانون اللغة‬
‫قال الشاعر ‪ :‬قد استوى بشر على العراق )) ا هـ‪.‬‬

‫‪ -20‬الشيخ المتكلم سيف الدين المدي الحنبلي ثم الشافعي (ت‪631‬هـ) ذكر في كتابه (( أبكار‬
‫الفكار )) (‪ )1‬أن تفسير الستواء بالستيلء والقهر هو من أحسن التأويلت وأقربها ‪.‬‬

‫‪ -21‬الشيخ عبد العزيز بن عبد السلم الشافعي (ت‪660‬هـ ) في كتابه (( الشارة إلى اليجاز ))‬
‫(‪. )2‬‬

‫‪ -22‬الشيخ الفقيه القرافي المالكي (‪( )3‬ت‪684‬هـ ) ‪.‬‬

‫هـ وقيل‬ ‫(ت‪685‬‬ ‫‪ -23‬المفسر القاضي أبو سعيد عبد ال بن عمر بن محمد البيضاوي الشافعي‬
‫ش } [سورة‬
‫‪691‬هـ ) قال في تفسيره (( أنوار التنزيل )) ما نصه (‪ُ { :)4‬ثمّ اسْ َتوَى عَلَى ا ْلعَرْ ِ‬
‫العراف ] ‪ :‬استوى أمره أو استولى )) هـ ‪.‬‬

‫‪ -24‬المفسر أبو البركات عبد ال بن أحمد النسفي (ت ‪710‬هـ وقيل ‪701‬هـ ) قال في تفسيره((‬
‫مدارك التنزيل )) ما نصه (‪: )5‬‬
‫ن عَلَى ا ْلعَرْشِ اسْ َتوَى} [سورة طه ] ‪ :‬استولى‪ ،‬عن الزجاج )) اهـ ‪.‬‬
‫حمَ ُ‬
‫{ال ّر ْ‬
‫‪ -25‬اللغوي محمد بن مكرم الفريقي المصري المعروف بابن منظور (ت‪711‬هـ) قال في كتابه‬
‫) ‪ (( :‬استوى‪:‬‬ ‫‪6‬‬ ‫(( لسان العرب )) من غير أن يتعرض لتفسير ءاية الستواء ما نصه (‬
‫استولى ‪ ،‬وظهر )) اهـ ‪.‬‬
‫هـ) ‪ :‬ذكر في كتابه (( نجم المهتدي )) معاني‬ ‫(ت‪725‬‬ ‫‪ -26‬المحدث الفقيه ابن المعلم القرشي‬
‫الستواء وأن منها الستيلء المجرد عم معنى المغالبة ‪ ،‬ولم يعترض على هذا التفسير ‪ ،‬نقله‬
‫الكوثري في تعليقه على (( السماء والصفات ))(‪.)1‬‬
‫‪ -27‬الشيخ أحمد بن يحيى بن إسماعيل بن جهبل الحلبي الشافعي (ت‪733‬هـ ) قال في رسالته‬
‫التي ألفها في نفي الجهة عن ال ردا على ابن تيمية ما نصه ‪(( :‬والستواء بمعنى الستيلء ))‬
‫اهـ ‪ ،‬نقله التاج السبكي في ((طبقاته )) (‪.)2‬‬

‫هـ ) قال في‬ ‫‪733‬‬ ‫‪ -28‬القاضي محمد بن إبراهيم الشافعي الشهير ببدر الدين بن جماعة ( ت‬
‫كتابه (( إيضاح الدليل )) ما نصه (‪: )3‬‬
‫(( فقوله تعالى ‪ { :‬اسْ َتوَى } يتعين فيه معنى الستيلء والقهر ل القعود والستقرار )) اهـ ‪.‬‬

‫‪ -29‬الشيخ أبو عبد ال محمد بن محمد العبدري المغربي المالكي المعروف بابن الحاج ( ت‬
‫هـ ) كان من أصحاب العلمة الولي العارف بال الزاهد المقرئ ابن أبي جمرة رحمه ال‬ ‫‪737‬‬

‫تعالى ونفعنا به ‪ ،‬ذكر في كتابه (( المدخل ))(‪)4‬كلم ابن رشد الجد الذي ذكرناه ءانفا مؤيدا‬
‫وموافقا له ‪.‬‬

‫‪ -30‬الفقيه شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد المؤمن الشافعي المعروف بابن اللبان (ت‬
‫‪749‬هـ ) في كتابه (( إزالة الشبهات )) (‪.)5‬‬
‫)‪.‬‬ ‫‪6‬‬ ‫هـ ) في كتابه (( المواقف )) (‬ ‫(ت‪756‬‬ ‫‪ -31‬القاضي عبد الرحمن بن أحمد اليجي‬

‫‪ -32‬المام الفقيه تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي الشافعي ( ت‪756‬هـ ) قال في كتابه ((‬
‫السيف الصقيل )) ما نصه (‪: )7‬‬
‫((فالمقدم على هذا التأويل – أي تأويل الستواء بالستيلء – لم يرتكب محذورا ول وصف ال‬
‫تعالى بما ل يجوز عليه )) اهـ ‪.‬‬

‫‪ -33‬اللغوي المفسر أحمد بن يوسف الشافعي المعروف بالسمين الحلبي (ت‪756‬هـ ) قال في‬
‫كتابه (( عمدة الحفاظ )) ما نصه (‪: )1‬‬
‫ش اسْ َتوَى } [سورة طه] ‪ :‬أي استولى )) اهـ‪.‬‬
‫حمَنُ عَلَى ا ْلعَرْ ِ‬
‫{ ال ّر ْ‬

‫‪ -34‬القاضي محمود بن أحمد القونوي الحنفي المعروف بابن السراج (ت‪770‬هـ ويقال‬
‫‪771‬هـ ) كما في كتابه (( القلئد )) (‪. )2‬‬

‫‪-35‬اللغوي مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزابادي ( ت‪817‬هـ ) قال في كتابه ((بصائر ذوي‬
‫التمييز ))عند ذكر معاني الستواء ما نصه (‪ (( : )3‬بمعنى القهر والقدر‪ { :‬اسْ َتوَى عَلَى ا ْلعَرْشِ‬
‫ن عَلَى ا ْلعَرْشِ اسْ َتوَى }[سورة طه ] )) اهـ ‪.‬‬
‫حمَ ُ‬
‫}[سورة العراف ] { ال ّر ْ‬

‫‪ -36‬الشيخ الفقيه تقي الدين الحصني الشافعي (ت‪829‬هـ ) قال في كتابه (( دفع شبه من شبه‬
‫وتمرد ))في معرض بيان معنى الستواء في اللغة ما نصه (‪ (( : )4‬ومنها الستيلء على الشئ‬
‫)) اهـ ‪.‬‬

‫‪ -37‬الفقيه الصولي كمال الدين محمد بن عبد الواحد الحنفي المعروف بابن الهمام (ت‬
‫‪861‬هـ )قال في كتابه ((المسايرة )) ما نصه‬
‫(‪ (( :)5‬أما كون المراد أنه – أي الستواء – استيلؤه على العرش فأمر جائز الرادة )) اهـ ‪.‬‬

‫‪-38‬الشيخ محمد بن سليمان الكافيجي (ت‪879‬هـ ) أحد مشايخ السيوطي قال في كتابه‬
‫(( التيسير )) ما نصه‬
‫) ‪ (( :‬أما التأويل في العرف فهو صرف اللفظ إلى بعض الوجوه ليكون ذلك موافقا للصول‬ ‫‪6‬‬ ‫(‬
‫ن عَلَى ا ْلعَرْشِ‬
‫حمَ ُ‬
‫كما إذا قال القائل ‪ :‬الظاهر أن المراد من الستواء في قوله تعالى ‪ { :‬ال ّر ْ‬
‫اسْ َتوَى}[سورة طه ] هو الستيلء بما لح لي من الدليل فذلك تأويل برأي‬
‫الشرع )) اهـ‪.‬‬

‫‪ -39‬المحدث الشيخ قاسم بن قطلوبغا الحنفي (ت‪879‬هـ ) ‪ :‬قال في حاشيته على (( المسايرة‬
‫)) ما نصه (‪(( : )1‬قال أهل الحق بأن الستواء مشترك بين معان ‪ ،‬والمعنى الليق الستيلء ))‬
‫اهـ ‪.‬‬

‫‪ -40‬الشيخ كمال الدين محمد بن محمد الشافعي المعروف بابن أبي شريف (ت‪906‬هــ )‬
‫شارح كتاب (( المسايرة)) لبن الهمام الذي مر ذكره ووافقه على التأويل باستولى (‪.)2‬‬

‫‪ -41‬قال الحافظ السيوطي الشافعي (ت ‪911‬هـ ) في كتابه (( الكنز المدفون )) (‪ )3‬ما نصه ‪:‬‬
‫(( خص – أي ال – الستواء عليه – أي العرش – وهو استواء استيلء ‪ ،‬فمن استولى على‬
‫أعظم المخلوقات استولى على ما دونه )) اهـ ‪.‬‬

‫‪ -42‬الشيخ شهاب الدين أحمد بن محمد القسطلني الشافعي (ت‪923‬هـ ) كما في شرحه على‬
‫البخاري (‪. )4‬‬

‫هـ ) كما في كتابه‬ ‫ت‪926‬‬ ‫‪ -43‬القاضي الشيخ زكريا بن محمد النصاري المصري الشافعي (‬
‫(( غاية الوصول شرح لب الصول )) (‪. )5‬‬

‫هـ ) قال في كتابه ((‬ ‫ت‪939‬‬ ‫‪ -44‬الشيخ أبو الحسن علي بن محمد المنوفي المالكي المصري (‬
‫كفاية الطالب )) (‪ ) 6‬ما نصه ‪:‬‬
‫(( معنى استوائه على عرشه أن ال تعالى استولى عليه استيلء ملك قادر قاهر ‪ ،‬ومن استولى‬
‫على أعظم الشياء كان ما دونه منطويا تحته ‪ ،‬وقيل الستواء بمعنى العلو أي علو مرتبه‬
‫ومكانة ل علو المكان )) اهـ‪.‬‬

‫‪ -45‬المفسر محمد بن مصطفى الحنفي المعروف بشيخ زاده (ت‪951‬هـ) كما في حاشيته (‪)1‬‬
‫على تفسير البيضاوي فقد قال ‪:‬‬
‫(( ول يتوهم من استوائه على العرش كونه متعمدا عليه مستقرا فوقه بحيث لول العرش لسقط‬
‫ونزل لن ذلك مستحيل في حقه تعالى لتفاق المسلمين على أنه تعالى هو الممسك للعرش‬
‫والحافظ [ له ] وأنه ل يحتاج إلى شئ مما سواه بل المراد من الستواء على العرش وال أعلم‬
‫الستيلء عليه ونفاذ التصرف ‪ ،‬وخص العرش بالستيلء عليه لنه أعظم المخلوقات ‪ ،‬قال‬
‫الشاعر ‪:‬‬

‫قــد اســتوى بشــر عــلى الــعـراق مــن غــير ســيف ودم‬


‫مــهــراق )) اهــ‬

‫هـ ) في كتابه (( القول المعتمد )) (‬ ‫(ت‪958‬‬ ‫‪ -46‬الشيخ يوسف بن عبد ال الرميوني الشافعي‬
‫‪. )2‬‬

‫هـ ) في تفسيره‬ ‫ت‪982‬‬ ‫‪ -47‬المفسر القاضي أبو السعود محمد بن محمد العمادي الحنفي (‬
‫(( إرشاد العقل السليم )) (‪.)3‬‬

‫هـ ) في كتابه (( الفواكه‬ ‫‪1126‬‬ ‫‪ -48‬الشيخ أحمد بن غنيم النفراوي المالكي الزهري (ت‬
‫الدواني )) (‪ ، )4‬قال ما نصه ‪:‬‬
‫(( استوى أي استولى بالقهر والغلة استيلء ملك قاهر وإله قادر ‪ ،‬ويلزم من استيلئه تعالى‬
‫على أعظم الشياء وأعلها استيلؤه على ما دونه )) اهـ ‪.‬‬

‫هـ ) نقل في حاشيته‬ ‫(ت‪1204‬‬ ‫‪ -49‬الشيخ المفسر سليمان بن عمر الشهير بالجمل الشافعي‬
‫على تفسير الجللين عن شيخه ما نصه (‪ (( : )5‬طريقة الخلف التأويل بتعيين محمل اللفظ‬
‫فيؤولون الستواء بالستيلء )) اهـ ‪.‬‬
‫‪ -50‬الحافظ اللغوي الفقيه محمد مرتضى الزبيدي الحنفي (ت‪1205‬هـ) قال في شرح الحياء ما‬
‫نصه (‪: )1‬‬
‫((وإذا خيف على العامة لقصور فهمهم عدم فهم الستواء إذا لم يكن بمعنى الستيلء إل‬
‫التصال ونحوه من لوازم الجسمية فل بأس بصرف فهمهم إلى الستيلء صيانة لهم من‬
‫المحذور ‪ ،‬فإنه قد ثبت إطلقه وإرادته لغة )) اهـ‪.‬‬

‫‪ -51‬الشيخ محمد الطيب بن عبد المجيد المدعو ابن كيران المالكي (ت‪1227‬هـ ) في شرحه‬
‫على ((المرشد المعين على الضروري من علم الدين (‪ )1/448‬مفسرا الستواء على العرش‬
‫بالقهر والغلبة لقوله‪:‬‬
‫فــلــما عــلـونـا واســتويــنا عـلــيـهم جــعـلـنـاهم مــرعــى‬
‫لـنـسر وطــائــر‬
‫وقوله ‪:‬‬
‫قــد اســتوى بــشر عـلـى الــعـراق مــن غــيـر ســيـف ودم‬
‫مــهــراق ))‬

‫وخص العرش لنه أعظم المخلوقات ‪ ،‬ومن استولى على أعظمها كان استيلؤه على غيره‬
‫أحرى )) اهـ ‪.‬‬

‫‪ -52‬الشيخ أحمد بن محمد المالكي الصاوي ( ت‪1241‬هـ ) كما في شرحه على جوهرة التوحيد‬
‫)) اهـ ‪.‬‬

‫‪ -53‬الشيخ إدريس بن أحمد الوزاني الفاسي المولود سنة ‪1275‬هـ في (( نشر الطيب )) (‪)3‬‬
‫قال ‪ (( :‬الستواء يطلق لغة على الستقرار على الشئ ولكن ل يحمل على ظاهره كما تقول‬
‫المشبهة بل المراد لزمه الذي هو الستيلء بالقهر والغلبة )) اهـ‪.‬‬

‫‪ -54‬المحدث أبو عبد ال محمد بن درويش الحوت البيروتي الشافعي (ت‪1276‬هـ ) قال في‬
‫رسالته‬
‫(( الدرة البهية في توحيد رب البرية ))ما نصه (‪ (( : )1‬وقد أول الخلف الستواء بالقهر‬
‫والستيلء على العرش )) اهـ ‪.‬‬

‫‪ -55‬الشيخ إبراهيم محمد البيجوري الشافعي ( ت‪1277‬هـ ) كما في شرح (‪ (( )2‬جوهرة‬


‫التوحيد)) ‪.‬‬

‫‪ -56‬الشيخ محمد علء الدين بن محمد أمين عابدين الدمشقي الحنفي (ت‪1306‬هـ) في كتابه ((‬
‫الهدية العلئية )) (‪. )3‬‬

‫قال ما نصه ‪ (( :‬وقالوا ‪ (( :‬استوى )) بمعنى استولى ‪.‬‬

‫هـ ) قال في تفسير‬ ‫‪1329‬‬ ‫‪ -57‬الشيخ محمد بن محفوظ الترمسي الندنوسي ( كان حيا سنة‬
‫قوله تعالى ‪:‬‬
‫ن عَلَى ا ْلعَرْشِ اسْ َتوَى } ‪ (( :‬فالظاهر من ذلك ليس مرادا اتفاقا‪ ،‬ثم السلف يفوضون علم‬
‫حمَ ُ‬
‫{ال ّر ْ‬
‫حقيقته على التفصيل إلى ال ‪ ،‬والخلف يؤولونه إلى أن المراد من الستواء الستيلء والملك‬
‫على حد قول الشاعر ‪:‬‬

‫قــد اســتوى بــشر عـلـى الــعـراق مــن غــيـر ســيـف ودم‬


‫مــهــراق )) اهـ‪.‬‬

‫‪ -58‬الشيخ الفقيه المفسر المتكلم محمد نووي الشافعي الجاوي (ت‪1316‬هـ ) في تفسيره (‪. )5‬‬

‫‪ -59‬شيخ الزهر في مصر الستاذ سليم البشري (ت ‪1335‬هـ ) ‪ :‬قال في فتوى له نقلها الشيخ‬
‫) ‪ (( :‬إن الستواء بمعنى‬ ‫‪6‬‬ ‫سلمة العزامي ( ت‪1376‬هـ ) في رسالته (( فرقان القرءان )) (‬
‫الستيلء كما هو رأي الخلف )) اهــ‪.‬‬

‫‪ -60‬الشيخ طاهر بن محمد الجزائري الدمشقي (ت ‪1338‬هـ ) كما في كتابه (( الجواهر‬


‫الكلمية )) (‪. )1‬‬

‫‪ -61‬الشيخ عبد المجيد الشرنوبي المصري الزهري المالكي ( ت ‪1348‬هـ ) كما في شرحه (‪)2‬‬
‫على (( تائية السلوك )) وفي‬
‫(( تقريب المعاني )) ‪.‬‬

‫هـ ) كما في كتابه (( إتحاف‬ ‫ت‪1352‬‬ ‫‪ -62‬الشيخ محمد بن محمد الخطاب السبكي الزهري (‬
‫الكائنات )) (‪. )3‬‬

‫‪ -63‬الشيخ عثمان بن حسنين بري الجعلي المالكي ( انتهى المؤلف من شرحه سنة ‪1364‬هـ)‬
‫قال في كتابه (( سراج الملوك شرح أسهل المسالك )) ما نصه ‪ (( :‬وتؤول الستواء على‬
‫العرش بالقهر والغلبة بمعنى أن ال تعالى مالك للعرش وما حواه )) ‪.‬‬

‫هـ ) ‪ :‬هو مدرس علوم القرءان والحديث‬ ‫‪1367‬‬ ‫‪ -64‬الشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني ( ت‬
‫في كلية أصول الدين في جامعة الزهر بمصر ‪ ،‬قال في كتابه (( مناهل العرفان )) طبق ما‬
‫قرره مجلس الزهر العلى في دراسة تخصص الكليات الزهرية ما نصه (‪ (( : )4‬وطائفة‬
‫المتأخرين يعينون فيقولون ‪ :‬إن المراد بالستواء هنا هو الستيلء والقهر من غير معاناة ول‬
‫تكلف لن اللغة تتسع لهذا المعنى )) اهـ ‪.‬‬

‫‪ -65‬الشيخ محمد زاهد الكوثري ( ت ‪1371‬هـ ) ‪ :‬كان وكيل مشيخة السلم بالستانة ‪ ،‬ووافق‬
‫في‬
‫(( تكملة الرد على نونية ابن القيم )) (‪ )5‬الحافظ الفقيه السبكي على تأويل الستواء بالستيلء‬
‫‪.‬‬

‫هـ ) كما في كتابه (( البراهين الساطعة )) (‪)1‬‬ ‫ت‪1367‬‬ ‫‪ -66‬الشيخ سلمة القضاعي العزامي (‬
‫‪ ،‬ورسالته (( فرقان القرءان )) (‪.)2‬‬
‫‪ -67‬كتاب العقيدة السلمية ‪ :‬التوحيد من الكتاب والسنة (‪. )3‬‬

‫‪ -68‬الشيخ إبراهيم الدسوقي وزير الوقاف سابقا ( مصر ) (‪. )4‬‬

‫‪ -69‬الشيخ حسين بن عبد الرحيم مكي في كتابه (( مذكرات التوحيد )) (‪. )5‬‬

‫) بدولة المارات العربية‬ ‫‪6‬‬ ‫‪ -70‬وكذا في كتاب (( مشروع زايد لتحفيظ القرءان الكريم )) (‬
‫المتحدة ‪.‬‬

‫‪ -71‬قال الشيخ محمد حامد ( مدرس وخطيب جامع السلطان بحماه )‬


‫في كتابه (( ردود على أباطيل )) (‪ (( : )7‬وإن استواء ال على عرشه يجري فيه مذهبان‬
‫للسلف والخلف ‪ ،‬فالسلف يفوضون معناه إلى ال تعالى مع التنزيه ‪ ،‬والخلف يؤولونه‬
‫بالستيلء على العرش وهو أعظم المكونات ‪ ،‬فهو إذن مستول على غيره بالولى من غير‬
‫استعصاء سابق ل من العرش ول من غيره )) اهـ‪.‬‬

‫‪ -72‬الشيخ عبد الكريم المدرس ( إمام وخطيب جامع الحمدي والمدرس في الحضرة الكيلنية‬
‫ببغداد ) في كتابه (( الوسيلة )) (‪. )8‬‬

‫‪ -73‬الشيخ العلمة المحدث عبد ال الهرري المعروف بالحبشي الشافعي ‪ :‬قال في شرح العقيدة‬
‫الطحاوية ما نصه (‪: )1‬‬
‫(( يفهم من الستواء القهر والستيلء إذ هو أشرف معاني الستواء ‪ ،‬وهو مما يليق بال‬
‫تعالى ‪ ،‬لنه وصف نفسه بأنه قهار ‪ ،‬فل يجوز أن يترك ما هو لئق بال تعالى إلى ما هو غير‬
‫لئق بال تعالى وهو الجلوس والتصار والستقرار )) اهــ‪.‬‬

‫بيان‬
‫أن كلمة ( ثم ) تأتي بمعنى المهلة والتراخي‬
‫كما تأتي بمعنى الخبار‬
‫قال علماء اللغة والنحو إن لفظة (( ثم )) تأتي للتراخي والمهلة وتأتي للخبار ‪ ،‬فيصح في‬
‫اللغة أن يقال ‪ :‬أنا أعطيتك يوم كذا ‪ :‬كذا وكذا ثم أعطيتك قبل ذلك كذا وكذا ‪ ،‬فإن (( ثم ))‬
‫ليست دائما للتأخر في الزمن ‪ ،‬أحيانا تأتي لذلك وأحيانا تأتي لغير ذلك ‪،‬‬
‫قال الشاعر (‪. )1‬‬
‫إن مــن ســاد ثــم ســاد أبــوه ثــم قـد ســاد قــبل ذلــك جــده‬

‫فإن (( ثم )) هنا بمعنى الخبار والمراد أن الجد وابنه وابن ابنه حصلت لهم السيادة ‪.‬‬

‫قال اللغوي الفيومي في (( المصباح المنير )) ما نصه (‪ (( : )2‬قال الخفش ‪ :‬هي بمعنى الواو‬
‫لنها استعملت فيما ل ترتيب فيه نحو‪:‬‬
‫وال ثم وال لفعلن ‪ ،‬تقول ‪ :‬وحياتك ثم وحياتك لقومن ‪ ،‬وأما في الجمل فل يلزم الترتيب بل‬
‫قد تأتي الواو نحو قوله تعالى ‪:‬‬
‫علَى مَا َي ْفعَلُونَ } [ سورة يونس ] ‪ ،‬أي وال شاهد على تكذيبهم وعنادهم ‪ ،‬فإن‬
‫شهِيدٌ َ‬
‫{ ُثمّ الّل ُه َ‬
‫شهادة ال تعالى غير حادثه‪ ،‬ومثله ‪:‬‬
‫ن الّذِينَ آمَنُوا } [سورة البلد ] )) اهـ‪.‬‬
‫ن مِ َ‬
‫{ ُثمّ كَا َ‬

‫وقال اللغوي الفيروزابادي في (( القاموس )) ما نصه (‪ (( : )3‬الثالث ‪ :‬المهلة ‪ ،‬أو قد تتخلف‬


‫كقولك أعجبني ما صنعت اليوم ثم ما صنعت أمس أعجب ‪ ،‬لن (( ثم )) فيه لترتيب الخبار ول‬
‫تراخي بين الخبارين )) اهـ ‪.‬‬

‫بيان‬

‫معنى قوله تعالى ‪:‬‬


‫{ ُثمّ اسْ َتوَى عَلَى ا ْلعَرْشِ}‬

‫علَى‬
‫سمَاوَاتِ وَالَرْضَ فِي سِ ّتةِ أَيّامٍ ُثمّ اسْ َتوَى َ‬
‫قال ال تعالى ‪{ :‬إِنّ رَ ّب ُكمُ الّلهُ الّذِي خَلَقَ ال ّ‬
‫سخّرَاتٍ بِ َأمْرِ ِه َألَ َل ُه ا ْلخَلْقُ‬
‫شمْسَ وَا ْل َقمَرَ وَال ّنجُومَ ُم َ‬
‫ش ُي ْغشِي اللّ ْيلَ ال ّنهَارَ َيطْلُ ُب ُه حَثِيثًا وَال ّ‬
‫ا ْلعَرْ ِ‬
‫ب ا ْلعَا َلمِينَ } [سورة العراف ] ‪.‬‬
‫ك الّلهُ رَ ّ‬
‫وَا َلمْ ُر تَبَارَ َ‬

