Professional Documents
Culture Documents
لفضيلة الشيخ
محمد حسين يعقوب
1
الجدية في اللتزام 2
إنّ الحمد ل نحمده ونستعينه ونستغفره ،ونعوذ بال تعالى من شرور أنفسنا ،ومن سيئات أعمالنا ،
من يهده ال فل مضل له ،ومن يضلل فل هادي له .
وأشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له ،وأشهد أنّ محمد عبده ورسوله .
اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد ،كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد .
اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد ،كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد .
] عمران102/ [ آل " يَا َأيّهَا اّلذِينَ آ َمنُواْ ا ّتقُواْ اللّهَ َحقّ ُتقَاتِهِ وَلَ تَمُوتُنّ إِلّ َوأَنتُم ّمسْلِمُونَ "
" يَا َأيّهَا النّاسُ ا ّتقُواْ َر ّب ُكمُ اّلذِي خَ َل َقكُم مّن ّنفْسٍ وَا ِ
ح َدةٍ وَخَ َلقَ ِمنْهَا زَوْجَهَا َو َبثّ ِمنْهُمَا رِجَا ًل َكثِيرًا
"[ النساء ] 1/ َونِسَاء وَا ّتقُواْ اللّهَ اّلذِي َتسَاءلُونَ ِبهِ وَالَرْحَامَ إِنّ اللّ َه كَانَ عَ َل ْي ُكمْ رَقِيبًا
" يَا َأيّهَا اّلذِينَ آ َمنُوا ا ّتقُوا اللّهَ َوقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ُيصْلِحْ َل ُكمْ أَعْمَا َل ُكمْ َو َي ْغفِرْ َل ُك ْم ُذنُو َب ُكمْ وَمَن يُطِعْ
[ الحزاب] 71-70/ اللّهَ وَ َرسُوَلهُ َف َقدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا "
ـ أما بعد ـ
فإنّ أصدق الحد يث كلم ال تعالى ،وإن خير الهدي هدي مح مد صلى ال عليه وعلى آله و سلم ،
وشر المور محدثاتها ،وكل محدثة بدعة ،وكل بدعة ضللة ،وكل ضللة في النار .
إخوتي في ال ..
والذي برأ الحبة وخلق النسمة إنّي أحبكم في ال ،وأسأل ال جل جلله أن يجمعنا بهذا الحب في
ظل عرشه يوم ل ظل إل ظله ،اللهم اجعل عملنا كله صالحًا ،واجعله لوجهك خالصًا ،ول تجعل فيه
لحد غيرك شيئًا .
أحبتي في ال ..
كثيرًا ما سألتكم وما يزال السؤال مطروحًا إلى الن ،لماذا دبّ الوهن فينا ؟ لماذا ل يعتقد أي منّا
أنه أهل لن يمكن له ؟ لماذا انتكس من انتكس ؟ لماذا تولى من تولى ؟ لماذا صرنا إلى نقصان بعد أن كنا
في زيادة ؟… .إنه داء الفتور في اللتزام .
أخي في ال ..
هل كنت تحفظ القرآن ثم تركت ؟!
هل كنت تقوم الليل ثم نمت ؟!
2
الجدية في اللتزام 3
والجواب :لننا أخذنا ديننا بضعف ،كانت لي محاضرة قديمة بعنوان " بين سحر الحواة ولعب
الهواة ضاع الدين " ضاع الدين لن كثيرًا من شباب المسلمين حملوا هذا الدين هواية ،كهواية جمع
طوابع البريد ،وهواية المراسلة ،وهواية لعب الكرة ،فدخل الدين هواية ،ونحن نواجه ملحدين
محترفين ،نواجه كفارًا محترفين ،ول يمكن للهواة أن يقفوا في وجه هؤلء ،فلبد ـ إخوتاه ـ من
احتراف الدين .
إنني ل أطلب منك أن تترك دراسة الهندسة ،ول الطب ،ول الزراعة ؛ لتطلب العلم الشرعي ،ل
أطال بك بشيءٍ من هذا ،وإن ما أطال بك أن تكون مهند سًا محترفًا في أعمال الهند سة وإخضاع ها للدعوة إلى
ال ،وخدمة الدين .
أطالبك أن تكون طبيبًا ولكنك احترفت الطب لخدمة الدين ،أطالبك أن تكون تاجرًا ولكن عبدتّ
المال لخدمة رب العالمين .
من أنت ؟!!
أخي في ال ..
من أنت ؟!! لو أنني سألتك هذا السؤال وقلت لك :ما اسمك عند رب العالمين ؟ فبم تجيب ؟
هل أنت فلن الكذاب ،أو الغشاش ،أو المرائي ،أو المنافق ،أو ..أو ؟!
أم أنت فلن المؤمن ،أو الموحد ،أو القوّام ،أو الصوام ،أو القائم بالقسط ،أو الذكير ،أو
الصديق ..آهٍ ..آهٍ من أنت ؟!
أجبني ـ أخي ـ الن ،قبل أن تنبأ به غدًا على رؤوس الشهاد يوم تبلى السرائر ،يوم الفضيحة
الكبرى فل أبأس ول أشقى ول أذل منك يومئذٍ .
إني أريد أن أسألك ما هي وظيفتك عند ال ؟!!
إن أكثرنا يعمل لحساب نفسه ،ونسي ال الذي خلقه ،ما هي وظيفتك في خدام ال ؟! إن قلت لي :
ل شيء .فأنت ـ أيضًا ـ ل شيء ،فإن لم يكن لك وظيفة عند ربك فل نفع لك في هذه الدنيا ،ول
قيمة لك عند ال ،فإنما قيمة العبد عند ال حين يعظم العبد ال ،فيعظم ال في قلبه ،وإذا عظم ال في
قلبك فأبدًا ل تطيق ول تستطيع أن تجلس هكذا ل تدعو إلى طريق مولك .
أخي الحبيب ..
ل تخادع نفسك ،فأنت على نفسك بصير ،ل تقل :كنت وكان وسوف ،فإنها حبائل الشيطان ،بل
سل نفسك بصدق وفي الحال :من أنا عند ال ؟!
4
الجدية في اللتزام 5
فإن أدركت أنك في الحضيض ،فقل لها :وحتى متى ؟! فإن تسرب إليك هاتف من يأس فذكرها
بال الرحيم ،فإن تعلقت بالرحمة ولم تعمل فهذا عين الغرور ،فمن يحسن الظن بال يحسن العمل ،وما
مآل المغترين إل أن يبدو لهم من ال ما لم يكونوا يحتسبون .
وإن كنت على خير فإياك أول أن تغتر أو تعجب ،بل سل نفسك حينئذٍ :أين شكر النعم ؟! وهل
ما أنا فيه استدراج ؟ ومدار النجاة في أن تكون دائمًا في زيادة ،فإن كنت في نقصان فهنا البلية الكبرى ،
لنّ الموت قد يفجأك على هذه الحالة ،ومازلت أنت تذكر ليلة قمتها ،ويوم بعيد صمته ،وتركن على
أعمال هزيلة ل تغني عنك من ال شيئًا ،فما عساك تصنع حينها ؟
قال ابن مسعود :إنكم في ممر الليل والنهار في آجال منقوصة ،وأعمال محفوظة ،والموت يأتي
بغتة ،فمن زرع خيرا فيوشك أن يحصد رغبته ،ومن زرع شرا فيوشك أن يحصد ندامة ،ولكل زارع
مثل ما زرع ل يسبق بطيء بحظه ،ول يدرك حريص ما لم يقدر له .
أخي ..
أفق من غفوتك ،وانهض من رقدتك ،فالعمر قليل ،والعمل كثير ،فإلى متى النكوص والفتور
والتواني والكسل ،إلى متى هجران الطاعات ؟ وترك المندوبات ؟ بل قل :ترك الواجبات ،وآكد
الفرائض المحتمات ،واستمراء المعاصي والسيئات ،والجتراء على الوقوع في المهلكات .
