You are on page 1of 76

‫سيماهم ف وجوهم‬

‫د‪ .‬عائض بن عبد ال القرن‬


‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫مقدمة‬
‫المد ل رب العالي ‪ ،‬والعاقبة للمتقي ‪ ،‬ول عدوان إل على الظالي ‪ ،‬وأشهد أن ل‬
‫إله إل ال وحده ل شريك له ‪ ،‬رب السماوات والرض وما بينهما ورب العرش العظيم ‪،‬‬
‫وأشهد أن ممدا عبد ال ورسوله البشي النذير ‪ ،‬والسراج الني صلى ال عليه وسلم وعلى آله‬
‫وصحبه ‪ ،‬ومن تبعهم بإحسان إل يوم الدين ‪ .‬أما بعد ‪:‬‬
‫فإن من العقائد القررة ف السلم ‪ :‬حب الصحابة من الهاجرين والنصار ‪،‬والذين‬
‫اتبعوهم بإحسان ‪ ،‬واعتقاد فضيلتهم وصدقهم ‪ ،‬والترحم على صغيهم وكبيهم ‪ ،‬وأولم‬
‫وآخرهم ‪ ،‬وصيانة أعراضهم وحرماتم ‪ ،‬فذلك أمر ضروري ‪ ،‬وهو أحد الضروريات المس‬
‫الت جاءت الشريعة بالحافظة عليها ‪ ،‬وضبط حقوقها ‪ ،‬والخذ على يد من هتكها ‪ ،‬وقد قال‬
‫النب صلى ال عليه وسلم ف ممع الج ‪ (( :‬إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام‬
‫كحرمة يومكم هذا ف شهر كم هذا ف بلدكم هذا فليبلغ الشاهد الغائب ))‪. )(1‬‬
‫فهتك عرض مسلم والناية عليه عظيم عند ال ورسوله والؤمني وهو من كبائر‬
‫الذنوب ومن التشبه بالنافقي وأعظم منه غمس اللسنه والقلم ف أهل العلم وماولة إسقاط‬
‫قدرهم بأوهام من هنا وهناك واليغال بالدخول ف نياتم ومقاصدهم والصد عن سبيلهم‬
‫والستخفاف بم‪.‬‬
‫فهم خي الناس للناس ‪ ،‬وأفضل تابع لي متبوع ‪ ،‬وهم الذين فتحوا البلد بالسنان‬
‫والقلوب باليان ‪ ،‬ول يعرف التاريخ البشري منذ بدايته ‪ ،‬تاريا أعظم من تاريهم ‪،‬ول‬
‫رجال دون النبياء أفضل منهم ول أشجع ‪ ،‬ومن داخله ش ف هذا ‪ ،‬فلينظر ف سيهم على‬
‫ضوء الحاديث الصحيحة والثار الثابتة ‪ ،‬يرى أمرا هائل من حال القوم وعظيم ما آتاهم ال‬
‫من اليان والكمة والشجاعة والقوة ‪.‬‬
‫وحي ضن غيهم بالنفس والال ‪ ،‬واستثقلوا مفارقة الهل والولدان ‪ ،‬استرخصوها ف‬
‫إقامة الدين وتكي المم والشعوب من العيش ف آمن ورغد تت حكم السلم ‪ ،‬فل كان‬
‫(‪(1‬‬
‫رواه البخاري [‪ ]67‬ومسلم [‪ ]1679‬عن أبي بكرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪.‬‬
‫ول يكون مثلهم ‪ ،‬فهم غيظ العداء ‪ ،‬وأهل الولء والباء ‪ ،‬وأنصار الدين ‪ ،‬ووزراء رسول‬
‫رب العالي ‪.‬‬
‫وقد اصطفاهم ال لصحبة نبيه ونشر دينه ‪،‬فأخرجوا من شاء ال من عبادة العباد إل‬
‫عبادة رب العباد ‪،‬ومن ضيق الدنيا إل سعتها ‪،‬ومن جور أهل الطغيان إل عدل السلم ‪،‬‬
‫وعلى أيديهم سقطت عروش الكفر ‪ ،‬وتطمت شعائر اللاد ‪ ،‬وذلت رقاب البابرة والطغاة‬
‫‪ ،‬ودانت لم المالك ‪،‬‬
‫وقد اتفق أهل العلم على انم خي الناس بعد النبياء ؛ فقد جاء ف الديث عن عبد ال‬
‫رضي ال عنه ‪ ،‬أن النب صلى ال عليه وسلم قال ‪ (( :‬خي الناس قرن ‪ . )(2)) ...‬وافضل‬
‫الصحابة ‪ :‬أبو بكر ‪،‬ث عمر ‪ ،‬ث عثمان ‪ ،‬ث علي بن أب طالب ‪ ،‬رضي ال عنهم أجعي ‪،‬‬
‫وأدلة هذا كثية وعامة أهل العلم عل هذا ‪ ،‬وقد جعل ال جل وعل بقاء الصحابة أمنة‬
‫للمة ‪ ،‬فإذا ذهب قرنم وانقرض جيلهم حلت بن بعدهم الفت ‪ ،‬وظهرت البدع ‪ ،‬وفشا‬
‫الور والفساد ‪ .‬ففي (( صحيح مسلم ))‪ )(3‬عن أب موسى قال ‪ :‬صلينا الغرب مع رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ث قلنا ‪ :‬لو جلسنا حت نصلي معه العشاء ‪ ،‬قال ‪ :‬فجلسنا فخرج علينا‬
‫فقال ‪ (( :‬ما زلتم ههنا ؟ )) قلنا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬صلينا معك الغرب ‪ .‬ث قلنا ‪ :‬نلس حت‬
‫نصلي معك العشاء ‪ ،‬قال ‪ (( :‬أحسنتم أو أصبتم )) قال ‪ :‬فرفع رأسه إل السماء ‪ ،‬وكان‬
‫كثيا ما يرفع رأسه إل السماء فقال ‪ (( :‬النجوم أمنة للسماء ‪ ،‬وكان كثيا ما يرفع رأسه إل‬
‫السماء فقال ‪ (( :‬النجوم أمنة للسماء ‪ ،‬فإذا هبت النجوم ال تعال السماء ما توعد ‪ ،‬وأنا امنة‬
‫لصحاب ‪ ،‬فإذا ذهبت أتى أصحاب ما يوعدون ‪ ،‬وأصحاب أمنة لمت ‪ ،‬فإذا ذهب أصحاب‬
‫أمت ما يوعدون )) ‪.‬‬
‫وهذا دليل على فضلهم ‪ ،‬وعظيم ما دفع ال بم من البدع والفت والور والفساد ‪،‬‬
‫فل جرم أن جعلهم ال وزراء نبيه وحزب خليله ‪.‬‬
‫قال عبد ال بن مسعود ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ( :‬إن ال ينظر ف قلوب العباد فوجد قلب‬
‫ممد صلى ال عليه وسلم خي قلوب العباد ‪ ،‬فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته ث نظر ف قلوب‬
‫(‪(2‬‬
‫رواه البخاري (‪ ، (2652‬ومسلم (‪(2533‬‬
‫(‪(3‬‬
‫رقم (‪. (2531‬‬
‫العباد بعد قلب ممد ‪ ،‬فوجد قلوب الصحابة خي قلوب العباد فجعلهم ال وزراء نبيه يقاتلون‬
‫على دينه )‪.)(4‬‬
‫وقال ابن أب حات ‪ ( :‬فأما أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم فهم الذين شهدوا‬
‫الوحي والتنيل ‪ ،‬وعرفوا التفسي والتأويل ‪ ،‬وهم الذين اختارهم ال عز وجل لصحبه نبيه‬
‫صلى ال عليه وسلم ونصرته ‪ ،‬وإقامة دينه وإظهار حقه ‪ ،‬فرضيهم له صحابة ‪ ،‬وجلهم لنا‬
‫أعلما وقدوة ‪ ،‬فحظوا عنه صلى ال عليه وسلم ما بلغهم عن ال عز وجل ‪،‬وما سن وما‬
‫شرع ‪ ،‬وحكم وقضى ‪ ،‬وندب وأمر ونى وأدب ‪ ،‬ووعوه وأتقنوه ففقهوا ف الدين ‪ ،‬وعلموا‬
‫أمر ال ونيه ‪ ،‬ومراده بعاينة رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ومشاهدتم منه تفسي الكتاب‬
‫وتأويله وتلقفهم منه واستنباطهم عنه ‪ ،‬فشرفهم ال عز وجل با من عليهم وأكرمهم به من‬
‫وضعه إياهم موضع القدوة ‪ ،‬فنفى عنهم الشك والكذب ‪ ،‬والغلط والريبة ‪ ،‬والغمز ‪ ،‬وساهم‬
‫عدول المة ‪ ،‬فقال عز ذكره ف مكم كتابه ‪َ { :‬وكَ َذلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمّةً وَسَطا لِتَكُونُوا ُش َهدَاءَ‬
‫عَلَى النّاسِ } (البقرة‪ :‬من الية ‪ )143‬ففسر النب صلى ال عليه وسلم عن ال عز ذكره قوله ‪:‬‬
‫{وسطا } قال ‪ (( :‬عدل )) ‪ ،‬فكانوا عدول المة وأئمة الد وحجج الدين ونقلة الكتاب‬
‫والسنة ‪ .‬وندب ال عز وجل إل التمسك بديهم والري على منهاجهم والسلوك لسبيلهم‬
‫والقتداء بم فقال ‪ { :‬وَيَتِّبعْ غَْيرَ سَبِيلِ اْل ُمؤْمِنِيَ ُن َولّهِ مَا َت َولّى}(النساء‪ :‬من الية ‪.)(5 )115‬‬
‫فمن انطوت سريرته على مبتهم ‪ ،‬ودان ال تعال بتفضيلهم ومودتم ‪ ،‬وتبأ من أضمر‬
‫بغضهم ‪ ،‬فهو الفائز بالدح الذي مدحهم ال تعال فقال {وَالّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَ ْعدِ ِهمْ يَقُولُونَ‬
‫رَبّنَا اغْفِرْ لَنَا َولِإِ ْخوَانِنَا اّلذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيَانِ وَل َتجْعَ ْل فِي قُلُوبِنَا ِغلّا لِّلذِينَ آمَنُوا رَبّنَا إِنّكَ‬
‫ف رَحِيمٌ} (الشر‪. )10:‬‬ ‫َرؤُو ٌ‬
‫وأما من سبهم ‪ ،‬وانتقص منهم ومن قدرهم ‪ ،‬وحكم على أكثرهم بالردة ‪ ،‬وزعم انم‬
‫بدلوا وغيوا فعليه لعنة ال واللئكة والناس أجعي ‪.‬‬
‫وها نن هنا نلي شيئا من فضائلهم ‪ ،‬ونذكر بعضا من مآثرهم ‪ ،‬مع إيراد بعض‬
‫الخبار عن مموعة منهم ‪ ،‬ث من سار على منهجهم ‪ ،‬وسيت كتاب هذا ‪ ( :‬سيماهم‬
‫(‪(4‬‬
‫رواه المام احمد [‪ ]3791‬عنه وسنده حسن‬
‫(‪(5‬‬
‫انظر كتاب ( الجرح والتعديل (( (‪.(1/7‬‬
‫ف وجوههم )) تيمنا بالية الكرية ‪ ،‬راجيا الرب تعال أن يسلكن ف سبيلهم ‪ ،‬وأن‬
‫يشرن معهم ‪ ،‬وأن يلحقنا بم ف دار الكرامة ‪ ،‬وللصحابة خصائص وصفات فاقوا با‬
‫من بعدهم ‪ ،‬وجاوزوا با غيهم ‪ ،‬فما هي هذه الصائص الت فضلوا با على غيهم ؟‬
‫بلغ الشواق والب الصحابة *** سادة القوم وأرباب النجابه‬
‫هم حاة الدين أبطال الردى *** بل غيوث البذل بل آساد غابه‬
‫حبهم دين ومن يبغضهم *** ربنا ف ناره الخر أذابه‬
‫ذب عن أعراضهم إن كنت من *** ضربم ل تعتدي كل ذبابه‬
‫وأطلب الثار منهم إنم *** علماء الدين فتواهم أصابه‬

‫فمن خصائص هذا اليل ‪:‬‬


‫‪ -1‬أن ال زكاهم ‪ ،‬ومن بعدهم فإنه يتاج إل من يزكيه ‪ ،‬فل نتاج معهم لكلم العال يي‬
‫بن معي ‪ ،‬ول لب حات ‪ ،‬ول لبن حبان ‪ ،‬بل لكلم ال عز وجل ‪ ،‬وهو يزكي أصحاب‬
‫ح ّمدٌ رَسُولُ اللّهِ وَالّذِينَ مَعَهُ أَ ِشدّاءُ َعلَى الْكُفّارِ رُ َحمَاءُ بَيَْن ُهمْ‬ ‫الرسول صلى ال عليه وسلم { ُم َ‬
‫سجُودِ}‬ ‫ضوَانا سِيمَا ُهمْ فِي وُجُو ِه ِهمْ مِنْ أََثرِ ال ّ‬ ‫تَرَا ُهمْ ُركّعا ُسجّدا يَبْتَغُو َن َفضْلً مِنَ اللّهِ َو ِر ْ‬
‫(الفتح‪ :‬من الية ‪)29‬‬
‫فهو صلى ال عليه وسلم مع أصحابه مزكون طاهرون ‪ ،‬زكاهم ال ف التوراة والنيل‬
‫‪ ،‬ث زكاهم ف القرآن ‪ ،‬وال عز وجل قد تكفل بتطهيهم وتزكيتهم ‪.‬‬
‫وان ابن مسعود ‪ ،‬رضي ال عنه و أرضاه ‪ ،‬يقول عليكم بأصحاب ممد صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬فإن ال نظر ف قلوب عباده فوجد قلب ممد أصفاها وأتقاها ‪ ،‬ث نظر ف قلوب‬
‫الناس فوجد قلوب أصحاب الرسول صلى ال عليه وسلم أصفى القلوب وأتقاها فاختارهم‬
‫لصحبة الرسول صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫يقول سبحانه وتعال ‪{:‬لَكِنِ الرّسُولُ وَالّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَا َهدُوا بِأَ ْموَالِ ِهمْ وَأَنْ ُفسِ ِهمْ‬
‫م الْمُفِْلحُونَ}(التوبة‪.)88:‬‬ ‫وَأُولَئِكَ َلهُ ُم الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ ُه ُ‬
‫والذين جاهدوا معه ‪ ،‬هم ‪ :‬أصحابه ‪ ،‬قتلوا بي يديه ‪ ،‬وقطعوا ف بدر وف أحد لرفع‬
‫ل إله إل ال ‪.‬‬
‫وتستمر التزكية العاطرة من الواحد الحد ف كتابه {لِلْفُقَرَاءِ اْل ُمهَاجِرِي َن اّلذِينَ ُأخْرِجُوا‬
‫ضوَانا }(الشر‪ :‬من الية ‪ . )8‬هذا وصف الهاجرين‬ ‫مِنْ دِيَارِ ِهمْ وَأَ ْموَاِل ِهمْ يَبْتَغُو َن َفضْلً مِنَ اللّهِ َو ِر ْ‬
‫‪ ،‬خرجوا من مكة ‪ ،‬طردتم الاهلية فهم صورة ناصعة ‪.‬‬
‫فمنهم ‪ :‬صهيب بن سنان ‪ ،‬رضي ال عنه وأرضاه ‪ ،‬أخرجوه وطاردوه بالسلم فقال‬
‫للمشركي ‪ :‬دعون ‪ ،‬وخذوا كل مال ‪ ،‬فقبلوا وتكروه ووفد صهيب على الرسول صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وكل صهيب أسى ‪ ،‬وكله جوع ‪ ،‬وله ظمأ ‪ ،‬وكله سهاد‪ ،‬لكن ف سبيل ال ‪،‬‬
‫فلما رأى وجهه صلى ال عليه وسلم قال ‪ (( :‬ربح البيع أبا يي ‪ ،‬ربح البيع أبا يي ‪ ،‬ربح‬
‫البيع أبا يي )) ‪ ،‬فانزل ال البايعة فقال ‪{ :‬وَمِ َن النّاسِ مَنْ َيشْرِي نَ ْفسَهُ ابْتِغَاءَ مَ ْرضَاتِ اللّهِ‬
‫وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ} (البقرة‪. )207:‬‬
‫وأتى مصعب بن عمي ‪ ،‬ترك لافه الوثي ‪ ،‬وفراشه الدافئ ‪ ،‬وذهبه وفضته لمه‬
‫الشركة العجوز ‪ ،‬فلما رآه صلى ال عليه وسلم دمعت عيناه ‪ ،‬وقال ‪ (( :‬والذي نفسي بيده‬
‫لقد رأيت مصعبا من أغن أهل مكة )) ث ترك ذلك كله ل ‪ ،‬ومع ذلك ما كفى مصعبا ‪ :‬أن‬
‫يترك أمواله ودوره وسكنه ‪ ،‬بل زاد على ذلك بأن قطع جسمه ف أحد ‪ ،‬فأت ببدة لتكون‬
‫كفنه ‪ ،‬فكانوا إذا غطوا رآه بدت رجله ‪ ،‬وإذا غطيت رجله بدا رأسه ‪ ،‬فبكى صلى ال‬
‫عليه وسلم مرة آخر عند هذا الثمان ‪.‬‬
‫ضوَانا وَيَ ْنصُرُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ}( الشر ‪:‬‬ ‫قال سبحانه وتعال ‪{ :‬يَبْتَغُونَ َفضْلً ِمنَ اللّهِ َورِ ْ‬
‫من الية ‪.) 8‬‬
‫ضوَانا وَيَْنصُرُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ} ‪ ،‬أولئك هم الصادقون ‪.‬‬ ‫هذه ميزة للصحابة { َورِ ْ‬
‫ث التفت الطاب إل النصار {وَاّلذِينَ تََبوّأُوا الدّارَ وَالْأِيَانَ مِنْ قَبِْلهِمْ ُيحِبّونَ مَنْ هَاجَرَ‬
‫س ِهمْ َوَلوْ كَانَ ِب ِهمْ‬
‫جدُو َن فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً ِممّا أُوتُوا وَُيؤْثِرُونَ َعلَى أَنْ ُف ِ‬ ‫ِإلَْي ِهمْ وَل َي ِ‬
‫َخصَاصَةٌ } (الشر‪ :‬من الية ‪.)9‬‬
‫شجَرَ ِة فَعَِلمَ مَا فِي‬
‫حتَ ال ّ‬ ‫قال تعال ‪{ :‬لَ َقدْ رَضِيَ اللّهُ َعنِ اْل ُمؤْمِنِيَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ َت ْ‬
‫قُلُوِبهِ ْم فَأَنْزَ َل السّكِينَةَ عَلَْي ِهمْ وَأَثَاَب ُهمْ فَتْحا قَرِيبا} (الفتح‪. )18:‬‬
‫قال أهل التفسي ‪ :‬فعلم ما ف قلوبم من الخلص ‪.‬‬
‫وقال غيهم فعلم ما ف قلوبم من الب ل ‪.‬‬
‫والصحيح ‪ :‬علم ما ف قلوبم من الي ‪.‬‬
‫يقول بعض الدباء ‪ :‬كأن بالصحابة ‪،‬أي مشاعر عاشوها ؟ يسمعون نداء ال من فوق‬
‫شجَرَةِ} ويقول‬ ‫حتَ ال ّ‬ ‫سبع ساوات يقول لم {لَ َقدْ َرضِيَ اللّهُ عَ ِن اْلمُؤْمِنِيَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ َت ْ‬
‫سبحانه ‪{ :‬وَالسّابِقُونَ الَْأ ّولُونَ }(التوبة‪ :‬من الية ‪.)100‬‬
‫من ل بثل سيك الدلل *** تشي رويدا وتي ف الول‬
‫الولون ‪ ،‬يوم الفقر والعوز ‪ ،‬يوم الشدة ‪ ،‬يوم التهديد ‪ ،‬يوم تقف الاهلية كلها ضد‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬يوم تدده الكرة الرضية ‪ ،‬تدده اليهودية والنصرانية والصابئة‬
‫والجوس ‪ ،‬فيقف معه أبو بكر وعمر ‪ ،‬والصفوة الول ‪.‬‬
‫قم يقول سبحانه وتعال {وَالسّابِقُونَ الَْأ ّولُونَ ِمنَ اْل ُمهَاجِرِينَ وَالْأنصار وَالّذِينَ اتّبَعُو ُهمْ‬
‫بِإِ ْحسَا ٍن َرضِيَ اللّهُ عَْنهُمْ َورَضُوا عَنْهُ وََأ َعدّ َل ُهمْ جَنّاتٍ َتجْرِي َتحَْتهَا الْأَْنهَارُ خَاِلدِي َن فِيهَا أَبَدا‬
‫ك الْفَ ْوزُ الْعَظِيمُ} (التوبة‪ )100:‬وهو خي من فوز الدنيا وما فيها ‪.‬‬ ‫َذلِ َ‬
‫أما الحاديث ف فضلهم ‪ ،‬رضوان ال عليهم ‪ ،‬فكثية ‪ .‬منها ما جاء من حديث‬
‫عمران بن الصي ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ ،‬أن الرسول صلى ال عليه وسلم قال ‪ (( :‬خي القرون‬
‫قرن ث الذين يلونم ث الذين يلونم ))‪.‬‬
‫فهم خي القرون أبدا ‪ ،‬ومن طعن فيهم فهو علمة البدعة والرجس والبث والوى ‪،‬‬
‫علمة الهل بأمر ال سبحانه وتعال ‪.‬‬
‫وثبت من حديث أب سعيد الدري ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬أن الرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫قال ‪ (( :‬ل تسبوا أصحاب ‪ ،‬ل تسبوا أصحاب ‪ ،‬فإن أحدكم لو انفق مثل أحد ذهبا ما بلغ‬
‫مد أحدهم ول نصيفه ))‪.‬‬
‫وف الديث ‪ (( :‬ال ال ف أصحاب ‪ ،‬ل تتخذوا أعراضهم غرضا ‪ ،‬فمن أحبهم فبحب‬
‫أحبهم ‪ ،‬ومن ابغضهم فببغضي ابغضهم ))‪.‬‬
‫ولذلك عقد البخاري ف الصحيح ( باب ) ‪ :‬آية اليان حب النصار ‪ ..‬وآية النفاق‬
‫بغض النصار ‪.‬‬
‫فمن خاف ف إعراض الصحابة أو تعرض لم ‪،‬فواجب تأديبه ‪ ،‬والخذ عل يديه ‪،‬‬
‫وهو سفيه ‪ ،‬لن ال تعال مدحهم وأثن عليهم وزكاهم ‪.‬‬
‫وثبت ف (( صحيح مسلم )) عن عروة قال ‪ :‬قالت ل عائشة ‪ :‬يا ابن أخت ‪ ،‬أمروا‬
‫أن يستغفروا لصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم فسبوهم ‪.‬‬
‫قال تعال ‪{ :‬وَالّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَ ْعدِ ِهمْ يَقُولُونَ رَبّنَا اغْفِرْ لَنَا َولِإِ ْخوَانِنَا اّلذِينَ سَبَقُونَا‬
‫ك َرؤُوفٌ رَحِيمٌ} (الشر‪. )10:‬‬ ‫بِالْأِيَانِ وَل َتجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا ِغلّا لِّلذِينَ آمَنُوا رَبّنَا إِنّ َ‬
‫قال ابن تيمية ‪ :‬ل يوز أن يدفع الفيء إل الرافضة ؛ لنم ل يقولوا { رَبّنَا اغْفِرْ لَنَا‬
‫َولِإِ ْخوَانِنَا الّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيَانِ } (الشر‪ :‬من الية ‪. )10‬‬
‫وقال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وهو يرفع طرفه إل السماء ‪ (( :‬النجوم آمنة السماء ‪ ،‬فإذا‬
‫ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد‪ ،‬وأصحاب أمنة لمت ‪ ،‬فإذا ذهب أصحاب أتى أمت ما‬
‫يوعدون )) ‪.‬‬
‫فالرسول صلى ال عليه وسلم أمنة لصحابه من الفت ‪ .‬ولذلك ل تظهر البدع إل بعد‬
‫موتر صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬والصحابة أمنة للمة لا حوله من الثار ‪ ،‬وما صدقوا فيه من‬
‫الخبار ‪ ،‬ولا قدموا فيه النتصارات الباهرة ‪.‬‬
‫وعن ابن عمر ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ ،‬قال ‪ :‬من كان مستنا فليست باليت ‪ ،‬فإن الي ل‬
‫تؤمن عليه الفتنة ‪.‬‬
‫قال بعض الشعراء يدح أصحاب الرسول صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫وقاتلت معنا الملك ف أحد *** تت العجاجة ما حادوا وما انكشفوا‬
‫سعد وسلمان والقعقاع قد عبوا *** إياك نعبد من سلسألا رشقوا‬
‫أملك رب باء الزن قد غسلوا **** جثمان حنظلة والروح تتطف‬
‫من غي ترجة زيت له السجف‬ ‫وكلم ال من أوس شهيدهم ***‬

