You are on page 1of 2

‫ا يوجد حتى الن تعريف دقيق لمفاهيم العالمية والعولمة‪ ،‬وإنما يوجد تعدد آراء وتداخل بين المفاهيم‪

،‬لكن اهتمام المفكرين والباحثين وأصحاب الختصاص يتركز على العولمة بسبب انشغال‬
‫البشرية فيها أكثر‪ ،‬ومن هذا المنطلق سأبدأ بالحديث عن العولمة أوًل‪.‬‬

‫مفهوم العولمة ‪Globalization‬‬

‫تعرف على أنها مذهب القائلين بأن الرأسمالية هي ديانة النسانية‪ ،‬وأن النسبية الفكرية ستكون لها الغلبة على المطلقات اليديولوجية‪ ،‬وأن مبدأ النسبية الثقافية هو المبدأ المعول عليه‪ ،‬وليس مبدأ‬
‫مركزية الثقافات‪ ،‬وفي رأي القائلين بها إن العالم الن ينتقل من الشمولية والسلطوية إلى الديمقراطية والتعددية‪ ،‬من خلل ثورة معلوماتية شاملة تمكن العولمة من إلغاء الحدود وحرية انتقال الناس‬
‫والسلع‪ ،‬بإحلل التفاعل والحوار والمنافسة والمحاكاة‪.‬‬

‫وتأخذ العولمة في إطار هذا التعريف اتجاهين‪ ،‬الول إيديولوجي أمريكي يحاول قولبة أنظمة الحياة في العالم على صورة نظامه بل مراعاة لوجود خصوصيات ثقافية قد ل يلئمها نمط الحياة‬
‫المريكي‪ ،‬او تتعارض قيمها ومثلها الجتماعية مع القيم المريكية‪ .‬والثاني يرى أن العولمة هي نوع من أنواع انتخاب وانتقاء المثل النسانية العليا في كل الخبرات الحضارية‪ ،‬وترقيتها لتصبح نموذجًا‬
‫عالميًا يتم التعامل معه كنموذج مثالي تستهدفه المجتمعات العالمية‪ ،‬فتقترب منه بما تسمح به برامج الصلح فيها‪ ،‬وبقدر ما تحمله موازناتها‪ ،‬وهذا التعريف ليس سوى محاولة لتيسير التعامل مع‬
‫الظاهرة‪ ،‬لكن الواقع يشير إلى أن السائد هو النموذج الول‪ ،‬الذي عززه انهيار الكتلة الشتراكية وفتح البواب أمام المهرولين نحو القطب المهيمن‪ ،‬اتقاًء لشره‪ ،‬وذوبانًا في ثقافته فالعولمة أمركة‪.‬‬

‫ولقد انتشرت العولمة في كل ما يتصل من تفكير في العلقات الدولية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وما هو مؤكد أن التوجه الحضاري النساني في العلقات الدولية الحديثة والمعاصرة كان يعرف‬
‫قبل ظهور مفهوم العولمة بمسميات أخرى مثل الدولية‪ ،‬التدويل المبريالية‪ ،‬العالمية‪ ،‬الكونية‪ ،‬نظام الستعمار المباشر القديم‪ ،‬نظام الستعمار غير المباشر الجديد‪ ،‬وكل هذا سيشكل ظاهرة يستدل منها‬
‫على مفهوم علقات بين الحكومات أو بين القوميات‪ ،‬أو متعددة الطراف‪ ،‬وهذه العلقات ستكون نتائجها بدون شك للدول الكثر نفوذًا وتأثيرًا في نظام العولمة هذا‪ ،‬ومهما تكن العلقات الجارية في‬
‫مسرح العلقات الدولية المعاصرة‪ ،‬والمفاهيم التي تحاول الطاحة بها فهي مصطلحات تفسر نفس الظاهرة‪ ،‬وتمثل نزوع الغرب نحو الشمولية والستبداد العالمي أو الدولي‪ ،‬والقاسم المشترك إلى هذا‬
‫النزوع هو السوق الحرة‪ ،‬وما المصطلحات التي تسوقها الوساط الكاديمية والعلمية الغربية سوى محض تمويه وخداع وتضليل وأدلجة وتوظيف دعائي سياسي تكتيكي للمفهوم‪ ،‬وستبقى العولمة‬
‫ل عن أي توظيف أيديولوجي‪ ،‬وهذا ما نبغي اختياره‪.‬‬ ‫مفهومًا سوسيولوجيًا له أهميته في علم الجتماع العالمي‪ ،‬أو علم العولمة‪ ،‬الذي نرغب فيه أن يكون مستق ً‬

