Professional Documents
Culture Documents
للشيخ محمد المعمري
المقدمة :
إن الحمد ل نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونؤمن به ونتوكل عليه من يهده ال فل مضل
له ومن يضلل فل هادي له ونشهد أن ل إله إلّ ال وحده ل شريك له ونشهد أن سيدنا ونبينا
محمدا عبده ورسوله صلى ال وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى
يوم الدين أيها المشائخ الكرام ..أيها الخوة الحبة ..أيتها الخوات ،السلم عليكم جميعا
ورحمة ال تعالى وبركاته ،يقول ال سبحانه وتعالى (( :بسم ال الرحمن الرحيم .اقرأ باسم
ربك الذي خلق .خلق النسان من علق .اقرأ وربك الكرم .الذي علم بالقلم .علم النسان
ما لم يعلم )) موضوع هذا الدرس عن القراءة ،وبشكل أخص كيف نقرأ ؟ ل أحد يجادل في
أهمية القراءة وأنها عنوان من عناوين التميز بين الشخاص ،ول أحد يجادل أيضا أن المم
المنتصرة هي المم التي تأخذ بزمام العلم والمعرفة وتهتم بالثقافة ،فإن هذا الهتمام بهذه
الجوانب هو الذي يقودها إلى أن تمسك بزمام القوة ،وليس سرا أن يقال بأن حركات
الستعمار التي اجتاحت المة العربية والسلمية كانت منطلقة من مراكز البحوث والدراسات
في الدول التي أرادت أن تغزو دولة ما وأن تستعمرها ،فإن المستعمر عندما أراد أن يغزو
بلد المسلمين وبلد العرب أخذ يدرس تلك البلدان ،يدرس بعمق عن ثقافة ذلك البلد وعن دينه
وعن طبيعته الجغرافية ويدرس كل الجوانب التي ربما تيسر له سبيل استعمار ذلك البلد ،فهذا
من المور التي يعترف بها أولئك الذين استعمروا هذه البلد ،فمنطلقات حركات الستعمار
وحركات الستشراق بوجه عام إنما كانت من مراكز البحوث والدراسات في الدول التي
استعمرت ،والمم كما قلت تنتصر إذا أمسكت بزمام العلم والمعرفة وقادت أبناءها إلى
الهتمام بالعلم والمعرفة ومفتاح العلم والمعرفة يكون بالقراءة لذلك أمر ال سبحانه وتعالى في
آياته الكريمة << بإقرأ >> (( ..اقرأ بسم ربك الذي خلق ثم اقرأ وربك الكرم الذي علم
بالقلم )) .سنتناول في هذا الدرس خمسة عناصر :
-العنصر الول :تساؤلت قبل أن نبدأ الموضوع .
-العنصر الثاني :سؤال لماذا نقرأ ؟ .
1
-العنصر الثالث :سؤال كيف نقرأ ؟ .
-العنصر الرابع :توصيات مهمة لقراءة مثمرة .
-العنصر الخامس والخير :تجارب يمكن الستفادة منها .
أول تساؤل يبرز أمامنا ونحن نريد أن ندرس موضوع القراءة في عالمنا السلمي ،هو ما
هي قيمة الكتاب في حياتنا العامة والخاصة ؟ الن تقام معارض للكتب ،هذه الكتب ما هي
قيمتها لدينا ؟ ما هي قيمة هذا الكتاب عندما نمسك به بين أيدينا ؟ عندما تلمس أناملنا هذا
الكتاب وهذه الوراق ما الشعور الذي ينتابنا ونحن نمسك كتابا سواءا كان مجلدا كبيرا أو كتيبا
صغيرا ؟ قيمة الكتاب هي التي تحدد قيمة النسان ذاته ونظرتنا لهذا الكتاب هي التي تبين لنا
أو تدخلنا إلى الولوج في عالم القراءة وأهمية القراءة وكيفية القراءة ،إذا نظرنا إلى واقعنا ،
قبل أن آتي إلى هذا الدرس أخذت جولة في هذه المنطقة التي نعيش فيها ووجدت أننا نملك في
هذه المنطقة التي نعيش فيها خمس مكتبات ،بجانب هذه المكتبات توجد مئات المحلت
التجارية من غير المكتبات ،أكثر من ثلثين مقهى ومطعم ،وإذا جئنا إلى هذه المكتبات
الخمسة الموجودة وألقينا نظرة بداخلها فنتعرف بكل وضوح بأنه ل توجد مكتبة بالمعنى الذي
يخدم عملية الثقافة ويخدم عملية القراءة في المجتمع أو الحي الذي نعيش فيه ،ل نريد أن
ندرس أسباب ذلك فليس هذا هو موضوع هذا الدرس ولكن ل شك أن هذا يعطينا مغزىً
للجابة عن هذا السؤال ما هي قيمة الكتاب في حياتنا ؟ إذا كنا نعيش في مجتمعات ل تهتم
بالمكتبات ول تهتم بالكتاب فإنه ل أقول من غير المعقول أن نأتي ونتحدث عن كيفية القراءة
لننا قبل أن نتحدث عن كيفية القراءة ل بد أن نتحدث عن أهمية الكتاب وعن موقع الكتاب في
حياتنا العامة وحياتنا الخاصة وشعورنا بارتباطنا بهذه الصفحات وهذه الوراق وهذه الكتب
فإذا كانت علقتنا بهذا الكتاب علقة ندرك كنهها ونعرف مستواها وقيمتها فل شك أننا بعد ذلك
سنقبل على القراءة على هذه الكتب ،إذا جئنا أيضا إلى موضوع آخر أو جانب آخر مما يظهر
لنا قيمة الكتاب في حياتنا طباعة الكتب ،معدل طباعة الكتب في البلدان العربية والسلمية ل
ل إذا أراد ناشر أن ينشر
يتجاوز ثلثة آلف نسخة في المعدل العام ،نحن هنا في عمان مث ً
كتابا ما فإنه ل يزيد عن خمسة آلف نسخة ،خمسة آلف نسخة هذا يعتبر شيء كبير ونحن
أمة عدد سكانها أكثر من مليوني نسمة ،خمسة آلف عدد الكتب التي تطبع وليس عدد القراء
الذين يقرأون تلك الكتب ،وفرق بين من يزور معارض الكتاب ويشتري من الكتب العدد
2
الكثير وبين ذلك الذي يكب على قراءة الكتب التي اشتراها فإن ذلك إنما هو إنسان يجمع الكتب
أما الشخص الثاني فهو النسان الذي يقرأ ما بداخل هذه الكتب ويعرف قيمة الكتب .
