Professional Documents
Culture Documents
ومما يبيّن من القرآن فضيلة أبي بكر في الغار أن ال تعالى ذكر نصره لرسوله في هذه الحال
ي اثْنَيْ نِ إِذْ ُهمَا فِي ا ْلغَارِ
التي يُخذل فيها عامة الخلق إل من نصره ال :إِذْ َأخْ َرجَ ُه الّذِي نَ َكفَرُوا ثَانِ َ
( . )1أي أخرجوه فجي هذه القلة مجن العدد ،لم يصجحبه إل الواحجد ،فإن الواحجد أقجل مجا يوججد .فإذا لم
ل على أنه في غاية القلّة .
يصحبه إل واحدٌ د ّ
ثم قال :إِذْ َيقُولُ لِ صَاحِ ِبهِ َل َتحْزَ نْ إِنّ اللّ هَ َمعَنَا . )2( وهذا يدلّ على أن صاحبه كان مشفقا
عل يه محبّ ا له نا صرا له ح يث حزن ،وإن ما يحزن الن سان حال الخوف على من يحبّه ،وأ ما عدوه فل
يحزن إذا انعقد سبب هلكه .
فلو كان أبو بكر مبغِضا كما يقول المفترون لم يحزن ولم ينه عن الحزن ،بل كان يضمر الفرح
. )) والسرور ،ول كان الرسول يقول له (( :ل تحزن إن ال معنا
فإن قال المفترى :إنه خَ ِفيَ على الرسول حاله لمّا أظهر له الحزن ،وكان في الباطن مبغضا .
فهذا إخبار بأن ال معهما جميعا بنصره ،ول يجوز للرسول قيل له :فقد قال :إِنّ اللّ َه َمعَنَا
أن يخبر بنصر ال لرسوله وللمؤمنين وأن ال معهم ،ويجعل ذلك في الباطن منافقا ،فإنه معصوم في
خبره عن ال ،ل يقول عليه إل الحق .
ل ل ي خف عل يه حال من ي صحبه في م ثل هذا السفر ،الذي
وأي ضا فمعلوم أن أض عف الناس عق ً
يعاديجه فيجه المل الذيجن هجو بيجن أظهرهجم ،ويطلبون قتله ،وأولياؤه هناك ل يسجتطيعون نصجره ،فكيجف
يصجحب واحدا ممجن يظهجر له موالتجه دون غيره ،وقجد أظهجر له هذا حزنجه ،وهجو مجع ذلك عد ّو فجي
الباطن ،والمصحوب يعتقد أنه وليه ،وهذا ل يفعله إل أحمق الناس وأجهلهم .
ب رسجوله ،الذي هجو أكمجل الخلق عقل وعلمجا وخجبرة ،إلى مثجل هذه الجهالة
َسج َ
فقبّحج ال مجن ن َ
والغباوة .
(فصــل)
وأما قول الرافضي :يجوز أن يستصحبه لئل يظهر أمره حذرا منه .
والجواب :أن هذا باطل من وجوه كثيرة ل يمكن استتقصاؤها .
أحدها :أنه قد علم بدللة القرآن موالته له ومحبته ،ل عداوته ،فبطل ادعاؤه .
مؤمنا به ،ومن أعظم الخلق الثاني :أنه قد علم بالتواتر المعنوي أن أبا بكر كان محبا للنبي
اختصاصا به ،أعظم مما تواتر من شجاعة عنترة ،ومن سخاء حاتم ومن موالة عليّ ومحبته به ،ونحو
ذلك من التواترات المعنو ية ال تي ات فق في ها الخبار الكثيرة على مق صود وا حد ،وال شك في مح بة أ بي
(فصــل)
وأ ما قول الراف ضي (( :ال ية تدل على نق صه ،لقوله تعالى :لَ َتحْ َز نْ إِنّ اللّ هَ َمعَنَا )4( فإ نه
. )) يدل على خوره ،وقلة صبره ،وعدم يقينه وعدم رضاه بمساواته للنبي ،وبقضاء ال وقدره
فإ نه إذا )) إ نه ا ستصحبه حذرا م نه لئل يظ هر أمره (( فالجواب :أول :أن هذا ينا قض قول كم :
كان عدوه ،وكان مبطنا لعِداه الذيجن يطلبونجه ،كان ينبغجي أن يفرح ويسجرّ ويطمئن إذا جاءه العدو .
