You are on page 1of 5

‫التربية البيئية‬

‫د‪ /‬أسامة جبريل أحمد‬


‫كلية التربية جامعة عين شمس‬
‫‪Osama_geb@hotmail.com‬‬
‫‪2008‬‬

‫على الرغم من أن العلقة بين " البيئة " و " التربية " قد ظهرت منذ أن وجد النسان على‬
‫ظهر الرض‪ ،‬إل أن المتأمل في طبيعة هذه العلقة يرى أنها مرت بعدة مراحل متميزة‪ ،‬ففي‬
‫بداية حياة النسان كانت البيئة هي المصدر المباشر للتربية‪ ،‬منها يكتسب خبراته من خلل‬
‫تفاعله المباشر مع كل مكوناتها‪ ،‬ومع تطور الحياة وظهور المدرسة كمؤسسة اجتماعية ظهر‬
‫ما يمكن أن نسميه " التعليم الشكلي " حيث تبلورت خبرات النسان في صورة مواد دراسية‬
‫وأصبح واجب المتعلم هو أن يلم بهذه الخبرات من خلل عملية تعليم وتعلم قوامها الحفظ‬
‫والستظهار‪ ،‬وبذلك انعزل المتعلم عن بيئته‪ ،‬وانعزلت التربية عن البيئة‪.‬‬
‫ومع مرور الزمن شعر العديد من المربين بخطورة هذه الفجوة‪ ،‬ونادوا بضرورة ربط ما‬
‫يدرسه المتعلم ببيئته حتى يصبح ما يتعلمه ذا معنى بالنسبة له‪ ،‬واستجابت التربية لهذه الدعوة‬
‫وبذلت جهود من أجل تحقيق هذه الغاية ولكنها نظرت إلى البيئة باعتبار أنها "وسيلة " للتربية‪،‬‬
‫أي أن تطوير البيئة والمحافظة عليها لم يكن هدفا من أهداف التربية في تلك المرحلة‪.‬‬
‫وبدخول النسان عصر العلم والتكنولوجيا‪ ،‬ظهرت مشكلت بيئية أخذت تزداد خطورة‬
‫إلى الحد الذي أصبحت معه تهدد البيئة‪ ،‬بل حياة النسان نفسه‪ ،‬ومن هنا ظهرت الدعوة إلى‬
‫ما نسميه الن " بالتربية البيئية " التي تأخذ فيها التربية بعدا جديدا باعتبارها " وسيلة " و" غاية‬
‫" في الوقت نفسه‪ ،‬فالبيئة مصدر إثراء للعملية التربوية‪ ،‬وفي الوقت نفسه فإن التربية تهدف‬
‫إلى المحافظة عليها ورفع مستواها وتطورها‪ ،‬وبهذا المفهوم الحديث أخذت " التربية البيئية "‬
‫مكانتها المتميزة في الفكر التربوي المعاصر‪ ،‬واستحوذت على اهتمام المربين بعامة‬
‫والمتخصصين في المناهج خاصة‪.‬‬
‫ويمكن تعريف التربية البيئية بأنها " العملية المنظمة لتكوين القيم والتجاهات والمهارات‬
‫اللزمة لفهم العلقات المعقدة التي تربط النسان وحضارته بالبيئة‪ ،‬ولتخاذ القرارات المناسبة‬
‫المتصلة بنوعية البيئة وحل المشكلت القائمة والعمل على منع ظهور مشكلت بيئية جديدة"‪.‬‬