‫‪ -2‬من الصائص ‪ :‬أنم يهتمون بأعمال القلوب أكثر من اهتمامهم بأعمال‬


‫الوارح ‪ ،‬ل لنم مقصرون ف أعمال الوارح ‪ ،‬لكن ليسوا كتقصي الجيال الالية يوم‬
‫اهتمت بأعمال الوارح وتركت أعمال القلوب ‪ ،‬إل من رحم ال ‪ ،‬فتجد ف التأخرين من‬
‫يهتم بأمر السنة ف الظاهر فيطلق ليته ‪ ،‬وهذا لبد منه ‪،‬ويقصر ثوبه ‪ ،‬وهذا لبد منه‪ ،‬وتده‬
‫يتفنن ف إيراد السنة على مظهره ‪ ،‬ولكن قلبه مشو من الكب والعجب والرياء والسد ‪.‬‬
‫فأما الصحابة فقد صفى ال قلوبم من هذه المراض فل تد منهم حسدا ول كبا ول‬
‫رياء ؛ لن ال اصطفاهم ملصي ‪ ،‬وصفاهم سبحانه وتعال بالحن والزلزل والفت إل درجة‬
‫أن جعلهم عبادا له خلصا ‪ ،‬رضوان ال عليهم ‪.‬‬
‫عن قتادة قال‪ :‬سئل ابن عمر هل كان أصحاب النب صلى ال عليه وسلم يضحكون ؟‬
‫قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬واليان ف قلوبم أعظم من البال ‪.‬‬
‫كانوا يضحكون كما يضحك الناس ‪ ،‬وكانوا يتمازحون ‪ ،‬ولياتم بساطة ويسر‬
‫وسهولة ‪.‬‬
‫لكن إذا وصلت التضحية قدموا رؤوسهم على أياديهم ‪ ،‬وسلوا سيوفهم ف سبيل ال ‪.‬‬
‫وهذا أمر يفوت الكثيين ‪ ،‬حت تد الناس يتكلمون ف المور الظاهرية ‪ ،‬بينما‬
‫يتركون المور الباطنية الت هي من أعمال القلوب ‪ .‬فانك الن لو سعت بشارب خر لقامت‬
‫الدنيا وقعدت ‪،‬ول تسكن ‪ ،‬بينما يوجد ف الناس من يسد ‪ ،‬ومن يتكب على عباد ال ‪ ،‬ل‬
‫يفعل الكبائر الظاهرة ‪ ،‬فيبدو عند الناس من أهل الصلح ‪.‬‬
‫فالصحابة كانوا مردين له ف بواطنهم ‪ ،‬قد أخلصوها للواحد الحد ‪.‬‬
‫قيل لبن عمر ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ ،‬وهو مرم ‪ :‬أل تسمع ما يقول هذا الشاعر –‬
‫شاعر يتغن وهو مرم ؟‬
‫قال ‪ :‬ماذا يقول الشاعر ؟‬
‫قالوا ‪ :‬يقول ‪:‬‬
‫قف بالطواف ترى الغزال الحرما *** حج الجيج وعاد يقصد زمزما‬
‫لو أن بيت ال كلم عاشقا *** من قبل هذا كاد أن يتكلما‬

‫فهذا حاج مرم ‪،‬رأى هذه الميلة فضيع الركان والطواف والسعي ‪ ،‬وأخذ يتغزل !‬
‫قال ابن عمر ‪ :‬سبحان ال ! وال الذي ل إله إل هو ‪ ،‬ما دخلت الرم إل ونسيت الدنيا ‪.‬‬
‫‪ -3‬من الصائص ‪ :‬سلمتهم النفاق العملي والعتقادي ‪ ،‬فل تد صفات النافقي‬
‫فيهم ؛ مثل ‪ :‬إذا حدث كذب ‪ ،‬وإذا وعد أخلف ‪ ،‬وإذا أؤتن خان ‪ ،‬وإذا خاصم فجر ‪،‬‬
‫وإذا عاهد غدر ‪.‬‬
‫بينما تد من يقوم الليل ف التأخرين ‪ ،‬أو من يصوم الثني والميس ‪ ،‬أو من يقرا‬
‫القرآن ويتمه كل أسبوع ‪،‬أو من يكثر من التسبيح ‪ ،‬توجد فيه بعض هذه السائل ‪،‬‬
‫فالصحابة خصهم ال بان برأهم من النفاق العتقادي والعملي ‪.‬‬
‫قال ابن أب ملية ‪ :‬أدركت ثلثي من أصحاب النب صلى ال عليه وسلم‪ ،‬كلهم ياف‬
‫النفاق على نفسه ‪ ،‬ما منهم أحد يقول ‪ :‬انه على إيان جبيل وميكائيل ‪.‬‬
‫فخوف الصحابة من النفاق لعلهم مبئي منه ‪.‬‬
‫أما التأخرون فتجدهم يبئون انفهم بأنفسهم ‪ ،‬حت تد الواحد منا إذا قلت ‪ :‬بأنك‬
‫منافق غضب وأرعد ‪ ،‬وقد يكون منافقا حقيقيا لكن مع ذلك ل يرضى بذا ‪ ،‬ويغضب عليك‬
‫‪ ،‬حت يقول السن ‪ :‬ما خافه إل مؤمن ول أمنه إل منافق ‪.‬‬
‫والعن ‪ :‬ما خاف النفاق إل مؤمن ‪ ،‬فإذا رأيت الرجل ياف من الرياء ‪ ،‬وياف‬
‫النفاق ‪ ،‬وياف أن يكون مشركا ‪ ،‬فاعلم انه قريب من ال ‪ ،‬إما من يأمن من مكر ال فهو‬
‫مذول ل مالة ‪.‬‬
‫وف الديث أن عمر ‪ ،‬رضي ال عنه و أرضاه ‪،‬قال لذيفة بن اليمان‪ :‬يا حذيفة ‪ ،‬أسالك‬
‫بال أسان رسول ال صلى ال عليه وسلم من النافقي ؟‬
‫قال ‪ :‬ل ‪ ،‬ول أزكي أحدا بعدك ‪.‬‬
‫‪ -4‬ومن الصائص ‪ :‬جهدهم النقطع النظي ف الدنيا ‪ ،‬قد يأت أفراد ف الدنيا يكونون‬
‫ف الزهد على درجة عالية ‪ ،‬لكن الزهد الماعي الذي عاشه الصحابة‪ ،‬والتخلي عن ملذات‬
‫الدنيا ‪ ،‬وطلب رضوان ال عز وجل ‪ ،‬وطلب ما عند ال عز وجل أمر عظيم ‪ ،‬وف حديث‬
‫أب هريرة الشهور ‪ ،‬قال ‪ :‬صليت الغرب مع رسول ال صلى ال عليه وسلم فلما انصرف‬
‫الناس تعرضت لعمر بن الطاب ما ب إل الوع ‪ ،‬الوع الشديد الذي كان يصيب أبا هريرة‬
‫‪ ،‬حت يقول ‪ :‬والذي نفي بيده لقد كنت اصرع بي النب وبي بيت الرسول صلى ال عليه‬
‫وسلم من شدة الوع ‪ ،‬فيظن الناس أن ب مسا من النون !‬
‫قال ‪ :‬فتصديت لعمر فسألته عن اليات من أواخر سورة آل عمران فتلها ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فتصديت لب بكر وسألته عن اليات ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬اعرفها ‪ ،‬فتلها علي‬
‫فخرج صلى ال عليه وسلم فتصدى له أبو هريرة ‪ ،‬فسأله عن اليات من آخر سورة‬
‫آل عمران ‪ ،‬فضحك صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ث اخذه بيده ودخل على إحدى زوجاته ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬أعندكم طعام ‪.‬‬
‫قالت ل ‪ ،‬إل شيء من لب أرسله لنا بنو فلن من النصار ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬يا أبا هريرة ‪،‬أطلق إل أهل الصفة فتعال بم ‪.‬‬
‫قال أبو هريرة لنفسه ‪:‬ماذا يصنع هذا اللب مع أهل الصفة ؟ وهم فقراء بالعشرات ف‬
‫السجد ‪ ،‬وماذا يبقى ل ‪ ،‬قال ‪ :‬فاخذوا أماكنهم‪.‬‬
‫قال صلى ال عليه وسلم ‪ (( :‬يا أبا هريرة ‪ ،‬خذ الكوب وناول الناس )) ‪ ،‬فيأخذ‬
‫الناء يلؤه ويعطيهم واحدا واحدا ‪ ،‬حت رووا من اللب ‪.‬‬
‫قال ‪ (( :‬يا أبا هريرة ‪ ،‬بقيت أنا وأنت )) ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬صدقت ‪ ،‬يا رسول ال ‪.‬‬
‫قال ‪ (( :‬اشرب )) ‪.‬‬
‫والرسول صلى ال عليه وسلم يبتسم ‪.‬‬
‫فشرب ‪ ،‬قال‪ (( :‬زد )) ‪ ،‬فشرب ‪ ،‬قال ‪ ( :‬زد)) ‪،‬فشرب قال ‪ (( :‬زد )) ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬يا رسول ال ‪ ،‬ل أجد له مسلكا ‪.‬‬
‫رأى ابن عمر رفقة من أهل اليمن ‪ ،‬رحالم اللود المزقة القدية ‪ ،‬فقال ‪ :‬من أحب‬
‫أن ينظر إل شبه أصحاب الرسول صلى ال عليه وسلم فلينظر إل هؤلء ‪.‬‬
‫وعن عائشة قالت ‪ :‬مات أبو بكر فما ترك دينارا ول درها ‪ ،‬وكان قد أخذ قبل ذلك‬
‫ماله فألقاه ف بيت الال ‪.‬‬
‫وف سية أب بكر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ :‬انه ترك بغلة وثوبي ‪ ،‬فدفعهما إل عمر ‪ ،‬وكتب‬
‫له سطرين ‪ ،‬قال ‪ :‬يا عمر ‪ ،‬قد وليتك امر أمة ممد ‪ ،‬فاتق ال ‪ ،‬ل يصرعنك ال مصرعا‬
‫كمصرعي ‪.‬‬
‫فلما وصلت عمر جلس يبكي ‪ ،‬ويقول ‪ :‬أتعبت اللفاء بعدك ‪ ،‬يا أبا بكر ‪.‬‬
‫وف (( كتب السي )) أن سعد بن أب وقاص لا فتح الدائن وجد الائدة الكبى ؛‬
‫مائدة انو شروان ‪ ،‬مائدة مرصعة بالذهب والزمرد واللؤلؤ والدر ‪.‬‬
‫فحملوها على الرؤوس ‪ ،‬ووضعوها على جل ‪ ،‬وأرسلوها لعمر ‪.‬‬
‫فلما رآها عمر بكى ‪ ،‬وقال ‪ :‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬إن رجال بلغوها اياي لمناء ‪.‬‬
‫فهذا زهدهم ‪ ،‬رضي ال عنهم ‪ ،‬الذي ميزهم عن غيهم ‪.‬‬
‫‪ -5‬من الصائص ‪ :‬علم اليقي ‪ ،‬فهم ارفع من كل الطبقات والقرون بعلم اليقي أي‬
‫‪ :‬انم يعبدون ال بعلم اليقي ‪،‬فالواحد منهم ف الصباح يذهب إل العركة ‪ ،‬ويقول لهله ‪:‬‬
‫استودعكم ال الذي ل تضيع ودائعه ‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬تعود إلينا ؟‬
‫قال ‪ :‬وال ‪ ،‬ل أعود ‪ ،‬أريد جنة عرضها السماوات والرض ‪.‬‬
‫ابن رواحة يقول له الصحابة ‪ :‬يا ابن رواحة عد لنا بالسلمة ‪.‬‬
‫قال ل ‪ ،‬ل أريد أن أعود ‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬لاذا ؟‬
‫قال ‪:‬‬
‫لكنن أسأل الرحن مغفرة *** وطعنة ذات فرغ تقذف الزبدا‬
‫حت يقال إذا مروا على جدثي *** يا ارشد ال من غاز وقد رشدا‬

‫ذكر عن علي ‪ ،‬رضي ال عنه وأرضاه ‪ ،‬انه قال ‪ :‬والذي نفسي بيده لو كشف ال ل‬
‫الغطاء ما زدت على ما عندي من إيان حبة خردل ‪.‬‬
‫ونن عندنا الظن ‪ ،‬يعن ‪ :‬نصدق بأن هناك جنة ‪ ،‬لكن أعمالنا وتطبيقنا وصلحنا ل‬
‫يدل على هذا ‪.‬‬
‫ومن الناس من وصل إل حال مناقض لال الصحابة ‪ ،‬فلم يعد يبصر إل الادة ‪.‬‬
‫يقول أحدهم وهو التنب‬
‫خذ ما رأيت ودع شيئا ودع شيئا سعت به *** ف طلعة البدر ما يغنيك عن زحل‬
‫أي ‪ :‬تعجل شهوات ‪ ،‬ويقول آخر ‪:‬‬
‫وتت فيه بي شت الصور‬ ‫لبست ثوب العمر ل استشر‬
‫فما أطال النوم عمرا ول *** قصر ف العمار طول السهر‬
‫يقول ‪ :‬اشرب ‪ ،‬وكل ‪ ،‬واعص ال ‪ ،‬فانك ل تدري ما النتيجة ترج ‪ ،‬أو ل ترج‬
‫من هذه الدنيا !!‬
‫فالصحابة كانوا يعبدون ال على علم اليقي ‪.‬‬
‫‪ -6‬من الصائص اهتمامهم باجتماع الكلمة ‪ ،‬ونبذ الفرقة فإن ال سبحانه وتعال ذم‬
‫اللف ‪ ،‬ونى عن التفرق ‪ ،‬فقال )وَاعَْتصِمُوا ِبحَبْلِ اللّهِ َجمِيعا وَل تَفَ ّرقُوا )(آل عمران‪ :‬من‬
‫الية ‪ ، )103‬وقال سبحانه وتعال ‪{ :‬وَل تَكُونُوا كَاّلذِينَ تَفَ ّرقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَ ْعدِ مَا‬
‫جَاءَ ُهمُ الْبَيّنَاتُ وَأُولَئِكَ َل ُهمْ َعذَابٌ َعظِيمٌ} (آل عمران‪ ، )105:‬فالصحابة كانوا يرصون على‬
‫اجتماع الكلمة ‪ ،‬وكانوا نصحة ‪.‬‬
‫فعن سليم بن قيس العامري ‪،‬قال ‪ :‬سأل ابن الكوا – أحد الوارج – عليا عن السنة‬
‫والبدعة ‪ ،‬وعن الماعة والفرقة ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬يا ابن الكوا ‪ ،‬حفظت السالة ‪ ،‬فافهم الواب ‪ :‬السنة ‪ ،‬وال ‪ ،‬سنة ممد صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪ ،‬والبدعة ما فارقها ‪ ،‬والماعة ‪،‬وال ‪ ،‬ما اجتمع عليه أهل الق ‪ ،‬وان قلوا ‪،‬‬
‫والفرقة ما فارق ذلك ‪ ،‬واجتمع عليه أهل الباطل ‪.‬‬
‫وجاء رجل إل علي ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا ابن أب طالب ‪ ،‬أتدري أن أولئك‬
‫على باطل وأنت على حق ؟‬
‫قال ‪ :‬ويل ‪ ،‬اعرف الق تعرف أهله ‪ ،‬ول تعرف الق بالرجال ‪.‬‬
‫فكانوا يرصون على اجتماع الكلمة ‪.‬‬
‫ومن ذلك ‪ :‬ما جاء عن قتادة قال ‪ :‬لا بلغ ابن مسعود أن عثمان صلى بن أربعا‬
‫استرجع ‪،‬ث قام فصلى أربعا ‪.‬‬
‫فقيل له استرجعت ث صليت أربعا ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬اللف شر ‪ ،‬اللف شر ‪.‬‬
‫فكانوا ‪ ،‬رضي ال عنهم ‪ ،‬احرص الناس على الئتلف ونبذ الفرقة ‪.‬‬
‫‪ -7‬من الصائص ‪ :‬أنم أهل السنة والماعة أهل التضحيات الكبى ‪ ،‬فبال ل تذكر‬
‫للناس سجلي ‪ ،‬ول سجلك فيما قدمنا للسلم ‪ ،‬فلي عندنا شيء ‪.‬‬
‫ل تعرضن بذكرنا مع ذكرهم *** ليس الصحيح إذا مشى كالقعد‬
‫فليس لنا سجلت من العمل السلمي ‪ ،‬كالصحابة رضوان ال عليهم ‪ ،‬لكن الصحابة‬
‫يكفيك أن تنظر لترجة الواحد منهم لترى التضحيات ‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬حضر إحدى وعشرين غزوة ‪ ،‬وقالوا عن الثان ‪ :‬وقطعت يده ف اليمامة ‪..‬‬
‫وقالوا عن الثالث ‪ :‬قتل أبناؤه الربعة ف القادسية ‪ ،‬فكل منهم كما قال النابغة ‪:‬‬
‫ول عيب فيهم غي أن سيوفهم *** بن فلول من قراع الكتائب‬

‫‪ -8‬من الصائص ‪ :‬إنم كانوا ل يتكلفون ف كل أمورهم ‪ ،‬فل كلفة ف اللبس ول‬
‫كلفة ف الكل والشرب والعيشة ‪ ،‬ويأت على رأس ذلك ترك التكلف ف مسائل العلم ‪.‬‬
‫فلم يكونوا يتعنتون ف البحث ‪ ،‬والتنقي عن كل مسالة ‪ ،‬إل ما ينفعهم فيدنياهم وأخراهم ‪.‬‬
‫أما غيهم فقد انشغل بالقول وترك العمل ‪ ،‬انشغل بالتنقيب عن قضايا تضحك أصحاب‬
‫العقول ‪ .‬قديا وحديثا ‪.‬‬
‫فقديا ‪ ،‬بثوا عن لون كلب أهل الكهف ! وبثوا عن ألوان الطيور الت ذبها إبراهيم‬
‫عليه السلم !‬
‫هذه بعض خصائص الصحابة ‪ ،‬رضوان ال عليهم ‪ ،‬ولم أمور معطرة أخرى ذكرها‬
‫ال ف كتابه ‪ ،‬وذكرها الرسول صلى ال عليه وسلم واهل العلم ‪ ،‬لكن معي ومعك شيء‬
‫واحد أذكرك به ‪.‬‬
‫يقول صلى ال عليه وسلم ‪ (( :‬الرء يشر مع من أحب ))‪ ..)(6‬وإنا نن الرسول صلى‬
‫ال عليه وسلم وأبا بكر وعمر ‪ ،‬ول نعمل بعملهم ‪ ،‬اللهم فاشهد أنا نعلم إننا ل نعمل‬
‫كأعمال أصحاب رسولك صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ول نبذل كبذلم ‪ ،‬ول نصدق كصدقهم ‪،‬‬
‫ول نضح كتضحيتهم ‪ ،‬لكن يا رب نبهم ‪ ..‬يا رب نبهم ‪ ..‬يا رب نبهم ‪.‬‬
‫أسالك أن تنفعنا يوم العرض الكب بذا الب ‪ ،‬وأن تشرنا معهم بذا الب ‪ ،‬وأن‬
‫تمعنا بم ف جنات ونر ‪،‬ف مقعد صدق عند مليك مقتدر بذا الب ‪ ،‬فالخلء يومئذ‬
‫بعضهم لبعض عدو إل التقي ‪.‬‬

‫د‪ .‬عائض بن عبد ال القرن‬


‫الرياض‬

‫سيماهم ف وجوههم‬
‫وهؤلء ثانية ناذج من أصحاب ممد صلى ال عليه وسلم ؛ الذين أعلنوا إسلمهم ‪،‬‬
‫وهداهم ال من الضللة وبصرهم من العمى ‪ ،‬و أخرجهم من الظلمات إل النور { ُه َو الّذِي‬
‫(‪(6‬‬
‫رواه البخاري (‪ ، (6167‬ومسلم (‪ (2639‬عن انس بن مالك ‪ ،‬رضي ال عنه ‪.‬‬
‫ي رَسُولً مِْن ُهمْ يَْتلُو عَلَْي ِهمْ آيَاتِهِ وَيُ َزكّي ِهمْ وَيُعَّل ُم ُهمُ الْكِتَابَ وَالْحِ ْكمَةَ وَإِنْ كَانُوا‬
‫بَ َعثَ فِي الْأُمّيّ َ‬
‫صدْرَهُ لِلْإسلم َفهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبّ ِه َفوَيْلٌ‬ ‫مِ ْن قَبْلُ لَفِي ضَللٍ مُِبيٍ}(المعة‪َ{)2:‬أفَمَنْ شَ َرحَ اللّ ُه َ‬
‫لِلْقَاسِيَ ِة قُلُوُب ُهمْ ِمنْ ِذكْرِ اللّهِ} (الزمر‪ :‬من الية ‪َ{ )22‬فمَنْ يُرِدِ اللّهُ أَنْ َي ْهدِيَهُ َيشْ َرحْ صَ ْدرَهُ لِلسلم‬
‫سمَاءِ}(النعام ‪ :‬من الية ‪)125‬‬ ‫وَمَنْ يُرِدْ أَنْ ُيضِلّهُ َيجْعَ ْل صَ ْدرَ ُه ضَيّقا حَرَجا كَأَّنمَا َيصّ ّعدُ فِي ال ّ‬
‫{إِ ّن اّلذِي َن قَالُوا رَبّنَا اللّهُ ُثمّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزّلُ عَلَْي ِهمُ اْلمَلئِكَةُ َألّا َتخَافُوا وَل َتحْزَنُوا وَأَْبشِرُوا‬
‫حسْنَى أُولَئِكَ عَْنهَا‬
‫بِاْلجَنّةِ الّتِي كُنُْتمْ تُو َعدُونَ} (فصلت‪{ )30:‬إِنّ اّلذِينَ سَبَ َقتْ َلهُمْ مِنّا اْل ُ‬
‫مُبْعَدُونَ} (النبياء‪)101:‬‬

‫س ُهمْ خَالِدُونَ} (النبياء‪.)102:‬‬ ‫سهَا وَ ُه ْم فِي مَا اشَْتهَتْ أَنْ ُف ُ‬ ‫{ل َيسْمَعُونَ َحسِي َ‬
‫هؤلء الثمانية البطال ‪ :‬أناس عاشوا الشرك والكفر والوثنية ‪ ،‬ث هداهم ال ‪،‬‬
‫فأسلموا وآمنوا ‪:‬‬
‫عمي بن وهب الفاجأة الكبى‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫الطفيل بن عمرو الدوسي الداعية العملق ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫عمرو بن العاص مكسب للسلم‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫ثامة بن أثال بطل الغامرة‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫ضمام بن ثعلبة صاحب السائل العقدية ‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫عبد ال بن سلم شاهد من بن إسرائيل ‪.‬‬ ‫‪-6‬‬
‫عكرمة بن أب جهل الراكب الهاجر‪.‬‬ ‫‪-7‬‬
‫*********************************************‬
‫عمي بن وهب‬
‫أما عمي بن وهب ‪ ،‬فقد كان وثنيا مشركا ‪ ،‬ل يعرف ال ‪ ،‬بل كفر بل إله إل ال‬
‫ممد رسول ال ‪.‬‬
‫أسلم كثي من كفار قريش ‪ ،‬أما هو فأب أن يسلم ‪.‬‬
‫قتل أقاربه ف بدر ‪ ،‬فاجتمع هو وصفوان بن أمية عند البيت العتيق ‪ ،‬والرسول صلى‬
‫ال عليه وسلم ف الدينة ل يعلم عنهما شيئا ‪ ،‬لكن ال تعال يعلم ‪.‬‬
‫اجتمعوا تت اليزاب ‪،‬وتشاوروا ف مناجاة ؛ ل يسمعهم ثلث إل ال {َأَلمْ تَرَ أَنّ اللّهَ‬
‫جوَى ثَلثَةٍ ِإلّا ُه َو رَابِ ُع ُهمْ وَل َخ ْمسَةٍ ِإلّا‬
‫يَعَْلمُ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الَْأرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ َن ْ‬
‫ُهوَ سَادِ ُس ُهمْ وَل أَدْنَى مِنْ َذلِكَ وَل َأكْثَرَ ِإلّا ُهوَ مَ َعهُمْ أَْينَ مَا كَانُوا } (الجادلة‪ :‬من الية ‪. )7‬‬
‫قال عمي لصفوان ‪ :‬وددت أن أحدا يكفل أهلي ومال ‪ ،‬وأذهب إل ممد ف الدينة‬
‫فأقتله ‪.‬‬
‫فقال صفوان ‪ :‬أنا اكفل اهلك ‪ ،‬وأقوم بأطفالك ‪ :‬الدم دمي والدم هدمي ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فاكتم هذا المر ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬أكتمه‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فإن ذاهب إل ممد ‪ ،‬وأقول للنا ‪ :‬إن أريد السارى ‪ ،‬يعن ‪ :‬أرى أهل بدر ‪،‬‬
‫وكانوا سبعي اسيا ف الدينة ‪ ،‬ول تب أحدا ‪.‬‬
‫لكن علم الغيوب الذي ل يفى عليه خافية علم ‪.‬‬
‫ذهب عمي بن وهب ‪ ،‬فأخذ سيفه فسمه بالسم الزرق ‪ ،‬حت اصبح السيف ازرق‬
‫من السم ‪.‬‬
‫وخرج يضي ف الليل ‪ ،‬ووصل إل الدينة قبل الغروب ‪ ،‬فرآه عمر بن الطاب ‪،‬‬
‫وعمر قد أوت فراسة اليان ‪ ،‬يلتقط بعينه الشياطي من رؤوس اللحدة ‪.‬‬
‫فقال للصحابة ‪ :‬إن أرى الشيطان متقمصا هذا الرجل ‪ ،‬يعن ‪ :‬عمي بن وهب ‪ ،‬فأقبل‬
‫عمر منه ‪ ،‬وقال ‪ :‬إل أين يا عمي ؟‬
‫قال عمي ‪ :‬أتيت الفادى السارى من ممد ‪.‬‬
‫فمسكه بقميصه ‪ ،‬وثيابه ‪ ،‬وأخذ يقتاده إل ممد صلى ال عليه وسلم رهينة ‪.‬‬
‫السيف مع ذاك ‪ ،‬لكن ال مع عمر ‪ ،‬والوت مع ذاك ‪ .‬ولكن الق مع عمر ‪.‬‬
‫فأخذه إل الرسول صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬والرسول صلى ال عليه وسلم ل يكن عنده‬
‫سلح ‪ ،‬وعمي معه سيف مسموم ‪ ،‬ولكن ‪:‬‬
‫عناية ال أغنت عن مضاعفة *** من الدروع وعن عال من الطم‬
‫قال صلى ال عليه وسلم ‪ (( :‬يا عمي ‪ ،‬ماذا جاء بك ))؟‬
‫قال ‪ :‬أتيت من أجل قرابة ل أسرتم يوم بدر أفاديهم ‪.‬‬
‫فقال صلى ال عليه وسلم ‪ (( :‬ل ‪ ،‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬إنك جلست أنت وصفوان‬
‫بن أمية ليلة كذا ف يوم كذا تت ميزاب الكعب فقلت لصفوان ‪ :‬وددت إن اقتل ممدا لكن‬
‫أهلي وأطفال ‪ ،‬فقال لك صفوان ‪ :‬اذهب وأنا أكفيك الطفال ‪ ،‬فسممت سيفك شهرا ‪ ،‬ث‬
‫أتيت لتقتلن ‪ ،‬وما كان ال ليسلطك على ذلك ))‪.‬‬
‫فقام عمي وقال ‪ :‬اشهد أن ل إله إل ال وأنك رسول ال‪َ{ )(7‬أَفسِحْرٌ َهذَا أَمْ أَنُْتمْ ل‬
‫تُْبصِرُونَ} (الطور‪ )15:‬؟‪.‬‬
‫أكهانة هذه ‪ ،‬أم هو الق الصراح ؛ الذي أتى به الوحي مع جبيل عليه السلم‬
‫هوَى}(لنجم‪)1:‬‬ ‫جمِ إِذَا َ‬
‫{وَالّن ْ‬
‫{مَا ضَ ّل صَاحِبُ ُكمْ وَمَا َغوَى}(لنجم‪{ )2:‬وَمَا يَنْ ِطقُ عَنِ اْل َهوَى} (لنجم‪{ )3:‬إِنْ ُهوَ ِإلّا‬
‫وَحْيٌ يُوحَى } (لنجم‪)4:‬‬

