Professional Documents
Culture Documents
www.islamway.com
www.islamway.com
بالجنة ,وهنا بيت القصيد ولب هذا البحث الذي يبرز انتصار أهل
الحق ولو خسروا في الظاهر ,ليظهر بجلء تناغم أهل اليمان مع
منظومة التوحيد الكونية وشذوذ أهل الكفر والطغيان عن هذه
المنظومة ,وليتبين أن الفائز من نجا بدينه والخاسر الهالك من باع
دينه بدنياه وارتضى الدنيا على الخرة .
فقصة أصحاب الخدود مثال واضح جلي يبرز قضية التوحيد
وقضية منظومة التسبيح الكوني التي ل تفتر ,ويبين شذوذ الكفر
وأهله وخروجهم عن التناغم الكوني ونفورهم عنه ومنه .
أحببت إبراز هذه القيمة في وقت يحاول أعداء التوحيد إظهار
التوحيد وأهله بمظهر الشاذ عن الشرعية الدولية بل والكونية
وإظهار الكفر والفحش بكل صوره مظهر المتناغم مع الكون
والشرعية وإلباس الباطل لباس العتدال .
وهكذا يحاول أهل الكفر والجحود عبر التاريخ ,ألم تر قوم لوط
حين قالوا :
طهّرُونَ" ( )56النمل ,
خرِجُوا آلَ لُوطٍ مّن َق ْر َيتِكُمْ إِ ّنهُمْ ُأنَاسٌ َيتَ َ
"أَ ْ
فأصبح الطهر جريمة و شذوذا بينما الشذوذ في منطقهم المقلوب
هو العتدال .
لذا فهذه رؤية لقصة أصحاب الخدود من هذا المنطلق _منطلق
إبراز تناغم التوحيد مع الكون وخالق الكوان وشذوذ الباطل وأهله
عبر التاريخ.
()1استقرار زائف
أصحاب الخدود ومنظومة الكون 3
www.islamway.com
ب الْأُخْدُودِ ( )4النّارِ ذَاتِ ا ْلوَقُودِ ( )5إِذْ هُمْ عَ َل ْيهَا قُعُو ٌد " ُق ِتلَ أَصْحَا ُ
شهُو ٌد ( )7وَمَا نَقَمُوا ِمنْهُمْ إِلّا ( )6وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْ ُمؤْمِنِينَ ُ
أَن ُيؤْ ِمنُوا بِاللّ ِه الْعَزِيزِ ا ْلحَمِيدِ ( )8الّذِي لَ ُه مُ ْلكُ السّمَاوَاتِ
شهِيدٌ (ِ )9إنّ الّذِينَ َف َتنُوا الْ ُمؤْ ِمنِينَشيْءٍ َ وَالْأَ ْرضِ وَاللّهُ عَلَى ُكلّ َ
ب الْحَرِيقِ ()10 ج َهنّمَ وَ َلهُمْ عَذَا ُ
عذَابُ َوَالْ ُمؤْ ِمنَاتِ ثُمّ لَمْ َيتُوبُوا فَ َلهُمْ َ
" سورة البروج .
يقول المام ابن كثير في تفسير اليات :
ب الْأُخْدُودِ ) أَيْ لُ ِعنَ َأصْحَاب الْأُخْدُود وَجَمْعه أَخَادِيد ( ُقتِلَ َأصْحَا ُ
عنْ َقوْم ِمنْ الْكُفّار عَ َمدُوا إِلَى َمنْ خبَر َ حفَر فِي الْأَرْض وَهَذَا َ وَ ِهيَ الْ ُ
جلّ فَ َقهَرُوهُ ْم َوأَرَادُوهُمْ َأنْ يَ ْرجِعُوا
عنْده ْم ِمنْ الْ ُمؤْ ِمنِينَ بِاَللّ ِه عَ ّز وَ َ ِ
عنْ دِينهمْ فَ َأ َبوْا عَ َل ْيهِمْ َ
.
ت ا ْلوَقُودِ) َفحَفَرُوا َلهُمْ فِي الْأَرْض أُخْدُودًا َوأَجّجُوا فِيهِ نَارًا (النّارِ ذَا ِ
َوَأعَدّوا َلهَا وَقُودًا يُسَعّرُونَهَا بِهِ ثُمّ أَرَادُوهُمْ فَلَمْ يَ ْقبَلُوا ِمنْهُمْ َفقَذَفُوهُمْ
شهُودٌ) أَيْ ُمشَا ِهدُونَ لِمَا يُفْعَل فِيهَا (وَهُ ْم عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْ ُمؤْ ِمنِينَ ُ
بِأُو َل ِئكَ الْ ُمؤْمِنِينَ .
(وَمَا نَقَمُوا ِمنْهُمْ إِلّا أَن ُيؤْمِنُوا بِاللّهِ الْعَزِي ِز الْحَمِيدِ) أَيْ وَمَا كَا َ
ن
عنْدهمْ ِمنْ َذنْب إِلّا إِيمَانهمْ بِاَللّهِ الْعَزِيز الّذِي لَا ُيضَام َمنْ لَاذَ َلهُمْ ِ
شرْعه وَ َقدَره َوِإنْ جنَابِهِ الْ َمنِيع الْحَمِيد فِي جَمِيع أَ ْقوَاله َوأَفْعَاله وَ َ بِ َ
أصحاب الخدود ومنظومة الكون 4
www.islamway.com
عبَاده َهؤُلَاءِ هَذَا الّذِي وَقَ َع ِبهِمْ بِأَيْدِي الْكُفّار بِهِ
ن قَ ْد قَدّرَ عَلَى ِ
كَا َ
ن النّاس . ك عَلَى َكثِير ِم ْ سبَب ذَ ِل َ
َف ُهوَ الْعَزِيز الْحَمِيد َوِإنْ خَ ِفيَ َ
شهِيدٌ) ثُمّ قَا َل شيْءٍ َ (الّذِي لَ ُه مُ ْلكُ السّمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضِ وَاللّ ُه عَلَى ُكلّ َ
ن تَمَام الصّفَة ِإنّهُ الْمَالِك تَعَالَى " الّذِي لَ ُه مُلْك السّ َموَات وَالْأَرْض " ِم ْ
ِلجَمِيعِ السّ َموَات وَالْأَرْض وَمَا فِيهِمَا وَمَا َبيْنهمَا " َواَللّه عَلَى ُكلّ
شيْء فِي جَمِيع السّ َموَات وَالْأَرْض عنْهُ َ ي لَا يَغِيب َ شهِيد " أَ ْ شيْء َ َ
ف أَهْل التّفْسِير فِي أَهْل هَ ِذهِ الْ ِقصّة ختَلَ َوَلَا تَخْفَى عَ َليْهِ خَا ِفيَة وَ َقدْ اِ ْ
َمنْ هُمْ ؟ فَ َعنْ عَ ِليّ َأنّهُمْ أَهْل فَارِس حِين أَرَا َد مَلِكهمْ تَحْلِيل تَ ْزوِيج
حفْر أُخْدُود فَقَ َذفَ فِي ِه َمنْ الْمَحَارِم فَا ْم َتنَ َع عَ َليْهِمْ عُلَمَاؤُهُ ْم فَعَمَ َد إِلَى َ
ستَمَ ّر فِيهِمْ تَحْلِيل الْمَحَارِم إِلَى ا ْل َيوْم َ .وعَنْهُ َأ ّنهُمْ َأنْكَرَ عَ َليْ ِه ِمنْهُمْ وَا ْ
ب ُمؤْ ِمنُوهُ ْم عَلَى شرِكُوهُمْ فَغَلَ َ كَانُوا َقوْمًا بِا ْليَ َمنِ اِ ْق َتتَلَ ُمؤْ ِمنُوهُمْ وَمُ ْ
كُفّاره ْم ثُمّ اِ ْقتَتَلُوا فَغَلَبَ الْكُفّار الْ ُمؤْ ِمنِينَ فَخَدّوا َلهُمْ الَْأخَادِيد
شيّ حبَ ِ
حبَشَة وَاحِدهمْ َ عنْهُ َأنّهُمْ كَانُوا ِمنْ أَهْل الْ َ َوأَحْ َرقُوهُمْ فِيهَا َو َ
خدُود النّار ذَات عبّاس " ُق ِتلَ َأصْحَاب الْأُ ْ عنْ ِابْن َ وَقَالَ الْ َعوْ ِفيّ َ
خدُودًا فِي الْأَرْض ثُمّ ا ْلوُقُود " قَا َل نَاس ِمنْ َبنِي إِسْرَائِيل خَدّوا أُ ْ
خدُود رِجَالًا َونِسَاء فَعُ ِرضُوا َأوْقَدُوا فِيهِ نَارًا ثُمّ أَقَامُوا عَلَى ذَ ِلكَ الْأُ ْ
عَ َل ْيهَا وَ َزعَمُوا َأنّهُ دَا ْنيَال َوأَصْحَابه وَهَ َكذَا قَالَ الضّحّاك بْن ُمزَاحِم
ح ّدثَنَا حَمّاد بْنغيْر ذَ ِلكَ وَ َقدْ قَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَ ّد َثنَا عَفّان َ وَقِيلَ َ
ص َهيْب َأنّ رَسُول عنْ ُ عبْد الرّحْمَن بْن َأبِي َليْلَى َ عنْ َ عنْ ثَابِت َ سَلَمَة َ
ن َقبْلكُمْ مَلِك وَكَانَ لَهُ اللّه صَلّى اللّه عَ َليْهِ َوسَلّمَ قَالَ " كَانَ فِي َمنْ كَا َ
حضَ َر أَجَلِي سنّي وَ َ ك ِإنّي َقدْ َكبِرَ ِ سَاحِر فَلَمّا َكبِرَ السّاحِر قَالَ لِلْمَ ِل ِ
فَادْفَ ْع إِلَيّ غُلَامًا لُِأعَلّمهُ السّحْر َفدَفَعَ إِ َليْهِ غُلَامًا كَانَ يُعَلّمهُ السّحْر ,
وَكَانَ َبيْن السّاحِر َو َبيْن الْمَلِك رَاهِب فَ َأتَى الْغُلَام عَلَى الرّاهِب َفسَمِعَ
جبَ ُه نَحْوه وَكَلَامه وَكَانَ إِذَا َأتَى السّاحِر ضَ َربَهُ وَقَالَ ن كَلَامه فَ َأعْ َ ِم ْ
حبَسَك فَشَكَا ذَ ِلكَ إِلَى حبَسَك َوإِذَا َأتَى أَهْله ضَ َربُو ُه وَقَالُوا مَا َ مَا َ
سنِي أَهْلِي وَإِذَا أَرَادَ حبَ َالرّاهِب فَقَا َل إِذَا أَرَادَ السّاحِر َأنْ َيضْرِبك فَ ُقلْ َ
أصحاب الخدود ومنظومة الكون 5
www.islamway.com
سنِي السّاحِر قَا َل َف َبيْنَمَا ُهوَ ذَات َيوْم إِذْ حبَ َأَهْلُك َأنْ يَضْ ِربُوك فَ ُقلْ َ
ستَطِيعُونَ َأنْ ت النّاس فَلَا يَ ْ حبَسَ ْ َأتَى عَلَى دَابّة َفظِيعَة عَظِيمَة َقدْ َ
ب إِلَى اللّه أَمْ أَمْر السّاحِر يَجُوزُوا َفقَالَ ا ْل َيوْم َأعْلَم أَمْر الرّاهِب أَحَ ّ
حجَرًا َفقَالَ الّلهُمّ ِإنْ كَانَ أَمْر الرّاهِب أَحَبّ إِ َليْك َوأَ ْرضَى خذَ َ قَا َل فَأَ َ
حتّى يَجُوز النّاس َورَمَاهَا فَ َقتَ َلهَا ِمنْ السّاحِر فَا ْق ُتلْ َهذِهِ الدّابّة َ
ي ُبنَيّ َأنْتَ أَ ْفضَل ِمنّي خبَرَ الرّاهِب بِ َذِلكَ فَقَالَ أَ ْ وَ َمضَى النّاس فَأَ ْ
س ُتبْتَلَى فَ ِإنْ ُا ْبتُلِيت فَلَا تَ ُد ّل عَ َليّ فَكَانَ الْغُلَام ُيبْرِئ الْأَكْمَهَوِإنّك َ
وَالْ َأبْرَص وَسَائِر الْأَ ْدوَاء َويَشْفِيهِمْ وَكَانَ لِلْمَ ِلكِ جَلِيس فَعَ ِميَ َفسَمِعَ
بِهِ َفَأتَاهُ ِبهَدَايَا َكثِيرَة فَقَالَ اِشْ ِفنِي وَلَك مَا هَا ُهنَا أَجْمَع فَقَالَ مَا أَنَا
عوْت اللّه فَشَفَاك ج ّل فَ ِإنْ آ َمنْت بِهِ َد َ حدًا ِإنّمَا يَشْفِي اللّه عَزّ وَ َ أَشْفِي أَ َ
س ِمنْهُ نَحْو مَا كَانَ يَجْلِس فَآ َمنَ فَ َدعَا اللّه َفشَفَا ُه .ثُمّ أَتَى الْمَلِك فَجَلَ َ
فَقَالَ لَهُ الْمَلِك يَا فُلَان َمنْ َردّ عَ َليْك َبصَرك ؟ فَقَالَ َربّي َفقَالَ َأنَا ؟
غيْرِي ؟ قَالَ نَعَمْ َربّي َو َربّك اللّه ب َ قَا َل لَا َربّي وَ َربّك اللّه قَا َل وَلَك رَ ّ
ي ُبنَيّ بَلَ َغ ِمنْ حتّى َدلّ عَلَى الْغُلَام َفبَعَثَ إِ َليْهِ فَقَالَ أَ ْ فَلَ ْم يَ َزلْ يُعَذّبهُ َ
حدًاسِحْرك َأنْ ُتبْرِئ الْأَكْمَه وَالْ َأبْرَص وَ َهذِهِ الْ َأ ْدوَاء ؟ قَا َل مَا أَشْفِي أَ َ
غيْرِي ؟ جلّ قَالَ َأنَا ؟ قَالَ لَا .قَا َل َأوَ لَك رَبّ َ ِإنّمَا يَشْفِي اللّه عَ ّز وَ َ
حتّى َدلّ عَلَى قَالَ َربّي وَ َربّك اللّه فَأَخَ َذهُ َأ ْيضًا بِالْعَذَابِ فَلَ ْم يَ َزلْ بِهِ َ
عنْ دِينك فَ َأبَى َف َوضَعَ الْ ِمنْشَار فِي جعْ َ الرّاهِب فَ َأتَى بِالرّاهِبِ َفقَالَ اِرْ ِ
عنْ دِينك فَ َأبَى حتّى وَقَعَ شِقّا ُه وَقَالَ لِلْ َأعْمَى اِرْجِ ْع َ مَ ْفرِق َرأْسه َ
حتّى وَقَعَ شِقّا ُه إِلَى الْ َأرْض .وَقَالَ َف َوضَعَ الْ ِمنْشَار فِي َمفْرِق َرأْسه َ
جبَل كَذَا وَكَذَا وَقَالَ عنْ دِينك َفَأبَى َفبَعَثَ بِهِ َمعَ نَفَر إِلَى َ جعْ َلِلْغُلَا ِم اِرْ ِ
عنْ دِينه وَإِلّا فَدَ ْهدِهُو ُه فَذَ َهبُوا بِهِ فَلَمّا جعَ َ إِذَا بَلَ ْغتُمْ ذِ ْروَته فَ ِإنْ رَ َ
جبَلجفَ ِبهِمْ الْ َ شئْت فَرَ َ جبَل قَالَ :الّلهُمّ اِكْ ِفنِيهِمْ بِمَا ِ عَ َلوْا بِهِ الْ َ
خلَ عَلَى الْمَلِك َفقَالَ مَا حتّى دَ َ َفدُهْ ِدهُوا أَجْمَعُونَ وَجَاءَ الْغُلَام َيتَلَمّس َ
فَ َعلَ َأصْحَابك ؟ فَقَالَ كَفَانِيهِمْ اللّه تَعَالَى َفبَعَثَ بِهِ مَ َع نَفَر فِي قُرْقُور
عنْ دِينه َوإِلّا فَ َغرّقُو ُه فِي ا ْلبَحْر جتُمْ بِهِ ا ْلبَحْر فَ ِإنْ رَجَ َع َجْفَقَالَ إِذَا لَ َ
شئْت فَغَرِقُوا أَجْمَعُونَ فَ َلجَجُوا بِهِ ا ْلبَحْر فَقَالَ الْغُلَام الّلهُمّ اِكْ ِفنِيهِمْ بِمَا ِ
أصحاب الخدود ومنظومة الكون 6
www.islamway.com
خلَ عَلَى الْمَلِك فَقَا َل مَا فَ َعلَ َأصْحَابك ؟ َفقَالَ حتّى دَ َ وَجَاءَ الْغُلَام َ
حتّى تَفْعَل مَا كَفَانِيهِمْ اللّه تَعَالَى .ثُ ّم قَالَ لِلْمَ ِلكِ ِ :إنّك لَسْت بِقَاتِلِي َ
ستَطِيع آمُرك بِ ِه فَ ِإنْ َأنْتَ فَعَلْت مَا آمُرك بِ ِه َقتَلْتنِي َوإِلّا فَ ِإنّك لَا تَ ْ
َقتْلِي قَا َل وَمَا ُهوَ ؟ قَالَ تَجْمَع النّاس فِي صَعِيد وَاحِد ثُمّ َتصْلُبنِي
ن ِكنَانَتِي ثُمّ ُقلْ بِسْ ِم اللّه َربّ الْغُلَام فَ ِإنّك سهْمًا ِم ْ جذْع َوتَأْخُذ َ عَلَى ِ
سهْم فِي َكبِد َقوْسه ثُمّ رَمَاهُ إِذَا فَعَلْت ذَ ِلكَ َقتَلْتنِي .فَفَ َعلَ َو َوضَعَ ال ّ
سهْم فِي صُدْغه َف َوضَعَ الْغُلَام يَده وَقَالَ بِسْ ِم اللّه رَبّ الْغُلَام َفوَقَعَ ال ّ
ب الْغُلَام .فَقِيلَ لِلْمَ ِلكِ ت فَقَالَ النّاس آ َمنّا بِرَ ّ سهْم وَمَا َ عَلَى َم ْوضِع ال ّ
أَ َرَأيْت مَا ُكنْت تَحْذَر ؟ فَقَ ْد َواَللّه نَ َزلَ بِك َقدْ آ َمنَ النّاس كُلّهمْ فَأَ َمرَ
ت فِيهَا النّيرَان وَقَالَ َمنْ خدّتْ فِيهَا الْأَخَادِيد َوُأضْرِمَ ْ بِأَ ْفوَاهِ السّكَك فَ ُ
ن فِيهَا عنْ دِينه َف َدعُوهُ َوإِلّا فََأقْحِمُو ُه فِيهَا قَالَ فَكَانُوا َيتَعَا َد ْو َ رَجَ َع َ
ت َأنْ تَقَع ت اِمْ َرأَة بِا ْبنٍ َلهَا تُ ْرضِعهُ فَكَ َأ ّنهَا تَقَاعَسَ ْ
َو َيتَدَافَعُونَ فَجَاءَ ْ
حقّ . صبِرِي يَا أُمّا ُه فَ ِإنّك عَلَى ا ْل َص ِبيّ اِ ْفِي النّار فَقَالَ ال ّ
عنْ حَمّاد عنْ ُه ْدبَة بْن خَالِد َ وَهَكَذَا َروَاهُ مُسْلِم فِي آخِر الصّحِيح َ
عثْمَان عنْ ُ عنْ أَحْمَد بْن سَلْمَان َ بْن سَلَمَة بِهِ نَحْوه وَ َروَا ُه النّسَا ِئيّ َ
عنْ ثَابِت بِهِ طرِيق حَمّاد بْن َزيْد كِلَاهُمَا َ عنْ حَمّاد بْن سَلَمَة وَ ِمنْ َ َ
جوّدَ ُه الْإِمَام َأبُو عِيسَى التّرْ ِمذِيّ َف َروَاهُ فِي خ َتصَرُوا َأوّله وَقَدْ َ وَا ْ
عبْد بْن حُ َميْد -الْمَ ْعنَى غيْلَان َو َ
عنْ مَحْمُود بْن َ تَفْسِير َهذِهِ السّورَة َ
عبْدعنْ َ عنْ ثَابِت ا ْل ُبنَانِيّ َ عنْ مَعْمَر َ عبْد الرّزّاق َ خبَ َرنَا َوَاحِد -قَالَا أَ ْ
ص َهيْب قَالَ :كَانَ رَسُول اللّه صَلّى اللّه عنْ ُ الرّحْمَن بْن َأبِي َليْلَى َ
حرِيك س وَا ْلهَمْس فِي بَعْض َقوْلهمْ تَ ْ عَ َليْهِ وَسَلّ َم إِذَا صَلّى الْعَصْر هَمَ َ
شَ َف َتيْهِ كَ َأنّهُ َيتَكَلّم فَقِيلَ لَهُ ِإنّك يَا رَسُول اللّه إِذَا صَلّيْت الْعَصْر
ن يَقُوم ن َأعْجَب بِأُ ّمتِهِ فَقَالَ َم ْ ن الْ َأنْ ِبيَاء كَا َ
هَ َمسْت قَالَ " ِإنّ نَ ِبيّا ِم ْ
خيّ ْرهُمْ َبيْن َأنْ َأنْتَقِم ِم ْنهُمْ َو َبيْن َأنْ أُسَلّطِل َهؤُلَا ِء فَ َأوْحَى اللّه إِ َليْهِ َأنْ َ
ت ِم ْنهُمْ ط اللّه عَ َل ْيهِمْ الْ َموْت فَمَا َختَارُوا النّقْمَة َفسَلّ َ عَ َل ْيهِمْ عَ ُدوّهُ ْم فَا ْ
ث ِبهَذَاث ِبهَذَا الْحَدِيث حَدّ َ سبْعُونَ أَلْفًا " قَالَ وَكَانَ إِذَا حَدّ َ فِي َيوْم َ
أصحاب الخدود ومنظومة الكون 7
www.islamway.com
ك الْمَلِك كَاهِن ن الْمُلُوك وَكَانَ لِذَ ِل َ حدِيث الْآخَر قَالَ :كَانَ مَلِك ِم ْ الْ َ
طنًا َل ِقنًا
َيتَ َكهّن لَهُ فَقَا َل الْكَاهِن ُانْظُرُوا لِي غُلَامًا َفهِمًا َأوْ قَا َل فَ ِ
عزّفَُأعَلّم ُه عِلْمِي هَذَا فَذَ َكرَ الْ ِقصّة ِبتَمَا ِمهَا وَقَالَ فِي آخِره يَقُول اللّه َ
حتّى بَلَ َغ -الْعَزِيز جلّ " ُق ِتلَ َأصْحَاب الْأُخْدُود النّار ذَات ا ْلوُقُود َ - وَ َ
خ ِرجَ فِي زَمَان عُمَر بْن الْحَمِيد " قَالَ فَأَمّا الْغُلَام فَ ِإنّهُ دُ ِفنَ َفيُذْكَر َأنّهُ أُ ْ
صبُعه عَلَى صُدْغه كَمَا َوضَ َعهَا حِين ُق ِتلَ ثُمّ قَا َل التّرْ ِمذِيّ خطّاب َوُأ ْ الْ َ
غرِيب )2( . حَسَن َ
والن نقف مع حديث المام أحمد ,ونعبر معه من واقعنا إلى
أحداث القصة والتي بدات بقول النبي صلى ال عليه وسلم (كَانَ
ن َقبْلكُمْ مَلِك ....إلى آخرها)
فِي َمنْ كَا َ
فهذا ملك ممكن له في الرض ,ملكه مستقر ,والمن سائد في
مملكته والكل يعبده ويقصده ,فهو في ذاته نظام حكم كامل ,
يرافقه ما يرافق أنظمة الحكم من آلت توطئ لها وتهيئ الجماهير
لستقبال منهجها في الحكم ,لذا اقترن الملك بالساحر ,الذي يري
الناس الباطل حقا والحق باطلً .
