You are on page 1of 15

‫كيـف نقـرأ ؟!!


‫للشيخ محمد المعمري‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬

‫المقدمة ‪:‬‬

‫إن الحمد ل نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونؤمن به ونتوكل عليه من يهده ال فل مضل‬
‫له ومن يضلل فل هادي له ونشهد أن ل إله إلّ ال وحده ل شريك له ونشهد أن سيدنا ونبينا‬
‫محمدا عبده ورسوله صلى ال وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى‬
‫يوم الدين أيها المشائخ الكرام ‪ ..‬أيها الخوة الحبة ‪ ..‬أيتها الخوات ‪ ،‬السلم عليكم جميعا‬
‫ورحمة ال تعالى وبركاته ‪ ،‬يقول ال سبحانه وتعالى ‪ (( :‬بسم ال الرحمن الرحيم ‪ .‬اقرأ باسم‬
‫ربك الذي خلق ‪ .‬خلق النسان من علق ‪ .‬اقرأ وربك الكرم ‪ .‬الذي علم بالقلم ‪ .‬علم النسان‬
‫ما لم يعلم )) موضوع هذا الدرس عن القراءة ‪ ،‬وبشكل أخص كيف نقرأ ؟ ل أحد يجادل في‬
‫أهمية القراءة وأنها عنوان من عناوين التميز بين الشخاص ‪ ،‬ول أحد يجادل أيضا أن المم‬
‫المنتصرة هي المم التي تأخذ بزمام العلم والمعرفة وتهتم بالثقافة ‪ ،‬فإن هذا الهتمام بهذه‬
‫الجوانب هو الذي يقودها إلى أن تمسك بزمام القوة ‪ ،‬وليس سرا أن يقال بأن حركات‬
‫الستعمار التي اجتاحت المة العربية والسلمية كانت منطلقة من مراكز البحوث والدراسات‬
‫في الدول التي أرادت أن تغزو دولة ما وأن تستعمرها ‪ ،‬فإن المستعمر عندما أراد أن يغزو‬
‫بلد المسلمين وبلد العرب أخذ يدرس تلك البلدان ‪ ،‬يدرس بعمق عن ثقافة ذلك البلد وعن دينه‬
‫وعن طبيعته الجغرافية ويدرس كل الجوانب التي ربما تيسر له سبيل استعمار ذلك البلد ‪ ،‬فهذا‬
‫من المور التي يعترف بها أولئك الذين استعمروا هذه البلد ‪ ،‬فمنطلقات حركات الستعمار‬
‫وحركات الستشراق بوجه عام إنما كانت من مراكز البحوث والدراسات في الدول التي‬
‫استعمرت ‪ ،‬والمم كما قلت تنتصر إذا أمسكت بزمام العلم والمعرفة وقادت أبناءها إلى‬
‫الهتمام بالعلم والمعرفة ومفتاح العلم والمعرفة يكون بالقراءة لذلك أمر ال سبحانه وتعالى في‬
‫آياته الكريمة << بإقرأ >>‪ (( ..‬اقرأ بسم ربك الذي خلق ثم اقرأ وربك الكرم الذي علم‬
‫بالقلم )) ‪ .‬سنتناول في هذا الدرس خمسة عناصر ‪:‬‬
‫‪ -‬العنصر الول ‪ :‬تساؤلت قبل أن نبدأ الموضوع ‪.‬‬
‫‪ -‬العنصر الثاني ‪ :‬سؤال لماذا نقرأ ؟ ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬العنصر الثالث ‪ :‬سؤال كيف نقرأ ؟ ‪.‬‬
‫‪ -‬العنصر الرابع ‪ :‬توصيات مهمة لقراءة مثمرة ‪.‬‬
‫‪ -‬العنصر الخامس والخير ‪ :‬تجارب يمكن الستفادة منها ‪.‬‬

‫العنصر الول في هذا الدرس ‪:‬‬


‫تســـاؤلت قبل البــدء‬

‫أول تساؤل يبرز أمامنا ونحن نريد أن ندرس موضوع القراءة في عالمنا السلمي ‪ ،‬هو ما‬
‫هي قيمة الكتاب في حياتنا العامة والخاصة ؟ الن تقام معارض للكتب ‪ ،‬هذه الكتب ما هي‬
‫قيمتها لدينا ؟ ما هي قيمة هذا الكتاب عندما نمسك به بين أيدينا ؟ عندما تلمس أناملنا هذا‬
‫الكتاب وهذه الوراق ما الشعور الذي ينتابنا ونحن نمسك كتابا سواءا كان مجلدا كبيرا أو كتيبا‬
‫صغيرا ؟ قيمة الكتاب هي التي تحدد قيمة النسان ذاته ونظرتنا لهذا الكتاب هي التي تبين لنا‬
‫أو تدخلنا إلى الولوج في عالم القراءة وأهمية القراءة وكيفية القراءة ‪ ،‬إذا نظرنا إلى واقعنا ‪،‬‬
‫قبل أن آتي إلى هذا الدرس أخذت جولة في هذه المنطقة التي نعيش فيها ووجدت أننا نملك في‬
‫هذه المنطقة التي نعيش فيها خمس مكتبات ‪ ،‬بجانب هذه المكتبات توجد مئات المحلت‬
‫التجارية من غير المكتبات ‪ ،‬أكثر من ثلثين مقهى ومطعم ‪ ،‬وإذا جئنا إلى هذه المكتبات‬
‫الخمسة الموجودة وألقينا نظرة بداخلها فنتعرف بكل وضوح بأنه ل توجد مكتبة بالمعنى الذي‬
‫يخدم عملية الثقافة ويخدم عملية القراءة في المجتمع أو الحي الذي نعيش فيه ‪ ،‬ل نريد أن‬
‫ندرس أسباب ذلك فليس هذا هو موضوع هذا الدرس ولكن ل شك أن هذا يعطينا مغزىً‬
‫للجابة عن هذا السؤال ما هي قيمة الكتاب في حياتنا ؟ إذا كنا نعيش في مجتمعات ل تهتم‬
‫بالمكتبات ول تهتم بالكتاب فإنه ل أقول من غير المعقول أن نأتي ونتحدث عن كيفية القراءة‬
‫لننا قبل أن نتحدث عن كيفية القراءة ل بد أن نتحدث عن أهمية الكتاب وعن موقع الكتاب في‬
‫حياتنا العامة وحياتنا الخاصة وشعورنا بارتباطنا بهذه الصفحات وهذه الوراق وهذه الكتب‬
‫فإذا كانت علقتنا بهذا الكتاب علقة ندرك كنهها ونعرف مستواها وقيمتها فل شك أننا بعد ذلك‬
‫سنقبل على القراءة على هذه الكتب ‪ ،‬إذا جئنا أيضا إلى موضوع آخر أو جانب آخر مما يظهر‬
‫لنا قيمة الكتاب في حياتنا طباعة الكتب ‪ ،‬معدل طباعة الكتب في البلدان العربية والسلمية ل‬
‫ل إذا أراد ناشر أن ينشر‬
‫يتجاوز ثلثة آلف نسخة في المعدل العام ‪ ،‬نحن هنا في عمان مث ً‬
‫كتابا ما فإنه ل يزيد عن خمسة آلف نسخة ‪ ،‬خمسة آلف نسخة هذا يعتبر شيء كبير ونحن‬
‫أمة عدد سكانها أكثر من مليوني نسمة ‪ ،‬خمسة آلف عدد الكتب التي تطبع وليس عدد القراء‬
‫الذين يقرأون تلك الكتب ‪ ،‬وفرق بين من يزور معارض الكتاب ويشتري من الكتب العدد‬

‫‪2‬‬
‫الكثير وبين ذلك الذي يكب على قراءة الكتب التي اشتراها فإن ذلك إنما هو إنسان يجمع الكتب‬
‫أما الشخص الثاني فهو النسان الذي يقرأ ما بداخل هذه الكتب ويعرف قيمة الكتب ‪.‬‬

‫‪ -‬إذا التساؤل الول قبل أن نبدأ طرح موضوع القراءة ما هي قيمة الكتاب ؟ أو كيف ننظر‬
‫إلى هذا الكتاب ؟‬

