You are on page 1of 58

‫)‬ ‫‪1‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬

‫وقال شيخ السلم قدس ال روحه بسم ال الرحن الرحيم المد ل الذي نستعينه ونستغفره ونعوذ بال من‬
‫شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد ال فل مضل له ومن يضلل فل هادي له ‪ .‬ونشهد أن ل إله إل ال وحده‬
‫ل شريك له ونشهد أن ممدا عبده ورسوله أرسله بالدى ودين الق ليظهره على الدين كله وكفى بال شهيدا ‪.‬‬
‫أرسله بي يدي الساعة بشيا ونذيرا وداعيا إل ال بإذنه وسراجا منيا فهدى به من الضللة وبصر به من العمى‬
‫وأرشد به من الغي وفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا وفرق به بي الق والباطل والدى والضلل والرشاد‬
‫والغي والؤمني والكفار ‪ .‬والسعداء أهل النة والشقياء أهل النار وبي أولياء ال وأعداء ال فمن شهد له ممد‬
‫صلى ال عليه وسلم بأنه من أولياء ال فهو من أولياء الرحن ومن شهد له بأنه من أعداء ال فهو من أولياء الشيطان ‪.‬‬
‫وقد بي سبحانه وتعال ف كتابه وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم أن ل أولياء من الناس وللشيطان أولياء ففرق بي‬
‫أولياء الرحن وأولياء الشيطان فقال تعال { أل إن أولياء ال ل خوف عليهم ول هم يزنون ‪ { } .‬الذين آمنوا‬
‫وكانوا يتقون } { لم البشرى ف الياة الدنيا وف الخرة ل تبديل لكلمات ال ذلك الفوز العظيم } وقال تعال‬
‫{ ال ول الذين آمنوا يرجهم من الظلمات إل النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يرجونم من النور إل‬
‫الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } وقال تعال { يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء‬
‫بعضهم أولياء بعض ومن يتولم منكم فإنه منهم إن ال ل يهدي القوم الظالي } { فترى الذين ف قلوبم مرض‬
‫يسارعون فيهم يقولون نشى أن تصيبنا دائرة فعسى ال أن يأت بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا ف‬
‫أنفسهم نادمي } { ويقول الذين آمنوا أهؤلء الذين أقسموا بال جهد أيانم إنم لعكم حبطت أعمالم فأصبحوا‬
‫خاسرين } { يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأت ال بقوم يبهم ويبونه أذلة على الؤمني أعزة‬
‫على الكافرين ياهدون ف سبيل ال ول يافون لومة لئم ذلك فضل ال يؤتيه من يشاء وال واسع عليم } { إنا‬
‫وليكم ال ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلة ويؤتون الزكاة وهم راكعون } { ومن يتول ال ورسوله‬
‫والذين آمنوا فإن حزب ال هم الغالبون } وقال تعال { هنالك الولية ل الق هو خي ثوابا وخي عقبا } ‪.‬‬
‫وذكر " أولياء الشيطان " فقال تعال { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بال من الشيطان الرجيم } { إنه ليس له‬
‫سلطان على الذين آمنوا وعلى ربم يتوكلون } { إنا سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون } وقال‬
‫تعال { الذين آمنوا يقاتلون ف سبيل ال والذين كفروا يقاتلون ف سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد‬
‫الشيطان كان ضعيفا } وقال تعال { وإذ قلنا للملئكة اسجدوا لدم فسجدوا إل إبليس كان من الن ففسق عن أمر‬
‫ربه ‪ ،‬أفتتخذونه وذريته أولياء من دون وهم لكم عدو بئس للظالي بدل } وقال تعال { ومن يتخذ الشيطان وليا‬
‫من دون ال فقد خسر خسرانا مبينا } ‪ .‬وقال تعال { الذين قال لم الناس إن الناس قد جعوا لكم فاخشوهم فزادهم‬
‫إيانا وقالوا حسبنا ال ونعم الوكيل } { فانقلبوا بنعمة من ال وفضل ل يسسهم سوء واتبعوا رضوان ال وال ذو‬
‫)‬ ‫‪2‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫فضل عظيم } { إنا ذلكم الشيطان يوف أولياءه فل تافوهم وخافون إن كنتم مؤمني } وقال تعال { إنا جعلنا‬
‫الشياطي أولياء للذين ل يؤمنون } { وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا } إل قوله { إنم اتذوا الشياطي‬
‫أولياء من دون ال ويسبون أنم مهتدون } وقال تعال { وإن الشياطي ليوحون إل أوليائهم ليجادلوكم } وقال‬
‫الليل عليه السلم { يا أبت إن أخاف أن يسك عذاب من الرحن فتكون للشيطان وليا } وقال تعال { يا أيها‬
‫الذين آمنوا ل تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالودة } اليات إل قوله { إنك أنت العزيز الكيم } ‪.‬‬
‫فصل وإذا عرف أن الناس فيهم " أولياء الرحن وأولياء الشيطان " فيجب أن يفرق بي هؤلء وهؤلء كما فرق ال‬
‫ورسوله بينهما فأولياء ال هم الؤمنون التقون كما قال تعال { أل إن أولياء ال ل خوف عليهم ول هم يزنون } {‬
‫الذين آمنوا وكانوا يتقون } ‪ .‬وف الديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيه عن أب هريرة رضي ال عنه عن النب‬
‫صلى ال عليه وسلم قال { يقول ال ‪ :‬من عادى ل وليا فقد بارزن بالحاربة ‪ -‬أو فقد آذنته بالرب ‪ -‬وما تقرب‬
‫إل عبدي بثل أداء ما افترضت عليه ول يزال عبدي يتقرب إل بالنوافل حت أحبه فإذا أحببته كنت سعه الذي‬
‫يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده الت يبطش با ورجله الت يشي با فب يسمع وب يبصر وب يبطش وب يشي ‪.‬‬
‫ولئن سألن لعطينه ولئن استعاذ ب لعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي الؤمن يكره‬
‫الوت وأكره مساءته ول بد له منه } وهذا أصح حديث يروى ف الولياء فبي النب صلى ال عليه وسلم أنه من‬
‫عادى وليا ل فقد بارز ال بالحاربة ‪ .‬وف حديث آخر { وإن لثأر لوليائي كما يثأر الليث الرب } أي آخذ‬
‫ثأرهم من عاداهم كما يأخذ الليث الرب ثأره وهذا لن أولياء ال هم الذين آمنوا به ووالوه فأحبوا ما يب وأبغضوا‬
‫ما يبغض ورضوا با يرضى وسخطوا با يسخط وأمروا با يأمر ونوا عما نى وأعطوا لن يب أن يعطى ومنعوا من‬
‫يب أن ينع كما ف الترمذي وغيه عن النب صلى ال عليه وسلم أنه قال { أوثق عرى اليان ‪ :‬الب ف ال‬
‫والبغض ف ال } وف حديث آخر رواه أبو داود قال { ومن أحب ل وأبغض ل وأعطى ل ومنع ل فقد استكمل‬
‫اليان } ‪.‬‬
‫و " الولية " ضد العداوة وأصل الولية الحبة والقرب وأصل العداوة البغض والبعد ‪ .‬وقد قيل ‪ :‬إن الول‬
‫سي وليا من موالته للطاعات أي متابعته لا والول أصح ‪ .‬والول القريب فيقال ‪ :‬هذا يلي هذا أي يقرب منه ‪ .‬ومنه‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم { ألقوا الفرائض بأهلها فما أبقت الفرائض فلول رجل ذكر } أي لقرب رجل إل اليت‬
‫‪ .‬وأكده بلفظ " الذكر " ليبي أنه حكم يتص بالذكور ول يشترك فيها الذكور والناث كما قال ف الزكاة { فابن‬
‫لبون ذكر } ‪ .‬فإذا كان ول ال هو الوافق التابع له فيما يبه ويرضاه ويبغضه ويسخطه ويأمر به وينهى عنه كان‬
‫العادي لوليه معاديا له كما قال تعال ‪ { :‬ل تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالودة } فمن عادى أولياء‬
‫ال فقد عاداه ومن عاداه فقد حاربه فلهذا قال { ومن عادى ل وليا فقد بارزن بالحاربة } ‪.‬‬
‫)‬ ‫‪3‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫وأفضل أولياء ال هم أنبياؤه وأفضل أنبيائه هم الرسلون منهم وأفضل الرسلي أولو العزم ‪ :‬نوح وإبراهيم‬
‫وموسى وعيسى وممد صلى ال عليه وسلم قال تعال ‪ { :‬شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك‬
‫وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ول تتفرقوا فيه } وقال تعال ‪ { :‬وإذ أخذنا من النبيي ميثاقهم‬
‫ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مري وأخذنا منهم ميثاقا غليظا } { ليسأل الصادقي عن صدقهم‬
‫وأعد للكافرين عذابا أليما } ‪.‬‬
‫وأفضل أول العزم ممد صلى ال عليه وسلم خات النبيي وإمام التقي وسيد ولد آدم وإمام النبياء إذا اجتمعوا‬
‫وخطيبهم إذا وفدوا صاحب القام الحمود الذي يغبطه به الولون والخرون وصاحب لواء المد وصاحب الوض‬
‫الورود وشفيع اللئق يوم القيامة وصاحب الوسيلة والفضيلة الذي بعثه بأفضل كتبه وشرع له أفضل شرائع دينه‬
‫وجعل أمته خي أمة أخرجت للناس وجع له ولمته من الفضائل والحاسن ما فرقه فيمن قبلهم وهم آخر المم خلقا‬
‫وأول المم بعثا كما قال صلى ال عليه وسلم ف الديث الصحيح ‪ { :‬نن الخرون السابقون يوم القيامة بيد أنم‬
‫أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم ‪ ،‬فهذا يومهم الذي اختلفوا فيه ‪ -‬يعن يوم المعة ‪ -‬فهدانا ال له ‪ :‬الناس‬
‫لنا تبع فيه غدا لليهود وبعد غد للنصارى } ‪ .‬وقال صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬أنا أول من تنشق عنه الرض } وقال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬آت باب النة فأستفتح فيقول الازن ‪ :‬من أنت ‪ .‬فأقول أنا ممد فيقول بك أمرت أل أفتح‬
‫لحد قبلك ‪. } .‬‬
‫وفضائله صلى ال عليه وسلم وفضائل أمته كثية ومن حي بعثه ال جعله ال الفارق بي أوليائه وبي أعدائه‬
‫فل يكون وليا ل إل من آمن به وبا جاء به واتبعه باطنا وظاهرا ومن ادعى مبة ال ووليته وهو ل يتبعه فليس من‬
‫أولياء ال ‪ ،‬بل من خالفه كان من أعداء ال وأولياء الشيطان قال تعال ‪ { :‬قل إن كنتم تبون ال فاتبعون يببكم ال‬
‫} قال السن البصري رحه ال ‪ :‬ادعى قوم أنم يبون ال فأنزل ال هذه الية منة لم وقد بي ال فيها أن من اتبع‬
‫الرسول فإن ال يبه ومن ادعى مبة ال ول يتبع الرسول صلى ال عليه وسلم فليس من أولياء ال وإن كان كثي من‬
‫الناس يظنون ف أنفسهم أو ف غيهم أنم من أولياء ال ول يكونون من أولياء ال فاليهود والنصارى يدعون أنم‬
‫أولياء ال وأحباؤه ‪ .‬قال تعال ‪ { :‬قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر من خلق } الية ‪ .‬وقال تعال ‪ { :‬وقالوا‬
‫لن يدخل النة إل من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم } إل قوله { ول هم يزنون } ‪ .‬وكان مشركو العرب‬
‫يدعون أنم أهل ال لسكناهم مكة وماورتم البيت وكانوا يستكبون به على غيهم كما قال تعال { قد كانت‬
‫آيات تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون } { مستكبين به سامرا تجرون } وقال تعال ‪ { :‬وإذ يكر بك‬
‫الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك } إل قوله { وهم يصدون عن السجد الرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إل التقون‬
‫} فبي سبحانه أن الشركي ليسوا أولياءه ول أولياء بيته إنا أولياؤه التقون ‪ .‬وثبت ف الصحيحي عن عمرو بن‬
‫العاص رضي ال عنه قال سعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول جهارا من غي سر ‪ { :‬إن آل فلن ليسوا ل‬
‫)‬ ‫‪4‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫بأولياء ‪ -‬يعن طائفة من أقاربه ‪ -‬إنا وليي ال وصال الؤمني } وهذا موافق لقوله تعال ‪ { :‬فإن ال هو موله‬
‫وجبيل وصال الؤمني } الية ‪ .‬وصال الؤمني هو من كان صالا من الؤمني وهم الؤمنون التقون أولياء ال ‪.‬‬
‫ودخل ف ذلك أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر أهل بيعة الرضوان الذين بايعوا تت الشجرة وكانوا ألفا‬
‫وأربعمائة وكلهم ف النة كما ثبت ف الصحيح عن النب صلى ال عليه وسلم أنه قال { ل يدخل النار أحد بايع‬
‫تت الشجرة } ومثل هذا الديث الخر ‪ { :‬إن أوليائي التقون أيا كانوا وحيث كانوا } ‪ .‬كما أن من الكفار من‬
‫يدعي أنه ول ال وليس وليا ل ‪ ،‬بل عدو له فكذلك من النافقي الذين يظهرون السلم يقرون ف الظاهر بشهادة أن‬
‫ل إله إل ال وأن ممدا رسول ال وأنه مرسل إل جيع النس ‪ ،‬بل إل الثقلي النس والن ويعتقدون ف الباطن ما‬
‫يناقض ذلك مثل أل يقروا ف الباطن بأنه رسول ال وإنا كان ملكا مطاعا ساس الناس برأيه من جنس غيه من اللوك‬
‫أو يقولون إنه رسول ال إل الميي دون أهل الكتاب كما يقوله كثي من اليهود والنصارى أو أنه مرسل إل عامة‬
‫اللق وأن ل أولياء خاصة ل يرسل إليهم ول يتاجون إليه ‪ ،‬بل لم طريق إل ال من غي جهته كما كان الضر مع‬
‫موسى أو أنم يأخذون عن ال كل ما يتاجون إليه وينتفعون به من غي واسطة أو أنه مرسل بالشرائع الظاهرة وهم‬
‫موافقون له فيها وأما القائق الباطنة فلم يرسل با أو ل يكن يعرفها أو هم أعرف با منه أو يعرفونا مثل ما يعرفها‬
‫من غي طريقته ‪ .‬وقد يقول بعض هؤلء ‪ :‬إن " أهل الصفة " كانوا مستغني عنه ول يرسل إليهم ومنهم من يقول ‪:‬‬
‫إن ال أوحى إل أهل الصفة ف الباطن ما أوحى إليه ليلة العراج فصار أهل الصفة بنلته وهؤلء من فرط جهلهم ل‬
‫يعلمون أن السراء كان بكة كما قال تعال ‪ { :‬سبحان الذي أسرى بعبده ليل من السجد الرام إل السجد‬
‫القصى الذي باركنا حوله } وأن الصفة ل تكن إل بالدينة وكانت صفة ف شال مسجده صلى ال عليه وسلم ينل‬
‫با الغرباء الذين ليس لم أهل وأصحاب ينلون عندهم ‪ ،‬فإن الؤمني كانوا يهاجرون إل النب صلى ال عليه وسلم‬
‫إل الدينة ‪ ،‬فمن أمكنه أن ينل ف مكان نزل به ومن تعذر ذلك عليه نزل ف السجد إل أن يتيسر له مكان ينتقل إليه‬
‫‪ .‬ول يكن " أهل الصفة " ناسا بأعيانم يلزمون الصفة بل كانوا يقلون تارة ويكثرون أخرى ويقيم الرجل با زمانا‬
‫ث ينتقل منها ‪ :‬والذين ينلون با من جنس سائر السلمي ‪ ،‬ليس لم مزية ف علم ول دين ‪ ،‬بل فيهم من ارتد عن‬
‫السلم وقتله النب صلى ال عليه وسلم كالعرنيي الذين اجتووا الدينة ‪ -‬أي استوخوها ‪ -‬فأمر لم النب صلى ال‬
‫عليه وسلم بلقاح ‪ -‬أي إبل لا لب ‪ -‬وأمرهم أن يشربوا من أبوالا وألبانا فلما صحوا قتلوا الراعي واستاقوا الذود‬
‫فأرسل النب صلى ال عليه وسلم ف طلبهم فأت بم فأمر بقطع أيديهم وأرجلهم وسرت أعينهم وتركهم ف الرة‬
‫يستسقون فل يسقون وحديثهم ف الصحيحي من حديث أنس وفيه أنم نزلوا الصفة فكان ينلا مثل هؤلء ونزلا من‬
‫خيار السلمي سعد بن أب وقاص وهو أفضل من نزل بالصفة ث انتقل عنها ونزلا أبو هريرة وغيه ‪ .‬وقد جع أبو‬
‫عبد الرحن السلمي تاريخ من نزل الصفة ‪ .‬وأما " النصار " فلم يكونوا من أهل الصفة وكذلك أكابر الهاجرين‬
‫كأب بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبي وعبد الرحن بن عوف وأب عبيدة وغيهم ل يكونوا من أهل الصفة ‪.‬‬
‫)‬ ‫‪5‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫وقد { روي أنه با غلم للمغية بن شعبة وأن النب صلى ال عليه وسلم قال ‪ :‬هذا واحد من السبعة } وهذا الديث‬
‫كذب باتفاق أهل العلم وإن كان قد رواه أبو نعيم ف اللية وكذا كل حديث يروى عن النب صلى ال عليه وسلم ف‬
‫عدة " الولياء " و " البدال " و " النقباء " و " النجباء و " الوتاد " و " القطاب " مثل أربعة أو سبعة أو اثن عشر‬
‫أو أربعي أو سبعي أو ثلثائة وثلثة عشر أو القطب الواحد فليس ف ذلك شيء صحيح عن النب صلى ال عليه‬
‫وسلم ول ينطق السلف بشيء من هذه اللفاظ إل بلفظ " البدال " ‪ .‬وروي فيهم حديث أنم أربعون رجل وأنم‬
‫بالشام وهو ف السند من حديث علي رضي ال عنه وهو حديث منقطع ليس بثابت ‪ .‬ومعلوم أن عليا ومن معه من‬
‫الصحابة كانوا أفضل من معاوية ومن معه بالشام فل يكون أفضل الناس ف عسكر معاوية دون عسكر علي وقد‬
‫أخرجا ف الصحيحي عن أب سعيد عن النب صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪ { :‬ترق مارقة من الدين على حي فرقة‬
‫من السلمي يقتلهم أول الطائفتي بالق } وهؤلء الارقون هم الوارج الرورية الذين مرقوا لا حصلت الفرقة بي‬
‫السلمي ف خلفة علي فقتلهم علي بن أب طالب وأصحابه فدل هذا الديث الصحيح على أن علي بن أب طالب‬
‫أول بالق من معاوية وأصحابه ‪ ،‬وكيف يكون البدال ف أدن العسكرين دون أعلها ؟ وكذلك ما يرويه بعضهم‬
‫عن النب صلى ال عليه وسلم { أنه أنشد منشد قد لسعت حية الوى كبدي فل طبيب لا ول راقي إل البيب الذي‬
‫شغفت به فعنده رقيت وترياقي وأن النب صلى ال عليه وسلم تواجد حت سقطت البدة عن منكبه } فإنه كذب‬
‫باتفاق أهل العلم بالديث وأكذب منه ما يرويه بعضهم ‪ { :‬أنه مزق ثوبه وأن جبيل أخذ قطعة منه فعلقها على‬
‫العرش } فهذا وأمثاله ما يعرف أهل العلم والعرفة برسول ال صلى ال عليه وسلم أنه من أظهر الحاديث كذبا عليه‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ .‬وكذلك ما يروونه عن عمر رضي ال عنه أنه قال ‪ { :‬كان النب صلى ال عليه وسلم وأبو‬
‫بكر يتحدثان وكنت بينهما كالزني } وهو كذب موضوع باتفاق أهل العلم بالديث ‪ .‬والقصود هنا أن فيمن يقر‬
‫برسالته العامة ف الظاهر من يعتقد ف الباطن ما يناقض ذلك فيكون منافقا وهو يدعي ف نفسه وأمثاله أنم أولياء ال‬
‫مع كفرهم ف الباطن با جاء به الرسول صلى ال عليه وسلم إما عنادا وإما جهل كما أن كثيا من النصارى واليهود‬
‫يعتقدون أنم أولياء ال وأن ممدا رسول ال ‪ ،‬ولكن يقولون إنا أرسل إل غي أهل الكتاب وأنه ل يب علينا اتباعه‬
‫لنه أرسل إلينا رسل قبله فهؤلء كلهم كفار مع أنم يعتقدون ف طائفتهم أنم أولياء ال وإنا أولياء ال الذين‬
‫وصفهم ال تعال بوليته بقوله ‪ { :‬أل إن أولياء ال ل خوف عليهم ول هم يزنون } { الذين آمنوا وكانوا‬
‫يتقون } ‪ .‬ول بد ف اليان من أن يؤمن بال وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر ويؤمن بكل رسول أرسله ال‬
‫وكل كتاب أنزله ال كما قال تعال ‪ { :‬قولوا آمنا بال وما أنزل إلينا وما أنزل إل إبراهيم وإساعيل وإسحاق‬
‫ويعقوب والسباط وما أوت موسى وعيسى وما أوت النبيون من ربم ل نفرق بي أحد منهم ونن له مسلمون }‬
‫{ فإن آمنوا بثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنا هم ف شقاق فسيكفيكهم ال وهو السميع العليم } وقال‬
‫تعال ‪ { :‬آمن الرسول با أنزل إليه من ربه والؤمنون كل آمن بال وملئكته وكتبه ورسله ل نفرق بي أحد من‬
‫)‬ ‫‪6‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫رسله } إل آخر السورة ‪ .‬وقال ف أول السورة ‪ { :‬ال } { ذلك الكتاب ل ريب فيه هدى للمتقي } { الذين‬
‫يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلة وما رزقناهم ينفقون } { والذين يؤمنون با أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالخرة‬
‫هم يوقنون } { أولئك على هدى من ربم وأولئك هم الفلحون } ‪ .‬فل بد ف اليان من أن تؤمن أن ممدا صلى‬
‫ال عليه وسلم خات النبيي ل نب بعده وأن ال أرسله إل جيع الثقلي الن والنس فكل من ل يؤمن با جاء به فليس‬
‫بؤمن ‪ ،‬فضل عن أن يكون من أولياء ال التقي ‪ ،‬ومن آمن ببعض ما جاء به وكفر ببعض فهو كافر ليس بؤمن كما‬
‫قال ال تعال ‪ { :‬إن الذين يكفرون بال ورسله ويريدون أن يفرقوا بي ال ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر‬
‫ببعض ويريدون أن يتخذوا بي ذلك سبيل } { أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا } { والذين‬
‫آمنوا بال ورسله ول يفرقوا بي أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان ال غفورا رحيما } ومن اليان به‬
‫اليان بأنه الواسطة بي ال وبي خلقه ف تبليغ أمره ونيه ‪ .‬ووعده ووعيده وحلله وحرامه ‪ ،‬فاللل ما أحله ال‬
‫ورسوله والرام ما حرمه ال ورسوله والدين ما شرعه ال ورسوله صلى ال عليه وسلم فمن اعتقد أن لحد من‬
‫الولياء طريقا إل ال من غي متابعة ممد صلى ال عليه وسلم فهو كافر من أولياء الشيطان ‪ .‬وأما خلق ال تعال‬
‫للخلق ورزقه إياهم وإجابته لدعائهم وهدايته لقلوبم ونصرهم على أعدائهم وغي ذلك من جلب النافع ودفع الضار‬
‫فهذا ل وحده يفعله با يشاء من السباب ل يدخل ف مثل هذا وساطة الرسل ‪ .‬ث لو بلغ الرجل ف " الزهد والعبادة‬
‫والعلم " ما بلغ ول يؤمن بميع ما جاء به ممد صلى ال عليه وسلم فليس بؤمن ول ول ل تعال كالحبار والرهبان‬
‫من علماء اليهود والنصارى وعبادهم ‪ :‬وكذلك النتسبي إل العلم والعبادة من الشركي مشركي العرب والترك‬
‫والند وغيهم من كان من حكماء الند والترك وله علم أو زهد وعبادة ف دينه وليس مؤمنا بميع ما جاء به فهو‬
‫كافر عدو ل وإن ظن طائفة أنه ول ل كما كان حكماء الفرس من الجوس كفارا موسا ‪ .‬وكذلك حكماء "‬
‫اليونان " مثل أرسطو وأمثاله كانوا مشركي يعبدون الصنام والكواكب وكان أرسطو قبل السيح عليه السلم‬
‫بثلثائة سنة وكان وزيرا للسكندر بن فيلبس القدون وهو الذي تؤرخ به تواريخ الروم واليونان وتؤرخ به اليهود‬
‫والنصارى ‪ ،‬وليس هذا هو ذو القرني الذي ذكره ال ف كتابه كما يظن بعض الناس أن أرسطو كان وزيرا لذي‬
‫القرني لا رأوا أن ذاك اسه السكندر وهذا قد يسمى بالسكندر ظنوا أن هذا ذاك كما يظنه ابن سينا وطائفة معه‬
‫وليس المر كذلك ‪ ،‬بل هذا السكندر الشرك الذي قد كان أرسطو وزيره متأخر عن ذاك ول يب هذا السد ول‬
‫وصل إل بلد يأجوج ومأجوج وهذا السكندر الذي كان أرسطو من وزرائه يؤرخ له تاريخ الروم العروف ‪.‬‬
‫وف أصناف الشركي من مشركي العرب ومشركي الند والترك واليونان وغيهم من له اجتهاد ف العلم‬
‫والزهد والعبادة ‪ ،‬ولكن ليس بتبع للرسل ول يؤمن با جاءوا به ول يصدقهم با أخبوا به ول يطيعهم فيما أمروا‬
‫فهؤلء ليسوا بؤمني ول أولياء ل وهؤلء تقترن بم الشياطي وتنل عليهم فيكاشفون الناس ببعض المور ولم‬
‫تصرفات خارقة من جنس السحر وهم من جنس الكهان والسحرة الذين تنل عليهم الشياطي ‪ .‬قال تعال ‪ { :‬هل‬
‫)‬ ‫‪7‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫أنبئكم على من تنل الشياطي } { تنل على كل أفاك أثيم } { يلقون السمع وأكثرهم كاذبون } ‪ .‬وهؤلء‬
‫جيعهم الذين ينتسبون إل الكاشفات وخوارق العادات إذا ل يكونوا متبعي للرسل فل بد أن يكذبوا وتكذبم‬
‫شياطينهم ‪ .‬ول بد أن يكون ف أعمالم ما هو إث وفجور مثل نوع من الشرك أو الظلم أو الفواحش أو الغلو أو‬
‫البدع ف العبادة ‪ ،‬ولذا تنلت عليهم الشياطي واقترنت بم فصاروا من أولياء الشيطان ل من أولياء الرحن ‪ .‬قال ال‬
‫تعال ‪ { :‬ومن يعش عن ذكر الرحن نقيض له شيطانا فهو له قرين } وذكر الرحن هو الذكر الذي بعث به رسوله‬
‫صلى ال عليه وسلم مثل القرآن فمن ل يؤمن بالقرآن ويصدق خبه ويعتقد وجوب أمره فقد أعرض عنه فيقيض له‬
‫الشيطان فيقترن به قال تعال ‪ { :‬وهذا ذكر مبارك أنزلناه } وقال تعال ‪ { :‬ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة‬
‫ضنكا ونشره يوم القيامة أعمى } { قال رب ل حشرتن أعمى وقد كنت بصيا } { قال كذلك أتتك آياتنا‬
‫فنسيتها وكذلك اليوم تنسى } فدل ذلك على أن ذكره هو آياته الت أنزلا ولذا لو ذكر الرجل ال سبحانه وتعال‬
‫دائما ليل ونارا مع غاية الزهد وعبده متهدا ف عبادته ول يكن متبعا لذكره الذي أنزله ‪ -‬وهو القرآن ‪ -‬كان من‬
‫أولياء الشيطان ولو طار ف الواء أو مشى على الاء ‪ ،‬فإن الشيطان يمله ف الواء ‪ .‬وهذا مبسوط ف غي هذا الوضع‬
‫‪.‬‬

‫فصل‬

‫ومن الناس من يكون فيه إيان وفيه شعبة من نفاق كما جاء ف الصحيحي عن عبد ال بن عمرو رضي ال عنهما عن‬
‫النب صلى ال عليه وسلم أنه قال { أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه‬
‫خصلة من النفاق حت يدعها ‪ :‬إذا حدث كذب ‪ ،‬وإذا وعد أخلف وإذا اؤتن خان وإذا عاهد غدر } وف‬
‫الصحيحي أيضا عن أب هريرة رضي ال عنه عن النب صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪ { :‬اليان بضع وستون أو بضع‬
‫وسبعون شعبة أعلها قول ل إله إل ال وأدناها إماطة الذى عن الطريق والياء شعبة من اليان } فبي النب صلى‬
‫ال عليه وسلم أن من كان فيه خصلة من هذه الصال ففيه خصلة من النفاق حت يدعها وقد ثبت ف الصحيحي أنه‬
‫{ قال لب ذر ‪ -‬وهو من خيار الؤمني ‪ -‬إنك امرؤ فيك جاهلية فقال يا رسول ال أعلى كب سن ؟ ! قال ‪ :‬نعم }‬
‫! ‪ .‬وثبت ف الصحيح عنه أنه قال { أربع ف أمت من أمر الاهلية ‪ :‬الفخر ف الحساب والطعن ف النساب والنياحة‬
‫على اليت والستسقاء بالنجوم } وف الصحيحي عن أب هريرة رضي ال عنه عن النب صلى ال عليه وسلم أنه قال‬
‫‪ { :‬آية النافق ثلث ‪ :‬إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتن خان } وف صحيح مسلم { وإن صام وصلى‬
‫وزعم أنه مسلم ‪ ،‬وذكر البخاري عن ابن أب مليكة قال ‪ :‬أدركت ثلثي من أصحاب ممد صلى ال عليه وسلم‬
‫كلهم ياف النفاق على نفسه وقد قال ال تعال ‪ { :‬وما أصابكم يوم التقى المعان فبإذن ال وليعلم الؤمني }‬
‫)‬ ‫‪8‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫{ وليعلم الذين نافقوا وقيل لم تعالوا قاتلوا ف سبيل ال أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتال لتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب‬
‫منهم لليان } فقد جعل هؤلء إل الكفر أقرب منهم لليان فعلم أنم ملطون وكفرهم أقوى وغيهم يكون ملطا‬
‫وإيانه أقوى ‪ .‬وإذا كان " أولياء ال " هم الؤمني التقي فبحسب إيان العبد وتقواه تكون وليته ل تعال فمن كان‬
‫أكمل إيانا وتقوى كان أكمل ولية ل ‪ .‬فالناس متفاضلون ف ولية ال عز وجل بسب تفاضلهم ف اليان والتقوى‬
‫وكذلك يتفاضلون ف عداوة ال بسب تفاضلهم ف الكفر والنفاق قال ال تعال ‪ { :‬وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من‬
‫يقول أيكم زادته هذه إيانا فأما الذين آمنوا فزادتم إيانا وهم يستبشرون } { وأما الذين ف قلوبم مرض فزادتم‬
‫رجسا إل رجسهم وماتوا وهم كافرون } وقال تعال ‪ { :‬إنا النسيء زيادة ف الكفر } وقال تعال ‪ { :‬والذين‬
‫اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم } وقال تعال ف النافقي { ف قلوبم مرض فزادهم ال مرضا } ‪ .‬فبي سبحانه‬
‫وتعال أن الشخص الواحد قد يكون فيه قسط من ولية ال بسب إيانه ‪ ،‬وقد يكون فيه قسط من عداوة ال بسب‬
‫كفره ونفاقه ‪ .‬وقال تعال { ويزداد الذين آمنوا إيانا } وقال تعال { ليزدادوا إيانا مع إيانم } ‪.‬‬