وهنا نقف وقفة هامة مع الستقرار الذي عليه مملكة الملك ,وعلى
المن الذي يسودها ,هل هو استقرار حقيقي أم متوهم ,وهل
المن حقيقي أم متوهم ؟؟
الواقع الملموس للملك يقول بأن الستقرار هو استقرار ملموس فل
مناوشات ول اعتراضات بل إذعان مطلق ,ولكنه في الحقيقة
استقرار على الباطل وأمن موهوم ,فهذا الستقرار مخالف لناموس
السموات والرض ,مخالف لكل الكون المسبح بحمد ال
والمنضوي تحت ملكوته ,فبات استقرار هذا الملك نشاذا ً في
منظومة الناموس العلوي الكبرى التي تسير معها الفلك والممالك
العلوية والسفلية الخاضعة لملك ملك واحد وحكم حاكم واحد وقهر
أصحاب الخدود ومنظومة الكون 8
www.islamway.com
وسلطان من بيده المر وحده والخلق والتدبير ,ومثل استقرار هذه
المملكة في نشاذها مثل أي نظام خالف ناموس السموات والرض
خالف ملكوت الله الواحد الحكم العدل ,ولو اجتمعت الرض كلها
على هذه المخالفة واستقرت على مخالفة ناموس السموات
والرض ومنهج ال منهج الحق المطلق فما ساوى اجتماع الرض
على المخالفة شيئا في عظيم الملكوت ولصارت نشاذا ضئيلً مخالفا
لمنهج التوحيد الذي يسبح بحمد ال في سائر أركان ملكه الممتد
ح لَهُسبّ ُ
الذي ل يعلم أوله وآخره إل هو سبحانه يقول تعالى( تُ َ
سبّحُ
شيْءٍ ِإلّ يُ َ ض وَمَن فِيهِنّ َوإِن مّن َ سبْ ُع وَالَرْ ُ السّمَاوَاتُ ال ّ
حهُمْ إِنّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ())44 سبِي َ
بِحَ ْمدَ ِه وَلَكِن لّ تَفْ َقهُونَ تَ ْ
سورة السراء .يقول المام الطبري في تفسير هذه اليات وَ َقوْله :
ن فِيهِنّ } يَقُول َ :تنَزّهَ اللّه سبْع وَالْأَرْض وَ َم ْ سبّح لَهُ السّمَاوَات ال ّ { تُ َ
َأ ّيهَا الْمُشْرِكُونَ عَمّا َوصَ ْفتُمُو ُه بِهِ ِإعْظَامًا لَهُ َوإِجْلَالًا ,السّمَاوَات
ن الْ ُمؤْمِنِينَ بِهِ ِمنْ الْمَلَائِكَة وَالْ ِإنْس
سبْع وَالْأَرْض ,وَ َمنْ فِيهِنّ ِم ْ ال ّ
عنْدكُمْ ,تَ ْفتَرُونَ جنّ َ ,وَأنْتُمْ َمعَ ِإنْعَامه عَ َليْكُمْ ,وَجَمِيل أَيَادِيه ِ وَالْ ِ
عَ َليْهِ بِمَا تَ ْفتَرُونَ )3(.
ويقول المام ابن كثير رحمه ال موضحا عظمة التسبيح واتساع
الكون المستقر على منهج التوحيد والتسبيح والتنزيه المطلق
للخالق عن الند والنظير وليفضح ضآلة المخالفين لمنهج التوحيد
وشذوذهم عن منظومة التسبيح الكونية يقول رحمه ال :
شيْ ٍء ِإلّض وَمَن فِيهِنّ َوإِن مّن َ سبْ ُع وَالَرْ ُ ح لَهُ السّمَاوَاتُ ال ّ سبّ ُ
تُ َ
حلِيمًا غَفُورًا
حهُمْ ِإنّهُ كَانَ َ
سبِي َ
ح بِحَمْدَ ِه وَلَكِن لّ تَفْ َقهُونَ تَ ْ
سبّ ُ
يُ َ
ي ِمنْ سبْع وَالْأَرْض وَ َمنْ فِي ِهنّ أَ ْ يَقُول تَعَالَى تُقَدّسهُ السّمَاوَات ال ّ
الْمَخْلُوقَات َوتُنَزّههُ َوتُعَظّمهُ َو ُتبَجّلهُ َوتُ َكبّر ُه عَمّا يَقُول َهؤُلَاءِ
شهَد لَ ُه بِا ْلوَحْدَا ِنيّةِ فِي ُربُو ِبيّته َوإِ َل ِهيّته .فَفِي ُكلّ
شرِكُونَ َوتَ ْ
الْمُ ْ
أصحاب الخدود ومنظومة الكون 9
www.islamway.com
شيْء لَهُ آيَة تَ ُدلّ عَلَى َأنّهُ وَاحِد .كَمَا قَالَ تَعَالَى " :تَكَاد السّمَاوَات َ
عوْا لِلرّحْ َمنِ وَلَدًا جبَال هَدّا َأنْ َد َ َيتَفَطّ ْرنَ ِمنْهُ َو َتنْشَقّ الْ َأرْض َوتَخِ ّر الْ ِ
شيْء ي وَمَا ِمنْ َ سبّح بِحَ ْمدِهِ " أَ ْ شيْء إِلّا يُ َ " " وَ َقوْله َ " :وإِنْ ِمنْ َ
سبِيحهمْ " أَيْ سبّح بِحَمْ ِد اللّه " وَلَ ِكنْ لَا تَفْ َقهُونَ تَ ْ ن الْمَخْلُوقَات إِلّا يُ َ ِم ْ
ف لُغَاتكُمْ وَهَذَا عَا ّم فِي خلَا ِسبِيحهمْ أَ ّيهَا النّاس لِ َأ ّنهَا بِ ِ لَا تَفْ َقهُونَ تَ ْ
شهَر الْ َقوْ َل ْينِ كَمَا َثبَتَ فِي ح َيوَانَات وَالْجَمَادَات وَال ّنبَاتَات وَهَذَا أَ ْ الْ َ
سبِيح الطّعَام عنْ ِابْن َمسْعُود َأنّهُ قَا َل ُكنّا نَسْمَع تَ ْ ي َ صَحِيح ا ْلبُخَارِ ّ
خذَ
وَ ُهوَ ُيؤْكَل .وَفِي حَدِيث َأبِي ذَ ّر َأنّ ال ّن ِبيّ صَلّى اللّه عَ َليْهِ وَسَلّمَ أَ َ
حنِينِ النّحْل وَكَذَا فِي يَد َأبِي سبِيح كَ َ صيَات فَسَمِ َع َل ُهنّ تَ ْ ح َ فِي يَده َ
شهُور فِي عنْهُمْ وَ ُهوَ حَدِيث مَ ْ عثْمَان َرضِيَ اللّه َ بَكْر َوعُمَر َو ُ
عبْد اللّه بْن عَمْرو قَالَ َ :نهَى ن َ عْ سنَن النّسَائِيّ َ الْمَسَانِيد وَفِي ُ
عنْ َقتْل الضّفْدَع وَقَالَ " نَقِيقهَا رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَ َليْهِ وَسَلّ َم َ
عبْد اللّه بْن عَمْرو َأنّ عنْ َ عبْد اللّه بْن ُأ َبيّ َ ن َعْ سبِيح " وَقَالَ َقتَادَة َ تَ ْ
الرّجُل إِذَا قَا َل لَا إِلَه إِلّا اللّه َف ِهيَ كَلِمَة الْإِخْلَاص اّلتِي لَا يَ ْقبَل اللّه
حتّى يَقُولهَا َوإِذَا قَالَ الْحَمْد لِلّ ِه َف ِهيَ كَلِمَة الشّكْر اّلتِي ن أَحَد عَمَلًا َ ِم ْ
حتّى يَقُولهَا َوإِذَا قَالَ اللّه أَ ْكبَر َف ِهيَ تَمْلَأ مَا عبْد َقطّ َ لَ ْم يَشْكُر اللّه َ
سبْحَان اللّه َف ِهيَ صَلَاة الْخَلَائِق اّلتِي َبيْن السّمَاء وَالْأَرْض َوإِذَا قَالَ ُ
سبِيح َ .وإِذَا قَالَ لَا حدًا ِمنْ خَلْقه إِلّا قَرّرَ ُه بِالصّلَاةِ وَالتّ ْ لَ ْم يَدَع اللّه أَ َ
ستَسْلَمَ .وَقَالَ عِكْرِمَة فِي عبْدِي وَا ْ حوْل وَلَا ُقوّة إِلّا بِاَللّهِ قَالَ أَسْلَمَ َ َ
سبّحطوَانَة تُ َ سُسبّح بِحَ ْمدِ ِه " قَالَ الْأُ ْ شيْء إِلّا يُ َ َقوْله تَعَالَى " َوِإنْ ِمنْ َ
طوَانَة السّا ِريَة -وَقَا َل بَعْض السّلَف صَرِير سبّح -الُْأسْ ُ جرَة تُ َ وَالشّ َ
سبِيحه قَالَ اللّه تَعَالَى َ " :وِإنْ ِمنْ سبِيحه َوخَرِير الْمَاء تَ ْ ا ْلبَاب تَ ْ
عنْعنْ َم ْنصُور َ ي َ سبّح بِحَمْدِ ِه " وَقَالَ سُ ْفيَان ال ّثوْرِ ّ شيْء إِلّا يُ َ َ
شهَد ِلهَذَا الْ َقوْل آيَة السّجْدَة فِي الْحَجّ سبّح َويَ ْ ِإبْرَاهِيم قَالَ الطّعَام يُ َ
ح َيوَان َونَبَات ن فِيهِ رُوح يَ ْعنُونَ ِمنْ َ سبّح َمنْ كَا َ خرُونَ إِنّمَا يُ َ وَقَالَ آ َ
سبّح بِحَ ْمدِ ِه " قَالَ ُكلّ شيْء إِلّا يُ َ قَا َل َقتَادَة فِي َقوْله َ " :وِإنْ ِمنْ َ
شيْء فِيهِ وَقَالَ الْحَسَن وَالضّحّاك سبّح ِمنْ شَجَر َأوْ َ شيْء فِيهِ رُوح يُ َ َ
أصحاب الخدود ومنظومة الكون 10
www.islamway.com
شيْء فِيهِ سبّح بِحَمْ ِدهِ " قَالَا ُكلّ َ شيْء إِلّا يُ َ فِي َقوْله َ " :وِإنْ ِمنْ َ
حيَى بْن ح ّد َثنَا يَ ْ
ح ّد َثنَا مُحَمّد بْن حُ َميْد َ جرِير َ : الرّوح .وَقَالَ ِابْن َ
خطّاب قَا َل ُكنّا مَ َع يَزِيد جرِير أَبُو الْ َ حبَاب قَالَا حَ ّد َثنَا َ وَاضِح وَ َزيْد بْن ُ
شيّخوَان َفقَالَ يَزِيد الرّقَا ِ حسَن فِي طَعَام فَ َقدّمُوا ا ْل ِ شيّ وَمَعَهُ الْ َ الرّقَا ِ
خوَان سبّح َمرّة -قُلْت الْ ِ ن يُ َخوَان ؟ فَقَالَ كَا َ سبّح َهذَا الْ ِ يَا َأبَا سَعْد يُ َ
ُه َو الْمَائِدَة ِمنْ الْخَشَب -فَكَ َأنّ ا ْلحَسَن رَحِمَ ُه اللّه َذهَبَ إِلَى أَنّهُ لَمّا
شبَة يَابِسَة ِانْقَطَعَ خ َ سبّح فَلَمّا ُقطِعَ َوصَارَ َ خضْرَة كَانَ يُ َ حيّا فِيهِ ُ كَانَ َ
عبّاس َأنّ َرسُول اللّه حدِيثِ ِابْن َ ستَ ْأنَس ِلهَذَا الْ َقوْل بِ َ سبِيحه وَ َقدْ يُ ْ تَ ْ
صَلّى اللّه عَ َليْهِ وَسَلّ َم مَ ّر بِ َقبْ َر ْينِ فَقَالَ ِ " :إنّهُمَا َليُعَ ّذبَانِ وَمَا يُعَ ّذبَانِ
س َتنْزِه ِمنْ ا ْل َبوْل َوأَمّا الْآخَر فَكَانَ ن لَا يَ ْ فِي َكبِير أَمّا أَحَدهمَا فَكَا َ
طبَة فَشَ ّقهَا نِصْ َف ْينِ ثُمّ غَ َرزَ فِي ُكلّ جرِيدَة رَ ْ يَمْشِي بِالنّمِيمَةِ " ثُمّ أَخَذَ َ
ع ْنهُمَا مَا لَمْ َييْبَسَا " أَخْ َرجَا ُه فِي َقبْر وَاحِدَة ثُمّ قَالَ " لَعَلّ ُه يُخَفّف َ
ح ْينِ قَالَ بَعْض َمنْ تَكَلّمَ عَلَى َهذَا الْحَدِيث ِمنْ الْعُلَمَاء إِنّمَا قَالَ الصّحِي َ
خضْرَة َفإِذَا َيبِسَا ِانْقَطَعَ ن مَا دَامَ فِيهِمَا ُ سبّحَا ِمَا لَمْ َي ْيبَسَا لِ َأ ّنهُمَا يُ َ
سبِيحهمَا َواَللّه َأعْلَم )4(. تَ ْ
فبان مما سبق أن استقرار ملك الملك ليس استقرارا حقيقيا وإن
اجتمع معه كل أهل الرض على وثنيته وكفره ما كان هذا استقرارا
,وإنما هو نشاذ ضئيل في مقابلة الكون الفسيح المستقر على
توحيد الخالق واتباع ناموسه العلوي بمنهج التسبيح المطلق .