-إذا التساؤل الول قبل أن نبدأ طرح موضوع القراءة ما هي قيمة الكتاب ؟ أو كيف ننظر
إلى هذا الكتاب ؟
-التساؤل الثاني :ما هي النظرة التي نحملها عن القراءة ؟ كيف نعرّف القراءة ؟ أو ما هو
تصورنا للقراءة ؟ نحن أتينا هنا لكي ندرس كيفية القراءة ولكن ما هي القراءة ؟ كيف نعرّف
القراءة ؟ هل هي مجرد حركة العين والعقل تمر على الحروف أم أن القراءة شيء آخر وله
تفسير آخر غير هذا التفسير هذا جانب ،الجانب الثاني :أن كلنا نريد أن نقرأ والكثير من
الناس يأتون ويسألون نريد أن نعرف كيف نقرأ ،نريد أن نتعوّد على القراءة ،نحن نشتري
الكتب ولكن ل نقرأها ،تساؤلت كثيرة والكثير من الناس عندهم حسن النية للقبال على
القراءة ولكن ل بد أن نقرر أن القراءة ليست حبوبا يتناولها الفرد تجعله يدمن على تلك
الحبوب ( أي القراءة ) وإنما عملية القراءة :هي عملية تراكمية لمؤثرات كثيرة سواء كانت
شخصية أو اجتماعية أو حتى على المستوى العام للبيئة التي يعيش فيها النسان ،عملية
القراءة عملية تكاملية تشترك في تأسيسها وفي بلورتها كثير من المعطيات التي ل بد أن تأخذ
بعين العتبار ،فالتربية التي نشأنا عليها أو التي ينشأ عليها الجيل السلمي لها تأثيرها على
القراءة وعلى مفهوم القراءة لدى النشء ،فالطفل عندما ينشأ في مجتمع ل يعوده على القراءة
ل أو يتابع موضوعا ما فإن هذا النوع من
ل يأخذ بيده إلى أن يتصفح كتابا أو أن يقرأ مقا ً
التربية السلبية ل يخدم عملية القراءة بحال من الحوال فلذلك عندما يبلغ النسان مرتبة متقدمة
من العمر ويكون في الثلثين أو في الربعين ثم يأتي بعد ذلك ويقول تصعب عليّ القراءة أو
أنني أعاني من صعوبة المواصلة في عملية القراءة فإن العيب ل يكون في ذات الشخص وإنما
العيب في العملية التربوية التي نشأ عليها هذا الشخص وينشأ وما يزال ينشأ عليها الجيل
السلمي فل بد ونحن ندرس هذا الموضوع ( موضوع القراءة ) أن نبدأ بالجيل الصغير لكي
ننمي فيه عادة حب القراءة وهذا أيضا موضوع يطول ومن أراد بحثه فهناك كتب متخصصة
في هذا المجال ولكن ل بد من الخذ بعين العتبار ول بد من التنبه إلى أن عملية القراءة
ليست عملية مفاجئة أو أن ينتقل النسان من أنه إنسان غير قارئ إلى إنسان مدمن على القراءة
كأنه يتناول حبة أو علج ودواء ثم يتحول هذا التحول الكبير وإنما هناك ل بد من تدرج ول بد
من أن تكون عملية التربية التي ينشأ عليها النسان هي التي تخدم عملية القراءة ،كذلك جانب
آخر من جوانب القراءة وهو التشجيع من قبل المؤسسات العامة والخاصة في الدولة ،هل هذه
المؤسسات سواء كانت مؤسسات عامة أو مؤسسات خاصة تخدم عملية الثقافة وتخدم بشكل
3
أخص عملية القراءة لدى الفراد ؟ وسائل العلم ،المدارس ،الجامعات ،دور الثقافة ،
ل يحب
المساجد ،كثير من المؤسسات لها دخل مباشر بعملية القراءة ،وإذا أردنا أن نبني جي ً
القراءة فل بد أن تتعاون هذه المؤسسات ،مؤسسات سواء كانت عامة أو خاصة ل بد أن
تتعاون وأن تتكامل في بناء النسان القارئ ول يمكن الوصول إلى النسان القارئ إل بعد هذه
العملية التكاملية بين المؤسسات العامة والخاصة ،قد يكون من غير المتوقع أو ل يتوقع
النسان أن يقول هذا الكلم ولكن هذه معطيات نشرت ومراكز قامت بالبحث تقول أحد
الحصائيات وهذه إحصائية نشرت قبل ثلث سنوات في أحد المجلت العربية وهي مجلة
المعرفة تقول (( :إن معدل ما يقرأه المواطن العربي تصل إلى ثلثين ثانية في الشهر بمعنى
أن المواطن العربي يقرأ ثانية واحدة في اليوم ،هذا أمر مخجل وهو أمر أيضا مؤسف بدرجة
كبيرة لننا إذا كنا نعيش في عالم وفي أمة تبلغ أعداد سكانها المليين الكثيرة ول يقرأ أفرادها
إل ثانية واحدة في اليوم ثلثين ثانية في الشهر فكيف يمكن أن تكون هذه المة أمة منتجة أو
أن تكون هذه المة أمة فاعلة ومؤثرة في الصعيد الثقافي والصعيد القتصادي وكذلك الصعيد
السياسي أيضا ،ل يمكن لمة يقرأ أفرادها ثانية واحدة في اليوم أن يؤثروا في أنفسهم بل أن
يؤثروا في الخرين فل بد ونحن نبحث موضوع القراءة أن نغير هذه الحصائية وأن نبدأ
بتغييرها وعملية الثانية في اليوم ل تكفي إل إذا حولناها إلى عشر ساعات في اليوم أو على
اقل تقدير خمس ساعات في اليوم الواحد ل بد أن تكون القراءة همّا في نفوسنا وأن ندرك
قيمتها كما إننا نحمل هموما كثيرة في حياتنا ،هموم كسب العيش ،هموم بناء المسكن ،هموم
شراء سيارة ،هموم دعوة الناس إلى الخير ،هموم كثيرة نحملها في داخلنا ل بد أن يأخذ همّ
القراءة حيزا في نفوسنا حتى نقبل على القراءة ،أن تكون القراءة شيء في داخلنا نحس أننا إذا