‫قال أهل الحق ‪ :‬إن صفات ال تعالى أزلية وأن ال ل تحل به الحوادث أي ل تحدث له صفة لم‬
‫تكن لن حدوث الصفة يستلزم حدوث الذات ‪ ،‬وقد بينا سابقا أن (( ثم )) تأتي بمعنى المهلة أي‬
‫التأخر في الزمن كما تأتي بمعنى الترتيب في الخبار ‪ .‬فإذا كان المر كذلك فتحمل هذه الية أي‬
‫ش } على معنى يليق بال تعالى ‪ ،‬فإما أن يقال ‪ :‬استوى‬
‫قوله تعالى ‪ُ { :‬ثمّ اسْ َتوَى عَلَى ا ْلعَرْ ِ‬
‫على العرش بل كيف أي بل جلوس واستقرار ومحاذاة وغيرها من صفات الجسام ‪ ،‬وإما أن‬
‫يشتغل بتأويلها ‪ ،‬فيقال ‪ :‬من حمل كلمة ((ثم )) من أهل السنة على التراخي جعل الستواء‬
‫صفة فعل أي أن ال فعل في العرش فعل سماه استواء ل أن ذلك الفعل قائم بذات ال تعالى‬
‫لستحالة قيام الحوادث به ‪.‬‬

‫ومن حمل كلمة (( ثم )) من أهل السنة على معنى الخبار يقول إن (( ثم )) في قوله عز وجل‬
‫ش } ليست للترتيب في الحدوث والوقوع والحصول إنما هي للترتيب في‬
‫{ ُثمّ اسْ َتوَى عَلَى ا ْلعَرْ ِ‬
‫الخبار أي أن ال يخبرنا بأنه خلق السموات والرض في ستة أيام ثم يخبرنا بأنه قاهر للعرش‬
‫شهِي ٌد عَلَى مَا َي ْفعَلُونَ } [سورة‬
‫الذي هو أعظم منهما ‪ ،‬نظير ذلك قوله تعالى ‪ُ { :‬ثمّ الّلهُ َ‬
‫يونس ] ‪ ،‬مع أن شهادته أي اطلعه وعلمه أزلي ‪.‬‬

‫قال المام الماتريدي في (( تأويلته )) في تفسير قول ال تعالى ‪ُ { :‬ثمّ اسْ َتوَى عَلَى ا ْلعَرْشِ }‬
‫(( أي وقد استوى على العرش )) أي أن ال كان مستويا على العرش قبل وجود السموات‬
‫والرض ‪.‬‬

‫وهذا الذي ذهب إليه المفسر القرطبي في تفسيره فقد قال ما نصه (‪ُ { : )1‬ثمّ اسْ َتوَى إِلَى‬
‫سمَاء } [سورة البقرة ] ((ثم )) لترتيب الخبار ل لترتيب المر في نفسه )) اهـ ‪.‬وقال في‬
‫ال ّ‬
‫ش } مانصه (‪ (( : )2‬وليست (( ثم )) للترتيب‬
‫تفسير ءاية السجدة ‪ُ { :‬ثمّ اسْ َتوَى عَلَى ا ْلعَرْ ِ‬
‫وإنما هي بمعنى الواو )) اهـ ‪.‬‬
‫وقال شيخ القراء بسمرقند أبو نصر أحمد بن محمد ( توفي بعد الربعمائة ) في كتابه‬
‫(( الموضح )) عند تعداد معاني (( ثم )) ما نصه (‪ (( : )3‬وبمعنى (( قبل )) مثل قوله تعالى ‪:‬‬
‫ش } [ سورة العراف ] ‪ ،‬وقوله تعالى ‪:‬‬
‫{ ُثمّ اسْ َتوَى عَلَى ا ْلعَرْ ِ‬
‫جحِيمِ} [سورة الصافات ] ‪ ،‬وأنشد الفراء ‪:‬‬
‫ج َع ُهمْ لَِإلَى ا ْل َ‬
‫{ ُثمّ إِنّ َم ْر ِ‬
‫إن مــــن ســـاد ثــم ســاد أبــوه ثــم ســاد قــبل ذلــك جــده ))‬
‫اهــ‪.‬‬

‫وقال المفسر أبو حيان الندلسي في تفسيره (‪ (( : )4‬قال ابن عطية ‪ (( :‬ثم )) هنا لعطف الجمل‬
‫ل للترتيب )) اهــ ‪.‬‬

‫وقال القاضي بدر الدين بن جماعة في كتابه (( إيضاح الدليل )) (‪ (( : )5‬وليس (( ثم )) هنا‬
‫لترتيب ذلك بل هي من باب ترتيب الخبار وعطف بعضها على بعض )) اهـ ‪ ،‬أي ليس المراد‬
‫بالية أن ال لم يكن مستوليا على العرش ثم استولى عليه بل المراد الخبار بأن ال خلق‬
‫السموات والرض والخبار بأنه قاهر للعرش ‪.‬‬

‫وقال الشيخ سليمان الجمل في حاشيته (‪ )1‬على تفسير الجللين ما نصه ‪ (( :‬و (( ثم ))‬
‫للترتيب والخباري الذكري وليست للترتيب الزماني ‪ ،‬فإن استيلءه تعالى على العرش بالقهر‬
‫والتصرف سابق على خلق السموات والرض )) اهـ ‪.‬‬

‫وأما المجسمة كابن تيمية وأتباعه الوهابية – فحملوا كلمة (( ثم )) على التراخي ليس على‬
‫المعنى الذي قال به بعض أهل السنة ‪ ،‬بل قالوا – أي ابن تيمية والوهابية – إن الستواء صفة‬
‫فعل لكن زعموا أن الستواء حادث كان بعد أن لم يكن – وسيأتي النقل عنهم – وحتى يسلموا‬
‫بزعمهم من تشنيع أهل السنة عليهم ابتدعوا بدعة ضالة فزعموا أن صفة الفعل قديمة النوع‬
‫حادثة الحاد أي على زعمهم ل على عرشه استواءات عديدة كثيرة ل تحصى فهو لم يزل‬
‫تحدث في ذاته الحوادث أي استواءات متجددة فالتزموا بقيام الحوادث في ذات ال عز وجل ‪،‬‬
‫وسيأتي الرد عليهم إن شاء ال تعالى ‪ .‬وقولهم هذا باطل لم يقل به سني ‪ ،‬وليس لهم سلف إل‬
‫الكرامية المجسمة الذين قالوا بحلول الحوادث في ذات ال تعالى ‪ ،‬اتبعوهم في هذه البدعة‬
‫الشنيعة ‪ ،‬وهي إحدى المسائل التي كفر بها العلماء الكرامية ‪.‬‬

‫وما يروى عن ابن عباس من أنه فسر الية بالستقرار فلم يثبت عنه ‪ ،‬فقد روي ذلك من‬
‫طريق سلسلة الكذب وهي رواية محمد بن مروان وهو السدي الصغير عن الكلبي عن أبي‬
‫صالح ‪ ،‬قال الحافظ البيهقي (‪ : )2‬كلهم متروكون لظهور الكذب في رواياتهم ‪.‬‬

‫بيان‬
‫معنى قوله تعالى ‪:‬‬
‫ن عَلَى ا ْلعَرْشِ اسْ َتوَى } [سورة طه ]‬
‫حمَ ُ‬
‫{ال ّر ْ‬

‫ش اسْ َتوَى} ‪ ،‬والمدح إنما يكون‬


‫حمَنُ عَلَى ا ْلعَرْ ِ‬
‫ليعلم أن ال تبارك وتعالى تمدح بقوله ‪{ :‬ال ّر ْ‬
‫بصفة يمتاز به الممدوح عما ل يكاد يدانيه ول يساويه ول يكافئه غيره ‪ ،‬فحمل المجسمة‬
‫الستواء على الستقرار ليس مدحا في حق ال ‪ ،‬ولو استعمل لفظ الستواء على سبيل المدح‬
‫في حق من جاز عليه الستقرار فل يحمل على الستقرار ول يفهم منه كما في قول الشاعر في‬
‫بشر بن مروان ‪ [ :‬الرجز]‬

‫قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق‬

‫فليس مدح بشر بن مروان في هذا البيت من حيث إنه جالس في هذا البلد ‪ ،‬إنما المدح له لنه‬
‫استولى أي قهر وهيمن وسيطر على العراق ‪ ،‬لن الجلوس في العراق يشترك فيه النسان‬
‫الشريف والنسان القوي والنسان الدنيء والنسان الضعيف ‪ ،‬فل بد أن يفهم من الستواء ما‬
‫يليق بال تعالى ‪ ،‬فالستواء الذي أثبته القرءان ليس الستواء الذي تذهب إليه المجسمة ‪ ،‬بل‬
‫ال أراد بالستواء معنى لئقا به بل كيف ‪ ،‬فمن اكتفى بهذا فقد سلم ‪ ،‬ومن تأول الية على‬
‫معنى القهر والستواء فقد سلم أيضا ‪ ،‬ومن تأولها على معنى الجلوس أو الستقرار فقد هلك‬
‫وضل ‪.‬‬
‫قال الشيخ أبو سليمان الخطابي ( ت‪388‬هـ ) ما نصه ‪ (( :‬وليس معنى قول المسلمين ‪ :‬إن ال‬
‫استوى على العرش هو أنه مماس له أو متمكن فيه أو متحيز في جهة من جهاته ‪ ،‬لكن بائن (‬
‫س َكمِثْ ِلهِ‬
‫‪ )1‬من جميع خلقه ‪ ،‬وإنما هو خبر جاء به التوقيف فقلنا به ونفينا عنه التكييف إذ {لَيْ َ‬
‫سمِيعُ البَصِيرُ}[ سورة الشورى ] )) اهـ ‪ ،‬نقله عنه الحافظ البيهقي في كتاب‬
‫يءٌ وَ ُه َو ال ّ‬
‫شَ ْ‬
‫(( السماء والصفات )) (‪ ، )1‬وكذا قال غيره من العلماء ‪ ،‬فتنبه ‪ .‬وإنما خص العرش بالذكر‬
‫لنه أعظم المخلوقات حجما ‪.‬‬

‫بيان‬
‫معنى قول المام مالك ‪:‬‬
‫(( الستواء غير مجهول والكيف غير معقول ))‬
‫وأنه لم يثبت عنه قول ‪ (( :‬الستواء معلوم والكيفية مجهولة ))‬

‫ليعلم أنه لم يثبت عن مالك ول عن غيره من السلف بإسناد صحيح أنه قال ‪ (( :‬الستواء معلوم‬
‫والكيفية مجهولة )) ‪ ،‬وإنما الصحيح الذي رواه البيهقي في (( السماء والصفات )) (‪ )1‬من‬
‫طريق عبد ال بن وهب ويحيى بن يحيى قال البيهقي ‪ (( :‬أخبرنا أبو عبد ال ‪ ،‬أخبرني أحمد‬
‫بن محمد بن إسمعيل بن مهران ‪ ،‬ثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو ربيع ابن أخي رشدين بن سعد ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫سمعت عبد ال بن وهب يقول ‪ :‬كنا عند مالك بن أنس فدخل رجل فقال ‪ :‬يا أبا عبد ال ‪،‬‬
‫الرحمن على العرش استوى كيف استواؤه ؟ قال ‪ :‬فأطرق مالك وأخذته الرحضاء (‪ )2‬ثم رفع‬
‫رأسه فقال ‪ :‬الرحمن على العرش استوى كما وصف نفسه ‪ ،‬ول يقال كيف وكيف عنه مرفوع ‪،‬‬
‫وأنت رجل سوء صاحب بدعة أخرجوه ‪ ،‬قال ‪ :‬فأخرج الرجل ‪.‬‬

‫أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن الحارث الفقيه الصفهاني ‪ ،‬أنا أبو محمد عبد ال بن جعفر‬
‫حيان المعروف بأبي الشيخ ‪ ، ،‬ثنا أبو جعفر ابن زيرك البزي ‪ ،‬قال ‪ :‬سمعت محمد بن عمرو‬
‫بن النضر النيسابوري يقول‪ :‬سمعت يحيى بن يحيى يقول ‪ :‬كنا عند مالك بن أنس فجاء رجل‬
‫فقال ‪ :‬يا أبا عبد ال ‪ ،‬الرحمن على العرش استوى فكيف استوى ؟ قال ‪ :‬فأطرق مالك رأسه‬
‫حتى عله الرحضاء ‪ ،‬ثم قال ‪ (( :‬الستواء غير مجهول ‪ .‬والكيف غير معقول ‪ ،‬واليمان به‬
‫واجب ن والسؤال عنه بدعة ‪ ،‬وما أراك إل مبتدعا )) ‪.‬‬
‫فأمر به أن يخرج ‪ .‬وروي في ذلك أيضا عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أستاذ مالك بن أنس‬
‫رضي ال عنه تعالى عنهما )) ‪.‬اهـ ‪.‬‬

‫وأما تلك الرواية التي تنسب لمالك فليس لها إسناد صحيح ‪ ،‬وإنما يلهج بها المشبهة لنها‬
‫وافقت هواهم الذي هو التشبيه ‪ ،‬لن اعتقادهم أن استواءه كيف لكن ل نعلمه ‪ ،‬وهذا إثبات‬
‫للكيف ل تنزيه ل عن الكيف ‪.‬‬

‫وقد جود الحافظ ابن حجر في (( الفتح )) (‪ )1‬رواية ابن وهب ‪.‬‬

‫ويروى عن أم سلمة إحدى زوجات الرسول ويروى عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ومالك بن‬
‫أنس أنهم فسروا استواء ال على عرشه بقولهم ‪ :‬الستواء معلوم ول يقال كيف والكيف غير‬
‫معقول ‪.‬‬

‫ومعنى قولهم ‪ (( :‬الستواء معلوم )) معناه معلوم وروده في القرءان أي بأنه مستو على‬
‫عرشه استواء يليق به ‪ ،‬ومعنى ‪:‬‬
‫(( والكيف غير معقول )) أي الشكل والهيئة والجلوس والستقرار هذا غير معقول أي ل يقبله‬
‫العقل ول تجوز على ال لنها من صفات الجسام ‪ ،‬وسئل المام أحمد رضي ال عنه عن‬
‫الستواء فقال ‪ (( :‬استوى كما أخبر ل كما يخطر للبشر)) ‪.‬‬

‫وأما عبارة (( الكيفية مجهولة )) أو (( الكيف مجهول )) فلم تثبت بإسناد صحيح عن أحد من‬
‫السلف ‪ ،‬وهي موهمة معنى فاسدا وهو أن استواء ال على العرش هو استواء له هيئة وشكل‬
‫لكن نحن ل نعلمه وهذا خلف مراد السلف بقولهم ‪(( :‬والكيف غير معقول ))‪.‬‬
‫وهذه الكلمة كثيرة الدوران على ألسنة المشبهة والوهابية لنهم يعتقدون أن المراد بالستواء‬
‫الجلوس والستقرار أي عند أغلبهم وعند بعضهم المحاذاة فوق العرش من غير مماسة‪ ،‬ول‬
‫يدرون أن هذا هو الكيف المنفي عن ال عند السلف ‪ ،‬ول يغتر بوجود هذه العبارة في كتاب‬
‫(( إحياء علوم الدين )) ونحوه ول يريد مؤلفه الغزالي ما تفهمه المشبهة لنه مصرح في كتبه‬
‫بأن ال منزه عن الجسمية والتحيز في المكان وعن الحد والمقدار لن الحد والمقدار من صفات‬
‫المخلوق قال ال تعالى ‪َ { :‬و ُكلّ شَيْ ٍء عِندَ ُه ِب ِمقْدَارٍ }‬
‫[سورة الرعد ] ‪ .‬فالتحيز في المكان والجهة من صفات الحجم وال ليس حجما ‪.‬‬

‫وما يوجد في بعض كتب الشاعرة من هذه العبارة ‪ (( :‬الستواء معلوم والكيفية مجهولة ))‬
‫غلطة ل أساس لها عن السلف ل عن مالك ول عن غيره وهي شنيعة لنها يفهم منها المشبه‬
‫الوهابي وغيره أن الستواء كيف لكن ل نعلمه مجهول عندنا ‪ .‬وأما من أوردها من الشاعرة‬
‫فل يفهمون هذا المعنى بل يفهمون أن حقيقة الستواء غير معلوم للخلق مع تنزيههم ل عن‬
‫الجسمية والتحيز في المكان والجهة ‪ .‬إما الوهابية فإنها تقصد بها ما يناسب معتقدها من أن‬
‫ال حجم له حيز ‪ .‬والعجب منهم كيف يقولون إن الستواء على العرش حسي ثم يصفونه‬
‫بالكون مجهول ‪ .‬ولعلهم يريدون بهذا هل هو قعود على شكل تربيع أم على شكل ءاخر ‪.‬‬

‫قال الحافظ اللغوي محمد مرتضى الزبيدي في شرح (( الحياء ما نصه (‪ (( : )1‬وقال ابن اللبان‬
‫(‪ )2‬في تفسير قول مالك ‪ ،‬قوله ‪:‬‬
‫(( الكيف غير معقول )) أي كيف من صفات الحوادث ‪ ،‬وكل ما كان من صفات الحوادث فإثباته‬
‫في صفات ال تعالى ينافي ما يقتضيه العقل ‪ ،‬فيجزم بنفيه عن ال تعالى ‪ ،‬قوله ‪ (( :‬والستواء‬
‫غير مجهول )) أي أنه معلوم المعنى عند أهل اللغة ‪،‬‬
‫(( واليمان به )) على الوجه اللئق به تعالى (( واجب )) لنه من اليمان بال وبكتبه )) اهـ‪.‬‬

‫وأما معنى من قال من الئمة ‪ (( :‬أمروها كما جاءت بل كيف )) في بعض النصوص التي‬
‫ظواهرها إثبات الجسمية أو صفات الجسمية كحديث النزول ‪ :‬أي ارووا اللفظ ول تعتقدوا تلك‬
‫الظواهر التي هي من صفات الجسم‪ ،‬فالئمة مرادهم نفي الجسمية وصفاتها عن ال أي أن هذه‬
‫النصوص ليس معانيها الجسمية وصفاتها من حركة وسكون لن ال تعالى نفى الجسمية‬
‫س َكمِثْ ِلهِ شَيْ ٌء } ‪ ،‬وأراد الئمة رد تلك النصوص إلى هذه الية‬
‫وصفاتها عن نفسه بقوله ‪ { :‬لَيْ َ‬
‫المحكمة‪ ،‬أما الوهابية فيريدون بذلك إثبات الكيف ل لكن يموهون على الناس بقولهم إن هذه‬
‫النصوص محمولة على الجسمية وصفات الجسمية لكن ل نعرف كيفية تلك الكيفية ‪.‬‬

‫ولزيادة تفصيل نقول ‪ :‬مراد أهل السنة بقولهم (( بل كيف )) ليس استواء الجلوس والستقرار‬
‫والمحاذاة ‪ ،‬فالمحاذاة معناه كون الشئ في مقابل شئ ‪ ،‬فنحن حين نكون تحت سطح فنحن في‬
‫محاذاته ‪ ،‬وحين نكون في الفضاء نكون في محاذاة السماء ‪ ،‬والسماء الولى تحاذي السماء‬
‫التي فوقها ‪ ،‬والكرسي يحاذي العرش ‪ ،‬والعرش يحاذي الكرسي من تحت ‪ ،‬وال تعالى ل يجوز‬
‫عليه أن يكون هكذا على العرش محاذيا له فل يجوز أن يكون جالسا عليه ول أن يكون‬
‫مضطجعا عليه ول أن يكون في محاذاته ‪ ،‬إذ المحاذي إما أن يكون مساويا للمحاذى وإما أن‬
‫يكون أكبر منه وإما أن يكون أصغر منه ‪ ،‬وكل هذا ل يصح إل للشئ الذي له جرم ومساحة‬
‫والذي له جرم ومساحة محتاج إلى من ركبه ‪ ،‬وال منزه عن ذلك ‪.‬‬

‫قال اللغوي المفسر السمين الحلبي في (( عمدة الحفاظ )) ما نصه (‪ (( :)1‬ويقال شبه وشبه‬
‫وشبيه نحو مثل ومثل ومثيل ‪ .‬وحقيقتها في المماثلة من جهة الكيفية كاللون والطعم المشار‬
‫إليهما بقوله تعالى ‪َ { :‬وأُتُواْ ِب ِه مُ َتشَابِها } [سورة البقرة ] )) اهـ ‪.‬‬

‫قال أبو سليمان الخطابي فيما رواه عنه الحافظ البيهقي في (( السماء والصفات )) ما نصه (‪)1‬‬
‫‪ (( :‬إن الذي يجب علينا وعلى كل مسلم أن يعلمه أن ربنا ليس بذي صورة ول هيئة ‪ ،‬فإن‬
‫الصورة تقتضي الكيفية وهي عن ال وعن صفاته منفية )) اهـ ‪.‬‬

‫وقال الحافظ السيوطي في (( الكنز المدفون )) ما نصه (‪ (( : )2‬ل يقال للمعبود كيف هو ‪ ،‬لنه‬
‫يستخبر بكيف عن الهيئة والحال ‪ ،‬وال سبحانه ل هيئة له ول حال )) اهـ ‪.‬‬

‫فظهر أن الكيف من صفات المخلوقين ‪ ،‬وفيما ذكرناه رد على الوهابية الذين يقولون إن‬
‫الستواء له كيفية لكن ل نعلمها ‪.‬‬

‫وأما قول الوهابية ‪ :‬مراد مالك بقوله ‪ (( :‬الكيف غير معقول )) أي ل كيف لكن ل نعقله أي ل‬
‫نعلمه على زعمهم ‪ ،‬فهو تقول عليه ول أساس له من الصحة ‪ ،‬ويرده قول المام مالك نفسه ‪:‬‬
‫(( وكيف عنه مرفوع ))‪ ،‬وهذا ثابت عنه ‪ ،‬معناه ظاهر وواضح ‪ ،‬وهذا تصريح منه بأن الكيف‬
‫مرفوع عن ال أي منفي عن ال أي ل يوصف بالكيف أي ليس استواء ال على العرش كيفا‬
‫أي هيئة كاستواء المخلوقين من جلوس واستقرار ‪ .‬فالعجب من الوهابية عشاق التجسيم كيف‬
‫يتمسكون بقول مالك ‪ (( :‬الكيف غير معقول )) – ول حجة لهم في ذلك‪ -‬مع تحريفهم للمعنى‬
‫ويتركون قوله الخر ‪ (( :‬وكيف عنه مرفوع )) لهوى في أنفسهم ‪ ،‬فظهر بذلك بطلن قولهم (‬
‫‪ (( : )3‬إن معنى قولنا (( بدون كيف )) ليس معناه أن ل نعتقد لها كيفية بل نعتقد لها كيفية‬
‫لكن المنفي علمنا بالكيفية )) اهـ ‪.‬‬

‫وأما زجر المام مالك للرجل بقوله ‪ (( :‬أنت رجل سوء صاحب بدعة أخرجوه )) فلن الرجل‬
‫سأله بقوله ‪:‬‬
‫((كيف استوى )) أي سأله عن كيفية الستواء وقد علمت أن ال منزه عن الكيف لن الكيف‬
‫من صفات المخلوقين ‪.‬‬

‫بيان‬
‫هل الستواء صفة ذات أم صفة فعل‬

‫قال القاضي أبو بكر بن العربي المالكي الندلسي (ت‪ )543‬في (( عارضة الحوذي )) (‪:)1‬‬
‫(( وأما قوله ‪ :‬ينزل ويجيء ويأتي وما أشبه ذلك من اللفاظ التي ل تجوز على ال في ذاته‬
‫معانيها فإنها ترجع إلى أفعاله ‪ .‬وها هنا نكتة ‪ :‬وهي أن أفعالك أيها العبد إنما هي في ذاتك‬
‫وأفعال ال سبحانه ل تكون في ذاته وإنما تكون في مخلوقاته فإذا سمعت ال يقول ‪ :‬أفعل كذا‬
‫فمعناه في المخلوقات ل في الذات ‪ ،‬وقد بين ذلك الوزاعي حين سئل عن هذا الحديث – أي‬
‫حديث النزول – فقال ‪ :‬يفعل ال ما يشاء )) اهـ ‪.‬‬

‫قال ابن بطال المالكي في شرحه على (( صحيح البخاري )) ما نصه (‪(( : )2‬اختلف أهل السنة‬
‫هل الستواء صفة ذات أو صفة فعل ؟ فمن قال هو بمعنى عل جعله صفة ذات وأن ال تعالى لم‬
‫يزل مستويا بمعنى أنه لم يزل عاليا ‪ .‬ومن قال إنه صفة فعل قال إن ال تعالى فعل فعل سماه‬
‫استواء على عرشه ل أن ذلك الفعل قائم بذاته تعالى ل ستحالة قيام الحوادث به )) اهـ ‪.‬‬

‫قال الحافظ البيهقي في (( السماء والصفات )) ما نصه (‪ (( :)3‬وذهب أبو الحسن علي بن‬
‫إسماعيل الشعري إلى أن ال تعالى جل ثناؤه فعل في العرش فعل سماه استواء كما فعل في‬
‫غيره فعل سماه رزقا ونعمة أو غيرها من أفعاله ‪ .‬ثم لم يكيف الستواء إل أنه جعله من صفات‬
‫الفعل لقوله ‪ُ { :‬ثمّ اسْ َتوَى عَلَى ا ْلعَرْشِ } [سورة العراف ]‪،‬و (( ثم )) للتراخي والتراخي إنما‬
‫يكون في الفعال ‪ ،‬وأفعال ال تعالى توجد بل مباشرة منه إياها ول حركة )) اهـ ‪.‬ثم قال‬
‫البيهقي بعد أن ذكر عن بعض الشاعرة أن استوى بمعنى عل ما نصه (‪ (( )1‬قلت ‪ :‬وهو على‬
‫هذه الطريقة من صفات الذات ‪ ،‬وكلمة (( ثم )) تعلقت بالمستوى عليه ل بالستواء ‪ ،‬وهو‬
‫كقوله‪:‬‬
‫علَى مَا َي ْفعَلُونَ } [سورة يونس ] )) اهـ‪.‬‬
‫شهِيدٌ َ‬
‫{ ُثمّ الّل ُه َ‬