‫{عَّلمَهُ َشدِي ُد الْقُوَى} (لنجم‪. )5:‬‬


‫وف قصة عمي دروس ‪:‬‬
‫وقال ابن عمر ‪ :‬كنا نتحدث أن السكينة تنل على لسان عمر ‪.‬‬

‫(‪(7‬‬
‫أنظر القصة في (( الصابة (( (‪.( 6053‬‬
‫الثان ‪ :‬علم ال وسعته {وَعِْندَهُ مَفَاتِ ُح الْغَْيبِ ل يَعَْل ُمهَا ِإلّا ُهوَ وَيَعَْلمُ مَا فِي الْبَرّ وَالَْبحْرِ‬
‫ت الَْأرْضِ وَل رَ ْطبٍ وَل يَاِبسٍ ِإلّا فِي كِتَابٍ‬
‫وَمَا َتسْ ُقطُ مِنْ َو َرقَةٍ ِإلّا يَعَْل ُمهَا وَل حَبّ ٍة فِي ظُُلمَا ِ‬
‫مُبِيٍ} (النعام‪)59:‬‬

‫الثالث ‪ :‬معجزة له صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وقد علمه ال ‪.‬‬


‫الرابع ‪ :‬أن من ادعى علم الغيب ‪ ،‬فقد كذب إل النبياء والرسل {قُلْ ل يَعَْلمُ مَنْ فِي‬
‫(النمل‪)65:‬‬ ‫سمَاوَاتِ وَالَْأ ْرضِ الْغَْيبَ ِإلّا اللّهُ وَمَا َيشْعُرُونَ أَيّانَ يُبْعَثُونَ}‬
‫ال ّ‬
‫الامس ‪ :‬فضيلة لعمي ؛ لنه عندما علم الق أذعن له وأسلم ‪ ،‬ول يكابر ‪ ،‬فأصبح‬
‫بطل من أبطال السلم ‪.‬‬

‫**************************************‬
‫الطفيل بن عمرو‬
‫أما العلم والبطل الثان فهو الطفيل بن عمرو الدوسي ‪ :‬وهو من دوس زهران ‪ ،‬من‬
‫السراة سع بالرسول صلى ال عليه وسلم ف مكة ‪ ،‬فركب جله ‪ ،‬وأخذ متاعه ‪ ،‬ولبس ثيابه‪.‬‬
‫وكان الطفيل شاعرا ميدا ‪ ،‬وخطيبا فصيحا ‪ ،‬يعرف جزل الكلم من ضعيفه ‪.‬‬
‫وصل إل مكة ‪ ،‬ولكن الدعايات الغرضة ضد الرسول صلى ال عليه وسلم تتحرك من‬
‫الشركي لتشويه سعة الصطفى صلى ال عليه وسلم بالقول الريض ‪ ،‬والتعليقات الرة ‪.‬‬
‫دخل مكة ‪ ،‬فلقيه كفار قريش ‪.‬‬
‫فقالوا ‪ :‬إل أين يا طفيل ؟‬
‫قال ‪ :‬أريد هذا الذي يزعم انه نب‬
‫قالوا ‪ :‬ما أشبه ذلك تريد ؟‬
‫قال ‪ :‬أريد أن اسع كلمه ‪ ،‬إن كان حقا اتبعته ‪ ،‬وإن كان باطل تركته ‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬إياك وإياه ‪ ،‬إنه ساحر ‪ ،‬انه شاعر ‪ ،‬انه كاهن ‪ ،‬انه منون ‪ ،‬أحذر ل تسمع‬
‫كلمه ‪.‬‬
‫قال الطفيل ‪ :‬فوال ‪ ،‬ما زالوا ب يوفونن حت أخذت القطن فوضعته ف اذن ‪.‬‬
‫لكن الق أقوى من القطن ‪ ،‬والقران ينفذ من خلل القطن إل القلب ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ودخلت الرم يوما ‪ ،‬والقطن ف أذن ل اسع شيئا ‪.‬‬
‫لكن أراد ال عز وجل أن يفتح أذنيه ؛ لن بعض الناس له أذنان وعينان وقلب ‪ ،‬لكن‬
‫كما قال سبحانه ‪َ { :‬ولَ َقدْ َذرَأْنَا ِلجَهَّنمَ كَثِيا مِنَ اْلجِنّ وَالْأِْنسِ َلهُ ْم قُلُوبٌ ل يَفْ َقهُونَ ِبهَا‬
‫سمَعُونَ ِبهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ َبلْ ُهمْ َأضَلّ أُولَئِكَ ُهمُ‬
‫َولَ ُهمْ أَعُْينٌ ل يُْبصِرُونَ ِبهَا َوَلهُمْ آذَانٌ ل َي ْ‬
‫الْغَافِلُونَ} (لعراف‪)179:‬‬

‫أتى فرأى وجه الرسول صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال ‪ :‬فلما رأيت وجهه عرفت انه‬
‫ليس بوجه كذاب ‪.‬‬
‫لو ل تكن فيه آيات مبينة *** لكن منظره ينبئك بالي‬
‫وجه الكذاب تعرفه ‪ ،‬ووجه المار تعرفه ‪ ،‬ووجه تارك الصلة تعرفه ‪ ،‬وهكذا وجه‬
‫الصلي والصادق تعرفه ‪ ،‬وأصدق الصادقي وخي الناس أجعي ‪ :‬ممد صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫قال الطفيل ‪ :‬فسمعته صلى ال عليه وسلم يقرأ ‪ ،‬لكن ل اسع ؛ لن ف أذن القطن ‪،‬‬
‫فقلت لنفسي ‪ :‬عجبا ل ‪ ،‬أنا رجل شاعر فصيح ‪ ،‬اعرف حسن الكلم من قبيحه ‪ ،‬لاذا ل‬
‫أضع القطن ‪ ،‬فإن سعت الكلم طيبا وإل تركته ؟!‬
‫فوضع القطن ‪ ،‬وهذه هي الطوة الول ‪.‬‬
‫وبدأ صلى ال عليه وسلم يقرأ آيات القرآن ‪.‬‬
‫فلما سع الكلم وقع ف قلبه ‪.‬‬
‫هل يستطيع ملحد ‪ ،‬إن كان عنده عقل أن يسمع {طه} (طـه‪{ )1:‬مَا أَنْ َزلْنَا عَلَْيكَ‬
‫خشَى} (طـه‪)3:‬‬ ‫الْقُرْآنَ لَِتشْقَى} (طـه‪ِ{ )2:‬إلّا َت ْذكِرَةً ِلمَنْ َي ْ‬
‫ول يؤمن ؟‬
‫من يستطع أن يسمع {ق وَالْقُرْآنِ اْل َمجِيدِ} (قّ‪{)1:‬بَلْ َعجِبُوا أَنْ جَاءَ ُهمْ مُْن ِذرٌ مِْن ُهمْ‬
‫فَقَالَ الْكَافِرُونَ َهذَا شَ ْيءٌ َعجِيبٌ} (قّ‪ )2:‬ول يسلم ؟‬
‫قال ‪ :‬فلما سعت الكلم ‪ ،‬تقدمت ‪ ،‬وقلت ‪ :‬عم صباحا ‪ ،‬يا أخا العرب‪.‬‬
‫هذه تية جاهلية ‪ ،‬وهي ملغاة عند ممد صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فل تقبل ‪.‬‬
‫وقد كانت تقال ف الاهلية ‪ :‬عم صباحا ‪ ،‬ولذلك يقول امرؤ القيس ‪:‬‬
‫أل عم صباحا أيها الطلل البال *** وهل يعمن من كان ف العصر الال‬
‫فقال صلى ال عليه وسلم ‪ (( :‬أبدلن ال بتحية خي من تيتك )) ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وما هي ؟‬
‫قال ‪ (( :‬أبدلن ال بتحية خي من تيتك )) ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وما هي ؟‬
‫قال ‪ (( :‬السلم عليكم ورحة ال )) ‪.‬‬
‫ما أحسن الكلم !‬
‫فقال ‪ :‬السلم عليكم ‪.‬‬
‫فرد عليه ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬من أنت ؟‬
‫قال ‪ (( :‬أنا رسول ال )) ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬من أرسلك ؟‬
‫قال ‪ (( :‬ال )) ‪.‬‬
‫فقال الطفيل ‪ :‬إل ماذا تدعو ؟‬
‫فأخبه وقرا عليه شيئا من القرآن ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬أشهد أن ل إله إل ال وأشهد أنك رسول ال ‪.)(8‬‬
‫ث قال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أنا من دوس ( هو سيد قبيلة دوس ) ‪.‬‬
‫فأمره صلى ال عليه وسلم أن يعود داعية إليهم ‪.‬‬
‫فعاد داعية إل دوس ؛ فلما وصل إليهم قال ‪ :‬هدمي من هدمكم حرام ‪ ،‬ودمي من‬
‫دمكم حرام ‪ ،‬حت تؤمنوا بال ‪ ،‬فكفروا ‪ ،‬وأعرضوا ‪ ،‬وغلبهم الزنا ‪.‬‬
‫فأتى مرة ثانية إل الرسول صلى ال عليه وسلم وقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬غلب على دوس‬
‫الزنا ‪ ،‬وكفروا بال ‪ ،‬فادع ال عليهم ‪ ،‬يا رسول ال ‪ .‬أي ‪ :‬أن يسحقهم ويطمهم ‪،‬‬
‫ويعلهم شذر مذر ‪.‬‬
‫لكن ممدا صلى ال عليه وسلم كان كما قال ال ‪َ { :‬وإِنّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم‪:‬‬
‫‪)4‬‬
‫حوْلِكَ}(آل‬
‫َ‬ ‫ظ الْقَلْبِ لَانْ َفضّوا مِنْ‬
‫ت فَظّا غَلِي َ‬‫{فَِبمَا رَ ْحمَةٍ ِمنَ اللّهِ لِنْتَ َل ُهمْ َوَلوْ كُْن َ‬
‫عمران‪ :‬من الية ‪{ )159‬لَ َقدْ جَا َء ُكمْ رَسُولٌ ِمنْ أَنْ ُفسِ ُكمْ عَزِيزٌ َعلَيْهِ مَا عَنِّتمْ حَرِيصٌ عَلَيْ ُكمْ‬
‫ي َرؤُوفٌ رَحِيمٌ} (التوبة‪)128:‬‬ ‫بِالْ ُمؤْمِنِ َ‬
‫فرفع يديه صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬يريد أن يدعو لم ‪ ،‬فظن الطفيل انه يدعو عليهم ‪.‬‬
‫فقال الطفيل ‪ :‬هلكت دوس ‪.‬‬

‫(‪(8‬‬
‫أنظر القصة في (( سيرة ابن هشام (( (‪.(1/382‬‬
‫فقال صلى ال عليه وسلم ‪ (( :‬اللهم اهد دوسا وائت بم ‪ ،‬اللهم اهد دوسا وائت بم‬
‫‪ ،‬اللهم اهد دوسا وائت بم ))‪.)(9‬‬
‫ث قال ‪ :‬يا طفيل ‪ ،‬اذهب إل دوس ‪ ،‬فادعهم إل السلم ‪ ،‬ومن أل معك ‪ ،‬فقاتل به‬
‫من كفر ‪ ،‬فذهب ‪ ،‬وطلب من الرسول صلى ال عليه وسلم أن يعل له آية ‪.‬‬
‫فسال له فوقع نور ف جبهته يضيء له ف الليل ‪.‬‬
‫أضاءت لم أحابم ووجوههم *** من الليل حت نظم الذع ثاقبه‬
‫قال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أخشى أن يقولوا ‪ :‬ف مثلة ( أي ‪ :‬مرض ) فادع ال أن يول‬
‫عن هذا النور ‪ ،‬فحوله إل العصاء ‪ ،‬فكان إذا رفع العصا أضاءت له جبال زهران ‪.‬‬
‫فلما وصلهم ‪ ،‬كانوا قد تيؤوا بدعاء الرسول صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال‪ (( :‬أدعوكم‬
‫إل ل إله إل ال ممد رسول ال )) ‪ ،‬ث أراهم الية ‪.‬‬
‫فاسلموا جيعا ودخلوا ف دين ال أفواجا ‪ ،‬فسبحان من يهدي ‪.‬‬
‫وأتى بم ‪ ،‬رضي ال عنه وأرضاه ‪ ،‬ف موكب عظيم ‪ ،‬ود‬
‫ودخل بم بعد الجرة إل الدينة ف جيش عرمرم ‪ ،‬حت ثار الغبار من رؤوسهم ‪،‬‬
‫وكلهم ف ييزان الطفيل ‪.‬‬
‫وكان من حسناته ‪ :‬أبو هريرة ‪،‬صاحب الديث ‪ ،‬وأستاذ الحدثي ف السلم ‪ ،‬وابر‬
‫حافظ ف المة الحمدية ‪ ،‬والراوية العملق ‪ ،‬رضي ال عنه و أرضاه ‪.‬‬
‫واستمر الطفيل يدعو ‪ ،‬وياهد ‪ ،‬وكان قد باع نفه من ال ‪ ،‬حت قتل ف اليمامة‬
‫طمَئِنّةُ}(الفجر‪)27:‬‬ ‫س الْمُ ْ‬
‫شهيدا {يَا أَيُّتهَا النّفْ ُ‬
‫ك رَاضِيَةً مَ ْرضِيّةً} (الفجر‪)28:‬‬
‫{ارْجِعِي ِإلَى رَبّ ِ‬
‫{فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} (الفجر‪)29:‬‬

‫{وَادْخُلِي جَنّتِي} (الفجر‪)30:‬‬

‫وف قصة إسلم الطفيل دروس ‪:‬‬


‫أولا ‪ :‬أن تية أهل السلم ‪ (( :‬السلم عليكم )) ول تستبدل بغيها ‪.‬‬

‫(‪(9‬‬
‫متفق عليه‬
‫الثان ‪ :‬أن على الداعية أن يعرض القرآن ‪ ،‬ول يستبدل به ف دعوته كلما آخر ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬أن على الداعية أل يستعجل ‪ ،‬وان يكون حليما صبورا ‪ ،‬واسع الصدر ‪ ،‬لعل‬
‫ال أن يهدي به ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬أن ال أيد رسوله صلى ال عليه وسلم بعجزات ‪.‬‬
‫الامس ‪ :‬إثبات أهل السنة للكرامات الت للولياء ‪ ،‬فإن من كرامات الولياء ‪ :‬ما‬
‫وقع للطفيل ‪.‬‬
‫السادس ‪ :‬أن من دعا إل خي ‪ ،‬وال هدى ‪ ،‬كان له من الجر مثل أجور من تبعه ‪،‬‬
‫وبالعكس ‪ :‬من دعا إل ضللة كان عليه من الوزر مثل أوزار من تبعه إل يوم القيامة‬
‫السابع ‪ :‬أن ال تعال يكرم عباده بالشهادة ‪ ،‬وقد أكرم الطفيل بذلك ‪.‬‬

‫**************************‬
‫عمرو بن العاص‬

‫أما الرجل الثالث ‪ ،‬فهو عمرو بن العاص داهية العرب ‪ :‬الذي كان إذا رآه عمر بن‬
‫الطاب ‪ ،‬قال ‪ :‬رمينا ارطبون الروم بارطبون العرب ‪.‬‬
‫كان عمرو بن العاص دقيقا قصيا ‪ ،‬لكن كله عقل وذكاء يتوقد ‪.‬‬
‫وجاء عن عمر انه كان إذا رآه يقول ‪ :‬ليس لب عبد ال أن يشي إل أميا ‪.‬‬
‫روي عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪ (( :‬بنو العاص مؤمنان عمرو وهشام ))‬
‫والديث هذا صحيح‪. )(10‬‬
‫تأخر ف السلم ‪ ،‬رضي ال عنه و أرضاه ‪ ،‬فرافقه إل الدينة عثمان بن أب شيبة ؛ من‬
‫بن عبد الدار وخالد بن الوليد ‪ ،‬فلما اقتربوا من الدينة ‪ ،‬قال عمرو لم ‪ :‬دعون حت أقدم‬
‫على الرسول صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فإن ل ذنوبا اعتذر منها ‪.‬‬
‫فتركوه ‪.‬‬
‫فاقبل عمرو ‪ ،‬فلما رآه صلى ال عليه وسلم هش وبش ف وجهه ‪ ،‬وقام له فأجلسه‬
‫بانبه ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أريد أن اسلم ابسط يدك لبايعك ‪.‬‬
‫فبسط يده صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقبض عمرو يده ‪.‬‬
‫قال صلى ال عليه وسلم ‪ (( :‬ما لك يا عمرو )) ؟‬
‫قال ‪ :‬اشترط ‪.‬‬
‫قال ‪ (( :‬ماذا تشترط )) ؟‬
‫قال ‪ :‬اشترط أن يغفر ال ل ذنب ‪.‬‬
‫قال ‪ (( :‬أما علمت يا عمرو أن السلم يهدم ما قبله وان التوبة تب ما قبلها )) ؟‬

‫(‪ (10‬صحيح ‪ ،‬رواه أحمد (‪، (327 ، 2/304‬والبخاري في (( التاريخ الكبير (( (‪ ، (6/303‬والنسائي في (( فضائل الصحابة (( (‬
‫‪ ، (195‬والحاكم (‪ ، (3/268‬والطبراني في (( الوسط (( (‪ ، (7/28‬وابن أبي عاصم في (( الحاد والمثاني (((‪ ، (2/99‬جميعا من‬
‫حديث محمد بن عمرو ‪ ،‬عن أبي سلمة ‪ ،‬عن أبي هريرة به ‪ .‬وصححه الحاكم عل شرط مسلم ‪ ،‬وأقره الذهبي ‪ ،‬وانظر (( مجمع‬
‫الزوائد (( (‪.(9/352‬‬
‫قال عمرو ‪ :‬فأسلمت ‪ ،‬فوال الذي ل إله إل هو ‪ ،‬ما كان أحد احب إل من رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وال ما ملت عين بعد السلم منه إجلل له ‪ ،‬وال لو سألتمون‬
‫الن أن أصفه ما استطعت أن أصفه‪.‬‬
‫فاسلم ‪ ،‬وأصبح من دهاة الناس ‪ ،‬عظيما من العظماء ‪ ،‬ينفع ال به هذا الدين ‪ ،‬ويقود‬
‫كتائب السلمي ‪.‬‬
‫وله مواقف مع الرسول صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫ف ترجته أن الرسول صلى ال عليه وسلم أراد أن يتألفه ف أول أيام السلم ‪ ،‬فخطب‬
‫صلى ال عليه وسلم فكان ينظر إل عمرو ول ينظر إل الناس يتألفه بالنظر ‪.‬‬
‫قال عمرو ‪ :‬فتوهت إن أفضل الناس ‪.‬‬
‫فلما انتهت الطبة قلت ‪ :‬يا رسول ال من أفضل – ظن أن الرسول صلى ال عليه‬
‫وسلم سيقول ‪ :‬عمرو بن العاص !‪..‬‬
‫قال ‪ (( :‬أبو بكر )) ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ث من ؟‬
‫قال ‪ (( :‬عمر ))‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ث عدد رجال ‪ ،‬فوددت أن الرض خسفت ب‪.)(11‬‬
‫قال عمرو ‪ :‬أرسلن صلى ال عليه وسلم ف غزوة فأتيت لتيأ ‪ ،‬وهو يتوضأ صلى ال‬
‫عليه وسلم فقلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أنا ل أريد الال أريد الهاد ف سبيل ال ‪ ،‬فتبسم صلى ال‬
‫عليه وسلم وقال ‪ (( :‬يا عمرو نعم الال الصال ف يد الرجل الصال ))‪.)(12‬‬
‫وصح انه خرج ف غزوة ‪ ،‬وكان قائدا على اب بكر وعمر ‪ ،‬وعلى أمثالما من‬
‫الصحابة ‪ ،‬فأصابته جنابة ف ليلة شاتبة ‪.‬‬
‫فترك الاء ‪ ،‬لنه ما استطاع أن يغتسل به فتيمم وصلى بم ‪.‬‬
‫فشكوه إل الرسول صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫(‪ (11‬متفق عليه ‪.‬‬
‫(‪ (12‬صحيح ‪ ،‬اخرجه الطيالي (‪ ، (1061‬وابن أبي شيبة (‪، (22182‬وأحمد (‪ ، (4/202‬والبخاري في (( الدب المفرد (( (‪، (299‬‬
‫وأبو يعلى (‪ ، (7336‬وابن حبان (‪ -3211‬إحسان ( ‪ ،‬والحاكم (‪ ، (2/2‬جميعا من حديث موسى بن علي ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عمرو بن‬
‫العاص به ‪ .‬وصححه الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي ‪ ،‬وهو كما قال ‪ ،‬فرجاله كلهم ثقات على رسم مسلم في (( صحيحه ((‪.‬‬
‫فقال صلى ال عليه وسلم ‪ (( :‬يا عمرو أصليت بأصحابك جنبا )) ؟‬
‫قال ‪ :‬يا رسول ال إن ال يقول ‪ {:‬وَل تَقْتُلُوا أَنْ ُفسَكُمْ إِنّ اللّهَ كَانَ بِ ُك ْم رَحِيما}‬
‫(النساء‪ :‬من الية ‪ )29‬يفت بي يدي الرسول صلى ال عليه وسلم ! ‪.‬‬
‫فتبسم صلى ال عليه وسلم وسكت ‪.)(13‬‬
‫والتبسم عند أهل الديث ‪ :‬إقرار ‪ ،‬فإذا تبسم صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وسكت فسكوته‬
‫‪ :‬إقرار ‪ : ،‬اقره على ما فعل ‪ ،‬رضي ال عنه وأرضاه ‪.‬‬
‫وف إسلمه دروس ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬أن التوبة تدم ما قبلها من الذنوب والطايا ‪ ،‬ولو كانت كالبال إذا كانت‬
‫صادقة نصوحا ‪ ،‬وأن السلم يهدم ما قبله من الطايا فل يعاتب العبد إذا أحسن على ما فعل‬
‫ف الاهلية ‪.‬‬
‫الثان ‪ :‬أن علي الداعية أن يتألف القلوب بنظرة أو كلمة حانية ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬البايعة باليدي ‪ ،‬وأنا سنة من سنن الرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫الرابع ‪ :‬حبه صلى ال عليه وسلم وما كان له من منلة ف قلوب الصحابة ‪.‬‬
‫الامس ‪ :‬أن الناس يوزنون بيزان قوله – سبحانه وتعال ‪{:-‬أُولَئِ َ‬
‫ك الّذِينَ نَتَقَبّلُ عَْن ُهمْ‬
‫ق الّذِي كَانُوا يُو َعدُونَ}‬
‫صدْ ِ‬
‫ب الْجَنّةِ وَ ْعدَ ال ّ‬
‫صحَا ِ‬
‫َأ ْحسَنَ مَا َعمِلُوا وَنََتجَا َوزُ عَنْ سَيّئَاِت ِه ْم فِي َأ ْ‬
‫(الحقاف‪)16:‬‬
‫السادس ‪ :‬أن النسان يقدر ببلئه ف السلم ‪.‬‬
‫السابع ‪ :‬أن الدهاء يستخدم لعلء كلمة ال ‪ ،‬ول باس به ‪ ،‬وإذا استخدم لضرار‬
‫السلمي فهو خبث ونكاية ونفاق ‪ ،‬والعياذ بال ‪.‬‬