‫‪ -‬التساؤل الثاني ‪ :‬ما هي النظرة التي نحملها عن القراءة ؟ كيف نعرّف القراءة ؟ أو ما هو‬
‫تصورنا للقراءة ؟ نحن أتينا هنا لكي ندرس كيفية القراءة ولكن ما هي القراءة ؟ كيف نعرّف‬
‫القراءة ؟ هل هي مجرد حركة العين والعقل تمر على الحروف أم أن القراءة شيء آخر وله‬
‫تفسير آخر غير هذا التفسير هذا جانب ‪ ،‬الجانب الثاني ‪ :‬أن كلنا نريد أن نقرأ والكثير من‬
‫الناس يأتون ويسألون نريد أن نعرف كيف نقرأ ‪ ،‬نريد أن نتعوّد على القراءة ‪ ،‬نحن نشتري‬
‫الكتب ولكن ل نقرأها ‪ ،‬تساؤلت كثيرة والكثير من الناس عندهم حسن النية للقبال على‬
‫القراءة ولكن ل بد أن نقرر أن القراءة ليست حبوبا يتناولها الفرد تجعله يدمن على تلك‬
‫الحبوب ( أي القراءة ) وإنما عملية القراءة ‪ :‬هي عملية تراكمية لمؤثرات كثيرة سواء كانت‬
‫شخصية أو اجتماعية أو حتى على المستوى العام للبيئة التي يعيش فيها النسان ‪ ،‬عملية‬
‫القراءة عملية تكاملية تشترك في تأسيسها وفي بلورتها كثير من المعطيات التي ل بد أن تأخذ‬
‫بعين العتبار ‪ ،‬فالتربية التي نشأنا عليها أو التي ينشأ عليها الجيل السلمي لها تأثيرها على‬
‫القراءة وعلى مفهوم القراءة لدى النشء ‪ ،‬فالطفل عندما ينشأ في مجتمع ل يعوده على القراءة‬
‫ل أو يتابع موضوعا ما فإن هذا النوع من‬
‫ل يأخذ بيده إلى أن يتصفح كتابا أو أن يقرأ مقا ً‬
‫التربية السلبية ل يخدم عملية القراءة بحال من الحوال فلذلك عندما يبلغ النسان مرتبة متقدمة‬
‫من العمر ويكون في الثلثين أو في الربعين ثم يأتي بعد ذلك ويقول تصعب عليّ القراءة أو‬
‫أنني أعاني من صعوبة المواصلة في عملية القراءة فإن العيب ل يكون في ذات الشخص وإنما‬
‫العيب في العملية التربوية التي نشأ عليها هذا الشخص وينشأ وما يزال ينشأ عليها الجيل‬
‫السلمي فل بد ونحن ندرس هذا الموضوع ( موضوع القراءة ) أن نبدأ بالجيل الصغير لكي‬
‫ننمي فيه عادة حب القراءة وهذا أيضا موضوع يطول ومن أراد بحثه فهناك كتب متخصصة‬
‫في هذا المجال ولكن ل بد من الخذ بعين العتبار ول بد من التنبه إلى أن عملية القراءة‬
‫ليست عملية مفاجئة أو أن ينتقل النسان من أنه إنسان غير قارئ إلى إنسان مدمن على القراءة‬
‫كأنه يتناول حبة أو علج ودواء ثم يتحول هذا التحول الكبير وإنما هناك ل بد من تدرج ول بد‬
‫من أن تكون عملية التربية التي ينشأ عليها النسان هي التي تخدم عملية القراءة ‪ ،‬كذلك جانب‬
‫آخر من جوانب القراءة وهو التشجيع من قبل المؤسسات العامة والخاصة في الدولة ‪ ،‬هل هذه‬
‫المؤسسات سواء كانت مؤسسات عامة أو مؤسسات خاصة تخدم عملية الثقافة وتخدم بشكل‬

‫‪3‬‬
‫أخص عملية القراءة لدى الفراد ؟ وسائل العلم ‪ ،‬المدارس ‪ ،‬الجامعات ‪ ،‬دور الثقافة ‪،‬‬
‫ل يحب‬
‫المساجد ‪ ،‬كثير من المؤسسات لها دخل مباشر بعملية القراءة ‪ ،‬وإذا أردنا أن نبني جي ً‬
‫القراءة فل بد أن تتعاون هذه المؤسسات ‪ ،‬مؤسسات سواء كانت عامة أو خاصة ل بد أن‬
‫تتعاون وأن تتكامل في بناء النسان القارئ ول يمكن الوصول إلى النسان القارئ إل بعد هذه‬
‫العملية التكاملية بين المؤسسات العامة والخاصة ‪ ،‬قد يكون من غير المتوقع أو ل يتوقع‬
‫النسان أن يقول هذا الكلم ولكن هذه معطيات نشرت ومراكز قامت بالبحث تقول أحد‬
‫الحصائيات وهذه إحصائية نشرت قبل ثلث سنوات في أحد المجلت العربية وهي مجلة‬
‫المعرفة تقول ‪ (( :‬إن معدل ما يقرأه المواطن العربي تصل إلى ثلثين ثانية في الشهر بمعنى‬
‫أن المواطن العربي يقرأ ثانية واحدة في اليوم ‪ ،‬هذا أمر مخجل وهو أمر أيضا مؤسف بدرجة‬
‫كبيرة لننا إذا كنا نعيش في عالم وفي أمة تبلغ أعداد سكانها المليين الكثيرة ول يقرأ أفرادها‬
‫إل ثانية واحدة في اليوم ثلثين ثانية في الشهر فكيف يمكن أن تكون هذه المة أمة منتجة أو‬
‫أن تكون هذه المة أمة فاعلة ومؤثرة في الصعيد الثقافي والصعيد القتصادي وكذلك الصعيد‬
‫السياسي أيضا ‪ ،‬ل يمكن لمة يقرأ أفرادها ثانية واحدة في اليوم أن يؤثروا في أنفسهم بل أن‬
‫يؤثروا في الخرين فل بد ونحن نبحث موضوع القراءة أن نغير هذه الحصائية وأن نبدأ‬
‫بتغييرها وعملية الثانية في اليوم ل تكفي إل إذا حولناها إلى عشر ساعات في اليوم أو على‬
‫اقل تقدير خمس ساعات في اليوم الواحد ل بد أن تكون القراءة همّا في نفوسنا وأن ندرك‬
‫قيمتها كما إننا نحمل هموما كثيرة في حياتنا ‪ ،‬هموم كسب العيش ‪ ،‬هموم بناء المسكن ‪ ،‬هموم‬
‫شراء سيارة ‪ ،‬هموم دعوة الناس إلى الخير ‪ ،‬هموم كثيرة نحملها في داخلنا ل بد أن يأخذ همّ‬
‫القراءة حيزا في نفوسنا حتى نقبل على القراءة ‪ ،‬أن تكون القراءة شيء في داخلنا نحس أننا إذا‬
‫لم نقرأ كأن شيئا ما متغير في حياتنا أو أن أمرا غير عادي يسير بين حشايانا أن تكون القراءة‬
‫همّا وأن نحمل هذا الهمّ حتى نصل إلى كيفية القراءة ‪ ،‬وهذا ل يكون إل بوجود الدافع الذي‬
‫يحفزنا نحو القراءة وهذه الدوافع ل تأتي من فراغ وإنما من خلل قناعات معينة تجعل الفرد‬
‫يقرأ ويتخذ القراءة عادة في حياته هذه القناعات تختلف من شخص إلى شخص ومن حال إلى‬
‫حال ‪ ،‬قناعة طالب العلم بأنه يريد أن يطلب العلم ‪ ،‬قناعة الموظف في تخصص معين يريد أن‬
‫ينمي فيه جانب ذلك التخصص فلذلك يقبل على القراءة ‪ ،‬قناعة التاجر الذي يقرأ عن التجارة‬
‫أنما يريد أن يحقق ربحاَ ‪ ،‬في تجارته إذا ل بد من وجود قناعات في داخلنا عن أهمية القراءة‬
‫وليس هناك أعظم من قناعة من كون النسان يحس أنه عندما يقرأ أنه يعبد ال سبحانه وتعالى‬
‫أنه يتقرب إلى ال عز وجل أنه ينال الخير والثواب من ال جل وعل على قراءته ‪ ،‬ولعل في‬
‫حث الكتاب العزيز وحث النبي صلى ال عليه وآله وسلم على قراءة القرآن وتدارس العلم‬
‫وبيان أن من قرأ حرفا في كتاب ال فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها إنما هو جزء من بناء‬