‫فصل‬

‫وأولياء ال على " طبقتي " سابقون مقربون وأصحاب يي مقتصدون ‪ .‬ذكرهم ال ف عدة مواضع من كتابه‬
‫العزيز ف أول سورة الواقعة وآخرها وف سورة النسان ‪ ،‬والطففي وف سورة فاطر فإنه سبحانه وتعال ذكر ف‬
‫الواقعة القيامة الكبى ف أولا وذكر القيامة الصغرى ف آخرها فقال ف أولا { إذا وقعت الواقعة } { ليس لوقعتها‬
‫كاذبة } { خافضة رافعة } { إذا رجت الرض رجا } { وبست البال بسا } { فكانت هباء منبثا } { وكنتم‬
‫أزواجا ثلثة } { فأصحاب اليمنة ما أصحاب اليمنة } { وأصحاب الشأمة ما أصحاب الشأمة } { والسابقون‬
‫السابقون } { أولئك القربون } { ف جنات النعيم } { ثلة من الولي } { وقليل من الخرين } فهذا تقسيم‬
‫الناس إذا قامت القيامة الكبى الت يمع ال فيها الولي والخرين كما وصف ال سبحانه ذلك ف كتابه ف غي‬
‫موضع ‪ .‬ث قال تعال ف آخر السورة ‪ :‬فلول أي ‪ :‬فهل { إذا بلغت اللقوم } { وأنتم حينئذ تنظرون } { ونن‬
‫أقرب إليه منكم ولكن ل تبصرون } { فلول إن كنتم غي مديني } { ترجعونا إن كنتم صادقي } { فأما إن‬
‫كان من القربي } { فروح وريان وجنة نعيم } { وأما إن كان من أصحاب اليمي } { فسلم لك من أصحاب‬
‫اليمي } { وأما إن كان من الكذبي الضالي } { فنل من حيم وتصلية جحيم } { إن هذا لو حق اليقي }‬
‫{ فسبح باسم ربك العظيم } ‪ .‬وقال تعال ف سورة النسان ‪ { :‬إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا } { إنا‬
‫أعتدنا للكافرين سلسل وأغلل وسعيا } { إن البرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا } { عينا يشرب با‬
‫عباد ال يفجرونا تفجيا } { يوفون بالنذر ويافون يوما كان شره مستطيا } { ويطعمون الطعام على حبه مسكينا‬
‫)‬ ‫‪9‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫ويتيما وأسيا } { إنا نطعمكم لوجه ال ل نريد منكم جزاء ول شكورا } { إنا ناف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا‬
‫} { فوقاهم ال شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا } { وجزاهم با صبوا جنة وحريرا } اليات ‪ .‬وكذلك ذكر‬
‫ف سورة الطففي فقال ‪ { :‬كل إن كتاب الفجار لفي سجي } إل أن قال ‪ { :‬كل إن كتاب البرار لفي عليي }‬
‫{ وما أدراك ما عليون } { كتاب مرقوم } { يشهده القربون } { إن البرار لفي نعيم } { على الرائك‬
‫ينظرون } { تعرف ف وجوههم نضرة النعيم } { يسقون من رحيق متوم } { ختامه مسك وف ذلك فليتنافس‬
‫التنافسون } { ومزاجه من تسنيم } { عينا يشرب با القربون } ‪.‬‬
‫وعن ابن عباس رضي ال عنهما وغيه من السلف قالوا يزج لصحاب اليمي مزجا ويشرب با القربون‬
‫صرفا وهو كما قالوا ‪ .‬فإنه تعال قال { يشرب با } ول يقل ‪ :‬يشرب منها لنه ضمن ذلك قوله يشرب يعن يروى‬
‫با فإن الشارب قد يشرب ول يروى فإذا قيل يشربون منها ل يدل على الري فإذا قيل يشربون با كان العن يروون‬
‫با فالقربون يروون با فل يتاجون معها إل ما دونا ‪ ،‬فلهذا يشربون منها صرفا بلف أصحاب اليمي فإنا مزجت‬
‫لم مزجا وهو كما قال تعال ف سورة النسان { كان مزاجها كافورا } { عينا يشرب با عباد ال يفجرونا تفجيا‬
‫} ‪ .‬فعباد ال هم القربون الذكورون ف تلك السورة وهذا لن الزاء من جنس العمل ف الي والشر كما قال النب‬
‫صلى ال عليه وسلم { من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس ال عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر‬
‫على معسر يسر ال عليه ف الدنيا والخرة ومن ستر مسلما ستره ال ف الدنيا والخرة وال ف عون العبد ما كان‬
‫العبد ف عون أخيه ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل ال له به طريقا إل النة وما اجتمع قوم ف بيت من بيوت‬
‫ال يتلون كتاب ال ويتدارسونه بينهم إل نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحة ‪ ،‬وحفتهم اللئكة وذكرهم ال فيمن‬
‫عنده ومن بطأ به عمله ل يسرع به نسبه } رواه مسلم ف صحيحه ‪ .‬وقال صلى ال عليه وسلم { الراحون يرحهم‬
‫الرحن ‪ .‬ارحوا من ف الرض يرحكم من ف السماء } قال الترمذي ‪ :‬حديث صحيح ‪ .‬وف الديث الخر‬
‫الصحيح الذي ف السنن { يقول ال تعال ‪ :‬أنا الرحن خلقت الرحم وشققت لا اسا من اسي فمن وصلها وصلته‬
‫ومن قطعها بتته } وقال { ومن وصلها وصله ال ومن قطعها قطعه ال } ومثل هذا كثي ‪ .‬وأولياء ال تعال على‬
‫نوعي ‪ :‬مقربون وأصحاب يي كما تقدم ‪ .‬وقد ذكر النب صلى ال عليه وسلم عمل القسمي ف حديث الولياء‬
‫فقال { يقول ال تعال ‪ :‬من عادى ل وليا فقد بارزن بالحاربة وما تقرب إل عبدي بثل أداء ما افترضته عليه ول‬
‫يزال عبدي يتقرب إل بالنوافل حت أحبه ‪ ،‬فإذا أحببته كنت سعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده الت‬
‫يبطش با ورجله الت يشي با } ‪.‬‬
‫فالبرار أصحاب اليمي هم التقربون إليه بالفرائض يفعلون ما أوجب ال عليهم ويتركون ما حرم ال عليهم‬
‫ول يكلفون أنفسهم بالندوبات ‪ ،‬ول الكف عن فضول الباحات ‪ .‬وأما السابقون القربون فتقربوا إليه بالنوافل بعد‬
‫الفرائض ففعلوا الواجبات والستحبات وتركوا الحرمات والكروهات فلما تقربوا إليه بميع ما يقدرون عليه من‬
‫)‬ ‫‪10‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫مبوباتم أحبهم الرب حبا تاما كما قال تعال ‪ { :‬ول يزال عبدي يتقرب إل بالنوافل حت أحبه } يعن الب الطلق‬
‫كقوله تعال ‪ { :‬اهدنا الصراط الستقيم } { صراط الذين أنعمت عليهم غي الغضوب عليهم ول الضالي } أي‬
‫أنعم عليهم النعام الطلق التام الذكور ف قوله تعال ‪ { :‬ومن يطع ال والرسول فأولئك مع الذين أنعم ال عليهم من‬
‫النبيي والصديقي والشهداء والصالي وحسن أولئك رفيقا } فهؤلء القربون صارت الباحات ف حقهم طاعات‬
‫يتقربون با إل ال عز وجل فكانت أعمالم كلها عبادات ل فشربوا صرفا كما عملوا له صرفا والقتصدون كان ف‬
‫أعمالم ما فعلوه لنفوسهم فل يعاقبون عليه ول يثابون عليه فلم يشربوا صرفا ‪ ،‬بل مزج لم من شراب القربي بسب‬
‫ما مزجوه ف الدنيا ‪ .‬ونظي هذا انقسام النبياء عليهم السلم إل عبد رسول ونب ملك وقد خي ال سبحانه ممدا‬
‫صلى ال عليه وسلم بي أن يكون عبدا رسول وبي أن يكون نبيا ملكا فاختار أن يكون عبدا رسول فالنب اللك مثل‬
‫داود وسليمان ونوها عليهما الصلة والسلم قال ال تعال ف قصة سليمان الذي { قال رب اغفر ل وهب ل ملكا‬
‫ل ينبغي لحد من بعدي إنك أنت الوهاب } { فسخرنا له الريح تري بأمره رخاء حيث أصاب } { والشياطي‬
‫كل بناء وغواص } { وآخرين مقرني ف الصفاد } { هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغي حساب } أي أعط من‬
‫شئت واحرم من شئت ل حساب عليك فالنب اللك يفعل ما فرض ال عليه ويترك ما حرم ال عليه ويتصرف ف‬
‫الولية والال با يبه ويتار من غي إث عليه ‪.‬‬
‫وأما العبد الرسول فل يعطي أحدا إل بأمر ربه ول يعطي من يشاء ويرم [ من يشاء بل روي عنه ] أنه قال {‬
‫إن وال ل أعطي أحدا ول أمنع أحدا إنا أنا قاسم أضع حيث أمرت } ولذا يضيف ال الموال الشرعية إل ال‬
‫والرسول كقوله تعال ‪ { :‬قل النفال ل والرسول } وقوله تعال ‪ { :‬وما أفاء ال على رسوله من أهل القرى فلله‬
‫وللرسول } وقوله تعال ‪ { :‬واعلموا أنا غنمتم من شيء فأن ل خسه وللرسول } ‪.‬‬
‫ولذا كان أظهر أقوال العلماء أن هذه الموال تصرف فيما يبه ال ورسوله بسب اجتهاد ول المر كما هو‬
‫مذهب مالك وغيه من السلف ويذكر هذا رواية عن أحد وقد قيل ف المس أنه يقسم على خسة كقول الشافعي‬
‫وأحد ف العروف عنه وقيل ‪ :‬على ثلثة كقول أب حنيفة رحه ال ‪ .‬و " القصود هنا " أن العبد الرسول هو أفضل‬
‫من النب اللك كما أن إبراهيم وموسى وعيسى وممدا عليهم الصلة والسلم أفضل من يوسف وداود وسليمان‬
‫عليهم السلم كما أن القربي السابقي أفضل من البرار أصحاب اليمي الذين ليسوا مقربي سابقي فمن أدى ما‬
‫أوجب ال عليه وفعل من الباحات ما يبه فهو من هؤلء ومن كان إنا يفعل ما يبه ال ويرضاه ويقصد أن يستعي‬
‫با أبيح له على ما أمره ال فهو من أولئك ‪.‬‬

‫فصل‬
‫)‬ ‫‪11‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫وقد ذكر ال تعال " أولياءه " القتصدين والسابقي ف سورة فاطر ف قوله تعال ‪ { :‬ث أورثنا الكتاب الذين‬
‫اصطفينا من عبادنا فمنهم ظال لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق باليات بإذن ال ذلك هو الفضل الكبي }‬
‫{ جنات عدن يدخلونا يلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير } { وقالوا المد ل الذي أذهب‬
‫عنا الزن إن ربنا لغفور شكور } { الذي أحلنا دار القامة من فضله ل يسنا فيها نصب ول يسنا فيها لغوب }‬
‫لكن هذه الصناف الثلثة ف هذه الية هم أمة ممد صلى ال عليه وسلم خاصة كما قال تعال { ث أورثنا الكتاب‬
‫الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظال لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق باليات بإذن ال ذلك هو الفضل الكبي } ‪.‬‬
‫وأمة ممد صلى ال عليه وسلم هم الذين أورثوا الكتاب بعد المم التقدمة وليس ذلك متصا بفاظ القرآن ‪ ،‬بل كل‬
‫من آمن بالقرآن فهو من هؤلء وقسمهم إل ظال لنفسه ومقتصد وسابق ‪ ،‬بلف اليات الت ف الواقعة والطففي‬
‫والنفطار فإنه دخل فيها جيع المم التقدمة كافرهم ومؤمنهم وهذا التقسيم لمة ممد صلى ال عليه وسلم ف "‬
‫الظال لنفسه " أصحاب الذنوب الصرون عليها ومن تاب من ذنبه أي ذنب كان توبة صحيحة ل يرج بذلك عن‬
‫السابقي و " القتصد " الؤدي للفرائض الجتنب للمحارم ‪ .‬و " السابق للخيات " هو الؤدي للفرائض والنوافل كما‬
‫ف تلك اليات ومن تاب من ذنبه أي ذنب كان توبة صحيحة ل يرج بذلك عن السابقي والقتصدين كما ف قوله‬
‫تعال ‪ { :‬وسارعوا إل مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والرض أعدت للمتقي } { الذين ينفقون ف‬
‫السراء والضراء والكاظمي الغيظ والعافي عن الناس وال يب الحسني } { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا‬
‫أنفسهم ذكروا ال فاستغفروا لذنوبم ومن يغفر الذنوب إل ال ول يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون } { أولئك‬
‫جزاؤهم مغفرة من ربم وجنات تري من تتها النار خالدين فيها ونعم أجر العاملي } و " القتصد " الؤدي‬
‫للفرائض الجتنب للمحارم و " السابق باليات " هو الؤدي للفرائض والنوافل كما ف تلك اليات ‪ .‬وقوله { جنات‬
‫عدن يدخلونا } ما يستدل به أهل السنة على أنه ل يلد ف النار أحد من أهل التوحيد ‪ .‬وأما دخول كثي من أهل‬
‫الكبائر النار فهذا ما تواترت به السنن عن النب صلى ال عليه وسلم كما تواترت بروجهم من النار وشفاعة نبينا‬
‫ممد صلى ال عليه وسلم ف أهل الكبائر وإخراج من يرج من النار بشفاعة نبينا صلى ال عليه وسلم وشفاعة غيه‬
‫‪ .‬فمن قال ‪ :‬إن أهل الكبائر ملدون ف النار وتأول الية على أن السابقي هم الذين يدخلونا وأن القتصد أو الظال‬
‫لنفسه ل يدخلها كما تأوله من العتزلة فهو مقابل بتأويل الرجئة الذين ل يقطعون بدخول أحد من أهل الكبائر النار‬
‫ويزعمون أن أهل الكبائر قد يدخل جيعهم النة من غي عذاب وكلها مالف للسنة التواترة عن النب صلى ال عليه‬
‫وسلم ولجاع سلف المة وأئمتها ‪.‬‬
‫وقد دل على فساد قول الطائفتي قول ال تعال ف آيتي من كتابه وهو قوله تعال { إن ال ل يغفر أن يشرك‬
‫به ويغفر ما دون ذلك لن يشاء } فأخب تعال أنه ل يغفر الشرك وأخب أنه يغفر ما دونه لن يشاء ول يوز أن يراد‬
‫بذلك التائب كما يقوله من يقوله من العتزلة لن الشرك يغفره ال لن تاب وما دون الشرك يغفره ال أيضا للتائب‬
‫)‬ ‫‪12‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫فل تعلق بالشيئة ‪ ،‬ولذا لا ذكر الغفرة للتائبي قال تعال ‪ { :‬قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ل تقنطوا من‬
‫رحة ال إن ال يغفر الذنوب جيعا إنه هو الغفور الرحيم } ‪ .‬فهنا عمم الغفرة وأطلقها فإن ال يغفر للعبد أي ذنب‬
‫تاب منه فمن تاب من الشرك غفر ال له ومن تاب من الكبائر غفر ال له وأي ذنب تاب العبد منه غفر ال له ‪ .‬ففي‬
‫آية التوبة عمم وأطلق وف تلك الية خصص وعلق فخص الشرك بأنه ل يغفره وعلق ما سواه على الشيئة ومن الشرك‬
‫التعطيل للخالق وهذا يدل على فساد قول من يزم بالغفرة لكل مذنب ‪ .‬ونبه بالشرك على ما هو أعظم منه كتعطيل‬
‫الالق أو يوز أل يعذب بذنب فإنه لو كان كذلك لا ذكر أنه يغفر البعض دون البعض ولو كان كل ظال لنفسه‬
‫مغفورا له بل توبة ول حسنات ماحية ل يعلق ذلك بالشيئة ‪ .‬وقوله تعال ‪ { :‬ويغفر ما دون ذلك لن يشاء } دليل‬
‫على أنه يغفر البعض دون البعض فبطل النفي والوقف العام ‪.‬‬

‫فصل‬

‫وإذا كان " أولياء ال عز وجل " هم الؤمنون التقون ‪ .‬والناس يتفاضلون ف اليان والتقوى فهم متفاضلون ف‬
‫ولية ال بسب ذلك كما أنم لا كانوا متفاضلي ف الكفر والنفاق كانوا متفاضلي ف عداوة ال بسب ذلك ‪.‬‬
‫وأصل اليان والتقوى ‪ :‬اليان برسل ال وجاع ذلك ‪ :‬اليان بات الرسل ممد صلى ال عليه وسلم فاليان به‬
‫يتضمن اليان بميع كتب ال ورسله وأصل الكفر والنفاق هو الكفر بالرسل وبا جاءوا به فإن هذا هو الكفر الذي‬
‫يستحق صاحبه العذاب ف الخرة ‪ ،‬فإن ال تعال أخب ف كتابه أنه ل يعذب أحدا إل بعد بلوغ الرسالة ‪ .‬قال ال‬
‫تعال ‪ { :‬وما كنا معذبي حت نبعث رسول } وقال تعال { إنا أوحينا إليك كما أوحينا إل نوح والنبيي من بعده‬
‫وأوحينا إل إبراهيم وإساعيل وإسحاق ويعقوب والسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود‬
‫زبورا } { ورسل قد قصصناهم عليك من قبل ورسل ل نقصصهم عليك وكلم ال موسى تكليما } { رسل‬
‫مبشرين ومنذرين لئل يكون للناس على ال حجة بعد الرسل } وقال تعال عن أهل النار { كلما ألقي فيها فوج‬
‫سألم خزنتها أل يأتكم نذير } { قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل ال من شيء إن أنتم إل ف ضلل‬
‫كبي } فأخب أنه كلما ألقي ف النار فوج أقروا بأنم جاءهم النذير فكذبوه فدل ذلك على أنه ل يلقى فيها فوج إل‬
‫من كذب النذير ‪ .‬وقال تعال ف خطابه لبليس { لملن جهنم منك ومن تبعك منهم أجعي } فأخب أنه يلؤها‬
‫بإبليس ومن اتبعه ‪ ،‬فإذا ملئت بم ل يدخلها غيهم ‪ .‬فعلم أنه ل يدخل النار إل من تبع الشيطان وهذا يدل على أنه‬
‫ل يدخلها من ل ذنب له فإنه من ل يتبع الشيطان ول يكن مذنبا وما تقدم يدل على أنه ل يدخلها إل من قامت عليه‬
‫الجة بالرسل ‪.‬‬
‫)‬ ‫‪13‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫فصل‬

‫ومن الناس من يؤمن بالرسل إيانا ممل وأما اليان الفصل فيكون قد بلغه كثي ما جاءت به الرسل ول يبلغه‬
‫بعض ذلك فيؤمن با بلغه عن الرسل وما ل يبلغه ل يعرفه ولو بلغه لمن به ‪ ،‬ولكن آمن با جاءت به الرسل إيانا‬
‫ممل فهذا إذا عمل با علم أن ال أمره به مع إيانه وتقواه فهو من أولياء ال تعال له من ولية ال بسب إيانه‬
‫وتقواه وما ل تقم عليه الجة فإن ال تعال ل يكلفه معرفته واليان الفصل به فل يعذبه على تركه ‪ ،‬لكن يفوته من‬
‫كمال ولية ال بسب ما فاته من ذلك فمن علم با جاء به الرسل وآمن به إيانا مفصل وعمل به فهو أكمل إيانا‬
‫وولية ل من ل يعلم ذلك مفصل ول يعمل به ‪ ،‬وكلها ول ل تعال ‪ .‬والنة درجات متفاضلة تفاضل عظيما‬
‫وأولياء ال الؤمنون التقون ف تلك الدرجات بسب إيانم وتقواهم ‪ .‬قال تبارك وتعال ‪ { :‬من كان يريد العاجلة‬
‫عجلنا له فيها ما نشاء لن نريد ث جعلنا له جهنم يصلها مذموما مدحورا } { ومن أراد الخرة وسعى لا سعيها‬
‫وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا } { كل ند هؤلء وهؤلء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك مظورا }‬
‫{ انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللخرة أكب درجات وأكب تفضيل } ‪ .‬فبي ال سبحانه وتعال أنه يد من‬
‫يريد الدنيا ومن يريد الخرة من عطائه وأن عطاءه ما كان مظورا من بر ول فاجر ث قال تعال ‪ { :‬انظر كيف فضلنا‬
‫بعضهم على بعض وللخرة أكب درجات وأكب تفضيل } ‪ .‬فبي ال سبحانه أن أهل الخرة يتفاضلون فيها أكثر ما‬
‫يتفاضل الناس ف الدنيا وأن درجاتا أكب من درجات الدنيا وقد بي تفاضل أنبيائه عليهم السلم كتفاضل سائر‬
‫عباده الؤمني فقال تعال ‪ { :‬تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم ال ورفع بعضهم درجات وآتينا‬
‫عيسى ابن مري البينات وأيدناه بروح القدس } وقال تعال ‪ { :‬ولقد فضلنا بعض النبيي على بعض وآتينا داود‬
‫زبورا } ‪ .‬وف صحيح مسلم عن أب هريرة رضي ال عنه عن النب صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪ { :‬الؤمن القوي‬
‫خي وأحب إل ال من الؤمن الضعيف وف كل خي احرص على ما ينفعك واستعن بال ول تعجزن وإن أصابك‬
‫شيء فل تقل لو أن فعلت لكان كذا وكذا ولكن قل قدر ال وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان } وف‬
‫الصحيحي عن أب هريرة وعمرو بن العاص رضي ال عنهما عن النب صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪ { :‬إذا اجتهد‬
‫الاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر } ‪ .‬وقد قال ال تعال ‪ { :‬ل يستوي منكم من أنفق من قبل‬
‫الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكل وعد ال السن } وقال تعال ‪ { :‬ل يستوي‬
‫القاعدون من الؤمني غي أول الضرر والجاهدون ف سبيل ال بأموالم وأنفسهم فضل ال الجاهدين بأموالم‬
‫وأنفسهم على القاعدين درجة وكل وعد ال السن وفضل ال الجاهدين على القاعدين أجرا عظيما } { درجات‬
‫منه ومغفرة ورحة وكان ال غفورا رحيما } وقال تعال ‪ { :‬أجعلتم سقاية الاج وعمارة السجد الرام كمن آمن‬
‫بال واليوم الخر وجاهد ف سبيل ال ل يستوون عند ال وال ل يهدي القوم الظالي } { الذين آمنوا وهاجروا‬
‫)‬ ‫‪14‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫وجاهدوا ف سبيل ال بأموالم وأنفسهم أعظم درجة عند ال وأولئك هم الفائزون } { يبشرهم ربم برحة منه‬
‫ورضوان وجنات لم فيها نعيم مقيم } { خالدين فيها أبدا إن ال عنده أجر عظيم } وقال تعال ‪ { :‬أمن هو قانت‬
‫آناء الليل ساجدا وقائما يذر الخرة ويرجو رحة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين ل يعلمون إنا يتذكر‬
‫أولوا اللباب } وقال تعال ‪ { :‬يرفع ال الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات وال با تعملون خبي } ‪.‬‬
‫فصل وإذا كان العبد ل يكون وليا ل إل إذا كان مؤمنا تقيا لقوله تعال ‪ { :‬أل إن أولياء ال ل خوف عليهم ول هم‬
‫يزنون } { الذين آمنوا وكانوا يتقون } وف صحيح البخاري الديث الشهور ‪ -‬وقد تقدم ‪ -‬يقول ال تبارك‬
‫وتعال فيه ‪ { :‬ول يزال عبدي يتقرب إل بالنوافل حت أحبه } ول يكون مؤمنا تقيا حت يتقرب إل ال بالفرائض‬
‫فيكون من البرار أهل اليمي ث بعد ذلك ل يزال يتقرب بالنوافل حت يكون من السابقي القربي فمعلوم أن أحدا‬
‫من الكفار والنافقي ل يكون وليا ل ‪ .‬وكذلك من ل يصح إيانه وعباداته وإن قدر أنه ل إث عليه مثل أطفال الكفار‬
‫ومن ل تبلغه الدعوة ‪ -‬وإن قيل إنم ل يعذبون حت يرسل إليهم رسول ‪ -‬فل يكونون من أولياء ال إل إذا كانوا من‬
‫الؤمني التقي ‪ ،‬فمن ل يتقرب إل ال ل بفعل السنات ول بترك السيئات ل يكن من أولياء ال ‪ .‬وكذلك الجاني‬
‫والطفال ‪ ،‬فإن النب صلى ال عليه وسلم قال ‪ { :‬رفع القلم عن ثلثة ‪ :‬عن الجنون حت يفيق وعن الصب حت يتلم‬
‫‪ .‬وعن النائم حت يستيقظ } ‪ .‬وهذا الديث قد رواه أهل السنن من حديث علي وعائشة رضي ال عنهما ‪ .‬واتفق‬
‫أهل العرفة على تلقيه بالقبول ‪ .‬لكن الصب الميز تصح عباداته ويثاب عليها عند جهور العلماء ‪ .‬وأما الجنون الذي‬
‫رفع عنه القلم فل يصح شيء من عباداته باتفاق العلماء ‪ .‬ول يصح منه إيان ول كفر ول صلة ول غي ذلك من‬
‫العبادات ‪ ،‬بل ل يصلح هو عند عامة العقلء لمور الدنيا كالتجارة والصناعة ‪ .‬فل يصلح أن يكون بزازا ول عطارا‬
‫ول حدادا ول نارا ول تصح عقوده باتفاق العلماء ‪ .‬فل يصح بيعه ول شراؤه ول نكاحه ول طلقه ول إقراره ول‬
‫شهادته ‪ .‬ول غي ذلك من أقواله بل أقواله كلها لغو ل يتعلق با حكم شرعي ول ثواب ول عقاب ‪ .‬بلف الصب‬
‫الميز فإن له أقوال معتبة ف مواضع بالنص والجاع وف مواضع فيها نزاع ‪ .‬وإذا كان الجنون ل يصح منه اليان‬
‫ول التقوى ول التقرب إل ال بالفرائض والنوافل وامتنع أن يكون وليا فل يوز لحد أن يعتقد أنه ول ل ‪ ،‬ل سيما‬
‫أن تكون حجته على ذلك إما مكاشفة سعها منه أو نوع من تصرف مثل أن يراه قد أشار إل واحد فمات أو‬
‫صرع ‪ ،‬فإنه قد علم أن الكفار والنافقي ‪ -‬من الشركي وأهل الكتاب ‪ -‬لم مكاشفات وتصرفات شيطانية‬
‫كالكهان والسحرة وعباد الشركي وأهل الكتاب فل يوز لحد أن يستدل بجرد ذلك على كون الشخص وليا ل‬
‫وإن ل يعلم منه ما يناقض ولية ال فكيف إذا علم منه ما يناقض ولية ال ؟ ! مثل أن يعلم أنه ل يعتقد وجوب اتباع‬
‫النب صلى ال عليه وسلم باطنا وظاهرا ‪ ،‬بل يعتقد أنه يتبع الشرع الظاهر دون القيقة الباطنة ‪ .‬أو يعتقد أن لولياء‬
‫ال طريقا إل ال غي طريق النبياء عليهم السلم ‪ .‬أو يقول ‪ :‬إن النبياء ضيقوا الطريق أو هم على قدوة العامة دون‬
‫الاصة ونو ذلك ما يقوله بعض من يدعي الولية فهؤلء فيهم من الكفر ما يناقض اليان ‪ .‬فضل عن ولية ال عز‬
‫)‬ ‫‪15‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫وجل ‪ .‬فمن احتج با يصدر عن أحدهم من خرق عادة على وليتهم كان أضل من اليهود والنصارى ‪ .‬وكذلك‬
‫الجنون ‪ ،‬فإن كونه منونا يناقض أن يصح منه اليان والعبادات الت هي شرط ف ولية ال ومن كان ين أحيانا‬
‫ويفيق أحيانا ‪ .‬إذا كان ف حال إفاقته مؤمنا بال ورسوله ويؤدي الفرائض ويتنب الحارم ‪ ،‬فهذا إذا جن ل يكن‬
‫جنونه مانعا من أن يثيبه ال على إيانه وتقواه الذي أتى به ف حال إفاقته ويكون له من ولية ال بسب ذلك ‪.‬‬
‫وكذلك من طرأ عليه النون بعد إيانه وتقواه ‪ ،‬فإن ال يثيبه ويأجره على ما تقدم من إيانه وتقواه ‪ .‬ول يبطه‬
‫بالنون الذي ابتلي به من غي ذنب فعله والقلم مرفوع عنه ف حال جنونه ‪ .‬فعلى هذا فمن أظهر الولية وهو ل‬
‫يؤدي الفرائض ول يتنب الحارم بل قد يأت با يناقض ذلك ل يكن لحد أن يقول هذا ول ل فإن هذا إن ل يكن‬
‫منونا ‪ ،‬بل كان متولا من غي جنون أو كان يغيب عقله بالنون تارة ويفيق أخرى وهو ل يقوم بالفرائض بل يعتقد‬
‫أنه ل يب عليه اتباع الرسول صلى ال عليه وسلم فهو كافر وإن كان منونا باطنا وظاهرا قد ارتفع عنه القلم ‪ ،‬فهذا‬
‫وإن ل يكن معاقبا عقوبة الكافرين فليس هو مستحقا لا يستحقه أهل اليان والتقوى من كرامة ال عز وجل فل‬
‫يوز على التقديرين أن يعتقد فيه أحد أنه ول ل ولكن إن كان له حالة ف إفاقته كان فيها مؤمنا بال متقيا كان له‬
‫من ولية ال بسب ذلك وإن كان له ف حال إفاقته فيه كفر أو نفاق أو كان كافرا أو منافقا ث طرأ عليه النون‬
‫فهذا فيه من الكفر والنفاق ما يعاقب عليه وجنونه ل يبط عنه ما يصل منه حال إفاقته من كفر أو نفاق ‪.‬‬