‫مراحل تطور النظرة إلى الهتمام بالبيئة‬


‫‪-1‬الدراسة عن البيئة ‪:About The Environment‬‬
‫بدأت – وربما ل تزال – تهتم بتكوين شخص يعرف مكونات البيئة ويهتم بالنواحي‬
‫المعرفية ول يهتم بالنواحي الخرى من وجدانية ومهارية‪ ,‬وينحصر الهتمام على اللمام‬
‫بالقواعد والمبادئ الساسية بجانب المعرفة العلمية‪ ،‬ويستخدمها المتعلم في تفسير الظواهر‬
‫البيئية وكيفية تأثر النسان على البيئة وغاية ما تسعى إليه هذه العمليات أن يتم تعلمها عن‬
‫طريق الظواهر البيئية وهذا هو الحال في معظم برامج تعليمنا حتى الن‪.‬‬
‫‪-2‬الدراسة في البيئة ‪:In The Environment‬‬
‫ويهدف إلى استخدام البيئة والمصادر البيئية الطبيعية والصناعية كمكان لتعلم ودراسة‬
‫البيئة‪ ,‬وقد نادى عدد من المربين في بعض الدول ومنها مصر بأن تكون عملية التربية في‬
‫بعض الحوال في البيئة نفسها وبذلك تكون البيئة هي المختبر للدراسة‪ ،‬وهذه ل شك خطوة‬
‫أكثر تقدما من سابقتها يمكن أن نسميها الدراسة في البيئة‪.‬‬
‫ولكن هل يضمن ذلك تحقيق التربية البيئية ؟ قد يؤدي ذلك إلى دراسة البيئة‪ ،‬ودراسة‬
‫البيئة بهذا المعنى قد ل تؤدي بالضرورة إلى التربية البيئية‪ ،‬وذلك لن استخدام البيئة معمل‬
‫للدراسة والتحصيل بدون دراسة الطار الفيزيقي الحيوي‪ ،‬الذي يعيش فيه الكائن الحي أو‬
‫الظاهرة موضوع الدراسة وعلقتها بغيرها‪ ،‬ومدى تأثره وتأثيره فيها‪ ،‬أي بدون إدراك‬
‫العلقات الشمولية والنظرة المتكاملة والروابط المتداخلة ل يؤدي إلى تحقيق التربية البيئية‪.‬‬
‫‪-3‬الدراسة من أجل البيئة ‪:for The Environment‬‬
‫ويهدف إلى زيادة قدرة الفرد على تطوير البيئة والمحافظة عليها والعمل على تحسين‬
‫نوعية الحياة فيها‪ ,‬ويتركز الهتمام هنا على المشكلت البيئية واستخدام أسلوب البتكار والنقد‬
‫الذاتي واتخاذ القرارات للوصول إلى المقترحات السليمة لعلج المشكلت البيئية‪ ,‬فالتربية‬
‫البيئية هي أبعد وأشمل من الدراسة عن البيئة أو فيها إذ هي عملية تكوين المفاهيم والمهارات‬
‫والقيم لفهم البيئة والحفاظ عليها والقدرة على حل المشكلت‪ ،‬وفي ضوء هذا التعريف لبد أن‬
‫تكون الدراسة من أجل البيئة أي للحفاظ عليها والهتمام بها والحنو عليها والعمل على منع‬
‫حدوث مشكلت لها‪.‬‬

