Professional Documents
Culture Documents
المدونة الكبرى
المام مالك بن أنس
طوق الحمامة
لفللفة وال ُ ّ
في ا ُ
أبو محمد أحمد بن علي بن سعيد بن
حزم الندلسي
قال أبو محمد عفا الله عنه :أفضل ما أبتدئ به حمد الله عز وجممل بممما
هو أهله ،ثم الصمملة علممى محمممد عبممده ورسمموله خاصممة ،وعلممى جميممع
أنبيائه عامة ،وبعد.
عصمنا الله واياك من الحيرة ،ول حملنا مال طاقة لنا به ،وقيض لنا من
جميل عونه دليل هاديا ً إلى طاعته ،ووهبنا ممن تموفيقه أدبما ً صمارفا ً عممن
معاصيه ول وكلنا إلى ضممعف عزائمنمما وخممور قوانمما و وهمماء بنيتنمما وتلممدد
آرابنا وسوء اختيارنا وقلة تمييزنا وفساد أهوائنا ،فإن كتابك وردنممي مممن
مدينة المرية إلى مسكني بحضرة شمماطبة تممذكر مممن حسممن حالممك ممما
يسرني وحمدت الله عز وجل عليه واستدمه لك واستزدته فيك .ثم لممم
)(1
ألبث أن اطلع على شخصك وقصدتني بنفسك ،على بعد الشقة وتنممائي
الديار وشحط المزار وطول المسافة وغول الطريق وفي دون هممذا ممما
سلى المشتاق ونسي الذاكر ،إل من تمسك بحبل الوفمماء مثلممك ورعممى
سالف الذمة و وكيد المودات وحق النشأة ومحبة الصبي وكانت مودته
للممه تعممالى ولقممد أثبممت اللممه بيننمما مممن ذلممك ممما نحممن عليممه حامممدون
وشاكرون .وكانت معانيك في كتابممك زائدة علممى ممما عهممدته مممن سممائر
كتبك ،ثم كشفت إلي بإقبالك غرضممك وأطلعتنممي علممى مممذهبك ،سممجية
تلم تزل علينا من مشمماركتك لممي فممي حلمموك ومممرك وسممرك وجهممرك،
يحدوك الود الصحيح الذي أنا لك على أضعافه ،أبتغي جزاء غير مقممابلته
بمثله .وفي ذلك أقول مخاطبا ً لعبيد الله بن عبممد الرحمممن بممن المغيممرة
بن أمير المؤمنين الناصر رحمه اللممه فممي كلمممة لممي طويلممة وكممان لممي
صديقا:
أودك ودا ً ليس فيه غضاضة * وبعض مودات الرجال سراب
وأمحضتك النصح الصريح وفي الحشى * لودك نقش ظاهر وكتاب
فلو كان في روحي هواك اقتلعته * ومزق بالكفين عنه إهاب
وما لي غير الود منك إرادة * ول في سواه لي إليك خطاب
إذا حزته فالرض جمعاء والورى * هباء وسكان البلد ذباب
وكلفتني أعممزك اللممه أن أصممنف لممك رسممالة فممي صممفة الحممب ومعممانيه
وأسبابه وأعراضه ،وما يقع فيه ولممه علممى سممبيل الحقيقممة ل متزيممدا ً ول
مفتنا ،لكن موردا ً لما يحضرني على وجهه وبحسب وقوعه ،حيث انتهى
حفظي وسعة باعي فيما أذكره ،فبدرت إلى مرغوبك ولول اليجاب لممك
لما تكلفته ،فهذا من الفقر ،والولى بنا مع قصر أعمارنمما أل نصممرفها إل
فيما نرجو به رحب المنقلب وحسن المآب غدًا .وإن كان القاضي حمام
بن أحمد حدثني عن يحيى بن مالك عممن عممائذ بإسممناد يرفعممه إلممى أبممي
الدرداء أنه قال :أجمعوا النفوس بشمميء مممن الباطممل ليكممون عونمما لهمما
على الحق .ومن أقوال الصالحين من السلف المرضي .من لم يحسممن
يتفتى لم يحسن يتقوى .وفي بعض الثر :أريحو النفوس فإنها تصدأ كما
يصدأ الحديد.
والذي كلفتني ل بد فيه من ذكر ممما شمماهدته حضممرتي وأدركتممه عنممايتي
وحدثني به الثقات من أهل زمانه ،فاغتفر لي الكناية عن السماء فهممي
إما عورة ل نستجيز كشفها وإما نحممافظ فممي ذلممك صممديقا ً ودودا ً ورجل ً
ل ،وبحسبي أن أسمى من ل ضرر في تسميته ول يلحقنا والمسمممى جلي ً
عيب في ذكره ،وإما لشتهار ل يغنممي عنممه الطممي وتممرك التممبيين؛ وإممما
لرضا من المخبر عنه بظهور خبره وقلة إنكار منه لنقله.
)(2
وسأورد في نفي رسالتي هذه أشعارا ً قلتها فيما شاهدته ،فل تنكر أنممت
ومن رآها على أني سالك فيها مسلك حاكي الحديث عممن نفسممه ،فهممذا
مذهب المتحلين بقول الشعر ،وأكثر من ذلممك فممإن إخممواني يجمشمموني
القول فيما يعرض لهم على طرائقهم ومذاهبهم .وكفاني أني ذاكممر لممك
ما عرض لي مما يشاكل ما نحوت نحوه وناسبه إلي.
والتزمت في كتابي هذا الوقوف عند حممدك ،والقتصممار علممى ممما رأيممت
أوضح عنممدي بنقممل الثقممات ،ودعنممي مممن أخبممار العممراب والمتقممدمين،
فسبيلهم غير سبيلنا ،وقد كثرت الخبممار عنهممم ،وممما مممذهبي أن أنضممي
مطية سواي ،ول أتحلى بحلى مستعار ،واللممه المسممتغفر والمسممتعان ل
رب غيره.
الباب الول
تقسيم الرسالة
وقسمت رسالتي هذه على ثلثين بابًا ،منهمما فممي أصممول الحممب عشممرة
فأولها هذا الباب ،ثم باب في علمات الحب ،ثم باب فيه ذكر من أحممب
في النوم ،ثم باب فيه ذكر من أحب بالوصف ،ثم بمماب ذكممر مممن أحممب
من نظرة واحدة ثم باب فيه ذكر من ل تصممح محبتممه إل مممع المطاولممة،
ثم باب التعريض بالقول ثم باب الشارة بالعي ،ثم بماب المراسمملة ،ثممم
باب السفير.
ومنها في أعراض الحب وصفاته المحمود والمذموممة أثنمماء عشممر بابمما،
وإن كان الحب عرضا ً والعممرض ل يحتمممل العمراض ،وصمفة والصممفة ل
توصف فهذا على مجاز اللغة في إقامة الصفة مقام الموصوف .وعلممى
معنى قولنا :وجودنا عرضا ً أقل فممي الحقيقممة مممن عممرض غيممره ،وأكممثر
وأحسن وأقمح في إدار كنالها علمنا أنها متباينة فممي الزيممادة والنقصممان
من ذاتها المرئية والمعلومة؛ إذ ل تقع فيها الكميممة ول التجممزي ،لنهمما ل
تشغل مكانا ً وهي :باب الصديق المساعد ،ثم باب الوصل ثم بماب طممي
السر ،ثم باب الكشف والذاعة ،ثم باب الطاعة ،ثم بمماب المخافممة ،ثممم
باب من أحب صفة لم يحب بعدها غيرها مما يخالفها ،ثممم بمماب القنمموع،
ثم باب الوفاء،ثم باب الغدر ،ثم باب الضنى ،ثم باب الموت.
ومنها في الفات الداخلة على الحب ستة أبواب ،وهي باب العاذل ،ثممم
باب الرقيب ،ثم باب الوشي ،ثم باب الهجممر ،ثممم بمماب الممبين؛ ثممم بمماب
السلو .من هذه البواب الستة بابان لكل واحد منهما ضممد مممن البممواب
المتقدمة الذكر ،وهما باب العاذل :وضده باب الصديق المسمماعد؛ بمماب
الهجر وضده باب الوصل ومنها أربعة أبواب ل ضممد مممن معمماني الحممب،
)(3
وهي باب الرقيب ،وباب الواشي ،ول ضممد لهممما إل ارتفاعهممما .وحقيقممة
الضد ما إذا وقع ارتفع الول ،وإن كان المتكلمون قد اختلفوا في ذلممك.
ولول خوفنا إطالة الكلم فيما ليس من جنس الكتاب لتقصيناه.
وباب البين وضده تصاقب الممديار ،وليممس التصمماقب مممن معمماني الحممب
التي نتكلم فيها .وباب السلو وضده الحب بعينه ،إذ معنى السلو ارتفمماع
الحب وعدمه ومنها بابان ختمنا بهممما الرسممالة ،وهممما :بمماب الكلم فممي
قبح المعصية ،وباب في فضل التعفف .ليكون خاتمة إيرادنا وآخر كلمنا
الحض على طاعة الله عز وجل ،والمر بالمعروف والنهي عمن المنكمر،
فذلك مفترض على كل مؤمن.
لكنا خالفنا في نسق بعض هذه البواب هذه الرتبممة المقسمممة فممي درج
هذا الباب المذي همو أول أبمواب الرسمالة ،فجعلناهما علمى مباديهما إلمى
منتهاها واستحقاقها في التقدم والممدرجات والوجممود ،ومممن أول مراتبهمما
إلى آخرها ،وجعلنا الضد إلى جنب ضممده فمماختلف المسمماق فممي أبممواب
يسيرة والله المستعان.
وهيئتها في اليراد أولها هذا الباب الذي نحن فيه صدر الرسالة وتقسيم
البواب والكلم في باب ماهية الحب ،ثم باب علمات الحممب ،ثممم بمماب
من أحب بالوصف ،ثم باب من أحب من نظرة واحممدة ،ثممم بمماب مممن ل
يحب إل مع المطاولة ،ثم باب من أحب صفة لم يحب بعدها غيرها مممما
يخالفها ،ثم باب التعريممض بممالقول ،ثممم بمماب الشممارة بممالعين ،ثممم بمماب
المراسلة ،ثم باب السفير ،ثم باب طي السر ،ثم باب إذاعته ،ثممم بمماب
الطاعة ،ثممم بمماب المخالفممة ،ثممم بمماب العمماذل ،ثممم بمماب المسمماعد مممن
الخوان؛ ثم باب الرقيب ،ثم بمماب الوشممي ،ثممم بمماب الوصممل ،ثممم بمماب
الهجر ،ثم باب الوفاء ،ثم باب الغدر ،ثم باب البين ،ثم باب القنمموع ،ثممم
باب الضنى ،ثم باب السلو ثم باب الموت؛ ثم بمماب قبممح المعصممية؛ ثممم
باب التعفف.
)(4
جميعهم وامتناعه عن التعرض للولد من غيرها .ومثممل هممذا كممثير ،ولمول
أن حقوقهم على المسلمين واجبة -وإنما يجب أن نممذكر مممن أخبممارهم
ما فيممه الحممزم وإحيمماء الممدين وإنممما هممو شمميء كممانوا ينفممردون بممه فممي
قصورهم مع عيالهم فل ينبغي الخبار بمه عنهمم -لوردت ممن أخبمارهم
في هذا الشأن غير قليل.
وأما كبار رجالهم ودعائم دولتهم فأكثر من أن يحصوا ،وأحدث ذلممك ممما
شاهدناه بالمس من كلف المظفر بن عبد الملك بن أبي عممامر بواحممد،
بنت رجل من الجبائين حتى حمله حبهمما أن يتزوجهمما ،وهممي الممتي خلممف
عليها بعد فناه العامر بن الوزير عبد الله بممن مسمملمة ،ثممم تزوجهمما بعممد
قتله رجل من رؤساء البربر.
ومما يشبه هذا أن أبا العيش بن ميمون القرشي الحسمميني أخممبرني أن
نزار بن معد صاحب مصر لم ير ابنه منصور بن نزار ،الذي ولممى الملممك
بعده وادعى اللهية إل بعد مدة من مولده ،مساعدة لجارية كممان يحبهمما
حبا ً شديدًا ،هذا ولم يكن له ذكر ول من يرث ملكه ويحيي ذكره سواه.
ومن الصالحين والفقهاء في الدهور الماضية والزمان القديمة مممن قممد
استغنى بأشعارهم عن ذكرهم :وقد ورد مممن خممبر عبيممد اللممه عتبممة بممن
مسعود وشعره ما فيه الكفاية .وهو أحد فقهاء المدينة السبعة وقد جاء
من فتيا ابن عباس رضي الله عنه مال يحتاج معه إلى غيره حين يقول:
هذا قتيل الهوى ل عقل ول قود.
وقد اختلف الناس في ممماهيته وقممالوا وأطممالوا ،والممذي أذهممب إليممه أنممه
اتصممال بيممن أجممزاء النفمموس المقسممومة فممي هممذه الخليقممة فممي أصممل
عنصرها الرفيع ،ل على ما حكاه محمد بن داود رحمممه اللممه عممن بعممض
أهل الفلسفة .الرواح أكر مقسومة لكن على سبيل مناسبة قواها فممي
مقمر عالمهما العلموي ومجاورتهما فممي هيئة تركيبهما وقممد علمنمما أن سممر
التمازج والتباين في المخلوقات إنما هممو التصممال والنفصممال والشممكل
دأبمما ً يسممتدعى شممكله ،والمثممل إلممى مثلممه سمماكن ،وللمجانسممة عمممل
محسوس وتأثير مشاهد ،والتنافر في الضممداد والموافقممة فممي النممداد،
والنزاع فيما تشابه موجممود فيممما بيننمما فكيممف بممالنفس وعالمهمما العممالم
الصافي الخفيممف وجوهرهمما الجمموهر الصممعاد المعتممدل ،وسممنخها المهيممأ
لقبول التفمماق والميممل والتمموق والنحممراف والشممهوة النفممار .كممل ذلممك
معلوم بالفطرة في أحمموال تصممرف النسممان فيسممكن إليهمما ،واللممه عممز
وجل يقمول) :همو المذي خلقكمم ممن نفمس واحمدة وخلمق منهما زوجهما
ليسكن إليها( ،فجعل علة السكون أنها منه .ولو كان علة الحب حسممن
الصورة الجسدية لوجب أل يستحسن النقص من الصممورة .ونحممن نجممد
)(5
كثيرا ممن يؤثر الدنى ويعلم فضل غيره ول يجد محيدا ً لقلبه عنممه .ولممو
كان للموافقة في الخلق لما أحب المممرء مممن ل يسمماعده ول يمموافقه.
فعلمنمما أنممه شمميء فممي ذات النفممس وربممما كممانت المحبممة لسممبب مممن
السباب ،وتلك تفنى بفناء سببها .فمن ودك لمر ولى مع انقضائه.
وفي ذلك أقول:
ودادي لك الباقي على حسب كونه * تناهى فلم ينقص بشيء ولم يزد
وليست له غير الرادة علة * ول سبب حاشاه يعلمه أحد
إذا ما وجدنا الشيء علة نفسه * فذاك وجود ليس يفنى على البد
وإما وجدناه لشيء خلفه * فإعدامه في عدمنا ما له وجد
ومما يؤكد هممذا القممول أننمما علمنمما أن المحبممة ضممروب .فأفضمملها محبممة
المتحابين في الله عزوجل؛ إممما لجتهمماد فممي العمممل ،وإممما لتفمماق فممي
أصل النحلة والمذهب ،وإما لفضل علم يمنحه النسان ومحبممة القرابممة،
ومحبة اللفممة والشممتراك فممي المطممالب ،ومحبممة التصمماحب والمعرفممة
ومحبة البر يضعه المرء عند أخيه ،ومحبممة الطمممع فممي جمماه المحبمموب،
ومحبة المتحابين لسر يجتمعان عليه يلزمهما ستره ،ومحبممة بلمموغ للممذة
وقضاء الوطر ،ومحبة العشق التي ل علة لهمما إل ممما ذكرنمما مممن اتصممال
النفوس ،فكل هذه الجناس منقضية مع انقضمماء عللهمما وزائدة بزيادتهمما
وناقصة بنقصانها ،متأكدة بممدنوها فمماترة ببعممدها .حاشممى محبممة العشممق
الصحيح الممكن من النفس فهي التي ل فناء لها إل بالموت.
وإنك لتجد النسان السالي برغمه .وذا السن المتناهية ،إذا ذكرته تممذكر
وارتاح وصبا واعتاده الطرب واهتاج له الحنين.
ول يعرض فمي شميء ممن همذه الجنمماس المممذكورة ،ممن شممغل البمال
والخبل والوسواس وتبدل الغرائز المركبة واستحالة السجايا المطبوعة
والنحول والزفير وسائر دلئل الشجا ما يعرض في العشق ،فصح بممذاك
أنه استحسان روحاني وامتزاج نفساني .فإن قممال قممائل :لممو كممان هممذا
كذلك لكانت المحبة بينهما مستوية ،إذ الجزآن مشممتركان فممي التصممال
وحظهممما واحممد فممالجواب عممن ذلممك أن نقممول :هممذه لعمممري معارضممة
صحيحة ،ولكن نفس الممذي ل يحممب مممن يحبممه مكتنفممة الجهممات ببعممض
العراض الساترة والحجب المحيطة بها من الطبائع الرضية فلم تحس
بالجزء الذي كان متصل ً بها قبل حلولها حيث هي ،ولو تخلصممت لسممتويا
في التصال والمحبة .ونفس المحممب متخلصممة عالمممة بمكممان ممما كممان
يشممركها فممي المجمماورة ،طالبممة لممه قاصممدة إليممه باحثممة عنممه مشممتهية
لملقمماته ،جاذبممة لممه لممو أمكنهمما كممالمغنطيس والحديممد ،فقمموة جمموهر
)(6
المغنطيس المتصلة بقوة جمموهر الحديممد لممم تبلممغ مممن تحكمهمما ول مممن
تصفيتها أن تقصد إلى الحديد على أنممه مممن شممكلها وعنصممرها ،كممما أن
قوة الحديد لشدتها قصدت إلى شكلها وانجذبت نحوه ،إذ الحركممة أبممدا ً
إنما تكون من القوى ،وقوة الحديد متروكة الذات غير ممنوعة بحابس،
تطلب ما يشبهها وتنقطع إليه وتنهض نحوه بالطبع والضرورة وبالختيممار
والتعمد .وأنت متى أمسكت الحديمد بيمدك لمم ينجمذب إذ لمم يبلمغ ممن
قوته أيضا ً مغالبة الممسك له مما هو أقمموى منممه .ومممتى كممثرت أجممزاء
الحديد اشتغل بعضها ببعض واكتفممت بأشممكالها عممن طلممب اليسممير مممن
قواها النازحة عنها ،فمتى عظم جممرم المغنمماطيس ووازت قممواه جميممع
قوى جرم الحديد عادت إلى طبعها المعهود .وكالنار في الحجممر ل تممبرز
على قوة الحجر في التصال والسممتدعاء لجزائهمما حيممث كممانت إل بعممد
القدح ومجاورة الجرمين بضغطهما واصطكاكهما ،وإل فهممي كامنممة فممي
حجرها ل تبدو ول تظهر.
ومن الدليل على هذا أيضا ً أنك ل تجد اثنين يتحابان إل وبينهممما مشمماكلة
واتفاق الصفات الطبيعية ل بد من هذا وإن قممل ،وكلممما كممثرت الشممباه
زادت المجانسة وتأكدت المودة فانظر هممذا تممراه عيانمًا ،وقممول رسممول
الله صلى الله عليه وسلم يؤكده) :الرواح جنود مجندة ما تعممارف منهمما
ائتلف وما تناكر منها اختلف( ،وقول مروى عممن أحممد الصممالحين :أرواح
المؤمنين تتعارف .ولهذا ما اغتم أبقراط حين وصف له رجممل مممن أهممل
النقصان يحبه ،فقيل له في ذلك ،فقال :ما أحبنممي إل وقممد وافقتممه فممي
بعض أخلقه.
وذكر أفلطون أن بعض الملوك سجنه ظلمًا ،فلم يزل يحتج عن نفسممه
حتى اظهر براءته ،وعلم الملك أنه له ظالم ،فقال له وزيره الممذي كممان
يتولى إيصال كلمه إليه :أيها الملك ،قد اسممتبان لممك أنممه بريممء فمالممك
وله? فقمال الملممك :لعممري ممالي إليممه سمبيل ،غيمر أنممي أجمد لنفسممي
استثقال ً ل أدري ما همو .فمأدى ذلمك إلمى أفلطمون .قمال :فماحتجت أن
أفتش في نفسي وأخلقي أجممد شمميئا ً أقابممل بممه نفسممه وأخلقهممما مممما
يشبهها ،فنظرت في أخلقه فإذا هو محب للعدل كاره للظلممم ،فميممزت
هذا الطبع في ،فما هو إل أن حركته هذه الموافقة وقممابلت نفسممه بهممذا
الطبع الذي بنفسي فأمر بإطلقي وقال لوزيره :قد انحممل كممل ممما أجممد
في نفسي له.
وأما العلة التي توقع الحب أبدا ً في أكثر المممر علممى الصممورة الحسممنة،
فالظاهر أن النفس حسنة وتولع بكل شيء حسن وتميل إلى التصمماوير
المنقنة ،فهي إذا رأت بعضها تثبتت فيه ،فممإن ميممزت وراءهمما شمميئا ً مممن
أشكالها اتصلت وصحت المحبة الحقيقية ،وإن لم تميز وراءها شيئا ً مممن
أشكالها لم يتجاوز حبها الصورة ،وذلك هو الشهوة.
)(7
وإن للصور لتوصيل عجيبا ً بين أجزاء النفوس النائية .وقرأت في السفر
الول من التوراة أن النبي يعقوب عليممه السمملم أيممام رعيممه غنمما ً لبممن
خمماله مهممرا ً ل بنتممه شممارطه علممى المشمماركة فممي إنسممالها ،فكممل بهيممم
ليعقوب وكل أغر للبان ،فكان يعقوب عليه السمملم يعمممد إلممى قضممبان
الشجر يسلخ نصفا ً ويترك نصفا ً بحاله ،ثم يلقى الجميع في الممماء الممذي
ترده الغنم ،ويتعمد إرسال الطروقة في ذلك الوقت فل تلد إل نصممفين،
نصفا ً بهما ً ونصفا ً غرًا.
وذكر عن بعض القافة أنه أتى بابن أسود لبيضممين ،فنظممر إلممى أعلمممه
فرآه لهما غير شك .فرغب أن يوقف على الموضع الذي اجتمعمما عليممه.
فأدخل البيت الذي كان فيه مضجعهما ،فرأى فيممما يمموازي نظممر المممرأة
صورة أسود في الحائط ،فقال لبيه :من قبل هممذه الصممورة أتيممت فممي
إبنك.
وكممثيرا ً ممما يصممرف شممعراء أهممل الكلم هممذا المعنممى فممي أشممعارهم،
فيخمماطبون المممرئي فممي الظمماهر خطمماب المعقممول البمماطن ،وهممو
المستفيض في شعر النظام إبراهيم بن سمميار وغيممره مممن المتكلميممن،
وفي ذلك أقول شعرًا ،منه:
ما علة النصر في العداء تعرفها * وعلة الفر منهم أن يفرونا
إل نزاع نفوس الناس قاطبة * إليك يا لؤلؤا ً في الناس مكنونا
من كنت قدامه ل ينتئى أبدا ً * فهم إلى نورك الصعاد يعشونا
ومن تكن خلفه فالنفس تصرفه * إليك طوعا ً فهم دأبا ً يكرونا
ومن ذلك أقول:
أمن عالم الملك أنت أم أنسى * أبن لي فقد أزرى بتميزي العي
أرى هيئة إنسية غير أنه * إذا أعمل التفكير فالجرم علوي
تبارك منسوى مذاهب خلقه * على أنك النور النيق الطبيعي
ول شك عندي أنك الروح ساقه * إلينا مثال في النفوس اتصالي
عد منا دليل ً في حدوثك شاهدا ً * نقيس عليه غير أنك مرئي
ولول وقوع العين في الكون لم نقل * سوى أنك العقل الرفيع الحقيقي
وكان بعض أصحابنا يسمى قصيدة لي الدراك المتوهم ،منها:
ترى كل ضد به قائما ً * فكيف تحد اختلف المعاني
فيأيها الجسم ل ذا جهات * ويا عرضا ً ثابتا ً غير فان
)(8
نقضت علينا وجوه الكلم * فما هو مذ لحت بالمستبان
وهذا بعينه موجود في البغضة ،ترى الشخصين يتباغضممان ل لمعنممى ،ول
علة ،ويستثقل بعضها بعضا ً بل سبب .والحب أعزك الله داء عيمماء وفيممه
الدواء منممه علممى قممدر المعاملممة ،ومقممام مسممتلذ ،وعلممة مشممهاة ل يممود
سليمها البرء ،ول يتمنى عليلها الفاقة .يزين المرء ما كممان يممأنف منممه،
ويسهل عليه ما كان يصعب عنده حتى يحيل الطبممائع المركبممة والجبلممة
المخلوقة .وسيأتي كل ذلك ملخصا ً في بابه إن شاء الله.
خبر :ولقد علمت فتى من بعض معار في قد وحممل مممن الحممب وتممورط
في حبائله ،وأضربه الوجممد ،وأنضممحه الممدنف ،وممما كممانت نفسممه تطيممب
بالدعاء إلى الله عز وجل في كشف ما به ول ينطق به لسانه ،وما كمان
دعاؤه إل بالوصل والتمكن ممن يحب ،على عظيممم بلئه وطويممل همممه،
فما الظن بسقيم ل يريد فقممد سممقمه ولقممد جالسممته يومما ً فرأيممت مممن
إكبابه وسوء حاله وإطراقه ما ساءني فقلت له في بعممض قممولي :فممرج
الله عنك فلقد رأيت أثر الكراهية في وجهه .وفي مثله أقول مممن كلمممة
طويلة:
وأستلذ بلئي فيك يا أملي * ولست عنك مدى اليام أنصرف
إن قيل لي تتسلى عن مودته * فما جوابي إل اللم واللف
خبر :وهذه الصفات مخالفة لما أخبرني به عن نفسه أبو بكر محمد بممن
قاسم بن محمد القرشي .المعروف بالشلشي ،من ولممد المممام هشممام
بن عبد الرحمن بن معاوية أنه لم يحب أحدا ً قط ،ول أسممف علممى إلممف
بان منه ،ول تجاوز حد الصحبة واللفة إلى حد الحب والعشق منذ خلق.
الباب الثاني
علمات الحب
وللحب علمممات يقفوهمما الفطممن ،ويهتممدي إليهمما الممذكي .فأولهمما إدمممان
النظممر ،والعيممن بمماب النفممس الشممارع ،وهممي المنقبممة عممن سممرائرها،
والمعبرة لضمممائرها والمعربممة عممن بواطنهمما .فممترى النمماظر ل يطممرف،
يتنقل بتنقل المحبوب وينزوي بانزوائه ،ويميل حيث مممال كالحربمماء مممع
الشمس .وفي ذلك أقول شعرًا ،منه:
فليس لعيني عند غيرك موقف * كأنك ما يحكون من حجر البهت
أصرفها حيث انصرفت وكيفما * تقلبت كالمنعوت في النحو والنعت
ومنها القبال بالحديث .فما يكمماد يقبممل علممى سمموى محبمموبه ولممو تعمممد
دث، ذلك ،وإن التكلف ليستبين لمن يرمقه فيه ،والنصات لحديثه إذا ح م ّ
)(9
واسممتغراب كممل ممما يممأتي بممه ولممو أنممه عيممن المحممال وخممرق العممادات،
وتصديقه وإن كذب ،وموافقته وإن ظلم ،والشهادة له وإن جار ،واتباعه
كيف سلك وأي وجه من وجوه القول تناول.
ومنها السراع بالسير نحو المكان الذي يكون فيه ،والتعمد للقعود
بقربه والدنو منه ،واطراح الشغال الموجبة للزوال عنه ،والستهانة
بكل خطب جليل داع إلى مفارقته ،والتباطؤ في الشيء عند القيام
عنه .وفي ذلك أقول شعرا ً وإذا قمت عنك لم أمش إل * مشي عان
يقاد في نحو الفناء
)(10
وإن تقل ممكن قصد السماء أقل * نعم وإني لدري موضع الدرج
ومن علماته وشواهده الظاهرة لكل ذي بصر النبسمماط الكممثير الممزائد،
والتضايق في المكان الواسع ،والمجاذبة علممى الشمميء يأخممذه أحممدهما،
وكثرة الغمز الخفي ،والميل بالتكاء ،والتعمد لمس اليد عنممد المحادثممة،
ولمس ما أمكن من العضاء الظاهرة .وشرب فضلة ما أبقى المحبوب
في الناء ،وتحري المكان الذي يقابله فيه.
ومنها علممات متضمادة ،وهمي علممى قممدر الممدواعي والعمموارض الباعثمة
والسباب المحركممة والخممواطر المهيجممة ،والضممداد أنممداد ،والشممياء إذا
أفرطت في غايات تضادها .ووقفت في انتهاء حدود اختلفهمما تشممابهت،
قدرة من الله عز وجل تضل فيها الوهام ،فهممذا الثلممج إذا أدمممن حبسممه
في اليد َفعل ِفعل النار ،ونجد الفممرح إذا أفممرط قتممل ،والغممم إذا أفممرط
قتل ،والضحك إذا كثر واشتد أسال الدمع من العينين .وهذا فممي العممالم
كثير ،فنجد المحبين إذا تكافيا في المحبة وتأكممدت بينهممما تأكممدا ً شممديدا ً
أكمثر بهمما جمدهما بغيمر معنمى ،وتضمادهما فمي القمول تعممدًا ،وخمروج
بعضهما على بعض في كل يسير من المور ،وتتبع كل منهما لفظة تقممع
من صاحبه وتأولها على غير معناها ،كل هذه تجربة ليبدو ما يعتقده كممل
واحد منهما في صاحبه .والفرق بين هذا وبين حقيقة الهجرة والمضممادة
المتولدة عن الشحناء ومخارجة التشمماجر سممرعة الرضممى ،فإنممك بينممما
تممرى المحممبين قممد بلغما الغايممة ممن الختلف الممذي ل يقمدر يصملح عنمد
الساكن النفس السالم من الحقاد في الزمممن الطويممل ول ينجممبر عنممد
الحقود أبدًا ،فل تلبث أن تراهما قد عادا إلممى أجمممل الصممحبة ،وأهممدرت
المعاتبة ،وسقط الخلف وانصرفا في ذلك الحين بعينه إلممى المضمماحكة
والمداعبة ،هكذا في الوقت الواحد مرارًا .وإذا رأيت هذا مممن اثنيممن فل
يخالجك شك ول يدخلنك ريب البتة ول تتمارى في أن بينهممما سممرا ً مممن
الحب دفينا ،واقطع فيه قطع من ل يصرفه عنه صارف .ودونكها تجربممة
صحيحة وخبرة صادقة .هذا ل يكون إل عن تكلممف فممي المممودة وائتلف
صحيح ،وقد رأيته كثيرًا.
ومن علماته أنك تجد المحب يستدعي سماع اسم مممن يحممب ،ويسممتلذ
الكلم في أخباره ويجعلها هجيراه ،ول يرتاح لشيء ارتياحه لها ول ينهممه
عن ذلك تخوف أن يفطن السامع ويفهم الحاضر ،وحبك الشمميء يعمممي
ويصم .فلو أمكن المحب أل يكون حديث في مكمان يكمون فيممه إل ذكممر
من يحبه لما تعداه .ويعرض للصادق المودة أن يبتدئ في الطعممام وهممو
له مشته فما هو إل وقت ،ما تهتاج له من ذكر ممن يحمب صمار الطعمام
غصة في الحلق وشجى في المرء .وهكذا في الماء وفي الحمديث فمإنه
يفاتحكه متبهجما ً فتعممرض لممه خطممرة مممن خطممرات الفكممر فيمممن يحممب
)(11
فتستبين الحوالة في منطقه والتقصمير فمي حمديثه ،وآيمة ذلمك الوجموم
والطراق وشدة النفلق ،فبينما هو طلق الوجه خفيممف الحركممات صممار
منطبقا ً متثاقل ً حائر النفس جامد الحركة يبرم من الكلمممة ويضممجر مممن
السؤال ومن علماته حممب الوحممدة والنممس بممالنفراد ،ونحممول الجسممم
دون حد يكون فيه ول وجع مانع من التقلب والحركة والمشممي .دليممل ل
يكذب ومخبر ل يخون عن كلمة في النفس كامنة.
والسهر من أعراض المحبين ،وقد أكثر الشعراء في وصفه وحكوا أنهممم
رعاة الكواكب وواصفو طول الليل .وفي ذلك أقول وأذكر كتمان السممر
وأنه يتوسم بالعلمات:
تعلمت السحائب من شؤوني * فعمت بالحيا السكب الهتون
وهذا الليل فيك غدا رفيقي * بذلك أم على سهري معيني
فإن لم ينقض الظلم فجرا ً * أل ما أطبقت نوما ً جوفوني
فليس إلى النهار لنا سبيل * وسهد زائد في كل حين
كأن نجومه والغيم يخفي * سناها عن ملحظة العيون
ضميري في ودادك يا منايا * فليس يبين إل بالظنون
وفي مثل ذلك قطعة منها:
أرعى النجوم كأنني كلفت أن * أرعى جميع ثبوتها والخنسي
فكأنها والليل نيران الجوى * قد أضرمت في فكرتي من حندس
وكأني أمسيت حارس روضة * خضراء وشح نبتها بالنرجس
لو عاش بطليموس أيقن أنني * أقوى الورى في رصد جرى الكنس
والشيء قد يذكر لما يوجبه :وقع لممي فممي هممذه البيممات تشممبيه شمميئين
بشمميئين فممي بيممت واحممد .وهممو الممبيت الممذي أولممه فكأنهمما والليممل وهممذا
مستغرب في الشعر .ولي ما هو أكمل منه ،وهو تشبيه أشياء في بيممت
واحد ،وتشبيه أربعة أشياء في بيممت واحممد .وكلهممما فممي هممذه القطعممة
أوردها ،وهي:
مشوق معنى ما ينام مسهد * بخمر التجني ما يزال يعربد
ففي ساعة يبدي إليك عجائبا ً * يمر ويستحلي ويدني ويبعد
كأن النوى والعتب والهجر والرضى * قران وأنداد ونحس وأسعد
رئى لغرامي بعد طول تمنع * وأصبحت محسودا ً وقد كنت أحسد
نعمنا على نور من الروض زاهر * سقته الغوادي فهو يثني ويحمد
كأن الحيا والمزن والروض عاطرا ً * دموع وأجفان وخد مورد
)(12
ول ينكر على منكر قولي قران فأهل المعرفة بالكواكب يسمون التقمماء
كوكبين في درجة قرانًا.
ولي أيضا ً ما هو أتم من هذا ،وهو تشبيه خمسة أشممياء فممي بيممت واحممد
في هذه القطعة ،هي:
خلوت بها والراح ثالثة لها * وجنح ظلم الليل قد مد ما انبلج
فتاة عدمت العيش إل بقربها * فهل في ابتغاء العيش ويحك من حرج
كأني وهي والكأس والخمر والدجى * ثرى وحيا والدر والتبر والسنج
فهذا أمر ل مزيد فيه ول يقدر أحد على أكثر منه ،إذ ل يحتمل العممروض
ول بنية السماء أكثر من ذلك.
ويعرض للمحبين القلق عند أحد أمرين :أحدهما عند رجممائه ملقمماة مممن
يحب فيعرض عند ذلك حائل.
خبر :وإني لعلم بعض من كان محبوبه يعده الزيارة ،فممما كنممت أراه إل
جاثيا ً وذاهبا ً ل يقربه القرار ول يثبت فممي مكممان واحممد ،مقبل ً مممدبرا ً قممد
استخفه السرور بعد ركانة ،وأشاطه بعد رزانة .ولي فممي معنممى انتظممار
الزيارة:
أقمت إلى أن جاءني الليل راجيا * لقاءك يا سؤلي ويا غاية المل
فأيأسني الظلم عنك ولم أكن * ليأس يوما ً إن بدا الليل يتصل
)(13
والبكاء من علمات المحب ولكن يتفاضمملون فيممه ،فمنهممم غزيممر الممدمع
هامل الشؤون تجيبه عينه وتحضره عبرته إذا شاء ،ومنهم جمممود العيممن
عديم المدمع ،وأنما منهمم .وكممان الصممل فممي ذلممك إدمماني أكمل الكنمدر
لخفقان القلب ،وكممان عممرض لممي فممي الصممبا ،فممإني لصمماب بالمصمميبة
الفادحة فأجد قلبي يتفطممر ويتقطممع وأحممس فممي قلممبي غضممة أمممر مممن
العلقم تحممول بينممي وبيممن توفيممة الكلم حممق مخممارجه ،وتكمماد تشمموقني
النفس أحيانا ً ول تجيب عيني البتة إل فممي النممدرة بالشمميء اليسممير ممن
الدمع.
خبر :ولقد أذكرني هممذا الفصممل يوممما :ودعممت أنما وأبممو بكممر محمممد بممن
إسحاق صاحبي أبا عامر محمد بن عامر صديقنا رحمه الله في سممفرته
إلى المشرق التي لم نره بعدها ،فجعل أبو بكر يبكي عند وداعه وينشد
متمثل ً بهذا البيت:
أل إن عينا ً لم تجد يوم واسط * عليك بباقي دمعها لجمود
وهو في رثاء يزيد بن عمر بمن همبيرة رحممه اللمه .ونحمن وقمموف علمى
ساحل البحر بمالقممة ،وجعلممت أنمما أكممثر التفجممع والسممف ول تسمماعدني
عيني ،فقلت مجيبا ً لبي بكر:
وإن أمرأ لم يفن حسن اصطباره * عليك وقد فارقته لجليد
إذا كتم المشغوف سر ضلوعه * فإن دموع العين تبدي وتفضح
إذا ما جفون العين سالت شئونها * ففي القلب داء للغرام مبرح
ويعرض في الحب سوء الظن واتهام كممل كلمممة مممن أحممدهما وتوجيههمما
إلى غير وجهها ،وهذا أصل العتاب بين المحبين .وإنممي لعلممم مممن كممان
أحسن النمماس ظنما ً وأوسممعهم نفسما ً وأكممثرهم صممبرا ً وأشممدهم احتمممال
وأرحبهم صدرًا ،ثم ل يحتمممل ممممن يحممب شمميئا ً ول يقممع لممه معممه أيسممر
مخالفة حتى يبدي من التعديد فنونا ً ومن سوء الظن وجوها .وفي ذلممك
أقول شعرًا ،منه:
أسيء ظني بكل محتقر * تأتي به والحقير من حقر
كي ل يرى أصل هجرة وقلى * فالنار في بدء أمرها شرر
وأصل عظم المور أهونها * ومن صغير النوى ترى الشجر
وترى المحب ،إذا لم يثق بنقاء طوية محبوبه له ،كثير التحفممظ مممما لممم
يكن يتحفظ منه قبل ذلك ،مثقفا ً لكلمه ،مزينا ً لحركاته ومرامي طرفه،
ول سيما إن دهى بمتجن وبلى بمعربد.