‫‪4‬‬
‫السلم للفرد القارئ فيدمن النسان على قراءة كتاب ال عز وجل لينطلق بعد ذلك إلى قراءة‬
‫كتب أخرى يستطيع من خللها أن يفهم كتاب ال ويستطيع من خللها أيضا أن يفهم معنى‬
‫الخلفة في هذه الرض ويفهم مغزى وجوده في هذه الدنيا ‪ ،‬ومن بين القناعات الخرى أيضا‬
‫بجانب هذه القناعة وهي كون معرفة النسان أن القراءة جزء من عبادته ل عز وجل إحساسه‬
‫بالزمن فإن النسان عندما يعلم قيمة الزمن ويحس بقيمة الوقت فإنه ل بد أن يفعل أي شيء‬
‫يجعله يحافظ على ذلك الوقت ويجعله أيضا يستغل ذلك الوقت الستغلل المثل ‪ ،‬أما إذا كان‬
‫إنسان ل يهتم بالوقت ل يشعر بقيمة هذا الوقت ل يحس بالزمن الذي يمر به ‪ ،‬يمر به اليوم‬
‫واليومان والثلثة والربعة ل يمسك كتابا ل يقرأ في صحيفة ل يطالع خبرا يعيش هكذا سبهللً‬
‫‪ ،‬فإن هذا ل يمكن أن نأتي ونحدثه عن أهمية القراءة وعن كيفية القراءة ‪ ،‬ل بد من الحساس‬
‫بقيمة الزمن وبالتالي ل بد أن نستغل ذلك الزمن ‪.‬‬

‫العنصر الثاني من عناصر الموضوع ‪:‬‬


‫لمـــاذا نقــــرأ ؟‬

‫لماذا نقرأ ؟ تساؤل مهم وربما أجبنا عنه في المقدمات التي ذكرناها ‪ ،‬هذا التساؤل هو الذي‬
‫يجعلنا نفهم عملية القراءة والستفادة منها ‪ ،‬ولكن الجابة عن هذا السؤال تختلف من شخص‬
‫إلى آخر فهناك من يقرأ من أجل أن يوسع قاعدة الفهم لديه ‪ ،‬عنده معلومات عن موضوع‬
‫معين هو متخصص في جانب معين من جوانب العلم يقرأ من أجل أن يوسع تلك القاعدة فهذا‬
‫عندما تسأله لماذا تقرأ ؟ يقول لك ‪ :‬بأني أريد أن أستزيد من هذه المعرفة وأكوّن قاعدة أكبر‬
‫من القاعدة العلمية التي أملكها ‪ ،‬هناك أناس آخرون إذا سألتهم لماذا تقرأون وتوجهت بالخطاب‬
‫إلى واحد منهم لماذا تقرأ ؟ يقول لك ‪ :‬أقرأ للبحث عن معلومات معينة حول موضوع معين ‪،‬‬
‫هو يدرس مثلً قضية من قضايا الفقه في الزكاة مثلً يمر على كتب الفقه وكتب القتصاد‬
‫ويبحث موضوع الزكاة ‪ ،‬فهذا يقرأ من أجل أن يصل إلى معلومات معينة حول موضوع معين‬
‫‪ ،‬هنالك جوانب أخرى أيضا للقراءة ‪ ،‬بعض الناس يتخذ القراءة من أجل التسلية ‪ ،‬من أجل‬
‫ملء الفراغ ‪ ،‬من أجل المتعة والستجمام وهذا ل شك أمر حسن ولكن من المؤسف أن تقول‬
‫الحصاءات أن العالم العربي أو أن مجمل القراءة أو معدل القراءة التي من هذا النوع تشكل‬
‫سبعين بالمئة من باقي القراءات ‪ ،‬إذا جئنا إلى أن الثانية الواحدة التي ذكرناها في اليوم الواحد‬
‫التي يأتي النسان إليها ويقرأ فيها ثانية واحدة هذه الثانية وانتهت ثم تكون هذه الثانية أيضا من‬
‫أجل ملء الفراغ ومن أجل التسلية ومن أجل المتعة كما يقال فإن هذا يزيد من الطين بلّة كما‬
‫يقال ‪ ،‬هنالك أيضا أناس يقرأون من أجل رفع متطلبات المهنة التي يمتهنونها ‪ ،‬فالطبيب يقرأ‬

‫‪5‬‬
‫في مجال طبه ‪ ،‬والمهندس يقرأ في مجال هندسته ‪ ،‬وطالب العلم الشرعي يقرأ في العلوم‬
‫الشرعية ‪ ،‬والسياسي يقرأ في العلوم السياسية ‪ ،‬والعسكري يقرأ في العلوم العسكرية وهكذا في‬
‫كل المجالت ‪ ،‬فإذا قبل أن نتوجه إلى سؤال كيف نقرأ ؟ ل بد أن نسأل أنفسنا لماذا نقرأ ؟‬
‫وقفت أمام الكتاب وأخذت كتابا اقتنعت بأن هذا الكتاب مهم اشتريته من المعرض أو من أي‬
‫مكتبة أو استعرته من صديق أو مكتبة خاصة أو عامة ‪ ،‬إذا اقتنعت بأن هذا الكتاب له قيمته ‪،‬‬
‫عندما أمسك بهذا الكتاب ل بد أن أسأل نفسي لماذا أقرأ ؟ سؤال ل بد أن توجهه إلى نفسك‬
‫وأنت تمسك بالكتاب ‪ ،‬أنا الن اشتريت هذا الكتاب أو استعرته ولكن لماذا نقرأ ؟ ما هو‬
‫غرضك من القراءة ؟ ما هو هدفك من القراءة ؟ ‪.‬‬