‫مفهوم العالمية ‪Cosmopolitanism‬‬

‫إذا كانت العولمة )‪ (1‬تعني وحدة الجنس البشري‪ ،‬باعتبار أن العالم وحدة واحدة‪ ،‬فالعالمية ضد العولمة‪ ،‬الول انفتاح على العالم‪ ،‬وإقرار بتباين الثقافات والحضارات‪ ،‬والثانية انفتاح على ثقافة‬
‫واحدة‪ ،‬هي الثقافة المريكية‪ ،‬ورفض لما عداها من ثقافات‪ ،‬وإذا كانت وسيلة العالمية النفتاح بين الحضارات؛ فإن وسيلة العولمة الصدام والصراع بين الحضارات‪ ،‬وإذا كانت العولمة غزوا ثقافيا‪،‬‬
‫واختراقا لخصوصيات الثقافات القومية والوطنية؛ فإن العالمية إثراء لهذه الثقافات‪ ،‬وتلقحها حضاريًا وعلميًا وتقنيًا‪.‬‬

‫وتقوم العالمية على المساواة والّندية بين مختلف الثقافات‪ ،‬بينما تقوم العولمة على التبعية والهيمنة والتطبيع والغزو والختراق وإفراغ الثقافة من مضمونها وانتزاع هويتها الخاصة والترابط بين‬
‫الناس برباط عولمي من اللوطنية واللقومية والل دينية واللدولة‪.‬‬

‫إن العالمية تخاطب أعمق مشاعر النسان عمومًا‪ ،‬وأقوى مشاكله‪ ،‬وأخص هواتفه‪ ،‬والعالمي في الدب والفن هو الذي يتصيد‪ ،‬ما بين البشرية جمعاء‪ ،‬العواطف المشتركة‪ ،‬وما في وجدانها من‬
‫حقوق موحدة وقيم سامية ومثل عليا على الرغم من اختلف الجناس وتباين الزمان والوطان‪ ،‬ويعد الحياة كرامة والحرية حقًا‪ ،‬والعدالة الجتماعية حتمًا والفضيلة جوهرًا‪.‬‬

‫فالعالمية نزعة إنسانية توجه التفاعل بين الحضارات‪ ،‬والتعاون والتساند والتكامل والتعارف بين مختلف المم والشعوب‪ ،‬والحضارة العالمية نزوع عالمي يرى التعدد والتنوع والختلف القاعدة‬
‫والقانون‪.‬‬

‫هذا التعريف للعالمية يختلف عن التعريف الغربي في وقتنا الراهن‪ ،‬إذ أن التعريف الغربي الن يؤمن بالنزعة المركزية اللصيقة بالنموذج الحضاري الغربي منذ القديم‪ ،‬ولهذا فإن الجديد فيه‪ ،‬هو‬
‫تصاعد في درجة النزعة المركزية‪ ،‬ووحدة التطبيق لها‪ .‬والسبب في ذلك هو التطورات الجديدة التي طرأت على العالم‪ ،‬ومن ثم علقة النظام الغربي بالعالم غير الغربي‪ ،‬والذي يطمح في صب العالم‬
‫اقتصاديًا وسياسيًا وقيميًا وثقافيًا وعسكريًا‪ ..‬الخ‪ ،‬داخل قوالب غربية‪.‬‬