ومن هنا فل يغتر المؤمن باستقرار أي مملكة من الممالك على
المخالفة ,وليطمئن قلب الموحد أن معه منظومة كونية مستقرة
على منهج التوحيد ولو بدا المؤمن وحده غريبا فردا في مقابلة
النظام الشاذ المخالف لمنهج التوحيد ,وهذا سر ثبات فتى قصتنا
العجيب ,فهو وافق ناموس الكون المسبح ل المعترف له
بالوحدانية الخاضع لحكمه وملكوته ,وخالف نشاذ الوثنية المحيطة
التي تعبر عن النشاذ المخالف للكون والفطرة السليمة .
أصحاب الخدود ومنظومة الكون 11
www.islamway.com
( )2آلت التخييل ومساندة الضلل
ولنكمل البحار في عالم قصتنا (وكان لـه ساحر) وهنا يأتي دور
التوجيه ,فناموس السموات والرض قائم على منهج واضح فريد
’ وقد بعث إله هذا الكون العظيم برسالته عبر وحي نزل على
رسله جميعا ليدلوا الناس عليه ويوضحوا لهم منهجه ,يقول الحق
سلً ّمبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ ِل َئلّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَى اللّهِ
تبارك وتعالى ( رّ ُ
س ِل وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ( ))165النساء حُجّةٌ بَعْدَ الرّ ُ
سلُ الْمُ ْرسَلِينَ ِإ ّل ويقول جل شأنه في سورة النعام :وَمَا نُ ْر ِ
خوْفٌ عَ َل ْيهِمْ َولَ هُمْ ُمبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَ َمنْ آ َمنَ َوَأصْلَحَ َفلَ َ
ح َزنُونَ ( , )48ويقول تعالى في سورة النحل موضحا منهج يَ ْ
التوحيد بجلء وسبب إرساله للرسل :وَلَ َقدْ بَ َع ْثنَا فِي ُكلّ أُمّةٍ رّسُولً
ج َتنِبُواْ الطّاغُوتَ فَ ِم ْنهُم ّمنْ هَدَى اللّهُ وَ ِم ْنهُم ّمنْ عبُدُواْ اللّهَ وَا ْ
َأنِ ا ْ
ف كَانَ عَا ِقبَةُ ض فَانظُرُواْ َكيْ َ حَقّتْ عَ َليْهِ الضّللَةُ َفسِيرُواْ فِي الَرْ ِ
الْمُكَ ّذبِينَ ( ) )36يقول المام ابن كثير في تفسير هذه الية َ :وبَعَثَ
فِي ُك ّل أُمّة أَيْ فِي ُكلّ َقرْن وَطَائِفَة ِمنْ النّاس رَسُولًا وَكُلّهمْ يَ ْدعُونَ
عبُدُوا اللّهسوَاهُ " َأنْ ُا ْ عبَادَة مَا ِ عنْ ِ عبَادَة اللّه َو َينْ َه ْونَ َإِلَى ِ
ج َتنِبُوا الطّاغُوت " فَلَ ْم يَ َزلْ تَعَالَى يُرْسِل إِلَى النّاس الرّسُل بِذَ ِلكَ وَا ْ
س َل إِ َليْهِمْ نُوح حدَثَ الشّرْك فِي َبنِي آدَم فِي َقوْم نُوح الّذِينَ أُرْ ِ ُمنْذُ َ
ختَ َمهُمْ بِمُحَمّدٍ وَكَانَ َأوّل َرسُول بَ َعثَهُ اللّه إِلَى أَهْل الْأَرْض إِلَى َأنْ َ
ن فِي الْمَشَارِق جّ عوَته الْ ِإنْس وَالْ ِ طبّقَتْ َد ْ صَلّى اللّه عَ َليْهِ وَسَلّ َم الّذِي َ
ن َقبْلك ِمنْ وَالْمَغَارِب وَكُلّهمْ كَمَا قَا َل اللّه تَعَالَى " وَمَا أَرْسَ ْلنَا ِم ْ
عبُدُونِي " وَ َقوْله تَعَالَى " رَسُول إِلّا نُوحِي إِ َليْهِ َأنّهُ لَا إِلَه إِلّا َأنَا فَا ْ
ن َقبْلك ِمنْ رُسُلنَا أَجَعَ ْلنَا ِمنْ دُون الرّحْمَن آ ِلهَة ن أَرْسَ ْلنَا ِم ْ
وَاسْ َألْ َم ْ
يُ ْعبَدُونَ " وَقَالَ تَعَالَى فِي هَ ِذهِ الْآيَة الْ َكرِيمَة " وَلَقَ ْد بَعَ ْثنَا فِي ُكلّ أُمّة
أصحاب الخدود ومنظومة الكون 12
www.islamway.com
حدٍ ِم ْ
ن ج َت ِنبُوا الطّاغُوت " فَ َكيْف يَسُوغ لِأَ َ عبُدُوا اللّه وَا ْ رَسُولًا َأنْ ُا ْ
عبَ ْدنَا ِمنْ دُونه ِمنْ شرِكِينَ بَعْد َهذَا َأنْ يَقُول " َلوْ شَاءَ اللّه مَا َ الْمُ ْ
عنْ ذَ ِلكَ عنْهُمْ ُم ْنتَ ِفيَة لِ َأنّهُ َنهَاهُ ْم َ
عيّة َ
شيْء " فَمَشِيئَته تَعَالَى الشّ ْر ِ َ
سنَة رُسُله وَأَمّا مَشِيئَته الْ َك ْو ِنيّة وَ ِهيَ تَمْكِينهمْ ِمنْ ذَ ِلكَ قَ َدرًا عَلَى أَلْ ِ
شيَاطِين حجّة َلهُمْ فِيهَا لِ َأنّهُ تَعَالَى خَ َلقَ النّار َوأَهْلهَا ِمنْ ال ّ فَلَا ُ
حجّة بَالِغَة وَحِكْمَة وَالْكَفَرَة وَ ُهوَ لَا يَ ْرضَى لِ ِعبَادِ ِه الْكُفْر وَلَهُ فِي ذَ ِلكَ ُ
خبَرَ َأنّهُ َأنْكَرَ عَ َل ْيهِمْ بِالْعُقُوبَةِ فِي ال ّد ْنيَا بَعْد
قَاطِعَة ثُمّ ِإنّهُ تَعَالَى قَ ْد أَ ْ
ِإنْذَار الرّسُل فَ ِلهَذَا قَالَ " فَ ِم ْنهُمْ َمنْ هَدَى اللّه وَ ِم ْنهُمْ َمنْ حَقّتْ عَ َليْهِ
ن عَا ِقبَة الْمُكَ ّذبِينَ " أَيْ الضّلَالَة َفسِيرُوا فِي الْأَرْض فَانْظُرُوا َكيْف كَا َ
حقّ َكيْف " دَمّرَ اِسْأَلُوا عَمّا كَانَ ِمنْ أَمْر َمنْ خَالَفَ الرّسُل وَكَذّبَ الْ َ
ب الّذِينَ ِمنْ َقبْلهمْ اللّه عَ َليْهِمْ وَلِلْكَا ِفرِينَ أَ ْمثَالهَا " فَقَالَ " وَلَقَ ْد كَذّ َ
فَ َكيْف كَانَ نَكِير " )5(.
وعلى النقيض من منهج التوحيد ومخالفة ناموس السموات
والرض نجد نظام ملك قصتنا ومعه كل نظام شاذ مخالف لمنهج
التوحيد يبحث عن آلة توصل للجماهير منهجه المتهالك وتصدهم
عن أي منهج مخالف ,وتساند شذوذه في مقابلة التسبيح الكوني ,
فل يجد إل السحر والتخييل ,في نخب تجتمع معه على الستقرار
الظاهر والمصالح الدنيوية البحتة ,جاهلة أو متجاهلة لحقيقة هذا
الستقرار ,ومشاركة بقصد أو بجهل في شذوذ هذا النظام عن
منظومة التوحيد والتسبيح الكونية ,ومن هنا فنظام الملك ل يستقر
بدون هذه النخب التخييلية التي تكون واسطة بينه وبين الجماهير
تزين لهم الباطل وتغير في أذهانهم المفاهيم وتزيف الحقائق ,
وساحر الملك هو صورة بدائية ساذجة من آلت التزييف وفي
واقعنا المعاصر تتضخم هذه اللة وتتنازل عن بدائيتها لتشمل
منظومة فكرية شاذة تخالف منهج التوحيد والتسبيح الكوني سواء
كانت نخب ثقافية أو إعلمية أو صحافية ,تجند الجنود في شتى
أصحاب الخدود ومنظومة الكون 13
www.islamway.com
مناحي ووسائل التوجيه المباشر وغير المباشر وتعضدها اليد
الباطشة المتمثلة في اللة العسكرية التي تكرس كل طاقتها لتنفيذ
منهج هذه اللة التخييلية التي تثبت هذا النظام .
ضرَ أَجَلِي فَادْفَعْ
ح َ
سنّي وَ َ
(فَلَمّا َكبِرَ السّاحِر قَا َل لِلْمَ ِلكِ ِإنّي قَ ْد َكبِرَ ِ
إِ َليّ غُلَامًا لُِأعَلّمهُ السّحْر)
وهذا هو البحث عن المتداد الزمني للمنهج المخالف ولللة
التخييلية والذي يؤدي لمتداد التأثير على الجماهير وباختلف
ظروف النظمة المخالفة للمنهج السماوي عبر التاريخ تختلف
اللت التخييلية المساندة لتلك النظمة وكيفية استغللها وانتشار
أثرها وامتداد تأثيرها زمنيا لتذلل مفاهيم الجماهير وتصوراتهم
وتوطئ الرض لثبات هذه النظمة واستقرارها الموهوم .
يقول الشيخ رفاعي سرور في كتابه (أصحاب الخدود ) :
وهنا يبرز معنى جديد وهو أن الساحر -لما كبر -وعاش عمره
في تهيئة الواقع للملك مستفيدا ومنعما لم يصبح المر بالنسبة لـه
منفعة ذاتية بل أصبح ذاته نفسها التي أحب أن تستمر في شخص
الغلم فقد قضى عمره ساحرا ولبد من امتداد لهذا العمر بعمر
جديد ..فكان طلبه للغلم ،ولكننا ل يجب أن نتوقف عند هذا الحد
في تفسير طلب الساحر للغلم إذ أننا نرى الدافع إلى هذا الطلب هو
الشيطان القائم على أمر الجاهلية بأجيالها الممتدة ،حيث أن
الشيطان يملك تجربة الوجود النساني كله من بدايته والتي يستطيع
بها ربط الأجيال الجاهلية كلها جيلً بعد جيل ليستهلك تلك الجيال
كلها باستمرار الفساد وبقائه.
www.islamway.com
www.islamway.com
لذا فالدور المرتقب لهذا الغلم دور كبير تتعلق عليه آمال الملك
وطموحاته في امتداد ملكه والستقرار الموهوم لمملكته .
( )3حتمية المتداد التاريخي للت التخييل
ولنكمل معايشتنا لحداث القصة مع بطلها الناشئ الذي تم اختياره
بعناية فائقة ليرث قيادة اللة التخييلية الموطئة لنظام الملك .
حيث تتدخل العناية اللهية في توجيه الغلم ليكون سببا لكسر
كبرياء هذا الملك وإنهاء شذوذه عن منظومة التوحيد الكونية .
يقول صلى ال عليه وسلم :
(وَكَانَ َبيْن السّاحِر َو َبيْن الْمَلِك رَاهِب فَ َأتَى الْغُلَام عَلَى الرّاهِب
جبَهُ).
عَ ن كَلَامه فَ َأ ْ
َفسَمِعَ ِم ْ
وهنا تكون هداية التوفيق من ال عز وجل والتي تقتضيها حكمته
البالغة في خلقه ,مصداقا لقوله تبارك وتعالى ِ( :إنّ الّذِينَ كَفَرُواْ
سيُنفِقُو َنهَا ثُمّ تَكُونُ عَ َل ْيهِمْ
سبِيلِ اللّهِ فَ َ
يُنفِقُونَ أَ ْموَالَهُمْ ِل َيصُدّواْ عَن َ
شرُونَ () )36النفال ج َهنّمَ يُحْ َ
حَسْ َرةً ثُمّ يُغْ َلبُونَ وَالّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى َ
سيُنْفِقُونَ أَ ْموَالهمْ فِي ذَ ِلكَ يقول المام الطبري في تفسير الية َ :ف َ
حسْرَة } يَقُول َ :تصِير نَدَامَة { ثُمّ تَكُون } نَفَقَتهمْ تِ ْلكَ { عَ َل ْيهِمْ َ
عَ َل ْيهِمْ ,لِ َأنّ أَ ْموَالهمْ تَذْهَب ,وَلَا يَظْفَرُونَ بِمَا يَأْمُلُونَ وَيَطْمَعُونَ فِيهِ
ن إِطْفَاء نُور اللّه َ ,وِإعْلَاء كَلِمَة الْكُفْر عَلَى كَلِمَة اللّه ,لِ َأنّ اللّه ِم ْ
مُ ْعلٍ كَلِمَته ,وَجَاعِل كَلِمَة الْكُفْر السّفْلَى ,ثُمّ يَغْلِبهُمْ الْ ُمؤْ ِمنُونَ ,
ج َهنّم َ ,فيُعَ ّذبُونَ فِيهَا , َويَحْشُر اللّه الّذِينَ كَفَرُوا بِهِ َوبِ َرسُولِهِ إِلَى َ
حيّ ك ! أَمّا الْ َ
ش ِم ْنهُمْ وَ َمنْ هَ َل َ
حسْرَة َونَدَامَة لِ َمنْ عَا َ عظِمْ ِبهَا َ
فَ َأ ْ
جعَ مَغْلُوبًا مَ ْقهُورًا غيْر َدرْك وَلَا نَفْع وَرَ َ َفحُرِ َم مَاله وَ َذهَبَ بَاطِلًا فِي َ
جلَ بِهِ إِلَى نَار اللّه ب َوعُ ّ َمحْزُونًا مَسْلُوبًا ; َوأَمّا ا ْلهَالِك :فَ ُق ِتلَ وَسُلِ َ
غضَبه . يَخْلُد فِيهَا ,نَعُوذ بِاَللّ ِه ِمنْ َ
أصحاب الخدود ومنظومة الكون 16
www.islamway.com
فالملك أنفق الموال ليمتد أثر التخييل والدجل الموطئ لملكه وال
أراد أن تكون تلك النفقة لعلء كلمته ,ونشر دينه ,فنفس
الوسيلة التي يعدها الملك لتعبيد الجماهير هي نفسها التي وجهها
ال للدللة على ملكوته ( ,وَاللّهُ ُمتِمّ نُورِ ِه وَ َلوْ كَ ِرهَ الْكَا ِفرُونَ ())8
الصف .
نجلس الن مع الغلم والراهب ونشاهد الحداث عن قرب مع
الغلم ونكمل:
ض َربُوهُ
حبَسَك َوإِذَا َأتَى أَهْله َ وَكَانَ إِذَا أَتَى السّاحِر ضَ َربَهُ وَقَا َل مَا َ
حبَسَك َفشَكَا ذَ ِلكَ إِلَى الرّاهِب َفقَالَ إِذَا أَرَادَ السّاحِر َأنْوَقَالُوا مَا َ
سنِي
حبَ َ سنِي أَهْلِي َوإِذَا أَرَادَ أَهْلُك َأنْ َيضْ ِربُوك َف ُقلْ َ
حبَ َ
َيضْرِبك فَ ُقلْ َ
السّاحِر .
وهنا نلمح بداية اختبار ال لعبده وتهيئته لمهمة أكبر فالغلم الن
يبتلى ليثبت تعلقه بالراهب ,فلو لم يتعلق الغلم بالراهب وبتعاليمه
ما تحمل الضرب واليذاء في سبيل الستماع إليه .
حسِبَ النّاسُ أَن ُيتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آ َمنّا وَهُمْ لَا يُ ْف َتنُونَ قال تعالى ( :أَ َ
( )2وَلَقَ ْد َف َتنّا الّذِينَ مِن َقبْ ِلهِمْ َفَليَعْلَ َمنّ اللّهُ الّذِينَ صَدَقُوا وَ َليَعْلَ َمنّ
الْكَا ِذبِينَ ( . ) )3العنكبوت
وهنا سنة من السنن الكونية هي سنة البتلء ,فعلى المؤمن أن
يعي أن الختبار ليس كرها وبغضا من ال لشخصه وإنما هو
لحكمة بالغة ,يقول المام ابن كثير في تفسير هذه اليات :
حسِبَ النّاسُ َأنْ ُيتْرَكُوا َأنْ يَقُولُوا آ َمنّا وَهُمْ لَا يُ ْف َتنُونَ
أَ َ
عبَاده
سبْحَانه َوتَعَالَى لَا بُدّ َأنْ َي ْبتَلِي ِ
ستِ ْفهَام ِإنْكَار وَمَعْنَا ُه َأنّ اللّه ُ
اِ ْ
ن الْإِيمَان كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيث الصّحِيح عنْدهمْ ِم ْ
حسَبِ مَا ِ الْ ُمؤْ ِمنِينَ بِ َ
أصحاب الخدود ومنظومة الكون 17
www.islamway.com
" أَشَ ّد النّاس بَلَاء الْ َأنْ ِبيَاء ثُمّ الصّالِحُونَ ثُمّ الْأَ ْمثَل فَا ْلأَ ْمثَل ُي ْبتَلَى
ن كَانَ فِي دِينه صَلَابَة زِي َد لَهُ فِي ا ْلبَلَاء " الرّجُل عَلَى حَسَب دِينه فَ ِإ ْ
سبْتُمْ َأنْ ُتتْرَكُوا وَلَمّا يَعْلَم اللّه الّذِينَ ح ِ
وَ َهذِ ِه الْآيَة كَ َقوْلِهِ " :أَمْ َ
جَاهَدُوا ِمنْكُمْ َويَعْلَم الصّابِرِينَ " وَمِثْلهَا فِي سُورَة بَرَاءَة وَقَالَ فِي
جنّة وَلَمّا يَ ْأتِكُمْ َمثَل الّذِينَ خَ َلوْا ِمنْ س ْبتُمْ َأنْ تَدْخُلُوا الْ َ
ح ِ
ا ْلبَقَرَة " أَمْ َ
حتّى يَقُول الرّسُول َواَلّذِينَ س ْتهُمْ الْبَأْسَاء وَالضّرّاء َوزُلْزِلُوا َ َقبْلكُمْ َم ّ
آ َمنُوا مَعَ ُه َمتَى َنصْر اللّه أَلَا ِإنّ َنصْر اللّه قَرِيب " .