وأيضا فالعدو قد جاءوا ومشوا فوق الغار ،فكان ينبغي أن ينذرهم به .
(فصــل)
. )) إنه يدل على نقصه (( وأما قوله :
ص عمّن هو أكمل منه .
فنقول :أولً :النقص نوعان :نقص ينافي إيمانه ،ونق ٌ
ق ِممّا
ن عَلَ ْيهِمْ َو َل تَكُ فِي ضَيْ ٍ
فإن أراد الول ،فهو باطل .فإن ال تعالى قال لنبيه َ : ولَ َتحْزَ ْ
ن . )5(
َي ْمكُرُو َ
وقال للمؤمنين عامة َ :و َل َتهِنُوا َو َل َتحْزَنُواْ َوأَنْ ُتمُ ْالَعْ َلوْنَ (. )6
لَ َتمُدّنّ عَيْنَيْ كَ إِلَى مَا مَ ّتعْنَا بِ هِ * ن ا ْل َعظِي مُ
ك سَ ْبعًا مّ نَ ا ْلمَثَانِي وَالْقُرْآ َ
وَ َلقَدْ أَتَيْنَا َ وقال :
ن عَلَ ْيهِ مْ . )7( فقد نهى نبيه عن الحزن في غير موضع ،ونهى المؤمنين جملة،
أَ ْزوَاجًا مّ ْنهُ مْ َو َل َتحْزَ ْ
فعُلم أن ذلك ل ينافي اليمان .
أكمل من حال أبي بكر وإن أراد بذلك أنه ناقص عمّن هو أكمل منه ،فل ريب أن حال النبي
.وهذا ل ينازع فيه أحدٌ من أهل السنّة .ولكن ليس في هذا ما يدل على أن عليّا أو عثمان أو عمر أو
في هذه الحال ،ولو كانوا معه لم يُعلم حالهم يكون أكمل غيرهم أفضل منه ،لنهم لم يكونوا مع النبي
من حال الصدّيق ،بل المعروف من حالهم دائما وحاله ،أنهم وقت المخاوف يكون الصدّيق أكمل منهم
(فصــل)
قال الراف ضي (( :إن الية تدل على خَ َورِ ِه وقلة صبره ،وعدم يقينه بال ،وعدم رضاه بم ساواته
. )) للنبي ،وبقضاء ال وقدره
فهذا كله :كذب منه ظاهر ،ليس في الية ما يدل على هذا .وذلك من وجهين :
أحده ما :أن النهي عن الشيء ل يدل على وقو عه ،بل يدل على أنه ممنوع منه ،لئل ي قع فيما
ن وَا ْلمُنَا ِفقِي نَ ،) )1فهذا ل يدل على أ نه
ب عد ،كقوله تعالى :يَا أَيّهَا النّبِيّ اتّ قِ اللّ َه َولَ ُتطِ ِع ا ْلكَافِرِي َ
كان يطيعهم .
لئل يُقتل فيذهب السلم ،وكان يوّد الثاني :أنه بتقدير أن يكون حزن ،فكان حزنه على النبي
أن يفدي النبي .ولهذا لما كان معه في سفر الهجرة ،كان يمشي أمامه تارة ،وراءه تارة ،فسأله النبي
أذكر الرصد فأكون أمامك وأذكر الطلب فأكون وراءك )) رواه أحمد . (( عن ذلك ،فقال :
:ل بالمع نى الذي أراده الكاذب المفترى عل يه :أ نه لم وحينئذ لم ي كن ير ضى بم ساواة ال نبي
ويعيش هو ،بل كان يختار أن يفديه يرض بأن يموتا جميعا ،بل كان ل يرضى بأن يُقتل رسول ال
بنفسه وأهله وماله .
(فصــل)
وأما قوله (( :إنه يدل على قلة صبره )) .
فباطل ،بل ول يدل على انعدام شيء من الصبر المأمور به ،فإن الصبر على المصائب واجب
بالكتاب والسنّة ،ومع هذا فحزن القلب ل ينافي ذلك .
