You are on page 1of 250

‫‪1‬‬

‫زاد المعاد‬
‫في هدي خير‬
‫العباد‬
‫للمام العلمة شيخ السلم‬
‫محمد بن أبى بكر الزرعى‬
‫ابن قيم الجوزية‬

‫الجزء الول‬
‫‪2‬‬

‫ترجمة ابن قيم الجوزية رحمه ال من كتاب "ذيل طبقات الحنابلة" لتلميذه الحافظ ابن رجب‬
‫الحنبلي رحمه ال ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫هو محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن جريز الزرعي‪ ،‬ثم الدمشقي الفقيه الصولي‪ ،‬المفسر‬
‫النحوي‪ ،‬العارف‪ ،‬شمس الدين أبو عبد ال بن قيم الجوزية ؛ شيخنا‪.‬‬
‫ولد سنة إحدى وتسعين وستمائة ‪ ،‬وتفقه في مذهب المام أحمد‪ ،‬وبرع وأفتى‪ ،‬ولزم الشيخ تقي‬
‫لسلم‪.‬‬
‫الدين بن تيمية وأخذ عنه‪ .‬وتفنن في علوم ا ِ‬
‫وكان عارفًا بالتفسير ل يجارى فيه‪ ،‬وبأصول الدين‪ ،‬وإليه فيهما المنتهى ‪ ،‬والحديث ومعانيه‬
‫وفقهه‪ ،‬ودقائق الستنباط منه‪ ،‬ل يلحق في ذلك‪ ،‬وبالفقه وأصوله وبالعربية‪ ،‬وله فيها اليد الطولى‪،‬‬
‫وتعلم الكلم والنحو وغير ذلك‪ ،‬وكان عالمًا بعلم السلوك‪ ،‬وكلم أهل التصوف‪ ،‬وإشاراتهم‪،‬‬
‫ودقائقهم‪ .‬له في كل فن من هذه الفنون اليد الطولى‪.‬‬
‫قال الذهبي في المختصر‪ :‬عنى بالحديث ومتونه‪ ،‬وبعض رجاله‪ .‬وكان يشتغل في الفقه‪ ،‬ويجيد‬
‫لنكاره شد الرحال إلى قبر الخليل‪ ،‬وتصدى‬
‫تقريره وتدريسه‪ ،‬وفي الصلين‪ .‬وقد حبس مدة‪ِ ،‬‬
‫للشغال‪ ،‬وإقراء العلم ونشره‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وكان رحمه ال ذا عبادة وتهجد‪ ،‬وطول صلة إلى الغاية القصوى‪ ،‬وتأله ولهج بالذكر‪،‬‬
‫لنابة والستغفار‪ ،‬والفتقار إلى ال‪ ،‬والنكسار له‪ ،‬والطراح بين يديه على‬
‫وشفف بالمحبة‪ ،‬وا ِ‬
‫عتبة عبوديته‪ ،‬لم أشاهد مثله في ذلك‪ ،‬ول رأيت أوسع منه علمًا‪ ،‬ول أعرف بمعاني القرآن والسنة‬
‫وحقائق اليمان منه‪ ،‬وليس هو المعصوم‪ ،‬ولكن لم أَر في معناه مثله‪ .‬وقد امتحن وأوفي مرات‪،‬‬
‫وحبس مع الشيخ تقي الدين ابن تيمية في المرة الخيرة بالقلعة‪ ،‬منفردًا عنه‪ ،‬ولم يفرج عنه إل بعد‬
‫موت الشيخ‪.‬‬
‫ل بتلوة القرَان بالتدبر والتفكر‪ ،‬ففتح عليه من ذلك خير كثير‪ ،‬وحصل‬
‫وكان في مدة حبسه مشتغ ً‬
‫له جانب عظيم من الذواق والمواجيد الصحيحة‪ ،‬وتسلط بسبب ذلك على الكلم في علوم أهل‬
‫المعارف‪ ،‬والدخول في غوامضهم‪ ،‬وتصانيفه ممتلئة بذلك‪ ،‬وحج مرات كثيرة‪ ،‬وجاور بمكة‪ .‬وكان‬
‫أهل مكة يذكرون عنه من شدة العبادة‪ ،‬وكثرة الطواف أمرًا يتعجب منه‪ .‬ولزمت مجالسه قبل‬
‫موته أزيد من سنة ‪ ،‬وسمعت عليه "قصيدته النونية الطويلة" في السنة‪ ،‬وأشياء من تصانيفه‪،‬‬
‫وغيرها‪ .‬وأخذ عنه العلم خلق كثير من حياة شيخه وإلى أن مات‪ ،‬وانتفعوا به‪ ،‬وكان الفضلء‬
‫يعظمونه‪ ،‬ويتتلمذون له‪ ،‬كابن عبد الهادي وغيره‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫وقال القاضي برهان الدين الزرعي عنه‪ :‬ما تحت أديم السماء أوسع علمًا منه‪.‬‬
‫ودرس بالصدرية‪ .‬وأّم بالجوزية مدة طويلة‪ .‬وكتب بخطه ما ل يوصف كثرة‪ .‬وصنف تصانيف‬
‫كثيرة جدًا في أنواع العلم‪ .‬وكان شديد المحبة للعلم‪ ،‬وكتابته ومطالعته وتصنيفه‪ ،‬واقتناء الكتب‪،‬‬
‫واقتنى من الكتب ما لم يحصل لغيره‪.‬‬
‫فمن تصانيفه‪ :‬كتاب "تهذيب سنن أبي داود" وإيضاح مشكلته‪ ،‬والكلم على ما فيه من الحاديث‬
‫المعلولة مجلد‪ ،‬كتاب "سفر الهجرتين وباب السعادتين" مجلد ضخم‪ ،‬كتاب "مراحل السائرين بين‬
‫لسلم النصاري‪،‬‬
‫سَتِعين" مجلدان‪ ،‬وهو شرح "منازل السائرين" لشيخ ا ِ‬
‫ك َن ْ‬
‫ك َنْعُبُد وإيا َ‬
‫منازل" إيا َ‬
‫كتاب جليل القمر‪ ،‬كتاب "عقد محكم الحباء‪ ،‬بين الكلم الطيب والعمل الصالح المرفوع إلى رب‬
‫السماء" مجلد ضخم‪ ،‬كتاب "شرح أسماء الكتاب العزيز" مجلد‪ ،‬كتاب "زاد المسافرين إلى منازل‬
‫السعداء في هدى خاتم النبياء" مجلد‪ ،‬كتاب "زاد المعاد في هدى خير العباد" أربع مجلدات‪ ،‬وهو‬
‫كتاب عظيم جدًا‪ ،‬كتاب "جلء الفهام في ذكر الصلة والسلم على خير النام" وبيان أحاديثها‬
‫وعللها مجلد‪ ،‬كتاب "بيان الدليل على استغناء المسابقة عن التحليل" مجلد‪ ،‬كتاب "نقد المنقول‬
‫والمحك المميز بين المردود والمقبول" مجلد‪ ،‬كتاب "إعلم الموقعين عن رب العالمين" ثلث‬
‫مجلدات‪ ،‬كتاب "بدائع الفوائد" مجلدان "الشافية الكافية في إلنتصار للفرقة الناجية" وهي‬
‫"القصيدة النونية في السنة" مجلدان‪ ،‬كتاب "الصواعق المنزلة على الجهمية والمعطلة لما في‬
‫مجلدات‪ ،‬كتاب "حادي الرواح إلى بلد الفراح" وهو كتاب "صفة الجنة" مجلد‪ ،‬كتاب "نزهة‬
‫المشتاقين وروضة المحبين" مجلد‪ ،‬كتاب "الداء والدواء" مجلد‪ ،‬كتاب "تحفة الودود في أحكام‬
‫المولود" مجلد لطيف‪ ،‬كتاب "مفتاح دار السعادة" مجلد ضخم‪ ،‬كتاب "اجتماع الجيوش السلمية‬
‫على غزو الفرقة الجهمية" مجلد‪ ،‬كتاب "مصائد الشيطان" مجلد‪ ،‬كتاب "الفرق الحكمية" مجلد‬
‫"رفع اليدين في الصلة" مجلد‪ .‬كتاب "نكاح المحرم" مجلد "تفضيل مكة على المدينة" مجلد‬
‫"فضل العلماء" مجلد "عدة الصابرين" مجلد كتاب "الكبائر" مجلد "حكم تارك الصلة" مجلد‪،‬‬
‫كتاب "نور المؤمن وحياته" مجلد‪ ،‬كتاب "حكم إغمام هلل رمضان"‪" ،‬التحرير فيما يحل‪،‬‬
‫ويحرم من لباس الحرير"‪" ،‬جوابات عابدي الصلبان‪ ،‬وأن ما هم عليه دين الشيطان"‪" ،‬بطلن‬
‫الكيمياء من أربعين وجهًا" مجلد "الفرق بين الخلة والمحبة‪ ،‬ومناظرة الخليل لقومه" مجلد "الكلم‬
‫الطيب والعمل الصالح" مجلد لطيف "الفتح القدسي"‪" ،‬التحفة المكية" كتاب "أمثال القرآن" "شرح‬
‫‪4‬‬

‫السماء الحسنى"‪" ،‬أيمان القرآن"‪" ،‬المسائل الطرابلسية" ثلث مجلدات "الصراط المستقيم في‬
‫أحكام أهل الجحيم" مجلدان‪ ،‬كتاب " الطاعون" مجلد لطيف‪.‬‬
‫توفى رحمه ال وقت عشاء الخرة ليلة الخميس ثالث عشرين رجب سنة إحدى وخمسين‬
‫وسبعمائة‪ .‬وصّلى عليه من الغد بالجامع عقيب الظهر‪ ،‬ثم بجامع جراح‪ .‬ودفن بمقبرة الباب‬
‫ل عنه‪ .‬وكان قد رأى قبل موته‬
‫الصغير‪ ،‬وشيعه خلق كثير‪ ،‬ورئيت له منامات كثيرة حسنة رضي ا ّ‬
‫بمدة الشيخ تقي الدين رحمه ال في النوم‪ ،‬وسأله عن منزلته؟ فأشار إلى علوها فوق بعض الكابر‪.‬‬
‫ل‪.‬‬
‫ثم قال له‪ :‬وأنت كدت تلحق بنا‪ ،‬ولكن أنت الن في طبقة ابن خزيمة رحمه ا ّ‬
‫‪5‬‬

‫زاد المعاد في هدي خير العباد‬


‫الجزء الول‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫حسبي الله ونعم الوكيل‬
‫مقّدَمة المؤلف‪:‬‬
‫ل ِإله‬
‫عدوان إل على الظالمين‪ ،‬ول ِإلَه إل ا ّ‬
‫ب العالمين‪ ،‬والعاقبة للمتقين‪ ،‬ول ُ‬
‫لر ّ‬
‫الحمد ّ‬
‫ك يوم الدين‪ ،‬الذي ل فوز إل في طاعته‪ ،‬ول‬
‫ت والرضين‪ ،‬ومال ُ‬
‫الّولين والخرين‪ ،‬وقّيوم السماوا ِ‬
‫عّز إل في التذلل لعظمته‪ ،‬ول غنى إل في الفتقار إلى رحمته‪ ،‬ول هدى إل في الستهداء بنوره‪،‬‬
‫ِ‬
‫لخلص له‪،‬‬
‫ول حياة إل في رضاه‪ ،‬ول نعيم إل في قربه‪ ،‬ول صلح للقلب ول فلح إل في ا ِ‬
‫عومل أثاب‪.‬‬
‫عصي تاب وغفر‪ ،‬وإذا ُدعي َأجاب‪ ،‬وإذا ُ‬
‫وتوحيد حّبه‪ ،‬ألذي إذا ُأطيع شكر‪ ،‬وإذا ُ‬
‫للهية جميع مصنوعاته‪،‬‬
‫ل الذي شهدت له بالربوبية جميُع مخلوقاته‪ ،‬وأقّرت له با ِ‬
‫والحمد ّ‬
‫ل الذي ل إلَه إل هو بما أودعها من عجائب صنعته‪ ،‬وبدائع آياته‪ ،‬وسبحان ا ِّ‬
‫ل‬ ‫وشهدت بأّنه ا ّ‬
‫ل وحده‪ ،‬ل شريك له‬
‫ضى نفسه‪َ ،‬وِزَنَة عرشه‪ ،‬وِمَداد كلماته‪ .‬ول ِإلَه إل ا ّ‬
‫وبحمده‪ ،‬عدد خلقه‪ ،‬وِر َ‬
‫في ِإلهيته‪،‬كما ل شريك له في ربوبيته‪ ،‬ول شبيه له في ذاته ول في أفعاله ول في صفاته‪ ،‬وا ّ‬
‫ل‬
‫ل بكرة وأصيل‪ ،‬وسبحان من سّبحت له ا لسماوا ُ‬
‫ت‬ ‫ل كثيرًا‪ ،‬وسبحان ا ّ‬
‫أكبر كبيرًا‪ ،‬والحمد ّ‬
‫حيتانها‪ ،‬والنجوُم والجبال‪ ،‬والشجر‬
‫ض وسكانها‪ ،‬والبحاُر و ِ‬
‫وأملُكها‪ ،‬والنجوُم وأفلكها‪ ،‬والر ُ‬
‫سْبُع‬
‫ت ال ّ‬
‫سماَوا ُ‬
‫سّبح َلُه ال ّ‬
‫ل رطب ويابس‪ ،‬وكل حي وميت ‪ُ‬ت َ‬
‫والدواب‪ ،‬والكاُم والّرمال‪ ،‬وك ّ‬
‫غُفورًا‪‬‬
‫حِليمًا َ‬
‫ن َ‬
‫حُهْم ِإّنه َكا َ‬
‫سِبي َ‬
‫ن َت ْ‬
‫ل َتْفَقُهو َ‬
‫حْمَدِه َوَلَـِكن ّ‬
‫سّبح ِب َ‬
‫ل ُي َ‬
‫يٍء ِإ ّ‬
‫ش ْ‬
‫ن َوِإن ّمن َ‬
‫ض َوَمن ِفيِه ّ‬
‫َوالْر ُ‬
‫]السراء‪.[44 :‬‬
‫ض والسماوات‪،‬‬
‫ل وحَده ل شريك له‪ ،‬كلمٌة قامت بها الر ُ‬
‫وأشهد أن ل ِإله إل ا ّ‬
‫ل تعالى رسَلُه‪ ،‬وأنزل كتبه‪ ،‬وشرع شرائعه‪،‬‬
‫خِلقت لجلها جميع المخلوقات‪ ،‬وبها أرسل ا ّ‬
‫وُ‬
‫ت الدواوين‪ ،‬وقام سوق الجنة والنار‪ ،‬وبها انقسمت الخليقة إلى‬
‫ضَع ِ‬
‫ن‪ ،‬وو ِ‬
‫ت الموازي ُ‬
‫صَب ِ‬
‫ولجلها ُن ِ‬
‫ق الذي‬
‫ب والعقاب‪ ،‬وهي الح ّ‬
‫المؤمنين والكفار‪ ،‬والبراِر والفجار‪ ،‬فهي منشُأ الخلق والمر‪ ،‬والثوا ِ‬
‫ب‪ ،‬وعليها‬
‫ب والعقا ُ‬
‫خلقت له الخليقة‪ ،‬وعنها وعن حقوقها السؤال والحساب‪ ،‬وعليها يقع الثوا ُ‬
‫ل على جميع العباد‪،‬‬
‫ق ا ِّ‬
‫ف الجهاد‪ ،‬وهي ح ّ‬
‫ت سيو ُ‬
‫جّرَد ْ‬
‫ت الِملة‪ ،‬ولجلها ُ‬
‫سس ِ‬
‫ُنصَبتِ الِقبلُة‪ ،‬وعليها ُأ ّ‬
‫‪6‬‬

‫لسلم‪ ،‬ومفتاح دار السلم‪ ،‬وعنها يسأل الولون والخرون‪ ،‬فل تزول قدما العبد بين‬
‫فهي كلمُة ا ِ‬
‫جبُتم المرسلين؟‬
‫ل حتى يسأل عن مسألتين‪ :‬ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أ َ‬
‫يدي ا ّ‬
‫ل‪.‬‬
‫ل(( معرفًة وإقرارًا وعم ً‬
‫فجواب الولى بتحقيق ))ل إله إل ا ّ‬
‫ل(( معرفًة وإقرارًا‪ ،‬وانقيادًا‬
‫وجواب الّثانية بتحقيق ))أن محّمدًا رسول ا ّ‬
‫وطاعًة‪.‬‬
‫ن(( في موضع رفع عطفًا‬
‫وفيها تقدير رابع‪ ،‬وهو خطأ من جهة المعنى‪ ،‬وهو أن تكون ))َم ْ‬
‫ض الناس‪ ،‬فهو خطأ محض‪،‬‬
‫عك‪ ،‬وهذا وإن قاله بع ُ‬
‫ل وأتبا ُ‬
‫ل‪ ،‬ويكون المعنى‪ :‬حسُبك ا ّ‬
‫على اسم ا ّ‬
‫ل وحده‪ ،‬كالتوكل والتقوى والعبادة‪ ،‬قال‬
‫ل الية عليه‪ ،‬فإن ))الحسب(( و ))الكفاية(( ّ‬
‫ل يجوز حم ُ‬
‫ن{ ]النفال‪:‬‬
‫صِرِه َوِباْلُمْؤِمِني َ‬
‫ك ِبَن ْ‬
‫ي َأّيد َ‬
‫ل ُهَو اّلذ َ‬
‫كا ّ‬
‫سَب َ‬
‫حْ‬‫ن َ‬
‫ك َفِإ ّ‬
‫عو َ‬
‫خَد ُ‬
‫ل تعالى‪َ} :‬وِإن ُيِريُدَوْا َأن َي ْ‬
‫ا ّ‬
‫ب له وحَده‪ ،‬وجعل التأييد له بنصره وبعباده‪ ،‬وأثنى‬
‫‪ .[62‬ففّرق بين الحسب والتأييد‪ ،‬فجعل الحس َ‬
‫ل َلُهُم‬
‫ن َقا َ‬
‫ل سبحانه على أهل التوحيد والتوكل ِمن عباده حيث أفردوه بالحسب‪ ،‬فقال تعالى‪} :‬اّلذي َ‬
‫ا ّ‬
‫ل{ ]آل عمران‪:‬‬
‫ل َوِنْعَم اْلَوِكي ُ‬
‫سُبَنا ا ّ‬
‫حْ‬‫شْوُهْم َفَزاَدُهْم ِإيَمانًا َوَقاُلوْا َ‬
‫خَ‬
‫جَمُعوْا َلُكْم َفا ْ‬
‫ن الّناس َقْد َ‬
‫الّناس ِإ ّ‬
‫ل ورسوله‪ ،‬فإذا كان هذا قوَلهم‪ ،‬ومدح الرب تعالى لهم بذلك‪ ،‬فكيف‬
‫‪ .[173‬ولم يقولوا‪ :‬حسبنا ا ّ‬
‫عك حسُبك‪ ،‬وأتباعه قد أفردوا الرب تعالى بالحسب‪ ،‬ولم ُيشركوا بينه وبين‬
‫ل وأتبا ُ‬
‫يقول لرسوله‪ :‬ا ّ‬
‫رسوله فيه‪ ،‬فكيف ُيشرك بينهم وبينه في حسب رسوله؟! هذا ِمن أمحل المحال وأبطل الباطل‪،‬‬
‫ل ِمن‬
‫سُيْؤِتيَنا ا ّ‬
‫ل َ‬
‫سُبَنا ا ّ‬
‫حْ‬‫سوُلُه َوَقاُلوْا َ‬
‫ل َوَر ُ‬
‫ضْوْا َما آَتاُهُم ا ّ‬
‫ونظيُر هذا قوُله تعالى‪َ} :‬وَلْو َأّنهْم َر ُ‬
‫ل ولرسوله‪ ،‬كما قال‬
‫ليتاء ّ‬
‫ن{ ]التوبة‪ .[59 :‬فتأمل كيف جعل ا ِ‬
‫غُبو َ‬
‫ل َرا ِ‬
‫سوُلُه ِإّنا ِإَلى ا ّ‬
‫ضِلهِ َوَر ُ‬
‫َف ْ‬
‫ب له وحده‪،‬‬
‫عْنُه َفانَتُهوْا { ]الحشر‪ .[7 :‬وجعل الحس َ‬
‫خُذوُه َوَما َنَهاُكْم َ‬
‫ل َف ُ‬
‫تعالى‪َ} :‬وَمآ آَتاُكُم الّرسو ُ‬
‫ن{‬
‫غُبو َ‬
‫ل َرا ِ‬
‫ص حّقه‪ ،‬كما قال تعالى‪ِ} :‬إّنا ِإَلى ا ّ‬
‫ل ورسوُله‪ ،‬بل جعله خال َ‬
‫فلم يقل‪ :‬وقالوا‪ :‬حسبنا ا ّ‬
‫غ َ‬
‫ت‬ ‫]التوبة‪ .[59 :‬ولم يقل‪ :‬وإلى رسوله‪ ،‬بل جعل الرغبة إليه وحَده‪ ،‬كما قال تعالى‪َ} :‬فإَذا َفَر ْ‬
‫ل وحده‪،‬‬
‫ب ِّ‬
‫لنابُة‪ ،‬والحس ُ‬
‫غب{ ]الشرح‪ ،[8-7 :‬فالرغبُة‪ ،‬والتوكل‪ ،‬وا ِ‬
‫ك َفار َ‬
‫صبْ * وِإلى َرّب َ‬
‫َفاْن َ‬
‫ل سبحانه وتعالى‪ .‬ونظيُر‬
‫ل وحَده‪ ،‬والنذر والحلف ل يكون إل ّ‬
‫كما أن العبادَة والتقوى‪ ،‬والسجود ّ‬
‫ب‪ :‬هو الكافي‪ ،‬فأخبر سبحانه وتعالى‬
‫عْبَدُه{ ]الزمر‪ .[36 :‬فالحس ُ‬
‫ف َ‬
‫ل ِبَكا ٍ‬
‫سا ّ‬
‫هذا قوله تعالى‪َ} :‬أَلْي َ‬
‫ل في هذه الكفاية؟! والدلة الّدالة على بطلن هذا‬
‫ف عبَده‪ ،‬فكيف يجعل أتباعه مع ا ّ‬
‫أّنه وحده كا ٍ‬
‫التأويل الفاسد أكثر من أن تذكر هاهنا‪.‬‬
‫‪7‬‬

‫ن العّزة والكفاية والّنصرة‪ ،‬كما أن بحسب‬


‫والمقصوُد أن بحسب متابعة الرسول تكو ُ‬
‫شقاوة‬
‫ل سبحانه عّلق سعادة الدارين بمتابعته‪ ،‬وجعل َ‬
‫ن الهدايُة والفلح والنجاة‪ ،‬فا ّ‬
‫متابعته تكو ُ‬
‫ح والعّزة‪ ،‬والكفاية والنصرة‪ ،‬والِولية والتأييد‪،‬‬
‫الدارين في مخالفته‪ ،‬فلتباعه الهدى والمن‪ ،‬والفل ُ‬
‫خذلن والشقاُء‬
‫ف والضلل‪ ،‬وال ِ‬
‫صغار‪ ،‬والخو ُ‬
‫ب العيش في الدنيا والخرة‪ ،‬ولمخالفيه الّذلُة وال ّ‬
‫وطي ُ‬
‫ب ِإَلْيِه‬
‫ح ّ‬
‫ن هو َأ َ‬
‫حّتى َيُكو َ‬
‫حُدُكم َ‬
‫ن َأ َ‬
‫في الدنيا والخرة‪ .‬وقد أقسم صلى ال عليه وسلم بأن ))ل ُيؤِم ُ‬
‫ن َمن ل ُيحّكمه في كل ما تنازع فيه‬
‫ل سبحانه بأن ل يؤم ُ‬
‫ن(( وأقسم ا ّ‬
‫جَمِعي َ‬
‫س َأ ْ‬
‫ِمن َوَلده َوَواِلِده َوالّنا ِ‬
‫جُد في نفسه حرجًا مّما حكم به ثم ُيسلم له تسليمًا‪ ،‬وينقاد له‬
‫حكمه‪ ،‬ول َي ِ‬
‫هو وغيُره‪ ،‬ثم َيرضى ب ُ‬
‫ن‬
‫خَيَرُة ِم ْ‬
‫ن َلُهُم اْل ِ‬
‫سوُلُه َأْمرًا َأن َيُكو َ‬
‫ل َوَر ُ‬
‫ضى ا ّ‬
‫ل ُمْؤِمَنٍة ِإَذا َق َ‬
‫ن َو َ‬
‫ن ِلُمْؤِم ٍ‬
‫انقيادًا وقال تعالى‪َ} :‬وَما َكا َ‬
‫ل ّمبينًا{ ]الحزاب‪ .[36 :‬فقطع سبحانه وتعالى‬
‫لً‬‫ضَ‬
‫ل َ‬
‫ضّ‬‫سوَلُه َفَقْد َ‬
‫ل َوَر ُ‬
‫صا ّ‬
‫َأْمِرِهْم َوَمن َيْع ِ‬
‫التخيير بعد أمره وأمر رسوله‪ ،‬فليس لمؤمن أن يختار شيئًا بعد أمره صلى ال عليه وسلم‪ ،‬بل إذا‬
‫خَيَرُة في قول غيره إذا خفي أمُره‪ ،‬وكان ذلك الغيُر ِمن أهل العلم به‬
‫أمر‪ ،‬فأمُره حتم‪ ،‬وإنما ال ِ‬
‫ل غيره سائَغ التباع‪ ،‬ل واجب التباع‪ ،‬فل يجب على أحد اتبا ُ‬
‫ع‬ ‫ن قو ُ‬
‫وبسنته‪ ،‬فبهذه الشروط يكو ُ‬
‫ك الخذ بقول غيره‪ ،‬لم يكن عاصيًا ّ‬
‫ل‬ ‫عه‪ ،‬ولو َتَر َ‬
‫قول أحد سواه‪ ،‬بل غايُته أّنه يسوغ له اتبا ُ‬
‫عه‪ ،‬ويحرم عليهم مخالفُته‪ ،‬ويجب عليهم تركُ‬
‫ورسوله‪ .‬فأين هذا ممن يجب على جميع المكلفين اتبا ُ‬
‫ل لحد معه‪ ،‬كما ل تشريع لحد معه‪ ،‬وكلّ من سواه‪،‬‬
‫كل قول لقوله؟ فل حكم لحد معه‪ ،‬ول قو َ‬
‫عه على قوله إذا أمر بما أمر به‪ ،‬ونهى عما نهى عنه‪ ،‬فكان مبلغًا محضًا ومخبرًا ل‬
‫فإنما يجب اتبا ُ‬
‫عها‪،‬‬
‫ل‪ ،‬وأسس قواعَد بحسب فهمه وتأويله‪ ،‬لم يجب على الّمة اتبا ُ‬
‫منشئًا ومؤسسًا‪ ،‬فمن أنشأ أقوا ً‬
‫ل‪ ،‬فإن طابقته‪،‬ووافقته‪،‬وشهد لها بالصحة‪،‬‬
‫ول التحاكم إليها حتى ُتعَرض على ما جاء به الرسو ُ‬
‫ت موقوفة‪،‬‬
‫جِعَل ْ‬
‫حها‪ ،‬فإن لم يتبين فيها أحُد المرين‪ُ ،‬‬
‫طرا ُ‬
‫ت حينئٍذ‪ ،‬وإن خالفته‪ ،‬وجب رّدها وا ّ‬
‫ُقِبَل ْ‬
‫لفتاء بها وتركه‪ ،‬وأما أنه يجب ويتعين‪ ،‬فكل‪ ،‬ولما‪.‬‬
‫ن أحوالها أن يجوَز الحكُم وا ِ‬
‫وكان أحس ُ‬
‫خيرته من خلقه‪،‬‬
‫وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله‪ ،‬وأمينه على وحيه‪ ،‬و ِ‬
‫ل رحمًة للعالمين‪،‬‬
‫وسفيُره بينه وبين عباده‪ ،‬المبعوث بالدين القويم‪ ،‬والمنهج المستقيم‪ ،‬أرسله ا ّ‬
‫وإمامًا للمتقين‪ ،‬وحجًة على الخلئق أجمعين‪ .‬أرسله على حين فترة من الرسل‪ ،‬فهدى به إلى أقوِم‬
‫سبل‪ ،‬وافترض على العباد طاعَته وتعزيره وتوقيره ومحبته‪ ،‬والقيام بحقوقه‪،‬‬
‫الطرق وأوضح ال ّ‬
‫وسّد دون جَنته الطرق‪ ،‬فلن تفتح لحد إل من طريقه‪ ،‬فشرح له صدَره‪ ،‬ورفع له ِذْكره‪ ،‬ووضع‬
‫صغار على من خالف أمره‪ .‬ففي ))المسند(( من حديث أبي منيب‬
‫عنه ِوزره‪ ،‬وجعل الّذَلَة وال ّ‬
‫‪8‬‬

‫ل صلى ال عليه وسلم‪ُ)) :‬بِعْث ُ‬


‫ت‬ ‫جَرشي‪،‬عن عبد ال بن عمر رضي ال عنهما قال‪ :‬قال رسول ا ّ‬
‫ال ُ‬
‫جِع َ‬
‫ل‬ ‫ل رُمحي‪ ،‬و ُ‬
‫ظَ‬‫ت ِ‬
‫ل ِرزقي تح َ‬
‫جِع َ‬
‫ك له‪ ،‬و ُ‬
‫ل وحَده ل شري َ‬
‫ن يِدي الساعِة حتى ُيْعَبَد ا ُّ‬
‫سيفِ َبي َ‬
‫بال ّ‬
‫ن الّذلة مضروبة على‬
‫ن خالف أمري‪ ،‬ومن تشّبه ِبَقوٍم‪ ،‬فهو منهم(( وكما أ ّ‬
‫صَغار على َم ْ‬
‫الّذَلُة وال ّ‬
‫حَزُنوا َوَأْنُتُم‬
‫ل َت ْ‬
‫ل َتِهُنوا َو َ‬
‫ل سبحانه‪َ} :‬و َ‬
‫من خالف أمره‪ ،‬فالِعّزة لهل طاعته ومتابعته‪ ،‬قال ا ّ‬
‫ن‬
‫ن َوَلَـِك ّ‬
‫سوِلِه َوِلْلُمْؤِمِني َ‬
‫ل اْلِعّزة َوِلَر ُ‬
‫ن{ ]آل عمران‪ .[139 :‬وقال تعالى‪َ} :‬و ِّ‬
‫ن ُكْنُتْم ّمْؤِمِني َ‬
‫ن ِإ ْ‬
‫عَلْو َ‬
‫ال ْ‬
‫ن َوا ّ‬
‫ل‬ ‫عَلْو َ‬
‫سْلِم َوَأنُتُم ال ْ‬
‫عَوْا ِإَلى ال ّ‬
‫ل َتِهُنوْا َوَتْد ُ‬
‫ن{ ]المنافقون‪ .[8 :‬وقال تعالى‪َ} :‬ف َ‬
‫ل َيْعَلُمو َ‬
‫ن َ‬
‫اْلُمَناِفِقي َ‬
‫َمَعُكْم{ ]محمد‪.[35 :‬‬
‫ن{‬
‫ن اْلُمْؤِمِني َ‬
‫ك ِم َ‬
‫ن اّتبَع َ‬
‫ل َوَم ِ‬
‫كا ُ‬
‫سُب َ‬
‫حْ‬‫ي َ‬
‫وقال تعالى‪َ} :‬يَأّيها الّنب ّ‬
‫عك‪ ،‬فل تحتاجون معه إلى أحد‪.‬‬
‫ل وحده كافيك‪ ،‬وكافي أتبا ِ‬
‫]النفال‪ [64 :‬أي‪ :‬ا ُّ‬
‫ن( على الكاف المجرورة‪ ،‬ويجوز‬
‫وهنا تقديران‪ ،‬أحُدهما‪ :‬أن تكون الواو عاطفة لـ )َم ْ‬
‫شَبُه‬
‫العطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار على المذهب المختار‪ ،‬وشواهُده كثيرة‪َ ،‬و ُ‬
‫المنع منه واِهية‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أن تكون الواو َواَو )مع( وتكون )َمن( في محل نصب عطفًا على الموضع‪) ،‬فإن‬
‫ن اتبعك‪ ،‬كما تقول العرب‪ :‬حسبك وزيدًا درهم‪،‬‬
‫ل يكفيك ويكفي َم ِ‬
‫حسبك( في معنى )كافيك(‪ ،‬أي‪ :‬ا ُّ‬
‫شاعر‪:‬‬
‫قال ال ّ‬
‫ف ُمَهّند‬
‫سْي ٌ‬
‫ك َ‬
‫حا َ‬
‫ك َوالض ّ‬
‫سُب َ‬
‫حْ‬‫َف َ‬ ‫صا‬
‫ت الَع َ‬
‫شّق ِ‬
‫جاُء َواْن َ‬
‫ت الَهْي َ‬
‫ِإَذا َكاَن ِ‬
‫ح التقديرين‪.‬‬
‫وهذا أص ّ‬
‫ن( في موضع رفع بالبتداء‪ ،‬أي‪ :‬ومن اتبعك من المؤمنين‪،‬‬
‫وفيها تقدير ثالث‪ :‬أن تكون )َم ْ‬
‫ل‪.‬‬
‫فحسُبُهم ا ُّ‬
‫ل تعالى‪:‬‬
‫ل سبحانه وتعالى هوالمنفرُد بالخلق والختيار من المخلوقات‪ ،‬قال ا ّ‬
‫نا ّ‬
‫وبعُد‪ ،‬فإ ّ‬
‫لرادة التي ُيشير‬
‫خَتاُر{ ]القصص‪ .[68 :‬وليس المراد هاهنا بالختيار ا ِ‬
‫شاُء َوَي ْ‬
‫ق َما َي َ‬
‫خُل ُ‬
‫}َوَرّبك َي ْ‬
‫إليها المتكلمون بأنه الفاعل المختار ‪ -‬وهو سبحانه ‪-‬كذلك‪ ،‬ولكن ليس المراُد بالختيار هاهنا هذا‬
‫شاُء{‪ ،‬فإنه ل يخُلق إل باختياره وداخل في قوله‬
‫ق َما َي َ‬
‫خُل ُ‬
‫المعنى‪ ،‬وهذا الختيار داخل في قوله‪َ} :‬ي ْ‬
‫شاُء{‪ ،‬فإن المشيئة هي الختياُر‪ ،‬وإنما المراُد بالختيار هاهنا‪ :‬الجتباء والصطفاء‪،‬‬
‫تعالى‪َ} :‬ما َي َ‬
‫ص‪ ،‬وهو‬
‫فهو اختياٌر بعَد الخلق‪ ،‬والختياُر العام اختياٌر قبل الخلق‪ ،‬فهو أعم وأسبق‪ ،‬وهذا أخ ّ‬
‫متأخر‪ ،‬فهو اختياٌر من الخلق‪ ،‬والول اختياٌر للخلق‪.‬‬
‫‪9‬‬

‫خَيَرُة{ نفيًا‪ ،‬أي‪ :‬ليس‬


‫ن َلُهم ال ِ‬
‫ختار{ ويكون }َما َكا َ‬
‫ح القولين أن الوقف التام على قوله‪َ} :‬وَي ْ‬
‫وأص ّ‬
‫هذا الختيار إليهم‪ ،‬بل هو إلى الخالق وحده‪ ،‬فكما أنه المنفرد بالخلق‪ ،‬فهو المنفرد بالختيار منه‪،‬‬
‫ل رضاه‪ ،‬وما‬
‫حا ّ‬
‫فليس لحد أن يخلق‪ ،‬ول أن يختار سواه‪ ،‬فإنه سبحانه أعلم بمواقع اختياره‪َ ،‬وَم َ‬
‫يصُلح للختيار مما ل يصلح له‪ ،‬وغيُره ل ُيشاركه في ذلك بوجه‪.‬‬
‫ن لُهُم‬
‫وذهب بعض من ل تحقيق عنده‪ ،‬ول تحصيل إلى أن ))ما(( في قوله تعالى‪َ} :‬ما َكا َ‬
‫خَيَرُة{ موصولة‪ ،‬وهي مفعول ))ويختار(( أي‪ :‬ويختار الذي لهم الخيرة‪ ،‬وهذا باطل من وجوه‪.‬‬
‫ال ِ‬
‫خيرَة(( مرفوع بأنه اسم ))كان(( والخبر ))لهم((‪،‬‬
‫أحُدها‪ :‬أن الصلة حينئٍذ تخلو من العائد‪ ،‬لن ))ال ِ‬
‫ن قيل‪ :‬يمكن‬
‫ب محال من القول‪ .‬فإ ْ‬
‫فيصير المعنى‪ :‬ويختار المر الذي كان الخيرُة لهم‪ ،‬وهذا التركي ُ‬
‫خيرُة فيه‪ ،‬أي‪ :‬ويختار‬
‫حه بأن يكون العائد محذوفًا‪ ،‬ويكون التقدير‪ :‬ويختار الذي كان لهم ال ِ‬
‫تصحي ُ‬
‫خيرُة في اختياره‪.‬‬
‫المَر الذي كان لهم ال ِ‬
‫سد من وجه آخر‪ ،‬وهو أن هذا ليس من المواضع التي يجوز فيها حذف العائد‪،‬‬
‫قيل‪ :‬هذا يف ُ‬
‫ل بمثله مع اتحاد المعنى‪ ،‬نحُو قوله تعالى‪:‬‬
‫جّر الموصو ُ‬
‫جّر بحرف ُ‬
‫فإنه إنما يحذف مجرورًا إذا ُ‬
‫ن{ ]المؤمنون‪ ،[33 :‬ونظائره‪ ،‬ول يجوز أن يقال‪:‬‬
‫شَرُبو َ‬
‫ب ِمّما َت ْ‬
‫شَر ُ‬
‫ن ِمْنُه َوَي ْ‬
‫}َيْأُكلُ ِمّما َتْأُكُلو َ‬
‫ت‪ ،‬ونحوه‪.‬‬
‫ت‪ ،‬ورأيت الذي رغب ُ‬
‫جاءني الذي مرر ُ‬
‫ل فعل الصلة بضمير يعود‬
‫شِغ َ‬
‫الّثاني‪ :‬أنه لو ُأريد هذا المعنى لنصب ))الخيرة(( و ُ‬
‫ن الخيرة لهم‪ ،‬وهذا‬
‫على الموصول‪ ،‬فكأنه يقول‪ :‬ويختاُر ما كان لهم الخيرة‪ ،‬أي‪ :‬الذي كان هو عي َ‬
‫لم يقرْأ به أحد البّتة‪ ،‬مع أنه كان وجه الكلم على هذا التقدير‪.‬‬
‫حهم في الختيار‪ ،‬وإرادتهم أن‬
‫ل سبحانه َيحكي عن الكفار اقترا َ‬
‫الّثالث‪ :‬أن ا ّ‬
‫تكون الخيرُة لهم‪ ،‬ثم ينفي هذا سبحانه عنهم‪ ،‬ويبين تفّرَده هو بالختيار‪ ،‬كما قال تعالى‪َ} :‬وَقاُلوْا‬
‫ن َقسَْمَنا َبْيَنُهْم‬
‫حُ‬‫حَمَة َرّبك َن ْ‬
‫ن َر ْ‬
‫سُمو َ‬
‫ظيٍم * َأُهْم َيْق ِ‬
‫عِ‬‫ن َ‬
‫ل ّمن اْلَقْرَيَتْي ِ‬
‫جٍ‬‫ى َر ُ‬
‫عَل َ‬
‫ن َ‬
‫ل ُنّزل َهَذا اْلُقْرآ ُ‬
‫َلْو َ‬
‫حَمُة‬
‫خِرّيا َوَر ْ‬
‫سْ‬
‫ضُهم َبْعضًا ُ‬
‫ت ّليّتخَذ َبْع ُ‬
‫جا ٍ‬
‫ض َدَر َ‬
‫ق َبْع ٍ‬
‫ضُهْم َفْو َ‬
‫حَياِة الّدْنَيا َوَرَفْعَنا َبْع َ‬
‫شَتُهْم ِفي اْل َ‬
‫ّمعي َ‬
‫ن{ ]الزخرف‪ ،[32-31 :‬فأنكر عليهم سبحاَنه تخّيَرهم عليه‪ ،‬وأخبر أن ذلك‬
‫جَمُعو َ‬
‫خْيٌر ّمّما َي ْ‬
‫َرّبك َ‬
‫سم‬
‫شهم المتضمنَة لرزاقهم َوُمَدِد آجالهم‪ ،‬وكذلك هو الذي َيق ِ‬
‫سَم بينهم معاي َ‬
‫ليس إليهم‪ ،‬بل إلى الذي َق َ‬
‫فضله بين أهل الفضل على حسب علمه بمواقع الختيار‪ ،‬ومن يصُلح له ممن ل يصُلح‪ ،‬وهو الذي‬
‫رفع بعضهم فوق بعض درجات‪ ،‬وقسم بينهم معايشهم‪ ،‬ودرجات التفضيل‪ ،‬فهو القاسم ذلك وحده‬
‫ل غيره‪ ،‬وهكذا هذه الية بّين فيها انفراده بالخلق والختيار‪ ،‬وأنه سبحاَنه أعلُم بمواقع اختياره‪ ،‬كما‬
‫‪10‬‬

‫جَع ُ‬
‫ل‬ ‫ث َي ْ‬
‫حْي ُ‬
‫عَلُم َ‬
‫ل َأ ْ‬
‫لا ّ‬
‫لا ّ‬
‫سُ‬‫ي ُر ُ‬
‫ل َما ُأوِت َ‬
‫ى ِمْث َ‬
‫حّتى ُنْؤَت َ‬
‫ن َ‬
‫جاَءْتُهْم آَيٌة َقاُلوْا َلن ّنْؤِم َ‬
‫قال تعالى‪َ} :‬وِإَذا َ‬
‫ن{ ]النعام‪،[124 :‬‬
‫شِديٌد ِبَما َكاُنوْا َيْمُكُرو َ‬
‫ب َ‬
‫عَذا ٌ‬
‫ل َو َ‬
‫عنَد ا ّ‬
‫صَغاٌر ِ‬
‫جَرُموْا َ‬
‫ن َأ ْ‬
‫ب اّلذي َ‬
‫صي ُ‬
‫سُي ِ‬
‫ساَلَتُه َ‬
‫ِر َ‬
‫ل أعلُم بالمحل الذي يصلح لصطفائه وكرامته وتخصيصه بالرسالة والنبوة دون غيره‪.‬‬
‫أي‪ :‬ا ّ‬
‫شْرُكهم ِمن اقتراحهم‬
‫الّرابع‪ :‬أنه نّزه نفسه سبحانه عّما اقتضاه ِ‬
‫عّما‬
‫ى َ‬
‫ل َوَتَعاَل َ‬
‫نا ّ‬
‫حا َ‬
‫سْب َ‬
‫خَيَرُة ُ‬
‫ن َلُهُم اْل ِ‬
‫خَتاُر َما َكا َ‬
‫شاُء َوَي ْ‬
‫ق َما َي َ‬
‫خُل ُ‬
‫واختيارهم فقال‪َ} :‬وَرّبك َي ْ‬
‫ق سواه حتى نّزه نفسه عنه‪،‬‬
‫لثبات خال ٍ‬
‫شركهم مقتضيًا ِ‬
‫ن{ ]القصص‪ ،[68 :‬ولم يكن ِ‬
‫شِرُكو َ‬
‫ُي ْ‬
‫فتأمله‪ ،‬فإنه في غاية اللطف‪.‬‬
‫ضِر َ‬
‫ب‬ ‫الخامس‪ :‬أن هذا نظيُر قوله تعالى في‪َ} :‬يَأّيها الّناس ُ‬
‫سُلْبُهُم الّذبا ُ‬
‫ب‬ ‫جَتَمُعوْا َلُه َوِإن َي ْ‬
‫خُلُقوْا ُذَبابًا َوَلِو ا ْ‬
‫ل َلن َي ْ‬
‫نا ّ‬
‫ن ِمن ُدو ِ‬
‫عو َ‬
‫ن َتْد ُ‬
‫ن اّلذي َ‬
‫سَتِمُعوْا َلُه ِإ ّ‬
‫ل َفا ْ‬
‫َمَث ٌ‬
‫عِزيٌز{ ثم‬
‫ي َ‬
‫ل َلَقِو ّ‬
‫نا ّ‬
‫ق َقْدِرِه ِإ ّ‬
‫حّ‬‫ل َ‬
‫ب * َما َقَدُرواْ ا ّ‬
‫طُلو ُ‬
‫ب َواْلَم ْ‬
‫طال ُ‬
‫ف ال ّ‬
‫ضُع َ‬
‫سَتنِقُذوُه ِمْنُه َ‬
‫ل َي ْ‬
‫شْيئًا ّ‬
‫َ‬
‫ن َأْيِديِهْم َوَما‬
‫صيٌر * َيْعَلُم َما َبْي َ‬
‫سِميٌع َب ِ‬
‫ل َ‬
‫نا ّ‬
‫ن الّناس ِإ ّ‬
‫ل َوِم َ‬
‫سً‬‫لِئَكِة ُر ُ‬
‫ن اْلَم َ‬
‫طِفي ِم َ‬
‫صَ‬‫ل َي ْ‬
‫قال‪} :‬ا ّ‬
‫ك َيْعَلُم َما ُتِك ّ‬
‫ن‬ ‫حج‪ .[76 - 73 :‬وهذا نظير قوِلِه في‪َ} :‬وَرّب َ‬
‫لُموُر{ ]ال ِ‬
‫جُع ا ُ‬
‫ل ُتْر َ‬
‫خْلَفُهْم َوِإَلى ا ّ‬
‫َ‬
‫ساَلَتُه{ ]النعام‪:‬‬
‫ل ِر َ‬
‫جَع ُ‬
‫ث َي ْ‬
‫حْي ُ‬
‫ل َأعَلُم َ‬
‫ن{ ]القصص‪ [69 :‬ونظيُر قوله في‪} :‬ا ُ‬
‫صُدوُرُهْم َوَما ُيْعِلُنو َ‬
‫ُ‬
‫ل اختياره بما خصصها به‪ِ ،‬لعلمه‬
‫حا ّ‬
‫ن لتخصيصه َم َ‬
‫‪ [124‬فأخبر في ذلك كّله عن علمه المتضم ِ‬
‫جْدُه متضمنًا لهذا المعنى‪ ،‬زائدًا عليه‪،‬‬
‫سياق في هذه اليات َت ِ‬
‫بأنها تصُلح له دون غيرها‪ ،‬فتدبر ال ّ‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫وا ّ‬
‫ب قوله‪َ} :‬وَيوَم‬
‫عقي َ‬
‫السادس‪ :‬أن هذه الية مذكورٌة َ‬
‫ن َتا َ‬
‫ب‬ ‫ن * َفأّما َم ْ‬
‫ساَءلو َ‬
‫ل َيَت َ‬
‫لْنَباُء َيْوَمِئٍذ َفهْم َ‬
‫عَليِهم ا َ‬
‫ت َ‬
‫ن * َفَعِمَي ْ‬
‫سِلي َ‬
‫جبُتُم الُمر َ‬
‫ُيَناِديِهم َفَيُقول َماَذا َأ َ‬
‫شاُء َويخَتاُر{ ]القصص‪-65 :‬‬
‫ق َما َي َ‬
‫ك َيخُل ُ‬
‫ن * َوَرّب َ‬
‫حي َ‬
‫ن المفِل ِ‬
‫ن ِم َ‬
‫سى َأن َيكو َ‬
‫صاِلحًا َفَع َ‬
‫ل َ‬
‫عِم َ‬
‫ن َو َ‬
‫وآَم َ‬
‫‪ [68‬فكما خلقهم وحده سبحانه‪ ،‬اختار منهم من تاب‪ ،‬وآمن‪ ،‬وعمل صالحًا‪ ،‬فكانوا صفوَته من‬
‫ل له‪ ،‬ل‬
‫عباده‪ ،‬وخيرَته ِمن خلقه‪ ،‬وكان هذا الختياُر راجعًا إلى حكمته وعلمه سبحانه لمن هو أه ٌ‬
‫ل وتعالى عّما يشركون‪.‬‬
‫حهم‪ ،‬فسبحان ا ّ‬
‫إلى اختيار هؤلء المشركين واقترا ِ‬
‫فصل‬
‫ل على ربوبيته تعالى‬
‫ت هذا الختيار والتخصيص فيه دا ً‬
‫ق‪ ،‬رأي َ‬
‫ل هذا الخل ِ‬
‫وإذا تأملت أحوا َ‬
‫ل الذي ل إله إل هو‪ ،‬فل شريك له يخُلق كخلقه‪،‬‬
‫ل حكمته وعلمه وقدرته‪ ،‬وأنه ا ُّ‬
‫ووحدانيته‪ ،‬وكما ِ‬
‫ويختار كاختياره‪ ،‬ويدّبر كتدبيره‪ ،‬فهذا الختياُر والتدبير‪ ،‬والتخصيص المشهود أثُره في هذا العالم‬
‫‪11‬‬

‫ق رسله‪ ،‬فنشيُر منه إلى‬


‫ن أعظم آيات ربوبيته‪ ،‬وأكبِر شواهد وحدانيته‪ ،‬وصفات كماله‪ ،‬وصد ِ‬
‫ِم ْ‬
‫ل على ما سواه‪.‬‬
‫ن منبهًا على ما وراءه‪ ،‬دا ً‬
‫يسير يكو ُ‬
‫ت سبعًا‪ ،‬فاختار الُعليا منها‪ ،‬فجعلها مستقر المقربين ِمن ملئكته‪،‬‬
‫ل السماوا ِ‬
‫فخلق ا ّ‬
‫ل على سائر‬
‫واختصها بالقرب ِمن كرسيه وِمن عرشه‪ ،‬وأسكنها َمن شاَء ِمن خلقه‪ ،‬فلها مزيٌة وفض ٌ‬
‫ص مع تساوي مادة‬
‫ل والتخصي ُ‬
‫السماوات‪ ،‬ولو لم يكن إل قرُبها منه تبارك وتعالى‪ .‬وهذا التفضي ُ‬
‫السماوات ِمن أبين الدلة على كمال قدرته وحكمته‪ ،‬وأنه يخلق ما يشاء ويختار‪.‬‬
‫صها بأن جعل عرشه‬
‫َوِمن هذا تفضيُله سبحانه جّنة الفردوس على سائر الجنان‪ ،‬وتخصي ُ‬
‫ل سبحانه غرسها بيده‪ ،‬واختارها ِلخيرته ِمن خلقه((‪َ .‬وِمن هذا‬
‫سقَفها‪ ،‬وفي بعض الثار‪)) :‬إن ا ّ‬
‫ل‪ ،‬وكان النبي‬
‫ل‪ ،‬وإسرافي َ‬
‫ل‪ ،‬وميكائي َ‬
‫ن ِمنهم على سائرهم‪،‬كجبري َ‬
‫اختياُره ِمن الملئكة المصطفْي َ‬
‫عاِلَم‬
‫ض‪َ ،‬‬
‫سماوات َوالر ِ‬
‫طَر ال ّ‬
‫ل‪َ،‬فا ِ‬
‫سَراِفي َ‬
‫ل َوإ ْ‬
‫ل َوِميَكاِئي َ‬
‫جْبِري َ‬
‫ب ِ‬
‫صلى ال عليه وسلم يقول‪)) :‬الّلُهّم َر ّ‬
‫حّ‬
‫ق‬ ‫ن ال َ‬
‫ف ِفيِه مِ َ‬
‫خُتِل َ‬
‫ن‪ ،‬اْهِدِني ِلَما ا ْ‬
‫خَتِلُفو َ‬
‫ك ِفيَما َكاُنوا ِفيِه َي ْ‬
‫عَباِد َ‬
‫ن ِ‬
‫حُكُم َبْي َ‬
‫ت َت ْ‬
‫شَهاَدِة‪َ ،‬أْن َ‬
‫الَغْيبِ َوال ّ‬
‫سَتِقيٍم((‪.‬‬
‫ط ُم ْ‬
‫صَرا ٍ‬
‫شاُء إَلى ِ‬
‫ن َت َ‬
‫ك َتْهِدي َم ْ‬
‫ك‪ِ ،‬إّن َ‬
‫ِبِإْذِن َ‬
‫ل‪ ،‬وكم ِمن‬
‫فذكر هؤلء الثلثة ِمن الملئكة لكمال اختصاصهم‪ ،‬واصطفائهم‪ ،‬وقربهم من ا ّ‬
‫ب الوحي الذي به حياُة القلوب‬
‫َمَلك غيرِهم في السماوات‪ ،‬فلم ُيسم إل هؤلء الثلثة‪ .‬فجبريل‪ :‬صاح ُ‬
‫طِر الذي به حياُة الرض والحيوان والنبات‪ ،‬وإسرافيل‪ :‬صاحب‬
‫ل‪ :‬صاحب الَق ْ‬
‫والرواح‪ ،‬وميكائي ُ‬
‫ل الموات‪ ،‬وأخرجتهم ِمن قبورهم‪.‬‬
‫صور الذي إذا نفخ فيه‪ ،‬أحيت نفخُته بإذن ا ّ‬
‫ال ُ‬
‫وكذلك اختياُره سبحانه للنبياء ِمن ولد آدم عليه وعليهم الصلُة والسلم‪ ،‬وهم مائة‬
‫ألف وأربعة وعشرون ألفًا‪ ،‬واختياره الرسل منهم‪ ،‬وهم َثلُثمائة وثلثة عشر‪ ،‬على ما في حديث‬
‫أبي ذر الذي رواه أحمد‪ ،‬وابن حبان في ))صحيحه((‪ ،‬واختياُره أولي العزم منهم‪ ،‬وهم خمسة‬
‫ن ِميَثاَقُهْم‬
‫ن الّنبّيْي َ‬
‫خْذَنا ِم َ‬
‫المذكورون في سورة )الحزاب( و )الشورى( في قوله تعالى‪َ} :‬وِإْذ َأ َ‬
‫غِليظًا{ ]الحزاب‪،[7 :‬‬
‫خْذَنا ِمْنُهْم ّميثاقًا َ‬
‫ن َمْرَيَم َوَأ َ‬
‫سى اْب ِ‬
‫عي َ‬
‫ى َو ِ‬
‫سَ‬‫ك َوِمن ّنوح َوِإْبَراِهيَم َوُمو َ‬
‫َوِمْن َ‬
‫صْيَنا ِبِه ِإْبَراِهيَم‬
‫ك َوَما َو ّ‬
‫حْيَنا ِإَلْي َ‬
‫ي َأْو َ‬
‫صى ِبِه ُنوحًا َواّلذ َ‬
‫ع َلُكم ّمن الّدين َما َو ّ‬
‫شَر َ‬
‫وقال تعالى‪َ } :‬‬
‫ن‪ :‬إبراهيَم‬
‫ل َتَتَفّرقوْا ِفيِه{ ]الشورى‪ ،[13 :‬واختار منهم الخليلي ِ‬
‫ن َأِقيُموْا الّدين َو َ‬
‫ى َأ ْ‬
‫سَ‬‫عي َ‬
‫ى َو ِ‬
‫سَ‬‫َوُمو َ‬
‫ل عليهما وآلهما وسلم‪.‬‬
‫ومحمدًا صلى ا ّ‬
‫‪12‬‬

‫ن هذا اختياُره سبحانه ولَد إسماعيل من أجناس بني آدم‪ ،‬ثم اختار منهم بني ِكنانة ِمن‬
‫َوِم ْ‬
‫سّيَد‬
‫خزيمة‪ ،‬ثم اختار ِمن ولد ِكنانة ُقريشًا‪ ،‬ثم اختار ِمن قريش بني هاشم‪ ،‬ثم اختار من بني هاشم َ‬
‫ُ‬
‫ولِد آدم محّمدًا صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫ن الولين‪ ،‬واختار منهم أه َ‬
‫ل‬ ‫ن‪ ،‬واختار منهم السابقي َ‬
‫وكذلك اختار أصحابه ِمن جملة الَعاَلِمي َ‬
‫ل بيعة الّرضوان‪ ،‬واختار لهم ِمن الّدين أكمَله‪ ،‬وِمن الشرائع أفضَلها‪ ،‬ومن الخلق‬
‫بدر‪ ،‬وأه َ‬
‫أزَكاها وأطيبها وأطَهرها‪.‬‬
‫لمام أحمد((‬
‫واختار أمته صلى ال عليه وسلم على سائر المم‪ ،‬كما في ))مسند ا ِ‬
‫ل صلى ال‬
‫سو ُ‬
‫وغيره من حديث بَهِز بن حكيم بن معاوية بن حْيَدَة‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جّده قال‪ :‬قال ر ُ‬
‫ل((‪ .‬قال علي بن الْمديني وأحمد‪:‬‬
‫خْيُرَها َوَأْكَرُمَها عََلى ا ّ‬
‫ن ُأّمة َأْنتْم َ‬
‫سْبِعي َ‬
‫ن َ‬
‫عليه وسلم ))َأْنتْم ُموفو َ‬
‫حديثُ بهز بن حكيم‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جّده صحيح‪.‬‬
‫وظهر أثُر هذا الختيار في أعمالهم وأخلقهم وتوحيِدهم ومنازلهم في الجَنة ومقاماتهم في‬
‫ل فوقهم يشرفون عليهم‪ ،‬وفي الترمذي من حديث ُبريدة بن‬
‫الموقف‪ ،‬فإنهم أعلى من الّناس على ت ّ‬
‫ف‪،‬‬
‫ن َوَمائُة ص ّ‬
‫شُرو َ‬
‫عْ‬‫جّنِة ِ‬
‫ل اْل َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪َ)) :‬أه ُ‬
‫لا ّ‬
‫ب السلمي قال‪ :‬قال رسو ُ‬
‫صْي ِ‬
‫ح َ‬
‫ال ُ‬
‫لَمِم(( قال الترمذي‪ :‬هذا حديث حسن‪ .‬والذي في‬
‫ساِئِر ا ُ‬
‫ن َ‬
‫ن ِم ْ‬
‫لّمِة‪َ ،‬وَأْرَبُعو َ‬
‫ن َهِذِه ا ُ‬
‫ن ِمْنَها ِم ْ‬
‫َثَماُنو َ‬
‫خدري‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم في حديث بعث النار‪:‬‬
‫))الصحيح(( من حديث أبي سعيد ال ُ‬
‫جّنِة((‪ ،‬ولم يزد على ذلك‪َ .‬فِإّما أن يقال‪ :‬هذا‬
‫ل ال َ‬
‫طَر َأْه ِ‬
‫ش ْ‬
‫ن تُكوُنوا َ‬
‫طَمُع َأ ْ‬
‫ل ْ‬
‫سي ِبَيده إّنى َ‬
‫))َواّلِذي َنْف ِ‬
‫أصح‪ ،‬وإّما أن ُيقال‪ :‬إن النبي صلى ال عليه وسلم طمع أن تكون أمُته شطَر أهل الجنة‪ ،‬فأعلمه‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫رّبه فقال‪)) :‬إنهم ثمانون صفًا من مائة وعشرين صفًا((‪ ،‬فل تنافي بين الحديثين‪ ،‬وا ّ‬
‫لّمة سواها‪ ،‬وفي‬
‫ل لمته واختياِره لها أنه وهبها ِمن العلم والحلم ما لم َيَهْبُه ُ‬
‫َوِمن تفضيل ا ّ‬
‫ت أبا القاسم صلى ال عليه وسلم يقول‪:‬‬
‫))مسند البزار(( وغيره من حديث أبي الدرداء قال‪ :‬سمع ُ‬
‫حِمُدوا‬
‫ن‪َ ،‬‬
‫حّبو َ‬
‫صاَبُهم َما ُي ِ‬
‫ن َأ َ‬
‫ك آمًة ِإ ْ‬
‫ن َبْعِد َ‬
‫ث ِم ْ‬
‫ع ٌ‬
‫ن َمرَيَم‪ِ)) :‬إّني َبا ِ‬
‫سى اْب ِ‬
‫ل ِلعي َ‬
‫ل َتَعاَلى َقا َ‬
‫ن ا َّ‬
‫))إ ّ‬
‫ف َهَذا‬
‫ب‪َ ،‬كْي َ‬
‫ل‪َ :‬يا َر ّ‬
‫عْلَم‪َ ،‬قا َ‬
‫ل ِ‬
‫حْلَم َو َ‬
‫ل ِ‬
‫سُبوا َوصَبُروا‪َ ،‬و َ‬
‫حَت َ‬
‫ن‪ ،‬ا ْ‬
‫صاَبهْم َما َيْكَرُهو َ‬
‫ن َأ َ‬
‫شَكُروا‪َ ،‬وإ ْ‬
‫َو َ‬
‫عْلِمي((‪.‬‬
‫حْلِمي َو ِ‬
‫ن ِ‬
‫طيِهْم ِم ْ‬
‫عِ‬‫ل‪ُ :‬أ ْ‬
‫عْلَم؟ َقا َ‬
‫حْلَم َول ِ‬
‫َول ِ‬
‫َوِمن هذا اختياُره سبحانه وتعالى ِمن الماكن والبلد خيَرَها وأشرفَها‪ ،‬وهي البلد‬
‫الحراُم‪ ،‬فإنه سبحانه وتعالى اختاره لنبيه صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وجعله مناسك لعباده‪ ،‬وأوجب عليهم‬
‫ق‪ ،‬فل َيدخلونه إل متواضعين متخشعين متذللين‪،‬‬
‫ج عمي ٍ‬
‫ل َف ّ‬
‫ن إليه من الُقْرب والُبْعد ِمن ك ّ‬
‫لتيا َ‬
‫اِ‬
‫‪13‬‬

‫ضُد به‬
‫حَرمًا آِمنًا‪ ،‬ل ُيسفك فيه دٌم‪ ،‬ول ُتَع َ‬
‫كاشفي رؤوسهم‪ ،‬متجردين عن ِلباس أهل الدنيا‪ ،‬وجعَله َ‬
‫طُته للتمليك بل للتعريف ليس إل‪ ،‬وجعل‬
‫شجرة‪،‬ول ُيَنّفر له صيٌد‪ ،‬ول ُيختلى خله‪ ،‬ول ُتلتقط ُلَق َ‬
‫قصده مكفرًا لما سلف من الذنوب‪ ،‬ماحيًا للوزار‪ ،‬حاطًا للخطايا‪ ،‬كما في ))الصحيحين(( عن أبي‬
‫جَع‬
‫ق‪َ ،‬ر َ‬
‫س ْ‬
‫ث‪َ ،‬وَلْم َيفْ ُ‬
‫ت‪َ ،‬فَلْم َيْرُف ْ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪َ)) :‬من َأَتى َهَذا اْلَبْي َ‬
‫هريرة قال‪ :‬قال رسول ا ّ‬
‫ل بن‬
‫ن الثواب دون الجّنة‪ ،‬ففي ))السنن(( من حديث عبد ا ّ‬
‫َكيْوم َوَلَدْتُه ُأّمُه((‪ ،‬ولم يرض لقاصده ِم َ‬
‫ج َوالُعْمَرِة‪َ ،‬فإّنُهَما‬
‫حّ‬‫ن ال َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪َ)) :‬تاِبُعوا َبْي َ‬
‫مسعود رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ا ّ‬
‫جِة الَمْبُروَرِة َثَوا ٌ‬
‫ب‬ ‫حّ‬‫س ِلْل َ‬
‫ضِة‪َ ،‬وَلْي َ‬
‫ب َوالِف ّ‬
‫ث الحِديِد والّذَه ِ‬
‫خَب َ‬
‫ب َكَما َيْنِفي الِكيُر َ‬
‫ن الَفْقَر َوالّذنو َ‬
‫َيْنِفَيا ِ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم قال‪:‬‬
‫ن رسول ا ّ‬
‫ن الجّنِة((‪ .‬وفي ))الصحيحين(( عن أبي هريرة أ ّ‬
‫ُدو َ‬
‫جّنَة((‪ ،‬فلو لم يكن البلُد‬
‫ل ال َ‬
‫جَزاٌء ِإ ّ‬
‫س َلُه َ‬
‫ج الَمْبُروُر َلْي َ‬
‫حّ‬‫))الُعْمَرُة ِإَلى الُعْمَرِة َكّفاَرٌة ِلَما َبْيَنُهَما‪َ ،‬وال َ‬
‫ض عليهم‬
‫ك لعباده‪َ ،‬فَر َ‬
‫سَ‬
‫صاِتها منا ِ‬
‫المين خيَر بلده‪َ ،‬وأحّبها إليه‪ ،‬ومختاَره من البلد‪ ،‬لما جعل عر َ‬
‫لسلم‪ ،‬وأقسم به في كتابه العزيز في موضعين منه‪ ،‬فقال‬
‫قصَدها‪ ،‬وجعل ذلك من آكِد فروض ا ِ‬
‫سُم ِبَهَذا اْلَبَلِد{ ]البلد‪ ،[1 :‬وليس على‬
‫ل ُأْق ِ‬
‫ن{ ]التين‪ ،[3 :‬وقال تعالى‪َ } :‬‬
‫تعالى؟ }َوَهَذا اْلَبَلِد الِمي ِ‬
‫ي إليها والطوافُ بالبيت الذي فيها غيَرها‪ ،‬وليس على‬
‫وجه الرض بقعٌة يجب على كل قادٍر السع ُ‬
‫وجه الرض موضٌع ُيشرع تقبيُله واستلُمه‪ ،‬وُتحط الخطايا والوزار فيه غيَر الحجر السود‪،‬‬
‫والركن اليماني‪ .‬وثبت عن النبي صلى ال عليه وسلم أن الصلة في المسجد الحرام بمائة ألف‬
‫ل بن الزبير‪،‬عن النبي صلى‬
‫صلة‪ ،‬ففي ))سنن النسائي(( و))المسند(( بإسناد صحيح عن عبد ا ّ‬
‫سجَد‬
‫ل الَم ْ‬
‫سَواُه ِإ ّ‬
‫لة ِفيَما ِ‬
‫فص َ‬
‫ل ِمن أل ِ‬
‫ضُ‬‫لٌة في َمسجدي َهَذا أْف َ‬
‫صَ‬‫ال عليه وسلم أنه قال‪َ )) :‬‬
‫لة(( ورواه ابن‬
‫صَ‬‫سجدي َهَذا بَماَئة َ‬
‫لًة في َم ْ‬
‫صَ‬‫ن َ‬
‫ضل ِم ْ‬
‫حَراِم أْف َ‬
‫جِد ال َ‬
‫لٌة في الًمس ِ‬
‫صَ‬‫حَراَم‪ ،‬و َ‬
‫اْل َ‬
‫ع الرض على الطلق‪،‬‬
‫ل بقا ِ‬
‫حرَاَم أفض ُ‬
‫ن َالمسجد اَل َ‬
‫صًريح في أ َ‬
‫حبان في ))صحيحه(( وهذا َ‬
‫ولذلك كان شّد الرحال إليه فرضًا‪ ،‬وِلغيره مما ُيستحب ول يجب‪َ ،‬وفي ))المسند((‪ ،‬والترمذي‬
‫ل صلى ال عليه وسلم وهو واقف‬
‫ل بن عدي بن الحصراء أنه سمع رسول ا ّ‬
‫والنسائي‪ ،‬عن عبد ا ّ‬
‫ل‪َ ،‬وَلْو َ‬
‫ل‬ ‫ل ِإًلى ا ِّ‬
‫ض ا ِّ‬
‫ب أْر ِ‬
‫ح ّ‬
‫ل َوأ َ‬
‫ض ا ِّ‬
‫خْيُر َأر ِ‬
‫ل ِإّنك َل َ‬
‫ن َمّكَة َيُقول‪َ)) :‬وا ّ‬
‫حْزَوَرة ِم ْ‬
‫على راحلته بال َ‬
‫ت(( قال الترمذي‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪.‬‬
‫ج ُ‬
‫خَر ْ‬
‫ك َمَا َ‬
‫ت ِمْن َِ‬
‫ج ُ‬
‫خِر ْ‬
‫أّني أ ْ‬
‫بل َوِمن خصائصها كوُنها قبلًة لهل الرض كّلهم‪ ،‬فليس على وجه الرض قبلٌة غيُرها‪.‬‬
‫وِمن خواصها أيضًا أنه يحرم استقباُلها واستدباُرها عند قضاء الحاجة دون سائر‬
‫ِبقاع الرض‪.‬‬
‫‪14‬‬

‫وأصح المذاهب في هذه المسألة‪ :‬أنه ل فرق في ذلك بين الفضاء والبنيان‪ ،‬لبضعة عشر‬
‫ل قد ُذِكرت في غير هذا الموضع‪ ،‬وليس مع المفرق ما ُيقاومها البتة‪ ،‬مع تناقضهم في مقدار‬
‫دلي ً‬
‫جاج من الطرفين‪.‬‬
‫حَ‬‫الفضاء والبنيان‪ ،‬وليس هذا موضَع استيفاء ال ِ‬
‫)يتبع‪(...‬‬
‫ل مسجد وضع في الرض‪ ،‬كما في‬
‫ومن خواصها أيضًا أن المسجَد الحراَم أو ُ‬ ‫@‬
‫ضَع في‬
‫ن أّول َمسجد ُو ِ‬
‫عْ‬‫ل صلى ال عليه وسلم َ‬
‫لا ّ‬
‫ت رسو َ‬
‫))الصحيحين(( عن أبي ذر قال‪ :‬سأل ُ‬
‫ل‪:‬‬
‫ت‪َ :‬كْم َبْيَنُهَما؟ َقا َ‬
‫صى(( ُقْل ُ‬
‫لْق َ‬
‫جُد ا ّ‬
‫سَ‬‫ل‪)) :‬المَ ْ‬
‫ت‪ُ :‬ثّم أي؟ َقا َ‬
‫حَراُم(( ُقْل ُ‬
‫سجد ال َ‬
‫الرض؟ فقال‪)) :‬الَم ْ‬
‫ف المراَد به‪ ،‬فقال‪ :‬معلوم أن سليمان ب َ‬
‫ن‬ ‫عاَمًا(( وقد أشكل هذا الحديث على من لم يعر ِ‬
‫ن َ‬
‫))أْرَبُعو َ‬
‫داود هو الذي بنى المسجد القصى‪ ،‬وبينه وبين إبراهيم أكثر من ألف عام‪ ،‬وهذا من جهل هذا‬
‫سه‪ ،‬والذي أسسه هو يعقوب بن‬
‫جد القصى تجديُده‪ ،‬ل تأسي ُ‬
‫ل‪ ،‬فإن سليمان إنما كان له ِمن المس َ‬
‫القائ ِ‬
‫ل عليهما وآلهما وسلم بعد بناء إبراهيم الكعبة بهذا المقدار‪.‬‬
‫إسحاق صلى ا ّ‬
‫ع عليها‪،‬‬
‫ل تعالى أخبر أنها أّم القرى‪ ،‬فالقرى كُلها تبع لها‪ ،‬وفر ٌ‬
‫ومما يدل على تفضيلها أن ا ّ‬
‫عِديل‪ ،‬فهي كما أخبر النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫ل يكون لها في الُقرى َ‬
‫ل القرى‪ ،‬فيجب أ ّ‬
‫وهي أص ُ‬
‫ل‪.‬‬
‫للهية عدي ٌ‬
‫عن )الفاتحة( أنها أّم القرآن ولهذا لم يكن لها في الكتب ا ِ‬
‫ومن خصائصها أنها ل يجوُز دخوُلها لغير أصحاب الحوائج المتكررة إل بإحرام‪،‬‬
‫س عن ابن عباس رضي ا ّ‬
‫ل‬ ‫وهذه خاصية ل ُيشاركها فيها شيٌء من البلد‪ ،‬وهذه المسألُة تلقاها النا ُ‬
‫حَراٍم‪ِ ،‬م ْ‬
‫ن‬ ‫ل ِبإ ْ‬
‫حٌد َمّكَة إ ّ‬
‫ل َأ َ‬
‫خُ‬‫عنهما‪ ،‬وقد روي عن ابن عباس بإسناد ل يحتج به مرفوعًا ))ل َيْد ُ‬
‫غيِر َأْهِلَها(( ذكره أبو أحمد بن عدي‪ ،‬ولكن الحجاج بن أرطاة في الطريق‪ ،‬وآخر قبله‬
‫ن َ‬
‫َأْهِلَها َوِم ْ‬
‫من الضعفاء‪.‬‬
‫ت ومن‬
‫ل المواقي ِ‬
‫ق بين من هو داخ ُ‬
‫ت‪ ،‬والفر ُ‬
‫لثبا ُ‬
‫ي‪ ،‬وا ِ‬
‫وللفقهاء في المسألة ثلثُة أقوال‪ :‬الّنْف ُ‬
‫جاوزها إل بإحرام‪ ،‬ومن هو داخلها‪ ،‬فحكُمه حكُم أهل مّكة‪ ،‬وهو قول أبي‬
‫هو قبَلها‪ ،‬فمن قبلها ل ُي َ‬
‫حنيفة‪ ،‬والقولن الولن للشافعي وأحمد‪.‬‬
‫صه أنه ُيعاقب فيه على الهّم بالسيئات وإن لم يفعلها‪ ،‬قال تعالى}َوَمن ُيِرْد‬
‫وِمن خوا ّ‬
‫لرادة هاهنا بالباء‪ ،‬ول‬
‫ب َأِليٍم{ ]الحج‪ [25 :‬فتأمل‪ .‬كيف عدى فعل ا ِ‬
‫عَذا ٍ‬
‫ن َ‬
‫ظْلٍم ّنذْقُه ِم ْ‬
‫حاٍد ِب ُ‬
‫ِفيِه ِبِإلْ َ‬
‫ن معنى فعل ))هم(( فإنه يقال‪ :‬هممت بكذا‪ ،‬فتوعَد من هم بأن َيظلم فيه‬
‫ت بكذا إل لما ضِم ّ‬
‫يقال‪ :‬أرد ُ‬
‫ب الِليم‪.‬‬
‫بأن ُيذيقه العَذا َ‬
‫‪15‬‬

‫ف مقادير السيئات فيه‪ ،‬ل كمياُتها‪ ،‬فإن السيئة جزاؤها سيئة‪،‬‬


‫َوِمن هذا تضاع ُ‬
‫ل وبلده وعلى بساطه‬
‫حَرِم ا ّ‬
‫لكن سيئة كبيرة‪ ،‬وجزاؤها مثلها‪ ،‬وصغيرة جزاؤها مثلها‪ ،‬فالسيئة في َ‬
‫ك على بساط ُملكه كمن‬
‫آكُد وأعظُم منها في طرف من أطراف الرض‪ ،‬ولهذا ليس من عصى المل َ‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫ل النزاع في تضعيف السيئات‪ ،‬وا ّ‬
‫عصاه في الموضع البعيد من داره وِبساطه‪ ،‬فهذا فص ُ‬
‫وقد ظهر سّر هذا التفضيل والختصاص في انجذاب الفئدة‪ ،‬وهوى‬
‫القلوب وانعطافها ومحبتها لهذا البلِد المين‪ ،‬فجذُبه للقلوب أعظُم من جذب المغناطيس للحديد‪ ،‬فهو‬
‫الولى بقول القائل‪:‬‬
‫جا ِ‬
‫ل‬ ‫س أْفئَدِة الّر َ‬
‫طي ُ‬
‫َوَمْغَنا ِ‬ ‫سٍ‬
‫ن‬ ‫حْ‬
‫ل ُ‬
‫سُنُه َهُيوَلى ُك ّ‬
‫حا ِ‬
‫َم َ‬
‫ولهذا أخبر سبحانه أنه مثابٌة للناس‪ ،‬أي‪ :‬يثوبون إليه على تعاقب العوام من جميع‬
‫القطار‪ ،‬ول َيقضون منه وطرًا‪ ،‬بل كلما ازدادوا له زيارة‪ ،‬ازدادوا له اشتياقا‪.‬‬
‫شَتاقًا‬
‫ف ُم ْ‬
‫طْر ُ‬
‫حّتى َيُعود إَلْيَها ال ّ‬
‫َ‬ ‫ظُرها‬
‫ن َيْن ُ‬
‫حي َ‬
‫عْنَها ِ‬
‫ف َ‬
‫طْر ُ‬
‫جُع ال ّ‬
‫ل َيْر ِ‬
‫َ‬
‫ضَ‬
‫ي‬‫ق في حبها من الموال والرواح‪َ ،‬وَر ِ‬
‫ب وجريح‪ ،‬وكم ُأنِف َ‬
‫فلله كم لها ِمن قتيل وسلي ٍ‬
‫المحب بمفارقِة ِفَلِذ الكباد والهل‪ ،‬والحباب والوطان‪ ،‬مقّدمًا بين يديه أنواع المخاوف والمتالف‪،‬‬
‫ن المحبة في قلبه‬
‫والمعاطف والمشاق‪ ،‬وهو يستِلُذ ذلك كّله ويستطيُبه‪ ،‬ويراه ‪ -‬لو ظهر سلطا ُ‬
‫‪-‬أطيب من ِنَعِم المتحلية وترفهم ولذاتهم‪.‬‬
‫حبيُبُه‬
‫ضى َ‬
‫ن َيْر َ‬
‫عَذاَبًا ِإَذا َما َكا َ‬
‫َ‬ ‫شَقاَءه‬
‫ن َيُعُد َ‬
‫حّبا َم ْ‬
‫س ُم ِ‬
‫َوَلْي َ‬
‫ي { ]الحج‪ [26 :‬فاقتضت‬
‫طّهرا َبْيِت َ‬
‫وهذا كّله سّر إضافته إليه سبحانه وتعالى بقوله‪َ } :‬أن َ‬
‫لجلل والتعظيم والمحبة َما اقتضته‪ ،‬كما اقتضت إضافته لعبده‬
‫لضافة الخاصة من هذا ا ِ‬
‫هذه ا ِ‬
‫ورسوله إلى نفسه ما اقتضته من ذلك‪ ،‬وكذلك إضافته عباَده المؤمنين إليه كستهم من الجلل‬
‫ب تعالى إلى نفسه‪ ،‬فله من المزية والختصاص‬
‫ل ما أضافه الّر ّ‬
‫والمحبة والوقار ما كستهم‪ ،‬فك ّ‬
‫ل آخر‪ ،‬وتخصيصًا‬
‫لضافة تفضي ً‬
‫على غيره ما أوجب له الصطفاَء والجتباَء‪ ،‬ثم يكسوه بهذه ا ِ‬
‫لضافة‪ ،‬ولم ُيوفق لفهم هذا المعنى من سّوى بين العيان‬
‫وجللة زائدًا على ما كان له قبل ا ِ‬
‫والفعال‪ ،‬والزمان والماكن‪ ،‬وزعم أنه ل مزية لشيء منها على شيء‪ ،‬وإنما هو مجرد الترجيح‬
‫بل مرجح‪ ،‬وهذا القول باطل بأكثر من أربعين وجهًا قد ذكرت في غير هذا الموضع‪ ،‬ويكفي‬
‫ت الرسل كذوات أعدائهم في‬
‫ل في فساده‪ ،‬فإن مذهبًا يقتضي أن تكون ذوا ُ‬
‫تصُوُر هذا المذهب الباط ِ‬
‫الحقيقة‪ ،‬وإنما التفضيل بأمر ل يرجع إلى اختصاص الذوات بصفات ومزايا ل تكون لغيرها‪،‬‬
‫‪16‬‬

‫س البقاع واحدة بالذات ليس لبقعة على ُبقعة مزية البتة‪ ،‬وإنما هو لما َيقع فيها من العمال‬
‫وكذلك نف ُ‬
‫الصالحة‪ ،‬فل مزية لبقعة البيت‪ ،‬والمسجد الحرام‪ ،‬وِمنى وعرفة والمشاعر على أي بقعة سميتها‬
‫ل باعتبار أمر خارج عن البقعة ل يعوُد إليها‪ ،‬ول إلى وصف قائم بها‪،‬‬
‫من الرض‪ ،‬وإنما التفضي ُ‬
‫حّتى‬
‫ن َ‬
‫جاَءْتُهْم آَيٌة َقاُلوْا َلن ّنْؤِم َ‬
‫ل بقوله تعالى‪َ} :‬وِإَذا َ‬
‫ل الباط َ‬
‫ل سبحانه وتعالى قد رد هذا القو َ‬
‫وا ّ‬
‫عنَد ا ّ‬
‫ل‬ ‫صَغاٌر ِ‬
‫جَرُموْا َ‬
‫ن َأ ْ‬
‫ب اّلذي َ‬
‫صي ُ‬
‫سُي ِ‬
‫ساَلَتُه َ‬
‫ل ِر َ‬
‫جَع ُ‬
‫ث َي ْ‬
‫حْي ُ‬
‫عَلُم َ‬
‫ل َأ ْ‬
‫لا ّ‬
‫لا ّ‬
‫سُ‬‫ي ُر ُ‬
‫ل َما ُأوِت َ‬
‫ى ِمْث َ‬
‫ُنْؤَت َ‬
‫ل ول صالحًا لتحّمل رسالته‪،‬‬
‫ل أحد أه ً‬
‫ن{ ]النعام‪ [124 :‬أي‪َ :‬ليس ك ّ‬
‫شِديٌد ِبَما َكاُنوْا َيْمُكُرو َ‬
‫ب َ‬
‫عَذا ٌ‬
‫َو َ‬
‫ل منكم‪ .‬ولو كانت‬
‫ل أعلم بهذه المحا ّ‬
‫ل مخصوصة ل تليق إل بها‪ ،‬ول تصلح إل لها‪ ،‬وا ّ‬
‫بل لها محا ّ‬
‫ك َفَتّنا‬
‫ت متساوية كما قال هؤلء‪ ،‬لم يكن في ذلك رٌد عليهم‪ ،‬وكذلك قوُله تعالى‪َ} :‬وَكَذِل َ‬
‫الذوا ُ‬
‫ن{ ]النعام‪ [53 :‬أي‪:‬‬
‫شاكِري َ‬
‫عَلَم ِبال ّ‬
‫ل ِبَأ ْ‬
‫سا ّ‬
‫عَلْيِهم ّمن َبْيِنَنا َأَلْي َ‬
‫ل َ‬
‫نا ّ‬
‫ض ّليُقولَوْا َأَهُؤلِء َم ّ‬
‫ضُهْم ِبَبْع ٍ‬
‫َبْع َ‬
‫ن عليه ممن ل يشكره‪،‬فليس ك ّ‬
‫ل‬ ‫هو سبحانه أعلُم بمن يشكره على نعمته‪ ،‬فيختصه بفضله‪َ ،‬وَيُم ّ‬
‫ل يصلح لشكره‪ ،‬واحتمال منته‪ ،‬والتخصيص بكرامته‪.‬‬
‫مح ٍ‬
‫ت ما اختاره واصطفاه من العيان والماكن والشخاص وغيرها مشَتِمَلة على صفات‬
‫فذوا ُ‬
‫ت‪،‬‬
‫ل‪ ،‬وهو سبحانه الذي فضلها بتلك الصفا ِ‬
‫وأمور قائمة بها ليست لغيرها‪ ،‬ولجلها اصطفاها ا ُّ‬
‫خَتاُر { ]القصص‪ ،[67 :‬وما‬
‫شاُء َوَي ْ‬
‫ق َما َي َ‬
‫خُل ُ‬
‫وخصها بالختيار‪ ،‬فهذا خلُقه‪ ،‬وهذا اختياره }َوَرّبك َي ْ‬
‫ساويٌة‬
‫ت الحجر السود م َ‬
‫ي يقضي بأن مكان البيت الحرام مساٍو لسائر المكنة‪ ،‬وذا َ‬
‫ن رْأ َ‬
‫أبين بطل َ‬
‫ل في ذلك بأمور‬
‫ل‪ .‬مساويٌة لذات غيره‪ ،‬وإنما التفضي ُ‬
‫ت رسول ا ّ‬
‫لسائر حجارة الرض‪ ،‬وذا َ‬
‫خارجة عن الذات والصفات القائمة بها‪ ،‬وهذه القاويل وأمثاُلها من الجنايات التي جناها المتكلمون‬
‫على الشريعة‪ ،‬ونسبوها إليها وهي بريئة منها‪ ،‬وليس معهم أكثُر من اشتراك الذوات في أمر عام‪،‬‬
‫ت قد تشتِرك في أمر عام مع اختلفها في صفاتها‬
‫وذلك ل يوجب تساويها في الحقيقة‪ ،‬لن المختلفا ِ‬
‫ت البول أبدًا‪ ،‬ول بين ذات الماء وذات الّنار أبدًا‪،‬‬
‫ل تعالى بين ذات الِمسك وذا ِ‬
‫النفسية‪ ،‬وما سّوى ا ُّ‬
‫ت الفاضلة وأضدادها أعظُم من هذا التفاوت‬
‫ن المكنة الشريفة وأضدادها‪،‬والذوا ِ‬
‫ن َبْي َ‬
‫ت الَبّي ُ‬
‫والتفاو ُ‬
‫ت فرعون من التفاوت أعظُم مما بين المسك‬
‫ت موسى عليه السلم وذا ِ‬
‫بكثير‪ ،‬فبين ذا ِ‬
‫ت بين نفس الكعبة‪ ،‬وبين بيت السلطان أعظُم من هذا التفاوت أيضًا بكثير‪،‬‬
‫والرجيع‪،‬وكذلك التفاو ُ‬
‫ل البقعتان سواًء في الحقيقة والتفضيل باعتبار ما يقع هناك من العبادات والذكار‬
‫جَع ُ‬
‫فكيف ُت ْ‬
‫والدعوات؟!‬
‫‪17‬‬

‫صِد استيفاَء الرّد على هذا المذهب المردوِد المرذول‪ ،‬وإنما قصدنا تصويَره‪ ،‬وإلى‬
‫ولم نق ِ‬
‫ص شيئًا‪ ،‬ول‬
‫ل سبحانه ل ُيخص ُ‬
‫ل وعباُده بغيره شيئًا‪ ،‬وا ّ‬
‫اللبيب العادل العاقل التحاُكم‪ ،‬ول َيعبأ ا ّ‬
‫صه وتفضيله‪ ،‬نعم هو معطي ذلك المرجح وواهُبه‪ ،‬فهو‬
‫ُيفضله ويرجحه إل لمعنى يقتضي تخصي َ‬
‫الذي خلقه‪ ،‬ثم اختاره بعد خلقه‪ ،‬ورّبك يخلق ما يشاُء ويختار‪.‬‬
‫ل يوُم النحر‪،‬‬
‫َوِمن هذا تفضيُله بعض اليام والشهور على بعض‪ ،‬فخير اليام عند ا ّ‬
‫عْنَد ا َِ‬
‫ل‬ ‫ل الّياِم ِ‬
‫ضُ‬‫وهو يوُم الحج الكبر كما في ))السنن(( عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال‪َ)) :‬أْف َ‬
‫ل منه‪ ،‬وهذا هو المعروف عند أصحاب الشافعي‪،‬‬
‫حِر‪ُ ،‬ثّم َيْوُم الَقّر((‪ .‬وقيل‪ :‬يوُم عرفة أفض ُ‬
‫َيْوُم الّن ْ‬
‫ب َأكَثَر ِمنُه ِفي‬
‫ل ِفيِه الّرقا َ‬
‫ق ا ُّ‬
‫ن َيْوٍم َيْعِت ُ‬
‫قالوا‪ :‬لنه يوُم الحج الكبر‪ ،‬وصياُمه يكفر سنتين‪ ،‬وَما ِم ْ‬
‫ل الموقف‪ .‬والصواب‬
‫لِئَكَته ِبَأْه ِ‬
‫عَباِده‪ُ ،‬ثّم ُيَباِهي َم َ‬
‫ن ِ‬
‫عَرَفَة‪ ،‬ولنه سبحانه وتعالى َيْدُنو ِفيِه ِم ْ‬
‫َيْوِم َ‬
‫ب أن يوَم الحج الكبر‬
‫ل على ذلك ل ُيعارضه شيء ُيقاومه‪ ،‬والصوا ُ‬
‫ث الدا ّ‬
‫القول الول‪ ،‬لن الحدي َ‬
‫ج الْكَبِر{ ]التوبة‪ [3 :‬وثبت‬
‫حّ‬‫سوِلِه ِإَلى الّناس َيْوَم اْل َ‬
‫ل َوَر ُ‬
‫ن ّمن ا ّ‬
‫هو يوُم الّنحر‪ ،‬لقوله تعالى‪َ} :‬وَأَذا ٌ‬
‫عَرَفَة‪ .‬وفي‬
‫ل َيوَم َ‬
‫حِر‪َ ،‬‬
‫ك َيْوَم الّن ْ‬
‫ل عنهما َأّذَنا ِبَذِل َ‬
‫في ))الصحيحين(( أن أبا بكر وعليًا رضي ا ّ‬
‫ج الْكَبِر َيْوُم‬
‫حّ‬‫ل صلى ال عليه وسلم قال‪)) :‬يوم اْل َ‬
‫))سنن أبي داود(( بأصح إسناد أن رسول ا ّ‬
‫حِر((‪ ،‬وكذلك قال أبو هريرة‪ ،‬وجماعٌة من الصحابة‪ ،‬ويوُم عرفة مقّدمة ليوم الّنحر بين يديه‪،‬‬
‫الّن ْ‬
‫ل‪ ،‬والستقالُة‪ ،‬ثم يوَم الّنحر تكون الوفادُة‬
‫ع‪ ،‬والتوبُة‪ ،‬والبتها ُ‬
‫ف‪ ،‬والتضر ُ‬
‫ن الوقو ُ‬
‫فإن فيه يكو ُ‬
‫ف الزيارة‪ ،‬لنهم قد طهروا من ذنوبهم يوم عرفة‪ ،‬ثم أذن لهم‬
‫والزيارة‪ ،‬ولهذا سمي طواُفه طوا َ‬
‫ق الرؤوس‪،‬‬
‫ح القرابين‪ ،‬وحل ُ‬
‫ل عليه إلى بيته‪ ،‬ولهذا كان فيه ذب ُ‬
‫رّبهم يوم الّنحر في زيارته‪ ،‬والدخو ِ‬
‫ل يوم عرفة كالطهور والغتسال بين يدي هذا اليوم‪.‬‬
‫ورميُ الجمار‪ ،‬ومعظُم أفعال الحج‪ ،‬وعم ُ‬
‫ل‪ ،‬وقد ثبت في‬
‫ل الياِم عند ا ّ‬
‫ن أيامه أفض ُ‬
‫وكذلك تفضيل عشر ذي الحجة على غيره من اليام‪ ،‬فإ ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫ل عنهما قال‪ :‬قال رسول ا ّ‬
‫))صحيح البخاري(( عن ابن عباس رضي ا ّ‬
‫سِبي ِ‬
‫ل‬ ‫جَهاُد في َ‬
‫ل ال ِ‬
‫شِر(( َقاُلوا‪َ :‬و َ‬
‫ن هذه الّياِم الَع ْ‬
‫ل ِم ْ‬
‫ب ِإَلى ا ِّ‬
‫ح ّ‬
‫صالح ِفيَها َأ َ‬
‫ل ال ّ‬
‫ن َأّياٍم الَعَم ُ‬
‫))َما ِم ْ‬
‫شيٍء((‬
‫ك ِب َ‬
‫ن َذِل َ‬
‫سِه وَماِلِه‪ُ ،‬ثّم َلْم َيْرجْع ِم ْ‬
‫ج ِبَنْف ِ‬
‫خَر َ‬
‫ل َ‬
‫جٌ‬‫ل َر ُ‬
‫ل‪ِ ،‬إ ّ‬
‫ل ا ِّ‬
‫سِبي ِ‬
‫جَهاُد في َ‬
‫ل ال ِ‬
‫ل‪َ)) :‬و َ‬
‫ل؟ َقا َ‬
‫ا ِّ‬
‫شٍر{ ]الفجر‪ [2-1 :‬ولهدا‬
‫عْ‬‫ل َ‬
‫جِر * َوَليا ٍ‬
‫ل بها في كتابه بقوله‪َ} :‬واْلَف ْ‬
‫وهي الياُم العشر التي أقسم ا ّ‬
‫لكثاُر من التْكِبير والتهليل والتحميِد‪،‬كما قال النبي صلى ال عليه وسلم‪َ)) :‬فأْكثُروا‬
‫ُيستحب فيها ا ِ‬
‫حِميِد((‪ ،‬ونسبُتَها إلى اليام كنسبة مواضع المناسك في سائر البقاع‪.‬‬
‫ن التْكِبيِر َوالّتْهِليل َوالَت ْ‬
‫ن ِم َ‬
‫ِفيِه ّ‬
‫‪18‬‬

‫ل عشِرِه الخير على سائر‬


‫ل شهر رمضان على سائر الشهور‪ ،‬وتفضي ُ‬
‫ن َذلك تفضي ُ‬
‫َوِم ْ‬
‫ل ليلة القدر على ألف شهر‪.‬‬
‫الليالي‪ ،‬وتفضي ُ‬
‫جة‪ ،‬أو العشُر الخير من رمضان؟ وأ ّ‬
‫ي‬ ‫حّ‬‫عشُر ذي ال ِ‬
‫ل؟ َ‬
‫ي الَعشرين أفض ُ‬
‫فإن قلت‪ :‬أ ّ‬
‫لسراء؟‬
‫ل؟ ليلُة القدِر‪ ،‬أو ليلة ا ِ‬
‫الليلتين أفض ُ‬
‫ل‪ :‬ليالي العشر الخير من رمضان‪،‬‬
‫ب فيه أن يقا ُ‬
‫ل الول‪ ،‬فالصوا ُ‬
‫قلت‪ :‬أّما السؤا ُ‬
‫ل من أيام عشر رمضان‪ ،‬وبهذا‬
‫جة أفض ُ‬
‫حّ‬‫ل من ليالي عشر ذي الحجة‪ ،‬وأّيام عشر ذي ال ِ‬
‫أفض ُ‬
‫ت باعتبار ليلة القدر‪،‬‬
‫ضَل ْ‬
‫ي العشر من رمضان إنما ُف ّ‬
‫ل الشتباه‪ ،‬ويدل عليه أن ليال َ‬
‫ل يزو ُ‬
‫التفصي ِ‬
‫ل باعتبار أيامه‪ ،‬إذ فيه يوُم النحر‪ ،‬ويوُم عرفة‪ ،‬ويوم‬
‫ضَ‬‫جة إنما ُف ّ‬
‫حّ‬‫ي ال ِ‬
‫وهي من الليالي‪ ،‬وعشُر ذ َ‬
‫التروية‪.‬‬
‫ل عن رجل قال‪:‬‬
‫لسلم ابن تيمية رحمه ا ّ‬
‫خا ِ‬
‫ل شي ُ‬
‫سِئ َ‬
‫وأما السؤال الثاني‪ ،‬فقد ُ‬
‫ب؟‬
‫ل‪َ ،‬فَأّيُهما المصي ُ‬
‫ل ِمن ليلة القدر‪ ،‬وقال آخر‪ :‬بل ليلُة القدر أفض ُ‬
‫لسراء أفض ُ‬
‫ليلُة ا ِ‬
‫ل ِمن ليلة القدر‪ ،‬فإن أراد به أن تكو َ‬
‫ن‬ ‫لسراء أفض ُ‬
‫ل بأن ليلة ا ِ‬
‫ل‪ ،‬أما القائ ُ‬
‫فأجاب‪ :‬الحمُد ِّ‬
‫ل لّمة محمد صلى ال‬
‫الليلُة التي أسري فيها بالنبي صلى ال عليه وسلم ونظاِئُرها ِمن كل عام أفض َ‬
‫ل منه في ليلِة القدر‪ ،‬فهذا باطل‪ ،‬لم‬
‫ن قياُمها والدعاُء فيها أفض َ‬
‫عليه وسلم ِمن ليلة القدر بحيث يكو ُ‬
‫لسراء‬
‫لسلم‪ .‬هذا إذا كانت ليلةُ ا ِ‬
‫طراد من دين ا ِ‬
‫يقله أحٌد من المسلمين‪ ،‬وهو معلوُم الفساد بال ّ‬
‫ل معلوم ل على شهرها‪ ،‬ول على عشرها‪ ،‬ول على عيِنها‪ ،‬بل‬
‫ُتعرف عيُنها‪ ،‬فكيف ولم يقْم دلي ٌ‬
‫ص الليلة التي‬
‫ع للمسلمين تخصي ُ‬
‫شِر َ‬
‫النقولُ في ذلك منقطعٌة مختلفة‪ ،‬ليس فيها ما ُيقطع به‪ ،‬ول ُ‬
‫لسراء بقيام ول غيره‪ ،‬بخلف ليلة القدر‪ ،‬فإنه قد ثبت في ))الصحيحين(( عن النبي‬
‫ُيظن أنها ليلة ا ِ‬
‫ن(( وفي‬
‫ن َرَمضا َ‬
‫خِر ِم ْ‬
‫لَوا ِ‬
‫شِر ا َ‬
‫حّرْوا َلْيَلَة الَقْدِر في الَع ْ‬
‫صلى ال عليه وسلم أنه قال‪َ)) :‬ت َ‬
‫غِفَر َلُه َما‬
‫سابًا‪ُ ،‬‬
‫حِت َ‬
‫ن َقاَم َلْيَلَة الَقْدِر ِإيَمانًا وا ْ‬
‫))الصحيحين(( عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال‪َ)) :‬م ْ‬
‫ن َذْنِبِه((‪ ،‬وقد أخبر سبحانه أنها خيٌر ِمن ألف شهر‪ ،‬وأّنه أنزل فيها القرآن‪.‬‬
‫َتَقّدَم ِم ْ‬
‫وإن أراد أن الليلة المعينة التي أسري فيها بالنبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وحصل له فيها ما لم‬
‫يحصلْ له في غيرها ِمن غير أن ُيشرع تخصيصها بقيام ول عبادة‪ ،‬فهذا صحيح‪ ،‬وليس إذا أعطى‬
‫ن أفض َ‬
‫ل‬ ‫ل نبيه صلى ال عليه وسلم فضيلة في مكان أو زمان‪ ،‬يجب أن يكون ذلك الزمان والمكا ُ‬
‫ا َُ‬
‫لسراِء‬
‫ل تعالى على نبيه ليَلة ا ِ‬
‫ِمن جميع المكنة والزمنة‪ .‬هذا إذا قدر أنه قام دليل على أن إنعاَم ا ّ‬
‫ن ليلَة القدر‪ ،‬وغيِر ذلك من النعم التي أنعم عليه بها‪.‬‬
‫كان أعظَم من إنعامه عليه بإنزال القرآ ِ‬
‫‪19‬‬

‫لمور‪ ،‬ومقادير النعم التي ل ُتعرف إل بوحي‪،‬‬


‫والكلم في مثل هذا يحتاج إلى علم بحقائق ا ُ‬
‫لسراِء‬
‫ول يجوز لحد أن يتكلم فيها بل علم‪ ،‬ول ُيعرف عن أحد من المسلمين أنه جعل لليلة ا ِ‬
‫فضيلَة على غيرها‪ ،‬ل سيما على ليلة القدر‪ ،‬ول كان الصحابُة والتابعون لهم بإحسان يقصُدون‬
‫لسراء بأمر من الموِر‪ ،‬ول يذكرونها‪ ،‬ولهذا ل ُيعرف أي ليلة كانت‪ ،‬وإن كان‬
‫تخصيص ليلة ا ِ‬
‫ن‪ ،‬ول‬
‫ص ذلك الزما ِ‬
‫لسراُء ِمن أعظم فضائله صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ومع هذا فلم ُيشرع تخصي ُ‬
‫اِ‬
‫ل النبوة‪،‬‬
‫ن بعبادة شرعية‪ ،‬بل غاُر حراء الذي ابتدئ فيه بنزول الوحي‪ ،‬وكان يتحراه قب َ‬
‫ذلك المكا ِ‬
‫ص اليوَم الذي أنزل فيه الوحي‬
‫صْدُه هو ول أحٌد ِمن أصحابه بعد النبوة مدَة ُمقامه بمكة‪ ،‬ول خ ّ‬
‫لم يق ِ‬
‫ن بشيء‪ ،‬ومن خص المكَنة‬
‫ن الذي ابتدئ فيه بالوحي ول الزما َ‬
‫ص المكا َ‬
‫بعبادة ول غيِرها‪ ،‬ول خ ّ‬
‫ن أحوال‬
‫والزمَنة من عنده بعبادات لجل هذا وأمثاله‪ ،‬كان ِمن جنس أهل الكتاب الذين جعلوا زما َ‬
‫المسيح مواسَم وعبادات‪ ،‬كيوم الميلد‪ ،‬ويوم التعميد‪ ،‬وغير ذلك من أحواله‪ .‬وقد رأى عمُر بن‬
‫ل عنه جماعة يتبادرون مكانًا ُيصلون فيه‪ ،‬فقال‪ :‬ما هذا؟ قالوا‪ :‬مكانٌ صلى فيه‬
‫الخطاب رضي ا ّ‬
‫ن كان‬
‫ك َم ْ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقال‪ :‬أُتريدون أن تتخذوا آثار أنبيائكم مساجد؟! إنما هل َ‬
‫رسولُ ا ّ‬
‫ض‪.‬‬
‫قبلكم بهذا‪ ،‬فمن أدركته فيه الصلة فليصل‪ ،‬وإل فليم ِ‬
‫لسراء في حق النبي صلى ال عليه وسلم أفضل ِمن ليلة‬
‫ض الناس‪ :‬إن ليلة ا ِ‬
‫وقد قال بع ُ‬
‫ل لهم‪،‬‬
‫لسراء‪ ،‬فهذه الليلة في حق الّمة أفض ُ‬
‫ل من ليلة ا ِ‬
‫القدر‪ ،‬وليلة القدر بالنسبة إلى الّمة أفض ُ‬
‫ل له‪.‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪،‬أفض ُ‬
‫لسراء في حق رسول ا ّ‬
‫وليلة ا ِ‬
‫ل‪ :‬يوم الجمعة‪ ،‬أو يوم عرفة؟ فقد روى ابن حبان في‬
‫فإن قيل‪ :‬فأيهما أفض ُ‬
‫س َو َ‬
‫ل‬ ‫شْم ُ‬
‫طُلُع ال ّ‬
‫ل َت ْ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪َ )).‬‬
‫))صحيحه(( من حديث أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول ا ّ‬
‫عَلْيِه‬
‫ت َ‬
‫طَلَع ْ‬
‫خْيُر َيْوٍم َ‬
‫جُمَعِة(( وفيه أيضًا حديث أوس بن أوس )) َ‬
‫ل ِمن َيْوِم ال ُ‬
‫ضَ‬‫عَلى َيْوٍم َأْف َ‬
‫َتْغُربُ َ‬
‫جْمَعِة((‪.‬‬
‫شْمس َيْوُم ال ُ‬
‫ال ّ‬
‫ض العلماء إلى تفضيل يوم الجمعة على يوم عرفة‪ ،‬محتجًا‬
‫قيل‪ :‬قد ذهب بع ُ‬
‫ل من ليلة القدر‪،‬‬
‫بهذا الحديث‪ ،‬وحكى القاضي أبو يعلى رواية عن أحمد أن ليلة الجمعة أفض ُ‬
‫ل أيام العام‪ ،‬وكذلك ليلُة‬
‫ل أيام السبوع‪ ،‬ويوَم عرفة ويوم الّنحر أفض ُ‬
‫ب أن يوم الجمعة أفض ُ‬
‫والصوا ُ‬
‫القدر‪ ،‬وليلة الجمعة‪ ،‬ولهذا كان لوقفة الجمعة يوَم عرفة مزية على سائر اليام من وجوه متعّددة‪.‬‬
‫ل اليام‪.‬‬
‫ع اليومين اللذين هما أفض ُ‬
‫أحدها‪ :‬اجتما ُ‬
‫‪20‬‬

‫لجابة‪ ،‬وأكثر القوال أنها آخر ساعة بعد العصر‬


‫الثاني‪ :‬أنه اليوُم الذي فيه ساعة محققة ا ِ‬
‫وأهل الموقف كّلهم إذ ذاك واقفون للدعاء والتضرع‪.‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬موافقُته ليوم وقفة رسول ا ّ‬
‫ع الخلئق ِمن أقطار الرض للخطبة وصلة الجمعة‪ ،‬وُيوافق ذلك‬
‫الّرابع‪ :‬أن فيه اجتما َ‬
‫صل ِمن اجتماع المسلمين في مساجدهم وموقفهم من‬
‫ع أهل عرفة يوَم عرفة بعرفة‪ ،‬فيح ُ‬
‫اجتما َ‬
‫صل في يوم سواه‪.‬‬
‫الدعاء والتضرع ما ل يح ُ‬
‫الخامس‪ :‬أن يوم الجمعة يوُم عيد‪ ،‬ويوَم عرفة يوُم عيد لهل عرفة‪ ،‬ولذلك كره لمن بعرفة‬
‫صْوِم َيْوِم‬
‫عنْ َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم َ‬
‫ل ا ِّ‬
‫سو ُ‬
‫صومه‪ ،‬وفي النسائي عن أبي هريرة قال‪َ)) :‬نَهى َر ُ‬
‫عَرَفَة ِبَعَرَفَة((‪ ،‬وفي إسناده نظر‪ ،‬فإن مهدي بن حرب العبدي ليس بمعروف‪ ،‬ومداره عليه‪ ،‬ولكن‬
‫َ‬
‫ل ا ِّ‬
‫ل‬ ‫سو ِ‬
‫صَيام َر ُ‬
‫عرَفَة في ِ‬
‫عْنَدَها َيْوَم َ‬
‫ثبت في الصحيح من حديث أم الفضل ))أن ناسًا تماَرْوا ِ‬
‫ن‪،‬‬
‫ح َلب ٍ‬
‫ت إَلْيِه بَقَد ِ‬
‫سَل ْ‬
‫صاِئٍم َفَأْر َ‬
‫س ِب َ‬
‫ضهُْم‪َ :‬لْي َ‬
‫ل بْع ُ‬
‫صاِئٌم‪َ ،‬وَقا َ‬
‫ضهم‪ُ :‬هَو َ‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقال بع ُ‬
‫شرَبُه((‪.‬‬
‫عَلى َبِعيِرِه ِبَعَرَفَة‪َ ،‬ف َ‬
‫ف َ‬
‫َوُهَو َواِق ٌ‬
‫وقد اختلف في حكمة استحباب فطر يوم عرفة بعرفة‪ ،‬فقالت طائفة‪ِ :‬ليتقوى على‬
‫حكمة فيه‬
‫لسلم ابن تيمية ‪ :-‬ال ِ‬
‫خرقي وغيره‪ ،‬وقال غيرهم ‪ -‬منهم شيخ ا ِ‬
‫ل ال ِ‬
‫الدعاء‪ ،‬وهذا هو قو ُ‬
‫ل عليه الحديث الذي في ))السنن(( عنه‬
‫أنه عيد لهل عرفة‪ ،‬فل ُيستحب صوُمه لهم‪ ،‬قال‪ :‬والدلي ُ‬
‫لسلِم((‪.‬‬
‫لا ِ‬
‫عيُدَنا أه َ‬
‫حِر‪َ ،‬وأّياُم ِمَنى ِ‬
‫عَرَفَة‪َ ،‬وَيْوُم الّن ْ‬
‫صلى ال عليه وسلم أنه قال‪َ)) :‬يْوُم َ‬
‫ل عرفة‪ ،‬لجتماعهم فيه‪،‬‬
‫قال شيخنا‪ :‬وإنما يكون يوُم عرفة عيدًا في حق أه ِ‬
‫بخلف أهل المصار‪ ،‬فإنهم إنما يجمعون يوم الَنحر‪ ،‬فكان هو العيَد في حقهم‪ ،‬والمقصود أنه إذا‬
‫ن معًا‪.‬‬
‫اتفق يوُم عرفة‪ ،‬ويوُم جمعة‪ ،‬فقد اتفق عيدا ِ‬
‫ل تعالى ديَنه لعباده المؤمنين‪ ،‬وإتماِم نعمته عليهم‪ ،‬كما‬
‫السادس‪ :‬أنه موافق ليوم إكمال ا ّ‬
‫ن الخطاب فقال‪َ :‬يا‬
‫ي إلى عمَر ب ِ‬
‫ثبت في ))صحيح البخاري(( عن طارق بن شهاب قال‪ :‬جاء يهود ٌ‬
‫ت ِفيِه‪،‬‬
‫ك الَيْوَم اّلِذي َنَزَل ْ‬
‫ت َوَنْعَلُم َذِل َ‬
‫شَر الَيُهوِد َنَزَل ْ‬
‫عَلْيَنا َمْع َ‬
‫َأِميَر الُمؤِمِنين آَيٌة َتْقَرؤوَنَها في ِكَتاِبُكْم َلْو َ‬
‫ت َلُكُم‬
‫ضي ُ‬
‫عَلْيُكْم ِنْعَمِتي َوَر ِ‬
‫ت َ‬
‫ت َلُكْم ِديَنُكْم َوَأْتَمْم ُ‬
‫ل‪} :‬اْلَيْوَم َأْكَمْل ُ‬
‫ي َآَيٍة؟ َقا َ‬
‫ل‪ :‬أ ُ‬
‫عيدًا‪َ ،‬قا َ‬
‫خْذَناُه ِ‬
‫لّت َ‬
‫ن اّلِذي‬
‫ت ِفيِه‪َ ،‬والَمَكا َ‬
‫عَلُم اْلَيْوَم اّلِذي َنَزَل ْ‬
‫لْ‬‫ب‪ِ :‬إّني َ‬
‫طا ِ‬
‫خّ‬‫ن ال َ‬
‫عَمُر ب ُ‬
‫ل ُ‬
‫لَم ِدينًا{ ]المائدة‪َ [3:‬فَقا َ‬
‫سَ‬‫لْ‬
‫اِ‬
‫ن َمَعُه ِبَعَرَفَة‪.‬‬
‫ن َواِقُفو َ‬
‫حُ‬‫جُمَعٍة‪َ ،‬وَن ْ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ِ .‬بَعَرَفَة َيْوَم ُ‬
‫ل ا ِّ‬
‫سو ِ‬
‫عَلى َر ُ‬
‫ت َ‬
‫ت ِفيِه‪َ ،‬نَزَل ْ‬
‫َنَزَل ْ‬
‫‪21‬‬

‫ف العظم يوِم القيامة‪ ،‬فإن القيامة تقوُم يوَم‬


‫السابع‪ :‬أنه موافق ليوم الجمع الكبر‪ ،‬والموق ِ‬
‫خِل َ‬
‫ق‬ ‫جُمَعِة‪ِ ،‬فيِه ُ‬
‫س َيْوُم ال ُ‬
‫شْم ُ‬
‫عَلْيِه ال ّ‬
‫ت َ‬
‫طَلَع ْ‬
‫خْيُر َيْوٍم َ‬
‫الجمعة‪ ،‬كما قال النبي صلى ال عليه وسلم‪َ )) :‬‬
‫سَأ ُ‬
‫ل‬ ‫سِلٌم َي ْ‬
‫عْبٌد ُم ْ‬
‫ل ُيَواِفُقَها َ‬
‫عٌة َ‬
‫سا َ‬
‫عُة‪َ ،‬وِفيِه َ‬
‫سا َ‬
‫ج ِمْنَها‪َ ،‬وِفيِه َتُقوُم ال ّ‬
‫خِر َ‬
‫جّنَة‪َ ،‬وِفيِه ُأ ْ‬
‫ل ال َ‬
‫خَ‬‫آَدُم‪َ ،‬وِفيِه ُأْد ِ‬
‫ل سبحانه وتعالى ِلعباده يومًا يجتمعون فيه‪ ،‬فيذكرون المبدأ‬
‫طاُه ِإّياُه(( ولهذا شرع ا ُّ‬
‫عَ‬‫ل َأ ْ‬
‫خْيَرًا ِإ ّ‬
‫ل َ‬
‫ا َّ‬
‫لّمة يوَم الجمعة‪ ،‬إذ فيه كان المبدُأ‪ ،‬وفيه المعاُد‪،‬‬
‫ل تعالى لهذه ا ُ‬
‫والمعاد‪ ،‬والجّنة والّنار‪ ،‬واّدخر ا ُّ‬
‫لنسان (‬
‫ي صلى ال عليه وسلم يقرأ في فجره سورتي )السجدة( و )هل أتى على ا ِ‬
‫ولهذا كان النب ّ‬
‫ل الجّنة‬
‫ن في هذا اليوم‪ِ ،‬من خلق آدم‪ ،‬وذكر المبدأ والمعاد‪ ،‬ودخو ِ‬
‫لشتمالهما على ما كان وما يكو ُ‬
‫ن بأعظم مواقف‬
‫لنسا ُ‬
‫والّنار‪ ،‬فكان تَذّكُر الّمة في هذا اليوم بما كان فيه وما يكون‪ ،‬فهكذا يتذّكر ا ِ‬
‫ف العظم بين يدي الرب سبحانه في هذا اليوم بعينه‪ ،‬ول يتنصف‬
‫الدنيا ‪ -‬وهو يوُم عرفة ‪ -‬الموق َ‬
‫حتى يستقّر أهل الجنة في منازلهم‪ ،‬وأهل النّار في منازلهم‪.‬‬
‫جمعة‪ ،‬وليلَة الجمعة‪ ،‬أكثر منها في سائر‬
‫الثامن‪ :‬أن الطاعَة الواِقَعة ِمن المسلمين يوَم ال ُ‬
‫جّرأ فيه على‬
‫اليام‪ ،‬حتى إن أكثَر أهل الفجور َيحتِرمون يوم الجمعة وليلته‪ ،‬ويرون أن من َت َ‬
‫ل عقوبته ولم ُيمهله‪ ،‬وهذا أمر قد استقّر عندهم وعلموه بالتجاِرب‪،‬‬
‫جل ا ُّ‬
‫ل عز وجل‪ ،‬ع ّ‬
‫معاصي ا ِّ‬
‫ل سبحانه له من بين سائر اليام‪ ،‬ول ريب أن للوقفة‬
‫ل‪ ،‬واختياِر ا ّ‬
‫وذلك ِلعظم اليوِم وشرِفِه عند ا ّ‬
‫فيه مزيًة على غيره‪.‬‬
‫ح‪،‬‬
‫ل الجنة في واٍد َأْفي َ‬
‫التاسع‪ :‬أنه موافق ليوم المزيد في الجنة‪ ،‬وهو اليوُم الذي ُيجَمُع فيه أه ُ‬
‫جٍد وياقوت على ُكثَبانِ الِمسك‪،‬‬
‫ب لهم َمَناِبُر ِمن لؤلؤ‪ ،‬ومناِبُر من ذهب‪ ،‬ومنابُر من َزَبْر َ‬
‫ص ُ‬
‫وُيْن َ‬
‫عهم موافاة أعجَلهم‬
‫عيانًا ويكون أسر ُ‬
‫فينظرون إلى رّبهم تبارك وتعالى‪ ،‬ويتجلى لهم‪ ،‬فيرونه ِ‬
‫ل الجنة مشتاقون إلى يوم المزيد فيها لما‬
‫لمام‪ ،‬فأه ُ‬
‫رواحًا إلى المسجد‪ ،‬وأقرُبهم منه أقرَبهم من ا ِ‬
‫ينالون فيه من الكرامة‪ ،‬وهو يوم جمعة‪ ،‬فإذا وافق يوم عرفة‪ ،‬كان له زيادُة مزية واختصاص‬
‫وفضل ليس لغيره‪.‬‬
‫ب تبارك وتعالى عشيَة يوِم عرفة ِمن أهل الموقف‪ ،‬ثم ُيباهي بهم‬
‫العاشر‪ :‬أنه يدنو الّر ّ‬
‫ل مع دنوه منهم تبارك‬
‫ت َلُهم(( وتحص ُ‬
‫غَفْر ُ‬
‫شِهُدُكم أّني َقْد َ‬
‫الملئكة فيقول‪َ)) :‬ما َأَراَد هُؤلِء‪ُ ،‬أ ْ‬
‫ل َيُرّد فيها سائل يسأل خيرًا فيقرُبون منه بدعائه والتضرع إليه في تلك‬
‫لجابة التي َ‬
‫وتعالى ساعُة ا ِ‬
‫لجابة المحققة في تلك الساعة‪،‬‬
‫با ِ‬
‫الساعة‪ ،‬ويقُرب منهم تعالى نوعين من الُقرب‪ ،‬أحدهما‪ :‬قر ُ‬
‫ليمان بهذه‬
‫ب أهل ا ِ‬
‫والثاني‪ :‬قربه الخاص من أهل عرفة‪ ،‬ومباهاُته بهم ملئكته‪ ،‬فتستشِعُر قلو ُ‬
‫‪22‬‬

‫المور‪ ،‬فتزداد قوة إلى قوتها‪ ،‬وفرحًا وسرورًا وابتهاجًا ورجاء لفضل ربها وكرمه‪ ،‬فبهذه الوجوه‬
‫ت وقفُة يوِم الجمعة على غيرها‪.‬‬
‫ضَل ْ‬
‫وغيرها ُف ّ‬
‫وأّما ما استفاض على ألسنة العوام بأنها تعدل ثنتين وسبعين حجة‪ ،‬فباطل ل أصل له عن‬
‫رسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ول عن أحد من الصحابة والتابعين وال أعلم‪.‬‬
‫فصل‬
‫ل سبحانه وتعالى اختار ِمن كل جنس من أجناس المخلوقات أطيَبه‪،‬‬
‫والمقصود أن ا َّ‬
‫ب إل الطيب‪ ،‬ول يقبل من العمل‬
‫ب ل يح ّ‬
‫واختصه لنفسه وارتضاه دون غيره‪ ،‬فإنه تعالى طي ٌ‬
‫ب‪ ،‬فالطيب ِمن كل شيء هو مختاُره تعالى‪.‬‬
‫والكلم والصدقة إل الطي َ‬
‫ن سعادة العبد وشقاوته‪ ،‬فإن الطيب‬
‫وأما خلُقه تعالى‪ ،‬فعام للنوعين‪ ،‬وبهذا ُيعلم عنوا ُ‬
‫ل يناسبه إل الطيب‪ ،‬ول يرضى إل به‪ ،‬ول يسُكن إل إليه‪ ،‬ول يطمئن قلُبه إل به‪ ،‬فله من الكلم‬
‫ل تعالى إل هو‪ ،‬وهو أشّد شيء ُنفرة عن الفحش في المقال‪،‬‬
‫الَكِلُم الطيب الذي ل يصعد إلى ا ّ‬
‫حش في اللسان والبَذاء‪ ،‬والكذب والغيبة‪ ،‬والنميمة والُبهت‪،‬وقول الزور‪ ،‬وكل كلم خبيث‪.‬‬
‫والتف ّ‬
‫وكذلك ل يألف من العمال إل أطيبها‪ ،‬وهي العمال التي اجتمعت على‬
‫ل الصحيحة‪ ،‬فاتفق على حسنها الشر ُ‬
‫ع‬ ‫طُر السليمُة مع الشرائع النبوية‪ ،‬وزكتها العقو ُ‬
‫حسنها الِف َ‬
‫ب إليه‬
‫ك به شيئًا‪ ،‬ويؤِثَر مرضاته على هواه‪ ،‬ويتحب َ‬
‫ل وحده ل ُيشِر ُ‬
‫والعقلُ والِفطرُة‪ ،‬مثل أن َيْعُبَد ا ّ‬
‫عهم‬
‫ل بهم ما ُيحب أن يفعلوا به‪ ،‬وُيَعاملوه به‪ ،‬وَيَد َ‬
‫ن إلى خلقه ما استطاع‪ ،‬فيفع َ‬
‫سَ‬‫حِ‬
‫جهده وطاقته‪ ،‬وُي ْ‬
‫ُ‬
‫حهم بما ينصح به نفسه‪ ،‬ويحكم لهم بما يحب أن يحكم له به‪ ،‬ويحمل‬
‫عوه منه‪ ،‬وينص َ‬
‫مّما يحب أن َيَد ُ‬
‫ف عن أعراضهم ول ُيقابلهم بما نالوا من عرضه‪ ،‬وإذا رأى لهم حسنًا‬
‫أذاهم ول يحّملهم أذاه‪ ،‬ويُك ّ‬
‫ض ّ‬
‫ل‬ ‫ل شريعة‪ ،‬ول ُيناق ُ‬
‫طُ‬‫أذاعه‪ ،‬وإذا رأى لهم سيئًا‪ ،‬كتمه‪ ،‬ويقيم أعذارهم ما استطاع فيما ل ُيب ِ‬
‫أمرًا ول نهيًا‪.‬‬
‫وله أيضًا من الخلق أطيُبها وأزكاها‪ ،‬كالحلم‪ ،‬والوقار‪ ،‬والسكينة‪ ،‬والرحمة‪ ،‬والصبر‪،‬‬
‫والوفاء‪ ،‬وسهولة الجانب‪ ،‬ولين العريكة‪ ،‬والصدق‪ ،‬وسلمة الصدر من الِغل والغش والحقد‬
‫ل‪ ،‬وصيانة الوجه‬
‫ليمان والعزة‪ ،‬والغلظة على أعداء ا ّ‬
‫والحسد‪ ،‬والتواضع‪ ،‬وخفض الجناج لهل ا ِ‬
‫ل‪ ،‬والِعفة‪ ،‬والشجاعة‪ ،‬والسخاء‪ ،‬والُمروءة‪ ،‬وكل خلق اتفقت على حسنه‬
‫عن بذله وتذللـه لغير ا ّ‬
‫الشرائع والفطر والعقول‪.‬‬
‫‪23‬‬

‫وكذلك ل يختار من المطاعم إل أطيبها‪ ،‬وهو الحلل الهنيء المريء الذي ُيغّذي‬
‫ن تغذية‪ ،‬مع سلمة العبد من َتِبَعِتِه‪.‬‬
‫البدن والروح أحس َ‬
‫وكذلك ل يختار من المناكح إل أطيبها وأزكاها‪ ،‬وِمن الرائحة إل أطيَبها‬
‫خُلُقه طيب‪،‬‬
‫وأزكاها‪ ،‬ومن الصحاب والُعشراء إل الطيبين منهم‪ ،‬فروحه طيب‪ ،‬وبدُنه طيب‪ ،‬و ُ‬
‫حه طيب‪،‬‬
‫وعمُله طيب‪ ،‬وكلُمه طّيب‪ ،‬ومطعُمه طيب‪ ،‬وَمشربه طيب‪ ،‬وملَبسُه طيب‪ ،‬ومنِك ُ‬
‫ل تعالى فيه‪:‬‬
‫جه طيب‪ ،‬وُمْنَقَلُبُه طيب‪ ،‬ومثواه كله طيب‪ .‬فهذا ممن قال ا ّ‬
‫ومدخُله طيب‪ ،‬ومخر ُ‬
‫ن{ ]الّنحل‪[32 :‬‬
‫جّنة ِبَما ُكْنُتْم َتْعَمُلو َ‬
‫خُلوْا اْل َ‬
‫عَلْيُكُم اْد ُ‬
‫سلٌم َ‬
‫ن َ‬
‫ن َيُقوُلو َ‬
‫طّيبي َ‬
‫ن َتَتَوّفاُهُم اْلَملِئَكُة َ‬
‫}اّلذي َ‬
‫ن{ ]الزمر‪ [73 :‬وهذه الفاء‬
‫خاِلِدي َ‬
‫خُلوَها َ‬
‫طْبُتْم َفاْد ُ‬
‫عَلْيُكْم ِ‬
‫لٌم َ‬
‫سَ‬‫خَزَنُة الجّنة‪َ } :‬‬
‫ن َيُقول لهم َ‬
‫ن اّلِذي َ‬
‫وِم َ‬
‫خِبيَثا ِ‬
‫ت‬ ‫خِبيُثونَ ِلْل َ‬
‫ن َواْل َ‬
‫خِبيِثي َ‬
‫ت ِلْل َ‬
‫خِبيَثا ُ‬
‫تقتضي السببية‪ ،‬أي‪ :‬بسبب طيبكم ادخلها‪ .‬وقال تعالى }اْل َ‬
‫ت الخبيثات‬
‫ت{ ]النور‪ [26 :‬وقد فسرت الية بأن الكلما ِ‬
‫طّيبا ِ‬
‫ن ِلْل ّ‬
‫طّيبو َ‬
‫ن َوال ّ‬
‫طّيبي َ‬
‫ت ِلل ّ‬
‫طّيبا ُ‬
‫َوال ّ‬
‫ت للرجال الطيبين‪ ،‬والنساَء‬
‫للخبيثين‪ ،‬والكلمات الطيبات للطيبين‪ ،‬وفسرت بأن النساَء الطيبا ِ‬
‫ت للرجال الخبيثين‪ ،‬وهي تعم ذلك وغيره‪ ،‬فالكلمات‪ ،‬والعمال‪ ،‬والنساء الطيبات لمناسبها‬
‫خِبيَثا ِ‬
‫ال َ‬
‫ل سبحانه وتعالى جعل‬
‫من الطيبين‪ ،‬والكلمات‪ ،‬والعمال‪ ،‬والنساء الخبيثة لمناسبها من الخبيثين‪ ،‬فا ّ‬
‫ب بحذافيره في الجنة‪ ،‬وجعل الخبيث بحذافيره في النار فجعل الّدور ثلثة‪ :‬دارًا أخلصت‬
‫طّي َ‬
‫ال ّ‬
‫ل طيب وهي الجنة‪ ،‬ودارًا أخلصت للخبيث‬
‫للطيبين‪ ،‬وهي حراٌم على غير الطيبين‪ ،‬وقد جمعت ُك ّ‬
‫ب والخبيث‪ ،‬وخلط بينهما‪،‬‬
‫والخبائث ول يدخلها إل الخبيثون‪ ،‬وهي الّنار‪ ،‬ودارًا امتزج فيها الطي ُ‬
‫وهي هذه الدار‪ ،‬ولهذا وقع البتلُء‪،‬والمحنة بسبب هذا المتزاج والختلط‪ ،‬وذلك بموجب الحكمة‬
‫ل الخبيث ِمن الطيب‪ ،‬فجعل الطيب وأهله في دار على‬
‫للهية‪ ،‬فإذا كان يوم معاد الخليقة‪ ،‬ميز ا ّ‬
‫اِ‬
‫ث وأهله في دار على حدة ل يخالطهم غيرهم‪ ،‬فعاد المر إلى‬
‫حدة ل ُيخاِلطهم غيُرهم‪ ،‬وجعل الخبي َ‬
‫ل تعالى من أعمال‬
‫دارين فقط‪ :‬الجّنة‪ ،‬وهي دار الطيبين‪ ،‬والنار‪ ،‬وهي دار الخبيثين‪ ،‬وأنشأ ا ّ‬
‫ن نعيمهم ولذاتهم‪،‬‬
‫ت أقوال هؤلء وأعمالهم وأخلقهم هي عي َ‬
‫الفريقين ثواَبهم وعقاَبهم‪ ،‬فجعل طيبا ِ‬
‫ت أقوال الخرين وأعمالهم وأخلقهم هي‬
‫ل أسباب النعيم والسرور‪ ،‬وجعل خبيثا ِ‬
‫أنشأ لهم منها أكم َ‬
‫ن عذابهم وآلمهم‪ ،‬فأنشأ لهم منها أعظَم أسباب الِعقاب واللم‪ ،‬حكمة بالغة‪ ،‬وعزة باهرة قاهرة‪،‬‬
‫عي َ‬
‫ل حكمته وعلمه وعدله ورحمته‪ ،‬وليعلم أعداؤه أنهم كانوا هم‬
‫ل ربوبيته‪ ،‬وكما َ‬
‫ِلُيِري عباده كما َ‬
‫ل َيْبَع ُ‬
‫ث‬ ‫جْهَد َأْيَماِنِهْم َ‬
‫ل َ‬
‫سُموْا ِبا ّ‬
‫ل تعالى‪َ} :‬وَأْق َ‬
‫المفترين الكّذابين‪ ،‬ل رسُله البررة الصادقون‪ .‬قال ا ّ‬
‫‪24‬‬

‫ن ِفيِه َوِلَيْعَلمَ‬
‫خَتِلُفو َ‬
‫ن * ِلُيَبّين َلُهُم اّلذي َي ْ‬
‫ل َيْعَلُمو َ‬
‫ن َأْكَثَر اْلّناس َ‬
‫حّقا َوَلِك ّ‬
‫عَلْيِه َ‬
‫عدًا َ‬
‫ى َو ْ‬
‫ت َبَل َ‬
‫ل َمن َيُمو ُ‬
‫ا ّ‬
‫ن{ ]النحل‪.[39-38 :‬‬
‫ن َكَفُروْا َأّنهْم َكاُنوْا َكاِذِبي َ‬
‫اّلذي َ‬
‫ل ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬جعل للسعادة والشقاوة عنوانًا‬
‫والمقصود أن ا ّ‬
‫ُيعرفان به‪ ،‬فالسعيُد الطيب ل يليق به إل طيب‪ ،‬ول يأتي إل طيبًا ول يصدر منه إل طيب‪ ،‬ول‬
‫ُيلِبس إل طيبًا‪ ،‬والشقي الخبيث ل يليق به إل الخبيث‪ ،‬ول يأتي إل خبيثًا‪ ،‬ول يصُدر منه إل‬
‫ب على‬
‫طي ُ‬
‫ب يتفجر من قلبه ال ّ‬
‫طّي ُ‬
‫ث على لسانه وجوارحه‪ ،‬وال ّ‬
‫ث‪ ،‬فالخبيث يتفجر من َقلبه الخب ُ‬
‫الخبي ُ‬
‫ل به‬
‫لسانه وجوارحه‪ .‬وقد يكون في الشخص مادتان‪ ،‬فأيهما غلب عليه كان من أهلها‪ ،‬فإن أراد ا ّ‬
‫خيرًا طهره من المادة الخبيثة قبل الموافاة‪ ،‬فُيوافيه يوم القيامة مطهرًا‪ ،‬فل يحتاج إلى تطهيره‬
‫ت الماحية‪ ،‬والمصائب المكّفرة‪ ،‬حتى‬
‫ح‪ ،‬والحسنا ِ‬
‫بالنار‪ ،‬فيطهره منها بما يوّفقه له من التوبة النصو ِ‬
‫ل وما عليه خطيئة‪ ،‬وُيمسك عن الخر مواد التطهير‪ ،‬فيلقاه يوم القيامة بمادة خبيثة‪ ،‬ومادة‬
‫يلقى ا ّ‬
‫جاوره أحد في داره بخبائثه‪ ،‬فيدخله النار طهرة له وتصفية وسبكًا‪،‬‬
‫طيبة‪ ،‬وحكمته تعالى تأبى أن ُي َ‬
‫فإذا خلصت سبيكُة إيمانه من الخبث‪ ،‬صَلح حينئٍذ لجواره‪ ،‬ومساكنة الطيبين من عباده‪ .‬وإقامة هذا‬
‫النوع من الناس في النار على حسب سرعة زوال تلك الخبائث منهم وبطئها‪ ،‬فأسرعهم زوا ً‬
‫ل‬
‫عهم خروجًا‪،‬وأبطؤهم أبطؤهم خروجًا‪ ،‬جزاًء وفاقًا‪ ،‬وما رّبك بظلم للعبيد‪.‬‬
‫وتطهيرًا أسر ُ‬
‫ولما كان المشرك خبيث العنصر‪ ،‬خبيث الذات‪ ،‬لم تطهر النار خبثه‪ ،‬بل لو خرج منها لعاد‬
‫ل تعالى على المشرك الجّنة‪.‬‬
‫خبيثًا كما كان‪ ،‬كالكلب إذا دخل البحر ثم خرج منه‪ ،‬فلذلك حَرم ا ّ‬
‫ولما كان المؤمن الطيب المطيب مبّرءًا من الخبائث‪ ،‬كانت النار حرامًا عليه‪ ،‬إذ ليس فيه ما‬
‫طُر عباده وعقولهم بأنه‬
‫يقتضي تطهيره بها‪ ،‬فسبحان من بهرت حكمته العقول واللباب‪ ،‬وشهدت ِف َ‬
‫ب العالمين‪ ،‬لإله إل هو‪.‬‬
‫أحكم الحاكمين‪ ،‬ور ّ‬
‫فصل‬
‫ق كل ضرورة إلى معرفة الرسول‪ ،‬وما جاء به‪،‬‬
‫ومن هاهنا تعلم اضطرار العباد فو َ‬
‫وتصديقه فيما أخبر به‪ ،‬وطاعته فيما أمر‪ ،‬فإنه ل سبيل إلى السعادة والفلح ل في الدنيا‪ ،‬ول في‬
‫ل إلى معرفة الطيب والخبيث على التفصيل إل ِمن جهتهم‪،‬‬
‫الخرة إل على أيدي الرسل‪ ،‬ول سبي َ‬
‫طّيب من العمال والقوال والخلق‪ ،‬ليس إل هديهم‬
‫ل البتة إل على أيديهم‪ ،‬فال ّ‬
‫ول ُينال رضى ا ّ‬
‫ن الراجح الذي على أقوالهم وأعمالهم وأخلقهم ُتوزن القوال والخلق‬
‫وما جاؤوا به‪ ،‬فهم الميزا ُ‬
‫والعمال‪ ،‬وبمتابعتهم يتميز أهل الهدى من أهل الضلل‪ ،‬فالضرورة إليهم أعظُم ِمن ضرورة‬
‫‪25‬‬