)(14
ومن آياته مراعاة المحب لمحبوبه ،وحفظه لكل ما يقع منه ،وبحثه عممن
أخباره حتى ل تسقط عنه دقيقممة ول جليلممة ،وتتبعممه لحركمماته .ولعمممري
لقد ترى البليد يصير في هذه الحالة ذكيًا ،والغافل فطنًا.
خبر :ولقد كنممت يومما ً بالمريممة قاعممدا ً فممي دكممان إسممماعيل بممن يممونس
الطبيب السرائيلي ،وكان بصيرا ً بالفراسة محسنا ً لهمما ،وكنمما فممي لمممة،
فقال له مجاهد بن الحصين القيسي :ممما تقممول فممي هممذا? وأشممار إلممى
رجل منتبذ عنا ناحية اسمه حاتم ويكنممى أبمما البقمماء ،فنظممر إليممه سمماعة
يسيرة ثم قال :هو رجل عاشق فقال له :صدقت ،فمن أين قلت هممذا?
قال :لبهت مفرط ظاهر على وجهه فقممط دون سمائر حركمماته ،فعلمممت
أنه عاشق وليس بمريب.
الباب الثالث
من أحب في النوم
ل ،وأنا مبتدئ بأبعد ممما يمكممن أن ول بد لكل حب من سبب يكون له أص ً
يكون من أسممبابه ليجمري الكلم علمى نسممق ،أو أن يبتممدأ أبممدا ً بالسمهل
والهون .فمن أسبابه شيء لول أني شاهدته لم أذكره لغرابته.
خبر:
وذلك أني دخلت يوما ً على أبي السممري عمممار بممن زيمماد صمماحبنا مممولى
المؤيد فوجدته مفكرا ً مهتما ً فسألته عما به ،فتمنع ساعة ثممم قممال :لممي
سمعت قط ،قلت :وما ذاك? قممال :رأيممت فممي نممومي الليلممة أعجوبة ما ُ
جارية فاستيقظت وقد ذهب قلبي فيهما وهممت بهما وإنمي لفمي أصمعب
حال من حبها ،ولقد بقي أياما ً كثيرة تزيد على الشهر مغموم ما ً مهموم ما ً
ل يهنئه شيء وجممدًا ،إلممى أن لمتممه وقلممت لممه :مممن الخطممأ العظيممم أن
تشغل نفسك بغير حقيقة ،وتعلق وهمك بمعدوم ل يوجد ،هل تعلم مممن
هي? قال :ل والله ،قلت :إنك لقليل الرأي مصاب البصيرة إذ تحب مممن
لم تره قط ول خلق ول هو فممي الممدنيا ،ولمو عشممقت صممورة ممن صمور
الحمام لكنت عندي أعذر .فما زلت به حتى سل وما كاد.
وهذا عندي من حيث النفس وأضغاثها ،وداخل في بمماب التمنممي وتخيممل
الفكر .وفي ذلك أقول شعرًا ،منه:
يا ليت شعري من كانت وكيف سرت * أطلعة الشمس كانت أم هي
القمر
أظنة العقل أبداه تتدبره * أو صورة الروح أبدتها لي الفكر
أو صورة مثلت في النفس من أملي * فقد تخيل في إدراكها البصر
)(15
أو لم يكن كل هذا فهي حادثة * أتى بها سببا ً في حتفي القدر
الباب الرابع
من أحب بالوصف
ومن غريب أصول العشق أن تقع المحبة بالوصف دون المعاينممة ،وهممذا
أمر يترقى منه إلممى جميممع الحممب ،فتكممون المراسمملة والمكاتبممة والهممم
والوجممد والسممهر علممى غيممر البصممار ،فممإن للحكايممات ونعممت المحاسممن
ووصف الخبار تأثيرا ً في النفس ظاهرًا.
وأن تسمع نغمتها من وراء جدار ،فيكممون سممببا ً للحممب واشممتغال البممال.
وهذا كله قد وقع لغير ما واحد ،ولكنه عندي بنيممان هممار علممى غيممر أس،
وذلك أن الذي أفرغ ذهنه في هوى من لم ير ل بد له إذ يخلو بفكره أن
يمثل لنفسه صورة يتوهمها وعينا ً يقيمهمما نصممب ضممميره ،ل يتمثممل فممي
هاجسه غيرها ،قمد ممال بموهمه نحوهما ،فممإن وقعممت المعاينمة يومما ً مما
فحينئذ يتأكد المر أو يبطمل بالكليمة ،وكل الموجهين قمد عممرض وعمرف،
وأكثر ما يقع هذا في ربات القصور المحجوبات مممن أهممل البيوتممات مممع
أقاربهن من الرجممال ،وحممب النسمماء فممي هممذا أثبممت مممن حممب الرجممال
لضعفهن وسرعة إجابة طبائعهن إلى هذا الشممأن ،وتمكنممه منهممن .وفممي
ذلك أقول شعرًا ،منه :ويا من لمني في حب من لم يره طرفي
لقد أفرطت في وصفك لي في الحب بالضعف
فقل هل تعرف الجنة يوما ً بسوى الوصف
وأقول شعرا ً في استحسان النغمة دون وقوع العين على العيان منه:
قد حل جيش الغرام سمعي * وهو على مقلتي يبدو
وأقول أيضا ً في مخالفة الحقيقة لظن المحبوب عند وقوع الرؤية:
وصفوك لي حتى إذا أبصرت ما * وصفوا علمت بأنه هذيان
فالطبل جلد فارغ وطنينه * يرتاع منه ويفرق النسان
وفي ضد هذا أقول:
لقد وصفوك لي حتى التقينا * فصار الظن حقا ً في العيان
فأوصاف الجنان مقصرات * على التحقيق عن قدر الجنان
وإن هذه الحوال لتحدث بين الصدقاء والخوان ،وعني أحدث.
خبر :إنه كان بيني وبين رجل من الشراف ود وكيد وخطاب كممثير ،وممما
تراءينا قط .ثم منح الله لي لقاءه ،فما مرت إل أيام قلئل حتى وقعممت
)(16
لنا منافرة عظيمة ووحشة شممديدة متصمملة إلممى الن ،فقلممت فممي ذلممك
قطعة ،منها:
أبدلت أشخاصنا كرها ً وفرط قلى * كما الصحائف قد يبدلن بالنسخ
ووقع لي ضد هذا مع أبي عامر بن أبممي عممامر رحمممة اللممه عليممه ،فممإني
كنت له على كراهة صحيحة وهو لي كذلك ،ولم يرنممي ول رأيتممه ،وكممان
أصل ذلك تنقيل ً يحمل إليه عني وإلي عنه ،ويؤكده انحممراف بيممن أبوينمما
لتنافسهما فيما كانا فيه من صحبة السمملطان ووجاهممة الممدنيا ،ثممم وفممق
الله الجتماع به فصار لي أود النمماس وصممرت لممه كممذلك ،إلممى أن حممال
الموت بيننا .وفي ذلك أقول قطعة؛ منها:
أخ لي كسبنيه اللقاء * وأوجدني فيه علقا ً شريفا ً
وقد كنت أكره منه الجوار * وما كنت أرغبه لي أليفا ً
وكان البغيض فصار الحبيب * وكان الثقيل فصار الخفيفا
وقد كنت أدمن عنه الوجيف * فصرت أديم إليه الوجيفا
وأما أبو شاكر عبد الرحمن بن محمد القبري فكان لي صديقا ً مدة على
غير رؤية ،ثم التقينا فتأكدت المودة واتصلت وتمادت إلى الن.
الباب الخامس
من أحب من نظرة واحدة
وكثيرا ً ما يكون لصوق الحمب بمالقلب ممن نظمرة واحممدة .وهمو ينقسمم
قسمين ،فالقسم الواحد مخالف للذي قبل هذا ،وهممو أن يعشممق المممرء
صورة ل يعلم من هي ول يدري لها اسما ول مستقرًا ،وقممد عممرض هممذا
لغير واحد.
خبر :حدثني صاحبنا أبا بكر محمد بن أحمد بن إسحاق عممن ثقممة أخممبره
سقط عني اسمه ،وأظنه القاضي ابممن الحممذاء ،أن يوسممف بممن هممارون
الشاعر المعروف بالرمادي كان مجتممازا ً عنممد بمماب العطممارين بقرطبممة،
وهذا الموضع كممان مجتمممع النسمماء ،فممرأى جاريممة أخممذت بمجممامع قلبممه
وتخلل حبها جميع أعضائه ،فانصرف عممن طريممق الجممامع وجعممل يتبعهمما
وهي ناهضة نحو القنطممرة ،فجازتهمما إلممى الموضممع المعممروف بممالربض.
فلما صارت بين رياض بني مروان رحمهم الله المبنية على قبورهم في
مقبرة الربض خلف النهممر نظممرت منممه منفممردا ً عممن النمماس ل همممة لممه
غيرها فانصرفت إليه فقالت له :مالك تمشممي ورائي? فأخبرهمما بعظيممم
بليته بها .فقالت له :دع عنك هذا ول تطلب فضيحتي فل مطمع لك فممي
)(17
النية ول إلى ما ترغبه سبيل فقال :إني أقنع بالنظر .فقالت :ذلممك مبمماح
لك .فقال لها :يا سيدتي :أحرة أم مملوكة? قالت :مملوكة .فقممال لهمما:
ما اسمك? قالت :خلوة .قال :ولمن أنت? فقالت له :علمممك واللممه بممما
في السماء السابعة أقرب إليك مما سممألت عنممه ،فممدع المحممال .فقممال
لها :يا سيدتي ،وأين أراك بعد هذا? قالت :حيث رأيتني اليمموم فممي مثممل
تلك الساعة من كل جمعة .فقالت له :إما أن تنهض أنت وإما أن أنهض
أنا فقال لها :انهضي في حفظ الله .فنهضت نحمو القنطمرة ولمم يمكنمه
أتباعها لنها كانت تلتفت نحوه لترى أيسايرها أم ل .فلما تجمماوزت بمماب
القنطرة أتى يقفوها فلم يقع لها على مسألة.
قال أبو عمرو ،وهو يوسف بن هارون :فوالله لقد لزمت باب العطارين
والربض من ذلك الوقت إلممى الن فممما وقعممت لهمما علممى خممبر ول أدري
أسماء لحستها أم أرض بلعتهما ،وإن فمي قلمبي منهما لحمر ممن الجممر.
وهي خلوة التي يتغزل بها في أشعاره.
ثم وقع بعد ذلك على خبرها بعد رحيله في سببها إلى سممر قسممطة فممي
قصة طويلة .ومثل ذلك كثير .وفي ذلك أقول قطعة ،منها:
عيني جنت في فؤادي لوعة الفكر * فأرسل الدمع مقتصا ً من البصر
فكيف تبصر فعل الدمع منتصفا ً * منها بإغراقها في دمعها الدرر
لم ألقها قبل إبصاري فأعرفها * وآخر العهد منها ساعة النظر
والقسم الثاني مخالف للباب الذي يأتي بعممد هممذا البمماب إن شمماء اللممه،
وهو أن يعلق المرء من نظرة واحممدة جاريممة معروفممة السممم والمكممان
والمنشأ ،ولكن التفاضل يقع في هذا في سممرعة الفنمماء وإبطممائه ،فمممن
أحب من نظرة واحدة وأسرع العلقة من لمحة خاطرة فهو دليل علممى
قلة البصر ،ومخبر بسرعة السلو ،وشاهد الظرافة والملل .وهكممذا فممي
جميع الشياء أسرعها نموا ً أسرعها فناء .وأبطؤها حدوثا ً أبطؤها نفاذًا.
خبر :إني لعلم فتى من أبناء الكتاب ورأته امرأة سرية النشممأة ،عاليممة
المنصب ،غليظة الحجاب ،وهو مجتاز ،ورأته في موضع تطلع منممه كممان
في منزلها ،فعلقته وعلقها وتهاديمما المراسمملة زمانما ً علممى أرق مممن حممد
السيف ،ولممول أنممي لممم أقصممد فممي رسممالتي هممذه كشممف الحيممل وذكممر
المكمممائد لوردت ممممما صمممح عنمممدي أشمممياء تحيمممر اللمممبيب وتمممدهش
العاقل،أسبل الله علينا ستره وعلى جميع المسلمين بمنه ،وكفانا.
الباب السادس
من ل يحب إل مع المطاولة
)(18
ومن الناس من ل تصح محبته إل بعد طول المخافتممة وكممثير المشمماهدة
مممر
وتمادي النس ،وهذا الممذي يوشممك أن يممدوم ويثبممت ول يحيممك فيممه ُ
الليالي فما دخل عسيرا ً لم يخرج يسيرًا ،وهممذا مممذهبي .وقممد جمماء فممي
الثر أن الله عز وجل قال للروح حين أمممره أن يممدخل جسممد آدم ،وهممو
دثناه عن شيوخنا. فخار ،فهاب وجزع :ادخل كرها ً واخرج كرهًاُ .
ح ِ
ولقد رأيت من أهل هذه الصفة من إن أحس من نفسه بابتداء همموى أو
توجس مممن استحسممانه ميل ً إلممى بعممض الصممور اسممتعمل الهجممر وتممرك
اللمممام ،لئل يزيممد ممما يجممد فيخممرج المممر عممن يممده ،ويحممال بيممن العيممر
والنزوان .وهذا يدل على لصوق الحب بأكباد أهل هذه الصممفة ،وأنممه إذا
تمكن منهم لن يرحل أبدًا .وفي ذلك أقول قطعة ،منها:
سأبعد عن دواعي الحب إني * رأيت الحزم من صفة الرشيد
رأيت الحب أوله التصدي * بعينك في أزاهير الخدود
فبينا أنت مغتبط مخلى * إذا ً قد صرت في حلق القيود
كمغتر بضحضاح قريب * فزل فغاب في غمر المدود
وإني لطيل العجب منكل من يدعي أنه يحب من نظرة واحدة ول أكمماد
أصدقه ول أجعل حبه إل ضربا ً مممن الشممهوة ،وأممما أن يكممون فممي ظنممي
متمكنا ً من صميم الفؤاد نافذا ً في حجمماب القلممب فممما أقممدر ذلممك ،وممما
لصق بأحشائي حب قط إل مع الزمن الطويل وبعد ملزمة الشخص لي
دهرا ً وأخذي معه في كل جد وهزل ،وكذلك أنا في السلو والتوقي ،فما
نسيت ودا ً لي قط ،وإن حنيني إلى كل عهد تقدم لي ليغصممني بالطعممام
ويشرقني بالماء ،وقد استراح من لم تكن هذه صفته .وما مللممت شمميئا ً
قط بعد معرفتي به ،ول أسرعت إلى النس بشيء قط أول لقممائي لممه،
وما رغبت في الستبدال الى سبب من أسبابي مذ كنممت ،ل أقممول فممي
اللف والخوان وحدهم ،لكن في كل ما يستعمل النسان من ملبمموس
ومركوب ومطعوم وغير ذلك ،وما انتفعت بعيممش ول فممارقني الطممراق
والنفلق مذ ذقت طعم فراق الحبة ،وإنه لشجي يعتادني وولوع هم ما
ينفك يطرقني ،ولقد نغص تذكري ما مضممى كممل عيممش أسممتأنفه ،وإنممي
لقتيل الهموم في عداد الحيمماء ،ودفيمن السممى بيمن أهمل الممدنيا .واللمه
المحمود على كل حال ل إله إل هو .وفي ذلك أقول شعرًا ،منه:
محبة صدق لم تكن بنت ساعة * ول وريث حين ارتياد زنادها
ولكن على مهل سرت وتولدت * بطول امتزاج فاستقر عمادها
فلم يدن منها عزمها وانتقاضها * ولم ينأ عنها مكثها وازديادها
يؤكد ذا أنا نرى كل نشأة * تتم سريعا ً عن قريب معادها
)(19
ولكنني أرض عزاز صليبة * منيع إلى كل الغروس انقيادها
فما نفدت منها لديها عروقها * فليست تبالي أن تجود عهادها
ول يظن ظان ول يتوهم متوهم أن كل هذا مخالف لقولي المسطر في
صدر الرسالة ،أن الحب اتصال بين النفوس في أصممل عالمهمما العلمموي،
بل هو مؤكد له .فقد علمنا أن النفس في هذا العالم الدنى قد غمرتهمما
الحجممب ،ولحقتهمما الغممراض ،وأحمماطت بهمما الطبممائع الرضممية الكونيممة،
فسترت كثيرا ً مممن صممفاتها وإن كممانت لممم تحلممه ،لكممن حممالت دونممه فل
يرجى التصال على الحقيقة إل بعد التهيؤ مممن النفممس والسممتعداد لممه،
وبعد إيصال المعرفة إليها بما يشاكلها ويوافقها ،ومقابلممة الطبممائع الممتي
خفيت مما يشابهها من طبائع المحبوب ،فحينئذ يتصل اتصال ً صحيحا ً بل
مانع.
وأممما ممما يقممع مممن أول وهلممة ببعممض أعممراض الستحسممان الجسممدي،
واستطراف البصر الذي ل يجمماوز اللمموان ،فهممذا سمّر الشممهوة ومعناهمما
على الحقيقة فإذا غلبمت الشمهوة وتجماوزت همذا الحمد ووافممق الفصمل
اتصال نفساني تشترك فيه الطبائع مع النفس يسمى عشقًا .ومممن هنمما
دخل الخلط على من يزعم أن يحب اثنين ويعشق شخصممين متغممايرين،
فإنما هذا من جهة الشهوة التي ذكرنا آنفًا ،وهممي علممى المجمماز تسمممى
محبة ل على التحقيممق ،وأممما نفممس المحممب فممما فممي الميممل بممه فضممل
بصرفه من أسباب دينه ودنياه فكيف بالشمتغال بحممب ثمان .وفممي ذلمك
أقول:
كذب المدعي هوى اثنين حتما * مثل ما في الصول أكذب ماني
ليس في القلب موضع لحبيبي * ن ول أحدث المور بثاني
فكما العقل واحد ليس يدري * خالقا ً غير واحد رحمان
فكذا القلب واحد ليس يهوى * غير فرد مباعد أو مدان
هو في شرعة المودة ذو شك بعيد من صحه اليمان
وكذا الدين واحد مستقيم * وكفور من عنده دينان
وإني لعرف فتى من أهممل الجممد والحسممب والدب كممان يبتمماع الجاريممة
وهي سالمة الصممدر مممن حبممه ،وأكممثر مممن ذلممك كارهممة لممه لقلممة حلوة
شمائل كانت فيه ،وقطمموب دائم كممان ل يفممارقه ول سمميما مممع النسمماء،
فكان ل يلبث إل يسيرا ً ريثما يصل إليها بالجماع ويعود ذلممك الكممره حبمما
مفرطا ً وكلفا ً زائدا ً واستهتارا ً مكشوفًا ،ويتحول الضجر لصممحبته ضممجرا ً
لفراقه .صحبه هذا المر في عدة منهن .فقممال بعممض إخممواني :فسممألته
)(20
عن ذلك فتبسم نحوي وقال :إذا ً واللممه أخممبرك أنمما أبطممأ النمماس إنممزا ً
ل،
تقضي المرأة شهوتها وربما ثنت وإنزالي وشهوتي لم ينقضيا بعممد ،وممما
فترت بعدها قط ،وإني لبقى بمنتي بعمد انقضمائها الحيمن الصمالح .ومما
لقى صمدري صمدر اممرأة قمط عنمد الخلموة إل عنمد تعممدي المعانقمة،
وبحسب ارتفاع صدري نزول مؤخري.
فمثممل هممذا وشممبهه إذا وافممق أخلق النفممس ولممد المحبممة ،إذا العضمماء
الحساسة مسالك النفوس ومؤديات نحوها.
الباب السابع
من أحب صفة
لم يستحسن بعدها غيرها مما يخالفها
واعلم أعزك الله أن للحب حكما ً على النفوس ماضيًا ،وسلطانا ً قاضمميًا،
وأمرا ً ل يخممالف ،وحممدا ً ل يعصممى ،وملكما ً ل يتعممدى ،وطاعممة ل تصممرف،
ونفاذا ً ل يرد؛ وأنه ينقض المرر ،ويحممل المممبرم ،ويحلممل الجامممد ،ويخممل
الثابت ،ويحل الشغاف ،ويحل الممنوع ،ولقد شاهدت كثيرا ً مممن النمماس
ل يتهمون فممي تمييزهممم ،ول يخمماف عليهممم سممقوط فممي معرفتهممم ،ول
اختلل بحسن اختيارهم ،ول تقصير في حدسهم ،قد وصفوا أحبابمما ً لهممم
في بعممض صممفاتهم بممما ليممس بمستحسممن عنممد النمماس ول يرضممى فممي
الجمال ،فصارت هجيراهم،وعرضة لهمموائهم ،ومنتهممى استحسممانهم ثممم
مضمى أولئك إمما بسمملو أو بيممن أو هجممر أو بعممض عموارض الحممب ،ومما
فارقهم استحسان تلك الصممفات ول بممان عنهممم تفضمميلها ،علممى ممما هممو
أفضل منها في الخليقة ،ول مالوا إلى سواها؛ بل صارت تلممك الصممفات
المستحبة عند الناس مهجورة عندهم وسمماقطة لممديهم إلممى أن فممارقوا
الممدنيا وانقضممت أعمممارهم ،حنينمما منهممم إلممى مممن فقممدوه ،وألفممة لمممن
صحبوه .وما أقول إن ذلك كان تصنعا ً لكن طبعا ً حقيقيا ً واختيارا ً ل دخل
فيه ،ول يرون سواه ،ول يقولون في طي عقدهم بغيره .وإنممي لعممرف
من كان في جيد حبيبه بعض الوقص فما استحسن أغيممد ول غيممداء بعممد
ذلك .وأعرف من كان أول علقته بجممارة مائلممة إلممى القصممر فمما أحممب
طويلة بعد هذا .وأعرف أيضا ً من هوى جارية في فمها فوه لطيف فلقد
كان يتقذر كل فم صغير ويذمه ويكرهه الكراهية الصممحيحة .وممما أصممف
عن منقوصي الحظوظ في العلم والدب لكن عن أوفممر النمماس قسممطا ً
في الدراك ،وأحقهم باسم الفهم والدراية.
وعني أخممبرك أنممي أحببممت فممي صممباي جاريممة لممي شممقراء الشممعر فممما
استحسنت من ذلك الوقت سمموداء الشممعر ،ولممو أنممه علممى الشمممس أو
على صورة الحسن نفسه وإني لجد هممذا فممي أصممل تركيممبي مممن ذلممك
)(21
الوقت ،ل تؤاتيني نفسي على سواه ول تحب غيره البتة ،وهذا العممارض
بعينه عرض لبي رضي الله عنه وعلى ذلك جرى إلى أن وافاه أجله.
وأما جماعة خلفاء بنممي مممروان -رحمهممم اللممه -ول سمميم ولممد الناصممر
منهم ،فكلهم مجبولون على تفضيل الشقرة ،ل يختلف فممي ذلممك منهممم
مختلف .وقد رأيناهم ورأينا من رآهم من لدن دولة الناصر إلى الن فما
منهم إل أشقر نزاعا ً إلى أمهاتهم ،حتى قد صار ذلك فيهم خلقة ،حاشى
سليمان الظافر رحمه الله ،فإني رأيته أسود اللمة واللحية.
وأما الناصر والحكم والمستنصر رضي الله عنهما فحممدثني المموزير أبممي
رحمه الله وغيره أنهممما كانمما أشممقرين أشممهلين ،وكممذلك هشممام المؤيممد
ومحمد المهدي وعبد الرحمن المرتضى رحمهم الله ،فممإني قممد رأيتهممم
ل ،وهكممذا أولدهممم وأخمموتهممرارا ً ودخلممت عليهممم فرأيتهممم شممقرا ً شممه ً
وجميع أقاربهم ،فل أدري أذلك استحسان مركب في جميعهم أم لرواية
كانت عند أسلفهم في ذلك فجروا عليهمما .وهممذا ظمماهر فممي شممعر عبممد
الملك بن مروان بن عبد الرحمن بن مروان بن أمير المممؤمنين الناصممر
وهو المعروف بالطليق ،وكان أشعر أهممل النممدلس فممي زمممانهم وأكممثر
تغزله فبالشقر ،وقد رايته وجالسته.
وليس العجب فيمن أحب قبيحا ً ثم لم يصحبه ذلك في سواه فقممد وقممع
من ذلك ،ول فيمن طلع مذ كان على تفضيل الدنى ،ولكممن فيمممن كممان
ينظر بعين الحقيقة ثم غلممب عليممه همموى عممارض بعممد طممول بقممائه فممي
الجماعة فأحاله عما عهدته نفسه حوالة صارت له طبعًا :وذهممب طبعممه
الول وهو يعرف فضل ما كان عليه أو ً
ل .فممإذا رجممع إلممى نفسممه وجممدها
تأبى إلى الدنى فأعجب لهذا التغلممب الشممديد والتسمملط العظيممم ،وهممو
أصدق المحبة حقًا ،ل من يتحلى بشيم قوم ليس منه ،ويدعي غريممزة ل
تقبله فيزعم أنه يتخير من يحب ،أما لممو شممغل الحممب بصمميرته ،وأطمماح
فكرته ،وأجحف بتمييزه ،لحال بينممه وبيممن التخيممل والرتيمماد .وفممي ذلممك
أقول شعرًا ،منه:
منهم فتى كان في محبوبه وقص * كأنما الغيد في عينيه جنان
وكان منبسطا ً في فضل خبرته * بحجة حقها في القول تبيان
إن المها وبها المثال سائرة * ل ينكر الحسن فيه الدهر إنسان
وقص فليس بها عنقاء واحدة * وهل تزان بطول الجيد بعران
وآخر كان في محبوبه قوة * يقول حسي في الفواه غزلن
وثالث كان في محبوبه قصر * يقول إن ذوات الطول غيلن
)(22
وأقول أيضًا:
يعيبونها عندي بشقرة شعرها * فقلت لهم هذا الذي زانها عندي
يعيبون لون النور والتبر ضلة * لرأى جهول في الغواية ممتد
وهل عاب لون النرجس الغض عائب * ولون النجوم الزاهرات على
البعد
وأبعد خلق الله من كل حكمة * مفضل جرم فاحم اللون مسود
به وصفت ألوان أهل جهنم * ولبسة باك مثكل الهل محتد
ومذ لحت الرايات سواد تيقنت * نفوس الورى أن لسبيل إلى الرشد
الباب الثامن
التعريض بالقول * )(36
ول بد لكل مطلوب من مدخل إليه ،وسبب يتوصل به نحوه فلممم ينفممرد
بالختراع دون واسمطة إل العليمم الول جمل ثنماؤه .فمأول مما يسمتعمل
طلب أوصل وأهل المحبة في كشف ما يجدونه إلممى أحبتهممم التعريممض
بالقول ،إما بإنشاد شعر ،أوبإرسأ ومثل ،أو تعمية بيت ،أو طرح لغممز ،أو
تسليط كلم وللناس يختلفون في ذلك على قدر إدراكهم ،وعلى حسب
مايرونه من أحبتهم من نفار أو أنس أو فطنة أو بلدة .وإني لعرف من
ابتدأ كشف محبته إلى من كان يحب بأبيات قلتها .فهذا وشبهه يبتدئ به
الطالب للمودة ،فإن رأى أنسا وتسهيل ً زاد ،وإن يعمماين شمميئا ً مممن هممذه
المور في حين إنشاده لشيء مما ذكرنا ،أو إيراده لبعض المعاني التي
حددنا ،فانتظاره الجواب ،إما بلفظ أو بهيئة المموجه والحركممات ،لموقممف
بين أرجاء واليأس هائل ،وإن كان حينا ً قصيرًا ،ولكنه إشراف على بلموغ
المل أو انقطاعه.
ومن التعريض بممالقول :جنممس ثمان ،ول يكممون إل بعممد التفمماق ومعرفممة
المحبة مممن المحبمموب ،فحينئذ يقممع التشممكي وعقممد المواعيممد والتغريممر
وأحكم المودات بمالتعريض ،وبكلم يظهمر لسمامعه منمه معنمى غيمر مما
يذهبان إليه ،فيجيب السامع عنه بجممواب غيممر ممما يتممأدى إلممى المقصممود
بالكلم ،على حسب ما يتأدى إلى سمعه ويسبق إلى وهمممه ،وقممد فهممم
كل واحد منهما عن صاحبه وأجابه بما ل يفهمه غيرهما إل من أيد بحس
نافذ ،وأعين بذكاء ،وأمد بتجربة ،ول سيما إن أحس من معانيهما بشيء
وقلما يغيب عن المتوسم المجيد ،فهنالك ل خفاء عليه فيما يريدان.
وأنا أعرف فتى وجارية كانمما يتحابممان ،فأرادهمما فممي بعممض وصمملها علممى
بعض مال يجمل .فقالت :واللممه لشممكونك فممي المل علنيممة ولفضممحنك
)(23
فضيحة مستورة .فلما كان بعد أيام حضرت الجارية مجلس بعض أكممابر
الملوك وأركان الدولة وأجل رجال الخلفة ،وفيه ممن يتوقى أمره مممن
النساء والخدم عدد كثير ،وفي جملة الحاضرين ذلممك الفممتى ،لنممه كممان
بسبب من الرئيس ،وفي المجلس مغنيات غيرها فلما انتهى الغناء إليها
سوت عودها واندفعت تغني بأبيات قديمة ،وهي:
غزال قد حكى بدر التمام * كشمس قد تجلت من غمام
سبى قلبي بألحاظ مراض * وقد الغصن في حسن القوام
خضعت خضوع صب مستكين * له وذللت ذلة مستهام
فصلني يا فديتك في حلل * فما أهوى وصال ً في حرام
الباب التاسع
الشارة بالعين
ثم يتلو التعريض بممالقبول ،إذا وقممع القبممول والموافقممة ،الشممارة بلحممظ
العيممن وإنممه ليقمموم فممي هممذا المعنممى المقممام المحمممود ،ويبلممغ المبلممغ
العجيممب ،ويقطممع بمه ويتواصممل ،ويوعممد ويهممدد ،وينتهممر ويبسممط ويمؤمر
وينهي ،وتضرب به الوعود ،وينبه على الرقيب ،ويضحك ويحزن ،ويسأل
ويجاب ،ويمنع ويعطي.
ولكل واحد مممن هممذه المعمماني ضممرب مممن هيئة اللحممظ ل يوقممف علممى
تحديده إل بالرؤيممة ،ول يمكممن تصممويره ول وصممفه إل بالقممل منممه .وأنمما
واصف ما تيسر من هذه المعاني :فالشارة بمؤخر العين الواحممدة نهممى
عن المممر ،وتفتيرهمما إعلم بممالقبول وإدامممة نظرهمما دليممل علممى التوجممع
والسف ،وكسر نظرها آية الفرح.
والشارة إلى إطباقها دليل على التهديد ،وقلب الحدقة إلى جهة ممما ثممم
صرفها بسرعة تنبيه على مشار إليه.
والشارة الخفية بمؤخر العينين كلتاهما سؤال ،وقلب الحدقة من وسط
العين إلى الموق بسممرعة شمماهد المنممع ،وترعيممد الحممدقتين مممن وسممط
العينين نهي عام .وسائر ذلك ل يدرك إل بالمشاهدة.
)(24
وأعلم أن العين تنوب عن الرسل ،ويدرك بهمما المممراد والحممواس الربممع
أبواب إلممى القلممب ومنافممذ نحممو النفممس ،والعيممن أبلغهمما وأصممحها دللممة
وأوعاها عمل ً وهي رائد النفس الصادق ودليلها الهادي ومرآتها المجلمموة
التي بها تقف على الحقائق وتميز الصفات وتفهممم المحسوسممات .وقممد
قيل ليس المخبر كالمعمماين وقممد ذكممر ذلممك افليمممون صماحب الفراسممة
وجعلها معتمدة في الحكم وبحسبك من قوة إدراك العين أنها إذا لقممى
شعاعها شعاعا ً مجلمموا ً صممافيًا ،إممما حديممدا ً مفصممول ً أو زجاجما ً أو ممماء أو
بعض الحجارة الصافية أو سائر الشياء المجلوة البراقممة ذوات الرفيممف
والبصيص واللمعان ،يتصل أقصى حدوده بجسم كثيف ساتر مناع كممدر،
انعكس شعاعها فأدرك الناظر نفسه وما زاها عيانًا .وهو الذي ترى فممي
المرآة ،فأنت حينئذ كالناظر إليك بعين غيرك .ودليممل عيمماني علممى هممذا
أنك تأخذ مرآتين كبيرتين فتمسك إحداهما بيمينك خلف رأسممك والثانيممة
بيسارك قبالة وجهك ثم تزويها قليل ً حتى يلتقيان بالمقابلممة ،فإنممك تممرى
قفاك وكل ما وراءك .وذلك لنعكاس ضوء العين إلى ضوء المرآة الممتي
خلفك ،إذ لم تجد منفذا ً في الممتي بيممن يممديك ،ولممما لممم يجممد وراء هممذه
الثانية منفذا ً انصرف إلممى مما قممابله ممن الجسمم .وإن صمالح غلم أبممي
إسحاق النظام خالف في الدراك فهو قول ساقط لم يوافقه عليه أحممد
ولو لم يكن من فضل العين إل أن جوهرها أرفع الجواهر وأعلها مكانًا،
لنها نورية لتدرك اللوان بسواها ،ول شيء أبعد مرمممى ول أنممأى غايممة
منها ،لنها تدرك بها أجرام الكواكب التي في الفلك البعيدة ،وترى بهمما
السماء على شدة ارتفاعها وبعدها ،وليممس ذلممك إل لتصممالها فممي طبممع
خلقتها بهذه المممرآة ،فهممي تممدركها وتصممل إليهمما بممالنظر ،ل علممى قطممع
الماكن والحلول في المواضع وتنقل الحركات ،وليس هممذا لشمميء مممن
الحواس مثل الذوق واللمس ل يدركان إل بالمجاورة ،والسمع والشم ل
يمدركان إل ممن قريمب .ودليمل علمى مما ذكرنماه ممن النظمر أنمك تمرى
المصمموت قبممل سممماع الصمموت ،وإن تعمممدت إدراكهممما مع مًا .وإن كممان
إدراكهما واحدا ً لما تقدمت العين السمع.
الباب العاشر
المراسلة
ثم يتلو ذلك إذا امتزجا المراسلة بالكتب .وللكتب آيات .ولقد رأيت أهل
هذا الشأن يبادرون لقطع الكتب وبحلها في الممماء وبمحممو أثرهمما ،فممرب
فضيحة كانت بسبب كتاب .وفي ذلك أقول:
عزيز على اليوم قطع كتابكم * ولكنه لم يلف للود قاطع
فآثرت أن يبقى وداد ٌ وينمحي * مداد فإن الفرع للصل تابع
)(25
فكم من كتاب فيه ميتة ربه * ولم يدره إذ نمقته الصابع
)(26
رسولك سيف في يمينك فاستجد * حساما ً ول تضرب به قبل صقله
فمن يك ذا سيف كهام فضره * يعود على المعنى منه بجهله
وأكثر ما يستعمل المحبون في إرسالهم إلى مممن يحبممونه ،إممما خممامل ً ل
يؤبه له ول يهتدي للتحفظ منه ،لصباه أو لهيئة رثة أو بدادة في طلعته.
وإما جليل ً ل تلحقه الظنن لنسك يظهره أو لسن عالية قد بلغها.
وما أكثر هذا في النسمماء ول سمميما ذوات العكمماكيز والتسممابيح والثمموبين
الحمريممن وإنممي لذكممر بقرطبممة التحممذير للنسمماء المحممدثات مممن هممذه
الصفات حيثما رأيتها.
أو ذرات صممناعة يقممرب بهمما مممن الشممخاص .فمممن النسمماء كالطبيبممة
والحجامممة والسمراقة والدللممة والماشممطة والنائحمة والمغنيمة والكاهنمة
والمعلمة والمستخفة والصناع في المغزل والنسيج ،وما أشبه ذلك.
أو ذا قرابة من المرسل إليه ل يشح بهمما عليممه .فكممم منيممع سممهل بهممذه
الوصاف ،وعسير يسر ،وبعيد قرب .وجممموح أنممس ،وكممم داهيممة دهممت
الحجب المصممونة ،والسممتار الكممثيف ،والمقاصممير المحروسممة ،والسممدد
المضبوطة ،لرباب هممذه النعمموت .ولمول أن أنبممه عليهمما لمذكرتها ،ولكممن
لقطع النظر فيها وقلممة الثقممة بكممل واحممد .والسممعيد مممن وعممظ بغيممره.
وبالضد تتميز الشياء .أسبل الله علينا وعلممى جميممع المسمملمين سممتره،
ول أزال عن الجميع ظل العافية.
خبر :وإنممي لعممرف مممن كممانت الرسممول بينهممما حمامممة مؤدبممة ،ويعقممد
الكتاب في جناحها .وفي ذلك أقول قطعة ،منها:
تخيرها نوح فما خاب ظنه * لديها وجاءت نحوه بالبشائر
سأودعها كتبي إليك فهاكها * رسائل تهدي في قوادم طائر
)(27
فيفر منها ويتفادى ،وما هذا وجه التصحيح ،فبحسب المممرء المسمملم أن
يعف عن محارم الله عز وجل التي يأتيها باختياره ويحاسممب عليهمما يمموم
القيامة .وأما استحسان الحسن وتمكن الحب فطبع ل يؤمر به ول ينهى
عنه ،إذ القلوب بيد مقلبها ،ول يلزمه غير المعرفة والنظر في فممرق ممما
بين الخطأ والصواب وأن يعتقد الصحيح بمماليقين .وأممما المحبممة فخلقممة،
وإنما يملك النسان حركات جوارحه المكتسبة .وفي ذلك أقول:
يلوم رجال فيك لم يعرفوا الهوى * وسيان عندي فيك ل ح وساكت
يقولون جانبت التصاون جملة * وأنت عليهم بالشريعة قانت
فقلت لهم هذا الرياء بعينه * صراحا ً وزي للمرائين ماقت
متى جاء تحريم الهوى عن محمد * وهل منعه في محكم الذكر ثابت
إذا لم أواقع محرما ً أتقى به * محبي يوم البعث والوجه باهت
فلست أبالي في الهوى قول لئم * سواء لعمري جاهر أو مخافت
وهل يلزم النسان إل اختياره * وهل بخبايا اللفظ يؤخذ صامت
خبر :وإني لعرف بعض من امتحن بشيء من هممذا فسممكن الوجممد بيممن
جوانحه ،فرام جحده إلى أن غلظ المر ،وعرف ذلممك فمي شممائله ممن
تعرض للمعرفة ومن لممم يتعممرض .وكممان مممن عممرض لممه بشمميء نجهممه
وقبحه .إلى أن كان من أراد الحظوة لديه مممن إخمموانه يمموهمه تصممديقه
في إنكاره وتكذيب من ظن به غير ذلك ،فسر بهممذا .ولعهممدي بممه يوم ما ً
قاعدا ً ومعه بعض من كان يعرض له بما في ضميره ،وهممو ينتفممي غايممة
النتفاء ،إذ اجتاز بهما الشخص الذي كان يتهممم بعلقتممه ،فممما هممو إل أن
وقعت عينه على محبوبه حممتى اضممطرب وفممارق هيئتممه الولممى واصممفر
لونه وتفاوتت معاني كلمممه بعممد حسممن تثقيممف ،فقطممع كلمممه المتكلممم
معه .فلقد استدعى ما كان فيه من ذكره .فقيل لممه :ممما عممدا عممما بممدا.