‫من هذا المنطلق تتداخل مفاهيم العولمة والعالمية الغربية‪ ،‬لتمثل مرحلة الطوفان )والذي هو في مضمون هذه المفاهيم مجموع الدعاوي الغربية( نهاية التاريخ‪ ،‬بحيث من لم يركب سفينة نموذجه‬
‫طوعًا سيركبها مكرهًا‪.‬‬

‫من هنا نقول إن العولمة والعالمية الن زعامة أمريكية‪ ،‬توضحها أساليب الليبرالية المريكية المستخدمة‪ ،‬والتي نلحظ آثارها في الفروقات القتصادية الهائلة بين دول الشمال والجنوب‪ ،‬على الرغم‬
‫من فروقات الكثافة السكانية الهائلة بين التجاهين )‪ (2‬كما يوضحها أيضًا تهميش دور المنظمات الدولية لحساب مؤسسات الدولة المريكية‪ ،‬فمجلس المن القومي المريكي يكاد يحل محل مجلس‬
‫المن الدولي‪ ،‬والكونغرس المريكي أصبح يشرع للعالم بأسره ويصدر القوانين التي تصنف الدول بمارقة وإرهابية‪ ،‬ومحاصرة وغير محاصرة‪ ،‬ودول تفرض عليها المقاطعة والعقاب‪ ،‬ودول ل تستحق‬
‫المقاطعة او العقاب‪ ،‬ودول يستحق إنسانها الحياة والتمتع بحقوق النسان‪ ،‬وأخرى ل تستحق‪ ،‬ويصل التشريع المريكي إلى حد إصدار القوانين‪ ،‬واعتماد الميزانيات العلنية لتغيير نظم الحكم‪ ،‬هذا‬
‫بالضافة إلى استخدام القوة العسكرية الغاشمة لمن تسول له نفسه بالتمرد والعصيان‪ ،‬فمن لم تردعه التحذيرات والعقوبات‪ ،‬تردعه الصواريخ والمقاتلت‪.‬‬

‫النموذج الغربي للعولمة والعالمية‪:‬‬

‫‪ -1‬التحديث ‪ modernity‬والعتماد المتبادل ‪.inter depednce‬‬

‫‪ -2‬عولمة رأس المال‪ ،‬التي وصلت إلى حالة أقرب إلى السوق العالمية الكبيرة بواسطة نمو البورصات العالمية‪.‬‬

‫‪ -3‬التطور الهائل في تكنولوجيا التصال والنتقال‪.‬‬

‫‪ -4‬عولمة الثقافة‪ ،‬وتزايد الصلت غير الحكومية‪ ،‬والتنسيق بين المصالح المختلفة للفراد والجماعات من خلل الشبكات الدولية ‪ ،networking‬حيث برز التعاون استنادًا إلى المصالح المشتركة‬
‫غير القومية‪ ،‬مما أفرد تحالفات على المستوى الدولي‪ ،‬مثل الحفاظ على البيئة‪ ،‬أو في المجالت غير القانونية كتنظيف الموال‪ ،‬والمافية الدولية للسلح‪.‬‬

‫ولتطبيق هذه المسائل نلحظ انطواء العولمة على درجة عالية من العلمنة‪ ،‬التي تغلب المادة‪ ،‬وتتمثل الحياة العاجلة‪ ،‬وتختزل النسان في بعده المادي الستهلكي‪ ،‬وأحيانًا الشهواني‪ ،‬وقد عزز هذا‬
‫التجاه المخادع افتقار وجود وعي عالمي‪ ،‬وتنكر الفراد لهويتهم المحلية لحساب هوية عالمية‪.‬‬

