You are on page 1of 223

‫زبغنيو بريجنسكي‬

‫رقعة الشطرنج الكبرى‬


‫السيطرة الميركية وما‬
‫يترتب عليها‬
‫جيواستراتيجيا‬
‫طبعة ثانية‬
‫مركز الدراسات العسكرية‬
‫ـــــــــــــ‬
‫‪1999‬م‬

‫‪1‬‬
‫تقديم‬
‫ب ناء ع لى توجي هات ال سيد الع ماد أول نائب ال قائد ال عام ـ نائب رئ يس‬
‫مجلس ا لوزراء وز ير ا لدفاع‪ .‬قام مركز الدراسات الع سكرية بترجمة وطبع‬
‫كتاب "رقعة الشطرنج الكبرى "‪.‬‬
‫مؤ لف الك تاب "زبغي نو بريجين سكي "مست شار ا لمن ال قومي للرئ يس‬
‫الميركي جيمي كارتر بين عام ‪ 1977‬ـ ‪ ، 1981‬وهو يعمل حاليا @ مستشارا @ في‬
‫مر كز الدرا سات ال ستراتيجية والدول ية وأ ستاذا @ ل مادة السيا سة الخارج ية‬
‫الميركية في كلية نبتز للدراسات المتقدمة بجامعة جونز هوبكتر‪.‬‬
‫يقدم كتاب رقعة الشطرنج الكبرى‪ ،‬نظرة جريئة ومثيرة عن استمرارية‬
‫التفوق الميركي في القرن الحادي والعشرين‪ ،‬ويتركز تحليل المؤلف على‬
‫ممار سة ال سيطرة في أورا سيا‪ /‬أورو با وآ سيا‪ /‬مع تبرا @ هذه المنط قة موئل‬
‫لمعظم دول العالم من حيث تعداد السكان ووفرة المواد الطبيعية والنشاط‬
‫القتصادي إلى جانب القوة النووية‪ ،‬فهي تمثل رقعة الشطرنج الجيوبوليتية‬
‫ا لتي ترى أمير كا أن علي ها أن ت حافظ ع لى قدرتها ع لى الم ناورة السيا سية‬
‫والمعالجة الديبلوماسية‪ ،‬وفي الوقت ذاته ل بد من العتراف بتفوق قوتها أو‬
‫سيطرتها وم نع ظ هور أي ائتلف م عاد يم كن أن ي شكل ت حديا @ ل هذا الت فوق‬
‫على مدى السنوات المقبلة القريبة أو البعيدة‪ .‬والكتاب مفيد للقارئ العربي‬
‫كي يطلع على مخططات السياسة الميركية في القرن المقبل ‪.‬‬
‫مركز الدراسات العسكرية‬

‫‪ZBIGNIEW‬‬
‫‪BRZEZINSkI‬‬

‫‪The‬‬
‫‪Grand‬‬
‫‪Chessboard‬‬
‫‪AMERIOAN PRIMAOY AND ITB‬‬
‫‪DEDBTRATEBIO IMPERATIVEB‬‬

‫‪2‬‬
‫كلمة عن الكتاب‬
‫نجد مع اقتراب القرن العشرين من النهاية‪ ،‬أن الوليات المتحدة تحتل‬
‫في ال عالم دور ال قوة العظ مى الوح يدة‪ :‬فل يس ث مة دو لة أ خرى تم لك قوة‬
‫عسكرية واقتصادية مماثلة لها‪ ،‬أو تملك مصالح تمتد عبر العالم مثلها‪ .‬ومع‬
‫ذ لك يب قى ال سؤال الم حرج ا لذي يواجه أمير كا دون جواب ماذا ي جب أن‬
‫ت كون عل يه ال ستراتيجية الميرك ية ل كي ت حافظ ع لى و ضعها ال ستثنائي في‬
‫ال عالم؟ و هذا هو ال سؤال ا لذي ي عالجه بريجين سكي في هذا الك تاب الوا ضح‬
‫المعالم والذي يعتبر فتحا جديدا في هذا المجال ‪.‬‬
‫ي قدم ك تاب "رق عة ال شطرنج ال كبرى" ن ظرة ج يو ا ستراتيجية مثيرة‬
‫و جريئة لبريجن سكي عن الت فوق ا لميركي في ال قرن ال حادي والع شرين‪.‬‬
‫ويتركز تحليله على ممارسة القوة في البر الوراسي الذي يعيش فيه الجزء‬
‫الكبر من سكان العالم‪ ،‬والجزء الكبر أيضا @ من الموارد الطبيعية والنشاط‬
‫القتصادي‪ .‬وإذ تمتد أوراسيا )أوروبا وآسيا( من البرتغال إلى مضيق بيرينغ ‪،‬‬
‫ومن ل بلند إلى ماليزيا‪ ،‬فإنها تشكل "رقعة الشطرنج الكبرى" التي سيتم‬
‫فيها العتراف بالتفوق أو السيطرة الميركية وتحديها في السنوات المقبله‪.‬‬
‫و هو يؤ كد أن المه مة ا لتي تواجه الول يات المت حدة‪ ،‬هي إدارة النزا عات‬
‫والعل قات في أورو با وآ سيا وال شرق والو سط ع لى ن حو لت صعد م عه أ ية‬
‫دو لة عظ مى مناف سة لت هدد الم صالح الميرك ية أو حا لة الر فاه ال سائد في‬
‫أمريكا ‪.‬‬
‫أن ق لب أو مر كز رق عة ال شطرنج ال كبرى هو تحل يل بريجين سكي لربع‬
‫م ناطق حر جة في آ سيا وللمراه نة الميرك ية ع لى كل من ها‪ ،‬و هي ت شمل‬
‫أورو با‪ ،‬ورو سيا وآ سيا الو سطى و شرق آ سيا ‪.‬وعمو ما @ فرب ما ت بدو خ طوط‬
‫التحدي المحرجة مألوفة‪ ،‬ولكن أنهيار التحاد السوفيتي خلق منافسين جدد‬
‫وعلقات جديدة‪ ،‬كما أن بريجينسكي ينظم التشعبات الستراتيجية للحقائق‬
‫الجيوبوليتية الجديدة‪ .‬فهو يشرح على سبيل المثال ‪:‬‬
‫ـ ل ماذا ستلعب فرن ساوألمانيا أدوارا أ ستراتيجية رئي سة‪،‬بين ما لن تف عل‬
‫بريطانياواليابان ذلك؟‬
‫ـ ل ماذا ي قدم ال ناتو الرا غب في التو سع‪ ،‬فر صة إ لى رو سيا ل كي ت صحح‬
‫أخطاء الماضي‪ ،‬لماذا ل تستطيع روسيا أن تغفل هذه الفرصة ؟‪.‬‬
‫ـ لماذا يعتبر مضير أوكرانيا وأذربيجان هاما @ بالنسبة إلى أميركا؟‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫ـ ل ماذا لي ست أمير كا ال قوة العظ مى العالمية ا لولى ف قط بل وا لخيرة‬
‫أيضا@؟‪ ،‬وماذا يترتب عليها إزاء وراثتها لهذا الدور؟‪.‬‬
‫ـ إن ا ستنتاجات بريجين سكي المده شة والمبت كرة تق لب غال با @ الحك مة‬
‫التقليد ية رأ سا @ ع لى ع قب ع ندما ير سي هذا الر جل قا عدة لرؤ ية ملز مة‬
‫وجد يدة للم صالح الحيو ية الميرك ية‪ .‬و مرة ثان ية‪ ،‬ي قدم زييغن يو بريجين سكي‬
‫إ لى دولت نا )أمير كا( مر شدا فل سفيا @ وعمل يا @ للمحاف ظة ع لى قوت نا العالم ية‬
‫التي حققناها بصعوبة‪ ،‬ولدارة هذه القوة‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫كلمة عن المؤلف‬

‫عمل زبغنيو بريجينسكي مستشارا @ للمن القومي لدى الرئيس الميركي‬


‫جي مي كارتر ب ين عامي ‪1981 _1977‬و هو يع مل حال يا @ مست شارا @ في مر كز‬
‫الدرا سات ال ستراتيجية والدول ية‪ ،‬وأ ستاذا @ )بروف سورا@( ب مادة السيا سة‬
‫الخارج ية الميرك ية في كل ية بول ن يتز للدرا سات الدول ية المتقد مة بجام عة‬
‫جون هوبكنز في وا شنطن دي‪ .‬سي وأ حدث كت به هي‪ ":‬خارج ال سيطرة"‪،:‬‬
‫و"الفشل الكبير" و"خطة اللعبة" و"القوة والمبدأ"‪.‬‬

‫ماذا قيل عن هذا الكتاب‬


‫ـــــــــــــ‬
‫"إن رق عة ال شطرنج ال كبرى" هو الك تاب ا لذي ك نا ننت ظره ل كي نرى ف يه‬
‫عرضا @ حاسما @ واضحا @ ومعمقا @ عن المصالح الستراتيجية لميركا في عالم ما‬
‫بعد الحرب الباردة‪ .‬وإذ يضم هذا الكتاب مزيجا @ رائعا من التحليلت التاريخية‬
‫والجغراف ية‪،‬والسيا سية‪ ،‬فإنه يم ثل ذ لك التفك ير الج يو ا ستراتيجي بالطري قة‬
‫التقليدية العظيمة لبسمارك"‬
‫"و في نها ية الم طاف‪ ،‬فإن ك تاب " " رق عة ال شطرنج ال كبرى" هو عرض‬
‫وا ضح وم قدم ب شكل م تآلف من إ طار الع مل الجد يد وال ضروري للسيا سة‬
‫الخارج ية الميرك ية‪ ،‬وير بط م عا @ أ هداف ال مدى القر يب والمتو سط والبع يد‬
‫التي يجب أن تبدأ بلدنا )أميركا( بتنفيذها الن‪ .‬وهو يلبي حاجة حيوية"‪.‬‬
‫نجد في هذا الكتاب‪ ،‬الذي هو ذاته أحد أهم الوثائق التي ظهرت بعد انتهاء‬
‫ال حرب ال باردة أن زبيغن يو بريجين سكي ي عرض ت صوره ال سطوري ووج هة‬
‫نظره الفكرية الثاقبة‪ ،‬في إعطاء ووصف الهدف من القوة الميركية‪ .‬وفي‬
‫ز من ال ندفاع ال جارف هذا‪،‬يب قى بريجين سكي الع قل ال ستراتيجي ا لعظم‬
‫لميركا‪.‬‬
‫إن ك تاب "رق عة ال شطرنج ال كبرى" سوف ي سبب صدمة لل خائف‪ ،‬ويغ يظ‬
‫صاحب الخيال الخامل‪ ،‬ويلهم القارئ المفكر‪ .‬فبالنسبة لمن يعتقد أن أميركا‬
‫يجب أن تقود الخرين‪ ،‬ولكنه ليس واثقا @ كيف يتم ذلك‪ ،‬نجد أن هذا الكتاب‬
‫ي قدم رؤ ية براغمات ية )واقع ية( وملز مة‪ .‬أ ما في ما ي خص الم سؤولين عن‬
‫وضع السياسة الميركية _ فإنه مرجع ل يمكن الستغناء عنه ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫ج عل زبغن يو بريجين سكي من نف سه أ حد أبرز محل لي ال شؤون الدول ية‪،‬‬
‫وأ حد الممار سين المت قدمين في فن ال ستراتيجية‪ .‬و هو يج مع ه نا كل هاتين‬
‫ال سمتين لي قدم إلي نا تحليل @ مثيرا @ ل شكل ال عالم ب عد ال حرب ال بادرة و لدور‬
‫أميركا في هذا العالم‪ .‬إنه كتاب يجب أن يقرأ‪ ،‬ناهيك عن كونه جيدا @ أيضا @ ‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫ا لهداء‬

‫إلى طلبي ـ لكي يساعدهم في تشكيل عالم الغد‬


‫مدخل‬
‫كانت أوراسيا منذ أن بدأت القارات تتفاعل سياسيا @ في ما بينها‪ ،‬قبل ما‬
‫ي قرب من خم سمائة سنة‪ ،‬مر كز ال قوة العالم ية‪ .‬فب طرائق مختل فة‪ ،‬و في‬
‫أزم نة مختل فة‪ ،‬كانت ال شعوب ا لتي سكنت أورا سيا _ وإن كان أغلب ها من‬
‫ا لذين ت حدروا من المح يط ا لوروبي الغر بي _ ا خترقت م ناطق أ خرى من‬
‫العالم وأخضعتها لسيطرتها‪ ،‬وذلك عندما حققت دولة أوراسية منفردة ذاتها‬
‫أو و ضعها ال خاص المتم يز وتمت عت بامت يازات نج مت عن كون ها قد أ صبحت‬
‫القوى )أو الدول( الولى في العالم‪.‬‬
‫كان الع قد ا لخير من ال قرن الع شرين قد شهد تغ يرا @ شاذا @ أو حادا @ في‬
‫ال شؤون العالم ية‪ .‬ف لول مرة تبرز دو لة غ ير أورا سية ل ت كون الح كم‬
‫الرئيسي في علقات القوة الوراسية فحسب‪،‬بل لتصبح أيضا @ القوة العظم‬
‫في ال عالم‪ .‬و كانت هزي مة الت حاد ال سوفييتي وانه ياره قد شكل الخ طوة‬
‫ا لخيرة في صعود قوة من ن صف ال كرة الغر بي‪ ،‬هي الول يات المت حدة‪،‬‬
‫لت صبح ال قوة الوح يدة‪ ،‬والعالم ية ب حق وحق يق‪ ،‬لول مرة‪ .‬ومه ما ي كن ا لمر‬
‫فإن أورا سيا ل تزال محتف ظة بأهميت ها الجيوبوليت ية‪ .‬ف هي لي ست ف قط‬
‫متمثلة في محيطها الغربي‪ ،‬أي أوروبا‪ ،‬التي ل تزال مركزا للكثير من القوة‬
‫السيا سية والقت صادية لل عالم‪ ،‬بل و في منطقت ها ال شرقية‪ ،‬أي آ سيا‪ ،‬ا لتي‬
‫أ صبحت مؤخرا @ مر كزا @ حيو يا @ للن مو القت صادي والن فوذ السيا سي المت عاظم‪.‬‬
‫وبال تالي فإن مدى ن جاح أمير كا ذات الن شاطات أو الن شطة العالم ية في‬
‫التعا مل مع ال قوة الورا سية المع قدة‪ ،‬ول سيما قدرتها على ان تم نع ظ هور‬
‫قوة أورا سية م سيطرة أو معاد ية يب قى أ مرا @ رئي سيا @ ي حدد قدرتها ع لى‬
‫ممارسة السيادة العالمية‪.‬‬
‫يترتب على ذلك أنه يجب على السياسة الخارجية الميركية‪ ،‬بالضافة إلى‬
‫ت طوير و صقل مخت لف الب عاد الجد يدة لل قوة )كالتكنولوج يا‪ ،‬والت صالت‪،‬‬
‫والمعلو مات‪ ،‬ناه يك بالت جارة وال مال أي ضا(‪ ،‬أن ت حافظ ع لى اهتمام ها بالب عد‬
‫الجيوبوليتي ويجب أن تستخدم نفوذها في أوراسيا بطريقة تخلق توازنا @ قاريا‬
‫مستقرا@‪ ،‬مع استمرار الوليات المتحدة في القيام بدور الحكم السياسي ‪.‬‬
‫وه كذا‪ ،‬فإن أورا سيا هي رق عة ال شطرنج ا لتي ي ستمر في ها ال صراع ع لى‬
‫ال سيادة العالم ية‪ ،‬عل ما @ أن هذا ال صراع يت ضمن الجغراف يا ال ستراتيجية‪ ،‬أي‬
‫ا لدارة ال ستراتيجية للم صالح الجيوبوليت ية‪ .‬وال جدير با لذكر هو أن مر شحين‬

‫‪7‬‬
‫اثن ين لل سيادة العالم ية‪ ،‬ه ما أدو لف هت لر‪ ،‬وجوز يف ستالين اتف قا ب شكل‬
‫واضح في محادثاتهما السرية في تشرين الثاني من العام ‪1940‬على استبعاد‬
‫أمير كا من أوراسيا‪ .‬و قد تأ كد كل منه ما من أن إد خال ال قوة الميرك ية إ لى‬
‫أورا سيا سوف ي ستبعد طمو حاته المت صلة بال سيطرة العالم ية‪ .‬وا شترك كل‬
‫منهما أيضا @ في الفتراض بأن أوراسيا هي مركز العالم وإن من يسيطر على‬
‫أوراسيا هذا يسيطر على العالم‪ .‬وبعد نصف قرن‪ ،‬أعيد تحديد القضية عبر‬
‫الت ساؤل ال تالي‪ :‬هل ت ستمر سيادة أمير كا ع لى أورا سيا‪ ،‬و ما هي ال هداف‬
‫التي يمكن لهذه السيطرة أن تحققها ؟‬
‫إن ال هدف الن هائي للسيا سة الميرك ية ي جب أن ي كون حياد يا @ ومثال يا@‪ :‬أي‬
‫يتم ثل في خ لق مجت مع عالمي مت عاون ب شكل حقي قي‪ ،‬وذ لك من خلل‬
‫المحاف ظة ع لى التجا هات البع يدة ال مدى والم صالح الجوهر ية للج نس‬
‫الب شري‪ ،‬ول كن ي جب في ا لوقت ذا ته‪ ،‬أل يظ هر ت حد أورا سي‪ ،‬قادر ع لى‬
‫ال سيطرة ع لى أورا سيا‪ ،‬وبال تالي ع لى ت حدي أمير كا‪ .‬وه كذا‪ ،‬فإن ال هدف‬
‫الرئي سي من هذا الك تاب هو صياغة جيوا ستراتيجية أورا سية متكام لة‬
‫وشاملة‪.‬‬
‫زبغنيو بريجينسكي‬
‫واشنطن‪ ،‬دي‪ ،‬سي‪،‬‬
‫نيسان‪1997 ،‬‬

‫‪8‬‬
‫الفصل ا لول‬

‫الهيمنة من النوع الجديد‬


‫إن الهيم نة قدي مة قدم الن سان ذا ته‪ .‬ول كن ال سيطرة العالم ية الراه نة‬
‫لمير كا تتم يز ب سرعة ظهور ها‪ ،‬وبحجم ها ال عالمي‪ ،‬وبطري قة ممار ستها‪.‬‬
‫فخلل قرن وا حد حولت أمير كا نف سها‪ ،‬و حولت أي ضا @ بوا سطة دينام يات‬
‫دول ية‪ ،‬من دو لة معزو لة ن سبيا في ن صف ال كرة الغر بي إ لى قوة ت صل‬
‫سلطتها إلى ارجاء العالم كلها وتمسك بهذه الرجاء على نحو لم يسبق له‬
‫مثيل قط‪.‬‬
‫الطريق القصيرة إلى سيطرة عالمية‬
‫كانت الحرب السبانية الميركية عام ‪ 1898‬أول حرب استيلئية لميركا‬
‫في ما وراء الب حار‪ .‬ف قد ام تدت ال قوة الميرك ية بع يدا @ إ لى المح يط ال هادي‪،‬‬
‫وإلى ما وراء هاواي و الفلبين‪ .‬ومع بدء القرن العشرين كان الستراتيجيون‬
‫ا لميركيون قد انخر طوا في ت طوير ع قائد عن ال سيطرة البحر ية ع لى‬
‫محيط ين‪ ،‬و بدأت البحر ية الميرك ية تت حدى المف هوم ال قائل إن بريطان يا‬
‫"تح كم ا لمواج"‪ .‬وه كذا فإن المزا عم الميرك ية عن و ضع خاص يج عل من‬
‫أميركا الحارس الوحيد لمن نصف الكرة الغربي‪ ،‬والذي كان قد ادعى في‬
‫و قت سابق من ال قرن من خلل عقيدة مونرو‪ ،‬وبرز لح قا @ "بتقر ير المصير‬
‫الوا ضح" ال مد‪ƒ‬عي أي ضا @ من ق بل أمير كا‪ ،‬كانت قد عززت أي ضا @ بإن شاء ق ناة‬
‫باناما التي سهلت السيطرة البحرية على كل المحيطين الطلسي والهادي‪.‬‬
‫أم نت أ سس طمو حات التو سع الجيوبول يتي لمير كا ب سرعة ت صنيع‬
‫اقتصاد هذا البلد‪ .‬ومع نشوب الحرب العالمية الولى‪ ،‬كانت القوة القتصادية‬
‫المتنام ية لمير كا قد و صلت فعل @ إ لى ما ي عادل ن حو ‪ 33‬بالمئة من ا لدخل‬
‫ال قومي ال سنوي ال عالمي‪ ،‬وبال تالي ح لت م كان بريطان يا لت صبح ال قوة‬
‫ال صناعية ا لولى في ال عالم‪ .‬عززت هذه الدينام ية القت صادية الملحو ظة‬
‫بثقا فة عم لت ل صالح الخت بار العل مي والبت كار‪ .‬وخل قت فر صا @ غ ير م سبوقة‬
‫لمخترعين طموحين ومحطمين للمعتقدات والمؤسسات التقليدية‪ .‬ممن لم‬
‫يمن عوا من متاب عة أحلم هم الشخ صية بوا سطة المت يازات المزخر فة أو‬
‫السلطات الحاكمة المتحجرة اجتماعيا‪ .‬وباختصار‪ ،‬فإن الثقافة القومية كانت‬
‫متجانسة على نحو فريد من نوعه مع النمو القتصادي‪ ،‬وإذا اجتذب الفراد‬

‫‪9‬‬
‫الكثر موهبة من الخارج‪ ،‬وأدخلوا بسرعة في النسيج العام للبلد فإن الثقافة‬
‫„‬
‫سهلت‪ ،‬في ضوء ذلك‪ ،‬توسع القوة القومية‪.‬‬
‫أمنت الحرب العالمية الولى أول فرصة للنقل الكثيف للقوة العسكرية‬
‫الميرك ية إ لى أورو با‪ .‬فالدو لة ا لتي كانت معزو لة ن سبيا @ حتى ذ لك التار يخ‬
‫ا ستطاعت أن تن قل ب سرعة ب ضع مئات ا للف من الج نود عبر الطل سي‪،‬‬
‫و كان ذ لك ع بارة عن حم لة ع سكرية غ ير م سبوقة حج ما @ وتنو عا @ تن قل عبر‬
‫المحيط‪ ،‬المر الذي دل على ظهور لعب رئيس جديد في المسرح الدولي‪.‬‬
‫ول ي قل عن ذ لك أهم ية أن هذه ال حرب ح ثت ع لى الق يام بأول ج هد‬
‫دبلوما سي رئ يس من ا جل ا ستخدام الم بادئ الميرك ية في إي جاد حل‬
‫للم شكلت الدول ية لورو با‪ .‬و قد مث لت ن قاط ردود ولم سن ا لربع ع شرة‬
‫عمل ية ح قن المثال ية الميرك ية في ع لم السيا سة* الطبع ية ا لوروبي‪ ،‬و عزز‬
‫ذلك بالقوة الميركية‪) .‬وقبل عقد ونصف‪ ،‬كانت الوليات المتحدة قد لعبت‬
‫دورا @ بارزا @ في حل نزاع في ال شرق الق صى ب ين رو سيا واليا بان‪ ،‬م عززة‬
‫بذلك و ضعها ا لدولي المت نامي الهم ية(‪ .‬وعمو ما@‪ ،‬فإن الج مع ب ين المثال ية‬
‫الميرك ية وال قوة الميرك ية ج عل من أمير كا قوة ملمو سة كل يا @ ع لى‬
‫المسرح الدولي‪.‬‬
‫وعموما@‪ ،‬فإذا أردنا دقة أكثر في الكلم‪ ،‬نقول إن الحرب العالمية الولى‬
‫كانت حر با @ أوروب ية غال با @ و لم ت كن حر با @ عالم ية‪ .‬ول كن طابع ها ال تدميري‬
‫الذاتي سجل بداية النهاية للتفوق السياسي والقتصادي والثقافي الوروبي‬
‫على سائر العالم‪ .‬وفي أثناء الحرب‪ ،‬لم تكن أي دولة أوروبية قادرة بمفردها‬
‫ع لى تحق يق الن صر‪ ،‬وبال تالي فإن نتي جة ال حرب تأثرت إ لى حد كبير بدخول‬
‫دولة صاعدة غير أوروبية‪ ،‬هي أميركا‪ ،‬إلى النزاع‪ .‬وفي ما بعد‪ ،‬فإن أوروبا‬
‫ستصبح بدرجة متزايدة‪ ،‬الطرف المستهدف في سياسة القوة العالمية بعد‬
‫ان كانت الطرف الفاعل في هذه السياسة‪.‬‬
‫ومه ما ي كن ا لمر‪ ،‬فإن هذا التف جر ال سريع والق صير ال مد في الزعا مة‬
‫العالم ية الميرك ية لم يث مر انخرا طا أميرك يا م ستمرا @ في شؤون ال عالم‪.‬‬
‫وعوضا عن ذلك‪ ،‬فسرعان ما تراجعت أميركا إلى حالة الجمع بين النعزالية‬
‫والمثالية على نحو مشع للرغبات الذاتية‪ .‬وبالرغم من أن الديكتاتورية كانت‬
‫تع يد تنظ يم ذات ها وت ستعيد قوت ها في منت صف الع شرينيات والثلثين يات في‬
‫القارة الوروبية‪ ،‬فإن الدولة الميركية‪ ،‬التي كانت تملك آنذاك أسطول قويا‬
‫يع مل في محيط ين ويت فوق بو ضوح ع لى البحر ية البريطان ية‪ ،‬بق يت غ ير‬
‫ملتز مة ب شيء وف ضل ا لميركيون أن يكو نوا م جرد متفرج ين في الم سرح‬
‫العالمي ‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫وانسجاما مع هذه النزعة وجد آنذاك المفهوم الميركي عن المن‪ ،‬الذي‬
‫ا ستند إ لى وج هة ن ظر ترى في أمير كا م جرد جز يرة قار ية‪ .‬وه كذا ر كزت‬
‫الستراتيجية الميركية على حماية شواطئ أميركا‪ ،‬وبالتالي كانت ذات حجم‬
‫قومي ضيق‪ ،‬ولم تعر سوى أهمية قليلة إلى العتبارات الدولية أو العالمية‪.‬‬
‫وظل اللعبون الدوليون الحساسون متمثلين في الدول الوروبية إضافة إلى‬
‫اليابان التي تنامي دورها أيضا ‪.‬‬
‫* ترجمة كلمة )‪ (Geopolitics‬وهي تأثير العومل القتصادية والبشرية في‬
‫سياسة الدولة الخارجية بخاصة )المترجم(‪.‬‬
‫وصلت المرحلة الوروبية في السياسة العالمية إلى النهاية الخيرة لها‬
‫في أث ناء ال حرب العالم ية الثان ية‪ ،‬ا لتي كانت أول حرب عالم ية حقي قة‪ .‬وإذ‬
‫خي ضت هذه ال حرب في ثلث قارات في و قت وا حد‪ ،‬مع حدوث صراعات‬
‫شديدة والوطأة في المحيطين الطلسي والهادي‪ ،‬فقد ثبت بعدها العالمي‬
‫ع لى ن حو مل موس ع ندما ا صطدم الج نود البري طانيون واليا بانيون‪ ،‬ا لذين‬
‫احتلوا‪ ،‬على التوالي جزيرة أوروبية غربية بعيدة وجزيرة شرق آسيوية بعيدة‬
‫مماث لة أي ضا ع لى م سافة آلف الم يال عن وطنيه ما‪ ،‬وذ لك ع لى ال حدود‬
‫الهندية البورمية‪ .‬وهكذا أصبحت أوروبا وآسيا ميدان قتال واحد‪.‬‬
‫ولو تحقق النصر في الحرب لصالح ألمانيا النازية لكان محتمل @ أن تبرر‬
‫دو لة وا حدة بو صفها ال قوة المتفو قة عالم يا‪) .‬و كان انت صار اليا بان في‬
‫المحيط الهادي سيحقق لها دورا @ مسيطرا @ في الشرق القصى‪ ،‬ولكن كانت‬
‫اليا بان ستظل‪ ،‬في كل الحت مالت‪ ،‬دو لة مهين ية إقليم ية ف قط‪ .‬وعو ضا عن‬
‫ذ لك فإن هزي مة ألمان يا ت قررت نهائ يا بوا سطة ا لدولتين المنت صرتين غ ير‬
‫ا لوروبيتين تقري با‪ .‬أي الول يات المت حدة والت حاد ال سوفييتي‪ ،‬ال لتين أ صبحتا‬
‫وري ثتين للمحاو لة الوروب ية غ ير المن جزة ا لتي هدفت إ لى تحق يق سيطرة‬
‫عالمية‪.‬‬
‫ثم خ ضعت ال سنوات الخم سون التال ية إ لى ال صراع الث نائي الق طب‬
‫ا لميركي ـ ال سوفييتي ال هادف إ لى تحق يق ال سيطرة العالم ية‪ .‬و في ب عض‬
‫النواحي‪ ،‬نجد أن هذا الصراع بين التحاد السوفييتي والوليات المتحدة مثل‬
‫تحقيق نظريات الجيوبوليتيين الكثر تشددا‪ ،‬وبتعبير أخر فإنه وضع أقوى قوة‬
‫بحر ية في ال عالم‪ ،‬ت سيطر ع لى المحيط ين الطل سي وال هادي‪ ،‬مقا بل قوة‬
‫برية في العالم تتوضع في مركز البر الوراسي )مع وجود الكتلة الصينية ـ‬
‫ال سوفييتية المحي طة بمنط قة من الياب سة تذكر ع لى ن حو مل حوظ بح جم أو‬
‫اتساع المبراطورية المنغولية (‪ .‬ولم يكن ممكنا أن يصبح البعد الجيوبوليتي‬

‫‪11‬‬
‫أ كثر و ضوحا من ذ لك‪ :‬أي أمير كا ال شمالية مقا بل أورا سيا‪ ،‬مع كون ال عالم‬
‫في مو ضع ر هان‪ .‬فالرا بح سوف ي سيطر ع لى ال عالم و لم ي كن ث مة طرف‬
‫آ خر قادرا ع لى الو قوف في الطر يق بم جرد أن يتح قق الن صر ل حد هذين‬
‫الطرفين ‪.‬‬
‫كان كل طرف مزاحم قد نشر في العالم كله دعوة أيديوليوجية اقترنت‬
‫بتفاؤل تاريخي وبررت لكل منهما الجهود الضرورية اللزمة بينما كانت تعزز‬
‫قنا عة كل طرف بالن صر الحت مي‪ .‬و من الوا ضح أن كل طرف مزا حم كان‬
‫م سيطرا ضمن م جاله ال خاص به‪ ،‬وذ لك خل فا @ للمر شحين ا لوربيين‬
‫المبر ياليين للهيم نة العالم ية ‪،‬ح ين لم ين جح أ حد من هم قط في تأك يد ت فوقه‬
‫الحا سم حتى ضمن أور با ذات ها ‪.‬وا ستخدام كل طرف ا يديولوجيته لتعز يز‬
‫سيطرته ع لى أت باعه ومؤ يديه بطري قة تذكرنا إ لى حد ما بع صر ال حروب‬
‫الدينية ‪.‬‬
‫إن الج مع ب ين الم جال الجيوبول يتي ال عالمي وال طابع ال عالمي المز عوم‬
‫للع قائد المتناف سة أع طى ال صراع شدة غ ير م سبوقة‪ .‬ول كن عامل @ إ ضافيا@‪،‬‬
‫ومشربا @ أيضا @ في المضامين العالمية‪ ،‬جعل هذا الصراع فريدا @ من نوعه فعل‪.‬‬
‫ف قد ع نى ظ هور ال سلحة النوو ية أن أي حرب قاد مة‪ ،‬حتى و لو كانت من‬
‫ال نوع الكل سيكي‪ ،‬ب ين المت صارعين الرئي سيين لن تؤدي إ لى تدمير مت بادل‬
‫فحسب‪ /‬ولكن يمكن أن تؤدي إلى نتائج مميتة لجزء هام من البشرية كلها‪،‬‬
‫وهكذا أخضعت شدة النزاع في الوقت ذاته إلى قيود ذاتية استثنائية فرضها‬
‫كل الطرفين المتزاحمين ‪.‬‬
‫„‬
‫يشن غالبا @ في المناطق المحيطية‬ ‫وفي المجال الجيوبوليتي‪ ،‬كان النزاع‬
‫من أورا سيا ذات ها‪ .‬و قد سيطرت الكت لة ال صينية ال سوفييتية ع لى مع ظم‬
‫أوراسيا‪ ،‬دون أن تفرض هذا السيطرة على المحيطات )الطراف المحيطية(‬
‫لهذه الكتلة‪ .‬نجحت أميركا الشمالية في التوضع على كل الشاطئين الغربي‬
‫القصى والشرقي القصى للقارة الوراسية الكبرى‪ .‬وإن الدفاع عن رؤوس‬
‫الج سور القار ية هذه )المم ثل ع لى"الجب هة" ال شرقية بح صار برل ين وع لى‬
‫الجب هة ال شرقية بالحرب الكور ية( كان بال تالي‪ ،‬أول اخت بار ا ستراتيجي ل ما‬
‫أصبح يعرف بالحرب الباردة‪.‬‬
‫وفي المرحلة الخيرة من الحرب الباردة ظهرت جبهة دفاعية ثالثة‪ ،‬هي‬
‫الجب هة الجنوب ية‪ ،‬ع لى خري طة أورا سيا‪ .‬و قد أدى ال غزو ال سوفييتي‬
‫لفغان ستان إ لى ت سريع ا لرد ا لميركي ال مزدوج ا لذي تم ثل بالم ساعدة‬
‫المبا شرة للمقاو مة الوطن ية في أفغان ستان بغ ية إ غراق الج يش ال سوفييتي‬

‫‪12‬‬
‫في الم ستنقع الف غاني؛ و في الب ناء الوا سع الن طاق للو جود الع سكري‬
‫ا لميركي في الخل يج ]الفار سي[ بو صفه راد عا @ لي عمل ية ن قل أ خرى ن حو‬
‫الج نوب لل قوة السيا سية أو الع سكرية ال سوفييتية‪ ،‬وه كذا ا لتزمت الول يات‬
‫المت حدة با لدفاع عن منط قة الخل يج ]الفار سي[‪ ،‬وذ لك ع لى ن حو مما ثل‬
‫للدفاع عن مصالحها المنية الوراسية الغربية والشرقية ‪.‬‬
‫كان الح تواء النا جح من ق بل أمير كا ال شمالية لج هود الكت لة الورا سية‬
‫بغ ية تحق يق ت سلط ف عال ع لى أورا سيا كل ها‪ ،‬و في ضوء ار تداع كل ال جانبين‬
‫حتى النها ية عن الق يام بأي صدام ع سكري مبا شر خ شية ا ندلع ال حرب‬
‫النوو ية‪ ،‬قد ع نى أن نتي جة ال صراع ستقرر في نها ية الم طاف بو سائل غ ير‬
‫ع سكرية وبال تالي فإن الحيو ية السا سية‪ ،‬والمرو نة اليديولوج ية‪ ،‬وألدينام ية‬
‫القتصادية والغراء الثقافي‪ ،‬أصبحت كلها البعاد الحاسمة ‪.‬‬

‫الكتلة الصينية ـ السوفييتية والجبهات الستراتيجية الثلث ‪.‬‬


‫ــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أب قى الت حالف الم قاد من ق بل أمير كا ع لى حدته‪ ،‬بين ما ان شقت الكت لة‬
‫ال صينية ال سوفييتية خلل أ قل من ع قدين من الز من‪ .‬و قد عزي ذ لك جزئ يا‬
‫إ لى المرو نة ا لكبر ا لتي تم تع ب ها الت حالف ا لديمقراطي‪ ،‬في مقا بل ال طابع‬
‫ال شمولي والع قائدي المت شدد‪ ،‬وال هش‪ ،‬أي ضا@‪ ،‬للمع سكر ال شيوعي‪ .‬فا لول‬
‫انطوى على قيم مشتركة‪ ،‬ولكن دون نموذج عقائدي رسمي‪ ،‬والثاني شدد‬
‫ع لى الف كار العقائد ية مع و جود مر كز تف سير وا حد ف قط ) لم ي سمح‬
‫بالتغيرات ا لخرى(‪ .‬و كان أت باع الم بدأ ا لميركي أ ضعف ب كثير من أمير كا‬
‫ذاتها‪ ،‬بينما لم يستطع التحاد السوفييتي أن يعامل الصين بوصفها دولة تابعة‬
‫له‪ .‬وعز يت هذه النتي جة أي ضا @ إ لى الحقي قة المتمث لة بان ال جانب ا لميركي‬
‫أث بت كونه أ كثر دينام ية ع لى ال صعيدين القت صادي و التكنو لوجي بين ما ج نح‬
‫الت حاد ال سوفييتي تدريجيا @ إ لى الج مود والر كود و لم ي ستطع الت نافس ع لى‬
‫نحو فعال سواء في النمو القتصادي أو في التكنولوجيا العسكرية‪ .‬ولم يلبث‬
‫النهيار القتصادي ان عزز حالة التراجع المعنوي اليديولوجي‪.‬‬
‫وفي الحقيقة فإن القوة العسكرية السوفييتية‪ ،‬والخوف الذي أثارته بين‬
‫الغربيين‪ ،‬عملت لوقت طويل على التعتيم على حالة عدم التماثل الضرورية‬
‫ا لتي سادت ب ين الطرف ين المت صارعين‪ .‬فبب ساطة كانت أمير كا أغ نى ب كثير‬
‫وأ كثر ت قدما @ ع لى ال صعيد التكنو لوجي‪ ،‬وأ كثر مرو نة وابت كارا @ ع لى ال صعيد‬
‫العسكري‪ ،‬وأكثر إبداعا @ )قدرة على الخلق( وإغراء على الصعيد الجتماعي‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫و كذلك‪ ،‬فإن القيود اليديولوجية عملت أي ضا على إ ضعاف ال قدرة البداعية‬
‫للت حاد ال سوفييتي‪ ،‬جاع لة ن ظامه أ كثر ق سوة مع ز يادة ال هدر في اقت صاده‪،‬‬
‫ناهيك بجعله اقل قدرة على التنافس تكنولوجيا‪ .‬وبما أن الحرب ذات القدرة‬
‫التدمير ية المتباد لة لم تن شب‪ ،‬فإن الم قاييس ل بد وأن تم يل ل صالح أمير كا‬
‫في التنافس الطويل المد ‪.‬‬
‫و كذلك فإن النتي جة أو لمح صلة النهائية تأثرت إ لى حد كبير بالعت بارات‬
‫الثقافية‪ .‬فقد قبل التحالف المقاد من قبل أميركا‪ ،‬وبدرجة كبيرة الكثير من‬
‫ال سهامات الثقاف ية والسيا سية و الجتماع ية الميرك ية بو ضعها ذات طابع‬
‫إيجابي‪ .‬وهكذا فإن الحليقين الهم لميركا في المحيطين الغربي والشرقي‬
‫لل قارة الورا سية‪ ،‬أي ألمان يا واليا بان‪ ،‬ا ستعادا كله ما صحته أو عافيته‬
‫القتصادية في سياق العجاب غير المكبوح بكل الشياء الميركية‪ .‬وقد نظر‬
‫إ لى أمير كا بو صفها تم ثل الم ستقبل‪ ،‬وع لى أن ها مجت مع ي ستحق الع جاب‬
‫والتقليد‪.‬‬
‫و في المقا بل‪ ،‬ف قد ن ظر بازدراء إ لى الثقا فة الرو سية من ق بل مع ظم‬
‫اتباع ها في أور با الو سطى‪ ،‬و حتى بدر جة أ قوى من ق بل حليف ها ال شرقي‬
‫الرئيسي والمطمئن على نحو متزايد اي الصين‪ .‬وبالنسبة إلى الوروبيين في‬
‫و سط أور با‪ ،‬كانت ال سيطرة الرو سية تع ني عزلت هم ع ما كانوا يع تبرونه‬
‫وطنهم الفلسفي والثقافي‪ :‬أي عن أوربا الغربية وتقاليدها الدينية المسيحية‪.‬‬
‫وال سوء من ذ لك‪،‬أن ها كانت تع ني ال سيطرة من ق بل شعب كان ا لوربيون‬
‫في أوربا الوسطى يعتبرونه ‪،‬وإن كان ذلك غير صحيح غالبا@‪ ،‬متخلفا @ ثقافيا‪.‬‬
‫أ ما ال صينيون فتع ني كل مة روسيا بالن سبة إلي هم‪" ،‬ا لرض الجائ عة"‪ ،‬ف قد‬
‫كانوا اكثر ازدراء لها حتى على نحو مكشوف‪ .‬وبالرغم من أن الصينيين لم‬
‫يق فوا في البدا ية إل ب شكل مت سم بال هدوء ضد مزا عم مو سكو عن كون‬
‫النموذج السوفييتي ذا طابع عالمي‪ ،‬فما لبثوا أن أصبحوا‪ .‬بعد عقد واحد من‬
‫ال ثورة ال شيوعية ال صينية‪ ،‬ي شكلون ت حديا @ أك يدا @ لل سيادة اليديولوج ية‬
‫لمو سكو‪ ،‬ولدر جة بدؤوا مع ها ي عبرون ب صراحة عن ازدرائ هم التقل يدي‬
‫لجيرانهم البربريين الشماليين ‪.‬‬
‫وأخ يرا@‪ ،‬و ضمن الت حاد ال سوفييتي ذا ته‪ ،‬فإن ن سبة الخم سين في المئة‬
‫من ال سكان ا لذين هم من غ ير ا لروس رف ضوا فعل @ سيطرة مو سكو‪ .‬وإن‬
‫اليق ظة السيا سية التدريج ية لغ ير ا لروس كانت تع ني أن ‪ ،‬ا لوكرانيين‪،‬‬
‫وال جورجيين‪ ،‬وا لرمن‪ ،‬وا لزريين بدؤوا ين ظرون إ لى ال سلطة الرو سية‬
‫بوصفها شكل @ من أشكال السيطرة المبريالية الجنبية التي يمارسها شعب‬

‫‪14‬‬
‫لم يشعروا إزاءه بكونهم أقل ثقافة منه‪ .‬أما في آسيا الوسطى‪ ،‬فربما كانت‬
‫الطمو حات القوم ية أ ضعف ول كن هذه ال شعوب ه نا كانت قد أث ير حما سها‬
‫ب سبب ال شعور المت نامي تدريجيا @ بالهو ية ال سلمية‪ ،‬وا لذي ا شتد في ضوء‬
‫معرفة ما كان يحدث من تخلص من الستعمار في أماكن أخرى ‪.‬‬
‫وع لى غرار ال كثير من المبراطور يات ا لتي سبقته ف قد تف جر الت حاد‬
‫السوفييتي من الداخل وتجزأ إلى شظايا‪ ،‬وإذا كان لم يسقط بسبب هزيمة‬
‫عسكرية مباشرة فقد تسارع تفتته بسبب الضغوط القتصادية والجتماعية‪.‬‬
‫و قد أث بت م صيره هذا صحة الملح ظة ال جديرة با لذكر ا لتي أ شار إلي ها أ حد‬
‫العل ماء إذ قال‪" :‬إن المبراطور يات ت كون دائ ما @ غ ير م ستقرة سيا سيا @ لن‬
‫الو حدات )ا لجزاء( التاب عة ل ها تف ضل‪ ،‬ب شكل دائم تقري با@‪،‬أن تح صل ع لى‬
‫در جة ا كبر من الح كم ا لذاتي‪،‬ك ما أن الم ضادين أو الم عادين للن خب )ج مع‬
‫نخ بة( في هذه ا لجزاء يعملون وب شكل دائم تقريبا @ أيضا@‪ ،‬وكل ما أتي حت ل هم‬
‫الفر صة‪ ،‬ع لى الح صول ع لى در جة ا كبر من الح كم ا لذاتي‪ .‬وب هذا المع ني‪،‬‬
‫فإن المبراطور يات ل ت سقط؛ ولكن ها تتف تت‪ ،‬وب شكل بط يء عادة وإن كان‬
‫ذلك يحدث احيانا @ بسرعة ملحوظة‪.((1‬‬

‫)‪ (1‬دونالد بوشال في"تاريخ مستقبل العلقات الدولية "مجلة"الخلق والشؤون الدولية"‬
‫‪.183 :(1994)8‬‬

‫‪15‬‬
‫القوة العظمى الولى‬
‫أ صبحت الول يات المت حدة في و ضع فر يد من نوعه ب عد انه يار غريم ها‬
‫المنافس لها‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فهي تمثل الن القوة العالمية الولى و الوحيدة في‬
‫آن‪ ،‬و مع ذ لك فإن سيادة أمير كا عالم يا @ تذكرنا في ب عض الم جالت‬
‫بالمبراطور يات ال سابقة‪ ،‬بالرغم من الب عاد القليم ية ا لتي م يزت هذه‬
‫المبراطور يات‪ .‬وه كذا‪ ،‬ف قد ب نت هذه المبراطور يات قوت ها ع لى ال سلطة‬
‫التي مارستها على أتباعها‪ ،‬والخاضعين لها‪ ،‬محمياتها ومستعمراتها‪ ،‬علما أنها‬
‫كانت تن ظر عمو ما @ إ لى الخارجين عن هذه السيطرة بوصفهم برابرة‪ .‬وإلى‬
‫درجة ما‪ ،‬فإن هذه التعابير المنطوية على مفارقات تاريخية ليست كلها غير‬
‫ملئ مة لب عض ا لدول ا لتي تدور حال يا @ في الف لك ا لميركي‪ .‬وع لى غرار‬
‫الما ضي فإن الممار سة "المبريال ية " الميرك ية ت شتق إ لى حد كبير من‬
‫التنظيم المثل‪ ،‬و من قدرتها على ت عبئة موارد اقتصادية وتكنولوجية ضخمة‬
‫ومعدة لهداف عسكرية‪ ،‬ومن الغراء الثقافي الغامض‪ ،‬والمتسم في الوقت‬
‫ذا ته بالهم ية وا لذي تت صف به طري قة أو أ سلوب الح ياة الميرك ية‪ ،‬و من‬
‫الدينام ية ال حادة والتناف سية المتأ صلة لدى الن خب )ج مع نخ بة( الجتماع ية‬
‫والسياسية الميركية ‪.‬‬
‫كانت المبراطور يات ال سابقة تتم تع ب هذه ال سمات عمو ما@‪ .‬ول عل رو ما‬
‫ترد أول @ إلى الذهن ‪.‬فقد أقيمت هذه المبراطورية خلل قرنين ونصف قرن‬
‫تقري با @ ع لى تو سع إقلي مي دائب ن حو ال شمال أول@‪ ،‬و من ثم ن حو ال غرب‬
‫والجنوب الشرقي‪ ،‬إضافة إلى تأكيد السيطرة البحرية الفعالة على شواطئ‬
‫الب حر ا لبيض المتو سط كل ها‪ .‬ف من الناح ية الجغراف ية‪ ،‬و صلت ذروة التو سع‬
‫في العام ‪ 211‬قبل الميلد )انظر الخريطة(‪ .‬كانت روما ذات سلطة سياسية‬
‫مركز ية وذات اقت صاد يتم تع بالكت فاء ا لذاتي‪ .‬أ ما سلطتها المبريال ية ف قد‬
‫مور ست عن تع مد وق صد عبر منظو مة مع قدة من التنظي مات السيا سية‬
‫والقت صادية‪ .‬و كذلك‪ ،‬فإن منظو مة ال طرق البر ية والبحر ية الم صممة‬
‫ا ستراتيجيا‪ ،‬والمنطل قة من العا صمة‪ ،‬سمحت بإ عادة النت شار ال سريع‬
‫وبالح شد‪ ،‬كل ما حدث تهد يد أم ني رئ يس‪ ،‬للج يوش الرومان ية المتو ضعة في‬
‫مختلف الدول التابعة‪ ،‬وفي المقاطعات الخاضعة للدولة المركزية‪.‬‬
‫وفي ذروة المبراطورية نشرت الجيوش الرومانية في الخارج ما ل يقل‬
‫عن ‪ 300‬ألف رجل‪ ،‬وهي قوة كبيرة وهامة جعلت من التفوق الروماني في‬
‫التكتيك والسلحة حقيقة فعلية إضافة إلى قدرة المركز على التحكم بإعادة‬
‫الن شر ال سريعة ن سبيا‪) .‬و من ال مدهش أن نذكر أ نه في ال عام ‪ ،1996‬كانت‬
‫أمير كا‪ ،‬ا لتي ت شكل حال يا @ ال قوة العظ مى ذات الت عداد ال سكاني ا لكبر ب كثير‬

‫‪16‬‬
‫من سكان المبراطورية الرومانية‪ ،‬تحمى أماكن المتداد الخارجية لمناطق‬
‫سيطرتها بوساطة ‪ 296‬ألف جندي محترف يتوضعون في ما وراء البحار ‪.‬‬
‫ومه ما ي كن من ا ثر فإن ال قوة المبريال ية لرو ما كانت قد جاءت من‬
‫حقيقة نفسية مهمة‪ .‬فالقول "أنا مواطن روماني "كان أرقى تعريف ممكن‬
‫بالذات‪ ،‬ومصدر فخر واعتزاز‪ ،‬وطموحا @ يريد كل إنسان أن يحققه‪ .‬وغالبا @ ما‬
‫كان يم نح ذ لك حتى إ لى ا لذين لم يكو نوا قد و لدوا في إمبراطور ية رو ما‪،‬‬
‫و كان هذا الو ضع المتم يز لل مواطن الرو ماني يع تبر ت عبيرا @ عن ت فوق ث قافي‬
‫وتر بوي يبرر الح ساس بأ صالة ال سلطة المبريال ية الرومان ية‪ .‬و هو ل يع ني‬
‫النت ماء إلى الحكم ال شرعي لروما فح سب‪ ،‬بل كان يج عل الخا ضعين ل هذه‬
‫ال سلطة را غبين في أن ي تم ق بولهم وتمثل هم وإد خالهم في البن ية‬
‫المبراطورية‪ .‬فالتفوق الثقافي‪ ،‬الذي اعتبر أمرا @ مسلما @ به من قبل الحكام‬
‫ومعتر فا @ به من ق بل الت باع ال مذعنين ع مل في نها ية الم طاف ع لى تعز يز‬
‫القوة المبراطورية ‪.‬‬
‫وعمو ما@‪ ،‬فإن هذه ال قوة المبريال ية المث لى‪ ،‬وا لتي لم ي كن ينازع ها أ حد‬
‫ا ستمرت ‪ 300‬سنة ‪ .‬وبا ستثناء الت حدي ا لذي فرض في مرح لة ما من ق بل‬
‫قرطا جة الم جاورة وع لى ا لطراف ال شرقية للمبراطور ية اليونان ية‪ ،‬فإن‬
‫ال عالم ال خارجي كان في معظ مه بربر يا @ وغ ير من ظم ج يدا وغ ير قادر في‬
‫غالب الح يان ع لى الق يام إل بهج مات متفر قة وم شتتة‪ ،‬ناه يك عن تخل فه‬
‫الث قافي‪ .‬وطال ما كانت المبراطور ية الرومان ية قادرة ع لى المحاف ظة ع لى‬
‫الحيو ية والو حدة ا لداخليتين‪ ،‬فإن ال عالم ال خارجي كان غ ير قادر ع لى‬
‫المنافسة ‪.‬‬
‫ثمة أسباب ثلثة رئيسة أدت إلى النهيار الفعلي للمبراطورية الرومانية‪.‬‬
‫فالول هو أن المبراطورية أصبحت كبيرة جدا @ ولم يعد ممكنا @ أن تحكم من‬
‫مر كز وا حد‪ ،‬ول كن انق سامها إ لى ن صفين غر بي و شرقي د م „ر أوتوماتيك يا‬
‫ال طابع الحت كاري ل سلطتها‪ .‬وال ثاني هو أن ال فترة الطوي لة ال مد للح ساس‬
‫بالغطرسة والعتزاز خلقت مذهب المتعة الثقافي الذي عمل بالتدريج على‬
‫تآكل رغبة النخبة السياسية في العظمة‪ .‬والثالث هو أن التضخم الدائم عمل‬
‫بدوره ع لى ن سف قدرة الن ظام ع لى المحاف ظة ع لى نف سه دون ت ضحيات‬
‫اجتماعية‪ ،‬المر الذي لم يعد المواطنون مستعدين للقيام به‪ .‬وهكذا تأمر كل‬
‫من التفتت الثقافي‪ ،‬والنقسام السياسي والتضخم المالي‪ ،‬لكي يجعلوا روما‬
‫غير منيعة إزاء البرابرة الذين عاشوا على حدودها الخارجية ‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫لم تكن روما‪ ،‬حسب المقاييس المعاصرة الحالية‪ ،‬قوة عالمية حقيقية‪،‬‬
‫بل كانت م جرد قوة إقليم ية‪ .‬ومه ما ي كن ا لمر في ضوء الح ساس بالعز لة‬
‫ا لتي كانت سائدة في ذ لك ا لوقت ب ين مخت لف قارات ال عالم‪ ،‬فإن قوت ها‬
‫القليم ية كانت متحف ظة )أو مح تواة ذات يا@‪ ،‬وبت عبير آ خر م ستهلكة ذات يا@(‬
‫ومعزو لة‪ ،‬و لم ي كن يو جد ل ها غر يم مبا شر أو حتى بع يد‪ .‬وه كذا‪ ،‬كانت‬
‫المبراطور ية الرومان ية عال ما @ قائ ما @ ب حد ذا ته عل ما @ أن تنظيم ها السيا سي‬
‫المت فوق وتفوق ها الث قافي جعل من ها خلي فة للنظ مة المبراطور ية ا لتي‬
‫سبقتها وكانت ذات مساحات جغرافية أكبر منها ‪.‬‬
‫و مع كل ذ لك‪ ،‬لم ت كن المبراطور ية الرومان ية فر يدة في نوع ها‪.‬‬
‫فالمبراطوريتان الرومانية والصينية ظهرتا معا @ في نفس الوقت‪ ،‬بالرغم من‬
‫أن أ يا منه ما لم ت كن ت عي و جود ا لخرى‪ .‬و في ال عام ‪ 221‬ق بل الميلد )و هو‬
‫ز من ال حروب البون ية ب ين رو ما وقرطا جة(‪ ،‬ن جد أن توح يد ا لدول ال سبع‬
‫المو جودة آ نذاك في قوام المبراطور ية ال صينية ا لولى‪ ،‬من ق بل "ت شين"‬
‫ث ع لى ب ناء ال جدار العظ يم في ال صين ال شمالية ل كي ي عزل الممل كة‬ ‫ح „‬
‫الداخلية عن عالم البربر الموجود وراءها ‪ .‬أما إمبرطورية هان اللحقة‪ ،‬التي‬
‫بدأت تظ هر في ال عام ‪ 140‬ق بل الميلد‪ ،‬ف قد كانت أ كثر أهم ية و تأثيرا @ من‬
‫ح يث الح جم والتنظ يم‪ .‬وع ندما بدأت مرح لة الم سيحية‪ ،‬كان عدد من‬
‫يخ ضعون ل سلطة هذه المبراطور ية ل ي قل عن ‪ 57‬مل يون إن سان‪ .‬وإن هذا‬
‫العدد الكبير‪ ،‬الذي لم يسبق له مثيل‪ ،‬كان دليل @ على وجود سيطرة مركزية‬
‫فعا لة ع لى ن حو ا ستثنائي‪ ،‬وع لى أن هذه ال سيطرة كانت ت مارس بو ساطة‬
‫ن ظام بيروقرا طي مر كزي و تأدبي‪ .‬وتو سع الح كم المبر يالي إ لى كور يا‬
‫)الحال ية(‪ ،‬وأ جزاء من منغول يا‪ ،‬ومع ظم ال ساحل ال صيني )ال حالي(‪ .‬ول كن‪،‬‬
‫وحسبما حدث لروما ‪ ،‬فقد أصبحت إمبراطورية هان مصابة بأمراض داخلية‬
‫وتسارع أنهيارها الفعلي بسبب تقسيمها في العام ‪ 220‬قبل الميلد إلى ثلث‬
‫ممالك مستقلة ‪.‬‬
‫ت ضمن التار يخ الل حق لل صين دورات توح يد وتو سع‪ ،‬ول كن جاءت ب عدها‬
‫فترات التف تت والت شظي‪ .‬و قد نج حت ال صين‪ ،‬أ كثر من مرة‪ ،‬في إقا مة‬
‫أنظمة إمبريالية ذات أحتواء ذاتي‪ ،‬ومعزولة‪ ،‬وغير معرضة لتحديات خارجية‬
‫من قبل أي منافسين‪ .‬ولم يلبث التقسيم الثلثي الطراف لمملكة هان أن‬
‫انع كس ات جاهه في ال عام ‪ 589‬ب عد الميلد‪ ،‬مع ظ هور شيء ما قر يب من‬
‫الن ظام المبر يالي‪ .‬ول كن فترة توك يد ا لذات أو الت فوق المبر يالي العظ يم‬
‫للصين اصطدمت بالمانشوريين )شعب منشوريا المنغولي( وخاصة في أثناء‬
‫الحكم المبكر لسللة تشينغ‪ .‬وفي القرن الثامن عشر أصبحت الصين‪ ،‬مرة‬

‫‪18‬‬
‫ثان ية‪ ،‬إمبراطور ية قو ية الج ناحين‪ ،‬ح يث أح يط مركز ها المبر يالي‬
‫)ا لمبراطوري( بدول من الت باع والمؤ يدين‪ ،‬ب ما في ذ لك كور يا )الحال ية(‬
‫واله ند ال صينية‪ ،‬وتايل ند وبور ما‪ ،‬وني بال‪ .‬وه كذا أم تد الح كم ال صيني من‬
‫ال شرق الق صى الرو سي )حال يا@( و عبر سيبيريا الجنوب ية إ لى بح يرة باي كال‪،‬‬
‫و حتى كازاخ ستان )الحال ية أي ضا@(‪ ،‬و من ثم ن حو المح يط اله ندي‪ ،‬وبات جاه‬
‫الخلف عبر لوس وفيتنام الشمالية‪.‬‬
‫وع لى غرار الحا لة الرومان ية‪ ،‬فإن هذه المبراطور ية كانت ذات تنظ يم‬
‫مالي‪ ،‬واقتصادي‪ ،‬وثقافي‪ ،‬وأمني معقد‪ .‬فالسيطرة على مساحة كبيرة من‬
‫ا لرض‪ ،‬وع لى ما يز يد ع لى ‪ 300‬مل يون إن سان يعي شون في ها‪ ،‬كانت قد‬
‫مور ست عبر كل هذه الو سائل‪ ،‬و مع ت شديد قوي ع لى سلطة سيا سية‬
‫مركز ية‪ ،‬ومدعو مة بمنظو مة خدمات لل سعادة )ج مع ساعي أو مرا سل(‬
‫فعالة إلى حد كبير‪ .‬وكانت المبراطورية كلها مقسمة إلى أربع مناطق‪ ،‬تبدأ‬
‫من العا صمة بك ين )حال يا @ بيج ين( وت صل إ لى م ناطق حدود ية تب عد م سافات‬
‫يقطع ها ال سعاة في أ سبوع وأ سبوعين‪ ،‬وثل ثة أ سابيع ‪ ،‬وأرب عة أ سابيع ع لى‬
‫التوالي‪ .‬أما السلطة البيروقراطية المركزية‪ ،‬المدربة مهنيا@‪ ،‬والمنتقاة على‬
‫أساس التنافس والمهارة‪ ،‬فهي التي كانت تقدم مصادر القوة للوحدة ‪.‬‬
‫كانت هذه الو حدة قد عززت‪ ،‬ودع„ مت‪ ،‬ع لى غرار ما حدث في رو ما‬
‫أي ضا @ بإح ساس قوي ال تأثير ومت جذر بع مق عن الت فوق الث قافي ا لذي ازداد‬
‫قوة في ظل الكونفوشيو سية ا لتي كانت فل سفة مف ضلة إمبراطور يا@‪ ،‬و مع‬
‫التشديد على النسجام‪ ،‬والتسلسل الهرمي في السلطة والنضباط‪ .‬وعموما‬
‫فإن ال صين‪ ،‬أو المبراطور ية ال سماوية‪ ،‬كان ين ظر إلي ها ع لى أن ها مر كز‬
‫العالم‪ ،‬مع وجود برابرة فقط على حدودها وما وراء هذه الحدود‪ .‬وأن كونك‬
‫صينيا @ يع ني أ نك مث قف‪ ،‬ول هذا ال سبب‪ ،‬فإن سائر ال عالم كان يدين لل صين‬
‫بالحترام والذ عان لرغبات ها‪ .‬وإن هذا الح ساس ال خاص بالتفوق تخل „ل ا لرد‬
‫ا لذي أع طاه ا لمبراطور ال صيني‪ ،‬حتى في مرح لة ترا جع الن مو في ال صين‪،‬‬
‫في نهاية القرن الثامن عشر‪ ،‬إلى ملك بريطانيا العظمى جورج الثالث الذي‬
‫كان مبعو ثوه قد حاولوا إ غراء ال صين ع لى ا لدخول في عل قة تجار ية من‬
‫خلل ت قديم ب عض المنت جات ال صناعية البريطان ية‪ ،‬بو صفها هدايا ت عبر عن‬
‫حسن النية ‪:‬‬
‫"ن حن‪ ،‬ال مبراطور‪ ،‬نأمر‪ ،‬بنع مة ال سماء‪ ،‬م لك إنك لترا أن يأ خذ عل ما‬
‫بتوجيهاتنا‪:‬‬
‫فالمبراطورية السماوية‪ ،‬التي تحكم الجميع ضمن البحار الربعة‪....‬‬

‫‪19‬‬
‫ل تث „من ال شياء ال نادرة والنفي سة‪ ...‬ول يس ل ها أ قل حا جة إ لى صناعات‬
‫بلد كم‪ ....‬و لذا ف قد ‪ ...‬أمر نا مب عوثيكم الم حترمين أن ي عودوا بأ مان إ لى‬
‫وطن هم‪ .‬وأ نت أي ها الم لك‪ ،‬ي جب عل يك أن تع مل بان سجام مع رغبات نا‪ ،‬وذ لك‬
‫بأن تقوى ولءك لنا وأن تؤكد لنا الطاعة الدائمة "‪.‬‬
‫إن ترا جع و سقوط عدة إمبرطور يات صينية عزي ب صورة رئي سة إ لى‬
‫عوا مل داخل ية‪ .‬ف قد انت صر الم غول و في و قت ل حق "ا لبرابرة" الغرب يون‬
‫بسبب التعب الداخلي‪ ،‬والفساد‪ ،‬ومذهب المتعة‪ ،‬والنهيار القتصادي‪ ،‬إضافة‬
‫إ لى أن ال بداع الع سكري ع مل ع لى إ ضعاف ا لرادة ال صينية ثم ع لى‬
‫انهيارها‪ .‬وهكذا‪ ،‬استغلت القوى الخارجية سوء الحوال الداخلية في الصين‪،‬‬
‫وخاصة بريطانيا في حرب الفيون في العوام ‪ 1839‬ـ ‪ ،1842‬ثم اليابان‪ ،‬بعد‬
‫قرن من ذلك التاريخ‪ ،‬حيث خلقت‪ ،‬بدورها‪ ،‬إحساسا @ عميقا@‪ ،‬بالذلل الثقافي‬
‫ا لذي أ ثار المشاعر الصينية عبر ال قرن الع شرين‪ ،‬وذ لك ب سبب الصدام بين‬
‫إحسا سهم الت حذر بالتفوق الث قافي من ناح ية‪ ،‬وب ين الح قائق السيا سية‬
‫المخزية لدولة الصين في فترة ما بعد المبراطورية من ناحية ثانية‪ .‬وعلى‬
‫غرار إمبراطورية روما‪ ،‬فان الصين المبراطورية‪ .‬تصنف حاليا @ بوصفها قوة‬
‫إقليمية ولكن هذه الدولة كانت لها تطلعات عالمية في فترة ذروتها‪ ،‬وذلك‬
‫بمعنى أنه لم تكن توجد آنذاك أي دولة أخرى قادرة على تحدي هذا الوضع‬
‫ا لمبراطوري أو حتى ع لى مقاو مة أي تو سع ل حق له‪ ،‬إذا كان هذا التو سع‬
‫يمثل نزعة أو رغبة صينية‪ .‬وكان النظام الصيني ذا احتواء ذاتي وقدرة ذاتية‬
‫ع لى ال ستمرارية‪ ،‬واعت مد ب صورة رئي سية ع لى الهو ية التن ية الم شتركة‪،‬‬
‫بال ضافة إ لى قدرة م حدودة ن سبيا @ في ممار سة ال سلطة )ن قل ال قوة(‬
‫المركزية إلى الدول الخاضعة لها والموجودة على حدودها الجغرافية أو ذات‬
‫التنيات الجنبية ‪.‬‬
‫إن المر كز الت ني ال كبير والم سيطر ج عل من المم كن أن ت قوم ال صين‬
‫بعمليات تجديد إمبراطورية دورية أو عمليات إحياء وترميم نشيطة‪ .‬وفي هذا‬
‫الم جال‪ ،‬كانت ال صين مختل فة تما ما @ عن المبراطور يات ا لخرى ا لتي كانت‬
‫في ها ال شعوب ال قل عددا@‪ ،‬وذات ا لدوافع ا لقوى إ لى الهيم نة‪ ،‬قادرة‪ ،‬خلل‬
‫فترة زمنية ما على أن تفرض سيطرتها‪ ،‬وتستمر بها‪ ،‬على السكان الخرين‬
‫من ذوي التنيات الخرى‪ .‬ومهما يكن المر‪ ،‬فما أن انهارت السيطرة لمثل‬
‫هذه المبراطور يات ذات البن ية المركز ية ال صغيرة‪ ،‬حتى أ صبحت عمل ية‬
‫التجديد غير واردة ‪.‬‬
‫ولكي نجد ما يماثل إلى حد ما التعريف الحالي للقوة العالمية‪ ،‬يجب أن‬
‫ن عود إ لى ال ظاهرة الها مة للمبراطور ية المغول ية‪ .‬ف قد ظ هرت هذه‬

‫‪20‬‬
‫المبراطورية عبر صراع حاد مع خصوم رئيسيين ومنظمين جيدا‪ .‬وكانت بين‬
‫هؤلء المهزوم ين مملك تا بولون يا وهنغار يا‪ ،‬و قوات المبراطور ية الرومان ية‬
‫المقد سة‪ ،‬و عدة ول يات رو سية‪ ،‬والخل فة في ب غداد‪ ،‬و حتى سللة سنغ في‬
‫الصين‪ ،‬في وقت لحق ‪.‬‬
‫أ قام جينك يز خان وخل فاؤه‪ ،‬ب عد أن هزم مناف سيه ا لقليميين‪ ،‬سيطرة‬
‫مركزية على الراضي التي احتلها‪ ،‬وبالتالي فإن علماء الجغرافيا السياسية‬
‫الحاليين عرفوا هذه الكتلة من الراضي بأنها المنطقة المركزية أو المحورية‬
‫الحيو ية لل قوة )الدو لة( العالم ية‪ .‬و قد ام تدت هذه المبراطور ية القار ية‬
‫الوراسية من شواطئ بحر الصين إلى الناضول في آسيا الصغرى وأوروبا‬
‫الوسطى )انظر الخريطة(‪ .‬ولم يحدث بعد ذلك أن وجدت سيطرة مركزية‬
‫مماث لة ع لى م ثل هذه الم ساحات الوا سعة من الرا ضي ا لتي احتلت ها‬
‫المبراطور ية المغول ية إل في أ يام ا لذروة للكت لة ال صينية ال سوفييتية‬
‫الستالينية‪.‬‬
‫كانت المبراطوريات الرومانية‪ ،‬والصينية‪ ،‬والمغولية دول إقليمية حققت‬
‫طمو حات المتطلع ين إ لى امتلك سلطة أو قوة عالم ية‪ .‬و في حا لة رو ما‬
‫والصين‪ ،‬وحسبما ل حظنا سابقا@‪ ،‬فقد كانت بينهما المبراطورية متطورة جدا‬
‫على الصعيدين السياسي والقتصادي‪ ،‬بينما مارس المغول المنتشرون على‬
‫ن طاق وا سع لت فوق "المر كز" دورا @ جام عا @ ها ما@‪ .‬و في المقا بل‪ ،‬فإن‬
‫المبراطورية المغولية حافظت على السيطرة السياسية بالعتماد‪ ،‬على نحو‬
‫مباشر‪ ،‬على الغزو العسكري الذي كان يليه التكيف مع الشروط المحلية ‪.‬‬
‫كانت السلطة المبراطورية المغولية تعتمد إلى حد“ كبير على السيطرة‬
‫الع سكرية‪ .‬وإذ كانت هذه ال سيطرة تتح قق بال ستخدام ا لذكي‪ ،‬ا لذي تن عدم‬
‫ف يه ال شفقة أو الرح مة‪ ،‬للتكت يك الع سكري المت فوق ا لذي ج مع ب ين ال قدرة‬
‫الكبيرة في الحركة السريعة والحشد المؤقت جيدا @ )في الوقت المناسب(‪،‬‬
‫فإن الحكم المغولي لم يكن يملك نظاما @ اقتصاديا @ أو ماليا @ منظما@‪ ،‬ول كانت‬
‫السلطة المغولية نابعة من أي إحساس أكيد بالتفوق الثقافي‪ .‬وكان الحكام‬
‫المغول قليلي العدد جدا @ إذا أخذنا ذلك من منظور تمثيل طبقة حاكمة قادرة‬
‫ع لى الت كاثر ا لذاتي ومه ما ي كن ا لمر فإن غ ياب ذ لك الح ساس‪ ،‬من ح يث‬
‫ا لوعي ا لذاتي‪ ،‬بالتفوق الث قافي أو حتى الت ني‪ ،‬هو ا لذي حرم النخ بة‬
‫المبراطورية من الثقة الذاتية اللزمة‪.‬‬
‫و في الحقي قة‪ ،‬فإن الح كام الم غول أثب توا أن هم حسا سون جدا @ إزاء‬
‫استيعابهم تدريجيا @ أو ذوبانهم في الشعوب الكثر تقدما @ وثقافة التي استولوا‬

‫‪21‬‬
‫علي ها‪ .‬وه كذا‪ ،‬فإن أ حد أح فاد جينك يز خان ا لذي أ صبح إ مبراطورا @ لل جزء‬
‫ال صيني من ممل كة ال خان العظ مى‪ ،‬أ صبح داع ية متحم سا @ ل مذهب‬
‫الكونفوشو سية‪ ،‬بين ما أ صبح حف يد آ خر داع ية متحم سا @ لل سلم في وظيف ته‬
‫كسلطان لبلد الفرس ‪ ،‬وكذلك‪ ،‬أصبح حفيد ثالث من هؤلء‪ ،‬الحاكم الثقافي‬
‫الفارسي لسيا الوسطى ‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬كان هذا العامل‪ ،‬أي استيعاب أو ذوبان الحكام في المحكومين‪،‬‬
‫ومع غياب الثقافة السياسية المسيطرة‪ ،‬إضافة إلى المشكلت غير القابلة‬
‫للحل المتعلقة بخلفة الخان الكبير الذي أسس المبراطورية ‪ ،‬هو الذي ادى‬
‫ا لى انهيار ها في نها ية الم طاف‪ .‬و قد أ صبحت ممل كة الم غول كبيرة جدا‬
‫ولدرجة لم يعد ممكنا @ معها أن تحكم من قبل مركز واحد‪ ،‬ولكن الحل الذي‬
‫جرب في هذا الم جال‪ ،‬أي تق سيم المبراطور ية إ لى عدة أ جزاء ذات ية‬
‫حث ‪ ،‬وحتى بسرعة أكبر على الذوبان المحلي المر الذي‬‫„‬ ‫الحتواء‪ ،‬هو الذي‬
‫سرع‪ ،‬بدوره‪ ،‬التفتت المبراطوري‪ .‬وبعد أن‪ ،‬استمرت أكبر إمبراطورية برية‬ ‫„‬
‫في ال عالم مدة قرن ين‪ ،‬من ال عام ‪ 1206‬إ لى ال عام ‪ ،1405‬اخت فت دون أن‬
‫تترك أثرا‪.‬‬
‫وب عد ذ لك‪ ،‬أ صبحت أورو با مر كز ال قوة العالم ية من ناح ية‪ ،‬ومر كز‬
‫ال صراعات من أ جل امتلك ال قوة العالم ية من ناح ية ثان ية‪ .‬و في الوا قع‪،‬‬
‫فخلل الثل ثة قرون تقري با@‪ ،‬ا ستطاع المح يط ال شمالي الغر بي من ال قارة‬
‫الورا سية أو يح قق‪ ،‬عبر ال قدرة ع لى ن قل ال قوة البحر ية و لول مرة في‬
‫التار يخ‪ ،‬سيطرة عالم ية حقيق ية ع ندما و صلت ال قوة الوروب ية‪ ،‬إ لى كل‬
‫قارات ال عالم‪ ،‬وأثب تت وجود ها في هذه ال قارت‪ .‬وي جدر با لذكر أن ال قائمين‬
‫بهذه السيطرة من الوروبيين الغربيين المبراطوريين كانوا قلة من الناحية‬
‫الديموغرافية‪ ،‬ول سيما إذا ما قورنوا بعدد الذين أخضعوا لهم‪ ،‬ومع ذلك فمع‬
‫بداية القرن العشرين‪ ،‬وخارج نصف الكرة الغربي )الذي كان قد خضع أيضا‬
‫ق بل قرن ين لل سيطرة الوروب ية الغرب ية وا لذي كان مأهول @ في معظ مه‬
‫بالم هاجرين ا لوروبيين وأح فادهم(‪ ،‬ن جد أن ال صين‪ ،‬ورو سيا‪ ،‬والمبراطور ية‬
‫العثمانية‪ ،‬وأثيوبيا كانت وحدها متحررة من السيطرة الوروبية الغربية‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫السيادة الوروبية العالمية‬
‫ــــــــــــــ‬
‫السيادة )السيطرة( الوروبية على العالم‬
‫‪1‬ـ التفوق البحري البريطاني‬
‫‪2‬ـ السيطرة السياسية الوروبية‬
‫‪3‬ـ النفوذ أو التأثير الثقافي الوروبي‬
‫‪4‬ـ المحيط الهادي الشمالي‬
‫‪5‬ـ المحيط الهادي الجنوبي‬
‫‪6‬ـ المحيط الطلسي الشمالي‬
‫‪7‬ـ المحيط الطلسي الجنوبي‬
‫‪8‬ـ المحيط الهندي‬
‫‪9‬ـ المحيط الهادي الشمالي‬
‫‪10‬ـ المحيط الهادي الجنوبي‪.‬‬
‫ومه ما ي كن ا لمر‪ ،‬فإن ال سيطرة الوروب ية الغرب ية لم ت كن معاد لة‬
‫للحصول على القوة العالمية من قبل أوروبا الغربية‪ .‬فالحقيقة الساسية هي‬
‫ت لك المتعل قة ب سيادة أورو با عالم يا @ وح ضاريا @ و بالقوة القار ية الوروب ية‬
‫المت شظية‪ .‬وخل فا لحتلل ا لرض المركز ية الورا سية من ق بل الم غول أو‬
‫من ق بل المبراطور ية الرو سية لح قا@‪ ،‬فإن المبريال ية الوروب ية في ما وراء‬
‫البحار لم تتحقق إل عبر الكتشافات المستمرة عبر المحيطات والتوسع في‬
‫الت جارة البحر ية‪ .‬ومه ما ي كن ا لمر‪ ،‬ف قد ت ضمنت هذه العمل ية أي ضا @ صراعا‬
‫م ستمرا @ ب ين ا لدول الوروب ية ال بارزة ل يس من أ جل المحم يات في ما وراء‬
‫الب حار فح سب‪ ،‬بل و من ا جل الهيم نة ضمن أورو با ذات ها أي ضا‪ .‬أ ما الحقي قة‬
‫المهمة جيوبوليتيا @ فهي أن الهيمنة العالمية لوروبا لم تنبثق من الهيمنة في‬
‫أوروبا من قبل أي قوة )دولة( أوروبية بمفردها‪.‬‬
‫وبت عبير أو سع‪ ،‬ن جد أن إ سبانيا كانت ال قوة الوروب ية الم سيطرة حتى‬
‫منتصف القرن السابع عشر‪ ،‬وكانت قد ظهرت بوصفها قوة إمبريالية رئيسة‬
‫في ما رواء البحار‪ ،‬وتتمتع بطموحات عالمية‪ .‬وقد خدم الدين بوصفه عقيدة‬
‫موح”دة‪ ،‬ومصدرا @ لرغبة في القيام بالمهام التبشيرية المبريالية‪ .‬وفي الواقع‪،‬‬
‫فقد احتاج المر إلى تحكيم بابوي بين إسبانيا ومنافستها البحرية‪ ،‬البرتغال‪،‬‬

‫‪23‬‬
‫ل كي ي تم إ ضفاء ال شرعية ع لى التق سيم الر سمي لل عالم إ لى م جالت‬
‫)م ناطق( كولونيال ية إ سبانية وبرتغال ية في معا هدتي توردب سيل )‪(1494‬‬
‫وساراغو سا )‪ .(1529‬وبر غم ذ لك‪ ،‬فإن إ سبانيا‪ ،‬ا لتي واجهت ها الت حديات‬
‫البريطانية‪ ،‬والفرنسية‪ ،‬واللمانية‪ ،‬لم تستطع قط ان تؤكد سيادتها الحقيقية‪،‬‬
‫سواء في أوروبا الغربية ذاتها أو عبر المحيطات‪.‬‬
‫و ما ل بث بروز إ سبانيا أن تخ لى عن الن فوذ ل صالح فرن سا‪ .‬حتى ال عام‬
‫‪ ،1815‬كانت فرنسا القوة الوروبية المسيطرة‪ ،‬بالرغم من تعرضها باستمرار‬
‫للخطر من قبل منافسيها الوروبيين‪ ،‬سواء في القارة أو في ما وراء البحار‪.‬‬
‫وفي عهد نابليون كادت فرنسا تقيم سيطرة حقيقية على أوروبا‪ .‬ولو نجحت‬
‫ا نذاك‪ ،‬ل ستطاعت أن تح قق متطل بات أو و ضع ال قوة العالم ية الم سيطرة‪.‬‬
‫ومه ما ي كن ا لمر‪ ،‬فإن هزيمت ها من ق بل الت حالف ا لوروبي أ عادت إقا مة‬
‫توازن القوى القاري‪.‬‬
‫و في ال قرن ال تالي‪ ،‬و حتى ال حرب العالم ية ا لولى‪ ،‬مار ست بريطان يا‬
‫العظمى سيطرة بحرية عالمية عندما أصبحت لندن المركز المالي والتجاري‬
‫الرئي سي في ال عالم "وحك مت البحر ية البريطان ية الب حار"‪ .‬وإذا كانت‬
‫بريطان يا العظ مى قد أ صبحت ال قوة العل يا في ما وراء الب حار‪ ،‬فإن لم‬
‫تستطع‪ ،‬شأنها شأن الطامحين الوروبيين الذين أرادوا قبلها تحقيق الهيمنة‬
‫ع لى ال عالم‪ ،‬أن‪ ،‬تح كم ال عالم و حدها‪ .‬وعو ضا @ عن ذ لك‪ ،‬ف قد اعت مدت‬
‫بريطان يا ع لى ديبلوما سية توازن ال قوى المع قدة‪ ،‬وفي ما ب عد ع لى الو فاق‬
‫النكليزي ـ الفرنسي لمنع السيطرة القارية من قبل روسيا أو ألمانيا‪.‬‬
‫أقي مت المبراطور ية البريطانية في ما وراء البحار في البدا ية عبر الج مع‬
‫ب ين الكت شاف‪ ،‬والت جارة‪ ،‬وال غزو‪ .‬ولكن ها انبث قت أي ضا@‪ ،‬ع لى غرار ما حدث‬
‫لل سلف الرو مانيين وال صينيين وللمناف سين الفرن سيين وال سبان‪ ،‬من ذ لك‬
‫الح جم ال كبير لقوت ها المتبق ية من إدراك أهم ية الت فوق الث قافي البري طاني‪.‬‬
‫و لم ي كن هذا الت فوق م جرد م سألة عجز ية ذات ية من ق بل الطب قة الحاك مة‬
‫المبراطورية‪ ،‬بل كانت وجهة نظر ذات أفق مستقبلي اشترك فيها الكثيرون‬
‫من ال مواطنين غ ير البري طانيين‪ .‬و قد قال عن ذ لك نيل سون ما نديل‪ ،‬أول‬
‫رئ يس أ سود لدو لة ج نوب إفريق يا‪" :‬ك نت قد رب يت أو ن شأت في مدر سة‬
‫بريطان ية‪ ،‬و في و قت كانت ف يه بريطان يا موطن كل ال شياء الف ضل في‬
‫ال عالم‪ .‬و لم أن بذ جان با @ ذ لك ال تأثير ا لذي مار سته بريطان يا والتار يخ والثقا فة‬
‫البريطانيان علي"‪ .‬وعمو ما@‪ ،‬فإن الت فوق الث قافي ا لذي أ كد على نحو نا جح‪،‬‬
‫وأ ثر ب هدوء‪ ،‬كان له تأثير ا لقلل من الحا جة إ لى العت ماد ع لى قوات‬
‫ع سكرية كبيرة من أ جل المحاف ظة ع لى قوة المر كز ا لمبراطوري أو‬

‫‪24‬‬
‫المبريالي‪ .‬وحتى العام ‪ ،1914‬كانت آلف قليلة من العسكريين والموظفين‬
‫ال مدنيين البري طانيين ت سيطر ع لى ن حو أ حد ع شر مل يون م يل مر بع وع لى‬
‫نحو ‪ 400‬مليون إنسان غير بريطاني‪.‬‬
‫‪1‬ـ السيطرة البريطانية على العالم في الذرة ‪1914-1860‬‬
‫‪ 2‬ـ نقاط الختناق )الممرات الجبارية( المحيطة المسيطر عليها من قبل‬
‫بريطانيا‬
‫‪3‬ـ التفوق البحري البريطاني‬
‫‪4‬ـ الرض التي تسيطر عليها بريطانيا‬
‫‪5‬ـ المحيط الهادي الشمالي‬
‫‪6‬ـ المحيط الهادي الجنوبي‬
‫‪7‬ـ المحيط الطلسي الشمالي‬
‫‪8‬ـ المحيط الطلسي الجنوبي‬
‫‪9‬ـ المحيط الهندي‬
‫‪-10‬المحيط الهادي الشمالي‬
‫‪-11‬المحيط الهادي الجنوبي‬
‫وباختصار‪ ،‬فإن روما مارست سلطتها إلى حد“ كبير عبر تنظيم عسكري‬
‫متفوق وإغراء ثقافي‪ .‬واعتمدت الصين بدرجة كبيرة على جهاز بيروقراطي‬
‫ك فء ليح كم إمبراطور ية ت ستند‪ ،‬بدورها‪ ،‬إ لى هو ية اتن ية م شتركة‪ ،‬م عززة‬
‫سيطرتها عبر إح ساس مت طور جدا @ بالتفوق الث قافي‪ .‬أ ما المبراطور ية‬
‫المغول ية ف قد جم عت ب ين التكت يك الع سكري المت قدم الم ستخدم في ال غزو‬
‫من ناح ية وب ين الم يل أو النز عة إ لى ا ستيعاب ا لخرين من ناح ية ثان ية‬
‫بو صفهما أسا سا @ للح كم‪ .‬ول كن البري طانيين ) شأنهم شأن ال سبان والل مان‬
‫والفرن سيين( حق قوا الظ هور ال بارز ه نا وه ناك ع ندما كانت أعلم هم )ج مع‬
‫علم أو راية( تتبع تجارتهم‪ ،‬إضافة إلى تعز يز سيطرتهم بالتنظيم الع سكري‬
‫المت فوق وبالعا مل الث قافي الحا سم‪ .‬ول كن أي من هذه المبراطور يات لم‬
‫ي كن عالم يا‪ .‬و حتى بريطان يا العظ مى لم ت كن قوة عالم ية فعل@‪ .‬ف هي لم‬
‫ت سيطر ع لى أورو با ولكن ها حق قت ال توازن في ها‪ .‬وه كذا‪ ،‬كانت أورو با‬
‫الم ستقرة ضرورية للت فوق أو ا لبروز ا لدولي البري طاني‪ ،‬ك ما أن ال تدمير‬
‫الذاتي لوروبا هو الذي حدد حتما @ نهاية السيادة البريطانية‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫و في المقا بل‪ ،‬فإن أب عاد نفوذ ية ال قوة العالم ية الميرك ية حال يا @ هي‬
‫فريدة في نوعها‪ .‬فالوليات المتحدة ل تسيطر على بحار ومحيطات العالم‬
‫فح سب‪ ،‬بل طورت أي ضا @ قدرة ع سكرية حا سمة لل سيطرة البرمائ ية ع لى‬
‫الشواطئ مما يمكنها من نقل قوتها بطرائق أو أساليب هامة على الصعيد‬
‫السياسي‪ .‬وهكذا‪ ،‬فإن جيوشها العسكرية تتوضع بثبات على الحدود الغربية‬
‫وال شرقية بأورا سيا‪ ،‬و هي ت سيطر أي ضا @ عل الخل يج الفار سي‪ .‬ا ما ا لدائرون‬
‫في فلك أميركا‪ ،‬الذين يتوق بعضهم إلى أن يرتبط رسميا @ بواشنطن‪ ،‬فإنهم‬
‫موجودون في كل أنحاء القارة الوراسية‪ ،‬كما تبين الخريطة ‪.‬‬
‫‪1‬ـ السيادة العالمية الميركية‬
‫‪2‬ـ السيطرة الميركية على المحيطات البحرية‬
‫‪3‬ـ النفوذ )التأثير( السياسي الميركي‬
‫‪4‬ـ التفوق الجيوبوليتي الميركي‬
‫‪5‬ـ المحيط الهادي الشمالي‬
‫‪6‬ـ المحيط الهادي الجنوبي‬
‫‪7‬ـ المحيط الطلسي الشمالي‬
‫‪8‬ـ المحيط الطلسي الجنوبي‬
‫‪9‬ـ المحيط الهندي‬
‫‪10‬ـ المحيط الهادي الشمالي‬
‫‪11‬ـ المحيط الهادي الجنوبي‪.‬‬
‫تؤمن الدينام ية القت صادية الميرك ية ال شروط ال ضرورية لممار سة‬
‫ال سيطرة أو ال سيادة العالم ية‪ .‬ف في البدا ية‪ ،‬و فور انت هاء ال حرب العالم ية‬
‫الثان ية‪ ،‬و قف القت صاد ا لميركي ب شكل متم يز عن كل القت صادات ا لخرى‪،‬‬
‫حيث زادت أرقامه على نسبة ‪ % 50‬من الدخل القومي السنوي للعالم كله‪.‬‬
‫ول كن ال صحوة القت صادية في أورو با الغرب ية واليا بان‪ ،‬وا لتي تلت ها ال ظاهرة‬
‫الو سع عن الدينام ية القت صادية في آ سيا‪ ،‬كانت تع ني أن ح صة أمير كا من‬
‫الدخل القومي السنوي العالمي ل بد أن تتقلص لتصبح أقل من المستويات‬
‫العال ية وغ ير المتنا سبة ا لتي و جدت في فترة ما ب عد ال حرب‪ .‬وبر غم ذ لك‪،‬‬
‫فعندما انتهت الحرب الباردة اللحقة‪ ،‬كانت حصة أميركا من الدخل القومي‬
‫ال سنوي ال عالمي‪ ،‬وب شكل ا كثر تحد يدا@‪ ،‬ح صتها من ا لدخل ال صناعي‪ ،‬قد‬

‫‪26‬‬
‫ا ستقرت ع لى ر قم يب لغ ن حو ‪ 30‬في المئة‪ ،‬عل ما @ أن هذا الر قم كان م عدل‬
‫و سطيا @ ل هذه البلد‪ ،‬ما عدا ب عض ال سنوات ال ستثنائية ا لتي جاءت مبا شرة‬
‫بعد الحرب العالمية الثانية‪.‬‬

‫وا لهم من ذ لك‪ ،‬أن أمير كا حافظت ع لى‪" ،‬و حتى و سع„ت" سبقها في‬
‫ا ستثمار النجا حات العلم ية في تحق يق ال هداف الع سكرية‪ ،‬م ما جعل ها ت لك‬
‫المؤس سة الع سكرية ا لتي ل يو جد مث يل ل ها ع لى ال صعيد التكنو لوجي‪،‬‬
‫وبالتالي أصبحت الدولة الوحيدة التي يمكنها الوصول الفعال إلى كافة أنحاء‬
‫ال عالم‪ .‬وخلل كل ذ لك‪ ،‬حافظت أمير كا ع لى مزايا ها التناف سية القو ية في‬
‫تكنولوج يات المعلو مات الحا سمة اقت صاديا‪ .‬وإن ال سيادة الميرك ية في‬
‫القطا عات الحسا سة من اقت صاد ال غد يوحي بأن ال سيطرة التكنولوج ية‬
‫المريك ية ل يحت مل أن تتراجع قري با@‪ ،‬وخا صة أن ا لميركيين ل يزا لوا‬
‫محافظين على‪ ،‬أو حتى موسعين تميزهم‪ ،‬وسبقهم في القدرة النتاجية في‬
‫المجالت الحاسمة اقتصاديا@‪ ،‬على منافسيهم الوروبيين الغربيين واليابانيين ‪.‬‬

‫وبالتأك يد أي ضا‪ ،‬فإن رو سيا وال صين ه ما قو تان تغتا ظان من الهيم نة‬
‫الميرك ية‪ .‬ف في بدا ية ال عام ‪ ،1996‬عبرت ها تان ا لدولتان عن ذ لك في أث ناء‬
‫الزيارة التي قام بها رئيس روسيا بوريس يلتسن إلى بكين )بيجين(‪ .‬وعلوة‬
‫على ذلك‪ ،‬فإنهما تمتلكان ترسانات نووية يمكنها أن تهدد المصالح الميركية‬
‫الحيوية‪ .‬ولكن الحقيقة القاسية هي أنه في الوقت الراهن‪ ،‬وفي المستقبل‬
‫القر يب‪ ،‬و بالرغم من أنه ما ت ستطيعان شن حرب نوو ية انتحار ية‪ ،‬فإن أ يا‬
‫منه ما ل ت ستطيع تحق يق الن صر في هذه ال حرب‪ .‬وب ما أنه ما تفت قران إ لى‬
‫القدرة على نقل القوات إلى مسافات طويلة بغية فرض إرادتهما السياسية‪،‬‬
‫ونظرا @ إلى كونهما متخلفتين تكنولوجيا @ عن أميركا‪ ،‬فإنهما ل تملكان الوسائل‬
‫اللز مة لممار سة ن فوذ سيا سي مدعوم ودائم في أن حاء ال عالم ك له‪ ،‬و لن‬
‫يملكا قريبا @ مثل هذه الوسائل ‪.‬‬

‫وباختصار‪ ،‬فإن أميركا تحتل مرتبة عليها في المجالت الحاسمة الربعة‬


‫للقوة العالمية‪ :‬وهي المجال العسكري الذي تملك فيه قدرة وصول عالمية‬
‫ل مثيل لها‪ ،‬والمجال القتصادي الذي تبقى فيه ذات قدرة تحرك رئيسية في‬
‫النمو العالمي‪ .‬حتى ولو واجهت تحديات في بعض المظاهر من قبل ألمانيا‬
‫واليا بان )ل تم لك أي دو لة منه ما المزا يا ا لخرى لل قوة العالم ية(‪ :‬والم جال‬

‫‪27‬‬
‫التكنولوجي حيث تحافظ فيه على المجالت الحادة والحساسة في البتكار؛‬
‫والم جال الث قافي ا لذي تتم تع ف يه‪ ،‬بالرغم من ب عض ال سلبيات‪ ،‬بإغراء ل‬
‫يمكن منافسته‪ ،‬وخاصة بين شبان العالم‪ ،‬الذين يرون في الوليات المتحدة‬
‫دو لة تم لك ن فوذا @ سيا سيا @ ل ت قترب أي دو لة أ خرى من م جال ال قدرة ع لى‬
‫منافسته‪ .‬وهكذا‪ ،‬فإن الجمع بين هذه المجالت الربعة هو الذي يجعل من‬
‫أميركا تلك القوة العظمى العالمية الوحيدة حصرا @ ‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام العالمي الميركي‬
‫بالرغم من أن الت فوق ا لدولي لمير كا ي شترك في أ مور كثيرة مع‬
‫النظ مة المبريال ية ال سابقة‪ ،‬فإن ال فروق هي أ كثر حدة‪ .‬و هي تذهب إ لى‬
‫أبعد من البعاد الرضية‪ .‬فالقوة العالمية الميركية تمارس عبر نظام عالمي‬
‫ذي تصميم أميركي متميز يعكس الخبرة الداخلية الميركية‪ .‬والمر الرئيس‬
‫في هذه ال خبرة الداخل ية هو ال طابع الت عددي لك ل“ من المجت مع ا لميركي‬
‫ونظامه السياسي‪.‬‬
‫كانت المبراطور يات ال سابقة قد بن يت من ق بل ن خب )ج مع نخ به(‬
‫سياسية أرستقراطية وكانت تحكم في معظم الحالت من قبل أنظمة تتسم‬
‫بكون ها م ستبدة أو مطل قة ب صورة رئي سية‪ .‬و كان الق سم ا لكبر من سكان‬
‫ا لدول المبريال ية أ ما غ ير مت هم أو غ ير م بال سيا سيا@‪ ،‬أو كان‪ ،‬في الز مة‬
‫الحدي ثة‪ ،‬ملو ثا @ بالعواطف والر موز المبريال ية‪ .‬و كان ال سعي إ لى الم جد‬
‫القومي )الوطني( أو "عبء الرجل البيض" أو ما يعرف باللغة الفرنسية بـ‬
‫"المه مة التمدين ية"‪ ،‬إذا لم نت حدث عن فرض الر بح الشخ صي‪ ،‬ي خدم ت عبئة‬
‫الدعم للمغامرات المبريالية وإدامة أو استمرارية إهرام السلطة المبريالية‬
‫المراتبية بصورة رئيسية‪.‬‬
‫أ ما مو قف الجم هور ا لميركي إزاء الن قل ال خارجي لل قوة الميرك ية ف قد‬
‫كان مت عدد التجا هات‪ .‬و قد د عم هذا الجم هور ان خراط أمير كا بالحرب‬
‫العالم ية الثان ية ل سباب ت عود في معظم ها إ لى تاثير ال صدمة ا لذي أ حدثه‬
‫الهجوم الياباني على بيرل هاربر‪ .‬ولكن دخول الوليات المتحدة في الحرب‬
‫الباردة قوبل في البداية بشيء من الرفض والكراه حتى جرى حصار برلين‬
‫ون شبت ال حرب الكور ية‪ .‬وب عد انت هاء ال حرب ال باردة‪ ،‬لم ي سبب ظ هور‬
‫الول يات المت حدة ك قوة عالم ية من فردة ال كثير من الرت ياح لدى الجم هور‪،‬‬
‫ولك نه ع مل فعل @ ع لى إ ثارة نز عة ن حو ت صريف أ كثر تحد يدا @ للم سؤوليات‬
‫الميركية في الخارج‪ .‬وقد أشارت استفتاءات الرأي العام التي أجريت في‬
‫ال عامين ‪ 1995‬و ‪ 1996‬إ لى تف ضيل "م شاطرة" ال قوة العالم ية مع آخر ين‪،‬‬
‫عوضا @ عن ممارستها من قبل قطب واحد ‪.‬‬
‫وب سبب هذه العوا مل الداخل ية‪ ،‬شدد الن ظام ال عالمي ا لميركي ع لى‬
‫تقن ية أو أ سلوب التم ني أو الخت يار الت عاوني )ع لى غرار ما هو ال حال لدي‬
‫المناف سين المهزوم ين‪ ،‬أي ألمان يا‪ ،‬واليا بان‪ ،‬ولح قا @ رو سيا( إ لى مدى أ كبر‬
‫بكثير مما كان معمول @ به في النظمة المبريالية السابقة‪ .‬وعلى نحو مماثل‪،‬‬
‫فإن ذلك يعتمد إلى حد كبير على الممارسة غير المباشرة للنفوذ على نخب‬

‫‪29‬‬
‫)ج مع نخ بة( أجنب ية غ ير م ستقلة‪ ،‬بين ما ت تم في ا لوقت ذا ته ال ستفادة كثيرا‬
‫من إغراءات المبادئ والمؤسسات الديمقراطية‪ .‬ثم تعزز كل ما ذكر سابقا‬
‫بال تأثير ال حاد والمل موس لل سيطرة الميرك ية ع لى الت صالت العالم ية‬
‫ووسائل اللهو الشعبية‪ ،‬والثقافة الشاملة‪ ،‬وكذلك بالسيطرة الملموسة جدا‬
‫للتفوق التكنولوجي لميركا ولقدرتها العسكرية على الوصول إلى كافة أنحاء‬
‫العالم ‪.‬‬
‫كانت السيطرة الثقافية‪ ،‬ول زالت إحدى سمات القوة العالمية الميركية‬
‫التي لم تقدر حق قدرها‪ .‬ومهما فكر المرء في القيم الجمالية‪ ،‬فإن الثقافة‬
‫ال شاملة في أمير كا ت مارس إ غراء مغناطي سيا@‪ ،‬وخا صة بالن سبة إ لى شبان‬
‫العالم‪ .‬ويمكن أن يكون إغراؤها نابعا @ من نوعية مذهب المتعة التي تحفل به‬
‫أ سلوب الح ياة الميرك ية‪ ،‬ول كن إغراء ها ال عالمي ل يم كن إن كاره‪ .‬فبرا مج‬
‫التلفز يون وا لفلم الميرك ية تح تل ن حو ثل ثه أر باع ال سوق العالم ية‪.‬‬
‫والموسيقى الشعبية الميركية تسيطر‪ ،‬هي الخرى‪ ،‬على نحو مماثل‪ ،‬بينما‬
‫ن جد أي ضا @ أن ال عالم ك له يق لد‪ ،‬وع لى ن حو متزا يد‪ ،‬الهوا يات أو ال بدع‬
‫وال موديلت )ج مع مود يل أو مو ضة(‪ ،‬و عادات الط عام‪ ،‬و حتى طري قة ار تداء‬
‫الملبس‪ ،‬والملبس ذاتها‪ .‬ثم إن لغة النترنيت هي إنكليزية‪ ،‬كما أن النسبة‬
‫ا لكبر من ال حاديث العالم ية في الحوا سب تأتي أي ضا @ من أمير كا‪،‬م ما يؤثر‬
‫في مح توى المحاد ثات العالم ية‪ .‬واخ يرا@‪ ،‬ف قد أ صبحت أمير كا الم كان ا لذي‬
‫يحج إليه الساعون إلى الثقافة المتقدمة‪ ،‬علما @ أن ثمة نصف مليون طالب‬
‫أج نبي تقري با @ ي تدفقون إ لى الول يات المت حدة‪ ،‬ول ي عود ال كثيرون من هم إ لى‬
‫أو طانهم‪ .‬ويم كن أن ن جد خري جي الجام عات الميرك ية في كل مك تب تقري با‬
‫في كل القارات ‪.‬‬
‫وكذلك‪ ،‬فإن أسلوب الكثيرين من الساسة الديمقراطيين الجانب يشبه‬
‫أو يق لد ال سلوب ا لميركي‪ .‬و لم ي كن جون كي ندي الوح يد ا لذي و جد من‬
‫يق لده في ال خارج‪ ،‬ول كن حتى آ خر ال قادة والزع ماء السيا سيين ا لميركيين‬
‫)وال قل شهرة( أ صبحوا مو ضع درا سة دقي قة وتقل يد سيا سي )يق لدهم‬
‫آ خرون(‪ .‬وه كذا‪ ،‬فإن سيا سيين من ثقا فات متباي نة كالبري طانيين واليا بانيين‬
‫)وعلى سبيل المثال‪ ،‬رئيس الوزراء الياباني في منتصف التسعينات ريوتارو‬
‫ها شيموتو‪ ،‬ورئ يس وزراء بريطان يا توني بل ير ل حظ تقل يد بل يرل"جي مي"‬
‫كارتر‪ ،‬و"ب يل" كلين تون‪ ،‬او " بوب" دول( ا لذين ي جدون من الملئم تما ما @ أن‬
‫يق لدوا عادات كلين تون الداخل ية ) في ا لداخل(‪ ،‬ولم ساته ال شعبية العا مة‪،‬‬
‫وتقنيات أو أساليب علقاته العامة‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫إن المثال يات الديمقراط ية‪ ،‬المتراف قة بالتقال يد السيا سية الميرك ية‪،‬‬
‫تع مل أي ضا @ ع لى تعز يز ما يلح ظه أو ين ظر إل يه الب عض بو صفه "المبريال ية‬
‫الثقافية" لميركا‪ .‬ففي عصر النتشار الكثر كثافة للشكل الديمقراطي من‬
‫الحكو مات‪ ،‬ن جد أن‪ ،‬ال خبرة السيا سية الميرك ية تم يل إ لى أن ت ستخدم‬
‫بو صفها مقيا سا @ للتقل يد‪ .‬فالت شديد المنت شر في ال عالم ك له ع لى مركز ية‬
‫دستور مكتوب وعلى سيادة القانون وتفضيله على النفعية السياسية‪ ،‬وبغض‬
‫النظر عن حجم التغيير القصير المد في الممارسة‪ ،‬اعتمد على قوة الطابع‬
‫الدستوري ا لميركي‪ .‬و في الزمنة الحديثة او في ال سنوات القليلة الخيرة‪،‬‬
‫ن جد أن تب ني ا لدول ال شيوعية ال سابقة لم بدأ ال سيطرة المدن ية ع لى‬
‫العسكريين ]وخاصة عندما اعتبر ذلك شرطا @ مسبقا @ لعضوية حلف الطلسي‬
‫)ال ناتو([ كان ول يزال ي تأثر إ لى حد“ كبير بالن ظام ا لميركي عن العل قات‬
‫المدنية العسكرية‪.‬‬
‫كان إغراء وتأثير النظام السياسي الميركي الديمقراطي قد ترافقا أيضا‬
‫بالجاذب ية المتزا يدة للن موذج القت صادي ا لميركي المعت مد ع لى المقاو لة‬
‫واللتزا مات ا لذي ي شدد على التجارة الحرة العالمية والتنافس غير المق يد‪.‬‬
‫وب ما أن دول الر فاه الغرب ية‪ ،‬ب ما في ذ لك مراعات ها للت شديد الل ماني ع لى‬
‫"ات خاذ ال قرار بالت عاون" ب ين المتع هدين ونقا بات الع مال‪ ،‬بدأت تف قد قوة‬
‫ا ندفاعها القت صادية‪ ،‬فإن المز يد من ا لوروبيين ين شدون ا لن ا لرأي ال قائل‬
‫إن ال سلوب القت صادي ا لميركي ا لكثر تناف سا @ و حتى ال قل شفقة ورح مة‬
‫)أو المعدوم الشفقة(‪ ،‬يجب أن يق‪ƒ‬لد )بفتح وتشديد اللم( إذا كانت أوروبا ل‬
‫تر يد أن تتخ لف‪ .‬و حتى في اليا بان‪ ،‬ن جد أن الفرد ية المت شددة في ال سلوك‬
‫القتصادي أصبحت معترفا @ بها بوصفها أمرا @ ضروريا @ للنجاح القتصادي‪.‬‬
‫وإن التشديد الميركي على الديمقراطية السياسية‪ ،‬والتطوير القتصادي‬
‫يتحدان معا @ لينقل رسالة إيديولوجية بسيطة تغري الكثيرين‪ :‬وهي أن السعي‬
‫إ لى الن جاح ال فردي ي عزز الحر ية ويو لد الغ نى أي ضا‪ .‬وبال تالي‪ ،‬فإن المز يج‬
‫الناتج عن الجمع بين المثالة والنانية هو مزيج قوي‪ .‬ويقال أيضا @ إن النجاز‬
‫الذاتي الفردي هو هبة من الله ويستطيع في الوقت ذاته ان يفيد الخرين‪،‬‬
‫إ ما بإع طاء الم ثل او بتول يد الغ نى )ا لثروة(‪ .‬وت لك هي العق يدة ا لتي ت جذب‬
‫الناس الذين لديهم الطاقة الطموحات‪ ،‬والقدرة العالية على التنافس‪.‬‬
‫وإذ ي غزو ال طرائق الميرك ية ال عالم بالتدر يج‪ ،‬فإنه يخ لق الو سط ا لكثر‬
‫ملءمة لممارسة الهيمنة الميركية غير المباشرة والتي تبدو كأنها ذات طابع‬
‫يو جد إج ماع عل يه‪ .‬وع لى غرار ما هو عل يه ال حال في الن ظام ا لميركي‬
‫الداخلي‪ ،‬فإن هذه الهيمنة تتضمن بنية معقدة من المؤسسات والجراءات‬

‫‪31‬‬
‫المترابطة داخليا @ في ما بينها‪ ،‬والمع„دة لتوليد الجماع وعدم التماثل الغامض‬
‫في القوة والنفوذ‪ .‬وهكذا‪ ،‬تدعم السادة العالية الميركية بوساطة منظومة‬
‫دقيقة من التحالفات والئتلفات تمتد في كل أنحاء العالم ‪.‬‬
‫أن التحالف الطلسي‪ ،‬الممثل مؤسساتيا @ بما يعرف بحلف الناتو‪ ،‬يربط‬
‫دول أوروبا الكثر إنتاجا @ ونفوذا @ بأميركا‪ ،‬جاعل @ من الوليات المتحدة مشاركا‬
‫رئي سا @ حتى في ال شؤون الداخل ية الوروب ية ال سائدة ب ين دول أورو با‪ .‬أ ما‬
‫الروابط السياسية والعسكرية الثنائية الطرف مع اليابان ‪ ،‬فإنها تربط أقوى‬
‫اقتصاد آسيوي بأميركا‪ ،‬مع بقاء اليابان )وإن في الوقت الراهن على القل(‬
‫محم ية أميرك ية ب صورة رئي سة‪ .‬وت شترك أمير كا أي ضا في ت لك التنظي مات‬
‫المت عددة ا لطراف الول يدة عبر المح يط ال هادي ك ندوة ) سوق( الت عاون‬
‫القتصادي السيوي ـ الباسيفيكي )‪ ،(APEC‬جاعلة من نفسها مشاركا @ رئيسا‬
‫في شؤون هذه المنطقة من العالم‪ .‬وإن نصف الكرة الغربي محمي عموما‬
‫من ال تأثيرات الخارج ية‪ ،‬م ما يم كن أمير كا من ل عب دور مر كزي في‬
‫التنظي مات المت عددة ا لطراف المو جودة في ن صف ال كرة الغر بي هذا‪.‬‬
‫سي[‪ ،‬وخا صة ب عد‬‫“‬ ‫و كذلك‪ ،‬فإن الترتي بات المن ية الخا صة في الخل يج ]الفار‬
‫المهمة التأديبية المختصرة في عام ‪ 1991‬ضد العراق‪ ،‬جعلت هذه المنطقة‬
‫الحيو ية اقت صاديا ت حت الحما ية الع سكرية الميرك ية‪ .‬و حتى الم جال‬
‫ال سوفييتي ال سابق كان قد ا خترق بترتي بات مختل فة ترعا ها أمير كا وت هدف‬
‫إلى تعاون أوثق مع الناتو‪ ،‬ونذكر منها على سبيل المثال ما عرف بالشراكة‬
‫من أجل السلم ‪.‬‬
‫وفضل @ عن ذلك‪ ،‬يجب أن نأخذ في العتبار‪ ،‬وكجزء من النظام الميركي‪،‬‬
‫ال شبكة العالم ية للتنظي مات المتخص صة ‪،‬وخا صة المؤس سات المال ية‬
‫"الدول ية"‪ .‬وه كذا يم كن ال قول إن صندوق الن قد ا لدولي ) ‪ (IMF‬والب نك‬
‫ا لدولي يمثلن م صالح "عالم ية"‪ ،‬ك ما أن بنيته ما يم كن أن تف هم ع لى أن ها‬
‫عالم ية‪ .‬أ ما في الوا قع‪ ،‬فت تم ال سيطرة عليه ما‪ ،‬وإ لى حد كبير‪ ،‬من ق بل‬
‫أميركا‪ ،‬ويمكن تقفي أثرهما في مبادرة أميركية أصل‪ ،‬تعود بشكل خاص إلى‬
‫مؤتمر بريتون وودز عام ‪.1944‬‬
‫وخل فا @ للمبراطور يات ال سابقة‪ ،‬فإن هذا الن ظام ال عالمي المع„ قد ل يس‬
‫هرما @ مراقبيا @ أو ذا سلطات متسلسلة‪ .‬ولكن الواقع هو أن أميركا تقف في‬
‫مر كز عالم مت شابك داخل يا@‪ ،‬عل ما @ أن هذا ال عالم ت مارس ف يه ال قوة عبر‬
‫المساومة المستمرة‪ ،‬والحوار‪ ،‬والنتشار‪ ،‬والسعي إلى إجماع رسمي‪ ،‬حتى‬
‫بالرغم من أن ال قوة تن شأ فعل @ من م صدر وا حد‪ ،‬هو‪ ،‬وا شنطن دي‪ .‬سي‪.‬‬
‫و هذا هو الم كان ا لذي ي جب أن تل عب ف يه اللع بة‪ .‬وأن تل عب أي ضا @ و فق‬

‫‪32‬‬
‫القوا عد أو ال قوانين الداخل ية لمير كا‪ .‬ورب ما ي كون أ كبر ث من يدفعه ال عالم‬
‫ل قاء مركز ية العمل ية الديمقراط ية في الهيم نة العالم ية الميرك ية هو در جة‬
‫انجذاب الدول الجنبية إلى المساومة السياسية الميركية الداخلية‪ .‬فضمن‬
‫ال مدى ا لذي ت ستطيع الحكو مات الجنب ية أن تت صرف ف يف ن جد أن ها ت سعى‬
‫إ لى ت عبئة أولئك ا لميركيين ا لذين ت شترك مع هم في هو ية دين ية أو اتن ية‬
‫خا صة‪ .‬و كذلك ت ستخدم مع ظم الحكو مات اللوب يات الميرك ية ل كي تح قق‬
‫ت قدما @ ما في ق ضاياها‪ ،‬ول سيما في ال كونغرس‪ ،‬وذ لك بال ضافة إ لى ن حو‬
‫أ لف مجمو عة م صالح أجنب ية خا صة م سجلة بو صفها ن شيطة في العا صمة‬
‫الميرك ية‪ .‬وت سعى أي ضا @ المجمو عات التن ية الميرك ية إ لى ال تأثير في‬
‫السياسة الجنبية الميركية‪ ،‬علما @ أن اللوبيات اليهودية‪ ،‬واليونانية‪ ،‬والرمنية‬
‫تقف في المقدمة بوصفها ذات تنظيمات تعتبر الكثر فعالية ‪.‬‬
‫وه كذا ن جد أن ال سيادة الميرك ية خل قت نظا ما @ دول يا @ جد يدا@‪ ،‬لم يع مل‬
‫على تقديم نسخة ثانية عن الكثير من ملمح النظام الميركي فحسب‪ ،‬بل‬
‫ع مل أي ضا @ ع لى ا ضفاء ال طابع المؤس ساتي الم شروع ع لى هذه المل مح‪.‬‬
‫وتشمل الملمح الرئيسة لهذا النظام ما يلي‪:‬‬

‫ـ نظام أمن جماعي‪ ،‬بما في ذلك قيادة وقوات موحدة )الناتو‪ ،‬المعاهدة‬
‫المنية الميركية اليابانية‪ ،‬الخ ‪(...‬‬