ن َقبْ ِلهِمْ فَ َليَعْلَ َمنّ اللّهُ الّذِينَ صَدَقُوا وَ َليَعْلَ َمنّ
وَلَ َقدْ َف َتنّا الّذِينَ ِم ْ
الْكَا ِذبِينَ
وَ ِلهَذَا قَالَ َه ُهنَا " وَلَقَ ْد َف َتنّا الّذِينَ ِمنْ َقبْلهمْ فَ َليَعْلَ َمنّ اللّه الّذِينَ
عوَى الْإِيمَان مِ ّمنْ صَدَقُوا وَ َليَعْلَ َمنّ الْكَا ِذبِينَ " أَيْ الّذِينَ صَدَقُوا فِي َد ْ
ن وَمَاسبْحَانه َوتَعَالَى يَعْلَم مَا كَا َ عوَا ُه َواَللّه ُ ُه َو كَاذِب فِي َقوْله وَ َد ْ
عنْد َأئِمّةيَكُون وَمَا لَ ْم يَ ُكنْ َلوْ كَانَ َكيْف يَكُون .وَ َهذَا مُجْمَع عَ َليْهِ ِ
غيْره فِي ِمثْل َقوْله " إِلّا عبّاس َو َ سنّة وَالْجَمَاعَة َوبِهَذَا يَقُول ِابْن َ ال ّ
ِلنَعْلَم " إِلّا ِلنَرَى َوذَ ِلكَ لِ َأنّ ال ّر ْؤيَة إِنّمَا تَتَعَلّق بِالْ َموْجُودِ وَالْعِلْم َأعَمّ
ِمنْ ال ّر ْؤيَة فَ ِإنّهُ َيتَعَلّق بِالْمَ ْعدُومِ وَالْمَوْجُود )7(.
( )4مريد الحق وهداية التوفيق
ونلحظ هنا أن الراهب دعا الغلم إلى الخروج من المأزق باستخدام
الحيلة والخداع ,والحيلة هنا كانت استخدام الكذب في القول ,
وهذا اجتهاد واضح من الراهب في إفتاء الغلم في مسألة عين
يرى فيها جواز الكذب لمصلحة راجحة ودفع مفسدة محققة ,
والمر يتعلق بحالة بين مؤمن وطرف وثني معاند يمتلك إيذاءه .
حبَسَ ْ
ت (قَالَ َف َبيْنَمَا ُهوَ ذَات َيوْم إِذْ َأتَى عَلَى دَابّة َفظِيعَة عَظِيمَة قَدْ َ
حبّستَطِيعُونَ َأنْ يَجُوزُوا فَقَالَ ا ْل َيوْم َأعْلَم أَمْر الرّاهِب أَ َ
النّاس فَلَا يَ ْ
أصحاب الخدود ومنظومة الكون 18
www.islamway.com
حجَرًا فَقَالَ الّلهُمّ ِإنْ كَانَ أَمْر خذَ َ
إِلَى اللّه أَمْ أَمْر السّاحِر قَا َل فَأَ َ
حتّى يَجُوز ب إِلَيْك َوأَ ْرضَى ِمنْ السّاحِر فَا ْق ُتلْ هَ ِذهِ الدّابّة َ الرّاهِب أَحَ ّ
خبَرَ الرّاهِب بِذَ ِلكَ فَقَالَ أَيْ النّاس َورَمَاهَا فَ َقتَ َلهَا وَ َمضَى النّاس فَ َأ ْ
س ُتبْتَلَى فَ ِإنْ ُا ْبتُلِيت َفلَا تَ ُدلّ عَ َليّ )
ت أَفْضَل ِمنّي َوِإنّك َ ُب َنيّ أَنْ َ
هنا ترسيخ لمسألة الختبار والبتلء هذه السنة الكونية التي يميز
ال بها الخبيث من الطيب ,ونتيجة الثبات تكون هداية التوفيق
( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ) العنكبوت .
ونلحظ من دعاء الغلم محبته وتعلقه بالراهب وبأمره لنه بدأ به ,
وكذا بيان أن هذا الراهب كان من طائفة موحدة تعتقد بوحدانية ال
لن الغلم في دعاءه وفي باقي القصة يتحدث عن ال وحده ,ولم
يتحدث عن المسيح أو عن ثلثة أقانيم ,وهذه الطائفة الموحدة
كانت مضطهدة متناثرة في البقاع في هذا الوقت ,وهذا ما بينه
الرسول صلى ال عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم وأحمد
وغيرهما عن عياض بن حمار رضي ال عنه وأرضاه أن النبي
صلى ال عليه وسلم قال{ :إن ال تعالى قال :كل مال نحلته عبدا
حلل ،وإني خلقت عبادي كلهم حنفاء ،وإنهم أتتهم الشياطين
فاجتالتهم عن دينهم ،وحرمت عليهم ما أحللت لهم ،وأمرتهم أن
يشركوا بي ما لم أنـزل به سلطانا ،وإن ال تبارك وتعالى نظر إلى
أهل الرض فمقتهم ،عربهم وعجمهم ،إل بقايا من أهل الكتاب}
ومن هؤلء طائفة تسمى الريوسية نسبة إلى أريوس الذي أرسى
عقيدة التوحيد والعتراف ببشرية عيسى عليه السلم ,ووجود مثل
هذه الطوائف وعقائدها يفسر دخول الكثير من النصارى في
السلم أثناء الفتوحات السلمية نظرا لن العقيدة السلمية هي
الوحيدة الموافقة لما تشير إليه هذه العقائد والتي كانت منتشرة
ومعروفة رغم اضطهاد أصحابها وتفرق أماكنهم.
أصحاب الخدود ومنظومة الكون 19
www.islamway.com
ويؤكد هذا القول باقي سياق القصة :
(فَكَانَ الْغُلَام ُيبْرِئ الْأَكْمَه وَالْ َأبْرَص وَسَائِر الْ َأ ْدوَاء َويَشْفِيهِمْ وَكَانَ
لِلْمَ ِلكِ جَلِيس فَعَ ِميَ فَسَمِ َع بِهِ فَ َأتَا ُه ِبهَدَايَا َكثِيرَة فَقَا َل اِشْ ِفنِي وَلَك مَا
جلّ َفِإنْ
عزّ وَ َحدًا ِإنّمَا يَشْفِي اللّه َ هَا ُهنَا أَجْمَع فَقَالَ مَا َأنَا أَشْفِي أَ َ
ن فَ َدعَا اللّه فَشَفَاهُ) عوْت اللّه فَشَفَاك فَآ َم َ آ َمنْت بِهِ َد َ
فالغلم يدعو إلى ال الواحد ,وينزهه عن الشريك ويرفض رفضا
قاطعا أن ينسب الشفاء لنفسه ,وهنا يتحول الغلم إلى أحد جنود
ملكوت السموات والرض ,وينتظم مع منهج التوحيد و التسبيح
الكوني ,ليمثل لؤلؤة مضيئة في هذا العقد الفريد .
وهنا يتبين عظمة الستشفاء بالرقى الشرعية والدعاء ,فالغلم لم
يفعل أكثر من الدعاء بقلب موقن لهذا المريض ,في موقف تحدي
وفرقان بين الكفر واليمان فأيده ال تعالى وأظهر على يديه دلئل
الوحدانية .
يقول تعالى ( :أَمّن يُجِيبُ الْ ُمضْطَ ّر إِذَا َدعَاهُ َويَكْشِفُ السّوءَ َويَجْعَلُكُ ْم
ض َأإِلَهٌ مّ َع اللّهِ قَلِيلًا مّا تَذَكّرُونَ ( ))62النمل يقول ابن خُلَفَاء الْأَرْ ِ
عوّ
كثير رحمه ال في تفسير هذه الية ُ :ي َنبّه تَعَالَى َأنّهُ ُه َو الْمَ ْد ُ
عنْد النّوَازِل كَمَا قَالَ تَعَالَى َ " :وإِذَا َمسّكُمْ جوّ ِ عنْد الشّدَائِد الْ َمرْ ُ
ِ
ن تَ ْدعُونَ إِلّا ِإيّاهُ " وَقَالَ تَعَالَى " :ثُمّ إِذَا الضّ ّر فِي ا ْلبَحْر ضَلّ َم ْ
طرَّمسّكُمْ الضّرّ فَِإَليْهِ تَجْأَرُونَ " وَهَ َكذَا قَالَ َه ُهنَا " أَ ّمنْ يُجِيب الْ ُمضْ َ
إِذَا َدعَا ُه " أَيْ َمنْ ُه َو الّذِي لَا يَلْجَأ الْ ُمضْطَرّ إِلّا إِ َليْهِ َواَلّذِي لَا يَكْشِف
سوَا ُه قَالَ الْإِمَام أَحْمَد َأ ْنبَ َأنَا عَفّان َأ ْنبَأَنَا وُ َهيْبضُ ّر الْ َمضْرُورِينَ ِ
جيْم قَالَ عنْ رَجُل ِمنْ بَ ْلهُ َ جيْ ِميّ َ عنْ َأبِي تَمِيمَة ا ْلهُ َ َأ ْنبَأَنَا خَالِد الْحَذّاء َ
قُلْت يَا رَسُول اللّه إِلَا َم تَ ْدعُو ؟ قَالَ " أَ ْدعُو إِلَى اللّه وَحْده الّذِي ِإنْ
عوْته ض قَفْر فَ َد َ عنْك َواَلّذِي ِإنْ َأضْلَلْت بِ َأرْ ٍ ف َ عوْته كَشَ َ َمسّك ضُ ّر فَ َد َ
صنِي عوْته َأنْبَتَ لَك " قَالَ قُلْت َأوْ ِ سنَة فَ َد َ
رَ ّد عَ َليْك وَاَلّذِي ِإنْ َأصَابَتْك َ
أصحاب الخدود ومنظومة الكون 20
www.islamway.com
حدًا وَلَا تَ ْزهَ َدنّ فِي الْمَ ْعرُوف وَ َلوْ َأنْ تَلْقَى أَخَاك س ّبنّ أَ َ
قَالَ " لَا تَ ُ
ستَقِي َوَأنْتَ ُم ْنبَسِط إِ َليْهِ وَجْهك وَ َل ْو َأنْ تُفْرِغ ِمنْ دَلْوك فِي ِإنَاء الْ ُم ْ
سبَال الْ ِإزَار وَاتّزِ ْر إِلَى ِنصْف السّاق فَ ِإنْ َأ َبيْت فَإِلَى الْكَ ْعبَ ْينِ َوِإيّاكَ وَإِ ْ
ب الْمَخِيلَة" وَ َقدْ َروَاهُ سبَال الْإِزَار ِمنْ الْمَخِيلَة َوِإنّ اللّه لَا يُحِ ّ ن إِ ْ
فَ ِإ ّ
ح ّدثَنَا عَفّان ن وَجْه آخَر َفذَكَرَ اِسْم الصّحَابِيّ فَقَالَ َ : الْإِمَام أَحْمَد ِم ْ
ع َبيْدَة
عبَيْد حَ ّد َثنَا ُح ّد َثنَا يُونُس ُهوَ ِابْن ُ حَ ّد َثنَا حَمّاد بْن سَلَمَة َ
عنْ جَابِر بْن سُ َليْم جيْمِيّ َ ن أَبِي تَمِيمَة ا ْلهُ َ عْ عنْ َأبِيهِ َ جيْ ِميّ َ ا ْلهُ َ
حتَبٍ جيْ ِميّ قَالَ َ :أتَيْت رَسُول اللّه صَلّى اللّه عَ َليْهِ وَسَلّمَ وَ ُهوَ ُم ْ ا ْلهُ َ
بِشَمْلَ ٍة وَقَ ْد وَقَعَ ُهدْبهَا عَلَى قَدَ َميْهِ فَقُلْت َأيّكُمْ مُحَمّد َرسُول اللّه ؟
فَ َأوْمَ َأ ِبيَدِهِ إِلَى نَفْسه فَقُلْت يَا َرسُول اللّه َأنَا ِمنْ أَهْل ا ْلبَا ِديَة وَ ِفيّ
ش ْيئًا وَ َلوْ َأنْ تَلْقَى ن الْمَعْرُوف َ حقِ َرنّ ِم ْصنِي قَالَ " لَا تَ ْ جَفَاؤُهُمْ فَ َأ ْو ِ
ستَقِي َوِإنْ أَخَاك َووَجْهك ُمنْبَسِط وَ َلوْ َأنْ تُفْرِغ ِمنْ دَلْوك فِي ِإنَاء الْمُ ْ
شتُمهُ بِمَا تَعْلَم فِيهِ فَ ِإنّهُ يَكُون لَك شتَمَك بِمَا يَعْلَم فِيك َفلَا تَ ْ اِمْ ُرؤُ َ
سبَال الْإِزَار ِمنْ سبَال الْ ِإزَار َفِإنّ إِ ْ أَجْره َوعَلَيْهِ ِوزْره َوِإيّاكَ َوإِ ْ
س َببْت س ّبنّ أَحَدًا " قَالَ فَمَا َ ب الْمَخِيلَة وَلَا تَ ُ الْمَخِيلَة وَِإنّ اللّه لَا يُحِ ّ
حدًا وَلَا شَاة وَلَا بَعِيرًا وَقَدْ َروَى َأبُو دَاوُد وَالنّسَا ِئيّ ِلهَذَا بَعْده أَ َ
طرَف صَالِح ِمنْهُ وَقَا َل اِبْن َأبِي حَاتِم حَ ّد َثنَا عنْدهمَا َ طرُقًا َو ِ حدِيث ُ الْ َ
حجّاج ن عُمَر بْن الْ َ عْعبْدَة بْن نُوح َ َأبِي حَ ّد َثنَا عَ ِليّ بْن هِشَام حَ ّد َثنَا َ
خلَ عَ َليّ طَاوُس يَعُودنِي فَ ُقلْت ع َبيْد اللّه بْن َأبِي صَالِح قَالَ َ :د َ عنْ ُ َ
عبْد الرّحْمَن فَقَالَ اُ ْدعُ ِلنَفْسِك فَ ِإنّهُ يُجِيب لَ ُه اُ ْدعُ اللّه لِي يَا َأبَا َ
الْ ُمضْطَ ّر إِذَا َدعَاهُ وَقَا َل وَهْب بْن ُم َنبّه َق َرأْت فِي الْ ِكتَاب الْ َأوّل ِإنّ
ن ِاعْ َتصَمَ بِي فَ ِإنْ كَا َدتْهُ السّ َموَات اللّه تَعَالَى يَقُول :بِعِ ّزتِي ِإنّهُ َم ْ
بِ َمنْ فِي ِهنّ وَالْأَرْض بِ َمنْ فِي ِهنّ فَ ِإنّي أَجْعَل لَ ُه ِمنْ َبيْن ذَ ِلكَ َمخْ َرجًا
ن تَحْت َقدَ َميْهِ الْأَرْض فََأجْعَلهُ وَ َمنْ لَ ْم يَ ْعتَصِم بِي فَ ِإنّي أَخْسِف بِهِ ِم ْ
فِي ا ْل َهوَاء فَأَكِلُ ُه إِلَى نَفْسه .وَذَ َكرَ الْحَافِظ ِابْن عَسَاكِر فِي تَ ْرجَمَة
ي الْمَعْرُوف بِالدّ ّقيّ عنْهُ َأبُو بَكْر ُمحَمّد بْن دَاوُد الدّي َنوَرِ ّ رَجُل حَكَى َ
الصّو ِفيّ قَالَ َهذَا الرّجُل ُكنْت أُكَارِي عَلَى بَغْل لِي ِمنْ دِمَشْق إِلَى بَلَد
أصحاب الخدود ومنظومة الكون 21
www.islamway.com
عْ
ن ال ّز ْبدَا ِنيّ َفرَكِبَ مَعِي ذَات مَرّة رَجُل فَ َمرَ ْرنَا عَلَى بَعْض الطّرِيق َ
خ َيرَة غيْر َمسْلُوكَة فَقَالَ لِي خُ ْذ فِي َهذِ ِه فَ ِإ ّنهَا أَقْرَب فَقُلْت لَا ِ طَرِيق َ
لِي فِيهَا فَقَالَ َبلْ ِهيَ أَ ْقرَب َفسَلَ ْكنَاهَا فَا ْن َت َهيْنَا إِلَى مَكَان َوعْر َووَادٍ
حتّى َأنْزِل َفنَ َزلَ سكْ َرأْس ا ْلبَغْل َ عَمِيق وَفِيهِ َقتْلَى َكثِيرَة فَقَا َل لِي أَمْ ِ
سلّ سِكّينًا مَعَهُ وَ َقصَ َدنِي فَ َفرَرْت ِمنْ َبيْن َوتَشَمّ َر وَجَمَ َع عَ َليْهِ ِثيَابه َو َ
خذْ ا ْلبَغْل بِمَا عَ َليْهِ فَقَا َل ُهوَ لِي
شدْته اللّه وَقُلْت ُ يَ َديْهِ َو َتبِ َعنِي َفنَا َ
ستَسْلَمْت بَيْن يَ َديْهِ خوّفْته اللّه وَالْعُقُوبَة فَلَ ْم يَ ْقبَل فَا ْ َوِإنّمَا أُرِيد َقتْلك فَ َ
جلْ فَقُمْت عّ حتّى ُأصَلّي رَكْ َع َت ْينِ فَقَالَ َ وَقُلْت ِإنْ َرَأيْت َأنْ َتتْرُكنِي َ
حضُرنِي ِمنْهُ حَرْف وَاحِد َفبَقِيت وَاقِفًا ج عَ َليّ الْقُرْآن فَلَمْ يَ ْ ُأصَلّي فَأُ ْرتِ َ
جرَى اللّه عَلَى ِلسَانِي َقوْله تَعَالَى " : غ فَأَ ْحيّرًا وَ ُهوَ يَقُول هِيهِ اُفْ ُر ْ ُمتَ َ
طرّ إِذَا َدعَا ُه َويَكْشِف السّوء " فَإِذَا َأنَا بِفَارِسٍ َقدْ أَ ّمنْ يُجِيب الْ ُمضْ َ
طأَتْ ُفؤَاده أَ ْق َبلَ ِمنْ فَم ا ْلوَادِي َوبِيَ ِدهِ حَ ْربَة َفرَمَى ِبهَا الرّجُل فَمَا أَخْ َ
س وَقُلْت بِاَللّ ِه َمنْ َأنْتَ ؟ فَقَا َل أَنَا رَسُول َفخَ ّر صَرِيعًا َفتَعَلّقْت بِالْفَارِ ِ
الّذِي يُجِيب الْ ُمضْطَ ّر إِذَا َدعَاهُ َويَكْشِف السّوء قَالَ فََأخَذْت الْبَغْل
وَالْحِمْل َورَجَعْت سَالِمًا .