فقال :هو ما تظنون ،عذر من عذر ،وعذل من عممذل .ففممي ذلممك أقممول
شعرًا ،منه:
ما عاش إل لن الموت يرحمه * مما يرى من تباريح الضنى فيه
وأنا أقول:
دموع الصب تنسفك * وسائر الصب ينتهك
كأن القلب إذ يبدو * قطاة ضمها شرك
فيا أصحابنا قولوا * فإن الرأي مشترك
إلى كم ذا أكاتمه * وما لي عنه مترك
)(28
وهذا إنما يعرض عند مقاومممة طبممع الكتمممان ،والتصمماون لطبممع المحممب
وغلبته ،فيكون صاحبه متحيرا ً بيمن نمارين محرقمتين .وربمما كمان سمبب
الكتمان إبقاء المحب على محبمموبه ،وإن هممذا لمممن دلئل الوفمماء وكممرم
الطبع .وفي ذلك أقول:
درى الناس أني فتى عاشق * كئيب معنى ولكن بمن
إذا عاينوا حالتي أيقنوا * وإن فتشوا رجعوا في الظنن
كخط يرى رسمه ظاهرا ً * وإن طلبوا شرحه لم يبن
كصوت حمام على أيكة * يرجع بالصوت في كل فن
تلذ بفحواه أسماعنا * ومعناه مستعجم لم يبن
يقولون بلله سم الذي * نفى حبه عنك طيب الوسن
وهيهات دون الذي حاولوا * ذهاب العقول وخوض الفتن
فهم أبدا ً في اختلج الشكوك * بظن كقطع وقطع كظن
وفي كتمان السر أقول قطعة ،منها:
للسر عندي مكان لو يحل به * حى إذا ً ل اهتدى ريب المنون له
أميته وحياة السر ميتته * كما سرور المعنى في الهوى الوله
وربما كان سبب الكتمان توقي المحب علممى نفسممه مممن إظهممار سممره،
لجللة قدر المحبوب.
خبر :ولقد قال بعض الشعراء بقرطبة شعرا ً تغزل فيه بصبح أم المؤيممد
رحمه الله .فغنت به جارية أدخلت على المنصور محمد بممن أبممي عممامر
ليبتاعها ،فأمر بقتلها.
خبر:
وعلى مثل هذا قتل أحمد بن مغيممث .واستئصممال آل مغيممث والتسممجيل
عليهم أل يستخدم بواحد منهم أبدا ً حممتى كممان سممببا ً لهلكهممم وانقممراض
بيتهم فلم يبق منهم إل الشريد الضال .وكان سبب ذلممك تغزلممه بإحممدى
بنات الخلفاء ومثل هذا كثير.
ويحكى عن الحسن بن هانئ أنه كممان مغرم ما ً بحممب محمممد بممن خممارون
المعروف بابن زبيدة .وأحس منه ببعض ذلك فانتهره ،على إدامة النظر
إليه .فذكر عنه أنه قال إنه كان ل يقدر أن يديم النظر إليه إل مممع غلبممة
السكر على محمد .وربما كان سبب الكتمان أل ينفر المحبمموب أو ينفممر
به .فإني أدري من كان محبوبة له سكنا ً وجليسًا ،لوباح بأقل سبب مممن
أنه يهواه لكان منممه منمماط الثريمما قممد تعلممت نجومهمما .وهممذا ضممرب مممن
السياسة ،ولقد كان يبلغ من انبساط هذا المذكور مع محبوبه إلى فمموق
)(29
الغابة وأبعد النهاية ،فما هو إل أن باح إليه بما يجممد فصممار ل يصممل إلممى
التافه اليسير مع التيه ودالة الحب وتمنع الثقة بملك الفؤاد ،وذهب ذلك
النبساط ووقع التصنع والتجنمي ،فكمان أخما ً فصمار عبمدًا ،ونظيمرا ً فعماد
أسيرًا ،ولو زاد في بوحه شيئا ً إلى أن يعلم خاصة المحبوب ذلك لما رآه
إل في الطيف ،ول نقطع القليل والكثير ،ولعاد عليه بالضرر.
وربما كان من أسباب الكتمان الحياء الغالب على النسان ،وربممما كممان
من أسباب الكتمان أن يرى المحب من محبوبه انحرافا ً وصدا ً ويكون ذا
نفس أبية ،فيستتر بما يجد لئل يشمممت بممه عممدو ،أو يريهممم ومممن يحممب
هوان ذلك عليه.
)(30
وأعلم أن هذا داعية نفار المحبمموب ،وفسمماد فممي التممدبير ،وضممعف فممي
السياسة وما شيء ممن الشمياء إل وللمأخمذ فيمه سمنة وطريقمة ،ممتى
تعداها الطالب ،أو خرق في سمملوكها انعكممس عملممه عليممه ،وكممان كممده
عناء .وتعبه هباء ،وبحثه وباء .وكلما زاد عن وجه السمميرة انحرافما ً وفممي
تجنبها إغراقا ً وفي غير الطريق إيغال ازداد عن بلوغ مممراده بعممدًا .وفممي
ذلك أقول قطعة ،منها:
ول تسع في المر الجسيم تهازءا ً * ول تسع جهرا ً في اليسير تريده
وقابل أفانين الزمان متى يرد * عليك فإن الدهر جم وروده
فأشكالها من حسن سعيك يكفك ال * يسير بغير والشريد شريده
ألم تبصر المصباح أول وقده * وإشعاله بالنفخ يلطفا وقوده
وإن يتصرم لفحه ولهيبه * فنفخك يذكيه وتبدو مدوده
خبر:
وإني لعرف من أهل قرطبة من أبناء الكتاب وجلة الخدمة مممن اسمممه
أحمد بن فتح ،كنت أعهده كثير التصاون ،من بغمماة العلممم وطلب الدب
يبز أصحابه في النقباض ،ويفمموتهم فممي الدعممة ،ل ينظممر إل فممي حلقممة
فضل ،ول يرى إل في محفل مرضى ،محمود المذاهب ،جميل الطريقة،
بائنا ً بنفسه ،زاهيا ً بها ثم أبعدت القدار داري من داره ،فأول خممبر طممرأ
علي بعد نزولي شاطبة أنه خلع عذاره في حب فتى من أبنمماء الفتممانين
يسمى إبراهيم بن أحمد أعرفه ،ل تستأهل صفاته محبممة مممن بيتممه خيممر
وتقدم؛ وأموال عريضة ووفر تالد ،وصح عندي أنه كشمف رأسممه وأبممدى
وجهممه ورمممى رسممنه وحسممر محيمماه وشمممر عممن ذراعيممه وصمممد صمممد
الشهوة ،فصار حديثا ً للسمار ومدافعا ً بين نقلممة الخبممار ،وتهممودى ذكممره
في القطار ،وجرت نقلته في الرض راحلة بالتعجب ،ولممم يحصممل مممن
ذلممك إل علممى كشممف الغطمماء ،وإذاعممة السممر ،وشممنعة الحممديث .وفتممح
الحدوثة وشرود محبوبه عنه جملممة .والتحظيممر عليممه مممن رؤيتممه ألبتممة،
وكان غنيا ً عن ذلك وبمنممدوحه ومعممزل رحممب عنممه .ولممو طمموى مكنممون
سره ،وأخفممى بليممات ضممميره لسممتدام لبمماس العافيممة :ولممم ينهممج بممرد
الصيانة؛ ولكان له في لقاء من بلى بممه ومحممادثته ومجالسممته أمممل مممن
المال؛ وتعلل كاف؛ وإن حبل العذر ليقطع به ،والحجة عليممه قائمممة؛ إل
أن يكون مختلطا ً في تمييزه؛ أو مصابا ً في عقله بحليل ما فدحه .فربما
آل ذلك لعذر صحيح ،وأما إن كانت بقية من عقل أو ثبتممت مسممكه فهممو
ظالم في تعرضه ما يعلم أن محبوبه يكرهه ويتأذى بممه .هممذا غيممر صممفة
أهل الحب؛ وسيأتي هذا مفسرا ً في باب الطاعة إن شاء الله تعالى.
)(31
ومن أسباب الكشف وجممه ثممالث وهممو عنممد أهممل العقممول وجممه مممرذول
وفعل ساقط؛ وذلك أن يرى المحب من محبوبه غدرا ً أو ملل ً أو كراهممة؛
فل يجممد طريممق النتصمماف منممه إل بممما ضممرره عليممه أعممود منممه علممى
المقصود من الكشف والشتهار .وهذا أشد العار وأقبممح الشممنار وأقمموى
بشواهد عدم العقل ووجود السممخف .وربممما كممان الكشممف مممن حممديث
ينتشر وأقاويل تفشممو ،توافممق قلممة مبممالة مممن المحممب بممذلك ،ورضممى
بظهور سره ،إما لعجاب وإممما لسممتظهار علممى بعممض ممما يممؤمله .وقممد
رأيت هذا الفعل لبعض إخواني من أبناء القواد ،وقرأت في بعض أخبممار
العممراب أن نسمماءهم ل يقنعممن ول يصممدقن عشممق عاشممق لهممن حممتى
يشتهر ويكشف حبه ويجاهر ويعلن وينمموه بممذكرهن ،ول أدري ممما معنممى
هذا ،على أنه يذكر عنهن العفاف ،وأي عفمماف ممع امممرأة أقصممى مناهمما
وسرورها الشهرة في هذا المعنى.
)(32
فما كان ينفك من توجه الذنوب نحوه ول ذنب له ،وإيقمماع العتمماب عليممه
والسخط وهونقي الجلد.
وأقول شعرا ً إلى بعض إخواني ،ويقرب مما نحن فيه وإن لم يكن منه:
وقد كنت تلقاني بوجه لقربه * تدان وللهجران عن قربه سخط
وما تكره العتب اليسير سجيتي * على أنه قد عيب في الشعر الوخط
فقد يتعب النسان في الفكر نفسه * وقد يحسن الخيلن في الوجه
والنقط
تزين إذا قلت ويفحش أمرها * إذا أفرطت يوما ً وهل يحمد الفرط
ومنه:
أعنه فقد أضحى لفرط همومه * يبكي إذ القرطاس والحبر والخط
ول يقولن قائل إن صبر المحب على دلممة المحبمموب دنماءة فممي النفممس
فقد أخطأ ،وقد علمنا أن المحبوب ليممس لممه كفمموا ً ول نظيممرا ً فيقممارض
بممأذاه ،وليممس سممبه وجفمماه مممما يعيممر بممه النسممان ويبقممى ذكممره علممى
الحقاب ،ول يقع ذلك في مجممالس الخلفمماء ،ول فممي مقاعممد الرؤسمماء،
فيكون الصبر جارا ً للمذلة ،وضراعة قائدة للستهانة ،فقد ترى النسممان
ل يكلف بأمته التي يملك رقها ،ول يحول حائل بينه وبيممن التعممدي عليهمما
فكيف النتصار منها .وسبل المتعاض من السبب غيممر هممذه ،إنممما ذلممك
بين علية الرجال الذين تحصل أنفاسهم وتتبع معاني كلمهم فتمموجه لهمما
ل ،وأما المحبمموب الوجوه البعيدة ،لنهم ل يوقعونها سدى ول يلقونها هم ً
فصعدة ثابتة ،وقضيب منآد ،يجفممو ويرضممى مممتى شمماء ل لمعنممى .وفممي
ذلك أقول:
ليس التذلل في الهوى يستنكر * فالحب فيه يخضع المستكبر
ل تعجبوا من ذلتي في حالة * قد ذل فيها قلبي المستبصر
ليس الحبيب مماثل ً ومكافيا ً * فيكون صبرك ذلة إذ تصبر
تفاحة وقعت فآلم وقعها * هل قطعها منك انتصارا ً يذكر
خممبر :وحممدثني أبممو دلممف المموراق عممن ملسمممة بممن أحمممد الفيلسمموف
المعروف بالمرجيطى أنه قال في المسجد الذي بشرقي مقبرة قريش
بقرطبة الموازي لدار الوزير ابن عمممرو أحمممد بممن محمممد جممدير رحمممه
الله :في هذا المسجد كان مقدم بن الصفر مريضا ً أيام حممداثته لعشممق
بعجيب فتى الوزير أبي عمرو المذكور .وكان يترك الصمملة فممي مسممجد
مسرور وبها كان سكناه ،ويقصد فممي الليممل والنهممار إلممى هممذا المسممجد
بسبب عجيب ،حتى أخممذه الحممرس غيممر ممما مممرة فممي الليممل فممي حيممن
)(33
انصرافه عن صلة العشاء الخرة ،وكان يقعد وينظر منممه إلممى أن كممان
الفتى يغضب ويضجر ويقوم إليه فيمموجعه ضممربا ً ويلطممم خممديه وعينيممه،
فيسر بذلك ويقول :هذا والله أقصمى أمنيممتي والن قمرت عينمي ،وكمان
على هذا زمانا ً يماشيه.
قال أبو دلف :ولقد حدثنا مسلم بهذا الحديث غير مممرة بحضممرة عجيممب
عندما كان يرى من وجاهة مقممدم بممن الصممفر وعممرض جمماهه وعممافيته،
فكانت حال مقدم بن الصفرهذا قد جلت جدا ً واختص بالمظفر بن أبي
عامر اختصاصا ً شديدا ً واتصل بوالدته وأهله وجرى على يديه مممن بنيممان
المساجد والسقايات وتسهيل وجوه الخير غير قليل ،مع تصرفه في كل
ما يتصرف فيه أصحاب السلطان من العناية بالناس وغير ذلك.
خبر :وأشنع من هذا أنه كانت لسعيد بن منذر بن سعيد صمماحب الصمملة
في جامع قرطبة أيام الحكم المستنصر بالله رحمه الله جارية يحبها حبا ً
شديدًا ،فعرض عليها أن يعتقها ويتزوجها .فقالت لمه سماخرة بمه ،وكمان
عظيم اللحيمة :إن لحيتمك أستبشمع عظمهما فمإن حمذفت منهما كمان مما
ترغبممه .فأعمممل الجمليممن فيهمما حممتى لطفممت ،ثممم دعمما بجماعممة شممهود
وأشهدهم على عتقها ،ثم خطبها إلى نفسمه فلممم تممرض بمه .وكممان فممي
جملة من حضر أخوه حكم بن منذر فقال لمن حضر :اعرض عليها أنممي
أخطبها أنا ،ففعل فأجابت إليه .فتزوجها في ذلك المجلس بعينه ورضي
بهذا العار الفادح على رورعه ونسكه واجتهاده.
فأنمما أدكممت سممعيدا ً هممذا وقممد قتلممه الممبربر يمموم دخممولهم قرطبممة عنمموة
وانتهممابهم إياهمما وحكممم المممذكور أخمموه هممو رأس المعتزلممة بالنممدلس
وكبيرهم وأستاذهم ومتكلمهممم وناسممكهم ،وهممو مممع ذلممك شمماعر طيممب
وفقيه .وكان أخوه عبد الملك ابن منذر متهما ً بهذا المذهب أيض مًا .ولممي
خطبة الرد أيام الحكم رضي الله عنه وهو الذي صلبه المنصور بن أبممي
عامر إذ اتهمه هو وجماعة من الفقهاء والقضمماة بقرطبممة أنهممم يبممايعون
سرا ً لعبد الرحمن بن عبيد الله ابن أميمر الممؤمنين الناصممر رضمي اللمه
عنهم ،فقتل عبد الرحمن وصلب عبد الملك بن منذر وبدد شمممل جميممع
من اتهم .وكان أبوهم قاضممي القضمماة منممذر بممن سممعيد متهمما ً بمممذهب
العتزال أيضًا .وكان أخطب الناس وأعلمهم بكل فن وأورعهم وأكثرهم
هزل ً ودعابة .وحكم المممذكور فممي الحيمماة فممي حيممن كتممابتي إليممك بهممذه
الرسالة قد كف بصره وأسن جدًا.
خبر:
ومن عجيب طاعة المحب لمحبوبه أني أعممرف مممن كمان سممهر الليممالي
الكثيرة ولقى الجهد الجاهد فقطعت قلبه ضروب الوجد ثممم ظفممر بمممن
يحب وليس به امتناع ول عنده دفع ،فحين رأى منه بعممض الكراهممة لممما
)(34
نواه تركه وانصرف عنممه ،ل تعففما ً ول تخوفما ً لكممن توقفما ً عنممد موافقممة
رضاه ،ولم يجد من نفسه معينا ً على إتيان ما لم ير له إليه نشاطا ً وهممو
يجد ما يجد .وإني لعرف منفقل هذا الفعممل ثممم تنممدم لعممذر ظهممر مممن
المحبوب .فقلت في ذلك:
غافص الفرصة واعلم أنها * كمضي البرق تمضي الفرص
كم أمور أمكنت أمهلها * هي عندي إذ تولت غصص
بادر الكنز الذي ألفيته * وانتهز صبرا ً كبارز يقنص
ولقد عرض مثل هذا بعينه لبي المظفر عبد الرحمن بن محمود صديقنا
وأنشدته أبياتا ً لي فطار بها كل مطار ،وأخذها مني فكانت هجيراه.
خبر :ولقد سألني يوما ً أبو عبد الله محمد بن كليب مممن أهممل القيممروان
أيام كوني بالمدينة ،وكان طويل اللسمان جممدا ً مثقفما ً للسممؤال فممي كممل
فن ،فقال لي وقد جرى بعض ذكر الحممب ومعممانيه :إذا كممره مممن أحممب
لقائي وتجنب قربي فما أصنع? قلت :أرى أن تسعى في إدخممال الممروح
على نفسك بلقائه وإن كره .فقال :لكني ل أرى ذلك بل أوثر هواه على
هواي ومراده على مرادي ،واصبر ولو كان في ذلك الحتف .فقلممت لممه:
إني إنما أحببته لنفسي ول لتذاذها بصورته فأنا أتبع قياسي وأقود أصلي
وأقفو طريقتي فممي الرغيبممة فممي سممرورها .فقممال لممي :هممذا ظلممم مممن
القياس ،أشد من الموت ما تمنى له الموت .وأعز من النفس ما بممذلت
له النفس .فقلت له :إن بذلت نفسك لم يكن اختيارا ً بل كان اضطرارًا،
ولو أمكنك أل تبذلها لما بذلتها ،وتركك لقاءه اختيارا ً منك أنت فيه ملوم
لضرارك بنفسك وإدخالك الحتف عليها .فقال لي :أنت رجل جممدلي ول
جدل في الحب يلتفت إليه .فقلت له :إذا ً كان صاحبه مؤوفا ً فقال :وأي
آفة أعظم من الحب.
)(35
إذا وجدت الماء ل بد أن * أطفي به مشعل جمر الغضا
)(36
البوائق ،محتوم المساعدة ،كاره ما ً للمباعممدة ،نبيممل المممدخل ،مصممروف
الغوائل ،غامض المعاني عارفا ً ل لماني ،طيب الخلق ،سري العراق،
مكتوم السر ،كثير البر ،صحيح المانة ،مممأمون الخيانممة ،كريممم النفممس،
نافمممذ الحمممس ،صمممحيح الحمممدس ،مضممممون العمممون ،كاممممل الصمممون،
مشهورالوفاء ،ظاهر الغناء ،ثابت القريحممة ،مبممذول النصمميحة ،مسممتيقن
الوداد ،سهل النقياد ،حسن العتقمماد ،صممادق اللهجممة ،خفيممف المهجممة،
عفيممف الطبمماع ،رحممب الممذراع ،واسممع الصممدر ،متخلق ما ً بالصممبر ،يممألف
المحاض ،ول يعرف العراض ،يستريح إليه بلبله ،ويشمماركه فممي خلمموة
فقره ،ويفاوضه في مكتوماته ،وإن فيه للحممب لعظممم الراحممات ،وأيممن
هذا ،فإن ظفرت به يممداك فشممدهما عليممه شممد الضممنين ،وأمسممك بهممما
إمساك البخيل ،وصنه بطارفممك وتالممدك ،فمعممه يكمممل النممس ،وتنجلممي
الحزان ،ويقصر الزمان ،وتطيب الحوال ولن يفقد النسان من صاحب
ل ،ورأي ما ً حسممنًا ،ولممذلك اتخممذ الملمموك المموزراء
هممذه الصممفة عون ما ً جمي ً
والدخلء كي يخففوا عنهم بعض ما حملوه مممن شممديد المممور وطوقمموه
من باهض الحمممال .ولكممي يسممتغنوا بممآرائهم ويسممتمدوا بكفممايتهم .وإل
فليس في قوة الطبيعة أن تقاوم كممل ممما يممرد عليهمما دون اسممتعانة بممما
يشاكلها وهو من جنسها.
ولقد كان بعض المحبين ،لعممدمه هممذه الصممفة مممن الخمموان وقلممة ثقتممه
منهم لما جربه من الناس وأنه لم يعدم من باح إليممه بشمميء مممن سممره
أحد وجهين إما إزراء على رأيه وإما إذاعممة لسممره ،أقممام الوحممدة مقممام
النس .وكان ينفممرد فممي المكممان النممازح عممن النيممس ،وينمماجي الهمموى،
ويكلممم الرض ،ويجممد فممي ذلممك راحممة كممما يجممد المريممض فممي التممأوه
والمحزون في الزفير؛ فإن الهموم إذا ترادفممت فممي القلممب ضمماق بهمما،
فإن لم ينض منها شيء باللسان ،ولم يسترح إلى الشكوى لم يلبث أن
يهلممك غممما ويممموت أسممفًا .وممما رأيممت السممعاد أكممثر منممه فممي النسمماء.
فعندهن من المحافظة على هممذا الشممأن والتواصممي بكتمممانه والتواطممؤ
على طيه إذا اطلعن عليه ما ليس عند الرجال ،وما رأيت امرأة كشفت
سر متحابين إل وهي عند النساء ممقوتممة مسممتثقلة مرميممة عممن قمموس
واحدة .وإنه ليوجد عند العجائز في هذا الشأن مال يوجد عنممد الفتيممات،
لن الفتيات منهن ربما كشفن ممما علمممن علممى سممبيل التغمماير ،وهممذا ل
يكون إل في الندرة .وأما العجممائز فقممد يئسممن مممن أنفسممهن فانصممرف
الشفاق محضا ً إلى غيرهن.
خبر :وإني لعمل امرأة موسممرة ذات جمموار وخممدم فشمماع علممى إحممدى
جواريها أنها تعشق فتى من أهلها ويعشقها وأن بينهما معاني مكروهممة،
وقيل لها :إن جاريتك فلنمة تعمرف ذلمك وعنمدها جليمة أمرهما .فأخمذتها
وكانت غليظة المقوبة فأذاقتها مممن أنممواع الضممرب واليممذاء مممال يصممبر
)(37
على مثله جلداء الرجال ،رجاء أن تبوح لهمما بشمميء مممما ذكممر لهمما ،فلممم
تفعل البتة.
خبر:
وإني لعلم امرأة جليلة حافظة لكتاب الله عز وجل ناسكة مقبلة علممى
الخير ،وقد ظفرت بكتاب لفتى إلى جارية كان يكلف بها ،وكان في غير
ملكها ،فعرفته المر فرام النكار فلم يتهيأ له ذلك ،فقممالت لممه :مالممك?
ومن ذا عصم? فل تبال بهذا فوالله ل أطلعت على سر كممما أحممدا ً أبممدًا،
ولو أمكنتني أن أبتاعها لك من مالي ولو أحاط به كله لجعلتهمما لممك فممي
مكان تصل إليها فيه ول يشعر بذلك أحد؛ وإنممك لممترى المممرأة الصممالحة
المسنة المنقطعة الرجمماء مممن الرجممال ،وأحممب أعمالهمما إليهمما وأرجاهمما
للقبول عندها سعيها فممي تزويممج يتيمممة ،وإعممارة ثيابهمما وحليهمما لعممروس
مقلة .وما أعلم علة تمكممن همذا الطبمع ممن النسماء إل أنهممن متفرغممات
البال من كل شيء إل من الجماع ودواعيه ،والغممزل وأسممبابه ،والتممآلف
ووجوهه لشغل لهن غيره ول خلقممن لسممواه .والرجممال مقتسممون فممي
كسب المال وصحبة السلطان وطلممب العلممم وحياطممة العيمال ومكابممدة
السفار والصيد وضروب الصناعات ومباشممرة الحممروب وملقمماة الفتممن
وتحمل المخاوف وعمارة الرض ،وهذا كله متحيف للفراغ ،صارف عممن
طريق البطل وقرأت في سير ملمموك السممودان أن الملممك منهممم يوكممل
ثقة له بنسائه يلقى عليهن ضريبة مممن غممزل الصمموف يشممتغلن بهمما أبممد
الدهر؛ لنهم يقولون :إن المرأة إذا بقيت بغيممر شممغل إنممما تشمموق إلممى
الرجال ،وتحن إلى النكاح ولقد شاهدت النساء وعلمممت مممن أسممرارهن
مال يكاد يعلمه غيري؛ لني ربيت في حجممورهن ،ونشممأت بيممن أيممديهن،
ولم أعرف غيرهن .ول جالست الرجال إل وأنا فمي حمد الشمباب وحيمن
تفيل وجهي .وهن علمنني القرآن وروينني كثيرا ً مممن الشممعار وردبننممي
في الخط ،ولم يكن وكدي وإعمال ذهني مذ أول فهممي وأنما فمي سمن
الطفولة جدا ً إل تعرف أسبابهن ،والبحث عن أخبارهن ،وتحصمميل ذلممك.
وأنا ل أنسى شمميئا ً مممما آرى منهممن ،وأصممل ذلممك غيممرة شممديدة طبعممت
عليها ،وسوء ظن في جهتهن فطرت به ،فأشممرفت مممن أسممبابهن علممى
غير قليل .وسيأتي ذلك مفسرا ً في أبوابه إن شاء الله تعالى.
)(38
بوجدهما والنفراد بالحديث .ولقد يعرض للمحب من القلق بهذه الصفة
مال يعرض له مما هو أشد منها ،وهذا وإن كان يزول سريعا ً فهممو عممائق
حال دون المراد وقطع متوفر الرجاء.
خبر :ولقد شاهدت يوما ً محبين تفممي مكممان قممد ظنمما أنهممما انفممردا فيممه
وتأهبا للشكوى فاستحليا ما هممما فيممه مممن الخلمموة ،ولممم يكممن الموضممع
حمي ،فلم يلبثا أن طلع عليهما مممن كانمما يسممتثقلنه ،فممرأى فعممدل إلممي
وأطال الجلوس معممي ،فلممو رأيممت الفممتى المحممب وقممد تمممازج السممف
البادي على وجهه مع الغضب لرأيت عجبًا .وفي ذلك أقول قطعة ،منها:
يطيل جلوسا ً وهو أثقل جالس * ويبدي حديثا ً لست أرضى فنونه
شمام ورضوى واللكام ويذبل * ولبنان والصمان والحرب دونه
ثم رقيب قد أحس من أمرهما بطرف ،وتوجس من مذهبهما شيئًا ،فهو
يريد أن يستبين حقيقة ذلك ،فيدمن الجلوس ،ويطيل القعممود ،ويتخفممى
بالحركات ،ويرمق الوجوه ،ويحصل النفاس .وهذا أعممدى مممن الحممرب،
وإني لعرف من هممم أن يبمماطش رقيبما ً هممذه صمفته .وفممي ذلممك أقممول
قطعة ،منها:
مواصل ل يغب قصدا ً * أعظم بهذا الوصال غما
صار وصرنا لفرط مال ً * يزول كالسم والمسمى
ثم رقيب علممى المحبمموب ،فممذلك ل حيلممة فيممه إل بترضممية .وإذا أرضممى
فذلك غاية اللذة ،وهذا الرقيب هو الذي ذكرته الشعراء في أشعارها.
ولقد شاهدت من تلطف في استرضاء رقيب حممتى صممار الرقيممب عليممه
رقيبا ً له ،ومتغافل ً في وقت التغافل ،ودافعا ً عنه وساعيا ً له .ففممي ذلممك
أقول:
ورب رقيب ارقبوه فلم يزل * على سيدي عمدا ً ليبعدني عنه
فما زالت اللطاف تحكم أمره * إلى أن غدا خوفي له آمنا ً منه
وكان حساما ً سل حتى يهدني * فعاد محبا ً مالنعمته كنه
وأقول قطعة ،منها:
صار حياة وكان سهم ردي * وكان سما فصار درياقا ً
وإني لعرف من رقب على بعض من كان يشممفق عليممه رقيبما ً وثممق بممه
عند نفسه ،فكان أعظم الفة عليه وأصل البلء فيه.
)(39
وأما إذا لم يكن في الرقيب حيلة ول وجد إلى ترضيه سبيل فل طمع إل
بالشارة بالعين همسا ً وبالحاجب أحيانا ً والتعريض اللطيف بالقول ،وفي
ذلك متعة وبلغ إلى حين يقنع به المشتاق .وفي ذلك أقول شعرا ً أوله:
على سيدي مني رقيب محافظ * وفي لمن واله ليس بناكث
ومنه:
ويقطع أسباب اللبانة في الهولي * ويفعل فيها فعل بعض الحوارث
كأن له في قلبه ريبة ترى * وفي كل عين مخبر بالحادث
ومنه:
على كل من حولي رقيان رتبا * وقد خصني ذو العرش منهم بثالث
وأشنع ما يكون الرقيب إذا كان ممن امتحن بالعشممق قممديما ً ودهممى بممه
وطالت مدته فيه ثم عرى عنه بعممد إحكممامه لمعممانيه ،فكممان راغب ما ً فممي
صيانة من رقب عليه ،فتبارك الله أي رقبة تأبي منه ،وأي بلء مصممبوب
يحل على أهل الهوى من جهته .وفي ذلك أقول:
رقيب طالما عرف الغراما * وقاسى الوجد وامتنع المناما
ولقى في الهوى ألما أليما * وكاد الحب يورده الحماما
وأتقن حلية الصب المعنى * ولم يضع الشارة والكلما
وأعقبه التسلي بعد هذا * وصار يرى الهوى عارا ً وذاما
وصير دون من أهوى رقيبا ً * ليبعد عنه صبا ً مستهاما ً
فإي بلية صبت علينا * وأي مصيبة حلت لماما
ومن طريف معاني الرقباء أني أعرف محبين مذهبهما واحممد فممي حممب
محبوب واحد بعينه ،فلعهدي بهما كل واحد منهما رقيممب علممى صمماحبه.
وفي ذلك أقول:
صبان هيمانان في واحد * كلهما عن خدنه منحرف
كالكلب في الرى ل يعتلف * وليخلى الغير أن يعتلف
)(40
وأكممثر ممما يكممون الوشممي فممإلى المحبمموب ،وأممما الحممب فهيهممات ،حممال
الجريض دون القريض .ومنع الحرب من الطرب ،شغله بما هو مانع لممه
من استماع الواشي .وقد علم الوشاة ذلك ،وإنممما يقصممون إلممى الخلممي
البال ،الصائل بحوزة الملك ،المتعتب عند أقل سبب.
وإن للوشاة ضروبا ً من التنقيل ،فمنها أن يذكر للمحبوب عمن يحب أنه
غير كاتم للسر ،وهذا مكان صعب المعاناة ،بطيممء الممبرء إل أن يوافممق
معارضا ً للمحب في محبته وهذا أمر بوجب النفار ،فل فرج للمحبوب إل
بأن تساعده القدار بالطلع على بعض أسرار من يحب ،يعد أن يكممون
المحبوب ذا عقل ،وله حظ من تمييز ،ثم يدعه والمطاولة .فممإذا تكممدب
عنده نقل الواشي مع ما أظهر من الجفاء والتحفظ ولممم يسمممع لسممره
إذاعة علم أنه إنما زور له الباطل ،واضمحل ممما قممام فممي نفسممه ولقممد
شاهدت هممذا بعينممه لبعممض المحممبين مممع بعممض مممن كممان يحبممن ،وكممان
المحبوب شممديد المراقبممة عظيممم الكتمممان ،وكممثر الوشمماة بينهممما حممتى
ظهرت أعلم ذلك في وجهه وحدث في حممب لممم يكممن ،وركبتممه رحمممة،
وأظلته فكرة .ودهمته حيرة ،إلى إن ضاق صممدره وبمماح بممما نقممل إليممه.
فلو شاهدت مقام المحب في اعتذاره لعلمت أن الهوى سلطان مطاع،
وبنمماء مشممدود الواخممي ،وسممنان نافممذ ،وكممان اعتممذاره بيمن الستسمملم
والعتراف ،والنكار والتوبة والرمي بالمقاليد ،فبعد لي ممما صمملح المممر
بينهما.
)(41
والثاني واش يسعى للقطع بين المحبين لينفرد بممالمحبوب ويسممتأثر بممه
وهذا أشد شيء وأقطعه وأجزم لجتهاد الواشي واستفادة جهده.
ومممن الوشمماة جنممس ثممالث ،وهممو واش يسممعى بهممما جميع ما ً ويكشممف
سرهما ،وهذا ل يلتفت إليه إذا كان المحب مساعدًا .وفي ذلك أقول:
عجبت لواش ظل يكشف أمرنا * ومابسوي أخبارنا يتنفس
وماذا عليه من عنائي ولوعتي * أنا آكل الرمان والولد تضرس
ول بد أن أورد ما يشبه ما نحن فيه ،وإن كممان خارج ما ً منممه ،وهممو شمميء
في بيان التنقيل والنمائم .فالكلم يدعو بعضممه بعض ما ً كممما شممرطنا فممي
أول الرسالة ،وما في جميع الناس شر من الوشاة ،وهم النمامون ،وإن
النميمة لطبع يدل على نتن الصل ورداءة الفرع وفسمماد الطبممع وخبممث
النشأة ،ول بد لصاحبه من الكذب والنميمة فرع من فروع الكذب ونمموع
من أنواعه ،وكل نمام كذاب ،وما أحببت كذابا ً قممط ،وإنممي لسممامح فممي
إخاء كل ذي عيب وإن كان عظيمًا ،وأكل أمممره إلممى خممالقه عممز وجممل،
وآخذ ما ظهر من أخلقه ،حاشى من أعلمه يكذب فهو عندي ماح لكممل
محاسنه ،ومعف على جميع خصاله ،ومذهب كل ما فيه ،فما أرجو عنده
ل ،وذلك لن كل ذنممب فهممو يتمموب عنممه صمماحبه وكممل ذام فقممد خيرا ً أص ً
يمكن الستتار به والتوبة منه ،حاشى الكذب فل سبيل إلى الرجعة عنممه
ول إلى كتمانه حيث كان .وما رأيت قط ول أخبرني مز رأى كممذابا ً تممرك
الكذب ولم يعد إليه ،ول بدأت قط بقطيعة ذيب معرفة إل أن أطلع ألممه
على الكذب ،فحينئذ أكون أنا القاصد إلى مجانبته والمتعرض لمتمماركته،
وهي سمة ما رأيتها قط في أحد إل وهو مزنون في نفسممه إليممه بشممق،
مغموز عليه لعاهة سوء في ذاته .نعوذ بالله من الخذلن.
و قال بعض الحكماء :آخ من شئت واجتنب ثلثة :الحمق فممإنه يريممد أن
ينفعك فيضرك والملول فشأنه أوثق ما تكون به لطول الصحب وتأكدها
يخذلك والكذاب فإنه يجني عليك آمن ما كنت فيه مممن حيممث ل تشممعر.
وحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :حسن العهد من اليمان.
وعنه عليه السلم :ل يؤمن الرجل باليمان كلممه حممتى يممدع الكممذب فممي
المزاح حدثنا بهذا أبو عمر أحمد بن محمد عن محمد بن علي بن رفاعة
عن علي بن عبد العزيز عن أبي عبيد القاسممم بممن سمملم عممن شمميوخه،
والخر منهما مسند إلى عمر بمن الخطماب وابنمه عبمد اللمه رضمي اللمه
عنهما.
والله عز وجل يقول) :يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما ل تفعلون .كبر
مقتا ً عند الله أن تقولوا ما ل تفعلون( * وعن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أنه سئل هل يكون المؤمن بخي ً
ل? فقال :نعم .قيل :فهل
)(42
يكون المؤمن جبانًا? فقال :نعم .قيل :فهل يكون المؤمن كذابًا? قال:
ل.
حدثنا أحمد بن محمد بن أحمد عن أحمد بن سممعيد عممن عبيممد اللممه بممن
يحيى عن أبيه عن مالك بن أنس عن صفوان بن سليم.
وبهذا السناد ،أن رسول الله صلى الله عليممه وسمملم قممال :ل خيممر فممي
الكذب في حديث سئل فيه.
وبهذا السناد عن مالك أنه بلغه عن ابن مسعود أنه كان يقول .ل يممزال
العبد يكذب وينكت في قلبه نكتة سوداء حتى يسود القلب فيكتممب عممن
الله من الكذابين.
وبهذا السناد عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قممال :عليكممم بالصممدق
فإنه يهدي إلى البر ويهذي إلى الجنة .وإياكم والكممذب فممإنه يهممذي إلممى
الفجور والفجور يهذي إلى النار.
وروى أنه أتاه صلى الله عليه وسلم رجل فقممال :يمما رسممول اللممه ،إنممي
أستتر بثلث الخمممر والزنمما والكممذب .فمرنممي أيهممما أتممرك .قممال :اتممرك
الكذب فذهب منه .ثم أراد الزنا ففكر فقال :آتي رسول الله صلى الله
عليه وسلم فيسألني :أزنيممت? فممإن قلممت .نعممم ،حممدني ،وإن قلممت :ل.
نقضت العهد ،فتركه .ثم كذلك في الخمر .فعاد إلى رسممول اللممه صمملى
الله عليه وسلم فقال :يا رسول الله ،إني تركت الجميع.
فالكذب أصل كل فاحشة ،وجممامع كممل سمموء ،وجممالب لمقممت اللممه عممز
وجل .وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنممه قممال كممل الخلل يطبممع
عليها المؤمن إل الخيانة والكممذب .وعممن رسممول اللممه صمملى اللممه عليممه
وسلم أنه قال :ثلث من كن فيه كان منافقًا :مممن إذا وعممد أخلممف ،وإذا
تحدث كذب ،وإذا أؤتمن خان.
وهل الكفر إل كذب على الله عز وجل ،واللممه الحممق وهممو يحممب الحممق
وبالحق قممامت السممموات والرض .وممما رأيممت أخممزى مممن كممذاب ،وممما
هلكت الدول ول هلكممت الممالممك ول سممفكت الممدماء ظلم ما ً ول هتكممت
الستار بغيممر النمممائم والكممذب ،ول أكممدت البغضمماء والحممن المرديممة إل
بنمائم ل يحظى صاحبها إل بالمقت والخزي والذل ،وأن ينظر منه الذي
ينقل إليه فضل ً عن غيره بالعين التي ينظمر بهما ممن الكلمب .واللمه عممز
وجل يقول) :ويل لكل همزة لمزة( .ويقول جل من قائل) :يا أيها الذين
آمنمموا إذ جمماءكم فاسممق بنبممإ فتممبينوا( .فسمممى النقممل باسممم الفسمموق.
ويقول) :ول تطع كل حلف مهين هماز مشاء بنميم .منمماع للخيممر معتممد
أثيم .عتل بعد ذلك زنيم( .والرسول عليه السلم يقول) :ل يدخل الجنممة
)(43
قتات( .ويقول) :وإيمماكم وقاتممل الثلثممة( .يعنممي المنقممل والمنقممول إليممه
والمنقول عنه والحنف يقول :الثقة ل يبلغ ،وحق لذي الوجهين أل يكون
عند الله وجيهًا .وهو ما يجعله من أخس الطبائع وأرذلها.
