Professional Documents
Culture Documents
للهجرة بكثير ،بل أنه قد تم في أوائل القرن الثاني ،بين سنة -120
130هـ( .)2بدليل الواقع الذي يحدثنا عن ذلك ،فهناك جملة من هذه
الكتب مات مصنفوها في منتصف المئة الثانية ،مثل جامع معمر بن
راشد ( )154وجامع سفيان الثوري ( )161وهشام بن حسان ( )148وابن
جريج ( )150وغيرها كثير.
_______________
انظر على سبيل المثال فؤاد سيزكين في " تاريخ التراث العربي:
231 :1:1وما بعد ،وفيه نقول هامة وتتبع جيد.
كما حدده أبو طالب المكي في قوت القلوب 350 : 1 :وانظر تاريخ
التراث العربي. 229 :1 :
وقد وجد العلماء بعض هذه الجوامع ،ويجري الن تحقيق جامع
معمر بن راشد في الهند ،ليكون إخراجه شاهد حق ودليل صدق
على ما بيناه في هذه المسألة.
3-إن علماء الحديث وضعوا شرطاً لقبول الحديث تكفل نقله عبر
الجيال بأمانة وضبط ،حتى يُؤدّى كمت سُمِعَ من رسول ال صلى
ال عليه وسلم كما أوضحنا من شروط الراوي التي توفر فيه غاية
الصدق لما اجتمع فيه من الدوافع الدينية والجتماعية والنفسية ،مع
الدراك التام لتصرفاته وتحمل المسؤلية ،كما أنها توفر فيه قوة
الحفظ والضبط بصدره أو بكتابه أو بهما معاً مما يمكنه من
استحضار الحديث وأدائه كما سمعه .وكما أوضحناه من شروط
الصحيح والحسن التي تكفل ثقة الرواة ثم سلمة تناقل الحديث بين
حلقات السناد وسلمته من القوادح الخفية .ثم بيناه من دقة تطبيق
المحدثين لهذه الشروط في الحكم على الحديث بالضعف لمجرد فقد
الدليل على صحته ،من غير أن ينتظروا قيام دليل مضا ًد له.
4-إن علماء الحديث لم يكتفوا بهذا ،بل تنبهوا إلى عوامل في الرواية
المكتوبة لم يتنبه إليها هؤلء المتطفلون بالقتراح عليهم ،فقد اشترط
المحدثون في الرواية المكتوبة شروط الحديث الصحيح ،لذلك نجد
على مخطوطات الحديث تسلسل سند الكتاب من راو إلى آخر حتى
يبلغ مؤلفه ،ونجد عليها اثبات السماعات وخط المؤلف أو الشيخ
المسمع الذي يروي النسخة عن نسخة المؤلف أو عن فرعها..
فكان منهج المحدثين بذلك أقوى وأحكم ،وأعظم حيطة من أي منهج
في تمحيص الروايات ،والمستندات المكتوبة.
5-إن البحث عن السناد لم ينتظر مئتي سنة كما وقع في كلم
الزاعم ،بل فتش الصحابة عن السناد منذ العهد الول حين وقعت
الفتنة سنة 35هجرية ،لصيانة الحديث من الدس.
وقد ضرب المسلمون للعالم المثل الفريد في التفتيش عن السانيد،
حيث رحلوا إلى شتى الفاق بحثاً عنها ،واختباراً لرواة الحديث،
حتى اعتبرت الرحلة شرطاً أساسيًا لتكوين المحدث.
6-أن المسلمين _كما تبين مما سبق .لم يغفلوا عما اقترفه
الوضّاعون وأهل البدع والمذاهب السياسية من الختلق في
الحديث ،بل بادروا لمحاربة ذلك باتباع الوسائل العلمية الكافلة
لصيانة السنة في قيود رواية المبتدع ،ولبيان أسباب الوضع
وعلمات الحديث الموضوع.
7-إن هذا التنوع الكثير للحديث ليس بسبب أحواله من حيث القبول
أو الرد فقط ،بل إنه يتناول إضافة إلى ذلك أبحاث رواته وأسانيده
ومتونه ،وهو دليل على عمق نظر المحدثين ودقة بحثهم ،فكان على
هذا القائل أن يسلم لهم ،كما أننا نستدل على دقة العلم وإحكام أهله له
بتقاسيمه وتنويعاته .بل ل يُعد علماً ما ليس فيه تقسيم أقسام وتنويع
أنواع؟!!
8-إن علماء الحديث قد أفردوا لكل نوع ممن الحديث وعلومه كتبًا
تجمع أفراد هذا النوع من أحاديث ،أو أسانيد أو رجال ،فل يصلح
بعد هذا أن يقول قائل :كيف نعرف هذا الحديث أنه صحيح من بين
تلك النواع.