‫ضت‪ ،‬فضرورُة‬
‫البدن إلى روحه‪ ،‬والعين إلى نورها‪ ،‬والروح إلى حياتها‪ ،‬فأي ضرورة وحاجة ُفِر َ‬
‫العبد وحاجته إلى الرسل فوقها بكثير‪ .‬وما ظنك بمن إذا غاب عنك هدُيه وما جاء به طرفَة عين‪،‬‬
‫فسد قلُبك‪ ،‬وصار كالحوت إذا فارق الماء‪ ،‬ووضع في الِمقلة‪ ،‬فحال العبد عند مفارقة قلبه لما جاء‬
‫س بهذا إل قلب حي و‬
‫ح ّ‬
‫به الرسل‪ ،‬كهذه الحال‪ ،‬بل أعظُم‪ ،‬ولكن ل ُي ِ‬
‫لُم *‬
‫ت ِإي َ‬
‫ح ِبَمّي ٍ‬
‫جْر ٍ‬
‫* َما ِل ُ‬
‫جب على ك َ‬
‫ل‬ ‫وإذا كانت سعادُة العبد في الدارين معلقًة بهدي النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬في ِ‬
‫خُرجُ به عن‬
‫من نصح نفسه‪ ،‬وأحب نجاتها وسعادتها‪ ،‬أن يعرف من هديه وسيرته وشأنه َما َي ْ‬
‫حزبه‪ ،‬والناس في هذا بين مستِقل‪ ،‬ومستكِثر‪،‬‬
‫شيعته و ِ‬
‫عداد أتباعه و ِ‬
‫الجاهلين به‪ ،‬ويدخل به في ِ‬
‫ل ذو الفضل العظيم‪.‬‬
‫ل ُيؤتيه من يشاء‪ ،‬وا ّ‬
‫ل بيد ا ّ‬
‫ومحروم‪ ،‬والفض ُ‬
‫فصل‬
‫ن له أدنى همة إلى معرفة نبيه صلى ال عليه‬
‫وهذه كلمات يسيرة ل َيستغني عن معرفتها َم ْ‬
‫جِرِه مع الِبضاعة المزجاة التي ل‬
‫جِرِه وُب َ‬
‫عَ‬
‫طُر الَمْكدوُد على ُ‬
‫وسلم وسيرِته وهديه‪ ،‬اقتضاها الخا ِ‬
‫لقامة‪ ،‬والقل ُ‬
‫ب‬ ‫سَدِد‪ ،‬ول يتنافس فيها المتنافسون مع تعليقها في حال السفر ل ا ِ‬
‫ب ال ّ‬
‫تنفتح لها أبوا ُ‬
‫ن يفتح باب العلم لمذاكرته‬
‫شَذَر َمَذَر‪ ،‬والكتاب مفقود‪ ،‬وَم ْ‬
‫شعبة‪ ،‬والهمة قد تفرقت َ‬
‫بكل واٍد منه ُ‬
‫معدوم غيُر موجود‪َ ،‬فُعوُد العلم النافع الكفيل بالسعادة قد أصبح ذاويًا‪ ،‬وربعه قد أوحش من أهله‬
‫وعاد منهم خاليًا‪ ،‬فلسان العالم قد ُمِلىَء بالغلول مضاربًة لغلبة الجاهلين‪ ،‬وعادت مواِرُد شفائه وهي‬
‫معاطبه لكثرة المنحرفين والمحّرفين‪ ،‬فليس له ُمَعّول إل على الصبِر الجميل‪ ،‬وما له ناصر ول‬
‫ل وحده وهو حسُبنا ونعم الوكيل‪.‬‬
‫معين إل ا ّ‬
‫فصل‬
‫في نسبه صلى ال عليه وسلم‬
‫لطلق‪ ،‬فلنسبه من الشرف أعلى ِذْروة‪ ،‬وأعداؤه كانوا‬
‫وهو خير أهل الرض نسبًا على ا ِ‬
‫يشهدون له بذلك‪ ،‬ولهذا شهد له به عدّوه إذ ذاك أبو سفيان بين يدي َمِلك الّروم‪ ،‬فَأشرف القوم‬
‫ف الفخاذ فخذه‪.‬‬
‫قوُمه‪ ،‬وَأشرف القبائل قبيُله‪ ،‬وَأشر ُ‬
‫ن‬
‫ن ِكلب‪ ،‬ب ِ‬
‫ي‪ ،‬ب ِ‬
‫صّ‬‫عبِد َمَناف‪ ،‬بن ُق َ‬
‫شم‪ ،‬بن َ‬
‫طِلب‪ ،‬بن َها ِ‬
‫ل‪ ،‬بن عبد الُم ّ‬
‫فهو محّمد بن عبد ا ّ‬
‫خَزْيَمة‪ ،‬ب ِ‬
‫ن‬ ‫ن ُ‬
‫ن ِكَناَنة‪ ،‬ب ِ‬
‫ضِر‪ ،‬ب ِ‬
‫ن الّن ْ‬
‫ن َماِلك‪ ،‬ب ِ‬
‫ن ِفْهر‪ ،‬ب ِ‬
‫غاِلب‪ ،‬ب ِ‬
‫ن َ‬
‫ن ُلَؤي‪ ،‬ب ِ‬
‫ب‪ ،‬ب ِ‬
‫ن َكْع ِ‬
‫ُمّرة‪ ،‬ب ِ‬
‫عْدَنان‪.‬‬
‫ن َ‬
‫ن َمَعّد‪ ،‬ب ِ‬
‫ن ِنَزار‪ ،‬ب ِ‬
‫ضَر‪ ،‬ب ِ‬
‫ن ُم َ‬
‫ن إلَياس‪ ،‬ب ِ‬
‫ُمْدِرَكة‪ ،‬ب ِ‬
‫‪26‬‬

‫خلف فيه البتة‪ ،‬وما فوق‬


‫إلى هاهنا معلوم الصحة‪ ،‬متفق عليه بين النسابين‪ ،‬ول ِ‬
‫))عدنان(( مختلف فيه‪ .‬ول خلف بينهم أن ))عدنان(( من ولد إسماعيل عليه السلم‪ ،‬وإسماعيل‪:‬‬
‫هو الذبيح على القول الصواب عند علماء الصحابة والتابعين ومن بعدهم‪.‬‬
‫لسلم ابن‬
‫وأّما القول بأنه إسحاق فباطل بأكثر من عشرين وجهًا‪ ،‬وسمعت شيخ ا ِ‬
‫ل روحه يقول‪ :‬هذا القول إنما هو متلقى عن أهل الِكتاب‪ ،‬مع أنه باطل بنص كتابهم‪،‬‬
‫تيمية قّدس ا ّ‬
‫ل الِكتاب مع‬
‫ك أه ُ‬
‫ل أمر إبراهيم أن يذبح ابَنه بكره‪ ،‬وفي لفظ‪ :‬وحيده‪ ،‬ول يش ّ‬
‫فإن فيه‪ :‬إن ا ّ‬
‫المسلمين أن إسماعيل هو بكر أولده‪ ،‬والذي غّر أصحاب هذا القول أن في التوراة التي بأيديهم‪:‬‬
‫اذبح ابنك إسحاق‪ ،‬قال‪ :‬وهذه الزيادة من تحريفهم وكذبهم‪ ،‬لنها تناقض قوله‪ :‬اذبح بكرك‬
‫ووحيدك‪،‬ولكن اليهود حسدت بني إسماعيل على هذا الشرف‪ ،‬وأحبوا أن يكون لهم‪ ،‬وأن يسوقوه‬
‫ل إل أن يجعل فضله لهله‪ .‬وكيف يسوغ أن ُيقال‪:‬‬
‫إليهم‪ ،‬ويختاروه لنفسهم دون العرب‪ ،‬ويأبى ا ُّ‬
‫ل تعالى قد بشر أم إسحاق به وبابنه يعقوب‪ ،‬فقال تعالى عن الملئكة‪ :‬إنهم‬
‫إن الذبيح إسحاق‪ ،‬وا ّ‬
‫حَك ْ‬
‫ت‬ ‫ضِ‬‫ط * َواْمَرَأُتُه َقاِئَمٌة َف َ‬
‫ى َقْوِم ُلو ٍ‬
‫سْلَنا ِإَل َ‬
‫ف ِإّنا ُأْر ِ‬
‫خ ْ‬
‫ل َت َ‬
‫لبراهيم لما أتوه بالبشرى‪َ } :‬‬
‫قالوا ِ‬
‫ب{ ]هود‪ [71-70 :‬فمحال أن يبشرها بأنه يكون لها‬
‫ق َيْعُقو َ‬
‫حا َ‬
‫سَ‬‫ق َوِمن َوَراِء ِإ ْ‬
‫حا َ‬
‫سَ‬
‫شْرَناَها ِبِإ ْ‬
‫َفَب ّ‬
‫لسحاق‬
‫ب أن يعقوب عليه السلم داخل في البشارة‪َ ،‬فَتَناُول البشارة ِ‬
‫ولد‪ ،‬ثم يأمر بذبحه‪ ،‬ول ري َ‬
‫ويعقوب في اللفظ واحد‪ ،‬وهذا ظاِهر الكلم وسياُقه‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬لو كان المر كما ذكرتموه لكان ))يعقوب(( مجرورًا عطفًا على إسحاق‪ ،‬فكانت‬
‫القراءة }ومن وراء إسحاق يعقوب{ أي‪ :‬ويعقوب من وراء إسحاق‪ .‬قيل‪ :‬ل يمنع الرفُع أن يكون‬
‫ل خبر ساّر صادق‪ .‬وقوله تعالى‪َ} :‬وِم ْ‬
‫ن‬ ‫ب مبشرًا به‪ ،‬لن البشارَة قول مخصوص‪ ،‬وهي أو ُ‬
‫يعقو ُ‬
‫ق َيْعُقوب{ جملة متضمنة لهذه القيود‪ ،‬فتكون بشارة‪ ،‬بل حقيقة البشارة هي الجملة‬
‫حا َ‬
‫سَ‬‫َوَراِء ِإ ْ‬
‫ل‪ ،‬كان موضع هذه الجملة نصبًا على الحكاية بالقول‪ ،‬كأن المعنى‪:‬‬
‫الخبرية‪ .‬ولما كانت البشارة قو ً‬
‫ت فلنًا ِبُقدوم أخيه َوَثَقِلِه في أثره‪ ،‬لم يعقل‬
‫وقلنا لها‪ :‬من وراء ِإسحاق يعقوب‪ ،‬والقائل إذا قال‪ :‬بشر ُ‬
‫ب ذو فهم فيه البتة‪ ،‬ثم ُيضعف الجّر أمر َآخر‪،‬‬
‫منه إل بشارته بالمرين جميعًا‪ .‬هذا مّما ل يستري ُ‬
‫ن بعده عمرو‪ ،‬ولن العاطف يقوم مقام حرف الجّر‪.،‬فل يفصل‬
‫وهو ضعف قولك‪ :‬مررت بزيد َوِم ْ‬
‫ل سبحانه لما‬
‫بينه وبين المجرور‪ ،‬كما ل يفصل بين حرف الجار والمجرور‪ .‬ويدل عليه أيضًا أن ا ّ‬
‫ن * َوَناَدْيَناُه َأن‬
‫جِبي ِ‬
‫سَلَما َوَتّله ِلْل َ‬
‫ذكر قصة إبراهيم وابنه الذبيح في سورة )الصافات ( قال‪َ} :‬فَلّما َأ ْ‬
‫ن * َوَفَدْيَناُه ِبِذْب ٍ‬
‫ح‬ ‫لُء اْلُمِبي ُ‬
‫ن َهَذا َلُهَو اْلَب َ‬
‫ن * ِإ ّ‬
‫سِني َ‬
‫حِ‬‫جِزي اْلُم ْ‬
‫ك َن ْ‬
‫ت الّرْؤَيا ِإّنا َكَذِل َ‬
‫صّدْق َ‬
‫َيِإْبَراِهيُم * َقْد َ‬
‫‪27‬‬

‫عَباِدَنا‬
‫ن ِ‬
‫ن * ِإّنه ِم ْ‬
‫سِني َ‬
‫حِ‬‫جِزي اْلُم ْ‬
‫ك َن ْ‬
‫ى ِإْبَراِهيَم * َكَذِل َ‬
‫عَل َ‬
‫لٌم َ‬
‫سَ‬‫ن* َ‬
‫خِري َ‬
‫عَلْيِه ِفي ال ِ‬
‫ظيٍم * َوَتَرْكَنا َ‬
‫عِ‬‫َ‬
‫ن{‬
‫حي َ‬
‫صال ِ‬
‫ق َنِبّيا ّمن ال ّ‬
‫حا َ‬
‫سَ‬‫شْرَناُه ِبِإ ْ‬
‫ن{ ]الصافات‪ .[111-103 :‬ثم قال تعالى‪َ} :‬وَب ّ‬
‫اْلُمْؤِمِني َ‬
‫ل تعالى له شكرًا على صبره على ما ُأِمَر به‪ ،‬وهذا ظاهر جدًا‬
‫]الصافات‪ .[112 :‬فهذه بشارة من ا ّ‬
‫شر به غيُر الول‪ ،‬بل هو كالنص فيه‪.‬‬
‫في أن المب ّ‬
‫فإن قيل‪ :‬فالبشارة الثانية وقعت على نبوته‪ ،‬أي‪ :‬لما صبر الب على ما ُأمر به‪ ،‬وَأسلم الولد‬
‫ل على ذلك بأن أعطاه الّنبوة‪.‬‬
‫ل‪ ،‬جازاه ا ّ‬
‫لمر ا ّ‬
‫قيل‪ :‬البشارة وقعت على المجموع‪ :‬على ذاته ووجوده‪ ،‬وأن يكون نبيًا‪ ،‬ولهذا نصب ))نبيًا((‬
‫ج الِبشارة أن تقع على الصل‪ ،‬ثم تخص‬
‫على الحال المقّدر‪ ،‬أي‪ :‬مقدرًا نبوته‪ ،‬فل يمكن إخرا ُ‬
‫ضَلِة‪ ،‬هذا ُمحال من الكلم‪ ،‬بل إذا وقعت الِبشارُة على نبوته‪،‬‬
‫بالحال التابعة الجارية مجرى الَف ْ‬
‫فوقوعها على وجوده أولى وأحرى‪.‬‬
‫جِعل السع ُ‬
‫ي‬ ‫ن يوَم الّنحر بها‪ ،‬كما ُ‬
‫جعلت القرابي ُ‬
‫وأيضًا فل ريب أن الذبيح كان بمّكة‪ ،‬ولذلك ُ‬
‫ل‪ ،‬ومعلوم أن‬
‫بين الصفا والمروة ورمي الجمار تذكيرًا لشأن ِإسماعيل وأّمه‪ ،‬وإقامًة لذكر ا ّ‬
‫ن الذبح وزماُنه بالبيت‬
‫إسماعيل وأمه هما الّلذان كانا بمّكة دون إسحاق وأمه‪ ،‬ولهذا اتصل مكا ُ‬
‫الحرام الذي اشترك في بنائه إبراهيم وإسماعيل‪ ،‬وكان الّنحُر بمّكة ِمن تمام حج البيت الذي كان‬
‫على يد إبراهيم وابنه إسماعيل زمانًا ومكانًا‪ ،‬ولو كان الذبح بالشام كما يزعم أهل الِكتاب ومن تلقى‬
‫عنهم‪ ،‬لكانت القرابين والّنحر بالشام‪ ،‬ل بمّكة‪.‬‬
‫ل سبحانه سمى الذبيح حليمًا‪ .‬لنه ل أحلم ممن أسلم نفسه للذبح طاعة لربه‪.‬‬
‫وأيضًا فإن ا ّ‬
‫خُلوْا‬
‫ن * ِإْذ َد َ‬
‫ف ِإْبَراِهيَم اْلُمْكَرِمي َ‬
‫ضْي ِ‬
‫ث َ‬
‫حِدي ُ‬
‫ك َ‬
‫ل َأَتا َ‬
‫ولما ذكر إسحاق سماه عليمًا‪ ،‬فقال تعالى‪َ} :‬ه ْ‬
‫خ ْ‬
‫ف‬ ‫ن{ ]الذاريات‪ [25-24 :‬إلى أن قال‪َ} :‬قاُلوْا لَ َت َ‬
‫لٌم َقْوٌم ّمنكُرو َ‬
‫سَ‬‫ل َ‬
‫لمًا َقا َ‬
‫سَ‬‫عَلْيِه َفَقاُلوْا َ‬
‫َ‬
‫شرة به‪،‬‬
‫عَليٍم{ ]الذاريات‪ [28 :‬وهذا إسحاق بل ريب‪ ،‬لنه من امرأته‪ ،‬وهي المب ّ‬
‫لٍم َ‬
‫شروُه ِبُغ َ‬
‫َوَب ّ‬
‫س من الولد‪ ،‬وهذا بخلف‬
‫شرا به على الِكبَر والَيْأ ِ‬
‫سّرّيِة‪ .‬وأيضًا فإنهما ُب ّ‬
‫وأّما إسماعيل‪ ،‬فمن ال ّ‬
‫ل ذلك‪.‬‬
‫إسماعيل‪ ،‬فإنه ولد قب َ‬
‫ب إلى الوالدين ممن بعده‪،‬‬
‫ن بكر الولد أح ّ‬
‫ل سبحانه أجرى العادة البشرية أ ّ‬
‫وأيضًا فإن ا ّ‬
‫ل تعالى قد‬
‫شْعَبٌة من قلبه بمحبته‪ ،‬وا ّ‬
‫وإبراهيم عليه السلم لما سأل ربه الولد‪ ،‬ووهبه له‪ ،‬تعلقت ُ‬
‫ب يقتضي توحيَد المحبوب بالمحبة‪ ،‬وأن ل ُيشارك بينه وبين غيره فيها‪،‬‬
‫ص ٌ‬
‫خلة َمْن ِ‬
‫ل‪ ،‬وال ُ‬
‫اتخذه خلي ً‬
‫خلة تنتزعها من قلب الخليل‪ ،‬فأمره بذبح‬
‫غْيرُة ال ُ‬
‫فلما أخذ الولُد شعبًة من قلب الوالد‪ ،‬جاءت َ‬
‫‪28‬‬

‫ت الخلة حينئٍذ‬
‫ص ِ‬
‫خَل َ‬
‫ل أعظَم عنده من محبة الولد‪َ ،‬‬
‫المحبوب‪ ،‬فلما أقدم على ذبحه‪ ،‬وكانت محبُة ا ّ‬
‫من شوائب المشاركة‪ ،‬فلم يبق في الذبح مصلحة‪ ،‬إذ كانت المصلحُة إنما هي في العزم وتوطين‬
‫ل الرؤيا‪ ،‬وحصل مراد‬
‫خ المر‪َ ،‬وُفدي الذبيح‪َ ،‬وصّدق الخلي ُ‬
‫سَ‬‫صل المقصوُد‪َ ،‬فُن ِ‬
‫ح َ‬
‫النفس عليه‪ ،‬فقد َ‬
‫الرب‪.‬‬
‫ومعلوم أن هذا المتحان والختبار إنما حصل عند أول مولود‪ ،‬ولم يكن ليحصل في‬
‫المولود الخر دون الول‪ ،‬بل لم يحصل عند المولود الخر من مزاحمة الخلة ما يقتضي المر‬
‫بذبحه‪ ،‬وهذا في غاية الظهور‪.‬‬
‫وأيضًا فإن سارة امرأة الخليل عليه السلم غارت من هاجر وابنها أشد الغيرة‪ ،‬فإنها كانت‬
‫ل سبحانه أن ُيبعد عنها‬
‫جارية‪ ،‬فلما ولدت إسماعيل وَأحّبه أبوه‪ ،‬اشتدت غيرة ))سارة((‪ ،‬فأمر ا ّ‬
‫))هاجر(( وابنها‪ ،‬ويسكنها في أرض مّكة لتبرد عن ))سارة(( حرارُة الغيرة‪ ،‬وهذا من رحمته‬
‫تعالى ورأفته‪ ،‬فكيف يأمره سبحانه بعد هذا أن يذبح ابنها‪ ،‬ويدع ابن الجارية بحاله‪ ،‬هذا مع رحمة‬
‫ال لها وإبعاد الضرر عنها وجبره لها‪ ،‬فكيف يأمر بعد هذا بذبح ابنها دون ابن الجارية‪ ،‬بل حكمُته‬
‫ب السيدة عليها وعلى ولدها‪ ،‬وتتبدل قسوةُ‬
‫سّرّيِة‪ ،‬فحينئٍذ يرق قل ُ‬
‫البالغة اقتضت أن يأمر بذبح ولد ال ّ‬
‫ل ل يضيع بيتًا هذه وابنها منهم‪ ،‬ولُير َ‬
‫ي‬ ‫الغيرة رحمة‪ ،‬ويظهر لها بركة هذه الجارية وولدها‪ ،‬وأن ا ّ‬
‫عباده جبره بعد الكسر‪ ،‬ولطفه بعد الشدة‪ ،‬وأن عاقبة صبر ))هاجر(( وابنها على الُبعد والوحدة‬
‫جعل آثارهما ومواطىء أقدامهما مناس َ‬
‫ك‬ ‫والغربة والتسليم إلى ذبح الولد آلت إلى ما آلت إليه‪ ،‬من َ‬
‫ت لهم إلى يوم القيامة‪ ،‬وهذه سنته تعالى ِفيَمن ُيريد رفعه ِمن خلقه أن يم ّ‬
‫ن‬ ‫لعباده المؤمنين‪ ،‬ومتعبدا ٍ‬
‫ضِعُفوْا ِفي الْر ِ‬
‫ض‬ ‫سُت ْ‬
‫نا ْ‬
‫عَلى اّلذي َ‬
‫ن َ‬
‫عليه بعد استضعافه وذله وانكساره‪ .‬قال تعالى‪َ} :‬وُنِريُد َأن ّنم ّ‬
‫ل ذو الفضل‬
‫ل ُيْؤتيه من يشاء‪ ،‬وا ّ‬
‫ن{ ]القصص‪ [5 :‬وذلك فضل ا ّ‬
‫جَعَلُهُم اْلَواِرِثي َ‬
‫جَعلَُهْم َأِئّمة َوَن ْ‬
‫َوَن ْ‬
‫العظيم‪.‬‬
‫ولنرجع ِإلى المقصود من سيرته صلى ال عليه وسلم وهديه وأخلقه ل خلف أنه‬
‫ولد صلى ال عليه وسلم بجوف مّكة‪ ،‬وأن مولده كان عاَم الفيل‪ ،‬وكان أمُر الفيل تقِدمة قّدمها ا ّ‬
‫ل‬
‫لنبيه وبيته‪ ،‬وإل فأصحاب الفيل كانوا نصارى أهل ِكتاب‪ ،‬وكان دينهم خيرًا ِمن دين أهل مّكة إذ‬
‫ل على أهل الِكتاب نصرًا ل صُنع للبشر فيه‪ ،‬إرهاصًا‬
‫عّباد أوثان‪ ،‬فنصرهم ا ّ‬
‫لنهم كانوا ُ‬
‫ذاك‪َ ،‬‬
‫وتقِدمة للنبي صلى ال عليه وسلم الذي خرج من مّكة‪ ،‬وتعظيمًا للبيت الحرام‪.‬‬
‫‪29‬‬

‫ل صلى ال عليه وسلم‬


‫ل‪ ،‬هل توفي ورسول ا ّ‬
‫واختلف في وفاة أبيه عبد ا ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم حمل‪.‬‬
‫حمل‪ ،‬أو توفي بعد ولدته؟ على قولين‪ :‬أصحهما‪ :‬أنه توفي ورسول ا ّ‬
‫والثاني‪ :‬أنه توفي بعد ولدته بسبعة أشهر‪ .‬ول خلف أن ُأّمه ماتت بين مّكة والمدينة‬
‫))بالبواء(( منصرفها من المدينة ِمن زيارة أخواله‪ ،‬ولم يستكمل إذ ذاك سبَع سنين‪.‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم نحُو ثمان سنين‪،‬‬
‫َوَكَفَله جّده عبد المطلب‪ ،‬وُتوفي وِلرسول ا ّ‬
‫وقيل‪ :‬ست‪ ،‬وقيل‪ :‬عشر‪ ،‬ثم َكَفَله عّمه أبو طالب‪ ،‬واستمرت كفالُته له‪ ،‬فلما بلغ ِثنتي عشرة سنة‪،‬‬
‫حيرى الراهب‪ ،‬وأمر‬
‫سّنُه تسَع سنين‪ ،‬وفي هذه الخرجة رآه َب ِ‬
‫خرج به عُمه إلى الشام‪ ،‬وقيل‪ :‬كانت ِ‬
‫عمه أل َيْقَدم به إلى الشام خوفًا عليه من اليهود‪ ،‬فبعثه عّمه مع بعض غلمانه إلى مّكة‪ ،‬ووقع في‬
‫ل إذ ذاك لعّله لم يكن‬
‫ل‪،‬وهو من الغلط الواضح‪ ،‬فإن بل ً‬
‫كتاب الترمذي وغيره أنه بعث معه بل ً‬
‫موجودًا‪ ،‬وإن كان‪ ،‬فلم يكن مع عمه‪ ،‬ول مع أبي بكر‪ .‬وذكر البزار في ))مسنده(( هذا الحديث‪،‬‬
‫ل‪.‬‬
‫ل‪ ،‬ولكن قال‪ :‬رج ً‬
‫ولم يقل‪ :‬وأرسل معه عمه بل ً‬
‫فلّما بلغ خمسًا وعشرين سنة‪ ،‬خرج إلى الشام في تجارة‪ ،‬فوصل إلى‬
‫ت خويلد‪ .‬وقيل‪ :‬تزوجها وله ثلثون سنة‪.‬‬
‫ب رجوعه خديجة بن َ‬
‫عِق َ‬
‫))بصرى(( ثم رجع‪ ،‬فتزوج َ‬
‫ل امرأة تزوجها‪ ،‬وأول امرأة ماتت من نسائه‪ ،‬ولم‬
‫وقيل‪ :‬إحدى وعشرون‪ ،‬وسنها أربعون‪ ،‬وهي أو ُ‬
‫ل أن يقرأ عليها السلم من ربها‪.‬‬
‫ينكح عليها غيرها‪ ،‬وأمره جبري ُ‬
‫ل إليه الخلوة‪ ،‬والتعبَد لربه‪ ،‬وكان يخلو بـ ))غار حراء(( َيتَعّبُد فيه الليالي ذوا ِ‬
‫ت‬ ‫ب ا ُّ‬
‫حّب َ‬
‫ثم َ‬
‫ض إليه من ذلك‪.‬‬
‫ن قومه‪ ،‬فلم يكن شيء أبغ َ‬
‫ت إليه الوثان ودي ُ‬
‫ض ْ‬
‫العدد‪ ،‬وُبّغ َ‬
‫ل تعالى برسالته‪ ،‬وبعثه إلى‬
‫ل له أربعون‪ ،‬أشرق عليه نوُر النبوة‪ ،‬وأكرمه ا ُّ‬
‫فلما َكُم َ‬
‫خلقه‪ ،‬واختصه بكرامته‪ ،‬وجعله أميَنه بينه وبين عبادة‪ .‬ول خلف أن مبعثه صلى ال عليه وسلم‬
‫كان يوَم الثنين‪ ،‬واختلف في شهر المبعث‪ .‬فقيل‪ :‬لثمان مضين من ربيع الول‪ ،‬سنة إحدى‬
‫ل الكثرين‪ ،‬وقيل‪ :‬بل كان ذلك في رمضان‪ ،‬واحتج هؤلء بقوله‬
‫وأربعين من عام الفيل‪ ،‬هذا قو ُ‬
‫ن{ ]البقرة‪ [185 :‬قالوا‪ :‬أول ما أكرمه ال تعالى‬
‫ل ِفيِه اْلُقْرآ ُ‬
‫ي ُأْنِز َ‬
‫ن اّلذ َ‬
‫ضا َ‬
‫شْهُر َرَم َ‬
‫تعالى‪َ } :‬‬
‫بنبوته‪ ،‬أنزل عليه القرآن‪ ،‬وإلى هذا ذهب جماعة‪ ،‬منهم يحيى الصرصري حيث يقول في نونيته‪:‬‬
‫س الّنبَوِة ِمْنُه في َرَمضا ِ‬
‫ن‬ ‫شْم ُ‬
‫َ‬ ‫شَرَق ْ‬
‫ت‬ ‫ن َفَأ ْ‬
‫علْيِه َأْرَبُعو َ‬
‫ت َ‬
‫َوَأَت ْ‬
‫ن في رمضان جملًة واحدًة في ليلة القدر إلى بيت‬
‫والولون قالوا‪ :‬إنما كان إنزال القرآ ِ‬
‫جما بحسب الوقائع في ثلث وعشرين سنة‪.‬‬
‫العّزة‪ ،‬ثم ُأنزل ُمَن ّ‬
‫‪30‬‬

‫ل فيه القرآن‪ ،‬أي في شأنه وتعظيمه‪ ،‬وفرض صومه‪ .‬وقيل‪ :‬كان ابتداُء‬
‫وقالت طائفة‪ :‬أنز َ‬
‫المبعث في شهر رجب‪.‬‬
‫ب عديدة‪:‬‬
‫ل له من مراتب الوحي مرات َ‬
‫وكمل ا ّ‬
‫إحداها‪ :‬الّرؤيا الصادقة‪ ،‬وكانت مبدَأ وحيه صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وكان ل يرى رؤيا إل‬
‫جاءت مثل فلق الصبح‪.‬‬
‫ك في ُرْوعه وقلبه من غير أن يراه‪ ،‬كما قال النبي صلى ال عليه‬
‫الثانية‪ :‬ما كان ُيلقيه المَل ُ‬
‫جِمُلوا‬
‫ل َوَأ ْ‬
‫ل ِرْزَقَها‪َ ،‬فاّتُقوا ا َّ‬
‫ستْكِم َ‬
‫حّتى َت ْ‬
‫س َ‬
‫ت َنْف ٌ‬
‫ن َتُمو َ‬
‫ث في ُروعي َأّنه َل ْ‬
‫س َنَف َ‬
‫ح الُقُد ِ‬
‫ن ُرو َ‬
‫وسلم‪ِ)) :‬إ ّ‬
‫ل ِإ ّ‬
‫ل‬ ‫ل ُيَنا ُ‬
‫ل َ‬
‫عْنَد ا ِّ‬
‫ن َما ِ‬
‫ل‪َ ،‬فِإ ّ‬
‫صَيِة ا ِّ‬
‫طُلُبوُه ِبمَْع ِ‬
‫عَلى َأن َت ْ‬
‫ق َ‬
‫طاُء الّرْز ِ‬
‫سِتْب َ‬
‫حِمَلّنكُم ا ْ‬
‫ل َي ْ‬
‫ب‪َ ،‬و َ‬
‫طَل ِ‬
‫في ال ّ‬
‫عِتِه((‪.‬‬
‫طا َ‬
‫ِب َ‬
‫ي عنه ما يقول‬
‫ل‪ ،‬فُيخاطبه حتى َيِع َ‬
‫ك رج ً‬
‫ل له الَمَل ُ‬
‫الثالثة‪َ :‬أّنه صلى ال عليه وسلم كان يتمّث ُ‬
‫له‪ ،‬وفي هذه المرتبة كان يراه الصحابة أحيانًا‪.‬‬
‫ك حتى إن‬
‫س به المل ُ‬
‫صَلِة الجرس‪ ،‬وكان َأشّده عليه َفَيَتَلّب ُ‬
‫صْل َ‬
‫الّرابعة‪َ :‬أّنه كان يأتيه في مثل َ‬
‫ك به إلى الرض إذا كان راكبها‬
‫جبينه ليتفصد عرقًا في اليوم الشديد البرد وحتى إن راسلته لَتْبُر ُ‬
‫ضها‬
‫ي مرًة كذلك‪ ،‬وفخذه على فخذ زيد بن ثابت‪ ،‬فثقلت عليه حتى كادت تر ّ‬
‫ولقد جاءه الوح ُ‬
‫ل أن‬
‫ك في صورته التي خلق عليها‪ ،‬فيوحي إليه ما شاء ا ّ‬
‫الخامسة‪ :‬أنه َيَرى الَمَل َ‬
‫ل ذلك في سورة ]الّنجم‪[13-7 :‬‬
‫حَيه‪،‬وهذا وقع له مرتين‪ ،‬كما ذكر ا ّ‬
‫ُيو ِ‬
‫ت ليَلة المعراج ِمن فرض الصلة وغيرها‪.‬‬
‫ل وهو فوق السماوا ِ‬
‫السادسة‪ :‬ما أوحاه ا ّ‬
‫عمران‪ ،‬وهذه المرتبة‬
‫ل موسى بن ِ‬
‫ك‪ ،‬كما كّلم ا ُّ‬
‫ل له منه إليه بل واسطة َمَل ٍ‬
‫السابعة‪ :‬كلم ا ّ‬
‫لسراء‪.‬‬
‫هي ثابتة لموسى قطعًا بنص القرآن‪ ،‬وثبوتها لنبينا صلى ال عليه وسلم هو في حديث ا ِ‬
‫ل له كفاحًا من غير حجاب‪ ،‬وهذا على مذهب من‬
‫وقد زاد بعضهم مرتبة ثامنة وهي تكليم ا ّ‬
‫يقول‪ :‬إنه صلى ال عليه وسلم رأى رّبه تبارك وتعالى‪ ،‬وهي مسألة خلف بين السلفِ والخلف‪،‬‬
‫وإن كان جمهور الصحابة بل ُكّلهم مع عائشة كما حكاه عثمان بن سعيد الدارمي إجماعًا للصحابة‪.‬‬
‫فصل‬
‫)يتبع‪(...‬‬
‫ختانه صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫@في ِ‬
‫وقد اختلف فيه على ثلثة أقوال‪:‬‬
‫‪31‬‬

‫أحدها‪ :‬أنه ُولد مختونًا مسرورًا‪ ،‬وروي في ذلك حديث ل يصح ذكره أبو الفرج بن‬
‫الجوزي في ))الموضوعات(( وليس فيه حديث ثابت‪ ،‬وليس هذا من خواصه‪ ،‬فإن كثيرًا من الّناس‬
‫ُيولد مختونًا‪.‬‬
‫خّتان ختن صبيًا‪ ،‬فلم يستقص؟ قال‪:‬‬
‫ت عنها‪َ :‬‬
‫ل‪ :‬مسألة سئل ُ‬
‫وقال الميموني‪ :‬قلت لبي عبد ا ّ‬
‫إذا كان الختان جاوز نصف الحشفة إلى فوق‪ ،‬فل يعيد‪ ،‬لن الحشفة تغلظ‪ ،‬وكلما غلظت ارتفع‬
‫لعادة شديدة جدًا‪ ،‬وقد‬
‫ت أرى أن يعيد‪ .‬قلت‪ :‬فإن ا ِ‬
‫الختان‪ .‬فأّما إذا كان الختان دون النصف‪ ،‬فكن ُ‬
‫ن مختون‪ ،‬فاغتّم لذلك‬
‫ل ولد له اب ٌ‬
‫لعادة؟ فقال‪ :‬ل أدري‪ ،‬ثم قال لي فإن هاهنا رج ً‬
‫ُيخاف عليه من ا ِ‬
‫ك بهذا؟! انتهى‪ .‬وحدثني صاحبنا أبو عبد‬
‫ل قد كفاك المؤنة‪،‬فما غّم َ‬
‫غمًا شديدًا‪ ،‬فقلت له‪ :‬إذا كان ا ّ‬
‫ل محمد بن عثمان الخليلي المحّدث ببيت المقدس أنه ُوِلَد كذلك‪ ،‬وأن أهله لم يختنوه‪ ،‬والناس‬
‫ا ّ‬
‫خَتَنُه القمر‪ ،‬وهذا من خرافاتهم‪.‬‬
‫يقولون لمن ولد كذلك‪َ :‬‬
‫ق قلَبه الملئكُة عند ظئره حليمة‪.‬‬
‫شّ‬‫ن صلى ال عليه وسلم يوَم َ‬
‫خِت َ‬
‫القول الثاني‪ :‬أّنه ُ‬
‫خَتَنُه يوَم سابعه‪ ،‬وصنع له مأُدبة وسّماه محّمدا‪.‬‬
‫القول الثالث‪ :‬أن جّده عبد المطلب َ‬
‫قال أبو عمر بن عبد البّر‪ :‬وفي هذا الباب حديث مسند غريب‪ ،‬حدثناه أحمد بن محمد بن‬
‫أحمد‪ ،‬حدثنا محمد بن عيسى‪ ،‬حدثنا يحيى بن أيوب العلف‪ ،‬حدثنا محمد بن أبي السري‬
‫العسقلني‪ ،‬حدثنا الوليد بن مسلم‪ ،‬عن شعيب‪ ،‬عن عطاء الخراساني‪ ،‬عن عكرمة‪ ،‬عن ابن عباس‪،‬‬
‫أن عبد المطلب ختن النبي صلى ال عليه وسلم يوَم سابعه‪ ،‬وجعل له مأُدبه‪ ،‬وسّماه محمدًا‪ ،‬صلى‬
‫ال عليه وسلم قال يحيى بن أيوب‪ :‬طلبت هذا الحديث فلم أجده عند أحد من أهل الحديث ممن لقيته‬
‫إل عند ابن أبي السري‪ ،‬وقد وقعت هذه المسألة بين رجلين فاضلين‪ ،‬صنف أحدهما مصنفًا في أنه‬
‫خطام لها ول ِزمام‪ ،‬وهو كمال الدين بن طلحة‪،‬‬
‫ولد مختونًا وأجلب فيه من الحاديث التي ل ِ‬
‫ن على عادة العرب‪ ،‬وكان‬
‫خِت َ‬
‫فنقضه عليه كمال الدين بن العديم‪ ،‬وبين فيه أنه صلى ال عليه وسلم ُ‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫سّنة للعرب قاطبة مغنيًا عن نقل معين فيها‪ ،‬وا ّ‬
‫عموم هذه ال ّ‬
‫فصل‬
‫في أمهاته صلى ال عليه وسلم اللتي أرضعنه‬
‫ل بن عبد السد‬
‫فمنهن ثويبه مولة أبي لهب‪ ،‬أرضعته أيامًا‪ ،‬وأرضعت معه أبا سلمة عبد ا ّ‬
‫المخزومي بلبن ابنها مسروح‪ ،‬وأرضعت معهما عّمه حمزَة بن عبد المطلب‪ .‬واختلف في إسلمها‪،‬‬
‫جدامة‪ ،‬وهي الشيماء أولد‬
‫ل أخي أنيسة‪ ،‬و ُ‬
‫فال أعلم‪ .‬ثم أرضعته حليمُة السعدية بلبن ابنها عبد ا ّ‬
‫‪32‬‬

‫ل أعلم‪،‬‬
‫الحارث بن عبد العزى بن رفاعة السعدي‪ ،‬واخُتِلف في إسلم أبويه من الرضاعة‪ ،‬فا ّ‬
‫وأرضعت معه ابن عمه أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب‪ ،‬وكان شديَد العداوة لرسول ا ّ‬
‫ل‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ثم أسلم عاَم الفتح وحسن إسلمه‪ ،‬وكان عمه حمزة مسترضعًا في بني سعد‬
‫بن بكر فأرضعت أمه رسول ال صلى ال عليه وسلم يومًا وهو عند أمه حليمة‪ ،‬فكان حمزة رضيَع‬
‫ل صلى ال عليه وسلم من جهتين‪ :‬من جهة ثويبة‪،‬ومن جهة السعدية‪.‬‬
‫رسول ا ّ‬
‫فصل‬
‫في حواضنه صلى ال عليه وسلم‬
‫فمنهن ُأّمه آمنُة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلب‪.‬‬
‫ومنهن ثويبة وحليمة‪ ،‬والشيماء ابنتها‪ ،‬وهي أخته من الرضاعة‪ ،‬كانت تحضنه مع أمها‪،‬‬
‫وهي التي قدمت عليه في وفد َهوزان‪ ،‬فبسط لها رداءه‪ ،‬وأجلسها عليه رعاية لحقها‪.‬‬
‫ن أبيه‪ ،‬وكانت دايَته‪،‬وزّوجها‬
‫ومنهن الفاضلة الجليلة أم أيمن َبَركة الحبشية‪ ،‬وكان وِرثها ِم ْ‬
‫حّبه زيد بن حارثة‪ ،‬فولدت له ُأسامة‪ ،‬وهي التي دخل عليها أبو بكر وعمر بعد موت النبي‬
‫من ِ‬
‫ل خير لرسوله؟ قالت‪ :‬إّني‬
‫صلى ال عليه وسلم وهي تبكي‪ ،‬فقال‪ :‬يا أم أيمن ما ُيبكيك فما عند ا ّ‬
‫ل خير لرسوله‪ ،‬وإنما أبكي لنقطاع خبر السماء‪ ،‬فهيجتهما على البكاء‪ ،‬فبكيا‪.‬‬
‫لعلم أن ما عند ا ّ‬
‫فصل‬
‫في مبعثه صلى ال عليه وسلم وأول ما نزل عليه‬
‫ن الكمال‪ .‬قيل‪ :‬ولها تبعث الرسل‪ ،‬وأما ما يذكر عن‬
‫ل على رأس أربعين‪ ،‬وهي س ّ‬
‫بعثه ا ّ‬
‫المسيح أنه ُرفَع إلى السماء وله ثلث وثلثون سنة‪ ،‬فهذا ل يعرف له أثر متصل يجب المصير‬
‫إليه‪.‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم من أمر النبوة الرؤيا‪ ،‬فكان ل َيرى ُرؤيا‬
‫وأول ما بدئ به رسول ا ّ‬
‫ق الصّبح قيل‪ :‬وكان ذلك ستَة أشهر‪ ،‬ومدة النبوة ثلث وعشرون سنة‪ ،‬فهذه الرؤيا‬
‫ل َفَل ِ‬
‫ت ِمْث َ‬
‫إل جاء ْ‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة وا ّ‬
‫حَراٍء‪ ،‬وكان ُيحب الخلوة فيه‪ ،‬فأول ما‬
‫ل تعالى بالنبوة‪ ،‬فجاءه الَمَلك وهو بغار ِ‬
‫ثم أكرمه ا ّ‬
‫ق{ ]العلق‪ [1 :‬هذا قول عائشة والجمهور‪.‬‬
‫خَل َ‬
‫سِم َرّبك اّلذي َ‬
‫أنزل عليه }اْقَرْأ ِبا ْ‬
‫وقال جابر‪ :‬أول ما أنزل عليه‪َ} :‬يَأّيها اْلُمّدّثر{ ]المدثر‪[1 :‬‬
‫والصحيح قول عائشة لوجوه‪:‬‬
‫‪33‬‬

‫أحدها أن قوله‪َ)) :‬ما َأَنا ِبَقاِرىء(( صريح في أنه لم يقرأ قبل ذلك شيئًا‪.‬‬
‫لنذار‪ ،‬فإنه إذا قرأ في نفسه‪ ،‬أنذر بما قرأه‪،‬‬
‫الثاني‪ :‬المر بالقراءة في الترتيب قبل المر با ِ‬
‫لنذار بما قرأه ثانيًا‪.‬‬
‫ل‪ ،‬ثم با ِ‬
‫فأمره بالقراءة أو ً‬
‫الثالث‪ :‬أن حديث جابر‪ ،‬وقوله‪ :‬أول ما أنزل من القرآن }َيا أيها الُمّدثر{ ]المدثر‪ [1 :‬قول‬
‫جابر‪ ،‬وعائشة أخبرت عن خبره صلى ال عليه وسلم عن نفسه بذلك‪.‬‬
‫ل قبل‬
‫الّرابع‪ :‬أن حديث جابر الذي احتج به صريح في أنه قد تقدم نزول المَلك عليه أو ً‬
‫نزول }َيأّيَها الُمّدَثر{ ]المدثر‪ [1 :‬فإنه قال‪)) :‬فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء‪،‬‬
‫ل‪َ} :‬يَأّيَها الُمّدَثُر{ ]المدثر‪ (([1 :‬وقد أخبر أن‬
‫فرجعت إلى أهلي فقلت‪ :‬زملوني دثروني‪ ،‬فأنزل ا ّ‬
‫ق{ ]العلق‪ [1 :‬فدل حديث جابر على‬
‫خَل َ‬
‫ك اّلِذي َ‬
‫سِم َرّب َ‬
‫الملك الذي جاءه بحراء أنزل عليه }اقَرْأ ِبا ْ‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫تأخر نزول }َيا َأّيَها الُمدّثُر{ ]المدثر‪ [1 :‬والحجة في روايته‪ ،‬ل في رأيه‪ ،‬وا ّ‬
‫فصل‬
‫في ترتيب الدعوة ولها مراتب‬
‫المرتبة الولى‪ :‬النبوة‪ .‬الثانية‪ :‬إنذار عشيرته القربين‪ .‬الثالثة‪ :‬إنذار قومه‪ .‬الرابعة‪ :‬إنذار‬
‫ن بلغته دعوته من الجن‬
‫قوٍم ما أتاهم من نذير من قبله وهم العرب قاطبة‪ .‬الخامسة‪ :‬إنذاُر جميع َم ْ‬
‫لنس إلى آخر الّدهر‪.‬‬
‫وا ِ‬
‫فصل‬
‫ل سبحانه مستخفيًا‪ ،‬ثم نزل عليه‬
‫وأقام صلى ال عليه وسلم بعد ذلك ثلث سنين يدعو إلى ا ّ‬
‫ن{ ]الحجر‪ .[94 :‬فأعلن صلى ال عليه وسلم بالدعوة‬
‫شِرِكي َ‬
‫ن الُم ْ‬
‫عِ‬‫ض َ‬
‫عِر ْ‬
‫ع ِبَما ُتْؤَمُر َوَأ ْ‬
‫صَد ْ‬
‫}َفا ْ‬
‫ل لهم بالهجرتين‪.‬‬
‫وجاهر قومه بالعداوة‪ ،‬واشتد الذى عليه وعلى المسلمين حتى أذن ا ّ‬
‫فصل‬
‫في أسمائه صلى ال عليه وسلم‬
‫وكلها نعوت ليست أعلمًا محضة لمجرد التعريف‪ ،‬بل أسماء مشتقة من صفات قائمة به‬
‫ح والكمال‪.‬‬
‫ب له المد َ‬
‫ج ُ‬
‫ُتو ِ‬
‫فمنها محمد‪ ،‬وهو أشهرها‪ ،‬وبه سمي في التوراة صريحًا كما بيناه بالبرهان الواضح في‬
‫كتاب ))جلء الفهام في فضل الصلة والسلم على خير النام(( وهو كتاب فرد في معناه لم ُيسبق‬
‫إلى مثله في كثرة فوائده وغزارتها‪ ،‬بيّنا فيه الحاديث الواردة في الصلة والسلم عليه‪ ،‬وصحيحها‬
‫‪34‬‬

‫من حسنها‪ ،‬ومعلولها وبينا ما في معلولها من العلل بيانًا شافيًا‪ ،‬ثم أسرار هذا الدعاء وشرفه وما‬
‫اشتمل عليه من الحكم والفوائد‪ ،‬ثم مواطن الصلة عليها ومحالها‪ ،‬ثم الكلم في مقدار الواجب‬
‫ق وصفه‪.‬‬
‫ب َفْو َ‬
‫منها‪ ،‬واختلف أهل العلم فيه‪ ،‬وترجيح الراجح‪ ،‬وتزييف المزّيف‪َ ،‬وَمخَبُر الِكتا ِ‬
‫ل عالم من مؤمني أهل‬
‫والمقصود أن اسمه محمد في التوراة صريحًا بما يوافق عليه ك ّ‬
‫الكتاب‪.‬‬
‫ب‪.‬‬
‫ومنها أحمد‪ ،‬وهو السم الذي سماه به المسيح‪ ،‬لسّر ذكرناه في ذلك ا لِكتا ِ‬
‫ي الرحمة‪،‬‬
‫ومنها المتوّكل‪ ،‬ومنها الماحي‪ ،‬والحاشر‪ ،‬والعاقب‪ ،‬والُمَقّفى‪ ،‬ونبى التوبة‪ ،‬ونب ّ‬
‫ن‪.‬‬
‫ح‪ ،‬والمي ُ‬
‫ي الملحمة‪ ،‬والفات ُ‬
‫ونب ّ‬
‫ضحوك‪ ،‬والقّتال‪،‬‬
‫سم‪ ،‬وال ّ‬
‫شر‪ ،‬والبشير‪ ،‬والنذير‪ ،‬والقا ِ‬
‫ويلحق بهذه السماء‪ :‬الشاهد‪ ،‬والمب ّ‬
‫ب لواء الحمد‪ ،‬وصاحب المقام المحمود‪ ،‬وغير‬
‫ل‪ ،‬والسراج المنير‪ ،‬وسيد ولد آدم‪ ،‬وصاح ُ‬
‫وعبد ا ّ‬
‫ذلك من السماء‪ ،‬لن أسماءه إذا كانت أوصاف مدح‪ ،‬فله من كل وصف اسم‪ ،‬لكن ينبغي أن يفرق‬
‫بين الوصف المختص به‪ ،‬أو الغالب عليه‪ ،‬ويشتق له منه اسم‪ ،‬وبين الوصف المشتَرك‪ ،‬فل يكون‬
‫له منه اسم يخصه‪.‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم نفسه أسماء‪ ،‬فقال‪)) :‬أنا‬
‫طِعم‪ :‬سّمى لنا رسول ا ّ‬
‫وقال جبير بن ُم ْ‬
‫ي‪،‬‬
‫عَلى َقَدَم ّ‬
‫س َ‬
‫حشُر الّنا ُ‬
‫شُر اّلِذي ُي ْ‬
‫حا ِ‬
‫ل ِبي الُكفَر‪ ،‬وأنا ال َ‬
‫حو ا ُّ‬
‫حي اّلِذي َيْم ُ‬
‫حَمُد‪ ،‬وأنا الَما ِ‬
‫حّمٌد‪ ،‬وأنا أ ْ‬
‫ُم َ‬
‫ي ((‪.‬‬
‫س َبْعَدُه َنب ّ‬
‫والَعاِقب اّلِذي َلي َ‬
‫وأسماؤه صلى ال عليه وسلم نوعان‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬خاص ل ُيشاِرُكه فيه غيره من الرسل كمحمد‪ ،‬و أحمد‪ ،‬والعاقب‪ ،‬والحاشر‪،‬‬
‫والمقفي‪ ،‬ونبي الملحمة‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬ما يشاركه في معناه غيره من الرسل‪ ،‬ولكن له منه كماله‪ ،‬فهو مختص بكماله دون‬
‫ي التوبة‪.‬‬
‫ي الرحمة‪ ،‬ونب ّ‬
‫شِر‪ ،‬والنذيِر‪ ،‬ونب ّ‬
‫شاهِد‪ ،‬والمب ّ‬
‫ل‪ ،‬ونبيه‪ ،‬وعبده‪ ،‬وال ّ‬
‫أصله‪ ،‬كرسول ا ّ‬
‫وأما إن جعل له ِمن كل وصف من أوصافه اسم‪ ،‬تجاوزت أسماؤه المائتين‪ ،‬كالصادق‪،‬‬
‫ف اسٍم‪،‬‬
‫والمصدوق‪ ،‬والرؤوف الّرحيم‪ ،‬إلى أمثال ذلك‪ .‬وفي هذا قال من قال من الناس‪ :‬إن ل أل َ‬
‫ف اسم‪ ،‬قاله أبو الخطاب بنُ ِدحيَة ومقصوده الوصاف‪.‬‬
‫وللنبي صلى ال عليه وسلم أل َ‬
‫فصل‬
‫في شرح معاني أسمائه صلى ال عليه وسلم‬
‫‪35‬‬

‫حِمَد‪ ،‬فهو محمد‪ ،‬إذا كان كثيَر الخصال التي ُيحمد عليها‪،‬‬
‫حّمد‪ ،‬فهو اسم مفعول‪ ،‬من َ‬
‫أّما ُم َ‬
‫لذلك كان أبلَغ من محمود‪ ،‬فإن ))محمودًا(( من الثلثي المجرد‪ ،‬ومحمد من المضاعف للمبالغة‪،‬‬
‫ل أعلم ‪ -‬سِمي به في التوراة‪ ،‬لكثرة‬
‫فهو الذي يحمد أكثر مّما يحمد غيره من البشر‪ ،‬ولهذا ‪ -‬وا ّ‬
‫ف بها هو ودينه وأمته في التوراة‪ ،‬حتى َتَمَنى موسى عليه الصلة‬
‫ص َ‬
‫الخصال المحمودة التي ُو ِ‬
‫والسلم أن يكون منهم‪ ،‬وقد أتينا على هذا المعنى بشواهده هناك‪ ،‬وبينا غلط أبي القاسم السهيلي‬
‫حيث جعل المر بالعكس‪ ،‬وأن اسمه في التوراة أحمد‪.‬‬
‫وأما أحمد‪ ،‬فهو اسم على ِزنة أفعل التفضيل‪ ،‬مشتق أيضًا من الحمد‪ .‬وقد اختلف‬
‫ل أكثُر من‬
‫حْمُده ّ‬
‫الناس فيه‪ :‬هل هو بمعنى فاعل أو مفعول؟ فقالت طائفة‪ :‬هو بمعنى الفاعل‪ ،‬أي‪َ :‬‬
‫حمد غيره له‪ ،‬فمعناه‪ :‬أحمد الحامدين لربه‪ ،‬ورجحوا هذا القول بأن قياس أفعل التفضيل‪ ،‬أن ُيصاغ‬
‫ب زيدًا‪ ،‬ول زيد‬
‫من فعل الفاعل‪ ،‬ل من الفعل الواقع على المفعول‪ ،‬قالوا‪ :‬ولهذا ل يقال‪ :‬ما أضر َ‬
‫أضرب من عمرو باعتبار الضرب الواقع عليه‪ ،‬ول‪ :‬ما أشَرَبه للماء‪ ،‬وآكله للخبز‪ ،‬ونحوه‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫ل(( و‬
‫لن أفعل التفضيل‪ ،‬وفعل التعجب‪ ،‬إنما ُيصاغان من الفعل اللزم‪ ،‬ولهذا يقدر نقله من ))َفَع َ‬
‫ل(( المضموم العين‪ ،‬قاُلوا‪ :‬ولهذا يعّدى بالهمزة إلى‬
‫ل(( المفتوح العين ومكسورها‪ ،‬إلى ))َفُع َ‬
‫))َفِع َ‬
‫ظُرف‪َ ،‬وَكُرَم‪.‬‬
‫ف زيدًا‪ ،‬وأكرَم عمرًا‪ ،‬وأصلهما‪ :‬من َ‬
‫المفعول‪ ،‬فهمزته للتعدية‪ ،‬كقولك‪ :‬ما أظر َ‬
‫جب منه فاعل في الصل‪ ،‬فوجب أن يكون فعله غيَر متعد‪ ،‬قالوا‪ :‬وأما نحو‪ :‬ما‬
‫قالوا‪ :‬لن المتع ّ‬
‫عدي‬
‫ل(( المضموم العين‪ ،‬ثم ُ‬
‫ل(( المفتوح العين إلى ))َفُع َ‬
‫أضرب زيدًا لعمرو‪ ،‬فهو منقول من ))َفَع َ‬
‫والحالة هذه بالهمزة قالوا‪ :‬والدليل على ذلك مجيئهم باللم‪ ،‬فيقولون‪ :‬ما أضرب زيدًا لعمرو‪ ،‬ولو‬
‫ب زيدًا عمرًا‪ ،‬لنه متعد إلى واحد بنفسه‪ ،‬وإلى الخر بهمزة‬
‫كان باقيًا على تعديه‪ ،‬لقيل‪َ :‬ما أضر َ‬
‫التعدية‪ ،‬فلما أن عّدوه إلى المفعول بهمزة التعدية‪ ،‬عّدوه إلى الخر باللم‪ ،‬فهذا هو الذي أوجب لهم‬
‫أن قالوا‪ :‬إنهما ل ُيصاغان إل من فعل الفاعل‪ ،‬ل من الفعل الواقع على المفعول‪.‬‬
‫غهما من فعل الفاعل‪ ،‬ومن الواقع على‬
‫ونازعهم في ذلك آخرون‪ ،‬وقالوا‪ :‬يجوز صو ُ‬
‫المفعول‪ ،‬وكثرة السماع به من أبين الدلة على جوازه‪ ،‬تقول العرب‪ :‬ما أشَغَله بالشيء‪ ،‬وهو من‬
‫ل‪ ،‬فهو مشغول وكذلك يقولون‪ :‬ما أوَلعه بكذا‪ ،‬وهو من ُأولَع بالشيء‪ ،‬فهو ُموَلع به‪ ،‬مجني‬
‫شِغ َ‬
‫ُ‬
‫ب به‪ ،‬ويقولون‪ :‬ما أحبه إلي‪ ،‬فهو‬
‫ج َ‬
‫للمفعول ليس إل‪ ،‬وكذلك قولهم‪ :‬ما أعجبه بكذا‪ ،‬فهو من ُأع ِ‬
‫ي‪.‬‬
‫ي‪ ،‬وأمقته إل ّ‬
‫تعجب من فعل المفعول‪ ،‬وكونه محبوبًا لك‪ ،‬وكذا‪ :‬ما أبغضه إل ّ‬
‫‪36‬‬

‫وهاهنا مسألة مشهورة ذكرها سيبويه‪ ،‬وهي أنك تقول‪ :‬ما أبغضني له‪ ،‬وما أحبني‬
‫حب الماِقت‪ ،‬فتكون متعجبًا من فعل الفاعل‪،‬‬
‫ض الكاِره‪ ،‬والم ِ‬
‫ت المبِغ َ‬
‫ت أن َ‬
‫له‪ ،‬وما أمقتني له‪ :‬إذا كن َ‬
‫وتقول‪ :‬ما أبغضني إليه‪ ،‬وما أمقتني إليه‪ ،‬وما أحبني إليه‪ :‬إذا كنت أنت البغيض الممقوت‪ ،‬أو‬
‫المحبوب‪ ،‬فتكون متعجبًا من الفعل الواقع على المفعول‪ ،‬فما كان باللم فهو للفاعل‪ ،‬وما كان بـ‬
‫ل أعلم‪ :‬إن اللم تكون‬
‫))إلى(( فهو للمفعول‪ .‬وأكثر النحاة ل يعللون بهذا‪ .‬والذي يقال في علته وا ّ‬
‫للفاعل في المعنى‪ ،‬نحو قولك‪ :‬لمن هذا؟ فيقال‪ :‬لزيد‪ ،‬فيؤتى باللم‪ .‬وأما ))إلى(( فتكون للمفعول‬
‫ل‪ ،‬وسر ذلك أن اللم في الصل‬
‫في‪ ،‬المعنى‪ ،‬فتقول‪ :‬إلى من يصل هذا الكتاب؟ فتقول‪ :‬إلى عبد ا ّ‬
‫للملك والختصاص‪ ،‬والستحقاق إنما يكون للفاعل الذي يملك ويستحق‪ ،‬و ))إلى(( لنتهاء الغاية‪،‬‬
‫ل‪ ،‬فهي بالمفعول أليق‪ ،‬لنها تمام مقتضى الفعل‪ ،‬وِمن التعجب من‬
‫والغاية منتهى ما يقتضيه الفع ُ‬
‫ل كعب بن زهير في النبي صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫فعل المفعول قو ُ‬
‫س َوَمْقُتو ُ‬
‫ل‬ ‫حُبو ّ‬
‫ك َم ْ‬
‫ل إّن َ‬
‫َوِقي َ‬ ‫عْنِدي ِإذ ُأَكّلُمُه‬
‫ف ِ‬
‫َفَلْهَو َأخـْـَو ُ‬
‫غْي ُ‬
‫ل‬ ‫ل ُدوَنُه ِ‬
‫غْي ٌ‬
‫عّثـَر ِ‬
‫ن َ‬
‫طِ‬‫ِبَب ْ‬ ‫سَكُنُه‬
‫سِد َم ْ‬
‫لْ‬‫ثا ُ‬
‫ن ُلُيو ِ‬
‫خاِدٍر ِم ْ‬
‫ن َ‬
‫ِم ْ‬
‫جّ‬
‫ن‬ ‫ن زيدًا‪ ،‬من ُ‬
‫جّ‬‫ف‪ ،‬ل من خاف‪ ،‬وكذلك قولهم‪ :‬ما أ َ‬
‫خو ُ‬
‫فأخوف هاهنا‪ ،‬من خيف‪ ،‬فهو َم ُ‬
‫فهو مجنون‪ ،‬هذا مذهب الكوفيين ومن وافقهم‪.‬‬
‫قال البصريون‪ :‬كل هذا شاذ ل ُيعّول عليه‪ ،‬فل ُنشوش به القواعد‪ ،‬ويجب القتصاُر منه‬
‫على المسموع‪ ،‬قال الكوفيون‪ :‬كثرة هذا في كلمهم نثرًا ونظمًا يمنع حمله على الشذوذ‪ ،‬لن الشاذ‬
‫طِرَد كلمهم‪ ،‬وهذا غير مخالف لذلك‪ ،‬قالوا‪ :‬وأما تقديركم لزوم الفعل ونقله‬
‫ما خالف استعمالهم وم ّ‬
‫ل‪ ،‬فتحكم ل دليل عليه‪ ،‬وما تمسكتم به من التعدية بالهمزة إلى آخره‪ ،‬فليس المر فيها كما‬
‫إلى َفُع َ‬
‫ذهبتم إليه‪ ،‬والهمزة في هذا البناء ليست للتعدية‪ ،‬وإنما هي للدللة على معنى التعجب والتفضيل‬
‫فقط‪ ،‬كألف ))فاعل((‪ ،‬وميم ))مفعول(( وواوه‪ ،‬وتاء الفتعال‪ ،‬والمطاوعة‪ ،‬ونحوها من الزوائد‬
‫التي تلحق الفعل الثلثي لبيان ما لحقه من الزيادة على مجرده‪،‬فهذا هو السبب الجالب لهذه الهمزة‪،‬‬
‫ل تعدية الفعل‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬والذي يدل على هذا أن الفعل الذي ُيعّدى بالهمزة يجوز أن ُيعّدى بحرف الجّر‬
‫وبالتضعيف‪ ،‬نحو‪ :‬جلست به‪ ،‬وأجلسته‪ ،‬وقمت به‪ ،‬وأقمته‪ ،‬ونظائره‪ ،‬وهنا ل يقوم مقاَم الهمزة‬
‫ن ِبِه‪،‬‬
‫سْ‬
‫غيرها‪ ،‬فعلم أنها ليست للتعدية المجردة أيضًا‪ ،‬فإنها تجامع باء التعدية‪ ،‬نحو‪ :‬أْكِرْم ِبِه‪ ،‬وَأح ِ‬
‫ول يجمع على الفعل بين تعديتين‪.‬‬
‫‪37‬‬

‫وأيضًا فإنهم يقولون‪ :‬ما أعطاه للدراهم‪ ،‬وأكساه للثياب‪ ،‬وهذا ِمن أعطى وكسا المتعدي‪،‬‬
‫ول يصح تقديُر نقله إلى ))عطو((‪ :‬إذا تناول‪ ،‬ثم أدخلت عليه همزة التعدية‪ ،‬لفساد المعنى‪ ،‬فإن‬
‫التعجب إنما وقع من إعطائه‪ ،‬ل من عطوه‪ ،‬وهو تناوله‪ ،‬والهمزة التي فيه همزة التعجب‬
‫والتفضيل‪ ،‬وحذفت همزته التي فى فعله‪ ،‬فل يصح أن يقال‪ :‬هي للتعدية‪.‬‬
‫لتيان باللم‬
‫عّدي باللم في نحو‪ :‬ما أضربه لزيد‪ ...‬إلى آخره‪ ،‬فا ِ‬
‫قالوا‪ :‬وأما قولكم‪ :‬إنه ُ‬
‫ف‪ ،‬وُألِزمَ‬
‫هاهنا ليس لما ذكرتم من لزوم الفعل‪ ،‬وإنما أتي بها تقوية له لما ضعف بمنعه من التصّر ِ‬
‫سنن الفعال‪ ،‬فضعف عن اقتضائه وعمله‪ ،‬فقوي باللم كما يقوى بها‬
‫طريقة واحدة خرج بها عن َ‬
‫عند تقدم معموله عليه‪ ،‬وعند فرعيته‪ ،‬وهذا المذهب هو الراجح كما تراه‪.‬‬
‫فلنرجع إلى المقصود فنقول‪ :‬تقديُر أحمد على قول الولين‪ :‬أحمد الناس لربه‪ ،‬وعلى‬
‫قول هؤلء‪ :‬أحق الناس وأولهم بأن ُيحمد‪ ،‬فيكون كمحمد في المعنى‪ ،‬إل أن الفرق بينهما أن‬
‫حَمُد غيره‪،‬‬
‫))محمدًا(( هو كثير الخصال التي يحمد عليها‪ ،‬وأحمد هو الذي ُيحمد أفضل مّما ُي ْ‬
‫فمحمد في الكثرة والكمية‪ ،‬وأحمد في الصفة والكيفية‪ ،‬فيستحق من الحمد أكثر مّما يستحق غيره‪،‬‬
‫حِمَده البشر‪ .‬فالسمان واقعان على‬
‫ل حمد َ‬
‫حق غيره‪ ،‬فُيحَمُد أكثَر حمد‪ ،‬وأفض َ‬
‫ل مّما يست ِ‬
‫وأفض ُ‬
‫المفعول‪ ،‬وهذا أبلغ في مدحه‪ ،‬وأكمل معنى‪ .‬ولو أريد معنى الفاعل لسمي الحماد‪ ،‬أي‪ :‬كثير الحمد‪،‬‬
‫فإنه بها‪،‬كان أكثر الخلق حمدًا لربه‪ ،‬فلو كان اسمه أحمد باعتبار حمده لربه‪ ،‬لكان الولى به‬
‫الحّماد‪ ،‬كما سميت بذلك أَمُته‪.‬‬
‫وأيضًا‪ :‬فإن هذين السمين‪ ،‬إنما اشتقا من أخلقه‪ ،‬وخصائصه المحمودة التي لجلها‬
‫ل الرض‬
‫استحق أن يسمى محمدًا؟صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وأحمد وهو الذي يحمُده أهل السماء وأه ُ‬
‫عّد العاّدين وإحصاء المحصين‪،‬‬
‫ل الخرة‪ ،‬لكثرة خصائصه المحمودة التي تفوق َ‬
‫ل الدنيا وأه ُ‬
‫وأه ُ‬
‫وقد أشبعنا هذا المعنى في كتاب ))الصلة والسلم(( عليه صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وإنما ذكرنا هاهنا‬
‫ل المستعان وعليه التكلن‪.‬‬
‫ت قلبه وتفرق همته‪ ،‬وبا ّ‬
‫ل المسافر‪ ،‬وتشت ُ‬
‫كلمات يسيرة اقتضتها حا ُ‬
‫ل بن عمرو قال‪)) :‬قرأت‬
‫وأما اسمه المتوكل‪ ،‬ففي ))صحيح البخاري(( عن عبد ا ّ‬
‫سولي‪ ،‬سّميُته الُمَتَوّكل‪،‬‬
‫ل‪ ،‬عبدي َوَر ُ‬
‫لا ّ‬
‫حّمد رسو ُ‬
‫في التوراة صفة النبي صلى ال عليه وسلم‪ُ :‬م َ‬
‫سيئة‪ ،‬بل يعفو ويصفح‪ ،‬ولن‬
‫سيئِة ال ّ‬
‫ب في السواق‪ ،‬ول يجزي بال ّ‬
‫خا ٍ‬
‫سّ‬‫ظ‪ ،‬ول َ‬
‫غلي ٍ‬
‫ظ‪ ،‬ول َ‬
‫ليس ِبَف ّ‬
‫ق الناس‬
‫ل(( وهو صلى ال عليه وسلم أح ّ‬
‫جاَء‪ ،‬بأن يقولوا‪ :‬ل إله إل ا ّ‬
‫حّتى ُأقيَم ِبِه الِمّلة اْلَعْو َ‬
‫ضُه َ‬
‫َأْقِب َ‬
‫شرْكه فيه غيره‪.‬‬
‫ل لم َي ْ‬
‫بهذا السم‪ ،‬لنه توّكل على ال في إقامة الدين توك ً‬
‫‪38‬‬

‫وأما الماحي‪ ،‬والحاشر‪ ،‬والمقّفي‪ ،‬والعاقب‪ ،‬فقد فسرت في حديث جبير بن‬
‫ح الكفر بأحد من الخلق ما ُمحي بالنبي صلى ال‬
‫ل به الكفر‪ ،‬ولم ُيم َ‬
‫مطعم‪ ،‬فالماحي‪ :‬هو الذي محا ا ّ‬
‫عّباد أوثان‪،‬‬
‫ث وأهل الرض كلهم كفار‪ ،‬إل بقايا من أهل الكتاب‪ ،‬وهم ما بين ُ‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فإنه ُبِع َ‬
‫عّباد‬
‫ويهود مغضوب عليهم‪ ،‬ونصارى ضالين‪ ،‬وصابئة َدهرية‪ ،‬ل يعرفون ربًا ول معادًا‪ ،‬وبين ُ‬
‫ل سبحانه‬
‫عّباد النار‪ ،‬وفلسفة ل يعرفون شرائع النبياء‪ ،‬ول ُيقرون بها‪ ،‬فمحا ا ّ‬
‫الكواكب‪ ،‬و ُ‬
‫ل على كل دين‪ ،‬وبلغ ديُنه ما بلغ الليل والنهار‪ ،‬وسارت دعوته مسيرَ‬
‫نا ّ‬
‫برسوله ذلك حتى ظهر دي ُ‬
‫الشمس في القطار‪.‬‬
‫س على‬
‫وأما الحاشر‪ ،‬فالحشر هو الضم والجمع‪ ،‬فهو الذي ُيحشر النا ُ‬
‫قدمه‪ ،‬فكأنه بعث لحشر الناس‪.‬‬
‫ب النبياء‪ ،‬فليس بعده نبي‪ ،‬فإن العاقب‬
‫عِق َ‬
‫والعاقب‪ :‬الذي جاء َ‬
‫لطلق‪ ،‬أي‪ :‬عقب النبياء جاء بعقبهم‪.‬‬
‫هو الخر‪ ،‬فهو بمنزلة الخاتم‪ ،‬ولهذا سمي العاقب على ا ِ‬
‫وأما المقّفي‪ ،‬فكذلك‪ ،‬وهو الذي قّفى على آثار من‬
‫ل به على آثار من سبقه من الرسل‪ ،‬وهذه اللفظة مشتقة من القفو‪ ،‬يقال‪ :‬قفاه يقفوه‪ :‬إذا‬
‫تقدمه‪ ،‬فقفى ا ُّ‬
‫تأخر عنه‪ ،‬ومنه قافية الرأس‪ ،‬وقافية البيت‪ ،‬فالمقّفي‪ :‬الذي قفى من قبله من الرسل‪ ،‬فكان خاتمهم‬
‫وآخرهم‪.‬‬
‫ل به با َ‬
‫ب‬ ‫وأما نبي التوبة‪ ،‬فهو الذي فتح ا ّ‬
‫ل عليهم توبة لم يحصل مثلها لهل الرض قبله‪ .‬وكان صلى ال‬
‫التوبة على أهل الرض‪ ،‬فتاب ا ّ‬
‫حِد ِماَئَة َمّرٍة‪َ)) :‬ر ّ‬
‫ب‬ ‫جِلس الَوا ِ‬
‫عليه وسلم أكثر الناس استغفارًا وتوبة‪ ،‬حتى كانوا َيُعّدون لَُه في الَم ْ‬
‫ب الَغُفور((‪.‬‬
‫ت الّتّوا ُ‬
‫ك َأْن َ‬
‫ي إّن َ‬
‫عَل ّ‬
‫ب َ‬
‫غِفْر ِلي َوُت ْ‬
‫اْ‬
‫ل في اْلَيْوِم ِماَئَة َمّرٍة((‬
‫ب ِإلى ا ِّ‬
‫ل َرَبُكم‪َ ،‬فِإني َأُتو ُ‬
‫س ُتوُبوا ِإَلى ا ِّ‬
‫وكان يقول‪َ)) :‬يا َأّيَها الّنا ُ‬
‫ل‪ ،‬وكانت توبة من قبلهم‬
‫ل‪ ،‬وأسهل تناو ً‬
‫ل ِمن توبة سائر المم‪ ،‬وأسرع قبو ً‬
‫وكذلك توبُة أمته أكم ُ‬
‫ل أنفسهم‪ ،‬وأّما هذه الّمة‪،‬‬
‫ل ِمن عبادة العجل قت ُ‬
‫ِمن أصعب الشياء‪ ،‬حتى كان من توبة بني إسرائي َ‬
‫لقلع‪.‬‬
‫ل تعالى جعل توبتها الندَم وا ِ‬
‫فلكرامتها على ا ّ‬
‫ط ما جاهد‬
‫ل‪ ،‬فلم يجاهد نبي وأمته ق ّ‬
‫وأّما نبي الملحمة‪ ،‬فهو الذي بعث بجهاد أعداء ا ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم وأّمته‪ ،‬والملحم الكبار التي وقعت وتقع بين أمته وبين الكفار لم‬
‫رسول ا ّ‬
‫‪39‬‬

‫ُيعهد مثُلها قبله‪ ،‬فإن أمته يقتلون الكفار في أقطار الرض على تعاقب العصار‪،‬وقد أوقعوا بهم‬
‫من الملحم ما لم تفعله أّمة سواهم‪.‬‬
‫ل الرض‬
‫ل رحمة للعالمين‪ ،‬فرحم به أه َ‬
‫ي الرحمة‪ ،‬فهو الذي أرسله ا ّ‬
‫وأما نب ّ‬
‫ب الوفر ِمن الرحمة‪ ،‬وأّما الكفار‪ ،‬فأهل الكتاب‬
‫كّلهم مؤمَنهم وكافَرهم‪،‬أّما المؤمنون‪ ،‬فنالوا النصي َ‬
‫منهم عاشوا في ظله‪ ،‬وتحت حبله وعهده‪ ،‬وأما من قتله منهم هو وأمُته‪ ،‬فإنهم عجلوا به إلى الّنار‪،‬‬
‫وأراحوه من الحياة الطويلة التي ل يزداد بها إل شّدَة العذاب في الخرة‪.‬‬
‫ل به باب الهدى بعد أن كان ُمْرَتجًا‪ ،‬وفتح‬
‫وأما الفاتح‪ ،‬فهو الذي فتح ا ّ‬
‫ب الجّنة‪،‬‬
‫ل به أمصار الكفار‪ ،‬وفتح به أبوا َ‬
‫صم‪ ،‬والقلوب الُغلف‪،‬وفتح ا ّ‬
‫به العين العمي‪ ،‬والذان ال ّ‬
‫وفتح به طرق العلم النافع والعمل الصالح‪ ،‬ففتح به الدنيا والخرة‪ ،‬والقلوب والسماع والبصار‬
‫والمصار‪.‬‬
‫ل على‬
‫وأّما المين‪ ،‬فهو أحق العالمين بهذا السم‪ ،‬فهو أمين ا ّ‬
‫ن في الرض‪ ،‬ولهذا كانوا ُيسمونه قبل النبوة‪:‬‬
‫ن َم ْ‬
‫ن في السماء‪ ،‬وأمي ُ‬
‫ن َم ْ‬
‫وحيه ودينه‪ ،‬وهو أمي ُ‬
‫المين‪.‬‬
‫وأّما الضحوك القّتال‪ ،‬فاسمان مزدوجان‪ ،‬ل ُيفرد‬
‫طب‪ ،‬ول غضوب‪ ،‬ول‬
‫أحدهما عن الخر‪ ،‬فإنه ضحوك في وجوه المؤمنين‪ ،‬غيُر عابس‪ ،‬ول مق ّ‬
‫ل‪ ،‬ل تأخذه فيهم لومة لئم‪.‬‬
‫ظ‪ ،‬قَتال لعداء ا ّ‬
‫فّ‬
‫شر لمن أطاعه بالثواب‪،‬‬
‫وأّما البشير‪ ،‬فهو المب َ‬
‫ل عبَده في مواضع من كتابه‪ ،‬منها قوله‪َ} :‬وَأّنه ّلما‬
‫والنذير المنذر لمن عصاه بالعقاب‪ ،‬وقد سماه ا ّ‬
‫عْبِدِه{ ]الفرقان‪ [1 :‬وقوله‪:‬‬
‫ى َ‬
‫عَل َ‬
‫ن َ‬
‫ك اّلذي َنّزل اْلُفْرَقا َ‬
‫عوُه{ ]الجن‪ [19:‬وقوله‪َ} :‬تَباَر َ‬
‫ل َيْد ُ‬
‫عْبُد ا ّ‬
‫َقاَم َ‬
‫عْبِدَنا{‬
‫ى َ‬
‫عَل َ‬
‫ب ّمّما َنّزْلَنا َ‬
‫ى{ ]النجم‪ [10 :‬وقوله‪َ} :‬وِإن ُكْنُتْم ِفي َرْي ٍ‬
‫حَ‬‫عْبِدِه َما َأْو َ‬
‫ى َ‬
‫ى ِإَل َ‬
‫حَ‬‫}َفَأْو َ‬
‫]البقرة‪ [23 :‬وثبت عنه في ))الصحيح(( أنه قال‪)) :‬أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ول فخر(( وسّماه‬
‫سراجًا منيرًا‪ ،‬وسمى الشمس سراجًا وهاجًا‪.‬‬
‫ل ِ‬
‫ا ّ‬
‫والمنير هو الذي ينير من غير إحراق‬
‫ع إحراق َوَتَوُهج‪.‬‬
‫بخلف الوهاج‪ ،‬فإن فيه نو َ‬
‫فصل‬
‫في ذكرى الهجرتين الولى والثانية‬
‫‪40‬‬

‫لما كثر المسلمون‪ ،‬وخاف منهم الكفاُر‪ ،‬اشتد أذاهم له صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وفتنتهم إياهم‪،‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم في الهجرة إلى الحبشة وقال‪)) :‬إن بها َملكًا ل ُيظَلُم الّناسُ‬
‫لا ّ‬
‫فَأِذن لهم رسو ُ‬
‫ل وأربع نسوة‪ ،‬منهم عثمان بن عفان‪ ،‬وهو أول من‬
‫عنده((‪ ،‬فهاجر من المسلمين اثنا عشر رج ً‬
‫ت رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فأقاموا في الحبشة في أحسن‬
‫خرج‪ ،‬ومعه زوجته ُرَقّيُة بن ُ‬
‫ت‪ ،‬وكان هذا الخبُر كذبًا‪ ،‬فرجعوا إلى مكة‪ ،‬فلما بلغهم أن المر أشّد‬
‫ن قريشًا أسلم ْ‬
‫جوار‪ ،‬فبلغهم أ ّ‬
‫ن ُقريش أذى شديدًا‪ ،‬وكان ممن دخل عبُد الّ‬
‫ن رجع‪ ،‬ودخل جماعة‪َ ،‬فَلُقوا ِم ْ‬
‫مّما كان‪ ،‬رجع منهم َم ْ‬
‫ل‪ ،‬إن‬
‫ن مسعود‪ .‬ثم أذن لهم في الهجرة ثانيًا إلى الحبشة‪ ،‬فهاجر ِمن الرجال ثلثٌة وثمانون رج ً‬
‫بُ‬
‫كان فيهم عمار‪ ،‬فإنه ُيشك فيه‪ ،‬ومن النساء ثمان عشرة امرأة‪ ،‬فأقاموا عند النجاشي على أحسن‬
‫ل بن أبي ربيعة في جماعة‪ ،‬ليكيدوهم‬
‫حال‪ ،‬فبلغ ذلك قريشًا‪ ،‬فأرسلوا عمرو بن العاص‪ ،‬وعبد ا ّ‬
‫ل كيدهم في نحورهم‪.‬‬
‫عند النجاشي‪ ،‬فرد ا ّ‬
‫شَع ِ‬
‫ب‬ ‫شعب ِ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فحصروه وأهل بيته في ال ّ‬
‫فاشتد أذاهم لرسول ا ّ‬
‫أبي طالب ثلث سنين‪ ،‬وقيل‪ :‬سنتين‪ ،‬وخرج من الحصر وله تسع وأربعون سنة‪ ،‬وقيل‪ :‬ثمان‬
‫شعب ُولد عبُد‬
‫وأربعون سنة‪ ،‬وبعد ذلك بَأشهر مات عّمه أبو طالب وله سبع وثمانون سنة‪ ،‬وفي ال ّ‬
‫ل بن عباس‪ ،‬فنال الكفاُر منه أذى شديدًا‪ ،‬ثم ماتت خديجُة بعد ذلك بيسير‪ ،‬فاشتّد أذى الكفار له‪،‬‬
‫ا ّ‬
‫ل تعالى‪ ،‬وأقام به أيامًا فلم يجيبوه‪ ،‬وآَذوه‪،‬‬
‫فخرج إلى الطائف هو وزيد بن حارثة يدعو إلى ا ّ‬
‫سماطين‪ ،‬فرجموه بالحجارة حتى أدموا كعبيه‪ ،‬فانصرف عنهم رسول ا ّ‬
‫ل‬ ‫وأخرجوه‪ ،‬وقاموا له ِ‬
‫ي‪ ،‬فآمن به وصّدقه‪.‬‬
‫عّداسًا النصران ّ‬
‫صلى ال عليه وسلم راجعًا إلى مّكة‪ ،‬وفي طريقه لقي َ‬
‫)يتبع‪(...‬‬
‫صيبين‪،‬‬
‫ن أهل َن ِ‬
‫صرف إليه نفر من الجن سبعٌة ِم ْ‬
‫وفي طريقه أيضًا بنخلة ُ‬ ‫@‬
‫ك الجبال يأمره ِبطاعته‪ ،‬وأن ُيطبق‬
‫ل إليه َمَل َ‬
‫فاستمعوا القرآن وأسلموا‪ ،‬وفي طريقه تلك أرسل ا ّ‬
‫ج ِم ْ‬
‫ن‬ ‫ل ُيخِر ُ‬
‫ل ا َّ‬
‫ستأِني ِبِهم‪َ ،‬لَع ّ‬
‫ل َأ ْ‬
‫ل َب ْ‬
‫على قومه أخشبي مّكة‪ ،‬وهما جبلها إن أراد‪ ،‬فقال‪َ )) :‬‬
‫شْيئًا((‪ .‬وفي طريقه دعا بذلك الدعاء المشهور‪)) :‬اللهم إليك أشكو‬
‫ك ِبِه َ‬
‫شِر ُ‬
‫ل ُي ْ‬
‫ن َيْعُبُده َ‬
‫لِبِهم َم ْ‬
‫صَ‬‫َأ ْ‬
‫ضعف ُقّوتي‪ ،‬وقلة حيلتي‪ (( ...‬الحديث‪ ،‬ثم دخل مّكة في جوار المطعم بن عدي‪.‬‬
‫عِرجَ به إلى فوق‬
‫ثم أسري بروحه وجسده إلى المسجد القصى‪ ،‬ثم ُ‬
‫ل عّز وجل‪ ،‬فخاطبه‪ ،‬وفرض عليه الصلوات‪ ،‬وكان ذلك مرة‬
‫السماوات بجسده وروحه إلى ا ّ‬
‫واحدة‪ ،‬هذا أصح القوال‪ .‬وقيل‪ :‬كان ذلك منامًا‪ ،‬وقيل‪ :‬بل يقال‪ :‬أسري به‪ ،‬ول يقال‪ :‬يقظة ول‬
‫‪41‬‬

‫لسراء مرتين‪:‬‬
‫لسراء إلى بيت المقدس يقظة‪ ،‬وإلى السماء منامًا‪ .‬وقيل‪ :‬كان ا ِ‬
‫منامًا‪ .‬وقيل‪ :‬كان ا ِ‬
‫ث مرات‪ ،‬وكان ذلك بعد المبعث بالتفاق‪.‬‬
‫مرة يقظة‪ ،‬ومرة منامًا‪ .‬وقيل‪ :‬بل أسري به ثل َ‬
‫عّد من أغلط شريك‬
‫وأّما ما وقع في حديث شريك أن ذلك كان قبل أن ُيوحى إليه‪ ،‬فهذا مّما ُ‬
‫لسراء وقيل‪ :‬إن هذا كان إسراء المنام قبل الوحي‪ .‬وأّما إسراء‬
‫الثمانية‪ ،‬وسوء حفظه‪ ،‬لحديث ا ِ‬
‫اليقظة‪ ،‬فبعد النبوة‪ ،‬وقيل‪ :‬بل الوحي هاهنا مقيد‪ ،‬وليس بالوحي المطلق الذي هو مبدأ النبوة‪،‬‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫لسرار‪ ،‬فأسري به فجأة من غير تقدم إعلم‪ ،‬وا ّ‬
‫والمراد‪ :‬قبل أن يوحى إليه في شأن ا ِ‬
‫ض نفسه‬
‫ل تعالى‪َ ،‬وَيْعِر ُ‬
‫فأقام صلى ال عليه وسلم بمّكة ما أقام‪ ،‬يدعو القبائل إلى ا ّ‬
‫ب له قبيلة‪ ،‬واّدخر ال‬
‫جي ْ‬
‫سَت ِ‬
‫عليهم في كل موسم أن يؤووه‪ ،‬حتى يبّلَغ رسالة ربه ولهم الجّنة‪ ،‬فلم َت ْ‬
‫ل تعالى إظهار دينه‪ ،‬وإنجاز وعده‪ ،‬ونصر نبيه‪ ،‬وإعلء كلمته‪،‬‬
‫ذلك كرامة للنصار‪ ،‬فلما أراد ا ّ‬
‫والنتقام من أعدائه‪ ،‬ساقه إلى النصار‪ ،‬لما أراد بهم من الكرامة‪ ،‬فانتهى إلى نفر منهم ستة‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫ل‪ ،‬وقرأ عليهم‬
‫ثمانية‪ ،‬وهم يحِلُقون رؤوسهم عند عقبِة ِمنى في الموسم‪ ،‬فجلس إليهم‪ ،‬ودعاهم إلى ا ّ‬
‫لسلم‪ ،‬حتى فشا فيهم‪ ،‬ولم‬
‫عْوا قومهم إلى ا ِ‬
‫ل ورسوله‪ ،‬ورجعوا إلى المدينة‪َ ،‬فَد َ‬
‫القرآن‪ ،‬فاستجابوا ّ‬
‫ل مسجد ُقرىء فيه‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ .‬فأو ُ‬
‫ن رسول ا ّ‬
‫يبق دار من دور النصار إل وفيها ذكٌر ِم ْ‬
‫ل من النصار‪ ،‬منهم‬
‫ن بالمدينة مسجد بني ُزريق‪،‬ثم قِدم مكة في العام القابل اثنا عشر رج ً‬
‫القرآ ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم على بيعة النساء عند العقبة‪ ،‬ثم‬
‫خمسة من الستة الولين‪ ،‬فبايعوا رسول ا ّ‬
‫ل وامرأتان‪ ،‬وهم أه ُ‬
‫ل‬ ‫انصرفوا إلى المدينة‪ ،‬فَقِدم عليه في العام القابل منهم ثلثة وسبعون رج ً‬
‫ل صلى ال عليه وسلم على أن يمنعوه مّما يمنعون منه نساءهم‬
‫العقبة الخيرة‪ ،‬فبايعوا رسول ا ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم منهم اثني‬
‫لا ّ‬
‫وأبناءهم وأنفسهم‪ ،‬فترحل هو وأصحاُبه إليهم‪ ،‬واختار رسو ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم لصحابه في الهجرة إلى المدينة‪ ،‬فخرجوا أْرسا ً‬
‫ل‬ ‫عشر نقيبًا‪ ،‬وأذن رسول ا ّ‬
‫متسللين‪ ،‬أولهم فيما قيل‪ :‬أبو سلمة بن عبد السد المخزومي‪ ،‬وقيل‪ :‬مصعب بن عمير فقدموا على‬
‫ل صلى ال‬
‫ل لرسول ا ّ‬
‫نا ّ‬
‫لسلُم بالمدينة‪ ،‬ثم َأِذ َ‬
‫النصار في دورهم‪ ،‬فآَووهم‪ ،‬ونصروهم‪ ،‬وفشا ا ِ‬
‫عليه وسلم في الهجرة‪ ،‬فخرج من مكة يوم الثنين في شهر ربيع الّول وقيل‪ :‬في صفر‪ ،‬وله إذ‬
‫عامُر بن ُفَهْيَرَة مولى أبي بكر‪ ،‬ودليلهم عبد الّ‬
‫ذاك ثلث وخمسون سنة‪ ،‬ومعه أبو بكر الصديق‪ ،‬و َ‬
‫غار َثور هو وأبو بكر‪ ،‬فأقاما فيه ثلثًا‪ ،‬ثم أخذا على طريق الساحل‪ ،‬فلما‬
‫لَرْيِقط الليثي‪ ،‬فدخل َ‬
‫بن ا ُ‬
‫ت ِمن شهر ربيع الّول‪ ،‬وقيل غير ذلك‪،‬‬
‫خَل ْ‬
‫انتَهْوا إلى المدينة‪ ،‬وذلك يوم الثنين لثنتي عشرة ليلة َ‬
‫نزل بُقَباء في أعلى المدينة على بني عمرو بن عوف‪ .‬وقيل‪ :‬نزل على كلثوم بن الِهْدم‪ .‬وقيل‪ :‬على‬
‫‪42‬‬

‫سعِد بن خيثمة‪ ،‬والول أشهر‪ ،‬فأقام عندهم أربعة عشر يومًا‪ ،‬وأسس مسجد ُقباء‪ ،‬ثم خرج يوم‬
‫الجمعة‪ ،‬فأدركته الجمعة في بني سالم‪ ،‬فجمع بهم بمن كان معه من المسلمين‪ ،‬وهم مائة‪ ،‬ثم ركب‬
‫سِبيَلَها‬
‫خّلوا َ‬
‫ناقته وسار‪ ،‬وجعل الناس يكلمونه في النزول عليهم‪ ،‬ويأخذون بخطام الناقة‪ ،‬فيقول‪َ )) :‬‬
‫َفإّنها َمْأُموَرٌة(( فبركت عند مسجده اليوم‪ ،‬وكان ِمربدا لسهل وسهيل غلمين من بني النجار‪ ،‬فنزل‬
‫ن‪،‬‬
‫عنها على أبي أيوب النصاري‪ ،‬ثم بنى مسجده موضع المربد بيده هو وأصحابه بالجريد والّلِب ِ‬
‫ثم بنى مسكنه ومساكن أزواجه إلى جنبه‪ ،‬وأقرُبها إليه مسكن عائشة‪ ،‬ثم تحول بعد سبعة أشهر من‬
‫ل‪،‬‬
‫دار أبي أيوب إليها‪ ،‬وبلغ أصحاَبه بالحبشة هجَرُته إلى المدينة‪ ،‬فرجع منهم ثلثة وثلثون رج ً‬
‫ل صلى ال عليه وسلم بالمدينة‪ ،‬ثم هاجر بقيتهم‬
‫حِبسَ منهم بمكة سْبَعٌة‪ ،‬وانتهى بقيتهم إلى رسول ا ّ‬
‫َف ُ‬
‫في السفينة عام خيبر سنة سبع‪.‬‬
‫فصل‬
‫في أولده صلى ال عليه وسلم‬
‫ل‪ ،‬وقيل‪ :‬عاش إلى أن ركب الدابة‪ ،‬وسار على‬
‫أولهم القاسم‪ ،‬وبه كان ُيكنى‪ ،‬مات طف ً‬
‫النجيبة‪.‬‬
‫ثم زينب‪ ،‬وقيل‪ :‬هي أسن من القاسم‪ ،‬ثم ُرَقّية‪ ،‬وأم كلثوم‪ ،‬وفاطمة‪ ،‬وقد قيل في كل واحدة‬
‫ن من أختها‪ ،‬وقد ُذِكَر عن ابن عباس أن رقّية أسن الثلث‪ ،‬وأم كلثوم أصغُرهن‪.‬‬
‫منهن‪ :‬إنها أس ّ‬
‫ل‪ ،‬وهل ولد بعد النبوة‪ ،‬أو قبلها؟ فيه اختلف‪ ،‬وصحح بعضهم أنه ولد بعد‬
‫ثم ولد له عبد ا ّ‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫النبوة‪ ،‬وهل هو الطيب والطاهر‪ ،‬أو هما غيُره؟ على قولين‪ .‬والصحيح‪ :‬أنهما لقبان له‪ ،‬وا ّ‬
‫وهؤلء كلهم من خديجة‪ ،‬ولم ُيولد له من زوجة غيرها‪.‬‬
‫شره به أبو‬
‫سّرّيِتِه ))مارية القبطية(( سنة ثمان من الهجرة‪ ،‬وب ّ‬
‫ثم ولد له إبراهيم بالمدينة من ُ‬
‫ل قبل الفطام‪ ،‬واختلف هل صلى عليه‪ ،‬أم ل؟ على قولين‪.‬‬
‫رافع موله‪ ،‬فوهب له عبدًا‪ ،‬ومات طف ً‬
‫ل لها بصبرها واحتسابها‬
‫وكل أولده توفي قبَله إل فاطمة‪ ،‬فإنها تأخرت بعده بستة أشهر فرفع ا ّ‬
‫لطلق‪ ،‬وقيل‪ :‬إنها‬
‫ل بناته على ا ِ‬
‫ت به على نساء العالمين‪ .‬وفاطمة أفض ُ‬
‫ضَل ْ‬
‫من الدرجات ما ُف ّ‬
‫أفضل نساء العالمين‪ ،‬وقيل‪ :‬بل أمها خديجة‪ ،‬وقيل‪ :‬بل عائشة‪ ،‬وقيل‪ :‬بل بالوقف في ذلك‪.‬‬
‫فصل‬
‫في أعمامه وعّماته صلى ال عليه وسلم‬
‫‪43‬‬

‫ل وأسُد رسوله سيُد الشهداء حمزُة بن عبد المطلب‪ ،‬والعّباس‪ ،‬وأبو طالب‬
‫فمنهم أسُد ا ِّ‬
‫واسمه عبُد مناف‪ ،‬وأبو لهب واسمه عبد العزى‪ ،‬والزبير‪ ،‬وعبد الكعبة‪ ،‬والمقّوم‪ ،‬وضرار‪َ ،‬وُقَثم‪،‬‬
‫حجل‪ ،‬والغيداق واسمه مصعب‪ ،‬وقيل‪ :‬نوفل‪ ،‬وزاد بعضهم‪ :‬العوام‪ ،‬ولم ُيسلم منهم‬
‫والمغيرة ولقبه َ‬
‫إل حمزة والعّباس‪ .‬وأّما عّماته‪ ،‬فصفية أم الزبير بن العوام‪ ،‬وعاتكة‪ ،‬وَبّرة‪ ،‬وأروى‪ ،‬وأميمة‪ ،‬وأم‬
‫حكيم البيضاء‪ .‬أسلم منهن صفية‪ ،‬واختلف في إسلم عاتكة وأروى‪ ،‬وصحح بعضهم إسلم أروى‪.‬‬
‫عَقب منه حتى مل أولُده الرض‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫وأسن أعمامه‪ :‬الحارث‪ ،‬وأصغرهم سنًا‪ :‬العباس‪ ،‬و َ‬
‫أحصوا في زمن المأمون‪ ،‬فبلغوا ستمائة ألف‪ ،‬وفي ذلك ُبعٌْد ل يخفى‪ ،‬وكذلك أعقب أبو طالب‬
‫ل[‬
‫وأكثر‪ ،‬والحارث‪ ،‬وأبو لهب‪ ،‬وجعل بعضهم الحارث والمقّوم واحدا‪ ،‬وبعضهم الغيداق ]رج ً‬
‫واحدًا‪.‬‬
‫فصل‬
‫في أزواجه صلى ال عليه وسلم‬
‫خويلد القرشية السدية‪ ،‬تزوجها قبل النبوة‪ ،‬ولها أربعون سنة‪ ،‬ولم‬
‫أولهن خديجة بنت ُ‬
‫ل إبراهيَم‪ ،‬وهي التي آزرته على النبوة‪ ،‬وجاهدت‬
‫ج عليها حتى ماتت‪ ،‬وأولده كّلهم منها إ ّ‬
‫يتزو ْ‬
‫ل إليها السلَم مع جبريل‪ ،‬وهذه خاصة ل ُتعرف لمرأة‬
‫معه‪ ،‬وواسته بنفسها ومالها‪ ،‬وأرسل ا ّ‬
‫سواها‪ ،‬وماتت قبل الهجرة بثلث سنين‪.‬‬
‫سْودة بنت َزْمَعة الُقرشية‪ ،‬وهي التي وهبت يومها لعائشة‪.‬‬
‫ثم تزوج بعد موتها بأيام َ‬
‫صّديق‪ ،‬المبّرأة من فوق‬
‫صّديقة بنت ال ّ‬
‫ل عائشة ال ّ‬
‫ثم تزوج بعدها أّم عبد ا ّ‬
‫صّديق‪ ،‬وعرضها عليه‬
‫ل صلى ال عليه وسلم عائشة بنت أبي بكر ال ّ‬
‫سبع سماوات‪ ،‬حبيبة رسول ا ّ‬
‫سَرَقٍة من حرير وقال‪)) :‬هذه زوجتك(( تزوج بها في شوال وعمرها ست‬
‫ك قبل نكاحها في َ‬
‫الَمَل ُ‬
‫سنين‪ ،‬وبنى بها في شوال في السنة الولى من الِهجرة وعمرها تسع سنين‪ ،‬ولم يتزوج بكرًا‬
‫ب الخلق إليه‪ ،‬ونزل عذُرَها ِمن‬
‫غيرها‪ ،‬وما نزل عليه الوحي في ِلحاف امرأة غيرها‪ ،‬وكانت أح ّ‬
‫السماء‪ ،‬واتفقت المة على كفر َقاِذفها‪ ،‬وهي أفقه نسائه وأعلُمهن‪ ،‬بل أفقُه نساِء الّمة وأعلمُه ّ‬
‫ن‬
‫ن أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم يرجعون إلى قولها‬
‫لطلق‪ ،‬وكان الكابُر ِم ْ‬
‫على ا ِ‬
‫سْقطًا‪ ،‬ولم يثبت‪.‬‬
‫ويستفتونها‪ .‬وقيل‪ :‬إنها أسقطت من النبي صلى ال عليه وسلم ِ‬
‫ل عنه‪ ،‬وذكر أبو‬
‫ثم تزوج حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي ا ّ‬
‫داود أنه طلقها‪ ،‬ثم راجعها‪.‬‬
‫‪44‬‬

‫ثم تزوج زينب بنت خزيمة بن الحارث القيسية‪ ،‬من بني هلل‬
‫بن عامر‪ ،‬وتوفيت عنده بعد ضمه لها بشهرين‪.‬‬
‫ثم تزوج أّم سلمة هند بنت أبي أمية القرشية‬
‫المخزومية‪ ،‬واسم أبي أمية حذيفة بن المغيرة‪ ،‬وهي آخر نسائه موتًا‪ .‬وقيل‪ :‬آخرهن موتًا صفية‪.‬‬
‫واختلف فيمن ولي تزويجها منه؟ فقال ابن سعد‬
‫في ))الطبقات((‪ :‬ولي تزويجها منه سلمة بن أبي سلمة دون غيره من أهل بيتها‪ ،‬ولما زوج النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم سلمة بن أبي سلمة أمامة بنت حمزة التي اختصم فيها علي وجعفر وزيد قال‪:‬‬
‫ت سلمة(( يقول ذلك‪ ،‬لن سلمة هو الذي تولى تزويجه دون غيره من أهلها‪ ،‬ذكر هذا‬
‫))هل جزي ُ‬
‫في ترجمة سلمة‪ ،‬ثم ذكر في ترجمة أم سلمة عن الواقدي‪ :‬حدثني مجمع بن يعقوب‪ ،‬عن أبي بكر‬
‫ل صلى ال عليه وسلم خطب أم سلمة إلى‬
‫بن محمد بن عمر بن أبي سلمة‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬أن رسول ا ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم وهو يومئٍذ غلم صغير‪.‬‬
‫لا ّ‬
‫ابنها عمر بن أبي سلمة‪ ،‬فزّوجَها رسو َ‬
‫لمام أحمد في ))المسند((‪ :‬حدثنا عفان‪ ،‬حدثنا حّماد بن أبي سلمة‪ ،‬حدثنا ثابت قال‪:‬‬
‫وقال ا ِ‬
‫ن أبي سلمة‪ ،‬بعث‬
‫عّدُتَها ِم ْ‬
‫حدثني ابن عمر بن أبي سلمة‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن أم سلمة أنها لما انقضت ِ‬
‫غيرى‪،‬‬
‫حَبًا برسول صلى ال عليه وسلم إني امرأة َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقالت‪َ :‬مْر َ‬
‫لا ّ‬
‫إليها رسو ُ‬
‫س أحٌد من أوليائي حاضرًا‪ ...‬الحديث‪ ،‬وفيه فقالت لبنها عمر‪ :‬قم فزوج رسول‬
‫صِبَيٌة‪َ ،‬وَلْي َ‬
‫وإني ُم ْ‬
‫ل صلى‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فزوجه‪ ،‬وفي هذا نظر‪ ،‬فإن عمر هذا كان سّنه لما توفي رسول ا ّ‬
‫ا ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم في شوال سنة‬
‫ال عليه وسلم تسع سنين‪ ،‬ذكره ابن سعد‪ ،‬وتزوجها رسول ا ّ‬
‫أربع‪ ،‬فيكون له من العمر حينئٍذ ثلث سنين‪ ،‬ومثل هذا ل يزّوج قال ذلك ابن سعد وغيره‪ ،‬ولما قيل‬
‫لمام أحمد‪ ،‬قال‪ :‬من يقول‪ :‬إن عمر كان صغيرًا؟! قال أبو الفرج بن الجوزي‪ :‬ولعل أحمد‬
‫ذلك ل ِ‬
‫سّنه جماعٌة من المؤّرخين‪ ،‬ابن سعد وغيره‪.‬‬
‫سّنه‪ ،‬وقد ذكر مقدار ِ‬
‫قال هذا قبل أن يقف على مقدار ِ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ابن عّمها عمر بن الخطاب‪ ،‬والحديث‬
‫وقد قيل‪ :‬إن الذي زوجها من رسول ا ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم(( ونسب عمر‪ ،‬ونسب أم سلمة يلتقيان في‬
‫))قم يا عمر فزوج رسول ا ّ‬
‫ل بن ُقرط‪ ،‬بن رزاح بن‬
‫كعب‪ ،‬فإنه عمر بن الخطاب بن نفيل‪ ،‬بن عبد العزى‪ ،‬بن رياح‪ ،‬بن عبد ا ّ‬
‫عدي بن كعب‪ ،‬وأم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد ال بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫بن كعب‪ ،‬فوافق اسُم ابنها عمر اسَمه‪ ،‬فقالت‪ :‬قم يا عمر‪ ،‬فزوج رسول ا ّ‬
‫فظن بعض الرواة أنه ابنها‪ ،‬فرواه بالمعنى وقال‪ :‬فقالت لبنها‪ ،‬وذهل عن تعذر ذلك عليه لصغر‬
‫‪45‬‬

‫ل صلى ال عليه‬
‫سنه‪ ،‬ونظير هذا َوْهم بعض الفقهاء في هذا الحديث‪ ،‬وروايتهم له‪ ،‬فقال رسول ا ّ‬
‫وسلم ))قم يا غلم فزوج أمك(( قال أبو الفرج بن الجوزي‪ :‬وما عرفنا هذا في هذا الحديث‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ل أن يكون قاله على وجه المداعبة للصغير‪ ،‬إذ كان له من العمر يومئٍذ ثلث‬
‫وإن ثبت‪ ،‬فيحَتِم ُ‬
‫سنين‪ ،‬لن رسول ال صلى ال عليه وسلم تزوجها في سنة أربع‪ ،‬ومات ولعمر تسُع سنين‪،‬‬
‫حه إلى ولي‪ .‬وقال ابن عقيل‪ :‬ظاهر كلم أحمد أن‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ل يفَتِقُر ِنكا ُ‬
‫ورسول ا ّ‬
‫ي‪ ،‬وأن ذلك من خصائصه‪.‬‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم ل ُيشترط في نكاحه الول ّ‬
‫ثم تزوج زينب بنت جحش من بني أسد بن خزيمة وهي ابنة عمته أميمة‪ ،‬وفيها نزل‬
‫خر على نساء‬
‫جَناَكَها{ ]الحزاب‪ [37 :‬وبذلك كانت تفت ِ‬
‫طرًا َزّو ْ‬
‫ى َزْيٌد ّمْنَها َو َ‬
‫ضَ‬‫قوله تعالى‪َ} :‬فَلّما َق َ‬
‫ن أهاليُكن‪ ،‬وزوجني ال ِمن فوق سبع سماوات‪.‬‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وتقول زوجُك ّ‬
‫ل سبحانه وتعالى كان هو ولّيها الذي زوجها لرسوله ِمن فوق سماواته‪،‬‬
‫ومن خواصها أن ا ّ‬
‫ل صلى‬
‫لا ّ‬
‫ل عند زيد بن حارثة‪ ،‬وكان رسو ُ‬
‫وتوفيت في أول خلفة عمر بن الخطاب‪ ،‬وكانت أو ً‬
‫سى به ُأّمته في نكاح أزواج من‬
‫ل تعالى إَياها لتتأ ّ‬
‫ال عليه وسلم تبّناه‪ ،‬فلما طلقها زيد‪ ،‬زّوجه ا ّ‬
‫تبّنْوه‪.‬‬
‫طِلِقّيَة‪،‬‬
‫صَ‬‫جوْيرَية بنت الحارث بن أبي ضرار الُم ْ‬
‫وتزوج في صلى ال عليه وسلم ُ‬
‫ن به على ِكتابتها‪ ،‬فأدى عنها كتابَتها وتزوجها‪.‬‬
‫ق‪ ،‬فجاءته تستعي ُ‬
‫طِل ِ‬
‫صَ‬‫وكانت من سبايا بني الُم ْ‬
‫ثم تزوج أّم حبيبة‪ ،‬واسمها رملة بنت أبي سفيان صخِر بن حرب القرشية‬
‫الموية‪ .‬وقيل‪ :‬اسمها هند‪ ،‬تزوجها وهي ببلد الحبشة مهاجرة‪ ،‬وأصدقها عنه النجاشي أربعمائة‬
‫دينار‪ ،‬وسيقت إليه من هناك‪ ،‬وماتت في أيام أخيها معاوية‪ .‬هذا هو المعروف المتواتر عند أهل‬
‫سير والتواريخ‪ ،‬وهو عندهم بمنزلة نكاحه لخديجة بمّكة‪ ،‬ولحفصة بالمدينة‪ ،‬ولصفية بعد خيبر‪.‬‬
‫ال ّ‬
‫وأّما حديث عكرمة بن عّمار‪ ،‬عن أبي ُزميل‪ ،‬عن ابن عباس أن أبا‬
‫ب ُأمّ‬
‫ل الَعَر ِ‬
‫جَم ُ‬
‫عْنِدي َأ ْ‬
‫ن‪ِ ،‬مْنَها‪َ :‬و ِ‬
‫طاُه إّياُه ْ‬
‫عَ‬‫لَثًا‪َ ،‬فأ ْ‬
‫ك َث َ‬
‫سَأُل َ‬
‫سفيان قال للنبي صلى ال عليه وسلم‪َ)) :‬أ ْ‬
‫ك ِإّياَها((‪.‬‬
‫حِبيَبَة ُأَزّوج َ‬
‫َ‬
‫فهذا الحديث غلط ل خفاء به‪ ،‬قال أبو محمد بن حزم‪ :‬وهو موضوع بل شك‪َ ،‬كَذَبُه عكرمة‬
‫بن عمار‪ ،‬وقال ابن الجوزي في هذا الحديث‪ :‬هو وهم من بعض الرواة‪ ،‬ل شك فيه ول تردد‪ ،‬وقد‬
‫ل بن‬
‫اتهموا به عكرمة بن عمار‪ ،‬لن أهل التاريخ أجمعوا على أن أم حبيبة كانت تحت عبد ا ّ‬
‫صر‪ ،‬وثبتت أم حبيبة على‬
‫جحش‪ ،‬وولدت له‪ ،‬وهاجر بها وهما مسلمان إلى أرض الحبشة‪ ،‬ثم تن ّ‬
‫‪46‬‬

‫ل صلى ال عليه وسلم إلى النجاشي يخطبها عليه‪ ،‬فزوجه إَياها‪ ،‬وأصدقها‬
‫إسلمها‪ ،‬فبعث رسول ا ّ‬
‫عنه صداقًا‪ ،‬وذلك في سنة سبع من الهجرة‪ ،‬وجاء أبو سفيان في زمن الُهدنة فدخل عليها‪ ،‬فثنت‬
‫س عليه‪ ،‬ول خلف أن أبا سفيان ومعاوية أسلما‬
‫ل صلى ال عليه وسلم حتى ل يجل َ‬
‫ِفراش رسولى ا ّ‬
‫في فتح مكة سنة ثمان‪.‬‬
‫وأيضًا ففي هذا الحديث أنه قال له‪ :‬وتؤّمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين‪،‬‬
‫قال‪ :‬نعم‪ .‬ول يعرف أن النبي صلى ال عليه وسلم َأّمَر أبا سفيان البتة‪.‬‬
‫س الكلم في هذا الحديث‪ ،‬وتعددت طرقهم في وجهه‪ ،‬فمنهم من قال‪ :‬الصحيح‬
‫وقد أكثر الّنا ُ‬
‫أنه تزوجها بعد الفتح لهذا الحديث‪ ،‬قال‪ :‬ول ُيرد هذا بنقل المؤّرخين‪ ،‬وهذه الطريقة باطلة عند من‬
‫سيرة وتواريخ ما قد كان‪.‬‬
‫له أدنى علم بال ّ‬
‫وقالت طائفة‪ :‬بل سأله أن يجدد له العقد تطييبًا لقلبه‪ ،‬فإنه كان قد تزوجها بغير اختياره‪،‬‬
‫وهذا باطل‪ ،‬ل ُيظن بالنبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ول يليق بعقل أبي سفيان‪ ،‬ولم يكن من ذلك شيء‪.‬‬
‫وقالت طائفة منهم البيهقي والمنذري‪ :‬يحتِمل أن تكون هذه المسألة من أبي سفيان وقعت في‬
‫بعض خرجاته إلى المدينة‪ ،‬وهو كافر حين سمع نعي زوج أم حبيبة بالحبشة‪ ،‬فلما ورد على هؤلء‬
‫حيلة لهم في دفعه ِمن سؤاله أن يؤمره حتى يقاتل الكفار‪ ،‬وأن يتخذ ابنه كاتبًا‪ ،‬قالوا‪ :‬لع ّ‬
‫ل‬ ‫ما ل ِ‬
‫سفُ والتكلف‬
‫هاتين المسألتين وقعتا منه بعد الفتح‪ ،‬فجمع الراوي ذلك كله في حديث واحد‪ ،‬والتع ّ‬
‫الشديد الذي في هذا الكلم ُيغني عن رده‪.‬‬
‫وقالت طائفة‪ :‬للحديث محمل آخر صحيح‪ ،‬وهو أن يكون المعنى‪ :‬أرضى أن تكون زوجَتك‬
‫الن‪ ،‬فإني قبل لم أكن راضيًا‪ ،‬والن فإني قد رضيت‪ ،‬فأسألك أن تكون زوجَتك‪ ،‬وهذا وأمثاله لو‬
‫ت به الوراق‪ ،‬وصنفت فيه الُكتب‪ ،‬وحمله الناس‪ ،‬لكان الولى بنا الرغبَة عنه‪،‬‬
‫سّوَد ْ‬
‫لم يكن قد ُ‬
‫لضيق الزمان عن كتابته وسماعه والشتغال به‪ ،‬فإنه من ُرْبِد الصدور ل من ُزْبدها‪.‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم طلق نساءه لما آلى‬
‫وقالت طائفة‪ :‬لما سمع أبو سفيان أن رسول ا ّ‬
‫منهن‪ ،‬أقبل إلى المدينة‪ ،‬وقال للنبي صلى ال عليه وسلم ما قال‪ ،‬ظنًا منه أنه قد طلقها فيمن طلق‪،‬‬
‫وهذا من جنس ما قبله‪.‬‬
‫وقالت طائفة‪ :‬بل الحديث صحيح‪ ،‬ولكن وقع الغلط والوهم من أحد الرواة في تسمية‬
‫أم حبيبة‪ ،‬وإنما سأل أن يزوجه أختها رملة‪ ،‬ول يبعد خفاء التحريم للجمع عليه‪ ،‬فقد خفي ذلك على‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ :‬هل لك في أختي بنت أبي‬
‫ابنته‪ ،‬وهي أفقه منه وأعلم حين قالت لرسول ا ّ‬
‫‪47‬‬

‫ح ُ‬
‫ب‬ ‫خِليٍة‪ ،‬وَأ َ‬
‫حها‪ .‬قال‪)) :‬أو تحبين ذلك؟(( قالت‪ :‬لست لك بُم ْ‬
‫سفيان؟ فقال‪)) :‬أفعل ماذا؟(( قالت‪َ :‬تنِك ُ‬
‫ل لي((‪ .‬فهذه هي التي عرضها أبو سفيان على‬
‫حّ‬‫ل َت ِ‬
‫ن شَِرَكني في الخير ُأختي‪ ،‬قال‪)) :‬فإّنها َ‬
‫َم ْ‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فسماها الراوي من عنده أم حبيبة‪ .‬وقيل‪ :‬بل كانت كنيتها أيضًا أم‬
‫حبيبة‪ ،‬وهذا الجواب حسن لول قوله في الحديث‪ :‬فأعطاه رسول ال صلى ال عليه وسلم ما سأل‪،‬‬
‫فيقال حينئٍذ‪ :‬هذه اللفظة وهم من الراوي‪ ،‬فإنه أعطاه بعض ما سأل‪ ،‬فقال الراوي‪ :‬أعطاه ما سأل‪،‬‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫ل على فهم المخاطب أنه أعطاه ما يجوز إعطاؤه مّما سأل‪ ،‬وا ّ‬
‫أو أطلقها اتكا ً‬
‫ب سيد بني النضير من‬
‫ط َ‬
‫خَ‬‫حيي بن َأ ْ‬
‫ت ُ‬
‫وتزوج صلى ال عليه وسلم صفّية بن َ‬
‫ن َأجمل نساِء العالمين‪.‬‬
‫ولد هارون بن عمران أخي موسى‪ ،‬فهي ابنة نبي‪ ،‬وزوجة نبي‪ ،‬وكانت ِم ْ‬
‫عتقها صداَقها‪،‬‬
‫ي أمة فأعتقها‪ ،‬وجعل ِ‬
‫صف ّ‬
‫وكانت قد صارت له من ال ّ‬
‫ق الرجل أَمته‪ ،‬ويجعل عتقها صداقها‪ ،‬فتصير زوجته‬
‫سّنًة للّمة إلى يوم القيامة‪ ،‬أن َيْعِت َ‬
‫فصار ذلك ُ‬
‫عتق أمتي صداقها‪ ،‬صح‬
‫صَداقها‪ ،‬أو قال‪ :‬جعلت ِ‬
‫عتقها َ‬
‫بذلك‪ ،‬فإذا قال‪ :‬أعتقت أمتي‪ ،‬وجعلت ِ‬
‫العتق والنكاح‪ ،‬وصارت زوجَته من غير احتياج إلى تجديد عقد ول ولي‪ ،‬وهو ظاهر مذهب أحمد‬
‫وكثيٍر من أهل الحديث‪.‬‬
‫ل به في النكاح دون‬
‫وقالت طائفة‪ :‬هذا خاص بالنبي صلى ال عليه وسلم وهو مما خصه ا ّ‬
‫المة‪ ،‬وهذا قول الئمة الثلثة ومن وافقهم‪ ،‬والصحيح القول الول‪ ،‬لن الصل عدم الختصاص‬
‫ن{‬
‫صًة ّلك ِمن ُدو ِ‬
‫خاِل َ‬
‫ل سبحانه لما خصه بنكاح الموهوبة له‪ ،‬قال فيها‪َ } :‬‬
‫حتى يقوم عليه دليل‪ ،‬وا ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ليقطع تأسي‬
‫]الحزاب‪ [50 :‬ولم يقل هذا في المعتقة‪ ،‬ول قاله رسول ا ّ‬
‫ج في نكاح‬
‫ل سبحانه أباح له نكاح امرأة َمن تبّناه‪ ،‬لئل يكون على المة حر ٌ‬
‫المة به في ذلك‪ ،‬فا ّ‬
‫ل ورسوله‬
‫ت عن ا ّ‬
‫ل على أنه إذا نكح ِنكاحًا‪ ،‬فلّمِته التأسي به فيه‪ ،‬ما لم يأ ِ‬
‫أزواج من تبّنوه‪ ،‬فد َ‬
‫ص بالختصاص وقطع التأسي‪ ،‬وهذا ظاهر‪.‬‬
‫ن ٌ‬
‫ولتقرير هذه المسألة وبسط الحجاج فيها ‪ -‬وتقرير أن جواز مثل هذا هو مقتضى الصو ِ‬
‫ل‬
‫والقياس ‪ -‬موضٌع آخر‪ ،‬وإنما نبهنا عليه تنبيهًا‪.‬‬
‫ثم تزوج ميمونَة بنت الحارث الِهللية‪ ،‬وهي آخر من تزوج بها‪ ،‬تزوجها بمكة في‬
‫عمرة القضاء بعد أن حل منها على الصحيح‪ .‬وقيل‪ :‬قبل إحلله‪ ،‬هذا قول ابن عباس‪ ،‬ووهم رضي‬
‫ل عنه‪ ،‬فإن السفير بينهما بالنكاح أعلم الخلق بالِقصة‪ ،‬وهو أبو رافع‪ ،‬وقد أخبر أنه تزوجها‬
‫ا ّ‬
‫ل‪ ،‬وقال‪ :‬كنت أنا السفير بينهما‪ ،‬وابن عباس إذ ذاك له نحو العشر سنين أو فوقها‪ ،‬وكان غائبًا‬
‫حل ً‬
‫‪48‬‬

‫عن القصة لم يحضرها‪ ،‬وأبو رافع رجل بالغ‪ ،‬وعلى يده دارت القصة‪ ،‬وهو أعلم بها‪ ،‬ول يخفى‬
‫ف((‪.‬‬
‫سِر َ‬
‫أن مثل هذا الترجيح موجب للتقديم وماتت في أيام معاوية‪ ،‬وقبرها بـ)) َ‬
‫قيل‪ :‬ومن أزواجه ريحانة بنت زيد النضرية‪ .‬وقيل‪ :‬القرظية‪ ،‬سبيت يوم بني‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فأعتقها وتزوجها‪ ،‬ثم طلقها تطليقة‪ ،‬ثم‬
‫ي رسول ا ّ‬
‫قريظة‪ ،‬فكانت صف ّ‬
‫راجعها‪.‬‬
‫وقالت طائفة‪ :‬بل كانت أمَته‪ ،‬وكان يطؤها بملك اليمين حتى توفي عنها‪ ،‬فهي معدودة في‬
‫السراري‪ ،‬ل في الزوجات‪ ،‬والقول الول اختياُر الواقدي‪ ،‬ووافقه عليه شرف الدين الدمياطي‪.‬‬
‫وقال‪ :‬هو الثبت عند أهل العلم‪ .‬وفيما قاله نظر‪ ،‬فإن المعروف أنها من سراريه‪ ،‬وإمائه‪ ،‬وا ّ‬
‫ل‬
‫أعلم‪.‬‬
‫فهؤلء نساؤه المعروفات اللتي دخل بهن‪ ،‬وأما من خطبها ولم يتزوجها‪ ،‬ومن وهبت‬
‫سها له‪ ،‬ولم يتزوجها‪ ،‬فنحو أربع أو خمس‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬هن ثلثون امرأة‪ ،‬وأهل العلم بسيرته‬
‫نف َ‬
‫وأحواله صلى ال عليه وسلم ل يعرفون هذا‪ ،‬بل ينكرونه‪ ،‬والمعروف عندهم أنه بعث إلى الجونية‬
‫ليتزوجها‪ ،‬فدخل عليها ليخطبها‪ ،‬فاستعاذت منه‪ ،‬فأعاذها ولم يتزوجها‪ ،‬وكذلك الكلبية‪ ،‬وكذلك التي‬
‫رأى بكشحها بياضًا‪ ،‬فلم يدخل بها‪ ،‬والتي وهبت نفسها له فزوجها غيره على سور من القرآن‪ ،‬هذا‬
‫ل اعلم‪.‬‬
‫هو المحفوظ‪ ،‬وا ّ‬
‫ول خلف أنه صلى ال عليه وسلم توفي عن تسع‪ ،‬وكان يقسم منهن لثمان‪ :‬عائشة‪،‬‬
‫وحفصة‪ ،‬وزينب بنت جحش‪ ،‬وأم سلمة‪ ،‬وصفية‪ ،‬وأم حبيبة‪ ،‬وميمونة‪ ،‬وسودة‪ ،‬وجويرية‪.‬‬
‫ب بنت جحش سنة عشرين‪،‬‬
‫وأول نسائه لحوقًا به بعد وفاته صلى ال عليه وسلم زين ُ‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫خرهن موتًا أم سلمة‪ ،‬سنة اثنتين وستين في خلفة يزيد‪ ،‬وا ّ‬
‫وآ ِ‬
‫فصل‬
‫في سراريه صلى ال عليه وسلم‬
‫قال أبو عبيدة‪ :‬كان له أربع‪ :‬مارية وهي أم ولده إبراهيم‪ ،‬وريحانة وجارية أخرى جميلة‬
‫أصابها في بعض السبي‪ ،‬وجارية وهبتها له زينب بنت جحش‪.‬‬
‫فصل‬
‫في مواليه صلى ال عليه وسلم‬
‫حيل‪ ،‬مولته أّم أيمن‪ ،‬فولدت له أسامة‪.‬‬
‫فمنهم زيد بن حارثة بن شرا ِ‬
‫‪49‬‬

‫شقران واسمه صابح‪ ،‬ورباح ُنوبي‪،‬‬


‫سَلْيم‪ ،‬و ُ‬
‫شة ُ‬
‫ومنهم أسلم‪ ،‬وأبو رافع‪ ،‬وثوبان‪ ،‬وأبو َكب َ‬
‫عم‪َ ،‬وكْركَرَة‪ ،‬نوبي أيضًا‪ ،‬وكان على َثَقله صلى ال‬
‫ويسار نوبي أيضًا‪ ،‬وهو قتيل الُعَرنيين‪َ ،‬ومْد َ‬
‫ل يوم خيبر‪ .‬وفي ))صحيح البخاري(( أَنه الذي غ ّ‬
‫ل‬ ‫حلته عند الَقتا َ‬
‫عليه وسلم‪ ،‬وكان ُيمسك را َ‬
‫عَلْيِه َنارًا(( وفي ))الموطأ((‬
‫ب َ‬
‫الشملة ذلك اليوم َفُقتل‪ ،‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم ))إّنَها َلَتْلَتِه ُ‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫عم‪ ،‬وكلهما قتل بخيبر‪ ،‬وا ّ‬
‫أن الذي غّلها ِمْد َ‬
‫ل صلى ال عليه‬
‫سفينة بن فروخ‪ ،‬واسمه مهران‪ ،‬وسماه رسول ا ّ‬
‫شُة الحادي‪ ،‬و َ‬
‫جَ‬‫ومنهم أْن َ‬
‫سِفيَنٌة((‪ .‬قال أبو حاتم‪ :‬أعتقه‬
‫ت َ‬
‫عهم‪ ،‬فقال‪)) :‬أْن َ‬
‫حّمُلونه في السفر متا َ‬
‫وسلم‪)) :‬سفينة(( لنهم كانوا ُي َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وقال غيره‪ :‬أعتقته أّم سلمة‪ .‬ومنهم َأَنسة‪ ،‬ويكنى أبا ِمشرح‪،‬‬
‫رسول ا ّ‬
‫عبيد‪ ،‬وطهمان‪ ،‬وهو كيسان‪ ،‬وذكوان‪ ،‬ومهران‪ ،‬ومروان‪ ،‬وقيل‪ :‬هذا خلف في اسم‬
‫وأفلح‪ ،‬و ُ‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫طهمان‪ ،‬وا ّ‬
‫حنين‪ ،‬وسندر‪ ،‬وفضالة يماني‪ ،‬ومابور خصي‪ ،‬وواقد‪ ،‬وأبو واقد‪ ،‬وقسام‪ ،‬وأبو‬
‫ومنهم ُ‬
‫عسيب‪ ،‬وأبو ُمويهبة‪.‬‬
‫ضميرة‪،‬‬
‫ومن النساء سلمى أم رافع‪ ،‬وميمونة بنت سعد‪ ،‬وخضرة‪ ،‬ورضوى‪ ،‬ورزينة‪ ،‬وأم ُ‬
‫وميمونة بنت أبي عسيب‪ ،‬ومارية‪ ،‬وريحانة‪.‬‬
‫فصل‬
‫خّدامه صلى ال عليه وسلم‬
‫في ُ‬
‫ب نعله‪ ،‬وسواكه‪،‬‬
‫ل بن مسعود صاح ُ‬
‫س بن مالك‪ ،‬وكان على حوائجه‪ ،‬وعبُد ا ّ‬
‫فمنهم أن ُ‬
‫عقبة بن عامر الجهني صاحب بغلته‪ ،‬يقود به في السفار‪ ،‬وأسلع بن شريك‪ ،‬وكان صاحب‬
‫وُ‬
‫راحلته‪ ،‬وبلل بن رباح المؤذن‪ ،‬وسعد‪ ،‬موليا أبي بكر الصديق‪ ،‬وأبو ذر الغفاري‪ ،‬وأيمن بن‬
‫عبيد‪ ،‬وأمه أم أيمن موليا النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وكان أيمن على مطهرته وحاجته‪.‬‬
‫فصل‬
‫في كّتابه صلى ال عليه وسلم‬
‫ي بن‬
‫أبو بكر‪ ،‬وعمر‪ ،‬وعثمان‪ ،‬وعلي‪ ،‬والزبير‪ ،‬وعامر بن ُفهيرة‪ ،‬وعمرو بن العاص‪ ،‬وُأَب ّ‬
‫ي‪ ،‬والمغيرُة بن‬
‫سْيِد ّ‬
‫لَ‬‫ن قيس بن شماس‪ ،‬وحنظلُة بن الربيع ا ُ‬
‫تبُ‬
‫ل بن الرقم‪ ،‬وثاب ُ‬
‫كعب‪ ،‬وعبُد ا ّ‬
‫ل بن رواحة‪ ،‬وخالد بن الوليد‪ ،‬وخالد بن سعيد بن العاص‪ .‬وقيل‪ :‬إنه أول من كتب له‬
‫شعبة‪ ،‬وعبد ا ّ‬
‫صهم به‪.‬‬
‫ومعاوية بن أبي سفيان‪ ،‬وزيد بن ثابت وكان ألَزمهم لهذا الشأن وأخ ّ‬
‫‪50‬‬

‫فصل‬
‫لسلم في الشرائع‬
‫في كتبه صلى ال عليه وسلم التي كتبها إلى أهل ا ِ‬
‫فمنها كتاُبه في الصدقات الذي كان عند أبي بكر‪ ،‬وكتبه أبو بكر لنس بن مالك لما وجهه‬
‫إلى البحرين وعليه عمل الجمهور‪.‬‬
‫ومنها كتاُبه إلى أهل اليمن وهو الكتاب الذي رواه أبو بكر بن عمرو بن حزم عن أبيه عن‬
‫ل‪ ،‬ورواه أبو داود‬
‫جده‪ ،‬وكذلك رواه الحاكم في ))مستدركه((‪ ،‬والنسائي‪ ،‬و غيرهما مسندًا متص ً‬
‫ع كثيرة من الفقه‪ ،‬في الزكاة‪ ،‬والديات‪ ،‬والحكام‪ ،‬وذكر‬
‫ل‪ ،‬وهو كتاب عظيم‪ ،‬فيه أنوا ٌ‬
‫وغيره مرس ً‬
‫الكبائر‪ ،‬والطلق‪ ،‬والعتاق‪ ،‬وأحكام الصلة في الثوب الواحد‪ ،‬والحتباء فيه‪ ،‬ومس المصحف‪،‬‬
‫وغير ذلك‪.‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم َكَتَبه‪ ،‬واحتج الفقهاُء كُلهم بما فيه‬
‫لا ّ‬
‫لمام أحمد‪ :‬ل شك أن رسو َ‬
‫قال ا ِ‬
‫من مقادير الديات‪.‬‬
‫ومنها كتابه إلى بني زهير‪.‬‬
‫ومنها كتاُبه الذي كان عند عمر بن الخطاب في نصب الزكاة‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫فصل‬
‫في كتبه ورسله صلى ال عليه وسلم إلى الملوك‬
‫حَدْيِبَيِة‪ ،‬كتب إلى ملوك الرض‪ ،‬وأرسل إليهم رسله‪ ،‬فكتب إلى ملك الّروم‪،‬‬
‫لما رجع من ال ُ‬
‫فقيل له‪ :‬إنهم ل يقرؤون كتابًا إل إذا كان مختومًا‪ ،‬فاتخذ خاتمًا من فضة‪ ،‬ونقش عليه ثلثة أسطر‪:‬‬
‫محّمد سطر‪ ،‬ورسول سطر‪ ،‬وال سطر‪ ،‬وختم به الكتب إلى الملوك‪ ،‬وبعث ستة نفر في يوم واحد‬
‫في المحرم سنة سبع‪.‬‬
‫صحمة بن َأبجر‪،‬‬
‫ضْمري‪ ،‬بعثه إلى النجاشي‪ ،‬واسمه َأ ْ‬
‫فأولهم عمرو بن أمية ال ّ‬
‫ب النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ثم َأسلم‪ ،‬وشهد شهادة‬
‫ظم كتا َ‬
‫وتفسير ))أصحمة(( بالعربية‪ :‬عطية‪ ،‬فع ّ‬
‫ي صلى ال عليه وسلم يوم مات بالمدينة‬
‫لنجيل‪ ،‬وصلى عليه النب ّ‬
‫ن أعلم الناس با ِ‬
‫الحق‪ ،‬وكان ِم ْ‬
‫وهو بالحبشة‪ ،‬هكذا قال جماعة‪ ،‬منهم الواقدي وغيره‪ ،‬وليس كما قال هؤلء‪ ،‬فإن أصحمة النجاشي‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ليس هو الذي كتب إليه‪ ،‬هذا الثاني ل يعرف‬
‫الذي صلى عليه رسول ا ّ‬
‫إسلمه‪ ،‬بخلف الول‪ ،‬فإنه مات مسلمًا‪ .‬وقد روى مسلم في ))صحيحه (( من حديث قتادة عن‬
‫شي‪َ ،‬وإَلى ُك ّ‬
‫ل‬ ‫جا ِ‬
‫صر‪ ،‬وإلى الّن َ‬
‫سَرى‪ ،‬وإلى َقْي َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم إلى ِك ْ‬
‫لا ّ‬
‫ب رسو ُ‬
‫أنس قال‪ :‬كَت َ‬
‫‪51‬‬

‫صّلى عليه رسول ال صلى ال عليه وسلم‪،‬‬


‫ي اّلِذي َ‬
‫شّ‬
‫جا ِ‬
‫س ِبالّن َ‬
‫ل َتَعاَلى‪ ،‬وَلْي َ‬
‫عوُهم ِإَلى ا ِّ‬
‫جّباٍر َيْد ُ‬
‫َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم عمرو بن‬
‫لا ّ‬
‫ث إليه رسو ُ‬
‫وقال أبو محمد بن حزم‪ :‬إن هذا النجاشي الذي َبَع َ‬
‫ضْمِري‪ ،‬لم ُيسلم‪ ،‬والول هو اختيار ابن سعد وغيره‪ ،‬والظاهر قول ابن حزم‪.‬‬
‫أمية ال ّ‬
‫وبعث ِدحية بن خليفة الَكْلبي إلى قيصر مِلك الروم‪ ،‬واسمه ِهَرْقل‪ ،‬وَهّم‬
‫لسلم وكاد‪ ،‬ولم يفعل‪ ،‬وقيل‪ :‬بل أسلم‪ ،‬وليس بشيء‪.‬‬
‫با ِ‬
‫ل صلى‬
‫ن حبان في ))صحيحه(( عن أنس بن مالك قال‪ :‬قال رسول ا ّ‬
‫وقد روى أبو حاتم اب ُ‬
‫ن َلْم‬
‫ن اْلقَْوِم‪ :‬وإ ْ‬
‫ل ِم َ‬
‫جٌ‬‫ل َر ُ‬
‫جّنة؟(( َفَقا َ‬
‫صَر َوَلُه ال َ‬
‫حيَفِتي هِذِه ِإَلى َقْي َ‬
‫ق ِبص ِ‬
‫طِل ُ‬
‫ن َيْن َ‬
‫ال عليه وسلم‪َ)) :‬م ْ‬
‫عَلْيِه‬
‫شي َ‬
‫ل َيْم ِ‬
‫ط َ‬
‫سا ٌ‬
‫عَلْيِه ِب َ‬
‫ل َ‬
‫جِع َ‬
‫ت المَْقِدس َقْد ُ‬
‫صَر َوُهَو يأِتي َبْي َ‬
‫ق َقْي َ‬
‫ل(( َفَواَف َ‬
‫ن َلْم َيْقَب ْ‬
‫ل‪َ)) :‬وِإ ْ‬
‫ل؟ َقا َ‬
‫َيْقَب ْ‬
‫ن‬
‫صُر‪َ :‬م ْ‬
‫خَذُه‪َ ،‬فَناَدى َقْي َ‬
‫ب‪َ ،‬أ َ‬
‫حى‪َ ،‬فَلّما أْنَتَهى َقْيصَُر ِإَلى الِكَتا ِ‬
‫ط‪َ ،‬وَتَن ّ‬
‫سا ِ‬
‫عَلى الِب َ‬
‫ب َ‬
‫غْيُرُه‪َ ،‬فَرَمى ِباْلِكَتا ِ‬
‫َ‬
‫ت َفْأِتِني‪َ ،‬فَلّما َقِدَم‪َ ،‬أتاُه‪َ ،‬فَأَمَر‬
‫ل‪َ :‬فإَذا َقِدْم َ‬
‫ل‪َ :‬أَنا‪َ .‬قا َ‬
‫جاَء الّرجل؟ َفَقا َ‬
‫ن‪َ ،‬ف َ‬
‫ب؟ َفُهَو آِم ٌ‬
‫حبُ الِكَتا ِ‬
‫صا ِ‬
‫صَراِنّيَة‪،‬‬
‫ك الّن ْ‬
‫حّمدًا‪َ ،‬وَتَر َ‬
‫صَر َقِد اّتَبَع ُم َ‬
‫ن َقْي َ‬
‫لإّ‬
‫ت‪ ،‬ثّم َأَمَر ُمَناِديًا ُيَنادي‪َ :‬أ َ‬
‫صِرِه َفُغّلَق ْ‬
‫ب َق ْ‬
‫صُر ِبَأْبَوا ِ‬
‫َقْي َ‬
‫ل صلى ال عليه َوسلَم‪َ :‬قْد َتَرى َأن ّ‬
‫ي‬ ‫ل رسولِ ا ِّ‬
‫سو ِ‬
‫ل ِلَر ُ‬
‫طافوا به‪َ ،‬فَقا َ‬
‫حّتى َأ َ‬
‫حوا َ‬
‫سّل ُ‬
‫جْنُدُه َوَقْد َت َ‬
‫ل ُ‬
‫َفَأْقَب َ‬
‫ظَر َكْي َ‬
‫ف‬ ‫خَتَبَركُْم ليْن ُ‬
‫عْنُكْم‪ ،‬وإّنما ا ْ‬
‫ي َ‬
‫ضَ‬‫صَر َقْد َر ِ‬
‫ن َقْي َ‬
‫لإّ‬
‫عَلى َمْمَلَكِتي‪ُ ،‬ثّم َأَمر ُمَناِدَيه َفَنادى‪َ :‬أ َ‬
‫ف َ‬
‫خاِئ ٌ‬
‫َ‬
‫سِلٌم‪،‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ :‬إّني ُم ْ‬
‫ل ا ِّ‬
‫سو ِ‬
‫ب إلى َر ُ‬
‫صِرُفوا‪َ ،‬وَكَت َ‬
‫جُعوا َفان َ‬
‫عَلى ِدينُكْم‪َ ،‬فار ِ‬
‫صْبُرُكْم َ‬
‫َ‬
‫عَلى‬
‫سِلٍم َوُهَو َ‬
‫س ِبُم ْ‬
‫ل َلْي َ‬
‫عُدّو ا ِّ‬
‫ب َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪)) :‬كذ َ‬
‫ل ا ِّ‬
‫سو ُ‬
‫ل َر ُ‬
‫ث إليِه بَدناِنيَر‪ ،‬فًقا َ‬
‫َوَبَع َ‬
‫سَم الّدَناِنيَر‪.‬‬
‫صَراِنّيِة(( َوَق َ‬
‫الّن ْ‬
‫سهمي إلى كسرى‪ ،‬واسمه أبرويز بن ُهرمز ابن‬
‫حذافة ال ّ‬
‫ل بن ُ‬
‫وبعث عبد ا ّ‬
‫ب النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم‪)) :‬اللهّم َمّزق‬
‫أنوشروان‪ ،‬فمزق كتا َ‬
‫ل ملكه‪ ،‬وملك قومه‪.‬‬
‫ُمْلَكه(( فمزق ا ّ‬
‫وبعث حاطب بن أبي َبلتعة إلى الُمَقوِْقس‪ ،‬واسمه خريج بن ميناء ملك‬
‫لسكندرية عظيم القبط‪ ،‬فقال خيرًا‪ ،‬وقارب المر ولم ُيسلم‪ ،‬وأهدى للنبي صلى ال عليه وسلم‬
‫اِ‬
‫مارية‪ ،‬وأختيها سيرين وقيسرى‪ ،‬فتسرى مارية‪ ،‬ووهب سيرين لحسان بن ثابت‪ ،‬وأهدى له جارية‬
‫ف مثقال ذهبًا‪ ،‬وعشرين ثوبًا من قباطي مصر وبغلة شهباء وهي ُدْلدل‪ ،‬وحمارًا أشهب‪،‬‬
‫أخرى‪ ،‬وأل َ‬
‫وهو عفير‪ ،‬وغلمًا خصيًا يقال له‪ :‬مابور‪ .‬وقيل‪ :‬هو ابن عم مارية‪ ،‬وفرسًا وهو اللزاز‪ ،‬وقدحًا من‬
‫ل بَقاَء ِلُمْلِكِه((‪.‬‬
‫ث ِبمْلِكِه َو َ‬
‫خِبي ُ‬
‫ن اْل َ‬
‫ضّ‬‫ل‪ ،‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم‪َ )) :‬‬
‫زجاج‪ ،‬وعس ً‬
‫‪52‬‬