‫***************************************‬

‫(‪(13‬‬
‫صحيح ‪ ،‬رواه أحمد (‪ ، (4/203‬وصححه اللباني في (( الرواء (( (‪.(154‬‬
‫ثامة بن أثال‬
‫أما الرجل الرابع ‪ ،‬فهو ‪ :‬ثامة بن أثال ؛ سيد بن حنفية ‪ ،‬وبنو حنيفة منهم ‪ :‬مسيلمة‬
‫الكذاب ‪ ،‬ومنهم ‪ :‬ثامة بن أثال ‪.‬‬
‫ثامة بن أثا كان يسكن ف حصن له ف ارض بن حنيفة ف ند ‪ ،‬وف ليلة من الليال‬
‫سع الرسول صلى ال عليه وسلم أن ثامة هذا يريد أن يغزو الدينة ‪.‬‬
‫فقال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فيما يروى عنه ‪ ( :‬بل أنا اغزوه إن شاء ال )) ‪.‬‬
‫أي ‪ :‬قبل أن يتحرك من هناك نرسل له من يغزوه ‪.‬‬
‫فأرسل له صلى ال عليه وسلم خالد بن الوليد ف كوكبه وف سرية ‪.‬‬
‫فأخذ خالد سيفه وخيله ‪ ،‬ومشى بالبطال إل وادي بن حنيفة ف ند ‪.‬‬
‫وف إحدى الليال قال ثامة لزوجته ‪ :‬أنا ل اخرج هذه الليلة للصيد أبدا ؛ لنه شعر‬
‫بشيء ‪.‬‬
‫لكن ال إذا أراد شيئا اته { وَمَا رَمَْيتَ إِ ْذ رَمَْيتَ َولَكِنّ اللّ َه رَمَى}(لنفال‪ :‬من الية ‪.)17‬‬
‫قال زوجته ‪ :‬ل ؟‬
‫قال ‪ :‬أتوجس ‪ ،‬أي ‪ :‬أتان خوفا ل ادري ما سببه ‪.‬‬
‫فمكث ف حصنه وقصره ‪ ،‬والبواب مغلقة عليه ‪ ،‬لكن أراد ال أن يرجه لالد‬
‫ليأسره ويذهب به إل الدينة ‪ ،‬فأرسل ال له الغزلن والظباء تلك الليلة حت كانت تنطح باب‬
‫الصن ‪.‬‬
‫فقالت زوجته وهو ف ضوء القمر ‪ :‬عجيب أمرك كل ليلة تطارد الغزلن ‪ ،‬ول‬
‫تدها ‪ ،‬واليوم أتت تناطح أبوابنا ‪ ،‬انه لن العجز أن تتركا ‪.‬‬
‫فأخذ القوس والسهم ‪ ،‬وأتى وراء الغزلن‪ ،‬ففتح الباب ففرت الغزلن قليل ‪ ،‬ففر‬
‫وراءها ‪ ،‬فدخلت حديقة ‪ ،‬فدخل وراءها ‪ ،‬فخرج ‪ ،‬فخرج من الديقة ‪.‬‬
‫فلما أصبح ف الصحراء ‪ ،‬وإذا بالد يطوقه ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬من أنت ؟‬
‫قال ‪ :‬خالد بن الوليد ‪ ،‬إن كنت ل تعرفن تعرفن الليلة ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ماذا جاء بك ؟‬
‫قال ‪ :‬سعنا انك تريد أن تغزو يثرب ‪ ،‬وقد أرسلن صلى ال عليه وسلم إليك ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬من اكلم ؟‬
‫قال كلم رسول ال ف الدينة ‪ ،‬فركب معه واتى به أسيا‬
‫مشدودا ‪ .‬والديث ف (( الصحيحي )) ‪ ،‬وقال البخاري ( باب ) ربط السي ف‬
‫السجد من حديث أب هريرة ‪.‬‬
‫فدخل خالد بذا السي وربطه ف سارية السجد لثلث مسائل ‪:‬‬
‫أولا ‪ :‬أن هذا إهانة للسي الشرك ‪.‬‬
‫الثان ‪ :‬لعله أن يرى صولة الصحابة وجولتهم‪ ،‬فياهم وقد تمعوا ف الجد ‪ ،‬وقد‬
‫اهتدوا فيهتدي ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬لعله أن يسمع الوحي والقرآن والصلة إذا صلى صلى ال عليه وسلم فيتأثر ‪.‬‬
‫فربطه ف سارية السجد ‪.‬‬
‫فأتى صلى ال عليه وسلم للصلة ‪ ،‬فقال ‪ (( :‬أسلم يا ثامة ))‪.‬‬
‫قال ثامة ‪ :‬يا ممد ‪ ،‬إن تقتلن تقتل ذا دم ‪ ،‬وإن تنعم تنعم على شاكر ‪.‬‬
‫يقول ‪ :‬إن قتلتن فإن دمي ل يضيع فأنا سيد قبيلة ‪ ،‬فورائي أبطال يأخذون بدمي ‪،‬‬
‫وإن عفوت عن وأطلقتن فسوف تد الميل عندي مفوظا ‪.‬‬
‫فتركه صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫فكان صلى ال عليه وسلم خلل ثلثة أيام كلما أتى إل الصلة قال‪((:‬يا ثامة أسلم))‬
‫فيعيد قوله ‪.‬‬
‫فقال صلى ال عليه وسلم ‪ (( :‬أطلقوه )) ‪.‬‬
‫فأطلقوه ‪ ،‬فذهب إل نلة من نل الدينة ‪ ،‬فأخذ ماء فاغتسل ث دخل السجد ‪ ،‬وقال‬
‫‪ :‬اشهد أن ل إله إل ال وانك رسول ال ‪.‬‬
‫فقال له صلى ال عليه وسلم‪ (( :‬ولاذا ل تسلم وأنت ف القيد )) ؟‬
‫قال ‪ :‬أخشى أن تتحدث العرب إن أسلمت ذل ؛ لنه سيد من السادات ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إن شئت أن امنع حنطة اليمامة عن قريش فعلت ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬امنعها عنهم ‪.‬‬
‫فذهب يعتمر ‪ ،‬فقال له كفار قريش ‪ :‬هيه ‪ ،‬يا ثامة صبأت مع ممد ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وال ‪ ،‬ل يأتيكم من اليمامة حبة حنطة ‪.‬‬
‫فقيدوه ‪ ،‬فخرج من القيد ‪ ،‬وفر إل اليمامة ‪ ،‬فضرب حظرا اقتصاديا عليهم فما‬
‫‪)(14‬‬
‫وصلتهم حبة‬
‫وف قصته دروس ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬جواز إدخال الكافر الجد للحاجة ‪.‬‬
‫الثان ‪ :‬التمهل بالكافر ثلثة أيام لعله أن يهتدي ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬التضييق على الكافر لعله أن يهتدي أو ياف ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬استخدام أهل الوجاهات وإنزالم منازلم ‪.‬‬
‫الامس ‪ :‬الغسل للكافر ‪.‬‬

‫*****************************‬

‫(‪(14‬‬
‫انظر ‪ :‬القصة في (( الصابة (( (‪ (957‬وأصلها في (( الصحيح (( بنحوها‪.‬‬
‫ضمام بن ثعلبة‬
‫وأما الرجل الامس ‪ ،‬فهو ‪ :‬ضمام بن ثعلبة ‪ :‬وحديثه ف (( الصحيحي )) ‪.‬‬
‫سع بداع للرسول صلى ال عليه وسلم يعرض السلم ‪ ،‬فاطمأن قلبه ‪ ،‬فأخذ ناقته ‪،‬‬
‫وركبها ووفد إل الرسول صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫فأتى ‪ ،‬والصحابة متمعون ف السجد مع الرسول صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬والرسول‬
‫صلى ال عليه وسلم كان من هديه أن يتكئ أحيانا على اليسرة ‪ ،‬وأحيانا على اليمنة ‪ ،‬فيأت‬
‫العراب والغريب فل يعرف الرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫فأتى هذا الرجل ‪ ،‬فعقل ناقته ف طرف السجد ‪ ،‬وجاء بعصاه يتخطى الصفوف ‪،‬‬
‫وقال ‪ :‬أين ابن عبد الطلب ؟ أي ‪ :‬ممد صلى ال عليه وسلم !!‬
‫فأتى هذا الرجل ‪ ،‬فعقل ناقته ف طرف السجد ‪ ،‬وجاء بعصاه يتخطى الصفوف ‪،‬‬
‫وقال ‪ :‬أين ابن عبد الطلب ؟ أي ‪ :‬ممد صلى ال عليه وسلم !!‬
‫وهو ابن عبد ال ‪ ،‬لكن كان جده عند العرب أشهر ؛ لنه كان سيدا مطاعا ‪.‬‬
‫ولذلك كان الرسول صلى ال عليه وسلم يقول ف حني ‪:‬‬
‫أنا النب ل كذب‬
‫أنا ابن عبد الطلب‬
‫قال للصحابة ‪ :‬أين ابن عبد الطلب ؟‬
‫قال الصحابة ‪ :‬هو ذاك الرجل البيض المهق الرتفق ‪ ( .‬المهق ‪ :‬الشوب بمرة ‪،‬‬
‫والرتفق ‪ :‬أي التكئ ) ‪.‬‬
‫فتخطى الصفوف وقال ‪ :‬يا ابن عبد الطلب ‪.‬‬
‫فقال صلى ال عليه وسلم ‪ (( :‬قد أجبتك )) ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬إن سائلك فمشدد عليك ف السالة ‪.‬‬
‫يقول بعض العلماء‪ :‬هذا أقوى ‪ ،‬أو أصعب سؤال ورد عن التوحيد ف السنة ‪.‬‬
‫قال ‪ (( :‬سلما بدا لك )) ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬من رفع الاء ؟‬
‫قال ‪ (( :‬ال ))‪.‬‬
‫قال ‪ :‬من بطن الرض ؟‬
‫قال ‪ (( :‬ال )) ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬من نصب البال ؟‬
‫قال ‪ (( :‬ال ))‪.‬‬
‫قال ‪ :‬أسالك بن رفع السماء ‪ ،‬وبط الرض ‪ ،‬ونصب البال ‪ ،‬آل أرسلك إلينا‬
‫رسول ؟‬
‫فجل صلى ال عليه وسلم من عظم السؤال ‪ ،‬وقال ‪ (( :‬اللهم نعم )) ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬أسألك بن رفع السماء ‪ ،‬وبسط الرض ‪ ،‬ونصب البال ‪ ،‬آل أمرك بأن تأمرنا‬
‫بمس صلوات ف اليوم والليلة ؟‬
‫قال ‪ (( :‬اللهم نعم )) ‪.‬‬
‫فسأله عن الصيام ‪ ،‬قم قال ‪ :‬اشهد أن ل إله إل ال وأنك رسول ال ‪ ،‬وال ل أزيد‬
‫على ذلك ول أنقص ‪ ،‬أنا ضمام بن ثعلبة أخو بن عد بن بكر ‪ ،‬ث ول ‪.‬‬
‫تعريف موجز ‪ ،‬وسؤال موجز ‪ ، ،‬وموقف موجز ‪ ،‬فما أهل السلم!‪.‬‬
‫قال صلى ال عليه وسلم ‪ (( :‬من سره أن ينر إل رجل من أهل النة فلينظر إل هذا))‬
‫وف لفظ آخر ‪ (( :‬أفلح الرجل ودخل النة إن صدق ))‪.‬‬
‫قال ابن عبا ‪ :‬ما رأينا وافدا أخي لقومه من ضمام بن ثعلبة ‪.‬‬
‫قال أنس ‪ :‬ما رأينا أعقل من ضمام بن ثعلبة ‪.‬‬
‫لنه اختصر ف السالة ‪ ،‬وسال عن مسائل عظيمة ‪.‬‬
‫وف إسلمه دروس ‪:‬‬
‫أولما ‪ :‬أل يؤخذ بفا النسان حت يبصر ويعرف بالصواب ‪.‬‬
‫الثان ‪ :‬انه ل باس أن ينادي النسان بأمه أو أم أبيه ؛ لن بعض الناس قد يغضب‬
‫عليك إذا ل تقل له ‪ :‬يا شيخ ‪ ،‬أو يا صاحب الفضيلة ‪ ،‬أو يا صاحب السعادة ‪ ،‬أو يا‬
‫صاحب الفخامة ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬أما ف حقه صلى ال عليه وسلم فالواجب أن ينادى باسم الرسالة لقوله تعال‬
‫{ل َتجْعَلُوا دُعَاءَ الرّسُولِ بَيْنَ ُكمْ كَدُعَاءِ بَ ْعضِ ُكمْ بَعْضا} (النور‪ :‬من الية ‪ )63‬فينادي بيا رسول ال‬
‫‪ ،‬أو يا نب ال‬
‫الرابع ‪ :‬جواز العرض على الشيخ والعلم ما يفعل أهل الديث ‪.‬‬
‫الامس ‪ :‬أن على العال أن يكون واسع الصدر ‪.‬‬

‫*****************************‬
‫عبدال بن سلم‬

‫وأما الرجل السادس ‪ ،‬فهو ‪ :‬عبد ال بن سلم الذي يقول ال فيه ‪{ :‬قُلْ َأرَأَيُْتمْ إِ ْن‬
‫كَانَ ِمنْ عِْندِ اللّهِ َوكَفَرْتُمْ بِهِ وَ َشهِدَ شَا ِهدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى مِثِْل ِه فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنّ اللّهَ‬
‫ل َي ْهدِي الْ َقوْمَ الظّاِلمِيَ} (الحقاف‪ )10:‬كان يهوديا فأسلم ‪ ،‬وقصة إسلمه عجيبة ‪.‬‬
‫هاجر الرسول صلى ال عليه وسلم إل الدينة ‪ ،‬فاستقبلته القلوب وحيته الرواح ‪،‬‬
‫وعانقته النفوس ‪.‬‬
‫فنل ف سوق الدينة ‪.‬‬
‫قال ابن سلم ‪ :‬انفل الناس ( أي ‪ :‬هرعوا ) إل الرسول صلى ال عليه وسلم فكنت‬
‫فيمن انفل فاجتمعت معهم ‪ ،‬فلما استبنت وجه الرسول صلى ال عليه وسلم عرفت أن‬
‫وجهه ل بوجه كذاب فاقتربت منه فإذا هو يقول ‪ (( :‬يا أيها الناس أفشوا السلم وأطعموا‬
‫الطعام وصلوا الرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا النة بسلم )) رواه الترمذي وهو‬
‫صحيح ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فلما سعت هذه الكلمات ‪ ،‬أتيت إل الرسول صلى ال عليه وسلم فقلت يا‬
‫رسول ال ‪ ،‬اشهد أن ل إله إل ال وأشهد انك رسول ال ؛ لنه كان يقرأ التوراة ويعرف‬
‫وصف الرسول صلى ال عليه وسلم فيها ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أسألك عن ثلث مسائل ل يعرفها إل نب ‪.‬‬
‫قال ‪ (( :‬ما هي ))؟‬
‫قال ‪ :‬ما هو أول طعام أهل النة ‪ ،‬وكيف يشبه الولد أمه أو أباه ‪ ،‬وما هي أول‬
‫علمات الساعة ؟‬
‫فقال لبن سلم ‪ (( :‬أما أول طعام أهل النة فزيادة كبد الوت )) ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬صدقت ‪.)(15‬‬

‫(‪(15‬‬
‫متفق عليه‬
‫قال ‪ (( :‬وأما لاذا يشبه الولد أباه أو أمه فإذا عل ماء الرجل ماء الرأة أشبه أباه‪ ،‬وإذا‬
‫عل ماء الرأة ماء الرجل أشبه أمه ))‪.‬‬
‫قال ‪ :‬صدقت ‪.‬‬
‫قال ‪ (( :‬وأما أول علمات الساعة فنار تشر الناس من الشرق إل الغرب ))‪.‬‬
‫قال ‪ :‬صدقت ‪.‬‬
‫قم شهد أن ل إله إل ال وأن الرسول رسول ال ‪ ،‬ث قال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إن اليهود‬
‫قوم بت إذا علموا إن أسلمت بتون ‪ ،‬فأدخلن ف هذه الشربة ( غرفة ) ‪ ،‬واسألم عن ‪.‬‬
‫فأدخله صلى ال عليه وسلم ف الشربة وأغلق عليه ‪ ،‬واستدعى اليهود ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫(( كيف عبد ال بن سلم فيكم )) ؟‬
‫قالوا ‪ :‬خينا وابن خينا‪ ،‬وعالنا وابن عالنا ‪ ،‬وفقيهنا وابن فقيهنا ‪.‬‬
‫قال صلى ال عليه وسلم ‪ (( :‬أرأيتم إن اسلم ))؟‬
‫قالوا ‪ :‬أعاذه ال من ذلك‬
‫فخرج ابن لم وقال ‪ :‬أشهد أن ل إله إل ال وأنك رسول ال ‪.‬‬
‫فقاموا ينفضون ثيابم ‪ ،‬ويتناخرون كالمي ‪ ،‬ويقولون ‪ :‬شرنا وابن شرنا ‪ ،‬وسيئنا‬
‫وابن سيئنا ‪ ،‬أو كما قالوا ‪.‬‬
‫فقال ال ف ذلك ‪{ :‬قُلْ َأرَأَيُْتمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِْندِ اللّهِ َوكَفَرُْتمْ ِبهِ وَ َش ِهدَ شَا ِهدٌ ِمنْ بَنِي‬
‫إِسْرائيلَ عَلَى مِثِْل ِه فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرُْتمْ إِنّ اللّهَ ل َيهْدِي الْ َقوْمَ الظّاِلمِيَ} (الحقاف‪. )10:‬‬
‫وف قصته دروس ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬أن وصفه صلى ال عليه وسلم كان موجودا ف التوراة ‪،‬كما قال تعال‬
‫جدُونَهُ مَكْتُوبا عِْندَ ُه ْم فِي الّت ْورَاةِ } (لعراف‪ :‬من الية ‪. )157‬‬
‫{ َي ِ‬
‫ثانيا ‪ :‬أن من اسلم من اليهود أو النصارى فله أجران ؛ اجر إسلمه بكتابه وبنبيه ‪ ،‬و‬
‫إسلمه بنبينا وكتابنا ‪،‬ونن نؤمن بميع الكتب الت أنزلا ال والرسل الذين أرسلهم ال جيعا‬
‫ثالثا ‪ :‬أن الشاهد إذا شهد بق ‪ ،‬ث نقضه ف ملسه ‪ ،‬ل يقبل ؛ لنه ما نقضه إل لمر‬
‫رابعا ‪ :‬البلغة الت أوتيها صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫خامسا ‪ :‬أن الرسول صلى ال عليه وسلم أطلعه ال على كثي من علم الغيب ‪ ،‬ومن‬
‫علمات الساعة ‪ ،‬فأخب الناس فأسلموا بتلك العجزات‪.‬‬

‫******************************************‬
‫ابن سعنة‬

‫أما الرجل السابع ‪ ،‬فهو ‪ :‬ابن سعنة يهودي تاجر ‪.‬‬


‫يقول ‪ :‬عرفت أوصاف الرسول صلى ال عليه وسلم إل وصفا واحدا ‪.‬‬
‫قيل ‪ :‬ما هو ؟‬
‫قال ‪ :‬وجدت مكتوبا ف التوراة انه إذا أغضب يزداد حلما صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫هاجر صلى ال عليه وسلم إل الدينة ‪ ،‬فرآه ابن سعنة هذا ‪ ،‬فرأى أوصافه الوجودة ف‬
‫التوراة كلها إل صفة واحدة ؛ انك إذا أغضبته يزداد حلما ‪.‬‬
‫فأتى إل الرسول صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬يا أبا القاسم ‪.‬‬
‫قال ‪ (( :‬نعم ))‪.‬‬
‫قال ‪ :‬أنا تاجر من تار اليهود ‪،‬وأنت تتاج مال ‪ ،‬وأنا غن ‪ ،‬فأريد أن اسلفك شيئا‬
‫من الال حت يفتح ال عليه ‪.‬‬
‫وما مرت أيام بعد أن وصل الال إل الرسول صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وإل وبذا التاجر‬
‫ف السجد قبل صلة العصر ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬يا ممد ‪ ،‬أعطن مال ‪ ،‬إنكم مطل يا بن عبد الطلب !!‬
‫يعن ‪ :‬تاطلون الناس ‪.‬‬
‫قال الرسول صلى ال عليه وسلم ‪ (( :‬أما أعطيتن الال إل أجل ))؟‬
‫قال ‪ :‬ل ‪ ،‬أعطن مال ‪ ،‬إنكم مطل يا بن عبد الطلب ‪.‬‬
‫فنظر إليه عمر بن الطاب وقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬دعن اقطع عنق الكافر ‪.‬‬
‫فقال الرسول صلى ال عليه وسلم ‪ (( :‬أحب أن تأمرن بسن الداء وتأمره بن‬
‫القتضاء ))‪.‬‬
‫ث أخذ اليهودي يرفع صوته ‪ ،‬فأخذ صلى ال عليه وسلم يتبسم ‪ ،‬وكلما رفع صوته‬
‫تبسم ‪.‬‬
‫فأخذه صلى ال عليه وسلم من يده ‪ ،‬وذهب به إل بيته ‪ ،‬فأعطاه ماله وزاده ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬اشهد أن ل إله إل ال وأنك رسول ال ‪ ،‬قرأت اوصافك فرأيتها فيك غي انك‬
‫إذا أغضبت ازددت حلما ‪ ،‬وقد رأيته اليوم ‪.)(16‬‬
‫قال صلى ال عليه وسلم ‪ (( :‬لو آمن ب عشرة من اليهود لمن ب اليهود كلهم أو‬
‫جيعهم )) ‪.)(17‬‬
‫وف قصته ‪ :‬أن الرسول صلى ال عليه وسلم كان من احلم الناس ويكفي ف ذلك قوله‬
‫خلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم‪)4:‬‬
‫تعال ‪َ { :‬وإِنّكَ لَعَلَى ُ‬

‫*******************************‬

‫(‪(16‬‬
‫انظر ‪ :‬قصة إسلمه في (( الصابة (( (‪ ، (2897‬وقد صححها الحافظ‪.‬‬
‫(‪(17‬‬
‫رواه مسلم‪.‬‬
‫عكرمة بن أب جهل‬
‫أما آخر الصحاب ‪ ،‬فهو ‪ :‬عكرمة بن أب جهل‬
‫فسبحان الذي يرج الي من اليت ‪ ،‬واليت من الي ‪ ،‬لقد كان أبوه فرعون هذه‬
‫المة ‪.‬‬
‫تأخر إسلمه حت يوم الفتح ‪.‬‬
‫كان مشركا آنذاك ‪ ،‬وقاوم مقاومة عنيفة ‪ ،‬لكن انارت مقاومته أمام خالد ‪.‬‬
‫فركب إل البحر يريد أن يرمي نفسه ف البحر ‪ ،‬ويرج إل إحدى الزر ‪ ،‬أو أن‬
‫يضيع ف العال ؛ لنه ظن أن الرسول صلى ال عليه وسلم سوف يذبه ‪.‬‬
‫فأتت امرأته إل الرسول صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وقالت ‪ :‬زوجي فر منك ‪.‬‬
‫قال ‪ (( :‬خذي له المان ))‪.‬‬
‫قيل ‪ :‬أعطاها صلى ال عليه وسلم كساء ‪ ،‬وقيل ‪ :‬عمامة ‪ ،‬وقيل ‪ :‬أعطاها قلنسوة ‪،‬‬
‫فقال ‪ (( :‬خذيها وأخبيه ))‪.‬‬
‫فأتت وإذا هو يتهيأ على البحر يريد أن يركب سفينة ‪ ،‬فأشارت إليه قائلة ‪ :‬المان ‪،‬‬
‫المان‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ل أمان ‪ ،‬ل أمان ‪.‬‬
‫قالت ‪ :‬هذه عمامة ممد صلى ال عليه وسلم وقلنسوته ‪.‬‬
‫فلما عاد ‪ ،‬ورآه صلى ال عليه وسلم مقبل مع زوجته تبسم صلى ال عليه وسلم ؛‬
‫لنه ليس من الكمة أن يقول ‪ :‬أين أنت يا فار أو يا كافر ‪.‬‬
‫ولكنه صلى ال عليه وسلم قال ‪ (( :‬مرحبا بالراكب الهاجر )) ‪ ،)(18‬أنت هاجرت إل‬
‫ال ورسوله ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬اشهد أن ل إله إل ال واشهد انك رسول ال ‪ ،‬وال يا رسول ال ‪ ،‬ل اترك‬
‫موقفا حاربت السلم فيه إل حاربت مع السلم فيه ‪ ،‬ول نفقة أنفقتها ف حرب السلم ‪،‬‬
‫إل أنفقت ضعفها ف نصرة السلم ‪.‬‬
‫(‪(18‬‬
‫رواه الترمذي (‪ ، (3736‬والحاكم (‪ (3/242‬وصححه وتعقبه الذهبي بقوله ‪ :‬لكنه منقطع ‪ ،‬وفي ثبوت الحديث بحث ‪.‬‬
‫حضر اليموك ‪ ،‬رضي ال عنه و أرضاه ‪ ،‬فانزم السلمون ف أول معركة ‪.‬‬
‫فلما رأى الزية لبس أكفانه ‪ ،‬واغتسل وتطيب ‪،‬وسل سيفه وكسر غمده على‬
‫ركبته ‪ ،‬وقال ‪ :‬يا مسلمون ‪ ،‬من يبايعن على الوت؟ من يشتري الوت اليوم ؟‬
‫فبايعه أربعمائة مقاتل ‪ ،‬فشق بم صفوف الروم كالسيل ‪ ،‬حت وصل إل وسط الروم ‪،‬‬
‫فقاتل حت صلة الظهر ‪ ،‬ث تناوشته الرماح والسيوف من كل جانب فوقع صريعا على‬
‫الرض ‪.‬‬
‫فحملوه على الكتاف حت وصل إل القائد خالد بن الوليد ‪.‬‬
‫فرآه خالد فاحتضنه ؛ لنه كان صديقا له ف الاهلية وقال ‪ :‬ماذا تريد يا عكرمة ؟‬
‫فأشار بلسانه يريد الاء ‪ ،‬لنه ل يستطيع أن يتكلم ‪ ،‬فهو ف آخر رمق الياة ‪.‬‬
‫فأتى خالد باء بارد من خيمته ‪ ،‬فاندفع نو عكرمة ليسقيه ‪ ،‬وما هي إل لظات حت‬
‫جيء بالارث بن هشام ‪ ،‬عم عكرمة ‪،‬أخو أب جهل ‪ ،‬وهو ف آخر رمق ‪ ،‬فوضع على‬
‫رجلي خالد ‪،‬فأتى بابن عكرمة ‪ ،‬وهو شهيد فوضع بانبه وجي برابع ‪.‬‬
‫فأتى خالد بالاء ليعطي عكرمة فأشار إل عمه ‪ ،‬يقول ‪ :‬اسقه قبلي { وَُيؤْثِرُونَ َعلَى‬
‫سهِمْ َوَلوْ كَانَ ِب ِهمْ َخصَاصَةٌ} (الشر‪ :‬من الية ‪. )9‬‬
‫أَنْ ُف ِ‬
‫فأعطى عمه ‪ ،‬فرفض أن يشرب قبل ابن عكرمة ‪.‬‬
‫فدفعوا الاء للشاب الصغي ‪ ،‬فرفض أن يشرب قبل الرجل الرابع ‪.‬‬
‫فحولوه إل الرابع ‪ ،‬فقال ‪ :‬ل حت يشرب عكرمة ‪.‬‬
‫فعاد إل عكرمة فوجده قد مات ‪.‬‬
‫فدفعه إل الارث بن هشام ‪ ،‬فوجده قد مات ‪.‬‬
‫فأعاده إل الثالث ‪ ،‬فوجده قد مات‬
‫فأعاده إل الرابع ‪ ،‬فوجده قد مات ‪.‬‬
‫قال أهل العلم ‪ :‬فانتحب خالد من البكاء ‪ ،‬وقال ‪ :‬اللهم اسقهم من جنتك زعم فلن‬
‫( يعن ‪ :‬أحد الكفار ) أنا ل نوت إل حبطا ( يعن ‪ :‬ل نوت إل على الفرش ) ل وال ‪ ،‬بل‬
‫نوت تت قصف السيوف وضرب الرماح ‪.‬‬
‫هذا عكرمة بن أب جهل وهو مثل للشباب السلم ‪.‬‬
‫قيل للمام أحد ‪ :‬هل يقبل الصحف ؟‬
‫قال ‪ :‬كان عكرمة يقرأ القرآن ‪ ،‬ويبكي ‪ ،‬ويقبل الصحف ‪ ،‬ويقول ‪ :‬كلم رب ‪،‬‬
‫كلم رب ‪.‬‬
‫هؤلء هم القوم الذين ل يشقى بم جليسهم ‪ ،‬وأملنا ف ال أن يمعنا بم ف النة ؛‬
‫لنرى فيها ‪ :‬عمي بن وهب ‪ ،‬والطفيل بن عمرو ‪ ،‬وعمرو بن العاص ‪ ،‬وثامة بن أثال ‪،‬‬
‫وضمام بن ثعلبة ‪ ،‬وعبد ال بن سلم ‪ ،‬وابن سعنة ‪ ،‬وعكرمة بن أب جهل ‪.‬‬
‫ومن أراد أن يتمع بم فليفعل كفعلهم ‪.‬‬
‫هم القوم إن قالوا أصابوا وإن دعوا *** أجابوا وإن أعطوا أطابوا وأجزلوا‬
‫ول يستطيع الفاعلون كفعلهـم *** وإن حاولوا ف النازلت وأجلـوا‬