ونحن نقول له :كذلك وقع التنوع في كل علم وكل فن ،فلو قال
إنسان :كيف نحكم على هذا المرض بأنه كذا وأنواع المراض تعد
بالمئات ،وكيف نبين هذا المركب الكيمائي من بين المركبات التي
تعد بالللف لحلناه على الخبراء المتخصصين ليأخذ منهم الجواب
الشافي ،والحل المقنع.
فكما يرجع في الطب غلى الطباء ،وفي الهندسة إلى المهندسين
وفي الكيمياء غلى علمائها ،والصيدلة غلى أصحابها ...كذلك فارجع
في الحديث على علماء الشرع المتخصصين في هذا العلم لخذ
البيان الجلي المدعم بالدلة القاطعة عن كل حديث تريده وتود
معرفة حاله.
6-يقول الستاذ فؤاد سيزكين" :هذا ونرى لزامًا علينا أن ننه إلى أن
جولد تسيهر لم يدرس كتب علم أصول الحديث دراسة شاملة رغم
أنه عرف قسماً منها كان ما يزال مخطوطاً في ذلك الوقت .وفوق
هذا فيبدو لنا أنه لم ينظر رغم كثرة مصادره إلى بعض المعلومات
في سياقها وفي ضوء ظروفها ،ويبدو لنا كذلك أنه لم يصب في فهم
المواضع التي قد تعطي لول وهلة دللة تختلف عن معناه الحقيقي
اختلفاً أساسياً(.)1
ويقول سيزكين أيضاَ" :أن جولد تسيهر على تضلعه في اللغة
العربية قد أساء فهم بعض المعلومات الواردة في كتب الحديث
وضرب بهذا منذ البداية في اتجاه خاطىء" (.)2
ونحن ل نتعرض لواقع الخطأ في فهم النصوص أو في الخذ
المقتطع للنص عما يكمله أو النقل المحرف ،ول نود الخوض في
اسباب ذلك ودوافعه ،لكن نجد أنه لزام علينا إزاء ذلك أن نصرح
بأن هذا الواقع يجعلنا عاجزين عجزاً تاماً كاملً عن العتماد على
شيء من نظريات المستشرقين وأبحاثهم هم وأتباعهم الذين يعتمدون
عليهم.
5-أن جهود المحدثين في حقل تطبيق هذا المنهج النقدي العظيم قد
بلغت الغاية في الوصول إلى الهدف المنشود ،وهذه تصانيفهم
الكثيرة في أنواع الحديث ،ما اختص منها بالصحيح ،وما جمع إليه
الضعيف ،أو اختص بالموضوع ،أو بنوع مستقل من علوم الحديث
الخرى كالمرسل والمدرج ..،هذه التصانيف برهان عملي على
مدى ما بلغوه من العناية في تطبيق هذا المنهج حتى أ ّدوْا إلينا تراث
النبوة صافياً نقياً.
ولقد كان حقاً ما شهد به العلماء من تحقيق هذا الغرض العظيم .فقال
عبد ال بن المبارك حين سئل :هذه الحاديث الموضوعية؟ فقال:
"تعيش لها الجهابذة ،إنا نحن نزلنا الذّكر وإنا له لحافظون"..
وكان حقاً ما قال ابن خزيمة (( :ما دام أبو حامد بن الشرقي في
الحياء ل يتهيأ لحد أن يكذب على رسول ال صلى ال عليه
وسلم )) .وقال أيضاً (( :حياة أبي حامد بن الشرقي تحجب بين
الناس وبين الكذب على رسول ال صلى ال عليه وسلم)) .
وقال الدارقطني (( :يا أهل بغداد ل تظنوا أن أحداً يقدر يكذب على
رسول ال صلى ال عليه وسلم وأنا حي)).
ورحم ال المام الثوري حيث قال (( :الملئكة حراس السماء،
,اصحاب الحديث حراس الرض )).
أجل وال ،ولنعم الحراس المناء كانوا ،تحقق بهم الوعد اللهي
بحفظ هذه الملة ،وجرت على أيديهم هذه المكرمة التي اختص ال
تبارك وتعالى بها هذه المة .رضي ال عنهم وأجزل مثوبتهم،
وسلك بنا من محض فضله سبيلهم.
وأخيراً ،ل بد أن أشيد بالشكر لمن كرر عليَ الطلب وأكد من
إخواني الكرام أن أكتب في هذا الفن الجليل ،ذاكراً أثره في توجيه
همتي لصياغة أفكاري وخطتي في هذا الكتاب أرجو ال تبارك
وتعالى أن يمن بقبوله ،وأن ل يخيب من أحسن بي ظنه ،وأن يفر
لي وله.
وأحمد ال تعالت صفاته ،وتباركت أسماؤه ،وأثني عليه كما هو
أهله ،وأسأله المزيد من فيض فضله ،وصلى ال على سيدنا ومولنا
محمد وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين وآل كل صحبه وسلم
تسليماً.