‫فتبين بذلك أن من قال الستواء صفة ذات فمراده الستواء العلو أي العلو المعنوي ل الحسي‬
‫بالمسافة وأما المشبهة المجسمة إذا قالوا إن الستواء صفة ذات يعنون بذلك على زعمهم أن‬
‫ال يتحرك وينتقل من مكان إلى مكان ‪ ،‬تعالى ال عن قولهم وتنزه عما يصفه هؤلء المبتدعة‪.‬‬

‫وقال المفسر أبو حيان في تفسيره (‪ (( : )2‬قال سفيان الثوري ‪ :‬فعل فعل في العرش سماه‬
‫استواء )) اهـ ‪.‬‬

‫وقال الحافظ الفقيه اللغوي تقي الدين السبكي في رده على المجسم ابن قيم الجوزية تلميذ ابن‬
‫تيمية ما نصه (‪: )3‬‬
‫((وقول ‪ُ { :‬ثمّ اسْ َتوَى عَلَى ا ْلعَرْشِ } [سورة العراف ] لحدوث العرش ل لحدوث الستواء ))‬
‫اهـ ‪،‬‬
‫ثِ كما هو مذهب‬
‫فهذا ذهاب من السبكي إلى أن الستواء وإن كان صفة فعل ‪ ،‬قديم غير حاد ٍ‬
‫السلف أبي حنيفة والبخاري وغيرهما فإنهما قال إن فعل ال صفته في الزل والمفعول‬
‫مخلوق ‪ ،‬فما أقبح ما تتوهمه الجهلة من أن معنى الية أن ال خلق السموات والرض وهو‬
‫أسفل العرش ثم ارتفع وصعد إلى العرش واستقر عليه أو في الفضاء بإزائه بل مماسة عند‬
‫بعضهم وبمماسة عند بعض ‪ ،‬وكلهما كفر وال منزه عن المرين ‪.‬‬

‫ي ُدخَانٌ} [سورة فصلت] ما‬


‫سمَاء وَهِ َ‬
‫وقال القرطبي عند تفسير قوله تعالى ‪ُ { :‬ثمّ اسْ َتوَى إِلَى ال ّ‬
‫نصه (‪: )1‬‬
‫(( والستواء من صفة الفعال على أكثر القوال )) اهـ ‪.‬‬

‫بيان‬
‫أنه ل يقال إن ال استوى بذاته‬

‫اعلم أنه لم يرد في الكتاب والسنة ول نقل عن أحد من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان‬
‫إلى يوم الدين أن ال استوى بذاته على العرش ‪ ،‬بل المجسمة هي التي زادت على قول ال عز‬
‫ن عَلَى ا ْلعَرْشِ اسْ َتوَى }[سورة طه ] لفظة بذاته ‪ ،‬وإنما اتبعوا الوهم وما ألفوه‬
‫حمَ ُ‬
‫وجل ‪{ :‬ال ّر ْ‬
‫من مشاهدة المخلوقات ‪ ،‬فقاسوا الخالق على المخلوق ‪.‬‬

‫وقد أنكر الحافظ ابن الجوزي الحنبلي على المجسمة الحنابلة الذين قالوا بذلك ‪ ،‬والمام أحمد‬
‫بريء منهم فقال في كتابه (( الباز ))‬
‫ما نصه (‪ (( : )1‬وقد حمل قوم من المتأخرين هذه الصفة على مقتضى الحس فقالوا ‪:‬‬
‫(( استوى على العرش بذاته )) وهي زيادة لم تنقل إنما فهموها من إحساسهم وهو أن‬
‫المستوي على الشئ إنما تستوي عليه ذاته ))اهـ ‪.‬‬
‫فالستواء بالذات من صفات الجسام لنه يصاحبه حركة وانتقال وتحيز فوق العرش وال منزه‬
‫عن ذلك ‪ ،‬تعالى ال عما يقول المشبهة علوا كبيرا ‪.‬‬

‫وقال المفسر أبو حيان في تفسيره (‪ (( : )2‬وأما استواؤه تعالى على العرش فحمله على ظاهره‬
‫من الستقرار بذاته على العرش قوم ‪ ،‬تعالى ال عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا ))‬
‫اهـ ‪.‬‬

‫وقال المام أبو نصر القشيري ‪ (( :‬لو كان المر على ما توهمه الجهلة من أنه استواء بالذات‬
‫لشعر ذلك بالتغير واعوجاج سابق على وقت الستواء ‪ ،‬فإن البارئ تعالى كان موجودا قبل‬
‫العرش ‪ ،‬ومن أنصف علم أن قول من يقول ‪:‬‬
‫(( العرش بالرب استوى )) أمثل من قول من يقول ‪ (( :‬الرب بالعرش استوى ))‪ ،‬فالرب إذا‬
‫موصوف بالعلو وفوقية الرتبة والعظمة منزه عن الكون في المكان وعن المحاذاة )) اهـ ‪ ،‬نقله‬
‫الحافظ محمد مرتضى الزبيدي في شرح على الحياء (‪.)1‬‬

‫ش اسْ َتوَى } [سورة طه ] فقال ‪ (( :‬الرحمن‬


‫حمَنُ عَلَى ا ْلعَرْ ِ‬
‫وسئل الشبلي عن قوله تعالى ‪ { :‬ال ّر ْ‬
‫لم يزل ‪ ،‬والعرش محدث ‪ ،‬والعرش بالرحمن استوى )) اهـ رواه القشيري في رسالته (‪. )2‬‬

‫قال القاضي بدر الدين بن جماعة في (( إيضاح الدليل )) عن الذي قال استوى بذاته ما نصه (‬
‫‪ (( :)3‬فقد ابتدع بهذه الزيادة التي لم تثبت في السنة ول عن أحد من الئمة المقتدى بهم )) ‪.‬‬
‫ولهؤلء المشبهة نقول قال الذهبي في (( سير أعلم النبلء )) ما نصه (‪:)4‬‬
‫(( فقد ذكرنا أن لفظة بذاته ل حاجة إليها وهي تشغب النفوس )) اهـ ‪.‬‬

‫ومنه تعلم أن قول المجسم ابن قيم الجوزية في كتابه المسمى (( الصواعق المرسلة )) (‪:)5‬‬
‫قول أهل السنة ‪ :‬استوى على عرشه بذاته أي ذاته فوق العرش عالية عليه )) اهـ ‪ ،‬ل أساس‬
‫له من الصحة عن أهل السنة بل هو قول المجسمة نسبه على أهل السنة زورا وبهتاناًَ ‪.‬‬

‫بيان‬
‫معنى من قال ‪ :‬ال بائن من خلقه‬

‫ينبغي أن يتنبه لمراد من قال من الئمة ‪ :‬إن ال بائن من الشياء ‪ ،‬ومن قال منهم ‪ :‬إنه تعالى‬
‫غير مباين ‪ ،‬فإنه ليس خلفا حقيقيا ‪ ،‬بل مراد من قال ‪ (( :‬بائن )) أن ال ل يشبه المخلوقات‬
‫ول يماسها ‪،‬ومراد من قال ‪ (( :‬ليس مباينا )) نفي المباينة الحسية المسافية ‪ ،‬فمن نقل كلم‬
‫من قال منهم ‪ ((.‬إنه بائن )) وحمله على المباينة المسافية والمحاذاة كابن تيمية فقد باين‬
‫الصواب وقوّل أئمة الحق ما لم يقولوه ‪ ،‬فحذار حذار ممن يحمل كلمهم على غير محمله ‪.‬‬

‫قال الحافظ البيهقي في كتابه (( السماء والصفات )) مبينا معنى من قال ‪ (( :‬ول مباين عن‬
‫العرش )) ما نصه (‪: )1‬‬
‫(( يريد به مباينة الذات التي هي بمعنى العتزال أو التباعد ‪ ،‬لن المماسة والمباينة التي هي‬
‫ضدها ‪ ،‬والقيام والقعود‪ ،‬من اوصاف الجسام وال عز وجل أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن‬
‫له كفوا أحد ‪ ،‬فل يجوز عليه ما يجوز على الجسام ‪ ،‬تبارك وتعالى )) اهـ ‪.‬‬

‫وقال أيضا (‪ (( : )2‬وليست البينونة بالعزلة ‪ ،‬تعالى ال ربنا عن الحلول والمماسة علوا كبيرا‬
‫)) اهـ ‪.‬‬

‫بيان‬
‫أنه لم يصح عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪ (( :‬الكرسي موضع قدميه ))‬

‫من القواعد المهمة التي ينبغي معرفتها أن الصفة ل ل تثبت بقول صحابي ول تابعي إل بما‬
‫صح من الحاديث النبوية المرفوعة المتفق على توثيق رواتها ‪ ،‬فل يحتج بالضعيف ول‬
‫بالمختلف في توثيق رواته ‪ .‬فمن هنا يعلم أن الحديث الذي يروى عن ابن عباس مرفوعا ‪:‬‬
‫(( كرسيه موضع قدميه )) والذي تلهث المجسمة في ذكره لثبات بزعمهم قدمين ل يضعهما‬
‫على الكرسي ‪ ،‬لم يثبت لنه حديث ضعيف كما نص على ذلك الحفاظ‪.‬‬

‫قال الذهبي في (( الميزان )) في ترجمة شجاع بن مخلد الغلّس ما نصه (‪(( : )1‬أخطأ شجاع‬
‫في رفعه )) اهـ‪.‬‬
‫وقال الحافظ ابن حجر في (( التقريب )) ما نصه (‪ (( : )2‬صدوق ‪ ،‬وهم في حديث واحد رفعه‬
‫وهو موقوف‪ ،‬فذكره بسببه العقيلي )) اهـ ‪.‬‬

‫وقال الحافظ ابن الجوزي في (( الباز الشهب )) ما نصه (‪(( : )3‬رواه جماعة من الثبات‬
‫فوقفوه على ابن عباس ورفعه منهم شجاع بن مخلد ‪ ،‬فعلم بمخالفته الكبار المتقنين أنه قد غلط‬
‫‪ ،‬ومعنى الحديث ‪ :‬أن الكرسي صغير بالضافة إلى العرش كمقدار كرسي يكون عند سرير قد‬
‫وضع لقدمي القاعد على السرير )) اهـ ‪ .‬أي أن الكرسي حجمه صغير بالنسبة للعرش ‪.‬‬

‫وقد روى البيهقي (‪ )4‬عن ابن عباس ‪ :‬الكرسي موضع القدمين )) من غير إضافة ‪ ،‬وكذا قاله‬
‫أبو موسى الشعري من غير إضافة أي لم يقول ‪ (( :‬قدميه )) بهاء الضمير ‪ ،‬قال البيهقي في‬
‫(( السماء والصفات )) ما نصه (‪ (( : )1‬وتأويله عند أهل النظر‪ :‬مقدار الكرسي من العرش‬
‫كمقدار كرسي يكون عند سرير قد وضع لقدمي القاعد على السرير ‪ ،‬فيكون السرير أعظم قدرا‬
‫من الكرسي الموضوع دونه موضعا للقدمين ‪ ،‬والخبر موقوف ل يصح رفعه إلى النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم )) اهـ ‪.‬‬

‫قال الحافظ السيوطي في تفسيره (‪ (( : )2‬هذا على سبيل الستعارة ‪،‬تعالى ال عن التشبيه ‪،‬‬
‫ويوضحه ما أخرجه ابن جرير عن الضحاك قال ‪ :‬كرسيه الذي يوضع تحت العرش الذي تجعل‬
‫الملوك عليه أقدامهم )) اهـ ‪.‬‬

‫فليس ل تعالى صفة القدمين يضعهما على الكرسي ولم يثبت عن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫في ذلك شئ ‪ ،‬فالعجب من المجسمة كيف يقولون إن ال يضع قدميه على الكرسي ول مستند‬
‫لهم من ءاية أو حديث ‪ ،‬ولو ثبت أن الكرسي موضع القدمين لكان معناه أن الكرسي صغير‬
‫بالنسبة للعرش ‪ ،‬وعلى هذا يحمل ما جاء عن ابن عباس ‪.‬‬

‫بيان‬
‫أن الوهابية يقولون صفات ال مخلوقة‬
‫وأن ال تحل في ذاته الحوادث والعياذ بال تعالى‬
‫وأن الستواء صفة مخلوقة ‪ ،‬تعالى ال عن قولهم‬

‫اتفق أهل السنة والجماعة أن ال سبحانه وتعالى أزلي ‪ ،‬واتفقوا أيضا على أن صفاته أزلية‬
‫بأزلية الذات لن حدوث الصفة يستلزم حدوث الذات ‪ ،‬واتفقوا أيضا أن ذات ال عز وجل ل تحل‬
‫به الحوادث ‪ ،‬وخالف في ذلك الكرامية المبتدعة فقالوا إن ال تحدث في ذاته الحوادث واتبعهم‬
‫ابن تيمية شبرا بشبر ثم جاء الوهابية وأخذوا هذه العقيدة من ابن تيمية ‪.‬‬

‫وقد رد أهل السنة على الكرامية وفضحوهم نصره للحق ولتحذير الناس منهم ومن كان على‬
‫معتقدهم ‪ ،‬فقد ذكر ابن التلمساني شيئا من معتقدات الكرامية الفاسدة التي تبناها ابن تيمية ‪،‬‬
‫فقال الشيخ شرف الدين ابن التلمساني في شرح لمع الدلة للجويني ما نصه (‪:)1‬‬
‫(( وخالف إجماع المة طائفة نبغوا من سجستان لقبوا بالكرامية نسبة على محمد بن كرام ‪،‬‬
‫وزعموا أن الحوادث تطرأ يعني تتجدد على ذات ال ‪ ،‬تعالى عن قولهم ‪ ،‬وهذا المذهب نظير‬
‫مذهب المجوس ‪ .‬ووجه مضاهاته لمذهب المجوس أن طائفة منهم تقول بقدم النور وحدوث‬
‫الظلمة ‪ ،‬وأن سبب حدوثها أن يزدان فكر فكرة فحدث منها شخص من أشخاص الظلمة فأبعده‬
‫وأقصاه وهو هرمز ‪،‬وجميع الشر ينسب إليه ‪ .‬وكذلك الكرامية تزعم أن ال تعالى إذا أراد‬
‫إحداث محدث أوجد في ذاته كافا ونونا وإرادة حادثة ‪ ،‬وعن ذلك تصدر سائر المخلوقات المباينة‬
‫لذاته )) اهـ‪.‬‬

‫وقال المام أبو المظفر السفراييني ما نصه (‪ (( : )1‬ومما ابتدعوه – أي الكرامية – من‬
‫الضللت مما لم يتجاسر على إطلقه قبلهم واحد من المم لعلمهم بافتضاحه هو قولهم ‪ :‬بأن‬
‫معبودهم محل الحوادث تحدث في ذاته أقواله وإرادته وإدراكه للمسموعات والمبصرات ‪،‬‬
‫وسموا ذلك سمعاًَ وتبصرا ‪ ،‬وكذلك قالوا ‪ :‬تحدث في ذاته ملقاته للصفحة العليا من العرش ‪،‬‬
‫زعموا أن هذه أعراض تحدث في ذاته ‪ ،‬تعالى ال عن قولهم )) اهـ‪.‬‬

‫فتبين مما أوردناه أن ابن تيمية ليس له سلف إل الكرامية ونحوهم ‪ ،‬وليس كما يدعي أنه يتبع‬
‫السلف الصالح ‪ ،‬ومن المصيبة أن يأخذ مثل ابن تيمية بمثل هذه الفضيحة ‪ ،‬فمذهبه خليط من‬
‫مذهب ابن كرام واليهود والمجسمة ‪ ،‬نعوذ بال من ذلك ‪.‬‬

‫وقد أجاب المام الحجة السفراييني في دحض هذه الفرية بقوله (‪ (( :)2‬اعتقاد أهل السنة‬
‫والجماعة أن تعلم أن الحوادث ل يجوز حولها في ذاته وصفاته لن ما كان محل للحوادث لم‬
‫يخل منها ‪ ،‬وإذا لم يخل منها كان محدثا مثلها ‪ ،‬ولهذا قال الخليل عليه الصلة والسلم‪{ :‬ل‬
‫ن }[ سورة النعام ] بين به أن من حل به من المعاني ما يغيره من حال على حال‬
‫ُأحِبّ الفِلِي َ‬
‫كان محدثا ل يصح أن يكون إلها )) اهـ‪.‬‬

‫فيكون بهذا ما توسع به ابن تيمية في كتبه من تجويز قيام الحوادث به تعالى وحولها فيه‬
‫خارجا عن معتقد أهل السنة والجماعة ‪ ،‬أهل الحق ‪.‬‬

‫فائدة ‪ :‬قال سيف الدين المدي في كتاب (( غاية المرام )) في علم الكلم ما نصه (‪: )3‬‬
‫(( فالرأي الحق والسبيل الصدق والقرب إلى التحقيق أن يقال ‪ :‬لو جاز قيام الحوادث به لم‬
‫يخل عند اتصافه بها إما أن توجب له نقصا أو كمال أو ل نقص ول كمال ‪ ،‬ل جائز أن يقال‬
‫بكونها غير موجبة للكمال ول النقصان فإن وجود الشئ بالنسبة إلى نفسه أشرف له من‬
‫عدمه ‪ ،‬فما اتصف بوجود الشئ له وهو مما ل يوجب فوات الموصوف ول فوات كمال له ‪،‬‬
‫وبالجملة ل يوجب له نقصا فل محالة أن اتصافه بوجود ذلك الوصف له أولى من اتصافه بعدمه‬
‫لضرورة كون العدم في نفسه مشروفا بالنسبة إلى مقابله من الوجود ‪ ،‬والوجود أشرف منه ‪،‬‬
‫وما اتصف بأشرف المرين من غير أن يوجب له نقصا تكون نسبة الوجود إليه مما يرجع إلى‬
‫النقص والكمال على نحو نسبة مقابله من العدم ‪ ،‬ول محالة من كانت نسبته على ذلك وجود‬
‫ذلك الوصف أشرف منه بالنسبة على عدمه ‪ ،‬ول جائز أن يقال ‪ :‬إنها موجبة لكماله وإل لوجب‬
‫قدمها لضرورة أن ل يكون البارئ ناقصا محتاجا إلى ناحية كمال في حال عدمها ‪ ،‬فبقي أن‬
‫يكون اتصافه بها مما يوجب القول بنقصه بالنسبة على حاله قبل أن يتصف بها ‪ ،‬وبالنسبة على‬
‫ما لم يتصف بها من الموجودات ‪ ،‬ومحال أن يكون الخالق مشروفا أو ناقصا بالنسبة إلى‬
‫المخلوق ‪ ،‬ول من جهة ما كما مضى )) اهـ‪.‬‬

‫قال المفسر أبو حيان الندلسي في تفسيره ما نصه (‪ (( : )1‬تقرر في العقول من أن ال تعالى‬
‫يستحيل أن يتصل بالنتقال المعهود في غيره تعالى ‪ ،‬وان يحل فيه حادث أو يحل هو في حادث‬
‫)) اهـ‪.‬‬

‫فالحاصل أن ال تعالى أزلي وصفاته أزلية ل ابتداء لوجودها ‪ ،‬ول يزال أبديا ول تزال صفاته‬
‫أبدية بأبدية الذات ‪ ،‬فالقائل بأن ال تعالى تحدث في ذاته إرادات في الزل والبد وكلم في الزل‬
‫والبد على التعاقب تحدث بعضها بعد بعض‪ ،‬فإن أراد بذلك أنه يحدث الشئ في ذاته بفعله‬
‫وبخلقه بعدما كان معدوما ‪ ،‬كان ذلك تناقضا وهو محال ‪ ،‬لن ذاته أزلي فيستحيل أن تحدث في‬
‫ذاته صفة ‪ ،‬وإن أراد أن غيره يحدثه فيه فذلك أصرح في القول بأنه حادث ‪ ،‬وذلك أيضا محال‬
‫عقل وشرعا ‪ .‬وإن قال ‪ :‬إنه يحدث ذلك الكلم وتلك الرادات بل فاعل أي لم يخلقها هو بنفسه‬
‫ول غيره خلقها فيه ‪ ،‬كان ذلك أيضا محال‪ ،‬لن حدوث شئ ما بل مكون محال عقل‪ ،‬قال‬
‫المقري ‪[ :‬رجز ]‬
‫لنه من المحال الباطل وجود شئ ما بدون فاعل‬

‫فكل من التقديرات الثلثة يؤدي على المحال ‪ ،‬وما أدى على المحال محال ‪ ،‬ومن المعلوم أن‬
‫دين ال ل يأتي بالمحالت العقلية بل الشرع يأتي بما يجوزه العقل ‪ ،‬لن العقل شاهد للشرع‬
‫فكيف يناقضه ؟‬

‫هـ ) في عقيدته التي ذكر أنها بيان عقيدة أهل‬ ‫(ت‪321‬‬ ‫قال المام أبو جعفر الطحاوي السلفي‬
‫السنة والجماعة ما نصه ‪:‬‬
‫(( ما زال – أي ال – بصفاته )) قديما قبل خلقه ‪ ،‬لم يزدد بكونهم شيئا لم يكن قبلهم من صفته‬
‫)) اهـ ‪ ،‬أي لم يزدد بكون الخلق أي وجودهم شيئا من الكمال ‪ ،‬بل كماله أزلي ل يزداد ول‬
‫ينقص ‪.‬‬

‫وأما مخالفة ابن تيمية لهل السنة في هذه المسئلة فيظهر من قوله (‪ (( : )1‬ومن قال ‪ :‬إن‬
‫الخلق حادث كالهشامية والكرامية قال ‪ :‬نحن نقول بقيام الحوادث به ‪ ،‬ول دليل على بطلن ذلك‬
‫‪ ،‬بل العقل والنقل والكتاب والسنة وإجماع السلف يدل على تحقيق ذلك ‪ ،‬كما قد بسط في‬
‫موضعه ‪ .‬ول يمكن القول بأن ال يدبر هذا العالم إل بذلك ‪ ،‬كما اعترف بذلك أقرب الفلسفة‬
‫إلى الحق كأبي البركات صاحب (( المعتبر )) وغيره )) اهـ‪.‬‬

‫وقال في (( المنهاج )) ما نصه (‪ (( : )2‬فإن قلتم لنا ‪ :‬فقد قلتم بقيام الحوادث بالرب ‪ ،‬قلنا لكم‬
‫‪ :‬نعم وهذا قولنا الذي دل عليه الشرع والعقل )) اهـ‪.‬‬

‫ثم قال فيه ما نصه (‪ (( : )1‬وقد أخذنا بما في قول كل من الطائفتين من الصواب وعدلنا عما‬
‫يرده الشرع والعقل من قول كل منهما ‪ ،‬فإذا قالوا لنا ‪ :‬فهذا يلزم منه أن تكون الحوادث قامت‬
‫به قلنا ‪ :‬ومن أنكر هذا قبلكم من السلف والئمة ‪ ،‬ونصوص القرءان والسنة تتضمن ذلك مع‬
‫صريح العقل وهو قول لزم لجميع الطوائف ‪ ،‬ومن أنكره فلم يعرف لوازمه‪ ،‬ولفظ الحوادث‬
‫مجمل فقد يراد به العراض والنقائص وال منزه عن ذلك ‪ ،‬ولكن يقوم به ما شاءه ويقدر عليه‬
‫من كلمه وأفعاله ونحو ذلك مما دل عليه الكتاب والسنة ))اهـ ‪.‬‬
‫وقال أيضا في كتابه (( المجموع )) ما نصه (‪ (( : )2‬ونظير ذلك أن يقول ‪ :‬لو كان قد استوى‬
‫على العرش لكان قد أحدث حدثا وقامت به الحوادث لن الستواء فعل حادث كان بعد أن لم يكن‬
‫‪ ،‬فلو قام به الستواء لقامت به الحوادث ومن قامت به الحوادث فقد أحدث حدثا ‪ ،‬وال تعالى‬
‫منزه عن ذلك ‪ .‬فإنه يقال له ‪ :‬الحادث في اللغة ما كان بعد أن لم يكن ‪ ،‬وال تعالى يفعل ما‬
‫يشاء فما من فعل يفعله إل وقد حدث بعد أن لم يكن )) اهـ ‪.‬‬

‫أما الوهابية فقد قال أحد أبرز دعاتهم في كتابه المسمى (( تعقيبات على كتاب السلفية )) ما‬
‫نصه (‪(( : )3‬صفات الفعال والستواء والنزول والخلق والرزق قديمة النوع حادثة الحاد ))‬
‫اهـ ‪.‬‬

‫وقال عبد ال بابطين (ت‪1282‬هـ ) – يصفه الوهابية بأنه مفتي الديار النجدية في عصره – في‬
‫تعليقه على (( لوامع النوار )) ما نصه (‪ (( : )4‬صفات ال تعالى قسمان ‪ :‬صفات ذاتية كالحياة‬
‫‪ ...‬وصفات فعلية وهي التي تتعلق بمشيئته وحكمته فإن اقتضت حكمته فعلها فعلها وإن اقتضت‬
‫حكمته أن ل يفعلها لم تكن ‪ ،‬وهذا مثل الخلق والرزق والحياء والماتة والكلم والنزول‬
‫والستواء وغير ذلك من صفات فعله ‪ ،‬فهذا يكون قديم النوع أو الجنس وإن كانت ءاحاده توجد‬
‫شيئا فشيئا وحينا وءاخر ‪ ،‬ومن المعلوم أنه يوجد الفرق بين صفة الحياة والقدرة مثل وبين‬
‫صفة الستواء ‪ ،‬فإن الول ل شك أن ال موصوف به أزل وأبدا جل وعل‪ ،‬وأما الستواء فلم‬
‫يكن إل بعد خلق العرش ‪ ،‬وكذلك صفة نزوله إلى السماء الدنيا )) اهـ ‪.‬‬