لم نقرأ كأن شيئا ما متغير في حياتنا أو أن أمرا غير عادي يسير بين حشايانا أن تكون القراءة
همّا وأن نحمل هذا الهمّ حتى نصل إلى كيفية القراءة ،وهذا ل يكون إل بوجود الدافع الذي
يحفزنا نحو القراءة وهذه الدوافع ل تأتي من فراغ وإنما من خلل قناعات معينة تجعل الفرد
يقرأ ويتخذ القراءة عادة في حياته هذه القناعات تختلف من شخص إلى شخص ومن حال إلى
حال ،قناعة طالب العلم بأنه يريد أن يطلب العلم ،قناعة الموظف في تخصص معين يريد أن
ينمي فيه جانب ذلك التخصص فلذلك يقبل على القراءة ،قناعة التاجر الذي يقرأ عن التجارة
أنما يريد أن يحقق ربحاَ ،في تجارته إذا ل بد من وجود قناعات في داخلنا عن أهمية القراءة
وليس هناك أعظم من قناعة من كون النسان يحس أنه عندما يقرأ أنه يعبد ال سبحانه وتعالى
أنه يتقرب إلى ال عز وجل أنه ينال الخير والثواب من ال جل وعل على قراءته ،ولعل في
حث الكتاب العزيز وحث النبي صلى ال عليه وآله وسلم على قراءة القرآن وتدارس العلم
وبيان أن من قرأ حرفا في كتاب ال فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها إنما هو جزء من بناء
4
السلم للفرد القارئ فيدمن النسان على قراءة كتاب ال عز وجل لينطلق بعد ذلك إلى قراءة
كتب أخرى يستطيع من خللها أن يفهم كتاب ال ويستطيع من خللها أيضا أن يفهم معنى
الخلفة في هذه الرض ويفهم مغزى وجوده في هذه الدنيا ،ومن بين القناعات الخرى أيضا
بجانب هذه القناعة وهي كون معرفة النسان أن القراءة جزء من عبادته ل عز وجل إحساسه
بالزمن فإن النسان عندما يعلم قيمة الزمن ويحس بقيمة الوقت فإنه ل بد أن يفعل أي شيء
يجعله يحافظ على ذلك الوقت ويجعله أيضا يستغل ذلك الوقت الستغلل المثل ،أما إذا كان
إنسان ل يهتم بالوقت ل يشعر بقيمة هذا الوقت ل يحس بالزمن الذي يمر به ،يمر به اليوم
واليومان والثلثة والربعة ل يمسك كتابا ل يقرأ في صحيفة ل يطالع خبرا يعيش هكذا سبهللً
،فإن هذا ل يمكن أن نأتي ونحدثه عن أهمية القراءة وعن كيفية القراءة ،ل بد من الحساس
بقيمة الزمن وبالتالي ل بد أن نستغل ذلك الزمن .
لماذا نقرأ ؟ تساؤل مهم وربما أجبنا عنه في المقدمات التي ذكرناها ،هذا التساؤل هو الذي
يجعلنا نفهم عملية القراءة والستفادة منها ،ولكن الجابة عن هذا السؤال تختلف من شخص
إلى آخر فهناك من يقرأ من أجل أن يوسع قاعدة الفهم لديه ،عنده معلومات عن موضوع
معين هو متخصص في جانب معين من جوانب العلم يقرأ من أجل أن يوسع تلك القاعدة فهذا
عندما تسأله لماذا تقرأ ؟ يقول لك :بأني أريد أن أستزيد من هذه المعرفة وأكوّن قاعدة أكبر
من القاعدة العلمية التي أملكها ،هناك أناس آخرون إذا سألتهم لماذا تقرأون وتوجهت بالخطاب
إلى واحد منهم لماذا تقرأ ؟ يقول لك :أقرأ للبحث عن معلومات معينة حول موضوع معين ،
هو يدرس مثلً قضية من قضايا الفقه في الزكاة مثلً يمر على كتب الفقه وكتب القتصاد
ويبحث موضوع الزكاة ،فهذا يقرأ من أجل أن يصل إلى معلومات معينة حول موضوع معين
،هنالك جوانب أخرى أيضا للقراءة ،بعض الناس يتخذ القراءة من أجل التسلية ،من أجل
ملء الفراغ ،من أجل المتعة والستجمام وهذا ل شك أمر حسن ولكن من المؤسف أن تقول
الحصاءات أن العالم العربي أو أن مجمل القراءة أو معدل القراءة التي من هذا النوع تشكل
سبعين بالمئة من باقي القراءات ،إذا جئنا إلى أن الثانية الواحدة التي ذكرناها في اليوم الواحد
التي يأتي النسان إليها ويقرأ فيها ثانية واحدة هذه الثانية وانتهت ثم تكون هذه الثانية أيضا من
أجل ملء الفراغ ومن أجل التسلية ومن أجل المتعة كما يقال فإن هذا يزيد من الطين بلّة كما
يقال ،هنالك أيضا أناس يقرأون من أجل رفع متطلبات المهنة التي يمتهنونها ،فالطبيب يقرأ
5
في مجال طبه ،والمهندس يقرأ في مجال هندسته ،وطالب العلم الشرعي يقرأ في العلوم
الشرعية ،والسياسي يقرأ في العلوم السياسية ،والعسكري يقرأ في العلوم العسكرية وهكذا في
كل المجالت ،فإذا قبل أن نتوجه إلى سؤال كيف نقرأ ؟ ل بد أن نسأل أنفسنا لماذا نقرأ ؟
وقفت أمام الكتاب وأخذت كتابا اقتنعت بأن هذا الكتاب مهم اشتريته من المعرض أو من أي
مكتبة أو استعرته من صديق أو مكتبة خاصة أو عامة ،إذا اقتنعت بأن هذا الكتاب له قيمته ،
عندما أمسك بهذا الكتاب ل بد أن أسأل نفسي لماذا أقرأ ؟ سؤال ل بد أن توجهه إلى نفسك
وأنت تمسك بالكتاب ،أنا الن اشتريت هذا الكتاب أو استعرته ولكن لماذا نقرأ ؟ ما هو
غرضك من القراءة ؟ ما هو هدفك من القراءة ؟ .