إلى متى ؟! إلى متى ؟
يا نفس :بال أجيبيني !! مادمت تعرفين أنّك ل تساوين شيئًا عند ال ،وأنّك رضيت بالهوان
فآثرت نعيمًا فانيًا ،وزهدت في جنات خالدة ،أما تنظرين إلى من ساروا في هذا الدرب كيف فتنوا ؟ كيف
ذلوا وصغروا ؟ كيف شقوا فما وال سعدوا ؟
ثمّ بعد ذلك إلى الردى تريدين !!
ل ..ل لن أنصت لحديثك مرة أخرى .بل سأبدأ من اللحظة ،سأبدأ في الحال صفحة جديدة في
عمري ل شعار لي فيها إل الجدية في اللتزام .
ومن هنا البداية ،فاعرف اولًا من أين أوتيت ؟ وكيف قهرت جيوش النفس والشيطان حصون
قلبك فأردتك ،ضع يدك في يدي ،وتعال نعمل سويًا لجل رضا ربنا ،حتى نصل بإذن ال إلى الجنة.
6
الجدية في اللتزام 7
عنّي فالغني يصاب بالبطر والكبر ،ويصبح ماله نقمة عليه في الخرة فيصرخ يوم القيامة " :مَا أَ ْ
غنَى َ
ن ذِرَاعًا
سبْعُو َ
خذُوهُ َفغُلّوهُ ُثمّ الْجَحِيمَ صَلّوهُ ُثمّ فِي سِ ْلسِلَ ٍة ذَرْعُهَا َ
عنّي سُلْطَانِيهْ ُ
مَالِيهْ هَلَكَ َ
سكِينِ فَ َليْسَ لَهُ ا ْليَ ْومَ هَا ُهنَا حَمِيمٌ
طعَامِ الْ ِم ْ
علَى َ
فَاسُْلكُوهُ ِإنّ ُه كَانَ لَا يُ ْؤمِنُ بِاللّهِ ا ْلعَظِيمِ وَلَا يَحُضّ َ
[ الحاقة ]37-28/ غسْلِينٍ لَا يَ ْأكُلُهُ ِإلّا الْخَا ِطؤُونَ "
طعَامٌ إِلّا مِنْ ِ
وَلَا َ
والفقير يحلق دينه بالحقد والحسد ،ناهيك عمّن يتكبر وهو معوز فيدخل في قول رسول ال صلى ال عليه
وسلم وآله وسلم " :ثلثة ل يكلمهم ال يوم القيامة ول يزكيهم ول ينظر إليهم ولهم عذاب أليم شيخ
زان وملك كذاب وعائل مستكبر " .1
فرجل كبير السن يزني ،وملك يكذب على رعيته ول يحتاج لذلك فإذا كذب غش ،فهنا ـ كما يقول
العلماء ـ ضعف الداعي ،وتم الفعل ،فعظم الوزر.
إنها عقوبة تروع قلب أي مسلم أل يكلمه ال ،انظر لكعب بن مالك لما خاصمه رسول ال صلى ال عليه
و سلم كادت رو حه تز هق ،تف كر في حالك ولو أت يت من ت حب فوجد ته معرضًا ع نك أو خا صمك ك يف
تكون حينها ؟! أل تشعر أنّ الدنيا اسودت في وجهك ،ويحل بك من الضيق والحزن ما يقطع قلبك ،فما
بالك أن يقاطعك ال ،ل يكلمك ،ل ينظر إليك ،يعرض عنك ،ل يزكيك ،هذا أشد من عذاب جهنم عند
الموقنين المحبين الموحدين .
والثالث :عائل أي فقير وهو مع هذا مستكبر ،فأن يطغى الغني بالمال هذا أمر معروف قال تعالى :
س َتغْنَى " [ العلق ] 7-6/لكن فقير يتكبر فلماذا ـ يا عبد ال ـ ؟ !! " إِنّ الْإِنسَانَ َليَ ْ
طغَى أَن رّآهُ ا ْ
وكذلك فقير مترف هذا شيء يبغضه ال تعالى .
إخوتاه ..
ول شك أنّ الترف أفسد أبناءنا ،فوجدنا فينا من يتفاخر يقول :أنا ل أجعل ابني في احتياج إلى شيء أبدًا
فأنا ألبي له جميع طلباته ورغباته .
ومثل هذا يظن أنه أحسن إلى ولده ،وأنا أعرف أنّ العاطفة لها دخل كبير في هذا ،بل من ل يستطيع أن
يفعل ذلك يظل مهمومًا بهذه الرغبات من الولد والتي ل يستطيع أن يلبيها لهم ،والحقيقة أنّ هذا ليس من
التربية في شيء ،فأنت بذلك تفسد الولد ،إننا نفتقد الحكمة في التربية ،نفتقد التربية اليمانية الصحيحة
لولدنا .
أخرجه مسلم ( )107ك اليمان ،باب بيان غلظ تحريم إسبال الزار والمن بالعطية وتنفيق السلعة بالحلف وبيان الثلثة 1
الذين ل يكلمهم ال يوم القيامة ول ينظر إليهم ول يزكيهم ولهم عذاب أليم .
7
الجدية في اللتزام 8
لماذا ل تربي ولدك منذ البداية على أن يتعلق بال ،فإذا طلب شيئًا مفيدًا ولم تستطع أن تجيبه فقل له :هيا
يا بني نصلي ركعتين وند عو ال فيه ما ،فإنّ ال هو الرزاق ،وهو ربنا المدبر لمور نا ،فإذا لم يمنحنا
المال الذي أستطيع به أن آتيك بما تريد ،فاعلم أنّ هذا ليس مفيدًا لنا الن ؛ لنّ ال صرفه عنّا .
فتعلمه قول النبي صلى ال عليه وسلم " :إذا سألت فاسأل ال ،وإذا استعنت فاستعن بال " ، 1وليس
من التربية أن تلبي جميع متطلبات أولدك فينشأ الواحد منهم عبد شهواته ،كلما تاقت نفسه إلى شيء طلبه
فإنّه إن لم يجده سيسرق ويزنى ويخون من أجل أن يحقق ما يشتهي .
إن لبنك حقًا أعظم من الدنيا ،وهو أن تعلمه كيف ينجو من النار ،اللهم نجنا وأولدنا من النار .قال ال
تعالى " :يَا َأيّهَا اّلذِينَ آ َمنُوا قُوا أَن ُف َ
س ُكمْ وَأَهْلِي ُكمْ نَارًا وَقُودُهَا النّاسُ وَالْحِجَا َرةُ عَ َل ْيهَا مَلَا ِئكَةٌ غِلَاظٌ
[التحريم ] 6 / شدَادٌ لَا َي ْعصُونَ اللّهَ مَا أَمَ َر ُهمْ َو َي ْفعَلُونَ مَا يُؤْ َمرُون "
ِ
إخوتاه ..
نحتاج إلى صفات " الرجولة " ،والرجل الحق ل يعرف الترف .
قال عمر :اخشوشنوا فإنّ النعمة ل تدوم .
وقالت العرب قديما :وعند الصباح يحمد القوم السّري .2
قال الشاعر :
ِإنّما المـرُ سهـولٌ وحزونْ ل كله
ليسَ أمرُ المرءِ سه ً
مُرْمضٍ قد سخنتْ عنه عيونْ ن بشجى
ربما قـ ّرتْ عيو ٌ
خابَ من يطلبُ شيئا ل يكونْ تطلبُ الراحةَ في دارِ العنا
أيها الحبة في ال ..