‫ـ ت عاون اقت صادي إقلي مي ) ندوة الت عاون القت صادي ال سيوي‪-‬‬
‫البا سيفيكي‪ ،‬واتفاق ية الت جارة ال حرة لميرك يا ال شمالية( ومؤس سات تعاون ية‬
‫عالم ية متخص صة )الب نك ا لدولي‪ ،‬و صندوق الن قد ا لدولي‪ ،‬ومنظ مة الت جارة‬
‫العالمية(‪.‬‬

‫ـ إ جراءات ت شدد ع لى صنع ال قرار الج ماعي‪ ،‬حتى و لو كان م سيطرا‬


‫علية من قبل الوليات المتحدة‪.‬‬

‫ـ تفضيل العضوية الديمقراطية ضمن التحالفات الرئيسة‪.‬‬

‫ـ بن ية د ستورية وق ضائية عالم ية صارمة ) تتراوح ب ين المحك مة العالم ية‬


‫والمحكمة الخاصة المعدة لمحاكمة جرائم الحرب في البوسنة(‪.‬‬

‫كان معظم هذا النظام قد نشأ في أثناء الحرب الباردة بوصفه جزءا @ من‬
‫الج هد ا لميركي ال هادف إ لى اح تواء مناف سه ال عالمي ا لذي هو الت حاد‬
‫السوفييتي ‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫وهكذا كان هذا النظام جاهزا @ للستخدام العالمي‪ ،‬بمجرد ان تداعى هذا‬
‫الم نافس‪ ،‬وبال تالي خر جت أمير كا بو صفها ال قوة العالم ية ا لولى والوح يدة‪.‬‬
‫وقد وصف أحد علماء السياسة ج‪ .‬جون إيكينيري جوهر هذا النظام بما يلي‪:‬‬

‫" كان هذا ال جوهر ذا عل قة بالهيم نة من ح يث كونه متمر كزا @ حول‬


‫الول يات المت حدة وبال تالي ع كس الل يات السيا سية والم بادئ المنظ مة‬
‫لل سلوب ا لميركي‪ .‬و كان نظا ما @ ليبيرال يا @ من خلل كونه م شروعا@‪ ،‬ك ما ا نه‬
‫تم يز بت فاعلت أو تأثيرات متباد لة‪ .‬و قد كان ا لوروبيون )يم كن إ ضافة‬
‫اليابانيين هنا أيضا( قادرين على إعادة بناء وتكامل مجتمعاتهم واقتصاداتهم‬
‫بطرائق كانت متلئمة مع الهيمنة الميركية‪ ،‬ولكن مع ترك فرصة لختبارها‬
‫في شروط النظ مة السيا سية ذات الح كم ا لذاتي و شبه الم ستقلة‪ ...‬عل ما‬
‫أن ت طور هذا الن ظام المع قد خدم " تدجين" العل قات ب ين ا لدول الغرب ية‬
‫الرئيسة‪ .‬وقد وجدت نزاعات حادة بين هذه الدول من حين إلى آخر‪ ،‬ولكن‬
‫النق طة المه مة هي أ نه ت م„ اح تواء ال نزاع ضمن ن ظام سيا سي ت جذر بع مق‪،‬‬
‫وم ستقر‪ ،‬و مترابط ع لى ن حو متزا يد‪ ...‬و بذلك أ صبح التهد يد بن شوب ال حرب‬
‫خارج الموضوع‪.((1‬‬

‫وفي الوقت الراهن‪ ،‬لتوجد منافسة لهذه الهيمنة العالمية الميركية غير‬
‫المسبوقة‪ .‬ولكن هل ستبقى دون تحديات في السنوات القادمة؟‪.‬‬

‫)‪ (1‬من البحث الذي قام به بعنوان "خلق النظام الليبرالي‪ :‬مناشىء واستمرارية إيجاد‬
‫الحلول الغربية في فترة ما بعد الحرب" ‪،‬جامعة بنسلفانيا‪ ،‬فيلدلفيا‪ ،‬تشرين الثاني‪.1995 ،‬‬

‫‪34‬‬
‫الفصل الثاني‬

‫رقعة الشطرنج الوراسية‬


‫إن ال جائزة الجيوبوليت ية )الجغراف ية السيا سية( الرئي سة لمير كا هي‬
‫أورا سيا‪ .‬فم نذ خم سمئة سنة كانت شؤون ال عالم تدار من ق بل ال قوة‬
‫)الدول( والشعوب التي حاربت إحداها الخرى من أجل السيطرة القليمية‪،‬‬
‫وسعى كل منها إلى بسط سلطته العالمية‪ .‬أ ما الن فثمة قوة )دولة( غير‬
‫أورا سية تبرز في أورا سيا‪ ،‬وبال تالي فإن ال سيطرة العالم ية لمير كا تعت مد‬
‫ب شكل مبا شر على ال مدى الزمني وال مدى الف عال ل ستمرار هذه ال سيطرة‬
‫)التفوق( الميركي على القارة الوراسية ‪.‬‬
‫ومن الواضح أن‪ ،‬هذا الوضع مؤقت‪ .‬ولكن استمراره‪ ،‬وما سيأتي بعده‪،‬‬
‫يت سمان بأهم ية حر جة ل يس للر فاه ا لميركي فح سب‪ ،‬بل ولل سلم ا لدولي‬
‫بعا مة أي ضا‪ .‬وه كذا‪ ،‬فإن الظ هور الم فاجئ لل قوة )الدو لة( العالم ية ا لولى‬
‫والوح يدة خ لق و ضعا @ سيؤدي ف يه النت هاء ال سريع ل سيطرتها‪ ،‬إ ما ب سبب‬
‫انسحاب أميركا من العالم أو بسبب ظهور مفاجئ أيضا @ لمنافس ناجح لها‪،‬‬
‫سوف يؤدي إلى حالة عدم استقرار دولي واسع النطاق‪ .‬وبالفعل‪ ،‬فإن ذلك‬
‫سوف يح ف „ز ع لى انت شار فو ضى عالم ية‪ .‬و قد كان ال عالم السيا سي في‬
‫جامعة هارفارد صموئيل ب‪.‬هانتينغتون على حق عندما أك„د بجرأة ما يلي‪:‬‬
‫"إن عال ما @ دون سيادة أميرك ية سيكون عال ما @ مت سما @ بدر جة من الع نف‬
‫والضطراب أكبر وبدرجة من الديمقراطية والنمو القتصادي أقل من العالم‬
‫الذي تستمر فيه الوليات المتحدة في ممارسة النفوذ‪،‬اكثر من أي بلد آخر‪،‬‬
‫في إدارة الشؤون العالمية‪ .‬وهكذا‪ ،‬فإن السيادة الدولية المستمرة للوليات‬
‫المت حدة هي أ مر رئ يس وم هم لر فاه وأ من ا لميركيين ولم ستقبل الحر ية‪،‬‬
‫والقتصادات المفتوحة‪ ،‬والنظام الدولي في العالم‪." ((1‬‬
‫و في هذا ال سياق‪ ،‬فإن كيف ية "إدارة" أمير كا لورا سيا هي أ مر حرج‪.‬‬
‫فأوراسيا هي أكبر قارات العالم وهي محور العالم جغرافيا@‪ .‬والقوة )الدولة(‬
‫ا لتي تح كم أورا سيا سوف ت سيطر ع لى اث نتين من م ناطق ال عالم الثلث‬
‫ا لكثر ت قدما @ وا لكثر انتا جا @ ع لى ال صعيد القت صادي‪ .‬وإن م جرد لم حة ع لى‬
‫الخري طة توحي أي ضا @ أن ال سيطرة ع لى أورا سيا سوف ت ستوجب تبع ية‬
‫إفريق يا جاع لة ن صف ال كرة الغر بي وأوقيانو سيا في و ضع محي طي ) ثانوي(‬
‫)‪ (1‬صموئيل ب‪ .‬هانتينغتون‪" ،‬لماذا تهمنا السيادة الدولية"‪ ،‬مجلة "المن الدولي" )ربيع‬
‫‪ (1993‬الصفحة ‪.83‬‬

‫‪35‬‬
‫بالنسبة إلى القارة الرئيسة في العالم‪ .‬فثمة ‪ 75‬في المئة من سكان العالم‬
‫يعي شون في أورا سيا‪ ،‬ك ما أن مع ظم ا لثروات الماد ية لل عالم مو جودة ه نا‬
‫أي ضا‪ .‬ويب لغ ا لدخل ال قومي ال سنوي لورا سيا ن حو ‪ 60‬في المئة من إج مالي‬
‫الدخل القومي السنوي في العالم‪ ،‬كما أن مصادر الطاقة فيها تساوي تقريبا‬
‫ثلثة أرباع موارد الطاقة الجمالية المعروفة في العالم ‪.‬‬
‫وأوراسيا هي أيضا @ موطن معظم دول العالم الدينامية والحازمة سياسيا@‪.‬‬
‫فب عد الول يات المت حدة‪ ،‬ن جد أن أ قوى ستة اقت صاديات‪ ،‬وأ كثر ست دول‬
‫إنفاقا @ على التسلح العسكري موجودة في أوراسيا‪ .‬وأن كل القوى )الدول(‬
‫النووية المعلنة في العالم ما عدا واحدة‪ ،‬وكل الدول النووية غير المعلنة ما‬
‫عدا وا حدة مو جودة أي ضا @ في أورا سيا‪ .‬ثم إن ا لدولتين ا لكثر سكانا @ في‬
‫ال عالم والمر شحتين للهيم نة القليم ية وللن فوذ ع لى ال عالم ه ما أورا سيتان‪.‬‬
‫و كذلك فإن كل المت حدين المحتمل ين سيا سيا @ و‪/‬أو اقت صاديا لل سيادة أو‬
‫السيطرة الميركية هم أوراسيون‪ .‬وبصورة إجمالية‪ ،‬فإن قوة أوراسيا تفوق‬
‫إلى حد كبير قوة أميركا‪ .‬ولكن‪ ،‬ولحسن حظ أميركا‪ ،‬فإن أوراسيا هي من‬
‫الكبر )التساع( على نحو يصعب معه أن تتوحد سياسيا@‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فإن أوراسيا @ هي رقعة الشطرنج التي يستمر فيها الصراع على‬
‫ال سيطرة العالم ية‪ .‬و مع أن الج يو ا ستراتيجية‪ ،‬أو ا لدارة ال ستراتيجية‬
‫للم صالح الجيوبوليت ية‪ ،‬يم كن أن ت قارن بال شطرنج‪ ،‬فإن الرق عة ال شطرنجية‬
‫لوراسيا ذات الشكل البيضاوي إلى حد ما‪ ،‬ل يقتصر لعبوها على اثنين‪ ،‬بل‬
‫يتعدى ذلك إلى عدة لعبين‪ ،‬يملك كل منهم حجما @ مختلفا @ من القوة‪ .‬ولكن‬
‫الل عبين الرئي سيين يتو ضعون في غرب‪ ،‬و شرق‪ ،‬وو سط‪ ،‬وج نوب هذه‬
‫الرق عة‪ .‬وإن كل الطرف ين الق صيين الغر بي وال شرقي من رق عة ال شطرنج‬
‫هذه يحتويان على مناطق كثيفة السكان‪ ،‬وتضم عدة دول قوية‪ .‬ففي حالة‬
‫المح يط الغر بي ال صغير لورا سيا‪ ،‬ن جد أن ال قوة الميرك ية تنت شر مبا شرة‬
‫عليه‪ .‬وتشكل الرض الرئيسة الشرقية مقرا @ للعب مستقل ذي قوة متزايدة‬
‫ويسيطر على عدد كبير جدا @ من السكان بينما نجد أن‪ ،‬أرض منافسة القوي‪،‬‬
‫المقت صرة ع لى عدة جزائر )ج مع جز يرة( مت جاورة‪ ،‬ون صف شبه جز يرة‬
‫صغيرة شرق أقصوية‪ .‬تؤمن مقرا @ أو مرتكزا @ للقوة الميركية‪.‬‬
‫‪1‬ـ القارة المركزية جيوبوليتيا في العالم والجزاء الحيوية المحيطة به‬
‫‪ 2‬ـ عكست الخريطة من المنظور أو الشكل التقليدي لتصبح ذات التأثير‬
‫بصري‬
‫‪3‬ـ أميركا الشمالية‬

‫‪36‬‬
‫‪4‬ـ المحيط الهادي الشمالي‬
‫‪5‬ـ المحيط الطلسي الشمالي‬
‫‪6‬ـ المحيط الهادي الجنوبي‬
‫‪7‬ـ أميركا الجنوبية‬
‫‪8‬ـ المحيط الطلسي الجنوبي‬
‫‪9‬ـ إفريقيا‬
‫‪10‬ـ أوراسيا‬
‫‪11‬ـ المحيط الهادي الشمالي‬
‫‪12‬ـ المحيط الهادي الجنوبي‬
‫‪13‬ـ أوستراليا‬
‫‪1‬ـ القارات‪ :‬المساحة‬
‫‪2‬ـ بمليين الكيلومترات المربعة‬
‫‪3‬ـ أوراسيا‬
‫‪4‬ـ إفريقيا ‪ /‬الشرق الوسط‬
‫‪5‬ـ أميركا الجنوبية‬
‫‪6‬ـ أميركا الشمالية‬
‫‪7‬ـ القارات‪ :‬السكان‬
‫‪8‬ـ بالمليين‬
‫‪9‬ـ اوراسيا‬
‫‪ 10‬إفريقيا‪ /‬الشرق الوسط‬
‫‪11‬ـ أميركا الجنوبية‬
‫‪12‬ـ أميركا الشمالية‬
‫‪13‬ـ القارات‪ :‬الدخل القومي السنوي‬
‫‪14‬ـ بمليارات الدولرات‬
‫‪15‬ـ أوراسيا‬
‫‪16‬ـ إفريقيا‪ /‬الشرق الوسط‬

‫‪37‬‬
‫‪17‬ـ أميركا الجنوبية‬
‫‪18‬ـ أميركا الشمالية‬
‫‪1‬ـ رقعة الشطرنج الوراسية‬
‫‪2‬ـ المنطقة الوسطى‬
‫‪3‬ـ المنطقة الشرقية‬
‫‪4‬ـ المنطقة الجنوبية‬
‫‪5‬ـ المنطقة الغربية‬
‫تمتد بين الطرفين الغربي والشرقي تلك الرض الوسطى الواسعة التي‬
‫ي توزع في ها ال سكان ه نا وه ناك وتع تبر غ ير متما سكة سيا سيا @ ومت شظية‬
‫تنظيم يا@‪ ،‬وا لتي شغلها سابقا @ م نافس قوي للو جود ا لميركي‪ ،‬عل ما @ أن هذا‬
‫المنافس كان في وقت ما قد التزام بطرد أميركا من أوراسيا‪ ،‬وإلى الجنوب‬
‫من هذا ال سهل الورا سي المر كزي ال كبير تو جد منط قة ت سودها الفو ضى‬
‫السيا سية ولكن ها غن ية بالطا قة ويحت مل أن ت كون ذات أهم ية كبيرة لكل تا‬
‫ا لدولتين الورا سيتين الغرب ية وال شرقية‪ ،‬ب ما في ذ لك المنط قة الواق عة في‬
‫أقصى الجنوب ذات الكثافة السكانية العالية والمرشحة للهيمنة القليمية ‪.‬‬
‫إن هذه الرق عة ال شطرنجية الورا سية الغرب ية ال شكل‪ ،‬وا لتي تم تد من‬
‫ل شبونة إ لى فلديف ستوك‪ ،‬ت قدم م كان وز مان "اللع بة"‪ .‬وه كذا‪ ،‬فإذا أم كن‬
‫تو سيع هذه الم ساحة المركز ية ع لى ن حو متزا يد إ لى ا لدائرة أو المح يط‬
‫المم تد إ لى ال غرب )ح يث تت فوق أمير كا(‪ ،‬وإذا لم تخ ضع المنط قة الجنوب ية‬
‫لسيطرة لعب واحد‪ ،‬أو إذا لم يوحد الشرق بطريقة تدفع إلى طرد أميركا‬
‫من القوا عد ال ساحلية‪ ،‬فإن أمير كا ت ستطيع‪ ،‬ع ندئذ‪ ،‬أن ت سود‪ .‬ول كن إذا‬
‫عم لت المنط قة الو سطى ع لى صد المنط قة الغرب ية‪ ،‬فست صبح كيا نا م فردا‬
‫حاسما@‪ ،‬وبالتالي فإما ستسيطر على المنطقة الجنوبية أو تشكل تحالفا مع‬
‫ل عب شرقي رئ يس‪ ،‬وع ندئذ فإن ال سيادة الميرك ية في أورا سيا سوف‬
‫تتق لص ع لى ن حو درا مي) حاد(‪ .‬و سيحدث ال شيء ذا ته إذا تو حد لع بان‬
‫شرقيان رئيسان بشكل أو بآخر‪ .‬وأخيرا فإذا طرد الشركاء الغربيون أميركا‬
‫من قاعدتها في المحيط )الدائرة( الغربية سوف ينهي أوتوماتيكيا @ المشاركة‬
‫الميرك ية في الل عب ع لى رق عة ال شطرنج الورا سية‪ ،‬حتى و لو كان ذ لك‬
‫يعني غالبا @ التبعية الفعلية للمنطقة الغربية إلى لعب بعث من جديد وشغل‬
‫المنطقة الوسطى‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫إن أب عاد الهيم نة العالم ية لمير كا كبيرة ع لى ن حو م عترف به‪ ،‬ول كن‬
‫عمق ها قل يل‪ ،‬وم ح „ دد بتقي يدات داخل ية وخارج ية ع لى حد سواء‪ .‬فالهيم نة‬
‫الميركية تتضمن ممارسة نفوذ حاسم‪ ،‬وإن لم يكن هذا النفوذ عموما@‪ ،‬نوعا‬
‫من ال سيطرة المبا شرة‪ ،‬ع لى غرار ما كان عل يه ا لمر في المبراطور يات‬
‫السابقة‪ .‬فالحجم الكبير والتنوع في أوراسيا‪ ،‬وإلى جانب قوة بعض دولها‪،‬‬
‫ي حدان من ع مق الن فوذ ا لميركي‪ ،‬و من ح جم ال سيطرة الميرك ية ع لى‬
‫م جرى ال حداث‪ .‬ف هذه ال قارة ال كبيرة جدا@‪ ،‬وال كثيرة ال سكان‪ ،‬والمتنو عة‬
‫الثقا فات‪ ،‬والمؤل فة من عدد كبير من ا لدول الطمو حة تاريخ يا@‪ ،‬والن شيطة‬
‫سياسيا @ ل يمكنها أن تذعن حتى لقوة عالمية مهما كانت ناجحة اقتصاديا @ أو‬
‫بارزة ومتفو قة سيا سيا‪ .‬وإن هذا ال شرط ي شجع ع لى الم هارة‬
‫الجيوا ستراتيجية‪ ،‬وع لى الن شر المعت نى به‪ ،‬والنت قائي‪ ،‬وال مدروس ج يدا‬
‫لموارد أميركا على رقعة الشطرنج الوراسية الكبيرة جدا‪.‬‬
‫وإ نه ل صحيح أي ضا @ أن أمير كا ا لتي ت مارس الديمقراط ية في ا لداخل ل‬
‫يمكن ها أن ت كون م ستبدة في ال خارج‪ .‬فإن ذ لك ي حد „ من ا ستخدام ال قوة‬
‫الميركية‪ ،‬ول سيما قدرتها على الترويع العسكري‪ .‬ولم يحدث قط من قبل‬
‫أن استطاعت ديمقراط ية شعبية أن تح قق سيادة دولية‪ .‬ولكن ال سعي إ لى‬
‫اكتساب القوة ليس هدفا @ يستقطب العواطف الشعبية إل في شروط الخطر‬
‫الم فاجئ أو الت حدي لم شاعر ال ناس إزاء الر فاه ا لداخلي‪ .‬فن كران ا لذات‬
‫اقت صاديا @ )أي الن فاق ا لدفاعي( والت ضحيات الب شرية )ال صابات حتى ب ين‬
‫الج نود الم حترفين( ا لتي يح تاج إلي ها الج هد الم بذول في هذا الم جال لي ست‬
‫متناغ مة مع ال غرائز الديمقراط ية‪.‬فالديمقراط ية ب حد ذات ها هي غ ير ملئ مة‬
‫للتعبئة المبريالية‪.‬‬
‫وف ضل @ عن ذ لك‪ ،‬فإن ال كثير من ا لميركيين ل يج ندون ولي شعرون‬
‫بالتعاطف مع وضع بلدهم الجديد بوصفها القوة العظمى العالمية الوحيدة‪.‬‬
‫وإن "الفر حة" السيا سية المتعل قة بانت صار أمير كا في ال حرب البار جة تل قى‬
‫استقبال @ باردا@‪ ،‬وقد كانت أيضا @ مدعاة لشيء من السخرية من قبل المعلقين‬
‫ذوي التفكير اللبيرالي‪ .‬وفي الواقع‪ ،‬فثمة وجهتا نظر محتلفتان إزاء مضامين‬
‫الموقف الميركي الراهن ونجاح اميركا في التنافس مع التحاد السوفييتي‬
‫السابق وهما‪ ،‬أي وجهتا النظر هاتان تثيران عواصف على الصعيد السياسي‪:‬‬
‫ف من ناح ية ن جد وج هة الن ظر القائ لة إن انت هاء ال حرب ال باردة هو مبرر هام‬
‫لخفض الشتباك العالمي لميركا مع الحداث‪ ،‬وبغض النظر عن النتائج على‬
‫هذا المو قف ال عالمي لمير كا؛ و من ناح ية ثان ية‪ ،‬ن جد وج هة الن ظر ا لخرى‬
‫القائلة إنه حان الوقت لتعددية دولية حقيقية‪ ،‬والتي يحب فيها على أميركا‬

‫‪39‬‬
‫أن تتخلى عن بعض سيادتها‪ .‬وقد استقطبت كل هاتين المدرستين ولء وتأييد‬
‫نخبة أو جمهور ملتزم ‪.‬‬
‫إن ما يعقد الزمات التي تواجه القيادة الميركية هو التغيرات في طبيعة‬
‫الو ضع ا لدولي ذا ته‪ :‬فال ستخدام المبا شر لل قوة يم يل ا لن إ لى أن ي كون‬
‫مق يدا @ بدر جة أ كبر م ما كان عل يه في الما ضي‪ .‬و قد عم لت ال سلحة النوو ية‬
‫ع لى ا لقلل ب شكل حاد من فائدة ال حرب كأداة للسيا سة أو حتى بو صفها‬
‫تهد يدا @ وخ طرا‪ .‬وه كذا‪ ،‬فإن العت ماد القت صادي المت بادل ب ين ا لدول يج عل‬
‫ال ستغلل السيا سي للتهد يد القت صادي أ قل إلحا حا‪ .‬وبال تالي‪ ،‬فإن الم ناورة‬
‫والديبلوماسية‪ ،‬وإقامة التحالف‪ ،‬واختيار الحلفاء‪ ،‬والنشر المتعمد للمؤثرات‬
‫السياسية لدولة ما‪ ،‬أصبحت كلها عناصر رئيسة في الممارسة )الستخدام(‬
‫الناجحة للقوة الجيواستراتيجية على رقعة الشطرنج الوراسية ‪.‬‬

‫الجغرافيا السياسية والجغرافيا الستراتيجية ‪:‬‬


‫ــــــــــــــــــــــــ‬
‫الجغرافيا السياسية والجغرافيا الستراتيجية‪:‬‬
‫إن ممار سة ال سيادة العالم ية الميرك ية ي جب أن ت كون حسا سة إزاء‬
‫الحقي قة القائ لة إن الجغراف يا السيا سية تب قى اعت بارا @ حر جا @ في ال شؤون‬
‫الدول ية‪ .‬و قد روي عن نابليون أ نه قال‪ :‬إ نه لمعر فة الجغراف يا المتعل قة‬
‫ب شعب ما ي جب معر فة سيا سته الجنب ية‪ .‬وإن فهم نا لهم ية الجغراف يا‬
‫السياسية يجب‪ ،‬عموما@‪ ،‬أن نتكيف مع الحقائق الجديدة للقوة ‪.‬‬
‫و في ما يتع لق بمع ظم ال شؤون الدول ية‪ ،‬فإن ال سيطرة القليم ية )ع لى‬
‫ا لرض( كانت دائ ما @ ت شكل بؤرة ترك يز ال نزاع السيا سي‪ .‬وه كذا‪ ،‬ف قد كان‬
‫الر ضا ا لذاتي ال قومي عن احتلل م ساحة أ كبر من ا لرض أو الح ساس‬
‫بالحر مان ال قومي إزاء ف قدان أرض "مقد سة" ي شكلن سببا @ وجي ها @ لمع ظم‬
‫ال حروب الدمو ية ا لتي تم خو ضها م نذ ن شوء القوم يات‪ .‬ول ن بالغ إذا قل نا أن‬
‫م سألة ا لرض كانت ول تزال ال حافز الرئ يس ا لذي يدفع إ لى ال سلوك‬
‫العدواني من قبل الدول _ المم‪ .‬وقد أقيمت المبراطوريات أيضا @ من خلل‬
‫الستيلء على مساحات جغرافية حيو ية والحتفاظ بها‪ ،‬على غرار ما حدث‬
‫في ج بل طارق وق ناة ال سويس أو سنغافورة‪ ،‬ح يث كانت هذه ال ماكن‬
‫بمنز لة ن قاط مرور إج باري رئي سة أو ن قاط و صل في منظو مة ال سيطرة‬
‫المبريالية ‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫وعموما@‪ ،‬فإن الظاهرة الكثر حدة في الربط بين القومية وامتلك الرض‬
‫تظهر على نحو واضح في ألمانيا النازية واليابان المبراطورية‪ .‬فالجهد لبناء‬
‫"الرا يخ ا لذي ا ستمر أ لف سنة" ذ هب إ لى أب عد من هدف إ عادة توح يد‬
‫الشعوب الناطقة باللغة اللمانية تحت سقف سياسي واحد ورك„ز أيضا على‬
‫الرغ بة في ال سيطرة ع لى "ز هرة الق مح" في أوكران يا وع لى الرا ضي‬
‫السلفية أيضا@‪ ،‬والتي كان على شعوبها أن تقدم يدا @ عاملة رخيصة بوساطة‬
‫الر قاء ل صالح الدو لة المبريال ية‪ .‬كان اليا بانيون قد تم سكوا‪ ،‬ع لى ن حو‬
‫مما ثل‪ ،‬بالمفهوم ال قائل إن الحتلل المبا شر لرض من شوريا‪ ،‬ولح قا @ ل جزر‬
‫اله ند ال شرقية المنت جة للن فط‪ ،‬هو ضروري لتحق يق ال سعي اليا باني إ لى‬
‫امتلك القوة القومية والوضع الدولي ‪.‬‬
‫وع لى ن حو مما ثل‪ ،‬ول قرون من الز من‪ ،‬فإن تعر يف العظ مة القوم ية‬
‫الرو سية كان م عادل @ لمتلك ا لرض‪ ،‬و حتى في نها ية ال قرن الع شرين‪ ،‬ن جد‬
‫أن ال صرار الرو سي ع لى الحت فاظ بال سيطرة ع لى شعوب غ ير رو سية‬
‫كالشيشان‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬الذين كانوا يعيشون حول خط نفط حيوي‪،‬‬
‫برر بالرغم أن هذه ال سيطرة ضرورية لمو قف أو هي بة رو سيا‬ ‫كان قد „‬
‫بوصفها قوة )دولة( عظمى‪.‬‬
‫ت ستمر ا لدول ا لمم في كون ها ت شكل و حدات أسا سية في الن ظام‬
‫العالمي‪ .‬وبالرغم من التراجع في المفهوم القومي للقوة )الدولة( الكبرى‪،‬‬
‫و من أن تل شي اليديولوج ية خ ف „ض وا ضعف الم ضمون ال عاطفي للسيا سة‬
‫العالم ية‪ ،‬وبين ما أدخ لت ال سلحة النوو ية تقي يدات رئي سة ع لى ا ستخدام‬
‫ال قوة‪ ،‬فإن الت نافس المعت مد ع لى امتلك ا لرض ل يزال يح كم ال شؤون‬
‫العالم ية‪ ،‬حتى و لو أن أ شكاله تم يل حال يا @ إ لى أن ت كون ذات طابع مدني‬
‫بدرجة أكبر‪ .‬وفي هذه المنافسة فإن الموقع الجغرافي ل يزال يشكل نقطة‬
‫النطلق لتعريف أو تحديد الفضليات الخارجية للدولة المة‪ ،‬كما أن حجم أو‬
‫مساحة الرض الوطنية تبقى أيضا @ أحد أهم العوامل الرئيسة للهيبة والقوة ‪.‬‬
‫ومهما يكن المر فبالنسبة إلى الدول المم‪ ،‬نجد أن قضية امتلك الرض‬
‫بدأت تتراجع مؤخرا @ وتف قد أهميت ها وبروز ها‪ .‬و في ال مدى ا لذي ل تزال ف يه‬
‫النزاعات القليمية عامل @ مهما @ في تشكيل السياسة الخارجية لبعض الدول‪،‬‬
‫فهي تعتبر مسألة استياء ناجم عن التنكر لحق تقرير المصير للخوة التنيين‬
‫ا لذين ي قال عن هم إن هم محرو مون من حق الن ضمام إ لى "ا لوطن الم" أو‬
‫م سألة تظ لم من سوء التعا مل المز عوم من ق بل دو لة جارة لقل يات اتن ية‬
‫أ كثر م ما هي ذ لك ال سعي إ لى تحق يق و ضع او هي بة وطن ية مح سنة عبر‬
‫التوسع القليمي ‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫وه كذا‪ ،‬ن جد أي ضا @ ع لى ن حو متزا يد‪،‬أن الن خب )ج مع نخ بة( الوطن ية‬
‫الحاك مة أ صبحت ت عترف ان عوا مل أ خرى غ ير ا لرض أ صبحت أ كثر أهم ية‬
‫في تقر ير الو ضع أو الهي بة الدول ية لدو لة ما أو تقر ير در جة نفوذ ها ا لدولي‪.‬‬
‫وإن الم هارة القت صادية‪ ،‬وترجمت ها إ لى ابت كارات تكنولوج ية‪ ،‬ت ستطيع أن‬
‫ت كون عامل @ رئي سا @ من عوا مل ال قوة‪ .‬واليا بان ذات ها ت قدم م ثال @ رائ عا @ ع لى‬
‫ذلك‪.‬وبرغم ذلك‪ ،‬فإن الموقع الجغرافي ل يزال يميل إلى تقرير الفضليات‬
‫الفورية للدولة المعنية‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬فكلما ازدادت القوة العسكرية والقتصادية‬
‫والسيا سية لدو لة ما‪ ،‬ازداد أي ضا @ ي صف ق طر دائرة م صالحها الجيوبوليت ية‬
‫الحيوية‪ ،‬ونفوذها‪ ،‬وتدخلها‪ ،‬على نحو يتعدى جيرانها المباشرين ‪.‬‬
‫و حتى و قت قر يب جرة جدل ب ين المحلل ين الجيوبول يتيين ال بارزين ع ما‬
‫إذا كانت قوة الرض أهم من قوة البحر‪ ،‬وما هي المنطقة الوراسية الكثر‬
‫حيو ية لل سيطرة ع لى ال قارة كل ها‪ .‬و قد قاد أ حد أبرز هؤلء المحلل ين‪ ،‬و هو‬
‫هارولد ماكيندر‪ ،‬النقاش في بداية القرن الحالي وخلص إلى مفاهيم لحقة‬
‫عن "المنطقة المحورية" الوراسية )التي قيل انها تضم كل سيبيريا والجزء‬
‫ا لكبر من آ سيا الو سطى( و في و قت ل حق عن "ا لرض المركز ية" في‬
‫وسط وشرق اوروبا بوصفها تشكل نقاط النطلق الحيوية لتحقيق السيطرة‬
‫ع لى ال قارة‪ .‬و قد أ ضفى طاب عا @ شعبيا @ ع لى مف هومه عن ا لرض المركز ية‬
‫بمقولته المشهورة ‪:‬‬
‫ـ من يحكم شرق أوروبا يسيطر على الرض المركزية ؛‬
‫ـ ومن يحكم الرض المركزية يسيطر على جزيرة العالم؛‬
‫ـ ومن يحكم جزيرة العالم يسيطر على العالم‪.‬‬
‫أث يرت الجغراف يا السيا سية من ق بل ب عض عل ماء الجغراف يا السيا سية‬
‫الل مان ال بارزين ل كي تبرر شعار بلد هم"الم تداد الح يوي ن حو ال شرق" ول‬
‫سيما كارل هاوسهوفر ا لذي لءم مف هوم ماكيندر مع الحاجات الستراتيجية‬
‫للمانيا‪ .‬وكان يمكن سماع الصدى ألهمجي لهذا المفهوم وفي تشديد أدولف‬
‫هتلر على حاجة الشعب اللماني إلى "المدى الحيوي"‪ .‬وقد توقع مفكرون‬
‫أوروبيون آخرون في النصف الول من هذا القرن تغييرا @ في اتجاه الشرق‬
‫في المركز الجيوبوليتي للجاذبية‪ ،‬على ان تصبح منطقة المحيط الهادي‪ ،‬ول‬
‫سيما أمير كا واليا بان‪ ،‬الوار ثة المحتم لة لل سيطرة الوروب ية المتل شية‪.‬‬
‫ولحباط هذه التغيير‪،‬فقد دا فع عالم الجغرافيا السياسية الفرنسي‪ ،‬وعلماء‬
‫جيوبوليتيون آخرون‪ ،‬عن ضرورة تحقيق وحدة أكبر بين الدول الوروبية حتى‬
‫قبل الحرب العالمية الثانية‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫وفي الوقت الراهن‪ ،‬لم تعد قضية الجغرافيا السياسية متعلقة بكون هذا‬
‫أو ذاك ال جزء الجغرا في من أورا سيا ي شكل نق طة انطلق لل سيطرة ع لى‬
‫القارة‪ ،‬أو يكون قوة الرض أهم من قوة البحر‪ .‬ولكن الجغرافيا السياسية‬
‫انتقلت من البعد القليمي إلى البعد العالمي‪ ،‬مع جعل السيطرة على القارة‬
‫الورا سية كل ها أسا سا @ لل سيطرة ع لى ال عالم‪ .‬فالول يات المت حدة‪،‬ا لتي هي‬
‫دو لة غ ير أورا سية‪ ،‬تتم تع إ لى‪ ،‬ب سيطرة دول ية‪ ،‬مع و جود قوت ها المنت شرة‬
‫مباشرة على ثلثة حدود محيطية للقارة الوراسية‪ ،‬والتي تمارس منها نفوذا‬
‫قو يا @ ع لى ا لدول ا لتي ت شغل المنط قة الخلف ية الورا سية‪ .‬ول كن يحت مل أن‬
‫يظ هر م نافس أو غر يم محت مل لمير كا في هذه ال قارة ذات ها‪ ،‬أي أورا سيا‪،‬‬
‫ا لتي تع تبر أ هم بق عة في ال عالم لممار سة الل عب‪ .‬وهكذا‪ ،‬فإن ا لتركيز على‬
‫الل عبين الرئي سيين‪ ،‬والتقي يم ال صحيح ل لرض ي جب أن يكو نا نق طة النطلق‬
‫ل صياغة الجغراف يا ال ستراتيجية الميرك ية من أ جل ا لدارة الطوي لة ال مد‬
‫للمصالح الجيوبوليتية الوراسية لميركا‪.‬‬
‫ومن هنا نجد أن ثمة حاجة إلى خطوتين أساسيتين هما‪:‬‬
‫ـ ا لولى المتمث لة في تحد يد ا لدول الورا سية الدينام ية جيوا ستراتيجيا‬
‫وا لتي تم لك ال قوة ل حداث تغي ير محت مل هام في التوز يع ا لدولي لل قوة‪،‬‬
‫ولك شف ال هداف الخارج ية الرئي سة للن خب )ج مع نخ بة( السيا سية الحاك مة‬
‫وللنتائج المحتملة ل سعي ا لدول المعنية إلى تحقيق أ هدافها؛ و كذلك لتحد يد‬
‫ا لدول الورا سية الحسا سة جيوبوليت يا @ ا لتي ي كون لتو ضعها الجغرا في و‪/‬أو‬
‫وجودها تأثيرات محفزة إما على اللعبين الجيواستراتيجيين الكثر نشاطا @ أو‬
‫على الشرط القليمية؛‬
‫ـ الثانية‪ ،‬المتمثلة في صياغة سياسات أميركية معينة تعمل على التوازن‬
‫وال ستيعاب و‪/‬أو ال سيطرة ع لى ما جاء أعله‪ ،‬وذ لك ع لى ن حو يم كن م عه‬
‫المحاف ظة ع لى الم صالح الميرك ية الحيو ية ور فع م ستواها‪ ،‬و كذلك تع مل‬
‫ع لى و ضع م فاهيم أ كثر شمولية عن الجيوا ستراتيجيا يمكن ها أن تق يم ع لى‬
‫نطاق عالمي علقة متبادلة بين السياسات الميركية الكثر وضوحا @ وفعالية ‪.‬‬
‫وباختصار فإن الجيواستراتيجية الوراسية التي تأخذ بها الوليات المتحدة‬
‫تت ضمن ا لدارة الهاد فة أو الحا سمة ا لتي ت مارس ع لى ا لدول الدينام ية‬
‫جيوا ستراتيجيا@‪ ،‬والح تواء ال حذر ل لدول ال مؤثرة جيوبوليت يا@‪ ،‬وذ لك من خلل‬
‫مرا عاة الم صالح المزدو جة لمير كا في المحاف ظة ع لى ال مد الق صير ع لى‬
‫قوتها العالمية الفريدة في نوعها وفي تحويل هذه القوة على المدى الطويل‬
‫إلى تعاون عالمي ذي طابع مؤسساتي يتزايد مع الزمن‪ .‬ولكي نضع ذلك في‬

‫‪43‬‬
‫ت عبير ي عود إ لى الز من ا لكثر همج ية في المبراطور يات القدي مة‪ ،‬ن جد أن‬
‫المور الثلثة الكبرى للجيواستراتيجية المبراطورية تهدف إلى منع التصادم‬
‫والمحاف ظة ع لى العت ماد ا لمني المت بادل ب ين الت باع الخا ضعين لل سيطرة‪،‬‬
‫وإ لى المحاف ظة أيضا @ على هؤلء التباع في وضع الذعان وحمايتهم‪ ،‬ناهيك‬
‫بمحاولة البقاء على البرابرة في وضع يمنع التحالف بينهم‪.‬‬
‫اللعبون الجيواستراتيجيون والمحاور الجيوبوليتية‬
‫إن الل عبين الجيوا ستراتيجيين الن شيطين هم ا لدول ا لتي تم لك ال قدرة‬
‫وا لرادة القوم ية ع لى ممار سة ال قوة أو الن فوذ في ما وراء ال حدود بغ ية‬
‫تغي ير‪ ،‬وبدر جة تؤثر في الم صالح الميرك ية‪ ،‬حا لة ال شؤون الجيوبوليت ية‬
‫الراه نة‪ .‬تم لك هذه ا لدول أي ضا @ الم قدرة الكام نة و‪/‬أو ال ستعداد لن ت كون‬
‫سريعة التأثر جيوبوليتيا‪ .‬وهكذا نجد أن بعض الدول تسعى فعل@‪ ،‬ولي سبب‬
‫كان‪ ،‬كأن تر يد تحق يق الب هة القوم ية أو الن جازات اليديولوج ية‪ ،‬أو‬
‫الطموحات الدينية‪ ،‬أو التوسع القتصادي‪ ،‬إلى تحقيق السيطرة القليمية أو‬
‫الهي بة العالم ية‪ .‬و هي ت كون مدفو عة ب حوافز عمي قة ال جذور ومع قدة‪ .‬ولعل نا‬
‫نجد أفضل تعبير عنها في قول روبرت براونينغ‪:‬‬
‫"‪...‬إن هدف النسان يجب أن يكون أكبر مما يستطيع فعله‪ ،‬أو ما يعتبر‬
‫بالنسبة إليه‪ ،‬سماء أو جنة له ؟"‪ .‬وهكذا‪ ،‬يجب على هذه الدول أن تحسب‬
‫بد قة قوة أمير كا‪ ،‬وتقرر ال مدى الذي تستطيع فيه أن تتجاوز هذه الدو لة او‬
‫تصطدم بها‪ ،‬وفي ضوء ذلك تضع اهدافها الوراسية المحدودة نوعا @ ما‪ ،‬والتي‬
‫قد تتصادم أحيانا@‪ ،‬أو تتوافق في أحيان أخرى مع سياسات أميركا‪ .‬ولذا يجب‬
‫أن تع ير أمير كا اهتما ما @ خا صا @ إ لى ا لدول الورا سية ا لتي تم لك م ثل هذه‬
‫الحوافز‪.‬‬
‫أما المحاور الثابتة الجيوبوليتية فهي الدول التي ل تأتي أهميتها من قوتها‬
‫وحوافزها بل من مواقع ها الحساسة‪ ،‬و من نتائج شروطها او ظروف ها ا لتي‬
‫ت كون غال با @ غ ير مني عة إزاء سلوك الل عبين الجيوا ستراتيجيين‪ .‬و في أغ لب‬
‫الح يان‪ ،‬تت عثر الم حاور الثاب تة الجيوبوليت ية بجغراف ية ا لدول المعن ية ا لتي‬
‫تع طي هذه الم حاور‪ ،‬في ب عض ال حالت‪ ،‬دورا @ خا صا @ إ ما في تحد يد طري قة‬
‫الو صول إ لى م ناطق مه مة أو في م نع ال موارد عن ل عب م هم‪ .‬و في ب عض‬
‫ال حالت ا لخرى‪ ،‬يم كن ان تت صرف الدو لة ا لتي ت شكل الم حور الجيوبول يتي‬
‫بو صفها در عا @ دفاع يا @ لدو لة حيو ية ما او حتى لديا نة ما‪ .‬و في أح يان أ خرى‪،‬‬
‫يمكن القول إن مجرد وجود مثل هذه الدولة ذات المحور الجيوبوليتي يعني‬

‫‪44‬‬
‫حدوث تأثيرات سياسية وثقافية ها مة جدا @ في ل عب جيواستراتيجي مجاور‬
‫ذي فعالية أكبر‪.‬‬
‫وعموما@‪ ،‬فإن تحديد الدول المحورية الجيوبوليتية الوراسية الرئيسة في‬
‫فترة ما بعد الحرب الباردة‪ ،‬وحمايتها‪ ،‬هو‪ ،‬بالتالي‪ ،‬سمة حرجة من سمات‬
‫الجيواستراتيجية العالمية لميركا‪.‬‬
‫ي جب ان يل حظ في البدا ية أ نه بالرغم من م يل الل عبين‬
‫الجيواستراتيجيين كلهم إلى أن يكونوا دول @ مهمة وقوية‪ ،‬فل تعتبر كل الدول‬
‫المهمة والقوية بشكل آلي من اللعبين الجيواستراتيجيين‪ .‬وهكذا‪ ،‬فإن كان‬
‫تحد يد الل عبين الجيوا ستراتيجيين عمل @ سهل @ ن سبيا@‪ ،‬فإن إل غاء ب عض ا لدول‬
‫المهمة من اللئحة التي سترد لحقا @ يمكن أن يحتاج إلى بعض التبرير‪.‬‬
‫وفي الظروف العالمية الراهنة‪ ،‬يمكن أن نحدد على القل خمسة لعبين‬
‫جيوا ستراتيجيين رئي سيين وخ مس دول محور ية جيوبوليت ية ) مع كون اث نتين‬
‫من هذه ا لدول الخ مس تحملن رب ما ما يؤهله ما جزئيا @ لتكو نا من الل عبين(‬
‫في الخريطة السياسية الجديدة لوراسيا‪ .‬فرنسا‪ ،‬وألمانيا‪ ،‬وروسيا‪ ،‬والصين‪،‬‬
‫واله ند هي من الل عبين الرئي سيين والف عالين‪ ،‬بين ما ل تتأ هل بريطان يا‬
‫العظ مى‪ ،‬واليا بان‪ ،‬واندوني سيا‪ ،‬ل هذا ا لدور بالرغم من ال عتراف بأن ها دول‬
‫مه مة جدا‪ .‬أ ما أوكران يا‪ ،‬وأذربي جان‪ ،‬وكور يا الجنوب ية‪ ،‬وترك يا‪ ،‬وإ يران‪ ،‬فإن ها‬
‫تل عب دور الم حاور الثابتة الجيوبوليتية المه مة إ لى حد حرج‪ ،‬بالرغم من ان‬
‫تركيا وإيران تعتبران جيواستراتيجيا @ إلى حد ما‪ ،‬وضمن إمكاناتهما المحدودة‬
‫عموما‪ .‬وسيقال المزيد عن كل منهما في الفصول اللحقة ‪.‬‬
‫و في هذه المرح لة‪ ،‬يك في أن ن قول إن ال عبين الجيوا ستراتيجيين‬
‫الرئيسيين والديناميين في الطرف القصى الغربي من اوراسيا هما فرنسا‬
‫وألمان يا‪ .‬وكل هاتين ا لدولتين تحفزه ما رؤ ية م ستقبلية عن أورو با المو حدة‪،‬‬
‫بالرغم من أنه ما تختل فان عن مدى وطري قة و جوب ب قاء أورو با مرتب طة‬
‫بأميركا )شدة هذا الرتباط وأسلوبه(‪ .‬ولكن كلتيها تريدان تشكيل شيء ما‬
‫يكون جديدا @ وملبيا @ لطموحات في أوروبل مما يؤدي إلى تغيير المر الواقع‪.‬‬
‫وتم لك فرن سا ب شكل خاص مفهو ما جيوا ستراتيجيا @ عن أورو با يخت لف في‬
‫ب عض سماته الها مة عن مف هوم الول يات المت حدة‪ ،‬و هي‪ ،‬أي فرن سا‪ ،‬تم يل‬
‫إ لى الن خراط في م ناورات تكتيك ية م عدة لج عل رو سيا تل عب ضد أمير كا‬
‫وج عل بريطان يا العظ مى تل عب ضد ألمان يا‪ ،‬حتى بالرغم من اعتماد ها ع لى‬
‫التحالف الفرنسي اللماني لتجاوز ضعفها النسبي أو موازنته‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫وف ضل @ عن ذ لك‪ ،‬فإن فرن سا وألمان يا كان تا قو يتين وف عالتين ب ما يك في‬
‫لممارسة النفوذ ضمن نصف قطر إقليمي أوسع‪ .‬ففرنسا ل تسعى إلى دور‬
‫سيا سي رئ يس في توح يد أورو با فح سب‪ ،‬ولكن ها ترى نف سها أي ضا بو صفها‬
‫نواة لتج مع دول حوض الب حر المتو سط و شمال إفريق يا ا لتي ل ها اهتما مات‬
‫م شتركة‪ .‬وألمان يا ت شعر ع لى ن حو متزا يد بو ضعها ال خاص كأهم دو لة في‬
‫أورو با‪ ،‬أو بو صفها ال قوة المحر كة القت صادية للمنط قة‪ ،‬وال قائد ال بارز في‬
‫الت حاد ا لوروبي‪ .‬وت شعر ألمان يا أي ضا بم سؤوليتها الخا صة عن أورو با‬
‫الو سطى المت حررة حديثا @ من قيود ها وبطري قة تذكر ع لى ن حو غامض‬
‫بالمفاهيم السابقة عن أوروبا الوسطى المقادة من قبل ألمانيا‪ .‬وفضل عن‬
‫ذلك‪ ،‬فإن كل الدولتين فرنسا وألمانيا تعتبران نفسيهما مالكتين لحق تمثيل‬
‫الم صالح الوروب ية في التعا مل مع رو سيا‪ ،‬و كذلك‪ ،‬فإن ألمان يا تحت فظ‬
‫لنف سها‪ ،‬وب سبب موقع ها الجغرا في‪ ،‬وإن نظر يا @ ع لى ال قل ‪ ،‬بالخ يار ال كبير‬
‫للتكيف الخاص الثنائي الطرف مع روسيا ‪.‬‬
‫وفي المقابل‪ ،‬فإن بريطانيا العظمى ليست لعبا @ جيواستراتيجيا@‪ .‬ولديها‬
‫عدد أ قل من الخ يارات الرئي سة‪ ،‬ف هي ل تم لك رؤ ية طمو حة عن م ستقبل‬
‫أورو با‪ ،‬ك ما أن تراجع ها الن سبي ق ل „ل أي ضا @ من قدرتها ع لى ل عب ا لدور‬
‫التقل يدي ا لذي كانت ت قوم به بو صفها محق قة لل توازن ا لوروبي‪ .‬وإن ت عدد‬
‫وجهات النظر فيها إزاء الوحدة الوروبية وارتباطها بعلقة متلشية مع أميركا‬
‫جعل منها )أي بريطانيا العظمى( دولة غير معنية على نحو متزايد‪ ،‬وإن حتى‬
‫الن على القل‪ ،‬بالخيارات الرئيسة التي تواجه مستقبل أوروبا‪ .‬وهكذا نجد‬
‫أن لندن أخرجت نفسها‪ ،‬إلى حد كبير من اللعبة الوروبية‪.‬‬
‫يذكر ال سير روي دين مان‪ ،‬أ حد الم سؤولين البري طانيين الك بار ال سابقين‬
‫في اللج نة الوروب ية‪ ،‬في مذكراته‪ ،‬أن ال ناطق الر سمي با سم بريطان يا أ كد‬
‫بو ضوح‪ ،‬في ال مؤتمر ا لذي ع قد في بدا ية ال عام ‪ 1955‬في م سينا‪ ،‬وا لذي‬
‫عر ضت ف يه وج هات ن ظر عن ت شكيل الت حاد ا لوروبي‪ ،‬وأ مام ال مؤتمرين‬
‫الذين اعتبروا آنذاك مهندسي مستقبل أوروبا‪ ،‬على ما يلي‪:‬‬
‫"إن المعا هدة الم ستقبلية ا لتي تناق شونها لن ت تاح ل ها فر صة المواف قة‬
‫عليها؛ وإذا تمت الموافقة عليها فلن تتاح لها فرصة التنفيذ‪ .‬وحتى إذا نفذت‬
‫ف سوف ت كون غ ير مقبو لة إج مال @ من ق بل بريطان يا‪ ...‬أودع كم ا لن وأتم نى‬
‫لكم حظا سعيدا‪((1".‬‬
‫@‬

‫روي دينمان‪ ،‬الفرص الضائعة )لندن‪ ،‬كاسيل‪.(1996 ،‬‬ ‫)‪(1‬‬

‫‪46‬‬
‫وبعد أكثر من ‪ 50‬سنة تبقى هذه المقولة بصورة رئيسة ممثلة أو معبرة‬
‫عن الموقف البريطاني الساسي إزاء إقامة أوروبا الموحدة على نحو فعلي‪.‬‬
‫وإن ر فض بريطان يا ال شتراك في الت حاد القت صادي والن قدي )المتع لق‬
‫بتوح يد العملت الم ستعملة في عملة وا حدة( وا لذي ي جب أن يطبق اعت بارا‬
‫من كانون ال ثاني ‪ ،1999‬يع كس عدم رغ بة هذه الدو لة في ر بط )تحد يد(‬
‫مصيرها بمصير أوروبا‪ .‬وكان جوهر هذا الموقف قد لخص في بداية أعوام‬
‫التسعينات كما يلي‪:‬‬
‫ـ بريطانيا ترفض هدف التوحيد السياسي ‪.‬‬
‫ـ بريطانيا تحبذ نموذج التكامل القتصادي المعتمد على التجارة الحرة ‪.‬‬
‫ـ بريطانيا تفضل السياسة الخارجية‪ ،‬والمن‪ ،‬وتنسيق الدفاع خارج إطار‬
‫)المجموعة الوروبية( ‪.‬‬
‫ـ بريطان يا عم لت نادرا @ ع لى ج عل نفوذ ها في حده الق صى في م جال‬
‫عمل أو مع المجموعة الوروبية‪.((2‬‬
‫إن بريطانيا العظمى ما تزال‪ ،‬بالتأكيد‪ ،‬مهمة لميركا‪ .‬وهي مستمرة في‬
‫ممارسة در جة ما من الن فوذ العالمي عبر راب طة الشعوب البريطانية )دول‬
‫الكومنولث(‪ ،‬ولكنها ليست قوة )دولة( رئيسة )كبيرة( مضطربة ول تحفزها‬
‫رؤ ية م ستقبلية طمو حة‪ .‬إن صداقتها تح تاج إ لى تقو ية‪ ،‬ول كن سيا ساتها ل‬
‫تدعو إلى إعارة اهتمام دائم‪ .‬فهي لعب جيواستراتيجي متقاعد‪ ،‬وتنام على‬
‫حرير أمجادها الرائعة‪ ،‬وقد فكت اشتباكها عن المغامرات الوروبية الكبرى‬
‫التي تلعب فيها فرنسا وألمانيا أدوارا @ رئيسة ‪.‬‬
‫أما الدول الوروبية المتوسطة الحجم الخرى‪ ،‬ومع كون معظمها أعضاء‬
‫في حلف الناتو و‪/‬أو في التحاد الوروبي‪ ،‬فهي إما أنها تتبع لزعامة أميركا أو‬
‫ت قف ب هدوء خ لف ألمان يا أو فرن سا‪ .‬ول يس لسيا ساتها تأثير إقلي مي وا سع‪،‬‬
‫ولكن ها لي ست في و ضع يمكن ها من تغي ير انحيازات ها السا سية‪ .‬و في هذه‬
‫المرح لة هي لي ست في عداد الل عبين الجيوا ستراتيجيين أو ب ين ا لدول‬
‫المحور ية الجيوبوليت ية‪ .‬وال شيء ذا ته صحيح في يتع لق بالدو لة الوروب ية‬
‫المركز ية المه مة والمحت مل ان ضمامها إ لى كل من ح لف ال ناتو والت حاد‬
‫الوروبي‪ ،‬أي بولونيا‪ .‬فهذه الدولة هي من الضعف بحيث ل يمكنها أن تكون‬

‫)‪ (2‬في م ساهمة روبرت سكيديل سكي في "بريطان يا العظ مى وأورو با الجد يدة"‪ ،‬في‬
‫ف صل " من الطل سي إ لى ا لورال"‪ ،‬الم حرر داف يد كاليو وغيل يب غوردون )أرلينغ تون‪،‬‬
‫فيرجينيا( الصفحة ‪.145‬‬

‫‪47‬‬
‫لعبا @ جيواستراتيجيا@‪ ،‬وليس أمامها سوى خيار واحد هو أن تصبح متكاملة مع‬
‫الغرب‪ .‬وفضل @ عن ذلك فإن اختفاء المبراطورية الروسية القديمة وتعميق‬
‫ارتبا طات بولون يا ل كل من ح لف الطل سي وأورو با الجد يدة يعط يان هذه‬
‫الدو لة أي بولونيا‪ ،‬أمنا @ غ ير م سبوق تاريخيا@‪ ،‬وأن كان ذ لك ي حد من خيارات ها‬
‫الستراتيجية‪.‬‬
‫أن رو سيا‪ ،‬وا لمر ي كاد ل يح تاج إ لى ال حديث ع نه تب قى لع با‬
‫جيوا ستراتيجيا @ رئي سا @ بالرغم م ما أ صابها من ضعف‪ ،‬ورب ما من ا ستمرار‬
‫حالت ها ال سيئة لز من طو يل‪ .‬وإن م جرد وجود ها يؤثر ع لى ن حو مك ثف في‬
‫ا لدول الم ستقلة حديثا @ ضمن الم ساحة أل ورا سية الوا سعة للت حاد‬
‫ال سوفييتي ال سابق‪ .‬ف هي تم لك أ هدافا @ جيوبوليت ية طمو حة تع مل ع لى ن حو‬
‫متزا يد‪ ،‬ع لى ا لعلن عن ها ب صراحة‪ .‬و ما أن ت ستعيد هذه الدو لة قوت ها حتى‬
‫تمارس تأثيرها أيضا@‪ ،‬وعلى حد كبير‪،‬في جيرانها الغربيين والشرقيين‪ .‬وفضل‬
‫عن ذلك‪ ،‬فل تزال روسيا تضع خيارها الجيواستراتيجي في ما يخص علقتها‬
‫مع أمير كا‪ :‬و هل هذه ا لخيرة عدو أو صديق ل ها؟ ورب ما ت شعر رو سيا أي ضا‬
‫أن ها تم لك خ يارات رئي سة في ال قارة الورا سية في هذا الم جال‪ .‬إن ال كثير‬
‫يعتمد على كيفية تطور سياساتها الداخلية‪ ،‬ول سيما عما إذا ما كانت روسيا‬
‫ستصبح دولة ديموقراطية أم إمبراطورية أو راسية مرة ثانية‪ .‬وفي أي حال‪،‬‬
‫ف هي تب قى بو ضوح لع با@‪ ،‬حتى و لو ف قدت ب عض "قطع ها" )ج مع قط عة أو‬
‫ح جر في ال شطرنج(‪ ،‬إ ضافة إ لى ف قدان ب عض الم ساحات الها مة في رق عة‬
‫الشطرنج الوراسية‪.‬‬
‫وعلى نحو مماثل‪ ،‬يكاد المر ل يحتاج إلى نقاش في شأن كون الصين‬
‫لعبا @ رئيسا‪ .‬فهي قد أصبحت فعل @ قوة إقليمية هامة ويحتمل أن تكون لديها‬
‫طمو حات أو سع‪ ،‬في ضوء تاريخ ها ا لذي احت لت ف يه مو قع ال قوة )الدو لة(‬
‫الرئي سة‪ ،‬ونظرت ها إ لى الدو لة ال صينية ال كبرى بو صفها مر كزا @ عالم يا@‪ .‬وإن‬
‫الخيارات ا لتي تضعها الصين بدأت فعل @ تؤثر في التوز يع الجيوبول يتي لل قوة‬
‫في آ سيا بين ما ترت بط قوت ها المحر كة القت صادية بإع طاء قوة ماد ية أ كبر‬
‫وطوحات متزايدة‪ .‬وإن ظهور "الصين الكبرى" لن يترك قضية تايوان نائمة‪،‬‬
‫وبال تالي‪ ،‬فإن ذ لك سوف يؤثر حت ما @ ع لى الو ضع ا لميركي في ال شرق‬
‫الق صى‪ .‬و كذلك‪ ،‬فإن الت حاد ال سوفييتي خ لق ع لى ال حدود الغرب ية لل صين‬
‫سل سلة من ا لدول‪ ،‬ل يم كن لل قادة ال صينيين ان يهم لوا أ خذها في العت بار‪.‬‬
‫وه كذا‪ ،‬فإن رو سيا سوف ت تأثر وإ لى حد كبير بالظهور الف عال لل صين ع لى‬
‫المسرح الدولي‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫إن المح يط ال شرقي لورا سيا يخ لق تناق ضا@‪ .‬فاليا بان هي قوة رئي سة‬
‫ع لى ن حو وا ضح في ال شؤون الدول ية‪ ،‬و كان الت حالف ا لميركي اليا باني قد‬
‫حدد غال با@‪ ،‬وع لى ن حو صحيح‪ ،‬بو صفه أ هم عل قة ثنائ ية ال طرف‪ .‬وب ما أن‬
‫اليا بان هي إ حدى ال قوى القت صادية ا لتي ت قف في ذروة ال عالم ف هي تم لك‬
‫ال قدرة على ممارسة دور قوة سياسية من الفئة ا لولى‪ .‬ومع ذ لك‪ ،‬ف هي ل‬
‫تفعل ذلك‪ ،‬مبتعدة عن أي طموحات في شأن السيطرة القليمية‪ ،‬ومفضلة‬
‫العمل في ظل الحماية الميركية‪ ،‬وعلى غرار بريطانيا العظمى في أوروبا‪،‬‬
‫فإن اليا بان تف ضل أل ت صبح منخر طة في سيا سات ا لبر الرئ يس من قارة‬
‫آسيا‪ ،‬بالرغم من أن السبب الجزئي لذلك يعود غالبا @ للعداوة المستمرة لدى‬
‫كثير من ا لدول ال سيوية إزاء ال سعي اليا باني إ لى تحق يق أي دور سيا سي‬
‫بارز إقليميا‪.‬‬
‫إن هذا المو قف السيا سي اليا باني ال „‬
‫مق يد ذات يا @ ي سمح‪ ،‬بدوره‪ ،‬للول يات‬
‫المت حدة بل عب دور أم ني رئ يس في ال شرق الق صى‪ .‬وه كذا‪ ،‬فإن اليا بان‬
‫لي ست لع با @ جيوا ستراتيجيا@‪ ،‬بالرغم من قدرتها الوا ضحة ع لى أن ت صبح‬
‫ب سرعة في عداد الل عبين الجيوا ستراتيجيين‪ ،‬ول سيما إذا غ يرت ال صين أو‬
‫أميركا فجأة سياستهما الراهنة‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬فإن اليابان سوف تفرض‪ ،‬عندئذ‪،‬‬
‫ع لى الول يات المت حدة التزا مات خا صة ت خص المرا عاة ال حذرة للعل قة‬
‫الميرك ية اليابان ية‪ .‬ولي ست السيا سة الخارج ية اليابان ية هي ا لتي ي جب ع لى‬
‫أميركا أن تراعيها وتراقبها‪ ،‬بل إن القيود الذاتية على اليابان هي التي يجب‬
‫ع لى أمير كا أن ترعا ها بذكاء وم هارة‪ .‬وبال تالي فإن أي إ ضعاف هام‬
‫للرتبا طات السيا سية الميرك ية اليابان ية سوف يؤثر ع لى ن حو مبا شر في‬
‫استقرار المنطقة‪.‬‬
‫أ ما في ما ي خص عدم إد خال إندوني سيا في لئ حة الل عبين‬
‫الجيوا ستراتيجيين ا لديناميين‪ ،‬فا لمر أ كثر سهولة من ح يث تبريره‪ .‬ف في‬
‫جنوب شرق آسيا‪ ،‬تحتل أندونيسيا أهم دور بين سائر الدول‪ ،‬ولكن حتى في‬
‫هذه المنط قة ذات ها‪ ،‬فإن قدرة أندوني سيا ع لى ممار سة ن فوذ هام تع تبر‬
‫م حدودة ب سبب حا لة عدم الت طور الن سبي للقت صاد الندوني سي‪ ،‬و في ضوء‬
‫ما ت عانيه من ال شكوك في السيا سة الداخل ية‪ ،‬وب سبب توزع ال جزر )ج مع‬
‫جزيرة( التي تتشكل الدولة منها ناهيك بحساسيتها إزاء النزاعات التنية التي‬
‫تتفلقم عادة بسبب الدور الرئيسي التي تمارسه القلية الصينية في شؤونها‬
‫المال ية الداخل ية‪ .‬و في نق طة ما‪،‬ت ستطيع أندوني سيا أن ت صبح عق بة ها مة‬
‫للطمو حات التو سعية ال صينية في ات جاه الج نوب‪ .‬و قد ا صبح هذا الحت مال‬
‫معتر فا @ به من ق بل ا ستراليا ا لتي كانت تخ شى في و قت ما التو سع‬

‫‪49‬‬
‫الندونيسي‪ ،‬ولكنها بدأت مؤخرا تحبذ وجود تعاون أمني أسترالي أندونيسي‬
‫أوثق‪ .‬ولكن ثمة حاجة إلى فترة من التضامن السياسي والنجاح القتصادي‬
‫الم ستمر ق بل أن ي صبح ممك نا @ الن ظر إ لى أندوني سيا بو صفها صاحبة دور‬
‫مسيطر إقليميا@‪.‬‬
‫و في المقا بل‪ ،‬فإن اله ند هي ع لى و شك ممار سة دور ال قوة القليم ية‬
‫وبالتالي فهي تنظر إلى نفسها بوصفها لعبا @ عالميا @ رئيسا @ محتمل @ أيضا‪ .‬وربما‬
‫يكون ذلك أمرا @ يتعلق بالمبالغة في تقدير إمكاناتها في المدى البعيد‪ ،‬ولكن‬
‫الهند هي بدون شك الدولة السيوية الجنوبية القوى‪ ،‬وبالتالي فهي تسعى‬
‫إلى الهيمنة القليمية بشكل ما أو بآخر‪ .‬وهي أيضا@‪ ،‬دولة نووية شبه سرية‪،‬‬
‫وقد أ صبحت كذلك‪ ،‬ل لترويع الباكستان فحسب‪ ،‬بل لموازنة امتلك الصين‬
‫تر سانة نوو ية أي ضا‪ .‬تم لك اله ند رؤ ية م ستقبلية جيوا ستراتيجية عن دور ها‬
‫القليمي‪ ،‬سواء في الوقوف وجها @ لوجه أمام جيرانها أم في المحيط الهندي‪.‬‬
‫ومه ما ي كن ا لمر‪ ،‬فإن طموحات ها في هذه المرح لة تقت صر ع لى التط فل‬
‫محيطيا @ فقط على المصالح الوراسية لميركا‪ ،‬وهكذا‪ ،‬فهي ليست بوصفها‬
‫لعبا @ جيواستراتيجيا@‪ ،‬مصدر قلق أو اهتمام جيوبوليتي‪ ،‬أو ليست على القل‬
‫ناشطة في هذا المجال على غرار روسيا أو الصين‪.‬‬
‫وأوكران يا‪ ،‬هي ا لخرى‪ ،‬تح تل مكا نا @ جد يدا @ وها ما @ في رق عة ال شطرنج‬
‫الورا سية‪ ،‬وبال تالي ف هي دو لة محور ية جيوبوليت ية لن وجود ها ذا ته كدو لة‬
‫مستقلة يساعد على تحويل أو تغيير موقف روسيا‪ .‬وهكذا‪ ،‬فإن روسيا‪ ،‬بدون‬
‫أوكرانيا ل تشكل إمبراطورية أوراسية‪ .‬وروسيا‪ ،‬بدون أوكرانيا‪ ،‬ت ستطيع أن‬
‫ت تابع ال سعي إ لى أن ت كون ذات و ضع أو هي بة إمبراطور ية‪ ،‬ويحت مل جدا @ أن‬
‫تجر إ لى نزاعات موهنة مع ا لدول ال سيوية الوسطى الصاعدة ا لتي سوف‬
‫تغ تاظ‪ ،‬ع ندئذ‪ ،‬من ف قدان ا ستقللها ال حديث‪ ،‬و تدعم أي ضا @ من ق بل دول‬
‫إ سلمية شقيقة في الج نوب‪ .‬ويحت مل أي ضا @ أن ال صين سوف ت عارض أي‬
‫استعادة للسيطرة الروسية على آسيا الوسطى في ضوء اهتمامها المتزايد‬
‫بالدول المستقلة حديثا @ في هذه المنطقة‪ .‬ومهما يكن المر‪ ،‬فإذا استعادت‬
‫مو سكو ال سيطرة ع لى أوكران يا‪ ،‬بمليين ها الث ني و الخم سين وموارد ها‬
‫ال كبيرة‪ ،‬ووجود ها ع لى الب حر ال سود‪ ،‬فإن رو سيا ت ستعيد ع ندئذ‪ ،‬وب شكل‬
‫أتو ماتيكي ثروات ها لت صبح دو لة إمبراطور ية قو ية‪ ،‬مم تدة عبر أور با وآ سيا‪.‬‬
‫و كذلك‪ ،‬فإن ف قدان أوكران يا ل ستقللها سوف يترك تأثيرات نوو ية ع لى‬
‫أوروبا الوسطى‪ ،‬محول @ بولونيا إلى دولة محورية جيواستراتيجية على الحدود‬
‫الشرقية لوروبا الموحدة‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫و بالرغم من صغر ح جم )م ساحة( أذربي جان و ضآلة عدد سكانها‪ ،‬فإن ها‬
‫تع تبر‪ ،‬ب ما تمل كه من م صادر طا قة كبيرة‪ ،‬حسا سة جيوبوليت يا‪ .‬ف هي سدادة‬
‫الزجاجة الحاوية على ثروات حوض بحر قزوين وآسيا الوسطى والتي يمكن‬
‫أن ت صبح ل قي مة ل ها إذا أ صبحت أذربي جان خا ضعة كل يا @ ل سيطرة مو سكو‪.‬‬
‫يم كن أي ضا @ أن ي تم إخ ضاع ال موارد النفط ية الها مة جدا @ في أذربي جان‬
‫لل سيطرة الرو سية بم جرد ف قدان هذه الدو لة ل ستقللها‪ .‬وإن أذربي جان‬
‫الم ستقلة والمرتب طة بال سواق الغرب ية بأ نابيب ن قل الن فط ا لتي ل ت مر عبر‬
‫أرض ي سطر علي ها ا لروس‪ ،‬ت صبح أي ضا @ صلة و صل رئي سة ب ين القت صادات‬
‫المتقد مة والم ستهلكة للطا قة من ناح ية وب ين الجمهور يات ال سيوية‬
‫الوسطى الغنية بالطاقة من ناحية ثانية‪ .‬وعلى غرار ما هو عليه الحال تقريبا‬
‫في أوكرانيا‪ ،‬فإن مستقبل أذربيجان وآسيا الوسطى هو أيضا حرج في ضوء‬
‫تحديد ما يمكن وما ل يمكن ان تصبح عليه روسيا‪.‬‬
‫تن خرط ترك يا وإ يران في إقا مة در جة ما من الن فوذ في منط قة ب حر‬
‫قزو ين وآ سيا الو سطى‪ ،‬م ستغلين ترا جع او انك ماش ال قوة الرو سية‪ .‬ول هذا‬
‫السبب‪،‬يمكن اعتبارهما لعبين جيواستراتيجيين‪ .‬ومهما يكن المر‪ ،‬فإن كل‬
‫هاتين الدولتين تواجهان مشكلت داخلية جدية‪ ،‬كما أن قدرتهما على التأثير‬
‫في التغ يرات القليم ية الرئي سة ا لتي ت حدث في توزع ال قوة هي م حدودة‪.‬‬
‫وه ما أي ضا @ متناف ستان‪ ،‬وبال تالي تم يل كل منه ما إ لى إل غاء ن فوذ ا لخرى‪.‬‬
‫وعلى سبيل المثال ففي أذربيجان التي حققت فيها تركيا دورا @ مؤثرا @ نجد أن‬
‫الو ضع ا ليراني )ال ناجم عن الق لق إزاء التحر كات القوم ية الذر ية الممك نة‬
‫ضمن إيران نفسها( كان أكثر مساعدة للروس ‪.‬‬
‫ومه ما ي كن ا لمر‪ ،‬فإن كل دو لتي ترك يا وإ يران ه ما دول تان محوري تان‬
‫جيواستراتيجيتان مهمتان بصورة رئيسية‪ .‬فتركيا تؤمن الستقرار في منطقة‬
‫الب حر ال سود وت سيطر ع لى مداخله من ات جاه الب حر ا لبيض المتو سط‬
‫و توازن رو سيا في القو قاز وت ستمر حتى ا لن في ت قديم التر ياق لل صولية‬
‫ال سلمية‪ ،‬وت خدم بو صفها مر سي جنوب يا @ لح لف الطل سي‪ .‬أ ما ترك يا غ ير‬
‫الم ستقرة ف من المحت مل أن تثير المز يد من الع نف في دول البل قان‪،‬‬
‫الجنوب ية ك ما ت سهل إ عادة فرض ال سيطرة الرو سية ع لى ا لدول الم ستقلة‬
‫حديثا @ في القو قاز‪ .‬و كذلك‪ ،‬فإن إ يران‪ ،‬و بالرغم من غ موض موقف ها إزاء‬
‫أذربي جان‪ ،‬تؤمن ع لى ن حو مما ثل ا لدعم الم سبب لل ستقرار في الن سيج‬
‫السيا سي المت نوع الجد يد ل سيا الو سطى‪ .‬و هي ت سيطر ع لى ال ساحل‬
‫الشرقي للخليج ]العربي[‪ ،‬بينما يعمل استقللها‪ ،‬وبالرغم من العداء اليراني‬

‫‪51‬‬
‫الرا هن للول يات المت حدة‪ ،‬ك حاجز لي تهد يد رو سي في ال مدى البع يد‬
‫للمصالح الميركية في منطقة الخليج ]العربي[‪.‬‬
‫وأخ يرا@‪ ،‬فإن كور يا الجنوب ية هي دو لة محور ية جيوبوليت ية في ال شرق‬
‫الق صى‪ .‬فارتباطات ها الوثي قة بالول يات المت حدة تم كن أمير كا من حما ية‬
‫اليابان وبالتالي منع هذه الدولة من أن تصبح قوة عسكرية رئيسة ومستقلة‪،‬‬
‫دون أن يكون لها‪ ،‬أي لميركا‪ ،‬وجود مؤثر ضمن اليابان ذاتها‪ .‬وإن أي تغيير‬
‫هام في موقف كوريا الجنوبية‪ ،‬سواء عبر التوحيد و‪/‬أو عبر تغيير في مجال‬
‫النفوذ الصيني المتوسع‪ ،‬سوف يغي„ر بالضرورة‪ ،‬وعلى نحو درامي )حاد( دور‬
‫أمير كا في ال شرق الق صى‪ ،‬وبال تالي يغ ير دور اليا بان أي ضا‪ .‬وبال ضافة إ لى‬
‫ذ لك‪ ،‬فإن ال قوة القت صادية المتنام ية لكور يا الجنوب ية تج عل من ها "منط قة"‬
‫أ هم ب حد ذات ها‪ ،‬وبال تالي ت صبح ال سيطرة ع لى هذه المنط قة ذات قي مة‬
‫متزايدة فعل‪.‬‬
‫إن اللئ حة ال مذكورة أعله عن الل عبين الجيوا ستراتيجيين وا لدول‬
‫المحورية الجيوبوليتية ليست دائمة ول ثابتة‪ .‬ول بد أحيانا @ من إضافة أو إلغاء‬
‫ب عض ا لدول‪ .‬وبالتأك يد‪ ،‬فب عض ال نواحي‪ ،‬ن جد أن تل يوان أو تايل ند أو‬
‫الباكستان‪ ،‬أو ربما كازاخستان أو أوزبكستان يجب أيضا @ أن تضاف إلى الفئة‬
‫ا لخيرة‪ .‬فالتغيرات في مو قف أي من ها سوف تم ثل أ حداثا ها مة وتن طوي‬
‫على تغييرات في توزيع القوة‪ ،‬ولكن يشك في أن النتائج المحفزة ستكون‬
‫بع يدة الم نال‪ .‬ول عل ال ستثناء الوح يد يك من في ق ضية تايوان إذا اختر نا أن‬
‫نن ظر إلي ها بم عزل عن ال صين‪ .‬و حتى في هذه ال حال‪ ،‬فإن هذه الق ضية لن‬
‫تثار إل إذا استخدمت الصين قوة رئي سة لل ستيلء على هذه الجز يرة‪ ،‬و في‬
‫تحد ناجح للوليات المتحدة مهددة بذلك عموما @ المصداقية السياسية لميركا‬
‫في الشرق القصى‪ .‬وأن احتمال هذا السيناريو للحداث يبدو ضعيفا@‪ ،‬ولكن‬
‫هذا العت بار ي جب أن يب قى في ا لذهن لدى صياغة السيا سة الميرك ية إزاء‬
‫الصين ‪.‬‬
‫الخيارات الحرجة والتحديات المحتملة‬
‫إن تحد يد الل عبين الرئي سيين وا لدول المحور ية الرئي سة ي ساعد في‬
‫تحد يد الز مات ا لتي تواجه ها السيا سة العل يا لمير كا‪ ،‬و في تو قع الت حديات‬
‫الرئي سة في ال قارة الورا سية ال كبرى‪ .‬ويم كن تلخ يص هذه الت حديات‪ ،‬ق بل‬
‫النت قال إ لى مناق شتها ال شاملة في الف صول اللح قة‪ ،‬في خ مس ق ضايا‬
‫واسعة هي كما يلي‪:‬‬

‫‪52‬‬
‫‪ 1‬ـ ما هي أورو با ا لتي ي جب أن تف ضلها أمير كا وبال تالي تع مل ع لى‬
‫إيجادها؟‬
‫‪ 2‬ـ ما هي رو سيا ا لتي ت خدم م صلحة أمير كا‪ ،‬و ماذا تف عل أمير كا‪ ،‬و كم‬
‫تستطيع أن تفعل‪ ،‬في هذا المجال؟‬
‫‪ 3‬ـ ما هي احت مالت ظ هور "البلق نة "الجد يدة في أورا سيا الو سطى‪،‬‬
‫و ماذا ي جب ع لى أمير كا أن تف عل ل كي ت ح „ د‪ ،‬إ لى أد نى حد‪ ،‬من الم خاطر‬
‫الناجمة عن ذلك ؟‬
‫‪ 4‬ـ ما هو الدور الذي يجب أن تشجع الصين على القيام به في الشرق‬
‫الق صى‪ ،‬و ما هي انعكا سات ذ لك ل ع لى الول يات المت حدة فح سب‪ ،‬بل‬
‫وعلى اليابان أيضا @ ؟‬
‫‪ 5‬ـ ما هي التحالفات الوراسية الجديدة المحتملة‪ ،‬والتي يمكن أن تكون‬
‫الكثر خطرا @ على المصالح الميركية وماذا يجب أن نفعل لكي نستبعدها ؟‬
‫كانت الول يات المت حدة قد أعل نت دائ ما عن إخل صها لق ضية أورو با‬
‫المو حدة‪ .‬فم نذ أ يام إدرارة كن يدي‪ ،‬كان الت جاه ال سائد يدعو إ لى "ال شراكة‬
‫المتساوية "أو "المتوازية "‪ .‬وقد أعلنت واشنطن الرسمية دائما @ عن رغبتها‬
‫حد ذي قوة كافية للسهام مع أميركا‬ ‫في رؤية أوروبا المندمجة في كيان مو „‬
‫في حمل مسؤوليات وأعباء الزعامة العالمية ‪.‬‬
‫كان ذ لك هو الخ طاب المع لن عن المو ضوع ول كن في الوا قع كانت‬
‫الول يات المت حدة أ قل و ضوحا @ وأ قل إ صرارا @ في هذا ال سياق‪ .‬ف هل تر يد‬
‫وا شنطن فعل @ أن ترى في أورو با ذ لك ال شريك الم عادل ل ها ب شكل حقي قي‬
‫في الشؤون العالمية‪ ،‬أو أنها تفضل تحالفا @ غير متعادل؟ وعلى سبيل المثال‪،‬‬
‫ف هل الول يات المت حدة م ستعدة لم شاطرة أورو با في الزعا مة في ال شرق‬
‫الو سط‪ ،‬ا لذي هو منط قة لي ست أ قرب جغراف يا إ لى أورو با من أمير كا‬
‫فح سب‪ ،‬بل هو أي ضا @ ذ لك الم كان ا لذي تو جد ف يه م صالح قائ مة م نذ ز من‬
‫طو يل ل عدة دول أوروب ية؟ وإن ق ضية إ سرائيل تق فز فورا @ إ لى ا لذهن‬
‫هنا‪.‬وكذلك‪ ،‬فإن الخلفات الميركية الوروبية في شأن إيران والعراق كانت‬
‫قد عوملت من ق بل الول يات المت حدة بو صفها ق ضية م ثارة ب ين أ طراف‬
‫متعادلة بل كمسألة تتسم بوجود أطراف يحتل بعضها منزلة أدنى من البعض‬
‫الخر ‪.‬‬
‫والغ موض في شأن در جة ا لدعم ا لميركي للو حدة الوروب ية يم تد أي ضا‬
‫إ لى الق ضية المتعل قة بكيف ية تعر يف هذه الو حدة‪ ،‬ول سيما ب ما ي خص أي‬

‫‪53‬‬
‫دولة‪ ،‬إذا وجدت‪ ،‬سوف تقود أوروبا الموحدة‪ .‬وقد شجعت واشنطن موقف‬
‫ل ندن ال سلبي إزاء توح يد أورو با بالرغم من أن ها‪ ،‬أي وا شنطن‪ ،‬أظ هرت‬
‫تف ضيل @ وا ضحا @ للزعا مة اللمان ية‪ ،‬ول يس الفرن سية‪ ،‬في أورو با‪ .‬و كان ذ لك‬
‫مفهوما في ضوء الندفاع التقليدي للسياسة الفرنسية‪ ،‬ولكن كان للتفضيل‬
‫تأثير في عدم ت شجيع الظ هور في ا لوقت المنا سب لو فاق ت كتيكي فرن سي‬
‫بري طاني ي هدف إ لى مقاو مة ألمان يا‪ ،‬و في عدم الت شجيع أي ضا @ لل غزل‬
‫الفرنسي مع موسكو بغية مواجهة التحالف الميركي اللماني ‪.‬‬
‫إن ظ هور أو ولدة أورو با مو حدة فعل@‪ ،‬ول سيما إذا حدث ذ لك بدعم‬
‫أميركي ب‪ƒ‬ناء سوف يتطلب تغييرات هامة في بنية وأعمال حلف الطلسي‪،‬‬
‫وفي الرابطة الرئيسة بين أميركا وأوروبا‪ .‬فالناتو ل يقدم آلية العمل الرئيسة‬
‫لممار سة الن فوذ ا لميركي المتع لق بال شؤون الوروب ية فح سب‪ ،‬بل ي قدم‬
‫أيضا @ الساس للوجود العسكري الميركي الحرج على الصعيد السياسي في‬
‫أورو با الغرب ية‪ .‬ومه ما ي كن ا لمر‪ ،‬فإن الو حدة الوروب ية سوف تتط لب ت لك‬
‫البنية ا لتي تتك „يف مع الح قائق الجد يدة لحلف يعت مد على طرفين مت عادلين‬
‫بدر جة أ كبر أو أ قل‪ ،‬عو ضا @ عن ذ لك الح لف ا لذي ي ضم‪ ،‬إذا ا ستعملنا ت عابير‬
‫تقليدية في هذا المجال‪ ،‬دولة مهيمنة ودول @ أخرى تابعة‪ .‬كانت هذه القضية‬
‫قد أغف لت إ لى حد كبير حتى ا لن‪ ،‬بالرغم من الخ طوات المتوا ضعة ا لتي‬
‫ات خذت في ال عام ‪ 1996‬لتح سين دور الت حاد ا لوروبي الغر بي ضمن ال ناتو‪،‬‬
‫ودور الت حالف الع سكري ب ين ا لدول الوروب ية الغرب ية عمو ما‪ .‬وه كذا‪ ،‬فإن‬
‫الختيار الحقيقي لوروبا موحدة سوف يستوجب إعادة تنظيم بعيدة المدى‬
‫للناتو‪ ،‬مما سيضعف حتما @ السيادة الميركية ضمن الحلف‪.‬‬
‫وباخت صار‪ ،‬فإن الجيوا ستراتيجية الميرك ية البع يدة ال مد لورو با سوف‬
‫ت خاطب ع لى ن حو وا ضح ق ضايا الو حدة الوروب ية وال شراكة الحقيق ية مع‬
‫أورو با‪ .‬فا لميركي ا لذي ير غب فعل @ في أورو با المو حدة وبال تالي ا لكثر‬
‫ا ستقللية سوف يترتب عل يه أن ير مي بثق له خ لف ت لك ال قوات الوروب ية‬
‫الملتز مة فعل @ بالتكا مل السيا سي والقت صادي لورو با‪ .‬وإن م ثل هذه‬
‫ال ستراتيجية سوف تع ني أي ضا @ التخ لص من آ خر بقا يا أو أ ثار ت لك العل قة‬
‫الميركية البريطانية الخاصة التي كانت مقدسة ومبجلة في يوم ما‪.‬‬
‫و كذلك سوف يترتب ع لى السيا سة المتعل قة بأورو با المو حدة أن‬
‫ت خاطب‪ ،‬وإن بال شتراك مع ا لوروبيين‪ ،‬الق ضية العال ية الحسا سية المتعل قة‬
‫بالبعاد الجغرافية لوروبا‪ .‬فكم يجب أن يمتد التحاد الوروبي نحو الشرق؟‬
‫وهل يجب أن تكون الحدود الشرقية للتحاد الوروبي متماثلة أو متطابقة مع‬
‫خط الجب هة ال شرقية لل ناتو؟ فالق سم ا لول هو م سألة ت خص بدر جة أ كبر‬

‫‪54‬‬
‫القرار الوروبي‪ ،‬ولكن أي قرار أوروبي في شأن هذه القضية سوف تكون‬
‫له تأثيرات مبا شرة في قرار ال ناتو‪ .‬أ ما الق سم ال ثاني‪ ،‬عمو ما@‪ ،‬ف هو ي خص‬
‫الوليات المتحدة‪ ،‬كما أن الصوت الميركي في الناتو سيبقى حاسما‪ .‬وفي‬
‫ضوء الج ماع المتزا يد في مايخص الرغ بة في إد خال دول أورو با الو سطى‬
‫إلى كل من التحاد الوروبي والناتو‪ ،‬فإن المعنى العملي لهذه المسألة يركز‬
‫الهت مام على المو قف الم ستقبلي لجمهوريات البلطيق ورب ما أيضا لمو قف‬
‫أوكرانيا ‪.‬‬
‫وهكذا يو جد تشابك بين الزمة الوروبية ا لتي نوق شت أعله من ناحية‪،‬‬
‫وب ين الز مة ا لخرى المتعل قة برو سيا‪ .‬و من ال سهل أن نرد ع لى ال سؤال‬
‫المتع لق بم ستقبل رو سيا با لعلن عن تف ضيل دو لة رو سية ديموقراط ية‪،‬‬
‫ومرتب طة ع لى ن حو وث يق بأورو با‪ .‬وه كذا ي فترص أن ت كون رو سيا‬
‫الديمقراط ية أ كثر تعاط فا @ مع الق يم ا لتي تأ خذ ب ها أمير كا وأورو با‪ ،‬وبال تالي‪،‬‬
‫يكبر احتمال أن تصبح روسيا شريكا @ صغيرا @ في تشكيل أوراسيا التي تكون‬
‫أ كثر ا ستقرارا @ ورغ بة في الت عاون‪ .‬ول كن طمو حات رو سيا يم كن أن تذهب‬
‫إ لى أب عد من ح صولها ع لى ال عتراف وال حترام بو صفها دو لة ديمقراط ية‪.‬‬
‫ف في مؤس سة السيا سة الخارج ية الرو سية )المؤل فة في معظم ها من‬
‫م سؤولين سوفييت سابقين(‪ ،‬ل تزال تن مو رغ بة عمي قة ال جذوز في دور‬
‫أورا سي خاص‪ ،‬و هي الرغ بة ا لتي تؤدي ل ح قا @ إ لى سيطرة مو سكو ع لى‬
‫دول التحاد السوفييتي السابق التي استقلت حديثا‪.‬‬
‫و في هذا ال سياق‪ ،‬ف حتى السيا سة الغرب ية الود ية ين ظر إلي ها من ق بل‬
‫ب عض الع ضاء ال مؤثرين في هيئة صنع ال قرار الرو سية ع لى أن ها م عدة‬
‫لحرمان روسيا من المطالبة المحقة بموقف أو دور عالمي‪ .‬وعن ذلك يقول‬
‫اثنان من الجيوبوليتيين الروس‪:‬‬
‫"إن الول يات المت حدة ودول ح لف ال ناتو تع مل‪ ،‬في ا لوقت ا لذي ت ستبعد‬
‫فيه مسألة احترام الذات في روسيا إلى أقصى حد ممكن‪ ،‬وعلى نحو ثابت‬
‫ومتما سك‪ ،‬ع لى تدمير ال سس الجيوبوليت ية ا لتي ت ستطيع‪ ،‬إن نظر يا @ ع لى‬
‫القل‪ ،‬أن تسمح لروسيا بأن تأمل تحقيق موقف القوة الثانية في السياسة‬
‫العالمية‪ ،‬والذي كان يتمتع به التحاد السوفييتي"‪.‬‬
‫وفضل @ عن ذلك‪ ،‬ينظر إلى أميركا على أنها تتبع سياسة تتم فيها إقامة‪:‬‬
‫"التنظ يم الجد يد للمنط قة الوروب ية ا لذي ي تم ت صميمه من ق بل ال غرب‪،‬‬
‫والذي يبني‪ ،‬من حيث الجوهر‪ ،‬على فكرة الدعم‪ ،‬في هذا الجزء من العالم‪،‬‬

‫‪55‬‬
‫لدول قوم ية ضعيفة و صغيرة ن سبيا @ وجد يدة‪ ،‬من خلل جعل ها ت قترب بدر جة‬
‫أكبر أو أقل من الناتو والتحاد الوروبي‪ ،‬لتقوية علقاتها بهذه التنظيمات"‪.((1‬‬
‫إن هاتين الفقرتين تحددان جيدا@‪ ،‬وإن مع شيء من العداء‪ ،‬الزمة التي‬
‫تواجه ها الول يات المت حدة‪ .‬فإلى أي حد ي جب أن ت تم م ساعدة رو سيا‬
‫اقتصاديا@‪ ،‬المر الذي يقويها حتما @ سياسيا @ وعسكريا@‪ ،‬وإلى أي حد أيضا @ يجب‬
‫أن ت تم الم ساعدة في ا لوقت ذا ته ل لدول الم ستقلة حديثا @ في ا لدفاع عن‬
‫استقللها وتدعيمه؛ وهل تستطيع روسيا أن تكون قوية وديمقراطية في آن‬
‫وا حد؟ وإذا أ صبحت هذه الدو لة أي رو سيا قو ية ثان ية‪ ،‬أ لن ت سعى إ لى‬
‫ا سترجاع سيطرتها المبريال ية المف قودة‪ ،‬و هل ت ستطيع ع ندئذ‪ ،‬أن ت كون‬
‫إمبراطورية وديمقراطية معا@؟‬
‫إن السيا سة الميرك ية إزاء الم حاور الجيوبوليت ية الحيو ية لوكران يا‬
‫وأذربي جان ل يمكن ها أن تغ فل هذه الق ضية وه كذا تواجه أمير كا أز مة صعبة‬
‫في ما ي خص ال توازن الت كتيكي وال هدف ال ستراتيجي‪ .‬وإن ا ستعادة العاف ية‬
‫الداخل ية لرو سيا هي أ مر ضروري لجعل ها ديمقراط ية المن حى‪ ،‬ول ضفاء‬
‫ال طابع ا لوروبي الفع لي علي ها‪ .‬ول كن أي ا ستعادة ل قدرتها المبريال ية سوف‬
‫ت كون غ ير ملئ مة لكل هذين ال هدفين‪ .‬وف ضل @ عن ذ لك‪ ،‬فع لى هذه الق ضية‬
‫ذات ها يم كن أن تن شأ الخل فات ب ين أمير كا وب عض ا لدول الوروب ية‪ ،‬وخا صة‬
‫ع ندما يتو سع ال ناتو والت حاد ا لوروبي‪ .‬ف هل ي جب أن تع تبر رو سيا مر شحة‬
‫للعضوية المحتملة في أي من هذين التنظيمين؟ وماذا عن أو كرانيا في هذه‬
‫الحال؟ إن ثمن استبعاد روسيا يمكن أن يكون عاليا@‪ ،‬ولكن نتائج إضعاف أي‬
‫من التحاد الوروبي والناتو يمكن أن يكون مدعاة لعدم الستقرار ‪.‬‬
‫ث مة حا لة مهمة أ خرى من عدم اليقين تخيم على المنطقة الكبيرة من‬
‫ناحية والمائعة جيوبوليتيا @ من ناحية ثانية في أوراسيا الوسطى‪ ،‬وتزداد حدة‬
‫ب سبب عدم المنا عة المحتم لة للم حورين ا لتركي وا ليراني‪ .‬ف في المنط قة‬
‫المم تدة من ال قرم في الب حر ال سود وع لى ن حو مبا شر إ لى ال شرق ع لى‬
‫ام تداد ال حدود الجنوب ية الجد يدة لرو سيا‪ ،‬مرورا @ بمقاط عة "ك ين ج يانغ"‬
‫الصينية‪ .‬ثم نحو اشمال إلى شرق البحر المتوسط‪ ،‬ورجوعا @ إلى القرم ذاته‪،‬‬
‫يعيش نحو ‪ 400‬مليون إنسان في ‪ 25‬دولة‪ ،‬علما @ أن أغلبهم تقريبا @ ينتمون إلى‬
‫اتنية وديانة واحدة‪ ،‬بينما ل تنعم أي دولة من كل هذه الدول‪ ،‬وبشكل عملي‪،‬‬

‫)‪ (1‬أ‪ .‬بو غاتوروف وف‪ .‬كريمي نوك )كله ما يعملن مدر سين كبيرين في مع هد الول يات‬
‫المت حدة وك ندا( في "العل قات الراه نة وال فاق الم ستقبلية للتفا عل المت بادل ب ين رو سيا‬
‫والوليات المتحدة"‪،‬مجلة "المجلة المستقلة "‪ 28‬حزيران‪.1996 ،‬‬

‫‪56‬‬
‫بال ستقرار السيا سي‪ .‬إن ب عض هذه ا لدول هو ع لى و شك امتلك ال سلحة‬
‫النووية‪.‬‬
‫إن هذه المنط قة ال كبيرة جدا @ وا لتي تمزق ها الكراه ية وتح يط ب ها دول‬
‫مجاورة قوية منافسة يحتمل أن تصبح ميدان قتال رئيسيا @ إما للحروب بين‬
‫ا لدول ا لمم أو‪ ،‬وباحت مال أ كبر‪ ،‬لممار سة أع مال الع نف ا لثني وا لديني‬
‫الطو يل ال مد‪ .‬وإن ت صرف اله ند بو صفها ق يدا @ او عن صرا @ م ستغل @ لب عض‬
‫ال فرص بغ ية فرض إرادت ها ع لى الباك ستان‪ ،‬سوف يؤثر إ لى حد كبير في‬
‫الب عد ا لقليمي لل صراعات المحتم لة‪ .‬ا ما م صادر ال توتر والج هاد الداخل ية‬
‫ضمن إيران وتركيا فل يحتمل أن تزداد سوءا @ فحسب بل ستعمل أيضا @ إلى‬
‫حد كبير ع لى إ ضعاف ا لدور ال مؤدي إ لى ال ستقرار ا لذي تلع به ها تان‬
‫ا لدولتان في هذه المنط قة البركان ية‪ .‬و سوف تج عل هذه الت طورات بدورها‬
‫عمل ية ا ستيعاب ا لدول الجد يدة في آ سيا الو سطى أ كثر صعوبة للمجت مع‬
‫ا لدولي بين ما تؤثر أي ضا @ وع لى ن حو سبلي في أ من منط قة الخل يج ]العر بي[‬
‫الذي" أي المن"تسيطر عليه أميركا‪ .‬وفي أي حال فمن الممكن أن تواجه‬
‫أمير كا والمجت مع ا لدولي م عا @ في هذه المنط قة ت حديا @ سوف ي فاقم الز مة‬
‫التي حدثت مؤخرا @ في يوغسلفيا السابقة‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ المنط قة العالم ية ا لتي ين شط في ها الع نف ‪ 2‬ـ م ناطق ال ضطراب‬
‫والنزاع والعنف ‪ 3‬ـ المحيط الهندي ‪ 4‬ـ السودان ‪ 5‬ـ مصر ‪ 6‬ـ المملكة العربية‬
‫ال سعودية ‪ 7‬ـ إ يران ‪ 8‬ـ الباك ستان ‪ 9‬ـ اله ند ‪ 10‬ـ ال صين ‪ 11‬ـ أفغان ستان ‪ 12‬ـ‬
‫ال عراق ‪ 13‬ـ سورية ‪ 14‬ـ ترك يا ‪ 15‬ـ الب حر ال سود ‪ 16‬ـ ب حر قزو ين ‪ 17‬ـ‬
‫توركمن ستان ‪ 18‬ـ أوزباك ستان ‪ 19‬ـ طاجاك ستان ‪ 20‬ـ كورغ ستان ‪ 21‬ـ‬
‫كازاخستان ‪22‬ـ روسيا‪.‬‬
‫أن الت حدي المم كن لل سيادة الميرك ية ا لذي ت شكله ال صولية ال سلمية‬
‫يمكن أن يكون جزءا @ من المشكلة في هذه المنطقة غير المستقرة‪ .‬وهكذا‬
‫تستطيع الصولية السلمية باستغللها العداء الديني لطريقة الحياة الميركية‬
‫وال ستفادة من ال نزاع العر بي ال “ سرائيلي أن ت سقط عدة حكو مات شرق‬
‫أو سطية مؤ يدة لل غرب وت شكل خ طرا @ في نها ية الم طاف ع لى الم صالح‬
‫القليمية الميركية ول سيما في منطقة الخليج ]العربي[‪ .‬ومهما يكن المر‬
‫ف ما لم ي توفر تما سك سيا سي‪ ،‬و مع عدم و جود دو لة إ سلمية وا حدة قو ية‬
‫فعل@‪ ،‬فإن الت حدي ا لذي ت شكله ال صولية ال سلمية سوف يفت قر إ لى لب أو‬
‫ق لب جيوبول يتي وبال تالي سوف يز يد إحت مال ت عبيره عن ذا ته عبر ن شر‬
‫الرهاب ‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫نج مت الق ضية الجيوا ستراتيجية ذات الهم ية الحر جة من ظ هور ال صين‬
‫كقوة رئيسية‪ ،‬فالنتيجة الكثر إثارة سوف تأتي من إختيار الصين‪ ،‬بعد تحولها‬
‫إ لى النظام ا لديمقراطي وال سوق الحرة ‪ ،‬ا لدخول إ لى إطار ت عاون إقلي مي‬
‫آ سيوي أ كبر‪ .‬ول كن لن فترض أن ال صين لم تت حول إ لى دو لة ديمقراط ية‬
‫وا ستمرت في المقا بل في الن مو في ال قوة القت صادية والع سكرية يم كن‬
‫عندئذ أن تظهر )الصين العظمى( مهما كانت رغبات وحسابات جيرانها‪ .‬وإن‬
‫أي ج هد ي هدف إ لى م نع حدوث ذ لك ي ستطيع أن يؤدي إ لى نزاع حاد مع‬
‫ال صين وإن م ثل هذا ال نزاع يمك نه أن يخ لق ال توتر في العل قات الميرك ية‬
‫اليابانية لن أحدا @ ل يمكنه التأكيد أن اليابان سوف تريد أن تسير على خطا‬
‫أمير كا في اح تواء ال صين وبال تالي يم كن لذلك أن يترك تأثيرات ثور ية غالبا‬
‫ع لى تحد يد طوك يو لدور اليا بان ا لقليمي ورب ما يؤدي ذ لك أي ضا @ إ لى إن هاء‬
‫الو جود ا لميركي في ال شرق الق صى‪ .‬ومه ما ي كن ا لمر فإن للتك يف مع‬
‫الصين واستيعابها ثمنا @ أيضا@‪ ،‬فقبول الصين بوصفها قوة إقليمية ليس مسألة‬
‫تتع لق بم جرد ت طبيق شعار ما ول بد أن ي كون ث مة خلف ية لم ثل هذا ا لبروز‬
‫القليمي ‪ .‬ولكي نعبر عن هذا الموضوع بشكل مباشر يجب أن نعرف مدى‬
‫ما تقبل به أميركا من تنامي نفوذ الصين وأين يتم هذا التنامي‪ ،‬وذلك كجزء‬
‫من سيا سة إد خال ال صين ع لى ن حو نا جح إ لى ال شؤون العالم ية‪ .‬وال سؤال‬
‫ا لخر ه نا هو ما هي الم ناطق المو جودة خارج ن صف ق طر الهتما مات‬
‫السيا سية لل صين ا لن وا لتي يم كن أن تن ضم أو ت سلم إ لى المبراطور ية‬
‫الصينية التي تبرز إلى الوجود ثانية ؟‬
‫و في هذا ال سياق فإن إب قاء الو جود ا لميركي في كور يا الجنوب ية ي صبح‬
‫مه ما ب شكل خاص‪ ،‬ف بدونه ي صعب أن نت صور ا ستمرار الترتي بات الدفاع ية‬
‫الميركية اليابانية في شكلها الحالي لن اليابان سوف تضطر لن تصبح ذات‬
‫اكت فاء ذا تي أ كبر من الناح ية الع سكرية‪ .‬ول كن أي ت حرك ن حو إ عادة توح يد‬
‫الكور يتين يحت مل أن ي شوش ع لى خلف ية الو جود الع سكري ا لميركي‬
‫الم ستمر في كور يا الجنوبية‪ .‬ويمكن لكور يا الم عادة توحيدها أن تختار عدم‬
‫ا ستمرار الحما ية الع سكرية الميرك ية و هذا يم كن أن ي كون بالف عل الث من‬
‫ال غالي ا لذي تتحم له ال صين من خلل ر مي ثقل ها الحا سم وراء إ عادة توح يد‬
‫شبه الجز يرة الكور ية وباخت صار فإن إدارة أو ممار سة الول يات المت حدة‬
‫لعلقت ها مع ال صين سوف ت كون ل ها حت ما @ تأثيرات أو ن تائج مبا شرة ع لى‬
‫استقرار العلقات المنية المثلثية الميركية اليابانية الكورية‪.‬‬
‫وأخ يرا @ ي جب أن نل حظ باخت صار ب عض حالت ال طوارئ المت ضمنة‬
‫للنحيازات السياسية المستقبلية وهو ما سوف يناقش بالتفصيل في فصول‬

‫‪58‬‬
‫متعل قة به‪ .‬ف في الما ضي كانت ال شؤون الدول ية تح كم إ لى حد كبير‬
‫بالنزاعات بين دول منفردة على السيطرة القليمية وبالتالي‪ ،‬فإنه يمكن أن‬
‫تضطر الوليات المتحدة لن تقرر كيف تتكيف مع التحالفات القليمية التي‬
‫تسعى إلى إخراج أميركا من أوراسيا مما يهدد موقف أو هيبة أميركا بوصفها‬
‫قوة عالم ية‪ .‬ومه ما ي كن ا لمر فإن ق يام أو عدم ق يام م ثل هذه التحال فات‬
‫بت حدي ال سيادة الميركية سوف يعت مد في الوا قع وإ لى حد بعيد على مدى‬
‫فعالية استجابة أو رد الوليات المتحدة على الزمات الكبرى المحددة هنا‪.‬‬
‫من المحتمل أن يكون أخطر السيناريوهات هو الذي يتمثل في التحالف‬
‫ب ين ال صين و رو سيا ورب ما إ يران أي ضا في كون تحال فا )م ضادا @ للهيم نة( ل‬
‫تجم عه اليديولوج ية وإن ما تجم عه التظل مات أو حالت ال ضيم ا لتي يك مل‬
‫بعضها البعض الخر‪ .‬وسوف يذكر ذلك من حيث أبعاده بالتحدي الذي شكلته‬
‫في يوم ما الكت لة ال صينية ال سوفييتية بالرغم من أن ال صين ستكون ال قائد‬
‫في هذه ال مرة بين ما ت كون رو سيا ال طرف ال تابع‪ .‬ول ستبعاد هذا الحت مال‬
‫مه ما كان بع يدا @ عن ال حدوث يقت ضي أن تظ هر الول يات المت حدة م هارة‬
‫جيوا ستراتيجية ع لى ال حدود المحيط ية الغرب ية وال شرقية الجنوب ية لورا سيا‬
‫في آن ‪.‬‬
‫أما التحدي المحدود لدرجة أ كبر على الصعيد الجغرافي‪ ،‬وإن كان أكثر‬
‫أهم ية غال با@‪ ،‬ف هو ا لذي يم كن أن ي ضم الم حور ال صيني اليا باني غداة انه يار‬
‫الو ضع ا لميركي في ال شرق الق صى‪ ،‬و لدى حدوث تغ ير ثوري في الن ظرة‬
‫العالم ية لليا بان ف هو سيجمع قوة شعبين منتج ين ع لى ن حو ا ستثنائي‪،‬‬
‫ويستطيع أن يستغل شكل @ ما من )النز عة السيوية( بوصفها عقيدة مو حدة‬
‫ضد الميركيين‪ .‬ومهما يكن المر فل يبدوا محتمل @ في المستقبل المنظور أن‬
‫الصين واليابان سوف تشكلن تحالفا @ إذا أخذنا في العتبار الخبرة التاريخية‬
‫الحدي ثة‪ ،‬وبال تالي ي جب ع لى السيا سة الميرك ية البع يدة الن ظر في ال شرق‬
‫الق صى ان ت كون قادرة بالتأك يد ع لى م نع حدوث هذا الحت مال‪ .‬و كذلك‬
‫فا لمر البع يد جدا@‪ ،‬وإن لم ي كن م ستبعدا @ كل يا@‪ ،‬هو احت مال حدوث تحال فات‬
‫أوروب ية كبيرة جد يدة‪ ،‬ت شمل إ ما التوا طؤ الل ماني الرو سي أو الو فاق‬
‫الفرن سي الرو سي‪ .‬وث مة سوابق تاريخ ية وا ضحة لكل هذين الت حالفين‪،‬‬
‫وبال تالي يم كن لي منه ما أن يظ هر إ لى الو جود إذا توقفت ل سبب أو لخر‬
‫عملية توحيد أوروبا أو إذا ساءت العلقات بين أوروبا وأميركا على نحو حاد‪.‬‬
‫و في الوا قع‪ ،‬ف في الحت مال ا لخير يم كن لل مرء أن يت صور تقار با @ أوروب يا‬

‫‪59‬‬
‫روسيا يهدف إلى استبعاد أميركا من القارة وفي هذه المرحلة تبدوا كل هذه‬
‫الحت مالت غ ير ممك نة ف هي ل تحت لج إ لى إ ساءة شاملة لدارة أمير كا‬
‫لسياستها الوروبية فحسب بل تحتاج أيضا @ إلى إعادة توجه درامية من قبل‬
‫الدول الوروبية الرئيسية‪.‬‬

‫ومه ما كان الم ستقبل‪ ،‬ف من المنط قي أن ن ستنتج أن ال سيادة الميرك ية‬
‫على القارة الوراسية سوف تواجه بالضطراب والشغب وربما"على القل"‬
‫بالعنف المتقطع‪ ،‬ومن المحت مل أن تكون السيادة الميركية غير مني عة إزاء‬
‫الت حديات الجد يدة سواء من ق بل المناف سين ا لقليميين أو التجم عات‬
‫الجد يدة‪ .‬وإن الن ظام ال عالمي ا لميركي الم سيطر حال يا @ وا لذي ن جد ف يه )أن‬
‫خطر الحرب مستبعد الن( يحتمل أن يكون مستقرا @ فقط في تلك الجزاء‬
‫من العالم التي تعتمد فيها السيادة الميركية الموجهة بجيواستراتيجية طويلة‬
‫ال مد ع لى أنظ مة اجتماع ية سيا سية متناغ مة ومن سجمة ومرتب طة م عا‬
‫بإطارات عمل متعددة الطراف وخاضعة للسيطرة الميركية ‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫الفصل الثالث‬

‫رأس الجسر الديمقراطي‬


‫أن أورو با هي حل يف طبيعي لمير كا‪ .‬و هي ت شاطرها ن فس الق يم‪،‬‬
‫وت شتركان م عا @ ب صورة رئي سية في ن فس ا لرث ا لديني‪ ،‬وتمار سان ن فس‬
‫السيا سات الديمقراط ية‪ ،‬و هي‪ ،‬أي‪ ،‬أورو با م سقط رأس الغلب ية العظ مى‬
‫من الميركيين‪ .‬وإذ تسعى أوروبا حاليا @ إلى دمج دولها المستقلة )التي كانت‬
‫كل من ها ت شكل دو لة‪ /‬أ مة( في ات حاد اقت صادي متخ ط “ لل حدود و في نها ية‬
‫المطاف إلى اتحاد سياسي‪ ،‬فهي إنما تحدد أيضا @ الطريق إلى أشكال أكبر‬
‫من التنظي مات ما ب عد القوم ية والخار جة عن ا لرؤى ال ضيقة والنز عات أو‬
‫الهواء المدمرة لعصر القومية‪ .‬وهي تشكل الن فعل المنطقة الكثر تنظيما‬
‫في ال عالم ع لى أ ساس ت عدد ا لطراف‪ .‬و سوف ي شكل الن جاح في توح يدها‬
‫السيا سي كيا نا @ وا حدا @ ي ضم ن حو ‪ 400‬مل يون إن سان يعي شون ت حت سقف‬
‫)ديمقرا طي‪ ،‬ويتمت عون بم ستوى معي شة مما ثل للم ستوى المو جود في‬
‫الول يات المت حدة ‪.‬وإن أورو با الجد يدة هذه ستكون حت ما @ قوة )دو لة(‬
‫عالمية ‪.‬‬
‫تع مل أورو با أي ضا بو صفها نق طة انطلق للتو سع إ لى ع مق أورا سيا‪.‬‬
‫فتو سعها ن حو ال شرق يدعم القت صاد ا لديمقراطي لعوام الت سعينات‪ .‬و هي‬
‫سوف ت ضاهي في الم ستويين السيا سي والقت صادي الب عد الح ضاري‬
‫السا سي لورو با ال سابقة أو ما كان ي عرف بأورو با البطر سية )ن سبة إ لى‬
‫ب طرس الر سول( ح سبما كانت قد عر فت و فق ا لرث ا لديني ال قديم‬
‫والمشترك لوروبا والذي اشتق من المسيحية ذات الطقوس الغربية‪ .‬كانت‬
‫أورو با هذه قد و جدت في ز من ما ي عود ق بل ع صر القوم يات‪ .‬و حتى ق بل‬
‫التق سيم ال حديثلوروبا إ لى ن صفين مح كومين أو م سيطر عليه ما من ق بل‬
‫المريكيين والسوفييت‪ .‬وان أوروبا هذه سوف تمارس جذيا مغناطيسيا على‬
‫ا لدول المو جودة في ال شرق الب عد وتب ني شبكة من الرتبا طات بأوكران يا‪،‬‬
‫وبيلروسيا‪ ،‬وروسيا‪ ،‬حيث تعتمد فيها مبادئ ديمقراطية مشتركة‪ .‬وفي نهاية‬
‫المطاف يمكن لوروبا هذه أن تصبح أحد العمدة الحيوية لبنية أمن وتعاون‬
‫أوراسية أكبر وبرعاية أميركية ‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫أوكرانيا‬ ‫حاد ‪45‬‬ ‫الت‬ ‫‪30‬‬ ‫يوغسلفيا‬ ‫منظ مة الت عاون وا لمن ‪15‬‬ ‫‪1‬‬
‫الوروبي‬ ‫الوروبية‬
‫كورغو ستا‬ ‫‪46‬‬ ‫‪31‬‬ ‫الناتو‬ ‫‪16‬‬ ‫‪2‬‬
‫ن‬ ‫‪47‬‬ ‫ألمانيا‬ ‫يات ‪32‬‬ ‫‪17‬‬ ‫بولونيا‬ ‫‪3‬‬
‫الول‬
‫اوزبكستان‬ ‫‪48‬‬ ‫فرنسا‬ ‫‪33‬‬ ‫المتحدة‬ ‫‪18‬‬ ‫جمهورية التشيك‬ ‫‪4‬‬
‫نوركست ستا‬ ‫‪49‬‬ ‫إيطاليا‬ ‫‪34‬‬ ‫كندا‬ ‫‪19‬‬ ‫سلوفاكيا‬ ‫‪5‬‬
‫ن‬
‫‪50‬‬ ‫لوكسمبورج‬ ‫‪35‬‬ ‫تركيا‬ ‫‪20‬‬ ‫هنغاريا‬ ‫‪6‬‬
‫طاجكستان‬
‫‪51‬‬ ‫هولندا‬ ‫‪36‬‬ ‫ايسلندا‬ ‫‪21‬‬ ‫بلغاريا‬ ‫‪7‬‬
‫أرمينيا‬
‫‪52‬‬ ‫البرتغال‬ ‫‪37‬‬ ‫نروج‬ ‫‪22‬‬ ‫رومانيا‬ ‫‪8‬‬
‫أذربيجان‬
‫‪53‬‬ ‫أسبانيا‬ ‫حاد ‪38‬‬ ‫الت‬ ‫‪23‬‬ ‫استونيا‬ ‫‪9‬‬
‫جورجيا‬ ‫الوروبي‬
‫كة ‪54‬‬ ‫الممل‬ ‫‪39‬‬ ‫‪24‬‬ ‫‪ 10‬لتقيا‬
‫سويسرا‬ ‫المتحدة‬ ‫ايرلندا‬
‫‪40‬‬ ‫‪25‬‬ ‫ليتوانيا‬ ‫‪11‬‬
‫ليشتنشتاين‬ ‫روسيا‬ ‫النمسا‬
‫‪41‬‬ ‫‪26‬‬ ‫‪ 12‬ألبانيا‬
‫بيلروسيا‬ ‫السويد‬
‫‪42‬‬ ‫‪27‬‬ ‫‪ 13‬سلوفينيا‬
‫أوكرانيا‬ ‫فلندا‬
‫‪43‬‬ ‫‪28‬‬ ‫كروانيا‬ ‫‪14‬‬
‫مولدوفا‬ ‫اليونان‬
‫‪44‬‬ ‫‪29‬‬ ‫البوسنة والهرسك‬
‫مولدوفا‬ ‫الدانمرك‬
‫كازاخستان‬ ‫بلجيكا‬