وَ َقوْله تَعَالَى َ " :ويَجْعَلكُمْ خُلَفَاء الْأَرْض " أَيْ يَخْلُف َق ْرنًا لِ َق ْرنٍ َقبْلهمْ
ن بَعْدكُمْ ستَخْلِف ِم ْف كَمَا قَالَ تَعَالَى ِ " :إنْ يَشَأْ يُذْ ِهبْكُمْ َويَ ْ
وَخََلفًا ِلسَلَ ٍ
مَا يَشَاء كَمَا َأنْشَأَكُمْ ِمنْ ذُ ّريّة َقوْم آخَرِينَ " وَقَالَ تَعَالَى" وَ ُهوَ الّذِي
جَعَلَكُمْ خَلَائِف الْأَرْض َورَفَعَ بَعْضكُمْ َفوْق بَعْض دَ َرجَات " وَقَالَ تَعَالَى
ي َقوْمًاَ " :وإِذْ قَالَ َربّك لِلْمَلَائِكَةِ ِإنّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة " أَ ْ
يَخْلُف بَعْضهمْ بَعْضًا كَمَا قَدّ ْمنَا تَقْرِيره وَهَكَذَا هَ ِذهِ الْآيَة " َويَجْعَلكُمْ
خُلَفَاء الْأَرْض " أَيْ أُمّة بَعْد أُمّة وَجِيلًا بَعْد جِيل وَ َقوْمًا بَعْد َقوْم وَ َلوْ
شَاءَ َلَأوْجَدَهُ ْم كُلّهمْ فِي وَقْت وَاحِد وَلَمْ يَجْعَل بَعْضهمْ ِمنْ ذُ ّريّة بَعْض
َبلْ َلوْ شَا َء لَخَلَ َقهُمْ كُلّه ْم أَجْمَعِينَ كَمَا خَ َلقَ آدَم ِمنْ تُرَاب وَ َلوْ شَاءَ
حتّى تَكُون حدًا َ
َأنْ يَجْعَلهُمْ بَعْضهمْ ِمنْ ذُ ّريّة بَعْض وَلَ ِكنْ لَا يُمِيت أَ َ
ع ْنهُمْ الْأَرْض َو َتضِيق وَفَاة الْجَمِيع فِي وَقْت وَاحِد لَكَانَتْ َتضِيق َ
أصحاب الخدود ومنظومة الكون 22
www.islamway.com
ض وَلَ ِكنْ اِ ْقتَضَ ْ
ت عَ َل ْيهِمْ مَعَايِشهمْ َوأَكْسَابهمْ َويَ َتضَرّر بَعْضهمْ ِببَعْ ٍ
حِكْمَته وَقُدْرَته َأنْ يَخْلُقهُمْ ِمنْ نَفْس وَاحِدَة ثُمّ يُ َكثّرهُمْ غَايَة الْ َكثْرَة
حتّىَويَ ْذرَأهُمْ فِي الْأَرْض َويَجْعَلهُمْ ُقرُون بَعْد قُرُون َوأُمَمًا بَعْد أُمَم َ
َينْ َقضِي الْ َأجَل َوتَفْرُغ ا ْلبَ ِريّة كَمَا قَدّرَ ذَ ِلكَ َتبَا َركَ َوتَعَالَى وَكَمَا
عدّا ثُمّ يُقِيم الْ ِقيَامَة َو ُيوَفّي ُكلّ عَامِل عَمَله إِذَا بَلَغَ حصَاهُ ْم َوعَدّهُمْ َ أَ ْ
الْ ِكتَاب أَجَله وَ ِلهَذَا قَالَ تَعَالَى " :أَ ّمنْ يُجِيب الْ ُمضْطَرّ ِإذَا َدعَاهُ
َويَكْشِف السّوء َويَجْعَلكُمْ خُلَفَاء الْأَرْض َأإِلَه مَ َع اللّه " أَيْ يَ ْقدِر عَلَى
ذَ ِلكَ َأوْ َأإِلَه مَ َع اللّه يُ ْعبَد ؟ وَ َقدْ عُلِمَ َأنّ اللّه ُهوَ الْ ُمتَفَرّد بِفِ ْعلِ ذَ ِلكَ
ي مَا أَ َقلّ تَذَكّرهمْ فِيمَا وَحْده لَا شَرِيك لَ ُه ؟ " قَلِيلًا مَا تَذَكّرُونَ " أَ ْ
ستَقِيم ()8 حقّ َو َيهْدِيهِمْ إِلَى الصّرَاط الْمُ ْ يُ ْرشِدهُ ْم إِلَى الْ َ
يقول الشيخ رفاعي سرور :
وعندما قال الغلم( :أنا ل أشفي أحدا ولكن ال هو الذي يشفي)
إنما أكد بذلك عقيدته من خلل المنفعة التي قدمها للجليس .وهذا
هو الساس الول الذي تقوم عليه فكرة تأليف القلوب في الدعوة إذ
أنه يجب أن ترتبط المنفعة المقدمة بالعقيدة المعروضة وهذا
الارتباط هو الذي سيعطي لتلك العقيدة قيمتها في نفوس الناس
ابتداءا .فهناك فارق بين تقديم المنفعة لمجرد المنفعة والمنفعة
لتأكيد العقيدة ( .أصحاب الخدود – رفاعي سرور)
وفي موضع آخر يقول :قوله ..( :إنما يشفي ال )..ردا على
الجليس عندما طلب الشفاء ،وردا على الملك عندما ادعى أن
مايفعله الغلم إنما هو سحر.
وقوله...( :كفانيهم ال) ردا على الملك بعد نجاته من الموت فوق
الجبل وفي السفينة.
أصحاب الخدود ومنظومة الكون 23
www.islamway.com
وقوله( :وأن تقول :باسم ال رب الغلم ) عندما دل الملك على
الكيفية التي يستطيع أن يقتله بها.
ولكنه ذكرها كحقائق نهائية ثابتة في واقع قائم بحيث ل يمكن ردها
أو حتى مناقشتها ،والحقيقة أن البداية لهذا الخط -كما جاء في
القصة -ترجع إلى إيمان الغلم نفسه ..وذلك عندما طلب الغلم
اليقين من خلل الواقع فدعا ال أن يقتل هذه الدابة إذا كان أمر
الراهب أحب إليه سبحانه من أمر الساحر.
www.islamway.com
وفي هذه العبارة دليل قاطع شاف كاف للدللة على أن هذه الطائفة
لم تكن تعتقد بالتثليث مثلها مثل من ضل من عباد الصليب فالرجل
لم يقل للملك ربي يسوع أو ربي الروح القدس أو لي إله وله ابن ,
ولم يحدثه عن مخترعات القوم في اللهوت والناسوت مما زينه
لهم الشيطان ,فأصبحوا من الخسرين الضالين وهم يحسبون أنهم
يحسنون صنعا .
إنما حدثه عن إله واحد متفرد بيده مقاليد السموات والرض وبيده
الضر والنفع وبيده الشفاء ,
وهنا بدأ الستقرار الموهوم لمملكة هذا الملك الوثني في
الهتزاز ,وظهر من يوحد ال في هذه المملكة التي ل تزيد في قوة
ثباتها واستقرارها عن بيت العنكبوت ( َم َثلُ الّذِينَ اتّخَذُوا مِن دُونِ
خذَتْ َب ْيتًا َوِإنّ َأوْ َهنَ ا ْلبُيُوتِ َل َبيْتُ
اللّ ِه أَوْ ِليَاء كَ َمثَلِ الْعَن َكبُوتِ اتّ َ
الْعَن َكبُوتِ َلوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (ِ )41إنّ اللّ َه يَعْلَمُ مَا يَ ْدعُونَ مِن دُونِهِ
شيْءٍ وَ ُهوَ الْ َعزِيزُ الْحَكِيمُ (َ )42وتِ ْلكَ الْأَ ْمثَالُ َنضْ ِر ُبهَا لِلنّاسِ مِن َ
وَمَا يَعْقُِلهَا إِلّا الْعَالِمُونَ ( ) )43العنكبوت
يقول المام ابن كثير :
َهذَا َمثَل ضَ َربَهُ اللّه تَعَالَى لِلْ ُمشْرِكِينَ فِي ِاتّخَاذهمْ آ ِلهَة ِمنْ دُون اللّه
يَ ْرجُونَ َنصْرهمْ َورِزْقهمْ َو َيتَمَسّكُونَ ِبهِمْ فِي الشّدَائِد َفهُمْ فِي ذَ ِلكَ
َك َبيْتِ الْ َعنْكَبُوت فِي ضَعْفه َووَهَنه فَ َليْسَ فِي َأيْدِي َهؤُلَاءِ ِمنْ آ ِلهَتهمْ
ش ْيئًا فَ َلوْ عَلِمُوا
عنْهُ َإِلّا كَ َمنْ َيتَمَسّك ِببَيْتِ الْ َعنْ َكبُوت فَ ِإنّهُ لَا يُجْدِي َ
ف الْمُسْلِم
َهذَا الْحَال لَمَا ِاتّخَذُوا ِمنْ دُون اللّه َأوْ ِليَاء وَ َهذَا بِخِلَا ِ
الْ ُمؤْمِن قَلْبه ِللّهِ وَ ُهوَ َمعَ َذِلكَ يُحْسِن الْعَمَل فِي اِ ّتبَاع الشّرْع فَ ِإنّهُ
ُمتَمَسّك بِالْعُ ْروَةِ ا ْل ُوثْقَى لَا ِانْ ِفصَام َلهَا ِل ُقوّ ِتهَا َو َثبَاتهَا )10( .
أصحاب الخدود ومنظومة الكون 25
www.islamway.com
وهنا بدأت دوائر صغيرة داخل المملكة تسير مع منظومة التسبيح
الكونية وتخالف شذوذ مملكتها الضالة التائهة عن ملكوت السموات
والرض ,وهنا بدأت المفاصلة ,وبدأ الختبار لظهار التمايز بين
أهل الحق والباطل ,وليبدأ الصراع البدي بين الكفر واليمان الذي
بدأ بمكيدة الشيطان لدم ولزال قائما حتى ساعتنا هذه ,وإلى أن
يرث ال الرض ومن عليها أو عندما تقوم الساعة على شرار
الخلق ول يقال في الرض ال .
ولجوء الملك هنا إلى التعذيب مباشرة مع الجليس يدل على النفاد
الفوري لحجته ,واستخدامه أساليب القمع والعنف لوقف التيار
الجديد ,وهذا إنما دل فإنما يدل على ضعف ما هو عليه وعلمه بأن
ليس له حجة فيما يعتقد ,وهكذا فعلت ممالك الكفر والضلل على
مر العصور .
عن خباب قال أتينا رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو متوسد
بردة في ظل الكعبة فشكونا إليه فقلنا أل تستنصر لنا أل تدعو ال
لنا فجلس محمرا وجهه فقال قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر
له في الرض ثم يؤتى بالمنشار فيجعل على رأسه فيجعل فرقتين ما
يصرفه ذلك عن دينه ويمشط بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم
وعصب ما يصرفه ذلك عن دينه وال ليتمن ال هذا المر حتى
يسير الراكب ما بين صنعاء وحضرموت ما يخاف إل ال تعالى
والذئب على غنمه ولكنكم تعجلون أخرجه البخاري ومسلم .
حتّىَ يقول تعالى :مّا كَانَ اللّهُ ِليَذَ َر الْ ُمؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَ َليْهِ َ
طيّبِ وَمَا كَانَ اللّهُ ِليُطْلِعَكُ ْم عَلَى الْ َغيْبِ وَلَ ِكنّ اللّهَ ث ِمنَ ال ّ
خبِي َ
يَمِي َز الْ َ
ج َتبِي مِن رّسُلِهِ مَن يَشَاء فَآ ِمنُواْ بِاللّهِ وَ ُرسُلِهِ َوإِن ُتؤْمِنُواْ َوتَتّقُواْ يَ ْ
فَلَكُ ْم أَجْ ٌر عَظِيمٌ ( )179آل عمران
يقول المام القرطبي :
أصحاب الخدود ومنظومة الكون 26
www.islamway.com
مَا كَانَ اللّهُ ِليَذَ َر الْ ُمؤْمِنِينَ عَلَى مَا َأ ْنتُمْ عَ َليْهِ
طوْا عَلَامَة يُ َفرّقُونَ ِبهَا َبيْن قَا َل أَبُو الْعَا ِليَة :سَ َأ َل الْ ُمؤْمِنُونَ َأنْ يُعْ َ
جلّ مَا كَانَ اللّه ِليَذَر الْ ُمؤْ ِمنِينَ الْ ُمؤْمِن وَالْ ُمنَافِق ; فَ َأنْ َزلَ اللّه عَ ّز وَ َ
ختَلَفُوا َمنْ الْمُخَاطَب بِالْآيَةِ عَلَى أَ ْقوَال . عَلَى مَا َأ ْنتُمْ عَ َليْهِ الْآيَة .وَا ْ
عبّاس وَالضّحّاك وَمُقَاتِل وَالْكَ ْل ِبيّ َوأَكْثَر الْمُفَسّرِينَ : فَقَالَ ِابْن َ
خطَاب لِلْ ُكفّا ِر وَالْمُنَافِقِينَ .أَيْ مَا كَانَ اللّه ِل َيذَر الْ ُمؤْمِنِينَ عَلَى مَا الْ ِ
َأ ْنتُمْ عَ َليْهِ ِمنْ الْكُفْر وَالنّفَاق َوعَدَاوَة النّ ِبيّ صَلّى اللّه عَ َليْهِ وَسَلّمَ .
قَا َل الْكَ ْلبِيّ ِ :إنّ قُ َريْشًا ِمنْ أَهْل مَكّة قَالُوا لِل ّن ِبيّ صَلّى اللّه عَ َليْهِ
وَسَلّمَ :الرّجُل ِمنّا تَ ْزعُم َأنّهُ فِي النّار َ ,وَأنّهُ إِذَا تَ َركَ دِيننَا وَا ّتبَعَ
عنْ َهذَا ِمنْ َأ ْينَ ُهوَ ؟ خبِ ْرنَا َ
جنّة ! فَ َأ ْدِينك قُلْت ُه َو ِمنْ أَهْل الْ َ
جلّ " مَا ن يَ ْأتِيك ِمنّا ؟ وَ َمنْ لَمْ يَ ْأتِك ؟ .فَ َأنْ َز َل اللّه عَ ّز وَ َخبِ ْرنَا َم ْ
َوأَ ْ
ن اللّه ِليَذَر الْ ُمؤْ ِمنِينَ عَلَى مَا َأ ْنتُمْ عَ َليْهِ " ِمنْ الْكُفْر وَالنّفَاق . كَا َ
طيّبِ
خبِيثَ ِمنَ ال ّ
حتّى يَمِيزَ الْ َ
َ
شرِكِينَ .وَالْمُرَاد بِالْ ُمؤْ ِمنِينَ فِي َقوْله ِ " :ليَذَر وَقِيلَ ُ :هوَ خِطَاب لِلْمُ ْ
ن فِي الْ َأصْلَاب وَالْأَرْحَام مِ ّمنْ ُيؤْمِن .أَيْ مَا كَانَ اللّه الْ ُمؤْ ِمنِينَ " َم ْ
ِليَذَر َأوْلَادكُ ْم الّذِينَ حَكَ َم َلهُمْ بِالْإِيمَانِ عَلَى مَا َأ ْنتُمْ عَ َليْ ِه ِمنْ الشّرْك ,
ن اللّه ِليُطْلِعَكُمْ " كَلَام حتّى يُفَرّق َبيْنكُمْ َوبَيْنهمْ ; َوعَلَى هَذَا " وَمَا كَا َ َ
عبّاس َوأَكْثَر الْمُفَسّرِينَ .وَقِيلَ :الْخِطَاب ستَأْنَف .وَ ُهوَ َقوْل ِابْن َ ُم ْ
لِلْ ُمؤْ ِمنِينَ .أَيْ وَمَا كَانَ اللّه ِليَذَركُ ْم يَا مَعْشَر الْ ُمؤْ ِمنِينَ عَلَى مَا َأنْتُمْ
حنَةِ
حتّى يُ َميّز بَيْنكُمْ بِالْمِ ْ
ختِلَاط الْ ُمؤْمِن بِالْ ُمنَا ِفقِ َ ,
ن اِ ْ
عَ َليْهِ ِم ْ
طيّب .وَقَدْ َميّزَ خبِيث ,وَالْ ُمؤْمِن ال ّ وَالتّكْلِيف ; َفتَعْرِفُوا الْ ُمنَافِق الْ َ
َيوْم أُحُد َبيْن الْفَرِي َق ْينِ .وَهَذَا َقوْل أَ ْكثَر أَهْل الْمَعَانِي )11( .
أصحاب الخدود ومنظومة الكون 27
www.islamway.com
َفبَعَثَ إِ َليْهِ َفقَالَ أَيْ ُب َنيّ بَلَغَ ِمنْ سِحْرك َأنْ ُتبْرِئ الْأَكْمَه وَالْأَبْرَص
ج ّل قَالَ
حدًا ِإنّمَا يَشْفِي اللّه عَزّ وَ َ
وَ َهذِ ِه الْأَ ْدوَاء ؟ قَا َل مَا أَشْفِي أَ َ
غيْرِي ؟ قَالَ َربّي وَ َربّك اللّه َأنَا ؟ قَالَ لَا .قَا َل َأوَ لَك َربّ َ
هنا يحاول الملك أن يذكر الغلم بما له عليه من أفضال فهو ابنه
رباه على عينه وأنفق عليه لخدمة نظامه فبدأ معه بتلطف وتذكير
أنهما من بعض ,وليسا ببعيدين ,بل حاول الملك إعادة توجيه
الذهان إلى نظامه التخييلي وأن الغلم لم يخرج عن منظومته التي
أراده لها ,وأنه قد بلغ من رقيه وإتقانه في هذه المنظومة ما أذهل
العقول وحير الذهان لذا حاول إرجاع أفعال الغلم للسحر ولما نفى
الغلم تأثير السحر لم ييأس الملك وإنما أرجع الفضل لنفسه بادعائه
اللوهية فنفى الغلم هذه أيضا .