مع أ بي مو قف لط يف جرى ب ين عالم ين جليل ين ،ف قد اجت مع يومًا ا بن حزم الندل سي الفق يه الظاهري
الوليد الباجي الفقيه المالكي ،وجرت بينهما مناظرة سنة 440من الهجرة ،فلما انقضت المناظرة قال أبو
الوليد الباجي لبن حزم :تعذرني فإن أكثر مطالعاتي كانت على سرج الحراس .
أخرجه الترمذي ( )2516ك صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول ال . 1
السّرى :سير عامة الليل .وهو مثل يضرب في الرجل يحتمل المشقة من أجل الراحة ،وقيل :إن خالد بن الوليد هو 2
فأبو الوليد الباجي كان فقيرًا ل يجد مالً ،ل يجد مصباحًا في بيته ،فاعتذر لبن حزم لن قراءته
ومذاكرته وطلبه للعلم كان على مصابيح الحراس ،فالحراس كانوا يمشون في الليل بمشاعل لحماية البلد
من اللصوص ،فكان هو يسير وراءهم يقرأ في الكتاب ،ويذاكر على ضوء مصابيح الحراس .
سبحان ال العظيم !! وهذا بقي بن مخلد المحدث المشهور صاحب المسند ،وهو أكبر من مسند المام
أحمد بن حنبل ،الشاهد قال لتلميذه يومًا :أنتم تطلبون العلم !!
إنني كنت أطلب العلم فل أجد ما أتقوت به فأجمع من على المزابل أوراق الكرنب الخضراء لكلها ،
وأتعشى بها ،حتى أتي اليوم الذي بعت فيه سراويلي من أجل أن أشتري أوراقًا أكتب بها ،وجلست بل
سراويل .
قال ياقوت الحموى :فالغني أضيع لطلب العلم من الفقر .
وقال بعض المحققين :كثرة المال وطيب العيش تسد مسالك العلم إلى النفوس ،فل تتجه النفوس إلى العلم
مع الترف غالبًا ،فإن الغني قد يسهل اللهو ويفتح بابه ،وإذا انفتح باب اللهو سد باب النور والمعرفة ،
فلذائذ الحياة وكثرتها تطمس نور القلب ،وتعمي البصيرة ،وتذهب بنعمة الدراك ،أما الفقير وإن شغله
طلب القوت ،فقد سدت عنه أبواب اللهو ،فأشرقت النفس ،وانبثق نور الهداية وال الموفق والمستعان .
إخوتاه ..
هذه هي القضية أن الترف مفسد ،وكثرة المال تلهى ،فاللهم أعطنا ما يكفينا ،وعافنا مما يطغينا .
وللسف الشديد الناس في هذا الزمان ل يطلبون ما يكفيهم ،بل يطلبون ما يطغيهم ،ل يكتفون بما
يرضيهم بل يطلبون ما يعليهم .
انظر لطلبة العلم الن ،فأكثرهم لم يختم القرآن حفظًا ،والحفاظ أصبحوا ندرة ،فإذا سئلت لماذا لم تحفظ
القرآن ؟!! فالجواب عادة :لنني ل أجد الوقت .
لماذا ـ أخي ـ ل وقت عندك ،لنك تضيعه في طلب الدنيا أو طلب شهوات النفس ،أليس ل حق في
وقتك ،فاتقِ ال .ول حول ول قوة إل بال .
السبب الثالث :رواسب الجاهلية
من أسباب ضعف اللتزام رواسب الجاهلية ،فإن أكثرنا يدخل طريق اللتزام وفي داخلة نفسه
رواسب من رواسب الجاهلية مثل :حب الدنيا ،والعتزاز بالنفس ،والمال الدنيوية العريضة ،وعدم
قبول النصيحة ،وكثرة الكل ،وكثرة النوم ،وكثرة الكلم ،و ..و…الخ .
9
الجدية في اللتزام 10
قال ال جل جلله عن قوم موسى الذين لم يستطيعوا أن يدخلوا معه الرض المقدسة قال عنهم " :فَمَا
ل ذُ ّريّةٌ مّن َقوْ ِمهِ عَلَى خَوْفٍ مّن ِفرْعَوْنَ َومَ َلئِ ِهمْ أَن َي ْف ِتنَ ُهمْ " [يونس . ] 83/
آمَنَ ِلمُوسَى إِ ّ
هؤلء الذين أسلموا لموسى بعد السحرة ،يخبرنا ال أنهم أسلموا على خوف ،إنهم ربّوا على القهر والذل
والستعباد ،وسياقهم كالقطيع ،نشأوا على ذلك ،عاشوا على هذا ،فلما آمنوا ظلت فيهم رواسب من هذا
فلم ينجحوا مع موسى عليه وعلى نبينا الصلة و السلم ،فاتعبوه ،وبدأت الجاهليات تظهر ،فتارةً
طعَامٍ
صبِرَ عَلَىَ َ
حتّى نَرَى اللّهَ جَهْ َرةً " [ البقرة ، ] 55/وتارة قالوا " :لَن ّن ْ
قالوا " :لَن نّ ْؤمِنَ لَكَ َ
حدٍ " [ البقرة ، ] 61/وتارةً " قَالُواْ يَا مُوسَى ِإنّا لَن ّندْخُلَهَا َأ َبدًا مّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْ َهبْ أَنتَ وَ َربّكَ
وَا ِ
عدُونَ " [المائدة . ] 24/
َفقَاتِل ِإنّا هَا ُهنَا قَا ِ
والشاهد أن سبب هذا أنهم آمنوا أصلً على خوف من فرعون وملهم ،فإذا اجتمع اللتزام مع رواسب
الجاهلية ،تظل الرواسب تشدك للماضي .
كم من شباب التزم ثم نكص على عقبيه ،وأنت تعلمون أنّي ـ وال ـ أحبكم في ال ،فل تغضبوا
م ني ،فإ ني أحاول أن ن صل معًا إلى حل ،إلى علج لتلك المراض ال تي ت فت في عضد نا ،وتط مس
الجهود الدعوية المبذولة لعلء كلمة ال في الرض ،فلكي نصل إلى الجنة لبد من تحمل مرارة الدواء،
فهل يعز عليكم تحمل هذا في سبيل الوصول للجنة ؟ !!
لذلك تعالوا بنا إلى بعض السبل العلجية لظاهرة ضعف اللتزام والفتور .
10
الجدية في اللتزام 11
11
الجدية في اللتزام 12
إنك تتعجب حين تطالع سير سلفنا الصالح ،كان الواحد يأكل في اليوم مرة ،ويشرب في اليوم مرتين
فقط ،كما أثر هذا عن المام أحمد وغيره .
فأي رجال كان هؤلء ،لكن من عاش ليأكل ويشرب ،فهذا قد يكون عبدًا لبطنه ،طالع سير السلف
لتعرف قدرك جيدًا .
سئل بعض السلف :الرجل يأكل في اليوم أكلة ؟ قال :طعام المتقين .
قيل :فالرجل يأكل في اليوم مرتين .قال :طعام المؤمنين .
قيل :فالرجل يأكل في اليوم ثلث مرات .قال :قل لهله :ابنوا له معلفًا .
فالناس اليوم تعمل من أجل أن تأكل من أفخر الطعمة ،إنه شره النفس ،فليس المر ما يسد الحاجة ،
ل ..ل ..إنه يريد أن يحاكي هذا وذاك ،وأعداء السلم ل ينفكون في تزيين الباطل للناس ،حتى
تتحطم عقيدة المسلمين في خضم الشهوات والملذات ،إنها كما قيل :صناعة الغفلة ،نسأل ال لنا ولكم
العافية .
إخوتاه ..