(( :إن ال ل يؤاخذ على دمع العين ،ول على حزن القلب ،ولكن يؤاخذ على هذا – كما قال
يعني اللسان – أو يرحم ))(. )10
. )) وقوله(( :إنه يدل على عدم يقينه بال
كذب وبهت ؛ فإن النبياء قد حزنوا ،ولم يكن ذلك دليل على عدم يقينهم بال ،كما ذكر ال عن
يعقوب .وث بت في ال صحيح أن ال نبي ل ما مات اب نه إبراه يم قال (( :تد مع الع ين ،ويحزن القلب ،ول
نقول إل ما يرضي الرب ،وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون ))(. )11
ن عَلَ ْي ِهمْ . )12(
وقد نهى ال عن الحزن نبيه بقوله َ :و َل َتحْزَ ْ
يدل على الخور وعدم الرضا بقضاء ال وقدره )) .هو با طل ،ك ما تقدم نظائره (( وكذلك قوله :
.
(فصــل)
شرك معه المؤمنين وأما قول الرافضي :إن القرآن حيث ذكر إنزال السكينة على رسول ال
إل في هذا الموضع ،ول نقص أعظم منه .
فالجواب :أول :أن هذا يو هم أ نه ذَكَر ذلك في موا ضع متعددة ،ول يس كذلك ،بل لم يذ كر ذلك
إل في قصة حُنين .
) (17أي مناقض للسلم كما هو الواقع لمن عرف مذهبهم ونظر أحوالهم .
علَ ْيكُمُ الَرْضَ ِبمَا
ن عَ ْنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ َ
عجَبَ ْتكُمْ كَثْرَ ُتكُمْ فَلَمْ ُتغْ ِ
كما قال تعالى :وَ َيوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَ ْ
علَى ا ْل ُم ْؤمِنِي نَ َوأَنْ َزلَ جُنُودًا لّ مْ تَ َروْهَا
سكِينَ َتهُ عَلَى رَ سُو ِلهِ وَ َ
ت ُثمّ وَلّيْتُم مّدْبِرِي نَ * ُثمّ أَنْ َز َل اللّ ُه َ
َرحُبَ ْ
)18( فذكر إنزال السكينة على الرسول والمؤمنين ،بعد أن ذكر توليتهم مدبرين .
وقد ذكر إنزال السكينة على المؤمنين وليس معهم الرسول في قوله :إِنّا فَ َتحْنَا لَ كَ فَ ْتحًا مّبِينًا
ي اللّ ُه عَ نِ
ض َ
سكِي َنةَ فِي قُلُو بِ ا ْل ُم ْؤمِنِي نَ )20( الية ،وقوله َ :لقَدْ رَ ِ
ُهوَ الّذِي أَنْ َز َل ال ّ ( )19إلى قوله :
شجَرَةِ َفعَ ِلمَ مَا فِي ُقلُو ِبهِمْ فَأَنْ َز َل السّكِي َنةَ عَلَ ْي ِهمْ . )21(
ت ال ّ
ن إِذْ يُبَا ِيعُونَكَ َتحْ َ
ا ْل ُم ْؤمِنِي َ
ويقال :ثانيا :الناس قد تنازعوا في عَوْد الضمير في قوله تعالى :فَأَ ْن َزلَ الّلهُ سَكِينَ َتهُ عَلَيْهِ
.ومن هم من قال :إ نه عائد إلى أ بي ب كر ،ل نه أقرب . )22( فمن هم من قال :إ نه عائد إلى ال نبي
المذكورين ،ولنه كان محتاجا إلى إنزال السكينة ،فأنزل السكينة عليه ،كما أنزلها على المؤمنين الذين
بايعوه تحت الشجرة .
كان م ستغنيا عن ها في هذه الحال لكمال طمأنين ته ،بخلف إنزال ها يوم حن ين ،فإ نه كان وال نبي
محتاجا إليها لنهزام جمهور أصحابه ،وإقبال العدو نحوه ،وسوقه ببغلته إلى العدو .
وعلى القول الول فيكون الضم ير عائدا إلى ال نبي ،ك ما عاد الضم ير إل يه في قوله َ :وأَيّدَ هُ
ِبجُنُودٍ ّلمْ تَ َروْهَا . )23(ولن سياق الكلم كان في ذكره ،وإنما ذكر صاحبه ضمنا وتبعا .
