You are on page 1of 12

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬

‫أمــــا بعــــد ‪!..‬‬

‫الحمد ل‪:‬‬
‫أحمده تعالى على جزيل إنعامه وإفْضاله ‪ ،‬وأشكره على جليلِ إحسانه ونواله ‪ ،‬وله الحمدُ‬
‫على أسمائهِ الحسنى وصفاتِ كمالهِ ونعوتِ جلله ‪ ،‬وله الحم ُد على عْدله قَدَراً وشرعًا ‪ ،‬وله‬
‫الحمدُ في الخرةِ والولى وهو الحكيمُ الخبير ‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل الُ وحده ل شريك له‬
‫ك والوزيرِ ‪ ،‬وتقدّس في‬ ‫ق العليّ الكبير ‪ ،‬تعالى في ألوهيته وربوبيتهِ عن الشري ِ‬ ‫المِلكُ الح ّ‬
‫أحَ ِد ّيتِه وصَمَديتِه عن الصاحب ِة والولدِ والوليّ والنصير ‪ ،‬وتنزّه في صفاتِ كمال ِه ونعوتِ‬
‫ع والمُغالبِ‬‫جللِه عن الكُفء والنظير‪ ،‬وعـزّ في سلطانِ قَهره وكمالِ قـدره عن المُناز ِ‬
‫غنَا ُه عن المُطعِم والمُجير ‪ ،‬فسبحانه ما أعظمَه وأحلمَه‪،‬‬ ‫ن والمُشيرِ ‪ ،‬وجلّ في بقائه و ِ‬ ‫والمُعي ِ‬
‫ت وإليه أُنيبُ ‪ ،‬وهو حسبي ونعم الوكيل‪.‬‬ ‫وما أجّله وأكملَه ‪ ،‬عليه توكل ُ‬
‫من أيـن أبدأ والمحامـد كلهـا لك يا مهيمن يا مصوُر يا صمْد‬
‫ت ولم أزدْ‬ ‫احترتُ في أبهى المعاني أن تفي بجلل قدرِك فاعتذر ُ‬
‫ف الضـرّاء ‪ ،‬معطي السـراء‪.‬‬ ‫ل على جزيلِ العطاء ‪ ،‬مسدِي النّعماء ‪ ،‬كاش ِ‬ ‫الحمد ِ‬
‫ي القَهرِ والقَدْر ‪ ،‬الحمد ل المتكفلِ بالقوات ‪،‬‬ ‫الحمد ل عال ِم السرّ والجهر ‪ ،‬الحمد ل عال ْ‬
‫ف الكربات ‪ ،‬المرجوّ في الزمات‪.‬‬ ‫ش ِ‬‫المدع ّو عند المدَلهِمّات ‪ ،‬المطلوبِ عند ك ْ‬
‫ل أمرٍ يسّره ‪ ،‬وعلى كل‬ ‫صرَفها ‪ ،‬وعلى ك ّ‬ ‫الحمد ل على كل نعمةٍ أنعم بها ‪ ،‬وعلى كل بليّ ٍة َ‬
‫ث لَطَف فيه‪.‬‬ ‫قضاءٍ قدّره ‪ ،‬وكل مكروهٍ كفاه ‪ ،‬وكلّ حاد ٍ‬
‫الحمد ل كم أعطى من النعيم ‪ ،‬كم َمنَح من الخير العميم ‪ ،‬كم تفضّل به من النوال الجسيم ‪،‬‬
‫عمّت نعمُه ‪ ،‬انصرفتْ ن َقمُه ‪ ،‬تضاعف كرمُه‪.‬‬
‫الحمد ل على تمام المِنة ‪ ،‬الحمد ل بالكتاب والسنة ‪ ،‬الحمد ل على نعم ِة السلم ‪ ،‬وتواتر‬
‫النعام ‪ ،‬توالتْ أفضالُه ‪ ،‬ع ّم نوالُه ‪ ،‬حَسُنتْ أفعالُه ‪ ،‬ت ّمتْ أقوالُه الحمد ل ُم ْولِى الجميل ‪،‬‬
‫ن أعطى ‪ ،‬وأصدقُ من‬ ‫ك في القليل ‪ ،‬أجو ُد مَ ْ‬ ‫واهبُ العطاءِ الجزيل ‪ ،‬شافي العليل ‪ ،‬المُبا ِر ُ‬
‫أوفى‪.‬‬
‫ل عن إلهِ الكون يا لهي تعيش عمرك كالحيرانِ كالساهي‬ ‫يا غاف ً‬
‫ل ل تلقـى سـوى ال‬ ‫ل واقصدْ بابه كرماً والِ وا ِ‬ ‫ارج ْع إلى ا ِ‬
‫ن توّكل عليه كفاه ‪،‬‬ ‫مَنْ َقبِله فهو المقبول ‪ ،‬مَنْ حاربه فهو المخذول ‪ ،‬مَنْ التجَأ إليه عزّ ‪ ،‬مَ ْ‬
‫مَنْ أطاعه توله ‪ ،‬مَنْ نازعه َقصَمه ‪ ،‬مَنْ بارزه حَطَمه ‪ ،‬مَنْ أشرك به أحرقه ‪ ،‬مَنْ نادّه‬
‫مزّقه‪.‬‬
‫ب الحـبّ بالـد ِم يُكتـبُ‬ ‫صغْنا من الدمع قصةً وصـارَ كتا ُ‬ ‫ل لو ُ‬ ‫فو ا ِ‬
‫سرْنا على الجفانِ نمشي محب ًة على النارِ نُشوى أو على الجم ِر نُسحبُ‬ ‫وِ‬
‫لما بـلغـت ما تستحق جهـودنا فكـل ولو نـال المشقـة مـذنـب‬
‫وأشهد أن محمداً رسولُ ال ‪ ،‬النبيّ الخاتم ‪ ،‬والما ُم المعصوم ‪ ،‬والسوةُ الحسنة ‪ ،‬والقدوةُ‬
‫ش َرفُ الحواض ِر والبوادي ‪ ،‬وزينةُ النوادي ‪ ،‬أعظم هادي ‪ ،‬وأفضل حادي‪:‬‬ ‫المثلى ‪َ ،‬‬
‫ل الشّفـاه‬
‫يا طريــداً مـل الدنيا اسـمُه وغـدا لحنـًا على ك ّ‬
‫ت سيـرتُه أســطورةً يتلقّــاهـا رواةُ عـن رواه‬ ‫وغــد ْ‬
‫ليت شعري هل درى مَنْ طاردوا عابـدوا اللتِ وأتبـاعُ منـاه‬
‫ل معبودُها شاهـتْ وشـاه‬ ‫هل درتْ مَـنْ طـاردتْه أُمــهٌ ُهبَـ ٌ‬