خذِ ا ْل ِكتَابَ ِبقُ ّوةٍ وَآ َت ْينَاهُ انظر لما أراد ال أن يربي يحيى ليحكم صبيًا قال ربنا جل جلله " :يَا يَ ْ
حيَى ُ
ص ِبيّا " [ مريم ، ] 12/وهو صبي يحكم لنه تربى على الج ّد والرجولة ،ل على الترف ،ول على
ح ْكمَ َ
الْ ُ
خذِ ا ْل ِكتَابَ الشهوات ،ول على متابعة النفس ،ومطاوعة الرغبات ،ول على توفير المطالب " ،يَا يَ ْ
حيَى ُ
جبّارًا
حنَانًا مّن ّل ُدنّا َو َزكَاةً َوكَانَ َت ِقيّا {َ }13وبَرّا بِوَا ِل َديْهِ وَ َلمْ َيكُن َ
ص ِبيّا " وَ َ
ح ْكمَ َ
ِبقُ ّوةٍ وَآ َت ْينَاهُ الْ ُ
صيّا " [ مريم ] 14– 12/فأين هذه الصفات في شبابنا الن ؟!!
ع ِ
َ
أيها الحبة في ال ..
ال أمرنا بالجدية في السلم فقال ِ " :إنّهُ َلقَوْلٌ َفصْلٌ َومَا ُهوَ بِالْ َهزْلِ " [ الطارق ]14-13/فالمر ليس
هزلًا ،اليوم نرى سمات الصالحين في الظاهر ،ولكن على قلوب فارغة ،على عقول فارغة ،وأنا آسف
إن قلت هذا ،ولكن هذا واقع للمة لبد من تصحيحه ؛ لنه عار علينا ،ووصمة للدعوة ،وقد بدأت
تظهر أمور ل تمت بصلة للسلم ،في المعاملت وأكل أموال الناس بالباطل ،والمشاكل السرية
والطلق ،والولد الذين كنّا نعقد عليهم آمالنا ،أولد الملتزمين الذين لم يعرفوا الجاهلية التي مرّ بها
آباؤهم ،فوجدنا من كبر منهم ـ وللسف ـ بعضهم أسوأ من أبيه .
فلبد من وقفة للتصحيح ،لبد من ضبط مواقع القدام ،قبل أن تذل بنا في جهنم ،قال تعالى َ " :ف َتزِلّ
[ النحل] 94/ سبِيلِ الّلهِ "
صدَدتّمْ عَن َ
َق َدمٌ َب ْعدَ ُثبُو ِتهَا َو َتذُوقُواْ ا ْلسّوءَ ِبمَا َ
13
الجدية في اللتزام 14
14
الجدية في اللتزام 15
قال الحسن البصري ـ وقد صح عنه موقوفًا وهو ضعيف مرفوعًا ـ :ليس اليمان بالتمني ول بالتحلي
ولكن ما وقر في القلب وصدقته العمال ،وإن قومًا خرجوا من الدنيا ول حسنة لهم ،قالوا :نحسن الظن
بال .وكذبوا ،لو أحسنوا الظن لحسنوا العمل .
إخوتاه ..
أين الخلص ؟! أين حملة الدين ؟ أما رأيتم الرويبضة وهم يمرقون من الدين ،إن هؤلء ما تجرأوا على
الدين إل بسبب تقصيرنا ؟ تقصير في طاعة ال ،تقصير في الدعوة إلى ال ،والواحد منّا جل ما يصنع
أن يقول :أنا مقصّر ،ادعُ ال لي !! .مقصر!! فلبد من علج ،فليس المر أن تتهم نفسك في العلن ،
ثمّ ل يتبع ذلك ندم وتوبة .
إخوتاه ..
نحن ل نيأس من رحمة ال ،وال وعدنا إنْ أصلحنا من أنفسنا أن يغير ما نحن فيه من غربة ،فالمل
سيظل معقودًا أبدًا ،والمستقبل للسلم ،وإن كره الملحدون والكافرون ،والتمكين للدين آتٍ بإذن ال ،
نسأل ال أن يمكن لدينه في الرض .
إخوتاه .
من طرق العلج :
رابعًا :زيادة الطاعات وعدم الغترار بالعمل اليسير .
معتقد أهل السنة والجماعة أنّ اليمان يزيد وينقص ،يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ،فإن لم يكن يزيد
فإنه ينقص .
أريد أن يزيد إيمانك كل يوم ،تقرب إلى ال بما تستطيع ،ول تغتر بالعمل اليسير ،ول تكثر التشدق
بالنجازات ،لنّ هذا قد يورث العجب والفرح بالعمل والشتغال بالنعمة عن المنعم ،
مثال ذلك :
تجد أن الخ إذا وجد نفسه مقيمًا للصلوات في الجماعة ،وقام ليلة أو ليلتين ،ظن نفسه من أولياء ال
الصالحين ،وهذا قد يبتلى بترك العمل ،لنه لم يشكر النعمة وإنما نسب الفضل لنفسه ،ولذلك كان
المؤمنون هم أكثر الناس وجلًا ،فليس الشأن في العمل وإنما في قبوله ،قال تعالى " :وَاّلذِينَ يُ ْؤتُونَ مَا
] 60 [ المؤمنون / آتَوا وّ ُقلُوبُ ُهمْ وَجَِلةٌ َأنّ ُهمْ إِلَى َربّ ِهمْ رَا ِجعُونَ "
فالغترار بالعمل القليل اليسير ،وكثرة الكلم عن العمال التي يقوم بها ،هذا دليل أنه لن يكمل ،ولن يتم
فاستر نفسك .
15
الجدية في اللتزام 16
قال المام ابن القيم في مدارج السالكين " :ول در أبي مدين حيث يقول :ومتى رضيت نفسك وعملك ل،
فاعلم أن ال عنك غير راضٍ ،ومن عرف نفسه وعرف ربه علم أن ما معه من البضاعة ل ينجيه من
النار ،ولو أتى بمثل عمل الثقلين " .
نعم الذي يرى نفسه مؤمنًا خالصًا فهذا معجب مغتر بنفسه ،لبد أن ترى دائمًا نفسك بعين النقص
والعيب ،لبد أن تنكس رأسك وتذل ل .
ن الولد إذا رضي عن نفسه في علم من العلوم يبدأ يهجر مدارسته ،ثمّ
ول المثل العلى :فأنت تعرف أ ّ
بعد هذا تأتي الرياح بما ل تشتهي السفن ،وقد يرسب في هذا العلم ،بسبب تهاونه وعجبه .
وهذه قضية المن على اليمان ،وقد قال ال " :أَفَ َأمِنَ أَ ْهلُ ا ْلقُرَى أَن يَ ْأ ِتيَ ُهمْ بَ ْأ ُ
سنَا َبيَاتا وَ ُهمْ نَآئِمُونَ
سنَا ضُحًى وَ ُهمْ يَ ْل َعبُونَ أَفَ َأ ِمنُواْ َم ْكرَ الّلهِ فَلَ يَأْمَنُ َمكْرَ اللّهِ ِإلّ ا ْلقَ ْومُ
َأوَ أَمِنَ أَهْلُ ا ْلقُرَى أَن يَ ْأ ِتيَ ُهمْ بَ ْأ ُ
الْخَاسِرُونَ " [ العراف ]99-97/فل تأمن ،فإنّ إبراهيم الخليل عليه السلم لم يأمن على توحيده ،بل
" [ إبراهيم] 35/ صنَام ابتهل إلى ربه وقال " :وَا ْ
ج ُن ْبنِي َو َب ِنيّ أَن ّن ْع ُبدَ ا َل ْ
إخوتاه ..
من طرق العلج :
خامسًا :عدم التسويف .