هو المتبوع المطاع ،وأ بو وال نبي إِنّ اللّ َه َمعَنَا ل كن يقال :على هذا ل ما قال ل صاحبه :
بكر تابع مطيع ،وهو صاحبه ،وال معهما ،فإذا حصل للمتبوع في هذه الحال سكينة وتأييد ،كان ذلك
للتا بع أي ضا بح كم الحال ،فإ نه صاحب تا بع لزم ،ولم يح تج أن يذ كر ه نا أ بو ب كر لكمال الملز مة
في التأييد . والمصاحبة ،التي توجب مشاركة النبي
(فصــل)
قال الرافضي (( :وأما قوله :وَسَ ُيجَنّبُهَا الَتْقَى ( ، )24فإن المراد به أبو الدحداح حيث اشترى
على صاحب النخلة نخلة في الجنة ،فسمع أبو الدحداح، نخلة لشخص لجل جاره ،وقد عرض النبي
له بستانا عوضا في الجنة)) . فاشتراها ببستان له ووهبها له الجار ،فجعل النبي
والجواب :أن يُقال :ل يجوز أن تكون هذه اليجة مختصجة بأبجي الدحداح دون أبجي بكجر باتفاق
أهجل العلم بالقرآن وتفسجيره وأسجباب نزوله ،وذلك أن هذه السجورة مكيّةج باتفاق العلماء .وقصجة أبجي
(فصــل)
عرَا بِ (. )31فإنه أراد الذين تخلّفوا عن
قال الرافضي ((:وأما قوله تعالى ُ :قلْ لّ ْل ُمخَّلفِي نَ مِ نَ الَ ْ
()32
ن تَتّ ِبعُونَا
الحديبية .والتمس هؤلء أن يخرجوا إلى غنيمة خ ْيبَر ،فمنعهم ال تعالى بقوله ُ :قلْ لَ ْ
َابـ
عر ِ ِنـ ْالَ ْ
ِينـ م َ
قُل لّ ْل ُمخَّلف َ ،لنجه تعالى جعجل غنيمجة خيجبر لمجن شهجد الحديبيجة .ثجم قال تعالى :
إلى غزوات كثيرة كمؤ تة وحُن ين عوْنَ إِلَى َقوْ ٍم ُأوْلِي بَأْ سٍ شَدِي ٍد . )33( و قد دعا هم ر سول ال
سَتُدْ َ
.وأيضجا جاز أن يكون عليّاج قاتجل الناكثيجن والقاسجطين وتبوك وغيرهجا ،وكان الداعجي رسجول ال
ي حر بك حر بي ،وحرب ر سول ال
يا عل ّ (( : والمارق ين ،وكان رجوع هم إلى طاع ته إ سلما ،لقوله
كفر )) .
فالجواب :أما ال ستدلل بهذه ال ية على خل فة الصديق ووجوب طاع ته ،ف قد استدل ب ها طائ فة
جعَكَ
من أهل العلم ،منهم الشافعي والشعري وابن حزم وغيرهم .واحتجّوا بأن ال تعالى قال :فَإِن ّر َ
ي عَ ُدوّا )34(قالوا :
ن ُتقَاتِلُوا َمعِ َ
ي أَبَدًا وَلَ ْ
ن َتخْ ُرجُوا َمعِ َ
ك لِ ْلخُرُوجِ َف ُقلْ لّ ْ
اللّهُ إِلَى طَا ِئ َفةٍ مِ ْنهُمْ فَاسْتَأْذَنُو َ
فقد أمر ال رسوله أن يقول لهؤلء :لن تخرجوا معي أبدا ،ولن تقاتلوا معي عدوا ،فعُلم أن الداعي لهم
إلى القتال ليس رسول ال ،فوجب أن يكون من بعده ،وليس إل أبا بكر ،ثم عمر ،ثم عثمان ،الذين
. ُتقَاتِلُو َن ُهمْ َأوْ ُيسْ ِلمُونَ دعوا الناس إلى قتال فارس والروم وغيرهم أو يسلمون ،حيث قال:
س شَدِيدٍ ُتقَاتِلُو َنهُ مْ
ن إِلَى َقوْ مٍ ُأوْلِي َبأْ ٍ
عوْ َ
سَتُدْ َ فوجه الستدلل من الية أن يقال قوله تعالى :
ن )35(يدل على أنهم متصفون بأنهم أولو بأس شديد ،وبأنهم يقاتلون أو يسلمون .قالوا :فل
َأوْ يُ سْ ِلمُو َ
يجوز أن يكون دَعَاهُم إلى قتال أ هل م كة وهوازن عق يب عام الف تح ،لن هؤلء هم الذ ين دعوا إلي هم
) (29الية 86من سورة سبأ .