‫‪1‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فعنوان محاضرتي ‪( ..‬أما بعد) ‪..‬‬
‫ل ومن بعد ‪ ،‬ليس لنا من المر شيء ‪ ،‬وليس لنا مع‬ ‫وأما بعد ‪ ..‬وأما قبل ‪ ،‬فلله الم ُر من قب ُ‬
‫حوْل ‪ ،‬وما عندنا ‪ ،‬لمره ردّ ‪ ،‬وما لنا لقضائه حيلة ‪ ،‬وما لدينا مع قَ َدرِه تدبير ‪ ،‬هو‬ ‫قدرتهِ َ‬
‫ب مردّنا ‪ ،‬وما‬
‫الفعّالُ لما يريد ‪ ،‬ونحن العبيد ‪ ،‬إن تشرّفْنا فالطينُ أصلُنا ‪ ،‬وإن افتخرنا فالترا ُ‬
‫ب برأيه‪:‬‬
‫ن أن يشمخَ بأنْفِه‪ ،‬أو يزه َو بعلمه ‪ ،‬أو يُعج َ‬‫خلِق من ما ٍء مهي ٍ‬
‫لمن ُ‬
‫خلَدي ماذا أُع ّرفُ من َمتْنٍ ومن سَندِ‬ ‫يا أنتَ يا أحسنَ السماءِ في َ‬
‫س ِمعْنا ثنا َء الواحـدِ الحـدِ‬
‫تَقَاصرْت كلّها الوصافُ عندك ُم لمّا َ‬
‫ح السـي ِد الصّمد‬‫ل لو أنّ أقل َم الورى بُريـت مِن العروقِ لمد ِ‬ ‫وا ِ‬
‫لم نبل ِغ العُشرَ ممـا يستحقّ ول عُش َر العشي ِر وهذا غاي ُة المـدِ‬
‫ي وأنا الفقير ‪ ،‬أنت‬ ‫يا ربّ ‪ ،‬يا حيّ ‪ ،‬يا قيومُ ‪ ،‬يا لطيفُ ‪ ،‬أنت الكاملُ وأنا الناقص ‪ ،‬أنت الغن ّ‬
‫ي وأنا الميت ‪ ..‬أصاب ُع الذنوبِ تشير إلى الغفار ‪ .‬ألسن ُة الفقرِ‬ ‫القويّ وأنا الضعيف ‪ ،‬أنت الح ّ‬
‫ي ‪ .‬أكفّ الضعفِ تُرفع للقوي‪.‬‬ ‫تدعو الغن ّ‬
‫ي القيوم‪.‬‬‫الميتُ يمدحُ الح ّ‬
‫ق يُنادي‪ :‬يا ذا الجلل والكرام‪.‬‬ ‫الغري ُ‬
‫الكلماتُ والشاراتُ عاجزات‪.‬‬
‫ن التقصير‪.‬‬ ‫البيانُ والبلغةُ والتعبيرُ تُعل ِ‬
‫ل يعلم ما يستحقّ إلّ هو‪.‬‬
‫ط بعلمِه سواه‪.‬‬ ‫ل يحي ُ‬
‫ل يق ّدرُه قَ ْدرُه إلّ إياه‪.‬‬
‫ل يحسن الثناء عليه غيُره‪.‬‬
‫حمِ ْدتُه أو ك ّب ْرتُه أو وحّدتُه فهو الذي‬
‫حتُه أو مجّ ْدتُه فهو الذي علّمني‪ .‬إن َ‬ ‫ستُ ُه أو سبّ ْ‬‫إن قدّ ْ‬
‫ش َك ْرتُه أو َذ َك ْرتُه فهو الذي أكرمني‪.‬‬ ‫عبْدتُه أو َ‬‫ألهمني‪ .‬إن َ‬
‫صفاتُ المدحِ في الكاملين ذ ّر ٌة من كماله ‪ ،‬نعوتُ الفضلِ في البرار نفح ٌة من أفضاله ‪ ،‬ألسنةُ‬
‫المادحين وأَقلمُ الواصفين حائرةٌ في جلله ‪ ،‬من أنا حتى أمدحَه؟ مَنْ أنا حتى أُمجّده؟ مَنْ أنا‬
‫ن أذكر‬ ‫صوّر من طي ٍ‬ ‫ف الملكَ الوهّاب! أَنا الذي ُ‬ ‫ص ُ‬‫ب أَ ِ‬‫خلِقَ من ترا ٍ‬ ‫حتى أُثنيَ عليه؟ أنا الذي ُ‬
‫ب العالمين؟!‬ ‫لر ّ‬ ‫جل َ‬
‫ل يملُ فؤا َد مَنْ خلق من ما ٍء مهينٍ ‪ ،‬إذا قام يشدو بأوصافِ أحكم الحاكمين ‪ ،‬الله ّم إنّ‬ ‫خجَ َ‬ ‫إنّ ال َ‬
‫أشرفَ تاج أحمل ُه تمري ُغ أنفي على التراب لجللك ‪ ،‬اللهم إنّ أعظمَ وسامٍ أحملُه وضعُ جبهتي‬
‫على الرض لعبوديتِك‪.‬‬
‫أَنا الظالمُ لنفسِه المعترفُ بتقصيره ‪ ،‬المق ّر بذنبه ‪ ،‬أَنت الجوادُ الماج ُد الغنيّ الحميدُ ‪ ،‬عزّ‬
‫جاهُك ‪ ،‬وجلّ ثناؤك ‪ ،‬وتقدّست أَسماؤك‪ .‬ول إله غيرك‪.‬‬
‫ل عزيـزٍ بعدكم هـانا‬
‫قد كنت أشفقُ من دمعي على بصري فاليـومَ كـ ّ‬
‫يا ال سجدَ وجهي لك ‪ ،‬يا ال خشع سمعي وبصري لك ‪ ،‬يا ال رَغِم أنفي لك ‪ ،‬يا ال ذّلتْ‬
‫ت نفسي إليك ‪ ،‬يا ال حَسُنَ ظني فيك ‪ ،‬يا ال‬‫رقبتي لك ‪ ،‬يا ال َوجِل قلبي منك ‪ ،‬يا ال اتجه ْ‬
‫طابَ الحديثُ عنك ‪ ،‬يا ال كمل التوكل عليك‪.‬‬
‫إليك وإلّ ل تُشَ ّد الركائبُ ومنك وإل فالمؤمّل خائ ُ‬
‫ب‬
‫وفيك وإل فالغرا ُم مضيّعٌ وعنك وإل فالمح ّدثُ كاذبُ‬
‫‪2‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فقد وقفتُ عشرا ‪ ،‬واستفدتُ عشراً‪.‬‬
‫استفدت عشراً‪:‬‬
‫أولها‪ :‬اللجو ُء إلى ال في ال ُمِلمّات ‪ ،‬وقصدُه في ال ُكرُبات ‪ ،‬وسؤالُه في الزمات‪.‬‬
‫ن مع العسر يسراً ‪ ،‬ومع الكربِ فرجًا ‪ ،‬ومع الضيقِ سع ًة ‪ ،‬وبعد الشدةِ رخاء‪.‬‬ ‫ثانِيها‪ :‬أ ّ‬
‫ك عند الدواهي إل ال ‪ .‬وما معك في‬ ‫ثالثُها‪ :‬أنه ليس لك في المصاعبِ إل ال ‪ ،‬وما ل َ‬
‫الخطوبِ إل ال (أمن يجيب المضطرَ إذا دعاه)‪.‬‬
‫رابعُها‪ :‬أن العلما َء يصيبون ويخطئون ‪ ،‬والدعاةَ يُحسِنون ويغلَطُون ‪ ،‬والمصلحون يُسدّدون‬
‫غلَط ‪،‬‬‫ويعثُرون إل محمداً صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فهو المصيبُ بل خطأ ‪ ،‬والمسدّد بل َ‬
‫ي يوحى)‪.‬‬ ‫والمصلِحُ بل عثْرة (وما ينطق عن الهوى إن هو إل وح ٌ‬
‫ل و َترُد ‪ ،‬وتوافِقُ وتخالف ‪ ،‬إل الوحيَ كتاباً‬ ‫ب تع ِرفُ منها وتُنكر ‪ ،‬وتَقب ُ‬
‫خامسُها‪ :‬أن الكت َ‬
‫ل أولُه وآخرُه‪.‬‬ ‫وسنة ‪ ،‬ففيه الصح ُة كلّها ‪ ،‬والصوابُ أجمعُه ‪ ،‬والحقّ أتمّه وأكملُه ‪ ،‬والعد ُ‬
‫سادسُها‪ :‬أنه ليس لح ٍد أن يدعيَ أنه المخوّلُ وحدَه لنص ِر الدين ‪ ،‬ول التكلمِ باسمه‪ ،‬فدينُ ال‬
‫منصورٌ ‪ ،‬شا َء مَنْ شا َء ‪ ،‬وأبى مَنْ أبى (فإن يكفر بها هؤلء فقد وكلنا بها قومًا ليسوا بها‬
‫صرَه محم ٌد العربي ‪ ،‬وسلمانُ الفارسي‪ ،‬وصهيبٌ الرومي ‪ ،‬وبللٌ الحبشي ‪،‬‬ ‫بكافرين)‪َ .‬ن َ‬
‫ل الهندي‪.‬‬‫ح الدينِ الكردي ‪ ،‬ونورُ الدين التركماني ‪ ،‬وإقبا ُ‬ ‫وصل ُ‬
‫ل للدعوة ‪ ،‬وأنّ الكلم َة اللينةَ هي السحرُ الحلل‪ ،‬وأن‬ ‫ق المث ُ‬ ‫ق هو الطري ُ‬ ‫سابعُها‪ :‬أنّ الرف َ‬
‫ل هو مصيدة الرجال‪.‬‬ ‫السلوبَ السه َ‬
‫ق وعدل‪ ،‬والقليلَ‬ ‫ن وصواب ‪ ،‬وح ّ‬ ‫ثامنُها‪ :‬أن غالبَ محاضراتِ الدعا ِة وندواتِ العلماءِ حَسْ ٌ‬
‫النادرَ غلطٌ وخطأ ‪ ،‬لعنصرِ البشرية ‪ ،‬وضعفِ النسانية ‪ ،‬وانتفا ِء العصمة ‪ ،‬وانقطاعِ الوحي‪.‬‬
‫ت أن الم َة ل يشفي عليلَها ول يروي غليلَها مقطوعةٌ من فنان ‪ ،‬ول طرْحٌ من‬ ‫تاسعُها‪ :‬وجد ُ‬
‫ث من‬ ‫علماني ‪ ،‬ول هُيامٌ من شاعر ‪ ،‬ول خيالٌ من فيلسوف ‪ ،‬إنما يحييها ‪ ،‬ويرفعُها ‪ ،‬ميرا ٌ‬
‫نبوة ‪ ،‬و َترِك ٌة من رسالة ‪ ،‬وَأثَارةٌ من وحي‪( :‬فأما الزبد فيذهب جفاءاً وأما ما ينفع الناس‬
‫فيمكث في الرض)‪.‬‬
‫ن المةَ قد تكون غيرَ منتجةٍ ‪ ،‬ول مخترعةٍ ‪ ،‬ول مكتشفةٍ ‪ ،‬ول مصنّعة ‪،‬‬ ‫عاشرُها‪ :‬وجدتُ أ ّ‬
‫ف بل منهج‪( :‬أوَ من كان ميتا‬ ‫ولكنها ل تعيشُ بل إيمان ‪ ،‬ول تحيا بل رسالة ‪ ،‬ول تش ُر ُ‬
‫فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس)‪.‬‬
‫ب النصح ‪ ،‬وعاشق الفضيلة وطلبِ الحقيقةِ ‪ ،‬وشُداةِ‬ ‫تلك عشرة كاملة ‪ ..‬أهديها لمح ّ‬
‫ن أُريدُ إل الصلحَ ما استطعت وما توفيقي إل بال عليه‬ ‫الصلح ‪ ،‬وروّادِ المعرفة‪( :‬إ ْ‬
‫توكلت وإليه أنيب)‪.‬‬