‫ول كن‪ ،‬وق بل كل شيء فإن أورو با هي رأس ج سر جيوبول يتي رئي سي‬
‫لمري كا في ال قارة الوراسية‪ ،‬وإن الر هان الجيوا ستراتيجي لمير كا هو كبير‬
‫جدا‪ .‬وخل فا @ لرتبا طات أمير كا باليا بان فإن الح لف الطل سي يع مق الن فوذ‬
‫السيا سي وال قوة الع سكرية ا لميركيين ب شكل مبا شر في ا لبر الورا سي‪.‬‬
‫و في هذه المرح لة من العل قات الميرك ية الوروب ية ح يث ل تزال ا لدول‬
‫الوروبية الحليفية تعتمد إلى حد كبير على الحماية المنية الميركية فإن أي‬
‫توسع في مساحة أوروبا يصبح أوتوماتيكيا @ توسعا @ في حجم النفوذ الميركي‬
‫المباشر أيضا‪ .‬و في المقا بل فبدون ارتباطات وثي قة عبر الطل سي سرعان‬
‫ما تتل شى ال سيادة الميرك ية في اورا سيا وبال تالي فإن ال سيطرة الميرك ية‬
‫ع لى المح يط الطل سي و قدرتها ع لى ن قل الن فوذ وال قوة إ لى أ ماكن أع مق‬
‫في اوراسيا سوف يحد منهما على نحو حاد‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫ومه ما ي كن ا لمر فإن الم شكلة هي أ مة ل تو جد فعل@‪" .‬فأورو با "ك هذه‬
‫هي رؤ ية‪ ،‬أو مف هوم‪ ،‬أو هدف‪ ،‬ولكن ها لم ت صبح حقيق ية أو واق عا @ حتى ا لن‪.‬‬
‫إن أورو با الغرب ية هي سوق م شتركة فعل ولكن ها ل تزال بع يدة عن كون ها‬
‫كيا نا @ سيا سيا @ وا حدا‪ .‬ول بد أن تت شكل أورو با السيا سية وتظ هر إ لى الو جود‪،‬‬
‫و قد قدمت الز مة في البو سنة برها نا مؤل ما ع لى الغ ياب ا لدائم لورو با‪ ،‬إذ‬
‫كانت ل تزال ث مة حا جة إ لى ت قديم براه ين في هذا ال سياق‪ ،‬وإن الحقي قة‬
‫ال مرة هي أن أورو با الغرب ية‪ ،‬وأورو با الو سطى بدر جة أ كبر أي ضا @ ل تزالن‬
‫محم يتين أميرك يتين إ لى حد كبير‪ ،‬عل ما @ أن ا لدول الحلي فة فيه ما تذكرنا‬
‫بالقطا عات والب لدان القدي مة ا لتي كانت تدفع الجز ية إ لى ال فاتحين‪ ،‬وذ لك‬
‫ليس بالمر الصحيح سواء بالنسبة إلى أمريكا أو إلى الدول الوروبية ‪.‬‬
‫فالمور تزداد سوءا @ بالتراجع الكثر انتشارا @ في الحيوية الداخلية لوروبا‪.‬‬
‫فه نا ن جد أن شرعية كل الن ظام الجت ماعي القت صادي الرا هن و حتى‬
‫الح ساس ال سائد من الهو ية الوروب ية ت بدو غ ير مني عة‪ ،‬ويم كن لل مرء أن‬
‫يكتشف في عدد من الدول الوروبية وجود أزمة ثقة وفقدانا @ للحركة الخلقة‬
‫إ ضافة إ لى الو ضع ا لداخلي ا لذي يت سم بالنعزال ية والهروب ية من ال مآزق‬
‫الكبرى لل عام‪ ،‬وليس وا ضحا @ ما إذا كان مع ظم ا لوروبيين ير يدون أن تكون‬
‫أوروبا قوة )دولة( كبرى‪ ،‬أو ما إذا كانوا مستعدين لن يفعلوا ما تحتاج إليه‬
‫هذه ال قارة ل كي ت صبح قوة )دو لة( كبرى‪ .‬ف حتى من ب قي من ا لوروبيين‬
‫الم عادين لل سيطرة الميرك ية وا لذين هم ضعفاء ا لن‪ ،‬يثيرون ال سخرية‬
‫والت شاؤم لنهم اكت شفوا "الهيم نة" الميرك ية فعل @ ولكن هم ير تاحون في‬
‫اللتجاء إليها‪.‬‬
‫كانت ال قوة المحر كة السيا سية لتوح يد أورو با تدفع في يوم ما بثل ثة‬
‫حوافز هي "ذكر يات الحرب ين ال عالميتين ال مدمرتين‪ ،‬والرغ بة في ا ستعادة‬
‫القت صاد المزد هر‪ ،‬و عدم ا لمن ال ناجم عن الخ طر ال سوفييتي‪ .‬ومه ما ي كن‬
‫المر‪ ،‬فقد بدأت هذه الحوافز الثلثة تتلشى في منتصف أعوام التسعينات‪،‬‬
‫فا ستعادة القت صاد المزد هر تحق قت إ لى حد كبير‪ .‬و في المقا بل فإن‬
‫الم شكلة ا لتي تواجه ها أورو با ع لى ن حو مت نام هي المتعل قة بن ظام ال ضمان‬
‫الج ماعي ا لذي ي شكل عبئا @ متزا يدا @ وي ستنزف حيويت ها القت صادية‪ ،‬بين ما ن جد‬
‫أن المقاو مة النفعال ية لي إ صلح ع لى ح ساب الم صالح الخا صة توجه‬
‫الهتمام السياسي الوروبي إلى الداخل وقد اختفى الخطر السوفيتي‪ ،‬بينما‬
‫لم تترجم رغ بة ب عض ا لوروبيين في ال ستقلل عن الو صاية أو الن فوذ‬
‫الميركي إلى حافز ملزم لتوحيد القارة‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫ول كن الق ضية الوروب ية كانت ول تزال ت قوى بالقوة الداف عة‬
‫البيروقراط ية ا لتي و لدتها الل ية المؤس ساتية ال كبيرة ا لتي خلقت ها بدورها‬
‫ال سوق الوروب ية وخليفت ها الت حاد ا لوروبي‪ .‬ول تزال ف كرة الو حدة تتم تع‬
‫بدعم شعبي كبير وإن كانت تم يل إ لى الف تور‪ ،‬وتفت قر إ لى الح ماس‬
‫والح ساس ب ضرورة الع مل من أجل ها‪ .‬وعمو ما @ فإن أورو با الغرب ية الحال ية‬
‫تنقل انطباعا @ عن أنها تضم مجموعة مجتمعات مضطربة وتفتقر إلى التركيز‬
‫ومرتاحة بالرغم من الحساس بالقلق اجتماعيا @ ناهيك بكونها ل تشترك في‬
‫أي رؤ ية أ كثر ات ساعا@‪ ،‬وه كذا فإن الو حدة الوروب ية هي إ جراء أو عمل ية ما‬
‫)على غرار عملية السلم( وليست قضية بحد ذاتها ‪.‬‬
‫ومع ذلك فثمة نخبتان سياسيتان حاكمتان في دولتين أوروبيتين بارزتين‪،‬‬
‫هما فرنسا وألمانيا بقيتا ملتزمتين إلى حد كبير بهدف تشكيل وتحديد دولة‬
‫أوروب ية ستكون أورو با ب حق وحق يق‪ .‬وبال تالي فه ما‪ ،‬أي فرن سا وألمان يا‪،‬‬
‫مهند ستان رئي سيتان لورو با‪ ،‬وإذ تعملن م عا @ فإنه ما تبن يان أورو با ال جديرة‬
‫بماضيها وبقدرتها‪ ،‬ولكن كل دولة منهما تلتزم برؤية وتصميم مختلفين إلى‬
‫حد ما ولي ست أي وا حدة منه ما قو ية ب ما ف يه الكفا ية ل كي ت صبح صاحبة‬
‫الكلمة الولى في هذا المجال‪.‬‬
‫إن هذا ال شرط يخ لق للول يات المت حدة فر صة خا صة ل تدخل الحا سم‬
‫ف هي ترى ضرورة الن خراط في الع مل ال مؤدي إ لى و حدة أورو با‪ ،‬وإل فإن‬
‫عملية التوحيد يمكن أن تتوقف ثم تتراجع تدريجيا‪ .‬ولكن أي انخراط أميركي‬
‫ف عال في ب ناء أورو با ل بد أن ي قاد مع و ضوح في التفك ير ا لميركي في ما‬
‫يتع لق ب نوع الدو لة الوروب ية ا لتي تف ضلها أمير كا وت كون م ستعدة لدعمها‪،‬‬
‫فهل تريدها أن تكون شريكا @ مساويا @ لها أم مجرد حليف صغير‪ ،‬وكذلك في‬
‫ما يتع لق بالحجم الفع لي ل كل من الت حاد ا لوربي )‪ (EU‬وح لف الطل سي )‬
‫‪ .( NATO‬ويتط لب ا لمر أي ضا @ التعا مل بد قة مع المهند سين الرئي سيين في‬
‫أوروبا )ذكر سابقا@(‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫العظمة والتحرير‬

‫إن فرنسا تسعى إلى أن تتجسد ثانية في أوروبا‪ ،‬ولكن ألمانيا تأمل في‬
‫التحرر والنعتاق عبر أوروبا‪ ،‬وان هذين الحافزين المختلين ي سيران مسافة‬
‫بعيدة نحو تفسير وتحديد جوهر التصميم البديل الفرنسي واللماني لوروبا ‪.‬‬

‫فبالن سبة إ لى فرن سا تع تبر أورو با و سيلة ل ستعادة العظ مة ال سابقة‬


‫لفرن سا‪ .‬و حتى ق بل ال حرب العالم ية الثان ية ق لق المف كرون الفرن سيون‬
‫الجديون في الشؤون الدولية إزاء التراجع المستمر لهمية أوروبا في شؤون‬
‫العالم‪ .‬وفي أثناء عدة عقود من فترة الحرب الباردة‪ ،‬تحول هذا القلق إلى‬
‫ح قد ع لى ال سيطرة "النغلوساك سونية" ع لى ال غرب هذا إذا أغفل نا الزدراء‬
‫لمر كة "الثقا فة الغرب ية"‪ .‬وه كذا كان ق لق أورو با حقي قة ح سب كل مات‬
‫الجنرال دي غول " من الطل سي إلى الورال" هو الدواء الشافي لهذا الوضع‬
‫الرا هن‪ .‬وب ما أن أورو با هذه وا لتي ستقاد من باريس سوف تع يد لفرن سا‬
‫ثانية تلك العظمة التي ل يزال الفرنسيون يشعرون بها‪ ،‬فإنها أي أوروبا تبقى‬
‫قدرا @ خاصا لدولتهم ‪.‬‬

‫وبالن سبة إ لى ألمان يا فإن ال لتزام بأورو با هو أ ساس تحرير ها وانعتاق ها‬
‫بينما تعتبر علقتها الودية بأميركا مهمة لمنها‪ ،‬وهكذا‪ ،‬فإن أوروبا المستقلة‬
‫ع لى ن حو ا كثر جز ما @ عن أمير كا لي ست خ يارا @ قابل @ للح ياة‪ ،‬ف في ما يتع لق‬
‫بألمانيا نجد أن التحرير‪ +‬المن= أوروبا ‪ +‬أميركا‪ .‬فهذه المعادلة تحدد وضع‬
‫ألمان يا وسيا ستها م ما يج عل من ألمان يا مواط نا @ صالحا @ فعل @ لورو با‪ ،‬و في‬
‫الوقت نفسه تكون هي أي ألمانيا أقوى داعم أوروبي لميركا‪.‬‬

‫و ترى ألمان يا في التزام ها المتح مس بأورو با نو عا @ من التط هر ال تاريخي‪،‬‬


‫أو ا ستعادة " لوراق اعتماد ها" )ت عبير دبلوما سي( المعنو ية والسيا سة‪ .‬وإذ‬
‫تع يد ألمان يا نف سها إ لى أورو با‪ ،‬فإن ها ت ستعيد عظمت ها أي ضا @ بين ما تح قق ت لك‬
‫المه مة ا لتي لن ت عبئ أوتوماتيك يا الح قاد والم خاوف الوروب ية ضدها‪ .‬وإذا‬
‫كان الل مان ي سعون إ لى الم صلحة الوطن ية اللمان ية‪ ،‬فإن ذ لك يجعل هم‬
‫ي خاطرون بتغر يب أوروبي ين آخر ين‪ .‬أ ما إذا كان هؤلء الل مان ي طورون أو‬

‫‪65‬‬
‫يح سنون الم صلحة الوروب ية الم شتركة فإنهم سوف يك سبون ا لدعم‬
‫والحترام الوروبيين‪.‬‬

‫كانت فرن سا حلي فا @ موال يا @ ومخل صا@‪ ،‬م صمما @ )عا قدا @ ال عزم( في الق ضايا‬
‫الرئي سة لل حرب ال باردة‪ .‬ووق فت كت فا @ إ لى ك تف مع أمير كا ع ندما ن شبت‬
‫الزمات ولم يكن ثمة شك في موقف فرنسا الثابت سواء في أثناء حصاري‬
‫برلين أو في أثناء أزمة الصواريخ الكوبية‪ ،‬ولكن دعم فرنسا لحلف الطلسي‬
‫أع يق بالرغ بة الفرن سية "المتزام نة" الهاد فة إ لى ضمان هو ية سيا سية‬
‫فرن سية "المتزام نة" الهاد فة إ لى ضمان هو ية سيا سية فرن سية منف صلة‪،‬‬
‫وإ لى المحاف ظة على حر ية الع مل اللز مة ل هذه الدو لة ول سيما في ا لمور‬
‫التي تخص الوضع العالمي لفرنسا أو التي لها علقة بمستقبل أوروبا‪.‬‬
‫يو جد عن صر ا ستحواذ خادع في ان شغال النخ بة السيا سية الفرن سية‬
‫بالمفهوم المتمثل في أن فرن سا ما تزال قوة )دو لة( عالمية‪ .‬فعندما أعلن‬
‫رئ يس ا لوزراء آلن جوبيه‪ ،‬شأنه شان من سبقوه‪ ،‬في الجمع ية الوطن ية‬
‫الفرن سية في أ يار ‪ 1995‬أن "فرن سا ت ستطيع‪ ،‬وي جب‪ ،‬أن ت ضمن مهمت ها أو‬
‫دور ها ك قوة عالم ية"‪ ،‬فإن الح ضور أطل قوا عا صفة ت صفيق تلقائ ية‪ .‬وه كذا‬
‫فإن الصرار الفرنسي على تطوير الرادع النووي كان نابعا @ غالبا @ من وجهة‬
‫النظر القائلة إن فرنسا سوف تحسن بذلك حريتها في العمل‪ ،‬وتكسب في‬
‫ا لوقت ذا ته ال قدرة ع لى ال تأثير في قرارات الح ياة وال موت الميرك ية عن‬
‫أمن التحالف الغربي ككل‪ .‬ولم يكن سعى فرنسا إلى رفع مستوى وضعها‬
‫في هذا المجال نابعا @ عن الرغبة في الوقوف في وجه التحاد السوفييتي لن‬
‫ا لرادع ال نووي الفرن سي لم ي كن له سوى تأثير هام شي‪ ،‬حتى في أف ضل‬
‫حالته‪ ،‬ع لى إمكا نات صنع ال حرب ال سوفييتية و قد شعرت باريس أن‬
‫أ سلحتها النوو ية الخا صة ب ها ستعطي فرن سا دورا @ في إ جراءات )عمل يات(‬
‫اتخاذ القرارات الكثر خطرا @ والعلى مستوى عن الحرب الباردة‪.‬‬
‫وفي التفكير الفرنسي‪ ،‬فإن امتلك السلحة النووية عزز مطلب فرنسا‬
‫بأن تصبح قوة عالمية‪ ،‬وأن تملك صوتا @ يجب أن يحترم في كل أنحاء العالم‪.‬‬
‫و هو أي هذا المتلك عزز ع لى ن حو مل موس و ضع فرن سا بو صفها إ حدى‬
‫ا لدول أو الع ضاء الخم سة ا لذين يمل كون حق ا ستخدام الفي تو في مج لس‬
‫ا لمن ا لدولي عل ما @ أن هذه ا لدول الخ مس كل ها هي دول نوو ية‪ .‬و من‬
‫المن ظور الفرن سي‪ ،‬ف قد كان ا لرادع ال نووي البري طاني م جرد ام تداد ل لرادع‬
‫ا لميركي‪ ،‬خا صة في ضوء ال لتزام البري طاني بعل قة خا صة مع أمير كا‪،‬‬

‫‪66‬‬
‫وبامت ناع بريطان يا عن الم شاركة في الج هد ال هادف إ لى ب ناء أورو با م ستقلة‬
‫)عل ما @ أن ا ستفادة البرنا مج ال نووي الفرن سي إ لى حد كبير من الم ساعدة‬
‫الميرك ية ال سرية لم ت كن في رأي الفرن سيين ذات أهم ية في الح سابات‬
‫ال ستراتيجية لفرن سا(‪ .‬وأخ يرا @ فإن ا لرادع ال نووي عزز أي ضا@‪ ،‬في الف كر‬
‫الفرنسي الوضع المسيطر أو القيادي لفرنسا بوصفها دولة قارية بارزة ‪ ،‬أو‬
‫الدولة الوروبية الفعلية الوحيدة التي ملكت هذه الميزة ‪.‬‬
‫جرى التعبير أيضا @ عن الطموحات العالمية لفرنسا عبر جهودها الحاسمة‬
‫الهاد فة إ لى المحاف ظة ع لى دور أم ني خاص في مع ظم ا لدول الفريق ية‬
‫الناطقة باللغة الفرنسية‪ .‬وبالرغم من الخسارة‪ ،‬وبعد قتال طويل المد في‬
‫فيت نام وال جزائر والتخ لي عن إمبراطور ية أو سع م ساحة‪ ،‬فإن هذه المه مة‬
‫المن ية وال سيطرة الفرن سية الم ستمرة حتى ا لن ع لى جزر متفر قة في‬
‫المح يط ال هادي )و هي ا لتي أم نت ل ها أ ماكن للخت بارات لذر ية الفرن سية‬
‫المثيرة للجدل( عززتا اقتناع النخبة الفرنسية بأن فرنسا ل تزال فعل @ تملك‬
‫دورا @ عالم يا @ ي جب أن تلع به‪ ،‬و بالرغم من حقي قة كون ها ل ت شكل ب صورة‬
‫رئيسية سوى قوة أوروبية ذات مرتبة متوسطة في العصر ما بعد المبريالي‬
‫‪.‬‬
‫ل قد ع مل كل ما ذ كر أعله ع لى المحاف ظة ع لى ط لب فرن سا وع لى‬
‫حفزها أيضا @ على الصرار على هذا الطلب المتمثل في ضرورة إسهامها في‬
‫القيادة الوروبية‪ .‬فمع كون بريطانيا في حالة تهميش ذاتي‪ ،‬ومجرد ملحق أو‬
‫ام تداد لل قوة الميرك ية و كون ألمان يا مق سمة خلل مع ظم فترة ال حرب‬
‫الباردة‪ ،‬ومحرومة أو معاقبة بسبب تاريخها في القرن العشرين‪ ،‬استطاعت‬
‫فرن سا أن تتم سك بف كرة أو مف هوم أورو با‪ ،‬وتع تبر نف سها شيئا وا حدا @ مع ها‬
‫وتغت صبها أو تدعي هيمنت ها علي ها بو صف هذه ا لخيرة متطاب قة أو من سجمة‬
‫مع مفهوم فرنسا عن نفسها ‪.‬‬
‫إن البلد ا لتي كانت أول من ابت كر ف كرة الدو لة ال مة ذات ال سيادة‬
‫وحولت القومية الى ديانة مدنية وجدت أنه من الطبيعي جدا @ ان ترى نفسها‪،‬‬
‫وبن فس ال لتزام ال عاطفي ا لذي كان و ظف في يوم ما في ما ي عرف ب ـ‬
‫"الوطن" على أنها تجسيد لوروبا مستقلة ولكنها متحدة‪ ،‬وهكذا فإن عظمة‬
‫أوروبا المقادة من قبل فرنسا ستكون عندئذ عظمة فرنسا أيضا @ ‪.‬‬
‫إن هذا العمل أو الحتراف الخاص‪ ،‬والذي ولد من رحم إحساس عميق‬
‫بالمصير التاريخي وعزز بزهو ثقافي فريد في نوعه‪ ،‬هو ذو مضامين سياسية‬
‫كبيرة‪ .‬وإن الم جال الجيوبولي يتي الرئ يس ا لذي كان ع لى فرن سا أن تبق يه‬

‫‪67‬‬
‫ضمن مدار نفوذ ها أو ع لى ال قل تم نع ال سيطرة عل يه من ق بل دو لة أ قوى‬
‫منها يمكن أن يرسم في شكل نصف دائرة‪ .‬وهو يشمل شبه جزيرة اليبرية‬
‫والساحل الشمالي لغرب البحر البيض المتوسط وألمانيا صعودا @ حتى أوروبا‬
‫الو سطى وال شرقية‪ .‬ول يس ذ لك هو ن صف الق طر ا لدنى الوح يد ل لمن‬
‫الفرن سي‪ ،‬بل هو أي ضا @ المنط قة السا سية للمصالح السيا سية الفرن سية ول‬
‫يمكن إل بدعم مضمون من الدول الجنوبية وبضمان مساندة ألمانيا‪ ،‬أن يتم‬
‫ع لى ن حو ف عال تحق يق هدف ب ناء أورو با مو حدة وم ستقلة تقود ها فرن سا‪.‬‬
‫و من الوا ضح‪ ،‬أن ألمان يا المتنام ية ال قوة سوف ت كون حت ما @ ال صعب انق يادا‬
‫ضمن هذا المدار الجيوبوليتي‪.‬‬
‫وح سب الرؤ يا الفرن سية فإن ال هدف الرئي سي من أورو با المو حدة‬
‫والمستقلة يمكن تحقيقه بالجمع بين توحيد أوروبا بقيادة فرنسا من ناحية‪،‬‬
‫وب ين التقل يل ال متزامن والمن فذ تدريجيا @ من ال سيادة الميرك ية ع لى ال قارة‬
‫من ناح ية ثان ية ‪ .‬ول كن إذا كانت فرن سا هي ا لتي ست شكل م ستقبل أورو با‪،‬‬
‫في جب أن تع مل في أن ع لى م شاغلة ألمان يا وتقي يدها‪ ،‬وت سعى أي ضا إ لى‬
‫تجريد واشنطن شيئا @ فشيئا @ من قيادتها السياسية للشؤون الوروبية‪ .‬ستكون‬
‫ال مآزق السيا سية الرئي سة ا لتي تعاني ها فرن سا ذات شقين ه ما‪ :‬أول@‪ :‬كيف ية‬
‫المحاف ظة ع لى ال لتزام ا لمني ا لميركي بأورو با‪ ،‬وا لذي ت عرف فرن سا أ نه‪،‬‬
‫أي هذا ال لتزام‪ ،‬ما يزال ضروريا@‪ ،‬والع مل بث بات ع لى ا لقلل من الو جود‬
‫ا لميركي‪ .‬ثان يا@‪ :‬كيف ية المحاف ظة ع لى ال شراكة الفرن سية اللمان ية بو صفها‬
‫المحرك السيا سي القت صادي الم شترك للو حدة الوروبية وذ لك في ا لوقت‬
‫الذي تستبعد فيه القيادة اللمانية في أوروبا‪.‬‬
‫‪1‬ـ المدران الجيوبوليتيان لفرنسا وألمانيا المتعلقان بالمصالح الخاصة‬
‫‪2‬ـ المدار الفرنسي للمصالح الخاصة )انظر اللون(‬
‫‪3‬ـ المدار اللماني للمصالح الخاصة )انظر اللون(‬
‫‪4‬ـ البحر البيض المتوسط‬
‫‪5‬ـ البحر السود‪.‬‬
‫لو كانت فرنسا فعل @ قوة عالمية‪ ،‬لما كان من الصعب حل هذه الزمات‬
‫في أث ناء متاب عة تحق يق أو إن جاز ال هدف الرئ يس ل هذه الدو لة‪ .‬ول تو جد أي‬
‫دو لة أوروب ية أ خرى " ما عدا ألمان يا" تم لك ن فس هذا الط موح‪ ،‬أو يحفز ها‬
‫ن فس الح ساس بالمه مة من هذا ال نوع‪ .‬و حتى ألمان يا رب ما يم كن أن ي تم‬
‫إغواؤ ها ع لى ق بول الق يادة )الزعا مة( الفرن سية في دو لة أوروب ية مو حدة‪،‬‬

‫‪68‬‬
‫ومستقلة )عن أميركا(‪ ،‬ولكن ذلك ل يحدث إل إذا شعرت ألمانيا أن فرنسا‬
‫هي قوة عالم ية فعل @ وي ستطيع أن ت قدم إ لى أورو با ذ لك ا لمن ا لذي ل‬
‫يستطيع أن تقدمه ألمانيا ‪ ،‬ولكن تستطيع أميركا تقديمه بطبيعة الحال ‪.‬‬
‫ومه ما ي كن ا لمر‪ ،‬فإن ألمان يا ت عرف ال حدود الحقيق ية لل قوة الفرن سية‪.‬‬
‫وفرن سا أ ضعف ب كثير من ألمان يا أقت صاديا @ بين ما ل ت ستطيع مؤس ستها‬
‫الع سكرية )ح سبما أظ هرت حرب الخل يج في ال عام ‪(1991‬ا لدخول في‬
‫المناف سة‪ .‬و هي "أي فرن سا "ج يدة جدا في إح ماد النقل بات الع سكرية‬
‫الداخل ية في ا لدول الفريق ية التاب عة ل ها )ال سائرة في مدارها(‪ ،‬ولكن ها ل‬
‫ت ستطيع إل حما ية أورو با و هي ل ت قدر ع لى ن قل قوات كبيرة )مه مة( بع يدا‬
‫عن أوروبا‪ .‬وعموما‪ ،‬فإن فرنسا لم تعد أكثر أو أقل من قوة )دولة( أوروبية‬
‫ذات مرتبة متوسطة‪ .‬وبالتالي فلكي تبني أوروبا‪ ،‬كانت ول تزال ألمانيا راغبة‬
‫في مشاطرة الزهو الفرنسي‪ ،‬ولكن ومن أجل البقاء على أوروبا آمنة فعل@‪،‬‬
‫ف قد كانت ول تزال راغ بة أي ضا في ال سير خ لف الق يادة الفرن سية ب شكل‬
‫أع مق‪ .‬وا ستمرت في ال صرار ع لى أن ي كون ث مة دور رئ يس لمير كا في‬
‫المن الوروبي ‪.‬‬
‫أن هذه الحقي قة ا لتي تع تبر مؤل مة لل حترام ا لذاتي الفرن سي‪ ،‬ظ هرت‬
‫على نحو أكثر وضوحا @ بعد إعادة توحيد ألمانيا‪ .‬وحتى هذا الوقت‪ ،‬كان الوفاق‬
‫الفرن سي الل ماني قد بدأ فعل @ في شكل ق يادة سيا سية فرن سية ممتط ية‬
‫بارتياح على الدينامية القتصادية اللمانية‪ .‬وكان هذا الحساس قد لءم فعل‬
‫كل الطرفين‪ .‬فهو لطف المخاوف الوروبية التقليدية من ألمانيا‪ ،‬وكان له أثر‬
‫تقو ية وإر ضاء الو هام )الم شاعر( الفرن سية بأن خ لق انطبا عا @ عن أن ب ناء‬
‫أورو با ي قاد من ق بل فرن سا‪ .‬و يدعم من ق بل ألمان يا الغرب ية ذات الدينام ية‬
‫القتصادية‪.‬‬
‫كان الو فاق الفرن سي الل ماني‪ ،‬حتى في ضوء م فاهيمه ال سيئة‪ ،‬ت طورا‬
‫إيجاب يا @ خدم أورو با‪ ،‬ول كن ل يم كن المبال غة بأهم ية‪ .‬و قد ع مل ع لى ت قديم‬
‫الساس الحرج لكل نواحي التقدم التي أنجزت حتى الن في عملية التوحيد‬
‫ال صعبة لورو با‪ .‬وه كذا‪ ،‬ف قد كان من سجما @ كل يا @ أي ضا @ مع الم صالح الميرك ية‬
‫و مع الب قاء ع لى ال لتزام ا لميركي ال قائم م نذ ز من طو يل بر فع م ستوى‬
‫التعاون بين دول أورو با‪ .‬وإن انهيار التعاون الفرنسي الل ماني سوف ي كون‬
‫نكسة مميتة لوروبا وكارثة لوضع أميركا في أوروبا ‪.‬‬
‫وعمو ما @ فإن ا لدعم ا لميركي الم بدئي م كن فرن سا وألمان يا من د فع‬
‫عمل ية توح يد أورو با إ لى ال مام‪ .‬وف ضل @ عن ذ لك‪ ،‬فإن إ عادة توح يد ألمان يا‬

‫‪69‬‬
‫زادت قوة ال حافز الفرن سي لر بط ألمان يا في إ طار الع مل ا لوروبي المق يد‬
‫)أو الرا بط ل كل ا لطراف(‪ .‬وه كذا‪ ،‬ف في ‪ " 6‬كانون ا لول" ‪ 1990‬ا لتزم‬
‫الرئيس الفرنسي والمستشار اللماني بتحقيق هدف أوروبا الفيدرالية‪ ،‬وبعد‬
‫ع شرة أ يام أ صدر مؤتمر رو ما لرؤ ساء حكو مات ا لدول الوروب ية المنع قد‬
‫ل جل الت حاد السيا سي‪ ،‬و بالرغم من التحف ظات البريطان ية‪ ،‬تفوي ضا @ وا ضحا‬
‫لوزراء خارجية الدول الثنتي عشرة في المجموعة الوروبية لتحضير مسودة‬
‫معا هدة عن الت حاد السيا سي‪ .‬ومه ما ي كن ا لمر‪ ،‬فإن إ عادة توح يد ألمان يا‬
‫غيرت أيضا @ وعلى نحو درامي السمات الحقيقية للسياسات الوروبية‪ .‬وكانت‬
‫هزيمة جيوبوليتية لروسيا وفرنسا معا‪ .‬فألمانيا الموحدة لم تتوقف فقط عن‬
‫كون ها شريكا @ سيا سيا @ صغيرا @ لفرن سا ولكن ها أ صبح أتوماتيك يا @ قوة رئي سية ل‬
‫ينازع ها أ حد في أور با الغرب ية‪ ،‬أو أ صبحت قوة عالم ية جزئ ية‪ ،‬وخا صة عبر‬
‫إ سهاماتها المال ية ال كبيرة في د عم المؤس سات ا لدولي الرئي سة‪ .((1‬بال تالي‬
‫خل قت هذه الحقي قة الجد يدة نو عا @ ما من الت حرر المت بادل من ا لوهم في‬
‫العلقة الفرنسية اللمانية لن ألمانيا أصبحت الن قادرة وراغبة في أن تضع‬
‫بو ضوح رؤيت ها الخا صة من أور با المو حدة وت طوير هذه الرؤ ية ع لى ن حو‬
‫مك شوف‪ ،‬وذ لك من منط لق كون ها شريكة لفرن سا ول يس بو صفها محم ية‬
‫لهذه الخيرة‬
‫و في ما يتع لق بفرن سا‪ ،‬فإن ما أ صابها من ترا جع في وزن ها السيا سي‬
‫أملى عليها عدة نتائج سياسية‪ .‬وأصبح يترتب عليها أن تستعيد "إلى حد ما"‬
‫ن فوذا @ أ كبر في ح لف الطل سي‪ ،‬عل ما @ أن ها كانت قد أ ضعفت علقت ها به‬
‫احتجا جا @ ع لى ال سيطرة الميرك ية عل يه‪ ،‬و كان علي ها أي ضا @ أن ت ستعيض عن‬
‫ضعفها النسبي بمناورة دبلوماسية أكبر‪ .‬فالعودة إلى حلف الطلسي يمكن‬
‫أن تم كن فرن سا من ال تأثير بدر جة أ كبر من أمير كا‪ .‬و كذلك فإن ال غزل مع‬
‫موسكو أو لندن يمكن أن يولد ضغطا @ من الخارج على أميركا وعلى ألمانيا‬
‫أيضا @ ‪.‬‬
‫وهكذا فقد عادت فرنسا إلى البنية القيادية لحلف الطلسي كجزء من‬
‫سيا سة الم ناورة ول يس ب سبب اقتناع ها بذلك‪ .‬ف في ال عام ‪ ،1994‬أ صبحت‬
‫فرنسا مرة ثانية عضوا @ فعال @ حقيقيا @ في صنع القرارات السياسية والعسكرية‬
‫لح لف ال ناتو‪ ،‬و في ال عام ‪ 1995‬أ صبح وز يرا الخارج ية وا لدفاع الفرن سيان‬
‫على سبيل المثال‪ ،‬وكنسبة مئوية من الميزانية العالمية‪ ،‬فإن ألمانيا تسهم ب ‪.5‬‬ ‫)‬

‫‪ %28‬من ميزان ية التحاد ا لوروبي و ‪ 22 .8‬من ميزانية الناتو‪ ،‬و ‪ %8 .93‬من ميزان ية‬
‫المم المتحدة‪ ،‬إضافة إلى كونها تملك أكبر نسبة من أسهم البنك الدولي‪ ،‬والبنك‬
‫الوروبي لعادة البناء والتطوير‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫يحضران على نحو منتظم جلسات حلف الطلسي‪ .‬وتم ذلك لقاء ثمن‪ :‬فما‬
‫إن عاد الفرن سيون كل يا @ إ لى هذا الح لف‪ ،‬حتى أ عادوا تأك يد عزم هم ع لى‬
‫إ صلح بن ية الح لف بغ ية خ لق توازن أ كبر ب ين الق يادة الميرك ية والم شاركة‬
‫الورب ية ل ها‪ .‬وأرادوا أن ي كون ل لوربيين )دول الح لف الورب ية( تأثير أ هم‬
‫ودور أ كبر في هذا الح لف‪ .‬و قد عبر عن ذ لك وز ير الخارج ية الفرن سية‪،‬‬
‫إيرف يه دي شاريت في كل مة له بتار يخ ‪ 8‬ني سان ‪ 1996‬ح يث قال‪" :‬بالن سبة‬
‫إ لى فرن سا فإن ال هدف الرئ يس )لقا مة العل قات الود ية( هو تأك يد الهو ية‬
‫الوروب ية ضمن الح لف ا لذي هو ذو م صداقية ع لى ال صعيد العملي ـاتي وذو‬
‫وضوح على الصعيد السياسي"‪.‬‬
‫و في ا لوقت ذا ته‪ ،‬كانت باريس م ستعدة تما ما @ لن ت ستثمر تكتيك يا‬
‫ارتباطاتها التقليدية بروسيا لكي تقيد السياسة الوروبية لميركا ولكي تحيي‪،‬‬
‫كل ما كان ا لمر ملئ ما@‪ ،‬الو فاق الفرن سي البري طاني ال قديم لمواج هة‬
‫وامت صاص ال سيادة الوروب ية المتنام ية للمان يا‪ .‬وا قترب وز ير الخارج ية‬
‫الفرنسي من قول ذلك أيضا @ ولى نحو واضح‪ ،‬في آب ‪ 1996‬عندما أعلن أنه‬
‫" إذا أرادت فرنسا أن تلعب دورا @ دوليا@‪ ،‬فإنها سوف تستفيد من وجود روسيا‬
‫القوية‪ ،‬ومن مساعدة هذه الخيرة لكي تثبت كونها قوة )دولة( عظمى" حاثا‬
‫بذلك وزير الخارجية الروسية على تأكيد هذا الرأي عندما رد هذا الخير عليه‬
‫قائل @ "إن الفرن سيين هم ا لقرب‪ ،‬ب ين دول ال عالم كل ها إ لى ال خذ بموا قف‬
‫بناءة في علقاتهم بروسيا‪. ((1‬‬
‫وهكذا فإن الدعم الفاتر الذي أظهرته فرنسا في بادىء المر نحو توسع‬
‫ح لف الطل سي شرقا@‪ ،‬وا لذي بدا في الوا قع نو عا @ من الرغ بة ا لتي يعتري ها‬
‫الشك‪ ،‬كان في جزء منه تكتيكا @ معدا @ لكسب القوة والنفوذ في تعاملها مع‬
‫الول يات المت حدة‪ .‬ون ظرا @ إ لى أمير كا وفرن سا كان تا مؤ يدتين ب صورة رئي سية‬
‫لتو سيع ال ناتو‪ ،‬ف قد و جدت فرن سا من الملئم ل ها أن تل عب دورا @ باردا @ و لم‬
‫تتردد في التعبير عن قلقها إزاء التأثير المحتمل هذه المبادرة على روسيا‪،‬‬
‫و في أن تع مل بو صفها الم حاور ا لوروبي ا لكثر حسا سية مع مو سكو‪ .‬و قد‬
‫بدا لب عض ا لوروبيين في أورو با الو سطى أن الفرن سيين عم لوا حتى ع لى‬
‫ن قل ذ لك النط باع عن أن هم لي سوا ضد ممار سة الن فوذ الرو سي في أورو با‬
‫الشرقية‪ .‬وهكذا‪ ،‬فإن الورقة الروسية لم توازن الثقل الميركي وتنقل تلك‬
‫الرسالة "غير الماكرة" جدا @ إلى ألمانيا فحسب‪ ،‬بل زادت أيضا @ من الضغط‬
‫ع لى الول يات المت حدة ل كي تأ خذ في العت بار القترا حات الفرن سية عن‬
‫إصلح الناتو ‪.‬‬

‫‪1996‬‬ ‫حسبما ذكرت صحيفة لونوفيل أوبزرفاتير‪ ،‬بتاريخ ‪ 12‬آب‪،‬‬ ‫)‪(1‬‬

‫‪71‬‬
‫وأخ يرا@‪ ،‬فإن تو سيع ال ناتو سوف يح تاج إ لى الج ماع ب ين أع ضائه ال بالغ‬
‫عددهم ‪ 16‬دولية عر فت باريس أن قبول ها لم يكن حيو يا @ ف قط للج ماع‪ ،‬بل‬
‫هو ضروري أيضا @ لن ثمة حاجة إلى الدعم الفعلي الفرنسي لتجنب معارضة‬
‫أع ضاء آخر ين في الح لف‪ .‬وه كذا لم ت كن سرا @ ت لك الن ية الفرن سية ا لتي‬
‫ت ستهدف ج عل د عم فرن سا للتو سع شرطا @ لتلب ية م طالب أمير كا ف نها ية‬
‫المطاف‪ ،‬لما عزمت عليه فرنسا من تغيير لميزان القوى ضمن الحلف من‬
‫ناحية‪ ،‬وللتنظيم الساسي له من ناحية ثانية‪.‬‬
‫كانت فرن سا غ ير متحم سة أي ضا @ في البدا ية إزاء دعم ها لتو سع الت حاد‬
‫ا لوروبي شرقا‪ .‬فه نا جاءت الم بادرة من ق بل ألمان يا بالدر جة ا لولى‪،‬‬
‫وترافقت بدعم أميركي ولكن بدون اهتمام مماثل لما قامت به أميركا في‬
‫ما يتع لق بتو سيع ح لف الطل سي‪ .‬و حتى بالرغم من أن فرن سا كانت تم يل‬
‫ع لى غرار ما فع لت في ح لف الطل سي إ لى التأك يد بأن تو سيع الت حاد‬
‫الوروبي سوف يؤمن مظلة أكثر ملئمة للدول الشيوعية السابقة‪ ،‬فما أن‬
‫بدأت‪ ،‬ألمانيا تضغط من أجل توسيع أفضل للتحاد الوروبي ليشمل أوروبا‬
‫الو سطى أي ضا @ حتى بدأت فرن سا في إ ثارة م خاوف تقن ية‪ ،‬وطل بت أي ضا @ أن‬
‫يع ير هذا الت حاد ا لوروبي اهتما ما @ إ لى المجن بة الجنوب ية المتو سطية )ن سبة‬
‫إلى البحر المتوسط( الوروبية المكشوفة‪ .‬ظهرت هذه الخلفات في وقت‬
‫مب كر ) شهر ت شرين ال ثاني( ‪ 1994‬ع ندما ع قدت الق مة الفرن سية اللمان ية‪.‬‬
‫وكان لهذا التشدد الفرنسي على هذه القضية الخيرة تأثير تمثل في كسب‬
‫فرنسا لدعم العضاء الجنوبيين في حلف الطلسي‪ ،‬المر الذي زاد من قوة‬
‫الم ساومة الجمال ية لفرن سا إ لى أق صى حد‪ .‬ول كن الث من جاء في تو سيع‬
‫الث غرة في الرؤ يا الجيوبوليت ية المعن ية عن أورو با لدى كل من فرن سا‬
‫وألمان يا‪ ،‬عل ما إن هذه الث غرة لم ت ضيق إل جزئ يا من ق بل فرن سا ع ندما‬
‫وافقت لحقا @ في النصف الثاني من العام ‪ 1996‬على دخول بولوينا إلى حلف‬
‫الناتو و التحاد الوروبي معا‪.‬‬
‫كانت الث غرة حتم ية في ضوء ال سياق ال تاريخي المتغ ير‪ .‬فم نذ نها ية‬
‫ال حرب العالم ية الثان ية‪ ،‬كانت ألمان يا الديمقراط ية قد أ قرت بأن الو فاق‬
‫الل ماني الفرن سي يع تبر ضروريا @ لب ناء المجمو عة الوروب ية في الن صف‬
‫الغر بي من أورو با المق سمة‪ .‬و كان هذا الو فاق ها ما @ أي ضا @ ل عادة التأه يل‬
‫التاريخ ية للمان يا‪ .‬وبال تالي‪ ،‬فإن ق بول ال قادة الفرن سية بذلك كان ثم نا @ ج يدا‬
‫يجب دفعه‪ .‬وفي الوقت ذاته‪ ،‬فإن الخطر السوفييتي المستمر آنذاك على‬
‫أوروبا الغربية غير المنيعة جعل الولء لميركا شرطا @ أساسيا @ للبقاء على قيد‬
‫الح ياة‪ ،‬عل ما @ بأنه حتى فرن سا نف سها ا عترفت بذلك‪ .‬ول كن ب ناء أورو با أ كبر‬

‫‪72‬‬
‫وأكثر توحدا@‪ ،‬بعد انهيار التحاد السوفييتي‪ ،‬لم يعد بحاجة إلى التبعية لفرنسا‪.‬‬
‫وبت عبير آ خر‪ ،‬فإن هذه التبع ية لم ت عد ضرورية أو ملئ مة عمو ما@‪ .‬وبال تالي‬
‫أ صبحت ال شراكة اللمان ية الفرن سية النم ساوية‪ ،‬وخا صة ب عد أن أ صبحت‬
‫ألمان يا الم عاد توح يدها ال شريك ا لكبر فعل@‪ ،‬أ كثر من صفقة ج يدة ل باريس‪،‬‬
‫و من ه نا‪ ،‬أ صبح يترتب على فرن سا أن تف ضل بب ساطة‪ ،‬ألمان يا ب سبب كون ها‬
‫وسيلة الرتباط المني الرئيسية مع الحليف عبر الطلسي الذي يقوم أيضا‬
‫بدور الحماية أيضا‪.‬‬
‫و مع انت هاء ال حرب ال باردة‪ ،‬ف قد اكت سبت و سيلة الرت باط هذه أهم ية‬
‫جد يدة بالن سبة إ لى ألمان يا‪ .‬ف في الما ضي كانت قد ح مت ألمان يا من خ طر‬
‫خارجي وقريب جدا @ إضافة إلى كونها شرطا @ ضروريا @ لعادة التوحيد الفعلية‬
‫للبلد‪ .‬ولدى اختفاء التحاد السوفييتي وإعادة توحيد ألمانيا‪ ،‬فقد أمنت هذه‬
‫الراب طة مع أمير كا ا لن مظ لة ت ستطيع ألمان يا أن تع مل تحت ها‪ ،‬وع لى ن حو‬
‫مكشوف‪ ،‬في ممارسة دورها القيادي في أوروبا الوسطى دون أن تهدد‪ ،‬في‬
‫ا لوقت ذا ته جيران ها‪ .‬و كذلك‪ ،‬فإن العل قة الميرك ية أم نت أ كثر من شهادة‬
‫حسن سلوك عندما طمأنت جيران ألمانيا عن أن العلقة الوثيقة معها )مع‬
‫ألمان يا( تع ني أي ضا @ و جود عل قة أو ثق مع أمير كا‪ .‬و قد ج عل كل ذ لك من‬
‫السهل على ألمانيا ان تحدد بشكل مكشوف أفضلياتها الجيوبوليتية ‪.‬‬
‫تستطيع ألمانيا‪ ،‬التي رست بأمان في أوروبا واستقرت دون أذى‪ ،‬وبكثير‬
‫من المان في ظل الوجود العسكري الميركي الواضح‪ ،‬أن تعمل الن على‬
‫ت طوير ا ستيعاب اورو با الو سطى الم حررة حديثا @ في الب نى الوروب ية‪ .‬و لن‬
‫ي كون ذ لك ع لى غرار دو لة أورو با الو سطى ا لتي خ ضعت في يوم ما‬
‫للمبريال ية اللمان ية‪ ،‬بل مجتم عا @ أ كثر اع تدال @ ومت جددا @ اقت صاديا @ ومن شطا‬
‫بالتوظي فات المال ية والت جارة اللمان ية‪.‬وتع مل ألمان يا ف يه بو صفها راع ية‬
‫للد خال الرسمي في نها ية المطاف لوروبا الوسطى الجد يدة إ لى كل من‬
‫التحاد الوروبي وحلف الطلسي‪ .‬وفي ظل تامين الحلف الفرنسي اللماني‬
‫المن صة الحيو ية ل ضمان دور إقلي مي أ كثر ح سما@‪ ،‬فإن المان يا لم ت عد بحا جة‬
‫إ لى أن تخ جل من ت ثبيت نف سها او تأك يد ذات ها ضمن أ حد مدارات م صلحتها‬
‫الخاصة‪.‬‬
‫وعلى خريطة أوروبا‪ ،‬يمكن رسم منطقة المصلحة الخاصة اللمانية في‬
‫شكل مستطيل يضم في الغرب فرنسا بالتأكيد‪ ،‬ويمتد في الشرق إلى دول‬
‫أوروبا الوسطى المتحررة حديثا @ من الشيوعية‪ ،‬بما فيها دول البلطيق‪ ،‬التي‬
‫تح يط بأوكران يا وبيل رو سيا‪ ،‬وي صل حتى إ لى رو سيا‪ .‬و في ال كثير من‬

‫‪73‬‬
‫ال نواحي‪ ،‬فإن هذه المنط قة تنط بق ع لى ن صف الق طر ال تاريخي للن فوذ‬
‫الثقافي اللماني البناء‪ ،‬والذي كان قد حدد في مرحلة ما قبل القومية من‬
‫قبل الحضريين والستعماريين الزراعيين اللمان في شرق أوروبا الوسطى‬
‫في جمهور يات البلط يق‪ ،‬عل ما @ أن كل لك م سح أو أل غي في أث ناء ال حرب‬
‫العالم ية الثان ية‪ .‬وال هم من ذ لك‪ ،‬فإن م ناطق الهت مام ال خاص للفرن سيين‬
‫)نوقشت سابقا@( ولللمان‪ ،‬عندما ينظر إليهما معا@‪ ،‬تحدد فعل @ الحدود الغربية‬
‫وال شرقية لورو با بين ما ي شير ال تداخل بينه ما إ لى الهم ية الجيوبوليت ية‬
‫الحاسمة للعلقة الفرنسية اللمانية بوصفها القلب الحيوي لوروبا‪.‬‬

‫إن الن جاح ال حرج ل لدور الل ماني المؤ كد ع لى ن حو أ كثر صرامة في‬
‫أورو با الوسطى جاء من الو فاق الل ماني البو لوني ا لذي حدث في منتصف‬
‫أ عوام الت سعينات‪ .‬ف بالرغم من ب عض المعار ضة الول ية‪ ،‬ما لب ثت ألمان يا‬
‫المعاد توحيدها )مع تدخل أميركي( أن اعترفت فعل @ بحدود ألمانيا الدائمة مع‬
‫بولون يا‪ ،‬وعم لت هذه الخ طوة بدورها‪ ،‬ع لى إزا لة التح فظ البو لوني ا لهم‬
‫والوح يد في ما يتع لق بإقا مة عل قة أو ثق بألمان يا وب عد ب عض التلمي حات‬
‫المتبادلة الخرى إلى النية الحسنة والتسامح‪ ،‬خضعت هذه العلقة إلى تغير‬
‫درا مي‪ .‬ف لم تتف جر الت جارة اللمان ية البولون ية فح سب ) في ال عام ‪1995‬‬
‫تفوقت بولونيا على روسيا في كونها أكبر شريك تجاري للمانيا في الشرق(‪،‬‬
‫ول كن المان يا أ صبحت أي ضا @ الرا عي الرئي سي لبولون يا في انتمائ ها لع ضوية‬
‫الت حاد ا لوروبي‪ ،‬ك ما ر عت هي وأمير كا م عاص عمل ية انتمائ ها إ لى ال ناتو‬
‫)حلف الطلسي(‪ .‬ول نبالغ إذا قلنا إن الوفاق اللماني البولوني أصبح يحتل‬
‫في منت صف الع قد ال حالي أهم ية جيوبوليت ية في أورو با الو سطى م ضاهيا‬
‫بذلك التاثير ال سابق للو فاق الفرن سي الل ماني في أوروبا الغربية‪ .‬استطاع‬
‫النفوذ اللماني أن يمتد‪ ،‬عبر بولونيا‪ ،‬نحو الشمال‪ ،‬إلى دول البلطيق‪ ،‬ونحو‬
‫الشرق إلى أوكرانيا وبيلروسيا‪ .‬وفضل @ عن ذلك‪ ،‬فإن حجم الوفاق اللماني‬
‫البو لوني تو سع إ لى حد ما بالد خال العر ضي لبولون يا إ لى المناق شات‬
‫اللمان ية الفرن سية الها مة المتعل قة بم ستقبل أورو با‪ .‬و قد خ لق ما ي عرف‬
‫بمث لث وايم لر )ا لذي سمي با سم المدي نة اللمان ية ا لتي جرت في ها أول‬
‫استشارات عالية المستوى ثلثية الجانب بين فرنسا وألمانيا وبولونيا‪ ،‬والتي‪،‬‬
‫أي هذه الستشارات‪ ،‬أ صبحت دورية ب عد ذلك( محورا @ جيوبوليتيا @ مهما غالبا‬
‫في القارة الوروبية‪ ،‬يضم ن حو ‪ 180‬مل يون ن سمة من ثلث دول وبإحساس‬

‫‪74‬‬
‫عال بالهوية القومية‪ .‬فمن ناحية‪ ،‬نجد أن ذلك عزز بدرية أكبر الدور الحاسم‬
‫للمان يا في أورو با الو سطى‪ ،‬ولكن هذا ا لدور أ صبح متواز نا @ إ لى حد ما من‬
‫ناحية ثانية بالمشاركة الفرنسية البولونية في الحوار ذي التجاهات الثلثة‪.‬‬
‫إن الق بول ا لوروبي الو سطي بالق يادة اللمان ية‪ ،‬ع لى غرار ما حدث‪،‬‬
‫وحتى بدرجة أكبر مع دول أوروبا الصغرى الوسطى‪ ،‬وجد دعما @ في اللتزام‬
‫اللماني الواضح جدا @ بالتوسع نحو الشرق للمؤسسات الرئيسة في أوروبا‪.‬‬
‫فإذا ا لتزمت ألمان يا بذلك‪ ،‬ف قد أ خذت ع لى عاتق ها الق يام بمه مة تاريخ ية‬
‫تخت لف كثيراص عن ب عض وج هات الن ظر الوروب ية الغرب ية العمي قة ال جذور‬
‫فعل‪ .‬و في هذا ال سياق ا لخير‪ ،‬ف قد ن ظر إ لى ال حداث ا لتي ت تم في شرق‬
‫المان يا والنم سا بو صفها ت حدث ب شكل ما أو بآخر خارج حدود الهت مام‬
‫ا لوروبي الحقي قي‪ .‬وإن هذا المو قف‪ ،‬ا لذي كان حدد بالتف صيل في بدا ية‬
‫القرن الثامن عشر من قبل اللورد بولينغبروك الذي أكد أن العنف السياسي‬
‫في ال شرق لم يكن ذا تأثير في ا لوروبيين الغربي ين‪ ،‬عاد إ لى الظ هور ثانية‬
‫في أثناء أزمة ميونخ عام‪ 1938 ،‬وكذلك ظهر مرة أخرى وعلى نحو مأساوي‬
‫في ال موقفين البري طاني والفرن سي في أث ناء ال نزاع في منت صف أ عوام‬
‫التسعينات في البوسنة‪ .‬ول يزال يكمن تحت السطح في النقاشات الدائرة‬
‫حال يا صفي شأن م ستقبل أورو با‪ .‬و في المقا بل فإن الن قاش ال جدلي‬
‫الحقي قي الوح يد في ألمان يا دار حول ما إذا كان ي جب أن يو سع ح لف‬
‫الطل سي أم الت حاد ا لوروبي أول@‪ ،‬عل ما @ بأن وز ير ا لدفاع ف ضل ا لول بين ما‬
‫دافع وزير الخارجية عن الثاني‪ ،‬وبذلك كانت النتيجة هي أن ألمانيا أصبحت‬
‫ا لرائد ا لذي ل ي نازع لورو با ا لكبر ات ساعا @ وا لكثر نزو عا @ للو حدة‪ .‬وت حدث‬
‫المستشار اللماني عن العام ‪ 2000‬بوصفة العام الهدف الذي سيتم فيه أول‬
‫توسع نحو الشرق للتحاد الوروبي‪ ،‬كما كان وزير الدفاع اللماني بين أوائل‬
‫من ا قترح أن ي كون الع يد ا لذهبي ) مرور ‪ 50‬سنة ع لى التأ سيس( تاري خا‬
‫رمز يا @ ملئ ما @ لول تو سع ن حو ال شرق لل ناتو )ح لف الطل سي(‪ .‬وه كذا فإن‬
‫مف هوم ألمان يا عن م ستقبل أورو با اخت لف عن مف هوم حلفائ ها ا لوروبيين‬
‫الرئي سيين‪ :‬فالبري طانيون أعل نوا عن تف ضيلم لورو با أ كبر ات ساعا @ لن هم رأوا‬
‫في التوسيع وسيلة لضعاف وحدة أوروبا‪ ،‬والفرنسيون كانوا يخشون من أن‬
‫التو سيع سوف ي عزز دور ألمان يا وبال تالي ف ضلوا دم جا @ ع لى أ ساس أ ضيق‪،‬‬
‫وداف عت ألمان يا عن كل وج هتي الن ظر هاتين وبال تالي اكت سبت مكا نة خا صة‬
‫بين دول أوروبا الوسطى كلها‪.‬‬
‫الهدف الرئيسي لميركا‬

‫‪75‬‬
‫ـــــــــــــ‬
‫إن الق ضية الرئي سية لمير كا هي ك يف تب ني أورو با ع لى أ ساس العل قة‬
‫الفرن سية اللمان ية‪ ،‬أو أورو با ا لتي ت كون قاب لة للح ياة وتب قى مرتب طة‬
‫بالوليات المتحد ويمكنها أ‪ ،‬توسع حجم او أبعاد النظام الدولي الديمقراطي‬
‫الت عاوني ا لذي تعت مد عل يه كثيرا @ الممار سة الفعال ية لل سيادة العالم ية‬
‫الميركية‪ .‬وبالتالي فالمسألة ل تكمن في الختيار بين فرنسا والمانيا‪ ،‬فبدون‬
‫أي منهما لن تكون هناك أوروبا أبدا‪.‬‬
‫نستنتج ثلثة استنتاجات واسعة من المناقشة‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ إن الرت باط ا لميركي بق ضية الو حدة الوروب ية هو ضروري لمواز نة‬
‫الز مات المعنو ية والهدف ية الداخل ية ا لتي كانت ت ضعف الحيو ية الوروب ية‬
‫وللتغ لب ع لى ال شكوك الوروب ية الوا سعة النت شار من أن أمير كا تح بذ فعل‬
‫الو حدة الوروب ية الحقيق ية‪ ،‬و لزرق )ح قن( الجر عة اللز مة من الح ماس‬
‫الديمقراطي في عملية أخذ الوروبيين لهذا المر على عاتقهم‪ .‬وهذا يتطلب‬
‫التزاما @ أميركيا @ واضح المعالم بالقبول الفعلي باوروبا كشريك عالمي لميركا‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ و في ال مدى الق صير المعار ضة التكتيك ية للسيا سة الفرن سية و لدعم‬
‫القيادة اللمانية تجد ما يبررها‪ ،‬أما في المدى البعيد‪ ،‬فإن الوحدة الوروبية‬
‫سوف تنطوي على‪ ،‬أو تأخذ هوية سياسية وعسكرية أوروبية اكثر تميزا @ إذا‬
‫كانت أوروبا ستصبح فعل @ حقيقة واقعة‪ .‬وهذا يتطلب بدوره بعض الستيعاب‬
‫أو الحتواء المتدرج لوجهة النظر الفرنسية المتعلقة بتوزيع القوة )السلطة(‬
‫ضمن المؤسسات عبر الطلسية‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ لي ست فرن سا ول ألمان يا قوتين ب ما يك في لب ناء أورو با بامكاناته ما‬
‫الخا صة أو لل حل‪ ،‬بالت عاون مع رو سيا‪ ،‬ل نواحي الغ موض ا لتي تكت نف تحد يد‬
‫البعاد الجغرافية لوروبا‪ .‬فهذا يتطلب تدخل @ اميركيا @ نشيطا @ ومركزا @ وحاسما‬
‫)ذا تصميم على الفعل( ول سيما مع اللمان في تحديد أبعاد أوروبا وبالتالي‬
‫في التك يف مع ت لك الق ضايا الحسا سة )وخا صة لرو سيا( من نوع الو ضع‬
‫النهائي لجمهوريات البلطيق وأوكرانيا‪.‬‬
‫إن لم حة وا حدة ع لى خري طة ا لبر الورا سي ت شير إ لى الهم ية‬
‫الجيوبوليتية لرأس الجسر الوروبي لميركا‪ ،‬وإلى أهمية المساحة الجغرافية‬
‫المتوا ضعة أي ضا‪ .‬وإن المحاف ظة ع لى رأس الج سر هذا وتو سيعه بو صفة‬
‫نق طة انطلق للديمقراط ية‪ ،‬و كونه ذا عل قة مبا شرة بامن أمير كا‪ .‬وعمو ما‬
‫فإن الثغرة الموجودة بين الهتمام العالمي لميركا بالستقرار‪ ،‬وما يرتبط به‬
‫من انتشار للديمقراطية من ناحية وبين ما يبدو من عدم مبالة أوروبا بهذه‬

‫‪76‬‬
‫القضايا ) بالرغم من الو ضع المعلن عنه ذاتيا لفرن سا بو صفها قوة عالمية(‪،‬‬
‫تحتاج إلى أن تغلق‪ ،‬ول يمكن تضييقها إل إذا أخذت أوروبا وعلى نحو متزايد‬
‫ب طابع أ كثر كونفدرال ية‪ .‬إن أورو با ل ت ستطيع أن ت صبح دو لة ـ أ مة )دو لة‬
‫قوم ية( وا حدة ب سبب تما سك تقال يدها الوطن ية المختل فة ول كن يمكن ها أن‬
‫تصبح كيانا يعكس على نحو تراكمي وعبر المؤسسات السياسية المشتركة‬
‫قي ما @ ديمقراط ية م شتركة وي حدد م صالحه الخا صة مع جعل ها ذات طابع عام‬
‫ويمارس جذبا @ مغناطيسيا @ على جيرانه من سكان المجال الوراسي ‪.‬‬
‫إذا ترك ا لوروبيون لو حدهم فأنهم ي خاطرون بأن ي صبحوا عر ضة‬
‫للمتصاص أو التماهي في مشاغلهم الجتماعية الداخلية‪ .‬فاستعادة القتصاد‬
‫المزدهر الوروبي عتمت على التكاليف في المدى الطويل للنجاح الظاهر‪.‬‬
‫و كانت هذه الت كاليف مدمرة اقت صاديا @ وسيا سيا @ ع لى حد سواء‪ .‬إن الز مة‬
‫الشرعية السياسية والحيوية القتصادية التي تواجهها أوروبا الغربية على نحو‬
‫متزايد دون أن تكون قادرة على التغلب عليها هي متجذرة بعمق في التوسع‬
‫ع لى ن طاق كبير للبن ية الجتماع ية ا لتي ترعا ها الدو لة وا لتي تف ضل طري قة‬
‫الح كم البو ية‪ ،‬والحما ية‪ ،‬وال ضيق في أ فق التفك ير‪ .‬وت كون النتي جة حما ية‬
‫النتاج الوطني بفرض رسوم عالية على السلع المستوردة‪ .‬متمثلة في ذلك‬
‫الشرط الثقافي الذي يجمع بين مذهب المتعة الهروبي والفراغ الروحي‪ ،‬أي‬
‫ال شرط ا لذي يم كن ا ستغلله من ق بل الق صويين ال قوميين أو أ صحاب‬
‫اليديولوجيات الدوغماتية‪ .‬إن هذا الشرط‪ ،‬إذا أصبح منتشرا@‪ ،‬قد يصبح مميتا‬
‫للديمقراطية ولفكرة أوروبا‪ .‬وإن كل هاتين الس”متين مرتبطتان فعل @ إحداهما‬
‫با لخرى‪ ،‬لن الم شكلت لورو با سواء أ كانت متمث لة في اله جرة أم في‬
‫الت نافس القت صادي التكن لوجي مع أمير كا أو آ سيا وب غض الن ظر عن الحا جة‬
‫إلى إصلح مستقر سياسيا للبنى الجتماعية القتصادية ل يمكن التعامل معها‬
‫ع لى ن حو ف عال في سياق ذي طابع قاري مت نام‪ .‬وعمو ما@‪ ،‬فإن أورو با ا لتي‬
‫هي أ كبر من ح جم أجزائ ها أي أورو با ا لتي ترى دورا @ عالم يا @ لنف سها في‬
‫ت طوير الديمقراط ية و في الهدا ية الو سع نطا قا @ إ لى ق يم إن سانية أسا سية‪،‬‬
‫يتح مل ل ها بدر جة أ كبر أن ت كون غ ير ملئ مة للت طرف السيا سي وللنزا عات‬
‫القومية الضيقة‪ ،‬أو مذهب المتعة الجتماعي ‪.‬‬
‫ول سنا بحا جة إ لى إ شارة الم خاوف القدي مة من و فاق أل ماني رو سي‬
‫منف صل‪ ،‬أو إ لى المبال غة في ت قدير ن تائج ال غزل الت كتيكي الفرن سي مع‬
‫موسكو للتعامل مع القلق إزاء الستقرار الجيوبوليتي لوروبا‪ ،‬ولدور أميركا‬
‫فيه‪ ،‬ونقصد بذلك القلق الناجم عن فشل الجهود التي ل تزال أوروبا تقوم‬
‫بها الن من أجل توحيدها‪ .‬وإن إي فشل من هذا القبيل ربما سيترتب عليه‬

‫‪77‬‬
‫الق يام بب عض الم ناورات الوروب ية الجد يدة والتقليد ية‪ .‬و هي ستخلق بالتأك يد‬
‫فر صا @ لتأك يد ا لذات جغراف يا من ق بل رو سيا أم ألمان يا و مع ذ لك ف قد كان‬
‫تار يخ أورو با ال حديث يح توي ع لى دروس معي نة فل يحت مل أن أ حدا @ سيحقق‬
‫نجا حا @ ثاب تا @ في هذا الم جال‪ .‬ومه ما ي كن ا لمر و في أ قل الحت مالت‪ ،‬رب ما‬
‫ستصبح ألمانيا أكثر ثقة ووضوحا @ في تحديد مصالحها الوطنية ‪.‬‬
‫وفي ا لوقت الرا هن‪ ،‬فإن المصالح اللمانية متواف قة مع و حتى مندم جة‬
‫ضمن‪ ،‬م صالح الت حاد ا لوروبي وح لف الطل سي‪ .‬و كذلك‪ ،‬ف حتى ال ناطقون‬
‫باسم التحالف اليساري‪ ،‬وجماعات الخضر دافعوا عن توسيع كل من التحاد‬
‫ا لوروبي وح لف الطل سي‪ .‬ول كن إذا كان ع لى توح يد أورو با وتو سيعها أن‬
‫يتو قف أو ي تأخر ف سوف ي كون ث مة سبب ما لن ن فترض أن تعري فا @ أ كثر‬
‫الت صاقا @ بالوطن ية لمف هوم ألمان يا عن "الن ظام ا لوروبي" سوف يظ هر إ لى‬
‫ال سطح و سيكون غال با @ مؤذ يا @ لل ستقرار ا لوروبي‪ .‬كان وولف غانغ شاوبل‪،‬‬
‫زع يم ا لديمقراطيين الم سيحيين في مج لس ال نواب الل ماني‪ ،‬والخلي فة‬
‫المحتمل للمستشار كول‪ ،‬قد عبر عن هذه الفكرة عندما أعلن أن ألمانيا لم‬
‫ت عد "الح صن الغر بي ضد ال شرق‪ ،‬ف قد أ صبحنا مر كز أورو با"‪ ،‬وأ ضاف إ لى‬
‫ذلك قائل @ إن "ألمانيا في فترات طويلة من العصور الوسطى كانت منخرطة‬
‫في خلق النظام في أوروبا"‪ .((1‬وفي هذه الرؤية‪ ،‬فإن أوروبا الوسطى التي‬
‫كانت خاضعة للمانيا اقتصاديا @ في يوم ما‪ ،‬وعوضا @ عن كونها منطقة أوروبية‪،‬‬
‫تت فوق في ها ألمان يا اقت صاديا@‪ ،‬سوف ت صبح منط قة سيادة سيا سية ألمان ية‬
‫مفتو حة وأسا سا @ أو منطل قا @ لسيا سة ألمان ية تت سم بدر جة أ كبر من النز عة‬
‫الحادية الجانب‪ ،‬مقابل الشرق والغرب على حد سواء ‪.‬‬
‫وع ندئذ لن تب قى أورو با رأس ج سر أورا سيا لل قوة الميرك ية‪ ،‬ونق طة‬
‫النطلق المحتم لة لتو سع الن ظام ال عالمي ا لديمقراطي إ لى أورا سيا‪ .‬و هذا‬
‫هو ال سبب ا لذي ي جب من أج له الب قاء ع لى ا لدعم ا لميركي الوا ضح‬
‫والملموس لتوحيد أوروبا‪ .‬وبالرغم من أن أميركا كانت قد أعلنت غالبا سواء‬
‫في أثناء استعادة القتصاد المزدهر في أوروبا أم ضمن التحالف المني عبر‬
‫الطل سي‪ ،‬عن دعم ها للو حدة الوروب ية و عن م ساندتها للت عاون ب ين دول‬
‫أوروبا‪ ،‬فقد تصرفت أيضا‪ ،‬أي أميركا‪ ،‬كما لو أنها تفضل التعامل في قضايا‬
‫اقت صادية وسيا سية م ضطربة مع دول أوروب ية مت فردة ول يس مع الت حاد‬
‫الوروبي العتيد‪ .‬وإن الصرار الميركي العرضي على امتلك "صوت" ضمن‬
‫عمل ية صنع ال قرار ا لوروبي كان قد عزز ال شكوك الوروب ية بأن أمير كا‬
‫تفضل التعاون بين الوروبيين عندما يكونون تابعين للقيادة الميركية‪ ،‬وليس‬

‫"بوليتيكن سونداغ"‪2 ،‬آب ‪.1996‬‬ ‫)‪(1‬‬

‫‪78‬‬
‫ع ندما ي صوغون سيا سات أورو با بأنف سهم‪ .‬وت لك هي الر سالة الخ طأ ا لتي‬
‫يجب نقلها‪.‬‬
‫إن ال لتزام ا لميركي بو حدة أورو با‪ ،‬وا لذي كرر ع نوة في ب يان مدر يد‬
‫ا لميركي ـ ا لوروبي الم شترك في كانون ا لول ‪ ،1995‬سوف ي ستمر في‬
‫الرنين ا لجوف حتى تصبح أمير كا م ستعدة ل ل لعلن بدون إن هاء أو غ موض‬
‫عن كون ها جاهزة للق بول بالن تائج المترت بة ع لى ت حول أورو با إ لى أورو با‬
‫مو حدة حقيق ية فح سب‪ ،‬بل حتى تت صرف هذه الدو لة ع لى هذا ال ساس‬
‫أي ضا‪ .‬وبالن سبة إ لى أورو با فإن النتي جة الفعل ية سوف تع ني أن ت كون هذه‬
‫ال قارة شريكا حقيق يا لمير كا ول يس م جرد حل يف نف ضل "و ضميره "ل هذه‬
‫الخيرة‪ .‬و كذلك‪ ،‬فإن ال شراكة الحقيقة تعني فعل المشاطرة في ال قرارات‬
‫والم سؤوليات ع لى حد سواء‪ .‬وأن ا لدعم ا لميركي ل هذه الق ضية سوف‬
‫ينشط الحوار عبر الطلسي‪ ،‬كما سيدفع الوروبيين إلى التركيز بشكل أكثر‬
‫جدية على الدور الذي يمكن لوروبا ذات الهمية الفعلية تلعبه في العالم ‪.‬‬
‫يعت قد أ نه في نق طة ما )أو في م كان وز مان معين ين( يم كن أن ي صبح‬
‫الت حاد ا لوروبي المو حد وال قوي غري ما سيا سيا عالم يا للول يات المت حدة‪.‬‬
‫وي ستطيع هذا الت حاد أن ي صبح‪ ،‬بالتأك يد‪ ،‬مناف سا أقت صاديا تكنولوج يا صعبا‬
‫بين ما يم كن أي ضا لم صالحة الجيوبوليت ية في ال شرق الو سط و في أ ماكن‬
‫أ خرى أن تت عارض مع مصالح أميركا‪ .‬ولكن في الحقي قة ل يحت مل أن تظ هر‬
‫إلى الوجود في المستقبل المنظور أوروبا قومية وذات تفكير موحد سياسيا‪.‬‬
‫فخلفا للشروط التي سادت في أميركا في زمن تشكل الوليات المتحدة ‪،‬‬
‫ن جد أ نه تو جد جذور تاريخ ية عمي قة تم نع ا لدول ا لمم )ا لدول القوم ية(‬
‫الوروبية مع هذا التشكل كما أن النزعة إلى أوروبا متخطية للحدود تراجعت‬
‫وضعفت على نحو واضح ‪.‬‬
‫إن ال بدائل الحقيق ية في الع قد أو الع قدين هي إ ما أورو با مو سعة‬
‫ومتوحدة وسائرة وإن بتردد أو تشنج أو على نحو متقطع إلى هدف الوحدة‬
‫القارية‪ ،‬أو أوروبا الواقعة في موقف حرج والتي ل يمكنها التحرك إلى أبعد‬
‫من الحا لة ا لتي ت عاني من الو ضع ال حرج والمت شظية بال تدرج والم ستأنفة‬
‫للنزا عات القدي مة ع لى ال قوة )ال سلطة(‪ .‬و في أورو با ذات المو قف ال حرج‬
‫هذا‪ ،‬سيكون أ مرا حتم يا أن ت ضعف عمل ية د مج ألمان يا بأورو با‪ ،‬وين تج‪ ،‬عن‬
‫ذ لك‪ ،‬تحد يد ذو نز عة قوم ية أ قوى لم صلحة الدو لة اللمان ية‪ .‬وبالن سبة إ لى‬
‫أميركا‪ ،‬فإن الخيار هو الفضل ولكنه خيار يتطلب تنشيط الدعم الميركي إذا‬
‫أريد له أن يحدث أو يتم ‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫و في هذه المرح لة من الب ناء ال متردد لورو با‪ ،‬فإن أمير كا ل تح تاج إ لى‬
‫الن خراط مبا شرة في نقا شات جدل ية مع قدة تتع لق بت لك الق ضايا من نوع‬
‫و جوب أو عدم و جوب ات خاذ الت حاد ا لوروبي ل قرارات السيا سة الخارج ية‬
‫بالغلب ية )و هو الو ضع المف ضل ب شكل خاص من ق بل ألمان يا(‪ ،‬أو من نوع‬
‫وجوب أو عدم وجوب امتلك البرلمان الوروبي لسلطات التشريع الحاسمة‪،‬‬
‫و صيرورة اللج نة الوروب ية في بروك سل سلطة تنفيذ ية أوروب ية‪ ،‬أو من نوع‬
‫ضرورة أو عدم ضرورة تمد يد م هل ال جدول الزم ني لتنف يذ اتفاق ية الت حاد‬
‫القت صادي والن قدي )متع لق بال مال( ا لوروبي؛ أو أخ يرا من نوع ضرورة او‬
‫عدم ضرورة أورو با ذات ن ظام كون فدرالي وا سع )ف ضفاض( أو كيا نا مت عدد‬
‫ال جوانب )الطب قات( مع ق لب داخ لي فدرالي‪ ،‬و حرف )إ طار( خارجي أ قل‬
‫تماسكا إلى حد ما‪ .‬تلك هي مسائل يجب على الوروبيين أن يدرسوها بين‬
‫أنفسهم علما أنه ل يتحمل أن يكون التقدم في كل هذه القضايا متساويا ول‬
‫أن تتخل له توق فات‪ ،‬ول يدفع إ لى ال مام من الناح ية العمل ية ال باللجوء إ لى‬
‫الحلول الوسيطة المعقدة‪ .‬وبرغم ذلك‪ ،‬فمن النطقي أن نفترض أن التحاد‬
‫القت صادي والن قدي سوف يظ هر إ لى الو جود ال عام ‪ 2000‬ورب ما في البدا ية‬
‫ب ين ‪ 6‬ـ ‪ 10‬دول من ا لدول الخ مس ع شرة المو جودة حال يا في الت حاد‬
‫ا لوروبي‪ .‬و سوف ي سرع ذ لك الد مج القت صادي لورو با خارج الب عد الن قدي‬
‫)المتعلق بالموال والعملت(‪ ،‬مما يشجع أكثر فأكثر على الدمج السياسي‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فعلى نحو متقطع وغير منتظم ومع وجود داخلي )قلب( أكثر تماسكا‬
‫وطبقة خارجية أكثر ارتخاء سوف تصبح أوروبا الواحدة‪ ،‬وعلى نحو متنام مع‬
‫الز من‪ ،‬لع با سيا سيا ها ما ع لى رق عة ال شطرنج الورا سية‪ .‬و في أي حال ل‬
‫ي جوز أن تن قل أمير كا ذ لك النط باع عن أن ها تف ضل تجم عا أوروب يا أ كثر‬
‫غمو ضا‪ ،‬حتى لو كان أ كثر أت ساعا ول كن ي جب أن ت كرر ال قول‪ ،‬بالكل مات‬
‫والف عال‪ ،‬إن ها تر غب في التعا مل‪ ،‬في نها ية الم طاف‪ ،‬مع الت حاد ا لوروبي‬
‫بوصفه شريكا أمنيا وسياسيا عالميا لها‪،‬وليس بوصفه مجرد سوق مشتركة‬
‫إقليمية مؤلفة من دول متحالفة مع الوليات المتحدة عبر حلف الطلسي ‪.‬‬
‫ولجعل هذا اللتزام أكثر صدقية‪ ،‬وللذهاب إلى أبعد من مجرد الكلم عن‬
‫ال شراكة‪ ،‬يم كن ا قتراح و بدء تنف يذ التخط يط الم شترك مع الت حاد ا لوروبي‬
‫في ما يتع لق بآل يات صنع ال قرار عبر الطل سي الثنائ ية ال جانب والجد يدة‪.‬‬
‫ينط بق الم بدأ ذا ته ع لى ح لف الطل سي أي ضا‪ .‬فالب قاء ع لى هذا الح لف هو‬
‫حيوي للعلقة عبر الطلسي‪ .‬وفي هذه القضية‪ ،‬يوجد إجماع أميركي أوروبي‬
‫ساحق‪ .‬ف بدون ح لف الطل سي‪ ،‬لن ت صبح أورو با غ ير مني عة فح سب‪ ،‬بل‬
‫ست صبح‪ ،‬وع لى ن حو فوري تقري با‪ ،‬مت شظية سيا سيا أي ضا‪ .‬فح لف الطل سي‬

‫‪80‬‬
‫هذا يضمن المن الوروبي ويؤمن اطار عمل مستقرا لمتابعة تحقيق الوحدة‬
‫الوروبية‪ .‬وهذا هو الذي يجعل حلف الطلسي حيويا لهذه الدرجة لوروبا ‪.‬‬
‫ومهما يكن من أمر‪ ،‬واذ تتوحد أوروبا تدريجيا وبشيء من التردد‪ ،‬يجب‬
‫أيضا على البنية الداخلية والجراءات المتعلقة بالناتو أن تتكيف مع ما يحدث‪.‬‬
‫وفي هذه القضية‪ ،‬يملك الفرنسيون وجهة نظر‪ .‬ول يمكن أن تصبح لدينا في‬
‫يوم ما أوروبا موحدة فعل‪ ،‬ومع ذلك يبقى ذلك الحلف المقام على أساس‬
‫التكا مل أو الد مج ب ين قوة عظ مى )أو دو لة عظ مى( و ‪ 15‬دو لة م ستقلة‬
‫أ خرى‪ .‬و ما أن تبدأ أورو با في امتلك هو ية سيا سية حقيق ية خا صة ب ها‪ ،‬و مع‬
‫أ خذ الت حاد ا لوروبي‪ ،‬وع لى ن حو متزا يد‪ ،‬ب عض و ظائف الحكو مة فوق‬
‫القومية‪ ،‬حتى يجب على حلف الطلسي أن يغير نفسه على أساس الصيغة‬
‫التالية ‪)1+1:‬أميركا ‪ +‬اتحاد أوروبي(‪.‬‬
‫لن يحدث ذلك بين يوم وليلة أو فورا‪ .‬ول بد أن نكرر أن التقدم في هذا‬
‫الت جاه سوف ي كون مح يرا‪ .‬ول كن ي جب أن ينع كس م ثل هذا الت قدم في‬
‫ترتيبات الحلف الموجود حاليا‪ ،‬مثل يصبح غياب مثل هذا التعديل عقبه أمام‬
‫التقدم اللحق‪ .‬والخطوة الهامة في هذا التجاه تمثلت في قرار الحلف في‬
‫العام ‪ 1996‬عن إفساح المجال لقوات المهام المشتركة المجمعة‪ ،‬مما أتاح‬
‫إمكانية تنفيذ بعض المبادرات العسكرية الوروبية الصرفة المعتمدة على فن‬
‫ال سوقيات والقيادة وال سيطرة والتصالت والستطلع في الحلف‪ .‬وعمو ما‬
‫فإن الرغبة الميركية الكبرى في استيعاب الطلبات الفرنسية المتعلقة بدور‬
‫متزايد الهيمة للتحاد الوروبي الغربي في حلف الطلسي‪ ،‬وبخاصة في ما‬
‫يتعلق بالقيادة وصنع القرار‪ ،‬ستكون هي الخرى دليل على الدعم الميركي‬
‫الحقي قي للو حدة الوروب ية‪ ،‬وي جب أن ت ضيق إ لى حد ما الث غرة ب ين أمير كا‬
‫وفرنسا في شأن التحديد الذاتي الفعلي لدور أوروبا ‪.‬‬
‫و في ال مدى البع يد ول كي ي كون ممك نا أن ي ضم الت حاد ا لوروبي الغر بي‬
‫ب عض ا لدول الع ضاء في الت حاد ا لوروبي‪ ،‬وا لتي يم كن أن تخ تار‪ ،‬ل سباب‬
‫جيوبوليتية أو تاريخية مختلفة‪ ،‬أل تنضم إلى عضوية حلف الطلسي‪ .‬ويمكن‬
‫أن يشمل ذلك فنلندا أو السويد‪ ،‬أو ربما حتى النمسا‪ ،‬وهي كلها دول حصلت‬
‫ع لى صفة المرا قب في الت حاد ا لوروبي الغر بي‪ .‬يم كن لدول أ خرى أن‬
‫تسعى إلى علقة بهذا التحاد تمهيدا للنظمام إلى عضوية حلف الطلسي‪.‬‬
‫و كذلك يم كن للت حاد ا لوروبي الغر بي أن يخ تار في نق طة ما أن ي نافس‬
‫الشراكة الناتو ية )ن سبة إلى حلف الناتو( على برنا مج السلم في ما يتعلق‬
‫بالع ضاء الم ستقبليين ا لذين سين ضمون إ لى الت حاد ا لوروبي‪ .‬وسي ساعد‬

‫‪81‬‬
‫على إقامة شبكة أوسع للتعلون المني في أوروبا ذاته‪ ،‬خارج البعد الرسمي‬
‫للتحالف عبر الطلسي ‪.‬‬
‫وفي ا لوقت ذاته‪ ،‬وإ لى أن تظهر أوروبا أكبر تو حدا‪ ،‬علما أن ذلك حتى‬
‫في أف ضل ال شروط‪ ،‬لن ي حدث في الم ستقبل القر يب‪ ،‬فإن الول يات‬
‫المت حدة سوف ت كون م ضطرة للع مل ع لى ن حو وث يق مع كل من فرن سا‬
‫وألمان يا ل كي ت ساعد ع لى ظ هور م ثل م هذه الدو لة الوروب ية ا لكبر وا لكثر‬
‫توحدا‪ .‬وهكذا‪ ،‬وفي ما يتعلق بفرنسا‪ ،‬فإن المأزق السياسي الرئيس لميركا‬
‫سوف ي ستمر في أن ي كون عن كيف ية إ غواء فرن سا ع لى تكا مل أو ا ندماج‬
‫سياسي وعسكري أطلسي أوثق دون التضحية بالعلقة الميركية ـ اللمانية‪.‬‬
‫و في ما يتع لق بألمان يا‪ ،‬فإن ال شيء ذا ته هو عن كيف ية ا ستثمار العت ماد‬
‫ا لميركي ع لى الق يادة اللمان ية في أورو با أطل سية ال طابع دون إ ثارة ق لق‬
‫فرنسا وبريطانيا‪ ،‬والدول الوروبية الخرى أيضا ‪.‬‬
‫إن المز يد من المرو نة الميرك ية ا لتي يم كن إظهار ها إزاء ال شكل‬
‫الم ستقبلي للح لف سي ساعد في الت عبئة الفعل ية لدعم فرن سي أ كبر لعمل ية‬
‫تو سع هذا الح لف شرقا‪ .‬و في ال مدى البع يد‪ ،‬فإن منط قة ا لمن الع سكري‬
‫المتكا مل لل ناتو في كل جانبي ألمان يا سوف تؤمن بث بات أو ب صلبة أ كبر‬
‫حماية هذه الدولة ضمن إطار عمل متعدد الطراف وهو ما يجب أن يكون‬
‫م سألة ذات أهم ية لفرن سا‪ .‬وف ضل عن ذ لك فإن تو سع الح لف سوف يز يد‬
‫من إمكان ية ت حول مث لث واي مار )ا لذي ي ضم ألمان يا‪ ،‬وفرن سا‪ ،‬وبولون يا( إ لى‬
‫وسيلة رائعة لموازنة القيادة اللمانية في أوروبا إلى حد ما‪ .‬وبالرغم من أن‬
‫بولون يا تعت مد ع لى ا لدعم الل ماني ل كي تتم كن من ا لدخول إ لى الح لف‬
‫)وتغ تاظ من ا لتردد الفرن سي الرا هن إزاء م ثل هذا التو سع(‪ ،‬ف ما أن ت صبح‬
‫هذه الدو لة‪ ،‬أي بولون يا‪ ،‬دا خل الح لف حتى يزداد احت مال ظ هور وج هة ن ظر‬
‫جيوبوليتية فرنسية بولونية مشتركة‪.‬‬
‫وفي أي حال فل يجوز أن تفقد واشنطن رؤيتها للحقيقة المتمثلة في أن‬
‫فرن سا هي الخ صم الوح يد في ال مدى القر يب في الم سائل المتعل قة بهو ية‬
‫أوروبا أو بالعمال الداخلية للناتو‪ .‬والهم من ذلك‪ ،‬يجب أل تغرب عن ذهنها‬
‫حقيقة كون فرنسا شريكا أساسيا في المهمة الهامة للدخال الدائم للمانيا‬
‫الديمقراطية إلى أوروبا‪ ،‬وهذا هو الدور التاريخي للعلقة الفرنسية اللمانية‪.‬‬
‫ويجب أن يحس توسع التحاد الوروبي والناتو شرقا من أهمية هذه العلقة‬
‫بوصفها القلب الداخلي الصلب لوروبا‪ .‬وأخيرا فإن فرنسا ليست قوية بما‬
‫فيه الكفا ية إ ما لل عتراض على أمير كا في وضعها للسس الجيواستراتيجية‬

‫‪82‬‬
‫لسياستها ازاء أوروبا‪ ،‬أو لتصبح هي ذاتها قائدة لوروبا هذه‪ ،‬وبالتالي يمكن‬
‫تحمل خصوصياتها وحتى نوبات غضبها ‪.‬‬
‫وأنه لمن الملئم أيضا أن نلحظ ان فرنسا ل تلعب دورا بناء في شمال‬
‫أفريق يا و في ا لدول الفريق ية الناط قة بالل غة الفرن سية‪ .‬و هي ال شريك‬
‫السا سي للم غرب و تونس بين ما ت مارس أي ضا دورا م ساعدا ع لى ال ستقرار‬
‫في ال جزائر‪ .‬وث مة سبب داخ لي ج يد لم ثل هذا ا لنخراط الفرن سي ا لن‪.‬‬
‫وه كذا فإن فرن سا تم لك رها نا حيو يا في ا ستقرار شمال افريق يا وت طوره‬
‫المنتظم‪ .‬ولكن هذه المصلحة تفيد بدرجة أكبر أمن أوروبا‪ .‬وبدون الحساس‬
‫الفرن سي بالمه مة المل قاة ع لى عاتق فرن سا‪ ،‬فإن المجن بة الجنوب ية لورو با‬
‫ستكون أقل استفزازا إلى حد كبير وتشكل خطرا‪ .‬وعموما فإن كل أوروبا‬
‫الجنوب ية تت حول ع لى ن حو متزا يد إ لى الح ساس بالقلق إزاء الخ طر‬
‫الجت ماعي السيا سي ال ناجم عن عدم ال ستقرار ع لى ام تداد ال شاطئ‬
‫الجنوبي للبحر المتوسط يرتبط تماما باهتمامات الناتو المنية‪ ،‬وكذلك يجب‬
‫أن يؤ خذ هذا العت بار في الح سبان ع ندما ت ضطر أمير كا أحيا نا للتكل يف‬
‫والتعامل مع ادعاءات فرنسا المبالغ بها عن موقفها القيادي الخاص ‪.‬‬
‫أما ألمانيا ف هي مسالة أخرى حيث ل يمكن إنكار دورها القيادي‪ ،‬ولكن‬
‫ي جب ال حذر في ما يتع لق بأي مواف قات ذات طابع شعبي )ج ماهيري( ع لى‬
‫دور الزعا مة اللمان ية في أورو با‪ .‬و قد ت كون هذه الزعا مة ملئ مة بب عض‬
‫ا لدول الوروب ية‪ ،‬كت لك ا لدول في أورو با الو سطى ا لتي ت قدر الم بادرة‬
‫اللمانية في شأن توسع أوروبا شرقا @ ‪ -‬ويمكن تحملها من قبل الدول الغربية‬
‫مادامت مصنعة تحت عنوان السيادة الميركية‪ ،‬ولكن بناء أوروبا ل يمكن أن‬
‫يعتمد عليها في المدى البعيد‪ .‬فالكثير من الذكريات موجود والكثير جدا @ من‬
‫الم خاوف ل يزال محت مل الظ هور ثان ية إ لى ال سطح‪ .‬وإن أورو با ا لتي تب نى‬
‫وت قاد من ق بل برل ين‪ ،‬لي ست ممك نة في أب سط ال حالت‪ .‬و لذا فإن ألمان يا‬
‫تحتاج إلى فرنسا‪ ،‬كما أن أوروبا تحتاج إلى فرنسا‪ ،‬اوروبا تحتاج إلى العلقة‬
‫الفرنسية اللمانية‪ ،‬ول يمكن‪ ،‬بالتالي‪ ،‬لميركا أن تختار بين ألمانيا وفرنسا‪.‬‬
‫إن النقطة الساسية المتعلقة بتوسع الناتو هي أن هذا التوسع هو عملية‬
‫مرتب طة ع لى ن حو متكا مل بتو سع أورو با ذات ها‪ .‬وإذا كان الت حاد ا لوروبي‬
‫سيصبح مجتمعا @ اكبر تكامل @ وطبقات خارجية أقل تكامل@‪ ،‬وكانت أوروبا هذه‬
‫ستعتمد في أنها على تحالف مستمر مع أميركا‪ ،‬فينتج عن ذلك‪ ،‬عندئذ‪ ،‬أن‬
‫ذلك القطاع الكثر تعرضا @ على الصعيد الجغرافي منها‪ ،‬أي أوروبا الوسطى‪،‬‬
‫لن ي ستثنى حت ما @ من ال شتراك في ال حس الم ني ا لذي تتم تع أو ت شعر به‬
‫سائر أوروبا من خلل التحالف عبر الطلسي‪ .‬وفي هذه النقطة تنفق أميركا‬

‫‪83‬‬
‫وألمانيا‪ .‬وبالنسبة إليهما‪ ،‬نجد أن الحافر للتوسع هو سياسي‪ ،‬وتاريخي وبناء‪.‬‬
‫وهو ل ينبع من العداء لروسيا‪ ،‬ول من الخوف من هذه الخيرة‪ ،‬ول حتى من‬
‫الرغبة في عزل هذه الدولة‪.‬‬
‫و من ه نا‪ ،‬فل @ بد أن تع مل أمير كا‪ ،‬وب شكل وث يق جدا@‪ ،‬مع ألمان يا في‬
‫ت طوير تو سع أورو با شرقا‪ .‬و سيكون الت عاون ا لميركي الل ماني والق يادة‬
‫الم شتركة الق ضية ب هذه الق ضية ضروريين‪ .‬و سيتم التو سع إذا شجعت‬
‫الول يات المت حدة وألمان يا م عا @ الحل فاء ا لخرين في ح لف الطل سي ع لى‬
‫الموافقة على هذه الخطوة‪ ،‬ثم العمل إما على التفاوض الفعال على بعض‬
‫الت سويات مع رو سيا إذا كانت هذه ا لخيرة راغ بة في ذ لك )ان ظر الف صل‬
‫الرابع(‪ ،‬أو على التصرف على نحو مضمون‪ ،‬ومن خلل القتناع الصحيح بأن‬
‫مهمة بناء أوروبا ل يمكن إخضاعها لعتراضات موسكو‪ .‬وسوف تدعو الحاج‬
‫بشكل خاص إلى الحصول على الموافقة اللزمة بالجماع لكل أعضاء حلف‬
‫الطل سي‪ ،‬ول كن أ حدا @ من هؤلء الع ضاء لن ي كون قادرا @ ع لى الر فض إذا‬
‫ضغطت أميركا وألمانيا معا @ عليه‪.‬‬
‫وأخ يرا @ ن جد في الر هان في هذا الج هد ا لدور الطو يل ال مد لمير كا في‬
‫أوروبا‪ .‬فثمة أوروبا جديدة ل تزال تتشكل‪ ،‬وإذا كان على أوروبا الجديدة هذه‬
‫أن تبقى‪ ،‬من الناحية الجغرافية‪ ،‬جزءا @ من المجال" الورو ـ أطلسي"نفل بد‬
‫ان يكون توسع الناتو ضروريا‪ .‬وفي الواقع‪ ،‬فإن السياسة الميركية الشاملة‬
‫لورا سيا ك كل لن ت كون ممك نة اذا كان الج هد ال هادف إ لى تو سيع ال ناتو‪،‬‬
‫وا لذي كان قد أط لق من ق بل أمير كا‪ ،‬سيتوقف ويت عثر‪ .‬و سوف يؤدي هذا‬
‫الف شل إ لى نزع الث قة بالق يادة الميرك ية‪ ،‬و كذلك‪ ،‬ف سوف ي شتت مف هوم‬
‫اورو با المتو سعة‪ ،‬و سيؤدي أي ضا إ لى خ فض الحا لة المعنو ية ل سكان أورو با‬
‫الو سطى‪ ،‬و قد ي ستطيع إ عادة تفع يل الطمو حات الجيوبوليت ية الرو سية‪،‬‬
‫النائمة او المحتضرة حاليا @ في شان أوروبا الوسطى‪ .‬وبالنسبة إلى الغرب‪،‬‬
‫فسوف يكون ذلك جرحا @ ذاتيا @ وسيدمر حتى الموت الفاق المستقبلية لعمود‬
‫أورو بي حقي قي في أي ب ناء أم ني أورا سي فع لي‪ ،‬أ ما بالن سبة إ لى أمير كا‪،‬‬
‫ف لن ي كون ا لمر م جرد هزي مة إقليم ية فح سب‪ ،‬بل سيكون أي ضا @ هزي مة‬
‫عالمية‪.‬‬
‫إن الخط السفلي أو الحد الدني الموجه للتوسع التدريجي لوروبا يجب‬
‫أن يتم ثل بالقتراح ال قائل إ نه ل حق قوة خارج ية من الن ظام الرا هن عبر‬
‫الطل سي بأن ت عترض ع لى ا شتراك أي دو لة أوروب ية مؤه لة في الن ظام‬
‫ا لوروبي‪ ،‬وبال تالي في لن ظام ا لمني عبر الطل سي أي ضا‪ ،‬وإ نه ل ي جوز‬
‫ا ستبعاد أي دو لة أوروب ية مؤه لة ب شكل بديهي من الع ضوية الفعل ية في أي‬

‫‪84‬‬
‫من لتحاد الوربي أو حلف الطلسي‪ .‬وبشكل خاص فإن لدول البلطيق ذات‬
‫الحد العلى من عدم المناعة والمؤهلة على نحو متزايد كل الحق بأن تعرف‬
‫أن ها ت ستطيع أن ت صبح أي ضا‪ ،‬في نها ية الم طاف‪ ،‬أع ضاء كام لة الع ضوية في‬
‫كل هذين التنظيمين‪ .‬وأنه في الوقت ذاته‪ ،‬ل يمكن تهديد سيادتها دون التأثير‬
‫في مصالح أوروبا المتوسعة وشريكها الميركي‪.‬‬
‫و من ح يث ال جوهر‪ ،‬ي جب ع لى ال غرب‪ ،‬ول سيما أمير كا وحلفائ ها‬
‫ا لوروبيين الغربي ين‪ ،‬أن ي قدموا جوا با @ عن ال سؤال ا لذي طر حه‪ ،‬بم هارة‪،‬‬
‫فاكلف ها فل )رئ يس جمهور ية الت شيك( في أ خن بتار يخ ‪ 15‬ا يار من ال عام‬
‫‪:1996‬‬
‫"أنا أعرف أنه ل التحاد الوروبي ول حلف شمال الطلسي يستطيعان‬
‫أن يفتحا أبوابهم طول الليل لكل من يطمح إلى ولوج هذه البواب‪ .‬وأن ما‬
‫يفعله قبل أن يصبح الوقت متأخرا @ جدا@‪ ،‬هو أن يعطيا كل أوروبا‪ ،‬التي ينظر‬
‫إلي ها كم جال للق يم الم شتركة‪ ،‬التأك يد الوا ضح بأنه ما لي سا نابين مغلق ين‪.‬‬
‫وي جب أن ي صوغا سيا سة وا ضحة ومف صلة عن التو سع ال تدريجي‪ ،‬وا لتي‪،‬‬
‫أي هذه السياسق ل تحتوي على جدول زمني فقط‪ ،‬بل تفسر أيضا @ المنطق‬
‫الكامل خلف هذا الجدول‪".‬‬

‫‪85‬‬
‫الجدول الزمني التاريخي لوروبا‬
‫الجدول الزمني التاريخي لوروبا‬
‫بالرغم من أن الحدود الشرقية الفعلية لوروبا في هذه المرحلة ل يمكن‬
‫تحديدها على نحو ثابت أو تثبيتها نهائيا@‪ ،‬فإن أوروبا‪ ،‬وبالمعنى الوسع للكلمة‪،‬‬
‫هي حضارة مشتركة جاءت من التقاليد المسيحية المشتركة‪ .‬وإن التعريف‬
‫ال غرب ال ضيق ب عدا @ لورو با كان قد ا قترن برو ما وميراث ها ال تاريخي‪ .‬ول كن‬
‫التقال يد الم سيحية لورو با كانت قد شملت أي ضا @ البيزنط ية والرثوذك سية‬
‫الروسية التي انبثقت من هذه الخيرة‪ .‬وهكذا‪ ،‬فعلى الصعيد الثقافي نجد أن‬
‫أورو با هي أ كثر من أورو با البطر سية )ن سبة إ لى ب طرس الر سول‪ ،(.‬و هذا‬
‫ا لخيرة هي بدورها ا كبر بكثير من أوروبا الغربية‪ ،‬حتى بالرغم من أن هذه‬
‫الخيرة اغتصبت في السنوات الخيرة هوية "أوروبا"‪ .‬وأن مجرد لمحة إلى‬
‫الخريطة تؤكد لنا أن أوروبا الراهنة ليست أوروبا الكاملة‪ .‬والسوأ من ذلك‪،‬‬
‫فهذه أوروبا التي يمكن لمنطقة عدم المن فيها والواقعة بين أوروبا وروسيا‬
‫أن تمارس تأثيرا @ امتصاصيا @ )يتم فيه الشد والدفع( في الثنين‪ ،‬مسببا@‪ ،‬وعلى‬
‫نحو حتمي التوتر والتنافس‪.‬‬
‫إن أورو با شارلمان )المقت صرة ع لى أورو با الغرب ية(‪ ،‬هي ا لتي كانت‬
‫ملمو سة في أث ناء ال حرب ال باردة‪ ،‬ول كن أورو با هذه أ صبحت ا لن شاذة‪.‬‬
‫ولهذا السبب فبالضافة إلى كون أوروبا الموحدة الجديدة حضارة بحد ذاتها‪،‬‬
‫ي جب اعتبار ها أي ضا @ طري قة في الح ياة‪ ،‬أو م ستوى في المعي شة‪ ،‬أو نظا ما‬
‫ي ضم إ جراءات ديمقراط ية م شتركة‪ ،‬ول يس محمل @ بع بء النزا عات التن ية‬
‫والقليمية‪ .‬وأن أوروبا هذه في أبعادها المنظمة رسميا @ هي حاليا @ ذات قدرة‬
‫أ قل ب كثير من قدرتها الفعل ية‪ .‬وإن العد يد من دول أورو با الو سطى‬
‫الم ستقرة سيا سيا @ وا لكثر ت قدما@‪ ،‬عل ما @ أن ها ت شكل كل ها جزءا @ من التقال يد‬
‫البطر سية الغرب ية‪ ،‬ول سيما جمهور ية الت شيك‪ ،‬وبولون يا‪ ،‬وهنغار يا‪ ،‬ورب ما‬
‫سلوفينيا أي ضا@‪ ،‬هو مؤ مل ومت شوق للن ضمام إ لى الع ضوية في "أورو با"‬
‫وعلقتها المنية عبر الطلسي‪.‬‬
‫و في ال ظروف الراه نة‪ ،‬فإن تو سيع ال ناتو لي شمل بولون يا وجمهور ية‬
‫الت شيك‪ ،‬وهنغار يا‪ ،‬رب ما في ال عام ‪ ،1999‬ي بدو محتمل@‪ .‬وب عد هذه الخ طوة‬
‫الول ية‪ ،‬والها مة‪ ،‬يحت مل أن ي كون أي تو سع ل حق للح لف ا ما متواف قا @ أو‬
‫متزام نا @ مع تو سع الت حاد ا لوروبي أو يأتي ب عده‪ .،‬ف هذا ا لخير ين طوي ع لى‬
‫عمل ية أ كثر تعق يدا@‪ ،‬سواء في عدد المرا حل المؤه لة أو في تلب ية متطل بات‬
‫العضوية‪ .‬وهكذا‪ ،‬فحتى أول عمليات دخول إلى التحاد الوروبي من أوروبا‬
‫الو سطى لي ست محتم لة ق بل ال عام ‪ 2002‬أو رب ما في و قت ل حق وبر غم‬

‫‪86‬‬
‫ذ لك‪ ،‬فب عد أن ين ضم أول ثل ثة أع ضاء جدد من ال ناتو إ لى الت حاد الورو بي‪،‬‬
‫فإن كل التنظيمين أي التحاد الوروبي والناتو‪ ،‬سوف يضطران إلى معالجة‬
‫م سألة تو سيع الع ضوية إ لى جمهور يات البلط يق‪ ،‬و سلوفينيا‪ ،‬ورومان يا‪،‬‬
‫وبلغاريا‪ ،‬وسلوفاكيا‪ ،‬وربما إلى أوكرانيا‪ ،‬أيضا@‪ ،‬في نهاية المطاف ‪.‬‬
‫ت جدر ال شارة إ لى إمكان ية الع ضوية الفعل ية أ صبحت ت مارس تأثيرا @ في‬
‫شؤون وسلوك العضاء العتيدين‪ .‬وهكذا فإن المعرفة عن عدم رغبة التحاد‬
‫الوروبي والناتو بأن يحمل عبء نزاعات إضافية متعلقة إما بحقوق القليات‬
‫أو بادعاءات إقليمية بين العضاء )المثال عن الوقوف تركيا ضد اليونان هو‬
‫ا كثر من كاف( كانت قد أع طت فعل @ سلوفاكيا‪ ،‬وهنغار يا@‪ ،‬ورومان يا‪ ،‬ال حافز‬
‫اللزم ل كي تتو صل إ لى ت سويات ت لي المتطل بات القيا سية ا لتي و ضعها‬
‫مج لس أورو با‪ .‬وا لمر ذا ته صحيح عن الم بدأ ال عام ال قائل بأن ا لدول‬
‫الديمقراطية وحدها مؤهلة للعضوية‪ .‬وإن للرغبة في عدم البقاء خارجا @ تأثيرا‬
‫مه ما @ في ا لدول الديمقراط ية الجد يدة‪ .‬و في أي حال‪ ،‬ي جب أن يؤ خذ م بدأ‬
‫كون الو حدة السيا سية وا لمن لورو با غي قابلين للت جزئة ع لى أ نه أ مر‬
‫بديهي‪ .‬و في الحقي قة‪ ،‬ي صعب عمل يا @ أن نف كر في أورو با المو حد فعل @ دون‬
‫مرا عاة ترت يب أم ني من ا لن ف صاعدا @ إ لى ا لدول ا لتي هي في و ضع ال بدء‬
‫في إ جراء مفاو ضات ا لدخول مع الت حاد الورو بي‪ ،‬وت كون مدعوة لذلك‪،‬‬
‫بوصفها ستخضع فعل @ لحماية الناتو المفترضة‪.‬‬
‫عضوية التحاد الوروبي‪ :‬تقديم طب للدخول‬
‫تقدم الدولة الوروبية المعنية طلبا @ من اجل العضوية في مجلس التحاد‬
‫الوروبي )المجلس(‬
‫يطلب المجلس إلى اللجنة أن تقدم رأيها عن الطلب‬
‫اللجنة تقدم رأيها عن الطلب إلى المجلس‬
‫المجلس يقرر بالجماع بدء المفاوضات من اجل الدخول‬
‫اللجنة تقترح‪ ،‬والمجلس يتبنى بالجماع‪ ،‬الوضاع التي يجب أن تؤخذ في‬
‫العت بار من ق بل الت حاد‪ ،‬في ما يتع لق بم قدمي الطل بات‪ ،‬في مفاو ضات‬
‫الدخول‪.‬‬
‫يقوم التحاد ممثل @ برئيس المجلس‪ ،‬بالتفاوض مع الدولة مقدمة الطلب‪.‬‬
‫ت تم كتا بة الت فاق ا لذي تم التو صل اليه بين التحاد والدو لة المعن ية في‬
‫مسودة معاهدة عن الدخول‪.‬‬
‫تقدم معاهدة الدخول إلى المجلس والبرلمان الوروبي‬

‫‪87‬‬
‫البرل مان ا لوروبي ي سلم موافقته ع لى معا هدة ا لدخول بالغلب ية‬
‫المطلقة‪.‬‬
‫المجلس يوافق على معاهدة الدخول بالجماع‪.‬‬
‫الدول العضاء والدول الطالبة توقع رسميا @ معاهدة الدخول‬
‫الدول العضاء والدول الطالبة تصادق على معاهدة الدخول‬
‫بعد المصادقة توضع اتفاقية الدخول موضع التنفيذ‬
‫وبال تالي‪ ،‬يحت مل أن تت قدم عمل ية تو سيع وت كبير الن ظام ا لمني عبر‬
‫الطلسي إلى المام في مراحل مدروسة‪ .‬ومع افتراض البقاء على اللتزام‬
‫المير كي وا لوروبي الغر بي‪ ،‬ف من المم كن أن ي كون ال جدول الزم ني‪،‬‬
‫التقريي والدي رويت فيه الواقعية على نحو حذر‪ ،‬لهذه المراحل كما يلي‪:‬‬
‫حتى ال عام ‪ 1999‬ن ستكون اول ا لدول الع ضاء من أورو با الو سطى قد‬
‫ادخلت إلى حلف الطلسي‪ ،‬بالرغم من أن دخولها إلى التحاد الوروبي ربما‬
‫لن يتم قبل عام ‪ 2002‬أو ‪. 2003‬‬
‫وفي الوقت ذاته‪ ،‬فإن التحاد الوروبي سوف يبدأ مفاوضات الدخول مع‬
‫دول البلط يق و سوف ي بدأ ال ناتو أي ضا الت حرك إ لى ال مام في ق ضية عضوية‬
‫هذه الدول إضافة إ لى عضوية رومانيا‪ ،‬حيث يحتمل أن يكتمل الدخول في‬
‫ال عام ‪ .2005‬و في نق طة ما من هذه المرح لة يم كن أي ضا أن ت صبح دول‬
‫البلقان الخرى مستوفية لشروط الدخول ‪.‬‬
‫وفي وقت ما بين العامين ‪ 2005‬و ‪ ،2010‬يجب أن تصبح أوكرانيا‪ ،‬وخاصة‬
‫إذا حق قت في هذا ا لوقت ت قدما ها ما في إ صلحاتها الداخل ية ونج حت في‬
‫ج عل نف سها ذات هو ية انت ماء إ لى أورو با الو سطى‪ ،‬م ستعدة للمفاو ضات‬
‫جدية مع كل من التحاد الوروبي وحلف الطلسي ‪.‬‬
‫و في ا لوقت ذا ته‪ ،‬يحت مل أن ي كون قد تع مق إ لى حد كبير‪ ،‬الت عاون‬
‫الفرنسي اللماني البولوني ضمن التحاد الوروبي وحلف الناتو‪ ،‬وخاصة في‬
‫م جال ا لدفاع‪ .‬ويم كن أن ي صبح هذا الت عاون مر كز الث قل الغر بي في أي‬
‫ترتي بات أمن ية أوروب ية أو سع نطا قا رب ما ت ضم‪ ،‬في نها ية الم طاف‪ ،‬كل من‬
‫رو سيا وأوكران يا‪ .‬و في ضوء الم صلحة الجيوبوليت ية الخا صة للمان يا وبولون يا‬
‫في ا ستقلل أوكران يا ف من المم كن تما ما أن أوكران يا هذه سوف ت سحب‬
‫بالتدريج إلى العلقة الفرنسية اللمانية البولونية الخاصة‪ .‬وحتى العام ‪،2010‬‬
‫يم كن للت عاون السيا سي الفرن سي الل ماني البو لوني ا لوكراني ا لذي ي ضم‬

‫‪88‬‬
‫عددا من السكان في حدود ‪ 230‬مليونا‪ ،‬أن يتطور إلى شراكة تحسن العمق‬
‫الجيواستراتيجي لوروبا ‪.‬‬
‫ث مة أهم ية كبيرة ت بدو إذا كان ال سيناريو ال مذكور أعله سيظهر إ لى‬
‫الو جود ب شكل مع تدل أو في سياق ا شتداد ال توترات مع رو سيا‪ .‬وي جب أن‬
‫ت تم طمأ نة رو سيا با ستمرار عن كون أ بواب أورو با مفتو حة‪ ،‬شأنها شأن‬
‫ا لبواب المؤد ية إ لى ا شتراكها الفع لي بن ظام أم ني مو سع عبر الطل سي‬
‫وربما‪ ،‬في نقطة ما )زمن ما( من المستقبل‪ ،‬بالنظام المني عبر الوراسي‪.‬‬
‫ولع طاء الم صداقية إ لى هذا ال ضمانات ي جب أن ير فع م ستوى الرتبا طات‬
‫التعاون ية المختل فة‪ ،‬ع لى ن حو مدروس جدا‪ ،‬ب ين رو سيا وأورو با‪ ،‬وذ لك في‬
‫جميع المجالت‪) .‬سوف تناقش علقة روسيا بأوروبا‪ ،‬ودور أوكرانيا في هذا‬
‫المجال ‪ ،‬على نحو أكثر تفصيل في الفصل الرابع(‪.‬‬
‫إذا نج حت أورو با في التوح يد والتو سيع‪ ،‬وإذا أ خذت رو سيا‪ ،‬في ا لوقت‬
‫ذا ته‪ ،‬ع لى عاتق ها‪ ،‬بت ضامن ديمقرا طي نا جح وت حديث اجت ماعي‪ ،‬فإن ها‪ ،‬أي‬
‫روسيا‪ ،‬تستطيع هي الخرى‪ ،‬أن تصبح‪ ،‬في وقت ما مستوفية لشروط إقامة‬
‫عل قة أ كثر ع ضوية بأورو با‪ .‬و هذا‪ ،‬بدوره‪ ،‬يم كن من ال ندماج الفع لي ب ين‬
‫النظام المني عبر الطلسي والنظام الوراسي عبر القاري‪ .‬ومهما يكن من‬
‫أ مر‪ ،‬فإن م سألة الع ضوية الر سمية لرو سيا‪ ،‬من ح يث كون ها حقي قة عمل ية‪،‬‬
‫لن تظهر على المسرح إل بعد وقت ربما يطول إلى حد ما‪ ،‬وهذا يعتبر‪ ،‬اذا‬
‫تحقق‪ ،‬سببا آخر لعدم إغلق البواب‪ ،‬على نحو يتسم بالحماقة‪ ،‬أمامها ‪.‬‬
‫ولك ني نن هي الكلم ه نا ن قول إ نه مع ذ هاب أورو با "يال طا" )ا لتي حدد‬
‫مصيرها في مؤتمر يالطا السابق (‪ ،‬إلى غير رجعة‪ ،‬فمن الضروري أل تكون‬
‫ث مة عودة إ لى أورو با "فر ساي"‪ .‬وأن نها ية تق سيم أورو با ي جب أل ت سرع‬
‫ال عودة إ لى أورو با ا لدول ـ ا لمم )ا لدول القوم ية( المتناز عة‪ ،‬بل ي جب أن‬
‫ت كون نق طة النطلق لت شكيل أورو با أ كبر وذات تكا مل متزا يد‪ ،‬وم عززة‬
‫بحلف الطلسي الموسع والتي جعلت أكثر أمنا تعلقة أمنية بناءة مع روسيا‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فإن الهدف الجيواستراتيجي الرئيس لميركا في أوروبا يمكن أن‬
‫يل خص بب ساطة تا مة‪ :‬في قال لع نه ع نه أ نه متم ثل في التعز يز‪ ،‬عبر شراكة‬
‫حقي قة فعل عبر الطل سي‪ ،‬لرأس الج سر ا لميركي في ال قارة الورا سية‪.‬‬
‫بح يث يم كن لورو با المو سعة أن ت صبح نق طة انطلق قاب لة للح ياة لن قل‬
‫النظام الديمقراطي والتعاوني الدولي إلى أوراسيا ‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫الفصل الرابع‬