‫آثار العولمة‪:‬‬

‫أ ‪ -‬في مجال حقوق النسان‪:‬‬

‫‪ -1‬حقوق النسان في عصر العولمة مهدورة وغير جديدة‪ ،‬لكنها قد أثارت الجدل حول قضية مهمة وهي‪ ،‬هل الحقوق عالمية أم خصوصية؟‪ .‬كما أثارت الحوار الخاص بالعلقة بين الحقوق‬
‫السياسية والمدنية‪ ،‬وأيهما له الولوية على الخر؟ بالضافة إلى إثارة التساؤلت حول تطبيق هذه الحقوق ومسؤولية المجتمع الدولي عن حمايتها‪.‬‬
‫ومن أهم المسائل الخطيرة التي أثارتها العولمة والمتعلقة بحقوق النسان هي إلى متى سيبقى الطار الساسي لتطبيق حقوق النسان داخل سيادة الدولة وخاضعا لها في الطار الدولي؟ وما هي‬
‫آثار ضعف ونهاية الدولة على حماية الحقوق؟ المر الذي يعني أن حقوق النسان تواجه وضعًا أكثر صعوبة في عصر العولمة‪.‬‬

‫‪ -2‬اقتصاد السوق في مواجهة حقوق النسان‪ ،‬لن هذا القتصاد يتم من خلل الحدود المفتوحة‪ ،‬وحرية تنقل السلع‪ ،‬التي يغيب فيها التركيز على الحقوق الجتماعية والقتصادية‪ ،‬حيث يتم النظر‬
‫إليها من منطق الربط القسري المستند على التجربة الغربية المرتبط باقتصاد السوق الكثر قوة في عصر العولمة‪ ،‬وتصور السوق تصور خادع كلما تعلق المر بحقوق النسان‪ ،‬وهو يميل إلى تأكيد‬
‫وترسيخ الفوارق القتصادية‪ ،‬وعدم التوازن في توزيع القوة‪ ،‬مما يؤدي إلى استغلل حقوق الطبقة العاملة‪ ،‬والجماعات الخرى الضعيفة‪.‬‬

‫‪ -3‬تمكن العولمة قوى غير حكومية‪ ،‬وفواعل غير الدولة من القوة والنفوذ المر الذي يشجع على انتهاك أو خلق ظروف تصعب معها حماية حقوق النسان‪ ،‬بمعنى أن حرية التعبير والتصرف‬
‫تصبح في قبضة هذه القوى‪.‬‬

‫‪ -4‬لما كانت العولمة تعكس تصورًا إيديولوجيًا هو )نموذج الغرب( وتسّوق ثقافة الستهلك والتصدير‪ ،‬فإن ما يمكن الوقوف عليه من نتائج هو تصاعد العشوائية‪ ،‬واللمبالة‪ ،‬وكره الجانب‪ ،‬المر‬
‫الذي يؤدي إلى حالة معقدة بالنسبة لترتيبات حقوق النسان‪.‬‬

‫‪ -5‬إذا كانت ممارسة الديمقراطية وثيقة الصلة بإيديولوجية العولمة‪ ،‬التي تمثل طروحات القوياء والغنياء‪ ،‬فإن قيم الديمقراطية وحقوق النسان ستتعرض إلى المتهان والتشويه وتصبح ضيقة‬
‫إن لم تكن معطلة‪.‬‬