‫دَعْها كما شاءها الرحمنُ جاريةً ال يحفظُهــا وال يرعاهَــا‬


‫لها من الوحي نورٌ تستضيءُ به وبهجةُ الغارِ تبـدو في محيّاها أما بعد‪:‬‬
‫ت طويلتٍ قصيرات ‪ ،‬فيها حسناتٌ وسيئات ‪ ،‬ومضحكاتٌ ومبكياتٌ ‪ ،‬مّر ْ‬
‫ت‬ ‫فهذه عشرُ سنوا ٍ‬
‫بسرورِها وحزنِها ‪ ،‬ونعيمها وبؤسِها ‪ ،‬وغناها وفقرِها ‪ ،‬ول ّذتِها ومعاناتِها‪.‬‬
‫مرتْ سنـونٌ بالسعودِ وبالهنا فكأنـها مـن ِقصْرها أيـامُ‬
‫ثـم انثنتْ أيـامُ هجرٍ بعدها فكأنها مـن طُـولها أعـوامُ‬
‫ن وأهلُها فكـأنـها وكأنـهم أحـلمُ!‬ ‫ت تلك السنو ُ‬
‫ثم انقض ْ‬

‫‪3‬‬
‫انتهت هذه العشر عندنا ‪ ،‬لكن ما انتهت عند ال (عِ ْلمُها عند ربي في كتاب ل يضل ربي ول‬
‫ينسى)‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فإن الداعية ليس له حقل واحد ل يعمل إل فيه ‪ ،‬بل حقولٌ متعددة ‪ ،‬وميادينُ مختلفة ‪ ،‬ومنابرُ‬
‫ن الدعوةَ تجري في دم‬ ‫حصْر ‪ ،‬ول يقيدُها قيد‪ .‬إ ّ‬ ‫شتى ‪ ،‬فالدعوةُ ل يحدّها حدّ ‪ ،‬ول يحصرُها َ‬
‫الداعية ‪ ،‬يقولُها كلمةً ‪ ،‬ويصوغُها عبارةً ‪ ،‬ويُنشدُها قصيدةً ‪ ،‬ويدبّجُها خطب ًة ‪ ،‬وينقلُها فكرةً ‪،‬‬
‫ويؤلفُها كتابًا ‪،‬ويلقيها محاضرة‪.‬‬
‫إنها قد تكون مع النفس في محاسب ٍة ومراقبة ‪ ،‬وتكون مع المّ براً وحنانًا ‪ ،‬ومع البِ شفقةً‬
‫ورحمة ‪ ،‬ومع البن تربيةً وأدباً ‪ ،‬ومع الجار إحسانًا وبراً ‪ ،‬ومع المسلمِ مصافا ًة ومودة ‪،‬‬
‫ومع الكافر دعو ًة وحواراً‪.‬‬
‫ل يتلطفُ بأبيه (يا أبتي) ‪ ،‬وهذا نوح ينوح على ابنه‪( :‬يا بني اركب معنا) ‪،‬‬ ‫فهذا إبراهي ُم الخلي ُ‬
‫وهذا مؤمن آل فرعونَ يعطف على قومِه‪( :‬يا قومي)‪ .‬وهذا مؤمن آل ياسين ينادي وهو في‬
‫الجنة‪( :‬يا ليت قومي يعلمون)‪.‬‬
‫ب دائم ‪ ،‬فهي معك في السيارةِ ‪ ،‬وفي الطائرةِ‪ ،‬وفي السفينةِ ‪ ،‬وفي‬ ‫إن الدعوةَ همّ لزم ‪ ،‬وواج ٌ‬
‫النادي ‪ ،‬وفي الجامع ِة ‪ ،‬والمزرعةِ ‪ ،‬والمتجر ‪..‬‬
‫خلُقِك أحسن من‬ ‫طبِك وتدعو ب ُ‬‫قد تدعو بسيرتك أكثر من كلمك ‪ ،‬وتدعو بصفاتك أعظم من خُ َ‬
‫محاضرتك‪.‬‬
‫ليس للداعية وقوف ‪ ،‬سُجن يوسفُ فدعا في السجن ‪ ،‬وطُرد نوح فدعا في السفينة ‪ ،‬وحوصر‬
‫طوّق فدعا في الغار ‪ ،‬وطُرد فأنشأ دولة‪.‬‬ ‫محمدً فدعا في الشّعبِ ‪ ،‬و ُ‬
‫قيل لشيخِ السلم ابن تيمية‪ :‬قد أمر السلطانُ بنفيك إلى قبرص ‪ ،‬أو قتلِك أو سجنِك فقال‪ :‬والِ‬
‫إنّ بي من الفرح والسرور ما لو قُسّ َم على أهلِ الشا ِم لوسعهم‪ ،‬وال إني كالغنمةِ ما تنامُ إل‬
‫ت إلى قبرص دعوتُ أهلها إلى السلم ‪ ،‬وإن سجنت خلوتُ بعبادة ‪،‬‬ ‫على صوف ‪ ،‬إن نُفي ُ‬
‫ربي وإن قتلت فأنا شهيد‪:‬‬
‫روحي تحدثني بأنك متلفي نفسي فداك عرفت أم لم تعرف‬
‫ل بهيج ‪ ،‬أو مستمعون كُثر ‪،‬‬ ‫ليس من المهم عند الداعية أن يكون له جمهورٌ حاشد ‪ ،‬أو حف ٌ‬
‫المهم أن يقولَ الحق ‪ ،‬وأن يأم َر بالمعروف ‪ ،‬وأن ينهى عن المنكر ‪ ،‬وأن يحملَ الميثاقَ‬
‫بأمانة ‪ ،‬ويبلّغَ الشريع َة بصدق‪.‬‬
‫(وإذ أخذ ال ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ول تكتمونه)‬
‫جبْ له أحد ‪ ،‬والبعضُ استجاب له واح ٌد أو اثنان ‪ ،‬والبعضُ جماعة ‪،‬‬ ‫بعضُ النبياء لم يست ِ‬
‫ع ُمرَه كلّه ثم قُتل ولم يُطعْه بشر ‪ ،‬وأنبياءُ آخرون مكثوا السنينَ الطويلةَ يدعون‬ ‫وبعضُهم دعا ُ‬
‫ثم نُشروا بالمناشير!‬
‫ل الفـؤادَ العليـل واحيني قبل أن تراني قتيل‬ ‫سيّـدي علّـ ِ‬
‫ل قليـل!‬‫إن تكنْ عازماً على قتل روحي فترفـقْ بها قليـ ً‬
‫ب العواطف ‪ ،‬ويلعبُ بالمشاعر ‪ ،‬ويتَفقدُ مكامن التأثيرِ في الناس ‪،‬‬ ‫إن الداعي َة ليس فنانًا يداع ُ‬
‫وليس شاعراً يخُلبُ اللبابَ ‪ ،‬ويسافرُ مع الخيال ‪ ،‬ويهِيم في أوديةِ الضلل ‪ ،‬وليس فيلسوفاً‬
‫ص إلى النتائج ‪ ،‬وليس سلطاناً‬ ‫يقنّنُ القوانين ‪ ،‬ويضربُ القيسةَ ‪ ،‬ويحدّد المقدّمات‪ ،‬ويخلُ ُ‬
‫ب رعيتَه ويحشدُ جنودَه ‪ ،‬ويرف ُع بنودَه ‪ ،‬وليس تاجراً يجم ُع الدراهمَ ‪،‬‬ ‫ض كلمتَه ‪ ،‬ويؤد ُ‬ ‫يفرِ ُ‬
‫ويك ِنزُ القناطي َر المقنطر َة ‪ ،‬ويرصُدُ الشيكات ‪ ،‬ويضاربُ بالسهم ‪ .‬الداعيةُ شي ٌء آخر! ‪..‬‬
‫إنه تابعُ لمحمدٍ ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ ، -‬ابنٌ بارّ لرعايته ‪ ،‬تلميذٌ نجيبٌ في مدرستِه ‪ ،‬طالبٌ‬
‫متفوقٌ في جامعته‪ .‬يسري حبّ ال وحبّ محمدٍ ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬في دمه ‪ ،‬يُشِعّ في‬
‫ب ضميرَه‪.‬‬ ‫قلبه ‪ ،‬يُضيءُ طريقَه ‪ ،‬يملُ وجدانَه ‪ ،‬يُل ِه ُ‬