‫العنصر الثالث من عناصر الموضوع‪:‬‬


‫كيــف نقـــرأ ؟‬

‫وهذا هو صلب الموضوع ‪ ،‬السؤال عن كيفية القراءة سؤال ملحّ لدى كل متعطش للثقافة‬
‫وطلب العلم والمعرفة ولكن الجابة على ذلك ليست باليسيرة وسبب ذلك هو الختلف في‬
‫أمور كثيرة ‪ ،‬فالناس يختلفون في مداركهم فهنالك النسان المبتدئ ‪ ،‬وهنالك النسان‬
‫المتخصص والمتخصصون أيضا على درجات وعلى أنواع وعلى أشكال مختلفة كثيرة‬
‫والمبتدئون أيضا على مراتب متباينة فكل إنسان على حسب مرتبته تسألني كيف أقرأ هذا‬
‫الكتاب ؟ أسألك ما هو المستوى الذي بلغت إليه ؟ هل أنت مبتدئ أم متخصص ؟ وإذا كنت‬
‫مبتدئا ففي أي مرتبة من مراتب البتداء أنت ؟ وإذا كنت متخصصا ففي أي مجال وفي أي‬
‫مرتبة من التخصصات أنت ؟ كذلك مما يحكم عملية القراءة أو كيفية القراءة نوع الكتاب ‪،‬‬
‫فهناك كتب مختلفة هذا كتاب مثلً في الدب ‪ ،‬هذا كتاب مثلً في الفكر ‪ ،‬هذا كتاب في التربية‬
‫‪ ،‬هذا كتاب في الشعر الحديث ‪ ،‬هذا كتاب في القتصاد ‪ ،‬هذا كتاب في الفكر والفكر السياسي‬
‫وقضايا الستبداد ‪ ،‬هذا كتاب في تفسير الحلم ‪ ،‬هذا كتاب في علم النفس ‪ ،‬هذا كتاب آخر‬
‫في الفقه ‪ ،‬هذا كتاب في موضوع معين من الحركات السلمية وغيرها والقائمة تطول وما‬
‫ذلك إلّ نوع يسير فقط من التخصصات ‪ ،‬فنوعية الكتاب أيضا تحكم على النسان كيفية القراءة‬
‫‪ ،‬فقراءتنا لكتاب في الفلسفة يختلف عن قراءتنا لكتاب في التاريخ ‪ ،‬قراءتنا لكتاب في التاريخ‬
‫يختلف عن قراءتنا لكتاب آخر في الفقه ‪ ،‬قراءتنا لكتاب في الصول ‪ ،‬أصول الدين يختلف‬
‫عن قراءتنا لكتاب في علوم الحديث والمصطلح ‪ ،‬اختلف هذه النواع من الكتب يحكم أيضا‬
‫عملية القراءة وكيفية القراءة ‪ ،‬فهناك كتب في الفلسفة تتطلب من النسان استعدادا ذهنيا‬
‫وجسديا وأن يكون الجو مهيئا لن يتكيف النسان مع مصطلحات الفلسفة ومع عمق ما تتناوله‬
‫مجالت الفلسفة ‪ ،‬تختلف عن قراءة النسان لكتيب صغير أو كتاب مثلً في قضية فكرية ل‬
‫‪6‬‬
‫تحتاج إلى ذلك النوع من التهيؤ الذهني والجسدي ‪ ،‬كذلك قراءتنا لكتب معينة تطرح قضية‬
‫معينة يختلف من قراءتنا لكتب عامة تتحدث عن موضوعات متباينة أو موضوعات عامة دون‬
‫أن تدخل في التفاصيل ‪ ،‬فإذا من المهم لنا كقراء أن نحدد مستويات هذه الكتب وأن نحدد أنواع‬
‫هذه الكتب حتى نقبل على القراءة وهذا يتطلب وقفة حازمة حاسمة مع النفس ومع التعامل مع‬
‫الكتاب حتى نستفيد منه وحتى نقرأه القراءة الصحيحة ‪ ،‬كذلك هنالك عوامل أخرى تؤثر في‬
‫عملية القراءة ‪ ،‬الظروف المحيطة بالقارئ تؤثر أيضا ‪ ،‬فظروف الزمان وظروف المكان‬
‫وظروف الجو وظروف البيئة كل هذه العوامل لها علقة مباشرة بعملية القراءة ونحن ندعو‬
‫ل كبيرا فانتشار كتب الجيب‬
‫إلى القراءة ونقول ‪ :‬أن النسان ل بد أن يستغل وقته استغل ً‬
‫مثلً ‪ ،‬هذه الكتب الصغيرة التي يأخذها النسان حيثما سار كتب صغيرة للجيب ‪ ،‬كتاب كامل‬
‫ولكن بحجم صغير ‪ ،‬هذه الكتب مهمة لن النسان يستطيع أن يضعها في جيبه يقرأها متى‬
‫شاء ‪ ،‬يقرأها وهو يركب في السيارة ‪ ،‬يقرأها وهو ينتظر الدور عندما يكون مثلً في مستشفى‬
‫أو عندما ينجز معاملت رسمية في دوائر رسمية يقف في الطابور ل يقف ينظر أمام المارة‬
‫وينظر أمام الناس يأخذ معه كتابا يقرأ في ذلك الكتاب ‪ ،‬فهذا من الكتب التي تفيد في ذلك ولكن‬
‫نقول أن الظروف المحيطة بالنسان تجعله ل يأخذ مثلً كتاب في الفلسفة ويقرأه والناس في‬
‫هرج ومرج أو يذهب إلى السوق والناس في صراخ وهذا يتحدث عن السلعة وذاك يجادل‬
‫وذاك يخاصم ثم يأتي ويريد أن يقرأ كتابا في أصول الدين أو كتابا في الفلسفة في ذلك‬
‫المكان ‪ ،‬نقول ‪ :‬لن تنفعك هذه القراءة لن المكان الذي اخترته والزمان الذي اخترته لقراءة‬
‫هذا النوع من الكتب ل يفيد وإنما نأخذ الكتب في مثل هذه الماكن نأخذ كتبا سهلة ‪ ،‬كتبا يمكن‬
‫أن نفهمها مع وجود ذلك الصخب واللغط من حولنا ‪ ،‬ولتسهيل الجابة عن سؤال كيف نقرأ ؟‬
‫فرّق الباحثون بين أنواع القراءات ‪ ،‬وقالوا بأن أنواع القراءات خمسة ‪ :‬فهنالك القراءة‬
‫الكتشافية ‪ ،‬هنالك القراءة السريعة ‪ ،‬هنالك القراءة النتقائية ‪ ،‬هنالك القراءة التحليلية ‪ ،‬وهنالك‬
‫القراءة المحورية ‪ ،‬وهذه النواع من القراءات ذكرها الدكتور عبد الكريم بكّار في كتابه عن‬
‫القراءة ‪ ،‬ونحن نأخذ هذه النقاط من هذا المرجع لمن أراد أن يستزيد في هذا الموضوع ‪.‬‬

‫العنصر الرابع من عناصر الموضوع‪:‬‬


‫أنواع القراءات ‪:‬‬

‫‪ -1‬النوع الول من القراءة ‪ :‬القراءة الكتشافية ‪:‬‬


‫القراءة الكتشافية ‪ :‬نحن الن دخلنا في صلب عملية القراءة نمسك الكتاب وتقرأ فتأتي هذه‬
‫النواع الخمسة ‪ ،‬القراءة الكتشافية ‪ :‬هي القراءة التي يريد المرء من خللها اكتشاف الكتاب‬

‫‪7‬‬
‫وأخذ صورة ومعرفة عامة عن مضامين هذا الكتاب وعما يتحدث هذا الكتاب لن هذا يجعل‬
‫النسان يعرف هل هو بحاجة إلى قراءة هذا الكتاب أم إنه ليس بحاجة إلى قراءة هذا الكتاب ‪،‬‬
‫وأيضا إذا كان في معرض فتفيده القراءة الكتشافية من أجل أن يعرف هل أنا مضطر ول بد‬
‫أن اشتري هذا الكتاب أو ل اشتريه ‪ ،‬فمن المؤسف أننا عندما ندخل معرضا أو عندما ندخل‬
‫ل في الغلف إذا كان الغلف‬
‫مكتبة من المكتبات نريد شراء الكتب ‪ ،‬بعض الناس ل ينظر إ ّ‬
‫منمق وجميل وفيه صور بديعة اشتراه ‪ ،‬وبعض الناس يعجبه أن يشتري الكتب الصغيرة‬
‫ويتعقّد من الكتب الكبيرة المجلدة هذه أو الكتب القديمة ‪ ،‬فهذا ليس مفيدا في عملية القراءة ‪،‬‬
‫وهذا يحدد القارئ الجاد من غيره ‪ ،‬يقول الدكتور عبد الكريم بكّار ‪ (( :‬بأن النسان من خلل‬
‫نصف ساعة يستطيع أن يحدد قيمة هذا الكتاب ويكتشف هذا الكتاب ‪ ،‬إذا أردنا أن نعرف هذا‬
‫الكتاب عن طريق القراءة الكتشافية فأول ما نفعله أن نقرأ مقدمة الكتاب ‪ ،‬كل كتاب له مقدمة‬
‫ل يوجد كتاب من الكتب ل توجد به مقدمة وخاصة هذا المر صار الن أمر متعارف عليه‬
‫عند طباعة الكتب وعند نشرها ‪ ،‬ل بد من مقدمة لكل كتاب ‪ ،‬فنقرأ المقدمة أولً لنه غالبا ما‬
‫يذكر المؤلف أو المقدم للكتاب موضوع الكتاب بشكل مختصر وبواعث التأليف وأهمية الدراسة‬
‫التي يدرسها وما الذي يريد أن يصل إليه من نتائج في حدود الختصار ربما ل تتجاوز بضع‬
‫صفحات ‪ ،‬فهذه تعطي النسان قيمة أو معرفة كاملة عن الموضوع ‪ ،‬ثم بعد ذلك ينظر إلى‬
‫فهرس الموضوعات كل كتاب له فهرس ينظر في الفهرسة أهمية النظر والقراءة في الفهرسة‬
‫تجعل النسان يفهم المنهجية التي يسير عليها المؤلف في ذلك الكتاب وما هي الجزئيات التي‬
‫سيذكرها وهل هذه الجزئيات مهمة أم غير مهمة وهل الكاتب متعمق في طرح الموضوع أم‬
‫إنه سطحي وما إلى ذلك من التساؤلت ‪ ،‬هنالك أيضا المر الثالث في عملية القراءة عندما‬
‫نريد أن نكتشف كتابا معينا ‪ ،‬أن نأتي إلى فهرس المصادر أو المراجع التي اعتمد عليها‬
‫المؤلف في كتابة هذا الكتاب ‪ ،‬نأتي إلى قائمة المراجع في كل كتاب تقريبا توجد هنالك قائمة‬
‫للمصادر والمراجع التي اعتمد عليها المؤلف في تأليفه لذلك الكتاب ‪ ،‬وهذا مهم جدا عندما‬
‫يعرف النسان المصادر التي اعتمد عليها المؤلف في كتابه فإنه يستطيع أن يعطي أو أن‬
‫يتعرف ويأخذ تصورا عن عمق ذلك الباحث أو عدم عمقه وهل درس هذا الموضوع الذي أراد‬
‫بحثه من المصادر الولية أم من المصادر الصلية وهل كانت مصادره مصادر جيدة في‬
‫الموضوع الذي بحثه ؟ هل هي متعلقة بالموضوع الذي يبحثه أم أنها غير متعلقة ؟ فإن‬
‫ل في موضوع من مواضيع القتصاد ويأتي ويرجع إلى كتب التاريخ‬
‫النسان عندما يبحث مث ً‬
‫ويأتي إلى كتب الفلسفة ويرجع إلى كتب أخرى لها صلة بموضوعه ولكن هذه الصلة صلة‬
‫غير مباشرة فإن ذلك ل أقول إن هذا كلم عام وإنما يختلف باختلف الظروف ولكن بوجه‬
‫عام فإن موضوع هذا الطرح هزيل لن المصادر التي اعتمد عليها المؤلف مصادر غير‬