وهنا كانت المفاجأة التي هدمت عليه بنيانه من القواعد بإتمام
الغلم إعلنه بانتمائه للمنظومة الكونية العلى والرقى والتي تسير
في مسارها الصحيح والتي تملك الحقيقة المطلقة لهذا الوجود
وتقوم عليه وهي قول الغلم للملك :ربي وربك ال .
www.islamway.com
,لذا كان لزاما أن نفصل في قضية التوحيد التي قامت عليها
الشريعة السلمية الغراء :
www.islamway.com
فتوحيدنا ل -سبحانه وتعالى -في ربوبيته أن نثبت له خصائص
الربوبية وأن ننفيها عمن سواه ،فهو الخالق ل خالق سواه ،الرازق
ل رازق سواه ،المدبر ل مدبر سواه ،ل نكون مؤمنين بهذا التوحيد
إل بالثبات والنفي ،إثبات خصائص ال -جل وعل -له ونفيها
عمن سواه ،هذا توحيد الربوبية.
وتوحيد السماء والصفات هو إيماننا بأسماء ال -سبحانه
وتعالى -وصفاته الثابتة له في كتابه وسنة نبيه -صلى ال عليه
وسلم -نثبتها له -جل وعل -إثباتا خاصًا به لئقا بجلله وكماله
مع التنزيه له -سبحانه وتعالى -عن مماثلة المخلوقات كما قال
شيْءٌ وَ ُهوَ السّمِيعُ ا ْل َبصِي ُر ﴾ [الشورى:
س كَ ِمثْلِهِ َ
-عز وجلَ ﴿ -ليْ َ
]11
أما توحيد اللوهية وهو النوع الثالث :فهو أعظم أنواع التوحيد
وأجلها ،وهو متضمن لنواع التوحيد السابقة ،وتوحيد ال في
ألوهيته أن نخلص العبادة له وأن نفرده -سبحانه وتعالى -وحده
بالطاعة ،وأن نعبده ول نعبد أحدًا سواه ،هو تحقيق كلمة التوحيد
"ل إله إل ال" لن هذه الكلمة تعني إفراد ال -سبحانه وتعالى-
بالعبادة ونفيها عمن سواه "ل إله إل ال" و لبد في التوحيد من
إثبات ونفي ،ل يكفي في التوحيد الثبات وحده ،ول يكفي في
التوحيد النفي وحده،
ويسمى توحيد العبادة ،ويسمى توحيد اللوهية ،ويسمى توحيد
الرادة والطلب ،ويسمى توحيد القصد ،ويسمى التوحيد العملي،
فهذه أسماء متعددة لهذا التوحيد باعتبار الوساط المتعلقة به ،فهو
يسمى توحيد العبادة لن هذا التوحيد هو إفراد ل -سبحانه
وتعالى -بالعبادة ونفي لها عمن سواه ،ويسمى توحيد اللوهية
أصحاب الخدود ومنظومة الكون 30
www.islamway.com
واللهية لنه مبني على التأله وهو التعبد ،يقال :أله يأله إلهة
وتألهًا ،أي :تعبد ،ومنه قول الشاعر:
ل در الغانيات المدهي *** سبحن واسترجعن من تألهي
أي :من تعبدي ل.
وهنا يبرز سؤالً هاما؟؟
ترى ما الذي يجب علينا نحو التوحيد؟ إذا عرفنا أن التوحيد هو
أعظم المور وأجلها وأهم المطالب وأعظمها ؟
أولًا :الواجب الول :أن نتعلمه ،كأي أمر أمرنا ال به وأعظم
الوامر هو توحيد ال ،فأمرنا ال بالتوحيد ،وأمرنا بالصلة ،وأمرنا
بالصيام ،أمرنا بالزكاة ،كما أمرنا ببر الوالدين إلى غير ذلك من
الوامر ،والتوحيد أول واجب علينا أن نتعلمه ،وهذه هي البداية
ويُبدأ بالعلم والتعلم قبل كل شيء كما قال ال –تعالى ﴿ : -فَاعْلَمْ
ستَغْفِرْ لِذَن ِبكَ ﴾ [محمد ]19 :فبدأ بالعلم قبل
ل وَا ْ
َأنّهُ لَ إِلَ َه إِلّ ا ُ
القول والعمل ،وقد كان نبينا -عليه الصلة والسلم -كما في حديث
أم سلمة في مسند المام أحمد وسنن ابن ماجه( :كان كل يوم يقول
بعد صلة الصبح :اللهم إني أسألك علمًا نافعا ،ورزقا طيبًا ،وعملً
متقبلً) هذه دعوة كان يدعو بها نبينا -صلوات ال وسلمه عليه-
كل يوم.
وهذه الدعوة -لو تأملت -هي في الحقيقة إضافة إلى كونها
دعوة واستعانة بال -هي تحديد لهداف المسلم في يومه فتجد أن
المسلم ليس له في يومه إل هذه الثلثة أهداف ل يخرج عنها،
العلم النافع ،الرزق الطيب ،العمل الصالح وكان -عليه الصلة
والسلم -يدعو بهذه الدعوة ،فبماذا بدأ؟ بدأ بالعلم.
أصحاب الخدود ومنظومة الكون 31
www.islamway.com
وهذا يدلنا على أن أولى أولويات المسلم وفي مقدمة اهتمامه
في يومه؛ بل في كل أيامه البدء بالعلم.
العلم قبل العمل ،وقبل القول ،وقبل الكسب؛ لنه ل يمكن أن تأتي
بالعمل الصالح ول بالقول السديد ول بالكسب الطيب إل إذا كان
عندك علم .
وإذا لم يكن عندك علم ل تستطيع أن تميز بين عمل صالح وغير
صالح ،ول بين قول سديد وغير سديد ،ول بين رزق طيب أو رزق
خبيث ،فالعلم هو الذي يميز للنسان الخبيث من الطيب ،والحق من
الضلل والباطل.
وإذا نظرت إلى واقع كثير من الناس تجد أنهم في غفلة عن تعلم
التوحيد وعن الهتمام والعناية به ،وربما يهتم البعض بأمر من
المور يتعلمه ويتفقه فيه ويبرع فيه ،ويشار إليه فيه بالبنان ولم
ط التوحيد من لحظاته كثيرا ول قليل من أجل أن يتعلمه!! وهذه يع ِ
مصيبة؛ لن ال -عز وجل -خلقك لهذا التوحيد ،ثم تجتهد في
أمو ٍر أقل وأنت غافل عن التوحيد الذي خلقك ال لجله ل تتعلمه
ول تسأل عنه ،ول تبحث عنه ول تتفقه فيه!!.
الواجب الثاني أن نحبه:
أن نحب كل ما أمرنا ال به ،وأعظم الوامر التوحيد
فكل شيء أمرك ال به تحبه ،وتجاهد نفسك ،وتجاهد قلبك على
إمارته بمحبة ما أمرك ال به ،وال ل يأمرك إل بما فيه سعادتك
وصلحك ورفعتك في الدنيا والخرة.
وانظر اللفتة الكريمة في دعوة النبي -صلى ال عليه وسلم-
للتوحيد عندما كان يمشي في فجاج مكة وينادي( :قولوا ل إله إل
أصحاب الخدود ومنظومة الكون 32
www.islamway.com
ال تفلحوا) يعني :فلحكم في هذا التوحيد ،سعادتكم في هذا
التوحيد ،رفعتكم في الدنيا والخرة في هذا التوحيد.
وأوثق عرى اليمان الحب في ال ،تحب ال ،وتحب أنبياءه،
وتحب دينه ،وتحب ما أمرك -سبحانه وتعالى -به ،ول تجد في
قلبك حرجا؛ لن هذا خير لك ورفعة وسعادة في الدنيا والخرة.
حتى لو كان في ظاهره المشقة والتعب فالنبي -صلى ال عليه
وسلم -قال( :حفت الجنة بالمكاره) فعندما ينادي المنادي لصلة
الفجر :حي على الصلة ،والجو شاتٍ ،والماء بارد أحبب ذلك،
وادخل وأنت فرح محب مغتبط؛ لن هذا أمر لك فيه فلحك و فيه
سعادتك ،أليس المنادي للصلة في كل الصلة يقول :حي على
الفلح؟ إذن كيف ل تحب ما فيه فلحك؟
بعض الناس بسبب الهواء ،وبسبب دعاة الباطل،و بسبب إثارة
الشبهات -تجد نفسه قد تنقبض من التوحيد أو تنقبض من أوامر
ال -سبحانه وتعالى -وهذا ل يكون إل بسبب ما اكتنفه هو من
شبهات.
إذن الواجب أن أطرح كل شيء وكل أمر يخالف ما أمرني ال
-جل وعل -ول أجد وحشة ،ول أجد غضاضة لنني إن نميت في
نفسي هذه الوحشة وهذه الغضاضة سأجد قلبي منقبضا عن أبواب
الخير وأبواب السعادة مثل ما قال ال -عز وجل -عن الكفار
-والعياذ بال -أنه عند ذكر التوحيد تشمئز قلوبهمَ ﴿ :وإِذَا ذُ ِكرَ الّلهُ
َوحْدَهُ اشْ َمَأزّتْ قُلُوبُ الّذِينَ لَا يُؤْ ِمنُو َن بِالْآخِرَ ِة ۖ َوإِذَا ذُكِرَ الّذِينَ مِنْ
ستَْبشِرُونَ ﴾ [الزمر ]45 دُوِنهِ إِذَا هُ ْم يَ ْ
الواجب الثالث:
أصحاب الخدود ومنظومة الكون 33
www.islamway.com
عزم القلب على فعل التوحيد ،والعزم هو حركة في القلب لفعل
هذا الشيء.
إذن تكون الولوية للتعلم ثم المحبة ثم تحرك القلب بالعزم على
فعل المحبوب.
وهنا مع العزم على الفعل قد يكتنف النسان الخوف من
التغيير ،سواء خوف على دنياه أو من إصابته بسوء جراء
عتَرَاكَ بَعْضُ
التغيير ،أرأيت الن ماذا قال الكفار ﴿ إِن نّقُولُ ِإلّ ا ْ
آ ِل َهتِنَا بِسُو ٍء ﴾ [هود]54 :
ربما يأتيه الشيطان ببعض الوساوس التي تجعله ينهزم وربما
ينكص ،تجده علم وأحب وعزم على الفعل ثم انفرط منه المر
وذهب ذلك العزم بسبب ما احتوى أو اكتنف قلبه من أمور ردته
عنه لذا يجب على المسلم أن يحترز لنفسه من وساوس الشيطان و
النفس ويحترس اتباع الهوى .
الواجب الرابع العمل:
علم ثم محبة ثم عزم قلبي ثم عمل بالتوحيد ،بإخلص الدين ل،
وأفرد ال -سبحانه وتعالى -بالعبادة ،فأخصه -جل وعل-
بالطاعة ،ل أدعو غيره ،ل أسأل غيره ،ل أستغيث بغيره ،ل أصرف
شيئا من عبادتي لغيره،
لحظ هنا أن بعض الناس قد يعلم ،وقد يحب ويعزم ،ثم لما يأتي
للمر الرابع وهو العمل يقول :ماذا يقول الناس لو رأوني تركت ما
كنت عليه ؟ فتجده يمتنع بعد أن علم و أحب وعزم ثم يأتي إلى
مرحلة العمل فيقول :أنا على طريقة أهل بلدي و على الشيء الذي
نشأت عليه.
أصحاب الخدود ومنظومة الكون 34
www.islamway.com
يخاف أن يطلع عليه من يعظمه من الناس وال أحق بالتعظيم،
الواجب الخامس :أن يكون العمل خالصا صوابا .
نوقع العمل خالصا ل ،وصوابا على منهج رسول ال -صلى ال
سنُ عَمَلًا ﴾ [الملك]2 :
ح َ
عليه وسلم -قال تعالىِ ﴿ :ل َيبُْلوَكُمْ َأيّكُمْ أَ ْ
قال الفضيل -رحمه ال -في معنى هذه الية :أخلصه وأصوبه،
قيل يا أبا علي ،وما أخلصه وأصوبه؟ قال :إن العمل ل يقبل حتى
يكون خالصا صوابا ،والخالص ما كان ل ،والصواب ما كان على
السنة.
المر السادس :الحذر من محبطات التوحيد.
فبعد أن جئنا بهذه المراتب نحذر من محبطات التوحيد
ومبطلته ،وأيضًا نحذر من الشياء التي تنقصه ،وتنقص كماله؛
ولهذا فالتوحيد له نواقض وله نواقص ،له نواقض تفسده تمامًا
وتجتثه من أصله ،وتذهبه من أصله ،وله نواقص تنقص كماله
الواجب
إذن نحن نطالب كل مسلم أن يعرف الشرك لماذا؟ حتى يحذر منه
ويتجنبه.
يقول القائل" :تعلم الشر ل للشر ،ولكن لتوقيه فإن من لم يعرف
الشر من الناس يقع فيه" يقول حذيفة بن اليمان كما في صحيح
البخاري( :كان أصحاب رسول ال -صلى ال عليه وسلم -يسألونه
عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافته) وكثير من الناس يبتلى
بالوقوع في بعض النواقض أو النواقص لتوحيده بسبب جهله وعدم
تعلمه
أصحاب الخدود ومنظومة الكون 35
www.islamway.com
الواجب السابع والخير :هو الثبات على هذه المور والستقامة
حتّى يَ ْأتِ َيكَ ا ْليَقِينُ ﴿﴾﴾99 عبُدْ َر ّبكَ َ عليها إلى الممات ﴿ :وَا ْ
[الحجر ]99 :يعني :حتى يأتيك الموت ،فتثبت على هذا المر ،وال
-عز وجل -لما ذكر آية التوحيد في ذلك المثل العجيب في سورة
ب الُ َمثَلًا كَلِمَةً إبراهيم ذكر عقبه أمر الثبات ﴿ أَلَمْ تَ َر َكيْفَ ضَرَ َ
ط ّيبَةٍ َأصُْلهَا ثَابِتٌجرَةٍ َ ط ّيبَةً كَشَ َ طيّبَةً ﴾ هذه كلمة التوحيد ﴿كَلِمَةً َ َ
عهَا فِي السّمَا ِء ﴿ُ ﴾24ت ْؤتِي أُكُلَهَا ُكلّ حِينٍ بِإِ ْذنِ َر ّبهَا َو َيضْرِبُ وَ َف ْر ُ
جرَةٍ خبِيثَةٍ كَشَ َ س لَعَّلهُمْ َيتَذَكّرُونَ ﴿ ﴾25وَ َم َثلُ كَلِمَةٍ َ ل المْثَالَ لِلنّا ِ ا ُ
ج ُتثّتْ مِن َف ْوقِ الَ ْرضِ مَا َلهَا مِن َقرَا ٍر ﴿ُ ﴾26ي َثبّتُ الُ خبِيثَةٍ ا ْ َ
ضلّ الُ حيَاةِ ال ّد ْنيَا وَفِي الَخِ َرةِ َو ُي ِ الّذِينَ آ َمنُوا بِالْ َق ْولِ الثّابِتِ فِي الْ َ
ل مَا يَشَاءُ ﴿[ ﴾﴾27إبراهيم ]27 -24 :فيثبت الظّالِمِينَ َويَفْ َعلُ ا ُ
ستَقَامُوا النسان ويستقيم على المر ﴿ ِإنّ الّذِينَ قَالُوا َر ّبنَا الُ ثُ ّم ا ْ
ح َزنُونَ ﴿[ ﴾﴾13الحقافِ ﴿ ]13 :إنّ ف عَ َليْهِمْ َولَ هُمْ يَ ْ خوْ ٌ َفلَ َ
لئِكَةُ ﴾ [فصلت: ستَقَامُوا َت َتنَ ّزلُ عَ َل ْيهِمُ الْ َم َ
الّذِينَ قَالُوا َر ّبنَا الُ ثُ ّم ا ْ
]30آيتان في كتاب ال ،والرجل في حديث سفيان بن عبد ال
الثقفي الذي قال للرسول -عليه الصلة والسلم( : -قل لي في
السلم قولًا ل أسأل عنه أحدًا غيرك ،قال :قل آمنت بال ثم استقم)
فيستقيم النسان على هذا المر إلى أن يتوفاه ال)12( .
www.islamway.com
حتّى َد ّل عَلَى الرّاهِب فَ َأتَى فَ َأخَ َذهُ َأ ْيضًا بِالْعَذَابِ فَلَ ْم يَ َزلْ بِهِ َ
عنْ دِينك فَ َأبَى َف َوضَعَ الْ ِمنْشَار فِي مَ ْفرِق َرأْسه بِالرّاهِبِ فَقَا َل اِرْجِ ْع َ
عنْ دِينك فَ َأبَى َف َوضَعَ الْ ِمنْشَارحتّى وَقَعَ شِقّاهُ وَقَالَ لِلْ َأعْمَى اِ ْرجِعْ َ َ
حتّى وَقَعَ شِقّا ُه إِلَى الْ َأرْض . فِي َمفْرِق َرأْسه َ
وهذه الحادثة تصدق قول النبي الكريم محمد صلى ال عليه وسلم
في حديث خباب قال أتينا رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو
متوسد بردة في ظل الكعبة فشكونا إليه فقلنا أل تستنصر لنا أل
تدعو ال لنا فجلس محمرا وجهه فقال قد كان من قبلكم يؤخذ
الرجل فيحفر له في الرض ثم يؤتى بالمنشار فيجعل على رأسه
فيجعل فرقتين ما يصرفه ذلك عن دينه ويمشط بأمشاط الحديد ما
دون عظمه من لحم وعصب ما يصرفه ذلك عن دينه وال ليتمن
ال هذا المر حتى يسير الراكب ما بين صنعاء وحضرموت ما
يخاف إل ال تعالى والذئب على غنمه ولكنكم تعجلون أخرجه
البخاري ومسلم .
وهنا تبرز قضية الثبات على الحق" ُي َثبّتُ اللّهُ الّذِينَ آ َمنُواْ بِالْ َق ْو ِل
حيَاةِ ال ّد ْنيَا وَفِي الخِ َرةِ َو ُيضِلّ اللّهُ الظّالِمِينَ َويَفْ َعلُ اللّهُ
الثّابِتِ فِي الْ َ
مَا يَشَاء ( ))27سورة إبراهيم .