) (30الية 47من سورة سبأ .
) (31الية 16من سورة الفتح .
) (32الية 15من سورة الفتح .
) (33الية 16من سورة الفتح .
) (34الية 83من سورة التوبة .
) (35الية 16من سورة الفتح .
عام الحديبية ،ومن لم يكن منهم فهو من جنسهم ،ليس هو أشد بأسا منهم ،كلهم عربٌ من أهل الحجاز،
وأصحابه يوم بدر وأحد وقتالهم من جنس واحد ،وأهل مكة ومن حولها كانوا أشد بأسا وقتال للنبي
والخندق من أولئك ،وكذلك في غير ذلك من السرايا .
لم يذ كر له إ سنادا ،فل يقوم به ح جة ،فك يف )) و ما ذكره في الحد يث من قوله (( حر بك حر بي
وهو كذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث.
وأ ما قول الراف ضي (( :إن الدا عي جاز أن يكون عليّ ا – دون من قبله من الخلفاء – لمّا قا تل
الناكثين والقاسطين والمارقين )) يعني :أهل الجمل وصفين والحرورية والخوارج .
فيقال له :هذا باطل قطعا من وجوه :
أحدها :أن هؤلء لم يكونوا أشد بأسا من بني جنسهم ،بل معلوم أن الذين قاتلوه يوم الجمل كانوا
أقل من عسكره ،وجيشه كانوا أكثر منهم.
وكذلك الخوارج كان جيشجه أضعافهجم ،وكذلك أهجل صجفّين كان جيشجه أكثجر منهجم ،وكانوا مجن
جنسهم ،فلم يكن في وصفهم بأنهم أولو بأسٍ شديد ما يوجب امتيازهم عن غيرهم .
ومعلوم أن بنجي حني فة وفارس والروم كانوا فجي القتال أشدّ بأ سا من هؤلء بكثيجر ،ولم يح صل
ي من الخوارج من استحرار القتل ما حصل في جيش الصدّيق ،الذين قاتلوا أصحاب
في أصحاب عل ّ
مسجيلمة .وأمجا فارس والروم فل يشجك عاقجل أن قتالهجم كان أشجد مجن قتال المسجلمين العرب بعضهجم
بع ضا ،وإن كان قتال العرب للكفّار في أول ال سلم كان أف ضل وأع ظم ،فذاك لقلة المؤمن ين وضعف هم
في أول المر ،ل أن عدوهم كان أشدّ بأسا من فارس والروم .
الو جه الثا ني :أن عليّ ا لم يدع نا سا بعيد ين م نه إلى قتال أ هل الج مل وقتال الخوارج ،ول ما قدم
البصرة لم يكن في نيّته قتال أحدٍ ،بل وقع القتال بغير اختيار منه ومن طلحة والزبير .وأما الخوارج
فكان بعض عسكره يكفيهم ،لم يدع أحدا إليهم من أعراب الحجاز .
الثالث :أ نه لو قُدّر أن عليّ ا ت جب طاع ته في قتال هؤلء ،ف من الممت نع أن يأ مر ال بطا عة من
يقاتل أهل الصلة لردهم إلى طاعة ول يّ المر ،ول يأمر بطاعة من يقاتل الكفار ليؤمنوا بال ورسوله
.
ومعلوم أن من خرج من طا عة عل يّ ل يس بأب عد عن اليمان بال ور سوله م من كذّب الر سول
والقرآن ،ولم يقرّ بش يء م ما جاء به الر سول ،بل هؤلء أع ظم ذن با ،ودعاؤ هم إلى ال سلم أف ضل،
وقتالهم أفضل ،وإن ُقدّر أن الذين قاتلوا عليّا كفّار .
وإن قيل :هم مرتدّون ،كما تقوله الرافضة .
ل آ خر غ ير مح مد ،كأتباع م سيلمة الكذّاب ،ف هو
فمعلوم أن من كا نت ردّ ته إلى أن يؤ من بر سو ٍ
أعظم ردة ممن لم يقرّ بطاعة المام،مع إيمانه بالرسول .