وهذا هو صلب الموضوع ،السؤال عن كيفية القراءة سؤال ملحّ لدى كل متعطش للثقافة
وطلب العلم والمعرفة ولكن الجابة على ذلك ليست باليسيرة وسبب ذلك هو الختلف في
أمور كثيرة ،فالناس يختلفون في مداركهم فهنالك النسان المبتدئ ،وهنالك النسان
المتخصص والمتخصصون أيضا على درجات وعلى أنواع وعلى أشكال مختلفة كثيرة
والمبتدئون أيضا على مراتب متباينة فكل إنسان على حسب مرتبته تسألني كيف أقرأ هذا
الكتاب ؟ أسألك ما هو المستوى الذي بلغت إليه ؟ هل أنت مبتدئ أم متخصص ؟ وإذا كنت
مبتدئا ففي أي مرتبة من مراتب البتداء أنت ؟ وإذا كنت متخصصا ففي أي مجال وفي أي
مرتبة من التخصصات أنت ؟ كذلك مما يحكم عملية القراءة أو كيفية القراءة نوع الكتاب ،
فهناك كتب مختلفة هذا كتاب مثلً في الدب ،هذا كتاب مثلً في الفكر ،هذا كتاب في التربية
،هذا كتاب في الشعر الحديث ،هذا كتاب في القتصاد ،هذا كتاب في الفكر والفكر السياسي
وقضايا الستبداد ،هذا كتاب في تفسير الحلم ،هذا كتاب في علم النفس ،هذا كتاب آخر
في الفقه ،هذا كتاب في موضوع معين من الحركات السلمية وغيرها والقائمة تطول وما
ذلك إلّ نوع يسير فقط من التخصصات ،فنوعية الكتاب أيضا تحكم على النسان كيفية القراءة
،فقراءتنا لكتاب في الفلسفة يختلف عن قراءتنا لكتاب في التاريخ ،قراءتنا لكتاب في التاريخ
يختلف عن قراءتنا لكتاب آخر في الفقه ،قراءتنا لكتاب في الصول ،أصول الدين يختلف
عن قراءتنا لكتاب في علوم الحديث والمصطلح ،اختلف هذه النواع من الكتب يحكم أيضا
عملية القراءة وكيفية القراءة ،فهناك كتب في الفلسفة تتطلب من النسان استعدادا ذهنيا
وجسديا وأن يكون الجو مهيئا لن يتكيف النسان مع مصطلحات الفلسفة ومع عمق ما تتناوله
مجالت الفلسفة ،تختلف عن قراءة النسان لكتيب صغير أو كتاب مثلً في قضية فكرية ل
6
تحتاج إلى ذلك النوع من التهيؤ الذهني والجسدي ،كذلك قراءتنا لكتب معينة تطرح قضية
معينة يختلف من قراءتنا لكتب عامة تتحدث عن موضوعات متباينة أو موضوعات عامة دون
أن تدخل في التفاصيل ،فإذا من المهم لنا كقراء أن نحدد مستويات هذه الكتب وأن نحدد أنواع
هذه الكتب حتى نقبل على القراءة وهذا يتطلب وقفة حازمة حاسمة مع النفس ومع التعامل مع
الكتاب حتى نستفيد منه وحتى نقرأه القراءة الصحيحة ،كذلك هنالك عوامل أخرى تؤثر في
عملية القراءة ،الظروف المحيطة بالقارئ تؤثر أيضا ،فظروف الزمان وظروف المكان
وظروف الجو وظروف البيئة كل هذه العوامل لها علقة مباشرة بعملية القراءة ونحن ندعو
ل كبيرا فانتشار كتب الجيب
إلى القراءة ونقول :أن النسان ل بد أن يستغل وقته استغل ً
مثلً ،هذه الكتب الصغيرة التي يأخذها النسان حيثما سار كتب صغيرة للجيب ،كتاب كامل
ولكن بحجم صغير ،هذه الكتب مهمة لن النسان يستطيع أن يضعها في جيبه يقرأها متى
شاء ،يقرأها وهو يركب في السيارة ،يقرأها وهو ينتظر الدور عندما يكون مثلً في مستشفى
أو عندما ينجز معاملت رسمية في دوائر رسمية يقف في الطابور ل يقف ينظر أمام المارة
وينظر أمام الناس يأخذ معه كتابا يقرأ في ذلك الكتاب ،فهذا من الكتب التي تفيد في ذلك ولكن
نقول أن الظروف المحيطة بالنسان تجعله ل يأخذ مثلً كتاب في الفلسفة ويقرأه والناس في
هرج ومرج أو يذهب إلى السوق والناس في صراخ وهذا يتحدث عن السلعة وذاك يجادل
وذاك يخاصم ثم يأتي ويريد أن يقرأ كتابا في أصول الدين أو كتابا في الفلسفة في ذلك
المكان ،نقول :لن تنفعك هذه القراءة لن المكان الذي اخترته والزمان الذي اخترته لقراءة
هذا النوع من الكتب ل يفيد وإنما نأخذ الكتب في مثل هذه الماكن نأخذ كتبا سهلة ،كتبا يمكن
أن نفهمها مع وجود ذلك الصخب واللغط من حولنا ،ولتسهيل الجابة عن سؤال كيف نقرأ ؟
فرّق الباحثون بين أنواع القراءات ،وقالوا بأن أنواع القراءات خمسة :فهنالك القراءة
الكتشافية ،هنالك القراءة السريعة ،هنالك القراءة النتقائية ،هنالك القراءة التحليلية ،وهنالك
القراءة المحورية ،وهذه النواع من القراءات ذكرها الدكتور عبد الكريم بكّار في كتابه عن
القراءة ،ونحن نأخذ هذه النقاط من هذا المرجع لمن أراد أن يستزيد في هذا الموضوع .