حيَاة
ُي َثبّت اللّه الّذِينَ آ َمنُوا بِالْ َق ْولِ الثّابِت" ِهيَ كَلِمَة ال ّتوْحِيد "فِي الْ َ
عنْ َربّهمْن َ ي فِي الْ َقبْر لَمّا يَسْأَلهُمْ الْمَلَكَا ِ ال ّد ْنيَا وَفِي الْآخِرَة" أَ ْ
ضلّ
خ ْينِ " َويُ ِ
شيْ َ
صوَابِ كَمَا فِي حَدِيث ال ّ وَدِينهمْ َونَ ِبيّهمْ َفيُجِيبُونَ بِال ّ
صوَابِ َبلْ يَقُولُونَ لَا جوَابِ بِال ّ اللّه الظّالِمِينَ" الْكُفّار فَلَا َيهْتَدُونَ ِللْ َ
حدِيث ()13 نَ ْدرِي كَمَا فِي الْ َ
يقول الشيخ ناصر بن محمد الحمد :
أصحاب الخدود ومنظومة الكون 37
www.islamway.com
إن صفة الثبات على السلم والستمرار على منهج الحق نعمة
عظيمة حبا ال بها أولياءه ،وصفوة خلقه ،وامتن عليهم بها ،فقال
مخاطبا عبده ورسوله محمدا -صلى ال عليه وسلم{ :-وَ َل ْولَ أَن
ش ْيئًا قَلِيلً} [( )74سورة السراء]. َث ّبتْنَاكَ َلقَدْ كِدتّ َترْ َكنُ إِ َليْهِمْ َ
إن الثبات على دين ال دليل على سلمة المنهج ،وداعية إلى الثقة
به ،كما أن الثبات على الدين ضريبة النصر والتمكين والطريق
الموصلة إلى المجد والرفعة.
والثبات طريق لتحقيق الهداف العظيمة والغايات النبيلة ،فالنسان
الراغب في تعبيد الناس لرب العالمين ،والعامل على رفعة دينه،
وإعلء رايته ل غنى له عن الثبات ،قل آمنت بال ثم استقم.
إن الثبات يعني الستقامة على الهدى ،والتمسك بالتقى ،وقسر
النفس على سلوك طريق الحق والخير ،والبعد عن الذنوب
والمعاصي ،وصوارف الهوى والشيطان ،وإليكَ أخي المسلمُ بعضا
من العوامل التي تُعينُ بإذنِ ال على الثبات على الدين والستقامة
عليه
العاملُ الول :العتصامُ بالكتابِ والسنةِ والتمسكُ بما فيهما :فالقرآنُ
الكريم حب ُل الِ المتين ،والسنةُ النبوية مكملةً للقرآن وشارحةً له،
تُفصلُ ما أجمل ،وتُفس ُر ما أشكل ،وهما جميعا نورٌ وضّاء ،يهتدي
بنورهما أُولو اللباب ،وما فتئَ المصطفى -صلى ال عليه وسلم-
ك بهما ،والرجوعُ إليهما حتى وافاهُ اليقين ،ومما يدعو أمتهُ للتمس ِ
قال ُه -عليه الصلة والسلم(( :-تركت فيكم أمرينِ لن تضلوا ما
ت هذا الصلِ القتداءُ ب ال وسنتي)) ويندرجُ تح َ تمسكتم بهما :كتا ُ
بسلفِ الُمةِ الصالحين.
العاملُ الثاني :استدامةُ الطاعة :قال ال تعالىِ{ :إنّ الّذِينَ قَالُوا َر ّبنَا
ستَقَامُوا َت َتنَ ّزلُ عَ َل ْيهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلّا تَخَافُوا وَلَا تَحْ َزنُوا
اللّ ُه ثُمّ ا ْ
جنّةِ اّلتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} [( )30سورة فصلت] فهذا وعدٌ َوَأبْشِرُوا بِالْ َ
من الِ أن يحفظَ ويُثبت الملتزمين بالطاعة ،والمحافظين على فعلِ
أصحاب الخدود ومنظومة الكون 38
www.islamway.com
ما جاءت به الشريعةُ في الحيا ِة الدنيا وفي الخرة ،إنّ الستمرارَ
ظ به المرءُ ت وتركِ المُحرمات ،والعملَ بما يُوعَ ُ على فعلِ الطاعا ِ
أمرٌ عزي ٌز على النفس ،ويحتاجُ إلى مُجاهدةٍ وترويض ،لكنّهُ في
النهايةِ عاملٌ مُهمّ في الثبات {وَ َلوْ َأنّا َكتَ ْبنَا عَ َل ْيهِمْ َأنِ ا ْقتُلُواْ أَنفُسَكُمْ
خرُجُواْ مِن ِديَارِكُم مّا فَعَلُو ُه إِلّ قَلِيلٌ ّمنْهُمْ وَ َلوْ َأ ّنهُمْ فَعَلُواْ مَا َأوِ ا ْ
شدّ َت ْثبِيتًا} [( )66سورة النساء] وقال خيْرًا ّلهُمْ َوأَ َ
يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ َ
حيَاةِ ال ّدنْيَا وَفِي تعالىُ { :يثَبّتُ اللّ ُه الّذِينَ آ َمنُواْ بِالْ َق ْولِ الثّابِتِ فِي الْ َ
ضلّ اللّهُ الظّالِمِينَ َويَفْ َعلُ اللّهُ مَا يَشَاء} [( )27سورة خرَةِ َو ُي ِ
ال ِ
إبراهيم] أمّا الكُسالى والمفرطون ،والذين يُقدِمُون على الطاعةِ حينا
ويتهاونون فيها حينا آخر ،فهؤلءِ على خطر ،وهل يَضمنونَ
أنفسهم أن تخترمهم المنيةُ في حالِ تفريطهم ،فيُختمُ لهم بسوء
الخاتمة
ثالثا :الدعاءُ واللحاحُ على الِ بالثبات :فكما أنّ الدعاءَ سبب
للهداية أصلً ،فهو عام ٌل للثباتِ ثانيا ،وإذا كانت القلوبُ هي أوعيةُ
الهداية ،أو هي السببُ في الغوايةِ ،فهي بينَ إصبعينِ من أصابعِ
ح أنّ أكثرَ دعائهِ ث الصحي ِ الرحمن يُقلبُها كيف شاءَ ،وثبت في الحدي ِ
-صلى ال عليه وسلم(( :-يا مقلبَ القلوبِ ثبّت قلبي على دينك))
وحسبنا أن النبي -صلى ال عليه وسلم -كان يدعو ربه ويسأله
الثبات ،فيقول(( :اللهم إني أسألك الثبات في المر ،والعزيمة على
الرشد)) .
www.islamway.com
المحنة؟ وهكذا يكونُ دو ُر الخيارِ في تثبيتِ المسلمين ،فالزموا
صحبتهم ،واطلبوا نصحهم ،وهنا تبرز الخوة السلمية كمصدر
أساسي للتثبيت ،فالصالحين هم العون في الطريق ،والركن الشديد
الذي يأوي إليه المرء ،فيثبتونه بما معهم من آيات ال والحكمة،
فالْزمْهم ِوعِش في أكنافهم ،وإياك والوحدة فتخطفك الشياطين.
خامسا :صحة اليمان وصلبة الدين :إن اليمان له قوته اليجابية
التي تعمل على تنمية المشاعر وتنقيتها ،وأن القوة اليمانية تترك
بصماتها على الفرد والجماعة ،وعلى سائر اتجاهات السلوك
النساني ،ومتى صح اليمان ورسخت حلوته في قلب المؤمن
رزقه ال الثبات في المر ،وكلما كان قويا في إيمانه ،صلبا في
دينه ،صادقا مع ربه ،كلما ازداد ثباته ،وقويت عزيمته ،قال ال
تعالىِ { :منَ الْ ُمؤْ ِمنِينَ رِجَالٌ صَ َدقُوا مَا عَا َهدُوا اللّهَ عَ َليْهِ فَ ِم ْنهُم مّن
ظرُ وَمَا َبدّلُوا تَبْدِيلًا} [( )23سورة حبَهُ وَ ِم ْنهُم مّن يَنتَ ِ
َقضَى نَ ْ
الحزاب] وقال -صلى ال عليه وسلم(( :-المؤمن القوي خير
وأحب إلى ال من المؤمن الضعيف ،وفي كل خير)).
سادسا :تدبر القرآن والعمل به :فالقرآن الكريم وسيلة التثبيت
الولى للمؤمنين ،ولقد أنزل ال القرآن العظيم منجّما مفصلً ،وجعل
الغاية منه هي التثبيت لقلب النبي -صلى ال عليه وسلم ،-قال ال
حدَ ًة كَذَ ِلكَ
تعالى{ :وَقَالَ الّذِينَ كَ َفرُوا َلوْلَا نُ ّزلَ عَ َليْ ِه الْقُرْآنُ جُمْلَ ًة وَا ِ
ِل ُن َثبّتَ بِهِ ُفؤَا َدكَ َو َرتّلْنَا ُه تَ ْرتِيلًا} [( )32سورة الفرقان] وأخبر بأنه
أنزل هذا الكتاب تثبيتا للمؤمنين ،وهداية لهم وبشرى ،فقال تعالى:
حقّ ِليُ َثبّتَ الّذِينَ آ َمنُواْ وَ ُهدًى س مِن ّر ّبكَ بِا ْل َ { ُق ْل نَزّلَهُ رُوحُ الْقُدُ ِ
َوبُشْرَى لِلْ ُمسْلِمِينَ} [( )102سورة النحل].
إن القرآن الكريم أعظم مصدر للتثبيت؛ لنه يزرع اليمان ويقوي
الصلة بال ،كما أنه العاصم من الفتن ،وكيد الشيطان وغوايته ،كما
أنه يزود المسلم بالتصورات والقيم الصحيحة التي يستطيع على
ضوئها أن يُقوّم الوضاع التي من حوله تقييما صحيحا ،كما أن
أصحاب الخدود ومنظومة الكون 40
www.islamway.com
القرآن بما اشتمل عليه من أحكام وأصول وقواعد وحكم وقصص،
يرد على الشبهات التي يثيرها أعداء السلم من الكفار والمنافقين،
ومن سار على دربهم ،فإن عُلم ذلك كله لزم على من أراد الثبات
في الدنيا والخرة والفوز بالنعيم المقيم ،أن يتخذ القرآن سميره
وأنيسه ،وأن يجعله رفيقه وجليسه على مر الليالي وتتابع اليام،
فل يقتصر على النظر فيه ،بل يحمل نفسه على العمل به.
سابعا :الصبر والتصبر عند نزول المصائب والمحن :إن الصبر من
أعظم المور والعوامل المعينة على الثبات ،ذلك أن الصبر هو
حبس النفس عن الجزع واللسان عن الشكوى ،والجوارح عن
التشويش ،فالصبر إذن أعظم مظهر من مظاهر الثبات ،ولقد أمرنا
ستَعِينُواْ بِالصّبْرِ
ال تعالى به فقال سبحانه{ :يَا َأ ّيهَا الّذِينَ آ َمنُواْ ا ْ
صلَةِ ِإنّ اللّهَ َمعَ الصّابِرِينَ} [( )153سورة البقرة]. وَال ّ
ثامنا :اليقين والرضا بقضاء ال وقدره :إن اليقين والرضا بقضاء
ال وقدره من أعظم السباب المعينة على الثبات ،ذلك أن اليقين
هو جوهر اليمان ،وإن مما ل شك فيه أن اليقين والرضا والتسليم
لقضاء ال وقدره من أقوى الدعائم والعوامل المعينة على الثبات.
العامل التاسع من عوامل الثبات على الدين :ترك المعاصي والذنوب
صغيرها وكبيرها ظاهرها وباطنها :فإن الذنوب من أسباب زيغ
القلوب ،فقد قال -صلى ال عليه وسلم -فيما أخرجه البخاري
ومسلم عن أبي هريرة -رضي ال عنه(( :-ل يزني الزاني حين
يزني وهو مؤمن ،ول يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ،ول
يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن)) وقال -صلى ال عليه
وسلم -عن الصغائر(( :إياكم ومحقرات الذنوب ،فإنما مثل محقرات
الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد ،فجاء ذا بعود ،وجاء ذا بعود،
حتى حملوا ما أنضجوا به خبزهم)) لن محقرات الذنوب متى يأخذ
بها صاحبها تهلكه.
أصحاب الخدود ومنظومة الكون 41
www.islamway.com
العامل العاشر :نصر دين ال ونصر أوليائه :قال ال تعالى{ :يَا َأ ّيهَا
الّذِينَ آ َمنُوا إِن تَنصُرُوا اللّهَ يَنصُرْكُمْ َويُ َثبّتْ أَقْدَامَكُمْ} [( )7سورة
محمد] ونصر دين ال تعالى وأوليائه يكون بطرائق عديدة ل يحدها
حد ول تقف عند رسم ،فالدعوة إلى ال بجميع صورها نصر لدين
ال ،وطلب العلم نصر لدين ال ،والعمل بالعلم نصر لدين ال،
وجهاد الكفار والمنافقين والعصاة نصر لدين ال ،والرد على
خصوم السلم ،وكشف مخططاتهم نصر لدين ال ،والبذل في سبيل
ال ،والنفاق في وجوه البر نصر لدين ال ،والذب عن أهل العلم
والدعوة وأهل الخير والصحوة نصر لدين ال ،وطرائق نصر دين
ال وأوليائه كثيرة ،جعلني ال وإياكم منهم ،من أوليائه وأنصار
دينه ،ول تحقرن من هذه العمال شيئا ،فقاعدة الطريق(( :اتق
النار ولو بشق تمرة)) قال ابن القيم -رحمه ال:-
هذا ونصر الدين فرض لزم
ل للكفاية بل على العيانِ
بيد وإما باللسان فإن عجزت
فبالتوجه والدعاء بجنانِ
www.islamway.com
إل أن نراه ونسمع كلمه فيذهب ذلك كله عنا ،وينقلب انشراحا
وقوة ويقينا وطمأنينة".
الثاني عشر :كثرة ذكر ال تعالى ،كيف ل؟ وقد قال سبحانهَ{ :ألَ
بِذِ ْكرِ اللّ ِه تَطْ َم ِئنّ الْقُلُوبُ} [( )28سورة الرعد] وقال -صلى ال
عليه وسلم(( :-مثل الذي يذكر ربه والذي ل يذكر ربه مثل الحي
والميت)) وقد أمر ال تعالى عباده بالكثار من ذكره ،فقال تعالى:
سبّحُو ُه بُكْرَ ًة َوَأصِيلًا
{يَا َأ ّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا اذْ ُكرُوا اللّهَ ذِ ْكرًا َكثِيرًا * وَ َ
* ُهوَ الّذِي ُيصَلّي عَ َليْكُمْ وَمَلَائِ َكتُهُ ِليُخْ ِرجَكُم ّمنَ الظّلُمَاتِ إِلَى النّورِ
وَكَانَ بِالْ ُمؤْ ِمنِينَ رَحِيمًا} [( )43-41سورة الحزاب] فذكر ال
ب لصَلته سبحانه وصَلة ملئكته التي كثيرا ،وتسبيحه كثيرا سب ٌ
يَخرج بها العبد من الظلمات إلى النور ،فيا حسرة الغافلين عن
ربهم ،ماذا حرموا من خيره وفضله وإحسانه؟.
العامل الثالث عشر من عوامل الثبات على الدين :ترك الظلم ،فالظلم
عاقبته وخيمة ،وقد جعل ال التثبيت نصيب المؤمنين والضلل حظ
الظالمين ،فقال -جل ذكرهُ { :-ي َثبّتُ اللّهُ الّذِينَ آ َمنُواْ بِالْ َق ْولِ الثّابِتِ
ضلّ اللّهُ الظّالِمِينَ َويَفْ َعلُ اللّهُ مَا حيَاةِ ال ّد ْنيَا وَفِي الخِ َرةِ َو ُي ِ
فِي الْ َ
يَشَاء} [( )27سورة إبراهيم]
الرابع عشر :التأمل في قصص النبياء ،وأخذ الدروس والعبر
سلِ مَا نُ َثبّتُ بِهِ منها ،قال ال تعالى{ :وَ ُكلّ نّ ُقصّ عَ َل ْيكَ ِمنْ أَنبَاء الرّ ُ
ُفؤَا َدكَ} [( )120سورة هود] تأمل قوله تعالى{ :قَالُوا َ
حرّقُوهُ
وَانصُرُوا آ ِل َهتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ * قُ ْلنَا يَا نَارُ كُونِي َبرْدًا وَسَلَامًا
خسَرِينَ} [()70-68 عَلَى ِإبْرَاهِيمَ * َوأَرَادُوا بِهِ َكيْدًا َفجَعَ ْلنَاهُمُ الْأَ ْ
سورة النبياء] قال ابن عباس :كان آخر قول إبراهيم حين ألقي في
النار :حسبي ال ونعم الوكيل ،أل تشعر بمعنىً من معاني الثبات
أمام الطغيان والعذاب ،يدخل نفسك وأنت تتأمل هذه القصة ،وهذا
موسى -عليه السلم -في وقت ملحقة الظالمين له يقول أتباعه:
أصحاب الخدود ومنظومة الكون 43
www.islamway.com
س َيهْدِينِ} [( )62-61سورة {ِإنّا لَ ُمدْرَكُونَ * قَالَ كَلّا ِإنّ مَ ِعيَ َربّي َ
الشعراء] ثبات في لحظات الشدة وسط صرخات اليائسين.
الخامس عشر :سلوك المرء طريق أهل السنة والجماعة ،طريق
الطائفة المنصورة والفرقة الناجية ،ذي العقيدة الصافية والمنهج
السليم ،واتباع السنة والدليل ،والتميّز عن أعداء ال ،ومفاصلة
أهل الباطل ،وإذا أردت أن تعرف أهمية ذلك الثبات فانظر في تلك
الفرق الضالة لماذا تخبّط أصحابها؟ وتنقّلوا في منازل البدع
والضلل من الفلسفة إلى الكلم والعتزال إلى التحريف ،إلى
التصوف والتفويض والرجاء؟ بل إنهم عند الموت من أكثر الناس
شكا وتحيرا ،وأما من هو على الجادة طريق أهل السنة والجماعة
فل يتركه عقله أبدا لكل هوى أو شهوة أو شبهة عرضت.
العامل السادس عشر :من عوامل الثبات على الدين :التربية
اليمانية الواعية القائمة على الدليل الصحيح ،والحاطة بالواقع
علما ،وبالحداث فهما وتقويما ،التربية المتدرجة التي تسير
بالمسلم شيئا فشيئا ترتقي به في مدارج كماله ،ل ارتجال فيها ،ول
تسرع ،ول حماس طائش.
السابع عشر :الثقة بنصر ال وأن المستقبل لهذا الدين :وقد كان
الرسول -صلى ال عليه وسلم -يثبت أصحابه المعذبين ،ويخبرهم
بأن المستقبل للسلم في أوقات التعذيب والمحن ،فيقول(( :ليتمن
ال هذا المر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ل يخاف
إل ال والذئب على غنمه)) وأحاديث كثيرة تبشر بنصرة هذا الدين،
فما أشد الحاجة لها في أوقات الفتن ،فإنها من أهم عوامل الثبات
على السلم ،فعرْض أحاديث البشارة بأن المستقبل للسلم على
الناشئة مهمّ في تربيتهم على الثبات.