ب ل من قاتله عليّ إل وذ نب من قاتله الثل ثة أع ظم ،ول يُذ كر فضلٌ ول
فب كل حال ل يُذ كر ذن ٌ
ثواب لمن قاتل مع عليّ إل والفضل والثواب لمن قاتل مع الثلثة أعظم .
ي كافرا .ومعلوم أن هذا قول باطل ،ل يقوله إل حثالة الشيعة،
هذا بتقدير أن يكون من قاتله عل ّ
وإل فعقلؤهم ل يقولون ذلك .وقد علم بالتواتر عن عل يّ وأهل بيته أنهم لم يكونوا يكفّرون من قاتل
عليّا .وهذا كله إذا سُلّم أن ذلك القتال كان مأمورا به .كيف وقد عُرف نزاع الصحابة والعلماء بعدهم
في هذا القتال :هل كان من باب قتال البغاة الذي وجد في شرط وجوبه القتال فيه ،أم لم يكن من ذلك
لنتفاء الشرط الموجب للقتال ؟!
والذي عليه أكابر الصحابة والتابعين أن قتال الجمل وصفّين لم يكن من القتال المأمور به ،وإن
تركه أفضل من الدخول فيه ،بل عدّوه قتال فتنة .
وعلى هذا جمهور أهل الحديث ،وجمهور أئمة الفقهاء .
ُتقَاتِلُو َنهُ مْ َأوْ يُ سْ ِلمُونَ الو جه الرا بع :أن ال ية ل تتناول القتال مع علي قط عا ً ل نه قال :
فوصفهم بأنهم ل بد فيهم من أحد أمرين :المقاتلة ،أو السلم ،ومعلوم أن الذين دعا إليهم عليّ فيهم
خلق لم يقاتلوه ألب تة ،بل تركوا قتاله فلم يقاتلوه ولم يقاتلوا م عه ،فكانوا صنفا ثالثا :ل قاتلوه ول قاتلوا
معه ول أطاعوه ،وكلهم مسلمون ،وقد دل على إسلمهم القرآن والسنة وإجماع الصحابة :عليّ وغيره
.
صِلحُوا بَيْ َنهُمَا فَإِ نْ َبغَ تْ ِإحْدَاهُمَا عَلَى
َوإِ نْ طَا ِئفَتَا نِ مِ نَ ا ْل ُم ْؤمِنِي نَ اقْتَتَلُوا فَأَ ْ قال تعالى :
سطُوا إِنّ اللّهَ
ا ُلخْرَى َفقَاتِلُوا الّتِي تَ ْبغِي حَتّى َتفِي َء إِلَى َأمْ ِر اللّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْ ِلحُوا بَيْ َن ُهمَا بِا ْلعَ ْدلِ َوأَقْ ِ
سطِينَ ،) )1فوصفهم باليمان مع القتتال والبغي ،وأخبَر أنهم إخوة وأن الُخوّة ل تكون إل
ُيحِبّ ا ْلمُقْ ِ
بين المؤمنين ،ل بين مؤمن وكافر .
وأ ما تكف ير هذا الراف ضي وأمثاله ل هم ،وج عل رجوع هم إلى طا عة عل يّ إ سلما ،لقوله -في ما
ي حربك حربي .
زعمه – يا عل ّ
فيقال :من العجائب وأعظم المصائب على هؤلء المخذولين أن يثبتوا مثل هذا الصل العظيم،
بم ثل هذا الحد يث الذي ل يو جد في ش يء من دواو ين أ هل الحد يث ال تي يعتمدون علي ها ،ل هو في
الصحاح ول في السنن ول المسانيد ول الفوائد ،ول غير ذلك مما يتناقله أهل العلم بالحديث ويتداولونه
بينهجم ،ول هجو عندهجم ل صجحيح ول حسجن ول ضعيجف ،بجل هجو أخس ّج مجن ذلك ،وهجو مجن أظهجر
:مجن أنجه جعجل الطائفتيجن الموضوعات كذبجا ،فإنجه خلف المعلوم المتواتجر مجن سجنة رسجول ال
مسلمين ،وأنه جعل ترك القتال في تلك الفتنة خيرا من القتال فيها ،وأنه أثنى على من أصلح به بين
الطائفتين .