‫انظروا إلى هذا الضلل الذي يتخبطون فيه ‪ ،‬يقولون الستواء صفة حادثة بعد أن لم تكن ‪،‬‬
‫ووالذي أرواحنا بيده لو عاشوا عمر نوح لما استطاعوا أن يأتوا بدليل ثابت عن عالم من‬
‫علماء السلف أنه يقول بما زعم هؤلء الوهابية وزعيمهم ابن تيمية ‪ ،‬وهذا يدل بكل وضوح‬
‫على براءة السلف مما تعتقده الوهابية ‪ .‬وزعمهم ‪ ،‬أن الستواء قديم النوع حادث الحاد أي أن‬
‫ال تعالى على زعمهم لم يزل يخلق عرشا قبل عرش ويستوي عليه وتحدث في ذاته استواءات‬
‫عديدة ‪ ،‬وهذا كلم باطل ل يقوله من عرف معنى التنزيه ‪.‬‬
‫ثم هذه هي عقيدة ابن تيمية المبتدع ‪ ،‬فقد نقل عنه الجلل الدواني‪ -‬وهو عالم مشهور ترجمه‬
‫الحافظ السخاوي ووثقه – في كتاب شرح العضدية بقوله (‪ (( :)1‬وقد رأيت في بعض تصانيف‬
‫ابن تيمية القول به – أي بالقدم الجنسي – في العرش )) اهـ ‪.‬أي أنه كان يعتقد أنجنس‬
‫العرش أزلي أي ما من عرش إل وقبله عرش إلى غير بداية وأنه يوجد ثم ينعدم ثم يوجد ثم‬
‫ينعدم وهكذا ‪ ،‬أي أن العرش جنسه أزلي لم يزل مع ال ولكن عينه القائم الن حادث على‬
‫زعمه ‪.‬‬

‫فإن قيل للوهابية ‪ :‬كم مرة عندكم حصل الستواء على العرش ‪ .‬فإن قالوا ‪ :‬مرة واحدة ‪ ،‬قيل‬
‫لهم ‪ :‬جعلتم الستواء صفة حادثة عندكم مخلوقة ‪ ،‬لن الستواء حدث ووجد بعد أن لم يكن‬
‫وهذا كفر وضلل ‪،‬وإل فيما معنى زعمكم الستواء قديم النوع حادث الحاد‪ ،‬فإن النوع واحد –‬
‫أي الستواء كان مرة واحدة عندكم على زعمكم – والحاد واحد‪ ،‬وإن قالوا ‪ :‬الستواء على‬
‫العرش حصل أكثر من مرة لننا نقول الستواء قديم النوع حادث الفراد ‪ ،‬قيل لهم ‪ :‬قد قلتم‬
‫قول ما قال به أحد من أهل السنة قاطبة وخرجتم على القرءان والسنة والجماع وصريح العقل‪.‬‬

‫بيان‬
‫أن الوهابية يقولون ال جالس على العرش‬
‫ومستقر عليه ‪ ،‬والعياذ بال من الكفر‬

‫بعض الوهابية يزعمون أن هذا محض افتراء عليهم وأنه ل يوجد في كتبهم هذه العقيدة الكفرية‬
‫‪ ،‬فنقول لهؤلء إن هذا ثابت عنكم ومما صرح به بعضكم ‪ ،‬وهي عقيدة المجسم المبتدع ابن‬
‫تيمية (ت‪728‬هـ ) ‪ ،‬ومنه أخذها تلميذه المجسم المبتدع ابن قيم الجوزية (ت‪751‬هـ) ‪ ،‬وكذا‬
‫الوهابية المجسمة أخذوها من ابن تيمية ‪ ،‬فلنثبت أول عقيدة ابن تيمية وتلميذه من كتبهما ثم‬
‫عقيدة الوهابية من كتبهم ‪.‬‬

‫قال ابن تيمية ما نصه (‪ (( :)1‬وإذا كان قعود الميت في قبره ليس هو مثل قعود البدن ‪،‬فما‬
‫جاءت به الثار عن النبي صلى ال عليه وسلم من لفظ القعود والجلوس في حق ال تعالى‬
‫كحديث جعفر بن أبي طالب رضي ال عنه وحديث عمر بن الخطاب رضي ال عنه وغيرهما‬
‫أولى أن ل يماثل صفات أجسام العباد )) اهـ ‪.‬‬

‫نقول‪ :‬وهذا كذب على النبي صلى ال عليه وسلم وعلى الصحابة فل يثبت عن أحد منهم ذلك ‪.‬‬

‫وقال في تفسير سورة العلق ما نصه (‪ (( : )2‬ومن ذلك حديث عبد ال بن خليفة المشهور الذي‬
‫يروى عن عمر عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وقد رواه أبو عبد ال محمد بن عبد الواحد‬
‫المقدسي في مختاره ‪ .‬وطائفة من أهل الحديث ترده لضطرابه كما فعل ذلك أبو بكر السماعيلي‬
‫وابن الجوزي وغيرهم ‪ ،‬لكن أكثر أهل السنة قبلوه ‪ ،‬وفيه قال ‪ :‬إن عرشه أو كرسيه وسع‬
‫السموات والرض‪ ،‬وإنه يجلس عليه فما يفضل منه قدر أربعة أصابع – أو ما يفضل منه إل‬
‫قدر أربعة أصابع‪ -‬وإنه ليئط به أطيط الرحل الجديد براكبه )) اهـ ‪.‬‬

‫ثم قال ما نصه (‪ (( : )1‬وهذا وغيره يدل على أن الصواب في روايته النفي ‪ ،‬وأنه ذكر عظمة‬
‫العرش ‪ ،‬وأنه مع هذه العظمة فالرب مستو عليه كله ل يفضل منه قدر أربعة أصابع ‪ ،‬وهذه‬
‫غاية ما يقدر به في المساحة من أعضاء النسان )) اهـ ‪.‬‬

‫فلينظر إلى قوله ‪ (( :‬يدل على أن الصواب في روايته النفي )) أي على زعمه أن رواية النفي‬
‫وهي ‪ (( :‬ل يفضل من العرش شئ )) أصح من رواية (( أنه ما يفضل منه إل أربع أصابع )) (‬
‫‪. )2‬‬

‫ثم قال ما نصه (‪ (( : )3‬ومن قال ‪ (( :‬ما يفضل إل مقدار أربع أصابع )) فما فهموا هذا‬
‫المعنى ‪ ،‬فظنوا أنه استثنى فاستثنوا فغلطوا ‪ ،‬وإنما هو توكيد للنفي وتحقيق للنفي العام ‪ ،‬وإل‬
‫فأي حكمة في كون العرش يبقي منه قدر أربع أصابع خالية ‪ ،‬وتلك الصابع أصابع من الناس ‪،‬‬
‫والمفهوم من هذا أصابع النسان ‪ ،‬فما بال هذا القدر اليسير لم يستو الرب عليه )) اهـ ‪.‬‬

‫وقال في المنهج ما نصه (‪ (( : )4‬وأما قوله إنه يفضل عنه من العرش من كل جانب أربع‬
‫أصابع فهذا ل أعرف له قائل ول ناقل ‪ ،‬ولكن روى في حديث عبد ال بن خليفة أنه ما يفضل‬
‫من العرش أربع أصابع يروى بالنفي ويروى بالثبات ‪ ،‬والحديث قد طعن فيه غير واحد من‬
‫المحدثين كالسماعيلي وابن الجوزي ‪ ،‬ومن الناس من ذكر له شواهد وقواه ‪ ،‬ولفظ النفي ل‬
‫يرد عليه شئ فإن مثل هذا اللفظ يرد لعموم النفي كقول النبي صلى ال عليه وسلم ‪ (( :‬ما في‬
‫السماء موضع أربع أصابع إل وفيه ملك قائم أو قاعد أو راكع أو ساجد )) أي ما فيها موضع‪،‬‬
‫ومنه قول العرب ‪ (( :‬ما في السماء قدر كف سحابا ))‪ ،‬وذلك لن الكف يقدر به الممسوحات‬
‫كما يقدر بالذراع ‪ ،‬وأصغر الممسوحات التي يقدر بها النسان من أعضائه كف فصار هذا مثل‬
‫لقل شئ‪ .‬فإذا قيل ‪ :‬إنه ما يفضل من العرش أربع أصابع كان المعنى ما يفضل منه شئ ‪،‬‬
‫والمقصود بيان أنه أعظم وأكبر من العرش ‪ ،‬ومن المعلوم أن الحديث إن لم يكن النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم قاله فليس علينا شئ ‪ ،‬وإن كان قاله فلم يجمع بين النفي والثبات ‪ ،‬فإن كان‬
‫قاله بالنفي لم يكن قاله بالثبات‪ ،‬والذين قالوه بالثبات ذكروا فيه ما يناسب أصولهم كما بسط‬
‫في غير هذا الموضع ‪ ،‬فهذا وأمثاله سواء كان حقا أو باطل ل يقدح في مذهب أهل السنة ول‬
‫يضرهم )) اهـ ‪.‬‬

‫فلينظر إلى قوله ‪ (( :‬ولفظ النفي ل يرد عليه شئ )) كيف يجيز نسبة هذا إلى النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم وهو كلم صريح في التجسيم ‪ ،‬وانظر أيضا إلى تجويزه أن يكون الرسول صلى ال‬
‫عليه وسلم قال ‪ (( :‬يفضل عنه أربع أصابع )) الذي هو أقبح من لفظ النفي وإن كان كل‬
‫اللفظين يقتضي إثبات المساحة والمقدار لذات ال ‪ ،‬وقد قام الدليل العقلي القطعي على استحالة‬
‫ذلك على ال لنه يلزم عليه أن يجوز على ال ما يجوز على سائر الجرام كالشمس من الفناء‬
‫والتغير ‪ ،‬وأن يكون مستدير الشكل أو مربعه أو مثلثه إلى غير ذلك ‪ ،‬وهل عرفنا عقل أن‬
‫الشمس محدثة إل بالشكل ونحوه ‪ ،‬فلو كان ال كذلك كما هو مقتضى كلمه هذا لجازت اللوهية‬
‫للشمس عقل ‪ ،‬ومحال أن تثبت اللوهية لغير ال تعالى ‪ ،‬فما أدى على المحال العقلي وهو‬
‫الكون ذا مقدار وشكل محال ‪ ،‬فثبت المطلوب وهو تنزه ال تعالى عن المقدار والمساحة‬
‫والشكل‪.‬‬

‫ويقول في الفتوى الحموية بعد كلم ما نصه (‪ (( : )1‬وذلك أن ال معنا حقيقة ‪ ،‬وهو فوق‬
‫العرش حقيقة )) اهـ ‪.‬‬

‫وأما عبارته في فتاويه فإنها صريحة في إثباته الجلوس ل فقال فيه ما نصه ‪ (( :‬فقد حدث‬
‫العلماء المرضيون وأولياؤه المقربون أن محمدا رسول ال صلى ال عليه وسلم يجلسه ربه‬
‫على العرش معه )) اهـ ‪.‬‬

‫وقد نقل عنه هذه العقيدة أبو حيان الندلسي النحوي المفسر المقرئ في تفسيره المسمى بالنهر‬
‫قال ‪(( :‬وقرأت في كتاب لحمد بن تيمية هذا الذي عاصرنا وهو بخطه سماه كتاب العرش ‪ :‬إن‬
‫ال يجلس على الكرسي وقد أخلى منه مكانا يقعد معه فيه رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫تحيل عليه التاج محمد ابن علي بن عبد الحق البارنباري ‪ ،‬وكان أظهر أنه داعية له حتى أخذه‬
‫منه وقرأنا ذلك فيه )) (‪ . )2‬اهـ ‪.‬‬

‫ونقل أبي حيان هذا كان قد حذف من النسخة المطبوعة القديمة ‪ ،‬ولكن النسخة الخطية تثبته ‪.‬‬
‫وسبب حذفه من النسخة المطبوعة ما قاله الزاهد الكوثري في تعليقه على السيف (‪ ، )3‬قال ‪:‬‬
‫(( وقد أخبرني مصحح طبعه بمطبعة السعادة أنه استفظعها جدا فحذفها عند الطبع لئل يستغلها‬
‫أعداء الدين ‪ ،‬ورجاني أن أسجل ذلك هنا استدراكا لما كان منه ونصيحة للمسلمين )) ‪ .‬اهـ ‪.‬‬

‫فلينظر العقلء إلى تخبط ابن تيمية حيث يقول مرة إنه جالس على العرش ‪ ،‬ومرة إنه جالس‬
‫على الكرسي ‪ ،‬وقد ثبت في الحديث أن الكرسي بالنسبة للعرش كحلقة في أرض فلة فكيف‬
‫ساغ لعقله ‪.‬‬

‫والعجب من ذلك نقله قول عثمان الدارمي (‪ )4‬المجسم عن ال سبحانه وتعالى ‪ (( :‬ولو قد‬
‫شاء ل ستقر على ظهر بعوضة فاستقلت به بقدرته ولطف ربوبيته ‪ ،‬فكيف على عرش عظيم‬
‫أكبر من السموات والرض )) اهـ ‪ ،‬نعوذ بال من مقت القلوب ‪.‬‬

‫وقال تلميذه ابن قيم الجوزية في كتابه (( بدائع الفوائد )) ما نصه ‪:‬‬
‫(( ول تــنكــروا أنــه قـــاعد ول تــنكــروا أنــه يــقعــده )) اهــ‪.‬‬

‫ولم يثبت ذلك عن أحد من أئمة السلف ول عن الدارقطني وإن نسبه إليه هذا المجسم ‪.‬‬
‫أما الوهابية فقد زعم عبد الرحمن بن حسن وهو حفيد محمد بن عبد الوهاب (ت‪1206‬هــ) أن‬
‫الجلوس من صفات ال ‪ ،‬تعالى ال عما يقول المشبهة علوا كبيرا ‪ ،‬وقد أخذ هذا المجسم عقيدة‬
‫التجسيم من مدرسة جده محمد بن عبد الوهاب المجسم ‪ ،‬فقد قال في كتابه المسمى (( فتح‬
‫المجيد )) ما نصه (‪ (( : )2‬فإذا سمعوا شيئا من محكم القرءان ومعناه حصل معهم فرق أي‬
‫خوف ‪ ،‬فإذا سمعوا شيئا من أحاديث الصفات انتفضوا كالمنكرين له ‪ ،‬فلم يحصل منهم اليمان‬
‫الواجب الذي أوجبه ال تعالى على عباده المؤمنين ‪ ،‬قال الذهبي ‪ :‬حدث وكيع عن إسرائيل‬
‫بحديث‪ (( :‬إذا جلس الرب على الكرسي )) فاقشعر رجل عند وكيع ‪ ،‬فغضب وكيع وقال ‪ :‬أدركنا‬
‫العمش وسفيان يحدثون بهذا الحاديث ول ينكرونها )) انتهى كلمه بحروفه ‪.‬‬

‫وما ذكره ليس بحديث عن النبي صلى ال عليه وسلم ول يثبت عن أحد من الئمة قوله‬
‫بالجلوس بل هذا من الكذب عليهم ‪ ،‬فانظر أيها القارئ كيف يصفون ال تعالى بالجلوس الذي‬
‫هو من صفات البشر ‪ ،‬ويموهون على الناس بنسبة هذا القول إلى علماء المسلمين لينشروا هذا‬
‫العتقاد الفاسد ‪.‬‬

‫ومن العجب العجاب استشهاده بالكفر في وصف ال بالجلوس وزعمه أنه صفة ل وتركه‬
‫بالستشهاد بالمتشابه من الصفات التي وردت في القرءان والسنة كالوجه واليد والعين والغضب‬
‫ونحوها ‪ ،‬وهذا مما يدل على اعتقاده التجسيم ‪ ،‬ول يجديهم نفعا أن يقولوا أي الوهابية إنه أي‬
‫حفيد محمد بن عبد الوهاب ينقل عن فلن أو فلن لن نقله مقرا ومستشهدا في الرد على من‬
‫ينكر صفات ال كما زعم ‪ .‬وقد جاء على غلف الكتاب ما نصه ‪ (( :‬راجع حواشيه وصححه‬
‫وعلق عليه سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد ال بن باز الرئيس العام لدارات البحوث العلمية‬
‫هـ )‬ ‫‪1420‬‬ ‫والفتاء والدعوة والرشاد في المملكة العربية السعودية )) اهـ‪ ،‬وابن باز هذا (ت‬
‫هو زعيم الوهابية لم يعلق على هذا الموضع بالرد والتفنيد والنكار مع أنه هو وجماعته‬
‫ينكرون على أهل السنة أمورا ليست مخالفة للشرع كالحتفال بمولد النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬واستعمال السبحة ( المسبحة ) ‪ ،‬وقول ‪ :‬صدق ال العظيم بعد النتهاء من قراءة‬
‫القرءان ‪ ،‬وقراءة القرءان على الميت ‪ ،‬وغيرها ‪ ،‬وهذا الكتاب هو من الكتب المعتمدة عندهم‬
‫في العقيدة ‪ ،‬يطبعونه ويوزعونه ويعلمونه للناس ‪ ،‬انظروا كيف ينشرون الكفر بتشبيههم ل‬
‫بمخلوقاته ‪ ،‬ول يجديهم نفعا قولهم جلوس ل كجلوسنا فنسبة الجلوس ل كفر كيفما كان ذلك‬
‫الجلوس الذي يزعموه ‪ ،‬فإن الجلوس من صفات المخلوقين ‪.‬‬

‫هـ ) في تعليقه على كتاب (( لوامع النوار‬ ‫ت‪1349‬‬ ‫وقال سليمان بن سحمان النجدي الوهابي (‬
‫البهية )) نقل عن ابن تيمية المجسم مقرا وموافقا له – الذي نقل عن المجسم عثمان بن سعيد‬
‫الدارمي ‪ -‬مقرا وموافقا له ما نصه (‪ (( : )1‬الحي القيوم يفعل ما يشاء ويتحرك إذا شاء ويهبط‬
‫ويرتفع إذا شاء ويقبض ويبسط ويقوم ويجلس إذا شاء ‪ ،‬لن أمارة ما بين الحي والميت‬
‫والتحرك )) اهــ‪ ،‬فإذا كان هذا الكلم باطل عندهم فلماذا ل ينكرونه ويسكتون عليه !!! ‪.‬‬

‫فليحذر طالب العلم من هذه الشرذمة المجسمة ‪ ،‬ونحمد ال تعالى أن وفقنا لعقيدة أهل الحق ‪.‬‬

‫وأما قولهم أي الوهابية بالستقرار على العرش فهم ل ينكرونه بل يقولونه لفظا واعتقادا ‪.‬‬

‫قال أحد زعماء الوهابية في كتابه (( شرح العقيدة الواسطية )) ما نصه (‪: )1‬‬
‫(( فإن سألت مامعنى الستواء عند أهل السنة والجماعة فمعناه العلو والستقرار؟ )) اهـ ‪ ،‬أما‬
‫أن العلو قال به قسم من أهل السنة فصحيح ل غبار عليه ول يعنون به علو المسافة كما يزعم‬
‫الوهابية ‪ ،‬لكن زعمه أن أهل السنة قالوا ‪ :‬الستواء هو الستقرار فكذب محض وفرية بل مرية‬
‫‪ ،‬وال حسيبهم يوم القيامة ‪ ،‬وكم لهم من كلم يتقولون به على أهل السنة وأهل السنة منهم‬
‫بريئون مما ينسبون إليهم ‪ ،‬وهكذا شأن أهل البدع ينسبون ما هم فيه من ءارائهم ومعتقداتهم‬
‫الفاسدة إلى أهل السنة والجماعة تسترا بهم ‪ ،‬ولقد قيل ‪:‬‬

‫اظــهروا لــلـناس نـسـكا وعــلى الــمـنـقـوش داروا‬

‫ومما يدل على افترائهم على أهل السنة قول ناصر اللباني (ت‪1420‬هــ) الوهابي المجسم الذي‬
‫يعتبرونه مرجعهم في علم الحديث – وهو خارجي على أهل الحديث – في كتابه (( مختصر‬
‫العلو )) (‪ (( : )2‬نسبة الستقرار على ال مما لم يرد ‪ ،‬فل يجوز اعتقاده (‪ )3‬ونسبته إلى ال‬
‫عز وجل ‪ ،‬لذلك ترى الذهبي رحمه ال أنكر على من قال ممن جاء بعد القرون الثلثة ‪ :‬إن ال‬
‫استوى استواء‬
‫استقرار )) اهـ‪ ،‬وكتاب الذهبي المسمى ب (( العلو )) هو عمدتهم فالعجب من الوهابية كيف‬
‫يقولون بالستقرار والذهبي – هو صاحب ابن تيمية – ينكره في أكثر من موضع من كتابه (‬
‫‪ ، )4‬وفي ذلك دليل على أنه لم يثبت عن أحد من علماء السلف القول به ‪ ،‬فل تغتر بكلم‬
‫الوهابية أو غيرهم ممن يقولون بذلك ‪ ،‬فأنه مذهب رديء مردود على قائله كائنا من كان ‪.‬‬

‫وفي كثير من كتب الوهابية يقولون فيها الستواء هو الستقرار ‪ ،‬فل نطيل بذكرها ‪ ،‬وما أشرنا‬
‫إليه يكفي لتنبيه اللبيب ‪ ،‬نسال ال السلمة وأن يجنبنا حر اللهيب ‪.‬‬
‫ان شاء ال تعالى يتبع ‪.‬‬

‫فصل‬
‫في إزالة شبه المانعين من تفسير‬
‫الستواء بالستيلء‬

‫الشبهة الولى ‪:‬‬

‫يقول أحد مجسمة الوهابية ‪ (( :‬ما يستند إليه هؤلء المعطلة في زعمهم هذا من قولهم أن‬
‫تفسير استوى باستولى أمر مشهور في اللغة ‪ ،‬هو قول باطل مردود لنه لم يثبت عند أحد من‬
‫أهل اللغة أن لفظ استوى يصح استعمالها بمعنى استولى ‪ ،‬بل إن هذا القول منكر عند اللغويين‬
‫)) اهـ ‪.‬‬

‫وقال ءاخر منهم أيضا ‪ (( :‬لم يرد في اللغة العربية أن استوى بمعنى استولى )) اهـ ‪.‬‬

‫وقال ءاخر أيضا ‪ (( :‬لم ينقله أحد من أئمة اللغة الذين يعتد بقولهم )) (‪ )2‬اهـ ‪.‬‬

‫قلنا ‪ :‬يعني هذا الوهابي ب (( المعطلة )) من تأول من أهل السنة والجماعة الستواء بالستيلء‬
‫‪ ،‬وهم أي الوهابية والمعتزلة المبتدعة سواء في عدائهم لهل السنة ‪ ،‬فالمعتزلة قالوا عن أهل‬
‫السنة مجبرة لنهم أي أهل السنة يقولون كل شئ بقدر ما كان خيرا وما كان شرا والمعتزلة‬
‫ضد هذه العقيدة يقولون الشر ليس بقدر ال ‪ ،‬وهذا كفر والعياذ بال ‪ ،‬وعليهم من ال ما‬
‫يستحقون ‪.‬‬

‫ومن تناقض الوهابية أنهم يذكرون أن ابن العرابي يقول إن العرب ل تعرف استوى بمعنى‬
‫استولى ثم يذكرون له قول ءاخر يعارض قوله الول ( انظر الشبهة الرابعة عشرة ) مستدلين‬
‫به على أن الستيلء يكون مع مغالبة وهذا يدل على تهورهم وعدم التثبت وأنهم يقولون ما ل‬
‫يعقلون ‪.‬‬

‫أما الدليل على أن هذا التفسير سائغ في اللغة فنثبته كالتالي ‪:‬‬

‫قال اللغوي أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الصبهاني (ت‪502‬هـ) ما نصه (‪)1‬‬
‫حمَنُ عَلَى‬
‫‪ (( :‬ومتى عدي – أي الستواء – ب (( على )) اقتضى معنى الستيلء كقوله ‪{ :‬ال ّر ْ‬
‫ش اسْ َتوَى } [ سورة طه ] )) اهـ ‪.‬‬
‫ا ْلعَرْ ِ‬

‫وقال اللغوي أبو عبد الرحمن عبد ال بن يحيى بن المبارك اليزيدي (‪( )2‬ت‪237‬هـ ) ما نصه (‬
‫ش اسْ َتوَى } [سورة طه ] ‪ :‬استولى )) اهـ ‪ ،‬وابن المبارك هذا كان‬
‫حمَنُ عَلَى ا ْلعَرْ ِ‬
‫‪ {: )3‬ال ّر ْ‬
‫من أصحاب اللغوي المشهور أبي زكريا يحيى ابن زياد الفراء (ت‪207‬هـ) ‪ ،‬قال أحمد بن يحيى‬
‫النحوي (‪ (( :)4‬ما رأيت في أصحاب الفراء أعلم من عبد ال بن [ أبي ] محمد اليزيدي – وهو‬
‫أبو عبد الرحمن – وخاصة في القرءان ومسائله )) اهــ ‪.‬‬

‫وقال المام المجتهد أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت‪310‬هـ) في تفسيره ما نصه (‪(( : )5‬‬
‫الستواء في كلم العرب منصرف على وجوه )) ‪ ،‬ثم ذكر هذه الوجوه ثم قال ‪ (( :‬ومنها‬
‫الحتياز والستيلء كقولهم ‪ :‬استوى فلن على المملكة بمعنى احتوى عليها وحازها )) اهـ ‪.‬‬

‫فهذا ابن جرير وهو من السلف نص على أن الستواء بمعنى الستيلء من لغة العرب ‪.‬‬

‫وقال اللغوي أحمد بن محمد بن علي الفيومي ( توفي نحو ‪770‬هــ) ما نصه (‪ (( : )1‬واستوى‬
‫على سرير الملك ‪ :‬كناية عن التملك وإن لم يجلس عليه )) اهـ ‪.‬‬