فمن مظاهر عدم الجدية في اللتزام كثرة الوعود والماني مع التسويف ،فتجد المرء منّا يمني نفسه ،
تقول له :احفظ القرآن .فيقول :سأحفظ إن شاء ال عندما أجد الوقت .وبطبيعة الحال ل يجد الوقت فهو
مهموم دائمًا ،يقول :عندما أنتهي من الدراسة سأتعلم العلم الشرعي ،وأتفرغ للدعوة إلى ال ،ثمّ يدخل
الجيش فيقول :عندما أنتهي من هذه الفترة الشاقة سأصنع ما أريد بإذن ال ،ثمّ تنتهي مدة الجيش فيبدأ في
البحث عن العمل ،ثمّ يقول :لبد أن أتزوج ،فيظل مهمومًا بأمر الزوجة والبحث عنها ،ثمّ يجدها فيهتم
بأمر الشقة وتجهيز المنزل ،ثمّ يتزوج فيبدأ في السعي لتحسين وضعه الجتماعي ،ثمّ يرزق بالولد
فيظل مهمومًا بأمورهم هكذا دواليك .
والعجيب أنّك قد تجد رجلًا من هؤلء في النهاية قد رضي بهذا الضنك ،ويقول :هذه سنة الحياة !!
سنة الحياة أن تعبد الدنيا وتنسى أمر الخرة !! سنة الحياة أن تهجر الطاعات من أجل الهوى والشهوات !!
إخوتاه ..
16
الجدية في اللتزام 17
بسيف التسويف قُتل أناس كثيرون ،فالتسويف رأس كل فساد ،فمن أجّل الطاعات لغد وبعد غد ل يلبث
أن يتركها بالكلية ،فالشيطان يسول له ،ويمنيه ،ويغريه بطول المل ،والموت يأتي بغتة ،والقبر
صندوق العمل .
في قصة الثلثة الذين خلفوا ،كان كعب لديه المال ،يقول كعب بن مالك " :فطفقت أغدو لكي أتجهز
معهم فأرجع ،ولم أقض شيئا ،فأقول في نفسي :أنا قادر عليه .فلم يزل يتمادى بي حتى اشتد بالناس
الجد ،فأصبح رسول ال صلى ال عليه وسلم والمسلمون معه ،ولم أقض من جهازي شيئا ،فقلت :
أتجهز بعده بيوم أو يومين ثم ألحقهم فغدوت بعد أن فصلوا لتجهز فرجعت ولم أقض شيئا ،ثم غدوت ،
ثم رجعت ولم أقض شيئا ،فلم يزل بي حتى أسرعوا ،وتفارط الغزو ،وهممت أن أرتحل فأدركهم ،
وليتني فعلت ،فلم يقدر لي ذلك ،فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول ال صلى ال عليه وسلم
1
فطفت فيهم أحزنني أنّي ل أرى إل رجل مغموصا عليه النفاق ،أو رجل ممن عذر ال من الضعفاء .
وهكذا في نهاية المطاف وجد نفسه في وسط المنافقين ،وهذا من جراء التسويف .
إخوتاه ..
الحذر الحذر من التسويف ،وطول المل ،قبل فجأة الموت ،وحسرة الفوت .
يا من تعمل في أعمال محرمة ،إياك أن تسوّف ،فقد تموت قبل أن تتخلص منه ،هيا الن ،ل تؤجل ،
ل تعطل ،واتخذ هذا القرار الحاسم في حياتك فهذا دليل توبتك حقًا ،ل أن تتشدق بالوهام .
يا من يريد حفظ القرآن قل :سأبدأ حفظ القرآن اليوم ،كل يوم ربع أو ربعين ،وتلزم نفسك بذلك إلزامًا
صارمًا ،ول تتهاون في عقاب نفسك إن قصرت ،وإل فستصبح من أصحاب المظهرية الجوفاء الذين
يكثرون من الوعود والماني .
إخوتاه ..
من طرق العلج :
سادسًا :أخذ الدين بشموليته .
فمن مظاهر عدم الجدية في اللتزام الكتفاء ببعض الجوانب في الدين دون الشمولية ،وقد قال ال " :يَا
َأيّهَا اّلذِينَ آ َمنُواْ ادْخُلُواْ فِي السّ ْل ِم كَآفّة " [ البقرة ، ] 208/فكثير من الملتزمين يدخل في الدين ،ويلتزم
ببعض الجزئيات التي أحبها في الدين ،وقد يكون ذلك هوى ،فليس الهوى في فعل المحرمات ،بل وفي
متفق عليه .أخرجه البخاري ( )4418ك المغازي ،باب حديث كعب بن مالك ،ومسلم ( )2769ك التوبة ،باب حديث 1
فعل الطاعات أيضًا ،قال ال تعالى لنبيه داود عليه وعلى نبينا الصلة والسلم " :يَا دَاوُودُ ِإنّا جَعَ ْلنَاكَ
سبِيلِ اللّه " [ ص ]26/وقد كان
س بِالْحَقّ وَلَا َتتّبِعِ ا ْل َهوَى َف ُيضِلّكَ عَن َ
خلِي َفةً فِي ا ْل َأرْضِ فَاحْكُم َبيْنَ النّا ِ
َ
هواه في العبادة .
فملحظة الشمولية في الدين أمر ضروري ،فإنني أريدك متكاملً في جانب العبادة صوام قوام ذكار ل
تتلو القرآن فتصبح ذا شخصية متألهة متنسكة ،وعلى الجانب العلمي فأنت طالب علم مجتهد ،حافظ
للقرآن ،ذو عقل وفكر نير واستيعاب شامل ،وفي الجانب الدعوي فنشاط متقدم ،سرعة واستجابة ،
وعدم رضا بالواقع ،وتفكير متواصل في الطرق الشرعية لتحويل وتغيير مجرى الحياة ،ذو تأثير ملحوظ
في المحيط الذي تعيش فيه ،كما قال ال تعالى في وصف نبيه عيسى عليه وعلى نبينا الصلة والسلم :
ن مَا كُنتُ " [ مريم ] 31/
" وَجَ َعَلنِي ُمبَارَكًا َأيْ َ
إخوتاه ..
هذه هي الشخصية التي نبحث عنها ،هؤلء هم الرجال الذين يحق أن يمكن لهم في الرض ،أما الرضا
ببعض جوانب الدين ،وتقسيم الدين إلى لباب وقشور ،فهذه بدعة منكرة جرت من ورائها تنازلت كثيرة،
وشقت الصف ل جمعته .
تجد بعض الشباب رضي بالجانب العلمي وترك باقي الجوانب ،تقول لحدهم :لماذا ل تقوم الليل ؟!
فيقول :طلب العلم يستحوذ على كل وقتي .
وأنا أعجب من هذه التفرقة التي ل أصل لها ،من قال أنّ علماء السلف تركوا الجتهاد في العبادة والدعوة
من أجل طلب العلم ؟!!
وتجد آخرين ل همّ لهم إل الدعوة ،يتجولون على الناس لدعوتهم وربطهم بالمساجد ،وهذا في حد ذاته
جيد ،لكن دعوة بدون علم ،هذا سرعان ما ينقلب على عقبيه ،لنه لم يفهم دينه ،فربما يستجيب مرة أو
مرتين بسيف الحياء ،أو بفعل تحمس مؤقت ،ثمّ بعد ذلك ل تجده .
وآخرون ارتضوا من الدين بالعبادة فل تعلموا ول دعوا ،فمن أين لهؤلء بهذا ؟!!
إخوتاه ..
الدين كلُ واحد ،ل يصلح فيه الترقيع " ادْخُلُواْ فِي السّ ْلمِ كَآفّة " [ البقرة ] 208/أي جملة واحدة بجميع
جوانبه
ولبد أن توزع طاقاتك من أجل خدمة هذه الجوانب الثلثة ،علم وعمل ودعوة ،ومتى ضاع منك الوقت
دون أن تثمر شيئًا في هذه الجوانب فاعلم أنّ هذا من الخذلن ،وأنّ هذا ل يكون إل بكسبك ،فينبغي أن
18
الجدية في اللتزام 19
تتوب سريعًا ،وإل فمن يدريك أن الموت لن يكون أسرع مما تتوقع ،وعلى هذا نتعاهد ونتواصى ،
وليأخذ كل منكم بيد أخيه ،فإنها النجاة .