7
وأخذ صورة ومعرفة عامة عن مضامين هذا الكتاب وعما يتحدث هذا الكتاب لن هذا يجعل
النسان يعرف هل هو بحاجة إلى قراءة هذا الكتاب أم إنه ليس بحاجة إلى قراءة هذا الكتاب ،
وأيضا إذا كان في معرض فتفيده القراءة الكتشافية من أجل أن يعرف هل أنا مضطر ول بد
أن اشتري هذا الكتاب أو ل اشتريه ،فمن المؤسف أننا عندما ندخل معرضا أو عندما ندخل
ل في الغلف إذا كان الغلف
مكتبة من المكتبات نريد شراء الكتب ،بعض الناس ل ينظر إ ّ
منمق وجميل وفيه صور بديعة اشتراه ،وبعض الناس يعجبه أن يشتري الكتب الصغيرة
ويتعقّد من الكتب الكبيرة المجلدة هذه أو الكتب القديمة ،فهذا ليس مفيدا في عملية القراءة ،
وهذا يحدد القارئ الجاد من غيره ،يقول الدكتور عبد الكريم بكّار (( :بأن النسان من خلل
نصف ساعة يستطيع أن يحدد قيمة هذا الكتاب ويكتشف هذا الكتاب ،إذا أردنا أن نعرف هذا
الكتاب عن طريق القراءة الكتشافية فأول ما نفعله أن نقرأ مقدمة الكتاب ،كل كتاب له مقدمة
ل يوجد كتاب من الكتب ل توجد به مقدمة وخاصة هذا المر صار الن أمر متعارف عليه
عند طباعة الكتب وعند نشرها ،ل بد من مقدمة لكل كتاب ،فنقرأ المقدمة أولً لنه غالبا ما
يذكر المؤلف أو المقدم للكتاب موضوع الكتاب بشكل مختصر وبواعث التأليف وأهمية الدراسة
التي يدرسها وما الذي يريد أن يصل إليه من نتائج في حدود الختصار ربما ل تتجاوز بضع
صفحات ،فهذه تعطي النسان قيمة أو معرفة كاملة عن الموضوع ،ثم بعد ذلك ينظر إلى
فهرس الموضوعات كل كتاب له فهرس ينظر في الفهرسة أهمية النظر والقراءة في الفهرسة
تجعل النسان يفهم المنهجية التي يسير عليها المؤلف في ذلك الكتاب وما هي الجزئيات التي
سيذكرها وهل هذه الجزئيات مهمة أم غير مهمة وهل الكاتب متعمق في طرح الموضوع أم
إنه سطحي وما إلى ذلك من التساؤلت ،هنالك أيضا المر الثالث في عملية القراءة عندما
نريد أن نكتشف كتابا معينا ،أن نأتي إلى فهرس المصادر أو المراجع التي اعتمد عليها
المؤلف في كتابة هذا الكتاب ،نأتي إلى قائمة المراجع في كل كتاب تقريبا توجد هنالك قائمة
للمصادر والمراجع التي اعتمد عليها المؤلف في تأليفه لذلك الكتاب ،وهذا مهم جدا عندما
يعرف النسان المصادر التي اعتمد عليها المؤلف في كتابه فإنه يستطيع أن يعطي أو أن
يتعرف ويأخذ تصورا عن عمق ذلك الباحث أو عدم عمقه وهل درس هذا الموضوع الذي أراد
بحثه من المصادر الولية أم من المصادر الصلية وهل كانت مصادره مصادر جيدة في
الموضوع الذي بحثه ؟ هل هي متعلقة بالموضوع الذي يبحثه أم أنها غير متعلقة ؟ فإن
ل في موضوع من مواضيع القتصاد ويأتي ويرجع إلى كتب التاريخ
النسان عندما يبحث مث ً
ويأتي إلى كتب الفلسفة ويرجع إلى كتب أخرى لها صلة بموضوعه ولكن هذه الصلة صلة
غير مباشرة فإن ذلك ل أقول إن هذا كلم عام وإنما يختلف باختلف الظروف ولكن بوجه
عام فإن موضوع هذا الطرح هزيل لن المصادر التي اعتمد عليها المؤلف مصادر غير
8
مباشرة في الموضوع الذي هو بصدد الحديث عنه ،ثم بعد أن نقرأ المقدمة نقرأ فهرس
الموضوعات نقرأ فهرس المصادر والمراجع ،نتصفح الكتاب تصفحا عاما نقرأ بعض الفقرات
وبعض الملخصات ،حيث أن بعض الكتّاب يذكر في كل فصل من فصول الكتاب أو في كل
باب من أبواب الكتاب يذكر ملخصا لذلك الباب فمن المفيد أن نقرأ تلك الملخصات من كل باب
حتى نأخذ تصورا معينا ،إذا أمضينا هذا الجزء من الوقت نصف ساعة وربما أقل وربما أكثر
حسب حجم الكتاب فإننا نكون قد اكتشفنا موضوع الكتاب ،ل نقول قرأنا الكتاب وإنما اكتشفنا
موضوع الكتاب ،ثم بعد ذلك يحدد النسان على ضوء معرفته بهذا الكتاب هل هو سيشتري
هذا الكتاب أو أنه ل يشتريه ،هل هو سيقرأ هذا الكتاب أم أنه سيقرأ غيره ؟ فهذه هي القراءة
الكتشافية .