‫هـ ) ‪ (( :‬وقالوا‪ :‬معنى استوى ‪:‬استولى )) (‪ )2‬اهـ ‪،‬‬ ‫(ت‪311‬‬ ‫وقال اللغوي أبو إسحاق الزجاج‬
‫وقد ذكره بصيغة الجمع ‪ ،‬المر الذي يدل على أن هذا المعنى كان مقررا معروفا عند اللغويين ‪.‬‬

‫هـ ) ما نصه (‪ (( : )3‬فقول العرب ‪ :‬عل فلن فلنا‬ ‫(ت‪340‬‬ ‫وقال اللغوي أبو القاسم الزجاجي‬
‫أي غلبه وقهره كما قال الشاعر ‪:‬‬

‫فــلـما عــلــونــا واســتويــنـا عــلـيـهم وتـركــناهــم صــرعــى‬


‫لـنسر وكــاسـر‬

‫يعني غلبناهم وقهرناهم واستولينا عليهم )) اهــ ‪ ،‬أبو القاسم هذا يقول فيه الذهبي (‪ )4‬في ((‬
‫السير )) ‪:‬‬
‫(( شيخ العربية )) اهـ ‪ ،‬وهذا منه نص صريح بأن العرب تقول استوى بمعنى القهر والغلبة‬
‫الذي هو الستيلء ‪.‬‬

‫وقال اللغوي محمد بن أبي بكر الرازي ( كان حيا سنة ‪666‬هـ ) ما نصه (‪ (( : )5‬واستوى أي‬
‫استولى وظهر )) اهـ ‪.‬‬

‫) ومن اللغويين أيضا‬ ‫‪6‬‬ ‫هـ) في (( لسان العرب )) (‬ ‫(ت‪711‬‬ ‫وكذا قال مثله اللغوي ابن منظور‬
‫الفيروزابادي (‪( )7‬ت‪718‬هـ ) ‪ ،‬فقد فسر الستواء بالقهر والقدرة في كتابه (( البصائر ))‬
‫وبالستيلء في كتابه (( القاموس ))‪.‬‬

‫وقال الشاعر وهو الخطل (ت‪90‬هـ ) ‪:‬‬

‫قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق‬


‫أي أنه سيطر على العراق وملكها من غير حرب وإراقة دماء ‪.‬‬

‫وقال اللغوي الحافظ محمد مرتضى الزبيدي في (( شرح الحياء )) (‪ (( : )1‬فإنه قد ثبت إطلقه‬
‫وإرادته لغة )) اهـ‪ ،‬أي تفسير استوى باستولى ‪.‬‬

‫* أما من احتج بهذا البيت من اللغويين والفقهاء والصوليين والمفسرين فأكثر من أن يحصى‬
‫صةُ‬
‫ويحصر بين دفتي هذا المصنف ‪ ،‬ولكن نذكر عددا من أبرزهم وإل فإنه تغنيك عن البحر مَ ّ‬
‫شلِ ‪ ،‬وفي طلعة الشمس ما يُغنيك َ عن زحل ‪ ،‬ومن جملة من احتج به من اللغويين ‪ :‬أحمد‬
‫ال َو َ‬
‫بن يوسف المعروف بالسمين الحلبي (‪( )2‬ت‪756‬هـ ) ‪ ،‬ومحمد بن أبي بكر بن عبد القادر‬
‫هـ ) وخاتمة اللغويين الحافظ محمد بن محمد‬ ‫(‪( )4‬ت‪745‬‬ ‫الرازي (‪، )3‬وأبو حيان الندلسي‬
‫الحسيني الشهير بمرتضى الزبيدي (‪1205( )5‬هـ) ‪.‬‬

‫وقال ءاخر‪:‬‬

‫هما استويا بفضلهما جميعا على عرش الملوك بغير زور‬


‫)‪.‬‬ ‫‪6‬‬ ‫ذكره اللغوي المفسر أبو حيان في تفسيره (‬

‫وقال الشاعر ‪:‬‬

‫إذا ما غزى قوما أباح حريمهم وأضحى على ما ملكوه قد استوى‬

‫ذكره المفسر الحافظ ابن الجوزي الحنبلي في (( الباز الشهب )) (‪ )1‬مستشهدا به ‪.‬‬

‫وقال ءاخر ‪:‬‬

‫أذكر بلنا بصفين ونصرتنا حتى استوى لبيك الملك في عدن‬


‫ذكره المام أبو المعين النسفي في (( التبصرة ))(‪.)2‬‬
‫وقال الشاعر ‪:‬‬

‫فلما علونا واستوينا عليهم تركناهم صرعى لنسر وكاسر‬

‫وقد استشهد بهذا البيت من اللغويين ‪ :‬المفسر أبو حيان الندلسي (‪، )3‬والحافظ محمد مرتضى‬
‫الزبيدي (‪ )4‬لكن عنده ‪:‬‬
‫(( مرعى )) و((طائر )) بدل ‪ (( :‬صرعى )) و(( كاسر )) ‪ ،‬واللغوي الكبير أبو القاسم الزجاجي‬
‫هـ ) شيخ العربية‪.‬‬ ‫(‪( )5‬ت‪340‬‬

‫فهذه أقوال بعض من وقفنا على كلمهم من اللغويين المتقدمين والمتأخرين الذين قالوا بأن‬
‫تفسير الستواء بالستيلء من لغة العرب ‪ ،‬فبالتمسك بقول ابن العرابي فقط لرد هذا التفسير‬
‫من دون الرجوع إلى من ذكرنا من أئمة اللغة تحكم وتعام عن الحقيقة ‪ .‬على أن ابن العرابي‬
‫ليس مجسما كالوهابية بل هو يؤول كما أول (( العرش )) بالملك كما نقل عنه اللغوي الزبيدي‬
‫في‬
‫) والوهابية تعتبر من يؤول معطلًَ )) !‬ ‫ج‪4/321‬‬ ‫(( شرح القاموس)) (‬

‫الشبهة الثانية ‪:‬‬

‫إذا قال لك المجسم ( الوهابي ) ‪ :‬سلّمنا أن الستواء في اللغة من معانيها الستيلء والقهر ‪،‬‬
‫لكن الستيلء معناه المغالبة فيلزمكم على هذا أن يكون ال له منازع ينازعه وال لم ينازعه‬
‫أحد في العرش ‪.‬‬

‫قلنا ‪ :‬الستواء معناه القهر والغلبة والستيلء ‪ ،‬وتفسير الستواء بالستيلء ل يقتضي المغالبة‬
‫لن المراد به القهر وقد وصف ال تبارك وتعالى نفسه بأنه القاهر فوق عباده ‪ ،‬قال تعالى ‪:‬‬
‫ق عِبَادِ ِه } [ سورة النعام ] ‪ ،‬وقال ‪{ :‬وَ ُهوَ ا ْلوَاحِدُ ا ْل َقهّارُ } [سورة الرعد ] ‪.‬‬
‫{وَ ُه َو ا ْلقَاهِرُ َفوْ َ‬
‫فإن قالوا ‪ :‬قهر ل يدل على أنه كان مغالبا (‪. )1‬‬

‫قلنا ‪ :‬وكذلك الستيلء ل يقتضي أنه كان يتشاجر ويتغالب مع غيره فغلبه ال ‪ ،‬لن الستيلء‬
‫المراد به القهر كما ذكرنا ‪.‬‬

‫هـ ) في الرد على المجسمة وبعد أن تأول‬ ‫(ت‪514‬‬ ‫قال المام أبو نصر عبد الرحيم القشيري‬
‫الستواء بالقهر ما نصه ‪:‬‬
‫ق عِبَادِ ِه }[ سورة النعام ]‬
‫(( ولو اشعر ما قلنا توهم غلبته لشعر قوله ‪ { :‬وَ ُه َو ا ْلقَاهِرُ َفوْ َ‬
‫بذلك أيضا حتى يقال كان مقهورا قبل خلق العباد ‪ ،‬هيهات إذ لم يكن للعباد وجود قبل خلقه‬
‫إياهم )) اهـ‪ ،‬نقله الحافظ الزبيدي في شرح الحياء (‪. )2‬‬

‫هـ) ما نصه (‪ (( : )3‬فإن قيل ‪ :‬الستواء بمعنى‬ ‫(ت‪478‬‬ ‫وقال إمام الحرمين عبد الملك الجويني‬
‫الغلبة ينبئ عن سبق مكافحة ومحاولة ‪ ،‬قلنا ‪ :‬هذا باطل ‪ ،‬إذ لو أنبأ الستواء عن ذلك لنبأ‬
‫عنه القهر )) اهـ ‪.‬‬

‫وقال الشيخ محمد زاهد الكوثري ( ت ‪1371‬هـ ) في تعليقه على (( السماء والصفات )) ما‬
‫نصه (‪: )4‬‬
‫(( من حمله على معنى الستيلء حمله عليه بتجريده من معنى المغالبة )) اهـ ‪.‬‬

‫نقول ‪ :‬نحن أهل السنة وصفنا ال بما هو لئق به وهو الستيلء ومعناه القهر أما المجسمة‬
‫فوصفوه بما هو غير لئق به وهو الستقرار وهذا يقتضي سبق الضطراب والعوجاج وذلك‬
‫محال في وصفه تعالى ‪ ،‬فما شنعوا به علينا يلزمهم ومنطبق عليهم لنهم شبهوه بخلقه‬
‫ووصفوه بما لم يصفه به أحد من أهل السنة ل من السلف ول من الخلف إل أن يكون من‬
‫حكِيما } [سورة النساء] فإن‬
‫علِيما َ‬
‫ن الّلهُ َ‬
‫أسلفهم المجسمة ‪ .‬ويورد عليهم قوله تعالى ‪َ { :‬وكَا َ‬
‫أهل العلم بالتفسير قالوا ‪ :‬معناه لم يزل كذلك ‪.‬‬

‫ن أَنَا َو ُرسُلِي } [سورة المجادلة ] ‪ ،‬فهل‬


‫ويورد عليهم أيضا قوله تعالى ‪{ :‬كَتَبَ الّلهُ لَأَغْلِبَ ّ‬
‫يقولون إن ال تعالى كان ينازعه ويغالبه الكفار والمشركون ثم صارت الغلبة ل ‪ ،‬فإن قالوا‬
‫منفي عن ال ‪ ،‬قلنا ‪ :‬كذلك قولوا في استولى فليس المراد منها المغالبة في حق ال وإن كان‬
‫ذلك في الغالب إذا أطلقت على البشر ‪ ،‬فلذلك انتبه أحد مجسمة الوهابية ودعاتهم البارزين فقال‬
‫في كتابه‬
‫(( شرح العقيدة الواسطية )) ما نصه (‪ (( : )1‬إن الغالب من كلمة استولى أنها ل تكون إل بعد‬
‫مغالبة ول أحد يغالب ال )) اهـ ‪ ،‬فعجبا لهم ! فلماذا إذا يصرون على حمل معنى استولى على‬
‫المغالبة في جميع استعمالتها ؟ مع أنها تستعمل لغير المغالبة أيضا ‪.‬‬

‫ومما يدل على أنها تستعمل لغير المغالبة ما قاله أهل اللغة والمفسرون في تفسير قوله تعالى‬
‫حكاية عن قول المنافقين للكفار ‪:‬‬
‫علَ ْي ُكمْ } [سورة النساء ]‪ ،‬أي ألم نستول عليكم بالموالة لكم ‪ ،‬وذلك أن المنافقين‬
‫حوِذْ َ‬
‫{أَ َلمْ َنسْ َت ْ‬
‫كانوا يقولون للمسلمين إذا غنموا أعطونا من الغنيمة وإذا حصل للكافرين ظهور على المسلمين‬
‫قال المنافقون للكافرين أعطونا مما أصبتم الم نستحوذ عليكم أي بالستيلء والغلبة أي الم‬
‫نستول عليكم ونحافظ عليكم وذلك بأننا تمكنا من قتلكم وأسركم ثم لم نفعل شيئا من ذلك وأبقينا‬
‫ن ا ْل ُم ْؤمِنِينَ } [سورة النساء ] بأن ثبطناهم عنكم ‪.‬‬
‫عليكم {وَ َنمْ َن ْعكُم مّ َ‬

‫قال اللغوي الفيروزابادي في (( القاموس )) ما نصه (‪ (( : )1‬واستحوذ ‪ :‬غلب واستولى ))‬


‫اهـ‪ ،‬وقال ابن منظور في‬
‫حوَذَ عَلَ ْي ُكمْ }‪ :‬ألم نستول‬
‫(( لسان العرب)) ما نصه (‪ : )2‬وقال أبو إسحاق ‪ :‬معنى { أَ َلمْ نسْ َت ْ‬
‫عليكم بالموالة لكم )) اهـ‪ .‬فأهل اللغة عبروا باستيلء وغلبة المنافقين على الكفار هنا ولم‬
‫يكن قتال ول مغالبة ول شجار ول منازعة بين الكفار والمنافقين ‪،‬فهذا دليل على أن الستيلء‬
‫عندهم ليس في كل موارده يكون على معنى المغالبة والمنازعة ‪.‬‬

‫ويقال أيضا ‪ :‬استحوذ الشيطان على الكفار بمعنى استولى على قلوبهم ‪ ،‬قال ال تعالى عن‬
‫حوَذَ عَلَ ْي ِهمُ الشّ ْيطَانُ }‬
‫الكفار‪ { :‬اسْ َت ْ‬
‫[سورة المجادلة ]‪ ،‬قال البغوي في تفسيره (‪ )3‬عند تفسير هذه الية ‪ (( :‬غلب واستولى ))‬
‫اهـ ‪ ،‬وقال اللغوي المفسر أبو حيان الندلسي في تفسيره (‪ (( :)4‬أي أحاط بهم من كل جهة‬
‫وغلب على نفوسهم واستولى عليها )) اهـ ‪ ،‬فهل كان الكفار يتشاجرون وينازعون ويغالبون‬
‫الشيطان حتى استولى عليهم !‪.‬‬

‫ومما يدل على أن الستيلء يستعمل مجردا عن المغالبة والمنازعة ما فسر به ابن عباس رضي‬
‫ال عنهما قوله ال تعالى إخبارا عن إبليس ‪َ { :‬لحْتَ ِنكَنّ ذُرّيّ َت ُه } [سورة السراء ]‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫(( لستولين عليهم ))‪.‬‬

‫والمراد بالذرية ذرية ءادم عليه السلم ‪ ،‬ذكره الفراء في كتابه (( معاني القرءان )) (‪، )5‬‬
‫) عن الصحابي الجليل عبد ال ابن عباس رضي ال عنهما ‪،‬‬ ‫‪6‬‬ ‫وأسنده ابن جرير في تفسيره (‬
‫وبه فسر ابن جرير الية فقال (‪ (( : )7‬يقول ‪ :‬لستولين عليهم ‪،‬وعن مجاهد قال ‪ :‬لحتوينهم ‪،‬‬
‫وعن ابن عباس ‪ :‬لستولين ‪ ،‬قال ابن زيد ‪ :‬لضلنهم ‪ .‬وهذه اللفاظ وإن اختلفت فإنها‬
‫متقاربات المعنى لن الستيلء والحتواء بمعنى واحد وإذا استولى عليهم فقد أضلهم )) انتهى‬
‫باختصار ‪ ،‬والفراء من كبار اللغويين ومشاهيرهم ‪ ،‬وابن عباس من فصحاء العرب فهما عبرا‬
‫باستيلء الشيطان على قلوب بني ءادم إل قليل منهم وليس َثمّت منازعة ول مغالبة بين‬
‫الشيطان وبين من أضلهم من البشر ‪ ،‬وإنما كان استيلؤه عليهم بالوسوسة والستمالة إليه‬
‫ليضلهم ويبعدهم عن طاعة ربهم ‪.‬‬

‫وقال اللغوي أبو القاسم الصبهاني في (( المفردات )) ما نصه (‪ (( :)1‬احتنك الجراد الرض أي‬
‫استولى بحنكه عليها فأكلها واستأصلها ‪ ،‬فيكون معناه – يعني قوله تعالى ‪َ { :‬لحْتَ ِنكَنّ ذُرّيّ َتهُ }‬
‫[سورة السراء ]‪ -‬لستولين عليهم استيلءه على ذلك )) اهـ ‪ ،‬فهل الرض كانت مغالبة‬
‫ومنازعة للجراد حتى استولى عليها ؟ !!‪.‬‬

‫هـ ) في مقدمة كتابه (( التسهيل )) ما نصه (‪: )2‬‬ ‫ت‪672‬‬ ‫وقال النحوي اللغوي ابن مالك (‬
‫(( هذا كتاب في نحو جعلته بعون ال مستوفيا لصوله ‪ ،‬مستوليا على أبوابه وفصوله فسميته‬
‫لذلك ‪ )) ...‬اهـ ‪ ،‬فأي مغالبة هنا ؟ فليفق المشبهون من غيهم وفسادهم ‪ ،‬وابن مالك هذا غني‬
‫عن التعريف ‪.‬‬
‫ول بأس بذكر ما قاله الحافظ السيوطي في كتابه (( بغية الوعاة ))من الثناء والمدح وبيان‬
‫مرتبة ابن مالك بين علماء النحو واللغة ونص عبارته (‪ (( : )3‬إمام النحاة وحافظ اللغة ‪ ،‬وكان‬
‫إماما في القراءات وعللها ‪ ،‬وأما اللغة فكان إليه المنتهى في الكثار من نقل غريبها ‪ ،‬وأما‬
‫النحو والتصريف فكان فيهما بحرا ل يجارى وحبرا ل يبارى ‪ )) ..‬اهـ ‪.‬‬

‫وبعد هذا البيان الشافي ل يسع المنصف إل أن يتبع ما جاء في لغة العرب وما أثبته اللغويون ‪،‬‬
‫فعندهم أن الستيلء ليس في كل موارد استعمالها للمغالبة والمنازعة ‪ ،‬وكذلك فليكن تعبير من‬
‫عبر من أهل السنة بأن ال استولى على العرش مجردا عن المغالبة والمنازعة ‪ ،‬والستيلء‬
‫المراد به هنا القهر كما سبق بيان ذلك ‪ ،‬وبال التوفيق ‪.‬‬

‫ويستدل أيضا بقول الشاعر ‪:‬‬

‫إن هــو مســتـولــيـا عــلى أحـــد إل عــلى أضــعــف‬


‫الــمـجــانـيـن‬

‫وهذا البيت يكثر استشهاد النحاة به في باب المشبهات ب (( ليس )) ومعناه أن الشاعر يصف‬
‫رجل بالعجز وضعف التأثير فيقول إنه ليس غالبا لحد من الناس ول مؤثرا فيه إل أن يكون‬
‫ذلك المغلوب والمؤثر عليه من ضعاف العقول ‪ ،‬فهذا الستيلء قد يحصل من دون مغالبة ‪.‬‬

‫قاصمة ‪:‬‬

‫من العجيب أن ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية وأتباعهما الوهابية يشتد نكيرهم على تفسير‬
‫الستواء بالستيلء لنهم يزعمون أنه يقتضي سبق المغالبة والعجز وكون العرش في ملك‬
‫غيره ثم صار إليه مع أنهم يقولون ‪ :‬إن ال استولى على جميع خلقه ‪ .‬قال ابن تيمية في‬
‫(( مجموع الفتاوى )) ما نصه (‪ (( / )1‬فلما اتفق المسلمون على أنه يقال ‪ :‬استوى على‬
‫العرش ول يقال ‪ :‬استوى على هذه الشياء مع أنه يقال ‪ :‬استولى على العرش والشياء ))‬
‫اهـ ‪ ،‬وقال في موضع ءاخر ما نصه (‪ (( : )2‬والستواء مختص بالعرش باتفاق المسلمين مع‬
‫أنه مستول مقتدر على كل شئ من السماء والرض وما بينهما ))اهـ ‪.‬‬

‫قال تلميذه ابن قيم الجوزية في كتابه المسمى (( بدائع الفوائد )) ما نصه (‪ (( : )3‬بل استواؤه‬
‫على عرشه واستيلؤه على جميع خلقه من موجبات ملكه وقهره من غير حاجة إلى عرش ول‬
‫غيره ))اهـ‪.‬‬

‫والوهابية ينقلون كلم زعيميهما ( ابن تيمية وابن قيم الجوزية ) موافقين لهم في ذلك كما في‬
‫الكتاب المسمى (( الكلمات الحسان )) (‪ )4‬لحد دعاة الوهابية وغيره من كتبهم ‪.‬‬

‫فانظروا كيف يعيبون على غيرهم ما هم واقعون فيه ‪ ،‬فعلى مقتضى مذهبهم ‪ :‬ال كان مغالبا‬
‫لخلقه ولم يكونوا في ملكه ثم صاروا إليه ‪،‬وهذا يهدم عليهم ما أنكروه علينا ‪ ،‬وبال التوفيق ‪.‬‬

‫الشبهة الثالثة ‪:‬‬

‫يقول المانعون بأن قول الشاعر ‪:‬‬

‫قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق‬

‫‪ -1‬ل يعرف قائله فهو مجهول ‪ ،‬فكيف تحتجون بقول مجهول ‪.‬‬
‫‪ -2‬إنه بيت مصنوع ل يعرف في اللغة ‪.‬‬
‫‪ -3‬ومنهم من يقول هو شاعر نصراني ‪ ،‬فكيف تستشهدون بكلمه ‪.‬‬
‫‪ -4‬ومنهم من يقول هذا البيت أنكره أئمة اللغة ‪.‬‬

‫قلنا ‪:‬أما الجواب عن المسئلة الولى فنقول إن علماء اللغة استشهدوا به ‪ ،‬فقولهم حجة ‪ ،‬ول‬
‫يضر بعد ذلك أننا لم نعرف قائله ‪ ،‬وأهل مكة أدرى بشعابها وكم من أبيات استشهد بها‬
‫اللغويون ول يعرف قائلها ‪.‬‬
‫وقد سبق بيان من استشهد به من علماء اللغة ‪ .‬على أن هذا البيت نسبه خاتمة اللغويين‬
‫هـ ) ‪ ،‬وكذا ابن‬ ‫(ت‪90‬‬ ‫الحافظ محمد مرتضى الزبيدي في شرح (‪ )1‬على القاموس)) للخطل‬
‫كثير (ت‪774‬هـ ) في تاريخه (‪ )2‬فقال ‪(( :‬وهو الذي أنشد بشر بن مروان قصيدته التي يقول‬
‫فيها ‪:‬‬

‫قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق )) اهـ‬

‫والخطل كان نصرانيا من شعراء العرب المتنصرة ‪ ،‬قال فيه الذهبي في (( السير )) (‪: )3‬‬
‫شاعر زمانه )) اهـ ‪.‬‬

‫وكذلك يستشهد بكلم العرب في الجاهلية مع كونهم عبادا للوثان‪.‬‬

‫وأما المسئلة الثانية والرابعة فيجاب عنها بما أجبنا به في المسئلة الولى ‪ ،‬على أنهم لم يذكروا‬
‫من قال بأنه مصنوع ول من أنكره من أئمة اللغة ‪ ،‬وغاية ما يذكرونه إنكار ابن العرابي لهذا‬
‫التأويل ‪ ،‬وليس في رواية ابن العرابي أنه عرض عليه هذا البيت فرده وأنكره ‪ ،‬وإذا غاب عن‬
‫ابن العرابي هذا التفسير فقد عرفه غيره من أئمة اللغة ‪ ،‬فل يضر بعد ذلك أن قلنا به ‪ ،‬قال‬
‫الشاعر ‪:‬‬

‫إذا قــالــت حــذام فــصـدقــوهــا فــإن الـــقـول مــا قــالـــت‬


‫حـــذام‬

‫وأما المسئلة الثالثة فنقول ‪ :‬إن كتب أئمة اللغة طافحة في الستشهاد بكلم شعراء الجاهلية‬
‫وكانوا يعبدون الوثان والصنام ويسجدون لهم ويشركون بال تعالى ولم يمنعهم ذلك من‬
‫الستشهاد بكلمهم ‪ ،‬بل إن كتب اللغة فيها أيضا الستشهاد بكلم الخطل نفسه ‪ ،‬ول يخفى‬
‫حاله على ذي عينين ‪ ،‬فل معنى لكلمهم إل التهويل وتنفير الناس من هذا التأويل السائغ لغة‬
‫وشرعا ليوهموا العامة أننا نأخذ عقيدتنا من نصراني وهم أي الوهابية المجسمة أخذوا عقيدتهم‬
‫من اليهود الذين نسبوا الجلوس ل ‪ ،‬تعالى ال عن ذلك علوا كبيرا ً‪.‬‬
‫وعقيدتنا بحمد ال تعالى ثابتة راسخة هي عقيدة أهل السنة والجماعة مأخوذة من القرءان‬
‫والسنة وإجماع المة ‪ ،‬والعقل شاهد لصحة هذه العقيدة وبال التوفيق ‪.‬‬

‫الشبهة الرابعة ‪:‬‬

‫إذا قال المجسم الوهابي بأن ال استواء ال على العرش ورد في سبعة مواضع من القرءان ‪،‬‬
‫ولم يرد في موضع منها استولى‪ ،‬فلو ساغ تأويلكم لكان عبر به القرءان ‪.‬‬