ولي إلى أبي إسحاق إبراهيم بن عيسممى الثقفممي الشمماعر رحمممه اللممه،
وقد نقل إليه رجل من إخواني عني كذبا ً على جهممة الهممزل ،وكممان هممذا
الشاعر كثير الوهم فأغضبه وصدقه ،وكلهما كان لي صديقًا ،وممما كممان
الناقل إليه من أهل هذه الصفة ولكنه كممان كممثير المممزاح جممم الدعابممة.
فكتبت إلى أبي إسحاق ،وكان يقول بالخبر ،شعرا ً منه:
ول تتبدل قالة قد سمعتها * تقال ول تدري الصحيح بما تدري
كمن قد أراق الماء للل إن بدا * فلقى الردى في الفيح المهمة القفر
وكتبت إلى الذي نقل عني ،شعرا ً منه:
ول تزعما ً في الجد مزحا ً كمولج * فساد علج النفس طي صلحها
ومن كان نقل الزور أمضى سلحه * كمثل الحبارى تتقي بسلحها
وكان لي صديق مرة؛ وكممثر التممدخيل بينممي وبينممه حممتى كممدح ذلممك فيممه
واسممتبان فممي وجهممه وفممي لحظممه ،وطبعممت علممى التممأني والممتربص
والمسالمة ما أمكنت ،ووجدت بالنخفاض سبيل ً إلممى معمماودة ،المممودة،
فكتبت إليه شعرا ً منه:
ولي في الذي أبدى مرام لوانها * بدت ما ادعى حسن الرماية وهرز
وأقول مخاطبا ً لعبيد الله بن يحيى الجزيري الذي يحفظ لعمه الرسممائل
والبليغة وكان طبع الكذب قد استولى عليه واستحذ علممى عقلممه وألفممه
وألفممة النفممس المممل ويؤكممد نقلممه وكممذبه باليمممان المؤكممدة المغلطممة،
مجاهرا ً بها أكذب من السراب مسممتهترا ً بالكممذب مشممغوفا ً بممه ،ل يممزال
يحدث من قد صح عنده أنممه ل يصمدقه فل يزجمره ذلممك عمن أن يحمدث
بالكذب:
بدا كل ما كتمته بين مخبر * وحال أرتني قبح عقدك بينا
وكم حالة صارت بياننا ً بحالة * كما تثبت الحكام بالحبل الزنا
وفيه أقول قطعة منها:
أنم من المرآة في كل ما درى * وأقطع بين الناس من قصب الهند
أظن المنايا والزمان تعلما * تحليله بالقطع بين ذوي الود
وفيه أيضا ً أقول من قصيدة طويلة:
وأكذب من حسن الظنون حديثه * وأقبح من دين وفقر ملزم
)(44
أوامر رب العرش أضيع عنده * وأهون من شكوى إلى غير راحم
تجمع فيه كل خزي وفضحة * فلم يبق شتما ً في المقال أشاتم
الباب العشرون
الوصل
ومن وجوه العشق الوصل ،وهو حظ رفيع ،ومرتبة سرية ،ودرجة عالية،
وسعد طالع .بل هو الحياة المجدة ،والعيممش السممني ،والسممرور الممدائم
ورحمة من الله عظيمة .ولول أن الدنيا دار ممر ومحنممة وكممدر ،والجنممة
دار جزاء وأمان من المكاره ،لقلنا إن وصل المحبوب هو الصممفاء الممذي
ل كممدر فيممه ،والفممرح الممذي ل شممائبة ول حممزن معممه ،وكمممال الممماني؛
ومنتهى الراجي .ولقد جربت اللذات على تصممرفها ،وأدركممت الحظمموظ
على اختلفها ،فما للدنو من السلطان ول للمال المسممتفاد ،ول الوجممود
بعد العدم ،ول الوبة بعد طول الغيبة ول المن بعد الخمموف ،ول الممتروح
على المال ،مممن الموقممع فممي النفممس ممما للوصممل؛ ل سمميما بعممد طممول
المتناع ،وحلول الهجر حتى يتأجج عليه الجوى ،ويتوقممد لهيممب الشمموق،
وتنصرم نار الرجاء .وممما أصممناف النبممات بعممد غممب القطممر ،ول إشممراق
الزاهير بعد إقلع السحاب الساريات فممي الزمممان السجسممج ول خريممر
)(45
المياه المتخللة لفانين النوار ،ول تأنق القصور الممبيض قممد أحممدقت بهمما
الرياض الخضر ،بأحسن من وصل حممبيب قممد رضمميت أخلقممه ،وحمممدت
غممرائزه ،وتقممابلت فممي الحسممن أوصممافه .وأنممه لمعجممز ألسممنة البلغمماء،
ومقصر فيه بيان الفصحاء ،وعنده تطيش اللباب ،وتعزب الفهام .وفي
ذلك أقول:
وسائل لي عما لي من العمر * وقد رأى الشيب في الفودين والعذر
أجبته ساعة ل شيء أحسبه * عمرا ً سواها بحكم العقل والنظر
فقال لي كيف ذا بينه لي فلقد * أخبرتني أشنع النباء والخبر
فقلت إن التي قلبي بها علق * قبلتها قبلة يوم على خطر
فما أعد ولو طالت سني سوى * تلك السويعة بالتحقيق من عمري
ومن لذيذ معاني الوصل المواعيد ،وإن للوعد المنتظر مكانا ً لطيفا ً مممن
شمغاف القلمب ،وهمو ينقسمم قسممين ،أحمدهما الوعمد بزيمارة المحمب
لمحبوبه وفيه أقول قطعة ،منها:
أسامر البدر لما أبطأت وأرى * في نوره من سنا إشراقها عرضا ً
فبت مشترطا ً والود مختلطا ً * والوصل منبسطا ً والهجر منقبضا ً
والثاني انتظار الوعد من المحب أن يزور محبوبه ،وإن لمبممادئ الوصممل
وأوائل السعاف لتولجا ً علممى الفممؤاد ليممس لشمميء مممن الشممياء .وإنممي
لعرف من كان ممتحنا بهوى في بعض المنازل المصمماقبة فكممان يصممل
متى شاء بل مانع ول سبيل إلى غير النظر والمحادثممة زمانما ً طمموي ً
ل ،ليل
متى أحب ونهارًا ،إلى أن ساعدته القممدار بإجابممة ،ومكنتممه بإسممعاد بعممد
يأسه ،لطول المدة ولعهدي به قد كاد أن يختلط عقلممه فرحمًا ،وممما كمماد
يتلحق كلمه سرورًا ،فقلت في ذلك:
برغبة لو إلى ربي دعوت بها * لكان ذنبي عند الله مغفورا ً
ولو دعوت بها أسد الفل لغدا * إضرارها عن جميع الناس مقصورا ً
فجاد باللثم لي من بعد منعته * فاهتاج من لوعتي ما كان مغمورا ً
كشارب الماء كي يطفي الغليل به * فغص فانصاع في الجداث مقبورا ً
وقلت:
جرى الحب مني مجرى النفس * وأعطيت عيني عنان الفرس
ولي سيد لم يزل نافرا ً * وربما جاد لي في الخلس
فقبلته طالبا ً راحة * فزاد أليل بقلبي اليبس
وكان فؤادي كتبت هشيم * يبيس رمى فيه رام قبسي
)(46
ومنها:
ويا جوهر الصين سحقا ً فقد * عنيت بياقوتة النداس
خبر :وإني لعرف جارية اشتد وجدها بفتى مممن أبنمماء الرؤسمماء ،وهممو ل
علم عنده ،وكثر غمها وطال أسفها إلممى أن ضممنيت بحبممه ،وهممو بغممرارة
الصبي ل يشعر .ويمنعها من إبداء أمرها إليه الحياء منه لنها كانت بكرا ً
بخاتمها ،مع الجلل له عن الهجموم عليمه بمما ل تمدري لعلمه ل يموافقه.
فلما تمادى المر وكانا إلفين في النشأة ،شكت ذلك إلممى امممرأة جزلممة
الرأي كانت تثق بهما لتوليهمما تربيتهما ،فقمالت لهمما :عرضممي لمه بالشممعر.
ففعلت المرة بعد المرة وهو ل يأبه في كل هذا ،ولقد كان لقنا ً ذكيا ً لممم
يظن ذلك فيميل إلى تنتيش الكلم بوهمه ،إلى أن عيممل صممبرها وضمماق
صدرها ولم تمسك نفسها في قعدة كانت لهمما معممه فممي بعممض الليممالي
منفردين ،ولقد كان يعلم الله عفيفا ً متصاونا ً بعيدا ً عن المعاصممي ،فلممما
حان قيامها عنه بدرت إليه فقبلته في فمه ثم ولت في ذلك الحين ولممم
تكلمه بكلمة ،وهي تتهادى في مشيها ،كما أقول في أبيات لي:
كأنها حين تخطو في تأودها * قضيب نرجسة في الروض مياس
كأنما خلدها في قلب عاشقها * ففيه من وقعها خطر ووسواس
كأنما مشيها مشي الحمامة ل * كد يعاب ول بطء به باس
فبهت وسقط في يده وفت في عضده ووجد فممي كبممده وعلتممه وجمممة،
فما هو إل أن غابت عنه ووقع في شرك الردى واشتعلت في قلبه النار
وتصعدت أنفاسه وترادفت أرجاله وكثر قلقه وطممال أرقممه ،فممما غمممض
تلك الليله عينًا ،وكان هذا بدء الحب بينهما دهرًا ،إلممى أن جمذت جملتهمما
يد النوى .وإن هذا لمن مصائد إبليس ودواعي الهوى الممتي ل يقممف لهمما
أحد أل من عصمه الله عز وجل.
ومن الناس من يقول :إن دوام الوصل يودي بممالحب ،وهممذا هجيممن مممن
القول ،إنما ذلك لهل الملل ،بل كلما زاد وصل ً زاد اتصا ً
ل.
وعني أخبرك أني ما رويت قممط مممن ممماء الوصممل ول زادنممي إل ظلم مًا.
وهذا حكم من تداوى برأيه وإن ربه عنه سريعًا .ولقد بلغت من التمكممن
بمن أحب أبعد الغايات التي ل يجد النسان وراءها مرمى ،فما وجممدتني
إل مستزيدًا ،ولقد طال بي ذلك فما أحسست بسآمة ول رهقتني فترة،
ولقد ضمني مجلس مع بعض من كنت أحب فلم أجل خاطري فممي فممن
من فنون الوصل إل وجدته مقصرا ً عن مممرادي وغيممر شمماف وجممدي ول
قاض أقل لبانة من لباناتي ،ووجممدتني كلممما ازددت دنمموا ً ازددت ولوعمًا،
وقدحت زناد الشوق نار الوجد بين ضلوعي ،فقلت في ذلك المجلس:
وددت بأن القلب شق بمدية * وادخلت فيه ثم أطبق في صدري
)(47
فأصبحت فيه ل تحلين غيره * إلى مقتضى يوم القيامة والحشر
تعيشين فيه ما حييت فإن أمت * سكنت شغاف القلب في ظلم القبر
وما في الدنيا حالة تعدل محبين إذا عدما الرقباء ،وأمنا الوشاة ،وسمملما
من البين ،ورغبا عن الهجر ،وبعدا عممن الملممل ،وفقممدا العممذال ،وتوافقمما
في الخلق ،وتكافيا في المحبة ،وأتاح الله لهما رزقا ً دارا ،وعيشا ً قممارًا،
وزمانا ً هاديًا ،وكان اجتماعهما على ما يرضي الرب من الحممال ،وطممالت
صحبتهما واتصلت إلى وقت حلول الحمام الذي ل مممرد لممه ول بمد منممه،
هذا عطاء لم يحصل عليه أحد ،وحاجة لم تقض لكممل طممالب ،ولممو ل أن
مع هذه الحال الشفاق من بغتات المقادير المحكمة في غيب اللممه عممز
وجل ،من حلول فراق لم يكتسب؛ واخترام منية في حال الشباب أو ما
أشبه ذلك ،لقلت إنها حال بعيدة من كل آفة ،وسمليمة ممن كمل داخلممة.
ولقد رأيت من اجتمع له هممذا كلممه إل أنممه كممان دهممى فيمممن كممان يحبممه
بشراسة الخلق ،ودالة على المحبة ،فكانا ل يتهنيممان العيممش ول تطلممع
الشمس في يوم إل وكان بينهما خلف فيه ،وكلهما كان مطبوع ما ً بهممذا
الخلق .لثقة لك واحد منهما بمحبة صاحبه ،إلممى أن دنممت النمموى بينهممما
فتفرقا بالموت المرتب لهاذ العالم ،وفي ذلك أقول:
كيف أذم النوى وأظلمها * وكل أخلق من أحب نوى
قد كان يكفي هوى أضيق به فكيف إذ حل بي نوى وهوى
وروى عن زياد بن أبي سفيان رحمه الله أنه قممال لجلسمماته :مممن أنعممم
الناس عيشة? قالوا :أمير المؤمنين .فقال :وأين ما يلقى مممن قريممش?
قيل :فأنت .قال :أين ما ألقممى مممن الخمموارج والثغممور? قيممل فمممن أيهمما
المير .قال :رجل مسلم له زوجة مسلمة لهما كفمماف مممن العيممش قممد
رضيت به ورضى بها ل يعرفنا ول نعرفه.
وهل فيما وافق إعجاب المخلوقين ،وجل القلمموب ،واسممتمال الحممواس.
واستهوى النفوس ،واستولى علممى الهممواء ،واقتطممع اللبمماب ،واختلممس
العقول ،مستحسن يعدل إشفاق محب على محبوب ولقد شاهدت مممن
هذا المعنى كثيرًا ،وإنه لمن المناظر العجيبة الباعثة على الرقة الرائقممة
المعنى ل سيما إن كان هوى يتكتم به .فلو رأيت المحبوب حين يعممرض
بالسؤال عن سبب تغضممبه بحبممه ،وخجلتممه فممي الخممروج مممما وقممع فيممه
بالعتذار ،وتوجيهه إلى غير وجهه ،وتحليلممه فممي اسممتنباط معنممى يقيمممه
عند جلسائه ،لرأيت عجبا ً ولذة مخيفممة ل تقاومهمما لممذة ،و رأيممت أجلممب
للقلوب ول أغوص على حياتهمما ول أنفممذ للمقاتممل مممن هممذا الغفممل ،وإن
للمحبين في الوصل من العتذار ما أعجز أهل الذهان الذكيممة والفكممار
القوية .ولقد رأيت في بعض المرات هذا فقلت:
)(48
إذا مزجت الحق بالباطل * جوزت ما شئت على الغافل
وفيهما فرق صحيح له * علمة تبدو إلى العاقل
كالتبر إن تمزج به فضة * جازت على كل فتى جاهل
وأن تصادف صائغا ً ماهرا ً * ميز بين المحض والحائل
وإني لعلم فتى وجاريممة كممان يكلممف كممل واحممد منهممما بصمماحبه ،فكانمما
يضممطجعان إذا حضممرهما أحممد وبينهممما المسممند العظيممم مممن المسمماند
الموضوعة عنممد ظهممور الرؤسمماء علممى الفممرش ويلتقممي رأسمماهما وراء
المسند ويقبل كل واحد منهما صاحبه ول يريان ،وكأنهممما إنممما يتمممدادن
من الكلل .ولقد كان بلغ من تكافئهما في المودة آمرا ً عظيم مًا ،إلممى أن
كان الفتى المحب ربما استطال عليها .وفي ذلك أقول:
ومن أعاجيب الزمان التي * طمت على السامع والقائل
رغبة مركوب إلى راكب * وذلة المسؤل للسائل
وطول مأسور إلى آسر * وصولة المقتول للقاتل
ما إن سمعنا في الورى قبلها * خضوع ممول إلى آمل
هل هاهنا وجه تراه سوى * تواضع المفعول للفاعل
ولقد حدثتني امرأة أثق بها أنه شاهدت فتى وجارية كان يجد كممل واحممد
منهما بصاحبه فضل وجد ،قد اجتمعا في مكممان علممى طممرب ،وفممي يممد
الفتى سكين يقطع بها بعض الفواكه ،فجراهمما جممرا ً زائدا ً فقطممع إبهممامه
قطعا ً لطيفا ً ظهر فيه دم ،وكان على الجارية غللممة قصممب خزائنيممة لهمما
قيمة ،فصرفت يدها وخرقيتها وأخرجت منها فضلة شد بها إبهامه .وأممما
هذا الفعل للمحب فقليل فيما يجب عليه ،وفرض لزم وشريعة مممؤداة،
وكيف ل وقد بذل نفسه ووهب روحه فما يمنع بعدها.
خبر :وأنا أدركت بنت زكريا بن يحيى التميمي المعممروف بممابن برطممال،
وعمها كان قاضي الجماعممة بقرطبممة محمممد بممن يحيممى ،وأخمموه المموزير
القائد الذي كان قتله غالب وقائدين له في الوقعممة المشممهورة بممالثغور،
وهما مروان بن أحمممد بممن شممهيد ويوسممف ابممن سممعيد العكممي ،وكممانت
متزوجة بيحيى بن محمد ابن الوزير يحيى بن إسممحاق ،فعمماجلته المنيممة
وهو في أغض عيشه وأنضر سرورهما ،فبلغ من أسممفها عليممه أن بمماتت
معه في دثار واحد ليلة مما ت وجعلتممه آخمر العهمد بمه وبوصممله ،ثمم لممم
يفارقها السف بعده حين موتها.
وإن للوصل المختلس الذي يخاتل به الرقباء ويتحفممظ بممه مممن الحضممر،
مثل الضحك المستور ،والنحنحة ،وجممولن اليممدي ،والضممغط بالجنمماب،
والقرص باليد والرجل ،لموقعا ً من النفس شهيًا .وفي ذلك أقول:
)(49
إن للوصل الخفي محل ً * ليس للوصل المكين الجلي
لذة أمرها بارتقاب * كمسير في خلل النقي
خبر:
ولقد حدثني ثقة من إخواني جليل من أهل البيوتات أنه كممان علممق فممي
صباه جارية كانت في بعض دور آله ،وكان ممنوعا ً منها فهام عقله بهمما.
قال لي :فتنزهنا يوما ً إلى بعض ضياعنا ً بالسهلة غربي قرطبة مع بعممض
أعمامي ،فتمشينا فممي البسمماتين وأبعممدنا عمن المنممازل وانبسممطنا علمى
النهار .إلى أن غيمت السماء وأقبممل الغيممث ،فلممم يكممن بالحضممرة مممن
الغطاء ما يكفي الجميع .قال :فأمر عمي ببعض الغطيممة فممأليقى علممي
وأمرها بالكتنان معي ،فظن بما شئت من التمكن على أعين المل وهم
ل يشعرون ،ويالك من جمع كخلء ،واحتفال كانفراد .قال لي :فمموالله ل
نسيت ذلك اليوم أبدًا .ولعهدي به وهو يحدثني بهممذا الحممديث وأعضمماؤه
كلها تضحك وهو يهتز فرحا ً على بعد العهد وامتممداد الزممان .ففممي ذلممك
أقول شعرًا ،منه:
يضحك الروض والسحائب تبكي * كحبيب رآه صب معنى
خبر :ومن بديع الوصل ما حدثني به بعض إخممواني أنممه كممان فممي بعممض
المنازل المصاقبة له هوى ،وكان في المنزلين موضع مطلع من أحدهما
على الخر ،فكانت تقف له في ذلك الموضممع ،وكممان فيممه بعممض البعممد،
فتسلم عليه ويدها ملفوفممة فممي قميصممها .فخاطبهمما مسممتخبرا ً لهمما عممن
ذلك .فأجابته :إنه ربما أحس من أمرنا شيء فوقممف لممك غيممري فسمملم
عليك فرددت عليه ،فصح الظن ،فهذه علمة بيني وبينك فإذا رأيت يممدا ً
مكشوفة تشير نحوك بالسلم فليست يدي فل تجاوب.
وربما استحلى الوصال واتفقت القلوب حتى يقع التخلممج فممي الوصممال،
فل يلتفت إلي لئم ول يسممتتم ممن حممافظ ول يبممالي بناقممل ،بممل العممذل
حينئذ يغري .وفي صفة الوصل أقول شعرًا ،منه:
كم درت حول الحب حتى لقد * حصلت فيه كحصول الفراش
ومنه:
تعشو إلى الوصل دواعي الهوى * كماسرى نحو سنا النار عاش
ومنه:
عللني بالوصل من سيدي * كمثل تعليل الظلماء العطاش
ومنه:
ل توقف العين على غاية * فالحسن فيه مستزيد وباش
)(50
وأقول من قصيدة لي:
هل لقيل الحب من وادي * أم هل لعاني الحب من فادي
أم هل لدهري عودة نحوها * كمثل يوم مر في الوادي
ظللت فيه سابحا ً صاديا ً * يا عجبا ً للسابح الصعادي
ضنيت يا مولي وجدا ً فما * تبصرني ألحاظ عوادي
كيف اهتدي الوجد إلى غائب * عن أعين الحاضر والبادي
مل مداواتي طبيبي فقد * يرحمني للسقم حسادي
)(51
يهل اللؤلؤ المكنون والدر كله * رأيت بغير الغوص في البحر يطلب
وأصرف نفسي عن وجوه طباعها * إذا في سواها صح ما أنا أرغب
)(52
ومنها:
ول تيأسن مما ينال بحيلة * وإن بعدت فالمر ينأى ويصعب
ول تأمن الظلم فالفجر طالع * ول تلتبس بالضوء فالشمس تغرب
ومنها:
ألح فإن الماء يكدح في الصفا * إذا طال ما يأتي عليه ويذهب
وكثر ول تفشل وقلل كثير ما * فعلت فماء المزن جم وينضب
فلو يتغذى المرء بالسم قاته * وقام له منه غذاء مجرب
ثم هجر يوجبه التذلل ،وهو ألذ من كثير الوصال ،ولذلك ل يكون إل عممن
ثقة كل واحد مممن المتحممابين بصمماحبه ،واسممتحكام البصمميرة فممي صممحة
عقده فحينئذ يظهر المحبوب هجرانا ً ليرى صبر محبه ،وذلممك لئل يصممفو
الدهر البتة ،وليأسف المحب إن كممان مفممرط العشممق عنممد ذلممك ل لممما
حل ،لكن مخافة أن يترقى المر إلى ما هو أجل ،يكون ذلك الهجر سببا ً
إلى غيره ،أو خوفا ًً من آفة حادث ملل .ولقد عرض لي في الصممبا هجممر
مع بعض من كنت آلف ،على هذه الصفة وهممو ل يلبممث أن يضمممحل ثممم
يعود .فلما كثر ذلك قلت على سممبيل المممزاح شممعرا ً بمديهيا ً ختمممت كمل
بيت منه بقسم مممن أو قصمميدة طرفممة بممن العبممد المعلقممة ،وهممي الممتي
قرأناها مشروحة على أبي سعيد الفتى الجعفري عن أبي بكممر المقممرئ
عن أبي جعفر النحمماس ،رحمهممم اللممه ،فممي المسممجد الجممامع بقرطبممة،
وهي:
تذكرت ودا ً للحبيب كأنه * لخولة أطلل ببرقة ثمهد
وعهدي بعهد كان لي منه ثابت * يلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد
وقفت به ل موقنا ً برجوعه * ول آيسا ً أبكي وأبكي إلى الغد
إلى أن أطال الناس عذلي وأكثروا * يقولون ل تهلك أسى وتجلد
كأن فنون السخط ممن أحبه * خليا سفين بالعواصف من دد
كأن انقلب الهجر والوصل مركب * يجور به الملح طورا ً ويهتدي
فوقت رضي يتلوه وقت تسخط * كما قسم الترب المفايل باليد
ويبسم نحوي وهو غضبان معرض * مظاهر سمطى لؤلؤ وزبرجد
ثم هجر يوجبه العتاب لذنب يقع من المحممب ،وهممذا فيممه بعممض الشممدة،
لكممن فرحممة الرجعممة وسممرور الرضممى يعممدل ممما مضممى ،فممإن لرضممى
المحبوب بعد سخطه لذة في القلب ل تعدلها لذة .وموقفا ً من الروح ل
)(53
يفوقه شيء من أسباب الدنيا .وهل شاهد مشمماهد أو رأت عيممن أرقممام
في فكر ألذ وأشهى من مقام قد قام عنممه كممل رقيممب ،وبعممد عنممه كممل
بغيض ،وغاب عنه كل واش ،واجتمع فيه محبان قد تصممارما لممذنب وقممع
ل ،وبدأ بعض الهجر ولم يكممن ثممم مممانع من المحب منهما وطال ذلك قلي ً
من الطالمة للحمديث ،فابتمدأ المحممب فمي العتممذار والخضمموع والتممذلل
والدلة بحجتممه مممن الدلل والذلل والتممذمم بممما سمملف ،فطممورا ً يممدلي
ببراءته ،وطورا ً يرد بالعفو ويستدعى المغفرة ويقر بالذنب ول ذنب لممه،
ولحبوب في كل ذلك ناظر إلممى الرض يسممارقه اللحممظ الخفممي وربممما
أدامه فيه ثم يبسمم مخفيما ً لتبسممه ،وذلمك علممة الرضمى .ثمم ينجلمي
مجلسهما عن قبول العذر ،ويقبل القول ،وامتحت ذنوب النقل ،وذهبممت
آثار السخط ،ووقع الجممواب بنعممم وذنبممك مغفممور ،ولممو كممان فكيممف ول
ذنب ،وختما أمرهما بالوصل الممكن وسقوط العتاب والسممعاد وتفرقمما
على هذا.
هذا مكان تتقاصر دونه الصفات وتتلكن بتحديممده اللسممنة؛ ولقممد وطئت
بساط الخلفاء وشاهدت محاضممر الملمموك فممما رأيممت هيبممة تعممدل هيبممة
محب لمحبوبه ،ورأيت تمكن المتغلبين على الرؤسمماء وتحكممم المموزراء.
وانبساط مدبري الدول ،فما رأيت أشد تبجحا ً ول أعظم سرورا ً بممما هممو
فيه من محب أيقن أن قلب محبوبه عنده ووثق بميله إليه وصحة مودته
له.
وحضممرت مقممام المعتممذين بيممن أيممدي السمملطين ،ومواقممف المتهميممن
بعظيم الذنوب مع المتمردين الطاغين ،فما رأيت أذل من موقف محب
هيمان بين يدي محبوب غضبان قد غمره السخط وغلممب عليممه الجفمماء.
ولقد امتحنت المرين وكنت في الحالة الولى أشممد مممن الحديممد وأنفممذ
من السيف ،ل أجيب إلى الدنية ول أساعد على الخضمموع ،وفممي الثانيممة
أذل من الرداء ،وأليممن مممن القطممن ،أبممادر إلممى أقصممى غايممات التممذلل،
وأغتنم فرصة الخضوع لو نجع ،وأتحلممل بلسمماني ،وأغمموص علممى دقممائق
المعاني ببياني ،وأفنن القول فنونًا ،وأتصدى لكل ما يوجب الترضي.
والتجني بعض عوارض الهجران ،وهو يقع فممي أول الحممب وآخممره ،فهممو
في أوله علمة لصحة المحبة ،وفي آخره علمة لفتورها وباب للسلو.
خبر :واذكر في مثل هذا أني كنت مجتازا ً في بعض اليممام بقرطبممة فممي
مقبرة باب عامر في أمة مممن الطلب وأصممحاب الحممديث ،ونحممن نريممد
مجلس الشيخ أبي القاسم عبد الرحم بن أبي يزيد المصممري بالرصممافة
أستاذي رضي الله عنه ،ومعنا أبو بكر عبد الرحمن بن سممليمان البلمموي
من أهل سبتة ،وكان شاعرا ً مفلقا ً وهو ينشد لنفسممه فممي صممفة متجممن
معهود أبياتا ً له ،منها:
)(54
سريع إلى ظهر الطريق وإنه * إلى نقض أسباب المودة يسرع
يطول علينا أن نرفع وده * إذا كان في ترقيعه يتقطع
فوافق إنشاد البيت الول من هذين البيتين خطور أبي الحسين بن علي
الفاس رحمه الله تعالى وهو يؤم أيضا ً مجلس ابممن أبممي يزيممد ،فسمممعه
فتبسم رحمه الله نحونا وطوانا ماشيا ً وهو يقول :بل إلممى عقممد المممودة
إن شاء الله ،همذا علمى جمد أبمي الحسمين رحممه اللمه وفضمله وتقربمه
وبراءته ونسكه وزهده وعلمه فقلت في ذلك:
دع عنك نقض مودتي متعمدا ً * واعقد حبال وصالنا يا ظالم
ولترجعن أردته أو لم ترد * كرها ً لما قال الفقيه العالم
ويقع فيه الهجر والعتاب .ولعمري إن فيممه إذا كممان قليل ً للممذة ،وأممما إذا
تفاقم فهو فأل غير محمود ،وأمارة وبيئة المصدر ،وعلمممة سمموء ،وهممي
بجملة المر مطية الهجممران ،ورائد الصممريمة ،ونتيجممة التجنممي ،وعنمموان
الثقل ،ورسول النفصال ،وداعية القلى ،ومقدمة الصد ،وإنما يستحسن
إذا لطف وكان أصله الشفاق .وفي ذلك أقول:
لعلك بعد عتبك أن تجودا * بما منه عتبت وأن تزيدا
فكم يوم رأينا فيه صحوا ً * وأسمعنا بآخره الرعودا
وعاد الصحو بعد كما علمنا * وأنت كذاك نرجو أن تعودا
وكان سبب قولي هذه البيات عتاب وقع في يوم هذه صممفته مممن أيممام
الربيع فقلتها في ذلك الوقت ،وكان لي في بعض الزمن صديقان وكانمما
أخوين فغابا في سفر ثم قدما ،وقد أصابني رمممد فتممأخرا عممن عيممادتي،
فكتبت إليهما ،والمخاطبة للكبر منهما ،شعرا ً منه:
وكنت أعدد أيضا ً على * أخيك بمؤلمة السامع
ولكن إذا الدجن عطى ذكا * ء فما الظن بالقمر الطالع
ثم هجر يوجبه الوشاة ،وقد تقدم القمول فيهممم وفيممما يتولممد مممن دبيممب
عقاربهم ،وربما كان سببا ً للمقاطعة البتة.
ثم هجر الملل ،والملل من الخلق المطبوعة في النسان ،وأحرى لمن
دهى به أل يصفو له صديق ،ول يصح له إخمماء ،ول يثبممت علممى عهممد ،ول
يصبر على إلف ،ول تطول مساعدته لمحب ،ول يعتقد منه ود ول بغض.
وأولى المور بالناس أل يغروه منهم وأن يفروا عن صحبته ولقائه .فلممن
يظفروا منه بطائل ،ولذلك أبعدنا هذه الصفة عن المحبين وجعلناها في
المحبوبين ،فهم بالجملة أهممل التجنممي والتظنممي .والتعممرض للمقاطعممة.
)(55
وأما من تزيا باسممم الحممب وهممو ملممول فليممس منهممم ،وحقممه أل يتجممرع
مذاقه ،وينفي عن أهل هذه الصفة ول يدخل في جملتهم.
وما رأيت قط هذه الصفة أشد تغلب ما ً منهمما علممى أبممي عممامر محمممد بممن
عامر رحمه الله ،فلو وصف لي واصف بعض ما علمته منه لممما صممدقته
وأهل هذا الطبع أسرع الخلق محبة ،وأقلهم صبرا ً على المحبوب وعلممى
المكروه والصد ،وانقلبهم على الود علممى قممدر تسممرعهم إليممه .فلتثممق
بملول ول تشغل به نفسك ،ول تعنها بالرجاء في وفائه .فإن دفعت إلى
محبته ضرورة فعده ابن ساعته ،واستأنفه كل حين ممن أحيمانه بحسمب
ما تراه من تلونه ،وقابله بما يشاكله .ولقد كان أبو عامر المحممدث عنممه
يرى الجارية فل يصبر عنها ،ويحيق بممه مممن الغتنممام والهممم ممما يكمماد أن
يأتي عليه حتى يملكها ،ولممو حممال دونممه ذلممك شمموك القتمماد ،فممإذا أيقممن
بتصيرها إليه عادت المحبة نفارًا ،وذلك النس شرودًا ،والقلق إليها قلقا ً
منها ،ونزاعه نحوها نزاعا ً عنها ،فيبيعها بممأوكس الثمممان هممذا كممان دأبممه
حتى أتلف فيما ذكرنا من عشرات ألمموف الممدنانير عممددا ً عظيممًا ،وكمان
رحمممه اللممه مممع هممذا مممن أهممل الدب والحممذق الممذكاء والنبممل والحلوة
والتوقد ،مع الشرف العظيممم والمنصممب الفخممم والجمماه العريممض .وأممما
حسن وجهه وكمال صورته فشيء تقف الحدود عنه وتكل الوهممام عممن
وصف أقلممه ول يتعمماطى أحممد وصممفه .ولقممد كممانت الشمموارع تخلممو مممن
السيارة ويتعمدون الخطور على باب داره في الشارع الخذ مممن النهممر
الصممغير علممى بمماب دارنمما فممي الجممانب الشممرقي بقرطبممة إلممى الممدرب
المتصل بقصر الزاهرة ،وفي هذا الدرب كانت داره رحمه الله ملصممقة
لنا ،ل لشيء إل للنظر منه .ولقد مات مممن محبتممه جمموار كممن علقممن أو
همامهن بمه ،ورثيمن لمه فخمانهن ممما أملنمه منمه ،فصمرن رهمائن البلمى
وقتلتهن الوحدة.
وأنا أعرف جارية منهن كانت تسمى عفراء ،عهدي بها ل تتستر بمحبتممه
حيثممما جلسممت ،ول تجممف دموعهمما ،وكممانت قممد تصمميرت مممن داره إلممى
البركات الخيال صاحب الفتيان .ولقد كان رحمه الله يخبرني عن نفسه
أنه يمل اسمه فضل ً عن غير ذلك.
وأما إهوانه فإنه تبدل بهم في عمره على قصره مممرارًا ،وكممان ل يثبممت
على زي واحد كأبي براقش ،حينا ً يكون في ملبس الملمموك وحين ما ً فممي
ملبس الفتاك.
فيجب على من امتحن بمخالطة من هذه صممفته علمى أي وجممه كممان أل
يستفرغ عامة جهممده فمي محبتمه ،وأن يقيممم اليممأس ممن دوامممه خصمما
لنفسه؛ فإذا لحت له مخايل الملل قاطعة أياما ً حتى ينشط باله ،ويبعممد
به عنه ،ثم يعاوده ،فربما دامت المودة مع هذا .وفي ذلك أقول:
)(56
ل ترجون ملول ً * ليس الملول بعده
ود الملول فدعه * عارية مسترده
ومن الهجر ضرب يكون متوليه المحممب ،وذلممك عنممدما يممرى مممن جفمماء
محبوبه والميل عنه إلى غيره ،أو لثقيل يلزمممه ،فيممرى الممموت ويتجممرع
غصص السى ،والعض علمى نقيمف الحنظمل أهمون ممن رؤيمة ممايكره،
فينقطع وكبده تتقطع ،وفي ذلك أقول:
هجرت من أهواه ل عن قلى * يا عجبا ً للعاشق الهاجر
لكن عيني لم تطق نظرة * إلى محبا الرشأ الغادر
فالموت أحلى مطمعا ً من هوى * يباح للوارد والصادر
وفي الفؤاد النار مذكية * فاعجب لصب جزع صابر
وقد أباح الله في دينه * تقية المأسور للسر
وقد أحل الكفر خوف الردى * حتى ترى المؤمن كالكافر
خبر:
ومن عجيب ما يكون فيها وشنيعه أني أعرف من هام قلبه بمتنمماه عنممه
ل ،ثم سنحت له اليام بسانحة عجيبة نافر منه ،فقاسى الوجد زمنا ً طوي ً
من الوصل أشرف بها على بلوغ أمله ،فحين لممم يكممن بينممه وبيممن غايممة
رجائه إل كهؤلء عاد الهجر والبعد إلممى أكممثر ممما كممان قبممل .فقلممت فممي
ذلك:
كانت إلى دهري لي حاجة * مقرونة في البعد بالمشترى
فساقها باللطف حتى إذا * كانت من القرب على محجر
أبعدها عني فعادت كأن * لم تبد للعين ولم تظهر
وقلت:
دنا أملي حتى مددت لخذه * يدا ً فانثني نحو المجرة راحل ً
فأصبحت ل أرجو وقد كنت موقنا ً * وأضحى مع الشعري وقد كان
حاصل ً
وقد كنت محسودا ً فأصبحت حاسدا ً * وقد كنت مأمول ً فأصبحت آمل ً
كذا الدهر في كراته وانتقاله * فل يأمنن الدهر من كان عاقل ً
ثم هجر القلى ،وهنا ضلت الساطير ونفدت الحيممل وعظممم البلء؛ وهممو
الذي خلى العقول ذواهل ،فمممن دهممى بهممذه الداهيممة فليتصممد لمحبمموب
محبوبه ،وليتعمد ما يعرف أنه يستحسنه .ويجب أن يجتنب ما يدري أنممه
يكرهه ،فربممما عطفممه ذلممك عليممه إن كممان المحبمموب ممممن يممدري قممدر
)(57
الموافقممة والرغبممة فيممه ،وأممما مممن لممم يعلممم قممدر هممذا فل طمممع فممي
استصممرافه ،بممل حسممناتك عنممده ذنمموب .فممإن لممم يقممدر المممرء علممى
استصرافه فليتعمد السمملوان وليحاسممب نفسممه بممما هممو فيممه مممن البلء
والحرمان ،ويسعى في نيل رغبته على أي وجه أمكنه .ولقد رأيممت مممن
هذه صفته ،وفي ذلك أقول قطعة أولها:
دهيت بمن لو أدفع الموت دونه * لقال إذا ً يا ليتني في المقابر
ومنها:
ول ذنب لي إذ صرت أحدو ركائبي * إلى الورد والدنيا تسيء مصادري
وماذا على الشمس المنيرة بالضحى * إذا قصرت عنها ضعاف البصائر
وأقول:
ما أقبح الهجر بعد وصل * وأحسن الوصل بعد هجر
كالو فر تحويه بعد فقر * والفقر يأتيك بعد وفر
وأقول:
معهود أخلقك قسمان * والدهر فيك اليوم صنفان
فإنك النعمان فيما مضى * وكان للنعمان يومان
يوم نعيم فيه سعد الورى * ويوم بأساه وعدوان
فيوم نعماك لغيري ويو * مى منك ذو بؤس وهجران
أليس حبي لك مساهل ً * لن تجازيه بإحسان
وأقول قطعة منها:
يا من جميع الحسن منتظم * فيه كنظم الدر في العقد
ما بال حتفي منك يطرقني * قصدا ً ووجهك طالع السعد
وأقول قصيدة أولها:
أساعة توديعك أم ساعة الحشر * وليلة بيني منك أم ليلة القشر
وهجرك تعذيب الموحد ينقضي * ويرجو التلقي أم عذاب ذوي الكفر
ومنها:
سقى الله أياما ً مضت ولياليا ً * تحاكي لنا النيلوفر الغض في النشر
فأوراقه اليام حسنا ً وبهجة * وأوسطه الليل المقصر للعمر
لهونا بها في غمرة وتآلف * تمر فل ندري وتأتي فل ندري
فأعقبنا منه زمان كأنه * ول شك حسن العقد أعقب بالغدر
)(58
ومنها:
فل تيأسي يا نفس عل زماننا * يعود بوجه مقبل غير مدبر
كما صرف الرحمن ملك أمية * إليهم ولوذي بالتجمل والصبر
وفي هذه القصيدة أمدح أبا بكر هشام بن محمد أخا أمير المؤمنين عبد
الرحمن المرتضى رحمه الله.