الثامن عشر :البصيرة وفهم الواقع :وأن تعرف الباطل وأن ل تغتر
به {لَ يَ ُغ ّر ّنكَ تَقَلّبُ الّذِينَ كَ َفرُواْ فِي ا ْل ِبلَدِ * َمتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمّ مَ ْأوَاهُمْ
جهَنّمُ َو ِبئْسَ الْ ِمهَادُ} [( )197-196سورة آل عمران] فو ال إن َ
أصحاب الخدود ومنظومة الكون 44
www.islamway.com
الباطل وأهله ضعفاء جبناء ،أصول مخططاتهم أوهى من بيت
العنكبوت ،ويتبين ذلك كله لمن رزقه ال بصيرة واعية وحكمة
نافذة وعلما نافعا ،ومع ذلك كله يجب أن نثق بنصر ال للمؤمنين،
{ َويَزِي ُد اللّهُ الّذِينَ ا ْهتَ َدوْا ُهدًى} [( )76سورة مريم] {ِإنّا َلنَنصُرُ
شهَادُ} [()51 حيَاةِ ال ّد ْنيَا َو َيوْمَ يَقُومُ الْأَ ْ
رُسُ َلنَا وَالّذِينَ آ َمنُوا فِي الْ َ
سورة غافر])14(.
هنا يتبين إصرار الملك الكذاب على كذبته وثبات المؤمن على
إيمانه فالملك يكمل الختبار ول يلين والغلم يرفع يده إلى السماء
بثبات المؤمن الواثق طالبا الكفاية من ال متوكلً محتسبا فيكون
الرد العملي :فسيكفيكهم ال
قال تعالى ( :فَ ِإنْ آ َمنُواْ بِ ِم ْثلِ مَا آمَنتُم بِ ِه فَقَ ِد ا ْهتَدَواْ ّوإِن َتوَّل ْواْ
سيَكْفِي َكهُمُ اللّهُ وَ ُهوَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ) البقرة فَ ِإنّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَ َ
137
أصحاب الخدود ومنظومة الكون 45
www.islamway.com
ن أَهْليقول المام ابن كثير :يَقُول تَعَالَى فَ ِإنْ آ َمنُوا يَ ْعنِي الْكُفّار ِم ْ
ن الْإِيمَان غيْره ْم بِمِ ْثلِ مَا آ َم ْنتُمْ بِهِ يَا َأ ّيهَا الْ ُمؤْ ِمنُونَ ِم ْالْ ِكتَاب َو َ
بِجَمِي ِع ُكتُب اللّه وَ ُرسُله وَلَ ْم يُفَرّقُوا َبيْن أَحَد ِم ْنهُمْ " فَ َقدْ اِ ْهتَ َدوْا " أَيْ
حقّ إِلَى عنْ الْ َ حقّ َوأُ ْرشِدُوا إِ َليْهِ " َوِإنْ تَوَّلوْا " أَيْ َ فَ َقدْ َأصَابُوا الْ َ
سيَكْفِيكَهُمْ اللّهُ " ا ْلبَاطِل بَعْد ِقيَام الْحُجّة عَ َل ْيهِمْ " فَ ِإنّمَا هُ ْم فِي شِقَاق َف َ
س َينْصُرُك عَ َل ْيهِمْ َويُظْفِرك ِبهِمْ " وَ ُهوَ السّمِي ُع الْعَلِيمُ )15( . أَيْ فَ َ
سيَكْفِي َكهُ ْم
يقول المام الطبري :الْ َقوْل فِي تَ ْأوِيل َقوْله تَعَالَى َ { :ف َ
سيَكْفِيكَهُمْ اللّه وَ ُهوَ السّمِيع الْعَلِيم } .يَ ْعنِي تَعَالَى ذِكْره بِ َقوْلِهِ َ { :ف َ
سيَكْفِيك اللّه يَا مُحَمّد َهؤُلَا ِء الّذِينَ قَالُوا لَك لِ َأصْحَابِك : اللّه } فَ َ
{ كُونُوا هُودًا أَوْ َنصَارَى َت ْهتَدُوا } ِمنْ ا ْل َيهُود وَالنّصَارَى ,إنْ هُمْ
عنْ َأنْ ُيؤْمِنُوا بِ ِمثْلِ إيمَان َأصْحَابك بِاَللّهِ َ ,وبِمَا ُأنْ ِزلَ إ َليْك , َتوَّلوْا َ
غيْرهمْ , سحَاق وَسَائِر الْ َأنْ ِبيَاء َ وَمَا أُنْ ِز َل إلَى إبْرَاهِيم َوإِسْمَاعِيل وَإِ ْ
جوَارك عنْ ِ سيْف َ ,وإِمّا بِجَلَا ِء َ وَ َفرّقُوا بَيْن اللّه وَرُسُله ,إمّا بِ َقتْلِ ال ّ
ن اللّه ُهوَ السّمِيع لِمَا يَقُولُونَ لَك غيْر ذَ ِلكَ ِمنْ الْعُقُوبَات ,فَ ِإ ّ َ ,و َ
جهْل وَال ّدعَاء إلَى الْكُفْر وَالْمِلَل س َن ِتهِمْ َويُبْدُونَ لَك بِأَ ْفوَا ِههِمْ ِمنْ الْ َ
بِأَلْ ِ
طنُونَ لَك وَلِ َأصْحَابِك الْ ُمؤْ ِمنِينَ فِي َأنْفُسهمْ ِمنْ الضّالّة ,الْعَلِيم بِمَا ُيبْ ِ
حسَد وَا ْلبَ ْغضَاء .فَفَ َعلَ اللّه ِبهِمْ ذَ ِلكَ عَاجِلًا َوَأنْجَ َز َوعْده ,فَكَفَى الْ َ
حتّى َق َتلَ بَعْضهمْ َن ِبيّه صَلّى اللّه عَ َليْهِ وَسَلّمَ ِبتَسْلِيطِهِ إيّا ُه عَ َل ْيهِمْ َ
خزَاهُ بِا ْلجِ ْزيَةِ وَالصّغَار )16( . َوأَجْلَى بَ ْعضًا َوأَ َذلّ بَعْضًا وَأَ ْ
الغلم ثبت على الحق وأخذ بأسباب النصر ثم التمس أسباب السماء
والتجأ إليها فنزلت المعجزة واكتمل النصر بهلك جنود الطاغية
ونجاة الغلم الذي لم يهرب بدوره بعد نجاته وإنما أصر على
دعوة الملك إلى ال وإعلمه بالمعجزة عسى أن يرعوي ويعود
لرشده فيدخل أهل مملكته في السلم بسبب إسلمه ,فحمل
الموقف إصرار الغلم على الثبات والدعوة إلى ال وكان موقف
الملك على ما سنرى .
أصحاب الخدود ومنظومة الكون 46
www.islamway.com
عنْجتُمْ بِ ِه ا ْلبَحْر َفِإنْ َرجَعَ ََفبَعَثَ بِ ِه مَعَ نَفَر فِي ُقرْقُور فَقَالَ إِذَا لَجَ ْ
ججُوا بِ ِه ا ْلبَحْر َفقَالَ الْغُلَام الّلهُمّ
دِينه َوإِلّا فَغَرّقُو ُه فِي ا ْلبَحْر فَلَ َ
خ َل عَلَى الْمَلِكحتّى دَ َ شئْت فَ َغرِقُوا أَجْمَعُونَ وَجَا َء الْغُلَام َ اِكْ ِفنِيهِمْ بِمَا ِ
فَقَالَ مَا فَ َع َل أَصْحَابك ؟ فَقَالَ كَفَانِيهِمْ اللّه تَعَالَى .
إصرار عجيب على الكفر والركون إلى الدنيا من الملك ومخالفة
منظومة التسبيح الكونية التي بدأت معالمها تتضح له على يد الغلم
,وثبات أعجب من غلم استعذب التضحية بنفسه في ذات ال .
ويتكرر الموقف من محاولة الملك التخلص من الدعوة وأهلها
للرجوع للستقرار الموهوم داخل مملكته ,بعدما أيقن أن آلة
التخييل لم تعد تصلح لغلبة هذه الدعوة الجديدة التي استندت إلى
الحجة البالغة واحتمت بملك ل يستطيع الطاغية معه حيلة ول
مواجهة .
يقول الشيخ رفاعي سرور:
إن اختيار الملك لسلوب القذف بالغلم في وسط البحر بعد محاولة
القذف به من فوق الجبل يعتبر نموذجا لطبيعة تطور المواجهة
الجاهلية المادية البحتة في مواجهة دعوة قائمة بقدر ال وحده.
www.islamway.com
كيف لو كانت بحرا.
وكما اهتز الجبل فسقطوا .
انكفأت السفينة فغرقوا.
وعاد هو سالما..
ويقين الغلم بعجز الملك عن قتله وإن كان موقفا خاصا إل أنه
تضمن حقيقة اعتقادية مطلقة قالها رسول ال صلى ال عليه وسلم
لبن عباس في حديثه( :واعلم أن المة لو اجتمعت على أن ينفعوك
بشيء لن ينفعوك إل بشيء قد كتبه ال لك ولو اجتمعت على أن
يضروك بشيء لن يضروك إل بشيء قد كتبه ال عليك ،رفعت
القلم وجفت الصحف ) ()17
www.islamway.com
سهْم وَمَاتَ
سهْم فِي صُدْغه َف َوضَعَ الْغُلَام يَده عَلَى َم ْوضِع ال ّ َفوَقَعَ ال ّ
فَقَالَ النّاس آ َمنّا ِبرَبّ الْغُلَام .
هنا تكتمل الثارة المتمثلة في موقف غلم مؤمن قوي لم يهن ولم
يركن إلى الدعة وينظر إلى أقرانه ومن هم في مثل سنه ,أو يهرب
من المواجهة ويقول في نفسه يكفي هذا الطاغية ما سبق من آيات
,وإنما يضحي بنفسه من أجل إدخال الناس في دين ال أفواجا
وإظهار عوار الملك وإظهار نشاز مملكته عن منظومة التسبيح
والتوحيد الكونية ,ويفضح اعتقاد من اعتقد بألوهية ملك ل يملك
لنفسه النفع والضر ,بل ل يملك إيذاء من يستطيع إيذاءه إل بإذن
ال ملك الملوك ومدبر الكوان وخالق كل شيء.
الغلم يعري وثنية المملكة أمام أركانها مكتملة سواء من ناحية
النظام الفاسد الذي يريد تعبيد الناس لذاته وشهواته أو من ناحية
قوم سفهاء الحلم استخف ملكهم عقولهم فأطاعوه فكانوا قوما
كافرين .
يقول تعالى حاكيا عن صورة مطابقة لصورة هذا الملك الكذاب وهي
صورة الكفر الفرعوني :
ف َقوْمَهُ فَ َأطَاعُوهُ ِإ ّنهُمْ كَانُوا َقوْمًا فَاسِقِينَ ( ))54الزمر
ستَخَ ّ
(فَا ْ
ف َقوْمه " ستَخَ ّيقول المام القرطبي في تفسيره َ :قوْله تَعَالَى " فَا ْ
ج َهلَ َقوْمه " َفأَطَاعُوهُ " ِلخِفّةِ ستَ ْ
قَا َل اِبْن الْ َأعْرَا ِبيّ :الْمَعْنَى فَا ْ
خفّهُ الْفَرَح أَيْ أَ ْزعَجَ ُه ,
ستَ َأَحْلَامه ْم وَقِلّة عُقُولهمْ ; يُقَال :اِ ْ
ستَخِفّنك الّذِينَ لَا جهْل ; وَ ِمنْهُ " :وَلَا يَ ْ ستَخَفّ ُه أَيْ حَمَلَ ُه عَلَى ا ْل َ
وَا ْ
أصحاب الخدود ومنظومة الكون 49
www.islamway.com
يُو ِقنُونَ " [ الرّوم . ] 60 :وَقِيلَ :اِ ْ
ستَفَزّهُمْ بِالْ َق ْولِ فَأَطَاعُوهُ عَلَى ,
التّكْذِيب .
جدَهُمْ خِفَاف الْعُقُول .وَ َهذَا لَا يَ ُدلّ عَلَى ف َقوْمه أَيْ وَ َ ستَخَ ّ وَقِيلَ :اِ ْ
جدَهُمْ خِفَاف َأنّهُ يَجِب َأنْ يُطِيعُو ُه ,فَلَا بُ ّد ِمنْ ِإضْمَار بَعِيد تَقْدِيره وَ َ
خفّ َقوْمه ستَ َ
الْعُقُول َف َدعَاهُمْ إِلَى الْ َغوَايَة فَأَطَاعُو ُه .وَقِيلَ :اِ ْ
ستَخَفّ بِهِس َتثْقَلَهُ ,وَا ْستَخَفّهُ خِلَاف اِ ْ
حتّى ِاتّبَعُوهُ ; يُقَال :اِ ْ وَ َقهَ َرهُمْ َ
أَهَانَهُ .
عنْ طَاعَة اللّه )18( .
" ِإ ّنهُمْ كَانُوا َقوْمًا فَاسِقِينَ " أَيْ خَا ِرجِينَ َ
وهكذا كل نظام شاز عبر التاريخ يقود أتباعه تارة بآلت التخييل
المختلفة وتارة بالستجهال وأخرى بالقهر والتعذيب أو الفقار
وإرغامهم على الحاجة الدائمة للخضوع لنشاز النظام واختلله عن
منظومة التسبيح الكونية .
ولما أصر الملك الطاغية على المضي في كذبه وأطاع الداعية
الذكي الزكي وقع فيما كان يخشى وكان النصر مصاحبا لتضحية
عظيمة من الغلم الداعية الذي قدم نفسه فداء لعلء كلمة ال
فكانت المفاجأة تحقق النصر المبين ودخول الناس في دين ال
أجمعين .
-11شهداء الخدود لؤلؤة في عقد منظومة التسبيح الكوني
وهنا لنا وقفة وهي أن النصر قد يأتي حال حياة أصحابه وقد يأتي
حال موتهم أو وهم أموات ,ولكن التناغم الحقيقي مع منظومة
الكون المسبح بحمد ربه يمد حبل الحياة ويصحب النصر إلى حيث
صاحبه في جنات الخلود ولتكون نهاية القصة بما يلي:
أصحاب الخدود ومنظومة الكون 50
www.islamway.com
ن النّاس فَقِيلَ ِللْمَ ِلكِ أَ َرَأيْت مَا ُكنْت تَحْذَر ؟ فَقَ ْد َواَللّه نَ َزلَ بِك َقدْ آ َم َ
ت فِيهَا النّيرَان خدّتْ فِيهَا الْأَخَادِيد َوأُضْرِمَ ْ كُلّهمْ َفأَمَ َر بِأَ ْفوَاهِ السّكَك فَ ُ
عنْ دِينه فَ َدعُو ُه َوإِلّا فَأَقْحِمُوهُ فِيهَا قَا َل فَكَانُوا وَقَالَ َمنْ َرجَعَ َ
ت اِمْ َرأَة بِا ْبنٍ َلهَا تُ ْرضِعهُ فَكَ َأ ّنهَا
َيتَعَا َد ْونَ فِيهَا َو َيتَدَافَعُونَ َفجَاءَ ْ
ت َأنْ تَقَع فِي النّار فَقَا َل الصّ ِبيّ ِاصْبِرِي يَا أُمّا ُه فَ ِإنّك عَلَى تَقَاعَسَ ْ
حقّ . الْ َ
وتتوالي الحداث ببزوغ فجر التوحيد في هذه المملكة السابحة في
الظلم وتتسابق الرواح إلى دخول الجنة وكان سوقا للفلح قد
انفتحت :
وكأني أنظر إلى اكتمال نصر الغلم بصعود روحه الطاهرة إلي
السماء لتحلق في جوف طائر أخضر في الجنة ,,تكاد تلحقه أرواح
قوم نفضوا الكفر عن كواهلهم ,وغسلوا قلوبهم من الكفر بماء
التوحيد الطاهر وانتظموا في سلسلة التوحيد ومنظومة الكون
المسبح بحمد ال ففازوا بالجنات رغم احتراقهم في الدنيا ,وخسر
من عذبهم حيث استحق التحريق الحقيقي بنار الخلد البدية ِ :إنّ
ج َهنّمَ
الّذِينَ َف َتنُوا الْ ُمؤْمِنِينَ وَالْ ُمؤْمِنَاتِ ثُ ّم لَمْ َيتُوبُوا فَ َلهُمْ عَذَابُ َ
ب الْحَرِيقِ ( )10البروج وَ َلهُمْ عَذَا ُ
وهنا تبدو المنظومة الكونية الحقيقية المتمثلة في مملكة التوحيد
واضحة فالحريق الحقيقي من نصيب أهل الكفر والنعيم البدي من
نصيب أهل التوحيد ومنظومة التسبيح .
المكافأة الربانية للغلم كانت في نهاية القصة بإيمان قومه ليحقق
النتصار وإن كان الثمن حياته ,و الواقع الحقيقي لمنظومة الكون
أصحاب الخدود ومنظومة الكون 51
www.islamway.com
أن حياته امتدت بهذه النهاية ولم تنقطع كما انقطعت حياة الكثيرين
غيره وهم أحياء يسيرون على وجه الرض .
قوة النور وقوة الحق جعلت من رضيع ل يعقل ينطلق معبرا صارخا
بحقيقة التوحيد وموجها إلى الصراط المستقيم ومشيرا إلى طريق
الجنة.
فهنيئا لكم أصحاب الخدود مساكنكم في دار الخلود وقبلها تناغمكم
مع منظومة التوحيد الذي يسبح به هذا الوجود.
====================================
()1تفسير الطبري
()2تفسير ابن كثير
()3تفسير الطبري
()4تفسير ابن كثير
أصحاب الخدود ومنظومة الكون 52
www.islamway.com
()5تفسير ابن كثير
()6أصحاب الخدود – رفاعي سرور
()7تفسير ابن كثير
()8تفسير ابن كثير
()9رفاعي سرور (أصحاب الخدود)
()10تفسير ابن كثير
()11تفسير القرطبي
()12بتصرف من محاضرة للشيخ /عبد الرزاق بن عبد المحسن
العباد البدر
()13تفسير الجللين
()14ناصر بن محمد الحمد :خطبة (قل آمنت بال ثم
استقم) بتاريخ 14298-3-25هـ
()15تفسير ابن كثير
()16تفسير الطبري
()17أصحاب الخدود – رفاعي سرور
()18تفسير القرطبي
()19