‫قلنا ‪ :‬اليات السبع التي وردت في القرءان هي ‪:‬‬

‫علَى‬
‫سمَاوَاتِ وَالَرْضَ فِي سِ ّتةِ أَيّامٍ ُثمّ اسْ َتوَى َ‬
‫‪ -1‬قوله تعالى ‪{ :‬إِنّ رَ ّب ُكمُ الّلهُ الّذِي خَلَقَ ال ّ‬
‫سخّرَاتٍ بِ َأمْرِ ِه َألَ َل ُه ا ْلخَلْقُ‬
‫شمْسَ وَا ْل َقمَرَ وَال ّنجُومَ ُم َ‬
‫ش ُي ْغشِي اللّ ْيلَ ال ّنهَارَ َيطْلُ ُب ُه حَثِيثًا وَال ّ‬
‫ا ْلعَرْ ِ‬
‫ب ا ْلعَا َلمِينَ } [سورة العراف ]‪.‬‬
‫ك الّلهُ رَ ّ‬
‫وَا َلمْ ُر تَبَارَ َ‬

‫علَى‬
‫سمَاوَاتِ وَالَرْضَ فِي سِ ّتةِ أَيّامٍ ُثمّ اسْ َتوَى َ‬
‫‪ -2‬قوله تعالى ‪{ :‬إِنّ رَ ّب ُكمُ الّلهُ الّذِي خَلَقَ ال ّ‬
‫ل تَ َذكّرُونَ } [سورة‬
‫شفِيعٍ ِإلّ مِن َبعْدِ إِذْ ِنهِ ذَ ِل ُكمُ الّلهُ رَ ّب ُكمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَ َ‬
‫ش يُدَبّ ُر ا َلمْرَ مَا مِن َ‬
‫ا ْلعَرْ ِ‬
‫يونس ]‪.‬‬

‫سخّرَ‬
‫ش َو َ‬
‫عمَ ٍد تَ َروْ َنهَا ُثمّ اسْ َتوَى عَلَى ا ْلعَرْ ِ‬
‫سمَاوَاتِ ِبغَيْ ِر َ‬
‫‪ -3‬قوله تعالى ‪{ :‬الّل ُه الّذِي َرفَ َع ال ّ‬
‫ت َلعَّلكُم بِ ِلقَاء رَ ّب ُكمْ تُوقِنُونَ }‬
‫صلُ اليَا ِ‬
‫سمّى يُدَبّرُ ا َلمْ َر ُيفَ ّ‬
‫جلٍ ّم َ‬
‫شمْسَ وَا ْل َقمَ َر ُكلّ َيجْرِي َل َ‬
‫ال ّ‬
‫[سورة الرعد ] ‪.‬‬

‫ن عَلَى ا ْلعَرْشِ اسْ َتوَى َلهُ مَا‬


‫حمَ ُ‬
‫سمَاوَاتِ ا ْلعُلَى ال ّر ْ‬
‫ق الْأَ ْرضَ وَال ّ‬
‫‪ -4‬قوله تعالى ‪{ :‬تَنزِيلًا ّممّنْ خَلَ َ‬
‫ض َومَا بَيْ َن ُهمَا َومَا َتحْتَ الثّرَى }‬
‫سمَاوَاتِ َومَا فِي الْأَرْ ِ‬
‫فِي ال ّ‬
‫[سورة طه] ‪.‬‬
‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضَ َومَا بَيْ َن ُهمَا فِي سِ ّت ِة أَيّامٍ ُثمّ اسْ َتوَى عَلَى ا ْلعَرْشِ‬
‫‪ -5‬قوله تعالى ‪{ :‬الّذِي خََلقَ ال ّ‬
‫حمَنُ فَاسْ َأ ْل ِبهِ خَبِيرًا } [سورة الفرقان ]‪.‬‬
‫ال ّر ْ‬

‫ض َومَا بَيْ َن ُهمَا فِي سِ ّتةِ أَيّامٍ ُثمّ اسْ َتوَى عَلَى‬
‫سمَاوَاتِ وَالْأَرْ َ‬
‫ق ال ّ‬
‫‪ -6‬قوله تعالى ‪{ :‬الّل ُه الّذِي خَلَ َ‬
‫سمَاء إِلَى الْ َأرْضِ ُثمّ‬
‫ن يُدَبّ ُر الْ َأمْرَ ِمنَ ال ّ‬
‫شفِيعٍ أَفَلَا تَتَ َذكّرُو َ‬
‫ي وَلَا َ‬
‫ش مَا َلكُم مّن دُو ِنهِ مِن وَلِ ّ‬
‫ا ْلعَرْ ِ‬
‫ن } [سورة السجدة ] ‪.‬‬
‫ن ِمقْدَارُهُ أَلْفَ سَ َن ٍة ّممّا َتعُدّو َ‬
‫ج إِلَ ْيهِ فِي َي ْومٍ كَا َ‬
‫َيعْرُ ُ‬

‫علَى ا ْلعَرْشِ َيعْ َلمُ‬


‫سمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِ ّتةِ أَيّامٍ ُثمّ اسْ َتوَى َ‬
‫ق ال ّ‬
‫‪ -7‬قوله تعالى ‪ُ { :‬هوَ الّذِي خَلَ َ‬
‫ن مَا كُن ُتمْ‬
‫سمَاء َومَا َيعْرُجُ فِيهَا وَ ُهوَ َم َع ُكمْ أَيْ َ‬
‫ن ال ّ‬
‫ض َومَا َيخْ ُرجُ مِ ْنهَا َومَا يَن ِزلُ مِ َ‬
‫مَا يَ ِلجُ فِي الْأَرْ ِ‬
‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضِ َوإِلَى الّل ِه تُ ْرجَ ُع المُورُ } [سورة الحديد ]‪.‬‬
‫ن بَصِي ٌر َلهُ مُ ْلكُ ال ّ‬
‫وَالّل ُه ِبمَا َت ْعمَلُو َ‬

‫وجوابنا عما قالوه هو ما أجاب به الحافظ اللغوي الفقيه تقي الدين السبكي في رده على المجسم‬
‫ابن قيم الجوزية ‪ ،‬ونص عبارته (‪ (( : )1‬وهذا الذي قاله ليس بلزم فالمجاز قد يطرد )) اهـ ‪.‬‬

‫وماذا يقولون في قول ال تعالى ‪{ :‬فَاسْ َتوَى عَلَى سُو ِقهِ } [سورة الفتح ] ‪.‬‬

‫ويقال لهذا المجسم لم يأت لفظ استوى بمعنى جلس أو استقر في هذه المواضع السبعة كما‬
‫تعتقدون ‪ ،‬فكيف تنكرون على غيركم ما أنتم واقعون فيه ‪.‬‬

‫الشبهة الخامسة ‪:‬‬

‫يقول أحد المجسمة ‪ (( :‬ل يجوز استوى بمعنى استولى إل في حق من كان عاجزا ثم ظهر ‪،‬‬
‫وال سبحانه ل يعجزه شئ والعرش ل يغالبة في حال ‪ ،‬فامتنع أن يكون بمعنى استولى )) اهـ‬
‫‪.‬‬

‫قلنا ‪ :‬هذا المجسم نقله عن ابن تيمية (‪ )1‬فهو عمدتهم في التجسيم كما علمت ‪ ،‬ونقول له ‪ :‬ل‬
‫يجوز تفسير الستواء بالستقرار على العرش كما زعمتم لن الستقرار من صفات الجسام‬
‫باتفاق أهل السنة من السلف والخلف ‪ ،‬فقولكم إن ال مستقر على العرش تجسيم يمقته من‬
‫رزق الفهم ‪ ،‬وقد سبق بيان تنزيه ال عن الستقرار والجلوس ‪ ،‬فليراجع ‪.‬‬

‫واعلم أن من اللفاظ الموضوعة في لغة العرب التي تحتمل أكثر من معنى منها أي من هذه‬
‫المعاني ما هو مستحيل على ال ومنها ما هو لئق وصفه تعالى به ‪ ،‬فإذا أطلق على ال هذا‬
‫اللفظ ل يحمل إل على المعنى اللئق به لنه سبحانه وتعالى موصوف بكل كمال يليق به ‪ ،‬مثاله‬
‫لفظ الستواء فإن من معانيه القهر والجلوس و الستقرار وغيرها ‪ ،‬فالقهر صفة لئقة بال وقد‬
‫وصف نفسه بها ‪ ،‬أما الجلوس والستقرار فمن صفات الجسام ‪ ،‬فعندما نقول ال استوى على‬
‫العرش يحمل على الستواء اللئق بال ‪.‬‬

‫وكذلك لفظ القديم إذا أطلق على ال كان المعنى أنه ل بداية لوجوده ‪ ،‬فيقال ‪ :‬ال قديم ‪ ،‬إذا‬
‫أطلق على المخلوق كان معنى تقادم العهد والزمن ‪ ،‬قال ال تعالى ‪{ :‬حَتّى عَا َد كَا ْلعُ ْرجُونِ ا ْلقَدِيمِ‬
‫} [سورة يس ]‪ ،‬فالعرجون هو عذق النخل وهو شئ في أعل النخل فإنه إذا مضى عليه زمان‬
‫ييبس فيتقوس ‪ ،‬فالقمر في ءاخره يصير بهيئة ذلك ‪ ،‬فهنا القديم جاء بمعنى الشئ الذي مضى‬
‫عليه زمان طويل ‪.‬‬

‫قال أبو المعين النسفي في كتابه (( التبصرة )) ما نصه (‪ (( : )1‬وكون الستيلء إن كان في‬
‫الشاهد عقيب الضعف ولكن لم يكن هذا عبارة عن استيلء عن ضعف في اللغة ‪ ،‬بل ذلك يثبت‬
‫على وفاق العادة ‪ ،‬كما يقال ‪ :‬علم فلن ‪ ،‬وكان ذلك في المخلوقين بعد الجهل ‪ ،‬ويقال ‪ :‬قدر ‪،‬‬
‫وكان ذلك بعد العجز ‪ ،‬وهذا الطلق جائز في ال تعالى على إرادة تحقق العلم والقدرة بدون‬
‫سابقة الجهل والعجز ‪ ،‬فكان هذا ‪ .‬على أن اللفظ الموضوع لمعنيين يستحيل أحدهما على ال‬
‫تعالى ول يستحيل الخر يفهم منه إذا أضيف إلى ال تعالى ما ل يستحيل عليه دون ما يستحيل‬
‫عليه ‪ .‬ففي اللفظ الذي ما وضع للضعف بل وضع لنفاذ السلطنة والتصرف وتثبت فيه سابقة‬
‫الضعف ل بدللة اللفظ بل يوافق العادة ‪ ،‬لن ل يفهم منه ما يستحيل على ال أولى ‪ ،‬وال‬
‫الموفق )) اهـ ‪ ،‬فمن أين لهؤلء أن يقولوا إن العرب ل تستعمل استولى إل في حق من كان‬
‫عاجزا ثم ظهر؟ وما دليلهم على أن استولى وضعت للضعف عند العرب ؟ أليس يقال عن ملك‬
‫من الملوك امتد ملكه وسلطانه شرقا وغربا إذا دخل بليدة صغيرة ‪ :‬استولى عليها ؟ أكان ذلك‬
‫عن ضعف وعجز ؟ ثم القهر قد يكون عن عجز وضعف وقد ل يكون ‪ ،‬والقهار من أسماء ال‬
‫عز وجل ‪ ،‬فهو الذي قهر جميع خلقه وجعلهم تحت حكمه وتصرفه ولم يكن ذلك عن عجز‬
‫منه ‪ ،‬سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا‪.‬‬

‫ثم نحن نلزمهم بحجة ل جواب لهم عنها إل بما هو ينقض ويهدم أصول مذهبهم ‪ ،‬فنقول لهم ‪:‬‬
‫ماذا تقولون في قول ال تعالى ‪:‬‬
‫سخِ َر الّلهُ مِ ْن ُهمْ }[سورة التوبة ]‪ ،‬وقوله تعالى ‪ { :‬الّلهُ َيسْ َتهْزِى ُء ِب ِهمْ }‬
‫سخَرُونَ مِ ْن ُهمْ َ‬
‫{فَ َي ْ‬
‫[ سورة البقرة ] ‪،‬وقول رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ (( :‬ضحك ال الليلة )) أو ‪ (( :‬عجب‬
‫من فعالكما )) رواه البخاري (‪ .)1‬فإن قالوا تحمل على ما يليق بال تعالى ‪ ،‬قلنا ‪ :‬وكذلك‬
‫الستيلء يحمل على ما يليق بال وهو الستيلء المجرد عن المغالبة والعجز والضعف ‪ ،‬فإن‬
‫أبوا فقد تحكموا أي قالوا قول ل دليل لهم عليه واتبعوا أهواءهم ‪.‬‬

‫قال الفراء وهو أحد كبار اللغويين في كتابه (( معاني القرءان )) ما نصه (‪ (( : )2‬و (( العجب‬
‫سخَرُونَ مِ ْن ُهمْ‬
‫)) وإن أسند إلى ال فليس معناه من ال كمعناه من العباد ‪ ،‬أل ترى أنه قال ‪{ :‬فَ َي ْ‬
‫سخِ َر الّلهُ مِ ْن ُهمْ } [ سورة التوبة ]‪ ،‬وليس السخري من ال كمعناه من‬
‫َ‬
‫العباد ‪ ،‬وكذلك قوله ‪ { :‬الّلهُ َيسْ َتهْزِى ُء ِب ِهمْ } [سورة البقرة] ليس ذلك من ال كمعناه من العباد‬
‫)) اهـ ‪ ،‬ونسبة الضحك والتعجب إلى ال مجازية والمراد بهما الرضا بصنيعهما ‪ ،‬والمراد‬
‫بالستهزاء والسخرية أي أن ال يجازيهم على استهزائهم وسخريتهم ‪.‬‬

‫فالحاصل أن اللفاظ المحتملة التي تكون للكمال بوجه وللنقصان بوجه وجب حملها أو جعلها‬
‫كناية – على حسب موضعها من السياق – عن المعاني التي تجوز عليه سبحانه وتعالى ونفي‬
‫ما ل يجوز عليه ‪.‬‬

‫الشبهة السادسة ‪:‬‬

‫إن قيل ‪ :‬إن حملتم الستواء على الستيلء لم يبق لذكر العرش فائدة ‪ ،‬فإن ذلك في حق كل‬
‫المخلوقات فل يختص بالعرش‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬تخصيص العرش بالذكر لتشريفه ‪ ،‬إذ إضافة بعض الشياء إلى ال تعالى تكون لتعظيم‬
‫ذلك الشئ ‪ ،‬كما خص ناقة صالح بالذكر بالضافة إليه تعالى فقال ‪{ :‬نَا َقةَ الّل ِه }[سورة الشمس‬
‫] مع كون كل النوق متساوية من حيث الملكية ل تعالى ‪.‬‬

‫ويقال أيضا ‪ :‬فائدة تخصيص العرش بالذكر أنه أعظم مخلوقات ال تعالى حجما فيعلم شمول ما‬
‫دونه من باب الولى ‪ ،‬فإذا قلنا ‪ :‬ال تعالى قهر العرش معناه قهر كل شئ ‪ ،‬فكل المخلوقات لما‬
‫كانت دون العرش في الحجم كان الستيلء عليه استيلء على جميعها ول كذلك غيره ‪.‬‬

‫قال الحافظ البيهقي في (( السماء والصفات )) ما نصه (‪ (( : )1‬وفيما كتب إلي الستاذ أبو‬
‫منصور بن أبي أيوب أن كثيرا من متأخري أصحابنا ذهبوا إلى أن الستواء هو قهر والغلبة ‪،‬‬
‫ومعناه أن الرحمن غلب العرش وقهره ‪ ،‬وفائدته الخبار عن قهره مملوكاته وأنها لم تقهره ‪،‬‬
‫وإنما خص العرش بالذكر لنه أعظم المملوكات ‪ ،‬فنبه بالعلى على الدنى )) اهـ ‪.‬‬

‫ومما يدل على عظم حجم العرش ما رواه ابن حبان في صحيحه (‪ )2‬وغيره عن أبي ذر رضي‬
‫ال عنه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪ (( :‬ما السموات السبع مع الكرسي إل كحلقة‬
‫ملقاة بأرض فلة ‪ ،‬وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلة على الحلقة ))‬

‫الشبهة السابعة ‪:‬‬

‫قال بعض الوهابية في رده على بعض علماء أهل السنة ما نصه ‪ (( :‬هذا البيت لو صح لم يكن‬
‫فيه حجة ‪ ،‬بل هو حجة عليهم – يقصد أهل السنة – فإن بشرا هذا كان أخا لعبد الملك بن‬
‫مروان وكان أميرا على العراق فاستوى على سريرها كعادة الملوك ونوابهم يجلسون على‬
‫سرير الملك مستوين عليه ‪ ،‬ولو كان المراد بالبيت الستيلء والقهر والملك لكان المستولي‬
‫على العراق عبد الملك بن مروان ‪ ،‬فإن بشرا نائب له على العراق ‪ ،‬ول يقال لمن استولى على‬
‫بلدة ولم يدخلها ولم يستقر فيها بأنه استوى عليها ‪ ،‬فل يقال ‪ :‬استوى أبو بكر على الشام ول‬
‫استوى على مصر والعراق )) اهـ ‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬عمدة الوهابية في المعتقد هو ابن تيمية ‪ ،‬هو أضلهم وأضر بهم كما أضر بغيرهم ‪ ،‬نعني‬
‫بذلك ما قال تاج الدين السبكي (ت‪771‬هـ ) في طبقاته (‪ (( : )1‬واعلم أن هذه الرفقة أعني‬
‫المزي والذهبي والبرزالي وكثيرا من أتباعهم أضر بهم أبو العباس بن تيمية إضرارا بينا ‪،‬‬
‫وحملهم من عظائم المور أمرا ليس هينا ‪ ،‬وجرهم إلى ما كان التباعد عنه أولى بهم ‪ ،‬وأوقفهم‬
‫في دكادك من نار )) اهـ ‪ ،‬فإذا كان أمر هؤلء كما وصفهم السبكي وهم من هم ‪ ،‬بالشرذمة‬
‫الوهابية الذين ليس فيهم عالم ول فقيه ول محدث ‪ ،‬استحوذ عليهم الشيطان وزين لهم عقيدة‬
‫ابن تيمية الباطلة فعكفوا على قراءة كتبه والخذ منها بل تمحيص ول تدقيق فكانوا كالظل له ‪،‬‬
‫بل زادوا على ضلله ضللت والعياذ بال تعالى ‪.‬‬

‫وهذه الشبهة التي ذكرها هذا المجسم الذي أخذها من ابن تيمية (‪ )2‬لم يذكر مستنده فيها ‪،‬‬
‫وزعمه أنه ل يقال استوى فلن على بلدة كذا إذا استولى عليها ولم يدخلها ولم يستقر فيها ‪.‬‬
‫فما الدليل عليه من كلم العرب ‪ ،‬وأين نص اللغويون على ذلك ‪ ،‬ومن اشترط القامة فيها ؟‬
‫ولقد قيل ‪:‬‬

‫والــدعـاوى مــا لــم تـقـيــمــوا عــليـها بــيــنــات‬


‫أبـــنـأؤهــا ادعــيــاء‬

‫أل يقال إذا استولى جيش الملك على بلدة ما بأنه استوى على تلك البلدة أي قهر أهلها وغلبهم‬
‫مع أن مستقره قد يكون في الغرب وتلك البلدة في الشرق ‪ .‬فإذا كان يقال استوى قائد الجيش‬
‫على تلك البلدة بمعنى قهر أهلها وغلبهم أي استولى فمن باب أولى يكون الذي أرسله وهو ذلك‬
‫الملك قاهر وغلب لتلك البلدة أي مستول عليها أي استوى عليها ‪.‬‬

‫وزعمه أنه ل يقال استوى فلن على بلدة كذا إذا لم يدخلها ولم يستقر فيها لم يبنه على دليل‬
‫وما بني على غير دليل فل حجة فيه وأخذه ذلك عن ابن تيمية ل يسعفه وابن تيمية نفسه لم‬
‫يقم عليه دليل ‪ ،‬وقوله ليس بحجة ‪.‬‬
‫فإذا كان المر كذلك سقط زعمه أنه ل يقال استولى عبد الملك على العراق وبالتالي سقط زعمه‬
‫ل يقال استوى بشر على العراق ‪ .‬فصح عندئذ القول به ‪.‬‬

‫ويقال أيضا عبد الملك بن مروان (ت‪86‬هـ )استولى على العراق بعد قتله مصعب بن الزبير‬
‫سنة ‪71‬هـ أو ‪72‬هـ ‪ -‬على اختلف في ذلك – وكان مصعب واليا على العراق فوليها من بعده‬
‫هـ )‬ ‫‪75‬‬ ‫بشر بن مروان (ت‬
‫ومدحه الشاعر بقوله ‪:‬‬

‫قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق‬

‫قال الذهبي في تاريخه (( العبر )) ما نصه (‪ (( : )1‬استولى عبد الملك على العراق وما يليها ‪،‬‬
‫فأمر أخاه بشرا على العراق وبعث المراء على العمال وجهز الحجاج إلى مكة لحرب ابن‬
‫الزبير )) اهـ ‪ ،‬وهذا رد على ما زعمه هذا المبتدع من أنه ل يقال استولى عبد الملك على‬
‫العراق ‪.‬‬

‫الشبهة الثامنة ‪:‬‬

‫قال أحد مجسمة الوهابية في هذه العصر في كتابه المسمى (( الكلمات الحسان )) ما نصه (‪: )2‬‬
‫(( السادس ‪ :‬أنه أتى بلفظة ( ثم ) التي حقيقتها الترتيب والمهلة ‪ ،‬ولو كان معناه القدرة على‬
‫العرش والستيلء عليه لم يتأخر ذلك إلى ما بعد خلق السموات والرض فإن العرش كان‬
‫موجودا قبل خلق السموات والرض ‪ ،‬فكيف يجوز أن يكون غير قادر ول مستول على العرش‬
‫إلى أن خلق السموات والرض ؟! )) اهـ‪.‬‬

‫وقال مجسم ءاخر منهم ‪ (( :‬كلمة استوى قد جاءت بعد (( ثم )) التي حقها الترتيب والمهلة ))‬
‫اهـ ثم ذكر مثل قوله حذو النعل بالنعل – وعمدتهم في ذلك ابن تيمية (‪ )1‬المجسم – وزاد عليه‬
‫هذا الوهابي استدلله بحديث البخاري (‪ )2‬الذي رواه عن عمران بن حصين عن النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم قال ‪ (( :‬كان ال ولم يكن شئ غيره ‪ ،‬وكان عرشه على الماء ‪ ،‬وكتب في الذكر كل‬
‫شئ ثم خلق السموات والرض )) بأن العرش خلق قبل السموات والرض ‪.‬‬

‫قلنا ‪ :‬يرد عليهما وعلى غيرهما من مجسمة هذا العصر بما يلي ‪:‬‬

‫أول ‪ :‬ل يلزمنا ما قالوه فإننا نقول إن (( ثم )) في ءاية الستواء ليست للترتيب في الحدوث‬
‫والوقوع بل للترتيب في الخبار ‪ ،‬أي أن ال قاهر للعرش قبل خلق السموات والرض ‪ ،‬وقد‬
‫سبق بيان ذلك مفصل في باب (( بيان أن كلمة (( ثم )) تأتي بمعنى المهلة والتراخي كما تأتي‬
‫بمعنى الخبار )) ‪ ،‬وباب (( بيان معنى قوله تعالى ‪ُ { :‬ثمّ اسْ َتوَى عَلَى ا ْلعَرْشِ } [سورة العراف‬
‫]‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬الحديث الذي ذكره حجة عليه ‪ ،‬وهو قوله صلى ال عليه وسلم ‪ (( :‬كان ال ولم يكن‬
‫شئ غيره ‪ ،‬وكان عرشه على الماء )) ‪،‬قال المفسر ابن الجوزي الحنبلي في (( النزهة )) ما‬
‫نصه (‪ (( : )3‬كان ‪ :‬معناه في الصل وقع ووجد )) اهـ ‪ ،‬فهل يزعمون أن ال وجد بعد أن لم‬
‫يكن ! فإن قالوا ‪ :‬كان في الول تفيد الزلية وفي الثاني الحدوث بعد العدم ‪ ،‬قلنا ‪ :‬وكذلك قولوا‬
‫كلمة (( ثم )) في ءاية الستواء تفيد الخبار فإن منعوا ذلك فليأتوا ببينة ‪ ،‬وعلينا البيان وعلى‬
‫ال التكلن ‪.‬‬

‫وقد روى البخاري في صحيحه (‪ )1‬عن سعد بن جبير قال ‪ (( :‬قال رجل لبن عباس ‪ :‬إني أجد‬
‫ن الّلهُ‬
‫في القرءان أشياء تختلف عليّ ))‪ ،‬فسأله عن مسائل ومنها قوله ‪ (( :‬قال تعالى ‪َ { :‬وكَا َ‬
‫حكِيمًا } [سورة النساء ]‪،‬‬
‫غفُورًا ّرحِيمًا } [سورة النساء ] ‪َ { ،‬وكَانَ الّل ُه عَزِيزًا َ‬
‫َ‬
‫سمِيعًا بَصِيرًا } [سورة النساء ] ‪ ،‬فكأنه كان ثم مضى ‪ .‬فقال ابن عباس ‪َ { :‬وكَانَ‬
‫ن الّلهُ َ‬
‫{ َوكَا َ‬
‫غفُورًا } سمى نفسه ذلك ‪ ،‬وذلك قوله ‪ ،‬أي ‪ :‬لم يزل كذلك )) اهـ ‪.‬‬
‫الّل ُه َ‬

‫وقال القاضي بدر الدين بن جماعة في كتابه (( اليضاح )) ما نصه (‪ (( : )2‬فإن قيل ‪ :‬إنما‬
‫يقال استولى لمن لم يكن مستوليا قبل أو لمن كان له منازع فيما استولى عليه أو عاجز ثم‬
‫قدر ؟‬
‫قلنا ‪ :‬المراد بهذا الستيلء القدرة التامة الخالية من معارض ‪ ،‬وليس لفظة (( ثم )) هنا لترتيب‬
‫ذلك بل هي من باب ترتيب الخبار وعطف بعضها على بعض )) اهـ ‪.‬‬