فأقول:
أليس يحيط الروح فينا بكل ما * دنا وتناءى وهو في حجب الصدر
كذا الدهر جسم وهو في الدهر روحه * محيط بما فيه وإن شئت
فاستقر
ومنها:
إتاوتها تهدي إليه ومنه * تقبلها منهم يقاوم بالشكر
كذا كل نهر في البلد وأن طمت * غزارته ينصب في لجج البحر
)(59
الناس عليه؛ ومن كان الموت عنده أحلممى مممن هجممر سمماعة فممي جنممب
طيه لسر أودعه ،وألزوم محبوبه يمينا ً غليظممة أل يكلمممه أبممدا ً ول يكممون
بينهما خبر أو يفضح إليه ذلك السر .علممى أن صمماحب ذلممك السممر كممان
غائبا ً فأبى من ذلك وتمادى وهو على كتمانه والثاني علممى هجرانممه إلممى
أن فرقت بينهما اليام.
ثم مرتبة ثانية وهو الوفاء لمن غدر ،وهي للمحب دون المحبوب ،وليس
للمحبوب هاهنا طريق ول يلزمه ذلك ،وهي خطة ل يطيقها إل جلد قوي
واسع الصدر حر النفس عظيم الحلم جليل الصبر حصيف العقممل ماجممد
الخلق سالم النية .ومن قابممل الغممدر بمثلممه فليممس بمسممتأهل للملمممة،
ولكن الحال التي قدمنا تفوفها جدا وتفوتها بعدًا .وغاية الوفاء فمي همذه
الحال ترك مكافأة الذى بمثلممه ،والكممف عممن سمميء المعارضممة بالفعممل
والقول ،والتأني في جر حبل الصحبة ما أمكن ،ورجيممت اللفممة ،وطمممع
في الرجعة ،ولحت للعودة أدنى مخيلممة ،وشمميمت منهمما أقممل بارقممة ،أو
تمموجس منهمما أيسممر علمممة .فممإذا وقممع اليممأس واسممتحكم الغيممظ حينئذ
والسلمة من غرك والمن من ضرك والنجاة من أذاك ،وأن يكون ذكممر
ما سلف مانعا ً من شفاء الغيظ فيما وقع ،فرعى الذمة حق وكيد علممى
أهل العقول ،والحنين إلى ما مضى وأل ينسى ما قممد فممرغ منممه وفنيممت
مدته أثبت الدلئل على صحة الوفاء وهذه الصممفة حسممنة جممدا ً وواجممب
استعمالها في كل وجه من وجوه معاملت الناس فيممما بينهممم علممى أي
حال كانت.
خبر :ولعهدي برجل مممن صممفوة إخممواني قممد تعلممق بجاريممة فتأكممد الممود
بينهما ،ثم غدرت بعهده ونقضت وده وشاع خبرهما ،فوجد لممذلك وجممدا ً
شديدًا.
خبر :وكان لي مرة صديق ففسدت نيته بعد وكيد مودة ل يكفممر بمثلهمما،
وكان علم كل واحد منا سر صاحبه ،وسقطت المؤونة ،فلما تغيممر علممي
أفشى كل ما اطلع لي عليه مما كنت اطلعممت منممه علممى أضممعافه ،ثممم
اتصل به أن قوله في قد بلغني ،فجزع لذلك وخشممي أن أقارضممه علممى
قبيح فعلته .وبلغني ذلك فكتبت إليه شممعرا ً أؤنسممه فيممه وأعملممه أنممي ل
أقارضه.
خبر :ومما يدخل في همذا المدرج ،وإن كممان ليممس منممه ول همذا الفصمل
المتقدم من جنس الرسالة والباب ولكنه شممبيه لممه علممى ممما قممد ذكرنمما
وشرطنا ،وذلك أن محمد بن وليد بن مكسممير الكمماتب كممان متص مل ً بممي
ومنقطعا ً إلى أيام وزارة أبي رحمة الله عليه ،فلما وقع بقرطبة ما وقممع
وتغيرت أحوال خرج إلى بعض النواحي فاتصل بصمماحبها فعممرض جمماهه
وحدثت له وجاهة وحال حسنة .فحللت أنا تلك الناحية في بعض رحلتي
)(60
فلم يوفني حقي بل ثقل عليه مكاني وأساء معاملتي وصحبتي ،وكلفتممه
في خلل ذلك حاجة لم يقم فيها ول قعد واشممتغل عنهمما لممما ليممس فممي
مثله شغل .فكتبت إليه شعرا ً أعاتبه فيه ،فجاوبني مستعتبا ً علممى ذلممك.
فما كلفته حاجة بعدها .ومما لي في هذا المعنى وليس من جنس الباب
ولكنه يشبهه أبياتا ً قلتها ،منها:
وليس يحمد كتمان لمكتتم * لكن كتمك ما أفشاه مغشيه
كالجود بالوفر أسنى ما يكون إذا * قل الوجود له أوضن معطيه
ثممم مرتبممة ثالثممة وهممي الوفمماء مممع اليممأس البممات ،وبعممد حلممول المنايمما
وفجاءات المنون .وإن الوفاء في همذه الحالمة لجمل وأحسمن منمه فمي
الحياة ومع رجاء اللقاء.
وخبر:
ولقد حدثتني امرأة أثق بها أنها رأت في دار محمد بن أحمممد بممن وهممب
المعروف بابن الركيزة من ولد بدر الداخل مع المام عبممد الرحمممن بممن
معاوية رضي الله عنه جارية رائعة جميلة كان لها مولى فجمماءته المنيممة
فبيعت في تركته ،فأبت أن ترضى ،بالرجال بعده وما جامعها رجل إلممى
أن لقيت الله عز وجل .وكانت تحسن الغناء فأنكرت علمها به ورضمميت
بالخدمة والخروج عن جملة المتخذات للنسل واللممذة والحممال الحسممنة،
وفاء منها لمن قد دثرووارته الرض والتأمت عليه الصفائح ولقممد رامهمما
سيدها المذكور أن يضمها إلى فراشه مع جواريه ويخرجها مما هي فيممه
فأبت ،فضممربها غيممر مممرة وأوقممع بهمما الدب ،فصممبرت علممى ذلممك كلممه.
فأقامت على امتناعها .وإن هذا من الوفاء غريب جدًا.
وأعلم أن الوفاء على المحب أوجلب منه علممى المحبمموب وشممرطه لممه
الزم ،لن المحب هو البادي باللصوق والتعممرض لعقممد الذمممة والقاصممد
لتأكيممد المممودة والمسممتدعى صممحة العشممرة ،ول أول فممي عممدد طلب
الصفياء ،والسابق فممي ابتغمماء اللممذة باكتسمماب الخلممة ،والمقيممد نفسممه
بزمام المحبة قد عقلها بأوثق عقال وخطمها بأشد خطام ،فمن قسممره
على هذا كله إن لم يرد إتمامه? ومن أجبره على اسممتجلب المقممة وإن
لم ينو ختمها بالوفاء لمن أراده عليها? والمحبوب إنما هو مجلمموب إليممه
ومقصود نحوه ومخير في القبول أو الترك فإن قبل فغاية الرجمماء ،وإن
أبى فغير مستحق للذم .وليس التعرض للوصممل واللحمماح فيممه والتممأني
لكل ما يستجلب به من الموافقة وتصفية الحضرة والمغيب من الوفمماء
في شيء فحظ نفسه أراد الطالب ،وفي سروره سممعى ولممه احتطممب.
والحب يدعوه ويحدوه على ذلك شاء أو أبى ،وإنما يحمممد الوفمماء ممممن
يقدر على تركه .وللوفاء شروط على المحبين لزمة .فأولهمما أن يحفممظ
عهد محبوبه ويرعى غيبتممه ،وتسممتوي علنيتممه وسممريرته ،ويطمموي شممره
)(61
وينشر خيره ،ويغطي على عيوبه ويحسن أفعاله ،ويتغافل عما يقع منممه
على سبيل الهفوة ويرضى بما حمله ول يكثر عليممه بممما ينفممر منممه ،وأل
يكون طلعة ثؤوبا ً ول ملة طروقًا .وعلى المحبوب إن ساواه في المحبة
مثل ذلك ،وإن كان دونممه فيهمما فليممس للمحممب أن يكلفممه الصممعود إلممى
مرتبته ول له الستشاطة عليه بأن يسممومه السممتواء معممه فممي درجتممه.
وبحسبه منه حينئذ كتمان خبره وأل يقابله بما يكممره ول يخيفممه بممه ،وإن
كانت الثالثة وهي السلمة مما يلقى بالجملة فليقنممع بممما وجممد ،وليأخممذ
من المر ما استدف ول يطلب شرطا ً ول يقترح حقًا .وإنما له ممما سممنح
بحده أو ما حان بكده ،وأعلم أنه ل يسممتبين قبممح الفعممل لهلممه ،ولممذلك
يتضاعف قبحه عند من ليس من ذويه ول أقول قولي هذا ممتدحا ً ولكن
آخذا ً بأدب الله عز وجل) :وأما بنعمة ربك فحدث(.
لقد منحني الله عز وجل من الوفاء لكل مممن يمممت إلممى بلقيممه واحممدة،
ووهبني من المحافظة لمن يتذمم مني ولو بمحادثته ساعة حظًا? أنا له
شاكر وحامد ومنه مستمد ومستزيد ،وما شيء أثقممل علممي مممن الغممدر،
ولعمري ما سمعت نفسي قط في الفكرة في إضممرار مممن بينممي وبينممه
أقل ذمام ،وإن عظمت جريرته وكثرت إلى ذنوبه ،ولقد دهمني من هذا
غير قليل فما جزيت على السوءى إل بالحسني ،والحمد لله علممى ذلممك
كثيرًا ،وبالوفاء أفتخر في كلمة طويلة ذكرت فيها ما مضنا من النكبات،
ودهمنا من المحل والترحال والتحول في القاق .أولها:
ولي فولى جميل الصبر يتبعه * وصرح الدمع ما تخفيه أضلعه
جسم ملول وقلب آلف فإذا * حل الفراق عليه فهو موجعه
لم تستقر به دار ول وطن * ول تدفأ منه قط مضجعه
كأنما صيغ من رهو السحاب فما * تزال ريح إلى الفاق تدفعه
كأنما هو توحيد تضيق به * نفس الكفور فتأبى حين تودعه
أو كوكب قاطع في الفق منتقل * فالسير يغربه حينا ً ويطلعه
أظنه لو جزته أو تساعده * ألقت عليه انهمال الدمع يتبعه
وبالوفاء أيضا ً أفتخر في قصمميدة لممي طويلممة أوردتهمما .وإن كممان أكثرهمما
ليس من جنس الكتاب ،فكان سممبب قممولي لهمما أن قومما ً ممن مخممالفي
شرقوا بي فأساءوا العتممب فممي وجهممي وقممذفوني بممأني أعضممد الباطممل
بحجتي ،عجممزا ً منهمم عمن مقاوممة مما أوردتممه ممن نصممر الحمق وأهلمه.
وحسدا ً لي .فقلممت ،وخمماطبت بقصمميدتي بعممض إخممواني وكممان ذا فهممم،
منها:
وخذني عصا موسى وهات جميعهم * ولو أنهم حيات ضال نضانض
)(62
ومنها:
يريغون في عيني عجائب جمة * وقد بتمني الليث والليث رابض
ومنها:
ويرجون مال يبلغون كمثل ما * يرجى محال في المام الروافض
ومنها:
ولو جلدي في كل قلب ومهجة * لما أثرت فيها العيون المرائض
أبت عن دنيء الوصف ضربة لزب * كما أبت الفعل الحروف
الخوافض
ومنها:
ورأيي له في كل ما غاب مسلك * كما تسلك الجسم العروق النوابض
يبين مدب النمل في غير مشكل * ويستر عنهم للقبول المرابض
)(63
خبر :ولقد حدثني القاضي يونس بن عبممد اللممه قممال :أذكممر فممي الصممبى
جارية في بعض السدد يهواها فممتى مممن أهممل الدب مممن أبنمماء الملمموك
وتهواه ويتراسمملن ،وكممان السممفير بينهممما والرسممول بكتبهممما فممتى مممن
أترابه كان يصل إليها ،فلما عرضت الجارية للبيع أراد الممذي كممان يحبهمما
ابتياعها ،فبدر الذي كان رسول ً فاشتراها .فدخل عليها يوما ً فوجدها قممد
فتحت درجا ً لها تطلممب فيممه بعممض حوائجهمما ،فممأتى إليهمما وجعممل يفتممش
الدرج ،فخرج إليممه كتمماب مممن ذلممك الفممتى الممذي كممان يهواهمما مضمممخا ً
بالغالية مصونا ً مكرمًا ،فغضب وقال :من أيممن هممذا يمما فلسممقة? قممالت:
أنت سقته إلي .فقال :لعله محدث بعد ذاك الحيممن .فقممالت :ممما هممو إل
من قديم تلك التي تعرف .قال فكأنما ألقمته حجرًا ،فسممقط فممي يممديه
وسكت.
)(64
متة تشتفي نفس أضر بها الوجد * وتصقب دار قد طوى أهلها البعد
)(65
كأن زماني عبشمي يخالني * أعنت على عثمان أهل التشيع
وأقول من قصيدة:
أطنك تمثال الجنان أباحه * لمجتهد النساك من أوليائه
وأقول من قصيدة:
لبرد باللقيا غليل ً من الهوى * توقع نيران الغضي هيمانه
وأقول شعرا ً منه:
خفيت عن البصار والوجد ظاهر * فاعجب بأعراض تبين ول شخص
غدا الفلك الدوار حلقة خاتم * محيط بما فيه وأنت له فض
وأقول من قصيدة:
غنيت عن التشبيه حسنا ً وبهجة * كما غنيت شمس السماء عن الحلى
عجبت لنفسي بعده كيف لم تمت * وهجرانه دفني وفقدانه نعيي
وللجسد الغض المنعم كيف لم * تذبه يد خشناء.....
وإن للوبة من البين الممذي تشممفق منممه النفممس لطممول مسممافته وتكمماد
تيأس من العودة فيه ،لروعة تبلغ مال حد وراءه وربما قتلت .فممي ذلممك
أقول:
للتلقي بعد الفراق سرور * كسرور المفيق حانت وفاته
فرحة تبهج النفوس وتحي * من دنا منه بالفراق مماته
ربما قد تكون داهية المو * ت وتودي بأهله هجماته
كم رأينا من عب في الماء عطشا * ن فزار الحمام وهو حياته
وإني لعلم من نأت دار محبوبه زمنا ً ثم تيسمرت لمه أوبمة فلمم يكمن إل
بقدر التسليم واستيفائه ،حتى دعته نوى ثانية فكاد أن يهلك .وفي ذلممك
أقول:
أطلت زمان البعد حتى إذا انقضى * زمان النوى بالقرب عدت إلى
البعد
فلم يك إل كرة الطرف قربكم * وعاودكم بعدي وعاودني وجدي
كذا حائر في الليل ضاقت وجوهه * رأى البرق في داج من الليل مسود
فأخلفه منه رجاء دوامه * وبعض الراجي ل تفيدو ول تجدي
وفي الوبة بعد الفراق أقول قطعة ،منها:
لقد قرت العينان بالقرب منكم * كما سخنت أيام يطويكم البعد
)(66
فلله فيما قد مضى الصبر والرضى * ولله فيما قد قضى الشكر
والحمد
خبر :ولقد نعى إلى بعض من كنت أحب من بلممدة نازحممة ،فقمممت فممارا ً
بنفسي نحو المقابر وجعلت أمشي بينها وأقول:
وددت بأن ظهر الرض بطن * وأن البطن منها صار ظهرا ً
وأني مت قبل ورود خطب * أتى فأثار في الكباد جمرا ً
وأن دمى لمن قد بان غسل * وأن ضلوع صدري كن قبرا ً
ثم اتصل بعد حين تكذيب ذلك الخبر فقلت:
بشرى أتت واليأس مستحكم * والقلب في سبع طباق شداد
كست فؤادي خضرة بعدما * كان فؤادي لبسا ً للحداد
جلى سواد الغم عني كما * يجلي بلون الشمس لون السواد
هذا وما آمل توصل ً سوى * صدق وفاء بقديم الوداد
فالمرن قد تطلب ل للحيا * لكن لظل بارد ذي امتداد
ويقع في هذين الصنفين من البين الوداع ،أعني رحيل المحب أو رحيممل
الحبوب .وإنه لمن المناظر الهائلة والمواقف الصعبة التي تفتضممح فيهمما
عزيمة كل ماضي العزائم ،وتذهب قمموة كممل ذي بصمميرة ،وتسممكب كممل
عين جمود ،ويظهر مكنون الجوى .وهو فصممل مممن فصممول الممبين يجممب
التكلم فيه ،كالعتاب في باب الهجر .ولعمري لمو أن ظريفما ً يمموت فممي
ساعة الوداع لكان معذورا ً إذا تفكر فيما يحل به بعد ساعة من انقطمماع
المممال ،وحلممول الوجممال ،وتبممدل السممرور بممالحزن .وإنهمما سمماعة تممرق
القلوب القاسية ،وتلين الفئدة الغلظ .وإن حركة الرأس وإدمان النظر
والزفرة بعد المموداع لهاتكممة حجمماب القلممب ،وموصمملة إليممه مممن الجممزع
بمقدار ما تفعل حركة الوجه في ضد هذا.
والشارة بالعين والتبسم ومواطن الموافقممة والمموداع ينقسممم قسمممين،
أحدهما ل يتمكن فيه إل بالنظر والشارة ،والثمماني يتمكممن فيممه بالعنمماق
والملزمة ،وربما لعله كان ل يمكن قبل ذلممك البتممة مممع تجمماور المحممال
وإمكان التلقي ،ولهذا تمنى بعض الشعراء الممبين ومممدحوا يمموم النمموى،
وما ذاك بحسن ول بصممواب ول بالصمميل مممن الممرأي ،فممما يفممي سممرور
ساعة بحزن ساعات ،فكيف إذا كان البين أياما ً وشهورا ً وربممما أعوامممًا،
وهذا سوء من النظر ومعوج من القياس ،وإنما أثنيت علممى النمموى فممي
شعري تمنيا ً لرجوع يومها ،فيكممون فممي كممل يمموم لقمماء ووداع .علممى أن
تحمل مضض هذا السم الكريه ،وذلك عند ما يمضي من اليممام الممتي ل
)(67
التقاء فيها ،يرغب المحب عن يوم الفراق لو أمكنه في كل يمموم .وفممي
الصنف الول من الوداع أقول شعرًا ،منه:
تنوب عن بهجة النوار بهجته * كما تنوب عن النيران أنفاسي
وفي الصنف الثاني من الوداع أقول شعرًا ،منه:
وجه تخر له النوار ساجدة * والوجه تم فلم ينقص ولم يزد
دفء وشمس الضحى بالجدي نازلة * وبارد ناعم والشمس في السد
ومنه:
يوم الفراق لعمري لست أكرهه * أصلن وإن شت شمل الروح عن
جسدي
ففيه عانقت من أهوى بل جزع * وكان من قبله إن سبل لم يجد
أليس من عجب دمعي وعبرتها * يوم الوصال ليوم البين ذو حسد
وهل هجس في الفكار أو قام في الظنون أشنع وأوجعمن هجممر عتمماب
وقع بين محممبين ،ثممم فجأتهمما النمموى قبممل حلممول الصمملح وانحلل عقممدة
الهجران ،فقاما إلى الوداع وقد نسي العتاب ،وجاء ما طممم عممن القمموى
وأطار الكرى وفيه أقول شعرًا ،منه:
وقد سقط العتب المقدم وامحى * وجاءت جيوش البين تجري وتسرع
وقد ذعر البين الصدود فراعه * فولى فما يدري له اليوم موضع
كذئب خل بالصيد حتى أضله * هزبر له من جانب الغيل مطلع
لئن سرني في طرده الهجر أنني * لبعاده عني الحبيب لموجع
ول بد عند الموت من بعض راحة * وفي غيها الموت الوحى المصرع
وأعرف من أتى ليودع محبوبه يوم الفراق فوجده قد فات ،فوقف على
آثاره ساعة وتردد في الموضع الذي كان فيممه ثممم انصممرف كثيبما ً متغيممر
اللون كاسف البال ،فما كان بعممد أيممام قلئل حممتى اعتممل ومممات رحمممه
الله.
وإن للبين في إظهار السرائر المطوية عمل ً عجبًا ،ولقد رأيت مممن كممان
حبه مكتوما وبما يجد فيه مستترا ً حتى وقع حادث الفراق فباح المكنون
وظهر الخفي .وفي ذلك أقول قطعة ،منها:
بذلت من الود ما كان قبل * منعت وأعطيتنيه جزافا ً
وما لي به حاجة عند ذاك * ولو وجدت قبل بلغت الشفافا
)(68
وما ينفع الطب عند الحمام * وينفع قبل الردى من تلفا
وأقول:
الن إذ حل الفراق جدت لي * بخفى حب كنت تبدي بخله
فزدتني في حسرتي أضعافها * ويحي فهل كان هذا قبله
ولقد أذكرني هذا أني حظيت في بعض الزمان بمودة رجممل مممن وزراء
السلطان أيام جاهه فأظهر بعض المتساك ،فتركته حممتى ذهبممت أيممامه
وانقضت دولته ،فأبدى لي من المودة والخوة غير قليل ،فقلت:
بذلت لي العراض والدهر مقبل * وتبذل لي القبال والدهر معرض
وتبسطني إذ ليس ينفع بسطكم * فهل أبحت البسط إذ كنت تقبض
ثم بين الموت وهو الفوت ،وهوى الذي ل يرجى له إياب ،وهو المصمميبة
الحالة وهو قاصمة الظهر ،وداهية الدهر ،وهو الويل ،وهو المغطى على
ظلمة الليل ،وهو قمماطع كممل رجمماء ،وممماحي كممل طمممع والمممؤيس مممن
اللقاء .وهنمما حممادث اللسممن؛ وانجممذام حبممل العلج ،فل حيلممة إل الصممبر
طوعا ً أو كرهًا .وهو أجل ما يبتلي به المحببممون ،فممما لمممن دعممى بممه إل
النوح والبكاء إلى أن يتلف أو يمل ،فهي القرحة التي ل تنكممي ،والوجممع
الذي ل يفنى ،وهو الغم الذي يتجدد على قممدر بلء مممن اعتمممدته ،وفيممه
أقول:
كل بين واقع * فموجي لم يفت
ل تعجل قنطا ً * لم يفت من لم يمت
والذي قد مات فال * يأس عنه قد ثبت
وقد رأينا من عرض له هذا كثيرًا .وعني أخبرك أني أحد من دهى بهممذه
الفادحة وتعدلت له هذه المصمميبة ،وذلممك أنممي كنممت أشممد النمماس كلفما ً
وأعظمهم حبا ً بجاريممة لممي ،كممانت فيممما خل اسمممها نعممم .وكممانت أمنيممة
المتمني وغاية الحسن خلقا ً وخلقا ً وموافقة لي ،وكنت أبا عممذرها ،وكنمما
قد تكافأنا المودة ،ففجعتنممي بهمما لقممدار واحترمتهمما الليممالي ومممر النهممر
وصارت ثالثة التراب والحجار .وسيء حين وفاتها دون العشرين سممنة،
وكانت هي دوني في السن ،فلقد أقمت بعدها سبعة أشهر ل أتجرد عن
ثيابي ول تفتر لي دمعة على جمود عيني وقلة إسعادها.
وعلى ذلك فوالله ما سلوت حتى الن .ولو قبل فممداء لفممديتها بكممل ممما
أملك من تالد وطارف وببعض أعضمماء جسمممي العزيممزة علممي مسممارعا ً
طائعا ً وما طاب لي عيش بعمدها ول نسميت ذكرهما ول أنسمت بسمواها.
ولقد عفى حي لها على كل ما قبله ،وحرم ممما كممان بعممده .ومممما قلممت
فيها.
)(69
مهذبة بيضاء كالشمس إن بدت * وسائر ربات الحجال نجوم
إطار هواها القلب عن مستقره * فبعد وقوع ظل وهو يحوم
ومن مرائي فيها قصيدة منها:
كأني لم آنسى بألفاظك التي * على عقد اللباب هن نوافث
ولم أتحكم في الماني كأنني * لفراط ما حكمت فيهن عابث
ومنها:
ويبدين إعراضا ً وهن أوالف * ويقسمن في هجري وهن حوانث
وأقول أيضا ً في قصيدة أخاطب فيها ابن عمي أبو المغيرة عبد الوهمماب
أحمد ابن عبد الرحمن بن حزم بن غالب وأقرضه ،فأقول:
قفا فاسأل الطلل أين قطينها * أمرت عليها بالبلى الملوان
على دارسات مقفرات عواطل * كأن المغاني في الخفاء معاني
واختلف الناس في أي المرين أشد :البين أم الهجممر? وكلهممما مرتقممى
صعب ومرت أحمر وبلية سوداء وسنة شهباء .وكل يستبشع مممن هممذين
ما ضاد طبعه ،فأما ذو النفس البية ،اللوف الحنانة ،الثابتة على العهممد،
فل شيء يعدل عنده مصيبة الممبين ،لنممه أتممى قصممدًا ،وتعمممدته النمموائب
عمدًا ،فل يجممد شمميئا ً يسمملى نفسممه ول يصممرف فكرتممه فممي معنممى مممن
المعاني إل وجد باعثا ً على صبابته؛ ومحركا ً لشجانه ،وعليه ل له ،وحجة
لوجوده .وخاضا على البكاء على إلفه .وأممما الهجممر فهممو داعيممة السمملو،
ورائد القلع.
وأممما ذو النفممس التواقممة الكممثيرة النممزوع والتطلممع ،القلمموق العممزوف،
فالهجر داؤه وجالب حتفه .والبين له مسلة ومنساة.
وأما أنا فالموت عندي أسهل من الفممراق ،وممما الهجممر إل جممالب للكمممد
فقط .ويوشك إن دام أن يحدث إضرارًا ،وفي ذلك أقول:
وقالوا ارتحل فلعل السلو * يكون وترغب أن ترغبه
فقلت الردي لي قبل السلو * ومن يشرب السم عن تجربه
وأقول :سبي مهجي هواه * وأودت بها نواه
كأن الغرام ضيف * وروحي غدا قراه
ولقد رأيت من يستعمل هجر محبمموبه ويتعمممده خوف ما ً مممن مممرارة يمموم
البين وما يحدث به من لوعة السف عنممد التفممرق ،وهممذا وإن لممم يكممن
عندي من المذاهب المرضية ،فهو حجة قاطعة .علممى أن الممبين أصممعب
)(70
من الهجر ،وكيف ل وفي الناس من يلوذ بالهجر خوفما ً مممن الممبين ،ولممم
أجد أحدا ً في الدنيا يلوذ بالبين خوفا ً من الهجر ،إنممما يأخممذ النمماس أبممدا ً
السهل ويتكلفون الهون .وإنما قلنا إنه ليس مممن المممذاهب المحمممودة
لن أصحابه قد استعجلوا البلء قبل نزوله ،وتجرعمموا غصممة الصممبر قبممل
وقتها ولعل ما تخوفوه ل يكون وليس من يتعجممل المكممروه ،وهممو علممى
غير يقين مما يتعجل ،بحكيم ،وفيه أقول شعرًا ،منه:
ليس الصب للصبابة بينا ً * لسي من جانب الحبة منا
كغي العيش عيش فقير * خوف نقرو نقره قدا ً ما
وأذكر لبن عمي أبي المغيرة هممذا المعنممى ،مممن أن الممبين أصممعب مممن
الصد ،أبياتا ً من قصيدة خاطبني بها وهو ابن سبعة عشر عاما ً أو نحوها،
وهي:
أجزعت أن أزف الرحيل * وولهت أن نص الذميل
كل مصابك فادح * وأجل فراقهم جليل
كذب اللى زعموا بأن الصد * مرتعه وبيل
لم يعرفوا كنه الغلي * ل وقد تحملت الحمول
أما الفراق فإنه * للموت إن أهوى دليل
ولي في هذا المعنى قصيدة مطولة ،أولها:
ل مثل يومك ضحوة التنعيم * في منظر حسن وفي تنغيم
قد كان ذاك اليوم ندرة عاقر * وصواب خاطئة وولد عقيم
أيام برق الوصل ليس بخلب * عندي ول روض الهوى بهشيم
من كل غانية تقول ثديها * سيرى أمامك والزار أقيمى
كل يجاذبها فحمرة خدها * خجل من التأخير والتقديم
ما بي سوى تلك العيون وليس في * برئي سواها في الورى بزعيم
مثل الفاعي ليس في شيء سوى * أجسادها إباء لدغ سليم
والبين أبكى الشعراء على المعاهد فأدروا على الرسوم الدموع ،وسقوا
الديار ماء الشمموق ،وتممذكر ممما قممد سمملف لهممم فيهمما فممأعولوا وانتخبمموا،
وأحيت الثار دفين شوقهم فناحوا وبكوا.
ولقد أخبرني بعض الوراد من قرطبة وقد استخبرته عنها ،أنه رأى دورنا
ببلط مغيث ،في الجانب الغربي منها وقممد امحممت رسممومها ،وطمسممت
أعلمها ،وخفيت معاهدها ،وغيرها البلممى وصممارت صممحاري مجدبممة بعممد
)(71
العمران ،وقيافي موحشة بعد النس ،وخممرائب منقطعممة بعممد الحسممن،
وشعابا ً مفزعة بعمد الممن وممأوى للمذئاب ،ومعمازف للغيلن ،وملعمب
للجان ،ومكامن للوحوش ،بعد رجال كممالليوث ،وخممرائد كالممدمى تفيممض
لديهم النعم الفاشية .تبدد شملهم فصاروا في البلد أيممادي سممبا ،فكممأن
تلك المحارب المنمقة .والمقاصير المزينة ،التي كممانت تشممرق إشممراق
الشمس ،ويجلو الهموم حسن منظرهمما ،حيممن شممملها الخممراب ،وعمهمما
الهدم ،كأفواه السباع فاغرة ،تؤذن بفناء الممدنيا ،وتريممك عممواقب أهلهمما،
وتخبرك عما يصير إليه كل من تراه قائما ً فيها .وتزهد في طلبها بعد أن
طالما زهدت في تركها ،وتذكرت أيامي بها ولذاتي فيهمما وشممهور صممباي
لديها ،مع كواعب إلى مثلهن صبا الحليم ،ومثلت لنفسممي كممونهن تحممت
الممثرى وفممي الثممار النائيممة والنممواحي البعيممدة وقممد فرقتهممن يممد الجلء،
ومزقتهن أكف النوى ،وخيل إلى بصرى بقاء تلك النصبة بعد ممما علمتممه
من حسنها وغضارتها والمراتب المحكمة التي نشأت فيما لممديها ،وخلء
تلك الفنية بعد تضايقها بأهلها ،وأوهمت سممعي صموت الصمدى والهمام
عليها ،بعد حركة تلك الجماعات التي ربيت بينهم فيها ،وكان ليلهمما تبعمما ً
لنهارها في انتشار ساكنها والتقاء عمارها ،فعاد نهارهمما تبع ما ً لليلهمما فممي
الهدوء والستيحاش ،فأبكى عينممي ،وأوجممع قلممبي ،وقممرع صممفاة كبممدي،
وزاد في بلء لبي ،فقلت شعرا ً منه:
لئن كان أظلمانا فقد طالما سقى * وإن ساءنا فيها فقد طالما سرا
والبين يولد الحنين والهتياج والتذكر .وفي ذلك أقول:
ليت الغراب يعيد اليوم لي فعسى * يبين بينهم عني فقد وقفا
أقول والليل قد أرخى أجلته * وقد تألى بأل ينقضي فوفى
وللنجم قد حار في أفق السماء فما * يمضي ول هو للتغوير منصرفا ً
تخاله مخطئا ً أو خائفا ً وجل ً * أو راقبا ً موعدا ً أو عاشقا ً دنفا ً
)(72
واسع .والوجه الثاني أن يزور المحبوب محبه .ولكن ل سممبيل إلممى غيممر
النظر والحديث الظاهر .وفي ذلك أقول:
فإن تنأ عني بالوصال فإنني * سأرضى بلحظ العين إن لم يكن وصل
فحسبي أن ألقاك في اليوم مرة * وما كنت أرضى ضعف ذامنك لي
قبل
كذا همه الوالي تكون رفيعة * ويرضى خلص النفس إن وقع العزل
وأما رجع السلم والمخاطبة فأمل من المال ،وإن كنت أنمما أقممول فممي
قصيدة لي:
فها أنا ذا أخفي وأقنع راضيا ً * برجع سلم إن تيسر في الحين
فإنما هذا لمن ينتقل من مرتبة إلى ممما هممو أدنممى منهمما .وإنممما يتفاضممل
المخلوقات في جميع الوصاف على قدر إضافتها إلى ممما هممو فوقهمما أو
دونها .وإني لعلم من كان يقول لمحبمموبه :عممدني واكممذب ،قنوع ما ً بممأن
يسلى نفسه في وعده وإن كان غير صادق .فقلت في ذلك:
إن كان وصلك ليس فيه مطمع * والقرت ممنوع فعدني واكذب
فعسى التعلل بالتقائك ممسك * لحياة قلب بالصدود معذب
فلقد يسلى المجدبين إذا رأوا * في الفق يلع ضوء برق خلب
وما يدخل في هممذا البمماب شمميء رأيتممه ورآه غيممري معممي ،أن رجل ً مممن
إخواني جرحه من كان يحبه بمدية ،فلقد رأيته وهو يقبممل مكممان الجممرح
ويندبه مرة بعد مرة .فقلت في ذلك:
يقولون شجك من همت فيه * فقلت لعمري ما شجى
ولكن أحس دمى قربه * فطار إليه ولم ينثن
قافيا تلى ظلما ً محسنا ً * فديتك من ظالم محسن
ومن القنوع أن يسر النسان ويرضى ببعض آلت محبمموبه ،وإن لممه مممن
النفس لموقعا ً حسنا ً وإن لم يكن فيه إل ما نص الله تعالى علينمما ،ومممن
ارتداد يعقوب بصيرا ً حين شم قميص يوسف عليهما السلم ،وفي ذلممك
أقول:
لما منعت القرب من سيدي * ولج في هجري ولم ينصف
صرت بإبصاري أثوابه * أو بعض ما قد مسه أكتفي
كذاك يعقوب نبي الهدى * إذ شفه الحزن على يوسف
شم قميصا ً جاء من عنده * وكان مكفوفا ً فمنه شفي
)(73
وما رأيت قط متعاشقين إل وهما يتهاديان خصل الشعر مبخممرة بممالعنبر
مرشوشة بممماء الممورد ،وقممد جمعممت فممي أصمملها بالمصممطكي وبالشممع
البيض المصفى ولفت في تطاريف الوشي والخز وما أشبه ذلك لتكون
تذكرة عند البين.
وأما تهادي المساويك بعد مضغها والمصطكي إثر استعمالها فكثير بيممن
كل متحابين قد حظر عليهما اللقاء .وفي ذلك أقول قطعة منها:
أرى ريقها ماء الحياة تيقنا ً * على أنها لم تبق لي في الهوى حشى
خبر :وأخبرني بعض إخواني عن سليمان بن أحمد الشاعر أنه رأى ابممن
سهل الحاجب بجزيرة صقلبة ،وذكر أنه كان غاية في الجمال ،فشمماهده
يوما ً في بعض المتنزهات ماشيا وامرأة خلفممه تمشممي إليممه ،فلممما أبعممد
أتت إلى المكان الذي قد أثر فيه مشيه فجعلت تقبله وتلثم الرض التي
فيها أثر رجله .وفي ذلك أقول قطعة ،أولها:
يلومونني في موطى خفه خطا * ولو علموا عاد الذي لم يحسد
فيأهل أرض لتجود سحابها * خذوا بوصاتي تستقلوا وتحمدوا
خذوا من تراب فيه موضع وطئه * وأضمن أن المحل عنكم يبعد
فكل تراب واقع فيه رجله * فذاك صعيد طيب ليس يجحد
كذلك فعل السامري وقد بدا * لعينيه من جبريل إثر ممجد
فصير جوف العجل من ذلك الثرى * فقام له منه خوار ممدد
وأقول:
لقد بوركت أرض بها أنت قاطن * وبورك من فيها وحل بها السعد
فأحجارها در وسعداتها ورد * وأموالها شهد وتربتها ند
ومن القنوع الرضا مزار الطيف ،وتسليم الخيال .وهذا إنما يحممدث عممن
ذكممر ل يفممارق ،وعهممد ل يحممول ،وفكممر ل ينقضممي .فممإذا نممامت العيممون
وهدأت الحركات سرى الطيف .وفي ذلك أقول:
زار الخيال فتى طالت صبابته * على احتفاظ من الحراس والحفظة
فبت في ليلتي جذلن مبتهجا * ولذة الطيف تنسى لذة اليقظة
وأقول:
أتى طيف نعم مضجعي بعد هدأة * ولليل سلطان وظل ممدد
وعهدي بها تحت التراب مقيمة * وجاءت كما قد كنت من قبل أعهد
فعدنا كما كنا وعاد زماننا * كما قد عهدنا قبل والعود أحمد
)(74
وللشعراء في علة مزار الطيف أقاويل بديعة بعيدة المرمممى ،مخترعممة،
سمبق إلمى معنمى ممن المعماني ،فمأبو إسمحاق بمن سميار النظمام رأس
المعتزلة جعل علته مزار الطيف خمموف الرواح مممن الرقيممب المرقممب،
على بهاء البدان .وأبو تمام حبيب بن أوس الطائي جعل علته أن نكمماح
الطيف ل يفسممد الحممب ونكمماح الحقيقممة يفسممده .والبحممتري جعممل علممة
إقباله استضاءته بنار وجده ،وعلة زواله خوف الغرق فممي دممموعه .وأنمما
أقول من غير أن أمثل شعري بأشعارهم ،فلهم فضل التقمدم والسممابقة
إنما نحن لقطون وهم الحاصدون ،ولكن اقتداء بهم وجريا في ميممدانهم
وتتبعا ً لطريقتهم التي نهجوا وأوضممحوا ،أبيات ما ً بينممت فيهمما مممزار الطيممف
مقطعة:
أغار عليك من إدراك طرفي * وأشفق أن يذيبك لمس كفي
فأمتنع اللقاء حذار هذا * وأعتمد التلقي حين أغفي
فروحي إن أنم بك ذو انفراد * من العضاء مستتر ومخفي
ووصل الروح ألطف فيك وقعا ً * من الجسم المواصل ألف ضعف
وحال المزور في المنام ينقسم أقساما ً أربعة :أحدهما محب مهجور قد
تطاول غمه ،ثم رأى في هجعته أن حبيبه وصله فسر بذلك وابتهممج ،ثممم
استيقظ فأسف وتلهف حيث علم أن ما كان فيه أماني النفس وحديثها.