‫‪5‬‬
‫الحبّ ليس روايةٌ شرقيةً بأريجها يتزوج البطال‬
‫لكنه البحارُ دون سفيـنة ومرادنا أن المحال محال‬
‫ل مولد‬ ‫الداعية ليس له إجاز ٌة ‪ ،‬ول انتدابٌ ‪ ،‬ول مخصّصاتٌ ‪ ،‬ول عادات‪ .‬الداعيةُ ليس له حف ُ‬
‫ل وداعٍ ‪ ،‬ول مناسبةُ استقبال ‪ ،‬بل هو مع النبياء ‪ ،‬تلقاه‬ ‫‪ ،‬ول مهرجاناتُ تخرج ‪ ،‬ول حف ُ‬
‫ن ‪ ،‬ومع أهلِ الحِرفَ ‪ ،‬مع النجارِ والخبازِ والنسّاج ‪ ،‬والبنّاء ‪ ،‬مع‬ ‫على الرصيفِ ‪ ،‬وفي الدّكا ِ‬
‫الناس باختلف أذواقِهم وطبقاتِهم وألوانِهم وأجناسِهم ‪ ،‬داعيًا للملِك والمملوك ‪ ،‬وللميرِ‬
‫والوزيـرِ ‪ ،‬وللكبي ِر والصغيرِ ‪ ،‬للذكر والنثى ‪ ،‬للبيض والسود‪.‬‬
‫الداعية باع نفسَه من ال ‪ ،‬فل يُطالب ‪ ،‬ول يُضارب ‪ ،‬ل يُعاتب ‪ ،‬ول يُحاسب ‪ ..‬فاتورةُ تعبِه‬
‫مدفوعةُ في الخرة (ولسوف يعطيك ربّك فترضى) ‪ ،‬شيكُ أُجْرتِه مصروفُ من بنك‬
‫(يريدون وجهه) ‪ ،‬وسندُ أموالهِ موقّ ُع عليه (إنك تعلم ما نريد)‪.‬‬
‫بعنا النفوسَ فل خيار ببيعنا أعْظمْ بقومِ بايعوا المختارا‬
‫ف البرارا‬‫ح ُ‬‫ن تُت ِ‬
‫ل من المنى جناتِ عد ٍ‬ ‫ضنَا ثمَناً أج ّ‬
‫فأعا َ‬
‫ن يعلّقُها على صدره ‪ ،‬ول‬ ‫ك من البشر ‪ ،‬ول نياشي َ‬ ‫ن سيرةٍ وسلو ٍ‬ ‫الداعي ُة ل ينتظرُ شهادةَ حس ِ‬
‫نجو َم يضعُها على أكتافه ‪ ،‬ول صور َة ذكرى يرفعُها في مجلسِه‪ .‬إنه يريد تاج (رضي ال‬
‫عنهم ورضوا عنه) ‪ ،‬ويطمعُ في نجومِ (يحبهم ويحبونه) ‪ ،‬ويرغبُ في نياشين (ال ولي‬
‫الذين آمنوا)‪.‬‬
‫ب من الجمهور‪ .‬الداعيةُ ل‬ ‫الداعيةُ ل يُعيّن بقرارٍ جمهوري ‪ ،‬ول بوثيقةٍ حكومية‪ ،‬ول بانتخا ٍ‬
‫يأتي عن طريقِ صناديقِ القتراع ‪ ،‬ول المجلسِ النيابي ‪ ،‬ول الهيئ ِة البرلمانية ‪ ،‬فهو فوقَ‬
‫الكونجرس ‪ ،‬واللوردات ‪ ،‬والشيوخ‪ .‬إنّ ال عيّنه ‪ ،‬والواحدَ الحد هيّأه ‪ ،‬والرحمنَ استأمنه‬
‫(ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ‪.)..‬‬
‫الداعيةُ موله ال ‪ ،‬وإمامُه محم ٌد ‪ ،‬وبيته المسجد ‪ ،‬ومذكرتُه القرآن ‪ ،‬وزادُه التقوى ‪ ،‬وعصاه‬
‫التوكل ‪ ،‬ولباسُه الزهد ‪ ،‬ومركبُه اليقين ‪ ،‬وطريقُه الهدى‪ ،‬ومرادُه الجنة (دعها فإن معها‬
‫حذاءها وسقاءها ‪ ،‬ترد الماء وترعى الشجر)‪.‬‬
‫ن أبي ورسولُ ال دوماً قدوتي‬ ‫ل والدي ُ‬‫أنا ربي ا ُ‬
‫وليَ القرآنُ نورٌ ساط ٌع ولي الكعبة كانت قبلتي‬
‫الداعيةُ ل تتوقف دعوتُه مع التخرج من المدرسة الليلية ‪ ،‬ول مكافحة المية ‪ ،‬ول من‬
‫الجامعة ‪ ،‬ول من المجالس الفقهية ‪ ،‬ول المجامع العلمية ‪ ..‬جامع ُة الداعية (ومن أحسن قولً‬
‫ممن دعا إلى ال) ‪ ،‬وشهادتُه (بلغوا عني ولو آية) ووثيقةُ تخرجه (فاصدع بما تؤمر ‪)..‬‬
‫الداعيةُ ل ينتظر راتباً شهرياً ‪ ،‬ول مكافأةً سنوية ‪ ،‬ول إكراميةً مالية ‪ ،‬ول هتافاً جماهيرياً ‪،‬‬
‫ول شكراً من الوزير ‪ ،‬ول ترقي ًة من الفريق ‪ ،‬ول ثنا ًء من مدير المدرسة‪.‬‬
‫راتبُه‪( :‬ليوفيهم أجورهم)‪.‬‬
‫مكافأتُه‪( :‬يبتغون فضلً من ال ورضوانا)‪.‬‬
‫إكراميتُه‪( :‬ادخلوها بسلم آمنين)‪.‬‬
‫هتافُه‪( :‬ل إله إل ال)‪.‬‬
‫شكرُه‪( :‬سلم عليكم بما صبرتم)‪.‬‬
‫ترقيتُه‪( :‬في مقعد صدق عند مليك مقتدر)‪.‬‬
‫س النصر‪ .‬ول تُعلّق صُورُه‪ .‬ول ينتظرُ قصائدَ مدحٍ وملحماتِ ثناء ‪،‬‬ ‫الداعية ل تُرفع له أقوا ُ‬
‫ومقاماتِ تبجيل‪.‬‬
‫س نصره‪( :‬إنا فتحنا لك فتحًا مبينا)‪.‬‬ ‫أقوا ُ‬

‫‪6‬‬
‫صورُه المعلقة‪( :‬كتابٌ أحكمت آياتُه)‪ .‬وعبارات مديحه (قد أفلح المؤمنون)‬
‫مقاماتُ تبجيله‪( :‬وأنتم العلون إن كنتم مؤمنين)‪.‬‬