‫أولئك آبائي‬
‫إنا أخبار عجيبة وجيلة ‪ ،‬يطرب لا القلب ‪ ،‬وتتشنف لا الذان ‪،‬وتثلج با الصدور ‪.‬‬
‫أخبار علمائنا الذين جعلهم ال عز وجل كأنبياء بن إسرائيل ‪ ،‬ووف أقص عليكم قصصا‬
‫عجيبا من أخبارهم ‪.‬‬
‫الول ‪ :‬تملهم الشاق ف طلب العلم‪.‬‬
‫الثان ‪ :‬زهدهم ف الدنيا وإعراضهم عنها ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬قولم كلمة الق فل يافون ف ال لومة لئم‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬بذلم العلم لطالبيه ونشرهم العرفة‪.‬‬
‫الامس ‪ :‬خشيتهم ل تعال ‪.‬‬
‫السادس ‪ :‬تواضعهم لربم تبارك وتعال ‪.‬‬
‫إن العلم اشرف مطلوب ‪ ،‬وهو يوصل صاحبه إل جنة عرضها السماوات والرض ‪،‬‬
‫أو يوصله إل نار تلظى‪.‬‬
‫فمن الناس من طلب العلم فكان حجة عليه ‪ ،‬وخيبة وندامة ‪ ،‬فكان المار يمل‬
‫حمِلُ َأسْفَارا} (المعة‪:‬‬ ‫حمَارِ َي ْ‬‫أسفارا ‪ ،‬كما قال ال عز وجل ف علماء بن إسرائيل { َكمَثَلِ اْل ِ‬
‫حمِلْ عَلَْيهِ يَ ْل َهثْ َأوْ تَتْ ُركْهُ‬‫من الية ‪ )5‬وقال عالهم الضال الجرم ‪َ { :‬فمَثَلُهُ َكمَثَ ِل الْكَ ْلبِ إِنْ َت ْ‬
‫يَ ْل َهثْ } (لعراف‪ :‬من الية ‪.)176‬‬

‫قال عبد العزيز الرجان ‪ ،‬وهو أديب عجيب ‪ ،‬وقصيدته من أحسن القصائد ‪ ،‬وقد‬
‫قال الناس ‪ :‬ما لك تعتزلنا ول تالطنا ول تذهب آل السلطي ؟ فرد عليهم بقصيدة ‪ ،‬قال ف‬
‫بعض أبياتا ‪:‬‬
‫يقولون ل فيك انقباض وإنا *** رأوا رجل عن موقف الذل أحجما‬
‫أأشقى به غرسا وأجنيه ذلـة *** إذا فاتباع الهل قد كان أحزمـا‬
‫ول ابتذل ف مطلب العلم مهجت *** لخدم من لقيت لكن لخدمــا‬

‫آل أن يقول ‪:‬‬


‫ولو أن أهل العلم صانوه صانم *** ولو عظموه ف النفوس لعظما‬
‫ولكن أهانوه فهانوا ودنســوا *** مياه بالطماع حت تهمـا‬
‫قال أهل السي ‪ :‬كان أحد العلماء السلمي طلب العلم ‪ ،‬وحفظ القرآن والديث ‪ ،‬ث‬
‫أدركه الذلن ‪ ،‬والعياذ بال ‪.‬‬
‫خرج يوما يصلي ‪ ،‬فنظر إل بيت من البيوت ف دمشق ‪ ،‬أو ف حص ‪ ،‬فرأى امرأة‬
‫أطلت عليه من البيت كشمس الضحى ‪ ،‬وكانت نصرانية كافرة ‪ ،‬فوقع عشقها ف قلبه ‪،‬‬
‫فترك السجد ‪ ،‬وعاد آل البيت ‪ ،‬فرالا ‪ ،‬فاشترطت عليه أن ل يتزوجها ‪ ،‬إل إذا ارتد عن‬
‫السلم‪.‬‬
‫ت الْوَهّابُ} (آل‬
‫ك رَ ْحمَةً إِنّكَ أَْن َ‬
‫غ قُلُوبَنَا بَ ْعدَ إِذْ َهدَيْتَنَا وَ َهبْ لَنَا مِنْ َلدُنْ َ‬
‫{رَبّنَا ل ُتزِ ْ‬
‫عمران‪)8:‬‬
‫حاول فيها ‪ ،‬فقالت ‪ :‬الهر ‪ :‬أن تترك السلم ‪ ،‬والسجد ‪ ،‬والقران ‪.‬‬
‫فتزوجها ‪ ،‬وارتد عن السلم ‪ ،‬فذهبت به إل ارض النصارى‪.‬‬
‫فمر به أحد زملئه ‪ ،‬فوجده يرعى النازير !‬
‫ض ِهمْ مِيثَاَق ُهمْ لَعَنّا ُهمْ وَجَعَلْنَا قُلُوَب ُهمْ قَاسِيَةً ُيحَ ّرفُو َن الْكَلِمَ َعنْ َموَاضِعِهِ وََنسُوا‬
‫{فَِبمَا نَ ْق ِ‬
‫َحظّا ِممّا ُذكّرُوا ِبهِ} (الائدة‪ :‬من الية ‪. )13‬‬
‫قال ‪ :‬يا فلن ‪ ،‬أين القرآن ؟ أين الديث ؟‬
‫قال ‪ :‬وال ‪ ،‬ما أصبحت أحفظ من القرآن إل آية واحدة ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ما هي ؟‬
‫‪)(19‬‬
‫قال ‪ :‬قوله سبحانه وتعال ‪{:‬رَُبمَا َيوَ ّد الّذِينَ كَفَرُوا َلوْ كَانُوا ُمسِْلمِيَ}(الجر‪)2:‬‬

‫هذا ف العلماء الخذولي ‪ ،‬أما علماؤنا فإليكم طرفا من أخبارهم ‪.‬‬


‫أما تملهم للمشاق ‪ :‬فأمر عجيب ‪ .‬وال سبحانه وتعال ذكر موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪،‬‬
‫ف القرآن ‪ ،‬واخب انه ركب البحر ف طلب العلم ‪.‬‬
‫وبوب البخاري ف كتاب العلم ( باب ) ركوب البحر ف طلب العلم ‪ ،‬وذكر قصته ‪،‬‬
‫عليه السلم ‪ ،‬عندما وقف خطيبا ف بن إسرائيل فقالوا له ‪ :‬أتعلم أحدا أعلم منك ف الرض؟‬
‫قال ‪ :‬ما اعلم أحدا اعلم من ‪.‬‬
‫فلمه ال ‪ ،‬وعاتبه ال على انه ما رد العلم إل ال ‪.‬‬
‫فقال ال له ‪:‬بل عبدنا بجمع البحرين ‪ ،‬الضر اعلم منك‪.‬‬
‫فسافر إليه ‪،‬وطلب منه الي ‪ ،‬كما قرأت ف القرآن ‪.‬‬
‫وكان صلى ال عليه وسلم يتابع قصة موسى والضر ف القرآن باشتياق ‪ ،‬فلما انتهت‬
‫القصة ‪ ،‬وقال الضر ‪ { :‬قَالَ َهذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ } (الكهف‪ :‬من الية ‪ )78‬قال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ (( :‬رحم ال موسى وددت انه صب حت يقص ال علينا من نبئهما ))‪.)(20‬‬
‫وقال البخاري ‪ :‬وسافر جابر بن عبد ال ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬شهرا كامل ف طلب‬
‫حديث واحد ‪.‬‬
‫سافر من الدينة إل الصحاب الليل عبد ال بن أنيس ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬ف مصر ‪.‬‬
‫فلما لقيه ف مصر عانقه عبدال ‪ ،‬وقال له ‪ :‬ادخل اجلس ‪ ،‬حيهل بك وسهل ‪.‬‬
‫(‪(19‬‬
‫وقد ذكر ابن الجوزي وغيره ‪ ،‬انه تاب وحسن إسلمه ‪ ،‬ثم أسلمت امرأته النصرانية‪.‬‬
‫(‪(20‬‬
‫متفق عليه ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ل ‪ ،‬أنا خرجت لوجه ال ‪ ،‬ول أفسد هجرت ‪ ،‬أريد الديث الذي سعته من‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫فأخذ الديث ‪ ،‬وهو واقف ‪ ،‬ث ركب ناقته وعاد !‬
‫أما سعيد بن السيب ‪ ،‬فيقول عن نفسه ‪ :‬وال الذي ل إله إل هو ‪ ،‬لقد كنت أسافر‬
‫ثلثة أيام بلياليهن ف طلب حديث واحد ‪.‬‬
‫ولذلك بارك ال ف علمهم‪ ،‬وبارك ف جهدهم ‪.‬‬
‫كانوا يسهرون الليال ‪ ،‬ول يكن عندهم ما عندنا من الوسائل الديثة‪.‬‬
‫فعندنا كهرباء ‪ ،‬وعندنا وسائل اتصال ‪ ،‬ومطاعم شهية ‪ ،‬ومراكب وطية ‪ ،‬وملبس‬
‫حسنة ‪.‬‬
‫ولكن قل التحصيل ‪ ،‬ونشكو حالنا آل ال الواحد الحد ‪.‬‬
‫ويذكرون عن القفال أحد علماء الشافعية انه سافر لطلب العلم ‪ ،‬وكان عمره أربعي‬
‫سنة ‪ ،‬فلما مشى ف الطريق ‪ ،‬قال له الشيطان ‪ :‬كيف تطلب العلم ف الربعي ؟‬
‫فرجع من الطريق ‪ ،‬فوجد رجل يعمل ف سانية ‪ ،‬وقد أثر البل ف الصخر‪.‬‬
‫فقال القفال ‪:‬‬
‫اطلب ول تضجر من مطلب *** فآفة الطالب أن يضجرا‬
‫أما ترى البل بطول الدى *** على صليب الصخر قد أثرا‬

‫وقيل لعامر الشعب ‪:‬ب طلبت العلم ؟‬


‫قال ‪ :‬بصب كصب المال ‪ ،‬وببكور كبكور الغراب ‪.‬‬
‫أي ‪ :‬بعد صلة الفجر مباشرة‪.‬‬
‫ودخل المام أحد أكثر من ثلثي إقليما ف طلب الديث على رجله ‪ ،‬ليس معه إل‬
‫بقشته ‪ ،‬فيها الشعي واللح‪.‬‬
‫دخل خراسان بدنا ‪ ،‬وسرقند ‪ ،‬وبارى ‪ ،‬وتركستان ‪ ،‬وطشقند ‪ ،‬والسند ‪،‬‬
‫وأطراف الند ‪ ،‬وأطراف أفغانستان ‪ ،‬على ما ينقل ف سيته ‪ ،‬ودخل مصر بأكثر مدنا ‪،‬‬
‫والعراق ‪ ،‬والجاز ‪ ،‬وذهب إل الشام ‪ ،‬ث دخل اليمن ‪ ،‬وطاف القاليم ‪.‬‬
‫حت قال بعضهم ‪ :‬لو حسبت السافات الت سارها لكانت طوفت الدنيا ‪.‬‬
‫سافر لعبد الرزاق ف اليمن ‪ ،‬ولكنه لقيه ف مكة يعتمر ‪.‬‬
‫فقال صاحبه يي بن معي ‪ :‬هيا بنا ‪ ،‬هذا عبد الرزاق قد حضر ‪ ،‬نأخذ العلم منه‬
‫ونعود ‪.‬‬
‫قال أحد ‪ :‬أنا خرجت ل ‪ ،‬و أريد أن يعود عبد الرازق إل صنعاء ؛ لذهب إليه ‪،‬‬
‫ولتكون سفرت ف سبيل ال ‪.‬‬
‫فلما عاد عبد الرزاق إل صنعاء سافر إليه المام أحد ‪.‬‬
‫فترك ‪ ،‬رحه ال ‪ ،‬لنا ( السند ) الذي لو تب بالدموع ما أنصفناه ‪.‬‬
‫أما الشافعي ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬انفق ثلثي ألف دينار ف طلب العلم ‪ ،‬وهي ميزانية هائلة ‪.‬‬
‫سكن ف بداية عهده مع أمه ‪ ،‬وكانت أمه فقية ‪،‬فدخلت به ف بيت ضيق ‪ ،‬فكان‬
‫يذهب يطلب العلم ‪ ،‬ول يد أوراقا ؛ لنا غالية الثمن ‪ ،‬ول تكن متوفرة ‪ ،‬فكان يأخذ‬
‫اللود والرقاع ‪ ،‬ويأخذ العظام ‪ ،‬ويأخذ الصخور اللساء ‪ ،‬فيكتب فيها العلم ‪ ،‬حت ضيق‬
‫على أمه السكن فقالت‪ :‬يا بن أنرج ونترك البيت لكتبك !‬
‫ث ذهب إل البادية فحفظ أشعار ثلثي شاعرا ‪ ،‬ث عاد ‪ ،‬فقال له رجل من أهل مكنة‬
‫‪ :‬إن أراك نابا فصيحا ذكيا ‪ ،‬فاذهب إل الدينة ‪ ،‬إل عالها ‪ ،‬إل مالك بن انس فاطلب منه‬
‫العلم ‪.‬‬
‫فذهب فحفظ (( الوطأ )) ف تسع ليال ‪.‬‬
‫الوطأ الجلد الكامل ‪ ،‬آثاره ‪ ،‬وأحاديثه ‪ ،‬ومرسلته ‪ ،‬ومقطوعاته ‪ ،‬وموقوفاته حفظه‬
‫ف تسع ليال ‪.‬‬
‫فلما جلس عند المام مالك ؛ ليقرأ عليه ‪ ،‬قال له المام مالك ‪ :‬إن أرى عليك نورا ‪،‬‬
‫فل تفده بالعصية ‪.‬‬
‫أما عطاء بن أب رباح فكان مول عبد ‪،‬وكلنا عبيد ال ؛ لن السلم ل يعترف‬
‫بالدماء ‪ ،‬ول بالنساب ‪ ،‬ول باللقاب ‪ ،‬ول بالسر { إِنّ َأكْرَمَ ُكمْ عِْندَ اللّهِ أَتْقَا ُكمْ }‬
‫(الجرات‪ :‬من الية ‪. )13‬‬
‫كانت سيدته امرأة من مكة ‪ ،‬فأصيب بالشلل ‪ ،‬وأصيب برض ف جسمه ‪ ،‬فتركته ‪،‬‬
‫فمكث ف الرم ثلثي سنة يطلب العلم ‪ ،‬حت برز ف العلوم ‪.‬‬
‫ثلثون نة يقول ما رفعت فراشي ف الرم ‪.‬‬
‫ثلثون سنة ليل ونارا يطلب العلم حت اصبح عال السلمي ‪.‬‬
‫أما ابن عبا ‪ ،‬فكان الول أن يقدم ف هذا الباب ‪ ،‬ولكننا نقدمه مهما تأخر لفظا ‪،‬‬
‫فإنه متقدم ف الرتبة ‪.‬‬
‫ابن عباس ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ ،‬كان يقول ‪ :‬ذللت طالبا فعززت مطلوبا‪.‬‬
‫العلم حرب للفت التعال *** كالسيل حرب للمكان العال‬
‫ما أحسن العلم إذا تواضع الرء ف طلبه ‪.‬‬
‫قالوا لبن عباس ‪ :‬كيف حصلت على العلم ؟‬
‫قال ‪ :‬كنت اخرج من الظهية ف شدة الر ‪ ،‬فاذهب إل بيوت النصار ‪ ،‬فأجد‬
‫النصاري نائما ‪ ،‬فل اطرق عليه بابه من الية ‪ ،‬فأتوسد بردت عند بيته ‪ ،‬فتلفحن الريح‬
‫بالتراب ‪ ،‬فيستيقظ النصاري ‪ ،‬فيقول ‪ :‬يا ابن عم رسول ال صلى ال عليه وسلم أل أيقظتن‬
‫أدخلك ؟‬
‫فيقول ‪ :‬أخاف أن أزعج‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فطلبت العلم هكذا ‪.‬‬
‫فأصبح عال المة ‪ ،‬رضي ال عنه وأرضاه ‪.‬‬
‫أما زهدهم ف الدنيا وإعراضهم عنها ‪:‬‬
‫فالدنيا لن يعرفها ‪ ،‬ولن يذوقها ‪ ،‬ولن يستمرئها ل تساوي شيئا ‪.‬‬
‫وأشرف ما تطلبه أنت ف الياة ‪ :‬أن تنقذ نفسك من النار{ َفمَ ْن زُحْ ِزحَ َعنِ النّارِ‬
‫وَأُدْ ِخ َل الْجَنّ َة فَ َقدْ فَازَ وَمَا اْلحَيَاةُ الدّنْيَا ِإلّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} (آل عمران‪ :‬من الية ‪. )185‬‬
‫قيل لحد العلماء ‪ :‬كيف عرفت الدنيا ؟‬
‫قال ‪ :‬دلن العلم على الزهد ف الدنيا ‪.‬‬
‫‪)(21‬‬
‫وف حديث حسن‪(( :‬أزهد ف الدنيا يبك ال وازهد فيما عند الناس يبك الناس))‬
‫وقد جاء عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪ (( :‬الدنيا ملعونة ما فيها إل كتاب ال وما‬
‫واله أو عال أو متعلم ))‪.)(22‬‬
‫وقال تعال )مَنْ كَانَ يُرِي ُد الْحَيَا َة الدّنْيَا َوزِينََتهَا ُنوَفّ ِإلَْي ِهمْ أعمالُ ْم فِيهَا وَ ُهمْ فِيهَا ل‬
‫ك الّذِينَ لَيْسَ لَ ُهمْ فِي الْآخِرَةِ ِإلّا النّارُ وَحَِبطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ‬ ‫خسُونَ) (هود‪) )15:‬أُولَئِ َ‬ ‫يُْب َ‬
‫مَا كَانُوا يَ ْعمَلُونَ) (هود‪)16:‬‬
‫وقال )اعَْلمُوا أَّنمَا اْلحَيَاةُ الدّنْيَا لَعِبٌ َوَلهْوٌ َوزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَ ُكمْ وَتَكَاثُ ٌر فِي الْأَ ْموَالِ وَالَْأوْلدِ‬
‫جبَ الْكُفّارَ نَبَاُتهُ ُثمّ َيهِي ُج فَتَرَاهُ ُمصْفَرّا ُثمّ يَكُونُ حُطَاما َوفِي الْآخِرَةِ َعذَابٌ‬ ‫كَمَثَلِ غَْيثٍ أَ ْع َ‬
‫ع الْغُرُورِ) (الديد‪)20:‬‬ ‫ضوَانٌ وَمَا الْحَيَا ُة الدّنْيَا ِإلّا مَتَا ُ‬
‫َشدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللّهِ َورِ ْ‬
‫وقال عمران بن حطان الارجي ف الدنيا ‪ ،‬وكان شاعرا ميدا على بدعته ‪:‬‬
‫أرى أشقياء الناس ل يسأمونا *** على أنم فيها عراة وجوع‬
‫أراها وإن كانت تسر فإنـها *** سحابة صيف عن قليل تقشع‬
‫لا انتصر قتيبة بن مسلم ف الشرق أت بغنائم كرؤوس البقار من الذهب والواهر‬
‫والدرر ‪.‬‬
‫فالتفت إل الغنائم وقال لصحابه ‪ :‬ما رأيكم لو عرضت هذه الموال على أحد الناس‬
‫أيردها ؟‬
‫قالوا ‪ :‬ما ترى أحدا يردها‪.‬‬
‫من الذي يرد الذهب ؟‬
‫من الذي يرفض الال ؟‬
‫قال قتيبة ‪ :‬وال ‪ ،‬لرينكم قوما من أمة ممد صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬الال عندهم مثل‬
‫التراب ‪.‬‬
‫(‪(21‬‬
‫صحيح ‪ ،‬رواه الترمذي ‪ ،‬وابن ماجه ‪ ،‬وصححه اللباني في الصحيحة (‪.(944‬‬
‫(‪(22‬‬
‫حسن ‪ ،‬رواه ابن ماجه (‪ ، (4112‬وحسنه اللباني في المشكاة (‪.(5176‬‬
‫فأرسل با إل العال الزاهد ممد بن واسع ‪ ،‬وكان معه ف اليش‪.‬‬
‫فقبلها ممد !‬
‫فلما علم قتيبة قال ‪ :‬اللهم ل تيب ظن فيه ‪.‬‬
‫فقال قتيبة لحد النود ‪ :‬تابع ابن واع ‪ ،‬وانظر أين يذهب ‪.‬‬
‫فتابعه ‪ ،‬وقد أخذ الذهب ‪ ،‬فمر به فقي من اليش ‪ ،‬وهو يسأل الناس من مال ال ‪،‬‬
‫أعطون ‪.‬‬
‫فأعطاه كل الال ‪.‬‬
‫فذهب الندي إل قتيبة فأخبه ‪.‬‬
‫فتبسم ‪ ،‬وقال ‪ :‬لقد قلت لكم‪ :‬إن هناك أناسا من أمة ممد الذهب عندهم كالتراب ‪.‬‬
‫وكان علي ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬يقول ‪ :‬لقد ارتلت الخرة مقبلة وارتلت الدنيا مدبرة‬
‫فكونوا من أبناء الخرة ‪،‬ول تكونوا من أبناء الدنيا ‪ ،‬فإن اليوم عمل ول حساب ‪ ،‬وغدا‬
‫حساب ول عمل ‪.‬‬
‫دخل قيس بن أب حازم على سليمان بن عبد اللك ؛ الليفة الموي فقال ‪ :‬السلم‬
‫عليك يا سليمان !‬
‫قال ‪ :‬الناس يقولون السلم عليك ‪ ،‬يا أمي الؤمني ‪ ،‬وأنت تقول يا سليمان ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬لن ل أبايعك باللفة ‪ ،‬فأنت بويعت باللفة على غي رضى من ‪ ،‬فكيف‬
‫اسيك أمي الؤمني ؟‬
‫قال ‪ :‬ما لنا نب الياة ونكره الوت يا قيس ؟‬
‫قال ‪ :‬لنكم عمرت حياتكم ‪ ،‬وخربتم خرتكم ‪ ،‬فأنتم تكرهون النتقال من العمار إل‬
‫الراب ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ما رأيك أن تصحبنا ‪ ،‬وأعطيك نصف ملكي ؟‬
‫قال ‪ :‬ل‪ .‬إن ال قال {وَل تَ ْركَنُوا ِإلَى الّذِينَ َظَلمُوا فَتَ َمسّ ُكمُ النّارُ} (هود‪ :‬من الية ‪. )113‬‬
‫قال ‪ :‬ونصف اللك ؟‬
‫قال ‪ :‬كم تعطين من جناح البعوضة ؟ أتعطين نصف جناح بعوضة ؟ وقد قال صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪ (( :‬لو كانت الدنيا تساوي عند ال جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة‬
‫ماء ))‪ )(23‬ث خرج وتركه ‪.‬‬
‫وكان سال بن عبد ال بن عمر بن الطاب ‪ ،‬يطوف بالبيت فمر سليمان هذا‬
‫بالوكب والوزراء والمراء ‪ ،‬فلما رآه توقف فاقترب منه ‪ ،‬وقال ‪ :‬يا سال ‪ ،‬ألك إل حاجة ؟‬
‫قال ‪ :‬يا سليمان ‪ ،‬أما تستحي من ال ؟ تعرض علي السائل ف بيت ال ‪.‬‬
‫فتره ‪ ،‬فلما خرج عرض عليه السؤال ‪ ،‬قال ‪ :‬ألك إل حاجة؟‬
‫قال ‪ :‬من حوائج الدنيا أم من حوائج الخرة ؟‬
‫قال ‪ :‬بل من حوائج الدنيا ‪ ،‬أما الخرة فل يلكها إل ال ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وال ‪ ،‬الذي ل إله إل هو ما سالت حوائج الدنيا من الذي يلكها ‪ ،‬وهو ال ‪،‬‬
‫فكيف اسألا منك؟‬
‫وهذا درس لنا ‪ :‬بان نعلم أن ما عند ال هو الباقي { مَا عِْن َدكُمْ يَنْ َفدُ وَمَا عِْندَ اللّهِ‬
‫بَاقٍ} (النحل‪ :‬من الية ‪ ، )96‬وان افضل ما يكن أن يكنه العبد ‪ ،‬هو ‪ :‬العبادة‪ ،‬والصلح‪ ،‬والعلم‬
‫النافع {فَأَمّا الزَّبدُ فََيذْ َهبُ جُفَاءً وَأَمّا مَا يَنْ َف ُع النّاسَ فَيَمْ ُكثُ فِي الَْأرْضِ} (الرعد‪ :‬من الية ‪. )17‬‬
‫ودخل الوليد بن عبد اللك الدينة فأرسل أعطيات لبعض الناس ‪ ،‬ومنهم ‪ :‬سعيد بن‬
‫السيب ‪.‬‬
‫فذهب الندي إل سعيد ‪ ،‬فوجده يصلي ركعتي ‪ ،‬فلما سلم‪ ،‬قال ‪ :‬خذ هذا العطاء ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬من هذا العطاء ؟‬
‫قال ‪ :‬من الوليد بن عبد اللك ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬يسرق أموال السلمي ‪ ،‬ويعطين العطاء ‪ ،‬وياسبن ال على عطائه ‪ ،‬ربا أراد‬
‫غيي ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ل ‪ ،‬أرادك أنت ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬اذهب إليه بالعطاء ‪ ،‬وله ‪ :‬هل يريدن أو يريد غيي ؟‬