‫شِمر الغساني‬
‫وبعث شجاع بن وهب السدي إلى الحارث بن أبي َ‬
‫ن الْيَهِم‪ .‬وقيل‪ :‬توجه لهما معًا‪.‬‬
‫جَبلََة ب ِ‬
‫ملك البلقاء‪ ،‬قاله ابن إسحاق والواقدي‪ .‬قيل‪ :‬إنما توجه ِل َ‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬توجه لهرقل مع ِدحية بن خليفة‪ ،‬وا ّ‬
‫)يتبع‪(...‬‬
‫ط بن عمرو إلى َهوَذَة بن علي الحنفي باليمامة‪ ،‬فأكرمه‪ .‬وقيل‪ :‬بعثه إلى هوذة‬
‫سِلي َ‬
‫وبعث َ‬ ‫@‬
‫سِلْم َهوذة‪ ،‬وأسلم ثمامة بعد ذلك‪ ،‬فهؤلء الستة قيل‪ :‬هم الذين‬
‫ن أثال الحنفي‪ ،‬فلم ي ْ‬
‫وإلى ُثماَمة ب ِ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم في يوم واحد‪.‬‬
‫لا ّ‬
‫بعثهم رسو ُ‬
‫جَلْنَدى‬
‫ل ابني ال ُ‬
‫وبعث عمرو بن العاص في ذي القعدة سنة ثمان إلى جعفر وعبد ا ّ‬
‫الزديين بُعمان‪ ،‬فأسلما‪ ،‬وصدقا‪ ،‬وخّليا بين عمرو وبين الصدقة والحكم فيما بينهم‪ ،‬فلم يزل فيما‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫بينهم حتى بلغته وفاُة رسول ا ّ‬
‫ساَوى العبدي ملك البحرين قبل‬
‫ضرمي إلى المنذر بن َ‬
‫ح ْ‬
‫وبعث العلء بن ال َ‬
‫جْعَراَنِة(( وقيل‪ :‬قبل الفتح فأسلم وصدق‪.‬‬
‫منصرفه من ))ال ِ‬
‫وبعث المهاجر بن أبي أمية المخزومي إلى الحارث بن عبد كلل‬
‫حميري باليمن‪ ،‬فقال‪ :‬سأنظر في أمري‪.‬‬
‫ال ِ‬
‫وبعث أبا موسى الشعري‪ ،‬ومعاَذ بن جبل إلى اليمن عند‬
‫لسلم‪ ،‬فأسلم عامة أهلها‬
‫انصرافه من تبوك‪ .‬وقيل‪ :‬بل سنة عشر من ربيع الول داعيين إلى ا ِ‬
‫طوعًا من غير قتال‪.‬‬
‫ثم بعث بعد ذلك علي بن أبي طالب إليهم‪ ،‬ووافاه بمكة في حجة الوداع‪.‬‬
‫حميري‪ ،‬وذي عمرو‪ ،‬يدعوهما إلى‬
‫جلي إلى ذي الَكلع ال ِ‬
‫ل الَب َ‬
‫وبعث جرير بن عبد ا ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وجرير عندهم‪.‬‬
‫ل ا ِّ‬
‫لسلم‪ ،‬فأسلما‪ ،‬وتوفي رسو ُ‬
‫اِ‬
‫ضْمري إلى مسيلَمة الكذاب بكتاب‪ ،‬وكتب إليه بكتاب آخر مع‬
‫وبعث عمرو بن أمية ال ّ‬
‫السائب بن العوام أخي الزبير فلم ُيسلم‪.‬‬
‫لسلم‪ .‬وقيل‪ :‬لم يبعث إليه‪ ،‬وكان فروة‬
‫جَذامي يدعوه إلى ا ِ‬
‫وبعث إلى فروة بن عمرو ال ُ‬
‫عاملً لقيصر بمعان‪ ،‬فأسلم‪ ،‬وكتب إلى النبي صلى ال عليه وسلم بإسلمه‪ ،‬وبعث إليه هدية مع‬
‫ظرب‪ ،‬وحمار يقال له‪:‬‬
‫مسعود بن سعد‪ ،‬وهي بغلة شهباء يقال لها‪ :‬فضة‪ ،‬وفرس يقال لها‪ :‬ال ّ‬
‫‪53‬‬

‫ل أعلم ‪ -‬أن عفيرًا ويعفور واحد‪ ،‬عفير تصغير يعفور‬


‫يعفور‪ ،‬كذا قاله جماعة‪ ،‬والظاهر ‪ -‬وا ّ‬
‫تصغير الترخيم‪.‬‬
‫ص بالذهب‪ ،‬فقبل هديته‪ ،‬ووهب لمسعود بن سعد اثنتي‬
‫خّو ٍ‬
‫ن سندس ُم َ‬
‫وبعث أثوابًا وَقَباًء ِم ْ‬
‫عشرة أوقية ونشًا‪ .‬وبعث عياش بن أبي ربيعة المخزومي بكتاب إلى الحارث‪ ،‬ومسروح‪ ،‬ونعيم‬
‫بني عبد ُكلل من حمير‪.‬‬
‫فصل‬
‫في مؤذنيه صلى ال عليه وسلم‬
‫ل صلى ال عليه‬
‫ل بن رباح‪ ،‬وهو أول من أذن لرسول ا ّ‬
‫وكانوا أربعة‪ :‬اثنان بالمدينة‪ :‬بل ُ‬
‫وسلم‪ ،‬وعمُرو بن أم مكتوم القرشي العامري العمى‪ ،‬وبقباء سعد القرظ مولى عمار بن ياسر‪،‬‬
‫جع الذان‪ ،‬ويثّني‬
‫وبمّكة أبو محذورة واسمه أوس بن مغيرة الجمحي‪ ،‬وكان أبو محذورة منهم ير ّ‬
‫ل مّكة بأذان أبي محذورة‪،‬‬
‫ل وأه ُ‬
‫لقامة‪ ،‬فأخذ الشافعي رحمه ا ّ‬
‫جع‪ ،‬ويفرد ا ِ‬
‫لقامة‪ ،‬وبلل لير ّ‬
‫اِ‬
‫لمام‬
‫ل العراق بأذان بلل‪ ،‬وإقامة أبي محذورة‪ ،‬وأخذ ا ِ‬
‫ل وأه ُ‬
‫وإقامِة بلل‪ ،‬وأخذ أبو حنيفة رحمه ا ّ‬
‫ل في‬
‫ل المدينة بأذان بلل وإقامته‪ ،‬وخالف مالك رحمه ا ّ‬
‫ل الحديث وأه ُ‬
‫ل وأه ُ‬
‫أحمد رحمه ا ّ‬
‫لقامة‪ ،‬فإنه ل يكررها‪.‬‬
‫الموضعين‪ :‬إعادة التكبير‪ ،‬وتثنية لفظ ا ِ‬
‫فصل‬
‫في أمرائه صلى ال عليه وسلم‬
‫ل صلى ال عليه وسلم على أهل‬
‫منهم باذان بن ساسان‪ ،‬من ولد بهرام جور‪ ،‬أّمره رسول ا ّ‬
‫ن أسلم من ملوك العجم‪.‬‬
‫ل َم ْ‬
‫لسلم على اليمن‪ ،‬وأو ُ‬
‫ل أمير في ا ِ‬
‫اليمن كّلها بعد موت كسرى‪ ،‬فهو أو ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم بعد موت باذان ابنه شهر بن باذان على صنعاء وأعمالها‪ .‬ثّم‬
‫لا ّ‬
‫ثم أّمر رسو ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم على صنعاء خالد بن سعيد بن ا لعاص‪.‬‬
‫ل شهر‪ ،‬فأّمر رسول ا ّ‬
‫ُقِت َ‬
‫صِدف‪،‬‬
‫جَر بن أبي أمية المخزومي ِكنَدة وال ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم المها ِ‬
‫ل ا ِّ‬
‫ووّلى رسو ُ‬
‫سْر إليها‪ ،‬فبعثه أبو بكر إلى قتال أناس من المرتدين‪.‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ولم َي ِ‬
‫لا ّ‬
‫فتوفي رسو ُ‬
‫ووّلى زياَد بن أمية النصاري حضرموت‪ .‬ووّلى أبا موسى الشعري زبيَد وعدن‬
‫جَران‪ .‬ووّلى ابنه يزيد‬
‫جَند‪ .‬ووّلى أبا سفيان صخر بن حرب َن ْ‬
‫والساحل‪ .‬ووّلى معاذ بن جبل ال َ‬
‫سيد مّكة‪ ،‬وإقامة الموسم بالحج بالمسلمين سنة ثمان وله دون العشرين سنة‪.‬‬
‫ن َأ ِ‬
‫ببَ‬
‫عّتا َ‬
‫تيماء‪ .‬ووّلى َ‬
‫عَمان وأعمالها‪.‬‬
‫ووّلى علي بن أبي طالب الخماس باليمن والقضاء بها‪ .‬ووّلى عمرو بن العاص ُ‬
‫‪54‬‬

‫ل يقبض صدقاتها‪ ،‬فمن هنا كثر عما ُ‬


‫ل‬ ‫ت جماعة كثيرة‪ ،‬لنه كان لكل قبيلة وا ٍ‬
‫ووّلى الصدقا ِ‬
‫الصدقات‪.‬‬
‫ووّلى أبا بكر إقامَة الحج سنة تسع‪ ،‬وبعث في َأَثِرِه عليًا يقرأ على الناس سورة )براءة(‬
‫حّ‬
‫ل‬ ‫فقيل‪ :‬لن أولها نزل بعد خروج أبي بكر إلى الحج‪ .‬وقيل‪ :‬بل لن عادة العرب كانت أنه ل َي ِ‬
‫ن أهل بيته‪ .‬وقيل‪ :‬أردفه به عونًا له ومساعدًا‪ .‬ولهذا قال له‬
‫ل ِم ْ‬
‫ع‪ ،‬أو رج ٌ‬
‫العقوَد ويعقدها إل المطا ُ‬
‫الصديق‪ :‬أمير أو مأمور؟ قال‪ :‬بل مأمور‪.‬‬
‫ل الرافضة‪ ،‬فيقولون‪ :‬عزله بعلي‪ ،‬وليس هذا ببدع من بهتهم وافترائهم‪،‬‬
‫وأّما أعداء ا ّ‬
‫واختلف الناس‪ ،‬هل كانت هذه الحجُة قد وقعت في شهر ذي الحجة‪ ،‬أو كانت في ذي الَقعدة من‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫أجل النسيء؟ على قولين‪ ،‬وا ّ‬
‫فصل‬
‫في حرسه صلى ال عليه وسلم‬
‫فمنهم سعُد بن معاذ‪ ،‬حرسه يوَم بدر حين نام في العريش‪ ،‬ومحمد بن مسلمة حرسه يوم‬
‫ُأحد‪ ،‬والزبير بن العوام حرسه يوم الخندق‪ .‬ومنهم عّباد بن بشر‪ ،‬وهو الذي كان على حرسه‪،‬‬
‫ن الّناس{ ]المائدة‪:‬‬
‫ك ِم َ‬
‫صُم َ‬
‫ل َيْع ِ‬
‫وحرسه جماعة آخرون غير هؤلء‪ ،‬فلما نزل قوله تعالى‪َ} :‬وا ّ‬
‫‪ [67‬خرج على الناس فأخبرهم بها‪ ،‬وصرف الحرس‪.‬‬
‫فصل‬
‫فيمن كان يضرب العناق بين يديه صلى ال عليه وسلم‬
‫علي بن أبي طالب‪ ،‬والزبير بن العوام‪ ،‬والمقداد بن عمرو‪ ،‬ومحمد بن مسلمة‪ ،‬وعاصم بن‬
‫ثابت بن أبي القلح‪ ،‬والضحاك بن سفيان الِكلبي‪ ،‬وكان قيس بن سعد بن عبادة النصاري منه‬
‫طِة من المير ووقف المغيرُة بن شعبة على رأسه‬
‫شَر َ‬
‫صلى ال عليه وسلم بمنزلة صاحب ال ّ‬
‫حديبَيِة‪.‬‬
‫بالسيف يوم ال ُ‬
‫فصل‬
‫فيمن كان على نفقاته وخاتمه ونعله وسواكه ومن كان يأذن عليه‬
‫ن مسعود على‬
‫كان بلل على نفقاته‪ ،‬ومعيقيب بن أبي فاطمة الّدوسي على خاتمه‪ ،‬واب ُ‬
‫سواكه ونعله‪ ،‬وأذن عليه رباح السود وأنسة مولياه‪ ،‬وأنس بن مالك‪ ،‬وأبو موسى الشعري‪.‬‬
‫فصل‬
‫‪55‬‬

‫في شعرائه وخطبائه‬


‫سان بن‬
‫ل بن رواحة‪ ،‬وح ّ‬
‫ب بن مالك‪ ،‬وعبُد ا ّ‬
‫لسلم‪ :‬كع ُ‬
‫كان من شعرائه الذين َيذّبون عن ا ِ‬
‫ب بن مالك ُيعّيرهم بالكفر والشرك‪ ،‬وكان‬
‫ن بن ثابت وكع ُ‬
‫ثابت‪ ،‬وكان أشّدهم على الكفار حسا ُ‬
‫خطيَبه ثابت بن قيس بن شّماس‪.‬‬
‫فصل‬
‫حداته الذين كانوا يحدون بين يديه صلى ال عليه وسلم في السفر‬
‫في ُ‬
‫ل بن رواحة‪ ،‬وأنجشة‪ ،‬وعامر بن الكوع وعمه سلمة بن الكوع‪ .‬وفي‬
‫منهم عبُد ا ّ‬
‫ل ال‬
‫سو ُ‬
‫ل َلُه َر ُ‬
‫ت‪َ ،‬فَقا َ‬
‫صْو ِ‬
‫ن ال ّ‬
‫سُ‬‫حَ‬
‫حاٍد َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم َ‬
‫))صحيح مسلم((‪ :‬كان لرسول ا ّ‬
‫سِر الَقَواِريَر((‪ .‬يعني ضعفة النساء‪.‬‬
‫ل تْك ِ‬
‫شُة‪َ ،‬‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ُ)) :‬رَوْيدًا َيا أْنج َ‬
‫فصل‬
‫في غزواته وبعوثه وسراياه صلى ال عليه وسلم‬
‫غزواُته كلها وبعوثه وسراياه كانت بعد الهجرة في مدة عشر سنين‪ ،‬فالغزواتُ سبع‬
‫وعشرون‪ ،‬وقيل‪ :‬خمس وعشرون‪ ،‬وقيل‪ :‬تسع وعشرون وقيل غير ذلك‪ ،‬قاتل منها في تسع‪ :‬بدر‪،‬‬
‫وُأحد‪ ،‬والخندق‪ ،‬وقريظة‪ ،‬والمصطلق‪ ،‬وخيبر‪ ،‬والفتح‪ ،‬وحنين‪ ،‬والطائف‪ .‬وقيل‪ :‬قاتل في بني‬
‫النضير والغابة ووادي الُقرى من أعمال خيبر‪.‬‬
‫وأّما سراياه وبعوثه‪ ،‬فقريب من ستين‪ ،‬والغزوات الكبار المهات سبع‪ :‬بدر‪ ،‬وُأحد‪،‬‬
‫والخندق‪ ،‬وخيبر‪ ،‬والفتح‪ ،‬وحنين‪ ،‬وتبوك‪ .‬وفي شأن هذه الغزوات نزل القران‪ ،‬فسورة )النفال (‬
‫ك ُتَبّوىء اْلُمْؤِمِني َ‬
‫ن‬ ‫ن َأْهِل َ‬
‫ت ِم ْ‬
‫غَدْو َ‬
‫حد آخر سورة )آل عمران ( من قوله‪َ} :‬وِإْذ َ‬
‫سورة بدر‪ ،‬وفي ُأ ُ‬
‫ل{ ]آل عمران‪ [121 :‬إلى قبيل آخرها بيسير‪ ،‬وفي قصة الخندق‪ ،‬وقريظة‪ ،‬وخيبر‬
‫عَد ِلْلِقَتا ِ‬
‫َمَقا ِ‬
‫صدر )سورة الحزاب(‪ ،‬وسورة )الحشر( في بني النضير‪ ،‬وفي قصة الحديبية وخيبر سورة‬
‫)الفتح ( وأشير فيها إلى الفتح‪ ،‬وذكر الفتح صريحًا في سورة )النصر(‪.‬‬
‫وجرح منها صلى ال عليه وسلم في غزوة واحدة وهي أحد‪ ،‬وقاتلت معه الملئكة منها في‬
‫ت المشركين وهزمتهم‪ ،‬ورمى فيها الحصباَء في‬
‫بدر وحنين‪ ،‬ونزلت الملئكة يوم الخندق‪ ،‬فزلزل ِ‬
‫ح في غزوتين‪ :‬بدر‪ ،‬وحنين‪ .‬وقاتل بالمنجنيق منها في غزوة‬
‫وجوه المشركين فهربوا‪ ،‬وكان الفت ُ‬
‫صن في الخندق في واحدة‪ ،‬وهي الحزاب أشار به عليه سلمان‬
‫واحدة‪ ،‬وهي الطائف‪ ،‬وتح ّ‬
‫ل عنه‪.‬‬
‫الفارسي رضي ا ّ‬
‫‪56‬‬

‫فصل‬
‫في ذكر سلحه وأثاثه صلى ال عليه وسلم‬
‫كان له تسعة أسياف‪:‬‬
‫مأثور‪ ،‬وهو أول سيف ملكه‪ ،‬ورثه من أبيه‪.‬‬
‫ضب‪ ،‬وذو الِفقار‪ ،‬بكسر الفاء‪ ،‬وبفتح الفاء‪ ،‬وكان ل يكاُد ُيفارقه‪ ،‬وكانت قائمته وقبيعُته‬
‫والع ْ‬
‫خَذم‪،‬‬
‫ن فضة‪ .‬والقلعي‪ ،‬والبتار‪ ،‬والحتف‪ ،‬والّرسوب‪ ،‬والمِ ْ‬
‫وحلقُته وذؤابته وبكراُته ونعُله ِم ْ‬
‫ل سيفه فضًة‪ ،‬وما بين ذلك حلق فضة‪.‬‬
‫والقضيب‪ ،‬وكان نع ُ‬
‫وكان سيفه ذو الِفقار تنّفله يوم بدر‪ ،‬وهو الذي ُأري فيها الرؤيا‪ ،‬ودخل‪ .‬يوم الفتح مكة‬
‫وعلى سيفه ذهب وفضة‪.‬‬
‫وكان له سبعة أدرع‪:‬‬
‫ذات الفضول‪ :‬وهي التي رهنها عند أبي الشحم اليهودي على شعير لعياله‪ ،‬وكان ثلثين‬
‫ع ِمن حديد‪.‬‬
‫صاعًا‪ ،‬وكان الّدْين إلى سنة‪ ،‬وكانت الّدر ُ‬
‫خْرنق‬
‫وذات الِوشاح‪ ،‬وذات الحواشي‪ ،‬والسعدية‪ ،‬وفضة‪ ،‬والبتراء وال ِ‬
‫ت يوم‬
‫سَر ْ‬
‫ي‪ :‬ا لزوراء‪ ،‬والّروحاء‪ ،‬والصفراء‪ ،‬والبيضاء‪ ،‬والَكتوم‪ ،‬كُ ِ‬
‫ت ِقس ّ‬
‫وكانت له س ّ‬
‫سداد‪.‬‬
‫أحد‪ ،‬فأخذها قتادة بن النعمان‪ ،‬وال ّ‬
‫لبزيم‬
‫طَقة من أديم منشور فيها ثلث حلق من فضة‪ ،‬وا ِ‬
‫جْعَبة تدعى‪ :‬الكافور‪َ ،‬وِمْن َ‬
‫وكانت له َ‬
‫لسلم ابن تيمية‪ :‬لم يبلغنا أن النبي‬
‫من فضة‪ ،‬والطرف من فضة‪ ،‬وكذا قال بعضهم‪ ،‬وقال شيخ ا ِ‬
‫صلى ال عليه وسلم شّد على وسطه منطقة‪.‬‬
‫وكان له ترس يقال له‪ :‬الّزنوق‪ ،‬وترس يقال له‪ :‬الفَتق‪ .‬قيل وترس أهدى إليه‪ ،‬فيه صورُة‬
‫ل ذلك التمثال‪.‬‬
‫تمثال‪ ،‬فوضع يده عليه‪ ،‬فأذهب ا ّ‬
‫وكانت له خمسة أرماح‪ ،‬يقال لحدهم‪ :‬الُمْثِوي‪ ،‬والخر‪ :‬الُمْثِني‪ ،‬وحربة يقال لها‪ :‬النبعة‪،‬‬
‫وأخرى كبيرة تدعى‪ :‬البيضاء‪ ،‬وأخرى صغيرة شبه العكاز يقال لها‪ :‬الَعَنَزة يمشي بها بين يديه في‬
‫العياد‪ ،‬تركز أماَمه‪ ،‬فيتخذها سترة ُيصلي إليها‪ ،‬وكان يمشى بها أحيانًا‪.‬‬
‫شَبٍه َوِمغَفر آخر يقال له‪ :‬السبوغ‪ ،‬أو‪ :‬ذو‬
‫شح‪ ،‬وشح ِب َ‬
‫وكان له ِمْغَفر من حديد يقال له‪ :‬المو ّ‬
‫السبوغ‪.‬‬
‫‪57‬‬

‫س أخضر‪ ،‬والمعروف أن عروة‬


‫جباب يلبسها في الحرب‪ .‬قيل فيها‪ :‬جبة سند ٍ‬
‫وكان له ثلث ِ‬
‫لمام أحمد في إحدى‬
‫بن الزبير كان له يلمق من ديباج‪ ،‬بطانته سندس أخضر يلبسه في الحرب‪ ،‬وا ِ‬
‫جّوُز لبس الحرير في الحرب‪.‬‬
‫روايتيه ُي َ‬
‫وكانت له راية سوداء يقال لها‪ :‬الُعقاب‪ .‬وفي ))سنن أبي داود(( عن رجل من الصحابة‬
‫ل صلى ال عليه وسلم صفراء‪ ،‬وكانت له ألوية بيضاء‪ ،‬وربما جعل فجها‬
‫ت راية رسول ا ّ‬
‫قال‪ :‬رأي ُ‬
‫السود‪.‬‬
‫جن قدر ذراع أو أطول يمشي به ويركب به‪ ،‬وُيعلقه بين‬
‫وكان له ُفسطاط يسمى‪ :‬الكن‪ ،‬وِمح َ‬
‫صرة تسمى‪ :‬العرجون‪ ،‬وقضيب من الشوحط يسمى‪ :‬الممشوق‪ .‬قيل‪ :‬وهو‬
‫خ َ‬
‫يديه على بعيره‪َ ،‬وِم ْ‬
‫الذي كان يتداوله الخلفاء‪.‬‬
‫وكان له قدح يسمى‪ :‬الّريان‪ ،‬ويسمى مغنيًا‪ ،‬وقدح آخر مضبب بسلسلة من فضة‪.‬‬
‫عيدان يوضع تحت سريره يبول فيه بالليل‪ ،‬وَركوة‬
‫وكان له قدح من قوارير‪ ،‬وقدح ِمن ِ‬
‫خضب من شَبٍه‪ ،‬وقعب يسمى‪ :‬السعة‪،‬‬
‫تسمى‪ :‬الصادر‪ ،‬قيل‪ :‬وَتْور من حجارة يتوضأ منه‪ ،‬وِم ْ‬
‫صْفر‪ ،‬وُمدُهن‪ ،‬وَرْبعة يجعل فيه المرَاة والمشط‪ .‬قيل‪ :‬وكان الُمشط من عاج‪ ،‬وهو‬
‫ومغتسل من ُ‬
‫لثمد‪ ،‬وكان في الربعة المقراضان‬
‫حل منها عند النوم ثلثًا في كل عين با ِ‬
‫ل‪ ،‬ومكحلة يكت ِ‬
‫الّذْب ُ‬
‫والسواك‪.‬‬
‫وكانت له قصعة ُتسمى‪ :‬الغراء‪ ،‬لها أربع حلق‪ ،‬يحملها أربعة رجال بينهم‪ ،‬وصاع‪ ،‬ومد‪،‬‬
‫وقطيفة‪ ،‬وسرير قوائمه من ساج‪ ،‬أهداه له أسعد بن زرارة‪ ،‬وفراش من أَدٍم حشوه ليف‪.‬‬
‫وهذه الجملة قد رويت متفرقة في أحاديث‪.‬‬
‫وقد روى الطبراني في ))معجمه(( حديثًا جامعًا في النية من حديث ابن عباس قال‪ :‬كان‬
‫ف قائمته من فضة‪ ،‬وقبيعُته من فضة‪ ،‬وكان يسمى‪ :‬ذا الِفقار‪،‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم سي ٌ‬
‫لرسول ا ّ‬
‫وكانت له قوس تسمى‪ :‬السداد‪ ،‬وكانت له ِكنانة تسمى‪ :‬الجمع‪ ،‬وكانت له درع موشحة بالنحاس‬
‫تسمى‪ :‬ذات الُفضول‪ ،‬وكانت له حربه تسمى‪ :‬النبعاء‪ ،‬وكان له ِمحجن يسمى‪ :‬الدقن‪ ،‬وكان له ترس‬
‫سْكب‪ ،‬وكان له سرج يسمى‪ :‬الداج‪ ،‬وكانت له‬
‫أبيض يسمى‪ :‬الموجز‪ ،‬وكان له فرس أدهم يسمى‪ :‬ال ّ‬
‫بغلة شهباء تسمى‪ُ :‬دلُدل‪ ،‬وكانت له ناقة تسمى‪ :‬القصواء‪ ،‬وكان حمار يسمى‪ :‬يعفور‪ ،‬وكان له‬
‫بساط يسمى‪ .‬الكن‪ ،‬وكانت له عنزة تسمى‪ :‬القمرة‪ ،‬وكانت له َركوة تسمى‪ :‬الصادرة‪ ،‬وكان له‬
‫مقراض اسمه‪ :‬الجامع‪ ،‬ومرآة وقضيب شوحط يسمى‪ :‬الموت‪.‬‬
‫‪58‬‬

‫فصل‬
‫في دوابه صلى ال عليه وسلم‬
‫سْكب‪ .‬قيل‪ :‬وهو أول فرس ملكه‪ ،‬وكان اسمه عند العرابي الذي اشتراه منه‬
‫فمن الخيل‪ :‬ال ّ‬
‫ق اليمين ُكميتًا‪ .‬وقيل‪ :‬كان أدهم‪.‬‬
‫ل‪ ،‬طَل َ‬
‫جً‬‫ق‪ :‬الضرس‪ ،‬وكان أغّر مح ّ‬
‫بعشر أوا ٍ‬
‫والُمْرَتجز‪ ،‬وكان أشهب‪ ،‬وهو الذي شهد فيه خزيمة بن ثابت‪.‬‬
‫لمام أبو عبد‬
‫حة‪َ ،‬والَوْرُد‪ .‬فهذه سبعة متفق عليها جمعها ا ِ‬
‫سْب َ‬
‫ظِرب‪َ ،‬و َ‬
‫ف‪َ ،‬والّلَزاُز‪َ ،‬وال ّ‬
‫حْي ُ‬
‫َوالّل َ‬
‫ل محمد بن إسحاق بن جماعة الشافعي في بيت فقال‪:‬‬
‫ا ّ‬
‫سـَراُر‬
‫جٌز َوْرٌد لَها أ ْ‬
‫ِلـَزاُز ُمْرَت َ‬ ‫ظِر ٌ‬
‫ب‬ ‫حة َ‬
‫سْب َ‬
‫ف َ‬
‫حْي ٌ‬
‫ب ُل َ‬
‫سْك ٌ‬
‫ل َ‬
‫خْي ُ‬
‫وال َ‬
‫ل بطاعته‪.‬‬
‫لمام عز الدين عبد العزيز أبو عمرو‪ ،‬أعزه ا ّ‬
‫أخبرني بذلك عنه ولده ا ِ‬
‫وقيل‪ :‬كانت له أفراس أخر خمسة عشر‪ ،‬ولكن مختلف فيها‪ ،‬وكان دفتا سرجه من ليف‪.‬‬
‫وكان له من البغال ُدْلُدل‪ ،‬وكانت شهباء‪ ،‬أهداها له المقوِقس‪ .‬وبغلة أخرى‪ .‬يقال لها‪:‬‬
‫ب أيلة‪ ،‬وأخرى أهداها له صاحب‬
‫))فضة((‪ .‬أهداها له فروة الجذامي‪ ،‬وبغلة شهباء أهداها له صاح ُ‬
‫دومة الجندل‪ ،‬وقد قيل‪ :‬إن الَنجاشى أهدى له بغلة فكان يركبها‪.‬‬
‫ومن الحمير غفير‪ ،‬وكان أشهب‪ ،‬أهداه له المقوِقس ملك القبط‪ ،‬وحمار آخر أهداه له فروة‬
‫الجذامي‪ .‬وذكر أن سعد بن عبادة أعطى النبي صلى ال عليه وسلم حمارًا فركبه‪.‬‬
‫لبل القصواء‪ ،‬قيل‪ :‬وهي التي هاجر عليها‪ ،‬والعضباء‪ ،‬والجدعاء‪ ،‬ولم يكن بهما‬
‫ومن ا ِ‬
‫سّميتا بذلك‪ ،‬وقيل‪ :‬كان بأذنها عضب‪ ،‬فسميت به‪ ،‬وهل العضباء والجدعاء‬
‫عضب ول جدع‪ ،‬وإنما ُ‬
‫واحدة‪ ،‬أو اثنتان؟ فيه خلف‪ ،‬والعضباء هى التي كانت ل ُتسبق‪ ،‬ثم جاء أعرابي على َقعود‬
‫ل َأل َيْرَفعَ‬
‫عَلى ا ِّ‬
‫حّقا َ‬
‫ن َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪)) :‬إ ّ‬
‫فسبقها‪ ،‬فشق ذلك على المسلمين‪ ،‬فقال رسول ا ّ‬
‫ل َمْهِرّيا لبي جهل في أنفه ُبَرّة‬
‫ل َوضَعُه(( وغِنم صلى ال عليه وسلم يوم بدر جم ً‬
‫شْيئًا إ ّ‬
‫ن الّدْنَيا َ‬
‫ِم َ‬
‫ن فضة‪ ،‬فأهداه يوم الحديبية ليغيظ به المشركين‬
‫ِم ْ‬
‫)يتبع‪(...‬‬
‫حة‪ ،‬وكانت له َمْهِرّيٌة أرسل بها إليه سعد بن عبادة من َنَعم‬
‫س وأربعون ِلق َ‬
‫وكانت له خم ٌ‬ ‫@‬
‫بني عقيل‪.‬‬
‫وكانت له مائة شاة وكان ل ُيريد أن تزيد‪ ،‬كلما وّلد له الراعي بهمة‪ ،‬ذبح مكانها شاة‪،‬‬
‫ح ترعاهن أّم أيمن‪.‬‬
‫وكانت له سبُع أعنز مَنائ َ‬
‫‪59‬‬

‫فصل‬
‫في ملبسه صلى ال عليه وسلم‬
‫سوة‪ .‬وكان‬
‫س تحتها الَقَلن ُ‬
‫سها ويْلَب ُ‬
‫كانت له عمامة ُتسمى‪ :‬السحاب‪ ،‬كساها عليًا‪ ،‬وكان يلَب ُ‬
‫عمامته بين كتفيه‪،‬‬
‫سوة‪ .‬وكان إذا اعتم‪ ،‬أرخى ِ‬
‫س الِعمامة بغير قلن ُ‬
‫سوة بغير عمامة‪ ،‬ويلَب ُ‬
‫يلَبس القلن ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‬
‫ل ا ِّ‬
‫ت رسو َ‬
‫كما رواه مسلم في ))صحيحه(( عن عمرو بن حريث قال‪)) :‬رأي ُ‬
‫ن َكِتَفْيِه((‪.‬‬
‫طرَفيَها بي َ‬
‫خى َ‬
‫سْوَداُء َقْد أر َ‬
‫عَماَمة َ‬
‫عَليِه ِ‬
‫على المنبِر َو َ‬
‫ل َمّكة‬
‫خَ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ))َد َ‬
‫ل‪ ،‬أن رسول ا ّ‬
‫وفي مسلم أيضًا‪ ،‬عن جابر بن عبد ا ّ‬
‫سوَداء((‪ .‬ولم يذكر في حديث جابر‪ :‬ذؤابة‪ ،‬فدل على أن الذؤابة لم يكن يرخيها دائماً‬
‫عَلْيِه عَماَمٌة َ‬
‫َو َ‬
‫ن ما‬
‫طٍ‬‫س في كل َمو ِ‬
‫بين كتفيه‪ .‬وقد يقال‪ :‬إنه دخل مكة وعليه أهبُة القتال والِمغفَُر على رأسه‪ ،‬فلب َ‬
‫ُيناسبه‪.‬‬
‫ل روحه في الجّنة‪ ،‬يذكر في سبب الّذؤابة شيئًا‬
‫وكان شيخنا أبو العباس ابن تيمية قّدس ا ّ‬
‫بديعًا‪ ،‬وهو أن النبي صلى ال عليه وسلم إنما اتخذها صبيحة المنام الذي رآه في المدينة‪ ،‬لما رأى‬
‫ل َأْدِري‪َ ،‬فوضع َيَدُه َبْين‬
‫ت‪َ :‬‬
‫لعَلى؟ ُقْل ُ‬
‫لا َ‬
‫صُم الَم ُ‬
‫خَت ِ‬
‫حّمُد ِفيَم َي ْ‬
‫ب العّزة تبارك وتعالى‪ ،‬فقال‪َ)) :‬يا ُم َ‬
‫ر ّ‬
‫سَماِء َوالْرض الحديث((‪ ،‬وهو في الترمذي‪ ،‬وسئل عنه البخاري‪ ،‬فقال‬
‫ن ال ّ‬
‫ي َفَعِلْمت َما َبْي َ‬
‫َكِتَف ّ‬
‫صحيح‪ .‬قال‪ :‬فمن تلك الحال أرخى الذؤابة بين كتفيه‪ ،‬وهذا ِمن العلم الذي تنكره ألسنُة الجهال‬
‫ب الثياب إليه‪ ،‬وكان‬
‫وقلوُبهم‪ ،‬ولم أَر هذه الفائدة في إثبات الذؤابة لغيره‪ .‬ولبس القميص وكان أح ّ‬
‫جّبَة والَفروج وهو شبه الَقباء‪ ،‬والفرجية‪ ،‬ولبس الَقباء أيضًا‪ ،‬ولبس في‬
‫سغ‪ ،‬ولبس ال ُ‬
‫ُكّمه إلى الّر ُ‬
‫لزار والرداء‪ .‬قال الواقدي‪ :‬كان رداؤه وبرده طولَ ستة أذرع‬
‫ضّيَقَة الُكّمين‪ ،‬ولبس ا ِ‬
‫جبة َ‬
‫السفر ُ‬
‫عمان طول أربعة أذرع وشبر في عرض ذراعين وشبر‪.‬‬
‫في ثلثة وشبر‪ ،‬وإزاره من نسج ُ‬
‫حلة إل اسمًا للثوبين معًا‪،‬‬
‫حلة حمراء‪ ،‬والحلة‪ :‬إزار ورداء‪ ،‬ول تكون ال ُ‬
‫ولبس ُ‬
‫وغلط من ظن أنها كانت حمراء بحتًا ل ُيخالطها غيره‪ ،‬وإنما الحلُة الحمراء‪ :‬بردان يمانيان‬
‫منسوجان بخطوط حمر مع السود‪ ،‬كسائر البرود اليمنية‪ ،‬وهي معروفة بهذا السم باعتبار ما فيها‬
‫ت منهي عنه أشد النهي‪ ،‬ففي ))صحيح البخاري(( أن النبي‬
‫من الخطوط الحمر‪ ،‬وإل فالحمر البح ُ‬
‫ل بن عمرو أن النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم نهى عن المياثر الحمر وفي ))سنن أبي داود(( عن عبد ا ّ‬
‫ك؟((‬
‫علْي َ‬
‫طُة اّلتي َ‬
‫ل‪َ)) :‬ما هِذِه الّرْي َ‬
‫صُفِر‪َ ،‬فَقا َ‬
‫جة بالُع ْ‬
‫ضّر َ‬
‫طًة ُم َ‬
‫صلى ال عليه وسلم رأى عليه َرْي َ‬
‫عْبَد‬
‫ل‪َ)) :‬يا َ‬
‫ن الَغِد‪َ ،‬فَقا َ‬
‫ن َتّنورًا َلهم‪ ،‬فقذفتها فيه‪ُ ،‬ثّم َأَتْيُتُه ِم َ‬
‫جُرو َ‬
‫سُ‬‫ت أْهلي َوُهْم َي ْ‬
‫فَعَرفت َما َكِره َفَأَتْي ُ‬
‫‪60‬‬

‫ساِء((‪ .‬وفي‬
‫س ِبَها ِللّن َ‬
‫ل َبْأ َ‬
‫ك‪َ ،‬فِإّنُه َ‬
‫سْوَتَها َبْعضَ َأْهِل َ‬
‫ل َك َ‬
‫ل‪َ)) :‬ه ّ‬
‫خَبْرُتُه‪َ ،‬فَقا َ‬
‫طُة؟(( َفَأ ْ‬
‫ت الّرْي َ‬
‫ل َما َفَعل ِ‬
‫ا ِّ‬
‫))صحيح مسلم(( عنه أيضًا‪ ،‬قال‪ :‬رأى النبي صلى ال عليه وسلم ثوبين معصفرين‪ .‬فقال‪)) :‬إ ّ‬
‫ن‬
‫ل عنه قال‪َ)) :‬نَهى‬
‫ن علي رضي ا ّ‬
‫سَها(( وفي ))صحيحه(( أيضًا عَ ْ‬
‫ل تلَب ْ‬
‫س الُكَفاِر َف َ‬
‫ن ِلَبا ِ‬
‫هِذِه ِم ْ‬
‫صَفِر((‪ .‬ومعلوم أن ذلك إنما يصبغ صبغًا أحمر‪ .‬وفي‬
‫س الُمَع ْ‬
‫ن ِلَبا ِ‬
‫عِ‬‫ي صلى ال عليه وسلم َ‬
‫الّنِب ّ‬
‫بعض ))السنن(( أنهم كانوا مع النبي صلى ال عليه وسلم في سفر‪ ،‬فرأى على رواحلهم أكسيًة فيها‬
‫ل صلى ال عليه‬
‫ل ا ِّ‬
‫سو ِ‬
‫ل َر ُ‬
‫سَراعًا ِلَقْو ِ‬
‫عَلْتُكْم‪َ ،‬فُقْمَنا ِ‬
‫حْمَرَة َقْد َ‬
‫ل َأرى هِذِه ال ُ‬
‫ط حمراء‪ ،‬فقال‪)) :‬آ َ‬
‫خطو ٌ‬
‫عْنَها((‪ .‬رواه أبو داود‪.‬‬
‫عَناَها َ‬
‫ت َفَنَز ْ‬
‫س ً‬
‫لْك ِ‬
‫خْذَنا ا َ‬
‫ض ِإِبلَنا‪َ ،‬فَأ َ‬
‫حّتى َنَفَر َبْع ُ‬
‫وسلم‪َ ،‬‬
‫وفي جواز لبس الحمر من الثياب والجوخ وغيرها نظر‪ .‬وأما كراهته‪ ،‬فشديدة جدًا‪ ،‬فكيف‬
‫ل منه‪ ،‬وإنما وقعت الشبهُة‬
‫ُيظن بالنبي صلى ال عليه وسلم أنه لبس الحمر القاني‪ ،‬كل لقد أعاذه ا ُّ‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫ِمن لفظ الحلة الحمراء‪ ،‬وا ّ‬
‫جة‪ ،‬ولبس ثوبًا أسود‪ ،‬ولبس الَفروة المكفوفة بالسندس‪.‬‬
‫ولبس الخميصة الُمْعَلَمَة والساَذ َ‬
‫لمام أحمد‪ ،‬وأبو داود بإسنادهما عن أنس بن مالك ))أن ملك الروم أهدى للنبي‬
‫وروى ا ِ‬
‫ن((‪ .‬قال الصمعي‪:‬‬
‫س‪ ،‬فلبسها‪َ ،‬فكَأّني أنظُر إلى َيَدْيه َتَذْبَذبا ِ‬
‫سْنُد ٍ‬
‫ن ُ‬
‫سَتَقًة ِم ْ‬
‫صلى ال عليه وسلم ُم ْ‬
‫المساتق فراء طوال الكمام‪ .‬قال الخطابي‪ :‬يشبه أن تكون هذه المستقة مكففة بالسندس‪ ،‬لن نفس‬
‫الفروة ل تكون سندسا‪.‬‬
‫فصل‬
‫واشترى سراويل والظاهر أنه إنما اشتراها ليلَبسها‪ ،‬وقد روي في غير حديث أنه لبس‬
‫السراويل‪ ،‬وكانوا يلبسون السراويلت بإذنه‪.‬‬
‫سومة‪.‬‬
‫ولبس الخفين‪ ،‬ولبس النعل الذي يسمى الّتا ُ‬
‫ولبس الخاتم‪ ،‬واختلفت الحاديث هل كان في يمناه أو ُيسراه‪ ،‬وكلها صحيحة السند‪.‬‬
‫ولبس البيضة التي تسمى‪ :‬الخوذة‪ ،‬ولبس الدرع التي تسمى‪ :‬الزردية‪ ،‬وظاهر يوَم ُأحد بين‬
‫الدرعين‪.‬‬
‫وفي ))صحيح مسلم(( عن أسماء بنت أبي بكر قالت‪ :‬هذه جبة رسول ال صلى ال عليه‬
‫سروانية لها لبنُة ِديباج‪ .‬وفرجاها مكفوفان بالديباج‪ ،‬فقالت‪ :‬هِذِه‬
‫وسلم‪ ،‬فأخرجت جبَة طياِلسة َك ِ‬
‫سها‪ ،‬فنح ُ‬
‫ن‬ ‫ضت‪ ،‬فلما قبضت قبضُتها‪ ،‬وكان النبي صلى ال عليه وسلم يلَب ُ‬
‫كانت عند عائشة حتى ُقِب َ‬
‫سَتشفى بها‪.‬‬
‫َنْغسلَها للمرضى ت ْ‬
‫‪61‬‬

‫وكان له بردان أخضران‪ ،‬وِكساء أسود‪ ،‬وكساء أحمر ملبد‪ ،‬وكساء من شعر‪.‬‬
‫وكان قميصه من قطن‪ ،‬وكان قصيَر الطول‪ ،‬قصيَر الُكّمين‪ ،‬وأما هذه الكمام الواسعة‬
‫طوال التي هي كالخراج‪ ،‬فلم يلبسها هو ول أحد من أصحابه البتة‪ ،‬وهي مخالفة لسنته‪ ،‬وفي‬
‫ال ّ‬
‫جوازها نظر‪ ،‬فإنها من جنس الخيلء‪.‬‬
‫حَبَرُة‪ ،‬وهي ضرب من البرود فيه حمرة‪.‬‬
‫ص وال ِ‬
‫ب الثياب إليه القمي ُ‬
‫وكان أح ّ‬
‫خْيِر ِثَيابُكْم‪َ ،‬فالبسوها‪َ ،‬وَكّفُنوا ِفيَها‬
‫ن َ‬
‫ض‪ ،‬وقال‪)) :‬هي ِم ْ‬
‫ب اللوان إليه البيا ُ‬
‫وكان أح ّ‬
‫ض روح‬
‫َمْوَتاكْم(( وفي ))الصحيح(( عن عائشة أنها أخرجت ِكساءً ملّبدا وإزارَا غليظًا فقالت‪ُ :‬قِب َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم في هذين‪.‬‬
‫لا ِ‬
‫َرسو ِ‬
‫ولبس خاتمًا من ذهب‪ ،‬ثم رمى به‪ ،‬ونهى عن التختم بالذهب‪ ،‬ثم اتخذ خاتمًا من فضة‪ ،‬ولم‬
‫ينه عنه‪ .‬وأما حديث أبي َداود أن النبي صلى ال عليه وسلم نهى عن أشياء‪ ،‬وذكر منها‪ :‬ونهى عن‬
‫لبوس الخاتم إل لذي سلطان‪ ،‬فل أدري ما حال الحديث‪ ،‬ول وجهه‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وكان يجعل فص خاتمه مما يلي باطن كفه‪ .‬وذكر الترمذي أنه كان إذا دخل الخلء نزع‬
‫خاتمه‪ ،‬وصححه‪ ،‬وأنكره أبو داود‪.‬‬
‫وأما الطيلسان‪ ،‬فلم ينقل عنه أنه لبسه‪ ،‬ول أحٌد من أصحابه‪ ،‬بل قد ثبت في‬
‫جال فقال‪:‬‬
‫))صحيح مسلم(( من حديث أنس بن مالك عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه ذكر الّد ّ‬
‫سُة((‪ .‬ورأى أنس جماعة عليهم الطيالسة‪،‬‬
‫طياِل َ‬
‫عَلْيِهُم ال ّ‬
‫ن َ‬
‫صِبَها َ‬
‫ن َيُهوِد َأ ْ‬
‫ن َأْلفًا ِم ْ‬
‫سْبُعو َ‬
‫ج َمَعُه َ‬
‫خُر ُ‬
‫))ي ْ‬
‫فقال‪ :‬ما أشَبهُهم بيهود خيبر‪ .‬ومن ها هنا كره لبسها جماعة من السلف والخلف‪ ،‬لما روى أبو‬
‫شّبَه‬
‫ن َت َ‬
‫داود‪ ،‬والحاكم في ))المستدرك(( عن ابن عمر‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪َ)) :‬م ْ‬
‫غْيِرَنا(( وأما‬
‫شّبَه ِبَقْوٍم َ‬
‫ن َت َ‬
‫س ِمّنا َم ْ‬
‫ِبَقْوٍم َفُهَو ِمْنُهْم((‪ .‬وفي الترمذي عنه صلى ال عليه وسلم‪َ)) :‬لْي َ‬
‫جَرة‪َ ،‬فإنما‬
‫ما جاء في حديث الهجرة أن النبي صلى ال عليه وسلم جاء إلى أبي بكر ُمَتَقّنعًا بالَها ِ‬
‫ي صلى ال عليه وسلم تلك الساعة ليختفي بذلك‪ ،‬ففعلُه للحاجة‪ ،‬ولم تكن عادُته التقنَع‪ ،‬وقد‬
‫فعله النب ّ‬
‫ع‪ ،‬وهذا إنما كان يفعله‪ -‬وال أعلم‪ -‬للحاجة‬
‫ذكر أنس عنه صلى ال عليه وسلم أنه كان ُيكثر الِقَنا َ‬
‫من الحر ونحوه‪ ،‬وأيضًا ليس التقنع من التطيلس‪.‬‬
‫فصل‬
‫ج من الصوف‬
‫سَ‬‫ج ِمن القطن‪ ،‬وربما لبسوا ما ُن ِ‬
‫سَ‬‫ب ما يلبس هو وأصحاُبه ما ُن ِ‬
‫وكان غال ُ‬
‫صْل ُ‬
‫ت‬ ‫والكّتان‪ ،‬وذكر الشيخ أبو إسحاق الصبهاني بإسناد صحيح عن جابر بن أيوب قال‪ :‬دخل ال ّ‬
‫‪62‬‬

‫عمامة صوف‪ ،‬فاشمأّز منه‬


‫جبة صوف‪ ،‬وإزاُر صوف‪ ،‬و ِ‬
‫بن راشد على محمد بن سيرين وعليه ُ‬
‫محمد‪ ،‬وقال‪ :‬أظن أن أقوامًا يلبسون الصوف ويقولون‪ :‬قد لبسه عيسى بن مريم‪ ،‬وقد حدثني من ل‬
‫ق أن ُتّتَبَع‪.‬‬
‫سّنُة نبينا أح ّ‬
‫أتهم أن النبي صلى ال عليه وسلم قد لبس الكتان والصوف والقطن‪ ،‬و ُ‬
‫ل من غيره‪ ،‬فيتحّرونه‬
‫ومقصود ابن سيرين بهذا أن أقوامًا يرون أن لبس الصوف دائمًا أفض ُ‬
‫ويمنعون أنفسهم من غيره‪ ،‬وكذلك يتحَرون ِزيًا واحدًا من الملبس‪ ،‬ويتحّرون رسومًا وأوضاعًا‬
‫وهيئات يرون الخروج عنها منكرًا‪ ،‬وليس المنكُر إل التقيد بها‪ ،‬والمحافظة عليها‪ ،‬وترك الخروج‬
‫عنها‪.‬‬
‫ق رسول ال صلى ال عليه وسلم التي سنها‪ ،‬وأمر‬
‫والصواب أن أفضل الطرق طري ُ‬
‫ن اللباس‪ ،‬من‬
‫غب فيها‪ ،‬وداوم عليها‪ ،‬وهي أن هدَيه في اللباس‪ :‬أن يلبس ما تيسر ِم َ‬
‫ِبها‪ ،‬ور ّ‬
‫الصوف تارة‪ ،‬والقطن تارة‪ ،‬والكتان تارة‪.‬‬
‫س الجبة‪ ،‬والَقباء‪ ،‬والقميص‪ ،‬وا لسراويل‪،‬‬
‫ولبس البرود اليمانية‪ ،‬والبرَد الخضر‪ ،‬وَلب َ‬
‫خلِْفه تارة‪ ،‬وتركها تارة‪.‬‬
‫لزار‪ ،‬والرداء‪ ،‬والخف‪ ،‬والنعل‪ ،‬وأرخى الذؤابة من َ‬
‫وا ِ‬
‫وكان يتلحى بالعمامة تحت الحنك‪.‬‬
‫ص َأو الّرَداِء َأِو‬
‫سوَتِني هذا الَقِمي َ‬
‫ت َك َ‬
‫وكان إذا استجّد ثوبًا‪ ،‬سماه باسمه‪ ،‬وقال‪)) :‬الّلهّم َأن َ‬
‫شّر ما صنَع َلُه((‪.‬‬
‫شّرِه َو َ‬
‫ن َ‬
‫ك ِم ْ‬
‫عوُذ ِب َ‬
‫خيَر َما صنَع َلُه‪َ ،‬وَأ ُ‬
‫خيَرُه َو َ‬
‫ك َ‬
‫سأُل َ‬
‫الِعَماَمَة‪َ ،‬أ ْ‬
‫وكان إذا لبس قميصه‪ ،‬بدأ بمياِمنه‪ .‬ولبس الشعر السود‪ ،‬كما روى مسلم في ))صحيحه((‬
‫سَوَد‪.‬‬
‫شَعر َأ ْ‬
‫ن َ‬
‫حل ِم ْ‬
‫ط ُمَر ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم َوعََلْيِه ِمْر ٌ‬
‫عن عائشة قالت‪ :‬خرج رسول ا ّ‬
‫ب إلى رسول ال صلى‬
‫س كان أح ّ‬
‫ي اللبا ِ‬
‫وفي ))الصحيحين(( عن قتادة قلنا لنس‪ :‬أ ّ‬
‫حَبَرة((‪ .‬والحبرة‪ :‬برد من برود اليمن فإن غالب لباسهم كان ِمن نسج‬
‫ال عليه وسلم؟ قال‪)) :‬ال ِ‬
‫شام ومصر‪ ،‬كالقباطي المنسوجة من الكتان‬
‫اليمن‪ ،‬لنها قريبة منهم‪ ،‬وربما لبسوا ما ُيجلب ِمن ال ّ‬
‫ط‪ .‬وفي ))صحيح النسائي(( عن عائشة أنها جعلت للنبي صلى ال عليه‬
‫التي كانت تنسجها القب ُ‬
‫طّيب‪.‬‬
‫ب الّريح ال ّ‬
‫ح الصوف‪ ،‬طرحها‪ ،‬وكان ُيح ُ‬
‫عِرق‪ ،‬فوجد ِري َ‬
‫وسلم ُبردة من صوف‪ ،‬فلبسها‪ ،‬فلما َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‬
‫عَلى رسول ا ّ‬
‫ت َ‬
‫ل بن عباس قال‪َ :‬لَقْد رأي ُ‬
‫وفي ))سنن أبي داود(( عن عبد ا ّ‬
‫ل ال صلى ال‬
‫ت رسو َ‬
‫ل‪ .‬وفي ))سنن النسائي(( عن أبي ِرْمَثَة قال‪ :‬رأي ُ‬
‫حَل ِ‬
‫ن ال ُ‬
‫ن ِم َ‬
‫ن َما َيُكو ُ‬
‫سَ‬‫حَ‬
‫أْ‬
‫ن‪ .‬واْلُبرد الخضر‪ :‬هو الذي فيه خطوط خضر‪ ،‬وهو‬
‫ضَرا ِ‬
‫ن َأخ َ‬
‫عَلْيِه ُبْرَدا ِ‬
‫ب َو َ‬
‫ط ُ‬
‫عليه وسلم َيخ ُ‬
‫‪63‬‬

‫ن البرد‬
‫حلة الحمراء الحمر البحت‪ ،‬فينبغي أن يقول‪ِ :‬إ ّ‬
‫كالحلة الحمراء سواء‪ ،‬فمن فهم ِمن ال ُ‬
‫الخضر كان أخضَر بحتًا‪ ،‬وهذا ل يقوُله أحد‪.‬‬
‫حشُوَها ِليف‪ ،‬فالذين يمتنعون عما‬
‫خّدُته صلى ال عليه وسلم من َأَدٍم َ‬
‫وكانت ِم َ‬
‫سون إل‬
‫ل ِمن الملبس والمطاعم والمناكح تزّهدًا وتعّبدًا‪ ،‬بإزائهم طائفٌة قابلوهم‪ ،‬فل يلَب ُ‬
‫أباح ا ُّ‬
‫ن ول أكله تكّبرًا وتجّبرًا‪ ،‬وكل‬
‫خش ِ‬
‫س ال َ‬
‫ن الطعام‪ ،‬فل يرون َلِب َ‬
‫ف الثياب‪ ،‬ول يأكلون إل ألي َ‬
‫أشر َ‬
‫ف لهدي النبي صلى ال عليه وسلم ولهذا قال بعض السلف‪ :‬كانوا يكرهون‬
‫الطائفتين هدُيه مخاِل ٌ‬
‫ض‪.‬‬
‫الشهرتين من الثياب‪ :‬العالي‪ ،‬والمنخف ِ‬
‫وفي ))السنن(( عن ابن عمر يرفعه إلى صلى ال عليه وسلم‪َ)) :‬م ْ‬
‫ن‬
‫ب فيه الّناُر(( وهذا لنه قصد به الختيال‬
‫ب َمَذّلٍة‪ُ ،‬ثّم َتَلّه ُ‬
‫ل َيْوَم الِقَياَمِة َثْو َ‬
‫سُه ا ُّ‬
‫شْهَرٍة‪َ ،‬أْلَب َ‬
‫ب ُ‬
‫س َثْو َ‬
‫َلِب َ‬
‫خيلء بَأن خسف به الرض‪ ،‬فهو‬
‫ض ذلك‪ ،‬فَأَذّله‪ ،‬كما عاقب من أطال ثيابه ُ‬
‫ل بنقي ِ‬
‫والفخر‪ ،‬فعاقبه ا ّ‬
‫ل صلى ال عليه‬
‫ل فيها إلى يوم القيامة‪ .‬وفي ))الصحيحين(( عن ابن عمر قال‪ :‬قال رسول ا ّ‬
‫يتجلج ُ‬
‫ل إَلْيِه َيْوَم الِقَياَمِة(( وفي ))السنن(( عنه أيضًا صلى ال‬
‫ظِر ا ُّ‬
‫لَء‪َ ،‬لْم َيْن ُ‬
‫خَي َ‬
‫جّر َثْوَبُه ُ‬
‫ن َ‬
‫وسلم‪َ)) :‬م ْ‬
‫ظِر ا ُّ‬
‫ل‬ ‫لَء‪َ ،‬لْم َيْن ُ‬
‫خَي َ‬
‫شْيَئًا ِمْنَها ُ‬
‫جَر َ‬
‫ن َ‬
‫ص َوالِعَماَمِة‪َ ،‬م ْ‬
‫لَزار‪َ ،‬والَقِمي ِ‬
‫ل في ا ِ‬
‫سَبا ُ‬
‫لْ‬‫عليه وسلم قال‪)) :‬ا ِ‬
‫ِإَلْيِه َيْوَم الِقَياَمِة(( وفي ))السنن(( عن ابن عمر أيضًا قال‪َ :‬ما َقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫ص‪ ،‬وكذلك ُلبس الدنيء من الثياب ُيَذّم في موضع‪ ،‬وُيحمد في موضع‪،‬‬
‫لَزاِر‪َ ،‬فُهَو ِفي الَقِمي ِ‬
‫في ا ِ‬
‫خيلء ويمدح إذا كان تواضعًا واستكانة‪ ،‬كما أن لبس الرفيع من الثياب ُيذم إذا‬
‫شهرًة و ُ‬
‫فُيذم إذا كان ُ‬
‫ل‪ ،‬ففي ))صحيح مسلم(( عن ابن‬
‫ل وإظهارًا لنعمة ا ّ‬
‫كان تكّبرًا وفخرًا وخيلء‪ ،‬وُيمدح إذا كان تجم ً‬
‫حّبِة‬
‫ل َ‬
‫ن ِفي َقْلِبِه ِمْثَقا ُ‬
‫ن َكا َ‬
‫جَنَة َم ْ‬
‫خلُ ال َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪)) :‬ل َيْد ُ‬
‫لا ّ‬
‫مسعود قال‪ :‬قال رسو ُ‬
‫ل‪َ :‬يا‬
‫جٌ‬‫ل َر ُ‬
‫ن((‪َ ،‬فَقا َ‬
‫ن إيَما ٍ‬
‫ل ِم ْ‬
‫خْرَد ٍ‬
‫حّبِة َ‬
‫ل َ‬
‫ن في َقْلِبِه ِمْثَقا ُ‬
‫ن َكا َ‬
‫ل الّناَر َم ْ‬
‫خُ‬‫ل َيْد ُ‬
‫ن كْبِر‪َ ،‬و َ‬
‫ل ِم ْ‬
‫خْرَد ٍ‬
‫َ‬
‫جِميلٌ‬
‫ل َ‬
‫ن ا َّ‬
‫ل‪)) :‬ل‪ِ ،‬إ ّ‬
‫ك؟ َفَقا َ‬
‫ن الِكْبِر َذا َ‬
‫سَنًة‪ ،‬أَفِم َ‬
‫حَ‬‫سَنًا‪َ ،‬وَنْعِلي َ‬
‫حَ‬‫ن َثْوِبي َ‬
‫ب َأن َيُكو َ‬
‫ح ّ‬
‫ل إّني ُأ ِ‬
‫ل ا ِّ‬
‫سو َ‬
‫َر ُ‬
‫س((‪.‬‬
‫ط ا لَنا ِ‬
‫غْم ُ‬
‫ق‪َ ،‬و َ‬
‫حّ‬‫طُر اْل َ‬
‫ل‪ ،‬الِكْبُر‪َ :‬ب َ‬
‫جَما َ‬
‫ب ال َ‬
‫ح ّ‬
‫ُي ِ‬
‫فصل‬
‫وكذلك كان هدُيه صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وسيرُته في الطعام‪ ،‬ل يرّد موجودًا‪ ،‬ول يتكلف‬
‫سه‪ ،‬فيترَكه من غير تحريم‪ ،‬وما‬
‫ب إليه شيٌء من الطيبات إل أكله‪ ،‬إل أن تعاَفه نف ُ‬
‫مفقودًا‪ ،‬فما ُقّر َ‬
‫ب لّما َلْم َيْعَتْدُه ولم يحرمه على‬
‫ض ّ‬
‫ط‪ ،‬إن اشتهاه أكله‪ ،‬وإل تركه‪ ،‬كما ترك أكل ال ّ‬
‫عاب طعامًا ق ّ‬
‫ل على مائدته وهو ينظر‪.‬‬
‫المة‪ ،‬بل ُأِك َ‬
‫‪64‬‬

‫وأكل الحلوى والعسل‪ ،‬وكان ُيحبهما‪ ،‬وأكل لحم الجزور‪ ،‬والضأن‪ ،‬والدجاج‪ ،‬ولحم‬
‫ب والتمَر‪،‬‬
‫حمار الوحش‪ ،‬والرنب‪ ،‬وطعام البحر‪ ،‬وأكل الشواء‪ ،‬وأكل الّرط َ‬
‫حبارى‪ ،‬ولحم ِ‬
‫ال ُ‬
‫خِزيَرة‪ ،‬وهي‬
‫ن خالصًا ومشوبًا‪ ،‬والسويق‪ ،‬والعسل بالماء‪ ،‬وشرب نقيع التمر‪ ،‬وأكل ال َ‬
‫وشرب اللب َ‬
‫ط‪ ،‬وأكل التمر بالخبز‪ ،‬وأكل الخبز‬
‫لِق َ‬
‫ب‪ ،‬وأكل ا َ‬
‫ط ِ‬
‫ساء يتخذ من اللبن والدقيق‪ ،‬وأكل الِقّثاء بالّر َ‬
‫حَ‬‫َ‬
‫لهالة‪ ،‬وهى الودك‪ ،‬وهو الشحم المذاب‪،‬‬
‫بالخل‪ ،‬وأكل الثريد‪ ،‬وهو الخبز باللحم‪ ،‬وأكل الخبز با ِ‬
‫ل المسُلوقَة‪ ،‬وأك َ‬
‫ل‬ ‫ل الّدّباء المطبوخَة‪ ،‬وكان ُيحّبها وأك َ‬
‫وأكل من الَكِبِد الَمشِوّيِة‪ ،‬وأكل الَقِديد‪ ،‬وأك َ‬
‫ب‪ ،‬وأكل التمر ِبالّزْبِد‪ ،‬وكان‬
‫ط ِ‬
‫ل الخبز بالزيت‪ ،‬وأكل البطيخ بالّر َ‬
‫ن‪ ،‬وأك َ‬
‫جب َ‬
‫ل ال ُ‬
‫سْمن‪ ،‬وأك َ‬
‫الثريَد بال ّ‬
‫طّيبًا‪ ،‬ول يتكلفه‪.‬‬
‫ُيحبه‪ ،‬ولم يكن يرّد َ‬
‫ط على بطنه‬
‫صَبَر حتى إنه ليرِب ُ‬
‫ل ما تيسر‪ ،‬فإن أعوزه‪َ ،‬‬
‫بل كان هديه أك َ‬
‫ل‪ ،‬ول ُيوقد في بيته ناٌر‪ .‬وكان معظُم مطعمه‬
‫ل والهل ُ‬
‫ل والهل ُ‬
‫الحجر من الجوع‪ ،‬وُيرى الهل ُ‬
‫سفرة‪ ،‬وهي كانت مائَدته‪ ،‬وكان يأكل بأصابعه الثلث‪ ،‬ويلَعُقها إذا فرغ‪،‬‬
‫يوضع على الرض في ال ّ‬
‫ص يأكل بالخمس‪،‬‬
‫شُع الحري ُ‬
‫جِ‬‫ف ما يكون من الكلة‪ ،‬فإن المتكّبَر يأكل بأصبع واحدة‪ ،‬وال َ‬
‫وهو أشر ُ‬
‫ويدفع بالراحة‪.‬‬
‫وكان ل يأكل ُمتِكئًا‪ ،‬والتكاء على ثلثة أنواع‪ ،‬أحدها‪ :‬التكاء على‬
‫الجنب‪ ،‬والثاني‪ :‬الترّبع‪ ،‬والثالث‪ :‬التكاء على إحدى يديه‪ ،‬وأكله بالخرى‪ ،‬والثلث مذمومة‪.‬‬
‫وكان يسمى ال تعالى على أول طعامه ‪ ،‬ويحمده في آخره‬
‫عْنه‬
‫ى َ‬
‫سَتْغَن َ‬
‫ل ُمَوّدع َولَ ُم ْ‬
‫ي َو َ‬
‫غْيَر َمْكِف ّ‬
‫طّيبًا ُمَباَركًا ِفيهِ َ‬
‫حمدًا َكِثيرًا َ‬
‫ل َ‬
‫حْمُد ِ‬
‫فيقول عند انقضائه‪)) :‬اْل َ‬
‫لٍء‬
‫ل َب َ‬
‫سَقاَنا‪َ ،‬وك ّ‬
‫عَليَنا َفَهَداَنا‪َ ،‬وَأطَعَمَنا َو َ‬
‫ن َ‬
‫ل ُيطَعُم‪َ ،‬م ّ‬
‫طِعُم َو َ‬
‫ل اّلِذي ُي ْ‬
‫حْمُد ِ‬
‫َرّبَنا((‪ .‬وربما قال‪)) :‬اْل َ‬
‫ي‪َ ،‬وَهَدى‪ ،‬م َ‬
‫ن‬ ‫ن اْلُعر َ‬
‫سا ِم َ‬
‫ب‪َ ،‬وَك َ‬
‫شرا ِ‬
‫ن ال ّ‬
‫سَقى ِم َ‬
‫طَعام‪َ ،‬و َ‬
‫ن ال ً‬
‫طَعَم ِم َ‬
‫ل اّلِذي َأ ْ‬
‫حمد ِ‬
‫لنا‪ ،‬ال َ‬
‫ن َأْب َ‬
‫سٍ‬‫حَ‬
‫َ‬
‫ن((‪.‬‬
‫ب الَعاَلِمي َ‬
‫ل َر ّ‬
‫حْمُد ِ‬
‫ل‪ ،‬ال َ‬
‫ضي ً‬
‫ق َتْف ِ‬
‫خَل َ‬
‫عَلى َكِثير ِمّمن َ‬
‫ل َ‬
‫ضَ‬‫ن الَعَمى‪َ ،‬وف ّ‬
‫صَر ِم َ‬
‫ضلََلِة‪َ ،‬وَب ّ‬
‫ال ّ‬
‫غُه((‪.‬‬
‫سّو َ‬
‫سَقى‪َ ،‬و َ‬
‫ل اّلِذي َأطَعَم َو َ‬
‫حمد ِّ‬
‫وربما قال‪)) :‬اْل َ‬
‫ل يمسحون بها أيديهم‪ ،‬ولم يكن‬
‫ق أصابعه‪ ،‬ولم يكن لهم منادي ُ‬
‫وكان إذا فرغ ِمن طعامه َلِع َ‬
‫ل أيديهم كلما أكلوا‪.‬‬
‫عادتهم غس َ‬
‫وكان أكثُر شربه قاعدًا‪ ،‬بل زجر عن الشرب قائمًا ))وشرب مّرة قائمًا((‪ .‬فقيل‪ :‬هذا‬
‫ل أعلم ‪ -‬أنها واقعة عين‬
‫نسخ لنهيه‪ ،‬وقيل‪ :‬بل فعله لبيان جواز المرين‪ ،‬والذي يظهر فيه ‪ -‬وا ّ‬
‫‪65‬‬

‫شرب فيها قائمًا لعذر‪ ،‬وسياق القصة يدل عليه‪ ،‬فإنه أتى زمزم وهم يستقون منها‪ ،‬فأخذ الّدلو‪،‬‬
‫وشرب قائمًا‪.‬‬
‫والصحيح في هذه المسألة‪ :‬النهى عن الشرب قائمًا‪ ،‬وجوازه لعذر يمنع من القعود‪ ،‬وبهذا‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫تجمع أحاديث الباب‪ ،‬وا ّ‬
‫ن على يساره أكبَر منه‪.‬‬
‫ن على يمينه‪ ،‬وإن كان َم ْ‬
‫وكان إذا شرب‪ ،‬ناول َم ْ‬
‫فصل‬
‫في هديه في النكاح ومعاشرته صلى ال عليه وسلم أهله‬
‫ل عنه‪ ،‬أنه صلى ال عليه وسلم قال‪:‬‬
‫صح عنه صلى ال عليه وسلم من حديث أنس رضي ا ّ‬
‫ظ الحديث‪ ،‬ومن‬
‫لِة(( هذا لف ُ‬
‫صَ‬‫عْيِني في ال ّ‬
‫ت ُقّرُة َ‬
‫جِعَل ْ‬
‫ب‪َ ،‬و ُ‬
‫طْي ُ‬
‫ساُء‪ ،‬وال ّ‬
‫ي‪ِ ،‬من ُدْنَياُكم‪ :‬الّن َ‬
‫ب إل ّ‬
‫حّب َ‬
‫)) ُ‬
‫ي من دنياكم ثلث((‪ ،‬فقد وهم‪ ،‬ولم يقل صلى ال عليه وسلم‪)) :‬ثلث(( والصلة‬
‫رواه ))حبب إل ّ‬
‫ب شيء إليه‪ ،‬وكان يطوف على‬
‫ليست من أمور الدنيا التي ُتضاف إليها‪ .‬وكان النساء والطيب أح ّ‬
‫ل له من ذلك ما لم‬
‫نسائه في الليلة الواحدة‪ ،‬وكان قد أعطي قوة ثلثين في الجماع وغيره‪ ،‬وأباح ا ّ‬
‫ُيبحه لحد من أمته‪.‬‬
‫سِمي‬
‫ليواء والنفقة‪ ،‬وأما المحبة فكان يقول‪)) :‬الّلُهَم هذا َق ْ‬
‫وكان يقسم بينهن في المبيت وا ِ‬
‫ك(( فقيل‪ :‬هو الحب والجماع‪ ،‬ول تجب التسوية في ذلك‪ ،‬لنه مما‬
‫ل َأْمِل ُ‬
‫ل َتُلْمِني ِفيَما َ‬
‫ك‪َ ،‬ف َ‬
‫ِفيَما َأْمِل ُ‬
‫ل ُيملك‪.‬‬
‫سُم واجبًا عليه‪ ،‬أو كان له معاشرتهن من غير قسم؟ على قولين للفقهاء‪.‬‬
‫وهل كان الَق ْ‬
‫لمِة أكثرها نساء‪.‬‬
‫فهو أكثر المة نساًء‪ ،‬قال ابن عباس‪ :‬تزوجوا‪َ ،‬فإنّ خيَر هذه ا ُ‬
‫وطلق صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وراجع‪ ،‬والى إيلًء مؤقتًا بشهر‪ ،‬ولم يظاهر أبدًا‪ ،‬وأخطأ من‬
‫ل منه‪.‬‬
‫قال‪ :‬إنه ظاهر خطًأ عظيمًا‪ ،‬وإنما ذكرته هنا تنبيهًا على قبح خطئه ونسبته إلى ما بّرأه ا ّ‬
‫ن الخلق‪.‬‬
‫ن المعاشرة‪ ،‬وحس َ‬
‫وكانت سيرته مع أزواجه حس َ‬
‫ت النصار يلعبن معها‪ .‬وكان إذا هويت شيئًا ل محذوَر فيه‬
‫ب إلى عائشة بنا ِ‬
‫سّر ُ‬
‫وكان ُي َ‬
‫لناء أخذه‪ ،‬فوضع فمه في موضع فمها وشرب‪ ،‬وكان إذا‬
‫تابعها عليه‪ ،‬وكانت إذا شربت من ا ِ‬
‫جِرها‪،‬‬
‫حْ‬‫ظُم الذي عليه لحم ‪ -‬أخذه فوضع فمه موضع فمها‪ ،‬وكان يتكئ في َ‬
‫عرقًا ‪ -‬وهو الَع ْ‬
‫تعرقت َ‬
‫حجِرها‪ ،‬وربما كانت حائضًا‪ ،‬وكان يأمرها وهي حائض َفَتّتِزُر ثم‬
‫ويقرأ القرآن ورأسه في َ‬
‫خُلقه مع أهله أنه يمّكنها من اللعب‪،‬‬
‫ُيباشرها‪ ،‬وكان يقبلها وهو صائم‪ ،‬وكان من لطفه وحسن ُ‬
‫‪66‬‬

‫ويريها الحبشة وهم يلعبون في مسجده‪ ،‬وهي متكئة على منكبيه تنظر‪ ،‬وسابقها في السفر على‬
‫القدام مرتين‪ ،‬وتدافعا في خروجهما من المنزل مرة‪.‬‬
‫ن خرج سهمها‪ ،‬خرج بها معه‪ ،‬ولم يق ِ‬
‫ض‬ ‫وكان إذا أراد سفرًا‪ ،‬أقرع بين نسائه‪ ،‬فأيته ّ‬
‫للبواقي شيئًا‪ ،‬وإلى هذا ذهب الجمهور‪.‬‬
‫خيُرُكم لهلي((‪.‬‬
‫لْهِلِه‪َ ،‬وَأَنا َ‬
‫خْيُرُكْم َ‬
‫خْيُرُكْم َ‬
‫وكان يقول‪َ )) :‬‬
‫وربما مد يده إلى بعض نسائه في حضرة باقيهن‪.‬‬
‫وكان إذا صلى العصر‪ ،‬دار على نسائه‪ ،‬فدنا منهن واستقرأ أحوالهن‪ ،‬فإذا جاء‬
‫عَلى‬
‫ل َبْعضََنا َ‬
‫ضُ‬‫الليل‪ ،‬انقلب إلى بيت صاحبة الّنوبة‪ ،‬فخصها بالليل‪ .‬وقالت عائشة‪ :‬كان ل ُيَف ّ‬
‫ل يوٌم إل كان يطوف علينا جميعًا‪ ،‬فيدنو من كل امرأة من‬
‫ن في الَقسِم‪ ،‬وق ّ‬
‫عْنَدُه ّ‬
‫ض في ُمْكِثِه ِ‬
‫َبع ٍ‬
‫غير مسيس حتى يبلَغ التي هو في نوبتها‪ ،‬فيبيت عندها‪.‬‬
‫وكان يقسم لثمان منهن دون التاسعة‪ ،‬ووقع في ))صحيح مسلم(( من قول‬
‫ل‪ ،‬وإنما هي‬
‫ي‪ ،‬وهو غلط ِمن عطاء رحمه ا ّ‬
‫عطاء أن التي لم يكن يقسم لها هي صفية بنت حَي ّ‬
‫سودة‪ ،‬فإنها لما َكِبَرت وهبت نوبتها لعائشة‪.‬‬
‫سم لعائشة يومها ويوَم سودة‪ ،‬وسبب هذا الوهم ‪-‬وال أعلم‪ -‬أنه‬
‫وكان صلى ال عليه وسلم يق ِ‬
‫ل صلى ال عليه‬
‫ك أن ُترضي رسول ا ّ‬
‫جَد على صفّية في شيء‪ ،‬فقالت لعائشة‪ :‬هل َل ِ‬
‫كان قد َو َ‬
‫ك يومي؟ قالت‪ :‬نعم‪ ،‬فقعدت عائشُة إلى جنب النبي صلى ال عليه وسلم في يوم‬
‫ب َل ِ‬
‫وسلم‪ ،‬وَأه َ‬
‫ل ُيؤتيه من َيشاء‬
‫ك َفضل ا ِّ‬
‫ك(( فقاَلت‪َ :‬ذِل َ‬
‫س َيوَم ِ‬
‫شُة‪َ ،‬فإّنه َلي َ‬
‫عاِئ َ‬
‫عّني َيا َ‬
‫ك َ‬
‫صفية‪ ،‬فقال‪)) :‬إَلْي ِ‬
‫ي عنها‪ .‬وإنما كانت وهبتها ذلك اليوَم وتلك الّنوَبة الخاصة‪ ،‬ويتعين ذلك‪،‬‬
‫وأخبرته بالخبِر‪ ،‬فرض َ‬
‫وإل كان يكون القسم لسبع منهن‪ ،‬وهو خلف الحديث الصحيح الذي ل ريب فيه أن القسم كان‬
‫ل أعلم‪ .‬ولو اتفقت مثل هذه الواقعة لمن له أكثر من زوجتين‪ ،‬فوهبت إحداهن يومها‬
‫ن‪ ،‬وا ّ‬
‫لثما ٍ‬
‫ي بين ليلة الموهوبة وليلتها الصلية وإن لم تكن ليلة الواهبة تليها‪ ،‬أو‬
‫للخرى‪ ،‬فهل للزوج أن ُيواِل َ‬
‫يجب عليه أن يجعل ليَلتها هي الليلة التي كانت تستحقها الواهبة بعينها؟ على قولين في مذهب أحمد‬
‫وغيره‪.‬‬
‫ن إذا جامع أول الليل‪،‬‬
‫وكان صلى ال عليه وسلم يأتي أهَله آخَر الليل‪ ،‬وأوله‪َ ،‬فَكا َ‬
‫سبيعي عن السود عن عائشة أنه كان‬
‫ربما اغتسل ونام‪ ،‬وربما توضأ ونام‪ .‬وذكر أبو إسحاق ال ّ‬
‫‪67‬‬

‫ربما نام‪ ،‬ولم يمس ماء وهو غلط عند أئمة الحديث‪ ،‬وقد أشبعنا الكلم عليه في كتاب ))تهذيب سنن‬
‫أبي داود(( وإيضاح علله ومشكلته‪.‬‬
‫وكان يطوف على نسائه بغسل واحد‪ ،‬وربما اغتسل عند كل واحدة‪ ،‬فعل هذا‬
‫وهذا‪.‬‬
‫ل‪ ،‬وكان ينهى عن ذلك‪.‬‬
‫ق أهله لي ً‬
‫وكان إذا سافر َوَقِدَم‪ ،‬لم يطُر ْ‬
‫فصل‬
‫في هديه وسيرته صلى ال عليه وسلم في نومه وانتباهه‬
‫كان يناُم على الفراش تارة‪ ،‬وعلى الّنطع تارة‪ ،‬وعلى الحصير تارة‪ ،‬وعلى الرض تارة‪،‬‬
‫ت رسول‬
‫وعلى السرير تارة بين ِرَمالِه‪ ،‬وتارة على ِكساء أسود‪ .‬قال عّباد بن تميم عن عمه‪ :‬رأي ُ‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ُمستلقيًا في المسجد واضعًا إحدى ِرجليه على الخرى‪.‬‬
‫سحٌ ينام عليه يثنى بَثنيتين‪ ،‬وُثني له يومًا‬
‫وكان فراشه َأَدمًا حشُوه ِليف‪ .‬وكان له ِم ْ‬
‫لِتي الّلْيَلة((‪ .‬والمقصود‬
‫صَ‬‫ل‪َ ،‬فإّنه َمَنَعِني َ‬
‫لَو ِ‬
‫حاِلِه ا َ‬
‫أربع ثنيات‪ ،‬فنهاهم عن ذلك وقال‪ُ)) :‬رّدوه إَلى َ‬
‫ف اْمَرَأٍة ِمْنُك ّ‬
‫ن‬ ‫حا ِ‬
‫ل َوَأَنا في ِل َ‬
‫جْبري ُ‬
‫أنه نام على الفراش‪ ،‬وتغطى باللحاف‪ ،‬وقال لنسائه‪َ)) :‬ما َأَتاِني ِ‬
‫شة((‪.‬‬
‫عاِئ َ‬
‫غْيَر َ‬
‫َ‬
‫وكانت وسادُته َأَدمًا حشوها ليف‪.‬‬
‫ت((‪.‬‬
‫حَيا َوَأمو ُ‬
‫وكان إذا أوى إلى فراشه للنوم قال‪ِ)) :‬باسِمك الّلُهّم َأ ْ‬
‫عوُذ ِبَر ّ‬
‫ب‬ ‫ل َأ ُ‬
‫حٌد { و }ُق ْ‬
‫ل َأ َ‬
‫ل ُهو ا ُّ‬
‫وكان يجمع كّفْيِه ثم ينُفث فيهما‪ ،‬وكان يقرأ فيهما‪ُ} :‬ق ْ‬
‫س{ ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده‪ ،‬يبدُأ بهما على رأسه‪،‬‬
‫ب الّنا ِ‬
‫عوُذ ِبَر ّ‬
‫ل َأ ُ‬
‫ق{ و }ُق ْ‬
‫اْلَفَل ِ‬
‫ن جسده‪ ،‬يفعل ذلك ثلث مرات‪.‬‬
‫ل ِم ْ‬
‫ووجهه‪ ،‬وما أقب َ‬
‫شقه اليمن‪ ،‬ويضع يده اليمنى تحت خده اليمن‪ ،‬ثم يقول‪)) :‬الّلُهّم‬
‫وكان ينام على ِ‬
‫سَقاَنا‬
‫طعََمَنا َو َ‬
‫ل اّلِذي َأ ْ‬
‫ك((‪ .‬وكان يقول إذا أوى إلى فراشه‪)) :‬الحمُد ِ‬
‫عَباَد َ‬
‫ث ِ‬
‫ك َيْوَم َتبَع ُ‬
‫عَذاَب َ‬
‫ِقني َ‬
‫ي(( ذكره مسلم‪ .‬وذكر أيضًا أنه كان يقول إذا أوى الى‬
‫ل ُمْؤو َ‬
‫ي له َو َ‬
‫ل َكاِف َ‬
‫ن َ‬
‫َوَكَفاَنا َوآَواَنا‪َ ،‬فَكْم ِمّم ْ‬
‫ح َ‬
‫ب‬ ‫ق ال َ‬
‫شيٍء‪َ ،‬فاِل َ‬
‫ل َ‬
‫بكّ‬
‫ظيِم‪َ ،‬رّبَنا َوَر ّ‬
‫ش العَ ِ‬
‫ض‪َ ،‬وَرب الَعْر ِ‬
‫لْر ِ‬
‫ت وا َ‬
‫سَماَوا ِ‬
‫فراشه‪)) :‬الّلهم رب ال ّ‬
‫صيِتِه‪َ ،‬أْن َ‬
‫ت‬ ‫خذ ِبَنا ِ‬
‫تآ ِ‬
‫شّر َأن َ‬
‫ل ِذي َ‬
‫شّر ُك ّ‬
‫ك ِمن َ‬
‫عوُذ ِب َ‬
‫ن‪َ ،‬أ ُ‬
‫ل‪َ ،‬والُفْرَقا ِ‬
‫جي ِ‬
‫ل الّتْوَراِة َوالن ِ‬
‫َوالّنوى‪ ،‬منز َ‬
‫ك شيٌء‪َ ،‬وَأْن َ‬
‫ت‬ ‫س َفْوَق َ‬
‫ظاِهُر َفَلْي َ‬
‫ت ال ّ‬
‫شيٌء‪َ ،‬وَأن َ‬
‫ك َ‬
‫س َبْعَد َ‬
‫خُر‪َ ،‬فَلْي َ‬
‫ت ال ِ‬
‫شيٌء‪َ ،‬وَأن َ‬
‫ك َ‬
‫س َقْبَل َ‬
‫ل َفَلي َ‬
‫لّو ُ‬
‫اَ‬
‫ن الفقِْر((‪.‬‬
‫غِنَنا ِم َ‬
‫ن‪َ ،‬وَأ ْ‬
‫عّنا الّدي َ‬
‫ض َ‬
‫شيٌء‪ ،‬اق ِ‬
‫ك َ‬
‫س ُدوَن َ‬
‫ن‪َ ،‬فَلْي َ‬
‫طُ‬‫الَبا ِ‬
‫‪68‬‬

‫ك‪ ،‬الّلهَم إّني‬


‫حاَن َ‬
‫ت سب َ‬
‫ل َأْن َ‬
‫ل إَله ِإ ّ‬
‫وكان إذا استيقظ من منامه في الليل قال‪َ )) :‬‬
‫ب لي ِمن‬
‫ل ُتِزغ َقلبي َبْعَد ِإذ َهَديَتني‪َ ،‬وهَ ْ‬
‫علمًا‪َ ،‬و َ‬
‫ك‪ ،‬الّلُهّم ِزْدني ِ‬
‫ك َرحَمَت َ‬
‫سَأُل َ‬
‫ك ِلَذنِبي‪َ ،‬وَأ ْ‬
‫أستْغِفر َ‬
‫ت اْلَوهاب((‪.‬‬
‫ك َأن َ‬
‫حَمَة‪ِ ،‬إّن َ‬
‫ك َر ْ‬
‫َلدن َ‬
‫ي َأحَياَنا َبعَد َما َأَماَتَنا‬
‫حْمُد ل اّلِذ َ‬
‫وكان إذا انتبه من نومه قال‪)) :‬اْل َ‬
‫خْل ِ‬
‫ق‬ ‫ن في َ‬
‫َوِإَلْيِه الّنشور((‪ .‬ثم يتسّوك‪ ،‬وربما قرَأ العشر اليات من آخر )آل عمران ( من قوله‪} :‬إ َ‬
‫ت ُنوُر‬
‫حْمُد‪َ ،‬أْن َ‬
‫ك اْل َ‬
‫ض ‪ِ { ...‬إلى آخرها ]آل عمران‪ [200-190:‬وقال‪)) :‬الّلُهّم َل َ‬
‫لْر ِ‬
‫ت وا َ‬
‫سمَوا ِ‬
‫ال ّ‬
‫حْمد‪،‬‬
‫ك اْل َ‬
‫ن‪َ ،‬وَل َ‬
‫ن ِفيِه ّ‬
‫ض َوَم ْ‬
‫لر ِ‬
‫ت وا َ‬
‫سَماَوا ِ‬
‫ت َقَيُم ال ّ‬
‫حْمُد‪َ ،‬أْن َ‬
‫ك اْل َ‬
‫ن‪َ ،‬وَل َ‬
‫ن ِفيه ّ‬
‫لْرض َوَم ْ‬
‫ت وا َ‬
‫سَماوا ِ‬
‫ال ّ‬
‫ق‪،‬‬
‫حّ‬‫حّمٌد َ‬
‫ق‪َ ،‬وُم َ‬
‫حّ‬
‫ق‪َ ،‬والّنبّيون َ‬
‫حّ‬
‫ق‪َ ،‬والّناُر َ‬
‫حّ‬‫جّنُة َ‬
‫ق‪َ ،‬وال َ‬
‫حّ‬‫ك َ‬
‫ق‪َ ،‬وِلَقاُؤ َ‬
‫حّ‬‫ك اْل َ‬
‫عُد َ‬
‫ق‪َ ،‬وَو ْ‬
‫حّ‬‫ت اْل َ‬
‫َأْن َ‬
‫ت‪َ ،‬وِإَلْي َ‬
‫ك‬ ‫صْم ُ‬
‫خا َ‬
‫ك َ‬
‫ت‪َ ،‬وِب َ‬
‫ك َأَنْب ُ‬
‫ت‪َ ،‬وِإَلْي َ‬
‫ك َتَوّكْل ُ‬
‫عَلْي َ‬
‫ت‪َ ،‬و َ‬
‫ك آَمْن ُ‬
‫ت‪َ ،‬وِب َ‬
‫ك َأسَلْم ُ‬
‫ق‪ ،‬الّلُهّم َل َ‬
‫حّ‬
‫عُة َ‬
‫سا َ‬
‫َوال ّ‬
‫ت((‪.‬‬
‫ل َأْن َ‬
‫ل ِإَلَه ِإ ّ‬
‫ت ِإَلهي‪َ ،‬‬
‫ت‪َ ،‬أْن َ‬
‫عَلْن ُ‬
‫ت‪َ ،‬وَما َأ ْ‬
‫سَرْر ُ‬
‫ت‪َ ،‬وَما َأ ْ‬
‫خْر ُ‬
‫ت‪َ ،‬وَما َأ ّ‬
‫غِفْر لي َما َقّدْم ُ‬
‫ت‪َ ،‬فا ْ‬
‫حاَكْم ُ‬
‫َ‬
‫وكان ينام أول الليل‪ ،‬ويقوم آخره‪ ،‬وربما سهر أول الليل في‬
‫مصالح المسلمين‪ ،‬وكان تناُم عيناه‪ ،‬ول يناُم قلُبه‪ .‬وكان إذا نام‪ ،‬لم ُيوقظوه حتى يكونَ هو الذي‬
‫يستقيظ‪ .‬وكان إذا عّرس بليل‪ ،‬اضطجع على شقه اليمن‪ ،‬وإذا عّرس قبيل الصبح‪ ،‬نصب ذراعه‪،‬‬
‫ووضع رأسه على كفه‪ ،‬هكذا قال الترمذي‪ .‬وقال أبو حاتم في ))صحيحه((‪ :‬كان إذا عّرس بالليل‪،‬‬
‫توسد يمينه‪ ،‬وإذا عَرس قبيل الصبح‪ ،‬نصب ساعده‪ ،‬وأظن هذا وهمًا‪ ،‬والصواب حديث الترمذي‪.‬‬
‫وقال أبو حاتم‪ :‬والتعريس إنما يكون ُقبيل الصبح‪.‬‬
‫ل النوم‪ ،‬وهو أنفع ما يكون من النوم‪ ،‬والطباء يقولون‪ :‬هو ثلث الليل‬
‫وكان نومه أعد َ‬
‫والنهار‪ ،‬ثمان ساعات‪.‬‬
‫فصل‬
‫في هديه صلى ال عليه وسلم في الركوب‬
‫عِرّيا أخرى‪ ،‬وكان‬
‫جًة تارة‪َ ،‬و َ‬
‫سَر َ‬
‫لبل والبغال والحمير‪ ،‬وركب الفرس ُم ْ‬
‫ل وا ِ‬
‫ركب الخي َ‬
‫ُيجريها في بعض الحيان‪ ،‬وكان يركب وحده‪ ،‬وهو الكثر‪ ،‬وربما أردف خلفه على البعير‪ ،‬وربما‬
‫ض نسائه‪ ،‬وكان‬
‫أردف خلفه‪ ،‬وأركب أمامه‪ ،‬وكانوا ثلثة على بعير‪ ،‬وأردف الرجال‪ ،‬وأردف بع َ‬
‫لبل‪ .‬وأّما البغال‪ ،‬فالمعروف أنه كان عنده منها بغلة واحدة أهداها له بع ُ‬
‫ض‬ ‫أكثَر مراكبه الخيل وا ِ‬
‫الملوك‪ ،‬ولم تكن البغال مشهورة بأرض العرب‪ ،‬بل لما أهديت له البغلة قيل‪ :‬أل ُننزي الخيل على‬
‫ن((‪.‬‬
‫ل َيْعَلُمو َ‬
‫ن َ‬
‫ك اّلِذي َ‬
‫ل ِذِل َ‬
‫الحمر؟ فقال‪ِ)) :‬إّنَما َيْفَع ُ‬
‫‪69‬‬

‫فصل‬
‫ل صلى ال عليه وسلم الغنم‪ .‬وكان له مائة شاة‪ ،‬وكان ل ُيحب أن تزيد على مائة‪،‬‬
‫واتخذ رسول ا ّ‬
‫لماء والعبيد‪ ،‬وكان مواليه وعتقاؤه من‬
‫فإذا زادت بهمة‪ ،‬ذبح مكانها أخرى‪ ،‬واتخذ الرقيق من ا ِ‬
‫لماء‪ .‬وقد روى الترمذي في ))جامعه(( من حديث أبي أمامة وغيره‪ ،‬عن النبي‬
‫العبيد أكثر من ا ِ‬
‫ل عضِو ِمنُه‬
‫ن الّنار‪ ،‬ك ّ‬
‫ن ِفَكاَكه ِم َ‬
‫ق امرَءًا مسِلمَا‪َ ،‬كا َ‬
‫عَت َ‬
‫صلى ال عليه وسلم أنه قال‪)) :‬أيما اْمرىٍء َأ ْ‬
‫جِزىُء كل عضوين‬
‫ن الّناِر‪ ،‬ي َ‬
‫سِلَمَتين‪َ ،‬كاَنَتا ِفَكاَكُه ِم َ‬
‫ق اْمَرَأتين م ْ‬
‫عضوًا ِمنُه‪َ ،‬وَأّيما اْمرىٍء مسِلم َأعَت َ‬
‫عضوًا مِنُه(( هذا حديث صحيح‪.‬‬
‫ِمنُهَما ُ‬
‫وهذا يدل على أن عتق العبد أفضل‪ ،‬وأن عتق العبد َيْعِدل عتق أمتين‪ ،‬فكان أكثر عتقائه‬
‫صلى ال عليه وسلم من العبيد‪ ،‬وهذا أحد المواضع الخمسة التي تكون فيها النثى على النصف من‬
‫الذكر‪ ،‬والثاني‪ :‬العقيقة‪ ،‬فإنه عن النثى شاة‪ ،‬وعن الذكر شاتان عند الجمهور‪ ،‬وفيه عدة أحاديث‬
‫صحاح وحسان‪ .‬والثالث‪ :‬الشهادة‪ ،‬فإن شهادة امرأتين بشهادة رجل‪ .‬والرابع‪ :‬الميراث والخامس‪:‬‬
‫الدية‪.‬‬
‫)يتبع‪(...‬‬
‫فصل‬ ‫@‬
‫ل صلى ال عليه وسلم واشترى‬
‫وباع رسول ا ّ‬
‫ل تعالى برسالته أكَثر من بيعه‪ ،‬وكذلك بعد الهجرة ل يكاد‬
‫وكان شراؤه بعد أن أكرمه ا ّ‬
‫ُيحفظ عنه البيع إل في قضايا يسيرة أكثرها لغيره‪ ،‬كبيعه القدح والحلس فيمن يزيد‪ ،‬وبيعه يعقوب‬
‫المدّبر غلم أبي مذكورة‪ ،‬وبيعه عبدًا أسود بعبدين‪.‬‬
‫وأّما شراؤه‪ ،‬فكثير‪ ،‬وآجر‪ ،‬واستأجر‪ ،‬واستئجاره أكثر من إيجاره‪ ،‬وإنما ُيحفظ عنه أنه أجر‬
‫نفسه قبل النبوة في رعاية الغنم‪ ،‬وأجر نفسه من خديجة في سفره بمالها إلى الشام‪.‬‬
‫وإن كان العقد مضاربة‪ ،‬فالمضارب أمين‪ ،‬وأجير‪ ،‬ووكيل‪ ،‬وشريك‪ ،‬فأمين إذا قبض المال‪،‬‬
‫ووكيل إذا تصرف فيه‪ ،‬وأجير فيما ُيباشره بنفسه من العمل‪ ،‬وشريك إذا ظهر فيه الربح‪ .‬وقد‬
‫أخرج الحاكم في ))مستدركه(( من حديث الربيع بن بدر‪ ،‬عن أبي الزبير‪ ،‬عن جابر قال‪ :‬آجَر‬
‫ص‪،‬‬
‫سفَرٍة ِبَقُلو ٍ‬
‫ش كل َ‬
‫جَر َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم نفسه ِمن خديجة بنت خويلد سفرتين إلى َ‬
‫رسول ا ّ‬
‫لسناد‪.‬‬
‫وقال‪ :‬صحيح ا ِ‬
‫‪70‬‬

‫جَرش‪ ،‬بضم الجيم وفتح الراء ِمن مخاليف اليمن‪ ،‬وهو بفتحهما بلد‬
‫قال في ))النهاية((‪ُ :‬‬
‫بالشام‪.‬‬
‫ح‪ ،‬فإن الربيع بن بدر هذا هو‬
‫صّ‬‫قلت‪ :‬إن صح الحديث‪ ،‬فإنما هو المفتوح الذي بالشام‪ ،‬ول َي ِ‬
‫عَلْيَلة‪ ،‬ضعفه أئمة الحديث‪ .‬قال النسائي والدارقطني والزدي‪ :‬متروك‪ ،‬وكأن الحاكم ظنه الربيع‬
‫ُ‬
‫ل‪.‬‬
‫بن بدر مولى طلحة بن عبيد ا ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ولما قدم عليه شريكُه قال‪ :‬أما َتعِرُفني؟ قال‪)) :‬أما‬
‫ل ا ِّ‬
‫وشارك رسو ُ‬
‫ت ل تَداِري ول ُتَماِري((‪.‬‬
‫ك ُكْن َ‬
‫شِري ُ‬
‫شِريكي؟ َفِنْعَم ال ّ‬
‫ت َ‬
‫ُكْن َ‬
‫وتدارىء بالهمزة من المدارأة‪ ،‬وهي مدافعة الحق‪ ،‬صارت من المداراة‪ ،‬وهي المدافعة‬
‫ل وَتَوّكل‪ ،‬وكان توكيُله أكثَر من توّكله‪.‬‬
‫بالتي هي أحسن‪ .‬ووّك َ‬
‫ب‪ ،‬فقال لسلمة بن الكوع‪ ،‬وقد وقع في‬
‫ل الهدية‪ ،‬وأثاب عليها‪ ،‬ووهب‪ ،‬واّته َ‬
‫وأهدى‪َ ،‬وَقِب َ‬
‫ن الُمسلمين‪.‬‬
‫ساَرى ِم َ‬
‫ل مّكة ُأ َ‬
‫ن أْه ِ‬
‫سهمه جارية‪َ)) :‬هْبَها ِلي(( فوَهَبها له‪َ ،‬فَفاَدى بها ِم ْ‬
‫ل‪.‬‬
‫جِ‬‫ل والمؤ ّ‬
‫واستدان برهن‪ ،‬وِبغير رهن‪ ،‬واستعار‪ ،‬واشترى بالثمن الحا ّ‬
‫]أحكام متعددة في العقود[‬
‫عِمَلها كان مضمونًا له بالجَنة‪،‬‬
‫ن َ‬
‫ل َم ْ‬
‫وضمن ضمانًا خاصًا على رّبه على أعما ٍ‬
‫ي ِمن المسلمين‪ ،‬ولم يدع وفاًء أنها عليه وهو ُيوفيها وقد قيل‪ :‬إن هذا‬
‫وضمانا عامًا لديون من ُتوف ّ‬
‫الحكَم عام للئمة بعده‪ ،‬فالسلطان ضامن لديون المسلمين إذا لم ُيخلفوا وفاًء‪ ،‬فإنها عليه ُيوفيها من‬
‫ع وارثًا‪ ،‬فكذلك يقضي عنه ديَنه إذا مات ولم َيَد ْ‬
‫ع‬ ‫بيت المال‪ ،‬وقالوا‪ :‬كما يرثه إذا مات‪ ،‬ولم َيَد ْ‬
‫ل صلى ال عليه‬
‫لا ّ‬
‫ف رسو ُ‬
‫ق عليه‪ .‬ووق َ‬
‫ن ُيْنِف ُ‬
‫ق عليه في حياته إذا لم يكن له َم ْ‬
‫وفاًء‪ ،‬وكذلك ُيْنِف ُ‬
‫شّفع إليه‪ ،‬ورَدت بريرُة شفاعَته في‬
‫ل‪ ،‬وتشّفع‪ ،‬وَ ُ‬
‫وسلم أرضًا كانت له‪ ،‬جعلها صدقًة في سبيل ا ّ‬
‫ب‪ ،‬وهو السوة والقدوة‪ ،‬وحلف في أكثَر من ثمانين‬
‫عِت َ‬
‫مراجعتها ُمغيثًا‪ ،‬فلم يغضب عليها‪ ،‬ول َ‬
‫ل ِإي‬
‫ق ُهَو ُق ْ‬
‫حّ‬‫ك َأ َ‬
‫سَتْنِبُئوَن َ‬
‫ل سبحانه بالحلف في ثلثة مواضع‪ ،‬فقال تعالى‪َ} :‬وَي ْ‬
‫موضعًا‪ ،‬وأمره ا ُّ‬
‫ى َوَرّبي‬
‫ل َبَل َ‬
‫ساعُة ُق ْ‬
‫ل َتْأِتيَنا ال ّ‬
‫ن َكَفُروْا َ‬
‫ل اّلذي َ‬
‫ق{ ]يونس‪ [53 :‬قال تعالى‪َ}:‬وَقا َ‬
‫حّ‬‫َوَرّبي ِإّنه َل َ‬
‫ن ِبَما‬
‫ن ُثّم َلُتَنّبؤ ّ‬
‫ى َوَرّبي َلُتْبَعُث ّ‬
‫ل َبَل َ‬
‫ن َكَفُرَوْا َأن ّلن ُيْبَعُثوْا ُق ْ‬
‫عَم اّلذي َ‬
‫َلَتْأِتَيّنكْم{ ]سبأ‪ [3 :‬وقال تعالى‪َ} :‬ز َ‬
‫سيٌر{ ]التغابن‪ [7 :‬وكان إسماعيل بن إسحاق القاضي يذاِكر أبا بكر محمد‬
‫ل َي ِ‬
‫عَلى ا ّ‬
‫ك َ‬
‫عِمْلُتْم َوَذِل َ‬
‫َ‬
‫بن داود الظاهري‪ ،‬ول ُيسميه بالفقيه‪ ،‬فتحاكم إليه يومًا هو وخصٌم له‪ ،‬فتوجهت اليمينُ على أبي‬
‫ف ومثُلك يحلف يا أبا بكر؟! فقال‪:‬‬
‫بكر بن داود‪ ،‬فتهيأ للحلف‪ ،‬فقال له القاضي إسماعيل‪ :‬أو تحِل ُ‬
‫‪71‬‬

‫ل تعالى نبيه بالحِلف في ثلثة مواضع من كتابه‪ ،‬قال‪ :‬أين ذلك؟‬


‫وما يمنعني من الحِلف وقد أمر ا ّ‬
‫فسردها له أبو بكر‪ ،‬فاستحسن ذلك منه جدًا‪ ،‬ودعاه بالفقيه ِمن ذلك اليوم‪.‬‬
‫وكان صلى ال عليه وسلم َيستثني في يمينه تارة‪ ،‬ويكّفرها تارًة‪ ،‬ويمضي‬
‫حّلة‪.‬‬
‫حلَها بعد عقدها‪ ،‬ولهذا سماها ال َت ِ‬
‫فيها تارًة‪ ،‬والستثناء يمنع عقد اليمين‪ ،‬والكفارة َت ُ‬
‫حه الحق‪ ،‬وُيَوّري‪ ،‬ول يقول في توريته‬
‫وكان ُيمازح‪ ،‬ويقول في ُمزا ِ‬
‫صدها فيسأل عن غيرها كيف طريُقها؟ وكيف مياُهها ومسلكها؟ أو‬
‫إل بحق‪ ،‬مثل أن ُيريد جهة يق ِ‬
‫نحو ذلك‪ .‬وكان ُيشير ويستشير‪.‬‬
‫عَوة‪ ،‬ويمشي مع الرملة والمسكين‬
‫جنازة‪ ،‬وُيجيب الّد ْ‬
‫وكان يعود المريض ويشهُد ال ِ‬
‫ح الشعر‪ ،‬وأثاب عليه‪ ،‬ولكن ما قيل فيه من المديح‪ ،‬فهو جزء‬
‫والضعيف في حوائجهم‪ ،‬وسمع مدي َ‬
‫ح غيره من الناس‪ ،‬فأكثُر ما يكون بالكذب‪ ،‬فلذلك‬
‫يسير جدًا ِمن محامده‪ ،‬وَأثاب على الحق‪ .‬وأما مد ُ‬
‫ن الّترا ُ‬
‫ب‬ ‫جوه المداحي َ‬
‫َأَمَر أن ُيحَثى في و ُ‬
‫فصل‬
‫ف نعله بيده‪ ،‬ورَقَع ثوبه‬
‫ص َ‬
‫خ َ‬
‫ع‪ ،‬و َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم بنفسه على القدام‪ ،‬وصار َ‬
‫ل ا ِّ‬
‫وسابق رسو ُ‬
‫ن في بناء المسجد‪،‬‬
‫بيده‪ ،‬ورَقَع دلوه‪ ،‬وحلب شاته‪َ ،‬وَفَلى ثوَبه‪ ،‬وخدم أهله ونفسه‪ ،‬وحمل معهم الّلِب َ‬
‫سط رأسه‪،‬‬
‫ف‪ ،‬وأحتجم في َو َ‬
‫ف وأضي َ‬
‫وربط على بطنه الحجر من الجوع تارة‪ ،‬وشبع تارة‪ ،‬واضا َ‬
‫ى ولم يكَتو‬
‫وعلى ظهر قدمه‪ ،‬واحتجم في الخدعين والكاهل وهو ما بين الكتفين‪ ،‬وتداوى‪ ،‬وكو َ‬
‫ق‪ ،‬وحمى المريض مّما يؤذيه‪.‬‬
‫سَتْر ِ‬
‫ِ‪،‬ورقى ولم َي ْ‬
‫حمية‪ ،‬وحفظ الصحة‪ ،‬واستفراغ المادة المضرة ‪ ،‬قد جمعها ا ّ‬
‫ل‬ ‫وأصول الطب ثلثة‪ :‬ال ِ‬
‫تعالى له ولمته في ثلثَة مواضع من كتابه‪ ،‬فحمى المريض ِمن استعمال الماء خشيَة من الضرر‪،‬‬
‫سُتُم الّنساَء َفَلْم‬
‫لَم ْ‬
‫ط َأْو َ‬
‫حٌد ّمْنُكْم ّمن اْلَغاِئ ِ‬
‫جاَء َأ َ‬
‫سَفٍر َأْو َ‬
‫ى َ‬
‫عَل َ‬
‫ى َأْو َ‬
‫ضَ‬‫ن ُكْنُتْم ّمْر َ‬
‫فقال تعالى‪َ} :‬وِإ ْ‬
‫طّيبا{ ]النساء‪] [43 :‬المائدة‪ [6 :‬فأباح التيمم للمريض حمية له‪ ،‬كما‬
‫صِعيدًا َ‬
‫جُدوْا َماًء َفَتَيّمموْا َ‬
‫َت ِ‬
‫خَر{‬
‫ن َأّيام ُأ َ‬
‫سَفٍر َفِعّدة ّم ْ‬
‫ى َ‬
‫عَل َ‬
‫ن ِمنُكم ّمريضًا َأْو َ‬
‫أباحه للعادم‪ ،‬وقال في حفظ الصحة‪َ} :‬فَمن َكا َ‬
‫ح للمسافر الفطَر في رمضان حفظًا لصحته‪ ،‬لئل يجتمع على قوته الصوم‬
‫]البقرة‪َ [184 :‬فأَبا َ‬
‫ف القوة والصحة‪ .‬وقال في الستفراغ في حلق الرأس للمحرم ‪َ} :‬فَمن َكا َ‬
‫ن‬ ‫ومشقُة السفر‪َ ،‬فيضَع ُ‬
‫ك{ ]البقرة‪َ [196 :‬فأَباح‬
‫سٍ‬
‫صَدَقٍة َأْو ُن ُ‬
‫صَياٍم َأْو َ‬
‫سِه َفِفْدَيٌة ّمن ِ‬
‫ِمنُكم ّمريضًا َأْو ِبِه َأًذى ّمن ّرْأ ِ‬
‫للمريض َوَمن به أذى من رأسه وهو ُمحِرم أن يحلق رأسه‪ ،‬ويستفِرغ المواد الفاسدة‪ ،‬والبخرة‬
‫‪72‬‬

‫جَرَة‪ ،‬أو ُتولد عليه المرض‪ ،‬وهذه الثلثة هي‬


‫عْ‬‫ن ُ‬
‫صل لكعب ب ْ‬
‫ل‪ ،‬كما ح َ‬
‫الرديئة التي تولد عليه الَقم َ‬
‫قواعد الطب وأصوله‪ ،‬فذكر من كل جنس منها شيئًا‪ ،‬وصورة‪ ،‬تنبيهًا بها على نعمته على عباده في‬
‫حتهم‪ ،‬واستفراغ مواد أذاهم‪ ،‬رخصًة لعباده‪ ،‬ولطفًا بهم‪ ،‬ورأفة بهم‪.‬‬
‫صّ‬‫ظ ِ‬
‫حف ِ‬
‫حميتهم‪ ،‬و ِ‬
‫أمثالها من ِ‬
‫وهو الّرؤوف الرحيم‪.‬‬
‫فصل‬
‫في هديه صلى ال عليه وسلم في معاملته‬
‫ف من‬
‫سَل َ‬
‫سَت ْ‬
‫س ُمعاملًة‪ .‬وكان إذا استلف سلفًا قضى خيرًا منه‪ .‬وكان إذا ا ْ‬
‫ن الّنا ِ‬
‫كان أحس َ‬
‫حْمُد‬
‫ف ال َ‬
‫جَزاُء السَّل ِ‬
‫ك‪ ،‬إّنَما َ‬
‫ك َوَماِل َ‬
‫ك في َأهِل َ‬
‫ل َل َ‬
‫ك ا ُّ‬
‫سَلفًا‪ ،‬قضاه إياه‪ ،‬ودعا له‪ ،‬فقال‪َ)) :‬باَر َ‬
‫رجل َ‬
‫والداُء((‪.‬‬
‫ي‪ ،‬فأتاه‪ ،‬فقال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫واستسلف من رجل أربعين صاعًا‪ ،‬فاحتاج النصار ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪َ )) :‬‬
‫ل‬ ‫شيٍء َبعد(( فقال الرجل‪ :‬وَأَراَد أن يتكلم‪ ،‬فقال رسول ا ّ‬
‫ن َ‬
‫جاَءَنا ِم ْ‬
‫))َما َ‬
‫سلفة‪ ،‬فأعطاه ثمانين‪ .‬ذكره‬
‫ل‪ ،‬وأربعين ُ‬
‫ف(( فأعطاه أربعين فض ً‬
‫سّل َ‬
‫خيُر َمن َت َ‬
‫خيرًا‪َ ،‬فَأَنا َ‬
‫ل إل َ‬
‫َتُق ْ‬
‫البزار‪ .‬واقترض بعيرًا‪ ،‬فجاء صاحبه يتقاضاه‪ ،‬فأغلظ للنبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فهَم به أصحاُبه‪،‬‬
‫ح فيه‪ ،‬فباعه‪،‬‬
‫ل(( واشترى مرة شيئًا وليس عنده ثمُنه فُأْرِب َ‬
‫حق َمَقا ً‬
‫ب ال َ‬
‫ح ِ‬
‫صا ِ‬
‫ن ِل َ‬
‫عوُه َفإ ّ‬
‫فقال‪َ)) :‬د ُ‬
‫عْنِدي ثمُنه((‬
‫ل َو ِ‬
‫شَتِرى َبْعَد َهَذا شْيئًا إ ّ‬
‫ل َأ ْ‬
‫وتصّدق بالربح على أرامل بني عبد المطلب‪ ،‬وقال‪َ )) :‬‬
‫ذكره أبو داود‪ ،‬وهذا ل ُيناقض الشراء في الذمة إلى أجل‪ ،‬فهذا شيء‪ ،‬وهذا شيء‪ .‬وتقاضاه غريم‬
‫ن َتْأمرني‬
‫ج َإلى َأ ْ‬
‫حَو َ‬
‫ت َأ ْ‬
‫عَمُر ُكْن ُ‬
‫له دينًا‪ ،‬فأغلظ عليه‪ ،‬فهّم به عمُر بن الخطاب فقال‪َ)) :‬مْه َيا ُ‬
‫صْبِر((‪ ،‬وباعه يهودي بيعًا إلى أجل‪ ،‬فجاءه قبل الجل‬
‫ن َتْأُمَرُه ِبال ّ‬
‫حَوج إَلى َأ ْ‬
‫ن َأ ْ‬
‫ِباْلَوَفاِء‪َ .‬وَكا َ‬
‫طل َيا بَني عبِد المطلب‪ ،‬فهّم به أصحاُبه‪،‬‬
‫ي‪ :‬إنكم َلم ْ‬
‫ل‪ ،‬فقال اليهود ّ‬
‫ل الج ُ‬
‫حّ‬‫يتقاضاه ثمَنه‪ ،‬فقال‪ :‬لم َي ِ‬
‫ل شيء منه قد عرفته من علمات النبوة‪ ،‬وبقيت‬
‫حلمًا‪ ،‬فقال اليهودي‪ُ :‬ك ّ‬
‫فنهاهم‪ ،‬فلم َيِزْده ذلك إل ِ‬
‫عِرَفها‪ ،‬فأسلم اليهودي‪.‬‬
‫ت أن أ ْ‬
‫واحدٌة‪ ،‬وهي أنه ل تزيُده شدُة الجهل عليه إل حلمًا‪ ،‬فأرد ُ‬
‫فصل‬
‫في هديه صلى ال عليه وسلم في مشيه وحده ومع أصحابه‬
‫ع الناس ِمشيًة‪ ،‬وأحسَنها وأسكنها قال أبو هريرة‪ :‬ما‬
‫كان إذا مشى‪ ،‬تكّفأ تكّفؤًا‪ ،‬وكان أسَر َ‬
‫س تجري في وجهه‪ ،‬وما رأي ُ‬
‫ت‬ ‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬كأن الشم َ‬
‫ن من رسول ا ّ‬
‫ت شيئًا أحس َ‬
‫رأي ُ‬
‫جَهُد‬
‫ض ُتطوى له‪ ،‬وإنا َلن ْ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬كأنما الر ُ‬
‫أحدًا أسرع في ِمشيته من رسول ا ّ‬
‫‪73‬‬

‫ل صلى ال عليه‬
‫لا ّ‬
‫ل عنه‪ :‬كان رسو ُ‬
‫سنا وإنه لغيُر ُمْكَتِرث‪ .‬وقال علي بن أبي طالب رضي ا ّ‬
‫أنف َ‬
‫ت‪ :‬والتقُلع‪ :‬الرتفا ُ‬
‫ع‬ ‫ب‪ ،‬وقال مرة‪ :‬إذا مشى‪ ،‬تقّلع قل ُ‬
‫صَب ٍ‬
‫ن َ‬
‫ط ِم ْ‬
‫وسلم إذا مشى تكّفأ تكفؤًا كأنما ينح ّ‬
‫من الرض بجملته‪ ،‬كحال المنحط من الصبب‪ ،‬وهي ِمشية أولي العزم والِهمة والشجاعة‪ ،‬وهي‬
‫ي‪ ،‬إّما‬
‫ج والمهانة والتماوت‪ ،‬فإن الماش َ‬
‫حها للعضاء‪ ،‬وأبعُدها من ِمشية الَهَو ِ‬
‫ل الِمشيات وأروا ُ‬
‫أعد ُ‬
‫أن يتماوت في مشيه ويمشي قطعة واحدة‪ ،‬كأنه خشبة محمولة‪ ،‬وهي ِمشية مذمومة قبيحة‪ ،‬وإّما أن‬
‫خّفة‬
‫يمشي بانزعاج واضطراب مشي الجمل الهوج‪ ،‬وهي ِمشيٌة مذمومة أيضًا‪ ،‬وهي دالة على ِ‬
‫ل‪ ،‬وإّما أن يمشي َهْونًا‪ ،‬وهي‬
‫عقل صاحبها‪ ،‬ول سيما إن كان ُيكثُر اللتفات حال مشيه يمينًا وشما ً‬
‫ى الْر ِ‬
‫ض‬ ‫عَل َ‬
‫ن َ‬
‫شو َ‬
‫ن َيْم ُ‬
‫ن اّلذي َ‬
‫حَم ِ‬
‫عَباُد الّر ْ‬
‫ِمشية عباِد الرحمن‪ ،‬كما وصفهم بها في كتابه‪ ،‬فقال‪َ} :‬و ِ‬
‫َهْونًا{ ]الفرقان‪ [63 :‬قال غيُر واحد من السلف‪ :‬بسكينة ووقار من غير تكّبر ول تماوت‪ ،‬وهي‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فإنه مع هذه الِمشية كان كأنما ينحط من صبب‪ ،‬وكأنما‬
‫ِمشية رسول ا ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم غيُر‬
‫لا ّ‬
‫سه ورسو ُ‬
‫جِهُد نف َ‬
‫ض ُتطوى له‪ ،‬حتى كان الماشي معه ُي ْ‬
‫الر ُ‬
‫ث‪ ،‬وهذا يدل على أمرين‪ :‬أن ِمشيته لم تكن ِمشية بتماوت ول بمهانة‪ ،‬بل مشية أعدل‬
‫ُمْكَتِر ٍ‬
‫المشيات‪.‬‬
‫ل‪ ،‬وهو‬
‫والمشيات عشرة أنواع‪ ،‬هذه الثلثة منها‪ ،‬والرابع‪ :‬السعي‪ .‬والخامس‪ :‬الّرَم َ‬
‫خبب‪ ،‬وفي الصحيح من حديث ابن عمر أن النبي صلى‬
‫طا‪ ،‬ويسمى‪ :‬ال َ‬
‫خَ‬‫ع المشي مع تقارب ال ُ‬
‫أسر ُ‬
‫طواِفِه ثلثًا‪ ،‬ومشى أربعًا‪.‬‬
‫ب في َ‬
‫خ ّ‬
‫ال عليه وسلم َ‬
‫سلن‪ ،‬وهو الَعْدو الخفيف الذي ل ُيزعج الماشي‪ ،‬ول َيْكِرُثُه‪ .‬وفي بعض‬
‫السادس‪ :‬الّن َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم من المشي في حجة الوداع‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫شَكْوا إلى رسول ا ّ‬
‫المسانيد أن المشاة َ‬
‫ن((‪.‬‬
‫لِ‬‫سَ‬
‫سَتِعيُنوا بالّن َ‬
‫))ا ْ‬
‫خْوَزلى‪ ،‬وهي ِمشية التمايل‪ ،‬وهي ِمشية‪ ،‬يقال‪ :‬إن فيها تكسرا وتخنثًا‪.‬‬
‫والسابع‪ :‬ال َ‬
‫والثامن‪ :‬القهقرى‪ ،‬وهي المشية إلى وراء‪.‬‬
‫ب فيها الماشي وثبًا‪.‬‬
‫جَمَزى‪ ،‬وهي ِمشية َيِث ُ‬
‫والتاسع‪ :‬ال َ‬
‫ل سبحانه‬
‫ف ا ُّ‬
‫س َ‬
‫خَ‬‫والعاشر‪ِ :‬مشية التبختر‪ ،‬وهي ِمشية ُأولي العجب والتكّبر‪ ،‬وهي التي َ‬
‫ل في الرض إلى يوم القيامة‪.‬‬
‫سه‪ ،‬فهو يتجلج ُ‬
‫طَفْيِه وأعجبته نف ُ‬
‫ع ْ‬
‫بصاحبها لما نظر في ِ‬
‫ن والتكّفؤ‪.‬‬
‫ل هذه الِمشيات ِمشية الَهْو ِ‬
‫وأعد ُ‬
‫‪74‬‬

‫ل‪ ،‬وهو‬
‫والمشيات عشرة أنواع‪ ،‬هذه الثلثة منها‪ ،‬والرابع‪ :‬السعي‪ .‬والخامس‪ :‬الّرَم َ‬
‫خبب‪ ،‬وفي الصحيح من حديث ابن عمر أن النبي صلى‬
‫طا‪ ،‬ويسمى‪ :‬ال َ‬
‫خَ‬‫ع المشي مع تقارب ال ُ‬
‫أسر ُ‬
‫طواِفِه ثلثًا‪ ،‬ومشى أربعًا‪.‬‬
‫ب في َ‬
‫خ ّ‬
‫ال عليه وسلم َ‬
‫سلن‪ ،‬وهو الَعْدو الخفيف الذي ل ُيزعج الماشي‪ ،‬ول َيْكِرُثُه‪ .‬وفي بعض‬
‫السادس‪ :‬الّن َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم من المشي في حجة الوداع‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫شَكْوا إلى رسول ا ّ‬
‫المسانيد أن المشاة َ‬
‫ن((‪.‬‬
‫لِ‬‫سَ‬
‫سَتِعيُنوا بالّن َ‬
‫))ا ْ‬
‫خْوَزلى‪ ،‬وهي ِمشية التمايل‪ ،‬وهي ِمشية‪ ،‬يقال‪ :‬إن فيها تكسرا وتخنثًا‪.‬‬
‫والسابع‪ :‬ال َ‬
‫والثامن‪ :‬القهقرى‪ ،‬وهي المشية إلى وراء‪.‬‬
‫ب فيها الماشي وثبًا‪.‬‬
‫جَمَزى‪ ،‬وهي ِمشية َيِث ُ‬
‫والتاسع‪ :‬ال َ‬
‫ل سبحانه‬
‫ف ا ُّ‬
‫س َ‬
‫خَ‬‫والعاشر‪ِ :‬مشية التبختر‪ ،‬وهي ِمشية ُأولي العجب والتكّبر‪ ،‬وهي التي َ‬
‫ل في الرض إلى يوم القيامة‪.‬‬
‫سه‪ ،‬فهو يتجلج ُ‬
‫طَفْيِه وأعجبته نف ُ‬
‫ع ْ‬
‫بصاحبها لما نظر في ِ‬
‫ن والتكّفؤ‪.‬‬
‫ل هذه الِمشيات ِمشية الَهْو ِ‬
‫وأعد ُ‬
‫فصل‬
‫في هديه صلى ال عليه وسلم في جلوسه واتكائه‬
‫ت رسول‬
‫خَرَمة‪ :‬أتي ُ‬
‫كان يجِلس على الرض‪ ،‬وعلى الحصير‪ ،‬والِبساط‪ ،‬وقالت َقْيَلُة بنت َم ْ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‬
‫ت رسول ا ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم وهو قاعد الُقرفصاء‪ ،‬قالت‪ :‬فلما رأي ُ‬
‫ا ّ‬
‫ن حاِتم‪ ،‬دعُاه إلى منزله‪ ،‬فألقت إليه‬
‫يبُ‬
‫ت من الَفَرق‪ .‬ولما قدم عليه عد ّ‬
‫عد ُ‬
‫شع في الجِلسة‪ُ ،‬أر ِ‬
‫كالمتخ ّ‬
‫ت أنه‬
‫الجاريُة ِوسادة يجِلس عليها‪ ،‬فجعلها بينه وبين عدي‪ ،‬وجلس على الرض‪ .‬قال عدي‪ :‬فعرف ُ‬
‫ليس بَمِلك‪ .‬وكان يستلقي أحيانًا‪ ،‬ورب وضع إحدى رجليه على الخرى‪ ،‬وكان يتكىء على‬
‫الِوسادة‪ ،‬وربما اتكأ على يساره‪ ،‬وربما اتكأ على يمينه‪ .‬وكان إذا احتاج في خروجه‪ ،‬توكأ على‬
‫بعض أصحابه من الضعف‪.‬‬
‫فصل‬
‫في هديه صلى ال عليه وسلم عند قضاء الحاجة‬
‫ج ِ‬
‫س‬ ‫س الّن ِ‬
‫ج ِ‬
‫ث(( ))الّر ْ‬
‫خَباِئ ِ‬
‫ث وال َ‬
‫خُب ِ‬
‫ن ال ُ‬
‫ك ِم َ‬
‫عوُذ ِب َ‬
‫كان إذا دخل الخلء قال‪)) :‬الّلُهّم إّني َأ ُ‬
‫جيِم((‪.‬‬
‫ن الّر ِ‬
‫طا ِ‬
‫شْي َ‬
‫ال ّ‬
‫ك((‪.‬‬
‫غْفَراَن َ‬
‫وكان إذا خرج يقول‪ُ )) :‬‬
‫‪75‬‬

‫وكان يستنجي بالماء تارة‪ ،‬ويستجِمر بالحجار تارة‪ ،‬ويجمع بينهما تارة‪.‬‬
‫وكان إذا ذهب في سفره للحاجة‪ ،‬انطلق حتى يتواَرى عن أصحابه‪ ،‬وربما كان يبُعد نحو‬
‫الميلين‪.‬‬
‫ش الّنخل تارة‪ ،‬وبشجر الوادي تارة‪.‬‬
‫حاِئ ِ‬
‫وكان يستِتر للحاجة بالهدف تارة‪َ ،‬وِب َ‬
‫وكان إذا أراد أن يبول في عَزاٍز من الرض ‪ -‬وهو الموضع الصلب ‪ -‬أخذ عودًا من‬
‫الرض‪ ،‬فنكت به حتى ُيَثّرى‪ ،‬ثم يبول‪.‬‬
‫ث ‪ -‬وهو اللين الرخو من الرض ‪ -‬وأكثر ما كان‬
‫وكان يرتاد لبوله الموضع الّدِم َ‬
‫ل إل‬
‫ن حّدَثكم أنه كان ُيبول قائمًا‪ ،‬فل ُتصّدقوه‪ ،‬ما كان يبو ُ‬
‫يبول وهو قاعد‪ ،‬حتى قالت عائشة‪َ)) :‬م ْ‬
‫ل َقاِئمًا‪ .‬فقيل‪ :‬هذا بيان للجواز‬
‫قاعدا(( وقد روى مسلم في ))صحيحه(( من حديث حذيفة َأّنه َبا َ‬
‫ل‪ :‬والعرب‬
‫ضْيِه‪ .‬وقيل‪ :‬فعله استشفاًء‪ .‬قال الشافعي رحمه ا ّ‬
‫وقيل‪ :‬إنما فعله ِمن وجع كان ِبَمْأِب َ‬
‫ن وجع الصلب بالبول قائمًا‪ ،‬والصحيح أنه إنما فعل ذلك تنزهًا وُبعدًا من إصابة البول‪،‬‬
‫تستشفي م ِ‬
‫سباطة قوم وهو ملقى الُكناسة‪ ،‬وتسمى المزبلة‪ ،‬وهي تكون مرتفعة‪ ،‬فلو‬
‫فإنه إنما فعل هذا لما أتى ُ‬
‫بال فيها الرجل قاعدًا‪ ،‬لرتد عليه بوُله‪ ،‬وهو صلى ال عليه وسلم استتر بها‪ ،‬وجعلها بينه وبين‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫الحائط‪ ،‬فلم يكن بٌد من بوله قائمًا‪ ،‬وا ّ‬
‫ي صلى ال عليه وسلم وأنا أبول‬
‫وقد ذكر الترمذي عن عمر بن الخطاب قال‪ :‬رآني النب ّ‬
‫ل قائمًا((‪ ،‬قال‪ ،‬فما بلت قائمًا بعُد‪ .‬قال الترمذي‪ :‬وإنما رفعه عبد الكريم‬
‫قائمًا‪ ،‬فقال‪)) :‬يا عمر ل َتُب ْ‬
‫بن أبي المخارق‪ ،‬وهو ضعيف عند أهل الحديث‪.‬‬
‫ل صلى ال‬
‫ل بن ُبريدة عن أبيه‪ ،‬أن رسول ا ّ‬
‫وفي ))مسند البزار(( وغيره‪ ،‬من حديث عبد ا ّ‬
‫غ ِم ْ‬
‫ن‬ ‫ن َيْفُر َ‬
‫ل َأ ْ‬
‫جْبَهَتُه َقْب َ‬
‫ح َ‬
‫سَ‬‫ل َقاِئمًا‪َ ،‬أْو َيْم َ‬
‫جُ‬‫ل الّر ُ‬
‫ن َيُبو َ‬
‫جَفاِء‪َ :‬أ ْ‬
‫ن ال َ‬
‫ث ِم َ‬
‫ل ٌ‬
‫عليه وسلم قال‪َ)) :‬ث َ‬
‫جوِدِه((‪ .‬ورواه الترمذي وقال‪ :‬هو غير محفوظ‪ ،‬وقال البزار‪ :‬ل نعلم من‬
‫سُ‬
‫خ في ُ‬
‫لِتِه‪َ ،‬أْو َيْنُف َ‬
‫صَ‬‫َ‬
‫ل‪ ،‬ولم يجرحه بشيء‪ .‬وقال ابن أبي حاِتم‪ :‬هو‬
‫ل بن بريدة إل سعيد بن عبيد ا ّ‬
‫رواه عن عبد ا ّ‬
‫بصري ثقة مشهور‪.‬‬
‫وكان يخرج من الخلء‪ ،‬فيقرأ القرآن‪ ،‬وكان يستنجي‪ ،‬ويستجِمر بشماله‪ ،‬ولم يكن يصنع‬
‫شيئًا مما يصنعه المبتلون بالوسواس من َنْتر الّذَكِر‪ ،‬والنحنحة‪ ،‬والقفز‪ ،‬ومسك الحبل‪ ،‬وطلوع‬
‫ع أه ِ‬
‫ل‬ ‫لحليل‪ ،‬وصب الماء فيه‪ ،‬وتفقده الفينة بعد الفينة‪ ،‬ونحِو ذلك ِمن ِبَد ِ‬
‫الدرج‪ ،‬وحشو القطن في ا ِ‬
‫‪76‬‬

‫الوسواس‪ .‬وقد روي عنه صلى ال عليه وسلم أنه كان إذا َبالَع‪َ ،‬نَتَر َذَكره ثلثًا‪ .‬وروي أنه أمر به‪،‬‬
‫ولكن ل يصح من فعله ول أمره‪ .‬قاله أبو جعفر الُعقيلي‪.‬‬
‫وكان إذا سلم عليه أحد وهو يُبول‪ ،‬لم يرّد عليه‪ ،‬ذكره مسلم في ))صحيحه(( عن ابن عمر‪.‬‬
‫شَيَة‬
‫خْ‬‫ك َ‬
‫عَلْي َ‬
‫وروى البزار في ))مسنده(( في هذه القصة أنه رَد عليه‪ ،‬ثم قال ))إّنما َرَدْدتُ َ‬
‫عَلْي َ‬
‫ك‬ ‫ل َأُرّد َ‬
‫ي‪َ ،‬فإّني َ‬
‫عَل ّ‬
‫سّلْم َ‬
‫ل ُت َ‬
‫لمًا‪َ ،‬فإَذا َرَأْيَتِني هكذا‪َ ،‬ف َ‬
‫سَ‬‫ي َ‬
‫عَل ّ‬
‫عَلْيِه‪َ ،‬فَلْم َيُرّد َ‬
‫ت َ‬
‫ل‪ :‬سّلم ُ‬
‫ن َتُقو َ‬
‫َأ ْ‬
‫لَم((‪ .‬وقد قيل‪ :‬لعل هذا كان مرتين‪ ،‬وقيل‪ :‬حديث مسلم أصح‪ ،‬لنه من حديث الضحاك بن‬
‫سَ‬‫ال ّ‬
‫ل بن‬
‫عثمان‪ ،‬عن نافع‪ ،‬عن ابن عمر‪ ،‬وحديث البزار من رواية أبي بكر رجل من أولد عبد ا ّ‬
‫ل بن‬
‫ن عمر بن عبد الرحمن بن عبد ا ّ‬
‫عمر‪ ،‬عن نافع‪ ،‬عنه‪ .‬قيل‪ :‬وأبو بكر هذا‪ :‬هو أبو بكر ب ُ‬
‫عمر‪ ،‬روى عنه مالك وغيره‪ ،‬والضحاك أوثق منه‪.‬‬
‫ك على الرض‪ ،‬وكان إذا جلس لحاجته‪ ،‬لم يرفع‬
‫وكان إذا استنجى بالماء‪ ،‬ضرب يده بعد ذِل َ‬
‫ثوَبه حّتى يدنو ِمن الرض‪.‬‬
‫فصل‬
‫في هديه صلى ال عليه وسلم في الفطرة وتوابعها‬
‫ق صدرُه‬
‫شّ‬‫ختنته الملئكة يوَم ُ‬
‫قد سبق الخلف هل ُولد صلى ال عليه وسلم مختونًا‪ ،‬أو َ‬
‫لول مرة‪ ،‬أو ختنه جُده عبد المطلب؟‬
‫جِله وطهوره وأخِذه وعطائه‪ ،‬وكانت يميُنه ِلطعامه‬
‫وكان ُيعجبه التيمن في تنّعِله وتر ّ‬
‫خلئه ونحوه من إزالة الذى‪.‬‬
‫وشرابه وطهوره‪ ،‬وَيساُره ِل َ‬
‫ع بعضه‪ ،‬ولم‬
‫وكان هدُيه في حلق الرأس ترَكه كّله‪ ،‬أو أخَذه كّله‪ ،‬ولم يكن يحِلق بعضه‪ ،‬ويد ُ‬
‫ك‪ ،‬وكان يستاك مفطرًا وصائمًا‪ ،‬ويستاك عند‬
‫سوا َ‬
‫ُيحفظ عنه حلُقه إل في ُنسك‪ .‬وكان ُيحب ال ّ‬
‫النتباه من النوم‪ ،‬وعند الوضوء‪ ،‬وعند الصلة‪ ،‬وعند دخول المنزل‪ ،‬وكان يستاك ِبُعود الرائك‪.‬‬
‫طِلي بالّنَورة‪.‬‬
‫طيب‪ ،‬وُذِكَر عنه أنه كان َي ّ‬
‫ب‪ ،‬ويحب ال ّ‬
‫وكان ُيكثر التطي َ‬
‫ل شعره‪ ،‬ثم فرقه‪ ،‬والفرق أن يجعل شعره ِفرقتين‪ ،‬كل فرقة ذؤابة‪ ،‬والسدل‬
‫سُد ُ‬
‫ل َي ْ‬
‫وكان أو ً‬
‫أن يسُدَله من ورائه ول يجعله ِفرقتين‪ .‬ولم يدخل حمامًا قط‪ ،‬ولعله ما رآه بعينه‪ ،‬ولم يصح في‬
‫الحمام حديث‪.‬‬
‫ل ليلة ثلثًا عند النوم في كل عين‪ .‬واختلف الصحابة في‬
‫حل منها ك ّ‬
‫حلة يكت ِ‬
‫وكان له ُمك ُ‬
‫حميد‪ ،‬عن‬
‫ب وقال أبو هريرة خضب‪ ،‬وقد روى حماد بن سلمة عن ُ‬
‫ض ْ‬
‫خضابه‪ ،‬فقال أنس لم يخ ِ‬
‫ِ‬
‫‪77‬‬