‫الثقب السود‬
‫كان انه يار أ كبر دو لة في ال عالم من ح يث الم ساحة‪ ،‬في نها ية ال عام‬
‫‪ ،1991‬قد خ لق "ثق با أ سود" في مر كز أورا سيا‪ .‬و حدث ذ لك ك ما لو أن‬
‫"قلب" الجغرافيا السياسية أنتزع فجأة من خريطة العالم‪.‬‬
‫وبالن سبة إ لى أمير كا‪ ،‬فإن هذا الو ضع الجغرا في السيا سي الجد يد‬
‫والمحير خلق تحديا حرجا‪ .‬وفهم عموما‪ ،‬أن المهمة الفورية يجب أن تكون‬
‫متمثلة في القلل من احت مال حدوث فو ضى سياسية أو ال عودة إلى نظام‬
‫ديك تاتوري م عاد في دو لة من هارة ل تزال تم لك تر سانة نوو ية قو ية‪ .‬ول كن‬
‫المه مة الطوي لة ال مد تب قى مع مول ب ها و هي‪ :‬ك يف ن شجع ع لى الت حول‬
‫الديمقراطي لروسيا وعلى استعادتها لوضع اقتصادي معافي مع تجنب إعادة‬
‫ظ هور إمبراطور ية أورا سية ت ستطيع أن تع يق ال هدف الجيوا ستراتيجي‬
‫الميركي المتمثل في تشكيل نظام أوروبي أطلسي أكبر يمكن لروسيا أن‬
‫تربط به على نحو مستقر ومأمون ‪.‬‬
‫الوضع الجيوبوليتي )الجغرافي السياسي( الجديد لروسيا‬
‫كان انهيار التحاد السوفييتي هو المرحلة النهائية في التشظي المستمر‬
‫للكت لة ال شيوعية ال صينية ال سوفييتية الوا سعة ا لتي ضاهت خلل فترة‬
‫قصيرة‪ ،‬وحتى تجاوزت في بعض المجالت‪ ،‬حجم مملكة جنكيز خان‪ .‬ولكن‬
‫هذه الكتلة الوراسية عبر القارية الكثر حداثة لم تدم إل لوقت قصير‪ ،‬حيث‬
‫ظ هرت ا لردة ا لولى من ق بل يوغ سلفيا تي تو وظ هر الت مرد ا لول من ق بل‬
‫الصين الماوية‪ ،‬مما اعتبر من المؤشرات المبكرة الدالة على نقطة ضعف‬
‫أو عدم منا عة المع سكر ال شيوعي إزاء الطمو حات القوم ية ا لتي أثب تت أ نه‬
‫أ قوى من الروا بط اليديولوج ية‪ .‬ا ستمرت الكت لة ال صينية ال سوفييتية ن حو‬
‫عشر سنوات‪ ،‬واستمر التحاد السوفيتي نحو سبعين سنة‪.‬‬
‫ومهما يكن من أ مر‪ ،‬فقد كان المر الهم على الصعيد الجيوبوليتي هو‬
‫انحلل المبراطور ية الروسية العظمى ا لتي حكمتها موسكو ب عد أن ع مرت‬
‫قرو نا‪ .‬و قد ت سرع تف تت هذه المبراطور ية ب سبب الف شل الجت ماعي‬
‫القت صادي والسيا سي ال عام للن ظام ال سوفييتي‪ ،‬بالرغم من أن ال كثير من‬
‫مساوئه كان قد أخفى حتى النهاية تقريبا بوساطة السرية الشاملة والنعزال‬
‫الذاتي‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فقد ذهل العالم بالسرعة الظاهرية للتدمير الذاتي للتحاد‬

‫‪90‬‬
‫السوفييتي‪ .‬فخلل أسبوعين قصيرين في شهر كانون الول من العام ‪1991‬‬
‫أع لن أول وب جرأة عن حل الت حاد ال سوفييتي من ق بل رؤ ساء الجمهور يات‬
‫الرو سية‪ ،‬والوكران ية‪ ،‬والبيلرو سية‪ ،‬تم ا ستبدال ر سميا بك يان أ كثر غمو ضا‬
‫د عى راب طة ا لدول الم ستقلة ا لتي كل الجمهور يات ال سوفييتية ما عدا‬
‫جمهور يات البلط يق؛ ثم ا ستقال الرئ يس ال سوفييتي مكرو ها وأ نزل الع لم‬
‫السوفييتي للمرة الخيرة‪ ،‬عن برج الكرملين‪ ،‬وأخيرا‪ ،‬ظهر التحاد الروسي‪،‬‬
‫ا لذي هو حال يا دو لة قوم ية رو سية ت ضم ‪ 150‬مل يون ن سمة‪ ،‬بو صفة الخلف ية‬
‫الفع لي للت حاد ال سوفييتي ال سابق‪ ،‬بين ما أ كدت الجمهور يات ا لخرى‪ ،‬ا لتي‬
‫تضم ‪ 150‬مليون نسمة أيضا‪ ،‬وبدرجات مختلفة‪ ،‬سيادتها المستقلة ‪.‬‬
‫أدى انه يار الت حاد ال سوفييتي إ لى فو ضي جيوبوليت ية بارزة فخلل‬
‫أ سبوعين ف قط‪ ،‬اكت شف ف جأة ال شعب الرو سي‪ ،‬ا لذي كان عمو ما‪ ،‬أ قل‬
‫إحسا سا من ال عالم ال خارجي بالخطر ا لذي شكله ا قتراب تف تت الت حاد‬
‫ال سوفييتي‪ ،‬أ نه لم ي عد سيد المبراطور ية عبر القار ية‪ ،‬وأن حدود رو سيا‬
‫تراج عت إ لى ما كانت عل يه في القو قاز في الع قد ا لول من ال قرن التا سع‬
‫ع شر‪ ،‬و في آ سيا الو سطى إ لى ما كانت عل يه في منت صف ال قرن التا سع‬
‫ع شر أيضا‪ ،‬إ ضافة إلى ا لمر ا لكثر مأساوية وألما‪ ،‬و هو ترا جع هذه الحدود‬
‫في ال غرب إ لى ما كانت عل يه في ال عام ‪ 1600‬تقري با‪ ،‬أي ب عد ح كم اي فان‬
‫الره يب مبا شرة‪ .‬وعمو ما‪ ،‬فإن ف قدان القو قاز أ عاد إح ياء الم خاوف‬
‫ال ستراتيجية من الن فوذ ا لتركي الم ستبعد لن شاطه؛ وو لد ف قدان آ سيا‬
‫الوسطى إحساسا بالحرمان من مصادر الطاقة والمصادر المعدنية الكبيرة‬
‫جدا في هذه المنط قة إ ضافة إ لى الق لق إزاء الت حدي ال سلمي المحت مل؛‬
‫و كذلك فإن ا ستقلل أوكران يا ت حدى جوهر الز عم الرو سي ال قائل بأن ها‪ ،‬أي‬
‫رو سيا‪ ،‬هي الحام لة ال شرعية للهو ية ال سلفية الم شتركة الممنو حة إلي ها‬
‫بقدسية خاصة‪ .‬إن المساحة التي كانت تمثلها المبراطورية القيصرية خلل‬
‫قرون من الزمن‪ ،‬والتي احتلها التحاد السوفييتي الذي تحكمه روسيا‪ ،‬لثلثة‬
‫أر باع ال قرن أ صبحت ا لن م شغولة من ق بل اث نتي ع شرة دو لة‪ ،‬عل ما أن‬
‫مع ظم هذه ا لدول ) ما عدا رو سيا( لي ست مه يأة إل ب صعوبة لل سيادة‬
‫الحقيقية‪ ،‬وهي تتراوح في الحجم بين دولة أوكرانيا الكبيرة نسبيا التي يبلغ‬
‫عدد سكانها ‪ 52‬مليون نسمة ودولة أرمينيا التي يبلغ عدد سكانها ‪ 305‬مليون‬
‫نسمة فقط‪ .‬وبدا أن قابليتها للحياة غير مؤكدة‪ ،‬بينما كانت رغبة موسكو في‬
‫ال ستيعاب ا لدائم للوا قع الجد يد أ مر ل يم كن التن بؤ به‪ .‬و كانت ال صدمة‬
‫التاريخية التي عانى منها الروس قد ضخمت بالحقيقة المتمثلة بأن نحو ‪20‬‬
‫مليون شخص ممن يتكلمون اللغة الروسية أصبحوا الن مواطنين في دول‬

‫‪91‬‬
‫أجنب ية محكو مة سيا سيا من ق بل ن خب )ج مع نخ بة( حاك مة ذات اتجا هات‬
‫قوم ية متنام ية وم صممة ع لى تأك يد هويات ها ب عد ع قود من م حاولت إ ضفاء‬
‫الطابع الروسي عليها بدرجة أكبر أو أقل من القسر ‪.‬‬
‫خلق انهيار المبراطورية الروسية فراغا @ في القوة في قلب أوراسيا‪.‬فلم‬
‫يكن ثمة ضعف وفوضى فقط في الدول المستقلة حديثا@‪،‬بل إن الضطراب‬
‫في رو سيا ذات ها خ لق أز مة شاملة‪ ،‬وخا صة إذا عل ما أن هذا ال ضطراب‬
‫ترا فق بمحاو لة متزام نة ل حل الن موذج الجت ماعي القت صادي ال سوفييتي‪.‬‬
‫وساءت الساة القومية إلى حد أكبر بسبب التورط العسكري لروسيا في‬
‫طاجكستان مدفو عة بمخاوف من استلم المسلمين ل هذه الدو لة المستقلة‬
‫حديثا‪ .‬ثم ازداد الوضع سوءا @ بسبب التدخل الروسي المأساوي‪ ،‬والوحشي‪،‬‬
‫والمك لف جدا @ ع لى ال صعيدين القت صادي والسيا سي‪ ،‬و في تشي شينيا‪ .‬و كان‬
‫المر الكثر ايلما @ هو تراجع الموقف أو الهيبة الدولية لروسيا إلى حد كبير‪،‬‬
‫فب عد أن كانت إ حدى ال قوتين العظمي ين في ال عالم‪ ،‬أ صبحت ا لن في ن ظر‬
‫ال كثيرين في مو قع ل يز يد كثيرا @ عن قوة إقليم ية في ال عالم ال ثالث بالرغم‬
‫من امتلكها لترسانة نووية هامة ولكنها تتقادم على نحو متزايد‪.‬‬
‫ت ضخم ال فراغ الجيوبول يتي ب سبب ازد ياد أب عاد الز مة الجت ماعي في‬
‫روسيا‪ .‬فالحكم الشيوعي الذي استمر ثلثة أرباع القرن كان قد سبب أذى‬
‫بيولوجيا @ غير مسبوق للشعب الروسي‪ .‬فقد تم قتل أو موت نسبة كبيرة جدا‬
‫من الفراد الموهوبين والشجعان في الغولغ )معسكرات العمل الجماعي(‪،‬‬
‫وذ لك بأ عداد ت عد بال ماليين‪ .‬وبال ضافة إ لى ذ لك‪ ،‬فخلل هذا ال قرن‪ ،‬عانت‬
‫هذه البلد أي ضا @ من ال خراب ا لذي ألحق ته ب ها ال حرب العالم ية ا لولى‪ ،‬و من‬
‫القتلى في حرب اهلية طويلة المد‪ ،‬ومن وحشية الحرب العالمية الثانية وما‬
‫رافقها من حرمانات‪ .‬وقد فرض النظام الشيوعي معتقدات عقائدية خانقة‪،‬‬
‫بينما عزلت البلد عن سائر دول العالم‪ ،‬وكانت سياستها القتصادية منفصلة‬
‫كليا @ عن اهتماماتها اليكولوجية‪ ،‬وبالتالي فإن البيئة من ناحية‪ ،‬وصحة الناس‬
‫من ناح ية ثان ية‪ ،‬عان تا ال كثير ب سبب ذ لك‪ .‬فوف قا @ للح صاءات الرو سية‬
‫الرسمية‪ ،‬كانت نسبة المولودين الجدد الذين يتمتعون بصحة جيدة في أعوام‬
‫التسعينيات في حدود ‪ 40‬في المئة فقط‪ ،‬بينما عاني نحو ‪ 20‬في المئة من‬
‫التلميذ الروس في الصفوف البتدائية من نوع ما من التأخر العقلي‪ .‬ونقص‬
‫متو سط الع مر لدى ا لذكور إ لى ‪ 5703‬سنة‪ ،‬ك ما أن عدد الوف يات زاد ع لى‬
‫عدد ا لولدات‪ .‬وه كذا‪ ،‬فإن ال شروط الجتماع ية في رو سيا كانت‪ ،‬في‬
‫الحقي قة‪ ،‬مماث لة ع لى ن حو ن موذجي‪ ،‬ل ما هي عل يه في دو لة متو سطة‬
‫التصنيف من العالم الثالث‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫ل يمكن للمرء أن يبالغ في وصف حالت الرعب والبليا التي عانى منها‬
‫ال شعب الرو سي في هذا ال قرن‪ ،‬ف من ال صعب تقري با @ أن ن جد عائ لة رو سية‬
‫واحدة أتيحت لها الفرصة لن تعيش حياة حضارية عادية‪ .‬ولنأخذ في العتبار‬
‫التأثيرات الجتماعية لتسلسل الحداث التالية‪:‬‬
‫‪ .‬الحرب الروسية اليابانية في العام ‪ ،1905‬التي انتهت إلى هزيمة مذلة‬
‫لروسيا‪.‬‬
‫‪ .‬ال ثورة"البروليتار ية" ا لولى في ال عام ‪ ،1905‬ا لتي أ شعلت ن يران ع نف‬
‫حضري )في المدن( واسع النطاق‪.‬‬
‫‪ .‬ال حرب العالم ية ا لولى في ال عوام ‪ ،1917 - 1914‬مع ملي ين القت لى‬
‫والجرحى والضطراب القتصادي الشامل‪.‬‬
‫‪ .‬الحرب الهلية في العوام ‪ ،1921-1918‬التي استهلكت ثانية عدة ملين‬
‫من البشر ودمرت الرض بما فيها‪.‬‬
‫‪ .‬ال حرب الرو سية البولون ية عامي ‪ ،1920-1919‬ا لتي انت هت بهزي مة‬
‫روسيا‪.‬‬
‫‪ .‬بدء معسكرات العمل الجماعي في بداية أعوام العشرينيات‪ ،‬بما في‬
‫ذلك إهلك القسم العظم من النخبة التي وجدت قبل الثوة وخروجها على‬
‫نطاق واسع من روسيا دون عودة‪.‬‬
‫‪ .‬ممار سات الع مل في الت صنيع وال مزارع الجماع ية في بدا ية ومنت صف‬
‫اعوام الثلثينيات التي أدت مجاعات شاملة وإلى موت المليين في أوكرانيا‬
‫وكازخستان‪.‬‬
‫‪ .‬أعمال التطهير والرعب الكبرى في منتصف ونها ية اعوام الثلثينيات‪،‬‬
‫مع حجر ال ماليين في معسكرات الع مل وإ عدام حتى مليون شخص و موت‬
‫حتى عدة مليين من سوء المعاملة‪.‬‬
‫‪ .‬ال حرب العالم ية الثان ية في ا لعوام ‪ 1945-1941‬نالتي ادت إ لى ق تل‬
‫و جرح ع شرات ال ماليين من الع سكريين وال مدنيين وا لى د مار اقت صادي‬
‫واسع‪.‬‬
‫‪ .‬إعادة فرض الرعب الستاليني في نهاية اعوام الربعينيات‪ ،‬ومرة ثانية‬
‫شمل ذلك العتقالت على نطاق واسع والعدامات المتكررة‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫‪ .‬سياق الت سلح ا لذي ا ستمر ‪ 40‬سنة مع الول يات المت حدة‪ ،‬وذ لك من‬
‫أ عوام الربعين يات إ لى أ عوام الثمانين يات‪ ،‬و ما ترك من تأثيرات اجتماع ية‬
‫مفقرة‪.‬‬
‫‪ .‬الحرب المضعفة أو حرب النهاك في أفغانستان من العام ‪ 1978‬حتى‬
‫العام ‪1989‬؛‬
‫‪ .‬التح طم الف جائي للت حاد ال سوفييتي‪ ،‬و ما تب عه من ا ضطرابات مدن ية‪،‬‬
‫وأزمة اقتصادية مؤلمة‪ ،‬وحرب دموية ومذلة ضد تشيشينيا‪.‬‬
‫لم ي كن الز مة في ال شروط الداخل ية لرو سيا وف قدانها لهيبت ها الدول ية‬
‫مهما فقد السببان اللذان أديا إلى الحساس بالقلق والضيق‪ ،‬ول سيما لدى‬
‫النخ بة السيا سية الرو سية‪ ،‬بل إن الو ضع الجيوبول يتي لرو سيا كان قد تاثر‬
‫سلبيا أيضا‪ .‬ف في غرب البلد وبنتيجة تفتت التحاد ال سوفيتي‪ ،‬تغيرت حدود‬
‫روسيا على نحو مؤلم جدا@‪ ،‬وتقلص مجال نفوذها الجيوبوليتي على نحو حاد‪.‬‬
‫وكانت دول البلطيق تخضع للسيطرة الروسية منذ بداية القرن الثامن عشر‪،‬‬
‫ك ما أن ف قدان مر فاي ري غا و تالين ج عل و صول رو سيا إ لى ب حر البلط يق‬
‫محدودا @ بدرجة أكبر وخاضعا @ للتجمد الشتوي‪ .‬وبالرغم من أن موسكو حاولت‬
‫أن تبقي على وضع مسيطر سياسيا @ في جمهورية بيلروسيا المستقلة حديثا‬
‫من الناحية الرسمية‪ ،‬والتي أضفي عليها الطابع الروسي بدرجة عالية‪ ،‬فلم‬
‫يكن مؤكدا @ أن الفئة القومية )الراغبة في البقاء مع التحاد الروسي( ل تملك‬
‫فعل @ ال يد العل يات في هذه الدو لة أي ضا‪ .‬و في م ما وراء حدود الت حاد‬
‫ال سوفييتي ال سابق‪ ،‬فإن انه يار ح لف وار سو كان يع ني أن دول أورو با‬
‫الو سطى ا لتي كانت تدور في ف لك الت حاد ال سوفييتي‪ ,‬ول سيما بولون يا‪،‬‬
‫أصبحت تنجذب بسرعة نحو حلف الطلسي )الناتو( والتحاد الوروبي‪.‬‬
‫كان ا لمر ا لكثر ازعا جا @ هو ف قدان أوكران يا‪ .‬فظ هور دو لة أوكران ية‬
‫مستقلة لم يكن تحديا @ فقط لكل الروس بحيث يجعلهم يعيدون التفكير في‬
‫طبيعة هويتهم السياسية والتنية‪ ،‬ولكنه مثل أيضا @ انتكاسة جيوبوليتية للدولة‬
‫الرو سية‪ .‬وإن ر فض ال عتراف بأكثر من ثلثمئة سنة من التار يخ المبر يالي‬
‫الرو سي كان يع ني خ سارة اقت صاد زرا عي و صناعي غ ني جدا @ و ‪ 52‬مل يون‬
‫إن سان ارتب طوا بعل قة وثي قة ب شكل كاف اتن يا @ ودين يا @ بالروس ليجع لوا من‬
‫رو سيا دو لة امبراطور ية كبيرة وموث قة فعل‪ .‬وه كذا‪ ،‬فإن ا ستقلل أوكران يا‬
‫حرم روسيا أيضا @ من وضعها المسيطر على البحر السود حيث كانت أوديسا‬
‫با با @ حيو يا @ لرو سيا ت تاجر من خل له مع حوض الب حر المتو سط وال عالم ا لذي‬
‫يقع وراءة‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫وكذلك‪ ،‬فقد كانت خسارة أوكرانيا بالغة الهمية جيوبوليتيا@‪ ،‬لنها جعلت‬
‫خيارات روسيا الجيواستراتيجية محدودة‪ .‬وحتى بدون دول البلطيق وبولونيا‪،‬‬
‫فإن رو سيا كانت ستظل ت سعى‪ ،‬لو أب قت سيطرتها ع لى أوكران يا‪ ،‬إ لى أن‬
‫تكون قائدة لمبراطورية أوراسية حاسمة‪ ،‬تستطيع روسيا فيها أن تحكم غير‬
‫ال سلفيين في ج نوب‪ ،‬وج نوب شرق الت حاد ال سوفييتي ال سابق‪ .‬ول كن‪،‬‬
‫فبدون أوكرانيا وسكانها السلفيين البالغ عددهم ‪ 52‬مليونا@‪ ،‬فإن أي محاولة‬
‫من قبل موسكو لعادة بناء المبراطورية الوراسية يحتمل أن تجعل روسيا‬
‫متور طة و حدها في نزا عات طوي لة ال مد مع غ ير ال سلفيين ا لذين أ‪Ÿ‬وق ظت‬
‫فيهم النزعات القومية والدينية‪ ،‬والحرب مع تشيشينيا ربما تكون‪ ،‬ببساطة‪،‬‬
‫اول المث لة ع لى ذ لك‪ .‬وبال ضافة إ لى ذ لك‪ ،‬فإذا أ خذنا في العت بار ترا جع‬
‫معدلت الولدة فيروسيا‪ ،‬ومعدلت الولدة المتزايدة بشكل حاد بين سكان‬
‫آ سيا الو سطى‪ ،‬ن جد أن أي ك يان أورا سي جد يد يعت مد ع لى ال قوة أو الدو لة‬
‫الروسية وحدها‪ ،‬وبدون أوكرانيا‪ ،‬سوف يصبح حتما @ ذا طابع أوروبي أقل وذا‬
‫طابع آسيوي اكثر مع كل سنة تمر‪.‬‬
‫لم ي كن ف قدان أوكران يا بالغ الهم ية ع لى ال صعيد الجيوبول يتي فح سب‪،‬‬
‫بل كان أيضا @ حافزا @ للخرين عل التشبه به وعلى الصعيد الجيوبوليتي أيضا‪.‬‬
‫وه كذا‪ ،‬فإن الع مال الوكران ية‪ ،‬كإعلن أوكران يا عن ا ستقللها في كانون‬
‫الول ‪ ،1991‬وإ صرارها في المفاوضات الحرجة في بيل فيجا على أ نه يجب‬
‫استبدال التحاد السوفييتي برابطة دول مستقلة أقل أرتباطا @ مما كان عليه‬
‫ال مر سابقا@‪ ،‬وال فرض الم فاجئ‪،‬ب ما ب شبه النقلب الع سكري‪ ،‬لممار سة‬
‫القيادة الوكرانية على وحدات الجيش السوفييتي المتو ضعة على الراضي‬
‫الوكران ية‪ ،‬م ما م نع راب طة ا لدول الم ستقلة من أن ت صبح م جرد ا سم جد يد‬
‫لت حاد سوفييتي أ كثر كونفدرال ية‪ .‬و قد أد هش تقر ير الم صير السيا سي‬
‫لوكران يا‪ ،‬مو سكو وأ صبح م ثال @ يح تذى به في الجمهور يات ال سوفييتية‬
‫الخرى‪ ،‬بالرغم من أن إتباع هذا التجاه كان في بداية يتسم بخوف أكبر مما‬
‫حدث في ما بعد‪.‬‬
‫ت كرر ف قدان رو سيا لموقع ها الم سيطر في ب حر البلط يق و في الب حر‬
‫السود‪ ،‬ولم يكن ذلك بسبب استقلل أوكرانيا فحسب‪ ،‬بل لن دول القوقاز‬
‫ا لتي ا ستقلت هي ا لخرى أي ضا @ )جورج يا‪ ،‬وأرمين يا‪ ،‬وأذربي جان( ح سنت‬
‫ال فرص لترك يا كي تع يد ممار سة نفوذ ها‪ ،‬ا لذي ف قدته في يوم ما في‬
‫الما ضي‪ ،‬ع لى هذه المنط قة‪ .‬وق بل ال عام ‪ ،1991‬كان الب حر ال سود ي شكل‬
‫نقطة النطلق لنقل القوات البحرية الروسية إلى البحر المتوسط‪ .‬أما في‬
‫منتصف أعوام التسعينات فقد ترك لروسيا شريط ساحلي صغير على البحر‬

‫‪95‬‬
‫ال سود وا ستمر الن قاش دون حل مع أوكران يا في شان ح قوق التو ضع في‬
‫القرم لبقايا أسطول البحر السود السوفييتي‪ ،‬بينما روقبت‪ ،‬في الوقت ذاته‬
‫وبإ ثارة وا ضحة‪ ،‬م ناورات ال ناتو وأوكران يا الم شتركة البحر ية وا لتي تم في ها‬
‫أي ضا @ ا لنزال ع لى ال شوطئ‪ ،‬إ ضافة إ لى ت نامي ا لدول ا لتركي في منط قة‬
‫البحر السود‪ .‬وقد تطرق الشك أيضا @ لدى روسيا إزاء تقديم تركيا لمساعدة‬
‫فعالة إلى المقاومة التشيشانية‪.‬‬
‫و في م كان اب عد بات جاه الج نوب ال شرقي‪ ،‬أدى الجي شان )ال ثوران(‬
‫الجيوبوليتي إلى تغيير هام مماثل في الموقف في حوض بحر قزوين وفي‬
‫آسيا الوسطى عموما‪ .‬فقبل انهيار التحاد السوفييتي كان بحر قزوين‪ ،‬فعليا‪،‬‬
‫بح يرة رو سية ‪ ،‬مع و جود ق طاع ج نوبي صغير ضمن مح يط أو حدود إ يران‪.‬‬
‫ول كن‪ ،‬ف مع ظ هور أذربي جان الم ستقلة‪ ،‬ذات الت جاه ال قومي ال قوي‪ ،‬وا لتي‬
‫عزز موقفها بتدفق أصحاب رؤوس الموال الغربيين المتشوقين إلى توظيف‬
‫أ موالهم في الن فط‪ ،‬وظ هور كازاخ ستان وتوركمن ستان الم ستقلتين أي ضا‪،‬‬
‫أصبحت روسيا واحدا فقط من خمسة مطالبين بثروات حوض قزوين‪ .‬ولم‬
‫يعد بإمكانها بأن تفترض بثقة أنها تستطيع التصرف بهذه الموارد لصالحها ‪.‬‬
‫ع لى ظ هور دول آ سيا الو سطى الم ستقلة أن ال حدود الجنوب ية ال شرقية‬
‫لرو سيا أرج عت أو دف عت إ لى الخ لف بات جاه ال شمال في ب عض ال ماكن‬
‫لم سافة تز يد ع لى أ لف م يل )‪ 1600‬كي لو متر(‪ .‬وأ صبحت ا لدول الجد يدة‬
‫تسيطر على مخزونات معدنية ومخزونات طاقة كانت دائما ول تزال تجتذب‬
‫الم صالح الجنب ية‪ .‬وه كذا‪ ،‬ف قد أ صبح أ مرا محت ما تقري با إن ا لمر لم ي عد‬
‫يقت صر ع لى الن خب )ج مع نخ به( الحاك مة ف قط ‪ ،‬بل وي شمل شعوب هذه‬
‫ا لدول‪ ،‬في أن ت صبح‪ ،‬هي و شعوبها‪ ،‬ذوي م شاعر قوم ية أ قوى‪ ،‬ورب ما ذوي‬
‫نظرة إسلمية متزايدة الشدة أيضا‪ .‬ففي كازاخستان‪ ،‬التي هي دولة واسعة‬
‫ت ضم موارد طبيع ية كبيرة جدا‪ ،‬وي سكن في ها ن حو ‪ 20‬مل يون إن سان ن صفهم‬
‫تقري با من الكازاخ ستانيين والن صف ا لخر من ال سلفيين‪ ،‬يحت مل أن ت شتد‬
‫الحتكاكات اللغو ية والقومية ‪ .‬وإن أوزبك ستان‪ ،‬ب سكانها ا لكثر تجانسا على‬
‫الصعيد التني والبالغ عددهم ‪ 25‬مليون وبقادتها الذين يشددون على المجاد‬
‫التاريخ ية لبلد هم‪ ،‬أ صبحت حاز مة ع لى ن حو متزا يد في تأك يد المو قع ب عد‬
‫الكولون يالي )ال ستعماري( الجد يد ل هذه المنط قة‪ .‬أ ما توركمن ستان المحم ية‬
‫جغراف يا بكازاخ ستان من أي ت ماس مبا شر برو سيا‪ ،‬ف قد طورت ايجاب يا‬
‫روا بط جد يدة بإيران بغ ية ا لقلل من اعتماد ها ال سابق ع لى منظو مة‬
‫التصالت الروسية من أجل الوصول إلى السواق العالمية‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫كانت ول تزال دول آسيا الوسطى‪ ،‬وفي ظل دعمها من الخارج من قبل‬
‫ترك يا وإ يران‪ ،‬والباك ستان‪ ،‬والممل كة العرب ية ال سعودية‪ ،‬غ ير ميا لة إ لى‬
‫المساومة على سيادتها السياسية الجديدة حتى ولو كان ذلك مقابل تكاملها‬
‫القتصادي المفيد مع روسيا‪ ،‬حسبما ل يزال يأمل الكثير من الروس في أن‬
‫تفعل هذه الدول ذلك‬
‫‪1‬ـ فقدان السيطرة اليديولوجية والتوضع المبريالي ‪.‬‬
‫‪2‬ـ فقدان الممتلكات الرضية ‪.‬‬
‫‪3‬ـ فقدان السيطرة اليديولوجية‪.‬‬
‫وعلى القل‪ ،‬ل يمكن تجنب بعض التوتر والعداء في علقات هذه الدول‬
‫برو سيا‪ ،‬بين ما توحي ال سوابق مع تشي شينيا وطاجك ستان أ نه ل يم كن‬
‫ال ستبعاد كل يا لن ي حدث شيء ما أ سوأ‪ .‬وبالن سبة إ لى ا لروس‪ ،‬فإن م جال‬
‫النزاع المحتمل مع الدول ال“سلمية على امتداد كل المجنبة الجنوبية لروسيا‬
‫)ا لتي ت ضم اذا أ ضفنا الي ها ترك يا‪ ،‬وإ يران‪ ،‬والباك ستان أ كثر من ‪ 300‬مل يون‬
‫إنسان( يجب أن تكون مصدر اهتمام جدي ‪.‬‬
‫وأخ يرا‪ ،‬ف في ا لوقت ا لذي انح لت ف يه المبراطور ية الرو سية‪ ،‬كانت‬
‫روسيا تواجه أيضا وضعا جيوبوليتيا جديدا منذرا بالسوء في الشرق القصى‪،‬‬
‫حتى بالرغم من أ نه لم ت حدث أي تغ يرات اقليم ية )أر ضية( أو سيا سية‪.‬‬
‫فل عدة قرون كانت ال صين أ ضعف وأ كثر من رو سيا‪ ،‬وإن ع لى ال قل في‬
‫المجالت السياسية ـ العسكرية‪ .‬ول يستطيع أي روسي مهتم بمستقبل بلده‬
‫ومح تار ازاء التغ يرات الدرام ية في هذا الع قد‪ ،‬أن يتجا هل الحقي قة المتمث لة‬
‫بأن ال صين هي في الطر يق ا لى أن ت صبح دو لة أ كثر ت قدما‪ ،‬وأ كثر دينام ية‪،‬‬
‫وأ كثر نجا حا من رو سيا‪ .‬وأن ال قوة القت صادية لل صين‪ ،‬م ضافة ا لى الطا قة‬
‫الدينامية لمليار ومئتي مليون إنسان‪ ،‬تعكس أو تقلب المعادلة التاريخية بين‬
‫ا لدولتين‪ ،‬مع ال خذ في العت بار‪ ،‬أن الم ساحات الفار غة في سيبيريا ت غري‬
‫تقري با با ستعمارها )احتلل ها( من ق بل ال صين‪ .‬كان ل بد ل هذا الوا قع‬
‫الم ضطرب الجد يد أن يؤثر في الح ساس الرو سي با لمن في المنط قة‬
‫الواق عة في ال شرق الق صى‪ ،‬وبالم صالح الرو سية في آ سيا الو سطى أي ضا‪.‬‬
‫وق بل ز من طو يل كان يم كن ل هذا الت طور أن يل قي ظل ع لى الهم ية‬
‫الجيوبوليت ية لف قدان رو سيا لوكران يا‪ .‬و قد عبر فلديم ير لوكين‪ ،‬أول سفير‬
‫لرو سيا ع ين‪ ،‬ب عد الع هد ال شيوعي‪ ،‬في الول يات المت حدة‪ ،‬و ترأس مؤخرا‬
‫لج نة ال شؤون الخارج ية في ا لدوما‪ ،‬عن الم ضامين وال تأثيرات ال ستراتيجية‬
‫لهذا الفقدان بقوله ‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫"في الماضي‪ ،‬رأت روسيا نفسها تسير أمام آسيا بسرعة أكبر بكثير‪...‬‬
‫ول نجد أنفسنا الن بين "أوروبا العصرية "وآسيا المتخلفة"‪ ،‬بل نشغل‪ ،‬فعل‪،‬‬
‫مكانا متوسطا غريبا ما بين "الوروبيتين‪.((1‬‬
‫وباختصار‪ ،‬فإن روسيا‪ ،‬التي كانت حتى وقت قريب صانعة إمبراطورية‬
‫إقليمية عظمى‪ ،‬وقائدة لكتلة إيديولوجية من دول تدور في فلكها وتمتد إلى‬
‫قلب أوروبا ذاته‪ ،‬وفي نقطة ما إلى بحر الصين الجنوبي‪ ،‬أصبحت الن دولة‬
‫قوم ية م ضطربة‪ ،‬دون م مرات جغراف ية سهلة إ لى ال عالم ال خارجي‪ ،‬ورب ما‬
‫غير منيعة إزاء النزاعات الموهنة مع جيرانها في المجنبات الغربية والجنوبية‬
‫وال شرقية‪ .‬وإن مناطق ها ال شمالية غ ير الم سكونة وا لتي ي صعب الو صول‬
‫إليها‪ ،‬والمجمدة على نحو دائم تقريبا‪ ،‬هي وحدها التي تبدو آمنة من الناحية‬
‫الجيوبوليتية‪.‬‬

‫)‪ (1‬جاء ذ لك في م قال‪ ،‬مأزق نا ا لمني في مج لة السيا سة الخارج ية ال عدد ‪ ،88‬خر يف‬
‫‪ :1992‬الصفحة ‪. 60‬‬

‫‪98‬‬
‫المشهد الجيواستراتيجي الدائم التغير‬
‫وهكذا‪ ،‬لم يكن ممكنا تجنب فترة الفوضى التاريخية في روسيا ما بعد‬
‫المبراطورية‪ .‬فالنهيار المروع للتحاد السوفييتي‪ ،‬ول سيما التفتت المذهل‬
‫وغير المتوقع عموما للمبراطورية الروسية العظمى خلق في روسيا حجما‬
‫كبيرا من الت فتيش عن ا لذات ونقا شا وا سع الن طاق في شأن ما ي جب أن‬
‫يكون عليه تحديد الذات التاريخي الراهن لروسيا‪ ،‬وجدل شديدا عاما وخاصا‬
‫في شأن أسئلة ل تثار عادة في معظم الدول الكبرى‪ ،‬والتي هي من نوع‪:‬‬
‫ما هي رو سيا؟ وأ ين هي رو سيا؟ و ماذا تع ني رو سيا بالن سبة إ لى الن سان‬
‫الروسي؟‪.‬‬
‫لي ست هذه ال سئلة م جرد أ سئلة نظر ية‪ :‬فأي جواب يح توي م ضمونا‬
‫جيولوجيا @ هاما‪ .‬فالسؤال‪ :‬هل روسيا دولة قومية؟ يعتمد بشكل واضح على‬
‫التن ية الرو سية‪ ،‬أو هل رو سيا بالتعريف شيء ما أ كثر من ذ لك )على غرار‬
‫قول نا إن بريطان يا هي ا كثر من إنك لترا ( وبال تالي م عدة لن ت كون دو لة‬
‫إمبراطور ية؟ و ما هي‪ -‬تاريخ يا@‪ ،‬وا ستراتيجيا@‪ ،‬واتي „ نا @ – ال حدود ال صحيحة‬
‫لروسيا؟ وهل يجب أن ينظر إلى أوكرانيا المستقلة بوصفها ضلل @ أو انحرافا‬
‫مؤق تا @ ع ندما ت‪Ÿ‬ق‪ ƒ‬يم بم ثل هذه التعاب ـير التاريخ ية‪ ،‬وال ستراتيجية‪ ،‬والتن ية؟‬
‫)يميل الكثير من الروس إلى الحساس بهذه الطريقة‪ ( .‬ولكي يكون النسان‬
‫يجب عليه أن يكون روسيا@‪ ،‬اتنيا @ )على الصعيد التني(‪ ،‬أو يستطيع أن يكون‬
‫رو سيا@‪ ،‬سيا سيا @ )ع لى ال صعيد السيا سي( ول كن ل يس اتن يا @ )أي أن ي كون‬
‫مواط نا @ رو سيا@‪ ،‬أو ما ي عادل ال مواطن البري طاني‪ ،‬ول كن ل يس "ا لنكليزي"!‬
‫وع لى سبيل الم ثال‪ ،‬فإن يل ستين وب عض ا لروس أ كدوا جدل @ ) مع ن تائج‬
‫مأساوية( أن التشي شانيين ي ستطيعون‪ ،‬و في الوا قع يجب علي هم‪ ،‬أن يعتبروا‬
‫روسا‪.‬‬
‫كان أ حد ال قوميين ا لروس‪ ،‬و هو من القلئل ا لذين رؤوا أن النها ية‬
‫تقترب‪ ،‬قد صرخ قائل @ في نوع من اليأس‪ ،‬وذلك قبل سنة من موت التحاد‬
‫السوفييتي‪:‬‬
‫"اذا حدثت فعل @ الكار ثة المخي فة‪ ،‬ا لتي ليم كن التفك ير في ها من ق بل‬
‫س رق‪،‬‬‫الشعب الروسي‪ ،‬وتمز قت الدولة إلى أشلء‪ ،‬وانتهى الشعب‪ ،‬ا لذي ‪Ÿ‬‬
‫و خ‪Ÿ‬دع ب تاريخه ا لذي ي عود إ لى أ لف سنة‪ ،‬عل ن حو م فاجىء‪ ،‬وأ خذ "أ خوته"‬
‫ال جدد ما يخ صهم من ممتل كات واخت فوا في "مرا كب إن قاذهم القوم ية‪،‬‬
‫وأب حروا بع يدا @ عن ال باخرة السا سية‪ -‬ح سنا@‪ ،‬ف ماذا نف عل ن حن‪ ،‬ول يس لدينا‬
‫مكان نذهب إليه‪ ...‬إن ألمواطنية الروسية ا لتي تج سد " الفكرة الروسية"‪،‬‬

‫‪99‬‬
‫سيا سيا@‪ ،‬واقت صاديا@‪ ،‬وروح يا @ ‪ ،‬سوف تب نى مع جد يد‪ .‬و سوف تج مع كل ما‬
‫يم ثل الف ضل من الممل كة ا لتي عمر ها أ لف سنة و من التار يخ ال سوفيتي‬
‫خلل سنواته السبعين التي مرت في لحظة‪ .( ( 1‬ولكن كيف؟ إن صعوبة تحديد‬
‫جواب ي كون مق بول @ لل شعب الرو سي‪ ،‬وي كون واقع يا @ أي ضا@‪ ،‬تع قدت بالز مة‬
‫التاريخ ية للدو لة الرو سية ذات ها‪ .‬وخلل تاريخ ها ك له تقري با @ فإن هذه الدو لة‬
‫كانت دائ ما @ أداة تو سع إقلي مي وت طور اقت صادي‪ .‬و كانت أي ضا @ دو لة لم تع مد‬
‫باختيار ها إ لى أن ت كون م جرد أداة قوم ية‪ ،‬بالمعنى التقل يدي ا لوروبي‬
‫الغر بي‪ ،‬بل حددت لنف سها أن ت كون من فذة لمه مة فوق قوم ية خا صة‪ ،‬في‬
‫ضوء "الف كرة الرو سية" الم حددة ع لى ن حو مخت لف في كل من ال شروط‬
‫الدين ية‪ ،‬أو الجيوبوليت ية‪ ،‬أو اليديولوج ية‪ .‬أ ما ا لن‪ ،‬وب شكل م فاجئ‪ ،‬ف قد‬
‫أ صبحت هذه المه مة مرفو ضة ع ندما تقل صت الدو لة إقليم يا إ لى ب عد إت ني‬
‫واحد كبير‪.‬‬
‫وف ضل @ عن ذ لك‪ ،‬فإن أز مة ا لدول الرو سية في فترة ما ب عد الع هد‬
‫ال سوفييتي )وخا صة إذا تكلم نا عن "جوهر ها"(‪ ،‬تع قدت فعل @ ب سبب الحقي قة‬
‫القائ لة إن رو سيا لم تواجه ف قط بالت حدي المتم ثل بكون ها حر مت ف جأة من‬
‫مهمت ها المبريال ية‪ ،‬ول كن‪ ،‬فل كي تغ لق الث غرة المتو سعة ب ين تخلف ها‬
‫الجت ماعي وت قدم ا لجزاء ا لخرى من أورا سيا‪ ،‬ف قد أ صبحت ا لن تت عرض‬
‫ب ضغط الم حدثين )ال قائمين بالت حديث( ا لداخليين )ومست شاريهم الغربي ين(‬
‫لكي تنسحب من دورها القتصادي التقليدي بوصفها صاحبة الرأي‪ ،‬والمالكة‬
‫والمتصرفة بالثروة الجتماعية‪ ،‬ولم يدع ذلك إلى اقل من تحديد ثوري على‬
‫ال صعيد السيا سي ل لدورين ا لدولي وا لداخلي للدو لة الرو سية‪ .‬و كان ذ لك‬
‫مدمرا @ بع مق للن ماذج ا لكثر استقرارا @ في الحياة الداخل ية الرو سية وبالتالي‬
‫أ سهم في خ لق شعور م سبب للخلف وال شقاق إزاء سوء ال توجه‬
‫الجيوبوليتي ضمن النخبة السياسية الروسية‪.‬‬

‫وفي هذا الوضع المحير‪ ،‬وكما يمكن أن يتوقع المرء‪ ،‬فإن السؤال‪" :‬إلى‬
‫أ ين ت سير رو سيا و ما هي رو سيا؟ كان ي حث ع لى مجمو عة مختل فة من‬
‫الجو بة‪ .‬كان التو ضع الورا سي الوا سع لرو سيا قد ج عل هذه النخ بة تف كر‬
‫منذ أمد طويل بالشروط الجيوبوليتية‪ .‬وكان أول وزير خارجية لروسيا ما بعد‬
‫العهد المبراطوري والعهد الشيوعي‪ ،‬أندريه كوزيريف‪ ،‬قد أكد ثانية أسلوب‬

‫)‪ (1‬الك سندر برو خانوف في م قال"مأ ساة المركز ية" في مج لة رو سيا‪ ،‬كانون ال ثاني‪،‬‬
‫‪ 1990‬الصفحتان ‪.5-4‬‬

‫‪100‬‬
‫التفك ير المع مول به وذ لك في إ حدى م حاولته المب كرة ا لتي أراد في ها أن‬
‫ي حدد ك يف ي جب ع لى رو سيا أن تت صرف أو ت سلك ذات يا @ ع لى الم سرح‬
‫الدولي‪ .‬وما كاد يمر شهر واحد على حل التحاد السوفييتي حتى قال‪" :‬في‬
‫تخلينا عن الفكر الع قائدي ي جب أن نم هد لل خذ بال مذهب ا لذرائعي )العملي‬
‫أو ا لواقعي(‪ ...‬و سرعان ما أ صبحنا @ نف هم أن الجيوبوليت كا )ع لم السيا سة‬
‫الطبيع ية أو درا سة تأثير العوا مل الجغراف ية والقت صادية والب شرية في‬
‫سيا سة الدو لة الخارج ية خا صة أو السيا سة الحكوم ية المبن ية ع لى أ ساس‬
‫هذا العلم –المترجم(‪ ...‬تحل مكان اليديولوجيا‪ ".‬وعموما‪ ،‬يمكن القول إن‬
‫ثلثة خيارات واسعة ومتداخلة جزئيا @ من المنظور الجيواستراتيجي‪ ،‬وكل منها‬
‫متع لق فعل @ بان شغال رو سيا بموقف ها في مواج هة أمير كا‪ ،‬ك ما أن كل @ من ها‬
‫أيضا @ يحتوي على بعض الحالت الداخلية المعنية‪ ،‬كانت قد ظهرت كرد فعل‬
‫ع لى انه يار الت حاد ال سوفييتي‪ .‬ويم كن ت صنيف هذه ال مدارس الفكر ية‬
‫المتعددة كما يلي‪.‬‬

‫‪ 1‬ـ أفضلية "الشراكة الستراتيجية الناضجة" مع أميركا‪ ،‬التي كانت فعل@‪،‬‬


‫بالنسبة إلى بعض أنصارها شرطا @ مبدئيا @ للسيادة المشتركة العالمية‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ التشديد على "العالم الخارجي القريب" بوصفة محط اهتمام مركزي‬
‫لرو سيا‪ ،‬مع ب عض التأي يد ل شكل ما من التكا مل القت صادي ا لذي تحك مه‬
‫رو سيا‪ ،‬ول كن مع آخر ين م من يتوق عون أي ضا @ ا ستعادة فعل ية لجراء ما من‬
‫إ جراءات ال سيطرة المبراطور ية وبال تالي خ لق قوة ت كون أ كثر قدرة ع لى‬
‫التوازن مع أميركا وأوروبا ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ ت حالف م ضاد ي ضم نو عا ما من الئتلف الورا سي الم ضاد لمير كا‬
‫والمعد للقلل من التفوق الميركي في أوراسيا‪.‬‬
‫و بالرغم من أن الخ يار ا لول م ما ت قدم كان م سيطرا @ في البدا ية ب ين‬
‫الفر يق ال حاكم الجد يد للرئ يس يلت سين‪ ،‬فإن الخ يار ال ثاني لم يل بث أن برز‬
‫في المسرح السياسي بعد فترة قصيرة‪ ،‬وذلك لسباب تعود جزئيا @ إلى كونه‬
‫أف ضلية حر جة من اف ضليات يلت سين الجيوبوليت ية؛ ا ما الخ يار ال ثالث ف قد‬
‫فرض نف سه إ لى حد ما في و قت ل حق‪ ،‬أي حوالي منت صف أ عوام‬
‫الت سعينيات‪ ،‬وذ لك كرد ف عل ع لى الح ساس ا لذي انت شر آ نذاك عن أن‬
‫الجيواستراتيجيا الروسية في فترة ما بعد العهد الشيوعي كانت غير واضحة‬
‫من ناح ية وفا شلة من ناح ية ثان ية‪ .‬وك ما ي حدث عادة‪ ،‬ف قد أثب تت هذه‬
‫الخ يارات الثل ثة كل ها كون ها مت سمة بالحما قة تاريخ يا @ وم شتقة أو ناب عة من‬

‫‪101‬‬
‫وج هات ن ظر تكتنف ها الو هام فعل @ عن ال قوة الراه نة لرو سيا‪ ،‬و عن قدرتها‬
‫الدول ية‪ ،‬وم صالحها الجنب ية‪ .‬و في ال فترة المبا شرة ا لتي ت لت انه يار الت حاد‬
‫السوفييتي‪ ،‬فإن وضع يلتسين الولي مثل ذروة المفهوم "الغربي" التقديم‪،‬‬
‫وإن لم ي كن ناج حا @ قط‪ ،‬في الف كر السيا سي الرو سي‪ ،‬وا لذي يرى‪ :‬أن‬
‫روسيا تنتمي إلى الغرب‪ ،‬ويجب أن تكون جزءا من هذا الغرب‪ ،‬ويجب عليها‬
‫أن تقلد بقدر ما تستطيع‪ ،‬الغرب في تطورها الداخلي‪ .‬تمسك بهذه الفكرة‪.‬‬
‫يلت سين نف سه ووز ير خارجيته‪ ،‬عل ما @ أن يلت سين هذا كان صريحا @ تما ما @ في‬
‫إنكار الرث المبراطوري الروسي‪ .‬وفي خطاب له في كييف في ‪ 19‬تشرين‬
‫ال ثاني‪ ،1990،‬وبكل مات ا ستطاع ا لوكرانيون والتشي شانيون في ما ب عد أن‬
‫يحولوها ضده‪ ،‬أعلن يلتسين ببلغة‪:‬‬
‫"ل تط مح رو سيا إ لى أن ت صبح مر كزا @ لي نوع من المبراطور يات‬
‫الجد يدة‪ ...‬ورو سيا تق هم ا كثر من ا لخرين ضرر هذا ا لدور‪ ،‬لن ها كانت قد‬
‫أدت هذا الدور لزمن طويل قبل‪ .‬فماذا ربحت من ذلك؟ وهل أصبح الروس‬
‫أ كثر حر ية بنتي جة ذ لك؟ أم هل ا صبحوا أ كثر غ نى؟ أم أ كثر سعادة؟‪ ...‬و قد‬
‫علم نا التار يخ أن ال شعب ا لذي يح كم ا لخرين لي ستطيع أن ي كون سعيدا‬
‫أو محظوظا@‪".‬‬
‫كان الموقف الودي الذي اختير بترو من قبل الغرب‪ ،‬ول سيما من قبل‬
‫الول يات المت حدة‪ ،‬إزاء الق يادة الرو سية الجد يدة م صدرا @ لت شجيع مج سدي‬
‫الفكر الغربي أو مؤيدي السلوب الغربي الذين برزوا‪ ،‬بعد العهد السوفييتي‪،‬‬
‫في مؤس سة السياسة الخارج ية الروسية‪ .‬ف قد عم لت هذه المؤس سة على‬
‫تعزيز ميولها الميركية وأغوت أعضاءها العاملين فيها شخصيا‪ .‬فالقادة الجدد‬
‫تعرضوا للطراء ورفع الكلفة من قبل صانعي السياسة لدى القوة العظمى‬
‫الوحيدة في العالم علما @ أنه كان من السهل أن ينخدع هؤلء القادة وبالتالي‬
‫يفكرون بانهم هم أنفسهم قادة لقوة عظمى أيضا‪ .‬وعندما أطلق الميركيون‬
‫شعار "العل قة ال ستراتيجية النا ضجة" ب ين وا شنطن ومو سكو‪ ،‬ف قد بدا‬
‫للروس كما لو أن علقة مشتركة ديمقراطية أميركية روسية جديدة اكتسبت‬
‫قدسية ما لتحل مكان النزاع السابق‪.‬‬
‫وستكون هذه العلقة المشتركة ذات أبعاد عالمية‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فإن روسيا‬
‫لن ت كون الخلي فة ال شرعية للت حاد ال سوفييتي ال سابق فح سب‪ ،‬بل ستكون‬
‫أيضا الشريك الفعلي في التسوية العالمية المعت مدة على مساواة حقيقية‪.‬‬
‫وب ما أن ال قادة ا لروس لم يتع بوا قط من تأك يد ذ لك‪ ،‬فإنه كان يع ني أ نه‬
‫ليجب أن يعترف سائر العالم بأن روسيا مساوية لميركا فحسب‪ ،‬بل أنه لن‬
‫ي تم التعا مل مع أو ال حل لي م شكلة عالم ية دون ا شتراك رو سيا و‪/‬أو بإذن‬

‫‪102‬‬
‫منها‪ .‬وبالرغم من أن ذلك لم يعلن عنه بصراحة‪ ،‬فإن المر الواضح في هذا‬
‫الوهم كان يتمثل أيضا @ في الفكرة القائلة إن أوروبا الوسطى يجب أن تبقى‬
‫بشكل ما‪ ،‬أو يمكنها حتى أن تختار بأن تبقى منطقة جوار أو تقارب سياسي‬
‫خاص لرو سيا‪ .‬و كذلك فإن حل ح لف وار سو والكومي كون لن يتب عه ان جذاب‬
‫أعضائها السابقين سواء إلى حلف الطلسي أو حتى إلى التحاد الوروبي‪.‬‬
‫إن المساعدة الغربية‪ ،‬في الوقت ذاته‪ ،‬سوف تمكن الحكو مة الروسية‬
‫من الق يام بإ صلحات داخل ية تؤمن إ خراج الدو لة من ال ضائقة القت صادية‬
‫وت سمح ل ها بتعز يز المؤس سات الديمقراط ية‪ .‬وه كذا‪ ،‬فإن النت عاش‬
‫القت صادي لرو سيا‪ ،‬وو ضعها أو موقف ها ال خاص ك شريك م ساو لمير كا‪،‬‬
‫وجاذبيتها‪ ،‬سوف تشجع الدول المستقلة حديثا @ في رابطة الدول المستقلة‪،‬‬
‫مع الملحظة بأن روسيا الجديدة ل تهدد أو ل تشكل خطرا @ على هذه الدول‬
‫التي تعي على نحو متزايد‪ ،‬عندئذ‪ ،‬فوائد إقامة شكل ما من أشكال التحاد‬
‫مع رو سيا‪ ،‬ع لى ا لدخول في تكا مل اقت صادي أو ثق من ال سابق‪ ،‬و ثم في‬
‫تكامل سياسي معها المر الذي يعزز عندئذ نفوذها )أي نفوذ روسيا( وقوتها‪.‬‬
‫إن الم شكلة المتعل قة ب هذا ال سلوب هي أن ها كانت خال ية من الواقع ية‬
‫الدول ية والداخل ية‪ .‬وبين ما ن جد أن مف هوم "ال شراكة ال ستراتيجية النا ضجة"‬
‫كان يتسم بالتملق‪ ،‬نجد أيضا @ أنه كان يتسم بالخداع‪ .‬فأميركا لم تكن ميالة‬
‫إ لى م شاطرة رو سيا في ال قوة العالم ية‪ ،‬و لم ت كن ت ستطيع أن تف عل ذ لك‪،‬‬
‫حتى لو أن ها أرادت أن تف عل‪ .‬ورو سيا الجد يدة كانت‪ ،‬بب ساطة ضعيفة جدا@‪،‬‬
‫و مدمرة إ لى حد كبير ب عد ثل ثة أر باع قرن من الح كم ال شيوعي‪ ،‬ومتخل فة‬
‫جدا @ اجتماع يا لدر جة لم ت كن مع ها مؤه لة لن ت صبح شريكا @ عالم يا @ حقيق يا‪.‬‬
‫و من من ظور وا شنطن‪ ،‬فإن ألمان يا‪ ،‬واليا بان‪ ،‬وال صين‪ ،‬كانت كل ها ل ت قل‬
‫أهم ية و تأثيرا @ عن رو سيا‪ .‬وف ضل عن ذ لك‪ ،‬ف في ب عض الق ضايا‬
‫الجيوا ستراتيجية المركز ية ذات الم صلحة القوم ية لمير كا‪ ،‬في أورو با‪،‬‬
‫والشرق الوسط‪ ،‬والشرق القصى‪ ،‬لم تكن الطموحات الميركية الروسية‬
‫متماث لة‪ ،‬إن لم ت كن حتى بع يدة جدا في المن حى وال هدف‪ .‬و ما أن بدأت‬
‫الختل فات تط فو ع لى ال سطح ع لى ن حو ل يم كن تجن به‪ ،‬حتى بدأ عدم‬
‫التنا سب في ال قوة السيا سية والن فوذ ال مالي‪ ،‬والبت كار التكنو لوجي‪،‬‬
‫والجاذبية الثقاف ية يج عل "ال شراكة ال ستراتيجية النا ضجة" ت بدو جو فاء‪ ،‬و قد‬
‫د هش ال كثير من ا لروس‪ ،‬وع لى ن حو متزا يد يو ما @ ب عد يوم‪ ،‬من أن هذه‬
‫ال شراكة كانت م عدة ع مدا @ ل خداع رو سيا‪ .‬رب ما كان من المم كن تج نب هذا‬
‫الحباط لو أن أميركا عملت في وقت مبكر‪ ،‬في أثناء شهر العسل الميركي‬
‫الرو سي‪ ،‬ع لى ال خذ بمف هوم تو سيع ال ناتو‪ ،‬و قدمت في ا لوقت ذا ته إ لى‬

‫‪103‬‬
‫رو سيا " صفقة ل يمكن ها أن ترف ضها" و هي‪ ،‬أي ال صفقة‪ ،‬تحد يدا@‪ ،‬عل قة‬
‫تعاونية خاصة بين روسيا والناتو‪ .‬ولو أخذت أميركا على نحو واضح وحاسم‬
‫بف كرة تو سيع الح لف‪ ،‬و مع ا شتراط و جوب ان ضمام رو سيا إل يه‪ ،‬فرب ما كان‬
‫يم كن تج نب إح ساس مو سكو الل حق بالح باط إزاء "ال شراكة النا ضجة"‬
‫وإزاء الضعف المتزايد للوضع السياسي لحاملي لواء الغرب في الكرملين ‪.‬‬
‫إن لحظة فعل ذلك كانت في النصف الثاني من العام ‪ ،1993‬أي مباشرة‬
‫بعد موافقة يلتسين العامة والصريحة في آب على رغبة بولونيا في النضمام‬
‫إ لى الح لف عبر الطل سي‪ ،‬واعت بار هذه الرغ بة من سجمة مع "م صالح أو‬
‫اهتمامات روسيا"‪ .‬وعوضا @ عن ذلك‪ ،‬فإن إدارة كلينتون ‪ ،‬التي كانت ل تزال‬
‫آ نذاك تأ خذ بسيا سة "رو سيا أول @ "‪ ،‬ماطلت ل مدة سنتين‪ ،‬غ ير الكرمل ين‬
‫خللها لهجته وأصبح معاديا على نحو متزايد للمؤشرات الظاهرة‪ ،‬وإن بشكل‬
‫متردد‪ ،‬عن النية الميركية في توسع الناتو‪ .‬وعندما قررت أميركا أخيرا @ في‬
‫ال عام ‪ 1996‬أن تج عل تو سع ال ناتو هدفا مركز يا @ في سيا ستها الهاد فة إ لى‬
‫تشكيل مجتمع أوروبي أطلسي أكبر وأكثر أمنا‪ ،‬كان الروس قد انغلقوا على‬
‫أنف سهم وأظ هروا معار ضة صلبة‪ .‬و لذا يم كن الن ظر إ لى ال عام ‪ 1993‬بو صفة‬
‫العام الذي فقدت فيه الفرصة التاريخية ‪.‬‬
‫ولكن ل بد من العتراف أن الهتمامات الروسية المتعلقة بتوسيع الناتو‬
‫لم ت كن كل ها تفت قر إ لى الم شروعية ك ما لم ت كن ناب عة من حوافز سيئة‬
‫الن يات‪ .‬فب عض الخ صوم وخا صة ب ين الع سكريين ا لروس‪ ،‬ت ناولوا ا لمر‬
‫بالعقلية التي كانت سائدة في فترة الحرب الباردة‪ ،‬ونظروا إلى توسع الناتو‬
‫ل بو صفه جزءا @ مكمل @ لن موا أو تو سع أورو با‪ ،‬بل باعت باره اقترا با ن حو رو سيا‬
‫من ق بل ح لف ت قوده أمير كا ول يزال ذا طابع عدائي‪ .‬وا ستمر ب عض ا فراد‬
‫نخبة السياسة الخارجية الروسية‪ ،‬علما @ أن معظمهم كانوا بالفعل مسؤولين‬
‫سوفييت سابقين في الخذ بالنظرة الجيواستراتيجية القائمة منذ أمد طويل‬
‫عن أنه ل يوجد مكان لميركا في أوراسيا‪ ،‬وإن توسع الناتو كان مدفوعا @ إلى‬
‫حد كبير برغ بة أمير كا في ز يادة م جال نفوذ ها‪ .‬و كان ب عض معار ضتهم ناب عا‬
‫أيضا @ من المل بأن أوروبا الوسطى غير الملحقة )أو المنفصلة( ستعود يوما‬
‫ما إلى مجال النفوذ الجيوبوليتي لموسكو بمجرد أن تسترد روسيا عافيتها ‪.‬‬
‫ول كن ال كثيرين من ا لديمقراطيين ا لروس خ شوا أي ضا من أن تو سيع‬
‫الناتو سوف يعني أن روسيا سوف تترك خارج أوروبا‪ ،‬وتنبذ سياسيا وتعتبر‬
‫غير مستحقة لعضوية الطار المؤسساتي للحضارة الوروبية فانعدام المن‬

‫‪104‬‬
‫الثقافي عقد المخاوف السياسية جاعل @ توسيع الناتو يبدو كما لو أنه تتويج أو‬
‫دروة للسياسة الغربية القائمة منذ زمن طويل والمعدة لعزل روسيا‪ ،‬وتركها‬
‫وح يدة في ال عالم وغ يره مني عة إزاء مخت لف أ عدائها‪ .‬وف ضل @ عن ذ لك‪ ،‬فإن‬
‫ا لديمقراطيين ا لروس لم ي ستطيعوا ف هم ا لمور ا لكثر عم قا سواء أ كانت‬
‫متعلقة بامتعاض سكان أوروبا الوسطى من تحكم موسكو الذي استمر أكثر‬
‫من نصف قرن أو برغبتهم )رغبة هؤلء الديمقراطيين الروس( في أن يكونوا‬
‫جزءا @ من منظومة أوروبية أطلسية أكبر ‪.‬‬
‫وفي المقابل‪ ،‬فربما لم يكن ممكنا @ تجنب الحباط أو الضعاف لمؤ يدي‬
‫ال غرب من ا لروس ‪ .‬ول سبب وا حد‪ ،‬فإن النخ بة الحاك مة الرو سية الجد يدة‪،‬‬
‫المق سمة من ا لداخل‪ ،‬وغ ير ال قادرة سواء مع رئي سها أو مع وز ير خارجيت ها‬
‫على تأمين قيادة جيواستراتيجية منسجمة‪ ،‬لم تستطع أن تحدد بوضوح ماذا‬
‫تريد روسيا الجديدة من أوروبا‪ ،‬ول استطاعت أيضا @ أن تقيم واقعيا @ التقييدات‬
‫أو التحديدات المفروضة على وضع روسيا الذي جرى إضافة‪ .‬أما ديمقراطيو‬
‫موسكو الذين خسروا المعركة سياسيا @ فلم يستطيعوا الوقوف في موقع من‬
‫يع لن ب جرأة أن رو سيا الديمقراط ية ت عارض تو سيع المجت مع ا لدولي‬
‫ا لديمقراطي عبر الطل سي‪ ،‬ناه يك بكون ها تر غب في أن تن ضم إ لى هذا‬
‫المجت مع أي ضا‪ .‬وأن و هم المو قف ال عالمي ا لذي ت شترك ف يه رو سيا وأمير كا‬
‫ج عل من ال صعب ع لى النخ بة السيا سية في مو سكو أن تتخ لى عن ف كرة‬
‫الو ضع الجيوبول يتي المتميز )يملك امتيازات( لروسيا‪ ،‬وذ لك ليس ف قط في‬
‫منطقة التحاد السوفييتي السابق ذاتها بل وفي منطقة دول أوروبا الوسطى‬
‫التي كانت تدور في فلك التحاد السوفييتي أيضا @ ‪.‬‬
‫و سرعان ما انتق لت كرة الل عب ب هذه الت طورات إ لى أ يدي ال قوميين‪،‬‬
‫ا لذين بدؤوا م نذ ال عام ‪ 1994‬ي ستعيدون أ صواتهم ومع هم الع سكريون ا لذين‬
‫أ صبحوا آ نذاك في عدد المؤ يدين المهم ين جدا @ ليلت سين في ا لداخل‪ .‬ول كن‬
‫أ صواتهم العال ية وردود فعل هم الخ طرة أحيا نا@‪ ،‬ع لى طمو حات سكان أورو با‬
‫الو سطى لم تع مل إل ع لى ز يادة حدة ت صميم ا لدول ا لتي كانت تدور في‬
‫فلك التحاد السوفييتي السابق‪ ،‬وفي ظل وعيها وإدراكها العميقين لتحررها‬
‫ا لذي أن جز مؤخرا @ من الح كم الرو سي‪ ،‬ع لى أن تر بح أو ت هرع إ لى سماء‬
‫الناتو المنة ‪.‬‬
‫ات سع الخلف )الث غرة( ب ين وا شنطن ومو سكو أ كثر فأكثر ب سبب عدم‬
‫رغبة الكرملين في إدانة فتوحات ستالين‪ .‬فالرأي العام الغربي‪ ،‬وخاصة في‬
‫ا سكندينافيا و في الول يات المت حدة أي ضا@‪ ،‬كان منزع جا @ ب شكل خاص ب سبب‬

‫‪105‬‬
‫غ موض المو قف الرو سي إزاء جمهور يات البلط يق‪ .‬ف بالرغم من ال عتراف‬
‫با ستقلل هذه ا لدول و عدم ال صرار ع لى ع ضويتها في راب طة ا لدول‬
‫الم ستقلة‪ ،‬ن جد أ نه حتى ال قادة ا لروس ا لديمقراطيين ل جؤوا مؤق تا @ إ لى‬
‫التهد يدات ل كي يح صلوا ع لى معام لة تف ضيلية للمجمو عات ال كبيرة من‬
‫الستعماريين الروس الذين كانوا قد استقروا باختيارهم في هذه البلدان في‬
‫أث ناء ال سنوات ال ستالينية‪ .‬وأ صبح ال جو أ كثر تل بدا @ بالغيوم ب سبب عدم رغ بة‬
‫الكرمل ين الم شار إلي ها آن فا @ في شحب التفاق ية الناز ية ال سوفيتية ال سرية‬
‫ل عام ‪ 1939‬ا لتي كانت قد ع بدت الطر يق إ لى ال ضم الق سري ل هذه‬
‫الجمهور يات إ لى الت حاد ال سوفييتي‪ .‬و حتى ب عد خ مس سنوات من انه يار‬
‫التحاد السوفييتي‪ ،‬أصر الناطق باسم الكرملين )في بيان رسمي بتاريخ ‪10‬‬
‫أي لول ‪ (1996،‬أن دول البلط يق "ان ضمت طو عا @ في ال عام ‪ 1940‬إ لى الت حاد‬
‫ال سوفييتي‪ .‬كانت النخبة الحاك مة الرو سية في الع هد ما ب عد ال سوفييتي قد‬
‫توقعت أيضا@‪ ،‬وبشكل واضح‪ ،‬أن الغرب سوف يساعد في‪ ،‬أو على القل لن‬
‫يعيق‪ ،‬استعادة الدور الروسي المركزي في الفترة ما بعد العهد السوفييتي‪.‬‬
‫و لذا ف قد أمتع ضت هذه النح بة من رغ بة ال غرب في م ساعدة ا لدول ا لتي‬
‫ا ستقلت حديثا @ ب عد الع هد ال سوفييتي ع لى د عم وتعز يز وجود ها السيا سي‬
‫المنف صل‪ .‬و حتى ع ندما حذر المحل لون ا لروس الك بار للسيا سة الخارج ية‬
‫الميركية من أن "المواجهة مع الوليات المتحدة ‪ ...‬هي خيار يجب تجنبه "‪،‬‬
‫ف قد أ كدوا‪ ،‬في ا لوقت ذا ته‪) ،‬و لم يكن ذ لك كله غير صحيح( أن الول سايات‬
‫المت حدة كانت ت سعى إ لى إ عادة تنظ يم العل قات ب ين ا لدول في أورا سيا‬
‫كلها ‪ ...‬حيث لم تكن توجد دولة بارزة أو قيادية في القارة‪ ،‬بل وجدت عدة‬
‫دول متو سطة وم ستقرة ن سبيا@‪ ،‬وب عض ا لدول ذات ال قوة المعتد لة‪ ...‬ولكن ها‬
‫أ قل قوة بال ضرورة من الول يات المت حدة من ح يث امكانات ها المن فردة أو‬
‫حتى الجماعية "‪. ((1‬‬
‫و في هذا الم جال‪ ،‬ف قد كان و ضع أوكران يا حر جا‪ .‬فالم يل ا لميركي‬
‫المت نامي‪ ،‬وخا صة في ال عام ‪ ،1994‬إ لى إع طاء أف ضلية عال ية للعل قات‬
‫الميركية الوكرانية ولمساعدة أوكرانيا في المحافظة على حريتها القومية‬
‫الجد يدة كان قد ن ظر إل يه من ق بل ال كثيرين في مو سكو‪ ،‬و حتى من ق بل‬
‫"مؤيدي الغرب" بوصفه سياسة موجهة ضد المصلحة الروسية الحيوية التي‬
‫ت ستهدف في نها ية الم طاف إ عادة أوكران يا إ لى الحظ يرة العا مة‪ .‬أ ما كون‬

‫)‪ (1‬بوغاتوروف وف‪ .‬كريمينيون )وكلهما من العلماء الكبار في معهد الوليات المتحدة‬
‫وك ندا( في م قال بع نوان "ا لميركيون أنف سهم سوف لن يتوق فوا أ بدا " في "المج لة‬
‫الروسية المستقلة بتاريخ ‪ 28‬حزيران ‪.1996،‬‬

‫‪106‬‬
‫أوكرانيا ستندمج ثانية "في يوم ما مع روسيا‪ ،‬فهو أمر ل يزال موضع إيمان‬
‫به ب ين ال كثير من النخ بة السيا سية الرو سية‪ .‬وبنتي جة ذ لك‪ ،‬فإن الت ساؤل‬
‫الجيوبوليتي والتاريخي لروسيا عن الموقف المنفصل لوكرانيا تصادم وجها‬
‫لوجه مع وج هة الن ظر الميرك ية القائ لة إن رو سيا المبريال ية ل ت ستطيع أن‬
‫تكون روسيا ديموقراطية‪ ((2.‬وبالضافة إلى ذلك‪ ،‬فقد وجدت أسباب داخلية‬
‫صرفة ل كون "ال شراكة ال ستراتيجية" ب ين "الديمقراط ية " أثب تت أن ها م جرد‬
‫أو هام‪ .‬فرو سيا كانت متخل فة جدا @ و مدمرة جدا @ من ق بل الح كم ال شيوعي‬
‫لكي تكون أو تقبل بوصفها شريكا @ ديموقراطيا @ قابل @ للستمرار مع الوليات‬
‫المت حدة‪ .‬و لم ي كن ممك نا @ الت عتيم ع لى هذه الحقي قة المركز ية )الرئي سة(‬
‫بالخطب )جمع خطبة( ذات الصوت العالي أو بالكلم المنمق عن الشراكة‪.‬‬
‫وف ضل @ عن ذ لك‪ ،‬فإن رو سيا ما ب عد الع هد ال سوفييتي لم تق طع علقات ها إل‬
‫جزئ يا بالما ضي‪ .‬ف كل قادت ها "ا لديمقراطيين" تقري با@‪ ،‬و حتى لو كانوا غ ير‬
‫حاملين للو هام عن الما ضي ال سوفييتي‪ ،‬لم يكو نوا فعل @ من ن تاج الن ظام‬
‫ال سوفييتي ف قط‪ ،‬بل كانوا أيضا أع ضاء مهمين سابقين في النخبة الحاك مة‬
‫ل هذا الن ظام‪ .‬و لم يكو نوا من شقين سابقين على غرار ما هو عل يه ا لمر في‬
‫بولونيا أو في جمهور ية الت شيك فالمؤس سات الرئي سة لل سلطة ال سوفييتية‪،‬‬
‫و بالرغم من أن ها أ ضعفت وخف ضت معنويات ها‪ ،‬وأف سدت‪ ،‬فإن ها ل تزال‬
‫موجودة‪ .‬وأن الرمز عن هذه الحقيقة وعن التمسك بالماضي الشيوعي هو‬
‫ال صرح ال تاريخي لمو سكو‪ :‬أي الو جود ا لذين ل زال م ستمرا ل ضريح لين ين‪.‬‬
‫والمر أشبه أو هو على غرار كون ألمانيا ما بعد النازية ل تزال محكومة من‬
‫ق بل "الهتلري ين" ال نازيين من ذوي الم ستوى المتو سط ا لذين ل يزا لون‬
‫يرددون ببل غة شعارات ديمقراط ية‪ ،‬مع ب قاء ضريح هت لر قائ ما @ في و سط‬
‫برلين‪.‬‬
‫إن ال ضعف السيا سي للنخ بة الديمقراط ية الجد يدة تع قد بالحجم ال كبير‬
‫للز مة القت صادية الرو سية‪ .‬فالحا جة إ لى إ صلحات شاملة‪ ،‬و لدت توق عات‬

‫)‪ (2‬على سبيل المثال فحتى كبير مستشاري يلتسين‪ ،‬ديمتري ريوريكوف‪ ،‬ذكر عنه من‬
‫ق بل "أ نتر فاكس ")‪ 20‬ت شرين الثاني ‪ ،(1996،‬أ نه في الم ستقبل المنظور يمكن لل حداث‬
‫في شرق أوكرانيا أن تواجه روسيا بمشكلة صعبة جدا‪ .‬فالمظاهرات الشعبية الجماعية‬
‫المعبرة عن السخط ‪ ...‬سوف تترافق بدعوات إلى روسيا‪ ،‬أو حتى بطلبات صريحة بأن‬
‫تستلم المنطقة‪ .‬وإن عددا @ قليل من الناس في موسكو سيكونون جاهزين لدعم مثل هذه‬
‫الخطط‪ .‬وهكذا‪ ،‬لم تهدأ الهتمامات الغربية القلقة إزاء النيات الروسية بسبب المطالبات‬
‫الروسية بالقرم وسيفاستيبول‪ ،‬أو إزاء تلك التصرفات الستفزازية كالدخال المتعمد في‬
‫نهاية العام ‪ 1996‬لمدينة سيفاستيبول في نشرة التنبؤات المسائية عن الطقس التي تبث‬
‫من التلفزيون الروسي عن المدن الروسية ‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫م بالغ ب ها الم ساعدة الغرب ية‪ ،‬وخا صة الميرك ية‪ .‬و بالرغم من أن هذه‬
‫الم ساعدات‪ ،‬وخا صة من ألمان يا وأمير كا و صلت بن سب كبيرة وبالتدر يج‪،‬‬
‫ف حتى في أح سن ال ظروف لم ت ستطع أن تع مل ع لى ا ستعادة العاف ية‬
‫القت صادية ب سرعة‪ .‬وبال تالي‪ ،‬فإن ال سخط الجت ماعي ال ناجم عن ذ لك قدم‬
‫شحنة إضافية إلى الجوقة المتنامية التي تضم نقادا @ محبطين ممن ادعوا أن‬
‫ال شراكة مع الول يات المت حدة كانت خد عة مف يدة لمير كا ولكن ها مدمرة‬
‫لروسيا ‪.‬‬
‫وباخت صار‪ ،‬ف لم تو جد ال شروط الذات ية أو المو ضوعية ل شراكة عالم ية‬
‫فعا لة في ال سنوات ا لتي جاءت مبا شرة ب عد انه يار الت حاد ال سوفييتي‪ .‬أ ما‬
‫مؤ يدو ال غرب "ا لديمقراطيون ف قد كانوا ير يدون أ شياء كثيرة ولكن هم لم‬
‫يستطيعوا أن يقدموا إل القليل‪ .‬فهم رغبوا في شراكة متعادلة‪ ،‬أو في إقامة‬
‫سيادة مشتركة مع أميركا )جنبا @ إلى جنب(‪ ،‬وأن تكون لهم اليد العليا نسبيا‬
‫ضمن رابطة الدول المستقلة‪ ،‬وأرضا محرمة في أوروبا الوسطى‪ .‬ومع ذلك‪،‬‬
‫فإن ازدواجيتهم في شأن التاريخ السوفييتي وافتقارهم إلى الواقعية في ما‬
‫يتع لق بالقوة العالم ية‪ ،‬وع مق الز مة القت صادية‪ ،‬وغ ياب ا لدعم الجت ماعي‬
‫على نطاق واسع كان كله يعني أنهم لم يستطيعوا تأمين الستقرار أو خلق‬
‫رو سيا ديمقراط ية فعل @ يؤمن وجود ها ت طبيق مف هوم ال شراكة المتعاد لة‪.‬‬
‫وكان على روسيا أن تخضع لعملية إصلح سياسي طويلة المد‪ ،‬ل تقل من‬
‫ح يث طول ال مدة عن عمل ية ال ستقرار ا لديمقراطي‪ ،‬و حتى إ لى عمل ية‬
‫أطول من التحديث الجتماعي القتصادي‪ ،‬على أن تقوم لحقا @ بالنتقال من‬
‫التفك ير المبر يالي أو ا لمبراطوري إ لى العقلن ية القوم ية في ما يتع لق‬
‫بالح قائق الجيوبوليت ية الجد يدة ل يس ف قط في أورو با الو سطى بل وب شكل‬
‫خاص ضمن المبراطور ية الرو سية ال سابقة ق بل أن ت ستطيع إقا مة شراكة‬
‫مع أميركا يمكنها أن تصبح خيارا @ جيوبوليتيا @ قابل @ للحياة )الستمرار(‪.‬‬
‫و في ظل هذه ال ظروف‪ ،‬ل يس مده شا @ أن أف ضلية "ال خارج القر يب"‬
‫أ صبحت مو ضع ن قد رئ يس بالن سبة إ لى الخ يار المؤ يد لل غرب‪ ،‬إ ضافة إ لى‬
‫كون ها بديل @ ب كرا @ للسيا سة الخارج ية‪ .‬و قد اعت مدت ع لى ال جدل ال قائل بأن‬
‫مف هوم "ال شراكة " تجا هل ما ي جب أن ي كون ذا أهم ية ق صوى لرو سيا‪ :‬أي‬
‫علقات ها مع الجمهور يات ال سوفييتية ال سابقة‪ .‬وه كذا جاء "ال خارج القر يب"‬
‫لي كون صياغة مخت صرة ل لدفاع عن السيا سة ا لتي ست شدد ب صورة رئي سة‬
‫على الحاجة إلى إعادة بناء نوع ما من إطارات العمل القابلة للحياة‪ ،‬على‬
‫أن تكون موسكو في مركز اتخاذ القرار‪ ،‬بالنسبة إلى المجال )أو المساحة(‬
‫الجيوبوليتية التي كان يشغلها التحاد السوفييتي‪ .‬وحسب هذه المقدمة‪ ،‬فقد‬

‫‪108‬‬
‫وجد اتفاق واسع النطاق عن أن سياسة التركيز على الغرب‪ ،‬وخاصة على‬
‫أمير كا‪ ،‬كانت ت قدم القل يل وتك لف ال كثير جدا‪ .‬وبب ساطة ف قد جع لت من‬
‫ال سهل ع لى ال غرب ان ي ستغل ال فرص ا لتي أو جدها انه يار الت حاد‬
‫السوفييتي‪.‬‬
‫ومهما يكن من أمر فإن المدرسة الفكرية عن "الخارج القريب" كانت‬
‫مظ لة وا سعة أم كن تجم يع عدة م فاهيم جيوبوليت ية مختل فة تحت ها‪ .‬ف هي لم‬
‫ت ضم ف قط المنتفع ين القت صاديين‪ ،‬وال قدريين ب من في هم "مؤ يدو ال غرب"‬
‫الذين اعتقدوا أن رابطة الدول المستقلة تستطيع أن تتطور إلى نموذج مقاد‬
‫من قبل موسكو ومماثل للتحاد الوروبي‪ ،‬بل ضمت أيضا @ آخرين ممن رؤوا‬
‫في التكامل القتصادي واحدا @ من عدة أدوات لستعادة النظام المبراطوري‬
‫ا لذي ي ستطيع ان يع مل إ ما ت حت مظ لة راب طة ا لدول الم ستقلة أو عبر‬
‫ترتيبات خاصة )صيغت في العام ‪ (1996‬بين روسيا وبيلروسيا أو بين روسيا‬
‫وبيلرو سيا‪ ،‬وكازاخ ستان‪ ،‬وكورغو ستان‪ ،‬و شمل أي ضا @ الرومان سيين الم حبين‬
‫للسلفية الذين دافعوا عن اتحاد سلفي يضم روسيا‪ ،‬وأوكرانيا‪ ،‬وبيلروسيا‪،‬‬
‫وأخيرا أنصار فكرة الوراسية‪ ،‬الغربية إلى حد ما‪ ،‬وبوصفها تعريفا @ ملموسا‬
‫للمهمة التاريخية الدائمة لروسيا‪.‬‬
‫شملت أفضلية "الخارج القريب" في أ ضيق أشكالها‪ ،‬ال قتراح العقلني‬
‫جدا @ عن أ نه ي جب ع لى رو سيا أن تر كز ع لى العل قات مع ا لدول الم ستقلة‬
‫حديثا وخا صة لن كل هذه ا لدول بق يت مرتب طة ب ها من خلل ح قائق‬
‫السيا سة الرو سية ا لتي ت مت رعايت ها ع لى ن حو متع مد بغ ية ت طوير اعت ماد‬
‫اقت صادي مت بادل في ما بين ها‪ .‬و كان لذلك هدف أو مع نى اقت صادي‬
‫وجيوبول يتي م عا‪" .‬فالم جال القت صادي الم شترك" ا لذي تك لم ع نه ال قادة‬
‫ا لروس مرارا@‪ ،‬كان حقي قة ل يم كن تجاهل ها من ق بل قادة ا لدول الم ستقلة‬
‫حديثا‪ .‬فالتعاون وحتى التكامل إلى حد ما‪ ،‬كانا ضرورتين اقتصاديتين‪ .‬وهكذا‬
‫فلم يكن أمرا @ عاديا @ فقط‪ ،‬بل مرغوبا فيه‪ ،‬أن تطور مؤسسات مشتركة في‬
‫راب طة ا لدول الم ستقلة بغ ية ع كس )تغي ير ات جاه( الت مزق والت شظي‬
‫القتصاديين اللذين نجما عن النقسام السياسي للتحاد السوفييتي ‪.‬‬
‫وبالنسبة إلى بعض الروس‪ ،‬فإن تطوير التكامل القتصادي‪ ،‬كان بالتالي‪،‬‬
‫رد فعل مسؤول @ سياسيا@‪ ،‬وفعال @ وظيفيا@‪ ،‬على ما كان قد حدث‪ .‬وأن التشابه‬
‫مع الت حاد ا لوروبي كان قد ذ كر غال با @ ع لى أ نه أ مر يتع لق بالو ضع ما ب عد‬
‫ال سوفييتي‪ .‬وعمو ما فإن ا ستعادة المبراطور ية كان قد ر فض بو ضوح من‬
‫ق بل ال مدافعين ا لكثر اع تدال @ عن التكا مل القت صادي‪ .‬وع لى سبيل الم ثال‪،‬‬
‫فإن التقر ير ال مؤثر عن ال ستراتيجية الم عدة لرو سيا" وا لذي كان قد أ صدر‬

‫‪109‬‬
‫في شهر آب من ال عام ‪ 1992‬من ق بل مج لس السيا ستين الخارج ية‬
‫والدفاع ية‪ ،‬وا لذي هو مجمو عة من الم سؤولين الح كوميين والشخ صيات‬
‫البارزة‪ ،‬كان قد دافع على نحو حاد جدا @ عن التكامل المشرق في فترة ما‬
‫ب عد الع هد ا لمبراطوري "بو صفه برنام جا @ صحيحا@"للم جال القت صادي‬
‫المشترك" في فترة ما بعد العهد السوفييتي ‪.‬‬
‫ومهما يكن من أمر‪ ،‬فإن التشديد على "الخارج القريب" لم يكن مجرد‬
‫عقيدة جيدة سياسيا @ أو تعاونا اقتصاديا @ إقليميا‪ .‬فمحتواه الجيوبوليتي كان ذا‬
‫م عان إمبراطور ية او إمبريال ية‪ .‬و حتى تقر ير عام ‪ 1992‬المع تدل ن سبيا @ تك لم‬
‫عن روسيا التي استعادت عافيتها والتي سوف تقيم فعل @ شراكه استراتيجية‬
‫مع ال غرب‪ ،‬ح يث سيكون ل ها دور"من ظم الو ضع في أورو با ال شرقية وآ سيا‬
‫الو سطى‪" ،‬وال شرق الق صى"‪ .‬وث مة مدافعون آ خرون عن هذه الف ضلية‬
‫كانوا أ قل ارتبا كا @ أو خجل @ في التك لم بو ضوح عن "ا لدور الح صري" لرو سيا‬
‫في الم جال ما ب عد ال سوفييتي و في ات هام ال غرب بالنخراط في سيا سة‬
‫م ضادة ل لروس من خلل ت قديمه الم ساعدة إ لى أوكران يا وا لدول ا لخرى‬
‫المستقلة حديثا @ ‪.‬‬
‫إن الم ثال الن موذجي‪ ،‬وإن لم ي كن ق صريا @ هو ال جدل ا لذي أ ثاره ي‪.‬‬
‫امبرت سيموف‪ ،‬رئ يس لج نة ال شؤون الخارج ية البرلمان ية وال مدافع ال سابق‬
‫عن أفضلية الشراكة‪ ،‬الذي أكد بصراحة أن المجال السوفييتي السابق كان‬
‫م جال ن فوذ جيوبول يتي سوفييتي ح صرا‪ .‬و في كانون ال ثاني‪ ،1994 ،‬كرر هذا‬
‫الكلم وز ير الخارج ية أ ندريه كوزير يف‪ ،‬ا لذي كان آ نذلك مدافعا @ ن شيطا @ عن‬
‫أفضلية النحياز إلى الغرب‪،‬حيث أعلن أنه يجب على روسيا أن تحافظ على‬
‫وجود ها الع سكري في الم ناطق ا لتي كانت ضمن م جال اهتمام ها ل قرون‬
‫م ضت"‪ .‬و في الحقي قة‪ ،‬كت بت صحيفة" الزف ستيا" في ‪ 8‬ني سان ‪ ،1994‬أن‬
‫رو سيا كانت قد نج حت في الب قاء ع لى ما ل ي قل عن ‪ 28‬قا عدة ع سكرية‬
‫في أرا ضي ا لدول الم ستقلة حديثا@‪ ،‬وأن ال خط ا لذي ر سم ع لى الخري طة‬
‫وير بط ال قوات الع سكرية الرو سية المنت شرة في كالينينغراد‪ ،‬ومو لدوفا‪،‬‬
‫وال قرم وأرمين يا‪ ،‬وطاجاك ستان‪ ،‬و جزر الكور يل‪ ،‬سوف ينط بق تقري با @ ع لى‬
‫الحدود الخارجية للتحاد السوفييتي السابق‪.‬‬
‫و في أي لول ‪ ،1995‬أ صدر الرئ يس يلت سن وثي قة ر سمية عن السيا سة‬
‫الروسية إزاء رابطة الدول المستقلة حدد فيها الهداف الروسية كما يلي‪:‬‬
‫"إن ال هدف الرئي سي لسيا سة رو سيا إزاء راب طة ا لدول الم ستقلة هو‬
‫خ لق ات حاد دول متكا مل سيا سيا @ واقت صاديا @ و قادر ع لى المطال بة بم كانه‬

‫‪110‬‬
‫الصحيح في المجتمع العالمي‪ ...‬وعلى دعم روسيا بوصفها القوة القائدة في‬
‫ت شكيل منظو مة جد يدة من العل قات القت صادية والسيا سية ب ين دول‬
‫الرابطة وعلى أرض المجال ما بعد السوفييتي‪".‬‬
‫‪1‬ـ القواعد العسكرية الروسية في المجال السوفييتي السابق‪.‬‬
‫‪2‬ـ قواعد في حوافي الحدود السوفييتية‪.‬‬
‫يجب أن نلحظ التشديد على البعد السياسي للجهد‪ ،‬وعلى الشارة إلى‬
‫الك يان الوح يد الم طالب "بم كانه" في الن ظام ال عالمي‪ ،‬و كذلك ع لى ا لدور‬
‫الحا سم لرو سيا ضمن الك يان الجد يد‪ .‬و قد أ صرت مو سكو‪ ،‬من خلل‬
‫المحاف ظة ع لى هذا الت شديد‪ ،‬ع لى أن ت عزز أي ضا @ الروا بط السيا سية‬
‫والع سكرية ب ين رو سيا وراب طة ا لدول الم ستقلة المن شأة حديثا@؛ وع لى أن‬
‫ت كون ال حدود "الخارج ية" لدول هذه الراب طة خا ضعة ل سيطرة مركز ية‬
‫)المق صود سيطرة مو سكو(؛ و كذلك ع لى أن تل عب ال قوات الرو سية دورا‬
‫حاسما @ في أي أعمال تهدف إلى حفظ السلم ضمن الرابطة التي يجب أن‬
‫تتوضع مؤسساتها الرئيسة في موسكو )وليس في مينسك كما اتفق سابقا‬
‫في العام ‪ ،(1991‬إضافة إلى أن الرئيس الروسي هو الذي يرأس اجتماعات‬
‫القمة لرابطة الدول المستقلة‪.‬‬
‫ولم يكن ذلك كل شيء‪ .‬فقد أعلن في وثيقة أيلول أيضا @ أنه‪:‬‬
‫"يجب أن يضمن البث التلفزيوني والذاعي الروسي في الخارج القريب‪،‬‬
‫ك ما ي جب أن يدعم توز يع ال صحف الرو سية في المنط قة وي جب أي ضا @ أن‬
‫تدرب روسيا الكوادر الوطنية لدول رابطة الدول المستقلة ‪.‬‬
‫وي جب أن ي عار اهت مام خاص إ لى ا ستعادة و ضع رو سيا بو صفها المر كز‬
‫الثقافي الرئيس في المجال ما بعد السوفييتي‪ ،‬مع الخذ في العتبار الحاجة‬
‫إلى تعليم وتثقيف جيل الشباب في دول رابطة الدول المستقلة بوحي من‬
‫العلقات الودية بروسيا"‪.‬‬
‫وإذ عكس مجلس الدوما الروسي هذا المزاج‪ ،‬فقد ذهب في بداية العام‬
‫‪ 1996‬إلى أبعد من ذلك ليعلن أن حل التحاد السوفييتي لم يكن مشروعا@‪.‬‬
‫وف ضل @ عن ذ لك‪ ،‬ف في رب يع ن فس ال عام وق عت رو سيا ات فاقيتين عن إقا مة‬
‫تكامل اقتصادي وسياسي أوثق بين روسيا والعضاء الكثر تكيفا @ في رابطة‬
‫الدول المستقلة‪ .‬وهكذا وقعت إحداهما في جو احتفالي‪ ،‬وأمنت إقامة اتحاد‬
‫ب ين رو سيا وبيل رو سيا ضمن مجت مع جمهور يات ذات سيادة"جد يد عرف‬
‫بالحروف المختصرة )‪ (SSSR‬علما @ أن رمز التحاد السوفييتي السابق كان )‬

‫‪111‬‬
‫‪ (SSSR‬وكازاخ ستان وكورغو ستان‪ ،‬ح يث تم الت فاق ع لى خ لق"مجت مع دول‬
‫متكاملة "طويل المد"‪ .‬وقد أشارت المبادرتان إلى عدم الصبر إزاء التقدم‬
‫البطيء في التكامل ضمن رابطة الدول المستقلة وإلى تصميم روسيا على‬
‫الستمرار في تطويره‪.‬‬
‫إن ت شديد ال خارج القر يب ع لى تعز يز آل يات الع مل المركز ية لراب طة‬
‫ا لدول الم ستقلة‪ ،‬وذ لك بالجمع ب ين ب عض عنا صر العت ماد ع لى الحتم ية‬
‫القتصادية الموضوعية من ناحية وبين جرعة قوية من التصميم المبراطوري‬
‫الذاتي من ناحية ثانية‪ .‬ولكن أيا @ منهما لم يقدم جوابا @ يتسم بدرجة أكبر من‬
‫الفل سفة والسيا سة الطبيع ية ع لى ال سؤال ا لذي ل يزال ي سبب الز عاج‬
‫وهو"ما هي روسيا وما هي مهمتها الحقيقية وحجمها )أبعادها( الصحيحة؟"‪.‬‬
‫كان هذا هو ال فراغ ا لذي حاولت عق يدة الورا سية الجذا بة ع لى ن حو‬
‫متزا يد‪ ،‬وبتركيز ها أي ضا @ ع لى ال خارج القر يب‪ ،‬أن تم له‪ .‬و كانت نق طة‬
‫النطلق لهذا التوجه‪ ،‬والتي عرفت بتعابير ثقافية وحتى غامضة هي الفرضية‬
‫القائ لة إن رو سيا لي ست ع لى ال صعيدين الجيوبول يتي أو الث قافي أوروب ية‬
‫تما ما @ ول آ سيوية تما ما@‪ ،‬وأن ها‪ ،‬بال تالي‪ ،‬ذات هو ية أورا سية متم يزة‪ .‬و هذه‬
‫الهوية موروثة عن السيطرة المكانية الفريدة في نوعها لروسيا على الكتلة‬
‫البرية الكبيرة جدا @ بين أوروبا الوسطى وشواطئ المحيط الهادي‪ ،‬وموروثة‬
‫أي ضا @ عن الدو لة المبراطور ية ا لتي أقامت ها مو سكو خلل أرب عة قرون في‬
‫ات جاه التو سع ال شرقي‪ .‬و كان هذا التو سع قد ضم إ لى رو سيا سكانا @ غ ير‬
‫روس وغير أوروبيين م ما خلق بذلك‪ ،‬شخصية أوراسية‪ .‬ذات طابع سياسي‬
‫وثقافي متميز ‪.‬‬
‫إن ال ظاهرة الورا سية بو صفها عق يدة‪ ،‬لم تن شأ في الع هد ب عد‬
‫ال سوفييتي‪ .‬ولكن ها ط فت إ لى ال سطح لول مرة في ال قرن التا سع ع شر‪،‬‬
‫ولكنها أصبحت أكثر انتشارا @ في القرن العشرين‪ ،‬وذلك بوصفها بديل @ واضحا‬
‫لل شيوعية ال سوفييتية ورد ف عل ع لى النح طاط المز عوم لل غرب‪ .‬و كان‬
‫الم هاجرون ا لروس ن شيطين ب شكل خاص في ن شر العق يدة بو صفها بديل‬
‫للمذهب السوفييتي‪ ،‬بعد أن تأكدوا من أن ضعف المشاعر القومية لدى غير‬
‫ا لروس ضمن الت حاد ال سوفييتي تط لب أو اح تاج إ لى‪ ،‬عق يدة فوق قوم ية‬
‫قوية‪ ،‬لئل @ يؤدي سقوط الشيوعية في نهاية المطاف إلى تفتت المبراطورية‬
‫الروسية الكبرى القديمة‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫و في ن حو منتصف الع شرينيات من هذا ال قرن جرى تو ضيح هذه الحا لة‬
‫ع لى ن حو مق نع من ق بل ا لمين‪ .،‬س تروبت سكوي‪ ،‬أ حد الن صار ال بارزين‬
‫للمذهب الوراسي‪ ،‬حيث كتب قائل‪:‬‬
‫" كانت ال شيوعية في الحقي قة أنموذ جا ممو ها @ لل مذهب ا لوروبي في‬
‫تدمير ال سس الروح ية والوجدان ية القوم ية في الح ياة الرو سية‪ ،‬ح يث أن ها‬
‫ن شرت هذا ال طار ال مادي المرج عي ا لذي كان يح كم فعل @ كل @ من أورو با‬
‫وأميركا‪...‬‬
‫وأن مهمت نا هي خ لق ثقا فة جد يدة كل يا@‪ ،‬هي ثقافت نا الخا صة‪ ،‬وا لتي لن‬
‫تشبه الحضارة الوروبية عندما تتوقف روسيا عن أن تكون انعكاسا @ مشوها‬
‫للحضارة الوربية‪ ...‬وعندما تصبح مرة أخرى هي ذاتها" أي روسيا اوراسيا‪،‬‬
‫التي هي الوريث الواعي‪ ،‬والحامل‪ ،‬لرث جنكيزخان الكبير" ‪. ((1‬‬
‫و جدت وج هة الن ظر هذه اتبا عا @ مت شوقين في الو ضع ب عد ال سوفييتي‬
‫الم شوش‪ .‬ف من ناح ية‪ ،‬أدي نت ال شيوعية بو صفها خداعا @ للرثوذك سية‬
‫)المعت قدات القوم ية( الرو سية و"للف كرة الرو سية" ال صوفية الخا صة؛ و من‬
‫ناحية ثانية‪ ،‬رفض مؤ يدو الغرب لن هذا الغرب‪ ،‬وخاصة أميركا‪ ،‬كان ينظر‬
‫إليه بوصفه فاسدا@‪ ،‬معاديا @ للثقافة الروسية‪ ،‬ويميل إلى أن ينكر على روسيا‬
‫ادعاء ها ذا ال جذور التاريخ ية والجغراف ية في ال سيطرة ح صرا @ ع لى الكت لة‬
‫البرية الوراسية‪.‬‬
‫كان ال مذهب الورا سي قد أع طي تف سيرا أكاديم يا @ في كتا بات ل يف‬
‫غوميل يف ا لتي تقت بس كثيرا@‪ ،‬و هذا الر جل هو مؤرخ‪ ،‬وجغرا في‪ ،‬و عالم في‬
‫ع لم الن سان الو صفي‪ ،‬ك ما ان كت به" رو سيا ال قرون الو سطى وال سهل‬
‫ال كبير" و " ثائر أورا سيا" و "جغراف يا التن ية والقوم ية في الز من ال قديم"‪،‬‬
‫قدمت حجة قوية للقتراح القائل إن اوراسيا هي الموقع الجغرافي الطبيعي‬
‫"للتنية والقومية"‪ .‬اللتين تميز بهما الشعب الروسي‪ ،‬وجاءتا بنتيجة التعايش‬
‫التاريخي بين السكان الروس وغير الروسي في السهول المفتوحة مما خلق‬
‫كيا نا @ اورا سيا روح يا @ وثقاف يا @ فر يدا @ في نوعه‪ .‬و قد حذر غوميل يف من أن‬
‫التك يف مع ال غرب لن يع ني شيئا @ لل شعب ا لروس أ قل من ف قدانه "التن ية‬
‫والقومية والروح"‪.‬‬
‫وجدت وجهات النظر هذه تجاوبا @ معها‪ ،‬وإن بصورة أكثر بدائية‪ ،‬من قبل‬
‫مجمو عة متنو عة من السيا سيين ال قوميين ا لروس‪ .‬وع لى سبيل الم ثال‪،‬‬

‫)‪ (1‬ن‪ ،‬س تروبت سكوي ف "ارث جنكيز خان‪ ،‬في مج لة الت يارات ال صليبية" ال عدد ‪ 9‬عام‬
‫‪ ،1990‬الصفحة ‪.68‬‬

‫‪113‬‬
‫فال نائب ال سابق ليلت سين‪ ،‬الك سندر روت سكوي‪ ،‬أ كد "أ نه من الوا ضح من‬
‫النظر إلى الوضع الجيوبوليتي للبلد أن روسيا تمثل الجسر الوحيد بين آسيا‬
‫وأوروبا‪ .‬فأي شخص يسيطر على هذا المجال الجغرافي سوف يسيطر على‬
‫ال عالم"‪ ((1‬أ ما المت حدي ال شيوعي ليلت سين‪ ،‬غي نادي زو غانوف‪ ،‬و بالرغم من‬
‫عق يدته المارك سية اللينين ية‪ ،‬ف قد تق بل الت شدد ال صوفي في ال مذهب‬
‫الورا سي ع لى ا لدور الرو حي والتب شيري ال خاص لل شعب الرو سي في‬
‫المجالت )المساحات( الواسعة من اوراسيا مؤكدا @ أن روسيا وهبت في هذا‬
‫السياق موهبة ثقافية فريدة في نوعها وقاعدة جغرافية ملئمة بشكل خاص‬
‫لممارسة الزعامة العالمية ‪.‬‬
‫و قد قدم أي ضا ا لنموذج البراغ ماتي )ا لواقعي( و ا لكثر رزا نة لل مذهب‬
‫الوراسي من قبل زعيم كازاخستان نور سلطان نازار باييف‪ .‬فعندما واجه‬
‫في ب لده ان شقاقا شبه دي موغرافي ب ين مواطنيه ال كازاخيين والم ستوطنين‬
‫ا لروس‪ ،‬وإذ سعى إ لى إي جاد صيغة تخ فف إ لى حد ما من ال ضغوط ا لتي‬
‫مار ستها مو سكو من أ جل التكا مل السيا سي‪ ،‬ع مل ع لى ن شر مف هوم‬
‫"التحاد الوراسي" بوصفه بديل @ لرابطة الدول المستقلة غير الفعالة والتي‬
‫تكاد تكون ملمح‪ .‬وبالرغم من أن هذا النموذج افتقر إلى المحتوى الصوفي‬
‫للتفك ير الورا سي التقل يدي و لم ي قدم بالتأك يد أي دور تب شيري خاص إ لى‬
‫اوراسيا‪ ،‬فقد اشتق من الفكرة القائلة أن اوراسيا المعرفة جغرافيا @ بتعابير‬
‫مماثلة لتلك التي عرف بها التحاد السوفييتي‪ ،‬شكلت وحدة كاملة عضوية‬
‫يجب أن تملك أيضا @ بعدا @ سياسيا @ ‪.‬‬
‫وإلى درجة ما‪ ،‬فقد بررت محاولة إعطاء "الخارج القريب" أعلى أفضلية‬
‫في التفك ير الجيوبول يتي الرو سي في ال سياق أو المع نى ال قائل إن نو عا @ ما‬
‫من الن ظام والتكيف بين روسيا ما ب عد الع هد المبراطوري من ناحية‪ ،‬وبين‬
‫ا لدول الم ستقلة حديثا @ من ناح ية ثان ية كان ضرورة مطل قة من ح يث‬
‫ال شروط المن ية والقت صادية‪ .‬ومه ما ي كن من أ مر‪ ،‬فا لذي أع طى لم سة‬
‫سريالية أو فوق واقعية إلى الكثير من النقاش الدائر حول هذا الموضوع هو‬
‫الف كرة ال مترددة القائ لة إ نه ب شكل ما أو بآخر‪ ،‬و سواء أ جاء التكا مل‬
‫السياسي للمبراطورية السابقة طوعيا @ )بسبب القتصاد( أو بنتيجة استعادة‬
‫روسيا ‪،‬في نهاية المطاف‪ ،‬لقوتها الضائعة ودون أن نتحدث عن مهمة روسيا‬
‫السلفية أو الوراسية الخاصة‪ ،‬فإنه‪ ،‬أي هذا التكامل‪ ،‬مرغوب فيه وممكن ‪.‬‬
‫وفي هذا السياق فإن المقارنة التي تثار مرارا @ مع التحاد الوروبي تهمل‬
‫م يزة حسا سة هي‪ :‬أن الت حاد بالنفوذ ا لوروبي‪ ،‬حتى مع ال سماح ال خاص‬
‫مقابلة مع مجلة "ليكسيريسو" )روما ـ ‪ 15‬تموز ‪.( 1994‬‬ ‫)‪(1‬‬

‫‪114‬‬
‫للمان يا‪ ،‬ل يح كم من ق بل قوة وا حدة تل قي ظل @ ع لى كل الع ضاء ا لخرين‪،‬‬
‫سواء من حيث الدخل القومي السنوي‪ ،‬أو تعداد السكان‪ ،‬أو مساحة الرض‪.‬‬
‫ولن يكون التحاد الوروبي خليفة لمبراطورية قومية‪ ،‬وخاصة لن العضاء‬
‫المحرر ين يمل كون شكوكا @ عمي قة ال جذور بأن "التكا مل" هو كل مة ال سر‬
‫للتبع ية المت جددة‪ .‬و حتى في هذه ال حال ي ستطيع ال مرء ب سهولة أن يتخ يل‬
‫ماذا كان يم كن أن ي كون رد ف عل ا لدول الوروب ية لو أن ألمان يا كانت قد‬
‫أعلنت رسميا @ أن هدفها هو تعزيز وتوسيع دورها القيادي في التحاد الوروبي‬
‫إ لى الخ طوط ا لتي أعلنت ها رو سيا في أي لول ‪ ،1995‬وا لتي ذ كرت سابقا@‪ .‬إن‬
‫التشبيه بالتحاد الوروبي يعاني من نقطة ضعف أخرى أيضا‪ .‬فالقتصاديات‬
‫الوروب ية الغرب ية المفتو حة والمت طورة ن سبيا @ كانت جاهزة للتكا مل‬
‫ا لديمقراطي‪ ،‬و قد ل حظ مع ظم ا لوروبيين الغربي ين و جود فوائد اقت صادية‬
‫وسيا سية ملمو سة في هذا التكا مل‪ .‬و حتى ا لدول الوروب ية الغرب ية ا لفقر‬
‫ا ستطاعت أي ضا @ أن ت ستفيد من م ساعدات مال ية ملمو سة‪ .‬و في المقا بل‪،‬‬
‫فإن الدول المستقلة حديثا @ نظرت إلى روسيا بوصفها غير مستقرة سياسيا@‪،‬‬
‫ناهيك بكونها ل تزال تملك طموحات في السيطرة‪ ،‬وإضافة إلى كونها‪ ،‬على‬
‫الصعيد القتصادي‪ ،‬ت شكل عائ قا لشتراك هذه ا لدول في القتصاد ال عالمي‬
‫وفي الوصول إلى توظيف رؤوس الموال الجنبية التي تمس الحاجة إليها ‪.‬‬
‫إن المعار ضة لف كار مو سكو عن "التكا مل " كانت قو ية ب شكل خاص‬
‫في أوكران يا‪ .‬ف سرعان ما أدرك قادت ها أن م ثل هذا التكا مل وخا صة في‬
‫التحفظات الروسية المتعلقة بشرعية الستقلل الوكراني‪ ،‬سوف يؤدي في‬
‫نهاية المطاف‪ ،‬إلى فقدان السيادة القومية‪ .‬وفضل @ عن ذلك‪ ،‬فإن المعاملة‬
‫الرو سية الثقي لة ال يد للدو لة الوكران ية الجد يدة‪ ،‬و عدم رغ بة رو سيا في‬
‫العتراف بحدود أوكرانيا‪ ،‬وتساؤلها )أي روسيا( عن حق أوكرانيا في القرم‪،‬‬
‫وإصرارها على السيطرة المتخطية للحدود على ميناء سيفاستيبول‪ ،‬أعطت‬
‫كل ها للقوم ية الوكران ية حدا @ أو سلحا @ مم يزا @ ضد ا لروس‪ .‬وان التحد يد أو‬
‫التعر يف ا لذاتي للقوم ية )ا لوطن( ا لوكراني‪ ،‬في أث ناء مرح لة الت شكل‬
‫الحر جة في تار يخ الدو لة الجد يدة‪ ،‬كان قد صرف عن ال توجه التقل يدي‬
‫الم عادي لبولون يا أو الم عادي لرومان يا‪ ،‬وأ صبح مر كزا @ عو ضا عن ذ لك ع لى‬
‫معار ضة أي اقترا حات رو سية لراب طة ا لدول الم ستقلة ا لتي ت كون أ كثر‬
‫ت كامل@‪ ،‬و لي مجت مع سلفي خاص ) مع رو سيا وبيل رو سيا(‪ ،‬أو مع الت حاد‬
‫الوراسي‪ ،‬معتبرا @ إياها تكتيكات إمبريالية روسية ‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫وعمو ما @ فإن ت صميم أوكران يا ع لى المحاف ظة ع لى ا ستقللها كان قد‬
‫شجع بدعم خارجي‪ .‬وبالرغم من أن الغرب‪ ،‬وخاصة الوليات المتحدة‪ ،‬كان‬
‫قد تأخر في البداية في إدراك الهمية الجيوبوليتية لدولة أوكرانية منفصلة‪،‬‬
‫ف في منت صف أ عوام الت سعينيات أ صبحت أمير كا وألمان يا من ا لداعمين‬
‫القو ياء لهو ية كي يف المنف صلة‪ .‬و في شهر ت موز ‪1996‬أع لن وز ير ا لدفاع‬
‫المريكي ما يلي‪" :‬ل أستطيع المبالغة في تقدير أهمية أوكرانيا بوصفها دولة‬
‫مستقلة لمن واستقرار كل أوروبا"‪ ،‬بينما ذهب المستشار اللماني في شهر‬
‫أيلول‪ ،‬وبالرغم من دعمه القوي ليلتسن‪ ،‬إلى ابعد من ذلك عندما أعلن أن‬
‫"الم كان ال ثابت لوكران يا في أورو با لم ي عد قابل @ للت حدي من ق بل أي‬
‫شخص‪ ...‬وأن أ حدا @ لن ي كون قادرا @ ب عد ا لن أن ي ناقش ا ستقلل أوكران يا‬
‫وسيادتها على أرضها"‪ .‬وعمل صانعو السياسة الميركيون أيضا @ على وصف‬
‫العل قة الميرك ية الوكران ية بأن ها" شراكة ا ستراتيجية م ستخدمين عن ع مد‬
‫نفس الجملة المستخدمة في وصف العلقة الميركية الروسية‪.‬‬

‫وبدون أوكرانيا كما ل حظنا @ سابقا@‪ ،‬فإن استعادة السيطرة المبراطورية‬


‫ع لى أ ساس راب طة ا لدول الم ستقلة أو ع لى أ ساس ال مذهب الورا سي لم‬
‫تكن خيارا @ قابل @ للحياة‪ .‬فأي إمبراطورية دون أوكرانيا سوف تعني فعل @ دولة‬
‫روسيا التي ستصبح أكثر "أسينة" )ذات طابع آسيوي( وأكثر بعدا @ عن أوربا‪.‬‬
‫وبال ضافة إ لى ذ لك‪ ،‬فإن ال مذهب الورا سي لم ي كن جذابا @ أي ضا @ ول سيما‬
‫ل سكان آ سيا الو سطى الم ستقلة حديثا@‪ ،‬عل ما @ أن ق لة من هم كانت مت شوقة‬
‫للت حاد ثان ية مع مو سكو‪ .‬و قد أ صبحت اوزبك ستان حاز مة ب شكل خاص في‬
‫د عم اعترا ضات أوكران يا ع لى أي ر فع لراب طة ا لدول الم ستقلة إ لى ك يان‬
‫متخط للحدود القومية‪ ،‬وفي معارضة أي مبادرات روسية معدة لتعزيز هذه‬
‫الرابطة )‪. (CIS‬‬