إخوتاه ..
سابعًا :التعاهد على الثبات حتى الممات .
فمن مظاهر عدم الجدية التفلت من اللتزام لول عارض ،فمن أول شبهة أو أول وارد من شهوة يتفلت ،
وسرعان ما تتتابع التنازلت ،مرة ترك النوافل ،ثمّ مرة ترك الجماعة ،بدأ يترك رفقة الصالحين ،وفي
الملتزمات تجدها تتنازل يوم عرسها فتخلع الحجاب ،لماذا ؟ لنه يوم الزفاف ول حرج ،أو تتنازل
فتتزوج من غير الملتزمين ،وهكذا ،تبدأ في خلطة غير الملتزمات ،تبدأ في مشاهدة التلفاز ،تبدأ في
الختلط بالرجال ،ثمّ ل تسل بعد ذلك أين هي الن ؟!!
إخوتاه ..
يقول ابن القيم في مفتاح دار السعادة ( : )1/140وقال لي شيخ السلم ابن تيمية ـ رضي ال عنه ـ وقد
جعلت أُورد عليه إيرادًا بعد إيراد :ل تجعل قلبك لليرادات والشبهات مثل السفنجة فيتشربها فل ينضج
إل بها ،ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة تمر الشبهات بظاهرها ،ول تستقر فيها ،فيراها بصفائه ،
ويدفعها بصلبته ،وإل فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليها صار مقرًا للشبهات أو كما قال .
يقول ابن القيم :فما أعلم أنّي انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك .
خ ّفنّكَ اّلذِينَ لَا يُو ِقنُونَ " [ الروم ، ]60/ولهذا
ستَ ِ
وهذا هو السبيل ،فل تكن خفيفًا ،قال ال تعالى " :وَلَا يَ ْ
من يتأثر بأدنى شبهة فهذا ل يقين عنده ،وأهل العلم واليقين هم الذين يثبتون ،فلهذا أقول لك :ل تقف مع
الشبهات ،وخـذ بنصـيحة رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم " :ف من اتقـى الشبهات ف قد اسـتبرأ لدي نه
1
وعرضه " .
فل تلتفت ـ أخي ـ لكل شبهة ولكل شاردة وواردة ،مثلًا :الخ بعدما أعفى لحيته يأتي الختبار والبلء
فيجد من يقول له :من قال أنّ اللحية فرض ؟ اللحية سنة ؟ أو هي من العادات ؟ وفلن وفلن قال ذلك .
فالخفيف الذي لم يفقه سرعان ما يلتبس عليه المر ،ومع أول مضايقة يفر ،وهذا يعني عدم الخلص
وعدم اليقين ،وأصل كل المشاكل اليمانية يدور حول هذين المرين ،لذلك أقول لك :لبد أن تتعلم أولً،
ثم تعمل بما تعلم ،ثمّ تدعو إلى ما وفقك ال له .
متفق عليه .أخرجه البخاري ( )52ك اليمان ،باب فضل من استبرأ لدينه ،ومسلم ( )1599ك المساقاة ،باب أخذ 1
صوْا
صوْا بِالْحَقّ َو َتوَا َ
ع ِملُوا الصّاِلحَاتِ َو َتوَا َ
سرٍ إِلّا الّذِينَ آ َمنُوا وَ َ
خ ْ
صرِ إِنّ ا ْلإِنسَانَ لَفِي ُ
قال تعالى " :وَا ْل َع ْ
ص ْبرِ " [ سورة العصر
] بِال ّ
إخوتاه ..
كثيرًا ما أحزن عندما تنتشر بعض القاويل الباطلة ،وعندما ينفث أعداء الدين بشبهاتهم ،فتجد بعض
الخوة متخبطًا ،يقول لك :ماذا أصنع ؟! كيف نرد عليهم ؟!! أن تسأل هذا جيد ،ولكن متى تقف على
أرض صلبة ،متى تفهم عن ال ؟ متى ل يتسرب إليك الشك سريعًا عند كل شبهة ؟
هذا ما يورث الفتور وعدم الجدية ،فبهذه النفسيات ل يمكن أن يمكن لنا ،لذلك لبد من أن نقف على
أرض صلبة ،لبد أن نثبت على الدين وإن قويت الرياح ،ل نتزعزع ،ل تكن انهزاميًا .
مثلًا :تجد من يعمل في ساعة مبكرة من النهار يضيع منه الفجر مرة فأخرى ،ثمّ يبدأ يتنازل وتجده
يقول :ل يمكن أن أستيقظ للفجر ،فإذا أراد أن ينام يضبط المنبه على ميعاد العمل ،وينسى صلة الفجر،
وأخشى أن يكون هذا إصرارًا على تضييع الصلة في وقتها ،فيكون هذا نذير شرك والعياذ بال .
أنا أريدك موقنًا بما في يد ال ،أريدك موقنًا بأنّ ال هو الرزاق ،أريدك إذا عصفت الرياح قويًا تفهم سنن
ال الكونية ،وتصبر على البلء حتى يقضي ال أمرًا كان مفعولً .
بعض الخوة إذا أصابه شيء من القهر يجزع سريعًا ،وآخرون يقعون في أول اختبار في شهوة ،فإذا
فتحت عليه الدنيا شيئًا ما نسي ما قدمت يداه ،فأين الثبات على الدين ؟ أين الستقامة على شريعة رب
العالمين ؟
إخوتاه ..
إنّ هؤلء الذين يتفلتون من اللتزام لول عارض شبهة أو أول وارد شهوة يضيعون قبل ورود العوارض
والموارد ،لنهم مهيؤون نفسيًا للوقوع والسقوط .
والعلج هو اليقين ،هو الثبات حتى الممات ،هو العقيدة الصحيحة الصلبة ،والمنهجية في العلم والعمل
والدعوة ،وهذا يحتاج إلى صبر وتحمل ،ول يكون ذلك كله إذا لم يخلص العبد في الستعانة بربه تبارك
وتعالى فالزم .
إخوتاه ..
من طرق العلج أيضًا :
ثامنًا :عدم إكثار الشكوى وتضخيم المشاكل
20
الجدية في اللتزام 21
فمن مظاهر عدم الجدية في اللتزام :كثرة الشكوى وتضخيم المشاكل وإيجاد المبررات ،فدائمًا أبدًا
شكاء ،ل يرضى ،وكل مشكلة صغيرة يضخمها ،وهذا من البطالة وعدم الجدية .
وآخر صاحب منطق تبريري ،فل يريد أن يواجه نفسه ويلقي باللئمة عليها ،بل يتذرع ويعلل ويبرر ،
وهو يدري أنّه على غير الحق .
ومنهم :من إذا التزم بالدين صار عالة على الدعاة ،ولسان حاله يقول :أنا صنعت ما قلتم لي ،فعليكم
أن توجدوا لي الحلول لكل مشكلتي ،وهل لما التزمت التزمت من أجل فلن وفلن أم ابتغاء وجه رب
العالمين ؟!
فإذا كنت كذلك فتعلم " :إذا سألت فاسأل ال ،وإذا استعنت فاستعن بال " ،ل تكثر الشكوى خوفًا أن
1
تتسخط على قدر ال ،وتلك بلية عظيمة أعيذك بال أن تقع فيها .