وفي ذلك أقول:
أنت في مشرق النهار بخيل * وإذا الليل جن كنت كريما ً
)(75
والرابع محب نائي المزار ،يرى أن المزار قد دنا ،والمنازل قد تصمماقبت
فيرتاح ويأنس إلى فقد السى ،ثم يقوم من سممنته فيممرى أن ذلممك غيممر
صحيح ،فيعود إلى أشد ما كان فيممه مممن الغممم ،وقممد جعلممت فممي بعممض
قولي علة النوم والطمع في طيف الخيال ،فقلت:
طاف الخيال على مستهتر كلف * لول ارتقاب مزار الطيف لم ينم
ل تعجبوا إذ سرى والليل معتكر * فنوره مذهب في الرض للظلم
ومن القنوع أن يقنع المحب بالنظر إلى الجدران ورؤية الحيطممان الممتي
تحتوي على من يحب ،وقد رأينا من هذه صفته .ولقد حدثني أبو الوليممد
أحمد بن محمد ابن إسحاق الخممازن رحمممه اللممه عممن رجممل جليممل ،أنممه
حدث عن نفسه بمثل هذا ومن القنوع أن يرتاح المحممب ،إلممى أن يممرى
من رأى محبوبه ويأنس به ومن أتى مممن بلده ،وهممذا كممثير .وفممي ذلممك
أقول:
توحش من سكانه فكأنهم * مساكن عاد أعقبته ثمود
وما يدخل في هذا الباب أبيات لي ،موجبها أني تنزهت أنا وجماعممة مممن
إخواني من أهل الدب والشرف إلى بستان لرجل مممن أصممحابنا ،فجلنمما
ساعة ثم أفضى بنا القعود إلى مكان دونه يتمنممى ،فتمممددنا فممي ريمماض
أريضة ،وأرض عريضة لبصر فيها منفسح ،وللنفممس لممديها مسممرح ،بيممن
جداول تطرد كأباريق اللجين وأطيار تغرد بألحان تزري بما أبدعه معبد،
والغريض ،وثمار مهدلة قد ذللت لليدي ودنت للمتنمماول ،وظلل مظلممة
تلحظنا الشمس من بينها فنتصور بين أيدينا كرقمماع الشممطرنج والثيمماب
المدبجة ،وماء عذب يوجدك حقيقة طعم الحياة وأنهار متدفقممة تنسمماب
كبطون الحيات لها خرير يقوم ويهممدأ ،ونممواوير مونقممة مختلفممة اللمموان
تصفقها الرياح الطيبة النسيم ،وهواء سجسج ،وأخلق جلس تفوق كممل
هذا ،في يوم ربيع ذي شمس ظليلة ،تارة يغطيها العيم الرقيق والمممزن
اللطيف ،وتارة تتجلى ،فهي كالعذراء الخفرة والخريدة الخجلممة تممتراءى
لعاشقها من بين الستار ثم تغيب فيها ،حذر عين مراقبة .وكممان بعضممنا
مطرقا ً كأنه يحادث أخرى ،وذلك لسر كان له فعرض لي بذلك ،وتداعبنا
حينا فكلفت أن أقممول إلممى لسممانه شمميئا ً فممي ذلممك ،فقلممت بديهممة ،وممما
كتبوها إل من تذكرها بعد انصرافنا ،وهي:
ولما تروحنا بأكناف روضة * مهدلة الفنان في تربها الندي
وقد ضحكت أنوارها وتضوعت * أساورها في ظل فيء ممدد
وأبدت لنا الطيار حسن صريفها * فمن بين شاك شجوه ومغرد
وللماء فيما بيننا متصرف * وللعين مرتاد هناك ولليد
)(76
وما شئت من أخلق أروع ماجد * كريم السجايا للفخار مشيد
تنغض عندي كل ما قد وصفته * ولم يهنني إذ غاب عني سيدي
فيا ليتني في السجن وهو معانقي * وأنتم معا ً في قصر دار المجدد
فمن رام منا أن يبدل حاله * بحال أخيه أو بملك مخلد
فل عاش إل في شقاء ونكبة * ول زال في بؤسي وخزي مردد
فقال هو ومن حضر :آمين آمين .وهذه الوجوه التي عددت وأوردت في
حقائق القناعة هي الموجودة في أهل المودة ،بل تزيد ول إعياء.
)(77
الشمس تبدو في أول النهار في أول المشارق وتغرب فممي آخممر النهممار
في آخر المغارب.
ومن القنوع فصل أورده وأستعيذ بالله منه ومن أهله ،واحمده على ممما
عرف نفوسنا من منافرته ،وهو أن يضل العقل جملة ،ويفسد القريحممة،
ويتلف التمييز ويهون الصعب ،ويممذهب الغيممرة ،ويعممدم النفممة ،فيرضممى
النسان بالمشاركة فيمن يحب .وقد عرض هممذا لقمموم أعاذنمما اللممه مممن
البلء .وهذا ل يصح إل مع كلبية في الطبع ،وسقوط من العقل الذي هو
عيار على ما تحته ،وضعف حس .ويؤيد هذا كله حب شممديد معممم .فممإذا
اجتمعت هذه الشياء وتلحقت بمزاج الطبائع ودخول بعضها فممي بعممض
نتج بينهما هذا الطبع الخسيس ،وتولدت هذه الصفة الرذلة ،وقممام منهمما
هذا الفعل المقذور القبيح ،وأما رجل معه أقل همة وأيسر مروءة فهممذا
منه أبعد من الثريا ولو مات وجدا ً وتقطع حبا ً وفي ذلك أقول زاريا ً على
بعض المسامحين في هذا الفصل:
رأيتك رحب الصدر ترضى بما أتى * وأفضل شيء أن تلين وتسمحا
فحظك من بعض السواني مفضل * على أن يحوز الملك من أصلها
الرحى
وعضو بعير فيه في الوزن ضعف ما * تقدره في الجدي فاعص الذي
لحا
ولعب الذي تهوى بسيفين معجب * فكن ناحيا ً في نحوه كيفما نحا
)(78
فقلت له أبن عني قليل ً * فل والله تعرف ما تقول
فقال أرى نحول ً زادجدا ً * وعلتك التي تشكو ذبول
)(79
المعاناة قوى جدا ً ولم يوجد له دواء سوى الوصال .ومن بعض ما كتبت
إليه قطعة ،منها:
قد سلبت الفؤاد منها اختلسا ً * أي خلق يعيش دون فؤاد
فأغثها بالوصل تحي شريفا ً * وتفز بالثواب يوم المعاد
وأراها تعتاض أن دام هذا * من خلخيلها حلي القياد
أنت حقا ً متيم الشمس حتى * عشقها بين ذا الورى لك بادي
خبر :وحدثني جعفر مولى أحمد بن محمد بن جدير ،المعروف بالبلبيني:
أن سبب اختلط مروان بممن يحيممى بممن أحمممد بممن جممدير وذهمماب عقلممه
اعتلقه بجارية لخيه ،فمنعها وباعها لغيره ،وما كان في إخوته مثلممه ول
أتم أدبا ً منه.
وأخبرني أبو العافية مولى محمد بممن عبمماس بممن أبممي عبممدة ،أن سممبب
جنون يحيى بن أحمد بن عباس بن أبي عبدة بيع جارية له كان يجممد بهمما
وجدا ً شديدًا ،كانت أمه أباعتها وذهبت إلى إنكاحه من بعض العامريات.
فهممذان رجلن جليلن مشممهوران فقممدا عقولهممما واختلطمما وصممارا فممي
القيود والغلل ،فأما مروان فأصابته ضممربة مخطئة يمموم دخممول الممبربر
قرطبة وانتهائهم إليها ،فتوفى رحمه الله .وأما يحيى بن محمد فهو حي
على حالته المذكورة في حين كتابتي لرسالتي هذه ،وقد رأيته أنا مرارا ً
وجالسممته فممي القصممر قبممل أن يمتحممن بهممذه المحنممة .وكممان أسممتاذي
وأستاذه الفقيه أبو الخيار اللغوي .وكان يحيى لعمري حلوا ً مممن الفتيممان
نبي ً
ل.
وأما من دون هممذه الطبقمة فقمد رأينمما منهمم كممثيرًا ،ولكمن لممم نسممهم
لخفائهم وهذه درجة إذا بلغ المشغوف إليها فقد أنيممت الرجمماء وانصممرم
الطمممع ،فل دواء لممه بالوصممل ول بغيممره ،إذ قممد اسممتحكم الفسمماد فممي
الدماغ ،وتلفت المعرفممة وتغلبممت الفممة .أعاذنمما اللممه مممن البلء بطمموله،
وكفانا النقم منه.
وقد علمنا أن كل ماله أول فل بد من آخر ،حاشى نعيم الله عممز وجممل،
الجنة لوليائه وعذابه بالنار لعممدائه .وأممما أعممراض الممدنيا فنافممذة فانيممة
وزائلة مضمحلة ،وعاقبة كل حب إلى أحد أمرين :إما احترام منية ،وإما
سلو حادث .وقد نجد النفس تغلب عليها بعممض القمموى المصممرفة معهمما
)(80
في الجسد ،فكما نجد نفسا ً ترفض الراحات والملذ للعمممل فممي طاعممة
الله تعالى والرياء في الدنيا ،حتى تشتهر بالزهممد ،فكممذلك نجممد النفممس
تغلب عليها بعض القوى المصرفة معها فممي الجسممد ،فكممما نجممد نفسما ً
ترفض الراحات والملذ للعمل في طاعة الله تعالى وللرياء فممي الممدنيا،
حتى تشتهر بالزهذ ،فكذلك نجممد نفسما ً تنصممرف عممن الرغبممة فممي لقمماء
شكلها للنفة المستحكمة المنافرة للغممدر ،أو اسممتمرار سمموء المكافممأة
في الضمير ،وهذا أصح السلو ،وما كان من غير هممذين الشمميئين فليممس
إل مذمومًا .والسلو المتولد من الهجر وطمموله إنممما هممو كاليممأس يممدخل
على النفس من بلوغها إلى أملها ،فيفتر نزاعها ول تقمموى رغبتهمما .ولممي
في ذم السلو قصيدة ،منها:
إذا ما رنت فالحي ميت بلحظها * وإن نطقت قلت السلم رطاب
كأن الهوى ضيف ألم بمهجتي * فلحمى طعام والنجيع شراب
ومنها:
صبور على الزم الذي العز خلفه * ولو امطرنه بالحريق سحاب
جزوعا ً من الراحات إن أنتجت له * خمول وفي بعض النعيم عذاب
والسمملو فممي التجربممة الجميلممة ينقسممم قسمممين :سمملو طممبيعي ،وهممو
المسمى بالنسيان يخلو به القلب ويفرغ به البال ،ويكون النسممان كممأنه
لم يحب قط :وهذا القسم ربما لحق صاحبه الذم لنه حادث عممن أخلق
ومذمومة ،وعن أسباب غير موجبة اسممتحقاق النسمميان .وسممتأتي مبينممة
إن شاء الله تعالى ،وربما لم تلحقه اللئمممة لعممذر صممحيح والثمماني سمملو
تطبعي ،قهر النفس ،وهو المسمى بالتصبر ،فترى المممرء يظهممر التجلممد
وفي قلبه أشد لدغا ً من وخز الشفي ،ولكنه يرى بعض الشر أهون مممن
بعض ،أو يحاسب نفسه بحجة ل تصممرف ول تكسممر وهممذا قسممم ل يممذم
آتيه ،ول يلم فاعله لنه ل يحدث إل عن عظيمة ،ول يقع إل عن فادحممة،
إما لسبب ل يصبر على مثله الحرار ،وإما لخطب ل مرد لممه تجممري بممه
القدار وكفاك من الموصوف به أنه ليس بنمماس لكنممه ذاكممر ،وذو حنيممن
واقف على العهد ،ومتجزع مرارات الصبر ،والفرق العامي بين المتصبر
والناسي ،أنك ترى المتصبر وإن أبدي غاية الجلد وأظهممر سممب محبمموبه
والتحمل عليه ،يحتمل ذلك من غيره .وفي ذلك أقول قطعة ،منها:
دعوني وسبي للحبيب فإنني * وإن كنت أبدي الهجر لست معاديا ً
ولكن سبى للحبيب كقولهم * أجاد فلقاه الله الدواهيا
والناس ضد هذا ،وكل هذا فعلى قدر طبيعة النسان وإجابتها وامتناعهمما
وقوة تمكممن الحممب مممن القلممب أو ضممعفه ،وفممي ذلممك أقممول ،وسممميت
السالي فيه المتصبر ،قطعة منها:
)(81
ناسي الحبة غير من يسلوهم * حكم المقصر غير حكم المقصر
ما قاصر للنفس غير مجيبها * ما الصابر المطبوع كالمتصبر
والسباب الموجبة للسلو المنقسم هذين القسمين كثيرة ،وعلى حسبها
وبمقدار الواقع منها يعذر للسالي ويذم.
فمنها الملل ،وقممد قممدمنا الكلم عليممه ،وإن مممن كممان سمملوه عممن ملممل
فليس حبه حقيقة ،والمتسم به صاحب دعوى زائفممة ،وإنممما هممو طممالب
لممذة ومبممادر شممهوة ،والسممالي مممن هممذا المموجه نمماس مممذموم 0ومنهمما
السممتبدال ،وهممو وإن كممان يشممبه الملممل ففيممه معنممى زائد ،وهممو بممذلك
المعنى أقبح من الول وصاحبه أحق بالذم.
ومنها حياء مركب يكون في المحب يحول بينه وبين التعريض بما يجممد،
فيتطاول المر ،وتتراخى المدة ،ويبلممى جديممد المممودة ،ويحممدث السمملو.
وهذا وجه إن كان السالي عنه ناسيا ً فليس بمنصف ،إذ منه جمماء سممبب
الحرمان ،وإن كان متصبرا ً فليس بملوم ،إذ آثر الحياء على لذة نفسممه.
وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليممه وسمملم أنمه قممال) :الحيماء ممن
اليمان والبممذاء مممن النفمماق( .وحممدثنا أحمممد بممن محمممد عممن أحمممد بممن
مطرف عن عبد الله بن يحيى عن أبيه عن مالك عن سلمة بن صفوان
الزرقي عن زيد بن طلحة بن ركانة يرفعه إلى رسممول اللممه صمملى اللممه
عليه وسلم أنه قال :لكل دين خلق وخلق السلم الحياء.
فهذه السباب الثلثة أصلها من المحب وابتداؤها من قبله ،والذم لصق
به في نسيانه لمن يحب.
ثم منها أسممباب أربعممة هممن مممن قبممل المحبمموب وأصمملها عنممده ،فمنهمما:
الهجر ،وقد مر تفسير وجوهه .ول بممد لنمما أن نممورد منممه شمميئا ً فممي هممذا
الباب يوافقه ،والهجر إذا تطاول وكثر العتاب واتصمملت المفارقممة يكممون
بابا ً إلى السلو وليس من وصلك ثم قطعك لغيرك من بمماب الهجممر فممي
شيء ،لنه الغدر الصحيح ،ول من مممال إلممى غيممرك دون أن يتقممدم لممك
معه صلة من الهجر أيضا ً في شيء ،إنما ذاك هو النفممار .وسمميقع الكلم
في هذين الفصلين بعد هذا إن شاء الله تعالى .لكن الهجر ممن وصمملك
ثم قطعك لتنقيل واش ،ولذنب واقع ،أو لشيء قممام فممي النفممس ،ولممم
يمل إلى سواك ول أقام أحدا ً غيرك مقامك .والنمماس فممي هممذا الفصممل
من المحبين ملوم دون سائر السباب الواقعة من المحبوب؛ لنه ل تقع
حالة تقيم العذر في نسيانه ،وإنما هو راغب عن وصمملك ،وهممو شمميء ل
يلزمه .وقد تقدم من أذمة الوصال وحق أيامه ،ما يلزم التممذكر ويمموجب
عهد اللفة ،ولكن السالي على جهة التصبر والتجلد همما هنمما معممذور ،إذا
رأى الهجممر متماديما ً ولممم يممر للوصممال علمممة ول للمواجهممة دللممة .وقممد
)(82
استجاز كثير من الناس أن يسموا هذا المعنى غدرًا ،إذ ظاهرهما واحممد،
ولكن علتيهما مختلفتان .فلذلك فرقنا بينهما فممي الحقيقممة .وأقممول فممي
ذلك شعرًا ،منه:
فكونوا كمن لم أدر قط فإنني * كآخر لم تدروا ولم تصلوه
أنا كالصدى ما قال كل أجببه * فما شئنموه اليوم فاعتمدوه
وأقول أيضا ً قطعة ،ثلثة أبيات قلتها وأنا نائم ،واستيفظت فأضفت إليها
البيت الرابع:
أل لله دهر كنت فيه * أعز على من روحي وأهلي
فما برحت يد الهجران حتى * طواك بنانها كي السجل
سقاني الصبر هجركم كما قد * سقاني الحب وصلكم بسجل
وجدت الوصل أصل الوجد حقا ً * وطول الهجر أصل ً للتسلي
وأقول أيضا ً قطعة:
لو قيل لي من قبل ذا * أن سوف تسلو من تود
فخلفت ألف فسامة * ل كان ذا أبد البد
وإذا طويل الهجر ما * معه من السلوان بد
لله هجرك إنه * ساع لبرئي مجتهد
فالن أعجب للسل * و وكنت أعجب للجلد
وأرى هواك كجمرة * نحت الرماد لها مدد
وأقول:
كانت جهنم في الحشى من حبكم * فلقد أراها نار إبراهيما
ثم السباب الثلثة الباقية التي هي من قبممل المحبمموب ،فالمتصممبر مممن
الناس فيها غير مذموم .لما ستورده إن شاء الله في كل فصل منها.
فمنها نفار يكون في المحبوب وانزواه قاطع للطماع.
خبر:
وإني لختر عني أني ألفت في أيام صباي ألفة المحبة جارية نشأت في
دارنا وكانت في ذلك الوقت بنممت سممتة عشممر عاممًا؛ وكممانت غايممة فممي
حسن وجهها وعقلها وعفافها وطهارتها وخفرها ودماثها ،عديمة الهممزل؛
منيعة البذل بديعة البشممر ،مسممبلة السممتر؛ فقيممدة الممذام ،قليلممة الكلم؛
مغضوضة البصر ،شممديدة الحممذر؛ نقيممة مممن العيمموب ،دائمممة القطمموب؛
حلوة العراض ،مطبوعة النقباض مليحة الصدود ،رزينة العقمود؛ كمثيرة
)(83
الوقار ،مستلذة النفار ،ل توجه الراجي نحوها ،ول تقف المطامع عليها،
ول معرس للمل لديها ،فوجهها جالب كممل القلمموب ،وحالهمما طممارد مممن
أمها .تزدان في المنممع والبخممل ،مممال يممزدان غيرهمما بالسممماحة والبممذل،
موقوفة على الجد في أمرهمما غيممر راغبممة فممي اللهممو ،علممى أنهمما كممانت
تحسن العود إحسانا ً جيدا ً فجنحممت إليهمما وأحببتهمما حب ما ً مفرط ما ً شممديدًا،
فسعيت عامين أو نحوهما أن تجيبني بكلمة وأسمع من فيها لفظة ،غير
ما يقع في الحديث الظاهر إلى كل سامع ،بأبلغ السعي فما وصلت من
ذلك إلى شيء البتة ،فلعهدي بمصطنع كان في دارنا لبعض ممما تصممطنع
له في دور الرؤساء ،تجمعت فيه دخلتنمما ودخلممة أخممي رحمممه اللممه مممن
النسمماء ونسمماء فتياننمما ومممن لث بنمما مممن خممدمنا ،ممممن يخممف موضممعه
ويلطف محله ،فلبئن صدرا ً من النهار ثممم تنقلممن إلممى قصممة كممانت فممي
دارنمما مشممرفة علممى بسممتان الممدار ويطلممع منهمما علممى جميممع قرطبممة
وفحوصها ،مفتحة البممواب .فصممرن ينظممرن مممن خلل الشممراجيب وأنمما
بينهن فإني لذكر أني كنت أقصد نحو الباب الذي هي فيممه أنسما ً بقربهمما
متعرضا ً للدنو منها ،فما هو إل أن تراني في جوارها فتممترك ذلممك البمماب
وتقصد غيره في لطممف الحركممة .فأتعمممد أنمما القصممد إلممى البمماب الممذي
صارت إليه ،فتعود إلى مثل ذلك الفعل من الممزوال إلممى غيممره .وكممانت
قد علمت كلفي بها ولم يشعر سائر النسوان بما نحن فيممه ،لنهممن كممن
عددا ً كثيرًا .وإذ كلهن يتنقلن من باب إلى باب لسبب الطلع من بعممض
البواب على جهات ل يطلع مممن غيرهمما عليهمما وأعلممم أن قيافممة النسمماء
فيمن يميل إليهن أنفذ من قيافة مدلج في الثار .ثم نزلن إلى البسممتان
فرغب عجائزنا وكرائمنا إلى سيدتها في سماع غنائها ،فأمرتها ،فأخممذت
العود وسوته بخفر وخجل ل عهد لي بمثله ،وإن الشيء يتضاعف حسنه
في عين مستحسنه ثم اندفعت تغني بأبيات العبماس بمن الحنمف حيمث
يقول:
إني طربت إلى شمس إذا غربت * كانت مغاربها جوف المقاصير
شمس ممثلة في خلق جارية * كأن أعطافها طي الطوامير
لست من النس إل في مناسبة * ول من الجن إل في التصاوير
فالوجه جوهرة والجسم عبهرة * والريح عنبرة والكل من نور
كأنها حين تخطو في مجاسدها * تخطوعلى البيض أوحد للقوارير
فلعمري لكأن المضراب إنما يقع على قلبي ،وما نسيت ذلممك اليمموم ول
أنساه إلى يوم مفارقتي الدنيا .وهذا أكثر ممما وصمملت إليممه مممن التمكممن
من رؤيتها وسماع كلمها ،وفي ذلك أقول:
ل تلمها على النفار ومنع ال * وصل ما هذا لها بنكير
)(84
هل يكون الهلل غير بعيد * أو يكون الغزال غير نفور
وأقول:
منعت جمال وجهك مقلتيا * ولفظك قد ضننت به عليا
أراك نذرت للرحمن صوما ً * فلست تكلمين اليوم حيا ً
وقد غنيت للعباس شعرا ً * هنيئا ً ذا لعباس هنيا ً
فلو يلقاك عباس لضحى * لفوز قانيا وبكم شجيا ً
ثم انتقل أبممي رحمممه اللممه مممن دورنمما المحدثممة بالجممانب الشممرقي مممن
قرطبة في ربض الزاهرة إلى دورنا القديمممة فممي الجممانب الغربممي مممن
قرطبة ببلط مغيث في اليوم الثمالث ممن قيمام أميمر الممؤمنين محممد
المهدي بالخلفة .وانتقلت أنا بانتقاله ،وذلممك فممي جمممادى الخممرة سممنة
تسع وتسعين وثلثمائة ،ولم تنتقل هي بانتقالنا لمور أوجبممت ذلممك .ثممم
شغلنا بعد قيام أمير المؤمنين هشام المؤيممد بالنكبممات وباعتممداء أربمماب
دولته ،وامتحنا بالعتقال والترقيب والغرام الفادح والسممتتار ،وأرزمممت
الفتنة وألقت باعها وعمت الناس ،وخصممتنا ،إلممى أن تمموفي أبممي المموزير
رحمه الله ونحن في هذه الحوال بعد العصر يوم السبت لليلممتين بقينمما
من ذي القعدة عام اثنتين وأربعمائة .واتصلت بنا تلك الحممال بعممده إلممى
أن كانت عندنا جنازة لبعض أهلنا فرأيتها .وقد ارتفعممت الواعيممة ،قائمممة
في المأتم وسط النساء في جملة البواكي والنوادب فلقد أثارت وجممدا ً
دفينا ً وحركت ساكنًا ،وذكرتني عهدا ً قديما ً وحبا ً تليدا ً ودهرا ً ماضيا ً وزمنا ً
عافيا ً وشهورا ً خموالي وأخبمارا ً بموالي ودهممورا ً فمواني وأيامما ً قممد ذهبمت
وآثارا ً قد دثرت ،وجددت أحزاني وهيجممت بلبلممي ،علممى أنممي كنممت فممي
ذلك الهنار مرزا ً مصابا ً من وجمموه ،وممما كنممت نسمميت لكممن زاد الشممجى
وتوقدت اللوعة وتأكد الحزن وتضاعف الشف ،واستجلب الوجد ما كان
منه كامنا ً فلباه مجيبًا .فقلت قطعة ،منها:
يبكي لميت مات وهو مكرم * وللحي أولى بالدموع الذوارف
فيا عجبا ً من آسف ل مرئ ثوى * وما هو للمقتول ظالما ً بآلف
ثم ضرب الدهر ضربانه وأجلينا عممن منازلنمما وتغلممب علينمما جنممد الممبربر،
فخرجت عن قرطبة أول المحرم سنة أربع وأربعمائة وغابت عن بصرى
بعد تلك الرؤية الواحدة ستة أعوام وأكثر ،ثم دخلت قرطبة فممي شمموال
سنة تسع وأربعمائة فنزلت على بعض نسائنا فرأيتها هنالك ،وممما كممدت
أن أميزها حتى قيل لي هممذه فلنممة وقممد تغيممر أكممثر محاسممنها ،وذهبممت
نضارتها ،وفنيت تلك البهجة ،وغاض ذلك الماء الذي كان يممرى كالسمميف
الصقيل والمرآة الهندية ،وذبل ذلك النوار الذي كان البصر يقصد نحمموه
)(85
متنورًا ،ويرتاد فيه متخيرًا ،وينصرف عنممه متحيممرًا .فلممم يبممق إل البعممض
المنممبئ عممن الكممل ،والخممبر المخممبر عممن الجميممع ،وذلممك لقلممة اهتبالهمما
بنفسها ،وعدمها الصيانة التي كانت غذيت بها أيام دولتنمما وامتممداد ظلنمما
ولتبذلها في الخروج فيما ل بد لها منه مما كانت تصان وترفع عنمه قبمل
ذلك وإنما النساء رياحين متى لم تتعاهد نقصت ،وبنية متى لم يهتبل بها
استهدمت ،ولذلك قال من قال :إن حسن الرجال أصدق صممدقا ً وأثبممت
أصل ً وأعتق جودة لصبره على ما لو لقى بعضه وجمموه النسمماء لتغيممرت
أشد التغير ،مثل الهجير والسموم والرياح واختلف الهواء وعدم الكممن،
وإني لو نلت منها أقل وصل وأنست لي بعض النس لخولطت طرب ما ً أو
لمت فرحًا ،ولكن هذا النفار الذي صبرني وأسلني.
وهذا الوجه من أسممباب السمملو صمماحبه فممي كل المموجهين معممذور وغيممر
ملوم؛ إذ لم يقع تثبممت يمموجب الوفمماء ،ول عهممد يقتضممي المحافظممة ،ول
سلف ذمام ،ول فرط تصادف يلم على تضييعه ونسيانه.
ومنها جفاء يكون من المحبوب ،فإذا أفرط فيممه وأسممرف وصممادف مممن
المحب نفسا ً لها بعض النفممة والعممزة تسمملى ،وإذا كممان الجفمماء يسمميرا ً
منقطعا ً أو دائما ً أو كبيرا ً منقطع ما ً أحتمممل وأغضممى عليممه ،حممتى إذا كممثر
ودام فل بقاء عليه .ول يلم الناس لمن يحب في مثل هذا.
ومنهمما الغممدر ،وهممو الممذي ل يحتملممه أحممد ،ول يغضممى عليممه كريممم ،وه
المسلة حقًا .ول يلم السالي عنه على أي وجه كان ناسمميا ً أو متصممبرًا،
بل اللئمة لحقة لمن صبر عليه .ول أن القلوب بيد مقلبها ل إله إل هممو
ول يكلف المرء صممرف قلبممه ول إحاطممة استحسممانه ،ول ذاك لقلممت إن
المتصبر في سملوه ممع الغممدر يكماد أن يسممتحق الملممة والتعنيممف .ول
أدعى إلى السلو عند الحر النفس وذوي الحفيظة والسرى السجايا من
الغدر ،فما يصبر عليه إل دنيء المروءة خسمميس الهمممة سمماقط النفممة،
وفي ذلك أقول قطعة ،منها:
هواك فلست أقربه غرور * وأنت لكل من يأتي سرير
وما إن تصبرين على حبيب * فحولك منهم عدد كثير
فلو كنت المير لما تعاطى * لقاءك خوف جمعهم المير
رأيتك كالماني ما على من * يلم بها ولو كثروا غرور
ول عنها لمن يأتي دفاع * ولو حشد النام لهم نفير
ثم سبب ثامن ،وهو ل من المحممب ول مممن المحبمموب ،ولكنممه مممن اللممه
تعالى ،وهو اليأس .وفروعه ثلثممة :إممما ممموت ،وإممما بيممن ل يرجممى معممه
)(86
أوبة ،وإما عارض يدخل على المتحابين بعلة المحب التي من أجلها وثق
المحبوب فيغيرها.
وكل هذه الوجوه من أسباب السلو والتصبر ،وعلى المحب الناسي في
هذا المموجه المنقسممم إلممى هممذه القسممام الثلثممة مممن الغضاضممة والممذم
واستحقاق اسم اللوم والغدر غير قليل ،وإن لليأس لعمل ً فممي النفمموس
عجيبًا .وثلجا ً لحر الكباد كبيرًا .وكل هذه الوجمموه المممذكورة أول ً وآخممرا ً
فالتأني فيها واجب ،والتربص على أهلها حسن ،فيما يمكممن فيممه التممأني
ويصح لديه التربص ،فممإذا انقطعممت الطممماع وانحسمممت المممال فحينئذ
يقوم العذر.
وللشعراء فن من الشعر يذمون فيه الباكي على الدمن ،تويثنممون علممى
المثابر على اللذات .وهذا يدخل في باب السلو .ولقد أكثر الحسممن بممن
هانئ في هممذا البمماب وافتخممر بممه ،وهممو كممثيرا ً ممما يصممف نفسممه بالغممدر
الصريح في أشعاره ،تحكما ً بلسانه واقتدارا ً على القول ،وفي مثل هممذا
أقول شعرًا ،منه:
خل هذا وبادر الدهر وأرحل * في رياض الربى مطي القفار
واحدها بالبديع من نغمات ال * مود كيما تحث بالمزمار
إن خيرا ً من الوقوف علىالدا * ر وقوف البنان بالوتار
وبدأ النرجس البديع كصب * حائر الطرف مائل ً كالمدار
لونه لون عاشق مستهام * وهو ل شك هائم بالبهار
ومعاذ الله أن يكون نسيان مادرس لنا طبعًا ،ومعصبة الله بشرب الراح
لنا خلقًا ،وكساد الهمة لنا صفة ،ولكممن حسممبنا قممول اللممه تعممالى ،ومممن
أصدق من الله قيل ً في الشعراء) :ألممم تممر أنهممم فممي كممل واد يهيمممون.
وأنهم يقولون ما ل يفعلون( .فهذه شهادة الله العزيز الجبار لهم ،ولكن
شذوذ القائل للشعر عن مرتبة الشعر خطأ .وكان سبب هذه البيات أن
حفني العامرية ،إحدى كرائم المظفر عبد الملك ابن أبي عامر ،كلفتنممي
صممنعتها فأحببتهما ،وكنممت أجلهما ،ولهما فيهما صممنعة فمي طريقمة النشميد
والبسيطرائقة جدا .ولقد أنشدتها بعمض إخممواني ممن أهمل الدب فقممال
سرورا ً بها :يجب أن توضع هذه في جملة عجائب الدنيا.
فجميع فصول هذا الباب كما ترى ثمانية :منهمما ثلثممة هممي مممن المحممب،
اثنان منها يذم السالي فيهما على كممل وجمه ،وهمما الململ والسممتبدال،
وواحد منها يذم السالي فيه ول يذم المتصممبر ،وهممو الحيمماء كممما قممدمنا.
وأربعة من المحبوب ،منها واحد يذم الناي فيممه ول يممذم المتصممبر ،وهممو
الهجر الدائم .وثلثة ل يممذم السممالي فيهمما علممى أي وجممه كممان ناسمميا ً أو
)(87
متصبرًا ،وهي النفار والجفاء والغدر .ووجه ثامن وهو من قبل اللممه عممز
وجل ،وهو اليأس إما بموت أو بين أو آفة تزمن .في هذه معذور.
وعني أخبرك أني جبلت على طبيعتين ل يهنئني معهما عيش أبدًا ،وإنممي
لبرم بحياتي باجتماعهما وأود التثبت من نفسي أحيانا ً لفقدها أنا بسببه
مممن النكممد مممن أجلهممما ،وهممما :وفمماء ل يشمموبه تلممون قممد اسممتوت فيممه
الحضرة والعيب ،والباطن والظاهر ،تولممده اللفممة الممتي لممم تعممزف بهمما
نفسي عما دربته ،ول تتطلع إلى عدم مممن صممحبته ،وعممزة نفممس لتقممر
على الضيم ،مهتمة لقل ما يرد عليها من تغير المعارف مؤثرة للممموت
عليه .فكل واحدة من هاتين السجيتين تدعو إلممى نفسممها وإنممي لجفممى
فأحتمل ،وأستعمل الناة الطويلة ،والتلوم الذي ل يكاد يطيقه أحد ،فإذا
أفرط المر وحميت نفسي تصبرت ،وفي القلب ما فيه وفي ذلك أقول
قطعة ،منها:
لي حلتان أذاقاني السى جرعا ً * ونغصا عيشي واستهلكا جلدي
كلتاهما تطبينى نحو جبلتها * كالصيد ينشب بين الذئب والسد
وفاء صدق فما فارقت ذا مقة * فزال حزني عليه آخر البد
وعزة ل يحل الضيم ساحتها * صرامة فيه بالموال والولد
ومما يشبه ما نحن فيه ،وإن كان أيس منه ،أن رجل ً مممن إخممواني كنممت
أحللته من نفسي محلها ،وأسقطت المؤونة بيني وبينه ،وأعممددته ذخممرا ً
وكنزًا ،وكان كثير السمع من كممل قممائل ،فممدب ذو النميمممة بينممي وبينممه،
فحاكوا له وأنجح سعيهم عنده ،فانقبض عما كنت أعهده .فتربصت عليه
مدة في مثلها أوب الغائب ،ورضي العاتب ،فلم يزدد إل انقباضا ً فتركته
وحاله.
)(88
عبد العزيز .وكان أسلم غاية في الجمال ،حتى أضجره لممما بممه وأوقعممه
في أسباب المنية .وكان أسلم كثير اللمام به والزيممارة لمه ول علمم لمه
بأنه أصل دائه ،إلى أن توفي أسفا ً ودنفًا.
قال المخبر :فأخبرت أسلم بعد وفاته بسبب علته وموته فتأسف وقال:
هل أعلمتني? فقلت :ولم? قال :كنمت واللمه أزيممد فمي صملته ومما أكماد
أفارقه ،فما علي في ذلك ضرر .وكان أسلم هذا من أهممل الدب البممارع
والتفين ،مع حظ من الفقه وافر ،وذا بصارة في الشعر ،وله شعر جيممد،
وله معرفة بالغمماني وتصممرفها ،وهممو صمماحب تممأليف فممي طممرائق غنمماء
زرياب وأخباره ،وهو ديوان عجيب جدا .وكان أحسن الناس خلقا ً وخلقا،
وهو والد أبي الجعد الذي كان ساكنا ً بالجانب الغربي من قرطبة.
وأنا أعلم جارية كانت لبعض الرؤساء فعزف عنها لشيء بلغه في جهتها
لم يكن يوجب السخط ،فباعها .فجزعت لذلك جزعا ً شديدا ً وما فارقهمما
النحول والسف ،ول بان عممن عينهمما الممدمع إلممى أن سمملت ،وكممان ذلممك
سبب موتها .ولم تعش بعد خروجها عنه إل أشهرا ً ليست بالكثيرة .ولقد
أخبرتني عنها امرأة أثق بها أنها لقيتها وهممي قممد صممارت كالخيممل نحممول ً
ورقة فقالت لها :أحسب هممذا الممذي بممك مممن محبتممك لفلن? فتنفسممت
الصعداء وقمالت :واللممه لنسمميته أبمدًا ،وإن كممان جفماني بل سمبب .ومما
عاشت بعد هذا القول إل يسيرًا.
وأنا أخبرك عن أبي بكر أخي رحمه الله ،وكان متزوجا ً بعاتكة بنت قنممد،
صاحب الثغر العلى أيام المنصور أبي عممامر محمممد بممن عممامر ،وكممانت
التي ل مرمى وراءها في جمالها وكريممم خللهمما ،ول تممأتي الممدنيا بمثلهمما
في فضائلها .وكانا في حد الصبا وتمكن سلطانه تغضب كل واحد منهما
الكلمة التي ل قدر لها ،فكانا لم يزال في تغاضممب وتعمماتب مممدة ثمانيممة
أعوام ،وكانت قد شفها حبه واضناها الوجد فيه وانحلها شممدة كلفهمما بممه
حتى صارت كالخيال المتوسم دنفًا ،ل يلهيها من الدنيا شمميء ،ول تسممر
من أموالها على عرضها وتكاثرها بقليل ول كممثير إذا فاتهمما اتفمماقه معهمما
وسلمته لها .إلى أن توفي أخي رحمه الله في الطاعون الواقع بقرطبة
في شهر ذي القعدة سنة إحدى وأربعمممائة ،وهممو ابممن اثنممتين وعشممرين
سنة ،فما انفكت منذ بان عنها مممن السممقم الممدخيل والمممرض والممذبول
إلى أن ماتت بعده بعام في اليوم الذي أكمل هو فيه تحت الرض عامًا.
ولقد أخبرتني عنها أمها وجميع جواريها أنها كانت تقول بعده :ممما يقمموى
صبري ويمسك رمقي في الممدنيا سمماعة واحممدة بعممد وفمماته إل سممروري
وتيقني أنه ل يضمه وامرأة مضجع أبدًا ،فقد أمنممت هممذا الممذي ممما كنممت
أتخوف غيره ،وأعظم آمالي اليوم اللحاق به.
)(89
ولم يكن له قبلها ول معها امرأة غيرها ،وهي كذلك لم يكممن لهمما غيممره،
فكان كما قدرت .غفر الله لها ورضي عنها.