‫كانت دول أ خرى من راب طة ا لدول الم ستقلة‪ ،‬حذرت أي ضا @ من ن يات‬


‫مو سكو‪ ،‬وبال تالي رغ بت هذه ا لدول في التج مع حول أوكران يا وأوزبك ستان‬
‫في معار ضة أو تج نب ضغوط مو سكو من أ جل خ لق تكا مل سيا سي‬
‫وعسكري أوثق‪ .‬وفضل @ عن ذلك‪ ،‬فإن الحساس بالوعي القومي كان يتعمق‬
‫في دول رابطة الدول المستقلة كلها تقريبا@‪ ،‬علما @ أن هذا الوعي تركز على‬
‫نحو متزايد على اعتبار أن الخضوع الماضي لموسكو هو نوع من الستعمار‬

‫‪116‬‬
‫وع لى استئ صال مخت لف مخل فاته المورو ثة‪ .‬وه كذا ف حتى كازاخ ستان غ ير‬
‫المني عة اتن يا @ ان ضمت إ لى دول آ سيا الو سطى ا لخرى في التخ لي عن‬
‫البجد ية ال سلفية القدي مة لت حل مكان ها ا لحرف اللتين ية ع لى غرار ما تم‬
‫ا ستخدامها وتكيف ها سابقا @ من ق بل تركيا‪ .‬و في الوا قع‪ ،‬ف في منت صف أ عوام‬
‫الت سعينيات ظ هرت ر سميا @ كت لة م قادة من ق بل أوكران يا ومؤل فة من‬
‫اوزربك ستان‪ ،‬وتوركمان ستان وأذربي جان‪ ،‬وأحيا نا @ أي ضا @ من كازاخ ستان‬
‫وجورج يا‪ ،‬ومو لدافيا‪ ،‬ل كي ت عارض الج هود الرو سية الهاد فة إ لى ا ستخدام‬
‫رابطة الدول المستقلة بوصفها أداة للتكامل السياسي ‪.‬‬
‫كان للصرار الوكراني على تكامل اقتصادي في معظمة ومحدود فقط‬
‫تأثير ل حق في حر مان ف كرة "الت حاد ال سلفي" من أي مع نى عم لي‪ .‬وإذ‬
‫نشرت هذه الفكرة من قبل محبي النزعة السلفية‪ ،‬وأعطيت بروزا @ بسبب‬
‫د عم الك سندر سولجنت سين ل ها‪ ،‬فإن ها أ صبحت أتوماتيك يا @ دون مع نى ع لى‬
‫ال صعيد الجيوبول يتي بم جرد رف ضها من ق بل أوكران يا‪ .‬وه كذا فإن ها تر كت‬
‫بيلروسيا وحدها مع روسيا؛ واقتضت أيضا @ تقسيما ممكنا لكازاخستان‪ ،‬على‬
‫أن تشكل مناطقها الشمالية التي يقطنها سكان روس جزءا محتمل من قبل‬
‫هذا التحاد‪ .‬وقد فهم أن مثل هذا الخيار لم يكن مطمئنا لحكام كازاخستان‬
‫ال جدد‪ ،‬وع مل ف قط ع لى تقو ية ا ندفاع نزعت هم القوم ية في ات جاه م عاد‬
‫للروس‪ .‬وفي بيلروسيا‪ ،‬كان التحاد السلفي دون أوكرانيا ل يعني شيئا @ أقل‬
‫من الن ضمام إ لى رو سيا‪ ،‬م ما يل هب أي ضا @ م شاعر المت عاض ال قومي ع لى‬
‫نحو أكثر حدة ‪.‬‬
‫عززت هذه العوائق الخارجية لسياسة "الخارج القريب" بقيد داخلي هام‬
‫هو مزاج ال شعب الرو سي‪ .‬ف بالرغم من ال ثارة الكلم ية والسيا سية ب ين‬
‫النخبة السياسية في ما يتعلق بالمهمة الخاصة لروسيا في مجال )مساحة(‬
‫المبراطورية السابقة‪ ،‬فإن الشعب الروسي‪ ،‬ولسباب تعود جزئيا @ إلى كونه‬
‫شعر بالتعب فعل@‪ ،‬ناهيك بتأثير مشاعره العامة‪ ،‬لم يظهر سوى القليل من‬
‫الحماس لي برنامج طموح يهدف إلى استعادة المبراطورية الروسية‪ .‬وقد‬
‫ف ضل ال ناس ال حدود المفتو حة‪ ،‬والت جارة ال حرة‪ ،‬وحر ية الحر كة‪ ،‬والمو قع‬
‫الخاص للغة الروسية ولكن التكامل السياسي‪ ،‬وخاصة إذا كان ينطوي على‬
‫تكاليف اقتصادية أو يتطلب إراقة دماء‪ ،‬لم يثر إل القليل من الحماس‪ .‬كان‬
‫ال ناس قد أ سفوا لتف كك "الت حاد" ويف ضلون ا ستعادته‪ ،‬ول كن رد ف عل‬
‫الجمهور على الحرب في تشيشينيا أشار إلى أن أي سياسة تذهب إلى أبعد‬

‫‪117‬‬
‫من ا ستخدام الفعال ية أو ال قوة القت صادية و‪/‬أو ال ضغط السيا سي سوف‬
‫تفتقر إلى الدعم والتأييد الشعبيين ‪.‬‬
‫وباخت صار فإن عدم الملء مة الجيوبوليت ية الجوهر ية لف ضلية "ال خارج‬
‫القر يب" جاءت من كون رو سيا غ ير قو ية سيا سيا ب ما ف يه الكفا ية ل فرض‬
‫إرادتها وليست جذا بة اقتصاديا @ بما فيه الكفاية لن تكون قادرة على إغراء‬
‫الدول الجديدة‪ .‬ولم تؤد الضغط الروسي إل إلى جعل هذه الدول تسعى إلى‬
‫مز يد من الرتبا طات الخارج ية وبالدر جة ا لولى مع ال غرب‪ ،‬و في ب عض‬
‫ال حالت مع ال صين وا لدول ال سلمية الرئي سة المو جودة في الج نوب أي ضا‪.‬‬
‫وعندما هددت روسيا بت شكيل كتلت ها الع سكرية الخا صة ب ها ردا @ على توسيع‬
‫ال ناتو‪ ،‬فإن ها التم ست الجا بة عن ال سؤال " مع من" والتم ست حتى الجا بة‬
‫الكثر إيلما‪ :‬وفي أحسن الحالت‪ ،‬ربما مع بيلروسيا وطاجاكستان ‪.‬‬
‫كانت الدول الجديدة عموما@‪ ،‬تميل على نحو متزايد إلى عدم الثقة حتى‬
‫بالشكال المشروعة تماما @ واللزمة من التكامل القتصادي مع روسيا‪ ،‬لنها‬
‫تخشى نتائجه السياسية المحتملة‪ .‬وفي الوقت ذاته‪ ،‬فإن الفكار عن المهمة‬
‫الورا سية المزعو مة لرو سيا وال صوفية ال سلفية عم لت ف قط ع لى عزل‬
‫روسيا أكثر فأكثر عن أوروبا‪ ،‬وبدرجة أكبر عن الغرب‪ ،‬المر الذي أدى إلى‬
‫ا ستمرار أز مة الع هد ما ب عد ال سوفييتي و تأخير الت حديث اللزم والتغر يب‬
‫)إ ضفاء ال طابع الغر بي( للمجت مع الرو سي ع لى ام تداد الخ طوط ا لتي كان‬
‫ك مال أ تاتورك قد أ خذ ب ها في ترك يا غداة انه يار المبراطور ية العثمان ية‪.‬‬
‫وهكذا فإن خيار الخارج القريب لم يقدم إلى روسيا حل @ جيوبوليتيا @ بل وهما‬
‫جيوبوليتيا‪.‬‬
‫إذا لم يكن ثمة سيادة مشتركة مع أميركا ولم يكن يوجد "خارج قريب"‬
‫أيضا@‪ ،‬فما هو الخيار الستراتيجي المتاح لروسيا؟ وإن فشل التوجه الغربي‬
‫في خلق المساواة العالمية المرغوبة بين أميركا "وروسيا ديمقراطية"‪ ،‬وهي‬
‫التي كانت‪ ،‬أي المساواة‪ ،‬مجرد شعار اكثر مما هي حقيقة‪ ،‬سبب تباطؤا @ بين‬
‫ا لديمقراطيين ح يث أن ال عتراف ع لى م ضض بأن إ عادة تكا مل أو د مج‬
‫إمبراطور ية قدي مة كان في أح سن ال حالت احت مال @ بع يدا @ م ما أ غرى ب عض‬
‫الجيوبول يتيين ا لروس ع لى مقار بة ف كرة ال خذ ب نوع ما من التحال فات‬
‫المضادة الموجهة ضد وضع الهيمنة الميركية في اوراسيا‪.‬‬
‫وفي وقت مبكر من العالم ‪ 1996‬أبدل يلتسن وزير خارجيته ذي التوجه‬
‫الغر بي كوزير يف‪ ،‬بالختصا صي ا لدولي وال شيوعي المت شدد ال سابق وذي‬
‫ال خبرة ا لكثر يفغي ني بري ماكوف‪ ،‬ا لذي كان اهت مامه م نذ ز من طو يل يوجه‬

‫‪118‬‬
‫إ لى إ يران وال صين‪ .‬و قد ف كر ب عض المعلق ين ا لروس ان توجه بري ماكوف‬
‫يمكن أن ي سرع الج هد الهادف إلى صنع ائتلف جد يد"مضاد للهيمنة"‪ ،‬حيث‬
‫يشكل حول القوى الثلث مع أكبر رهان جيوبوليتي على القلل من السيادة‬
‫الميرك ية في ارورا سيا ‪ .‬وه كذا‪ ،‬فإن ي عض أ سفار )رحلت( وتعلي قات‬
‫بريماكوف الولية عززت هذا النطباع‪ .‬وفضل @ عن ذلك‪ ،‬فإن العلقة الصينية‬
‫اليران ية الراه نة في ت جارة ال سلح والم يل الرو سي إ لى الت عاون مع ج هود‬
‫إ يران الهاد فة إ لى ز يادة إمكان ية و صولها إ لى الطا قة النوو ية بديا كأنه ما‬
‫يقدمان أرضية كاملة )ملئمة تماما@( لحوار سياسي أوثق ولتحالف فعلي في‬
‫نها ية الم طاف‪ .‬ويم كن للنتي جة‪ ،‬أن تج مع‪ ،‬وإن نظر يا @ ع لى ال قل‪ ،‬ال قوة‬
‫ال سلفية ا لبرز في ال عالم وال قوة ال سلمية ا لكثر رو حا @ قتال ية في ال عالم‪،‬‬
‫والقوة السيوية القوية والكثر سكانا @ في العالم‪ ،‬يخلق‪ ،‬عندئذ ائتلفا @ قويا @ ‪.‬‬
‫إن نق طة النطلق ال ضرورية لي خ يار مما ثل وم ضاد للت حالف ت شمل‬
‫تجديد العلقة الثنائية الطرف الصينية الروسية‪ ،‬والعتماد على المتعاض بين‬
‫النخبتين السياسيتين في كل الدولتين من ظهور أميركا كقوة عظمى عالمية‬
‫وحيدة‪ .‬ففي وقت مبكر من العام ‪ ،1996‬سافر يلتسن إلى بكين ووقع بيانا‬
‫ا ستنكرت ف يه ع لى ن حو وا ضح اتجا هات "الهيم نة" العالم ية‪ ،‬ا لمر ا لذي‬
‫اقت ضى أن تت حالف ا لدولتان ضد الول يات المت حدة‪ .‬و في كانون ا لول‪ ،‬رد‬
‫رئ يس ا لوزراء ال صيني لي بي نغ الز يارة‪ ،‬و كرر الطر فان معار ضتهما للن ظام‬
‫ا لدولي "الم سيطرة عل يه" من ق بل قوة وا حدة ولكنه ما واف قا ع لى تعز يز‬
‫التحالفات الراهنة‪ .‬ورحب المعلقون الروس بهذا التطور ونظروا إليه بوصفه‬
‫تغيرا @ إيجابيا @ في العلقة الدولة للقوة‪ ،‬وردا @ ملئما @ على رعاية أميركا لتوسيع‬
‫ح لف الطل سي )ال ناتو(‪ .‬و حتى ان الب عض بدا فر حا @ لن الت حالف ال صيني‬
‫الروسي سوف يعطي أميركا ما تستحقه من عقاب ‪.‬‬
‫ومهما يكن من أمر‪ ،‬فإن الئتلف الذي يجمع روسيا مع كل من الصين‬
‫وإ يران ل يم كن أن يت طور إل إذا كانت الول يات المت حدة ق صيرة الن ظر ب ما‬
‫ف يه الكفا ية بم عاداة ال صين وإ يران في آن‪ .‬وبالتأك يد فإن هذا الحت مال ل‬
‫يم كن ا ستبعاده‪ ،‬ك ما أن ال سلوك ا لميركي في ال عامين ‪ 1996 -1995‬بدا‬
‫من سجما @ تقري با @ مع الف كرة القائ لة إن الول يات المت حدة كانت ت سعى إ لى‬
‫عل قة عدائ ية مع كل من ط هران وبك ين‪ .‬ومه ما ي كن ا لمر‪ ،‬فل إ يران أو‬
‫ال صين كان تا م ستعدتين لن تدفعا @ ثم نا كبيرا @ لتقر ير فر صتهما ع لى ال صعيد‬
‫الستراتيجي مع روسيا التي كانت غير مستقرة وضعيفة في آن‪ .‬وقد تأكدت‬
‫ها تان ا لدولتان من أي ائتلف من هذا ال نوع سوف ي عرض للخ طر‪،‬بم جرد‬
‫تجاوزه لنوع ما من التنسيق التكتيكي العرضي‪ ،‬وصولهما إلى العالم الكثر‬

‫‪119‬‬
‫تقدما @ وإلى قدرته المتميزة في التوظيف المالي‪ ،‬وكذلك إلى ما يمتلكه من‬
‫تكنولوجيا عالية تحتاجان إليهما‪ .‬وروسيا‪ ،‬في المقابل‪ ،‬ل تملك سوى القليل‬
‫لكي تقدمه ويجعلها شريكا @ يستحق المشاركة فعل @ في ائتلف ضد الهيمنة‪.‬‬
‫وفي الحقيقة فإن هذا الئتلف الذي يفتقر إلى أي ايديولوجية مشتركة‪،‬‬
‫وا لذي ينط لق من م جرد عوا طف أو م شاعر ضد الهيم نة‪ ،‬سوف ي كون‬
‫بصورة أساسية تحالفا @ لجزء من العالم الثالث ضد معظم القسام المتقدمة‬
‫من العالم الولى‪ .‬وإن أيا @ من أعضائه لن يربح كثيرا@‪ ،‬فالصين بشكل خاص‬
‫سوف ت خاطر بف قدان تدفق التوظي فات المال ية ال كبيرة جدا @ إلي ها‪ .‬وبالن سبة‬
‫إ لى رو سيا أي ضا@‪ ،‬فإن شبح الت حالف الرو سي ال صيني‪ ....‬سوف يز يد ع لى‬
‫ن حو حاد من احت مال حرمان ها‪ ،‬أي رو سيا‪ ،‬من التكنولوج يا ورأس ال مال‬
‫الغربي ين‪ ،‬ح سبما قال أ حد الجيوبول يتيين ا لروس المهمين‪ .((1‬إن الت حالف‬
‫سوف يدين في نها ية الم طاف‪ ،‬كل الم شتركين ف يه‪ ،‬سواء أ كانوا اثن ين أو‬
‫ثلثة يجعلهم معزولين لوقت طويل ومشتركين أيضا @ في التخلف ‪.‬‬
‫وفضل @ عن ذلك‪ ،‬فإن الصين ستكون العضو القدم في أي جهد روسي‬
‫جدي ي هدف إ لى ب لورة م ثل هذا الئتلف الم عادي للهيم نة‪ .‬وب ما أن ال صين‬
‫هي ا لكثر ت عدادا @ من ح يث ال سكان‪ ،‬وا لكثر ن شاطا @ صناعيا @ وا لكثر ابت كارا@‪،‬‬
‫وا لكثر دينام ية‪ ،‬وت ضم ب عض الن يات المحتم لة إزاء أراض معي نة في رو سيا‪،‬‬
‫فهي حتما @ سوف تجعل روسيا في موقف الشريك الصغر‪ ،‬بينما تفتقر في‬
‫ا لوقت ذا ته‪ ،‬إ لى الو سائل )رب ما إ لى أي رغ بة حقيق ية( لم ساعدة رو سيا‬
‫بالتغلب ع لى تخلف ها‪ .‬وه كذا سوف ت صبح رو سيا مخ فف صدمة ب ين أورو با‬
‫المتوسعة والصين المتطلعة إلى توسع إقليمي‪.‬‬

‫وأخ يرا @ ف قد ا ستمر ب عض خبراء ال شؤون الخارجية الرو سية في مداع بة‬
‫المل بأن يسود مأزق ما في التكامل الوروبي‪ ،‬بما في ذلك ربما الخلفات‬
‫الغربية الداخلية في شأن الشكل المستقبلي للناتو‪ ،‬والتي يمكنها أن تخلق‬
‫ع لى ال قل فر صا @ تكتيك ية ل عزل رو سي أل ماني أو رو سي فرن سي‪ ،‬ح يث‬
‫يحدث‪ ،‬في أي من الحالتين‪ ،‬أذى لعلقات أوروبا عبر الطلسي بأميركا‪ .‬ولم‬
‫ي كن هذا الحت مال جد يدا @ لن مو سكو‪ ،‬حاولت في أو قات مختل فة في أث ناء‬
‫ال حرب ال باردة ل عب الور قة اللمان ية أو الفرن سية‪ .‬و مع ذ لك ف لم ي كن أ مرا‬

‫)‪ (1‬ألك سي و غاتروف في "العل قات الراه نة وال فاق الم ستقبلية للتفا عل ب ين رو سيا‬
‫والوليات المتحدة" المجلة المستقلة حزيران ‪.1996‬‬

‫‪120‬‬
‫غ ير مع قول لب عض جيوبول يتيي مو سكو أن يح سبوا أن ال مأزق في ال شؤون‬
‫الوروب ية ي ستطيع أن يخ لق ث غرات تكتيك ية يم كن أن ت ستغل لغ ير‬
‫صالح أميركا‪.‬‬

‫ولكن ذلك هو كل ما كان يمكن تحقيقة بهذه الوسيلة‪ :‬أي مجرد خيارات‬
‫تكتيك ية‪ .‬فل فرن سا ول ألمان يا يم كن أن تتخل يا عن العل قة الميرك ية‪ .‬أ ما‬
‫ال غزل العر ضي‪ ،‬وخا صة مع الفرن سيين‪ ،‬وا لذي ترك „ز ع لى ق ضية ضيقة‪ ،‬فل‬
‫يم كن ا ستبعاده‪ ،‬ول كن الع كس الجيوبول يتي للتحال فات ي جب أن ي سبق‬
‫بجيشان أو ثوران شامل في الشؤون الوربية‪ ،‬كان يحدث انهيار في التوحيد‬
‫ا لوروبي و في الرتبا طات عبر الطل سي‪ .‬و حتى ع ندئذ‪ ،‬ل يحت مل أن ت صبح‬
‫ا لدول الورب ية ذات نز عة لتحق يق ت حالف جيوبول يتي شامل مع رو سيا ا لتي‬
‫فقدت توجهها ‪.‬‬

‫وه كذا‪ ،‬فإن أ يا من الخ يارات الم ضادة للت حالف ل ي قدم في نها ية‬
‫الم طاف‪ ،‬بديل @ قابل @ للح ياة فال حل لل مآزق الجيوبوليت ية الجد يدة لرو سيا لن‬
‫يو جد في الت حالف الم ضاد‪ ،‬ول يتح قق من خلل ا لوهم أو الن خداع ب شراكة‬
‫ا ستراتيجية متعاد لة مع أمير كا أو الج هد ال هادف إ لى خلق نوع ما من الب نى‬
‫الجد يدة المتكام لة "سيا سيا @ واقت صاديا @ في الم جال )الم ساحة( ا لتي كان‬
‫يشغلها التحاد السوفييتي السابق‪ .‬فكل هذه الخيارات تتجنب الخيار الوحيد‬
‫المتاح في الحقيقة لروسيا ‪.‬‬
‫مأزق البديل الوحيد‬
‫إن الخ يار الجيوا ستراتيجي الحقي قي الوح يد لرو سيا‪ ،‬أو الخ يار ا لذي‬
‫يستطيع أن يعطيها دورا @ دوليا @ حقيقيا‪ ،‬ويجعل فرصة تحويلها اجتماعيا @ وتحديثا‬
‫لذاتها متا حة بأق صى حد‪ ،‬هو أورو با‪ .‬ول يس أي أورو با‪ ،‬بل أورو با عبر‬
‫الطل سي ا لتي يتو سع في ها الت حاد ا لوروبي وح لف الطل سي )ال ناتو(‪ .‬وأن‬
‫أوروبا هذه تتشكل الن‪ ،‬كما رأينا في الفصل الثالث من هذا الكتاب‪ ،‬ومن‬
‫المحت مل أي ضا @ أن تب قى مرتب طة ع لى ن حو وث يق بأمير كا‪ .‬و هذه هي أورو با‬
‫التي يجب أن تقيم روسيا علقة معها‪ ،‬إذا أرادت أن تتجنب عزلة جيوبوليتية‬
‫خطيرة ‪.‬‬
‫وبالنسبة إلى أميركا فإن روسيا ضعيفة جدا @ إذا أرادت أن تكون شريكا@‪،‬‬
‫ولكن ها تب قى قو ية جدا @ إذا أرادت بب ساطة أن ت كون مري ضا @ تع نى به أمير كا‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫ويحتمل أن تصبح مشكلة بحد ذاتها‪ ،‬ما لم ترعى أميركا وضعا @ يساعد على‬
‫إقناع الروس بأن الخيار الفضل لبلدهم هو تقوية العلقة العضوية مع أوروبا‬
‫عبر الطلسي )أوروبا الطلسية(‪ .‬وبالرغم من أن التحالف الروسي الصيني‬
‫الطو يل ال مد و الت حالف ال ستراتيجي الرو سي ا ليراني غ ير محتمل ين‪،‬‬
‫فالمهم ب شكل وا ضح لمير كا هو أن تتج نب السيا سات ا لتي يم كن أن تب عد‬
‫رو سيا عن ال خذ بالخ يار الجيوبول يتي اللزم‪ .‬و ضمن ال مدى المم كن‪ ،‬ي جب‬
‫بال تالي‪ ،‬أن ت صاغ العل قات الميرك ية بال صين وإ يران مع إب قاء تأثير ها في‬
‫الح سابات الجيوبوليت ية الرو سية في ا لذهن‪ .‬وعمو ما @ فإن ا ستمرار الو هام‬
‫الخاد عة المتعل قة بالخ يارات الجيوا ستراتيجية ال كبيرة‪ ،‬ل يمك نه إل تأخير‬
‫الخيار التاريخي الذي يجب على روسيا أن تأخذ به لكي تنهي الضيق العميق‬
‫الذي تعاني منه ‪.‬‬
‫إن رو سيا ا لتي تر غب في ق بول الح قائق الجد يدة عن أورو با‪ ،‬سواء‬
‫أ كانت اقت صادية أم جيوبوليت ية‪ ،‬هي و حدها ا لتي ستكون قادرة ع لى‬
‫ال ستفادة داخل يا من الح جم المو سع للت عاون ا لوروبي عبر الطل سي في‬
‫الت جارة والت صالت‪ ،‬والتوظ يف ال مالي‪ ،‬والثقا فة‪ .‬وإن ا شتراك رو سيا في‬
‫مجلس أوروبا سيكون خطوة جيدة في التجاه الصحيح‪ .‬وسيكون ذلك دللة‬
‫ع لى الرتبا طات المؤس سية ا لخرى ب ين رو سيا الجد يدة وأورو با المتنام ية‪.‬‬
‫ويقتضي ذلك أيضا أنه إذا اتبعت روسيا هذه المسلك‪ ،‬فلن يكون أمامها أي‬
‫خ يار غ ير أن ت حاكي‪ ،‬في نها ية الم طاف‪ ،‬المن هج ا لتي اخ تارته ترك يا ما ب عد‬
‫العهد العثماني عندما قررت هذه الخيرة أن تتخلى عن طموحاتها المبريالية‬
‫وت سير متع مدة ع لى طر يق الت حدث وال خذ بالن هج ا لوروبي‪ ،‬والت حول إ لى‬
‫الديمقراطية‪.‬‬
‫ل يمكن لي خيار آخر أن يقدم إلى روسيا الفوائد التي يمكن أن تقدمها‬
‫أورو با الحدي ثة‪ ،‬والغن ية والديمقراط ية المرتب طة بأمير كا‪ .‬فأورو با وأمير كا ل‬
‫تشكلن خطرا @ على روسيا عندما تكون دولية ديمقراطية وليس لديها نزعة‬
‫قومية توسعية‪ .‬وليس لهاتين القارتين‪ ،‬أي أوروبا وأميركا أطماع اقليمية في‬
‫رو سيا‪ ،‬ع لى غرار ما و جد لدى ال صين في يوم ما‪ ،‬ول ت شتركان مع ها في‬
‫حدود غ ير آم نة أو يحت مل أن ي سودها الع نف في أي و قت‪ ،‬وا لمر يخت لف‬
‫بالتأكيد عما هو عليه الحال بالنسبة إلى روسيا وحدودها غير الواضحة اتنيا‬
‫وإقليميا @ )بريا@( مع الدول المسلمة في الجنوب‪ .‬وعلى العكس‪ ،‬فبالنسبة إلى‬
‫أوروبا وأميركا أيضا@‪ ،‬نجد أن روسيا القومية والديمقراطية هي كيان مرغوب‬
‫فيه جيوبوليتيا@‪ ،‬وهي مصدر للستقرار في المركب الوراسي الهش ‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫وبال تالي تواجه رو سيا ال مأزق المتم ثل في أن الخ يار ل صالح أمير كا‬
‫وأورو با‪ ،‬يتط لب ل كي يمك نه ت قديم فوائد ملمو سة‪ ،‬بالدر جة ا لولى‪ ،‬و عدا‬
‫بالتخلي عن الما ضي المبر يالي‪ ،‬وبالدر جة الثان ية‪ ،‬عدم موار بة إزاء تو سيع‬
‫روا بط أوروبا السياسية و المنية بأميركا‪ .‬فالمطلب الول يعني التكيف مع‬
‫التعددية الجيوبوليتية التي أصبحت سائدة في كل مجالت )أراضي( التحاد‬
‫ال سوفييتي ال سابق‪ .‬وأن هذا التك يف ل ي ستبعد الت عاون القت صادي‪ ،‬وخا صة‬
‫حسب النموذج السائد في منطقة التجارة الحرة الوروبية القديمة ‪،‬ولكنه ل‬
‫ي ستطيع أن ي شمل ق يودا @ ع لى ال سيادة السيا سية ل لدول الجد يدة‪ ،‬وذ لك‬
‫ل سبب ب سيط هو أن ها ل تر غب في هذه الق يود‪ .‬وا لمر ا لهم في هذا‬
‫الخ صوص هو الحا جة إ لى ق بول وا ضح و خال من الغ موض من ق بل رو سيا‬
‫لوجود أوكراني منفصل عن حدودها وعن كيانها القومي المتميز ‪.‬‬
‫يم كن للمط لب ال ثاني أن ي كون أ كثر صعوبة في الق بول‪ .‬فالعل قة‬
‫التعاونية الحقيقية مع مجت مع عبر الطل سي ل يمكن أن تعت مد على الفكرة‬
‫القائلة إن هذه الدول الديمقراطية في أوروبا التي ترغب في أن تكون جزءا‬
‫من ها يم كن أن ت ستثني أو ت ستبعد إذا أراد ا لروس ذ لك‪ ،‬وأن تو سع هذا‬
‫المجت مع من ا لدول يح تاج إ لى ت سريع‪ ،‬وبالتأك يد ل ي جب أن ي طور ب ناء@ ع لى‬
‫ال طرح الم عادي ل لروس‪ .‬ول كن ليم كن أن يو قف ول ي جب أن يو قف ب سبب‬
‫صياغة سياسية تعكس بذاتها فكرة تقادم عليها الزمن عن العلقات المنية‬
‫الوروبية‪ .‬وعموما يجب على أوروبا المتوسعة والديمقراطية أن تكون عملية‬
‫تاريخية مفتوحة الطرف‪ ،‬وأن ل تخضع لحدود جغرافية اعتباطية من الناحية‬
‫السياسية ‪.‬‬
‫وبالنسبة إلى كثير من الروس فإن مأزق البديل الواحد يمكن أن يكون‬
‫في البداية ولبعض الزمن اللحق صعب الحل وسوف يحتاج إلى حجم كبير‬
‫من ا لدارة السيا سية ورب ما يح تاج أي ضا @ إ لى قائد بارز و قادر ع لى الخت بار‬
‫وإ لى تو ضيح الرؤ ية الم ستقبلية عن رو سيا ديمقراط ية وقوم ية وأوروب ية‬
‫وحديثة فعل‪ .‬وربما لن يحدث ذلك خلل بعض الوقت‪ .‬فالتغلب على الزمات‬
‫في العهد بعد الشيوعي وبعد المبراطوري ل يحتاج إلى وقت أكثر مما احتاج‬
‫إل يه ا لمر في الت حول ب عد الع هد ال شيوعي لورو با الو سطى فح سب‪ ،‬بل‬
‫يح تاج أي ضا @ إ لى ظ هور ق يادة سيا سية م ستقرة وبع يدة الن ظر‪ .‬ول يو جد‬
‫أتاتورك روسي الن في المدى المنظور‪ .‬وبرغم ذلك يجب على الروس أن‬
‫يدركوا في نها ية الم طاف أن إ عادة التحد يد القوم ية لرو سيا لي ست عمل ية‬

‫‪123‬‬
‫استسلم بل عملية تحرير‪ .((1‬وسوف يضطرون لقبول ما كان يلتسن قد قاله‬
‫في كي يف عام ‪ 1990‬ع لى أن الم ستقبل غ ير المبر يالي لرو سيا هو ا لذي‬
‫يخطط له على نحو مطلق وإن روسيا غير المبريالية سوف تبقى قوة كبرى‬
‫تت جاوز اورا سيا ا لتي هي أ كبر و حدة إقليم ية في ال عالم حتى ا لن‪ .‬و في أي‬
‫حال فإن إ عادة تحد يد ما هي رو سيا وأ بن هي فرب ما سوف ت حدث ع لى‬
‫مرا حل ف قط‪ ،‬و سوف تح تاج إ لى و ضع مو قف غر بي ثابت وحك يم‪ .‬وي جب‬
‫على أوروبا وأميركا أن تساعدا في هذا المجال‪.‬‬
‫وبالتالي يجب أن ت قدما إلى روسيا ليس مجرد معاهدة خاصة أو ميثاقا‬
‫مع ال ناتو بل ي جب أي ضا @ أن ت بدأ في عمل ية اكت شاف مع رو سيا لت شكيل‬
‫الن ظام ال قاري الفع لي المتع لق با لمن والت عاون وا لذي يذهب إ لى أب عد من‬
‫البنية غير المتماسكة لمنظمة المن والتعاون في أوربا )‪ .(OSCE‬وإذا عززت‬
‫روسيا مؤسساتها الديمقراطية الداخلية وحققت تقدما @ ملموسا @ في التطوير‬
‫القت صادي المعت مد ع لى ال سوق ال حرة‪ ،‬فإن ارتباط ها ا لوثق من أي و قت‬
‫مضى مع الناتو والتحاد الوروبي يجب أل يستبعد‪ .‬وفي الوقت ذاته‪ ،‬فالمر‬
‫ا لذي ل ي قل أهم ية عن ذ لك بالن سبة إ لى ال غرب‪ .‬ول سيما إ لى أمير كا‪ ،‬هو‬
‫اتباع سياسات تؤدي إلى استمرار مأزق البديل الوحيد لروسيا‪ .‬فالستقرار‬
‫السيا سي والقت صادي لدول ما ب عد الع هد ال سوفييتي الجد يدة هو عا مل‬
‫رئي سي في ج عل إ عادة التحد يد ا لذاتي التاريخ ية لرو سيا ضرورة ل بد من ها‪.‬‬
‫وبالتالي فإن الدعم لدول ما بعد العهد السوفييتي الجديده من أجل تحقيق‬
‫التعدد ية الجيوبوليتية في الحيز ا لذي كانت ت شغله المبراطور ية ال سوفييتية‬
‫ال سابقة‪ ،‬ي جب أن ي كون جزءا @ مكمل @ للسيا سة الم عدة ل حث رو سيا ع لى‬
‫ممارسة خيارها الوروبي على نحو غير غامض‪ .‬ويوجد بين هذه الدول ثلث‬
‫ذات أهم ية خا صة من الناح ية الجيوبولوت ية هي أذربي جان واوزبك ستان‬
‫وأوكرانيا ‪.‬‬
‫ت ستطيع أذربي جان الم ستقلة‪ ،‬أن ت خدم بو صفها م مرا "للو صول الغر بي‬
‫إلى حوض بحر قزوين وآسيا الوسطى الغنيين بالطاقة‪ .‬وعلى العكس فإن‬
‫أذربيجان غير المستقلة أو الخاضعة للغير سوف تعني أنه يمكن فصل آسيا‬
‫الو سطى عن ال عالم ال خارجي وبال تالي جعل ها غ ير مني عة سيا سيا" إزاء‬
‫الضغط الروسي الهادف إلى إعادة التكامل )الدمج(‪ .‬وكذلك فإن اوزبكستان‬
‫ا لتي هي ا لكثر حيو ية ع لى ال صعيد ال قومي وا لكثر سكانا" ضمن دول آ سيا‬

‫)‪ (1‬في بدا ية ال عام ‪ 1996‬ن شر الج نرال الك سندر لي بد م قال @ ج يدا @ بع نوان )تل شي‬
‫المبراطورية والميلد الجديد لرو سيا في مج لة"ال يوم" بتار يخ ‪ 26‬ني سان ‪ (1996‬و قد ذ هب‬
‫بعيدا @ في التهيئة لهذه الحالة‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫الوسطى‪ ،‬تمثل عقبة رئيسة أمام أي سيطرة روسية جديدة على المنطقة‪،‬‬
‫وا ستقللها حرج وح ساس ل ستمرار و جود أو ب قاء ا لدول ا لخرى في آ سيا‬
‫الوسطى وهي القل مناعة إزاء الضغوط الروسية ‪.‬‬
‫ومه ما ي كن ا لمر‪ ،‬فالدو لة ا لكثر أهم ية هي أوكران يا وع ندما يتو سع‬
‫التحاد الوروبي وحلف الناتو‪ ،‬سوف تصبح أوكرانيا فعل @ "في وضع يجب أن‬
‫تخ تار ف يه ما إذا كانت تر غب في أن ت كون جزءا" من أي هذين التنظيم ين‪.‬‬
‫ومن المحتمل أن ترغب أوكرانيا‪ ،‬وبغية تعزيز موقفها المفضل في النضمام‬
‫إ لى كليه ما‪ ،‬بم جرد أن ي صبح هذان التنظي مان ع لى حدودها وع ندما ت بدأ‬
‫عملية تحولها الداخلي الهادفة إلى جعلها مؤهلة للعضوية فيهما‪ .‬ومع أن ذلك‬
‫سوف يأ خذ وق تا"‪ ،‬فل يس ا لوقت مب كرا @ جدا @ لل غرب ا لذي يح سن وي عزز‬
‫ارتباطاته القتصادية والمنية بكييف )عاصمة أوكرانيا( ليبدأ بتحديد العقد بين‬
‫العامين ‪ 2 005‬و ‪ 2015‬على أنه الطار الزمني المعقول لبدء الضم التدريجي‬
‫لوكرانيا‪ ،‬مما يقلل المخاطرة المتمثلة بأن الوكرانيين يمكن أن يخشوا من‬
‫ان تو سع أورو با سوف يتو قف ع ند ال حدود البولون ية الوكران ية‪ .‬يحت مل أن‬
‫تقبل روسيا بالرغم من احتجاجاتها بتوسيع حلف الناتو في العام ‪ 1999‬لكي‬
‫يشمل عدة بلدان من أوروبا الوسطى‪ ،‬لن الثغرة الثقافية والجتماعية بين‬
‫روسيا وأوروبا الوسطى اتسعت كثيرا"منذ سقوط الشيوعية‪ .‬وفي المقابل‪،‬‬
‫فإن ها سوف ت جد ال مر أ كثر صعوبة‪ ،‬وع لى ن حو ل ي قارن في شأن قبول ها‬
‫بدخول أوكران يا إ لى ح لف الطل سي )ال ناتو( لن ها إذا فع لت ذ لك فإنه يع ني‬
‫أنها تعترف بأن مصير أوكرانيا لم يعد مرتبطا @ عضويا @ بمصير روسيا‪.‬ومع ذلك‬
‫فإذا كان على أوكرانيا أن تستمر في الوجود كدولة مستقلة فلبد أن تصبح‬
‫جزءا @ من أورو با الو سطى وع ندئذ سوف يترتب علي ها أن تنت قل كل يا @ من‬
‫ارتباطات ها بأورو با الو سطى إ لى ال ناتو والت حاد ا لوروبي‪ .‬وإن ق بول رو سيا‬
‫بهذه الرتباطات سوف يحدد عندئذ قرارها بأن تكون فعل @ جزءا @ من أوروبا‪.‬‬
‫و كذلك فإن ر فض رو سيا سيكون م عادل @ لر فض أورو با في ما يتع لق بهو ية‬
‫ووجود "أو راسيين"منفردين‪.‬‬
‫إن النقطة الرئيسة التي ل يمكن أن تغرب عن الذهن هي أن اوراسيا ل‬
‫تستطيع أن تكون في أوروبا بدون أن تكون أوكرانيا في هذه الخيرة أيضا@‪،‬‬
‫بين ما ت ستطيع أوكران يا أن ت كون في أورو با دون أن ت كون رو سيا في ها‪ ،‬وإذا‬
‫افتر ضنا أن رو سيا قررت أن تترك ذ لك ليت قرر عر ضيا@‪ ،‬ف سنجد في نها ية‬
‫الم طاف ا نه سيكون في م صلحتها )أي رو سيا( أن ي تم شمول أوكران يا في‬
‫البنى الوروبية المتوسعة‪ .‬وفي الواقع‪ ،‬فإن علقة أوكرانيا بأوروبا يمكن أن‬
‫تكون نقطة النعطاف لروسيا ذاتها‪ .‬ولكن ذلك يعني أيضا @ أن لحظة تحطم‬

‫‪125‬‬
‫الحسم لعلقة روسيا بأوروبا ل تزال على مسافة زمنية ما‪ ،‬علما @ أن الحسم‬
‫ه نا ا ستخدم بمع نى أن خ يار أوكرانيا لصالح أورو با سوف ي حدد قرار رو سيا‬
‫في ما يتع لق بالمرح لة التال ية من تاريخ ها‪ :‬فإ ما أن ت كون جزءا @ من أورو با‬
‫أيضا @ أو تصبح دولة أوراسية منبوذة‪ ،‬فل هي من أوروبا ول هي من آسيا‪ ،‬بل‬
‫تغوص في وحل نزاعات "الخارج القريب"‪.‬‬
‫ي جب أن يؤ مل أن ت ستطيع العل قة التعاون ية ب ين أورو با المتو سعة‬
‫ورو سيا‪ ،‬الت حرك من الرتبا طات الثنائ ية ال طرف الر سمية إ لى الرتبا طات‬
‫القت صادية والسيا سية والمن ية ا لكثر ع ضوية وتما سكا‪ .‬و بذلك‪ ،‬و في أث ناء‬
‫الع قدين ا لولين من ال قرن ال قادم‪ ،‬ت ستطيع رو سيا أن ت صبح أ كثر فأكثر‬
‫جزءا @ مكمل @ لوروبا التي ل تضم أوكرانيا فحسب‪ ،‬بل تصل أيضا @ إلى الورال‬
‫وحتى إلى ما وراء ذلك‪ .‬وان الجمع وحتى العضوية بشكل ما أو آخر لروسيا‬
‫في الب نى الوروب ية و عبر الطل سية سوف تف تح‪ ،‬بدورها‪ ،‬ا لبواب لد خال‬
‫الدول القوقازية الثلث‪ ،‬أي جورجيا‪ ،‬وأرمينيا‪ ،‬وأذربيجيان‪ ،‬والتي تطمح‪ ،‬إلى‬
‫حد اليأس إ لى إقا مة عل قة لها مع أورو با‪ .‬ل يمكن لل مرء أن يتنبأ بال سرعة‬
‫التي تستطيع أن تتحرك بها هذه العملية‪ ،‬ولكن ثمة شيئ واحد أكيد وهو أنها‬
‫سوف تتحرك على نحو أسرع إذا رفعت البيئة الجيوبوليتية المتشكلة روسيا‬
‫في هذا التجاه‪ ،‬بينما تغلق الطريق على الغراءات الخرى‪ .‬وكلما تحركت‬
‫روسيا بسرعة أكبر نحو أوروبا‪ ،‬تسارع أكثر ملء الثقب السود في اوراسيا‬
‫بمجتمع يصبح حديثا @ وديمقراطيا @ على نحو متزايد‪ .‬وفي الواقع‪ ،‬فبالنسبة إلى‬
‫روسيا‪ ،‬نجد أن مأزق البديل الوحيد لم يعد متعلقا @ بصنع خيار استراتيجي‪ ،‬بل‬
‫بمواجهة ضرورات البقاء على قيد الحياة ‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫الفصل الخامس‬

‫دول البلقان الوراسية‬


‫في أوروبا نجد أن كلمة"البلقان" تنطوي على صور من النزاعات التنية‬
‫والمنافسات القليمية بين قوى عظمى‪ .‬وأوراسيا لها أيضا @ "بلقانها"‪ ،‬ولكن‬
‫البل قان الورا سية أ كبر ب كثير‪ ،‬وأ كثر سكانا@‪ ،‬و حتى أ قل تجان سا @ دين يا @ واتن يا‪.‬‬
‫وت قع هذه البل قان الورا سية ضمن م ستطيل جغرا في كبير يف صل ب ين‬
‫المنط قة المركز ية ل عدم ال ستقرار ال عالمي ا لتي عر فت في الف صل ال ثاني‬
‫من هذا الكتاب من ناحية‪ ،‬وبين تلك المنطقة التي تضم أقساما @ من أوروبا‬
‫الجنوبية الشرقية‪ ،‬وآسيا الوسطى وأجزاء من جنوب آسيا‪ ،‬ومنطقة الخليج‬
‫]الفارسي[ العربي‪ ،‬والشرق الوسط‪.‬‬
‫ت شكل البل قان الورا سية الق لب ا لداخلي ل هذا الم ستطيل ال كبير‪ ،‬و هي‬
‫تختلف عن منطقتها الخارجية بشيء واحد مهم على نحو خاص هو أنها‪ ،‬أي‬
‫هذه البل قان‪ ،‬هي فراغ خال من ال قوة‪ .‬و بالرغم من أن أغ لب ا لدول‬
‫المو جودة في الخل يج ]الفار سي[ وال شرق الو سط لي ست م ستقرة أي ضا@‪،‬‬
‫فإن ال قوة الميرك ية هي الح كم الن هائي في هذه المنط قة‪ .‬وه كذا‪ ،‬فإن‬
‫المنط قة غ ير الم ستقرة في المنط قة الخارج ية هي منط قة لهيم نة قوة‬
‫واحدة وبالتالي فهي تقوى بهذه الهيمنة‪.‬وفي المقابل‪ ،‬فإن البلقان الوراسية‬
‫هي ما تب قى فعل @ من البل قان ال قدم وا لكثر تآل فا @ في ج نوب شرق أورو با‪:‬‬
‫وليس فقط أن كيانها السياسي غير مستقر بل أنها تحث على‪ ،‬وتدعو إلى‪،‬‬
‫إد خال المز يد من الج يران القو ياء‪ ،‬ع لى أن كل من هؤلء م صمم ع لى‬
‫معار ضة ال سيطرة ع لى المنط قة من ق بل أي طرف آ خر‪ .‬وإن هذا الج مع‬
‫المألوف بين فراغ القوة وامتصاص القوة هو الذي يبرر التسمية الحالية أي‬
‫"البلقان الوراسية"‪.‬‬
‫مثل البلقان التقليدي جائزة جيوبوليتية محتملة في الصراع على السيادة‬
‫الوروب ية‪ .‬فالبل قان الورا سي ا لذي ي ضم شبكة الموا صلت المت شكلة ع لى‬
‫نحو ل يمكن تجنبه‪ ،‬والمعدة للربط المباشر بين الطراف الغربية والشرقية‬
‫ا لكثر غ نى وا لكثر ن شاطا @ في أورا سيا‪ ،‬يع تبر مه ما @ أي ضا @ من الناح ية‬
‫الجغراف ية‪ .‬وف ضل @ عن ذ لك‪ ،‬ف هو‪ ،‬أي البل قان الورا سي‪ ،‬م هم من من ظور‬
‫الطمو حات المن ية والتاريخ ية بالن سبة إ لى ثلث دول م جاورة تع تبر ا لقوى‬
‫والقرب وهي روسيا‪ ،‬وتركيا‪ ،‬وإيران‪ ،‬إضافة إلى الصين التي تلمح أيضا @ إلى‬
‫مصلحتها السياسية المتزايدة في المنطقة‪ .‬ولكن البلقان الوراسي هو حتما‬

‫‪127‬‬
‫أكثر أهمية بوصفه جائزة اقتصادية محتملة أيضا‪ :‬إذ يوجد تركيز كبير جدا @ من‬
‫ال غاز ال طبيعي والحتيا طات النفط ية في هذه المنط قة‪ ،‬إ ضافة إ لى م عادن‬
‫مهمة‪ ،‬بما فيها الذهب‪.‬‬
‫سوف يز يد إ لى حد كبير ا ستهلك ال عالم من الطا قة في الع قدين أو‬
‫الثل ثة ع قود المقب لة‪ .‬وتتو قع ت قديرات وزارة الطا قة الميرك ية أن الحت ياج‬
‫العالمي سوف يرتفع بأكثر من ‪ 50‬في المئة بين العامين ‪1993‬و ‪ ،2015‬علما‬
‫أن أ كبر ز يادة في ال ستهلك ستكون في ال شرق الق صى‪ .‬فالقوة الداف عة‬
‫في الت طور القت صادي ل سيا تو لد فعل @ ضغوطا @ قوم ية من أ جل اكت شاف‬
‫وا ستثمار موارد جد يدة للطا قة‪ ،‬عل ما @ أ نه من الم عروف أن منط قة آ سيا‬
‫الو سطى و حوض ب حر قزو ين يحتو يان ع لى احتيا طات من ال غاز ال طبيعي‬
‫والنفط تقزم ما يوجد منها في الكويت‪ ،‬أو خليج المكسيك‪ ،‬أو بحر الشمال‪.‬‬
‫إن الو صول إ لى هذه ال موارد وم شاطرة ا لثروة المحتم لة في ها تم ثل‬
‫أ هدافا @ ت حرك الطمو حات القوم ية‪ ،‬وتح فز ع لى إي قاظ الم صالح الم شتركة‪،‬‬
‫وتع يد إ شعال أو إ ثارة الم طالب التاريخ ية‪ ،‬وتح يي ثان ية الطمو حات‬
‫المبريالية‪ ،‬وتسخن التزاحم الدولي‪ ،‬وكذلك‪ ،‬فالوضع يصبح كله أكثر هشاشة‬
‫بسبب الحقيقة المتمثلة بأن المنطقة ل تعاني من فراغ القوة فحسب‪ ،‬بل‬
‫و من عدم ال ستقرار ا لداخلي أي ضا‪ .‬وي عاني كل من ب لدانها من صعوبات‬
‫داخلة جدية وخطرة‪ ،‬ولكل من هذه الدول حدود هي إما موضع مطالبة من‬
‫ق بل دول م جاورة أو م ناطق امت عاض وغ يظ اتني ين‪ ،‬وقل ما تو جد في ها دول‬
‫متجانسة‪ ،‬كما أن بعضها أصبح منخرطا @ في عنف إقليمي )يتعلق بالرض(‪ ،‬أو‬
‫اتني‪ ،‬أو ديني‪.‬‬
‫المرجل التني‬
‫يشمل البلقان الوراسي تسع دول تنطبق مواصفاتها بشكل ما أو بآخر‬
‫ع لى ما جاء أعله‪ ،‬ودو لتين أخري ين تع تبران مر شحتين محتم لتين في هذه‬
‫ال سياق‪ .‬فا لدول الت سع هي كازاخ ستان‪ ،‬وقيرغيز يا‪ ،‬وطاجك ستان‪،‬‬
‫وتوركمن ستان‪ ،‬وأوزبك ستان‪ ،‬وأذربي جان‪ ،‬وأرمين يا‪ ،‬وجورج يا‪] ،‬عل ما @ أن كل‬
‫هذه ا لدول كانت ت شكل سابقا @ جزءا @ من الت حاد ال سوفييتي ال سابق[‬
‫وأفغان ستان‪ .‬أ ما ا لدولتان المر شحتان إ لى هذه اللئ حة أي ضا @ فه ما ترك يا‬
‫وإ يران‪ ،‬ح يث أن كلتيه ما تتمت عان ب ظروف سيا سية واقت صادية تجعله ما أ كثر‬
‫قابل ية للح ياة وال ستمرار من ا لدول ا لخرى‪ ،‬وكلتاه ما تع تبران مناف ستين‬
‫ن شيطتين ع لى الن فوذ ا لقليمي ضمن البل قان الورا سي‪ ،‬وبال تالي فه ما‬

‫‪128‬‬
‫لعبان جيواستراتيجيان مهمان في المنطقة‪ .‬وفي الوقت ذاته‪ ،‬فكلتاهما غير‬
‫منيعتين غالبا @ إزاء النزاعات التنية الداخلية‪.‬‬
‫وإذا كانت إحداهما أو كلتاهما ستصبحان غير مستقرتين‪ ،‬فإن المشكلت‬
‫الداخلية في المنطقة سوف تصبح غير قابلة للسيطرة عليها‪ ،‬بينما يمكن أن‬
‫تكون الجهود الهادفة إلى الحد من السيطرة القليمية من قبل روسيا على‬
‫هذه المنطقة‪،‬عقيمة‪.‬‬
‫إن دول القوقاز الثلث‪ ،‬أي أرمينيا‪ ،‬وجورجيا‪ ،‬وأذربيجان‪ ،‬يمكن أن يقال‬
‫عن ها إن ها معت مدة ع لى ع شائر أو شعوب تاريخ ية فعل ية‪ .‬ونتي جة لذلك‪ ،‬فإن‬
‫التجا هات القوم ية في ها تم يل إ لى أن ت كون سائدة وقو ية‪ ،‬و كذلك‪ ،‬فإن‬
‫النزا عات الداخل ية في ها كانت ول تزال تم يل إ لى أن ت كون ت حديا @ رئي سا‬
‫لزدهار ها ورفاهيت ها‪ .‬و في المقا بل‪ ،‬فإن ا لدول الخ مس الجد يدة في آ سيا‬
‫الو سطى يم كن أن ي قال عن ها إن ها ل تزال فعل @ في مرح لة ب ناء الدو لة‪،‬‬
‫وبالتالي ل تزال الهويات القبلية والتنية قوية فيها‪ ،‬مما يجعل من الخلف أو‬
‫الشقاق الداخلي صعوبة رئيسة‪ .‬وفي أي نوع من هذه أو تلك الدول‪ ،‬نجد أن‬
‫ن قاط ال ضعف ال مذكورة أ غرت ا لدول الم جاورة ل ها‪ ،‬وا لتي هي أ كثر قوة‬
‫وذات تفكير إمبريالي‪ ،‬باستغللها‪.‬‬
‫ل يس البل قان الورا سي فسيف ساء اتن يا@‪ ،‬ف حدود دو له كانت قد ر سمت‬
‫اعتباط يا @ من ق بل ر سامي ال خرائط ال سوفييت في ا عوام الع شرينيات‬
‫والثلثين يات‪ ،‬ع ندما أقي مت ر سميا @ الجمهور يات ال سوفييتية المعن ية‪) .‬أ ما‬
‫افغان ستان ا لتي لم ت كن قط جزءا @ من الت حاد ال سوفييتي‪ ،‬هي ال ستثناء(‪.‬‬
‫وكانت حدود هذه الدول قد حددت غالبا @ حسب مبدأ اتني‪ ،‬ولكن هذه الحدود‬
‫عك ست أي ضا @ م صلحة الكرمل ين في المحاف ظة ع لى المنط قة الجنوب ية من‬
‫المبراطورية الروسية مقسمة داخليا@‪ ،‬وبالتالي أكثر خضوعا‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫‪ -1‬الجما عات التن ية الرئي سة في آ سيا الو سطى ‪ -2‬أوزبك ستانيون ‪-3‬‬
‫كازاخيون ‪ -4‬طاجيكيون ‪ -5‬روس أوكران يون ‪ -6‬تورك مان ‪) -7‬قيرغيز يون(‬
‫‪ -8‬ب حر قزو ين ‪ -9‬توركمن ستان ‪ -10‬أوزبك ستان ‪ -11‬طاجك ستان ‪- 12‬‬
‫كازاخستان ‪ -13‬قيرغيزيا ‪ -14‬بحر أورال‬
‫أوزبكستان‬ ‫توركمنستان‬ ‫طاجكستان‬ ‫قيرغيزيا‬ ‫كازاخستان‬ ‫جورجيا‬ ‫أذربيجان‬ ‫أرمينيا‬ ‫أفغانستان‬
‫‪2103‬‬
‫‪2301‬‬ ‫‪401‬‬ ‫‪602‬‬ ‫‪408‬‬ ‫‪1704‬‬ ‫‪507‬‬ ‫‪708‬‬ ‫‪306‬‬

‫‪6808‬‬ ‫‪6504‬‬ ‫‪69‬‬ ‫‪6801‬‬ ‫‪6803‬‬ ‫‪7301‬‬ ‫‪7101‬‬ ‫‪7204‬‬ ‫‪4504‬‬


‫أوزبكستانيون‬ ‫توركمانيون‬ ‫طاجيكستانيون‬ ‫قيرغيزيون‬ ‫كازاخستانيون‬ ‫جيورجيون‬ ‫أزريون)‪(% 90‬‬ ‫شتون ) أرمن ‪%93‬‬ ‫با‬
‫‪7104%‬‬ ‫‪% 7303‬‬ ‫‪6409%‬‬ ‫‪204%‬‬ ‫‪% %4109‬‬ ‫‪701%‬‬ ‫داغستانيون‬ ‫أزريون‬ ‫‪(%38‬طاجي‬
‫روس ‪%803‬‬ ‫روس‬ ‫أوزبكستانيون‬ ‫روس‬ ‫روس ‪%37‬‬ ‫أرمن‬ ‫‪ 302‬روس‬ ‫)‪(3%‬‬ ‫ك‬
‫طاجيكستانيون‬ ‫‪908%‬‬ ‫‪25%‬‬ ‫‪2105‬‬ ‫أوكرانيون‬ ‫‪801%‬‬ ‫‪205%‬‬ ‫روس‬ ‫)‪(25%‬‬
‫‪407%‬‬ ‫أوزبكستانيون‬ ‫روس‬ ‫‪%‬‬ ‫‪502%‬‬ ‫روس‬ ‫أرمن‬ ‫هازاريون ‪2%‬‬
‫كازاخستانيون‬ ‫‪9%‬‬ ‫‪% 305‬‬ ‫أوزبكستانيون‬ ‫ألمانيون‬ ‫‪603%‬‬ ‫‪203%‬‬ ‫آخرون‬ ‫‪%19‬‬
‫‪401%‬‬ ‫كازاخستانيون‬ ‫آخرون‬ ‫‪% 1209‬‬ ‫‪% 407‬‬ ‫أزريون‬ ‫أخرون‬ ‫أوزبك ستانيو ‪2%‬‬
‫تترون‬ ‫‪2%‬‬ ‫‪2%‬‬ ‫أوكرانيون‬ ‫أوزبكستان‬ ‫‪507%‬‬ ‫‪2%‬‬ ‫ن‬
‫‪204%‬‬ ‫آخرون‬ ‫‪205%‬‬ ‫‪201%‬‬ ‫أوسياتنيون‬ ‫‪6%‬‬
‫كاراكالباكيون‬ ‫‪509%‬‬ ‫ألمانيون‬ ‫تتريون‬ ‫‪3%‬‬
‫‪201%‬‬ ‫‪204%‬‬ ‫‪2%‬‬ ‫أبخازيون‬
‫آخرون‬ ‫آخرون‬ ‫آخرون‬ ‫‪108%‬‬
‫‪7%‬‬ ‫‪803%‬‬ ‫‪7%‬‬ ‫آخرون ‪%5‬‬

‫‪5405‬‬ ‫‪1301‬‬ ‫‪805‬‬ ‫‪804‬‬ ‫‪5502‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪1308‬‬ ‫‪801‬‬ ‫ير‬ ‫غ‬
‫معروف‬
‫)بمليارا‬
‫ت‬
‫ا لدولرا‬
‫ت‬
‫ق طن ذ هب طبيعي أ سمدة‬ ‫غاز طبيعي قطن )**(‬ ‫ق طن ألمن يوم فواكه‬ ‫مواد‬ ‫صوف‬ ‫نفط‬ ‫عصير‬ ‫نفط‪،‬‬ ‫ذهب‬ ‫قمح‬ ‫ال صادرا‬
‫شة‬ ‫لى أقم‬ ‫عادن ع‬ ‫م‬ ‫ز يت ن باتي أقم شة‬ ‫كيميائ ية ق طن‬ ‫معادن‬ ‫فواكه‬ ‫غاز‬ ‫ألمنيوم‬ ‫دواجن‬ ‫ت‬
‫)منسوجات( منتجات غذائية‬ ‫منتجات بترولية )**(‬ ‫)منسوجات(‬ ‫م عادن حاو ية‬ ‫حاوية‬ ‫شاي‬ ‫مواد‬ ‫معدات‬ ‫فواكه‬ ‫الرئيسي‬
‫شة‬ ‫باء أقم‬ ‫كهر‬ ‫على الحديد‬ ‫على الحديد‬ ‫خمور‬ ‫كيمياوية‬ ‫نقل‬ ‫سجاد‬ ‫ة‬
‫)منسوجات (‬ ‫معادن غير حاوية‬ ‫م عادن غ ير‬ ‫معدات‬ ‫معدات‬ ‫معدات‬ ‫صوف‬
‫سجاد‬ ‫على الحديد‬ ‫حاو ية ع لى‬ ‫ميكانيكية‬ ‫لحقول‬ ‫كهربائية‬ ‫أحجار‬
‫أحذ ية م عدات‬ ‫الحد يد مواد‬ ‫معادن‬ ‫النفط‬ ‫كريمة‬
‫ميكانيكية تبغ‬ ‫كيميائية حبوب‬ ‫حاوية‬ ‫أقمشة‬ ‫)جواهر(‬
‫صوف لحم فحم‬ ‫على‬ ‫قطن‬
‫الحديد‬
‫معادن‬
‫غير‬
‫حاوية‬
‫على‬
‫الحديد‬

‫)×( معادل القوة الشرائية‪ ،1944 :‬حسب تقدير مؤسسة البنك الدولي‬
‫للعام ‪.1992‬‬
‫)××( إنى توركمنستان هي عاشر أكبر منتج عاشر للقطن في العالم‪،‬‬
‫ولديها خامس أكبر احتياطات من الغاز الطبيعي والحتياطات النفطية الهامة‬
‫الخرى‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬رفضت موسكو اقتراحات القوميين في آسيا الوسطى عن جمع‬
‫مخت لف شعوب آ سيا الو سطى ) لم ت كن تو جد لدى معظم هم آ نذاك حوافز‬
‫قوم ية ( في و حدة أو ك يان سيا سي وا حد‪ ،‬ع لى أن يدعى‪" ،‬تورك ستان"‬
‫مفضلة‪ ،‬عوضا @ عن ذلك‪ ،‬أن تخلق خمس "جمهوريات" منفصلة‪ ،‬يكون لكل‬
‫منها اسم جديد مميز وحدود متشابكة‪ .‬ويفترض انطلقا @ من حساب مماثل‪،‬‬
‫أن الكرمل ين تخ لى عن خ طط إقا مة ات حاد قو قازي مو ح„ د‪ .‬وبال تالي‪ ،‬فل يس‬
‫مدهشا @ أنه لدى النهيار السوفيتي‪ ،‬لم يكن أي من الدول الثلث في القوقاز‬

‫‪130‬‬
‫أو من ا لدول الخ مس في آ سيا الو سطى م ستعدا @ كل يا @ لمو قف أو حا لة‬
‫الستقلل الجديدة ول للتعاون القليمي اللزم‪.‬‬
‫ففي القوقاز سرعان ما تورطت أرمينيا التي يقل عدد سكانها عن أربعة‬
‫مليين إنسان وأذربيجان التي يزيد عد سكانها على ثمانية مليين إنسان في‬
‫حرب مفتو حة )معل نة( ب سبب منط قة ناغورنو ـ كارا باخ‪ ،‬ا لتي ت قع ضمن‬
‫أذربيجان ولكن تقطنها أغلبية أرمينية‪ .‬وأدى النزاع إلى القيام بأعمال تطهير‬
‫اتن ية وا سعة الن طاق ح يث هرب مئات آلف اللجئ ين والمطرود ين في كل‬
‫التجا هات‪ .‬وإذا أ خذنا في العت بار الحقي قة المتمث لة بأن أرمين يا م سيحية‬
‫وأذربي جان م سلمة‪ ،‬يم كن أن نن ظر إ لى هذا ال نزاع بو صفه ذا طابع دي ني‪.‬‬
‫وجعلت هذه الحرب المدمرة اقتصاديا @ من الصعب جدا @ على أي من الدولتين‬
‫أن تؤ سس نف سها كدو لة م ستقلة م ستقرة‪ .‬ودف عت أرمين يا إ لى أن تعت مد‬
‫بدر جة أ كبر ع لى رو سيا ا لتي قدمت إلي ها م ساعدة ع سكرية ها مة‪،‬بين ما‬
‫ا ضطرت أذربي جان إ لى الق بول أو الترا ضي بالح صول ع لى ال ستقلل‬
‫والستقرار الداخلي مقابل فقدان ناغورنو‪-‬اراباخ‪.‬‬
‫تركت عدم مناعة أذربيجان تأثيرات إقليمية واسعة لن موقع هذه الدولة‬
‫يجعل ها ذات أهم ية جيوبوليت ية‪ .‬ويم كن أن تو صف بأن ها "ال سدادة" الها مة‬
‫حيو يا @ والم سيطرة ع لى ع نق الزجا جة ا لتي تح توي ع لى ثروات حوض ب حر‬
‫قزو ين وآ سيا الو سطى‪ .‬وه كذا‪ ،‬فإن أذربي جان الم ستقلة‪ ،‬والناط قة بالل غة‬
‫الترك ية‪ ،‬والحاو ية ع لى خ طوط أ نابيب الن فط الذاه بة من ها إ لى دو لة ترك يا‬
‫التي ترتبط بها اتنيا @ وتدعمها سياسيا@‪ ،‬سوف يمنع روسيا من ممارسة احتكار‬
‫الوصول إلى المنطقة وبالتالي سوف يحرمها من الفعالية )النفوذ( السياسي‬
‫الحا سم ع لى سيا سات ا لدول الجد يدة في آ سيا الو سطى‪ .‬و مع ذ لك‪ ،‬فإن‬
‫أذربيجان معرضة كثيرا @ للضغوط من روسيا القوية في الشمال ومن إيران‬
‫في الج نوب‪ .‬ويو جد عدد من ا لذريين يب لغ ضعف ما هو مو جود من هم في‬
‫أذربيجان‪ ،‬وثمة من يقدر هذا العدد بعشرين مليونا@‪ ،‬في شمال غرب إيران‪.‬‬
‫وإن هذه الحقيقة تجعل إيران خائفة من ظهور حركة انفصالية محتملة بين‬
‫سكانها الذريين وبالتالي فهي تشعر بازدواجية وتناقض إزاء سيادة أذربيجان‬
‫بالرغم من أن الدولتين تدينان بالدين السلمي‪ .‬ونتيجة لذلك‪ ،‬فقد أصبحت‬
‫أذربيجان هدفا للضغوط الروسية واليرانية الهادفة إلى الحد من تعاملها مع‬
‫الغرب ‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫وخل فا لرمين يا وأذربي جان‪ ،‬ل لتين تع تبران متجان ستين تما ما @ ضمن كل‬
‫منه ما ع لى ال صعيد الت ني‪ ،‬فإن ن حو ‪ 30‬في المئة من سكان جورج يا ال بالغ‬
‫عددهم ستة مليين إنسان هم من القليات‪.‬‬
‫وفضل @ عن ذلك‪ ،‬إن هذه المجتمعات الصغيرة التي هي ذات طابع قبلي‬
‫في التنظيم والهوية تشعر بامتعاض قوي إزاء السيطرة الجورجية‪ .‬لدى حل‬
‫الت حاد ال سوفييتي‪ ،‬ستفاد الو سيتيانيون وا لبخلزيون من ال نزاع السيا سي‬
‫ا لداخلي في جورج يا و حاولوا النف صال عن ها ك ما أن رو سيا دعمت هم ب هدوء‬
‫ل كي ت جبر جورج يا ع لى ال ستجابة لل ضغوط الرو سية الهاد فة إ لى إبقائ ها‬
‫ضمن راب طة ا لدول الم ستقلة )ا لتي أرادت جورج يا في البدا ية أن تن سحب‬
‫من ها( ول كي تق بل بالقوا عد الع سكرية الرو سية ع لى ا لرض الجيورج ية بغ ية‬
‫إحكام إغلق المنطقة في وجه تركيا ‪.‬‬
‫و في آ سيا الو سطى‪ ،‬ا نت العوا مل الداخل ية أ كثر أهم ية في ت فاقم عدم‬
‫ال ستقرار‪ .‬من ال ناحيتين الثقاف ية واللغو ية‪ ،‬ا نت أر بع دول من ا لدول‬
‫المستقلة حديثا @ في آسيا الوسطى جزءا @ من العالم التوركي )وليس التركي‪،‬‬
‫أن ال توركي يتع لق بأ سرة من الل غات ت شمل الترك ية والذربيجان ية‬
‫والتركمان ية‪ ،‬والقيرغيز ية ا لخ ‪ ...‬ل مترجم(‪ .‬طاجك ستان هي لغو يا @ وثقاف يا‬
‫فارسية‪ ،‬ينما أفغانستان )وهي خارج التحاد السوفييتي السابق( هي باتانية‪،‬‬
‫طاجيك ية‪ ،‬وبا شتونية‪ ،‬ضافة إ لى الفسيف ساء التن ية الفار سية و كل ا لدول‬
‫ال ست تدين بال سلم‪ .‬قد كان أغ لب هذه ا لدول‪ ،‬بر ال سنين ‪،‬ت حت تأثير‬
‫الن فوذ ال عابر )المت تالي( للمبراطور يات الفار سية‪ ،‬الترك ية‪ ،‬الرو سية‪ ،‬ل كن‬
‫هذه التجر بة لم ت خدم ترب ية روح الم صلحة القليم ية الم شتركة بين ها‪ .‬ع لى‬
‫الع كس‪ ،‬إن ا لتركيب الت ني المخت لف ل هذه ا لدول يجعل ها غ ير مني عة إزاء‬
‫النزاعات الداخلية والخارجية مما يغري بتدخل الدول المجاورة الكثر قوة ‪.‬‬
‫و من ا لدول الخ مس الم ستقلة حديثا @ في آ سيا الو سطى‪ ،‬ع تبر‬
‫كازاخ ستان وأوزبك ستان ا لدولتين ال كثر أهم ية‪ .‬ع لى ال صعيد ا لقليمي‪ ،‬إن‬
‫كازاخ ستان هي ا لدرع وأوزبك ستان هي ا لروح بالن سبة إ لى حر كات اليق ظة‬
‫القوم ية المختل فة في المنط قة‪ .‬الم ساحة الجغراف ية لكازاخ ستان وموقع ها‬
‫يحم يان ا لدول ا لخرى من ال ضغط الفع لي الرو سي المبا شر‪ ،‬ما دا مت‬
‫كازاخ ستان تم لك و حدها حدودا @ م شتركة مع رو سيا‪ .‬مه ما ي كن ا لمر فإن‬
‫سكانها ال بالغ عددهم ن حو ‪ 18‬مليو نا @ ي ضمون ن حو ‪ % 35‬من ا لروس )ل كن‬
‫تعداد السكان الروسي في المنطقة كلها يتناقص باستمرار( ونحو ‪ %20‬أيضا‬
‫من غ ير الكازاخ ستانيين‪ ،‬ت لك حقي قة جع لت ا لمور صعبة ع لى الح كام‬
‫الكازاخستانيين الجدد‪ ،‬الذين هم أنفسهم ذوو نزعات قومية متنامية ولكنهم‬

‫‪132‬‬
‫ل يمث لون سوى ن صف عدد ال سكان الج مالي في البلد تقري با @ في متاب عة‬
‫هدف بناء الدولة على أساس التنية واللغة ‪.‬‬
‫إن ا لروس ال قاطنين في الدو لة الجد يدة ممتع ضون من الق يادة‬
‫الكازاخستانية الجديدة‪ ،‬بما أنهم كانوا يشكلون الطبقة الستعمارية الحاكمة‬
‫سابقا@‪ ،‬لكونهم أفضل ثقافة واستقرارا@‪ ،‬هم يخشون فقدان امتيازاتهم‪ .‬فضل‬
‫عن ذ لك‪ ،‬هم يمي لون إ لى أن ين ظروا إ لى القوم ية الكازاخ ستانية الجد يدة‬
‫بازدراء من الناح ية الثقاف ية ل يم كن اخ فاؤه غال با‪ .‬و مع كون كل المنط قتين‬
‫الشمالية الغربية والشمالية الشرقية من كازاخستان محكومتين بكثافة من‬
‫قبل الستعماريين الروس ‪،‬فإن كازاخستان هذه سوف تواجه خطر النفصال‬
‫ا لقليمي )التق سيم( إذا ساءت العل قات الكازاخ ستانية الرو سية إ لى حد‬
‫خ طر‪ .‬في ا لوقت ذا ته‪ ،‬فإن بضع مئات ا للف من الكازاخ ستانيين يقطنون‬
‫في ال جانب الرو سي من حدود الدو لة و في أوزبك ستان ال شمالية ال شرقية‪،‬‬
‫أي الدو لة ا لتي ين ظر إلي ها الكازاخ ستانيون بو صفها الم نافس الرئي سي ل هم‬
‫على قيادة آسيا الوسطى‪.‬‬
‫إن أوزبكستان‪ ،‬هي في الحقيقة‪ ،‬المرشح الرئيسي للقيادة القليمية في‬
‫آسيا الوسطى‪ .‬بالرغم من كونها أصغر حجما @ وأقل امتلكا @ للموارد الطبيعية‬
‫من كازاخستان‪ ،‬لديها تعداد أكبر من السكان )نحو ‪ 25‬مليونا@(‪ ،‬ما أن الهم‬
‫من ذ لك ب كثير هو و جود ت جانس سكاني لديها أ كبر ب كثير م ما هو عل يه في‬
‫كازاخستان‪ .‬مع وجود معدل ولدات محلي أكبر من معدل الخروج التدريجي‬
‫للروس الذين كانوا مسيطرين سابقا@‪ ،‬سرعان ما سيصبح نحو ‪ 75‬في المئة‬
‫من سكانها من الوزبك ستانيين‪ ،‬ع ب قاء أقل ية رو سية غ ير كبيرة ف قط ول‬
‫سيما في العاصمة طشقند ‪.‬‬
‫بالضافة إلى ذلك‪ ،‬إن النخبة السياسية في البلد تحدد عمدا @ هوية الدولة‬
‫الجديدة على أنها تنحدر مباشرة من أمبراطورية تيمورلنك الواسعة الرجاء‬
‫ا لتي و جدت في ال قرون الو سطى )‪ 1336‬ـ ‪ (1404‬ا لتي كانت عا صمتها‪،‬‬
‫سمرقند‪ ،‬قد أصبحت مركزا @ إقليميا @ مشهورا @ لتدريس الدين‪ ،‬الفلك والفنون‪.‬‬
‫وإن هذا ا لرث ي ضفي ع لى أوزبك ستان الحدي ثة طاب عا @ من ال ستمرارية‬
‫التاريخية ومن حمل المهام التاريخية أعمق مما هو لدى جيرانها‪ .‬في الواقع‪،‬‬
‫فإن ب عض ال قادة الوزبك ستانيين يرون في يرون في دولت هم مر كزا @ قوم يا‬
‫لكيان آسيوي متوسط واحد‪ ،‬ع افتراض كون طشقند عاصمة له‪ .‬على نحو‬
‫ي فوق أي دو لة أ خرى في آ سيا الو سطى‪ ،‬جد أن النخ بة السيا سية في‬

‫‪133‬‬
‫أوزبكستان‪ ،‬مع شعب هذه الخيرة أيضا@‪ ،‬دأت تعمل فعل @ على تحديث دولتها‬
‫القومية وهي مصممة‪ ،‬الرغم من الصعوبات الداخلية على عدم العودة إلى‬
‫الوضع الستعماري السابق ‪.‬‬
‫إن هذا الشرط يجعل أوزبكستان قائدا @ يرعى مشاعر القومية الحديثة ما‬
‫ب عد الثن ية‪ ،‬إ ضافة إ لى أن ها ت صبح هدفا @ لب عض ال ضطراب و عدم ال ستقرار‬
‫ب ين جيران ها‪ .‬ول كن‪ ،‬ف حتى ع ندما ي سرع قادة أوزبك ستان الخ طى )ج مع‬
‫خ طوة( في ب ناء الدو لة وا لدفاع عن الو صول إ لى در جة أ كبر في الكت فاء‬
‫الذاتي القليمي‪ ،‬نجد أن التجانس القومي الكبر نسبيا فيها‪ ،‬والوعي القومي‬
‫ا لكثر قوة لديها‪ ،‬يوح يان بالخوف ب ين ح كام تركمان ستان‪ ،‬وقيرغيز يا‪،‬‬
‫وطاجاك ستان‪ ،‬و حتى كازاخ ستان‪ ،‬من أن ت ستطيع الق يادة القليم ية‬
‫الوزبك ستانية من الت طور إ لى ال سيطرة القليم ية‪ .‬وإن هذا الق لق يم نع‬
‫التعاون القليمي بين الدول الجديدة ذات السيادة‪ ،‬والذي ل يشجعه الروس‬
‫في أي حال‪ ،‬وبال تالي ت ستمر عدم المنا عة القليم ية‪ .‬وعمو ما@‪ ،‬فإن‬
‫أوزبكستان‪ ،‬شأنها شأن الدول الخرى‪ ،‬ليست متحررة كليا @ من التوتر التني‪.‬‬
‫فث مة أ جزاء من ج نوب أوزبك ستان‪ ،‬وخا صة حول مر كزي سمرقند وب خاري‬
‫المهم ين تاريخ يا @ وثقاف يا@‪ ،‬تو جد في ها تجم عات سكانية كبيرة من‬
‫الطاجاكستانيين الذين ل يزالون مستائين من الحدود التي كانت موسكو قد‬
‫ر سمتها‪ .‬ول عل ما يع قد ا لمور أ كثر فأكثر هو و جود الوزبك ستانيين في‬
‫طاجاك ستان الغرب ية‪ ،‬وو جود كل من الوزبك ستانيين و الطاجاك ستانيين في‬
‫وادي فرغانة الهام اقتصاديا في قيرغيزيا )حيث نشب عنف اتني دموي في‬
‫السنوات الخيرة(‪ ،‬ناهيك بوجود الوزبكستانيين في شمال أفغانستان ‪.‬‬
‫و في ا لدول الثلث ا لخرى في آ سيا الو سطى ا لتي خر جت من الح كم‬
‫ال ستعماري الرو سي‪ ،‬و هي قيرغيز يا‪ ،‬وطاجاك ستان‪ ،‬وتركمان ستان‪ ،‬ن جد أن‬
‫الث لث ف قط متما سك ن سبيا ع لى ال صعيد الت ني‪ .‬وإن ن حو ‪ % 75‬من عدد‬
‫السكان البالغ ‪ 405‬مليونا هم من التركمان‪ ،‬علما @ أن الروس والوزبكستانيين‬
‫ي شكل كل منه ما أ قل من ‪ %10‬وعمو ما@‪ ،‬فإن المو قع الجغرا في المح مي‬
‫لتركمان ستان يجعل ها بع يدة ن سبيا من رو سيا‪ ،‬عل ما أن أوزبك ستان وإ يران‬
‫ت شكلن صلة جغرافية أ كبر بم ستقبل هذه الدو لة‪ .‬وما أن يتم تمد يد أ نابيب‬
‫الن فط في المنط قة‪ ،‬حتى يم كن ال قول إن احتيا طات تركمن ستان ال كبيرة‬
‫فعل من الغاز الطبيعي تعد بمستقبل مزدهر لشعب هذه الدولة ‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫إن سكان قيرغيزيا البالغ عددهم ‪ 5‬مليين نسمة هم أكثر تنوعا إلى حد‬
‫كبير‪ .‬فالقيرغيزيون أنف سهم ي شكلون ن حو ‪ %55‬من إج مالي ال سكان‪ ،‬و‬
‫الوزبكستانيون يشكلون نحو ‪ ، %13‬علما @ أن الروس انخفض عددهم مؤخرا‬
‫من ‪ %20‬إلى ما يزيد قليل @ على ‪ . %15‬أما قبل الستقلل‪ ،‬فقد كان الروس‬
‫يؤل فون النخ بة التقن ية الهند سية المثق فة‪ ،‬وبال تالي فإن خروج هم من البلد‬
‫سبب ضررا لقت صادها‪ .‬و بالرغم من كون قيرغيز يا غن ية بالم عادن وتتم تع‬
‫بج مال طبي عة ا خاذ د عا ال كثيرين إ لى ت سميتها بسوي سرا آ سيا الو سطى‬
‫)وهكذا يحتمل أن تصبح قبلة للسواح(‪ ،‬فإن موقعها الجيوبوليتي الذي تنحصر‬
‫فيه بين الصين وكازاخستان‪ ،‬يجعلها معتمدة إلى حد كبير على الدرجة التي‬
‫يمكن فيها لكازاخستان نفسها أن تنجح في المحافظة على استقللها ‪.‬‬
‫ول كن طاجاك ستان أ كثر تجان سا @ إ لى حد ما ع لى ال صعيد الت ني‪ .‬ف من‬
‫سكانها ال بالغ عددهم ‪ 6,5‬مليو نا@‪ ،‬ث مة أ قل من الث لثين من الطاجاك ستانيين‬
‫وأكثر من ‪ %25‬من الوزبكستانيين )الذين ينظر إليهم بشيء من العداء من‬
‫قبل الطاجاكستانيين( بينما يشكل الروس الباقون نحو ثلثة في المئة فقط‪.‬‬
‫ومهما يكن المر‪ ،‬وعلى غرار ما هو عليه الحال في الماكن الخرى‪ ،‬نجد أنه‬
‫حتى المجتمع التني المسيطر )الذي يشكل الكثرية( مقسم على نحو حاد‬
‫وحتى على نحو متسم بالعنف‪ ،‬على امتداد الخطوط القبلية علما أن القومية‬
‫المعا صرة يقت صر و جود أن صارها غال با @ ع لى النخ بة السيا سية في ال مدن‪.‬‬
‫ونتيجة لذلك‪ ،‬فالستقلل لم يخلق صراعا @ مدنيا فحسب بل خلق أيضا @ عذرا‬
‫لرو سيا كي ت ستمر في ن شر جي شها في البلد‪ .‬والو ضع ا لتني ي صبح أ كثر‬
‫تعقيدا @ أيضا ب سبب الو جود الكثيف للطاجاكستانيين عبر الحدود‪ ،‬في شمال‬
‫شرق أفغان ستان‪ .‬و في الحقي قة‪ ،‬فه ناك عدد من الطاجاك ستانيين ا لثنيين‬
‫ا لذين يعي شون في أفغان ستان ي عادل من يعي شون من هم في طاجاك ستان‪،‬‬
‫علما @ أن ذلك يشكل عامل @ آخر لصالح نسف الستقرار القليمي‪.‬‬
‫إن حالة الفوضى الراهنة في أفغانستان هي إرث سوفييتي أيضا @ بالرغم‬
‫من أن هذه البلد لي ست جمهور ية سوفييتية سابقة‪ .‬فب عد أن ت شظت أو‬
‫ت جزأت ب سبب الحتلل ال سوفييتي و حرب الع صابات الطوي لة ال مد‪ ،‬لم ت عد‬
‫أفغان ستان دولة أمة أو دو لة قومية إل بالسم فقط‪ .‬ف سكانها البالغ عددهم‬
‫‪ 22‬مليو نا @ أ صبحوا مق سمين ع لى ن حو حاد ع لى ام تداد الخ طوط الثن ية مع‬
‫ت نامي النق سامات ب ين البا شتونيين‪ ،‬والطاجاك ستانيين‪ ،‬وال هازاريين‪ .‬و في‬
‫ا لوقت ذا ته‪ ،‬فإن الج هاد ضد المحتلين ا لروس ج عل ا لدين ب عدا @ حا سما @ في‬
‫الحياة السياسية للبلد‪ ،‬حيث أدخل الحمى العقائدية إلى لخلفات السياسية‬
‫ال حادة أ صل‪ .‬و لذا ي جب أل ين طر إ لى أفغان ستان بو صفها جزءا @ من الل غز أو‬

‫‪135‬‬
‫المشكلة المحيرة التنية في آسيا الوسطى فحسب‪ ،‬بل بوصفها جزءا @ هاما‬
‫على الصعيد السياسي من البلقان الوراسي أيضا @ ‪.‬‬
‫و بالرغم من أن كل دول آ سيا الو سطى ال سوفييتية سابقا‪ ،‬ب ما في ها‬
‫أذربيجان‪ ،‬يسكنها المسلمون غالبا‪ ،‬فإن النخب )جمع نخبة( السياسية فيها‪،‬‬
‫وا لتي ل تزال غال با من ن تاج الف توة ال سوفييتية‪ ،‬هي غ ير متدي نة تقري با من‬
‫حيث المظهر كما أن الدول تعتنق العلمانية رسميا‪ .‬ومهما يكن المر‪ ،‬فبما‬
‫أن سكان هذه الدول انتقلوا سابقا من الهوية العشائرية أو القبلية التقليدية‬
‫بصورة رئيسية إلى الوعي القومي الكثر حداثة‪ ،‬فمن المحتمل أن يصبحوا‬
‫ا لن م شردين في ا لوعي ال سلمي المت نامي ال شدة‪ .‬و في الحقي قة فإن‬
‫الحياء أو النتعاش السلمي‪ ،‬الذي حرض عليه من الخارج ‪ ،‬ليس من قبل‬
‫إ يران فح سب‪ ،‬بل و من ق بل الممل كة العرب ية ال سعودية أي ضا@‪ ،‬يحت مل أن‬
‫يصبح الحافز المحرك للنزعات القومية الجديدة التي تنتشر على نحو متزايد‬
‫والم صممة ع لى معار ضة أي تكا مل أو د مج جد يد ت حت ال سيطرة الرو سية‪،‬‬
‫وبمعنى آخر السيطرة الملحدة ‪.‬‬
‫و في الوا قع‪ ،‬فإن عمل ية ال سلحة يحت مل أن تث بت كون ها معد ية أي ضا‬
‫للمسلمين الذين بقوا ضمن روسيا نفسها‪ .‬فتعدادهم يبلغ ‪ 20‬مليون إنسان‪،‬‬
‫أي أ كثر بمرت ين من عدد ا لروس غ ير الم تأثرين )ن حو ‪ 905‬مليو نا@( ا لذين‬
‫ي ستمرون في الع يش ت حت الح كم ا لجنبي في دول آ سيا الو سطى‬
‫الم ستقلة‪ .‬وإن الم سلمين ا لروس ا لذين ي شكلون ن حو ‪ %13‬من سكان‬
‫رو سيا‪ ،‬وإ نه لمر حت مي تقري با أن هم سي صبحون أ كثر جز ما في م طالبتهم‬
‫بحقوقهم في هوية دينية وسياسية متميزة‪ .‬وحتى إذا لم تأخذ هذه المطالبة‬
‫شكل السعي إلى الستقلل الكامل‪ ،‬على غرار ما حدث في تشيشينيا‪ ،‬فهي‬
‫سوف ت تداخل مع الز مات التمث لة في أن رو سيا‪ ،‬سوف ت ستمر‪ ،‬في ضوء‬
‫تورط ها المبر يالي ا لذي حدث مؤخرا @ وو جود أقل يات رو سية في ا لدول‬
‫الجديدة في مواجهة آسيا الوسطى‪.‬‬
‫إن ا لمر ال مؤدي إ لى تزا يد خ طر في عدم ا ستقرار البل قان الورا سي‬
‫وج عل الو ضع أ كثر تفج يرا @ ف يه هو لحقي قة المتمث لة بو جود دو لتين قوم يتين‬
‫متجاورتين‪ ،‬لكل منه ما اهتما مات إمبريالية‪ ،‬وثقافية‪ ،‬واقتصادية عبر التار يخ‬
‫في المنط قة ه ما ترك يا وإ يران‪ ،‬تت سمان بكونه ما تعان يان من الهشا شة في‬
‫توجهه ما الجيوبول يتي ناه يك بكونه ما غ ير مني عتين داخل يا‪ .‬وإذا ما أ صبحت‬
‫هاتان الدولتان غير مستقرتين‪ ،‬فمن المحتمل تماما @ أن المنطقة كلها سوف‬
‫تغرق في فوضى كثيفة شاملة‪ ،‬مع خروج النزاعات التنية والقليمية الراهنة‬
‫عن ال سيطرة‪ ،‬ناه يك ب ما حدث فعل من خ لل حاد في توازن ال قوى ال هش‬

‫‪136‬‬
‫أصل @ في المنطقة‪ .‬فتركيا وإيران ليستا فقط لعبين جيواستراتيجين هامين‪،‬‬
‫بل هما محوران جيوبوليتيان أيضا@‪ ،‬حيث أن ظروفهما الداخلية الخاصة‪ ،‬تعد‬
‫بال غة الهم ية لم صير المنط قة‪ .‬وكلتاه ما قو تان متو سطتا الح جم‪ ،‬و لديهما‬
‫طموحات إقليمية قوية وإحساسا @ بأهميتهما التاريخية‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن التوجه‬
‫الجيوبوليتي المستقبلي وحتى التماسك القومي لكل هاتين الدولتين ل يزالن‬
‫غير أكيدين‪.‬‬
‫إن تركيا‪ ،‬التي هي دولة ما بعد إمبريالية‪ ،‬ل تزال في طور إعادة تحديد‬
‫هويت ها‪ ،‬وبال تالي ف هي تت عرض لل جذب إ لى ثل ثة اتجا هات‪ :‬فمؤ يدو الت حديث‬
‫في ها يودون أن ت صبح دو لة أوروب ية و لذا ف هم يتطل عون إ لى ال غرب‪،‬‬
‫وال سلميون يمي لون في ات جاه ال شرق الو سط؛ والمجت مع ال سلمي و لذا‬
‫ف هم يتطل عون إ لى الج نوب؛ والقوم يون ذوو الف كر ال تاريخي يرون في‬
‫ال شعوب ال تو رك ية‪ ) ،‬سبق أن ذكر نا أن هذه ال شعوب ت ضم ا لتراك‬
‫والذربيجانيين والتركمان والقيرغيزيين‪ ..‬الخ‪ ...‬المترجم( لحوض بحر قزوين‬
‫وآسيا الوسطى مهمة جدا @ لتركيا المسيطرة إقليميا @ وبالتالي‪ ،‬فهم يتطلعون‬
‫إ لى ال شرق‪ .‬وه كذا فإن كل من وج هات الن ظر هذه ت فترض أو تحدد محورا‬
‫ا ستراتيجيا @ مختل فا@‪ ،‬وإن ال صراع أو ال صدام بينه ما يثير أو يدخل‪ ،‬لول مرة‬
‫م نذ ال ثورة الكمال ية‪ ،‬در جة أو م قدارا @ ما من ال شك إ لى ا لدور ا لقليمي‬
‫لتركيا‪.‬‬
‫وبالضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن تركيا نفسها يمكن أن تصبح على القل ضحية‬
‫جزئ ية للنزا عات التن ية في المنط قة‪ .‬و بالرغم من أن مع ظم سكانها ال بالغ‬
‫عددهم ‪ 65‬مليونا @ هم من التراك‪ ،‬مع كون نحو ‪ %80‬من هؤلء ينتمون إلى‬
‫التن يات التورك ية‪ ،‬بالرغم من و جود مجمو عة مختل فة من ال جر كس‪،‬‬
‫والل بانيين والبو سنيين‪ ،‬والبل غاريين وال عرب بين هم(‪ ،‬فإن ‪ %20‬أو رب ما أ كثر‬
‫هم من الكراد‪ .‬وإذ يتركز الكراد ا لتراك في المناطق ال شرقية من تركيا‪،‬‬
‫ف قد جذبوا ع لى ن حو متزا يد إ لى ال صراع من أ جل ال ستقلل ال قومي ا لذي‬
‫ي قوده ا لكراد العراق يون وا ليرانيون‪ .‬وعمو ما@‪ ،‬فإن أي حالت توتر داخل ية‬
‫ضمن تركيا في ما يتعلق بالتجاه العام في البلد سوف ت شجع بدون شك‪،‬‬
‫الكراد على الضغط بعنف أكثر من أجل الحصول على وضع قومي شرعي‬
‫منفصل‪.‬‬
‫إن التوجه المستقبلي ليران يتسم بكونه أكثر إشكالية وتعقيدا@‪ .‬فالثورة‬
‫الشيعية الصولية التي انتصرت في نهاية أعوام السبعينيات يمكن أن تدخل‬
‫أو هي دخلت فعل @ مرحلة "العتدال النسبي"‪ ،‬المر الذي يعزز الشك في ما‬
‫يتعلق بالدور الجيواستراتيجي ليران‪ .‬فمن ناحية أولى‪ ،‬نجد أن انهيار التحاد‬

‫‪137‬‬
‫ال سوفييتي المل حد ف تح ال باب أ مام دول ال جوار الم ستقلة حديثا @ والمو جودة‬
‫في شمال إ يران‪ ،‬إ لى الهدا ية الدين ية‪ ،‬ول كن ن جد أي ضا@‪ ،‬من ناح ية ثان ية‪ ،‬أن‬
‫عداء إيران للوليات المتحدة جعل إيران تميل إلى التبني وإن تكتيكيا @ على‬
‫القل‪ ،‬للتوجه المؤيد لموسكو‪ ،‬والذي تعزز باهتمامات إيران المتعلقة بتأثير‬
‫استقلل أذربيجان مؤخرا في تماسكها الداخلي‪.‬‬
‫و قد ن جم هذا الهت مام من عدم منا عة إ يران إزاء حالت ال توتر الت ني‪.‬‬
‫ف من سكانها ال بالغ عددهم ‪ 65‬مليو نا @ )و هو ر قم مما ثل تقري با @ ل عدد‪ ،‬سكان‬
‫ترك يا(‪ ،‬يو جد أ كثر من الن صف بقل يل من ال فرس‪ ،‬ون حو الرا بع تقري با @ من‬
‫الذريين‪،‬بينما يتوزع الباقون بين الكراد‪ ،‬والتركمان‪ ،‬والعرب‪ ،‬والبالوشيين )‬
‫‪ ،(baluchis‬وقبائل أخرى‪ .‬وباستثناء الكراد والذريين‪ ،‬فإن الخرين ل يملكون‬
‫ال قدرة ع لى تهد يد ال سيادة القوم ية ليران‪ ،‬وخا صة إذا أ خذنا في العت بار‬
‫الدرجة العالية من الوعي القومي وحتى المبريالي بين الفرس‪ .‬ولكن ذلك‬
‫يمكن أن يتغير بسرعة‪ ،‬ول سيما في حال حدوث أزمة سياسية جديدة في‬
‫التجاهات اليرانية الراهنة‪.‬‬

‫وبالضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن الحقيقة ذاتها المتمثلة بوجود عدة دول مستقلة‬
‫حديثا @ في المنط قة‪ ،‬وأن مل يون تشي شاني ا ستطاعوا أن يدافعوا ب حزم عن‬
‫طموحاتهم السياسية‪ ،‬ترتبط بكونها ذات تأثير معدي على الكراد وعلى كل‬
‫القل يات التن ية ا لخرى في إ يران‪ .‬وإذا نج حت أذربي جان في الت طور‬
‫السياسي والقتصادي المستقر‪ ،‬فربما سوف يصبح الذريون ملتزمين‪ ،‬على‬
‫ن حو متزا يد‪ ،‬بف كرة أذربي جان ال كبرى‪ .‬وه كذا‪ ،‬يم كن ل عدم ال ستقرار‬
‫السياسي والنقسامات في طهران أن تتوسع وتقوى لتصبح تحديا @ لتماسك‬
‫الدولة اليرانية‪ ،‬مما يوسع أيضا@‪ ،‬وعلى نحو حاد‪ ،‬حجم وقوة الرهانات على‬
‫ما يحدث في البلقان الوراسي ‪.‬‬
‫الصراع المتعدد الطراف‬

‫كان البلقان التقليدي في أوروبا قد أثار تنافسا @ حادا @ بين ثلثة متنافسين‬
‫إمبر ياليين هم المبراطور ية العثمان ية‪ ،‬والمبراطور ية النم ساوية الهنغار ية‪،‬‬
‫والمبراطورية الروسية‪ .‬وكان يوجد أيضا @ ثلثة مشتركين غير مباشرين ممن‬
‫شعروا بالقلق إزاء احت مال تأثر م صالحهم الوروب ية سلبيا @ بانت صار خ صوم‬
‫معين ين ل هم‪ :‬فألمان يا خ شيت من ال قوة الرو سية‪ ،‬وفرن سا عار ضت النم سا‪،‬‬

‫‪138‬‬
‫هنغار يا‪ ،‬وبريطان يا العظ مى ف ضلت رؤ ية سيطرة المبراطور ية العثمان ية‬
‫الضعيفة على الدردنيل‪ ،‬على ظهور أي من المتصارعين الرئيسيين الخرين‬
‫في موقع السيطرة على البلقان‪ .‬وفي أثناء القرن التاسع عشر‪ ،‬عملت هذه‬
‫القوى على احتواء النزا عات البلقانية دون إ يذاء المصالح الحيو ية لي منها‪،‬‬
‫ولكنها‪ ،‬أي هذه القوى‪ ،‬فشلت أن تفعل ذلك في العام ‪ ،1914‬مما أدى إلى‬
‫نتائج كارثية على الجميع‪.‬‬
‫وإن الت نافس ال حالي ضمن البل قان الورا سي ي ضم أي ضا @ وع لى ن حو‬
‫مبا شر ثلث قوى مت جاورة هي"رو سيا وترك يا وإ يران بالرغم من أن ال صين‬
‫يم كن أن ت صبح فعل @ خ صما @ رئي سيا @ أي ضا‪ .‬و كذلك ان خرط في الت نافس ولكن‬
‫من مكان أبعد‪ ،‬كل من أوكرانيا والباكستان والهند وأمريكا البعيدة‪ .‬ولم يكن‬
‫كل من هؤلء المت صارعين الثل ثة الرئي سيين والم شتبكين ع لى ن حو مبا شر‬
‫في الصراع مدفوعا @ بما يرغب فيه من فوائد جيوبوليتية واقتصادية مستقبلية‬
‫فح سب‪ ،‬بل كانت تح ثه ع لى ذ لك دوا فع تاريخ ية قو ية أي ضا‪ .‬كان كل من هم‬
‫إ ما قوة م سيطرة سيا سيا @ أو قوة م سيطرة ثقاف يا @ في المنط قة‪ .‬و كان كل‬
‫منهم ينظر بشيء من الشك إلى الخرين‪ .‬وبالرغم من عدم احتمال نشوب‬
‫حرب مباشرة بين الطراف‪ ،‬فإن التأثير التراكمي لتنافسهم الخارجي يمكن‬
‫أن يسهم في خلق الفوضى في المنطقة‪.‬‬
‫وبالنسبة إلى الروس‪ ،‬فإن موقفهم المعادي للتراك يميل إلى الفراط‪.‬‬
‫فو سائل ا لعلم الرو سية ت صور ا لتراك ع لى أن هم ير يدون ال سيطرة ع لى‬
‫المنط قة‪ ،‬بو صفهم مثيري المقاو مة المحل ية لرو سيا ) مع ب عض ال تبرير في‬
‫حا لة تشي شينيا( وباعت بارهم م هددين لمن رو سيا لدر جة ي خرج في ها التهد يد‬
‫عن حده قيا سا @ بالمكا نات الفعل ية لرو سيا‪ .‬و يرد ا لتراك بالم ثل فين ظرون‬
‫إ لى دور هم بو صفه دور من ي حرر أ خوته من ال ضطهاد الرو سي الطو يل‬
‫المد‪ .‬وكذلك‪ ،‬فقد كان التراك واليرانيون )الفرس( متنافسين تاريخيين في‬
‫المنط قة‪ ،‬ك ما أن هذا الت نافس عاد إ لى ال ساحة في ال سنوات ا لخيرة‪ ،‬في‬
‫ظروف حملت فيها تركيا صورة البديل العلماني والحديث للمفهوم اليراني‬
‫عن المجت مع ال سلمي‪ .‬و بالرغم من أ نه يم كن ال قول عن كل من هذه‬
‫الطراف الثلثة وانه يسعى على القل إلى تحقيق مجال ما من النفوذ‪ ،‬ففي‬
‫حا لة رو سيا‪ ،‬ن جد أن طمو حات مو سكو تم لك ا ندفاعا @ أو سع ب كثير ب سبب‬
‫ذكرياتها الجديدة نسبيا @ عن السيطرة المبريالية‪ ،‬ووجود بضعة مليين روسي‬
‫في المنط قة ورغ بة الكرمل ين في إ عادة ج عل رو سيا قوة عالم ية رئي سية‪.‬‬
‫وعمو ما@‪ ،‬فإن بيا نات السيا سة الخارج ية لمو سكو أو ضحت أن ها تن ظر إ لى‬

‫‪139‬‬
‫الم جال )الم سلحة( الكام لة للت حاد ال سوفييتي ال سابق بو صفها منط قة‬
‫اهت مام جيوا ستراتيجي خاص للكرمل ين‪ ،‬وبال تالي ي جب أن ي ستبعد من ها أي‬
‫ن فوذ خارجي سيا سي‪ ،‬أو حتى اقت صادي‪ .‬و في المقا بل‪ ،‬ف بالرغم من أن‬
‫الطمو حات الترك ية إ لى الن فوذ ا لقليمي تن طوي ع لى ب عض آ ثار ماض‬
‫إمبر يالي‪ ،‬وإن كان مغر قا @ في ال قدم‪) ،‬و صلت المبراطور ية العثمان ية إ لى‬
‫الذروة في العام ‪ 1590‬باستيلئها على القوقاز واذربيجان‪ ،‬بالرغم من أنها لم‬
‫تكن تضم آسيا الوسطى(‪ ،‬فهي‪ ،‬أي هذه الطموحات‪ ،‬أكثر تجذرا @ في الجانب‬
‫الت ني الل غوي من الهو ية الذات ية لل شعوب التورك ية‪ .‬و مع ال خذ في العت بار‬
‫لل قوتين الع سكرية والسيا سية الم حدودتين لترك يا‪ ،‬يم كن ال قول بب ساطة إن‬
‫م جال الن فوذ السيا سي ال شامل ل هذه الدو لة ل يم كن تحقي قه‪ .‬و في الوا قع‬
‫فإن ترك يا ترى نف سها قائدا @ محتمل @ للمجت مع ال هش ا لذي يتك لم الل غات‬
‫التورك ية‪ ،‬وت ستفيد حتى النها ية من حداثتها الجذا بة ن سبيا@‪ ،‬و من صلتها‬
‫اللغو ية‪ ،‬وو سائل اقت صادها ال قادرة ع لى جعل ها ال قوة ا لكثر ن فوذا @ في‬
‫عمليات بناء الدول التي تنشط حاليا @ في المنطقة‪.‬‬
‫أما طموحات إيران فهي أكثر غموضا@‪ ،‬ولكنها ليست في المدى الطويل‬
‫أ قل خ طرا @ من طمو حات رو سيا‪ .‬فالمبراطور ية الفار سية بع يدة جدا @ في‬
‫ا لذاكرة‪ .‬و في ذروت ها‪،‬أي في ن حو ال عالم ‪ 500‬ق بل الميلد‪ ،‬كانت ت ضم‬
‫الرا ضي الحال ية ل لدول القوقاز ية الثلث‪ ،‬أي توركمان ستان و أوزبك ستان‬
‫وطاجاك ستان‪ ،‬إ ضافة إ لى أفغان ستان وترك يا وال عراق و سورية ولب نان‪،‬‬
‫وإ سرائيل )يق صد المؤ لف فل سطين ‪ ....‬ال مترجم(‪ .‬و بالرغم من أن‬
‫الطمو حات الجيوبوليت ية الراه نة ليران هي أ ضيق من طمو حات ترك يا‪ ،‬إذ‬
‫ت شير ب صورة رئي سية إ لى أذربي جان وأفغان ستان ف قط‪ ،‬فإن كل ال سكان‬
‫الم سلمين في المنط قة‪ ،‬حتى ضمن روسيا ذات ها هم هدف الهت مام ا لديني‬
‫ا ليراني‪ .‬و في الوا قع‪ ،‬فإن إح ياء ال سلم في آ سيا الو سطى أ صبح جزءا‬
‫عضويا @ من طموحات الحكام الحاليين ليران ‪.‬‬
‫إن الهتما مات التناف سية لرو سيا وترك يا وإ يران ممث لة ع لى الخري طة‪:‬‬
‫ففي حالة الندفاع الجيوبوليتي لروسيا نرى السهمين الموجهين مباشرة إلى‬
‫جنوب أذربيجان وكازاخستان‪ ،‬وفي حالة تركيا نرى سهما @ واحدا @ موجها @ نحو‬
‫الشرق عبر أذربيجان وبحر قزوين في آسيا الوسطى وفي حالة إيران نرى‬
‫سهمين م سددين إ لى ال شمال في أذربي جان وإ لى ال شمال ال شرقي في‬
‫توركمان ستان وأفغان ستان وطاجاك ستان‪ .‬وأن هذه ال سهم لي ست مائ لة‬
‫فقط‪ ،‬بل يمكن أن تتقاطع أيضا‪.‬‬
‫المنطقة الثنية اللغوية التوركية‬

‫‪140‬‬
‫‪1‬ـ روسيا ‪2‬ـ البحر السود ‪3‬ـ بحر قزوين ‪4‬ـ تركيا ‪5‬ـ إيران‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫و في هذه المرح لة‪ ،‬فإن دور ال صين م حدود جدا @ وأ هدافها أ قل و ضوحا@‪.‬‬
‫وهي تبرر ذلك في أنها تفضل مواجهة مجموعة من دول مستقلة نسبيا @ في‬
‫ال غرب ع لى مواج هة إمبراطور ية رو سية‪ .‬ف في ال حد ا لدنى ت خدم ا لدول‬
‫الجد يدة بو صفها مخف فات صدمة‪ ،‬ول كن ال صين قل قة أي ضا من أن أقليات ها‬
‫التوركية في مقاطعة كسينجيانغ يمكنها أن تنظر إلى الدول المستقلة حديثا‬
‫في آسيا الوسطى بوصفها مثال جذابا يحتذى به‪ .‬ولهذا السبب‪ ،‬فقد سعت‬
‫ال صين إ لى ضمانات من كازاخ ستان بأن ن شاط القل ية عبر ال حدود سوف‬
‫يقمع‪ .‬وفي المدى الطويل‪ ،‬فإن مصادر الطاقة في المنطقة ستكون موضع‬
‫اهتمام خاص من قبل بكين‪ ،‬كما أن الوصول المباشر إلى هذه المصادر غير‬
‫الخا ضعة ل سيطرة مو سكو ي جب أن ي كون هدفا @ رئي سا @ لل صين‪ .‬وه كذا‪ ،‬فإن‬
‫الهتمام الجيوبوليتي الشامل للصين يميل إلى التصادم مع سعي روسيا إلى‬
‫دور حاسم وهو مكمل للطموحات التركية و اليرانية ‪.‬‬
‫وبالن سبة إ لى أوكران يا‪ ،‬فإن ق ضاياها الرئي سة هي ال طابع الم ستقبلي‬
‫لراب طة ا لدول الم ستقلة والو صول ال سهل إ لى م صادر الطا قة‪ ،‬ا لمر ا لذي‬
‫سيقلل اعتمادها‪ ،‬أي أوكرانيا‪ ،‬على روسيا‪ .‬وفي هذا الخصوص فإن علقات‬
‫أو ثق لوكران يا ب كل من أذربي جان وتركمان ستان‪ ،‬وأوزبك ستان أ صبحت ها مة‬
‫لكي يف )عا صمة أوكران يا(‪ ،‬عل ما أن ا لدعم ا لوكراني ل لدول ا لكثر ا ستقلل‬
‫في التفك ير هو ام تداد لج هود أوكران يا الهاد فة إ لى تعز يز ا ستقللها عن‬
‫مو سكو‪ .‬وبال تالي ن جد أن أوكران يا كانت ول تزال تدعم ج هود جورج يا ل كي‬
‫تصبح الطريق الغربي لصادرات النفط الذري‪ .‬وقد تعاونت أوكرانيا أيضا @ مع‬
‫تركيا لكي تضعف النفوذ الروسي في البحر السود ودعمت الجهود التركية‬
‫الهادفة إلى توجيه تدفق النفط من آسيا الوسطى إلى الموانئ التركية ‪.‬‬
‫إن تورط الباك ستان واله ند ل يزال بع يدا @ جدا@‪ ،‬ول كن أ يا @ من هاتين‬
‫ا لدولتين ل يظ هر عدم م بالة إزاء ما يم كن أن ي حدث في دول البل قان‬
‫الورا سية الجد يدة‪ .‬فبالن سبة إ لى الباك ستان‪ ،‬ن جد أن الهت مام الرئي سي هو‬
‫كسب عمق جيواستراتيجي عبر النفوذ السياسي في أفغانستان‪ ،‬ومنع إيران‬
‫من ممار سة م ثل هذا الن فوذ في أفغان ستان وطاجاك ستان وال ستفادة في‬
‫نها ية الم طاف من ب ناء أي خط أ نابيب نف طي ير بط آ سيا الو سطى بالبحر‬
‫العر بي‪ .‬أ ما اله ند‪ ،‬و في رد فعل ها ع لى الباك ستان ورب ما ب سبب اهتمام ها‬
‫بالنفوذ الطويل المد للصين في المنطقة‪ ،‬فإنها تنظر على نحو أكثر إيجابية‬

‫‪141‬‬
‫إ لى الن فوذ ا ليراني في أفغان ستان وإ لى و جود رو سي أ كبر في الرا ضي‬
‫ال سوفييتية ال سابقة‪ .‬و بالرغم من ب عد الول يات المت حدة‪ ،‬و مع رهان ها ع لى‬
‫صيانة التعدد ية الجيوبوليت ية في أورا سيا ما ب عد ال سوفييتية‪ ،‬ف هي ت بدو في‬
‫الخلف ية كل عب م هم ذي أهم ية متزا يدة‪ ،‬وإن ب شكل غ ير مبا شر‪ ،‬عل ما @ بأن‬
‫هذا اللعب ليس مهما @ بتطوير مصادر المنطقة فحسب‪ ،‬بل وفي منع روسيا‬
‫من ال ستئثار في ال سيطرة ع لى الم جال الجيوبول يتي ل هذه المنط قة أي ضا‪.‬‬
‫وإذ تفعل أميركا ذلك فهي ل تتابع أهدافها الجيواستراتيجية الوراسية الكبرى‬
‫فحسب‪ ،‬بل تمثل أيضا @ مصلحتها القتصادية المتنامية إضافة لمصلحة أوروبا‬
‫والشرق القصى في كسب أو تأمين وصول غير محدود إلى هذه المنطقة‬
‫التي كانت مغلقة حتى الن‪ .‬وهكذا ففي الرهان في هذه المشكلة المحيرة‪،‬‬
‫تو جد قوة جيوبوليتية‪ ،‬ووصول إلى ثروة كبيرة كامنة‪ ،‬وإنجاز لمهام قومية‪،‬‬
‫أو دين ية‪ ،‬وأ من‪ .‬ومه ما ي كن ا لمر فإن ا لتركيز في هذا ال صراع هو ع لى‬
‫الو صول‪ .‬ف حتى انه يار الت حاد ال سوفييتي‪ ،‬كان الو صول إ لى هذه المنط قة‬
‫ح كرا @ ع لى مو سكو‪ .‬ف كل خ طوط ال سكك الحديد ية وأ نابيب ن قل ال غاز‬
‫والنفط‪ ،‬وحتى السفر جوا@‪ ،‬كانت توجه أو تقاد عبر المركز‪ .‬وبطبيعة الحال‬
‫فإن الجيوبول يتيين ا لروس يف ضلون أن تب قى كذلك‪ ،‬ماداموا يعر فون ان أي‬
‫طرف ي سيطر ويتح كم بالو صول إ لى المنط قة هو ال طرف ا لذي يحت مل أن‬
‫يربح الجائزة الجيوبوليتية والقتصادية ‪.‬‬
‫إن هذا العت بار هو ا لذي ج عل ق ضية أ نابيب الن فط مركز ية وها مة جدا‬
‫لم ستقبل حوض ب حر قزو ين وآ سيا الو سطى‪ .‬فإذا ا ستمرت خ طوط الن فط‬
‫الرئي سية إ لى المنط قة في ال مرور عبر أرا ضي رو سية إ لى م خرج رو سي‬
‫ع لى الب حر ال سود في نوفوراسي سك‪ ،‬ف سوف تج عل الن تائج السيا سية ل هذا‬
‫ال شرط ا لخرين ي شعرون ب ها‪ ،‬حتى بدون أن تل عب ال قوى الرو سية‬
‫المك شوفة أي لع بة‪ .‬و ستبقى المنط قة غ ير م ستقرة سيا سيا@‪ ،‬مع كون‬
‫موسكو في موقع قوى تقرر منه كيف يتم تقاسم الثروة الجديدة للمنطقة‪.‬‬
‫وفي المقابل‪ ،‬فإذا عبر خط نفطي آخر بحر قزوين إلى أذربيجان‪ ،‬وثم إلى‬
‫الب حر المتو سط عبر ترك يا‪ ،‬وذ هب خط آ خر إ لى الب حر العر بي عبر‬
‫أفغان ستان ف لن ت كن قوة وا حدة ح كرا @ ع لى الو صول‪ .‬إن الحقي قة المقل قة‬
‫هي أن ب عض العنا صر في النخ بة السيا سية الرو سية تت صرف ك ما لو أن ها‬
‫تفضل أل تطور أبدا @ مصادر المنطقة إذا لم تملك روسيا سيطرة كاملة على‬
‫الوصول‪ .‬فلتبق الثروة غير مستثمرة إذا كان البديل هو أن توظيف الموال‬
‫الجنب ية سوف يؤدي إ لى و جود مبا شر أ كثر ات ساعا @ للم صالح القت صادية‬
‫الجنب ية‪ ،‬وبال تالي للم صالح السيا سية الجنب ية أي ضا‪ .‬وعمو ما @ فإن مو قف‬