‫الهتمام العالمى بالتربية البيئة‬


‫وفي يونيو من نفس العام – ‪ -1972‬عقد مؤتمر المم المتحدة للبيئة البشرية في‬
‫استكهولم بالسويد والذي يعد أول مؤتمر عالمي في هذا الشأن‪ ،‬وتميز هذا المؤتمر بالعلن‬
‫العالمي للبيئة‪ ،‬حيث درست فيه مختلف جوانب مشكلت البيئة آنذاك‪ ،‬وانعكاسات ذلك على‬
‫المجتمعات البشرية‪.‬‬
‫ولقد اعترف هذا المؤتمر بدور التربية البيئية واعتبرها ركنا من أركان المحافظة على‬
‫البيئة حيث اختصت التوصية رقم (‪ )96‬من توصيات المؤتمر بإعداد برامج لتربية النسان‬
‫تربية بيئية يكون من شأنها تعديل سلوكه المدمر تجاه البيئة ويعد مضمون هذه التوصية بمثابة‬
‫اعتراف عالمي بأهمية التربية البيئية وحتميتها من أجل حماية البيئة وتحسينها والمحافظة‬
‫عليها‪ ،‬وهذا يحتاج الى عملية تربوية كبيرة تكون السبيل الى ذلك‪.‬‬
‫وفي أكتوبر عام ‪1975‬م حاول برنامج المم المتحدة للبيئية ‪ UNEP‬بالتعاون مع‬
‫اليونسكو من خلل ندوة بالجراد بيوغوسلفيا تحفيز الجهود الدولية من أجل فهم وممارسة هذا‬
‫النوع الجديد من التربية‪ ،‬وكان اهتمامه منصبا على التعليم البيئي في جميع الدول حيث صدر‬
‫ميثاق شامل حدد أسس العمل في مجال التربية البيئية‪ ،‬مؤكدا على أن هذا المجال يهدف الى‬
‫تطوير عالم يكون سكانه أكثر وعيا واهتماما بالبيئة ومشكلتها‪ ،‬ويمتلكون من المعارف‬
‫والمهارات والتجاهات والدوافع واللتزام بالعمل على مستوى فردي وجماعي‪.‬‬
‫ولقد عقد في الفترة من ‪ 26-14‬أكتوبر ‪1977‬م مؤتمر "التعليم البيئي بين الحكومات"‬
‫في تبليسي بالتحاد السوفيتي – سابقا‪ -‬والذي حضرته ‪ 68‬دولة منها ‪ 9‬دول عربية‪ ،‬ووضع‬
‫فيه المجتمعون أفكارا واستراتيجيات للتربية البيئية‪ ،‬وتنمية الخلق البيئي الذي يمكن أن ينقذ‬
‫الجنس البشري من ويلت الممارسات الخاطئة للنسان في البيئة‪ ،‬كما أعطى المؤتمر معنى‬
‫متسع للبيئة‪ ،‬بحيث أصبحت تشمل الجوانب الطبيعية والتقنية والجتماعية والقتصادية‪ ،‬وقد‬
‫شخص هذا المؤتمر واقع البيئة في‪:‬‬
‫‪.1‬ظهور مشكلت بيئية جديدة ذات تأثير حاد على بعض الدول‪.‬‬
‫‪.2‬النفجار السكاني الذي أوضح الحاجة للتنمية من زاوية أن‬
‫الفقر نفسه نوع من تدهور البيئة‪ ،‬وأن حماية البيئة في الدول‬
‫النامية يتطلب ضرورة التنمية‪.‬‬
‫‪.3‬ضرورة أل يحمي النسان بيئته فقط‪ ،‬ولكن عليه أن يحسنها‬
‫أيضا‪.‬‬
‫‪.4‬حل المشكلت البيئية من خلل تحليل دقيق لها يترتب عليه‬
‫علج هذه المشكلت‪.‬‬
‫كما حدد المؤتمر عددا من غايات التربية البيئية في خطوط عريضة‪:‬‬
‫‪.1‬تعزيز الوعي والهتمام بترابط الجوانب القتصادية‬
‫والسياسية واليكولوجية في المناطق الحضرية والريفية‪.‬‬
‫‪.2‬إتاحة الفرص لكل فرد لكتساب المعرفة والقيم وروح‬
‫اللتزام والمهارات الفردية لحماية البيئة وتحسينها‪.‬‬
‫‪.3‬خلق أنماط جديدة من السلوك تجاه البيئة لدى الفراد‬
‫والجماعات والمجتمع ككل‪.‬‬
‫وتوالت بعد مؤتمر تبليسي المؤتمرات البيئية حتى إنعقد مؤتمر ريودي جانيرو في‬
‫البرازيل (‪ )1992‬حيث مثلت الجندة (‪ )21‬الصادرة عن المؤتمر برنامج عمل لمستقبل‬
‫مستديم للبشرية واعتبر هذا المؤتمر الخطوة الولى نحو التأكيد بأن العالم سوف يكون موطنا‬
‫أكثر عدل وأمنا ورفاهية لكل بني البشر وضرورة توجيه التعليم نحو التنمية المستدامة‪،‬‬
‫وتطوير البرامج التدريبية وتنشيطها‪ ،‬وزيادة الوعي العام لمختلف قطاعات الجمهور نحو البيئة‬
‫وقضاياها‪.‬‬
‫كما عقد مؤتمر قمة جوهانسبرغ‪ ،‬جنوب أفريقيا‪ ،‬لعام ‪ - 2002‬مؤتمر القمة العالمي‬
‫للتنمية المستدامة ‪ -‬الذي حضره عشرات اللوف من المشاركين‪ ،‬منهم رؤساء الدول‬
‫والحكومات‪ ،‬وأعضاء الوفود الوطنية‪ ،‬وقيادات من المنظمات غير الحكومية وقطاع العمال‬
‫التجارية وغير ذلك من الفئات الرئيسية‪ .‬وركز مؤتمر القمة اهتمام العالم على العمال الهادفة‬
‫إلى تحقيق التنمية المستدامة‪.‬‬