‫ل بن‬
‫ل صلى ال عليه وسلم مخضوبًا‪ ،‬قال حماد‪ :‬وأخبرني عبد ا ّ‬
‫ت شعر رسول ا ّ‬
‫أنس قال رأي ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم عند أنس بن مالك مخضوبًا‪ ،‬وقالت‬
‫محمد بن عقيل قال‪ :‬رأيت شعر رسول ا ّ‬
‫ب قد احَمّر شعره‪ ،‬فكان ُيظن مخضوبًا‪.‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم مما ُيْكِثُر الطي َ‬
‫لا ّ‬
‫طائفة‪ :‬كان رسو ُ‬
‫ك؟((‬
‫ل صلى ال عليه وسلم مع ابن لي‪ ،‬فقال‪)) :‬أهذا ابُن َ‬
‫ضب وقال أبو ِرْمثة‪ :‬أتيت رسول ا ّ‬
‫ولم يخ ِ‬
‫ك((‪ ،‬قال‪ :‬ورأيت الشيب أحمر‪ ،‬قال‬
‫عَلْي َ‬
‫جِني َ‬
‫ل َي ْ‬
‫عَلْيِه‪َ ،‬و َ‬
‫جني َ‬
‫ت‪ :‬نعم أشهد به‪ ،‬فقال‪)) :‬ل َت ْ‬
‫ُقل ُ‬
‫الترمذي‪ :‬هذا أحسن شيء روي في هذا الباب وأفسرُه‪ ،‬لن الروايات الصحيحة أن النبي صلى ال‬
‫سماك بن حرب قيل لجابر بن سمرة‪ :‬أكان في‬
‫عليه وسلم لم يبلغ الشيب‪ .‬قال حماد بن سلمة عن ِ‬
‫ق رأسِه إذا‬
‫ت في َمْفِر ِ‬
‫ب إل شعرا ٍ‬
‫رأس النبي صلى ال عليه وسلم شيب؟ قال‪ :‬لم يكن في رأسه شي ٌ‬
‫ن رأسه ولحيته‪،‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ُيْكِثُر ُده َ‬
‫لا ّ‬
‫ن الّدهن‪ :‬قال أنس‪ :‬وكان رسو ُ‬
‫اّدهن وأراُه ّ‬
‫جله عائشة‬
‫جل نفسه تارة‪ ،‬وتر ّ‬
‫ل‪ ،‬وكان ير ّ‬
‫جَ‬‫ب التر ُ‬
‫ب زيات وكان ُيح ّ‬
‫ع كأن ثوبه ثو ُ‬
‫وُيكثر الِقَنا َ‬
‫جّمُته تضِرب شحمَة أذنيه‪ ،‬وإذا طال‪ ،‬جعله‬
‫جّمة وُدون الَوْفَرِة‪ ،‬وكانت ُ‬
‫تارة‪ .‬وكان شعره فوق ال ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم مكة َقْدَمًة‪ ،‬وله أربع غدائر‪،‬‬
‫لا ّ‬
‫غَداِئَر أربعًا‪ ،‬قالت أّم هانئ‪ :‬قدم علينا رسو ُ‬
‫َ‬
‫والغدائر‪ :‬الضفائر‪ ،‬وهذا حديث صحيح وكان صلى ال عليه وسلم ل يرّد الطيب‪ ،‬وثبت عنه في‬
‫خِفي ُ‬
‫ف‬ ‫حِة‪َ ،‬‬
‫ب الّراِئ َ‬
‫طّي ُ‬
‫ل َيُرّده‪َ ،‬فإّنُه َ‬
‫ن َف َ‬
‫حا ٌ‬
‫عَلْيِه َرْي َ‬
‫ض َ‬
‫عِر َ‬
‫ن ُ‬
‫ث ))صحيح مسلم(( أنه قال‪َ)) :‬م ْ‬
‫حدي ِ‬
‫ل َيُرّده(( وليس بمعناه‪،‬‬
‫ب َف َ‬
‫طي ٌ‬
‫عَلْيِه ِ‬
‫عِرضَ َ‬
‫ن ُ‬
‫حِمل((‪ ،‬هذا لفظ الحديث‪ ،‬وبعضهم يرويه‪َ)) :‬م ْ‬
‫الَم ْ‬
‫فإن الريحان ل تكُثر الِمّنُة بأخذه‪ ،‬وقد جرت العادُة بالتسامح في بذله‪ ،‬بخلف المسك والعنبر‬
‫عْزرة بن ثابت‪ ،‬عن ُثمامة‪ ،‬قال أنس‪ :‬كان رسو ُ‬
‫ل‬ ‫والَغاِلية ونحوها‪ ،‬ولكن الذي ثبت عنه من حديث َ‬
‫طي َ‬
‫ب‬ ‫ل صلى ال عليه وسلم ل َيُرّد ال ّ‬
‫ا ّ‬
‫ن(( فحديث معلول‪ ،‬رواه‬
‫ن‪ ،‬والَلَب ُ‬
‫ساِئُد‪ ،‬والّدْه ُ‬
‫ث ل ُترد‪ :‬الَو َ‬
‫ل ٌ‬
‫ث ابن عمر يرفعه ))َث َ‬
‫وأّما حدي ُ‬
‫ل بن مسلم بن جندب‪ ،‬عن‬
‫الترمذي وذكر علته‪ ،‬ول أحفظ الن ما قيل فيه‪ ،‬إل أنه من رواية عبد ا ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫أبيه‪ ،‬عن ابن عمر‪ .‬ومن مراسيل أبي عثمان الّنهدي قال‪ :‬قال رسول ا ّ‬
‫ل صلى ال عليه‬
‫جّنِة((‪ .‬وكان لرسول ا ّ‬
‫ن ال َ‬
‫ج ِم َ‬
‫خَر َ‬
‫ل َيُرّدُه‪َ ،‬فإّنُه َ‬
‫ن‪َ ،‬ف َ‬
‫حا َ‬
‫حُدُكُم الّرْي َ‬
‫ي َأ َ‬
‫طَ‬‫عِ‬
‫))ِإَذا ُأ ْ‬
‫حّناِء‪.‬‬
‫ب الطيب إليه الِمسك‪ ،‬وكان ُيعجبه الفاغية قيل‪ :‬وهي َنْور ال ِ‬
‫ب منها‪ ،‬وكان أح ّ‬
‫طي ُ‬
‫سّكة يت ّ‬
‫وسلم ُ‬
‫فصل‬
‫في هديه صلى ال عليه وسلم في قص الشارب‬
‫‪78‬‬

‫عكرمة‪ ،‬عن ابن عباس‬


‫سماك‪ ،‬عن ِ‬
‫قال أبو عمر بن عبد البر‪ :‬روى الحسن بن صالح‪ ،‬عن ِ‬
‫ص شاربه‪ ،‬ويذكر أن إبراهيَم كان‬
‫ل صلى ال عليه وسلم كان يق ّ‬
‫ل عنهما أن رسول ا ّ‬
‫رضي ا ّ‬
‫ص شاِرَبه‪ ،‬ووقفه طائفة على ابن عباس وروى الترمذي من حديث زيد بن أرقم قال‪ :‬قال رسولُ‬
‫َيق ّ‬
‫س ِمّنا(( وقال‪ :‬حديث صحيح‪ ،‬وفي‬
‫شاِرِبِه‪َ ،‬فَلْي َ‬
‫ن َ‬
‫خْذ ِم ْ‬
‫ن َلْم َيْأ ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪َ)) :‬م ْ‬
‫ا ِّ‬
‫ب‪،‬‬
‫شَواِر َ‬
‫صوا ال ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ُ)) :‬ق ّ‬
‫ل ا ِّ‬
‫))صحيح مسلم(( عن أبي هريرة قال‪ :‬قال رسو ُ‬
‫ي صلى ال عليه‬
‫ن عمر‪ ،‬عن النب ّ‬
‫س(( وفي ))الصحيحين(( عن اب ِ‬
‫جو َ‬
‫خاِلُفوا الَم ُ‬
‫حى‪َ ،‬‬
‫خوا الّل َ‬
‫َوَأْر ُ‬
‫ب(( وفي ))صحيح مسلم(( عن أنس‬
‫ن‪ ،‬ووّفُروا الّلحى‪ ،‬وَأحفوا الشوار َ‬
‫شِرِكي َ‬
‫خاِلُفوا الُم ْ‬
‫وسلم‪َ )) :‬‬
‫ك َأْكَثر ِم ْ‬
‫ن‬ ‫ل َنْتُر َ‬
‫ظَفار‪َ ،‬أ ّ‬
‫ل ْ‬
‫ي صلى ال عليه وسلم في قص الشوارب َوَتْقِليِم ا َ‬
‫ت َلَنا الّنب ُ‬
‫قال‪َ :‬وّق َ‬
‫َأْربِعين َيْومًا َوَلْيلًة‪.‬‬
‫ص الشارب وحلِقه أيهما أفضل؟ فقال مالك في ))موطئه((‪:‬‬
‫ف في ق ّ‬
‫واختلف السل ُ‬
‫ل بنفسه‪ .‬وذكر ابن عبد‬
‫لطار‪ ،‬ول يجّزه َفُيَمّث َ‬
‫ف الشفة وهو ا ِ‬
‫ُيؤخذ من الشارب حتى تجدَو أطرا ُ‬
‫ب من‬
‫الحكم عن مالك قال‪ُ :‬يحفي الشارب‪ ،‬وُيعفي الّلحى‪ ،‬وليس إحفاُء الشارب حلَقه‪ ،‬وأرى أن ُيؤّد َ‬
‫حلق شاربه‪ ،‬وقال ابن القاسم عنه‪ :‬إحفاُء الشارب وحلقه عندي ُمثَلٌة‪ ،‬قال مالك‪ :‬وتفسير حديث‬
‫لطار‪ ،‬وكان يكره أن ُيؤخذ من أعله‪،‬‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم في إحفاء الشارب‪ ،‬إنما هو ا ِ‬
‫ن فعله‪ ،‬قال مالك‪ :‬وكان عمر بن‬
‫جَع ضربَا َم ْ‬
‫وقال‪ :‬أشهد في حلق الشارب أنه بدعة‪ ،‬وأرى أن ُيو َ‬
‫الخطاب إذا َكَرَبُه أمر‪ ،‬نفخ‪ ،‬فجعل رجله بردائه وهو يفتل شاربه‪ .‬وقال عمر بن عبد العزيز‪ :‬السنة‬
‫ن‬
‫لطار‪ .‬وقال الطحاوي‪ :‬ولم أجد عن الشافعي شيئًا منصوصًا في هذا‪ ،‬وأصحابُه اّلذي َ‬
‫في الشارب ا ِ‬
‫ل‪،‬‬
‫ي والربيُع كانا ُيحفيان شواربهما‪ ،‬ويدل ذلك على أنهما أخذاه عن الشافعي رحمه ا ّ‬
‫رأينا المزن ّ‬
‫قال‪ :‬وأّما أبو حنيفة وزفر وأبو يوسف ومحمد‪ ،‬فكان مذهُبهم في شعر الرأس والشوارب أن‬
‫خويز منداد المالكي عن الشافعي أن مذهبه في حلق‬
‫ل من التقصير‪ ،‬وذكر ابن ُ‬
‫لحفاَء أفض ُ‬
‫اِ‬
‫لمام أحمد‬
‫لمام أحمد‪ ،‬فقال الثرم‪ :‬رأيتُ ا ِ‬
‫الشارب كمذهب أبي حنيفة‪ ،‬وهذا قول أبي عمر‪ .‬وأّما ا ِ‬
‫بن حنبل ُيحفي شاربه شديدًا‪ ،‬وسمعته ُيسأل عن السنة في إحفاء الشارب؟ فقال‪ُ :‬يحفي كما قال‬
‫ل يأخذ‬
‫جَ‬
‫ل‪ :‬ترى الر ُ‬
‫ب(( وقال حنبل‪ :‬قيل لبي عبد ا ّ‬
‫شَواِر َ‬
‫حُفوا ال ّ‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم ))أ ْ‬
‫شاربه‪ ،‬أو ُيحفيه؟ أم كيف يأخذه؟ قال‪ :‬إن أحفاه‪ ،‬فل بأس‪ ،‬وإن أخذه قصًا فل بأس‪ .‬وقال أبو محمد‬
‫بن قدامة المقدسي في ))المغني((‪ :‬وهو مخير بين أن ُيحفيه‪ ،‬وبين أن يقصه من غير إحفاء‪ .‬قال‬
‫سَواك‬
‫ل صلى ال عليه وسلم أخذ من شاربه على ِ‬
‫لا ِ‬
‫الطحاوي‪ :‬وروى المغيرُة بن شعبة أن رسو َ‬
‫‪79‬‬

‫وهذا ل يكون معه إحفاء‪ .‬واحتج من لم يَر إحفاءه بحديثي عائشة وأبي هريرة المرفوعين ))عشر‬
‫س((‬
‫خْم ٌ‬
‫طَرة َ‬
‫ب وفي حديث أبي هريرة المتفق عليه‪)) :‬الِف ْ‬
‫شاِر ِ‬
‫ص ال ّ‬
‫من الفطرة(( ‪ ...‬فذكر منها َق ّ‬
‫وذكر منها قص الشارب‪.‬‬
‫واحتج المحفون بأحاديث المر بالحفاء‪ ،‬وهي صحيحة‪ ،‬وبحديث ابن عباس‬
‫لحفاء‪ ،‬وهو‬
‫شاِرَبُه‪ ،‬قال الطحاوي‪ :‬وهذا الغلب فيه ا ِ‬
‫جّز َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم كان َي ُ‬
‫أن رسول ا ّ‬
‫جّزوا‬
‫يحتمل الوجهين‪ .‬وروى العلء بن عبد الرحمن‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن أبي هريرة يرفعه )) ُ‬
‫لحفاء أيضًا‪ ،‬وذكر بإسناده عن أبي سعيد‪ ،‬وأبي‬
‫حى(( قال وهذا يحتمل ا ِ‬
‫خوا الّل َ‬
‫ب‪َ ،‬وَأْر ُ‬
‫شَواِر َ‬
‫ال ّ‬
‫ل بن عمر‪ ،‬وجابر‪ ،‬وأبي هريرة أنهم كانوا ُيحفون‬
‫سْيد‪ ،‬ورافع بن خديج‪ ،‬وسهل بن سعد‪ ،‬وعبد ا ّ‬
‫ُأ َ‬
‫شواربهم‪ .‬وقال إبراهيم بن محمد بن حاطب‪ :‬رأيت ابن عمر ُيحفي شاربه كأنه َيْنِتُفه وقال بعضهم‪:‬‬
‫ض الجلد‪ .‬قال الطحاوي‪ :‬ولما كان التقصير مسنونًا عند الجميع‪ ،‬كان الحلق فيه‬
‫حتى ُيرى بيا ُ‬
‫أفضلَ قياسًا على الرأس‪ ،‬وقد دعا النبي صلى ال عليه وسلم للمحلقين ثلثًا وللمقصرين واحدة‪،‬‬
‫ل ِمن تقصيره‪ ،‬فكذلك الشارب‪.‬‬
‫فجعل حلق الرأس أفض َ‬
‫فصل‬
‫في هديه صلى ال عليه وسلم في كلمه وسكوته وضحكه وبكائه‬
‫طقًا‪،‬‬
‫عهم أداًء‪ ،‬وأحلهم َمْن ِ‬
‫ل‪ ،‬وأعذَبهم كلمًا‪ ،‬وأسر َ‬
‫ح خلق ا ّ‬
‫كان صلى ال عليه وسلم أفص َ‬
‫خُذ بمجامع القلوب‪ ،‬وَيسبي الرواح‪ ،‬ويشهُد له بذلك أعداؤه‪ .‬وكان إذا تكلم تكّلم‬
‫حتى إن كلمه َلَيْأ ُ‬
‫ع ل ُيحفظ‪ ،‬ول منَقطع تخّلُله السكتات بين أفراد‬
‫ن يعّده العاّد‪ ،‬ليس ِبَهّذ ُمسِر ِ‬
‫ل ُمَبّي ٍ‬
‫صِ‬‫بكلم ُمف ّ‬
‫سُرُد‬
‫ل صلى ال عليه وسلم َي ْ‬
‫ل الهدي‪ ،‬قالت عائشة‪ :‬ما كان رسول ا ّ‬
‫الكلم‪ ،‬بل هدُيه فيه أكم ُ‬
‫ل يحفظه من جلس إليه‪ .‬وكان كثيرًا ما ُيعيد الكلم ثلثًا‬
‫صٍ‬‫ن َف ْ‬
‫سرَدكم هذا‪ ،‬ولكن كان يتكّلم بكلم بّي ٍ‬
‫ح الكلم‬
‫ل السكوت ل يتكلم شي غيِر حاجة‪ ،‬يفتت ُ‬
‫ل عنه‪ ،‬وكان إذا سّلم سّلم ثلثًا‪ .‬وكان طوي َ‬
‫ِلُيعق َ‬
‫ل ل فضول ول تقصير‪ ،‬وكان ل يتكلم فيما ل َيعنيه‪،‬‬
‫ويختتمه بأشداقه‪ ،‬ويتكلم بجوامع الكلم‪َ ،‬فص ٍ‬
‫حشًا‪ ،‬ول‬
‫ف في وجهه‪ ،‬ولم يكن فاحشًا‪ ،‬ول متف ّ‬
‫عِر َ‬
‫ول يتكلم إل فيما يرجو ثوابه‪ ،‬وإذا كِره الشيء‪ُ :‬‬
‫جُذه‪.‬‬
‫ل ضحكه التبسم‪ ،‬بل كّله التبسم‪ ،‬فكان نهايُة ضحِكه أن تبدَو نوا ِ‬
‫جّ‬‫خابًا‪ .‬وكان ُ‬
‫صّ‬
‫عه وُيستندر‪.‬‬
‫ك مما ُيضحك منه‪ ،‬وهو مما ُيتعجب من مثله وُيستغرب وقو ُ‬
‫وكان يضح ُ‬
‫)يتبع‪(...‬‬
‫‪80‬‬

‫حك الفرح‪ ،‬وهو أن يرى ما يسّره‬


‫وللضحك أسباب عديدة‪ ،‬هذا أحدها والثاني‪ :‬ض ِ‬ ‫@‬
‫ك الغضب‪ ،‬وهو كثيرًا ما يعتري الغضبان إذا اشتد غضبه‪ ،‬وسببه تعجب‬
‫حُ‬
‫أو ُيباشره والثالث‪ :‬ض ِ‬
‫ب‪ ،‬وشعوُر نفسه بالقدرة على خصمه‪ ،‬وأنه في قبضته‪ ،‬وقد يكون‬
‫الغضبان مما أورد عليه الغض ُ‬
‫ضه عمن أغضبه‪ ،‬وعدم اكتراثه به‪.‬‬
‫ضحُكه ِلُملكه نفسه عند الغضب‪ ،‬وإعرا ِ‬
‫وأّما بكاؤه صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فكان ِمن جنس ضحكه‪ ،‬لم يكن بشهي ٍ‬
‫ق‬
‫ورفع صوت كما لم يكن ضحكه بقهقهة‪ ،‬ولكن كانت تدَمُع عيناه حتى َتْهُمل‪ ،‬وُيسمع ِلصدره أزيٌز‪.‬‬
‫ل‪ ،‬وتارة عند‬
‫وكان بكاؤه تارة رحمة للميت‪ ،‬وتارة خوفًا على أمته وشفقة عليها‪ ،‬وتارة ِمن خشية ا ّ‬
‫ب للخوف والخشية‪ .‬ولما مات ابُنه‬
‫سماع القرآن‪ ،‬وهو بكاء اشتياق ومحبة وإجلل‪ ،‬مصاح ٌ‬
‫ضي‬
‫ل إل َما ُيْر ِ‬
‫ب‪ ،‬ول َنُقو ُ‬
‫ن الَقْل ُ‬
‫حَز ُ‬
‫ن‪َ ،‬وَي ْ‬
‫إبراهيم‪ ،‬دمعت عيناه وبكى رحمة له‪ ،‬وقال‪َ)) :‬تْدَمُع الَعْي ُ‬
‫ض‪ ،‬وبكى لما قرأ‬
‫سها َتِفي ُ‬
‫ن((‪ .‬وبكى لما شاهد إحدى بناِته َوَنْف ُ‬
‫حُزوُنو َ‬
‫ك َيا ِإْبَراِهيُم َلَم ْ‬
‫َرّبنا‪َ ،‬وِإّنا ِب َ‬
‫شِهيٍد‬
‫ل أّمة ِب َ‬
‫جْئَنا ِمن ُك ّ‬
‫ف ِإَذا ِ‬
‫ن مسعود سورة )النساء( وانتهى فيها إلى قوله تعالى‪َ} :‬فَكْي َ‬
‫عليه اب ُ‬
‫سفت‬
‫شِهيدًا{ ]النساء‪ [41 :‬وبكى لما مات عثمان بن مظعون‪ ،‬وبكى لما َك َ‬
‫ى َهُؤلِء َ‬
‫عَل َ‬
‫ك َ‬
‫جْئَنا ِب َ‬
‫َو ِ‬
‫ب َأَلْم َتِعْدني َألّ‬
‫س‪ ،‬وصلى صلة الُكسوف‪ ،‬وجعل يبكي في صلته‪ ،‬وجعل ينفخ‪ ،‬ويقول‪َ)) :‬ر ّ‬
‫شْم ُ‬
‫ال ّ‬
‫سَتْغِفُرك(( وبكى لما جلس على قبر إحدى بناته وَكا َ‬
‫ن‬ ‫ن َن ْ‬
‫حُ‬‫ن‪َ ،‬وَن ْ‬
‫ستْغِفُرو َ‬
‫ُتَعّذَبُهم َوَأَنا ِفيِهْم وُهْم َي ْ‬
‫ل‪.‬‬
‫َيبكي أحيانًا في صلة الّلي ِ‬
‫والبكاء أنواع‪ .‬أحدها‪ :‬بكاء الرحمة‪ ،‬والرقة‪ .‬والثاني‪ :‬بكاء الخوف‬
‫جَزع ِمن‬
‫والخشية والثالث‪ :‬بكاُء المحبة والشوق والرابع‪ :‬بكاُء الفرح والسرور والخامس‪ :‬بكاء ال َ‬
‫ورود المؤِلم وعدم احتماله‪ .‬والسادس‪ :‬بكاُء الحزن‪.‬‬
‫والفرق بينه وبين بكاء الخوف‪ ،‬أن بكاء الحزن يكون على ما‬
‫مضى من حصول مكروه‪ ،‬أو فوات محبوب‪ ،‬وبكاء الخوف يكون ِلَما يتوقع في المستقبل ِمن ذلك‪،‬‬
‫والفرق بين بكاء السرور والفرح‪ ،‬وبكاء الحزن‪ ،‬أن دمعة السرور باردة‪ ،‬والقلب فرحان‪ ،‬ودمعة‬
‫ل به عيَنه‪ ،‬ولما ُيحزن‪:‬‬
‫ن‪ ،‬وأقّر ا ُّ‬
‫عْي ٍ‬
‫حزن حارة‪ ،‬والقلب حزين‪ ،‬ولهذا يقال لما ُيفرح به‪ :‬هو ُقّرُة َ‬
‫ال ُ‬
‫ل عيَنه ِبه‪.‬‬
‫هو سخينُة العجن‪ ،‬وأسخن ا ُّ‬
‫والسابع‪ :‬بكاء الخور والضعف‪.‬‬
‫والثامن‪ :‬بكاء النفاق‪ ،‬وهو أن تدمَع العين‪ ،‬صاحُبه الخشوع‪ ،‬وهو من أقسى الناس قلبًا‪.‬‬
‫‪81‬‬

‫والتاسع‪ :‬البكاء المستعار والمستأجر عليه‪ ،‬كبكاء النائحة بالجرة‪ ،‬فإنها كما قال عمر بن‬
‫غيرها‪.‬‬
‫جَو َ‬
‫شْ‬‫عْبرَتها‪َ ،‬وَتْبكي َ‬
‫الخطاب‪َ :‬تِبيُع َ‬
‫س يبكون لمر ورد عليهم‪ ،‬فيبكي معهم‪،‬‬
‫ل النا َ‬
‫جُ‬‫والعاشر‪ :‬بكاء الموافقة‪ ،‬وهو أن يرى الر ُ‬
‫ول يدري لي شيء يبكون‪ ،‬ولكن يراهم يبكون‪ ،‬فيبكي‪.‬‬
‫وما كان من ذلك دمعًا بل صوت‪ ،‬فهو بكى‪ ،‬مقصور‪ ،‬وما كان معه صوت‪ ،‬فهو‬
‫بكاء‪ ،‬ممدود على بناء الصوات‪ ،‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫ل اْلَعِوي ُ‬
‫ل‬ ‫َوَما ُيْغِني اْلبَكاُء وَ َ‬ ‫ق لَها ُبَكاَها‬
‫حّ‬‫عْيِني َو ُ‬
‫ت َ‬
‫َبَك ْ‬
‫ى متكلفًا‪ ،‬فهو التباكي‪ ،‬وهو نوعان‪ :‬محمود‪ ،‬ومذموم‪ ،‬فالمحمود‪ ،‬أن‬
‫وما كان منه مستدع ً‬
‫سمعة والمذموم‪ :‬أن ُيجتلب لجل الخلق‪ ،‬وقد قال‬
‫ُيستجَلب ِلرقة القلب‪ ،‬ولخشية ال‪ ،‬ل للرياء وال ّ‬
‫عمر بن الخطاب للنبي صلى ال عليه وسلم وقد رآه يبكي هو وأبو بكر في شأن أسارى بدر‪:‬‬
‫ت‪ ،‬لبكائكما ولم ينكر عليه‬
‫ت‪ ،‬وإن لم أجد تباَكي ُ‬
‫ت بكاًء بكي ُ‬
‫ل؟ فإن وجد ُ‬
‫لا ّ‬
‫أخبرني ما ُيبكيك يا رسو ْ‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ .‬وقد قال بعض السلف‪ :‬ابكوا ِمن خشية ال‪ ،‬فإن لم تبكوا‪ ،‬فتباكوا‪.‬‬
‫فصل‬
‫في هديه صلى ال عليه وسلم في خطبته‬
‫خطب صلى ال عليه وسلم على الرض‪ ،‬وعلى المِْنَبِر‪ ،‬وعلى البعير‪ ،‬وعلى الّناقة‪ .‬وكان‬
‫حُكْم‬
‫صّب َ‬
‫ل‪َ )) :‬‬
‫ش َيُقو ُ‬
‫جْي ٍ‬
‫إذا خطب‪ ،‬احمّرت عيناه‪ ،‬وعل صوته‪ ،‬واشتد غضبه حتى كأّنُه ُمنِذُر َ‬
‫ل‪:‬‬
‫طى‪َ ،‬وَيُقو ُ‬
‫سَ‬‫سّباَبِة َوالُو ْ‬
‫صُبَعْيِه ال ّ‬
‫ن ُأ ْ‬
‫ن َبْي َ‬
‫ن(( َوَيْقُر ُ‬
‫عة َكَهاَتْي ِ‬
‫سا َ‬
‫ت َأَنا َوال ّ‬
‫ساُكْم(( ويقول‪ُ)) :‬بِعْث ُ‬
‫َوَم ّ‬
‫لُموِر‬
‫شّر ا ُ‬
‫حّمٍد صلى ال عليه وسلم‪َ ،‬و َ‬
‫ي ُم َ‬
‫ي َهْد ُ‬
‫خْيَر الَهْد ِ‬
‫ل‪َ ،‬و َ‬
‫ب ا َِ‬
‫ث ِكتا ُ‬
‫حِدي ِ‬
‫خْيَر ال َ‬
‫ن َ‬
‫))َأّما َبْعُد َفِإ ّ‬
‫لَلٌة((‪.‬‬
‫عٍة ض َ‬
‫ل ِبْد َ‬
‫حَدَثاُتَها‪ ،‬وُك ّ‬
‫ُم ْ‬
‫ل كثير من الفقهاء‪ :‬إنه يفتتح‬
‫ل‪ .‬وأما قو ُ‬
‫خطبة إل افتتحها بحمد ا ّ‬
‫طب ُ‬
‫وكان ل يخ ُ‬
‫ي صلى ال عليه‬
‫خطبة الستسقاء بالستغفار‪ ،‬وخطبَة العيدين بالتكبير‪ ،‬فليس معهم فيه سنة عن النب ّ‬
‫ل((‪ ،‬وهو أحد الوجوه‬
‫حْمد ِّ‬
‫ح جميع الخطب بـ ))اْل َ‬
‫وسلم البتَة‪ ،‬وسنته تقتضي خلَفه‪ ،‬وهو افتتا ُ‬
‫سّره‪.‬‬
‫ل ِ‬
‫الثلثة لصحاب أحمد‪ ،‬وهو اختيار شيخنا قّدس ا ُّ‬
‫طب قائمًا‪ ،‬وفي مراسيل عطاء وغيره أنه كان صلى ال عليه وسلم‬
‫وكان يخ ُ‬
‫عَلْيُكم(( قال الشعبي‪ :‬وكان أبو بكر‬
‫لُم َ‬
‫سَ‬‫صِعَد الِمَنبَر أقبل بوجهه على الناس‪ ،‬ثم قال‪)) :‬ال ّ‬
‫إذا َ‬
‫خطبته بالستغفار‪ ،‬وكان كثيرًا يخطب بالقرآن وفي ))صحيح‬
‫وعمر يفعلن ذلك وكان يخِتم ُ‬
‫‪82‬‬

‫سا ِ‬
‫ن‬ ‫ن ِل َ‬
‫عْ‬
‫جيِد{ ]ق‪ ،[1 :‬إل َ‬
‫ن الَم ِ‬
‫ت }ق َواْلُقرآ ِ‬
‫مسلم(( عن أّم هشام بنت حارثة قالت‪)) :‬ما أخذ ُ‬
‫س((‪ ،‬وذكر أبو‬
‫ب الّنا َ‬
‫ط َ‬
‫خَ‬
‫عَلى الِمْنَبِر إَذا َ‬
‫جُمَعٍة َ‬
‫ل َيْوِم ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم َيْقَرُؤَها ُك ّ‬
‫ل ا ِّ‬
‫سو ِ‬
‫َر ُ‬
‫سَتِعيُنُه‬
‫ل َن ْ‬
‫حْمُد َِ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم كان إذا تشّهد قال‪)) :‬ال َ‬
‫سول ا ّ‬
‫نرُ‬
‫داود عن ابن مسعود َأ ّ‬
‫ي َلُه‪،‬‬
‫ل‪ ،‬فل َهاِد َ‬
‫ضِل ْ‬
‫ن ُي ْ‬
‫ل َلُه‪َ ،‬وَم ْ‬
‫ل ُمض ّ‬
‫ل‪َ ،‬ف َ‬
‫ن َيْهِد ا ُّ‬
‫سَنا‪َ ،‬م ْ‬
‫شُروِر َأْنُف ِ‬
‫ن ُ‬
‫ل ِم ْ‬
‫سَتْغِفُرُه‪َ ،‬وَنُعوُذ ِبا ِّ‬
‫َوَن ْ‬
‫عِة‪،‬‬
‫سا َ‬
‫شيرًا َوَنِذيرًا َبْين َيَدي ال ّ‬
‫حق َب ِ‬
‫سَلُه ِباْل َ‬
‫سوُلُه‪َ ،‬أْر َ‬
‫عْبُدُه َوَر ُ‬
‫حّمدًا َ‬
‫ن ُم َ‬
‫ل‪َ ،‬وَأ ّ‬
‫ل ا ُّ‬
‫ل ِإله ِإ ّ‬
‫شَهُد َأن َ‬
‫َوَأ ْ‬
‫ل شيئًا(( وقال أبو‬
‫ل َيضّر ا ُّ‬
‫سُه‪َ ،‬و َ‬
‫ل َنْف َ‬
‫ضّر ِإ ّ‬
‫ل َي ُ‬
‫ن َيْعصِهَما‪َ ،‬فِإّنُه َ‬
‫شَد َوَم ْ‬
‫سوَلُه‪َ ،‬فَقْد ر َ‬
‫ل َوَر ُ‬
‫ن ُيطِع ا َّ‬
‫َم ْ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم يوَم الجمعة‪ ،‬فذكر‬
‫ن شهاب عن تشهد رسول ا ّ‬
‫داود عن يونس أنه سأل اب َ‬
‫غَوى((‪.‬‬
‫صِهَما َفَقْد َ‬
‫ن َيْع ِ‬
‫نحو هذا إل أنه قال‪َ)) :‬وَم ْ‬
‫ل َما ُهَو‬
‫ل صلى ال عليه وسلم كان يقول إذا خطب‪ُ)) :‬ك ّ‬
‫ل ا ِّ‬
‫قال ابن شهاب‪ :‬وبلغنا أن رسو َ‬
‫ل َما‬
‫ل‪َ ،‬‬
‫شاَء ا ُّ‬
‫س‪َ ،‬ما َ‬
‫لْمِر الّنا ِ‬
‫ف َ‬
‫خ ّ‬
‫ل ُي ِ‬
‫حٍد‪َ ،‬و َ‬
‫جَلِة َأ َ‬
‫ل ِلَع َ‬
‫ل ا َُ‬
‫جُ‬‫ل ُيَع ّ‬
‫ت‪َ ،‬و َ‬
‫ل ُبْعَد ِلَما ُهَو آ ٍ‬
‫ب‪َ ،‬‬
‫ت َقري ٌ‬
‫آ ٍ‬
‫ل ُمْبِعَد ِلَما قّر َ‬
‫ب‬ ‫س‪َ ،‬و َ‬
‫ن‪َ ،‬وَلْو َكِرَه الّنا ُ‬
‫ل َكا َ‬
‫شاَء ا ُّ‬
‫شيئًا‪َ ،‬ما َ‬
‫س َ‬
‫شْيئًا َوُيريُد الّنا ُ‬
‫ل َ‬
‫س‪ُ ،‬يِريُد ا ُّ‬
‫شاَء النا ُ‬
‫َ‬
‫ل((‪.‬‬
‫ن ا ِّ‬
‫ل ِبِإْذ ِ‬
‫شيٌء إ ّ‬
‫ن َ‬
‫ل َيُكو ُ‬
‫ل‪ ،‬و َ‬
‫ب ِلَما َبّعَد ا ُّ‬
‫ل ُمَقّر َ‬
‫ل‪ ،‬و َ‬
‫ا ُّ‬
‫ف كماله ومحامده‪،‬‬
‫ل‪ ،‬والثناء عليه بآلئه‪ ،‬وأوصا ِ‬
‫خطبه على حمد ا ّ‬
‫وكان مداُر ُ‬
‫ن موارد غضبه‪،‬‬
‫ل‪ ،‬وتبيي ِ‬
‫لسلم‪ ،‬وذكِر الجّنة والّنار والمعاد‪ ،‬والمِر بتقوى ا ّ‬
‫وتعليِم قواعِد ا ِ‬
‫ومواقِع رضاه فعلى هذا كان مدار خطبه‪.‬‬
‫ل َما ُأِمْرُتْم بِه‪َ ،‬وَلِك ْ‬
‫ن‬ ‫ن َتْفَعُلوا ‪ُ-‬ك َ‬
‫طيُقوا ‪َ -‬أْو َل ْ‬
‫ن ُت ِ‬
‫س ِإَنُكْم َل ْ‬
‫وكان يقول في خطبه‪َ)) :‬أّيَها الّنا ُ‬
‫شُروا((‪.‬‬
‫سّدُدوا َوَأْب ِ‬
‫َ‬
‫طبين ومصلحتهم‪ ،‬ولم َيُك ْ‬
‫ن‬ ‫طب في كل وقت بما تقتضيه حاجةُ المخا َ‬
‫وكان يخ ُ‬
‫خطبة إل افتتحها بحمد ال‪ ،‬ويتشّهد فيها بكلمتي الشهادة‪ ،‬ويذكر فيها نفسه باسمه العلم‪.‬‬
‫يخطب ُ‬
‫جْذَماِء((‪.‬‬
‫ي َكاْلَيِد ال َ‬
‫شّهٌد‪َ ،‬فِه َ‬
‫س ِفيَها َت َ‬
‫طَبٍة َلْي َ‬
‫خ ْ‬
‫ل ُ‬
‫وثبت عنه أنه قال‪ُ)) :‬ك ّ‬
‫س الخطباء اليوم‬
‫س ِلَبا َ‬
‫حجرته‪ ،‬ولم يكن َيْلَب ُ‬
‫ولم يكن له شاويش يخُرج بين يديه إذا خرج من ُ‬
‫طرحة‪ ،‬ول ِزيقًا َواسعًا‪.‬‬
‫ل ُ‬
‫ث درجات‪ ،‬فإذا استوى عليه‪ ،‬واستقبل الناس‪ ،‬أخذ المؤذن في الذان‬
‫وكان منبُره ثل َ‬
‫ن ول‬
‫ل شيئًا قبَله ول بعَده‪ ،‬فإذا أخذ في الخطبة‪ ،‬لم يرفع أحٌد صوته بشيء البتة‪ ،‬ل مؤذ ٌ‬
‫فقط‪ ،‬ولم َيُق ْ‬
‫غيُره‪.‬‬
‫‪83‬‬

‫وكان إذا قام يخطب‪ ،‬أخذ عصًا‪ ،‬فتوّكأ عليها وهو على المنبر‪ ،‬كذا ذكره عنه‬
‫أبو داود عن ابن شهاب‪ ،‬وكان الخلفاُء الثلثُة بعده يفعلون ذلك‪ ،‬وكان أحيانًا يتوكْأ على قوس‪ ،‬ولم‬
‫ف على المنبر إشارة إلى‬
‫ك السي َ‬
‫سُ‬
‫ُيحفظ عنه أنه توكأ على سيف‪ ،‬وكثيٌر من الجهلة يظن أنه كان ُيْم ِ‬
‫ظ أنه صلى ال عليه‬
‫أن الدين إنما قام بالسيف‪ ،‬وهذا جهل قبيح من وجهين‪ ،‬أحدهما‪ :‬أن المحفو َ‬
‫ق أهل‬
‫حِ‬‫وسلم توكأ على العصا وعلى القوس‪ .‬الثاني‪ :‬أن الدين إنما قام بالوحي‪ ،‬وأّما السيف‪َ ،‬فِلَم ْ‬
‫حت بالُقرآن‪ ،‬ولم‬
‫الضلل والشرك‪ ،‬ومدينُة النبي صلى ال عليه وسلم التي كان يخطب فيها إنما ُفِت َ‬
‫ُتفتح بالسيف‪.‬‬
‫وكان إذا عرض له في خطبته عارض‪ ،‬اشتغل به‪ ،‬ثم رجع إلى‬
‫طب‪ ،‬فجاء الحسن والحسين يعُثران في قميصين أحمرين‪ ،‬فقطع كلمه‪ ،‬فنزل‪،‬‬
‫خطبته‪ ،‬وكان يخ ُ‬
‫لُدُكْم ِفْتَنٌة{ ]النفال‪:‬‬
‫ظيُم }إِّنَما َأْمَواُلُكْم َوَأْو َ‬
‫ل الَع ِ‬
‫ق ا ُّ‬
‫صَد َ‬
‫فحملهما‪ ،‬ثم عاد إلى منبره‪ ،‬ثم قال‪َ )) :‬‬
‫حَمْلُتُهَما((‪.‬‬
‫لِمي َف َ‬
‫ت َك َ‬
‫طْع ُ‬
‫حّتى َق َ‬
‫صِبْر َ‬
‫صْيِهَما‪َ ،‬فَلْم َأ ْ‬
‫ن يعُثران في َقِمي َ‬
‫ت هَذْي ِ‬
‫‪َ [28‬رَأْي ُ‬
‫جّوْز‬
‫ك َفاْرَكْع َرْكعََتْين َوَت َ‬
‫سَلْي ُ‬
‫طب‪ ،‬فجلس‪ ،‬فقال له‪ُ)) :‬قْم َيا ُ‬
‫طَفاني وهو يخ ُ‬
‫ك‪ ،‬الَغ َ‬
‫سَلْي ٌ‬
‫جاَء ُ‬
‫َو َ‬
‫ب‪َ ،‬فْلَيْرَكْع َرْكَعَتْي ِ‬
‫ن‬ ‫ط ُ‬
‫خُ‬‫لمام َي ْ‬
‫جُمَعِة وا ِ‬
‫حُدكْم َيْوَم ال ُ‬
‫جاَء َأ َ‬
‫ِفِيِهما((‪ ،‬ثم قال وهو على المنبر‪)) :‬إَذا َ‬
‫جّوْز ِفيِهَما((‪.‬‬
‫َوْلَيَت َ‬
‫وكان ُيقصر خطبته أحيانًا‪ ،‬وُيطيلها أحيانًا بحسب حاجة الناس وكانت خطبُته العاِرضة‬
‫ن على الصدقة‪،‬‬
‫ضُه ّ‬
‫حدة في العياد‪ ،‬ويحّر ُ‬
‫طب الّنساء على ِ‬
‫ل من خطبته الراِتبة‪ .‬وكان يخ ُ‬
‫أطو َ‬
‫وال أعلم‪.‬‬
‫فصول‬
‫في هديه صلى ال عليه وسلم في العبادات‬
‫فصل‬
‫في هديه صلى ال عليه وسلم في الوضوء‬
‫كان صلى ال عليه وسلم يتوضأ لكل صلة في غالب أحيانه‪ ،‬وربما صلى الصلوا ِ‬
‫ت‬
‫بوضوء واحد وكان يتوضأ بالُمد تارة‪ ،‬وبثلثيه تارة‪ ،‬وبأزَيد منه تارة‪ ،‬وذلك نحو أربع أواق‬
‫حّذُر أمته من‬
‫ن أيسر الّناس صّبا لماء الوضوء‪ ،‬وكان ُي َ‬
‫بالدمشقي إلى أوقيتين وثلث وكان ِم ْ‬
‫طانًا ُيَقا ُ‬
‫ل‬ ‫شْي َ‬
‫ضوِء َ‬
‫ن ِلْلُو ُ‬
‫ن يعتدي في الطهور‪ ،‬وقال‪)) :‬إ ّ‬
‫لسراف فيه‪ ،‬وأخبر أنه يكون في أمته َم ْ‬
‫اِ‬
‫‪84‬‬

‫ف في الَماء((‬
‫سِر ْ‬
‫ل ُت ْ‬
‫س الَماء(( ومر على سعد‪ ،‬وهو يتوضأ فقال له‪َ )) :‬‬
‫سَوا َ‬
‫َلُه الَولَهان َفاّتُقوا َو ْ‬
‫جاٍر((‪.‬‬
‫عَلى َنهٍر َ‬
‫ت َ‬
‫فقال‪ :‬وهل َفي الماء من إسراف؟ قال‪)) :‬نعم وإن ْكْن َ‬
‫وصح عنه أنه توضأ مرة مرة‪ ،‬ومرتين مرتين‪ ،‬وثلثًا ثلثًا‪ ،‬وفي بعض العضاء مرتين‪،‬‬
‫وبعضها ثلثًا‪.‬‬
‫وكان يتمضمض ويستنشق تارة بَغرفة‪ ،‬وتارة بَغرفتين‪ ،‬وتارة بثلث‪ .‬وكان يصل‬
‫خذ نصف الغرفة لفمه‪ ،‬ونصفها لنفه‪ ،‬ول ُيَمكن في الغرفة إل‬
‫بين المضمضة والستنشاق‪ ،‬فيأ ُ‬
‫ل‪ ،‬إل أن هديه صلى ال عليه وسلم كان‬
‫ل والوص ُ‬
‫هذا‪ ،‬وأما الغرفتان والثلث‪ ،‬فيمكن فيهما الفص ُ‬
‫ل صلى ال عليه‬
‫ن رسول ا ّ‬
‫ل بن زيد أ ّ‬
‫ل بينهما‪ ،‬كما في ))الصحيحين(( من حديث عبد ا ّ‬
‫الوص َ‬
‫ف واحدة‪ ،‬فعل ذلك ثلثًا(( وفي لفظ‪)) :‬تمضمض واستنثر‬
‫ن َك ّ‬
‫وسلم ))تمضمض واستنشق م ْ‬
‫ل بين الًمضمضة‬
‫ح ما ُروي في المضمضة والستنشاق‪ ،‬ولم يجىء اَلفص ُ‬
‫غرَفات(( فهذا أص ً‬
‫لث َ‬
‫بَث َ‬
‫والستنشاق في حديث صحيح البتة‪ ،‬لكن في حديث طلحة بن مصرف‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جّده‪ :‬رأي ُ‬
‫ت‬
‫ل بين المضمضة والستنشاق‪ ،‬ولكن ل ُيروى إل عن طلحة عن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم َيْفص ُ‬
‫أبيه عن جّده‪ ،‬ول يعرف لجده صحبة‪.‬‬
‫ح رأسه كّله‪ ،‬وتارة‬
‫وكان يستنشق بيده اليمنى‪ ،‬ويستنِثر بالُيسرى‪ ،‬وكان يمس ُ‬
‫ل حديث من قال‪ :‬مسح برأسه مرتين والصحيح أنه لم يكرَر مسح‬
‫ل بيديه َوُيْدبُر‪ ،‬وعليه ُيحم ُ‬
‫ُيْقِب ُ‬
‫ح عنه‬
‫ح الرأس‪ ،‬هكذا جاء عنه صريحًا‪ ،‬ولم يص ّ‬
‫ل العضاء‪ ،‬أفرد مس َ‬
‫سَ‬‫غْ‬
‫رأسه‪ ،‬بل كان إذا كرَر َ‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ .‬خلفه البتة‪ ،‬بل ما عدا هذا‪ ،‬إّما صحيح غير صريح‪ ،‬كقول الصحابي‪ :‬توضأ‬
‫ثلثًا ثلثًا‪ ،‬وكقوله‪ :‬مسح برأسه مرتين‪ ،‬وإما صريح غير صحيح‪ ،‬كحديث ابن البيلماني‪ ،‬عن أبيه‪،‬‬
‫ح ِبَرأسه‬
‫سَ‬
‫ل َكّفْيه ثلثًا(( ثم قال‪َ)) :‬وَم َ‬
‫سَ‬‫ضُأ َفغَ َ‬
‫ن َتَو ّ‬
‫عن عمر أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪َ)) :‬م ْ‬
‫ل وكحديث‬
‫سن حا ً‬
‫حَ‬‫َثلَثًا(( وهذا ل يحتج به‪ ،‬وابن البيلماني وأبوَه مضَعفان‪ ،‬وإن كان الب أ َ‬
‫سُه َثلثًا(( وقال أبو داود‪ :‬أحادي ُ‬
‫ث‬ ‫سحَ َرأ َ‬
‫عثمان الذي رواه أبو داود أنه صلى ال عليه وسلم‪َ)) :‬م َ‬
‫ح عنه في حديث واحد أنه اقتصر‬
‫ح كّلها تدل على أن مسح الرأس مرة‪ ،‬ولم يص ّ‬
‫عثمان الصحا ُ‬
‫ث أنس الذي‬
‫ض رأسه البتة‪ ،‬ولكن كان إذا مسح بناصيته كمل على العمامة‪ ،‬فأّما حدي ُ‬
‫على مسح بع ِ‬
‫ن‬
‫ل َيَده ِم ْ‬
‫خَ‬
‫طِرّيٌة‪َ ،‬فأْد َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم يتوضأ وعليه عَمامة ق ْ‬
‫لا ّ‬
‫ت رسو َ‬
‫رواه أبو داود‪)) :‬رأي ُ‬
‫ي صلى ال‬
‫ض الِعًماَمة((‪ .‬فهذا مقصود أنس به أن َالنب َ‬
‫تحت العَماَمة‪ ،‬فمسح ُمقّدَم رأسه‪ ،‬ولم َيْنُق ِ‬
‫ل على الِعمامة‪ ،‬وقد‬
‫ف التكمي َ‬
‫ح الشعر كّله‪ ،‬ولم ين ِ‬
‫ب مس َ‬
‫ع َ‬
‫عمامته حتى يستو ِ‬
‫عليه وسلم لم ينُقض ِ‬
‫‪85‬‬

‫ت أنس عنه ل يدل على نفيه ولم يتوضأ صلى ال عليه وسلم‬
‫أثبته المغيرُة بن شعبة وغيره‪ ،‬فسكو ُ‬
‫إل تمضمض واستنشق‪ ،‬ولم ُيحفظ عنه أنه صلى ال عليه وسلم به مرة واحدة‪ ،‬وكذلك كان‬
‫ل به مرة واحدة البتة‪ ،‬وكان يمسح على رأسه تارة‪ ،‬وعلى الِعمامة‬
‫خَ‬‫وضوءه مرتبًا متواليًا‪ ،‬لم ُي ِ‬
‫تارة‪ ،‬وعلى الناصية والعمامة تارة‪.‬‬
‫وأما اقتصاُره على الناصية مجردة‪ ،‬فلم ُيحفظ عنه كما تقدم وكان يغسل رجليه إذا لم يكونا‬
‫خفين ول جوربين‪ ،‬ويمسح عليهما إذا كانا في الخفين أو الجوربين وكان يمسح أذنيه مع رأسه‪،‬‬
‫في ُ‬
‫وكان يمسح ظاهرهما وباطنهما‪ ،‬ولم يثبت عنه أنه أخذ لهما ماًء جديدًا‪ ،‬وإنما صح ذلك عن ابن‬
‫عمر ولم َيصح عنه في مسح الُعنق حديث البتة‪ ،‬ولم يحفظ عنه أنه كان يقول على وضوئه شيئًا‬
‫لا ّ‬
‫ل‬ ‫ل رسو ُ‬
‫خَتَلق‪ ،‬لم يُق ْ‬
‫ب ُم ْ‬
‫ل حديث في أذكار الوضوء الذي يقال عليه‪َ ،‬فَكِذ ٌ‬
‫غيَر التسمية‪َ ،‬وُك ّ‬
‫شَهُد‬
‫عّلمه لمته‪ ،‬ول ثبت عنه غير التسمية في أوله وقوله‪َ)) :‬أ ْ‬
‫صلى ال عليه وسلم شيئًا منه‪ ،‬ول َ‬
‫ن‪،‬‬
‫ن الّتّواِبي َ‬
‫جَعْلِني ِم َ‬
‫سوُلُه‪ ،‬الّلُهّم ا ْ‬
‫عْبُدُه َوَر ُ‬
‫حّمدًا َ‬
‫ن ُم َ‬
‫شَهُد َأ ّ‬
‫ك َلُه‪َ ،‬وَأ ْ‬
‫شِري َ‬
‫ل َ‬
‫حَدُه َ‬
‫ل َو ْ‬
‫ل ا ُّ‬
‫ل إلَه ِإ ّ‬
‫َأن َ‬
‫ن(( في آخِره وفي حديث آخر في ))سنن النسائي(( مّما يقال بعد الوضوء‬
‫طّهري َ‬
‫ن الُمَت َ‬
‫جَعلِْني ِم َ‬
‫وا ْ‬
‫ك((‪.‬‬
‫ب ِإَلْي َ‬
‫ك َوَأُتو ُ‬
‫سَتْغِفُر َ‬
‫ت‪َ ،‬أ ْ‬
‫ك‪َ ،‬أْن َ‬
‫حْمِد َ‬
‫ك الّلُهّم َوِب َ‬
‫حاَن َ‬
‫سْب َ‬
‫أيضًا‪ُ )) :‬‬
‫ن يقول في أوله‪ :‬نويت رفَع الحدث‪ ،‬ول استباحَة الصلة‪ ،‬ل هو‪ ،‬ول أحٌد من‬
‫َوَلْم َيُك ْ‬
‫أصحابه البتة‪ ،‬ولم ُيرو عنه في ذلك حرف واحد‪ ،‬ل بِإسناد صحيح‪ ،‬ول ضعيف‪ ،‬ولم يتجاوز‬
‫ل ذلك‬
‫ط‪ ،‬وكذلك لم ُيثبت عنه أنه تجاوز الِمرفقين والكعبين‪ ،‬ولكن أبو هريرة كان يفع ُ‬
‫الثلث ق ّ‬
‫ث أبي هريرة في صفة وضوء النبي صلى ال عليه وسلم أنه‬
‫ويتأّول حديث إطالة الغرة‪ ،‬وأما حدي ُ‬
‫ضدين‪ ،‬ورجليه حتى أشرع في الساقين فهو إنما يدل على إدخال‬
‫غسل يديه حتى أشرع في الع ُ‬
‫لطالة‪.‬‬
‫المرفقين والكعبين في الوضوء‪ ،‬ول يدل على مسألة ا ِ‬
‫ف أعضائه بعد الوضوء‪ ،‬ول صح عنه‬
‫ولم يكن رسول ال صلى ال عليه وسلم يعتاد تنشي َ‬
‫في ذلك حديث البتة‪ ،‬بل الذي صح عنه خلفه‪ ،‬وأما حديث عائشة كان للنبي صلى ال عليه وسلم‬
‫ل صلى ال عليه وسلم إذا‬
‫ف ِبَها َبعَد الُوضوِء‪ ،‬وحديث معاذ بن جبل‪ :‬رأيت رسول ا ّ‬
‫ش ُ‬
‫خرَقٌة ُيَن ّ‬
‫ِ‬
‫ف ثوبه‪ ،‬فضعيفان ل يحتج بمثلهما‪ ،‬في الول سليمان بن أرقم‬
‫طَر ِ‬
‫توضأ مسح على وجهه ِب َ‬
‫متروك‪ ،‬وفي الثاني عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الفريقي ضعيف‪ ،‬قال الترمذي‪ :‬ول يصح عن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم في هذا الباب شيء‪.‬‬
‫‪86‬‬

‫ب عليه الماُء كلما توضأ‪ ،‬ولكن تارة يص ّ‬


‫ب‬ ‫ن من هديه صلى ال عليه وسلم أن ُيص ّ‬
‫ولم َيُك ْ‬
‫ب عليه أحيانًا لحاجة كما في ))الصحيحين(( عن المغيرة بن‬
‫ن يص ّ‬
‫على نفسه‪ ،‬وربما عاونه َم ْ‬
‫ب عليه في السفر لما توضأ‪.‬‬
‫شعبة أنه ص ّ‬
‫ب على ذلك‪ .‬وقد اختلف أئمة الحديث فيه‪ ،‬فصحح‬
‫وكان يخلل لحيته أحيانًا‪ ،‬ولم يكن ُيواظ ُ‬
‫ل لحيته‪ ،‬وقال أحمد وأبو زرعة‪ :‬ل يثبت في‬
‫خّل ُ‬
‫الترمذي وغيره أنه صلى ال عليه وسلم كان ُي َ‬
‫تخليل اللحية حديث‪.‬‬
‫ن شداد‪:‬‬
‫سَتْوِرِد ب ِ‬
‫ل الصابع لم يكن ُيحافظ عليه‪ ،‬وفي ))السنن(( عن الُم ْ‬
‫وكذلك تخلي ُ‬
‫ك أصابَع رجليه بخنصره‪ ،‬وهذا إن ثبت عنه‪ ،‬فإنما‬
‫رأيت النبي صلى ال عليه وسلم إذا توضأ ُيدل ُ‬
‫ل بن زيد‪،‬‬
‫كان يفعله أحيانًا‪ ،‬ولهذا لم يروه الذين اعتنوا بضبط وضوئه‪ ،‬كعثمان‪ ،‬وعلي‪ ،‬وعبد ا ّ‬
‫ن لهيعة‪.‬‬
‫لبَ‬
‫والّربّيِع‪ ،‬وغيرهم‪ ،‬على أن في إسناده عبد ا ّ‬
‫ك خاتمه‪ ،‬فقد ُروي فيه حديث ضعيف من رواية معمر بن محّمد‬
‫وأّما تحري ُ‬
‫ل بن أبي رافع عن أبيه عن جّده أن النبي صلى ال عليه وسلم ))كان إذا توضأ حّرك‬
‫بن عبيد ا ّ‬
‫خاَتمه((‪ ،‬ومعمر وأبوه ضعيفان‪ ،‬ذكر ذلك الدارقطني‪.‬‬
‫َ‬
‫فصل‬
‫في هديه صلى ال عليه وسلم في المسح على الخفين‬
‫خ ذلك حتى ُتوفي‪ ،‬ووّقت للمقيم يومًا وليلة‪،‬‬
‫صح عنه أنه مسح في الحضر والسفر‪ ،‬ولم ُينس ْ‬
‫وللمساِفر ثلَثة أيام ولياليهن في عدة أحاديث حسان وصحاح‪ ،‬وكان يمسح ظاهر الخفين‪ ،‬ولم‬
‫ح أسفلهما إل في حديث منقطع والحاديث الصحيحة على خلفه‪ ،‬ومسح على‬
‫يصح عنه مس ُ‬
‫ل وأمرًا‬
‫صرًا عليها‪ ،‬ومع الناصية‪ ،‬وثبت عنه ذلك فع ً‬
‫الجوربين والنعلين‪ ،‬ومسح على الِعمامة مقت ِ‬
‫في عدة أحاديث‪ ،‬لكن في قضايا أعيان ُيحتمل أن تكون خاصة بحال الحاجة والضرورة‪ ،‬وُيحتمل‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫العموم كالخفين‪ ،‬وهو أظهر وا ّ‬
‫ضّد حاله التي عليها قدماه‪ ،‬بل إن كانتا في الخف مسح عليهما ولم‬
‫ولم يكن يتكلف ِ‬
‫ل القوال في‬
‫س الخف ِليمسح عليه‪ ،‬وهذا أعد ُ‬
‫عُهَما‪ ،‬وإن كانتا مكشوفتين‪ ،‬غسل القدمين‪ ،‬ولم يلَب ِ‬
‫َيْنِز ْ‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫مسألة الفضل من المسح والغسل‪ ،‬قاله‪ ،‬شيخنا‪ ،‬وا ّ‬
‫فصل‬
‫في هديه صلى ال عليه وسلم في التيمم‬
‫‪87‬‬

‫ح عنه أنه تيمم‬


‫صّ‬‫كان صلى ال عليه وسلم يتيمم بضربة واحدة للوجه والكفين‪ ،‬ولم َي ِ‬
‫لمام أحمد‪ :‬من قال‪ :‬إن التيمم إلى‪ ،‬المرفقين‪ ،‬فإنما هو شيء‬
‫بضربتين‪ ،‬ول إلى المرفقين‪ .‬قال ا ِ‬
‫ل‪ .‬وصح‬
‫خًة أو رم ً‬
‫سِب َ‬
‫زاده ِمن عنده وكذلك كان يتيمم بالرض التي يصلي عليها‪ ،‬ترابًا كانت َأْو َ‬
‫طُهوُرُه((‪ ،‬وهذا نص صريح‬
‫جُدُه َو َ‬
‫سِ‬
‫لُة‪َ ،‬فِعْنَدهُ َم ْ‬
‫صَ‬‫ن ُأّمِتي ال ّ‬
‫ل ِم ْ‬
‫جً‬‫ت َر ُ‬
‫حْيُثمَا َأْدَرَك ْ‬
‫عنه أنه قال‪َ )) :‬‬
‫في أن من أدركته الصلة في الرمل‪ ،‬فالرمل له طهور‪ .‬ولما سافر هو وأصحاُبه في غزوة تبوك‪،‬‬
‫قطعوا تلك الرمال في طريقهم‪ ،‬وماؤهم في غاية الِقلة‪ ،‬ولم ُيرو عنه أنه حمل معه التراب‪ ،‬ول أمر‬
‫ل أكثر من التراب‪ ،‬وكذلك أر ُ‬
‫ض‬ ‫به‪ ،‬ول فعله أحد من أصحابه‪ ،‬مع القطع بأن في المفاوز الرما َ‬
‫ل أعلم وهذا قول الجمهور‪.‬‬
‫الحجاز وغيره‪ ،‬ومن تدبر هذا‪ ،‬قطع بأنه كان يتيمم بالرمل‪ ،‬وا ّ‬
‫وأّما ما ذكر في صفة التيمم من وضع بطون أصابع يده اليسرى على ظهور اليمنى‪ ،‬ثم‬
‫إمرارها إلى المرفق‪ ،‬ثم إدارة بطن كفه على بطن الذراع‪ ،‬وإقامة إبهامه اليسرى كالمؤذن‪ ،‬إلى أن‬
‫يصل إلى إبهامه اليمنى‪َ ،‬فُيطِبقها عليها‪ ،‬فهذا مما ُيعلم قطعًا أن النبي صلى ال عليه وسلم لم يفعله‪،‬‬
‫صّ‬
‫ح‬ ‫ول عّلمه أحدًا من أصحابه‪ ،‬ول أمر به‪ ،‬ول استحسنه‪ ،‬وهذا هدُيه‪ ،‬إليه التحاُكم‪ ،‬وكذلك لم َي ِ‬
‫عنه التيّمُم لِكل صلة‪ ،‬ول أمر به‪ ،‬بل أطلق التيمم‪ ،‬وجعله قائمًا مقام الوضوء وهذا يقتضي أن‬
‫يكون حكُمه حكَمه‪ ،‬إل فيما اقتضى الدليل خلفه‪.‬‬
‫فصل‬
‫في هديه صلى ال عليه وسلم في الصلة‬
‫ل َأْكَبُر(( ولم يقل شيئًا قبلها ول تلّفظ‬
‫كان صلى ال عليه وسلم إذا قام إلى الصلة قال‪)) :‬ا ُّ‬
‫ل القبلة أربَع ركعات إمامًا أو مأمومًا‪ ،‬ول قال‪ :‬أداًء‬
‫ل صلة كذا ُمستقِب َ‬
‫بالنية البتة‪ ،‬ول قال‪ :‬أصلي ِّ‬
‫ل عنه أحد قط بإسناد صحيح ول ضعيف ول‬
‫ول قضاًء‪ ،‬ول فرض الوقت‪ ،‬وهذه عشُر بدع لم َيْنُق ْ‬
‫مسند ول مرسل لفظًة واحدًة منها البتة‪ ،‬بل ول عن أحد من أصحابه‪ ،‬ول استحسنه أحٌد من‬
‫ل عنه في الصلة‪:‬‬
‫ل الشافعي رضي ا ّ‬
‫ض المتأخرين قو ُ‬
‫غّر بع َ‬
‫التابعين‪ ،‬ول الئمُة الربعة‪ ،‬وإنما َ‬
‫ظ المصلي بالنية‪ ،‬وإنما أراد‬
‫إنها ليست كالصيام‪ ،‬ول يدخل فيها أحد إل بذكر‪ ،‬فظن أن الذكر تلّف ُ‬
‫ي أمرًا لم يفعله النبي‬
‫ب الشافع ّ‬
‫ح ّ‬
‫لحرام ليس إل‪ ،‬وكيف يست ِ‬
‫ل بالذكر‪ :‬تكبيرَة ا ِ‬
‫الشافعي رحمه ا ّ‬
‫صلى ال عليه وسلم في صلة واحدة‪ ،‬ول أحٌد ِمن خلفائه وأصحاِبه‪ ،‬وهذا هدُيهم وسيرُتهم‪ ،‬فإن‬
‫ي أكملُ من هديهم‪،‬‬
‫جَدَنا أحٌد حرفًا واحدًا عنهم في ذلك‪ ،‬قبلناه‪ ،‬وقابلناه بالتسليم والقبول‪ ،‬ول هد َ‬
‫َأْو َ‬
‫ول سنَة إل ما تلّقوه عن صاحب الشرع صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪88‬‬

‫ل َأْكَبُر(( ل غيَرها‪ ،‬ولم ينقل أحٌد عنه سواها‪.‬‬


‫وكان دأُبه في إحرامه لفظَة‪)) :‬ا ُّ‬
‫ل بها القبلَة إلى فروع ُأذنيه‪،‬‬
‫وكان يرفع يديه معها ممدودَة الصابع‪ ،‬مستقب ً‬
‫ن‪ ،‬وكذلك قال ابن‬
‫ي بهما الَمنِكبْي ِ‬
‫ن معه قالوا‪ :‬حتى ُيحاذ َ‬
‫ي َوَم ْ‬
‫ساعد ّ‬
‫وُروي إلى منكبيه‪ ،‬فأبو حميد ال ّ‬
‫حيال ُأذنيه‪ .‬وقال البراء‪ :‬قريبًا من ُأذنيه‪ .‬وقيل‪ :‬هو من العمل‬
‫حجر‪ :‬إلى ِ‬
‫عمر‪ .‬وقال وائل بن ُ‬
‫المخّير فيه‪ ،‬وقيل‪ :‬كان أعلها إلى فروع ُأذنيه‪ ،‬وكّفاه إلى منكبيه‪ ،‬فل يكون اختلفًا‪ ،‬ولم يختلف‬
‫عنه في محل هذا الرفع‪ ،‬ثم يضُع الُيمنى على ظهِر الُيسرى‪.‬‬
‫ن‬
‫ت َبْي َ‬
‫عْد َ‬
‫ي َكَما َبا َ‬
‫طاَيا َ‬
‫خَ‬‫ن َ‬
‫عْد َبْيِني َوَبْي َ‬
‫وكان يستفتح تارة بـ ))الّلُهّم َبا ِ‬
‫طاَيا‬
‫خَ‬‫ب َوال َ‬
‫ن الّذُنو ِ‬
‫ي ِبالَماِء َوالّثْلج َوالَبَرِد‪ ،‬الّلُهّم َنّقِني ِم َ‬
‫طاَيا َ‬
‫خَ‬‫ن َ‬
‫سْلِني ِم ْ‬
‫غِ‬‫ب‪ ،‬الّلُهّم ا ْ‬
‫ق َوالَمْغِر ِ‬
‫شِر ِ‬
‫الَم ْ‬
‫س((‪.‬‬
‫ن الّدَن ِ‬
‫ض ِم َ‬
‫لْبَي ُ‬
‫با َ‬
‫َكَما ُيَنّقى الّثْو ُ‬
‫حِنيفًا ُمسِلمًا َوَما َأَنا ِم َ‬
‫ن‬ ‫ض َ‬
‫لْر َ‬
‫ت َوا َ‬
‫سَماَوا ِ‬
‫طَر ال ّ‬
‫ي ِلّلِذي َف َ‬
‫جِه َ‬
‫ت َو ْ‬
‫جْه ُ‬
‫وتارة يقول‪َ)) :‬و ّ‬
‫ت‪َ ،‬وَأَنا‬
‫ك ُأِمْر ُ‬
‫ك َلُه‪َ ،‬وِبذِل َ‬
‫شِري َ‬
‫ل َ‬
‫ن‪َ ،‬‬
‫ب الَعاَلِمي َ‬
‫ل َر ّ‬
‫ي َوَمماِتي ِّ‬
‫حَيا َ‬
‫سِكي َوَم ْ‬
‫صلِتي َوُن ُ‬
‫ن َ‬
‫ن‪ ،‬إ ّ‬
‫شِرِكي َ‬
‫الُم ْ‬
‫سي‪َ ،‬واغَتَرف ُ‬
‫ت‬ ‫ت َنْف ِ‬
‫ظَلْم ُ‬
‫ك‪َ ،‬‬
‫عْبُد َ‬
‫ت َرّبي‪َ ،‬وَأَنا َ‬
‫ت‪َ ،‬أْن َ‬
‫ل َأْن َ‬
‫ل إلَه ِإ ّ‬
‫ك‪َ ،‬‬
‫ت الَمِل ُ‬
‫ن‪ ،‬الّلُهّم َأْن َ‬
‫سِلِمي َ‬
‫ل الُم ْ‬
‫َأّو ُ‬
‫ل َيْهِدي‬
‫لق َ‬
‫لخ َ‬
‫نا َ‬
‫سِ‬‫حَ‬
‫لْ‬‫ت‪َ ،‬واهِدِني َ‬
‫ل َأْن َ‬
‫ب ِإ ّ‬
‫ل َيْغِفُر الّذُنو َ‬
‫جِميَعَها‪ِ ،‬إّنُه َ‬
‫غِفر ِلي ُذُنوِبي َ‬
‫ِبَذْنِبي‪َ ،‬فا ْ‬
‫ك‪،‬‬
‫سْعَدْي َ‬
‫ك َو َ‬
‫ت‪َ ،‬لّبْي َ‬
‫ل َأْن َ‬
‫سّيَئها ِإ ّ‬
‫عّني َ‬
‫ف َ‬
‫صِر ُ‬
‫ل َي ْ‬
‫ق‪َ ،‬‬
‫لِ‬‫خَ‬
‫لْ‬‫سّيىَء ا َ‬
‫عّني َ‬
‫ف َ‬
‫صِر ْ‬
‫ت‪َ ،‬وا ْ‬
‫ل َأْن َ‬
‫سِنَها ِإ ّ‬
‫حَ‬‫لْ‬
‫ِ‬
‫ك((‪ ،‬ولكن‬
‫ك َوَأُتوبُ ِإَلْي َ‬
‫سَتْغِفُر َ‬
‫ت‪َ ،‬أ ْ‬
‫ت َوَتَعاَلْي َ‬
‫ك َتَباَرْك َ‬
‫ك َوِإَلي َ‬
‫ك‪َ ،‬أَنا ِب َ‬
‫س ِإَلْي َ‬
‫شّر َلْي َ‬
‫ك‪َ ،‬وال ّ‬
‫ل ِبَيَدْي َ‬
‫خْيُر ُك ٌ‬
‫َواْل َ‬
‫المحفوظ أن هذا الستفتاح إنما كان يقوله في قيام الليل‪.‬‬
‫عاِلَم‬
‫ض‪َ ،‬‬
‫لْر ِ‬
‫ت َوا َ‬
‫طَر السماَوا ِ‬
‫ل‪َ ،‬فا ِ‬
‫سَراِفي َ‬
‫ل َوِإ ْ‬
‫ل َوِميَكاِئي َ‬
‫ب جْبَراِئي َ‬
‫وتارة يقول‪)) :‬الّلُهّم َر ّ‬
‫حّ‬
‫ق‬ ‫ن ال َ‬
‫ف ِفيه مِ َ‬
‫خُتِل َ‬
‫ن‪ ،‬اْهِدني ِلَما ا ْ‬
‫خَتِلُفو َ‬
‫ك ِفيَما َكاُنوا ِفيِه َي ْ‬
‫عَباِد َ‬
‫ن ِ‬
‫حُكُم َبْي َ‬
‫ت َت ْ‬
‫شَهاَدِة‪َ ،‬أْن َ‬
‫الَغْيبِ َوال ّ‬
‫سَتِقيم((‪.‬‬
‫ط ُم ْ‬
‫شاُء ِإَلى صَرا ٍ‬
‫ن َت َ‬
‫ك َتهِدي َم ْ‬
‫ك‪ِ ،‬إّن َ‬
‫ِبِإْذِن َ‬
‫ن ‪ ((...‬الحديث‪.‬‬
‫ن ِفيِه ّ‬
‫ض‪َ ،‬وَم ْ‬
‫لْر ِ‬
‫ت َوا َ‬
‫سَماَوا ِ‬
‫ت ُنوُر ال ّ‬
‫حْمُد‪َ ،‬أْن َ‬
‫ك اْل َ‬
‫وتارة يقول‪)) :‬الّلُهّم َل َ‬
‫ل عنهما أنه كبر‪ ،‬ثم قال ذلك‪.‬‬
‫وسيأتي في بعض طرقه الصحيحة عن ابن عباس رضي ا ّ‬
‫حْمُد ِّ‬
‫ل‬ ‫ل َكِثيرًا‪ ،‬اْل َ‬
‫حْمُد ِّ‬
‫ل َكِثيرًا‪ ،‬اْل َ‬
‫حْمُد ِّ‬
‫ل َأْكَبُر‪ ،‬اْل َ‬
‫ل َأْكَبُر‪ ،‬ا ُّ‬
‫ل َأْكَبُر‪ ،‬ا ُّ‬
‫وتارة يقول‪)) :‬ا ُّ‬
‫ل‪ ،‬الّلُهّم ِإّني‬
‫صي ً‬
‫ل ُبْكَرًة َوَأ ِ‬
‫ن ا ِّ‬
‫حا َ‬
‫سْب َ‬
‫ل‪ُ ،‬‬
‫صي ً‬
‫ل ُبْكَرًة َوَأ ِ‬
‫ن ا ِّ‬
‫حا َ‬
‫سْب َ‬
‫ل‪ُ ،‬‬
‫صي ً‬
‫ل ُبْكَرًة َوَأ ِ‬
‫ن ا ِّ‬
‫حا َ‬
‫سْب َ‬
‫َكِثيرًا‪َ ،‬و ُ‬
‫خِه َوَنْفِثِه((‪.‬‬
‫ن َهْمِزِه َوَنْف ِ‬
‫جيِم ِم ْ‬
‫ن الَر ِ‬
‫طا ِ‬
‫شْي َ‬
‫ن ال ّ‬
‫ك ِم َ‬
‫عوُذ ِب َ‬
‫َأ ُ‬
‫‪89‬‬

‫شَرًا‪،‬‬
‫عْ‬‫ل َ‬
‫شرًا‪ُ ،‬ثّم ُيَهّل ُ‬
‫عْ‬‫حَمُد َ‬
‫ت‪ُ ،‬ثّم َي ْ‬
‫شَر مَرا ٍ‬
‫عْ‬‫ح َ‬
‫سّب ُ‬
‫ت‪ُ ،‬ثّم ُي َ‬
‫شَر َمّرا ٍ‬
‫عْ‬‫ل َأْكَبُر َ‬
‫وتارة يقول‪)) :‬ا ُّ‬
‫شَرًا((‪ُ ،‬ثّم يقول‪)) :‬الّلُهّم‬
‫عْ‬‫عاِفِني َ‬
‫غِفْر ِلي َواْهِدني َواْرُزْقِني َو َ‬
‫شرًا‪ُ ،‬ثّم َيقول‪)) :‬الّلُهّم ا ْ‬
‫عْ‬‫سَتْغِفُر َ‬
‫ُثّم َي ْ‬
‫شَرًا((‬
‫عْ‬‫ق الُمَقاِم َيْوَم الِقَياَمِة َ‬
‫ضي ِ‬
‫ن ِ‬
‫ك ِم ْ‬
‫عوُذ ِب َ‬
‫ِإّني َأ ُ‬
‫فكل هذه النواع صحت عنه صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫ك‪َ ،‬و َ‬
‫ل‬ ‫جّد َ‬
‫ك‪ ،‬وَتَعاَلى َ‬
‫سُم َ‬
‫كا ْ‬
‫ك‪َ ،‬وَتَباَر َ‬
‫حمِْد َ‬
‫ك الّلُهّم َوِب َ‬
‫حاَن َ‬
‫سْب َ‬
‫وروي عنه أنه كان يستفتح بـ )) ُ‬
‫ل السنن من حديث علي بن علي الرفاعي‪ ،‬عن أبي المتوكل الّناجي‪ ،‬عن‬
‫ك(( ذكر ذلك أه ُ‬
‫غْيُر َ‬
‫ِإلِه َ‬
‫ل عنها‪ ،‬والحاديث التي‬
‫أبي سعيد على أنه ربما أرسل‪ ،‬وقد ُروي مثله من حديث عائشة رضي ا ّ‬
‫ت منه‪ ،‬ولكن صح عن عمر بن الخطاب رضي ال عنه أنه كان يستفتح به في مقام النبي‬
‫قبله أثب ُ‬
‫لمام أحمد‪ :‬أّما أنا فأذهب إلى ما روي عن‬
‫صلى ال عليه وسلم ويجهر به‪ ،‬ويعّلمه الناس وقال ا ِ‬
‫ل استفتح ببعض ما ُروي عن النبي صلى ال عليه وسلم من الستفتاح كان‬
‫عمر‪ ،‬ولو أن رج ً‬
‫حسنًا‪.‬‬
‫وإنما اختار المام أحمد هذا لعشرة أوجه قد ذكرُتها في مواضع أخرى‪ .‬منها جهُر‬
‫عمر به يعّلمه الصحابة‪.‬‬
‫ل‪،‬‬
‫ومنها اشتماُله على أفضل الكلم بعد القرَآن‪ ،‬فإن أفضل الكلم بعد القرَآن سبحان ا ِّ‬
‫لحرام‪.‬‬
‫ح مع تكبيرة ا ِ‬
‫ل أكبر‪ ،‬وقد تضمنها هذا الستفتا ُ‬
‫ل وا ّ‬
‫ل‪ ،‬ول ِإله ِإل ا ّ‬
‫والحمد ّ‬
‫ل‪ ،‬وغيره متضمن للدعاء‪ ،‬ولهذا كانت سورة‬
‫ص للثناء على ا ّ‬
‫ومنها أنه استفتاح أخل ُ‬
‫ل ثلث القرآن‪ ،‬لنها أخلصت لوصف الرحمن تبارك وتعالى‪ ،‬والثناء عليه ‪ ،‬ولهذا‬
‫لخلص َتعِد ُ‬
‫اِ‬
‫ل أكبر(( أفضل الكلم بعد القرآن ‪ ،‬فيلزم أن ما‬
‫ل ‪ ،‬وا ّ‬
‫ل ‪ ،‬ول ِإله ِإل ا ّ‬
‫ل‪ ،‬والحمد ّ‬
‫كان ))سبحان ا ّ‬
‫تضمنها من الستفتاحات أفضل من غيره من الستفتاحات‪.‬‬
‫ومنها أن غيَره من الستفتاحات عامُتها إنما هي في قيام الليل في النافلة‪ ،‬وهذا كان عمُر‬
‫يفعله ‪ ،‬ويعّلمه الناس في الفرض‪.‬‬
‫لخبار عن صفات كماله ‪،‬‬
‫ومنها أن هذا الستفتاح إنشاء للثناء على الّرب تعالى‪ ،‬متضمن ل ِ‬
‫ونعوت جلله ‪ ،‬والستفتاح بـ ))وجهت وجهي(( إخبار عن عبودية العبد‪ ،‬وبينهما من الفرق ما‬
‫بينهما‪.‬‬
‫‪90‬‬

‫ومنها أن من اختار الستفتاح بـ ))وجهت وجهي(( ل يكمله ‪ ،‬وإنما يأخذ بقطعة من الحديث‬
‫‪ ،‬ويَذُر باقيه ‪ ،‬بخلف الستفتاح بـ ))سبحانك اللهم وبحمدك(( فإن من ذهب إليه يقوله كله إلى‬
‫آخره‪.‬‬
‫ل من الشيطان الرجيم(( ثم يقرأ الفاتحة‪ ،‬يجهر بـ ))بسم ا ّ‬
‫ل‬ ‫وكان يقول بعد ذلك‪)) :‬أعوذ با ّ‬
‫الّرحمن الّرحيم(( تارة‪ ،‬ويخفيها أكثر مما يجهر بها‪.‬‬
‫ول ريب أنه لم يكن يجهر بها دائمًا في كل يوم وليلة خمس مرات أبدًا‪ ،‬حضرًا وسفرًا‪،‬‬
‫جمهور أصحابه ‪ ،‬وأهل بلده في العصار الفاضلة‪ ،‬هذا‬
‫ويخفي ذلك على خلفائه الّراشدين ‪ ،‬وعلى ُ‬
‫ِمن أمحل المحال حتى يحتاج إلى التشّبث فيه بألفاظ مجملة‪ ،‬وأحاديث واهية‪ ،‬فصحيح تلك‬
‫حها غير صحيح ‪ ،‬وهذا موضع يستدعي مجّلدًا ضخما‪.‬‬
‫الحاديث غيُر صريح ‪ ،‬وصري ُ‬
‫وكانت قراءته مدًا‪ ،‬يِقف عند كل آية‪ ،‬ويمّد بها صوته‪.‬‬
‫فإذا فرغ من قراءة الفاتحة‪ ،‬قال‪)) :‬آمين((‪ ،‬فإن كان يجهر بالقراءة رفع بها صوته وقالها‬
‫من خلفه‪.‬‬
‫ن‪ ،‬سكتة بين التكبير والقراءة‪ ،‬وعنها سأله أبو هريرة‪ ،‬واختلف في‬
‫وكان له سكتتا ِ‬
‫الثانية‪ ،‬فروي أنها بعد الفاتحة‪ .‬وقيل‪ :‬إنها بعد القراءة وقبل الركوع‪ .‬وقيل‪ :‬هي سكتتان غير‬
‫الولى‪ ،‬فتكون ثلثًا‪ ،‬والظاهر إنما هي اثنتان فقط‪ ،‬وأّما الثالثة‪ ،‬فلطيفة جدًا لجل تراّد الّنَفس‪ ،‬ولم‬
‫صل القراءة بالركوع‪ ،‬بخلف السكتة الولى‪ ،‬فإنه كان يجعلها بقدر الستفتاح‪ ،‬والثانية قد‬
‫يكن َي ِ‬
‫قيل‪ :‬إنها لجل قراءة المأموم‪ ،‬فعلى هذا‪ :‬ينبغي تطويلها بقدر قراءة الفاتحة‪ ،‬وأّما الثالثة‪ ،‬فللراحة‬
‫جَعلها سكتًة ثالثة‪ ،‬فل‬
‫والنفس فقط‪ ،‬وهي سكتة لطيفة‪ ،‬فمن لم يذكرها‪ ،‬فلقصرها‪ ،‬ومن اعتبرها‪َ ،‬‬
‫اختلف بين الروايتين‪ ،‬وهذا أظهر ما يقال في هذا الحديث وقد صح حديث السكتتين‪ ،‬من رواية‬
‫سمرة‪ ،‬وأبي بن كعب‪ ،‬وعمران بن حصين‪ ،‬ذكر ذلك أبو حاتم في ))صحيحه(( وسمرة هو ابن‬
‫ت من‬
‫جندب‪ ،‬وقد تبين بذلك أن أحد من روى حديث السكتتين سمرة بن جندب وقد قال‪ :‬حفظ ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم سكتتين‪ :‬سكتًة إذا كبر‪ ،‬وسكتة إذا فرغ من قراءة‪} :‬غير‬
‫رسول ا ّ‬
‫المغضوب عليهم ول الضالين{ ]الفاتحة‪ .[7 :‬وفي بعض طرق الحديث‪ :‬فإذا فرغ من القراءة‪،‬‬
‫سلمة بن عبد الرحَمن‪ :‬للمام‬
‫سر مبين‪ ،‬ولهذا قال أبو َ‬
‫سكت وهذا كالمجمل‪ ،‬واللفظ الول مف ّ‬
‫سكتتان‪ ،‬فاغتنموا فيهما القراءة بفاتحة الِكتاب إذا افتتح الصلة‪ ،‬وإذا قال‪} :‬ول الضالين{ ]الفاتحة‪:‬‬
‫‪ [7‬على أن تعيين محل السكتتين‪ ،‬إنما هو من تفسير قتادة‪ ،‬فإنه روى الحديث عن الحسن‪ ،‬عن‬
‫‪91‬‬

‫ل صلى ال عليه وسلم في‪ ،‬فأنكر ذلك عمران‪ ،‬فقال‪:‬‬


‫سمرة قال‪ :‬سكتتان حفظتهما عن رسول ا ّ‬
‫ي بن كعب بالمدينة‪ ،‬فكتب ُأبي أن قد حفظ سمرة‪ ،‬قال سعيد؟ فقلنا‬
‫حفظناها سكتة‪ ،‬فكتبنا إلى أب ّ‬
‫لقتادة‪ :‬ما هاتان السكتتان قال‪ :‬إذا دخل في الصلة‪ ،‬وإذا فرغ من القراءة‪ ،‬ثم قال بعد ذلك‪ :‬وإذا‬
‫سه ومن يحتج‬
‫قال‪ :‬ول الضالين قال‪ :‬وكان يعجبه إذا فرغ من القراءة أن يسكت حتى يتراّد إليه َنَف ُ‬
‫بالحسن عن سمرة يحتج بهذا‪.‬‬
‫خّفُفَها لعارض ِمن سفر أو غيره‪ ،‬ويتوسط‬
‫فإذا فرغ من الفاتحة‪ ،‬أخذ في سورة غيِرها‪َ ،‬وُي َ‬
‫فيها غالبًا‪.‬‬
‫قراءته صلى ال عليه وسلم في الصلة‬
‫وكان يقرأ في الفجر بنحو ستين آية إلى مائة آية‪ ،‬وصلها بسورة )ق(‪ ،‬وصلها بـ‬
‫ت( في الركعتين كليهما‪ ،‬وصلها بـ‬
‫س ُكّوَرت( وصلها بـ )ِإَذا ُزْلِزَل ْ‬
‫شم ُ‬
‫)الروم( وصلها بـ )إَذا ال ّ‬
‫ن( وكان في السفر وصلها‪ ،‬فافتتح بـ )سورة المْؤِمِنين( حتى إذا بلغ ذكر موسى‬
‫)المعّوَذَتْي ِ‬
‫سْعَلٌة فركع‪.‬‬
‫وهارون في الركعة الولى‪ ،‬أخذته َ‬
‫لنسان ( كاملتين‪،‬‬
‫سجدة( وسورة )هل أتى على ا ِ‬
‫وكان ُيصليها يوَم الجمعة بـ )ألم تنزيل ال ّ‬
‫ن الّناس اليوم من قراءة بعض هذه وبعض هذه في الركعتين‪ ،‬وقراءة‬
‫ولم يفعل ما يفعُله كثيٌر م ِ‬
‫ح يوم‬
‫السجدة وحَدها في الركعتين‪ ،‬وهو خلف السنة‪ .‬وأما ما يظنه كثيٌر ِمن الجهال أن صب َ‬
‫ض الئمة قراءَة سورة السجدة لجل هذا الظن‪،‬‬
‫ل بسجدة‪ ،‬فجهل عظيم‪ ،‬ولهذا كره بع ُ‬
‫ضَ‬‫الجمعة ُف ّ‬
‫وإنما كان صلى ال عليه وسلم يقرأ هاتين السورتين لما اشتملتا عليه من ذكر المبدِإ والمعاد‪ ،‬وخل ِ‬
‫ق‬
‫ن في يوِم الجمعة‪ ،‬فكان يقرأ في فجرها ما كان‬
‫ل الجّنة والّنار‪ ،‬وذلك مّما كان ويكو ُ‬
‫آدم‪ ،‬ودخو ِ‬
‫ويكون في ذلك اليوم‪ ،‬تذكيرًا للمة بحوادث هذا اليوم‪ ،‬كما كان يقرأ في المجامع العظام كالعياد‬
‫والجمعة بسورة )ق( و )واقتربت( و )سّبح( و )الغاشية(‪.‬‬
‫فصل‬
‫وأما الظهر‪ ،‬فكان ُيطيل قراءَتها أحيانًا‪ ،‬حتى قال أبو سعيد‪)) :‬كانت صلُة الظهر ُتقام‪،‬‬
‫فيذهب الذاهب إلى البقيع‪ ،‬فيقضي حاجته‪ ،‬ثم يأتي أهله‪ ،‬فيتوضأ‪ ،‬ويدرك النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم في الركعة الولى مّما يطيُلها(( رواه مسلم‪ .‬وكان يقرأ فيها تارة بقدر )ألم تنزيل( وتارة بـ‬
‫)سبح اسم ربك العلى( و )الليل إذا يغشى( وتارة بـ )السماء ذات البروج( و )السماء والطارق(‪.‬‬
‫صرت‪.‬‬
‫وأما العصر‪ ،‬فعلى النصف ِمن قراءة صلة الظهر إذا طالت‪ ،‬وبقدرها إذا ق ُ‬
‫‪92‬‬

‫ف عمل الناس اليوم‪ ،‬فإنه صلها مرة‬


‫وأما المغرب‪ ،‬فكان هدُيه فيها خل َ‬
‫بـ)العراف( فّرقها في الركعتين‪ ،‬ومرة بـ )الطور( ومرة بـ )المرسلت(‪.‬‬
‫قال أبو عمر بن عبد البر‪ :‬روي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قرأ في المغرب بـ‬
‫)المص( وأنه قرأ فيها بـ )الصافات( وأنه قرأ فيها بـ )حم الدخان( وأنه قرأ فيها بـ)سبح اسم ربك‬
‫العلى( وأنه قرأ فيها بـ )التين والزيتون( وأنه قرأ فيها بـ )المعّوذتين( وأنه قرأ فيها بـ‬
‫)المرسلت( وأنه كان يقرأ فيها بقصار المفصل قال‪ :‬وهي كلها آثار صحاح مشهورة‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫)يتبع‪(...‬‬
‫ل مروان بن الحكم‪ ،‬ولهذا‬
‫وأما المداومة فيها على قراءة ِقصار المفصل دائمًا‪ ،‬فهو فع ُ‬ ‫@‬
‫ت رسول ا ّ‬
‫ل‬ ‫صل؟! وقد رأي ُ‬
‫ك تقرأ في المغرب بقصار المف ّ‬
‫أنكر عليه زيُد بن ثابت‪ ،‬وقال‪َ :‬ماَل َ‬
‫طولى الطوليين؟ قال‪:‬‬
‫طوليين‪ .‬قال‪ :‬قلت‪ :‬وما ُ‬
‫صلى ال عليه وسلم يقرأ في المغرب بطولى ال ُ‬
‫)العراف( وهذا حديث صحيح رواه أهل السنن‪.‬‬
‫ل عنها أن النبي قرأ في المغرب بسورة )العراف(‬
‫وذكر الّنسائي عن عائشة رضي ا ّ‬
‫فرقها في الركعتين‪.‬‬
‫ف السنة‪ ،‬وهو فعل‬
‫صل خل ُ‬
‫فالمحافظة فيها على الية القصيرة‪ ،‬والسورِة من ِقصار المُف ّ‬
‫مروان بن الحكم‪.‬‬
‫وأما العشاء الخرة‪ ،‬فقرأ فيها صلى ال عليه وسلم بـ )التين والزيتون( ووّقت لمعاذ‬
‫فيها بـ )الشمس وضحاها( و )سّبح اسم ربك العلى( و )الليل إذا يغشى( ونحوها‪ ،‬وأنكر عليه‬
‫قراءَته فيها بـ )البقرة( بعدما صّلى معه‪ ،‬ثم ذهب إلى بني عمرو بن عوف‪ ،‬فأعادها لهم بعدما‬
‫ل‪ ،‬وقرأ بهم بـ )البقرة( ولهذا قال له‪)) :‬أفتان أنت يا معاذ(( فتعلق‬
‫مضى من الليل ما شاء ا ّ‬
‫الّنّقارون بهذه الكلمة‪ ،‬ولم يلتِفتوا إلى ما قبلها ول ما بعدها‪.‬‬
‫نو‬
‫وأما الجمعُة‪ ،‬فكان يقرأ فيها بسورتي )الجمعة( و )المنافقين ( َكاِمَلَتي ِ‬
‫)سورة سّبح( و )الغاشية(‪.‬‬
‫وأما القتصار على قراءة أواخر السورتين من )يا أيها الذين آمنوا( إلى آخرها‪ ،‬فلم يفعله‬
‫ط‪ ،‬وهو مخالف لهديه الذي كان ُيحافظ عليه‪.‬‬
‫قّ‬
‫‪93‬‬

‫وأما قراءته في العياد‪ ،‬فتارة كان يقرأ سورتي )ق( و )اقتربت( كاملتين‪ ،‬وتارة‬
‫ل عز‬
‫سورتي )سّبح( و )الغاشية( وهذا هو الهدي الذي استمر صلى ال عليه وسلم إلى أن لقي ا َّ‬
‫وجل‪ ،‬لم ينسخه شيء‪.‬‬
‫ولهذا أخذ به خلفاؤه الراشدون من بعده‪ ،‬فقرأ أبو بكر رضي ال عنه في الفجر بسورة‬
‫ل صلى ال عليه وسلم؟‬
‫)البقرة( حتى سّلم منها قريبًا من طلوع الشمس‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا خليَفة رسول ا ّ‬
‫س تطلُع‪ ،‬فقال‪ :‬لو طَلعت لم تجدنا غافلين‪.‬‬
‫كادت الشم ُ‬
‫ل عنه يقرأ فيها بـ )يوسف( و )النحل( و بـ )هود( و )بني إسرائيل(‬
‫وكان عمر رضي ا ّ‬
‫ف على خلفائه الراشدين‪،‬‬
‫ونحوها من السور‪ ،‬ولو كان تطويُله صلى ال عليه وسلم منسوخًا لم يخ َ‬
‫طلْع عليه الّنّقارون‪.‬‬
‫َوَي ّ‬
‫سُمرة أن النبي صلى ال عليه‬
‫وأما الحديث الذي رواه مسلم في ))صحيحه(( عن جابر بن َ‬
‫ن المجيد{ ]ق‪ [1 :‬وكانت صلته بعد تخفيفًا فالمراد بقوله‬
‫وسلم كان يقرأ في الفجر }ق والقرآ ِ‬
‫))بعُد(( أي‪ :‬بعد الفجر‪ ،‬أي‪ :‬إنه كان يطيل قراءة الفجر أكثر من غيرها‪ ،‬وصلته بعدها تخفيفًا‪.‬‬
‫ل أم الفضل وقد سمعت ابن عباس يقرأ و )المرسلت عرفًا( فقالت‪ :‬يا بني لقد‬
‫ويدل على ذلك قو ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم يقرأ بها في‬
‫ت من رسولِ ا ّ‬
‫خُر ما سمع ُ‬
‫َذّكْرَتِني بقراءة هذه السورة‪ ،‬إنها ل ِ‬
‫المغرب فهذا في آخر المر‪.‬‬
‫وأيضًا فإن قوله‪ :‬وكانت صلته))بعُد(( غايٌة قد حذف ما هي مضافة إليه‪ ،‬فل يجوز‬
‫ق إنما يقتضي أن صلته‬
‫ق‪ ،‬والسيا ُ‬
‫ق‪ ،‬وترك إضمار ما يقتضيه السيا ُ‬
‫إضماُر ما ل يدل عليه السيا ُ‬
‫بعد الفجر كانت تخفيفًا‪ ،‬ول يقتضي أن صلَته كّلها بعد ذلك اليوم كانت تخفيفًا‪ ،‬هذا ما ل يدل عليه‬
‫اللفظ‪ ،‬ولو كان هو المراَد‪ ،‬لم يخف على خلفائه الراشدين‪ ،‬فيتمسكون بالمنسوخ‪ ،‬ويدعون الناسخ‪.‬‬
‫ف(( وقول أنس رضي ا ّ‬
‫ل‬ ‫خّف ْ‬
‫س‪َ ،‬فْلُي َ‬
‫وأّما قوُله صلى ال عليه وسلم‪َ)) :‬أّيُكم َأّم الّنا َ‬
‫جُ‬
‫ح‬‫لًة في َتماٍم فالتخفيف أمر نسبي َيْر ِ‬
‫صَ‬‫س َ‬
‫ف الّنا ِ‬
‫خ ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم أ َ‬
‫لا ّ‬
‫عنه‪ :‬كان رسو ُ‬
‫إلى ما فعله النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وواظب عليه‪ ،‬ل إلى شهوة المأمومين‪ ،‬فإنه صلى ال عليه‬
‫ف وَذا الحاجة‪ ،‬فالذي‬
‫علَم أن من ورائه الكبيَر والضعي َ‬
‫وسلم لم يكن يأمرهم بأمر‪ ،‬ثم ُيخالفه‪ ،‬وقد َ‬
‫ن ذلك بأضعاف مضاعفة‪،‬‬
‫لمِ‬
‫ف الذي أمَر به‪ ،‬فَإنه كان ُيمكن أن تكون صلُته أطو َ‬
‫فعله هو التخفي ُ‬
‫فهي خفيفٌة بالنسبة إلى أطول منها‪ ،‬وهدُيه الذي كان واظب عليه هو الحاكُم على كل ما تنازع فيه‬
‫ل عنهما قال‪ :‬كان رسو ُ‬
‫ل‬ ‫المتنازعون‪ ،‬ويدل عليه ما رواه النسائي وغيره عن ابن عمر رضي ا ّ‬
‫‪94‬‬

‫ل يأمرنا بالتخفيف ويؤّمنا بـ )الصافات( فالقراءة بـ )الصافات( من التخفيف الذي كان يأمر به‪،‬‬
‫ا ّ‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫وا ّ‬
‫فصل‬
‫وكان صلى ال عليه وسلم ل يعين سورة في الصلة بعينها ل يقرأ إل بها إل في الجمعة‬
‫والعيدين‪ ،‬وأّما في سائر الصلوات‪ ،‬فقد ذكر أبو داود من حديث عمرو بن شعيب‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫ل صلى ال عليه‬
‫لا ّ‬
‫ت رسو َ‬
‫ل سورٌة صغيرٌة ول كبيرٌة إل وقد سِمع ُ‬
‫صِ‬‫ن المف ّ‬
‫جّده أنه قال‪َ :‬ما م َ‬
‫صلِة الَمْكُتوبِة‪.‬‬
‫س بها في َال ّ‬
‫وسلم َيؤّم النا َ‬
‫وكان من هديه قراءَة السورة كاملة‪ ،‬وربما قرأها في الركعتين‪ ،‬وربما قرأ أول السورة‪.‬‬
‫طها‪ ،‬فلم ُيحفظ عنه‪ .‬وأما قراءُة السورتين في ركعة‪ ،‬فكان يفعله في‬
‫وأما قراءة أواخر السور وأوسا ِ‬
‫ل عنه‪ :‬إني لعرف‬
‫ث ابن مسعود رضي ا ّ‬
‫النافلة‪ ،‬وأما في الفرض‪ ،‬فلم ُيحفظ عنه‪ .‬وأما حدي ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم يقُرن بينهن السورتين في الركعة )الرحمن( و‬
‫لا ّ‬
‫النظاِئَر التي كان رسو ُ‬
‫)النجم( في ركعة و )اقتربت( و )الحاقة( في ركعة و )الطور( و )الذاريات( في ركعة و )إذا‬
‫وقعت( و )ن( في ركعة الحديث فهذا حكاية فعل لم ُيعين محّله هل كان في الفرض أو في النفل؟‬
‫وهو محتِمل‪ .‬وأما قراءُة سورة واحدة في ركعتين معًا‪ ،‬فقلما كان يفعله‪ .‬وقد ذكر أبو داود عن رجل‬
‫ل صلى ال عليه وسلم يقرأ في الصبح )إذا زلزلت( في الركعتين‬
‫جهينة أنه سمع رسول ا ّ‬
‫من ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬أم قرأ ذلك عمدًا‪.‬‬
‫لا ّ‬
‫ي رسو ُ‬
‫كلتيهما‪ ،‬قال‪ :‬فل أدري أنس َ‬
‫فصل‬
‫صبح وِمن كل‬
‫ل الركعة الولى على الثانية ِمن صلة ال ّ‬
‫وكان صلى ال عليه وسلم ُيطي ُ‬
‫صلة‪ ،‬وربما كان ُيطيلها حتى ل يسَمَع وْقَع قدٍم‪ ،‬وكان ُيطيل صلة الصبح أكثَر ِمن سائر‬
‫ل تعالى وملئكُته‪ ،‬وقيل‪ :‬يشهُده ملئكُة اللي ِ‬
‫ل‬ ‫الصلوات‪ ،‬وهذا لن قرآن الفجر مشهود‪ ،‬يشهده ا ُّ‬
‫للهي هل يدوُم إلى انقضاء صلة الصبح‪ ،‬أو إلى طلوع‬
‫لا ِ‬
‫والنهاِر‪ ،‬والقولن مبنيان على أن النزو َ‬
‫الفجر؟ وقد ورد فيه هذا وهذا‪.‬‬
‫ل تطويُلها عوضًا عما نقصته من العدد‪.‬‬
‫جِع َ‬
‫وأيضًا فإنها لما نقص عدُد ركعاتها‪ُ ،‬‬
‫ب النوم‪ ،‬والناس مستريحون‪.‬‬
‫وأيضًا فإنها تكون عقي َ‬
‫وأيضًا فإنهم لم يأخذوا َبْعُد في استقبال المعاش‪ ،‬وأسباب الدنيا‪.‬‬
‫‪95‬‬

‫ب لفراغه وعدِم تمكن الشتغال‬


‫وأيضًا فإنها تكون في وقت تواطأ فيه السمُع والّلسان والقل ُ‬
‫ن ويتدبره‪.‬‬
‫فيه‪َ ،‬فيفهُم الُقرآ َ‬
‫ل من الهتمام بها وتطويلها‪ ،‬وهذه أسرار‬
‫وأيضًا فإنها أساس العمل وأوُله‪ ،‬فُأعطيت فض ً‬
‫ل المستعان‪.‬‬
‫حَكِمَها‪ ،‬وا ّ‬
‫إنما يعرفها من له التفات إلى أسرار الشريعة ومقاصدها َو ِ‬
‫فصل‬
‫سه‪ ،‬ثم رفع يديه‬
‫وكان صلى ال عليه وسلم إذا فرغ من القراءة‪ ،‬سكت بقدر ما يتراّد إليه نف ُ‬
‫كما تقّدم‪ ،‬وكّبر راكعًا‪ ،‬ووضع كّفيه على ُركبتيه كالقابض عليهما‪ ،‬ووَتر يديه‪ ،‬فنحاهما عن جنبيه‪،‬‬
‫ل له‪.‬‬
‫ل ظهره معاِد ً‬
‫ضه‪ ،‬بل يجعُله حيا َ‬
‫ب رأسه‪ ،‬ولم َيخِف ْ‬
‫ص ْ‬
‫وبسط ظهره ومّده‪ ،‬واعتدل‪ ،‬ولم َيْن ِ‬
‫ك الّلُهّم‬
‫حاَن َ‬
‫سْب َ‬
‫صرًا عليه‪ُ )) :‬‬
‫ظيِم((وتارة يقول مع ذلك‪ ،‬أو مقت ِ‬
‫ي اْلَع ِ‬
‫ن َرّب َ‬
‫حا َ‬
‫سْب َ‬
‫وكان يقول‪ُ )) :‬‬
‫عه المعتاُد مقداَر عشِر تسبيحات‪ ،‬وسجوُده كذلك‪ .‬وأما‬
‫غِفْر ِلي(( وكان ركو ُ‬
‫ك‪ ،‬الّلُهّم ا ْ‬
‫حْمِد َ‬
‫َرّبَنا َوِب َ‬
‫ف النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فكان قياُمه‬
‫خْل َ‬
‫ت الصلَة َ‬
‫ل عنه‪َ :‬رَمْق ُ‬
‫حديث البراء بن عازب رضي ا ّ‬
‫ضهم أنه‬
‫عه فاعتداُله فسجدُته‪ ،‬فجلسُته ما بين السجدتين قريبًا من السواء‪ .‬فهذا قد َفِهَم منه بع ُ‬
‫فركو ُ‬
‫جد بقدره‪ ،‬ويعتِدل كذلك‪ .‬وفي هذا الفهم شيء‪ ،‬لنه صلى ال عليه وسلم‬
‫كان يركع بقدر قيامه‪ ،‬ويس ُ‬
‫كان يقرأ في الصبح بالمائة آية أو نحوها‪ ،‬وقد تقدم أنه قرأ في المغرب بـ )العراف( و )الطور( و‬
‫ث أنس الذي‬
‫)المرسلت( ومعلوم أن ركوعه وسجوده لم يكن قدر هذه القراءة‪ ،‬ويدل عليه حدي ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم أشبَه صلة‬
‫ت وراَء أحد بعَد رسول ا ّ‬
‫رواه أهل السنن أنه قال‪ :‬ما صلي ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ .‬إل هذا الفتى يعني عمَر بن عبد العزيز‪ ،‬قال‪ :‬فحزْرَنا في ركوعه‬
‫برسول ا ّ‬
‫عشَر تسبيحات‪ ،‬وفي سجوده عشر تسبيحات هذا مع قول أنس أنه كان يؤمهم بـ )الصافات( فمراُد‬
‫ل أعلم ‪ -‬أن صلته صلى ال عليه وسلم كانت معتِدلة‪ ،‬فكان إذا أطال القيام‪ ،‬أطال‬
‫البراء ‪ -‬وا ّ‬
‫ل الركوع والسجود بقدر‬
‫ع والسجود‪ ،‬وتارة يجع ُ‬
‫الركوع والسجود‪ ،‬وإذا خفف القيام‪ ،‬خفف الركو َ‬
‫ل ذلك أحيانًا في صلة الليل وحدها‪ ،‬وفعله أيضًا قريبًا من ذلك في صلة‬
‫القيام‪ ،‬ولكن كان يفَع ُ‬
‫ل الصلة وتناسبها‪.‬‬
‫ب صلى ال عليه وسلم تعدي ُ‬
‫الكسوف‪ ،‬وهديه الغال ُ‬
‫لِئَكِة والّروح((‪ .‬وتارة يقول‪)) :‬الّلُهّم‬
‫ب الَم َ‬
‫س َر ّ‬
‫ح ُقّدو ٌ‬
‫سّبو ٌ‬
‫وكان يقول أيضًا في ركوعه )) ُ‬
‫عصَِبي((‪ .‬وهذا‬
‫ظِمي َو َ‬
‫ع ْ‬
‫خي َو َ‬
‫سْمِعي َوَبصَِرى َوُم ّ‬
‫ك َ‬
‫شَع َل َ‬
‫خَ‬‫ت‪َ ،‬‬
‫سَلْم ُ‬
‫ك َأ ْ‬
‫ت‪َ ،‬وَل َ‬
‫ت‪َ ،‬وِبك آَمْن ُ‬
‫ك َرَكْع ُ‬
‫َل َ‬
‫حفظ عنه في قيام الليل‪.‬‬
‫إنما ُ‬
‫‪96‬‬

‫حِمَده(( َوَيْرَفع يديه كما تقدم‪،‬‬


‫ن َ‬
‫ل ِلم ْ‬
‫سمَع ا ُّ‬
‫ل‪َ )) :‬‬
‫ثم كان يرفع رأسه بعد ذلك قائ ً‬
‫وروى رفَع اليدين عنه في هذه المواطن الثلثة نحٌو من ثلثين نفسًا‪ ،‬واتفق على روايتها العشرُة‪،‬‬
‫ف ذلك البتة‪ ،‬بل كان ذلك هدَيه دائمًا إلى أن فارق الدنيا‪ ،‬ولم يصح عنه حدي ُ‬
‫ث‬ ‫خل ُ‬
‫ولم يثبت عنه ِ‬
‫ن مسعود الرفَع مّما ُيقّدم على هديه‬
‫ك اب ِ‬
‫البراء‪ :‬ثم ل يعود بل هي من زيادة يزيد بن زياد‪ .‬فليس تر ُ‬
‫ضها مقاربًا ول مدانيًا للرفع‪ ،‬فقد‬
‫ك من فعل ابن مسعود في الصلة أشياء ليس ُمَعاِر ُ‬
‫المعلوم‪ ،‬فقد ُتر َ‬
‫ن فعله التطبيق والفتراش في السجود‪ ،‬ووقوفه إمامًا بين الثنين في وسطهما دون التقّدم‬
‫ترك ِم ْ‬
‫عليهما‪ ،‬وصلته الفرض في البيت بأصحابه بغير أذان ول إقامة لجل تأخير المراء‪ ،‬وأين‬
‫ل‪ ،‬وبا ّ‬
‫ل‬ ‫ث في خلف ذلك من الحاديث التي في الرفع كثرًة وصحة وصراحًة وعم ً‬
‫الحادي ُ‬
‫التوفيق‪.‬‬
‫جِزىء صلٌة َ‬
‫ل‬ ‫ل ُت ْ‬
‫ن السجدتين‪ ،‬ويقول )) َ‬
‫صلبه إذا رفع من الركوع‪ ،‬وبي َ‬
‫وكان دائمًا ُيقيم ُ‬
‫جوِد(( ذكره ابن خزيمة في ))صحيحه((‪.‬‬
‫سُ‬‫ع َوال ّ‬
‫صْلَبُه في الّرُكو ِ‬
‫ل ُ‬
‫جُ‬‫ُيِقيُم ِفيَها الّر ُ‬
‫حْمُد((وربما قال‪:‬‬
‫ك اْل َ‬
‫حْمُد(( وربما قال‪َ)) :‬رّبَنا َل َ‬
‫ك اْل َ‬
‫وكان إذا استوى قائمًا‪ ،‬قال‪َ)) :‬رّبَنا َوَل َ‬
‫حْمد((صح ذلك عنه‪ .‬وأما الجمع بين ))الّلُهّم(( و ))الواو(( فلم يصح‪.‬‬
‫))الّلُهّم َرّبَنا لك اْل َ‬
‫سمَع‬
‫ع والسجود‪ ،‬فصح عنه أنه كان يقول‪َ )) :‬‬
‫وكان من هديه إطالُة هذا الركن بقدر الركو ِ‬
‫يٍء َبْعُد‪،‬‬
‫ش ْ‬
‫ن َ‬
‫ت ِم ْ‬
‫شْئ َ‬
‫لَء َما ِ‬
‫لْرض‪َ ،‬وِم ْ‬
‫لءَ ا َ‬
‫ت‪َ ،‬وِم ْ‬
‫سَماَوا ِ‬
‫لَء ال ّ‬
‫حْمُد‪ِ ،‬م ْ‬
‫ك اْل َ‬
‫حِمَدُه‪ ،‬الّلُهّم َرّبَنا َل َ‬
‫ل ِلمن َ‬
‫ا ُّ‬
‫ت‪َ ،‬و َ‬
‫ل‬ ‫ي ِلَما َمَنْع َ‬
‫طَ‬‫ل ُمْع ِ‬
‫ت‪َ ،‬و َ‬
‫طْي َ‬
‫عَ‬‫ل َمانَع ِلَما َأ ْ‬
‫عْبٌد َ‬
‫ك َ‬
‫ل اْلَعْبُد َوُكُلَنا َل َ‬
‫ق َما َقا َ‬
‫حّ‬‫جِد‪َ ،‬أ َ‬
‫ل الّثَناِء َوالَم ْ‬
‫َأْه َ‬
‫جّد((‪.‬‬
‫ك ال َ‬
‫جّد ِمْن َ‬
‫َيْنَفُع َذا ال َ‬
‫ج َوالَبَرِد‪َ ،‬وَنّقِني ِم َ‬
‫ن‬ ‫ي ِبالَماِء َوالّثْل ِ‬
‫طاَيا َ‬
‫خَ‬‫ن َ‬
‫سْلِني ِم ْ‬
‫غِ‬‫وصح عنه أنه كان يقول فيه‪)) :‬الّلُهّم ا ْ‬
‫ت َبْي َ‬
‫ن‬ ‫عْد َ‬
‫ي َكَما َبا َ‬
‫طاَيا َ‬
‫خَ‬‫ن َ‬
‫عد َبْيِني َوَبْي َ‬
‫س‪َ ،‬وَبا ِ‬
‫ن الّدَن ِ‬
‫ض ِم َ‬
‫لْبَي ُ‬
‫با َ‬
‫طاَيا َكَما ُيَنّقى الّثْو ُ‬
‫خَ‬‫الّذُنوبِ َواْل َ‬
‫ب((‪.‬‬
‫ق َواْلَمْغِر ِ‬
‫شِر ِ‬
‫الَم ْ‬
‫حْمُد(( حتى كان بقدر الركوع‪.‬‬
‫ي اْل َ‬
‫حْمُد‪ِ ،‬لَرّب َ‬
‫ي اْل َ‬
‫وصح عنه أنه كرر فيه قوله‪ِ)) :‬لَرّب َ‬
‫طاَلِته‬
‫سيَ من إ َ‬
‫ح عنه أنه كان إذا رفع رأسه من الركوع يمُكث حتى يقول القائل‪ :‬قد ن ِ‬
‫وص ّ‬
‫سمَع‬
‫ل ال صلى ال عليه وسلم إذا قال َ‬
‫ل عنه‪ :‬كان رسو ُ‬
‫ي ا ُّ‬
‫لهذا الّركن‪ .‬وذكر مسلم عن أنس رض َ‬
‫ل‪ :‬قد أوهم‪.‬‬
‫جُد‪ ،‬ثم َيْقُعُد بين السجدتين حتى نقو َ‬
‫حِمَده‪ ،‬قام حتى نقول‪َ :‬قْد َأوَهَم‪ُ،‬ثّم يس ُ‬
‫ن َ‬
‫ل ِلم ْ‬
‫ا ُّ‬
‫ن بعد الركوع حتى كان قريبًا من ركوعه‪،‬‬
‫وصح عنه في صلة الُكسوف أنه أطال هذا الرك َ‬
‫عه قريبًا من قيامه‪.‬‬
‫وكان ركو ُ‬
‫‪97‬‬

‫فهدا هدُيه المعلوم الذي ل ُمعاِرض له بوجه‪.‬‬


‫ل صلى ال عليه وسلم وسجوُده وبي َ‬
‫ن‬ ‫ع رسول ا ّ‬
‫ث البراء بن عازب‪ :‬كان ركو ُ‬
‫وأما حدي ُ‬
‫ن السواء‪ .‬رواه البخاري‬
‫السجدتين‪ ،‬وإذا َرَفَع رأسه من الركوع ‪ -‬ما خل القياَم والقُعوَد ‪ -‬قريبًا ِم َ‬
‫فقد تشّبث به َمن ظن تقصيَر هذين الركنين‪ ،‬ول متعلق له‪ ،‬فإن الحديث مصّرح فيه بالتسوية بين‬
‫ن هو القياَم بعد الركوع والقعودَ‬
‫هذين الركنين وبين سائر الركان‪ ،‬فلو كان القياُم والقعود المسَتْثَنَيْي ِ‬
‫ضه بعضًا‪ ،‬فتعّين قطعًا أن يكون المراُد بالقيام والقعود‬
‫ث الواحد بع َ‬
‫بين السجدتين‪ ،‬لناقض الحدي ُ‬
‫قياَم القراءة‪ ،‬وقعود التشهد‪ ،‬ولهذا كان هدُيه صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فيهما إطاَلتهما على سائر‬
‫ل ال صلى ال عليه‬
‫ل واضح‪ ،‬وُهو مما خفي من هدي رسو ِ‬
‫الركان كما تقدم بياُنه‪ ،‬وهذا بحمد ا ّ‬
‫ل أن يخفى عليه‪.‬‬
‫وسلم صلته على من شاء ا ّ‬
‫قال شيخنا‪ :‬وتقصيُر هذين الركنين مما تصّرف فيه أمراُء بني أمية في الصلة‪ ،‬وأحدُثوه‬
‫ك إتمام التكبير‪ ،‬وكما أحدثوا التأخيَر الشديد‪ ،‬وكما أحدثوا غيَر ذلك مما‬
‫فيها‪ ،‬كما أحدثوا فيها تر َ‬
‫ي حتى ظن أنه من السنة‪.‬‬
‫ن ُرَب ّ‬
‫ي في ذلك َم ْ‬
‫ُيخالف هدَيه صلى ال عليه وسلم وُرّب َ‬
‫فصل‬
‫خّر ساجدًا‪ ،‬ول يرفع يديه وقد روي عنه أنه كان يرفعهما أيضًا‪ ،‬وصححه‬
‫ثم كان ُيكّبر َوي ِ‬
‫ح ذلك عنه البتة‪ ،‬والذي غّره أن‬
‫صّ‬‫ل‪ ،‬وهو وهم‪ ،‬فل َي ِ‬
‫ض الحفاظ كأبي محمد بن حزم رحمه ا ّ‬
‫بع ُ‬
‫الراويَ غلط من قوله‪ :‬كان ُيكبر في كل خفض ورفع إلى قوله‪ :‬كان يرفع يديه عند كل خفض‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫ورفع‪ ،‬وهو ثقة ولم يفطن لسبب غلط الراوي ووهمه‪ ،‬فصححه‪ .‬وا ّ‬
‫ضُع ُركبتيه قبل يديه‪ ،‬ثّم يديه بعدهما‪ ،‬ثم جبهَته وأنَفه‪،‬‬
‫وكان صلى ال عليه وسلم َي َ‬
‫حجر‪ :‬رأي ُ‬
‫ت‬ ‫هذا هو الصحيح الذي رواه شريك‪ ،‬عن عاصم بن كليب‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن وائل بن ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم إذا سجد‪ ،‬وضع ركبتيه قبل يديه‪ ،‬وإذا نهض‪ ،‬رفع يديه قبل‬
‫رسول ا ّ‬
‫ف ذلك‪.‬‬
‫خاِل ُ‬
‫ركبتيه‪ ،‬ولم ُيرو في فعله ما ُي َ‬
‫ك الَبِعيُر‪،‬‬
‫ل َيْبُرك َكَما َيْبُر ُ‬
‫حُدُكْم‪َ ،‬ف َ‬
‫جَد َأ َ‬
‫سَ‬‫ث أبي هريرة يرفعه‪ِ)) :‬إَذا َ‬
‫وأما حدي ُ‬
‫ل أعلم ‪ -‬قد وقع فيه وهم من بعض الرواة‪ ،‬فإن أّوله‬
‫ل رْكَبَتْيِه(( فالحديث ‪ -‬وا ّ‬
‫َوْلَيضَْع َيَدْيِه َقْب َ‬
‫ك كما يبَرك البعير‪ ،‬فإن البعير إنما يضع يديه‬
‫ضع يديه قبل ركبتيه‪ ،‬فقد َبَر َ‬
‫ُيخالف آخره‪ ،‬فإنه إذا َو َ‬
‫ب هذا القول ذلك‪ ،‬قالوا‪ :‬ركبتا البعير في يديه‪ ،‬ل في رجليه‪ ،‬فهو إذا برك‪،‬‬
‫ل‪ ،‬ولما علم أصحا ُ‬
‫أو ً‬
‫ل‪ ،‬فهذا هو المنهي عنه‪ ،‬وهو فاسد لوجوه‪.‬‬
‫وضع ركبتيه أو ً‬
‫‪98‬‬

‫ل‪ ،‬وتبقى رجله قائمتين‪ ،‬فإذا نهض‪ ،‬فإنه‬


‫أحدها‪ :‬أن البعير إذا برك‪ ،‬فإنه يضع يديه أو ً‬
‫ل‪ ،‬وتبقى يداه على الرض‪ ،‬وهذا هو الذي نهى عنه صلى ال عليه وسلم‪،‬وفعل‬
‫ينهض برجليه أو ً‬
‫ب‪ ،‬وأول ما يرتفع عن الرض منها‬
‫ب منها فالقر ُ‬
‫خلفه‪ .‬وكان أول ما يقع منه على الرض القر ُ‬
‫العلى فالعلى‪.‬‬
‫ل‪ ،‬ثم يديه‪ ،‬ثم ركبتيه‪،‬‬
‫ل‪ ،‬ثم يديه‪ ،‬ثم جبهَته‪ .‬وإذا رفع‪ ،‬رفع رأسه أو ً‬
‫وكان يضع ركبتيه أو ً‬
‫س فعل البعير‪ ،‬وهو صلى ال عليه وسلم نهى في الصلة عن التشبه بالحيوانات‪ ،‬فنهى‬
‫وهذا عك ُ‬
‫سُبع‪ ،‬وإقعاء كإقعاء‬
‫ك البعير‪ ،‬والتفات كالتفات الثعلب‪ ،‬وافتراش كافتراش ال ّ‬
‫عن ُبروك كُبرو ِ‬
‫ي المصلي مخال ٌ‬
‫ف‬ ‫س‪ ،‬فهْد ُ‬
‫شْم ِ‬
‫الكلب‪ ،‬ونقر كنقر الغراب ورفِع اليدي وقت السلم كأذناب الخيل ال ّ‬
‫لهدي الحيوانات‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن قولهم‪ُ :‬ركبتا البعير في يديه كلم ل ُيعقل‪ ،‬ول يعرفه أهل اللغة وإنما‬
‫الركبة في الرجلين‪ ،‬وإن أطلق على اللتين في يديه اسم الركبة‪ ،‬فعلى سبيل التغليب‪.‬‬
‫ض من‬
‫س الر َ‬
‫الثالث‪ :‬أنه لو كان كما قالوه‪ ،‬لقال‪ :‬فليبُرك كما يبرك البعير‪ ،‬وإن أول ما يم ّ‬
‫ن من تأمل ُبروك البعير‪ ،‬وعلم أن النبي صلى ال عليه وسلم نهى عن‬
‫سُر المسألة أ ّ‬
‫البعير يداه‪ .‬و ِ‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫حجر هو الصواب‪ ،‬وا ّ‬
‫ُبروك كبروك البعير‪ ،‬علم أن حديث وائل بن ُ‬
‫وكان يقع لي أن حديث أبي هريرة كما ذكرنا مّما انقلب على بعض الرواة متُنه‬
‫لً‬
‫ل‬ ‫ن ِب َ‬
‫ث ابن عمر ))ِإ َ‬
‫وأصُله‪ ،‬ولعله‪)) :‬وليضع ركبتيه قبل يديه(( كما انقلب على بعضهم حدي ُ‬
‫ن ُأّم مكتوم يؤذن بليل‪ ،‬فكلوا‬
‫ن ُأّم مكتوم((‪ .‬فقال‪)) :‬اب ُ‬
‫ن اب ُ‬
‫شَرُبوا حّتى ُيَؤّذ َ‬
‫ن بليل‪ ،‬فُكُلوا وا ْ‬
‫ُيَؤّذ ُ‬
‫ل‪َ :‬ه ْ‬
‫ل‬ ‫ل يلقى في الّناِر‪َ ،‬فَتُقو ُ‬
‫ل َيَزا ُ‬
‫ث )) َ‬
‫واشربوا حتى ُيؤّذن ِبلل((‪ .‬وكما انقلب على بعضهم حدي ُ‬
‫سِكُنُهم إّياَها(( فقال‪َ)) :‬وَأّما الّنار فينشىُء‬
‫خْلقًا ُي ْ‬
‫ل لَها َ‬
‫شىُء ا ُّ‬
‫جَنُة َفُيْن ِ‬
‫ن َمِزيٍد‪ ...‬إلى أن قال‪َ :‬وَأّما ال َ‬
‫ِم ْ‬
‫ت أبا بكر بن أبي شيبة قد رواه كذلك‪ ،‬فقال ابن أبي شيبة‪:‬‬
‫ل لها خلقًا ُيسكنهم ِإّياها(( حتى رأي ُ‬
‫ا ّ‬
‫ل بن سعيد‪ ،‬عن جّده‪ ،‬عن أبي هريرة‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه‬
‫حدثنا محمد بن فضيل‪،‬عن عبد ا ّ‬
‫ل(( ورواه الثرم في‬
‫حِ‬‫ك الَف ْ‬
‫ك َكُبُرو ِ‬
‫ل َيْبُر ْ‬
‫ل َيَديِه‪َ ،‬و َ‬
‫حُدُكْم‪َ ،‬فْلَيْبَدْأ ِبُرْكَبَتْيِه َقْب َ‬
‫جَد َأ َ‬
‫سَ‬‫وسلم قال‪)) :‬إَذا َ‬
‫))سننه(( أيضًا عن أبي بكر كذلك‪ .‬وقد روي عن أبي هريرة عن النبى صلى ال عليه وسلم ما‬
‫سف بن عدي‪ ،‬حدثنا ابن‬
‫حجر‪ .‬قال ابن أبي داود‪ :‬حدثنا ُيو ُ‬
‫ث وائل بن ُ‬
‫ُيصّدق ذلك‪ ،‬وُيوافق حدي َ‬
‫ل بن سعيد‪ ،‬عن جّده‪ ،‬عن أبي هريرة أن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫فضيل هو محمد‪ ،‬عن عبد ا ّ‬
‫كان إذا سجد بدأ بركبتيه قبل يديه‪.‬‬
‫‪99‬‬

‫وقد روى ابن خزيمة في ))صحيحه(( من حديث ُمصعب بن سعد‪ ،‬عن أبيه قال‪ :‬كنا نضُع‬
‫ث أبي هريرة محفوظًا‪،‬‬
‫اليدين قبل الركبتين‪َ ،‬فُأمرنا بالّركبتين قبل اليدين وعلى هذا فإن كان حدي ُ‬
‫ن للحديث علتان‪:‬‬
‫فإنه منسوخ‪ ،‬وهذه طريقُة صاحب ))المغنى(( وغيره‪ ،‬ولك ْ‬
‫إحداهما‪ :‬أنه من رواية يحيى بن سلمة بن كهيل‪ ،‬وليس ممن ُيحتج به‪ ،‬قال الّنسائي‪ :‬متروك‪.‬‬
‫وقال ابن حبان‪ :‬منكر الحديث جدًا ل ُيحتج به‪ ،‬وقال ابن معين‪ :‬ليس بشيء‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أن المحفوظ من رواية مصعب بن سعد عن أبيه هذا إنما هو قصُة التطبيق‪ ،‬وقول‬
‫سعد‪ :‬كنا نصنع هذا‪ ،‬فأمرنا أن نضع أيدينا على الركب‪.‬‬
‫وأما قول صاحب ))المغني(( عن أبي سعيد قال‪ :‬كنا نضع اليدين قبل الركبتين‪َ ،‬فُأِمْرَنا أن‬
‫ل أعلم ‪ -‬وهم في السم‪ ،‬وإنما هو عن سعد‪ ،‬وهو أيضًا وهم‬
‫نضع الركبتين قبل اليدين‪ ،‬فهذا ‪ -‬وا ّ‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫في المتن كما تقدم‪ ،‬وإنما هو في قصة التطبيق‪ ،‬وا ّ‬
‫وأما حديث أبي هريرة المتقدم‪ ،‬فقد علله البخاري‪ ،‬والترمذي‪ ،‬والدارقطني‪ .‬قال البخاري‪:‬‬
‫سمَع من أبي الزناد‪ ،‬أم ل‪.‬‬
‫ل بن حسن ل ُيتابع عليه‪ ،‬وقال‪ :‬ل أدري َأ َ‬
‫محمد بن عبد ا ّ‬
‫وقال الترمذي‪ :‬غريب ل نعرفه من حديث أبي الزناد إل من هذا ا لوجه‪.‬‬
‫ل بن الحسن العلوي‪،‬‬
‫وقال الدارقطني‪ :‬تفرد به عبد العزيز الدراوردي‪ ،‬عن محمد بن عبد ا ّ‬
‫ل بن الحسن‬
‫ل بن نافع‪ ،‬عن محمد بن عبد ا ّ‬
‫عن أبي الزناد‪ ،‬وقد ذكر النسائي عن قتيبة‪ ،‬حدثنا عبد ا ّ‬
‫العلوي‪ ،‬عن أبي الزناد عن العرج‪ ،‬عن أبي هريرة أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪َ)) :‬يْعِمُد‬
‫ل(( ولم يزد‪ .‬قال أبو بكر بن أبي داود‪ :‬وهذه سنة تفرد بها‬
‫جَم ُ‬
‫ك ال َ‬
‫ك كما َيْبُر ُ‬
‫حُدُكم في صلته‪َ ،‬فَيْبُر ُ‬
‫َأ َ‬
‫ل‪ ،‬عن نافع‪ ،‬عن ابن عمر‪ ،‬عن‬
‫ل المدينة‪ ،‬ولهم فيها إسنادان‪ ،‬هذا أحدهما‪ ،‬والخر عن عبيد ا ّ‬
‫أه ُ‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫ل‪ ،‬عن نافع‪،‬‬
‫ث الذي رواه أصبغ بن الفرج‪ ،‬عن الدراوردي‪ ،‬عن عبيد ا ّ‬
‫قلت‪ :‬أراد الحدي َ‬
‫ل ُركبتيه‪ ،‬ويقول‪:‬كان النبي صلى ال عليه وسلم يفعل ذلك‪.‬‬
‫ضع َيَديِه َقْب َ‬
‫عن ابن عمر أنه كان ي َ‬
‫رواه الحاكم في ))المستدَرك(( من طريق محرز بن سلمة عن الدراوردي وقال‪ :‬على شرط مسلم‬
‫ن حديث حفص بن غياث‪ ،‬عن عاصم الحول‪ ،‬عن أنس قال‪ :‬رأيتُ رسول ا ّ‬
‫ل‬ ‫وقد رواه الحاكُم ِم ْ‬
‫ت ُركبتاه َيَدْيِه قال الحاكم‪ :‬على شرطهما‪ ،‬ول أعلم له‬
‫سَبَق ْ‬
‫ط بالتكبير حتى َ‬
‫صلى ال عليه وسلم انح ّ‬
‫علة‪.‬‬
‫‪100‬‬

‫ت أبي عن هذا الحديث‪ ،‬فقال‪ :‬هذا الحديث منكر‪.‬‬


‫قلت‪ :‬قال عبد الرحمن بن أبي حاتم‪ :‬سأل ُ‬
‫ل أعلم ‪ -‬لنه من رواية العلء بن إسماعيل العطار‪ ،‬عن حفص بن غياث‪،‬‬
‫انتهى‪ .‬وإنما أنكره ‪ -‬وا ّ‬
‫والعلء هذا مجهول ل ذكر له في الكتب الستة‪ .‬فهذه الحاديث المرفوعة من الجانبين كما ترى‪.‬‬
‫ل عنه‬
‫وأما الثار المحفوظة عن الصحابة‪ ،‬فالمحفوظ عن عمر بن الخطاب رضي ا ّ‬
‫أنه كان يضع ركبتيه قبل يديه‪ ،‬ذكره عنه عبد الرزاق وابن المنذر‪ ،‬وغيرهما‪ ،‬وهو المروي عن‬
‫ل عنه‪ ،‬ذكره الطحاوى عن فهد عن عمر بن حفص‪ ،‬عن ابيه‪ ،‬عن العمش‪،‬‬
‫ابن مسعود رضي ا ّ‬
‫ل علقمة والسود قال‪ :‬حفظنا عن عمر في صلته أنه خّر بعد‬
‫عن إبراهيِم‪ ،‬عن أصحاب عبد ا ّ‬
‫خّر البعير‪ ،‬ووضع ركبتيه قبل يديه‪ ،‬ثم ساق من طريق الحجاج بن‬
‫ركوعه على ركبتيه كما َي ِ‬
‫ل بن مسعود أن ركبتيه كانتا تقعان على الرض‬
‫أرطاة قال‪ :‬قال إبراهيم النخعي‪ :‬حفظ عن عبد ا ّ‬
‫قبل يديه‪ ،‬وذكر عن أبي مرزوق عن وهب‪ ،‬عن شعبة‪ ،‬عن مغيرة قال‪ :‬سألت إبراهيم عن الرجل‬
‫يبدأ بيديه قبل ركبتيه إذا سجد؟ قال‪ :‬أو يصنع ذلك إل أحمق أو مجنون!‬
‫قال ابن المنذر‪ :‬وقد اختلف أهل العلم في هذا الباب‪ ،‬فممن رأى أن يضع ركبتيه قبل يديه‬
‫ي‪ ،‬وأحمُد‪،‬‬
‫ي‪ ،‬والشافع ّ‬
‫ي‪ ،‬ومسلُم بن يسار‪ ،‬والثور ّ‬
‫ل عنه‪ ،‬وبه قال النخع ّ‬
‫عمُر بن الخطاب رضي ا ّ‬
‫ل الكوفة‪.‬‬
‫وإسحاق‪ ،‬وأبو حنيفة وأصحاُبه‪ ،‬وأه ُ‬
‫ن أبي‬
‫وقالت طائفة‪ :‬يضع يديه قبل ركبتيه‪ ،‬أدركنا الّناس يضعون أيدَيهم قبل ُركبهم‪ :‬قال اب ُ‬
‫داود‪ :‬وهو قول أصحاب الحديث‪.‬‬
‫ث أبي هريرة بلفظ آخر ذكره البيهقي‪ ،‬وهو‪)):‬إذا سجد أحدكم‪ ،‬فل يبُرك‬
‫قلت‪ :‬وقد روي حدي ُ‬
‫ل على أنه‬
‫كما يبُرك البعيُر‪ ،‬وليضع يديه على ركبتيه(( قال البيهقي‪ :‬فإن كان محفوظًا‪ ،‬كان دلي ً‬
‫لهواء إلى السجود‪.‬‬
‫يضع يديه قبل ركبتيه عند ا ِ‬
‫حجر أولى لوجوه‪.‬‬
‫وحديث وائل بن ُ‬
‫أحدها‪ :‬أنه أثبت من حديث أبي هريرة‪ ،‬قاله الخطابي‪ ،‬وغيره‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن حديث أبي هريرة مضطرب المتن كما تقدم‪ ،‬فمنهم من يقول فيه‪ :‬وليضع يديه‬
‫قبل ركبتيه‪ ،‬ومنهم من يقول بالعكس‪ ،‬ومنهم من يقول‪ :‬وليضع يديه على ركبتيه‪ ،‬ومنهم من يحذف‬
‫هذه الجملة رأسًا‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬ما تقدم من تعليل البخاري والدارقطني وغيرهما‪.‬‬
‫‪101‬‬