‫فصل‬

‫وليس لولياء ال شيء يتميزون به عن الناس ف الظاهر من المور الباحات فل يتميزون بلباس دون لباس إذا‬
‫كان كلها مباحا ول بلق شعر أو تقصيه أو ظفره إذا كان مباحا كما قيل ‪ :‬كم من صديق ف قباء وكم من زنديق‬
‫ف عباء ‪ ،‬بل يوجدون ف جيع أصناف أمة ممد صلى ال عليه وسلم إذا ل يكونوا من أهل البدع الظاهرة والفجور‬
‫فيوجدون ف أهل القرآن وأهل العلم ويوجدون ف أهل الهاد والسيف ويوجدون ف التجار والصناع والزراع ‪ .‬وقد‬
‫ذكر ال أصناف أمة ممد صلى ال عليه وسلم ف قوله تعال ‪ { :‬إن ربك يعلم أنك تقوم أدن من ثلثي الليل ونصفه‬
‫وثلثه وطائفة من الذين معك وال يقدر الليل والنهار علم أن لن تصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن علم‬
‫أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون ف الرض يبتغون من فضل ال وآخرون يقاتلون ف سبيل ال فاقرءوا ما‬
‫تيسر منه } ‪ .‬وكان السلف يسمون أهل الدين والعلم " القراء " فيدخل فيهم العلماء والنساك ث حدث بعد ذلك‬
‫اسم " الصوفية والفقراء " ‪ .‬واسم " الصوفية " هو نسبة إل لباس الصوف ‪ ،‬هذا هو الصحيح وقد قيل إنه نسبة إل‬
‫صفوة الفقهاء وقيل إل صوفة بن أد بن طانة قبيلة من العرب كانوا يعرفون بالنسك وقيل إل أهل الصفة وقيل إل‬
‫الصفا وقيل إل الصفوة وقيل إل الصف القدم بي يدي ال تعال وهذه أقوال ضعيفة فإنه لو كان كذلك لقيل صفي‬
‫)‬ ‫‪16‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫أو صفائي أو صفوي أو صفي ول يقل صوف ‪ .‬وصار أيضا اسم " الفقراء " يعن به أهل السلوك وهذا عرف حادث‬
‫وقد تنازع الناس أيا أفضل مسمى " الصوف " أو مسمى " الفقي " ؟ ويتنازعون أيضا أيا أفضل ‪ :‬الغن الشاكر أو‬
‫الفقي الصابر ؟ ‪ .‬وهذه السألة فيها نزاع قدي بي النيد وبي أب العباس بن عطاء وقد روي عن أحد بن حنبل فيها‬
‫روايتان والصواب ف هذا كله ما قاله ال تبارك وتعال حيث قال ‪ { :‬يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى‬
‫وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند ال أتقاكم } ‪ .‬وف ا لصحيح عن أب هريرة رضي ال عنه عن النب‬
‫صلى ال عليه وسلم أنه سئل ‪ { :‬أي الناس أفضل ؟ قال أتقاهم ‪ .‬قيل له ‪ :‬ليس عن هذا نسألك فقال ‪ :‬يوسف نب‬
‫ال ابن يعقوب نب ال ابن إسحاق نب ال ابن إبراهيم خليل ال ‪ .‬فقيل له ‪ :‬ليس عن هذا نسألك ‪ .‬فقال ‪ :‬عن معادن‬
‫العرب تسألون ؟ الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خيارهم ف الاهلية خيارهم ف السلم إذا فقهوا } ‪ .‬فدل‬
‫الكتاب والسنة إن أكرم الناس عند ال أتقاهم ‪ .‬وف السنن عن النب صلى ال عليه وسلم أنه قال { ل فضل لعرب‬
‫على عجمي ول لعجمي على عرب ول لسود على أبيض ول لبيض على أسود إل بالتقوى ‪ .‬كلكم لدم وآدم من‬
‫تراب } ‪ .‬وعنه أيضا صلى ال عليه وسلم أنه قال { إن ال تعال أذهب عنكم عبية الاهلية وفخرها بالباء الناس‬
‫رجلن ‪ :‬مؤمن تقي وفاجر شقي } ‪ .‬فمن كان من هذه الصناف أتقى ل فهو أكرم عند ال وإذا استويا ف التقوى‬
‫استويا ف الدرجة ‪ .‬ولفظ " الفقر " ف الشرع يراد به الفقر من الال ويراد به فقر الخلوق إل خالقه كما قال تعال ‪:‬‬
‫{ إنا الصدقات للفقراء والساكي } وقال تعال ‪ { :‬يا أيها الناس أنتم الفقراء إل ال } وقد مدح ال تعال ف‬
‫القرآن صنفي من الفقراء ‪ :‬أهل الصدقات وأهل الفيء فقال ف الصنف الول ‪ { :‬للفقراء الذين أحصروا ف سبيل ال‬
‫ل يستطيعون ضربا ف الرض يسبهم الاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم ل يسألون الناس إلافا } وقال ف‬
‫الصنف الثان وهم أفضل الصنفي { للفقراء الهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالم يبتغون فضل من ال‬
‫ورضوانا وينصرون ال ورسوله أولئك هم الصادقون } ‪ .‬وهذه صفة الهاجرين الذين هجروا السيئات وجاهدوا أعداء‬
‫ال باطنا وظاهرا كما قال النب صلى ال عليه وسلم { الؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالم والسلم من سلم‬
‫السلمون من لسانه ويده والهاجر من هجر ما نى ال عنه والجاهد من جاهد نفسه ف ذات ال } ‪ .‬أما الديث‬
‫الذي يرويه بعضهم أنه قال ف غزوة تبوك { رجعنا من الهاد الصغر إل الهاد الكب } فل أصل له ول يروه أحد‬
‫من أهل العرفة بأقوال النب صلى ال عليه وسلم وأفعاله وجهاد الكفار من أعظم العمال ‪ ،‬بل هو أفضل ما تطوع به‬
‫النسان قال ال تعال ‪ { :‬ل يستوي القاعدون من الؤمني غي أول الضرر والجاهدون ف سبيل ال بأموالم‬
‫وأنفسهم فضل ال الجاهدين بأموالم وأنفسهم على القاعدين درجة وكل وعد ال السن وفضل ال الجاهدين‬
‫على القاعدين أجرا عظيما } وقال تعال ‪ { :‬أجعلتم سقاية الاج وعمارة السجد الرام كمن آمن بال واليوم الخر‬
‫وجاهد ف سبيل ال ل يستوون عند ال وال ل يهدي القوم الظالي } { الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا ف سبيل ال‬
‫بأموالم وأنفسهم أعظم درجة عند ال وأولئك هم الفائزون } { يبشرهم ربم برحة منه ورضوان وجنات لم فيها‬
‫)‬ ‫‪17‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫نعيم مقيم } { خالدين فيها أبدا إن ال عنده أجر عظيم } ‪ .‬وثبت ف صحيح مسلم وغيه عن { النعمان بن بشي‬
‫رضي ال عنه قال ‪ :‬كنت عند النب صلى ال عليه وسلم فقال رجل ‪ :‬ما أبال أل أعمل عمل بعد السلم إل أن‬
‫أسقي الاج وقال آخر ‪ :‬ما أبال أن أعمل عمل بعد السلم إل أن أعمر السجد الرام وقال علي بن أب طالب‬
‫الهاد ف سبيل ال أفضل ما ذكرتا فقال عمر ‪ :‬ل ترفعوا أصواتكم عند منب رسول ال صلى ال عليه وسلم ولكن‬
‫إذا قضيت الصلة سألته فسأله فأنزل ال تعال هذه الية } ‪ .‬وف الصحيحي عن { عبد ال بن مسعود رضي ال عنه‬
‫قال ‪ :‬قلت يا رسول ال ‪ ،‬أي العمال أفضل عند ال عز وجل ؟ قال الصلة على وقتها قلت ث أي ؟ قال ‪ :‬بر‬
‫الوالدين ‪ .‬قلت ‪ :‬ث أي ؟ قال ‪ :‬الهاد ف سبيل ال قال ‪ :‬حدثن بن رسول ال صلى ال عليه وسلم ولو استزدته‬
‫لزادن } وف الصحيحي عنه صلى ال عليه وسلم أنه { سئل أي العمال أفضل ؟ قال ‪ :‬إيان بال وجهاد ف سبيله‬
‫قيل ‪ :‬ث ماذا ؟ قال حج مبور } ‪ .‬وف الصحيحي أن { رجل قال له صلى ال عليه وسلم يا رسول ال أخبن‬
‫بعمل يعدل الهاد ف سبيل ال قال ‪ :‬ل تستطيعه أو ل تطيقه قال فأخبن به قال ‪ :‬هل تستطيع إذا خرج الجاهد أن‬
‫تصوم ول تفطر وتقوم ول تفتر } ؟ وف السنن عن { معاذ رضي ال عنه عن النب صلى ال عليه وسلم أنه وصاه لا‬
‫بعثه إل اليمن فقال ‪ :‬يا معاذ ! اتق ال حيثما كنت وأتبع السيئة السنة تحها وخالق الناس بلق حسن وقال ‪ :‬يا‬
‫معاذ ! إن لحبك فل تدع أن تقول ف دبر كل صلة ‪ :‬اللهم أعن على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك وقال له ‪-‬‬
‫وهو رديفه ‪ -‬يا معاذ ‪ :‬أتدري ما حق ال على عباده قلت ال ورسوله أعلم ‪ .‬قال ‪ :‬حقه عليهم أن يعبدوه ول‬
‫يشركوا به شيئا ‪ .‬أتدري ما حق العباد على ال إذا فعلوا ذلك ؟ قلت ‪ :‬ال ورسوله أعلم ‪ .‬قال ‪ :‬حقهم عليه أل‬
‫يعذبم } ‪ .‬وقال أيضا لعاذ ‪ { :‬رأس المر السلم وعموده الصلة وذروة سنامه الهاد ف سبيل ال } وقال ‪:‬‬
‫{ يا معاذ أل أخبك بأبواب الب ؟ الصوم جنة والصدقة تطفئ الطيئة كما يطفئ الاء النار وقيام الرجل ف جوف‬
‫الليل ث قرأ { تتجاف جنوبم عن الضاجع يدعون ربم خوفا وطمعا وما رزقناهم ينفقون فل تعلم نفس ما أخفي لم‬
‫من قرة أعي جزاء با كانوا يعملون } ث قال ‪ :‬يا معاذ أل أخبك بلك ذلك كله ؟ قلت بلى ! فقال ‪ :‬أمسك عليك‬
‫لسانك هذا فأخذ بلسانه قال يا رسول ال وإنا لؤاخذون با نتكلم به ؟ فقال ‪ :‬ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس‬
‫ف النار على مناخرهم إل حصائد ألسنتهم } ‪ .‬وتفسي هذا ما ثبت ف الصحيحي عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪:‬‬
‫{ من كان يؤمن بال واليوم الخر فليقل خيا أو ليصمت } فالتكلم بالي خي من السكوت عنه والصمت عن الشر‬
‫خي من التكلم به‬
‫فأما الصمت الدائم فبدعة منهي عنها وكذلك المتناع عن أكل البز واللحم وشرب الاء فذلك من البدع‬
‫الذمومة أيضا كما ثبت ف صحيح البخاري عن ابن عباس رضي ال عنهما أن { النب صلى ال عليه وسلم رأى‬
‫رجل قائما ف الشمس فقال ‪ :‬ما هذا فقالوا ‪ :‬أبو إسرائيل نذر أن يقوم ف الشمس ول يستظل ول يتكلم ويصوم‬
‫فقال النب صلى ال عليه وسلم ‪ :‬مروه فليجلس وليستظل وليتكلم وليتم صومه } ‪ .‬وثبت ف الصحيحي عن { أنس‬
‫)‬ ‫‪18‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫أن رجال سألوا عن عبادة رسول ال صلى ال عليه وسلم فكأنم تقالوها فقالوا وأينا مثل رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ؟ ! ث قال أحدهم ‪ :‬أما أنا فأصوم ول أفطر وقال الخر ‪ :‬أما أنا فأقوم ول أنام وقال الخر ‪ :‬أما أنا فل آكل‬
‫اللحم وقال الخر ‪ :‬أما أنا فل أتزوج النساء فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ما بال رجال يقول أحدهم كذا‬
‫وكذا ؟ ! ولكن أصوم وأفطر وأقوم وأنام وآكل اللحم وأتزوج النساء فمن رغب عن سنت فليس من } أي سلك‬
‫غيها ظانا أن غيها خي منها فمن كان كذلك فهو بريء من ال ورسوله قال تعال ‪ { :‬ومن يرغب عن ملة إبراهيم‬
‫إل من سفه نفسه } بل يب على كل مسلم أن يعتقد أن خي الكلم كلم ال وخي الدي هدي ممد صلى ال عليه‬
‫وسلم كما ثبت عنه ف الصحيح أنه كان يطب بذلك كل يوم جعة ‪.‬‬

‫فصل‬

‫وليس من شرط ول ال أن يكون معصوما ل يغلط ول يطئ ‪ ،‬بل يوز أن يفى عليه بعض علم الشريعة‬
‫ويوز أن يشتبه عليه بعض أمور الدين حت يسب بعض المور ما أمر ال به وما نى ال عنه ويوز أن يظن ف‬
‫بعض الوارق أنا من كرامات أولياء ال تعال وتكون من الشيطان لبسها عليه لنقص درجته ول يعرف أنا من‬
‫الشيطان وإن ل يرج بذلك عن ولية ال تعال ‪ ،‬فإن ال سبحانه وتعال تاوز لذه المة عن الطأ والنسيان وما‬
‫استكرهوا عليه فقال تعال ‪ { :‬آمن الرسول با أنزل إليه من ربه والؤمنون كل آمن بال وملئكته وكتبه ورسله ل‬
‫نفرق بي أحد من رسله وقالوا سعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك الصي } { ل يكلف ال نفسا إل وسعها لا ما‬
‫كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا ل تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ول تمل علينا إصرا كما حلته على الذين من‬
‫قبلنا ربنا ول تملنا ما ل طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحنا أنت مولنا فانصرنا على القوم الكافرين } وقد‬
‫ثبت ف الصحيحي أن ال سبحانه استجاب هذا الدعاء وقال ‪ :‬قد فعلت ففي صحيح مسلم عن { ابن عباس رضي‬
‫ال عنهما قال لا نزلت هذه الية { إن تبدوا ما ف أنفسكم أو تفوه ياسبكم به ال فيغفر لن يشاء ويعذب من يشاء‬
‫وال على كل شيء قدير } قال ‪ :‬دخل قلوبم منها شيء ل يدخلها قبل ذلك شيء أشد منه فقال النب صلى ال عليه‬
‫وسلم قولوا سعنا وأطعنا وسلمنا قال فألقى ال اليان ف قلوبم فأنزل ال تعال { ل يكلف ال نفسا إل وسعها }‬
‫إل قوله { أو أخطأنا } قال ال قد فعلت { ربنا ول تمل علينا إصرا كما حلته على الذين من قبلنا } قال ‪ :‬قد‬
‫فعلت { ربنا ول تملنا ما ل طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحنا أنت مولنا فانصرنا على القوم الكافرين } قال‬
‫قد فعلت ‪ .‬وقد قال تعال { وليس عليكم جناح فيما أخطأت به ولكن ما تعمدت قلوبكم } } ‪ .‬وثبت ف‬
‫الصحيحي عن النب صلى ال عليه وسلم من حديث أب هريرة وعمرو بن العاص رضي ال عنهما مرفوعا أنه قال‬
‫{ إذا اجتهد الاكم فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر } فلم يؤث الجتهد الخطئ ‪ ،‬بل جعل له أجرا على‬
‫)‬ ‫‪19‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫اجتهاده وجعل خطأه مغفورا له ولكن الجتهد الصيب له أجران فهو أفضل منه ‪ ،‬ولذا لا كان ول ال يوز أن يغلط‬
‫ل يب على الناس اليان بميع ما يقوله من هو ول ل لئل يكون نبيا ‪ ،‬بل ول يوز لول ال أن يعتمد على ما يلقى‬
‫إليه ف قلبه إل أن يكون موافقا [ للشرع ] وعلى ما يقع له ما يراه إلاما ومادثة وخطابا من الق ‪ ،‬بل يب عليه أن‬
‫يعرض ذلك جيعه على ما جاء به ممد صلى ال عليه وسلم فإن وافقه قبله وإن خالفه ل يقبله وإن ل يعلم أموافق هو‬
‫أم مالف ؟ توقف فيه ‪ .‬والناس ف هذا الباب " ثلثة أصناف " طرفان ووسط ‪ ،‬فمنهم من إذا اعتقد ف شخص أنه‬
‫ول ل وافقه ف كل ما يظن أنه حدث به قلبه عن ربه وسلم إليه جيع ما يفعله ومنهم من إذا رآه قد قال أو فعل ما‬
‫ليس بوافق للشرع أخرجه عن ولية ال بالكلية وإن كان متهدا مطئا وخيار المور أوساطها وهو أن ل يعل‬
‫معصوما ول مأثوما إذا كان متهدا مطئا فل يتبع ف كل ما يقوله ول يكم عليه بالكفر والفسق مع اجتهاده ‪.‬‬
‫والواجب على الناس اتباع ما بعث ال به رسوله وأما إذا خالف قول بعض الفقهاء ووافق قول آخرين ل يكن لحد‬
‫أن يلزمه بقول الخالف ويقول هذا خالف الشرع ‪ .‬وقد ثبت ف الصحيحي عن النب صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪:‬‬
‫{ قد كان ف المم قبلكم مدثون فإن يكن ف أمت أحد فعمر منهم } وروى الترمذي وغيه عن النب صلى ال عليه‬
‫وسلم أنه قال ‪ { :‬لو ل أبعث فيكم لبعث فيكم عمر } { وف حديث آخر إن ال ضرب الق على لسان عمر وقلبه‬
‫وفيه لو كان نب بعدي لكان عمر } وكان علي بن أب طالب رضي ال عنه يقول ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على‬
‫لسان عمر ‪ .‬ثبت هذا عنه من رواية الشعب ‪ .‬وقال ابن عمر ‪ :‬ما كان عمر يقول ف شيء ‪ :‬إن لراه كذا إل كان‬
‫كما يقول ‪ .‬وعن قيس بن طارق قال كنا نتحدث أن عمر ينطق على لسانه ملك ‪ .‬وكان عمر يقول اقتربوا من‬
‫أفواه الطيعي واسعوا منهم ما يقولون فإنه تتجلى لم أمور صادقة ‪ .‬وهذه المور الصادقة الت أخب با عمر بن‬
‫الطاب رضي ال عنه أنا تتجلى للمطيعي هي المور الت يكشفها ال عز وجل لم ‪ .‬فقد ثبت أن لولياء ال‬
‫ماطبات ومكاشفات ‪ ،‬فأفضل هؤلء ف هذه المة بعد أب بكر عمر بن الطاب رضي ال عنهما فإن خي هذه المة‬
‫بعد نبيها أبو بكر ث عمر ‪ .‬وقد ثبت ف الصحيح تعيي عمر بأنه مدث ف هذه المة فأي مدث وماطب فرض ف‬
‫أمة ممد صلى ال عليه وسلم فعمر أفضل منه ومع هذا فكان عمر رضي ال عنه يفعل ما هو الواجب عليه فيعرض ما‬
‫يقع له على ما جاء به الرسول صلى ال عليه وسلم فتارة يوافقه فيكون ذلك من فضائل عمر كما نزل القرآن بوافقته‬
‫غي مرة وتارة يالفه فيجع عمر عن ذلك كما رجع يوم الديبية لا كان قد رأى ماربة الشركي والديث معروف‬
‫ف البخاري وغيه ‪ ،‬فإن { النب صلى ال عليه وسلم قد اعتمر سنة ست من الجرة ومعه السلمون نو ألف‬
‫وأربعمائة وهم الذين بايعوه تت الشجرة وكان قد صال الشركي بعد مراجعة جرت بينه وبينهم على أن يرجع ف‬
‫ذلك العام ويعتمر من العام القابل وشرط لم شروطا فيها نوع غضاضة على السلمي ف الظاهر فشق ذلك على كثي‬
‫من السلمي وكان ال ورسوله أعلم وأحكم با ف ذلك من الصلحة وكان عمر فيمن كره ذلك حت قال للنب صلى‬
‫ال تعال عليه وسلم ‪ :‬يا رسول ال ! ألسنا على الق وعدونا على الباطل ؟ قال ‪ :‬بلى قال ‪ :‬أفليس قتلنا ف النة‬
‫)‬ ‫‪20‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫وقتلهم ف النار ؟ قال ‪ :‬بلى قال ‪ :‬فعلم نعطي الدنية ف ديننا ؟ ! فقال له النب صلى ال عليه وسلم إن رسول ال‬
‫وهو ناصري ولست أعصيه ث قال ‪ :‬أفلم تكن تدثنا أنا نأت البيت ونطوف به ؟ قال ‪ :‬بلى ‪ .‬قال ‪ :‬أقلت لك أنك‬
‫تأتيه العام ؟ قال ‪ :‬ل قال ‪ :‬إنك آتيه ومطوف به فذهب عمر إل أب بكر رضي ال عنهما فقال له مثل ما قال النب‬
‫صلى ال عليه وسلم ورد عليه أبو بكر مثل جواب النب صلى ال عليه وسلم } ول يكن أبو بكر يسمع جواب النب‬
‫صلى ال عليه وسلم فكان أبو بكر رضي ال عنه أكمل موافقة ل وللنب صلى ال عليه وسلم من عمر وعمر رضي‬
‫ال عنه رجع عن ذلك وقال ‪ :‬فعملت لذلك أعمال ‪ .‬وكذلك لا مات النب صلى ال عليه وسلم أنكر عمر موته أول‬
‫فلما قال أبو بكر ‪ :‬إنه مات رجع عمر عن ذلك ‪ .‬وكذلك ف " قتال مانعي الزكاة " قال عمر لب بكر ‪ :‬كيف‬
‫نقاتل الناس وقد قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬أمرت أن أقاتل الناس حت يشهدوا أن ل إله إل ال وأن‬
‫رسول ال فإذا فعلوا ذلك عصموا من دماءهم وأموالم إل بقها } فقال له أبو بكر رضي ال عنه ‪ :‬أل يقل ‪ " :‬إل‬
‫بقها " ؟ ! فإن الزكاة من حقها وال لو منعون عناقا كانوا يؤدونا إل رسول ال صلى ال عليه وسلم لقاتلتهم على‬
‫منعها ‪ .‬قال عمر ‪ :‬فوال ما هو إل أن رأيت ال قد شرح صدر أب بكر للقتال فعلمت أنه الق ‪ .‬ولذا نظائر تبي‬
‫تقدم أب بكر على عمر مع أن عمر رضي ال عنه مدث ‪ ،‬فإن مرتبة الصديق فوق مرتبة الحدث لن الصديق يتلقى‬
‫عن الرسول العصوم كل ما يقوله ويفعله والحدث يأخذ عن قلبه أشياء وقلبه ليس بعصوم فيحتاج أن يعرضه على ما‬
‫جاء به النب صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ولذا كان عمر رضي ال عنه يشاور الصحابة رضي ال عنهم ويناظرهم ويرجع‬
‫إليهم ف بعض المور وينازعونه ف أشياء فيحتج عليهم ويتجون عليه بالكتاب والسنة ويقررهم على منازعته ول‬
‫يقول لم ‪ :‬أنا مدث ملهم ماطب فينبغي لكم أن تقبلوا من ول تعارضون فأي أحد ادعى أو ادعى له أصحابه أنه‬
‫ول ل وأنه ماطب يب على أتباعه أن يقبلوا منه كل ما يقوله ول يعارضوه ويسلموا له حاله من غي اعتبار بالكتاب‬
‫والسنة فهو وهم مطئون ومثل هذا من أضل الناس فعمر بن الطاب رضي ال عنه أفضل منه وهو أمي الؤمني‬
‫وكان السلمون ينازعونه فيما يقوله وهو وهم على الكتاب والسنة وقد اتفق سلف المة وأئمتها على أن كل أحد‬
‫يؤخذ من قوله ويترك إل رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ .‬وهذا من الفروق بي النبياء وغيهم فإن النبياء صلوات‬
‫ال عليهم وسلمه يب لم اليان بميع ما يبون به عن ال عز وجل وتب طاعتهم فيما يأمرون به ‪ ،‬بلف‬
‫الولياء فإنم ل تب طاعتهم ف كل ما يأمرون به ول اليان بميع ما يبون به ‪ ،‬بل يعرض أمرهم وخبهم على‬
‫الكتاب والسنة فما وافق الكتاب والسنة وجب قبوله وما خالف الكتاب والسنة كان مردودا وإن كان صاحبه من‬
‫أولياء ال وكان متهدا معذورا فيما قاله له أجر على اجتهاده ‪ .‬لكنه إذا خالف الكتاب والسنة كان مطئا وكان من‬
‫الطإ الغفور إذا كان صاحبه قد اتقى ال ما استطاع ‪ ،‬فإن ال تعال يقول ‪ { :‬فاتقوا ال ما استطعتم } وهذا تفسي‬
‫قوله تعال ‪ { :‬يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال حق تقاته } قال ابن مسعود وغيه ‪ :‬حق تقاته أن يطاع فل يعصى وأن‬
‫يذكر فل ينسى ‪ ،‬وأن يشكر فل يكفر أي بسب استطاعتكم فإن ال تعال ل يكلف نفسا إل وسعها كما قال تعال‬
‫)‬ ‫‪21‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫‪ { :‬ل يكلف ال نفسا إل وسعها لا ما كسبت وعليها ما اكتسبت } وقال تعال ‪ { :‬والذين آمنوا وعملوا‬
‫الصالات ل نكلف نفسا إل وسعها أولئك أصحاب النة هم فيها خالدون } وقال تعال ‪ { :‬وأوفوا الكيل واليزان‬
‫بالقسط ل نكلف نفسا إل وسعها } ‪ .‬وقد ذكر ال سبحانه وتعال اليان با جاءت به النبياء ف غي موضع كقوله‬
‫تعال ‪ { :‬قولوا آمنا بال وما أنزل إلينا وما أنزل إل إبراهيم وإساعيل وإسحاق ويعقوب والسباط وما أوت موسى‬
‫وعيسى وما أوت النبيون من ربم ل نفرق بي أحد منهم ونن له مسلمون } وقال تعال ‪ { :‬ال } { ذلك الكتاب‬
‫ل ريب فيه هدى للمتقي } { الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلة وما رزقناهم ينفقون } { والذين يؤمنون با‬
‫أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالخرة هم يوقنون } { أولئك على هدى من ربم وأولئك هم الفلحون } وقال‬
‫تعال ‪ { :‬ليس الب أن تولوا وجوهكم قبل الشرق والغرب ولكن الب من آمن بال واليوم الخر واللئكة والكتاب‬
‫والنبيي وآتى الال على حبه ذوي القرب واليتامى والساكي وابن السبيل والسائلي وف الرقاب وأقام الصلة وآتى‬
‫الزكاة والوفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين ف البأساء والضراء وحي البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم‬
‫التقون } ‪.‬‬
‫وهذا الذي ذكرته من أن أولياء ال يب عليهم العتصام بالكتاب والسنة وأنه ليس فيهم معصوم يسوغ له أو‬
‫لغيه اتباع ما يقع ف قلبه من غي اعتبار بالكتاب والسنة هو ما اتفق عليه أولياء ال عز وجل من خالف ف هذا فليس‬
‫من أولياء ال سبحانه الذين أمر ال باتباعهم ‪ ،‬بل إما أن يكون كافرا وإما أن يكون مفرطا ف الهل ‪ .‬وهذا كثي ف‬
‫كلم الشايخ كقول الشيخ أب سليمان الداران ‪ :‬إنه ليقع ف قلب النكتة من نكت القوم فل أقبلها إل بشاهدين ‪:‬‬
‫الكتاب والسنة ‪.‬‬
‫وقال أبو القاسم النيد رحة ال عليه ‪ :‬علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة فمن ل يقرأ القرآن ويكتب الديث‬
‫ل يصلح له أن يتكلم ف علمنا أو قال ‪ :‬ل يقتدى به ‪ .‬وقال أبو عثمان النيسابوري من أمر السنة على نفسه قول‬
‫وفعل نطق بالكمة ومن أمر الوى على نفسه قول وفعل نطق بالبدعة ‪ ،‬لن ال تعال يقول ف كلمه القدي { وإن‬
‫تطيعوه تتدوا } وقال أبو عمرو بن نيد ‪ :‬كل وجد ل يشهد له الكتاب والسنة فهو باطل ‪ .‬وكثي من الناس يغلط‬
‫ف هذا الوضع فيظن ف شخص أنه ول ل ويظن أن ول ال يقبل منه كل ما يقوله ويسلم إليه كل ما يقوله ويسلم‬
‫إليه كل ما يفعله وإن خالف الكتاب والسنة فيوافق ذلك الشخص له ويالف ما بعث ال به رسوله الذي فرض ال‬
‫على جيع اللق تصديقه فيما أخب وطاعته فيما أمر وجعله الفارق بي أوليائه وأعدائه وبي أهل النة وأهل النار وبي‬
‫السعداء والشقياء فمن اتبعه كان من أولياء ال التقي وجنده الفلحي وعباده الصالي ‪ ،‬ومن ل يتبعه كان من‬
‫أعداء ال الاسرين الجرمي فتجره مالفة الرسول وموافقة ذلك الشخص أول إل البدعة والضلل وآخرا إل الكفر‬
‫والنفاق ويكون له نصيب من قوله تعال ‪ { :‬ويوم يعض الظال على يديه يقول يا ليتن اتذت مع الرسول سبيل } {‬
‫يا ويلت ليتن ل أتذ فلنا خليل } { لقد أضلن عن الذكر بعد إذ جاءن وكان الشيطان للنسان خذول } وقوله‬
‫)‬ ‫‪22‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫تعال ‪ { :‬يوم تقلب وجوههم ف النار يقولون يا ليتنا أطعنا ال وأطعنا الرسول } { وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا‬
‫وكباءنا فأضلونا السبيل } { ربنا آتم ضعفي من العذاب والعنهم لعنا كبيا } وقوله تعال ‪ { :‬ومن الناس من‬
‫يتخذ من دون ال أندادا يبونم كحب ال والذين آمنوا أشد حبا ل ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة‬
‫ل جيعا وأن ال شديد العذاب } { إذ تبأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بم السباب }‬
‫{ وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبأ منهم كما تبءوا منا كذلك يريهم ال أعمالم حسرات عليهم وما هم‬
‫بارجي من النار } ‪.‬‬
‫وهؤلء مشابون للنصارى الذين قال ال تعال فيهم ‪ { :‬اتذوا أحبارهم ورهبانم أربابا من دون ال والسيح‬
‫ابن مري وما أمروا إل ليعبدوا إلا واحدا ل إله إل هو سبحانه عما يشركون } وف السند وصححه الترمذي عن‬
‫عدي بن حات ف تفسيه هذه الية { لا سأل النب صلى ال عليه وسلم عنها فقال ‪ :‬ما عبدوهم ‪ :‬فقال النب صلى‬
‫ال عليه وسلم أحلوا لم الرام وحرموا عليهم اللل فأطاعوهم وكانت هذه عبادتم إياهم } ولذا قيل ف مثل‬
‫هؤلء إنا حرموا الوصول بتضييع الصول فإن أصل الصول تقيق اليان با جاء به الرسول صلى ال عليه وسلم فل‬
‫بد من اليان بال ورسوله وبا جاء به الرسول صلى ال عليه وسلم فل بد من اليان بأن ممدا رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم إل جيع اللق إنسهم وجنهم وعربم وعجمهم علمائهم وعبادهم ملوكهم وسوقتهم وأنه ل طريق إل ال‬
‫عز وجل لحد من اللق إل بتابعته باطنا وظاهرا حت لو أدركه موسى وعيسى وغيها من النبياء لوجب عليهم‬
‫اتباعه كما قال تعال ‪ { :‬وإذ أخذ ال ميثاق النبيي لا آتيتكم من كتاب وحكمة ث جاءكم رسول مصدق لا معكم‬
‫لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررت وأخذت على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين }‬
‫{ فمن تول بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون } ‪ .‬قال ابن عباس رضي ال عنهما ‪ :‬ما بعث ال نبيا إل أخذ عليه‬
‫اليثاق لئن بعث ممد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه وأمره أن يأخذ على أمته اليثاق لئن بعث ممد وهم أحياء ليؤمنن‬
‫به ولينصرنه وقد قال تعال ‪ { :‬أل تر إل الذين يزعمون أنم آمنوا با أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن‬
‫يتحاكموا إل الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلل بعيدا } { وإذا قيل لم تعالوا إل‬
‫ما أنزل ال وإل الرسول رأيت النافقي يصدون عنك صدودا } { فكيف إذا أصابتهم مصيبة با قدمت أيديهم ث‬
‫جاءوك يلفون بال إن أردنا إل إحسانا وتوفيقا } { أولئك الذين يعلم ال ما ف قلوبم فأعرض عنهم وعظهم وقل‬
‫لم ف أنفسهم قول بليغا } { وما أرسلنا من رسول إل ليطاع بإذن ال ولو أنم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا‬
‫ال واستغفر لم الرسول لوجدوا ال توابا رحيما } { فل وربك ل يؤمنون حت يكموك فيما شجر بينهم ث ل‬
‫يدوا ف أنفسهم حرجا ما قضيت ويسلموا تسليما } ‪ .‬وكل من خالف شيئا ما جاء به الرسول مقلدا ف ذلك لن‬
‫يظن أنه ول ال فإنه بن أمره على أنه ول ل ‪ ،‬وأن ول ال ل يالف ف شيء ولو كان هذا الرجل من أكب أولياء ال‬
‫كأكابر الصحابة والتابعي لم بإحسان ل يقبل منه ما خالف الكتاب والسنة ‪ ،‬فكيف إذا ل يكن كذلك ؟ ! وتد‬
‫)‬ ‫‪23‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫كثيا من هؤلء عمدتم ف اعتقاد كونه وليا ل أنه قد صدر عنه مكاشفة ف بعض المور أو بعض التصرفات الارقة‬
‫للعادة مثل أن يشي إل شخص فيموت ‪ ،‬أو يطي ف الواء إل مكة أو غيها أو يشي على الاء أحيانا ‪ ،‬أو يل إبريقا‬
‫من الواء ‪ ،‬أو ينفق بعض الوقات من الغيب أو أن يتفي أحيانا عن أعي الناس ‪ ،‬أو أن بعض الناس استغاث به وهو‬
‫غائب أو ميت فرآه قد جاءه فقضى حاجته ‪ ،‬أو يب الناس با سرق لم ‪ ،‬أو بال غائب لم أو مريض أو نو ذلك‬
‫من المور ‪ ،‬وليس ف شيء من هذه المور ما يدل على أن صاحبها ول ل ‪ ،‬بل قد اتفق أولياء ال على أن الرجل لو‬
‫طار ف الواء أو مشى على الاء ل يغتر به حت ينظر متابعته لرسول ال صلى ال عليه وسلم وموافقته لمره ونيه ‪.‬‬
‫وكرامات أولياء ال تعال أعظم من هذه المور ‪ ،‬وهذه المور الارقة للعادة وإن كان قد يكون صاحبها وليا ل فقد‬
‫يكون عدوا ل ‪ ،‬فإن هذه الوارق تكون لكثي من الكفار والشركي وأهل الكتاب والنافقي وتكون لهل البدع‬
‫وتكون من الشياطي فل يوز أن يظن أن كل من كان له شيء من هذه المور أنه ول ل ‪ ،‬بل يعتب أولياء ال‬
‫بصفاتم وأفعالم وأحوالم الت دل عليها الكتاب والسنة ويعرفون بنور اليان والقرآن وبقائق اليان الباطنة وشرائع‬
‫السلم الظاهرة ‪.‬‬
‫مثال ذلك أن هذه المور الذكورة وأمثالا قد توجد ف أشخاص ويكون أحدهم ل يتوضأ ‪ ،‬ول يصلي‬
‫الصلوات الكتوبة ‪ ،‬بل يكون ملبسا للنجاسات معاشرا للكلب ‪ ،‬يأوي إل المامات والقمامي والقابر والزابل ‪،‬‬
‫رائحته خبيثة ل يتطهر الطهارة الشرعية ‪ ،‬ول يتنظف ‪ ،‬وقد قال النب صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬ل تدخل اللئكة بيتا‬
‫فيه جنب ول كلب } وقال عن هذه الخلية ‪ { :‬إن هذه الشوش متضرة } أي يضرها الشيطان وقال ‪ { :‬من‬
‫أكل من هاتي الشجرتي البيثتي فل يقربن مسجدنا ‪ ،‬فإن اللئكة تتأذى ما يتأذى منه بنو آدم } ‪ .‬وقال { إن ال‬
‫طيب ل يقبل إل طيبا } وقال ‪ { :‬إن ال نظيف يب النظافة } وقال ‪ { :‬خس من الفواسق يقتلن ف الل والرم ‪:‬‬
‫الية والفأرة والغراب والدأة والكلب العقور } وف رواية { الية والعقرب } ‪ .‬وأمر صلوات ال وسلمه عليه بقتل‬
‫الكلب وقال ‪ { :‬من اقتن كلبا ل يغن عنه زرعا ول ضرعا نقص من عمله كل يوم قياط } وقال ‪ { :‬ل تصحب‬
‫اللئكة رفقة معهم كلب } وقال ‪ { :‬إذا ولغ الكلب ف إناء أحدكم فليغسله سبع مرات إحداهن بالتراب } ‪ .‬وقال‬
‫تعال ‪ { :‬ورحت وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون } { الذين‬
‫يتبعون الرسول النب المي الذي يدونه مكتوبا عندهم ف التوراة والنيل يأمرهم بالعروف وينهاهم عن النكر ويل‬
‫لم الطيبات ويرم عليهم البائث ويضع عنهم إصرهم والغلل الت كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه‬
‫واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم الفلحون } ‪ .‬فإذا كان الشخص مباشرا للنجاسات والبائث الت يبها‬
‫الشيطان أو يأوي إل المامات والشوش الت تضرها الشياطي أو يأكل اليات والعقارب والزنابي ‪ ،‬وآذان‬
‫الكلب الت هي خبائث وفواسق أو يشرب البول ونوه من النجاسات الت يبها الشيطان أو يدعو غي ال فيستغيث‬
‫بالخلوقات ويتوجه إليها أو يسجد إل ناحية شيخه ول يلص الدين لرب العالي أو يلبس الكلب أو النيان أو‬
‫)‬ ‫‪24‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫يأوي إل الزابل والواضع النجسة أو يأوي إل القابر ‪ ،‬ول سيما إل مقابر الكفار من اليهود والنصارى أو الشركي‬
‫أو يكره ساع القرآن وينفر عنه ويقدم عليه ساع الغان والشعار ويؤثر ساع مزامي الشيطان على ساع كلم‬
‫الرحن فهذه علمات أولياء الشيطان ل علمات أولياء الرحن ‪ .‬قال ابن مسعود رضي ال عنه ‪ :‬ل يسأل أحدكم عن‬
‫نفسه إل القرآن فإن كان يب القرآن فهو يب ال وإن كان يبغض القرآن فهو يبغض ال ورسوله وقال عثمان بن‬
‫عفان رضي ال عنه لو طهرت قلوبنا لا شبعت من كلم ال عز وجل ‪ ،‬وقال ابن مسعود ‪ :‬الذكر ينبت اليان ف‬
‫القلب كما ينبت الاء البقل والغناء ينبت النفاق ف القلب كما ينبت الاء البقل ‪.‬‬
‫وإن كان الرجل خبيا بقائق اليان الباطنة فارقا بي الحوال الرحانية والحوال الشيطانية فيكون قد قذف‬
‫ال ف قلبه من نوره كما قال تعال ‪ { :‬يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال وآمنوا برسوله يؤتكم كفلي من رحته ويعل‬
‫لكم نورا تشون به ويغفر لكم } وقال تعال ‪ { :‬وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ول‬
‫اليان ولكن جعلناه نورا ندي به من نشاء من عبادنا } فهذا من الؤمني الذين جاء فيهم الديث الذي رواه‬
‫الترمذي عن أب سعيد الدري عن النب صلى ال عليه وسلم قال ‪ { :‬اتقوا فراسة الؤمن ‪ ،‬فإنه ينظر بنور ال } قال‬
‫الترمذي حديث حسن ‪ .‬وقد تقدم الديث الصحيح الذي ف البخاري وغيه قال فيه ‪ { :‬ل يزال عبدي يتقرب إل‬
‫بالنوافل حت أحبه فإذا أحببته كنت سعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده الت يبطش با ورجله الت يشي‬
‫با فب يسمع وب يبصر وب يبطش وب يشي ولئن سألن لعطينه ولئن استعاذن لعيذنه وما ترددت ف شيء أنا‬
‫فاعله ترددي ف قبض نفس عبدي الؤمن يكره الوت وأكره مساءته ول بد له منه } ‪.‬‬
‫فإذا كان العبد من هؤلء فرق بي حال أولياء الرحن وأولياء الشيطان كما يفرق الصيف بي الدرهم اليد‬
‫والدرهم الزيف وكما يفرق من يعرف اليل بي الفرس اليد والفرس الرديء وكما يفرق من يعرف الفروسية بي‬
‫الشجاع والبان وكما أنه يب الفرق بي النب الصادق وبي التنبئ الكذاب فيفرق بي ممد الصادق المي رسول‬
‫رب العالي وموسى والسيح وغيهم وبي مسيلمة الكذاب ‪ ،‬والسود العنسي وطليحة السدي والارث الدمشقي ‪،‬‬
‫وباباه الرومي ‪ ،‬وغيهم من الكذابي ‪ ،‬وكذلك يفرق بي أولياء ال التقي وأولياء الشيطان الضالي ‪.‬‬