‫(‪(23‬‬
‫صحيح ‪ ،‬رواه الترمذي ‪ ،‬وصححه اللباني في السلسلة الصحيحة (‪.(943‬‬
‫فأخذ الكي ‪،‬وذهب به ‪.‬‬
‫فأخذ سعيد بن السيب حذاءه ‪ ،‬وخرج من طرف السجد !!‬
‫وأما قولم كلمة الق ‪ :‬فانم كانوا ل يافون ف ال لومة لئم‪.‬‬
‫يقول صلى ال عليه وسلم ‪ (( :‬افضل الهاد كلمة حق عند سلطان جائر )) ‪.)(24‬‬
‫لن هذه ل يستطيع لا إل قلئل من أمثال سعيد بن جبي ‪ ،‬رحه ال ‪.‬‬
‫لقد كانت لم ‪ ،‬رحهم ال ‪ ،‬مواقف صلبة ف قول الق ‪.‬‬
‫وكيف ل يكونون كذلك ‪ ،‬وسلفهم ف ذلك عمر بن الطاب الذي اقر هذا البدأ ؟‬
‫يقف ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬على النب فيقول ‪ :‬يا أيها الناس ‪ ،‬ما رأيكم لو حدت عن‬
‫الطريق هكذا ؟‬
‫فقام أعراب عنده سيف عند سارية ف آخر السجد ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا أمي الؤمني ‪ ،‬وال‬
‫الذي ل إله إل هو ‪ ،‬لو قلت عن الطريق هذا ‪ ،‬لقلنا بالسيف هكذا ‪.‬‬
‫قال عمر ‪ :‬المد ل الذي جعل من رعيت من إذا قلت عن الطريق هكذا قال بسيفه‬
‫هكذا ‪.‬‬
‫دخل الزهري العلمة الحدث ‪ ،‬رواية (( الصحيحي )) العظيم مع كثي من العلماء‬
‫على هشام بن عبد اللك وكان هشام ناصبيا يبغض عليا ‪ ،‬رضي ال عنه ‪.‬‬
‫فقال هشام ‪ :‬يا سليمان بن يسار ( أحد العلماء ) من الذي تول كبه ؟ أي ‪ :‬ف قوله‬
‫تعال ‪{:‬وَاّلذِي َت َولّى كِبْرَهُ مِْن ُهمْ لَهُ َعذَابٌ عَظِيمٌ} (النور‪ :‬من الية ‪ )11‬ف حادثة الفك ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬عبد ال بن أب ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬كذبت ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬يا فلن ‪ ،‬من الذي تول كبه ؟‬
‫قال ‪ :‬عبد ال بن أب ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬كذبت ‪ ،‬الذي تول كبه هو علي ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬يا زهري من الذي تول كبه ‪.‬‬

‫(‪(24‬‬
‫صحيح ‪ ،‬رواه أبو داود (‪ ، (4344‬وابن ماجة (‪.(4011‬‬
‫قال ‪ :‬عبد ال بن أب ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬كذبت ‪.‬‬
‫فقام الزهري ‪ ،‬وكان جالسا قال ‪ :‬كذبت أنت وأبوك وجدك ! الذي تول كبه ‪:‬‬
‫عبد ال بن أب بن سلول ‪ ،‬حدثن بذلك عروة عن عائشة ‪ ،‬ووال لو نادى مناد من السماء‬
‫أن الكذب حلل ما كذبت‪.‬‬
‫فانتفض هشام ‪ ،‬وقال ‪ :‬لعلنا هيجنا الشيخ!‬
‫وكان عبد ال بن علي العباسي سفاكا ‪ ،‬والغا ف الدماء والموال ‪ ،‬فسال وزراءه ‪:‬‬
‫أترون أحدا يعترض على ما فعلت ؟‬
‫قالوا ‪ :‬نظن الوزاعي يعترض‬
‫فاستدعوا الوزاعي ‪.‬‬
‫قال الوزاعي ‪ :‬انتظروا قليل ‪ ،‬فلس أكفانه بعد أن اغتسل وتطيب ‪ ،‬ولبس ثيابه‬
‫والكفان من تتها ‪.‬‬
‫فدخل على عبد ال بن علي ‪.‬‬
‫قال الوزاعي ‪ :‬وال ‪ ،‬الذي نفي بيده ‪،‬لا دخلت عليه أصبح كأنه ذباب ف عين ‪،‬‬
‫وكأن أتصور عرش ال بارزا للناس ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فانعقد ف جبينه عرق ‪ ،‬وف يده خيزران ‪ ،‬وكانت السيوف قد اشرعت على‬
‫رأس الوزاعي ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬يا اوزاعي ‪ ،‬ما رأيك ف الدماء الت سفكناها ؟‬
‫قال ‪ :‬حدثنا فلن ‪ ،‬عن فلن‪ ،‬عن ابن مسعود عن النب صلى ال عليه وسلم قال‪(( :‬ل‬
‫يل دم السلم إل بإحدى ثلث ‪ :‬الثيب الزان ‪ ،‬والنفس بالنفس ‪ ،‬والتارك للجماعة ))‪.‬‬
‫فغضب وقال ‪ :‬والموال ؟‬
‫قال ‪ :‬حللا حساب ‪ ،‬وحرامها عقاب ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬اخرج‬
‫فخرجت ‪.‬‬
‫قال‪ :‬ارجع ‪.‬‬
‫فرجعت ‪ ،‬وانتظرت السيف أن يعلون ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬خذ هذه الصرة ‪ ،‬فيها فضة وذهب ‪.‬‬
‫فأخذها فوزعها على النود‪ ،‬ث خرج !‬
‫وهكذا فعل المام أحد مع العتصم‪.‬‬
‫أما بذلم للعلم ‪:‬فهي مسالة نشكو منها ‪.‬‬
‫فنحن نعيش أزمة علماء ‪ ،‬وأزمة دعاة ؛ لن منهم من يقطر العلم بقطارة ‪ ،‬ومنهم من‬
‫ينفق العلم ‪ ،‬وكأنه ينفق من جيبه ‪.‬‬
‫العلماء كثي وكثي ن ولكن الساحة تشتكي ‪ ،‬فهي تريد أن ينلوا ؛ لن الجيال‬
‫باجة لم ‪.‬‬
‫كان عروة بن الزبي يتألف الناس على الديث ‪ ،‬ويقول لطلبه ‪ :‬من يضر منكم اليوم‬
‫فله دينار ‪.‬‬
‫لاذا ؟‬
‫لنه يريد أن ينشر العلم الذي عنده ؛ لن العلم حياة ‪ ،‬والعلم إذا حبس ضاع ‪ ،‬وإذا‬
‫حب نقص فهو ‪:‬‬
‫يقول تعال ‪{:‬وَِإذْ َأ َخذَ اللّهُ مِيثَاقَ اّلذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيّنُنّهُ لِلنّاسِ وَل تَكُْتمُونَ ُه فَنََبذُوهُ‬
‫ل فَبِئْسَ مَا َيشْتَرُونَ} (آل عمران‪ )187:‬وقال سبحانه وتعال‬ ‫َورَاءَ ُظهُورِ ِهمْ وَاشْتَ َروْا ِبهِ َثمَنا قَلِي ً‬
‫س فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ‬ ‫{إِ ّن اّلذِينَ يَكُْتمُونَ مَا أَنْ َزلْنَا مِ َن الْبَيّنَاتِ وَاْل ُهدَى مِنْ بَ ْعدِ مَا بَيّنّاهُ لِلنّا ِ‬
‫يَلْعَُن ُهمُ اللّهُ وََيلْعَُنهُمُ اللّاعِنُونَ} (البقرة‪ِ{ )159:‬إلّا الّذِينَ تَابُوا وََأصَْلحُوا وَبَيّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ‬
‫عَلَ ْي ِهمْ وَأَنَا التّوّابُ الرّحِيمُ} (البقرة‪)160:‬‬

‫أما خشيتهم ل عز وجل ‪:‬‬


‫خشَى اللّهَ مِنْ عِبَادِ ِه الْعَُلمَاءُ} (فاطر‪ :‬من الية ‪. )28‬‬
‫فال يقول ف القرآن {إِّنمَا َي ْ‬
‫لنم تعرفوا على ال ‪ ،‬فهابوا ‪ ،‬وكل شيء تقرب منه تأمنه إل ال كلما اقتربت منه‬
‫خفته ‪.‬‬
‫لذلك تد الفاجر ل رهب ال ‪ ،‬فهو يضحك ‪ ،‬ويزح ويعربد بكلم سيئ ‪ ،‬ويعصي‬
‫ال ‪ ،‬ويفجر وليس بائف ‪.‬‬
‫والؤمن التقي العال بال ‪ ،‬إذا عصا معصية ‪ ،‬أو فعل فعلة ‪ ،‬استغفر واستوحش ‪ ،‬وبقي‬
‫ف اضطراب ‪ ،‬وفزع وخوف وحزن ‪ ،‬وهم وغم ‪.‬‬
‫ولذلك يقول ابن مسعود ‪ :‬إن الؤمن يرى ذنوبه كأنا جبل يريد أن يسقط عليه ‪ ،‬وإن‬
‫الفاجر يرى ذنوبه كذبا ‪ ،‬قال به هكذا فطار من على انفه ‪.‬‬
‫قال أبو وائل ‪ :‬وال ‪ ،‬لقد رأيت جفن ابن عباس من البكاء كالشراكي الباليي ‪.‬‬
‫وورد عنه انه قام ليلة ف الرم من صلة العشاء إل صلة الفجر يردد قوله سبحانه‬
‫جدْ لَهُ مِنْ دُونِ‬
‫وتعال ‪{ :‬لَيْسَ بِأَمَانِيّ ُكمْ وَل أَمَانِيّ أَ ْه ِل الْكِتَابِ مَنْ يَ ْعمَلْ سُوءا ُيجْزَ بِهِ وَل َي ِ‬
‫ولِيّا وَل َنصِيا} (النساء‪)123:‬‬ ‫اللّهِ َ‬
‫وأبو بكر لا نزلت هذه الية قال للرسول صلى ال عليه وسلم ‪ :‬كيف العمل بعد‬
‫هذه الية ؟{مَنْ يَ ْعمَلْ سُوءا ُيجْزَ} (النساء‪ :‬من الية ‪. )123‬‬
‫فقال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬غفر ال لك ‪ ،‬يا أبا بكر ‪ ،‬ألست تتم ؟ ألست تزن ؟‬
‫ألست ترض ؟‬
‫قال ‪ :‬بلى ‪ ،‬يا رسول ال‪.‬‬
‫قال ‪ (( :‬ل يصيب الؤمن من هم ول نصب ول وصب ول مرض إل كفر ال با من‬
‫خطاياه)) ‪.)(25‬‬
‫قال بعض أرباب القلوب ‪ :‬رب باك دمعت عيناه من البكاء ‪ ،‬ولكن ل ينظر إل نظر‬
‫ال إليه ‪.‬‬
‫ورب ساكت ساكن ‪ ،‬ياف من وقعات قدمه ‪ :‬أن تعطيش به ف نار جهنم‪.‬‬

‫(‪(25‬‬
‫صحيح ‪ ،‬رواه احمد ‪ ،‬وأصله في (( الصحيحين (( ‪ ،‬من حديثه ‪ ،‬رضي ال عنه ‪.‬‬
‫خشَى اللّهَ مِنْ‬
‫فليس القصد البكاء ‪ ،‬وإنا القصد ‪ :‬خشية ال الواحد الحد { إِّنمَا َي ْ‬
‫عِبَادِهِ الْعَُلمَاءُ} (فاطر‪ :‬من الية ‪. )28‬‬
‫خرج ابن البارك الزاهد العباد الشهي ‪ ،‬فمر بقصر لطاهر بن حسي ف خراسان ‪.‬‬
‫فنظر إل القصر ‪ ،‬وكان مهول ‪،‬فدمعت عيناه ‪ ،‬وقال ‪ :‬وال لقصيدة عدي بن زيد‬
‫أحب ‪ ،‬وأحسن عندي من هذا القصر ‪.‬‬
‫عدي بن زيد شاعر جاهلي يقول ‪:‬‬
‫أيها الشامت العي بالدهر *** أأنت البأ الوفور‬
‫هل رأيت النايا خلدن أمن *** ذا عليه من أين يضام مي‬
‫أين كسرى اللوك انو شروان *** أم أين قبله سابور‬
‫وأما توضعهم لربم تبارك وتعال ‪ :‬فإن اكب ميزة للعال التواضع ؛ لن العلم كالال قد‬
‫يطغى صاحبه {كَلّا إِنّ الْأِ ْنسَانَ لَيَطْغَى} (العلق‪)6:‬‬

‫{ أَمّا َمنِ اسْتَغْنَى} (عبس‪)5:‬‬

‫ولذلك تد اكب الناس كبا وعتوا ‪ :‬الثقفون بل إيان من فروخ العلمانية ‪ ،‬وفروخ‬
‫النصرانية ‪ ،‬وفروخ الاسونية ‪ ،‬وأذناب الشيوعية ‪.‬‬
‫فمن صفة العال ‪ :‬التواضع الذي يلب التبسم‪.‬‬
‫فهو يرحم الضعيف ‪ ،‬ويقف مع السكي ‪ ،‬ويقود العمى ‪ ،‬ويساعد الرملة ‪ ،‬ويدم‬
‫باهه ‪ ،‬ويقلمه ‪ ،‬وبكتبه ‪ ،‬وباله ‪ ،‬وبوقته ‪.‬‬
‫خرج ابن معود من السجد ‪ ،‬فخرج تلميذه وراءه ‪ ،‬فقال ‪ :‬عودوا إل أماكنكم ‪،‬‬
‫وال ‪ ،‬لو علمتم ما عندي من الذنوب لثوت بالتراب على رأسي ‪.‬‬
‫هذا ‪ ،‬وهو ابن مسعود صاحب قيام الليل ‪ ،‬والصحاب الشهي ‪،‬الذي يقول أحد‬
‫تلميذه ‪ :‬نت عنده ‪ ،‬فتركن ‪ ،‬ث قام يتلو القرآن كأنه نلة حت الفجر ‪.‬‬
‫يقول العلمة الندلسي يناجي ال ف الليل ببيتي فيقول ‪:‬‬
‫يا من سترت مثالب ومعايب *** وجعلت كل الناس كالخوان‬
‫وال لو علموا قبيح سريرت *** لب السال علي من يلقان‬
‫لاذا يتكب العبد ؟‬
‫لاذا ل يعود إل تاريه الظلم ؟‬
‫لاذا ل يتذكر سيئاته مع الواحد الحد؟‬
‫تيل ‪ ،‬لو كشف ال مازيك ‪ ،‬وعرضها على الناس ‪ ،‬وال ل يتجملون لك ‪ ،‬ول‬
‫يسلمون عليك ‪ ،‬ول يزورونك ‪ ،‬ول يرحبون بك ‪ ،‬ول يستقبلونك‪.‬‬
‫فكيف برب العباد الذي ير الطأ منك ليل صباح ‪ ،‬ويغفر ويعفو ويستر ؟‬
‫دخل أحدهم على ابن تيمية ‪ ،‬شيخ السلم ‪ ،‬فمدحه ‪ ،‬وقال يا ابن تيمية أنت العال‬
‫البحر ‪.‬‬
‫فغضب ابن تيمية حت احر وجهه وقال ‪:‬‬
‫أنا الكدي وابن الكدي *** وكذا كان أب وجدي‬
‫يقول أنا فقي ‪ ،‬وأب فقي ‪،‬وجدي فقي ‪.‬‬
‫وله قصيدة اسها الفقرية يشكو فيها فقره على ال ‪ ،‬يقول ‪:‬‬
‫أنا الفقي إل رب السماوات *** أنا السكي ف مموع حالت‬
‫وف الديث الصحيح ‪ (( :‬من تواضع ل رفعه ‪ ،‬ومن تكب على ال وضعه ))‪.‬‬
‫فكلما يتكب العبد يقول ال له ‪ :‬اخأ فلن تعدو قدرك ‪.‬‬
‫وكلما تواضع قال ال ‪ :‬انض فقد رفعك ال ‪.‬‬
‫إذا علم ذلك ‪ ،‬فإن من ما ييز علماء السلم علماء السنة على غيهم ‪ ،‬هو ‪ :‬التواضع‬
‫ل عز وجل {وَعِبَادُ الرّ ْحمَ ِن الّذِينَ َيمْشُونَ عَلَى الَْأرْضِ َهوْنا وَإِذَا خَاطََب ُه ُم الْجاهلو َن قَالُوا‬
‫سَلما} (الفرقان‪. )63:‬‬
‫ولو ذهبت أعدد آثارهم ‪ ،‬وحكاياتم ف التواضع لطال الجال ‪.‬‬
‫ولكن القوم فيما ظهر من أحوالم ‪ :‬قد ساروا خطى قدوتم وقدوتنا ممد صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬الذي كان يضرب به الثل ف التواضع ‪ ،‬كما علم هذا كثيا ‪ ،‬حيث كان‬
‫يركب المار ‪،‬وهو خات النبيي ‪.‬‬
‫ويشي مع الارية ‪.‬‬
‫ويقوم بأعماله النلية ‪.‬‬
‫ويساعد أهله ‪.‬‬
‫بل كان الداخل إل السجد ليسأله ‪ ،‬وهو ل يعرفه ل يستطيع أن ييزه من بي أصحابه‬
‫‪ ،‬حت يسال عنه ؛ لنه ل يتميز عليهم بثوب أو بلسة أو بغي ذلك ‪.‬‬

‫*************************************‬
‫بطل الحنة‬

‫سي الصالي مدرسة‪ ،‬أسسها القرآن ‪،‬ووعتها السنة ‪ ،‬ومعنا ف هذه الوراق ‪ :‬صال‬
‫من الصالي ‪ ،‬بل أمام الدنيا ‪ ،‬وحافظ العصر ‪ ،‬وأحفظ أمة ممد صلى ال عليه وسلم‬
‫للحديث ‪.‬‬
‫وعت الدنيا اسه ‪ ،‬وحفظت القلوب رسه ‪ ،‬فما هنالك فيما أظن مسلم يصلي خس‬
‫صلوات ف اليوم والليلة ‪ ،‬إل ويعرف هذا المام حت من أعدائه من الكفار ‪ ،‬والنافقي فأنم‬
‫يعرفونه إل قيام الساعة ‪.‬‬
‫هو المام ( أحد بن حنبل ) أمام أهل السنة ‪ ،‬الواقف يوم الحنة ‪ ،‬الزاهد فيما سوى‬
‫ال ‪ ،‬التقن للحديث ‪.‬‬
‫فمن هو المام أحد ؟ علنا نقتدي بشيء من سيته ‪ ،‬فإن ل نستطع ‪ ،‬فلنحبه ف ال ‪،‬‬
‫فإن الؤمن يشر مع من أحب ‪ ،‬والؤمن والليل على دين خليله ‪ ،‬وال عز وجل يقرن‬
‫الصناف مع أصنافهم ‪ ،‬والنواع مع أنواعهم والشباه مع أشباههم‪.‬‬
‫أحب الصالي ولست منهم *** لعلي أن أنال بم شفاعة‬
‫واره من تارته العاصي *** ولو كنا سواء ف البضاعة‬
‫ولد المام أحد ف آخر القرآن الثان ‪ ،‬وعاش ف بيت فقي ‪.‬‬
‫مات أبوه ‪ ،‬وهو طفل ‪ ،‬فكفلته أمه الزاهدة العابدة الصائمة القائمة ‪.‬‬
‫قال أحد ‪ ،‬رحه ال ‪ :‬فحفظتن أمي القرآن ‪ ،‬وعمري عشر سنوات ‪ ،‬فحفظ كتاب‬
‫ال ‪ ،‬واستوعباه ف صدره ‪ ،‬ففرت الوساوس والشياطي من صدره ‪ ،‬فأصبح عابدا ل ‪.‬‬
‫وقال أحد ‪ ،‬رحه ال ‪ :‬كانت أمي تلبسن اللباس ‪ ،‬وتوقظن وتمي ل الاء قبل صلة‬
‫الفجر ‪ ،‬وأنا ابن عشر سنوات ‪ ،‬ث كانت تتخمر وتتغطى بجابا ‪،‬وتذهب معه إل السجد ؛‬
‫لن السجد بعيد ‪ ،‬ولن الطريق مظلمة ‪.‬‬
‫فانظر إل هذه الرأة الصالة !‬
‫عاش ف هذا الو ‪ ،‬وعاش ف هذا البيت ‪،‬وكل هه ‪ :‬أن يعبد ال بكلم ال ‪ ،‬وان‬
‫يكون عبدا خالصا ل ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فأعطتن متاع السفر ‪.‬‬
‫أتدرون ماذا أعطته من الزاد وكم أعطته من اللوف ؟ وكم أعطته من الدراهم‬
‫والدناني ؟‬
‫لقد صنعت له ما يقارب عشرة من الرغفة من الشعي ‪ ،‬ووضعتها ف حقيبة من قماش‬
‫معه ‪ ،‬ووضعت معها صرة ملح!!‬
‫وقالت ‪ :‬يا بن ‪ ،‬إن ال إذا استودع شيئا ل يضيعه أبدا ‪ ،‬فأستودعك ال الذي ل‬
‫تضيع ودائعه ‪.‬‬
‫فذهب من عندها من بغداد ‪ ،‬من عاصمة الدنيا ‪ ،‬من دار السلم ‪.‬‬
‫ل ماذا ذهب ؟ اذهب للسياحة كما يفعل اللهون اللغون اللعابون ؟‬
‫أم ذهب إل التسكع كما يذهب السادرون الخمورون السكورون ؟‬
‫أم ذهب إل ضياع الوقات والتدحرج على الثلج كما يذهب الذين رفعت عنهم أقلم‬
‫التكليف ؟‬
‫ل ‪ ،‬بل ذهب ليبحث عن حديث رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫ذهب إل مكة والدينة ‪.‬‬
‫من زار بابك ل تبح جوارحه *** تروي أحاديث ما أوليت من منن‬
‫فالعي عن قرة والكف عن صلة *** والقلب عن جابر والسمع عن حسن‬