‫خ قال ابن المنذر‪ :‬وقد‬


‫الرابع‪ :‬أنه على تقدير ثبوته قد ادعى فيه جماعة من أهل العلم النس َ‬
‫ض أصحابنا أن وضع اليدين قبل الركبتين منسوخ‪ ،‬وقد تقدم ذلك‪.‬‬
‫زعم بع ُ‬
‫الخامس‪ :‬أنه الموافق لنهي النبي صلى ال عليه وسلم عن بروك كبروك الجمل في‬
‫الصلة‪ ،‬بخلف حديث أبي هريرة‪.‬‬
‫ل بن مسعود‪،‬‬
‫السادس‪ :‬أنه الموافق للمنقول عن الصحابة‪ ،‬كعمر بن الخطاب‪ ،‬وابنه‪ ،‬وعبد ا ّ‬
‫ل عنه على اختلف عنه‪.‬‬
‫ث أبي هريرة إل عن عمر رضي ا ّ‬
‫ولم ينقل عن أحد منهم ما ُيوافق حدي َ‬
‫السابع‪ :‬أن له شواهد من حديث ابن عمر وأنس كما تقدم‪ ،‬وليس لحديث أبي هريرة شاهد‪،‬‬
‫ث وائل أقوى كما تقدم‪.‬‬
‫حجر من أجل شواهده‪ ،‬فكيف وحدي ُ‬
‫ث وائل بن ُ‬
‫فلو تقاوما‪َ ،‬لُقّدم حدي ُ‬
‫الثامن‪ :‬أن أكثر الناس عليه‪ ،‬والقول الخر إنما ُيحفظ عن الوزاعي ومالك‪ ،‬وأّما قول ابن‬
‫أبي داود‪ :‬إنه قول أهل الحديث‪ ،‬فإنما أراد به بعضهم‪ ،‬وإل فأحمد والشافعي وإسحاق على خلفه‪.‬‬
‫التاسع‪ :‬أنه حديث فيه قصة َمحكية سيقت لحكاية فعله صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فهو أولى أن‬
‫ل على أنه حفظ‪.‬‬
‫يكون محفوظًا‪ ،‬لن الحديث إذا كان فيه قصة محكية‪ ،‬د ّ‬
‫العاشر‪ :‬أن الفعال المحكية فيه كلها ثابتة صحيحة من رواية غيره‪ ،‬فهي أفعال معروفة‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫ضه ليس مقاومًا له‪ ،‬فيتعين ترجيحه‪ ،‬وا ّ‬
‫صحيحة‪ ،‬وهذا واحد منها‪ ،‬فله حكمها‪ ،‬ومعار ُ‬
‫جد على جبهته وأنفه دون ُكور الِعمامة‪ ،‬ولم‬
‫وكان النبي صلى ال عليه وسلم يس ُ‬
‫يُثبت عنه السجوُد على ُكور الِعَماَمِة من حديث صحيح ول حسن‪ ،‬ولكن روى عبد الرزاق في‬
‫جد على ُكور‬
‫))المصنف(( من حديث أبي هريرة قال‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يس ُ‬
‫حّرٍر‪ ،‬وهو متروك وذكره أبو أحمد الزبيري من حديث‬
‫ل بن ُم َ‬
‫عمامته‪ ،‬وهو من رواية عبد ا ّ‬
‫ِ‬
‫شمر عن جابر الجعفي‪ ،‬متروك عن متروك‪ ،‬وقد ذكر أبو داود في‬
‫جابر‪ ،‬ولكنه من رواية عمر بن َ‬
‫ل ُيصلي في المسجد‪ ،‬فسجد بجبينه‪ ،‬وقد‬
‫ل صلى ال عليه وسلم رأى رج ً‬
‫المراسيل أن رسول ا ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم عن جبهته‪.‬‬
‫لا ّ‬
‫اعتم على جبهته‪ ،‬فحسر رسو ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم يسجُد على الرض كثيرًا‪ ،‬وعلى الماء والطين‪،‬‬
‫ل ا ِّ‬
‫وكان رسو ُ‬
‫خوص النخل‪ ،‬وعلى الحصير المّتخذ منه‪ ،‬و الفروة المدبوغة‪.‬‬
‫خْمَرِة المّتخذة من ُ‬
‫وعلى ال ُ‬
‫حى يديه عن جنبيه‪ ،‬وجافى بهما حتى‬
‫وكان إذا سجد‪ ،‬مّكن جبهته وأنفه من الرض‪ ،‬ون ّ‬
‫ض إبطيه‪ ،‬ولو شاءت َبْهَمة ‪ -‬وهي الشاة الصغيرة ‪ -‬أن تُمّر تحتهما لمرت‪.‬‬
‫ُيرى بيا ُ‬
‫‪102‬‬

‫حذو منكبيه وُأذنيه‪ ،‬وفي ))صحيح مسلم(( عن البراء أنه صلى ال عليه‬
‫وكان يضع يديه َ‬
‫ك((‪.‬‬
‫ك َواْرَفْع ِمْرَفَقْي َ‬
‫ضْع َكّفْي َ‬
‫ت‪َ ،‬ف َ‬
‫جْد َ‬
‫سَ‬‫وسلم قال‪ِ)) :‬إَذا َ‬
‫وكان يعتِدل في سجوده‪ ،‬ويستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة‪.‬‬
‫سط كفيه وأصابَعه‪ ،‬ول ُيفّرج بينها ول يقبضها‪ ،‬وفي ))صحيح ابن حبان((‪)) :‬كان‬
‫وكان يب ُ‬
‫جَد‪ ،‬ضّم أصابعه((‪.‬‬
‫سَ‬‫إذا ركع‪ ،‬فرج أصابعه‪ ،‬فإذا َ‬
‫عَلى(( وأمر به‪.‬‬
‫لْ‬‫يا َ‬
‫ن َرّب َ‬
‫حا َ‬
‫سْب َ‬
‫وكان يقول‪ُ )) :‬‬
‫غفِْر لي((‪.‬‬
‫ك الّلُهّم ا ْ‬
‫حْمِد َ‬
‫ك الّلُهّم َرّبَنا َوِب َ‬
‫حاَن َ‬
‫سْب َ‬
‫وكان يقول‪ُ )) :‬‬
‫ح((‪.‬‬
‫لِئكَة والّرو ِ‬
‫ب الَم َ‬
‫س َر ّ‬
‫ح ُقّدو ٌ‬
‫سّبو ٌ‬
‫وكان يقول‪ُ )) :‬‬
‫ت((‪.‬‬
‫ل َأْن َ‬
‫ل ِإَلَه ِإ ّ‬
‫ك‪َ ،‬‬
‫حْمِد َ‬
‫ك الّلُهّم َوِب َ‬
‫حاَن َ‬
‫سْب َ‬
‫وكان يقول )) ُ‬
‫عوُذ ِب َ‬
‫ك‬ ‫ك‪َ ،‬وَأ ُ‬
‫عُقوَبِت َ‬
‫ن ُ‬
‫ك ِم ْ‬
‫ك‪َ ،‬وِبُمَعاَفاِت َ‬
‫طَ‬
‫خِ‬‫سَ‬
‫ن َ‬
‫ك ِم ْ‬
‫ضا َ‬
‫عوُذ ِبِر َ‬
‫وكان يقول‪)) :‬الّلُهّم ِإّني َأ ُ‬
‫ك((‪.‬‬
‫سَ‬
‫عَلى َنْف ِ‬
‫ت َ‬
‫ت َكَما َأْثَنْي َ‬
‫ك‪َ ،‬أْن َ‬
‫عَلي َ‬
‫حصي َثَناًء َ‬
‫ل ُأ ْ‬
‫ك‪َ ،‬‬
‫ِمْن َ‬
‫صّوَرُه‪،‬‬
‫خَلَقُه َو َ‬
‫جِهي ِلّلِذي َ‬
‫ت‪ ،‬سجد َو ْ‬
‫سَلْم ُ‬
‫ك َأ ْ‬
‫ت‪َ ،‬وَل َ‬
‫ك آَمْن ُ‬
‫ت‪َ ،‬وِب َ‬
‫جد ُ‬
‫سَ‬
‫ك َ‬
‫وكان يقول‪)) :‬الّلُهّم َل َ‬
‫ن((‪.‬‬
‫خاِلقي َ‬
‫ن اْل َ‬
‫سُ‬‫حَ‬
‫ل َأ ْ‬
‫ك ا ُّ‬
‫صَرُه‪َ،‬تَباَر َ‬
‫سْمَعُه َوَب َ‬
‫ق َ‬
‫شّ‬
‫َو َ‬
‫علِنَيَتُه َوسَِرُه((‪.‬‬
‫خَرُه‪َ،‬و َ‬
‫جّله‪َ ،‬وَأّوَله َوآ ِ‬
‫غِفْر ِلي َذْنِبي ُكّلُه‪ِ ،‬دّقه َو ِ‬
‫وكان يقول‪)) :‬الّلُهّم ا ْ‬
‫عَلُم ِبِه ِمّني‪،‬‬
‫ت َأ ْ‬
‫سَراِفي في َأْمِري‪َ ،‬وَما َأْن َ‬
‫جْهِلي َوِإ ْ‬
‫طيَئتي َو َ‬
‫خِ‬‫غِفر ِلي َ‬
‫وكان يقول‪)) :‬الّلُهّم ا ْ‬
‫ت َوَما‬
‫غِفر ِلي َما َقّدْم ُ‬
‫ك عْنِدي‪ ،‬الّلُهّم ا ْ‬
‫ل ذِل َ‬
‫عمِدي‪َ ،‬وك ّ‬
‫طِئي َو َ‬
‫خَ‬‫جّدي َوَهْزلي‪َ ،‬و َ‬
‫غِفْر ِلي ِ‬
‫الّلُهّم ا ْ‬
‫ت((‪.‬‬
‫ل َأْن َ‬
‫ل ِإلَه ِإ ّ‬
‫ت ٍإلِهي‪َ ،‬‬
‫ت‪َ ،‬أْن َ‬
‫عَلْن ُ‬
‫ت‪َ ،‬وَما َأ ْ‬
‫سَرْر ُ‬
‫ت‪َ ،‬وَما َأ ْ‬
‫خْر ُ‬
‫َأ ّ‬
‫ن َيِميِني‬
‫عْ‬
‫صِري ُنورًا‪َ ،‬و َ‬
‫سْمِعي ُنورًا‪َ ،‬وِفي َب َ‬
‫ل في َقْلِبي ُنورًا‪َ ،‬وِفي َ‬
‫جَع ْ‬
‫وكان يقول‪)) :‬الّلُهّم ا ْ‬
‫ل ِلي‬
‫جَع ْ‬
‫حِتي ُنورًا‪َ ،‬وا ْ‬
‫خْلِفي ُنورًا‪َ ،‬وَفْوِقي ُنورًا‪َ ،‬وَت ْ‬
‫شَماِلي ُنورًا‪َ ،‬وَأَماِمي ُنورًا‪َ ،‬و َ‬
‫ن ِ‬
‫عْ‬‫نورًا‪َ ،‬و َ‬
‫ُنورًا((‪.‬‬
‫ب َلُكْم((‪ .‬وهل هذا‬
‫جا َ‬
‫سَت َ‬
‫ن ُي ْ‬
‫ن َأ ْ‬
‫وأمر بالجتهاد في الدعاء في السجود وقال‪ِ)) :‬إّنُه َقِم ٌ‬
‫ي ِإذا دعا في محل‪ ،‬فليكن في السجود؟ وفرق‬
‫أمر بأن ُيكثر الدعاء في السجود‪ ،‬أو أمر بأن الداع َ‬
‫ث أن الدعاء نوعان‪ :‬دعاء ثناٍء‪ ،‬ودعاُء مسألة‪ ،‬والنبي‬
‫ل عليه الحدي ُ‬
‫ن ما يحم ُ‬
‫بين المرين‪ ،‬وأحس ُ‬
‫صلى ال عليه وسلم كان ُيكثر في سجوده من النوعين‪ ،‬والدعاُء الذي َأَمَر به في السجود يتناول‬
‫النوعين‪.‬‬
‫‪103‬‬

‫والستجابة أيضًا نوعان‪ :‬استجابُة دعاِء الطالب بإعطائه سؤاَله‪ ،‬واستجابُة دعاء الُمثني‬
‫ن{ ]البقرة‪[187 :‬‬
‫عا ِ‬
‫ع ِإَذا َد َ‬
‫عَوَة الّدا ِ‬
‫ب َد ْ‬
‫جي ُ‬
‫سَر قوله تعالى‪} :‬أ ِ‬
‫بالثواب‪ ،‬وبكل واحد من النوعين ُف ّ‬
‫والصحيح أنه يعم النوعين‪.‬‬
‫فصل‬
‫ل؟ فرجحت طائفة القيام لوجوه‪.‬‬
‫وقد اختلف الناس في القيام والسجود أُيُهَما أفض ُ‬
‫)يتبع‪(...‬‬
‫ل الركان‪.‬‬
‫ل الذكار‪ ،‬فكان ركُنه أفض َ‬
‫أحُدها‪ :‬أن ِذْكره أفض ُ‬ ‫@‬
‫ن{ ]البقرة‪ .[238 :‬الثالث‪ :‬قوله صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫ل َقاِنِتي َ‬
‫والثاني‪ :‬قوله تعالى‪ُ} :‬قوُموا ِ‬
‫ت((‪.‬‬
‫ل الُقُنو ِ‬
‫طو ُ‬
‫لِة ُ‬
‫صَ‬‫ل ال ّ‬
‫))َأْفضَ ُ‬
‫ن اْلَعْبُد‬
‫ب َما َيُكو ُ‬
‫ل‪ ،‬واحتجت بقوِله صلى ال عليه وسلم‪َ)) :‬أْقَر ُ‬
‫وقالت طائفة‪ :‬السجوُد أفض ُ‬
‫ل صلى ال‬
‫ن مولى رسول ا ّ‬
‫ت ثوبا َ‬
‫ن أبي طلحة قال‪ :‬لقي ُ‬
‫ساجٌد(( وبحديث َمعدان ب ِ‬
‫ن َرّبِه َوُهَو َ‬
‫ِم ْ‬
‫سِمْع ُ‬
‫ت‬ ‫جوِد(( فإني َ‬
‫سُ‬
‫ك ِبال ّ‬
‫عَلْي َ‬
‫ل أن ينفَعني به؟ فقال‪َ )) :‬‬
‫ث عسى ا ُّ‬
‫ت‪ :‬حّدثني بحدي ٍ‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فقل ُ‬
‫حطّ‬
‫جًة‪َ ،‬و َ‬
‫ل َلُه ِبَها َدَر َ‬
‫ل َرَفَع ا ُّ‬
‫جَدًة ِإ ّ‬
‫سْ‬‫ل َ‬
‫جُد ِّ‬
‫سُ‬‫عْبٍد َي ْ‬
‫ن َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم يقول‪َ)) :‬ما ِم ْ‬
‫رسولَ ا ّ‬
‫ل صلى‬
‫لا ّ‬
‫ل ذلك‪.‬وقال رسو ُ‬
‫ت أبا الدرداء‪ ،‬فسألُته‪ ،‬فقال ِلي مث َ‬
‫طيَئًة(( قال معدان‪ :‬ثم لِقي ُ‬
‫خِ‬‫عْنُه ِبَها َ‬
‫َ‬
‫ك ِبَكْثَرِة‬
‫سَ‬
‫عَلى َنْف ِ‬
‫ي َ‬
‫ب السلمي وقد سأله مرافقَته في الجّنة ))َأعِن ّ‬
‫ن كع ٍ‬
‫ال عليه وسلم ِلربيعة ب ِ‬
‫جوِد((‪.‬‬
‫سُ‬‫ال ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم سورُة )اْقَرْأ( على الصح‪ ،‬وختمها‬
‫ل سورة ُأنِزلت على رسول ا ّ‬
‫وأو ُ‬
‫ب{ ]العلق‪.[19 :‬‬
‫جْد َواْقَتِر ْ‬
‫سُ‬‫بقوله‪َ} :‬وا ْ‬
‫ل ما يكون لربه‬
‫سفلّيها‪ ،‬وبأن الساجد أذ ّ‬
‫ل يقع ِمن المخلوقات كّلها علوّيها و ُ‬
‫وبأن السجود ّ‬
‫ف حالت العبد‪ ،‬فلهذا كان أقرب ما يكون من رّبه في هذه الحالة‪ ،‬وبأن‬
‫وأخضُع له‪ ،‬وذلك أشر ُ‬
‫ع‪ ،‬يقال‪ :‬طريق معّبد‪ ،‬أي ذللته القدام‪،‬‬
‫خضو ُ‬
‫ل وال ُ‬
‫السجوَد هو سّر العبودية‪ ،‬فإن العبودية هي الّذ ّ‬
‫ل ما يكون العبد وأخضع إذا كان ساجدًا‪.‬‬
‫ووطأته‪ ،‬وأذ ّ‬
‫ل‪ ،‬واحتجت‬
‫ل‪ ،‬وكثرُة الركوع والسجود بالنهار أفض ُ‬
‫ل القياِم بالليل أفض ُ‬
‫وقالت طائفة‪ :‬طو ُ‬
‫ل{ ]المزمل‪ :‬ا[ وقوله‬
‫صت باسم القيام‪ ،‬لقوله تعالى‪ُ} :‬قِم الَلْي َ‬
‫خ ّ‬
‫هذه الطائفُة بأن صلة الليل قد ُ‬
‫سابًا((‪ ،‬ولهذا ُيقال‪ :‬قياُم الليل‪ ،‬ول يقال‪ :‬قياُم‬
‫حِت َ‬
‫ن ِإيَمانًا َوا ْ‬
‫ن َقاَم َرَمضا َ‬
‫صلى ال عليه وسلم‪َ)) :‬م ْ‬
‫‪104‬‬

‫ي النبي صلى ال عليه وسلم‪،‬فإنه ما زاد في الليل على إحدى عشرة‬


‫النهار‪ ،‬قالوا‪ :‬وهذا كان هد َ‬
‫ث عشرة ركعة‪.‬‬
‫ركعة‪ ،‬أو ثل َ‬
‫وكان ُيصلي الركعة في بعض الليالي بالبقرة وآل عمران والنساء وأما بالنهار‪ ،‬فلم ُيحفظ‬
‫عنه شيء من ذلك‪ ،‬بل كان يخفف السنن‪.‬‬
‫ل بذكره وهو القراءة‪ ،‬والسجوُد أفض ُ‬
‫ل‬ ‫وقال شيخنا‪ :‬الصواب أنهما سواء‪ ،‬والقياُم أفض ُ‬
‫ل من ذكر السجود‪ ،‬وهكذا كان َهْد ُ‬
‫ي‬ ‫ل ِمن هيَئة القيام‪ ،‬وذكُر القيام أفض ُ‬
‫بهيَئته‪ ،‬فهيَئُة السجود أفض ُ‬
‫ع والسجود‪ ،‬كما فعل في‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فإنه كان إذا أطال القيام‪ ،‬أطال الركو َ‬
‫رسول ا ّ‬
‫ع والسجود‪ ،‬وكذلك كان يفعلُ‬
‫ف الركو َ‬
‫خّف َ‬
‫ف القيام‪َ ،‬‬
‫خَف َ‬
‫صلة الكسوف‪ ،‬وفي صلة الليل‪ ،‬وكان إذا َ‬
‫جوُده واعتداُله قريبًا من السواء‪.‬‬
‫عه وس ُ‬
‫في الفرض‪ ،‬كما قاله البراء بن عازب‪ :‬كان قياُمه وركو ُ‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫وا ّ‬
‫فصل‬
‫ثم كان صلى ال عليه وسلم يرفع رأسه مكّبرًا غيَر رافٍع يديه‪ ،‬ويرفع من السجود رأسه قبل‬
‫ب اليمنى‪ .‬وذكر الّنسائي عن‬
‫ص ُ‬
‫ش رجَله الُيسرى‪ ،‬ويجلس عليها‪َ ،‬وَيْن ِ‬
‫يديه‪ ،‬ثم يجِلس مفتِرشًا‪ ،‬يفِر ُ‬
‫س على‬
‫صب القدم اليمنى‪ ،‬واستقباُله بأصابعها القبلة‪ ،‬والجلو ُ‬
‫ابن عمر قال‪ِ :‬من سنة الصلة أن ين ِ‬
‫اليسرى ولم يحفظ عنه صلى ال عليه وسلم في هذا الموضع جلسة غير هذه‪.‬‬
‫وكان يضع يديه على فخذيه‪ ،‬ويجعل ِمرفقه على فخذه‪ ،‬وطرف يده على ُركبته‪ ،‬ويقبض‬
‫حجر عنه‪.‬‬
‫ثنتين من أصابعه‪ ،‬ويحّلق حلقة‪ ،‬ثم يرفع أصبعه يدعو بها وُيحّركها‪ ،‬هكذا قال وائل بن ُ‬
‫ل بن الزبير أن النبي صلى ال عليه وسلم كان ُيشير‬
‫ن عبد ا ّ‬
‫عْ‬‫وأما حديث أبي داود َ‬
‫بأصبعه إذا دعا ول ُيحركها فهذه الزيادة في صحتها نظر‪ ،‬وقد ذكر مسلم الحديث بطوله في‬
‫ل صلى ال عليه وسلم إذا َقَعَد في‬
‫لا ّ‬
‫))صحيحه((عنه‪ ،‬ولم يذكر هذه الزيادة‪ ،‬بل قال‪ :‬كان رسو ُ‬
‫الصلة‪ ،‬جعل قدَمه اليسرى بين فخذه وساقه‪ ،‬وفرش قدمه الُيْمنى‪ ،‬ووضع َيَده الُيسرى على ُركبته‬
‫اليسرى‪ ،‬ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى‪ ،‬وأشار بأصبعه‪.‬‬
‫وأيضًا فليس في حديث أبي داود عنه أن هذا كان في الصلة‪.‬‬
‫حجر مثبتًا‪،‬وهو مقّدم‪ ،‬وهو حديث‬
‫وأيضًا لو كان في الصلة‪ ،‬لكان نافيًا‪ ،‬وحديث وائل بن ُ‬
‫صحيح‪ ،‬ذكره أبو حاتم في ))صحيحه((‪.‬‬
‫‪105‬‬

‫جُبرني َواْهِدني‪َ ،‬واْرُزْقِني((‬


‫حْمِني وا ْ‬
‫ثم كان يقول‪] :‬بين السجدتين[‪)) :‬الّلُهّم اغِفْر ِلي َواْر َ‬
‫ل عنهما عنه صلى ال عليه وسلم وذكر حذيفة أنه كان يقول‪َ)) :‬ر ّ‬
‫ب‬ ‫هكذا ذكره ابن عباس رضي ا ّ‬
‫ب اغِفْر ِلي((‪.‬‬
‫غِفْر لي‪َ ،‬ر ّ‬
‫اْ‬
‫وكان هديه صلى ال عليه وسلم إطالَة هذا الركن بقدر السجود‪ ،‬وهكذا الثابتُ عنه في‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‬
‫لا ّ‬
‫ن رسو ُ‬
‫ل عنه‪ :‬كا َ‬
‫جميع الحاديث‪ ،‬وفي ))الصحيح(( عن أنس رضي ا ّ‬
‫يقُعد بين السجدتين حتى نقول‪َ :‬قْد َأْوَهَم وهذه السنُة تركها أكثُر الناس ِمن بعد انقراض عصر‬
‫الصحابة‪ ،‬ولهذا قال ثابت‪ :‬وكان أنس يصنع شيئًا ل أراكم تصنعونه‪ ،‬يمُكث بين السجدتين حتى‬
‫نقول‪ :‬قد نسي‪ ،‬أوقد أوهم‪.‬‬
‫ي‪.‬‬
‫وأما من حّكم السنة ولم يلتفت إلى ما خالفها‪ ،‬فإنه ل يعبأ بما خالف هذا الهد َ‬
‫فصل‬
‫ثم كان صلى ال عليه وسلم ينهض على صدور قدميه وركبتيه معتِمدًا على فخذيه كما ذكر‬
‫حويرث أنه كان ل‬
‫عنه‪ :‬وائل وأبو هريرة‪ ،‬ول يعتِمد على الرض بيديه وقد ذكر عنه مالك بن ال ُ‬
‫ض حتى يستوي جالسا‪ .‬وهذه هي التي ُتسمى جلسة الستراحة‪.‬‬
‫ينه ُ‬
‫واختلف الفقهاء فيها هل هي من سنن الصلة‪ ،‬فيستحب لكل أحد أن يفعلها‪ ،‬أو ليست من‬
‫ل‪ .‬قال الخلل‪:‬‬
‫السنن‪ ،‬وإنما يفعُلها من احتاج إليها؟ على قولين هما روايتان عن أحمد رحمه ا ّ‬
‫رجع أحمد إلى حديث مالك بن الحويرث في جلسة الستراحة‪ ،‬وقال‪ :‬أخبرني ُيوسف بن موسى‪،‬‬
‫صدور القدمين على حديث رفاعة‪ .‬وفي حديث ابن‬
‫ل عن النهوض‪ ،‬فقال‪ :‬على ُ‬
‫أن أبا ُأمامة سئ َ‬
‫ل على أنه كان ينهض على صدور قدميه‪ ،‬وقد روي عن عدة من أصحاب النبي‬
‫عجلن ما يد ّ‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وسائر من وصف صلته صلى ال عليه وسلم لم يذكر هذه الجلسة‪ ،‬وإنما‬
‫حميد‪ ،‬ومالك بن الحويرث‪ .‬ولو كان هدُيه صلى ال عليه وسلم فعَلها دائمًا‪،‬‬
‫ذكرت في حديث أبي ُ‬
‫ل من وصف صلته صلى ال عليه وسلم ومجرُد فعله صلى ال عليه وسلم لها ل يد ّ‬
‫ل‬ ‫لذكرها ك ّ‬
‫على أنها من سنن الصلة‪ ،‬إل إذا عِلَم أنه فعلها على أنها سّنة ُيقتدى به فيها‪ ،‬وأما إذا ُقّدر أنه فعلها‬
‫للحاجة‪ ،‬لم يدل على كونها سنة من سنن الصلة‪ ،‬فهذا من تحقيق الَمَناط في هذه المسألة‪.‬‬
‫وكان إذا نهض‪ ،‬افتتح القراءة‪ ،‬ولم يسكت كما كان يسُكت عند افتتاح الصلة‪ ،‬فاختلف‬
‫الفقهاء‪ :‬هل هذا موضع استعاذة أم ل بعد اتفاقهم على أنه ليس موضَع استفتاح؟ وفي ذلك قولن‬
‫هما روايتان عن أحمد‪ ،‬وقد بناهما بعض أصحابه على أن قراءة الصلة هل هي قراءة واحدة؟‬
‫‪106‬‬

‫ل ركعة مستقلة برأسها‪ .‬ول نزاع بينهم أن الستفتاح‬


‫فيكفي فيها استعاذة واحدة‪ ،‬أو قراءُة ك ّ‬
‫لمجموع الصلة‪ ،‬والكتفاء باستعاذة واحدة أظهر‪ ،‬للحديث الصحيح عن أبي هريرة أن النبي صلى‬
‫ب الَعاَلِمين( ولم‬
‫ل َر ّ‬
‫حْمُد ِّ‬
‫ال عليه وسلم كان إذا نهض من الركعة الثانية استفتح القراءة بـ )اْل َ‬
‫ت‪ ،‬بل تخللهما ذكر‪ ،‬فهي كالقراءة‬
‫يسكت وإنما يكفي استعاذة واحدة‪ ،‬لنه لم يتخلل القراءتين سكو ٌ‬
‫ل‪ ،‬أو تسبيح‪ ،‬أو تهليل‪ ،‬أو صلة على النبي صلى ال عليه وسلم ونحو‬
‫الواحدة إذا تخللها حمُد ا ِّ‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬يصلي الثانية كالولى سواء‪ ،‬إل في أربعة أشياء‪:‬‬
‫وكان النب ّ‬
‫لحرام‪ ،‬وتطويلها كالولى‪ ،‬فإنه صلى ال عليه وسلم كان ل‬
‫السكوت‪ ،‬والستفتاح‪ ،‬وتكبيرة ا ِ‬
‫ل منها في‬
‫لحرام فيها‪ ،‬ويقصرها عن الولى‪ ،‬فتكون الولى أطو َ‬
‫ت‪ ،‬ول ُيكبر ل ِ‬
‫ح‪ ،‬ول يسك ُ‬
‫يستفت ُ‬
‫كل صلة كما تقدم‪.‬‬
‫فإذا جلس للتشهد‪ ،‬وضع يده اليسرى على فخذه اليسرى‪ ،‬ووضع يده اليمنى على‬
‫صُبها نصبًا‪ ،‬ول ُينيمها‪،‬بل َيحنيها شيئًا‪ ،‬ويحركها‬
‫فخذه اليمنى‪ ،‬وأشار بأصبعه السبابة‪ ،‬وكان ل ين ِ‬
‫خنصر والِبنصر‪ ،‬وُيحّلق‬
‫حجر‪ ،‬وكان يقِبض أصبعين وهما ال ِ‬
‫شيئًا‪ ،‬كما تقدم في حديث وائل بن ُ‬
‫سط الكف‬
‫لبهام ويرفع السبابة يدعو بها‪ ،‬ويرمي ببصره إليها‪ ،‬ويب ُ‬
‫حلقة وهي الوسطى مع ا ِ‬
‫اليسرى على الفخذ اليسرى‪ ،‬ويتحامل عليها‪.‬‬
‫صب‬
‫وأما صفة جلوسه‪ ،‬فكما تقدم بين السجدتين سواء‪ ،‬يجلس على رجله الُيسرى‪ ،‬وين ِ‬
‫اليمنى‪ .‬ولم ُيرو عنه في هذه الجلسة غير هذه الصفة‪.‬‬
‫ل عنه الذي رواه مسلم ))صحيحه(( أنه صلى ال‬
‫ل بن الزبير رضي ا ّ‬
‫ث عبد ا ّ‬
‫وأما حدي ُ‬
‫عليه وسلم‪ ،‬كان إذا َقَعد في الصلة‪ ،‬جعل َقَدَمه الُيسرى بين فخذه وساقه‪ ،‬وفرش قدمه اليمنى فهذا‬
‫في الّتشهد الخير كما يأتي‪ ،‬وهو أحُد الصفتين اللتين ُرويتا عنه‪ ،‬ففي ))الصحيحين(( ِمن حديث‬
‫جَلس على ِرجله‬
‫حميد في صفة صلته صلى ال عليه وسلم‪)) :‬فإَذا جلس في الركعتين‪َ ،‬‬
‫أبي ُ‬
‫ب اليمنى‪،‬‬
‫صب الخرى‪ ،‬وإذا جلس في الركعة الخيرة‪ ،‬قّدم رجله اليسرى‪َ ،‬ونص َ‬
‫الُيسرى‪ ،‬ون َ‬
‫صب اليمنى‪ .‬وذكر ابن الزبير أنه كان يفرشها‪ ،‬ولم‬
‫حميد أنه كان ين ِ‬
‫َوَقَعد على مقعدته(( فذكر أبو ُ‬
‫يقل أحد عنه صلى ال عليه وسلم‪ :‬إن هذه صفة جلوسه في التشهد الول‪ ،‬ول أعلم أحدًا قال به‪ ،‬بل‬
‫ل‪،‬ومنهم من قال‪ :‬يفترش فيهما‪،‬‬
‫ِمن الناس من قال‪ :‬يتوّرك في التشهدين‪ ،‬وهذا مذهب مالك رحمه ا ّ‬
‫ل‪ ،‬ومنهم من قال‬
‫فينصب اليمنى‪ ،‬ويفترش الُيسرى‪ ،‬ويجلس عليها‪ ،‬وهو قول أبي حنيفة رحمه ا ّ‬
‫‪107‬‬

‫ل‪ ،‬ومنهم من قال‬


‫يتوّرك في كل تشهد يليه السلم‪ ،‬ويفترش في غيره‪ ،‬وهو قول الشافعي رحمه ا ّ‬
‫لمام أحمد‬
‫ل صلة فيها تشهدان في الخير منهما‪ ،‬فرقًا بين الجلوسين‪ ،‬وهو قول ا ِ‬
‫يتوّرك في ك ّ‬
‫ل عنه أنه فرش قدمه اليمنى‪ :‬أنه كان يجلس في هذا‬
‫ل‪ .‬ومعنى حديث ابن الزبير رضي ا ّ‬
‫رحمه ا ّ‬
‫الجلوس على مقعدته‪ ،‬فتكون قدمه اليمنى مفروشًة‪ ،‬وقدُمه الُيسرى بين فخذه وساقه‪ ،‬ومقعدته على‬
‫الرض‪ ،‬فوقع الختلف في قدمه اليمنى في هذا الجلوس‪ :‬هل كانت مفروشة أو منصوبة؟ وهذا ‪-‬‬
‫ل أعلم ‪ -‬ليس اختلفًا في الحقيقة‪ ،‬فإنه كان ل يجلس على قدمه‪ ،‬بل يخرجها عن يمينه‪ ،‬فتكون‬
‫وا ّ‬
‫بين المنصوبة والمفروشة‪ ،‬فإنها تكون على باطنها اليمن‪ ،‬فهي مفروشة بمعنى أنه ليس ناصبًا‬
‫لها‪ ،‬جالسًا على عقبه‪ ،‬ومنصوبة بمعنى أنه ليس جالسًا على باطنها وظهرها إلى الرض‪ ،‬فصح‬
‫ل هذا‬
‫ل بن الزبير‪ ،‬أو يقال‪ :‬إنه صلى ال عليه وسلم كان َيفَْع ُ‬
‫حميد ومن معه‪ ،‬وقول عبد ا ّ‬
‫قول أبي ُ‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫ح لها‪ .‬وا ّ‬
‫ب قدَمه‪ ،‬وربما فرشها أحيانًا‪ ،‬وهذا أرو ُ‬
‫ص ُ‬
‫وهذا‪ ،‬فكان ين ِ‬
‫ثم كان صلى ال عليه وسلم يتشهد دائمًا في هذه الجلسة‪َ ،‬وُيَعّلم أصحابه أن يقولوا‪:‬‬
‫عَلْيَنا‬
‫لُم َ‬
‫سَ‬‫ل َوَبَرَكاُته‪ ،‬ال ّ‬
‫حَمُة ا ِّ‬
‫ي َوَر ْ‬
‫ك َأّيَها الّنِب ّ‬
‫عَلْي َ‬
‫لُم َ‬
‫سَ‬‫ت‪ ،‬ال ّ‬
‫طّيَبا ُ‬
‫ت َوال ّ‬
‫ل َوالصَلوا ُ‬
‫ت ِّ‬
‫حّيا ُ‬
‫))الّت ِ‬
‫سوُله((‪ .‬وقد ذكر‬
‫عْبُدُه َوَر ُ‬
‫حّمدًا َ‬
‫شَهد َأنّ ُم َ‬
‫ل‪َ ،‬وَأ ْ‬
‫ل ا ُّ‬
‫ل ِإلَه ِإ ّ‬
‫ن َ‬
‫شَهُد َأ ْ‬
‫ن‪َ ،‬أ ْ‬
‫حي َ‬
‫صاِل ِ‬
‫ل ال ّ‬
‫عَباِد ا ِّ‬
‫عَلى ِ‬
‫َو َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ُيعّلمنا التشهد‪،‬‬
‫سول ا ِّ‬
‫النسائي من حديث أبي الزبير عن جابر قال‪ :‬كان ر ُ‬
‫عَلْي َ‬
‫ك‬ ‫لُم َ‬
‫ت‪ ،‬الس َ‬
‫طّيَبا ُ‬
‫ت‪َ ،‬وال ّ‬
‫ل‪َ ،‬والصَلوا ُ‬
‫ت ِ‬
‫حّيا ُ‬
‫ل‪ ،‬الّت ِ‬
‫ل‪َ ،‬وِبا ِّ‬
‫سِم ا ِّ‬
‫كما ُيعلمنا السورَة من القرآن‪ِ)) :‬ب ْ‬
‫ل‪،‬‬
‫ل ا ُّ‬
‫ل ِإله ِإ ّ‬
‫ن َ‬
‫شَهُد َأ ْ‬
‫ن‪َ ،‬أ ْ‬
‫حْي َ‬
‫صاِل ِ‬
‫لِ ال ّ‬
‫عَباِد ا ّ‬
‫عَلى ِ‬
‫عَلْيَنا َو َ‬
‫لُم َ‬
‫سَ‬‫ل َوَبَرَكاُته‪ ،‬ال ّ‬
‫حَمُة ا ِّ‬
‫ي َوَر ْ‬
‫َأّيَها النّب ّ‬
‫ن الّنار((‪.‬‬
‫ل ِم ْ‬
‫عوُذ ِبا ِّ‬
‫جّنَة‪َ ،‬وَأ ُ‬
‫ل ال َ‬
‫ل ا َّ‬
‫سَأ ُ‬
‫سوُله‪َ ،‬أ ْ‬
‫عْبُدُه َوَر ُ‬
‫حّمدًا َ‬
‫ن ُم َ‬
‫شَهُد َأ ّ‬
‫َوَأ ْ‬
‫ولم تجىء التسميُة في أول التشهد إل في هذا الحديث‪ ،‬وله علة غيُر عنعنة أبي الزبير‪.‬‬
‫ف ‪-‬وهي الحجارة‬
‫ض ِ‬
‫وكان صلى ال عليه وسلم يخّفف هذا التشهد جدًا حتى كأنه على الّر ْ‬
‫ط أنه صلى عليه وعلى آله في هذا التشهد‪ ،‬ول كان أيضًا يستعيُذ‬
‫المحماة‪ -‬ولم ُينقل عنه في حديث ق ّ‬
‫ب ذلك‪،‬‬
‫ب الّنار‪ ،‬وِفتنة المحيا والممات‪ ،‬وِفتنِة المسيح الّدجال‪ ،‬ومن استح ّ‬
‫فيه ِمن عذاب القبر وعذا ِ‬
‫ن موضعها‪ ،‬وتقييُدها بالتشهد الخير‪.‬‬
‫فإنما فهمه من عمومات وإطلقات قد صح تبيي ُ‬
‫ثم كان ينهض مكّبرًا على صدور قدميه وعلى ركبتيه معتمدًا على فخذه كما تقدم‪،‬‬
‫ل عنهما أنه كان يرَفع يديه في‬
‫ل بن عمر رضي ا ّ‬
‫وقد ذكر مسلم في ))صحيحه(( من حديث عبد ا ّ‬
‫ن هذه الزيادة ليست متفقًا عليها في‬
‫هذا الموضع‪ ،‬وهي في بعض طرق البخاري أيضًا‪ ،‬على أ ّ‬
‫حميد‬
‫ل بن عمر‪ ،‬فأكثر رواته ل يذُكرونها‪ ،‬وقد جاءَ ِذكرها مصرحًا به في حديث أبي ُ‬
‫حديث عبد ا ّ‬
‫‪108‬‬

‫ل صلى ال عليه وسلم إذا قام إلى الصلة‪ ،‬كّبر‪ُ ،‬ثّم رفع َيَدْيِه حتى‬
‫ل ا ِّ‬
‫الساعدي قال‪ :‬كان رسو ُ‬
‫ي بهما َمْنِكَبْيِه‪،‬‬
‫عضٍو في موضعه‪ ،‬ثم َيْقَرأ‪ ،‬ثم يرفع يديه حتى ُيحاِذ َ‬
‫ل ُ‬
‫ُيحاِذيَ بهما َمْنِكَبْيِه‪َ ،‬وُيِقيُم ُك ّ‬
‫ل ِلم ْ‬
‫ن‬ ‫سمَع ا ُّ‬
‫ل‪َ :‬‬
‫ب رأسه ول ُيْقنُع به‪ُ ،‬ثّم يقو ُ‬
‫ل ل ُيصّو ُ‬
‫ضُع راحتيه على ُركبتيه معتِد ً‬
‫ثم يركُع وي َ‬
‫ضِعه‪ ،‬ثم َيْهوي إلى‬
‫عظٍم إلى َمْو ِ‬
‫ل َ‬
‫ي بهما َمْنِكَبْيِه‪ ،‬حّتى َيَقّر ُك ّ‬
‫حاِذ َ‬
‫حّتى ُي َ‬
‫حِمَدُه‪َ ،‬وَيرَفُع َيَدْيِه َ‬
‫َ‬
‫جَلْيِه إذا‬
‫صابع ِر ْ‬
‫ح َأ َ‬
‫عَلْيَها‪ ،‬وَيفَت ُ‬
‫جَله‪َ ،‬فَيْقُعُد َ‬
‫سُه‪َ ،‬وَيْثِني ِر ْ‬
‫جْنبْيِه ثم َيْرَفُع َرْأ َ‬
‫ن َ‬
‫عْ‬‫جافي َيَدْيِه َ‬
‫الْرض‪َ ،‬وُي َ‬
‫ضِعه‪ُ ،‬ثّم يُقوُم فيصَنُع في‬
‫ح ُكلّ عظٍم إلى َمو ِ‬
‫جِلِه الُيسرى حتى‪َ .‬يرِي َ‬
‫عَلى ِر ْ‬
‫س َ‬
‫جِل ُ‬
‫جد‪ ،‬ثم ُيَكّبُر‪َ ،‬وَي ْ‬
‫سَ‬‫َ‬
‫عْنَد افتتا ِ‬
‫ح‬ ‫صَنُع ِ‬
‫ي ِبِهَما َمْنِكَبْيِه كما َي ْ‬
‫حّتى ُيحاِذ َ‬
‫ن َرَفَع َيَدْيِه َ‬
‫ن الّرَكَعتْي ِ‬
‫ك‪ ،‬ثم إَذا َقاَم ِم َ‬
‫ل َذِل َ‬
‫الخرى ِمْث َ‬
‫جَلسَ‬
‫جَدُة التي فيها التسليُم‪ ،‬أخرج ِرجليه‪َ ،‬و َ‬
‫سْ‬‫ت ال ّ‬
‫لِته َهَكَذا‪ ،‬حتى إذا َكاَن ِ‬
‫صَ‬‫صّلي َبقيَة َ‬
‫الصلة‪ ،‬ثم ُي َ‬
‫سِر ُمَتوّركًا‪ .‬هذا سياق أبي حاتم في ))صحيحه(( وهو في ))صحيح مسلم(( أيضًا‪،‬‬
‫عَلى شِّقه الْي َ‬
‫َ‬
‫ل عنه‪ ،‬عن النبي صلى ال‬
‫وقد ذكره الترمذي مصححًا له من حديث علي بن أبي طالب رضي ا ّ‬
‫ن يرفع يديه في هذه المواطن أيضًا‪.‬‬
‫عليه وسلم أنه كا َ‬
‫ثم كان يقرأ الفاتحة وحدها‪ ،‬ولم يثبت عنه أنه قرأ في الركعتين الخريين بعد‬
‫الفاتحة شيئًا‪ ،‬وقد ذهب الشافعي في أحد قوليه وغيره إلى استحباب القراءة بما زاد على الفاتحة في‬
‫ل صلى‬
‫ل بحديث أبي سعيد الذي في ))الصحيح((‪ :‬حزْرَنا قياَم رسول ا ّ‬
‫الخريين‪ ،‬واحتج لهذا القو ِ‬
‫سجدة(‪ ،‬وحزرنا قياَمه في‬
‫ل ال ّ‬
‫ال عليه وسلم في الظهر في الركعتين الوليين َقْدر ِقراءة )ألم تنزي َ‬
‫الركعتين الخريين َقْدَر النصف ِمن ذلك‪ ،‬وحزرنا قياَمه في الركعتين الوليين من العصر على‬
‫لخريين من العصر على النصف من ذلك‪.‬‬
‫ن من الظهر‪ ،‬وفي ا ُ‬
‫خَرَيْي ِ‬
‫لْ‬‫قدر قيامه في الركعتين ا ُ‬
‫وحديث أبي قتادة المتفق عليه ظاهٌر في القتصار على فاتحة الكتاب في الركعتين‬
‫لخريين‪.‬‬
‫اُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ُيصلي بنا‪ ،‬فيقرأ في‬
‫لا ّ‬
‫ن رسو ُ‬
‫ل عنه‪ :‬وكا َ‬
‫قال أبو قتادة رضي ا ّ‬
‫سورتين‪ ،‬وُيسمعنا الية أحيانًا‪ .‬زاد مسلم‪:‬‬
‫ظهر والعصر في الركعتين الوليين بفاتحة الكتاب و ُ‬
‫ال ّ‬
‫لخريين بفاتحة الكتاب‪ ،‬والحديثان غير صريحين في محل النزاع‪ .‬وأما حديث أبي‬
‫ويقرُأ في ا ُ‬
‫س فعله صلى ال عليه وسلم‪ .‬وأما‬
‫حزر منهم وتخمين‪ ،‬ليس إخبارًا عن تفسير نف ِ‬
‫سعيد‪ ،‬فإنما هو َ‬
‫ل بها‬
‫خّ‬‫حديث أبي قتادة‪ ،‬فيمكن أن ُيراد به أنه كان يقتصر على الفاتحة‪ ،‬وأن ُيراد به أنه لم يكن ُي ِ‬
‫لخريين‪ ،‬بل كان يقرؤها فيهما‪ ،‬كما كان يقرؤها في الوليين‪ ،‬فكان يقرأ الفاتحة في‬
‫في الركعتين ا ُ‬
‫كل ركعة‪ ،‬وإن كان حديث أبي قتادة في القتصار أظهر‪ ،‬فإنه في معرض التقسيم‪ ،‬فإذا قال‪ :‬كان‬
‫‪109‬‬

‫لخريين بالفاتحة‪ ،‬كان كالتصريح في اختصاص كل قسم‬


‫يقرأ في الوليين بالفاتحة والسورة‪ ،‬وفي ا ُ‬
‫لخريين‬
‫بما ذكر فيه‪ ،‬وعلى هذا‪ ،‬فيمكن أن ُيقال‪ :‬إن هذا أكثر فعله‪ ،‬وربما قرأ في الركعتين ا ُ‬
‫ث أبي سعيد‪ ،‬وهذا كما أن هدَيه صلى ال عليه وسلم كان‬
‫بشيء فوق الفاتحة‪ ،‬كما دل عليه حدي ُ‬
‫ل القراءة في الفجر‪ ،‬وكان يخففها أحيانًا‪ ،‬وتخفيف القراءة في المغرب‪ ،‬وكان ُيطيلها أحيانًا‪،‬‬
‫تطوي َ‬
‫لسرار في الظهر والعصر بالقراءة‪ ،‬وكان‬
‫وترك القنوت في الفجر‪ ،‬وكان يقنت فيها أحيانًا‪ ،‬وا ِ‬
‫ُيسمع الصحابة الية فيها أحيانًا‪،‬وترك الجهر بالبسملة‪ ،‬وكان يجهر بها أحيانًا‪.‬‬
‫والمقصود أنه كان يفعل في الصلة شيئًا أحيانًا ِلعارض لم يكن من فعله الراتب‪،‬‬
‫ت في الصلة‬
‫ومن هذا لما بعث صلى ال عليه وسلم فارسًا طليعة‪ ،‬ثم قام إلى الصلة‪ ،‬وجعل يلتِف ُ‬
‫ت في الصلة‪،‬‬
‫شْعب الذي يجيء منه الطليعة‪ ،‬ولم يكن من هديه صلى ال عليه وسلم اللتفا ُ‬
‫إلى ال ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‬
‫ت رسول ا ّ‬
‫ل عنها قالت سأل ُ‬
‫ي(( عن عائشة رضي ا ّ‬
‫وفي ))صحيح البخار َ‬
‫لِة اْلَعْبِد((‪.‬‬
‫نص َ‬
‫ن ِم ْ‬
‫طا ُ‬
‫شْي َ‬
‫سُه ال ّ‬
‫خَتِل ُ‬
‫س َي ْ‬
‫ل ٌ‬
‫خِت َ‬
‫ت في الصلة؟ فقال‪ُ)) :‬هَو ا ْ‬
‫عن اللتفا ِ‬
‫ل عنه قال‪ :‬قال لي رسول ا ّ‬
‫ل‬ ‫وفي الترمذي من حديث سعيد بن المسيب عن أنس رضي ا ّ‬
‫صلِة َهَلَكٌة‪ ،‬فإن كان‬
‫ت في ال ّ‬
‫ن اللتفا َ‬
‫لة‪َ ،‬فِإ ّ‬
‫صَ‬‫ت في ال ّ‬
‫ك َوالْلِتَفا َ‬
‫ي ِإّيا َ‬
‫صلى ال عليه وسلم‪َ)) :‬يا ُبَن ّ‬
‫ع‪ ،‬ل في الفرض(( ولكن للحديث علتان‪:‬‬
‫َول ُبّد ففي التطّو ِ‬
‫إحداهما‪ :‬إن رواية سعيد عن أنس ل تعرف‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬إن في طريقه علي بن زيد بن جدعان‪ ،‬وقد ذكر البزار في مسنده من حديث ُيوسف‬
‫صلة ِللملتفت((‪ .‬فأما‬
‫ل بن سلم عن أبي الدرداء عن النبي صلى ال عليه وسلم‪)) :‬ل َ‬
‫بن عبد ا ّ‬
‫ل‪ ،‬ول‬
‫ل صلى ال عليه وسلم كان يلحظ في الصلة يمينًا وشما ً‬
‫لا ّ‬
‫سو َ‬
‫حديث ابن عباس‪)) :‬إن ر ُ‬
‫يلوي عنقه خلف ظهره(( فهذا حديث ل يثُبت قال الترمذي فيه‪ :‬حديث غريب‪ .‬ولم يزد‪.‬‬
‫ل قيل له‪ :‬إن بعض الناس أسند أن النبي صلى‬
‫وقال الخلل‪ :‬أخبرني الميموني أن أبا عبد ا ّ‬
‫ال عليه وسلم‪ .‬كان يلحظ في الصلة‪ .‬فأنكر ذلك إنكارًا شديدًا‪ ،‬حتى تغير وجُهه‪ ،‬وتغير لوُنه‪،‬‬
‫ط أسوأ منها‪ ،‬وقال‪ .‬النبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫ل قّ‬
‫وتحرك بدُنه‪ ،‬ورأيُته في حال ما رأيُته في حا ٍ‬
‫كان ُيلحظ في الصلة؟! يعني أنه أنكر ذلك‪ ،‬وأحسبه قال‪ :‬ليس له إسناد‪ ،‬وقال‪ :‬من روى هذا؟!‬
‫ث سعيد هذا‪،‬‬
‫ن حدي َ‬
‫ل َوّه َ‬
‫إنما هذا من سعيد بن المسيب‪ ،‬ثم قال لي بعض أصحابنا‪ :‬إن أبا عبد ا ّ‬
‫ل بن أحمد‪ :‬حدثت أبي بحديث‬
‫وضعف إسناده‪ ،‬وقال‪ :‬إنما هو عن رجل عن سعيد‪ ،‬وقال عبد ا ّ‬
‫ل يحّدث عن أبي‬
‫حسان بن إبراهيم عن عبد الملك الكوفي قال‪ :‬سمعت العلء قال‪ :‬سمعت مكحو ً‬
‫‪110‬‬

‫ل‪ ،‬وَرَمى‬
‫أمامة وواثلة‪ :‬كان النبي صلى ال عليه وسلم‪ :‬إذا قام إلى الصلة لم يلتفت يمينًا ول شما ً‬
‫ل أنكر هذا وهذا‪،‬‬
‫ضرب عليه‪ .‬فأحمد رحمه ا ّ‬
‫ببصره في موضع سجوده‪ ،‬فأنكره جدًا‪ ،‬وقال‪ :‬ا ِ‬
‫وكان إنكاُره للول أشد‪ ،‬لنه باطل سندًا ومتنًا‪.‬‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬إنما أنكر سنده‪ ،‬وإل فمتنه غير منكر‪ ،‬وا ّ‬
‫ولو ثبت الول‪ ،‬لكان حكاية فعل َفَعَلُه‪ ،‬لعله كان لمصلحة تتعلق بالصلة ككلمه عليه‬
‫السلم هو وأبو بكر وعمر‪ ،‬وذو اليدين في الصلة لمصلحتها‪ ،‬أو لمصلحة المسلمين‪ ،‬كالحديث‬
‫ب بالصلة يعني صلَة‬
‫ل بن الحنظلية قال‪ُ :‬ثو َ‬
‫سْه ِ‬
‫سُلولي عن َ‬
‫الذي رواه أبو داود عن أبي كبشة ال ّ‬
‫ب‪ .‬قال أبو داود‪ :‬يعني‬
‫شع ِ‬
‫ت إلى ال ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬يصلي وهو يلتِف ُ‬
‫لا ّ‬
‫الصبح‪ ،‬فجعل رسو ُ‬
‫س فهذا اللتفات من الشتغال بالجهاد في الصلة‬
‫حُر ُ‬
‫شعب من الليل َي ْ‬
‫وكان أرسل فارسًا إلى ال ّ‬
‫ل عمر‪ :‬إني لجّهز جيشي وأنا في‬
‫ب منه قو ُ‬
‫وهو يدخل في مداخل العبادات‪ ،‬كصلة الخوف‪ ،‬وقري ٌ‬
‫ج كنوز العلم‬
‫الصلة‪ .‬فهذا جمع بين الجهاد والصلة‪ .‬ونظيره التفكر في معاني القرآن‪ ،‬واستخرا ُ‬
‫ت الغافلين اّللهين وأفكارهم لون‬
‫منه في الصلة‪ ،‬فهذا جمٌع بين الصلة والعلم‪ ،‬فهذا لون‪ ،‬والتفا ُ‬
‫ل التوفيق‪.‬‬
‫َآخر‪ ،‬وبا ّ‬
‫فهديه الراتب صلى ال عليه وسلم إطالُة الركعتين الوليين من الّرباعية على‬
‫ل في الوليين‪،‬‬
‫لخريين‪ ،‬وإطالة الولى من الوليين على الثانية‪ ،‬ولهذا قال سعد لعمر‪ :‬أما أنا فأطي ُ‬
‫اُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫ي بصلة رسول ا ّ‬
‫لخريين‪ ،‬ول آُلو أن أقتد َ‬
‫وأحذف في ا ُ‬
‫وكذلك كان هدُيه صلى ال عليه وسلم‪ .‬إطاَلة صلة الفجر على سائر‬
‫ل الصلة ركعتين ركعتين‪ ،‬فلما هاجر‬
‫ل عنها‪ :‬فرض ا ُّ‬
‫الصلوات‪ ،‬كما تقدم‪ .‬قالت عائشة رضي ا ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ِ،‬زيد في صلة الحضر‪ ،‬إل الفجر‪ ،‬فإنها ُأِقّرت على حالها من أجل‬
‫رسولُ ا ِّ‬
‫طول القراءة‪ ،‬والمغرب‪ ،‬لنها وتر النهار‪ .‬رواه أبو حاتم بن حبان في ))صحيحه(( وأصله في‬
‫))صحيح البخاري((‪ ،‬وهذا كان هدَيه صلى ال عليه وسلم في سائر صلته إطالُة أولها على‬
‫آخرها‪ ،‬كما فعل في الكسوف‪ ،‬وفي قيام الليل لما صّلى ركعتين طويلتين‪ ،‬ثم ركعتين وهما دون‬
‫حه صلى‬
‫اللتين قبلهما‪ ،‬ثم ركعتين وهما دون اللتين قبلهما‪ ،‬حتى أتم صلته‪ .‬ول ُيناقض هذا افتتا َ‬
‫ح قيام الليل‪،‬‬
‫ال عليه وسلم صلة الليل بركعتين خفيفتين‪ ،‬وأمره بذلك‪ ،‬لن هاتين الركعتين مفتا ُ‬
‫فهما بمنزلة سنة الفجر وغيرها‪.‬‬
‫‪111‬‬

‫وكذلك الركعتان اللتان كان ُيصليهما أحيانًا بعد وتره‪ ،‬تارة جاِلسًا‪،‬‬
‫ل ِوْترًا(( فإن هاتين الركعتين ل ُتنافيان هذا‬
‫لِتُكْم ِبالّلْي ِ‬
‫صَ‬‫جَعُلوا آخَر َ‬
‫وتارة قائمًا‪ ،‬مع قوله‪)) :‬ا ْ‬
‫المر‪ ،‬كما أن المغرب وتُر للنهار‪ ،‬وصلُة السنة شفعًا بعدها ل ُيخرجها عن كونها وترًا للنهار‪،‬‬
‫وكذلك الوتُر لَما كان عبادة مستقلة‪ ،‬وهو وتر الليل‪ ،‬كانت الركعتان بعده جاريتين مجرى سنة‬
‫المغرب‪ ،‬من المغرب‪ ،‬ولما كان المغرب فرضًا‪ ،‬كانت محافظته عليه السلم على سنتها أكثر من‬
‫محافظته على سنة الوتر‪ ،‬وهذا على أصل من يقول بوجوب الوتر ظاهٌر جدًا‪ ،‬وسيأتي مزيد كلم‬
‫ل التوفيق‪.‬‬
‫ل تعالى‪ ،‬وهي مسألة شريفة لعلك ل تراها في مصنف‪ ،‬وبا ّ‬
‫في هاتين الركعتين إن شاء ا ّ‬
‫فصل‬
‫وكان صلى ال عليه وسلم إذا جلس في التشهد الخيِر‪ ،‬جلس متوّركًا‪ ،‬وكان ُيفضي بوركه‬
‫إلى الرض‪ ،‬وُيخرج قدمه من ناحية واحدة‪.‬‬
‫ك‪ .‬ذكره أبو داود في‬
‫فهذا أحد الوجوه الثلثة التي ُرويت عنه صلى ال عليه وسلم في التوّر ِ‬
‫ل بن لهيعة وقد ذكر أبو حاتم في ))صحيحه(( هذه‬
‫حميد الساعدي من طريق عبد ا ّ‬
‫حديث أبي ُ‬
‫الصفة من حديث أبي حميد الساعدي من غير طريق ابن لهيعة‪ ،‬وقد تقدم حديثه‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬ذكره البخاري في ))صحيحه(( من حديث أبي حميد أيضًا قال‪ :‬وإذا جلس في‬
‫الّركعة الخرة‪َ ،‬قّدم رجله الُيسرى ونصب اليمنى‪ ،‬وقعد على مقعدته فهذا هو الموافق الول في‬
‫الجلوس على الَوِرك‪ ،‬وفيه زيادة وصف في هيئة الَقَدَمين لم تتعرض الرواية الولى لها‪.‬‬
‫ل بن الزبير‪ :‬أنه صلى ال‬
‫الوجه الثالث‪ :‬ما ذكره مسلم في ))صحيحه(( من حديث عبد ا ّ‬
‫ش قدمه اليمنى‪ ،‬وهذه هي الصفة التي‬
‫عليه وسلم كان يجعل قدمه الُيسرى بين فخذه وساقه‪ ،‬ويفر ُ‬
‫خَرِقي في ))مختصره(( وهذا مخالف للصفتين الوليين في إخراج اليسرى‬
‫اختارها أبو القاسم ال ِ‬
‫من جانبه اليمن‪ ،‬وفي نصب الُيمنى‪ ،‬ولعله كان يفعل هذا تارة‪ ،‬وهذا تارة‪ ،‬وهذا أظهر‪.‬‬
‫ك إل في التشهد‬
‫ويحتِمل أن يكون من اختلف الرواة‪ ،‬ولم ُيذكر عنه عليه السلم هذا التور ُ‬
‫ص بالصلة التي فيها تشهدان‪ ،‬وهذا‬
‫لمام أحمد ومن وافقه‪ :‬هذا مخصو ٌ‬
‫الذي يليه السلم‪ .‬قال ا ِ‬
‫جِعل فرقًا بين الجلوس في التشهد الول الذي ُيسن تخفيفه‪ ،‬فيكون الجالس فيه متهيئًا‬
‫التورك فيها ُ‬
‫للقيام‪ ،‬وبين الجلوس في التشهد الثاني الذي يكون الجالس فيه ُمطمئنًا‪.‬‬
‫ن هيئة الجلوسين فارقة بين التشهدين‪،‬مذكرة للمصلي حاله‪ .‬فيهما‪.‬‬
‫وأيضًا فتكو ُ‬
‫‪112‬‬

‫حميد إنما ذكر هذه الصفة عنه في الجلسة التي في التشهد الثاني‪ ،‬فإنه ذكر‬
‫وأيضًا فإن أبا ُ‬
‫صفة جلوسه في التشهد الول‪ ،‬وأنه كان يجلس مفترشًا‪ ،‬ثم قال‪)) :‬وإذا جلس في الركعة الخرة((‬
‫وفي لفظ‪)) :‬فإذا جلس في الركعة الرابعة((‪.‬‬
‫وأما قوله في بعض ألفاظه‪ :‬حتى إذا كانت الجلسة التي فيها التسليُم‪ ،‬أخرج رجله الُيسرى‪،‬‬
‫وجلس على شقه متوّركًا‪ ،‬فهذا قد يحتج به من يرى التورك ُيشرع في كل تشهد يليه السلم‪،‬‬
‫ق الحديث يدل‬
‫فيتورك في الثانية‪ ،‬وهو قول الشافعي رحمه ال‪ ،‬وليس بصريح في الّدللة‪ ،‬بل سيا ُ‬
‫على أن ذلك إنما كان في التشهد‪،‬الذي يليه السلم من الرباعية والثلثية‪ ،‬فإنه ذكر صفة جلوسه في‬
‫التشهد الول وقيامه منه‪ ،‬ثم قال‪)) :‬حتى إذا كانت السجدة التي فيها التسليُم‪ ،‬جلس متوّركًا(( فهذا‬
‫السياق ظاهر في اختصاص هذا الجلوس بالتشهد الثاني‪.‬‬
‫فصل‬
‫جَلس في التشُهد‪ ،‬وضع يَده اليمنى على فخِذه اليمنى‪ ،‬وضَم‬
‫وكان صلى ال عليه وسلم إذا َ‬
‫صب السبابة‪ .‬وفي لفظ‪ :‬وقبض أصابعه الثلث‪ ،‬ووضع يده اليسرى على فخذه‬
‫أصابعه الثلث‪ ،‬ون َ‬
‫اليسرى‪ .‬ذكره مسلم عن ابن عمر‪.‬‬
‫حّد ِمْرَفِقه اليمن على َفخِذه اليمنى‪ ،‬ثم قبض ثنتين من‬
‫حجر‪)) :‬جعل َ‬
‫وقال واِئل بن ُ‬
‫عو بها(( وهو في ))السنن((‪.‬‬
‫أصابعه‪ ،‬وحّلق حلقة‪ ،‬ثم رفع أصبعه فرأيته ُيحركها يد ُ‬
‫ن((‪.‬‬
‫سي َ‬
‫خم ِ‬
‫عَقَد َثلَثَة َو َ‬
‫وفي حديث ابن عمر في ))صحيح مسلم(( )) َ‬
‫ت كّلها واحدة‪ ،‬فإن من قال‪ :‬قبض أصابعه الثلث‪ ،‬أراد به‪ :‬أن الوسطى كانت‬
‫وهذه الروايا ُ‬
‫مضمومة لم تكن منشورة كالسبابة‪ ،‬ومن قال‪ :‬قبض ثنتين من أصابعه‪ ،‬أراد‪ :‬أن الوسطى لم تكن‬
‫مقبوضة مع البنصر‪ ،‬بل الخنصر والبنصر متساويتان في القبض دون الوسطى‪ ،‬وقد صّرح بذلك‬
‫ن مضمومة‪ ،‬ول تكون مقبوضة مع‬
‫من قال‪ :‬وعقد ثلثة وخمسين‪ ،‬فإن الوسطى في هذا العقد تكو ُ‬
‫البنصر‪.‬‬
‫وقد استشكل كثير من الفضلء هذا‪ ،‬إذ عقُد ثلث وخمسين ل ُيلِئم واحدة من الصفتين‬
‫المذكورتين‪ ،‬فإن الخنصر ل بد أن تركب البنصر في هذا العقد‪.‬‬
‫ض الفضلء‪ ،‬بأن الثلثة لها صفتان في هذا العقد‪ :‬قديمة‪ ،‬وهي التي‬
‫وقد أجاب عن هذا بع ُ‬
‫لبهام مع الوسطى‪،‬‬
‫ذكرت في حديث ابن عمر‪ :‬تكون فيها الصابع الثلث مضمومة مع تحليق ا ِ‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫وحديثة‪ ،‬وهي المعروفة اليوم بين أهل الحساب‪ ،‬وا ّ‬
‫‪113‬‬

‫سط ذراعه على فخذه ول يجافيها‪ ،‬فيكون حد مرفقه عند آخر فخذه‪ ،‬وأما الُيسرى‪،‬‬
‫وكان يب ُ‬
‫فممدودة الصابع على الفخذ الُيسرى‪.‬‬
‫وكان يستقبل بأصابعه القبلة في رفع يديه‪ ،‬في ركوعه‪ ،‬وفي سجوده‪ ،‬وفي تشهده‪،‬‬
‫ويستقبل أيضًا بأصابع رجليه القبلة في سجوده‪ .‬وكان يقول في كل ركعتين‪ :‬التحيات‪.‬‬
‫وأما المواضع التي كان يدعو فيها في الصلة‪ ،‬فسبعة مواطن‪.‬‬
‫لحرام في محل الستفتاح‪.‬‬
‫أحُدها‪ :‬بعد تكبيرة ا ِ‬
‫الثاني‪ :‬قبل الركوع وبعد الفراغ من القراءة في الوتر والقنوت العارض في الصبح قبل‬
‫الركوع إن صح ذلك‪ ،‬فإن فيه نظرًا‪.‬‬
‫ل بن‬
‫الثالث‪ :‬بعد العتدال من الركوع‪ ،‬كما ثبت ذلك في ))صحيح مسلم(( من حديث عبد ا ّ‬
‫ل لِم ْ‬
‫ن‬ ‫سمَع ا ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال‪َ )) :‬‬
‫لا ّ‬
‫أبي أوفى‪ :‬كان رسو ُ‬
‫شيٍء َبْعُد‪ ،‬الّلُهّم‬
‫ن َ‬
‫ت ِم ْ‬
‫شْئ َ‬
‫لَء َما ِ‬
‫ض‪َ ،‬وِم ْ‬
‫لْر ِ‬
‫لَء ا َ‬
‫ت‪َ ،‬وِم ْ‬
‫سَماَوا ِ‬
‫لَء ال ّ‬
‫حْمُد‪ِ ،‬م ْ‬
‫ك اْل َ‬
‫حِمَدُه‪ ،‬الّلُهّم َرّبَنا َل َ‬
‫َ‬
‫لْبَي ُ‬
‫ض‬ ‫با َ‬
‫طاَيا َكَما ُيَنّقى الّثْو ُ‬
‫خَ‬‫ب َواْل َ‬
‫ن الّذُنو ِ‬
‫طّهْرِني ِم َ‬
‫ج َوالَبَرِد‪َ ،‬والَماِء الَباِرِد‪ ،‬الّلُهّم َ‬
‫طّهرِني ِبالّثل ِ‬
‫َ‬
‫خ((‪.‬‬
‫سِ‬‫ن اْلَو َ‬
‫ِم َ‬
‫غِفْر ِلي((‪.‬‬
‫ك‪ ،‬الّلهّم ا ْ‬
‫حْمِد َ‬
‫ك الّلُهّم َرّبَنا َوِب َ‬
‫حاَن َ‬
‫سْب َ‬
‫الّرابع‪ :‬في ركوعه كان يقول‪ُ )) :‬‬
‫الخامس‪ :‬في سجوده‪ ،‬وكان فيه غالب دعائه‪.‬‬
‫السادس‪ :‬بين السجدتين‪.‬‬
‫ضالة بن عبيد‬
‫السابع‪ :‬بعد التشهد وقبل السلم‪ ،‬وبذلك أمر في حديث أبي هريرة‪ ،‬وحديث َف َ‬
‫وأمر أيضًا بالدعاء في السجود‪.‬‬
‫وأما الدعاء بعد السلم من الصلة مستقبل القبلة أو المأمومين‪ ،‬فلم يكن ذلك ِمن‬
‫ل‪ ،‬ول روي عنه بإسناد صحيح‪ ،‬ول حسن‪.‬‬
‫هديه صلى ال عليه وسلم أص ً‬
‫وأما تخصيص ذلك بصلتي الفجر والعصر‪ ،‬فلم يفعل ذلك هو ول أحٌد من خلفائه‪ ،‬ول‬
‫ل أعلم‪ .‬وعامة الدعية‬
‫أرشد إليه ُأّمته‪ ،‬وإنما هو استحسان رآه من رآه عوضًا من السّنة بعدهما‪ ،‬وا ّ‬
‫المتعلقة بالصلة إنما فعَلها فيها‪ ،‬وأمر بها فيها‪ ،‬وهذا هو اللئق بحال المصلي‪ ،‬فإنه مقبل على‬
‫ربه‪ ،‬يناجيه ما دام في الصلة‪ ،‬فإذا سّلم منها‪ ،‬انقطعت تلك المناجاة‪ ،‬وزال ذلك الموقف بين يديه‬
‫لقبال عليه‪ ،‬ثم يسأله إذا انصرف‬
‫والقرب منه‪ ،‬فكيف يترك سؤاله في حال مناجاته والقرب منه‪ ،‬وا ِ‬
‫عنه؟! ول ريب أن عكس هذا الحال هو الولى بالمصلي‪ ،‬إل أن ها هنا نكتة لطيفة‪ ،‬وهو أن‬
‫‪114‬‬

‫حمَِده وكّبره بالذكار المشروعة عقيب‬


‫ل وهّلله وسّبحه َو َ‬
‫المصلي إذا فرغ من صلته‪ ،‬وذكر ا ّ‬
‫ي صلى ال عليه وسلم بعد ذلك‪ ،‬ويدعو بما شاء‪ ،‬ويكون‬
‫الصلة‪ ،‬استحب له أن ُيصلي على النب ّ‬
‫حِمَده‪ ،‬وأثنى عليه‪،‬‬
‫ل‪َ ،‬و َ‬
‫ب هذه العبادة الثانية‪ ،‬ل لكونه دبر الصلة‪ ،‬فإن كل من ذكر ا ّ‬
‫دعاؤه عقي َ‬
‫ب ذلك‪ ،‬كما في حديث َفضالة‬
‫ل صلى ال عليه وسلم استحب له الدعاُء عقي َ‬
‫وصلى على‪ ،‬رسول ا ّ‬
‫ي صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫عَلى الّنِب ّ‬
‫ل َ‬
‫عَلْيِه‪ُ ،‬ثّم ِليص ّ‬
‫ل َوالّثَناِء َ‬
‫حْمِد ا ِّ‬
‫حُدُكْم‪َ ،‬فْلَيبدْأ ِب َ‬
‫صّلى َأ َ‬
‫بن عبيد ))ِإذا َ‬
‫شاَء(( قال الترمذي‪ :‬حديث صحيح‪.‬‬
‫ع ِبَما َ‬
‫ُثّم ِلَيْد ُ‬
‫فصل‬
‫ن يساره كذلك‪.‬‬
‫عْ‬‫ل‪َ ،‬و َ‬
‫حَمُة ا ّ‬
‫عَليُكْم َوَر ْ‬
‫ثم كان صلى ال عليه وسلم ُيسلم عن يمينه‪ :‬السلُم َ‬
‫ل بن مسعود‪ ،‬وسعُد بن أبي‬
‫ن ِفعله الراتب رواه عنه خمسَة عشر صحابيًا‪ ،‬وهم‪ :‬عبد ا ّ‬
‫هذا َكا َ‬
‫حذيفة بن اليمان‪،‬‬
‫حجر‪ ،‬وأبو موسى الشعري‪ ،‬و ُ‬
‫ل بن سعد الساعدي‪ ،‬ووائل بن ُ‬
‫وقاص‪ ،‬وسه ُ‬
‫ل بن عمر‪ ،‬وجابر بن سمرة‪ ،‬والبراء بن عازب‪ ،‬وأبو مالك الشعري‪،‬‬
‫وعّمار بن ياسر‪ ،‬وعبد ا ّ‬
‫ل عنهم‪.‬‬
‫وطلق بن علي‪ ،‬وأوس بن أوس‪،‬وأبو رمثة‪ ،‬وعدي بن عميرة‪،‬رضي ا ّ‬
‫وقد روى عنه صلى ال عليه وسلم أنه كان ُيسّلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه ولكن لم يثبت‬
‫ل عنها أنه صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫ث عائشة رضي ا ّ‬
‫عنه ذلك ِمن وجه صحيح‪ ،‬وأجوُد ما فيه حدي ُ‬
‫ظنا‪ ،‬هو حديث معلول‪ ،‬وهو في‬
‫كان ُيسلم تسليمًة واحدة‪ :‬السلُم عليكم يرفع بها صوته حتى ُيوِق َ‬
‫السنن‪ ،‬لكنه كان في قيام الليل والذين َرَووا عنه التسليمتين َرَوْوا ما شاهدوه في الفرض‬
‫ث عائشة ليس صريحًا في القتصار على التسليمة الواحدة‪ ،‬بل أخبرت أنه كان‬
‫والنفل‪،‬على أن حدي َ‬
‫يسلم تسليمة واحدة ُيوقظهم بها‪ ،‬ولم تنف الخرى‪ ،‬بل سكتت عنها‪ ،‬وليس سكوُتها عنها مقدمًا على‬
‫ح‪ ،‬وكثير من أحاديثهم صحيح‪ ،‬والباقي‬
‫رواية من حفظها وضبطها‪ ،‬وهم أكثر عددًا‪ ،‬وأحاديثهم أص ّ‬
‫حسان‪.‬‬
‫قال أبو عمر بن عبد البر‪ :‬روي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه كان ُيسلم تسليمة واحدة‬
‫ِمن حديث سعد بن أبي وقاص‪ ،‬ومن حديث عائشة‪ ،‬ومن حديث أنس‪ ،‬إل أنها معلولة‪ ،‬ول‬
‫ل العلم بالحديث‪ ،‬ثم ذكر علة حديث سعد‪ :‬أن النبي صلى ال عليه وسلم كان ُيسلم في‬
‫يصححها أه ُ‬
‫الصلة تسليمة واحدة‪ .‬قال‪ :‬وهذا وهم وغلط‪ ،‬وإنما الحديث‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫ث ِمن طريق ابن المبارك‪ ،‬عن مصعب بن ثابت‪ ،‬عن‬
‫ن يساره‪،‬ثم ساق الحدي َ‬
‫ُيسلم عن يمينه وع ْ‬
‫ل صلى ال عليه‬
‫لا ّ‬
‫ت رسو َ‬
‫إسماعيل بن محمد بن سعد‪ ،‬عن عامر بن سعد‪ ،‬عن أبيه قال‪ :‬رأي ُ‬
‫‪115‬‬

‫ي‪ :‬ما سِمعنا هذا‬


‫شماله حتى كَأّني أنظر إلى صفحة خده‪ ،‬فقال الزهر ّ‬
‫وسلم ُيسلم عن يمينه وعن ِ‬
‫ل صلى‬
‫ل ا ِّ‬
‫ث رسو ِ‬
‫ل حدي ِ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقال له إسماعيل بن محمد‪ :‬أُك ّ‬
‫ث رسول ا ّ‬
‫من حدي ِ‬
‫ل هذا ِمن النصف الذي لم‬
‫جَع َ‬
‫ال عليه وسلم قد سمعَته؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فِنصَفه؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فا ْ‬
‫ن يسلم تسليمًة‬
‫ل عنها‪ :‬عن النبي صلى ال عليه وسلم‪ :،‬كا ّ‬
‫ث عائشة رضي ا ّ‬
‫سَمْع‪ .‬قال‪ :‬وأما حدي ُ‬
‫َت ْ‬
‫واحدة‪ ،‬فلم يرفعه أحد إل زهير بن محمد وحده عن هشام بن عروة‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن عائشة‪ ،‬رواه‬
‫عنه عمرو بن أبي سلمة وغيره‪ ،‬وزهير بن محمد عند الجميع‪ ،‬كثير الخطأ ل يحتج به‪ ،‬وذكر‬
‫ليحيى بن معين هذا الحديث‪ ،‬فقال‪ :‬حديث عمرو بن أبي سلمة وزهير ضعيفان‪ ،‬ل حجة فيهما قال‪:‬‬
‫وأما حديث أنس‪ ،‬فلم يأت إل من طريق أيوب السختياني عن أنس‪ ،‬ولم يسمع أيوب من أنس عندهم‬
‫ل عن الحسن أن النبي صلى ال عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضي ا ّ‬
‫ل‬ ‫شيئًا‪ ،‬قال‪ :‬وقد روي مرس ً‬
‫عنهما كانوا ُيسلمون تسلمية واحدة‪ ،‬وليس مع القائلين بالتسليمة غير عمل أهل المدينة‪ ،‬قالوا‪ :‬وهو‬
‫ج به‪ ،‬لنه ل يخفى لوقوعه في كل يوم‬
‫عمل قد توارثوه كابرًا عن كابر‪ ،‬ومثله يصح الحتجا ُ‬
‫ن الثابتة عن رسول ا ّ‬
‫ل‬ ‫ب معهم‪ ،‬والسن ُ‬
‫مرارًا‪ ،‬وهذه طريقٌة قد خالفهم فيها سائُر الفقهاِء‪ ،‬والصوا ُ‬
‫لمراُء بالمدينة‬
‫صلى ال عليه وسلم ل ُتدفع ول ُترد بعمل أهل بلد كائنًا من كان‪ ،‬وقد أحدث ا ُ‬
‫ل أهل المدينة الذي‬
‫ت إلى استمراره وعم ُ‬
‫ل‪ ،‬ولم ُيْلَتَف ْ‬
‫وغيِرها في الصلة أمورًا استمر عليها العم ُ‬
‫ن كان‬
‫يحتج به َما كان في زمن الخلفاء الراشدين‪ ،‬وأما عمُلهم بعد موتهم‪ ،‬وبعد انقراض عصر َم ْ‬
‫ل أحد بعد‬
‫س‪ ،‬ل عم ُ‬
‫بها في الصحابة‪ ،‬فل فرق بينهم وبين عمل غيرهم‪ ،‬والسنة تحُكم بين النا ِ‬
‫ل التوفيق‪.‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم وخلفائه‪ ،‬وبا ّ‬
‫رسول ا ّ‬
‫فصل‬
‫ب الَقْبِر‪،‬‬
‫عَذا ِ‬
‫ن َ‬
‫ك ِم ْ‬
‫وكان صلى ال عليه وسلم يدعو في صلته فيقول‪)) :‬الّلُهّم إّني َأعوُذ ِب َ‬
‫ن الَمْأَثِم‬
‫ك ِم َ‬
‫عوُذ ِب َ‬
‫ت‪ ،‬الّلُهّم ِإّني َأ ُ‬
‫حَيا َوالَمَما ِ‬
‫ن ِفْتَة الَم ْ‬
‫ك ِم ْ‬
‫عوُذ ِب َ‬
‫ل‪َ ،‬وَأ ُ‬
‫جا ِ‬
‫ح الّد ّ‬
‫سي ِ‬
‫ن ِفْتَنِة الَم ِ‬
‫ك ِم ْ‬
‫عوُذ ب َ‬
‫َوَأ ُ‬
‫َوالَمْغَرِم((‪.‬‬
‫ك ِلي ِفيَما‬
‫سْع ِلي ِفي َداِري‪َ ،‬وَباِر ْ‬
‫غِفْر لي َذْنبي‪َ ،‬وَو ّ‬
‫وكان يقول في صلِته أيضًا‪)) :‬الّلُهّم ا ْ‬
‫َرَزْقَتِني((‪.‬‬
‫شْكَر‬
‫ك ُ‬
‫سَأُل َ‬
‫شِد‪َ ،‬وَأ ْ‬
‫عَلى الّر ْ‬
‫لمِر‪َ ،‬والَعِزيَمَة َ‬
‫ت ِفي ا َ‬
‫ك الّثَبا َ‬
‫سَأُل َ‬
‫وكان يقول‪)) :‬الّلُهّم ِإّني َأ ْ‬
‫ك ِم ْ‬
‫ن‬ ‫عوُذ ِب َ‬
‫خْيِر َما َتعَلُم‪َ ،‬وَأ ُ‬
‫ن َ‬
‫ك ِم ْ‬
‫سَأُل َ‬
‫صاِدقًا‪َ ،‬وَأ ْ‬
‫سانًا َ‬
‫سِليمًا‪َ ،‬وِل َ‬
‫ك َقْلبًا َ‬
‫سَأُل َ‬
‫ك‪َ ،‬وَأ ْ‬
‫عَباَدِت َ‬
‫ن ِ‬
‫سَ‬‫حْ‬
‫ك‪َ ،‬و ُ‬
‫ِنْعَمِت َ‬
‫ك ِلَما َتْعَلُم((‪.‬‬
‫سَتْغِفُر َ‬
‫شّر َما َتْعَلُم‪َ ،‬وَأ ْ‬
‫َ‬
‫‪116‬‬

‫ت َوِلّيَها‬
‫ن َزّكاَها‪َ ،‬أْن َ‬
‫خْيُر َم ْ‬
‫ت َ‬
‫سي َتْقَواَها‪َ ،‬وَزّكَها َأْن َ‬
‫ط َنْف ِ‬
‫عِ‬‫بأ ْ‬
‫وكان يقول في سجوده ))َر ّ‬
‫لَها((‪.‬وقد تقدم ِذكر بعض ما كان يقول في ركوعه وسجوده وجلوسه واعتداله في الركوع‪.‬‬
‫َوَمْو َ‬
‫فصل‬
‫غِفر‬
‫با ْ‬
‫لفراد‪ ،‬كقوله‪َ)) :‬ر ّ‬
‫والمحفوظ في أدعيته صلى ال عليه وسلم في الصلة كّلها بلفظ ا ِ‬
‫حْمِني َواْهِدِني((‪ ،‬وسائر الدعية المحفوظة عنه‪ ،‬ومنها قوُله في دعاء الستفتاح‪)) :‬الّلُهّم‬
‫ِلي َواْر َ‬
‫ق‬
‫شِر ِ‬
‫ن الَم ْ‬
‫ت َبْي َ‬
‫عْد َ‬
‫ي َكَما َبا َ‬
‫طاَيا َ‬
‫خَ‬‫ن َ‬
‫عْد َبْيِني َوَبْي َ‬
‫ج َوالماِء َوالَبَرِد‪ ،‬الّلُهّم َبا ِ‬
‫ي ِبالّثْل ِ‬
‫طاَيا َ‬
‫خَ‬‫ن َ‬
‫سْلِني ِم ْ‬
‫غِ‬‫اْ‬
‫ب(( الحديث‪.‬‬
‫َوالَمْغِر ِ‬
‫ل وأهل ))السنن(( من حديث ثوبان عن النبي صلى ال عليه‬
‫لمام أحمد رحمه ا ّ‬
‫وروى ا ِ‬
‫خاَنُهم(( قال ابن خزيمة في‬
‫ن َفَعل‪َ ،‬فَقْد َ‬
‫عَوٍة دونهم‪َ ،‬فِإ ْ‬
‫سُه ِبَد ْ‬
‫ص َنْف َ‬
‫خ ّ‬
‫عْبٌد َقْومًا َفَي ُ‬
‫ل َيُؤّم َ‬
‫وسلم‪َ )) :‬‬
‫ي(( ‪ ...‬الحديث قال‪ :‬في هذا دلي ٌ‬
‫ل‬ ‫طاَيا َ‬
‫خَ‬‫عْد َبْيِني َوبين‪َ .‬‬
‫))صحيحه((‪ :‬وقد ذكر حديث ))الّلُهّم َبا ِ‬
‫خاَنُهْم((‬
‫ل َفَقد َ‬
‫ن َفَع َ‬
‫عَوٍة ُدوَنُهم‪َ ،‬فإ ْ‬
‫سه ِبَد ْ‬
‫ص َنْف َ‬
‫عْبٌد َقْومًا َفَيخ ّ‬
‫ل يؤم َ‬
‫على رد الحديث الموضوع )) َ‬
‫لماُم‬
‫ث عندي في الدعاء الذي يدعو به ا ِ‬
‫لسلم ابن تيمية يقول‪ :‬هذا الحدي ُ‬
‫ت شيخ ا ِ‬
‫وسمع ُ‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫وللمأمومين‪ ،‬ويشتِركون فيه كدعاء القنوت ونحوه وا ّ‬
‫فصل‬
‫لمام أحمد رحمه ال‬
‫سه‪ ،‬ذكره ا ِ‬
‫وكان صلى ال عليه وسلم إذا قام في الصلة‪ ،‬طأطأ رأ َ‬
‫ل تعالى عينه ونعيَمه وسروَره‬
‫صُرُه إشارَته‪ ،‬وقد تقدم‪ .‬وكان قد جعل ا ّ‬
‫وكان في التشهد ل ُيجاوز َب َ‬
‫عْيِني ِفي‬
‫ت قُّرُة َ‬
‫جِعَل ْ‬
‫لِة((‪ .‬وكان يقول‪َ)) :‬و ُ‬
‫ل أرحنِْا ِبالص َ‬
‫لُ‬‫حه في الصلة‪ .‬وكان يقول‪)) :‬يا ِب َ‬
‫ورو َ‬
‫صلَِة((‪ .‬ومع هذا لم يكن يشَغُله ما هو فيه من ذلك عن مراعاة أحوال المأمومين وغيرهم مع‬
‫ال ّ‬
‫عه عليه‪.‬‬
‫ل تعالى وحضوِر قلبه بين يديه واجتما ِ‬
‫كمال إقباله‪ .‬وقربه من ا ّ‬
‫ق على‬
‫شّ‬‫وكان يدخل في الصلة وهو ُيريد إطالتها‪ ،‬فيسمع بكاَء الصبي‪ ،‬فيخففها مخافَة أن َي ُ‬
‫شعب الذي يجيء منه الفارس‪،‬‬
‫طليعًة له‪ ،‬فقام يصلي‪ ،‬وجعل يلتِفت إلى ال ّ‬
‫أّمه‪ ،‬وأرسل مرة فارسًا َ‬
‫ولم يشَْغْله ما هو فيه عن مراعاة حال فارسه‪.‬‬
‫ل أمامة بنت أبي العاص بن الربيع ابنَة بنته زينب على‬
‫وكذلك كان ُيصلي الفرض وهو حام ٌ‬
‫عاتقه‪ ،‬إذا قام‪ ،‬حملها‪ ،‬وإذا ركع وسجد‪ ،‬وضعها‪.‬‬
‫)يتبع‪(...‬‬
‫‪117‬‬

‫ب ظهره فُيطيل السجدة‪َ ،‬كراهية أن ُيلقَيه‬


‫ن أو الحسين فيرك ُ‬
‫وكان يصلي فيجيء الحس ُ‬ ‫@‬
‫ب‪ ،‬ثّم‬
‫ب ُمغَلق‪ ،‬فيمشي‪ ،‬فيفتح لها البا َ‬
‫عن ظهره‪.‬وكان ُيصلي‪ ،‬فتجيء عائشُة ِمن حاجتها والبا ُ‬
‫جُع إلى الصلة‪.‬‬
‫ير ِ‬
‫لشارة على من ُيسلم عليه وهو في الصلة وقال جابر‪ :‬بعثني‬
‫وكان َيُرُد السلم با ِ‬
‫ي‪ .‬ذكره‬
‫ت عليه‪ ،‬فأشار إل ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم لحاجة‪ ،‬ثم أدركُتُه وهو يصلي‪ ،‬فسلم ُ‬
‫لا ّ‬
‫رسو ُ‬
‫ي صلى ال عليه وسلم ُيشير في‬
‫ل عنه‪ :‬كان النب ّ‬
‫مسلم في ))صحيحه((‪ .‬وقال أنس رضي ا ّ‬
‫ل‪.‬‬
‫لمام أحمد رحمه ا ّ‬
‫الصلة‪ ،‬ذكره ا ِ‬
‫ت عليه‪ ،‬فرد‬
‫ل صلى ال عليه وسلم وهو ُيصلي‪ ،‬فسلم ُ‬
‫ت برسول ا ّ‬
‫صهيب‪ :‬مرر ُ‬
‫وقال ُ‬
‫إشارة‪ ،‬قال الراوي‪ :‬ل أعلمه‪ ،‬قال‪ :‬إل إشارة بأصبعه‪ ،‬وهو في ))السنن(( و))المسند((‪.‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم إلى ُقباء‬
‫لا ّ‬
‫ل عنهما‪ :‬خرج رسو ُ‬
‫ل بن عمر رضي ا ّ‬
‫وقال عبد ا ّ‬
‫ت رسول‬
‫ت لبلل‪ :‬كيف رأي َ‬
‫ُيصلي فيه‪ ،‬قال‪ :‬فجاءته النصاُر‪ ،‬فسّلموا عليه وهو في الصلة‪ ،‬فقل ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم يرّد عليهم حين كانوا ُيسّلمون عليه وهو يصّلي؟ قال‪ :‬يقول‪ :‬هكذا‪ ،‬وبسط‬
‫ا ّ‬
‫جعفر بن عون كفه‪ ،‬وجعل بطنه أسفل‪ ،‬وجعل ظهره إلى فوق((‪ ،‬وهو في ))السنن(( و ))المسند((‬
‫وصححه الترمذي‪،‬ولفظه‪ :‬كان يشير بيده‪.‬‬
‫ت من الحبشة أتيت النبي صلى ال عليه‬
‫ل عنه‪ :‬لما َقِدم ُ‬
‫ل بن مسعود رضي ا ّ‬
‫وقال عبد ا ّ‬
‫وسلم وهو يصلي‪ ،‬فسّلمت عليه‪ ،‬فأومأ برأسه‪ ،‬ذكره البيهقي‪.‬‬
‫ل صلى ال عليه‬
‫لا ّ‬
‫ل عنه قال‪ :‬قال رسو ُ‬
‫وأما حديث أبي غطفان عن أبي ُهَرْيَرة رضي ا ّ‬
‫صلته(( فحديث باطل‪ ،‬ذكره الدارقطني‬
‫عنُه‪َ ،‬فْلُيِعْد َ‬
‫شاَرًة ُتْفَهُم َ‬
‫لِتِه ِإ َ‬
‫صَ‬‫شاَر ِفي َ‬
‫ن َأ َ‬
‫وسلم‪َ)) :‬م ْ‬
‫وقال‪ :‬قال لنا ابن أبي داود‪ :‬أبو غطفان هذا رجل مجهول‪ ،‬والصحيح عن النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم أنه كان ُيشير في صلته رواه أنس وجابر وغيرهما‪.‬‬
‫غَمَزَها‬
‫ضًة بيَنه وبين القبلة‪ ،‬فإذا سجد‪َ ،‬‬
‫وكان صلى ال عليه وسلم ُيصلي وعائشة معتِر َ‬
‫بيده‪ ،‬فقبضت رجليها‪ ،‬وإذا قام بسطتهما‪.‬‬
‫عَلى َيِده‪.‬‬
‫ل ُلعاُبه َ‬
‫سا َ‬
‫ن ليقطع عليه صلَته‪ ،‬فأخذه‪ ،‬فخنقه حتى َ‬
‫وكان ُيصلي‪ ،‬فجاءه الشيطا ُ‬
‫جَد على‬
‫سَ‬
‫وكان ُيصلي على المنبر ويركع عليه‪ ،‬فإذا جاءت السجدة‪ ،‬نزل الَقْهَقرى‪َ ،‬ف َ‬
‫صِعَد عليه‪.‬‬
‫الرض ثم َ‬
‫‪118‬‬

‫ق بطُنه‬
‫جدار‪ ،‬فجاءت َبْهَمٌة تمّر من بين يديه‪ ،‬فما زال ُيدارئها‪،‬حتى َلص َ‬
‫وكان ُيصلي إلى ِ‬
‫بالجدار‪ ،‬ومرت من ورائه‪.‬‬
‫يدارئها‪ :‬يفاعلها من المدارأة وهي المدافعة‪.‬‬
‫ع إحداهما‬
‫ن من بني عبد المطلب قد اقتتلتا‪ ،‬فأخذهما بيديه‪َ ،‬فَنَز َ‬
‫وكان ُيصلي‪ ،‬فجاءته جاريتا ِ‬
‫من الخرى وهو في الصلة ولفظ أحمد فيه‪ :‬فأخذتا بركبتي النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فنزع‬
‫ف‪.‬‬
‫صِر ْ‬
‫بينهما‪ ،‬أو فّرق بينهما‪ ،‬ولم َيْن َ‬
‫وكان ُيصلي‪ ،‬فمّر بين يديه غلم‪ ،‬فقال بيده هكذا‪ ،‬فرجع‪ ،‬ومرت بين يديه جاريٌة فقال بيده‬
‫لمام أحمد‪ ،‬وهو‬
‫ب(( ذكره ا ِ‬
‫غَل ُ‬
‫ن َأ ْ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ُ)) :‬ه ّ‬
‫لا ّ‬
‫هكذا‪ ،‬فمضت‪ ،‬فلما صّلى رسو ُ‬
‫في ))السنن((‪.‬‬
‫لمام أحمد‪ ،‬وهو في ))السنن((‪.‬‬
‫وكان ينُفخ في صلته‪ ،‬ذكره ا ِ‬
‫لٌم(( فل أصل له عن رسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وإنما‬
‫لِة َك َ‬
‫صَ‬‫خ ِفي ال ّ‬
‫وأّما حديث‪)) :‬الّنْف ُ‬
‫ل عنهما من قوله إن صح‬
‫رواه سعيد في ))سننه(( عن ابن عباس رضي ا ّ‬
‫ح في صلته قال علي بن أبي طالب رضي ا ّ‬
‫ل‬ ‫حَن ُ‬
‫وكان يبكي في صلته‪ ،‬وكان َيَتَن ْ‬
‫ت‪،‬فإن وجدُته‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ساعٌة آتيه فيها‪ ،‬فإذا أتيُته استأذن ُ‬
‫عنه‪ :‬كان لي من رسول ا ّ‬
‫ت‪ ،‬وإن وجدته فارغًا‪ ،‬أذن لي‪ ،‬ذكره النسائي‪ .‬وأحمد‪ ،‬ولفظ أحمد‪ :‬كان لي ِمن‬
‫ُيصلي فتنحنح‪ ،‬دخل ُ‬
‫ت عليه وهو يصلي‪ ،‬تنحنح‪.‬‬
‫ن بالليل والنهار‪ ،‬وكنت إذا دخل ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم َمدخل ِ‬
‫رسول ا ّ‬
‫ح في صلته ول يرى النحنحة مبطلة للصلة‪.‬‬
‫رواه أحمد‪ ،‬وعمل به‪ ،‬فكان يتنحن ُ‬
‫ل بن عمرو عنه‪:‬‬
‫ل أخرى‪ ،‬كذلك قال عبد ا ّ‬
‫وكان ُيصلي حافيًا تارًة‪ ،‬ومنتع ً‬
‫َوَأَمَر بالصلة بالنعل ُمخالفة لليهود‪.‬‬
‫وكان ُيصلي في الثوب الواحد تارة‪ ،‬وفي الثوبين تارة‪ ،‬وهو أكثر‪.‬‬
‫وقنت في الفجر بعد الركوع شهرًا‪ ،‬ثم ترك القنوت ولم يكن‬
‫ل صلى ال عليه وسلم كان في كل غداة بعد‬
‫ل ا ِّ‬
‫ن المحال أن رسو َ‬
‫ت فيها دائمًا‪ ،‬وِم ْ‬
‫ِمن هديه القنو ُ‬
‫ت ‪ (( ...‬الخ ويرفُع بذلك‬
‫ن َوّلْي َ‬
‫ت‪َ ،‬وَتَوّلِني ِفيَم ْ‬
‫ن َهَدْي َ‬
‫اعتداله من الركوع يقول‪)) :‬الّلُهَم اْهِدني ِفيَم ْ‬
‫صوته‪ ،‬ويؤّمن عليه أصحاُبه دائمًا إلى أن فارق الدنيا‪ ،‬ثم ل يكون ذلك معلومًا عند المة‪ ،‬بل‬
‫ث‪ ،‬كما قال سعد‬
‫حَد ٌ‬
‫ل من يقول منهم‪ :‬إنه ُم ْ‬
‫ُيضيعه أكثُر أمته‪ ،‬وجمهوُر أصحابه‪ ،‬بل كُلهم‪ ،‬حتى يقو َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وأبي‬
‫لا ّ‬
‫ف رسو ِ‬
‫ت خل َ‬
‫ت إّنك قد صلي َ‬
‫ت لبي‪ :‬يا أب ِ‬
‫بن طارق الشجعي‪ :‬قل ُ‬
‫‪119‬‬

‫ل عنهم ها هنا‪ ،‬وبالُكوفة منذ خمس سنين‪ ،‬فكانوا يقنتون في‬


‫بكر‪ ،‬وعمر‪ ،‬وعثمان‪،‬وعلي‪ ،‬رضي ا ّ‬
‫ث رواه أهل السنن وأحمد وقال الترمذي‪ :‬حديث حسن صحيح‪ .‬وذكر‬
‫حَد ٌ‬
‫ي ُم ْ‬
‫ي ُبَن ّ‬
‫الفجر‪.‬؟ فقال‪َ :‬أ ْ‬
‫ت في صلة الفجر‬
‫الدارقطني عن سعيد بن جبير قال‪ :‬أشهد أني سمعت ابن عباس يقول‪ :‬إن القنو َ‬
‫ت مع ابن عمر صلة الصبح‪ ،‬فلم يقُنت‪ ،‬فقلت له ل‬
‫ِبدعة‪ ،‬وذكر البيهقي عن أبي ِمجلز قال‪ :‬صلي ُ‬
‫ظه عن أحد من أصحابنا‪.‬‬
‫أراك تقُنت‪ ،‬فقال‪ :‬ل أحف ُ‬
‫ل غداة‪ ،‬ويدعو‬
‫ل صلى ال عليه وسلم لو كان يقنت ك ّ‬
‫لا ّ‬
‫ومن المعلوم بالضرورة أن رسو َ‬
‫ل المة لذلك ُكّلهم كنقلهم لجهره بالقراءة فيها وعددها‬
‫بهذا الدعاء‪ ،‬ويؤّمن الصحابة‪ ،‬لكان نق ُ‬
‫ووقتها‪ ،‬وإن جاز عليهم تضييُع أمر القنوت منها‪ ،‬جاز عليهم تضييُع ذلك‪ ،‬ول فرق‪ ،‬وبهذا الطريق‬
‫س مرات دائمًا مستمرًا ثم ُيضَّيُع أكثر المة‬
‫خم َ‬
‫ل يوم وليلٍة َ‬
‫علمنا أنه لم يكن هدُيه الجهَر بالبسملة ك ّ‬
‫ل المحال بل لو كان ذلك واقعًا‪ ،‬لكان نقُله كنقل عدد الصلوات‪،‬‬
‫ذلك‪ ،‬ويخفى عليها‪ ،‬وهذا ِمن أمح ِ‬
‫ل الموفق‪.‬‬
‫لخفات‪ ،‬وعدد السجدات‪ ،‬ومواضع الركان وترتيبها‪ ،‬وا ّ‬
‫وعدد الركعات‪ ،‬والجهر وا ِ‬
‫لنصاف الذي يرتضيه العالم المنصف‪ ،‬أنه صلى ال عليه وسلم جهر‪ ،‬وأسر‪ ،‬وقنت‪،‬‬
‫وا ِ‬
‫ت أكثر من فعله‪ ،‬فإنه إنما قنت عند النوازل‬
‫وترك‪ ،‬وكان إسراُره أكَثر من جهره‪ ،‬وتركه القنو َ‬
‫للدعاء لقوم‪ ،‬وللدعاء على آخرين‪،‬ثم تركه لما َقِدَم من دعا لهم‪ ،‬وتخّلصوا من السر‪ ،‬وأسلم من‬
‫ص بالفجر‪ ،‬بل كان‬
‫دعا عليهم وجاءوا تائبين‪ ،‬فكان قنوُته لعارض‪ ،‬فلما زال َتَرك القنوت‪ ،‬ولم يخت ّ‬
‫يقُنت في صلة الفجر والمغرب‪ ،‬ذكره البخاري في ))صحيحه(( عن أنس وقد ذكره مسلم عن‬
‫ل صلى ال عليه وسلم شهرًا متتابعًا في‬
‫لا ّ‬
‫لمام أحمد عن ابن عباس قال‪ :‬قنت رسو ُ‬
‫البراء وذكر ا ِ‬
‫حِمَده من‬
‫ن َ‬
‫ل ِلم ْ‬
‫سمَع ا ُّ‬
‫صبح في ُدُبِر كل صلة إذا قال‪َ :‬‬
‫الظهر‪ ،‬والعصر‪ ،‬والمغرب‪ ،‬والعشاء‪ ،‬وال ّ‬
‫عصية‪ ،‬ويؤّمن من خلفه‪،‬‬
‫ي من بني سليم على ِرعل وَذكوان و ُ‬
‫الركعة الخيرة‪ ،‬يدعو على ح ّ‬
‫ورواه أبو داود‪.‬‬
‫وكان هدُيه صلى ال عليه وسلم القنوت في النوازل خاصة‪ ،‬وترَكه عند عدمها‪ ،‬ولم‬
‫يكن يخصه بالفجر‪ ،‬بل كان أكثر قنوته فيها لجل ما شرع فيها من التطويل‪ ،‬ولتصالها بصلة‬
‫للهى‪ ،‬ولنها الصلُة‪ ،‬المشهودة التي يشهدها‬
‫لجابة‪ ،‬وللتنزل ا ِ‬
‫حر‪ ،‬وساعِة ا ِ‬
‫سَ‬‫الليل‪ ،‬وقرِبها من ال ّ‬
‫ن ُقْرآ َ‬
‫ن‬ ‫ل وملئكُته‪ ،‬أو ملئكُة الليل والنهار‪ ،‬كما ُروي هذا‪ ،‬وهذا‪ ،‬في تفسير قوله تعالى‪ِ} :‬إ ّ‬
‫ا ّ‬
‫ل بن سعيد بن أبي سعيد‬
‫ث ابن أبي ُفديك‪ ،‬عن عبد ا ّ‬
‫شُهودًا{ ]السراء‪ .[78 :‬وأما حدي ُ‬
‫ن َم ْ‬
‫جِر َكا َ‬
‫الَف ْ‬
‫سه ِم َ‬
‫ن‬ ‫ل صلى ال عليه وسلم إذا رفع رأ َ‬
‫المقُبري‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن أبي ُهَرْيَرة قال‪ :‬كان رسول ا ّ‬
‫‪120‬‬

‫صبح في الَركعة الثانية‪ ،‬يرفع يديه فيها‪ ،‬فيدعو بهذا الدعاء‪)) :‬الّلهّم اْهِدني‬
‫ع من صلة ال ّ‬
‫الّرُكو ِ‬
‫شّر َما‬
‫ت‪َ ،‬وِقني َ‬
‫طْي َ‬
‫عَ‬‫ت‪َ ،‬وَباِرك لي ِفيَما َأ ْ‬
‫ن َتَوّلْي َ‬
‫ت‪َ ،‬وَتَوّلِني ِفيَم ْ‬
‫عاَفْي َ‬
‫ن َ‬
‫عاِفني ِفيَم ْ‬
‫ت‪َ ،‬و َ‬
‫ن َهَدْي َ‬
‫ِفيَم ْ‬
‫ت(( فما أبين‬
‫ت َرّبَنا َوتعاَلْي َ‬
‫ت‪َ ،‬تَباَرْك َ‬
‫ن َواَلْي َ‬
‫ل َم ْ‬
‫ل َيِذ ّ‬
‫ك‪ِ ،‬إّنُه َ‬
‫عَلْي َ‬
‫ل ُيْقضى َ‬
‫ضي َو َ‬
‫ك َتْق ِ‬
‫ت‪ِ ،‬إّن َ‬
‫ضْي َ‬
‫َق َ‬
‫ل هذا وإن كان الحاكم صحح حديثه في‬
‫الحتجاج به لو كان صحيحًا أو حسنًا‪ ،‬ولكن ل يحتج بعبد ا ّ‬
‫ل المزني‪ :‬حدثنا يوسف بن موسى‪ ،‬حدثنا أحمد بن صالح‪ ،‬حدثنا ابن‬
‫القنوت عن أحمد بن عبد ا ّ‬
‫ل صلى ال عليه‬
‫ل لنا أقرُبكم صلًة برسول ا ّ‬
‫ح عن أبي ُهَريَرة أنه قال‪ :‬وا ّ‬
‫أبي فديك فذكره نعم ص ّ‬
‫حِمده‪،‬‬
‫ن َ‬
‫ل ِلَم ْ‬
‫سمَع ا ُّ‬
‫وسلم‪ ،‬فكان أبو هريرة يقُنت في الركعة الخيرة ِمن صلة الصبح بعدما يقول‪َ :‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم فعل ذلك‪ ،‬ثّم تركه‪،‬‬
‫ل ا ِّ‬
‫ن الُكّفار ول ريب أن رسو َ‬
‫فيدعو للمؤمنين‪ ،‬ويلع ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم فعله‪،‬‬
‫ت سنة‪ ،‬وأن رسول ا ّ‬
‫ل هذا القنو ِ‬
‫فأحبّ أبو هريرة أن ُيعّلمهم أن ِمث َ‬
‫وهذا رد على أهل الكوفة الذين يكرهون القنوت في الفجر مطلقًا عند النوازل وغيرها‬
‫ل الحديث متوسطون بين هؤلء وبين من استحبه‬
‫ويقولون‪ :‬هو منسوخ‪ ،‬وفعله بدعة‪ ،‬فأه ُ‬
‫ل صلى‬
‫لا ّ‬
‫ث قنت رسو ُ‬
‫عند النوازل وغيرها‪ ،‬وهم أسعُد بالحديث من الطائفتين‪ ،‬فإنهم يقُنتون حي ُ‬
‫ال عليه وسلم‪ ،‬ويترُكونه حيث تركه‪ ،‬فيقتدون به في فعله وتركه‪،‬ويقولون‪ِ :‬فعله سنة‪ ،‬وترُكه لسنة‪،‬‬
‫ومع هذا فل ُينكرون على من داوم عليه‪ ،‬ول يكرهون فعله‪ ،‬ول يرونه بدعة‪ ،‬ول فاعَِله مخالفًا‬
‫للسنة‪ ،‬كما ل ُينِكرون على من أنكره عند النوازل‪ ،‬ول يرون تركه بدعة‪ ،‬ول تاِركه مخالفًا للسنة‪،‬‬
‫بل من قنت‪ ،‬فقد أحسن‪ ،‬ومن تركه فقد أحسن‪ ،‬وركن العتدال محل الدعاء والثناء‪ ،‬وقد جمعهما‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم فيه‪ ،‬ودعاء القنوت دعاء وثناء‪ ،‬فهو أولى بهذا المحل‪ ،‬وإذا جهر به‬
‫لمام أحيانًا ِليعّلم المأمومين‪ ،‬فل بأس بذلك‪ ،‬فقد جهر عمر بالستفتاح ليعلم المأمومين‪ ،‬وجهر ابن‬
‫اِ‬
‫لمام بالتأمين‪ ،‬وهذا‬
‫عباس بقراءة الفاتحة في صلة الجنازة ليعلمهم أنها سنة‪ ،‬ومن هذا أيضًا جهر ا ِ‬
‫ن َتركه‪ ،‬وهذا كرفع اليدين في الصلة‬
‫من الختلف المباح الذي ل ُيعّنف فيه من فعله‪ ،‬ول َم ْ‬
‫لفراد والِقران‬
‫لقامة‪ ،‬وأنواع النسك من ا ِ‬
‫وتركه‪ ،‬وكالخلف في أنواع التشهدات‪ ،‬وأنواع الذان وا ِ‬
‫والتمتع‪ ،‬وليس مقصوُدنا إل ذكر هديه صلى ال عليه وسلم الذي كان يفعله هو‪ ،‬فإنه ِقبَلُة القصد‪،‬‬
‫جه في هذا الكتاب‪ ،‬وعليه مداُر التفتيش والطلب‪ ،‬وهذا شيء‪ ،‬والجائز الذي ل ُينكر فعُله‬
‫وإليه التو ّ‬
‫وترُكه شيء‪ ،‬فنحن لم نتعرض في هذا الكتاب لما يجوز‪ ،‬ولما ل يجوز‪ ،‬وإنما مقصوُدنا فيه هد ُ‬
‫ي‬
‫ل الهدي وأفضُله‪ ،‬فإذا قلنا‪ :‬لم يكن ِمن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم الذي كان يختاره لنفسه‪ ،‬فإنه أكم ُ‬
‫‪121‬‬

‫ل ذلك على كراهية غيره‪ ،‬ول أنه‬


‫هديه المداومُة على القنوت في الفجر‪ ،‬ول الجهُر بالبسملة‪ ،‬لم يد ّ‬
‫ل المستعان‪.‬‬
‫ل الهدي وأفضُله‪ ،‬وا ّ‬
‫بدعة‪ ،‬ولكن هدُيه صلى ال عليه وسلم أكم ُ‬
‫ل صلى‬
‫لا ّ‬
‫ل رسو ُ‬
‫وأما حديث أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس‪ ،‬عن أنس قال‪ :‬ما زا َ‬
‫ال عليه وسلم يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا وهو في ))المسند(( والترمذي وغيرهما‪ ،‬فأبو‬
‫جعفر قد ضعفه أحمد وغيره وقال ابن المديني‪ :‬كان يخلط وقال أبو زرعة‪ :‬كان يهم كثيرًا‪ .‬وقال‬
‫ابن حبان‪ :‬كان ينفرد بالمناكير عن المشاهير‪.‬‬
‫خَذ‬
‫لسناد نفسه هو إسناد حديث }َوِإْذ َأ َ‬
‫ل روحه‪ :‬وهذا ا ِ‬
‫وقال لي شيخنا ابن تيمية قّدس ا ّ‬
‫ظُهوِرِهْم{ ]العراف‪ .[172 :‬حديث أبي بن كعب الطويل‪ ،‬وفيه‪ :‬وكان روحُ‬
‫ن ُ‬
‫ك ِمن َبِني آَدم ِم ْ‬
‫َرّب َ‬
‫ل تلك الروحَ‬
‫ق في زمن آدم‪ ،‬فَأرس َ‬
‫عيسى عليه السلم من تلك الرواح التي أخذ عليها العهَد والميثا َ‬
‫ل في صورة بشر فتمثل لها‬
‫إلى مريم عليها السلم حين انتبذت من أهلها مكانًا شرقيا‪ ،‬فأرسله ا ّ‬
‫بشرًا سويًا‪ ،‬قال‪ :‬فحملت الذي يخاطبها‪ ،‬فدخل ِمن فرجها‪ ،‬وهذا غلط محض‪ ،‬فإن الذي أرسل إليها‬
‫لمًا َزِكيًا{ ]مريم‪ [19 :‬ولم يكن الذي‬
‫غَ‬‫ك ُ‬
‫ب َل ِ‬
‫ك لَه َ‬
‫ل َرّب ِ‬
‫سو ُ‬
‫الملك الذي قال لها؟ }ِإّنَما َأَنا َر ُ‬
‫خاطبها بهذا هو عيسى بن مريم‪ ،‬هذا محال‪.‬‬
‫ب مناكير‪،‬ل َيحتج بما تفرد به أحٌد من أهل الحديث‬
‫والمقصود أن أبا جعفر الرازي صاح ُ‬
‫البتة‪ ،‬ولو صح‪ ،‬لم يكن فيه دليل على هذا القنوت المعين البتة‪ ،‬فإنه ليس فيه أن القنوتَ هذا الدعاُء‪،‬‬
‫ت ُيطلق على القيا م‪ ،‬والسكوت‪ ،‬ودوام العبادة‪ ،‬والدعاء‪ ،‬والتسبيح‪ ،‬والخشوع‪ ،‬كما قال‬
‫فإن القنو َ‬
‫ن ُهَو َقاِنتٌ‬
‫ل َلُه َقاِنُتون{ ]الروم‪ ،[26 :‬وقال تعالى‪َ} :‬أّم ْ‬
‫ض ُك ّ‬
‫لْر ِ‬
‫ت َوا َ‬
‫سَماَوا ِ‬
‫ن في ال ّ‬
‫تعالى‪َ} :‬وَلُه َم ْ‬
‫صّدَق ْ‬
‫ت‬ ‫جو َرحَمَة َرّبه{]الزمر‪ ،[9 :‬وقال تعالى‪} :‬وَ َ‬
‫خَرَة َوَيْر ُ‬
‫حَذُر ال ِ‬
‫جدًا َوَقاِئمًا َي ْ‬
‫سا ِ‬
‫ل َ‬
‫آناَء الّلْي ِ‬
‫ل الصلةِ‬
‫ضُ‬
‫ن{ ]التحريم‪ [12 :‬وقال صلى ال عليه وسلم ))َأْف َ‬
‫ن الَقاِنِتي َ‬
‫ت ِم َ‬
‫ِبَكِلَماتِ َرّبَها َوُكُتِبِه َوَكاَن ْ‬
‫ن{ ]البقرة‪ [238 :‬أمرنا‬
‫ل َقاِنِتي َ‬
‫ل الُقُنوت((‪ .‬وقال زيد بن أرقم‪ :‬لما نزل قوله تعالى‪َ} :‬وُقوُموا ِّ‬
‫طو ُ‬
‫ُ‬
‫ل عنه لم يقل‪ :‬لم يزل يقُنت بعد الركوع رافعًا صوته‬
‫ن الَكلِم‪ .‬وأنس رضي ا ّ‬
‫عِ‬‫ت‪ ،‬وُنهينا َ‬
‫سُكو ِ‬
‫بال ّ‬
‫ك الحمُد‪ِ ،‬ملَء‬
‫))الّلُهّم اهدني فيمن هديت‪ ((..‬إلى آخره ويؤّمن من خلفه‪ ،‬ول ريب أن قوله‪ :‬رّبنا ول َ‬
‫ق ما قال العبُد‪...‬‬
‫ل الثناء والمجد‪ ،‬أح ّ‬
‫ض‪ ،‬وِملَء ما شئت من شيء بعُد‪ ،‬أه َ‬
‫ت‪َ ،‬وِملَء الر ِ‬
‫السماوا ِ‬
‫ل القراءة قنوت‪،‬‬
‫ت‪ ،‬وتطوي ُ‬
‫ل هذا الركن قنو ٌ‬
‫ت‪ ،‬وتطوي ُ‬
‫إلى آخر الدعاء والثناء الذي كان يقوله‪ ،‬قنو ٌ‬
‫وهذا الدعاُء المعّين قنوت‪ ،‬فمن أين لكم أن أنسًا ِإنما أراد هذا الدعاء المعين دون سائر أقسام‬
‫القنوت؟!‬
‫‪122‬‬

‫ت دليل على إرادة‬


‫ن غيرها ِمن الصلوا ِ‬
‫ت بالفجر دو َ‬
‫صه القنو َ‬
‫ول يقال‪ :‬تخصي ُ‬
‫ص الفجر‬
‫الدعاء المعين‪ ،‬إذ سائر ما ذكرتم من أقسام القنوت مشتَرك بين الفجر وغيرها‪ ،‬وأنس خ ّ‬
‫دون سائر الصلوات بالقنوت‪ ،‬ول يمكن أن ُيقال‪ :‬إنه الدعاء على الكفار‪ ،‬ول الدعاء للمستضعفين‬
‫من المؤمنين‪ ،‬لن أنسًا قد أخبر أنه كان قنت شهرًا ثم ترَكه‪ ،‬فتعّين أن يكون هذا الدعاء الذي داوم‬
‫ت المعروف‪ ،‬وقد قنت أبو بكر‪ ،‬وعمر‪ ،‬وعثمان‪ ،‬وعلي‪ ،‬والبراء بن عازب‪ ،‬وأبو‬
‫عليه هو القنو َ‬
‫ل بن عباس‪ ،‬وأبو موسى الشعري‪ ،‬وأنس بن مالك وغيرهم‪.‬‬
‫هريرة‪ ،‬وعبد ا ّ‬
‫والجواب من وجوه‪ .‬أحُدها‪ :‬أن أنسًا قد أخبر أنه صلى ال عليه وسلم كان يقُنت في الفجر‬
‫والمغرب كما ذكره البخاري‪ ،‬فلم يخصص القنوت بالفجر‪ ،‬وكذلك ذكر البراء بن عازب سواء‪ ،‬فما‬
‫ل القنوت أخص بالفجر؟!‬
‫با ُ‬
‫ت الفجر‬
‫ت المغرب منسوخ‪ ،‬قال لكم منازعوكم من أهل الكوفة‪ :‬وكذلك قنو ُ‬
‫فإن قلتم‪ :‬قنو ُ‬
‫ل على نسخ قنوت الفجر سواء‪ ،‬ول‬
‫سواء‪ ،‬ول تأتون بحجة على نسخ قنوت المغرب إل كانت دلي ً‬
‫ت المغرب‬
‫ت الفجر‪ .‬فإن قلتم‪ُ :‬قنو ُ‬
‫ل على نسخ قنوت المغرب وإحكام قنو ِ‬
‫ُيمكنكم أبدًا أن ُتقيموا دلي ً‬
‫كان قنوتًا للنوازل‪ ،‬ل قنوتًا راتبًا‪ ،‬قال منازعوكم من أهل الحديث‪ :‬نعم كذلك هو‪ ،‬وكذلك قنو ُ‬
‫ت‬
‫ت نازلة‪ ،‬ل قنوتًا راتبًا أن أنسًا‬
‫الفجر سواء‪ ،‬وما الفرق؟ قالوا‪ :‬ويدل على أن قنوت الفجر كان قنو َ‬
‫ت نازلة ثم‬
‫عمَدتكم في القنوت الراتب إنما هو أنس‪ ،‬وأنس أخبر أنه كان قنو َ‬
‫نفسه أخبر بذلك‪َ ،‬و ُ‬
‫ل ال صلى ال عليه وسلم شهرًا يدعو على حي‬
‫ت رسو ُ‬
‫تركه‪ ،‬ففي))الصحيحين((عن أنس قال‪ :‬قَن َ‬
‫ِمن أحياِء العرب‪ ،‬ثم تركه‪.‬‬
‫شبابة روى عن قيس بن الربيع‪ ،‬عن عاصم بن سليمان قال‪ :‬قلنا لنس بن مالك‪:‬‬
‫الثاني‪ :‬أن َ‬
‫ت رسول‬
‫إن قومًا يزعُمون أن النبي صلى ال عليه وسلم لم يزل يقُنت بالفجر‪ ،‬قال‪ :‬كذبوا‪ ،‬وإنما َقن َ‬
‫ي من أحياء العرب‪ ،‬وقيس بن الربيع وإن كان‬
‫ل صلى ال عليه وسلم شهرًا واحدًا يدعو على ح ّ‬
‫ا ّ‬
‫يحيى بن معين ضعفه‪ ،‬فقد وثقه غيره‪ ،‬وليس بدون أبي جعفر الرازي‪ ،‬فكيف يكون أبو جعفر حجة‬
‫ق منه أو مثُله‪،‬‬
‫في قوله‪ :‬لم يزل يقنت حتى فارق الدنيا وقيس ليس بحجة في هذا الحديث‪ ،‬وهو أوث ُ‬
‫ف قيس عن يحيى‪ ،‬وذكر‬
‫والذين ضعفوا أبا جعفر أكثُر من الذين ضعفوا قيسًا‪ ،‬فإنما يعرف تضعي ُ‬
‫ب تضعيفه‪ ،‬فقال أحمد بن سعيد بن أبي مريم‪ :‬سألت يحيى عن قيس بن الربيع‪ ،‬فقال‪ :‬ضعيف ل‬
‫سب َ‬
‫ُيكتب حديثه‪ ،‬كان يحّدث بالحديث عن عبيدة‪،‬وهو عنده عن منصور‪ ،‬ومثل هذا ل يوجب رد حديث‬
‫‪123‬‬

‫الراوي‪ ،‬لن غاية ذلك أن يكون غلط ووهم في ذكر عبيدة بدل منصور‪ ،‬ومن الذي يسلم من هذا‬
‫من المحدثين؟‬
‫ت النبي صلى ال عليه‬
‫الثالث‪ :‬أن أنسًا أخبر أنهم لم يكونوا يقُنتون‪ ،‬وأن بدء القنوت هو قنو ُ‬
‫وسلم يدعو على ِرعل وَذكوان‪ ،‬ففي ))الصحيحين(( من حديث عبد العزيز بن صهيب‪،‬عن أنس‬
‫ن‬
‫حّيا ِ‬
‫ل لحاجة‪ ،‬يقال لهم‪ :‬الُقّراُء‪ ،‬فعرض لهم َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم سبعين رج ً‬
‫لا ّ‬
‫ث رسو ُ‬
‫قال‪ :‬بع َ‬
‫ل ما إياكم أردنا‪ ،‬وإنما نحن‬
‫من بني سليم ِرعل وَذكوان عند بئر يقال له‪ :‬بئر َمعونة‪ ،‬فقال القوم‪ :‬وا ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‬
‫لا ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقتلوهم‪ ،‬فدعا رسو ُ‬
‫مجتازون في حاجة لرسول ا ّ‬
‫عليهم شهرًا في صلة الغداة‪ ،‬فذلك بدُء القنوت‪ ،‬وما كنا نقُنت‪.‬‬
‫فهذا يدل على أنه لم يكن من هديه صلى ال عليه وسلم القنوت دائمًا‪ ،‬وقول أنس‪ :‬فذلك بدُء‬
‫ت النوازل‪ ،‬وهو‬
‫ت‪ ،‬مع قوله‪ :‬قنت شهرًا‪ ،‬ثم تركه‪ ،‬دليل على أنه أراد بما أثبته من القنوت قنو َ‬
‫القنو ُ‬
‫الذي وّقته بشهر‪ ،‬وهذا كما قنت في صلة العتمة شهرًا‪ ،‬كما في ))الصحيحين(( عن يحيى بن أبي‬
‫ل صلى ال عليه وسلم قنت في صلة الَعَتَمة‬
‫كثير‪ ،‬عن أبي سلمة‪ ،‬عن أبي هريرة أن رسول ا ّ‬
‫ن َأِبي‬
‫ش ْب َ‬
‫عّيا َ‬
‫شام‪ ،‬الّلُهّم َأْنجِ َ‬
‫ن ِه َ‬
‫سَلَمَة ْب َ‬
‫ن اْلَوِليِد‪ ،‬الّلُهّم َأْنجِ َ‬
‫ج اْلَوِليَد ْب َ‬
‫شهرًا يقول في قنوته‪)) :‬الّلُهّم َأْن ِ‬
‫عَلْيِهْم‬
‫جعَْلَها َ‬
‫عَلى ُمضَر‪ ،‬الّلُهّم ا ْ‬
‫ك َ‬
‫طَأَت َ‬
‫شُدْد َو ْ‬
‫ن‪ ،‬الّلُهّم ا ْ‬
‫ن الُمْؤِمِني َ‬
‫ن ِم ْ‬
‫سَتضعِفي َ‬
‫ج الُم ْ‬
‫َرِبيَعَة‪ ،‬الّلُهّم َأْن ِ‬
‫ت ذلك له‪ ،‬فقال‪ :‬أو ما‬
‫ع لهم‪ ،‬فذكر ُ‬
‫ت يوم فلم يد ُ‬
‫سف((‪ .‬قال أبو هريرة‪ :‬وأصبح ذا َ‬
‫سني ُيو ُ‬
‫ن َك ِ‬
‫سِني َ‬
‫ِ‬
‫تراهم قد َقِدُموا‪ ،‬فقنوُته في الفجر كان هكذا سواء لجل أمر عارض ونازلة‪ ،‬ولذلك وّقته أنس‬
‫بشهر‪.‬‬
‫وقد روي عن أبي هريرة أنه قنت لهم أيضًا في الفجر شهرا‪ ،‬وكلهما صحيح‪ ،‬وقد تقدم‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ :‬شهرًا متتابعًا في الظهر‪،‬‬
‫ذكر حديث عكرمة عن ابن عباس‪ :‬قنت رسول ا ّ‬
‫والعصر‪ ،‬والمغرب‪ ،‬والعشاء‪ ،‬والصبح‪ ،‬ورواه أبو داود وغيره‪ ،‬وهو حديث صحيح‪.‬‬
‫وقد ذكر الطبراني في ))معجمه(( من حديث محمد بن أنس‪ :‬حدثنا ُمطّرف بن طريف‪ ،‬عن‬
‫ي صلًة مكتوبة إل‬
‫أبي الجهم‪ ،‬عن البراء بن عازب‪ ،‬أن النبي صلى ال عليه وسلم كان ل ُيصل ّ‬
‫قنت فيها‪.‬‬
‫قال الطبراني‪ :‬لم يروه عن مطّرف إل محمد بن أنس‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫حجة‪ ،‬فالحديث صحيح من جهة المعنى‪ ،‬لن القنوت هو‬
‫لسناد وإن كان ل تقوم به ُ‬
‫وهذا ا ِ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم لم ُيصل مكتوبة إل دعا فيها‪ ،‬كما تقدم‪ ،‬وهذا‬
‫الدعاء‪ ،‬ومعلوم أن رسول ا ّ‬
‫‪124‬‬

‫هو الذي أراده أنس في حديث أبي جعفر الرازي إن صح أنه لم يزل يقنت حتى فارق الدنيا‪ ،‬ونحن‬
‫ل نشك ول نرتاب في صحة ذلك‪ ،‬وأن دعاءه استمر في الفجر إلى أن فارق الدنيا‪.‬‬
‫الوجه الرابع‪ :‬أن طرق أحاديث أنس ُتبين المراد‪ ،‬ويصدق بعضها بعضًا‪ ،‬ول‬
‫تتناقض‪ .‬وفي ))الصحيحين(( من حديث عاصم الحول قال‪ :‬سألت أنس بن مالك عن القنوت في‬
‫ت‪ :‬وإن فلنًا أخبرني‬
‫ل الركوع أو بعده؟ قال‪ :‬قبله؟ قل ُ‬
‫الصلة؟ فقال‪ :‬قد كان القنوت‪ ،‬فقلت‪ :‬كان قب َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم بعد الركوع‬
‫ت رسول ا ّ‬
‫عنك أنك قلت‪ :‬قنت بعَده‪ .‬قال‪ :‬كذب‪ ،‬إنما قلت‪ :‬قن َ‬
‫شهرًا‪ .‬وقد ظن طائفة أن هذا الحديث معلول تفرد به عاصم‪ ،‬وسائر الرواة‪ .‬عن أنس خالفوه‪،‬‬
‫ب أنس موضع القنوتين‪ ،‬والحافظ قد يهم‪ ،‬والجواد قد‬
‫فقالوا‪ :‬عاصم ثقة جدًا‪ ،‬غيَر أنه خالف أصحا َ‬
‫ت لبي عبد ال ‪ -‬يعني أحمد بن حنبل ‪ :-‬أيقول‬
‫لمام أحمد تعليله‪ ،‬فقال الثرم‪ :‬قل ُ‬
‫يعُثر‪ ،‬وحكوا عن ا ِ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم قنت قبل الركوع غيَر عاصم الحول؟‬
‫أحد في حديث أنس‪ :‬إن رسول ا ّ‬
‫ل‪ :‬خالفهم عاصم ُكّلهم‪ ،‬هشام عن قتادة عن أنس‪،‬‬
‫ت أحدًا يقوله غيُره‪ .‬قال أبو عبد ا ّ‬
‫فقال‪ :‬ما علم ُ‬
‫ب عن‬
‫والتيمي‪ ،‬عن أبي مجلز‪ ،‬عن أنس‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم‪ :‬قنت بعد الركوع‪ ،‬وأيو ُ‬
‫محمد بن سيرين قال‪ :‬سألت أنسا‪ .‬وحنظلة السدوسي عن أنس أربعة وجوه‪ .‬وأما عاصم فقال‪ :‬قلت‬
‫ت بعد الركوع شهرًا‪ .‬قيل له‪ :‬من ذكره عن عاصم؟ قال‪ :‬أبو معاوية‬
‫له؟ فقال‪ :‬كذبوا‪ ،‬إنما قن َ‬
‫خفاف بن‬
‫ل‪ :‬وسائر الحاديث أليس إنما هي الركوع؟ فقال‪ :‬بلى كلها عن ُ‬
‫وغيره‪ ،‬قيل لبي عبد ا ّ‬
‫ضة‪ ،‬وأبي هريرة‪.‬‬
‫ح َ‬
‫ن َر ْ‬
‫إيماء ب ِ‬
‫ث بعد الركوع؟‬
‫قلت لبي عبد ال‪ :‬فلم ترخص إذًا في القنوت قبل الركوع‪ ،‬وإنما صح الحدي ُ‬
‫فقال‪ :‬القنوت في الفجر بعد الركوع‪ ،‬وفي الوتر ُيختار بعد الركوع‪ ،‬ومن قنت قبل الركوع‪ ،‬فل‬
‫بأس‪ ،‬لفعل أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬واختلفهم‪ ،‬فأما في الفجر‪ ،‬فبعد الركوع‪.‬‬
‫ل هذا الحديث الصحيح المتفق على صحته‪ ،‬ورواه أئمة ثقات أثبات‬
‫فيقال‪ :‬من العجب تعلي ُ‬
‫حفاظ‪ ،‬والحتجاج بمثل حديث أبي جعفر الرازي‪ ،‬وقيس بن الربيع‪ ،‬وعمرو بن أيوب‪ ،‬وعمرو بن‬
‫عبيد‪ ،‬ودينار‪ ،‬وجابر الجعفي‪ ،‬وقل من تحّمل مذهبًا‪ ،‬وانتصر له في كل شيء إل اضطر إلى هذا‬
‫المسلك‪.‬‬
‫ض‪،‬‬
‫ضها بعضًا‪ ،‬ول تتناق ُ‬
‫فنقول وبال التوفيق‪ :‬أحاديث أنس كلها صحاح‪ُ ،‬يصّدق بع ُ‬
‫والقنوت الذي ذكره قبل الركوع غيُر القنوت الذي ذكره بعده‪ ،‬والذي وقته غير الذي أطلقه‪ ،‬فالذي‬
‫ذكره قبل الركوع هو إطالُة القيام للقراءة‪ ،‬وهو الذي قال فيه النبي صلى ال عليه وسلم‪َ)) :‬أْفض ُ‬
‫ل‬
‫‪125‬‬

‫ت(( والذي ذكره بعده‪ ،‬هو إطالُة القيام للدعاء‪ ،‬فعله شهرًا يدعو على قوم‪،‬‬
‫ل القُنو ِ‬
‫طو ُ‬
‫لِة ُ‬
‫صَ‬‫ال ّ‬
‫ن للدعاء والثناء‪ ،‬إلى أن فارق الدنيا‪ ،‬كما في ))الصحيحين((‬
‫ويدعو لقوم‪ ،‬ثم استمّر ُيطيل هذا الرك َ‬
‫ل ال صلى ال عليه وسلم ُيصلي‬
‫عن ثابت‪ ،‬عن أنس قال‪ :‬إني ل أزال ُأصلي بكم كما كان رسو ُ‬
‫بنا‪ ،‬قال‪ :‬وكان أنس يصنع شيئًا ل أراكم تصنعونه‪ ،‬كان إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائمًا‪،‬‬
‫ل‪ :‬قد نسي‪ .‬فهذا هو‬
‫ل‪ :‬قد نسي‪ ،‬وإذا رفع رأسه من السجدة يمُكث‪ ،‬حتى يقول القائ ُ‬
‫حتى يقول القائ ُ‬
‫القنوتُ الذي ما زال عليه حتى فارق الدنيا‪.‬‬
‫جده‪،‬‬
‫ل كان يثني على ربه‪ ،‬وُيم ّ‬
‫ومعلوم أنه لم يكن يسُكت في مثل هذا الوقوف الطويل‪ ،‬ب َ‬
‫عصّية وبني ِلحيان‪،‬‬
‫ت الموّقت بشهر‪ ،‬فإن ذلك دعاء على ِرعل وَذكوان و ُ‬
‫ويدعوه‪ ،‬وهذا غيُر القنو ِ‬
‫ص هذا بالفجر‪ ،‬فبحسب سؤال السائل‪ ،‬فإنما‬
‫وُدعاء للمستضعفين الذين كانوا بمكة‪ .‬وأما تخصي ُ‬
‫سأله عن قنوت الفجر‪ ،‬فأجابه عما سأله عنه‪ .‬وأيضًا‪ ،‬فإنه كان يطيل صلة الفجر دون سائر‬
‫عه‪ ،‬واعتداله‪،‬‬
‫الصلوات‪ ،‬ويقرأ فيها بالستين إلى المائة‪ ،‬وكان كما قال البراء بن عازب‪ :‬رُكو ُ‬
‫وسجوُده‪ ،‬وقياُمه متقاربًا‪ .‬وكان يظهُر ِمن تطويله بعد الركوع في صلة الفجر ما ل يظهر في‬
‫سائر الصلوات بذلك‪ .‬ومعلوم أنه كان يدعو ربه‪ ،‬ويثني عليه‪ ،‬ويمجده في هذا العتدال‪ ،‬كما‬
‫ب أنه يزل يقنت في الفجر‬
‫ك ول نرتا ُ‬
‫ب‪ ،‬فنحن ل نش ّ‬
‫ت منه ل ري َ‬
‫تقدمت الحاديث بذلك‪ ،‬وهذا قنو ٌ‬
‫حتى فارق الدنيا‪.‬‬
‫ت في ِلسان الفقهاء وأكثِر الناس‪ ،‬هو هذا الدعاء المعروف‪ :‬اللهم‬
‫ولما صار القنو ُ‬
‫اهدني فيمن هديت‪ ...‬إلى آخره‪ ،‬وسمعوا أنه لم يزل يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا‪ ،‬وكذلك‬
‫الخلفاُء الراشدون وغيرهم من الصحابة‪ ،‬حملوا القنوت في لفظ الصحابة على القنوت في‬
‫ل صلى ال عليه وسلم وأصحاَبه‬
‫اصطلحهم‪ ،‬ونشأ َمن ل يعرف غيَر ذلك‪ ،‬فلم يشك أن رسول ا ّ‬
‫ل غداة‪ ،‬وهذا هو الذي نازعهم فيه جمهوُر العلماء‪ ،‬وقالوا‪ :‬لم يكن هذا من‬
‫كانوا مداومين عليه ك ّ‬
‫ِفعله الراتب‪ ،‬بل ول يثُبت عنه أنه فعله‪.‬‬
‫وغاية ما ُروي عنه في هذا القنوت‪ ،‬أنه علمه للحسن بن علي‪ ،‬كما في ))المسند(( و‬
‫ت أقولهن في ُقنوت الوتِر‪:‬‬
‫ل ال صلى ال عليه وسلم كلما ٍ‬
‫))السنن(( الربع عنه قال‪ :‬عّلمني رسو ُ‬
‫ت‪،‬‬
‫عطْي َ‬
‫ت‪َ ،‬وَباِرك ِلي ِفيَما َأ ْ‬
‫ن َتَوّلْي َ‬
‫ت‪َ ،‬وَتَوّلِني ِفيَم ْ‬
‫عاَفْي َ‬
‫ن َ‬
‫عاِفِني ِفيَم ْ‬
‫ت‪َ ،‬و َ‬
‫ن َهَدْي َ‬
‫))الّلُهّم اْهِدني ِفيَم ْ‬
‫ت َرّبَنا‬
‫ت‪َ ،‬تَباَرْك َ‬
‫ن َواَلي َ‬
‫ل َم ْ‬
‫ل َيِذ ّ‬
‫ك‪ِ ،‬إّنه َ‬
‫عَلْي َ‬
‫ضى َ‬
‫ل ُيْق َ‬
‫ضي‪َ ،‬و َ‬
‫ك َتْق ِ‬
‫ت‪َ ،‬فإَن َ‬
‫ضْي َ‬
‫شّر َما َق َ‬
‫َوِقني َ‬
‫‪126‬‬