9
-3النوع الثالث من أنواع القراءة هي القراءة النتقائية :
القراءة النتقائية :هي القراءة التي يتعمق فيها المرء في موضوع معين ثم يقرأ في
مجموعة مختلفة من الكتب ولكن ينتقي من قراءته ما يريد من مفاهيم وأفكارا معينة ،أنا الن
مثلً أو أي طالب علم يريد أن يبحث عن موضوع وعلى سبيل المثال الجمعيات التعاونية في
سلطنة عمان ،هذا موضوع أريد أن أبحثه ،كثير من الكتب على سبيل التمثيل تحدثت عن
هذا الموضوع كثير من الطروحات لم تبحث هذا الموضوع بشكل خاص ولكن ذكرته في
ل مقالت في النترنت ،
بعض أجزاء من الكتاب ،هنالك مقالت في الجرائد ،هنالك مث ً
تتحدث عن هذا الموضوع ،قراءتنا لهذه المصادر بهذا الشكل هي القراءة النتقائية ،أقرأ هذا
الكتاب مثلً على سبيل المثال عندنا كتاب في القتصاد ،هذا كتاب في القتصاد عنوانه ل
يبيّن أنه سيتحدث عن الجمعيات التعاونية في سلطنة عمان ولكن ربما من ثنايا الكتاب وبعض
فصول الكتاب يتحدث عن هذا الموضوع فأنا لست ملزما بأن أقرأ هذا الكتاب كله إذا أردت أن
أتعمق في النقطة التي أريد أن ابحثها وإنما أقرأ فيما يخص الموضوع الذي أنا أبحث عنه فهذه
تسمى قراءة انتقائية ،أنتقي من الكتاب الذي بين يديّ ما أريد أن أبحثه وما أريد أن أصل
إليه ،والقراءة النتقائية لها أبعاد أيضا كثيرة ومدلولت أخرى فمثلً من أبعاد القراءة النتقائية
ل ضرب الطفال
أنني مثلً أقرأ في كتاب في التاريخ لبحث عن فكرة تربوية ،قضية مث ً
ل بعض كتب التاريخ ل أقرأها من أولها إلى أخرها لنني
قضية تربوية أريد أن ابحثها أقرأ مث ً
مثلً قد أعطيت زمنا معينا لقراءة ذلك الكتاب أو لعداد ذلك البحث ومن غير الممكن أن أقرأ
هذا الكمّ الهائل من الكتب المتعلقة بالموضوع تعلقا مباشرا أو تعلقا غير مباشر ،فأقرأ كتابا في
التاريخ وأجد فيه قصة مثلً عن أحد العلماء أنه لم يضرب أحد من طلبة العلم فهذه القصة في
ذلك الكتاب ربما يكون الكتاب في عدة مجلدات وفيه هذه القصة استفدت منها في موضوع
البحث الذي أنا بصدده فهذه تسمى القراءة النتقائية .
10
والظروف المحيطة مهيأة من حيث الزمان والمكان أقرأ هذا الكتاب قراءة تحليلية ،القراءة
التحليلية معناها أنك تمسك بهذا الكتاب وتقرأه بعمق تحس وكأنك تخاطب المؤلف ،تناقش
المؤلف في الفكار التي يطرحها تنتقده على بعض ما يذكره في ذلك الكتاب ،تحاول أن تنمي
في نفسك هذا الشعور وأنت تقرأ كتابا معينا فهذه هي القراءة التحليلية وهي أفضل أنواع
القراءات ،والقراءة لبد أن ندمن عليها وهذا النوع من القراءة ليس بالمر السهل أن يصل
النسان إلى مستوى الكاتب ،أن يقرأ من أجل التحليل والنقد وأن يصل إلى عمق مراد الكاتب
هذا ليس بالمر السهل وإنما هو يأتي بعد قناعات وبعد تمرين وبعد طول مهارة في التعامل مع
الكتب ومع المؤلفين والتعامل مع المصطلحات المعينة في تخصص معين وفي مجال معين
ولكن لبد من هذا النوع من القراءة .
11
هذه القراءات في كتاب واحد وقد يسلك في ذلك في بعض الوقات قراءة سريعة وفي بعض
الوقات قراءة تحليلية على حسب التهيؤ الذهني والنفسي للقراءة فمعرفة النسان بهذه النواع
من القراءات وتحديده لكيفية قراءته لهذا الكتاب أو ذاك هو الذي يجعله يستفيد من عملية
القراءة .
من أجل أن نستفيد من قراءتنا لبد أن نقرأ في جو من الرتياح النفسي وذلك لن الحالة
النفيسة التي عليها القارئ تؤثر بشكل أو بآخر في مدى الستفادة التي يستفيدها النسان وهو
يقرأ ،لذلك كثيرا ما نسمع التربويين أنهم ينصحون الطلب الذين سيقبلون على المتحانات
ينصحونهم بأن يكونوا مرتاحين نفسيا وبأن ل يعيشوا جو الضغط النفسي ول يحس بزخم
الختبارات وثقلها حتى يستفيد من المراجعة ومن القراءة نقول أن هذا المر أمر عام ل يتعلق
بطلب المدارس أو الطلب الذين سيخوضون امتحانا ما ،التهيؤ النفسي والرتياح النفسي
أثناء القراءة يجعل النسان يستفيد من قراءته لذلك هنالك ما يسميه بعض الباحثين الساعة
الذهبية وهي الساعة التي يحس النسان فيها بقمة نشاطه ،هذه الساعة الذهبية لبد أن يستغلها
النسان إذا أحس بأنه في هذه الساعة هو متهيئ للقراءة ومقبل على القراءة وبأنه سيستفيد من
هذه الساعة فليذهب مباشرة ويمسك بكتابه ويقرأ فيه ،هذه الساعة الذهبية على كل واحد منا