‫فذهب ‪ ،‬رحه ال ‪ ،‬وقال مضيت من بغداد على رجلي إل مكة ‪ ،‬فضعت ف الطريق‬
‫ثلث مرات ‪ ،‬فكنت كلما ضعت استغفرت ال ‪ ،‬ودعوت ال ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فوال ما انتهيت من كلمي ‪ ،‬إل وبدلن ال تعال على الطريق ‪.‬‬
‫من هو ملجأ الائفي ؟ انه ال ‪.‬‬
‫من هو منقذ العارفي ؟ انه ال ‪.‬‬
‫فكان كلما ضاع ف الصحراء ‪ ،‬التجأ إل ال فليس عنده علمات ‪ ،‬ول بوصلت ول‬
‫خطوط صحراء ‪ ،‬بل هي ارض مقفرة يضيع فيها الذكي والبليد‪.‬‬
‫فضاع المام أحد ‪ ،‬ولكن رد اتاهه إل ال (( أحفظ ال يفظ )) فلما حفظ ال‬
‫حفظه ال ف سعه وجوارحه ودينه ومستقبله وسعته إل يوم القيامة ‪.‬‬
‫وحفظ ال اسه للمليي ؛ عند مسلمي الصي واليابان والليو والعراق والزيرة‬
‫وسوريا والزائر ‪ ،‬ومسلمي أمريكا ‪ ،‬فلهم يسمعون بأحد بن حنبل ؛ لنه حفظ ال ‪.‬‬
‫ث وصل إل مكة ‪ ،‬وأخذ حديث مكة ‪ ،‬وبعدها سافر إل اليمن إل صنعاء اليمن ‪ ،‬إل‬
‫عبد الرزاق بن هام الصنعان يطلب الديث ‪ ،‬وبينما هو ف طريقه ضاع مرة رابعة ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫وانتهت نفقت من البز إما الدراهم فما كان عندي دراهم ‪ ،‬فماذا افعل ؟‬
‫قال ‪ :‬نلت إل قوم أهل مزارع ‪ ،‬يصدون ويصرمون ‪ ،‬فأجرت منهم نفسي ثلثة‬
‫أيام ‪ ،‬يا سبحان ال ! أمام الئمة الذي يفظ ألف ألف حديث ‪ ،‬كما يقول الذهب وابن‬
‫كثي ( أي ‪ :‬مليون حديث ) ويؤجر نفسه من الصادين فيحصد لم ‪.‬‬
‫ووصل بفظ ال إل صنعاء ‪ ،‬واخذ الحاديث النبوية وكتبها ‪.‬‬
‫كان يسهر الليل حت الفجر ‪،‬ويصوم النهار حت الغروب ‪.‬‬
‫يقول ابنه عبد ال ‪ :‬كان أب يصلي من غي الفرائض ف اليوم والليلة ثلثائة ركعة‪.‬‬
‫وانظروا (( تذكرة الفاظ )) للذهب ‪ ،‬و(( سي أعلم النبلء )) له و((البداية والنهاية))‬
‫لبن كثي ‪ ،‬و(( تاريخ بغداد )) ‪ ،‬و (( تاريخ دمشق )) فكلها متواترة على انه كان يصلي‬
‫من غي الفرائض ف اليوم والليلة ثلثائة ركعة ‪ ،‬وكان يسرد الصوم إل ف بعض اليام ‪.‬‬
‫ووصل إل صنعاء ‪ ،‬فقدم له جوائز من السلطان ‪،‬ومن الغنياء ‪ ،‬فرفض وأب وقال ‪:‬‬
‫اعمل بيدي ‪ ،‬فاشتغل ف بعض الصناعات ‪ ،‬فرفض وأب وقال ‪ :‬اعمل بيدي ‪ ،‬فاشتغل ف‬
‫بعض الصناعات بيده حت أعطاه ال بعض النقود ‪ ،‬ث عاد إل بغداد ‪.‬‬
‫أما علمه ‪ ،‬رحه ال ‪ ،‬فهو البحر ‪ ،‬وحدث عن البحر ول حرج ‪ (( ،‬واتقوا ال‬
‫ويعلمكم ال )) فالعلم ل بالؤسسات ‪ ،‬ول بالشهادات ‪ ،‬ول بالامعات ‪ ،‬العلم ‪:‬تقوى ال ‪،‬‬
‫ب زِدْنِي‬
‫العلم ‪:‬طلب العلم من الي القيوم الذي يقول لحمد صلى ال عليه وسلم‪َ {:‬وقُ ْل رَ ّ‬
‫عِلْما} (طـه‪ :‬من الية ‪ )114‬ويقول لسليمان {فَفَ ّهمْنَاهَا سُلَْيمَانَ} (النبياء‪ :‬من الية ‪.)79‬‬
‫فالفهم من عند ال ‪ ،‬والعلم من عند ال ‪ ،‬والفقه من عند ال ‪ ،‬والذكاء من عند ال ‪،‬‬
‫فيا من اغتر بشهادته ‪ ،‬أو بستواه ‪ ،‬أو بنصبه ‪ ،‬وال ‪ ،‬لن تنفعك عند ال جناح بعوضة ‪،‬‬
‫العلم ‪ :‬أن تتعلم وتعمل ‪ ،‬وتعلم الناس ل إل ‪ ،‬سواء عندك شهادة ‪ ،‬أو ل يكن هناك‬
‫شهادة ‪ ،‬سواء تعلمت ف مدرسة أو ل تتعلم ‪.‬‬
‫{وَاتّقُوا اللّهَ وَيُعَّلمُكُمُ اللّهُ } (البقرة‪ :‬من الية ‪ ، )282‬فعلم ال المام أحد ‪ ،‬فحفظ ألف ألف‬
‫حديث ‪ ،‬يستحضرها كما يستحضر الفاتة حت كتب (( السند)) من حفظه ف أربعي ألف‬
‫حديث ‪ ،‬فهو اكب مسند ف الدنيا ‪ ،‬وف العمورة ‪ ،‬وعلى البسيطة ‪ ،‬وبي أيدينا ‪ ،‬ولكن من‬
‫يقرأ (( السند ))؟ ومن يطالع (( السند ))؟ ومن يتفقه ف (( السند))؟ أأهل الصحف اليومية‬
‫والزعبلت وأهل اللهي واللغي ؟ إل من رحم ال ‪.‬‬
‫وأصبح مطبوعا لنا طبعة فاخرة ‪ ،‬وأصبح معروضا لنا عرضا جيدا ‪ ،‬وأصبح مققا ف‬
‫الدواليب عندنا ‪ ،‬فوضعناه ديكورا وزينة ‪.‬‬
‫فيا أمة ممد ‪ ،‬من يقرأ (( مسند )) أحد ؟ إن من يقرأه سوف يد التقوى والزهد ‪،‬‬
‫والرفعة ‪ ،‬والوف من ال خشية ال عز وجل ‪.‬‬
‫أفت المام أحد ف ستي ألف مسالة ‪ ،‬يقال ال ‪ ،‬وقال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬وذم النطق وذم الرأي ‪ ،‬وذم الفلسفة والدل ‪.‬‬
‫أما تواضعه ‪ :‬فمنقطع النظي ‪ ،‬وطالب العلم ‪ ،‬والسلم ‪ ،‬والعال والسؤول ‪ ،‬إذا ل يكن‬
‫متواضعا ل ‪ ،‬فل تنظر إليه ؛ فإن ال قد مقته من فوق سبع ساوات ‪ ،‬وقد باء بزي من ال ‪،‬‬
‫إن ل يتب ‪.‬‬
‫كان ‪ ،‬رحه ال ‪ ،‬متواضعا جد التواضع‪.‬‬
‫قال الفاظ ‪ :‬رأينا المام أحد نزل إل سوق بغداد ‪ ،‬فاشترى حزمة من الطب ‪،‬‬
‫وجعلها على كتفه ‪ ،‬فلما عرفه الناس ‪ ،‬ترك أهل التاجر متاجرهم ‪ ،‬وأهل الدكاكي‬
‫دكاكينهم ‪ ،‬وتوقف الارة ف طرقهم ‪ ،‬يسلمون عليه ‪ ،‬ويقولون ‪ :‬نمل عنك الطب ‪ ،‬فهز‬
‫يده ‪،‬واحر وجهه ‪،‬ودمعت عيناه وقال ‪ :‬نن قوم مساكي ‪ ،‬لول ستر ال لفتضحنا ‪ ،‬نن‬
‫قوم مساكي لول ستر ال لفتضحنا ‪.‬‬
‫والعجيب ف السلم‪ :‬أن العبد كلما ازداد تواضعا ل ‪ ،‬كلما زاده ال رفعة‪ ،‬وكلما‬
‫ارتفع كلما زاده ال حقارة ومهانة ‪ ،‬ومذلة جزاء وفاقا ‪.‬‬
‫أتى رجل ليمدح المام أحد ‪ ،‬فقال له المام أحد ‪ :‬أشهد ال إن أمقتك ف هذا‬
‫الكلم ‪،‬وال ‪ ،‬لو علمت ما عندي من الذنوب والطايا لثوت على رأسي بالتراب ‪ ،‬انظر‬
‫إل المام ! انظر إل العابد !‬
‫جاءه قوم فقالوا ‪ :‬يا أحد ‪ ،‬يا ابن حنبل ‪،‬إن ال قد نشر لك الثناء السن ‪ ،‬وال أنا‬
‫لنسمع الثناء عليك ف كل مكان ‪،‬حت ف الثغور مع اليش ‪،‬وهم يقاتلون العدو ‪ ،‬ويدعون‬
‫لك وقت ما يرمون بالنجنيق ‪ ،‬فدمعت عيناه ‪ ،‬وقال ‪ :‬أظن انه استدراج من ال عز وجل ‪،‬‬
‫فقيل له ‪ :‬بل هي عاجل بشرى الؤمن ‪.‬‬
‫أما زهده ف الدنيا ‪ ،‬فقد رفعه عن كثي من عاش معه ‪ ،‬وأتته الدنيا راغمة إل باب‬
‫بيته فأباها ‪.‬‬
‫طلب من أن يتول القضاء فامتنع وقال ‪ :‬إن تركتمون ‪ ،‬وإل فوال لهاجر إل مكان‬
‫ل تدون فيه أبدا ‪.‬‬
‫كان دخله ف الشهر سبعة عشر درها فيقول ‪ :‬هذه تكفينا ‪.‬‬
‫يقول أبناؤه ‪ :‬يا أبتاه‪ ،‬هذه ل تكفينا ‪.‬‬
‫فيقول ‪ :‬إنا هي أيام قلئل ‪ ،‬وطعام دون طعام ‪ ،‬ولبا دون لبا حت نلقى ال الواحد‬
‫الحد ‪.‬‬
‫يقول ابنه عبد ال ‪ :‬بقيت حذاء أب ف رجله ثانية عشر سنة ‪ ،‬كلما خرمت خصفها‬
‫بيده ‪،‬وهو إمام الدنيا ‪.‬‬
‫أرسل لا التوكل ثانية أحال من الذهب والفضة ‪ ،‬حلها الوزراء على أكتافهم مع‬
‫سرية من اليش بعد الحنة ‪ ،‬فردها ‪ ،‬وقال ‪ :‬وال ‪ ،‬ل يدخل بيت منها درها ول دينارا ‪.‬‬
‫وأما خلقه ‪ ،‬فأحسن الناس خلقا ؛ لن من يتعلم صباح مساء من القرآن ‪ ،‬ومن يلس‬
‫مع القرآن ‪ ،‬فسوف يؤثر فيه ‪ ،‬ولو طالت السنوات والعوام‪.‬‬
‫والذي ل يأخذ أخلقه من القران والسنة ‪ ،‬فمن أين يأخذ الخلق ؟ ومن أين يتعلم‬
‫الداب ؟ أمن ديكارت ‪ ،‬وكانت ‪ ،‬وغيهم من الكفرة الذين نقلوا ثقافتهم إلينا لنتعلم منهم ؟‬
‫مت كانوا أساتذة ؟ ومت كانوا معلمي ؟ بل هم أحقر الناس وأخبث الناس مع الناس ‪.‬‬
‫إنا يتعلم من وحي السماء ؛ الذي أتى به ممد صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫يقول المام أحد ‪ :‬رحم ال أم صال ( يعن ‪ :‬زوجته وقد توفيت ) صاحبتن ثلثي‬
‫سنة‪،‬وال ما اختلفت أنا وهي ف كلمة واحدة ‪.‬‬
‫زوجته ف بيته ‪ ،‬صاحبته ثلثي سنة‪ ،‬ما اختلف معها ف كلمة واحدة ‪.‬‬
‫أتاه رجل من اتباع السلطان العتصم ‪ ،‬فسب المام أحد أمام الناس ‪ ،‬وجدعه‬
‫وشتمه ‪ ،‬وأخزاه بالكلم ‪ ،‬ولكن ل بخز ‪ ،‬إن شاء ال ‪.‬‬
‫فقال الناس ‪ :‬يا أبا عبد ال ‪ ،‬يا أحد ‪ ،‬رد على هذا السفيه ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ل وال ‪ ،‬فأين القرآن إذن ؟ يقول ال عز من قائل ‪ { :‬وَإِذَا خَاطََب ُهمُ الْجاهلونَ‬
‫قَالُوا سَلما} (الفرقان‪ :‬من الية ‪ )63‬هذا هو القرآن الذي يشي على الرض ‪.‬‬
‫كان يلس للناس ‪،‬رحه ال ‪ ،‬فيتعلمون منه وينظر إليهم ويباسطهم ‪.‬‬
‫قال ابنه عبد ال ‪ :‬دخلت على أب ‪ ،‬وهو جالس ف البيت متربعا مستقبل القبلة‪،‬‬
‫ودموعه تمل على خديه ‪ ،‬فقالت ‪ :‬يا أبتاه‪ ،‬ما لك ؟‬
‫قال ‪ :‬تذكرت ف هذه الغرفة موقفي ف القب وحدي ل أنيس إل ال ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فأراك متربعا لاذا ل تتكئ وتريح نفسك ؟ ( لنه شيخ كبي ) ؟‪.‬‬
‫قال ‪ :‬استحي أن أجالس ال ‪،‬وأنا متكئ ‪ ،‬أما يقول ال ‪ :‬أنا جليس من ذكرن ‪،‬أنا‬
‫جليس من ذكرن ‪.‬‬
‫دخل عليه الديب الكبي ثعلب فقال له المام أحد ‪ :‬ماذا تفظ من الدب والشعر ؟‬
‫قال ‪ :‬أحفظ بيتي ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ما ها ؟‬
‫قال ‪ :‬قول الول ‪.‬‬
‫إذا ما خلوت الدهر يوما فل تقل *** خلوت ولكن قل على رقيب‬
‫ول تسب ال يغفل طرفــه *** ول أن ما يفى عليه يغيب‬

‫فوضع الكتاب من يده ‪ ،‬وقام وأغلق على نفسه بابا ‪ ،‬وبقي ف الغرفة ‪.‬‬
‫قال تلميذه‪ :‬وال ‪ ،‬لقد سعنا بكاءه من وراء الباب ‪،‬وهو يردد البيت ‪:‬‬
‫إذا ما خلوت الدهر يوما فل تقل *** خلوت ولكن قل علي رقيب‬
‫كانت اكب المان ف حياته أن يمل السيف ماهدا ف سبيل ال ‪.‬‬
‫نظر إل قدميه وقت الوفاة فبك ‪ ،‬وقال ‪ :‬يا ليتها جاهدت ف سبيل ال ‪.‬‬
‫لكن وال ‪ ،‬لقد جاهد جهادا من أعظم الهاد ‪ ،‬وبذلك علمه ‪ ،‬وبذل خلقه ‪ ،‬وبذل‬
‫جاهه ‪ ،‬وبذل ماله‪ ،‬وبذل كل ما يلك ف رفع ل إله إل ال فكان إمام الدنيا بق ‪.‬‬
‫قال يي بن معي ‪ :‬وال ما رأيت أحدا كأحد من حنبل ‪ ،‬وال ما أستطيع أن أكون‬
‫مثله ثلثة أيام ‪.‬‬
‫وقال المام الشافعي ‪ ،‬رحه ال ‪ :‬خرجت من بغداد وسكانا ألف ألف ( يعن‪:‬‬
‫مليون) فوال ‪ ،‬ما خلفت رجل أتقى ل ‪ ،‬وأعلم بال ‪ ،‬وازهد ل وأورع عن حرمات ال ‪،‬‬
‫ول أحب من المام أحد بن حنبل ‪.‬‬
‫رحم ال المام أحد بن حنبل وأسكنه فسيح جناته وحشرنا ف زمرته ‪.‬‬

‫* فتنة خلق القرآن ‪:‬‬


‫سبَ النّاسُ أَنْ يُْت َركُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنّا وَ ُهمْ ل يُفْتَنُونَ (‪َ )2‬ولَ َقدْ فَتَنّا‬ ‫يقول سبحانه وتعال {َأ َح ِ‬
‫اّلذِينَ مِ ْن قَبِْل ِه ْم فَلَيَعَْلمَنّ اللّ ُه الّذِينَ صَ َدقُوا َولَيَعَْلمَ ّن الْكَاذِبِيَ}(العنكبوت‪. )3 - 2:‬‬
‫ويقول عز من قائل ‪َ { :‬ولَنَبُْلوَنّ ُكمْ حَتّى نَعَْل َم الْ ُمجَا ِهدِينَ مِنْ ُكمْ وَالصّابِرِينَ وَنَبُْلوَ‬
‫كمْ} (ممد‪)31:‬‬ ‫أخبار ُ‬
‫لا قرأ الفضيل بن عياض ‪ ،‬رحه ال ‪ ،‬هذه الية بكى ‪،‬وقال اللهم ل تبلونا‬
‫فتفضحنا ‪ ،‬فنحن ف ستر ال ‪ ،‬نال ال أن ل يفضحنا ‪ ،‬وأن ل يفتنا ‪ ،‬وأن يعلنا ف عافية‬
‫وستر حت نلقاه ‪.‬‬
‫لكن للفتنة نتائج طيبة ‪،‬يعلها ال للصابرين ‪ ،‬قال سبحانه وتعال ‪{ :‬وَجَعَلْنَا مِْن ُهمْ أَِئمّةً‬
‫َي ْهدُونَ بِأَمْرِنَا َلمّا صَبَرُوا َوكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} (السجدة‪)24:‬‬

‫فالحنة والفتنة الت ترعض لا المام أحد رواها أهل التاريخ جيعا ‪ ،‬وسعت با الدنيا‬
‫شرقا وغربا ‪ ،‬وشال وجنوبا ‪ ،‬إل قيام الساعة ‪ ،‬هي ‪ :‬منة خلق القرآن ‪ ،‬أو الفتنة الت أورثها‬
‫الأمون ف المة والقول بلق القرآن ‪ ،‬واختصارا لتعريف هذه الحنة ‪ ،‬فهي ‪:‬‬
‫أن الأمون كان مشوبا برأي منطقي معتزل ‪.‬‬
‫يقول ابن تيمية ‪ :‬رحه ال ‪ :‬إن ال ل يغفل عن الأمون لا أدخله من علم النطق عند‬
‫السلمي ‪.‬‬
‫والأمون الليفة العباسي ابن هارون الرشيد ‪ ،‬قال ‪ :‬بان القرآن ملوق ‪ ،‬وكذب على‬
‫ال ‪ ،‬فالقران كلم ال عز وجل ‪ ،‬وال يتكلم با شاء مت يشاء ‪ ،‬ل يزل متكلما سبحانه‬
‫وتعال ‪ ،‬يقول عز من قائل ‪ {:‬أَل لَ ُه اْلخَلْقُ وَالْأَمْرُ } (لعراف‪ :‬من الية ‪ )54‬فالمر هنا القرآن ‪.‬‬
‫فقال هذا الليفة ‪ :‬بان القرآن ملوق ‪ ،‬واستخدم السيف ليثبت هذه القضية ف المة ‪،‬‬
‫وقتل ما يقارب ألفا من العلماء الكبار من علماء المة ‪ .‬من زملء المام أحد ‪ ،‬ومل‬
‫السجون بكافة العلماء ‪ ،‬فبعضهم أجاب خوفا من السيف ‪ ،‬وبعضهم رفض وقال ‪ :‬ل أجيب‬
‫فقتل ف الال ‪ ،‬ومنع التدريس ف الساجد ‪ ،‬ومنعت الطابة إل للمعتزلة ‪ ،‬وانتشر الشر‬
‫الكثي ‪ ،‬فنصر ال السلم بالمام أحد بن حنبل ‪،‬الذي وقف وحده ‪ ،‬وقال ‪ :‬ل وال ‪،‬‬
‫القرآن كلم ال ‪ .‬فطلبه الليفة ‪.‬‬
‫قال المام أحد ‪ :‬أخت من بيت وسط الليل ‪ ،‬وأنا أصلي فوضع الديد ف يدي ‪ ،‬وف‬
‫رجلي ‪ ،‬حت أن الديد أثقل من جسمي ‪ ،‬ووضعت على فرس ‪ ،‬فكدت اسقط ثلث مرات‬
‫كل مرة أقول ‪ :‬اللهم أحفظن‪ ،‬فكان يردن ال حت أتساوى على الفرص (( أحفظ ال‬
‫يفظك )) ‪ ،‬وكان الندي الذي معه يضرب الفرس لعل المام أحد يسقط على وجهه ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فلما أدخلت السجن سحبت على وجهي ‪ ،‬فنلت فكنت استغفر ال ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫فل أدري أين القبلة ‪ ،‬ول ادري أين أنا ف ظلم ‪ ،‬وف وحشة ل يعلمها إل ال ‪ ،‬فكنت أقول‬
‫‪ :‬حسب ال ل إله إل هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فمددت يدي ‪ ،‬فإذا باء بارد ‪،‬فتوضأت منه ‪ ،‬وقمت أصلي إل الفجر ‪ ،‬انظر‬
‫إل حفظ ال حت ف الساعات الرجة ‪ ،‬ل ينسى ربه تبارك وتعال لنه العون ‪.‬‬
‫فالزم يد ببل ال معتصمـــــا *** فإنه الركن إن خانت أركان‬

‫قال ‪ :‬فلما أصبح الصباح حلت على الفرس ثانية ‪ ،‬وما طعمت طعاما ‪ ،‬وكدت اسقط من‬
‫الوع ‪ ،‬فأدخلت على العتصم الليفة الثان ‪ ،‬الليفة العكسري ‪ ،‬صاحب عمورية ‪ ،‬فلما‬
‫دخلت عليه هز السيف ف وجهي ‪ ،‬وقال‪ :‬يا أحد ‪ ،‬وال ‪،‬إن احبك كابن هارون فل‬
‫تعرض من دمك لنا ‪.‬‬
‫فقال المام أحد ‪ :‬ائتون بكتاب ال ‪ ،‬أو بسنة رسوله صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فدعي‬
‫باللدين ‪ ،‬ودعي ببار من البابرة ‪ ،‬وقال له ‪ :‬اضرب هذا الرجل ‪ ،‬يعن ‪ :‬المام أحد ‪،‬‬
‫فجلده مائة وستي سوطا ‪،‬حت غشي عليه ث استفاق ‪.‬‬
‫فكان يقول ‪ :‬ل إله إل ال ‪ ،‬حسب ال ونعم الوكيل لنا أطول كلمات ‪ ،‬ولنا قوة‬
‫هائلة ‪ ،‬ولنا قوة فتاكة { َحسْبُنَا اللّهُ وَنِ ْعمَ اْلوَكِيلُ} (آل عمران‪ :‬من الية ‪. )173‬‬
‫يقول ابن عباس ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ :‬قالا إبراهيم فنجاه ال من النار ‪ ،‬وقالا ممد‬
‫فنجاه ال من كيد الكفار صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫ورفض أن ييب حت تزق ظهره من كثرة اللد ‪ ،‬فرفع على الفرس وأعيد ‪.‬‬
‫وبقي ف السجن ثانية وعشرين شهرا سرد الصيام ف هذه الفترة ‪ ،‬كما قال ابنه عبد‬
‫ال فما افطر يوما واحدا ‪.‬‬
‫ث ف الخي عرض على السيف ‪ ،‬ورفض فلما أعجزهم ‪ ،‬وأكلهم وأملهم أعادوه إل‬
‫بيته ‪ ،‬فأنزلوه ‪ ،‬وهو جريح ‪.‬‬
‫يقول ابنه عبد ال ‪ :‬دخل أبونا علينا ف الليل بعد ما أطلق من السجن ‪ ،‬قال ‪ :‬فأنزلناه‬
‫من على الفرس فوقع من التعب ‪،‬ومن العياء ‪ ،‬ومن الضعف والزال ‪ ،‬والرض على وجهه‬
‫فبقي أياما ‪ ،‬ث تول اللفة التوكل ‪ ،‬فنصر السنة‪ ،‬وأتى بالال والذهب إل المام أحد ‪،‬‬
‫فبكى المام أحد ‪ ،‬وقال ‪ :‬وال ‪ ،‬إن أخاف من فتنة النعمة أكثر من فتنة الصيبة‬
‫والحنة‪،‬فرفض ‪ ،‬وما أخذ شيئا وبقي على هذا الال ‪.‬‬
‫وكان يقول ‪ :‬يا ليتن ما عرفت الشهرة‪ ،‬يا ليتن ف شعب من شعاب مكة ما عرفن‬
‫الناس ‪.‬‬
‫فلما أراد ال أن يرفع ذكره قبضه إليه ف يوم من اسعد اليام مرض تسعة أيام ‪،‬ومص‬
‫ال ما بقي عليه من خطايا ومن ذنوب ومن سيئات ‪ ،‬ل يلو عنها البشر ف هذه التسعة اليام‬
‫‪ ،‬وف اليوم الخي سع الليفة انه مريض ‪ ،‬فأمرر الناس بزيارته ‪،‬فانقلبت بغداد العاصمة؛‬
‫عاصمة الدنيا ‪ ،‬دار السلم ‪،‬ظهرا وبطن متجه طوابي ‪ ،‬وف كتائب إل بيت المام أحد ؛‬
‫لتزوره ف اليوم الخي ‪.‬‬
‫فقال أبناؤه ‪ :‬وال ‪ ،‬لقد أغلقت التاجر حول بيوتنا ‪ ،‬ولقد وقف الباعة من كثرة الناس‬
‫‪ ،‬فرفض المام أحد أن يدخل عليه إل الصبيان ‪ ،‬والساكي ‪ ،‬فأدخلوا الطفال عليه ‪ ،‬فأخذ‬
‫يبكي ويقبلهم ‪ ،‬ويسح على رؤوسهم ‪ ،‬ويدعو لم ‪ ،‬ث ادخل عليه الفقراء‪ ،‬فأخذ ينظر إليهم‬
‫‪ ،‬ويقول ‪ :‬اصبوا فإنا أيام قلئل ‪ ،‬لباس دون لباس ‪ ،‬وطعام دون طعام حت نلقى ال ‪.‬‬
‫وف سكرات الوت التفت إل طرفه بيته ‪ ،‬وال طرف غرفته ‪ ،‬وقال ‪ :‬ل بعد ‪ ،‬ل‬
‫بعد ‪ ،‬ل بعد ‪.‬‬
‫فقالوا ‪ :‬ما لك ؟‬
‫قال ‪ :‬تصور ل الشيطان ‪ ،‬ورأيته يعض على إصبعه ‪.‬‬
‫ويقول ‪ :‬فتن يا أحد ‪ ،‬فتن يا أحد ‪ ،‬يعن ‪ :‬هربت من ‪ ،‬فقد فتنت الناس إل أنت ‪،‬‬
‫فيقول المام أحد ‪ :‬ل بعد ‪ ،‬يعن ‪ :‬انتظر فإن أخاف على نفسي ‪ ،‬فقبضه ال عز وجل ‪.‬‬
‫وكانت آخر كلماته ‪ :‬اللهم اعف عن من ظلمن ‪ ،‬اللهم اعف عن من شتمن ‪،‬اللهم سامح‬
‫من ضربن ‪ ،‬اللهم سامح من سجنن ‪ ،‬إل صاحب بدعة يكيد با دينك ‪ ،‬فل تسامه ‪،‬‬
‫وقبضت روحه ‪ ،‬رضي ال عنه وأرضاه ‪.‬‬
‫كذا فليجل الطب وليفدح المر *** فليس لعي ل يفض ماؤها عذر‬

‫فأمر التوكل أن يشعوا النازة ‪ ،‬ففتحت الثكنات العسكرية ليش الليفة ‪ ،‬وبقي‬
‫الناس يتوضؤون من الضحى إل صلة العصر ‪ ،‬وحلت النازة ‪ ،‬وارتفعت ف الصباح من بيته‬
‫‪ ،‬ووصلت إل مصلها قريبا من ضاحية بغداد ف العصر من كثرة الزحام ‪.‬‬
‫شيعه كما يقول أهل العلم ‪ :‬مليون وثلثائة ألف كما أثبتت ذلك التواريخ ‪ ،‬وتوقف‬
‫اليهود والنصارى من بيعهم ذاك اليوم ‪ ،‬وهبت ريح على بغداد ‪ ،‬حت قال بعض الهلة ‪:‬‬
‫قامت القيامة ‪ ،‬وخرج اليش ‪ ،‬وقوامه ‪ :‬تسعون ألفا ف مقدمة الناس ‪ ،‬يرتبون الصفوف ‪،‬‬
‫وترددت بغداد بالبكاء من أولا لخرها ‪ ،‬ووصلت جنازته حت قال بعض أهل التاريخ ‪:‬‬
‫كانت تذهب النازة على رؤوس الناس تمل بالصابع ‪ ،‬وتعود إل الؤخرة ‪ ،‬وتذهب‬
‫وتأت ‪ ،‬فمل وضعت ارتفع البكاء ‪ ،‬وقام الناس يصلون عليها {يَا أَيُّتهَا النّفْسُ اْلمُ ْطمَئِنّةُ}‬
‫ك رَاضِيَةً مَ ْرضِيّةً (‪ )28‬فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} (الفجر‪- 28:‬‬ ‫(الفجر‪{ )27:‬ارْجِعِي ِإلَى رَبّ ِ‬
‫‪{)29‬وَادْخُلِي جَنّتِي} (الفجر‪. )30:‬‬