وأما خبر صاحبنا أبي عبد الله محمد بن يحيممى بممن محمممد بممن الحسممين
التميمي ،المعروف بابن الطنبي .فإنه كممان رحمممه اللممه كممأنه قممد خلممق
الحسن على مثاله أو خلق من نفس كل من رآه ،لم أشد له مثل ً حسنا ً
وجمال وخلقا ً وعفة وتصاونا ً وأدبا ً وفهما ً وحلما ً ووفماء وسمؤددا ً وطهمارة
وكرما ً ودماثة وحلوة ولباقة وإغضامو عقل ومروءة ودينا ً ودارية وحفظا ً
للقرآن والحديث والنحو واللغممة ،وشمماعرا ً مفلق ما ً حسممن الخممط ،وبليغ ما ً
مفننًا ،مع حظ صالح من الكلم والجدال ،وكان من غلمان أبي القاسممم
عبد الرحمن بن أبي يزيد الزدي أسممتاذي فممي هممذا الشممأن ،وكممان بينممه
وبين أبيممه اثنمما عشممر عامما ً فممي السممن ،وكنممت أنمما وهممو متقمماربين فممي
السنان .وكنا أليفين ل نفترق ،وخممذنين ل يجممري الممماء بيننمما إل صممفاء،
إلى أن ألقت الفتنة جرانها وأرخت عز إليهمما ووقممع انتهمماب جنممد الممبربر
منازلنا في الجانب الغربي بقرطبة ونزولهم فيها ،وكان مسكن أبي عبد
الله في الجانب الشرقي ببلط مغيث ،وتقلبت بي المور إلممى الخممروج
عن قرطبة وسكن مدينة المرية ،فكنا نتهادى النظم والنثر كممثيرا ً وآخممر
ما خاطبني به رسالة في درجها هذه البيات:
ليت شعري عن حبل ودك هل يم * سي جديدا ً لدي غير رثيث
وأراني أرى محياك يوما ً * وأناجيك في بلط مغيث
فلو أن الديار ينهضها الشو * ق أناك البلط كالمستغيث
ولو أن القلوب تسطيع سيرا ً * سار قلبي إليك سير الحثيث
كن كما شئت لي فإني محب * ليس لي غير ذكركم من حديث
لك عندي وإن تناسيت عهد * في صميم الفؤاد غير نكيث
فكنا على ذلك إلى أن انقطعت دولة بني مروان وقتل سليمان الظممافر
أمير المؤمنين وظهرت دولة الطالبية وبويع علممي بممن حمممود الحسممني،
المسمى بالناصر بالخلفة ،وتغلب علممى قرطبممة وتملكهمما واسممتمر فممي
قتاله إياها بجيوش المتغلبين والثوار في أقطار الندلس .وفي إثر ذلممك
نكبني خيران صاحب المرية ،إذ نقل إليه من لم يتق الله عز وجممل مممن
الباغين -وقد انتقم الله منهم -عني وعن محمد بن إسحاق صاحبي أنا
نسعى في القيام بدعوة الدولة الموية ،فاعتقلنا عند نفسممه أشممهرا ً ثممم
أحرجنا على جهة التغريب ،فصرنا إلى حصن القصر .ولقينا صمماحبه أبممو
القاسم عبد الله بممن هممذيل التجيممبي ،المعممروف بممابن المقفممل ،فأقمنمما
عنده شهورا ً في خير دار إقامممة ،وبيممن خيممر أهممل وجيممران ،وعنممد أجممل
)(90
الناس همة وأكملهم معروفا ً وأتمهمم سميادة .ثمم ركبنما البحمر قاصمدين
بلنسية عند ظهور أمير الممؤمنين المرتضممى عبمد الرحممن ابمن محممد،
وساكناه بها .فوجمدت ببلنسمية أبما شماكر عبمد الرحممن بمن محممد بمن
موهب العنبري صديقنا ،فنعى إلى أبمما عبممد اللممه بممن الطنممبي وأخممبرني
بموته رحمه الله ثم أخبرني بعد ذلك بمدينة القاضي أبممو الوليممد يممونس
بن محمد المردي وأبو عمر وأحمد ابن محرز ،أن أبا بكر المصممعب بممن
عبد الله الزدي ،المعروف بابن الفرضى ،حدثهما ،وكان والد المصممعب
هذا قاضمي بلنسممية أيممام أميمر الممؤمنين المهمدي؛ وكممان المصممعب لنما
صديقا ً وأخا ً وأليفا ً أيام طلبنا الحديث على والده وسائر شيوخ المحدثين
بقرطبة قال :قال لنا المصعب :سألت أبا عبد اله بن الطنبي عن سممبب
علته ،وهو قد نحل وخفيممت محاسممن وجهممه بالضممنى فلممم يبممق إل عيممن
جوهرها المخبر عمن صممفاتها السمالفة ،وصممار يكماد أن يطيممره النفممس،
وقرب من النحناء ،والشجا باد على وجهه ،ونحن منفردان .فقممال لممي.
نعم :أخبرك أني كنت في باب داري بقديممد الشممماس فممي حيممن دخممول
علي بن حمممود قرطبممة؛ والجيمموش واردة عليهمما مممن الجهممات تتسممارب
فرأيت في جملتهم فتى لم أقدر أن للحسن صممورة قائمممة حممتى رأيتممه،
فغلب على عقلي وهام به لبي ،فسألت عنممه فقيممل لممي :هممذا فلن بممن
فلن ،من سكان جهممة كممذا ،ناحيممة قاصممية عممن قرطبممة بعيممدة المأخممذ.
فيئست من رؤيته بعد ذلك .ولعمري يا أبا بكر ل فارقني حبه أو يوردني
رمسى.
فكان كذلك ،وأنا أعرف ذلك الفتى وأدريه ،وقد رأيته لكني أضربت عن
اسمه لنه قد مات والتقى كلهممما عنممد اللممه عممز وجممل .عفمما اللممه عممن
الجميع.
هذا على أن أبا عبد الله ،أكرم الله نزله ،ممن لم يكن له ولممه قممط ،ول
فارق الطريقة المثلى؛ ول وطئ حراما ً قط؛ ول قممارف منكممرًا؛ ول أتممى
منهيا ً عنه يحل بدينه ومروءته؛ ول قارض من جفا عليممه؛ وممما كممان فممي
طبقتنا مثله .ثم دخلت أنا قرطبة في خلفة القاسم بن حمود المممأمون
فلم أقدم شيئا ً على قصد أبي عمرو القاسممم بممن يحيممى التميمممي أخممي
عبد الله رحمه الله .فسألته عن حاله وعزيته عن أخيه وممما كممان أولممى
بالتعزية عنه مني .ثم سألته عن أشعاره ورسممائله إذ كممان الممذي عنممدي
منه قد ذهب بالنهب في السبب الممذي ذكرتممه فممي صممدر هممذه الحكايممة
فأخبرني عنه أن لما قربت وفاته وأيقن بحضور المنيممة ولممم يشممك فممي
الموت دعا بجميع شعره وبكتبي التي كنت خاطبته أنا بها ،فقطعها كلها
ثم أمر بدفنها .قال أبو عمرو :فقلب له :يا أخي دعها تبقي .فقال :إنممي
أقطعها وأنا أدري أني أقطع فيها أدبا ً كممثيرًا ،ولكممن لممو كممان أبممو محمممد
)(91
بعيني حاضرا ً لدفعتها إليه تكون عنده تذكرة لمودتي ،ولكني ل أعلم أي
البلد أضمرته ول أحي هو أم ميت .وكانت نكبتي اتصلت بممه ولممم يعلممم
مستقري ول إلى ما آل إليه أمري فمن مرائي له قصيدة ،منها:
لئي سترتك بطول اللحود * فوجدي بعدك ل ستتر
قصدت ديارك قصد المشوق * وللدهر فينا كرور ومر
فألفيتها منك قفرا ً خلء * فأسكبت عيني عليك العبر
وحدثني أبو القاسم الهمذاني رحمه الله قال :كان معنا ببغممداد أخ لعبممد
الله ابممن يحيممى بممن أحمممد بممن دحممون العقبممة ،الممذي عليممه مممدار الفتيمما
بقرطبة ،وكان أعلم من أخيه وأجل مقدرًا ،ما كان فممي أصممحابنا ببغممداد
مثله ،وأنه اجتاز يوما ً بدرب قطنة؛ في زقاق ل ينفذ .فممدخل فيممه فممرأى
في أقصاه جارية واقفة مكشوفة الوجه ،فقالت له :يا هذا ،إن الدرب ل
ينفذ ،قال :فنظر إليها فهام بها .قال :وانصرف إلينا فتزايد عليه أمرهمما،
وخشى الفتنة فخرج إلى البصرة فمممات بهمما عشممقا ً رحمممه اللممه ،وكممان
فيما ذكر من الصالحين.
حكاية:
لم أزل أسمعها عن بعبض ملوك الممبرابر ،أن رجل أندلسمميا ً بمماع جاريممة،
كان يجد بها وجدا شديدا ،لفاقة أصابته ،من رجل ممن أهمل ذلمك البلمد،
ولم يظن بائعها أن نفسه تتبعها ذلك التتبع .فلما حصلت عند المشممتري
كادت نفس الندلسي تخرج .فأتى إلى الممذي ابتاعهمما منممه وحكمممه فممي
ماله أجمع وفي نفسه ،فأبى عليه ،فتحمل عليه بأهل البلد فلم يسممعف
منهم أحد .فكاد عقله أن يذهب ورأى أن يتصدى إلى الملك فتعرض لممه
وصاح ،فسمعه فأمر بإدخاله ،والملك قاعد في علية لممه مشممرفة عاليممة
فوصل إليه .فما مثل بين يديه أخبره بقصممته واسممترحمه وتضممرع إليممه،
فرق له الملك فأمر بإحضار الرجل المبتاع فحضر ،فقال له :هممذا رجممل
غريب وهو كما تراه وأنا شفيعه إليك .فأبى المتاع وقممال :أنمما أشممد حبما ً
لها منه وأخشى أن صرفتها إليه أن أستغيث بك غدا ً أو أنا في أسوأ من
حالته .فعرض له الملك ومن حممواليه مممن أممموالهم ،فممأبى ولممج واعتممذر
بمحبته لها ،فلما طال المجلس ولم يروا منه البتة جنوحا ً إلى السممعاف
قال للندلسي :يا هذا مالك بيدي أكثر مما ترى ،وقممد جهممدت لممك بممأبلغ
سعي ،وهو تراه يعتذر بأنه فيها أحب منك وأنه يخشى على نفسه شممرا ً
مما أنت فيه ،فاصبر لما قضى الله عليك .فقمال لمه الندلسمي :فمممالي
بيدك حيلة? قال له :وهل ها هنا غيممر الرغبممة والبممذل ،ممما أسممتطيع لممك
أكثر .فلما يئسي الندلسي منها جمع يممديه ورجليممه وانصممب مممن أعلممى
العلية إلى الرض .فارتاع الملممك وصممرخ ،فابتممدر الغلمممان مممن أسممفل،
فقضى أنه لم يتأذ في ذلممك الوقمموع كممبير أذى ،فصممعد بممه إلممى الملممك،
)(92
فقال :ماذا أردت بهذا? فقال :أيها الملك ،ل سبيل لي إلى الحياة بعدها
ثم هم أن يرمي نفسه ثانية ،فمنع .فقممال الملممك :اللممه أكممبر ،قممد ظهممر
وجه الحكم في هذه المسألة ،ثم التفت إلى المشممتري فقممال :يمما هممذا،
إنك ذكرت أنك أود لها منه وتخاف أن تصير في مثل حاله ،فقال :نعممم.
قال :فإن صاحبك هذا أبدى عنوان محبتممه وقممذف بنفسممه يريممد الممموت
لول أن الله عز وجل وقاه ،فأنت قم فصحح حبك وترام من أعلى هممذه
القصبة كما فعممل صمماحبك ،فممإن مممت فبأجلممك وإن عشممت كنممت أولممى
بالجاريممة ،إذ هممي فممي يممدك ويمضممي صمماحبك عنممك ،وإن أبيممت نزعممت
الجارية منك رغما ً ودفعتها إليه ،فتمنع ثم قال ،أترامى .فلما قممرب مممن
الباب ونظر إلى الهوى تحته رجع القهقري ،فقال له الملك :هو والله ما
قلت ،فهم ثم نكل ،فلممما لممم يقممدم قممال لممه الملممك :ل تتلعممب بنمما ،يمما
غلمان ،خذوا بيديه وأرموا به إلمى الرض فلمما رأى العزيممة قمال :أيهما
الملك ،قد طابت نفسي بالجارية .فقال له :جزاك الله خيممرًا .فاشممتراها
منه ودفعها إلى بائعها ،وانصرفا.
)(93
يتقابلن أبدا ً ويتنازعان دأبمًا ،فممإذا غلممب العقممل النفممس ارتممدع النسممان
وقمع عوارضه المدخولممة واستضمماء بنمور اللممه واتبممع العممدل وإذا غلبممت
النفس العقل عميت البصيرة ،ولم يصممح الفممرق بيممن الحسممن والقبيممح،
وعظم اللتباس وتردى في همموة الممردى ومهممواة الهلكممة ،وبهممذا حسممن
المر والنهي ،ووجب الكتمال ،وصح الثواب والعقاب ،واستحق الجممزاء.
والروح وأصل بين هاتين الطبيعتين ،وموصل ما بينهما ،وحامممل اللتقمماء
بهما وإن الوقوف عند حد الطاعممة لمعممدوم إل بطممول الرياضممة وصممحة
المعرفة ونفاذ التمييز ،ومع ذلك اجتناب التعرض للفتن ومداخله النمماس
جملة والجلوس في الممبيوت ،وبممالحري أن تقممع السمملمة المضمممونة أن
يكون الرجل حصورا ً ل أرب له في النساء ول جارحممة لممه تعبنممه عليهممن
قديمًا .وورد :من وقى شر لقلقه وقبقبه وذبممذبه فقممد وقممى شممر الممدنيا
بحذافيراها .واللقلق :اللسان .والقبقب :البطن .والذبذب :الفممرج ولقممد
أخبرني أبو حفص الكاتب هو من ولد روح بن زنباع الجذامي ،أنه سمممع
بعض المتسمين باسم الفقه من أهل الرواية المشاهير ،وقد سممئل عممن
هذا الحديث فقال :القبقب .البطيخ.
وحدثنا أحمد بن محمد بن أحمد ،ثنا وهب بممن مسممرة ومحمممد بممن أبممي
دليم عن محمد بن وضاح عن يحيى بن يحيى عن مالممك بممن أنممس عممن
زيد بن أسلم عن عطاء ابن يسار ،أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال في حديث طويل) :من وقاه الله شر اثنممتين دخممل الجنممة( .فسممئل
عن ذلك فقال) :ما بين لحييه وما بين رجليه(.
وإني لسمع كثيرا ً ممن يقول :الوفاء فممي قمممع الشممهوات فممي الرجممال
دون النساء فأطيل العجب من ذلك ،وإن لي قول ً ل أحول عنه :الرجممال
والنساء في الجنوح إلى هذين الشمميئين سممواه ،وممما رجممل عرضممت لممه
امرأة جميلة بالحب وطال ذلك ولم يكن ثم من مانع إل وقع في شممرك
الشيطان واستهوته المعاصممي واسممتفزه الحممرص وتغمموله الطمممع ،وممما
امرأة دعاها رجل بمثل هممذه الحالممة إل وأمكنتممه ،حتم ما ً مقضمميا ً وحكم ما ً
نافذا ل محيد عنه البتة.
ولقد أخبرني ثقة صدق من إخواني من أهممل النممماء فممي الفقممه والكلم
المعرفة وذو صلبة في دينممه ،أنممه أحممب جاريمة نبيلممة أديبممة ذات جمممال
بارع ،قال :فعرضت لهمما فنفممرت ،ثممم عرضممت فممأبت .فلممم يممزل المممر
يطول وحبها يزيد ،وهي ل تطيع البتة ،إلى أن حملني فرط حبي لها مممع
عمي الصبي على أن نذرت أني متى نلممت منهمما مممرادي أن أتمموب إلممى
الله توبممة صممادقة .قممال :فممما مممرت اليممام والليممالي حممتى أذعنممت بعممد
شماس ونفمار .فقلمت لمه :أنما فلن ،وفيمت بعهمدك? فقمال :أي واللمه،
فضحكت.
)(94
وذكرت بهذه الفعلة ما لممم يممزل يممداول فممي أسممماعنا مممن أن فممي بلد
البربر التي تجاور أندلسنا يتعهد الفاسق على أنه إذا قضى وطره ممممن
أراد أن يتوب إلى الله ،فل يمنع من ذلك .وينكرون على من تعممرض لممه
بكلمة ويقولون له :أتحرم رجل ً مسلما ً التوبة.
قال :ولعهدي بها تبكي وتقول :والله لقد بلغتني بملغا ً ما خطر قممط لممي
ببال ،ول قدرت أن أجيب إليه أحدًا.
ولست أبعد أن يكون الصلح في الرجال والنساء موجودًا .وأعمموذ بممالله
أن أظن غير هذا ،وإني رأيت الناس يغلطممون فممي معنممى هممذه الكلمممة،
أعني الصلح ،غلطا ً بعيدا ً والصحيح في حقيقة تفسيرها أن الصالحة من
النسمماء هممي الممتي إذا ضممبطت انضممبطت ،وإذا قطعممت عنهمما الممذرائع
أمسكت .والفاسدة هي الممتي إذا ضممبطت لممم تنضممبط ،وإذا حيممل بينهمما
وبيممن السممباب الممتي تسممهل الفممواحش تحيلممت فممي أن تتوصممل إليهمما
بضروب من الحيل .والصالح من الرجال من ل يداخل أهل الفسمموق ول
يتعرض إلى المناظر الجالبة للهواء ،ول يرفع طرفه إلى الصور البديعمة
الصممنعة ،ويتصممدى للمشمماهد المؤذيممة ،ويحممب الخلمموات المهلكممات
والصالحان من الرحال والنساء كالنار الكامنة في الرممماد ل تحممرق مممن
جاورها إل بأن تحرك والفاسقان كالنار المشتعلة تحرق كل شيء.
وأما امرأة مهملة ورجممل متعممرض فقممد هلكمما وتلفمما .ولهممذا حممرم علممى
المسلم اللتذاذ بسماع نغمة امرأة أجنبية .وقممد جعلممت النظممرة الولممى
لك والخرى عليك وقد قال رسول اللمه صملى اللمه عليمه وسملم) :ممن
تأمل امرأة وهو صائم حتى يرى حجم عظامهمما فقممد أفطممر( .وإن فيممما
ورد من النهي عن الهوى بنص التنزيممل لشمميئا ً مقنعمًا .وفممي إيقمماع هممذه
الكلمة ،أعني الهوى .اسما ً على معان ،واشممتقاقها عنممد العممرب ،وذلممك
دليل على ميل النفوس وهويها إلى هذه المقامات .وإن المتمسك عنهمما
مقارع لنفسه محارب لها.
وشيء أصفه لك تراه عيانًا ،وهو أني ممما رأيممت قممط امممرأة فممي مكممان
تحس أن رجل ً يراها أو يسمممع حسممها إل وأحممدثت حركممة فاضمملة كممانت
عنها بمعزل ،وأنت بكلم زائد كممانت عنممه فممي غنيممة ،مخممالفين لكلمهمما
وحركتها قبل ذلك .ورأيت التهمم لمخارج لفظها وهيئة تقلبها لئحا ً فيهمما
ظاهرا ً عليها ل خفاء به .والرجال كذلك إذا أحسوا بالنساء .وأممما إظهممار
الزينة وترتيب المشي وإيقاع المزح عند خطور المرأة بالرجممل واجتيمماز
الرجل بالمرأة فهذا أشهر من الشمس في كل مكان .واللممه عممز وجممل
يقول) :وقل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهممم( ،وقممال
تقدست أسماؤه) :ول يضربن بأرجلهن ليعلممم ممما يخفيممن مممن زينتهممن(.
)(95
فلول علم الله عز وجل برقة إغماضهن في السعي ليصمال حبهمن إلممى
القلوب ،ولطف كيدهن في التحيل لسممتجلب الهمموى ،لممما كشممف اللممه
عن هذا المعنممى البعيممد الغممامض الممذي ليممس وراءه مرمممى ،وهممذا حممد
التعرض فكيف بما دونه.
ولقد اطلعت من سر معتقد الرجال والنساء في هذا على أمممر عظيممم،
وأصل ذلك أني لم أحسمن قمط بأحمد ظنما فمي همذا الشمأن ،ممع غيمرة
شديدة ركبت في .وحدثنا أبو عمر وأحمد بن أحمد ،ثنا أحمد ،ثنا محمممد
بن علي بن رفاعة ،حدثنا علي بن عبد العزيز ،حممدثنا أبممو عبيممد القاسممم
بن سلم عممن شمميوخه :أن رسممول اللممه صمملى اللممه عليممه وسمملم قممال:
)الغيرة من اليمان( .فلم أزل باحثا ً عن أخبارهن كاشفا ً عن أسممرارهن،
وكن قد أنسن مني بكتمان ،فكن يطلعنني على غوامض أمورهن .ولول
أن أكون منبها ً على عورات يستعاذ بممالله منهمما لوردت مممن تنبهممن فممي
السر ومكرهن فيه عجائب تذهل اللباب ،وإني لعرف هذا وأتقنه ،ومع
هذا يعلم الله وكفى به علما ً أني بريممء السمماحة ،سممليم الديممم ،صممحيح
البشرة ،نقي الحجزة ،وإني أقسم بممالله أجممل القسممام أنممي ممما حللممت
مئزري على فرج حرام قط ،ول يحاسبني ربي بكبيرة الزنمما مممذ علقممت
إلممى يممومي هممذا .واللممه المحمممود علممى ذلممك والمشممكور فيممما مضممى
والمستعصم فيما بقي.
حدثنا القاضي أبو عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بممن حجمماف
المعافري ،وإنه لفضل قاض رأيته ،عن محمممد بممن إبراهيممم الطليطلممي
عن القاضي بمصر بكر بن العلء في قول الله عممز وجممل) :وأممما بنعمممة
ربك فحدث( .أن لبعض المتقممدمين فيممه قممول ،وهممو أن المسمملم يكممون
مخبرا ً عن نفسه بما أنعم الله تعالى به عليه من طاعممة ربممه الممتي هممي
مممن أعظممم النعممم ،ول سمميما فممي المفممترض علممى المسمملمين اجتنممابه
وأتباعه .وكان السبب فيما ذكرته أني كنت وقت تأجج نار الصممبا وشممرة
الحداثة وتمكن غرارة الفتوة مقصورا ً محظرا ً على بين رقبمماء ورقممائب،
فلما ملكت نفسي عقلت صحبت أبا علي الحسين بن علي الفاس فممي
مجلس أبي القاسم عبد الرحمن بن أبي يزيممد الزدي شمميخنا وأسممتاذي
رضي الله عنه ،وكان أبو علي المذكور عمماقل ً عممامل ً عالمما ً ممممن تقممدم
في الصلح والنسك الصممحيح فممي الزهممد فممي الممدنيا والجتهمماد للخممرة،
وأحسبه كان حصورا ً لنه لم تكن له امرأة قط ،وممما رأيممت مثلممه جملممة
علما ً وعمل ً ودينا ً وورعًا ،فنفعني الله بممه كممثيرا ً وعلمممت موقممع السمماءة
وقبح المعاصي :ومات أبو علي رحمه الله في الطريق الحج.
ولقد ضمنى المبيت ليلة في بعض الزمان عند امرأة من بعض معارفي
مشهورة بالصلح والخير والحزم ،ومعها جارية مممن بعممض قراباتهمما مممن
اللتي قد ضمنها معي النشأة في الصبا ،ثممم غبممت عنهمما أعوامما ً كممثيرة.
)(96
وكنت تركتها حين أعصرت ووجدتها قد جرى على وجههمما ممماء الشممباب
ففمماض وأنسمماب ،وتفجممرت عليهمما ينممابيع الملحممة فممترددت وتحيممرت،
وطلعت في سماء وجهها نجوم الحسن فأشرقت وتوقدت ،وانبعث فممي
خديها أزاهير الجمال فتمت وأعتمت ،فأتت كما أقول:
خريدة صاغها الرحمن من نور * جلت ملحتها عن كل تقدير
لو جاءني عملي في حسن صورتها * يوم الحساب ويم النفخ في
الصور
)(97
حبلت من ذي قرابة لها حين سئلت :ما ببطنك يمما هنممد? فقممالت :قممرب
الوساد وطول السواد .وفي ذلك أقول شعرًا ،منه:
ل تلم من عرض النفس لما * ليس يرضى غيره عند المحن
ل تقرب عرفجا ً من لهب * ومتى قربته قامت دحن
تصرف ثقة في أحد * فسد الناس جميعا ً والزمن
خلق النسوان للفحل كما * خلق الفحل بل شك لهن
كل شكل يتشهى شكله * ل تكن عن أحد تنفى الظنن
صفة الصالح من إن صنته * عن قبيح أظهر الطوع الحسن
وسواه من إذا ثقفته * أعمل الحيلة في خلع الرسن
وإني لعلم فتى من أهل الصيانة قد أولع بهوى له ،فاجتاز بعض إخمموانه
فوجده قاعدا ً مع من كان يحب ،فاستجلبه إلى منزله ،فأجابه إلى منزله
بامتثال المسير بعده .فمضى داعيه إلى منزله وانتظره حتى طال عليه
التربص فلم يأته .فلما كان بعد ذلك اجتمع به داعيه فعدد عليممه وأطممال
لومه على إخلفممه موعممده ،فاعتممذر وورى .فقلممت أنمما للممذي دعمماه :أنمما
أكشف عذره صممحيحا ً مممن كتمماب اللممه عممز وجممل إذ يقممول) :ممما أخلفنمما
موعدك بملكنا ولكنا حملنا أوزارا ً من زينة القوم( .فضممحك مممن حضممر.
وكلفت أن أقول في ذلك شيئا ً فقلت:
وجرحك لي جرح جبار فل تلم * ولكن جرح الحب غير جبار
وقد صارت الخيلن وسط بياضه * كنيلوفر حفته روض بهار
وكم قال لي من مت وجدا ً بحبه * مقالة محلول المقالة زاري
وقد كثرت مني إليه مطالب * ألح عليه تارة وأداري
أما في التوائي ما يبرد غلة * ويذهب شوقا ً في ضلوعك ساري
فقلت له لو كان ذلك لم تكن * عداوة جار في النام لجار
وقد تتراءى العسكر أن لدي الوغي * وبينهما للموت سيل بوار
ولي كلمتان قلتهما معرضا ً بل مصرحا ً برجل من أصحابنا كنا نعرفه كلنا
مممن أهممل الطلممب والعنايممة والممورع وقيممام الليممل واقتفمماء آثممار النسمماك
وسمملوك ممذاهب المتصموفين القمدماء باحثما ً مجتهممدًا ،وقمد كنما نتجنمب
المزاح بحضرته ،فلم يمممض الزمممن حممتى مكممن الشمميطان مممن نفسممه،
وفتك بعد لباس النساك ،وملك إبليس من خطممامه فسممول لممه الغممرور،
وزين له الويممل والثبممور ،وأجممره رسممنه بعممد إبمماء .وأعطمماه ناصمميته بعممد
)(98
شماس ،فخب في طماعته وأوضمع ،واشمتهر بعمد مما ذكرتمه فمي بعمض
المعاصي القبيحة الوضرة ،ولقد أطلممت ملمممه وتشممددت فممي عممذله إذ
أعلن بالمعصية بعد استتار ،إلى أن أفسممد ذلممك ضممميره علممي ،وخبثممت
نيته لي ،وتربص بي دوائر السوء ،وكان بعض أصحابنا يسمماعده بممالكلم
اسممتجرارا ً إليممه ،فيممأنس بممه ويظهممر لممه عممداوتي ،إلممى أن أظهممر اللممه
سريرته ،فعلمها البادي والحاضر ،وسقط من عيون الناس كلهم بعد أن
كان مقصدا ً للعلماء ومنتابا ً للفضلء ،ورذل عند إخوانه جملة .أعاذنا الله
من البلء ،وسترنا في كفايته ،ول سلبنا ما بنمما ممن نعمتممه .فيمما سمموءتاه
لمن بدأ باستقامة ولم يعلم أن الخذلن يحل به وأن العصمة سممتفارقه،
ل إله إل الله ،ما أشنع هذا وأفظعه .لقممد دهمتممه إحممدى بنممات الحممرس،
وألقت عصاها به أم طبق .من كمان للممه أول ً ثممم صمار للشمميطان آخممرًا،
ومن إحدى الكلمتين:
أما الغلم فقد حانت فضيحته * وأنه كان مستورا ً فقد هتكا
مازال يضحك من أهل الهوى عجبا ً * فالن كل جهول منه قد ضحكا
إليك ل تلح صبا هائما ً كلفا ً * يرى التهتك في دين الهوى نسكا ً
ذو مخبر وكتاب ل يفارقه * نحو المحدث يسعى حيث ما سلكا
فاعتلص من سمر أقلم بنان فتي * كأنه من لجين صبغ أو سبكا ً
يا لئمي سفها ً في ذاك قل فلم * تشهد جبينين يوم الملتقى اشتبكا
دعني ووردي في البار أطلبه * إليك عني كذا ل أبتغي البركا
إذا تعففت عف الحب عنك وإن * تركت يوما ً فإن الحب قد تركا
ول تحل من الهجران منعقدا ً * إل إذا ما حللت الزر والتككا
ول تصحح للسلطان مملكة * أو تدخل البرد عن إنفاذه السككا
ول بغير كثير المسح يذهب ما * يعلو الحديد من الصداء إن سبكا
وكممان هممذا المممذكور مممن أصممحابنا قممد أحكممم القممراءات إحكام ما ً جيممدًا،
واختصر كتاب النباري في الوقف والبتداء اختصارا ً حسنا ً أعجب به من
رآه من المقرئين ،وكان دائبا ً علممى طلممب الحممديث وتقييممده ،والمتممولي
لقراءة ما يسمعه على الشيوخ المحدثين ،مثممابرا ً علممى النسممخ مجتهممدا ً
به .فلما امتحن بهذه البلية مع بعض الغلمان رفض ما كان معتنيمما ً وبمماع
أكثر كتبه واستحال استحالة كلية ،نعوذ بالله مممن الخممذلن ،وقلممت فيممه
كلمة وهي التالية للكلمة التي ذكرت منها في أول خبره ثم تركتها.
وقد ذكر أبو الحسين أحمد بمن يحيممى بمن إسممحاق الرويممدي فممي كتمماب
اللفظ والصلح :أن إبراهيم بن سيار النظام رأس المعتزلممة ،مممن علممو
)(99
طبقته في الكلم وتمكنه وتحكمه في المعرفة ،تسبب إلى ما حرم الله
عليه من فتى نصراني عشقه بأن وضممع لممه كتاب ما ً فممي تفضمميل التثليممث
علممى التوحيممد .فيمما غوثمماه عيمماذك يمما رب مممن تولممج الشمميطان ووقمموع
الخذلن .وقد يعظم البلء ،وتكلب الشهوة ،ويهون القبيممح وبممرق الممدين
حتى يرضى النسان في جنب وصمموله إلممى مممراده بالقبممائح والفضممائح،
كمثل ما دهم عبيد الله بن يحيى الزدي المعروف بابن الحزيممري ،فممإنه
رضي بإهمال داره وإباحة حريمه والتعريض بأهله طمع ما ً فممي الحصممول
على بغيته من فتى كان علقه .نعوذ بالله من الضمملل ونسممأله الحياطممة
وتحسين آثارنا وإطابة أخبارنا ،حتى لقد صار المسممكين حمديثا ً تعممر بمه
المحافل ،وتصاغ فيه الشعار ،وهو الذي تسممميه العممرب الممديوث .وهممو
مشتق من التدييث ،وهو التسهيل .وما بعممد تسممهيل مممن تسمممح نفسممه
بهذا الشأن تسهيل ،ومنممه بعيممر مممديث .أي مممذلل .ولعمممري إن الغيممرة
لتوجد في الحيوان بالخلقة ،فكيف وقد أكدتها عندنا الشريعة ،وممما بعممد
هذا مصاب .ولقد كنت أعرف هممذا المممذكور مسممتورا ً إلممى أن اسممتهواه
الشيطان ونعوذ بالله من الخممذلن .وفيمه يقمول عيسممى بمن محممد بمن
محمل الحولني:
يا جاعل ً إخراج حر نسائه * شركا لصيد جآذر الغزلن
إني أرى شركا يمزق ثم ل * تحظى بغير مذلة الحرمان
وأقول أنا أيضًا:
أباح أبو مروان حر نسائه * ليبلغ ما يهوى من الرشأ الفرد
فعاتبته الديوث في قبح فعله * فأنشدني مستبصر جلد
لقد كنت أدركت المني غير أنني * يعيرني قومي بإداركها وحدي
وأقول أيضًا:
رأيت الحزيرى فيما يعاني * قليل الرشاد كثير السفاه
يبيع ويبتاع عرضا ً بعرض * أمور وجدك ذات اشتباه
ويأخذ ميما بإعطاء هاء * أل هكذا فليكن ذو النواهي
وبيدل أرضا ً تغذي النبات * بأرض تحف بشوك العضاه
لقد خاب في تجره ذو ابتياع * مهب الرياح بمجرى المياه
ولقد سمعته في المسجد الجامع يستعيذ بالله من العصمة كما يسممتعاذ
به من الخذلن.
ومما يشبه هذا أني أذكر أني كنت في مجلس فيه إخوان لنا عند بعممض
مياسير أهل بلدنان فرأيت بين بعض من حضر وبين من كممان بالحضممرة
)(100
أيضا ً من أهل صاحب المجلس أمرا ً أنكرته وغمزا ً استبشممعته ،وخلمموات
الحين بعد الحين ،وصاحب المجلس كالغائب أو النائم ،فنبهته بالتعريض
فلم ينتبه ،وكحرمته بالتصممريح فلممم يتحممرك ،فجعلمت أكممرر عليمه بيممتين
قديمين لعله يفطن .وهما هذان:
إن إخوانه المقيمين بالم * س أتوا للزناء ل للغناء
قطعوا أمرهم وأنت حمار * موقر من بلدة وغباء
وأكثرت من إنشادهن حتى قال لمي صماحب المجلمس :قمد أمللتنما ممن
سممماعهما فتفضممل بتركهممما أو إنشمماد غيرهممما .فأمسممكت وأنمما ل أدري
أغافل هو أم متغافل .وما أذكر أنممي عممدت إلممى ذلممك المجلممس بعممدها.
فقلت فيه قطعة منها:
أنت ل شك أحسن الناس ظنا ً * ويقينا ً ونية وضميرا ً
فانتبه أن بعض من كان بالم * س جليسا ً لنا يعاني كبيرا ً
ليس كل الركوع فاعلم صلة * ل ول كل ذي لحاظ بصيرا ً
وحدثني ثعلب بممن موسممى الكلذانممي قممال :حممدثني سممليمان بممن أحمممد
الشاعر قال :حدثتني امرأة اسمها هند كنت رأيتها في المشرق ،وكانت
قد حجت خمس حجات ،وهي من المتعبدات المجتهدات ،قال سليمان:
فقالت لي :يا بن أخي ،ل تحسن الظمن بمامرأة قمط فمإني أخمبرك عمن
نفسي بما يعلمه الله عز وجل :ركبممت البحممر منصممرفة مممن الحممج وقممد
رفضت الدنيا وأنا خامسة نسوة ،كلهن قد حججممن ،وصممرنا فممي مركممب
في بحر القلزم ،وفي بعض ملحي السفينة رجممل مضمممر الخلممق مديممد
القامة واسع الكناف حسن التركيب ،فرأيته أول ليلة قد أتى إلى إحدى
صواحبي فوضع إحليله في يدها وكان ضخما ً جدًا .فممأمكنته فممي المموقت
من نفسها .ثم مر عليهن كلهن في ليالي متواليات ،فلم يبق له غيرهمما،
تعني نفسها ،قالت :فقلت في نفسي :لنتقمممن منممك .فأخممذت موسممى
وأمسكتها بيدي .فأتى في الليل على جاري عادته .فلما فعل كفعله في
سممائل الليممالي سممقطت الموسممى عليممه فارتمماع وقممام لينهممض .قممالت:
فأشفقت عليه وقلت له :وقممد أمسممكته :ل زلممت أو آخممذ نصمميبي منممك.
قالت العجوز :فقضى وطره وأستغفر الله.
وإن للشعراء من لطف التعريض عممن الكنايممة لعجبمما .ومممن بعممض ذلممك
قولي حيث أقول:
أتاني وماء المزن في الجو يسفك * كمحض لجين إذ يمد ويسبك
هلل الدياجي انحط من جو أفقه * فقل في محب نال ما ليس يدرك
وكان الذي إن كنت لي عنه سائل ً * فمالي جواب غير أني أضحك
)(101
لفرط سروري خلتني عنه نائما ً * فيا عجبا ً من موقنه يتشكك
وأقول أيضا ً قطعة منها:
أتيتني وهلل الجو مطلع * قبيل قرع التساري للنواقيس
كحاجب الشيخ عم الشيب أكثره * وإخمص الرجل في لطف وتقويس
ولح في الفق قوس الله مكتسيا ً * من كل لون كأذناب الطواويس
وإن فيما يبدو إلينا من تعادي المتواصلين في غير ذات اللممه تعممالى بعممد
اللفة ،وتدابرهم بعد الوصال ،وتقمماطعهم بعممد المممودة ،وتباغضممهم بعممد
المحبة ،واستحكام الضغائن وتأكد السخائم في صدورهم ،لكاشفا ً ناهيما ً
لو صادف عقول ً سليمة وآراء نافذة وعزائم صحيحة .فكيف بما أعد الممه
لمن عصاه من النكممال الشممديد يمموم الحسمماب وفممي دار الجممزاء ،ومممن
الكشف علممى رؤوس الخلئق) :يموم تمذهل كممل مرضمعة عمما أرضمعت
وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن
عذاب الله شديد( .جعلنا الله ممن يفوز برضاه ويستحق رحمته.
ولقد رأيت امرأة كانت مودتهمما فممي غيممر ذات اللممه عممز وجممل .فعهممدتها
أصفى من الماء وألطف من الهواء وأثبت من الجبال وأقوى من الحديد
وأشد امتزاجا ً من اللون في الملون ،وأنفذا استحكاما ً من العراض في
الجسام ،وأضوأ من الشمس ،وأصممح مممن العيممان ،وأثقممب مممن ألنجممم،
وأصدق من كدر القطا وأعجب من الدهر ،وأحسن من البر ،وأجمل من
وجه أبي عامر ،وألذ من العافية وأحلى من المنى ،وأدنى مممن النفممس،
وأقرب من النسب ،وأرسخ من النقش في الحجر ثم لم ألبث أن رأيت
تلك المودة قد استحالت عداوة أفظع من الممموت ،وأنفممذ مممن السممهم،
وأمر من السممقم ،وأوحممش مممن زوال النعممم ،وأقبممح مممن حلممول النقممم
وامضى من عقم الرياح ،وأضممر مممن الحمممق ،وأدمممر مممن غلبممة العممدو،
وأشد من السر ،وأقسى من الصخر ،وأبغض من كشف الستار ،وأنأى
من الجوزاء ،وأصعب مممن معانمماة السممماء ،وأكممبر مممن رؤيممة المصمماب،
وأشنع من خممرق العممادات وأقطممع مممن فجممأة البلء ،وأبشممع مممن السممم
الزعاف؛ وما ل يتولممد مثلممه عممن الممذحول والممترات وقتممل البمماء وسممبي
المهات .وتلك عادة اللممه فممي أهممل الفسممق القاصممدين سممواه ،المييممن
غيره؛ وذلك قوله عز وجل) :يا ليتني لم أتخذ فلنا ً خليل ً لقد أضلني عن
الذكر بعد إذ جاءني( .فيجب على اللبيب الستجارة بالله مما يورط فيه
الهوى .فهذا خلف مولى يوسف بن قمقام القممائد المشممهور ،كممان أحممد
القائمين مع هشام بممن سممليمان بممن الناصممر ،فلممما أسممر هشممام وقتممل
وهرب الذين وازروه فر خلف في جملتهم ونجا .فلممما أتممى القسممطلت
لم يطق الصبر عن جارية كانت له بقرطبة فكر راجعًا .فظفممر بممه أميممر
)(102
المؤمنين المهدي ،فأمر بصلبه .فلعهممدي بممه مصمملوبا ً فممي المممرج علممى
النهر العظم وكأنه القنفذ من النبل.