‫‪8‬‬
‫مباشرة في الموضوع الذي هو بصدد الحديث عنه ‪ ،‬ثم بعد أن نقرأ المقدمة نقرأ فهرس‬
‫الموضوعات نقرأ فهرس المصادر والمراجع ‪ ،‬نتصفح الكتاب تصفحا عاما نقرأ بعض الفقرات‬
‫وبعض الملخصات ‪ ،‬حيث أن بعض الكتّاب يذكر في كل فصل من فصول الكتاب أو في كل‬
‫باب من أبواب الكتاب يذكر ملخصا لذلك الباب فمن المفيد أن نقرأ تلك الملخصات من كل باب‬
‫حتى نأخذ تصورا معينا ‪ ،‬إذا أمضينا هذا الجزء من الوقت نصف ساعة وربما أقل وربما أكثر‬
‫حسب حجم الكتاب فإننا نكون قد اكتشفنا موضوع الكتاب ‪ ،‬ل نقول قرأنا الكتاب وإنما اكتشفنا‬
‫موضوع الكتاب ‪ ،‬ثم بعد ذلك يحدد النسان على ضوء معرفته بهذا الكتاب هل هو سيشتري‬
‫هذا الكتاب أو أنه ل يشتريه ‪ ،‬هل هو سيقرأ هذا الكتاب أم أنه سيقرأ غيره ؟ فهذه هي القراءة‬
‫الكتشافية ‪.‬‬

‫‪ -2‬هناك أيضا القراءة السريعة ‪:‬‬


‫القراءة السريعة ‪ :‬هي القراءة التي تود أخذ معرفة بالموضوع من خلل قراءة سريعة ول‬
‫يراد منها التحقق من موضوع أو فكرة عميقة ‪ ،‬القراءة السريعة عندما يأخذ النسان جريدة‬
‫مثلً وهي أنسب مثال للقراءة السريعة ‪ ،‬عندما يمسك النسان الجريدة اليومية فإنه ل يقرأ كل‬
‫الجريدة من أولها إلى أخرها ‪ ،‬ل يقرأ كل عمود ‪ ،‬ل يقرأ كل خبر ‪ ،‬وإنما يقرأ قراءة سريعة ‪،‬‬
‫قراءة مسح يريد أن يتعرف على مجمل الخبار ‪ ،‬يريد أن يتعرف على موضوع معين ‪ ،‬كيف‬
‫طرح هذا الموضوع ؟ ما هي أخر المستجدات في موضوع معين ؟ هذه تسمى القراءة السريعة‬
‫‪ ،‬يقرأ النسان قراءة سريعة ليأخذ فكرة عامة عن الحداث وعن مجريات المور التي تحدث‬
‫وعن قضايا معينة ‪ ،‬ثم إذا أراد أن يدرس أو يقرأ قراءة معمقة فذلك نوع أخر من أنواع‬
‫القراءة ‪ ،‬فهذه هي القراءة السريعة وهذه القراءة قراءة مهمة لن عمر النسان عمر محدود‬
‫والزمن الذي يملكه زمن محدود وعدد الكتب ل يقع تحت الحصر فإذا كان كل إنسان يريد أن‬
‫يقرأ الكتاب من أوله إلى أخره بعمق وحسب ما سيأتي في أنواع القراءات الخرى فإن ذلك‬
‫ربما يمر على النسان عمره كله ول يقرأ عدة كتب ‪ ،‬هذه القراءة السريعة مهمة من أجل أن‬
‫يتعرف النسان على الموضوعات بشكل عام ولكن المهم في القراءة السريعة أن النسان ل‬
‫يحكم على كتاب معين من خلل قراءته السريعة وحتى في قراءتنا للجرائد والمجلت إذا كانت‬
‫قراءتنا لها سريعة ل نحكم على ذلك الكتاب أو ل ننقل ذلك الخبر من خلل قراءة العناوين‬
‫الكبرى لذلك الموضوع ‪ ،‬فغالبا ما تكون العناوين مختلفة عمّا في داخل الموضوع ربما نفهم‬
‫من العنوان من غير المراد في صلب النص ‪ ،‬فلذلك ل نحكم أو ل نأخذ تصورا عنه ول‬
‫نعطي حكما عن كتاب معين أو عن مقال معين إلّ بعد أن نقرأ ذلك المقال وذلك الكتاب بعمق‬
‫‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫‪ -3‬النوع الثالث من أنواع القراءة هي القراءة النتقائية ‪:‬‬
‫القراءة النتقائية ‪ :‬هي القراءة التي يتعمق فيها المرء في موضوع معين ثم يقرأ في‬
‫مجموعة مختلفة من الكتب ولكن ينتقي من قراءته ما يريد من مفاهيم وأفكارا معينة ‪ ،‬أنا الن‬
‫مثلً أو أي طالب علم يريد أن يبحث عن موضوع وعلى سبيل المثال الجمعيات التعاونية في‬
‫سلطنة عمان ‪ ،‬هذا موضوع أريد أن أبحثه ‪ ،‬كثير من الكتب على سبيل التمثيل تحدثت عن‬
‫هذا الموضوع كثير من الطروحات لم تبحث هذا الموضوع بشكل خاص ولكن ذكرته في‬
‫ل مقالت في النترنت ‪،‬‬
‫بعض أجزاء من الكتاب ‪ ،‬هنالك مقالت في الجرائد ‪ ،‬هنالك مث ً‬
‫تتحدث عن هذا الموضوع ‪ ،‬قراءتنا لهذه المصادر بهذا الشكل هي القراءة النتقائية ‪ ،‬أقرأ هذا‬
‫الكتاب مثلً على سبيل المثال عندنا كتاب في القتصاد ‪ ،‬هذا كتاب في القتصاد عنوانه ل‬
‫يبيّن أنه سيتحدث عن الجمعيات التعاونية في سلطنة عمان ولكن ربما من ثنايا الكتاب وبعض‬
‫فصول الكتاب يتحدث عن هذا الموضوع فأنا لست ملزما بأن أقرأ هذا الكتاب كله إذا أردت أن‬
‫أتعمق في النقطة التي أريد أن ابحثها وإنما أقرأ فيما يخص الموضوع الذي أنا أبحث عنه فهذه‬
‫تسمى قراءة انتقائية ‪ ،‬أنتقي من الكتاب الذي بين يديّ ما أريد أن أبحثه وما أريد أن أصل‬
‫إليه ‪ ،‬والقراءة النتقائية لها أبعاد أيضا كثيرة ومدلولت أخرى فمثلً من أبعاد القراءة النتقائية‬
‫ل ضرب الطفال‬
‫أنني مثلً أقرأ في كتاب في التاريخ لبحث عن فكرة تربوية ‪ ،‬قضية مث ً‬
‫ل بعض كتب التاريخ ل أقرأها من أولها إلى أخرها لنني‬
‫قضية تربوية أريد أن ابحثها أقرأ مث ً‬
‫مثلً قد أعطيت زمنا معينا لقراءة ذلك الكتاب أو لعداد ذلك البحث ومن غير الممكن أن أقرأ‬
‫هذا الكمّ الهائل من الكتب المتعلقة بالموضوع تعلقا مباشرا أو تعلقا غير مباشر ‪ ،‬فأقرأ كتابا في‬
‫التاريخ وأجد فيه قصة مثلً عن أحد العلماء أنه لم يضرب أحد من طلبة العلم فهذه القصة في‬
‫ذلك الكتاب ربما يكون الكتاب في عدة مجلدات وفيه هذه القصة استفدت منها في موضوع‬
‫البحث الذي أنا بصدده فهذه تسمى القراءة النتقائية ‪.‬‬