‫‪ -6‬لما كانت العولمة مرتبطة بجملة من المتغيرات القتصادية والتقنية والجتماعية‪ ،‬فمن المتوقع أن تكون لها اثارها النفسية المؤثرة على صعيد الفرد والمجتمع‪ ،‬بحيث تتيح تقنيات التصال‪ ،‬وما‬
‫يتبعها من مهارات تعزيز الخصوصية والذاتية‪ ،‬المر الذي يساهم في عزلة الفرد وانطوائه‪ ،‬فتتضخم فرديته ونرجسيته‪ ،‬مما يؤدي إلى القلق والحذر والشك وعدم المان‪ ،‬كما أن التنافس والربح‬
‫والمغامرة‪ ،‬ووهم الفرص السانحة يصيب بالحباط وخيبة المل والكوارث من خلل التجربة والمعاناة‪ ،‬يضاف إلى ذلك ما تسببه الصدمة الثقافية من خلل التقنية والتصالت من اهتزاز للقيم والفكار‬
‫والثوابت‪ ،‬بحيث توجد تناقضًا ل يسهل فهمه أو التعايش معه‪ ،‬وربما يقود هذا إلى السلبية والتعصب والتطرف‪ ،‬والى شعور بالنقص والضعف والعجز والكتئاب‪ ،‬وقد تتطور الحالة إلى فقدان السيطرة‬
‫على التعامل مع السرة والصدقاء والمعارف من خلل ازدياد التوتر والضطراب والتغير والتحول‪ ،‬إضافة إلى ما يمكن أن يحدث في ظل العولمة من استيراد وتصدير للمراض الجسمية والنفسية‬
‫والجتماعية‪ ،‬والذي أصبح أكثر شيوعًا بين الشعوب من خلل العدوى والتاثر والتقليد‪ ،‬نتيجة تبادل المنتجات المتنوعة‪ ،‬ابتداًء من البشر واللت والطعمة‪ ،‬وانتهاء بالكتب والمجلت والفلم‪ ،‬مما‬
‫يعزز الشعور بعدم المان لدى الفرد والمجتمع‪.‬‬

‫ب ‪ -‬في مجال قدرات العولمة القتصادية‪:‬‬

‫لما كانت العولمة عملية معقدة من حيث تدفق التبادلت التجارية‪ ،‬والسرعة المتزايدة للتجارة الدولية‪ ،‬وقيمة تبادل البضائع‪ ،‬فقد أثرت على البيئة من خلل الندفاع نحو التخصص والستغلل‬
‫المكثف للعمليات النتاجية‪ ،‬إذ قاد هذا المر إلى حالة من التدهور للمحيط البيئوي‪ ،‬والقضاء على الكائنات الحية التي أصبحت مهددة بالنقراض‪ ،‬كما أن تمييز العولمة بتسريع التبادلت المالية وتطوير‬
‫الستثمارات في الخارج قد أدى إلى تعميق النزلقات المالية والتحكم بها‪ ،‬مما جعل البلدان تتساهل بالعباء الجرية وتطبيق الضرائب والقوانين وتتسامح في مجال المعايير الجتماعية والبيئة بقصد‬
‫جذب أكبر عدد ممكن من الستثمارات ورؤوس الموال الجنبية‪ ،‬بالضافة إلى إيجاد المرونة في العقوبات‪ ،‬المر الذي أدى إلى إغراء الرساميل المتأتية من المؤسسات التي ل يهمها سوى الربح فقط‪.‬‬
‫هذا الربح الذي لعب دورًا كبيرًا في تحديد نوعية الحكم المستحسنة التي يتم فيها النتقال من عالم دولي إلى عصر العولمة‪ ،‬هذا الحكم الذي يعني في أذهان بعضهم حكومة عالمية مكونة من‬
‫بيروقراطيات مركزية عملقة تدوس على حقوق الشعوب والدول وتتحكم بمصير النسانية‪ ،‬معتمدة لتنفيذ سياستها هذه دورًا وهميًا للحكومات والمؤسسات العالمية‪ ،‬وهذا ما ينطبق حاليًا على حالة‬
‫مجلس المن التابع للمم المتحدة‪ ،‬وعلى الكثير من حكام الشعوب‪ ،‬وعلى المحافل القتصادية الكبرى‪ .‬بالضافة إلى اعتمادها ايضًا على العناصر الفاعلة التي تعد مساهمتها ضرورية في إدارة العولمة‪،‬‬
‫وتشمل هذه من جملة ما تشمل منظمات المجتمع المدني‪ ،‬حقوق النسان‪ ،‬القطاع الخاص‪ ،‬البرلمانيين‪ ،‬السلطات المحلية‪ ،‬الرابطات العلمية والمؤسسات التعليمية‪ ..‬الخ‪.‬‬