‫دفن ‪ ،‬لكن ما دفن علمه ‪ ،‬ول تواضعه ‪ ،‬ول زهده ‪ ،‬ول ذكره السن ؛ فقد ابقى ال‬
‫له ذكرا إل قيام الساعة ‪.‬‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬رآه أحد الصالي ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما فعل ال بك ؟ قال ‪ :‬نادان ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا‬
‫عبد ال ‪ ،‬الق باب عبد ال وأب عبد ال وأب عبد ال ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬من هم ؟‬
‫قال ‪ :‬الشافعي ‪ ،‬وسفيان الثوري ‪ ،‬والمام مال ‪{ .‬أُولَئِكَ اّلذِينَ نَتَقَبّلُ عَْن ُهمْ َأ ْحسَنَ مَا‬
‫عدُونَ} (الحقاف‪:‬‬ ‫ق الّذِي كَانُوا يُو َ‬ ‫صدْ ِ‬
‫صحَابِ اْلجَنّةِ وَ ْعدَ ال ّ‬
‫َعمِلُوا وَنََتجَا َوزُ َعنْ سَيّئَاِت ِه ْم فِي َأ ْ‬
‫‪)16‬‬
‫دروس من سية المام أحد ‪:‬‬
‫الدرس الول ‪ :‬من سريته ‪ ،‬رحه ال ‪ ،‬أن الرفعة من الواحد الحد وان من يفظ ال‬
‫يفظه ‪.‬‬
‫الدرس الثان ‪ :‬أن الدنيا ل تساوي جناح بعوضة وقد خلقها وما التفت إليها منذ‬
‫خلقها ‪.‬‬
‫الدرس الثالث ‪ :‬أن العلم النافع ‪ :‬العلم الصحيح ‪ ،‬العلم القوي ‪ ،‬كتاب ال وسنة‬
‫رسوله صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫الدرس الرابع ‪ :‬أن من أراد الرفعة ‪ ،‬ومن أراد النلة ‪ ،‬ومن أراد الكانة عند ال ‪،‬‬
‫فعليه أن يتواضع ‪ ،‬وعليه أن ينل نفسه ‪ ،‬وعليه أن يلغي اعتباراته ليفعه ال ‪.‬‬
‫الدرس الامس ‪ :‬انك كلما سجدت ل سجدة ‪ ،‬رفعك با درجة ‪ ،‬وهذا المام‬
‫يصلي ل كل يوم ثلثائة ركعة ؛ لن كل سجدة بدرجة عند الواحد الحد ‪.‬‬
‫الدرس السادس ‪ :‬أن ف سي هؤلء زكاة للقلب ‪ ،‬وتربية للروح وهداية إل الواحد‬
‫الحد ‪ ،‬فطالعوا أخبارهم ‪ ،‬وتلمحوا سيهم‪ ،‬وكونوا متشبهي بم ‪ ،‬لعل ال أن يهدينا‬
‫وإياكم سواء السبيل ‪.‬‬

‫*****************************‬
‫حياة شيخ السلم‬
‫ابن تيمية‬

‫هو إمام عملق ‪ ،‬وجهبذ قدير ف هذا الدين ‪.‬‬


‫وهو مدد من الجددين ‪ ،‬وزاهد من الزاهدين ‪ ،‬وعابد من العابدين ‪ ،‬وعال من‬
‫العاملي بعلمهم ‪.‬‬
‫هو ‪ ..‬ابن تيمية ‪.‬‬
‫اسه ‪ :‬أحد بن عبد السلم ابن تيمية الران ‪ ،‬ولد سنة ‪ 666‬هـ ‪ ،‬وتوف سنة‬
‫‪728‬هـ ‪ ،‬ولكن قبل أن نبدأ ف ترجة الرجل ‪ ،‬ل بد أن أبي لكم عناصر ل بد أن‬
‫تعرفوها‪:‬‬
‫العلماء هم الدعاة ‪ ،‬والدعاة هم العلماء ‪ ،‬فل دعوة إل بعلم ‪،‬ول علم إل بدعوة ‪.‬‬
‫قال ال تعال لئما بن إسرائيل ‪ ،‬لا توقف علماؤهم عن المر بالعروف والنهي عن‬
‫سحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا‬ ‫النكر {َلوْل يَْنهَا ُهمُ الرّبّانِيّونَ وَالْأَحْبَارُ عَ ْن َق ْولِ ِهمُ الْأِْثمَ وََأكِْل ِهمُ ال ّ‬
‫َيصْنَعُونَ} (الائدة‪)63:‬‬

‫ق اّلذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيّنُنّهُ لِلنّاسِ وَل‬ ‫ويقول سبحانه وتعال {وَإِذْ أَ َخذَ اللّهُ مِيثَا َ‬
‫تَكُْتمُونَهُ } (آل عمران‪ :‬من الية ‪.)187‬‬

‫العلم الذي ل ينشر بي الناس ‪،‬ول ينفق منه كن مشؤوم على صاحبه ‪.‬‬
‫يقول الندلسي أبو إسحاق يوصي ابنه لطلب العلم ‪،‬ويدح العلم ‪:‬‬
‫هو العضب الهند ليس ينبــــو *** تصيب به مضارب من ضربت‬
‫وكن ل تاف عليه لصــــا *** خفيف المل يوجد حيث كنـت‬
‫يزيد بكثرة النفاق منـــه *** وينقص إن به كفا شــددت‬

‫ولتهاون العلماء بالدعوة هزمت المة ‪.‬‬


‫فما تأخرت أمة السلم ‪ ،‬ول انزمت أمة السلم إل بسبب نكوص العلماء عن إبلغ‬
‫دعوة ال ‪،‬وعدم جلوسهم مع المة ‪.‬‬
‫يقول ال تعال ‪{ :‬وَاتْلُ عَلَْي ِهمْ نَبََأ الّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَاْنسَلَخَ مِْنهَا فَأَتْبَعَ ُه الشّيْطَانُ فَكَانَ‬
‫مِ َن الْغَاوِينَ (‪َ )175‬وَلوْ شِئْنَا لَ َرفَعْنَاهُ ِبهَا وَلَكِنّهُ أَ ْخَلدَ ِإلَى الَْأ ْرضِ وَاتَّبعَ َهوَا ُه َفمَثَلُهُ كَمَثَلِ‬
‫الْكَ ْلبِ إِنْ َتحْمِلْ عَلَيْهِ يَ ْل َهثْ َأوْ تَتْ ُركْهُ يَ ْل َهثْ َذلِكَ مَثَلُ الْ َقوْمِ اّلذِينَ كَذّبُوا بِآياتِنَا فَا ْقصُصِ‬
‫الْ َقصَصَ لَعَّلهُمْ يَتَفَكّرُونَ} (لعراف‪. )176 -175:‬‬
‫معن الية ‪ :‬أن مثل هذا العال الذي ما نفع نفسه ‪ ،‬ول نفع المة مثل الكلب ‪،‬‬
‫فالكلب تعله ف الشمس أو ف الظل فهو يد لسانه أبدا ‪.‬‬
‫* نشأة ابن تيمية ‪:‬‬
‫ولد ف بيت ملتزم ؛ بيت متقي ‪ ،‬بيت عابد زاهد ‪ ،‬يريد وجه ال ‪ ،‬والدار الخرة ‪.‬‬
‫ومنذ كان عمره ثانية سنوات ‪ ،‬كان يرغ وجهه ف التراب مع الفجر ويقول ‪ ( :‬يا‬
‫معلم إبراهيم علمن‪،‬ويا مفهم سليمان فهمن )‪.‬‬
‫فعلمه معلم إبراهيم ‪ ،‬وفهمه مفهم سليمان ‪،‬وأعطاه علما ل كالعلوم ‪،‬وأعطاه فهما ل‬
‫كالفهام ‪.‬‬
‫علم وفهم اخترق بما ما يقارب سبعة قرون ‪ ،‬حت أصبح مددا لئات السنون ‪،‬حت‬
‫يقول مستشرق فرنسي يترجم لبن تيمية ‪ ( :‬ابن تيمية وضع ألغاما ف الرض ‪ ،‬فجر بعضها‬
‫ابن عبد الوهاب وبقي بعضها ل يفجر )‪.‬‬
‫* مؤهلته ‪:‬‬
‫أما مؤهلته ف مال الدعوة فهي خس مؤهلت ‪:‬‬
‫‪ -1‬الخلص ‪ ،‬والتجرد ‪،‬والنصيحة ‪،‬وقصد وجه ال عز وجل ‪ ،‬فهو يريد الدار‬
‫الخرة ‪ ،‬ويريد ما عند ال ‪ ،‬وهو دائما وأبدا ينصح غيه بأنه ينبغي العتناء بقوله صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ (( :‬ثلث ل يغل عليهن قلب مسلم ‪ ،‬إخلص العمل لوجه ال ‪ ،‬ومناصحة ولة‬
‫المور ‪،‬ولزوم جاعة السلمي فإن دعوتم تيد من وراءهم ))‪.‬‬
‫ويقول ابن تيمية ‪ :‬بعض الناس يتعصب لوى ‪ ،‬أو مذهب ‪،‬أو طائفة ‪ ،‬أو حزب ‪،‬‬
‫فيجعلها هي القصود بالدعوة ‪،‬وهذا خطأ بي ‪ ،‬أن القصود بالدعوة ‪ ،‬هو ‪ :‬ال سبحانه‬
‫وتعال ‪ ،‬وليس الزب ‪،‬وليست الطائفة‪ ،‬وليست الفرقة ‪ ،‬وليس الرأي الذي يدعو إليه ‪.‬‬
‫ويقول أيضا من أراد النصب فليعلم انه ل يصل على منصب أعلى من فرعون ‪،‬ولكن أين‬
‫فرعون ؟ انه يعرض على النار غدوا وعشيا ‪ { .‬وََيوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ أَ ْدخِلُوا آلَ فِرْ َعوْنَ أَ َشدّ‬
‫الْ َعذَابِ} (غافر‪ :‬من الية ‪. )46‬‬
‫وإن كنت تريد الال ‪ ،‬فاعلم أن قارون حصل على مال كثي ‪ ،‬ل تصل عليه أنت ‪،‬‬
‫خسف به ال الرض‪ ،‬فماذا نفعل ؟‬
‫قال ‪ :‬فعليك بإخلص العمل لوجه ال‪ ،‬فإن وجهه هو الباقي وما سواه فإن‪.‬‬
‫‪ -2‬من مؤهلت ابن تيمية ‪ :‬العمل بعلمه ‪ ،‬وتقواه لربه تبارك وتعال ‪ ،‬فعلم ليس‬
‫فيه عمل ‪ ،‬وليس فيه خشية ‪ ،‬وليس فيه امتثال ‪ ،‬إنا هو معلومات مردة يفظها النسان ف‬
‫ذهنه ‪ ،‬ول تنفعه أبدا ‪ ،‬ول تقربه من ال سبحانه وتعال ‪.‬‬
‫فأما عمله – أي ‪:‬ابن تيمية – بعلمه فله جوانب ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬الزهد ‪،‬فقد كان منقطع النظي ف الزهد ‪ ،‬فما تول منصبا ف حياته على‬
‫الطلق ‪.‬‬
‫وكان له ثوب ابيض دائم ‪ ،‬وله عمامة بيضاء ‪،‬وكان ربا يرتدي ف البد ثوبي ‪.‬‬
‫يقال ‪ :‬مر ف سكة من سكك دمشق ‪ ،‬فمر به سائل يسأله فبحث ف جيوبه ‪ ،‬فلم يد‬
‫شيئا من الدراهم‪،‬ول الدناني‪ ،‬فاختفى وراء سور هناك ث خلع ثوبه العلى وأعطاه السكي!!‬
‫يقول صاحب (( العلم العلية ))‪ :‬تأتيه الدنيا ؛ الذهب والفضة واليول والواري ‪،‬‬
‫إل غي ذلك ‪،‬فينفقها ف ساعتها ‪،‬ول يدخل ولو درها عنده ‪.‬‬
‫الثان ‪ :‬ف الشجاعة ‪ :‬فقد وقف مع سلطان الغول ‪ ،‬لا دخل دمشق ‪ ،‬وحدثه بقوة‬
‫وجرأة منقطعة النظي ‪.‬‬
‫ولا دخل التتار بلد السلمي ‪،‬جع الناس ‪ ،‬وقام وسل سيفه‪ .‬وقال ‪ :‬أيها الناس ‪،‬‬
‫افطروا هذا اليوم – ليتقووا على القتال – ث تناول كوبا من الاء ‪ ،‬فأفطر أمام الناس ‪ ،‬فأفطروا‬
‫‪ ،‬ث قال للسلطان ‪ :‬عليك أن تنل اليش من الثكنات للقتال ‪ ،‬فأنزل السلطان اليش ‪،‬‬
‫وبدأت العركة ‪،‬وشيخ السلم ف القدمة ‪.‬‬
‫وكان يقول ‪ :‬وال ‪ ،‬لننتصر ف هذا اليوم ‪ ،‬فيقول تلميذه له ‪ :‬قل إن شاء ال ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬تقيقا ل تعليقا‪.‬‬
‫أما مؤهلته ف عال الخلق ‪ ،‬فان ال قد آتاه اللق السن ‪ ،‬لول الدة الت تعريه ‪،‬‬
‫والدة ف الرجل لقوته ‪،‬حت يقول شاعر اليمن يدح شيخ السلم ‪.‬‬
‫وقاد ذهن إذا سالت قريتـــه *** يكاد يشى عليه من تلهبه‬
‫وقد كان عنده من الصب الشيء العجيب‬
‫يقول ابن القيم ‪ :‬مات أحد أعدائه من العلماء فأتيت أبشره ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فاحر وجهه ودمعت عيناه ‪،‬وقال ‪ :‬تبشرن بوت مسلم ‪ ،‬ث قام فقمنا معه ‪،‬‬
‫حت ذهب إل بيت خصمه ‪،‬فعزى أهله ودعا ليتهم ‪ ،‬فبكى أهل بيته‪ ،‬وتأثروا من هذا الوقف‬
‫‪ ،‬بالمس كان أبوهم ألد العداء لبن تيمية ‪ ،‬واليوم يقول ابن تيمية هذه الكلمات الطيبة ‪.‬‬
‫{ا ْدفَعْ بِالّتِي هِيَ َأ ْحسَ ُن فَإِذَا اّلذِي بَيَْنكَ وَبَيْنَهُ َعدَاوَةٌ كَأَنّهُ َولِيّ َحمِيمٌ} (فصلت‪ :‬من الية ‪. )34‬‬
‫‪ -3‬الؤهل الثالث لبن تيمية ف مال دعوته ‪ :‬اعتصامه بالكتاب والسنة ‪ ،‬ومن ضمن‬
‫أقواله ‪ :‬وعلى طالب العلم ‪ :‬أن يعتصم بدليل ف كل مسالة ‪ ،‬وان يترك كل دليل ‪،‬أو كل‬
‫رأي يالف ما فهمه من كلم الصطفى صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فإنه العصوم ‪.‬‬
‫ولا اعتصم بالكتاب والسنة ‪ ،‬رزقه ال سبحانه وتعال تييزا وذكاء وفهما ‪.‬‬
‫ويقول ‪ :‬أهل السنة والماعة وسط ف الساء والصفات ‪ ،‬ووسط ف الوعد والوعيد ‪،‬‬
‫ووسط ف اليان ‪ ،‬ووسط ف القدر ‪ ،‬ووسط ف المر بالعروف ‪،‬ووسط ف الفقه ‪.‬‬
‫‪ -4‬العامل الرابع من عوامل مؤهلته ف عال الدعوة ‪ :‬صدق اللجوء وقوة التوكل ‪.‬‬
‫فقد كان يذكر ال بعد صلة الفجر دائما ‪ ،‬هذا غذاؤه ‪.‬‬
‫ويقول‪ :‬لو ل أذكر ال لارت قواي ‪.‬‬
‫ويقول لبن القيم‪ :‬إن ف الدنيا جنة من ل يدخلها ل يدخل جنة الخرة ‪.‬‬
‫ويقول ‪ :‬إنا لتصعب على السالة‪ ،‬فاستغفر ال ألف مرة‪،‬أو اقل أو أكثر ‪ ،‬فيفتحها ال‬
‫علي ‪.‬‬
‫ولذلك أورد عنه ابن القيم ف (( مدارج السالكي)) انه أن يقول ‪ :‬يا حي يا قيوم ‪،‬ل‬
‫إله إل أنت برحتك ‪،‬أستغيث أربعي مرة ‪،‬أو أكثر أو اقل ‪.‬‬
‫وذكر عنه الذهب ‪ :‬أن عيناه كانت كأنا لسانان ناطقان من كثرة الذكر ‪.‬‬
‫وقال الذهب عنه ‪ :‬لو حلفت بي الركن والقام إن ما رأيت كابن تيمية لصدقت ‪ ،‬ولو‬
‫حلفت من الركن والقام انه ما رأى مثل نفسه لصدقت ‪.‬‬
‫وقال له تلميذه ‪ :‬نراك ما يفتر لسانك من ذكر ال ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬قلب كالسمكة ‪ ،‬إذا خرجت من الاء ماتت ‪ ،‬وقلب إذا تركته من الذكر مات !‬
‫ويقول ابن القيم عنه ‪ :‬رأيته ف السجن ‪،‬وهو ساجد يبكي ‪،‬ويقول ‪ :‬اللهم أعن على ذكرك‬
‫وشكرك وحسن عبادتك ‪ .‬يرددها طويل ‪.‬‬
‫وأما صلته ‪ ،‬فكان يصلي ف بعض الحيان بالناس ف مسجد بن أمية ف دمشق ‪،‬‬
‫فكان إذا قال ‪ ( :‬ال أكب ) رفع صوته حت سعه من ف الطرقات ‪ ،‬فتكاد تنخلع القلوب إذا‬
‫كب ‪.‬‬
‫ويروي ابن القيم ف ( روضة الحبي ) ‪ ،‬عن تقي الدين بن شقي ‪،‬انه رأى شيخ‬
‫السلم ابن تيمية صلى صلة العصر ف مسجد بن أمية ‪ ،‬ث خرج إل الصحراء وحده ‪ ،‬قال‬
‫تقي الدين بن شقي وكان من تلميذه ‪ :‬فخرجت وراءه ‪ ،‬حيث أراه ‪ ،‬ول يران ‪ ،‬فلما‬
‫توسط الصحراء رفع طرفه إل السماء وقال ‪ :‬ل إله إل أنت سبحانك إن كنت من الظالي ‪،‬‬
‫ث بكى ث قال ‪:‬‬
‫وأخرج من بي البيوت لعلنــــي *** أحدث عنك النفس بالسر خاليا‬

‫ولذلك يقول ابن رجب ‪:‬أن من السباب الت حته ومنعته من كيد العداء ‪ :‬كثرة‬
‫الذكر والوراد ؛ الت ما كان يل با ‪.‬‬
‫‪ -5‬العامل الامس ‪ :‬من مؤهلت ابن تيمية ‪ ،‬رحه ال ‪ ،‬ف مال دعوته معرفته‬
‫الواسعة بال عصره وواقع أمته ‪.‬‬
‫فبعض الناس يعيش ف هذا العصر ‪ ،‬وكأنه يعيش ف القرآن الثالث ‪ ،‬ولكن ابن تيمية‬
‫يعيش ف القرن السابع ‪ ،‬ويعرف مشاكله ‪،‬ومتطلباته ‪ ،‬وماذا يريد منه أنباء العصر ‪ ،‬ولذلك‬
‫عرف الكتاب ولسنة ‪،‬وعرف هذا الدين ث أتى يتكلم بما للناس با يتاجه العصر ‪.‬‬
‫ولذلك كتبه تدل على هذا ‪،‬ويأت على رأسها كتاب (( اقتضاء الصراط الستقيم ))‪،‬‬
‫الذي ساه ممد حامد الفقي ( القنبلة الذرية) !! فهذا الكتاب ألفه ليواجه به الاهلية الت‬
‫كانت ف عصره ‪.‬‬
‫فمعرفته لواقعه ‪ ،‬وحال عصره ‪،‬أفاده بان يضع الدواء على الداء فنفعه ال ف ذلك ‪،‬‬
‫وقد حل كثيا من مشكلت عصره ‪ ،‬وصحح كثيا من الخطاء الت عاشها ف عصره ‪،‬‬
‫وعال كثيا من المراض الت رآها ف عصره‪ ،‬رحه ال رحة واسعة ‪.‬‬

‫*وسائل دعوة ابن تيمية‬


‫هي وسيلتان ‪:‬‬
‫الوسيلة الول ‪ :‬التأليف وهي على ثلث نواحي ‪:‬‬
‫الرسائل ‪.‬‬
‫الردود ‪.‬‬
‫والصنفات الكبار ‪.‬‬
‫فالرسائل ؛ كأن يسأل عن قضية ‪ ،‬فيجيب عليها رحه ال ( الكحموية ) لهل حاه ‪،‬‬
‫( والوسطية ) لهل واسط ‪ ( ،‬والتدمرية ) لهل تدمر ‪ ،‬فيسل الرسائل إل الناس ينفعهم‬
‫با ‪ ،‬ويفيدهم ‪ ،‬ويقودهم إل ال عز وجل ‪.‬‬
‫أما الردود ؛ كان دائما يرد الفكر والشبه الت تؤثر ف أصول الدين ككتاب ‪( 0‬الصارم‬
‫السلول ) ‪ ،‬وسببه ‪ :‬أنه سع نصرانيا يشتم الرسول صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فذهب إل‬
‫السلطان فشكى النصران ‪.‬‬
‫فأتى العوام ‪ ،‬فقالوا ‪:‬الق مع النصران ‪ ،‬والطأ على ابن تيمية !! فجلده السلطان ف‬
‫الجلس !! ولكن ‪:‬‬
‫إن كان سركم ما قال حاسدنـــا *** فما لرح إذا أرضاكم أل‬

‫فما دام أن اللد ف سبيل ال‪ ،‬فأهل به وسهل ‪ ،‬فخرج غاضبا من الجلس وكتب ‪:‬‬
‫(الصارم السلول على شات الرسول) فأبدع ف هذا الكتاب‪ .‬ورد فيه على اليهود والنصارى ‪.‬‬
‫ومن الردود ‪ (( :‬الرد على الخنائي )) ‪ ،‬رد عليه ف (( مسالة الزيارة )) ورد على‬
‫السبكي ف (( مسالة الزيارة))‪.‬‬
‫ومن الردود ‪ (( :‬منهاج السنة )) ‪ ،‬رد فيه على الشيعة الرافضة ‪.‬‬
‫أما الصنفات الكبار ‪ :‬فككتاب ( درء تعارض العقل والنقل ) ‪ ،‬وهذا الكتاب من‬
‫يقرؤه فهو من أذكياء العال !‬
‫يقول ابن القيم ‪ :‬ما طرق العال مثل هذا الكتاب ‪.‬‬
‫الوسيلة الثانية ‪:‬‬
‫اللقاء مع الناس ‪ ،‬فقد التقى مع العلماء ‪،‬والتقى مع السلطي ‪،‬والتقى مع عامة الناس ‪.‬‬
‫فأما العلماء ‪ :‬فكان يلتقي معهم ‪ ،‬ويناظرهم ‪ ،‬ويباحثهم ‪ ،‬وهذا مستفيض من سيته ‪.‬‬
‫والتقى مع سلطان الشام ‪ ،‬وسلطان التتار وغيهم ‪.‬‬
‫وأما العوام ‪ :‬ففي دروسه ف الساجد ‪ ،‬وف الفتاوى ‪ ،‬الت ترده منهم ‪.‬‬
‫********************‬
‫‪ -1‬وقوف السلطي مع خصومه ‪.‬‬
‫‪ -2‬جرأته وحدته الت خسر با كثيا من كادوا أن يناصروه ‪.‬‬
‫‪ -3‬خطورة القضايا الت عالها ‪ ،‬فقد تكلم كثيا ف الصول ‪.‬‬
‫‪ -4‬كثرة الصوم وتعدد البهات الت واجهها( الشيعة ‪ ،‬الشاعرة ‪،‬اليهود‬
‫والنصارى ‪ ،‬الصوفية ‪ ،‬القلدة ‪ ،‬السلطي ‪ ...‬إل )‪.‬‬
‫‪ -5‬البس والسجن ‪ ،‬ولكنه ما ازداد به إل قوة وصلبة ‪.‬‬
‫‪ -6‬اللد والتشهي ‪ ،‬فقد جلد ‪ ،‬وشهر به ‪ ،‬وتكلم ف عرضه ف كل ملس ‪.‬‬

‫ولكن ف التام ‪ ،‬كان ناح منقطع النظي يققه ابن تيمية ف عال الدعوة ‪ ،‬وينتهي إل‬
‫أن يعقد الجاع من قلوب الوحدين من المة على انه هو رجل الساعة ف فترته ‪.‬‬
‫وتيا كتبه قرونا طويلة تيي قلوب الجتهدين والعاملي للسلم ‪ ..‬ليتفعوا رفعته ‪.‬‬

‫وال اعلم ‪ ،‬وصلى ال وسلم وبارك على سيدنا ممد وعلى آهل وأصحابه أجعي ‪،‬‬
‫والمد ل رب العالي ‪.‬‬

‫‪،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،‬‬

‫وكتب‬
‫د‪ .‬عائض بن عبد ال القرن‬

You might also like