‫الشبهة التاسعة ‪:‬‬

‫قال الوهابية (‪ : )3‬الستواء هو العلو وهو علو الذات ‪ ،‬قال مجاهد ‪ :‬استوى ‪:‬عل ‪ ،‬وقال أبو‬
‫سمَاء }‬
‫العالية ‪{ :‬اسْ َتوَى إِلَى ال ّ‬
‫[سورة البقرة ] ‪ :‬ارتفع ‪ ،‬وقال ابن جرير ‪ :‬استوى ‪ :‬عل وارتفع ‪.‬‬

‫قلنا ‪ :‬الستواء قد يراد به العلو‪ ،‬والعلو على وجهين ‪ :‬علو مكان وعلو معنى أي علو قدر ‪،‬‬
‫والذي يليق بال هو علو القدر ل علو المكان ‪ ،‬لنه ل شأن في علو المكان إنما الشأن في علو‬
‫القدر ‪ ،‬أل ترون أن حملة العرش والحافين حوله هم أعلى مكانا من سائر عباده وليسوا أفضل‬
‫خلق ال ‪ ،‬بل النبياء الذين مكانهم تحت أفضل منهم ‪ ،‬ولو كان علو المكان يستلزم علو القدر‬
‫لكان الكتاب الذي وضعه ال فوق العرش وكتب فيه ‪ (( :‬إن رحمتي سبقت غضبي )) (‪)1‬‬
‫مساويا ل في الدرجة على قول أولئك ‪ ،‬ولكان اللوح المحفوظ على قول بعض العلماء إنه فوق‬
‫العرش ليس دونه مساويا ل في الدرجة بحسب ما يقتضيه زعمهم ‪ ،‬فعلى هذا المعنى يحمل‬
‫ش اسْ َتوَى } [ سورة طه ] بعل على العرش‬
‫حمَنُ عَلَى ا ْلعَرْ ِ‬
‫تفسير مجاهد لقول ال تعالى ‪ { :‬ال ّر ْ‬
‫كما رواه البخاري (‪. )2‬‬

‫وقال الحافظ الفقيه تقي الدين السبكي في رده على المبتدع ابن قيم الجوزية ما نصه (‪: )3‬‬
‫(( أسماء ال قديمة ‪ ،‬فإن لزم من العلي والعلى كونه فوق جسم لزم قدم العالم )) اهـ ‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬ومن قال بقدم العالم فهو كافر إجماعا ‪.‬‬

‫وقال في موضع ءاخر (‪ (( : )4‬قال ابن القيم ‪ (( :‬تركيب استوى مع حرف الستعلء نص في‬
‫العلو بوضع كل لسان )) ‪ ،‬نص في العلو أما في الذات فل ‪ ،‬فقولك استوى قيس على العراق ل‬
‫يستلزم أن يكون إذ ذاك في العراق بل ملكه فيها وعليها )) اهــ‪.‬‬
‫وقد أوهموا أن ابن جرير أراد بالعلو علو الذات والرتفاع بالمسافة وهذا محض افتراء يرد‬
‫عليهم بكلم ابن جرير نفسه فإنه حمل العلو على علو الملك والسلطان ونزه ال عن الحركة‬
‫والنتقال ‪ ،‬ونص عبارته في تفسيره (‪ (( : )5‬فقل ‪ :‬عل عليها علو ملك وسلطان ل علو انتقال‬
‫وزوال )) اهـ ‪.‬‬

‫ي}‬
‫) ‪ (( :‬وأما تأويل قوله ‪{ :‬وَ ُهوَ ا ْلعَلِ ّ‬ ‫‪6‬‬ ‫وقال عند تفسير ءاخر ءاية الكرسي ما نصه (‬
‫[سورة البقرة ] فإنه يعني ‪ :‬وال العلي ‪ ،‬والعلي ‪ :‬الفعيل من قولك عل يعلو علوا إذا ارتفع‬
‫فهو عال وعلي ‪ ،‬والعلي ‪ :‬ذو العلو والرتفاع على خلقه بقدرته )) اهـ‪.‬‬

‫وقال في موضع ءاخر ما نصه (‪{(( : )1‬ا ْلكَبِي ُر ا ْلمُ َتعَالِ } [سورة الرعد ] ‪ ،‬المتعال ‪ :‬المستعلي‬
‫على كل شئ بقدرته ‪ ،‬وهو المتفاعل من العلو ‪ ،‬مثل المتقارب من القرب والمتداني من الدن ّو ))‬
‫اهـ ‪.‬‬

‫هكذا يفهم العلماء العلو في حق ال عز وجل ‪ ،‬فإن علو المكان إنما هو من صفات ذوي‬
‫الحدوث والمكان ‪ ،‬وجل القديم واجب الوجود عن المكنة والحدود ‪ .‬فتعالى ال عما يقول أهل‬
‫الوهام المحبوسون في سجون خيالتهم القاصرة التي ل تدرك من الموجود إل ما حصرته‬
‫الحدود ورفعته المكنة ‪ ،‬فيحكمون على أحكم الحاكمين بأنه من أمثالهم ‪ ،‬تعالى ال عما يقول‬
‫الجاهلون به علوّا كبيرا ‪.‬‬
‫وأما قول أبي العالية فمرداه كما قال الحافظ البيهقي في (( السماء والصفات )) (‪: )2‬‬
‫(( ارتفاع أمره ‪ ،‬وهو بخار الماء الذي منه وقع خلق السماء )) اهـ ‪.‬‬

‫فل حجة يتمسك بها الوهابية المجسمة بعد ذلك في حمل العلو على العلو الحسي وهو العلو‬
‫بالذات بالمسافة ‪ ،‬تعالى ال عن قولهم ‪.‬‬

‫الشبهة العاشرة ‪:‬‬

‫قال بعض زعماء الوهابية المجسمة إن صرف اللفظ عن ظاهره بل دليل مذموم وهو الذي درج‬
‫ن عَلَى ا ْلعَرْشِ‬
‫حمَ ُ‬
‫عليه أهل التحريف في صفات ال ‪ ،‬قال (‪ (( :)3‬مثاله قوله تعالى ‪ { :‬ال ّر ْ‬
‫اسْ َتوَى }[ سورة طه]‪ ،‬ظاهر اللفظ أن ال تعالى استوى على العرش ‪ :‬استقر عليه وعل عليه ‪،‬‬
‫فإذا قال قائل‪ :‬معنى استوى ‪ :‬استولى على العرش ‪ ،‬فنقول ‪ :‬هذا تأويل عندك لنك حرفت اللفظ‬
‫عن ظاهره ‪ ،‬ولكن هذا تحريف في الحقيقة لنه ما دلّ عليه دليل ‪ ،‬بل الدليل على خلفه )) اهـ‬
‫‪.‬‬

‫قلنا ‪ :‬تسمية هذا المجسم من تأول من أهل السنة ءاية الستواء بالستيلء بأنهم محرفون ليس‬
‫كما زعم لن أهل السنة ل ينكرون على من ترك تأويل اليات المتشابهة مع التنزيه ول على‬
‫من تأولها بما هو موافق للغة العرب ‪ ،‬بل السلف والخلف ينكرون تفسير الستواء بالستقرار‬
‫لن هذا تجسيم ‪ ،‬فالوهابية هم المجسمة المشبهة الذين وصفوا معبودهم تارة بالستقرار على‬
‫العرش وتارة بالجلوس ‪ ،‬تعالى ال عما يقول المشبهة علوا كبيرا ‪.‬‬

‫فعلماء التوحيد ل يتكلمون في حق ال اعتمادا على مجرد النظر بالعقل ‪ ،‬بل يتكلمون في ذلك‬
‫من باب الستشهاد بالعقل على صحة ما جاء عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فالعقل عند‬
‫علماء التوحيد شاهد للشرع ليس أصل للدين ‪ ،‬أما الوهابية فل يتقيدون بالجمع بين النظر‬
‫العقلي وبين ما جاء عن النبياء على أن النظر العقلي السليم ل يخرج عما جاء به الشرع ول‬
‫يتناقض معه ‪ ،‬إذ الشرع ل يأتي إل بمجوزات العقل كما هو مقرر عند أهل الحق ‪.‬‬

‫قال الشيخ الفقيه شيث بن إبراهيم المالكي (توفي سنة ‪598‬هـ ) ما نصه (‪ (( : )1‬أهل الحق‬
‫جمعوا بين المعقول والمنقول أي بين العقل والشرع ‪ ،‬واستعانوا في درك الحقائق بمجموعهما‬
‫فسلكوا طريقا بين طرقي الفراط والتفريط ‪ ،‬وسنضرب لك مثال يقرب من أفهام القاصرين ذكره‬
‫العلماء كما أن ال تعالى يضرب المثال للناس لعلهم يتذكرون ‪ ،‬فنقول لذوي العقول ‪ :‬مثال‬
‫العقل العين الباصرة ‪ ،‬ومثال الشرع الشمس المضيئة ‪ ،‬فمن استعمل العقل دون الشرع كان‬
‫بمنزلة من خرج في الليل السود البهيم وفتح بصره يريد أن يدرك المرئيات ويفرق بين‬
‫المبصرات فيعرف الخيط البيض من الخيط السود ‪ ،‬والحمر من الخضر والصفر ‪ ،‬ويجتهد‬
‫في تحديق البصر فل يدرك ما أراد أبدا مع عدم الشمس المنيرة وإن كان ذا بصر وبصيرة ‪،‬‬
‫ومثال من استعمل الشرح دون العقل مثال من خرج نهارا جهارا وهو أعمى أو مغمض‬
‫العينين ‪ ،‬يريد أن يدرك اللوان ويفرق بين العراض ‪ ،‬فل يدرك الخر شيئا أبدا ‪ ،‬ومثال من‬
‫استعمل العقل والشرع جميعا مثال من خرج بالنهار وهو سالم البصر مفتوح العينين والشمس‬
‫ظاهرة مضيئة ‪ ،‬فما أجدره وأحقه أن يدرك اللوان على حقائقها ‪ ،‬ويفرق بين أسودها وأحمرها‬
‫وأبيضها وأصفرها ‪.‬‬

‫فنحن بحمد ل السالكون لهذه الطريق وهو الطريق المستقيم وصراط ال المبين ‪ ،‬ومن زل‬
‫عنها وحاد وقع في طريق الشيطان المتشعبة عن اليمين والشمال ‪ ،‬قال تعالى ‪َ { :‬وأَنّ هَـذَا‬
‫ق ِب ُكمْ عَن سَبِي ِلهِ }‬
‫صرَاطِي ُمسْ َتقِيمًا فَاتّ ِبعُوهُ َو َل تَتّ ِبعُواْ السّ ُبلَ فَ َتفَرّ َ‬
‫ِ‬
‫[ سورة النعام ] )) اهـ‪.‬‬

‫ومن هنا يعلم أن المشبهة المجسمة تائهون في المعتقد لنهم خالفوا الشرع والعقل بقولهم إن‬
‫ال جالس على العرش ‪ ،‬وتارة يقولون إنه مستقر عليه ‪ ،‬ومنهم من يقول إن ال ترك مكانا‬
‫يجلس فيه معه محمدًا يوم القيامة ‪ ،‬وبقولهم إن ال متحيز في مكان فوق العرش بذاته ‪،‬‬
‫وبقولهم إن ال يتحرك كل ليلة بنزوله من العرش إلى السماء الدنيا ‪ ،‬حتى إن بعض هؤلء قال‬
‫‪ :‬إن ال يضع رجله في جهنم لكنها ل تحترق والعياذ بال تعالى من الكفر ‪ ،‬ولهم غير ذلك من‬
‫أقوالهم التي تدل على التشبيه والتجسيم لقياسهم الخالق على المخلوق ‪ ،‬واتباعهم الوهم ‪.‬‬

‫فنحمد ل تعالى الذي جعلنا على منهج أهل السنة والجماعة الذين تكلموا في أمور التوحيد من‬
‫باب الستشهاد بالعقل على صحة ما جاء عن ال ‪ ،‬وعلى صحة ما جاء عن رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪.‬‬

‫وقول هذا المجسم ‪ (( :‬صرف اللفظ عن ظاهره بل دليل مذموم )) اهـ ‪،‬‬
‫حق أريد به باطل ليحمل ءاية الستواء على ظاهرها من الستقرار ونحوه من صفات الجسام‬
‫ليوافق ذلك مشربه الفاسد ‪.‬‬

‫وقد سبق هذا المجسم أسلفه من المجسمة الذين قالوا إن ال جالس ومستقر على العرش ‪،‬‬
‫وقد رد عليهم المام أبو نصر القشيري ونقله الحافظ محمد مرتضى الزبيدي في (( إتحاف‬
‫السادة المتقين )) فقال (‪ (( : )1‬قال أبو نصر القشيري في (( التذكرة الشرقية ))‪ (( :‬فإن قيل‬
‫ش اسْ َتوَى }[ سورة طه ] فيجب الخذ بظاهره ‪ ،‬قلنا ‪ :‬ال‬
‫حمَنُ عَلَى ا ْلعَرْ ِ‬
‫أليس ال يقول ‪ { :‬ال ّر ْ‬
‫يقول أيضا ‪:‬‬
‫{ وَ ُهوَ َم َع ُكمْ أَيْنَ مَا كُن ُتمْ } [سورة الحديد ] ‪ ،‬ويقول ‪ { :‬أَلَا إِ ّنهُ ِب ُكلّ شَيْ ٍء ّمحِيطٌ } [ سورة‬
‫فصلت ] فينبغي أيضا أن نأخذ بظاهر هذه اليات حتى يكون على العرش وعندنا ومعنا ومحيطا‬
‫بالعالم محدقا به بالذات في حالة واحدة ‪ ،‬والواحد يستحيل أن يكون بذاته في حالة واحدة بكل‬
‫مكان ‪.‬‬

‫قالوا ‪ :‬قوله ‪ { :‬وَ ُه َو َم َع ُكمْ } يعني بالعلم ‪ ،‬و ‪ِ { :‬ب ُكلّ شَيْ ٍء ّمحِيطٌ } إحاطة العلم قلنا ‪ :‬وقوله ‪:‬‬
‫{ عَلَى ا ْلعَرْشِ اسْ َتوَى }‬
‫قهر وحفظ وأبقى )) اهـ ‪،‬انتهى نقل الزبيدي لكلم القشيري ‪.‬‬

‫ن عَلَى ا ْلعَرْشِ اسْ َتوَى } نأخذ بظاهره فنقول إنه‬


‫حمَ ُ‬
‫أي إن قالت المشبهة المجسمة لنا ‪ { :‬ال ّر ْ‬
‫هناك ونثبت أنه ساكن على العرش قاعد عليه أو مستقر ‪ ،‬قلنا لهم ‪ :‬ال تعالى قال أيضا ‪:‬‬
‫ن مَا كُن ُتمْ } وقال ‪ { :‬أَلَا إِ ّنهُ ِب ُكلّ شَيْ ٍء ّمحِيطٌ } فنحن إذا على زعمكم أخذنا بظاهر‬
‫{وَ ُه َو َم َع ُكمْ أَيْ َ‬
‫هاتين اليتين كما أنتم أخذتم بظاهر استوى فقلتم ساكن فوق ‪ ،‬فيكون ال تعالى على كلمكم‬
‫معنا وعلى العرش ومحيطا بنا وبالعالم هكذا كالدائرة فهل يصح عندكم ؟ فإن حملتم أنتم تلك‬
‫على ظاهرها ونحن حملنا هاتين اليتين على ظاهرهما ‪،‬‬
‫ال على زعمكم يكون بذاته فوق العرش ويكون بذاته مع كل شخص في الرض ويكون كالدائرة‬
‫المحيطة بما فيها فماذا تقولون ؟ فليس لهم جواب‪ ،‬فهل يصح في العقل أن يكون ال بذاته فوق‬
‫‪ ،‬وهو بذاته مع كل شخص لن ظاهر قول ال تعالى ‪:‬‬
‫{ وَ ُهوَ َم َع ُكمْ أَيْنَ مَا كُن ُتمْ } أنه مع هذا بذاته ومع هذا ومع هذا ‪ ،‬وظاهر قول ال تعالى ‪ { :‬أَلَا‬
‫يءٍ ّمحِيطٌ } أن يكون هو كالدائرة تحيط بما فيها بما في ضمنها ‪ ،‬فهذا ل يعقل أي أن‬
‫إِ ّنهُ ِب ُكلّ شَ ْ‬
‫يكون الشئ الواحد في أماكن متعددة بذات واحد ‪ ،‬هذا معنى قول أبي نصر القشيري رحمه ال‬
‫وهو حجة مفحمة قاطعة ‪.‬‬

‫ثم نقل عنه الزبيدي ما نصه (‪ (( : )1‬وقد نبغت نابغة من الرعاع لول استنزالهم للعوام بما‬
‫يقرب من أفهامهم ويتصور في أوهامهم لجللت هذا الكتاب عن تلطيخه بذكرهم ‪ ،‬يقولون ‪:‬‬
‫نحن نأخذ بالظاهر ونحمل اليات الموهمة تشبيها والخبار الموهمة حدا وعضوا على الظاهر‬
‫ول يجوز أن نطرق التأويل إلى شئ من ذلك ‪ ،‬ويتمسكون على زعمهم بقول ال تعالى ‪:‬‬
‫{ َومَا َيعْ َلمُ تَ ْأوِي َل ُه ِإلّ الّلهُ} [ سورة ءال عمران] ‪ .‬وهؤلء والذي أرواحنا بيده أضر على‬
‫السلم من اليهود والنصارى والمجوس‬
‫وعبدة الوثان لن ضللت الكفار ظاهر يتجنبها المسلمون ‪ ،‬هؤلء أتوا الدين والعوام من‬
‫طريق يغتر به المستضعفون فأوحوا إلى أوليائهم بهذه البدع وأحلوا في قلوبهم وصف المعبود‬
‫سبحانه بالعضاء والجوارح والركوب والنزول والتكاء والستلقاء والستواء بالذات والتردد‬
‫في الجهات ‪.‬‬

‫فمن أصغى إلى ظاهرهم يبادر بوهمه إلى تخيل المحسوسات فاعتقد الفضائح فسال به السيل‬
‫وهو ل يدري ))‪ .‬انتهى نقل الزبيدي ‪.‬‬

‫ومعنى المحسوسات أي الشياء التي نراها بأعيننا من المخلوقات ‪،‬‬

‫فهؤلء المشبهة يوهمون الناس أن ال مثل ذلك ‪ ،‬مثل هذه الشياء البشر والضوء ونحو ذلك ‪.‬‬

‫وعلم مما ذكرنا أن صرف اللفظ عن ظاهره فيما ورد من اليات والحاديث المتشابهة ليس من‬
‫قبيل اتباع الهوى والتحكم ‪ ،‬بل اتبعنا ما ذكره علماء الصول من أن التأويل أي إخراج النص‬
‫عن ظاهره ل يسوغ إل لدليل عقلي قاطع أو سمعي ثابت ‪ ،‬وقد ثبت بالدلة العقلية أن ال‬
‫سبحانه وتعالى يستحيل عليه أن يوصف بالستقرار أو بالجلوس على العرش ‪ .‬فلذلك كان‬
‫السلف ل يحملون المتشابه على ظاهره ‪ ،‬وكانوا يقولون ‪ :‬أمروها كما جاءت بل كيف ‪ ،‬فلو‬
‫كانوا يحملونها على ظاهرها لما قالوا بل تفسير لن تفسير ظاهرها حينئذ معروف ومعلوم وهو‬
‫الستقرار والعلو الحسي وكلهما يجب تنزيه ال عنهما ‪ ،‬فاكتفوا باليمان بها وحملها على‬
‫معنى يليق بال سبحانه وتعالى ‪.‬‬

‫الشبهة الحادية عشرة ‪:‬‬


‫قال الوهابية (‪ (( :)1‬إن الستيلء يكون مع مزايلة المستولي للمستولي عليه ومفارقته ‪ ،‬كما‬
‫يقال ‪ :‬استولى عثمان بن عفان على خراسان‪ ،‬واستولى عبد الملك بن مروان على بلد المغرب‬
‫‪ ،‬واستولى الجواد على المد ‪ ،‬قال الشاعر ‪:‬‬

‫ال لمثلك أو من أنت سابقه سبق الجود إذا استولى على المد‬

‫فجعله مستوليا عليه بعد مفارقته له وقطع مسافته ‪ ،‬والستواء ل يكون إل مع مجاورة الشئ‬
‫الذي يستوي عليه كما في قوله تعالى ‪:‬‬
‫{وَاسْ َتوَتْ عَلَى ا ْلجُو ِديّ } [سورة هود] ‪ ...‬وهكذا في جميع موارد اللغة التي خوطبنا بها ‪ ،‬ول‬
‫يصح أن يقال ‪ :‬استوى على الدابة والسطح إذا نزل عنها وفارقها ‪ ،‬كما يقال ‪ :‬استولى عليها ‪،‬‬
‫هذا عكس اللغة وقلب الحقائق ‪ ،‬وهذا قطعي بحمد ل )) اهـ ‪ .‬قلنا ‪ :‬توهم هذا الوهابي‬
‫المجسم أنه أقام الحجة على أهل السنة بما زعمه حتى قال ‪ (( :‬وهذا قطعي بحمد ال )) وما‬
‫ذكره ليس بقطعي ول بحجة ‪ ،‬وزعمه أن الستيلء يكون مع مفارقة المستولي للمستولى عليه‬
‫وأن الستواء ل يكون إل مع مجاورة ل دليل عليه لرد تأويل استوى باستولى ‪ ،‬لن الستيلء‬
‫المراد منه القهر كما سبق بيان ذلك ‪ ،‬وما ألزمنا به نلزمه بما هو مثله أل وهو القهر‪ ،‬فالقهر‬
‫يكون مع مفارقة القاهر وبعده عن المقهور أي الشئ الذي قهر ‪ ،‬فيصح أن يقال ‪ :‬قهر فلن‬
‫فلنا ولو كان بعد مفارقته لن المعنى ‪ :‬غلبه وتمكن منه ‪ .‬ومع ذلك فالوهابي ل ينكر أن من‬
‫أسماء ال القهار ‪ ،‬فالقهر والستيلء يصح إطلقهما بعد مفارقة الشئ والبعد عنه ‪ ،‬فأجاز‬
‫الوهابي الول ومنع الثاني بل دليل ‪ ،‬بل جعل النصوص القرءانية والحديثية تابعة لرأيه‬
‫وهواه ‪ ،‬فإنه لما كان يعتقد أن ال متحيز بذاته فوق العرش وجعله مسكنا له قال ما قاله ‪،‬‬
‫فعنده الستيلء ل يدل على المجاورة أما الستواء ففيه معنى المجاورة دائما كما زعم أي يريد‬
‫أن يقول إن ال مجاور للعرش ومحاذ له وقريب منه بالمسافة ‪ ،‬وإل فما معنى المجاورة ؟!‬
‫وسيأتي الرد عليه في هذه المسئلة إن شاء ال تعالى ‪ ،‬وهذا دليل ءاخر على أنه جعل النص‬
‫خاضعا لرأيه ‪ ،‬فليس الستواء في جميع موارد اللغة فيه معنى المجاورة كما ادعاه ‪ ،‬وكأنه‬
‫أحاط بجميع كلم العرب ‪ ،‬سبحانك ربنا هذا بهتان عظيم ‪.‬‬
‫واما معنى الستيلء في قول الشاعر المذكور ءانفا فهو بلوغ الغاية ‪ ،‬والمد هو الغاية ‪ ،‬وغاية‬
‫كل شئ ‪ :‬منتهاه ‪ ،‬والمراد هنا ‪ :‬الموضع الذي حدد لنتهاء السباق‪ ،‬فأيهما سبق صاحبه إلى‬
‫الغاية فقد استولى عليه ‪ ،‬قال ابن منظور في (( لسان العرب )) (‪: )1‬‬
‫(( واستيلؤه على المد أن يغلب عليه بسبقه إليه )) اهـ ‪.‬‬

‫وقوله ‪ (( :‬ل يصح أن يقال ‪ :‬استوى على الدابة والسطح إذا نزل عليها وفارقها )) اهـ ‪ ،‬يقال‬
‫له ‪ :‬إن الستواء هنا هو استواء جسمين يحصل بينهما تماس ومن أحدهما ارتفاع بالمسافة‬
‫ليستوي على الخر ‪ ،‬فاستوى هنا بمعنى عل العلو الحسي ومعناه كما ذكرنا ‪ ،‬أما استواء ال‬
‫على عرشه فليس من هذا القبيل لن ال منزه عن الرتفاع بالمسافة والمكان وأن يمس أو‬
‫يحس أو يجس ‪ ،‬فلذلك ل يقال ‪ :‬استوى فلن على الدابة بهذا المعنى أي وهو بعيد عنها ‪ ،‬وأما‬
‫الستواء على الشئ بمعنى القهر فجائز ‪ .‬وال الموفق للصواب وإليه المرجع والمئاب‪.‬‬