‫وتحتل الشركات العالمية مركزًا حيويًا في هذا المجال‪ ،‬لنها هيأت الحيز القتصادي المؤثر على مستقبل الشعوب‪ ،‬ل بل على الدول في جميع أنحاء العالم‪ ،‬نتيجة التفاقات الدولية‪ ،‬والسياسات‬
‫ل‪ ،‬فإنه يتطلب درجة عالية من اتساق السياسات وتقوية البنيان المالي الدولي‪ ،‬والنظام التجاري متعدد الطراف‪ ،‬ويتطلب‬
‫الوطنية وفقًا لمفهوم المواطنة العالمية‪ ،‬وحتى يكون السياق العالمي أكثر تكام ً‬
‫أيضًا المزيد من ا لتساوق فيما بين سياسات القتصاد الكلي‪ ،‬والسياسات التجارية والسياسات المتعلقة بالموازنة‪ ،‬والسياسات المالية والبيئية‪ ،‬بحيث تدعم جميعها الهدف المشترك المتمثل في توسيع‬
‫نطاق فوائد العولمة‪ ،‬كما أنه من الضروري تحقيق تكامل فعال بين المناهج المتبعة في مجالت إتقاء الصراعات وبناء السلم‪.‬‬

‫باختصار أنه من الصعب قيادة دفة التحول إلى عالم أكثر عولمة باستخدام شذرات ناقصة‪ ،‬وغير متجانسة‪ ،‬المر الذي يستدعي تعبئة المهارات‪ ،‬وسائر موارد الجهات الفاعلة العالمية‪ ،‬التي تتطلب‬
‫إقامة شبكات عالمية فضفاضة مؤقتة‪ ،‬وتأتي في الطليعة المم المتحدة للعب هذا الدور‪ ،‬لنها في رأي قادة العولمة مؤهلة له‪ ،‬فباسمها كتب الميثاق وطموحاتها الهدف للقرن الواحد والعشرين‪.‬‬

‫مستقبل العولمة‪:‬‬

‫تشير معطيات الواقع على أن العولمة المريكية الحالية أصبحت مهزوزة‪ ،‬والمستقبل المنظور يشير أيضًا إلى أننا على أبواب عولمة ل تكون المنظمات الدولية ومؤسساتها‪ ،‬والتجمعات العالمية‬
‫تحت هيمنة دولة واحدة‪ ،‬والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هل ستقبل الوليات المتحدة المريكية بتمرير مثل هذا المر؟ والجواب ل قطعًا‪ ،‬لن النموذج المطروح في الوقت الراهن هو الوحيد المناسب‬
‫للمصالح المريكية‪ ،‬ولذلك علينا أن نتوقع معاداة الوليات المتحدة للعولمة المقبلة وتعويقها لها‪ ،‬فيما لو أتخذت مسارا غير المسار الراهن‪ ،‬ومن يدرك مقولة حتمية عولمة أو عالمية مقبلة‪ ،‬يدرك بأن‬
‫الوليات المتحدة المريكية هي التي ستأخذ على عاتقها سقوط العولمة الحالية‪ ،‬وتحول العولمة المقبلة لتكون طوع إرادتها كعولمة مستقبلية‪ ،‬وعلينا أن ل نستغرب من هذا الطرح ونحن نرى موقف‬
‫ل على شل أي قرار تتخذه هذه المنظمة‪ ،‬كما أنها تجاوزت كل قوانين المم المتحدة دون‬‫الوليات المتحدة من المم المتحدة والمنظمات التابعة لها‪ ،‬حيث باتت الوليات المتحدة الدولة الوحيدة القادرة فع ً‬
‫أن يجرؤ أحد على محاسبتها‪ ،‬وهذا الواقع يعكس رفض الوليات المتحدة لي عولمة تساير مبادئ المم المتحدة في تأمين حقوق الدول‪ ،‬واحترام سيادة الشعوب‪ ،‬وإذا ما سقط النموذج المريكي الحالي‬
‫للعولمة‪ ،‬فإن الوليات المتحدة المريكية سترفض كل المحاولت المستقبلية التي تعتمد النسنة‪ ،‬وستسعى لبقاء العالم في جو غائم وضبابي يمنعه من إدراك المسافة الفاصلة بين المركة والنسنة‪،‬‬
‫وهذه الضبابية ل تكون بالنسبة للنسان العادي فقط‪ ،‬وإنما ستكون للستراتيجيين أيضًا‪ ،‬ولعل هذا المر توضحه مليارات الدولرات المنفقة تحت شعار تحصين المن‪ ،‬ومكافحة الرهاب‪ ،‬ليس فقط‬
‫داخل الوليات المتحدة المريكية‪ ،‬وإنما يتعدى ذلك ليشمل الدول الخرى‪ ،‬المر الذي يؤكد قدرة المفاهيم الليبرالية المريكية على تمويه حقيقة الواقع‪ ،‬وخلق واقع جديد‪ ،‬من خلل أساليبها الملتوية‪.‬‬