‫فصل‬

‫و " القيقة " حقيقة الدين ‪ :‬دين رب العالي ‪ .‬هي ما اتفق عليها النبياء والرسلون ‪ ،‬وإن كان لكل منهم‬
‫شرعة ومنهاج ‪ .‬ف " الشرعة " هي الشريعة قال ال تعال ‪ { :‬لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا } وقال تعال ‪:‬‬
‫{ ث جعلناك على شريعة من المر فاتبعها ول تتبع أهواء الذين ل يعلمون إنم لن يغنوا عنك من ال شيئا وإن الظالي‬
‫بعضهم أولياء بعض وال ول التقي } ‪ .‬و " النهاج " هو الطريق قال تعال ‪ { :‬وألو استقاموا على الطريقة‬
‫)‬ ‫‪25‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫لسقيناهم ماء غدقا } { لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا } ‪ .‬فالشرعة بنلة الشريعة للنهر‬
‫والنهاج هو الطريق الذي سلك فيه والغاية القصودة هي حقيقة الدين وهي عبادة ال وحده ل شريك له وهي حقيقة‬
‫دين السلم وهو أن يستسلم العبد ل رب العالي ل يستسلم لغيه فمن استسلم له ولغيه كان مشركا وال ل يغفر‬
‫أن يشرك به ومن ل يستسلم ل بل استكب عن عبادته كان من قال ال فيه ‪ { :‬إن الذين يستكبون عن عبادت‬
‫سيدخلون جهنم داخرين } ‪.‬‬
‫ودين السلم هو دين الولي والخرين من النبيي والرسلي وقوله تعال ‪ { :‬ومن يبتغ غي السلم دينا فلن‬
‫يقبل منه } عام ف كل زمان ومكان ‪ .‬فنوح وإبراهيم ويعقوب والسباط وموسى وعيسى والواريون كلهم دينهم‬
‫السلم الذي هو عبادة ال وحده ل شريك له قال ال تعال عن نوح ‪ { :‬يا قوم إن كان كب عليكم مقامي‬
‫وتذكيي بآيات ال فعلى ال توكلت فأجعوا أمركم } إل قوله ‪ { :‬وأمرت أن أكون من السلمي } وقال تعال ‪:‬‬
‫{ ومن يرغب عن ملة إبراهيم إل من سفه نفسه ولقد اصطفيناه ف الدنيا وإنه ف الخرة لن الصالي } { إذ قال له‬
‫ربه أسلم قال أسلمت لرب العالي } { ووصى با إبراهيم بنيه ويعقوب يا بن إن ال اصطفى لكم الدين فل توتن‬
‫إل وأنتم مسلمون } وقال تعال ‪ { :‬وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بال فعليه توكلوا إن كنتم مسلمي } وقال‬
‫السحرة ‪ { :‬ربنا أفرغ علينا صبا وتوفنا مسلمي } وقال يوسف عليه السلم ‪ { :‬توفن مسلما وألقن بالصالي }‬
‫وقالت بلقيس ‪ { :‬أسلمت مع سليمان ل رب العالي } وقال تعال ‪ { :‬يكم با النبيون الذين أسلموا للذين هادوا‬
‫والربانيون والحبار } وقال الواريون { آمنا بال واشهد بأنا مسلمون } ‪ .‬فدين النبياء واحد وإن تنوعت شرائعهم‬
‫كما ف الصحيحي عن النب صلى ال عليه وسلم قال " { إنا معشر النبياء ديننا واحد } قال تعال ‪ { :‬شرع لكم‬
‫من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ول تتفرقوا فيه‬
‫كب على الشركي ما تدعوهم إليه } وقال تعال ‪ { :‬يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالا إن با تعملون‬
‫عليم } { وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون } { فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب با لديهم‬
‫فرحون }‬