ولقد أخبرني أبو بكر محمد بن الوزير عبد الرحمن بن الليث رحمه الله
أن سبب هروبه إلى محلة البرابر أيام تحولهم مع سليمان الظممافر إنممما
كن لجارية يكلف بها تصيرت عند بعض من كان في تلك الناحيممة؛ ولقممد
كاد أن يتلف في تلك السفرة.
وهذان الفصلن وإن لم يكونا من جنس الباب فإنهما شاهدان على ما
يقود إليه الهوى من الهلك الحاضر الظاهر ،الذي يستوي في فهمه
العالم والجاهل؛ فكيف من العصمة التي ل يفهمها من ضعفت بصيرته.
ول يقولن امرؤ :خلوت فهو وإن انفرد فبمرأى ومسمع من علم
الغيوب * )الذي يعلم خائنة العين وما تخفي الصدور( ) * ،ويعلم السر
وأخفى( ) * ،وما يكون من نجوى ثلثة إل هو رابعهم ول خمسة إل هو
سادسهم ول أدنى من ذلك ول أكثر إل هو معهم أينما كانوا وهو عليم
بذات الصدور( .وهو عالم الغيب والشهادة) * ،ويستخفون من الناس
ول يستخفون من الله وهو معهم( ،وقال) :ولقد خلقنا النسان ونعلم
ما توسوس به نفسه ونحن أقرب أليه من حبل الوريد .إذ يتلقى
الملتقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد .ما يلفظ من قول إل لديه
رقيب عتيد(.
)(103
حدثنا الهمداني في مسجد القمرى بالجممانب الغربممي مممن قرطبممة سممنة
إحدى وأربعمائة .حدثنا ابن سبويه وأبو إسحاق البلخممي بخراسممان سممنة
خمس وسبعين وثلثمممائة .قممال :ثنمما محمممد بممن يوسممف :ثنمما محمممد بممن
إسماعيل :ثنا قتيبة بن سعيد :ثنا جرير عن العمش عن أبممي وائل عممن
عمرو بن شرحبيل قال :قال عبد الله وهو ابن مسممعود :قممال رجممل :يمما
رسول الله ،أي الممذيب أكممبر عنممد اللممه? قممال) :أن تممدعو للممه نممدا وهممو
خلقك( .قال :ثم أي? قال) :أن تقتل ولدك أن يطعممم معممك( .قممال :ثممم
أي? قال) :أن تزانممي حليلممة جمارك( .فممأنزل اللممه تصممديقها) :والممذين ل
يدعون مع الله إلها ً آخر ول يقتلون النفس التي حرم اللممه إل بممالحق ول
يزنون( .وقال عز وجل) :الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهممما مممائة
جلدة ول تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله(.
حدثنا الهمداني عن أبمي إسمحاق البلخمي وابمن سمبويه عمن محممد بمن
يوسف عن محمد بن إسماعيل عن الليث عممن عقيممل عممن ابممن شممهاب
الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وسممعيد بممن
المسيب المخزوميين وأبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) :ل يزني الزاني حين يزني وهممو
مؤمن( .وبالسند المذكور إلى محمد بن إسماعيل عممن يحيممى بممن بكيممر
عن الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن أبي سلمة وسعيد بن المسيب
عن أبي هريرة قال أنى رجل إلى رسول اللممه صمملى اللممه عليممه وسمملم
وهو في المسجد فقال يا رسول الله ،إني زنيت .فممأعرض عنممه .ثممم رد
عليه أربع مرات .فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه النممبي صمملى
الله عليه وسلم فقال :أبك جنممون? قممال :ل .قممال فهممل أحصممنت قممال:
نعم .فقال النبي صلى الله عليه وسلم :اذهبو به فارجموه.
قال ابن شهاب :فأخبرني من سمع جابر بن عبد الله قال :كنممت فيمممن
رجمه فرجمناه بالمصلى ،فلما أذلقته الحجممارة هممرب فأدركنمماه بممالحرة
فرجمناه.
حدثنا أبو سعيد مولى الحاجب جعفر في المسجد الجممامع بقرطبممة عممن
أبي بكر المقرئ عن أبي جعفر النحاس عن سعيد بن بشممر عممن عمممرو
بن رافع عن منصور عن الحسن عن حطان بن عبد الله الرقاشممي عممن
عبادة بن الصامت عن رسول الله صلى الله عليممه وسمملم قممال) :خممذوا
عني خذوا عني ،قد جعل الله لهممن سممبي ً
ل :البكممر بممالبكر جلممد ،وتغريممب
سنة ،والثيب بالثيب جلد مائة والرجم .فيا لشنعة ذنب أنزل اللممه وحيممه
مبينا ً بالتشهير بصاحبه ،والعنف بفاعله ،والتشديد لمقترفه ،وتشدد فممي
أل يرجم إل بحضرة أوليائه عقوبة رجمه ،وقد أجمع المسلمون إجماعمما ً
ل ينقضه إل ملحد أن الزاني المحصن عليه الرجم حتى يموت(.
)(104
فيا لها قتلة ما أهولها ،وعقوبة ممما أفظعهمما ،وأشممد عممذابها وأبعممدها مممن
الراحة وسرعة الموت.
)(105
وما جعل الله عز وجل فيممه أربعممة شممهود وفممي كممل حكممم شمماهدين إل
حياطة منه أل تشمميع الفاحشممة فممي عبمماده ،لعظمهمما وشممنعتها وقبحهمما،
وكيف ل تكون شنيعة ومن قممذف بهما أخمماه المسمملم أو أختممه المسمملمة
دون صحة علم أو تيقن معرفة فقد أتى كبرة من الكبائر استحق عليهمما
النار غدًا ،ووجب عليه بنص التنزيل أن تضرب بشرته ثمانين سوطًا.
ومالك رضي الله عنه يرى أل يؤخذ في شيء من الشياء حد بالتعريض
دون التصريح إل في قذف.
وبالسند المذكور عن الليث بن سعيد عن يحيى بن سعيد عن محمد بن
عبد الرحمن عن أمه عمرة بنت عبممد الرحمممن عممن عمممر بممن الخطمماب
رضي الله عنه أنه أمر أن يجلد الرجل قال لخر :ما أبي بممزان ول أمممي
بزانية.
في حديث طويل وبإجماع من المة كلها دون خلف من أحد نعلممه أنمه
إذا قال رجل لخر :يا كافر ،أو يا قاتل النفس التي حرم الله ،لما وجممب
عليه حد؛ احتياطا ً من الله عز وجل إل يثبت هممذه العظيمممة فممي مسمملم
ول مسلمة.
ومن قول مالك رحمه الله أيضا ً أنه ل حد في السمملم إل والقتممل يغنممي
عنه وبنسخه إل حد القممذف ،فممإنه إن وجمب علمى ممن قمد وجممب عليمه
القتل حد ثم قتل .قال الله تعالى) :والممذين يرممون المحصممنات ثممم لمم
يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ول تقبلمموا لهممم شممهادة أبممدا ً
وأولئك هم الفاسقون .إل الذين تابوا( .وقال تعممالى) :إن الممذين يرمممون
المحصنات الغافلت المؤمنات لعنمموا فممي الممدنيا والخممرة ولهممم عممذاب
عظيم( .وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قممال :الغضممب
واللعنة المذكوران في اللعان إنهما موجبتان.
حدثنا الهمداني عن أبي إسحاق عن محمد بممن يوسممف عممن محمممد بممن
إسماعيل عن عبد العزيز بن عبد الله ،قممال :ثنمما سممليمان عممن ثممور بممن
يزيد عن أبي الغيث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال) :اجتنبوا السبع الموبقات( .قالوا :وممما هممن يما رسممول اللممه? قممال:
)الشرك بالله ،والسحر ،وقتل النفس التي حممرم اللممه إل بممالحق ،وأكممل
الربمما ،وأكممل مممال اليممتيم ،والتممولي يمموم الزحممف ،وقممذف المحصممنات
الغافلت المؤمنات(.
وإن في الزنا من إباحة الحريم ،وإفساد النسممل ،والتفريممق بيممن الزواج
الذي عظم الله أمره ،مال يهون على ذي عقل أومن له أقل خلق ،ولمو
ل مكان هذا العنصر من النسان وأنه غير مأمون الغلبة لما خفممف اللممه
عن البكرين وشدد على المحصممنين .وهممذا عنممدنا وفممي جميممع الشممرائع
)(106
القديمة النازلة من عند الله عز وجممل حكممما باقيما ً لممم ينسممخ ول أزيممل،
فيترك الناظر لعباده الذي لممم يشممغله عظيممم ممما فممي خلقممه ول يحيممف
قدرته كبير ما في عوالمه عن النظر لحقير ما فيها ،فهممو كممما قممال عممز
وجل) :الحي القيوم ل تأخذه سنة ول نمموم( .وقممال) :يعلممم مما يلممج فممي
الرض وما يخرج منا وممما ينممزل مممن السممماء وممما يعممرج فيهمما( .وقممال:
)عالم الغيب ل يعزب عنه مثقال ذرة في الرض ول في السماء(.
وإن أعظم ما يأتي به العبد هتك ستر الله عز وجل في عباده .وقد جمماء
في حكم أبي بكر الصديق رضي الله عنه في ضربه الرجممل الممذي ضممم
صبيا حتى أمنى ضربا ً كان سببا ً للمنية .ومن إعجمماب مالممك رحمممه اللممه
باجتهاد المير الذي ضرب صبيا ً مكن رجل ً من تقبيله حتى أمنى الرجل،
ضربه إلى أن مات ،ما ينسى شدة دواعي هذا الشأن وأسبابه .والتزيممد
في الجتهاد ،وإن كنا ل نراه فهو قول كثير من العلماء يتبعه علممى ذلممك
عالم من الناس .وأما الممذي نممذهب أليممه فالممذي حممدثناه الهمممداني عممن
البلخي عممن البخمماري عممن الفربممري عممن البخمماري قممال :ثنمما يحيممى بممن
سليمان ،ثنا ابن وهب قال :أخبرني عمرو أن بكيرا ً حممدثه عممن سممليمان
بن يسار عن عبد الرحمن بن جابر عممن أبيممه عممن أبممي بممردة النصمماري
قال :سمعت رسول الله صلى الله عليممه وسمملم يقممول) :ل يجلممد فمموق
عشرة أسواط إل في حد من حدود الله عز وجل(.
وبه يقول أبو جعفر محمد بن علي النسائي الشافعي رحمه الله.
وأما فعل قوم لوط فشنيع بشيع قال الله تعالى) :أتممأتون الفاحشممة ممما
سبقكم بها من أحد من العالمين( .وقد قذف اللممه فمماعليه بحجممارة مممن
طين مسومة .ومالك رحمه الله يرى على الفاعل والمفعول بممه الرجممم
أحصنا أو لم يحصنا .واحتج بعبض المالكيين في ذلك بأن الله عممز وجممل
يقول في رجمه فاعليه بالحجارة :وما هي من الظالمين ببعيممد .فمموجب
بهممذا أنممه مممن ظلممم الن بمثممل فعلهممم قربممت منممه والخلف فممي هممذه
المسألة ليس هذا موضعه .وقد ذكر أبو إسحاق إبراهيم بمن السمري أن
أبا بكر رضي الله عنه أحرق فيه بالنار .وذكر أبو عبيدة معمر بن المثنى
اسم المحرق فقال :هو شجاع بن ورقاء السدي أحرقه بالنممار أبممو بكممر
الصديق لنه يؤتي في دبره كما تؤتى المرأة.
وأن عن المعاصي لمذاهب للعقل واسعة ،فما حرم اللممه شمميئا ً إل وقممد
عوض عباده من الحلل ما هو أحسن من المحرم وأفضل ،ل إله إل هو.
وأقول في النهي عن إتباع الهوى على سبيل الوعظ:
أقول لنفسي ما مبين كحالك * وما الناس إل هالك وابن هالك
صن النفس عما عابها وارفض الهوى * فإن الهوى مفتاح باب المهالك
)(107
رأيت الهوى سهل المبادي لذيذها * وعقباه مر الطعم ضنك المسالك
فما لذة النسان والموت بعدها * ولو عاش ضعفي عمر نوح بن لمك
فل تتبع دارا ً قليل ً لبائها * فقد أنذرتنا بالفناء المواشك
وما تركها إل إذا هي أمكنت * وكم تارك إضماره غير تارك
فما تارك المال عجبا ً جؤاذرا ً * كتار كهاذات الضروع الحواشك
وما قابل المر الذي كان راغبا ً * بشهوة مشتاق وعقل مبارك
لجدى عباد الله بالفوز عنده * لدى جنة الفردوس فوق الرائك
ومن عرف المر بالذي هو طالب * رأى سببا ً ما في يدي كل مالك
ومن عرف الرحمن لم يعص أمره * ولو أنه يعطه جميع الممالك
سبيل التقي والنسك خير المسالك * وسالكها مستبصر خير سالك
فما فقد التنغيص من عاج دونها * ول طاب عيش لمري غير سالك
وطوبى لقوام يؤمون نحوها * بخفة أرواح ولين عرائك
لقد فقدوا غل النفوس وفضلوا * بعز سلطين وأمن صعالك
فعاشوا كما شاءوا وماتوا كما اشتهوا * وفازوا بدار الخلد رحب
المبارك
عصوا طاعة الجساد في كل لذة * بنور محل ظلمة الغي هاتك
فلول اعتداد الجسم أيقنت أنهم * يعيشون عيشا ً مثل عيش الملئك
فيا رب قدمهم وزد في صلحهم * وصل عليهم حيث حلوا وبارك
ويا نفس حدي ل تملي وشمري * لنيل سرور الدهر فيما هنالك
وأنت متى دمرت سعيك في الهوى * علمت بأن الحق ليس كذلك
فقد بين الله الشريعة للورى * بأبين من زهر النجوم الشوابك
فيا نفس جدي ف في خلصك وانفذي * نفاذ السيوف المرهفات
البواتك
فلو أعمل الناس التفكر في الذي * له خلقوا ما كان حي بضاحك
الباب الثلثون
فضل التعفف
)(108
ومن أفضل ما يأتيه النسان في حبه التعفف ،وترك ركوب المعصية
والفاحشة ،وأل يرغب عن مجازاة خالقه له بالنعيم في دار المقامة،
وأل يعصي موله المتفضل عليه الذي جعل له مكانا ً وأهل لمره ونهيه:
وأرسل إليه رسله وجعل كلمه ثابتا ً لديه ،عناية منه بنا وإحسانا ً إلينا.
وإن من هام قلبه وشغل باله واشتد شوقه وعظم وجده ثم ظفر فرام
هواه أن يغلب عقله وشهوته ،وأن يقهر دينه ،ثم أقام العدل لنفسه
حصنًا ،وعلم أنها النفس المارة بالسوء ،وذكرها بعقاب الله تعالى
وفكر في اجترائه على خالقه وهو يراه ،وحذرها من يوم المعاذ
والوقوف بين يدي الملك العزيز الشديد العقاب الرحمن الرحيم الذي
ل يحتاج إلى بينة ،ونظر بعين ضميره إلى انفراده عن كل مدافع
بحضرة علم الغيوب * )يوم ل ينفع مال ول بنون إل من أتى الله بقلب
سليم() * .يوم تبدل الرض غير الرض والسموات() * .يوم تجد كل
نفس ما عملت من خير محضرا ً وما عملت من سوء تود لو أن بينها
وبينه أمدا ً بعيدًا( .يوم * )وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خال من
حمل ظلمًا( .يوم * )ووجدوا ما عملوا حاضرا ً ول يظلم ربك أحدًا( .يوم
الطامة الكبرى) * ،يوم يتذكر النسان ما سعى وبرزت الجحيم لمن
يرى فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى .وأما من
خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى( .واليوم
الذي قال الله تعالى فيه) :وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج
له يوم القيامة كتابا ً يلقاه منشورا ً اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك
حسيبًا( .عندها يقول العاصي :يا ويلتي! ما لهذا الكتاب ل يغادر صغيرة
ول كبيرة إل أحصاها .فكيف بمن طوى قلبه على أحر من جمر الغضى.
وطوى كشحه على أحد من السيف ،وتجرع غصصا ً أمر من الحنظل،
وصرف نفسه كرها ً عما طمعت فيه وتيقنت ببلوغه وتهيأت له ولم يحل
دونها حائل ،لحرى أن يسر غدا ً يوم البعث ويكون من المقربين في دار
الجزاء وعالم الخلود ،وأن يأمن روعات القيامة وهول المطلع ،وأن
يعوضه الله من هذه القرحة المن يوم الحشر.
حدثني أبو موسى هارون بن موسى الطممبيب قممال :رأيممت شممابا ً حسممن
الوجه من أهل قرطبة قد تعبد ورفض الدنيا ،وكان لممه أخ فممي اللممه قممد
سقطت بينهما مؤونممة التحفممظ ،فممزاره ذات ليلممة وعممزم علممى المممبيت
عنده ،فعرضت لصاحب المنممزل حاجممة إلممى بعممض معممارفه بالبعممد عممن
منزله .فنهض لها على أن ينصرف مسرعًا .ونزل الشمماب فممي داره ممع
امرأته ،وكنت غاية الحسن وتربا ً للضيف في الصبى فأطال رب المنزل
المقام إلى أن مشى العسس ولم يمكنه النصممراف إلممى منزلممه ،فلممما
علمت المرأة بفوات المموقت وأن زوجهما ل يمكنمه المجيمء تلممك الليلممة
)(109
تاقت نفسها إلى ذلك الفتى فبرزت إليمه ودعتممه إلمى نفسمها ،ول ثمالث
لهما إل الله عز وجل ،فهم بها ثم ثمماب إليممه عقلممه وفكممر فممي اللممه عممز
وجل فوضع إصبعه على السراج فتفقع ثممم قممال :يما نفممس ،ذوقممي هممذا
وأين هممذا مممن نممار جهنممم .فهممال المممرأة ممما رأت ،ثممم عمماودته فعمماودته
الشهوة المركبة في النسان فعاد إلممى الفعلممة الولممى .فانبلممج الصممباح
وسبابته قد اصطمتها النار.
أفتظن بلغ هذا من نفسه هذا المبلغ إل لفرط شهوة قد كلبت عليممه? أو
ترى أن الله تعالى يضيع له المقام? كل إنه لكرم من ذلك وأعلم.
ولقد حدثتني امرأة أثق بها أنها علقها فممتى مثلهمما مممن الحسممن وعلقتممه
وشاع القول عليهما ،فاجتمعا يوما خاليين فقال :هلمي نحقمق مما يقمال
فينا .فقالت :ل والله ل كان هذا أبدًا .وأنا أقرأ قول الله) :الخلء يممومئذ
بعضهم لبعض عدو إل المتقين( .قالت :فممما مضممى قليممل حممتى اجتمعمما
حلل.
ولقد حدثني ثقة من إخواني أنه خل يوما ً بجارية كممانت لممه مفاركممة فممي
الصبى ،فتعرضت لبعض تلك المعاني ،فقال لها :كل .إن من شكر نعمة
الله فيما منحى من وصالك الذي كممان أقصممى آمممالي أن أجتنممب هممواي
لمره ولعمري إن هذا لغريب فيما خل من الزمان ،فكيف في مثل هذا
الزمان الذي قد ذهب خيره وأتى شره.
وما أقدر في هذه الخبار -وهي صحيحة -إل أحد وجهين ل شك فيهما:
إما طبع قد مال إلى غير هذا الشأن واستحكمت معرفته بفضممل سممواه
عليه فهو ل يجيب دواعي الغزل في كلمممة ول كلمممتين ول فممي يمموم ول
يومين ،ولو طال على هؤلء الممتحنين ما امتحنوا بممه لجممادت طبمماعهم
وأجابوا هاتف الفتنة ،ولكن الله عصمهم بانقطاع السبب المحرك نظرا ً
لهم وعلما ً بما في ضمائرهم من الستعاذة بممه مممن القبممائح ،واسممتدعاء
الرشد .ل إله إل هو.
وإما بصيرة حضرت في ذلك الوقت ،وخاطر تجرد أن قمعت به طوالممع
الشهوة في ذلك الحين ،لخير أراد اللممه عممز وجممل لصمماحبه .جعلنمما اللممه
ممن يخافه ويرجوه .آمين.
وحدثني أبو عبد الله محمد بن عمممر وبممن مضممائ عممن رجممال مممن بنممي
مروان ثقات يسندون الحديث إلى أبي العباس الوليد بممن غممانم أه ذكممر
أن المام عبد الرحمن ابن الحكم غاب في بعض غزواته شممهورا ً وثقممف
القصر بابنه محمد الذي ولى الخلفممة بعممده ورتبممه فممي السممطح وجعممل
مبيته ليل ً وقعوده نهارا ً فيه ،ولم يأذن له في الخروج البتمة .ورتمب معمه
في كل ليلة وزيرا ً من الوزراء وفتى من أكابر الفتيممان يبيتممان معممه فممي
السطح .قال أبو العباس :فأقام على ذلك مدة طويلة وبعد عهده بممأهله
)(110
وهو في سن العشرين أو نحوها ،إلى أن وافق مبيممتي فممي ليلممتي نوبممة
فتى من أكابر الفتيان ،وكان صغيرا ً في سنه وغايممة فممي حسممن وجهممه.
قال أبو العباس :فقلت في نفسي :إني أخشى الليلممة علممى محمممد بممن
عبد الرحمن الهلك بمواقعه المعصية وتزين إبليس وأتباعه له قال :ثممم
أخذت مضجعي في السطح الخارج ومحمد في السطح الداخل المطممل
على حممرم أميممر المممؤمنين ،والفممتى فممي الطممرف الثمماني القريممب مممن
المطلممع فظلممت أرقبممه ول أغفممل وهممو يظممن أنممي قممد نمممت ول يشممعر
باطلعي عليه .قال :فلما مضى هزيع من الليل رأيته قممد قممام واسممتوى
قاعدا ً ساعة لطيفة ثم تعوذ من الشيطان ورجع إلى منامه .ثم قام بعممد
حين ولبس قميصه واستوفز ثم نزعه عن نفسه وعمماد إلممى منممامه .ثممم
قام الثالثة ولبس قميصه ودلى رجليه من السرير وبقي كذلك ساعة ثم
نمادى الفمتى باسممه فأجمابه ،فقمال لمه :انمزل عمن السمطح وابمق فمي
الفصيل الذي تحته .فقام الفتى مؤتمرا ً له .فلما نزل قام محمد وأغلممق
الباب من داخله وعاد إلى سريره .قال أبو العبمماس :فعلمممت مممن ذلممك
الوقت ن الله فيه مراد خير.
)(111
ولو لم يكن جزاء ول عقاب ول ثواب لوجب علينا إفناء العمممار وإتعمماب
البدان وإجهاد الطاقة واستناد الوسع واستفراغ القوة في شكر الخالق
الذي ابتدأنا بالنعم قبل استئقالها ،وأمتن علينا بالعقل الذي بممه عرفنمماه،
ووهبنمما الحممواس والعلممم والمعرفممة ودقممائق الصممناعات ،وصممرف لنمما
السموات جارية بمنافعها ،ودبرنا التدبير الذي لو ملكنمما خلقنمما لممم نهتممد
إليه ،ول نظرنا لنفسنا نظره لنا ،وفضلنا على أكثر المخلوقات ،وجعلنمما
مستودع كلمه ومستقر دينه ،وخلق لنا الجنة دون أن نستحقها ،ثممم لممم
يرضى لعبمماده أن يممدخلوها إل بأعمممالهم لتكممون واجبممة لهممم :قممال اللممه
تعالى) :جزاء بما كانوا يعملون( .رشدنا إلى سبيلها وكصرنا وجه ظلهمما،
وجعل غاية إحسانه إلينا وامتنانه علينا حقا ً من حقوقنا قبله ،ودينا ً لزم ما ً
له ،وشكرنا على ما أعطانا من الطاعة التي رزقنا قواها ،وأثابنا بفضممله
على تفضله.
وهذا كرم ل تهتدي إليه العقول ،ول يمكن أن تكيفه اللباب .ومن عرف
ربه ومقدار رضاه وسخطه هانت عنده اللذات الذاهية والحطام الفاني،
فكيف وقد أتى مممن وعيممده ممما تقشممعر اسممماعه الجسمماد ،وتممذوب لممه
النفوس ،وأورد علينا من عذابه ما لم ينته إليه أمل فممأين المممذهب عممن
طاعة هذا الملك الكريم ،وما الرغبممة فمي لمذة ذاهيمة ل تمذهب النداممة
عنها ،ول تفنى التباعة منها ،ول يزول الخزي عن راكبها ،وإلممى كممم هممذا
التمادي وقد أسمعنا المتادى ،وكأن قد حدا بنا الحادي إلممى دار القممرار،
فإما إلى جنة وإما إلى نار ،أل إن التثبط فممي هممذا المكممان لهممو الضمملل
المبين ،وفي ذلك أقول:
أقصر عن لهوه وعن طربه * وعف في حبه وفي عربه
فليس شرب المدام همته * ول اقتناص الظباء من أربه
قد آن للقلب أن يفيق وأن * يزيل ما قد عله من حجبه
ألهاه عما عهدت يعجبه * خيفة يوم تبلى السرائر به
يا نفس جدي وشمري ودعي * عنك ابتاع الهوى على لغبه
وسارعي في النجاة واجتهدي * ساعية في الخلص من كربه
علي أحظى بالفوز فيه وأن * أنجو من ضيقه ومن لهبه
يأبها اللعب المجد به ال * دهر أما تتقي شبا نكبه
كفاك من كل ما وعظت به * ما قد أراك الزمان من عجبه
دع عنك دارا ً نفنى غضارتها * ومكسبا ً ل عبا ً بمكتسبه
لم يضطرب في محلها أحد * إل نبا حدها بمضطربه
)(112
من عرف الله حق معرفة * لوى وحل الفؤاد في رهبه
ما منقضى الملك مثل خالده * ول صحيح التقى كمؤتشبه
ول تقي الورى كفاسقهم * وليس صدق الكلم من كذبه
فلو أمنا من العقاب ولم * نخشى من الله متقى غضبه
ولم نخف ناره التي خلقت * لكل جاني الكلم محتقبه
)(113
أعارتك دنيا مسترد معارها * غضارة عيش سوف يذوي اخضرارها
وهل يتمنى المحكم الرأي عيشة * وقد حان من دهم المنايا مزارها
وكيف تلذ العين هجعة ساعة * وقد طال فيما عاينته اعتبارها
وكيف تقر النفس في دار ثقلة * قد استيقنت أن ليس فيها قرارها
وأتى له في الرض خاطر فكرة * ولم تدر بعد الموت أين محارها
أليس لها في السعي للفوز شاغل * أما في توفيها العذاب ازدجارها
فخابت نفوس قادها لهو ساعة * إلى حر نار ليس يطفي أوارها
لها سائق حاد حثيث مبادر * إلى غير ما أضحى إليه مدارها
تراد لمر وهي تطلب غيره * وتقصد وجها ً في سواه سفارها
أمسرعة فيما يسوء قيامها * وقد أيقنت أ ،العذاب قصارها
تعطل مفروضا ً وتعني بفضلة * لقد شفها طغيانها واغترارها
إلى ما لها منه البلء سكونها * وعما لها منه النجاح نفارها
وتعرض عن رب دعاها لرشدها * وتتبع دنيا جد عنها مرارها
فيأيها المغرور بادر برجعة * فلله دار ليس تخمد نارها
ول تتخير فانيا ً دون خالد * دليل على محض العقول اختيارها
أتعلم أن الحق فيما تركته * وتسلك سبل ً ليس يخفى عوارها
وتترك بيضاء المناهج ضلة * لبهماء يؤذي الرجل فيها عثارها
تسر بلهو معقب بندامة * إذا ما انقضى ل ينقص مستثارها
وتفنى الليالي والمسرات كلها * وتبقى تباعات الذنوب وعارها
فهل أنت يا مغبون مستيقظ فقد * تبين من سر الخطوب استتارها
فعجل إلى رضوان ربك واجتنب * نواهيه إذ قد تجلي منارها
يجد مرور الدهر عنك بلعب * وتغرى بدنيا ساء فيك سرارها
فكم أمة قد غرها الدهر قبلنا * وهاتيك منها مقفرات ديارها
تذكر على ما قد مضى واعتبر به * فإن المذكي للعقول اعتبارها
)(114
ومظلمة قد نالها متسلط * مدلي بأيد عند ذي العرش ثارها
أراك إذا حاولت دنياك ساعيا ً * على أنها باد إليك أزوارها
وفي طاعة الرحمن يقعدك الونى * وتبدي أناة ل يصح اعتذارها
تحاذر إخوانا ً ستفنى وتنقضي * وتنسى التي فرض عليك حذارها
كأني أرى منك التبرم ظاهرا ً * مبينا ً إذا القدار حل اضطرارها
هناك يقول المرء من لي بأعصر * مضت كان ملكا ً في يدي خيارها
تنبه ليوم قد أظلك ورده * عصيب يوافي النفس فيها احتضارها
تبرأ فيه منك كل مخالط * وإن من المال فيه انهيارها
فأودعت في ظلماء ضنك مقرها * يلوح عليها للعيون إغبرارها
تنادي فل تدري المنادي مفردا ً * وقد حط عن وجه الحياة خمارها
تنادي إلى يوم شديد مفزع * وساعة حشر ليس يخفى اشتهارها
إذا حشرت فيه الوحوش وجمعت * صحائفنا وإنثال فينا انتثارها
وزينت الجنات فيه وأزلفت * وأذكى من نار الجحيم استعارها
وكورت الشمس المنيرة بالضحى * وأسرع من زهر النجوم إنكدارها
لقد جل أمر كان منه انتظامها * وقد حل أمر كان منه انتثارها
وسيرت الجبال والرض بدلت * وقد عطلت من مالكيها عشارها
فإما لدار ليس يفنى نعيمها * وإما لدار ل يفك إسارها
بحضرة جبار رفيق معاقب * فتحصى المعاصي كبرها وصغارها
ويندم يوم البعث جاني صغارها * وتهلك أهليها هناك كبارها
ستغبط أجساد وتحيا نفوسها * إذا ما ستوى إسرارها وجهارها
إذا حفهم عفو الله وفضله * وأسكنهم دارا ً حلل ً عقارها
سيلحقهم أهل الفسوق إذا استوى * بجلبة سبق طرفها وحمارها
يفر بنو الدنيا بدنياهم التي * يظن على أهل الحظوظ اقتصارها
هي الم خير البر فيها عقوقها * وليس بغير البذل يحمى ذمارها
فما نال منها الحظ إل مهينها * وما الهلك إل قربها واعتمارها
تهافت فيها طامع بعد طامع * وقد بان للب الذكي اختبارها
تطامن لغمر الحادثات ول تكن * لها ذا اعتمار يجتنبك غمارها
وإياك أن تغتر منها بما ترى * فقد صح في العقل الجلي عيارها
)(115
رأيت ملوك الرض يبغون هدة * ولذة نفس يستطاب اجترارها
وخلوا طريق القصد في مبتغاتهم * لمتبعه الصفار جم صغارها
وإن التي يبغون نهج بقية * مكين لطلب الخلص اختصارها
هل العز إل همة صح صونها * إذا صان همات الرجال انكسارها
وهل رايح إل امرؤ متوكل * قنوع غني النفس باد وقارها
ويلقى ولة الملك خوفا ً وفكرة * تضيق بها ذرعا ً ويفنى اصطبارها
عيانا ً ترى هذا ولكن سكرة * أحاطت بنا ما إن يفيق خمارها
قد برهن الباني على الرض سقفها * وفي علمه معمورها وقفارها
ومن يمسك الجرام والرض أمره * بل عمد يبني عليه قرارها
ومن قدر التدبير فيها بحكمة * فصح لديها ليلها ونهارها
ومن فتق المواه في صفح وجهها * فمنها يغذي حبها وثمارها
ومن صير اللوان في نور نبتها * فأشرق فيها وردها وبهارها
)(116
وفضل بالقرآن أمة أحمد * ومكن في أقصى البلد مغارها
وشق له بدر السماء وخصه * بآيات حق ل يخل معارها
وأنقذنا من كفر أربابنا به * وكان على قطب الهلك منارها
فما بالنا ل نترك الجل ويحنا * لنسلم من نار ترامى شرارها
هنا أعزك الله انتهى ما تذكرته إيجابا ً لك ،وتقمنا ً لمسرتك ،ووقوفا ً عنممد
أمرك .ولم أمتنع أن أورد لك في هذه الرسالة أشممياء يممذكرها الشممعراء
ويكثرون القممول فيهما ،موفيمات علمى وجوههما ،ومفمردات فمي أبوابهما،
ومنعمات التفسممير ،مثممل الفممراط فممي صممفة النحممول وتشممبيه الممدموع
بالمطار وأنها تروي السفار وعدم النوم البتة ،وانقطاع الغذاء جملة ،إل
أنها أشياء ل حقيقة لها ،وكذب ل وجه له ولكممل شمميء حممد ،وقممد جعممل
الله لكل شيء قدرًا .والنحول قد يعظم ولو صممار حيممث يصممفونه لكممان
تفي قوام الذرة أو دونها ،ولخرج عن حد المعقول .والسممهر قممد يتصممل
ليالي ،ولكن لو عدم الغذاء أسبوعين لهلممك .وإنممما قلنمما أن الصممبر عممن
النوم أقل من الصبر عن الطعام؛ لن النوم غذاء الروح والطعممام غممذاء
الجسد ،وإن كانا يشتركان في كليهما ولكنمما حكينمما علممى الغلممب .وأممما
الممماء فقممد رأيممت أن ميسممورا ً البنمماء جارنمما بقرطبممة يصممبر عممن الممماء
أسبوعين في حمارة القيظ ويكتفي بما في غذائه من رطوبة.
وحدثني القاضي أبو عبد الرحمن بن جحاف أنه كان يعرف مممن كممان ل
يشرب الماء شهرًا.
وإنما اقتصرت في رسالتي على الحقائق المعلومة التي ل يمكن وجممود
سواها أصل ،وعلى أني قممد أوردت مممن هممذه الوجمموه المممذكورة أشممياء
كثيرة يكتفى بها لئل أخرج عن طريقة أهممل الشممعر ومممذهبهم ،وسمميرى
كثير من إخوننا أخبارا ً لهم في هذه الرسممالة مكني ما ً فيهمما مممن أسمممائهم
على ما شرطنا في ابتدائها .وأنا أستغفر الله تعالى مما يكتب الملكممان
ويحصيه الرقيبان مممن هممذا وشممبهه ،اسممتغفار مممن يعلممم أن كلمممه مممن
عمله .ولكنه إن لم يكن من اللغو الذي ل يؤاخذ به المرء فهممو إن شمماء
الله من اللمم المعفو ،وإل فليس من السيئات والفواحش الممتي يتوقممع
عليها العذاب .وعلى كل حال فليس من الكبائر التي ورد النص فيها.
وأنا أعلم أنممه سممينكر علممى بعممض المتعصممبين علممى تممأليفي لمثممل هممذا
ويقول :إنه خالف طريقته ،وتجافى عن وجهته ،وما أحل لحممد أن يظممن
في غير ما قصدته ،قال الله عز وجل) :يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كممثيرا ً
من الظن إن بعض الظن إثم(.
وحدثني أحمد بن محمد بن الجسوري ،ثنا ابن أبي دليم ،ثنا ابممن وضمماح
عن يحيى ابن مالك بن أبي أنس عن أبي الزبير المكي عن أبممي شممريح
)(117
الكعبي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنممه قممال) :إيمماكم والظممن
فإنه أكذب الكذب(.
وبه إلى مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقممبري عممن العممرج عممن أبممي
هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال) :مممن كممان يممؤمن
بالله واليوم الخر فليقل خيرا ً أو ليصمت(.
وحدثني صاحبي أبو بكممر محمممد بممن إسممحاق ،ثنمما عبممد الممه بممن يوسممف
الزدي ،ثنا يحيى بن عائذ ،ثنا أبو عدي عبد العزيز بن علي بن محمد بن
إسحاق بن الفرج المام بمصر ،ثنا أبو علي الحسن بن قاسم بن دحيممم
المصري ،ثنا محمد بن زكريا الغلبي ،ثنا أبو العبمماس ،ثنمما أبممو بكممر عممن
قتادة عن سعيد بن المسيب أنه قال :وضع عمر بن الخطاب رضي الله
عنه للناس ثماني عشر كلمة من الحكمممة منهمما :ضممع أمممر أخيممك علممى
أحسنه حتى يأتيك على ما يغلبك عليه.
ول تظن بكلمة خرجت من في امرئ مسمملم شممرا ً وأنممت تجممد لهمما فممي
ل :فهذا أعزك الله أدب الله وأدب رسمموله صمملى اللممه عليممه الخير محم ً
وسلم وأدب أمير المؤمنين وبالجملة فإني ل أقول بالمرايمماة ول أنسممك
نسكا ً أعجميًا .ومن أدى الفرائض المأمور بها ،واجتنب المحارم المنهممى
عنها ،ولم ينسى الفضل فيممما بينممه وبيممن النمماس فقممد وقممع عليممه اسممم
الحسان ،ودعني مما سوى ذلك وحسبي الله.
والكلم في مثل هذا إنما هو مع خلء الممذرع وفممراغ القلممب ،وإن حفممظ
شيء وبقاء رسم وتمذكر فممائت لمثممل خماطري لعجممب علممى مما مضممى
ودهمني .فأنت تعلم أن ذهني متقلب وبالي مهصر بما نحن فيه من نبمو
الديار .والخلء عن الوطممان وتغيممر الزمممان ،ونكبممات السمملطان ،وتغيممر
الخوان ،وفساد الحوال ،وتبممدل اليممام ،وذهمماب المموفر ،والخممروج عممن
الطارف والتالد ،واقتطاع مكاسب البمماء والجممداد ،والغربممة فممي البلد،
وذهاب الممال والجمماه ،والفكمر فمي صمميانة الهمل والولمد واليممأس عممن
الرجوع إلى موضع الهل ،ومدافعة الدهر ،وانتظار القدار ل جعلنا اللممه
من الشاكين إل إليه ،وأعادنا إلى أفضل ما عودنا .وإن الذي أبقى لكممثر
مما أخذ ،والذي ترك أعظممم مممن الممذي تحيممف .ومممواهبه المحيطممة بنمما
ونعمه التي غمرتنا ل تحد .ول يؤدي شكرها ،والكل منحممه وعطايمماه ،ول
حكم لنا في أنفسنا ونحن منه ،وإليه منقلبنا ،وكممل عاريممة فراجعممة إلممى
معيرها .وله الحمد أول وآخرا ً وعودا ً وبدءا وأنا أقول:
جعلت اليأس لي حصنا ً ودرعا ً * فلم أليس ثياب المستضام
وأكثر من جميع الناس عندي * يسير صائني دون النام
)(118
إذا ما صح لي ديني وعرضي * فلست لما تولى ذا اهتمام
تولى المس والغد لست أدري * أأدركه ففيما ذا اغتمام
جعلنا الله وإياك من الصابرين الشكرين الحامدين الذاكرين .آمين آمين
والحمد لله رب العالمين وصلى اللمه علممى سمميدنا محممد وآلمه وصممحبه
وسلم تسليمًا.
Β
)(119