أريد أن تتعلم أن تلجأ إلى ال ،ل تتوكل على أحد سوى ال ،وال هو القادر على أن يدفع عنك " ،إِنّ
الحج38/ "[ ] اللّهَ ُيدَافِعُ عَنِ اّلذِينَ آ َمنُوا
إخوتاه ..
كثرة الشكوى وتضخيم المشاكل وإيجاد المبررات سبيل للنكوص ولبد ،واستصحب دائمًا هذه النصيحة
النبو ية الذهبية " واستعن بال ول تعجز " " واعلم أن المة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم
2
جزء من حديث أخرجه مسلم ( )2664ك القدر ،باب في المر بالقوة وترك العجز والستعانة بال . 2
21
الجدية في اللتزام 22
نصيحة أخيرة
أريد بعد هذا كله أن أسألكم سؤالًا حتميًا ،وأرجو أن يجيب كل واحد منكم نفسه بصدق .
هل أنتم جادون في طلب الخلص مما أنتم فيه ؟ وما الدليل على هذا ؟!!
ك ما قلت ل كم من ق بل :وق فة جادة مع الن فس ،والتزام بمن هج وا ضح في العلم والع مل والدعوة ،واعتبار
ذلك فرضًا حتميًا ل ينبغي الحيد عنه ،وقفة ل تقبل التأجيل ،وقفة من الن .
قل لنفسك :منذ متى وأنا ملتزم فماذا قدمت لدين ال ؟!
هل أنا أعمل ل أم من أجل نفسي ؟!
ثمّ بعد أن تمحص نيتك ل تفتر ،ول تقنط ،بل عليك أن تسعى في العلج بقوة ،انتهز أوقات النشاط في
مضاعفة الطاعات .
وهذا منهج تربوي عليك أن تبدأ به .
.1اح فظ كل يوم ولو ع شر آيات ،وارت بط بمقرأة لتتعلم أحكام التلوة ،وإذا ك نت أتقنت ها فحا فظ علي ها
مـن أجـل أن تكون مـن القوم الذيـن يجتمعون فـي بيوت ال لتلوة القرآن ومدارسـته فتحفهـم الملئكـة
وتنزل عليهم السكينة ويذكرهم ال فيمن عنده ..
.2حافظ على أذكار الصباح والمساء ،وأكثِر من الستغفار والتسبيح والتحميد والتهليل
.3حافظ على درس علم أسبوعي .
.4ل بد أن يكون لك حظ من الل يل ،وابدأ الن بركعت ين خفيفت ين ،ثمّ ابدأ في الزيادة شيئًا فشيئًا ،ول
يلهي نك الشيطان عن هذا الورد ،إن لم ت كن تح فظ فام سك بالم صحف و صلّ ،واعتادك ذلك سيكون
عونًا لك على الحفظ بإذن ال ،لنّ القراءة من حفظك لها شأن آخر .
.5امكث في المسجد بعد صلة الفجر إلى أن تشرق الشمس ،وصل ركعتي الضحى لتكتب لك كل يوم
أجر حجة وعمرة تامة تامة تامة .
وإن لم تو فق لذلك فاجلس ب ين المغرب والعشاء لتنت ظر ال صلة ب عد ال صلة فإن ها من أع ظم الكفارات ،
وترفع بها الخطايا وتعلي الدرجات .
وهكذا ابدأ في زيادة الطاعات والقربات لتح صن نف سك ،أ ما إذا لم يؤ ثر ف يك كل ذلك ،وإذا لم ت جد من
نف سك القوة والرغ بة وال صرار على بذل الج هد ل ،فاعلم أنّ قل بك مات فاد عُ ال أن يردك عل يك قل بك
المطموس .
إخوتاه ..
22
الجدية في اللتزام 23
انظروا لحال ال سلف ال صالح ،وك يف كا نت أشواق هم تط ير ب هم إلى طا عة ال تعالى ،ك يف كانوا يتغلبون
على الفتور والكسل بالشوق والخوف .
يقول ابن القيم في كلم غال ثمين لو تأملته :إذا جن الليل وقع الحرب بين النوم والسهر ،فكان الشوق
والخوف في مقد مة ع سكر اليق ظة ،و صار الك سل والتوا ني في كتي بة الغفلة ،فإذا ح مل الغر يم حملة
صادقة هزم جنود الفتور والنوم فح صل الظ فر والغني مة ،ف ما يطلع الف جر إل و قد ق سمت ال سهمان و ما
1
عند النائمين خبر .
فأين شوقك لرضا ال ؟ أين وجل قلبك وقد أمهلت كثيرًا ،وما نهاية ذلك إل سوء الخاتمة ؟ فلماذا تأكلك
الغفلة ؟ لماذا صرت أمير الكسل ؟
إخوتاه ..
إننـا نحتاج إلى إخوة جاديـن فـي كـل شؤون حياتهـم ،تبدو عليهـم تلك السـمات فـي أفعالهـم ،جاديـن فـي
تفكيرهم ،الهم الول عندهم هو الدين ،ثمّ تأتي سائر الهموم بعد ذلك ،فل شيء يقدم على دين ال .
في صحيح البخاري عن السود بن يزيد النخعي قال :سألت عائشة ما كان النبي صلى ال عليه وسلم
يصنع في بيته .
قالت :كان يكون في مهنة أهله تعني خدمة أهله فإذا حضرت الصلة خرج إلى الصلة .
2
فهكذا فقس نفسك ،هل إذا قيل لك :حي على الصلة ،حي على العمل الصالح ،حي على حضور درس
العلم النافع ،حي على النفاق في سبيل ال ،فما بالك حينها ؟!
حيَاةِ
سبِيلِ اللّهِ اثّاقَ ْل ُتمْ إِلَى الَرْضِ أَ َرضِيتُم بِالْ َ
" يَا َأيّهَا اّلذِينَ آ َمنُواْ مَا َل ُكمْ ِإذَا قِيلَ َل ُكمُ انفِرُواْ فِي َ
س َت ْبدِلْ
عذَابًا َألِيمًا َو َي ْ
حيَاةِ ال ّد ْنيَا فِي الخِ َرةِ ِإلّ قَلِيلٌ إِلّ تَنفِرُواْ ُيعَ ّذ ْب ُكمْ َ
ال ّدنْيَا مِنَ الخِ َرةِ َفمَا َمتَاعُ الْ َ
[التوبة ]39-38/ شيْءٍ َقدِيرٌ…".
ش ْيئًا وَاللّهُ عَلَى كُ ّل َ
غ ْي َر ُكمْ وَلَ َتضُرّو ُه َ
َقوْمًا َ
إخوتاه ..
يخيل إلىّ أنني لو راجعت كل واحد منكم فسرد لي قائمة اهتماماته لستحييت من ذكرها ،أمور تافهة ل
قيمة لها تشغل تفكيرك ،وربما تحول بينك وبين ال ،ونحن موقنون أنّ ال يعلم السر وأخفى ،وأنّ ال
عليم بذات الصدور ،ولكن رفع الحياء ،ول حول ول قوة إل بال .
أين حياؤك من ال العزيز القهار ؟! أين وجل قلبك من العلي الكبير المتعال ؟!
أخرجه البخاري ( )676ك الذان ،باب من كان في حاجة أهله فأقيمت الصلة فخرج . 2
23
الجدية في اللتزام 24
إنه لو قدر لبشر أن يعرف ما بداخل صدر أخيه لوقع الجميع في حرج شديد ،فما بالك تستحيي من الناس
ول تستحي من ال وهو معك !!