‫‪ -4‬النوع الرابع من أنواع القراءة وهي القراءة التحليلية ‪-:‬‬


‫القراءة التحليلية ‪ :‬هي أفضل أنواع القراءة ‪ ،‬وهي الخوض إلى عمق النص والرتفاع إلى‬
‫مستوى الكاتب والمؤلف بحيث عندما نقرأ ‪ ،‬نقرأ بعقلية المحلل والناقد وقليل هم من يقرأون‬
‫هذا النوع من القراءة وهي قراءة من النوع الصعب وهي القراءة التي ل بد أن ندمن عليها‬
‫القراءة التحليلية ‪ ،‬أمسك بهذا الكتاب أقرأه من أوله إلى أخره ليست قراءة سريعة ‪ ،‬ليست‬
‫قراءة انتقائية وإنما هي قراءة تحليلية ‪ ،‬أقرأ هذا الكتاب بعمق وأكون مهيئا ذهنيا ووجدانيا‬

‫‪10‬‬
‫والظروف المحيطة مهيأة من حيث الزمان والمكان أقرأ هذا الكتاب قراءة تحليلية ‪ ،‬القراءة‬
‫التحليلية معناها أنك تمسك بهذا الكتاب وتقرأه بعمق تحس وكأنك تخاطب المؤلف ‪ ،‬تناقش‬
‫المؤلف في الفكار التي يطرحها تنتقده على بعض ما يذكره في ذلك الكتاب ‪ ،‬تحاول أن تنمي‬
‫في نفسك هذا الشعور وأنت تقرأ كتابا معينا فهذه هي القراءة التحليلية وهي أفضل أنواع‬
‫القراءات ‪ ،‬والقراءة لبد أن ندمن عليها وهذا النوع من القراءة ليس بالمر السهل أن يصل‬
‫النسان إلى مستوى الكاتب ‪ ،‬أن يقرأ من أجل التحليل والنقد وأن يصل إلى عمق مراد الكاتب‬
‫هذا ليس بالمر السهل وإنما هو يأتي بعد قناعات وبعد تمرين وبعد طول مهارة في التعامل مع‬
‫الكتب ومع المؤلفين والتعامل مع المصطلحات المعينة في تخصص معين وفي مجال معين‬
‫ولكن لبد من هذا النوع من القراءة ‪.‬‬

‫‪ -5‬النوع الخامس من أنواع القراءة هي القراءة المحورية ‪:‬‬


‫القراءة المحورية ‪ :‬هي التركيز على موضوع معين والتخصص فيه بحيث يقرأ من كتب‬
‫عديدة ما يتصل بموضوع بحثه أو موضوع تخصصه ‪ ،‬وهذا النوع من القراءة مهم جدا‬
‫وخاصة في هذا العصر لننا في عصر التخصص ‪ ،‬كل إنسان يتخصص في مجال معين وفي‬
‫فرع من فروع المعرفة ‪ ،‬وكما يقول بعض الباحثين ‪ (( :‬بأن زمن أن يكون النسان موسوعة‬
‫في مجالت العلم المختلفة إن هذا العهد قد ولّى وذلك لن مجالت العلم قد تطورت الن‬
‫تطورا كبيرا ‪ ،‬صار لكل فرع من فروع المعرفة فروع كثيرة وفي كل فرع من تلك الفروع‬
‫فروع أخرى توسعت العلوم وصار التخصص أمرا ملحا في هذا العصر ‪ ،‬يتخصص مجموعة‬
‫من الناس في العلم الشرعي في الفقه ‪ ،‬يتخصص مجموعة من الناس في الطب ‪ ،‬يتخصص‬
‫مجموعة من الناس في العلوم النسانية ‪ ،‬يتخصص مجموعة من الناس في العلوم التطبيقية‬
‫وفي العلوم التطبيقية يتخصص منها إلى علوم أخرى فالتخصص مطلوب ‪ ،‬والقراءة المحورية‬
‫هي قراءة التخصص ‪ ،‬إنسان متخصص في الدب يقرأ ما هو لصيق بقضية الدب ‪ ،‬إنسان‬
‫متخصص في علوم السياسة يقرأ ما هو لصيق بموضوع السياسة وما يتشعب منها ‪ ،‬ليس‬
‫معنى ذلك أن يهمل النسان قراءته للكتب الخرى وإنما نقول أن يأخذ النسان من حقول‬
‫المعرفة أم ٌر حسن ولكن إذا تخصص في مجال معين فإنه يكون أحسن لنه سيتخصص في‬
‫مجال معين يبدع في ذلك المجال يكون إنسانا يرجع إليه في ذلك التخصص يستطيع بذلك أن‬
‫ينتج أكثر من أن لو جمع علوما كثيرة ل يتخصص فيها ول يمكن أن ينتج النتاج الذي حققه‬
‫في القراءة أو في التخصص ‪ ،‬فهذه هي أنواع القراءات الخمس وهي أيضا كيفيات للقراءة ‪،‬‬
‫وكل إنسان هو الذي يحدد أي نوع من أنواع هذه القراءات يريد أن يقرأ ‪ ،‬يريد أن يقرأ قراءة‬
‫سريعة ‪ ،‬يريد أن يقرأ قراءة محورية ‪ ،‬يريد أن يقرأ قراءة تحليلية ‪ ،‬وقد يجمع النسان بين‬

‫‪11‬‬
‫هذه القراءات في كتاب واحد وقد يسلك في ذلك في بعض الوقات قراءة سريعة وفي بعض‬
‫الوقات قراءة تحليلية على حسب التهيؤ الذهني والنفسي للقراءة فمعرفة النسان بهذه النواع‬
‫من القراءات وتحديده لكيفية قراءته لهذا الكتاب أو ذاك هو الذي يجعله يستفيد من عملية‬
‫القراءة ‪.‬‬