أن يحددها في حياته وأن يجعل لها مكانا في جدوله اليومي ،المر الخر هو العمل بأسلوب
التلخيص وأخذ الفكار ،عموم الناس أو الكثير من الناس ل يملكون تلك العقلية التي تجعلهم
يحفظون هذا الكتاب كآلة تصوير تخزن في الذاكرة فلذلك عندما نقرأ كتابا معينا نعتمد على
أسلوب التلخيص وأخذ الفكار أقرأ هذا الكتاب مثلً ،أقرأ مثلً في الفصل الول ،أقرأ فقرة
منه ثم ألخص بكلمة أو كلمتين أو عبارة ما يحدد فكرة ذلك المقطع الذي قرأته ثم اجمع هذه
الفكار لنني إذا أردت بعد ذلك أن أعود إلى هذا الكتاب فإنه يكفي أن أرجع إلى العناوين التي
وضعتها وإلى الملخص الذي وضعته من أجل أن أفهم أفكار الكتاب ول أقول أن أنقل نصوص
الكتاب لن النقل من نص الكتاب ل بد أن ترجع إلى نص المؤلف الذي وضعه .عدم الحكم
على الكتاب إلّ بعد قراءته ومعرفة توجهات الكاتب ،كثير من الناس تسأله ما رأيك في هذا
الكتاب ؟ يقول لك :كتاب جيد ،هل قرأته ؟ ل لم أقرأه ،لماذا لم تقرأه وتقول بأنه جيد أو
بأنه غير جيد ؟ الحكم على الشياء والحكم على الشخاص هذا أمر مهم ول يكون الحكم على
الكتاب إلّ بعد قراءتك لذلك الكتاب ،تقرأ الكتاب من أوله إلى أخره قراءة تحليلية ،قراءة
معمقة ثم بعد ذلك تحكم على هذا الكتاب بأنه كتاب جيد أو بأنه كتاب غير جيد ل نتسرع في
12
الحكم على الشخاص وعلى الكتب بشكل عام حسب موضوعنا ،يجب أن ل نتسرع في الحكم
على الكتب وإنما ل بد أن نتأنى فيه وأن ندرك أن الحكم على هذا الكتاب ربما يؤثر في
الخرين ول نكون صادقين مع أنفسنا إذا اتخذنا حكما سريعا حول كتاب لم نقرأه أو أن نحكم
على الكتاب من خلل عنوانه فإن العنوان ربما ل يعطينا الصورة الحقيقية عن ذلك الكتاب
سواء كانت صورة سلبية أو صورة إيجابية فهنالك مجموعة كبيرة من الكتب تحمل عناوين
براقة وكلمات معسولة ولكنها تحمل السمّ الزعاف وهناك كتب أيضا ربما نف ّر من عناوينها
وفيها الخير الكثير .
المر الخر أهمية تنظيم الوقت :فعملية تنظيم الوقت مهمة جدا في تنظيم عملية القراءة
وكيفيتها ،وهذا هو المر المهم في كل عملية نريد طرحها وفي كل موضوع نريد طرحه ،ما
دمنا لم نصل إلى مستوى تنظيم أوقاتنا فإن كل الوراق تتبعثر وكل الجهود تتشتت وكل
الفكار تبقى غير مرتبة ول يتحصل النسان على شيء ،يأتي ويقرأ فل بد من الهتمام
بقضية تنظيم الوقت ما دمنا غير قادرين على تنظيم الوقت فإنه من باب أولى أن ل نستفيد من
قراءتنا ،يأتي النسان ويقرأ في الصباح ربع ساعة ثم يمرّ عليه أحد الناس ويقول له خل
السوق بسم ال خل ،يرجع من السوق يجلس أمام الكتاب ويقرأ خمس دقائق يرن الهاتف فلن
أيش رأيك نمشي رحلة بسم ال خل ،يرجع من الرحلة بعد يومين يمسك الكتاب خمس دقائق
ثم يتصل به زميله ويبقى على الهاتف ربع ساعة ،هذا النوع من القراءة غير مفيد وكله بسبب
عدم تنظيم الوقت والمشكلة هنا أننا نعطي القراءة فضول أوقاتنا ،عندما يكون النسان كما
نقول بالعامية (( عندما يكون متفيّق)) يمسك كتاب ويقرأ ،إذا القراءة صارت أمرا هامشيا في
حياتنا ،لم تصل إلى مستوى الهمّ كما ذكرت في أول الدرس ،لم تصل إلى مستوى الهمّ الذي
نحمله في نفوسنا وإنما صرنا نخصص لها بعض الوقات ،خمس دقائق في اليوم ،عشر
دقائق ل أقصد بذلك قراءة المجلت وقراءة الصحف وما إلى ذلك أو المطالعة في النترنت
وإنما أقصد القراءة التي يستفيد منها النسان ،هذه القراءة ل تكون خمس دقائق في الساعة ثم
يبقى النسان خمس وخمسين دقيقة بعيدا عن ذلك الكتاب ،ثم يرجع بعد ثلث دقائق ويقرأ
سطرين ثم يترك ذلك الكتاب ،ل القراءة الصحيحة تكون بأن يترتب النسان لقراءته زمنا
معينا ومدة محددة يكون ذلك الزمن بموضع المقدس عنده حيث ل يشغله عنه شاغل ول
يصرفه عنه أي صارف ،يكون جزءا من وقته يحدده للقراءة تحت أي ظرف كان ،وهذا أمر
ليس بالصعب وإنما الصعب هو أن نكلف أنفسنا عملية تنظيم الوقت وعملية تنظيم الوقت أيضا
ليست عملية شخصية وإنما هي عملية اجتماعية ل بد أن يشارك فيها كل أفراد المجتمع ،
فربما ينظم النسان وقته ولكن يأتي إنسان آخر يضيع عليه برنامجه اليومي ،فلكي ندرك
13
أهمية القراءة ونعرف مدى أو كيفية القراءة ل بد أن نعرف كيف ننظم أوقاتنا وكيف نعطي
للقراءة الوقت الكافي الذي يجعلنا نصل إلى مستوى القارئ .