‫ت((( قال الترمذي‪ :‬حديث حسن‪ ،‬ول نعرف في القنوت عن النبي صلى ال عليه وسلم شيئًا‬
‫َوَتَعاَلْي َ‬
‫ت((‪.‬‬
‫عاَدْي َ‬
‫ل َيِعّز َمن َ‬
‫ت((‪َ)) ،‬و َ‬
‫ن َواَلْي َ‬
‫ل َم ْ‬
‫ل َيِذ ّ‬
‫ن من هذا‪ ،‬وزاد البيهقي بعد ))َو َ‬
‫أحس َ‬
‫ومّما يدل على أن مراد أنس بالقنوت بعد الركوع هو القياُم للدعاء والثناء ما رواه‬
‫سليمان بن حرب‪ :‬حدثنا أبو هلل‪ ،‬حدثنا حنظلة إماُم مسجد قتادة‪ ،‬قلت‪ :‬هو السدوسي‪ ،‬قال‪:‬‬
‫اختلفت أنا وقتادة في القنوت في صلة الصبح‪ ،‬فقال قتادة‪ :‬قبل الركوع‪ ،‬وقلت‪ ،‬أنا‪ :‬بعد الركوع‪،‬‬
‫ت النبي صلى ال عليه وسلم في صلة الفجر‪ ،‬فكبر‪،‬‬
‫فأتينا أنس بن مالك‪ ،‬فذكرنا له ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬أتي ُ‬
‫وركع‪ ،‬ورفع رأسه‪ ،‬ثم سجد‪ ،‬ثم قام في الثانية‪ ،‬فكبر‪ ،‬وركع‪ ،‬ثم رفع رأسه‪ ،‬فقام ساعة ثم وقع‬
‫ل لمن قال‪:‬‬
‫ساجدًا‪ .‬وهذا مثل حديث ثابت عنه سواء‪ ،‬وهو ُيبين مراد أنس بالقنوت‪ ،‬فإنه ذكره دلي ً‬
‫ل التوفيق‪.‬‬
‫إنه قنت بعد الركوع‪ ،‬فهذا القيام والتطويل هو كان مراَد أنس‪ ،‬فاتفقت أحاديُثه كُلها‪ ،‬وبا ّ‬
‫وأما المروي عن الصحابة‪ ،‬فنوعان‪:‬‬
‫ل عنه في محاربه الصحابة لمسيِلمة‪،‬‬
‫ت الصديق رضي ا ّ‬
‫أحُدهما‪ :‬قنوت عند النوازل‪ ،‬كقنو ِ‬
‫ت عمر‪ ،‬وقنوت علي عند محاربته لمعاوية وأهل الشام‪.‬‬
‫عند محاربة أهل الكتاب‪ ،‬وكذلك قنو ُ‬
‫وِ‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫ل هذا الركن للدعاء والثناء‪ ،‬وا ّ‬
‫الثاني‪ :‬مطَلق‪ ،‬مراُد من حكاه عنهم به تطوي ُ‬
‫فصل‬
‫في هديه صلى ال عليه وسلم في سجود السهو‬
‫سي ُ‬
‫ت‬ ‫ن‪َ ،‬فِإَذا َن ِ‬
‫سْو َ‬
‫سى َكَما َتْن َ‬
‫شٌر ِمْثُلُكْم‪َ ،‬أْن َ‬
‫ثبت عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال‪ِ)) :‬إّنَما َأَنا َب َ‬
‫َفَذّكُروني((‪.‬‬
‫عه‬
‫ل دينهم‪ ،‬ليقتدوا به فيما يشر ُ‬
‫ل على أمته‪ ،‬وإكما ِ‬
‫وكان سهوه في الصلة من تمام نعمة ا ّ‬
‫ن((‪.‬‬
‫سَ‬
‫لُ‬‫سى َ‬
‫سى أْو أَن ّ‬
‫لهم عند السهو‪ ،‬وهذا معنى الحديث المنقطع الذي في ))المَوطأ((‪ِ)) :‬إّنَما أْن َ‬
‫وكان صلى ال عليه وسلم ينسى‪ ،‬فيترتب على سهوه أحكاٌم شرعية تجري على‬
‫سهو أمته إلى يوم القيامة‪ ،‬فقام صلى ال عليه وسلم من اثنتين في الّرباعية‪ ،‬ولم يجلس بينهما‪ ،‬فلما‬
‫قض صلته‪ ،‬سجد سجدتين قبل السلم‪ ،‬ثم سلم‪ ،‬فأخَذ من َهذا قاعدة‪ :‬أن من ترك شيئًا من أجزاء‬
‫سجد له قبل السلم‪ ،‬وأخَذ من بعض طرقه أنه‪ :‬إذا ترك ذلك‬
‫الصلة التي ليست بأركان سهوًا‪َ ،‬‬
‫حوا‪ ،‬فأشار إليهم‪ :‬أن قوموا‪.‬‬
‫سّب ُ‬
‫لنه لما قام‪َ ،‬‬
‫وشرع في ركن‪ ،‬لم يرجع إلى المتروك‪َ ،‬‬
‫‪127‬‬

‫حْيَنة‪ ،‬أنه‬
‫ل بن ُب َ‬
‫واختلف عنه في محل هذا السجود‪ ،‬ففي ))الصحيحين(( من حديث عبد ا ّ‬
‫ن‪،‬‬
‫جَدَتْي ِ‬
‫سْ‬
‫جَد َ‬
‫سَ‬‫جلس بينهما‪ ،‬فلما قضى صلته‪َ ،‬‬
‫ن من الظهر‪ ،‬ولم َي ْ‬
‫صلى ال عليه وسلم قام من اْثَنَتْي ِ‬
‫ك‪.‬‬
‫ثم سّلم بعد ذل َ‬
‫سّلَم‪.‬‬
‫وفي رواية متفق عليها‪ :‬يَكّبر في كل سجدة وهو جاِلس قبل أن ُي َ‬
‫علقة قال‪ :‬صّلى‬
‫وفي ))المسند(( من حديث يزيد بن هارون‪ ،‬عن المسعودي‪ ،‬عن زياد بن ِ‬
‫بنا المغيرُة بن شعبة‪ ،‬فلما صلى ركعتين‪ ،‬قام ولم يجِلس‪ ،‬فسّبح به َمن خلفه‪َ ،‬فأشار إليهم‪ :‬أن قوموا‪،‬‬
‫ل صلى ال‬
‫لا ّ‬
‫غ من صلته‪ ،‬سّلم‪ ،‬ثم سجد سجدتين‪ ،‬وسّلم‪ ،‬ثم قال‪ :‬هكذا صنع بنا رسو ُ‬
‫فلما َفَر َ‬
‫عليه وسلم‪ ،‬وصححه الترمذي‬
‫سة الَمضري قال‪ :‬صّلى بنا عقبة بن عامر‬
‫وذكر البيهقي من حديث عبد الرحمن بن شَما َ‬
‫ل‪ ،‬فلم يجلس‪ ،‬ومضى على قيامه‪،‬‬
‫ل‪ ،‬سبحان ا ّ‬
‫ن ا ِّ‬
‫سبحا َ‬
‫ل الناس‪ُ :‬‬
‫س‪ ،‬فقا َ‬
‫جهني‪ ،‬فقام وعليه جلو ٌ‬
‫ال ُ‬
‫سهو وهو جَالس‪ ،‬فلما سّلم‪ ،‬قال‪ :‬إني سمعتكم آنفًا تقولون‪:‬‬
‫فلما كان في آخر صلته‪ ،‬سجد سجدتي ال َ‬
‫ل بن ُبحينة أولى لثلثة وجوه‪.‬‬
‫سّنَة اّلِذي صَنْعت وحديث عبد ا ّ‬
‫ن اَل ّ‬
‫ل لكيما أجلس‪ ،‬لِك ّ‬
‫ن ا ِّ‬
‫سبحا َ‬
‫ح من حديث المغيرة‪.‬‬
‫أحدها‪ :‬أنه أص ّ‬
‫الثاني‪ :‬أنه أصرح منه‪ ،‬فإن قول المغيرة‪ :‬وهكذا صنع بنا رسول ال صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫يجوز أن يرجع إلى جميع ما فعل المغيرة‪ ،‬ويكون قد سجد النبي صلى ال عليه وسلم في‬
‫هذا‪،‬السهو مرة قبل السلم‪ ،‬ومرة بعده‪ ،‬فحكى ابن ُبحينة ما شاهده‪ ،‬وحكى المغيرُة ما شاهده‪،‬‬
‫فيكون ِكل المرين جائزًا‪ ،‬ويجوز أن ُيريد المغيرة أنه صلى ال عليه وسلم قام ولم يرجع‪ ،‬ثم سجد‬
‫للسهو‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن المغيرة لعله نسي السجود قبل السلم وسجده بعده‪ ،‬وهذه صفة السهو‪ ،‬وهذا ل‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫يمكن أن يقال في السجود قبل السلم‪ ،‬وا ّ‬
‫فصل‬
‫صِر‪،‬‬
‫ظهِر‪ ،‬وإما الَع ْ‬
‫ي‪ ،‬إما ال ّ‬
‫شّ‬‫وسّلم صلى ال عليه وسلم من ركعتين في إحدى صلتي الَع ِ‬
‫حين يسجُد‪ ،‬ثّم ُيكّبر حين‬
‫سلِم والكلم‪ُ ،‬يكّبر ِ‬
‫ن بعد ال ّ‬
‫جَدَتْي ِ‬
‫سْ‬‫جَد َ‬
‫سَ‬
‫ُثّم َتَكلَّم‪ُ ،‬ثّم أَتّمَها‪ُ ،‬ثّم سّلم‪ ،‬ثّم َ‬
‫يرفع‪.‬‬
‫وذكر أبو داود والترمذي أن النبي صلى ال عليه وسلم صّلى بهم‪ ،‬فسجد سجدتين‪ ،‬ثم تشهد‪،‬‬
‫ثم سّلم‪ ،‬وقال الترمذي‪ :‬حسن غريب‪.‬‬
‫‪128‬‬

‫ل‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫وصلى يومًا فسّلم وانصرف‪ ،‬وقد بقي ِمن الصلة ركعة‪ ،‬فأدركه طلحُة بن عبيد ا ّ‬
‫ل فأقام الصلة‪ ،‬فصلى للناس َرْكَعًة ذكره‬
‫ت من الصلة ركعة‪ ،‬فرجع فدخل المسجد‪ ،‬وأمر بل ً‬
‫نسي َ‬
‫ل‪.‬‬
‫لمام أحمد رحمه ا ّ‬
‫اِ‬
‫جَد‬
‫ت خمسًا‪ ،‬فس َ‬
‫ك؟ قالوا‪ :‬صلي َ‬
‫وصلى الظهر خمسًا‪ ،‬فقيل له‪ِ :‬زيَد في الصلة؟ قال‪ :‬وما ذا َ‬
‫سجدتين بعدما سلم‪ .‬متفق عليه‪.‬‬
‫وصلى العصر ثلثًا‪ ،‬ثم دخل منزله‪ ،‬فذّكره الناس‪ ،‬فخرج فصلى بهم ركعة‪ ،‬ثم سلم‪ ،‬ثم‬
‫سجد سجدتين‪ ،‬ثم سلم‪.‬‬
‫ظ عنه صلى ال عليه وسلم من سهوه في الصلة‪ ،‬وهو خمسة مواضع‪،‬‬
‫حِف َ‬
‫ع َما ُ‬
‫فهذا مجمو ُ‬
‫ل السلم‪ ،‬وفي بعضه بعَده‪.‬‬
‫وقد تضمن سجودُه في بعضه قب َ‬
‫ل‪ُ :‬كّله قبل السلم‪.‬‬
‫فقال الشافعي رحمه ا ّ‬
‫ل‪ُ :‬كُله بعد السلم‪.‬‬
‫وقال أبو حنيفة رحمه ا ّ‬
‫ل سهو‬
‫ل سهو كان نقصانًا في الصلة‪ ،‬فإن سجوده قبل السلم‪ ،‬وُك ّ‬
‫ل‪ُ :‬ك ّ‬
‫وقال مالك رحمه ا ّ‬
‫ن‪ :‬زيادة ونقصان‪ ،‬فالسجوُد لهما‬
‫كان زيادة في الصلة‪ ،‬فإن سجوده بعد السلم‪ ،‬وإذا اجتمع سهوا ِ‬
‫قبل السلم‪.‬‬
‫قال أبو عمر بن عبد البر‪ :‬هذا مذهُبه ل خلف عنه فيه‪ ،‬ولو سجد أحد عنده لسهوه بخلف‬
‫ذلك‪ ،‬فجعل السجود كّله بعد السلم‪ ،‬أو كّله قبل السلم‪ ،‬لم يكن عليه شيء‪ ،‬لنه عنده من باب‬
‫ف من هذه المة في ذلك‪.‬‬
‫قضاء القاضي باجتهاده‪ ،‬لختلف الثار المرفوعِة‪ ،‬والسل ِ‬
‫ل‪ ،‬فقال الثرم‪ :‬سمعت أحمد بن حنبل ُيسأل عن سجود السهو‪ :‬قبل‬
‫لمام أحمد رحمه ا ّ‬
‫وأما ا ِ‬
‫السلم‪ ،‬أم بعده؟ فقال‪ :‬في مواضع قبل السلم‪ ،‬وفي مواضع بعده‪ ،‬كما صنع النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم حين سّلم من اثنتين‪ ،‬ثم سجد بعد السلم‪ ،‬على حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين‪.‬‬
‫ومن سلم من ثلث سجد أيضًا بعد السلم على حديث عمران بن حصين وفي التحري‬
‫يسجد بعد السلم على حديث ابن مسعود‪ ،‬وفي القيام من اثنتين يسجد قبل السلم على حديث ابن‬
‫ث عبد‬
‫ث أبي سعيد الخدرى وحدي ِ‬
‫ُبحينة وفي الشك َيبني على اليقين‪ ،‬ويسجُد قبل السلم على حدي ِ‬
‫الرحمن بن عوف‪.‬‬
‫سوى هذه المواضع؟ قال يسجُد فيها كّلها قبل‬
‫ت لحمد بن حنبل‪ :‬فما كان ِ‬
‫قال الثرم‪ :‬فقل ُ‬
‫السلم‪ ،‬لنه يتم ما نقص من صلته‪ ،‬قال‪ :‬ولول ما روي عن النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬لرأي ُ‬
‫ت‬
‫‪129‬‬

‫ل‪ :‬كل ما روي عن‬


‫السجوَد كّله قبل السلم‪ ،‬لنه من شأن الصلة‪ ،‬فيقضيه فى السلم‪ ،‬ولكن أقو ُ‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم أنه سجد فيه بعد السلم‪ ،‬يسجد فيه بعد السلم‪ ،‬وسائر السهو يسجد فيه‬
‫قبل السلم‪.‬‬
‫ل صلى‬
‫وقال داود بن علي‪ :‬ل يسجد أحد للسهو إل في الخمسة المواضع سجد فيها رسول ا ّ‬
‫ال عليه وسلم‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫ك‪ ،‬فلم َيعِرض له صلى ال عليه وسلم‪ ،‬بل أمر فيه بالبناء على اليقين‪،‬‬
‫وأما الش ّ‬
‫ك على وجهين‪ :‬اليقين والتحري‪ ،‬فمن‬
‫لماُم أحمد‪ :‬الش ّ‬
‫وإسقاط الشك‪ ،‬والسجود قبل السلم‪ .‬فقال ا ِ‬
‫جد سجدتي السهو قبل السلم على حديث أبي سعيد الخدري‪ ،‬وإذا‬
‫رجع إلى اليقين‪ ،‬ألغى الشك‪ ،‬وس َ‬
‫رجع إلى التحّري وهو أكثُر الوهم‪ ،‬سجدتي السهو بعد السلم على حديث ابن مسعود الذي يرويه‬
‫منصور‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫لثًا َأْم َأْرَبَعًا‪،‬‬
‫لِتِه‪ ،‬فَلْم َيْدِر َكَْم صلى َأَث َ‬
‫صَ‬‫حُدُكْم ِفي َ‬
‫ك َأ َ‬
‫شّ‬
‫وأما حديث أبي سعيد‪ ،‬فهو ))ِإَذا َ‬
‫سّلَم((‬
‫ن َقْبلَ أن ُي َ‬
‫جَدَتْي ِ‬
‫سْ‬‫جُد َ‬
‫سُ‬
‫ن‪ ،‬ثّم َي ْ‬
‫سَتْيَق َ‬
‫عَلى َما ا ْ‬
‫ن َ‬
‫ك‪َ ،‬ولَيْب ِ‬
‫شّ‬
‫ح ال ّ‬
‫طَر ِ‬
‫َفْلَي ْ‬
‫جد‬
‫ب‪ُ ،‬ثّم ِلَيس ُ‬
‫صَوا َ‬
‫لِتِه‪ ،‬فليتحر ال ّ‬
‫صَ‬‫حُدُكم ِفي َ‬
‫ك َأ َ‬
‫شّ‬
‫ث ابن مسعود‪ ،‬فهو ))ِإَذا َ‬
‫وأما حدي ُ‬
‫ن(( وهذا هو الذي‬
‫سجَدَتي ِ‬
‫سجَد َ‬
‫سّلم‪ ،‬ثّم َي ْ‬
‫ن(( متفق عليهما‪ .‬وفي لفظ ))الصحيحين((‪)) :‬ثم ُي َ‬
‫سجَدَتي ِ‬
‫َ‬
‫لماُم أحمد‪ ،‬وإذا رجع إلى التحري‪ ،‬سجد بعد السلم‪.‬‬
‫قال ا ِ‬
‫والفرق عنده بين التحري واليقين‪ ،‬أن المصلي إذا كان إمامًا بنى على غالب ظّنه وأكثِر‬
‫ث ابن مسعود‪ ،‬وإن كان منفردًا‪ ،‬بنى على‬
‫وهمه‪ ،‬وهذا هو التحري‪ ،‬فسجد له بعد السلم على حدي ِ‬
‫ث أبى سعيد‪ ،‬وهذه طريقُة أكثر أصحابه في تحصيل ظاهر‬
‫سلم على حدي ِ‬
‫اليقين‪ ،‬وسجد قبل ال ّ‬
‫ب الشافعي ومالك‪،‬‬
‫مذهبه‪ .‬وعنه‪ :‬روايتان‪.‬أخريان‪ :‬إحداهما‪ :‬أنه يبني على اليقين مطلقًا‪ ،‬وهو مذه ُ‬
‫والخرى‪ :‬على غالب ظنه مطلقًا‪ ،‬وظاهر نصوصه إنما يدل على الفرق بين الشك‪ ،‬وبين الظن‬
‫ن الغالب يتحّرى‪ ،‬وعلى هذا‬
‫ك يبني على اليقين‪ ،‬ومع أكثِر الوهم أو الظ ّ‬
‫الغالب القوي‪ ،‬فمع الش ّ‬
‫ل في الشك‪ :‬إذا كان‬
‫ل أعلم‪ .‬وقال أبو حنيفة رحمه ا ّ‬
‫ل الحديثين‪ ،‬وا ّ‬
‫مداُر أجوبته‪ .‬وعلى الحالين حم ُ‬
‫ن غالب‪ ،‬بنى عليه‪ ،‬وإن لم‬
‫ف الصلة‪ ،‬فإن عرض له كثيرًا‪ ،‬فإن كان له ظ ّ‬
‫ض له‪ ،‬استأن َ‬
‫عَر َ‬
‫أّول َما َ‬
‫يكن له ظن‪ ،‬بنى على اليقين‪.‬‬
‫فصل‬
‫‪130‬‬

‫ض عينيه في الصلة‪ ،‬وقد تقدم أنه كان في‬


‫ولم يكن من هديه صلى ال عليه وسلم تغمي ُ‬
‫جاِوُز َبصرُه إشارَته‬
‫التشهد ُيومىء ببصره إلى أصبعه في الدعاء‪ ،‬ول ت َ‬
‫ل عنه قال‪ :‬كان ِقَراٌم لعائشة‪ ،‬سترت به‬
‫وذكر البخاري في ))صحيحه(( عن أنس رضي ا ّ‬
‫ل تصاِويُرُه‬
‫ل َتَزا َ‬
‫ك َهَذا‪َ ،‬فِإَنة َ‬
‫عّني ِقَراَم ِ‬
‫طي َ‬
‫ي صلى ال عليه وسلم‪َ)) :‬أِمي ِ‬
‫جاِنبَ بيتها‪ ،‬فقال النب ّ‬
‫ت له في صلته‪ .‬وفي‬
‫ض ْ‬
‫عَر َ‬
‫لِتي(( ولو كان ُيغمض عينيه في صلته‪ ،‬لما َ‬
‫صَ‬‫ض ِلي في َ‬
‫َتْعِر ُ‬
‫الستدلل بهذا الحديث نظٌر‪ ،‬لن الذي كان يعِرض له في صلته‪ :‬هل تذّكر تلك التصاوير بعد‬
‫ل عنها‪،‬‬
‫ث عائشة رضي ا ّ‬
‫ن دللَة منه حدي ُ‬
‫رؤيتها‪ ،‬أو نفس رؤيتها؟ هذا محتمل‪ ،‬وهذا محتمل‪ ،‬وأبي ُ‬
‫صٍة لها أعلٌم‪ ،‬فنظر إلى أعلمها نظرة‪ ،‬فلما انصرف‬
‫خِمي َ‬
‫أن النبي صلى ال عليه وسلم صّلى في َ‬
‫جهٍم‪َ ،‬فِإّنَها َأْلَهْتنى آنفًا‬
‫جْهٍم‪ ،‬وْأُتوِني ِباْنِبجاِنّيِة َأِبي َ‬
‫صتي َهِذِه ِإَلى َأِبي َ‬
‫خِمي َ‬
‫قال‪)) :‬اْذَهُبوا ِب َ‬
‫لِتي((‪.‬وفي الستدلل بهذا أيضًا ما فيه‪ ،‬إذ غايُته أنه حانت منه التفاتة إليها فشغلته تلك اللتفاتُة‬
‫صَ‬‫َ‬
‫ت منه‬
‫شعب لما أرسل إليه إليه الفارس طليعة‪ ،‬لن ذلك النظَر واللتفا َ‬
‫ث التفاته إلى ال ّ‬
‫ل حدي ُ‬
‫ول يُد ُ‬
‫ل الُعنقود لما‬
‫ل على ذلك َمّد يده في صلة الكسوف ليتناو َ‬
‫كان ِللحاجة‪ ،‬لهتمامه بأموِر الجيش‪ ،‬يُد ُ‬
‫ن وكذلك حديثُ مدافعته‬
‫جِ‬‫حَ‬
‫ب الِم ْ‬
‫ح َ‬
‫رأى الجنة‪ ،‬وكذلك رؤيتُه الّناَر وصاحبَة الهرة فيها‪ ،‬وصا ِ‬
‫ث رّد‬
‫للبهيمة التي أرادت أن تمر بين يديه‪ ،‬ورّده الغلَم والجارية‪ ،‬وحجُزه الجاريتين‪ ،‬وكذلك أحادي ُ‬
‫لشارة على من سلم عليه و الصلة‪ ،‬فإنه إنما كان ُيشير إلى من يراه‪ ،‬وكذلك حدي ُ‬
‫ث‬ ‫السلم با ِ‬
‫ث وغيُرها ُيستفاد ِمن‬
‫ض الشيطان له فأخذه فخنفه‪ ،‬وكان ذلك رؤيَة عين‪ ،‬فهذه الحادي ُ‬
‫تعّر ِ‬
‫ض عينيه في الصلة‪.‬‬
‫مجموعها العلم بأنه لم يكن ُيْغِم ُ‬
‫ل اليهود‪ ،‬وأباحه‬
‫لماُم أحمد وغيُره‪ ،‬وقالوا‪:‬هو فع ُ‬
‫وقد اختلف الفقهاء في كراهته‪ ،‬فكِرهه ا ِ‬
‫ح الصلة وسّرها‬
‫ب إلى تحصيل الخشوع الذي هو رو ُ‬
‫ن أقر َ‬
‫جماعة ولم يكرهوه‪ ،‬وقالوا‪ :‬قد يكو ُ‬
‫ل بالخشوع‪ ،‬فهو أفضل‪ ،‬وإن كان يحول‬
‫خُ‬‫ح العين ل ُي ِ‬
‫ومقصودها‪ .‬والصواب أن ُيقال‪ :‬إن كان تفتي ُ‬
‫بينه وبين الخشوع لما في قبلته من الزخرفة والتزويق أو غيره مما ُيشوش عليه قلبه‪ ،‬فهنالك ل‬
‫ب إلى أصول الشرع ومقاصده من القول‬
‫ل باستحبابه في هذا الحال أقر ُ‬
‫ض قطعًا‪ ،‬والقو ُ‬
‫ُيكره التغمي ُ‬
‫بالكراهة‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫فصل‬
‫سه بعَدها‪ ،‬وسرعِة‬
‫ل صلى ال عليه وسلم يقوله بعد انصرافه من الصلة‪ ،‬وجلو ِ‬
‫لا ّ‬
‫فيما كان رسو ُ‬
‫النتقال منها‪ ،‬وما شرعه لمته من الذكار والقراءة بعدها‬
‫‪131‬‬

‫لِ‬
‫ل‬‫جَ‬‫ت َيا َذا ال َ‬
‫لُم‪َ ،‬تَباَرْك َ‬
‫ك الس َ‬
‫لُم‪ ،‬ومن َ‬
‫سَ‬‫ت ال ّ‬
‫كان إذا سلم‪ ،‬استغفر ثلثًا‪ ،‬وقال‪)) :‬الّلُهّم َأْن َ‬
‫لْكَراِم((‬
‫َوا ِ‬
‫ل إلى المأمومين‪.‬‬
‫ل ذلك‪ ،‬بل ُيسرع النتقا َ‬
‫ل الِقبلة إل مقداَر ما يقو ُ‬
‫ولم يمكث مستقِب َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم كثيرًا‬
‫ت رسول ا ّ‬
‫وكان ينفِتل عن يمينه وعن يساره‪ ،‬وقال ابن مسعود‪ :‬رأي ُ‬
‫ينصِرف عن يساره‪.‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ينصرف عن يمينه‪ ،‬والول فى‬
‫لا ّ‬
‫ت رسو َ‬
‫وقال أنس‪ :‬أكثُر ما رأي ُ‬
‫))الصحيحين(( والثاني في ))مسلم((‪.‬‬
‫ل عن يمينه وعن يساره‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ينفِت ُ‬
‫ت رسول ا ّ‬
‫وقال عبد ال بن عمرو‪ :‬رأي ُ‬
‫في الصلة‪.‬‬
‫)يتبع‪(...‬‬
‫ص ناحيًة منهم دون ناحية‪.‬‬
‫ثم كان ُيقِبل على المأمومين بوجهه‪ ،‬ول يخ ّ‬ ‫@‬
‫س‪.‬‬
‫طُلَع الشم ُ‬
‫وكان إذا صلى الفجَر‪ ،‬جلس في مصله حتى َت ْ‬
‫ك َلُه‪،‬له الُمْل ُ‬
‫ك‬ ‫شِري َ‬
‫ل َ‬
‫حَده َ‬
‫ل َو ْ‬
‫لا ّ‬
‫ل إله ِإ ّ‬
‫ل صلة مكتوبة‪َ )) :‬‬
‫ل في ُدُبر ك ّ‬
‫وكان يقو ُ‬
‫ل َيْنَفُع َذا‬
‫ت‪َ ،‬و َ‬
‫ي ِلَما َمَنْع َ‬
‫طَ‬‫ت‪َ،‬ول مْع ِ‬
‫طْي َ‬
‫عَ‬‫ل َمانَع ِلَما َأ ْ‬
‫ل شيء َقِديٌر‪ ،‬الّلُهّم َ‬
‫عَلى ُك ّ‬
‫حْمُد‪ ،‬وُهَو َ‬
‫َوَلُه الْ َ‬
‫جّد((‬
‫ك ال َ‬
‫جّد ِمْن َ‬
‫ال َ‬
‫شيء‬
‫ل َ‬
‫عَلى ُك ّ‬
‫حمُد‪َ ،‬وهَو َ‬
‫ك َولُه اْل َ‬
‫ك َلُه‪َ ،‬لُه الُمْل ُ‬
‫شِري َ‬
‫حَدُه ل َ‬
‫ل َو ْ‬
‫ل إله ِإل ا ُّ‬
‫وكان يقول‪َ )) :‬‬
‫ل‪َ ،‬وَلُه الّثَناُء‬
‫ضُ‬‫ل ِإّياُه‪َ ،‬لُه الّنْعَمُة‪َ ،‬وًلُه اَلَف ْ‬
‫ل‪َ ،‬ول َنْعُبُد إ َ‬
‫ل ا ُّ‬
‫ل إلَه إ ّ‬
‫ل‪َ ،‬‬
‫ل با ّ‬
‫ل َول ُقّوَة ِإ ّ‬
‫حْو َ‬
‫ل َ‬
‫َقديٌر‪َ ،‬و َ‬
‫ن((‬
‫ن َوَلو َكِره اْلَكاِفُرو َ‬
‫ن َلُه الّدي َ‬
‫خلصي َ‬
‫ل‪ُ ،‬م ْ‬
‫ل ا ُّ‬
‫ل إله ِإ ّ‬
‫ن‪َ ،‬‬
‫سُ‬‫حَ‬
‫اْل َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‬
‫ل عنه‪ ،‬أن رسول ا ّ‬
‫وذكر أبو داود عن علي بن أبي طالب رضي ا ّ‬
‫ت‪َ ،‬وَما‬
‫عَلْن ُ‬
‫ت‪َ ،‬وَما أ ْ‬
‫سَرْر ُ‬
‫خْرت‪َ ،‬وَما أ ْ‬
‫ت‪َ ،‬وَما أ ّ‬
‫غفْر لي َما َقّدْم ُ‬
‫كان إذا سّلم من الصلة قال‪)) :‬الّلُهّم ا ْ‬
‫ت((‪.‬‬
‫ل إلَه ِإل ْاْن َ‬
‫خُر‪َ ،‬‬
‫ت الُمَؤ ّ‬
‫ت الُمَقّدُم‪َ ،‬وأْن َ‬
‫عَلُم به مّني‪ ،‬أْن َ‬
‫ت َأ ْ‬
‫ت‪َ ،‬وَما أْن َ‬
‫سَرف ُ‬
‫أْ‬
‫هذه قطعة من حديث علي الطويل الذي رواه مسلم في استفتاح الصلة والسلم‪ ،‬وما كان‬
‫يقوله في ركوعه وسجوده‪.‬‬
‫ولمسلم فيه لفظان‬
‫أحُدهما‪ :‬إن النبي صلى ال عليه وسلم كان يقوله بين التشهد والتسليم‪ ،‬وهذا هو الصواب‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬كان يقوله بعد السلم‪ ،‬ولعله كان يقوله في الموضعين‪ ،‬وا ّ‬
‫‪132‬‬

‫ل ُك ّ‬
‫ل‬ ‫ل صلى ال عليه وسلم يقو ُ‬
‫لا ّ‬
‫وذكر المام أحمد عن زيد بن أرقم قال‪ :‬كان رسو ُ‬
‫ك‪ ،‬الّلُهّم َرّبَنا‬
‫ك َل َ‬
‫شِري َ‬
‫ب وحدك ل َ‬
‫شهيٌد َأّنك الّر ّ‬
‫شيٍء َوَمِليَكُه‪َ ،‬أنا َ‬
‫ل َ‬
‫ب ُك ّ‬
‫صلة‪)) :‬الّلُهّم َرّبنا َوَر ّ‬
‫ن الِعَباَد‬
‫شِهيٌد َأ ّ‬
‫شيٍء‪َ ،‬أَنا َ‬
‫ل َ‬
‫ب ُك ّ‬
‫ك َورسولك الّلُهّم َرّبَنا َوَر ّ‬
‫عْبُد َ‬
‫حَمدًا َ‬
‫ن ُم َ‬
‫شِهيٌد َأ ّ‬
‫شيٍء‪َ ،‬أَنا َ‬
‫ل َ‬
‫بكّ‬
‫َوَر ّ‬
‫خَرِة‬
‫ن الّدْنَيا َوال ِ‬
‫عة ِم َ‬
‫ل سا َ‬
‫ك َوَأْهِلي في ك ّ‬
‫خِلصًا َل َ‬
‫جَعْلني م ْ‬
‫شيٍء‪ ،‬ا ْ‬
‫خَوٌة‪ ،‬الّلُهّم َرّبَنا َورب كل َ‬
‫ُكّلُهم ِإ ْ‬
‫لرض‪ .‬ال َأْكَبُر‬
‫ت َوا َ‬
‫سَماوا ِ‬
‫لُ ُنور ال ّ‬
‫لكْبُر ا ّ‬
‫ل أْكَبُر ا َ‬
‫ب‪ ،‬ا ُّ‬
‫ج ْ‬
‫سَت ِ‬
‫سَمْع َوا ْ‬
‫لكَراِم‪ ،‬ا ْ‬
‫َيا َذا الجلل َوا ِ‬
‫لْكَبُر(( ورواه أبو داود‪.‬‬
‫ل َأْكَبُر ال َ‬
‫ل‪ ،‬ا ُّ‬
‫ل َوِنْعَم اْلَوِكي ُ‬
‫ي ا ُّ‬
‫سِب َ‬
‫حْ‬
‫لْكَبُر‪َ ،‬‬
‫اَ‬
‫ل أكبُر‬
‫ل كذلك‪ ،‬وا ُّ‬
‫ل ثلثًا والحمُد ِّ‬
‫ن ا ِّ‬
‫سبحا َ‬
‫وندب أمته إلى أن يقوُلوا في ُدبر كل صلة‪ُ :‬‬
‫ل شيٍء قدير‪.‬‬
‫حْمُد َوُهَوعلى ُك ّ‬
‫حَده ل شريك له‪َ ،‬لُه الُمْلك َوَلُه اْل َ‬
‫ل َو ْ‬
‫كذلك‪ ،‬وتمام المائة‪ :‬ل إلَه إل ا ّ‬
‫وفي صفة أخرى‪ :‬التكبيُر أربعًا وثلثين فتتم به المائه‬
‫وفي صفة أخرى‪)) :‬خمسًا وعشرين تسبيحة‪ ،‬ومثلها تحميدة‪ ،‬ومثلها تكبيرة‪ ،‬ومثلها ل إله‬
‫ل شيٍء َقِدير((‬
‫عَلى ُك ّ‬
‫حْمُد َوُهَو َ‬
‫ك وله اْل َ‬
‫ك له‪ ،‬له المل ُ‬
‫شِري َ‬
‫ل وحَده ل َ‬
‫إل ا ُّ‬
‫وفي صفٍة أخرى‪)) :‬عشر تسبيحات‪ ،‬وعشر تحميدات‪ ،‬وعشر تكبيرات((‬
‫ض روايات حديث أبي‬
‫وفي صفة أخرى ))إحدى عشرة(( كما في ))صحيح مسلم(( في بع ِ‬
‫ل صلة ثلثًا وثلثين إحدى عشرة‪ ،‬وإحدى‬
‫ن ُدُبَر ُك ّ‬
‫ن‪َ ،‬وُيَكّبُرو َ‬
‫حَمُدو َ‬
‫ن‪َ ،‬وَي ْ‬
‫حو َ‬
‫سّب ُ‬
‫هريرة ))َوُي َ‬
‫عشرة‪ ،‬وإحدى عشرة‪ ،‬فذلك ثلثة وثلثون(( والذى يظهر في هذه الصفة‪ ،‬أنها ِمن تصرف بعض‬
‫ل صلة ثلثًا وثلثين((‬
‫ن ُدُبَر ُك ّ‬
‫ن‪َ ،‬وُيَكّبُرو َ‬
‫حَمُدو َ‬
‫ن َوَي ْ‬
‫حو َ‬
‫سّب ُ‬
‫لن لفظ الحديث ))ُي َ‬
‫الرواة وتفسيره‪َ ،‬‬
‫ت التسبيح والتحميد والتكبير‪،‬‬
‫وإنما ُمَراُده بهذا أن يكون الثلث والثلثون في كل واحدة من كلما ِ‬
‫سمي عن أبي‬
‫ل أكبر‪ ،‬ثلثًا وثلثين(( لن راوي الحديث ُ‬
‫ل‪ ،‬وا ّ‬
‫حْمُد ّ‬
‫ل‪ ،‬وال َ‬
‫ن ا ِّ‬
‫سبحا َ‬
‫اى ))قولوا‪ُ )) :‬‬
‫ل أكبر‪ ،‬حتى يكون‬
‫ل‪ ،‬وا ُّ‬
‫سبحانَ ال والحمُد ِّ‬
‫صالح السمان‪ ،‬وبذلك فسره أبو صالح قال‪ :‬قولوا‪ُ )) :‬‬
‫منهن ُكّلهن ثلث وثلثون((‪.‬‬
‫صه بإحدى عشرة‪ ،‬فل نظير له في شيء من الذكار بخلف المائة‪ ،‬فإن لها‬
‫وأما تخصي ُ‬
‫نظائر‪ ،‬والعشر لها نظائُر أيضًا‪ ،‬كما في السنن من حديث أبي ذر أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫حَدُه َ‬
‫ل‬ ‫ل َو ْ‬
‫ل ا ُّ‬
‫ل إلَه إ ّ‬
‫ل أن َيتَكّلَم‪َ ،‬‬
‫جَلْيِه َقْب َ‬
‫ن ِر ْ‬
‫جِر َوُهَو َثا ٍ‬
‫لِة اْلَف ْ‬
‫صَ‬‫ل ِفي ُدُبِر َ‬
‫ن َقا َ‬
‫وسلم قال‪َ)) :‬م ْ‬
‫شُر‬
‫عْ‬‫ب َلُه َ‬
‫شَر َمّرات‪ُ ،‬كِت َ‬
‫عْ‬‫شيٍء َقِديٌر‪َ ،‬‬
‫ل َ‬
‫عَلى ُك ّ‬
‫ت وهو َ‬
‫حْمُد ُيحِيي َوُيِمي ُ‬
‫ك‪َ ،‬وَلُه اْل َ‬
‫ك َلُه‪َ ،‬لُه الُمْل ُ‬
‫شِري َ‬
‫َ‬
‫ن ُك ّ‬
‫ل‬ ‫حْرٍز ِم ْ‬
‫ك ُكّلُه في ِ‬
‫ن َيْوَمُه ذِل َ‬
‫ت‪َ ،‬وَكا َ‬
‫جا ٍ‬
‫شُر َدَر َ‬
‫عْ‬‫ت‪َ ،‬وُرفَع َلُه َ‬
‫سّيَئا ٍ‬
‫عْنَُه عشر َ‬
‫ي َ‬
‫حَ‬‫ت‪َ ،‬وُم ِ‬
‫سَنا ٍ‬
‫حَ‬‫َ‬
‫‪133‬‬

‫ك بال(( قال الترمذي‪:‬‬


‫شْر َ‬
‫ل ال ّ‬
‫ك اْلَيْوم ِإ ّ‬
‫ن ُيْدِرَكُه ِفي ذِل َ‬
‫ب َأ ْ‬
‫ن‪َ ،‬وَلْم َيْنَبِغ ِلَذْن ٍ‬
‫طا ِ‬
‫شْي َ‬
‫ن ال ّ‬
‫س ِم َ‬
‫حِر َ‬
‫َمْكُروه َو ُ‬
‫حديث حسن صحيح‪.‬‬
‫لمام أحمد(( من حديث أم سلمة‪ ،‬أنه صلى ال عليه وسلم أنه صلى‬
‫وفي ))مسند ا ِ‬
‫ل عند النوم ثلثًا‬
‫حا ّ‬
‫ال عليه وسلم عّلم ابنته فاطمة لما جاءت تسأله الخادم‪ ،‬فأمرها‪ :‬أن تسّب َ‬
‫ل ا ُّ‬
‫ل‬ ‫ل إلَه ِإ ّ‬
‫ح أن تقول‪َ )) :‬‬
‫وثلثين‪ ،‬وتحمَده ثلثًا وثلثين‪ ،‬وتكّبره ثلثًا وثلثين‪ ،‬وإذا صّلت الصب َ‬
‫لِة‬
‫صَ‬‫ت‪َ ،‬وَبْعَد َ‬
‫شَر َمّرا ٍ‬
‫عْ‬‫شيءٍ َقديٌر‪َ ،‬‬
‫ل َ‬
‫عَلى ُك ّ‬
‫حْمُد َوُهَو َ‬
‫ك‪َ ،‬وَلُه اْل َ‬
‫ك َلُه‪َ ،‬لُه الُمْل ُ‬
‫شِري َ‬
‫ل َ‬
‫حَدُه َ‬
‫َو ْ‬
‫شَر َمّرات((‪.‬‬
‫عْ‬‫ب‪َ ،‬‬
‫الَمْغر ِ‬
‫ل إلَه ِإ ّ‬
‫ل‬ ‫ح‪َ :‬‬
‫ل ِإذا َأصَْب َ‬
‫ن َقا َ‬
‫وفي ))صحيح ابن حبان(( عن أبي أيوب النصاري يرفعه‪َ)) :‬م ْ‬
‫عشُر‬
‫ن َ‬
‫ت‪ُ ،‬كِتبَ َلُه ِبِه ّ‬
‫شَر َمّرا ٍ‬
‫عْ‬‫ل شىء َقِديٌر َ‬
‫عَلى ُك َ‬
‫حْمد َوُهَو َ‬
‫ك َوَلُه اْل َ‬
‫ك َلُه‪َ ،‬لُه الُمْل ُ‬
‫شِري َ‬
‫ل َ‬
‫حَدُه َ‬
‫ل َو ْ‬
‫ا ُّ‬
‫ب‪،‬‬
‫عَتاَقِة َأْرَبع ِرَقا ٍ‬
‫ل َ‬
‫عْد َ‬
‫ن َلُه ِ‬
‫ت‪َ ،‬وُك ّ‬
‫جا ٍ‬
‫شُر َدَر َ‬
‫عْ‬‫ن َ‬
‫ت‪َ ،‬و َلُه به ّ‬
‫سيَئا ٍ‬
‫شُر َ‬
‫عْ‬‫ن َ‬
‫عْنُه ِبِه ّ‬
‫ي َ‬
‫حَ‬‫ت‪َ ،‬وُم ِ‬
‫سَنا ٍ‬
‫حَ‬‫َ‬
‫حّتى‬
‫ك َ‬
‫ل ذِل َ‬
‫صلِتِه َفمِْث ُ‬
‫ب ُدُبَر َ‬
‫صّلى الَمْغِر َ‬
‫ن ِإَذا َ‬
‫ن َقاَلُه ّ‬
‫سى‪َ ،‬وَم ْ‬
‫حَتى ُيْم ِ‬
‫ن الشيطان َ‬
‫حَرسًا ِم َ‬
‫ن َلُه َ‬
‫َوُك ّ‬
‫ل عشرًا‬
‫ل أكبُر عشرًا‪ ،‬والحمُد ِّ‬
‫ل النبي صلى ال عليه وسلم في الستفتاح ))ا ُّ‬
‫ح(( وقد تقدم قو ُ‬
‫صِب َ‬
‫ُي ْ‬
‫ل عشرا‪ ،‬ويقول‪ :‬اللهم‪ ،‬اغفر لي‪َ ،‬واْهِدني‬
‫شرًا‪ ،‬ويستغِفُر ا ّ‬
‫عْ‬‫ل َ‬
‫ل ا َُ‬
‫ل إلَه ِإ ّ‬
‫ل عشرًا‪َ ،‬و َ‬
‫ن ا َِ‬
‫وسبحا َ‬
‫لذكار والدعوات كثيرة‪.‬‬
‫ضيق المقام يوم القيامة عشرًا(( فالعشر في ا َ‬
‫وارزقني عشرًا‪ ،‬ويتعوذ ِمن ِ‬
‫طرق حديث أبي هريرة‬
‫لحدى عشرة‪ ،‬فلم يجىء ذكُرها شيء من ذلك البتة إل في بعض ُ‬
‫وأما ا ِ‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫المتقدم وا ّ‬
‫ل عند انصرافه‬
‫وقد ذكر أبو حاتم في ))صحيحه((‪ ،‬أن النبي صلى ال عليه وسلم كان يقو ُ‬
‫ت ِفيَها‬
‫جَعْل َ‬
‫ي‪،‬التى َ‬
‫ح لي ُدْنيا َ‬
‫صل ْ‬
‫صَمَة َأْمِري‪َ ،‬وَأ ْ‬
‫ع ْ‬
‫جَعْلَتُه ِ‬
‫ح ِلي ِديِني اّلذي َ‬
‫صل ْ‬
‫من صلته‪)) :‬الّلُهّم أ ْ‬
‫ل َمانَع‬
‫ك‪َ ،‬‬
‫ك ِمْن َ‬
‫عوُذ ِب َ‬
‫ك‪ ،‬وَأ ُ‬
‫ك من ِنْقَمِت َ‬
‫عوُذ ِبَعْفِو َ‬
‫ك‪َ ،‬وَأ ُ‬
‫طَ‬
‫خِ‬‫سَ‬
‫ن َ‬
‫ك ِم ْ‬
‫ضا َ‬
‫عوُذ ِبر َ‬
‫شي‪ ،‬الّلُهّم ِإّني َأ ُ‬
‫َمَعا ِ‬
‫جّد((‪.‬‬
‫ك ال َ‬
‫جّد ِمْن َ‬
‫ل َيْنَفُع ذا ال َ‬
‫ت‪َ ،‬و َ‬
‫ي ِلَما َمَنْع َ‬
‫طَ‬‫ل ُمْع ِ‬
‫ت‪َ ،‬و َ‬
‫طْي َ‬
‫عَ‬‫ِلَما َأ ْ‬
‫ت وراء نبيكم صلى ال عليه‬
‫وذكر الحاكم في ))مستدركه(( عن أبي أيوب أنه قال‪ :‬ما صلي ُ‬
‫ي َوُذُنوِبي ُكّلَها‪ ،‬الّلُهّم‬
‫طاَيا َ‬
‫ف ِمن صلته يقول‪)) :‬الّلُهّم اغِْفْر ِلي خ َ‬
‫حين ينصِر ُ‬
‫وسلم إل سمعُته ِ‬
‫ت‪َ ،‬و َ‬
‫ل‬ ‫ل َأْن َ‬
‫حَها ِإ ّ‬
‫صاِل ِ‬
‫ل َيْهِدي ِل َ‬
‫ق‪ِ ،‬إّنُه َ‬
‫لِ‬‫لخ َ‬
‫ل وا َ‬
‫عَما ِ‬
‫صاِلح ال ْ‬
‫حيِني َواْرُزقِني‪َ ،‬واْهِدِني ِل َ‬
‫َأْنِعْمِني َوَأ ْ‬
‫ت((‪.‬‬
‫ل َأْن َ‬
‫سيِئَها ِإ ّ‬
‫ن َ‬
‫عْ‬‫ف َ‬
‫صِر ُ‬
‫َي ْ‬
‫ي صلى ال‬
‫ل‪ :‬قال لي النب ّ‬
‫وذكر ابن حبان في ))صحيحه(( عن الحارث بن مسلم التميمي قا َ‬
‫ك ِإ ْ‬
‫ن‬ ‫ت‪َ ،‬فِإّن َ‬
‫سْبَع َمّرا ٍ‬
‫ن الّناِر َ‬
‫جْرني ِم َ‬
‫ل َأنت تتَكّلم‪ :‬الّلُهّم َأ ِ‬
‫ل َقْب َ‬
‫ح‪َ ،‬فُق ْ‬
‫صْب َ‬
‫ت ال ّ‬
‫صّلي َ‬
‫عليه وسلم‪ِ)) :‬إَذا َ‬
‫‪134‬‬

‫جْرني‬
‫ن تتَكّلَم‪ :‬الّلُهّم َأ ِ‬
‫ل َأ ْ‬
‫ل َقْب َ‬
‫ب‪َ ،‬فُق ْ‬
‫ت الَمْغِر َ‬
‫صَلْي َ‬
‫ن الّنار‪َ ،‬وِإَذا َ‬
‫جوارًا ِم َ‬
‫ك َ‬
‫ل َل َ‬
‫ب ا ُّ‬
‫ك‪َ ،‬كَت َ‬
‫ن َيْوِم َ‬
‫ت ِم ْ‬
‫ُم ّ‬
‫ن الّناِر((‬
‫جَوارًا ِم َ‬
‫ك ِ‬
‫ل َل َ‬
‫ب ا ُّ‬
‫ك َكَت َ‬
‫ن َلْيَلِت َ‬
‫ت ِم ْ‬
‫ن ُم َ‬
‫ك ِإ ْ‬
‫ت َفِإّن َ‬
‫سْبَع َمّرا ٍ‬
‫ن الّناِر َ‬
‫ِم َ‬
‫ل صلى ال‬
‫لا ّ‬
‫وقد ذكر النسائي في ))السنن الكبير(( من حديث أبي أمامة قال‪ :‬قال رسو ُ‬
‫ل َأ ْ‬
‫ن‬ ‫جّنِة ِإ ّ‬
‫ل ال َ‬
‫خو ِ‬
‫لٍة َمْكُتوبة‪َ ،‬لم َيْمنعُه من ُد ُ‬
‫صَ‬‫ل َ‬
‫سي في ُدُبِر ُك ّ‬
‫ن َقَرَأ آَيَة اْلُكْر ِ‬
‫عليه وسلم‪َ)) :‬م ْ‬
‫ث تفرد به محمد بن حمير‪ ،‬عن محمد بن زياد اللهاني‪ ،‬عن أبي أمامة‪ ،‬ورواه‬
‫ت((‪ .‬وهذا الحدي ُ‬
‫َيمو َ‬
‫ث ِمن الناس َمن يصححه‪ ،‬ويقول‪:‬‬
‫النسائي عن الحسين بن بشر‪ ،‬عن محمد بن حمير‪ .‬وهذا الحدي ُ‬
‫الحسين بن بشر قد قال فيه النسائي‪ :‬ل بأس به‪ ،‬وفي موضع َاخر‪ :‬ثقة‪ .‬وأما المحمدان‪ ،‬فاحتج بهما‬
‫البخاري في ))صحيحه(( قالوا‪ :‬فالحديث على رسمه‪ ،‬ومنهم من يقول‪ :‬هو موضوع‪ ،‬وأدخله أبو‬
‫الفرج ابن الجوزي في كتابه في الموضوعات‪ ،‬وتعلق على محمد بن حمير‪ ،‬وأن أبا حاتم الرازي‬
‫ض الحفاظ‪ ،‬ووثقوا‬
‫قال‪ :‬ل ُيحتج به‪ ،‬وقال يعقوب بن سفيان‪ :‬ليس بقوي‪ ،‬وأنكر ذلك عليه بع ُ‬
‫ل من صنف في الحديث‬
‫ث موضوع‪ ،‬وقد احتج به أج ّ‬
‫ل من أن يكون له حدي ٌ‬
‫محمدًا‪ ،‬وقال‪ُ :‬هو أج ّ‬
‫الصحيح‪ ،‬وهو البخاري‪ ،‬ووثقه أشّد الناس مقالة في الرجال يحيى بن معين‪ ،‬وقد رواه الطبراني‬
‫ل صلى ال‬
‫ل بن حسن عن أبيه‪ ،‬عن جده قال‪ :‬قال رسول ا ّ‬
‫في ))معجمه(( أيضًا من حديث عبد ا ّ‬
‫خَرى((‬
‫لْ‬‫لِة ا ُ‬
‫ل ِإَلى الصّ َ‬
‫ن في ِذّمِة ا ِّ‬
‫لِة الَمْكُتوَبِة‪َ ،‬كا َ‬
‫صَ‬‫ي في ُدُبِر ال ّ‬
‫سّ‬
‫ن َقَرَأ آَيَة اْلُكْر ِ‬
‫عليه وسلم‪َ)) :‬م ْ‬
‫ل بن عمر‪ ،‬والمغيرة بن‬
‫ث ِمن حديث أبي أمامة‪ ،‬وعلي بن أبي طالب‪ ،‬وعبد ا ّ‬
‫وقد ُروي َهَذا الحدي ُ‬
‫ل‪ ،‬وأنس بن مالك‪ ،‬وفيها ُكّلها ضعف‪ ،‬ولكن إذا انضم بعضها إلى بعض مع‬
‫شعبة‪ ،‬وجابر بن عبد ا ّ‬
‫خاِرجها‪ ،‬دلت على أن الحديث له أصل وليس بموضوع‪ .‬وبلغني عن‬
‫ف َم َ‬
‫تباُين طرقها واختل ِ‬
‫ل صلة‪ .‬وفي المسند‬
‫ب ُك ّ‬
‫حه أنه قال‪ :‬ما تركُتها عقي َ‬
‫ل رو َ‬
‫شيخنا أبي العباس ابن تيمية قّدس ا ّ‬
‫ت في‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ :‬أن أقرأ بالُمَعّوَذا ِ‬
‫ل ا ِّ‬
‫عقبة بن عامر قال‪)) :‬أمرني رسو ُ‬
‫سنن‪ ،‬عن ُ‬
‫وال ّ‬
‫لٍة(( ورواه أبو حاتم ابن حبان في ))صحيحه((‪ ،‬والحاكم في ))المستدرك((‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫صَ‬‫ل َ‬
‫ُدُبِر ُك ّ‬
‫صحيح على شرط مسلم‪ .‬ولفظ الترمذي ))بالمعوذتين((‪.‬‬
‫صلي(( من حديث عمر بن نبهان‪ ،‬وقد‬
‫وفي ))معجم الطبراني((‪ ،‬و ))مسند أبي يعلى الَمْو ِ‬
‫شاَء‪َ ،‬وُزّو َ‬
‫ج‬ ‫جّنِة َ‬
‫ب ال َ‬
‫ي َأْبَوا ِ‬
‫ن َأ ّ‬
‫ل ِم ْ‬
‫خَ‬‫ن‪َ ،‬د َ‬
‫ليَما ِ‬
‫ن َمَع ا ِ‬
‫جاَء ِبِه ّ‬
‫ن َ‬
‫ث َم ْ‬
‫ُتكّلم فيه عن جابر يرفعه‪َ)) :‬ثل ٌ‬
‫لٍة َمْكُتوَبٍة‬
‫صَ‬‫ل َ‬
‫خِفّيًا‪َ ،‬وَقَرَأ في ُدُبِر ُك ّ‬
‫ن َقاِتِله‪َ ،‬وَأّدى َدْينًا َ‬
‫عْ‬‫عَفا َ‬
‫ن َ‬
‫شاَء‪َ ،‬م ْ‬
‫ث َ‬
‫حْي ُ‬
‫ن َ‬
‫حوِر الِعي ِ‬
‫ن ال ُ‬
‫ِم َ‬
‫ل‪:‬‬
‫ل((‪َ :‬قا َ‬
‫ل ا ِّ‬
‫سو َ‬
‫ن َيا َر ُ‬
‫حَداُه ّ‬
‫ل عنه‪َ)) :‬أْو ِإ ْ‬
‫حٌد(( فقال أبو َبكٍر رضي ا ّ‬
‫ل َأ َ‬
‫ل ُهَو ا ُّ‬
‫ت‪ُ ،‬ق ْ‬
‫شَر َمّرا ٍ‬
‫عْ‬‫َ‬
‫ن((‪.‬‬
‫حَداُه ّ‬
‫))َأْو إ ْ‬
‫‪135‬‬

‫سِ‬
‫ن‬‫حْ‬
‫ك َو ُ‬
‫شْكِر َ‬
‫ك َو ُ‬
‫عَلى ِذْكِر َ‬
‫عّني َ‬
‫ل صلٍة‪)) :‬الّلهّم أَ ِ‬
‫وأوصى معاذًا أن يقول في ُدُبِر ُك ّ‬
‫ك((‬
‫عَباَدِت َ‬
‫ِ‬
‫جح أن يكون قبل السلم‪ ،‬فراجعته‬
‫َوُدُبُر الصلة يحتمل قبل السلم وبعده‪ ،‬وكان شيخنا ُير ّ‬
‫ل شيء منه‪ ،‬كُدُبِر الحيوان‪.‬‬
‫فيه‪ ،‬فقال‪ُ :‬دُبُر ُك ّ‬
‫فصل‬
‫جدار‪ ،‬جعل بينه وبينه قدر ممّر الشاة‪،‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم إذا صلى إلى ال ِ‬
‫لا ّ‬
‫وكان رسو ُ‬
‫شجرة‪ ،‬جعله‬
‫عمود أو َ‬
‫عود أو َ‬
‫سترة‪ ،‬وكان إذا صّلى إلى ُ‬
‫عُد منه‪ ،‬بل أمر بالُقرب من ال ّ‬
‫ولم يكن يتبا َ‬
‫حربة في السفر والبّرّية‪ ،‬فُيصلي‬
‫صُمد له صمدًا‪ ،‬وكان َيْرُكُز ال َ‬
‫ن أو اليسر‪ ،‬ولم َي ْ‬
‫على حاجبه اليم ِ‬
‫إليها‪ ،‬فتكون سترَته‪ ،‬وكان ُيَعّرض راحلته‪ ،‬فُيصلي إليها‪ ،‬وكان يأخُذ الرحل فَيْعِدُله فيصلي إلى‬
‫ط خطًا في الرض‪ ،‬قال أبو‬
‫خرِته‪ ،‬وأمر المصلي أن يستتِر ولو ِبسهم أو عصا‪ ،‬فإن لم يجد فليخ ّ‬
‫آِ‬
‫ل‪ :‬الخط بالطول‪ ،‬وأما‬
‫ل الهلل‪.‬وقال عبد ا ّ‬
‫ط عرضًا مث ُ‬
‫ت أحمد بن حنبل يقول‪ :‬الخ ّ‬
‫داود سمع ُ‬
‫حماُر‬
‫سترة‪ ،‬فإنه صح عنه أنه يقطع صلَته‪)) ،‬المرأُة وال ِ‬
‫العصا‪ ،‬فُتنصب نصبًا‪ ،‬فإن لم يكن ُ‬
‫ل بن ُمَغّفل‪.‬‬
‫والكلبُ السوُد((‪ .‬وثبت ذلك عنه من رواية أبي ذر وأبي ُهَرْيَرة‪ ،‬وابن عباس‪ ،‬وعبد ا ّ‬
‫ومعاِرض هذه الحاديث قسمان‪ :‬صحيح غير صريح‪ ،‬وصريح غير صحيح‪ ،‬فل يترك العمل بها‬
‫ل صلى ال عليه وسلم يصلي وعائشُة رضي ال عنها نائمة في‬
‫لمعارض هذا شأنه‪ .‬وكان رسول ا ّ‬
‫ن ذلك ليس كالَماّر‪ ،‬فإن الرجل محّرم عليه المروُر بين يدي المصلي‪ ،‬ول ُيكره له أن‬
‫قبلته وكأ ّ‬
‫يكون لبثًا بين يديه‪ ،‬وهكذا المرأُة يقطع مروُرها الصلَة دون ُلبثها‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫فصل‬
‫في هديه صلى ال عليه وسلم في السنن الرواتب‬
‫كان صلى ال عليه وسلم ُيحافظ على عشر ركعات في الحضر دائمًا‪ ،‬وهى التي قال فيها‬
‫ظهِر‪ ،‬وركعتين‬
‫ت ِمن النبي صلى ال عليه وسلم عشَر ركعات‪ :‬ركعتين قبل ال ّ‬
‫ظ ُ‬
‫حِف ْ‬
‫ابن عمر‪َ )) :‬‬
‫صبح((‪ .‬فهذه‬
‫ل ال ّ‬
‫ن قب َ‬
‫ن بعد العشاء في بيته‪ ،‬وركعتي ِ‬
‫بعَدها وركعتين بعد المغرب في بيته‪ ،‬وركعتي ِ‬
‫ن بعد الظهر قضاهما بعد العصر‪ ،‬وداوم عليهما‪،‬‬
‫عها في الحضر أبدًا‪ ،‬ولما فاتته الركعتا ِ‬
‫لم يكن يد ُ‬
‫ل أثبته‪ ،‬وقضاء‪ .‬السنن الرواتب في أوقات النهى عام له‬
‫عم ً‬
‫ل َ‬
‫عِم َ‬
‫لنه صلى ال عليه وسلم كان إذا َ‬
‫ولمته‪ ،‬وأما المداومة على تلك الركعتين في وقت النهي‪ ،‬فمختص به كما سيأتي تقريُر ذلك في‬
‫ل الظهر أربعًا‪ ،‬كما في ))صحيح‬
‫ذكر خصائصه إن شاء ال تعالى‪ .‬وكان ُيصّلي أحيانًا قب َ‬
‫‪136‬‬

‫ظْهر‪،‬‬
‫ل ال ّ‬
‫ع َأْرَبعًا قَْب َ‬
‫ل َيَد ُ‬
‫ن َ‬
‫ل عنها أنه صلى ال عليه وسلم‪َ)) :‬كا َ‬
‫البخاري(( عن عائشة رضي ا ّ‬
‫صّلى أربعًا‪،‬‬
‫وركعتين قبل الغداة((‪َ ،‬فِإّما أن ُيقال‪ :‬إنه صلى ال عليه وسلم كان إذا صّلى في بيته َ‬
‫ل هذا‪ ،‬ويفعل هذا‪ ،‬فحكى‬
‫وإذا صّلى في المسجد صّلى ركعتين‪ ،‬وهذا أظهر‪ ،‬وِإّما أن ُيقال‪ :‬كان يفع ُ‬
‫ل عن عائشة وابن عمر ما شاهده‪ ،‬والحديثان صحيحان ل مطعن في واحد منهما‪ .‬وقد ُيقال‪ :‬إن‬
‫كّ‬
‫لمام‬
‫هذه الربَع لم تكن سنَة الظهر‪ ،‬بل هي صلٌة مستِقلة كان يصليها بعد الزوال‪ ،‬كما ذكره ا ِ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم كان ُيصلي أربعًا بعد أن تزو َ‬
‫ل‬ ‫ل ا ِّ‬
‫ل بن السائب‪ ،‬أن رسو َ‬
‫أحمد عن عبد ا ّ‬
‫صالح((‪.‬‬
‫ل َ‬
‫عَم ٌ‬
‫صَعَد ِلي ِفيَها َ‬
‫ن َي ْ‬
‫ب َأ ْ‬
‫ح ّ‬
‫سَماِء‪َ ،‬فُأ ِ‬
‫ب ال ّ‬
‫ح ِفيَها َأْبَوا ُ‬
‫عٌة ُتْفَت ُ‬
‫سا َ‬
‫الشمس‪ ،‬وقال‪)) :‬إّنَها َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫ل ا ِّ‬
‫ل عنها‪)) :‬أن رسو َ‬
‫وفي السنن أيضًا عن عائشَة رضي ا ّ‬
‫ل صلى ال‬
‫لا ّ‬
‫ن بعدها(( وقال ابن ماجه‪)) :‬كان رسو ُ‬
‫ل أربعًا قبل الظهر‪ ،‬صلُه ّ‬
‫كان إذا لم ُيص ّ‬
‫لها بعد الركعتين بعد الظهر(( وفي الّترمذي عن علي‬
‫عليه وسلم إذا فاتته الربُع قبل الظهر‪ ،‬ص ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم يصلي أربعاً قبل الظهر‪،‬‬
‫ل ا ِّ‬
‫ل عنه قال‪)) :‬كان رسو ُ‬
‫بن أبي طالب رضي ا ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ))يصلي‬
‫ل ا ِّ‬
‫ن رسو ُ‬
‫وبعدها ركعتين((‪ .‬وذكر ابن ماجه أيضًا عن عائشة‪ :‬كا َ‬
‫ل أعلم ‪ -‬هي الربع‬
‫ع والسجود(( فهذه‪ -‬وا ّ‬
‫ن الِقيام‪ ،‬ويحسن فيهن الركو َ‬
‫أربعًا قبل الظهر‪ ،‬يطيل ِفيِه ّ‬
‫ل بن عمر‪،‬‬
‫ن قال عبُد ا ّ‬
‫التي أرادت عائشة أنه كان ل يدعهن وأما سنُة الظهر‪ ،‬فالركعتان اللتا ِ‬
‫ن‪ ،‬والفجِر جمع كونها ركعتين‪ ،‬والناس في‬
‫ن ركعتا ِ‬
‫ت سنُتها ركعتا ِ‬
‫ُيوضح ذلك أن سائَر الصلوا ِ‬
‫ن هذه الربُع التي قبل الظهر‬
‫ن‪ ،‬وعلى هذا‪ ،‬فتكو ُ‬
‫غ ما يكونون‪ ،‬ومع هذا سنُتها ركعتا ِ‬
‫وقتها أفر ُ‬
‫ن‬
‫ن مسعود ُيصلي بعد الزوال ثما َ‬
‫لبُ‬
‫ل الشمس وكان عبُد ا ِّ‬
‫ف النهار وزوا ُ‬
‫ل سبُبه انتصا ُ‬
‫ِوردًا ُمستِق ً‬
‫ف النهار مقاِبل‬
‫ل أعلم ‪ -‬أن انتصا َ‬
‫سّر هذا ‪ -‬وا ّ‬
‫ن بمثلهن ِمن قياِم الليل و ِ‬
‫ن َيْعِدْل َ‬
‫ركعات‪ ،‬ويقول‪ :‬إّنه ّ‬
‫ل النزول اللِهي بعد انتصاف‬
‫ب السماء ُتفتح بعد زوال الشمس‪ ،‬ويحص ُ‬
‫لنتصاف الليل‪ ،‬وأبوا ُ‬
‫ب تبارك وتعالى إلى‬
‫ب السماء‪ ،‬وهذا ينِزل فيه الر ّ‬
‫الليل‪ ،‬فهما وقتا قرب ورحمة‪ ،‬هذا ُتفتح فيه أبوا ُ‬
‫ل صلى ال‬
‫ل ا ِّ‬
‫ت رسو َ‬
‫سماء الدنيا‪ .‬وقد روى مسلم في ))صحيحه(( من حديث أّم حبيبة قالت‪ :‬سمع ُ‬
‫جَنِة(( وزاد‬
‫ن َبْيت في ال َ‬
‫ي َلُه ِبِه ّ‬
‫شَرَة َرْكَعة‪ُ ،‬بِن َ‬
‫عْ‬‫ي َ‬
‫صّلى في َيْوٍم َوَلْيَلٍة ِثنَت ْ‬
‫ن َ‬
‫عليه وسلم يقول‪َ)) :‬م ْ‬
‫ن بعد المغرب‪ ،‬وركعتين بعد‬
‫ن بعدها‪ ،‬وركعتي ِ‬
‫ظْهِر‪َ ،‬وَرْكَعَتْي ِ‬
‫ل ال ّ‬
‫النسائي والترمذي فيه‪َ)) :‬أْرَبعًا َقْب َ‬
‫العشاء‪ ،‬وركعتين قبل صلة الفجر(( قال النسائي‪)) :‬وركعتين قبل العصر(( )بدل( ))وركعتين بعد‬
‫شَرَة َرْكَعَة‬
‫عْ‬‫ي َ‬
‫عَلى ِثَنَت ْ‬
‫ن َثاَبَر َ‬
‫العشاء(( وصححه الترمذي وذكر ابن ماجه عن عائشة ترفعه‪َ)) :‬م ْ‬
‫ب‪،‬‬
‫ن َبْعَد الَمْغِر ِ‬
‫ن َبْعَدها‪َ ،‬وَرْكَعَتْي ِ‬
‫ظْهِر‪َ ،‬وَرْكَعَتْي ِ‬
‫ل ال ّ‬
‫جّنِة‪َ :‬أْربعًا َقْب َ‬
‫ل َلُه َبْيتًا ِفي ال َ‬
‫سّنِة‪َ ،‬بَنى ا ُ‬
‫ن ال ّ‬
‫ِم ْ‬
‫‪137‬‬

‫جِر((‪ .‬وذكر أيضًا عن أبي ُهَرْيرة‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه‬


‫ل اْلَف ْ‬
‫ن َقْب َ‬
‫شاِء‪َ ،‬وَرْكَعَتْي ِ‬
‫ن َبْعَد الِع َ‬
‫َوَرْكَعَتْي ِ‬
‫ن أظنه قال‪:‬‬
‫ن بعدها‪ ،‬وركعتي ِ‬
‫ن قبل الظهر‪ ،‬وركعتي ِ‬
‫ن قبل الفجر‪ ،‬وركعتي ِ‬
‫وسلم نحوه وقال‪)) :‬ركعتي ِ‬
‫ن بعد العشاء الخرة(( وهذا التفسير‪ ،‬يحَتِمل‬
‫ن بعد المغرب أظنه قال‪ :‬وركعتي ِ‬
‫قبل العصر‪ ،‬وركعتي ِ‬
‫ن ِمن كلم بعض الرواة ُمْدَرجًا في الحديث‪ ،‬ويحَتِملُ أن يكون من كلم النبي صلى ال عليه‬
‫أن يكو َ‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫وسلم مرفوعًا‪ ،‬وا ّ‬
‫ح عنه عليه السلم في فعلها شيء إل حديثُ‬
‫وأما الربع قبل العصر‪ ،‬فلم يص ّ‬
‫عاصم بن ضمرة عن علي الحديث الطويل‪ ،‬أنه صلى ال عليه وسلم‪)) :‬كان ُيصلي في النهار ست‬
‫عشرة ركعة‪ُ ،‬يصلي إذا كانت الشمس من هاهنا َكَهْيَئِتَها من هاهنا لصلة الظهر أربعَ ركعات‪،‬‬
‫وكان ُيصّلي قبل الظهر أربَع ركعات‪ ،‬وبعد الظهر ركعتين‪ ،‬وقبل العصر أربَع ركعات(( وفي‬
‫ت الشمس ِمن هاهنا َكَهْيَئِتَها من هاهنا عند العصر‪ ،‬صّلى ركعتين‪ ،‬وإذا كانت‬
‫لفظ‪ :‬كان إذا زال ِ‬
‫س من هاهنا َكَهْيَئِتَها من هاهنا عند الظهر‪ ،‬صّلى أربعًا‪ ،‬وُيصلي قبل الظهر أربعًا وبعدها‬
‫الشم ُ‬
‫ركعتين‪ ،‬وقبل العصر أربعًا‪ ،‬ويفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملئكة المقربين ومن تبعهم‬
‫لسلم ابن تيمية ُينكر هذا الحديث ويدفعه جدًا‪ ،‬ويقول‪:‬‬
‫ت شيخ ا ِ‬
‫من المؤمنين والمسلمين((‪ .‬وسمع ُ‬
‫جوزجاني إنكاره‪ .‬وقد روى أحمد‪ ،‬وأبو داود‪ ،‬والترمذي من‬
‫إنه موضوع‪ .‬ويذكر عن أبي إسحاق ال ُ‬
‫صِر‬
‫ل اْلَع ْ‬
‫صّلى َقْب َ‬
‫ل امرءًا َ‬
‫حَم ا ُّ‬
‫حديث ابن عمر عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪َ)) :‬ر ِ‬
‫ن أبي حاتم‪ :‬سمعت‬
‫َأْرَبعًا((‪ .‬وقد اختلف في هذا الحديث‪ ،‬فصححه ابن حبان‪ ،‬وعلله غيُره‪ ،‬قال اب ُ‬
‫أبي يقول‪ :‬سألت أبا الوليد الطيالسي عن حديث محمد بن مسلم بن المثنى عن أبيه عن ابن عمر‪،‬‬
‫صِر َأْربعًا((‪ .‬فقال‪ :‬دع هذا‪ .‬فقلت‪:‬‬
‫صًلى َقْبلَ اْلَع ْ‬
‫ل امرءًا َ‬
‫حَم ا ُّ‬
‫ي صلى ال عليه وسلم‪َ)) :‬ر ِ‬
‫عن النب ّ‬
‫ت عن النبي صلى ال عليه‬
‫إن أبا داود قد رواه‪ ،‬فقال‪ :‬قال أبو الوليد‪ :‬كان ابن عمر يقول‪)) :‬حفظ ُ‬
‫ت ثنتي عشرَة‬
‫ظ ُ‬
‫حِف َ‬
‫ت في اليوم والليلة((‪ ،‬فلو كان هذا لعّده‪ .‬قال أبي‪ :‬كان يقول‪َ )) :‬‬
‫وسلم عشَر ركعا ٍ‬
‫ل فإن ابن عمر إنما أخبر بما حفظه من فعل النبي صلى ال عليه‬
‫ركعَة((‪ .‬وهذا ليس بعلة أص ً‬
‫وسلم‪ ،‬لم ُيخبر عن غير ذلك‪ .،‬تنافي بين الحديثين البتة‪.‬‬
‫وأما الركعتان قبل المغرب‪ ،‬فإنه لم ُينقل عنه صلى ال عليه وسلم أنه كان ُيصليهما‪ ،‬و عنه‬
‫أنه َأقّر أصحابه عليهما‪ ،‬وكان يراهم يصلونهما‪ ،‬فلم يأمرهم ولم ينههم‪ ،‬وفى ))الصحيحين(( عن‬
‫ب((‬
‫ل الَمْغِر ِ‬
‫ب صّلوا َقب َ‬
‫ل الَمْغِر ِ‬
‫ي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪)) :‬صُلوا َقْب َ‬
‫ل الُمزني‪ ،‬عن النب ّ‬
‫عبد ا ّ‬
‫‪138‬‬

‫ب في هاتين الركعتين‪،‬‬
‫س سنة(( وهذا هو الصوا ُ‬
‫شاَء َكَراَهَة أن يتخذها النا ُ‬
‫ن َ‬
‫قال في الّثاِلَثِة‪ِ)) :‬لَم ْ‬
‫ب إليهما‪ ،‬وليستا راتبة كسائر السنن الرواتب‪.‬‬
‫ن مندو ٌ‬
‫سَتحّبَتا ِ‬
‫أنهما ُم ْ‬
‫وكان ُيصلي عامَة السنن‪ ،‬والتطوع الذي ل سبب له في بيته‪ ،‬ل سيما المغرب‪ ،‬فإنه‬
‫لم ُينقل عنه أنه فعلها في المسجد البتة‪.‬‬
‫ن‪ .‬المغرب في بيته‪ ،‬كذا‬
‫ل الركعتي ِ‬
‫ي الرج ُ‬
‫لمام أحمد في رواية حنبل‪ :‬السنة أن ُيصل َ‬
‫وقال ا ِ‬
‫ت الناس في زمن عمر بن‬
‫ي عن النبي صلى ال عليه وسلم وأصحابه‪ .‬قال السائب بن يزيد‪ :‬رأي ُ‬
‫ُرو َ‬
‫الخطاب‪ ،‬إذا انصرفوا من المغرب‪ ،‬انصرفوا‪ .‬حتى ل َيبقى في المسجد أحد‪ ،‬كأنهم ل ُيصلون بعد‬
‫المغرب حتى يصيروا إلى أهليهم انتهى كلمه‪ .‬فإن صّلى الركعتين في المسجد‪ ،‬فهل يجزئ عنه‪،‬‬
‫ل أنه قال‪ :‬بلغني عن رجل سماه أنه قال‪ :‬لو أن‬
‫وتقع موقعها؟ اختلف قوُله‪ ،‬فروى عنه ابُنه عبد ا ّ‬
‫ل‪ ،‬وما‬
‫ن ما قال هذا الرج ُ‬
‫ل صّلى الركعتين بعد المغرب في المسجد ما أجزأه؟ فقال‪ :‬ما أحس َ‬
‫رج ً‬
‫أجوَد ما انتزع‪ ،‬قال أبو حفص‪ :‬ووجهه أمر النبي صلى ال عليه وسلم بهذه الصلة في البيوت‪.‬‬
‫وقال المروزي‪ :‬من صلى ركعتين بعد المغرب في المسجد يكون عاصيًا‪ ،‬قال‪ :‬ما أعرف هذا‪ ،‬قلتُ‬
‫له‪ُ :‬يحكى عن أبي ثور أنه قال‪ :‬هو عاص‪ .‬قال‪ :‬لعله ذهب إلى قول النبي صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫ض في البيت‪ ،‬وترك المسجد‪،‬‬
‫صّلى الفر َ‬
‫جَعُلوَها ِفي ُبُيوِتُكْم((‪ .‬قال أبو حفص‪ :‬ووجُهه أنه لو َ‬
‫))ا ْ‬
‫ل‪ ،‬وانما وجُهه أن السنن ل‬
‫أجزأه‪ ،‬فكذلك السنة انتهى كلمه وليس هذا وجَهه عند أحمد رحمه ا ّ‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫ُيشترط لها مكان معين‪ ،‬ول جماعة‪ ،‬فيجوُز فعلها في البيت والمسجد‪ ،‬وا ّ‬
‫وفي سنة المغرب سنتان‪ ،‬إحداهما‪ :‬أنه ل ُيفصل بينها وبين المغرب بكلم‪ ،‬قال‬
‫ل في رواية الميموني والمروزي‪ :‬يستحب أل يكون قبل الركعتين بعد المغرب إلى‬
‫أحمد رحمه ا ّ‬
‫أن ُيصَّلَيهما كلٌم وقال الحسن بن محمد‪ :‬رأيت أحمد إذا سلم من صلة المغرب‪ ،‬قام ولم يتكلم‪ ،‬ولم‬
‫يركع في المسجد قبل أن يدخل الدار‪ ،‬قال أبو حفص‪ :‬ووجهه قول مكحول‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫ن((‪ ،‬ولنه‬
‫عّلّيي َ‬
‫صلته ِفي ِ‬
‫ت َ‬
‫ن َيتَكّلَم‪ُ ،‬رِفَع ْ‬
‫ل َأ ْ‬
‫ب َقب َ‬
‫ن َبْعَد الَمْغِر ِ‬
‫صّلى َرْكَعَتْي ِ‬
‫ال عليه وسلم‪َ)) :‬من َ‬
‫يتصل النفل بالفرض‪ ،‬انتهى كلمه‪.‬‬
‫والسنة الثانية‪ :‬أن تفعل في البيت‪ ،‬فقد روى النسائي‪ ،‬وأبو داود‪ ،‬والّترمذي من حديث كعب‬
‫ب‪ ،‬فلما‬
‫عجرة‪ ،‬أن النبي صلى ال عليه وسلم أتى مسجَد بني عبد الشهل‪ ،‬فصّلى فيه المغر َ‬
‫بن ُ‬
‫ت((‪ .‬ورواه ابن ماجه من حديث رافع‬
‫صلة اْلُبُيو ِ‬
‫ن بعدها فقال‪َ)) :‬هِذِه َ‬
‫حو َ‬
‫سّب ُ‬
‫صلتهم رآهم ُي َ‬
‫ضْوا َ‬
‫َق َ‬
‫ن ِفي ُبُيوِتُكم((‪.‬‬
‫ن الَرْكَعَتْي ِ‬
‫بن خديج‪ ،‬وقال فيها‪)) :‬اْرَكُعوا َهاَتْي ِ‬
‫‪139‬‬

‫والمقصود‪ ،‬أن هدي النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فعل عامة السنن والتطوع في بيته كما في‬
‫ظهر‪،‬‬
‫ل ال ّ‬
‫ت عن النبي صلى ال عليه وسلم عشَر ركعات‪ :‬ركعتين قب َ‬
‫ظ ُ‬
‫حِف ْ‬
‫الصحيح عن ابن عمر‪َ :‬‬
‫ن بعدها‪ ،‬وركعتين بعد المغرب في بيته‪ ،‬وركعتين بعد العشاء في بيته‪ ،‬وركعتين قبل صلة‬
‫وركعتي ِ‬
‫الصبح‪.‬‬
‫ل عنها قالت‪ :‬كان النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫وفي ))صحيح مسلم(( عن عائشة رضي ا ّ‬
‫خل فُيصلي ركعتين‪ ،‬وكان ُيصلي‬
‫ُيصلي في بيتي أربعًا قبل الظهر‪ ،‬ثم يخرج فُيصلي بالناس‪ ،‬ثم يد ُ‬
‫بالناس المغرب‪ ،‬ثم يدخل فُيصلي ركعتين‪ ،‬وُيصلي‪ ،‬بالناس العشاء‪ ،‬ثم يدخل بيتي فُيصلي ركعتين‪.‬‬
‫وكذلك المحفوظ عنه في سنة الفجر‪ ،‬إنما كان ُيصليها في بيته كما قالت حفصة وفي‬
‫جُمعة في بيته‬
‫ن بعد ال ُ‬
‫))الصحيحين(( عن ابن عمر‪ ،‬أنه صلى ال عليه وسلم كان ُيصلي ركعتي ِ‬
‫وسيأتي الكلم على ذكر سنة الجمعة بعدها والصلة قبَلها‪ ،‬عند ذكر هديه في الجمعة إن شاء ا ّ‬
‫ل‬
‫لِة الَمْرِء في َبْيِته ِإ ّ‬
‫ل‬ ‫صَ‬‫ل َ‬
‫ضَ‬‫ن َأْف َ‬
‫صّلوا في ُبُيوِتُكْم‪َ ،‬فِإ ّ‬
‫س َ‬
‫تعالى‪ ،‬وهو ُمواِفق لقوله في‪َ)) :‬أّيَها الّنا ُ‬
‫ل السنن‪ ،‬والتطوع في البيت ِإل ِلعارض‪،‬‬
‫ي النبي صلى ال عليه وسلم و فع َ‬
‫الَمْكُتوَبَة((‪ .‬وكان هد ُ‬
‫ل الفرائض في المسجد ِإل ِلعارض من سفر‪ ،‬أو مرض‪ ،‬أو غيره مما يمنُعه‬
‫كما أن هدَيه كان ِفع َ‬
‫من المسجد‪ ،‬وكان تعاهده ومحافظته على سنة الفجر أشّد ِمن جميع النوافل‪.‬‬
‫عها هي والوتَر سفرًا وحضرًا‪ ،‬وكان في السفر ُيواظب على سنة‬
‫ولذلك لم يكن يد ُ‬
‫الفجر والوتر أشّد ِمن جميع النوافل دون سائر السنن‪ ،‬ولم ُينقل عنه في السفر أنه صلى ال عليه‬
‫ت مع‬
‫صّلى سنة راتبة غيَرهما‪ ،‬ولذلك كان ابن عمر ل يزيد على ركعتين ويقول‪ :‬سافر ُ‬
‫وسلم َ‬
‫ل عنهما‪ ،‬فكانوا ل يزيدون في‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ومع أبي بكر‪ ،‬وعمر رضي ا ّ‬
‫رسول ا ّ‬
‫السفر على ركعتين‪ ،‬وهذا وإن احتمل أنهم لم يكونوا يرّبعون‪ ،‬إل أنهم لم ُيصلوا السنة‪ ،‬لكن قد ثبت‬
‫ت‪ ،‬وهذا من فقهه‬
‫سّبحا لتمم ُ‬
‫ت ُم َ‬
‫عن ابن عمر أنه سئل عن سنة الظهر في السفر‪ ،‬فقال‪ :‬لو كن ُ‬
‫سبحانه وتعالى خّفف عن المسافر في الرباعية شطَرها‪ ،‬فلو شرع له‬
‫ل ُ‬
‫ل عنه‪ ،‬فإن ا ّ‬
‫رضي ا ّ‬
‫لتمام أولى به‪.‬‬
‫ن قبلها أو بعدها‪ ،‬لكان ا ِ‬
‫الركعتا ِ‬
‫ي الصلتين آكُد‪ ،‬سنة الفجر أو الوتر؟ قولين‪ :‬ول يمكن‬
‫وقد اختلف الفقهاُء‪ :‬أ ّ‬
‫خ‬
‫ح باختلف الفقهاء في وجوب الوتر‪ ،‬فقد اختلفوا أيضًا في وجوب سنة الفجر‪ ،‬وسمعت شي َ‬
‫الترجي ُ‬
‫لسلم ابن تيمية يقول‪ :‬سنة الفجر تجري مجرى بداية العمل‪ ،‬والوتر خاتمته‪ .‬ولذلك كان النبي‬
‫اِ‬
‫‪140‬‬

‫لخلص‪ ،‬وهما الجامعتان لتوحيِد العلم‬


‫صلى ال عليه وسلم يصلى سنة الفجر والوتر بسورتي ا ِ‬
‫لرادة‪ ،‬وتوحيِد العتقاِد والقصد‪ ،‬انتهى‪.‬‬
‫والعمل‪ ،‬وتوحيِد المعرفة وا ِ‬
‫حد{‪ :‬متضمنة لتوحيد العتقاد والمعرفة‪ ،‬وما‬
‫ل َأ َ‬
‫ل ُهَو ا ُ‬
‫فسورة }ُق ْ‬
‫حِدّيِة المنافية لمطلق المشاركة بوجه من الوجوه‪ ،‬والصمدّية المثبتة‬
‫لَ‬‫يجب إثباته للَرب تعالى من ا َ‬
‫ص بوجه من الوجوه‪ ،‬ونفي الولد والوالد الذي هو من‬
‫له جميع صفات الكمال التي ل يلحقها نق ّ‬
‫حدّيته ونفي الكفء المتضّمن لخفي التشبيه والتمثيل والتنظير‪ ،‬فتضمنت‬
‫لوزام الصمدية‪ ،‬وغناه َوَأ َ‬
‫ي إثبات شبيه أو مثيل له في كماله‪ ،‬ونفي‬
‫ت كل كمال له‪ ،‬ونفي كل نقص عنه‪ ،‬ونف َ‬
‫هذه السورة إثبا َ‬
‫مطلق الشريك عنه‪ ،‬وهذه الصول هي مجامع التوحيد العلمي العتقاد في الذي ُيباين صاحُبه‬
‫ث القرآن‪ ،‬فإن القرآن مداُره على الخبر‬
‫جميَع فرق الضلل والشرك‪ ،‬ولذلك كانت َتْعِدل ثل َ‬
‫لنشاء ثلثة‪ :‬أمر‪ ،‬ونهي‪ ،‬وإباحة‪ .‬والخبر نوعان‪ :‬خبر عن الخالق تعالى وأسمائه‬
‫لنشاء‪ ،‬وا ِ‬
‫وا ِ‬
‫وصفاته وأحكامه‪ ،‬وخبر عن خلقه‪ .‬فأخلصت سورة }قل هو ال أحد{ الخبَر عنه‪ ،‬وعن أسمائه‪،‬‬
‫ن بها من الشرك العلمى‪ ،‬كما خّلصت سورة‬
‫ث القرآن‪ ،‬وخّلصت قارئها المؤم َ‬
‫ِوصفاته‪ ،‬فعدلت ثل َ‬
‫لرادي القصدي‪ .‬ولما كان العلم قبل العمل وهو إماُمه‬
‫ل َيا َأّيَها اْلَكاِفُرون{ من الشرك العملي ا ِ‬
‫}ُق ْ‬
‫ث القران‪.‬‬
‫حد{ تعِدل ثل َ‬
‫ل َأ َ‬
‫وقائُده وسائُقه‪ ،‬والحاُكم عليه ومنزله مناِزله‪ ،‬كانت سورة }ُقل ُهَو ا ُّ‬
‫والحاديث بذلك تكاد تبلغ مبلغ التواتر‪ ،‬و}قل يا أيها الكافرون{‪ ،‬تعِدل ربع القرآن‪ ،‬والحديث بذلك‬
‫ن‪َ ،‬وُقل‬
‫ف الُقرآ ِ‬
‫ص َ‬
‫ل ِن ْ‬
‫ت َتْعِد ُ‬
‫ل عنهما يرفعه‪ِ)) :‬إَذا ُزْلِزَل ْ‬
‫في الترمذي من رواية ابن عباس رضي ا ّ‬
‫ن((‪ .‬رواه الحاكم في‬
‫ن‪َ ،‬تْعِدلُ ُرُبَع اْلُقْرآ ِ‬
‫ل َيا َأّيَها اْلَكاِفُرو َ‬
‫ن‪َ ،‬وُق ْ‬
‫ث الُقْرآ ِ‬
‫ل ُثُل َ‬
‫حٌد‪َ ،‬تعِد ُ‬
‫ل َأ َ‬
‫ُهَو ا ُّ‬
‫لسناد‪.‬‬
‫))المستدرك(( وقال‪ :‬صحيح ا ِ‬
‫ب على النفوس لجل متابعتها هواها‪ ،‬وكثيٌر منها‬
‫لرادي اغل َ‬
‫ولما كان الشرك العملي ا ِ‬
‫ب‪،‬‬
‫ترتكبه مع علمها بمضّرته وبطلِنه‪ِ ،‬لَما لَها فيه من نيل الغراض‪ ،‬وإزالُته‪ ،‬وقلُعه منها أصع ُ‬
‫جة‪ ،‬ول يمكن صاحُبه أن يعلم‬
‫حّ‬‫وأشّد من قلع الشرك العلمي وإزالته‪ ،‬لن هذا يزول بالعلم وال ُ‬
‫لرادة والقصد‪ ،‬فإن صاحبه يرتِكب ما يدله العلم على‬
‫الشىء على غير ما هو عليه‪ ،‬بخلف شرك ا ِ‬
‫سلطان الشهوة والغضب على نفسه‪ ،‬فجاء من التأكيد‬
‫بطلنه وضرره لجل غلبة هواه‪ ،‬واستيلء ُ‬
‫لزالة الشرك العملي‪ ،‬ما لم يجىء مثُله في‬
‫ل َيا َأّيَها اْلَكاِفُرون{ المتضمنة ِ‬
‫والتكرار في سورة }ُق ْ‬
‫حٌد{‪ ،‬ولما كان القرآن شطرين‪ :‬شطرًا في الدنيا وأحكاِمها‪ ،‬ومتعلقاِتها‪،‬‬
‫ل َأ َ‬
‫سورة }ُقل ُهَو ا ُّ‬
‫والموِر الواقعة فيها من أفعال المكلفين وغيرها‪ ،‬وشطرًا في الخرة وما يقع فيها‪ ،‬وكانت سورة‬
‫‪141‬‬

‫خِلصت من أولها وآخرها لهذا الشطر‪ ،‬فلم يذكر فيها إل الخرة‪ .‬وما يكون فيها‬
‫ت{ قد ُأ ْ‬
‫}ِإَذا ُزْلِزَل ْ‬
‫ف القرآن‪ ،‬فأحرى بهذا الحديث أن يكون صحيحًا ‪-‬‬
‫ل نص َ‬
‫سّكانها‪ ،‬كانت َتعِد ُ‬
‫من أحوال الرض و ُ‬
‫لخلص‬
‫ل أعلم ‪ -‬ولهذا كان يقرأ بهاتين السورتين في ركعتي الطواف‪ ،‬ولنهما سورتا ا ِ‬
‫وا ّ‬
‫والتوحيد‪ ،‬كان يفتتح بهما عمل النهار‪ ،‬ويختمها بهما‪ ،‬ويقرأ بهما في الحج الذي هو شعار التوحيد‪.‬‬
‫فصل‬
‫شقه اليمن‪ ،‬هذا الذي ثبت عنه فى‬
‫وكان صلى ال عليه وسلم يضطجع بعد سنة الفجر على ِ‬
‫ل عنها وذكر الترمذي من حديث أبى هريرة رضي ا ّ‬
‫ل‬ ‫))الصحيحين(( من حديث عائشة رضي ا ّ‬
‫عَلى‬
‫طجْع َ‬
‫ضَ‬‫ح‪َ ،‬فْلَي ْ‬
‫صب ِ‬
‫ل ال ّ‬
‫ن َقْب َ‬
‫حُدُكُم الّرْكَعَتْي ِ‬
‫صّلى َأ َ‬
‫عنه‪ ،‬عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال‪ِ)) :‬إَذا َ‬
‫ن(( قال الترمذي‪ :‬حديث حسن غريب‪ .‬وسمعت ابن تيمية يقول‪ :‬هذا باطل‪ ،‬وليس‬
‫لْيَم ِ‬
‫جْنِبِه ا َ‬
‫َ‬
‫بصحيح‪ ،‬وإنما الصحيح عنه الفعل ل المُر بها‪ ،‬والمر تفرد به عبد الواحد بن زياد وغلط فيه‪،‬‬
‫وأما ابن حزم ومن تابعه‪ ،‬فإنهم يوجبون هذه الضجعة‪ ،‬وُيبطل ابن حزم صلَة من لم يضجعها بهذا‬
‫ث‪ ،‬وهذا مما تفرد به عن المة‪ ،‬ورأيت مجلدًا لبعض أصحابه قد نصر فيه هذا المذهب‪ .‬وقد‬
‫الحدي ِ‬
‫ذكر عبد الرّزاق في ))المصنف(( عن معمر‪ ،‬عن أيوب‪ ،‬عن ابن سيرين‪ ،‬أن أبا موسى‪ ،‬ورافَع بن‬
‫ل عنهم‪ ،‬كانوا يضطجعون بعد ركعتي الفجر‪ ،‬ويأمرون بذلك‪،‬‬
‫س بن مالك رضي ا ّ‬
‫خديج‪ ،‬وأن َ‬
‫َ‬
‫وذكر عن معمر‪ ،‬عن أيوب‪ ،‬عن نافع‪ ،‬أن ابن عمر كان ل يفعله‪ ،‬ويقول‪ :‬كفانا بالتسليم‪ .‬وذكر عن‬
‫ل عنها كانت تقول‪)) :‬إن النبي صلى ال عليه‬
‫ابن جريج‪ :‬أخبرني من أصدق أن عائشة رضي ا ّ‬
‫صُبهم إذا‬
‫ن عمر َيح ِ‬
‫ب ليله فيستريح((‪ .‬قال‪ :‬وكان اب ُ‬
‫وسلم لم يكن يضطجع لسنة‪ ،‬ولكنه كان يدَأ ُ‬
‫صّديق الناجي‪ ،‬أن ابن عمر رأى‬
‫رآهم يضطجعون على أيمانهم‪ .‬وذكر ابن أبي شيبة عن أبي ال ّ‬
‫ن عمر‪:‬‬
‫قومًا اضطجعوا بعد ركعتي الفجر‪ ،‬فأرسل إليهم فنهاهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬نريد بذلك السنة‪ ،‬فقال اب ُ‬
‫ن‪ .‬قال‬
‫شيطا ُ‬
‫ب بكم ال ّ‬
‫ت ابن عمر عنها فقال‪ :‬يلع ُ‬
‫ارجع إليهم وأخبرهم أنها بدعة‪ .‬وقال أبو ِمجلز‪ :‬سأل ُ‬
‫صّلى الركعتين يفعل كما يفعل الحمار إذا تمّعك‪.‬‬
‫ل الرجل إذا َ‬
‫ل عنه‪ :‬ما با ُ‬
‫ن عمر رضي ا ّ‬
‫اب ُ‬
‫وقد غل في هذه الضجعة طائفتان‪ ،‬وتوسط فيها طائفّة ثالثة‪ ،‬فأوجبها جماعة من أهل‬
‫الظاهر‪ ،‬وأبطلوا الصلَة بتركها كابن حزم ومن وافقه‪ ،‬وكرهها جماعة من الفقهاء‪ ،‬وسموها بدعة‪،‬‬
‫وتوسط فيها مالك وغيره‪ ،‬فلم يروا بها بأسًا لمن فعلها راحة‪ ،‬وكرهوها لمن فعلها استنانًا‪،‬‬
‫لطلق‪ ،‬سواء استراح بها أم ل‪ ،‬واحتجوا بحديث أبي هريرة‪ .‬والذين‬
‫واستحبها طائفة على ا ِ‬
‫ب َمن فعلها‪ ،‬ومنهم من‬
‫كرهوها‪ِ ،‬منهم َمن احتج بآثار الصحابة كابن عمر وغيره‪ ،‬حيث كان يحص ُ‬
‫‪142‬‬

‫أنكر فعل النبي صلى ال عليه وسلم لها‪ ،‬وقال‪ :‬الصحيح أن اضطجاعه كان بعد الوتر‪ ،‬وقبل‬
‫ث عائشة‪ ،‬فاختلف على ابن‬
‫ركعتي الفجر‪ ،‬كما هو مصرح به في حديث ابن عباس قال‪ :‬وأما حدي ُ‬
‫شقه اليمن حتى يأتيه المؤذن‬
‫شهاب فيه‪ ،‬فقال مالك عنه‪ :‬فإذا فرغ يعني من الليل‪ ،‬اضطجع على ِ‬
‫فصلي ركعتين خفيفتين وهذا صريح أن الضجعة قبل سنة الفجر‪ ،‬وقال غيُره عن ابن شهاب‪ :‬فإذا‬
‫سكت المؤذن من أذان الفجر‪ ،‬وتبين له الفجُر‪ ،‬وجاءه المؤذن‪ ،‬قام فركع ركعتين خفيفتين‪ ،‬ثم‬
‫اضطجع على شقه اليمن‪ .‬قالوا‪ :‬وإذا اختلف أصحاب ابن شهاب فالقول ما قاله مالك‪ ،‬لنه أثبُتهم‬
‫ظهم‪ .‬وقال الخرون‪:‬بل الصواب هذا مع من خالف مالكًا‪ ،‬وقال أبو بكر الخطيب‪ :‬روى‬
‫فيه وأحف ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم يصلي من الليل إحدى‬
‫ل ا ِّ‬
‫مالك عن الزهري‪ ،‬عروة‪ ،‬عن عائشة‪ :‬كان رسو ُ‬
‫شقه اليمن حتى يأتيه المؤذن‪،‬‬
‫عشرة ركعة‪ ،‬يوتر منها بواحدة‪ ،‬فإذا فرغ منها‪ ،‬اضطجع على ِ‬
‫ن أبي ذئب‪ .‬والوزاعي‪،‬‬
‫ل‪ ،‬ويونس‪ ،‬وشعيب‪ ،‬واب ُ‬
‫))ركعتين خفيفتين((‪ .‬وخالف مالكًا‪ ،‬عقي ٌ‬
‫وغيرهم‪ ،‬فرووا عن الزهري‪ ،‬أن النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬كان يركع الركعتين للفجر‪ ،‬ثم‬
‫يضطجع على شقه اليمن حتى يأتيه المؤذن‪ ،‬فيخرج معه فذكر ما أن اضطجاعه كان قبل ركعتي‬
‫الفجر وفي حديث الجماعة‪ ،‬أنه اضطجع بعد فحكم العلماء أن مالكًا أخطأ وأصاب غيره‪ ،‬انتهى‬
‫كلمه‪.‬‬
‫ت لحمد‪ :‬حدثنا أبو الصلت‪ ،‬عن أبي ُكَدينة‪،‬عن سهيل بن أبي صالح عن‬
‫وقال أبو طالب‪ :‬قل ُ‬
‫أبيه‪ ،‬عن أبي هريرة‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬أنه اضطجع بعد ركعتي الفجر‪ ،‬قال‪ :‬شعبة ل‬
‫ت‪ :‬فإن لم يضطجع عليه شيء؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬عائشة ترويه وابن عمر ينكره‪ .‬قال الخلل‪:‬‬
‫يرفعه‪ ،‬قل ُ‬
‫ث أبي هريرة ليس بذاك‪ .‬قلت‪ :‬إن العمش ُيحدث به عن‬
‫ل قال‪ :‬حدي ُ‬
‫وأنبأنا المروزي أن أبا عبد ا ّ‬
‫أبي صالح‪ ،‬عن أبي هريرة‪ .‬قال‪ :‬عبد الواحد وحده ُيحدث به‪ .‬وقال إبراهيم بن الحارث‪ :‬إن أبا عبد‬
‫ل سئل عن الضطجاع بعد ركعتي الفجر قال‪ :‬ما أفعُله‪ ،‬وإن فعله رجل‪ ،‬فحسن‪ .‬انتهى‪ .‬فلو كان‬
‫ا ّ‬
‫ل درجاته عنده‬
‫حديث عبد الواحد بن زياد‪ ،‬عن العمش‪ ،‬عن أبي صالح صحيحًا عنده‪ ،‬لكان أق ّ‬
‫ل هذا تارة‪ ،‬وهذا‬
‫ل عنها روت هذا‪ ،‬وروت هذا‪ ،‬فكان يفع ُ‬
‫ب‪ ،‬وقد تقال‪ :‬إن عائشة رضي ا ّ‬
‫الستحبا َ‬
‫تارة‪ ،‬فليس في ذلك خلف‪ ،‬فإنه من المباح‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫شقه اليمن سر‪ ،‬وهو أن القلب معّلق في الجانب اليسر‪ ،‬فإذا نام‬
‫وفي اضطجاعه على ِ‬
‫الرجل على الجنب اليسر‪ ،‬استثقل نومًا‪ ،‬لنه يكون في َدعة واستراحة‪ ،‬فيثقل نومه‪ ،‬فإذا نام على‬
‫شقه اليمن‪ ،‬فإنه يقلق ول يستغرق في النوم‪ ،‬لقلق القلب‪ ،‬وطلبه مستقره‪ ،‬وميله إليه‪ ،‬ولهذا استحب‬
‫ِ‬
‫‪143‬‬

‫الطباء النوم على الجانب اليسر لكمال الراحة وطيب المنام‪ ،‬وصاحب الشرع يستحب النوم على‬
‫الجانب اليمن‪ ،‬لئل يثقل نومه فينام عن قيام الليل‪ ،‬فالنوم على الجانب اليمن أنفُع للقلب‪ ،‬وعلى‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫الجانب اليسر أنفع للبدن‪ ،‬وا ّ‬
‫فصل‬
‫في هديه صلى ال عليه وسلم في قيام الليل‬
‫ف والخلف في أنه‪ :‬هل كان فرضًا عليه أم ل؟ والطائفتان احتجوا بقوله‬
‫قد اختلف السل ُ‬
‫لسراء‪ [79 :‬قالوا‪ :‬فهذا صريح في عدم الوجوب‪ ،‬قال‬
‫ك{ ]ا ِ‬
‫جد ِبِه َناِفَلًة َل َ‬
‫ل َفَتَه ّ‬
‫ن اْلَلْي ِ‬
‫تعالى‪َ} :‬وِم َ‬
‫ل{‬
‫ل َقِلي ً‬
‫ل ِإ ّ‬
‫ل ُقِم اْلّلْي َ‬
‫الخرون‪ .‬أمره بالتهجد في هذه السورة‪ ،‬كما أمره في قوله تعالى‪َ} :‬يَأّيَها المّزّم ُ‬
‫ع‪ ،‬لم‬
‫ك{ فلو كان المراُد به التطو َ‬
‫خه عنه‪ ،‬وأما قوُله تعالى‪َ} :‬ناِفَلًة َل َ‬
‫]المزمل‪ [1:‬ولم يجىء ما ينس ُ‬
‫ق الزيادة ل يدل على التطوع‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫يخصه بكونه نافلة له‪ ،‬وإنما المراد بالنافلة الزيادة‪ ،‬ومطل ُ‬
‫ب َناِفَلًة{ ]النبياء‪ ،[72 :‬أى زيادة على الولد‪ ،‬وكذلك النافلة في تهجد‬
‫ق َوَيْعقو َ‬
‫حا َ‬
‫سَ‬
‫}َوَوَهبَنا َلُه ِإ ْ‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم زيادة في درجاته‪ ،‬وفي أجره ولهذا خصه بها‪ ،‬فإن قياَم الليل في حق‬
‫ل له ما تقدم ِمن ذنبه وما‬
‫غَفَر ا ُّ‬
‫ح‪ ،‬ومكّفر للسيئات‪ ،‬وأما النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقد َ‬
‫غيره مبا ٌ‬
‫تأخر‪ ،‬فهو يعمل في زيادة الدرجات وعلو المراتب‪ ،‬وغيره يعمل في التكفير‪ .‬قال مجاهد‪ :‬إنما كان‬
‫غِفَر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر‪ ،‬فكانت طاعته نافلة‪،‬‬
‫نافلًة للنبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬لنه قد ُ‬
‫أي‪ :‬وزيادة في الثواب‪ ،‬ولغيره كفارة لذنوبه‪ ،‬قال ابن المنذر في تفسيره‪ :‬حدثنا يعلى بن أبي عبيد‪،‬‬
‫ل بن كثير‪ ،‬عن‪ ،‬مجاهد قال‪ :‬ما سوى المكتوبة‪ ،‬فهو نافلة‬
‫حدثنا الحجاج‪ ،‬عن ابن جريج‪ ،‬عن عبد ا ّ‬
‫ِمن أجل أنه ل يعمل في كفارة الذنوب‪ ،‬وليست للناس نوافل‪ ،‬إنما هي للنبي صلى ال عليه وسلم‬
‫خاصة‪ ،‬والناس جميعًا يعملون ما سوى المكتوبة لذنوبهم في كفارتها‪.‬‬
‫ل‪ ،‬حدثنا عمرو‪ ،‬عن سعيد وقبيصة‪ ،‬عن سفيان‪ ،‬عن أبي‬
‫ن نصر‪ ،‬حدثنا عبد ا ّ‬
‫حدثنا محمد ب ُ‬
‫ك{ ]السراء‪ ،[79 :‬قال‪ :‬ل تكون‬
‫جْد ِبِه َناِفَلة َل َ‬
‫ل َفَتَه ّ‬
‫ن الّلْي ِ‬
‫عثمان‪ ،‬عن الحسن في قوله تعالى‪َ} :‬وِم َ‬
‫نافلة الليل إل للنبى صلى ال عليه وسلم‪ .‬وذكر عن الضحاك‪ ،‬قال‪ :‬نافلة للنبى صلى ال عليه وسلم‬
‫خاصة‪.‬‬
‫ت الطهوَر مواضعه‪،‬‬
‫سليم بن حيان‪ ،‬حدثنا أبو غالب‪ ،‬حدثنا أبو أمامة‪ ،‬قال‪ :‬إذا وضع َ‬
‫وذكر ُ‬
‫ت تصلي‪ ،‬كانت لك فضيلًة وأجرًا‪ ،‬فقال رجل‪ :‬يا أبا أمامة‪ ،‬أرأيت إن قام‬
‫ت مغفورًا لك‪ ،‬فإن قم َ‬
‫قم َ‬
‫يصلي تكون له نافلة؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬إنما النافلُة للنبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فكيف يكون له نافلة‪ ،‬وهو‬
‫‪144‬‬

‫ت‪ :‬والمقصوُد أن النافلة في الية‪ ،‬لم ُيرد‬


‫يسعى في الذنوب والخطايا؟! تكون له فضيلة وأجرًا قل ُ‬
‫بها ما يجوز فعُله وتركه‪ ،‬كالمستحب‪ ،‬والمندوب‪ ،‬وإنما المراد بها الزيادة في الدرجات‪ ،‬وهذا قدر‬
‫ل عليه المر من الوجوب‪،‬‬
‫مشترك بين الفرض والمستحب‪ ،‬فل يكون قوله‪} :‬نافلة لك{ نافيًا لما د ّ‬
‫ل تعالى‪ ،‬عند ذكر خصائص النبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫وسيأتي مزيُد بيان لهذه المسألة إن شاء ا ّ‬
‫ولم يكن صلى ال عليه وسلم يدع قياَم الليل حضرًا ول سفرًا‪ ،‬وكان إذا غلبه نوم أو‬
‫لسلم ابن تيمية يقول‪ :‬في هذا دليل على‬
‫وجع‪ ،‬صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة‪ .‬فسمعت شيخ ا ِ‬
‫أن الوتر ل ُيقض لفوات محله‪ ،‬فهو كتحية المسجد‪ ،‬وصلِة الكسوف والستسقاِء ونحوها‪ ،‬لن‬
‫المقصوَد به أن يكون آخُر صلة الليل وترًا‪ ،‬كما أن المغرب آخر صلة النهار‪ ،‬فإذا انقضى الليل‬
‫وصليت الصبح‪ ،‬لم يقع الوتر موقَعه‪ .‬هذا معنى كلمه‪ .‬وقد روى أبو داود‪ ،‬وابن ماجه من حديث‬
‫صّله إذا‬
‫سيه‪َ ،‬فْلُي َ‬
‫ن الِوْتِر َأْو َن ِ‬
‫عِ‬‫ن َناَم َ‬
‫خدري‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪َ)) :‬م ْ‬
‫أبي سعيد ال ُ‬
‫ح َأو َذَكَر(( ولكن لهذا الحديث عدة علل‪.‬‬
‫أصَب َ‬
‫أحُدها‪ :‬أنه من رواية عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن الصحيح فيه أنه مرسل له عن أبيه‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬قال‬
‫الترمذي‪ .‬هذا أصح‪ ،‬يعني المرسل‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن ابن ماجه حكى عن محمد بن يحيى بعد أن روى حديث أبى سعيد‪ :‬الصحيح أن‬
‫حوا((‪ .‬قال‪ :‬فهذا الحديث دليل على أن حديث‬
‫صِب ُ‬
‫ل َأن ت ْ‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم قال‪َ)) :‬أْوِتُروا َقْب َ‬
‫عبد الرحمن واٍه‪.‬‬
‫ث عشرة‪ ،‬كما قال‬
‫وكان قياُمه صلى ال عليه وسلم بالليل إحدى عشرة ركعة‪ ،‬أو ثل َ‬
‫ل صلى‬
‫ل ا ِّ‬
‫ابن عباس وعائشة‪ ،‬فإنه ثبت عنهما هذا وهذا‪ ،‬ففي ))الصحيحين(( عنها‪ :‬ما كان رسو ُ‬
‫ال عليه وسلم يزيد في رمضان ول غيره على إحدى عشرة ركعة‪ .‬وفى ))الصحيحين(( عنها‬
‫ث عشر‪ .‬ركعة‪ُ ،‬يوتر من ذلك‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ُيصلي من الليل ثل َ‬
‫أيضًا‪ ،‬كان رسول ا ِّ‬
‫لحدى‬
‫خِرِهن والصحيح عن عائشة الول‪ :‬والركعتان فوق ا ِ‬
‫بخمس‪ ،‬ل يجلس في شيء إل في آ ِ‬
‫ل صلى ال عليه‬
‫عشرة هما ركعتا الفجر‪ ،‬جاء ذلك مبينًا عنها في هذا الحديث بعينه‪ ،‬كان رسول ا ّ‬
‫وسلم ُيصلي ثلث عشرة ركعة بركعتي الفجر‪ ،‬ذكره مسلم في ))صحيحه((‪ .‬وقال البخاري‪ :‬في‬
‫ث عشرة ركعة‪ ،‬ثم ُيصلي إذا‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ُيصلي بالليل ثل َ‬
‫هذا الحديث‪ :‬كان رسول ا ّ‬
‫ت عائشة‬
‫سمع النداء بالفجر ركعتين خفيفتين وفي ))الصحيحين(( عن القاسم بن محمد قال‪ :‬سمع ُ‬
‫‪145‬‬

‫ل عنها تقول‪ :‬كانت صلُة رسول ال صلى ال عليه وسلم من الليل عشَر ركعات‪ ،‬وُيوتر‬
‫رضي ا ّ‬
‫ث عشرة ركعة‪ ،‬فهذا مفسر مبين‪.‬‬
‫بسجدة‪ ،‬ويركع ركعتي الفجر‪ ،‬وذلك ثل َ‬
‫ن عباس‪ ،‬فقد اختلف عليه‪ ،‬ففي ))الصحيحين(( عن أبي جمرة عنه‪ :‬كانت صلُة‬
‫وأما اب ُ‬
‫ث عشرة ركعًة يعني بالليل لكن قد جاء عنه هذا مفسرًا أنها‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ثل َ‬
‫لا ّ‬
‫رسو ِ‬
‫ل عنهما‪ ،‬عن‬
‫ل بن عمر رضي ا ّ‬
‫ل بن عباس‪ ،‬وعبد ا ّ‬
‫ت عبد ا ّ‬
‫بركعتي الفجر‪ .‬قال الشعبي‪ :‬سأل ُ‬
‫ث ركعات ركعة‪ ،‬منها ثمان‪ ،‬وُيوتر بثلث‪،‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم بالليل‪ ،‬فقال‪ :‬ثل َ‬
‫صلةِ رسول ا ّ‬
‫وركعتين قبل صلة الفجر‪ .‬وفي ))الصحيحين(( عن ُكريب عنه‪ ،‬في قصة مبيته عند خالته ميمونة‬
‫بنت الحارث‪ ،‬أنه صلى ال عليه وسلم صّلى ثلث عشرة ركعة‪ ،‬ثم نام حتى نفخ‪ ،‬فلما تبّين له‬
‫ن وفي لفظ‪ :‬فصّلى ركعتين‪ ،‬ثم ركعتين‪ ،‬ثم ركعتين‪ ،‬ثم ركعتين‪ ،‬ثم‬
‫الفجُر‪ ،‬صّلى ركعتين خفيفتي ِ‬
‫ن‪ .‬فقام فصّلى ركعتين خفيفتين‪ ،‬ثم خرج‬
‫ركعتين‪ ،‬ثم ركعتين‪ ،‬ثم أوتر ثم اضطجع حتى جاءه المؤّذ ُ‬
‫ق على إحدى عشرة ركعة‪.‬‬
‫ُيصلي الصبح‪ .‬فقد حصل التفا ُ‬
‫واختلف في الركعتين الخيرتين هل هما ركعتا الفجر أو هما غيرهما‪ .‬فإذا انضاف‬
‫ع ورده الراتب‬
‫ذلك إلى عدد ركعات الفرض والسنن الراتبة التي كان ُيحافظ عليها‪ ،‬جاء مجمو ُ‬
‫بالليل والنهار أربعين ركعة‪ ،‬كان ُيحافظ عليها دائمًا سبعة عشر فرضًا‪ ،‬وعشر ركعات‪ ،‬أو ثنتا‬
‫عشرة سنة راتبة‪ ،‬وإحدى عشرة‪ ،‬أو ثلث عشرة ركعة قيامه بالليل‪ ،‬والمجموع أربعون ركعة‪،‬‬
‫وما زاد على ذلك‪ ،‬فعارض غيُر راتب‪ ،‬كصلة الفتح ثمان ركعات‪ ،‬وصلة الضحى إذا َقِدَم من‬
‫سفر‪ ،‬وصلته عند من يزوره‪ ،‬وتحية المسجد ونحو ذلك‪ ،‬فينبغي للعبد أن ُيواظب على هذا الورد‬
‫ل يوم وليلة أربعين مرة‪ .‬وا ّ‬
‫ل‬ ‫عه ك ّ‬
‫لجابة وأعجل فتح الباب لمن يقر ُ‬
‫دائمًا إلى الممات‪ ،‬فما أسرع ا ِ‬
‫المستعان‪.‬‬
‫فصل‬
‫في سياق صلته صلى ال عليه وسلم بالليل ووتره وذكر صلة أول الليل‪.‬‬
‫ط فدخل‬
‫ل صلى ال عليه وسلم الِعشاء ق ّ‬
‫لا ّ‬
‫ل عنها‪ :‬ما صّلى رسو ُ‬
‫قالت عائشُة رضي ا ّ‬
‫علي‪ ،‬إل صّلى أربع ركعات‪ ،‬أو ست ركعات‪ ،‬ثم يأوي إلى فراشه‪.‬‬
‫جاء‪ُ ،‬ثّم صَلى‪ ،‬ثم نام ذكرهما أبو داود‪.‬‬
‫وقال ابن عباس لما بات عنده‪ :‬صّلى الِعشاء‪ ،‬ثم َ‬
‫وكان إذا استيقظ‪ ،‬بدأ بالسواك‪ ،‬ثم يذُكر ال تعالى‪ ،‬وقد تقدم ذكرهما كان يقوله عند استيقاظه‪ ،‬ثم‬
‫لا ّ‬
‫ل‬ ‫يتطهر‪ ،‬ثم ُيصلى ركعتين خفيفتين‪ ،‬كما في ))صحيح مسلم((‪ ،‬عن عائشة قالت‪ :‬كان رسو ُ‬
‫‪146‬‬

‫ن خفيفتين وأمر بذلك في حديث أبي‬


‫صلى ال عليه وسلم إذا قام من الليل‪ ،‬افتتح صلَته بركعتي ِ‬
‫ل عنه قال‪)) :‬إذا قام أحُدكم ِمن الليل‪ ،‬فليفَتتح صلَته بركعتين خفيفتين(( ))رواه‬
‫هريرة رضي ا ّ‬
‫ل‪ ،‬أو قبله بقليل‪ ،‬أو بعَده بقليل‪ ،‬وربما كان يقوم إذا سمع‬
‫مسلم(( وكان يقوُم تارة إذا انتصف اللي ُ‬
‫ك وهو إنما يصيح في النصف الثاني‪ ،‬وكان يقطع ورده تارة‪ ،‬ويصله تارة وهو‬
‫خ وهو الّدي ُ‬
‫الصاِر َ‬
‫الكثر‪ ،‬ويقطعه كما قال ابن عباس في حديث مبيته عنده‪ ،‬أنه صلى ال عليه وسلم استيقظ‪،‬‬
‫ل َوالّنَهاِر لَيا ٍ‬
‫ت‬ ‫ف اْلّلْي ِ‬
‫ل ِ‬
‫خِت َ‬
‫ض َوا ْ‬
‫لْر ِ‬
‫ت‪ ،‬وا َ‬
‫سَماَوا ِ‬
‫ق ال ّ‬
‫خْل ِ‬
‫ن ِفي َ‬
‫فتسّوك‪ ،‬وتوضأ‪ ،‬وهو يقول‪ِ} :‬إ ّ‬
‫لولي اللَباب{ ]آل عمران‪ [190 :‬فقرأ هؤلء اليات حتى ختم السورة‪ ،‬ثم قام فصّلى ركعتين‬
‫ُ‬
‫ث مرات بست‬
‫أطال فيهما القياَم والركوع والسجوَد‪ ،‬ثم انصرف‪ ،‬فنام حتى نفخ‪ ،‬ثم فعل ذلك ثل َ‬
‫ركعات كل ذلك َيستاك ويتوضأ‪ ،‬ويقرأ هؤلء اليات‪ ،‬ثم أوتر بثلث‪ ،‬فَأذن المؤّذن؟ فخرج إلى‬
‫سْمِعي ُنورًا‪َ ،‬واجَعل في‬
‫ل في َ‬
‫جَع ْ‬
‫ساِني‪َ .‬وا ْ‬
‫ل في َقلبي ُنورًا‪َ ،‬وِفي ِل َ‬
‫جَع ْ‬
‫الصلة وهو يقول‪)) :‬الّلُهّم ا ْ‬
‫حِتي ُنورُا‪،‬‬
‫ن َفْوِقي ُنورًا‪َ ،‬وِمنْ َت ْ‬
‫جَعل ِم ْ‬
‫خْلِفي ُنورَا‪ ،‬ومن َأَماِمي ُنورًا‪َ ،‬وا ْ‬
‫ن َ‬
‫ل ِم ْ‬
‫جَع ْ‬
‫صِري ُنورًا‪َ ،‬وا ْ‬
‫َب َ‬
‫حه بركعتين خفيفتين كما ذكرته عائشة‪،‬‬
‫ن عباس افتتا َ‬
‫طني نورًا(( رواه مسلم‪ .‬ولم يذكر اب ُ‬
‫عِ‬‫الّلُهّم أَ ْ‬
‫أنه كان يفعل هذا تارة‪ ،‬وهذا تارة‪َ ،‬وِإّما أن تكون عائشُة حفظت ما لم يحفظ بن عباس‪ ،‬وهو‬
‫ن عباس إنما شاهده‬
‫الظهر لملزمتها له‪ ،‬ولمراعاتها ذلك‪ ،‬ولكونها أعلَم الخلق‪ .‬بقيامه بالليل‪ ،‬واب ُ‬
‫ل ما‬
‫ن عباس وعائشة في شيء من أمر قياِمه بالليل‪ ،‬فالقو ُ‬
‫ليلة المبيت عند خالته‪ ،‬وإذا اختلف اب ُ‬
‫قالت عائشة‪.‬‬
‫وكان قياُمه بالليل وِوتُره أنواعًا‪ ،‬فِمنها هذا الذي ذكره ابن عباس‪.‬‬
‫النوع الثاني‪ :‬الذي ذكرته عائشة‪ ،‬أنه كان يفتتح صلته بركعتين‪ .‬ثم ُيتمم‬
‫ورده إحدى عشرة ركعة‪ُ ،‬يسلم من كل ركعتين ويوتر بركعة‪.‬‬
‫النوع الثالث‪ :‬ثلث عشرة ركعة كذلك‪.‬‬
‫ن ركعات‪ُ ،‬يسلم من كل ركعتين‪ ،‬ثم‬
‫النوع الرابع‪ُ :‬يصلي ثما َ‬
‫ُيوتر‪ .‬سردًا متوالية‪ ،‬ل يجلس في شيء إل في آخرهن‪.‬‬
‫النوع الخامس‪ :‬تسع ركعات‪ ،‬يسُرد منهن ثمانيًا ل‬
‫ل تعالى ويحمده ويدعوه‪ ،‬ثم ينهض ول يسلم‪ ،‬ثم‬
‫يجِلس في شيء إل في الثامنة‪ ،‬يجِلس يذكر ا ّ‬
‫ُيصلي التاسعة‪ ،‬يسلم ثم يقعد‪ ،‬ويتشهد‪ ،‬وُيسّلم‪ ،‬ثم ُيصلي ركعتين جالسًا بعدما يسلم‪.‬‬
‫‪147‬‬

‫النوع السادس‪ُ :‬يصلي سبعًا كالتسع لمذكورة‪،‬‬


‫ثم ُيصلي بعدها ركعتين جالسًا‪.‬‬
‫النوع السابع‪ :‬أنه كان ُيصلي َمثنى‬
‫ل عن عائشة‪ ،‬أنه كان ُيوِتر‬
‫لمام أحمد رحمه ا ّ‬
‫صل بينهن فهذا رواه ا ِ‬
‫َمثنى‪ ،‬ثم ُيوتر بثلث ل يف ِ‬
‫بثلث ل فصل فيهن وروى النسائي عنها‪ :‬كان ل ُيسلم في ركعتي الوتر وهذه الصفة فيها نظر‪،‬‬
‫فقد روى أبو حاتم بن حبان في ))صحيحه(( عن أبي هريرة‪ ،‬النبى صلى ال عليه وسلم‪)) :‬ل‬
‫ب((‪ .‬قال الدارقطني‪ :‬رواته كلهم‬
‫صلِة الَمغِر ِ‬
‫شّبُهوا ِب َ‬
‫ل َت َ‬
‫سْبٍع‪َ ،‬و َ‬
‫س َأْو َ‬
‫خم ٍ‬
‫ث‪َ ،‬أْوِتُروا ِب َ‬
‫ل ٍ‬
‫ُتوِتُروا ِبَث َ‬
‫ل‪ :‬إلى أي شيء تذهب في الوتر‪ُ ،‬تسلم في الركعتين؟ قال‪ :‬نعم‪.‬‬
‫ت أبا عبد ا ّ‬
‫ثقات‪ ،‬قال مهنا‪ :‬سأل ُ‬
‫لي شيء؟ قال‪ :‬لن الحاديث فيه أقوى وأكثر عن النبي صلى ال عليه وسلم في الركعتين‪.‬‬
‫ت‪َ :‬‬
‫قل ُ‬
‫الزهري‪ ،‬عن عروة‪ ،‬عن عائشة‪ ،‬أن النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬سلم من الركعتين وقال حرب‪:‬‬
‫ت عن‬
‫سئل أحمد عن الوتر؟ قال‪ :‬في الركعتين‪ .‬وإن لم يسلم‪ ،‬رجوت أل يضّره‪ ،‬إل أن التسليم أثب ُ‬
‫ل‪ :‬إلى أي حديث تذهب في‪ ،‬الوتر؟‬
‫ت أبا عبد ا ّ‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وقال أبو طالب‪ :‬سأل ُ‬
‫ن صّلى خمسًا ل يجلس إل في آخرهن‪ ،‬ومن صّلى سبعًا ل يجلس إل في‬
‫قال‪ :‬أذهب إليها كّلها‪َ :‬م ْ‬
‫آخرهن‪ ،‬وقد روي َفي حديث زرارة عن عائشة‪ُ :‬يوتر بتسع يجَلس في الثامنة قال‪ :‬ولكن أكثر‬
‫ب إليهَا‪ .‬قلت‪ :‬ابن مسعود يقول‪ :‬ثلث‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬قد عاب على سعد‬
‫الحديث وأقواه ركعة‪ ،‬فأنا أذه ُ‬
‫ركعة‪ ،‬فقال له سعد أيضًا شيئًا يرد عليه‪.‬‬
‫النوع الثامن‪ :‬ما رواه النسائي‪،‬‬
‫حذيفة‪ ،‬أنه صّلى مع النبي صلى ال عليه وسلم فى رمضان‪ ،‬فركع‪ ،‬فقال في ركوعه‪:‬‬
‫عن ُ‬
‫ل َما‬
‫غِفْر لي(( مث َ‬
‫با ْ‬
‫ب اغفْر لي‪َ ،‬ر ّ‬
‫ي اْلَعظيِم(( مثل ما كان قائمًا‪ ،‬ثم جلس يقول‪َ)) :‬ر ّ‬
‫ن َرب َ‬
‫حا َ‬
‫سْب َ‬
‫)) ُ‬
‫ل ما كان قائمًا‪ ،‬فما صّلى إل أربع ركعات‬
‫عًلى(( مث َ‬
‫لْ‬‫يا َ‬
‫ن َرّب َ‬
‫حا َ‬
‫سْب َ‬
‫كان قائمًا‪ .‬ثم سجد‪ ،‬فقال‪ُ )) :‬‬
‫حتى جاء بلل يدعوه إلى الغداة‪ ،‬وأوتر أّول الليل‪ ،‬ووسطه‪ ،‬وآخَره‪ .‬وقام ليلة تامة بآية يتلوها‬
‫ك{ ]المائدة‪.[118 :‬‬
‫عَباُد َ‬
‫ن ُتَعّذْبُهْم َفِإّنُهم ِ‬
‫ويرّدُدها حتى الصباح وهي‪} :‬إ ْ‬
‫وكانت صلته بالليل ثلثَة أنواع‬
‫أحدها ‪ -‬وهو أكثرها‪ :‬صلته قائمًا‬
‫الثاني‪ :‬أنه كان ُيصلي قاعدًا‪ ،‬ويركع قاعدًا‬
‫‪148‬‬

‫الثالث‪ :‬أنه كان يقرأ قاعدًا‪ ،‬فإذا بقي يسيٌر ِمن قراءته‪ ،‬قام فركع قائمًا‪ ،‬والنواع الثلثة‬
‫صحت عنه‪.‬‬
‫ل بن شقيق‪ ،‬عن عائشة‬
‫وأما صفة جلوسه في محل القيام‪ ،‬ففي ))سنن النسائي((‪ ،‬عن عبد ا ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم يصلي مترّبعًا قال النسائي‪ :‬ل أعلم أحدًا روى هذا‬
‫ت رسول ا ّ‬
‫قالت‪ :‬رأي ُ‬
‫ث غيَر أبي داود‪ ،‬يعني الحفري‪ ،‬وأبو داود ثقة‪ ،‬ول أحسب إل أن هذا الحديث خطأ وا ّ‬
‫ل‬ ‫الحدي َ‬
‫أعلم‪.‬‬
‫فصل‬
‫وقد ثبت عنه صلى ال عليه وسلم أنه كان يصلي بعد الوتر ركعتين جالسًا تارة‪ ،‬وتارة يقرأ‬
‫ت عائشة‬
‫سَلمة قال‪ :‬سأل ُ‬
‫فيهما جالسًا‪ ،‬فإذا أراد أن يركع‪ ،‬قام فركع‪ ،‬وفي ))صحيح مسلم(( عن أبي َ‬
‫ث عشرة ركعًة‪،‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقالت‪ :‬كان ُيصلي ثل َ‬
‫لا ّ‬
‫ل عنها عن صلة رسو ِ‬
‫رضي ا ّ‬
‫ن ركعات‪ ،‬ثم ُيوِتر‪ ،‬ثم ُيصلي ركعتين وهو جالس‪ ،‬فإذا أراد أن يركع‪ ،‬قام فركع‪ ،‬ثم‬
‫ُيصلي ثما َ‬
‫لقامِة ِمن صلة الصبح وفي ))المسند(( عن أم سلمة‪ ،‬أن النبي صلى‬
‫ُيصلي ركعتين بين النداِء وا ِ‬
‫ال عليه وسلم‪ ،‬كان ُيصلي بعد الوتر ركعتين خفيفتين وهو جالس وقال الترمذي‪ :‬روي نحُو هذا‬
‫عن عائشة‪ ،‬وأبي أمامة‪ ،‬وغيِر واحٍد عن النبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬كان ُيصلي ركعتين بعد‬
‫وفي ))المسند(( عن أبي أمامة‪ ،‬أن رسول ا ّ‬
‫ن{‪.‬‬
‫ل َيا َأّيَها اْلَكاِفُرو َ‬
‫الوتر وهو جالس‪ ،‬يقرأ فيهما بـ}ِإَذا ُزلِزَلت{ و }ُق ْ‬
‫ل عنه‪.‬‬
‫وروى الدارقطني نحَوه من حديث أنس رضي ا ّ‬
‫جَعُلوا‬
‫وقد أشكل هذا على كثير من الناس‪ ،‬فظنوه معارضًا‪ ،‬لقوله صلى ال عليه وسلم‪)) :‬ا ْ‬
‫ل هاتين الركعتين‪ ،‬وقال أحمد‪ :‬ل أفعله ول أمنُع‬
‫ل ِوْترًا((‪ .‬وأنكر مالك رحمه ا ّ‬
‫لِتُكم ِباْلّلْي ِ‬
‫خَر صَ َ‬
‫آِ‬
‫ن فعله‪ ،‬قال‪ :‬وأنكره مالك وقالت طائفة‪ :‬إنما فعل هاتين الركعتين‪ ،‬ليبين جواَز الصلة بعد الوتر‪،‬‬
‫َم ْ‬
‫ل ِوْترًا(( على الستحباب‪،‬‬
‫لِتُكم ِباْلّلْي ِ‬
‫صَ‬‫خَر َ‬
‫جَعُلوا آ ِ‬
‫وأن فعله ل يقطع التنّفل‪ ،‬وحملوا قوُله‪)) :‬ا ْ‬
‫وصلة الركعتين بعده على الجواز‪.‬‬
‫والصواب‪ :‬أن يقال‪ :‬إن هاتين الركعتين تجريان مجرى السنة‪ ،‬وتكميل الوتر‪ ،‬فإن الوتَر‬
‫ب ِمن المغرب‪،‬‬
‫عبادة مستقلة‪ ،‬ول سيما إن قيل بوجوبه‪ ،‬فتجري الركعتان بعده‪ .‬مجرى سنة المغر ِ‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫فإنها ِوتر النهار‪ ،‬والركعتان بعدها تكميل لها‪ ،‬فكذلك الركعتان بعد وتر الليل‪ ،‬وا ّ‬
‫فصل‬
‫‪149‬‬

‫ولم ُيحفظ عنه صلى ال عليه وسلم أنه قنت في الوتر‪ ،‬إل في حديث رواه ابن ماجه‪ ،‬عن‬
‫علي بن ميمون الّرقي‪ ،‬حدثنا مخلد بن يزيد‪ ،‬عن سفيان‪ ،‬عن ُزبيد اليامي‪ ،‬عن سعيد بن عبد‬
‫ل صلى ال عليه وسلم كان ُيوتر فيقُنت‬
‫الرحمن بن أبزى‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن أبي بن كعب‪ ،‬أن رسول ا ّ‬
‫ل شيء ثبت عن‬
‫ن ُك ّ‬
‫ل‪ :‬أختار القنوت بعد الركوع‪ ،‬إ ّ‬
‫قبل الركوع وقال أحمد في رواية ابنه عبد ا ّ‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم في القنوت‪ ،‬إنما هو في الفجر لَما رفع رأسه من الركوع‪ ،‬وقنوت الوتر‬
‫ل أو بعُد شيء‪.‬‬
‫ح عن النبي صلى ال عليه وسلم في قنوت الوتر قب ُ‬
‫أختاُره بعد الركوع‪ ،‬ولم يص ّ‬
‫ل في القنوت في الوتر؟ فقال‪:‬‬
‫لل‪ :‬أخبرني محمد بن يحيى الكحال‪ ،‬أنه قال لبي عبد ا ّ‬
‫وقال الخ ّ‬
‫ليس ُيروى فيه عن النبي صلى ال عليه وسلم شيء‪ ،‬ولكن كان عمر يقُنت من السنة إلى السنة‪.‬‬
‫)يتبع‪(...‬‬
‫وقد روى أحمد وأهل ))السنن(( من حديث الحسن بن علي رضي ال عنهما قال‪ :‬عّلمني‬ ‫@‬
‫ن‬
‫عاِفني ِفيَم ْ‬
‫ت‪َ ،‬و َ‬
‫ن َهَدْي َ‬
‫ت أقولهن في الوتر‪)) :‬الّلُهّم اْهِدِني ِفيَم ْ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم كلما ٍ‬
‫رسول ا ّ‬
‫ضى‬
‫ل ُيقْ َ‬
‫ضي َو َ‬
‫ك َتْق ِ‬
‫ت‪ِ ،‬إّن َ‬
‫ضْي َ‬
‫شّر َما ق َ‬
‫ت‪َ ،‬وِقِني َ‬
‫طْي َ‬
‫عَ‬‫ت‪َ ،‬وَباِرك ِلي ِفيَما َأ ْ‬
‫ن َتَوّلْي َ‬
‫ت‪َ ،‬وَتوّلِني ِفيَم ْ‬
‫عاَفْي َ‬
‫َ‬
‫ل َيعِّز من‬
‫ت(( زاد البيهقي والنسائي‪َ)) :‬و َ‬
‫ت َرّبَنا َوَتَعاَلْي َ‬
‫ت‪َ ،‬تَباَرْك َ‬
‫ن َوَالْي َ‬
‫ل َم ْ‬
‫ل َيِذ ّ‬
‫ك‪ِ ،‬إّنُه َ‬
‫عَلْي َ‬
‫َ‬
‫ت((‪.‬‬
‫عاَدْي َ‬
‫َ‬
‫ي((‬
‫عَلى الَنب ّ‬
‫ل َ‬
‫صّلى ا ُّ‬
‫وزاد النسائي في روايته‪َ)) :‬و َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم في وتري‬
‫لا ّ‬
‫وزاد الحاكم في ))المستدرك(( وقال‪)) :‬عّلمني رسو ُ‬
‫ت رسول ا ّ‬
‫ل‬ ‫إذا رفعت رأسي ولم يبق إل السجود((‪ .‬ورواه ابن حبان في ))صحيحه(( ولفظه سمع ُ‬
‫صلى ال عليه وسلم يدعو‪.‬‬
‫ل عنه‪ ،‬وهذا حديث ل نعِرُفه إل ِمن هذا الوجه‬
‫قال الترمذي‪ :‬وفي الباب عن علي رضي ا ّ‬
‫من حديث أبي الحوراء السعدي‪ ،‬واسمه ربيعة بن شيبان‪ ،‬ول نعرف عن النبي صلى ال عليه‬
‫ن ِمن هذا انتهى‪.‬‬
‫وسلم في القنوت في الوتر شيئًا أحس َ‬
‫والقنوت في الوتر محفوظ عن عمر‪ ،‬وابن مسعود‪ ،‬والرواية عنهم أصح من القنوت في‬
‫الفجر‪ ،‬والروايُة عن النبي صلى ال عليه وسلم في قنوت الفجر‪ ،‬أصح الرواية في قنوت الوتر‪.‬‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫وا ّ‬
‫ي بن أبي طالب رضي ا ّ‬
‫ل‬ ‫وقد روى أبو داود والترمذي والنسائي من حديث عل ّ‬
‫ك ِمن‬
‫ضا َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ‪ -‬كان يقول في آخر وتره‪)) :‬الّلُهّم إّني أعوذ ِبِر َ‬
‫عنه‪ ،‬أن رسول ا ّ‬
‫‪150‬‬