‫ح وانهمـرت آيـاتها فاقـرؤا يـا قـو ُم قـرآني‬ ‫وثيـقتي كُتبـت في اللو ِ‬


‫والوحيُ مدرستي الكبرى ‪ ،‬وغار حـرا تاريخ عمري ‪ ،‬وميلدي ‪،‬وعرفاني‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫ن ‪ ،‬صبو ٌر شكور‪.‬‬ ‫فالداعيةُ رحيمٌ ‪ ،‬رفيقٌ ‪ ،‬قريبٌ ‪ ،‬حبيبٌ ‪ ،‬سهل ليّ ٌ‬
‫رحيمُ‪ :‬لن الراحمين يرحمهم الرحمن ‪ ،‬ولن إمامَه ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬رحمةٌ‬
‫للعالمين ‪ ،‬فهو الذي يقول‪( :‬من ل يرحم ل يُرحم)‪.‬‬
‫يقول أحد العلماء‪( :‬ينبغي إذا رأيت الكافر أن تتمنى إسلمه رحم ًة به أن يدخل النار لن من‬
‫تمام النصح الشفقة بالخلق)‪.‬‬
‫رفيقُ‪ :‬لن ال رفيقُ يحب الرفق ‪ ،‬ولنه ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬يقول (ما كان الرفق في‬
‫ب ‪ ،‬ويقرِب البعي َد ‪ ،‬ويليّنُ‬ ‫شيء إل زانه ‪ ،‬وما نُزع من شيء إل شانه)‪ .‬والرفقُ يسهّل الصّعا َ‬
‫ب القلوب‪.‬‬ ‫ي ‪ ،‬ويطوّعُ العاصيَ ‪ ،‬ويجذ ُ‬ ‫القاس َ‬
‫ب من القلوب ‪ ،‬ويتواض ُع لزملئه ‪ ،‬ول يفاخرُ أبناء‬ ‫قريبٌ‪ :‬فهو يدنو من النفوس ‪ ،‬ويقتر ُ‬
‫جبُه نفسُه ‪ ،‬ول يزدري أحداً ‪ ،‬ول يحتقرُ بشراً ‪ ،‬ول يتهكم‬ ‫شمَخُ بأنفه ‪ ،‬ول تُع ِ‬
‫جنسِه ‪ ،‬ول ي ْ‬
‫بمخلوق (واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين)‪.‬‬
‫ش لقدومه الرواح ‪،‬‬ ‫س بحضوره الناس ‪َ ،‬ت َه ُ‬ ‫ح له النفس ‪ ،‬تأ َن ُ‬ ‫حبيبٌ تحبّه القلوب ‪ ،‬ترتا ُ‬
‫تفرحُ بحضورِه الجموع ‪ ،‬تعشقُ لقاءَه الجيال ‪ ،‬تدعو له المةُ بظهر الغيب (إن الذين آمنوا‬
‫وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا)‪.‬‬
‫ك عليك أصحابُك فراجْع أخلقَك)‬ ‫ت ولم يب ِ‬
‫يقول أح ُد الفضلء‪( :‬إذا سافر َ‬
‫سهلُ ليّن‪ :‬فهو كمعلّمه الول ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ ، -‬سهلُ في كلمه فل يتفيهقُ ‪ ،‬ول‬
‫ق ‪ ،‬ول يتكلفُ ‪ ،‬ول يتنطعُ ‪ ،‬ول يزخرفُ ‪ ،‬سهلُ في أفعاله فل يكّلفُ‬ ‫يتعمّقُ ‪ ،‬ول يتشد ُ‬
‫شمُهم مشقة‪.‬‬ ‫الناسَ شططاً ‪ ،‬ول يح ّملُهم عبئاً ‪ ،‬ول يج ّ‬
‫صبورُ‪ :‬على الملماتِ ‪ ،‬وعلى الزماتِ ‪ ،‬وعلى الكرباتِ ‪ ،‬وعلى الفواج ِع ‪ ،‬وعلى الحوادثِ ‪،‬‬
‫ب فيصبْر ‪ ،‬يُجلد فيصبْر ‪ ،‬يُحبس فيصبْر ‪ ،‬ي ُب ّكتُ‬ ‫ع فيصبْر ‪ ،‬يُس ّ‬ ‫وعلى الكوارثِ ‪ ،‬يجو ُ‬
‫ب فيصبْر ‪ ،‬يؤذى فيصبْر ‪ ،‬أما نوح فازدجرْ ‪ ،‬وأما صالحٌ فقيل له‪ :‬كذابٌ أشرْ ‪،‬‬ ‫فيصبْر ‪ُ ،‬يكّذ ُ‬
‫وأما هود فقُهر ‪ ،‬وأما زكريا فنشر ‪ ،‬وأما يحيى (فنحر…)‪ ،‬وأما موسى فضاق به المفر ‪،‬‬
‫وأما عيسى فافتقر ‪ ،‬وأما محمد فابتلي فصبر وأعطي فشكر (واصبر وما صبرك إل بال)‪.‬‬
‫(فاصبر صبراً جميل)‪( .‬واصبر على ما يقولون)‪( .‬فاصفح الصفح الجميل)‪( .‬واهجرهم‬
‫هجراً جميلً)‪( .‬فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في المر)‪( .‬والكاظمين الغيظ والعافين‬
‫عن الناس)‪( .‬ادفع بالتي هي أحسن)‪.‬‬
‫شكور‪ :‬على النعمة ‪ ،‬يُعطى فيشكر ‪ ،‬يُسدّد فيشكر ‪ ،‬يُفتح عليه فيشكر ‪ ،‬يأكل فيشكر ‪ ،‬يلبس‬
‫فيشكر ‪ ،‬ينام فيشكر ‪ ،‬يصح فيشكر ‪ ،‬يمرض فيشكر ‪ ،‬يعافى فيشكر ‪ ،‬يُبتلى فيشكر ‪ ،‬يغتني‬
‫فيشكر ‪ ،‬يفتقر فيشكر‪( .‬وسنجزي الشاكرين) (اعملوا آل داود شكراً وقليل من عبادي‬
‫الشكور) ‪( ،‬إن في ذلك ليات لكل صبار شكور) ‪( ،‬لئن شكرتم لزيدنكم)‪.‬‬
‫لك الحمـد يا رحمـان ما هل صيـب وما تاب يا من يقبل التوب مذنبُ‬
‫لك الحمد ما هاج الغرام وما هما الغمام ومـا غنـى الحمـام المطـربُ‬