‫‪142‬‬
‫التم لك هذا مت جذر في التار يخ‪ ،‬و سوف يح تاج ا لمر إ لى و قت و ضغوط‬
‫خارجية حتى يمكن تغييره‪.‬‬
‫إن التو سع القي صري إ لى القو قاز‪ ،‬وآ سيا الو سطى‪ ،‬حدث خلل فترة‬
‫زمن ية ام تدت ن حو ‪ 300‬سنة‪ ،‬ول كن انت هاء هذا التو سع ا لذي تم مؤخرا @ كان‬
‫م فاجئا @ ع لى ن حو مروع‪ .‬فع ندما تراج عت حيو ية المبراطور ية العثمان ية‪،‬‬
‫ا ندفعت المبراطور ية الرو سية إ لى الج نوب‪ ،‬ع لى ام تداد شواطئ ب حر‬
‫قزو ين بات جاه بلد فارس "إ يران" فاحتلت خا نات ا ستراخان عام ‪ ،1556‬ثم‬
‫وصلت بلد الفرس عام ‪ .1607‬واستولت على القرم في الفترة ‪،1784-1774‬‬
‫ثم احت لت ممل كة جورج يا عام ‪ 1801‬وق هرت الق بائل المنت شرة في سل سلة‬
‫ج بال القو قاز )لق يت مقاو مة عن يدة من ق بل التشي شانيين و حدهم( في‬
‫الن صف ال ثاني من ال قرن التا سع ع شر ثم أكم لت احتلل أرمين يا في ال عام‬
‫‪. 1878‬‬
‫كان احتلل آ سيا الو سطى م سألة تتع لق بالتغلب ع لى إمبراطور ية‬
‫منافسة أكثر مما هو إخضاع‪ ،‬بصورة رئيسة‪ ،‬لخانات )جمع خانة وهي منطقة‬
‫يحكم ها ال خان‪-‬ك ما يح كم ا لمير ال مارات ‪ -‬ال مترجم( وإ مارات قادرة ع لى‬
‫إظ هار مقاو مة مؤق تة ومعزو لة ف قط‪ .‬و قد احت لت أوزبك ستان وكاراخ ستان‬
‫عبر سلسلة من الحملت العسكرية في فترة العوام ما بين ‪ 1881-1801‬مع‬
‫اقتحام نوركمانستان وإشراكها في حملت استمرت من عام ‪ 1873‬إلى عام‬
‫‪ .1886‬ومه ما ي كن من أ مر‪ ،‬ف في ال عام ‪ 1850‬اك مل ب صورة رئي سة ال ستيلء‬
‫على معظم آسيا الوسطى‪ ،‬بالرغم من أنه حدثت فترات دورية مؤقتة من‬
‫المقاومة المحلية حتى في أثناء المرحلة السوفييتية‪.‬‬
‫أدى انه يار الت حاد ال سوفييتي إ لى ترا جع تاريخي درا مي‪ .‬فخلل أ سابيع‬
‫قليلة فقط من شهر كانون الول عام ‪ 1991‬تقلصت مساحة روسيا السيوية‬
‫بن جو ‪ 20‬في المئة‪ ،‬وانخ فض عدد ال سكان ا لذين ت سيطر علي هم رو سيا في‬
‫آ سيا من ‪ 75‬مليو نا @ إ لى ن حو ثلث ين مل يون ف قط‪ .‬وف ضل @ عن ذ لك‪ ،‬فث مة ‪18‬‬
‫مل يون قاطن في القو قاز ف صلوا أي ضا @ عن رو سيا‪ .‬ول عل ما ج عل هذه‬
‫التراج عات أ كثر إيل ما @ للنخ بة السيا سية الرو سية هو إدراك ها أن ال قدرة‬
‫القت صادية ل هذه الم ناطق أ صبحت ا لن موج هة من ق بل م صالح أجنب ية‬
‫وبوسائل مالية معدة للتوظيف في التطوير‪ ،‬والستثمار للموارد التي كانت‬
‫حتى وقت قريب تحت تصرف روسيا أو متاحة لها وحدها‪.‬‬

‫‪143‬‬
‫و مع ذ لك فإن رو سيا تواجه مأز قا @ هو أن ها ضعيفة جدا @ من الناح ية‬
‫السياسية ول تستطيع أن تغلق المنطقة كليا @ على الخارج‪ ،‬وفقيرة جدا @ من‬
‫الناح ية المال ية ول ت ستطيع أن ت طور هذه المنط قة بإمكانات ها ف قط‪ .‬وف ضل‬
‫عن ذ لك‪ ،‬ف قد تأ كد ال قادة ا لروس ذوي الحسا سية الدقي قة أن النف جار‬
‫ا لديمغرافي )ال سكاني( في ا لدول الجد يدة يع ني ان ف شلهم في المحاف ظة‬
‫ع لى الن مو القت صادي سوف يخ لق في نها ية الم طاف و ضعا @ متف جرا @ ع لى‬
‫ام تداد كل ال حدود الجنوب ية لرو سيا‪ .‬ويم كن لتجر بة رو سيا في أفغان ستان‬
‫وتشي شينيا أن تت كرر ع لى ام تداد كل خط ال حدود ا لذي ي صل ب ين الب حر‬
‫ال سود ومنغول يا‪ ،‬خا صة مع ال خذ في العت بار النب عاث ال ثوري ال قومي‬
‫والسلمي الذي يحدث الن بين الشعوب التي كانت تخضع للحكم الروسي‬
‫سابقا‪ .‬وه كذا ي جب ع لى رو سيا أن ت جد طري قة ما للتك يف مع الوا قع ب عد‬
‫المبريالي الجديد‪ ،‬بينما تسعى إلى احتواء الوجودين التركي واليراني‪ ،‬وإلى‬
‫م نع ان جذاب ا لدول الجد يدة إ لى مناف سيها الرئي سيين‪ ،‬وإ لى عدم ت شجيع‬
‫تشكيل تعاون إقليمي مستقل فعل @ في آسيا الوسطى‪ ،‬وإلى الحد من النفوذ‬
‫الجيوبوليتي المريكي في العواصم التي استعادت سيادتها‪ .‬ولم تعد القضية‬
‫تتع لق با ستعادة الن ظام المبر يالي‪ ،‬ا لتي ستكون مكل فة جدا @ و سوف ت قاوم‬
‫بشراسة‪ ،‬ولكنها تنطوي‪ ،‬عوضا @ عن ذلك على خلق شبكة من العلقات التي‬
‫ستقيد ا لدول الجد يدة وت حافظ ع لى الو ضع الرو سي الم سيطر جيوبوليت يا‬
‫واقتصاديا‪.‬‬
‫إن ا لدارة المخ تارة لن جاز هذه المه مة كانت ب صورة رئي سة‪ ،‬راب طة‬
‫الدول المستقلة‪ ،‬بالرغم من الستعمال‪ ،‬في بعض الماكن للقوة العسكرية‬
‫الروسية‪ ،‬كما أن الستخدام الماهر للدبلوماسية الروسية المعروفة بـ"قسم‬
‫واحكم" خدم مصالح الكرملين أيضا@‪ ،‬واستخدمت موسكو نفوذها أيضا @ لكي‬
‫تح صل من ا لدول الجد يدة ع لى أق صى در جة من التق يد برؤيت ها أو وج هة‬
‫نظر ها عن "راب طة ا لدول " المتكاملة على نحو متزا يد‪ ،‬و ضغطت من أ جل‬
‫نظام سيطرة موجه مركزيا على الحدود الخارجية لرابطة الدول المباشرة‪،‬‬
‫و من أ جل تكا مل ع سكري أو ثق ضمن إ طار ع مل السيا سة الخارج ية‬
‫الم شتركة! و من أ جل تو سيع ل حق ل شبكة خ طوط أ نابيب الن فط ) كانت‬
‫السوفييتية أصل( لكي تشمل أي خطوط جديدة يمكن أن تمد خارج روسيا‪.‬‬
‫وعمو ما@‪ ،‬فإن التحليلت السيا سية أو ضحت أن مو سكو تن ظر إ لى المنط قة‬

‫‪144‬‬
‫بوصفها مجالها الجيوبوليتي الخاص‪ ،‬حتى بالرغم من أنها لم تعد جزءا @ مكمل‬
‫لمبراطوريتها ‪.‬‬
‫ثمة مؤشر إلى نيات جيوبوليتية روسية يظهر في أجزاء الكرملين على‬
‫إب قاء و جود ع سكري رو سي في أرا ضي ا لدول الجد يدة‪ .‬و قد ا ستفادت‬
‫مو سكو من الحر كة النف صالية البخار ية لتح صل ع لى ح قوق تو ضع لقوات ها‬
‫في جورجيا‪ ،‬كما أضفت الشرعية على وجودها العسكري في أراضي أرمينيا‬
‫با ستغلل حاجت ها إ لى ا لدعم في ال حرب ضد أذربي جان‪ ،‬وا ستخدمت ضغطا‬
‫سياسيا @ وماليا @ لكي تحصل على موافقة كازاخستان على القواعد الروسية‪،‬‬
‫وبالضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن الحرب الهلية في طاجاكستان مكنت من استمرار‬
‫وجود الجيش السوفييتي فيها‪.‬‬
‫ا ستمرت مو سكو من خلل تحد يد سيا ستها‪ ،‬في التو قع الوا ضح بأن‬
‫شبكة علقاتها بعد العهد المبريالي بآسيا الوسطى سوف تقوي نسيج سيادة‬
‫وعلقة الدول الجديدة الضعيفة على المستوى الفردي )الحادي(‪ ،‬وأن هذه‬
‫ال شبكة سوف ت ضع هذه ا لدول في مو قع تبع ية أو إل حاق بالمركز الق يادي‬
‫لرابطة الدول المستقلة "المتكاملة "أو المدمجة‪ .‬و لنجاز هذا الهدف‪ ،‬فإن‬
‫رو سيا لم ت شجع ا لدول الجد يدة ع لى خ لق )ت شكيل( جيو شها المنف صلة‬
‫الخا صة ب ها‪ ،‬وع لى تعز يز ا ستخدام صفاتها ال صلية المم يزة )ا لتي ت ستبدل‬
‫في ها بالتدر يج البجد ية ال سلفية بالبجد ية اللتين ية(‪ ،‬وع لى تنم ية ارتبا طات‬
‫وثي قة بال جانب‪ ،‬وع لى ت طوير ) مد( خ طوط أ نابيب نفط ية جد يدة ت صل‬
‫مبا شرة إ لى البحر ين العر بي والمتو سط وإذا نج حت هذه السيا سة‪ ،‬فإن‬
‫روسيا تستطيع أن تسيطر على علقاتها الجنبية وتقرر مشاطرة أو تقاسم‬
‫العائدات ‪.‬‬
‫و في متاب عة هذا ال هدف فإن ال ناطقين با سم الهيئات الرو سية الر سمية‬
‫يست شهدون غال با@‪ ،‬ك ما رأي نا في الف صل الرا بع‪ ،‬بالت حاد ا لوروبي ا لذي‬
‫يع تبرونه م ثال @ على ذ لك‪ .‬و في الحقي قة‪ ،‬فإن السيا سة الرو سية عمو ما @ إزاء‬
‫دول آ سيا الو سطى والقو قاز تذكرنا بدول المجت مع ا لفريقي الفرانك فوني‬
‫)الناط قة بالل غة الفرن سية(‪ ،‬ح يث ت قرر الو حدات الع سكرية الفرن سية‬
‫والم ساعدات المقد مة من فرن سا إ لى ميزان يات هذه ا لدول و فق سلوكها‬
‫وسيا ستها في ال فترة ما ب عد ال ستعمارية‪ .‬وبين ما ن جد أن ا ستعادة أق صى‬
‫در جة ممك نة من الن فوذ السيا سي والقت صادي الرو سي في المنط قة هو‬
‫الهدف العام‪ ،‬وإن تعزيز رابطة الدول المستقلة هي اللية الرئيسة لتحقيق‬
‫هذا الهدف‪ .‬ونجد أيضا @ أن الهداف الجيوبوليتية الرئيسية لموسكو في عملية‬

‫‪145‬‬
‫الل حاق السيا سية ت بدو مر كزة ع لى دو لتي أذربي جان وكازاخ ستان‪ .‬ول كي‬
‫ي كون اله جوم الم عاكس السيا سي لمو سكو ناج حا @ ي جب علي ها أن تغ لق‬
‫الو صول إ لى المنط قة‪ ،‬ول كن ي جب أي ضا @ في ا لوقت ذا ته أن ت خترق درع ها‬
‫الجغرافي ‪.‬‬
‫وبالنسبة إلى روسيا‪ ،‬فقد كانت ول تزال أذربيجان هدفا @ مفضل@‪ .‬فإلحاقها‬
‫سوف ي ساعد في ف صل أو ق طع آ سيا الو سطى عن ال غرب‪ ،‬وخا صة عن‬
‫ترك يا‪ ،‬م ما يز يد ع ندئذ‪ ،‬ن فوذ رو سيا مقا بل أوزبك ستان وتركمان ستان‬
‫المتمردتين عليها والرافضتين لي تحكيم من هذا القبيل‪ .‬ولذا فإن التعاون‬
‫الت كتيكي مع إ يران في ما يتع لق بت لك الق ضايا ال مثيرة لل جدل م ثل كيف ية‬
‫تق سيم الت نازلت المتعل قة بالحفر في قاع ب حر قزو ين ي خدم ال هدف ال عام‬
‫المتم ثل في إج بار باكو ع لى التك يف مع رغ بات مو سكو‪ .‬و كذلك‪ ،‬فإن‬
‫أذربي جان الخا ضعة لمو سكو سوف ت سهل أي ضا @ تعز يز المو قع الرو سي‬
‫المسيطر في كل من جورجيا وأرمينيا ‪.‬‬

‫إن كازاخ ستان تع تبر هدفا @ رئي سا @ مغر يا @ ب شكل خاص أي ضا @ لن عدم‬
‫مناعتها التنية تجعل من المستحيل على حكومة كازاخستان أن تتغلب على‬
‫المواجهة المكشوفة مع موسكو‪ ،‬وتستطيع موسكو أن تستغل أيضا @ مخاوف‬
‫الكازاخستانيين من دينامية الصين المتنامية‪ ،‬ناهيك عن احتمال تنامي أشياء‬
‫هؤلء الكازاخ ستانيين من إ ضفاء ال طابع ال صيني ع لى مقاط عة ك سينجيانغ‬
‫الم جاورة في ال صين‪ .‬و سيكون الل حاق ال تدريجي لكازاخ ستان تأثير‬
‫جيوبول يتي يتم ثل بال جذب التو ماتيكي تقري با لقيرغيز يا وطاجاك ستان إ لى‬
‫م جال سيطرة مو سكو‪ ،‬بين ما ي تم أي ضا @ ت عرض كل @ من أوزبك ستان‬
‫وتوركمانستان إلى مزيد من الضغط الروسي المباشر ‪.‬‬

‫ومه ما يكن من أ مر‪ ،‬فإن ال ستراتيجية الرو سية ت سير في عكس اتجاه‬
‫طموحات كل الدول الموجودة في آسيا الوسطى تقريبا@‪ ،‬وإن النخب )جمع‬
‫نخ بة( السيا سة في هذه ا لدول لن ت سلم طو عا ال قوة والمت يازات ا لتي‬
‫اكت سبتها بنتي جة ال ستقلل‪ .‬وإذ يتخ لى ا لروس المحل يون بالتدر يج عن‬
‫مواقعهم المتم يزة سابقا@‪ ،‬فإن الن خب الجد يدة تزداد اهتما ما @ بال غا @ في‬
‫السيادة‪ ،‬التي هي عمليا @ دينامية‪ ،‬ومعدية )ناقة للعدوى( اجتماعيا@‪ .‬وبالضافة‬
‫إلى ذلك‪ ،‬فإن السكان الذين كانوا سلبيين سياسيا @ في يوم ما يصبحون الن‬
‫أكثر قومية‪ ،‬خارج جورجيا وأرمينيا‪ ،‬وأكثر إحساسا @ أيضا @ بهويتهم السلمية ‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫أ ما في ما يتع لق بال شؤون الخارج ية‪ ،‬فإن كل ا لدولتين جورج يا وأرمين يا‬
‫)و بالرغم من اعت ماد ا لخيرة ع لى ا لدعم الرو سي في حرب ها مع أذربي جان(‬
‫سوف تودان أن تصبحا بالتدريج على علقة أقوى بأوروبا‪ .‬وكذلك فإن دول‬
‫آسيا الوسطى الغنية بالموارد‪ ،‬بالضافة إلى أن أذربيجان‪ ،‬سوف تود أن تزيد‬
‫إ لى اق صى حد ع لى أرا ضيها من الو جود القت صادي المتم ثل برأس ال مال‬
‫ا لوروبي واليا باني‪ ،‬و مؤخرا ال كوري‪ ،‬آم لة بذلك أن ت سرع إ لى حد كبير‬
‫تطورها القتصادي‪ ،‬وتعزز استقللها‪ .‬ولذا‪ ،‬فهي ترحب أيضا بزيادة دور تركيا‬
‫وإ يران ح يث ترى في هاتين ا لدولتين قوة مواز نة لل قوى الرو سية وج سرا‬
‫إلى العالم السلمي الكبير في الجنوب ‪.‬‬
‫وه كذا لم تر فض أذربي جان‪ ،‬بت شجيع من كل ا لدولتين ترك يا وأمير كا‪،‬‬
‫الطل بات الرو سية من أ جل إقا مة قوا عد ع سكرية فح سب‪ ،‬بل ت حدت أي ضا‬
‫الطلبات الروسية من أجل تمديد خط أنابيب نفطي واحد إلى مرفأ روسيي‬
‫على البحر السود‪ ،‬مختارة‪ ،‬عوضا @ عن ذلك‪ ،‬حل @ مزدوجا @ يشمل خط أنابيب‬
‫ثانيا @ عبر جورجيا إ لى تركيا‪) .‬ثمة خط أ نابيب نحو الجنوب عبر إيران يمول‬
‫من قبل شركة أميركية كان ل بد من التخلي عنه ب سبب المقاطعة المالية‬
‫الميرك ية لل صفقات مع إ يران(‪ .‬و في ال عام ‪ 1995‬وو سط كثير من التب جح‬
‫افت تح خط حد يدي ير بط ب ين توركمان ستان وإ يران م ما م كن أورو با من‬
‫المتاجرة مع آسيا الوسطى عبر خط حديدي متجنبة روسيا كلها‪ .‬وقد وجدت‬
‫لم سة من ا لدراما الرمز ية في إ عادة الفت تاح هذه لطر يق الحر ير ال قديم‪،‬‬
‫حيث لم تعد روسيا قادرة على فصل أوروبا عن آسيا‪.‬‬
‫أ صبحت أوزبك ستان أي ضا @ حاز مة ع لى ن حو متزا يد في معار ضتا لج هود‬
‫روسيا الهادفة إلى "التكامل"‪ .‬وقد أعلن وزير خارجيتها بصراحة في آب عام‬
‫‪ 1996‬أن أوزبك ستان ت عارض خ لق مؤس سات متخط ية لل حدود القوم ية في‬
‫راب طة ا لدول الم ستقلة‪ ،‬ح يث يم كن‪ ،‬ا ستخدامها بو صفها أدوات لل سيطرة‬
‫المركز ية‪ .‬و قد أ ثار موقفه ذو ال طابع ال قومي ال قوي ا ستنكار ال صحافة‬
‫الرو سية ‪":‬ث مة توجه مت شدد مؤ يد لل غرب في القت صاد‪ ،‬كالطعن القا سي‬
‫بمعا هدات التكا مل الملئ مة جدا @ ضمن راب طة ا لدول الم ستقلة‪ ،‬والر فض‬
‫الحاسم للنضمام حتى إلى التحاد الجمر كي‪ ،‬والسياسة القومية المبرمجة‬
‫المعاد ية ل لروس حتى ر ياض‪) ،‬ج مع رو ضة( الط فال ا لتي ت ستخدم الل غة‬
‫الرو سية ي تم إغلق ها(‪ ....‬فإن هذا الو ضع جذاب جدا @ بالن سبة إ لى الول يات‬
‫المتحدة التي تمارس في منطقة آسيا سياسة إضعاف روسيا‪.((1‬‬

‫زافترا ‪) 28‬حزيران ‪(1996‬‬ ‫)‪(1‬‬

‫‪147‬‬
‫وحتى كازاخستان أصبحت تفضل‪ ،‬في رد فعلها على الضغوط الروسية‪،‬‬
‫طريقا @ ثانيا @ غير روسي لتدفق نفطها‪ .‬وقد عب„ر ذلك أومر سيريك كازينوف‪،‬‬
‫مستشار الرئيس الكازاخستاني‪ ،‬بقوله‪:‬‬
‫ثمة حقيقة هي أن تفتيش كازاخستان عن خطوط نفطية بديلة‪ ،‬جاء ردا‬
‫على تصرفات روسيا التي شملت الحد من الشحن بحرا @ لنفط كازاخستان‬
‫إ لى نوفوراسي سك ولن فط ت يومين إ لى م صفاة بافلودار‪ .‬وإن ج هود‬
‫توركمنستان الهادفة إلى إقامة خط أنابيب لنقل الغاز إلى إيران تعزى في‬
‫جزء من ها إ لى الحقي قة المتمث لة في أن دول راب طة ا لدول الم ستقلة تدفع‬
‫‪ %60‬ف قط من ال سعر ال عالمي أو ل تدفع شيئا @‪ ((1‬إن توركمان ستان‪ ،‬ولن فس‬
‫ال سبب‪ ،‬كانت ول تزال تكت شف آ فاق إقا مة خط أ نابيب نف طي عبر‬
‫أفغان ستان والباك ستان إ لى الب حر العر بي‪ ،‬بال ضافة إ لى ب ناء ف عال لخ طوط‬
‫حديد ية جد يدة تربط ها بكازاخ ستان وأوزبك ستان في ال شمال و بإيران‬
‫وأفغان ستان في الج نوب‪ .‬و قد دارت محاد ثات تمهيد ية واستك شافية ب ين‬
‫الكازاخستانيين‪ ،‬والصينيين‪ ،‬واليابانيين في شأن مشروع خط أنابيب طموح‬
‫يمتد من آسيا الوسطى إلى بحر الصين ‪.‬‬
‫وه كذا‪ ،‬ف مع و جود التزا مات غرب ية طوي لة ال مد عن توظ يف أ موال في‬
‫الغاز والنفط تصل في أذربيجان إلى نحو ‪13‬مليار دولر وفي كازاخستان إلى‬
‫ما يز يد على ‪ 20‬مليار دولر )أرقام عام ‪ ،(1996‬ونجد أن الطرف أن طوق‬
‫العز لة القت صادية والسيا سية ل هذه المنط قة ينك سر في و جه ال ضغوط‬
‫القتصادية العالمية والخيارات المالية الروسية المحدودة ‪.‬‬
‫كان لل خوف من رو سيا تأثير في د فع دول آ سيا الو سطى إ لى ت عاون‬
‫إقلي مي أ كبر مدى‪ .‬فالت حاد القت صادي في آ سيا الو سطى ا لذي شكل في‬
‫كانون ال ثاني ‪ ،1993‬و عانى في البدا ية من الر كود ‪ ،‬لم يل بث أن ا ستعاد‬
‫نشاطه وفعاليته بالتدريج ‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ خطوط أنابيب تصدير النفط الممتدة إلى بحر قزوين والبحر البيض‬
‫المتوسط‬
‫‪2‬ـ الطرق المأخوذة في العتبار أو التي هي قيد النشاء‬
‫‪ 3‬ـ البحر العربي ‪ -4‬الهند ‪ -5‬الباكستان ‪ -‬خط أنابيب أتو كال ‪ -6‬نيبال ‪-7‬‬
‫ال صين ‪ -8‬أفغان ستان ‪ -9‬كابول ‪ -10‬طاجاك ستان ‪ -11‬دو شانبية ‪ -12‬قيرغيز يا‬
‫‪ -13‬ب خارى ‪ -14‬ألماآ تا ‪ -15‬ط شقند ‪ -16‬أوزباك ستان ‪ -17‬شاردذو ‪-18‬‬

‫)‪ " (1‬ماذا تر يد رو سيا في منط قة عبر القو قاز وآ سيا الو سطى" "المج لة الم ستقلة"‬
‫‪24‬كانون الثاني ‪.1995،‬‬

‫‪148‬‬
‫اشغابات ‪ -19‬توركمانستان ‪ -20‬بحر قزوين ‪ -21‬إيران ‪ -22‬خط أنابيب إيراني‬
‫عراقي ‪ -23‬طهران ‪ -24‬العراق ‪ -25‬المملكة العربية السعودية ‪ -26‬مصر ‪-27‬‬
‫كيهان ‪ -32‬تركيا ‪ -33‬انقرة‬ ‫إسرائيل ‪ -28‬لبنان ‪ -29‬بغداد ‪ -30‬سوريا ‪-31‬‬
‫‪ -34‬استنبول ‪ -35‬البحر السود ‪ -36‬البوسفور ‪ -37‬أذربيجان ‪ -38‬خط أنابيب‬
‫أزري ‪ -39‬أذربي جان ‪ -40‬ب حر قزو ين ‪ -41‬خط أ نابيب تشي شينيا ‪ -42‬خط‬
‫أ نابيب نوفاراسي سك ‪ -43‬أوكران يا ‪ -44‬بيلرو سيا ‪ -45‬رو سيا ‪ -46‬ح قل ن فط‬
‫‪ -49‬ه يران ‪ -50‬ا لردن ‪-51‬‬ ‫تنغ يز ‪ -47‬كازاخ ستان ‪ -48‬ب حر آرال‬
‫نوفاراسيسك ‪.‬‬
‫و حتى الرئ يس الكازاخ ستاني نور سلطان نازار باييف‪ ،‬كان يدافع في‬
‫البدا ية عن "الت حاد الورا سي" الجد يد‪ ،‬ثم ت حول بالتدر يج إ لى الف كار عن‬
‫إقا مة ت عاون آ سيوي مر كزي أو ثق‪ ،‬وت عاون ع سكري متزا يد ب ين دول‬
‫المنط قة‪ ،‬ود عم لج هود أذربي جان الهاد فة إ لى تمر ير ن فط ب حر قزو ين‬
‫وكازاخ ستان عبر ترك يا‪ ،‬والن ضمام إ لى معار ضة الج هود الرو سية واليران ية‬
‫الهاد فة إ لى م نع التق سيم الق طاعي )ح سب قطا عات أو ن سب معي نة(‬
‫للموارد المعدنية في الجرف القاري لبحر قزوين بين الدول الموجودة على‬
‫سواحله‪.‬‬

‫ومع الخذ في العتبار للحقيقة المتمثلة في أن حكومات المنطقة تميل‬


‫إ لى أن ت كون ذات طابع ا ستبدادي في الح كم‪ ،‬فرب ما يتم ثل ا لمر ا لكثر‬
‫أهمية هنا في ما تم من مصالحات أو تسويات شخصية بين القادة الرئيسين‪.‬‬
‫ف قد كان مألو فا @ ومعرو فا @ للجم يع أن رؤ ساء كازاخ ستان‪ ،‬وأوزبك ستان‬
‫وتوركمان ستان‪ ،‬ما كانوا يح بون أ حدهم ا لخر )و هو ما أ صبح وا ضحا @ تما ما‬
‫ل لزوار ال جانب(‪ ،‬ك ما أن الخ صومات الشخ صية كانت قد سهلت ع لى‬
‫الكرملين أن يجعل احدهم يلعب ضد الخر‪ .‬وفي منتصف أعوام التسعينات‪،‬‬
‫تأ كد ل هؤلء الرؤ ساء الثل ثة أن الت عاون ا لوثق في ما بين هم كان ضروريا‬
‫للمحاف ظة ع لى ما تح قق ل هم من ا ستقلل و سيادة‪ ،‬وبال تالي بدؤوا في‬
‫الن خراط في م شاهد او عروض ذات طابع ج ماهيري حاد يعر بون في ها عن‬
‫عل قات وثي قة ح سب زعم هم‪ ،‬وي شددون ع لى أن هم سيعملون لح قا @ ع لى‬
‫تنسيق سياساتهم الخارجية ‪.‬‬

‫ول كن ا لمر ا لكثر أهم ية ل يزال متمثل @ في ظ هور ائتلف غ ير ر سمي‬


‫ضمن راب طة ا لدول الم ستقلة ت قوده أوكران يا وأوزبك ستان‪ ،‬وتمل يه ف كرة‬

‫‪149‬‬
‫راب طة ا لدول "المتعاو نة" و "وغ ير المتكام لة"‪ .‬و لذا‪ ،‬فإن أوكران يا وق عت‬
‫اتفاق يات عن الت عاون الع سكري مع أوزبك ستان‪ ،‬وتوركمن ستان‪ ،‬وجورج يا؛‬
‫وفي أيلول من العام ‪ ،1996‬انخرط وزير خارجية اوكرانيا‪ ،‬وأوزبكستان حتى‬
‫في الع مل الر مزي جدا @ ا لذي تم ثل في إ صدار ب يان يطل بان ف يه بأل تنع قد‬
‫مؤتمرات ق مة راب طة ا لدول الم ستقلة برئا سة الرئ يس الرو سي ح صرا@‪،‬‬
‫وبالتالي يجب أن تكون هذه الرئاسة دورية ‪.‬‬

‫كان للمثل أو السابقة التي وضعتها أوكرانيا وأوزبكستان تأثير حتى على‬
‫ال قادة ا لذين كانوا أ كثر احترا ما @ للهتما مات المركز ية لمو سكو‪ .‬ول بد ان‬
‫الكرمل ين كان منزع جا @ ب شكل خاص إذ سمع كل من رئ يس كازاخ ستان نور‬
‫سلطان نازار باييف ورئ يس جورج يا إدوارد شيفاردنادزة يعل نان في أي لول‬
‫‪ 1996‬أنهما سوف يتركان رابطة الدول المستقلة "إذا تهدد استقلل بلديهما‪.‬‬
‫وعمو ما@‪ ،‬و في مواج هة سلبية لراب طة ا لدول الم ستقلة‪ ،‬ن جد أن دول آ سيا‬
‫الوسطى‪ ،‬وأذربيجان‪ ،‬رفعت مستوى نشاطها في منظمة التعاون القتصادي‬
‫ا لتي هي تجم يع آ خر أ قل تما سكا @ ن سبيا @ ل لدول ال سلمية في المنط قة‪ ،‬ب ما‬
‫في ها ترك يا‪ ،‬وإ يران‪ ،‬والباك ستان‪ ،‬وم عدة لتعز يز الروا بط المال ية والقت صادية‬
‫والنقلية ب ين أعضائها‪ .‬و كانت مو سكو قد انت قدت علنا @ هذه المبادرات ح يث‬
‫رأت فيها‪ ،‬وهي محقة تماما @ في ذلك‪ ،‬عامل إضعاف لعضوية الدول المعنية‬
‫في رابطة الدول المستقلة‪.‬‬
‫و في ات جاه مما ثل‪ ،‬كان ث مة تح سن متزا يد في الرتبا طات بترك يا وإ لى‬
‫حد أقل بإيران‪ .‬فالدول الناطقة باللغة التوركية قبلت بتشوق عروض تركيا‬
‫عن ال تدريب الع سكري ل كوادر ال ضباط ا لوطنيين ال جدد‪ ،‬ومخططات ها‬
‫ل ستقبال ن حو ‪ 10‬آلف طالب‪ .‬وه كذا‪ ،‬فإن مؤتمر الق مة الرا بع ل لدول‬
‫الناطقة باللغة التوركية والذي عقد في طشقند في تشرين الول ‪ 1996‬وتم‬
‫التح ضير له بم ساندة ترك يا ر كز كثيرا @ ع لى تح سين ارتبا طات الن قل وز يادة‬
‫الت جارة‪ ،‬و كذلك ع لى الم ستويات الثقاف ية الم شتركة‪ ،‬والت عاون الث قافي مع‬
‫تركيا‪ .‬وكانت كل الدولتين إيران وتركيا ناشطتين بشكل خاص في مساعدة‬
‫ا لدول الجد يدة في البرم جة التلفزيون ية‪ ،‬م ما سيترك تأثيرا @ مبا شرا @ في‬
‫جمهور كبير من المشاهدين‪.‬‬
‫أ ما الحت فال ا لذي أق يم في أل ما آ تا‪ ،‬عا صمة كازاخ ستان‪ ،‬في كانون‬
‫الول ‪ ،1996‬فقد كان يرمز بصورة خاصة إلى ارتباط تركيا عاطفيا @ باستقلل‬
‫دول المنط قة‪ .‬و في منا سبة ا لذكرى الخام سة ل ستقلل كازاخ ستان‪ ،‬و قف‬

‫‪150‬‬
‫الرئيس التركي سليمان ديميريل إلى جانب الرئيس نازارباييف وأماطا اللثام‬
‫عن ع مود مط لي با لذهب يب لغ ارت فاعه ‪ 28‬مترا @ وم توج ب صورة م حارب‬
‫أسطوري كارزاكي‪ -‬توركي يمتطي حيوانا أسطوريا نصفه نسر ونصفه الخر‬
‫أسد‪.‬‬
‫وفي هذه المناسبة حيث كازاخستان تركيا "لوقوفها معها في كل خطوة‬
‫من تطور ها كدو لة م ستقلة"‪ ،‬ورد ا لتراك التح ية بان من حوا كازاخ ستان‬
‫اعت مادا @ م صرفيا @ بقي مة ‪ 300‬مل يون دولر أمير كي‪ .‬إ ضافة للتوظ يف ال مالي‬
‫التركي الخاص الذي بلغ نحو ‪ 1200‬مليون دولر أيضا@‪.‬‬
‫وإذا لم تكن تركيا أو إيران تملكان الوسائل لستبعاد روسيا من ممارسة‬
‫الن فوذ ا لقليمي في هذه المنط قة‪ ،‬فإن ترك يا )وبدر جة أ قل إ يران( عمل تا‬
‫ع لى تعز يز إرادة و قدرة ا لدول الم ستقلة في مقاو مة إ عادة التكا مل مع‬
‫جارتهم ال شمالية‪ ،‬و سيدتهم ال سابقة‪ .‬وإن ذ لك سوف ي ساعد بالتأك يد في‬
‫المحافظة على إبقاء المستقبل الجيوبوليتي للمنطقة مفتوحا‪.‬‬
‫ـــــــــــــــ‬
‫ـــــــــ‬
‫ــــــ‬

‫‪151‬‬
‫لسيادة ول استبعاد‬
‫لسيادة ول استبعاد‬
‫إن ال تأثيرات الجيوا ستراتيجية لمير كا وا ضحة‪ :‬ف هي‪ ،‬أي أمير كا‪ ،‬بع يدة‬
‫جدا @ ل كي ت سيطر في هذا ال جزء من أورا سيا‪ ،‬ولكن ها قو ية جدا @ وبال تالي ل‬
‫يحت مل أل تن خرط في هذا الم كان من ال عالم‪ .‬وإن كل ا لدول في هذه‬
‫المنط قة تن ظر إ لى ال تدخل أو الن خراط ا لميركي باعت باره ضروريا @ لبقائ ها‪.‬‬
‫ورو سيا أ صبحت ضعيفة جدا @ وغ ير قادرة ع لى ا ستعادة سيادتها المبريال ية‬
‫ع لى المنط قة أو ع لى إب عاد ا لخرين من ها‪ ،‬ولكن ها قري بة جدا @ وقو ية جدا‬
‫وبال تالي ل يم كن ا ستبعادها‪ .‬وإن ترك يا وإ يران قوي تان ب ما ف يه الكفا ية‬
‫لممارسة النفوذ‪ ،‬ولكن عدم مناعتهما تستطيع أن تجعل المنطقة غير قادرة‬
‫على التكيف والتعامل مع التحدي القادم من الشمال ومع النزاعات الداخلية‬
‫في المنطقة‪ .‬والصين قوية جدا ولكن ليس لدرجة تخيف معها روسيا ودول‬
‫آ سيا الو سطى‪ ،‬و مع ذ لك فإن وجود ها ذا ته ودي نا ميت ها القت صادية ي سهلن‬
‫على آسيا الوسطى السعي إلى امتداد عالمي أوسع‪.‬‬
‫نستنتج من ذلك أن المصلحة الرئيسة لميركا تكمن في المساعدة لكي‬
‫ت ضمن بأن أي قوة من فردة لن ت سيطر ع لى هذا الم جال الجيوبول يتي‪ ،‬وأن‬
‫المجتمع العالمي لم يعق حرية الوصول المالي والقتصادي إليه‪ .‬ولن تصبح‬
‫التعدد ية واق عا @ دائ ما @ إل ع ندما تر بط شبكة من أ نابيب الن فط و طرق‬
‫المواصلت المنطقة مباشرة بالمراكز الرئيسة للنشاط القتصادي ال عالمي‬
‫عبر البحر ين العر بي وا لبيض المتو سط‪ ،‬و عبر ا لبر أي ضا‪ .‬وبال تالي‪ ،‬فإن‬
‫الج هود الرو سية الهاد فة إ لى احت كار حر ية الو صول ي جب أن ت قاوم بو صفها‬
‫غير ملئمة للستقرار القليمي ‪.‬‬
‫ومهما يكن المر‪ ،‬فإن استبعاد روسيا من المنطقة ليس مرغوبا @ فيه ول‬
‫ممك نا@‪ ،‬ول يح بذ أي ضا @ خ لق عداوة ب ين ا لدول الجد يدة في المنط قة من‬
‫ناح ية ‪ ،‬وب ين رو سيا من ناح ية ثان ية‪ ،‬و في الحقي قة فإن ال سهام القت صادي‬
‫الف عال لرو سيا في ت طوير المنط قة يع تبر ضروريا @ ل ستقرار هذه ا لخيرة‪،‬‬
‫ويج عل رو سيا شريكا@‪ ،‬ول كن ل يس حاك ما @ مهيم نا @ ح صرا@‪ ،‬يم كن أن تتح قق‬
‫فوائد اقت صادية ها مة ونا ضجة أي ضا‪ .‬وعمو ما@‪ ،‬فإن ال ستقرار ا لكبر وا لثروة‬
‫المتزايدة ضمن المنطقة سوف يسهمان مباشرة في رفاهية روسيا وتعطي‬
‫معنى حقيقيا @ "لرابطة الدول" التي تعد بها التسمية المعروفة بها أي رابطة‬
‫ا لدول الم ستقلة‪ .‬ول كن هذا الخ يار الت عاوني لن ي صبح سيا سة رو سية إل‬
‫عندما تستبعد على نحو فعال التصاميم أو الفكار الكثر طموحا @ التي تحمل‬

‫‪152‬‬
‫مفار قات تاريخ ية‪ ،‬و تذكر ع لى ن حو مؤلم ب ما كان ي حدث في دول البل قان‬
‫الساسية ‪.‬‬
‫إن ا لدول ا لتي ت ستحق أ قوى د عم جيوبول يتي من ق بل أمير كا هي‬
‫أذربيجان‪ ،‬وأوزبكستان‪ ،‬و)من خارج المنطقة(‪ ،‬أوكرانيا‪ ،‬علما @ أن هذه الدول‬
‫الثلثه تعتبر كلها محورية أو بالغة الهمية جيوبوليتيا‪ .‬وفي الوقت ذاته‪ ،‬فإن‬
‫كازاخ ستان ت ستحق أي ضا@‪ ،‬إذا أ خذنا في العت بار م ساحتها‪ ،‬و قدرتها‬
‫القت صادية‪ ،‬وموقع ها الم هم جغراف يا‪ ،‬م ساندة دول ية عقلن ية‪ ،‬ول سيما في‬
‫مجال المساعدة القتصادية الدائمة‪ .‬ومع مرور الزمن‪ ،‬فإن النمو القتصادي‬
‫في كازاخ ستان يمك نه أن ي ساعد في جر الخل فات التن ية ا لتي تج عل هذا‬
‫"الدرع" السيوي الوسطي غير منيع إزاء الضغط الروسي‪.‬‬
‫و في هذه المنط قة‪ ،‬تتقا سم أمير كا الهت مام الم شترك ل يس ف قط مع‬
‫ترك يا الم ستقرة وذات النز عة الغرب ية‪ ،‬ول كن مع إ يران وال صين أي ضا‪ .‬وإن‬
‫تح سنا @ تدريجيا @ في العل قات الميرك ية اليران ية سوف يز يد كثيرا @ من حر ية‬
‫الو صول ال عالمي إ لى هذه المنط قة‪ ،‬ويق لل ع لى ن حو أ كثر تخصي صا @ من‬
‫التهديد الفوري لبقاء أذربيجان‪ .‬وإن الوجود القتصادي المتنامي للصين في‬
‫هذه المنطقة ورهانها السياسي على استقلل هذه الخيرة يتوافقان أيضا @ مع‬
‫مصالح أميركا‪ .‬وكذلك‪ ،‬فإن مساندة الصين لجهود الباكستان في أفغانستان‬
‫سوف تجعل حرية الوصول الدولي إلى توركمنستان ممكنة بدرجة أكبر‪،‬مما‬
‫ي ساعد بال تالي في تعز يز هذه الدو لة و كذلك أوزبك ستان أي ضا @ ) في حال‬
‫اضطرت كازاخستان لمعاناة الضطراب(‪.‬‬
‫يحتمل أن يكون تطور تركيا وتوجهها حاسمين بشكل خاص بالنسبة إلى‬
‫م ستقبل دول القو قاز‪ .‬وإذا ا ستطاعت ترك يا أن ت شق طريق ها إ لى أورو با‪،‬‬
‫و لم تغ لق هذه ا لخيرة أبواب ها أمام ها )ترك يا(‪ ،‬فل يحت مل أن تن جذب دول‬
‫القو قاز إ لى ال مدار ا لوروبي‪ ،‬عل ما @ أن هذه ا لدول تر غب ع لى ن حو مح موم‬
‫في أن يتح قق ذ لك‪ .‬ول كن إذا توقفت عمل ية "أور بة" ترك يا‪ ،‬سواء ل سباب‬
‫داخل ية أو خارج ية‪ ،‬ف لن ي كون‪ ،‬ع ندئذ‪ ،‬أي خ يار أ مام جورج يا وارمين يا سوى‬
‫التك يف مع نز عات رو سيا‪ .‬و سوف ي صبح م ستقبل هاتين ا لدولتين مرتب طا‬
‫بعلقة روسيا المتطورة بأوروبا المتوسعة‪ ،‬سواء للخير أو للشر‪.‬‬
‫يحت مل أن ي كون دور إ يران أ كثر إ شكالية‪ .‬فالعودة إ لى الو ضع المؤ يد‬
‫لل غرب سوف ت سهل بالتأك يد ا ستقرار وتعز يز المنط قة‪ ،‬وبال تالي ف من‬
‫المر غوب ف يه ا ستراتيجيا @ أن ت شجع أمير كا هذا الت حول في سلوك إ يران‪.‬‬
‫ولكن‪ ،‬إلى أن يحدث ذلك‪ ،‬يحتمل أن تلعب إيران دورا @ سلبيا@‪ ،‬يؤثر على نحو‬

‫‪153‬‬
‫غير ملئم في توقعات أذربيجان‪ ،‬حتى ولو اتخذت )أي إيران( مواقف إيجابية‬
‫كجعل تور كمنستان تنفتح على العالم وتعزيز إحساس سكان آسيا الوسطى‬
‫بإرثهم الديني‪ ،‬بالرغم من الصولية الراهنة السائدة فيها‪.‬‬
‫وأخ يرا@‪ ،‬يحت مل أن يت شكل م ستقبل آ سيا الو سطى من خلل مجمو عة‬
‫من ال ظروف تع تبر أ كثر تعق يدا@‪ ،‬إ ضافة إ لى تقر ير م صير دول ها من خلل‬
‫التفاعل المعقد بين المصالح الروسية‪ ،‬والتركية‪ ،‬واليرانية‪ ،‬والصينية‪ ،‬وإلى‬
‫الدر جة ا لتي تك يف في ها الول يات المت حدة علقات ها برو سيا في ضوء ا حترم‬
‫هذه ا لخيرة ل ستقلل ا لدول الجد يدة‪ .‬وإن حقي قة هذا التفا عل ت ستثني إ ما‬
‫المبراطور ية أو الحت كار بو صفهما هدفا @ ذا مع نى وم جديا @ لي من الل عبين‬
‫الجيواستراتيجيين المشتركين في اللعبة‪ .‬وفي الواقع‪ ،‬فإن الخيار الساسي‬
‫هو ب ين ال توازن ا لقليمي الح ساس‪ ،‬ا لذي سوف ي سمح بالد خال ال تدريجي‬
‫للمنطقة في القتصاد العالمي الجديد بينما تعزز دول المنطقة نفسها وربما‬
‫تمت لك أي ضا @ هو ية إ سلمية أ كثر و ضوحا @ من ناح ية‪ ،‬وب ين ال نزاع ا لتني‪،‬‬
‫والت شظي )النق سام( السيا سي‪ ،‬ورب ما حتى الممار سات القتال ية العدائ ية‬
‫ع لى ام تداد ال حدود الجنوب ية لرو سيا من ناح ية ثان ية‪ .‬وعمو ما@‪ ،‬فإن تحق يق‬
‫ودعم التوازن القليمي يجب أن يكونا @ هدفا @ رئيسا @ في أي استراتيجية طبيعية‬
‫)جيواستراتيجية( أميركية شاملة معدة لجل أوراسيا‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫الفصل السادس‬

‫المرتكز الشرق أقصوي‬


‫ي جب أن تم لك السيا سية الميرك ية الفعا لة إزاء أورا سيا مر ساة شرق‬
‫أق صوية‪.‬و لن ت لب هذه الحا جة إذا ا ستبعدت أمير كا أو أب عدت نف سها عن‬
‫ا لرض ال سيوية المركز ية‪ .‬فالعل قة الوثي قة مع اليا بان البحر ية ضرورية‬
‫لسيا سة أمير كا العالم ية‪ ،‬ول كن العل قة التعاون ية مع ا لبر ال صيني هي أ مر‬
‫وا جب للجيوا ستراتيجيا الورا سية لمير كا‪ .‬وإن تأثيرات هذه الحقي قة تح تاج‬
‫إلى مواجهة لن التفاعل المستمر في الشرق القصى بين القوى الرئيسة‬
‫ح يرة وخ طرة‪،‬‬‫الثلث أي أمير كا‪ ،‬وال صين‪ ،‬واليا بان‪ ،‬تخ لق م شكلة إقليم ية م „‬
‫و من المؤ كد تقري با @ أن ها تو لد تغي يرات تكتون ية )متعل قة بت شوه يغ ير ق شرة‬
‫الرض( جيوبوليتيا@‪.‬‬
‫وبالن سبة إ لى ال صين‪ ،‬فإن أمير كا عبر الطل سي ي جب أن ت كون حلي فا‬
‫طبيعيا @ ما دامت أميركا هذه ل تملك مخططات مرسومة عن البر الرئيسي‬
‫ال سيوي‪ ،‬ك ما كانت قد عار ضت تاريخ يا @ الت عديات الرو سية واليابان ية ع لى‬
‫الصين الضعف‪ .‬أما بالنسبة إلى الصينيين‪ ،‬فقد كانت اليابان العدو الرئيس‬
‫خلل ال قرن الما ضي؛ و كذلك‪ ،‬لم ت كن ث مة ث قة برو سيا ا لتي ت عرف بالل غة‬
‫ال صينية بأن ها "ا لرض الجائ عة"؛ وت بدو اله ند أي ضا ا @ في ا لفق كأن ها م نافس‬
‫محت مل‪ .‬وه كذا فإن الم بدأ ال قائل إن جار " جاري" هو حلي في يلئم العل قة‬
‫الجيوبوليتية والتاريخية بين الصين وأميركا‪.‬‬
‫ومهما يكن من أمر‪ ،‬فلم تعد أميركا خصما @ لليابان عبر المحيط‪ ،‬ولكنها‬
‫الن متحالفة على نحو وثيق مع هذه الخيرة‪ .‬ولميركا روابط قوية بتايوان‬
‫وبعدة دول في جنوب شرق آسيا‪ .‬والصينيون حساسون أيضا @ إزاء التحفظات‬
‫العقائد ية لمير كا في ما يتع لق بال طابع ا لداخلي للن ظام ال صيني الرا هن‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فإنه ينظر ايضا @ إلى أميركا على أنها عائق رئيس أمام سعي الصين‬
‫ل إلى أن تصبح بارزة عالميا @ فحسب‪،‬بل وحتى لن تصبح بارزة إقليميا @ أيضا‪.‬‬
‫فهل الصدام بين أميركا والصين‪ ،‬هو بالتالي‪ ،‬حتمي؟‬
‫وبالن سبة إ لى اليا بان‪ ،‬كانت أمير كا المظ لة ا لتي استطاعت هذه الدو لة‬
‫أي اليابان‪ ،‬أن تسترد في ظلها عافيتها بعد هزيمة مدمرة‪ ،‬وأن تستعيد قوة‬
‫دفع ها القت صادية‪ ،‬وأن ت صل بالتدر يج‪ ،‬في هذا ال سياق‪ ،‬إ لى موقع ها ال حالي‬
‫بوصفها إحدى القوى الرئيسة في العالم‪ .‬ولكن الحقيقة هي أن هذه المظلة‬
‫تفرض حدودا @ على حرية اليابان في العمل‪ ،‬مما يخلق وضعا @ متناقضا @ لقوة‬

‫‪155‬‬
‫تعتبر عالمية من ناحية‪ ،‬ومع ذلك ل تزال محمية في الوقت ذاته‪ ،‬من ناحية‬
‫ثانية‪.‬‬
‫وكذلك‪ ،‬فبالنسبة إلى اليابان‪ ،‬فإن أميركا تستمر في كونها شريكا @ حيويا‬
‫في عملية ظهور اليابان كفائد دولي‪ .‬ولكن أميركا هي أيضا @ السبب الرئيس‬
‫وراء افتقار اليابان المستمر إلى العتماد على الذات قوميا @ في مجال المن‪.‬‬
‫فكم من الزمن يمكن أن يستمر هذا الوضع؟‬
‫وبت عبير آ خر‪ ،‬ف في الم ستقبل المن ظور ن جد أن ق ضيتين جيوبوليت يتين‪،‬‬
‫ومت فاعلتين مبا شرة أي ضا@‪ ،‬سوف ت حددان دور أمير كا في ال شرق الق صى‬
‫الوراسي وهما‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ ما هو التعر يف العم لي‪ ،‬و ما هو الح جم المق بول‪ ،‬من وج هة ن ظر‬
‫أميركا‪ ،‬للظهور المحتمل للصين بوصفها قوة إقليمية مسيطرة ولطموحاتها‬
‫المتنامية إلى موقع القوة العالمية؟‬
‫‪ 2‬ـ إذا كانت اليابان تسعى إلى تحديد دور عالمي لنفسها‪ ،‬فكيف ستعالج‬
‫أمير كا الن تائج القليم ية ل لتراجع الحت مي في در جة ق بول اليا بان بموقع ها‬
‫كمحمية أميركية؟‬
‫يتم يز حال يا @ الم شهد الجيوبول يتي في شرق آ سيا بعل قات قوة شبه‬
‫م ستقرة‪ .‬وي شمل شبه ال ستقرار هذا شرطا @ لل صلبة الخارج ية‪ ،‬وإن كانت‬
‫مرون ته قلي لة ن سبيا@‪ ،‬ا لمر ا لذي يذكرنا بالحد يد أ كثر من ال فولذ‪ .‬و هو غ ير‬
‫منيع إزاء رد فعل تسلسلي مدمر تولده ضربة ارتجاجية قوية‪.‬‬
‫وعمو ما@‪ ،‬فإن ال شرق الق صى ا لن ي مارس دينام ية اقت صادية أ كثر من‬
‫عاد ية إ لى جانب حا لة ال شك السيا سي المتنام ية‪ .‬ويم كن للن مو القت صادي‬
‫ال سيوي في الحقي قة أن ي سهم في هذا ال شك لن الرفاه ية ت موه أو تع تم‬
‫على نقاط الضعف السياسية في المنطقة‪ ،‬بينما تقوي الطموحات القومية‬
‫وتوسع التوقعات الجتماعية ‪.‬‬
‫إن كون آ سيا تم ثل نجا حا @ اقت صاديا @ ل نظ ير له في الت طور الب شري هو‬
‫أ مر ل يح تاج إ لى إث بات‪ .‬وإن م جرد إح صاءات أسا سيه قلي لة تل قي ال ضوء‬
‫ع لى ن حو درا مي ع لى هذه الحقي قة‪ .‬فق بل أ قل من ارب عة ع قود كان شرق‬
‫آسيا )بما فيه اليابان( ل يشكل سوى ‪ 4‬في المئة فقط أو شيء قريب من‬
‫ذ لك‪ ،‬من ا لدخل ال قومي ال سنوي الج مالي لل عالم‪ .‬بين ما و صل هذا ا لدخل‬
‫في أميركا إلى نحو ‪ 35‬ـ ‪ 40‬في المئة؛ وفي منتصف أعوام التسعينات كانت‬
‫المنطقتان متساويتين تقريبا @ )في حدود ‪ 25‬في المئة(‪ .‬وفضل @ عن ذلك؛ فإن‬

‫‪156‬‬
‫وتيرة النمو في آسيا كانت غير مسبوقة تاريخيا‪ .‬وقد لحظ القتصاديون أن‬
‫بريطان يا العظ مى اح تاجت‪ ،‬في مرح لة ا لقلع في الت صنيع‪ ،‬إ لى أ كثر من‬
‫خمسين سنة‪ ،‬واحتاجت أميركا إلى أقل بقليل من خمسين سنة أيضا@‪ ،‬لكي‬
‫ت ضاعف كل منه ما د خل ال فرد‪ ،‬بين ما حق قت كل ا لدولتين ال صين وكور يا‬
‫الجنوبية مضاعفة هذا الدخل خلل ‪ 10‬سنوات فقط تقريبا @ ‪.‬‬
‫ومع تجاوز بعض حالت التمزق القليمي فمن المحتمل أن آسيا سوف‬
‫تت جاوز‪ ،‬خلل ر بع قرن‪ ،‬كل @ من أمير كا وأورو با في ا لدخل ال قومي ال سنوي‬
‫الجمالي ‪.‬‬

‫ومه ما ي كن من أ مر‪ ،‬فبال ضافة إ لى أن آ سيا ست صبح مر كز الجاذب ية‬


‫القتصادية للعالم‪ ،‬فهي تشكل أيضا @ بركانا @ سياسيا @ محتمل‪ .‬وبالرغم من أنها‬
‫تت جاوز أورو با في الت طور القت صادي‪ ،‬فإن ها ل تزال تفت قر‪ ،‬ع لى الم ستوى‬
‫ال فردي‪ ،‬أو م ستوى كل دو لة ع لى حدة‪ ،‬إ لى الت طور السيا سي ا لقليمي‪.‬‬
‫و هي تفت قر عمو ما @ إ لى الب نى التعاون ية المت عددة ا لطراف ا لتي تح كم أو‬
‫ت سيطر عادة ع لى الن شاطات السيا سية الوروب ية‪ ،‬وا لتي ت ضعف‪ ،‬وتم تص‪،‬‬
‫وتحتوي النزاعات القومية‪ ،‬والثنية والقليمية التقليدية في أوروبا‪ .‬ول يوجد‬
‫أي شيء مما ثل في آ سيا لي من الت حاد ا لوروبي أو ح لف الطل سي‬
‫)ال ناتو(‪ .‬وإن أ يا @ من التجم عات القليم ية الثل ثة‪ ،‬ا لتي ت ضم ال سيان )تج مع‬
‫دول ج نوب شرق آسيا( و ندوة ‪) ARF‬ال ندوة القليمية السيوية ا لتي ت شكل‬
‫من صة لل حوار السيا سي ا لمني( ومجمو عة ‪) APEC‬مجمو عة الت عاون‬
‫القتصادي لسيا الباسيفيكية‪ ،‬ل يشبه تقريبا@‪ ،‬ولو من بعيد‪ ،‬شبكة الرتباطات‬
‫التعاونية القليمية المتعددة الطراف التي تربط بين دول أوروبا كلها‪.‬‬

‫وفي المقابل‪ ،‬فإن آسيا هي اليوم مقر أكبر تركيز في العالم للقوميات‬
‫ال ثائرة ال شاملة ا لتي ا ستيقظت مؤخرا@‪ ،‬و قويت ب سبب الو صول الم فاجئ‬
‫إ لى الت صالت الجماع ية‪ ،‬ون شطت من خلل تو سيع التوق عات الجتماع ية‬
‫ا لتي و لدتها الرفاه ية القت صادية المتنام ية وات ساع ال فروق في ا لثروة‬
‫الجتماعية‪ .‬وجعلت أكثر حساسية للتعبئة السياسية بسبب الزيادة المتفجرة‬
‫في ال سكان وانت قال ال ناس إ لى ال مدن‪ .‬و قد ت فاقمت هذه ال شروط ب سبب‬
‫ازد ياد ح جم الت سلح في آ سيا‪ .‬ف في ال عام ‪ ،1995‬أ صبحت المنط قة‪ ،‬ح سب‬
‫معطيات المعهد الدولي للدراسات الستراتيجي‪ ،‬أكبر مستورد للسلحة في‬
‫العالم ‪ ،‬متجاوزة بذلك أوروبا والشرق الوسط ‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫وباختصار‪ ،‬فإن شرق آسيا تغلي بنشاط دينامي كان حتى الن يوجه في‬
‫اتجاهات سلمية بسبب وتيرة النمو القتصادي السريعة في المنطقة‪ .‬ولكن‬
‫صمام المان هذا يمكن أن يفشل في منطقة ما بسبب النزعات السياسية‬
‫غير المقيدة‪ ،‬وذلك بمجرد تفجرها في نقطة ملتهبة ما‪ ،‬حتى وإن كانت هذه‬
‫النق طة تاف هة‪ .‬وإن احت مال و جود هذه النق طة الملته بة يك من في عدد كبير‬
‫من القضايا المتنازع عليها‪ ،‬علما أن كل @ منها يشكل نقطة ضعف غير منيعة‬
‫إزاء ال ستغلل ا لديماغوجي )الغو غائي( وبال تالي يحت مل حدوث التف جر في‬
‫أي لحظة‪:‬‬

‫ـ إن ا ستياء ال صين من مو قف تايوان النف صالي يزداد حدة في ا لوقت‬


‫الذي تزداد فيه قوة الصين‪ ،‬كما أن تايوان التي تزدهر على نحو متزايد بدأت‬
‫تتصرف من خلل موقف منفصل رسميا @ بوصفها دولة أمة )أي دولة قومية(‪.‬‬
‫ـ إن جزر ) جزائر( بارا سيل و سبراتلي في ب حر ال صين الج نوبي ت شكل‬
‫خ طر حدوث ت صادم ب ين ال صين و عدة دول في ج نوب شرق آ سيا ب سبب‬
‫الرغبة في وصول كل من هذه الطراف إلى مصادر الطاقة الغنية المحتمل‬
‫وجودها في قاع هذا البحر‪ ،‬علما @ أن الصين تنظر‪ ،‬عبر خلفية إمبريالية‪ ،‬إلى‬
‫بحر الصين الجنوبي على أنه يقع ضمن مناطق سيادتها القومية المشروعة‪.‬‬
‫ـ ي تم ال نزاع ع لى جزر سنكاكو ب ين ال صين واليا بان ) مع كون الغريم ين‬
‫تايوان وال صين متفق ين تمام ـا @ إزاء هذه الق ضية(‪ ،‬وبال تالي‪ ،‬فإن الت نافس‬
‫ال تاريخي ع لى ا لبروز ا لقليمي ب ين ال صين واليا بان ي شحن هذه الق ضية‬
‫بجرعة من الهمية الرمزية أيضا @ ‪.‬‬
‫ـ إن تق سيم كور يا و عدم ال ستقرار ال سائد في كور يا ال شمالية‪ ،‬ازداد‬
‫خ طرا @ ب سبب سعي هذه ا لخيرة إ لى امتلك قدرة نوو ية‪ ،‬وبال تالي ن تج عن‬
‫ذلك خطر التفجير المفاجئ لحرب تنشب في شبه جزيرة كوريا‪ ،‬مما سيجر‬
‫الول يات المت حدة إ لى ال تورط في هذه ال حرب‪ ،‬ناه يك ب تورط غ ير مبا شرة‬
‫لليابان فيها أيضا‪.‬‬
‫ـ إن قضية جزر الكوريل الواقعة في أقصى الجنوب‪ ،‬والتي تم الستيلء‬
‫عليها من قبل التحاد السوفييتي في العام ‪ ،1945‬تستمر في إحداث الشلل‬
‫في العلقات الروسية اليابانية‪ ،‬وفي تسميمها‪.‬‬
‫ـ ث مة نزا عات إقليم ية إثن ية كائ نة أ خرى‪ ،‬تثير ق ضايا حدود ية ب ين رو سيا‬
‫وال صين‪ ،‬وب ين ال صين وفيت نام‪ ،‬وب ين اليا بان وكور يا‪ ،‬وب ين ال صين واله ند؛‬

‫‪158‬‬
‫وهناك اضطراب إثني في مقاطعة كسينجيانغ؛ وخصومات ومشاحنات صينية‬
‫أندونيسية على الحدود المحيطية )انظر الخريطة(‪.‬‬
‫‪1‬ـ المطالبة الصينية ‪2‬ـ المطالبة الهندية ‪3‬ـ المطالبة الصينية‬
‫‪ 4‬ـ الحت كاك ال حدودي ب ين ال صين وفيت نام ‪ 5‬ـ جزر بارا سيل ‪ 6‬ـ جزر‬
‫سبراتلي ‪ 7‬ـ جز يرة برا تاس ‪ 8‬ـ جزر سنكاكو‪ /‬ديايو ـ يو ـ تاي ‪ 9‬ـ‬
‫صخورليانكورث ‪10‬ـ خط الفصل ‪11‬ـ الراضي الشمالية ‪12‬ـ المحيط الهندي‬
‫‪13‬ـ المحيط الهادي ‪.‬‬
‫ل يس توز يع ال قوة في المنط قة متواز يا @ أي ضا@‪ .‬فال صين بتر سانتها النوو ية‬
‫وقوات ها الم سلحة ال كبيرة‪ ،‬هي ال قوة الع سكرية الم سيطرة ب شكل وا ضح‬
‫)ان ظر ال جدول(‪ .‬و قد تب نت البحر ية ال صينية عق يدة ا ستراتيجية هي "ا لدفاع‬
‫الف عال عن الم ناطق البحر ية البع يدة ن سبيا @ عن ال شواطئ‪ ،‬في سعي من ها‬
‫إ لى امتلك قدرة ع لى "ال سيطرة الفعا لة ع لى الب حار ضمن سل سلة ال جزر‬
‫الولى" مما يعني شمول مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي‪ .‬وبالتأكيد فإن‬
‫القدرة العسكرية لليابان تتزايد أيضا@‪ ،‬ومن حيث النوعية ليس لهذه القدرة‬
‫نظ ير إقلي مي‪ .‬ومه ما ي كن من أ مر ف في ا لوقت الرا هن‪ ،‬لي ست ال قوات‬
‫الم سحلة اليابان ية أداة للسيا سة الخارج ية اليابان ية‪ ،‬ول كن ين ظر إلي ها غال با‬
‫على أنها امتداد للوجود العسكري الميركي في المنطقة ‪.‬‬
‫إن بروز ال صين ج عل جيران ها في الج نوب ال شرقي ي حترمون ع لى ن حو‬
‫متزا يد الهتما مات المقل قة ال صينية‪ .‬وال جدير با لذكر أ نه في أث ناء الز مة‬
‫الصغيرة في بداية العام ‪ 1996‬المتعلقة بتايوان )والتي انخرطت فيها الصين‬
‫في ب عض الم ناورات الع سكرية الخ طرة )الم هددة( ومن عت الو صول ب حرا‬
‫و جوا @ إ لى منط قة قرب تايوان‪ ،‬م سرعة بذلك النت شار الت ظاهري للبحر ية‬
‫الميرك ية(‪ ،‬أع لن وز ير خارج ية تايل ند ب سرعة أن هذا الم نع طبيعي‪ ،‬ك ما‬
‫أوضح أيضا @ نظيره الندونيسي أن ذلك هو شأن صيني صرف‪ ،‬وكذلك أعلنت‬
‫الفيليبين وماليزيا عن سياسة محايدة إزاء هذه القضية ‪.‬‬
‫إن غ ياب توازن ال قوة ا لقليمي في ال سنوات ا لخيرة د فع بدولتي‬
‫أ ستراليا وأندوني سيا‪ ،‬ال لتين كان تا حتى هذا ا لوقت حذرتين إ حداهما من‬
‫الخرى‪ ،‬إلى بدء تنسيق عسكري متنام بينهما‪ .‬ولم تتكتم كل هاتين الدولتين‬
‫ع لى قلقه ما إزاء التوق عات ع لى ال مدى الطو يل عن ال سيطرة الع سكرية‬
‫القليمية الصينية وإزاء بقاء قوة الوليات المتحدة بوصفها ضامن للمن في‬
‫المنطقة‪ .‬وكان هذا القلق قد جعل سنغافورة أيضا @ تعمل على إقامة تعاون‬
‫أم ني أو ثق مع هذه ا لدول‪ .‬و في الحقي قة‪ ،‬ف في المنط قة كل ها‪ ،‬ن جد أن‬

‫‪159‬‬
‫ال سؤال المر كزي لدى ال ستراتيجيين‪ ،‬وا لذي ل تو جد إجا بة ع نه‪ ،‬أ صبح ك ما‬
‫ي لي‪" :‬إ لى م نى ي ستطيع ال سلم في المنط قة ال كثر كثا فة سكانية وا لكثر‬
‫ت سلحا @ في ال عالم أن ي ضمن بو ساطة مئة أ لف ج ندي أمير كي‪ ،‬وإ لى متى‬
‫يحتمل أن يبقى هؤلء الجنود عموما @ ؟"‪.‬‬
‫و في هذا الو ضع ال هش ا لذي تزداد ف يه النز عات القوم ية حدة‪ ،‬ويتزا يد‬
‫عدد ال سكان‪ ،‬وتن مو الرفاه ية‪ ،‬وتتف جر التوق عات‪ ،‬وت تداخل طمو حات ال قوة‪،‬‬
‫نجد أنه تحدث تغيرات تكتونية حقيقية في المشهد أو المسرح الجيوبوليتي‬
‫لشق آسيا ‪.‬‬
‫ـ إن ال صين‪ ،‬ومه ما كانت آفاق ها النوع ية وتوقعات ها‪ ،‬هي قوة صاعدة‬
‫ويحتمل أن تكون مسيطرة ‪.‬‬
‫ـ إن دور أمير كا ا لمني يصبح على نحو متزا يد معتمدا @ على التعاون مع‬
‫اليابان ‪.‬‬
‫ـ إن اليابان تتطلع إلى دور سياسي أكثر تحديدا @ واستقللية ‪.‬‬
‫ـ ترا جع كثيرا @ دور رو سيا‪ ،‬بين ما أ صبحت آ سيا الو سطى ا لتي كانت‬
‫محكومة سابقا @ من قبل روسيا هدفا @ للتنافس الدولي ‪.‬‬
‫ـ لم ي عد ا لدفاع عن تق سيم كور يا أو الب قاء عل يه ممك نا @ م ما يج عل من‬
‫ال توجه الم ستقبلي ل هذه الدو لة م سألة تتع لق بالهت مام الجيوا ستراتيجي‬
‫المتزايد لجيرانها الرئيسيين ‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فإن هذه التغيرات التكتونية تعطي بعدا @ إضافيا @ مهما @ إلى قضيتين‬
‫مركزيتين جاء ذكرهما في بداية هذا الفصل ‪.‬‬
‫القوات المسلحة السيوية‬
‫عد د‬ ‫عد د س فن‬ ‫عد د‬ ‫عد د‬
‫ت عداد ال قوة‬ ‫الدول‬
‫الغ و ا صات‬ ‫السط ح‬ ‫ال طا ئر ات‬ ‫ا لد با با ت‬
‫شرية‬ ‫الب‬
‫ال م قا تل ة‬
‫)الفراد(‬

‫‪( 7) 53‬‬ ‫‪( 40) 57‬‬ ‫‪5224‬‬ ‫‪( 500) 9400‬‬ ‫‪3030000‬‬ ‫الصين‬
‫)‪( 124‬‬
‫‪( 6) 6‬‬ ‫‪( 8) 11‬‬ ‫‪( 160) 336‬‬ ‫‪( 40) 1890‬‬ ‫‪577000‬‬ ‫الباكستان‬

‫‪( 12) 18‬‬ ‫‪( 14) 21‬‬ ‫‪( 374) 700‬‬ ‫‪3500‬‬ ‫‪1100000‬‬ ‫الهند‬
‫)‪( 2700‬‬
‫‪( 0) 0‬‬ ‫‪( 6) 14‬‬ ‫‪( 18) 74‬‬ ‫‪( 313) 633‬‬ ‫‪295000‬‬ ‫تايلند‬

‫‪( 0) 0‬‬ ‫‪( 0) 0‬‬ ‫‪( 6) 143‬‬ ‫‪( 0) 350‬‬ ‫‪55500‬‬ ‫سنغافورة‬

‫‪160‬‬
‫‪( 0) 23‬‬ ‫‪( 0) 3‬‬ ‫‪( 136) 730‬‬ ‫‪( 2225) 4200‬‬ ‫‪1127000‬‬ ‫يا‬ ‫ك ور‬
‫الش م الي ة‬
‫‪( 3) 3‬‬ ‫‪( 9) 17‬‬ ‫‪( 48) 334‬‬ ‫‪( 450) 1860‬‬ ‫‪633000‬‬
‫كوريا الجنوبية‬

‫‪( 17) 17‬‬ ‫‪( 40) 62‬‬ ‫‪( 231) 324‬‬ ‫‪( 929) 1200‬‬ ‫‪237700‬‬
‫اليابان‬

‫‪( 2) 4‬‬ ‫‪( 11) 38‬‬ ‫‪( 10) 460‬‬ ‫‪( 0) 1400‬‬ ‫‪442000‬‬
‫تايوان)*(‬

‫‪( 0) 0‬‬ ‫‪( 5) 7‬‬ ‫‪( 0) 240‬‬ ‫‪( 400) 1900‬‬ ‫‪857000‬‬
‫فييتنام‬

‫‪( 0) 0‬‬ ‫‪( 0) 2‬‬ ‫‪( 0) 50‬‬ ‫‪( 26) 26‬‬ ‫‪114500‬‬ ‫ماليز يا)**(‬
‫‪( 0) 0‬‬ ‫‪( 0) 1‬‬ ‫‪( 0) 7‬‬ ‫‪( 0) 41‬‬ ‫‪106500‬‬ ‫ال فيلييبي ن‬
‫‪( 2) 2‬‬ ‫‪( 4) 17‬‬ ‫‪( 12) 54‬‬ ‫‪( 110) 235‬‬ ‫‪270900‬‬
‫أندونيسيا‬

‫)ملح ظة‪ :‬إن الر قام المو جودة ضمن أ قواس ت شير إ لى عدد‬
‫المنظومات السلحية المتطورة(‬
‫)*( إن تايوان متعاقدة على شراء ‪ 160‬طائرة ف ‪ 16‬و ‪ 60‬ميراج و ‪130‬‬
‫طائرة مقاتلة أخرى كما أن لديها بضعة مراكب بحرية قيد الصنع ‪.‬‬
‫)**( تشتري ماليزيا حاليا @ ‪ 8‬طائرات ف ‪ 18‬وربما ‪ 18‬طائرة ميغ ‪.29‬‬
‫ملح ظة‪ :‬إن ت عداد ال قوة الب شرية أو ت عداد ا لفراد يع ني كل ال قوات‬
‫العاملة )الدائمة(؛ والدبابات تعني مجموع دبابات القتال الرئيسة والخفيفة؛‬
‫وال طائرات المقات لة تع ني طائرات الق تال الهجوم ية جو ـ جو‪ ،‬و طائرات‬
‫اله جوم الر ضي؛ و سفن ال سطح تع ني حاملت ال طائرات‪ ،‬ال مدمرات‪،‬‬
‫والفرقا طات‪ ،‬وال طرادات؛ والغوا صات تع ني كل ا لنواع المو جودة‪.‬‬
‫والمنظومات المتطورة تعني أنها مصممة بعد منتصف أعوام الستينات على‬
‫القل ومجهزة بمعدات تكنولوجية متطورة‪ ،‬كالليزر ومقاييس المسافات في‬
‫الدبابات ‪.‬‬
‫الم صدر‪ :‬تقر ير مك تب المحا سبة ال عام ‪ "،‬تأثير الت حديث الع سكري في‬
‫الصين على منطقة المحيط الهادي "‪ ،‬حزيران ‪. 1955‬‬

‫‪161‬‬
‫الصين ليست عالمية بل إقليمية‬
‫ـــــــــــــــــ‬
‫الصين‪ :‬ليست عالمية بل إقليمية‬
‫إن تار يخ ال صين هو تار يخ عظ مة قوم ية‪ .‬فالقوم ية النا شطة حال يا @ لدى‬
‫ال شعب ال صيني لي ست جد يدة إل في قدرتها ع لى النت شار اجتماع يا@‪ ،‬ولن ها‬
‫ت شغل التحد يد ا لذاتي للهو ية والعوا طف ل عدد لم ي سبق له نظ ير من‬
‫الصينيين‪ .‬ولم تعد ظاهرة مقتصرة في معظمها على الطلب الذين شكلوا ‪،‬‬
‫في السنوات الولى من هذا القرن‪ ،‬طليعة للكيومنتانغ والحزب الشيوعي‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فإن القومية الصينية هي ا لن ظاهرة شاملة‪ ،‬تحدد التجاه الفكري‬
‫للدولة الكثر سكانا @ في العالم ‪.‬‬
‫ول هذا التجاه الفكري جذور تاريخية عميقة‪ .‬فالتار يخ هيأ النخبة الصينية‬
‫لتفكر في الصين على أنها المركز الطبيعي للعالم‪ .‬وفي الحقيقة‪ ،‬فإن كلمة‬
‫"ال صين "تع ني في الل غة ال صينية "الممل كة الو سطى "أو شونغ ك يو"‪ ،‬وكل‬
‫هذين الت عبيرين يحملن ف كرة مركز ية ال صين في ال شؤون العالم ية وتع يد‬
‫تأكيد أهمية الوحدة القومية‪ .‬وإن هذا المفهوم يعني أيضا @ إشعاعا @ ذا تسلسل‬
‫هر مي للن فوذ من المر كز إ لى ا لطراف المحي طة‪ ،‬وه كذا فإن ال صين‪،‬‬
‫كمركز‪ ،‬تتوقع الحترام من الخرين‪.‬‬
‫وفضل @ عن ذلك‪ ،‬فمن زمن مغرق في القدم‪ ،‬كانت الصين؛ بعدد سكانها‬
‫الكبيرة‪ ،‬مثل حضارة متميزة‪ ،‬وموضع فخر بحد ذاتها‪ .‬وكانت هذه الحضارة‬
‫متقد مة جدا @ في كل الم جالت‪ :‬كالفل سفة‪ ،‬والثقا فة‪ ،‬والف نون‪ ،‬والم هارات‬
‫الجتماع ية‪ ،‬وال قدرة التقن ية ع لى ال ختراع‪ ،‬وال قوة السيا سية‪ .‬وي تذكر‬
‫ال صينيون أن هم كانوا حتى ال عام ‪ 1600‬تقري با @ ي قودون ال عالم في الن تاج‪،‬‬
‫والخترا عات ال صناعية‪ ،‬وم ستوى المعي شة‪ .‬ول كن‪ ،‬وخل فا @ للح ضارتين‬
‫الوروب ية‪ ،‬وال سلمية‪ ،‬ال لتين خلف تا أو أو جدتا ن حو ‪ 75‬دو لة غ ير كام لة‪ ،‬فإن‬
‫ال صين بق يت في مع ظم تاريخ ها دو لة وا حدة‪ ،‬و كانت ت ضم‪ ،‬ع ندما أع لن‬
‫ا ستقلل أمير كا‪ ،‬أ كثر من ‪ 200‬مل يون إن سانا@‪ ،‬ك ما كانت ال قوة ال صناعية‬
‫الولى في العالم ‪.‬‬
‫و من هذا المن ظور‪ ،‬فإن سقوط ال صين مع مو قع العظ مة أو ال سنوات‬
‫المئة والخم سين ا لتي مورس في ها ا لذلل ل هذه الدو لة‪ ،‬هو ان حراف عن‬
‫القاعدة‪ ،‬أو انتهاك لقدسية النوعية الخاصة بالصين‪ ،‬وبتعبير آخر‪ ،‬فهو إهانة‬
‫شخ صية ل كل فرد صيني‪ .‬وي جب أن يم حى ذ لك‪ ،‬ك ما أن من فذيه ي ستحقون‬
‫العقاب ‪.‬‬

‫‪162‬‬
‫و هؤلء ا لذين ارتك بوا هذه الع مال الم شينة‪ ،‬و بدرجات مختل فة كانوا‬
‫أرب عة ب صورة رئي سة هم‪ :‬بريطان يا العظ مى واليا بان‪ ،‬ورو سيا‪ ،‬وأمير كا؛‬
‫فبريطان يا مته مة ب سبب حرب ا لفيون و ما تل ها من إذلل م شين لل صين‬
‫وحط من قدرها؛ واليابان متهمة بسبب حروب النهب والسلب التي خاضتها‬
‫ضد الصين في القرن الماضي‪ ،‬مؤدية إلى إيقاع مرعب )لم يعبر عن الندم‬
‫إزاء ها حتى ا لن( للمعا ناة ع لى ال شعب ال صيني؛ ورو سيا مته مة ب سبب‬
‫اعتداءاتها الطويلة المد على الراضي الصينية في الشمال‪ ،‬وبسبب النزعة‬
‫ال ستبدادية المت سمة ب عدم الح ساس و عدم المرا عاة لل حترام ا لذاتي‬
‫الصيني من قبل ستالين وأخيرا @ أميركا المتهمة بأنها وقفت‪ ،‬بسبب وجودها‬
‫السيوي ودعمها لليابان‪ ،‬في وجه الطموحات الخارجية للصين ‪.‬‬

‫وح سب وج هة الن ظر ال صينية‪ ،‬فإن اث نتين من هذه ا لدول ا لربع عوقب تا‬
‫حتى الن‪ ،‬ولنقل‪ ،‬من قبل التاريخ‪ .‬فبريطانيا العظ مى لم ت عد إمبراطور ية‪،‬‬
‫كما أن تخفيض رافعة التحاد في هونغ كونغ تخفيضا @ أبديا @ يغلق هذا الفضل‬
‫ال مؤلم ب شكل خاص‪ .‬ورو سيا تب قى في ال باب الم جاور‪ ،‬وإن كانت قد‬
‫تراج عت كثيرا @ في موقع ها‪ ،‬وهيبت ها‪ ،‬وم ساحة أر ضها‪ .‬وأ ما أمير كا واليا بان‬
‫فهما الدولتان اللتان تثيران أكثر المشكلت خطرا @ بالنسبة إلى الصين‪ ،‬وفي‬
‫سياق هذا التفا عل معه ما سوف يت حدد ع لى ن حو مل موس ا لدور ا لقليمي‬
‫والدور العالمي للصين ‪.‬‬

‫ومهما يكن من أمر‪ ،‬فإن هذا التعريف سوف يعتمد بالدرجة الولى على‬
‫كيفية تطوير الصين لنفسها‪ ،‬وعلى مدى ما ستصبح عليه من قوة اقتصادية‬
‫وع سكرية‪ .‬و في هذا ال سياق‪ ،‬فإن ت شخيص ماه ية ال صين هو عمو ما @ وا حد‪،‬‬
‫بالرغم من أن ذلك لن يخلو من بعض الشكوك والمواصفات الهامة‪ .‬وهكذا‪،‬‬
‫فإن كل ال سمتين المتمثل ين في وت يرة الن مو القت صادي ال سريعة‪ ،‬وح جم‬
‫التوظيف المالي الجنبي في الصين‪ ،‬وكل منهما تقع بين النسب العلى في‬
‫ال عالم‪ ،‬ت قدمان أسا سا @ إح صائيا @ للت شخيص التقل يدي ع لى ن حو يم كن ال قول‬
‫م عه إن ال صين سوف ت صبح خلل ع قدين من الز من تقري با @ قوة عالم ية‪،‬‬
‫وع لى م ستوى قر يب من الول يات المت حدة وأورو با ) مع ا فتراض أن هاتين‬
‫الخيرتين تتحدان وتتوسعان أكثر(‪.‬‬

‫‪163‬‬
‫ويمكن أن تصبح الصين آنذاك ذات دخل قومي سنوي يزيد إلى حد كبير‬
‫عن الدخل المماثل في اليابان علما @ أنها تزيد الن عن روسيا بهامش كبير‪.‬‬
‫وعموما@‪ ،‬فإن هذا الندفاع القتصادي يجب أن يسمح للصين بأن تمتلك قوة‬
‫ع سكرية ع لى م ستوى سيكون مرو عا @ أو مخي فا @ ل كل جيران ها‪ ،‬ورب ما حتى‬
‫للخ صوم ا لكثر ب عدا @ من الناح ية الجغراف ية ا لذين ل ين ظرون بارت ياح إ لى‬
‫طموحات الصين‪ .‬وإذ ازدادت الصين قوة بانضمام هونغ كونغ وما كاو‪ ،‬وربما‬
‫أي ضا @ و في و قت ل حق بالل حاق السيا سي ل تايوان علي ها‪ ،‬فإن ها سوف لن‬
‫ت صبح دو لة م سيطرة في ال شرق الق صى فح سب‪ ،‬بل ست صبح اي ضا @ قوة‬
‫عالمية من المرتبة الول‪.‬‬
‫ومهما يكن المر‪ ،‬فإنه توجد نقاط ضعف في أي تشخيص من هذا النوع‬
‫للنبعاث الحتمي "للملكة الوسطى" لتصبح قوة عالمية مركزية‪ ،‬ولعل الكثر‬
‫وضوحا @ من هذه النقاط تتعلق بالعتماد الميكانيكي على السقاط )التفكير(‬
‫الحصائي‪ .‬وإن هذا الخطأ عينه كان قد ارتكب في وقت ليس بعيدا @ من قبل‬
‫أولئك ا لذين تن بأوا بأن اليا بان سوف تت جاوز الول يات المت حدة في ق يادة‬
‫القت صاد ال عالمي‪ ،‬وإن اليا بان هذه كانت م عدة لن ت صبح الدو لة العظ مى‬
‫الجد يدة‪ .‬و قد ف شل هذا التن بؤ في ال خذ في الح سبان كل @ من عا مل عدم‬
‫المنا عة القت صادية لليا بان‪ ،‬وم شكلة عدم ال ستمرارية السيا سية‪ ،‬و كذلك‬
‫فإن الخ طأ ذا ته يرت كب حال يا @ من ق بل أولئك ا لذي يعل نون‪ ،‬ويخ شون أي ضا@‪،‬‬
‫من البروز الحتمي للصين كقوة عالمية ‪.‬‬
‫ف من ناح ية أو لى‪ ،‬ي ستبعد جدا @ أن تتم كن ال صين من المحاف ظة ع لى‬
‫م عدلت الن مو المتف جرة الحال ية خلل الع قدين ال قادمين‪ .‬ول يم كن ا ستبعاد‬
‫حدوث ت باطؤ اقت صادي‪ ،‬عل ما @ أن ذ لك ب حد ذا ته سوف يدخل ال شك إ لى‬
‫الت شخيص التقل يدي‪ .‬و في الحقي قة‪ ،‬فل كي يم كن المحاف ظة ع لى هذه‬
‫المعدلت خلل فترة طويلة من الزمن ل بد من الجمع الملئم على نحو غير‬
‫عادي ب ين ق يادة وطن ية فعا لة‪ ،‬و هدوء سيا سي‪ ،‬وان ضباط اجت ماعي داخ لي‪،‬‬
‫وم عدلت توفير عال ية‪ ،‬و تدفق عال جدا @ وم ستمر ل لموال الجنب ية الموظ فة‬
‫في هذه البلد‪ ،‬واستقرار إقليمي‪ .‬ولكن الجمع على المدى الطويل بين هذه‬
‫العوامل اليجابية سيكون إشكاليا @ وصعبا @ ‪.‬‬
‫وبالضافة إلى ذلك‪ ،‬فمن المحتمل أن تؤدي وتيرة النمو السريعة للصين‬
‫إ لى تأثيرات جانب ية سيا سية يمكن ها أن ت حد من حر ية الع مل ‪.‬وإن ا ستهلك‬
‫الصين للطاقة بدأ يزداد بمعدل يزيد عن النتاج المحلي‪ .‬وسوف تتسع هذه‬
‫الزيادة في أي حال‪ ،‬ول سيما إذا استمر معدل النمو في الصين في مستوى‬

‫‪164‬‬
‫عال‪ .‬وي صح ال شيء ذا ته ع لى الط عام‪ .‬ف حتى مع ال خذ في العت بار لب طاء‬
‫الن مو ا لديموغرافي )ال سكاني( في ال صين‪ ،‬فإن ت عداد ال سكان في ها ل يزال‬
‫يزداد بأر قام كبيرة‪ ،‬ح يث ت صبح م ستوردات الط عام أ كثر ضرورة للرفاه ية‬
‫الداخل ية ولل ستقرار السيا سي‪ .‬وإن العت ماد ع لى الم ستوردات لن ي ضع‬
‫أع باء ع لى ال موارد القت صادية ال صينية ب سبب الت كاليف العال ية فح سب‪ ،‬بل‬
‫سوف يجعل الصين أيضا @ أقل مناعة للضغوط الداخلية ‪.‬‬
‫وعلى الصعيد العسكري‪ ،‬يمكن أن تصنف الصين جزئيا @ كقوة عالمية‪ ،‬ما‬
‫دام الح جم ال كبير لقت صادنا‪ ،‬و ما دا مت م عدلت الن مو العال ية لديها تم كن‬
‫حكامها من تخصيص نسبة كبيرة من الدخل القومي السنوي لجراء توسيع‬
‫وتحديث رئيسيين للقوات المسحلة الصينية‪ ،‬بما في ذلك بناء ترسانة نووية‬
‫استراتيجية‪ .‬ومه ما يكن من أ مر‪ ،‬فإذا كان هذا الجهد مفرطا @ )ح سب بعض‬
‫التقديرات الغربية‪ ،‬فإن الصين كانت تستهلك في منتصف أعوام التسعينات‬
‫نحو ‪ 20‬في المئة من دخلها القومي السنوي لهذا الغرض(‪ ،‬فربما سيكون له‬
‫نفس التأثير السلبي في النمو القتصادي البعيد المد للصين الذي مارسته‬
‫المحاولة الفاشلة للتحاد السوفييتي في دخوله التنافس في سباق التسليح‬
‫مع الوليات المتحدة‪ ،‬على القتصاد السوفييتي‪ .‬وفضل @ عن ذلك‪ ،‬يحتمل أن‬
‫ي سرع الج هد ال صيني الرئ يس في هذا الم جال عمل ية الت سليح اليا باني‬
‫المواز ية‪ ،‬م ما سيؤدي إ لى الحر مان من ب عض ال فوائد السيا سية للبرا عة‬
‫العسكرية المتنامية للصين‪ .‬ول ينبغي للمرء أن يتجاهل الحقيقة المتمثلة بأن‬
‫ال صين يحت مل أن تفت قر‪ ،‬خارج ن طاق ال قوات النوو ية‪ ،‬إ لى الو سائل اللز مة‬
‫لنقل قواتها العسكرية إلى ما وراء حدودها القليمية ‪.‬‬
‫يم كن ل حالت ال توتر ضمن ال صين أن ت شتد‪ ،‬بنتي جة عدم الت ساوي‬
‫الحت مي في الن مو القت صادي المت سارع جدا@‪ ،‬وال مدفوع ب قوة بو ساطة‬
‫ال ستغلل غ ير المح ظر لل فرص الهام شية‪ .‬فالجنوب وال شرق ال ساحليان‪،‬‬
‫ومرا كز ال مدن الرئي سة ا لتي ي سهل و صول ا لموال الجنب ية الموظ فة‬
‫والت جارة من ما وراء الب حار إلي ها‪ ،‬ح صلت حتى ا لن ع لى الح صص ال كبرى‬
‫من النمو القتصادي الكبير للصين‪ .‬وفي المقابل‪ ،‬فإن مناطق الجزر الريفية‬
‫عمو ما@‪ ،‬وب عض الم ناطق البع يدة تخل فت عن الر كب ) مع و جود ن حو مئة‬
‫مليون ريفي عاطل عن العمل فيها(‪.‬‬

‫وه كذا‪ ،‬فإن ال ستياء ال ناجم عن عدم الم ساواة القليم ية يم كن أن ي بدأ‬
‫في التفا عل مع الغ ضب ال ناجم عن عدم الم ساواة الجتماع ية‪ .‬وإن الن مو‬

‫‪165‬‬
‫ال سريع لل صين يو سع الث غرة الجتماع ية في توز يع ا لثروة‪ .‬و في نق طة ما‪،‬‬
‫ول سباب ت عود إ ما إ لى أن الحكو مة يم كن أن ت سعى إ لى ال حد من هذه‬
‫ال فروق‪ ،‬أو إ لى ل ستياء الجت ماعي ل لذين يعي شون في الم ستويات ا لدنيا‪،‬‬
‫يم كن ل عدم الم ساواة القليم ية وللث غرة الجتماع ية أن تؤثرا‪ ،‬بدور ه ما‪ ،‬في‬
‫الستقرار السياسي للبلد‪.‬‬

‫وال سبب ال ثاني لل شك ال حذر إزاء التن بؤات الوا سعة النت شار عن بروز‬
‫ال صين في الر بع ا لول من ال قرن ال قادم ك قوة م سيطرة في ال شؤون‬
‫العالم ية‪ ،‬هو‪ ،‬في الحقي قة‪ ،‬سيا سة ال صين‪ .‬فال طابع ا لديناميكي للت حول‬
‫القت صادي غ ير الم سيطر عل يه من ق بل الدو لة في ال صين‪ ،‬ب ما في ذ لك‬
‫النفتاح القتصادي على سائر دول العالم‪ ،‬ليس ملئما @ على نحو متبادل مع‬
‫الخرين وعلى المدى الطويل‪ ،‬إذا استمرت الدكتاتورية الشيوعية المتشددة‬
‫بيروقراط يا @ والمغل قة ن سبيا‪ .‬وعمو ما@‪ ،‬فإن ال شيوعية المع لن عن ها في هذه‬
‫الدكتاتور ية ت صبح بالتدر يج م سألة أ قل ارتبا طا @ باللتزام‪ /‬ل يديولوجي وأ كثر‬
‫تم سكا @ بالم صلحة البيروقراط ية الرا سخة‪ .‬وتب قى النخ بة السيا سية ال صينية‬
‫منظمة كفئة حاكمة ذاتية الضواء صلبة‪ ،‬ومنضبطة‪ ،‬وغير متسامحة احتكاريا‬
‫كما تظل متمسكة طقوسيا @ بأمانتها للعقيدة التي يقال عنها إنها تبرر سلطة‬
‫هذه النخبة‪،‬التي لم تعد تنفذها )العقيدة( اجتماعيا@‪ .‬وفي نقطة ما‪ ،‬فإن هذين‬
‫البعدين الحياتيين سوف يتصادمان وجها @ لوجه‪ ،‬ما لم تبدأ السياسية الصينية‬
‫بالتكيف تدريجيا @ مع الضرورات الجتماعية لقتصادات الصين‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فإن ال خذ بالنظام ا لديموقراطي في الصين ل يمكن تجنبه إلى‬
‫أمد غير محدود‪ ،‬ما لم تعمد هذه الدولة إلى اتخاذ نفس القرار الذي كانت‬
‫ات خذته في ال عام ‪ :1474‬و هو عزل نف سها عن ال عالم‪ ،‬ع لى غرار ما تف عل‬
‫حاليا @ كوريا الشمالية‪ .‬ولكي تفعل ذلك‪ ،‬فعليها‪ ،‬أي الصين‪ ،‬أن تستدعي أكثر‬
‫من ‪ 70‬أ لف طالب صيني يدر سون في الول يات المت حدة‪ ،‬وت طرد ر جال‬
‫الع مال ال جانب‪ ،‬وتغ لق أجهزت ها الكومبيوتر ية‪ ،‬و تدمر صحون ا ستقبال‬
‫المح طات التلفزيون ية الف ضائية في ملي ين الم نازل ال صينية‪ .‬و سيكون ذ لك‬
‫عمل @ جنونيا@‪ ،‬يذكر بالثورة الثقافية‪ .‬وربما يحدث ولفترة قصيرة‪ ،‬وفي سياق‬
‫ال صراع ا لداخلي ع لى ال سلطة‪ ،‬أن ي حاول ج ناح مت شدد عقائد يا @ من الحزب‬
‫ال شيوعي الصيني الحاكم‪ ،‬وإن كانت مثل هذه الجنحة في طر يق التلشي‬

‫‪166‬‬
‫تقل يد كور يا ال شمالية‪ ،‬ول كن ذ لك ل يم كن أن ي كون إل ظاهرة ا ستثنائية‬
‫مؤقتة‪ .‬والكثر احتمال @ في هذه الحال هو أن هذا التصرف سوف يؤدي إلى‬
‫الكساد القتصادي‪ ،‬وبالتالي يسبب انفجارا @ سياسيا‪.‬‬

‫وفي أي حال‪ ،‬فإن العزل الذاتي سوف يعني نهاية أي طموحات صينية‬
‫جدية ليس فقط بأن تصبح قوة عالمية بل وحتى في الوصول إلى السيادة‬
‫القليمية أيضا‪ .‬وفضل @ عن ذلك‪ ،‬فإن هذه البلد تملك فرصة كبيرة للوصول‬
‫إ لى عالم ال يوم‪ ،‬عل ما @ أن هذا ال عالم يخت لف عن عالم ال عام ‪ ،1474‬في أ نه‬
‫اقتحامي جدا @ ول يمكن الستغناء عنه عموما‪ .‬ولذا‪ ،‬فل يوجد أي بديل مثمر‬
‫اقت صاديا@‪ ،‬وقا بل للح ياة سيا سيا@‪ ،‬لل صين عن ال ستمرار في النف تاح ع لى‬
‫العالم‪.‬‬

‫وهكذا‪ ،‬فإن التحول إلى الديموقراطي سوف يبرز على نحو متزايد في‬
‫الصين‪ .‬ول يمكن تجنب هذا التحول والمسألة المتعلقة بحقوق النسان ذات‬
‫الصلة الوثي قة به لزمن طويل‪ .‬فالتقدم المستقبلي للصين‪ ،‬وظهورها كقوة‬
‫رئي سة‪ ،‬سوف يعت مدان إ لى حد كبير على كيف ية تعا مل الن خب )ج مع نخبة(‬
‫الصينية الحاكمة مع المشكلتين المتعلقتين بانتقال السلطة من جيل الحكام‬
‫ال حالي إ لى فر يق أ صغر سنا @ و بالتكيف مع ال توتر المت نامي ب ين الن ظامين‬
‫القتصادي والسياسي في البلد ‪.‬‬

‫يم كن أن ين جح ال قادة ال صينيون في تحق يق انت قال ب طئ وت طوري إ لى‬


‫نظام انتخابي محدود يستمر فيه إخضاع الفرد للدولة من ناحية‪ ،‬ويراعي فيه‬
‫إع طاء هامش من الحر ية السيا سية من ناح ية ثان ية‪ ،‬ع لى أن ي تم ب عد ذ لك‬
‫النتقال إلى تعددية سياسية حقيقية إلى حد ما‪ ،‬بما في ذلك التشديد بدرجة‬
‫أ كبر ع لى ح كم د ستوري أو لي‪ .‬و سيكون هذا النت قال الم سيطر عل يه أ كثر‬
‫تلؤ ما @ مع ضرورات الدينام ية القت صادية المتزا يدة النف تاح في البلد من‬
‫استمرار البقاء على احتكار الحزب حصرا @ للسلطة السياسية‪.‬‬

‫ولن جاز هذا الت حول الم سيطر عل يه إ لى الديموقراط ية‪ ،‬ف سوف يترتب‬
‫على النخبة السياسية الصينية أن تقاد بمهارة استثنائية‪ ،‬وبتوجيه من الحس‬
‫العام الذرائعي )الواقعي(‪ ،‬وأن تبقى موحدة نسبيا @ وراغبة في تسليم جزءا‬
‫من احتكارها للسلطة )ومن المتيازات الشخصية(‪ ،‬بينما يترتب على معظم‬
‫ال سكان أن يكو نوا صبورين وغ ير ملح ين في م طالبهم‪ .‬وأن هذا الج مع‬

‫‪167‬‬
‫لل ظروف الملئ مة يم كن أن يث بت ا نه صعب التحق يق‪ .‬فالخبرة تع لم أن‬
‫الضغوط من أجل التحول إلى الديموقراطية التي تأتي من تحت‪ ،‬سواء أكان‬
‫ذلك من أولئك الذين سعروا بأنهم مقموعون سياسيا @ )المثقفون والطلب(‬
‫أو الم ستغلون اقت صاديا @ )فئة الع مال الجد يدة في ال مدن‪ ،‬وف قراء الر يف(‪،‬‬
‫تميل عموما @ إلى تجاوز رغبة الحكام في التنازل‪ .‬وفي نقطة ما‪ ،‬فإنه يحتمل‬
‫أن تن ضم الفئة ال ساخطة سيا سيا @ واجتماع يا @ إ لى ال قوى ا لخرى المطال بة‬
‫بمز يد من الديموقراط ية‪ ،‬وحر ية الت عبير‪ ،‬وا حترام ح قوق الن سان‪ .‬وعمو ما@‪،‬‬
‫فإن ذ لك لم ي حدث من م يدان تيا نامين في ال عام ‪ ،1989‬ول كن يم كن أن‬
‫يحدث في المرة القادمة‪.‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬فليس من المحتمل أن الصين سوف تكون قادرة على تجنب‬
‫مرحلة اضطراب سياسي‪ .‬فمع الخذ في العتبار بحجمها‪ ،‬وحقيقة الظروف‬
‫القليم ية المتنام ية‪ ،‬وإرث له ‪ 50‬سنة من الديكتاتور ية العقائد ية فإن هذه‬
‫المرح لة يم كن أن ت كون ذات طابع فو ضوي وم مزق لن سيج المجت مع ع لى‬
‫ال صعيدين السيا سي والقت صادي‪ .‬وي بدو أ نه حتى ال قادة ال صينيين أنف سهم‬
‫يتوق عون ت لك‪ ،‬عل ما @ أن درا سات داخل ية أجرا ها ال حزب ال شيوعي في بدا ية‬
‫أعوام التسعينات تنبأت باحتمال حدوث اضطراب سياسي خطر‪ .((1‬وعموما@‪،‬‬
‫فقد تنبأ بعض الخبراء الصينيين أن الصين يمكن أن تنجرف إلى واحدة من‬
‫المرا حل التاريخ ية للت شظي ا لداخلي‪،‬م ما يؤدي ع ندئذ إ لى تو قف ك لي‬
‫لم سيرتها ن حو العظ مة‪ .‬ول كن احت مال حدوث م ثل ذ لك ي قل ب سبب ال تأثير‬
‫ال مزدوج للم شاعر القوم ية و الت صالت الحدي ثة‪ ،‬عل ما @ أن كل @ منه ما يع مل‬
‫لصالح دولة صينية موحدة ‪.‬‬
‫يوجد أخيرا@‪ ،‬سبب ثالث للشك المتعلق بالتوقعات عن بروز الصين في‬
‫ال سنوات الع شرين القاد مة ك قوة عالم ية رئي سة فعل@‪ ،‬وبالن سبة إ لى‬
‫الميركيين‪ ،‬كقوة أصبحت منذ الن تشكل خطرا @ أو إذا استطاعت إلى حد ما‬
‫أن تؤمن استمرار معدلت نموها القتصادي الستثنائية خلل ربع قرن‪ ،‬وفي‬
‫الحالتين يقترن الكلم بـ "لو" أو "إذا" الشرطيتين‪ ،‬فإنها سوف تبقى‪ ،‬بالرغم‬

‫)‪" (1‬الوثي قة الر سمية تتو قع الفو ضى في أث ناء فترة ما ب عد دا نغ"‪ ،‬ل شانغ ي نغ )هو نغ‬
‫كونغ(‪ 1 ،‬شباط‪ ،1995،‬وهي تضم ملخصا @ مفصل @ عن تحليلين ح ض „رتهما قيادة الحزب في‬
‫ما يتع لق بمخت لف أ شكال ال ضطراب المحت مل‪ .‬وث مة وج هة ن ظر عرب ية عن ن فس‬
‫المو ضوع في م قال ريت شارد باوم‪" .‬ال صين ب عد دا نغ‪ :‬ع شرة سيناريوهات في الت فتيش‬
‫عن الحقيقة"‪ ،‬مجلة"الصين الربعية" )آذار ‪.(1996‬‬

‫‪168‬‬
‫من ذ لك‪ ،‬فقيرة جدا @ ن سبيا‪ .‬و حتى مضاعفة ا لدخل ال قومي ال سنوي للصين‬
‫ثلث مرات سوف تترك سكانها في الم ستويات ا لدنيا‪ ،‬من ح يث ا لدخل‬
‫ال فردي ال سنوي‪ ،‬ب ين دول ال عالم‪ ،‬ناه يك بالفقر الفع لي لق سم كبير من‬
‫شعبها‪ .‬وكذلك‪ ،‬فإن موقفها في امتلك الفراد للهواتف والسيارات وأجهزة‬
‫الكو مبيوتر‪) ،‬مح سوبة بال عدد من كل من ها ل كل فرد(‪ ،‬وإذا لم نأ خذ في‬
‫الحسبان السلع الستهلكية الخرى‪ ،‬يعتبر منخفضا @ جدا‪.‬‬
‫ولنج مل ذ لك بالقول إ نه حتى في ال عام ‪ ،2020‬لن يحت مل حتى في‬
‫أحسن الظروف أن تصبح الصين منافسة حقيقية في البعاد الرئيسة للقوة‬
‫العالم ية‪ .‬ومه ما ي كن ا لمر‪ ،‬ف حتى في هذه الحا لة‪ ،‬ن جد أن ال صين هي في‬
‫الطريق إلى أن تصبح القوة القليمية المتفوقة في شرق آسيا‪ .‬وقد أصبحت‬
‫فعل @ سيطرة جيوبوليت يا @ في الق سم الرئ يس من آ سيا‪ .‬فقوت ها الع سكرية‬
‫والقت صادية ت ق „زم جيران ها المبا شرين‪ ،‬با ستثناء اله ند‪ .‬وبال تالي‪ ،‬فا لمر‬
‫الطبيعي هو أن تؤكد الصين ذاتها‪ ،‬وعلى نحو متزايد‪ ،‬إقليميا@‪ ،‬ول سيما في‬
‫المحافظة على ما يمليه عليها تاريخها‪ ،‬وجغرافيتها‪ ،‬واقتصادها‪.‬‬

‫ي عرف الطلب ال صينيون ا لذين يدر سون تار يخ بلد هم أن إمبراطور ية‬
‫الصين كانت تمتد في العام ‪ 1840‬عبر جنوب شرق آسيا‪ ،‬وصول @ إلى مضيق‬
‫مال قا‪ ،‬ب ما في ذ لك يور ما وأ جزاء من بنغلدش الحال ية‪ ،‬وني بال‪ ،‬وأ جزاء من‬
‫كازاخ ستان الحال ية‪ ،‬و كل منغول يا‪ ،‬والمنط قة ا لتي ت عرف حال يا @ بالمقاط عة‬
‫الروسية ال شرق أقصوية في جنوب المكان ا لذي ي تدفق فيه ن هر آ مور إ لى‬
‫المحيط‪ .‬وقد كانت هذه المناطق إما تقع تحت نوع ما من السيطرة الصينية‬
‫أو تدفع جزية إلى الصين‪ .‬وما لبث التوسع الستعماري الفرنسي البريطاني‬
‫أن طرد الن فوذ ال صيني من ج نوب شرق آ سيا في ال سنوات ‪،1895 -1885‬‬
‫بينما فقدت الصين‪ ،‬بموجب معاهدتين فرضتهما روسيا في العامين ‪ ،1858‬و‬
‫‪ ،1864‬أرا ض “ في ال شمال ال شرقي وال شمال الغر بي‪ .‬في ال عام ‪،1895‬‬
‫وبنتيجة الحرب الصينية اليابانية‪ ،‬فقدت الصين تايوان أيضا @ ‪.‬‬

‫وثمة أمر مؤكد تقريبا @ هو أن التاريخ والجغرافيا سوف يجعلن الصينيين‬


‫مل „‬
‫ح ين ع لى ن حو متزا يد‪ ،‬و حتى م شحونين عاطف يا@‪ ،‬في ما يتع لق ب ضرورة‬
‫إعادة ضم تايوان إلى الوطن الم‪ ،‬ومن المعقول أيضا @ أن نفترض أن الصين‬
‫سوف تجعل من هذا الهدف‪ ،‬كلما ازدادت قوتها‪ ،‬أمرا @ رئيسا @ في أثناء العقد‬

‫‪169‬‬
‫الول من القرن القادم‪ ،‬وذلك بعد الستيعاب القتصادي والهضم السياسي‬
‫لهونغ كونغ‪ :‬ويمكن أن تصبح إ عادة ال ضم أو التوح يد سلمية‪ ،‬ورب ما ب موجب‬
‫صيغة "دولة واحدة وعدة أنظمة ")حالة من الشعار الذي طرحه دانغ كيوبينغ‬
‫في ال عام ‪" ،1984‬ب لد وا حد‪ ،‬ونظا مان"( جذا بة ل تايوان و لن ت قاوم من ق بل‬
‫أميركا‪ ،‬ولكن ذلك يحدث فقط إذا نجحت الصين في المحافظة على تقدمها‬
‫القت صادي و في تبني ها إ صلحات ديمقراط ية ها مة‪ .‬وإل‪ ،‬ف حتى ال صين‬
‫الم سيطرة إقليم يا @ يحت مل أن ت ظل مفت قرة إ لى و سائل ع سكرية ل فرض‬
‫إرادتها‪ ،‬وخاصة في وجه المعارضة الميركية‪ ،‬علما @ أن القضية مرتبطة في‬
‫هذه الحا لة بال ستمرار في تلم يع صورة القوم ية ال صينية في ا لوقت ا لذي‬
‫تؤدي فيه إلى تردي العلقات الميركية الصينية ‪.‬‬
‫والجغراف يا هي أي ضا @ عا مل م هم في د فع الهت مام ال صيني إ لى إقا مة‬
‫ت حالف مع الباك ستان وإقا مة و جود ع سكري في بور ما‪ .‬و في كل ال حالتين‪،‬‬
‫ن جد أن اله ند هي هدف جيوا ستراتيجي‪ .‬فالت عاون الع سكري الوث يق مع‬
‫الباك ستان يز يد من حدة الز مات المن ية لله ند وي حن من قدرة اله ند ع لى‬
‫جعل نفسها دولة مهيمنة إقليميا @ في جنوب آسيا‪ ،‬ومنافسا @ جيوبوليتيا @ للصين‪.‬‬
‫و كذلك‪ ،‬فإن الت عاون الع سكري مع بور ما يح قق حر ية و صول ال صين إ لى‬
‫المن شآت البحر ية ل عدة جزر بورم ية بع يدة ن سبيا @ عن ال شاطئ في المح يط‬
‫اله ندي‪ ،‬م ما يؤمن بال تالي ب عض الن فوذ ال ستراتيجي ال ضافي في ج نوب‬
‫شرق آسيا‪ .‬وعموما@‪ ،‬وفي مضيق مالقا خصوصا@‪ .‬وإذا استطاعت الصين أن‬
‫ت سيطر ع لى م ضيق مالل قا وع لى نق طة الخت ناق الجيوا ستراتيجية في‬
‫سنغافورة‪ ،‬ف هي بذلك ت سيطر ع لى حر ية و صول اليا بان إ لى ن فط ال شرق‬
‫الو سط وإ لى ال سواق الوروب ية‪ .‬ثم أن الجغراف يا‪ ،‬م عززة بالتار يخ‪ ،‬تم لي‬
‫أي ضا @ اهت مام ال صين بكور يا‪ .‬ف في و قت كانت هذه الدو لة تدفع الجز ية إ لى‬
‫الصين‪ ،‬ولكن كوريا المعاد توحيدها )إذا حدث ذلك( وبوصفها امتدادا @ للنفوذ‬
‫ا لميركي )وب شكل غ ير مبا شر أي ضا @ للن فوذ اليا باني( لن ت كون مقبو لة أو‬
‫تصر الصين على أن‬ ‫„‬ ‫يمكن تحملها من قبل الصين‪ .‬وفي الحد الدنى‪ ،‬سوف‬
‫تأخذ كوريا المعاد توحيدها دور مخفف صدمة بين الصين واليابان‪ ،‬كما سوف‬
‫تتو قع ال صين أي ضا @ أن ال عداوة الكور ية ذات ال جذور التاريخ ية ن حو اليا بان‬
‫سوف تجذب ذاتيا @ كور يا إلى مجال الن فوذ الصيني‪ .‬ومه ما يكن ا لمر‪ ،‬ف في‬
‫سمة تناسب الصين أكثر‪ ،‬وبالتالي يحتمل‬ ‫الوقت الراهن‪ ،‬نجد أن كوريا المق „‬
‫أن تفضل الصين استمرار وجود النظام الكوري الشمالي الحالي ‪.‬‬