‫ك((‪.‬‬
‫سَ‬
‫عَلى َنْف ِ‬
‫ت َكَما َأْثَنْيتَ َ‬
‫ك َأْن َ‬
‫عَلْي َ‬
‫صي َثناًء َ‬
‫ح ِ‬
‫ل ُأ ْ‬
‫ك َ‬
‫ك ِمن َ‬
‫عوُذ ِب َ‬
‫ك‪َ ،‬وَأ ُ‬
‫عُقوَبِت َ‬
‫ن ُ‬
‫ك ِم ْ‬
‫ك‪َ ،‬وِبُمَعاَفاِت َ‬
‫طَ‬
‫خِ‬‫سَ‬
‫َ‬
‫غ ِم ْ‬
‫ن‬ ‫ل ِإَذا َفَر َ‬
‫وهذا يحتِمل‪ ،‬أنه قبل فراغه منه وبعده‪ ،‬وفي إحدى الروايات عن النسائي‪ :‬كان يقو ُ‬
‫ت(( وثبت عنه صلى‬
‫ص ُ‬
‫حَر ْ‬
‫ك َوَلْو َ‬
‫عَلْي َ‬
‫صي ثَناًء َ‬
‫ح ِ‬
‫ل ُأ ْ‬
‫صلته‪ ،‬وتبّوَأ مضجعه‪ ،‬وفي هذه الرواية‪َ )) :‬‬
‫َ‬
‫ال عليه وسلم‪ -‬أنه قال ذلك في السجود‪ ،‬فلعله قاله في الصلة وبعدها‪ .‬وذكر الحاكم في‬
‫ل عنهما‪ ،‬في صلة النبي صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫))المستدرك(( من حديث ابن عباس رضي ا ّ‬
‫صِري ُنورًا‪،‬‬
‫ل في َقْلبي ُنّورا‪َ ،‬وفي َب َ‬
‫ووتره‪ :‬ثم أوتر‪ ،‬فلما قضى صلته‪ ،‬سمعته يقول‪)) :‬الّلُهّم اجَع ْ‬
‫حِتي ُنورًا‪َ ،‬وَأَماِمي ُنورًا‪،‬‬
‫شَماِلي ُنورًا‪َ ،‬وَفوِقي ُنورًا‪َ ،‬وَت ْ‬
‫ن ِ‬
‫عْ‬‫ن َيِميِني ُنورًا‪َ ،‬و َ‬
‫عْ‬‫سْمِعي ُنورًا‪َ ،‬و َ‬
‫وفي َ‬
‫ل ِمن ولد‬
‫ت رج ً‬
‫ك ُنورًا((‪ .‬قال ُكريب‪ :‬وسبع في القنوت‪ ،‬فلقي ُ‬
‫جَعل ِلي َيْوَم ِلَقاِئ َ‬
‫خْلِفي ُنورا‪َ ،‬وا ْ‬
‫َو َ‬
‫شِري((‪ ،‬وذكر خصلتين‪ ،‬وفي‬
‫شْعِري َوَب َ‬
‫صبي َو َ‬
‫ع َ‬
‫حِمي َوَدِمي‪َ ،‬و َ‬
‫العباس‪ ،‬فحدثني بهن‪ ،‬فذكر‪َ)) :‬ل ْ‬
‫ل في سجوده وفي رواية لمسلم في هذا الحديث‪ :‬فخرج‬
‫رواية النسائي في هذا الحديث‪ ،‬وكان يقو ُ‬
‫ساني‬
‫إلى الصلة يعني صلة الصبح‪ ،‬وهو يقول‪ ...‬فذكر هذا الدعاء‪ ،‬وفي رواية له أيضًا‪)) ،‬وفي ِل َ‬
‫جَعْلني ُنورا((‪.‬‬
‫ظْم ِلي ُنورًا((‪ ،‬وفي رواية له‪َ)) ،‬وا ْ‬
‫عِ‬‫سي ُنورًا‪َ ،‬وَأ ْ‬
‫ل في َنْف ِ‬
‫جَع ْ‬
‫ُنورًا َوا ْ‬
‫ل صلى ال عليه‬
‫وذكر أبو داود‪ ،‬والنسائي من حديث أبي بن كعب‪ ،‬قال‪)) :‬كان رسول ا ّ‬
‫ل أحد{‪ ،‬فإذا‬
‫وسلم يقرأ في الوتر‪} ،‬سبح اسم ربك العلى{ و }قل يا أيها الكافرون{ و }قل هو ا ُّ‬
‫صوَْتُه في الّثاِلَثِة ويرفع((‪ .‬وهذا لفظ‬
‫ت‪َ ،‬يمّد بها َ‬
‫ث َمّرا ٍ‬
‫ل َ‬
‫ك الُقُدوس َث َ‬
‫ن الَمِل ِ‬
‫حا َ‬
‫سْب َ‬
‫سلم قال‪ُ )) :‬‬
‫لِئَكِة َوالّروح((‪.‬‬
‫ب الَم َ‬
‫النسائي‪ .‬زاد الدارقطني ))َر ّ‬
‫ل َر ّ‬
‫ب‬ ‫حْمُد ِ‬
‫ل آَيٍة فيقول‪)) :‬ال َ‬
‫عنَد ُك ّ‬
‫ف ِ‬
‫طُع قراءَته‪ ،‬ويِق ُ‬
‫وكان صلى ال عليه وسلم يَق ّ‬
‫ف‪َ :‬ماِلك َيْوِم الّدين((‪.‬‬
‫حيم‪ ،‬ويِق ُ‬
‫ن الّر ِ‬
‫الَعاَلِمين‪ ،‬ويِقف‪ :‬الّرحم ِ‬
‫وذكر الزهري أن قراءة رسول ال صلى ال عليه وسلم كانت آية آية‪ ،‬وهذا هو الفضل‪،‬‬
‫ض القراء إلى تتبع الغراض‬
‫ف على رؤوس اليات وإن تعلقت بما بعدها‪ ،‬وذهب بع ُ‬
‫الوقو ُ‬
‫ع هدي النبي صلى ال عليه وسلم وسنته أولى‪ .‬ومّمن ذكر‬
‫والمقاصد‪ ،‬والوقوف عند انتهائها‪ ،‬واتبا ُ‬
‫ليمان(( وغيره‪ ،‬ورجح الوقوف على رؤوس الي وإن تعلقت بما بعدها‪.‬‬
‫ذلك البيهقى في ))شعب ا ِ‬
‫ل منها‪ ،‬وقام بَآية ُيَرّدُدَها‬
‫طَو ِ‬
‫ن َأ ْ‬
‫ل ِم ْ‬
‫وكان صلى ال عليه وسلم ُيرّتل السورة حتى تكون أطو َ‬
‫حتى الصباح‪.‬‬
‫س في الفضل من الترتيل وقلة القراءة‪ ،‬كثرة القراءة‪ :‬أيهما أفضل؟‬
‫وقد اختلف النا ُ‬
‫على قولين‪.‬‬
‫‪151‬‬

‫ل والتدبر مع قلة‬
‫ل عنهما وغيُرهما إلى أن الترتي َ‬
‫ن مسعود وابن عباس رضي ا ّ‬
‫فذهب اب ُ‬
‫ب هذا القول بأن المقصود من القراءة‬
‫ل ِمن سرعة القراءة مع كثرتها‪ .‬واحتج أربا ُ‬
‫القراءة أفض ُ‬
‫ظه وسيلة إلى معانيه‪ ،‬كما قال بعض السلف‪ :‬نزل‬
‫ل به‪ ،‬وتلوُته وحف ُ‬
‫فهُمه وتدّبره‪ ،‬والفقُه فيه والعم ُ‬
‫ل القرآن هم العاِلمون به‪ ،‬والعاملون بما فيه‪،‬‬
‫ل‪ ،‬ولهذا كان أه ُ‬
‫القرآن ِليعَمل به‪ ،‬فاتخذوا تلوته عم ً‬
‫وإن لم يحفظوه عن ظهر قلب وأما من حفظه ولم يفهمه ولم يعمل بما فيه‪ ،‬فليس ِمن أهله وإن أقام‬
‫حروفه إقامَة السهم‪.‬‬
‫ليمان‪ ،‬وأما مجردُ‬
‫ل العمال‪ ،‬وفهم القرآن وتدّبره هو الذي ُيثمر ا ِ‬
‫ليمان أفض ُ‬
‫قالوا‪ :‬ولن ا ِ‬
‫التلوة من غير فهم ول تدبر‪ ،‬فيفعلها البّر والفاجُر‪ ،‬والمؤمن والمنافق‪ ،‬كما قال النبي صلى ال‬
‫طْعُمَها ُمّر((‪.‬‬
‫ب‪َ ،‬و َ‬
‫طّي ٌ‬
‫حَها َ‬
‫حاَنِة‪ِ ،‬ري ُ‬
‫ل الّرْي َ‬
‫ن‪َ ،‬كَمَث ِ‬
‫ق اّلِذي َيقَرُأ اْلُقْرا َ‬
‫ل الُمَناِف ِ‬
‫عليه وسلم‪َ)) :‬وَمَث ُ‬
‫عِدم‬
‫ليمان‪ ،‬وهم أفضل الناس‪ .‬والثانية‪ :‬من َ‬
‫ل القرآن وا ِ‬
‫والناس في هذا أربع طبقات‪ :‬أه ُ‬
‫ليمان‪ .‬الثالثة‪ :‬من أوتي قرآنًا‪ ،‬ولم ُيؤت إيمانًا‪ ،‬الرابعة‪ :‬من أوتي إيمانًا ولم ُيؤت قرآنًا‪.‬‬
‫القرآن وا ِ‬
‫ل ممن أوتي قرآنًا بل إيمان‪ ،‬فكذلك من أوتي‬
‫قالوا‪ :‬فكما أن من أوتي إيمانًا بل قرآن أفض ُ‬
‫ي النبي‬
‫تدبرًا‪ ،‬وفهمًا في التلوة أفضل ممن أوتي كثرة قراءة وسرعتها بل تدبر‪ .‬قالوا‪ :‬وهذا هد ُ‬
‫ل من أطول منها‪ ،‬وقام بآية حتى‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فإنه كان يرّتل السورة حتى تكون أطو َ‬
‫الصباح‪.‬‬
‫ل‪ ،‬واحتجوا بحديث ابن مسعود رضي‬
‫ل‪ :‬كثرة القراءة أفض ُ‬
‫ب الشافعي رحمه ا ّ‬
‫وقال أصحا ُ‬
‫سَنٌة‪،‬‬
‫حَ‬‫ل‪َ ،‬فَلُه ِبِه َ‬
‫ب ا ِّ‬
‫ن ِكَتا ِ‬
‫حْرفًا ِم ْ‬
‫ن َقَرَأ َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪َ)) :‬م ْ‬
‫ل عنه قال‪ :‬قال رسول ا ّ‬
‫ا ّ‬
‫ف((‪ .‬رواه‬
‫حْر ٌ‬
‫ف‪َ ،‬وِميٌم َ‬
‫حْر ٌ‬
‫لٌم َ‬
‫ف‪َ ،‬و َ‬
‫حْر ٌ‬
‫ن َأِلف َ‬
‫حْرف‪َ ،‬وَلِك ْ‬
‫ل الم َ‬
‫ل َأُقو ُ‬
‫شِر َأْمَثاِلَها‪َ ،‬‬
‫سَنُة ِبَع ْ‬
‫حَ‬‫َواْل َ‬
‫الترمذي‪ .‬وصححه‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ولن عثمان بن عفان قرَأ القرآن في ركعة‪ ،‬وذكروا آثارًا عن كثير من السلف في‬
‫كثرة القراءة‪.‬‬
‫ل وأرفُع قدرًا‪ ،‬وثوا َ‬
‫ب‬ ‫والصواب في المسألة أن ُيقال‪ :‬إن ثواب قراءة الترتيل والتدبر أج ّ‬
‫كثرة القراءة أكثُر عددًا‪ ،‬فالول‪ :‬كمن تصّدق بجوهرة عظيمة‪ ،‬أو أعتق عبدًا قيمُته نفيسة جدًا‪،‬‬
‫والثاني‪ :‬كمن تصّدق بعدد كثير من الدراهم‪ ،‬أو أعتق عددًا من العبيد قيمُتهم رخيصة‪ ،‬وفي‬
‫))صحيح البخاري(( عن قتادة قال‪ :‬سألت أنسًا عن قراءة النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقال‪)) :‬كان‬
‫يمّد مّدا((‪.‬‬
‫‪152‬‬

‫وقال شعبة‪ :‬حدثنا أبو جمرة‪ ،‬قال‪ :‬قلت لبن عباس‪ :‬إني رجل سريُع الِقراءة‪ ،‬وربما قرأ ُ‬
‫ت‬
‫ي من أن أفعل َذِل َ‬
‫ك‬ ‫ب ِإَل ّ‬
‫ن عباس‪ :‬لن أقرأ سورَة واحدة أعج ُ‬
‫القرآن في ليلة مرة أو مرتين‪ ،‬فقال اب ُ‬
‫سمُع ُأُذَنْيك‪َ ،‬ويعيها قلُبك‪.‬‬
‫ل ول بد‪ ،‬فاقرأ ِقراَءًة ُت ْ‬
‫الذي تفعل‪ ،‬فإن كنت فاع ً‬
‫ن الصوت‪ ،‬فقال‪ :‬رّتل ِفداك أبي‬
‫وقال إبراهيم‪ :‬قرأ علقمُة على ابن مسعود‪ ،‬وكان حس َ‬
‫ن القرآن‪.‬‬
‫وأمي‪ ،‬فإنه زي ُ‬
‫جائِبِه‪،‬‬
‫عَ‬‫عْنَد َ‬
‫ل َتْنُثُروه َنْثَر الّدَقل‪َ ،‬وِقُفوا ِ‬
‫شْعِر‪َ ،‬و َ‬
‫ن َهّذ ال ّ‬
‫ل َتُهّذوا الُقْرآ َ‬
‫وقال ابن مسعود‪َ :‬‬
‫سوَرِة‪.‬‬
‫خَر ال ّ‬
‫حِدُكْم آ ِ‬
‫ن َهّم َأ َ‬
‫ل َيُك ْ‬
‫ب‪َ ،‬و َ‬
‫حّرُكوا ِبِه الُقُلو َ‬
‫َو َ‬
‫ن آَمُنوا{ فأصِغ لها سمعك‪ ،‬فإنه خيٌر‬
‫ل يقول‪َ} :‬يَأّيَها اّلِذي َ‬
‫تا ّ‬
‫ل أيضًا‪ :‬إذا سمع َ‬
‫وقال عبد ا ّ‬
‫ي امرأة وأنا أقرُأ )سورَة‬
‫ُتؤمر به‪ ،‬أو شّر ُتصرف عنه‪ .‬وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى‪ :‬دخلت عل ّ‬
‫ت ِمن‬
‫ل إني فيها منذ ستِة أشهر وما فرغ ُ‬
‫ُهود( فقالت‪ :‬يا عبد الرحمن‪ :‬هكذا تقرأ سورة هود؟! وا ّ‬
‫قراءتها‪.‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ُيسُر بالقراءة في صلة الليل تارة‪ ،‬ويجهر بها تارة‪،‬‬
‫لا ّ‬
‫وكان رسو ُ‬
‫طه تارة‪.‬‬
‫وُيطيل القيام تارة‪ ،‬ويخّففه تارة‪ ،‬وُيوتر آخر الليل ‪ -‬وهو الكثر ‪ -‬وأّوله تارة‪ ،‬وأوس َ‬
‫ل أي جهة توجهت به‪،‬‬
‫وكان ُيصلي التطوع بالليل والنهار على راحلته في السفر ِقَب َ‬
‫ض ِمن ركوعه‪ ،‬وقد روى أحمد وأبو داود عن أنس‬
‫فيركع ويسجد عليها إيماًء‪ ،‬ويجعل سجوَده أخف َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم إذا أراد أن ُيصلي على راحلته تطوعًا‪،‬‬
‫لا ّ‬
‫ن رسو ُ‬
‫بن مالك‪ ،‬قال‪)) :‬كا َ‬
‫استقبل القبلة‪ ،‬فكبر للصلة‪ ،‬ثم خّلى عن راحلته‪ ،‬ثم صّلى أينما توجهت به(( فاختلف الرواة عن‬
‫أحمد‪ :‬هل يلزمه أن يفعل ذلك إذا قدر عليه؟ على روايتين‪ :‬فإن أمكنه الستدارُة إلى القبلة في‬
‫ي حيث‬
‫حِمل أو عمارية ونحوها‪ ،‬فهل يلزمه‪ ،‬أو يجوز له أن ُيصّل َ‬
‫ل أن يكون في َم ْ‬
‫صلته كّلها ِمث َ‬
‫ل‪ :‬أنه ل ُيجزُئه إل أن‬
‫حِم ٍ‬
‫توجهت به الراحلُة؟ فروى محمد بن الحكم عن أحمد فيمن صّلى في َم ْ‬
‫يستقبل القبلة‪ ،‬لنه يمكنه أن يدور‪ ،‬وصاحب الراحلة والدابة ل ُيمكنه‪ .‬وروى عنه أبو طالب أنه‬
‫ل شديدة ُيصلي حيث كان وجهه‪ .‬واختلفت الرواية عنه في السجود في‬
‫حِم ِ‬
‫قال‪ :‬الستدارُة في الَم ْ‬
‫حِمل‪ ،‬فيسجد‪.‬‬
‫ل فقدر أن يسجد في الَم ْ‬
‫حِم ً‬
‫ل أنه قال‪ :‬وإن كان َم ْ‬
‫ل‪ ،‬فروى عنه ابنه عبد ا ّ‬
‫حِم ِ‬
‫الَم ْ‬
‫ي أن يسجد‪ ،‬لنه يُمكنه‪ .‬وروى عنه الفضل بن‬
‫ب إل ّ‬
‫ل أح ّ‬
‫حِم ِ‬
‫وروى عنه الميموني‪ ،‬إذا صّلى في الَم ْ‬
‫ل إذا أمكنه وروى عنه جعفر بن محمد‪ :‬السجود على الِمْرَفَقِة إذا كان في‬
‫حِم ِ‬
‫زياد‪ :‬يسجد في الَم ْ‬
‫‪153‬‬

‫ض ِمن الركوع‪ ،‬وكذا روى‬


‫ل‪ ،‬وربما أسند على البعير‪ ،‬ولكن ُيومىء ويجعل السجوَد أخف َ‬
‫حِم ِ‬
‫الَم ْ‬
‫عنه أبو داود‪.‬‬
‫فصل‬
‫في هديه صلى ال عليه وسلم فى صلة الضحى‬
‫ت رسول ا ّ‬
‫ل‬ ‫ل عنها‪ ،‬قالت‪ :‬ما رأي ُ‬
‫روى البخاري في ))صحيحه(( عن عائشة رضي ا ّ‬
‫ق الِعجلي‪،‬‬
‫حها‪ .‬وروى أيضًا من حديث ُمَوّر ٍ‬
‫لسّب ُ‬
‫سْبحَة الضحى‪ ،‬وإني ُ‬
‫صلى ال عليه وسلم ُيصلي ُ‬
‫ت‪ :‬فأبو بكر؟ قال‪ :‬ل‪ .‬قلت‪:‬‬
‫ت‪َ :‬فُعَمر؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬قل ْ‬
‫ت لبن عمر‪ :‬أُتصلي الضحى؟ قال ل‪ ،‬قل ُ‬
‫قل ُ‬
‫ي صلى ال عليه وسلم؟ قال‪ :‬ل إخاله‪.‬‬
‫فالنب ّ‬
‫وذكر عن ابن أبي ليلى قال‪ :‬ما حدثنا أحد أنه رأى النبي صلى ال عليه وسلم ُيصلي‬
‫الضحى غيَر أم هانىء‪ ،‬فإنها قالت‪ :‬إن النبي صلى ال عليه وسلم دخل بيَتها يوَم فتح مكة‪،‬‬
‫ع و السجود‪.‬‬
‫ف ِمنها‪ ،‬غير أنُه ُيتم الركو َ‬
‫ط أخ َ‬
‫ن ركعات‪ ،‬فلم أّر صلًة ق ّ‬
‫فاغتسل‪ ،‬وصّلى ثما َ‬
‫ل صلى‬
‫لا ّ‬
‫ل بن شقيق قال‪ :‬سألت عائشة هل كان رسو ُ‬
‫وفي ))صحيح مسلم((‪ ،‬عن عبد ا ّ‬
‫ال عليه وسلم ُيصلي الضحى؟ قالت‪ :‬ل إل أن َيجيَء ِمن مغيبه‪.‬‬
‫ن بين السور؟ قالت‪ِ :‬من المفصل‪.‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم َيْقُر ُ‬
‫ل ا ِّ‬
‫ت‪ :‬هل كان رسو ُ‬
‫قل ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ُيصلي‬
‫لا ّ‬
‫وفي ))صحيح مسلم(( عن عائشة‪ ،‬قالت‪ :‬كان رسو ُ‬
‫ل صلى ال عليه‬
‫لا ِ‬
‫ل وفي ))الصحيحين(( عن أم هانئ‪ ،‬أن رسو َ‬
‫الضحى أربعًا‪ ،‬ويزيد ما شاء ا ّ‬
‫وسلم صّلى يوم الفتح ثمان ركعات وذلك ضحى‪.‬‬
‫وقال الحاكم في ))المستدرك((‪ :‬حدثنا الصم‪ ،‬حدثنا الصغاني‪ ،‬حدثنا ابن أبي مريم‪ ،‬حدثنا‬
‫ل‪ ،‬عن أنس‬
‫بكر بن مضر‪ ،‬حدثنا عمرو بن الحارث‪ ،‬عن بكر بن الشج‪ ،‬عن الضحاك بن عبد ا ّ‬
‫ضحى‪ ،‬صّلى‬
‫سْبحَة ال ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم صلى في سفر ُ‬
‫ت رسول ا ّ‬
‫ل عنه قال‪ :‬رأي ُ‬
‫رضي ا ّ‬
‫طاِني‬
‫عَ‬‫لثًا‪َ ،‬فَأ ْ‬
‫ت َرّبي َث َ‬
‫سَأْل ُ‬
‫غَبٍة َوَرْهَبٍة‪َ ،‬ف َ‬
‫لَة َر ْ‬
‫تص َ‬
‫صّلْي ُ‬
‫ن ركعات‪ ،‬فلما انصرف‪ ،‬قال‪ِ)) :‬إّني َ‬
‫ثما َ‬
‫ل‪،‬‬
‫عُدّوًا‪َ ،‬ففََع َ‬
‫عَلْيِهْم َ‬
‫ظِهَر َ‬
‫ل ُي ْ‬
‫ل‪ ،‬وسألُته َأ ّ‬
‫ن َفَفَع َ‬
‫سِني َ‬
‫ل ُأّمِتي ِبال ّ‬
‫ل َيْقُت َ‬
‫سَأْلُتُه َأ َ‬
‫حَدًة‪َ ،‬‬
‫ن‪َ ،‬وَمَنَعِني َوا ِ‬
‫اْثَنَتْي ِ‬
‫ل هذا ُينظر من‬
‫ي((‪ .‬قال الحاكم صحيح قلت‪ :‬الضحاك بن عبد ا ّ‬
‫عَل ّ‬
‫شَيعًا َفَأَبى َ‬
‫سُهْم ِ‬
‫ل ُيلب َ‬
‫ن َ‬
‫سَأْلُتُه َأ ْ‬
‫َو َ‬
‫هو وما حاله؟‬
‫وقال الحاكم‪ :‬في كتاب ))فضل الضحى((‪ :‬حدثنا أبو بكر الفقيه‪ ،‬أخبرنا بشر بن يحيى‪،‬‬
‫ل بن الحصين‪ ،‬عن هلل بن يساف‪ ،‬عن‬
‫حدثنا محمد بن صالح الدولبي‪ ،‬حدثنا خالد بن عبد ا ّ‬
‫‪154‬‬

‫ل ال صلى ال عليه وسلم الضحى‪ ،‬ثم قال‪:‬‬


‫ل عنها قالت‪ :‬صّلى رسو ُ‬
‫زاذان‪ ،‬عن عائشة رضي ا ّ‬
‫حيُم الَغُفوُر(( حتى قالها مائة مرة‪.‬‬
‫ب الّر ِ‬
‫ت الّتّوا ُ‬
‫ك َأْن َ‬
‫ي ِإّن َ‬
‫عَل ّ‬
‫ب َ‬
‫حْمني‪َ ،‬وُت ْ‬
‫غِفْر لي‪َ ،‬وار َ‬
‫))الّلُهّم ا ْ‬
‫سفيان‪ ،‬عن‬
‫حدثنا أبو العباس الصم‪ ،‬حدثنا أسد بن عاصم‪ ،‬حدثنا الحصين بن حفص‪ ،‬عن ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬صّلى الضحى ركعتين‪ ،‬وأربعًا‪،‬‬
‫عمر بن ذر‪ ،‬عن مجاهد‪ ،‬أن رسول ا ّ‬
‫وستًا وثمانيًا‬
‫لمام أحمد‪ :‬حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم‪ ،‬حدثنا عثمان بن عبد الملك العمري‪،‬‬
‫وقال ا ِ‬
‫ضحى وتقول‪ :‬ما‬
‫ل عنها ُتصلي ال ّ‬
‫ت عائشة رضي ا ّ‬
‫حدثتنا عائشة بنت سعد‪ ،‬عن أم ذرة‪ ،‬قالت‪ :‬رأي ُ‬
‫ت رسول ال صلى ال عليه وسلم يصلي إل أربَع ركعات‪.‬‬
‫رأي ُ‬
‫وقال الحاكم أيضًا‪ :‬أخبرنا أبو أحمد بكر بن محمد المروزي‪ ،‬حدثنا أبو ِقلبة‪ ،‬حدثنا أبو‬
‫عوانة‪ ،‬عن حصين بن عبد الرحمن‪ ،‬عن عمرو بن مرة‪ ،‬عن عمارة بن عمير‪،‬‬
‫الوليد‪ ،‬حدثنا أبو َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم يصلي صلة الضحى‪.‬‬
‫عن ابن جبير بن مطعم‪ ،‬عن أبيه أنه رأى رسول ا ّ‬
‫قال الحاكم أيضًا‪ :‬حدثنا إسماعيل بن محمد‪ ،‬حدثنا محمد بن عدي بن كامل‪ ،‬حدثنا وهب بن‬
‫ل‪ ،‬أن النبي صلى‬
‫ل‪ ،‬عن محمد بن قيس‪ ،‬عن جابر بن عبد ا ّ‬
‫بقية الواسطي‪ ،‬حدثنا خالد بن عبد ا ّ‬
‫ت ركعات‪.‬‬
‫ضحى س ّ‬
‫ال عليه وسلم صلى ال ّ‬
‫ثم روى الحاكم عن إسحاق بن بشير المحاملي‪ ،‬حدثنا عيسى بن موسى‪ ،‬عن جابر‪ ،‬عن‬
‫عمر بن صبح‪ ،‬عن مقاتل بن حيان‪ ،‬عن مسلم بن صبيح‪ ،‬عن مسروق‪ ،‬عن عائشة وأم سلمة‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ُيصلي صلة الضحى ثنتي عشرة‬
‫ل عنهما‪ ،‬قالتا‪ :‬كان رسول ا ّ‬
‫رضي ا ّ‬
‫ل‪.‬‬
‫ركعة‪ ،‬وذكر حديثًا طوي ً‬
‫وقال الحاكم‪ :‬أخبرنا أبو أحمد بن محمد الصيرفي‪ ،‬حدثنا أبو ِقلبة الرقاشي‪ ،‬حدثنا أبو‬
‫ل عنه‪)) :‬أن النبي‬
‫ضمرة‪ ،‬عن علي رضي ا ّ‬
‫الوليد‪ ،‬حدثنا شعبة‪ ،‬عن أبي إسحاق‪ ،‬عن عاصم بن ُ‬
‫صلى ال عليه وسلم كان ُيصلي الضحى((‪.‬‬
‫حصين بن عبد الرحمن‪ ،‬عن عمرو بن مرة‪ ،‬عن‬
‫عوانة‪ ،‬عن ُ‬
‫وبه إلى أبي الوليد‪ .‬حدثنا أبو َ‬
‫ل صلى ال عليه‬
‫عمارة بن عمير العبدي‪ ،‬عن ابن جبير بن ُمطعم‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬أنه رأى رسول ا ّ‬
‫ِ‬
‫خدري‪ ،‬وأبي ذر الِغفاري‪ ،‬وزيد بن‬
‫وسلم ُيصلي الضحى‪ .‬قال الحاكم‪ :‬وفي الباب عن أبي سعيد ال ُ‬
‫عتبان بن مالك‪،‬‬
‫ل بن أبي أوفى‪ ،‬و ِ‬
‫أرقم‪ ،‬وأبي هريرة‪ ،‬وُبريدة السلمي‪ ،‬وأبي الدرداء‪ ،‬وعبد ا ّ‬
‫ل السلمي‪ ،‬ونعيم بن هّمار الغطفاني‪ ،‬وأبي أمامة الباهلي رضي‬
‫عتبة بن عبد ا ّ‬
‫وأنس بن مالك‪ ،‬و ُ‬
‫‪155‬‬

‫ل عنهن‪ ،‬كلهم شهدوا‬


‫ل عنهم‪ ،‬ومن النساء‪ ،‬عائشة بنت أبي بكر‪ ،‬وأم هانىء‪ ،‬وأم سلمة رضى ا ّ‬
‫ا ّ‬
‫أن النبي صلى ال عليه وسلم كان ُيصليها‪.‬‬
‫وذكر الطبراني من حديث علي‪ ،‬وأنس‪ ،‬وعائشة‪ ،‬وجابر‪ ،‬أن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫كان ُيصلي الضحى ست ركعات‪.‬‬
‫فاختلف الناس في هذه الحاديث على طرق‪ ،‬منهم من رجح رواية الفعل على الترك‬
‫بأنها مثبتة تتضمن زيادَة علم خفيت على النافي‪ .‬قالوا‪ :‬وقد يجوز أن يذهب علُم مثل هذا على كثير‬
‫ن أبي‬
‫يبُ‬
‫من الناس‪ ،‬وُيوجد عند القل‪ .‬قالوا‪ :‬وقد أخبرت عائشة‪ ،‬وأنس‪ ،‬وجابر‪ ،‬وأم هانىء‪ ،‬وعل ّ‬
‫ث الصحيحة المتضمنُة للوصية بها‪ ،‬والمحافظِة عليها‪،‬‬
‫طالب‪ ،‬أنه صلها‪ .‬قالوا‪ :‬ويؤيد هذا الحادي ُ‬
‫ل عنه قال‪ :‬أوصاني‬
‫ح فاعلها‪ ،‬والثناِء عليه‪ ،‬ففي ))الصحيحين(( عن أبي هريرة رضي ا ّ‬
‫ومد ِ‬
‫خليلي محمد بصياِم ثلَثِة أيام ِمن كل شهر‪ ،‬وركعتي الضحى‪ ،‬وأن ُأوِتَر قبل أن أنام‪.‬‬
‫وفي ))صحيح مسلم(( نحوه عن أبي الدرداء‪.‬‬
‫حِدُكم‬
‫ى ِمن َأ َ‬
‫لم َ‬
‫سَ‬‫ل ُ‬
‫عَلى ُك ّ‬
‫ح َ‬
‫وفي ))صحيح مسلم((‪ ،‬عن أبي ذر يرفعه‪ ،‬قال‪ُ)) :‬يصِب ُ‬
‫صَدَقٌة‪َ ،‬وَأْمٌر‬
‫ل َتْكِبيَرٍة َ‬
‫صَدَقٌة‪َ ،‬وُك ّ‬
‫ل َتْهِليَلٍة َ‬
‫صَدَقٌة‪َ ،‬وُك ّ‬
‫ل َتحِمْيَدٍة َ‬
‫حٍة صَدَقٌة‪َ ،‬وُك ّ‬
‫ل َتسِبْي َ‬
‫صَدَقٌة‪َ ،‬فُك ّ‬
‫َ‬
‫حى((‪.‬‬
‫ن الض َ‬
‫ن َيْرَكُعُهَما ِم َ‬
‫ك َرْكَعتا ِ‬
‫جِزىُء ِمن َذِل َ‬
‫صَدَقٌة‪ ،‬وت ْ‬
‫ن الُمْنَكِر َ‬
‫عِ‬‫ي َ‬
‫صَدَقٌة‪َ ،‬وَنْه ٌ‬
‫ف َ‬
‫ِبالَمْعُرو ِ‬
‫جَهني‪ ،‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫لمام أحمد((‪ ،‬عن ُمعاذ بن أنس ال ُ‬
‫وفي ))مسند ا ِ‬
‫ضحى ل يقول ِإ ّ‬
‫ل‬ ‫ح َركعَتي ال ّ‬
‫سّب َ‬
‫حّتى ُي َ‬
‫صْبحِ َ‬
‫لِة ال ّ‬
‫صَ‬‫ن َ‬
‫ف ِم ْ‬
‫صِر ُ‬
‫ن َيْن َ‬
‫لُه حي َ‬
‫صّ‬
‫قال‪َ)) :‬من َقَعَد في ُم َ‬
‫حِر((‪.‬‬
‫ل َزَبِد الب ْ‬
‫ت ِمْث َ‬
‫طاَياُه وِإن َكاَن ْ‬
‫خَ‬
‫غَفَر ال َ‬
‫خيرًا‪َ ،‬‬
‫َ‬
‫ل عنه‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول ا ّ‬
‫ل‬ ‫وفي الترمذى‪ ،‬و))سنن ابن ماجه(( عن أبي هريرة رضي ا ّ‬
‫حِر((‪.‬‬
‫ل َزَبِد الَب ْ‬
‫حى‪ ،‬غِفَر َلُه ُذُنوُبه وِإن كاَنت ِمْث َ‬
‫ضَ‬‫حِة ال ّ‬
‫سْب َ‬
‫ظ على ُ‬
‫حاَف َ‬
‫صلى ال عليه وسلم ))َمن َ‬
‫وفي ))المسند(( والسنن‪ ،‬عن نعيم بن هّمار قال‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫خَره(( رواه‬
‫ل الّنهار أكفك آ ِ‬
‫ت في أّو ِ‬
‫ن َأْربِع َرَكعا ٍ‬
‫عْ‬‫ن َ‬
‫ل َتْعجَز ّ‬
‫ن آَدَم َ‬
‫ل عز وجل‪ :‬يا اْب َ‬
‫يقول ))قال ا ّ‬
‫الترمذي من حديث أبي الدرداء‪ ،‬وأبي ذر‪.‬‬
‫حى ِثْنَتيْ‬
‫ضَ‬‫صّلى ال ّ‬
‫ن َ‬
‫وفي ))جامع الترمذي(( و))سنن ابن ماجه((‪ ،‬عن أنس مرفوعًا‪َ)) :‬م ْ‬
‫ب في الجنة((‪.‬‬
‫صرًا ِمن َذَه ٍ‬
‫ل َلُه َق ْ‬
‫شَرَة َرْكَعًة‪َ ،‬بَنى ا ُّ‬
‫عْ‬‫َ‬
‫‪156‬‬

‫وفي ))صحيح مسلم((‪ ،‬عن زيد بن أرقم أنه رأى قومًا ُيصلون من الضحى في مسجد ُقباء‪،‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم قال‪:‬‬
‫ن رسول ا ّ‬
‫لإّ‬
‫عِلموا أن الصلة في غير هذه الساعة أفض ُ‬
‫فقال‪ :‬أما لقد َ‬
‫ل((‪.‬‬
‫صا ُ‬
‫ن َتْرَمض الِف َ‬
‫لُة الّوابين حي َ‬
‫))ص َ‬
‫ض الِفصال‪ ،‬أي‪ :‬يشتد حر النهار‪ ،‬فتجد الِفصال حرارَة الرمضاء‪ .‬وفي‬
‫وقوله‪ :‬ترَم ُ‬
‫عتبان بن مالك ركعتين‪.‬‬
‫ضحى في بيت ِ‬
‫))الصحيح(( أن النبي صلى ال عليه وسلم صلى ال ّ‬
‫ل الواسطي‪ ،‬عن محمد بن عمرو‪ ،‬عن‬
‫وفي ))مستدرك(( الحاكم من حديث خالد بن عبد ا ّ‬
‫حى‬
‫ضَ‬‫صلِة ال ّ‬
‫على َ‬
‫ظ َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم قال‪)) :‬ل ُيحاِف ُ‬
‫أبي سلمة‪ ،‬عن أبي هريرة‪ ،‬أن رسول ا ّ‬
‫إل َأَواب(( وقال‪)) :‬هذا إسناد قد احتج بمثله مسلُم بن الحجاج‪ ،‬وأنه حدث عن شيوخه‪ ،‬عن محمد‬
‫ن‬
‫ل عنه‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم ))َما َأِذ َ‬
‫بن عمرو‪ ،‬عن أبي سلمة‪ ،‬عن أبي هريرة رضي ا ّ‬
‫ل يقول‪ :‬قد أرسله حماد بن سلمة‪ ،‬وعبد‬
‫ن(( قال‪ :‬ولعل قائ ً‬
‫ي َيَتَغّنى ِبالُقْرآ ِ‬
‫ن ِلَنِب ّ‬
‫شيء ما َأِذ َ‬
‫ال ِل َ‬
‫ل ثقة‪ ،‬والزيادة من‬
‫العزيز بن محمد الّدَراوردي‪ ،‬عن محمد بن عمرو‪ ،‬فيقال له‪ :‬خالد بن عبد ا ّ‬
‫الثقة مقبولة‪.‬‬
‫ثم روى الحاكم‪ :‬حدثنا عبدان بن يزيد‪ ،‬حدثنا محمد بن المغيرة السكري‪ ،‬حدثنا القاسم بن‬
‫الحكم العَرني‪ ،‬حدثنا سليمان بن داود اليمامي‪ ،‬حدثنا يحيى بن أبي كثير‪ ،‬عن أبي سلمة‪ ،‬عن أبي‬
‫حى‪َ ،‬فِإَذا َكا َ‬
‫ن‬ ‫ضَ‬‫ب ال ّ‬
‫ل َلُه با ُ‬
‫جّنِة بابًا ُيقا ُ‬
‫ن ِلْل َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ِ)) :‬إ َ‬
‫هريرة‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول ا ّ‬
‫حَمِة‬
‫خُلوه ِبَر ْ‬
‫حى‪ ،‬هذا بابكم‪ ،‬فاْد ُ‬
‫على صلة الض َ‬
‫ن َ‬
‫ن كانوا ُيداِومو َ‬
‫ن اّلِذي َ‬
‫َيْوم الِقَياَمة ناَدى ُمَناٍد‪َ :‬أْي َ‬
‫ل((‪.‬‬
‫ا ِ‬
‫ب محمد بن العلء‪ ،‬حدثنا ُيونس بن بكير‪،‬‬
‫وقال الترمذي في ))الجامع((‪ :‬حدثنا أبو ُكري ٍ‬
‫عن محمد بن إسحاق‪ ،‬قال‪ :‬حدثني موسى بن فلن‪ ،‬عن عمه ُثمامة بن أنس بن مالك‪ ،‬عن أنس بن‬
‫ل َلُه‬
‫عشَرَة َرْكَعًة‪َ ،‬بَنى ا ُّ‬
‫ي َ‬
‫ضحى ِثْنَت ْ‬
‫صّلى ال ّ‬
‫مالك‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ))َمن َ‬
‫جّنة((‪ .،‬قال الترمذي‪ :‬حديث غريب ل نعرفه إل من هذا الوجه‪ .‬وكان أحمد‬
‫ب في ال َ‬
‫ن َذَه ٍ‬
‫صراً ِم ْ‬
‫َق ْ‬
‫ث أم هانئ‪ .‬قلت‪ :‬وموسى ابن فلن هذا‪ ،‬هو موسى بن عبد ا ّ‬
‫ل‬ ‫ح شيء في هذا الباب حدي َ‬
‫يرى أص ّ‬
‫بن المثنى بن أنس بن مالك‪.‬‬
‫ن رسول‬
‫خدري‪ ،‬قال‪ :‬كا َ‬
‫عطية الَعْوفي‪ ،‬عن أبي سعيد ال ُ‬
‫وفي ))جامعه(( أيضًا ِمن حديث َ‬
‫ل‪ :‬ل يصليها‪ .‬قال‪:‬‬
‫عها حتى نقو َ‬
‫عها‪ ،‬ويد ُ‬
‫ل‪ :‬ل يد ُ‬
‫حى حتى نقو َ‬
‫ضَ‬‫ل صلى ال عليه وسلم يصلي ال ّ‬
‫ا ّ‬
‫هذا حديث حسن غريب‪.‬‬
‫‪157‬‬

‫لمام أحمد في ))مسنده(( حدثنا أبو اليمان‪ ،‬حدثنا إسماعيل بن عياش‪ ،‬عن يحيى بن‬
‫وقال ا ِ‬
‫ن َمشى إلى‬
‫ي‪ ،‬عن القاسم‪ ،‬عن أبي أمامة‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬قال‪َ)) :‬م ْ‬
‫الحارث الّذَمار َ‬
‫ن َلُه‬
‫حى َكا َ‬
‫ضَ‬‫حة ال ّ‬
‫سب َ‬
‫ن َمشى إلى ُ‬
‫ج الُمحِرم‪ ،‬وَم ْ‬
‫جِر الحا ّ‬
‫ن َله َكَأ ْ‬
‫طّهر‪ ،‬كا َ‬
‫صلٍة مَكتوَبٍة َوهَو ُمَت َ‬
‫َ‬
‫عّلِيين(( قال أبو أمامة‪ :‬الغدو‬
‫ب في ِ‬
‫ل َلْغَو َبْيَنهَما ِكَتا ٌ‬
‫صلة َ‬
‫على ِإثِر َ‬
‫صلة َ‬
‫جِر الُمعَتِمِر‪َ ،‬و َ‬
‫َكَأ ْ‬
‫ل‪.‬‬
‫جّ‬‫ل عّز َو َ‬
‫ل ا ِّ‬
‫سبي ِ‬
‫جهاِد في َ‬
‫ن ال ِ‬
‫جِد ِم َ‬
‫والرواح إلى هِذِه الَمسا ِ‬
‫وقال الحاكم‪ :‬حدثنا أبو العباس‪ ،‬حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني حدثنا أبو الموّرع‬
‫ل بن عامر اللهاني‪ ،‬عن منيب بن‬
‫ص بن حكيم‪ ،‬حدثني عبد ا ّ‬
‫محاضر بن الموّرع‪ ،‬حدثنا الحو ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم أنه كان يقول‪َ)) :‬من‬
‫سلمي‪ ،‬عن أبي أمامة‪ ،‬عن رسول ا ّ‬
‫ل ال ّ‬
‫عيينة بن عبد ا ّ‬
‫ن َلُه َكَأجِر‬
‫حى‪ ،‬كا َ‬
‫ضَ‬‫حَة ال ّ‬
‫سب َ‬
‫حى‪ ،‬ثّم ُيصّلي ُ‬
‫ضَ‬‫حّتى ال ّ‬
‫ت فيِه َ‬
‫عٍة‪ ،‬ثّم ثب َ‬
‫جَما َ‬
‫جِد َ‬
‫ح في َمس ِ‬
‫صّلى الصب َ‬
‫َ‬
‫عمَرُته((‪.‬‬
‫جُته َو ُ‬
‫حّ‬
‫ج َأْو ُمْعَتِمٍر َتام َلُه َ‬
‫حا ّ‬
‫وقال ابن أبي شيبة‪ :‬حدثني حاتم بن إسماعيل‪ ،‬عن حميد بن صخر‪ ،‬عن المقُبري‪ ،‬عن‬
‫ل عنه‪ ،‬قال‪ :‬بعث النبي صلى ال عليه وسلم جيشًا‪ ،‬فأعظموا‬
‫العرج‪ ،‬عن أبي ُهريرة رضي ا ّ‬
‫ظَم غنيمة‬
‫ع كرًة ول أع َ‬
‫ط أسر َ‬
‫ل ! ما رأينا بعثًا ق ّ‬
‫الغنيمَة‪ ،‬وأسرعوا الَكّرة‪ .‬فقال رجل‪ :‬يا رسول ا ّ‬
‫سَ‬
‫ن‬‫حَ‬‫ل توضَأ في َبيِتِه َفَأ ْ‬
‫جٌ‬‫غنيَمًة‪َ :‬ر ُ‬
‫ظَم َ‬
‫عَ‬‫ع َكّرًة‪َ ،‬وَأ ْ‬
‫ث‪ ،‬فقال‪َ)) :‬أل ُأخِبرُكْم ِبَأسَر َ‬
‫من هذا الَبع ِ‬
‫ع الَكَرَة‬
‫ضحى‪َ ،‬فَقد َأَر َ‬
‫ب ِبصلِة ال ّ‬
‫لَة الَغداِة‪ُ ،‬ثّم َأعَق َ‬
‫صَ‬‫صّلى فيِه َ‬
‫جد‪َ ،‬ف َ‬
‫عَمَد إلى الَمس ِ‬
‫ُوضوَءه‪َ ،‬ثّم َ‬
‫ظَم الَغِنيَمة((‪.‬‬
‫عَ‬‫َوأ ْ‬
‫ت جماعًة من أئمة الحديث‪،‬‬
‫وفي الباب أحاديث سوى هذه‪ ،‬لكم هذه أمثلها قال الحاكم‪ :‬صحب ُ‬
‫فوجدتهم يختارون هذا العدَد‪ ،‬يعني أربَع ركعات‪ ،‬وُيصلون هذه الصلة أربعًا‪ ،‬لتواتر الخبار‬
‫الصحيحة فيه‪ ،‬وإليه أذهب‪ ،‬وإليه أدعو اّتباعَا للخبار المأثورة‪ ،‬واقتداء بمشايخ الحديث فيه‪.‬‬
‫قال ابن جرير الطبري وقد ذكر الخباَر المرفوعَة في صلة الضحى‪ ،‬واختلف عددها‪:‬‬
‫ث يدفع صاحبه‪ ،‬وذلك أن من حكى أنه صلى الضحى أربعًا جائز أن‬
‫وليس في هذه الحاديث حدي ّ‬
‫ل أخرى صلى ركعتين‪ ،‬ورآه آخُر في حال أخرى‬
‫يكون رآه في حال فعِله ذلك‪ ،‬ورآه غيُره في حا ٍ‬
‫ث على أن ُيصلي ركعتين‪ ،‬وآخر‬
‫ث على أن ُيصلي ستًا‪ ،‬وآخر يح ّ‬
‫صلها ثمانيًا‪ ،‬وسمعه آخر يح ّ‬
‫ل واحد منهم عما رأى وسمع‪ .‬قال‪ :‬والدليل على‬
‫على عشر‪ ،‬وآخر على ثنتي عشرة‪ ،‬فأخبر ك ّ‬
‫ل بن عمر يقول لبي ذر‪ :‬أوصني يا عم‪،‬‬
‫ت عبد ا ّ‬
‫ي عن زيد بن أسلم قال‪ .‬سمع ُ‬
‫صحة قولنا‪ ،‬ما رِو َ‬
‫ن‪َ ،‬لْم‬
‫ضحى َرْكَعَتْي ِ‬
‫صّلى ال ّ‬
‫ن َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم كما سألتني‪ ،‬فقال؟ ))َم ْ‬
‫ت رسول ا ّ‬
‫قال‪ :‬سأل ُ‬
‫‪158‬‬

‫ب‪،‬‬
‫ك الَيْوَم َذْن ٌ‬
‫حْقُة َذِل َ‬
‫سّتا‪َ ،‬لْم َيْل َ‬
‫صّلى ِ‬
‫ن الَعاِبدين‪ ،‬وَمن َ‬
‫ب ِم َ‬
‫صًلى أرَبعًا‪ ،‬كِت َ‬
‫ن َ‬
‫ن‪َ ،‬وَم ْ‬
‫ب ِمن الَغاِفِلي َ‬
‫يْكَت ْ‬
‫جّنة((‪.‬‬
‫ل َلُه َبْيتا في ال َ‬
‫شرًا َبنى ا ّ‬
‫عْ‬‫صّلى َ‬
‫ن َ‬
‫ن‪ ،‬وَم ْ‬
‫ن الَقاِنِتي َ‬
‫ب ِم َ‬
‫ن صَّلى َثماِنيَا‪ُ ،‬كِت َ‬
‫َوَم ْ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم يومًا الضحى ركعتين‪ ،‬ثم يومًا أربعًا‪ ،‬ثم‬
‫لا ّ‬
‫وقال مجاهد‪ :‬صّلى رسو ُ‬
‫خِبٍر ممن‬
‫ك‪ .‬فأبان هذا الخبر عن صحة ما قلنا من احتمال خبر كل ُم ْ‬
‫يومًا سِّتا‪ ،‬ثم يومًا ثمانيًا ثم تر َ‬
‫ضحى على قدر ما شاهده وعاينه‪.‬‬
‫تقدم أن يكون إخباُره ِلما أخبر عنه في صلة ال ّ‬
‫ي هذا‬
‫والصواب‪ :‬إذا كان المر كذلك‪ :‬أن ُيصّليها من أراد على ما شاء من العدد‪ .‬وقد رِو َ‬
‫ن حميد‪ ،‬حدثنا جرير‪ ،‬عن إبراهيم‪ ،‬سأل رجل السود‪ ،‬كم أصلي‬
‫عن قوم من السلف حدثنا اب ُ‬
‫الضحى؟ قال‪ :‬كم شئت‪.‬‬
‫جحتها من جهة صحة إسنادها‪ ،‬وعمل‬
‫وطائفة ثانية‪ ،‬ذهبت إلى أحاديث الترك‪ ،‬ور ّ‬
‫الصحابة بموجبها‪ ،‬فروى البخاري عن ابن عمر‪ ،‬أنه لم يكن ُيصليها‪ ،‬ول أبو بكر‪ ،‬ول عمر‪ .‬قلت‪:‬‬
‫فالنبي صلى ال عليه وسلم قال‪ :‬ل إخاله‪ .‬وقال وكيع‪ :‬حدثنا سفيان الثوري‪ ،‬عن عاصم بن ُكليب‪،‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم صّلى صلة الضحى إل‬
‫ت رسول ا ّ‬
‫عن أبيه‪ ،‬عن أبي هريرة‪ ،‬قال‪ :‬ما رأي ُ‬
‫يومًا واحدًا‪ .‬وقال علي بن المديني‪ :‬حدثنا معاذ بن معاذ‪ ،‬حدثنا شعبة‪ ،‬حدثنا فضيل بن َفضالة‪ ،‬عن‬
‫عبد الرحمن بن أبي بكرة‪ ،‬قال‪ :‬رأى أبو بكرة ناسًا ُيصلون الضحى‪ ،‬قال‪ :‬إنكم لتصلون صلة ما‬
‫صلها رسول ال صلى ال عليه وسلم ول عاَمُة أصحابه‪.‬‬
‫عروة‪ ،‬عن عائشة قالت‪ :‬ما سّبح رسو ُ‬
‫ل‬ ‫وفي ))الموطأ((‪ :‬عن مالك‪ ،‬عن ابن شهاب‪ ،‬عن ُ‬
‫ل صلى ال عليه‬
‫لا ّ‬
‫حها‪ ،‬وإن كان رسو ُ‬
‫ط‪ ،‬وإني لسّب ُ‬
‫ضحى ق ّ‬
‫سبحَة ال ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ُ‬
‫ا ّ‬
‫ع العمل وهو يحب أن يعمل به خشيَة أن يعمل به الناس‪َ ،‬فُيفرض عليهم‪.‬‬
‫وسلم لَيَد ُ‬
‫سلف بحديث عائشة‪ ،‬ولم َيَروا صلَة‬
‫طال‪ :‬فأخذ قوم من ال ّ‬
‫وقال أبو الحسن علي بن ب ّ‬
‫عبيد‪ ،‬قال‪ :‬كنت أختِلف إلى ابن مسعود‬
‫الضحى‪ ،‬وقال قوم‪ :‬إنها بدعة‪ ،‬روى الشعبي‪ ،‬عن قيس بن ُ‬
‫سَنَة كّلها‪ ،‬فما رأيُته مصليًا الضحى‪ .‬وروى شعبة‪ ،‬عن سعد بن إبراهيم‪ ،‬عن أبيه أن عبد الرحمن‬
‫ال ّ‬
‫ن‬
‫بن عوف‪ ،‬كان ل يصلي الضحى‪ .‬وعن مجاهد‪ ،‬قال‪ :‬دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجَد‪ ،‬فإذا اب ُ‬
‫حجرة عائشة‪ ،‬وإذا الناس في المسجد ُيصلون صلة الضحى‪ ،‬فسألناه عن‬
‫عمر جالس عند ُ‬
‫ت الِبْدعُة‪.‬‬
‫صلتهم‪ ،‬فقال‪ :‬بدعة‪ .،‬وقال مرة‪ :‬وِنعَم ِ‬
‫ت ابن عمر يقول‪ :‬ما ابتدع المسلمون أفضل صلة ِمن الضحى‪،‬‬
‫وقال الشعبي‪ :‬سمع ُ‬
‫وسئل أنس بن مالك عن صلة الضحى‪ ،‬فقال‪ :‬الصلوات خمس‪.‬‬
‫‪159‬‬

‫غّبا‪ ،‬فُتصلى في بعض اليام دون بعض‪ ،‬وهذا أحُد‬


‫وذهبت طائفة ثالثة إلى استحباب فعلها ِ‬
‫جريري‪ ،‬عن عبد ا ّ‬
‫ل‬ ‫الروايتين عن أحمد‪ ،‬وحكاه الطبري عن جماعة‪ ،‬قال‪ :‬واحتجوا بما روى ال ُ‬
‫ن رسول ال صلى ال عليه وسلم ُيصلي الضحى؟ قالت‪ :‬ل إل أن‬
‫ت لعائشة أكا َ‬
‫شقيق‪ ،‬قال‪ :‬قل ُ‬
‫بن َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ُيصلي الضحى‪،‬‬
‫لا ّ‬
‫َيجيَء ِمن مغيبه ثم ذكر حديث أبي سعيد‪ :‬كان رسو ُ‬
‫حتى نقول ل يدعها‪ ،‬ويدعها حتى نقول‪ :‬ل يصليها‪ ،‬وقد تقدم‪ .‬ثم قال كذا ذكر من كان يفعل ذلك‬
‫ن عباس ُيصليها يومًا‪،‬‬
‫ِمن السلف وروى شعبة‪ ،‬عن حبيب بن الشهيد‪ ،‬عن عكرمة قال‪ :‬كان اب ُ‬
‫ل بن دينار‪ ،‬عن ابن عمر‪ ،‬أنه كان‬
‫ويدعها عشرة أيام يعني صلَة الضحى وروى شعبة‪ ،‬عن عبد ا ّ‬
‫ل سبت‪ .‬وروى سفيان‪ ،‬عن منصور‪،‬‬
‫ل ُيصلي الضحى‪ .‬فإذا أتى مسجد ُقباء‪ ،‬صّلى‪ ،‬وكان يأتيه ك ّ‬
‫قال كانوا يكرهون أن يحافظوا عليها كالمكتوبة‪ ،‬وُيصلون ويدعون يعني صلة الضحى‪ .‬وعن‬
‫سعيد بن جبير‪ :‬إني لدع صلة الضحى وأنا أشتهيها‪ ،‬مخافة أن أراها حتمًا علي وقال مسروق‪:‬‬
‫كنا نقرأ في المسجد‪ ،‬فنبقى بعد قيام ابن مسعود‪ ،‬ثم نقوم‪ ،‬فنصلي الضحى‪ ،‬فبلغ ابن مسعود ذلك‬
‫جَلز‬
‫ل؟! إن كنتم ل ُبّد فاعلين‪ ،‬ففي بيوتكم وكان أبو ِم ْ‬
‫فقال‪ِ :‬لم ُتحّملون عباَد ال ما لم ُيحّملهم ا ّ‬
‫يصلي الضحى في منزله‪.‬‬
‫قال هؤلء‪ :‬وهذا أولى لئل يتوهم متوهٌم وجوَبها بالمحافظة عليها‪ ،‬أو كوَنها سنَة راتبًة‬
‫شَر لي َأَبواي ما َتَركتها‪ .‬فإنها كانت ُتصليها في البيت حتى ل يراها الناس‪.‬‬
‫ولهذا قالت عائشة‪ :‬لو ُن ِ‬
‫وذهبت طائفة رابعة إلى أنها ُتفعل بسبب من السباب‪ ،‬وأن النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ،‬إنما فعلها بسبب‪ ،‬قالوا‪ :‬وصلته صلى ال عليه وسلم يوَم الفتح ثمان ركعات ضحى‪ ،‬إنما‬
‫كانت ِمن أجل الفتح‪ ،‬وأن سنة الفتح أن تصلى عنده ثمان ركعات‪ ،‬وكان المراء ُيسمونها صلة‬
‫حجرة‪ ،‬صَلى صلة‬
‫ي في ))تاريخه(( عن الشعبي قال‪ :‬لما فتح خالد بن الوليد ال ِ‬
‫الفتح وذكر الطبر َ‬
‫ن ركعات لم ُيسلم فيهن‪ ،‬ثم انصرف‪ .‬قالوا‪ :‬وقول أم هانىء‪)) :‬وذلك ضحى((‪ .‬تريد أن‬
‫الفتح ثما َ‬
‫عتبان‬
‫فعله لهذه الصلة كان ضحى‪ ،‬ل أن الضحى اسم لتلك الصلة‪ .‬قالوا‪ :‬وأما صلته في بيت ِ‬
‫ل بيني‬
‫ن السيول تحو ُ‬
‫ت بصري‪ ،‬وإ ّ‬
‫عْتبان قال له‪ :‬إّني أنكر َ‬
‫بن مالك‪ ،‬فإنما كانت لسبب أيضَا‪ ،‬فإن ِ‬
‫ت في بيتي مكانًا أتخذه مسجدَا‪ ،‬فقال‪)) :‬أفعل إن شاء‬
‫ت أنك جئت‪ ،‬فصلي َ‬
‫وبين مسجد قومي‪َ ،‬فوِدد ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم وأبو بكر معه بعدما أشتّد النهاُر فاستأذن‬
‫ي رسول ا ّ‬
‫ال تعالى(( قال‪ :‬فغدا عل ّ‬
‫ك((‪،‬؟‬
‫ي ِمن َبيِت َ‬
‫صّل َ‬
‫ب َأن أ َ‬
‫ح ّ‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم فأذنت له‪ ،‬فلم يجِلس حتى قال‪)) :‬أين ت ِ‬
‫‪160‬‬

‫فأشرت إليه من المكان الذي ُأحب أن يصلي فيه‪ ،‬فقام وصففنا خلفه‪ ،‬وصلى‪ ،‬ثم سلم‪ ،‬وسلمنا حين‬
‫سلم‪ .‬متفق عليه‪.‬‬
‫عتبان‪،‬‬
‫فهذا أصل هذه الصلة وقصتها‪ ،‬ولفظ البخاري فيها‪ ،‬فاختصره بعض الرواة عن ِ‬
‫سبحة الضحى‪ ،‬فقاموا وراءه فصّلْوا‪.‬‬
‫ل ال صلى ال عليه وسلم صّلى في بيتي ُ‬
‫فقال‪ :‬إن رسو َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ُيصلي الضحى إل أن َيْقَدَم ِم ْ‬
‫ن‬ ‫ل عائشة‪ :‬لم يكن رسول ا ّ‬
‫وأما قو ُ‬
‫مغيبه‪ ،‬فهذا من أبين المور أن صلته لها إنما كانت لسبب‪ ،‬فإنه صلى ال عليه وسلم كان إذا‪َ .‬قِدَم‬
‫من سفر‪ ،‬بدأ بالمسجد‪ ،‬فصلى فيه ركعتين‪.‬‬
‫ل صلى ال‬
‫فهذا كان هدَيه‪ ،‬وعائشُة أخبرت بهذا وهذا‪ ،‬وهي القائلُة‪)) :‬ما صّلى رسول ا ّ‬
‫ط((‪.‬‬
‫عليه وسلم صلَة الضحى ق ّ‬
‫فالذي أثبتته فعلها بسبب‪ ،‬كقدومه من سفر‪ ،‬وفتحه‪ ،‬وزيارِته لقوم ونحوه‪ ،‬وكذلك إتياُنه‬
‫مسجد قباء للصلة فيه‪ ،‬وكذلك ما رواه يوسف بن يعقوب‪ ،‬حّدثنا محمد بن أبي بكر‪ ،‬حّدثنا سلمة بن‬
‫شر برأس أبي جهل‪.‬‬
‫ضحى ركعتين يوم ُب ّ‬
‫ن أبي أوفى صلى ال ّ‬
‫ت اب َ‬
‫رجاء‪ ،‬حّدثتنا الشعثاء‪ ،‬قالت‪ :‬رأي ُ‬
‫ي نفته‪ ،‬هو ما كان يفعله‬
‫شكر الفتح والذ َ‬
‫ح فهي صلة شكر وقعت وقت الضحى‪ ،‬ك ُ‬
‫فهذا إن ص ّ‬
‫ف لسنته‪ ،‬ولكن لم يكن ِمن‬
‫الناس‪ ،‬تصلونها لغير سبب‪ ،‬وهي لم تقل‪ :‬إن ذلك مكروه‪ ،‬ول مخال ٌ‬
‫ض عليها‪ ،‬وكان َيستغني عنها بقيام الليل‪،‬‬
‫هديه فعُلها لغير سبب‪ .‬وقد أوصى بها وندب إليها‪ ،‬وح ّ‬
‫خْلَفًة ِلَمن َأراَد َأ ْ‬
‫ن‬ ‫ل والّنهاَر ِ‬
‫ل الَلْي َ‬
‫جَع َ‬
‫غنية عنها وهي كالبدل منه‪ ،‬قال تعالى‪َ} :‬وُهَو اّلذي َ‬
‫فإن فيه ُ‬
‫شكوَرًا{ ]الفرقان‪ [62 :‬قال ابن عباس‪ ،‬والحسن‪ ،‬وقتادة‪ :‬عوضًا وخلفًا يقوم أحُدهما‬
‫َيّذّكَر أْو أراَد ُ‬
‫مقاَم صاحبه‪ ،‬فمن فاته عمل في أحدهما‪ ،‬قضاه في الخر‪.‬‬
‫س إلى‬
‫حَمان النا َ‬
‫ل من أعمالكم خيرًا في هذا الليل والنهار‪ ،‬فإنهما مطّيتان ُيق ِ‬
‫قال قتادة‪ :‬فأدوا ّ‬
‫ل موعود إلى يوم القيامة‪.‬‬
‫ل جديد‪ ،‬وَيجيئان بك ّ‬
‫ل بعيد‪ ،‬ويبليان ك ّ‬
‫آجالهم‪ ،‬وُيقّربان ك ّ‬
‫وقال شقيق‪ :‬جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي ال عنه فقال‪ :‬فاتتني الصلُة الليلة‪،‬‬
‫خلفة لمن أراد أن‬
‫ل والنهار ِ‬
‫ل عّز وجل جعل اللي َ‬
‫فقال‪ :‬أدرك ما فاتك ِمن ليلتك في نهارك‪ ،‬فإن ا ّ‬
‫شكورا‪.‬‬
‫يّذّكر أو أراد ُ‬
‫ل عنهم يدل على هذا‪ ،‬فإن ابن عباس كان ُيصليها يومًا‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬وِفعل الصحابة رضي ا ّ‬
‫ل سبت وقال‬
‫ن عمر ل يصليها‪ ،‬فإذا أتى مسجد ُقباء‪ ،‬صلها‪ ،‬وكان يأتيه ك ّ‬
‫ويدعها عشرة‪ ،‬وكان اب ُ‬
‫سفيان‪ ،‬عن منصور‪ :‬كانوا يكرهون أن ُيحافظوا عليها‪ ،‬كالمكتوبة‪ ،‬ويصلون وَيدعون‪ ،‬قالوا‪ :‬وِمن‬
‫‪161‬‬

‫ل من النصار كان ضخمًا‪ ،‬فقال للنبي صلى ال عليه وسلم‪:‬‬


‫ث الصحيح عن أنس‪ ،‬أن رج ً‬
‫هذا الحدي ُ‬
‫ي معك‪ ،‬فصنع للنبي صلى ال عليه وسلم طعامًا‪ ،‬ودعاه إلى بيته‪ ،‬ونضح له‬
‫إني ل أستطيع أن ُأصل َ‬
‫ف حصير بماء‪ ،‬فصلى عليه ركعتين قال أنس ما رأيته صلى الضحى غير ذلك اليوم رواه‬
‫طر َ‬
‫البخاري‪.‬‬
‫ومن تأمل الحاديث المرفوعة وآثاَر الصحابة‪ ،‬وجدها ل تدل إل على هذا القول‪،‬‬
‫ث الترغيب فيها‪ ،‬والوصيُة بها‪ ،‬فالصحيح منها كحديث أبي هريرة وأبي ذر ليدل على‬
‫وأما أحادي ُ‬
‫أنها سنة راتبة لكل أحد‪ ،‬وإنما أوصى أبا هريرة بذلك‪ ،‬لنه قد روي أن أبا هريرة كان يختار درس‬
‫ل من قيام الليل‪ ،‬ولهذا أمره أل ينام حتى يوتر‪ ،‬ولم‬
‫الحديث بالليل على الصلة‪ ،‬فأمره بالضحى بد ً‬
‫يأمر بذلك أبا بكر وعمر وسائر الصحابة‪.‬‬
‫وعامة أحاديث الباب في أسانيدها مقال‪ ،‬وبعضها منقطع‪ ،‬وبعضها موضوع ل يحل‬
‫عْ‬
‫ن‬‫طْعَها إل َ‬
‫حى ولْم َيق َ‬
‫ضَ‬‫لِة ال ّ‬
‫صَ‬‫ن َداَوَم على َ‬
‫الحتجاج به‪ ،‬كحديث يروى عن أنس مرفوعًا ))َم ْ‬
‫ن نوٍر(( وضعه زكريا بن ُدويد الِكندي‪ ،‬عن‬
‫ن ُنوٍر في َبحٍر ِم ْ‬
‫ق ِم ْ‬
‫ت َأَنا َوُهو في َزْوَر ٍ‬
‫عّلة‪ ،‬كن ُ‬
‫ِ‬
‫حميد‪.‬‬
‫وأما حديث يعلى بن أشدق‪ ،‬عن عبد ال بن جراد‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم‪)) :‬من‬
‫ساَها َوَيَدعَها‪،‬‬
‫سَنَِة من الّدْهِر ثّم َين َ‬
‫صّليها ال ّ‬
‫ل َلُي َ‬
‫جَ‬‫ن الّر ُ‬
‫ضحى‪َ ،‬فْليصلها ُمَتَعّبدًا‪ ،‬فإ ّ‬
‫لَة ال ُ‬
‫صّلى ِمْنُكم ص َ‬
‫َ‬
‫ن الّناَقة إلى َوَلِدَها إذا َفَقَدته(( فيا عجبًا للحاكم كيف يحتج بهذا وأمثاله‪ ،‬فإنه يروي‬
‫حّ‬‫ن إليِه َكَما َت ِ‬
‫حّ‬‫َفَت ِ‬
‫ث في كتاب أفرده للضحى‪ ،‬وهذه نسخة موضوعة على رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫هذا الحدي ُ‬
‫ل بن جراد‪،‬‬
‫يعنى نسخة يعلى بن الشدق‪ .‬وقال ابن عدى‪ :‬روى يعلى بن الشدق‪ ،‬عن عمه عبد ا ّ‬
‫عن النبي صلى ال عليه وسلم‪ :‬أحاديث كثيرة منكرة‪ ،‬وهو وعّمه غيُر معروفين‪ ،‬وبلغي عن أبي‬
‫ل صلى ال عليه وسلم؟ فقال‪:‬‬
‫مسهر‪ ،‬قال‪ :‬قلت ليعلى بن الشدق‪ :‬ما سمع عّمك من حديث رسول ا ّ‬
‫ل بن جراد‪،‬‬
‫جامَع سفيان‪ ،‬وموطأ مالك‪ ،‬وشيئًا من الفوائد‪ .‬وقال أبو حاتم بن حبان‪ :‬لقي يعلى عبد ا ّ‬
‫فلما َكِبر‪ ،‬اجتمع عليه من ل ِدين له‪ ،‬فوضعوا له شهبًا بمائتي حديث‪ ،‬فجعل يحّدث بها وهو ل‬
‫ل بن جراد؟ فقال‪ :‬هذه‬
‫ي شيء سمعته من عبد ا ّ‬
‫ض مشايخ أصحابنا‪ :‬أ ّ‬
‫يدري‪ ،‬وهو الذي قال له بع ُ‬
‫ل الرواية عنه بحال‪.‬‬
‫حُ‬‫النسخة‪ ،‬وجامُع سفيان ل ت ِ‬
‫صبح عن مقاتل بن حيان حديث عائشة المتقدم‪ :‬كان رسول ا ّ‬
‫ل‬ ‫ث عمر بن ُ‬
‫وكذلك حدي ُ‬
‫صلى ال عليه وسلم ُيصلي الضحى ثنتي عشرة ركعة‪ ،‬وهو حديث طويل ذكره الحاكم في ))صلة‬
‫‪162‬‬

‫الضحى(( وهو حديث موضوع‪ ،‬المتهم به عمر بن صبح قال البخاري‪ :‬حَدثني يحيى‪ ،‬عن علي بن‬
‫جرير‪ ،‬قال سمعت عمر بن صبح يقول‪ :‬أنا وضعت خطبة النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وقال ابن‬
‫ل كتب حديثه إل على جهة‬
‫حّ‬‫عدى منكر الحديث‪ .‬وقال ابن حبان‪ :‬يضع الحديث على الثقات‪ ،‬ل َي ِ‬
‫التعجب منه‪ ،‬وقال الدارقطني‪ :‬متروك‪ ،‬وقال الزدي كذاب‪.‬‬
‫ث عبد العزيز بن أبان‪ ،‬عن الثوري‪ ،‬عن حجاج بن ُفَراِفصة‪ ،‬عن مكحول‪ ،‬عن‬
‫وكذلك حدي ُ‬
‫جَراِد‪،‬‬
‫عَدِد ال َ‬
‫ت ُذنوبه‪ ،‬وإن كانت مثل َ‬
‫غِفَر ْ‬
‫ضحى‪ُ ،‬‬
‫حِة ال ّ‬
‫عَلى سب َ‬
‫ظ َ‬
‫حاف َ‬
‫أبي هريرة مرفوعًا ))َمن َ‬
‫ن زَبِد الَبحِر(( ذكره الحاكم أيضًا‪ .‬وعبد العزيز هذا‪ ،‬قال ابن نمير‪ :‬هو كّذاب‪ ،‬وقال يحيى‪:‬‬
‫َوَأكثر ِم ْ‬
‫ك الحديث‪.‬‬
‫ليس بشيء‪ ،‬كذاب خبيث يضع الحديث‪ ،‬وقال البخاري‪ ،‬والنسائي‪ ،‬والدارقطني‪ :‬مترو ُ‬
‫شفَْعِة‬
‫عَلى ُ‬
‫ظ َ‬
‫حاَف َ‬
‫وكذلك حديث النهاس بن قهم‪ ،‬عن شداد‪ ،‬عن أبي هريرة يرفعه ))من َ‬
‫ت َأْكَثر ِمن َزَبِد البحر((‪ .‬والنهاس‪ ،‬قال يحيى‪ :‬ليس بشيء ضعيف‬
‫ن َكاَن ْ‬
‫ت ُذُنوُبه َوإ ْ‬
‫غِفَر ْ‬
‫حى‪ُ ،‬‬
‫ضَ‬‫ال ُ‬
‫كان يروي عن عطاء‪ ،‬عن ابن عباس أشياء منكرة‪ ،‬وقال النسائي‪ :‬ضعيف‪ ،‬وقال ابن عدي‪:‬‬
‫ليساوى شيئًا‪ ،‬وقال ابن حبان‪ :‬كان يروي المناكير عن المشاهير‪ ،‬ويخالف الثقات‪ ،‬ل يجوز‬
‫الحتجاج به‪ ،‬وقال الدارقطني‪ :‬مضطرب الحديث‪ ،‬تركه يحيى القطان‪.‬‬
‫ل صلى ال عليه‬
‫حميد بن صخر‪ ،‬عن المقبري‪ ،‬عن أبي هريرة‪ :‬بعث رسول ا ّ‬
‫وأما حديث ُ‬
‫ث‪ ،‬وقد تقدم‪ .‬فحميد هذا ضعفه النسائي‪ ،‬ويحيى بن معين‪ ،‬ووثقه آخرون‪ ،‬وُأنِكَر‬
‫وسلم‪ ،‬بعثًا الحدي َ‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫عليه بعض حديثه‪ ،‬وهو ممن ل يحتج به إذا انفرد وا ّ‬
‫وأما حديث محمد بن إسحاق‪ ،‬عن موسى‪ ،‬عن عبد ال بن المثنى‪ ،‬عن أنس‪ ،‬عن عمه‬
‫ب((‪ ،‬فمن الحاديث‬
‫ن َذَه ٍ‬
‫جّنِة ِم ْ‬
‫صرًا في ال َ‬
‫حى‪ ،‬بنى ال له َق ْ‬
‫ضَ‬‫صّلى ال ّ‬
‫ن َ‬
‫ُثمامة‪ ،‬عن أنس يرفعه ))َم ْ‬
‫ي‪ :‬غريب ل نعرفه إل من هذا الوجه‪.‬‬
‫الغرائب‪ ،‬وقال الترمذ َ‬
‫ل الّنَهاِر‪َ ،‬أْكِف َ‬
‫ك‬ ‫ن أْرَبِع رَكَعات فى أّو ِ‬
‫جْز لي عَ ْ‬
‫ل َتْع ِ‬
‫وأما حديث نعيم بن هّمار‪)) :‬ابن آَدَم َ‬
‫لسلم ابن تيمية يقول‪ :‬هذه الربع‬
‫خَرُه((‪ ،‬وكذلك حديث أبي الدرداء‪ ،‬وأبي ذر‪ ،‬فسمعت شيخ ا ِ‬
‫آِ‬
‫عندي هي الفجر وسنتها‪.‬‬
‫فصل‬
‫سُر أو‬
‫وكان ِمن هديه صلى ال عليه وسلم وهدي أصحابه سجوُد الشكر عند تجّدد ِنعمة ت ُ‬
‫اندفاع ِنقمة‪ ،‬كما في ))المسند(( عن أبي بكرة‪ ،‬أن النبي صلى ال عليه وسلم كان إذا أتاه أمٌر‬
‫شْكرًا ل َتَعالى‪.‬‬
‫جدًا ُ‬
‫سا ِ‬
‫سّره‪ ،‬خّر ل َ‬
‫َي ُ‬
‫‪163‬‬

‫جدًا‪.‬‬
‫سا ِ‬
‫ل َ‬
‫خّر ّ‬
‫جٍة‪ ،‬ف َ‬
‫حا َ‬
‫شَر ب َ‬
‫ن ماجه‪ ،‬عن أنس‪ ،‬أن النبي صلى ال عليه وسلم ُب ّ‬
‫وذكر اب ُ‬
‫وذكر البيهقي بإسناد على شرط البخاري‪ ،‬أن عليًا رضي ال عنه‪ ،‬لما كتب إلى النبي صلى‬
‫على‬
‫لَم َ‬
‫سَ‬‫ن‪ ،‬ال ّ‬
‫عَلى َهْمَدا َ‬
‫لم َ‬
‫سَ‬‫ال عليه وسلم بإسلم هْمَدان‪ ،‬خّر ساجدًا ثم رفع رأسه‪ ،‬فقال‪)) :‬ال ّ‬
‫َهْمدان(( وصدر الحديث في صحيح البخاري وهذا تمامه بإسناده عند البيهقي‪.‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫وفي ))المسند(( من حديث عبد الرحمن بن عوف‪ ،‬أن رسول ا ّ‬
‫سجد شكرًا لما جاءته الُبشرى من ربه‪ ،‬أنه من صّلى عليك‪ ،‬صّلْيت عليه‪ ،‬ومن سّلم عليك‪ ،‬سلم ُ‬
‫ت‬
‫عليه‪.‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم في‬
‫وفي سنن أبي داود من حديث سعد بن أبي وقاص‪ ،‬أن رسول ا ّ‬
‫ت لّمتي‪،‬‬
‫شَفْع ُ‬
‫ت َربي و َ‬
‫سَأْل ُ‬
‫ث مرات‪ ،‬ثم قال‪)) :‬إّني َ‬
‫ل ساعة‪ ،‬ثم خّر ساجدًا ثل َ‬
‫رفع يديه فسأل ا ّ‬
‫طاني‬
‫عَ‬‫ت َرّبي لّمتي‪َ ،‬فَأ ْ‬
‫سأل ُ‬
‫سي‪َ ،‬ف َ‬
‫شْكَرًا ِلَرّبي‪ُ ،‬ثّم َرفعت رأ ْ‬
‫جدًا ُ‬
‫سا ِ‬
‫ث ُأّمتي‪َ ،‬فخَرْرت َ‬
‫طاني ثُل َ‬
‫عَ‬‫َفَأ ْ‬
‫طاني الّثل َ‬
‫ث‬ ‫لّمتي‪ ،‬فأع َ‬
‫ت َرّبي ُ‬
‫سَأْل ُ‬
‫ساجدًا شْكرًا ِلَربي ثّم َرَفعت َرأسي‪َ ،‬ف َ‬
‫خَرَرت َ‬
‫ث الثاني‪َ ،‬ف َ‬
‫الّثل َ‬
‫ت ساجدًا لرّبي((‪.‬‬
‫خرَر ُ‬
‫خَر‪َ ،‬ف َ‬
‫ال َ‬
‫ل عليه‪ ،‬ذكره البخاري‪.‬‬
‫وسجد كعب بن مالك لما جاءته البشرى بتوبة ا ّ‬
‫ل عنه‪ ،‬أنه سجد حين وجد ذا الّثَدّية في قتلى الخوارج‪.‬‬
‫وذكر أحمد عن علي رضي ا ّ‬
‫)يتبع‪(...‬‬
‫ل عنه‪ ،‬سجد حين جاءه قت ُ‬
‫ل‬ ‫صديق رضي ا ّ‬
‫وذكر سعيد بن منصور‪ ،‬أن أبا بكر ال ّ‬ ‫@‬
‫مسيِلمة‪.‬‬
‫فصل‬
‫في هديه صلى ال عليه وسلم في سجود القرآن‬
‫جَد َوجهي‬
‫سَ‬‫كان صلى ال عليه وسلم‪ ،‬إذا مّر بسجدة‪ ،‬كّبر وسجد‪ ،‬وربما قال في سجوده )) َ‬
‫حوِلِه َوُقّوِتِه((‪.‬‬
‫سْمَعُه َوَبصَرُه ِب َ‬
‫ق َ‬
‫شّ‬‫خَلَقُه َوصّوَرُه َو َ‬
‫ِلّلذي َ‬
‫خَرًا‪،‬‬
‫ك ُذ ْ‬
‫عْنَد َ‬
‫جَعْلَها لي ِ‬
‫جَرًا‪ ،‬وا ْ‬
‫عّني بها ِوزرا‪ ،‬واْكُتب لي بها َأ ْ‬
‫وربما قال‪)) :‬الّلهم احطط َ‬
‫ك داوَد((‪ .‬ذكرهما أهل السنن‪.‬‬
‫عْبِد َ‬
‫َوَتقّبلها ِمّني َكَما َتَقّبلَتها ِمن َ‬
‫خرقي ومتقدمو‬
‫ولم ُيذكر عنه أنه كان يكبر للرفع من هذا السجود‪ ،‬ولذلك لم يذكره ال ِ‬
‫ل فيه عنه تشهد ول سلم البتة وأنكر أحمد والشافعي السلَم فيه‪ ،‬فالمنصوص‬
‫الصحاب‪ ،‬ول ُنِق َ‬
‫‪164‬‬

‫عن الشافعي‪ :‬إنه ل تشهَد فيه ول تسليم‪ ،‬وقال أحمد‪ :‬أما التسليُم‪ ،‬فل أدري ما هو‪ ،‬وهذا هو‬
‫الصواب الذي ل ينبغي غيره‪.‬‬
‫وصح عنه صلى ال عليه وسلم أنه سجد في )الم تنزيل(‪ ،‬وفي )ص(‪ ،‬وفي )النجم( وفي؟‬
‫خَلق(‪.‬‬
‫ك الذي َ‬
‫سم َرّب َ‬
‫سماء انشّقت(‪ ،‬وفي )اقرأ با ْ‬
‫)إذا ال َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬أقرأه خم َ‬
‫س‬ ‫وذكر أبو داود عن عمرو بن العاص‪ ،‬أن رسول ا ّ‬
‫صل‪ ،‬وفي سورة الحج سجدتان‪.‬‬
‫عشرة‪ ،‬سجدة‪ ،‬منها ثلث في المف ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم إحدى عشرة‬
‫وأما حديث أبي الدرداء‪ ،‬سجدت مع رسول ا ّ‬
‫صل شيء‪) :‬العراف(‪ ،‬و)الرعد(‪ ،‬و)النحل(‪ ،‬و)بني إسرائيل(‪،‬‬
‫سجدة‪ ،‬ليس فيها من المف ّ‬
‫و)مريم(‪ ،‬و)الحج(‪ ،‬و)سجدة الفرقان(‪ ،‬و)النمل(‪ ،‬و)السجدة(‪ ،‬وصلى ال عليه وسلم‪ ،‬و)سجدة‬
‫الحواميم(‪ ،‬فقال أبو داود‪ :‬روى أبو الدرداء عن النبي صلى ال عليه وسلم إحدى عشرة سجدة‪،‬‬
‫وإسناده واٍه‪.‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم لم يسجد في‬
‫ل عنهما‪ ،‬أن رسول ا ّ‬
‫وأما حديث ابن عباس رضي ا ّ‬
‫المفصل منذ تحول إلى المدينة‪ .‬رواه أبو داود فهو حديث ضعيف‪ ،‬في إسناده أبو قدامة الحارث بن‬
‫لمام أحمد‪ :‬أبو قدامة مضطِرب الحديث‪ .‬وقال يحيى بن معين‪:‬‬
‫عبيد‪ ،‬ل يحتج بحديثه‪ .‬قال ا ِ‬
‫ضعيف‪ ،‬وقال النسائي‪ :‬صدوق عنده مناكير‪ ،‬وقال أبو حاتم البستي‪ :‬كان شيخًا صالحًا ممن كثر‬
‫وهمه وعّلله ابن القطان بمطر الوراق‪ ،‬وقال‪ :‬كان يشبهه في سوء الحفظ محمد بن عبد الرحمن بن‬
‫ج حديثه انتهى كلمه‪.‬‬
‫أبي ليلى‪ ،‬وعيب على مسلم إخرا ُ‬
‫ول عيب على مسلم في إخراج حديثه‪ ،‬لنه ينتقي من أحاديث هذا الضرب ما يعلم أنه‬
‫حفظه‪ ،‬كما يطرح من أحاديث الثقة ما يعلم أنه غِلط فيه‪ ،‬فغِلط في هذا المقام من استدرك عليه‬
‫ج جميع حديث الثقة‪ ،‬ومن ضّعف جميع حديث سيىء الحفظ‪ ،‬فالولى‪ :‬طريقة الحاكم وأمثاله‪،‬‬
‫إخرا َ‬
‫والثانية‪ :‬طريقة أبي محمد بن حزم وأشكاله‪ ،‬وطريقة مسلم هي طريقة أئمة هذا الشأن وا ّ‬
‫ل‬
‫المستعان‪.‬‬
‫ك اَلذي‬
‫سم َرّب َ‬
‫وقد صح عن أبي هريرة أنه سجد مع النبي صلى ال عليه وسلم في )اقرأ با ْ‬
‫شّقت(‪ ،‬وهو إنما أسلم بعد َمقَدم النبي صلى ال عليه وسلم المَدينة بست‬
‫سَماُء اْن َ‬
‫خَلق(‪ ،‬وفي )إَذا ال ّ‬
‫َ‬
‫سنين أو سبع‪ ،‬فلو تعارض الحديثان من كل وجه‪ ،‬وتقاوما في الصحة‪ ،‬لتعين تقديُم حديث أبي‬
‫‪165‬‬

‫ث أبي هريرة في غاية‬


‫هريرة‪ ،‬لنه مثبت معه زيادة علم خفيت على ابن عباس‪ ،‬فكيف وحدي ُ‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫حة متفق على صحته‪ ،‬وحديث ابن عباس فيه من الضعف ما فيه‪ .‬وا ّ‬
‫الص َ‬
‫فصل‬
‫في هديه صلى ال عليه وسلم في الجمعة وذكر خصائص يومها‬
‫لّولو َ‬
‫ن‬ ‫نا َ‬
‫ن الخُرو َ‬
‫حُ‬‫ثبت في ))الصحيحين(( عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪َ)) :‬ن ْ‬
‫خَتَلفوا‬
‫عَلْيِهم‪ ،‬فا ْ‬
‫ل َ‬
‫ض ا ُّ‬
‫ن َقْبِلَنا‪ُ ،‬ثّم هَذا َيْوُمُهُم اّلِذي َفر َ‬
‫ن َيْوَم الِقياَمة‪َ ،‬بْيَد أّنهم أوُتوا الكتاب ِم ْ‬
‫ساِبقو َ‬
‫ال ّ‬
‫غٍد((‪.‬‬
‫صاَرى َبْعَد َ‬
‫س َلنا فيه َتَبع‪ ،‬الَيُهوُد غدًا‪ ،‬والّن َ‬
‫ل له‪ ،‬والّنا ُ‬
‫ِفيِه‪ ،‬فَهداَنا ا ُّ‬
‫ل صلى ال‬
‫ل عنهما قال‪ :‬رسول ا ّ‬
‫حذيفة رضي ا ّ‬
‫وفي ))صحيح مسلم(( عن أبي هريرة‪ ،‬و ُ‬
‫حِد‪،‬‬
‫لَ‬‫ن ِللّنصارى َيْوُم ا َ‬
‫ت‪ ،‬وَكا َ‬
‫سْب ِ‬
‫ن ِلْلَيُهوِد ال ّ‬
‫ن كان َقْبَلنا‪َ ،‬فكا َ‬
‫جُمعة َم ْ‬
‫عن ال ُ‬
‫ل َ‬
‫ل ا ُّ‬
‫ضّ‬‫عليه وسلم ))َأ َ‬
‫ك ُهم َتَبٌع َلَنا َيوَم القَِياَمِة‪ ،‬نحن‬
‫حَد‪ ،‬وَكذِل َ‬
‫لَ‬‫ت وا َ‬
‫سْب َ‬
‫جُمَعَة وال ّ‬
‫ل ال ُ‬
‫جَع َ‬
‫ل ِبَنا‪َ ،‬فَهَداَنا ليوِم الجمعة َف َ‬
‫فجاء ا ُّ‬
‫ي لهم قبل الخلِئق((‪.‬‬
‫ن َيْوَم الِقياَمِة‪ ،‬الَمْقض ّ‬
‫لّولو َ‬
‫ل الّدنيا‪ ،‬وا َ‬
‫ن َأْه ِ‬
‫ن ِم ْ‬
‫خُرو َ‬
‫ال ِ‬
‫وفي ))المسند(( والسنن‪ ،‬من حديث أوس بن أوس‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫ي ِم َ‬
‫ن‬ ‫خُة‪ ،‬الصْعَقُة‪ ،‬فأكِثُروا عل ّ‬
‫ض‪ ،‬وفيه الّنف َ‬
‫ل آَدَم‪ ،‬وفيه ُقب َ‬
‫ق ا ُّ‬
‫خَل َ‬
‫َأْفضل َأّياِمُكم َيوُم الجمَعِة‪ ،‬فيه َ‬
‫ك َوَقْد‬
‫عَلْي َ‬
‫صلتَنا َ‬
‫ض َ‬
‫ف ُتْعَر ُ‬
‫ل َوَكْي َ‬
‫لا ّ‬
‫ي(( قالوا‪ :‬يا رسو َ‬
‫لَتُكم َمعُروضٌة عل ّ‬
‫صَ‬‫ن َ‬
‫صلِة فيه‪ ،‬فِإ ّ‬
‫ال ّ‬
‫ساَد النبياِء((‪ .‬ورواه الحاكم‪،‬‬
‫جَ‬‫ل َأ ْ‬
‫ن تْأُك َ‬
‫ض َأ ْ‬
‫لر ِ‬
‫حّرَم على ا َ‬
‫ل َ‬
‫نا ّ‬
‫ت(‪)) .‬إ ّ‬
‫ت؟ )يعني‪ :‬قْد َبِلي َ‬
‫َأَرْم َ‬
‫في))المستدرك(( وابن حبان في ))صحيحه((‪.‬‬
‫وفي ))جامع الترمذي((‪ ،‬من حديث أبي هريرة‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ج منها‪،‬‬
‫جّنَة‪ ،‬وفيه ُأخِر َ‬
‫ل ال َ‬
‫خَ‬‫ل آَدَم‪ ،‬وفيه أْد ِ‬
‫ق ا ُّ‬
‫خَل َ‬
‫جُمَعِة‪ ،‬فيه َ‬
‫س َيْوُم ال ُ‬
‫شْم ُ‬
‫ت فيه ال ّ‬
‫طَلَع ْ‬
‫خْيُر َيْوٍم َ‬
‫)) َ‬
‫جُمَعِة((‪ .‬قال‪ :‬حديث حسن صحيح‪ ،‬وصححه الحاكم‪.‬‬
‫ل في َيْوِم ال ُ‬
‫عُة ِإ ّ‬
‫سا َ‬
‫ول َتقوُم ال ّ‬
‫ق آَدُم‪،‬‬
‫خِل َ‬
‫جُمعِة‪ ،‬فيه ُ‬
‫سّيُد الّيام َيْوُم ال ُ‬
‫وفي ))المستدرك(( أيضًا عن أبي هريرة مرفوعًا )) َ‬
‫جُمَعِة((‪.‬‬
‫ل َيوَْم ال ُ‬
‫عُة ِإ ّ‬
‫سا َ‬
‫ج ِمْنَها‪ ،‬ول َتقوُم ال ّ‬
‫خِر َ‬
‫جّنة‪ ،‬وفيه ُأ ْ‬
‫ل ال َ‬
‫خَ‬‫وفيه ُأْد ِ‬
‫شْمس يوُم‬
‫طَلَعت عليه ال ّ‬
‫وروى مالك في ))الموطأ((‪ ،‬عن أبي هريرة مرفوعًا ))خْير َيْوٍم َ‬
‫ن داّبٍة إل‬
‫ساعُة‪ ،‬وما م ْ‬
‫ت‪ ،‬وفيه تقوُم ال ّ‬
‫عليه‪ ،‬وفيه َما َ‬
‫ب َ‬
‫ط‪ ،‬وفيه ِتي َ‬
‫ق آدُم‪ ،‬وفيه ُأْهِب َ‬
‫خِل َ‬
‫جُمعِة‪ ،‬فيه ُ‬
‫ال ُ‬
‫س‪،‬‬
‫لن َ‬
‫ن وا ِ‬
‫جّ‬‫ل ال ِ‬
‫عِة ِإ ّ‬
‫سا َ‬
‫ن ال ّ‬
‫شَفقًا ِم َ‬
‫س َ‬
‫شْم ُ‬
‫طلَع ال ّ‬
‫ح حّتى َت ْ‬
‫ن تصِب ُ‬
‫حي َ‬
‫ن ِ‬
‫جُمعِة ِم ْ‬
‫خٌة َيْوَم ال ُ‬
‫صي َ‬
‫ي ُم ِ‬
‫َوِه َ‬
‫طاُه إّياه((‪ .‬قال كعب‪ :‬ذلك في ك ّ‬
‫ل‬ ‫عَ‬‫ل َأ ْ‬
‫شْيئًا ِإ ّ‬
‫ل َ‬
‫لا ّ‬
‫سَأ ُ‬
‫صّلي َي ْ‬
‫سِلّم َوُهَو ُي َ‬
‫عبٌد ُم ْ‬
‫عٌة ل ُيصاِدُفَها َ‬
‫سا َ‬
‫وِفيِه َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫ل ا ِّ‬
‫سو ُ‬
‫ق َر ُ‬
‫ب الّتْوراَة‪َ ،‬فَقال‪ :‬صَد َ‬
‫جُمَعٍة‪َ ،‬فَقرَأ َكْع ّ‬
‫ل ُ‬
‫ل في ُك ّ‬
‫ت‪َ :‬ب ْ‬
‫سَنٍة َيْوٌم‪ ،‬فقل ُ‬
‫‪166‬‬

‫عٍة هي‪،‬‬
‫سا َ‬
‫ت َأّية َ‬
‫عِلم ُ‬
‫ل‪َ :‬قْد َ‬
‫ب‪َ ،‬قا َ‬
‫جِلسي َمَع َكع ٍ‬
‫حّدْثتُه ِبَم ْ‬
‫لٍم‪ ،‬ف َ‬
‫سَ‬‫ن َ‬
‫ل ْب َ‬
‫عْبَد ا ِّ‬
‫ت َ‬
‫ل َأُبو ُهَرْيَرَة‪ُ ،‬ثّم َلِقي ُ‬
‫َقا َ‬
‫ل صلى ال‬
‫لا ّ‬
‫سو ُ‬
‫ل َر ُ‬
‫ف َوَقْد َقا َ‬
‫ت‪َ :‬كي َ‬
‫جُمَعِة‪َ ،‬فُقل ُ‬
‫عٍة في َيْوِم ال ُ‬
‫سا َ‬
‫خُر َ‬
‫يآ ِ‬
‫ُقلت‪ :‬فَأخِبْرِني ِبَها‪ ،‬قال‪ِ :‬ه َ‬
‫ل ابن سلم‪َ :‬أَلْم َيقُ ْ‬
‫ل‬ ‫صّلى فيها؟ َفَقا َ‬
‫ل ُي َ‬
‫عُة َ‬
‫سا َ‬
‫ك ال ّ‬
‫صّلي َوِتْل َ‬
‫عبٌد مسِلّم َوهَو ي َ‬
‫صاِدُفَها َ‬
‫عليه وسلم ل ي َ‬
‫ي((؟‬
‫حّتى ُيصّل َ‬
‫صلٍة َ‬
‫لَة‪َ ،‬فُهَو في ً‬
‫ظُر الص َ‬
‫س َمجِلسًا َيْنَت ِ‬
‫جَل َ‬
‫ل ))َمن َ‬
‫سولُ ا ّ‬
‫َر ُ‬
‫جُمعة((‪.‬‬
‫وفي ))صحيح ابن حبان(( مرفوعًا‪)) :‬ل تطلع الشمس على يوم خير من َيْوِم ال ُ‬
‫ل عنه‪ ،‬قال‪ :‬أتى جبري ُ‬
‫ل‬ ‫وفي ))مسند الشافعي(( من حديث أنس بن مالك رضي ا ُّ‬
‫ي صلى ال عليه‬
‫ل النب ّ‬
‫ضاَء‪ِ ،‬فيها ُنكتٌة‪َ ،‬فَقا َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ .‬بمْرآة َبْي َ‬
‫لا ّ‬
‫عليه السلم رسو َ‬
‫س َلُكْم فيها َتَبٌع‪ ،‬اليهوُد‬
‫ك‪ ،‬والّنا ُ‬
‫ت َوُأمُّت َ‬
‫ت ِبَها َأْن َ‬
‫ضْل َ‬
‫جُمعِة‪ُ ،‬ف ّ‬
‫وسلم ما هِذِه؟ فقال‪)) :‬هِذِه َيوُم ال ُ‬
‫ب َلُه وُهَو‬
‫جي َ‬
‫سُت ِ‬
‫خْيٍر إل ا ْ‬
‫ل ِب َ‬
‫ن يدعو ا ّ‬
‫عْبٌد ُمؤِْم ٌ‬
‫عٌة ل ُيواِفُقها َ‬
‫سا َ‬
‫خْيٌر‪ ،‬وفيها َ‬
‫والّنصارى‪ ،‬ولكم فيها َ‬
‫خَذ‬
‫ك اّت َ‬
‫ن َرّب َ‬
‫جْبريلُ ! ما يوُم المزيِد؟ قال‪ِ :‬إ ّ‬
‫عْنَدَنا َيْوُم المزيد‪ ،‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم‪ :‬يا ِ‬
‫ِ‬
‫شاَء ِم ْ‬
‫ن‬ ‫حاَنُه ما َ‬
‫سب َ‬
‫ل ُ‬
‫لا ّ‬
‫جُمَعِة أنز َ‬
‫ن َيْوُم ال ُ‬
‫ك‪ ،‬فإذا َكا َ‬
‫سٍ‬
‫ن ِم ْ‬
‫ب ِم ْ‬
‫ح ِفيِه ُكُث ٌ‬
‫س َواِديًا أفي َ‬
‫ِفي الِفْرَدْو ِ‬
‫ن َذَهبٍ ُمَكّلَلٍة‬
‫ك المناِبَر ِبمَناِبَر ِم ْ‬
‫ف ِتل َ‬
‫ح ّ‬
‫ن‪ ،‬و َ‬
‫عُد الّنبّيي َ‬
‫عليها َمَقا ِ‬
‫ن ُنوٍر َ‬
‫حْوَلُه َمَناِبُر ِم ْ‬
‫لِئَكِتِه‪َ ،‬و َ‬
‫َم َ‬
‫ل ا ُّ‬
‫ل‬ ‫ب((‪ ،‬فيقو ُ‬
‫ك الُكُث ِ‬
‫ن َوَرائهم على ِتْل َ‬
‫ن‪ ،‬فجلسوا ِم ْ‬
‫صّديُقو َ‬
‫شَهداُء وال ّ‬
‫جِد‪ ،‬عليها ال ّ‬
‫بالياقوت َوالّزَبر َ‬
‫طُكم‪ ،‬فيقولون‪ :‬رّبنا نسألك رضواَنك‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫عِ‬‫سُلوني ُأ ْ‬
‫صَدقتكم وعدي‪ ،‬ف َ‬
‫ل‪َ)) :‬أنا َرّبكم َقْد َ‬
‫جّ‬‫عّز و َ‬
‫جُمعِة ِلما ُيعطيهم فيه رّبهم ِم َ‬
‫ن‬ ‫ن َيْوَم ال ُ‬
‫حّبو َ‬
‫ي َمزيد‪ ،‬فهم ُي ِ‬
‫ت عْنُكم َوَلُكم َما َتَمنْيُتم َوَلَد ّ‬
‫ضي ُ‬
‫َقْد َر ِ‬
‫ق آدم‪ ،‬وفيه تقوم‬
‫خَل َ‬
‫ك وَتعالى على العرش‪ ،‬وفيه َ‬
‫ستوى فيه رّبك َتَباَر َ‬
‫خْيِر‪ ،‬وُهَو اليوُم اّلذي ا ْ‬
‫ال َ‬
‫ساعة((‪.‬‬
‫ال ّ‬
‫عبيدة‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو الزهر‬
‫رواه الشافعي عن إبراهيم بن محمد‪ ،‬حدثني موسى بن ُ‬
‫ل بن عبيد‪ ،‬عن عمير بن أنس‪.‬‬
‫معاوية بن إسحاق بن طلحة‪ ،‬عن عبد ا ّ‬
‫ثم قال‪ :‬وأخبرنا إبراهيم قال‪ :‬حدثني أبو عمران إبراهيم بن الجعد‪ ،‬عن أنس شبيهًا به‪.‬‬
‫ل‪:‬‬
‫لمام أحمد رحمه ّ‬
‫ن الرأي في شيخه إبراهيم هذا‪ ،‬لكن قال فيه ا ِ‬
‫وكان الشافعي حس َ‬
‫ل بلء فيه‪.‬‬
‫معتزلي جهمي قدري ُك ّ‬
‫ي صلى ال عليه‬
‫ورواه أبو اليمان الحكم بن نافع‪ ،‬حدثنا صفوان‪ :‬قال‪ :‬قال أنس‪ :‬قال النب ّ‬
‫غفرة‪ ،‬عن أنس ورواُه أبو‬
‫ل فذكره(( ورواه محمد بن شعيب‪ ،‬عن عمر مولى ُ‬
‫جْبري ُ‬
‫وسلم ))أتاني ِ‬
‫عمير‪ ،‬عن أنس‪ .‬وجمع أبو بكر بن أبي داود طرقه‪.‬‬
‫ظبية‪ ،‬عن عثمان بن ُ‬
‫‪167‬‬

‫وفي ))مسند أحمد(( من حديث علي بن أبي طلحة‪ ،‬عن أبي هريرة‪ ،‬قال‪ :‬قيل للنبي صلى‬
‫صْعقَُة‪،‬‬
‫ك آَدَم‪ ،‬وفيه ال ّ‬
‫طيَنُة َأبي َ‬
‫طِبَعت ِ‬
‫ن فيه ُ‬
‫لّ‬‫ي َيْوم الجمعة؟ قال )) َ‬
‫سّم َ‬
‫ال عليه وسلم‪ :‬لي شيء ُ‬
‫جيبَ له((‪.‬‬
‫سُت ِ‬
‫ن دعا ال فيها ا ْ‬
‫عٌة َم ْ‬
‫سا َ‬
‫ت‪ ،‬منها َ‬
‫ساعا ٍ‬
‫ث َ‬
‫خِرِه َثل ُ‬
‫شُة‪ ،‬وفي آ ِ‬
‫طَ‬‫والبْعَثُة‪ ،‬وفيه الَب ْ‬
‫وقال الحسن بن سفيان الّنسوي في ))مسنده(( حدثنا أبومروان هشام بن خالد الزرق‪،‬‬
‫غفرة‪ ،‬حدثني أنس بن مالك‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ل مولى ُ‬
‫خشني‪ ،‬حدثنا عمر بن عبد ا ّ‬
‫حدثنا الحسن بن يحيى ال ُ‬
‫ل وفي َيده َكَهْيَئة الِمْرآة البيضاء‪ ،‬فيها‬
‫جبري ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم يقول‪)) :‬أتاني ِ‬
‫سمعت رسول ا ّ‬
‫ك ِم ْ‬
‫ن‬ ‫لّمِت َ‬
‫ك َو ُ‬
‫ن عيدًا ل َ‬
‫ك تُكو ُ‬
‫ت بها ِإَلْي َ‬
‫جُمَعة ُبِعْث ُ‬
‫ل؟ فقال‪ :‬هذه ال ُ‬
‫جبري ُ‬
‫سْوداُء‪ ،‬فقلت‪ :‬ما هذه يا ِ‬
‫نْكَتٌة َ‬
‫ن َيْوَم القَِياَمة‪،‬‬
‫سابقو َ‬
‫خُرون ال َ‬
‫خْيٌر َكثير‪َ ،‬أْنُتُم ال ِ‬
‫جْبريل؟ قال‪َ :‬لكْم فيها َ‬
‫بعِدك‪ .‬فقلت‪ :‬وما َلنا فيها يا ِ‬
‫سوداء يا‬
‫ت‪ :‬فما هذه الّنْكَتُة ال ّ‬
‫عطاه‪ .‬قل ُ‬
‫ل أَ ْ‬
‫شيئًا ِإ ّ‬
‫ل َ‬
‫ل ا َّ‬
‫سأ ُ‬
‫سِلٌم يصّلي َي ْ‬
‫عْبٌد ُم ْ‬
‫عٌة ل ُيواِفُقها َ‬
‫سا َ‬
‫وفيها َ‬
‫ن نسميه عندنا يوَم الَمزيد‪.‬‬
‫لّيام‪ ،‬ونح ُ‬
‫سّيد ا َ‬
‫جُمعة وهو َ‬
‫ساعة تكون في يوم ال ُ‬
‫ل؟ قال‪ :‬هذه ال ّ‬
‫جبِري ُ‬
‫ِ‬
‫سكٍ أْبيض‪ ،‬فإذا‬
‫ن ِم ْ‬
‫ح ِم ْ‬
‫جّنة واديًا أفي َ‬
‫خَذ في ال َ‬
‫ك اّت َ‬
‫ن َرّب َ‬
‫جْبريل؟ قال‪ :‬ذلك ِبَأ ّ‬
‫قلت‪ :‬وما يوُم الَمزيد يا ِ‬
‫ف الُكْرس ّ‬
‫ي‬ ‫ح ّ‬
‫سّيه‪ ،‬وُي َ‬
‫شِه ِإلى ُكر ِ‬
‫عْر ِ‬
‫ل ِمن َ‬
‫جّ‬‫عّز َو َ‬
‫ب َ‬
‫ط الّر ّ‬
‫لخرة‪َ ،‬هَب َ‬
‫ن َأّيام ا َ‬
‫جُمعة ِم ْ‬
‫كان َيْوُم ال ُ‬
‫صّديقون‬
‫س عليها ال ّ‬
‫ن َذَهب‪ ،‬فيجِل ُ‬
‫سي ِم ْ‬
‫ف المناِبُر ِبَكرا ِ‬
‫ح ّ‬
‫ن وُت َ‬
‫س عليها الّنِبّيو َ‬
‫ن الّنوِر فيجل ُ‬
‫ِبمناِبَر ِم َ‬
‫ل المناِبر‬
‫ك ل يرون له ِ‬
‫ن الِمس ِ‬
‫غَرفهم‪ ،‬فيجلسون على ُكثبا ِ‬
‫ف من ُ‬
‫ل الُغَر ِ‬
‫ط أه ُ‬
‫شهداء‪ ،‬وَيْهِب ُ‬
‫وال ّ‬
‫لكرام تبارك وتعالى‪ ،‬فيقول‪ :‬سلوني‪،‬‬
‫جلل وا ِ‬
‫ل في المجِلس‪ ،‬ثّم َيَتبّدى لهم ذو ال َ‬
‫والكراسي َفض ً‬
‫حّتى‬
‫سلوني‪ ،‬فيسألوَنه َ‬
‫على الّرضى‪ ،‬ثم يقول‪َ :‬‬
‫شَهُد َلهم َ‬
‫ب‪ ،‬فَي ْ‬
‫سَأُلك الّرضى يا ر ّ‬
‫جَمِعهم‪َ :‬ن ْ‬
‫فيقولون ِبَأ ْ‬
‫طر على‬
‫خَ‬‫ت‪ ،‬ول َ‬
‫سِمَع ْ‬
‫ن َ‬
‫ن َرأت‪ ،‬ول ُأذ ٌ‬
‫عْي ٌ‬
‫عَلْيِهم ِبما ل َ‬
‫سعى َ‬
‫عْبٍد ِمْنُهم‪ ،‬قال‪ُ :‬ثّم ُي ْ‬
‫ل َ‬
‫َتنَتِهيَ َنْهَمُة ُك ّ‬
‫ن‬
‫غرَفٌة ِم ْ‬
‫غَرِفهم‪ ،‬وهي ُ‬
‫ل الُغَرف إلى ُ‬
‫شِه‪َ ،‬وَيْرَتفُع أْه ُ‬
‫عر ِ‬
‫ن ُكْرسّيه ِإلى َ‬
‫جّبار ِم ْ‬
‫شر‪ُ ،‬ثّم َيرَتفع ال َ‬
‫َقلب َب َ‬
‫ل َوصٌم ُمَنّورة‪ ،‬فيها‬
‫صٌم َو َ‬
‫حمراء‪ ،‬أو ُزمّردٍة خضراء‪ ،‬ليس فيها َف ْ‬
‫ُلؤُلَؤٍة َبْيضاء‪ ،‬أو ياُقوَتٍة َ‬
‫جّنة‬
‫ل ال َ‬
‫خدُمها َوَمساِكُنها قال‪ :‬فأه ُ‬
‫جها َو َ‬
‫طِردٌة ُمَتَدلَيٌة فيها ِثَماُرها‪ ،‬فيها أزوا ُ‬
‫أنهاُرها‪ ،‬أو قال‪ُ :‬م ّ‬
‫شُر أهل الّدنيا في الّدنيا بالمطر((‪.‬‬
‫جُمعة‪ ،‬كما َيتَبا َ‬
‫شرون في الجّنة ِبَيوِم ال ُ‬
‫َيتبا َ‬
‫وقال ابن أبي الدنيا في كتاب ))صفة الجنة((‪ :‬حدثني أزهر بن مروان الرقاشي‪ ،‬حدثني عبد‬
‫حذيفة‪ ،‬قال‪ :‬قال‬
‫عَرادة الشيباني‪ ،‬حدثنا القاسم بن ُمطّيب‪ ،‬عن العمش‪ ،‬عن أبي وائل‪ ،‬عن ُ‬
‫ل بن َ‬
‫ا ّ‬
‫ضَوِئها‪ ،‬وإذا في‬
‫ن المَرائي وأ ْ‬
‫سِ‬‫حَ‬
‫جْبِريل وفي َكّفه مِْرآٌة كأ ْ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪َ)) :‬أتاني ِ‬
‫رسولُ ا ّ‬
‫جمَعُة؟ قال‪:‬‬
‫جُمَعُة‪ ،‬قلت‪ :‬وما ال ُ‬
‫طها َلْمَعٌة سوداُء‪ ،‬فقلت‪ :‬ما هذه الّلْمَعُة التي أرى فيها؟ قال‪ :‬هذه ال ُ‬
‫سِ‬‫َو َ‬
‫سمه‬
‫خِبُرك با ْ‬
‫ضِلِه في الّدنيا‪ ،‬وما يرجى فيه لهله‪ ،‬وُأ ْ‬
‫شَرِفِه وَف ْ‬
‫ك ِب َ‬
‫خِبُر َ‬
‫سأ ْ‬
‫ك عظيم‪َ ،‬و َ‬
‫ن َأّيام َرّب َ‬
‫َيْوٌم ِم ْ‬
‫‪168‬‬

‫جى فيه‬
‫جَمَع فيه أمر الخلق‪ ،‬وأّما ما ُير َ‬
‫ل َ‬
‫جّ‬‫ضُلُه في الدنيا‪ ،‬فإن ال عّز و َ‬
‫شَرفه َوَف ْ‬
‫خرة‪ ،‬فأما َ‬
‫في ال ِ‬
‫خْيرًا إل أعطاهما‬
‫ل تعالى فيها َ‬
‫نا ّ‬
‫سَأل ِ‬
‫سِلَمٌة َي ْ‬
‫سِلٌم َأْو َأَمٌة ُم ْ‬
‫عْبٌد ُم ْ‬
‫عًة ل ُيواِفُقها َ‬
‫سا َ‬
‫ن فيه َ‬
‫لهله‪ ،‬فإ ّ‬
‫جّنة‪،‬‬
‫ل الجَنة إلى ال َ‬
‫صّيَر أْه َ‬
‫ك وَتَعالى إذا َ‬
‫ل تبار َ‬
‫نا ّ‬
‫سمه‪ ،‬فإ ّ‬
‫خَرة وا ْ‬
‫ضُلُه في ال ِ‬
‫شَرُفُه َوف ْ‬
‫إياه‪ ،‬وأّما َ‬
‫ل َقْد علم ا ُّ‬
‫ل‬ ‫ل َنَهاّر ِإ ّ‬
‫ل َو َ‬
‫ليام وهذه الّليالي‪ ،‬ليس فيها َلي ٌ‬
‫ت عليهم هذه ا ّ‬
‫جَر ْ‬
‫وأْهل النار إلى النّار‪َ ،‬‬
‫جُمَعِتهم‪ ،‬نادى‬
‫جُمَعِة إلى ُ‬
‫عاِته‪ ،‬فإذا كان َيْوُم الجُمَعة حين يخرج أهل ال ُ‬
‫سا َ‬
‫ك َو َ‬
‫ل ِمقَداَر َذِل َ‬
‫جّ‬‫عَز َو َ‬
‫جّنة اخرجوا إلى وادي الَمزيد‪ ،‬وَوادي الَمزيد ل يعلم سَعة طوله وعرضه‬
‫ل الجّنة ُمَناٍد‪ ،‬يا أْهل ال َ‬
‫َأْه َ‬
‫ن نور‪ ،‬ويخرج‬
‫ن الْنِبياء بمنابَر ِم ْ‬
‫غْلَما ُ‬
‫خُرج ِ‬
‫سَماء قال‪َ :‬في ْ‬
‫ن الِمسك‪ ،‬رؤوسها في ال ّ‬
‫ل‪ ،‬فيه ُكثَبا ُ‬
‫ل ا ُّ‬
‫إّ‬
‫ل عليهم ريحًا‬
‫ث ا ُّ‬
‫سهم‪َ ،‬بَع َ‬
‫جاِل َ‬
‫خَذ الَقْوُم َم َ‬
‫ت َلهم‪َ ،‬وَأ َ‬
‫ضَع ْ‬
‫ت‪ ،‬فإذا ُو ِ‬
‫ن َياقو ٍ‬
‫ن المؤمنين ِبَكراسي ِم ْ‬
‫غْلَما ُ‬
‫ِ‬
‫شعاِرِهم‪ِ ،‬تْلك‬
‫خِرجُه في وجوِهِهم وأ ْ‬
‫ت ِثياِبِهم‪ ،‬وُت ْ‬
‫خله ِمن َتح ِ‬
‫ك‪ ،‬وُتْد ِ‬
‫تدعى الُمثيرة‪ُ ،‬تثيُر ذلك الِمس َ‬
‫جه الرض‪.‬‬
‫طيب على َو ْ‬
‫ل ِ‬
‫حِدُكم‪ ،‬لو ُدفَع إليها ُك ّ‬
‫ك ِمن امرأِة أ َ‬
‫ك الِمس ِ‬
‫صَنع ِبذِل َ‬
‫ف َت ْ‬
‫عَلم َكي َ‬
‫الّريح َأ ْ‬
‫ضُعوه َبين َأظُهِرِهم‪ ،‬فيكون أّول ما َيسَمعوَنُه‬
‫شِه‪َ :‬‬
‫عْر ِ‬
‫حَمَلة َ‬
‫قال‪ُ:‬ثم ُيوحي ال تبارك وتعالى إلى َ‬
‫سُلوني فهذا‬
‫سِلي‪ ،‬واّتَبعوا أْمري‪َ ،‬‬
‫عوني ِبالَغيب َولم َيروني‪ ،‬وصَّدقوا ُر ُ‬
‫ي يا عبادي الذين أطا ُ‬
‫منه‪ :‬إل ّ‬
‫ن َيا َأه َ‬
‫ل‬ ‫ل إَليهم‪َ :‬أ ْ‬
‫جُع ا ُّ‬
‫عّنا‪ ،‬فيْر ِ‬
‫ض َ‬
‫عْنك َفاْر َ‬
‫ضْينا َ‬
‫حَدٍة‪ :‬ر ِ‬
‫ن على َكِلَمٍة وا ِ‬
‫جَتِمُعو َ‬
‫َيوُم الَمزيد‪ ،‬في َ‬
‫ن على َكِلَمٍة‬
‫جَتِمُعو َ‬
‫سُلوني فهذا َيْوُم الَمزيد‪َ ،‬فَي ْ‬
‫سِكْنُكم داري‪َ ،‬ف َ‬
‫عْنُكم لم ُأ ْ‬
‫ض َ‬
‫جّنة ِإّني َلْو لم َأْر َ‬
‫ال َ‬
‫ن ُنوره‬
‫شاُهم ِم ْ‬
‫ل‪َ ،‬فَيْغ َ‬
‫جّ‬‫عّز و َ‬
‫جّلى لهم َ‬
‫ب‪َ ،‬فَيت َ‬
‫ج َ‬
‫حُ‬‫ك ال ُ‬
‫ف تْل َ‬
‫ش ُ‬
‫ظْر إليه‪ ،‬فَيْك ِ‬
‫ك َنْن ُ‬
‫جَه َ‬
‫حَدٍة‪ :‬يا َرّبَنا َو ْ‬
‫َوا ِ‬
‫ل َلُهم‪ :‬اْرجعوا إلى َمناِزِلكم‪،‬‬
‫ن ُنوِرِه‪ُ ،‬ثّم ُيقا ُ‬
‫شاُهم ِم ْ‬
‫حتَرقوا ِلما َيْغ َ‬
‫حَتِرُقوا‪ ،‬ل ْ‬
‫ضى أل َي ْ‬
‫شيٌء َلْول َأّنه َق َ‬
‫َ‬
‫جُعون إلى‬
‫عَلى َما كانوا فيه‪َ ،‬فَيْر ِ‬
‫ف َ‬
‫ضْع َ‬
‫حٍد ِمْنُهْم ال ّ‬
‫طى‪ُ .‬كل َوا ِ‬
‫عَ‬‫جعون إلى َمَناِزِلِهم َوَقْد َأ ْ‬
‫فَيْر ِ‬
‫جُعوا‬
‫حّتى َيْر ِ‬
‫شَيهْم ِمن ُنوِرِه‪ ،‬فإذا َرجُعوا َتراّد الّنوُر َ‬
‫غِ‬‫ن عليهم مّما َ‬
‫خِفي َ‬
‫ن َو َ‬
‫عَلْيِه ّ‬
‫خُفوا َ‬
‫جِهم وقد َ‬
‫َأْزَوا ِ‬
‫على‬
‫جْعُتم َ‬
‫عْنِدَنا على صورة وَر َ‬
‫ن ِ‬
‫جُتم ِم ْ‬
‫خَر ْ‬
‫جُهم‪َ :‬لَقْد َ‬
‫عَلْيها‪َ ،‬فَتقول َلُهم َأْزَوا ُ‬
‫إلى صَُوِرهم اّلتي كانوا َ‬
‫ق‪،‬‬
‫خْل ٌ‬
‫ط به َ‬
‫ل ما أحا َ‬
‫ظْرنا ِمْنه قال‪ :‬وِإّنُه َوا ِّ‬
‫جّلى لنا‪َ ،‬فَن َ‬
‫ل َت َ‬
‫جّ‬‫عّز و َ‬
‫ل َ‬
‫ن ا َّ‬
‫غْيِرها‪ ،‬فيقولون‪ :‬ذلك ل ّ‬
‫َ‬
‫ظْرنا ِمْنه‪ ،‬قال‪َ :‬فُهم َيَتقَّلُبون‬
‫ك قولهم َفَن َ‬
‫ن ُيِرَيُهم قال‪َ :‬فذِل َ‬
‫شاَء َأ ْ‬
‫جلِلِه ما َ‬
‫ظَمِتِه َو َ‬
‫ن‪ ،‬ع َ‬
‫َولكّنُه َقد أراهم ِم ْ‬
‫ل صلى ال عليه‬
‫على َما َكانوا فيه‪ .‬قال رسول ا ّ‬
‫ف َ‬
‫سبَعِة َأّيام الضع َ‬
‫ل َ‬
‫جّنة وَنعيِمها في ك ّ‬
‫ك ال َ‬
‫في ِمسْ ِ‬
‫جزاًء ِبَما َكانوا َيعَملون{‬
‫ن َ‬
‫عي ٍ‬
‫ن ُقَرِة َأ ْ‬
‫ي َلُهم ِم ْ‬
‫خِف َ‬
‫س ما ُأ ْ‬
‫ك َقْوُله تعالى‪َ} :‬فل َتْعَلُم َنف ٌ‬
‫وسلم‪َ :‬فَذِل َ‬
‫]السجدة‪.[17 :‬‬
‫عصمة بن محمد حدثنا‪ ،‬موسى بن عقبة‪ ،‬عن‬
‫ورواه أبو ُنعيم في ))صفة الجنة(( من حديث ِ‬
‫أبي صالح‪ ،‬عن أنس شبيهًا به‪.‬‬
‫‪169‬‬

‫وذكر أبو نعيم في ))صفة الجنة(( من حديث المسعودي‪ ،‬عن الِمنهال‪ ،‬عن أبي عبيدة‪ ،‬عن‬
‫ل تَبارك وتعالى َيْبُرُز لهل الجنة في كل جمعة‬
‫جُمعة في الدنيا‪ ،‬فإن ا ّ‬
‫ل قال‪ :‬سارعوا إلى ال ُ‬
‫عبد ا ّ‬
‫سرعتهم إلى الجمعة‪ ،‬وُيحِد ُ‬
‫ث‬ ‫على كثيب من كافور أبيض‪ ،‬فيكونون منه سبحانه بالقرب على قدر ُ‬
‫جعون إلى أهليهم وقد أحدث لهم‪.‬‬
‫لهم من الكرامة شيئًا لم يكونوا رأوه قبل ذلك‪ ،‬فير ِ‬
‫فصل‬
‫في مبدإ الجمعة‬
‫قال ابن إسحاق‪ :‬حدثني محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عبد‬
‫ت به إلى الجمعة‪ ،‬فسمع‬
‫ف بصُره‪ ،‬فإذا خرج ُ‬
‫الرحمن بن كعب بن مالك‪ ،‬قال‪ :‬كنت قائَد أبي حين ُك ّ‬
‫ن ُزرارة‪ ،‬فمكث حينًا على ذلك فقلت‪ :‬إن هذا لعجز أل أسأله‬
‫ن بها‪ ،‬استغفر لبي أمامة أسعد ب ِ‬
‫الذا َ‬
‫ت أخرج‪ ،‬فلما سمع الذان للجمعة‪ ،‬استغفَر له‪ ،‬فقلت‪ :‬يا أبتاه ! أرأي َ‬
‫ت‬ ‫ت به كما كن ُ‬
‫ن هذا‪ ،‬فخرج ُ‬
‫عْ‬‫َ‬
‫ل من جّمع‬
‫ي ! كان أسعُد أو َ‬
‫ت الذان يوَم الجمعة؟ قال‪ :‬أي ُبَن ّ‬
‫ن ُزرارة كلما سمع َ‬
‫استغفاَرك لسعد ب ِ‬
‫حّرة بني َبياضة في نقيع‬
‫ت ِمن َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم في َهْزم الّنبي ِ‬
‫بنا بالمدينة قبل َمْقَدِم رسول ا ّ‬
‫ل‪.‬‬
‫ت‪ :‬فكم ُكنتم يومئذ؟ قال‪ :‬أربعون رج ً‬
‫ت‪ .‬قل ُ‬
‫ضما ِ‬
‫خ َ‬
‫ُيقال له‪ :‬نقيع ال َ‬
‫قال البيهقي‪ ،‬ومحمد بن إسحاق إذا ذكر سماعه من الراوي‪ ،‬وكان الراوي ثقة‪ ،‬استقام‬
‫لسناد انتهى‪.‬‬
‫لسناُد‪ ،‬وهذا حديث حسن صحيح ا ِ‬
‫اِ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم المدينة‪ ،‬فأقام بُقباء في‬
‫لا ّ‬
‫قلت‪ :‬وهذا كان مبدأ الجمعة‪ .‬ثم َقدم رسو ُ‬
‫ن إسحَاق يوم الثنين‪ ،‬ويوَم الثلثاء‪ ،‬ويوَم الربعاء‪ ،‬ويوَم‬
‫بني عمرو بن عوف‪ ،‬كما قاله اب ُ‬
‫لها‬
‫س مسجَدهم‪ ،‬ثم خرج يوَم الجمعة‪ ،‬فأدركته الجمعُة في بني سالم بن عوف‪ ،‬فص ّ‬
‫الخميس‪ ،‬وأس ّ‬
‫س مسجده‪.‬‬
‫في المسجد الذي في بطن الوادي‪ ،‬وكانت أّول جمعة صلها بالمدينة‪ ،‬وذلك قبل تأسي ِ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فيما بلغني عن‬
‫لا ّ‬
‫قال ابن إسحاق‪ :‬وكانت أّول خطبة خطبها رسو ُ‬
‫ل ‪ -‬أنه‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ما لم يقُ ْ‬
‫ل أن نقول على رسول ا ّ‬
‫سَلمة بن عبد الرحمن ‪-‬ونعوذ با ّ‬
‫أبي َ‬
‫لْنُفسكَم‬
‫س‪َ ،‬فَقّدموا َ‬
‫ل وأثنى عليه بما هو أهله‪ ،‬ثم قال‪)) :‬أّما َبْعُد أُيها الّنا ُ‬
‫قام ِفيهم خطيبًا‪ ،‬فحمد ا ّ‬
‫جمان‪ ،‬ول‬
‫ن َلُه رّبه وَلْيس َلة ُتْر ُ‬
‫غَنَمه َليس لها َراع‪ُ ،‬ثّم ليقوَل ّ‬
‫ن َ‬
‫عّ‬‫حُدكم‪ُ ،‬ثّم َلَيَد َ‬
‫نأَ‬
‫صَعَق ّ‬
‫ل َلُي ْ‬
‫ن َوا ّ‬
‫َتْعَلُم ّ‬
‫سك‪،‬‬
‫ت ِلَنف ِ‬
‫ك‪َ ،‬فَما َقّدْم َ‬
‫عَلْي َ‬
‫ت َ‬
‫ضْل ُ‬
‫ل‪ ،‬وأْف َ‬
‫ك َرسولي‪َ ،‬فَبّلَغك‪ ،‬وآَتْيتك َما ً‬
‫حجُبه ُدونه ْاَلْم َيْات َ‬
‫حاجبٌ َي ْ‬
‫ن َيِق َ‬
‫ي‬ ‫عأ ْ‬
‫سَتطا َ‬
‫نا ْ‬
‫جهّنم‪َ ،‬فَم ِ‬
‫غْيَر َ‬
‫ل َيَرى َ‬
‫ن قّداَمه َف َ‬
‫شيئًا‪ُ ،‬ثّم َلَيْنظَر ّ‬
‫ل‪ ،‬فل َيرى َ‬
‫شما ً‬
‫ن َيمينًا و ِ‬
‫َفَلَيْنظر ّ‬
‫‪170‬‬

‫شَر‬
‫حسنُة بَع ْ‬
‫جزى َال َ‬
‫ن ِبَها ُت ْ‬
‫ن َتْمرة‪َ ،‬فْلَيْفَعل‪ ،‬ومن َلْم َيجد‪َ ،‬فبَكلَمٍة طّيبٍة‪َ ،‬فإ ّ‬
‫قم ْ‬
‫ن الّناِر ولو بش ّ‬
‫جَهُه م َ‬
‫َو ْ‬
‫ل وبركاته((‪.‬‬
‫سبعمائة ضعف‪ ،‬والسلم عَليَكم ورحمة ا ّ‬
‫َأْمَثالَها إلى ً‬
‫ل صلى ال عليه وسلم مرة أخرى‪ ،‬فقال‪)) :‬إن الحمد ّ‬
‫ل‬ ‫لا ّ‬
‫قال ابن إسحاق‪ :‬ثم خطب رسو ُ‬
‫ضلّ له‪ ،‬وَمن‬
‫ل‪ ،‬فل ُم ِ‬
‫ن َيْهِده ا ّ‬
‫عماِلنا َم ْ‬
‫تأ ْ‬
‫سّيئا ِ‬
‫سنا‪ ،‬و َ‬
‫ن شرور أْنُف ِ‬
‫ل ِم ْ‬
‫سَتِعيُنه‪َ ،‬نعوُذ با ّ‬
‫َأحَمُدُه وَأ ْ‬
‫ل‪َ ،‬قْد‬
‫با ّ‬
‫حديث ِكتا ُ‬
‫سن ال َ‬
‫ن أح َ‬
‫ك له‪ ،‬إ ّ‬
‫شري َ‬
‫حَده ل َ‬
‫ل َو ْ‬
‫ل ا ُّ‬
‫شَهُد أن ل إله إ ّ‬
‫ي له‪ ،‬وأ ْ‬
‫ضِلل‪ ،‬فل هاِد َ‬
‫ُي ْ‬
‫ن أحاديث الّناس‪،‬‬
‫لسلم بعد الكفر‪ ،‬فاختاَره على ما سواه ِم ْ‬
‫ل في قلبه‪ ،‬وأدخله في ا ِ‬
‫ح َمن َزّيَنه ا ّ‬
‫َأْفَل َ‬
‫ل وِذْكَره‪،‬‬
‫ل ُقلوِبُكم‪ ،‬ول َتَملوا َكلَم ا ِّ‬
‫ل ِمنْ ُك ّ‬
‫حّبوا ا َّ‬
‫ل‪َ ،‬أ ِ‬
‫ب ا ُّ‬
‫ح ّ‬
‫حّبوا ما َأ َ‬
‫ث وأْبلُغه‪َ ،‬أ ِ‬
‫ن الحدي ِ‬
‫سُ‬‫حَ‬
‫إّنه َأ ْ‬
‫ن العمال‪،‬‬
‫خيَرته ِم َ‬
‫ل ِ‬
‫طِفي‪ ،‬قد سّماه ا ّ‬
‫صَ‬‫خَتاُر َوَي ْ‬
‫ل َي ْ‬
‫قا ّ‬
‫خُل ُ‬
‫ل َما َي ْ‬
‫ن ُك ّ‬
‫س ُقلوُبكم‪ ،‬فإّنه ِم ْ‬
‫ول َتق ُ‬
‫عُبدوا‬
‫حَراِم‪ ،‬فا ْ‬
‫ل َوال َ‬
‫حل ِ‬
‫س من ال َ‬
‫ي الّنا ُ‬
‫ل َما ُأوت َ‬
‫ن ُك ّ‬
‫ن الحديث‪ ،‬وِم ْ‬
‫صالح ِم َ‬
‫وُمصطَفاُه من الِعَباِد وال ّ‬
‫ح ما تقولون بأْفواِهكم‪ ،‬وََتحاّبوا ِبُروح‬
‫ل صال َ‬
‫صُدُقوا ا َّ‬
‫ق ُتَقاِته‪ ،‬وا ْ‬
‫حّ‬‫شْيئًا‪ ،‬واّتقوه َ‬
‫شِركوا به َ‬
‫ل ول ُت ْ‬
‫ا ّ‬
‫ل وبركاته((‪.‬‬
‫حَمة ا ّ‬
‫عَليكم َوَر ْ‬
‫سلُم َ‬
‫عْهُده‪ ،‬وال ّ‬
‫ث َ‬
‫ن ُينَك َ‬
‫ب َأ ْ‬
‫ض ُ‬
‫ل َيْغ َ‬
‫ن ا َّ‬
‫ل َبْينكم‪ ،‬إ ّ‬
‫ا ِّ‬
‫وقد تقدم طرف من خطبته عليه السلم عند ذكر هديه في الخطب‪.‬‬
‫فصل‬
‫وكان من هديه صلى ال عليه وسلم تعظيُم هذا اليوم وتشريفه‪ ،‬وتخصيصه بعبادات يختص‬
‫ل‪ ،‬أم يوُم عرفة؟ على قولين‪ :‬هما وجهان لصحاب‬
‫بها عن غيره‪ .‬وقد اختلف العلماء‪ :‬هل هو أفض ُ‬
‫الشافعي‪.‬‬
‫وكان صلى ال عليه وسلم يقرأ في فجره بسورتي )الم تنزيل( و )هل أتى على‬
‫ص هذه الصلة بسجدة زائدة‪ ،‬ويسمونها‬
‫لنسان(‪ .‬ويظن كثير ممن ل علم عنده أن المراد تخصي ُ‬
‫اِ‬
‫ب قراءة سورة أخرى فيها سجدة‪ ،‬ولهذا كره‬
‫سجدة الجمعة‪ ،‬وإذا لم يقرأ أحُدهم هذه السورة‪ ،‬استح ّ‬
‫من كره من الئمة المداومة على قراءة هذه السورة في فجر الجمعة‪ ،‬دفعًا لتوهم الجاهلين‪،‬‬
‫ي صلى ال عليه وسلم يقرأ هاتين السورتين في‬
‫لسلم ابن تيمية يقول‪ :‬إنما كان النب ّ‬
‫خا ِ‬
‫وسمعت شي َ‬
‫فجر الجمعة‪ ،‬لنهما تضمنتا ما كان ويكون في َيوِمها‪ ،‬فإنهما اشتملتا على خلق آدم‪ ،‬وعلى ِذكر‬
‫المعاد‪ ،‬وحشر العباد‪ ،‬وذلك يكون يوَم الجمعة‪ ،‬وكان في قراءتهما في هذا اليوم تذكيٌر للمة بما‬
‫ث اتفقت‪.‬‬
‫كان فيه ويكون‪ ،‬والسجدة جاءت تبعًا ليست مقصودة حتى يقصَد المصلي قراءتها حي ُ‬
‫فهذه خاصة من خواص يوم الجمعة‪.‬‬
‫‪171‬‬

‫ب كثرة الصلة على النبي صلى ال عليه وسلم فيه وفي ليلته‪ ،‬لقوله‬
‫الخاصة الثانية‪ :‬استحبا ُ‬
‫ل صلى ال‬
‫جُمعة((‪ .‬ورسول ا ّ‬
‫جُمعة َوَلْيَلة ال ُ‬
‫عّلي يوم ال ُ‬
‫ن الصلة َ‬
‫صلى ال عليه وسلم ))أكِثروا ِم َ‬
‫عليه وسلم سيُد النام‪ ،‬ويوم الجمعة سيُد اليام‪ ،‬فللصلِة عليه في هذا اليوم مزيٌة ليست لغيره مع‬
‫ل لمته‬
‫حكمة أخرى‪ ،‬وهي أن كل خير نالته أمُته في الدنيا والخرة‪ ،‬فإنما نالته على يده‪ ،‬فجمع ا ّ‬
‫به بين خيري الدنيا والخرة‪ ،‬فأعظُم كرامة تحصل لهم‪ ،‬فإنما تحصل يوم الجمعة‪ ،‬فإن فيه بعَثهم‬
‫إلى منازلهم وقصوِرهم في الجّنة‪ ،‬وهو يوُم المزيد لهم إذا دخلوا الجّنة‪ ،‬وهو يوم عيد لهم في الدنيا‪،‬‬
‫ل إنما عرفوه وحصل لهم‬
‫ل تعالى بطلباتهم وحوائجهم‪ ،‬ول َيُرّد سائلهم‪ ،‬وهذا ك ُ‬
‫ويوم فيه ُيسعفهم ا ّ‬
‫بسببه وعلى يده‪ ،‬فمن شكِره وحمده‪ ،‬وأداِء القليل من حقه صلى ال عليه وسلم أن نكثر الصلة‬
‫عليه في هذا اليوم وليلته‪.‬‬
‫لسلم‪ ،‬وِمن أعظم مجامع‬
‫الخاصة الثالثة‪ :‬صلة الجمعة التي هي من آكد فروض ا ِ‬
‫ضه سوى مجمع عرفة‪ ،‬ومن تركها تهاونًا‬
‫المسلمين‪ ،‬وهي أعظُم ِمن كل مجمع يجتمعون فيه وأفر ُ‬
‫ب أهل الجنة يوَم القيامة‪ ،‬وسبُقهم إلى الزيارة يوَم المزيد بحسب ُقربهم‬
‫ل على قلبه‪ ،‬وُقر ُ‬
‫بها‪ ،‬طبع ا ُ‬
‫لمام يوَم الجمعة وتبكيرهم‪.‬‬
‫من ا ِ‬
‫الخاصة الرابعة‪ :‬المر بالغتسال في يومها‪ ،‬وهو أمٌر مؤكد جدًا‪ ،‬ووجوبه أقوى ِمن‬
‫وجوب الوتر‪ ،‬وقراءة البسملة في الصلة‪ ،‬ووجوب الوضوِء من مس النساء‪ ،‬ووجوب الوضوِء‬
‫ِمن مّر الذكر‪ ،‬ووجوب الوضوِء من القهقهة في الصلة‪ ،‬ووجوب الوضوِء من الّرعاف‪،‬‬
‫حجامة‪ ،‬والقيء‪ ،‬ووجوب الصلة على النبي صلى ال عليه وسلم في التشهد الخير‪ ،‬ووجوب‬
‫وال ِ‬
‫القراءة على المأموم‪.‬‬
‫ل بين من به رائحة يحتاج إلى‬
‫لثبات‪ ،‬والتفصي ُ‬
‫ي وا ِ‬
‫وللناس في وجوبه ثلثُة أقوال‪ :‬النف ُ‬
‫إزالتها‪ ،‬فيجب عليه‪ ،‬ومن هو مستغن عنه‪ ،‬فيستحب له‪ ،‬والثلثة لصحاب أحمد‪.‬‬
‫الخاصة الخامسة‪ :‬التطيب فيه‪ ،‬وهو أفضل من التطيب في غيره من أيام السبوع‪.‬‬
‫سواك فيه‪ ،‬وله مزية على السواك في غيره‪.‬‬
‫الخاصة السادسة‪ :‬ال ّ‬
‫الخاصة السابعة‪ :‬التبكير للصلة‪.‬‬
‫لمام‪.‬‬
‫الخاصة الثامنة‪ :‬أن يشتغل بالصلة‪ ،‬والذكر‪ ،‬والقراءة حتى يخرج ا ِ‬
‫‪172‬‬