‫‪7‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فإن الداعية يعلم أن الحياة ليست فرصة لتقلد منصب ‪ ،‬ول الظفر بأمارة ‪ ،‬ول العثور على‬
‫وزارة ‪ ،‬ول جمع تجارة ‪ ،‬ول التشرف بسفارة ‪ ،‬وليست الحياة عنده متعة ‪ ،‬يقضيها في اللهو‬
‫واللعب ‪ ،‬فليس عنده إجازة يقضيها على ضفاف اللوّار ‪ ،‬ول في قمم الهمليا ‪ ،‬ول عند‬
‫شللت نياجرا ‪ ،‬ول في أبراج كواللمبور‪ ،‬ول في حضور عيد الم ‪ ،‬وليس عند الداعية‬
‫أرصدة في البنوك الربوية ‪ ،‬وليس له هم في مراقبة البورصة العالمية ‪ ،‬ول الهتمام بأسواق‬
‫الذهبأو بأسعار البترول ‪ ،‬فكنوزه وماله وغناه ومستقبله في جنات تجري من تحتها النهار ‪،‬‬
‫فل يُبهجه إل (متكئين على فرش بطائنها من إستبرق)‪.‬‬
‫ول يفرحه إل (تعرف في وجوههم نضرة النعيم)‪.‬‬
‫ول يسره إل (يُسقون من رحيم مختوم)‪.‬‬
‫ول يُسعده إل ( كلوا واشربوا هنيئًا بما أسلفتم في اليام الخالية)‪.‬‬
‫ول يُطربه إل (حور مقصورات في الخيام)‪.‬‬
‫ول يُنعشه إل (وإذا رأيت ثم رأيت نعيماً وملكًا كبيراً)‬
‫الداعية ليس له سه ٌر مع (ألف ليلة وليلة) ‪ ،‬ول أنسٌ مع (أبي نواس) ‪ ،‬ول خلو ٌة مع (بدائع‬
‫ق من (الزير سالم) ‪ ،‬ول سن ٌد من (شمس المعارف)‪.‬‬ ‫الزهور) ‪ ،‬ول توثي ٌ‬
‫سهرُه‪ :‬مع صحيح البخاري‪.‬‬
‫أنسه‪ :‬مع ابن تيمية‪.‬‬
‫خلوتُه‪ :‬مع رياض الصالحين‪.‬‬
‫توثيقه‪ :‬من يحيى بن معين‪.‬‬
‫سنده‪ :‬من سفيان الثوري‪.‬‬
‫هيهات رحل ُة مسرانا جحافلنا كما عهدت وعزمـات الــورى ُأنُــفُ‬
‫في كفك الشهم مـن حبل الهدى طـرف على الصراط وفي أرواحنا طرفُ‬
‫الداعية ل يفتخر بصداقة المشاهير ‪ ،‬ونجوم الكرة ‪ ،‬ونجوم الفن ‪ ،‬وكواكب المسرح ‪،‬‬
‫والساسة العمالقة ‪ ،‬والفلسفة العباقرة ‪ ،‬ورموز الثقافة ‪ ،‬فله صداقات ومودات مع نـوح‬
‫وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد ‪ -‬صلـوات ال وسلمه عليهم ‪ ، -‬وله علقة بأبي بكر‬
‫وعمر وعثمان وعلي ‪ ،‬وله اتصال بأبي حنيفة ‪ ،‬ومالك ‪ ،‬والشافعي ‪ ،‬وأحمد بن حنبل‪.‬‬
‫الداعية ليس منهمكا في زوايا الغرام ‪ ،‬ول مع قصاصات الهيام ‪ ،‬ول مع آهات الهجر ‪،‬‬
‫وزفرات الجوى ‪ ،‬وأوجاع العيون السود …‬
‫زفراته‪ :‬من (كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها)‪.‬‬
‫وآهاته‪ :‬من (كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودًا غيرها)‪.‬‬
‫وأوجاعه‪ :‬من (يا ليتها كانت القاضية‪ .‬ما أغنى عني ماليه‪ .‬هلك عني سلطانيه)‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬
‫فإن الداعية تتقلب به اليام ‪ ،‬وتتغاير عليه الليالي ‪ ،‬وتختلف عليه الساعات‪ ،‬وتتعاقب عليه‬
‫السنون ‪ ،‬رضىً وغضب ‪ ،‬سرور وحزن ‪ ،‬شبع وجوع ‪ ،‬منبر وحبس ‪ ،‬شكر وسبّ ‪ ،‬إقبال‬
‫وإدبار ‪ ،‬منحه ومحنة ‪ ،‬عطية وبلية ‪ ،‬أمل وألم ‪ ،‬وهو مع ذلك عبد ل ‪ ،‬ينزل مع القرآن أينما‬
‫نزل ‪ ،‬ويهبط مع الوحي أينما هبط ‪ ،‬ويسافر مع الرسالة أينما سافرت ‪ ،‬ويرتحل مع الحق‬
‫أينما ارتحل‪ .‬يصلي في القصر وفي الحبس ‪ ،‬في الجامعة والمزرعة ‪ ،‬وفي الحاضرة‬
‫والبادية ‪ ،‬يسبّح في النادي والملعب ‪ ،‬ويكبّر في المسجد والسوق ‪..‬‬

‫‪8‬‬
‫الداعية عنده شهادةُ أكبر من شهادات الرض ‪ ،‬ولديه وثيقة أعظم من وثائق المعمورة (إياك‬
‫نعبد وإياك نستعين) وعنده تزكية أجل من كل تزكية (وإن جندنا لهم الغالبون)‪.‬‬
‫عبَدَ ال طريـق النجـاةِ فيـك قويـمُ‬
‫أيها الداعـي الذي َ‬
‫أدعيا ُء الضلل سحّار فرعون ‪ ..‬وأنت العصى وأنت الكليمُ‬
‫أما بعد ‪:‬‬
‫فقد قرأت عشرات المجلدات والمصنفات والمؤلفات ‪ ،‬فما وجدت كالقرآن حسناً وجمالً ‪،‬‬
‫بهجة ونضرة ‪ ،‬قوة وفخامة ‪ ،‬صدقاً وعدل…‪ .‬سعادة وإشراقاً ‪.‬‬
‫وطالعت مئات المجلت والجرائد والدوريات والصحف فما رأيت كالسنة عطا ًء وبركة ‪،‬‬
‫وسلوةً وعزاء‪ ،‬وتوعية وتربية ‪ ،‬ورشداً ونصحًا ‪ ،‬وتعليماً وتقويما ‪… ،‬‬
‫وسمعت آلف الكلمات ‪ ،‬وآلف البيات ‪ ،‬وآلف اللطائف ‪ ،‬وآلف النُكات ‪ ،‬فما وجدت‬
‫كذكر ال إيماناَ ويقيناً ‪ ،‬وروحاً وطمأنينة ‪ ،‬وأنَساً ورحمة ‪ ،‬وثواباً وأجرا ‪.‬‬

‫أما بعد ‪:‬‬


‫فإن الداعية قد يكون غنياً كسليمان ‪ ،‬وقد يكون فقيراً كعيسى ‪ ،‬وقد يكون صحيحاً كإبراهيم ‪،‬‬
‫وقد يكون مريضاً كأيوب ‪ ،‬وقد يطول عمره كنوح ‪ ،‬وقد يقصر كيوشع ‪ ،‬وقد يكون ملكاً‬
‫كداود ‪ ،‬وقد يكون خياطاً كإدريس ‪ ،‬وقد يرعى الغنم كموسى وقد تمر به الحالت جميعًا من‬
‫غنى وفقر ‪ ،‬ونصر وهزيمة ‪ ،‬ونعيم وبؤس ‪ ،‬وصحة ومرض ‪ ،‬وعافية وبلء كمحمد ‪-‬‬
‫صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫لجل دينك ذاق القتل مـن قتلـوا كأنما الموت في ساح الوغى عسل‬
‫ترى المحبين صرعى في ديارهم كفتية الكهف للرضوان قد نقلـوا‬
‫وقد يكون الداعية واسع الخير ‪ ،‬متعدد المواهب ‪ ،‬كثير الحسان ‪ ،‬عظيم البر‪ ،‬كأبي بكر‬
‫الصديق ‪ ،‬وقد يكون صارماً حازماً قوياً شديداً في الحق ذا صولة في الدين ‪ ،‬ذا هيبة في‬
‫ن بن عفان ‪،‬‬ ‫الملة كعمر بن الخطاب ‪ ،‬وقد يكون هيناً ليناً سهلً قريباً حبيباً حيياً سخياً كعثما َ‬
‫وقد يكون مقداماً شجاعاً ‪ ،‬أبياً مضحياً فدائياً بطلً كعلي بن أبي طالب ‪ .‬وقد يكون الداعية‬
‫بحرًا في العلم ‪ ،‬دائرة معارف ‪ ،‬موسوعة في الشريعة كابن عباس ‪ ،‬وقد يكون خطيباً لوذعياً‬
‫يرسل الكلمة كالقذيفة ‪ ،‬ويبعث الحرف كالشهاب ‪ ،‬ويطلق الجملة كالبركان كثابت بن قيس بن‬
‫شماس ‪ .‬وقد يكون الداعية شاعراً يرسم الحرف في القلب ‪ ،‬ويصنع البيت كالضياء وينسج‬
‫القصيدة كقطعة الماسٍ كحسان بن ثابت ‪.‬‬
‫وقد يكون للداعية حشم وخدم ‪ ،‬ومال وجمال ‪ ،‬وعيال كعبد الرحمن بن عوف ‪ ،‬وقد يكون‬
‫الداعية فقيراً معدماً ‪ ،‬ل بيت ول قصر ول دار ول عقار ول دينار كأبي ذر ‪ ،‬وقد يتولى‬
‫الداعية المامة كمعاذ ‪ ،‬والقضاء كعلي ‪ ،‬والذان كبلل ‪ ،‬والمواريث كزيد ‪ ،‬والقيادة كخالد ‪،‬‬
‫والمارة كأبي عبيدة‪.‬‬
‫وقد يتكلم الداعية من بلط السلطان كالزهري‪ .‬وقد يتحدث من القبو كالسرخسي‪ ،‬وقد يُبجّل‬
‫ويُحتفى به كمالك بن أنس ‪ ،‬وقد يذهب دمه هدراً ‪ ،‬ورأسه شذراً كأحمد بن نصر الخزاعي‪.‬‬
‫الداعية كالهدهد قطع الفيافي والقفار ليبلّغ رسالة الواحد القهار ( أل يسجدوا ل الذي يخرج‬
‫الخبء في السموات والرض)‪ .‬وكالنملة يحذّر قومه ‪ ،‬وينذر بني جنسه (ل يحطمنكم سليمان‬
‫وجنوده وهم ل يشعرون)‪.‬‬
‫وكالنحلة يجمع أطايب الحديث ‪ ،‬ويكنز أحسن المعرفة (ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل‬
‫ربك ذلل)‬