‫العنصر الرابع من عناصر الدرس ‪:‬‬


‫توصيات مهمة لقراءة مثمرة‬

‫من أجل أن نستفيد من قراءتنا لبد أن نقرأ في جو من الرتياح النفسي وذلك لن الحالة‬
‫النفيسة التي عليها القارئ تؤثر بشكل أو بآخر في مدى الستفادة التي يستفيدها النسان وهو‬
‫يقرأ ‪ ،‬لذلك كثيرا ما نسمع التربويين أنهم ينصحون الطلب الذين سيقبلون على المتحانات‬
‫ينصحونهم بأن يكونوا مرتاحين نفسيا وبأن ل يعيشوا جو الضغط النفسي ول يحس بزخم‬
‫الختبارات وثقلها حتى يستفيد من المراجعة ومن القراءة نقول أن هذا المر أمر عام ل يتعلق‬
‫بطلب المدارس أو الطلب الذين سيخوضون امتحانا ما ‪ ،‬التهيؤ النفسي والرتياح النفسي‬
‫أثناء القراءة يجعل النسان يستفيد من قراءته لذلك هنالك ما يسميه بعض الباحثين الساعة‬
‫الذهبية وهي الساعة التي يحس النسان فيها بقمة نشاطه ‪ ،‬هذه الساعة الذهبية لبد أن يستغلها‬
‫النسان إذا أحس بأنه في هذه الساعة هو متهيئ للقراءة ومقبل على القراءة وبأنه سيستفيد من‬
‫هذه الساعة فليذهب مباشرة ويمسك بكتابه ويقرأ فيه ‪ ،‬هذه الساعة الذهبية على كل واحد منا‬
‫أن يحددها في حياته وأن يجعل لها مكانا في جدوله اليومي ‪ ،‬المر الخر هو العمل بأسلوب‬
‫التلخيص وأخذ الفكار ‪ ،‬عموم الناس أو الكثير من الناس ل يملكون تلك العقلية التي تجعلهم‬
‫يحفظون هذا الكتاب كآلة تصوير تخزن في الذاكرة فلذلك عندما نقرأ كتابا معينا نعتمد على‬
‫أسلوب التلخيص وأخذ الفكار أقرأ هذا الكتاب مثلً ‪ ،‬أقرأ مثلً في الفصل الول ‪ ،‬أقرأ فقرة‬
‫منه ثم ألخص بكلمة أو كلمتين أو عبارة ما يحدد فكرة ذلك المقطع الذي قرأته ثم اجمع هذه‬
‫الفكار لنني إذا أردت بعد ذلك أن أعود إلى هذا الكتاب فإنه يكفي أن أرجع إلى العناوين التي‬
‫وضعتها وإلى الملخص الذي وضعته من أجل أن أفهم أفكار الكتاب ول أقول أن أنقل نصوص‬
‫الكتاب لن النقل من نص الكتاب ل بد أن ترجع إلى نص المؤلف الذي وضعه ‪ .‬عدم الحكم‬
‫على الكتاب إلّ بعد قراءته ومعرفة توجهات الكاتب ‪ ،‬كثير من الناس تسأله ما رأيك في هذا‬
‫الكتاب ؟ يقول لك ‪ :‬كتاب جيد ‪ ،‬هل قرأته ؟ ل لم أقرأه ‪ ،‬لماذا لم تقرأه وتقول بأنه جيد أو‬
‫بأنه غير جيد ؟ الحكم على الشياء والحكم على الشخاص هذا أمر مهم ول يكون الحكم على‬
‫الكتاب إلّ بعد قراءتك لذلك الكتاب ‪ ،‬تقرأ الكتاب من أوله إلى أخره قراءة تحليلية ‪ ،‬قراءة‬
‫معمقة ثم بعد ذلك تحكم على هذا الكتاب بأنه كتاب جيد أو بأنه كتاب غير جيد ل نتسرع في‬
‫‪12‬‬
‫الحكم على الشخاص وعلى الكتب بشكل عام حسب موضوعنا ‪ ،‬يجب أن ل نتسرع في الحكم‬
‫على الكتب وإنما ل بد أن نتأنى فيه وأن ندرك أن الحكم على هذا الكتاب ربما يؤثر في‬
‫الخرين ول نكون صادقين مع أنفسنا إذا اتخذنا حكما سريعا حول كتاب لم نقرأه أو أن نحكم‬
‫على الكتاب من خلل عنوانه فإن العنوان ربما ل يعطينا الصورة الحقيقية عن ذلك الكتاب‬
‫سواء كانت صورة سلبية أو صورة إيجابية فهنالك مجموعة كبيرة من الكتب تحمل عناوين‬
‫براقة وكلمات معسولة ولكنها تحمل السمّ الزعاف وهناك كتب أيضا ربما نف ّر من عناوينها‬
‫وفيها الخير الكثير ‪.‬‬

‫المر الخر أهمية تنظيم الوقت ‪ :‬فعملية تنظيم الوقت مهمة جدا في تنظيم عملية القراءة‬
‫وكيفيتها ‪ ،‬وهذا هو المر المهم في كل عملية نريد طرحها وفي كل موضوع نريد طرحه ‪ ،‬ما‬
‫دمنا لم نصل إلى مستوى تنظيم أوقاتنا فإن كل الوراق تتبعثر وكل الجهود تتشتت وكل‬
‫الفكار تبقى غير مرتبة ول يتحصل النسان على شيء ‪ ،‬يأتي ويقرأ فل بد من الهتمام‬
‫بقضية تنظيم الوقت ما دمنا غير قادرين على تنظيم الوقت فإنه من باب أولى أن ل نستفيد من‬
‫قراءتنا ‪ ،‬يأتي النسان ويقرأ في الصباح ربع ساعة ثم يمرّ عليه أحد الناس ويقول له خل‬
‫السوق بسم ال خل ‪ ،‬يرجع من السوق يجلس أمام الكتاب ويقرأ خمس دقائق يرن الهاتف فلن‬
‫أيش رأيك نمشي رحلة بسم ال خل ‪ ،‬يرجع من الرحلة بعد يومين يمسك الكتاب خمس دقائق‬
‫ثم يتصل به زميله ويبقى على الهاتف ربع ساعة ‪ ،‬هذا النوع من القراءة غير مفيد وكله بسبب‬
‫عدم تنظيم الوقت والمشكلة هنا أننا نعطي القراءة فضول أوقاتنا ‪ ،‬عندما يكون النسان كما‬
‫نقول بالعامية (( عندما يكون متفيّق)) يمسك كتاب ويقرأ ‪ ،‬إذا القراءة صارت أمرا هامشيا في‬
‫حياتنا ‪،‬لم تصل إلى مستوى الهمّ كما ذكرت في أول الدرس ‪ ،‬لم تصل إلى مستوى الهمّ الذي‬
‫نحمله في نفوسنا وإنما صرنا نخصص لها بعض الوقات ‪ ،‬خمس دقائق في اليوم ‪ ،‬عشر‬
‫دقائق ل أقصد بذلك قراءة المجلت وقراءة الصحف وما إلى ذلك أو المطالعة في النترنت‬
‫وإنما أقصد القراءة التي يستفيد منها النسان ‪ ،‬هذه القراءة ل تكون خمس دقائق في الساعة ثم‬
‫يبقى النسان خمس وخمسين دقيقة بعيدا عن ذلك الكتاب ‪ ،‬ثم يرجع بعد ثلث دقائق ويقرأ‬
‫سطرين ثم يترك ذلك الكتاب ‪ ،‬ل القراءة الصحيحة تكون بأن يترتب النسان لقراءته زمنا‬
‫معينا ومدة محددة يكون ذلك الزمن بموضع المقدس عنده حيث ل يشغله عنه شاغل ول‬
‫يصرفه عنه أي صارف ‪ ،‬يكون جزءا من وقته يحدده للقراءة تحت أي ظرف كان ‪ ،‬وهذا أمر‬
‫ليس بالصعب وإنما الصعب هو أن نكلف أنفسنا عملية تنظيم الوقت وعملية تنظيم الوقت أيضا‬
‫ليست عملية شخصية وإنما هي عملية اجتماعية ل بد أن يشارك فيها كل أفراد المجتمع ‪،‬‬
‫فربما ينظم النسان وقته ولكن يأتي إنسان آخر يضيع عليه برنامجه اليومي ‪ ،‬فلكي ندرك‬

‫‪13‬‬
‫أهمية القراءة ونعرف مدى أو كيفية القراءة ل بد أن نعرف كيف ننظم أوقاتنا وكيف نعطي‬
‫للقراءة الوقت الكافي الذي يجعلنا نصل إلى مستوى القارئ ‪.‬‬