‫‪170‬‬
‫إن العت بارات القت صادية ستؤثر أي ضا @ في مدى حدة الطمو حات‬
‫القليم ية لل صين‪ .‬و في هذا الخ صوص‪ ،‬فإن الط لب المت نامي ب سرعة ع لى‬
‫موارد طا قة جد يدة ج عل ال صين ت ص „ر ع لى دور م سيطر في أي ا ستثمار‬
‫إقلي مي ل ما يو جد من هذه ال موارد في قاع ب حر ال صين الج نوبي‪ .‬ول هذا‬
‫ال سبب ذا ته‪ ،‬ن جد أن ال صين بدأت تظ هر اهت مام متزا يد با ستقلل دول آ سيا‬
‫الو سطى الغن ية بالطا قة‪ .‬ف في شهر ني سان من ال عام ‪ ،1996‬وق عت ال صين‬
‫وكازاخ ستان‪ ،‬وقيرغيز يا‪ ،‬وطاجاك ستان اتفاق ية أ من م شتركة؛ و في أث ناء‬
‫زيارة الرئيس جيانغ زيمين إلى كازاخستان في تموز من العام ذاته‪ ،‬ذكر إن‬
‫الجانب الصيني قدم ضمانات من الصين "للجهود الكازاخستانية الهادفة إلى‬
‫ا لدفاع عن ا ستقلل بلد هم؛ و سيادتها و سلمة أرا ضيها"‪ .‬و كان ذ لك مؤ شرا‬
‫وا ضحا @ إ لى ان خراط ال صين المت نامي في الن شاطات الجيوبوليت ية ل سيا‬
‫الوسطى‪.‬‬
‫يتآزر التاريخ والقتصاد أيضا @ في العمل على زيادة اهتمام الصين الكثر‬
‫قوة إقليم يا @ في ال شرق الق صى الرو سي‪ .‬وا لول مرة م نذ أن شاطرت‬
‫ال صين رو سيا في حدود ر سمية‪ ،‬ن جد أن ال صين أ صبحت ال طرف ا لكثر‬
‫دينام ية اقت صاديا @ وا لقوى سيا سيا‪ .‬وه كذا‪ ،‬فإن التسل سل إ لى المنط قة‬
‫الروسية من قبل مهاجرين وتجار صينيين أصبح يشكل نسبة كبيرة‪ .‬كما أن‬
‫الصين أصبحت أكثر فعالية في تطوير تعاون اقتصادي في شمال شرق آسيا‬
‫ي شمل أي ضا @ اليا بان وكور يا‪ .‬و في هذا الت عاون‪ ،‬تم سك رو سيا بالور قة‬
‫ال ضعف‪ ،‬بين ما ي صبح ال شرق الق صى الرو سي أ كثر اعت مادا@‪ ،‬في الم جال‬
‫القتصادي‪ ،‬على ارتباطات أوثق مع منشوريا الصينية‪ .‬وتنشط قوى اقتصادية‬
‫مماث لة أي ضا @ في ف لك رو سيا‪ ،‬عل ما ان ال صين ا عترفت با ستقلل منغول يا‬
‫رسميا @ عن غير رغبة‪.‬‬
‫وهكذا يتشكل مجال النفوذ القليمي الصيني‪ .‬ومهما يكن المر‪ ،‬فإن هذا‬
‫الم جال‪ ،‬ينب غي أن يم يز عن منط قة ال سيطرة السيا سية من ال نوع ا لذي‬
‫مارسه التحاد السوفييتي في أوربا الشرقية‪ .‬فهو ذو طابع أكثر نفوذية على‬
‫ال صعيد الجت ماعي القت صادي‪ ،‬ذو طابع احت كاري أ قل حدة ع لى ال صعيد‬
‫السيا سي‪ .‬وبر غم ذ لك‪ ،‬فإنه‪ ،‬أي هذا الم جال يقت ضي و جود م جال جغرا في‬
‫تعير فيه دوله المختلفة‪ ،‬عندما تصيغ سياساتها‪ ،‬احتراما @ خاصا @ إلى المصالح‪،‬‬
‫ووج هات الن ظر‪ ،‬وردود الف عل المتوق عة‪ ،‬للدو لة الم سيطرة إقليم يا‪.‬‬
‫وباختصار‪ ،‬يمكن أن يحدد مجال النفوذ الصيني‪ ،‬وربما إذا قلنا مجال الحترام‬

‫‪171‬‬
‫ن كون أ كثر د قة في الت عبير بو صفه ذ لك الم جال ا لذي ي كون ف يه أول سؤال‬
‫ي سأل في مخت لف العوا صم في ما ي خص أي ق ضية مفتر ضة هو‪ " :‬ما هي‬
‫وجهة نظر بكين عن ذلك؟"‪.‬‬
‫إن الخريطة المبينة في الصفحة التالية تحدد المدى المحتمل خلل الربع‬
‫ال تالي من ال قرن ال قادم لل صين الم سيطرة إقليم يا @ و كذلك لل صين ك قوة‬
‫عالمية‪ ،‬وذلك في الحال التي تصبح فيه الصين‪ ،‬بالرغم من العوائق الداخلية‬
‫والخارج ية ا لتي ذ كرت قبل@‪ ،‬قوة عالم ية فعل‪ .‬وعمو ما@‪ ،‬فإن ال صين ال كبرى‬
‫المسيطرة إقليميا@‪ ،‬التي سوف تعبئ الدعم السياسي لفراد الشتات القوي‬
‫اقتصاديا @ والغني جدا @ من سكانها المنتشرين في سنغافورا وبانكوك‪ ،‬وكوال‬
‫لمبور و مانيل‪ ،‬وجاكرتا‪ ،‬إذا لم نذكر أيضا @ الموجودين في تايوان وهونغ كونغ‬
‫)انظر الملحظة أدناه من بعض المعطيات المذهلة(‪ ((1‬والذين سوف يدخلون‬
‫إ لى كل من آ سيا الو سطى وال شرق الق صى الرو سي‪ ،‬سوف ن قترب )أي‬
‫الصين الكبرى( في قطرها الجديد هذا من حجم المبراطورية الصينية قبل‬
‫بدء ضعفها وانحطاط ها أو تراجع ها‪ ،‬م نذ ق بل ‪ 150‬سنة‪ ،‬و حتى من تو سيع‬
‫مداها الجيوبوليتي عبر تحالفها مع الباكستان‪ .‬ومع صمود الصين في القوة‬
‫والهي بة‪ ،‬ف من المحت مل أن ال صينيين الغن ياء المو جودين في ما وراء الب حار‬
‫سوف يت عاطفون أ كثر فأكثر مع طمو حات ال صين وبال تالي سوف ي صبحون‬
‫طلي عة قو ية ل قوة ال ندفاع المبريال ية ال صينية‪ .‬ورب ما ت جد دول ج نوب شرق‬
‫آسيا‪،‬أنه من الحكمة أن تحترم الحساسيات السياسية والمصالح القتصادية‬
‫لل صين‪ ،‬عل ما @ أن هؤلء يفع لون ذ لك فعل @ وب صورة متنام ية‪ .((1‬وع لى ن حو‬

‫)‪ (1‬إن الممتل كات الجمال ية لل شركات الخم سمائة ال كبرى ا لتي يملك ها صينيون في‬
‫جنوب شرق آسيا‪ ،‬بلغت قيمتها ‪ 540‬مليار دولر‪ ،‬حسب يازو زوكان في مجلة "آسيا ويك"‬
‫ال صادرة بتار يخ ‪25‬أي لول‪ .1994 ،‬وث مة ت قديرات أ خرى عن أر قام أع لى‪ :‬فمج لة"القت صاد‬
‫الدولي "الصادة في تشرين ثاني‪ /‬كانون أول ‪1996‬كتبت عن أن الدخل السنوي للصينيين‬
‫المو جودين في ما وراء الب حار وا لذين يز يد عددهم عن ‪ 50‬مل يون إن سان هو أ كبر من‬
‫الر قم ال مذكور أعله‪ ،‬وبال تالي ي ساوي تقري با @ ا لدخل ال قومي ال سنوي ل لوطن ا لم‪ .‬و قد‬
‫ق يل إن ال صينيين في ما وراء الب حار ي سيطرون ع لى ن حو ‪ %90‬من أقت صاد أندوني سيا‪ ،‬و‬
‫‪ %75‬من اقتصاد تايلند‪ ،‬و ‪ %60 – 50‬من اقتصاد ماليزيا‪ ،‬وعلى كل اقتصاد تايوان‪ ،‬وهونغ‬
‫كو نغ‪ ،‬و سنغافورة‪ .‬وإن الق لق إزاء هذا الو ضع كان قد ج عل السفير الندوني سي ال سابق‬
‫في اليابان يحذر أمام الجمهور من أن "التدخل القتصادي الصيني في المنطقة"‪ ،‬يمكن‬
‫أل يستغل مثل هذا الوجود الصيني فحسب بل يمكن حتى أن يؤدي إلى تشكيل"حكومات‬
‫من ا لدمى "برعا ية صينية‪ ) .‬سايديمان سوريو هادبروجو"‪ ،‬ك يف ي تم التعا مل مع ال صين‬
‫وتايوان "أساهي شيمبون" ]طوكيو[ ‪ 23،‬أيلول‪.(1996 ،‬‬
‫)‪ (1‬إن ما كان بارزا @ في هذا الم جال هو التقر ير ا لذي ن شر في ال صحيفة اليوم ية ا لتي‬
‫ت حرر بالل غة النكليز ية في بانكوك والم سماة" زي ني شن )‪The Nation ) "(17‬آذار‪ (1997،‬عن‬

‫‪172‬‬
‫مما ثل‪ ،‬فإن ا لدول الجد يدة في آ سيا الو سطى تن ظر أ كثر فأكثر إ لى ال صين‬
‫كقوة لها رهان على استقلل هذه الدول وعلى دورها كمخففات صدمة بين‬
‫الصين وروسيا‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ نزا عات ال قوة المحتم لة ‪ -2‬ال صين ال كبرى الم سيطرة إقليم يا ‪-3‬‬
‫للصين الكبرى كقوة عالمية ‪ -4‬المحيط الهندي ‪ -5‬البحر العربي ‪ -6‬الهند ‪-7‬‬
‫الباك ستان ‪ -8‬أوزباك ستان ‪-9‬كازاخ ستان ‪ -10‬رو سيا ‪ -11‬منغول يا ‪ -12‬ال صين‬
‫‪ -13‬المحيط الهادي الشمالي ‪ -14‬اليابان ‪ 16 – 15‬ماليزيا ‪ -17‬أندونيسيا ‪-18‬‬
‫بورما ‪ -19‬لوس ‪ -20‬تايلند ‪ -21‬كمبوديا ‪ -22‬فيتنام ‪ -23‬أفغانستان ‪-24‬‬
‫قيرغيزيا ‪ -25‬طاجاكستان ‪.‬‬

‫إن و ضع ال صين بو صفها قوة عالم ية سوف يت ضمن غال با @ بروزا @ جنوب يا‬
‫أع مق إ لى حد كبير‪ ،‬مع ا ضطرار كل دو لتي أندوني سيا والف لبين للتك يف مع‬
‫الوا قع الفع لي للبحر ية ال صينية بو صفها قوة م سيطرة في ب حر ال صين‬
‫الجنوب ية‪ .‬وإن م ثل هذه الدو لة ال صينية يم كن أن تت عرض لغراء حل ق ضية‬
‫تايوان بالقوة‪ ،‬وب غض الن ظر عن مو قف أمير كا‪ .‬و في ال غرب‪ ،‬فإن دو لة‬
‫أوزبك ستان ‪ ،‬و هي الدو لة ا لكثر ت صميما@‪ ،‬في آ سيا الو سطى‪ ،‬ع لى مقاو مة‬
‫الع تداءات الرو سية ع لى أرا ضيها ا لتي كانت سابقا @ جزء من المبراطور ية‬
‫الروسية‪ ،‬يمكنها أن تفضل عقد تحالف مع الصين يحقق لها التوازن‪ ،‬شأنها‬
‫شأن تركمان ستان و كذلك يم كن لل صين أن ت صبح أ كثر حز ما @ في ما يتع لق‬
‫بكازاخستان المقسمة أثنيا @ و بالتالي غير المنيعة قوميا‪ .‬ويمكن أيضا للصين‬
‫ا لتي ت صبح فعل @ عمل قا @ سيا سيا @ واقت صاديا @ أن ت مارس مز يدا @ من الن فوذ‬
‫السياسي المكشوف في الشرق القصى الروسي‪ ،‬بينما ترعى في الوقت‬
‫ذاته توحيد كوريا بإشرافها )انظر الخريطة(‪.‬‬
‫ول كن هذه ال صين المنتف خة ا لوداج سوف تواجه غال با @ معار ضة خارج ية‬
‫قوية‪ .‬وتوضح الخريطة السابقة إن دولتي الهند وروسيا‪ ،‬في الغرب‪ ،‬ستكون‬
‫لديهما أ سباب جيوبوليت ية قو ية ل كي تتحال فا م عا @ سعيا @ إ لى ا لرد ع لى ت حدي‬
‫الصين‪ .‬ويحتمل أن يركز التعاون بينهما بصورة رئيسية على آسيا الوسطى‬

‫زيادة رئيس وزراء تايلند شافاليت يونغ تشاي يود إلى بكين‪ .‬إن الهدف من الزيارة كان‬
‫قد حدد ع لى أ نه إقا مة ت حالف ا ستراتيجي مع "ال صين ال كبرى" وق يل إن ق يادة تايل ند‬
‫"ا عترفت بال صين ك قوة عظ مى ل ها دول عالمي"‪ ،‬وبأن ها تر غب في أن ت قوم بدور‬
‫"الو سيط )الج سر( ب ين ال صين وراب طة آ سيا"‪ .‬وذه بت سنغافورة إ لى أب عد من ذ لك في‬
‫التشديد على ارتباطها بالصين‪.‬‬

‫‪173‬‬
‫و الباك ستان ح يث ستهدد ال صين م صالحهما بأق صى در جة‪ .‬و في الج نوب‬
‫ستكون المعارضة في أ قوى حد لها من الفيتنام وأندوني سيا )وربما ستدعم‬
‫هذه المعار ضة من ق بل أو ستراليا( أ ما في ال شرق‪ ،‬فإن أمير كا‪ ،‬ا لتي رب ما‬
‫تدعم من قبل اليابان‪ ،‬وسوف تتصرف بعداء إزاء أي جهود صينية هادفة إلى‬
‫تحقيق السيطرة على كوريا وإلى ضم تايوان بالقوة‪ ،‬علما @ أن هذه العمال‬
‫سوف ت ضعف الو جود السيا سي ا لميركي في ال شرق الق صى لي صبح غ ير‬
‫مستقر غالبا @ ومقتصرا @ على مكان واحد في اليابان ‪.‬‬
‫وأخ يرا@‪ ،‬فإن احت مال حدوث أي من ال سيناريوهات المخط طة ع لى‬
‫ال خرائط ل ي عترض ع لى كيف ية ت طوير ال صين لنف سها فح سب‪ ،‬بل وع لى‬
‫السلوك والضغط الميركيين أيضا‪ .‬فأميركا غير المشغولة في أماكن أخرى‬
‫سوف تج عل ال سيناريو ال ثاني أ كثر احت مال@‪ ،‬ول كن ف حتى الظ هور ال شامل‬
‫لل سيناريو ا لول سوف يتط لب ب عض التك يف ا لميركي و شيئا @ من ضبط‬
‫الن فس‪ .‬إن ال صينيين يعر فون ذ لك‪ ،‬و لذا ي جب أن تر كز السيا سة ال صينية‬
‫بصورة رئيسية على تأثير في كل من السلوك الميركي‪ ،‬والعلقة الميركية‬
‫اليابان ية الحر جة أو الحسا سة ب شكل خاص‪ ،‬ع لى أن ت تم معال جة عل قات‬
‫الصين الخرى تكتيكيا @ مع إبقاء ذلك الهتمام الستراتيجي المذكور سابقا @ في‬
‫الذهن‪.‬‬
‫إن معار ضة ال صين الرئي سية لمير كا ل يتع لق ب ما ت قوم به أمير كا فعل‬
‫بقدر ما يتعلق بما هي أميركا عليه في الوقت الراهن وبالمكان الذي تشغله‪.‬‬
‫فال صين تن ظر إ لى أمير كا بو صفها الدو لة المهيم نة حال يا @ ع لى ال عالم‪ ،‬و من‬
‫منظور كون وجودها ذاته في هذه المنطقة من العالم والمتوضع في موقعه‬
‫الم سيطر في اليا بان‪ ،‬يع مل ع لى اح تواء ن فوذ ال صين‪ .‬وح سب قول مح لل‬
‫صيني يع مل في فرع الب حاث من وزارة الخارج ية ال صينية‪ " :‬فإن ال هدف‬
‫ال ستراتيجي ا لميركي هو ال سعي إ لى الهيم نة ع لى ال عالم ك له‪ ،‬وأمير كا ل‬
‫ت ستطيع تح مل ظ هور أي قوة كبرى في ال قارتين الورب ية وال سيوية ت شكل‬
‫تهد يد أو خ طرا @ على موقعها القيادي"‪ .((1‬و من هنا‪ ،‬وبمجرد كون أمير كا في‬
‫ما هي عل يه ا لن و في الم كان ا لذي تو جد ف يه حال يا@‪ ،‬يج عل من ها عدوا @ غ ير‬
‫مقصود للصين أكثر مما هي حليف طبيعي لها‪.‬‬

‫)‪ (1‬سونغ ييمين "مناقشة تقسيم وتجميع القوات في العالم بعد نهاية الحرب الباردة"‪،‬‬
‫الدرا سات الدول ية )مع هد ال صين للدرا سات الدول ية‪ ،‬بك ين( ‪ .10-(1996)8-6‬وإن كون هذا‬
‫التقييم لميركا بمثل وجهة نظر القيادة العليا للصين مشار إليه في الحقيقة المتمثلة في‬
‫أن نموذ جا @ أق صر من هذا التحل يل ظ هر في صحيفة ال حزب الشيوعي ال صيني الوا سعة‬
‫النتشار‪" ،‬رينمين ريباو" )صحيفة الشعب اليومية(‪ ،‬الصادرة في ‪29‬نيسان ‪.1996‬‬

‫‪174‬‬
‫وبال تالي‪ ،‬فإن مه مة السيا سة ال صينية‪ ،‬إذا أرادت ال خذ بالحك مة‬
‫الستراتيجية القديمة "صن تسو"‪ ،‬تتمثل في استخدام القوة الميركية لدحر‬
‫الهيمنة الميركية سلميا@‪ ،‬ولكن بدون أي إثارة للطموحات اليابانية القليمية‬
‫الكام نة‪ .‬و لذا ي جب ع لى الجيوا ستراتيجية ال صينية أن تح قق أو ت سعى إ لى‬
‫هدفين في آن‪ ،‬حسبما حدد ذلك على نحو غامض إلى حد ما من قبل دانغ‬
‫ك سيوبينغ في آب ‪ ،1994‬وه ما أول @ معار ضة الهيم نة وسيا سة ال قوة إن قاذ‬
‫ال سلم ال عالمي‪ ،‬وثان يا @ ب ناء ن ظام سيا سي واقت صادي دو لي جد يد"‪ .‬فا لول‬
‫يستهدف بوضوح‪ ،‬الوليات المتحدة وهو ذو هدف متمثل في إضعاف التفوق‬
‫ا لميركي‪ ،‬بين ما ي تم تج نب ال صدام الع سكري ب كثير من ال حذر لنه سوف‬
‫ينتهي اندفاع الصين إلى القوة القتصادية‪ ،‬والثاني يسعى إلى إعادة النظر‬
‫في توز يع ال قوة العالم ية‪ ،‬بالعت ماد ع لى ال ستياء في ب عض ا لدول الرئي سة‬
‫من ن ظام الق ضم ال عالمي الرا هن‪ ،‬ا لذي ت قف ف يه الول يات المت حدة ع لى‬
‫الق مة‪ ،‬مدعو مة من ق بل أور با )أو ألمان يا( في أق صى ال غرب من أورا سيا‪،‬‬
‫ومن قبل اليابان في أقصى الشرق وعموما@‪ ،‬فإن الهدف الثاني للصين حث‬
‫بكين على أخذ بجيواستراتيجية إقليمية تسعى إلى تجنب أي نزاعات خطرة‬
‫مع جيران ها المبا شرين‪ ،‬حتى ع ندما ت كون م ستمرة في ال سعي إ لى تحق يق‬
‫الت فوق ا لقليمي‪ .‬وه كذا‪ ،‬ن جد أن التح سن الت كتيكي في العل قات ال صينية‬
‫الروسية يأتي فعل @ في حينه‪ ،‬ولسيما أن روسيا هي الن أضعف من الصين‪.‬‬
‫وبال تالي‪ ،‬ف في ني سان من ال عام ‪ ،1997‬ا شتركت ا لدولتان في ا ستنكارهما‬
‫"للهيم نة" و في ا لعلن عن أن تو سع ال ناتو "غ ير م سموح به" ومه ما ي كن‬
‫ا لمر‪ ،‬فل يس محتمل أن تأ خذ ال صين جديا @ في اعتبار ها أي ت حالف رو سي‬
‫صيني شامل وطويل المد ضد أميركا فذلك سوف يؤدي تعميق وتوسع أبعاد‬
‫الت حالف ا لميركي اليا باني ا لذي تر يد ال صين أن ت صفعه بب طء ك ما سوف‬
‫يعزل الصين عن مصادر هامة جدا @ للتكنولوجيا الحديثة وراس المال‪.‬‬
‫وعلى غرار العلقات الصينية الروسية‪ ،‬فإن الصين يلئمها أن تتجنب أن‬
‫صدام مبا شر مع اله ند‪ ،‬حتى ع ندما ت كون م ستمرة في المحاف ظة ع لى‬
‫تعاون ها الع سكري الوث يق مع الباك ستان وبور ما‪ .‬و سيكون لسيا سة ال عداء‬
‫المكشوف تأثير سلبي في تعقيد تكيف الصين تكتيكيا @ مع روسيا‪ ،‬وذلك في‬
‫الوقت الذي تندفع فيه الصين نفسها نحو علقات تعاونية أقوى مع أميركا‪.‬‬
‫و ضمن ال مدى ا لذي ت شاطر ف يه اله ند ال ستعداد للو قوف ضد "الهيم نة"‬
‫العالم ية الحال ية ن جد أن أي إ ضعاف أو تخف يض في حالت ال توتر ال صينية‬
‫الهندية يكمن أيضا @ في مشاطرة الصين لتركيزها الجيواستراتيجي الوسع ‪.‬‬

‫‪175‬‬
‫تنط بق ن فس العت بارات عمو ما @ ع لى عل قات ال صين الحال ية بج نوب‬
‫شرق آ سيا‪ .‬ف حتى ع ندما يؤ كد ال صينيون من طرف وا حد م طالبتهم بب حر‬
‫الصين الجنوبي‪ ،‬نجد أنهم يعملون في الوقت ذاته على مراعاة قادة جنوب‬
‫شرق آسيا )باستثناء القادة الفيتناميين الذين يعتبرون في حالة عداء تاريخي‬
‫مع هم(‪ ،‬م ستغلين الم شاعر ا لكثر و ضوحا @ في ال عداء لل غرب )ول سيما في‬
‫قضية القيم الغربية وحقوق النسان( الذي بدا واضحا @ في السنوات الخيرة‬
‫لدى قادة ماليز يا و سنغافورة ‪.‬ف قد ر حب هؤلء ع لى ن حو خاص بالخ طاب‬
‫ال شديد الله جة الم عادي ل لميركيين ا لذي أل قاه رئ يس وزراء ماليز يا دا توك‬
‫م هاتير‪ ،‬ا لذي ت سائل ف يه ج هارا @ في ندوة ع قدت في طوك يو في أ يار ‪1996‬‬
‫حتى عن الحا جة أ صل @ إ لى معا هدة ا لمن المع قودة ب ين الول يات المت حدة‬
‫واليا بان‪ ،‬مطال با @ أن ي عرف هو ية ال عدو ا لذي ي فترض أن يدافع هذا الت حالف‬
‫ضده‪ ،‬ومؤ كدا @ أن ماليز يا ل تح تاج حل فاء‪ .‬ويح سب ال صينيون بو ضوح أن‬
‫ن فوذهم في هذه المنط قة من ال عالم سوف يتح سن أتوماتيك يا @ كل ما ضعف‬
‫موقف أميركا فيها ‪.‬‬
‫وعلى نحو مماثل نجد أن ضغط المريض يبدو ناجحا @ عن سياسة الصين‬
‫الراهنة إزاء تايوان‪ .‬فبينما يتبنى القادة الصينيون وضعا @ يتسم بالتصلب إزاء‬
‫الوضع الدولي لتايوان‪ ،‬وإلى حد يبدو فيه أنهم راغبون في أن يختلقوا عمدا‬
‫توترات دول ية لكي ينق لوا عبر ها جد ية ال صين إزاء هذه الم سألة )ك ما حدث‬
‫في آذار ‪ ،(1996‬ن جد بال تالي أن هم متأ كدون‪ ،‬تخمي نا@‪ ،‬من ا ستمرار افت قارهم‬
‫حل مرض‪ .‬و هم متأ كدون أيضا‬ ‫“‬ ‫في ا لوقت اللزم إلى ال قوة اللز مة ل فرض‬
‫أن اعتمادهم قبل الوان على القوة لن يؤدي إل إلى تعجيل الصدام المدمر‬
‫ذات يا @ مع أمير كا‪ ،‬وع لى تقو ية دور أمير كا بو صفها ال ضامن ا لقليمي لل سلم‪.‬‬
‫وبال ضافة إ لى ذ لك‪ ،‬فإن ال صينيين أنف سهم ي عترفون بأن مدى ا ستيعابهم‬
‫الجيد والفعال لهونغ كونغ سوف يقرر إلى حد كبير الفاق المستقبلية لظهور‬
‫الصين العظمى ‪.‬‬
‫إن التكيف الذي كان يحدث في العلقات الصين بكوريا الجنوبية هو جزء‬
‫مك مل لسيا سة تدعيم مجنبات ها ل كي ت كون قادرة ع لى ا لتركيز بفعال ية أ كبر‬
‫ع لى ال هدف المر كزي‪ .‬وإذا أ خذنا في العت بار تار يخ كور يا م شاعرها العا مة‬
‫نجد أن التكيف الصيني الكوري بحد ذاته يسهم في إضعاف الدور القليمي‬
‫المحتمل لليابان‪ ،‬ويهيئ الظروف أو الخلفية اللزمة لظهور علقة ذات طابع‬
‫تقل يدي أ كثر حدة ب ين ال صين وكور يا )إ ما الم عاد توح يدها أو ا لتي ل تزال‬
‫مقسمة( ثانية ‪.‬‬

‫‪176‬‬
‫وا لهم من ذ لك‪ ،‬هو أن التح سن ال سلمي للمو قف ا لقليمي لل صين‬
‫سوف يسهل متابعة الهدف المركزي‪ ،‬الذي كان الستراتيجي الصيني القديم‬
‫" صن ت سو" قد صاغه ك ما ي لي" "أن ي تم إ ضعاف ال قوة القليم ية الميرك ية‬
‫إ لى ال حد ا لذي ت صبح ف يه أمير كا الم ضعفة بحا جة إ لى ال صين الم سيطرة‬
‫إقليميا @ بوصفها حليفا @ لها وحتى في نهاية المطاف إلى الصين القوية عالميا‬
‫شريكا @ لها"‪ .‬وعموما@‪ ،‬يجب أن يتم السعي إلى هذا الهدف وتحقيقه بطريقة‬
‫سرع‬‫„‬ ‫ل ت سرع التو سع ا لدفاعي في م جال الت حالف ا لميركي اليا باني ول ت‬
‫أي ضا @ ال ستبدال ا لقليمي ل قوة أمير كا ب قوة اليا بان‪ .‬ول كي تح قق ال صين‬
‫ال هدف المر كزي في ال مدى القر يب‪ ،‬فإن ها ت سعى إ لى م نع تعز يز وتو„ سع‬
‫الت عاون ا لمني ا لميركي اليا باني‪ .‬و قد خ شيت ال صين ب شكل خاص الز يادة‬
‫الفعلية في بداية العام ‪ 1996‬في مدى التعاون المني الميركي الياباني من‬
‫"الشرق القصى" الضيق إلى "آسيا الباسيفيكية" الوسع‪ ،‬معتبرة أن ذلك ل‬
‫يشكل خطرا @ مباشرا @ على المصالح الصينية فحسب‪ ،‬بل نقطة انطلق أيضا‬
‫لمنظو مة أمن ية آ سيوية تخ ضع ل سيطرة أميرك ية وت هدف إ لى اح تواء ال صين‬
‫)وا لتي ستكون اليا بان في ها الم حور السا سي الح يوي‪ ،((1‬شأنها شأن ألمان يا‬
‫في الناتو في فترة الحرب الباردة (‪ .‬وقد نظر إلى التفاقية عموما @ في بكين‬
‫ع لى أن ها ت سهل ا لبروز الفع لي لليا بان ك قوة ع سكرية رئي سة‪ ،‬ورب ما قادرة‬
‫حتى ع لى العت ماد ع لى ال قوة في حل النزا عات القت صادية أو البحر ية‬
‫ال بارزة بنف سها‪ .‬وه كذا يحت مل أن تع مل ال صين ب قوة ع لى إ ثارة الم خاوف‬
‫ال سيوية ا لتي ل تزال قو ية من أي دور ع سكري‪ .‬يا باني م هم في هذه‬
‫المنطقة من العالم‪ ،‬بغية تقييد أميركا وترويع اليابان ‪.‬‬
‫ومهما يكن المر‪ ،‬ففي المدى الطويل‪ ،‬وحسب الحسابات الستراتيجية‬
‫لل صين‪ ،‬فإن الهيم نة الميرك ية ل ت ستطيع أن ت ستمر‪ .‬و بالرغم من أن ب عض‬
‫الصينيين‪ ،‬ول سيما العسكريين منهم‪ ،‬يميلون إلى انظر إلى أميركا بوصفها‬

‫إن تدقيقا @ مف صل @ لن ية أمير كا المزعو مة عن ب ناء م ثل هذه المنظو مة ال سيوية‬ ‫)‬

‫المضادة للصين جاء في مقال وانغ شونيين‪ ،‬التطلع إلى المام إلى المن السيوي‬
‫البا سيفيكي في بدا ية ال قرن ال حادي والع شرين ‪ .‬و قد أ كد مع لق صيني آ خر إن‬
‫الترتي بات المن ية الميرك ية اليابان ية كانت قد غ يرت من "درع د فاعي "ي هدف إ لى‬
‫اح تواء ال قوة ال سوفييتية إ لى "ر مح ه جومي"م سدد إ لى ال صين ) يانغ بيج يانغ‪،‬‬
‫"مضامين العلن المني الياباني الميركي "في مجلة ]العلقات الدولية المعاصرة‬
‫[‪ 20 ،‬حزيران ‪ .(1996،‬وفي ‪ 31‬كانون الثاني ‪ ، 1997‬نشرت الصحيفة اليومية الناطقة‬
‫بل سان ال حزب ال شيوعي ال صيني "رينم ين ري باو" م قال @ بع نوان ‪ ":‬تقو ية الح لف ل‬
‫تتوافق مع التجاهات السائدة حاليا" حيث استنكرت فيه إعادة تحديد حجم التعاون‬
‫العسكري الميركي الياباني معتبرة إياه "خطوة خطرة "‪.‬‬

‫‪177‬‬
‫ال عدو الح قود والعن يد للصين‪ ،‬ك ما أن التو قع ال سائد في بك ين هو أن أمير كا‬
‫سوف ت صبح أ كثر عز لة إقليم يا @ ب سبب اعتماد ها الم بالغ ف يه ع لى اليا بان‪،‬‬
‫وبالتالي فإن اعتماد أميركا على اليابان سوف يزداد أكثر‪ ،‬ولكن ستزداد أيضا‬
‫التناق ضات الميرك ية اليابان ية والم خاوف الميرك ية الميرك ية عن النز عة‬
‫الع سكرية اليابان ية‪ .‬و سوف يج عل ذ لك‪ ،‬ع ندئذ من المم كن لل صين أن تدفع‬
‫أميركا واليابان إلى أن تلعبا إحداهما ضد الخرى‪ ،‬على غرار ما فعلت الصين‬
‫في وقت سابق مع الوليات المتحدة والتحاد السوفييتي‪ .‬وحسب وجهة نظر‬
‫بك ين‪ ،‬ف سوف يأتي ا لوقت ا لذي تتأ كد ف يه أمير كا من أن ها ل كي تب قى قوة‬
‫آ سيوية با سيفيكية مؤثرة‪ ،‬ف لن ي كون ل ها أي خ يار سوى أن تت حول إ لى‬
‫شريكها الطبيعي في الرض الم السيوية ‪.‬‬
‫اليابان‪ :‬ليست إقليمية بل دولية‬
‫إن كيف ية ت طور العل قة الميرك ية اليابان ية هي ب عد حرج في الم ستقبل‬
‫الجيوبول يتي لل صين‪ .‬فم نذ انت هاء ال حرب الهل ية ال صينية في ال عام ‪،1949‬‬
‫كانت ول تزال سياسة أميركا في الشرق الوسط معتمدة على اليابان‪ .‬وإذا‬
‫كانت اليا بان في البدا ية قد شكل„ت موق عا @ ف قط لتو ضع ال قوة الع سكرية‬
‫الميرك ية المحت لة‪ ،‬فإن ها لم تل بث أن أ صبحت قا عدة للو جود السيا سي‬
‫العسكري لميركا في المنطقة السيوية الباسيفيكية‪ ،‬وحليفا @ عالميا @ ذا أهمية‬
‫رئي سة لمير كا‪ ،‬ومحم ية أمن ية أي ضا ‪ .‬ومه ما ي كن ا لمر‪ ،‬فإن ظ هور ال صين‬
‫ع لى الم سرح أ ثار فعل ال سؤال ع ما إذا كانت العل قة الميرك ية اليابان ية‬
‫الوثي قة سوف ت ستمر في ال سياق ا لقليمي المتغ ير‪ ،‬و لي هدف‪ .‬وعمو ما@‪،‬‬
‫فإن دور اليا بان في ت حالف م ضاد لل صين سوف ي كون وا ضحا@؛ ول كن ماذا‬
‫يجب أن يكون دور اليابان إذا جرى استيعاب نهوض أو صعود الصين بشكل‬
‫ما أو بأخر وحتى إذا كان هذا الدور سيضعف سيادة أميركا في هذه المنطقة‬
‫؟‬
‫إن اليا بان هي‪ ،‬شأنها شأن ال صين‪ ،‬دو لة قوم ية ذات إح ساس مت جذر‬
‫بع مق بطابع ها الفر يد في نوعه وبموقع ها ال خاص‪ .‬وإن تاريخ ها المنف صل أو‬
‫المت سم بالعز لة‪ ،‬و حتى ميتولوجيت ها المبراطور ية‪ ،‬عمل @ ع لى تهيئة ال شعب‬
‫جد )الكادح( والمنضبط لرؤية نفسه بوصفه ممنوحا @ تلك الطريقة‬ ‫الياباني الم „‬
‫المتميزة والمتفوقة في الحياة‪ ،‬والتي دافعت عنها اليابان في البداية بالعزلة‬
‫الرائ عة ثم بالتقل يد‪ ،‬ع ندما فرض ال عالم نف سه في ال قرن التا سع ع شر‪،‬‬
‫للمبراطور يات الوروب ية في ال سعي إ لى خ لق إمبراطور ية خا صة ب ها في‬
‫ا لرض ا لم ال سيوية‪ .‬و لم تل بث كار ثة ال حرب العالم ية الثان ية أن جع لت‬
‫ال شعب اليا باني ير كز ع لى ال هدف ذي الب عد الوا حد في ا ستعادة العاف ية‬

‫‪178‬‬
‫القت صادية‪ ،‬ولكن ها‪ ،‬أي هذه الكار ثة‪ ،‬تر كت هذا ال شعب في حا لة من عدم‬
‫اليقين إزاء المهمة الوسع نطاقا @ لبلده ‪.‬‬
‫إن الم خاوف الراه نة لمير كا من ال صين الم سيطرة هي بقا يا لل هوس‬
‫ا لميركي ال حديث ن سبيا @ من اليا بان‪ .‬فق بل ع قد وا حد من الز من‪ ،‬كانت‬
‫التنبؤات عن البروز الحتمي والوشيك لليابان "كدولة عظمى" في العالم‪ ،‬قد‬
‫أثارت الخوف ليس من خلع أميركا عن عرش العالم‪ ،‬بل )وحتى عن طردها‬
‫خارج الم سرح( فح سب‪ ،‬بل و من احت مال فرض نوع ما من "ال سلم‬
‫ا لميركي" ع لى هذا ال عالم‪ ،‬وبال تالي‪ ،‬فإن هذه التن بؤات أ صبحت ال شغل‬
‫ال شاغل للمعلق ين والسيا سيين ا لميركيين‪ .‬ول كن ذ لك لم ي حدث ب ين‬
‫الميركيين فقط‪ .‬فاليابانيون أنفسهم سرعان ما أصبحوا مقلدين متشوقين‬
‫إ لى الت فوق‪ ،‬مع سل سلة من ال سلع ا لكثر مبي عا @ في اليا بان عززت المقو لة‬
‫بأن قدر اليا بان هو أن تت فوق في الت نافس ع لى التكنولوج يا العالم ية مع‬
‫الول يات المت حدة‪ ،‬وأن ها‪ ،‬أي اليا بان سرعان ما ست صبح مر كز "إمبراطور ية‬
‫المعلومات" العالمية‪ ،‬بينما تترلق أميركا‪ ،‬حسب الزعم الياباني‪ ،‬إلى الوراء‬
‫بسبب تعبها التاريخي وانغماسها الذاتي الجتماعي في الملذات والهواء ‪.‬‬
‫عم لت هذه التحليلت ال سهلة ع لى الت عتيم ع لى الدر جة ا لتي كانت‬
‫اليا بان في ها‪ ،‬ول تزال‪ ،‬دو لة غ ير مني عة‪ .‬ف هي غ ير مني عة إزاء أ خف حالت‬
‫الت مزق أو الختلل في ال تدفق ال عالمي المنت ظم لل موارد والت جارة‪ ،‬هذا إذا‬
‫لم نذكر ال ستقرار ال عالمي عمو ما@‪ ،‬و هي تغ لق أي ضا @ ب سبب نواحي ال ضعف‬
‫ا لداخلي ا لتي تظ هر ع لى ال سطح‪ ،‬ب ما في ها ال نواحي الديموغراف ية‪،‬‬
‫والجتماع ية ‪ ،‬والسيا سية‪ .‬فاليا بان هي غن ية‪ ،‬ودينام ية‪ ،‬وقو ية اقت صاديا@‪ ،‬في‬
‫آن‪ ،‬ولكن ها معزو لة إقليم يا@‪ ،‬ومق يدة سيا سيا @ ب سبب اعتماد ها ا لمني ع لى‬
‫حل يف قوي يع تبر‪ ،‬م صادفة‪ ،‬ال حافظ الرئ يس لل ستقرار ال عالمي )تعت مد‬
‫اليابان عليه كثيرا(‪ ،‬وفي الوقت ذاته يعتبر المنافس القتصادي الرئيسي لها‬
‫)لليابان( أيضا @ ‪.‬‬
‫ول يحت مل أن يب قى الو ضع الرا هن لليا بان‪ ،‬ا لذي هو مح طة طا قة‬
‫اقتصادية محتر مة عالميا @ من ناحية‪ ،‬وامتداد جيوبوليتي لل قوة الميركية من‬
‫ناح ية ثان ية‪ ،‬مق بول @ من ق بل الج يال اليابان ية الجد يدة‪ ،‬ا لتي لم ت عد ت شعر‬
‫بعمق المأساة والعار اللذين خلفتهما تجربة الرحب العالمية‪ .‬ولسباب تتعلق‬
‫بالتاريخ واحترام الذات معا@‪ ،‬فإن اليابان هي بلد ليس راضيا @ كليا @ عن الوضع‬
‫ال عالمي الرا هن‪ ،‬وإن كان ذ لك ي عبر ع نه بأ سلوب أ كثر است سلما @ م ما هو‬
‫عل يه ا لمر بالن سبة إ لى ال صين‪ .‬ف هي‪ ،‬أي اليا بان‪ ،‬ت شعر‪ ،‬مع شيء من‬
‫التبرير‪ ،‬أنها تستحق أن يعترف بها كقوة عالمية‪ ،‬ولكنها حذرة وتعي أيضا @ أن‬

‫‪179‬‬
‫أعتماد ها ا لمني المف يد إقليم يا @ )والمطمئن أي ضا @ لجيران ها ال سيويين( ع لى‬
‫أميركا يمنع هذا لعتراف ‪.‬‬
‫وبال ضافة إ لى ذ لك‪ ،‬فإن ال قوة المتنام ية لل صين ع لى ا لرض ا لم في‬
‫آ سيا‪ ،‬وإ لى جانب الحت مال بأن نفوذ ها يمك نه أن ي شع حال @ إ لى الم ناطق‬
‫البحرية ذات الهمية القتصادية لليابان‪ ،‬تعمل على تقوية الحساس الياباني‬
‫بالغموض في ما يتعلق بالمستقبل الجيوبوليتي لهذه البلد‪ .‬فمن ناحية أولى‪،‬‬
‫يو جد في اليا بان ت عاطف ث قافي و عاطفي قوي مع ال صين إ ضافة إ لى‬
‫إح ساس كامن بالهو ية ال سيوية الم شتركة‪ .‬ويم كن لب عض اليا بانيين أن‬
‫يشعروا أيضا @ بأن ظهور دولة صينية أقوى يمكن أن يكون له تاثير ملئم في‬
‫تحسين أو تعزيز أهمية اليابان للوليات المتحدة في الوقت الذي تضعف فيه‬
‫ال سلطة العليا القليمية لمير كا‪ .‬ومن ناحية ثانية‪ ،‬فإن الصين هي‪ ،‬بالن سبة‬
‫إلى الكثير من اليابانيين‪ ،‬منافس تقليدي‪ ،‬وعدو سابق‪ ،‬وخطر محتمل على‬
‫ا ستقرار المنط قة‪ .‬و هذا يج عل الرت باط ا لمني مع أمير كا أ هم من ال سابق‪،‬‬
‫حتى و لو زاد ا ستياء ب عض اليا بانيين ا لكثر ت شددا @ ع لى ال صعيد ال قومي من‬
‫القيود المزعجة على الستقلل السياسي والعسكري لليابان ‪.‬‬
‫يو جد ت شابه ظاهري ب ين و ضع اليا بان في ال شرق الق صى الورا سي‬
‫وألمان يا في ال غرب الق صى الورا سي‪ .‬فكل هاتين ا لدولتين من الحل فاء‬
‫ا لقليميين الرئي سيين للول يات المت حدة‪ .‬و في الوا قع‪ ،‬فإن ال قوة الميرك ية‬
‫في أورو با وآ سيا م شتقة مبا شرة من الت حالف الوث يق مع هاتين ا لدولتين‪.‬‬
‫وكلتاه ما تمل كان مؤس سات ع سكرية محتر مة‪ ،‬ول كن أ يا منه ما ل تم لك‬
‫ا ستقللية في هذا الم جال‪ :‬فألمان يا مق يدة بالتكا مل الع سكري مع ح لف‬
‫الطل سي )ال ناتو(‪ ،‬بين ما تق يد اليا بان بتحد يداتها الد ستورية )وإن كانت من‬
‫ت صميم أمير كي( وبمعا هدة ا لمن الميرك ية اليابان ية‪ .‬و كذلك‪ ،‬فإن هاتين‬
‫الدولتين هما محطتا طاقة تجارية ومالية‪ ،‬ومسيطرتان إقليميا@‪ ،‬وبارزتان في‬
‫الت فوق على الصعيد ال عالمي‪ .‬ويمكن تصنيفهما ك قوتين شبه عالميتين‪ ،‬ك ما‬
‫أن كلتيهما غاضبتان من الستمرار في تجاهلهما وعدم العتراف رسميا @ بهما‬
‫من خلل إعطائهما مقعدين دائمين في مجلس المن الدولي‪.‬‬
‫ول كن الختل فات في شروطهما الجيوبوليت ية ل تزال حب لي‪ ،‬و قد ت كون‬
‫له ما ن تائج محتم لة ها مة‪ .‬وإن العل قة الفعل ية للمان يا بال ناتو ت ضع البلد في‬
‫مو قع م ساو“ لحلفائ ها ا لوروبيين الرئي سيين‪ ،‬وت حت مظ لة معا هدة شمال‬
‫الطل سي )ال ناتو(‪ ،‬ك ما أن للمان يا التزا مات دفاع ية متباد لة ر سمية مع‬
‫الوليات المتحدة‪.‬‬

‫‪180‬‬
‫وعمو ما‪ ،‬فإن المعا هدة المن ية الميرك ية اليابان ية ت شترط التزا مات‬
‫أميرك ية ل لدفاع عن اليا بان‪ ،‬ولكن ها ل ت شترط ) حتى وإن ر سميا @ ف قط( أن‬
‫تستخدم القوات العسكرية اليابانية للدفاع عن أميركا‪ .‬فالمعاهدة في الواقع‬
‫تنظم علقة وقائية‪.‬‬
‫وبال ضافة إ لى ذ لك‪،‬فلم ي عد أ حد ين ظر إ لى ألمانيا‪ ،‬و من خلل عضويتها‬
‫النا شطة في الت حاد ا لوروبي وح لف الطل سي )ال ناتو( بو صفها خ طرا@‪،‬‬
‫وخاصة أولئك الجيران الذين كانوا في الماضي ضحايا لعدوانها‪ ،‬ولكن أصبح‬
‫الجم يع ين ظرون إلي ها من زاو ية أ خرى ح يث يعتبرون ها شريكا @ اقت صاديا‬
‫وسياسيا @ مرغوبا @ فيه‪ .‬وثمة من يرحبون بالظهور المحتمل لوروبا الوسطى‬
‫المقادة من قبل ألمانيا‪،‬حيث ينظر إليها كقوة إقليمية معتدلة‪ .‬وهذا يختلف‬
‫كثيرا @ عن حال الج يران ال سيويين لليا بان‪ ،‬ا لذين ل يزا لون يك نون عداوة‬
‫إزاءها تعتبر من بقايا الحرب العالمية الثانية‪ .‬وثمة عامل يسهم في استياء‬
‫الج يران هو تقي يم ال ين )و حدة العم لة اليابان ية( ا لذي لم يثر ف قط شكاوى‬
‫مرة بل أعاق أيضا @ إجراء تسويات مع ماليزيا‪ ،‬وأندونيسيا‪ ،‬والفليلبين‪ ،‬وحتى‬
‫ال صين‪ ،‬عل ما @ أن ‪ 30‬في المئة من ا لديون ال كبيرة والطوي لة ال مد ل هذه‬
‫الدول‪ ،‬والمستدانة من اليابان‪ ،‬هي بالين‪.‬‬
‫ل يوجد لليابان في آسيا معادل لفرنسا إزاء ألمانيا‪ :‬فهذه شريك إقليمي‬
‫معادل بدرجة أقل أو أكثر‪ ،.‬ولكن يوجد جذب ثقافي قوي ومعترف به نحو‬
‫ال صين‪ ،‬ورب ما يخت لط هذا ال جذب بإح ساس با لذنب‪ ،‬ولك نه مت سم بالغموض‬
‫سيا سيا @ من ح يث أن طرف ل ي ثق با لخر‪ ،‬ك ما أن أ يا @ منه ما ل يس م ستعدا‬
‫لق بول الق يادة القليم ية ل لخر‪ .‬ول يو جد لليا بان أي ضا @ م عادل لبول ندا إزاء‬
‫ألمانيا‪ :‬فهذه الدولة أضعف بكثير ولكنها تعتبر من الناحية الجيوبوليتية جارا‬
‫مه ما @ يم كن أن ت صبح الت سوية م عه أو حتى الت عاون واق عا ‪ Ÿ‬ملمو سا‪ .‬ورب ما‬
‫يم كن لكور يا أن ت صبح‪ ،‬وخا صة ب عد التوح يد المحت مل‪ ،‬هذا الم عادل‪ ،‬ول كن‬
‫العل قات اليابان ية الكور ية لي ست ج يدة إل ع لى ال صعيد الر سمي‪ ،‬لن‬
‫الذكريات الكورية عن التحكم الياباني في الماضي وعن الحساس بالتفوق‬
‫الث قافي لدى اليا بانيين يع يق أي ت سوية اجتماع ية حقيق ية‪ .((1‬وأخ يرا@‪ ،‬فإن‬
‫عل قات اليا بان برو سيا كانت ول تزال أ كثر برودة من علقات ها بألمان يا‪.‬‬
‫فرو سيا ل تزال تحت فظ ب جزر الكور يل الجنوب ية بالقوة‪ ،‬عل ما @ أن ها كانت قد‬
‫ج مد العلقة الروسية اليابانية‪.‬‬ ‫احتلت قبل نهاية الحرب العالمية الثانية مما „‬

‫)‪ (1‬كانت "زي جا بان دايج ست"ال صادر في ‪ 25‬شباط‪ ،1997 ،‬قد ذ كرت أ نه ب موجب‬
‫ا ستفتاء ح كومي‪ ،‬و جد أن ‪ 36‬في المئة ف قط من اليا بانيين يحم لون م شاعر ود ية إزاء‬
‫كوريا الجنوبية ‪.‬‬

‫‪181‬‬
‫وباختصار‪ ،‬فإن اليابان معزولة سياسيا @ في منطقتها‪ ،‬بينما ل تعاني ألمانيا من‬
‫هذه الظاهرة ‪.‬‬
‫وبال ضافة إ لى ذ لك‪ ،‬فإن ألمان يا ت شاطر وجيران ها كل @ من الم بادئ‬
‫الديمقراط ية العا مة وا لرث الم سيحي الو سع نطا قا @ لورو با‪ .‬و هي ت سعى‬
‫أي ضا @ إ لى تحد يد هويت ها وتع مل حتى ع لى ت صعيد نف سها ضمن ك يان وق ضية‬
‫ه ما أ كبر من نف سها‪ ،‬ونعني بذلك "أورو با"‪ .‬و في المقا بل‪ ،‬فل تو جد "آ سيا"‬
‫مناف سة‪ .‬ف في الوا قع‪ ،‬فإن ما ضي اليا بان المت سم بالعز لة‪ ،‬و حتى نظام ها‬
‫ا لديمقراطي الرا هن‪ ،‬يميلن إ لى ف صلها عن سائر المنط قة‪ ،‬بالرغم من‬
‫ظ هور الديمقراط ية في ال سنوات ا لخيرة في عدة ب لدان آ سيوية‪ .‬ين ظر‬
‫الكثيرون من السيويين إلى اليابان ليس بوصفها أنانية قوميا@‪ ،‬فحسب‪ ،‬بل‬
‫بوصفها أيضا @ مقلدة للغرب وغير راغبة في النضمام إليهم في التساؤل عن‬
‫وج هات ن ظر ال غرب عن ح قوق الن سان وأهم ية ال ظاهرة الفرد ية‪ .‬وه كذا‪،‬‬
‫ين ظر إ لى اليا بان من ق بل ال كثيرين من ال سيويين ع لى أن ها لي ست آ سيوية‬
‫فعل@‪ ،‬علما @ أن الغرب ذاته يتساءل أحيانا@‪ ،‬وبشيء من الحيرة عن مدى تحول‬
‫اليابان فعل @ إلى دولة ذات مفاهيم غربية ‪.‬‬
‫و في الوا قع‪ ،‬فإن اليا بان لي ست آ سيوية ب شكل مر يح‪ ،‬بالرغم من أن ها‬
‫مو جودة في آ سيا‪ .‬وإن هذا ال شرط ي حد إ لى حد كبير من خيارات ها‬
‫الجيواستراتيجية‪ .‬فالخيار القليمي الحقيقي‪ ،‬والمتمثل في وجود دولة يابانية‬
‫متفوقة إقليميا @ وتبرز الصين في هذا المجال‪ ،‬وحتى لو لم تعد معتمد على‬
‫السيطرة اليابانية‪ ،‬ولكن على التعاون القليمي المقاد من قبلها‪ ،‬ل يبدو قابل‬
‫للحياة لسباب تاريخية‪ ،‬وسياسية‪ ،‬وثقافية قوية‪ .‬وفضل @ عن ذلك‪ ،‬فاليابان ل‬
‫تزال معت مدة ع لى الحما ية الع سكرية الميرك ية وع لى الرعا ية الدول ية‪.‬‬
‫فالل غاء‪ ،‬أو حتى ال ضعاف ال تدريجي للمعا هدة المن ية الميرك ية اليابان ية‬
‫سوف يجعل اليابان غير منيعة فورا @ للتمزفات أو الضطرابات التي يمكن أن‬
‫تنتج عن أي ظهور جدي لضطراب إقليمي أو عالمي‪ .‬وسوف تكون البدائل‬
‫الوحيدة عندئذ متمثلة إما في قبول السيطرة القليمية للصين أو في الخذ‬
‫ببرنامج إعادة تسلح عسكري كثيف وشامل‪ ،‬المر الذي لن يكون مكلفا @ جدا‬
‫فحسب‪ ،‬بل وخطرا @ جدا @ أيضا‪ .‬ومن المفهوم تماما@‪ ،‬أن الكثير من اليابانيين‬
‫يجدون أن الوضع الراهن لبلدهم‪ ،‬والذي تعتبر فيه اليابان قوة شبه عالمية‪،‬‬
‫ومحم ية أمن ية في ا لوقت ذا ته‪ ،‬هو و ضع شاذ‪ .‬ول كن ال بدائل الدرام ية‪،‬‬
‫والقاب لة للح ياة للترتي بات المو جودة حال يا@‪ ،‬لي ست وا ضحة ب حد ذات ها‪ .‬وإذا‬
‫أمكن القول إن ال هداف القومية للصين‪ ،‬وبالرغم من التنوع ا لذي ل يمكن‬
‫تجنبه في وجهات نظر الستراتيجيين الصينيين عن ملمح معينة‪ ،‬هي واضحة‬

‫‪182‬‬
‫ب شكل مبرر وإن ال ندفاع ا لقليمي للطمو حات الجيوبوليت ية لل صين يم كن‬
‫التنبؤ به نسبيا@‪ ،‬فإن الرؤية الجيواستراتيجية لليابان تميل إلى كونها ضبابية أو‬
‫عات مة ن سبيا@‪ ،‬ناه يك ب كون ال مزاج ال عام اليا باني مت سما @ بدر جة أ كبر من‬
‫الغموض‪.‬‬
‫إن مع ظم اليا بانيين متأ كدون من أن أي تغي ير م فاجئ وم هم ا ستراتيجيا‬
‫لمن هج عمل هم أو م سارهم السيا سي يم كن أن ي كون خ طرا‪.‬ف هل ت ستطيع‬
‫اليابان أن تصبح قوة إقليمية في منطقة ل تزال هدفا @ للستياء‪ ،‬وحيث تظهر‬
‫الصين كقوة بارزة إقليميا@‪ ،‬ومع ذلك فهل يجب على اليابان أن تقبل ببساطة‬
‫ب هذا ا لدور ال صيني؟ ثم هل ت ستطيع اليا بان أن ت صبح قوة عالم ية شاملة‬
‫حقيقية )بكل أبعادها( دون أن تعرض للخطر الدعم الميركي ودون أن تثير‬
‫مزيدا @ من العداوة القليمية؟ وهل سوف تبقى أميركا‪ ،‬في أي حال‪ ،‬مسمرة‬
‫في مكانها ول تأتي بحركة في آسيا‪ ،‬وإذا فعلت ذلك‪،‬فكيف سيكون رد فعلها‬
‫على تأثير النفوذ المتنامي للصين في الفضلية التي كانت حتى الن معطاة‬
‫إلى العلقة الميركية اليابانية؟ لم يثر أي من هذه السئلة في معظم فترة‬
‫الحرب الباردة‪ .‬واليوم‪ ،‬أصبحت هذه السئلة بارزة استراتيجيا@‪ ،‬وتثير نقاشا‬
‫حيا @ على نحو متزايد في اليابان‪.‬‬
‫كانت السياسة الخارجية اليابانية ول تزال‪ ،‬منذ أعوام الخمسينات توجه‬
‫بأربعة مبادئ أساسية صاغها رئيس وزراء اليابان شيغيرو يوشيدا الذي وصل‬
‫إلى هذا المنصب بعد الحرب العالمية الثانية‪ .‬وقد طالبت عقيدة يوشيدا بأنه‬
‫يجب أول @ أن يكون الهدف الرئيس لليابان متمثل @ في التطور القتصادي‪ ،‬وأن‬
‫تت سلح اليا بان ثان يا @ ع لى ن طاق ضيق أو خف يف عمو ما @ وتتج نب ال تورط في‬
‫النزا عات الدول ية‪ ،‬وأن ت سير ثال ثا @ ع لى هدى الق يادة السيا سية الميرك ية‬
‫وتق بل بحما ية ع سكرية من الول يات المت حدة‪ ،‬وأن ت كون الدبلوما سية‬
‫الميرك ية راب عا @ غ ير إيدديولوج ية ك ما ي جب ا لتركيز ع لى الت عاون ا لدولي‪.‬‬
‫ومه ما ي كن من أ مر‪ ،‬وب ما أن ال كثير من اليا بانيين شعروا أي ضا @ ب عدم ارت ياح‬
‫إزاء مدى تورط اليا بان في ال حرب ال باردة‪ ،‬فإن الف كرة الخيال ية عن ما‬
‫ي عرف ب شبه الح ياد كانت قد لق يت الرعا ية اللز مة في ا لوقت ذا ته‪ .‬و في‬
‫الواقع‪ ،‬ففي العام ‪ 1981‬اضطر وزير الخارجية اليابانية مازايوشي للستقالة‬
‫لنه سمح باستعمال كلمة "التحالف" في وصف العلقات الميركية اليابانية‪.‬‬
‫إن هذا ك له هو من الما ضي ف قط‪ .‬و قد كانت اليا بان آ نذاك ت ستعيد‬
‫عافيت ها‪ ،‬و كانت ال صين معزو لة ذات يا@‪ ،‬ك ما كانت أورا سيا م ستقطبة‪.‬‬
‫وبالمقارنة‪ ،‬يجد أن النخبة السياسية في اليابان تشعر الن بأن اليابان الغنية‬

‫‪183‬‬
‫والمنخر طة اقت صاديا @ في ال عالم‪ ،‬لم ت عد ت ستطيع أن ت حدد الغ نى ا لذاتي‬
‫بوصفه هدفا @ قوميا @ مركزيا @ دون إثارة الستياء الدولي‪.‬‬
‫وف ضل @ عن ذ لك‪ ،‬فإن اليا بان القو ية اقت صاديا@‪ ،‬وخا صة ت لك ا لتي ت نافس‬
‫أمير كا‪ ،‬ل ت ستطيع بب سلطة أن ت كون م جرد ام تداد للسيا سة الخارج ية‬
‫الميركية بينما تتجنب في الوقت ذاته أي مسؤوليات سياسية دولية وعموما@‪،‬‬
‫فإن اليا بان ال مؤثرة سيا سيا @ بدر جة أ كبر‪ ،‬وخا صة ت لك ا لتي ت سعى إ لى‬
‫اعتراف عالمي بها )وعلى سبيل المثال‪ ،‬حيازتها على مقعد دائم في مجلس‬
‫المن الدولي(‪ ،‬ل تستطيع أن تتجنب اتخاذ مواقف معينة في القضايا المنية‬
‫الكثر حساسية أو في القضايا الجيوبوليتية المؤثرة في السلم العالمي‪.‬‬
‫ونتي جة لذلك‪ ،‬فإن ال سنوات ا لخيرة شهدت انت شارا @ لدرا سات وت قارير‬
‫خاصة لمجموعات متنوعة من الهيئات العامة والخاصة اليابانية‪ ،‬إضافة إلى‬
‫عدد كبير جدا @ من الك تب ال مثيرة لل جدل غال با @ لسيا سيين وأ ساتذة ك بار‬
‫ومعروف ين ج يدا@‪ ،‬ح يث حددت في ها م هام جد يدة لليا بان في فترة ما ب عد‬
‫ال حرب ال باردة‪ .((1‬و قد اح توى ال كثير من هذه الك تب ع لى أف كار متعل قة‬
‫بإمكانية استمرار و)بالرغبة في استمرار( التحالف المني الميركي الياباني‪،‬‬
‫ك ما دا فع أ صحابها عن دبلوما سية يابان ية أ كثر ن شاطا @ وفعال ية‪ ،‬وخا صة ن حو‬
‫)‪ (1‬نذكر على سبيل المثال‪ ،‬لجنة هيغوشي‪ ،‬وهي هيئة استشارية لرئاسة الوزارة‪ ،‬كانت‬
‫قد لخ صت "الع مدة الثل ثة للسيا سة المن ية اليابان ية" في تقر ير صدر في صيف ال عام‬
‫‪ ،1994‬وشددت على أفضلية الرتباطات المنية الميركية اليابانية‪ ،‬ولكنها دافعت أيضا @ عن‬
‫الحوار المني السيوي المتعدد الطراف؛ وتقرير لجنة أوزاوا للعام ‪ ،1994‬بعنوان "برنامج‬
‫عمل ليابان جديدة"‪ .‬وملخص ياميوري شيمبون عن "السياسة المنية الشاملة" المؤرخ‬
‫في أيار ‪ ،1995‬والذي يدافع‪ ،‬بين أشياء أخرى‪ ،‬عن الستخدام الخارجي للقوات العسكرية‬
‫اليابان ية من أ جل المحاف ظة ع لى ال سلم‪ ،‬وتقر ير ني سان ‪ 1996‬لت حاد الهيئات التنفيذ ية‬
‫اليابانية‪ ،‬الذي حضر بمساعدة من قبل مركز البحاث التكنولوجية المشتركة في مصرف‬
‫في جي‪ ،‬وا لذي حث ع لى إي جاد تما ثل أ كثر في الن ظام ا لدفاعي ا لميركي ـ اليا باني؛‬
‫والتقر ير المع نون ب ـ "امكان ية ودور الن ظام ا لمني في المنط قة ال سيوية البا سيفيكية"‬
‫وا لذي قدم إ لى رئ يس ا لوزراء في حز يران ‪ 1996‬من ق بل ال ندوة اليابان ية عن ال شؤون‬
‫الدولية؛ وكذلك عدد كبير من الكتب والمقالت التي نشرت خلل بضع السنوات الخيرة‪،‬‬
‫وا لتي كانت غال با @ أ كثر عن فا @ وت شددا @ في تو صياتها‪ ،‬ك ما أن ها كانت غال با @ تقت بس من ق بل‬
‫و سائل ا لعلم الغرب ية وع لى ن طاق أو سع ب كثير من الت قارير ا لخرى ال مذكورة أعله‪.‬‬
‫وعلى سبيل المثال‪ ،‬ففي العام ‪ 1996‬أثار كتاب حرره جنرال ياباني تعليقات صحفية على‬
‫ن طاق وا سع ع ندما ت جرأ ع لى ال قول إن الول يات المت حدة يم كن أن تف شل‪ ،‬في ظروف‬
‫معينة‪ ،‬في حماية اليابان وبالتالي يجب على هذه الخيرة أن تزيد من إمكاناتها الدفاعية‬
‫القوم ية )ان ظر الج نرال يا سو شيرو موري نو‪ ،‬في" قوة ا لدفاع ا لذاتي البر ية من الج يل‬
‫ال ثاني" والتعلي قات عل يه‪ ،‬في" الخرا فات عن مج يء الول يات المت حدة لم ساعدتنا"‪،‬‬
‫شانكاي شيمبون‪4 ،‬آذار‪.(1996 ،‬‬

‫‪184‬‬
‫ال صين‪ ،‬أو عن دور ع سكري يا باني أ كثر دينام ية في هذه المنط قة من‬
‫العالم‪ .‬وإذا كان على المرء أن يحكم على حالة الرتباط الميركية‪ ،‬اليابانية‬
‫على أساس ال حوار ال عام‪ ،‬ف سيجد مبررا @ لل ستنتاج بأن العل قات بين هاتين‬
‫الدولتين سوف تدخل مرحلة التأزم في منتصف أعوام التسعينات‪.‬‬
‫ومهما يكن من أمر‪ ،‬ففي مستوى السياسة العامة‪ ،‬كانت التوصيات التي‬
‫نوق شت بجد ية‪ ،‬عمو ما@‪ ،‬رزي نة ن سبيا@‪ ،‬وم حددة الب عاد‪ ،‬ومعتد لة‪ .‬فالخ يارات‬
‫القصوى‪ ،‬أي تلك التي تحمـل الطابع السلمي الصحيح )والتي صيغت بلهجة‬
‫)ل غة( معاد ية للول يات المت حدة( أو المتعل قة بإ عادة الت سلح الرئيس ـة‬
‫والحاد ية ال طرف )ا لتي تتط لب إ عادة الن ظر بالد ستور والمتب عة تخمي نا @ في‬
‫ضوء ت حدي رد ف عل إقلي مي وأمير كي م عاد( ا ستقطبت ا لن عددا @ قليل @ من‬
‫المؤ يدين‪ .‬وعمو ما@‪ ،‬فإن الجاذب ية الجماهير ية للنز عة ال سلمية‪ ،‬إن و جدت‪،‬‬
‫أ صبحت في حا لة تل شي في ال سنوات ا لخيرة‪ ،‬و كذلك فإن مذهبي العز لة‬
‫الحاد ية ال جانب‪ ،‬والنز عة الع سكرية ف شل @ في أ ستقطاب ال كثير من ا لدعم‬
‫الج ماهيري بالرغم من أن ب عض ال ناطقين "الم تألقين" با سمهما داف عوا‬
‫عنه ما‪ .‬وه كذا‪ ،‬فإن الجم هور عمو ما@‪ ،‬ونخ بة ر جال الع مال ال مؤثرة ب شكل‬
‫خاص‪ ،‬شعرا بع مق أن أ يا @ من الخ يارين ل ي قدم حل @ سيا سيا @ حقيق يا@‪ ،‬و في‬
‫الحقيقة‪ ،‬فإنهما يؤديان فقط إلى تعريض الرفاهية اليابانية للخطر‪.‬‬
‫كانت المناق شات العا مة ا لتي سيطر علي ها ال طابع السيا سي قد ت ضمنا‬
‫بصورة رئيسة خلفات في التشديد على الوضع الدولي الساسي لليابان‪ ،‬مع‬
‫ب عض الختل فات الثانو ية ا لخرى المتعل قة بالف ضليات الجيوبوليت ية‪ .‬وبت عبير‬
‫أدق‪ ،‬فث مة ثل ثة توج هات رئي سة ورب ما توجه را بع ثانوي‪ ،‬يم كن أن ت حدد‬
‫وت صنف ك ما ي لي‪ " :‬توجه ا لدعاة دون خ جل لمير كا"‪ ،‬و توجه فئة الت جار‬
‫الحت كاريين ال عالميين‪ ،‬و توجه ا لواقعيين النا شطين‪ ،‬و توجه ال حالمين‬
‫ا لدوليين‪ .‬ومه ما ي كن ا لمر‪ ،‬ف في نها ية الم طاف‪ ،‬ن جد أن هذه التوج هات‬
‫الرب عة ت شترك في ن فس ال هدف ال عام وي شغلها اهت مام مر كزي وا حد هو‪:‬‬
‫ا ستغلل العل قة بالول يات المت حدة ل كي تح صل ع لى ال عتراف ال عالمي‬
‫باليابان‪ ،‬بينما يتم تجنب العداوة للسيوية دون تعريض مظلة المن الميركي‬
‫للخطر قبل الوان‪.‬‬
‫ينطلق التوجه الول نقطة من القتراح القائل إن المحافظة على العلقة‬
‫الميركية اليابانية الموجودة )مع العتراف بأنها غير متماثلة أو غير متوازنة(‬
‫ي جب أن تب قى م حورا @ مركز يا @ في الجيوا ستراتيجية اليابان ية‪ .‬وير غب أتباع ها‪،‬‬
‫شأنهم شأن مع ظم اليا بانيين‪ ،‬في ا عتراف دو لي أو سع باليا بان و في در جة‬
‫أ كبر من الم ساواة في الح لف‪ ،‬ول كن الف قرة الرئي سة في إي مانهم هي‪،‬‬

‫‪185‬‬
‫ح سبما عبر عن ها رئ يس ا لوزراء اليا باني كيت شي م يازاوا في كانون ال ثاني‬
‫‪" ،1993‬أن الن ظرة إ لى ال عالم ا لذاهب إ لى ال قرن ال حادي والع شرين سوف‬
‫تعت مد غال با @ ع لى ما إذا كانت اليا بان والول يات المت حدة قادرتين أو غ ير‬
‫قادرتين ع لى تأمين ق يادة من سقة ضمن رؤ ية م شتركة"‪ .‬و قد كانت ‪،‬ول‬
‫تزال‪ ،‬وج هة الن ظر هذه م سيطرة لدى النخ بة السيا سية الدول ية ومؤس سة‬
‫السياسة الخارجية اللتين كانتا مم سكتين بال سلطة خلل الع قدين الما ضيين‬
‫تقري با‪ .‬ف في الق ضايا الجيوا ستراتيجية الرئي سة المتعل قة با لدور ا لقليمي‬
‫لل صين و بالوجود ا لميركي في كور يا‪ ،‬ن جد أن هذه الق يادة كانت مؤ يدة‬
‫للول يات المت حدة‪ ،‬ولكن ها ترى أي ضا @ دور ها بو صفه م صدرا @ للق يود ع لى أي‬
‫نز عة أميرك ية هاد فة إ لى تب ني و ضع مواج هة إزاء ال صين‪ .‬و في الحقي قة‪،‬‬
‫ف حتى هذه المجمو عة أ صبحت تم يل ع لى ن حو متزا يد إ لى الت شديد ع لى‬
‫الحاجة إلى علقات أميركية صينية أوثق‪ ،‬مصنفة أهمية هذه العلقات تحت‬
‫الرتباطات بأميركا بمقدار قليل ‪.‬‬
‫إن التوجه الثاني ل يعارض التحالف الجيواستراتيجي لسياسة اليابان مع‬
‫سياسة أميركا‪ ،‬ولكنه ينظر إلى أن أفضل خدمة تقدم إلى المصالح اليابانية‬
‫هي العتراف الصريح والقبول بالحقيقة القائلة إن اليابان هي قوة اقتصادية‬
‫ب صورة رئي سة‪ .‬وإن هذه الن ظرة تن سجم غال با @ مع البيروقراط ية ال مؤثرة‬
‫تقل يديا @ لوزارة الت جارة وال صناعة الدول ية‪ ،‬و مع ق يادات أع مال الت جارة‬
‫والت صدير في البلد‪ .‬و في وج هة الن ظر هذه‪ ،‬ن جد أن إ ضعاف الع سكرة‬
‫اليابان ية هو أ مر ي ستحق أن ي حافظ عل يه‪ .‬ف مع كون أمير كا ضامنة لمن‬
‫اليا بان‪ ،‬ت صبح هذه ا لخيرة حرة في أت باع سيا سة ال شتباك القت صادي‬
‫العالمي‪ ،‬المر الذي يعزز بهدوء موقفها الدولي ‪.‬‬
‫وفي عالم مثالي‪ ،‬سوف يميل التوجه الثاني إلى تفضيل سياسة تتسم‬
‫على القل بالحياد الواقعي‪ ،‬حيث تتفوق أميركا على القوة القليمية للصين‬
‫وبالتالي تحمي تايوان وكوريا الجنوبية‪ ،‬جاعلة اليابان في وضع مريح يمكنها‬
‫أن تر عى ف يه عل قة اقت صادية أو ثق مع ا لبر الرئي سي من ال قارة‪ ،‬وج نوب‬
‫شرق آسيا‪ .‬ومهما يكن المر‪ ،‬ففي ظل الحقائق السياسية الموجودة‪ ،‬نجد‬
‫أن فئة الت جار ال عالميين تق بل الت حالف ا لميركي اليا باني بو صفة ترتي با‬
‫ضروريا@‪ ،‬بما في ذلك النفقات المتواضعة نسبيا @ المخصصة للقوات المسلحة‬
‫اليابانية )ل تزال دون نسبة ‪ 1‬في المئة من الدخل القومي السنوي الجمالي‬
‫للبلد(‪ ،‬ولكنهم ليسوا متشوقين إلى حقن التحالف بأي وسائل مادية مهمة‬
‫إقليميا @ ‪.‬‬

‫‪186‬‬
‫تميل المجموعة الثالثة‪ ،‬المؤلفة من الواقعيين الناشطين لن تكون في‬
‫عداد الفئة الجديدة من السياسيين والمفكرين الجيوبوليتيين‪ .‬وهم يعتقدون‬
‫أن اليا بان تم لك‪ ،‬بو صفها دو لة ديمقراط ية غن ية وناج حة‪ ،‬الفر صة وال لتزام‬
‫لكي تجعل المور مختلفة فعل @ في عالم ما بعد الحرب الباردة‪ .‬وهي إذ تفعل‬
‫ذلك‪ ،‬فإنها تستطيع أن تحصل على العتراف العالمي الذي تستحقه بوصفها‬
‫مر كز تأثير اقت صادي وت صنف تاريخ يا @ ب ين ا لدول ال كبرى القلي لة في ال عالم‪.‬‬
‫و كان ظ هور هذا الو ضع اليا باني ا لكثر قوة قد أ شير إل يه من ق بل رئ يس‬
‫الوزراء الياباني ياسو شيرو ناكاسوني في أعوام الثمانينات‪ ،‬ولكن ربما كان‬
‫أفضل عرض لوجهة النظر هذه قد جاء في تقرير لجنة أوزاوا المثير للجدل‪،‬‬
‫وا لذي ن شر عام ‪ 1984‬وح مل الع نوان "برنا مج ع مل ليا بان جد يدة‪ :‬التفك ير‬
‫المتجدد للدولة"‪.‬‬
‫وإذ سمي هذا التقر ير با سم رئ يس اللج نة‪ ،‬اي شيروا اوزاوا‪ ،‬وا لذي هو‬
‫قائد سيا سي م هم ظ هر ب سرعة ع لى الم سرح‪ ،‬ف قد دا فع‪ ،‬أي التقر ير‪ ،‬عن‬
‫أمرين هما إضفاء الطابع الديمقراطي على الثقافة السياسية الهرمية للبلد‬
‫وإ عادة التفك ير في الو ضع ا لدولي لليا بان‪ .‬وإذ حث هذا التقر ير ع لى أن‬
‫تصبح اليابان" دولة عادية"‪ ،‬فقد أوصى أيضا @ بإبقاء العلقة المنية الميركية‬
‫اليابانية‪ ،‬ولكنه قدم رأيـا @ آخـر عـن وجوب تخلي اليابان عن سلبيتها الدولية‬
‫بأن تنخرط على نحو ف ع „ال في السياسة العالميـة‪ ،‬وخاصـة في الخذ بدور‬
‫بارز في جهود حفظ السلم الدولية‪ .‬ولهذا الغرض‪ ،‬فقد أوصى التقرير برفع‬
‫التقييدات الدستورية عن إرسال قوات مسلحة يابانية إلى الخارج‪.‬‬
‫أما الشيء الذي لم يقل ولكنه وجد ضمنا @ في التشديد على كون اليابان‬
‫"بلدا @ عاديا@"‪ ،‬فد تمثل في فكرة النعتاق الجيوبوليتي المهم جدا @ من العباءة‬
‫المنية الميركية‪ .‬وكان المدافعون عن وجهة النظر هذه يميلون إلى التأكيد‬
‫بأن اليا بان ي جب أل تتردد‪ ،‬في الم سائل ذات الهم ية العالم ية‪ ،‬في التك لم‬
‫باسـم آسيا عوضا @ عن اتباع خط السير الميركي بصورة أوتوماتيكية‪ .‬ومهما‬
‫ي كن ا لمر‪ ،‬ف قد ظ لوا في و ضع من الغ موض في شأن ت لك الم سائل‬
‫الحسا سة كا لدور ا لقليمي المت نامي لل صين أو م ستقبل كوري ـا‪ ،‬دون أن‬
‫يختلفوا كثيرا @ عن زملئهم التقليديين‪ .‬وهكذا‪ ،‬ففي ما يتعلق بالمن القليمي‪،‬‬
‫شاطروا هؤلء الزمـلء الترعة اليابانية التي ل تزال قوية في شأن إبقاء هذه‬
‫المور ضمن مسؤولية أميركا بصورة رئيسة‪ ،‬على أن تمارس اليابان مجرد‬
‫دور معدل أو مهدئ لي تصرف حماسي مبالغ به من قبل أميركا ‪.‬‬

‫‪187‬‬
‫و في الن صف ال ثاني من أ عوام الت سعنينات بدأ هذا ال توجه ل لواقعيين‬
‫النا شطين في ال سيطرة ع لى التفك ير ال عام و يؤثر في صياغة السيا سة‬
‫الخارج ية اليابان ية‪ .‬ف في الن صف ا لول من ال عام ‪ ، 1996‬بدأت الحكو مة‬
‫اليابان ية تتك لم عن "الديبلوما سية الم ستقلة "لليا بان‪ ،‬حتى بالرغم من أن‬
‫وز ير الخارج ية اليابان ية ال حذر دائ ما @ اخ تار أن يترجم الجم لة اليابان ية عن‬
‫"الدبلوما سية النا شطة " بو صفها ت عبيرا @ أ كثر غمو ضا @ )وإن كان ذ لك يع تبر‪،‬‬
‫تخمينا@‪ ،‬أقل وضوحا @ في توجهه إلى أميركا(‪.‬‬

‫أ ما ال توجه الرا بع‪ ،‬ا لذي يتع لق بال حالمين ا لدوليين‪ ،‬ف قد كان أ قل تأثيرا‬
‫من أي من التوج هات ا لتي سبق ذكر ها‪ ،‬ولك نه خدم أحيا نا @ في ح قن وج هة‬
‫النظر اليابانية بكلمات أكثر مثالية‪ .‬وهو يميل إلى أن يرتبط جماهيريا @ بأفراد‬
‫بارزين مثل أكيو موريتا من شركة سوني الذي أضفى‪ ،‬شخصيا@‪ ،‬طابعا @ دراميا‬
‫على أهمية التزام اليابان الحاسم بالهداف العالمية المرغو بة على الصعيد‬
‫ا لخلقي‪ .‬وغال با @ ما كان هؤلء ال حالمون يدعون اليا بان‪ ،‬من خلل إ ثارتهم‬
‫لف كرة "ن ظام عالمي جد يد"‪ ،‬وبال ضبط لن ها ل تح مل ع بء م سؤوليات‬
‫جيوبوليت ية‪ ،‬إ لى أن ي كون ل ها ال سبق‪ ،‬عالم يا@‪ ،‬في ت طوير وت قديم مف كرة أو‬
‫برنامج أعمال ذي طابع إنساني من أجل المجتمع العالمي ‪.‬‬

‫تتفق كل هذه التوجهات الربعة في قضية إقليمية رئيسة واحدة هي‪ :‬أن‬
‫ظهور أو نشوء المزيد من التعاون السيوي الباسيفيكي المتعدد الطراف هو‬
‫في مصلحة اليابان‪ .‬ويمكن لهذا التعاون أن تكون له‪ ،‬مع مرور الزمن‪ ،‬ثلثة‬
‫تأثيرات إيجاب ية‪ :‬ف هو ي ستطيع أن ي ساعد في أن ي غري ال صين بالم شاركة‬
‫)وأن ي ضع ق يودا@‪ ،‬ب شيء من ا لذكاء‪ ،‬علي ها(؛ وي ستطيع أن ي حافظ على ب قاء‬
‫أميركا في آسيا‪ ،‬حتى وإن كان يعمل في الوقت ذاته على إضعاف سيطرتها‬
‫بالتدر يج؛ و كذلك ي ستطيع أن ي ساعد في تلط يف ال ستياء ضد اليا بان‪،‬‬
‫وبال تالي يز يد من ن فوذ هذه ا لخيرة‪ .‬و بالرغم من أ نه ل يحت مل أن يخ لق‬
‫م جال ن فوذ إقلي مي يابان يا @ فإنه ي ستطيع أن يح قق لليا بان در جة ما من‬
‫الحترام ألقليمي‪ ،‬وخاصة في الدول البحرية البعيدة عن شواطئها التي قد‬
‫ل تكون مرتاحة إزاء القوة المتنامية للصين ‪.‬‬

‫تتفق أيضا @ كل وجهات النظر الربع على أن المراعاة الحذرة للصين هي‬
‫أفضل من أي جهد تقوده أميركا ويهدف إلى الحتواء المباشر لهذه الدولة‪.‬‬

‫‪188‬‬
‫وفي الحقيقة‪ ،‬فإن فكرة الستراتيجية المقادة من قبل أميركا والهادفة إلى‬
‫احتواء الصين‪ ،‬أو حتى فكرة التحالف ال موازن غير الرسمي المقتصر على‬
‫الدول الجزائرية )موجودة في جزر( التي تضم تايوان‪ ،‬والفيليبين‪ ،‬وبروناي‪،‬‬
‫وأندوني سيا‪ ،‬وال مدعوم من ق بل اليا بان وأمير كا‪ ،‬لم ت كن ذات جاذب ية كبيرة‬
‫بالنسبة إلى مؤسسة السياسة الخارجية اليابانية‪ .‬فمن وجهة النظر اليابانية‪،‬‬
‫ن جد أن أي ج هد من هذا ال نوع لن يح تاج إ لى ضغط ع سكري أمير كي كبير‬
‫وغير محدود في كل من اليابان وكوريا فحسب‪ ،‬بل يحتمل أن يصبح‪ ،‬ومن‬
‫خلل خلق تداخل أو تشابك جيوبوليتي ملتهب بين المصالح القليمية الصينية‬
‫من ناحية‪،‬والمصالح الميركية اليابانية من ناحية ثانية )انظر الخريطة(‪ ،‬نبوءة‬
‫ذاتية التحقيق عن صدام مع الصين‪ .((1‬وسوف تكون النتيجة متمثلة في منع‬
‫النع تاق أو الت حرر الت طوري لليا بان وتهد يد الرفاه ية القت صادية في ال شرق‬
‫القصى‪.‬‬
‫وفي نفس هذا المجال‪ ،‬فإن قلة تفضل العكس‪ :‬أي تحقيق وفاق وتكيف‬
‫بين اليابان والصين‪ .‬وإن النتائج القليمية لهذا العكس الكلسيكي للتحالفات‬
‫ستكون غير مستقرة أو مضطربة جدا @ لن ستتمثل في انسحاب أميركي من‬
‫المنطقة‪ ،‬إضافة إلى اللحاق السريع لكل من تايوان وكوريا بالصين‪ ،‬وترك‬
‫اليابان تحت رحمة الصين‪ .‬ليس هذا المر جذابا@‪ ،‬ولن يكون كذلك إل بالنسبة‬
‫إ لى عدد قل يل من المتطرف ين‪ .‬وعمو ما@‪ ،‬ف مع تهم يش رو سيا جيوبوليت يا@‪،‬‬
‫والستخفاف بها تاريخيا@‪ ،‬فليس ثمة بديل للجماع الساسي على أن الرتباط‬
‫بأمير كا يب قى ذ لك ال خط الح ياتي المر كزي لليا بان‪ .‬و بدون ذ لك‪ ،‬فاليا بان ل‬
‫ت ستطيع أن ت ضمن لنف سها إ مدادا @ م ستمرا @ من الن فط ول أن تح مي نف سها‬
‫من قنب لة نوو ية صينية )ورب ما‪ ،‬من قنب لة مماث لة كور ية‪ ،‬في و قت قر يب‬
‫ل حق(‪ .‬ول عل الق ضية السيا سية الحقيق ية‪ ،‬الوح يدة هي ك يف نعا لج بأف ضل‬
‫طريقة الرتباط الميركي بغية دفع المصالح اليابانية إلى المام‪.‬‬
‫وبال تالي‪ ،‬ن جد أن اليا بانيين ذه بوا إ لى م كان بع يد مع الرغ بات الميرك ية‬
‫بغية تعزيز التعاون العسكري الميركي الياباني‪ ،‬بما في ذلك‪ ،‬المجال الذي‬
‫ي بدو متو سعا @ اعت بارا @ من "ال شرق الق صى "الم حدد إ لى" ال صيغة ال سيوية‬
‫الباسيفيكية" ذات البعاد الكثر اتساعا@‪ .‬وانسجاما @ مع ذلك‪،‬وسعت الحكومة‬

‫كان بعض اليابانيين المحافظين قد تعرضوا للغراء بفكرة إقامة ارتباط خاص بين‬ ‫)‬

‫اليابان وتايوان‪ ،‬وفي العام ‪ 1996‬شكلت رابطة برلمانية يابانية تايوانية لكي تطور‬
‫هذا الهدف‪ ،‬فكان رد الفعل الصيني‪ ،‬حسبما تم التنبؤ به‪ ،‬معاديا‪.‬‬

‫‪189‬‬
‫اليابان ية أي ضا @ في بدا ية ال عام ‪ 1996‬ع ندما أ عادت الن ظر في ما ي عرف‬
‫بالخطوط الرئيسة عن الدفاع الميركي الياباني‪ ،‬مجال استخدامها المحتمل‬
‫للقوات الدفاعية اليابانية من "عمليات الطوارئ في الشرق القصى" إلى"‬
‫عمليات الطوارئ في المناطق المجاورة لليابان"‪ .‬وإن رغبة اليابان في جعل‬
‫أمير كا مواف قة ع لى‪ ،‬ومتكي فة مع هذه الم سألة كانت ذات دوا فع ذات صلة‬
‫بإزا لة ال شكوك الم ثارة إزاء ال قوة الميرك ية الباق ية ل مد طو يل في آ سيا‪،‬‬
‫وال نواحي ا لخرى المقل قة المتمث لة في صعود ال صين‪ ،‬و ما ي بدو من ق لق‬
‫تشعر به أميركا إزاء هذا الصعود الذي يستطيع في نقطة ما في المستقبل‬
‫أن يستمر في فرض خيار غير مقبول على اليابان‪ :‬فإما أن تقف مع أميركا‬
‫ضد الصين‪ ،‬أو تقف‪ ،‬بدون أميركا وحلفائها‪ ،‬مع الصين‪.‬‬
‫‪ -1‬الت شابك ب ين ال صين ال كبرى والت حالف ا لميركي اليا باني الم ضاد‬
‫للصين‪.‬‬
‫‪ -2‬التحالف الميركي الياباني المضاد للصين‪.‬‬
‫‪ -3‬التشابك مع الصين بوصفها قوة عالمية‪.‬‬
‫‪ -4‬البحر العربي‪.‬‬
‫‪ -5‬الهند‪.‬‬
‫‪ -6‬الباكستان‪.‬‬
‫‪ -7‬أفغانستان‪.‬‬
‫‪ -8‬أوزبكستان‪.‬‬
‫‪ -9‬كازاخستان‪.‬‬
‫‪ -10‬روسيا‪.‬‬
‫‪ -11‬منغوليا‪.‬‬
‫‪ -12‬الصين‪.‬‬
‫‪ -13‬اليابان‪.‬‬
‫‪ -14‬المحيط الهادي الشمالي‪.‬‬
‫‪ -15‬أندونيسيا‪.‬‬
‫‪ -16‬ماليزيا‪.‬‬
‫‪ -17‬ماليزيا‪.‬‬

‫‪190‬‬
‫‪ -18‬بورما‪.‬‬
‫‪ -19‬لوس‪.‬‬
‫‪ -20‬تايلند‪.‬‬
‫‪ -21‬كمبوديا‪.‬‬
‫‪ -22‬فيرغيزيا‬
‫‪ -23‬توركمنستان‬
‫وبالنسبة إلى اليابان‪ ،‬فإن هذا المأزق الجوهري يحتوي أيضا @ على مسألة‬
‫تاريخية‪ :‬فبما أن تحول هذه الدولة إلى قوة إقليمية مسيطرة لم يكن هدفا‬
‫قابل @ للحياة‪ ،‬وبما أن التحول إلى قوة عالمية شاملة فعل @ ليس أمرا @ واقعيا@‪،‬‬
‫فإنه ين تج عن ذ لك أن اليا بان ت ستطيع أن تح قق الت حول إ لى دو لة قائدة‬
‫عالم يا @ عبر انخراط ها الن شيط في عمل يات ح فظ ال سلم ع لى الم ستوى‬
‫العالمي وفي التطور القتصادي‪ .‬وإذ تستفيد من التحالف الميركي الياباني‬
‫لضمان استقرار الشرق القصى‪ ،‬ولكن بدون جعل هذا الستقرار يتطور إلى‬
‫ت حالف م ضاد لل صين‪ ،‬فإن ها‪ ،‬أي اليا بان‪ ،‬ت ستطيع أن تع مل بأ مان ع لى تنف يذ‬
‫مهمة عالمية مؤثرة ومتميزة بوصفها تلك القوة التي تطور تعاونا @ مؤسساتيا‬
‫دول يا @ حقيق يا @ وأ كثر فعال ية‪ .‬وه كذا ت ستطيع اليا بان أن ت صبح أ قوى ب كثير‬
‫وتعادل في نفوذها العالمي دولة مثل كندا‪ ،‬أي تصبح دولة محترمة من أجل‬
‫ا ستخدامها الب ناء لثروت ها وقوت ها ولكن ها ستكون في ا لوقت ذا ته دو لة ل‬
‫يخافها أحد ول يستاء منها أحد‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــ‬

‫‪191‬‬
‫التكي‪w‬ف الجيواستراتيجي لميركا‬
‫ي جب أن ت كون مه مة السيا سة الميرك ية أن تتأ كد من أن اليا بان تأ خذ‬
‫بم ثل هذا الخ يار‪ ،‬وأن صعود ال صين إ لى مرت بة ا لبروز ا لقليمي ل يم نع‬
‫ال توازن المث لثي الم ستقر لل قوة ال شرق آ سيوية‪ .‬وإن الج هد الم عد „ لترويض‬
‫اليا بان وال صين والمحاف ظة ع لى تفا عل ثل ثي التجا هات وم ستقر ي شمل‬
‫أمير كا أي ضا @ سوف ير هف ع لى ن حو حاد الم هارات الديبلوما سية الميرك ية‬
‫والتخ يل السيا سي ا لميركي‪ .‬وعمو ما@‪ ،‬فإن التغ لب ع لى التر سيخ ال سابق‬
‫للخ طر ا لذي ي شكله‪ ،‬ح سبما يز عم‪ ،‬ال صعود القت صادي اليا باني وتج نب‬
‫المخاوف من القوة السياسية الصينية‪ ،‬يساعدان في إنعاش وتغذية واقعية‬
‫باردة في السياسية التي يجب أن تستند على حسابات استراتيجية دقيقة أي‬
‫"ك يف تو „‬
‫جه الطا قة اليابان ية في الت جاه ا لدولي وك يف توجه ال قوة ال صينية‬
‫إلى التوافق والتكيف القليميين‪.‬‬
‫وب هذه الطري قة ف قط ستكون أمير كا قادرة ع لى أن تخ لق في ا لبر‬
‫الرئي سي من أو را سيا م عادل @ متجان سا @ من الناح ية الجيوبوليت ية لدور أورو با‬
‫في الحدود المحيطية الغربية لوراسيا‪ ،‬وهذا يعني‪ ،‬إقامة بنية لقوة إقليمية‬
‫معتمدة على مصالح مشتركة‪ .‬ومهما يكن المر وخلفا @ للحالة الوروبية‪ ،‬فلن‬
‫يظ هر فورا @ رأس ج سر ديمقرا طي في ا لبر الرئي سي ال شرقي‪ .‬ول كن‪،‬‬
‫وعو ضا @ عن ذ لك‪ ،‬يجب على التحالف مع اليابان المعاد توجيهه في ال شرق‬
‫الق صى أن ي خدم بو صفه أسا سا @ للتك يف ا لميركي مع ال صين ال بارزة‬
‫والمتفوقة إقليميا‪.‬‬
‫وبالنسبة إلى أميركا‪ ،‬فإن عدة استنتاجات جيواستراتيجية مهمة تأتي من‬
‫تحليل القسمين السابقين من هذا الفصل‪ :‬فالمعرفة السائدة عن أن الصين‬
‫هي القوة العالمية الثانية تخلق هوسا @ من هذه الدولة‪ ،‬وتعزز الصابة بجنون‬
‫العظ مة ضمن ال صين ذات ها‪ .‬وإن الم خاوف من دو لة ال صين العدائ ية‬
‫والعدوانية التي ستكون قبل وقت ليس بعيدا @ عن القوة العالمية الثانية‪،‬هي‪،‬‬
‫في أفضل الحالت‪ ،‬سابقة لوانها؛ وكذلك‪ ،‬ففي أسوأ الحوال‪ ،‬يمكن لهذه‬
‫المخاوف أن تصبح نبوءة ذاتية التحقيق‪ .‬وينتج عن ذلك‪ ،‬أنه سيكون أمرا @ غير‬
‫مثمر أن ينظم تحالف معد „ لحتواء صعود الصين إلى قوة عالمية‪ .‬وإن ذلك‬
‫سوف ي ضمن ف قط أن ت كون ال صين ال مؤثرة إقليم يا @ دو لة معاد ية‪ .‬و في‬
‫ا لوقت ذا ته‪ ،‬فإن أي ج هد من هذا ال نوع سوف يج هد العل قة الميرك ية‬
‫اليابان ية ما دام محتمل @ أن مع ظم اليا بانيين سوف يعار ضون هذا الت حالف‪.‬‬
‫ف عن الضغط على اليابان لكي‬ ‫وبالتالي‪ ،‬يجب على الوليات المتحدة أن تك „‬
‫ت مارس م سؤوليات دفاع ية أ كبر في المنط قة ال سيوية البا سيفيكية‪ .‬وإن‬

‫‪192‬‬
‫الجهود في هذا المجال سوف تعمل فقط على إعاقة نشوء علقة مستقرة‬
‫بين اليابان والصين‪ ،‬بينما تؤدي ‪،‬في الوقت ذاته إلى تعزيز عزل اليابان في‬
‫هذه المنطقة ‪.‬‬
‫ولكن لنه ل يحتمل في الحقيقة أن تصبح الصين حال @ قوة عالمية‪ ،‬ولنه‪،‬‬
‫ول هذا ال سبب ذا ته لن ي كون من الحك مة أن ي تم ال خذ بسيا سة الح تواء‬
‫ا لقليمي لل صين‪ ،‬ف من المر غوب ف يه أن تعا مل ال صين كل عب هام عالم يا‪.‬‬
‫أ ما سحب ال صين إ لى ت عاون دو لي أو سع ومنح ها المو قع أو المرت بة ا لتي‬
‫تتوق إليها‪ ،‬فسوف يكون له تأثير في تشذيب حدة الطموحات القومية لهذه‬
‫الدولة‪ .‬والخطوة الهامة في هذا التجاه ستكون متمثلة في ضم الصين إلى‬
‫الق مة ال سنوية لدول ال عالم ال بارزة‪ ،‬أو ما ي عرف بمجمو عة ا لدول ال سبع‬
‫الكبرى‪ ،‬وخاصة بعد أن دعيت روسيا إلى حضور هذه القمة ‪.‬‬
‫وبالرغم من المظاهر الخارجية‪ ،‬فإن الصين ل تملك في الحقيقة خيارات‬
‫استراتيجية مهمة‪ .‬وإن النجاح القتصادي المستمر للصين يبقى معتمدا @ إلى‬
‫حد كبير على تدفق رأس المال إلى السواق الجنبية‪ ،‬المر الذي ي „‬
‫ح د كثيرا‬
‫من خياراتها‪ .‬ثم إن التحالف مع روسيا غير المستقرة والتي تعاني من الفقر‬
‫لن ي „‬
‫عزز المكا نات القت صادية أو الجيوبوليت ية لل صين )وبالن سبة إ لى رو سيا‪،‬‬
‫فإنها سوف تعني التبعية للصين(‪ .‬ولذا‪ ،‬فإن ذلك ليس خيارا @ جيواستراتيجيا‬
‫قابل @ للحياة‪ ،‬حتى وإن كان أمرا @ مغريا@‪ ،‬تكتيكيا‪ ،‬لكل من الصين وروسيا أن‬
‫تتعامل مع هذه الفكرة‪ .‬وعموما@‪ ،‬فإن مساعدة الصين ليران والباكستان هي‬
‫أكثر أهمية لها من الناحيتين القليمية والجيوبوليتية في المدى القرب‪ ،‬ولكن‬
‫حتى ذ لك ل يؤمن ت قديم نق طة النطلق ال ضرورية للب حث عن أو ال سعي‬
‫ال جدي إ لى مو قع )مرت بة( ال قوة العالم ية‪ .‬و كذلك‪ ،‬يم كن للت حالف "الم ضاد‬
‫للهيم نة" أن ي صبح خ يار الملذ ا لخير إذا بدأت ال صين ت شعر بأن الطر يق‬
‫يغلق على طموحاتها القومية أو القليمية من قبل الوليات المتحدة )وبدعم‬
‫من اليا بان(‪ .‬ولك نه سيكون ت حالف الف قراء ا لذين يحت مل أن يب قوا كل هم‬
‫فقراء لزمن ما‪ ،‬قد يطول‪ ،‬في المستقبل‪.‬‬
‫قد تظ هر إ لى الو جود دو لة صينية كبرى بو صفها قوة م سيطرة إقليم يا@‪.‬‬
‫وبهذا الشكل‪ ،‬فإنها قد تحاول أن تفرض نفسها على جيرانها بطريقة تؤدي‬
‫إ لى عدم ال ستقرار إقليم يا@؛ أو يم كن أن تكت في بممار سة نفوذ ها ع لى ن حو‬
‫غير مباشر بأن تحافظ على تاريخها المبريالي السابق‪.‬‬
‫أ ما احت مال ظ هور م جال ن فوذ مت سم بالهيم نة أو م جال ا حترام مت سم‬
‫بالغموض فيعت مد جزئ يا @ ع لى ال طابع الوح شي وال ستبدادي ا لذي يحت فظ به‬

‫‪193‬‬
‫النظام الصيني‪ ،‬كما يعتمد في جزء آخر منه على الطريقة التي يتصرف بها‬
‫اللعبون الخارجيون الرئيسيون‪ ،‬ول سيما أميركا واليابان‪ ،‬إزاء ظهور الصين‬
‫الكبرى‪ .‬وإن سياسة السترضاء يمكنها أن تشجع على اتخاذ وضع أو موقف‬
‫صيني أكثر حزما@؛ ولكن سياسة العتراض فقط على ظهور مثل هذه الدولة‬
‫الصينية سوف تؤدي غالبا @ إلى نتيجة مماثلة‪ .‬فالوفاق الحذر على‪ ،‬او التكيف‬
‫مع‪ ،‬ب عض الق ضايا‪ ،‬والر سم ا لدقيق لل خط الفا صل ب ين هاتين السيا ستين‬
‫سوف يؤديان إلى تجنب كلتيهما‪.‬‬
‫وفي أي حال‪ ،‬يمكن للصين الكبرى أن تمارس في بعض مناطق أوراسيا‬
‫ن فوذا @ جيوبوليت يا يتلءم مع الم صالح الجيوا ستراتيجية ال كبرى لمير كا في‬
‫أوراسيا المستقرة والتي توجد فيها أنظمة حكم تعددية سياسيا‪ .‬وعلى سبيل‬
‫الم ثال‪ ،‬فإن اهت مام ال صين المتزا يد بآ سيا الو سطى يقي „د حت ما @ حر ية رو سيا‬
‫في الع مل لدى سعيها إ لى إن جاز أي شكل من أ شكال إ عادة التكا مل‬
‫السياسي في المنطقة بإشراف موسكو‪ .‬وفي هذا الخصوص‪ ،‬وفي المجال‬
‫المتع لق بالخل يج الفار سي )العر بي(‪ ،‬ن جد أن حا جة ال صين المتنام ية إ لى‬
‫الطاقة تملي وجود اهتمام مشترك لدى الصين وأميركا في المحافظة على‬
‫حرية الوصول إلى مناطق استخراج النفط وعلى الستقرار السياسي فيها‪.‬‬
‫وع لى ن حو مما ثل‪ ،‬فإن د عم ال صين للباك ستان يق يد طمو حات اله ند في‬
‫إلحاق هذه الدولة بها ويضعف ميل الهند أيضا @ إلى التعاون مع روسيا في ما‬
‫يتعلق بأفغانستان وآسيا الوسطى‪.‬‬
‫وأخ يرا@‪ ،‬فإن الن خراط ال صيني واليا باني في ت طوير شرق سيبيريا‬
‫ي ستطيع أي ضا @ أن ي ساعد في تعز يز ال ستقرار ا لقليمي‪ .‬وي جب أن تكت شف‬
‫هذه المصالح المشتركة عبر حوار استراتيجي دائب‪.((1‬‬
‫تو جد أي ضا @ م ناطق يم كن للطمو حات ال صينية أن تت صادم في ها مع‬
‫الم صالح الميرك ية )أو مع الم صالح اليابان ية أي ضا@(‪ ،‬ول سيما إذا كانت هذه‬
‫الطمو حات ستلحق عبر تكت يك عن يف ات „ سم تاريخ يا @ بأنه كان مألو فا @ جدا‪.‬‬
‫وينطبق ذلك بشكل خاص على جنوب شرق آسيا‪ ،‬وتايوان‪ ،‬وكوريا‪.‬‬

‫)‪ (1‬ك نت قد حددت‪ ،‬في اجت ماع‪ ،‬في ال عام ‪ ،1996‬مع الم سؤولين ا لمنيين وا لدفاعيين‬
‫الكبار في الصين )مستخدما @ أحيانا @ صيغا @ غامضة عن عمد( المناطق التالية ذات الهمية‬
‫الستراتيجية المشتركة بوصفها أساسا @ لمثل هذا الحوار‪1:‬ـ جنوب شرق آسيا المسالم؛ ‪2‬ـ‬
‫عدم استخدام القوة في حل القضايا المتنازع عليها والموجودة بعيدا @ عن الشواطئ؛ ‪ 3‬ـ‬
‫إعادة توحيد الصين سلميا@؛ ‪4‬ـ الستقرار في كوريا؛ ‪5‬ـ استقلل آسيا الوسطى؛ ‪6‬ـ التوازن‬
‫ب ين اله ند والباك ستان؛ ‪ 7‬ـ كون اليا بان دينام ية اقت صاديا @ ومعتد لة سيا سيا@؛ ‪ 8‬ـ كون رو سيا‬
‫مستقرة‪ ،‬ولكنها غير قوية جدا‪.‬‬

‫‪194‬‬
‫إن ج نوب شرق آ سيا غ ني جدا @ غال با@‪ ،‬ومنت شر ع لى م ساحات وا سعة‬
‫مة حتى من قبل دولة‬ ‫جغرافيا@‪ ،‬وهو ببساطة كبير جدا @ من منظور سهولة ض „‬
‫ال صين القو ية‪ ،‬ولك نه‪ ،‬في المقا بل‪ ،‬ضعيف جدا @ أي ضا@‪ ،‬ومق سم جدا @ ع لى‬
‫ال صعيد السيا سي‪،‬لدر جة ي صعب مع ها أن ي صبح‪ ،‬ع لى ال قل‪ ،‬في مو ضع‬
‫ا حترام من ق بل ال صين‪ .‬ثم إن الن فوذ ا لقليمي لل صين‪ ،‬والم ع „زز بالوجود‬
‫ال مالي والقت صادي ال صيني في كل دول هذه المنط قة من ال عالم‪ ،‬يجت مل‬
‫حت ما @ أن ي كبر كل ما ازدادت قوة ال صين‪ .‬وال كثير يعت مد ع لى كيف ية ا ستخدام‬
‫الصين لهذه القوة‪ ،‬ولكن ليس المر واضحا @ في ما يتعلق بكون أميركا ذات‬
‫مصلحة خاصة في معارضة هذه القوة مباشرة أو في أن تصبح متورطة في‬
‫مثل هذه القضايا‪ ،‬كالنزاع على بحر الصين الجنوبي‪ .‬ويملك الصينيون خبرة‬
‫تاريخ ية كبيرة في التعا مل بذكاء مع العل قات غ ير المت ساوية )أو المت سمة‬
‫بالتبعية(‪ ،‬وسيكون بالتأكيد من مصلحة الصين أن تمارس قيودا @ ذاتية )على‬
‫نفسها( لكي تجن „ب الخرين المخاوف القليمية من المبريالية الصينية‪ .‬فهذا‬
‫ال خوف قد يو ل „د تحال فا „ أقليم يا @ م ضادا @ لل صين )عل ما @ أن ب عض النغ مات‬
‫المتصلة بذلك بدأت تظهر في التعاون العسكري الندونيسي _ الوسترالي‬
‫الوليد(‪ ،‬كما قد يدفع هذا التحالف باحتمال كبير إلى السعي للحصول على‬
‫د عم من الول يات المح تدة واليا بان‪ ،‬وأ ستراليا‪ .‬إن ال صين ال كبرى‪ ،‬وخا صة‬
‫بعد استيعاب هونغ كونغ‪ ،‬سوف تسعى بشكل مؤكد تقريبا @ وبنشاط أكبر إلى‬
‫الع مل ع لى إ عادة ضم تايوان إ لى ا لبر ال صيني الرئي سي‪ .‬و من الم هم أن‬
‫ن قدر الحقي قة المتمث لة في أن ال صين لم ي سبق ل ها قط أن قب لت بالف صل‬
‫النهائي لتايوان عنها‪ .‬وبالتالي‪ ،‬ففي نقطة ما‪ ،‬يمكن لهذه القضية أن تؤدي‬
‫إ لى صدام أمير كي صيني وج ها @ لوجه‪ .‬و سيكون انع كاس ن تائج هذا ال صدام‬
‫ع لى كل المعني ين مدمرة إ لى أق صى حد‪ .‬فال فاق القت صادية الم ستقبلية‬
‫للصين سوف تعاني من انتكاسة؛ ويمكن أن تصبح ارتباطات أميركا باليابان‬
‫مجهدة جدا@؛ وكذلك يمكن أن تخرج الجهود الميركية الهادفة إلى خلق توازن‬
‫مستقر للقوة في أوراسيا الشرقية عن خطها الصحيح‪.‬‬
‫ولذا‪ ،‬فمن الضروري أن تحقق على نحو متبادل أقصى وضوح في هذه‬
‫الق ضية وأن ت حافظ عل يه‪ .‬و حتى إذا كان يحت مل أن تفت قر ال صين في‬
‫الم ستقبل المن ظور إ لى الو سائل ا لتي تمكن ها من ضم تايوان ع نوة‪ ،‬فع لى‬
‫بكين أن تفهم‪ ،‬وأن يتم إقناعها بشكل موثوق‪ ،‬أن القبول الميركي بمحاولة‬
‫ال صين الهاد فة إ لى إ عادة ضم تايوان إلي ها ع نوة‪ ،‬أي با ستخدام ال قوة‬
‫العسكرية‪ ،‬سوف يكون مدمرا @ لوضع أميركا في الشرق القصى‪ ،‬وبالتالي ل‬

‫‪195‬‬
‫ت ستطيع هذه الخ يرة أن تب قى‪ ،‬في هذه ال حال‪ ،‬سلبية ع سكريا إذا لم ت كن‬
‫تايوان قادرة على حماية نفسها‪.‬‬
‫وبت عبير آ خر‪ ،‬فإن أمير كا سوف ت ضطر لل تدخل ل يس ل صالح ب ناء تايوان‬
‫منف صلة فح سب‪ ،‬بل من أ جل المحاف ظة ع لى م صالحها الجيوبوليت ية في‬
‫المنط قة ال سيوية البا سيفيكية أي ضا‪ .‬وإن هذا التمي يز أو ال فرق م هم جدا@‪.‬‬
‫فالول يات المت حدة ل يس ل ها‪ ،‬من ح يث الم بدأ‪ ،‬أي م صلحة خا صة في ب قاء‬
‫تايوان منف صلة و في الحقي قة‪ ،‬فإن و ضعها الر سمي كان‪ ،‬وي جب أن يب قى‪،‬‬
‫متمثل @ في و جود دو لة صينية وا حدة ف قط‪،‬ول كن الطري قة ا لتي ت سعى من‬
‫خلل ها ال صين إ لى إ عادة التوح يد )ال ضم( يمكن ها أن تؤثر في الم صالح‬
‫الميركية الحيوية‪ ،‬وعلى الصينيين أن يكونوا مدركين بوضوح لهذا المر‪.‬‬
‫و كذلك‪ ،‬فإن ق ضية تايوان تع طي أمير كا مبررا @ م شروعا @ ل ثارة م سألة‬
‫ح قوق الن سان في تعاملت ها مع ال صين دون أن تبرر اتهام ها بال تدخل في‬
‫ال شؤون الداخل ية ال صينية‪ .‬و من الملئم تما ما @ أن ت كرر أمير كا كلم ها لبك ين‬
‫عن أن إعادة التوحيد سوف تتم فقط عندما تصبح الصين أكثر ازدهارا @ وأكثر‬
‫ديمقراط ية‪ .‬و هذه ال صين ف قط هي ا لتي ستكون قادرة ع لى جذب تايوان‬
‫وا ستيعابها ضمن ال صين ال كبرى ا لتي ت كون م ستعدة أي ضا @ لن ت كون‬
‫كونفدرالية معتمدة على المبدأ القائل‪" :‬دولة واحدة‪ ،‬وعدة أنظمة"‪ .‬وفي أي‬
‫حال‪ ،‬وبسبب تايوان‪ ،‬فسيكون من مصلحة الصين أن تعزز احترامها لحقوق‬
‫النسان كما أنه من الملئم لميركا أن تعالج المسألة في هذا السياق‪.‬‬
‫وفي الوقت ذاته‪ ،‬ينبغي على الوليات المتحدة‪ ،‬إذ تريد المحافظة على‬
‫و عدها لل صين‪ ،‬ان تمت نع عن ا لدعم مبا شرة أو غ ير مبا شرة لي م ساهمة‬
‫دول ية ت هدف إ لى ر فع مرت بة أو مو قع تايوان‪ .‬ف في أ عوام الت سعينات نق لت‬
‫ب عض الت صالت الر سمية ب ين الول يات المت حدة و تايوان انطبا عا @ عن أن‬
‫الول يات المت حدة بدأت‪ ،‬من ح يث الم بدأ‪ ،‬تعا مل تايوان باعتبار ها دو لة‬
‫منفصلة )مستقلة(‪ ،‬وإن الغضب الصيني إزاء هذه القضية كان مفهوما@‪ ،‬شأنه‬
‫شأن ال ستياء ال صيني من تقو ية الج هد ا لذي ي بذله الم سؤولون ال تايوانيون‬
‫من أجل الحصول على اعتراف دولي بوضع تايوان المنفصل )أو المستقل(‪.‬‬
‫وبال تالي‪ ،‬ي جب أل تخ جل الول يات المت حدة من أن تو ضح ا لمور عن أن‬
‫موقف ها إزاء تايوان سوف ي تأثر سلبا @ بج هود هذه ا لخيرة الهاد فة إ لى تغي ير‬
‫حالت الغ موض المتع مد والقائ مة م نذ أ مد طو يل‪ ،‬وا لتي تح كم العل قة‬
‫الصينية التايوانية‪ .‬وفضل عن ذلك‪ ،‬فإذا أصبحت الصين مزدهرة وديمقراطية‬
‫و لم ين طو امتصا صها أو ا ستيعابها لهو نغ كو نغ ع لى أي انت كاس متع لق‬

‫‪196‬‬
‫بالحقوق المدن ية‪ ،‬فإن الت شجيع ا لميركي ل حوار جدي عبر الم ضائق عن‬
‫شروط إعادة التوحيد الفعلي سوف يساعد أيضا على توليد ضغط من أجل‬
‫التحول المتزايد إلى الديمقراطية ضمن الصين‪ ،‬بينما يتم أيضا@‪ ،‬في الوقت‬
‫ذا ته‪ ،‬تعز يز و فاق أو تك يف ا ستراتيجي أو سع نطا قا @ ب ين الول يات المت حدة‬
‫والصين الكبرى ‪.‬‬
‫ت ستطيع كور يا‪ ،‬و هي الدو لة المحور ية جيوبوليت يا @ في شمال شرق آ سيا‬
‫أن ت صبح ثان ية م صدرا @ لل نزاع ب ين أمير كا وال صين‪ ،‬ك ما أن م ستقبلها سوف‬
‫يؤثر أي ضا @ ب شكل مبا شر في الرت باط أو العل قة ب ين أمير كا واليا بان‪ .‬و ما‬
‫دا مت كور يا مق سمة وغ ير مني عة إزاء حرب تن شب‪ ،‬في أي و قت‪ ،‬ب ين‬
‫ال شمال غ ير الم ستقر والج نوب ا لذي يتزا يد غ نى و ثروات‪ ،‬فإن ال قوات‬
‫الميرك ية سوف ت ضطر للب قاء في شبه الجز يرة الكور ية‪ .‬وإن أي ان سحاب‬
‫أمير كي أ حادي ال جانب لن يؤدي إ لى ز يادة احت مال التعج يل ب حرب جد يدة‬
‫فح سب‪ ،‬بل سوف ي كون مؤ شرا@‪ ،‬في كل الحت مالت‪ ،‬إ لى إن هاء الو جود‬
‫الع سكري ا لميركي في اليا بان أي ضا‪ .‬و من ال صعب أن نف كر في ا ستمرار‬
‫اليا بان في العت ماد ع لى الن شر الم ستمر لل قوات الميرك ية ع لى ا لرض‬
‫اليابانية غداة التخلي الميركي عن كوريا الجنوبية‪ .‬أما إعادة التسلح السريع‬
‫في اليا بان ف ستكون النتي جة ا لكثر احت مال@‪ ،‬ناه يك بن تائج أ خرى مؤد ية إ لى‬
‫عدم الستقرار الواسع النطاق في هذه المنطقة من العالم ككل‪.‬‬
‫ومه ما ي كن ا لمر‪ ،‬ف من المحت مل أن إ عادة توح يد كور يا سوف تخ لق‬
‫مآزق جيوبوليت ية جد ية وخ طرة‪ .‬وإذا كانت ال قوات الميرك ية ستبقى في‬
‫كور يا المو حدة‪ ،‬ف سوف ين ظر إلي ها حت ما @ من ق بل ال صينيين بو صفها موج هة‬
‫ضد ال صين‪ .‬و في الحقي قة‪ ،‬ف من الم شكوك ف يه أن يق بل ال صينيون بإ عادة‬
‫التوحيد في ظل هذه الظروف‪ .‬وإذا تمت إعادة التوحيد هذه على مرا حل‪،‬‬
‫مت ضمنة ما ي عرف " بالهبوط ال ناعم"‪ ،‬فإن ال صين سوف تعار ضه سيا سيا‬
‫وتدعم تلك العناصر في كوريا الشمالية التي بقيت معارضة لعادة التوحيد‪.‬‬
‫أما إذا تمت إعادة التوحيد بالعنف مع "النزال المدمر" في كوريا الشمالية‪،‬‬
‫فل ي ستبعد حتى ال تدخل الع سكري ال صيني‪ .‬و من المن ظور ال صيني‪ ،‬فإن‬
‫كوريا المعاد توحيدها لن تكون مقبولة إل إذا لم تكن في الوقت ذاته امتدادا‬
‫مباشرا @ للقوة الميركية )مع وجود اليابان في الخلفية كمنصة وثب أو نقطة‬
‫انطلق(‪.‬‬
‫ومه ما ي كن ا لمر‪ ،‬فإن كور يا الم عاد توح يدها بدون قوات أميرك ية ع لى‬
‫أراضيها سوف يحتمل تماما @ أن تنجذب أول @ إلى شكل من الحياد بين الصين‬
‫واليابان‪ ،‬ثم تندفع تدريجيا@‪ ،‬وجزئيا @ بالمشاعر المعادية لليابان المتبقية والتي‬