‫‪9‬‬
‫فيا حب زدني في هواه صبابـة ويا قلب زدني في هوى مهجتي حبا‬
‫لعلي إذا جئت المحصب من مني سخرتُ فؤادي كـي أفوز به قربـا‬

‫إن أهم صفة في الداعية أنه صاحب مبدأ ‪ ،‬وحامل رسالة ‪ ،‬وله منهج ‪ ،‬قد يغلظ أو يرفق ‪،‬‬
‫يقسو أو يلين ‪ ،‬يُقبل أو يدبر ‪ ،‬يواجه أو يهادن … لكنه صاحب مبدأ ‪.‬‬
‫قد يحاور ويفاوض ‪ ،‬وير ّد ويَقْبل ‪ ،‬ويأخذ ويعطي ‪ ،‬ويغضب ويرضى ‪ ،‬ولكنه صاحب مبدأ‬
‫…‬
‫له ثوابت ل يتخلى عنها ‪ ،‬وربما تنازل عن الحواشي ليبقى الصل ‪ ،‬وربما ترك التعليق‬
‫ليبقى المتن ‪ ،‬وربما تخلى عن الطار لتبقى الصورة ‪.‬‬
‫الداعية هو الناطق الرسمي للملة (وقل الحق من ربكم) ‪ ،‬والسفيرُ الول للشريعة (إنا‬
‫أرسلناك شاهداً ومبشرًا ونذيرا) والمندوب الدائم لمحمد (نضّر ال امرءاً سمع مني مقالةً‬
‫فوعاها ‪ ،‬فأداها كما سمعها)‪.‬‬
‫والمين العام للقيم (إن خير من استأجرت القوي المين)‪.‬‬
‫الداعيـة له في كل قلب سفارة ‪ ،‬وفي كل عقل محطة ‪ ،‬وفي كل مجلس قناة … الداعية تقرؤه‬
‫في الصحيفة ‪ ،‬وتطالعه في المجلة ‪ ،‬وتنظر إليه في الشاشة ‪ ،‬وتصلي وراءه في المحراب‬
‫وتسمعه على المنبر ‪ ،‬وتلقاه في السوق ‪ ،‬وتصافحه في الحديقة ‪ ،‬وتجلس بجانبه في الحافلة ‪،‬‬
‫وتعانقه في الطائرة‪ .‬وتقاتل وراءه في المعركة ‪ ،‬وتراه في العرس ‪ ،‬وتشاهده في الجنازة ‪.‬‬
‫يصافح الملك ‪ ،‬يمسح رأس اليتيم ‪ ،‬يرفق بالرئيس ‪ ،‬يعطف على الرملة ‪ ،‬يمازح الشاب ‪،‬‬
‫ويقود العجوز‪.‬‬

‫الداعية يرسل كلمته على ذبذبة طولها الحق ‪ ،‬وعرضها الصدق ‪ ،‬على هواء البداع ‪ ،‬وعبر‬
‫ت الرواح ‪.‬‬‫أثير المحبة لتستقبل كلمته أطباق القلوب ‪ ،‬وتنقلَ عبارته موجا ُ‬
‫والدعاة درجات عند ال ‪ ،‬فمنهم من يحبو ‪ ،‬ومنهم من يمشي ‪ ،‬ومنهم من يهرول ‪ ،‬ومنهم من‬
‫يمرّ مرّ السحاب ‪ ،‬ومنهم من يسرع سرعة الريح ‪ ،‬ومنهم من يحلق في سماء البداع فيرتفع‬
‫عن سطح الدنيا سبعة وثلثين ألف قدم من الصدق والرفق والحق والعدل والعلم واليمان ‪.‬‬
‫إن أنت كنت بكيت من حر الجوى وسكبت في ليـل الفـراق دمـوعا‬
‫فنفوسنا ذبحت على ساح الوغـى يا من يرى صرعى السيوف هجوعا‬

‫أما بعد ‪:‬‬


‫فإن هم الداعية إصلح الناس وتعبيد البشر ل ‪ ،‬لتكون كلمة ال هي العليا ويكون الدين كله‬
‫ل‪ ،‬فليس همه المال ول الجاه ول المنصب لنه مكلف بمهمة محددة (أن اعبدوا ال واتقوه‬
‫وأطيعون) ‪ ،‬وعنده رسالة عليها طابع (ما أريد من أجر) وعنوانها ] قولوا ل إله إل ال‬
‫تفلحوا [ يوزعها في كل قلب (وإنك لعلى خلق عظيم) ‪.‬‬
‫الداعية حبيبه من أحب ال ‪ ،‬ووليه من تولى ال ‪ ،‬وصديقه من احترم الشرع ‪ ،‬وعدوه من‬
‫عادى السلم ‪ .‬ليس عند الداعية وقت للعداوات الشخصية ‪ ،‬ول فراغ لتوافه المور ‪ ،‬فكل‬
‫دقيقة من عمره حسنات ‪ ،‬وكل ثانية من وقته قربات ‪.‬‬
‫ت دهراً ل أعد اللياليا‬
‫أعـد الليالي ليلة بعـد ليـلة وقد عش ُ‬
‫فإما حياة نظـم الوحي سيرها وإل فموت ل يسـر العاديا‬

‫‪10‬‬
‫الداعية ينهمر باليات والبيات والسير والعبر والقصص والخبار والفوائد والقصائد‬
‫والشوارد والفرائد يدعو بها كلها إلى ال ليُعبد ال وحده ل إله إل ال ‪.‬‬
‫فمرجع الداعية قلبه النابض ‪ ،‬ومصدره نفسه المشرقة ‪ ،‬وحبره دمه ‪ ،‬ومادته دموعه ‪،‬‬
‫ت النبل التي يحملها ‪.‬‬
‫وورقه خصال الخي ُر وصفا ُ‬
‫حمّاه ‪،‬‬
‫ض مرضه والجائعُ جوعه ‪ ،‬والمحمومُ ُ‬ ‫الداعية ل ينسى دعوته ‪ ،‬وهل ينسى المري ُ‬
‫وكيف يترك الداعية دعوته ‪ ،‬وهل يترك الرسام ريشته والنجار فأسه والفلح مسحاته ‪،‬‬
‫والكاتب قلمه‪.‬‬
‫وقد عاهدتني يا قلبُ أنّي متى ما تبت من ليلى تتوب‬
‫ت تذوب؟!‬ ‫فها أنا تائب من حب ليلى فمالك كلمـا ذكر ُ‬
‫لكل شيْ إذا ما تمّ نقصان إل اليمان في قلب حامله ‪.‬‬