‫فصل‬

‫وقد اتفق سلف المة وأئمتها وسائر أولياء ال تعال على أن النبياء أفضل من الولياء الذين ليسوا بأنبياء وقد‬
‫رتب ال عباده السعداء النعم عليهم " أربع مراتب " فقال تعال ‪ { :‬ومن يطع ال والرسول فأولئك مع الذين أنعم‬
‫ال عليهم من النبيي والصديقي والشهداء والصالي وحسن أولئك رفيقا } ‪ .‬وف الديث ‪ { " :‬ما طلعت الشمس‬
‫ول غربت على أحد بعد النبيي والرسلي أفضل من أب بكر } وأفضل المم أمة ممد صلى ال عليه وسلم ‪ .‬قال‬
‫)‬ ‫‪26‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫تعال ‪ { :‬كنتم خي أمة أخرجت للناس } وقال تعال ‪ { :‬ث أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا } وقال النب‬
‫صلى ال عليه وسلم ف الديث الذي ف السند " { أنتم توفون سبعي أمة أنتم خيها وأكرمها على ال } وأفضل‬
‫أمة ممد صلى ال عليه وسلم القرن الول ‪ .‬وقد ثبت عن النب صلى ال عليه وسلم من غي وجه أنه قال ‪ { " :‬خي‬
‫القرون القرن الذي بعثت فيه ث الذين يلونم ث الذين يلونم } وهذا ثابت ف الصحيحي من غي وجه ‪ .‬وف‬
‫الصحيحي أيضا عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪ { " :‬ل تسبوا أصحاب فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل‬
‫أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ول نصيفه } ‪.‬‬
‫والسابقون الولون من الهاجرين والنصار أفضل من سائر الصحابة قال تعال ‪ { :‬ل يستوي منكم من أنفق‬
‫من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكل وعد ال السن } وقال تعال ‪:‬‬
‫{ والسابقون الولون من الهاجرين والنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي ال عنهم ورضوا عنه } والسابقون‬
‫الولون الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا والراد بالفتح صلح الديبية فإنه كان أول فتح مكة وفيه { أنزل ال تعال‬
‫{ إنا فتحنا لك فتحا مبينا } { ليغفر لك ال ما تقدم من ذنبك وما تأخر } فقالوا يا رسول ال ! أوفتح هو ؟ ! قال‬
‫‪ :‬نعم } ‪.‬‬
‫وأفضل السابقي الولي " اللفاء الربعة " وأفضلهم أبو بكر ث عمر وهذا هو العروف عن الصحابة والتابعي‬
‫لم بإحسان وأئمة المة وجاهيها وقد دلت على ذلك دلئل بسطناها ف " منهاج أهل السنة النبوية ف نقض كلم‬
‫أهل الشيعة والقدرية " ‪ .‬وبالملة اتفقت طوائف السنة والشيعة على أن أفضل هذه المة بعد نبيها واحد من اللفاء‬
‫ول يكون من بعد الصحابة أفضل من الصحابة وأفضل أولياء ال تعال أعظمهم معرفة با جاء به الرسول صلى ال‬
‫تعال عليه وسلم واتباعا له كالصحابة الذين هم أكمل المة ف معرفة دينه واتباعه وأبو بكر الصديق أكمل معرفة با‬
‫جاء به وعمل به فهو أفضل أولياء ال إذ كانت أمة ممد صلى ال عليه وسلم أفضل المم وأفضلها أصحاب ممد‬
‫صلى ال عليه وسلم وأفضلهم أبو بكر ‪.‬‬
‫وقد ظن طائفة غالطة أن " خات الولياء " أفضل الولياء قياسا على خات النبياء ول يتكلم أحد من الشايخ‬
‫التقدمي بات الولياء إل ممد بن علي الكيم الترمذي فإنه صنف مصنفا غلط فيه ف مواضع ث صار طائفة من‬
‫التأخرين يزعم كل واحد منهم أنه خات الولياء ومنهم من يدعي أن خات الولياء أفضل من خات النبياء من جهة‬
‫العلم بال وأن النبياء يستفيدون العلم بال من جهته كما يزعم ذلك ابن عرب صاحب " كتاب الفتوحات الكية " و‬
‫" كتاب الفصوص " فخالف الشرع والعقل مع مالفة جيع أنبياء ال تعال وأوليائه كما يقال لن قال ‪ :‬فخر عليهم‬
‫السقف من تتهم ل عقل ول قرآن ‪ .‬ذلك أن النبياء أفضل ف الزمان من أولياء هذه المة والنبياء عليهم أفضل‬
‫الصلة والسلم أفضل من الولياء فكيف النبياء كلهم ؟ والولياء إنا يستفيدون معرفة ال من يأت بعدهم ويدعي أنه‬
‫خات الولياء ؟ ! وليس آخر الولياء أفضلهم كما أن آخر النبياء أفضلهم ‪ ،‬فإن فضل ممد صلى ال عليه وسلم ثبت‬
‫)‬ ‫‪27‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫بالنصوص الدالة على ذلك كقوله صلى ال عليه وسلم ‪ { " :‬أنا سيد ولد آدم ول فخر } ‪ .‬وقوله ‪ { " :‬آت باب‬
‫النة فأستفتح فيقول الازن ‪ :‬من أنت ؟ فأقول ممد فيقول بك أمرت أن ل أفتح لحد قبلك } و " ليلة العراج "‬
‫رفع ال درجته فوق النبياء كلهم فكان أحقهم بقوله تعال ‪ { :‬تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم‬
‫ال ورفع بعضهم درجات } إل غي ذلك من الدلئل كل منهم يأتيه الوحي من ال ل سيما ممد صلى ال عليه‬
‫وسلم ل يكن ف نبوته متاجا إل غيه فلم تتج شريعته إل سابق ول إل لحق ‪ ،‬بلف السيح أحالم ف أكثر‬
‫الشريعة على التوراة وجاء السيح فكملها ‪ ،‬ولذا كان النصارى متاجي إل النبوات التقدمة على السيح ‪ :‬كالتوراة‬
‫والزبور وتام الربع وعشرين نبوة وكان المم قبلنا متاجي إل مدثي ‪ ،‬بلف أمة ممد صلى ال عليه وسلم فإن‬
‫ال أغناهم به فلم يتاجوا معه إل نب ول إل مدث ‪ ،‬بل جع له من الفضائل والعارف والعمال الصالة ما فرقه ف‬
‫غيه من النبياء ‪ ،‬فكان ما فضله ال به من ال با أنزله إليه وأرسله إليه ل بتوسط بشر ‪ .‬وهذا بلف " الولياء " فإن‬
‫كل من بلغه رسالة ممد صلى ال عليه وسلم ل يكون وليا ل إل باتباع ممد صلى ال عليه وسلم وكل ما حصل له‬
‫من الدى ودين الق هو بتوسط ممد صلى ال عليه وسلم وكذلك من بلغه رسالة رسول إليه ل يكون وليا ل إل‬
‫إذا اتبع ذلك الرسول الذي أرسل إليه ‪.‬‬
‫ومن ادعى أن من الولياء الذين بلغتهم رسالة ممد صلى ال عليه وسلم من له طريق إل ال ل يتاج فيه إل‬
‫ممد فهذا كافر ملحد وإذا قال ‪ :‬أنا متاج إل ممد ف علم الظاهر دون علم الباطن أو ف علم الشريعة دون علم‬
‫القيقة ‪ ،‬فهو شر من اليهود والنصارى الذين قالوا ‪ :‬إن ممدا رسول إل الميي دون أهل الكتاب ‪ .‬فإن أولئك آمنوا‬
‫ببعض وكفروا ببعض فكانوا كفارا بذلك وكذلك هذا الذي يقول إن ممدا بعث بعلم الظاهر دون علم الباطن آمن‬
‫ببعض ما جاء به وكفر ببعض فهو كافر وهو أكفر من أولئك ‪ ،‬لن علم الباطن الذي هو علم إيان القلوب ومعارفها‬
‫وأحوالا هو علم بقائق اليان الباطنة وهذا أشرف من العلم بجرد أعمال السلم الظاهرة ‪ .‬فإذا ادعى الدعي أن‬
‫ممدا صلى ال عليه وسلم إنا علم هذه المور الظاهرة دون حقائق اليان ‪ ،‬وأنه ل يأخذ هذه القائق عن الكتاب‬
‫والسنة فقد ادعى أن بعض الذي آمن به ما جاء به الرسول دون البعض الخر وهذا شر من يقول ‪ :‬أؤمن ببعض‬
‫وأكفر ببعض ول يدعي أن هذا البعض الذي آمن به أدن القسمي ‪ .‬وهؤلء اللحدة يدعون أن " الولية " أفضل من‬
‫" النبوة " ويلبسون على الناس فيقولون ‪ :‬وليته أفضل من نبوته وينشدون ‪ :‬مقام النبوة ف برزخ فويق الرسول ودون‬
‫الول ويقولون نن شاركناه ف وليته الت هي أعظم من رسالته وهذا من أعظم ضللم فإن ولية ممد ل ياثله فيها‬
‫أحد ل إبراهيم ول موسى فضل عن أن ياثله هؤلء اللحدون ‪ .‬وكل رسول نب ول فالرسول نب ول ‪ .‬ورسالته‬
‫متضمنة لنبوته ونبوته متضمنة لوليته وإذا قدروا مرد إنباء ال إياه بدون وليته ل فهذا تقدير متنع فإنه حال إنبائه إياه‬
‫متنع أن يكون إل وليا ل ول تكون مردة عن وليته ولو قدرت مردة ل يكن أحد ماثل للرسول ف وليته ‪.‬‬
‫وهؤلء قد يقولون ‪ -‬كما يقول صاحب " الفصوص " ابن عرب ‪ : -‬إنم يأخذون من العدن الذي يأخذ منه اللك‬
‫)‬ ‫‪28‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫الذي يوحى به إل الرسول ‪ ،‬وذلك أنم اعتقدوا " عقيدة التفلسفة " ث أخرجوها ف قالب " الكاشفة " وذلك أن‬
‫التفلسفة الذين قالوا إن الفلك قدية أزلية لا علة تتشبه با كما يقوله أرسطو وأتباعه ‪ ،‬أو لا موجب بذاته كما‬
‫يقوله متأخروهم ‪ :‬كابن سينا وأمثاله ول يقولون إنا لرب خلق السموات والرض وما بينهما ف ستة أيام ول خلق‬
‫الشياء بشيئته وقدرته ول يعلم الزئيات ‪ ،‬بل إما أن ينكروا علمه مطلقا كقول أرسطو ‪ ،‬أو يقولوا إنا يعلم ف‬
‫المور التغية كلياتا كما يقوله ابن سينا وحقيقة هذا القول إنكار علمه با ‪ ،‬فإن كل موجود ف الارج فهو معي‬
‫جزئي ‪ :‬الفلك كل معي منها جزئي وكذلك جيع العيان وصفاتا وأفعالا فمن ل يعلم إل الكليات ل يعلم شيئا‬
‫من الوجودات والكليات إنا توجد كليات ف الذهان ل ف العيان ‪.‬‬
‫والكلم على هؤلء مبسوط ف موضع آخر ف " رد تعارض العقل والنقل " وغيه ‪ .‬فإن كفر هؤلء أعظم من‬
‫كفر اليهود والنصارى بل ومشركي العرب فإن جيع هؤلء يقولون إن ال خلق السموات والرض وإنه خلق‬
‫الخلوقات بشيئته وقدرته وأرسطو ونوه من التفلسفة واليونان كانوا يعبدون الكواكب والصنام وهم ل يعرفون‬
‫اللئكة والنبياء وليس ف كتب أرسطو ذكر شيء من ذلك وإنا غالب علوم القوم المور الطبيعية وأما المور اللية‬
‫فكل منهم فيها قليل الصواب كثي الطأ واليهود والنصارى بعد النسخ والتبديل أعلم بالليات منهم بكثي ‪ ،‬ولكن‬
‫متأخروهم كابن سينا أرادوا أن يلفقوا بي كلم أولئك وبي ما جاءت به الرسل ‪ ،‬فأخذوا أشياء من أصول الهمية‬
‫والعتزلة وركبوا مذهبا قد يعتزي إليه متفلسفة أهل اللل ‪ ،‬وفيه من الفساد والتناقض ما قد نبهنا على بعضه ف غي‬
‫هذا الوضع ‪ .‬وهؤلء لا رأوا أمر الرسل كموسى وعيسى وممد صلى ال عليه وسلم قد بر العال واعترفوا بأن‬
‫الناموس الذي بعث به ممد صلى ال عليه وسلم أعظم ناموس طرق العال ووجدوا النبياء قد ذكروا اللئكة والن‬
‫أرادوا أن يمعوا بي ذلك وبي أقوال سلفهم اليونان الذين هم أبعد اللق عن معرفة ال وملئكته وكتبه ورسله‬
‫واليوم الخر وأولئك قد أثبتوا عقول عشرة يسمونا " الجردات " " والفارقات " ‪ .‬وأصل ذلك مأخوذ من مفارقة‬
‫النفس للبدن وسوا تلك " الفارقات " لفارقتها الادة وتردها عنها ‪ .‬وأثبتوا الفلك لكل فلك نفسا وأكثرهم جعلوها‬
‫أعراضا وبعضهم جعلها جواهر ‪ .‬وهذه " الجردات " الت أثبتوها ترجع عند التحقيق إل أمور موجودة ف الذهان ل‬
‫ف العيان كما أثبت أصحاب أفلطون " المثال الفلطونية الجردة " أثبتوا هيول مردة عن الصورة ومدة وخلء‬
‫مردين وقد اعترف حذاقهم بأن ذلك إنا يتحقق ف الذهان ل ف العيان ‪ ،‬فلما أراد هؤلء التأخرون منهم كابن‬
‫سينا أن يثبت أمر النبوات على أصولم الفاسدة وزعموا أن النبوة لا خصائص ثلثة من اتصف با فهو نب ‪ ( .‬الول‬
‫‪ :‬أن تكون له قوة علمية يسمونا القوة القدسية ينال با من العلم بل تعلم ‪ ( .‬الثان ‪ :‬أن يكون له قوة تيلية تيل له‬
‫ما يعقل ف نفسه بيث يرى ف نفسه صورا أو يسمع ف نفسه أصواتا كما يراه النائم ويسمعه ول يكون لا وجود ف‬
‫الارج وزعموا أن تلك الصور هي ملئكة ال وتلك الصوات هي كلم ال تعال ‪ ( .‬الثالث ‪ :‬أن يكون له قوة فعالة‬
‫يؤثر با ف هيول العال وجعلوا معجزات النبياء وكرامات الولياء وخوارق السحرة هي قوى النفس فأقروا من ذلك‬
‫)‬ ‫‪29‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫با يوافق أصولم من قلب العصا حية دون انشقاق القمر ونو ذلك ‪ ،‬فإنم ينكرون وجود هذا ‪ .‬وقد بسطنا الكلم‬
‫على هؤلء ف مواضع ‪ .‬وبينا أن كلمهم هذا أفسد الكلم وأن هذا الذي جعلوه من الصائص يصل ما هو أعظم‬
‫منه لحاد العامة ولتباع النبياء وأن اللئكة الت أخبت با الرسل أحياء ناطقون أعظم ملوقات ال وهم كثيون‬
‫كما قال تعال ‪ { :‬وما يعلم جنود ربك إل هو } وليسوا عشرة وليسوا أعراضا ل سيما وهؤلء يزعمون أن الصادر‬
‫الول هو " العقل الول " وعنه صدر كل ما دونه و " العقل الفعال العاشر " رب كل ما تت فلك القمر ‪.‬‬
‫وهذا كله يعلم فساده بالضطرار من دين الرسل فليس أحد من اللئكة مبدع لكل ما سوى ال ‪ .‬وهؤلء‬
‫يزعمون أنه العقل الذكور ف حديث يروى " { أن أول ما خلق ال العقل فقال له أقبل فأقبل فقال له ‪ :‬أدبر فأدبر‬
‫فقال وعزت ما خلقت خلقا أكرم علي منك فبك آخذ وبك أعطي ولك الثواب وعليك العقاب } " ‪ .‬ويسمونه أيضا‬
‫" القلم " لا روي " { إن أول ما خلق ال القلم } " الديث رواه الترمذي ‪ .‬والديث الذي ذكروه ف العقل كذب‬
‫موضوع عند أهل العرفة بالديث كما ذكر ذلك أبو حات البست والدارقطن وابن الوزي وغيهم ‪ .‬وليس ف شيء‬
‫من دواوين الديث الت يعتمد عليها ومع هذا فلفظه لو كان ثابتا حجة عليهم ‪ ،‬فإن لفظه " { أول ما خلق ال تعال‬
‫العقل قال له ‪ -‬ويروى ‪ -‬لا خلق ال العقل قال له } " فمعن الديث أنه خاطبه ف أول أوقات خلقه ‪ ،‬ليس معناه‬
‫أنه أول الخلوقات و " أول " منصوب على الظرف كما ف اللفظ الخر ( لا وتام الديث " { ما خلقت خلقا أكرم‬
‫علي منك } " فهذا يقتضي أنه خلق قبله غيه ث قال " { فبك آخذ وبك أعطي ولك الثواب وعليك العقاب } "‬
‫فذكر أربعة أنواع من العراض وعندهم أن جيع جواهر العال العلوي والسفلي صدر عن ذلك العقل ‪ .‬فأين هذا من‬
‫هذا ؟ ! ‪ .‬وسبب غلطهم أن لفظ " العقل " ف لغة السلمي ليس هو لفظ العقل ف لغة هؤلء اليونان فإن " العقل "‬
‫ف لغة السلمي مصدر عقل يعقل عقل كما ف القرآن { وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا ف أصحاب السعي }‬
‫{ إن ف ذلك ليات لقوم يعقلون } { أفلم يسيوا ف الرض فتكون لم قلوب يعقلون با أو آذان يسمعون با }‬
‫ويراد " بالعقل " الغريزة الت جعلها ال تعال ف النسان يعقل با ‪ .‬وأما أولئك ف " العقل " عندهم جوهر قائم‬
‫بنفسه كالعاقل وليس هذا مطابقا للغة الرسل والقرآن ‪ .‬وعال اللق عندهم كما يذكره أبو حامد عال الجسام العقل‬
‫والنفوس فيسميها عال المر وقد يسمى " العقل " عال البوت " والنفوس " عال اللكوت ‪ ،‬و " الجسام " عال‬
‫اللك ويظن من ل يعرف لغة الرسل ول يعرف معن الكتاب والسنة أن ما ف الكتاب والسنة من ذكر اللك واللكوت‬
‫والبوت موافق لذا وليس المر كذلك ‪ .‬وهؤلء يلبسون على السلمي تلبيسا كثيا كإطلقهم أن " الفلك " مدث‬
‫‪ :‬أي معلول مع إنه قدي عندهم والحدث ل يكون إل مسبوقا بالعدم ليس ف لغة العرب ول ف لغة أحد أنه يسمى‬
‫القدي الزل مدثا وال قد أخب أنه خالق كل شيء وكل ملوق فهو مدث وكل مدث كائن بعد أن ل يكن ‪ ،‬لكن‬
‫ناظرهم أهل الكلم من الهمية والعتزلة مناظرة قاصرة ل يعرفوا با ما أخبت به الرسل ول أحكموا فيها قضايا‬
‫العقول فل للسلم نصروا ول للعداء كسروا وشاركوا أولئك ف بعض قضاياهم الفاسدة ونازعوهم ف بعض‬
‫)‬ ‫‪30‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫العقولت الصحيحة فصار قصور هؤلء ف العلوم السمعية والعقلية من أسباب قوة ضلل أولئك كما قد بسط ف غي‬
‫هذا الوضع ‪ .‬وهؤلء التفلسفة قد يعلون " جبيل " هو اليال الذي يتشكل ف نفس النب صلى ال عليه وسلم‬
‫واليال تابع للعقل فجاء اللحدة الذين شاركوا هؤلء اللحدة التفلسفة وزعموا أنم " أولياء ال " وأن أولياء ال‬
‫أفضل من أنبياء ال وأنم يأخذون عن ال بل واسطة كابن عرب صاحب " الفتوحات " و " الفصوص " فقال ‪ :‬إنه‬
‫يأخذ من العدن الذي أخذ منه اللك الذي يوحي به إل الرسول و " العدن " عنده هو العقل و " اللك " هو اليال‬
‫و " اليال " تابع للعقل وهو بزعمه يأخذ عن الذي هو أصل اليال والرسول يأخذ عن اليال ‪ ،‬فلهذا صار عند نفسه‬
‫فوق النب ولو كان خاصة النب ما ذكروه ل يكن هو من جنسه فضل عن أن يكون فوقه فكيف وما ذكروه يصل‬
‫لحاد الؤمني ؟ ! والنبوة أمر وراء ذلك فإن ابن عرب وأمثاله وإن ادعوا أنم من الصوفية فهم من صوفية اللحدة‬
‫الفلسفة ليسوا من صوفية أهل العلم فضل عن أن يكونوا من مشايخ أهل الكتاب والسنة ‪ :‬كالفضيل بن عياض‬
‫وإبراهيم بن أدهم وأب سليمان الداران ومعروف الكرخي والنيد بن ممد وسهل بن عبد ال التستري وأمثالم ‪-‬‬
‫رضوان ال عليهم أجعي ‪ .‬وال سبحانه وتعال قد وصف اللئكة ف كتابه بصفات تباين قول هؤلء كقوله تعال ‪:‬‬
‫{ وقالوا اتذ الرحن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون } { ل يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون } { يعلم ما بي‬
‫أيديهم وما خلفهم ول يشفعون إل لن ارتضى وهم من خشيته مشفقون } { ومن يقل منهم إن إله من دونه فذلك‬
‫نزيه جهنم كذلك نزي الظالي } وقال تعال ‪ { :‬وكم من ملك ف السموات ل تغن شفاعتهم شيئا إل من بعد أن‬
‫يأذن ال لن يشاء ويرضى } وقال تعال ‪ { :‬قل ادعوا الذين زعمتم من دون ال ل يلكون مثقال ذرة ف السموات‬
‫ول ف الرض وما لم فيهما من شرك وما له منهم من ظهي } { ول تنفع الشفاعة عنده إل لن أذن له } وقال تعال‬
‫‪ { :‬وله من ف السموات والرض ومن عنده ل يستكبون عن عبادته ول يستحسرون } { يسبحون الليل والنهار ل‬
‫يفترون } ‪.‬‬
‫وقد أخب أن اللئكة جاءت لبراهيم عليه السلم ف صورة البشر وأن اللك تثل لري بشرا سويا وكان جبيل‬
‫عليه السلم يأت النب صلى ال عليه وسلم ف صورة دحية الكلب وف صورة أعراب ويراهم الناس كذلك ‪ .‬وقد‬
‫وصف ال تعال جبيل عليه السلم بأنه ذو قوة عند ذي ذي العرش مكي ‪ ،‬مطاع ث أمي وأن ممدا صلى ال عليه‬
‫وسلم رآه بالفق البي ووصفه بأنه { شديد القوى } { ذو مرة فاستوى } { وهو بالفق العلى } { ث دنا‬
‫فتدل } { فكان قاب قوسي أو أدن } { فأوحى إل عبده ما أوحى } { ما كذب الفؤاد ما رأى } { أفتمارونه‬
‫على ما يرى } { ولقد رآه نزلة أخرى } { عند سدرة النتهى } { عندها جنة الأوى } { إذ يغشى السدرة ما‬
‫يغشى } { ما زاغ البصر وما طغى } { لقد رأى من آيات ربه الكبى } ‪ .‬وقد ثبت ف الصحيحي عن عائشة‬
‫رضي ال عنها عن النب صلى ال عليه وسلم " { إنه ل ير جبيل ف صورته الت خلق عليها غي مرتي } " يعن الرة‬
‫الول بالفق العلى والنلة الخرى عند سدرة النتهى ووصف جبيل عليه السلم ف موضع آخر بأنه الروح المي‬
‫)‬ ‫‪31‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫وأنه روح القدس إل غي ذلك من الصفات الت تبي أنه من أعظم ملوقات ال تعال الحياء العقلء وأنه جوهر قائم‬
‫بنفسه ليس خيال ف نفس النب كما زعم هؤلء اللحدة التفلسفة والدعون ولية ال وأنم أعلم من النبياء ‪ .‬وغاية‬
‫حقيقة هؤلء إنكار " أصول اليان " بأن يؤمن بال وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر وحقيقة أمرهم جحد الالق‬
‫فإنم جعلوا وجود الخلوق هو وجود الالق وقالوا ‪ :‬الوجود واحد ول ييزوا بي الواحد بالعي والواحد بالنوع فإن‬
‫الوجودات تشترك ف مسمى الوجود كما تشترك الناسي ف مسمى النسان واليوانات ف مسمى اليوان ولكن‬
‫هذا الشترك الكلي ل يكون مشتركا كليا إل ف الذهن وإل فاليوانية القائمة بذا النسان ليست هي اليوانية القائمة‬
‫بالفرس ووجود السموات ليس هو بعينه وجود النسان فوجود الالق جل جلله ليس هو كوجود ملوقاته ‪ .‬وحقيقة‬
‫قولم قول فرعون الذي عطل الصانع فإنه ل يكن منكرا هذا الوجود الشهود ‪ ،‬لكن زعم أنه موجود بنفسه ل صانع‬
‫له وهؤلء وافقوه ف ذلك ‪ ،‬لكن زعموا بأنه هو ال فكانوا أضل منه وإن كان قوله هذا هو أظهر فسادا منهم ولذا‬
‫جعلوا عباد الصنام ما عبدوا إل ال وقالوا ‪ " :‬لا كان فرعون ف منصب التحكم صاحب السيف وإن جار ف العرف‬
‫الناموسي كذلك قال أنا ربكم العلى ‪ -‬أي وإن كان الكل أربابا بنسبة ما فأنا العلى منكم با أعطيته ف الظاهر من‬
‫الكم فيكم " ‪ .‬قالوا ‪ " :‬ولا علمت السحرة صدق فرعون فيما قاله أقروا له بذلك وقالوا ‪ { :‬اقض ما أنت قاض إنا‬
‫تقضي هذه الياة الدنيا } قالوا ‪ :‬فصح قول فرعون { أنا ربكم العلى } وكان فرعون عي الق " ث أنكروا حقيقة‬
‫اليوم الخر فجعلوا أهل النار يتنعمون كما يتنعم أهل النة فصاروا كافرين بال واليوم الخر وبلئكته وكتبه ورسله‬
‫مع دعواهم أنم خلصة خاصة الاصة من أهل ولية ال وأنم أفضل من النبياء وأن النبياء إنا يعرفون ال من‬
‫مشكاتم ‪ .‬وليس هذا موضع بسط إلاد هؤلء ‪ ،‬ولكن لا كان الكلم ف " أولياء ال " والفرق بي " أولياء الرحن‬
‫وأولياء الشيطان " وكان هؤلء من أعظم الناس ادعاء لولية ال وهم من أعظم الناس ولية للشيطان نبهنا على ذلك‬
‫‪ .‬ولذا عامة كلمهم إنا هو ف الالت الشيطانية ويقولون ما قاله صاحب الفتوحات ‪ ( :‬باب أرض القيقة‬
‫ويقولون هي أرض اليال ‪ .‬فتعرف بأن القيقة الت يتكلم فيها هي خيال ومل تصرف الشيطان فإن الشيطان ييل‬
‫للنسان المور بلف ما هي عليه قال تعال ‪ { :‬ومن يعش عن ذكر الرحن نقيض له شيطانا فهو له قرين }‬
‫{ وإنم ليصدونم عن السبيل ويسبون أنم مهتدون } { حت إذا جاءنا قال يا ليت بين وبينك بعد الشرقي فبئس‬
‫القرين } { ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم ف العذاب مشتركون } ‪ .‬وقال تعال ‪ { :‬إن ال ل يغفر أن يشرك به‬
‫ويغفر ما دون ذلك لن يشاء ومن يشرك بال فقد ضل ضلل بعيدا } إل قوله ‪ { - :‬يعدهم وينيهم وما يعدهم‬
‫الشيطان إل غرورا } ‪ .‬وقال تعال ‪ { :‬وقال الشيطان لا قضي المر إن ال وعدكم وعد الق ووعدتكم فأخلفتكم‬
‫وما كان ل عليكم من سلطان إل أن دعوتكم فاستجبتم ل فل تلومون ولوموا أنفسكم ما أنا بصرخكم وما أنتم‬
‫بصرخي إن كفرت با أشركتمون من قبل إن الظالي لم عذاب أليم } وقال تعال ‪ { :‬وإذ زين لم الشيطان‬
‫أعمالم وقال ل غالب لكم اليوم من الناس وإن جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إن بريء منكم‬
‫)‬ ‫‪32‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫إن أرى ما ل ترون إن أخاف ال وال شديد العقاب } وقد روي عن النب صلى ال عليه وسلم ف الديث الصحيح‬
‫" { إنه رأى جبيل يزع اللئكة } " والشياطي إذا رأت ملئكة ال الت يؤيد با عباده هربت منهم وال يؤيد عباده‬
‫الؤمني بلئكته ‪ .‬قال تعال ‪ { :‬إذ يوحي ربك إل اللئكة أن معكم فثبتوا الذين آمنوا } وقال تعال ‪ { :‬يا أيها‬
‫الذين آمنوا اذكروا نعمة ال عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريا وجنودا ل تروها } ‪ .‬وقال تعال ‪ { :‬إذ‬
‫يقول لصاحبه ل تزن إن ال معنا فأنزل ال سكينته عليه وأيده بنود ل تروها } وقال تعال ‪ { :‬إذ تقول للمؤمني‬
‫ألن يكفيكم أن يدكم ربكم بثلثة آلف من اللئكة منلي } { بلى إن تصبوا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا‬
‫يددكم ربكم بمسة آلف من اللئكة مسومي } وهؤلء تأتيهم أرواح تاطبهم وتتمثل لم وهي جن وشياطي‬
‫فيظنونا ملئكة كالرواح الت تاطب من يعبد الكواكب والصنام وكان من أول ما ظهر من هؤلء ف السلم ‪:‬‬
‫الختار بن أب عبيد الذي أخب به النب صلى ال عليه وسلم ف الديث الصحيح الذي رواه مسلم ف صحيحه عن‬
‫النب صلى ال عليه وسلم أنه قال " { سيكون ف ثقيف كذاب ومبي } " وكان الكذاب ‪ :‬الختار بن أب عبيد والبي‬
‫‪ :‬الجاج بن يوسف ‪ .‬فقيل لبن عمر وابن عباس ‪ :‬إن الختار يزعم أنه ينل إليه فقال ‪ :‬صدق قال ال تعال ‪:‬‬
‫{ هل أنبئكم على من تنل الشياطي } { تنل على كل أفاك أثيم } ‪ .‬وقال الخر وقيل له إن الختار يزعم أنه‬
‫يوحى إليه فقال ‪ :‬قال ال تعال ‪ { :‬وإن الشياطي ليوحون إل أوليائهم ليجادلوكم } ‪ .‬وهذه الرواح الشيطانية هي‬
‫الروح الذي يزعم صاحب " الفتوحات " أنه ألقي إليه ذلك الكتاب ‪ ،‬ولذا يذكر أنواعا من اللوات بطعام معي‬
‫وشيء معي وهذه ما تفتح لصاحبها اتصال بالن والشياطي فيظنون ذلك من كرامات الولياء وإنا هو من الحوال‬
‫الشيطانية وأعرف من هؤلء عددا ومنهم من كان يمل ف الواء إل مكان بعيد ويعود ومنهم من كان يؤتى بال‬
‫مسروق تسرقه الشياطي وتأتيه به ومنهم من كانت تدله على السرقات بعل يصل له من الناس أو بعطاء يعطونه إذا‬
‫دلم على سرقاتم ونو ذلك ‪ .‬ولا كانت أحوال هؤلء شيطانية كانوا مناقضي للرسل صلوات ال تعال وسلمه‬
‫عليهم كما يوجد ف كلم صاحب " الفتوحات الكية " و " الفصوص " وأشباه ذلك يدح الكفار مثل قوم نوح‬
‫وهود وفرعون وغيهم ويتنقص النبياء ‪ :‬كنوح وإبراهيم وموسى وهارون ويذم شيوخ السلمي الحمودين عند‬
‫السلمي ‪ :‬كالنيد بن ممد وسهل بن عبد ال التستري ويدح الذمومي عند السلمي ‪ :‬كاللج ونوه كما ذكره‬
‫ف تلياته اليالية الشيطانية ‪ ،‬فإن النيد ‪ -‬قدس ال روحه ‪ -‬كان من أئمة الدى فسئل عن التوحيد فقال ‪" :‬‬
‫التوحيد " إفراد الدوث عن القدم ‪ .‬فبي أن التوحيد أن تيز بي القدي والحدث وبي الالق والخلوق ‪ .‬وصاحب "‬
‫الفصوص " أنكر هذا ‪ ،‬وقال ف ماطبته اليالية الشيطانية له ‪ :‬يا جنيد ! هل ييز بي الحدث والقدي إل من يكون‬
‫غيها ؟ فخطأ النيد ف قوله ‪ ( :‬إفراد الدوث عن القدم ‪ ،‬لن قوله هو ‪ :‬إن وجود الحدث هو عي وجود القدي‬
‫كما قال ف فصوصه ‪ " :‬ومن أسائه السن " العلي " على من ؟ وما ث إل هو وعن ماذا ؟ وما هو إل هو فعلوه‬
‫لنفسه وهو عي الوجودات فالسمى مدثات هي العلية لذاته وليست إل هو " إل أن قال ‪ " :‬هو عي ما بطن وهو‬
‫)‬ ‫‪33‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫عي ما ظهر وما ث من يراه غيه وما ث من ينطق عنه سواه وهو السمى أبو سعيد الراز وغي ذلك من الساء‬
‫الحدثات " ‪.‬‬
‫فيقال لذا اللحد ‪ :‬ليس من شرط الميز بي الشيئي بالعلم والقول أن يكون ثالثا غيها فإن كل واحد من‬
‫الناس ييز بي نفسه وغيه وليس هو ثالث فالعبد يعرف أنه عبد وييز بي نفسه وبي خالقه والالق جل جلله ييز‬
‫بي نفسه وبي ملوقاته ويعلم أنه ربم وأنم عباده كما نطق بذلك القرآن ف غي موضع والستشهاد بالقرآن عند‬
‫الؤمني الذين يقرون به باطنا وظاهرا ‪ .‬وأما هؤلء اللحدة فيزعمون ما كان يزعمه التلمسان منهم ‪ -‬وهو أحذقهم‬
‫ف اتادهم ‪ -‬لا قرئ عليه " الفصوص " فقيل له ‪ :‬القرآن يالف فصوصكم ‪ .‬فقال ‪ :‬القرآن كله شرك وإنا التوحيد‬
‫ف كلمنا ‪ .‬فقيل له ‪ :‬فإذا كان الوجود واحدا فلم كانت الزوجة حلل والخت حراما ؟ فقال ‪ :‬الكل عندنا حلل‬
‫ولكن هؤلء الحجوبون قالوا حرام فقلنا حرام عليكم ‪ .‬وهذا مع كفره العظيم متناقض ظاهر فإن الوجود إذا كان‬
‫واحدا فمن الحجوب ومن الاجب ؟ ولذا قال بعض شيوخهم لريده ‪ :‬من قال لك ‪ :‬إن ف الكون سوى ال فقد‬
‫كذب ‪ .‬فقال له مريده ‪ :‬فمن هو الذي يكذب ؟ وقالوا لخر ‪ :‬هذه مظاهر ‪ .‬فقال لم ‪ :‬الظاهر غي الظاهر أم هي ؟‬
‫فإن كانت غيها فقد قلتم بالنسبة وإن كانت إياها فل فرق ‪ .‬وقد بسطنا الكلم على كشف أسرار هؤلء ف موضع‬
‫آخر وبينا حقيقة قول كل واحد منهم وأن صاحب " الفصوص " يقول العدوم شيء ‪ ،‬ووجود الق قاض عليه فيفرق‬
‫بي الوجود والثبوت ‪ .‬والعتزلة الذين قالوا ‪ :‬العدوم شيء ثابت ف الارج مع ضللم خي منه فإن أولئك قالوا ‪ :‬إن‬
‫الرب خلق لذه الشياء الثابتة ف العدم وجودا ليس هو وجود الرب ‪ .‬وهذا زعم أن عي وجود الرب فاض عليه‬
‫فليس عنده وجود ملوق مباين لوجود الالق وصاحبه الصدر القونوي يفرق بي الطلق والعي لنه كان أقرب إل‬
‫الفلسفة فلم يقر بأن العدوم شيء ‪ ،‬لكن جعل الق هو الوجود الطلق وصنف " مفتاح غيب المع والوجود " ‪.‬‬
‫وهذا القول أدخل ف تعطيل الالق وعدمه فإن الطلق بشرط الطلق ‪ -‬وهو الكلي العقلي ل يكون إل ف الذهان ل‬
‫ف العيان والطلق ل بشرط وهو الكلي الطبيعي ‪ -‬وإن قيل إنه موجود ف الارج فل يوجد ف الارج إل معينا وهو‬
‫جزء من العي عند من يقول بثبوته ف الارج فيلزم أن يكون وجود الرب إما منتفيا ف الارج وإما أن يكون جزءا‬
‫من وجود الخلوقات وإما أن يكون عي وجود الخلوقات ‪ .‬وهل يلق الزء الكل أم يلق الشيء نفسه ؟ أم العدم‬
‫يلق الوجود ؟ أو يكون بعض الشيء خالقا لميعه ؟ ! ‪.‬‬
‫وهؤلء يفرون من لفظ " اللول " لنه يقتضي حال ومل ومن لفظ " التاد " لنه يقتضي شيئي اتد‬
‫أحدها بالخر وعندهم الوجود واحد ‪ .‬ويقولون ‪ :‬النصارى إنا كفروا لا خصصوا السيح بأنه هو ال ولو عمموا لا‬
‫كفروا ‪ .‬وكذلك يقولون ف عباد الصنام ‪ :‬إنا أخطئوا لا عبدوا بعض الظاهر دون بعض فلو عبدوا الميع لا‬
‫أخطئوا عندهم ‪ .‬والعارف الحقق عندهم ل يضره عبادة الصنام ‪ .‬وهذا مع ما فيه من الكفر العظيم ففيه ما يلزمهم‬
‫دائما من التناقض لنه يقال لم ‪ :‬فمن الخطئ ؟ لكنهم يقولون ‪ :‬إن الرب هو الوصوف بميع النقائص الت يوصف‬
‫)‬ ‫‪34‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫با الخلوق ‪ .‬ويقولون ‪ :‬إن الخلوقات توصف بميع الكمالت الت يوصف با الالق ويقولون ما قاله صاحب "‬
‫الفصوص " ‪ " :‬فالعلي لنفسه هو الذي يكون له الكمال الذي يستوعب به جيع النعوت الوجودية والنسب العدمية‬
‫سواء كانت ممودة عرفا أو عقل أو شرعا أو مذمومة عرفا وعقل وشرعا وليس ذلك إل لسمى ال خاصة " ‪ .‬وهم‬
‫مع كفرهم هذا ل يندفع عنهم التناقض فإنه معلوم بالس والعقل أن هذا ليس هو ذاك وهؤلء يقولون ما كان يقوله‬
‫التلمسان ‪ :‬إنه ثبت عندنا ف الكشف ما يناقض صريح العقل ‪ .‬ويقولون ‪ :‬من أراد التحقيق ‪ -‬يعن تقيقهم ‪ -‬فليترك‬
‫العقل والشرع ‪.‬‬
‫وقد قلت لن خاطبته منهم ‪ :‬ومعلوم أن كشف النبياء أعظم وأت من كشف غيهم وخبهم أصدق من خب‬
‫غيهم ‪ ،‬والنبياء صلوات ال وسلمه عليهم يبون با تعجز عقول الناس عن معرفته ‪ ،‬ل با يعرف الناس بعقولم‬
‫أنه متنع فيخبون بحارات العقول ل بحالت العقول ويتنع أن يكون ف إخبار الرسول ما يناقض صريح العقول‬
‫ويتنع أن يتعارض دليلن قطعيان ‪ :‬سواء كانا عقليي أو سعيي أو كان أحدها عقليا والخر سعيا فكيف بن ادعى‬
‫كشفا يناقض صريح الشرع والعقل ؟ ‪ .‬وهؤلء قد ل يتعمدون الكذب لكن ييل لم أشياء تكون ف نفوسهم‬
‫ويظنونا ف الارج وأشياء يرونا تكون موجودة ف الارج لكن يظنونا من كرامات الصالي وتكون من تلبيسات‬
‫الشياطي ‪ .‬وهؤلء الذين يقولون بالوحدة قد يقدمون الولياء على النبياء ويذكرون أن النبوة ل تنقطع كما يذكر‬
‫عن ابن سبعي وغيه ويعلون الراتب " ثلثة " يقولون ‪ :‬العبد يشهد أول طاعة معصية ث طاعة بل معصية ث ل‬
‫طاعة ول معصية و " الشهود الول " هو الشهود الصحيح وهو الفرق بي الطاعات والعاصي وأما " الشهود الثان "‬
‫فييدون به شهود القدر كما أن بعض هؤلء يقول ‪ :‬أنا كافر برب يعصى وهذا يزعم أن العصية مالفة الرادة الت‬
‫هي الشيئة ‪ .‬واللق كلهم داخلون تت حكم الشيئة ويقول شاعرهم ‪ :‬أصبحت منفعل لا تتاره من ففعلي كله‬
‫طاعات ومعلوم أن هذا خلف ما أرسل ال به رسله وأنزل به كتبه ‪ ،‬فإن العصية الت يستحق صاحبها الذم والعقاب‬
‫مالفة أمر ال ورسوله كما قال تعال ‪ { :‬تلك حدود ال ومن يطع ال ورسوله يدخله جنات تري من تتها النار‬
‫خالدين فيها وذلك الفوز العظيم } { ومن يعص ال ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهي }‬
‫وسنذكر الفرق بي الرادة الكونية والدينية والمر الكون والدين ‪ .‬وكانت هذه " السألة " قد اشتبهت على طائفة‬
‫من الصوفية فبينها النيد رحه ال لم من اتبع النيد فيها كان على السداد ومن خالفه ضل لنم تكلموا ف أن المور‬
‫كلها بشيئة ال وقدرته وف شهود هذا التوحيد وهذا يسمونه المع الول فبي لم النيد أنه ل بد من شهود الفرق‬
‫الثان وهو أنه مع شهود كون الشياء كلها مشتركة ف مشيئة ال وقدرته وخلقه يب الفرق بي ما يأمر به ويبه‬
‫ويرضاه وبي ما ينهى عنه ويكرهه ويسخطه ويفرق بي أوليائه وأعدائه كما قال تعال ‪ { :‬أفنجعل السلمي‬
‫كالجرمي ما لكم كيف تكمون } وقال تعال ‪ { :‬أم نعل الذين آمنوا وعملوا الصالات كالفسدين ف الرض أم‬
‫نعل التقي كالفجار } وقال تعال ‪ { :‬أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نعلهم كالذين آمنوا وعملوا‬
‫)‬ ‫‪35‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫الصالات سواء مياهم وماتم ساء ما يكمون } وقال تعال ‪ { :‬وما يستوي العمى والبصي والذين آمنوا وعملوا‬
‫الصالات ول السيء قليل ما تتذكرون } ‪ .‬ولذا كان مذهب سلف المة وأئمتها أن ال خالق كل شيء وربه‬
‫ومليكه ما شاء كان وما ل يشأ ل يكن ‪ ،‬ل رب غيه وهو مع ذلك أمر بالطاعة ونى عن العصية وهو ل يب‬
‫الفساد ول يرضى لعباده الكفر ول يأمر بالفحشاء وإن كانت واقعة بشيئته فهو ل يبها ول يرضاها بل يبغضها ويذم‬
‫أهلها ويعاقبهم ‪ .‬وأما " الرتبة الثالثة أن ل يشهد طاعة ول معصية ‪ -‬فإنه يرى أن الوجود واحد وعندهم أن هذا غاية‬
‫التحقيق والولية ل ‪ ،‬وهو ف القيقة غاية اللاد ف أساء ال وآياته وغاية العداوة ل فإن صاحب هذا الشهد يتخذ‬
‫اليهود والنصارى وسائر الكفار أولياء وقد قال تعال ‪ { :‬ومن يتولم منكم فإنه منهم } ول يتبأ من الشرك والوثان‬
‫فيخرج عن ملة إبراهيم الليل صلوات ال وسلمه عليه قال ال تعال ‪ { :‬قد كانت لكم أسوة حسنة ف إبراهيم‬
‫والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم وما تعبدون من دون ال كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا‬
‫حت تؤمنوا بال وحده } وقال الليل عليه السلم لقومه الشركي ‪ { :‬أفرأيتم ما كنتم تعبدون } { أنتم وآباؤكم‬
‫القدمون } { فإنم عدو ل إل رب العالي } وقال تعال ‪ { :‬ل تد قوما يؤمنون بال واليوم الخر يوادون من حاد‬
‫ال ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانم أو عشيتم أولئك كتب ف قلوبم اليان وأيدهم بروح منه } ‪.‬‬
‫وهؤلء قد صنف بعضهم كتبا وقصائد على مذهبه مثل قصيدة ابن الفارض السماة ب " نظم السلوك " يقول فيها ‪:‬‬
‫لا صلت بالقام أقيمها وأشهد فيها أنا ل صلت كلنا مصل واحد ساجد إل حقيقته بالمع ف كل سجدة وما‬
‫كان ل صلى سوائي ول تكن صلت لغيي ف أدا كل ركعة ( إل أن قال وما زلت إياها وإياي ل تزل ول فرق بل‬
‫ذات لذات أحبت إل رسول كنت من مرسل وذات بآيات علي استدلت فإن دعيت كنت الجيب وإن أكن منادى‬
‫أجابت من دعان ولبت إل أمثال هذا الكلم ‪ ،‬ولذا كان هذا القائل عند الوت ينشد ويقول ‪ :‬إن كان منلت ف‬
‫الب عندكم ما قد لقيت فقد ضيعت أيامي أمنية ظفرت نفسي با زمنا واليوم أحسبها أضغاث أحلم فإنه كان يظن‬
‫أنه هو ال فلما حضرت ملئكة ال لقبض روحه تبي له بطلن ما كان يظنه وقال ال تعال ‪ { :‬سبح ل ما ف‬
‫السموات والرض وهو العزيز الكيم } فجميع ما ف السموات والرض يسبح ل ‪ ،‬ليس هو ال ث قال تعال ‪ { :‬له‬
‫ملك السموات والرض ييي وييت وهو على كل شيء قدير } { هو الول والخر والظاهر والباطن وهو بكل‬
‫شيء عليم } ‪ .‬وف صحيح مسلم عن النب صلى ال عليه وسلم أنه كان يقول ف دعائه ‪ { " :‬اللهم رب السموات‬
‫السبع ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شيء فالق الب والنوى منل التوراة والنيل والقرآن أعوذ بك من شر‬
‫كل دابة أنت آخذ بناصيتها أنت الول فليس قبلك شيء وأنت الخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك‬
‫شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عن الدين واغنن من الفقر } " ‪ .‬ث قال ‪ { :‬هو الذي خلق السموات‬
‫والرض ف ستة أيام ث استوى على العرش يعلم ما يلج ف الرض وما يرج منها وما ينل من السماء وما يعرج فيها‬
‫وهو معكم أينما كنتم وال با تعملون بصي } فذكر أن السموات والرض ‪ -‬وف موضع آخر ‪ ( -‬وما بينهما‬
‫)‬ ‫‪36‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫ملوق مسبح له وأخب سبحانه أنه يعلم كل شيء ‪ .‬وأما قوله ( وهو معكم فلفظ ( مع ل تقتضي ف لغة العرب أن‬
‫يكون أحد الشيئي متلطا بالخر كقوله تعال { اتقوا ال وكونوا مع الصادقي } وقوله تعال ‪ { :‬ممد رسول ال‬
‫والذين معه أشداء على الكفار } وقوله تعال ‪ { :‬والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم } ‪.‬‬
‫ولفظ ( مع ) جاءت ف القرآن عامة وخاصة ف " العامة " ف هذه الية وف آية الجادلة { أل تر أن ال يعلم ما ف‬
‫السموات وما ف الرض ما يكون من نوى ثلثة إل هو رابعهم ول خسة إل هو سادسهم ول أدن من ذلك ول‬
‫أكثر إل هو معهم أينما كانوا ث ينبئهم با عملوا يوم القيامة إن ال بكل شيء عليم } فافتتح الكلم بالعلم وختمه‬
‫بالعلم ‪ ،‬ولذا قال ابن عباس والضحاك وسفيان الثوري وأحد بن حنبل ‪ :‬هو معهم بعلمه ‪ .‬وأما " العية الاصة "‬
‫ففي قوله تعال ‪ { :‬إن ال مع الذين اتقوا والذين هم مسنون } وقوله تعال لوسى ‪ { :‬إنن معكما أسع وأرى }‬
‫وقال تعال ‪ { :‬إذ يقول لصاحبه ل تزن إن ال معنا } يعن النب صلى ال عليه وسلم وأبا بكر رضي ال عنه فهو‬
‫مع موسى وهارون دون فرعون ومع ممد وصاحبه دون أب جهل وغيه من أعدائه ومع الذين اتقوا والذين هم‬
‫مسنون دون الظالي العتدين ‪ .‬فلو كان معن " العية " أنه بذاته ف كل مكان تناقض الب الاص والب العام ‪ ،‬بل‬
‫العن أنه مع هؤلء بنصره وتأييده دون أولئك ‪ .‬وقوله تعال ‪ { :‬وهو الذي ف السماء إله وف الرض إله } أي هو‬
‫إله من ف السموات وإله من ف الرض كما قال ال تعال ‪ { :‬وله الثل العلى ف السموات والرض وهو العزيز‬
‫الكيم } وكذلك وقوله تعال ‪ { :‬وهو ال ف السموات وف الرض } كما فسره أئمة العلم كالمام أحد وغيه ‪:‬‬
‫أنه العبود ف السموات والرض ‪ .‬وأجع سلف المة وأئمتها على أن الرب تعال بائن من ملوقاته يوصف با وصف‬
‫به نفسه وبا وصفه به رسوله صلى ال عليه وسلم من غي تريف ول تعطيل ومن غي تكييف ول تثيل يوصف‬
‫بصفات الكمال دون صفات النقص ويعلم أنه ليس كمثله شيء ف صفات الكمال كما قال ال تعال ‪ { :‬قل هو ال‬
‫أحد } { ال الصمد } { ل يلد ول يولد } { ول يكن له كفوا أحد } قال ابن عباس ‪ ( :‬الصمد العليم الذي‬
‫كمل ف علمه العظيم الذي كمل ف عظمته القدير الكامل ف قدرته الكيم الكامل ف حكمته السيد الكامل ف‬
‫سؤدده ‪ .‬وقال ابن مسعود وغيه ‪ :‬هو الذي ل جوف له ‪ .‬و الحد الذي ل نظي له ‪ .‬فاسه الصمد يتضمن اتصافه‬
‫بصفات الكمال ونفي النقائص عنه واسه الحد يتضمن اتصافه أنه ل مثل له ‪ .‬وقد بسطنا الكلم على ذلك ف تفسي‬
‫هذه السورة وف كونا تعدل ثلث القرآن ‪.‬‬

‫فصل‬

‫وكثي من الناس تشتبه عليهم القائق المرية الدينية اليانية بالقائق اللقية القدرية الكونية ‪ ،‬فإن ال سبحانه‬
‫وتعال له اللق والمر كما قال تعال ‪ { :‬إن ربكم ال الذي خلق السموات والرض ف ستة أيام ث استوى على‬
‫)‬ ‫‪37‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره أل له اللق والمر تبارك ال رب‬
‫العالي } فهو سبحانه خالق كل شيء وربه ومليكه ل خالق غيه ول رب سواه ما شاء كان وما ل يشأ ل يكن‬
‫فكل ما ف الوجود من حركة وسكون فبقضائه وقدره ومشيئته وقدرته وخلقه وهو سبحانه أمر بطاعته وطاعة رسله‬
‫ونى عن معصيته ومعصية رسله أمر بالتوحيد والخلص ونى عن الشراك بال فأعظم السنات التوحيد وأعظم‬
‫السيئات الشرك ‪ .‬قال ال تعال ‪ { :‬إن ال ل يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لن يشاء } وقال تعال ‪ { :‬ومن‬
‫الناس من يتخذ من دون ال أندادا يبونم كحب ال والذين آمنوا أشد حبا ل } ‪ .‬وف الصحيحي عن ابن مسعود‬
‫رضي ال عنه قال ‪ { " :‬قلت يا رسول ال ! أي الذنب أعظم ؟ قال أن تعل ل ندا وهو خلقك قلت ‪ :‬ث أي ؟ قال‬
‫‪ :‬أن تقتل ولدك مافة أن يطعم معك قلت ‪ :‬ث أي ؟ قال ‪ :‬أن تزن بليلة جارك ‪ .‬فأنزل ال تصديق ذلك { والذين‬
‫ل يدعون مع ال إلا آخر ول يقتلون النفس الت حرم ال إل بالق ول يزنون ومن يفعل ذلك يلق آثاما } { يضاعف‬
‫له العذاب يوم القيامة ويلد فيه مهانا } { إل من تاب وآمن وعمل عمل صالا فأولئك يبدل ال سيئاتم حسنات‬
‫وكان ال غفورا رحيما } } ‪.‬‬
‫وأمر سبحانه بالعدل والحسان وإيتاء ذي القرب ونى عن الفحشاء والنكر والبغي وأخب أنه يب التقي‬
‫ويب الحسني ويب القسطي ‪ ،‬ويب التوابي ويب التطهرين ويب الذين يقاتلون ف سبيله صفا كأنم بنيان‬
‫مرصوص وهو يكره ما نى عنه كما قال ف سورة سبحان { كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها } وقد نى عن‬
‫الشرك وعقوق الوالدين ‪ ،‬وأمر بإيتاء ذي القرب القوق ونى عن التبذير ‪ ،‬وعن التقتي ‪ ،‬وأن يعل يده مغلولة إل‬
‫عنقه ‪ ،‬وأن يبسطها كل البسط ونى عن قتل النفس بغي الق وعن الزنا وعن قربان مال اليتيم إل بالت هي أحسن‬
‫إل أن قال { كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها } وهو سبحانه ل يب الفساد ول يرضى لعباده الكفر ‪.‬‬