‫‪197‬‬
‫ل تزال قو ية‪ ،‬أ ما ن حو م جال الن فوذ ال صيني ا لكثر ميل @ إ لى التوك يد وال جزم‬
‫ع لى ال صعيد السيا سي أو ن حو ن فس هذا الم جال المت سم بدر جة ما من‬
‫ال حترام ا لكثر ر قة وكيا سة‪ .‬و سوف تن شأ ع ندئذ الق ضية المتعل قة ب ما إذا‬
‫كانت اليابان ستظل راغبة في أن تخدم باعتبارها القاعدة السيوية الوحيدة‬
‫للقوة الميركية‪ .‬ويمكن القول إن القضية ستكون‪ ،‬في أقل الحوال ملءمة‪،‬‬
‫مثيرة للنقسام إلى أقصى حد ضمن الدوائر السياسية الداخلية في اليابان‪.‬‬
‫وإن أي تقليص ناجم عن ذلك في مجال وصول القوات العسكرية الميركية‬
‫)انتشارها( في الشرق القصى سوف يجعل‪ ،‬بدوره‪ ،‬المحافظة على توازن‬
‫أوراسي مستقر للقوة أكثر صعوبة‪ .‬وهكذا‪ ،‬فإن هذه العتبارات سوف تعزز‬
‫الرهانات الميركية واليابانية على الوضع الراهن الكوري )وإن كان ذلك يعود‬
‫في كل حا لة ل سباب مختف لة إ لى حد ما‪ ،‬إذا كان ي جب تغي ير هذا الو ضع‬
‫الرا هن‪ ،‬في جب أن ي حدث ع لى مرا حل بطيئة جدا @ ويف ضل في و ضع من‬
‫الوفاق أو التكيف القليمي الميركي الصيني المعمق( ‪.‬‬
‫و في ا لوقت نف سه‪ ،‬فإن ت سوية يابان ية كور ية حقيق ية سوف ت سهم إ لى‬
‫حد كبير في تحق يق خلف ية إقليم ية أ كثر ا ستقرارا @ لي عمل ية إ عادة توح يد‬
‫نهائية‪ .‬وإن التعقيدات الدولية المختلفة التي يمكن أن تنجم عن إعادة دمج‬
‫الكور يتين سوف تل طف بت سوية حقيق ية ب ين اليا بان وكور يا‪ ،‬م ما يؤدي إ لى‬
‫ن شوء عل قة سيا سية ذات طابع ت عاوني و جامع ع لى ن حو متزا يد ب ين هذين‬
‫الب لدين‪ .‬وت ستطيع الول يات المت حدة أن تل عب دورا @ حسا سا @ في ت طوير هذه‬
‫الت سوية‪ .‬وعمو ما@‪ ،‬فإن ال كثير من الخ طوات النوع ية ا لتي ات خذت لتحق يق‬
‫الت سوية اللمان ية الفرن سية أول @ والت سوية ب ين ألمان يا وبولون يا لح قا @ )وا لتي‬
‫تراو حت‪ ،‬ع لى سبيل الم ثال‪ ،‬من البرا مج الجامع ية الم شتركة و حتى‬
‫التشكيلت العسكرية الموحدة(‪ ،‬يمكن أن تكيف لتصبح ملئمة لهذه الحالة‪.‬‬
‫و كذلك‪ ،‬فإن شراكة يابان ية كور ية شاملة وم ستقرة إقليم يا @ سوف ت سهل‪،‬‬
‫بدورها‪ ،‬الحضور أو الوجود الميركي المستمر في الشرق القصى حتى بعد‬
‫توحيد كوريا غالبا @ ‪.‬‬
‫ول يح تاج ا لمر حتى للتأك يد إذا قل نا إن عل قة سيا سية وثي قة مع اليا بان‬
‫ستكون في م صلحة أمير كا الجيوا ستراتيجية العال ية‪ .‬ول كن سواء أ كانت‬
‫اليا بان تاب عا@‪ ،‬أم مناف سا@‪ ،‬أم شريكا @ لمير كا‪ ،‬فإن ا لمر يعت مد ع لى قدرة‬
‫ا لميركيين واليا بانيين على أن يحددوا‪ ،‬بوضوح أ كثر‪ ،‬نوعية الهداف الدولية‬
‫ا لتي ي جب أن ي سعى ب لداهما إ لى تحقيق ها عمو ما@‪ ،‬وأن ير سموا بد قة عال ية‬
‫خط الفصل الذي يفصل بين المهمة الجيواستراتيجية الميركية في الشرق‬
‫القصى من ناحية وبين الطموحات اليابانية إلى دور عالمي من ناحية ثانية‪.‬‬

‫‪198‬‬
‫وبالن سبة إ لى اليا بان‪ ،‬و بالرغم من ال جدل ال حاد ا لداخلي حول السيا سة‬
‫الخارج ية اليابان ية‪ ،‬فأن العل قة بأمير كا ل تزال ت شكل المر شد الرئ يس‬
‫لحسا سها‪) ،‬أي اليا بان( بالت جاه ال عالمي‪ .‬فاليا بان ا لتي ف قدت ال توجه‪،‬‬
‫والساعية إما إعادة التسلح أو إلى تكيف ووفاق منفصلين مع الصين‪ ،‬سوف‬
‫تن هي ا لدور ا لميركي في المنط قة ال سيوية البا سيفيكية وتع مل ع لى إغلق‬
‫نشوء ترتيب ثلثي الطرف ومستقر إقليميا@‪ ،‬ويضم كل @ من أميركا‪ ،‬واليابان‪،‬‬
‫والصين‪ .‬وهذا سيؤدي بدوره إلى منع أو إعاقة تشكيل توازن سياسي تديره‬
‫أميركا في أوراسيا كلها ‪.‬‬
‫وباختصار فإن اليابان الفاقدة للتوجه ستكون مشابهة لحوت مرمي على‬
‫ال شاطئ ي ندفع و يدور دون أن ي كون له حول ول قوة‪ ،‬ولك نه يت صرف ع لى‬
‫ن حو خ طر‪ .‬ويمكن ها أن ت سبب عدم ال ستقرار ل سيا‪ ،‬ولكن ها ل ت ستطيع أن‬
‫تخلق بديل @ قابل @ للحياة للميزان المؤدي إلى الستقرار الذي تحتاجه أميركا‪،‬‬
‫واليا بان‪ ،‬وال صين‪ .‬و لن ت كون أمير كا قادرة ع لى التك ي „ف مع الطمو حات‬
‫القليمية للصين والحد من تظاهراتها العتباطية إل بوساطة تحالف وثيق مع‬
‫اليا بان‪ .‬وع لى هذا ال ساس ف قط يم كن ا ستنباط و فاق ثل ثي التجا هات‬
‫ومع قد‪ ،‬وي ضم ال قوة العالم ية لمير كا‪ ،‬والت فوق ا لقليمي لل صين‪ ،‬والق يادة‬
‫الدولية لليابان ‪.‬‬
‫ن ستنتج من ذ لك أن تخف يض الم ستويات المو جودة حال يا @ من ال قوات‬
‫الميرك ية في اليا بان )وام تداداتها في كور يا(‪ ،‬في الم ستقبل المن ظور ل يس‬
‫أمرا @ مرغوبا @ فيه‪ .‬ومهما يكن المر‪ ،‬وحسب نفس المبدأ‪ ،‬فإن أي زيادة هامة‬
‫في الم جال الجيوبول يتي والح جم الفع لي للج هد الع سكري لليا بانيين لي ست‬
‫„‬
‫سيحرض غالبا @ على تنفيذ‬ ‫مرغوبة أيضا‪ .‬و كذلك‪ ،‬فإنه انسحابا @ أميركيا @ مهما @‬
‫برنامج تسلح ياباني رئيس في سياق حالة عدم التوجه الستراتيجي المسببة‬
‫لعدم الستقرار بينما ل يستطيع الضغط الميركي الهادف إلى جعل اليابان‬
‫تستأنف دورا @ عسكريا @ أكبر إل أن يدمر آفاق واحتمالت الستقرار القليمي‪،‬‬
‫وي سبب إعا قة التك يف ا لقليمي الو سع مع ال صين ال كبرى‪ ،‬وي حرف اليا بان‬
‫عن تنف يذ مه مة دول ية أ كثر نجا عة‪ ،‬وبال تالي يع قد الج هد ال هادف غ لى رعا ية‬
‫التعددية الجيوبوليتية المستقرة في أوراسيا كلها‪.‬‬
‫ونستنتج أيضا @ أن اليابان‪ ،‬إذا كان عليها أن تدير وجهها إلى العالم وبعيدا‬
‫عن آسيا‪ ،‬فيجب أن تعطى حافزا @ ذا معنى وموقعا @ خاصا@‪ ،‬بحيث أن مصلحتها‬
‫القومية تخدم عندئذ جيدا‪ .‬وخلفا @ للصين‪ ،‬التي تستطيع أن تسعى إلى القوة‬
‫العالم ية بأن ت صبح أول @ قوة إقليم ية‪ ،‬فإن اليا بان ت ستطيع أن تح قق ن فوذا‬
‫عالميا @ بتجنبها السعي إلى أن تكون قوة إقليمية‪ .‬ولكن ذلك يجعل من المهم‬

‫‪199‬‬
‫بدر جة أ كبر أن ت شعر اليا بان أن ها شريك خاص لمير كا في مه مة عالم ية ل‬
‫تقل في كونها مرضية سياسيا @ عن كونها مفيدة اقتصاديا‪ .‬ولذا‪ ،‬فإن أميركا‬
‫ستفعل جيدا @ إذا أخذت في العتبار تبني اتفاقية تجارة حرة أميركية يابانية‪،‬‬
‫خال قة بذلك م جال @ اقت صاديا @ أميرك يا @ يابان يا @ م شتركا‪ .‬و ستقدم م ثل هذه‬
‫الخ طوة‪ ،‬ا لتي ت ضفي ال صفة الر سمية ع لى الر بط المت نامي ب ين اقت صادي‬
‫الب لدين‪ ،‬ال ساس أو الدعا مة الجيوبوليت ية إ لى كل من الو جود الم ستمر‬
‫لميركا في الشرق القصى وإلى الشتباك العالمي البناء لليابان‪. ((1‬‬
‫و في ال ستنتاج ا لخير يم كن ال قول‪ :‬إ نه ي جب أن ت كون اليا بان‪ ،‬بالن سبة‬
‫إ لى أمير كا‪ ،‬شريكا حيو يا ورئي سا @ في ب ناء ن ظام ت عاون دو لي قا بل للنت شار‬
‫وذي طابع ت عاوني مت نام‪ ،‬ولكن دون أن ت كون ب صورة رئي سة حلي فا @ ع سكريا‬
‫ل ها في أي ترت يب إقلي مي م عد لل صراع ضد الت فوق ا لقليمي لل صين‪ .‬و في‬
‫الوا قع ي جب ع لى اليا بان أن ت كون شريكا @ عالم يا @ لمير كا في التعا مل مع‬
‫مف كرة أو برنا مج الع مل الجد يد لل شؤون الدول ية‪ .‬وي جب أن ت صبح ال صين‬
‫المتفو قة إقليم يا @ المرت كز ال شرق أق صوي لمير كا في الم جال التقل يدي‬
‫لسيا سة ال قوة‪ ،‬م ساعدة هذه ا لخيرة في تعز يز م يزان ال قوى الورا سي‪،‬‬
‫ع لى أن ي كون لل صين ال كبرى في شرق أورا سيا دور مما ثل في هذا‬
‫الخصوص لدور أوروبا الموسعة في غرب أوراسيا‪.‬‬
‫الخاتمة‬
‫ل قد حان ا لوقت ل كي ت ضع الول يات المت حدة وتن فذ جيوا ستراتيجية‬
‫متكام لة‪ ،‬و شاملة‪ ،‬وطوي لة ال مد لورا سيا كل ها‪ .‬و تأتي هذه الحا جة من‬
‫التفا عل ب ين حقي قتين جوهر يتين اث نتين ه ما أن أمير كا هي ا لن ال قوة‬
‫العظمى العالمية الوحيدة‪ ،‬وأن أوراسيا هي المسرح المركزي للعالم‪ .‬ومن‬
‫ه نا‪ ،‬فإن ما ي حدث من توز يع لل قوة في ال قارة الورا سية سيكون ذا أهم ية‬
‫حاسمة للتفوق أو السيادة الميركية وللرث التاريخي لميركا‪.‬‬
‫إن ال سيادة العالم ية الميرك ية هي متم يزة أو فر يدة من نوع ها في‬
‫الح جم وال طابع‪.‬ف هي هيم نة من نوع جد يد يع كس ال كثير من مل مح الن ظام‬
‫الديمقراطي الميركي الذي يتميز بكونه تعدديا@‪ ،‬ومرنا@‪ ،‬وقابل @ للنتشار‪ .‬وإن‬
‫ال ظاهرة الجيوبوليت ية ل هذه الهيم نة ا لتي أم كن تحقق ها هي ا لدور ا لميركي‬
‫غ ير الم سبوق في ا لبر الرئي سي الورا سي‪ ،‬وا لذي كان حتى ال يوم النق طة‬

‫)‪ -(1‬وضع كورت تونغ في مقاله "ثورنة سياسة أميركا إزاء اليابان" في مجلة "السياسة‬
‫الخارج ية" ) شتاء ‪ (1997-1996‬ح يث حدد ق ضية مه مة ل هذه الم بادرة م شيرا @ إ لى ال فوائد‬
‫القتصادية المتبادلة التي ستنجم عنها‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫الساس‪ ،‬أو نقطة النطلق لكل المتنافسين السابقين على القوة العالمية‪.‬‬
‫فأميركا هي الن الحكم )الذي يحكم بين اللعبين المتنافسين( في أوراسيا‪،‬‬
‫عل ما @ أ نه ل يو جد ق ضية أورا سية رئي سة قاب لة لل حل دون ا شتراك أمير كا أو‬
‫على نحو مضاد لمصالحها‪.‬‬
‫إن كيفية تعامل أميركا وتكيفها مع اللعبين الجيواستراتيجيين الرئيسيين‬
‫ع لى رق عة ال شطرنج الورا سية وكيف ية إدارت ها للم حاور أو ا لدول المحور ية‬
‫الجيوبوليت ية الرئي سة في أورا سيا ستكونان حسا ستين أو حر جتين ل مدى‬
‫ا ستمرار ال سيادة العالم ية لمير كا ول ستقرار هذه ال سيادة‪ .‬ف في أورو با‬
‫سوف ت ستمر فرن سا وألمان يا في كونه ما الل عبين الرئي سيين‪ ،‬ك ما ي جب أن‬
‫ي كون ال هدف المر كزي لمير كا متمثل @ في تعز يز وتو سيع رأس الج سر‬
‫ا لديمقراطي المو جود في ال حدود المحيط ية الغرب ية لورا سيا‪ .‬و في ال شرق‬
‫الق صى الورا سي يحت مل أن ت كون ال صين ذات دور رئ يس ع لى ن حو‬
‫متصاعد‪ ،‬ولن يكون لميركا موطئ قدم سياسي في البر الرئيسي السيوي‬
‫ما لم ي عزز ب شكل نا جح الج ماع الجيوا ستراتيجي ا لميركي ال صيني‪ .‬وه كذا‬
‫ف في مر كز أورا سيا‪ ،‬فإن الف سحة ب ين أورو با المتو سعة وال صين المتنام ية‬
‫وال صاعدة إقليم يا @ سوف تب قى ثق با @ أ سود جيوبوليت يا@‪ ،‬وإن ع لى ال قل حتى‬
‫تحل روسيا صراعها الداخلي في ما يتعلق بالتحديد الذاتي لهويتها في فترة‬
‫ما بعد المبريالية‪ ،‬بينما تهدد المنطقة الموجودة في جنوب روسيا‪ ،‬أي دول‬
‫البلقان الوراسية‪ ،‬بأن تصبح مرجل @ للنزاع التني والمزاحمة أو التنافس بين‬
‫القوى العظمى ‪.‬‬
‫و في هذا ال سياق‪ ،‬وخلل ب عض ا لوقت في الم ستقبل‪ ،‬ورب ما لكثر من‬
‫جيل واحد‪ ،‬فإن موقع أميركا كقوة أولى في العالم يحتمل أن يتم التنافس‬
‫عليه من قبل أي طرف أو دولة متحدية منفردة‪ .‬ولكن ل يحتمل أن تقوم أي‬
‫دو لة قوم ية بم ضاهاة أمير كا في الب عاد الرب عة لل قوة )الع سكري‪،‬‬
‫ة ضربة سياسية عالمية‬ ‫والقتصادي والتكنولوجي والثقافي( التي تنتج مجمع @‬
‫حاسمة‪ .‬وإذا استثنينا التنازل الميركي المتعمد او غير المتعمد‪ ،‬فإن البديل‬
‫الحقي قي الوح يد للق يادة الميرك ية العالم ية في الم ستقبل المن ظور هو‬
‫الفو ضى الدول ية‪ .‬و في هذا الخ صوص‪ ،‬ي كون صحيحا @ أن نؤ كد أن أمير كا‬
‫أ صبحت‪ ،‬ح سبما ي قول الرئ يس كلين تون‪" ،‬الدو لة ا لتي ل ي ستغني‬
‫العالم عنها"‪.‬‬
‫ومن المهم أن نشدد هنا على كل من حقيقة عدم الستغناء هذا وحقيقة‬
‫أو واقع ية احت مال حدوث الفو ضى العالم ية‪ .‬وعمو ما @ فإن الن تائج ال مدمرة‬
‫للتفجير السكاني والهجرات الناجمة عن الفقر‪ ،‬وإضفاء الطابع الجذري على‬

‫‪201‬‬
‫التح ضر )انت قال ال ناس إ لى ال مدن(‪ ،‬وال عداوات التن ية والدين ية‪ ،‬وانت شار‬
‫أ سلحة ال تدمير ال شامل سوف ت صبح كل ها غ ير قاب لة للتح كم ب ها إذا ت عرض‬
‫ال طار العم لي ذو ال ستقرار الجيوبول يتي ال صلب والقا عدة التحت ية المؤل فة‬
‫من دول قوم ية للت شظي والنق سام‪ .‬و ما لم ي تم ا لدعم وال تدخل المبا شر‬
‫ا لميركيين‪ ،‬فإن قوى الفو ضى العالم ية ت ستطيع ب عد و قت غ ير طو يل‪ ،‬أن‬
‫تح كم سيطرتها ع لى الم سرح ال عالمي‪ .‬وإن احت مال م ثل هذا الت شظي‬
‫والنقسام يكمن في حالت التوتر والجيوبوليتية ليس في أوراسيا فحسب‪،‬‬
‫بل وفي العالم كله أيضا @ ‪.‬‬
‫يحت مل أن تزداد أ كثر فأكثر الخ طار المت شكلة ع لى ال ستقرار ال عالمي‬
‫من خلل وا قع النح طاط ال عام لل شروط الن سانية‪ .‬وإذا أ خذنا ب شكل خاص‬
‫ا لدول ا لكثر ف قرا @ في ال عالم ن جد أن التف جر ال سكاني وانت قال ال سكان في‬
‫ا لوقت ذا ته إ لى ال مدن يو لدان ب سرعة ازدحا ما @ سكانيا @ ل ي ضم ف قط‬
‫المحروم ين بل ي ضم أي ضا @ وب شكل خاص مئات الملي ين من ال عاطلين عن‬
‫الع مل وال شبان الذين يعانون من القلق والستياء ويتزا يدون يوما @ ب عد يوم‪،‬‬
‫بين ما أ صبح م عدل الخي بة والح باط لديهم يتزا يد ح سب سل سلة هند سية‬
‫مخيفة‪ .‬وكذلك‪ ،‬فإن التصالت الحديثة تقوي حدة تمزق هؤلء وابتعادهم عن‬
‫ال سلطة التقليد ية بين ما تجعل هم أي ضا @ مدركين ع لى ن حو متزا يد‪ ،‬وم ستائين‪،‬‬
‫من عدم المساواة العالمية وبالتالي أكثر تأثرا @ بالتبعية المتطرفة‪ .‬فمن ناحية‬
‫أو لى‪ ،‬ن جد أن ال ظاهرة المت صاعدة لله جرات العالم ية‪ ،‬وا لتي و صلت حتى‬
‫الن إلى عشرات المليين‪ ،‬يمكنها أن تخدم كصمام أمان مؤقت‪ ،‬ولكن نجد‬
‫من ناح ية ثان ية‪ ،‬أ نه يحت مل أن ت خدم هذه ال ظاهرة كعر بة م عدة لن قل‬
‫النزاعات التنية و الجتماعية عبر القارات‪.‬‬
‫وهكذا نجد أن دور القهرمان )الوكيل المسؤول عن تدبير أعمال القصر‬
‫كال شراف ع لى ال خدم وج مع الي جارات و تدوين الح سابات ـ ال مترجم(‬
‫ال عالمي ا لذي ورث ته أمري كا يحت مل بال تالي أن ي صطدم بمقاو مة من حا لة‬
‫ال ضطراب‪ ،‬وال توتر‪ ،‬أو ع لى ال قل بمقاو مة الع نف‪ ،‬ال مؤقت وإن الن ظام‬
‫ا لدولي الجد يد والمع قد‪ ،‬ا لذي شكلته الهيم نة الميرك ية وا لذي يحت مل أن‬
‫تقتصر فيه مقولة أو مبدأ "كون التهديد بالحرب أصبح خارج الطاولة أو بعيدا‬
‫عنها" على تلك الجزاء من العالم الذي عززت فيها القوة الميركية بأنظمة‬
‫اجتماع ية سيا سية ديمقراط ية‪ ،‬وبإ طارات ع مل خارج ية مدرو سة ومت عددة‬
‫ا لطراف‪ ،‬ولكن ها ت قع ت حت سيطرة أميرك ية‪ .‬إن الجيوا ستراتيجية الميرك ية‬
‫المتعل قة بأورا سيا سوف ت كون‪ ،‬بال تالي‪ ،‬ع لى ت نافس مع قوى ال ضطراب‪.‬‬
‫ففي أوروبا توجد مؤشرات إلى أن القوة المحركة الدافعة للتكامل والتوسع‬

‫‪202‬‬
‫تتل شى وأن الحر كات القوم ية الوروب ية التقليد ية يم كن أن ت ستيقظ ثان ية‬
‫خلل وقت ليس طويل‪ .‬فالبطالة الموجودة على نطاق واسع مستمرة حتى‬
‫في أكثر الدول الوروبية نجاحا@‪ ،‬وهي تولد ردود فعل ضد الجانب يمكنها أن‬
‫تسبب فجأة ترنحا @ أو جنونا @ في السياستين اللمانية والفرنسية نحو التطرف‬
‫السيا سي ال حاد وإ لى ال شوفينية ذات ال توجه ا لداخلي‪ .‬و في الوا قع‪ ،‬فإن‬
‫الو ضع ق بل ال ثوري الحقي قي يم كن أن ي كون في مرح لة الت شكل‪ .‬وإن‬
‫ال جدول الزم ني ال تاريخي لورو با‪ ،‬ا لذي ل خص في الف صل ال ثالث من هذا‬
‫الكتاب‪ ،‬ليمكن أن يتحقق إل إذا شجعت طموحات أوروبا إلى الوحدة وحتى‬
‫مع الحث على هذه الوحدة من قبل الوليات المتحدة ‪.‬‬
‫ثم أن الشكوك المتعلقة بمستقبل روسيا هي أكبر مما نتصور‪ ،‬علما @ أن‬
‫آ فاق الت طور الي جابي تت سم‪ ،‬هي ا لخرى‪ ،‬بكون ها أ كثر غمو ضا‪ .‬و لذا‪ ،‬ف من‬
‫ال ضروري أن تع مل أمير كا ع لى ت شكيل سياق جيوبول يتي ي كون ملئ ما‬
‫ل ستيعاب رو سيا في خلف ية وا سعة من الت عاون ا لوروبي المت نامي ي كون‬
‫م عززا @ أي ضا @ لل ستقلل ا لذي تعت مد ف يه ا لدول الم جاورة‪ ،‬ا لتي ح صلت ع لى‬
‫سيادتها مؤخرا@‪ ،‬ع لى ذات ها‪ .‬و مع ذ لك‪ ،‬فإن قدرة ب عض ا لدول ع لى الب قاء‬
‫)الح ياة(‪ ،‬كأوكران يا وأوزبك ستان )دون أن نتك لم عن كازاخ ستان المق سمة‬
‫اتن يا( سوف تب قى غ ير مؤ كدة‪ ،‬وخا صة إذا ا صبح الهت مام ا لميركي م شتتا‬
‫ب سبب الز مات الداخل ية الجد يدة في أورو با‪ ،‬وب سبب الث غرة المتنام ية ب ين‬
‫ترك يا وأورو با‪ ،‬أو ب سبب ا شتداد حدة ال عداوة في العل قات الميرك ية‬
‫اليرانية ‪.‬‬
‫إن إمكان التكيف الكبير النهائي مع الصين يمكن أيضا @ أن يجهض بسبب‬
‫أزمة مستقبلية من أجل تايوان‪ ،‬أو لن الديناميات السياسية الصينية الداخلية‬
‫تحرض على ظهور نظام عدواني وعدائي؛ أو لن العلقات الميركية الصينية‬
‫يمكن أن تتحول ببساطة إلى علقات سيئة‪ .‬يمكن أن تصبح الصين قوة غير‬
‫م ستقرة إ لى حد كبير في ال عالم‪ ،‬وت فرض ق يودا @ شديدة الو طأة ع لى‬
‫العلقات الميركية اليابانية وربما تولد أيضا @ حالة فقدان التوجه الجيوبوليتي‬
‫في اليا بان نف سها‪ .‬و في هذه الخلف ية‪ ،‬سوف ي صبح ا ستقرار ج نوب شرق‬
‫آ سيا‪ ،‬بالتأك يد‪ ،‬في خ طر‪ ،‬ول يم كن لل مرء إل أن يف كر ك يف سيؤثر ا ندماج‬
‫هذه ال حداث كل ها في و ضع اله ند وتما سكها عل ما @ أن هذا الب لد يع تبر حر جا‬
‫في ما يتعلق باستقرار جنوب آسيا ‪.‬‬
‫ت خدم هذه الملح ظات في التذكير بأن أ يا من هذه الم شكلت العالم ية‬
‫الجد يدة ا لتي تذهب إ لى ما وراء الدو لة القوم ية أو الهتما مات الجيوبوليت ية‬
‫التقليد ية ل يحت مل أن ي حل أو ي تم اح تواؤه‪ ،‬إذا بدأت البن ية الجيوبوليت ية‬

‫‪203‬‬
‫التحت ية لل قوة العالم ية في التف تت والنه يار‪ .‬و مع و جود إ شارات إ نذار في‬
‫الفق عبر أوروبا وآسيا‪ ،‬فإن أي سياسة أميركية ناجحة يجب أن تركز على‬
‫أوراسيا ككل وأن توجه بتصميم جيواستراتيجي ‪.‬‬
‫جيواستراتيجية معدة لوراسيا‬
‫إن نق طة النطلق للسيا سة اللز مة ي جب أن ت كون ال عتراف ال صلب‬
‫بال شروط الثل ثة غ ير الم سبوقة ا لتي ت „‬
‫عرف الحا لة الجيوبوليت ية ل شؤون‬
‫العالم‪ :‬فاللمرة الولى في التاريخ نجد أن‬
‫أول @ ‪ :‬أن دولة واحدة تشكل قوة عالمية حقيقية‪.‬‬
‫ثانيا @ ‪ :‬أن دولة غير أوراسية هي دولة متفوقة عالميا@‪.‬‬
‫ثالثا @ ‪ :‬أن المنطقة المركزية في العالم‪ ،‬أي أوراسيا‪ ،‬محكومة أو مسيطر‬
‫علي ها من ق بل قوة„ غ ير أورا سية ومه ما ي كن من أ مر‪ ،‬فإن جيوا ستراتيجية‬
‫شاملة ومتكاملة لوراسيا يجب أن تعتمد على العتراف بحدود القوة الفعالة‬
‫الميرك ية وبا ستنزاف حجم ها مع مرور الز من‪ .‬وح سبما لوحظ سابقا@‪ ،‬فإن‬
‫أبعاد أوراسيا ذاتها وتنوعها‪ ،‬إضافة إلى القوة الكامنة لبعض دولها‪ ،‬تحد من‬
‫ع مق الن فوذ ا لميركي و من در جة ال سيطرة ع لى م سار ال حداث‪ ،‬وإن هذا‬
‫ال شرط ي شجع ع لى الرؤ ية الم ستقبلية ال ستراتيجية وع لى الن شر النت قائي‬
‫المتعمد لموارد أميركا على رقعة الشطرنج الوراسية الكبرى‪ .‬وبما أن قوة‬
‫أميركا غير المسبوقة سوف تقل مع مرور الزمن‪ ،‬فيجب أن تعطي الفضلية‬
‫إ لى التعا مل مع صعود قوى إقليم ية أ خرى ب طرائق ل ت هدد ال سيادة‬
‫العالمية لميركا‪.‬‬
‫وكما في الشطرنج‪ ،‬يجب على اللعبين العالميين الميركيين أن يفكروا‬
‫ب عدة خ طوات )نقلت شطرنجية( م سبقا@‪ ،‬مع تو قع الخ طوات الم ضادة‬
‫المحتم لة‪ .‬وبال تالي ي جب ع لى الجيوا ستراتيجية ال قادرة ع لى ال ستمرار أن‬
‫تم يز ب ين ال مدى الزم ني الق صير ال مد )ال سنوات الخ مس القاد مة أو أ كثر‬
‫بقل يل(‪ ،‬وال مدى المتو سط ) حتى ‪ 20‬سنة أو أ كثر بقل يل( وال مدى الطو يل‬
‫المد )أكثر من ‪ 20‬سنة(‪ .‬وفضل @ عن ذلك‪ ،‬يجب أن ينظر إلى هذه المراحل‬
‫ليس بوصفها شقوقا @ ل يتسرب إليها الماء‪ ،‬ولكن بوصفها جزءا @ من سلسلة‬
‫متصلة‪ .‬فالمرحلة الولى يجب أن تؤدي بالتدريج‪ ،‬وعلى نحو متماسك‪ ،‬إلى‬
‫المرحلة الثانية‪ ،‬وفي الواقع يجب أن توجه عن ع مد إليها‪ ،‬كما أن المرحلة‬
‫الثان ية ي جب ع ندئذ أن تؤدي إ لى المرح لة الثال ثة‪" ،‬ف في ال مدى الق صير‪،‬‬

‫‪204‬‬
‫سيكون من م صلحة أمير كا أن ت عزز وتع مل ع لى ا ستمرارية التعدد ية‬
‫الجيوبوليت ية ال سائدة ع لى خري طة أورا سيا‪ .‬و هذا ي شجع ع لى الم ناورة‬
‫والتل عب بغ ية ظ هور ت حالف م عاد يمك نه في نها ية الم طاف أن ي سعى إ لى‬
‫ت حدي سيادة أمير كا‪ ،‬هذا إذا لم تذكر المكان ية البع يدة الحت مال عن ظ هور‬
‫دولة معينة تسعى إلى أن تفعل ذلك‪ .‬وفي المدى المتوسط‪ ،‬يجب على ما‬
‫ذ كر سابقا @ أن يع مل بالتدر يج ع لى الت شديد بدر جة أ كبر ع لى ظ هور شركاء‬
‫مهيمن ين ع لى ن حو متزا يد ولكن هم ملئم ين ا ستراتيجيا@‪ ،‬و سوف يكو نون‬
‫قادرين‪ ،‬إذا شجعوا أو حرضوا من قبل القيادة الميركية‪ ،‬على تشكيل نظام‬
‫أم ني عبر أورا سي أ كثر تعاو نا‪ .‬وأخ يرا @ و حتى في ال مدى الب عد‪ ،‬يم كن من‬
‫خلل ما ذ كر سابقا @ أن ي تم التخط يط لج عل المر كز ال عالمي الورا سي ذا‬
‫مسؤولية سياسية مشتركة حقيقية"‪.‬‬

‫إن المه مة الفور ية هي التأ كد من أل ت صبح أي دو لة أو مجمو عة دول‬


‫قادرة على طرد الوليات المتحدة من أوراسيا أو حتى على إضعاف دورها‬
‫التحكي مي الحا سم إ لى حد كبير ‪ .‬ومه ما ي كن ا لمر‪ ،‬فإن تعز يز التعدد ية‬
‫الجيوبوليت ية عبر ال قارات ي جب أل ين ظر إل يه بو صفه نها ية ب حد ذا ته‪ ،‬ول كن‬
‫ي جب الن ظر إل يه ع لى أ نه م جرد و سيلة لتحق يق هدف ال مدى المتو سط‬
‫المتم ثل في ت شكيل شراكات ا ستراتيجية حقيق ية في الم ناطق الرئي سة‬
‫لورا سيا‪ .‬ول يحت مل أن أمير كا الديمقراط ية سوف تر غب في أن ت ظل‬
‫م شتبكة أو منخرطة على نحو دائم في المه مة الصعبة و المنهكة والمكلفة‬
‫المتمثلة في إدارة أوراسيا من خلل التلعب والمناورة المستمرين‪ ،‬وبدعم‬
‫من الموارد العسكرية الميركية‪ ،‬لكي تمنع التحكم أو السيطرة القليمية من‬
‫قبل أي قوة )دولة( واحدة‪ .‬وبالتالي يجب أن تؤدي المرحلة الولى‪ ،‬منطقيا‬
‫وب شكل متع مد‪ ،‬إ لى المرح لة الثان ية‪ ،‬أي إ لى ت لك المرح لة ا لتي ت ظل في ها‬
‫الهيم نة الميرك ية الحياد ية تع مل ع لى عدم ت شجيع ا لخرين ع لى إ ثارة‬
‫الت حديات ل يس ف قط بج عل ت كاليف هذه الت حديات عال ية جدا@‪ ،‬ول كن ب عدم‬
‫تهديد المصالح الحيوية للمرشحين القليمين المحتملين في أوراسيا ‪.‬‬

‫إن ما يتطلبه ذلك‪ ،‬بوصفه هدفا @ في الحد المتوسط‪ ،‬هو تعزيز الشراكات‬
‫الحقيق ية ا لتي كان ب ين الم سيطرين في ها اولئك ا لذين ير يدون أورو با أ كثر‬
‫تو حدا @ وم حددة سيا سيا@‪ ،‬وير يدون دو لة صينية متفر قة إقليم يا @ إ ضافة إ لى‬

‫‪205‬‬
‫روسيا ما بعد المبريالية وذات التوجه الوروبي )حسبما يؤمل( ودولة الهند‬
‫الديمقراط ية والم ستقرة إقليم يا@‪ ،‬في ال طرف الج نوبي من أورا سيا‪ .‬ول كن‬
‫سيكون نجاح أو فشل الجهد الهادف إلى إقامة علقات استراتيجية أوسع مع‬
‫أوروبا والصين‪ ،‬على التوالي‪ ،‬هو الذي سيشكل السياق المحدد لدور روسيا‪،‬‬
‫سواء أكان سلبيا @ أم إيجابيا @ ‪.‬‬
‫وين تج عن ذ لك أن أورو با الو سع وح لف الطل سي المو سع سوف‬
‫ي خدمان ج يدا @ أ هداف السيا سة الميرك ية ع لى ال مديين الق صير وا لطول‪.‬‬
‫فأورو با الو سع سوف تو سع مدى الن فوذ ا لميركي‪ ،‬ك ما سوف تز يد أي ضا‪،‬‬
‫عبر إد خال أع ضاء أوروبي ين رئي سيين جدد‪ ،‬من عدد ا لدول ذات الم يول‬
‫المريك ية في الم جالس الوروب ية‪ ،‬دون أن تخ لق‪ ،‬في ا لوقت نف سه‪ ،‬أورو با‬
‫متكاملة سياسيا @ إلى حد تستطيع معه فورا @ أن تتحدى الوليات المتحدة في‬
‫م سائل جيوبوليت ية ذات أهم ية كبيرة لمير كا في أ ماكن أ خرى‪ ،‬وخا صة في‬
‫الشرق الوسط ‪.‬‬
‫لت ستطيع أمير كا باعتراف الجم يع‪ ،‬أن تخ لق بنف سها أورو با أ كثر تو حدا@‪،‬‬
‫ف هذا أ مر ي عود إ لى ا لوروبيين ول سيما الفرن سيين و الل مان‪ ،‬ول كن أمير كا‬
‫ت ستطيع أن ت عارض ظ هور أورو با ا لكثر تو حدا @ هذه‪ .‬ويم كن لذلك أن يث بت‬
‫كونه كارث يا @ ع لى ال ستقرار في أورا سيا وبال تالي ع لى م صالح أمير كا أي ضا‪.‬‬
‫و في الوا قع‪ ،‬ف ما لم ت صبح أورو با أ كثر تو حدا@‪ ،‬يحت مل ع ندئذ أن ت صبح أ كثر‬
‫ت شرذما @ مرة ثان ية‪ .‬وبال تالي‪ ،‬ح سبما جاء سابقا@‪ ،‬فإنه لمر ح يوي أن تع مل‬
‫أمير كا ع لى ن حو وث يق مع كل من فرن سا وألمان يا ع لى ال سعي إ لى خ لق‬
‫أوروبا قابلة للحياة سياسيا@‪ ،‬أو أوروبا التي تبقى مرتبطة بالوليات المتحدة‪،‬‬
‫وا لتي تو سع م جال أو أب عاد نظام ها ا لدولي ا لديمقراطي المت عاون مع‬
‫ا لخرين‪ .‬وعمو ما@‪ ،‬فإن الخت يار ب ين فرن سا وألمان يا ل يس الق ضية المعي نة‪.‬‬
‫ف بدون فرن سا أو ألمان يا لن ت كون ث مة أورو با‪ ،‬و بدون أورو با لن ي كون ث مة‬
‫نظام عبر أرواسي ‪.‬‬
‫ومن الناحية العملية‪ ،‬فإن ما تقدم سوف يتطلب تكيفا @ متدرجا @ مع قيادة‬
‫م شتركة في ال ناتو‪ ،‬وق بول @ أ كبر لهتما مات فرن سا بدور أورو بي ل يس في‬
‫أفريق يا فح سب بل و في ال شرق الو سط أي ضا@‪ ،‬ودع ما @ م ستمرا @ لتو سيع‬

‫‪206‬‬
‫التحاد الوربي نحو الشرق‪ ،‬حتى عندما يصبح هذا التحاد لعبا‪ ((1‬عالميا أكثر‬
‫حزما @ على الصعيدين السياسي والقتصادي‪ ،‬ويمكن لتفاقية تجارة حرة عبر‬
‫الطلسي‪ ،‬كان قد دافع عنها وأيدها عدد من القادة الطلسيين البارزين‪ ،‬أن‬
‫تخفف خطر التنافس القتصادي المتنامي بين اتحاد أوروبي أكثر توحدا @ من‬
‫ناح ية وب ين الول يات المت حدة من ناح ية ثان ية‪ .‬و في أي حال فإن الن جاح‬
‫الفعلي لهذا التحاد في دفن العداوات القومية الوروبية التي استمرت قرونا‬
‫من الزمن‪ ،‬مع تأثيراتها المدمرة عالميا@‪،‬سوف يستحق جيدا @ بعض التخفيف‬
‫من الدور الحاسم لميركا بوصفها الحكم )الذي يحكم بين اللعبين ( الراهن‬
‫في أوراسيا‪.‬‬
‫إن تو سيع ح لف الطل سي والت حاد ا لوروبي سوف ي خدم إ عادة إن عاش‬
‫إح ساس أورو با المتل شي بو جود مه مة أ كبر بين ما ي عزز‪ ،‬ولم صلحة كل من‬
‫أمير كا وأورو با‪ ،‬المكا سب الديمقراط ية ا لتي تحق قت عبر الن هاء النا جح‬
‫للحرب الباردة‪ .‬ولن يوجد في الرهان على هذا الجهد شيء أقل من إقامة‬
‫علقة طويلة المد لميركا بأوروبا فأوروبا الجديدة ل تزال تتشكك وإذا كانت‬
‫أورو با هذه ستبقى جيوبوليت يا@‪ ،‬جزءا من الم جال ا لوروبي الطل سي " فإن‬
‫تو سع ح لف ال ناتو سيكون ضروريا‪ .‬وح سبنفس الم بدأ‪ ،‬فإن الف شل في‬
‫تو سيع هذا الح لف )أي ال ناتو(‪ ،‬ب عد أن تم ال لتزام ا لن بذلك‪ ،‬سوف يف تت‬
‫مف هوم أورو با المو سعة ويخ فض معنو يات ا لوروبيين الو سطيين )ال قاطنين‬
‫في أورو با الو سطى(‪ .‬ويم كن لذلك حتى أن يع يد إ شعال الطمو حات‬
‫الجيوبوليتية الروسية في أوروبا الوسطى‪ ،‬علما أنها‪ ،‬أي الطموحات‪ ،‬تعاني‬
‫حليا @ من السبات أو الحتضار‪.‬‬
‫وفي الواقع‪ ،‬فإن فشل الجهد الذي تقوده أميركا من أجل توسيع حلف‬
‫ال ناتو يم كن أن يوقظ ثان ية الرغ بات الرو سية ا لكثر طمو حا‪ .‬ول يس وا ضحا‬
‫حتى ا لن وإن كان ال سجل ال تاريخي ي قف ب قوة في ال طرف الم ضاد‪ ،‬ما إذا‬
‫كانت النخ بة السيا سية الرو سية ت شاطر أورو با رغبات ها في و جود سيا سي‬
‫وعسكري أميركي مستمر‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فبينما نجد أن تعزيز العلقة ذات الطابع‬
‫التعاوني المتزايد حدة مع روسيا مرغوب فيه على نحو واضح‪ ،‬نجد أيضا @ أنه‬
‫)‪ (1‬قدم عدد من القتراحات البناءة عن ذلك في مؤتمر مركز الدراسات الستراتيجية‬
‫والدول ية عن أمير كا وأورو با ا لذي ع قد في برو ك سل في شباط ‪ .1997‬وتراو حت هذه‬
‫القتراحات بين الجهود المشتركة في الصلح البنيوي المعد للقلل من العجوزات )جمع‬
‫عجز مالي( المالية للحكومة‪ ،‬وتطوير قاعدة صناعية دفاعية أوروبية محسنة‪ ،‬مما سيعزز‬
‫الت عاون ا لدفاعي عبر الطل سي ك ما ي عزز ا لدور ا لوروبي ا لكبر في ال ناتو‪ .‬و قد ذ كرت‬
‫لئ حة مف يدة من م بادرات مماث لة وغير ها بغ ية خ لق دور أورو بي ت وف‪ .‬ستيفن لرا بي‬
‫"أميركا وأوروبا "شراكة من أجل مرحلة جديدة " )سانتا مونيكا‪ ،‬كاليفورنيا"راند ‪.(1997‬‬

‫‪207‬‬
‫من الم هم بالن سبة إ لى أمير كا أن تر سل ر سالة وا ضحة عن أف ضلياتها‬
‫العالم ية‪ .‬وإذا كان ي جب أن ي تم الخت يار ب ين ن ظام أورو بي أطل سي أ كبر‬
‫وعل قة أف ضل مع رو سيا‪ ،‬فإن الخ يار ا لول يأتي في مرت بة أع لى‬
‫بالنسبة لميركا‪.‬‬
‫ول هذا ال سبب‪ ،‬فان أي تك يف و فاقي مع رو سيا في ما يتع لق بق ضية‬
‫تو سيع ال ناتو ي جب أل يؤدي إ لى عاق بة ذات تأثير يج عل من رو سيا ع ضوا‬
‫حقيق يا @ في م جال صنع ال قرار في الح لف‪،‬م ما ي ضعف ال طابع ا لوربي‬
‫الطل سي)ال ناتو( بين ما يب عد في ا لوقت ذا ته الع ضاء المنتم ين إ لى الح لف‬
‫حديثا @ إلى مرتبة الفئة الثانية‪ .‬وسوف يخلق ذلك فرصا @ لروسيا ل لتستأنف‬
‫ج هدها ال هادف إ لى ا ستعادة م جال نفوذ ها في آ سيا الو سطى فح سب‪ ،‬بل‬
‫يجعل ها أي ضا @ ت ستخدم وجود ها ضمن ال ناتو ل كي تل عب ع لى أي خل فات‬
‫أميركية أوروبية بغية القلل من الدور الميركي في الشؤون الوروبية‪.‬‬
‫وإنه لمر حساس‪ ،‬عندما تدخل أوروبا الوسطى إلى الناتو‪ ،‬أن تكون أي‬
‫ضمانات أمن ية لرو سيا في ما يتع لق ب هذه المنط قة متباد لة فعل"@‪ ،‬وبال تالي‬
‫تكون هذه الضمانات مطمئنة على نحو متبادل أيضا‪ .‬فالتقييدات على نشر‬
‫قوات ال ناتو وال سلحة النوو ية ع لى أرا ضي الع ضاء ال جدد يم كن أن ت كون‬
‫عامل @ مهما @ في تحليل الهتمامات الروسية المشروعية والمهدئة‪ ،‬ولكن هذه‬
‫ا لخيرة ي جب أن ت قارن بال ضمانات الرو سية المتماث لة في ما يتع لق ب نزع‬
‫السلح من نتوء كالينينغراد الخطر استراتيجيا @ وبالقيود على عمليات انتشار‬
‫ال قوات الرئي سة قرب حدود ا لدول الجد يدة المحت مل ضمها إ لى ح لف‬
‫الطل سي والت حاد ا لوروبي‪ .‬وإذا كان الج يران الغرب يون الم ستقلون حديثا‬
‫متشوقين إلى إقامة علقة مستقرة وذات طابع تعاوني مع روسيا‪ ،‬فإننا نجد‬
‫أي ضا @ ت لك الحقي قة المتمث لة في أن هم ل يزا لون يخ شون هذه الدو لة لسباب‬
‫مفهومة تاريخيا‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فإن ظهور أو نشوء تكيف وفاقي متساو بين الناتو‬
‫والتحاد الوروبي من ناحية وبين روسيا من ناحية ثانية‪ ،‬سوف يلقى ترحيبا‬
‫من ق بل ا لوروبيين كل هم وذ لك كمؤ شر إ لى أن رو سيا ت صنع أخ يرا @ خيار ها‬
‫المرغوب جدا @ في فترة ما بعد المبريالية ولصالح أوروبا ‪.‬‬
‫يم كن ل هذا الخت يار أن يع بد الطر يق لج هد أ كبر ي عزز مو قف رو سيا‬
‫ويجعلها محترمة‪ .‬فالعضوية الرسمية في مجموعة الدول السبع )إضافة إلى‬
‫رفع مستوى آلية صنع السياسة في منظمة التعاون والمن في أوروبا التي‬
‫يم كن أن تؤ لف ضمنها لج نة أمن ية خا صة مؤل فة من أمير كا ورو سيا و عدة‬
‫دول أوروبية رئيسة(‪ ،‬سوف تخلق فرصا @ لنخراط روسي بناء في تشكيل كل‬
‫الب عدين السيا سي وا لمني لورو با‪ .‬وإن عمل ية إع طاء وزن مل موس إ لى‬

‫‪208‬‬
‫الخ يار الرو سي في ما يتع لق بأورو با‪ ،‬يمكن ها‪ ،‬إذا تراف قت مع الم ساعدة‬
‫المال ية الغرب ية المقد مة حال يا @ إ لى رو سيا‪ ،‬وبال ضافة إ لى ت طوير مخط طات‬
‫طموحة جدا @ عن ربط روسيا على نحو أوثق بأوروبا عبر شبكات جديدة من‬
‫الطرق الرئيسة والخطوط الحديدية‪ ،‬أن تتحرك كثيرا @ إلى المام‪.‬‬
‫إن ا لدور الطو يل ال مد لرو سيا في أورا سيا سوف يعت مد إ لى حد كبير‬
‫على الختيار التاريخي الذي يجب على هذه الدولة أن تقوم به‪ ،‬وربما حتى‬
‫خلل هذا الع قد‪ ،‬في ما يتع لق بتحد يدها ا لذاتي ل هذا ا لدور‪ .‬و حتى مع ز يادة‬
‫أوروبا والصين لنصف قطر منطقة النفوذ القليمية لكل منهما‪ ،‬فإن روسيا‬
‫سوف تبقى مسؤولة عن أكبر مساحة في العالم تسيطر عليها دولة واحدة‪.‬‬
‫فهي تغ طي ع شر مناطق زمنية )يو جد في ها ع شرة توقيتات مختل فة( وتز يد‬
‫هذه الم ساحة مرت ين ع لى م ساحة الول يات المت حدة أو ال صين‪ ،‬مقز مة في‬
‫هذا الخ صوص حتى أورو با المو سعة‪ .‬و من ه نا‪ ،‬فإن الحر مان ا لقليمي ل‬
‫ي شكل م شكلة رئي سية لرو سيا‪ .‬و في الوا قع‪ ،‬فإن رو سيا ال كبرى ي جب أن‬
‫تواجه بأما نة و صلبة وت ستنتج ال تأثيرات ال صحيحة من الحقي قة المتمث لة بأن‬
‫كل دو لتي أورو با وال صين أ صبحتا فعل @ أ قوى اقتصاديا @ من ها‪ ،‬وأن ال صين ت هدد‬
‫أيضا @ بسبق روسيا على الطريق إلى التحديث الجتماعي‪.‬‬
‫وفي هذه الظروف‪ ،‬يجب أن يصبح المر أكثر وضوحا @ للنخبة السياسية‬
‫الروسية بأن الفضلية الولى لروسيا هي تحديث نفسها عوضا @ عن النخراط‬
‫في جهد عقيم يهدف إلى استعادة موقعها السابق كقوة‪ .‬ومع الخذ بالعتبار‬
‫الحجم الكبير جدا @ والتنوع في طبيعة هذه البلد‪ ،‬فإن نظاما @ سياسيا @ ل مركزيا‬
‫دولية فيها ويعتمد على السوق الحرة‪ ،‬سوف يؤدي غالبا @ إلى تحرير القدرة‬
‫الخلقة لكل من الشعب الروسي والموارد الطبيعية الواسعة لبلده‪ .‬وسوف‬
‫ت كون هذه الدو لة الرو سية ا لكثر مركز ية بدورها‪ ،‬أ قل تحس سا @ للت عبئة‬
‫المبريالية‪ .‬أما روسيا ذات النظام الكونفدرالي غير المتماسك والمؤلف من‬
‫روسيا الوروبية وجمهورية سيبيريا‪ ،‬وجمهورية الشرق القصى فسوف تجد‬
‫من ال سهل علي ها أن تر عي عل قات اقت صادية أو ثق بأورو با‪ ،‬و مع ا لدول‬
‫الجد يدة في آ سيا الو سطى‪ ،‬و مع ال شرق‪ ،‬ا لمر ا لذي ي سرع تطور ها )أي‬
‫تطور روسيا ذاتها(‪ .‬وعموما@‪ ،‬فغن كل من هذه الكيانات الكونفدرالية الثلثة‬
‫سوف يكون أيضا @ أكثر قدرة على استثمار قدراتها الخلقة المحلية‪ ،‬بعد أن‬
‫عانت من التج مد ل قرون من الز من ب سبب ال يد البيروقراط ية الثقي لة‬
‫لموسكو‪.‬‬
‫أن اخت يارا @ وا ضحا @ من ق بل رو سيا يف ضل الخ يار ا لوروبي ع لى الخ يار‬
‫المبر يالي سيكون محتمل @ بدر جة أ كبر إذا أ خذت أمير كا‪ ،‬وع لى ن حو نا جح‪،‬‬

‫‪209‬‬
‫ال جزء ا للزامي ال ثاني من ا ستراتيجيتها ن حو رو سيا‪ :‬أي بتعز يز التعدد ية‬
‫الجيوبوليتية السائدة في الفترة ما بعد السوفييتية‪ .‬فمثل هذا التعزيز سوف‬
‫يع مل ع لى ت ثبيط أي م حاولت إمبريال ية مغر ية‪ .‬وي جب فعل @ ع لى رو سيا ما‬
‫بعد الفترة المبريالية وذات التوجه الوروبي أن تنظر إلى الجهود الميركية‬
‫الموج هة إ لى هذا ال غرض بو صفها ت ساعد ع لى تعز يز ال ستقرار ا لقليمي‬
‫وعلى إضعاف احتمال حدوث نزاعات على امتداد حدودها الجنوبية الجديدة‬
‫ا لتي ستكون غ ير م ستقرة غال با‪ .‬ول كن ي جب ع لى سيا سة تعز يز التعدد ية‬
‫الجيوبوليتية أل تكون مشروطة بوجود علقة جيدة بروسيا‪ .‬وفي الواقع‪ ،‬فإن‬
‫ذ لك يع تبر ضمانا @ مه ما @ أي ضا @ في حال ف شل ت طوير عل قة ج يدة‪ ،‬لنه يخ لق‬
‫عوائق أمام أعادة ظهور أي سياسة إمبريالية روسية خطرة فعل @ ‪.‬‬
‫ينتج من ذلك أن الدعم السياسي والقتصادي للدول الرئيسة حديثا @ هو‬
‫جزء مك مل ل ستراتيجية أو سع لورا سيا‪ .‬وه كذا‪ ،‬فإن تعز يز أوكران يا ذات‬
‫ال سيادة‪ ،‬وا لتي تع يد تعر يف نف سها في ا لوقت ذا ته بو صفها دو لة أوروب ية‬
‫رئي سة تدخل في تكا مل أو ثق مع أورو با الو سطى‪ ،‬يع تبر عن صرا @ مه ما @ جدا‬
‫وحسا سا @ في م ثل هذه السيا سة شأنه شأن رعا ية وتعز يز عل قة أو ثق مع‬
‫تلك الدول المحورية استراتيجيا @ كأذربيجان وأوزبكستان‪ ،‬بالضافة إلى الجهد‬
‫الهادف إلى فتح آسيا )بالرغم من العوائق الروسية( على القتصاد العالمي ‪.‬‬
‫إن التوظ يف ال مالي ا لدولي الوا سع الن طاق في منط قة ب حر قزو ين‬
‫وآسيا الوسطى والمتاحة له حرية الوصول على نحو متزايد‪ ،‬لن يساعد في‬
‫تعزيز استقلل الدول الجديدة في هذه المنطقة فحسب‪ ،‬بل سيفيد أيضا @ في‬
‫ال مدى البع يد رو سيا الديمقراطية في فترة ما ب عد المبريالية‪ .‬و كذلك‪ ،‬فإن‬
‫ا ستغلل م صادر الطا قة والم عادن في هذه المنط قة‪ ،‬سوف يخ لق ازد هارا@‪،‬‬
‫ويحرض على الحساس بدرجة أكبر من الستقرار والمن فيها‪ ،‬بينما يضعف‬
‫أي ضا @ م خاطر النزا عات من ال نوع البل قاني‪ .‬وإن فوائد الت طور ا لقليمي‬
‫المت سارع والم مول من ق بل التوظي فات المال ية الخارج ية‪ ،‬سوف ت شع أو‬
‫تنت شر إ لى المقاط عات الرو سية الم جاورة‪ ،‬بم جرد أن تتح قق الن خب )ج مع‬
‫نخبة( الحاكمة الجديدة في المنطقة بأن روسيا تقبل بتكامل هذه المنطقة‬
‫مع القتصاد العالمي‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬فإن هذه النخب ستصبح أقل خوفا @ من النتائج‬
‫السياسية للعلقات القتصادية الوثيقة بروسيا‪ .‬ومع مرور الزمن‪ ،‬فإن روسيا‬
‫ما ب عد فترة المبريال ية ت ستطيع أن تك سب الق بول ب ها ك شريك اقت صادي‬
‫مت فوق ) بارز( في المنط قة حتى وإن لم ت عد ال حاكم المبر يالي ل ها ‪.‬ل كي‬
‫ي طو‪ƒ‬ر القو قاز الج نوبي الم ستقل وآ سيا الو سطى الم ستقلة‪ ،‬ي جب ع لى‬
‫أمير كا مرا عاة عدم تغر يب ترك يا ك ما ي جب علي ها أن تكت شف ما إذا كان‬

‫‪210‬‬
‫تح سين العل قات الميرك ية اليران ية ممك نا‪ .‬فترك يا ا لتي ت شعر بأن ها من بوذة‬
‫من أورو با ا لتي كانت ت سعى إ لى الن ضمام إلي ها‪ ،‬سوف ت صبح أ كثر تم سكا‬
‫بالسلم‪ ،‬ويحتمل بدرجة أكبر أن تعارض توسيع الناتو نكاية بما صنعوه بها‪،‬‬
‫كما يحتمل بدرجة أقل أن تتعاون مع الغرب في سعيه إلى تحقيق الستقرار‬
‫والع مل ع لى تكا مل أو د مج آ سيا الو سطى العلمان ية في المجت مع ال عالمي‪.‬‬
‫وهكذا يجب على أميركا أن تستخدم نفوذها في أوروبا للتشجيع على إدخال‬
‫ترك يا إ لى الت حاد الورو بي ك ما ي جب علي ها أن تعا مل ترك يا كدو لة أوروب ية‬
‫شريطة أل تت حول السيا سة الترك ية الداخل ية ع لى ن حو درا مي إ لى الت جاه‬
‫السلمي‪ .‬وعموما @ فإن التشاور المنتظم والمنفذ دوريا @ مع أنقره بما يتعلق‬
‫بم ستقبل حوض ب حر قزو ين وآ سيا الو سطى سوف ي قوي في ترك يا‬
‫الحساس بشراكة استراتيجية مع الوليات المتحدة‪ .‬ويجب على أميركا أيضا‬
‫أن تدعم بقوة الطموحات التركية عن تمرير خط أنابيب النفط من باكو في‬
‫أذربيجان إلى سيهان على الشاطئ التركي من البحر المتوسط لكي يخدم‬
‫كمخرج رئيس لمصادر الطاقة في حوض بحر قزوين ‪.‬‬
‫وف ضل @ عن ذ لك‪ ،‬فل يس من م صلحة أمير كا أن ي ستمر ال عداء ا لميركي‬
‫ا ليراني‪ .‬وي جب ع لى أي ت سوية نهائ ية أن تعت مد ع لى ال عتراف بو جود‬
‫مصلحة استراتيجية متبادلة في خلق الستقرار في ما يعتبر الن بيئة اقليمية‬
‫هشة جدا @ بالنسبة ليران‪ .‬ومن المعترف به أن أي تسوية يجب أن يأخذ بها‬
‫الطر فان‪ ،‬وأن ها لن ت كون من „ة أو خد مة يمنح ها أ حدهما إ لى ا لخر‪ .‬فإيران‬
‫القو ية‪ ،‬و حتى لو كانت ذات حوافز دين ية‪ .‬وغ ير المتع صبة ضد ال غرب‪ ،‬هي‬
‫في م صلحة أمير كا‪ ،‬و في نها ية الم طاف‪ ،‬ف حتى النخ بة السيا سية اليران ية‬
‫يمكن ها أن ت عترف ب هذه الحقي قة‪ .‬و في ا لوقت نف سه‪ ،‬فإن الم صالح الطوي لة‬
‫ال مد الميرك ية في أورا سيا سوف ت خدم ع لى ن حو أف ضل بالتخلي عن‬
‫العترا ضات الميرك ية المو جودة حال يا @ ع لى الت عاون القت صادي ا لتركي‬
‫اليراني الوثيق‪ ،‬وخاصة في تمديد خطوط أنابيب النفط الجديدة‪ ،‬وكذلك في‬
‫ب ناء )إقا مة( الرتبا طات ا لخرى ب ين إ يران‪ ،‬وأذربي جان‪ ،‬وتركمان ستان‪ .‬وإن‬
‫الشتراك الميركي الطويل المد في تمويل هذه المشاريع سوف يخدم في‬
‫الحقيقة‪ ،‬مصلحة أميركا‪.((1‬‬

‫)‪ (1‬من الملئم أن أقتبس هنا النصيحة الجديدة التي قدمها صديقي في معهد الدراسات‬
‫الستراتيجية والدولية‪ ،‬كور دسمان )غي بحثه المعروف "التهديد أو الخطر الميركي على‬
‫الول يات المت حدة " شباط ‪ ،1997‬و قد أل قي كمحا ضرة في كل ية ال حرب التاب عة للج يش‪،‬‬
‫ح يث كان قد حذر ف يه من النز عة الميرك ية إ لى إخ ضاع الق ضايا و حتى ا لدول لن فوذ‬
‫الشياطين‪ .‬وقد جاء فيه‪" :‬إن إيران والعراق وليبيا دول اعتبرتها الوليات المتحدة أنظمة‬
‫عدائية تشكل تهديدات حقيقية ولكن غير خطرة‪ ،‬وأخضعتهم لنفوذ الشياطين أو حولتهم‬

‫‪211‬‬
‫يح تاج ا لدور المحت مل لله ند إ لى إل قاء ال ضوء عل يه بالرغم من أن هذه‬
‫الدولة ليست حاليا @ سوى لعب سلبي نسبيا @ على المسرح الوراسي‪ .‬والهند‬
‫مح تواة جيوبوليت يا @ من ق بل الت حالف ال صيني الباك ستاني‪ ،‬بين ما ل ت ستطيع‬
‫رو سيا ال ضعيفة أن ت قدم ا لدعم السيا سي ا لذي كان ي قدمه الت حاد‬
‫ال سوفييتي‪ .‬ومه ما يكن من أ مر‪ ،‬فان بقاء الديمقراطية م هم من حيث أن ها‬
‫تدحض ع لى ن حو أف ضل من النقا شات الكاديم ية المف هوم )الف كرة( القائ لة‬
‫إن حقوق النسان والديمقراطية هي مجرد تظاهرة غربية ضيقة ومحدودة‪.‬‬
‫و قد أثب تت اله ند أن "الق يم ال سيوية" الم ضادة للديمقراط ية ا لتي ين شرها‬
‫ال ناطقون با سم سنغافورة‪ ،‬وال صين هي بب ساطة م ضادة للديمقراط ية فعل‬
‫ولكنها ليست خاصة أو مميزة‪ ،‬بالضرورة‪ ،‬لسيا‪ .‬وحسب نفس المبدأ‪ ،‬فإن‬
‫ف شل اله ند‪ ،‬سيكون ضربة موج هة إ لى موا قع الديمقراط ية‪ ،‬و سوف تز يل‬
‫من الم سرح ت لك ال قوة ا لتي ت سهم في خ لق توازن أ كبر ع لى الم سرح‬
‫ال سيوي‪ ،‬وخا صة إذا أ خذنا في العت بار صعود ال صين إ لى مرت بة الت فوق‬
‫الجيوبول يتي‪ .‬وين تج عن ذ لك أن الن خراط الم ستمر لله ند في مناق شات‬
‫متعل قة بالستقرار القليمي‪ ،‬وخاصة في ما يخص مستقبل آسيا الوسطى‪،‬‬
‫يت حول إ لى ان خراط ي حدث في ا لوقت المنا سب‪ ،‬وب غض الن ظر عن ت طوير‬
‫ارتباطات ثنائية الجانب ومباشرة بين الهيئات الدفاعية الميركية والهندية‪.‬‬
‫إن التعدد ية الجيوبوليت ية في أورا سيا ك كل لن ت كون قاب لة للتح قق أو‬
‫للستقرار دون تفهم استراتيجي معمق بين أميركا والصين‪ .‬وينتج عن ذلك‬
‫أن سيا سة ا شراك ال صين في حوار ا ستراتيجي جدي‪ ،‬رب ما في نها ية‬
‫المطاف في جهد ثلثي التجاهات يشمل اليابان أيضا@‪ ،‬وهو الخطوة الولى‬
‫الضرورية في تعزيز مصلحة الصين في تكيف وفاقي مع أميركا يعكس عدة‬
‫م صالح جيوبوليت ية )وخا صة في شمال شرق آ سيا و في آ سيا الو سطى(‬
‫ي شترك في ها الب لدان فعل@‪ .‬وي جب أي ضا @ ع لى أمير كا أن تز يل أي شكوك‬
‫متعل قة بالتزام ها سيا سة و جود دو لة صينية وا حدة‪ ،‬لئل تزداد ق ضية تايوان‬
‫التهابا @ وسوءا@‪ ،‬وخاصة بعد امتصاص الصين لهونغ كونغ‪ .‬وحسب نفس المبدأ‪،‬‬
‫فمن مصلحة الصين أن تجعل هذا المتصاص )الستيعاب( إثباتا @ ناجحا @ للمبدأ‬
‫المتم ثل في أ نه حتى ال صين ال كبرى ت ستطيع أن تتح مل وتح مي الت نوع‬
‫المتزايد في ترتيباتها السياسية الداخلية‪.‬‬

‫إلى شياطين دون أن تطور أي لعبة نهائية في المديين المتوسط والطويل لستراتيجياتها‬
‫هذه‪ .‬ول ي ستطيع المخط طون ا لميركيون أن يأملوا ب عزل هذه ا لدول كل يا@‪ ،‬ول يس ث مة‬
‫مع نى للتعا مل مع هم ك ما لو أن هم دول إرهاب ية‪ ...‬والول يات المت حدة تع يش في عالم‬
‫رمادي أخلقيا @ ول تستطيع أن تنجح بجعله أسود أو أبيض‪.‬‬

‫‪212‬‬
‫وبين ما ن جد‪ ،‬ح سبما ناق شنا ذ لك في الف صلين الرا بع وال سادس من هذا‬
‫الكتاب‪ ،‬أ نه ل يحتمل أن يتبلور التحالف الصيني الروسي اليراني المزعوم‬
‫ضد أمير كا خارج ب عض المز جة او الو ضاع التكتيك ية العر ضية‪ ،‬ف من الم هم‬
‫بالن سبة للول يات المت حدة الميرك ية بأن تتعا مل مع ال صين بأ سلوب ل يدفع‬
‫ال صين في هذا الت جاه‪ .‬و في أي ت حالف "م ضاد للهيم نة" ستكون ال صين‬
‫الم حور السا سي أو"م سمار العج لة"‪ .‬و ستكون أي ضا @ العن صر أو الم كون‬
‫ا لقوى‪ ،‬وا لكثر دينام ية‪ ،‬وبال تالي ا لبرز‪ .‬وعمو ما @ فل يم كن أن يظ هر هذا‬
‫الت حالف إل حول دو لة ال صين ال ساخطة‪ ،‬والمحب طة‪ ،‬والمعاد ية‪ .‬ول كن ل‬
‫تم لك إ يران أو رو سيا الو سائل الماد ية ا لتي ت سمح أي منه ما بأن ت كون‬
‫المغ ناطيس المر كزي لم ثل هذا الت حالف‪ .‬إن ال حوار ا لميركي ال صيني في‬
‫شأن الم ناطق ا لتي ير غب كل الب لدين في رؤيت ها مت حررة من سيطرة‬
‫أ طراف مهيم نة طمو حة أخ لى ي صبح ضروريا @ حت ما‪ .‬ول كن‪ ،‬فل كي ي تم ب عض‬
‫الت قدم ي جب أن ي كون هذا ال حوار م ستمرا @ و جديا‪ .‬و في خلل هذا الت صال‬
‫يم كن أن يعا لج أي ضا @ المز يد من الق ضايا الخلف ية المتعل قة ب تايوان و حتى‬
‫بحقوق النسان‪ ،‬وعلى نحو أكثر إقناعا‪ .‬وفي الواقع‪ ،‬فإن هذه النقطة يمكن‬
‫أن تجعل موثوقة تماما @ إذا جرى توضيح المر عن أن قضية التحرر الداخلي‬
‫لل صين لي ست م جرد شأن صيني داخ لي ما دا مت ال صين المزد هرة و ا لتي‬
‫ت مارس فيها الديمقراطية هي ف قط القادرة على إغراء تايوان و جذبها إليها‬
‫سلميا‪ .‬إن أي محاو لة ل عادة التوح يد ع نوة لن ت ضع العل قات الميرك ية‬
‫الصينية في موضع خطر فحسب‪ ،‬بل ستولد حتما @ نتائج سلبية وغير ملئمة‬
‫لقدرة الصين على جذب رأس المال الجنبي وعلى استمرار تطورها أيضا‪.‬‬
‫وبال تالي ستتم الت ضحية ع ندئذ بطمو حات ال صين الهاد فة إ لى تحق يق ت فوق‬
‫إقليمي وموقع دولي‪.‬‬

‫وبالرغم من أن الصين تبرز كقوة مسيطرة إقليميا@‪ ،‬فل يحتمل أن تصبح‬


‫قوة عالمية قبل وقت طويل )لسباب ذكرت في الفصل السادس(‪ .‬علما @ أن‬
‫الم خاوف الرتياب ية من ال صين ك قوة عالم ية تو لد نو عا @ من ج نون العظ مة‬
‫فيها‪ ،‬بينما يصبح ذلك أيضا @ مصدرا @ للنبوءة الذاتية التحقق عند عداوة أميركية‬
‫ضيقة حادة‪ .‬وبالتالي فل يجب احتواء الصين أو استرضاؤها‪ .‬ولكن يجب أن‬
‫تعا مل باحترام بو صفها أ كبر دو لة في حا لة ت طور في ال عالم ناه يك بكون ها‬
‫دولة ناجحة وإن على القل حتى الن‪ .‬وعموما @ فإن دورها الجيوبوليتي ل في‬

‫‪213‬‬
‫ال شرق الق صى ف قط بل في أورا سيا كل ها يحت مل أن ين مو أي ضا‪ .‬و من ه نا‪،‬‬
‫ف من الحك مة في شيء أن ي تم ضمها‪ ،‬كزم يل جد يد‪ ،‬إ لى الق مة ال سنوية‬
‫لمجموعة الدول )الصناعية( السبع‪ ،‬وخاصة بعد أن وسع ضم روسيا إلى هذه‬
‫المجموعة تركيز القمة من القتصاد إلى السياسة‪ .‬وعندما تصبح الصين أكثر‬
‫ت كامل @ مع الن ظام ال عالمي‪ ،‬وبال تالي أ قل قدرة وأ قل ميل @ إ لى ا ستغلل‬
‫سيادتها القليمية بأسلوب يتسم بالغباء على الصعيد السياسي‪ ،‬فإنه ينتج عن‬
‫ذ لك أن الظ هور الفع لي لها لة ال حترام المحي طة بال صين في م جالت‬
‫اهتمامات ها التاريخ ية يحت مل أن ي كون جزءا @ من البن ية الورا سية للتك يف‬
‫الو فاقي الجيوبول يتي ا لذي يظ هر ع لى ال سطح‪ .‬أ ما كون كور يا المو حدة‬
‫ستتأرجح في موقف ها إزاء هذه الها لة فيعت مد كثيرا @ ع لى در جة الت سوية‬
‫اليابان ية الكور ية )ا لتي ي جب ع لى أمير كا أن ت شجعها ب شكل ف عال(‪ ،‬ول كن‪،‬‬
‫ففي أي حال‪ ،‬تظل عملية إعادة توحيد كوريا دون تكيف وفاقي مع الصين‬
‫غير محتملة‪ .‬سوف تضغط الصين الكبرى في نقطة ما‪ ،‬وبشكل حتمي‪ ،‬من‬
‫أ جل حل ق ضية تايوان‪ ،‬ول كن لدر جة إد خال أو شمول ال صين في مجمو عة‬
‫الرتباط القتصادية والسياسية الدولية ذات الطابع الملزم على نحو متزايد‬
‫يمكن أيضا @ أن يكون له تأثير إيجابي في طبيعة السياسات الداخلية الصينية‪.‬‬
‫وإذا أثبت امتصاص )استيعاب( الصين لهونغ كونغ أنه غير فمعي‪ ،‬فإن صيغة‬
‫دا نغ عن تايوان القائ لة بو جود ب لد وا حد ون ظامين يم كن أن ي عاد تعريف ها أو‬
‫صياغتها لت صبح و جود ب لد وا حد و عدة أنظ مة‪.‬يم كن لذلك أن يج عل إ عادة‬
‫التوح يد أ كثر ق بول @ ل لطراف المعن ية‪ ،‬ا لمر ا لذي سيعزز النق طة أو المقو لة‬
‫المتمث لة بأنه ما لم ي حدث ب عض الت طور السيا سي في ال صين ذات ها‪ ،‬فإن‬
‫إعادة تشكيل دولة صينية واحدة بطريقة مسالمة لن تكون ممكنة‪ .‬وفي أي‬
‫حال‪ ،‬ي جب ع لى ال صين أن تع تبر أمير كا حليف ها ال طبيعي وذ لك ل سباب‬
‫تاريخ ية وجيوبوليت ية م عا‪ .‬وخل فا @ لليا بان أو رو سيا ف لم ت كن تو جد قط أي‬
‫مطا مح متعل قة با لرض لدى أمير كا إزاء ال صين‪ .‬و كذلك فخل فا @ لبريطان يا‬
‫العظمى‪ ،‬فأميركا لم تعمل قط على إذلل الصين‪ .‬وفضل @ عن ذلك‪ ،‬فبدون‬
‫إج ماع ا ستراتيجي قا بل للح ياة )ال ستمرار( مع أمير كا‪ ،‬ل يحت مل أن ت صبح‬
‫ال صين قادرة ع لى الحت فاظ بام كان جذب التوظي فات المال ية الجنب ية‬
‫المكث فة وال ضرورية لنمو ها القت صادي وبال تالي لتحق يق تفوق ها ا لقليمي‪.‬‬
‫ول هذا ال سبب ذا ته‪ ،‬ف بدون تك ي „ف ا ستراتيجي أمير كي صيني ع لى غرار‬

‫‪214‬‬
‫المر ساة أو المرت كز الرئي سي لن خراط أمير كا في أورا سيا‪ ،‬ف لن تو جد‬
‫جيوا ستراتيجية لدى أمير كا من أ جل ا لبر الرئي سي ل سيا‪ .‬و كذلك ف بدون‬
‫جيواستراتيجية للبر الرئيسي السيوي فلن توجد لدى أميركا جيواستراتيجية‬
‫من أ جل أورا سيا‪ .‬وه كذا‪ ،‬فبالن سبة إ لى أمير كا ت ستطيع ال قوى القليم ية‬
‫لل صين والمن ضمة إ لى إ طار ع مل أوسع في الت عاون ا لدولي‪ ،‬أن ت كون قوة‬
‫جيواستراتيجية مهمة حيويا @ ول تقل في هذا المجال عن أهمية أوروبا كما ل‬
‫تقل وزنا @ عن اليابان في ضمان استقرار أوراسيا‪.‬‬
‫ومهما يكن من أمر‪ ،‬وخلفا للوضع الوروبي‪ ،‬فلن يظهر في وقت قريب‬
‫رأس جسر ديمقراطي في البر الرئيسي الشرقي‪ .‬وإن ما يجعل المر أكثر‬
‫أهمية هو أن تعتمد جهود أميركا الهادفة إلى خلق علقة استراتيجية معمقة‬
‫بال صين ع لى ال عتراف الوا ضح بأن اليا بان الديمقراط ية والناج حة اقت صاديا‬
‫هي الشريك العالمي الرئيسي والشريك الباسيفيكي الول لميركا‪ .‬وبالرغم‬
‫من أن اليا بان ل ت ستطيع أن ت صبح قوة إقليم ية آ سيوية م سيطرة إذا أ خذنا‬
‫في العت بار ما يثيره ذ لك من كره إقلي مي قوي‪ ،‬فإن ها ت ستطيع في ا لوقت‬
‫نفسه أن تصبح قوة دولية بارزة‪ .‬وتستطيع طوكيو أن تقوم بدور مؤثر عالميا‬
‫بتعاونها الوثيق مع الوليات المتحدة في ما يتعلق بما يمكن تسميته بمفكرة‬
‫أو برنا مج الع مل الجد يد عن الهتما مات العالم ية‪ ،‬بين ما ي تم تج نب أي ج هد‬
‫عق يم ورب ما غ ير مث مر من أ جل أن ت صبح هي ذات ها قوة إقليم ية‪ .‬وبال تالي‬
‫ي جب أن ت كون مه مة السيا سة الميرك ية متمث لة في توجيه اليا بان في هذا‬
‫التجاه‪ .‬فاتفاقية التجارة الحرة الميركية اليابانية‪ ،‬التي تخلق مجال @ اقتصاديا‬
‫م شتركا‪ ،‬سوف تقوي العلقات وتعزز الهدف‪ ،‬وبالتالي يجب تدقيق فائدتها‬
‫بالشتراك بين الطرفين ‪.‬‬
‫وعمو ما@‪ ،‬ف من خلل عل قة سيا سية وثي قة باليا بان سوف ت كون أمير كا‬
‫قادرة ع لى ن حو مأمون ع لى ا ستيعاب الطمو حات القليم ية لل صين‪ ،‬بين ما‬
‫ت عارض ال ظواهر ا لكثر اعتباط ية ل ها‪ .‬ول يم كن‪ ،‬إل ع لى هذا ال ساس‪ ،‬أن‬
‫ت ستنبط طري قة ا ستيعاب مع قدة وثلث ية التجا هات‪ ،‬أي ت لك الطري قة ا لتي‬
‫ت ضم ال قوة العالم ية لمير كا والت فوق ا لقليمي لل صين‪ ،‬والق يادة الدول ية‬
‫لليابان‪ .‬ومهما يكن المر‪ ،‬فإن هذا الستيعاب الجيواستراتيجي الواسع يمكن‬
‫أن ين سف أو يدمر بالتو سع غ ير المت سم بالحك مة في الت عاون الع سكري‬
‫ا لميركي اليا باني‪ .‬وي جب أل ي كون ا لدور المر كزي لليا بان على غرار حام لة‬
‫الطائرات غير القابلة للغرق التي تملكها أميركا في الشرق القصى‪ ،‬كما ل‬
‫ي جب أن ل ي كون دور ال شريك الع سكري ال سيوي الرئي سي لمير كا أو قوة‬

‫‪215‬‬
‫إقليم ية آ سيوية محتم لة‪ .‬وإن الج هود ال سيئة ال توجيه الهاد فة إ لى ت طوير أي‬
‫أمر مما ذكر سوف تؤدي إلى قطع أميركا عن البر الرئيسي السيوي‪ .‬وإلى‬
‫إ ضفاء الحيو ية ع لى احت مالت الو صول إ لى إج ماع ا ستراتيجي مع ال صين‪،‬‬
‫وبالتالي إلى إحباط قدرة أميركا على تعزيز التعدادية الجيوبوليتية المستقرة‬
‫في أوراسيا كلها ‪.‬‬
‫النظام المني عبر الوراسي‬
‫إن ا ستقرار التعدد ية الجيوبوليت ية في أورا سيا‪ ،‬و مع ا ستبعاد ظ هور قوة‬
‫م سيطرة ومن فردة‪ ،‬سوف يت عزز بالظهور الن هائي‪ ،‬ورب ما في ا لوقت مب كر‬
‫من ال قرن ال قادم لن ظام أم ني عبر أورا سي )‪ .(Tess‬وي جب أن ت شمل م ثل‬
‫هذه التفاقية عبر القارية حلف الطلسي الموسع‪ ،‬المرتبط بميثاق ذي طابع‬
‫متعاون مع روسيا‪ ،‬والصين‪ ،‬واليابان )التي ل تزال مرتبطة بالوليات المتحدة‬
‫بمعاهدة أمن ثنائية الجانب(‪ .‬ولكن لكي يصل حلف الطلسي إلى هنا‪ ،‬يجب‬
‫أول @ أن يتوسع‪ ،‬بين ما ي تم إد خال رو سيا في إطار ع مل إقلي مي أ كبر للت عاون‬
‫ا لمني‪ .‬وبال ضافة إ لى ذ لك ‪،‬ي جب ع لى ا لميركيين واليا بانيين أن يت شاوروا‬
‫ويت عاونوا في تن شيط حوار سيا سي أم ني ثل ثي في ال شرق الق صى ا لذي‬
‫ي ضم ال صين‪ .‬ويم كن للمحاد ثات المن ية الميرك ية اليابان ية ال صينية أن ت ضم‪،‬‬
‫في نها ية الم كان‪ ،‬مز يدا @ من ال شركاء ال سيويين‪ ،‬و تؤدي لح قا إ لى حوار‬
‫بينهم وبين منظمة المن والتعاون في أوروبا‪ .‬ويستطيع هذا الحوار‪ ،‬بدوره‪،‬‬
‫أن يعب „د الطر يق أ مام سل سلة من ال مؤامرات ا لتي ت شترك في ها كل ا لدول‬
‫الوروب ية وال سيوية‪ ،‬وبال تالي ت بدأ عمل ية إ ضفاء ال طابع المؤس ساتي ع لى‬
‫النظام المني عبر القاري ‪.‬‬
‫ومع مرور الزمن‪ ،‬يمكن للبنية ذات الطابع الرسمي الكثر حدة أن تبدأ‬
‫بأ خذ شكل ي حث ع لى ظ هور ن ظام أم ني عبر أورا سي يغ طي لول مرة‬
‫ال قارة كل ها‪ .‬وإن ت شكل هذا الن ظام‪ ،‬أي تحد يد ماهيته ثم إ ضفاء ال طابع‬
‫المؤس ساتي عل يه‪ ،‬يم كن أن ي صبح الم بادرة الهند سية الرئي سية في الع قد‬
‫ال قادم بم جرد أن تخ لق السيا سات ا لتي ذ كرت سابقا @ ال شروط ال ضرورية‬
‫لذلك‪ .‬ويستطيع مثل هذا الطار العملي المني عبر القاري الواسع أن يضم‬
‫أيضا @ لجنة أمنية دائمة‪ ،‬مؤلفة من كيانات أوراسية رئيسة بغية تحسين قدرة‬
‫النظام المني عبر الوراسي على تطوير تعاون فع„ال في القضايا الحساسة‬
‫المتعل قة بال ستقرار ال عالمي‪ .‬يم كن أن ت كون أمير كا‪ ،‬وأورو با‪ ،‬وال صين‪،‬‬
‫ورو سيا الكونفدرال ية‪ ،‬واله ند‪ ،‬ورب ما ب عض الب لدان ا لخرى‪ ،‬بمنز لة الثع لب‬
‫لم ثل هذا الن ظام عبر ال قاري ا لكثر قوة‪ .‬وإن الظ هور الن هائي ل هذا الن ظام‬

‫‪216‬‬
‫ا لمني عبر الورا سي ي ستطيع أن يخ فف بالتدر يج عن أمير كا ب عض أعبائ ها‪،‬‬
‫حتى عندما تستمر بدورها الحاسم كعنصر استقرار وتحكيم في أوراسيا ‪.‬‬
‫ماوراء القوى العظمى في أوراسيا‬
‫ترتبط السياسة العالمية‪ ،‬في المدى البعيد‪ ،‬بأن تصبح غير ملئمة‪ ،‬على‬
‫ن حو متزا يد‪ ،‬لتركيز ال قوى المهيم نة في أ يدي دو لة وا حدة‪ .‬فأمير كا لي ست‬
‫ف قط ال قوة العظ مى العالم ية ا لولى‪ ،‬والوح يدة‪ ،‬بل يحت مل أن ت كون أي ضا‬
‫الخيرة ‪.‬‬
‫ول يعود ذلك فقط إلى أن الدول القومية تصبح أكثر فأكثر قابلة لن يتم‬
‫النفوذ عبرها‪ ،‬بل لن المعرفة‪ ،‬شأنها شأن القوة أصبحت أكثر انتشارا @ وأكثر‬
‫قابل ية للم شاطرة‪ ،‬وأ قل تقي يدا @ بال حدود القوم ية‪ .‬و كذلك يحت مل أن ت صبح‬
‫القوة القتصادية أكثر توزعا‪ .‬وفي السنوات القادمة ل يحتمل أن تصل قوة‬
‫)دولة( واحدة إلى مستوى ‪ 30‬بالمئة أو ما يقرب من هذا الرقم من إجمالي‬
‫الناتج القومي السنوي للعالم كله‪ ،‬علما @ أن أميركا حافظت على هذا الرقم‬
‫خلل معظم هذا القرن‪ ،‬وبغض النظر عن رقم ال ‪ 50‬بالمئة الذي وصلته في‬
‫العام ‪ .1945‬وعموما @ فإن بعض التقديرات تشير إلى أن أميركا ستظل حتى‬
‫نهاية هذا العقد محافظة على نسبة ‪ 20‬في المئة من الناتج القومي السنوي‬
‫للعالم‪ ،‬وربما تتراجع هذه النسبة إلى ‪ 10‬ـ ‪ 15‬في المئة في العام ‪ 2020‬عندما‬
‫تزداد الحصة النسبية بقوى )أو دول( أخرى مثل أوربا‪ ،‬والصين‪ ،‬واليابان‪ ،‬إلى‬
‫ن سبة أ كثر أو أ قل من الم ستوى ا لميركي‪) .‬قد تز يد الن سبة ل حداها فتصبح‬
‫أ كثر أو أ قل وت قل الن سبة لدو لة أخ لى من ها فت صبح أ قل(‪ .‬ول كن الت فوق‬
‫القت صادي ال عالمي لك يان وا حد‪ ،‬و من ال نوع ا لذي حقق ته أمير كا خلل هذا‬
‫القرن‪ ،‬ليس محتمل @ علما @ أنه ستكون لذلك تأثيرات عسكرية وسياسية بعيدة‬
‫ال مدى‪ .‬وبال ضافة إ لى ذ لك‪ ،‬فإن ال طابع المت عدد القوم يات وال ستثنائي‬
‫للمجتمع الميركي جعل من السهل على أميركا أن تجعل هيمنتها ذات طابع‬
‫عالمي دون أن تدع هذه الهيمنة تبدو ذات طابع قومي صارم‪ .‬وعلى سبيل‬
‫الم ثال‪ ،‬فإن ج هدا @ ت قوم به ال صين سعيا @ إ لى ال سيادة العالم ية سوف ين ظر‬
‫إليه حتما @ من قبل الخرين على أنه محاولة لفرض هيمنة قومية‪ .‬ولكي نعبر‬
‫عن ذ لك بب ساطة ن قول إ نه يم كن لي شخص أن ي صبح أميرك يا@‪ ،‬ول كن‬
‫الصيني وحده يستطيع أن يكون صينيا@‪ ،‬ويضع ذلك حاجزا @ إضافيا @ ومهما @ في‬
‫طر يق أي هيم نة عالم ية ذات طابع قوي ب صورة رئي سية ‪ .‬وبال تالي‪ ،‬ف ما أن‬
‫ت بدأ الزعا مات الميرك ية بالتل شي حتى ي صبح من غ ير المحت مل لل سيطرة‬
‫العالم ية الراه نة لمير كا أن ت كرر من ق بل أي دو لة بمفرد ها‪ .‬وه كذا فإن‬

‫‪217‬‬
‫ال سؤال الرئي سي عن الم ستقبل هو ماذا ست„ورث أمير كا لل عالم كإرث دائم‬
‫من سيادتها؟"‪.‬‬
‫وال جواب يعت مد في جزء م نه ع لى مدى ا ستمرار هذه ال سيادة وع لى‬
‫مدى فعال ية الطري قة ا لتي ت ستخدمها أمير كا في ت شكيل إ طار الع مل‬
‫ل شراكات ال قوة الرئي سية ا لتي يم كن أن ت ضفى علي ها‪ ،‬مع الز من‪ ،‬ال طابع‬
‫المؤس ساتي ر سميا‪ .‬و في الحقي قة فإن نا فذة الفر صة التاريخ ية ل ستثمار‬
‫أميركا البن„اء لقوتها العالمية تستطيع أن تثبت أنها ضيقة نسبيا@‪ ،‬وذلك لسباب‬
‫داخل ية وخارج ية م عا‪ .‬فالديمقراط ية ال شعبية الحقيق ية لم تح قق قط قبل‬
‫سيادة دول ية‪ .‬ثم إن متاب عة سيا سة ال قوة ول سيما ما تتطل به غال با @ ممار سة‬
‫هذه ال قوة من ت كاليف وت ضحيات ب شرية لي ست ملئ مة عمو ما @ لل قدرات‬
‫الديمقراط ية‪ .‬فالتحول إ لى الديمقراط ية هو م عاد وغ ير ملئم للت عبئة‬
‫المبريالية‪ .‬وفي الواقع‪ ،‬فإن الشك الحرج إزاء المستقبل يمكن أن يتطرق‬
‫إلى ما إذا كانت أميركا ستصبح أول قوة عظمى غير قادرة أو غير راغبة في‬
‫ال سيطرة ع لى قوت ها‪ .‬ف هل يم كن أن ت صبح قوة عالم ية عاجزة؟ إن‬
‫ا ستفتاءات ا لرأي ال عام ت شير إ لى أن أقل ية صغيرة ف قط من ا لميركيين )‬
‫‪ 13‬في المئة( تف ضل ال قتراح ال قائل إ نه ي جب ع لى الول يات المت حدة‪،‬‬
‫بوصفـها القـوة العظمى الوحيدة الباقية‪ ،‬أن تستمر في كونها القائد العالمي‬
‫البارز الذي يعمل على حل المشكلت الدولية وتفضل اغلبية ساحقة )‪ 74‬في‬
‫المئة( أن ت قوم أمير كا بقسط وا فر في الج هود الهادفة إلى حل الم شكلت‬
‫الدولية‪ .‬في بلدان أخرى‪. ((1‬‬
‫وبال ضافة إ لى ذ لك‪ ،‬وإذ ت صبح أمير كا مجتم عا @ مت عدد لثقا فات ع لى ن حو‬
‫متزايد‪ ،‬فقد تجد أنه سيكون من الصعب عليها أن تحقق إجماعا @ على قضايا‬
‫السيا سة الخارج ية‪ .‬ما عدا ما ي حدث في ظروف التهد يد ال خارجي المبا شر‬
‫الملموس والكثيف فعل‪ .‬وقد وجد مثل هذا الجماع عموما @ في أثناء الحرب‬
‫العالمية الثانية كلها‪ ،‬وحتى خلل الحرب الباردة أيضا‪ .‬ومهما يكن المر‪ ،‬فلم‬
‫يكن ذلك متجذرا @ في القيم الديمقراطية التي يأخذ بها الناس بعمق‪ ،‬والتي‬
‫أح ست الج ماهير بأن ها‪ ،‬أي الق يم‪ ،‬تت عرض للخ طر‪ ،‬بل أي ضا في ال صلت أو‬
‫العل قات التن ية والثقاف ية ا لتي تج مع ب ين ضحايا النظ مة الديكتاتور ية‬
‫)‪ (1‬إجماع يظهر ع لى السطح ـ درا سة لمواقف ا لرأي ال عام ا لميركي إزاء دور أميركا‬
‫في العالم )كوليج بارك‪ :‬مركز الدراسات الدولية والمنية في جامعة ميريلند تموز ‪(1996‬‬
‫إنها دراسة تستحق التقدير وهي منسجمة مع ما جاء سابقا@‪ ،‬وثمة دراسات أخرى قام بها‬
‫هذا المركز في بداية عام ‪) 1997‬بإشراف الباحث الرئيس ستيفن كول( وأظهرت أن هناك‬
‫أغلبية كبيرة موافقة على توسيع الناتو )‪%62‬مع‪ ،‬منهم ‪ %27‬مع )بقوة( و ‪ %29‬فقط ضد‪،‬‬
‫منهم ‪ %14‬ضد )بقوة(‪.‬‬

‫‪218‬‬
‫المعادية الذين كان معظمهم من الوربيين‪ .‬وفي غياب تحد خارجي منافس‪،‬‬
‫ف من المم كن أن ي جد المجت مع ا لميركي أ نه من ال صعب جدا @ أن ي صل إ لى‬
‫اتفاق متعلق بالسياسات الخارجية التي ل يمكن ربطها مباشرة بالمعتقدات‬
‫الرئيسية وبحالت التعاطف التي يشعر بها الناس على نطاق واسع‪ ،‬والتي ل‬
‫تزال بحا جة إ لى و جود ا شتباك إمبر يالي م ستمر ومك لف أحيا نا‪ .‬وإذا و جد‬
‫شيء من ذ لك‪ ،‬فث مة وجه تا ن ظر مختلف تان إ لى أق صى حد عن أن تأثيرات‬
‫النت صار ال تاريخي لمير كا في ال حرب ال باردة يحت مل أن ت كون أ كثر جاذب ية‬
‫سياسيا‪ :‬فمن ناحية أولى ثمة وجهة النظر القائلة غن نهاية الحرب الباردة‬
‫تبرر تخفي ضا @ ها ما @ في ح جم ال شتباك أو الن خراط ال عالمي لمير كا ب غض‬
‫الن ظر عن الن تائج المترت بة ع لى المو قف ا لميركي‪ .‬و من ناح ية ثان ية‪ ،‬ه ناك‬
‫ا لدراك بان ا لوقت قد حان لو جود ت عدد أ طراف دو لي حقي قي ي جب ع لى‬
‫أمير كا أن تت نازل له عن ب عض من سيادتها وأن كل وج هتي الن ظر هاتين‬
‫تحكمان )تسيطران( على ولء أنصارهما الملتزمين بهما‪.‬‬
‫وعمو ما@‪ ،‬يم كن أي ضا @ للتغ ير الث قافي في أمير كا أن ي كون غ ير ملئم‬
‫ل ستمرار ممار سة ا ستخدام ال قوة المبريال ية ع لى ن حو فع لي في ال خارج‪.‬‬
‫ف هذه الممار سة تتط لب در جة عال ية من الحافز ية العقائد ية‪ ،‬وال لتزام‬
‫الف كري‪ ،‬والر ضا ا لوطني‪ .‬و مع ذ لك‪ ،‬فإن الثقا فة الم سيطرة في البلد‬
‫أصبحت تتركز على نحو متزايد على اللهو أو التسلية الواسعة النطاق التي‬
‫كانت ول تزال ت سيطر علي ها إ لى حد كبير بمو ضوعات أو أف كار متع بة ع لى‬
‫الصعيد الشخصي وهروبية )فيها تهرب من الواقع( على الصعيد الجتماعي‪.‬‬
‫و قد ج عل ال تأثير ا لتراكمي من ال صعب أ كثر فأكثر أن ت تم ت عبئة الج ماع‬
‫السيا سي اللزم من أ جل الق يادة أو الزعا مة الميرك ية الدائ مة والمكل فة‪،‬‬
‫أحيانا@‪ ،‬في الخارج‪ .‬ولعبت التصالت الواسعة النتشار دورا @ مهما @ بوجه خاص‬
‫في هذا المجال‪ ،‬مولدة رد فعل قويا @ ضد أي استخدام انتقائي للقوة يترتب‬
‫عليه حتى أخفض مستويات إصابة الشخاص في القتال )قتلي وجرحي( ‪.‬‬

‫وبال ضافة إ لى ذ لك‪ ،‬ف قد و جدت أمير كا وأورو با الغرب ية‪ ،‬ول تزالن‬
‫تجدان‪ ،‬أنه من الصعب التكيف مع نتائج ممارسة مذهب المتعة الجتماعي‬
‫والتراجع الدرامي في استقرار )مركزية( القيم الدينية في المجتمع‪) .‬إن ما‬
‫حدث بالتوازي مع ا لتراجع في النظ مة المبريال ية ا لذي ل خص في الف صل‬
‫ا لول كان مذهل في هذا الم جال(‪ .‬و قد تع قدت الز مة الثقاف ية الناج مة‬
‫بانتشار المخدرات‪ ،‬وخاصة في أميركا‪ ،‬وبربطها بالقضية العرقية‪ .‬وأخيرا @ لم‬

‫‪219‬‬
‫يعد معدل النمو القتصادي قادرا @ على التوقعات المادية المتنامية‪ ،‬علما @ أن‬
‫هذه ا لخيرة‪ ،‬أث يرت بالثقا فة ال سائدة ا لتي ت شجع ع لى ال ستهلك‪ .‬ول ن بالغ‬
‫إذا قلنا إن الحساس بالقلق التاريخي‪ ،‬وربما حتى بالتشاؤم‪ ،‬يصبح ملموسا‬
‫في القطاعات الكثر بروزا @ من المجتمع الغربي‪.‬‬

‫وقبل نصف قرن تقريبا@‪ ،‬قلق مؤرخ مشهور‪ ،‬هو هانز كون‪ ،‬بعد أن لحظ‬
‫التجربة المأساوية للحربين العالميتين وللنتائج المنهكة للتحدي الديكتاتوري‪،‬‬
‫من أن ال غرب يم كن أن ي صبح "تع با وم ستنفدا@" و في الوا قع ف هو قد خ شي‬
‫من‪:‬‬

‫"أن إنسان القرن العشرين أصبح أقل ثقة بنفسه مما كان عليه سلفه‬
‫في ال قرن التا سع ع شر‪ .‬و قد شهد ال قوى الظلم ية في التار يخ في تجرب ته‬
‫الخاصة‪ .‬فالشياء التي بدت أنها تنتمي إلى الماضي عادت إلى الظهور ثانية‪:‬‬
‫كالي مان إ لى در جة التع صب‪ ،‬وال قادة ا لذين ل يخطئون‪ ،‬والعبود ية والمذا بح‬
‫‪.‬‬ ‫‪((1‬‬ ‫الجماعية‪ ،‬واستئصال جذور الناس كلهم‪ ،‬وانتفاء الرحمة‪ ،‬والبربرية"‬
‫إن الفت قار إ لى الث قة كان ول يزال يزداد حدة ب سبب الخي بة الوا سعة‬
‫النت شار ا لتي نج مت عن ن تائج ال حرب ال باردة‪ .‬وعو ضا @ عن "ن ظام عالمي‬
‫جديد"معتمد على الجماع والنسجام نجد أن "الشياء التي بدت أنها تنتمي‬
‫إ لى الما ضي" أ صبحت كل ها ف جأة تنت مي إ لى الم ستقبل‪ .‬و بالرغم من أن‬
‫النزاعات التنية القومية لم تعد تنطوي على كونها تسبب حربا @ رئيسة‪ ،‬فهي‬
‫تهدد السلم في اجزاء هامة من العالم‪ .‬وهكذا‪ ،‬فل يحتمل أن تصبح الحرب‬
‫من مخلفات الماضي في الزمن المستقبلي القريب‪ .‬ومع وجود الدول الكثر‬
‫ت قدما @ المق يدة ب قدراتها التكنولوج ية العال ية ا لتي ت ستطيع أن ت سبب ا لدمار‬
‫ا لذاتي أو تح قق الم صلحة الذات ية‪ ،‬ف قد أ صبحت ال حرب تر فا @ ل يم كن أن‬
‫تتحمله سوى الشعوب الفقيرة‪ .‬وفي المستقبل المنظور‪ ،‬فإن ثلثي البشرية‬
‫ا لتي ت عاني من الف قر ل يم كن أن تح فز بالقيود المفرو ضة ع لى ا لذين‬
‫يتمتعون بامتيازات‪.‬‬
‫و من ال جدير با لذكر أي ضا @ أن النزا عات الدول ية وأع مال الر هاب كانت‬
‫حتى الن خالية من أي استخدام لسلحة التدمير الشامل‪ .‬أما كم من الزمن‬
‫يمكن أن ي ستمر هذا التقي يد ا لذاتي‪ ،‬فل يمكن التنبؤ به‪ ،‬ولكن توفر وسائل‬
‫إي قاع ال صابات الكثي فة‪ ،‬ب ما في ذ لك ال سلحة النوو ية والبكتريولوج ية ع لى‬

‫هانز كون "القرن العشرون" )نيويورك" ‪ ،(1949‬الصفحة ‪.53‬‬ ‫)‪(1‬‬

‫‪220‬‬
‫ن حو متزا يد‪ ،‬ول يس عمو ما @ لدى ا لدول فح سب بل و لدى المجمو عات‬
‫المنظمة أيضا@‪ ،‬سوف يزيد من احتمال استخدامها‪.‬‬
‫وباختصار‪ ،‬فإن أميركا بوصفها القوة الولى في العالم‪ ،‬تواجه فعل @ نافذة‬
‫ضيقة لفر صة تاريخ ية‪ .‬فالو ضع الرا هن لل سلم ال عالمي الن سبي يم كن أل‬
‫ي ستمر إل لوقت ق صير‪ .‬وإن هذا الوا قع شدد ع لى الحا جة المل حة إ لى‬
‫انخراط أميركي في العالم الذي يتم التركيز فيه عمدا @ على تعزيز الستقرار‬
‫الجيوبول يتي ا لدولي وع لى إ عادة إح ياء الح ساس بالت فاؤل ال تاريخي في‬
‫ال غرب‪ .‬ول كن هذا الت فاؤل يتط لب ال قدرة المثب تة ع لى التعا مل في آن مع‬
‫التحديات الجيوبوليتية الخارجية ومع التحديات الجتماعية الداخلية‪.‬‬
‫ومه ما ي كن من أ مر‪ ،‬فإن إ عادة إذ كاء الت فاؤل الغر بي وج عل الق يم‬
‫الغربية عالمية الطابع ل يعتمدان حصرا @ على أميركا وأوروبا‪ .‬فاليابان وللهند‬
‫تثب تان أن م فاهيم ح قوق الن سان ومركز ية التجر بة الديمقراط ية يم كن أن‬
‫تصلح في الخلفيات السيوية أيضا@‪ ،‬سواء في الخلفيات )الدول( النامية جدا‬
‫أم في ت لك ا لتي ل تزال نام ية ف قط‪ .‬وإن الن جاح ا لديمقراطي الم ستمر‬
‫لليا بان واله ند هو بال تالي‪ ،‬ذو أهم ية كبيرة أي ضا @ في المحاف ظة ع لى أ فق‬
‫م ستقبلي أو من ظور مو ثوق بدر جة أ كبر ومتع لق بال شكل السيا سي‬
‫المستقبلي للعالم وفي الحقيقة فأن خبرة هاتين الدولتين شانهما شأن خبرة‬
‫كور يا الجنوب ية و تايوان ت شير أن الن مو القت صادي الم ستمر لل صين‪،‬‬
‫وال مترافق ب ضغوط خارج ية يو لدها تدخل دو لي أ كثر حدة من أ جل التغي ير‪،‬‬
‫يمكنه أن يؤدي أيضا إلى جعل النظام الصيني ديمقراطيا @ بالتدريج ‪.‬‬
‫إن مواج هة هذه الت حديات هو ع بء أمير كا وم سؤوليتها الفرد ية من‬
‫نوعن ها‪ .‬ف مع ال خذ بالعت بار لحقي قة أو وا قع الديمقراط ية الميرك ية‪ ،‬ن جد أن‬
‫الرد الفعال سوف يحتاج إلى خلق فهم عام للهمية الدائمة للقوة الميركية‬
‫في ت شكيل إ طار الع مل الوا سع للت عاون الجيوبول يتي الم ستقر‪ ،‬أي ذ لك‬
‫الت عاون ا لذي يتج نب الفو ضى العالم ية ويؤ جل بن جاح ظ هور ت حدي قوة‬
‫جد يدة‪ .‬وإن هذين ال هدفين‪ ،‬أي تج نب الفو ضى العالم ية وتأج يل ظ هور‬
‫م نافس في ال قوة‪ ،‬ه ما غ ير قابلين للف صل عن التحد يد ع لى ال مدى الب عد‬
‫لهدف الشتباك أو النخراط العالمي لميركا‪ ،‬أي ذلك الهدف المتعلق بإقامة‬
‫إطار عمل دائم وقادر على البقاء للتعاون الجيوبوليتي العالمي‪.‬‬
‫ولسوء الحظ‪ ،‬فحتى الن كانت الجهود الهادفة إلى تحديد هدف رئيس‬
‫جد يد وع لى م ستوى ال عالم وللول يات المت حدة‪ ،‬غداة انت هاء ال حرب ال باردة‪،‬‬
‫ذات ب عد وا حد‪ .‬و قد ف شلت هذه الج هود في ر بط الحا جة إ لى تح سين‬

‫‪221‬‬
‫الشروط النسانية بضرورة المحافظة على مركزية القوة الميركية )دورها‬
‫المر كزي( في ال شؤون العالم ية‪ .‬ويم كن التحد يد‪ ،‬أو ال شارة إ لى عدة‬
‫م حاولت جد يدة من هذا ال نوع فخلل ال سنتين ا لوليتين لدارة كلين تون‪ ،‬لم‬
‫يأ خذ ا لدفاع عن تعدد ية ا لطراف الحاز مة في العت بار‪ ،‬وع لى ن حو كاف‪،‬‬
‫الح قائق السا سية لل قوة المعا صرة‪ .‬و في و قت ل حق‪ ،‬ن جد أن الت شديد‬
‫ال بديل ع لى المف هوم ال قائل إ نه ي جب ع لى أمير كا أن تر كز ع لى التو سع‬
‫ا لديمقراطي "ال عالمي" لم يأ خذ في الح سبان ب ما ف يه الكفا ية‪ ،‬الهم ية‬
‫الم ستمرة لمحاف ظة أمير كا ع لى ال ستقرار ال عالمي أو حتى لتطوير ها‬
‫علقات قوة ملئمة )ولكنها للسف غير ديمقراطية(‪ ،‬على غرار ما يجب أن‬
‫تفعله مع الصين‪.‬‬
‫وع لى غرار الف ضلية الميرك ية المركز ية‪ ،‬فإن عوا مل الجاذب ية ال ضيقة‬
‫التركيز كانت ول تزال أقل إقناعا@‪ ،‬علما @ أنها شملت تلك العوامل التي ركزت‬
‫ع لى إزا لة الن ظام ال سائد في توز يع ا لدخل عالم يا@‪ ،‬وع لى ت شكيل" شراكة‬
‫ا ستراتيجية نا ضجة" مع رو سيا‪ ،‬أو ع لى اح تواء انت شار ال سلحة‪ .‬أ ما ال بدائل‬
‫ا لخرى‪ ،‬كو جوب ترك يز أمير كا ع لى حما ية ا لبيئة‪ ،‬أو‪ ،‬ب شكل أ ضيق‪ ،‬ع لى‬
‫خوض حروب محل ية‪ ،‬ف قد كانت تم يل إ لى تجا هل الح قائق الرئي سية عن‬
‫ال قوة العالم ية‪ .‬ونتي جة لذلك‪ ،‬فإن أ يا @ من ال صيغ ال مذكورة سابقا @ لم يعا لج‬
‫كل يا @ الحا جة إ لى خ لق ا ستقرار جيوبول يتي عالمي في حده ا لدنى بو صفه‬
‫ي شكل ال ساس ال ضروري لطا لة ز من الهيم نة الميرك ية والتج نب الف عال‬
‫للفوضى الدولية في آن‪.‬‬
‫وباخت صار‪ ،‬ي جب أن ي كون هدف السيا سة الميرك ية مزدو جا @ دائ ما@‪ :‬أي‬
‫يتم ثل في ا ستمرار الو ضع الم سيطر لمير كا ل مدة ج يل وا حد ع لى ال قل‪،‬‬
‫ويف ضل أن ي تم ذ لك ل فترة أ طول؛ وأن ي تم خ لق إ طار ع مل جيوبول يتي‬
‫ي ستطيع امت صاص ال صدمات والج هادات أو ال توترات الحتم ية للتغ ير‬
‫الجت ماعي السيا سي بين ما ي طور في ا لوقت ذا ته الق لب أو ال جوهر‬
‫الجيوبول يتي للم سؤولية المتقا سمة من أ جل إدارة ال عالم سلميا‪ .‬وعمو ما@‪،‬‬
‫فإن المرحلة الطويلة من التعاون المتوسع بالتدريج مع الشركاء الوراسيين‬
‫الرئيسيين‪ .‬والذي ينشط ويحكم من قبل أميركا‪ ،‬تستطيع‪ ،‬أيضا@‪ ،‬أن تساعد‬
‫في تعز يز ال شروط الضرورية لرفع م ستوى بنى )جمع بنية( ا لمم المتحدة‬
‫الموجود حاليا @ والتي تقادم عليها الزمن على نحو متزايد‪ .‬ويستطيع التوزيع‬
‫الجد يد للم سؤوليات والمت يازات أن يأ خذ ع ندئذ في الح سبان الح قائق‬
‫المتغ يرة لل قوة العالم ية‪ ،‬وا لتي تخت لف ع لى ن حو حاد عن ت لك ا لتي و جدت‬
‫في العام ‪. 1945‬‬

‫‪222‬‬
‫سوف تم لك هذه الج هود الم يزة التاريخ ية الم ضافة عن ال ستفادة من‬
‫الشبكة الجديدة للرتباطات العالمية التي تنمو بوتيرة متسارعة خارج نظام‬
‫الدو لة القوم ية التقليد ية‪ .‬ول قد خلق ـت‪ ،‬فعل@‪ ،‬هذه ال شبكة‪ ،‬ا لتي ن سجتها‬
‫مؤس سات مت عددة القوم يات‪ ،‬ومنظ مات غ ير حكوم ية )يح مل ال كثير من ها‬
‫ال طابع ما فوق ال قومي( ومجتم عات )هيئات( علم ية‪ ،‬و عز „زت ب شبكة‬
‫ال نترنت‪ ،‬منظو مة عالم ية غ ير ر سمية تع تبر غ ير ملئ مة للت عاون ذي ال طابع‬
‫المؤسساتي والشامل‪.‬‬
‫وه كذا ف في أث ناء ب ضعة الع قود القاد مة‪ ،‬يم كن أن تظ هر بن ية عمل ية‬
‫للتعاون الدولي‪ ،‬معتمدة علـى الحقائق الجيوبوليتية‪ ،‬وتمارس‪ ،‬بالتدريج‪ ،‬دور‬
‫"الحاكم" الحالي للعالم الذي يحمل في الوقت الواهن عبء المسؤولية عن‬
‫استقرار العالم وسلمه‪ .‬وإن النجاح الجيواستراتيجي في هذه القضية سوف‬
‫يم ثل إرث ـا @ ملئ ما @ لدور أمير كا بو صفها ال قوة العظ مى الحقيق ية ا لولى‪،‬‬
‫والوحيدة‪ ،‬والخيرة‪.‬‬

‫‪223‬‬

You might also like