‫العنصر الخامس والخير من عناصر هذا الدرس هو‪:‬‬


‫تجارب يمكن الستفادة منها‬

‫وهي في الحقيقة تجربة لحد المعلمين الذين مرّوا على تدريسنا في المدارس ‪ ،‬كان ذلك المعلم‬
‫معلما فذا معلما يدرك معنى العلم ومعنى القراءة بشكل أخص ‪ ،‬سألناه ذات يوم كيف تقرأ ؟‬
‫فقال ‪ :‬بأنه أول ما يمسك الكتاب يقرأ الكتاب من أوله إلى أخره قراءة واحدة ‪ ،‬ثم بعد ذلك يبدأ‬
‫ل الفصل الول‬
‫القراءة من جديد ويكون معه دفتر صغير يلخص فيه مادة ذلك الكتاب ‪ ،‬يقرأ مث ً‬
‫ثم يلخص الفصل الول في ذلك الكتيب ‪ ،‬ثم يترك الكتاب ويأتي إلى الملخص ويقرأ الملخص‬
‫الذي كتبه مرة ثالثة ‪ ،‬يكون بذلك قد قرأ الكتاب ثلث مرات ‪ ،‬وفي أثناء قراءته للكتاب إذا مرّ‬
‫بنص يستحق الحفظ فإنه يحفظ ذلك النص ‪ ،‬نصا يحفظه كما هو بداخل الكتاب ‪ ،‬وإذا مرّ‬
‫بأبيات من الشعر تستوجب حفظها له فإنه يحفظ تلك البيات وهكذا فيكون بذلك قد قرأ الكتاب‬
‫عدة مرات قرأه المرة الولى قراءة عامة ‪ ،‬ثم قرأه بعد ذلك قراءة يأخذ منها عناصر الكتاب‬
‫وأفكاره ويلخص ذلك الكتاب ‪ ،‬ثم في المرة الثالثة يقرأ الملخص الذي لخصه عن ذلك الكتاب ‪،‬‬
‫أظن لو أن كل واحدٍ منّا اتبع هذا الطريق وهذه التجربة في قراءته للكتب فإنه ل شك سيستفيد‬
‫من أي كتاب يقرأه ‪ ،‬ولكن هذا ل يكون بأن يقرأ النسان ساعة في اليوم أو ساعتين في اليوم ‪،‬‬
‫أقل ما يمكن أن يخصصه النسان لقراءته ثلث ساعات أو خمس ساعات ‪ ،‬أربع ساعات يقرأ‬
‫النسان فيها من مجموع أربع وعشرين ساعة في اليوم ‪ ،‬أربع ساعات ل تشكل شيئا ما‬
‫بالنسبة للربع والعشرين ساعة إذا التزم النسان بالقراءة كل يوم ثلث ساعات قراءة تحليلية ‪،‬‬
‫قراءة يكون النسان فيها متهيئا نفسيا وذهنيا للقراءة ويأخذ بنموذج القراءة التي تفيده فإنه بل‬
‫شك سيستفيد وسيكون إنسانا قارئا ‪ ،‬أما كما قلت أن تأتي ونقرأ خمس دقائق ثم نترك هذا‬
‫الكتاب ونتحول إلى الكتاب الخر ونقرأ عشر صفحات منه ثم نترك هذا الكتاب ونتحول إلى‬
‫كتاب آخر ونقرأ منه صفحتين ثم نتحول إلى كتاب آخر ونقرأ منه صفحة واحدة و تتشتت‬
‫الفكار مثلً نقرأ صفحة في الفقه وصفحة في الحديث وصفحة في الصول وصفحة في‬
‫الجريدة وصفحة في النترنت ‪ ،‬ثم بعد ذلك يكون النسان لم يتحصل على شيء إذا سألته عن‬
‫مسألة ل يعرفها إذا سألته عن معلومة ل يفهمها إذا سألته عن كتاب معين ل يعرف مستواه إذا‬
‫سألته عن فكرة معينة ل يعرف تفاصيلها كل هذا بسبب انه لم يقرأ القراءة الواعية المتأنية التي‬
‫يستطيع من خللها أن يصل إلى عمق النص ويصل إلى مستوى الكاتب ويعرف ما يريده‬

‫‪14‬‬
‫الكتاب وأن يحلل ذلك النص ويصل إلى مرتبة انتقاد ذلك النص ‪ ،‬فهذا من الخطاء التي نقع‬
‫فيها أثناء القراءة ‪.‬‬

‫كذلك هنالك أمر آخر ل بد من الشارة إليه وهو أن القراءة ليست فقط بأن يقرأ النسان الكتب‬
‫الفقهية أو أن تعطي النسان جدول معينا يقرأ فيه يبدأ بالنحو ثم يقرأ بعد ذلك كتب في العقيدة‬
‫ثم بعد ذلك يقرأ كتب في الفقه وهكذا ‪ ،‬هذا أمرٌ جيد جدا في المراحل الولى من القراءة بأن‬
‫يكون للنسان قاعدة علمية ينطلق من خللها إلى آفاق القراءة الواسعة ولكن بالنسبة للخرين‬
‫وخاصة الموظفين فإنهم ل بد أن يقرؤا فيما يخص مجالت التخصص التي هم فيها ‪ ،‬ومن‬
‫المؤسف أن عددا كبيرا من المعلمين مثلً ل يهتمون بالقراءة ل أقول بالقراءة الشاملة وإنما في‬
‫مجال التخصص الذي هم فيه نأتي إلى المهندسين مثلً ‪ ،‬المهندس مثلً المهندس ربما يتخرج‬
‫من الجامعة وربما يتخرج من أي معهد كان ثم تكون معلوماته هي المعلومات التي درسها أيام‬
‫الدراسة وانتهى المر على ذلك ل يقرأ في مجال تخصصه ‪ ،‬وهذا أمر مؤسف لن عملية‬
‫المعرفة عملية متجددة وخاصة الن نعيش في عصر ثورة المعلومات تتجدد المعارف ل أقول‬
‫سنويا ول شهريا وإنما تتطور المعلومات بشكل يومي وتتغير المعطيات بشكل يومي وإذا ظل‬
‫النسان راكدا على معلوماته الولى التي استقاها أيام دراسته دون أن يطور تلك القاعدة التي‬
‫كان عليها فإنه سيكون إنسانا يعيش خارج الزمن ‪ ،‬وإنسان ل يدري ما الذي يدور حوله من‬
‫أحداث ومعطيات ‪ ،‬كل إنسان مطالب بأن يقرأ في مجال تخصصه وأن يحمل ذلك الهم ( هم‬
‫القراءة ) وأن يدرك أن إبداعه في مجال تخصصه يكون بالقراءة في ذلك التخصص وهو‬
‫عندما يقتنع بأن القراءة في مجال التخصص مهمة فإنه بعد ذلك يكون عنصرا فاعلً في‬
‫مجتمعه يستطيع أن يبدع وأن يعطي وأن يكون إنسان يناقش الموضوعات التي يتخصص فيها‬
‫أما أن نعيش هكذا ل نقرأ ل نتصفح الكتب ل نكون أصدقاء مع هذه الكتب التي تفرزها آلت‬
‫المطابع يوميا باللف وعشرات اللف سنويا فإننا بذلك نكون أناسا نعيش خارج الزمن‬
‫وبالتالي ل نحقق مفهوم الخلفة ‪ ،‬خلفة النسان في هذه الرض وكونه إنسان يؤدي العبودية‬
‫ل عز وجل ويطالب الناس بأن يرجعوا إلى دين ال سبحانه وتعالى ويدعوا الناس إلى الدخول‬
‫في هذا الدين وإلى اللتزام بمنهاج هذا الدين وبأحكامه وتشريعاته هذا كل ما لدي حول‬
‫موضوع هذا الدرس ‪.‬‬

‫أسأل ال سبحانه وتعالى أن يلهمنا الرشد وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون‬
‫أحسنه ‪ ،‬اللهم اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما واجعل تفرقنا من بعده تفرقا معصوما ‪ ،‬ونسأل‬
‫ال تعالى العون والتيسير للجميع والسلم عليكم ورحمة ال وبركاته ‪.‬‬

‫‪15‬‬

You might also like