‫والعبد مأمور أن يتوب إل ال تعال دائما قال ال تعال ‪ { :‬وتوبوا إل ال جيعا أيها الؤمنون لعلكم‬
‫تفلحون } وف صحيح البخاري عن النب صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪ { " :‬أيها الناس توبوا إل ربكم فوالذي‬
‫نفسي بيده إن لستغفر ال وأتوب إليه ف اليوم أكثر من سبعي مرة } " وف صحيح مسلم عنه صلى ال عليه وسلم‬
‫أنه قال ‪ { " :‬إنه ليغان على قلب وإن لستغفر ال ف اليوم مائة مرة } " وف السنن عن ابن عمر قال ‪ { :‬كنا نعد‬
‫لرسول ال صلى ال عليه وسلم ف الجلس الواحد يقول رب اغفر ل وتب علي إنك أنت التواب الرحيم مائة مرة أو‬
‫قال أكثر من مائة مرة } " وقد أمر ال سبحانه عباده أن يتموا العمال الصالات بالستغفار فكان النب صلى ال‬
‫عليه وسلم إذا سلم من الصلة يستغفر ثلثا ويقول " { اللهم أنت السلم ومنك السلم تباركت يا ذا اللل‬
‫والكرام } " كما ثبت ذلك ف الديث الصحيح عنه وقد قال تعال ‪ { :‬والستغفرين بالسحار } فأمرهم أن‬
‫يقوموا بالليل ويستغفروا بالسحار ‪ .‬وكذلك ختم سورة الزمل وهي سورة قيام الليل بقوله تعال ‪ { :‬واستغفروا ال‬
‫)‬ ‫‪38‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫إن ال غفور رحيم } وكذلك قال ف الج ‪ { :‬فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا ال عند الشعر الرام واذكروه كما‬
‫هداكم وإن كنتم من قبله لن الضالي } { ث أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا ال إن ال غفور رحيم } ‪،‬‬
‫بل أنزل سبحانه وتعال ف آخر المر لا غزا النب صلى ال عليه وسلم غزوة تبوك وهي آخر غزواته ‪ { :‬لقد تاب ال‬
‫على النب والهاجرين والنصار الذين اتبعوه ف ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ث تاب عليهم إنه‬
‫بم رءوف رحيم } { وعلى الثلثة الذين خلفوا حت إذا ضاقت عليهم الرض با رحبت وضاقت عليهم أنفسهم‬
‫وظنوا أن ل ملجأ من ال إل إليه ث تاب عليهم ليتوبوا إن ال هو التواب الرحيم } وهي آخر ما نزل من القرآن ‪.‬‬
‫وقد قيل ‪ :‬إن آخر سورة نزلت قوله تعال ‪ { :‬إذا جاء نصر ال والفتح } { ورأيت الناس يدخلون ف دين ال أفواجا‬
‫} { فسبح بمد ربك واستغفره إنه كان توابا } فأمره تعال أن يتم عمله بالتسبيح والستغفار وف الصحيحي عن‬
‫عائشة رضي ال عنها أنه صلى ال عليه وسلم كان يقول ف ركوعه وسجوده ‪ { " :‬سبحانك اللهم ربنا وبمدك‬
‫اللهم اغفر ل ‪ -‬يتأول القرآن } " وف الصحيحي عنه صلى ال عليه وسلم أنه كان يقول ‪ { " :‬اللهم اغفر ل‬
‫خطيئت وجهلي وإسراف ف أمري وما أنت أعلم به من ‪ .‬اللهم اغفر ل هزل وجدي وخطئي وعمدي وكل ذلك‬
‫عندي اللهم اغفر ل ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت ل إله إل أنت } " وف الصحيحي أن أبا بكر‬
‫الصديق رضي ال عنه { قال يا رسول ال علمن دعاء أدعو به ف صلت قال ‪ :‬قل ‪ :‬اللهم إن ظلمت نفسي ظلما‬
‫كثيا ول يغفر الذنوب إل أنت فاغفر ل مغفرة من عندك وارحن إنك أنت الغفور الرحيم } " وف السنن عن أب‬
‫بكر رضي ال عنه { قال يا رسول ال علمن دعاء أدعو به إذا أصبحت وإذا أمسيت فقال قل ‪ :‬اللهم فاطر السموات‬
‫والرض عال الغيب والشهادة رب كل شيء ومليكه أشهد أن ل إله إل أنت أعوذ بك من شر نفسي ومن شر‬
‫الشيطان وشركه وأن أقترف على نفسي سوءا أو أجره إل مسلم ‪ .‬قله إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت‬
‫مضجعك } " ‪.‬‬
‫فليس لحد أن يظن استغناءه عن التوبة إل ال والستغفار من الذنوب ‪ ،‬بل كل أحد متاج إل ذلك دائما ‪.‬‬
‫قال ال تبارك وتعال ‪ { :‬وحلها النسان إنه كان ظلوما جهول } { ليعذب ال النافقي والنافقات والشركي‬
‫والشركات ويتوب ال على الؤمني والؤمنات وكان ال غفورا رحيما } فالنسان ظال جاهل وغاية الؤمني‬
‫والؤمنات التوبة وقد أخب ال تعال ف كتابه بتوبة عباده الصالي ومغفرته لم ‪ .‬وثبت ف الصحيح عن النب صلى ال‬
‫عليه وسلم أنه قال ‪ { " :‬لن يدخل النة أحد بعمله قالوا ول أنت يا رسول ال ؟ قال ول أنا إل أن يتغمدن ال‬
‫برحة منه وفضل } " وهذا ل يناف قوله { كلوا واشربوا هنيئا با أسلفتم ف اليام الالية } فإن الرسول نفى باء‬
‫القابلة والعادلة والقرآن أثبت باء السبب ‪.‬‬
‫وقول من قال ‪ :‬إذا أحب ال عبدا ل تضره الذنوب ‪ .‬معناه أنه إذا أحب عبدا ألمه التوبة والستغفار فلم يصر‬
‫على الذنوب ومن ظن أن الذنوب ل تضر من أصر عليها فهو ضال مالف للكتاب والسنة وإجاع السلف والئمة ‪،‬‬
‫)‬ ‫‪39‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫بل من يعمل مثقال ذرة خيا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ‪ .‬وإنا عباده المدوحون هم الذكورون ف قوله تعال‬
‫‪ { :‬وسارعوا إل مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والرض أعدت للمتقي } { الذين ينفقون ف السراء‬
‫والضراء والكاظمي الغيظ والعافي عن الناس وال يب الحسني } { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم‬
‫ذكروا ال فاستغفروا لذنوبم ومن يغفر الذنوب إل ال ول يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون }‬
‫ومن ظن أن " القدر " حجة لهل الذنوب فهو من جنس الشركي الذين قال ال تعال عنهم ‪ { :‬سيقول‬
‫الذين أشركوا لو شاء ال ما أشركنا ول آباؤنا ول حرمنا من شيء } قال ال تعال رادا عليهم ‪ { :‬كذلك كذب‬
‫الذين من قبلهم حت ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إل الظن وإن أنتم إل ترصون }‬
‫{ قل فلله الجة البالغة فلو شاء لداكم أجعي } ‪ .‬ولو كان " القدر " حجة لحد ل يعذب ال الكذبي للرسل‬
‫كقوم نوح وعاد وثود والؤتفكات وقوم فرعون ول يأمر بإقامة الدود على العتدين ول يتج أحد بالقدر إل إذا‬
‫كان متبعا لواه بغي هدى من ال ومن رأى القدر حجة لهل الذنوب يرفع عنهم الذم والعقاب فعليه أن ل يذم أحدا‬
‫ول يعاقبه إذا اعتدى عليه ‪ ،‬بل يستوي عنده ما يوجب اللذة وما يوجب الل فل يفرق بي من يفعل معه خيا وبي‬
‫من يفعل معه شرا وهذا متنع طبعا وعقل وشرعا ‪ .‬وقد قال تعال ‪ { :‬أم نعل الذين آمنوا وعملوا الصالات‬
‫كالفسدين ف الرض أم نعل التقي كالفجار } ؟ وقال تعال ‪ { :‬أفنجعل السلمي كالجرمي } ؟ وقال تعال ‪{ :‬‬
‫أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالات سواء مياهم وماتم ساء ما‬
‫يكمون } وقال تعال ‪ { :‬أفحسبتم أنا خلقناكم عبثا وأنكم إلينا ل ترجعون ؟ } وقال تعال { أيسب النسان أن‬
‫يترك سدى } أي مهمل ل يؤمر ول ينهى ‪ .‬وقد ثبت ف الصحيحي عن النب صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪:‬‬
‫" { احتج آدم وموسى قال موسى ‪ :‬يا آدم أنت أبو البشر خلقك ال بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملئكته‬
‫لاذا أخرجتنا ونفسك من النة فقال له آدم ‪ :‬أنت موسى الذي اصطفاك ال بكلمه وكتب لك التوراة بيده فبكم‬
‫وجدت مكتوبا علي قبل أن أخلق { وعصى آدم ربه فغوى } ؟ قال ‪ :‬بأربعي سنة [ قال ] ‪ :‬فلم تلومن على أمر‬
‫قدره ال علي قبل أن أخلق بأربعي سنة ؟ قال ‪ :‬فحج آدم موسى } " أي ‪ :‬غلبه بالجة ‪ .‬وهذا الديث ضلت فيه‬
‫طائفتان ‪ " :‬طائفة " كذبت به لا ظنوا أنه يقتضي رفع الذم والعقاب عمن عصى ال لجل القدر ‪ .‬و " طائفة " شر‬
‫من هؤلء جعلوه حجة وقد يقولون ‪ :‬القدر حجة لهل القيقة الذين شهدوه أو الذين ل يرون أن لم فعل ‪ .‬ومن‬
‫الناس من قال ‪ :‬إنا حج آدم موسى لنه أبوه أو لنه كان قد تاب أو لن الذنب كان ف شريعة واللوم ف أخرى أو‬
‫لن هذا يكون ف الدنيا دون الخرى ‪ .‬وكل هذا باطل ‪ .‬ولكن وجه الديث أن موسى عليه السلم ل يلم أباه إل‬
‫لجل الصيبة الت لقتهم من أجل أكله من الشجرة فقال له ‪ :‬لاذا أخرجتنا ونفسك من النة ؟ ل يلمه لجرد كونه‬
‫أذنب ذنبا وتاب منه ‪ ،‬فإن موسى يعلم أن التائب من الذنب ل يلم وهو قد تاب منه أيضا ولو كان آدم يعتقد رفع‬
‫اللم عنه لجل القدر ل يقل ‪ { :‬ربنا ظلمنا أنفسنا وإن ل تغفر لنا وترحنا لنكونن من الاسرين } ‪.‬‬
‫)‬ ‫‪40‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫والؤمن مأمور عند الصائب أن يصب ويسلم وعند الذنوب أن يستغفر ويتوب قال ال تعال ‪ { :‬فاصب إن‬
‫وعد ال حق واستغفر لذنبك } فأمره بالصب على الصائب والستغفار من العائب ‪ .‬وقال تعال ‪ { :‬ما أصاب من‬
‫مصيبة إل بإذن ال ومن يؤمن بال يهد قلبه } قال ابن مسعود ‪ :‬هو الرجل تصيبه الصيبة فيعلم أنا من عند ال‬
‫فيضى ويسلم فالؤمنون إذا أصابتهم مصيبة مثل الرض والفقر والذل صبوا لكم ال وإن كان ذلك بسبب ذنب‬
‫غيهم كمن أنفق أبوه ماله ف العاصي فافتقر أولده لذلك فعليهم أن يصبوا لا أصابم وإذا لموا الب لظوظهم‬
‫ذكر لم القدر ‪ .‬و " الصب " واجب باتفاق العلماء وأعلى من ذلك الرضا بكم ال و " الرضا " قد قيل ‪ :‬إنه واجب‬
‫وقيل ‪ :‬هو مستحب وهو الصحيح وأعلى من ذلك أن يشكر ال على الصيبة لا يرى من إنعام ال عليه با حيث‬
‫جعلها سببا لتكفي خطاياه ورفع درجاته وإنابته وتضرعه إليه وإخلصه له ف التوكل عليه ورجائه دون الخلوقي وأما‬
‫أهل البغي والضلل فتجدهم يتجون بالقدر إذا أذنبوا واتبعوا أهواءهم ويضيفون السنات إل أنفسهم إذا أنعم عليهم‬
‫با كما قال بعض العلماء أنت عند الطاعة قدري وعند العصية جبي ‪ ،‬أي مذهب وافق هواك تذهبت به ‪ .‬وأهل‬
‫الدى والرشاد إذا فعلوا حسنة شهدوا إنعام ال عليهم با وأنه هو الذي أنعم عليهم وجعلهم مسلمي وجعلهم يقيمون‬
‫الصلة وألمهم التقوى وأنه ل حول ول قوة إل به فزال عنهم بشهود القدر العجب والن والذى وإذا فعلوا سيئة‬
‫استغفروا ال وتابوا إليه منها ‪ ،‬ففي صحيح البخاري عن شداد بن أوس قال ‪ { :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫سيد الستغفار أن يقول العبد ‪ :‬اللهم أنت رب ل إله إل أنت خلقتن وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت‬
‫أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنب فاغفر ل فإنه ل يغفر الذنوب إل أنت من قالا إذا‬
‫أصبح موقنا با فمات من ليلته دخل النة } " ‪ .‬وف الديث الصحيح عن أب ذر رضي ال عنه عن النب صلى ال‬
‫عليه وسلم فيما يروي عن ربه تبارك وتعال أنه قال ‪ { " :‬يا عبادي إن حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم مرما‬
‫فل تظالوا يا عبادي ! إنكم تطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جيعا ول أبال فاستغفرون أغفر لكم ‪ .‬يا عبادي‬
‫! كلكم جائع إل من أطعمته فاستطعمون أطعمكم يا عبادي ! كلكم عار إل من كسوته فاستكسون أكسكم ‪ .‬يا‬
‫عبادي ! كلكم ضال إل من هديته فاستهدون أهدكم ‪ .‬يا عبادي ! إنكم لن تبلغوا ضري ‪ ،‬فتضرون ولن تبلغوا‬
‫نفعي فتنفعون ‪ .‬يا عبادي ‪ ،‬لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد‬
‫ذلك ف ملكي شيئا ‪ .‬يا عبادي ! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما‬
‫نقص ذلك من ملكي شيئا ‪ .‬يا عبادي ‪ ،‬لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا ف صعيد واحد فسألون‬
‫فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك ما عندي إل كما ينقص البحر إذا غمس فيه الخيط غمسة واحدة ‪ .‬يا‬
‫عبادي ! إنا هي أعمالكم أحصيها لكم ث أوفيكم إياها فمن وجد خيا فليحمد ال ومن وجد غي ذلك فل يلومن إل‬
‫نفسه } " ‪ .‬فأمر سبحانه بمد ال على ما يده العبد من خي وأنه إذا وجد شرا فل يلومن إل نفسه ‪.‬‬
‫)‬ ‫‪41‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫وكثي من الناس يتكلم بلسان " القيقة " ول يفرق بي القيقة الكونية القدرية التعلقة بلقه ومشيئته وبي‬
‫القيقة الدينية المرية التعلقة برضاه ومبته ول يفرق بي من يقوم بالقيقة الدينية موافقا لا أمر ال به على ألسن رسله‬
‫وبي من يقوم بوجده وذوقه غي معتب ذلك بالكتاب والسنة كما أن لفظ " الشريعة " يتكلم به كثي من الناس ول‬
‫يفرق بي الشرع النل من عند ال تعال وهو الكتاب والسنة الذي بعث ال به رسوله ‪ ،‬فإن هذا الشرع ليس لحد‬
‫من اللق الروج عنه ول يرج عنه إل كافر وبي الشرع الذي هو حكم الاكم فالاكم تارة يصيب وتارة يطئ ‪.‬‬
‫هذا إذا كان عالا عادل وإل ففي السنن عن النب صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪ { " :‬القضاة ثلثة قاضيان ف النار‬
‫وقاض ف النة ‪ :‬رجل علم الق وقضى به فهو ف النة ورجل قضى للناس على جهل فهو ف النار ورجل علم الق‬
‫فقضى بغيه فهو ف النار } " وأفضل القضاة العالي العادلي سيد ولد آدم ممد صلى ال عليه وسلم فقد ثبت عنه ف‬
‫الصحيحي أنه قال ‪ { " :‬إنكم تتصمون إل ولعل بعضكم يكون ألن بجته من بعض وإنا أقضي بنحو ما أسع‬
‫فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فل يأخذه فإنا أقطع له قطعة من النار } " فقد أخب سيد اللق أنه إذا قضى بشيء‬
‫ما سعه وكان ف الباطن بلف ذلك ل يز للمقضي له أن يأخذ ما قضى به له وأنه إنا يقطع له به قطعة من النار ‪.‬‬
‫وهذا متفق عليه بي العلماء ف الملك الطلقة إذا حكم الاكم با ظنه حجة شرعية كالبينة والقرار وكان الباطن‬
‫بلف الظاهر ل يز للمقضي له أن يأخذ ما قضي به له بالتفاق ‪ .‬وإن حكم ف العقود والفسوخ بثل ذلك ‪ ،‬فأكثر‬
‫العلماء يقول إن المر كذلك وهو مذهب مالك والشافعي وأحد بن حنبل وفرق أبو حنيفة رضي ال عنه بي النوعي‬
‫‪ .‬فلفظ " الشرع والشريعة " إذا أريد به الكتاب والسنة ل يكن لحد من أولياء ال ول لغيهم أن يرج عنه ومن ظن‬
‫أن لحد من أولياء ال طريقا إل ال غي متابعة ممد صلى ال عليه وسلم باطنا وظاهرا فلم يتابعه باطنا وظاهرا فهو‬
‫كافر ‪.‬‬
‫ومن احتج ف ذلك بقصة موسى مع الضر كان غالطا من وجهي ‪:‬‬
‫أحدها ‪ :‬أن موسى ل يكن مبعوثا إل الضر ول كان على الضر اتباعه ‪ ،‬فإن موسى كان مبعوثا إل بن‬
‫إسرائيل وأما ممد صلى ال عليه وسلم فرسالته عامة لميع الثقلي الن والنس ولو أدركه من هو أفضل من الضر‬
‫‪ :‬كإبراهيم وموسى وعيسى وجب عليهم ‪ ،‬اتباعه فكيف بالضر سواء كان نبيا أو وليا ‪ ،‬ولذا قال الضر لوسى ‪" :‬‬
‫إنا على علم من علم ال علمنيه ال ل تعلمه ‪ ،‬وأنت على علم من علم ال علمكه ال ل أعلمه " وليس لحد من‬
‫الثقلي الذين بلغتهم رسالة ممد صلى ال عليه وسلم أن يقول مثل هذا ‪.‬‬
‫الثان ‪ :‬أن ما فعله الضر ل يكن مالفا لشريعة موسى عليه السلم وموسى ل يكن علم السباب الت تبيح‬
‫ذلك فلما بينها له وافقه على ذلك فإن خرق السفينة ث ترقيعها لصلحة أهلها خوفا من الظال أن يأخذها إحسان‬
‫إليهم وذلك جائز وقتل الصائل جائز وإن كان صغيا ومن كان تكفيه لبويه ل يندفع إل بقتله جاز قتله ‪ .‬قال ‪ :‬ابن‬
‫عباس رضي ال عنهما لنجدة الروري لا سأله عن قتل الغلمان ‪ -‬قال له ‪ -‬إن كنت علمت منهم ما علمه الضر‬
‫)‬ ‫‪42‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫من ذلك الغلم فاقتلهم وإل فل تقتلهم رواه البخاري ‪ .‬وأما الحسان إل اليتيم بل عوض والصب على الوع فهذا‬
‫من صال العمال فلم يكن ف ذلك شيء مالفا شرع ال ‪ .‬وأما إذا أريد بالشرع حكم الاكم فقد يكون ظالا وقد‬
‫يكون عادل وقد يكون صوابا وقد يكون خطأ وقد يراد بالشرع قول أئمة الفقه ‪ :‬كأب حنيفة والثوري ومالك بن‬
‫أنس والوزاعي والليث بن سعد والشافعي وأحد وإسحاق وداود وغيهم فهؤلء أقوالم يتج لا بالكتاب والسنة‬
‫وإذا قلد غيه حيث يوز ذلك كان جائزا أي ليس اتباع أحدهم واجبا على جيع المة كاتباع الرسول صلى ال عليه‬
‫وسلم ول يرم تقليد أحدهم كما يرم اتباع من يتكلم بغي علم ‪ .‬وأما إن أضاف أحد إل الشريعة ما ليس منها من‬
‫أحاديث مفتراة أو تأول النصوص بلف مراد ال ونو ذلك ‪ ،‬فهذا من نوع التبديل فيجب الفرق بي الشرع النل‬
‫والشرع الؤول والشرع البدل كما يفرق بي القيقة الكونية والقيقة الدينية المرية وبي ما يستدل عليها بالكتاب‬
‫والسنة وبي ما يكتفى فيها بذوق صاحبها ووجده ‪.‬‬