فابدأ ـ أ خي ـ من الن إجراء هذه العمل ية الضرور ية ،عمل ية تطه ير للفكار ،نر يد جد ية في
الهتمامات ،إن بعضنا يكاد يقتل نفسه من كثرة التفكير ،يفكر في وضعه بين الناس ،كيف يفكر الناس
فيـه ؟! ماذا يقول الناس عنـه ؟! ولعله لم يخطـر للناس على بال ،ولو شغـل نفسـه بحاله مـع ال لكفاه ،
حينئذٍ عليك أن تردد في نفسه :ماذا أنت فاعل بي يا غفار الذنوب ؟ وما اسمي عندك يا علم الغيوب ؟
ل تهتم كثيرًا بالناس ،فاصلح ما بينك وبين رب الناس يكفك أمر الناس .
تجد بعضهم يقع في مشكلت نفسية وعندما تفتش عن السباب تجدها أمور تافهة ،وهذا حال أهل البطالة
سافلو الهمة ،فإنّ النفوس العلوية ل تنظر لمثل هذه السفاهات ،وإل أخلّ ذلك بها ،لكنه فراغ القلب من
ال .
أمـا أهـل الهمـة العاليـة ،والجادون فـي التزامهـم فإنهـم مشغولون بأمور أخرى ،مشغول بحفـظ القرآن ،
بالدعوة إلى ال ،بكيف ية إ صلح ف ساد قل به ،مشتاق ل سجدة يقبل ها ال م نه ،مشتاق لت سبيحة يش عر مع ها
بحلوة اليمان ،هذا شأن عباد ال الصالحين ،فمن أي الفريقين أنت ؟!
إخوتاه ..
منذ كم عام وأنت ملتزم ؟ فماذا صنعت ؟ هل ذقت حلوة اليمان أم لم تشعر بها بعد ؟
هل تنقل قلبك في رياض اليمان فشعرت بالسعادة الحقيقية ؟ واحسرتاه على من قضى عمره في وهم كبير
شيده في ذهنه ،ووضع له السياج اللئق به ،فكذب على نفسه ،ثم استمرأ الكذب فخادع نفسه ،فصدق
كذبه !!
وإن أخشى ما أخشاه أ نْ يكون التزامك هذا وهمًا ،ول أراني أشعر بأفعال تطيح بهذا الهاجس المقلق من
نفسي على شباب الصحوة !!
هذه ـ إذًا ــ قضيتـك الولى ،هـل أ نت ملتزم أم ل ؟ هـل اعتاد لسـانك الذ كر ف صار رطبًا منـه ؟ هـل
اعتادت جوار حك القيام بأداء حقوق ال ف صرت تش عر بالوح شة إذا لم تؤدِ شيئًا ي سيرًا من ها ؟ إنّ ه إدمان
الطا عة ،حين ها ت جد الر جل يقول :ال صلة صارت تجري في د مي ،ل أ ستطيع أن أترك ورد القرآن ،
أشعر بأنّي ل أتمالك نفسي ،وهكذا ساعتها تعيش السلم لنه يعيش فيك ،فتحفظ من التفلت والنتكاس .
إخوتاه ..
24
الجدية في اللتزام 25
تبدو أو ضح مظا هر الجد ية في التعا مل مع الوقات ،كث ير من الناس يشتكون من قلة الو قت ،وض يق
الوقت ،وهذا دليل على عدم الجدية .
يقول ابن القيم في تعريف اليقظة :هي انزعاج القلب لروعة النتباه من رقدة الغافلين ،وهي على ثلثة
مراتب :
()1لحـظ القلب إلى النعمـة على اليأس مـن عدهـا ،والوقوف على حدهـا ،ومعرفـة المنـة بهـا ،والعلم
بالتقصير في حقها .
()2مطالعة الجناية على التخلص من رقها ،وطلب التمحيص بها ،والثبات على التوبة بعدها.
()3معرفة الزيادة والنقصان من اليام ،فيلتزم الضنّ بباقيها ،وتعمير تالفها ،واستدراك فائتها.
هنا محل الشاهد ،فهذا هو الملتزم الحق ،الذي دفن جاهلياته ،وشمّر عن ساعد الجد لستدراك ما فاته
طيلة عمره .
وسنة ال الكونية على أنّه ل يأتي زمان إل والذي بعده شر منه ،فالطالب في الكلية عندما يلتزم يندم على
أيام ثانوي ،والذي يتخرج يندم على أيام الجامعة ،والذي يتزوج يندم على أيام قبل الزواج ،وهكذا .
فاليوم الذي يذ هب ل يأتي مثله ،مصداق ذلك حد يث أنس بن مالك في البخاري مرفوعًا إلى ال نبي صلى
1
ال عليه وسلم :ل يأتي عليكم زمان إل الذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم .
فانت به إلى الجد ية في التعا مل مع الوقات ،ل تض يع وق تك في ما ل ينف عك غدًا ،كل ن فس من أنفا سك
محسوب عليك .
المام ابن عقيل الحنبلي شيخ ابن الجوزي يقول :أنا ل أحل لنفسي أن تضيع لحظة من عمري ،فأنا إما
أكتب ،وإ ما أقرأ ،وإما أطالع ،وإما أدرس ،وإما أصلي ،وإما أذكر ،أو اتذاكر حتى إذا تعبت فارقد
على جنبي وأسرح بخيالي في مسائلي فإذا عمت لي مسألة قمت وكتبتها .
وهذا المام أبـو حنيفـة فـي سـياق الموت وتلميذه حوله قال :هلم مسـألة ،تعالوا نتدارس مسـألة .قالوا :
وفي مثل هذه الحال .قال :لعله ينجو بها ناج .
ولن تعدم الوسيلة ،تحفظ القرآن ،تقرأ في كتب العلم ،تسمع شريطًا ،تخرج في زيارة لشيخ ،أو زيارة
لمكتبة ،أو زيارة لشخص تدعوه إلى ال .
إخوتاه
أخيرًا عليكم بالقتصاد في الهزل والمزاح .
أخرجه البخاري ( )7068ك الفتن ،باب ل يأتي زمان إل الذي بعده شر منه . 1
25
الجدية في اللتزام 26
فلقـد صـار الهزل وكثرة الضحـك شعار الشباب فـي هذه اليام ،وليسـت المشكلة فـي الدعابـة اليسـيرة ،
والمزاح القل يل الذي ل يخرج ع ند حدود الدب ،وإن ما في هذا الفراط والمبال غة ح تى أن ب عض الشباب
يقلب أكثر المواقف جدية إلى هزل وفكاهة ،والذي ل يصنع هكذا يتهم بأنه مصاب بالجمود والنغلق …
الخ
آ هٍ … للسف الشديد ونحن في ذلة وصغار واستضعاف صرنا نعبث ونلهو حتى كأن العصر هو عصر
الهزل ،والن هناك أماكن مخصصة للضحك ،مسرحيات بالساعات للضحك واللهو والعبث ،وكل ذلك
بالكذب .
أين الجد في حياتنا يا شباب السلم ؟
الذي يحلق ببصره ويطوف شرقًا وغربًا ليرى حال المسلمين ل يمكن أن يكون هذا حاله .
قال أبو الدرداء الصحابي الجليل :أضحكني ثلث ،وأبكاني ثلث .
فقال :أبكاني رجل ضاحك ملء فيه وهو ل يدري أرضي ال عنه أم سخط .
وبعد
ل للمؤمن ين للرجوع إلى الجادة ،ون فض هذا الغبار الذي
ا سأل ال العلي ال كبير أن تكون هذه الر سالة سبي ً
لطخهم ،لنتعاون سويًا لنصرة دين ال تعالى .
وما كان من خطأ أو زلل أو نسيان فمني ومن الشيطان ،وأعوذ بال أن أذكركم بال وأنساه ،فاللهم اجعل
كلمنا هذا حجة لنا ل علينا ،واربط على قلوبنا ،وعمّنا برحمتك أنت أرحم الراحمين .
وكتب
محمد بن حسين بن يعقوب
غفر ال له ولهله وأحفاده والمسلمين أجمعين .
26