‫الشبهة الثانية عشرة ‪:‬‬

‫يزعم الوهابية أن لهم دليل على أن الستواء هو الستقرار ‪ ،‬قال محمد العثيمين – وهو من‬
‫زعمائهم وقادتهم ‪ -‬ما نصه (‪ (( :)1‬فإن سألت ‪ :‬ما معنى الستواء عن أهل السنة ؟ فمعناه‬
‫العلو والستقرار ‪،‬وقد ورد عن السلف في تفسيره أربعة معاني ‪ :‬الول ‪ :‬عل ‪ .‬والثاني ‪ :‬ارتفع‬
‫‪ .‬والثالث‪ :‬صعد ‪ .‬والرابع ‪ :‬استقر ‪ .‬لكن (عل ) و( ارتفع ) و ( صعد ) معناها واحد ‪ ،‬وأما‬
‫( استقر ) فهو يختلف عنها ‪ .‬ودليلهم في ذلك ‪ :‬أنها في جميع مواردها في اللغة العربية لم‬
‫تأت إل لهذا المعنى إذا كانت متعدية ب ( على ) ‪ :‬قال ال تعالى ‪:‬‬
‫ج َعلَ َلكُم مّنَ‬
‫ك عَلَى ا ْلفُلْكِ } [سورة المؤمنون ] ‪ ،‬وقال تعالى { َو َ‬
‫ت َومَن ّمعَ َ‬
‫{ فَإِذَا اسْ َتوَيْتَ أَن َ‬
‫ك وَالْأَ ْنعَامِ مَا تَ ْركَبُونَ }‬
‫ا ْلفُلْ ِ‬
‫علَ ْيهِ } [سورة الزخرف ] )) اهـ‪،‬‬
‫ظهُورِهِ ُث ّم تَ ْذكُرُوا ِن ْع َمةَ رَ ّب ُكمْ إِذَا اسْ َتوَيْ ُتمْ َ‬
‫علَى ُ‬
‫{لِ َتسْ َتوُوا َ‬
‫ويذكر الوهابية أيضا قوله تعالى ‪:‬‬
‫{وَاسْ َتوَتْ عَلَى ا ْلجُو ِديّ } [سورة هود ]‪.‬‬

‫قلنا ‪ :‬يرد على كلمهم بوجوه ‪:‬‬


‫الول ‪ :‬ل دليل في هذه اليات على ما زعموه من أن ال استقر على العرش ‪ ،‬بل هم في ذلك‬
‫ضربوا المثل ل وال يقول ‪:‬‬
‫ضرِبُواْ لِّل ِه ا َلمْثَالَ } [سورة النحل ] ووقعوا في التمثيل وتشبيه استواء ال على عرشه‬
‫{فَلَ تَ ْ‬
‫باستواء البشر على السفينة ‪ ،‬وباستواء سفينة نوح عليه السلم على جبل الجودي ‪ ،‬وهذا من‬
‫أبشع التشنيعات ‪.‬‬

‫الثاني ‪ :‬اليات التي احتجوا بها فيها معنى زائد على الستقرار ‪:‬فآية المؤمنون ‪{ :‬فَإِذَا اسْ َتوَيْتَ‬
‫حمْدُ لِّلهِ }‬
‫ت َومَن ّمعَكَ عَلَى ا ْلفُلْكِ َف ُقلِ ا ْل َ‬
‫أَن َ‬
‫معناها ‪ :‬إذا اعتدلت راكبا في السفينة عاليا عليها وتمكنت فيها تمكن المستوي على الشئ‬
‫فاحمد ل تعالى على نعمة النجاء ‪.‬‬

‫وكذا يقال ‪ :‬معنى الستواء في ءاية الزخرف ‪ :‬تمكن المستوي على الشئ واستقرار عليه ‪.‬‬

‫وأما ءاية هود فمعناها أن السفينة بعد أن كانت سائرة وقفت وأرست واستقرت على جبل‬
‫الجودي ‪.‬‬

‫فالستواء في اليتين ‪ :‬الولى والثانية تضمنت معنى الرتفاع والعلو والصعود بعد النخفاض‬
‫وتمكن المستوي من ركوب السفينة وظهور النعام والحتياج إليها ‪ ،‬والولى تضمنت أيضا‬
‫معنى الحلول فكانت السفينة ظرفا ووعاء للمستوي عليها لنها حوته وأحاطته من كل جوانبها ‪،‬‬
‫والثالثة تضمنت معنى التوقف عن الحركة بعد أن كانت سائرة أي صارت ساكنة بعد أن كانت‬
‫متحركة ‪ ،‬فليزم على استدلل الوهابية بهذه اليات أن ال كان منخفضا تحت العرش والعياذ‬
‫بال تعالى – تعالى ال عن قولهم –ثم تحرك وانتقل إلى فوق العرش وسكن فوق وتمكن عليه‬
‫لحتياجه إليه كاحتياج المستوي على السفينة وظهور النعام ‪ ،‬تعالى ال عما يقول الظالمون‬
‫الجاحدون المشبهون علوا كبيرا ‪.‬‬

‫الثالث ‪ :‬الستواء في هذه اليات هو استواء الجسام على الجسام أي الستواء فيها هو‬
‫استقرار بحصول تماس جسمين ‪ :‬جسم المستوي على الشئ ( وهو راكب السفينة أو السفينة )‬
‫وجسم المستوي عليه ( وهو جبل الجودي أو ظهور النعام أو السفينة ) ‪ ،‬فعلى مقتضى كلم‬
‫الوهابية استقرار ال على عرشه فيه تماس ذات ال عز وجل مع العرش ‪ ،‬وهذا كفر وضلل‬
‫مبين ‪ ،‬فإن قالوا ‪ :‬هو استقرار بل مماسة بل فقط بمحاذاة ومجاورة للعرش وهم يقولون بذلك‬
‫(‪ – )1‬قلنا وهذا أيضا تشبيه ل بخلقه ووصفه بصفات الجسام وهو كفر أيضا ‪ ،‬فتنبه‪.‬‬

‫الشبهة الثالثة عشره‪:‬‬

‫لما كان الوهابية يعتقدون عقيدة التجسيم صاروا يحملون اليات والحاديث ويفسرونها على ما‬
‫تهواه نفوسهم كما هو شأن أهل البدع كالمعتزلة والخوارج الذين يفسرون اليات والحاديث‬
‫بخلف اللغة والمقرر عن أهل السنة‪ ،‬لذلك قال علماء أهل الحق إن علم الدين ل يؤخذ إل عن‬
‫ثقة ‪ ،‬والوهابية لما كانوا يعتقدون أن ال عز وجل متحيز وذاته محاذ للعرش قالوا (‪:)2‬‬
‫الستواء ل يكون إل مع مجاورة الشئ الذي يستوي عليه كما في قوله تعالى ‪ { :‬وَاسْ َتوَتْ عَلَى‬
‫ظهُورِهِ }‬
‫علَى ُ‬
‫ا ْلجُو ِديّ }[ سورة هود] ‪ ،‬وقوله ‪ {:‬لِ َتسْ َتوُوا َ‬
‫ك } [سورة المؤمنون ] ‪ ،‬وهكذا في‬
‫ت َومَن ّمعَكَ عَلَى ا ْلفُلْ ِ‬
‫[سورة الزخرف] وقوله ‪{ :‬اسْ َتوَيْتَ أَن َ‬
‫جميع موارده في اللغة التي خوطبنا بها )) اهـ‪.‬‬

‫قلنا ‪ :‬من أين لهم أن يجزموا أن جميع موارد الستواء في اللغة ل تكون إل مع مجاورة ‪،‬‬
‫وكأنهم أحاطوا بكل كلم العرب والشعراء ‪ ،‬هيهات هيهات ‪ ،‬والذي حملهم على هذا القول هو‬
‫اعتقادهم أن ل مكانا ومسكنا فوق العرش ‪ ،‬وكلمهم الذي نقلناه هنا نص صليح في أنهم‬
‫يقولون إن ال مجاور للعرش ‪ ،‬وهذا يقتضي المحاذاة والبعد عن العرش بالمسافة ‪ ،‬ولم يقل به‬
‫أحد من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان‪.‬‬

‫ففي (( المصباح )) (‪(( :)1‬وجاوره مجاورة إذا ل صقه في السكن )) اهــ‪ ،‬وفي (( لسان‬
‫العرب )) (‪ :)2‬وجاور الرجل مجاورة ‪ :‬ساكنه )) اهـ‪ ،‬ومن نظر في سائر كتب اللغة والغريب‬
‫والتفسير يجد أن المجاورة تتضمن معنى المكان والجهة والمسافة ‪ ،‬ثم من نص من أئمة اللغة‬
‫على ما زعموه؟ ‪ ،‬أليس يقال ‪ :‬استوى فلن على العراق وقد يكون هو بالشام أو بمصر ‪.‬‬
‫ثم اليات التي استدل به الوهابية حجة عليهم لن الستواء الوارد فيها تضمن بالضافة إلى‬
‫المجاورة معنى الرتفاع بعد النخفاض بالمسافة ‪ ،‬وتماس جسمين ‪ ،‬والحتياج إلى المستوى‬
‫عليه ‪ .‬فهل يقولون بكل هذا ‪ ،‬فإن أخذوا ببعض ما تضمنه الستواء من المعاني في هذه اليات‬
‫وردوا بعضها لنها ل تليق بال ‪ ،‬قلنا ‪ :‬هذا منكم اعتراف بأن ليس كل معاني الستواء –‬
‫ومنها المجاورة – تكون لزمة لجميع موارد الستواء في اللغة ‪ ،‬وقولهم ‪ :‬إن منها ما ل يليق‬
‫بال ‪ ،‬قلنا ‪ :‬كذلك المجاورة ل تليق بال لنها من صفات الجسام‪ ،‬فالعرش جسم باتفاق منا‬
‫ومن الوهابية المجسمة ‪ ،‬وزعمهم أن ال مجاور للعرش يلزمهم ثلث احتمالت ‪ -‬كلها كفر –‬
‫ل رابع لها ‪ ،‬وهي ‪ :‬إما أن يكون ال على زعمهم أكبر من العرش أو مثل العرش أو أصغر من‬
‫العرش ‪ ،‬وبأيهم قالوا لزمهم التجسيم ل محالة لنها كلها من صفات الجسام ‪ ،‬هذا بالضافة‬
‫إلى جعلهم ال محدودا من الجهة العليا من العرش بزعمهم ‪ ،‬ويلزمهم احتمالن ‪ -‬وهما كفر –‬
‫ل ثالث لهما وهما ‪ :‬إما أن يكون ال مماسا وملصقا للعرش ‪ ،‬وإما أن يكون منفصل عن‬
‫العرش بالمسافة ومن كان كذلك أي على الحتمال الثاني يجوز عليه أن يمس العرش وبلصقه‬
‫وهذه صفات الجسام والمخلوقين ‪ ،‬فثبت استحالة المسافة بين ال وبين العرش ‪ ،‬وهذا الذي‬
‫ذكرناه قاصم لظهورهم ل مفر منه أي من التشبيه إلى التنزيه إل بنفي المجاورة أي نفي الجهة‬
‫عن ال عز وجل‪.‬‬

‫نسأل ال أن ينور بصائرنا بأنوار الهداية ويجنبنا مسالك الغواية وأن يلهمنا إلى طريق الصواب‬
‫وأن يرزقنا اتباع المرين النيرين السنة والكتاب ‪.‬‬

‫الشبهة الرابعة عشرة ‪:‬‬

‫يستدل الوهابية بكلم أبي عبد ال محمد بن زياد المعروف بابن العرابي (ت‪231‬هــ) وهو من‬
‫اللغويين ‪ ،‬وذلك حين سئل ‪:‬‬
‫((أتعرف في اللغة استوى بمعنى استولى؟ فقال ‪ :‬ل أعرفه )) اهــ‪ ،‬وفي طريق ءاخر ‪(( :‬أتاه‬
‫حمَنُ عَلَى ا ْلعَرْشِ اسْ َتوَى } [ سورة طه‬
‫رجل فقال ‪ :‬يا أبا عبد ال ما معنى قول ال تعالى ‪ {:‬ال ّر ْ‬
‫] قال ‪ :‬هو على عرشه كما أخبر ‪ ،‬قال الرجل ليس كذاك هو يا أبا عبد ال ‪ ،‬إنما معنى قوله ‪:‬‬
‫{ اسْ َتوَى }‪ :‬استولى ‪ .‬فقال ابن العرابي ‪ :‬اسكت ‪ ،‬ما يدريك ما هذا؟ العرب ل تقول للرجل‬
‫استولى على الشئ حتى يكون له فيه مضاد ‪ ،‬فأيهما غلب قيل استولى عليه ‪ ،‬وال ل مضاد‬
‫له ‪ ،‬وهو على عرشه كما أخبر ‪ ،‬والستيلء بعد المغالبة ‪ ،‬قال النابغة‪:‬‬
‫إل لمثلك أو من أنت سابقه سبق الجود إذا استولى على المد )) اهــ (‪)1‬‬

‫قلنا ‪ :‬الستيلء الذي يكون بعد مغالبة وضعف وعجز ل يطلق على ال عز وجل ‪ ،‬بل ال منزه‬
‫عن ذلك ‪ ،‬فهو القوي القاهر ‪ ،‬ونسبة العجز والضعف إلى ال كفر مخرج من الدين ‪ ،‬فإنكار‬
‫ابن العرابي على من حمل استوى بمعنى استولى على الوجه الذي يكون بعد مغالبة حق ول‬
‫يقول به أحد من أهل الحق ‪ ،‬بل من تأول منهم الستواء بالستيلء حمله على المعنى المجرد‬
‫عن سبق المغالبة ‪ ،‬إذ الستيلء هو القهر والغلبة ‪ ،‬فكما أنه ل يقتضي أن يكون القهر والغلبة‬
‫بعد مغالبة كذلك نقول في استولى ‪ ،‬قال ال تعالى ‪:‬‬
‫ن أَنَا وَ ُرسُلِي }‬
‫{ وَ ُهوَ ا ْلقَا ِهرُ َفوْقَ عِبَادِهِ } [ سورة النعام ] ‪ ،‬وقال تعالى ‪ { :‬كَتَبَ الّل ُه لََأغْلِبَ ّ‬
‫[سورة المجادلة ]‪ .‬وقد تعقب القسطلني في‬
‫(( الرشاد )) كلم ابن العرابي فقال ما نصه (‪ (( :)1‬وفيما قاله نظر ‪ ،‬فإن الستيلء من‬
‫الولء وهو القرب ‪ ،‬أو من الولية ‪ ،‬وكلهما ل يفتقر في إطلقه لمضاد )) اهـ ‪.‬‬

‫وقد بينا سابقا أن اللفاظ المحتملة للكمال بوجه وللنقصان بوجه تحمل على المعنى اللئق بال‬
‫تعالى أي على الوجه الذي دل على معنى الكمال وينفى عن ال المعنى الذي دل على النقصان ‪.‬‬
‫وذكرنا أيضا أن الستيلء يكون من غير سبق مغالبة ‪ ،‬وذكرنا من تأول الستواء بالستيلء من‬
‫علماء اللغة ‪ ،‬فليراجع ‪.‬‬

‫والمبتدئ من الطلب يعرف الخلف الوارد – وهو كثير – بين الئمة من نحاة وصرفيين‬
‫وبلغيين ولغويين ‪ ،‬فإذا كان هذا التأويل فيه خلف فلماذا يصر الوهابية على إنكار هذا التأويل‬
‫‪ ،‬وليس ذلك إل لنهم مجسمة يعتقدون التجسيم ويشبهون ال بخلقه يزعمون أن ال مستقر‬
‫على العرش ‪ ،‬قالوا بما لم يقل به الصحابة ول إمام من أئمة السلف المعتبرين ل يقول به إل‬
‫مجسم ‪.‬‬
‫فإذا كان المر كذلك ‪ ،‬فالتمسك بما قاله ابن العرابي فقط ونبذ كلم غيره من اللغويين تحكم ‪،‬‬
‫أعاذنا ال من أن نتكلم بما ل نعلم أو أن ندعي ما ل نحسن ‪.‬‬

‫تنبيه ‪ :‬الروايتان اللتان يستدل بهما الوهابية فيهما تعارض من حيث إن الولى تنفي ما أثبتته‬
‫الثانية ففي الولى أنه ليس في اللغة تفسير استوى بمعنى استولى وفي الثانية فيها أن العرب‬
‫تقول استوى بمعنى استولى ‪ ،‬فإن قيل ‪ :‬نفيه لعدم اطلعه على ذلك فلذا قال ‪:‬‬
‫(( ل أعرفه )) ثم لما علم بوروده في كلم العرب أثبته ‪ ،‬قلنا ‪ :‬فما المانع أن يكون خفي عليه‬
‫أيضا ورود الستواء بمعنى الستيلء من غير سبق مغالبة ‪.‬‬

‫الشبهة الخامسة عشرة ‪:‬‬

‫إن قال الوهابية ‪ :‬أنتم اتبعتم اليهود حين أمروا أن يقولوا (( حطة )) فبدلوا ‪ ،‬فقالوا ‪ (( :‬حنطة‬
‫)) ‪.‬‬

‫قلنا ‪ :‬أنتم أولى بهذا الوصف ‪ ،‬فإنكم وصفتم ال بالجلوس وهي عقيدة اليهود ‪ ،‬وقد أثبتنا ذلك‬
‫عنكم من كتبكم ‪ ،‬وقلتم بالستقرار وهذا تجسيم ‪ ،‬فأنتم من حيث العقيدة اتبعتم اليهود والمشبهة‬
‫‪.‬‬

‫ثم إن الستواء من معانيه الستيلء ‪ ،‬وقد أقمنا الدليل على ذلك سابقا ‪ ،‬وليس كلمة‬
‫(( حنطة )) من معاني (( حطة )) ‪.‬‬

‫ويقال أيضا ‪ :‬إن اليهود أمروا بقول (( حطة )) فبدلوا هذا اللفظ إلى غيره ‪ ،‬وكان ذلك منهم‬
‫تكبرا واستهزاء وعنادا عن قبول الحق ‪ ،‬فأين هذا من ذاك ‪.‬‬

‫الشبهة السادسة عشرة‪:‬‬

‫يقول الوهابية إن تأويل الستواء بالستيلء هو قول المعتزلة وهم فرقة ضالة باتفاق منا ومنكم‬
‫‪ ،‬فكيف تأخذون بقولهم ‪.‬‬

‫قلنا ‪ :‬ل يضر أن المعتزلة وافقونا في هذه المسئلة ‪ ،‬فليس كل كلم المعتزلة باطل بل فيه كلم‬
‫موافق لهل الحق ‪ ،‬فهل يترك لجل أن المعتزلة قالوا به ؟ فها نحن نقول ل إله إل ال وهم أي‬
‫المعتزلة يقولونها بألسنتهم فهل نحرم قول ل إله إل ال لجلهم ‪.‬‬
‫قال الشيخ أبو المعين النسفي في (( تبصرة الدلة )) ما نصه (‪ (( : )1‬ونسبتهم هذا التأويل إلى‬
‫المعتزلة ليس بشئ ‪ ،‬لن أصحابنا أولوا هذا التأويل ولم يختص به المعتزلة )) اهــ‪.‬‬

‫فما قام على دليل قلنا به ‪ ،‬فانظر إلى المقال ول تنظر إلى من قال ‪.‬‬

‫الشبهة السابعة عشرة ‪:‬‬

‫إذا قال الوهابية ‪ :‬لم ينقل عن السلف هذا التأويل فكيف تقولون به ‪.‬‬

‫قلنا ‪:‬ولم ينقل عنهم التأويل بالستقرار ول يثبت عن واحد من علماء السلف أنه قال به ‪ ،‬فأنتم‬
‫خالفتم السلف ‪ ،‬بل ذكرنا سابقا عن المام أبي حنيفة السلفي تنزيه ال عن الستقرار ‪ ،‬وأبو‬
‫حنيفة هو أحد أئمة علماء السلف ‪ ،‬وكذا الذهبي أنكر هذا التفسير ‪ ،‬واللباني الوهابي أنكره‬
‫وهو من أبرز دعاتكم ‪ .‬ونقول ‪ :‬ما ثبت بالدليل الشرعي ل يقال عنه مخالف للسلف وإن لم‬
‫يقولوا به ‪ .‬بل وذكرنا من علماء السلف من قال بذلك راجع فصل بيان من تأول من علماء أهل‬
‫السنة الستواء على العرش بالستيلء والقهر ‪.‬‬

‫الشبهة الثامنة عشرة ‪:‬‬

‫زعم بعض المشبهة أن أهل السنة شبهوا ال بخلقه فقال ما نصه (‪ (( : )1‬ل يعقل تشبيه أشنع‬
‫من تشبيه استيلء ال على عرشه المزعوم باستيلء بشر على العراق)) اهـ‪.‬‬

‫قلنا ‪ :‬أنتم الوهابية من شبهتم ال بمخلوقاته فزعمتم أن ال استقر على العرش وهذا تجسيم‬
‫كما سبق بيان ذلك ‪ ،‬ومنكم من يقول بأن ال جالس على العرش وهي عقيدة اليهود لعنهم ال ‪،‬‬
‫وليس الستدلل بقول الشاعر ‪:‬‬

‫قد استوى بشر على العراق‬

‫‪.......................‬‬

‫تشبيه لستيلء ال على العرش باستيلء بشر كما زعم هذا المجسم بل الستشهاد بهذا البيت‬
‫لبيان أن الستواء يأتي بمعنى الستيلء الذي هو القهر والغلبة ‪ ،‬وهذا واضح جلي إل من‬
‫طمس ال على بصره وبصيرته فصار يتقول على أهل الحق بما هم بريئون منه ‪.‬‬
‫ونظير ما ذكرناه قوله عليه الصلة والسلم ‪ :‬إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر )) رواه‬
‫البخاري (‪ )1‬وغيره ‪ ،‬فالرسول صلى ال عليه وسلم شبه رؤيتنا للقمر من حيث عدم الشك‬
‫برؤية القمر ليلة البدر ‪ ،‬ولم يشبه ال تعالى بالقمر كما يزعم بعض الجهال فإنهم إذا ذكر لهم‬
‫هذا الحديث يتوهمون أن ال يشبه القمر وقد صرح بعض العوام بذلك والعياذ بال تعالى ‪.‬‬

‫ومن نظر في كتب الوهابية عرف كم تحتوي على فساد في العتقاد ومخالفة لما كان عليه النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم والصحابة والتابعون ‪.‬‬

‫الشبهة التاسعة عشرة‪:‬‬

‫قال أحد مجسمة الوهابية في رده على أهل السنة ما نصه (‪ (( : )2‬إنه يصح أن نقول على‬
‫زعمكم – يقصد أهل السنة – أن ال استوى على الرض والشجر والجبال والنسان والبعير ‪،‬‬
‫لنه ( استولى ) على كل هذه الشياء ‪ ،‬فإذا صح أن نطلق كلمة (استولى ) على شئ ‪ ،‬صح أن‬
‫نطلق ( استوى ) على ذلك الشئ ‪ ،‬لنهما مترادفان على زعمكم )) اهـ ‪.‬‬

‫قلنا ‪ :‬هذه الشبهة أخذوها من المجسم ابن تيمية (‪ )3‬فهو عمدتهم في التشبيه والتجسيم ‪ .‬وبما‬
‫أن كلمة استولى معناها الغلبة والقهر صح القول بأن ال استولى على العرش أي قهر العرش‬
‫وصح القول بأن ال قهر ما دون العرش من باب أولى ‪ ،‬فهو سبحانه قاهر العالم كله ‪،‬قاهر‬
‫الشمس والقمر والنجوم والملئكة والنس والجن وكل ما دخل في الوجود ‪ ،‬ونورد عليهم ما‬
‫ق عِبَادِ ِه } [سورة‬
‫أوردوه علينا فيقال لهم إن ال وصف نفسه بقوله ‪ { :‬وَ ُه َو ا ْلقَاهِرُ َفوْ َ‬
‫النعام ] فهل يقولون بأن ال قهر الرض والشجر والجبال والنسان والبعير أم ينفون ذلك عن‬
‫ال ‪ ،‬فإن نفوه يكونوا وصفوا ال بالعجز وهذا كفر وإن أجازوا ذلك لكن قالوا نمنع إطلقه على‬
‫الشياء الحقيرة والخسيسة أدبا كأن يقال قهر الكلب والخنزير ونحو ذلك وبذلك تكون الشبهة‬
‫انهارت عليهم ‪ ،‬وما ألزمونا به هو قول شيخهم وزعيمهم ابن تيمية فقد قال ما تستبشعه‬
‫النفوس وتستسيغه وتستمرؤه المجسمة ‪ ،‬فقد نقل موافقا ومقرا قول عثمان بن سعيد الدارمي‬
‫المجسم في وصف ال ما نصه (‪ (( : )1‬ولو قد شاء لستقر على ظهر بعوضة فاستقلت به‬
‫بقدرته ولطف ربوبيته ‪ ،‬فكيف على عرش عظيم أكبر من السموات والرض )) اهـ‪ ،‬نعوذ بال‬
‫من مقت القلوب ‪ ،‬فعند ابن تيمية يجوز أن يستقر ال على ظهر بعوضة ءاخذا ذلك عن‬
‫المجسمة ‪ ،‬فعجبا لهم كيف يسكتون عن هذا الكفر ويشنعون على أهل السنة تأويلهم الستواء‬
‫بالستيلء وهو تأويل ل غبار عليه موافق للشرع واللغة ولكن المجسمة تستحسن القبيح‬
‫وتستقبح الحسن ‪ ،‬كفانا ال شرهم ‪.‬‬

‫ونسأل ال تعالى أن يجعل جزاءنا جزيل الثواب ‪ ،‬وأن يلطف بنا يوم المآب ‪ ،‬إنه على ما يشاء‬
‫قدير ‪ .‬وصلى ال على سيدنا محمد سيد النبياء والمرسلين ‪ ،‬وعلى ءاله وصحبه الميامين ‪،‬‬
‫وحسبنا ال ونعم الوكيل ‪ ،‬ول حول ول قوة إل بال العلي العظيم ‪ ،‬وءاخر دعوانا أن الحمد ل‬
‫رب العالمين ‪.‬‬

‫تم انتهاء الكتاب بحمد ال تعالى نرجوا منكم حسن الدعاء في ظهر الغيب لنا بحسن الختام‬

You might also like