‫فصل‬
‫وقد ذكر ال ف كتابه الفرق بي " الرادة " و " المر " و " القضاء " و " الذن " و " التحري " و " البعث "‬
‫و " الرسال " و " الكلم " و " العل " ‪ :‬بي الكون الذي خلقه وقدره وقضاه ‪ ،‬وإن كان ل يأمر به ول يبه ول‬
‫يثيب أصحابه ول يعلهم من أوليائه التقي وبي الدين الذي أمر به وشرعه وأثاب عليه وأكرمهم وجعلهم من أوليائه‬
‫التقي وحزبه الفلحي وجنده الغالبي ‪ ،‬وهذا من أعظم الفروق الت يفرق با بي أولياء ال وأعدائه فمن استعمله‬
‫الرب سبحانه وتعال فيما يبه ويرضاه ومات على ذلك كان من أوليائه ومن كان عمله فيما يبغضه الرب ويكرهه‬
‫ومات على ذلك كان من أعدائه ‪ .‬ف " الرادة الكونية " هي مشيئته لا خلقه وجيع الخلوقات داخلة ف مشيئته‬
‫وإرادته الكونية والرادة الدينية هي التضمنة لحبته ورضاه التناولة لا أمر به وجعله شرعا ودينا ‪ .‬وهذه متصة باليان‬
‫والعمل الصال قال ال تعال ‪ { :‬فمن يرد ال أن يهديه يشرح صدره للسلم ومن يرد أن يضله يعل صدره ضيقا‬
‫حرجا كأنا يصعد ف السماء } وقال نوح عليه السلم لقومه ‪ { :‬ول ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن‬
‫كان ال يريد أن يغويكم } وقال تعال ‪ { :‬وإذا أراد ال بقوم سوءا فل مرد له وما لم من دونه من وال } وقال‬
‫تعال ف الثانية ‪ { :‬ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد ال بكم اليسر ول يريد بكم العسر } وقال‬
‫ف آية الطهارة ‪ { :‬ما يريد ال ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون }‬
‫ولا ذكر ما أحله وما حرمه من النكاح قال ‪ { :‬يريد ال ليبي لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم‬
‫وال عليم حكيم } { وال يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تيلوا ميل عظيما } { يريد ال‬
‫أن يفف عنكم وخلق النسان ضعيفا } وقال لا ذكر ما أمر به أزواج النب صلى ال عليه وسلم وما ناهم عنه ‪:‬‬
‫{ إنا يريد ال ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيا } والعن أنه أمركم با يذهب عنكم الرجس أهل‬
‫)‬ ‫‪43‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫البيت ويطهركم تطهيا فمن أطاع أمره كان مطهرا قد أذهب عنه الرجس بلف من عصاه ‪ .‬وأما " المر " فقال ف‬
‫المر الكون ‪ { :‬إنا قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون } وقال تعال ‪ { :‬وما أمرنا إل واحدة كلمح‬
‫بالبصر } وقال تعال ‪ { :‬أتاها أمرنا ليل أو نارا فجعلناها حصيدا كأن ل تغن بالمس } وأما ‪ :‬المر الدين ‪ :‬فقال‬
‫تعال ‪ { :‬إن ال يأمر بالعدل والحسان وإيتاء ذي القرب وينهى عن الفحشاء والنكر والبغي يعظكم لعلكم‬
‫تذكرون } وقال تعال ‪ { :‬إن ال يأمركم أن تؤدوا المانات إل أهلها وإذا حكمتم بي الناس أن تكموا بالعدل إن‬
‫ال نعما يعظكم به إن ال كان سيعا بصيا } وأما " الذن " فقال ف الكون لا ذكر السحر ‪ { :‬وما هم بضارين به‬
‫من أحد إل بإذن ال } أي بشيئته وقدرته ‪ ،‬وإل فالسحر ل يبحه ال عز وجل ‪ .‬وقال ف " الذن الدين " ‪ { :‬أم لم‬
‫شركاء شرعوا لم من الدين ما ل يأذن به ال } وقال تعال ‪ { :‬إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا } { وداعيا إل‬
‫ال بإذنه } وقال تعال ‪ { :‬وما أرسلنا من رسول إل ليطاع بإذن ال } وقال تعال ‪ { :‬ما قطعتم من لينة أو‬
‫تركتموها قائمة على أصولا فبإذن ال } ‪ .‬وأما " القضاء " فقال ف الكون ‪ { :‬فقضاهن سبع سوات ف يومي }‬
‫وقال سبحانه ‪ { :‬إذا قضى أمرا فإنا يقول له كن فيكون } وقال ف الدين ‪ { :‬وقضى ربك أل تعبدوا إل إياه } أي‬
‫أمر وليس الراد به قدر ذلك فإنه قد عبد غيه كما أخب ف غي موضع كقوله تعال ‪ { :‬ويعبدون من دون ال ما ل‬
‫يضرهم ول ينفعهم ويقولون هؤلء شفعاؤنا عند ال } وقول الليل عليه السلم لقومه ‪ { :‬أفرأيتم ما كنتم تعبدون }‬
‫{ أنتم وآباؤكم القدمون } { فإنم عدو ل إل رب العالي } وقال تعال ‪ { :‬قد كانت لكم أسوة حسنة ف‬
‫إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم وما تعبدون من دون ال كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة‬
‫والبغضاء أبدا حت تؤمنوا بال وحده إل قول إبراهيم لبيه لستغفرن لك وما أملك لك من ال من شيء } وقال‬
‫تعال ‪ { :‬قل يا أيها الكافرون } { ل أعبد ما تعبدون } { ول أنتم عابدون ما أعبد } { ول أنا عابد ما عبدت }‬
‫{ ول أنتم عابدون ما أعبد } { لكم دينكم ول دين } وهذه كلمة تقتضي براءته من دينهم ول تقتضي رضاه بذلك‬
‫‪ ،‬كما قال تعال ف الية الخرى ‪ { :‬وإن كذبوك فقل ل عملي ولكم عملكم أنتم بريئون ما أعمل وأنا بريء ما‬
‫تعملون } ‪ .‬ومن ظن من اللحدة أن هذا رضا منه بدين الكفار فهو من أكذب الناس وأكفرهم كمن ظن أن قوله‬
‫{ وقضى ربك } بعن قدر وأن ال سبحانه ما قضى بشيء إل وقع وجعل عباد الصنام ما عبدوا إل ال ‪ ،‬فإن هذا‬
‫من أعظم الناس كفرا بالكتب ‪ .‬وأما لفظ " البعث " فقال تعال ف البعث الكون ‪ { :‬فإذا جاء وعد أولها بعثنا‬
‫عليكم عبادا لنا أول بأس شديد فجاسوا خلل الديار وكان وعدا مفعول } وقال ف البعث الدين ‪ { :‬هو الذي‬
‫بعث ف الميي رسول منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والكمة } قال تعال ‪ { :‬ولقد بعثنا ف كل‬
‫أمة رسول أن اعبدوا ال واجتنبوا الطاغوت } ‪ .‬وأما لفظ " الرسال " فقال ف الرسال الكون ‪ { :‬أل تر أنا أرسلنا‬
‫الشياطي على الكافرين تؤزهم أزا } وقال تعال ‪ { :‬وهو الذي أرسل الرياح بشرا بي يدي رحته } وقال ف الدين‬
‫{ إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا } وقال تعال ‪ { :‬إنا أرسلنا نوحا إل قومه } وقال تعال ‪ { :‬إنا أرسلنا إليكم‬
‫)‬ ‫‪44‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫رسول شاهدا عليكم كما أرسلنا إل فرعون رسول } وقال تعال ‪ { :‬ال يصطفي من اللئكة رسل ومن الناس } ‪.‬‬
‫وأما لفظ " العل " فقال ف الكون ‪ { :‬وجعلناهم أئمة يدعون إل النار } وقال ف الدين ‪ { :‬لكل جعلنا منكم‬
‫شرعة ومنهاجا } وقال تعال ‪ { :‬ما جعل ال من بية ول سائبة ول وصيلة ول حام } ‪ .‬وأما لفظ " التحري "‬
‫فقال ف الكون ‪ { :‬وحرمنا عليه الراضع من قبل } وقال تعال ‪ { :‬فإنا مرمة عليهم أربعي سنة يتيهون ف‬
‫الرض } وقال ف الدين { حرمت عليكم اليتة والدم ولم النير وما أهل لغي ال به } وقال تعال ‪ { :‬حرمت‬
‫عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالتكم وبنات الخ وبنات الخت } الية ‪ .‬وأما لفظ " الكلمات "‬
‫فقال ف الكلمات الكونية { وصدقت بكلمات ربا وكتبه } وثبت ف الصحيح عن النب صلى ال عليه وسلم أنه‬
‫كان يقول ‪ { " :‬أعوذ بكلمات ال التامة كلها من شر ما خلق ومن غضبه وعقابه وشر عباده ومن هزات الشياطي‬
‫وأن يضرون } " وقال صلى ال عليه وسلم ‪ { " :‬من نزل منل فقال أعوذ بكلمات ال التامات من شر ما خلق ل‬
‫يضره شيء حت يرتل من منله ذلك } " وكان يقول ‪ { " :‬أعوذ بكلمات ال التامات الت ل ياوزهن بر ول فاجر‬
‫من شر ما ذرأ ف الرض ومن شر ما يرج منها ومن شر فت الليل والنهار ومن شر كل طارق إل طارقا يطرق بي‬
‫يا رحن } ! " ‪ .‬و " { كلمات ال التامات الت ل ياوزهن بر ول فاجر } " هي الت كون با الكائنات فل يرج‬
‫بر ول فاجر عن تكوينه ومشيئته وقدرته ‪ .‬وأما " كلماته الدينية " وهي كتبه النلة وما فيها من أمره ونيه فأطاعها‬
‫البرار وعصاها الفجار ‪ .‬وأولياء ال التقون هم الطيعون لكلماته الدينية وجعله الدين وإذنه الدين وإرادته الدينية ‪.‬‬
‫وأما كلماته الكونية الت ل ياوزها بر ول فاجر ‪ ،‬فإنه يدخل تتها جيع اللق حت إبليس وجنوده وجيع الكفار‬
‫وسائر من يدخل النار فاللق وإن اجتمعوا ف شول اللق والشيئة والقدرة والقدر لم فقد افترقوا ف المر والنهي‬
‫والحبة والرضا والغضب ‪ .‬وأولياء ال التقون هم الذين فعلوا الأمور وتركوا الحظور وصبوا على القدور فأحبهم‬
‫وأحبوه ورضي عنهم ورضوا عنه ‪ .‬وأعداؤه أولياء الشياطي وإن كانوا تت قدرته فهو يبغضهم ويغضب عليهم‬
‫ويلعنهم ويعاديهم ‪.‬‬
‫وبسط هذه المل له موضع آخر وإنا كتبت هنا تنبيها على مامع " الفرق بي أولياء الرحن وأولياء الشيطان‬
‫" وجع الفرق بينهما اعتبارهم بوافقة رسول ال صلى ال عليه وسلم فإنه هو الذي فرق ال تعال به بي أوليائه‬
‫السعداء وأعدائه الشقياء وبي أوليائه أهل النة وأعدائه أهل النار وبي أوليائه أهل الدى والرشاد وبي أعدائه أهل‬
‫الغي والضلل والفساد وأعدائه حزب الشيطان وأوليائه الذين كتب ف قلوبم اليان وأيدهم بروح منه ‪ .‬قال تعال ‪:‬‬
‫{ ل تد قوما يؤمنون بال واليوم الخر يوادون من حاد ال ورسوله } الية وقال تعال ‪ { :‬إذ يوحي ربك إل‬
‫اللئكة أن معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي ف قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق العناق واضربوا منهم كل‬
‫بنان } ‪ .‬وقال ف أعدائه { وإن الشياطي ليوحون إل أوليائهم ليجادلوكم } وقال ‪ { :‬وكذلك جعلنا لكل نب عدوا‬
‫شياطي النس والن يوحي بعضهم إل بعض زخرف القول غرورا } وقال ‪ { :‬هل أنبئكم على من تنل‬
‫)‬ ‫‪45‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫الشياطي } { تنل على كل أفاك أثيم } { يلقون السمع وأكثرهم كاذبون } { والشعراء يتبعهم الغاوون } { أل‬
‫تر أنم ف كل واد يهيمون } { وأنم يقولون ما ل يفعلون } { إل الذين آمنوا وعملوا الصالات وذكروا ال كثيا‬
‫وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون } وقال تعال ‪ { :‬فل أقسم با تبصرون }‬
‫{ وما ل تبصرون } { إنه لقول رسول كري } { وما هو بقول شاعر قليل ما تؤمنون } { ول بقول كاهن قليل‬
‫ما تذكرون } { تنيل من رب العالي } { ولو تقول علينا بعض القاويل } { لخذنا منه باليمي } { ث لقطعنا‬
‫منه الوتي } { فما منكم من أحد عنه حاجزين } { وإنه لتذكرة للمتقي } { وإنا لنعلم إن منكم مكذبي }‬
‫{ وإنه لسرة على الكافرين } { وإنه لق اليقي } { فسبح باسم ربك العظيم } وقال تعال ‪ { :‬فذكر فما أنت‬
‫بنعمة ربك بكاهن ول منون } إل قوله ‪ { :‬إن كانوا صادقي } ‪ .‬فنه سبحانه وتعال نبينا ممدا صلى ال عليه‬
‫وسلم عمن تقترن به الشياطي من الكهان والشعراء والجاني ‪ ،‬وبي أن الذي جاءه بالقرآن ملك كري اصطفاه ‪ .‬قال‬
‫ال تعال ‪ { :‬ال يصطفي من اللئكة رسل ومن الناس } وقال تعال ‪ { :‬وإنه لتنيل رب العالي } { نزل به الروح‬
‫المي } { على قلبك لتكون من النذرين } { بلسان عرب مبي } وقال تعال ‪ { :‬قل من كان عدوا لبيل فإنه‬
‫نزله على قلبك بإذن ال } الية ‪ .‬وقال تعال ‪ { :‬فإذا قرأت القرآن فاستعذ بال من الشيطان الرجيم } إل قوله‬
‫{ وبشرى للمسلمي } فسماه الروح المي وساه روح القدس ‪ .‬وقال تعال ‪ { :‬فل أقسم بالنس } { الوار‬
‫الكنس } يعن ‪ :‬الكواكب الت تكون ف السماء خانسة أي ‪ :‬متفية قبل طلوعها فإذا ظهرت رآها الناس جارية ف‬
‫السماء فإذا غربت ذهبت إل كناسها الذي يجبها { والليل إذا عسعس } أي إذا أدبر وأقبل الصبح { والصبح إذا‬
‫تنفس } أي أقبل { إنه لقول رسول كري } وهو جبيل عليه السلم { ذي قوة عند ذي العرش مكي } { مطاع ث‬
‫أمي } أي مطاع ف السماء أمي ث قال ‪ { :‬وما صاحبكم بجنون } أي صاحبكم الذي من ال عليكم به إذ بعثه‬
‫إليكم رسول من جنسكم يصحبكم إذ كنتم ل تطيقون أن تروا اللئكة كما قال تعال ‪ { :‬وقالوا لول أنزل عليه‬
‫ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي المر ث ل ينظرون } { ولو جعلناه ملكا لعلناه رجل } الية ‪ .‬وقال تعال ‪ { :‬ولقد‬
‫رآه بالفق البي } أي رأى جبيل عليه السلم { وما هو على الغيب بضني } أي بتهم وف القراءة الخرى ‪:‬‬
‫{ بضني } أي ببخيل يكتم العلم ول يبذله إل بعل كما يفعل من يكتم العلم إل بالعوض ‪ { .‬وما هو بقول شيطان‬
‫رجيم } فنه جبيل عليه السلم عن أن يكون شيطانا كما نزه ممدا صلى ال عليه وسلم عن أن يكون شاعرا أو‬
‫كاهنا ‪.‬‬
‫فأولياء ال التقون هم القتدون بحمد صلى ال عليه وسلم فيفعلون ما أمر به وينتهون عما عنه زجر ‪،‬‬
‫ويقتدون به فيما بي لم أن يتبعوه فيه فيؤيدهم بلئكته وروح منه ويقذف ال ف قلوبم من أنواره ولم الكرامات‬
‫الت يكرم ال با أولياءه التقي ‪ .‬وخيار أولياء ال كراماتم لجة ف الدين أو لاجة بالسلمي كما كانت معجزات‬
‫نبيهم صلى ال عليه وسلم كذلك ‪ .‬وكرامات أولياء ال إنا حصلت ببكة اتباع رسوله صلى ال عليه وسلم فهي ف‬
‫)‬ ‫‪46‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫القيقة تدخل ف معجزات الرسول صلى ال عليه وسلم ‪ :‬مثل انشقاق القمر وتسبيح الصا ف كفه وإتيان الشجر‬
‫إليه وحني الذع إليه وإخباره ليلة العراج بصفة بيت القدس وإخباره با كان وما يكون وإتيانه بالكتاب العزيز‬
‫وتكثي الطعام والشراب مرات كثية كما أشبع ف الندق العسكر من قدر طعام وهو ل ينقص ف حديث أم سلمة‬
‫الشهور وأروى العسكر ف غزوة خيب من مزادة ماء ول تنقص ومل أوعية العسكر عام تبوك من طعام قليل ول‬
‫ينقص وهم نو ثلثي ألفا ونبع الاء من بي أصابعه مرات متعددة حت كفى الناس الذين كانوا معه كما كانوا ف‬
‫غزوة الديبية نو ألف وأربعمائة أو خسمائة ورده لعي أب قتادة حي سالت على خده فرجعت أحسن عينيه ولا‬
‫أرسل ممد بن مسلمة لقتل كعب بن الشرف فوقع وانكسرت رجله فمسحها فبئت وأطعم من شواء مائة وثلثي‬
‫رجل كل منهم حز له قطعة وجعل منها قطعتي فأكلوا منها جيعهم ث فضل فضلة ودين عبد ال أب جابر لليهودي‬
‫وهو ثلثون وسقا ‪ .‬قال جابر ‪ :‬فأمر صاحب الدين أن يأخذ التمر جيعه بالذي كان له فلم يقبل فمشى فيها رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ث قال لابر جد له فوفاه الثلثي وسقا وفضل سبعة عشر وسقا ومثل هذا كثي قد جعت‬
‫نو ألف معجزة ‪ .‬وكرامات الصحابة والتابعي بعدهم وسائر الصالي كثية جدا ‪ :‬مثل ما كان " أسيد بن حضي "‬
‫يقرأ سورة الكهف فنل من السماء مثل الظلة فيها أمثال السرج وهي اللئكة نزلت لقراءته وكانت اللئكة تسلم‬
‫على عمران بن حصي ‪ ،‬وكان سلمان وأبو الدرداء يأكلن ف صحفة فسبحت الصحفة أو سبح ما فيها وعباد بن‬
‫بشر وأسيد بن حضي خرجا من عند رسول ال صلى ال عليه وسلم ف ليلة مظلمة فأضاء لما نور مثل طرف السوط‬
‫فلما افترقا افترق الضوء معهما ‪ .‬رواه البخاري وغيه ‪ .‬وقصة { الصديق ف الصحيحي لا ذهب بثلثة أضياف معه‬
‫إل بيته وجعل ل يأكل لقمة إل رب من أسفلها أكثر منها فشبعوا وصارت أكثر ما هي قبل ذلك فنظر إليها أبو بكر‬
‫وامرأته فإذا هي أكثر ما كانت فرفعها إل رسول ال صلى ال عليه وسلم وجاء إليه أقوام كثيون فأكلوا منها وشبعوا‬
‫} ‪ .‬و " خبيب بن عدي " كان أسيا عند الشركي بكة شرفها ال تعال وكان يؤتى بعنب يأكله وليس بكة عنبة ‪.‬‬
‫و " عامر بن فهية ‪ :‬قتل شهيدا فالتمسوا جسده فلم يقدروا عليه وكان لا قتل رفع فرآه عامر بن الطفيل وقد رفع‬
‫وقال ‪ :‬عروة ‪ :‬فيون اللئكة رفعته ‪ .‬وخرجت " أم أين " مهاجرة وليس معها زاد ول ماء فكادت توت من‬
‫العطش فلما كان وقت الفطر وكانت صائمة سعت حسا على رأسها فرفعته فإذا دلو معلق فشربت منه حت رويت‬
‫وما عطشت بقية عمرها ‪ .‬و " سفينة " مول رسول ال صلى ال عليه وسلم أخب السد بأنه رسول رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم فمشى معه السد حت أوصله مقصده ‪ .‬و " الباء بن مالك " كان إذا أقسم على ال تعال أبر قسمه‬
‫وكان الرب إذا اشتد على السلمي ف الهاد يقولون ‪ :‬يا براء ! أقسم على ربك فيقول ‪ :‬يا رب ! أقسمت عليك‬
‫لا منحتنا أكتافهم فيهزم العدو فلما كان يوم " القادسية " قال ‪ :‬أقسمت عليك يا رب لا منحتنا أكتافهم وجعلتن‬
‫أول شهيد فمنحوا أكتافهم وقتل الباء شهيدا ‪ .‬و " خالد بن الوليد " حاصر حصنا منيعا فقالوا ل نسلم حت تشرب‬
‫السم فشربه فلم يضره ‪ .‬و " سعد بن أب وقاص " كان مستجاب الدعوة ما دعا قط إل استجيب له وهو الذي هزم‬
‫)‬ ‫‪47‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫جنود كسرى وفتح العراق ‪ .‬و " عمر بن الطاب " لا أرسل جيشا أمر عليهم رجل يسمى " سارية " فبينما عمر‬
‫يطب فجعل يصيح على النب يا سارية البل يا سارية البل فقدم رسول اليش فسأل فقال يا أمي الؤمني لقينا عدوا‬
‫فهزمونا فإذا بصائح ‪ :‬يا سارية البل يا سارية البل فأسندنا ظهورنا بالبل فهزمهم ال ‪ .‬ولا عذبت " الزبية " على‬
‫السلم ف ال فأبت إل السلم وذهب بصرها قال الشركون أصاب بصرها اللت والعزى قالت كل وال فرد ال‬
‫عليها بصرها ‪ .‬ودعا " سعيد بن زيد " على أروى بنت الكم فأعمي بصرها لا كذبت عليه فقال ‪ :‬اللهم إن كانت‬
‫كاذبة فأعم بصرها واقتلها ف أرضها فعميت ووقعت ف حفرة من أرضها فماتت ‪ " .‬والعلء بن الضرمي " كان‬
‫عامل رسول ال صلى ال عليه وسلم على البحرين وكان يقول ف دعائه ‪ :‬يا عليم ! يا حليم ! يا علي ! يا عظيم !‬
‫فيستجاب له ودعا ال بأن يسقوا ويتوضئوا لا عدموا الاء والسقاء لا بعدهم فأجيب ودعا ال لا اعترضهم البحر ول‬
‫يقدروا على الرور بيولم فمروا كلهم على الاء ما ابتلت سروج خيولم ‪ ،‬ودعا ال أن ل يروا جسده إذا مات فلم‬
‫يدوه ف اللحد ‪ .‬وجرى مثل ذلك " لب مسلم الولن " الذي ألقي ف النار فإنه مشى هو ومن معه من العسكر‬
‫على دجلة وهي ترمى بالشب من مدها ث التفت إل أصحابه فقال ‪ :‬تفقدون من متاعكم شيئا حت أدعو ال عز‬
‫وجل فيه فقال بعضهم ‪ :‬فقدت ملة فقال اتبعن فتبعه فوجدها قد تعلقت بشيء فأخذها وطلبه السود العنسي لا‬
‫ادعى النبوة فقال له ‪ :‬أتشهد أن رسول ال ‪ .‬قال ما أسع قال أتشهد أن ممدا رسول ال ؟ قال نعم فأمر بنار فألقي‬
‫فيها فوجدوه قائما يصلي فيها وقد صارت عليه بردا وسلما ‪ ،‬وقدم الدينة بعد موت النب صلى ال عليه وسلم‬
‫فأجلسه عمر بينه وبي أب بكر الصديق رضي ال عنهما وقال المد ل الذي ل يتن حت أرى من أمة ممد صلى ال‬
‫عليه وسلم من فعل به كما فعل بإبراهيم خليل ال ‪ .‬ووضعت له جارية السم ف طعامه فلم يضره ‪ .‬وخببت امرأة‬
‫عليه زوجته فدعا عليها فعميت وجاءت وتابت فدعا لا فرد ال عليها بصرها ‪ .‬وكان " عامر بن عبد قيس " يأخذ‬
‫عطاءه ألفي درهم ف كمه وما يلقاه سائل ف طريقه إل أعطاه بغي عدد ث ييء إل بيته فل يتغي عددها ول وزنا ‪.‬‬
‫ومر بقافلة قد حبسهم السد فجاء حت مس بثيابه السد ث وضع رجله على عنقه وقال ‪ :‬إنا أنت كلب من كلب‬
‫الرحن وإن أستحي أن أخاف شيئا غيه ومرت القافلة ودعا ال تعال أن يهون عليه الطهور ف الشتاء فكان يؤتى‬
‫بالاء له بار ودعا ربه أن ينع قلبه من الشيطان وهو ف الصلة فلم يقدر عليه ‪ .‬وتغيب " السن البصري " عن‬
‫الجاج فدخلوا عليه ست مرات فدعا ال عز وجل فلم يروه ودعا على بعض الوارج كان يؤذيه فخر ميتا ‪ .‬و "‬
‫صلة بن أشيم " مات فرسه وهو ف الغزو فقال اللهم ل تعل لخلوق علي منة ودعا ال عز وجل فأحيا له فرسه ‪.‬‬
‫فلما وصل إل بيته قال يا بن خذ سرج الفرس فإنه عارية فأخذ سرجه فمات الفرس وجاع مرة بالهواز فدعا ال عز‬
‫وجل واستطعمه فوقعت خلفه دوخلة رطب ف ثوب حرير فأكل التمر وبقي الثوب عند زوجته زمانا ‪ .‬وجاء السد‬
‫وهو يصلي ف غيضة بالليل فلما سلم قال له اطلب الرزق من غي هذا الوضع فول السد وله زئي ‪ .‬وكان " سعيد‬
‫بن السيب " ف أيام الرة يسمع الذان من قب رسول ال صلى ال عليه وسلم أوقات الصلوات وكان السجد قد‬
‫)‬ ‫‪48‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫خل فلم يبق غيه ‪ .‬ورجل من " النخع " كان له حار فمات ف الطريق فقال له أصحابه هلم نتوزع متاعك على‬
‫رحالنا فقال لم ‪ :‬أمهلون هنيهة ث توضأ فأحسن الوضوء وصلى ركعتي ودعا ال تعال فأحيا له حاره فحمل عليه‬
‫متاعه ‪ .‬ولا مات " أويس القرن " وجدوا ف ثيابه أكفانا ل تكن معه قبل ووجدوا له قبا مفورا فيه لد ف صخرة‬
‫فدفنوه فيه وكفنوه ف تلك الثواب ‪ .‬وكان " عمرو بن عقبة بن فرقد " يصلي يوما ف شدة الر فأظلته غمامة وكان‬
‫السبع يميه وهو يرعى ركاب أصحابه لنه كان يشترط على أصحابه ف الغزو أنه يدمهم ‪ .‬وكان " مطرف بن عبد‬
‫ال بن الشخي " إذا دخل بيته سبحت معه آنيته وكان هو وصاحب له يسيان ف ظلمة فأضاء لما طرف السوط ‪.‬‬
‫ولا مات الحنف بن قيس وقعت قلنسوة رجل ف قبه فأهوى ليأخذها فوجد القب قد فسح فيه مد البصر ‪ .‬وكان "‬
‫إبراهيم التيمي " يقيم الشهر والشهرين ل يأكل شيئا وخرج يتار لهله طعاما فلم يقدر عليه فمر بسهلة حراء فأخذ‬
‫منها ث رجع إل أهله ففتحها فإذا هي حنطة حراء فكان إذا زرع منها ترج السنبلة من أصلها إل فرعها حبا متراكبا‬
‫‪ .‬وكان " عتبة الغلم " سأل ربه ثلث خصال صوتا حسنا ودمعا غزيرا وطعاما من غي تكلف ‪ .‬فكان إذا قرأ بكى‬
‫وأبكى ودموعه جارية دهره وكان يأوي إل منله فيصيب فيه قوته ول يدري من أين يأتيه ‪ .‬وكان " عبد الواحد بن‬
‫زيد " أصابه الفال فسأل ربه أن يطلق له أعضاءه وقت الوضوء فكان وقت الوضوء تطلق له أعضاؤه ث تعود بعده ‪.‬‬
‫وهذا باب واسع قد بسط الكلم على كرامات الولياء ف غي هذا الوضع ‪ .‬وأما ما نعرفه عن أعيان ونعرفه ف هذا‬
‫الزمان فكثي ‪.‬‬
‫وما ينبغي أن يعرف أن الكرامات قد تكون بسب حاجة الرجل فإذا احتاج إليها الضعيف اليان أو الحتاج‬
‫أتاه منها ما يقوي إيانه ويسد حاجته ويكون من هو أكمل ولية ل منه مستغنيا عن ذلك فل يأتيه مثل ذلك لعلو‬
‫درجته وغناه عنها ل لنقص وليته ‪ ،‬ولذا كانت هذه المور ف التابعي أكثر منها ف الصحابة ‪ ،‬بلف من يري‬
‫على يديه الوارق لدي اللق ولاجتهم فهؤلء أعظم درجة ‪ .‬وهذا بلف الحوال الشيطانية مثل حال { عبد ال‬
‫بن صياد الذي ظهر ف زمن النب صلى ال عليه وسلم وكان قد ظن بعض الصحابة أنه الدجال وتوقف النب صلى ال‬
‫عليه وسلم ف أمره حت تبي له فيما بعد أنه ليس هو الدجال ‪ ،‬لكنه كان من جنس الكهان قال له النب صلى ال عليه‬
‫وسلم قد خبأت لك خبئا قال ‪ :‬الدخ الدخ ‪ .‬وقد كان خبأ له سورة الدخان فقال له النب صلى ال عليه وسلم اخسأ‬
‫فلن تعدو قدرك } " يعن إنا أنت من إخوان الكهان ‪ ،‬والكهان كان يكون لحدهم القرين من الشياطي يبه بكثي‬
‫من الغيبات با يسترقه من السمع وكانوا يلطون الصدق بالكذب كما ف الديث الصحيح الذي رواه البخاري‬
‫وغيه أن النب صلى ال عليه وسلم { قال ‪ :‬إن اللئكة تنل ف العنان وهو السحاب فتذكر المر قضي ف السماء‬
‫فتسترق الشياطي السمع فتوحيه إل الكهان فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم } " وف الديث الذي رواه‬
‫مسلم عن ابن عباس رضي ال عنهما قال ‪ { " :‬بينما النب صلى ال عليه وسلم ف نفر من النصار إذ رمي بنجم‬
‫فاستنار فقال النب صلى ال عليه وسلم ‪ :‬ما كنتم تقولون لثل هذا ف الاهلية إذا رأيتموه ؟ قالوا كنا نقول يوت‬
‫)‬ ‫‪49‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫عظيم أو يولد عظيم قال رسول ال صلى ال عليه وسلم فإنه ل يرمى با لوت أحد ول لياته ‪ ،‬ولكن ربنا تبارك‬
‫وتعال إذا قضى أمرا سبح حلة العرش ث سبح أهل السماء الذين يلونم ث الذين يلونم حت يبلغ التسبيح أهل هذه‬
‫السماء ث يسأل أهل السماء السابعة حلة العرش ماذا قال ربنا ؟ فيخبونم ث يستخب أهل كل ساء حت يبلغ الب‬
‫أهل السماء الدنيا وتطف الشياطي السمع فيمون فيقذفونه إل أوليائهم فما جاءوا به على وجهه فهو حق ولكنهم‬
‫يزيدون } " ‪ .‬وف رواية قال معمر قلت للزهري ‪ :‬أكان يرمى با ف الاهلية قال نعم ولكنها غلظت حي بعث النب‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ .‬و " السود العنسي " الذي ادعى النبوة كان له من الشياطي من يبه ببعض المور الغيبة فلما‬
‫قاتله السلمون كانوا يافون من الشياطي أن يبوه با يقولون فيه ‪ :‬حت أعانتهم عليه امرأته لا تبي لا كفره فقتلوه‬
‫‪ .‬وكذلك " مسيلمة الكذاب " كان معه من الشياطي من يبه ‪ .‬بالغيبات ويعينه على بعض المور وأمثال هؤلء‬
‫كثيون مثل ‪ :‬الارث الدمشقي " الذي خرج بالشام زمن عبد اللك بن مروان وادعى النبوة وكانت الشياطي‬
‫يرجون رجليه من القيد وتنع السلح أن ينفذ فيه وتسبح الرخامة إذا مسحها بيده وكان يرى الناس رجال وركبانا‬
‫على خيل ف الواء ويقول ‪ :‬هي اللئكة وإنا كانوا جنا ولا أمسكه السلمون ليقتلوه طعنه الطاعن بالرمح فلم ينفذ‬
‫فيه فقال له عبد اللك ‪ :‬إنك ل تسم ال فسمى ال فطعنه فقتله ‪ .‬وهكذا أهل " الحوال الشيطانية " تنصرف عنهم‬
‫شياطينهم إذا ذكر عندهم ما يطردها مثل آية الكرسي فإنه قد ثبت ف الصحيح عن النب صلى ال عليه وسلم ف‬
‫حديث أب هريرة رضي ال عنه { لا وكله النب صلى ال عليه وسلم بفظ زكاة الفطر فسرق منه الشيطان ليلة بعد‬
‫ليلة وهو يسكه فيتوب فيطلقه فيقول له النب صلى ال عليه وسلم ما فعل أسيك البارحة فيقول زعم أنه ل يعود‬
‫فيقول كذبك وإنه سيعود فلما كان ف الرة الثالثة ‪ .‬قال ‪ :‬دعن حت أعلمك ما ينفعك ‪ :‬إذا أويت إل فراشك فاقرأ‬
‫آية الكرسي { ال ل إله إل هو الي القيوم } إل آخرها فإنه لن يزال عليك من ال حافظ ول يقربك شيطان حت‬
‫تصبح فلما أخب النب صلى ال عليه وسلم قال صدقك وهو كذوب } " وأخبه أنه شيطان ‪ .‬ولذا إذا قرأها‬
‫النسان عند الحوال الشيطانية بصدق أبطلتها مثل من يدخل النار بال شيطان أو يضر ساع الكاء والتصدية فتنل‬
‫عليه الشياطي وتتكلم على لسانه كلما ل يعلم وربا ل يفقه وربا كاشف بعض الاضرين با ف قلبه وربا تكلم‬
‫بألسنة متلفة كما يتكلم الن على لسان الصروع والنسان الذي حصل له الال ل يدري بذلك بنلة الصروع‬
‫الذي يتخبطه الشيطان من الس ولبسه وتكلم على لسانه فإذا أفاق ل يشعر بشيء ما قال ولذا قد يضرب الصروع‬
‫وذلك الضرب ل يؤثر ف النسي ويب إذا أفاق أنه ل يشعر بشيء لن الضرب كان على الن الذي لبسه ‪ .‬ومن‬
‫هؤلء من يأتيه الشيطان بأطعمة وفواكه وحلوى وغي ذلك ما ل يكون ف ذلك الوضع ومنهم من يطي بم الن إل‬
‫مكة أو بيت القدس أو غيها ومنهم من يمله عشية عرفة ث يعيده من ليلته فل يج حجا شرعيا ‪ ،‬بل يذهب بثيابه‬
‫ول يرم إذا حاذى اليقات ول يلب ول يقف بزدلفة ول يطوف بالبيت ‪ ،‬ول يسعى بي الصفا والروة ول يرمي‬
‫المار بل يقف بعرفة بثيابه ث يرجع من ليلته وهذا ليس بج [ ولذا رأى بعض هؤلء اللئكة تكتب الجاج ] فقال‬
‫)‬ ‫‪50‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫أل تكتبون ؟ فقالوا لست من الجاج ‪ .‬يعن حجا شرعيا ‪.‬‬
‫وبي كرامات الولياء وما يشبهها من الحوال الشيطانية فروق متعددة ‪ :‬منها أن " كرامات الولياء " سببها‬
‫اليان والتقوى و " الحوال الشيطانية " سببها ما نى ال عنه ورسوله ‪ .‬وقد قال تعال ‪ { :‬قل إنا حرم رب‬
‫الفواحش ما ظهر منها وما بطن والث والبغي بغي الق وأن تشركوا بال ما ل ينل به سلطانا وأن تقولوا على ال ما‬
‫ل تعلمون } فالقول على ال بغي علم والشرك والظلم والفواحش قد حرمها ال تعال ورسوله فل تكون سببا لكرامة‬
‫ال تعال بالكرامات عليها فإذا كانت ل تصل بالصلة والذكر وقراءة القرآن بل تصل با يبه الشيطان وبالمور الت‬
‫فيها شرك كالستغاثة بالخلوقات أو كانت ما يستعان با على ظلم اللق وفعل الفواحش فهي من الحوال الشيطانية‬
‫ل من الكرامات الرحانية ‪ .‬ومن هؤلء من إذا حضر ساع الكاء والتصدية يتنل عليه شيطانه حت يمله ف الواء‬
‫ويرجه من تلك الدار فإذا حصل رجل من أولياء ال تعال طرد شيطانه فيسقط كما جرى هذا لغي واحد ‪ .‬ومن‬
‫هؤلء من يستغيث بخلوق إما حي أو ميت سواء كان ذلك الي مسلما أو نصرانيا أو مشركا فيتصور الشيطان‬
‫بصورة ذلك الستغاث به ويقضي بعض حاجة ذلك الستغيث فيظن أنه ذلك الشخص أو هو ملك على صورته وإنا‬
‫هو شيطان أضله لا أشرك بال كما كانت الشياطي تدخل الصنام وتكلم الشركي ‪ .‬ومن هؤلء من يتصور له‬
‫الشيطان ويقول له ‪ :‬أنا الضر وربا أخبه ببعض المور وأعانه على بعض مطالبه كما قد جرى ذلك لغي واحد من‬
‫السلمي واليهود والنصارى وكثي من الكفار بأرض الشرق والغرب يوت لم اليت فيأت الشيطان بعد موته على‬
‫صورته وهم يعتقدون أنه ذلك اليت ويقضي الديون ويرد الودائع ويفعل أشياء تتعلق باليت ويدخل على زوجته‬
‫ويذهب وربا يكونون قد أحرقوا ميتهم بالنار كما تصنع كفار الند فيظنون أنه عاش بعد موته ‪ .‬ومن هؤلء شيخ‬
‫كان بصر أوصى خادمه فقال ‪ :‬إذا أنا مت فل تدع أحدا يغسلن فأنا أجيء وأغسل نفسي فلما مات رآى خادمه‬
‫شخصا ف صورته فاعتقد أنه هو دخل وغسل نفسه فلما قضى ذلك الداخل غسله ‪ -‬أي غسل اليت ‪ -‬غاب وكان‬
‫ذلك شيطانا وكان قد أضل اليت وقال ‪ :‬إنك بعد الوت تيء فتغسل نفسك فلما مات جاء أيضا ف صورته ليغوي‬
‫الحياء كما أغوى اليت قبل ذلك ‪ .‬ومنهم من يرى عرشا ف الواء وفوقه نور ويسمع من ياطبه ويقول أنا ربك‬
‫فإن كان من أهل العرفة علم أنه شيطان فزجره واستعاذ بال منه فيزول ‪ .‬ومنهم من يرى أشخاصا ف اليقظة يدعي‬
‫أحدهم أنه نب أو صديق أو شيخ من الصالي وقد جرى هذا لغي واحد ومنهم من يرى ف منامه أن بعض الكابر ‪:‬‬
‫إما الصديق رضي ال عنه أو غيه قد قص شعره أو حلقه أو ألبسه طاقيته أو ثوبه فيصبح وعلى رأسه طاقية وشعره‬
‫ملوق أو مقصر وإنا الن قد حلقوا شعره أو قصروه وهذه الحوال الشيطانية تصل لن خرج عن الكتاب والسنة‬
‫وهم درجات والن الذين يقترنون بم من جنسهم وهم على مذهبهم والن فيهم الكافر والفاسق والخطئ فإن كان‬
‫النسي كافرا أو فاسقا أو جاهل دخلوا معه ف الكفر والفسوق والضلل وقد يعاونونه إذا وافقهم على ما يتارونه‬
‫من الكفر مثل القسام عليهم بأساء من يعظمونه من الن وغيهم ومثل أن يكتب أساء ال أو بعض كلمه بالنجاسة‬
‫)‬ ‫‪51‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫أو يقلب فاتة الكتاب أو سورة الخلص أو آية الكرسي أو غيهن ويكتبهن بنجاسة فيغورون له الاء وينقلونه بسبب‬
‫ما يرضيهم به من الكفر ‪ .‬وقد يأتونه با يهواه من امرأة أو صب إما ف الواء وإما مدفوعا ملجأ إليه ‪ .‬إل أمثال هذه‬
‫المور الت يطول وصفها واليان با إيان بالبت والطاغوت ‪ .‬والبت السحر والطاغوت الشياطي والصنام وإن‬
‫كان الرجل مطيعا ل ورسوله باطنا وظاهرا ل يكنهم الدخول معه ف ذلك أو مسالته ‪ .‬ولذا لا كانت عبادة‬
‫السلمي الشروعة ف الساجد الت هي بيوت ال كان عمار الساجد أبعد عن الحوال الشيطانية وكان أهل الشرك‬
‫والبدع يعظمون القبور ومشاهد الوتى فيدعون اليت أو يدعون به أو يعتقدون أن الدعاء عنده مستجاب أقرب إل‬
‫الحوال الشيطانية فإنه ثبت ف الصحيحي عن النب صلى ال عليه وسلم أنه قال " { لعن ال اليهود والنصارى اتذوا‬
‫قبور أنبيائهم مساجد } " ‪ .‬وثبت ف صحيح مسلم عنه أنه قال قبل أن يوت بمس ليال ‪ { " :‬إن من آمن الناس‬
‫علي ف صحبته وذات يده أبو بكر ولو كنت متخذا خليل من أهل الرض لتذت أبا بكر خليل ولكن صاحبكم‬
‫خليل ال ‪ .‬ل يبقي ف السجد خوخة إل سدت إل خوخة أب بكر إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد‬
‫أل فل تتخذوا القبور مساجد فإن أناكم عن ذلك } " ‪ .‬وف الصحيحي عنه أنه ذكر له ف مرضه كنيسة بأرض‬
‫البشة وذكروا من حسنها وتصاوير فيها فقال " { إن أولئك إذا مات فيهم الرجل الصال بنوا على قبه مسجدا‬
‫وصوروا فيها تلك التصاوير أولئك شرار اللق عند ال يوم القيامة } " ‪ .‬وف السند وصحيح أب حات عنه صلى ال‬
‫عليه وسلم قال " { إن من شرار اللق من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين اتذوا القبور مساجد } " وف‬
‫الصحيح عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال " { ل تلسوا على القبور ول تصلوا إليها } " وف الوطأ عنه أنه قال "‬
‫{ اللهم ل تعل قبي وثنا يعبد اشتد غضب ال على قوم اتذوا قبور أنبيائهم مساجد } " ‪ .‬وف السنن عنه أنه قال "‬
‫{ ل تتخذوا قبي عيدا وصلوا علي حيثما كنتم فإن صلتكم تبلغن } " ‪ .‬وقال صلى ال عليه وسلم ‪ { " :‬ما من‬
‫رجل يسلم علي إل رد ال علي روحي حت أرد عليه السلم } " وقال صلى ال عليه وسلم ‪ { " :‬إن ال وكل‬
‫بقبي ملئكة يبلغون عن أمت السلم } " وقال صلى ال عليه وسلم ‪ { " :‬أكثروا علي من الصلة يوم المعة وليلة‬
‫المعة ‪ ،‬فإن صلتكم معروضة علي قالوا ‪ :‬يا رسول ال ! كيف تعرض صلتنا عليك وقد أرمت ‪ -‬أي بليت ؟ ‪-‬‬
‫فقال إن ال حرم على الرض أن تأكل لوم النبياء } " ‪ .‬وقد قال ال تعال ف كتابه عن الشركي من قوم نوح‬
‫عليه السلم ‪ { :‬وقالوا ل تذرن آلتكم ول تذرن ودا ول سواعا ول يغوث ويعوق ونسرا } قال ابن عباس وغيه من‬
‫السلف ‪ :‬هؤلء قوم كانوا صالي من قوم نوح فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ث صوروا تاثيلهم فعبدوهم فكان هذا‬
‫مبدأ عبادة الوثان ‪ .‬فنهى النب صلى ال عليه وسلم عن اتاذ القبور مساجد ليسد باب الشرك كما نى عن الصلة‬
‫وقت طلوع الشمس ووقت غروبا ‪ ،‬لن الشركي يسجدون للشمس حينئذ والشيطان يقارنا وقت الطلوع ووقت‬
‫الغروب فتكون ف الصلة حينئذ مشابة لصلة الشركي فسد هذا الباب ‪ .‬والشيطان يضل بن آدم بسب قدرته فمن‬
‫عبد الشمس والقمر والكواكب ودعاها ‪ -‬كما يفعل أهل دعوة الكواكب ‪ -‬فإنه ينل عليه شيطان ياطبه ويدثه‬
‫)‬ ‫‪52‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫ببعض المور ويسمون ذلك روحانية الكواكب وهو شيطان والشيطان وإن أعان النسان على بعض مقاصده فإنه‬
‫يضره أضعاف ما ينفعه وعاقبة من أطاعه إل شر إل أن يتوب ال عليه وكذلك عباد الصنام قد تاطبهم الشياطي‬
‫وكذلك من استغاث بيت أو غائب وكذلك من دعا اليت أو دعا به أو ظن أن الدعاء عند قبه أفضل منه ف البيوت‬
‫والساجد ويروون حديثا هو كذب باتفاق أهل العرفة وهو ‪ { " :‬إذا أعيتكم المور فعليكم بأصحاب القبور } "‬
‫وإنا هذا وضع من فتح باب الشرك ‪.‬‬
‫ويوجد لهل البدع وأهل الشرك التشبهي بم من عباد الصنام والنصارى والضلل من السلمي أحوال عند‬
‫الشاهد يظنونا كرامات وهي من الشياطي ‪ :‬مثل أن يضعوا سراويل عند القب فيجدونه قد انعقد أو يوضع عنده‬
‫مصروع فيون شيطانه قد فارقه ‪ .‬يفعل الشيطان هذا ليضلهم وإذ قرأت آية الكرسي هناك بصدق بطل هذا فإن‬
‫التوحيد يطرد الشيطان ‪ ،‬ولذا حل بعضهم ف الواء فقال ‪ :‬ل إله إل ال فسقط ومثل أن يرى أحدهم أن القب قد‬
‫انشق وخرج منه إنسان فيظنه اليت وهو شيطان ‪ .‬وهذا باب واسع ل يتسع له هذا الوضع ‪.‬‬
‫ولا كان النقطاع إل الغارات والبوادي من البدع الت ل يشرعها ال ول رسوله صارت الشياطي كثيا ما‬
‫تأوي إل الغارات والبال ‪ :‬مثل مغارة الدم الت ببل قاسيون وجبل لبنان الذي بساحل الشام وجبل الفتح بأسوان‬
‫بصر وجبال بالروم وخراسان وجبال بالزيرة وغي ذلك وجبل اللكام وجبل الحيش وجبل سولن قرب أردبيل‬
‫وجبل شهنك عند تبيز وجبل ماشكو عند أقشوان وجبل ناوند وغي ذلك من البال الت يظن بعض الناس أن با‬
‫رجال من الصالي من النس ويسمونم رجال الغيب وإنا هناك رجال من الن فالن رجال كما أن النس رجال‬
‫قال تعال ‪ { :‬وأنه كان رجال من النس يعوذون برجال من الن فزادوهم رهقا } ‪.‬‬
‫ومن هؤلء من يظهر بصورة رجل شعران جلده يشبه جلد الاعز فيظن من ل يعرفه أنه إنسي وإنا هو جن‬
‫ويقال بكل جبل من هذه البال الربعون البدال وهؤلء الذين يظن أنم البدال هم جن بذه البال كما يعرف‬
‫ذلك بطرق متعددة ‪ .‬وهذا باب ل يتسع هذا الوضع لبسطه وذكر ما نعرفه من ذلك فإنا قد رأينا وسعنا من ذلك ما‬
‫يطول وصفه ف هذا الختصر الذي كتب لن سأل أن نذكر له من الكلم على أولياء ال تعال ما يعرف به جل ذلك‬
‫‪.‬‬