‫في كل الحوال فإن النموذج المريكي للعولمة يبدو مكروهًا الن‪ ،‬نتيجة التفرد المريكي وأنانيته‪ ،‬وأمريكا تدرك هذا المر‪ ،‬وتلحظه‪ ،‬وهي الن تحاول تلفيه وتجاوزه من خلل قيامها بخطوات‬
‫جديدة نحو إحياء سياسة الحلف‪ ،‬وتحريك رصيدها القديم‪ ،‬والعالم يرى في هذا التوجه بداية تحول أمريكي جديد‪ ،‬وربما بدت أمريكا مقتنعة الن بأن السيطرة على الحلف أكثر فائدة من السيطرة على‬
‫السواق‪.‬‬

‫إن المم المتحدة وغالبية دول العالم ومنها النمور السيوية‪ ،‬والدول النامية ودول الزمات القتصادية تكتشف الن رداءة النموذج المريكي‪ ،‬الذي روجت له شائعات النظام العالمي الجديد‪ ،‬ولحقها‬
‫نهاية التاريخ‪ ،‬نهاية اليدولوجيا‪ ،‬نهاية القوميات‪ ،‬وغيرها من النهايات التي حاولت أن تقنع العالم بأن الزمن قد تجمد فراح الناس يستنسخون النموذج المريكي الذي فضح أمره‪ ،‬والذي كان في إطار‬
‫الوهم أكثر مما هو في إطار الحقائق‪ ،‬وبأنه نموذج أسير مصالحه‪ ،‬وبعيد عن النسانية التي يدعيها‪ ،‬فراحت تنتقده وتبتعد عنه بعد أن ثبت كذبه وادعاؤه‪.‬‬

‫في كل الحوال مازالت العولمة ظاهرة غير واضحة المعالم والهداف‪ ،‬ولهذا يحذر من المبالغة بأهمية هذه الظاهرة‪ ،‬التي ما هي سوى برامج أمريكية تبنتها مؤسسات التمويل الدولية‪ ،‬وأكملتها‬
‫اتفاقات التمويل الثنائية التي تربط أمريكيًا بدول العالم‪ ،‬من أجل قولبة العالم اقتصاديًا وثقافيًا على وفق الدارة المريكية‪ ،‬ونمط الحياة المريكي‪ ،‬وهي تمثل تغييرًا لوجه الرأسمالية‪ ،‬وتجديدًا لثواب‬
‫المبريالية‪ ،‬وقد فرضت وجودها لن العالم قبل بهذا الفرض عنوة أو اختيارًا‪ ،‬ولما كانت العولمة حقيقة ل يمكن إنكارها والواقع العربي والسلمي الن ل يسمح حتى بحرية الختيار تجاهها نتيجة‬
‫التجزئة والضياع الذي يعاني منه‪ ،‬بالضافة إلى التحولت الدولية التي ل طاقة للعرب والمسلمين في تعديل اتجاهاتها‪.‬‬

You might also like