‫المباديء الداعية الى ضرورة نشر مفهوم التربية البيئية‬


‫‪-1‬وجوب تدريس البيئة من وجوهها المختلفة‪ :‬الطبيعة‪،‬‬
‫التقنية‪ ،‬القتصادية‪ ،‬السياسية‪ ،‬الثقافية‪ ،‬التاريخية‪،‬‬
‫والخلقية‪ ،‬والجمالية‪.‬‬
‫‪-2‬تكون التربية البيئية عملية مستمرة مدى الحياة‪ ،‬تبدأ قبل‬
‫السن المدرسية‪ ،‬ثم تستمر خلل مرحلتي التعليم‬
‫النظامي والتعليم غير النظامي‪.‬‬
‫‪-3‬أل تقتصر التربية البيئية على فرع واحد من فروع‬
‫العلوم‪ ،‬بل تستفيد من المحتوى الخاص لكل علم من‬
‫العلوم في تكوين نظرة شاملة ومتوازنة‪.‬‬
‫‪-4‬تبحث التربية البيئية المسائل البيئية الكبرى من النواحي‬
‫المحلية والقومية والقليمية والدولية‪.‬‬
‫‪-5‬تركز التربية البيئية على المواقف الراهنة والمنتظرة مع‬
‫مراعاة البعد التاريخي‪.‬‬
‫‪-6‬تؤكد التربية البيئية أهمية التعاون المحلي والقومي‬
‫والدولي في منع مشكلت البيئة وحلها‪.‬‬
‫‪-7‬تراعي التربية البيئية البعد البيئي في خطط التنمية‪.‬‬
‫‪-8‬تمكن التربية البيئية المتعلمين من أن يكون لهم دور في‬
‫إستغلل خبراتهم التعليمية‪ ،‬وإتاحة الفرصة لتخاذ‬
‫القرارات وقبول نتائجها‪.‬‬
‫‪-9‬تعلم التربية البيئية الدارسين في كل سن كيفية التعامل‬
‫مع البيئة‪ ،‬والعلم بها وحل مشاكلها‪.‬‬
‫‪-10‬تؤكد التربية البيئية على مبدأ التفكير الدقيق والمهارة‬
‫في حل المشكلت البيئية المعقدة‪.‬‬
‫‪-11‬تساعد التربية البيئية على إكتشاف المشكلت البيئية‬
‫وأسبابها الحقيقية‪.‬‬
‫‪-12‬تستخدم التربية البيئية بيئات تعليمية مختلفة‪ ،‬وعددا‬
‫كبيرا من الطرق التعليمية لمعرفة البيئة وتعليمها مع‬
‫العناية بالنشطة العملية والمشاهدة المباشرة‪.‬‬

‫أهداف التربية البيئية‬


‫‪.1‬الوعي‪ :‬مساعدة الفراد والجماعات على اكتساب الوعي‬
‫بقضايا البيئة من جميع جوانبها والمشكلت المرتبطة بها‪.‬‬
‫‪.2‬المعرفة ‪ :‬مساعدة الفراد والجماعات على اكتساب‬
‫خبرات متنوعة والتزود بفهم أساسي للبيئة والمشكلت‬
‫المرتبطة بها‪.‬‬
‫‪.3‬التجاهات‪ :‬مساعدة الفراد والجماعات على اكتساب‬
‫مجموعة من القيم والهتمام بالبيئة‪ ،‬وحفزهم على السهام‬
‫الفعال في تحسينها وحمايتها‪.‬‬
‫‪.4‬المشاركة‪ :‬أتاحة الفرصة للفراد والجماعات للمشاركة‬
‫الفعالة على كافة المستويات في العمل على حل المشكلت‬
‫البيئية‪.‬‬

You might also like