‫لكل امـرء من دهـره ما تعـودا‬


‫وعـادة أهل الحق يا صاحبي الهدى‬
‫وما مضى فات والمؤمل غيب إل عند الداعية فالماضي ما فات ول مات (علمه عند ربي في‬
‫كتاب ل يضل ربي ول ينسى) والمؤمّل عنده حاصل ل محالة ‪ ،‬قادم بل شك (ثم لترونّها‬
‫عين اليقين)‪.‬‬
‫نشيد اللهين ‪ :‬قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ‪.‬‬
‫ونشيد الدعاة ‪ :‬قفا نبك من ذكر الكتاب المنزل ‪.‬‬
‫أغنية الغافلين ‪:‬‬
‫أخبـروهـا إذا أتـيتـم حـمـاهـا‬
‫أنـني ذبـت فـي الـغـرام فـداهـا‬
‫وملحمة الصالحين‪:‬‬
‫أيقظـوا النـفس من سُبات منـاهـا‬
‫فـإلـى ال ربّـنـا منـتـهـاهـا‬
‫ل والكمالْ‬‫ل لذي الجللِ والجما ِ‬ ‫وقفة إجل ٍ‬
‫ب أرني أنظر إليك)‪.‬‬ ‫قال موسى لربه (ر ّ‬
‫قال (لن تراني)‪.‬‬
‫(ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني)‪.‬‬
‫(فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا)‪.‬‬
‫وخرّ موسى صعقا)‪.‬‬
‫ت إليك وأنا أول المؤمنين)‪.‬‬ ‫(فلما آفاق قال سبحانك تب ُ‬
‫يا أيها الناس‪ :‬إني داعٍ فأمنوا‪:‬‬
‫ن اللوعةِ سلوةً ‪ ،‬وجزاءَ الحزن سروراً ‪ ،‬وعند الخوف أمناً‪.‬‬ ‫اللهم اجعلْ مكا َ‬
‫ق على‬ ‫ج اليقيـن ‪ ،‬وأطفئْ جم َر الرواحِ بماءِ الِيمان‪ .‬يا ربّ أل ِ‬ ‫ج القلبِ بثل ِ‬
‫اللهم أبْـرِدْ لع َ‬
‫س المضطربةِ سكين ًة وأ ِثبْها فتحاً قريباً‪.‬‬ ‫العيونِ الساهر ِة نُعاسًا أمَن ًة منك ‪ ،‬وعلى النفو ِ‬
‫ج إلى صراطِك ‪ ،‬والزائغينَ عن‬ ‫يا رب أهدِ حيارى البصائ ِر إلى نورِك ‪ ،‬وضلّلَ المناه ِ‬
‫السبيلِ إلى هداك‪.‬‬
‫ق من الحق ‪ ،‬ورُدّ‬ ‫ل الضمائ ِر بفيل ٍ‬ ‫ل الوسواسَ بفجرٍ صادقٍ من النور ‪ ،‬وأزهِقْ باط َ‬ ‫اللهم أزِ ِ‬
‫كيدَ الشيطانِ بمددٍ من جنو ِد عونِك مسوّمين‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫طرُ ْد من نفوسِنا القلق‪.‬‬ ‫اللهم أذ ِهبْ عنا الحزنَ ‪ ،‬وأزِلْ عنا الهَمّ ‪ ،‬وا ْ‬
‫ل إل منك ‪،‬‬ ‫ن إل إليك ‪ ،‬والتوكلِ إل عليك ‪ ،‬والسؤا ِ‬ ‫ونعوذُ بك من الخوفِ إل منك ‪ ،‬والركو ِ‬
‫والستعانةِ إل بك ‪ ،‬أنت وليّنا ‪ ،‬نعم المولى ونعم النصير‪.‬‬
‫ل ‪ ،‬واصلحِ العمالَ ‪ ،‬وحسّنِ الحوالَ ‪ ،‬وسددِ القوال‪.‬‬ ‫اللهم حققِ الما َ‬
‫ل الم ِة ‪ ،‬واكشفِ ال ُغمّ َة ‪ ،‬وانص ْر الدينَ وأتمّه‪.‬‬ ‫اللهم اجمعْ شم َ‬
‫ن يتوب ‪ ،‬اللهم أجزلْ‬ ‫الهم أصلحْ القلوبْ ‪ ،‬واغف ْر الذنوبْ ‪ ،‬واستر العيوبْ ‪ ،‬واقبل توب َة مَ ْ‬
‫حيِنا حياةً رضيّة ‪ ،‬ونسألك المِيت َة السويّة ‪ ،‬اللهم أل ِهمْنا الحجةَ ‪،‬‬ ‫العَطيةَ ‪ ،‬واغفرْ الخطيةَ ‪ ،‬وأ ْ‬
‫سرْ حسابَنا‪.‬‬ ‫وثبتْنا على المحجّ ِة ‪ ،‬ويمّنْ كتابَنا ‪ ،‬وي ّ‬
‫ل ‪ ،‬وادرأْ عنا الكوارثَ ‪ ،‬واحمِنا من الحوادث‪.‬‬ ‫ف منّا ال ِعلَلْ ‪ ،‬واغف ِر الزّلَ ْ‬
‫اللهم اش ِ‬
‫صرً إسلمَنا ‪ ،‬وارفعْ أعلمَنا وث ّبتْ أقدامَنا‬ ‫ب الشكّ باليقين ‪ ،‬وألبِسْنا ثوبَ الدين ‪ ،‬وان ُ‬ ‫اللهم أذ ِه ْ‬
‫‪ ،‬وسدّدْ سهامَنا ‪ ،‬اللهم بلّ ْغ رسولَنا عنا الصل َة والسلمَ ما غيثٌ َهمَع ‪ ،‬وبرْقٌ َلمَ ْع ‪ ،‬وظبيٌ‬
‫ح ‪ ،‬اللهم آت ِه الوسيلةَ ‪ ،‬وامنحْه الفضيل َة ‪ ،‬وابعثْه مقاماً محموداً ‪ ،‬وأعطِهِ‬ ‫ح ‪ ،‬وبلبلٌ صَدَ ْ‬ ‫سنَ ْ‬
‫َ‬
‫حوضًا موروداً ‪ ،‬وأجبْ شفاعتَه ‪ ،‬وأكرمْ وفادتَه ‪ ،‬يا رب إن البشر اعتزّوا بأنسابِهم ‪،‬‬
‫وافتخروا بأحسابِهم ‪ ،‬وعزّنا وفخرُنا بك ‪ ،‬فل نكن أشقى منهم بك‪.‬‬
‫يا رب إنهم جمعوا الموالَ ‪ ،‬وادّخروا الكنوزَ ‪ ،‬واحتاطوا بالذهبِ والفضة‪ ،‬وماَلنَا وكنزُنا‬
‫وميراثُنا دينُك وذكرُك ‪ ،‬اللهم فاعنِنا يوم الفقرِ الكبر حتى نكون بك أغنى منهم بأموالهم‪.‬‬
‫ح بعضُهم بعضاً وأطرى بعضُهم بعضًا ‪ ،‬ورَفَ َع بعضُهم بعضاً ‪ ،‬ومدحُنا‬ ‫يا رب إن البش َر مَدَ َ‬
‫وثناؤنا وتبجيلُنا لك وحدك ‪ ،‬اللهم إنهم أمّلوا من ممدوحيهم جوائزَ وأوسمةً ‪ ،‬وعطايا وهدايا ‪،‬‬
‫اللهم فاجعلْنا أكثرَ منهم حظًا بجوائزك ‪ ،‬وأوسمتِك ‪ ،‬وعطاياكَ ‪ ،‬وهداياكَ‪.‬‬
‫س بمرغوبِه ‪ ،‬و َفزِع إلى قريبِه ‪ ،‬واعتمدَ على‬ ‫ن َركَن إلى محبوبِه ‪ ،‬وَأ ِن َ‬ ‫اللهم إنا رأينا مَ ْ‬
‫صاحبِه ‪ ،‬اللهم إليك فَزعْنا ‪ ،‬وعليك ر َكنّا ‪ ،‬وبك وثقْنا ‪ ،‬وعليك اعتمدْنا ‪ ،‬ال فاجعلنا أَسع َد بك‬
‫ب بقريبه ‪ ،‬ومن الصاحبِ بصاحبِه ‪ ،‬ومن المولى بسيدِه‪.‬‬ ‫من القري ِ‬
‫س تخضعُ لسواك ‪ ،‬والجباهَ تسج ُد لغيرِك ‪ ،‬واللسنةَ تق ّدسُ البشر ‪،‬‬ ‫اللهم إنا رأينا الرؤو َ‬
‫جنَا ذلك ‪ ،‬فلك خضعتْ رؤوسنا ‪ ،‬وسجدتْ جباهُنا ‪ ،‬وذّلتْ رقابُنا ‪ ،‬اللهم‬ ‫فغضبْنا لذلك ‪ ،‬وأزع َ‬
‫إنا نسألك الغنى يوم الفقر ‪ ،‬والعزّ يوم الذّلِ ‪ ،‬والنجاةَ يوم التغابن‪.‬‬
‫ق الراعي الرعية ‪ ،‬نسألك رضى ل يكّدرُه سُخط ‪،‬‬ ‫اللهم أخلص الني ْة ‪ ،‬وأصلح الذريةْ ‪ ،‬ووفّ ِ‬
‫حزْن ‪ ،‬وفرحةً ل ين ّغصُها َترْحة ‪ ،‬وسعادةً ل يعكّرها شقاء‪.‬‬ ‫وسروراً ل يشوُبه ُ‬
‫ن ربك رب العزة عما يصفون ‪ ،‬وسلم على المرسلين ‪ ،‬والحمد ل رب العالمين ‪.‬‬ ‫سبحا َ‬
‫سبحانك ال اللهم وبحمدك ‪ ،‬أشهد أن ل إله إل أنت استغفرك وأتوب إليك‪.‬‬
‫وصلى ال على محمد وآله وصحبه وسلم تسليما‬

‫عائض بن عبدال القرني‬


‫‪15/11/1422‬هـ‬

‫‪12‬‬

You might also like