‫والناس ف خوارق العادات على ثلثة أقسام ‪:‬‬


‫قسم يكذب بوجود ذلك لغي النبياء وربا صدق به ممل وكذب ما يذكر له عن كثي من الناس لكونه‬
‫عنده ليس من الولياء ‪.‬‬
‫)‬ ‫‪53‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫ومنهم من يظن أن كل من كان له نوع من خرق العادة كان وليا ل وكل المرين خطأ ولذا تد أن هؤلء‬
‫يذكرون أن للمشركي وأهل الكتاب نصراء يعينونم على قتال السلمي وأنم من أولياء ال ‪ .‬وأولئك يكذبون أن‬
‫يكون معهم من له خرق عادة‬
‫والصواب القول الثالث وهو أن معهم من ينصرهم من جنسهم ل من أولياء ال عز وجل كما قال ال تعال ‪:‬‬
‫{ يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولم منكم فإنه منهم } وهؤلء‬
‫العباد والزهاد الذين ليسوا من أولياء ال التقي التبعي للكتاب والسنة تقترن بم الشياطي فيكون لحدهم من‬
‫الوارق ما يناسب حاله ‪ ،‬لكن خوارق هؤلء يعارض بعضها بعضا وإذا حصل من له تكن من أولياء ال تعال أبطلها‬
‫عليهم ول بد أن يكون ف أحدهم من الكذب جهل أو عمدا ومن الث ما يناسب حال الشياطي القترنة بم ليفرق‬
‫ال بذلك بي أوليائه التقي وبي التشبهي بم من أولياء الشياطي ‪ .‬قال ال تعال { هل أنبئكم على من تنل‬
‫الشياطي } { تنل على كل أفاك أثيم } والفاك الكذاب ‪ .‬والثيم الفاجر ‪ .‬ومن أعظم ما يقوي الحوال الشيطانية‬
‫ساع الغناء واللهي وهو ساع الشركي قال ال تعال ‪ { :‬وما كان صلتم عند البيت إل مكاء وتصدية } قال‬
‫ابن عباس وابن عمر رضي ال عنهم وغيها من السلف " التصدية " التصفيق باليد و " الكاء " مثل الصفي فكان‬
‫الشركون يتخذون هذا عبادة وأما النب صلى ال عليه وسلم وأصحابه فعبادتم ما أمر ال به من الصلة والقراءة‬
‫والذكر ونو ذلك والجتماعات الشرعية ول يتمع النب صلى ال عليه وسلم وأصحابه على استماع غناء قط ل‬
‫بكف ول بدف ول تواجد ول سقطت بردته ‪ ،‬بل كل ذلك كذب باتفاق أهل العلم بديثه ‪.‬‬
‫وكان أصحاب النب صلى ال عليه وسلم إذا اجتمعوا أمروا واحدا منهم أن يقرأ والباقون يستمعون وكان‬
‫عمر بن الطاب رضي ال عنه يقول لب موسى الشعري ‪ :‬ذكرنا ربنا فيقرأ وهم يستمعون { ومر النب صلى ال‬
‫عليه وسلم بأب موسى الشعري وهو يقرأ فقال له ‪ :‬مررت بك البارحة وأنت تقرأ فجعلت أستمع لقراءتك فقال ‪:‬‬
‫لو علمت أنك تستمع لبته لك تبيا } أي لسنته لك تسينا كما قال النب صلى ال عليه وسلم ‪ { " :‬زينوا‬
‫القرآن بأصواتكم } " وقال صلى ال عليه وسلم ‪ { " :‬ل أشهد أذنا أي استماعا إل الرجل السن الصوت بالقرآن‬
‫من صاحب القينة إل قينته } " ‪ { :‬وقال صلى ال عليه وسلم لبن مسعود اقرأ علي القرآن فقال أقرأ عليك وعليك‬
‫أنزل ؟ فقال ‪ :‬إن أحب أن أسعه من غيي فقرأت عليه سورة النساء حت انتهيت إل هذه الية { فكيف إذا جئنا‬
‫من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلء شهيدا } قال ‪ :‬حسبك فإذا عيناه تذرفان من البكاء } " ‪ .‬ومثل هذا‬
‫السماع هو ساع النبيي وأتباعهم كما ذكره ال ف القرآن فقال ‪ { :‬أولئك الذين أنعم ال عليهم من النبيي من ذرية‬
‫آدم ومن حلنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل ومن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحن خروا سجدا‬
‫وبكيا } وقال ف أهل العرفة ‪ { :‬وإذا سعوا ما أنزل إل الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع ما عرفوا من الق }‬
‫ومدح سبحانه أهل هذا السماع با يصل لم من زيادة اليان واقشعرار اللد ودمع العي فقال تعال ‪ { :‬ال نزل‬
‫)‬ ‫‪54‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫أحسن الديث كتابا متشابا مثان تقشعر منه جلود الذين يشون ربم ث تلي جلودهم وقلوبم إل ذكر ال } وقال‬
‫تعال ‪ { :‬إنا الؤمنون الذين إذا ذكر ال وجلت قلوبم وإذا تليت عليهم آياته زادتم إيانا وعلى ربم يتوكلون }‬
‫{ الذين يقيمون الصلة وما رزقناهم ينفقون } { أولئك هم الؤمنون حقا لم درجات عند ربم ومغفرة ورزق كري‬
‫} وأما السماع الحدث ساع الكف والدف والقصب فلم تكن الصحابة والتابعون لم بإحسان وسائر الكابر من‬
‫أئمة الدين يعلون هذا طريقا إل ال تبارك وتعال ول يعدونه من القرب والطاعات بل يعدونه من البدع الذمومة‬
‫حت قال الشافعي ‪ :‬خلفت ببغداد شيئا أحدثته الزنادقة يسمونه التغبي يصدون به الناس عن القرآن وأولياء ال‬
‫العارفون يعرفون ذلك ويعلمون أن للشيطان فيه نصيبا وافرا ولذا تاب منه خيار من حضره منهم ‪ .‬ومن كان أبعد‬
‫عن العرفة وعن كمال ولية ال كان نصيب الشيطان منه أكثر وهو بنلة المر يؤثر ف النفوس أعظم من تأثي المر‬
‫‪ ،‬ولذا إذا قويت سكرة أهله نزلت عليهم الشياطي وتكلمت على ألسنة بعضهم وحلت بعضهم ف الواء وقد تصل‬
‫عداوة بينهم كما تصل بي شراب المر فتكون شياطي أحدهم أقوى من شياطي الخر فيقتلونه ويظن الهال أن‬
‫هذا من كرامات أولياء ال التقي وإنا هذا مبعد لصاحبه عن ال وهو من أحوال الشياطي ‪ ،‬فإن قتل السلم ل يل‬
‫إل با أحله ال فكيف يكون قتل العصوم ما يكرم ال به أولياءه ؟ ! وإنا غاية الكرامة لزوم الستقامة فلم يكرم ال‬
‫عبدا بثل أن يعينه على ما يبه ويرضاه ويزيده ما يقربه إليه ويرفع به درجته ‪ .‬وذلك أن الوارق منها ما هو من‬
‫جنس العلم كالكاشفات ومنها ما هو من جنس القدرة واللك كالتصرفات الارقة للعادات ومنها ما هو من جنس‬
‫الغن عن جنس ما يعطاه الناس ف الظاهر من العلم والسلطان والال والغن ‪ .‬وجيع ما يؤتيه ال لعبده من هذه المور‬
‫إن استعان به على ما يبه ال ويرضاه ويقربه إليه ويرفع درجته ويأمره ال به ورسوله ازداد بذلك رفعة وقربا إل ال‬
‫ورسوله وعلت درجته وإن استعان به على ما نى ال عنه ورسوله كالشرك والظلم والفواحش استحق بذلك الذم‬
‫والعقاب فإن ل يتداركه ال تعال بتوبة أو حسنات ماحية وإل كان كأمثاله من الذنبي ‪ ،‬ولذا كثيا ما يعاقب‬
‫أصحاب الوارق تارة بسلبها كما يعزل اللك عن ملكه ويسلب العال علمه ‪ .‬وتارة بسلب التطوعات فينقل من‬
‫الولية الاصة إل العامة وتارة ينل إل درجة الفساق وتارة يرتد عن السلم ‪ .‬وهذا يكون فيمن له خوارق‬
‫شيطانية ‪ ،‬فإن كثيا من هؤلء يرتد عن السلم وكثي منهم ل يعرف أن هذه شيطانية بل يظنها من كرامات أولياء‬
‫ال ويظن من يظن منهم أن ال عز وجل إذا أعطى عبدا خرق عادة ل ياسبه على ذلك كمن يظن أن ال [ إذا ]‬
‫أعطى عبدا ملكا ومال وتصرفا ل ياسبه عليه ومنهم من يستعي بالوارق على أمور مباحة ل مأمورا با ول منهيا‬
‫عنها فهذا يكون من عموم الولياء وهم البرار القتصدون وأما السابقون القربون فأعلى من هؤلء كما أن العبد‬
‫الرسول أعلى من النب اللك ‪ .‬ولا كانت الوارق كثيا ما تنقص با درجة الرجل كان كثي من الصالي يتوب من‬
‫مثل ذلك ويستغفر ال تعال كما يتوب من الذنوب ‪ :‬كالزنا والسرقة وتعرض على بعضهم فيسأل ال زوالا وكلهم‬
‫يأمر الريد السالك أن ل يقف عندها ول يعلها هته ول يتبجح با ‪ ،‬مع ظنهم أنا كرامات فكيف إذا كانت‬
‫)‬ ‫‪55‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫بالقيقة من الشياطي تغويهم با فإن أعرف من تاطبه النباتات با فيها من النافع وإنا ياطبه الشيطان الذي دخل‬
‫فيها وأعرف من ياطبهم الجر والشجر وتقول ‪ :‬هنيئا لك يا ول ال فيقرأ آية الكرسي فيذهب ذلك ‪ .‬وأعرف من‬
‫يقصد صيد الطي فتخاطبه العصافي وغيها وتقول ‪ :‬خذن حت يأكلن الفقراء ويكون الشيطان قد دخل فيها كما‬
‫يدخل ف النس وياطبه بذلك ومنهم من يكون ف البيت وهو مغلق فيى نفسه خارجه وهو ل يفتح وبالعكس‬
‫وكذلك ف أبواب الدينة وتكون الن قد أدخلته وأخرجته بسرعة أو تر به أنوار أو تضر عنده من يطلبه ويكون‬
‫ذلك من الشياطي يتصورون بصورة صاحبه فإذا قرأ آية الكرسي مرة بعد مرة ذهب ذلك كله ‪ .‬وأعرف من ياطبه‬
‫ماطب ويقول له أنا من أمر ال ويعده بأنه الهدي الذي بشر به النب صلى ال عليه وسلم ويظهر له الوارق مثل أن‬
‫يطر بقلبه تصرف ف الطي والراد ف الواء ‪ ،‬فإذا خطر بقلبه ذهاب الطي أو الراد يينا أو شال ذهب حيث أراد‬
‫وإذا خطر بقلبه قيام بعض الواشي أو نومه أو ذهابه حصل له ما أراد من غي حركة منه ف الظاهر وتمله إل مكة‬
‫وتأت به وتأتيه بأشخاص ف صورة جيلة وتقول له هذه اللئكة الكروبيون أرادوا زيارتك فيقول ف نفسه ‪ :‬كيف‬
‫تصوروا بصورة الردان ؟ ! فيفع رأسه فيجدهم بلحى ويقول له علمة إنك أنت الهدي إنك تنبت ف جسدك شامة‬
‫فتنبت ويراها وغي ذلك وكله من مكر الشيطان ‪ .‬وهذا باب واسع لو ذكرت ما أعرفه منه لحتاج إل ملد كبي‬
‫وقد قال تعال ‪ { :‬فأما النسان إذا ما ابتله ربه فأكرمه ونعمه فيقول رب أكرمن } { وأما إذا ابتله فقدر عليه رزقه‬
‫فيقول رب أهانن } قال ال تبارك وتعال ‪ { :‬كل } ولفظ ( كل فيها زجر وتنبيه ‪ :‬زجر عن مثل هذا القول وتنبيه‬
‫على ما يب به ويؤمر به بعده وذلك أنه ليس كل من حصل له نعم دنيوية تعد كرامة يكون ال عز وجل مكرما له با‬
‫ول كل من قدر عليه ذلك يكون مهينا له بذلك ‪ ،‬بل هو سبحانه يبتلي عبده بالسراء والضراء فقد يعطي النعم‬
‫الدنيوية لن ل يبه ‪ .‬ول هو كري عنده ليستدرجه بذلك ‪ .‬وقد يمي منها من يبه ويواليه لئل تنقص بذلك مرتبته‬
‫عنده أو يقع بسببها فيما يكرهه منه ‪ .‬وأيضا " كرامات الولياء " ل بد أن يكون سببها اليان والتقوى فما كان‬
‫سببه الكفر والفسوق والعصيان فهو من خوارق أعداء ال ل من كرامات أولياء ال فمن كانت خوارقه ل تصل‬
‫بالصلة والقراءة والذكر وقيام الليل والدعاء وإنا تصل عند الشرك ‪ :‬مثل دعاء اليت والغائب أو بالفسق والعصيان‬
‫وأكل الحرمات ‪ :‬كاليات والزنابي والنافس والدم وغيه من النجاسات ومثل الغناء والرقص ‪ ،‬ل سيما مع النسوة‬
‫الجانب والردان وحالة خوارقه تنقص عند ساع القرآن وتقوى عند ساع مزامي الشيطان فيقص ليل طويل فإذا‬
‫جاءت الصلة صلى قاعدا أو ينقر الصلة نقر الديك وهو يبغض ساع القرآن وينفر عنه ويتكلفه ليس له فيه مبة ول‬
‫ذوق ول لذة عند وجده ويب ساع الكاء والتصدية ويد عنده مواجيد ‪ .‬فهذه أحوال شيطانية ‪ ،‬وهو من يتناوله‬
‫قوله تعال ‪ { :‬ومن يعش عن ذكر الرحن نقيض له شيطانا فهو له قرين } ‪ .‬فالقرآن هو ذكر الرحن قال ال تعال ‪:‬‬
‫{ ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونشره يوم القيامة أعمى } { قال رب ل حشرتن أعمى وقد كنت‬
‫بصيا } { قال كذلك آتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى } يعن تركت العمل با قال ابن عباس رضي ال‬
‫)‬ ‫‪56‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫عنهما ‪ :‬تكفل ال لن قرأ كتابه وعمل با فيه أن ل يضل ف الدنيا ول يشقى ف الخرة ‪ ،‬ث قرأ هذه الية ‪.‬‬

‫فصل‬
‫وما يب أن يعلم أن ال بعث ممدا صلى ال عليه وسلم إل جيع النس والن فلم يبق إنسي ول جن إل‬
‫وجب عليه اليان بحمد صلى ال عليه وسلم واتباعه فعليه أن يصدقه فيما أخب ويطيعه فيما أمر ومن قامت عليه‬
‫الجة برسالته فلم يؤمن به فهو كافر سواء كان إنسيا أو جنيا ‪ .‬وممد صلى ال عليه وسلم مبعوث إل الثقلي باتفاق‬
‫السلمي وقد استمعت الن القرآن وولوا إل قومهم منذرين لا كان النب صلى ال عليه وسلم يصلي بأصحابه ببطن‬
‫نلة لا رجع من الطائف وأخبه ال بذلك ف القرآن بقوله { وإذ صرفنا إليك نفرا من الن يستمعون القرآن فلما‬
‫حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إل قومهم منذرين } { قالوا يا قومنا إنا سعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا‬
‫لا بي يديه يهدي إل الق وإل طريق مستقيم } { يا قومنا أجيبوا داعي ال وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويركم‬
‫من عذاب أليم } { ومن ل يب داعي ال فليس بعجز ف الرض وليس له من دونه أولياء } { أولئك ف ضلل‬
‫مبي } ‪ .‬وأنزل ال تعال بعد ذلك { قل أوحي إل أنه استمع نفر من الن فقالوا إنا سعنا قرآنا عجبا } { يهدي‬
‫إل الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا } { وأنه تعال جد ربنا ما اتذ صاحبة ول ولدا } { وأنه كان يقول‬
‫سفيهنا على ال شططا } { وأنا ظننا أن لن تقول النس والن على ال كذبا } { وأنه كان رجال من النس‬
‫يعوذون برجال من الن فزادوهم رهقا } أي السفيه منا ف أظهر قول العلماء ‪ .‬وقال غي واحد من السلف ‪ :‬كان‬
‫الرجل من النس إذا نزل بالوادي قال ‪ :‬أعوذ بعظيم هذا الوادي من شر سفهاء قومه فلما استغاثت النس بالن‬
‫ازدادت الن طغيانا وكفرا كما قال تعال ‪ { :‬وأنه كان رجال من النس يعوذون برجال من الن فزادوهم رهقا }‬
‫{ وأنم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث ال أحدا } { وأنا لسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا }‬
‫وكانت الشياطي ترمي بالشهب قبل أن ينل القرآن ‪ ،‬لكن كانوا أحيانا يسترقون السمع قبل أن يصل الشهاب إل‬
‫أحدهم فلما بعث ممد صلى ال عليه وسلم ملئت السماء حرسا شديدا وشهبا وصارت الشهب مرصدة لم قبل أن‬
‫يسمعوا كما قالوا ‪ { :‬وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الن يد له شهابا رصدا } وقال تعال ف الية‬
‫الخرى ‪ { :‬وما تنلت به الشياطي } { وما ينبغي لم وما يستطيعون } { إنم عن السمع لعزولون } قالوا ‪:‬‬
‫{ وأنا ل ندري أشر أريد بن ف الرض أم أراد بم ربم رشدا } { وأنا منا الصالون ومنا دون ذلك كنا طرائق‬
‫قددا } أي على مذاهب شت كما قال العلماء منهم السلم والشرك والنصران والسن والبدعي { وأنا ظننا أن لن‬
‫نعجز ال ف الرض ولن نعجزه هربا } أخبوا أنم ل يعجزونه ‪ :‬ل إن أقاموا ف الرض ول إن هربوا منه { وأنا لا‬
‫سعنا الدى آمنا به فمن يؤمن بربه فل ياف بسا ول رهقا } { وأنا منا السلمون ومنا القاسطون } أي الظالون‬
‫يقال أقسط إذا عدل وقسط إذا جار وظلم { فمن أسلم فأولئك تروا رشدا } { وأما القاسطون فكانوا لهنم حطبا‬
‫)‬ ‫‪57‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫} { وألو استقاموا على الطريقة لسقيناهم ماء غدقا } { لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا }‬
‫{ وأن الساجد ل فل تدعوا مع ال أحدا } { وأنه لا قام عبد ال يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا } { قل إنا أدعو‬
‫رب ول أشرك به أحدا } { قل إن ل أملك لكم ضرا ول رشدا } { قل إن لن يين من ال أحد ولن أجد من‬
‫دونه ملتحدا } أي ملجأ ومعاذا { إل بلغا من ال ورسالته ومن يعص ال ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها‬
‫أبدا } { حت إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا } ‪ .‬ث لا سعت الن القرآن أتوا إل‬
‫النب صلى ال عليه وسلم وآمنوا به وهم جن نصيبي كما ثبت ذلك ف الصحيح من حديث ابن مسعود وروي { أنه‬
‫قرأ عليهم سورة الرحن وكان إذا قال ‪ { :‬فبأي آلء ربكما تكذبان } قالوا ‪ :‬ول بشيء من آلئك ربنا نكذب فلك‬
‫المد } ‪ { .‬ولا اجتمعوا بالنب صلى ال عليه وسلم سألوه الزاد لم ولدوابم فقال ‪ :‬لكم كل عظم ذكر اسم ال‬
‫عليه تدونه أوفر ما يكون لما وكل بعرة علفا لدوابكم قال النب صلى ال عليه وسلم ‪ :‬فل تستنجوا بما فإنما زاد‬
‫لخوانكم من الن } وهذا النهي ثابت عنه من وجوه متعددة وبذلك احتج العلماء على النهي عن الستنجاء بذلك‬
‫وقالوا فإذا منع من الستنجاء با للجن ولدوابم فما أعد للنس ولدوابم من الطعام والعلف أول وأحرى ‪.‬‬

‫وممد صلى ال عليه وسلم أرسل إل جيع النس والن وهذا أعظم قدرا عند ال تعال من كون الن‬
‫سخروا لسليمان عليه السلم ‪ ،‬فإنم سخروا له يتصرف فيهم بكم اللك وممد صلى ال عليه وسلم أرسل إليهم‬
‫يأمرهم با أمر ال به ورسوله لنه عبد ال ورسوله ومنلة العبد الرسول فوق منلة النب اللك ‪ .‬وكفار الن يدخلون‬
‫النار بالنص والجاع وأما مؤمنوهم فجمهور العلماء على أنم يدخلون النة وجهور العلماء على أن الرسل من‬
‫النس ول يبعث من الن رسول ‪ .‬لكن منهم النذر وهذه السائل لبسطها موضع آخر ‪.‬‬
‫والقصود هنا أن الن مع النس على أحوال ‪ :‬فمن كان من النس يأمر الن با أمر ال به ورسوله من عبادة‬
‫ال وحده وطاعة نبيه ويأمر النس بذلك فهذا من أفضل أولياء ال تعال وهو ف ذلك من خلفاء الرسول ونوابه ‪.‬‬
‫ومن كان يستعمل الن ف أمور مباحة له فهو كمن استعمل النس ف أمور مباحة له وهذا كأن يأمرهم با يب‬
‫عليهم وينهاهم عما حرم عليهم ويستعملهم ف مباحات له فيكون بنلة اللوك الذين يفعلون مثل ذلك وهذا إذا قدر‬
‫أنه من أولياء ال تعال فغايته أن يكون ف عموم أولياء ال مثل النب اللك مع العبد الرسول ‪ :‬كسليمان ويوسف مع‬
‫إبراهيم وموسى وعيسى وممد صلوات ال وسلمه عليهم أجعي ‪ .‬ومن كان يستعمل الن فيما ينهى ال عنه‬
‫ورسوله إما ف الشرك وإما ف قتل معصوم الدم أو ف العدوان عليهم بغي القتل كتمريضه وإنسائه العلم وغي ذلك‬
‫من الظلم وإما ف فاحشة كجلب من يطلب منه الفاحشة فهذا قد استعان بم على الث والعدوان ث إن استعان بم‬
‫على الكفر فهو كافر وإن استعان بم على العاصي فهو عاص ‪ :‬إما فاسق وإما مذنب غي فاسق وإن ل يكن تام العلم‬
‫بالشريعة فاستعان بم فيما يظن أنه من الكرامات ‪ :‬مثل أن يستعي بم على الج أو أن يطيوا به عند السماع البدعي‬
‫)‬ ‫‪58‬‬ ‫الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ‪( --------------------‬‬
‫أو أن يملوه إل عرفات ول يج الج الشرعي الذي أمره ال به ورسوله وأن يملوه من مدينة إل مدينة ونو ذلك‬
‫فهذا مغرور قد مكروا به ‪.‬‬
‫وكثي من هؤلء قد ل يعرف أن ذلك من الن بل قد سع أن أولياء ال لم كرامات وخوارق للعادات وليس‬
‫عنده من حقائق اليان ومعرفة القرآن ما يفرق به بي الكرامات الرحانية وبي التلبيسات الشيطانية فيمكرون به‬
‫بسب اعتقاده فإن كان مشركا يعبد الكواكب والوثان أوهوه أنه ينتفع بتلك العبادة ويكون قصده الستشفاع‬
‫والتوسل من صور ذلك الصنم على صورته من ملك أو نب أو شيخ صال فيظن أنه صال وتكون عبادته ف القيقة‬
‫للشيطان قال ال تعال ‪ { :‬ويوم يشرهم جيعا ث يقول للملئكة أهؤلء إياكم كانوا يعبدون } { قالوا سبحانك‬
‫أنت ولينا من دونم بل كانوا يعبدون الن أكثرهم بم مؤمنون } ‪ .‬ولذا كان الذين يسجدون للشمس والقمر‬
‫والكواكب يقصدون السجود لا فيقارنا الشيطان عند سجودهم ليكون سجودهم له ‪ ،‬ولذا يتمثل الشيطان بصورة‬
‫من يستغيث به الشركون ‪ .‬فإن كان نصرانيا واستغاث برجس أو غيه جاء الشيطان ف صورة جرجس أو من‬
‫يستغيث به وإن كان منتسبا إل السلم واستغاث بشيخ يسن الظن به من شيوخ السلمي جاء ف صورة ذلك‬
‫الشيخ وإن كان من مشركي الند جاء ف صورة من يعظمه ذلك الشرك ‪ .‬ث إن الشيخ الستغاث به إن كان من له‬
‫خبة بالشريعة ل يعرفه الشيطان أنه تثل لصحابه الستغيثي به وإن كان الشيخ من ل خبة له بأقوالم نقل أقوالم له‬
‫فيظن أولئك أن الشيخ سع أصواتم من البعد وأجابم وإنا هو بتوسط الشيطان ‪.‬‬
‫ولقد أخب بعض الشيوخ الذين كان قد جرى لم مثل هذا بصورة مكاشفة وماطبة فقال ‪ :‬يرونن الن شيئا‬
‫براقا مثل الاء والزجاج ويثلون له فيه ما يطلب منه الخبار به قال ‪ :‬فأخب الناس به ويوصلون إل كلم من استغاث‬
‫ب من أصحاب فأجيبه فيوصلون جواب إليه ‪ .‬وكان كثي من الشيوخ الذين حصل لم كثي من هذه الوارق إذا‬
‫كذب با من ل يعرفها وقال إنكم تفعلون هذا بطريق اليلة كما يدخل النار بجر الطلق وقشور النارنج ودهن‬
‫الضفادع وغي ذلك من اليل الطبيعية فيعجب هؤلء الشايخ ويقولون نن وال ل نعرف شيئا من هذه اليل ‪ .‬فلما‬
‫ذكر لم البي إنكم لصادقون ف ذلك ولكن هذه الحوال شيطانية أقروا بذلك وتاب منهم من تاب ال عليه لا تبي‬
‫لم الق وتبي لم من وجوه أنا من الشيطان ورأوا أنا من الشياطي لا رأوا أنا تصل بثل البدع الذمومة ف الشرع‬
‫وعند العاصي ل فل تصل عندما يبه ال ورسوله من العبادات الشرعية فعلموا أنا حينئذ من مارق الشيطان لوليائه‬
‫‪ ،‬ل من كرامات الرحن لوليائه ‪ .‬وال سبحانه وتعال أعلم بالصواب وإليه الرجع والآب وصلى ال وسلم على‬
‫ممد سيد رسله وأنبيائه وعلى آله وصحبه وأنصاره وأشياعه وخلفائه صلة وسلما نستوجب بما شفاعته " آمي " ‪.‬‬

You might also like