وهي في الحقيقة تجربة لحد المعلمين الذين مرّوا على تدريسنا في المدارس ،كان ذلك المعلم
معلما فذا معلما يدرك معنى العلم ومعنى القراءة بشكل أخص ،سألناه ذات يوم كيف تقرأ ؟
فقال :بأنه أول ما يمسك الكتاب يقرأ الكتاب من أوله إلى أخره قراءة واحدة ،ثم بعد ذلك يبدأ
ل الفصل الول
القراءة من جديد ويكون معه دفتر صغير يلخص فيه مادة ذلك الكتاب ،يقرأ مث ً
ثم يلخص الفصل الول في ذلك الكتيب ،ثم يترك الكتاب ويأتي إلى الملخص ويقرأ الملخص
الذي كتبه مرة ثالثة ،يكون بذلك قد قرأ الكتاب ثلث مرات ،وفي أثناء قراءته للكتاب إذا مرّ
بنص يستحق الحفظ فإنه يحفظ ذلك النص ،نصا يحفظه كما هو بداخل الكتاب ،وإذا مرّ
بأبيات من الشعر تستوجب حفظها له فإنه يحفظ تلك البيات وهكذا فيكون بذلك قد قرأ الكتاب
عدة مرات قرأه المرة الولى قراءة عامة ،ثم قرأه بعد ذلك قراءة يأخذ منها عناصر الكتاب
وأفكاره ويلخص ذلك الكتاب ،ثم في المرة الثالثة يقرأ الملخص الذي لخصه عن ذلك الكتاب ،
أظن لو أن كل واحدٍ منّا اتبع هذا الطريق وهذه التجربة في قراءته للكتب فإنه ل شك سيستفيد
من أي كتاب يقرأه ،ولكن هذا ل يكون بأن يقرأ النسان ساعة في اليوم أو ساعتين في اليوم ،
أقل ما يمكن أن يخصصه النسان لقراءته ثلث ساعات أو خمس ساعات ،أربع ساعات يقرأ
النسان فيها من مجموع أربع وعشرين ساعة في اليوم ،أربع ساعات ل تشكل شيئا ما
بالنسبة للربع والعشرين ساعة إذا التزم النسان بالقراءة كل يوم ثلث ساعات قراءة تحليلية ،
قراءة يكون النسان فيها متهيئا نفسيا وذهنيا للقراءة ويأخذ بنموذج القراءة التي تفيده فإنه بل
شك سيستفيد وسيكون إنسانا قارئا ،أما كما قلت أن تأتي ونقرأ خمس دقائق ثم نترك هذا
الكتاب ونتحول إلى الكتاب الخر ونقرأ عشر صفحات منه ثم نترك هذا الكتاب ونتحول إلى
كتاب آخر ونقرأ منه صفحتين ثم نتحول إلى كتاب آخر ونقرأ منه صفحة واحدة و تتشتت
الفكار مثلً نقرأ صفحة في الفقه وصفحة في الحديث وصفحة في الصول وصفحة في
الجريدة وصفحة في النترنت ،ثم بعد ذلك يكون النسان لم يتحصل على شيء إذا سألته عن
مسألة ل يعرفها إذا سألته عن معلومة ل يفهمها إذا سألته عن كتاب معين ل يعرف مستواه إذا
سألته عن فكرة معينة ل يعرف تفاصيلها كل هذا بسبب انه لم يقرأ القراءة الواعية المتأنية التي
يستطيع من خللها أن يصل إلى عمق النص ويصل إلى مستوى الكاتب ويعرف ما يريده
14
الكتاب وأن يحلل ذلك النص ويصل إلى مرتبة انتقاد ذلك النص ،فهذا من الخطاء التي نقع
فيها أثناء القراءة .
كذلك هنالك أمر آخر ل بد من الشارة إليه وهو أن القراءة ليست فقط بأن يقرأ النسان الكتب
الفقهية أو أن تعطي النسان جدول معينا يقرأ فيه يبدأ بالنحو ثم يقرأ بعد ذلك كتب في العقيدة
ثم بعد ذلك يقرأ كتب في الفقه وهكذا ،هذا أمرٌ جيد جدا في المراحل الولى من القراءة بأن
يكون للنسان قاعدة علمية ينطلق من خللها إلى آفاق القراءة الواسعة ولكن بالنسبة للخرين
وخاصة الموظفين فإنهم ل بد أن يقرؤا فيما يخص مجالت التخصص التي هم فيها ،ومن
المؤسف أن عددا كبيرا من المعلمين مثلً ل يهتمون بالقراءة ل أقول بالقراءة الشاملة وإنما في
مجال التخصص الذي هم فيه نأتي إلى المهندسين مثلً ،المهندس مثلً المهندس ربما يتخرج
من الجامعة وربما يتخرج من أي معهد كان ثم تكون معلوماته هي المعلومات التي درسها أيام
الدراسة وانتهى المر على ذلك ل يقرأ في مجال تخصصه ،وهذا أمر مؤسف لن عملية
المعرفة عملية متجددة وخاصة الن نعيش في عصر ثورة المعلومات تتجدد المعارف ل أقول
سنويا ول شهريا وإنما تتطور المعلومات بشكل يومي وتتغير المعطيات بشكل يومي وإذا ظل
النسان راكدا على معلوماته الولى التي استقاها أيام دراسته دون أن يطور تلك القاعدة التي
كان عليها فإنه سيكون إنسانا يعيش خارج الزمن ،وإنسان ل يدري ما الذي يدور حوله من
أحداث ومعطيات ،كل إنسان مطالب بأن يقرأ في مجال تخصصه وأن يحمل ذلك الهم ( هم
القراءة ) وأن يدرك أن إبداعه في مجال تخصصه يكون بالقراءة في ذلك التخصص وهو
عندما يقتنع بأن القراءة في مجال التخصص مهمة فإنه بعد ذلك يكون عنصرا فاعلً في
مجتمعه يستطيع أن يبدع وأن يعطي وأن يكون إنسان يناقش الموضوعات التي يتخصص فيها
أما أن نعيش هكذا ل نقرأ ل نتصفح الكتب ل نكون أصدقاء مع هذه الكتب التي تفرزها آلت
المطابع يوميا باللف وعشرات اللف سنويا فإننا بذلك نكون أناسا نعيش خارج الزمن
وبالتالي ل نحقق مفهوم الخلفة ،خلفة النسان في هذه الرض وكونه إنسان يؤدي العبودية
ل عز وجل ويطالب الناس بأن يرجعوا إلى دين ال سبحانه وتعالى ويدعوا الناس إلى الدخول
في هذا الدين وإلى اللتزام بمنهاج هذا الدين وبأحكامه وتشريعاته هذا كل ما لدي حول
موضوع هذا الدرس .
أسأل ال سبحانه وتعالى أن يلهمنا الرشد وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون
أحسنه ،اللهم اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما واجعل تفرقنا من بعده تفرقا معصوما ،ونسأل
ال تعالى العون والتيسير للجميع والسلم عليكم ورحمة ال وبركاته .
15