‫لنصات للخطبة إذا سمعها وجوبًا في أصح القولين‪ ،‬فإن تركه‪ ،‬كان‬
‫الخاصة التاسعة‪ :‬ا ِ‬
‫جُمَعةَ‬
‫ت‪َ ،‬فل ُ‬
‫حِبه أنصِ ْ‬
‫لغيًا‪ ،‬ومن لغا‪ ،‬فل جمعة له‪ ،‬وفي ))المسند((‪ ،‬مرفوعًا ))والذي يقول ِلصا ِ‬
‫َلُه((‪.‬‬
‫الخاصة العاشرة‪ :‬قراءة سورة الكهف في يومها‪ ،‬فقد روي عن النبي صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫سَماء ُيضىء ِبه َيْوَم‬
‫ن ال ّ‬
‫عَنا ِ‬
‫ت َقَدِمِه إلى َ‬
‫طَع َلُه ُنوٌر ِمن َتح ِ‬
‫سَ‬‫ف َيْوَم الجُمَعِة‪َ ،‬‬
‫سوَرَة الَكْه ِ‬
‫ن َقرَأ ُ‬
‫))َم ْ‬
‫ن((‪.‬‬
‫جُمَعَتْي ِ‬
‫ن ال ُ‬
‫غِفَر َلُه َما َبْي َ‬
‫الِقياَمِة‪ ،‬و ُ‬
‫خدري وهو أشبه‪.‬‬
‫وذكره سعيد بن منصور ِمن قول أبي سعيد ال ُ‬
‫ل ومن وافقه‪،‬‬
‫ت الزوال عند الشافعى رحمه ا ّ‬
‫ل الصلة فيه وق َ‬
‫الحادية عشرة‪ :‬إنه ل ُيكره فع ُ‬
‫وهو اختيار شيخنا أبي العباس بن تيمية‪َ ،‬وَلم يكن اعتماُده‪ .‬على حديث ليث‪ ،‬عن مجاهد‪ ،‬عن أبي‬
‫الخليل‪ ،‬عن أبي قتادة‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬أنه كره الصلة ِنصف النهار إل يوَم‬
‫جُمَعة وإنما كان اعتماُده على أن من جاء إلى الجمعة‬
‫ل َيْوَم ال ُ‬
‫جُر إ ّ‬
‫سّ‬‫جَهّنَم ُت َ‬
‫ن َ‬
‫الجمعة‪ .‬وقال‪ :‬إ ّ‬
‫جمَعِة‪،‬‬
‫ل َيْوَم ال ُ‬
‫جٌ‬‫ل َر ُ‬
‫سُ‬‫لمام‪ ،‬وفي الحديث الصحيح ))ل َيْغَت ِ‬
‫ي حتى يخرج ا ِ‬
‫ُيستحب له أن ُيصّل َ‬
‫ق َبْي َ‬
‫ن‬ ‫ل ُيفَّر ُ‬
‫ج‪َ ،‬ف َ‬
‫ب َبيِته‪ُ ،‬ثّم َيخُر ُ‬
‫طي ِ‬
‫س ِمن ِ‬
‫ن ِمن ُدْهِنِه‪َ ،‬أْو َيَم ّ‬
‫طْهٍر‪َ ،‬وَيّدِه ُ‬
‫ن ُ‬
‫ع ِم ْ‬
‫طا َ‬
‫سَت َ‬
‫طّهُر َما ا ْ‬
‫َوَيَت َ‬
‫خَرى((‪.‬‬
‫جُمَعِة ال ْ‬
‫ن ال ُ‬
‫ل غُِفَر َلُه َما َبينُة َوَبْي َ‬
‫لَماُم إ ّ‬
‫ت إذا َتَكّلَم ا ِ‬
‫ص ُ‬
‫ب َلُه‪ُ ،‬ثّم يْن ِ‬
‫صّلي َما ُكِت َ‬
‫اْثَنْين‪ُ ،‬ثّم ُي َ‬
‫لمام‪ ،‬ولهذا قال‬
‫رواه البخاري فندبه إلى الصلة ما كِتب له‪ ،‬ولم يمنعه عنها إل في وقت خروج ا ِ‬
‫لمام أحمد بن حنبل‪:‬‬
‫ل عنه‪ ،‬وتبعه عليه ا ِ‬
‫غيُر واحد من السلف‪ ،‬منهم عمر بن الخطاب رضي ا ّ‬
‫لمام‪ ،‬ل‬
‫جا ِ‬
‫لمام يمنع الصلة‪ ،‬وخطبُته تمنع الكلم‪ ،‬فجعلوا المانع من الصلة خرو َ‬
‫جا ِ‬
‫خرو ُ‬
‫ف النهار‪.‬‬
‫انتصا َ‬
‫وأيضًا‪ ،‬فإن الناس يكونون في المسجد تحت السقوف‪ ،‬ول يشعُرون بوقت الزوال‪ ،‬والرج ُ‬
‫ل‬
‫طى رقاب الناس‪،‬‬
‫ل بالصلة ل يدرى بوقت الزوال‪ ،‬ول ُيمكنه أن يخرج‪ ،‬ويتخ ّ‬
‫غً‬‫يكون متشا ِ‬
‫جَع‪ ،‬ول يشرع له ذلك‪.‬‬
‫ظر إلى الشمس وير ِ‬
‫وين ُ‬
‫وحديث أبي قتادة هذا‪ ،‬قال أبو داود‪ :‬هو مرسل لن أبا الخليل لم يسمع من أبي قتادة‪،‬‬
‫ل صحابي‪ ،‬أو كان مرسله معروفاً باختيار‬
‫س‪ ،‬أو قو ُ‬
‫ضَدُه قيا ٌ‬
‫ع َ‬
‫والمرسل إذا اتصل به عمل‪َ ،‬و َ‬
‫ل به‪.‬‬
‫عِم َ‬
‫الشيوخ ورغبتِه عن الرواية عن الضعفاء والمتروكين ونحو ذلك مما يقتضي قوته‪ُ ،‬‬
‫وأيضًا‪ ،‬فقد عضده شواهد أخر‪ ،‬منها ما ذكره الشافعي في كتابه فقال‪ :‬روي عن إسحاق بن‬
‫صلِة‬
‫ن ال ّ‬
‫عِ‬
‫ل‪ ،‬عن سعيد بن أبي سعيد‪ ،‬عن أبي هريرة‪ ،‬أن النبي صلى ال عليه وسلم َنهى َ‬
‫عبد ا ّ‬
‫‪173‬‬

‫ل في كتاب ))اختلف‬
‫س إل يوَم الجمعة‪ .‬هكذا رواه رحمه ا ّ‬
‫ف النهار حتى تزول الشم ُ‬
‫ِنص َ‬
‫الحديث(( ورواه في ))كتاب الجمعة(( حدثنا إبراهيم بن محمد‪ ،‬عن إسحاق‪ ،‬ورواه أبو خالد‬
‫ل بن سعيد المقبري‪ ،‬عن أبي هريرة‪ ،‬عن النبي‬
‫الحمر‪ ،‬عن شيخ من أهل المدينة‪ ،‬يقال له‪ :‬عبد ا ّ‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ .‬وقد رواه البيهقي في ))المعرفة(( من حديث عطاء بن عجلن‪ ،‬عن أبي‬
‫ي صلى ال عليه وسلم ينهى عن الصلة ِنص َ‬
‫ف‬ ‫نضرة‪ ،‬عن أبى سعيد وأبي هريرة قال‪ :‬كان النب ّ‬
‫النهار‪ ،‬إل يوم الجمعة ولكن إسناده فيه من ل يحتج به‪ ،‬قاله البيهقي‪ ،‬قال‪ :‬ولكن إذا انضمت هذه‬
‫الحاديث إلى حديث أبي قتادة أحدثت بعض القوة‪ .‬قال الشافعي‪ :‬من شأن الناس التهجير إلى‬
‫لمام‪ ،‬قال البيهقى‪ :‬الذي أشار إليه الشافعي موجود في الحاديث‬
‫الجمعة‪ ،‬والصلُة إلى خروج ا ِ‬
‫غب في التبكير إلى الجمعة‪ ،‬وفي الصلة إلى‬
‫الصحيحة وهو أن النبي صلى ال عليه وسلم ر ّ‬
‫لمام من غير استثناء‪ ،‬وذلك ُيواِفق هذه الحاديث التي ُأبيحت فيها الصلة نصف النهار‬
‫خروج ا ِ‬
‫يوم الجمعة‪ ،‬وروينا الّرخصة في ذلك عن عطاء‪ ،‬وطاووس‪ ،‬والحسن‪ ،‬ومكحول‪ .‬قلت‪ :‬اختلف‬
‫ف النهار على ثلثة أقوال‪:‬‬
‫س في كراهة الصلِة ِنص َ‬
‫النا ُ‬
‫أحدها‪ :‬أنه ليس وقت كراهة بحال‪ ،‬وهو مذهب مالك‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أنه وقت كراهة في يوم الجمعة وغيرها‪ ،‬وهو مذهب أبي حنيفة‪ ،‬والمشهور من‬
‫مذهب أحمد‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬أنه وقت كراهة إل يوَم الجمعة‪ ،‬فليس بوقت كراهة‪ ،‬وهذا مذهب الشافعي‪.‬‬
‫الثانية عشرة‪ :‬قراءة )سورة الجمعة( و )المنافقين (‪ ،‬أو )سبح والغاشية(‪ .‬صلة الجمعة‪ ،‬فقد‬
‫ل صلى ال عليه وسلم يقرأ بهن في الجمعة‪ ،‬ذكره مسلم في ))صحيحه((‪.‬‬
‫كان رسول ا ّ‬
‫ث الغاشية(‬
‫ل أتاك حدي ُ‬
‫جُمعِة( و )َه ْ‬
‫وفيه أيضًا‪ :‬أنه صلى ال عليه وسلم‪ ،‬كان يقرأ فيها بـ )ال ُ‬
‫ثبت عنه ذلك كّله‪.‬‬
‫ول ُيستحب أن يقرأ ِمن كل سورة بعضها‪ ،‬أو يقرأ إحداهما في الركعتين‪ ،‬فإنه خل ُ‬
‫ف‬
‫جّهال المة ُيداومون على ذلك‪.‬‬
‫السنة‪ ،‬و ُ‬
‫ل بن ماجه في‬
‫الثالثة عشرة‪ :،‬أنه يوُم عيد متكّرر في السبوع‪ ،‬وقد روى أبو عبد ا ّ‬
‫ن عبِد الُمنذر قال‪ :‬قال رسول صلى ال عليه وسلم‪)) :‬إن َيوَم‬
‫))سننه(( من حديث أبي ُلبابة ب ِ‬
‫طر‪ ،‬فيه‬
‫حى‪َ ،‬وَيْوِم الِف ْ‬
‫ضَ‬‫ن َيْوِم ال ْ‬
‫ل مِ ْ‬
‫عْنَد ا ّ‬
‫ظم ِ‬
‫عَ‬‫ظُمها عِند ال‪ ،‬وُهَو َأ ْ‬
‫عَ‬‫سّيد اليام‪ ،‬وَأ ْ‬
‫جُمَعِة َ‬
‫ال ُ‬
‫سَأ ُ‬
‫ل‬ ‫عٌة ل َي ْ‬
‫ط فيه آدم إلى الرض‪ ،‬وفيه توّفى ال آدم‪ ،‬وفيه سا َ‬
‫ل فيه آدم‪ ،‬وَأْهَب َ‬
‫قا ّ‬
‫خَل َ‬
‫ل‪َ :‬‬
‫خل ٍ‬
‫س ِ‬
‫خم ُ‬
‫َ‬
‫‪174‬‬

‫ب‪ ،‬ول سماٍء‪،‬‬


‫ك ُمَقّر ٍ‬
‫ن َمَل ٍ‬
‫عُة‪ ،‬ما ِم ْ‬
‫سا َ‬
‫ال الَعبُد فيها شيئًا إل أعطاه‪ ،‬ما لم يسأل حرامًا‪ ،‬وفيه تقوُم ال ّ‬
‫ن َيْوِم الجمعة((‪.‬‬
‫شِفقن ِم ْ‬
‫ن ُي ْ‬
‫جٍر إل وه ّ‬
‫شَ‬
‫ل‪ ،‬ول َ‬
‫جبا ٍ‬
‫ح‪ ،‬ول ِ‬
‫ض‪َ ،‬ول ِرَيا ٍ‬
‫ول أر ٍ‬
‫لمام‬
‫ن الثياب التي يقِدُر عليها‪ ،‬فقد روى ا ِ‬
‫سَ‬‫الرابعة عشرة‪ :‬إنه ُيستحب أن يلَبس فيه أح َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم يقول‪َ)) :‬م ِ‬
‫ن‬ ‫ت رسول ا ّ‬
‫أحمد في ))مسنده(( من حديث أبي أيوب قال‪ :‬سمع ُ‬
‫سِكينُة‬
‫ج وعليه ال ّ‬
‫خَر َ‬
‫ن ثياِبِه‪ ،‬ثّم َ‬
‫سِ‬‫س ِمن َأح َ‬
‫ن له‪ ،‬وَلِب َ‬
‫ن كا َ‬
‫ب إْ‬
‫طي ٍ‬
‫ن ِ‬
‫س ِم ْ‬
‫سلَ يوم الجُمعِة َوَم ّ‬
‫غَت َ‬
‫اْ‬
‫ي‪ ،‬كانت‬
‫خَرج إماُمه حّتى صَّل َ‬
‫ت إذا َ‬
‫ن َبدا له‪ ،‬ولْم ُيْؤِذ أحدًا ُثّم َأنصَ َ‬
‫ي المسجَد‪ُ ،‬ثّم َيْرَكَع إ ْ‬
‫حّتى َيْأت َ‬
‫َكّفاَرًة لما بينهما‪.‬‬
‫ل بن سلم‪ ،‬أنه سمع رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫وفي ))سنن أبي داود((‪ ،‬عن عبد ا ّ‬
‫سوى َثْوَب ْ‬
‫ي‬ ‫جمعة ِ‬
‫حِدكم لو اشَترى َثوبين ِلَيوِم ال ُ‬
‫يقول على الِمنَبر في َيْوِم الجمعة‪)) :‬ما على أ َ‬
‫ِمْهَنِته((‪.‬‬
‫وفي ))سنن ابن ماجه((‪ ،‬عن عائشة رضي ال عنها‪ ،‬أن النبي صلى ال عليه وسلم خطب‬
‫خَذ َثوَبْين‬
‫ن َيَت ّ‬
‫سَعًة َأ ْ‬
‫جَد َ‬
‫حِدُكْم إن َو َ‬
‫ب الّنمار‪ ،‬فقال‪)) :‬ما على َأ َ‬
‫الناسَ يوَم الجمعة‪ ،‬فرأى عليهم ِثيا َ‬
‫ي ِمهَنِته((‪.‬‬
‫سَوى َثوَب ْ‬
‫جُمَعِتِه ِ‬
‫ِل ُ‬
‫الخامسة عشرة‪ :‬أنه يستحب فيه تجميُر المسجد‪ ،‬فقد ذكر سعيُد بن منصور‪ ،‬عن نعيم بن‬
‫ل عنه أمر أن يجّمَر مسجُد المدينة ُكلّ جمعة حين‬
‫ل الُمجِمر‪ ،‬أن عمر بن الخطاب رضي ا ّ‬
‫عبد ا ّ‬
‫صف النهار‪.‬‬
‫ينت ِ‬
‫جِمر‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ولذلك سمي نعيم الم ْ‬
‫السادسة عشرة‪ :‬أنه ل يجوز السفُر في يومها لمن تلزمه الجمعة قبل فعلها بعد دخول‬
‫وقتها‪ ،‬وأما قبله‪ ،‬فللعلماء ثلثُة أقوال‪ ،‬وهي روايات منصوصات عن أحمد‪ ،‬أحدها‪ :‬ل يجوز‪،‬‬
‫والثاني‪ :‬يجوز‪ ،‬والثالث‪ :‬يجوز للجهاد خاصة‪.‬‬
‫ل‪ ،‬فيحرم عنده السفر يوَم الجمعة بعد الزوال‪ ،‬ولهم في سفر‬
‫وأما مذهب الشافعي رحمه ا ّ‬
‫الطاعة وجهان‪ ،‬أحدهما‪ :‬تحريمه‪ ،‬وهو اختيار النووي‪ ،‬والثاني‪ :‬جوازه وهو اختيار الرافعي‪.‬‬
‫وأما السفر قبل الزوال‪ ،‬فللشافعي فيه قولن‪ :‬القديم‪ :‬جوازه‪ ،‬والجديد‪ :‬أنه كالسفر بعد زوال‪.‬‬
‫وأما مذهب مالك‪ ،‬فقال صاحب ))التفريع((‪ :‬ول يسافر أحٌد يوم الجمعة بعد الزوال حتى‬
‫ُيصليَ الجمعة‪ ،‬ول بأس أن يسافر قبل الزوال‪ ،‬والختيار‪ :‬أن ل يسافر إذا طلع الفجر وهو حاضر‬
‫ي الجمعة‪.‬‬
‫حتى ُيصل َ‬
‫‪175‬‬

‫وذهب أبو حنيفة إلى جواز السفر مطلقًا‪ ،‬وقد روى الدارقطني في ))الفراد((‪ ،‬من حديث‬
‫ن داِر إقاَمته يوَم‬
‫سافَر ِم ْ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم قال‪َ)) :‬من َ‬
‫ل عنهما أن رسول أ ّ‬
‫ابن عمر رضي ا ّ‬
‫سَفِره((‪ .‬وهو من حديث ابن لهيعة‪.‬‬
‫حب في َ‬
‫عَليِه الَملِئكُة ال يص َ‬
‫ت َ‬
‫ع ْ‬
‫الجمعِة‪َ ،‬د َ‬
‫ث رسو ُ‬
‫ل‬ ‫سم‪ ،‬عن ابن عباس قال‪ :‬بع َ‬
‫لمام أحمد(( من حديث الحكم‪ ،‬عن مِْق َ‬
‫وفي ))مسند ا ِ‬
‫ك َيوَم الجمعة‪ ،‬قال‪ :‬فغدا أصحاُبه‪،‬‬
‫ل بن رواحة في سرية‪ ،‬فوافق ذِل َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم عبد ا ّ‬
‫ا ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ثم ألحقهم‪ ،‬فلما صّلى النبي صلى ال‬
‫لا ّ‬
‫وقال‪ :‬أتخّلف وأصلي مع رسو ِ‬
‫حاِبك؟ فقال‪ :‬أردت أن أصّلي معك‪ ،‬ثم ألحَقهم‪،‬‬
‫ن َتْغُدَو َمع أص َ‬
‫عليه وسلم‪ ،‬رآه‪ ،‬فقال‪ :‬ما َمَنَعك َأ ْ‬
‫غْدَوِتهم((‪.‬‬
‫ل َ‬
‫ت َفض َ‬
‫ض ما أْدَرك َ‬
‫لر ِ‬
‫ت َما في ا َ‬
‫فقال‪َ) :‬لْو َأنَفْق َ‬
‫ث‪ ،‬بأن الحكم لم يسمع من مقسم‪.‬‬
‫ل هذا الحدي ُ‬
‫عّ‬‫وُأ ِ‬
‫عه بعدهم‪ ،‬جاز له السفُر‬
‫ت رفقته‪ ،‬فإن خاف فوت رفقته وانقطا َ‬
‫ف المسافُر َفو َ‬
‫خ ِ‬
‫هذا إذا لم َي َ‬
‫مطلقًا‪ ،‬لن هذا عذر ُيسقط الجمعة والجماعة‪.‬‬
‫ولعل ما روي عن الوزاعي ‪ -‬أنه سئل عن مسافر سمع أذان الجمعة وقد أسرج دابته‪،‬‬
‫ل ابن عمر رضي ال عنه‪ :‬الجمعة ل تحِب ُ‬
‫س‬ ‫ل على هذا‪ ،‬وكذلك قو ُ‬
‫ض على سفرِه ‪ -‬محمو ٌ‬
‫فقال‪ِ :‬ليم ِ‬
‫عن السفر‪ .‬وإن كان مرادهم جواز السفر مطلقًا‪ ،‬فهي مسألة نزاع‪ .‬والدليل‪ :‬هو الفاصل‪ ،‬على أن‬
‫عبد الرزاق قد روى في ))مصنفه(( عن معمر‪ ،‬عن خالد الحذاء‪ ،‬عن ابن سيرين أو غيره‪ ،‬أن‬
‫سَفر بعد ما قضى الجمعة‪ ،‬فقال‪ :‬ما شأُنك؟ قال‪ :‬أرد ُ‬
‫ت‬ ‫ب َ‬
‫ل عليه ثيا ُ‬
‫عمر بن الخطاب رأى رج ً‬
‫ضْر وقُتها‬
‫ج حتى أصلي‪ ،‬فقال عمر‪ :‬إن الجمعة ل تمنُعك السفَر ما لم يح ُ‬
‫ت أن أخُر َُ‬
‫سفرًا‪ ،‬فكِرْه ُ‬
‫فهذا قول من يمنع السفر بعد الزوال‪ ،‬ول يمنع منه قبله‪.‬‬
‫وذكره‪ .‬عبد الرزاق أيضًا عن الثوري‪ ،‬عن السود بن قيس‪ ،‬عن أبيه قال‪ :‬أبصَر عمُر بن‬
‫ت‪ ،‬فقال عمر‪:‬‬
‫ل‪ :‬إن اليوَم يوم جمعة ولول ذلك‪ ،‬لخرج ُ‬
‫سفِر‪ ،‬وقال الرج ُ‬
‫ل عليه هْيَئُة ال ّ‬
‫الخطاب رج ً‬
‫ن الرواح‪.‬‬
‫حِ‬‫س مسافرا‪ ،‬فاخُرج ما لم َي ِ‬
‫إن الجمعة ل تحب ُ‬
‫وذكر أيضًا عن الثوري‪ ،‬عن ابن أبي ذئب‪ ،‬عن صالح بن كثير‪ ،‬عن الزهري قال‪ :‬خرج‬
‫ضحى قبل الصلة‪.‬‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم مسافرًا يوم الجمعة ُ‬
‫وذكر عن معَمر قال‪ :‬سألت يحيى بن أبي كثير‪ :‬هل يخرج الرجل يوَم الجمعة؟ فكرهه‪،‬‬
‫فجعلت أحّدثه بالرخصة فيه‪ ،‬فقال لي‪ :‬قلما يخرج رجل في يوم الجمعة إل رأى ما يكرهه‪ ،‬لو‬
‫نظرت في ذلك‪ ،‬وجدَته كذلك‪.‬‬
‫‪176‬‬

‫ل يوم‬
‫جُ‬
‫وذكر ابن المبارك‪ ،‬عن الوزاعي‪ ،‬عن حسان بن أبي عطية‪ ،‬قال‪ :‬إذا سافر الر ُ‬
‫ن على حاجته‪ ،‬ول ُيصاحب في سفره‪.‬‬
‫الجمعة‪ ،‬دعا عليه النهاُر أن ل ُيَعا َ‬
‫جريج‪:‬‬
‫وذكر الوزاعي‪ ،‬عن ابن المسَيب‪ ،‬أنه قال‪ :‬السفر يوَم الجمعة بعد الصلة‪ .‬قال ابن ُ‬
‫قلت لعطاء‪ :‬أبلغك أنه كان ُيقال‪ :‬إذا أمسى في قرية جامعة ِمن ليلة الجمعة‪ ،‬فل يذهب حتى ُيجّمَع؟‬
‫قال‪ :‬إن ذلك ليكره‪ .‬قلت‪ :‬فِمن يوم الخميس؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬ذلك النهار فل يضره‪.‬‬
‫خطوة أجَر سنة صياَمها وقياَمها‪ ،‬قال عبد‬
‫السابعة عشرة‪ :‬أن للماشي إلى الجمعة بكل ُ‬
‫الرزاق‪ :‬عن معمر‪ ،‬عن يحيى بن أبي كثير‪ ،‬عن أبي قلبة‪ ،‬عن أبي الشعث الصنعاني‪ ،‬عن أوس‬
‫جُمَعِة‪ ،‬وَبّكَر وابتَكَر‪،‬‬
‫ل َيْوَم ال ُ‬
‫سَ‬‫غَت َ‬
‫سل وا ْ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ))من غ ّ‬
‫بن أوس‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول ا ّ‬
‫ل يسير((‪.‬‬
‫ك على ا ِّ‬
‫سَنٍة وقيامها‪ ،‬وذِل َ‬
‫صياُم َ‬
‫طوها ِ‬
‫خُ‬‫طَوٍة َي ْ‬
‫لخ ْ‬
‫ن َله ِبُك ّ‬
‫ت‪ ،‬كا َ‬
‫ص َ‬
‫ن المام‪ ،‬فَأْن َ‬
‫ودنا ِم َ‬
‫لمام أحمد في ))مسنده((‪.‬‬
‫ورواه ا ِ‬
‫سره وكيع‪.‬‬
‫ل بالتشديد‪ :‬جامع أهله‪ ،‬وكذلك ف ّ‬
‫سَ‬‫غّ‬
‫لمام أحمد‪َ :‬‬
‫وقال ا ِ‬
‫لمام أحمد في‪)) .‬مسنده(( عن سلمان قال‪:‬‬
‫الثامنة عشرة‪ :‬أنه يوم تكفير السّيئات‪ ،‬فقد روى ا ِ‬
‫جمَع الّلة فيه‬
‫جمعة؟(( قلت‪ُ :‬هَو اليوم الذي َ‬
‫ي ما َيوُم ال ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ))َأَتدر َ‬
‫لي رسول ا ّ‬
‫جُمعة‪،‬‬
‫سن طُهوَرة‪ ،‬ثَم يأتي ال ُ‬
‫ل َفيح ِ‬
‫جُ‬‫طّهر الّر ُ‬
‫جُمعة‪ ،‬ل َيَت َ‬
‫َأباكم آدم قال‪)) :‬ولكّني َأْدري ما َيوُم ال ُ‬
‫جُتِنَب ِ‬
‫ت‬ ‫صلَته إل كانت َكّفاَرَة لما َبْيَنه وَبين الجمعِة المقبَلة ما ا ْ‬
‫ي المام َ‬
‫ضَ‬‫حّتى َيق ِ‬
‫َفُيْنصت َ‬
‫الَمْقَتلة((‪.‬‬
‫وفي ))المسند(( أيضًا من حديث عطاء الخراساني‪ ،‬عن ُنبيشة الُهذلي‪ ،‬أنه كان ُيحّدث عن‬
‫جد ل يؤذي‬
‫ل ِإَلى الَمس ِ‬
‫جُمَعِة‪ُ ،‬ثّم َأقَب َ‬
‫ل َيوَم ال ُ‬
‫سَ‬‫ن المسِلَم إذا اغَت َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪)) :‬إ ّ‬
‫رسول ا ّ‬
‫ص َ‬
‫ت‬ ‫سَتَمع َوَأن َ‬
‫س‪َ ،‬فا ْ‬
‫جَل َ‬
‫ج‪َ ،‬‬
‫خَر َ‬
‫لَماَم قد َ‬
‫جَد ا ِ‬
‫صّلى َما َبَدا َلُه‪َ ،‬وِإن َو َ‬
‫خَرج‪َ ،‬‬
‫لمام َ‬
‫جِد ا ِ‬
‫حدَا‪َ ،‬فإن َلْم َي ِ‬
‫أَ‬
‫جُمَعِة‬
‫جمَعِته ِتْلك ُذنوُبه كّلها‪ ،‬أن تُكون َكَفاَرًة ِلْل ُ‬
‫جُمَعَتُه وَكلَمُه‪ ،‬إن َلْم ُيْغَفْر َله في ُ‬
‫لَماُم ُ‬
‫يا ِ‬
‫ضَ‬‫حّتى َيق ِ‬
‫َ‬
‫اّلِتي َتِليها((‪.‬‬
‫سل‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ))ل َيْغَت ِ‬
‫وفي ))صحيح البخاري((‪ ،‬عن سلمان قال‪ :‬قال رسول ا ّ‬
‫خرج‪،‬‬
‫ب َبْيِته‪ُ ،‬ثّم َي ْ‬
‫ن ِمنْ ُدهِنِه َأْو َيصّر ِمن طي ِ‬
‫طْهر‪َ ،‬وَيّدِه ُ‬
‫ع ِمن ُ‬
‫طا َ‬
‫جُمَعِة َوَيَتطّهُر ما است َ‬
‫ل َيوَم ال ُ‬
‫جٌ‬‫َر ُ‬
‫جمعِة‬
‫ن ال ُ‬
‫لَمام‪ ،‬إل غِفَر َلُه َما بْينُه وَبي َ‬
‫ت إَذا َتَكّلَم ا ِ‬
‫ب َلُه‪ُ ،‬ثّم ُينص ُ‬
‫صلي َماكِت َ‬
‫ن‪ُ ،‬ثّم ُي َ‬
‫ن اثني ِ‬
‫ق َبي َ‬
‫فليفّر ُ‬
‫لخَرى((‪.‬‬
‫اُ‬
‫)يتبع‪(...‬‬
‫‪177‬‬

‫ل صلى ال عليه وسلم‬


‫لا ّ‬
‫وفي ))مسند أحمد((‪ ،‬من حديث أبي الدرداء قال‪ :‬قال رسو ُ‬ ‫@‬
‫عَلْيه‬
‫س طيبًا إن كان عنده‪ُ ،‬ثّم َمشى إلى الجُمعة و َ‬
‫س ِثياَبه‪َ ،‬وَم ّ‬
‫جُمعة‪ ،‬ثّم َلِب َ‬
‫ل َيْوَم ال ُ‬
‫سَ‬‫غَت َ‬
‫نا ْ‬
‫))َم ِ‬
‫غِفَر َله ما‬
‫لمام‪ُ ،‬‬
‫فا ِ‬
‫صِر َ‬
‫ضي له‪ُ ،‬ثّم انتظَر حّتى َيْن َ‬
‫حدًا‪ ،‬ولم ُيؤِذه‪ ،‬ورَكَع ما ُق ِ‬
‫ط َأ َ‬
‫خّ‬‫سِكيَنُة‪ ،‬ولم َيَت َ‬
‫ال ّ‬
‫َبين الجُمَعَتين((‪.‬‬
‫ث أبي قتادة في ذلك‪،‬‬
‫ل يوٍم إل يوَم الجمعة‪ .‬وقد تقدم حدي ُ‬
‫جر ُك ّ‬
‫سّ‬
‫التاسعة عشرة‪ :‬أن جهنم ت َ‬
‫ل‪ ،‬ويقُع فيه من الطاعات‪ ،‬والعبادات‪ ،‬والدعوات‪،‬‬
‫عند ا ّ‬
‫ل أعلم ‪ -‬أنه أفضل اليام ِ‬
‫وسر ذلك ‪ -‬وا ّ‬
‫ليمان‬
‫والبتهال إلى ال سبحانه وتعالى‪ ،‬ما يمنع من تسجير جهنم فيه‪ .‬ولذلك تُكون معاصي أهل ا ِ‬
‫ل الفجور ليمتِنعون فيه مما ل يمتِنعون منه في يوم‬
‫فيه أقلّ ِمن معاصيهم في غيره‪ ،‬حتى إن أه َ‬
‫السبت وغيره‪.‬‬
‫ل يوم إل يوَم‬
‫جر جهنِم في الدنيا‪ ،‬وأنها توقد ك ّ‬
‫سْ‬
‫وهذا الحديث الظاهر منه أن المراد َ‬
‫خّفف عن أهلها الذين هم أهلها يومًا من اليام‪،‬‬
‫عَذاُبها‪ ،‬ول ي َ‬
‫الجمعة‪ ،‬وأما يوم القيامة‪ ،‬فإنه ل يفّتر َ‬
‫ولذلك َيدعون الخزنَة أن يدعوا رّبهم ليخفف عنهم يومًا من العذاب‪ ،‬فل ُيجيبونهم إلى ذلك‪.‬‬
‫ل عبٌد مسلم فيها شيئًا إل‬
‫لجابة‪ ،‬وهي الساعة التي ل يسأل ا َّ‬
‫العشرون‪ :‬أن فيه ساعَة ا ِ‬
‫ل صلى ال‬
‫أعطاه‪ ،‬ففي ))الصحيحين(( من حديث أبي هريرة رضي ال عنه‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول ا ّ‬
‫طاُه‬
‫عَ‬‫لأ ْ‬
‫شيئًا ِإ ّ‬
‫ل َ‬
‫لا ّ‬
‫عًة ل يواِفقها عبّد ُمسلم وهو قائم يصّلي يسأ ُ‬
‫جُمَعِة َلسا َ‬
‫ن في ال ُ‬
‫عليه وسلم ))إ ّ‬
‫ِإّياُه‪ ،‬وقال‪ِ :‬بيِده يَقّللها((‪.‬‬
‫وفي المسند من حديث أبي ُلبابة بن عبد المنذر‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪)) :‬سّيُد‬
‫خم ُ‬
‫س‬ ‫ضحى‪ ،‬وفيِه َ‬
‫طِر‪َ ،‬وَيْوِم ال ْ‬
‫ن يوِم الِف ْ‬
‫ل ِم ْ‬
‫غد ا ّ‬
‫ل‪ ،‬وأعظم ِ‬
‫عنَد ا ّ‬
‫ظُمها ِ‬
‫عَ‬‫جُمَعة‪ ،‬وَأ ْ‬
‫الّيام يوُم ال ُ‬
‫ل آَدَم‪ ،‬وفيه ساعٌة‬
‫جّ‬‫عّز َو َ‬
‫ل َ‬
‫ض‪ ،‬وفيه َتَوّفى ا ّ‬
‫ل ِفيِه آَدَم إلى الْر ِ‬
‫ط ا ُّ‬
‫ل ِفيِه آَدَم‪ ،‬وَأهَب َ‬
‫ق ا ُّ‬
‫خَل َ‬
‫ل‪َ :‬‬
‫صا ٍ‬
‫خ َ‬
‫ِ‬
‫ب‪،‬‬
‫ك ُمقَّر ٍ‬
‫ن َمَل ٍ‬
‫عُة‪ ،‬ما ِم ْ‬
‫حَرامًا‪ ،‬وفيِه َتُقوُم السا َ‬
‫سَأل َ‬
‫ل َأتاُه ال ِإّياُه ما لم َي ْ‬
‫شْيئًا ِإ ّ‬
‫ل العبد فيَها َ‬
‫ل ا َّ‬
‫سَأ ُ‬
‫ل َي ْ‬
‫جُمَعة((‪.‬‬
‫ن ِمن َيْوِم ال ُ‬
‫شِفْق َ‬
‫ن ُي ْ‬
‫جٍر‪ ،‬إل وه ّ‬
‫شَ‬
‫ل‪ ،‬ول َ‬
‫جبا ٍ‬
‫حٍر‪ ،‬ول ِ‬
‫ح‪ ،‬ول َب ْ‬
‫ض‪ ،‬ول ِريا ٍ‬
‫ول أْر ٍ‬
‫فصل‬
‫وقد اختلف الناس في هذه الساعة‪ :‬هل هي باقية أو قد ُرِفعت؟ على قولين‪ ،‬حكاهما ابن عبد‬
‫الَبر وغيُره‪ ،‬والذين قالوا‪ :‬هي باقية ولم ُترفع‪ ،‬اختلفوا‪ ،‬هل هي في وقت من اليوم بعينه‪ ،‬أم هي‬
‫غير معينة؟ على قولين‪ .‬ثم اختلف من قال بعدم تعيينها‪ :‬هل هي تنتقل في ساعات اليوم‪ ،‬أو ل؟‬
‫ل‪.‬‬
‫على قولين أيضًا‪ ،‬والذين قالوا بتعيينها‪ ،‬اختلفوا على أحد عشر قو ً‬
‫‪178‬‬

‫ل عنه أنه قال‪ :‬هي ِمن طلوع الفجر إلى‬


‫قال ابن المنذر‪ :‬روينا عن أبي هريرة رضي ا ّ‬
‫ب الشمس‪.‬‬
‫طلوع الشمس‪ ،‬وبعَد صلة العصر إلى غرو ِ‬
‫ل‪ ،‬ذكره ابن المنذر عن الحسن الَبصري‪ ،‬وأبي العالية‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أنها عند الزوا ِ‬
‫الثالث‪ :‬أنها إذا أذن المؤّذن بصلة الجمعة‪ ،‬قال ابن المنذر‪ :‬روينا ذلك عن عائشة رضي‬
‫ل عنها‪.‬‬
‫ا ّ‬
‫طب حتى يفُرغ قال ابن المنذر‪ :‬رويناه عن‬
‫الرابع‪ :‬أنها إذا جلس الماُم على المنبر يخ ُ‬
‫الحسن البصري‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬قاله أبو بردة‪ :‬هي الساعة التي اختار ال وقتها للصلة‪.‬‬
‫السادس‪ :‬قاله أبو السوار العدوي‪ ،‬وقال‪ :‬كانوا يرون أن الدعاء مستجاب ما بين زوال‬
‫الشمس إلى أن تدخل الصلة‪.‬‬
‫السابع‪ :‬قاله أبو ذر‪ :‬إنها ما بين أن ترتفع الشمس شبرًا إلى ذراع‪.‬‬
‫ل بن‬
‫الثامن‪ :‬أنها ما بين العصر إلى غروب الشمس‪ ،‬قاله أبو هريرة‪ ،‬وعطاء‪ ،‬وعبد ا ّ‬
‫سلم‪ ،‬وطاووس‪ ،‬حكى ذلك كله ابن المنذر‪.‬‬
‫التاسع‪ :‬أنها آخُر ساعة بعد العصر‪ ،‬وهو قول أحمد‪ ،‬وجمهور الصحابة‪ ،‬و التابعين‪.‬‬
‫لمام إلى فراغ الصلة‪ ،‬حكاه النووي وغيره‪.‬‬
‫العاشر‪ :‬أنها من حين خروج ا ِ‬
‫الحادي عشر‪ :‬أنها الساعة الثالثُة من النهار‪ ،‬حكاه صاحب ))المغني(( فيه‪ .‬وقال كعب‪ :‬لو‬
‫ب حاجة في يوم ليسير‪.‬‬
‫لنسان جمعة في جمع‪ ،‬أتى على تلك الساعة‪ .‬وقال عمر‪ :‬إن طل َ‬
‫قسم ا ِ‬
‫وأرجح هذه القوال‪ :‬قولن تضمنتهما الحاديث الثابتة‪ ،‬وأحدهما أرجح من الخر‪.‬‬
‫لمام إلى انقضاء الصلة‪ ،‬وحجة هذا القول ما روى مسلم‬
‫الول‪ :‬أنها من جلوس ا ِ‬
‫ت أباك‬
‫ل بن عمر قال له‪ :‬أسمع َ‬
‫في ))صحيحه(( من حديث أبي ُبردة بن أبي موسى‪ ،‬أن عبد ا ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم في شأن ساعة الجمعة شيئًا؟ قال‪ :‬نعم سمعُته يقول‪:‬‬
‫يحّدث عن رسول ا ّ‬
‫ضى‬
‫لَماُم إلى أن ُتقْ َ‬
‫سا ِ‬
‫جِل َ‬
‫ن َأن َي ْ‬
‫ي َما َبْي َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم يقول‪ِ)) :‬ه َ‬
‫لا ّ‬
‫ت رسو َ‬
‫سمع ُ‬
‫صلَُة((‪.‬‬
‫ال ّ‬
‫وروى ابن ماجه‪ ،‬والترمذي‪ ،‬من حديث عمرو بن عوف المزني‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه‬
‫ل!‬
‫ل إَياه(( قالوا‪ :‬يا رسول ا ّ‬
‫ل آتاه ا ُّ‬
‫ل العبد فيها شيئًا إ ّ‬
‫لا َ‬
‫ساعًة ل يسأ ُ‬
‫ن في الجُمعة َ‬
‫وسلم قال‪)) :‬إ ّ‬
‫صلة إلى النصراف منها((‪.‬‬
‫ن ُتقام ال ّ‬
‫حي َ‬
‫ي؟ قال‪ِ )) :‬‬
‫عٍة ِه َ‬
‫سا َ‬
‫َأّيُة َ‬
‫‪179‬‬

‫ل بن سلم‪،‬‬
‫والقول الثاني‪ :‬أنها بعد العصر‪ ،‬وهذا أرجح القولين‪ ،‬وهو قول عبد ا ّ‬
‫لمام أحمد‪ ،‬وخلق‪ .‬وحجة هذا القول ما رواه أحمد في ))مسنده(( من حديث أبي‬
‫وأبي هريرة‪ ،‬وا ِ‬
‫عْبٌد مسلم‬
‫سعيد وأبي هريرة‪ ،‬أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪)) :‬إنَ في الجمعة ساعًة ل ُيواِفقها َ‬
‫ي َبْعَد الَعصِر((‪.‬‬
‫عطاه إّياُه وِه َ‬
‫لأ ْ‬
‫خْيرًا ِإ ّ‬
‫ل فيَها َ‬
‫لا ّ‬
‫َيسَأ ُ‬
‫وروى أبو داود والنسائي‪ ،‬عن جابر‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪)) :‬يوم الجمعِة اثَنا‬
‫عٍة َبعَد‬
‫سا َ‬
‫خَر َ‬
‫سوها آ ِ‬
‫طاه‪ ،‬فالَتِم ُ‬
‫ل أع َ‬
‫شْيئًا إ ّ‬
‫ل ِفيَها َ‬
‫ل ا َّ‬
‫سَأ ُ‬
‫جُد ُمسِلٌم َي ْ‬
‫ل ُيو َ‬
‫عٌة َ‬
‫سا َ‬
‫عًة‪ِ ،‬فيَها َ‬
‫سا َ‬
‫شَر َ‬
‫عَ‬‫َ‬
‫الَعصر((‪.‬‬
‫وروى سعيد بن منصور في ))سننه(( عن أبي سلمة بن عبد الرحمن‪ ،‬أن ناسًا من أصحاب‬
‫ل صلى ال عليه وسلم اجتمعوا‪ ،‬فتذاكروا الساعة التي في يوم الجمعة‪ ،‬فتفّرقوا ولم يختِلفوا‬
‫رسول ا ّ‬
‫أنها آخُر ساعة من يوم الجمعة‪.‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‬
‫ل ا ِّ‬
‫وفي ))سنن ابن ماجه((‪ :‬عن عبد ال بن سلم‪ ،‬قال‪ :‬قلت ورسو ُ‬
‫ن ُيصلي‬
‫عبٌد ُمؤِم ٌ‬
‫عة ل ُيواِفُقها َ‬
‫سا َ‬
‫ل )يعني التوراة( في َيوِم الجُمَعة َ‬
‫با ّ‬
‫جُد في ِكَتا ِ‬
‫جاِلس‪ :‬إّنا َلَن ِ‬
‫ل صلى ال عليه‬
‫ل ا ِّ‬
‫ل‪ :‬فأشاَر إلي رسو ُ‬
‫عبُد ا ِ‬
‫ل َ‬
‫جَتُه َقا َ‬
‫حا َ‬
‫ضى ال َلُه َ‬
‫ل َق َ‬
‫شْيئًا ِإ ّ‬
‫ل َ‬
‫جّ‬‫عّز َو َ‬
‫ل َ‬
‫ل ا َّ‬
‫يسأ ُ‬
‫ي ساعٍة هي؟ قال‪)) :‬هي‬
‫ساعة‪ .‬قلت‪َ :‬أ ّ‬
‫ض َ‬
‫ل ال‪ ،‬أو َبع َ‬
‫سو َ‬
‫ت يا ر ُ‬
‫عٍة‪ .‬قلت‪ :‬صدق َ‬
‫سا َ‬
‫ض َ‬
‫وسلم أو َبْع َ‬
‫ن إذا صّلى‪،‬‬
‫ساعات الّنهار((‪ .‬قلت‪ :‬إنها ليست ساعَة صلة‪ ،‬قال‪ :‬بلى إن العبَد المؤم َ‬
‫آخُر ساعٍة من َ‬
‫صلٍة((‪.‬‬
‫لة‪ ،‬فهو في َ‬
‫ل الص َ‬
‫سه إ ً‬
‫جَلسَ ل يجِل ُ‬
‫ثم َ‬
‫وفي ))مسند أحمد(( من حديث أبي هريرة‪ ،‬قال‪ :‬قيل للنبي صلى ال عليه وسلم‪ :‬لي شيء‬
‫شُة‪،‬‬
‫طَ‬‫صْعَقُة والَبْعَثُة‪ ،‬وفيها الَب ْ‬
‫ت طيَنُة أبيك آَدَم‪ ،‬وفيها ال ّ‬
‫طِبَع ْ‬
‫ن فيها ُ‬
‫ي يوم الجمعة؟ قال‪)) :‬ل ّ‬
‫سّم َ‬
‫ُ‬
‫ب َلُه((‪.‬‬
‫عا ال ِفيَها اسُتجي َ‬
‫ن َد َ‬
‫عٌة َم ْ‬
‫سا َ‬
‫ت ِمْنها َ‬
‫عا ٍ‬
‫سا َ‬
‫ث َ‬
‫خر َثل ِ‬
‫وفي آ ِ‬
‫وفي ))سنن أبي داود((‪ ،‬والترمذي‪ ،‬والنسائي من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن‪ ،‬عن‬
‫جُمَعة‪،‬‬
‫شمس َيْوُم ال ُ‬
‫ت ِفيِه ال ّ‬
‫طَلَع ْ‬
‫خْيُر َيْوٍم َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪َ )) :‬‬
‫لا ّ‬
‫ل رسو ُ‬
‫أبي هريرة قال‪ :‬قا َ‬
‫ب عليه‪ ،‬وفيه مات‪ ،‬وفيه تقوُم الساعة‪ ،‬وما ِمن داّبِة إل وهي‬
‫ط‪ ،‬وفيه ِتي َ‬
‫ق آَدُم‪ ،‬وفيه أْهِب َ‬
‫خِل َ‬
‫فيه ُ‬
‫س‪ ،‬وفيه‬
‫ن والن َ‬
‫عة‪ ،‬إل الج ّ‬
‫سا َ‬
‫شَفقًا من ال ّ‬
‫س َ‬
‫شْم ُ‬
‫طُلَع ال ّ‬
‫ي َت ْ‬
‫ح حت َ‬
‫جُمَعة‪ ،‬من حين ُتصِب ُ‬
‫خٌة َيوَم ال ُ‬
‫ُمصي َ‬
‫ل حاجًة إل أعطاُه إّياها(( قال كعب‪ :‬ذلك‬
‫جّ‬‫عّز َو َ‬
‫ل َ‬
‫ل ا َّ‬
‫سَأ ُ‬
‫صّلي َي ْ‬
‫سِلٌم وهو ُي َ‬
‫عْبد ُم ْ‬
‫ساعٌة ل ُيصادفها َ‬
‫ب التوراة‪ ،‬فقال‪ :‬صدق رسول ال صلى ال‬
‫ت‪ :‬بل في كل جُمَعٍة قال‪ :‬فقرأ كع ٌ‬
‫في كلّ سنٍة يوم؟ فقل ُ‬
‫لبُ‬
‫ن‬ ‫عْبُد ا ّ‬
‫ن سلم‪ ،‬فحدثته بمجِلسي َمَع َكْعب‪َ ،‬فقالَ َ‬
‫لبَ‬
‫عليه وسلم‪ .‬قال أبو هريرة‪ :‬ثّم َلِقْيت عبَد ا ّ‬
‫‪180‬‬

‫لم‪ :‬هي‬
‫سَ‬‫ن َ‬
‫لبُ‬
‫عْبُد ا ّ‬
‫ل َ‬
‫خِبرني ِبَها‪َ ،‬فَقا َ‬
‫ت‪َ :‬أ ْ‬
‫ي‪ .‬قال أُبو ُهَرْيَرَة‪َ :‬فُقْل ُ‬
‫عٍة ِه َ‬
‫سا َ‬
‫ت أّية َ‬
‫سلم‪ :‬وقد علم ُ‬
‫ل صلى‬
‫لا ِ‬
‫سو ُ‬
‫ل َر ُ‬
‫جُمَعِة‪َ ،‬وَقْد َقا َ‬
‫ن َيْوِم ال ُ‬
‫عٍة ِم ْ‬
‫سا َ‬
‫خُر َ‬
‫يآ ِ‬
‫ف ِه َ‬
‫جُمَعِة‪ ،‬فقلت‪َ :‬كْي َ‬
‫ن َيْوِم ال ُ‬
‫عٍة ِم ْ‬
‫سا َ‬
‫خُر َ‬
‫آِ‬
‫ل بن‬
‫صّلى ِفيَها؟ فقال عبُد ا ّ‬
‫عُة ل ُي َ‬
‫سا َ‬
‫ك ال ّ‬
‫صّلي(( وِتْل َ‬
‫سِلم َوُهَو ُي َ‬
‫عْبٌد ُم ْ‬
‫صاِدُفَها َ‬
‫ال عليه وسلم‪)) :‬ل ُي َ‬
‫لٍة‬
‫صَ‬‫لَة‪َ ،‬فُهَو في َ‬
‫ظُر الص َ‬
‫جِلسًا َيْنَت ِ‬
‫س َم ْ‬
‫جَل َ‬
‫ل ال صلى ال عليه وسلم‪)) :‬من َ‬
‫سو ُ‬
‫سلم‪ :‬أَلم َيُقل َر ُ‬
‫ك‪.‬‬
‫ي((؟ قال‪ :‬فقلت‪ :‬بلى‪ .‬فقال‪ُ :‬هَو َذا َ‬
‫صّل َ‬
‫حّتى ُي َ‬
‫َ‬
‫قال الترمذي‪ :‬حديث حسن صحيح‪ .‬وفي ))الصحيحين(( بعضه‪.‬‬
‫لماُم الخطبة إلى فراغه من الصلة‪ ،‬فاحتج بما‬
‫وأما من قال إّنها من حين يفتتح ا ِ‬
‫ل بن عمر‪:‬‬
‫رواه مسلم في ))صحيحه((‪ ،‬عن أبي بردة بن أبي موسى الشعري‪ ،‬قال‪ :‬قال عبد ا ّ‬
‫أسمعتَ أباك ُيحّدث عن رسول صلى ال عليه وسلم فى شأن ساعة الجمعة؟ قال‪ُ :‬قلت‪ :‬نعم سمعُته‬
‫لمام الصلة((‪.‬‬
‫يا ِ‬
‫ضَ‬‫لماُم إلى أن يق ِ‬
‫ن َيجِلس ا ِ‬
‫ن َأ ْ‬
‫ي َما َبْي َ‬
‫ت رسول ال يقول‪ِ)) :‬ه َ‬
‫يقول‪ :‬سمع ُ‬
‫وأما من قال‪ :‬هي ساعة الصلة‪ ،‬فاحتج بما رواه الترمذي‪ ،‬وابن ماجه‪ ،‬من حديث عمرو‬
‫عًة ل‬
‫سا َ‬
‫جُمَعة َل َ‬
‫ن في ال ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم يقول‪)) :‬إ ّ‬
‫بن عوف المزني‪ ،‬قال‪ :‬سمعت رسول ا ّ‬
‫ن ُتقاُم‬
‫حي َ‬
‫ي؟ قال‪ِ )) :‬‬
‫ل أيُة ساعة ِه َ‬
‫لا ّ‬
‫ل ِإّياُه((‪ .‬قالوا‪ :‬يا رسو َ‬
‫ل آتاُه ا ُّ‬
‫شْيئًا ِإ ّ‬
‫ل الَعْبُد ِفيَها َ‬
‫ل ا َّ‬
‫سَأ ُ‬
‫َي ْ‬
‫ف ِمْنَها((‪ .‬ولكن هذا الحديث ضعيف‪ ،‬قال أبو عمر بن عبد البر‪ :‬هو حديث لم‬
‫صَرا ِ‬
‫صلة إلى الن ِ‬
‫ال ّ‬
‫ل بن عمرو بن عوف‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده‪ ،‬وليس هو ممن ُيحت ّ‬
‫ج‬ ‫يروه فيما علمت إل كثيُر بن عبد ا ّ‬
‫ح بن عبادة‪ ،‬عن عوف‪ ،‬عن معاوية بن قرة‪ ،‬عن أبي بردة عن أبي موسى‪،‬‬
‫بحديثه‪ .‬وقد روى رو ُ‬
‫ضى الصلُة‪ .‬فقال ابن عمر‪:‬‬
‫لمام إلى أن تق َ‬
‫ل بن عمر‪ :‬هي الساعة التي يخرج فيها ا ِ‬
‫أنه قال لعبد ا ّ‬
‫ل بك‪.‬‬
‫ب ا ُّ‬
‫أصا َ‬
‫ب فيها‬
‫جْيَرَة‪ ،‬عن أبي ذر‪ ،‬أن امرأته سألته عن الساعة التي ُيستجا ُ‬
‫حَ‬
‫وروى عبد الرحمن بن ُ‬
‫يوَم الجمعة للعبد المؤمن‪ ،‬فقال لها‪ :‬هي مع رفع الشمس بيسير‪ ،‬فإن سألتِني بعدها‪ ،‬فأنت طالق‪.‬‬
‫صّلي(( وبعد العصر ل صلة‬
‫واحتج هؤلء أيضًا بقوله في حديث أبي هريرة ))وُهَو َقاِئٌم ُي َ‬
‫في ذلك الوقت‪ ،‬والخذ بظاهر الحديث أولى‪ .‬قال أبو عمر يحتج أيضًا من ذهب إلى هذا بحديث‬
‫ح ِ‬
‫ت‬ ‫لفياُء‪ ،‬وَرا َ‬
‫س‪ ،‬وفاءت ا َ‬
‫شْم ُ‬
‫علي‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪)) :‬إذا زالت ال ّ‬
‫غُفورًا{‬
‫ن َ‬
‫لّواِبي َ‬
‫نل َ‬
‫ل حوائجكم‪ ،‬فإّنها ساعة الوابين‪ ،‬ثم تل‪َ} :‬فِإّنُه َكا َ‬
‫لْرواح‪ ،‬فاطلبوا إلى ا ّ‬
‫اَ‬
‫لسراء‪.(([25 :‬‬
‫]ا ِ‬
‫‪181‬‬

‫ل عنهما‪ ،‬قال‪ :‬الساعة التي ُتذكر يوَم‬


‫جبير‪ ،‬عن ابن عباس رضي ا ّ‬
‫وروى سعيُد بن ُ‬
‫جبير‪ ،‬إذا صلى العصر‪ ،‬لم ُيكّلم‬
‫الجمعة‪ :‬ما بين صلة العصر إلى غروب الشمس‪ .‬وكان سعيد بن ُ‬
‫أحدا حتى تغرب الشمس‪ ،‬وهذا هو قول أكثر السلف‪ ،‬وعليه أكثر الحاديث‪ .‬ويليه القول‪ :‬بأنها‬
‫ساعة الصلة‪ ،‬وبقية القوال ل دليل عليها‪.‬‬
‫لجابُة أيضًا‪ ،‬فكلهما ساعُة إجابة‪ ،‬وإن‬
‫ي أن ساعة الصلة ساعٌة ترجى فيها ا ِ‬
‫وعند َ‬
‫خُر ساعة بعد العصر‪ ،‬فهي ساعة معينة من اليوم ل تتقدم ول‬
‫كانت الساعة المخصوصة هي آ ِ‬
‫تتأخر‪ ،‬وأما ساعُة الصلة‪ ،‬فتابعة للصلة تقدمت أو تأخرت‪ ،‬لن لجتماع المسلمين وصلتهم‬
‫لجابة‪ ،‬فساعة اجتماعهم ساعٌة ُترجي في الجِابُة‪،‬‬
‫ل تعالى تأثيرًا في ا ِ‬
‫وتضّرعهم وابتهاِلهم إلى ا ّ‬
‫ض أمته على الدعاء‬
‫وعلى هذا تتفق الحاديث كلها‪ ،‬ويكون النبي صلى ال عليه وسلم قد ح ّ‬
‫ل تعالى في هاتين الساعتين‪.‬‬
‫والبتهال إلى ا ّ‬
‫سس على التقوى‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ونظير هذا قوله صلى ال عليه وسلم وقد سئل عن المسجد الذي أ ّ‬
‫جِد الَمِديَنة‪ .‬وهذا ل ينفي أن يكون مسجد قباء الذى نزلت فيه‬
‫سِ‬‫جُدكم هذا(( وَأشاَر إلى َم ْ‬
‫))ُهَو َمس ِ‬
‫ل منهما مؤسس على التقوى‪.‬‬
‫الية مؤسسًا على التقوى‪ ،‬بل ك ّ‬
‫ن أن يجلس الماُم إلى أن تنقضي الصلة(( ل‬
‫وكذلك قوُله في ساعة الجمعة ))هي ما َبْي َ‬
‫صِر((‪.‬‬
‫عة َبْعَد الَع ْ‬
‫سا َ‬
‫سوها آخَر َ‬
‫ُينافي قوله في الحديث الخر ))فالَتم ُ‬
‫ب فيكم((؟ قالوا‪َ :‬من َلمْ‬
‫ويشبه هذا في السماء قوله صلى ال عليه وسلم‪)) :‬ما َتُعّدون الّرقو َ‬
‫شْيئًا((‪.‬‬
‫ن َوَلِده َ‬
‫ن َلْم ُيَقّدم ِم ْ‬
‫ب َم ْ‬
‫ُيوَلد له‪ ،‬قال‪)) :‬الّرقو ُ‬
‫فأخبر أن هذا هو الّرقوب‪ ،‬إذ لم يحصل له من ولده من الجر ما حصل لمن قَّدم منهم‬
‫فرطًا‪ ،‬وهذا ل ينافي أن ُيسمى من لم يولد له رقوبًا‪.‬‬
‫س فيكم((؟ قالوا‪ :‬من ل دْرهََم له ول َمَتاع‪.‬‬
‫ن الُمْفل َ‬
‫ومثله قوله صلى ال عليه وسلم ))ما تُعّدو َ‬
‫سَف َ‬
‫ك‬ ‫ب هَذا‪ ،‬و َ‬
‫ضَر َ‬
‫سنات أْمَثال الجبال‪ ،‬ويَأتي وقد َلطَم هذا‪ ،‬و َ‬
‫حَ‬
‫س من َيأتي َيوَم القياَمة ب ً‬
‫قال‪)) :‬الُمْفل ُ‬
‫سَناته(( الحديث‪.‬‬
‫حَ‬
‫ن َ‬
‫سناَته‪َ ،‬وَهَذا م ْ‬
‫حً‬‫خذ هذا من َ‬
‫َدَم هَذاَ‪َ ،‬فَيأ ُ‬
‫طّواف اّلذي َتُرّده الّلْقَمُة والّلْقمَتان‪،‬‬
‫ن بهذا ال َ‬
‫ومثُله قوُله صلى ال عليه وسلم‪)) :‬ليس المسكي ُ‬
‫ق عليه((‪.‬‬
‫صّد َ‬
‫ن َلُه َفُيَت َ‬
‫طُ‬‫س‪ ،‬ول ُيَتَف َ‬
‫ل الّنا َ‬
‫سُا ُ‬
‫ن اّلذي ل َي ْ‬
‫سكي َ‬
‫ن الم ْ‬
‫ن‪َ ،‬ولِك ّ‬
‫والّتْمرُة والّتْمرَتا ِ‬
‫ظمها جميع أهل الملل‪ .‬وعند أهل‬
‫خر ساعة بعد العصر‪ ،‬يع ّ‬
‫وهذه الساعة هي آ ِ‬
‫لجابة‪ ،‬وهذا مما ل غرض لهم في تبديله وتحريفه‪ ،‬وقد اعترف به مؤمُنهم‪.‬‬
‫الكتاب هي ساعة ا ِ‬
‫‪182‬‬

‫وأما من قال بتنقلها‪ ،‬فرام الجمع بذلك بين الحاديث‪ ،‬كما قيل ذلك في ليلة‬
‫سوها في‬
‫القدر‪ ،‬وهذا ليس بقوي‪ ،‬فإن ليلَة القدر قد قال فيها النبي صلى ال عليه وسلم‪)) :‬فالَتِم ُ‬
‫ل ذلك في ساعة الجمعة‪.‬‬
‫سَعٍة َتْبَقى((‪ .‬ولم يجىء مث ُ‬
‫ساِبَعٍة َتبَقى‪ ،‬في َتا ِ‬
‫سٍة َتْبَقى‪ ،‬في َ‬
‫خاِم َ‬
‫َ‬
‫ث صريح بأنها ليلة كذا وكذا‪ ،‬بخلف‬
‫وأيضًا فالحاديث التي في ليلة القدر‪ ،‬ليس فيها حدي ّ‬
‫أحاديث ساعة الجمعة‪ ،‬فظهر الفرق بينهما‪.‬‬
‫ن‬
‫وأما قول من قال‪ :‬إَنها ُرفعت‪ ،‬فهو نظيُر قول َمن قال‪ :‬إن ليلة القدر ُرِفَعت‪ ،‬وهذا القائل‪ ،‬إ ْ‬
‫ل المة‪ ،‬وإن ُرفَع‬
‫أراد أّنها كانت معلومة‪ ،‬فرفع علُمها عن المة‪ ،‬فيقال له‪ :‬لم ُيرفع علمها عن ُك ّ‬
‫ل باطل مخالف للحاديث‬
‫ت‪ ،‬فقو ٌ‬
‫عن بعضهم‪ ،‬وإن أراد أن حقيقتها وكوَنها ساعة إجابة رِفعَ ْ‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫الصحيحة الصريحة‪ ،‬فل يعول عليه‪ .‬وا ّ‬
‫صت من بين سائر الصلوات‬
‫خ ّ‬
‫الحادية والعشرون‪ :‬أن فيه صلَة الجمعة التي ُ‬
‫لقامة‪،‬‬
‫المفروضات بخصائص ل توجد في غيرها من الجتماع‪ ،‬والعدد المخصوص‪ ،‬واشتراط ا ِ‬
‫ت نظيُره إل في صلة العصر‪،‬‬
‫والستيطان‪ ،‬والجهر بالقراءة‪ .‬وقد جاء من التشديد فيها ما لم يأ ِ‬
‫ل صلى ال‬
‫ضْمِري ‪ -‬وكانت له صحبة ‪ -‬إن رسول ا ّ‬
‫جْعِد ال ّ‬
‫ففي السنن الربعة‪ ،‬من حديث أبي ال َ‬
‫على َقْلِبِه((‪ .‬قال الترمذي‪ :‬حديث حسن‪،‬‬
‫ل َ‬
‫طبَع ا ُّ‬
‫جَمع َتهاُونًا‪َ ،‬‬
‫ث ُ‬
‫ك َثل َ‬
‫عليه وسلم قال‪َ)) :‬من َتَر َ‬
‫ف له‬
‫وسألت محمد بن إسماعيل عن اسم أبي الجعد الضمري‪ ،‬فقال‪ :‬لم ُيعرف اسمه‪ ،‬وقال‪ :‬ل أعِر ُ‬
‫عن النبي صلى ال عليه وسلم إل هذا الحديث‪ .‬وقد جاء في السنن عن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫المُر لمن تركها أن يتصّدق بدينار‪ ،‬فإن لم يجد‪ ،‬فنصف دينار‪ .‬رواه أبو داود‪ ،‬والنسائي من رواية‬
‫قدامة بن وبرة‪ ،‬عن سمرة بن جندب‪ .‬ولكن قال أحمد‪ :‬قدامة بن وبرة ل يعرف‪ .‬وقال يحيى بن‬
‫حكي عن البخاري‪ ،‬أنه ل يصح سماعه من سمرة‪ .‬وأجمع المسلمون على أن الجمعة‬
‫معين‪ :‬ثقة‪ ،‬و ُ‬
‫ل ُيحكى عن الشافعي‪ ،‬أنها فرض كفاية‪ ،‬وهذا غلط عليه منشؤه أنه قال‪ :‬وأما‬
‫ض عين‪ ،‬إل قو ً‬
‫فر ُ‬
‫ض‬
‫صلة العيد‪ ،‬فتجب على كل من تجب عليه صلُة الجمعة‪ ،‬فظن هذا القائل أن العيد لما كانت فر َ‬
‫كفاية‪ ،‬كانت الجمعة كذلك‪ .‬وهذا فاسد‪ ،‬بل هذا نص من الشافعي أن العيد واجب على الجميع‪ ،‬وهذا‬
‫ض كفاية‪ ،‬فإن فرض الكفاية‬
‫جُمَعِة‪ ،‬وأن يكون فر َ‬
‫ض عين كال ُ‬
‫يحتمل أمرين‪ ،‬أحدهما‪ :‬أن يكون فر َ‬
‫ن بسُقوطه عن البعض بعد وجوبه بفعل‬
‫ب على الجميع‪ ،‬كفرض العيان سواء‪ ،‬وإنما يختِلفا ِ‬
‫يج ُ‬
‫الخرين‪.‬‬
‫‪183‬‬

‫ل وتمجيُده‪ ،‬والشهادُة له‬


‫الثانية والعشرون‪ :‬أن فيه الخطبَة التي ُيقصد بها الثناُء على ا ّ‬
‫بالوحدانية‪ ،‬ولرسوِله صلى ال عليه وسلم بالرسالِة‪ ،‬وتذكيُر العباد بأيامه‪ ،‬وتحذيُرهم من بأسه‬
‫جَنانه‪ ،‬ونهُيهم عما يقربهم من سخطه وناره‪ ،‬فهذا هو‬
‫وِنقمته‪ ،‬ووصيُتهم بما ُيَقّرُبهم إليه‪ ،‬وإلى ِ‬
‫مقصود الخطبة والجتماع لها‪.‬‬
‫الثالثة والعشرون‪ :‬أنه اليوم الذي ُيستحب أن ُيتفّرغ فيه للعبادة‪ ،‬وله على سائر اليام مزية‬
‫بأنواع ِمن العبادات واجبة ومستحبة‪ ،‬فال سبحانه جعل لهل كل ِمّلٍة يومًا يتفرغون فيه للعبادة‪،‬‬
‫ويتخّلون فيه عن أشغال الدنيا‪ ،‬فيوُم الجمعة يوُم عبادة‪ ،‬وهو في اليام كشهر رمضان في الشهور‪،‬‬
‫لجابة فيه كليلة القدر في رمضان‪ .‬ولهذا من صح له يوُم جمعته وسِلم‪ ،‬سلمت له سائُر‬
‫وساعُة ا ِ‬
‫حجُته وسِلمت له‪ ،‬صح‬
‫سَنِته‪ ،‬ومن صحت له َ‬
‫سِلمت له سائُر َ‬
‫جمعته‪ ،‬ومن صح له رمضان وسلم‪َ ،‬‬
‫ن العمر‪ .‬وبال‬
‫ج ميزا ُ‬
‫ن العام‪ ،‬والح ُ‬
‫ن ميزا ُ‬
‫ن السبوع‪ ،‬ورمضا ُ‬
‫له سائُر عمره‪ ،‬فيوُم الجمعة ميزا ُ‬
‫التوفيق‪.‬‬
‫الرابعة والعشرون‪ :‬أنه لما كان في السبوع كالعيد في العام‪ ،‬وكان العيُد مشتِم ً‬
‫ل‬
‫ل فيه إلى المسجد بد ً‬
‫ل‬ ‫على صلة وُقربان‪ ،‬وكان يوُم الجمعة يوَم صلة‪ ،‬جعل ال سبحانه التعجي َ‬
‫من القربان‪ ،‬وقائمًا مقامه‪ ،‬فيجتمع للرائح فيه إلى المسجد الصلُة‪ ،‬والقربان‪ ،‬كما في‬
‫عِة‬
‫سا َ‬
‫ح في ال ّ‬
‫))الصحيحين(( عن أبي هريرة‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬أنه قال‪َ)) :‬من َرا َ‬
‫ساعة‬
‫ح في ال ّ‬
‫ن َرا َ‬
‫ب َبَقَرًة‪ ،‬وَم ْ‬
‫عِة الّثاِنَيِة‪َ ،‬فَكأّنما َقّر َ‬
‫سا َ‬
‫ح في ال ّ‬
‫ن َرا َ‬
‫ب َبَدَنًة‪ ،‬وَم ْ‬
‫لولى‪َ ،‬فَكأنما َقّر َ‬
‫اُ‬
‫ن((‪.‬‬
‫شًا َأقَر َ‬
‫ب َكْب َ‬
‫الّثاِلَثِة‪َ ،‬فكأّنما َقّر َ‬
‫وقد اختلف الفقهاء في هذه الساعة على قولين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أنها من أول النهار‪ ،‬وهذا هو المعروف في مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أنها أجزاء من الساعة السادسة بعد الزوال‪ ،‬وهذا هو المعروف في مذهب مالك‪،‬‬
‫ض الشافعية‪ ،‬واحتجوا عليه بحجتين‪:‬‬
‫واختاره بع ُ‬
‫ل الُغدّو الذي ل يكون إل قبل‬
‫إحداهما‪ :‬أن الرواح ل يكون إل بعد الزوال‪ ،‬وهو مقاب ُ‬
‫شْهٌر{ ]سبأ‪ .[12 :‬قال الجوهري‪ :‬ول يكون إل بعد‬
‫حَها َ‬
‫شْهٌر َوَرَوا ُ‬
‫غُدّوها َ‬
‫الزوال‪ ،‬قال تعالى‪ُ } :‬‬
‫الزوال‪.‬‬
‫ص شيء على الخير‪ ،‬ولم يكونوا َيْغدون إلى الجمعة من‬
‫الحجة الثانية‪ :‬أن السلف كانوا أحر َ‬
‫وقت طلوع الشمس‪ ،‬وأنكر مالك التبكيَر إليها في أول النهار‪ ،‬وقال‪ :‬لم ُندرك عليه أهل المدينة‪.‬‬
‫‪184‬‬

‫ب القول الول‪ ،‬بحديث جابر رضي اللله عنه عن النبي صلى ال عليه‬
‫واحتج أصحا ُ‬
‫عًة((‪ .‬قالوا‪ :‬والساعات المعهودة‪ ،‬هي الساعات التي هي ثنتا‬
‫سا َ‬
‫جُمَعِة ِثْنَتا عشَرة َ‬
‫وسلم‪َ)) :‬يْوُم ال ُ‬
‫عشرة ساعة‪ ،‬وهي نوعان‪ :‬ساعات تعديلية‪ ،‬وساعات زمانية‪ ،‬قالوا‪ :‬ويدل على هذا القول‪ ،‬أن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم إنما َبَلَغ بالساعات إلى ست‪ ،‬ولم يزد عليها‪ ،‬ولو كانت الساعة أجزاء‬
‫صغارًا مثل الساعة التي ُتفعل فيها الجمعة‪ ،‬لم تنحصر في ستة أجزاء‪ ،‬بخلف ما إذا كان الُمراُد‬
‫طوي ِ‬
‫ت‬ ‫لماُم‪ ،‬و ُ‬
‫بها الساعات المعهودة‪ ،‬فإن الساعة السادسة متى خرجت‪ ،‬ودخلت السابعة‪ ،‬خرج ا ِ‬
‫الصحف‪ ،‬ولم يكتب لحد قربان بعد ذلك‪ ،‬كما جاء مصرحًا به في ))سنن أبي داود(( من حديث‬
‫طي ُ‬
‫ن‬ ‫شيا ِ‬
‫ت ال ّ‬
‫غَد ِ‬
‫جُمَعِة‪َ ،‬‬
‫ن َيْوُم ال ُ‬
‫علي رضي ال عنه‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم‪)) :‬إذا َكا َ‬
‫جُمَعِة‪َ ،‬وَتْغُدو‬
‫ن ال ُ‬
‫عِ‬‫طوَنُهم َ‬
‫ث َوُيَثّب ُ‬
‫ث َأو الّرَباِئ ِ‬
‫س بالترابي ِ‬
‫ن الّنا َ‬
‫سَواق‪َ ،‬فَيْرُمو َ‬
‫لْ‬‫ِبَراَياِتَها إلى ا َ‬
‫خُر َ‬
‫ج‬ ‫عَتْين حّتى َي ْ‬
‫سا َ‬
‫ن َ‬
‫ل ِم ْ‬
‫جَ‬‫عٍة‪ ،‬والّر ُ‬
‫سا َ‬
‫ل ِمن َ‬
‫جَ‬‫ن الّر ُ‬
‫جِد‪َ ،‬فَيكُتبو َ‬
‫سا ِ‬
‫عَلى أْبَواب الَم َ‬
‫س َ‬
‫جِل ُ‬
‫لِئَكُة‪َ ،‬ت ْ‬
‫الَم َ‬
‫لَمام((‪.‬‬
‫اِ‬
‫ل العلم في تلك الساعات‪ ،‬فقالت طائفة منهم‪ :‬أراد‬
‫قال أبو عمر بن عبد البر‪ :‬أختلف أه ُ‬
‫ل عندهم التبكيُر في ذلك الوقت إلى الجمعة‪ ،‬وهو‬
‫ت ِمن طلوع الشمس وصفاِئها‪ ،‬والفض ُ‬
‫الساعا ِ‬
‫قول الثوري‪ ،‬وأبي حنيفة والشافعي‪ ،‬وأكثر العلماء‪ ،‬بل كلهم يستحب البكور إليها‪.‬‬
‫ل‪ :‬ولو بكر إليها بعد الفجر‪ ،‬وقبل طلوع الشمس‪ ،‬كان حسنًا‪ .‬وذكر‬
‫قال الشافعي رحمه ا ّ‬
‫الثرم‪ ،‬قال‪ :‬قيل لحمد بن حنبل‪ :‬كان مالك بن أنس يقول‪ :‬ل ينبغي التهجير يوَم الجمعة باكرًا‪،‬‬
‫ل إلى أي شيء ذهب في هذا‪،‬‬
‫فقال‪ :‬هذا خلف حديث النبي صلى ال عليه وسلم‪ .‬وقال‪ :‬سبحان ا ّ‬
‫جُزورًا((‪ .‬قال‪ :‬وأما مالك فذكر يحيى بن عمر‪ ،‬عن‬
‫والنبي صلى ال عليه وسلم يقول‪)) :‬كالُمْهِدي َ‬
‫حرملة‪ ،‬أنه سأل ابن وهب عن تفسير هذه الساعات‪ :‬أهو الغّدو من أول ساعات النهار‪ ،‬أو إنما أراد‬
‫ت مالكًا عن هذا‪ ،‬فقال‪ :‬أما الذي يقع بقلبي‪ ،‬فإنه‬
‫ن وهب‪ :‬سأل ُ‬
‫ت الرواح؟ فقال اب ُ‬
‫ل ساعا ِ‬
‫بهذا القو ِ‬
‫ت‪ ،‬من راح من أول تلك الساعة‪ ،‬أو الثانية‪ ،‬أو الثالثة‪،‬‬
‫ن فيها هذه الساعا ُ‬
‫إنما أراد ساعة واحدة تكو ُ‬
‫جُمَعُة حّتى يكون النهاُر تسَع‬
‫ت ال ُ‬
‫صّلي ِ‬
‫أو الرابعة‪ ،‬أو الخامسة‪ ،‬أو السادسة‪ .‬ولو لم يكن كذلك‪ ،‬ما ُ‬
‫ن حبيب‪ُ ،‬ينكر مالك هذا‪ ،‬ويميل إلى القول‬
‫ساعات في وقت العصر‪ ،‬أو قريبًا من ذلك‪ .‬وكان اب ُ‬
‫الول‪ ،‬وقال‪ :‬قول مالك هذا تحريف في تأويل الحديث‪ ،‬ومحال من وجوه‪ .‬وقال‪ :‬يدُلك أنه ل يجوز‬
‫ساعات في ساعة واحدة‪ :‬أن الشمس إنما تزول في الساعة السادسة من النهار‪ ،‬وهو وقت الذان‪،‬‬
‫لمام إلى الخطبة‪ ،‬فدل ذلك على أن الساعات في هذا الحديث هي ساعات النهار‬
‫جا ِ‬
‫وخرو ِ‬
‫‪185‬‬

‫المعروفات‪ ،‬فبدأ بأول ساعات النهار‪ ،‬فقال‪ :‬من راح في الساعة الولى‪ ،‬فكأّنما قرب بدنة‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫ح الحديث بّين في لفظه‪،‬‬
‫في الساعة الخامسة بيضة‪ ،‬ثم انقطع التهجير‪ ،‬وحان وقت الذان‪ ،‬فشر ُ‬
‫س فيما‬
‫حه النا َ‬
‫ف ِمن القول‪ ،‬وما ل يكون‪ ،‬وزّهد شار ُ‬
‫خْل ِ‬
‫ح بال ُ‬
‫شِر َ‬
‫ف عن موضعه‪ ،‬و ُ‬
‫حّر َ‬
‫ولكنه ُ‬
‫رغبهم فيه رسول ال صلى ال عليه وسلم من التهجير من أول النهار‪ ،‬وزعم أن ذلك كّله إنما‬
‫ب زوال الشمس‪ ،‬قال‪ :‬وقد جاءت الثاُر بالتهجير إلى الجمعة في أول‬
‫يجتمع في ساعة واحدة قر َ‬
‫سقنا ذلك في موضعه من كتاب واضح السنن بما فيه بيان وكفاية‪.‬‬
‫النهار‪ ،‬وقد ُ‬
‫هذا كله قول عبد الملك بن حبيب‪ ،‬ثم رد عليه أبو عمر‪ ،‬وقال‪ :‬هذا تحامل منه على مالك‬
‫خلفًا وتحريفًا من التأويل‪ ،‬والذي قاله مالك‬
‫ى أنكره وجعله ُ‬
‫ل تعالى‪ ،‬فهو الذي قال القول الذ ِ‬
‫رحمه ا ّ‬
‫ح فيه‬
‫ل بالمدينة عنده‪ ،‬وهذا مما يص ُ‬
‫تشهد له الثار الصحاح من رواية الئمة‪ ،‬ويشهد له أيضًا العم ُ‬
‫ج بالعمل‪ ،‬لنه أمر يترّدد كل جمعة ل يخفى على عامة العلماء‪ .‬فمن الثار التي يحتج بها‬
‫الحتجا ُ‬
‫مالك ما رواه الزهري عن سعيد بن المسّيب‪ ،‬عن أبي هريرة‪ ،‬أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪:‬‬
‫ل‪،‬‬
‫لّو َ‬
‫ل َفا َ‬
‫س‪ ،‬الَّو َ‬
‫ن الّنا َ‬
‫لِئكٌة‪َ ،‬يكُتُبو َ‬
‫جِد َم َ‬
‫سِ‬‫ب الَم ْ‬
‫ن َأْبوا ِ‬
‫ب ِم ْ‬
‫ل َبا ٍ‬
‫عَلى ُك ّ‬
‫جُمَعِة‪َ ،‬قاَم َ‬
‫ن َيْوُم ال ُ‬
‫))إَذا َكا َ‬
‫حّتى‬
‫شًا‪َ ،‬‬
‫جُمَعِة َكالُمْهدي َبَدَنًة‪ُ ،‬ثَم اّلِذي َيليِه كالُمْهِدي َبَقرًة‪ُ ،‬ثّم اّلِذي َيليِه َكالُمهِدي َكْب َ‬
‫جُر إَلى ال ُ‬
‫فالُمَه ّ‬
‫طَبة((‪ .‬قال‪ :‬أل ترى إلى‬
‫خ ْ‬
‫سَتَمُعوا ال ُ‬
‫ف‪ ،‬وا ْ‬
‫صح ُ‬
‫ت ال ّ‬
‫طوَي ِ‬
‫لَماُم‪ُ ،‬‬
‫سا ِ‬
‫جَل َ‬
‫جة َوالَبْيضَة‪ ،‬فإَذا َ‬
‫جا َ‬
‫ذَكَر الّد َ‬
‫جُر إلى الجمعة كالمهدي بدنة‪ ،‬ثم‬
‫ن الناس الول فالول‪ ،‬فالمه ّ‬
‫ما في هذا الحديث‪ ،‬فإنه قال‪ :‬يكتبو َ‬
‫الذي يليه فجعل الول مهجرًا‪ ،‬وهذه اللفظة إنما هي مأخوذة من الهاجرة والتهجير‪ ،‬وذلك وقت‬
‫ت طلوع الشمس‪ ،‬لن ذلك الوقت ليس بهاجرة ول تهجير‪،‬‬
‫النهوض إلى الجمعة‪ ،‬وليس ذلك وق َ‬
‫وفي الحديث‪)) :‬ثّم الذي يليه‪ ،‬ثّم الذي يليه((‪ .‬ولم يذكر الساعة‪ .‬قال‪ :‬والطرق بهذا اللفظ كثيرة‪،‬‬
‫جُمعَِة كالُمْهِدي َبَدَنًة((‪ .‬وفي أكثرها‪:‬‬
‫ل إلى ال ُ‬
‫جُ‬‫مذكورة في ))التمهيد((‪ ،‬وفي بعضها ))المتع ّ‬
‫جُزوَرا(( الحديث‪ .‬وفي بعضها‪ ،‬ما يدل على أنه جعل الرائح إلى الجمعة في‬
‫جُر كالُمْهِدي َ‬
‫))المه ّ‬
‫أول الساعة كالُمهدي بدنة‪ ،‬وفي آخرها كذلك‪ ،‬وفي أول الساعة الثانية كالمهدي بقرة‪ ،‬وفي آخرها‬
‫جُمَعِة‬
‫جُر إلى ال ُ‬
‫كذلك‪ .‬وقال بعض أصحاب الشافعي‪ :‬لم ُيرد صلى ال عليه وسلم بقوله‪)) :‬المه ّ‬
‫ي َبَدَنًة((‪ ،‬الناهض إليها في الهجير والهاجرة‪ ،‬وإنما أراد التارك لشغاله وأعماله من‬
‫كالُمْهِد َ‬
‫أغراض أهل الدنيا للنهوض إلى الجمعة‪ ،‬كالُمهدي بدنة‪ ،‬وذلك مأخوذ من الهجرة وهو تر ُ‬
‫ك‬
‫ض إلى غيره‪ ،‬ومنه سّمي المهاجرون‪ .‬وقال الشافعي رحمه ال‪ :‬أحبّ التبكير إلى‬
‫الوطن‪ ،‬والنهو ُ‬
‫الجمعة‪ ،‬ول ُتؤتى إل مشيًا‪ .‬هذا كله كلُم أبي عمر‪.‬‬
‫‪186‬‬

‫قلت‪ :‬ومدار إنكار التبكير أول النهار على ثلثة أمور‪ ،‬أحدها‪ :‬على لفظة الرواح‪،‬‬
‫وإنها ل تكون إل بعد الزوال‪ ،‬والثاني‪ :‬لفظة التهجير‪ ،‬وهي إنما تكون بالهاجرة وقت شدة الحر‪،‬‬
‫والثالث‪ :‬عمل أهل المدينة‪ ،‬فإنهم لم يكونوا يأتون من أول النهار‪.‬‬
‫فأما لفظة الرواح‪ ،‬فل ريب أنها ُتطلق على المضى بعد الزوال‪ ،‬وهذا إنما‬
‫شْهٌر{ ]سبأ‪ ،[12 :‬وقوله‬
‫حَها َ‬
‫شْهٌر َوَرَوا ُ‬
‫غُدّوها َ‬
‫يكون في الكثر إذا ُقرنت بالُغدّو‪ ،‬كقوله تعالى‪ُ } :‬‬
‫ح((‪.‬‬
‫غَدا َأْو َرا َ‬
‫جّنِة ُكّلَما َ‬
‫ل في ال َ‬
‫ل َلُه ُنُز ً‬
‫عّد ا ُّ‬
‫ح‪َ ،‬أ َ‬
‫جد َوَرا َ‬
‫غدا إلى الَمس ِ‬
‫ن َ‬
‫صلى ال عليه وسلم‪َ)) :‬م ْ‬
‫وقول الشاعر‪:‬‬
‫ضي‬
‫ش ل َتْنقَ ِ‬
‫عا َ‬
‫ن َ‬
‫جُة َم ْ‬
‫حا َ‬
‫َو َ‬ ‫جاِتَنا‬
‫حا َ‬
‫ح َوَنْغُدو ِل َ‬
‫َنُرو ُ‬
‫وقد ُيطلق الرواح بمعنى الذهاب والمضي‪ ،‬وهذا إنما يجيء‪ ،‬إذا كانت مجردة عن القتران‬
‫بالغدو‪.‬‬
‫ل الرواح في السير في كل‬
‫ض العرب يستعِم ُ‬
‫وقال الزهري في ))التهذيب((‪ :‬سمعت بع َ‬
‫وقت‪ ،‬يقال‪ :‬راح القوم‪ :‬إذا ساُروا‪ ،‬وغَدْوا كذلك‪ ،‬ويقول أحدهم لصاحبه‪ :‬ترّوح‪ ،‬ويخاطب‬
‫ن ذلك ما جاء في الخبار‬
‫ن؟ وِم ْ‬
‫حو َ‬
‫أصحابه‪ ،‬فيقول‪ُ :‬روحوا أي‪ :‬سيروا‪ ،‬ويقول الخر‪ :‬أل ترو ُ‬
‫خّفِة إليها‪ ،‬ل بمعنى الرواح بالعشي‪.‬‬
‫الصحيحة الثابتة‪ ،‬وهو بمعنى المضي إلى الجمعة وال ِ‬
‫جر‪ ،‬فمن الهجير‪ ،‬والهاجرة‪ ،‬قال الجوهري‪ :‬هي نصف‬
‫وأما لفظ التهجير والمه ّ‬
‫جر النهاُر‪ ،‬قال امرؤ القيس‪:‬‬
‫النهار عند اشتداد الحر‪ ،‬تقول منه‪ :‬ه ّ‬
‫جرا‬
‫صاَم الّنهاُر وَه ّ‬
‫سرٍة إَذا َ‬
‫جْ‬‫بَ‬ ‫ل الَهّم عنها‬
‫ســ ّ‬
‫عها َو َ‬
‫َفَد ْ‬
‫جر‪ :‬السير في الهاجرة‪،‬‬
‫جرين‪ ،‬أي‪ :‬في وقت الهاجرة‪ ،‬والتهجير والته ّ‬
‫ويقال‪ :‬أتينا أهلنا مه ّ‬
‫ل أهل المدينة‪.‬‬
‫فهذا ما يقّرر به قو ُ‬
‫قال الخرون‪ :‬الكلم في لفظ التهجير‪ ،‬كالكلم في لفظ الرواح‪ ،‬فإنه يطلق وُيراد به التبكير‪.‬‬
‫سمي‪ ،‬عن أبي صالح‪ ،‬عن أبي هريرة‪،‬‬
‫قال الزهري في ))التهذيب((‪ :‬روى مالك‪ ،‬عن ُ‬
‫س ما في الَتهجير‪ ،‬لسَتبقوا إليه((‪.‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪)) :‬لو َيْعَلُم الّنا ُ‬
‫قال‪ :‬قال رسول ا ّ‬
‫جُمعة كالُمْهِدي َبَدنة((‪ .‬قال‪ :‬ويذهب كثيٌر من‬
‫جُر إلى ال ُ‬
‫وفي حديث آخر مرفوع‪)) :‬المه ّ‬
‫ت الزوال وهو غلط‪ ،‬والصواب فيه‬
‫الناس إلى أن التهجير في هذه الحاديث تفعيل من الهاجرة وق َ‬
‫شميل‪ ،‬أنه قال‪ :‬التهجير إلى الجمعة وغيرها‪ :‬التبكير‬
‫ما روى أبو داود المصاحفي‪ ،‬عن الّنضر بن ُ‬
‫ل يقول ذلك‪ ،‬قاله في تفسير هذا الحديث‪.‬‬
‫ت الخلي َ‬
‫والمبادرة إلى كل شيء قال‪ :‬سمع ُ‬
‫‪187‬‬

‫قال الزهري‪ :‬وهذا صحيح‪ ،‬وهي لغة أهل الحجاز ومن جاورهم من قيس‪ ،‬قال لبيد‪:‬‬
‫سْلَمى َوَما َتَذُر‬
‫َفَما ُتواصلُه َ‬ ‫جٍر َبْعَدما اْبتَكُروا‬
‫ن ِبَه ْ‬
‫ح الَقطي ُ‬
‫َرا َ‬
‫ح عندهم‪ :‬الذهاب والمضي‪ ،‬يقال‪ :‬راح القوم‪ :‬إذا خّفوا وَمّروا‬
‫فقرن الَهجر بالبتكار‪ ،‬والروا ُ‬
‫جيِر‪ ،‬لستَبُقوا ِإَليِه(( أراد به‬
‫ي وقت كان‪ .‬وقوله صلى ال عليه وسلم‪َ)) :‬لْو َيعَلُم الّناس َما في الّته ِ‬
‫أ ّ‬
‫صلوات‪ ،‬وهو المضي إليها في أول أوقاتها‪ ،‬قال الزهري‪ :‬وسائر العرب‬
‫التبكيَر إلى جميع ال ّ‬
‫جر الرجل‪ :‬إذا‬
‫جر الرجل‪ :‬إذا خرج وقت الهاجرة‪ ،‬وروى أبو عبيد عن أبي زيد‪ :‬ه ّ‬
‫يقولون‪ :‬ه ّ‬
‫خرج بالهاجرة‪ .‬قال‪ :‬وهي نصف النهار‪ .‬ثم قال الزهري‪ :‬أنشدني المنذري فيما روى ثعلب‪ ،‬عن‬
‫ن جّواس الّربِعي في ناقته‪:‬‬
‫جْعثَنة ب ُ‬
‫ابن العرابي في ))نوادره((‪ ،‬قال‪ :‬قال ِ‬
‫جْفـِر‬
‫ت ِبُعُروضِ ال َ‬
‫ن َأْن ِ‬
‫َأْزَما َ‬ ‫سِمي وَنْذِري‬
‫ن َق َ‬
‫ل َتْذُكِري َ‬
‫َه ْ‬
‫ضي ِبِوْقري‬
‫ن َلْم َتْنَه ِ‬
‫يإ ْ‬
‫عَل ّ‬
‫َ‬ ‫ضِر‬
‫ح ْ‬
‫ضَراٌر جواُد ال ُ‬
‫إْذ َأْنتِ ِم ْ‬
‫حجـِر‬
‫ع َ‬
‫صا ِ‬
‫ي ل ِب َ‬
‫خاِلِد ّ‬
‫ِبال َ‬ ‫ت ِبَقـــْدِر‬
‫ن قّدَر ْ‬
‫ِبَأْرَبِعي َ‬
‫جــِر‬
‫جيِر الَف ْ‬
‫ن ِبَه ِ‬
‫جُرو َ‬
‫ُيَه ّ‬ ‫سفــِر‬
‫حبي َأياِنقًا في َ‬
‫صَ‬‫وَت ْ‬
‫ج الُغبِر‬
‫جا ِ‬
‫ض الِف َ‬
‫ن َأغَرا َ‬
‫طُوو َ‬
‫َي ْ‬ ‫شي َليَلُهم َفَتسـِري‬
‫ت َتْم ِ‬
‫ثّم َ‬
‫جِر‬
‫جِر ُبُروَد الّت ْ‬
‫خي الّت ْ‬
‫ي َأ ِ‬
‫طّ‬‫َ‬
‫حِر‪.‬‬
‫سَ‬‫جرون بهجير الفجر‪ ،‬أي‪ :‬يبكرون بوقت ال ّ‬
‫قال الزهري‪ُ :‬يه ّ‬
‫وأما كون أهل المدينة لم يكونوا َيُروحون إلى الجمعة أّول النهار‪ ،‬فهذا غايُة عملهم في‬
‫ع أهل المدينة حجة‪ ،‬فإن هذا ليس‬
‫ل‪ ،‬وهذا ليس بحجة‪ ،‬ول عند َمن يقول‪ :‬إجما ُ‬
‫زمان مالك رحمه ا ّ‬
‫ل الرجل‬
‫ك الرواح إلى الجمعة من أول النهار‪ ،‬وهذا جائز بالضرورة‪ .‬وقد يكون اشتغا ُ‬
‫فيه إل تر ُ‬
‫ل ِمن َرَواحه إلى الجمعة من‬
‫شه وغيِر ذلك من أمور دينه ودنياه أفض َ‬
‫بمصالحه ومصالح أهله ومعا ِ‬
‫س الرجل في مصله حتى ُيصل َ‬
‫ي‬ ‫ب أن انتظاَر الصلة بعد الصلة‪ ،‬وجلو َ‬
‫أَول النهار‪ ،‬ول ري َ‬
‫ل من ذهابه وعوده في وقت آخر للثانية‪ ،‬كما قال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫الصلة الخرى‪ ،‬أفض ُ‬
‫صّلي‪ُ ،‬ثّم َيُروح ِإلى َأهِْله(( وأخبر‪:‬‬
‫ن اّلِذي ُي َ‬
‫ل ِم َ‬
‫ضُ‬‫لمام َأْف َ‬
‫صّليَها َمَع ا ِ‬
‫لَة‪ُ ،‬ثّم ُي َ‬
‫صَ‬‫ظر ال َ‬
‫))واّلِذي َيْنَت ِ‬
‫ل ُتصلي عليه ما داَم في ُمصله(( وأخبر‪)) :‬أن انتظار الصلة بعد الصلة‪،‬‬
‫))أن الملِئَكة لم َتَز ْ‬
‫لِئَكَته بَمن‬
‫خطايا وَيْرَفُع ِبِه الدرجات‪ ،‬وأنه الَرباط(( وأخبر‪)) :‬أن ال ُيَباِهي َم َ‬
‫ل به ال َ‬
‫حو ا ُّ‬
‫مما يم ُ‬
‫ظر الجمعة‪،‬‬
‫خَرى(( وهذا يدل على أن من صّلى الصبح‪ ،‬ثم جلس ينت ِ‬
‫ظُر ُأ ْ‬
‫س َينَت ِ‬
‫جَل َ‬
‫ضة و َ‬
‫ضى َفِري َ‬
‫َق َ‬
‫‪188‬‬

‫ل ممن يذهب‪ ،‬ثم يجيء في وقتها‪ ،‬وكون أهل المدينة وغيرهم ل يفعلون ذلك‪ ،‬ل يدل‬
‫فهو أفض ُ‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫على أنه مكروه‪ ،‬فهكذا المجيء إليها والتبكيُر في أول النهار‪ ،‬وا ّ‬
‫الخامسة والعشرون‪ :‬أن للصدقة فيه مزيًة عليها في سائر اليام‪ ،‬والصدقُة فيه‬
‫بالنسبة إلى سائر أيام السبوع‪ ،‬كالصدقِة في شهر رمضان بالنسبة إلى سائر الشهور‪ .‬وشاهد ُ‬
‫ت‬
‫ل روحه‪ ،‬إذا خرج إلى الجمعة يأخُذ ما وجد في البيت من خبز أو‬
‫لسلم ابن تيمية قدس ا ّ‬
‫خا ِ‬
‫شي َ‬
‫ل قد أمرنا بالصدقة بين يدي مناجاة‬
‫غيره‪ ،‬فيتصدق به في طريقه سرًا‪ ،‬وسمعته يقول‪ :‬إذا كان ا ّ‬
‫ل وأولى بالفضيلة‪ .‬وقال‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فالصدقة بين يدي مناجاته تعالى أفض ُ‬
‫رسول ا ّ‬
‫أحمد بن زهير بن حرب‪ :‬حدثنا أبي‪ ،‬حدثنا جرير‪ ،‬عن منصور‪ ،‬عن مجاهد‪ ،‬عن ابن عباس‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ل مسلم في صلة‬
‫اجتمع أبو هريرة‪ ،‬وكعب‪ ،‬فقال أبو هريرة‪ :‬إن في الجمعة لساعًة ل ُيواِفقها رج ٌ‬
‫ل عز وجل شيئًا إل آتاه إّياه‪ ،‬فقال كعب‪ :‬أنا أحّدُثكم عن يوم الجمعة‪ ،‬إنه إذا كان يوُم الجمعة‬
‫لا ّ‬
‫يسأ ُ‬
‫ن آدم‬
‫ق كُلها‪ ،‬إل اب َ‬
‫ض‪ ،‬والبّر‪ ،‬والبحُر‪ ،‬والجبال‪ ،‬والشجُر‪ ،‬والخلئ ُ‬
‫ت والر ُ‬
‫َفِزعت له السماوا ُ‬
‫لمام‪ ،‬فإذا‬
‫والشياطين‪ ،‬وحّفت الملئكة بأبواب المسجد‪ ،‬فيكُتبون من جاء الول فالول حتى يخرج ا ِ‬
‫ل حاِلم أن‬
‫ق على ُك ّ‬
‫ل‪ ،‬لما ُكتب عليه‪ ،‬وح ّ‬
‫حَفهم‪ ،‬فمن جاء بعد‪ ،‬جاء لحق ا ّ‬
‫طَووا ص ُ‬
‫خرج المام‪َ ،‬‬
‫لّياِم‪ ،‬ولم تطُلِع‬
‫سل يومئذ كاغتساله من الجنابة‪ ،‬والصدقُة فيه أعظُم من الصدقة في سائر ا َ‬
‫يغت ِ‬
‫الشمس ولم تغُرب على مثل يوم الجمعة‪ .‬فقال ابن عباس‪ :‬هذا حديث كعب وَأبي هريرة‪ ،‬وأنا أرى‬
‫ب يمس منه‪.‬‬
‫إن كان لهله طي ٌ‬
‫ل فيه لوليائه المؤمنين في‬
‫ل عّز وج ّ‬
‫السادسة والعشرون‪ :‬أنه يوم يتجّلى ا ّ‬
‫لمام‪ ،‬وأسبقهم إلى الزيارة أسبَقهم إلى الجمعة‪.‬‬
‫الجنة‪ ،‬وزيارتهم له‪ ،‬فيكون أقرُبهم منهم أقرَبهم من ا ِ‬
‫وروى يحيى بن يمان‪ ،‬عن شريك‪ ،‬عن أبي اليقظان‪ ،‬عن أنس بن مالك رضي ال عنه‪ ،‬في قوله‬
‫ل جمعة‪.‬‬
‫عز وجل‪َ} :‬وَلَدْيَنا َمِزيٌد{ ]ق‪ [35 :‬قال‪ :‬يتجّلى لهم في ك ّ‬
‫وذكر الطبراني في ))معجمه((‪ ،‬من حديث أبي نعيم المسعودي‪ ،‬عن الِمنهال بن عمرو‪،‬‬
‫ل الجنة في كل‬
‫ل عز وجل َيْبُرز له ِ‬
‫ل‪ :‬سارعوا إلى الجُمعِة‪ ،‬فإن ا ّ‬
‫عبيدة قال‪ :‬قال عبد ا ّ‬
‫عن أبي ُ‬
‫ث ا ُّ‬
‫ل‬ ‫ن كافور فيكونون منه في الُقرب على قدر تسارعهم إلى الجمعة‪ ،‬فُيحِد ُ‬
‫ب ِم ْ‬
‫جمَعة في َكِثي ٍ‬
‫ُ‬
‫سبحانه لهم ِمن الكرامة شيئًا لم يُكونوا قد رأْوه قبل ذلك‪ ،‬ثم َيرجُعون إلى أهليهم‪ ،‬فُيحّدثونهم بما‬
‫ُ‬
‫ل‪ :‬رجلن وأنا الثالث‪ ،‬إن‬
‫جد‪ ،‬فإذا هو برجلين‪ ،‬فقال عبُد ا ّ‬
‫ل المس َ‬
‫ل لهم‪ .‬قال‪ :‬ثم دخل عبُد ا ّ‬
‫أحدث ا ّ‬
‫ل ُيبارك في الثالث‪.‬‬
‫يشِأ ا ُّ‬
‫‪189‬‬

‫ل بن مسعود رضي‬
‫ب(( عن علقمة بن قيس قال‪ُ :‬رحت مع عبد ا ّ‬
‫شَع ِ‬
‫وذكر البيهقى في ))ال ّ‬
‫ل عنه إلى جمعة‪ ،‬فوجد ثلثة قد سبقوه‪ ،‬فقال‪ :‬رابع أربعة‪ ،‬وما رابُع أربعة ببعيد‪ .‬ثم قال‪ :‬إني‬
‫ا ّ‬
‫عَلى َقْدِر‬
‫ل َ‬
‫ن ا ِّ‬
‫ن َيوَم الِقَياَمِة ِم َ‬
‫سو َ‬
‫س َيجِل ُ‬
‫ن الّنا َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ :‬يقول ))إ ّ‬
‫لا ّ‬
‫سمعت رسو َ‬
‫ل‪َ)) :‬وَما رْاَبع َأْرَبَعٍة ِبَبِعيٍد((‪.‬‬
‫حِهْم إلى الجُمَعَة‪ ،‬الول‪ُ ،‬ثّم الثاني‪ ،‬ثّم الثالث‪ُ ،‬ثّم الرابع((‪ .‬ثم َقا َ‬
‫َرَوا ِ‬
‫قال الدارقطني في كتاب ))الرؤية((‪ :‬حدثنا أحمد بن سلمان بن الحسن‪ ،‬حدثنا محمد بن‬
‫عثمان بن محمد‪ ،‬حدثنها مروان بن جعفر‪ ،‬حدثنا نافع أبو الحسن مولى بني هاشم‪ ،‬حدثنا عطاء بن‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ِ)) :‬إَذا َكا َ‬
‫ن‬ ‫لا ّ‬
‫ل عنه‪ ،‬قال‪ :‬قال رسو ُ‬
‫أبي ميمونة‪ ،‬عن أنس بن مالك رضي ا ّ‬
‫جمَعِة‪َ ،‬وَتَراُه الُمْؤمَنا ُ‬
‫ت‬ ‫ل ُ‬
‫ن َبّكَر في ُك ّ‬
‫ظِر إَليِه َم ْ‬
‫عْهدًا ِبالّن َ‬
‫حَدُثُهم َ‬
‫ن َرّبهم‪ ،‬فَأ ْ‬
‫َيوُم الِقَياَمِة‪َ ،‬رَأى الُمْؤِمُنو َ‬
‫حِر((‪.‬‬
‫َيْوَم الفطر َوَيْوَم الّن ْ‬
‫ل بن الجهم‬
‫حدثنا محمد بن نوح‪ ،‬حدثنا محمد بن موسى بن سفيان السكري‪ ،‬حدثنا عبد ا ّ‬
‫الرازي‪ ،‬حدثنا عمرو بن أبي قيس‪ ،‬عن أبي طيبة‪ ،‬عن عاصم‪ ،‬عن عثمان بن عمير أبي اليقظان‪،‬‬
‫ل َوِفي َيِدِه‬
‫جْبِرْي ُ‬
‫ل عنه‪ ،‬عن رسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬قال‪َ)) :‬أَتاِني ِ‬
‫عن أنس بن مالك رضي ا ِّ‬
‫عَلْي َ‬
‫ك‬ ‫ل َ‬
‫ل‪ :‬هِذِه الجُمَعة َيْعِرضَها ا َُ‬
‫ل؟ َقا َ‬
‫جْبِري ُ‬
‫ت‪َ :‬ما َهَذا َيا ِ‬
‫َكالِمْرَآِة الَبْيضاِء ِفيَها َكالنْكَتِة السْوَداِء‪َ ،‬فُقْل ُ‬
‫ل‪ ،‬والَيُهوُد‬
‫ت ِفيَها الَّو ُ‬
‫خْيٌر‪َ ،‬أْن َ‬
‫ل‪َ :‬لُكْم ِفيَها َ‬
‫ت‪َ :‬وَما َلَنا فيها؟ َقا َ‬
‫ك‪ُ ،‬قْل ُ‬
‫ن َبْعِد َ‬
‫ك ِم ْ‬
‫عيدًا وِلَقْوِم َ‬
‫ك ِ‬
‫ن َل َ‬
‫ِلتُكو َ‬
‫طاُه‪َ ،‬أْو‬
‫عَ‬‫ل َأ ْ‬
‫سٌم ِإ ّ‬
‫شْيئًا ُهَو َلُه َق ْ‬
‫عْبٌد ِفيَها َ‬
‫ل َ‬
‫جّ‬‫عّز َو َ‬
‫ل َ‬
‫ل ا َّ‬
‫سَأ ُ‬
‫ل َي ْ‬
‫عٌة َ‬
‫سا َ‬
‫ك ِفيَها َ‬
‫ك‪َ ،‬وَل َ‬
‫ن َبْعِد َ‬
‫صاَرى ِم ْ‬
‫َوالّن َ‬
‫عْنُه َما ُهَو‬
‫ل َدَفَع َ‬
‫عَلْيِه‪ ،‬وِإ ّ‬
‫ب َ‬
‫شّر َما ُهَو َمْكُتو ٌ‬
‫ن َ‬
‫ل ِم ْ‬
‫عاُذه ا ُّ‬
‫ل ِمْنُه‪َ ،‬وَأ َ‬
‫ضَ‬‫طاُه َأْف َ‬
‫ل َأع َ‬
‫سٌم ِإ ّ‬
‫س َلُه َق ْ‬
‫َلْي َ‬
‫عْنَدَنا‬
‫جُمَعِة‪َ ،‬وُهَو ِ‬
‫عُة َتُقوُم َيْوَم ال ُ‬
‫سا َ‬
‫ي ال ّ‬
‫ل‪ِ :‬ه َ‬
‫سْوَداُء؟ َقا َ‬
‫ت‪َ :‬وَما هِذِه الّنكتُة ال ّ‬
‫ن ذِلك‪ .‬قال‪ُ :‬قْل ُ‬
‫ظُم ِم ْ‬
‫َأع َ‬
‫ك َأ ّ‬
‫ن‬ ‫ل ! َوَما َيْوُم الَمِزيِد؟ قال‪ :‬ذِل َ‬
‫جبِري ُ‬
‫ت‪َ :‬يا ِ‬
‫ل‪ُ :‬قْل ُ‬
‫خَرِة َيْوَم الَمزيِد‪َ .‬قا َ‬
‫ل ال ِ‬
‫عوُه َأْه ُ‬
‫لّياِم‪َ ،‬وَيْد ُ‬
‫سّيُد ا َ‬
‫َ‬
‫سّيه‪،‬‬
‫عَلى ُكْر ِ‬
‫ل َ‬
‫جُمَعِة‪َ ،‬نَز َ‬
‫ن َيْوُم ال ُ‬
‫ض‪َ ،‬فِإَذا َكا َ‬
‫ك َأْبَي َ‬
‫سٍ‬
‫ن ِم ْ‬
‫ح ِم ْ‬
‫جّنِة َواِديًا َأْفَي َ‬
‫خَذ في ال َ‬
‫ل اّت َ‬
‫جّ‬‫عّز َو َ‬
‫ك َ‬
‫َرّب َ‬
‫ف الَمَناِبُر ِبَمَناِبَر ِم ْ‬
‫ن‬ ‫ح ّ‬
‫عَلْيَها‪ُ ،‬ثّم ُ‬
‫سوا َ‬
‫جِل ُ‬
‫حّتى َي ْ‬
‫ن َ‬
‫جيُء الّنِبُيو َ‬
‫ن ُنوٍر‪َ ،‬فَي ِ‬
‫ي ِبَمَناِبَر ِم ْ‬
‫سّ‬
‫ف الُكْر ِ‬
‫ح ّ‬
‫ُثّم ُ‬
‫عَلى‬
‫سوا َ‬
‫حّتى َيجِل ُ‬
‫ف َ‬
‫ل الُغر ِ‬
‫عَلْيَها‪َ ،‬وَيجيُء َأْه ُ‬
‫سوا َ‬
‫جِل ُ‬
‫حَتى َي ْ‬
‫شهَداُء َ‬
‫ن وال ُ‬
‫صّديقو َ‬
‫جيُء ال ّ‬
‫ب‪َ ،‬فَي ِ‬
‫َذَه ٍ‬
‫ل‪َ :‬أَنا اّلِذي صَدْقتُكْم َوعِدي‪،‬‬
‫ن ِإَلْيِه َفَيُقو ُ‬
‫ظُرو َ‬
‫ل‪ ،‬قال‪َ :‬فَيْن ُ‬
‫جّ‬‫عّز َو َ‬
‫جّلى َلُهْم َرّبُهْم َ‬
‫ل‪ :‬ثّم َيَت َ‬
‫ب‪َ ،‬قا َ‬
‫الُكُث ِ‬
‫ي أنِزَلُكْم َداِري‪،‬‬
‫ضا َ‬
‫ل‪ِ :‬ر َ‬
‫سُلوِني‪َ ،‬فَيسَأُلوَنُه الّرضى‪َ .‬قا َ‬
‫ل َكَراَمِتي َف َ‬
‫حّ‬‫عَلْيُكم ِنْعَمِتي‪ ،‬وَهَذا َم َ‬
‫وَأْتَمْمتُ َ‬
‫حّتى َتْنَتِه َ‬
‫ي‬ ‫سَأُلوَنُه‪َ ،‬‬
‫شَهُد َلُهْم ِبالِرضى‪ُ ،‬ثّم َي ْ‬
‫ل‪َ :‬ف ْ‬
‫سَأُلوَنُه الّرضى‪َ .‬قا َ‬
‫سُلوِفي‪َ ،‬فَي ْ‬
‫وَأناَلُكْم َكَراَمِتي‪َ ،‬ف َ‬
‫ل‪ُ :‬لّم‬
‫ب َبشٍَر‪َ .‬قا َ‬
‫عَلى َقْل ِ‬
‫طَر َ‬
‫خَ‬‫ل َ‬
‫ت‪َ ،‬و َ‬
‫سمَع ْ‬
‫ن َ‬
‫ل ُأُذ ٌ‬
‫ت َو َ‬
‫ن َرَأ ْ‬
‫عي ّ‬
‫ل َ‬
‫ك َما َ‬
‫عْنَد َذِل َ‬
‫ح َلُهْم ِ‬
‫غَبُتهْم‪ ،‬ثّم ُيْفَت ُ‬
‫َر ْ‬
‫غْرَفٍة‬
‫ل ُ‬
‫غَرِفِهم‪َ .‬قال‪ُ :‬ك ّ‬
‫ف ِإلى ُ‬
‫ل الُغَر ِ‬
‫جيُء َأْه ُ‬
‫شَهَداء‪ ،‬وَي ِ‬
‫ن وال ّ‬
‫ب الِعّزِة‪َ ،‬وَيْرَتفُع َمَعُه الّنِبّيو َ‬
‫َيْرَتفُع َر ّ‬
‫‪190‬‬

‫لِليَها‬
‫عَ‬‫ضراء‪َ ،‬أبوابها و َ‬
‫خ ْ‬
‫جَدٍة َ‬
‫ن َزَبْر َ‬
‫غْرَفٌة ِم ْ‬
‫حْمَراُء‪ ،‬و ُ‬
‫صَم‪َ ،‬ياُقوَتة َ‬
‫ل َف ْ‬
‫ل ِفيَها َو َ‬
‫صَ‬‫ن ُلْؤُلَؤٍة ل َو ْ‬
‫ِم ْ‬
‫سوا ِإلى‬
‫خَدُمها‪ .‬قال‪ :‬فَلْي ُ‬
‫جَها و َ‬
‫طِرَدة متدّلية ِفيَها َأْثَماُرَها‪ِ ،‬فيها َأْزوا ُ‬
‫غلُفها ِمنها أنهاُرها ُم ّ‬
‫وسَقاِئُفَها وَأ ْ‬
‫جِهِه الَكِريِم‪َ ،‬فذِل َ‬
‫ك‬ ‫ظِر ِإَلى َو ْ‬
‫ل والّن َ‬
‫جّ‬‫ل عَّز َو َ‬
‫ن َكَراَمِة ا ِّ‬
‫جُمَعِة ِليْزَداُدوا م ْ‬
‫ج ِمْنُهْم ِإلى َيْوِم ال ُ‬
‫شيء َأحو َ‬
‫َ‬
‫َيْوُم الَمِزيِد((‪.‬‬
‫ث عدُة طرق‪ ،‬ذكرها أبو الحسن الدارقطني في كتاب ))الرؤية((‪.‬‬
‫ولهذا الحدي ِ‬
‫ل به في كتابه بيوم الجمعة‪ ،‬قال‬
‫سَر الشاهد الذي أقسم ا ّ‬
‫السابعة والعشرون‪ :‬أنه قد ُف ّ‬
‫عبيدة‪ ،‬عن أيوب بن خالد‪ ،‬عن عبد الّ‬
‫ل بن موسى‪ ،‬أنبأنا موسى بن ُ‬
‫حميد بن زنجويه‪ :‬حدثنا عبد ا ّ‬
‫ُ‬
‫عوُد‪َ :‬يْوُم الِقَياَمِة‪،‬‬
‫بن رافع‪ ،‬عن أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪)) :‬الَيْوُم الَمْو ُ‬
‫ل ِمن‬
‫ضَ‬
‫عَلى َأْف َ‬
‫ت َ‬
‫غَرَب ْ‬
‫ل َ‬
‫س‪َ ،‬و َ‬
‫شْم ٌ‬
‫ت َ‬
‫طَلَع ْ‬
‫جُمَعِة‪َ ،‬ما َ‬
‫شاِهُد َيْوُم ال ُ‬
‫عَرَفة‪َ ،‬وال ّ‬
‫شهود‪ :‬هو َيوُم َ‬
‫واْلَيْوُم الَم ْ‬
‫شّر‬
‫ن َ‬
‫سَتِعيُذُه م ْ‬
‫ب َلُه‪َ ،‬أْو َي ْ‬
‫جا َ‬
‫سَت َ‬
‫لا ْ‬
‫خير إ ّ‬
‫ل فيَها ب َ‬
‫عو ا َّ‬
‫ن َيْد ُ‬
‫عْبٌد ُمْؤِم ّ‬
‫ل ُيواِفُقَها َ‬
‫عٌة َ‬
‫سا َ‬
‫جُمَعِة‪ِ ،‬فيِه َ‬
‫َيوِم ال ُ‬
‫عاَذ ِمْنُه((‪.‬‬
‫لأ َ‬
‫ِإ ّ‬
‫ورواه الحارث بن أبي أسامة في ))مسنده((‪ ،‬عن روح‪ ،‬عن موسى بن عبيدة‪.‬‬
‫وفي ))معجم الطبراني((‪ ،‬من حديث محمد بن إسماعيل بن عياش‪ ،‬حدثني أبي‪ ،‬حدثني‬
‫ل صلى ال‬
‫لا ّ‬
‫شريح بن عبيد‪ ،‬عن أبي مالك الشعري قال‪ :‬قال رسو ُ‬
‫ضمضم بن زرعة‪ ،‬عن ُ‬
‫َ‬
‫عَرَفَة‪َ ،‬وَيْوُم‬
‫جُمَعِة‪ ،‬والَمشُهوُد‪َ :‬يْوُم َ‬
‫شاِهُد َيْوُم ال ُ‬
‫عوُد‪َ :‬يْوُم الِقَياَمِة‪ ،‬وال ّ‬
‫عليه وسلم‪)) :‬اْلَيْوُم الَمْو ُ‬
‫جبير بن مطعم‪.‬‬
‫صِر(( وقد ُروي من حديث ُ‬
‫لُة الَع ْ‬
‫صَ‬‫طى َ‬
‫سَ‬‫صلُة الُو ْ‬
‫ل َلَنا‪َ ،‬و َ‬
‫خَرُه ا ُّ‬
‫جُمَعِة َذ َ‬
‫ال ُ‬
‫لمام أحمد‪ :‬حدثنا محمد‬
‫ل أعلم ‪ :-‬أنه من تفسير أبي هريرة‪ ،‬فقد قال ا ِ‬
‫قلت‪ :‬والظاهر ‪ -‬وا ّ‬
‫بن جعفر‪ ،‬حدثنا شعبة سمعت علي بن زيد ويونس بن عبيد يحدثان عن عماٍر مولى بني هاشم‪ ،‬عن‬
‫أبي هريرة‪ ،‬أما علي بن زيد‪ ،‬فرفعه إلى النبي‪ ،‬وأما يونس‪ ،‬فلم َيْعُد أبا هريرة أنه قال‪ :‬في هذه‬
‫شُهود{ قال‪ :‬الشاِهد‪ :‬يوم الجمعة‪ ،‬والمشهود يوُم عرفة‪ ،‬والموعود‪ :‬يوم القيامة‪.‬‬
‫شاِهٍد َوَم ْ‬
‫الية‪} :‬و َ‬
‫ل والبحاُر‪،‬‬
‫ض‪ ،‬والجبا ُ‬
‫ت والر ُ‬
‫الثامنة والعشرون‪ :‬أنه اليوم الذي تفزع منه السماوا ُ‬
‫ن‪ ،‬فروى أبو الجّواب‪ ،‬عن عّمار بن رزيق‪ ،‬عن منصور‪ ،‬عن‬
‫جّ‬‫س وال ِ‬
‫لن َ‬
‫ق كلها إل ا ِ‬
‫والخلئ ُ‬
‫ل صلى ال‬
‫لا ّ‬
‫مجاهد‪ ،‬عن ابن عباس‪ ،‬قال‪ :‬اجتمع كعب وأبو هريرة‪ ،‬فقال أبو هريرة‪ :‬قال رسو ُ‬
‫ل أعطاه‬
‫خَرة إ ّ‬
‫خيَر الُدنَيا وال ِ‬
‫ل ِفيَها َ‬
‫ل ا َّ‬
‫سَأ ُ‬
‫عْبٌد ُمسِلٌم َي ْ‬
‫عًة ل ُيواِفُقَها َ‬
‫سا َ‬
‫ن في الجُمَعِة َل َ‬
‫عليه وسلم‪)) :‬إ ّ‬
‫سماوا ُ‬
‫ت‬ ‫ت َلُه ال ّ‬
‫ع ْ‬
‫جُمَعِة‪ ،‬فِز َ‬
‫ن َيْوُم ال ُ‬
‫جُمَعِة‪ ،‬إّنُه ِإَذا َكا َ‬
‫ن َيوِم ال ُ‬
‫عْ‬‫حّدثكم َ‬
‫ب‪ :‬أل ُأ َ‬
‫ل َكْع ٌ‬
‫إياه((‪َ .‬فَقا َ‬
‫ت الملئكُة بأَبواب‬
‫ن آدم والشياطين‪ ،‬وحّف ِ‬
‫لْرض‪ ،‬والجبال‪ ،‬والبحار‪ ،‬والخلئق كّلها إل اب َ‬
‫وا َ‬
‫‪191‬‬

‫جاَء َبْعُد‬
‫ن َ‬
‫صحَفُهم‪ ،‬وَم ْ‬
‫طَوْوا ُ‬
‫لماُم‪َ ،‬‬
‫جا ِ‬
‫خَر َ‬
‫لماُم‪َ ،‬فِإَذا َ‬
‫جا ِ‬
‫لّول حتى يخر َ‬
‫ل فا َ‬
‫لَو َ‬
‫نا َ‬
‫المساجد‪ ،‬فيكُتُبو َ‬
‫صَدَقُة‬
‫جَناَبة‪ ،‬وال ّ‬
‫ن ال َ‬
‫ل فيه‪ ،‬كاغِتساِله ِم َ‬
‫سَ‬‫ل حاِلم َأن َيْغَت ِ‬
‫عَلى ُك ّ‬
‫ق َ‬
‫حّ‬‫عَلْيِه‪ ،‬وَي ِ‬
‫ب َ‬
‫ل‪ ،‬وِلَما ُكِت َ‬
‫ق ا ِّ‬
‫حّ‬‫جاَء ِل َ‬
‫َ‬
‫جُمعِة‪ .‬قال ابن‬
‫عَلى َيْوم َكَيْوِم ال ُ‬
‫شمس َولَْم َتْغُرب َ‬
‫طُلِع ال ّ‬
‫ساِئِر الّياِم‪َ ،‬وَلم َت ْ‬
‫صَدَقِة في َ‬
‫ن ال ّ‬
‫ل ِم َ‬
‫ضُ‬‫ِفيِه َأف َ‬
‫طيب أن يصّرفه يومئذ‪.‬‬
‫عباس‪ :‬هذا حديث كعب وأبي هريرة‪ ،‬وأنا أرى‪ ،‬من كان لهله ِ‬
‫وفي حديث أبي ُهريرة‪ :‬عن النبي صلى ال عليه وسلم ))ل تطلع الشمس ول تغرب على‬
‫ع ليوم الجمعة إل هذين الّثقلين ِمن الجن‬
‫ل ِمن يوم الجمعة‪ ،‬وما من دابة إل وهي تفَز ُ‬
‫يوم أفض َ‬
‫خَرب فيه‬
‫لنس((‪ ،‬وهذا حديث صحيح وذلك أنه اليوم الذي تقوُم فيه الساعة‪ ،‬وُيطوى العالم‪ ،‬وَت ْ‬
‫وا ِ‬
‫الدنيا‪ ،‬وُيبعث فيه الناس إلى منازلهم من الجنة والنار‪.‬‬
‫ل الِكتاب‬
‫ل عنه أه َ‬
‫ل لهده المة‪ ،‬وأض ّ‬
‫التاسعة والعشرون‪ :‬أنه اليوُم الذي اّدخره ا ّ‬
‫قبلهم‪ ،‬كما في ))الصحيح((‪ ،‬من حديث أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪)) :‬ما طلع ِ‬
‫ت‬
‫س عَنه‪ ،‬فالّناس َلَنا ِفيِه‬
‫ل النّا ُ‬
‫ضّ‬‫ل َلُه‪َ ،‬و َ‬
‫جُمَعِة‪َ ،‬هَدانا ا ُّ‬
‫خِير ِمن َيْوِم ال ُ‬
‫عَلى َيْوٍم َ‬
‫ت َ‬
‫غَرَب ْ‬
‫س‪ ،‬ول َ‬
‫شْم ُ‬
‫ال ّ‬
‫ل َلَنا((‪.‬‬
‫صاَرى َيوُم الحد((‪ .‬وفي حديث آخر ))ذخره ا ُّ‬
‫سْبت‪ ،‬وللّن َ‬
‫َتَبٌع‪ ،‬هَو َلَنا‪َ ،‬وللَيهوِد َيْوُم ال ّ‬
‫)يتبع‪(...‬‬
‫لمام أحمد‪ :‬حدثنا علي بن عاصم‪ ،‬عن حصين بن عبد الرحمن‪ ،‬عن عمر بن‬
‫وقال ا ِ‬ ‫@‬
‫قيس‪ ،‬عن محمد بن الشعث‪ ،‬عن عائشة قالت‪)) :‬بينما أنا عِند النبي صلى ال عليه وسلم إذ استأذن‬
‫ك‪ .‬قالت‪:‬‬
‫عَلْي َ‬
‫ك‪ ،‬قال النبي صلى ال عليه وسلم‪ :‬و َ‬
‫عَلْي َ‬
‫ساُم َ‬
‫ل من اليهود‪ ،‬فأِذن له‪ ،‬فقال‪ :‬ال ّ‬
‫رج ٌ‬
‫ك‪،‬‬
‫عَلي َ‬
‫ل ذلك‪ ،‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم‪َ :‬و َ‬
‫َفَهِمْمت أن َأتكّلم‪ ،‬قالت‪ :‬ثم دخل الثانية‪ ،‬فقال ِمث َ‬
‫ض ُ‬
‫ب‬ ‫غ َ‬
‫عَلْيُكم‪ ،‬و َ‬
‫ساُم َ‬
‫ت‪ :‬بل ال ّ‬
‫ساُم عليكم‪ ،‬قالت‪ ،‬فقل ُ‬
‫ت أن أتكّلم‪ ،‬ثم دخل الثالثة‪ ،‬فقال‪ :‬ال ّ‬
‫قالت‪ .‬فهمم ُ‬
‫ل‪ .‬قالت‪ :‬فنظر إل ّ‬
‫ي‬ ‫جّ‬‫عّز و َ‬
‫ل َ‬
‫ل بما لم ُيحّيه به ا ُّ‬
‫لا ّ‬
‫حُيون رسو َ‬
‫ن القردة والخنازير‪ ،‬أُت َ‬
‫ل‪ ،‬إخوا َ‬
‫ا ّ‬
‫ضّرَنا شيئًا‪َ ،‬وَلِزَمُهم‬
‫عَلْيِهم‪َ ،‬فَلم َي ُ‬
‫ل َفَرَدْدَناه َ‬
‫ش‪َ ،‬قاُلوا َقْو ً‬
‫ح َ‬
‫ل الّتَف ّ‬
‫ش َو َ‬
‫ح َ‬
‫ب الُف ْ‬
‫ح ّ‬
‫ل ُي ِ‬
‫ل َ‬
‫نا ّ‬
‫فقال‪َ :‬مْه ِإ ّ‬
‫ضّلوا‬
‫ل َلها‪ ،‬و َ‬
‫جُمَعِة التي َهَداَنا ا ُّ‬
‫عَلى ال ُ‬
‫سُدوَنا َ‬
‫حُ‬‫عَلى شيء َكَما َي ْ‬
‫سُدونَا َ‬
‫حُ‬‫إلى َيوِم الِقَياَمِة‪ِ،،‬إّنهم ل َي ْ‬
‫لمام‪ :‬آمين((‪.‬‬
‫عَلى َقْوِلَنا خلف ا ِ‬
‫عْنها‪ ،‬و َ‬
‫ضلوا َ‬
‫ل لَها‪ ،‬و َ‬
‫على الِقْبَلِة اّلتي َهَداَنا ا ُ‬
‫عْنَها‪َ ،‬و َ‬
‫َ‬
‫وفي ))الصحيحين(( من حديث أبي هريرة‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم‪َ)) ،‬نح ُ‬
‫ن‬
‫ب ِمن َقْبِلَنا‪ ،‬وُأوِتيَناُه ِمن َبعِدهْم‪َ ،‬فَهذا َيْوُمُهُم اَلِذي‬
‫ن َيْوَم الِقَياَمِة‪َ ،‬بْيَد َأّنهْم ُأوُتوا الِكَتا َ‬
‫ساِبقو َ‬
‫ن ال ّ‬
‫خرو َ‬
‫ال ِ‬
‫غٍد((‪.‬‬
‫صاَرى َبْعَد َ‬
‫غدًا‪ ،‬والّن َ‬
‫س َلَنا فيه َتَبٌع‪ ،‬الَيُهوُد َ‬
‫ل َلُه‪َ ،‬فالّنا ُ‬
‫خَتَلُفوا ِفيه‪َ ،‬فَهداَنا ا ُّ‬
‫عَلْيِهْم‪َ ،‬فا ْ‬
‫ل َ‬
‫ض ا ُّ‬
‫َفَر َ‬
‫وفي ))بيد(( لغتان بالباء ‪ ،‬وهي المشهورة ‪ ،‬وَمْيَد بالميم ‪ ،‬حكاها أبو عبيد ‪.‬‬
‫‪192‬‬

‫وفي هذه الكلمة قولن ‪ ،‬أحدهما ‪ :‬أنها بمعنى ))غير(( وهو أشهر معنييها ‪ ،‬والثاني ‪ :‬بمعى‬
‫))على(( وأنشد أبو عبيد شاهدًا له ‪:‬‬
‫ت َلْم تِرّني‬
‫ل َلو َهَلْك ُ‬
‫خا ُ‬
‫إَ‬ ‫ك بيَد َأّني‬
‫عْمدًا َفعلت َذا َ‬
‫َ‬
‫‪ :‬تِرّني‪َ :‬تفعلي ِمن الرنين ‪.‬‬
‫ل من أيام السبوع‪ ،‬كما أن شهر رمضان خيرُته من شهور العام‪،‬‬
‫خيرة ا ّ‬
‫الثلثون‪ :‬أنه ِ‬
‫خيرُته ِمن‬
‫وليلة القدر خيرُته من الليالي‪ ،‬ومكُة خيرُته ِمن الرض‪ ،‬ومحمد صلى ال عليه وسلم ِ‬
‫خلقه‪ .‬قال آدم بن أبي إياس‪ :‬حدثنا شيبان أبو معاوية‪ ،‬عن عاصم بن أبي الّنجود‪ ،‬عن أبي صالح‪،‬‬
‫ل اختار الشهوَر‪ ،‬واختار شهَر رمضان‪ ،‬واختار الياَم‪،‬‬
‫جَ‬‫ل عّز و َ‬
‫عن كعب الحبار‪ .‬قال‪ :‬إن ا ّ‬
‫ت‪ ،‬واختار ساعَة الصلة‪،‬‬
‫واختار يوَم الجمعة‪ ،‬واختار الليالي‪ ،‬واحتار ليلَة القدر‪ ،‬واختار الساعا ِ‬
‫ن ُيكّفُر ما بينه وبين رمضان‪،‬‬
‫والجمعُة تكّفر ما بينها وبين الجمعة الخرى‪ ،‬وتزيد ثلثًا‪ ،‬ورمضا ُ‬
‫ج يكفر ما بينه وبين الحج‪ ،‬والُعْمَرة تكّفر ما بينها وبين العمرة‪ ،‬ويموت الرجل بين حسنتين‪:‬‬
‫والح ّ‬
‫ق أبواب النار‪،‬‬
‫حسنٍة قضاها‪ ،‬وحسنٍة ينتظرها يعني صلتين‪ ،‬وُتصّفد الشياطين في رمضان‪ ،‬وُتْغَل ُ‬
‫ل أحب إلى ا ّ‬
‫ل‬ ‫ي الخير؟ هُلم‪ .‬رمضان أجمع‪ ،‬وما ِمن ليا ٍ‬
‫غَ‬‫ب الجنة‪ ،‬ويقال فيه‪ :‬يا َبا ِ‬
‫ح فيه أبوا ُ‬
‫وُتفت ُ‬
‫ن من ليالي العشر‪.‬‬
‫العملُ فيه ّ‬
‫حهم ِمن قبورهم‪ ،‬وُتوافيها في يوم الجمعة‪،‬‬
‫الحادية والثلثون‪ :‬إن الموتى تدنو أروا ُ‬
‫فيعرفون ُزّوارهم وَمن َيُمّر بهم‪ ،‬وُيسلم عليهم‪ ،‬ويلقاهم في ذلك اليوم أكثر من معرفتهم بهم في‬
‫غيره من اليام‪ ،‬فهو يوم تلتقي فيه الحياء والموات‪ ،‬فإذا قامت فيه الساعُة‪ ،‬التقى الولون‬
‫ل وعمله‪ ،‬والمظلوُم وظاِلُمه‬
‫ب والعبُد‪ ،‬والعام ُ‬
‫ل السماء‪ ،‬والر ّ‬
‫ل الرض وأه ُ‬
‫خرون‪ ،‬وأه ُ‬
‫وال ِ‬
‫س فيه في الدنيا‬
‫ط‪ ،‬وهو يوُم الجمع واللقاء‪ ،‬ولهذا يلتقي النا ُ‬
‫س والقمُر‪ ،‬ولم تلتقيا قبل ذلك ق ّ‬
‫والشم ُ‬
‫أكَثر من التقائهم في غيره‪ ،‬فهو يوُم التلق‪ .‬قال ابو التياح يزيد بن حميد‪ :‬كان مطّرف بن عبد ا ّ‬
‫ل‬
‫ل قبر‬
‫بكّ‬
‫يبادر فيدخل كل جمعة‪ ،‬فأدلج حتى إذا كان عند المقابر يوم الجمعة‪ ،‬قال‪ :‬فرأيت صاح َ‬
‫جالسًا على قبره‪ ،‬فقالوا‪ :‬هذا مطّرف يأتي الجمعة‪ ،‬قال فقلت لهم‪ :‬وتعلمون عن عندكم الجمعة؟‬
‫ل فيه الطير‪ ،‬قلت‪ :‬وما تقول فيه الطير؟ قالوا‪ :‬تقول‪ :‬ربي سّلم سّلم يوم‬
‫قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬ونعلم ما تقو ُ‬
‫صالح‪.‬‬
‫جحدري‪ ،‬قال‪:‬‬
‫وذكر ابن أبي الدنيا في كتاب ))المنامات(( وغيره‪ ،‬عن بعض أهل عاصم ال َ‬
‫ت‪ :‬فأي َ‬
‫ن‬ ‫ت؟ قال‪ :‬بلى‪ ،‬قل ُ‬
‫ت‪ :‬أليس قد ِم ّ‬
‫ي في منامي بعد موته لسنتين‪ ،‬فقل ُ‬
‫رأيت عاصمًا الجحدر ّ‬
‫‪193‬‬

‫ل في روضة من رياض الجنة‪ ،‬أنا ونفٌر ِمن أصحابي‪ ،‬نجتمُع كل ليلة جمعة‬
‫أنت؟ قال‪ :‬أنا وا ّ‬
‫ل المزني‪ ،‬فنتلقى أخباركم‪ .‬قلت‪ :‬أجساُمكم أم أرواحكم؟ قال‪ :‬هيها َ‬
‫ت‬ ‫وصبيحتها إلى بكر بن عبد ا ّ‬
‫ح‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬فهل تعلمون بزيارتنا لكم؟ قال‪ :‬نعلم بها عشَية‬
‫َبِليت الجسام‪ ،‬وإنما تتلقى الروا ُ‬
‫ن اليام كّلها؟‬
‫ت‪ :‬فكيف ذلك دو َ‬
‫الجمعة‪ ،‬ويوَم الجمعة كله‪ ،‬وليلَة السبت إلى طلوع الشمس‪ .‬قال‪ :‬قل ُ‬
‫قال‪ :‬لفضل يوم الجمعة وعظمته‪.‬‬
‫غداِة سبت حتى يأتي‬
‫وذكر ابن أبي الدنيا أيضًا‪ ،‬عن محمد بن واسع‪ ،‬أنه كان يذهب كل َ‬
‫الجّبانة‪ ،‬فيِقف على القبور‪ ،‬فُيسلم عليهم‪ ،‬ويدعو لهم‪ ،‬ثم ينصرف‪ .‬فقيل له‪ :‬لو صّيرت هذا اليوَم‬
‫يوم الثنين‪ .‬قال‪ :‬بلغني أن الموتى يعلمون بزّواِرهم يوَم الجمعة‪ ،‬ويومًا قبله‪ ،‬ويومًا بعده‪.‬‬
‫ي قال بلغني عن الضحاك‪،‬أنه قال‪ :‬من زار قبرًَا يوَم السبت قبل‬
‫وذكر عن سفيان الثور َ‬
‫طلوع الشمس‪ ،‬علم الميت بزيارته فقيل له‪ :‬كيف‪:‬ذلك؟ قال ِلمكان يوم الجمعة‪.‬‬
‫ص أحمد‪ ،‬قال‬
‫الثانية والثلثون‪ :‬أنه يكره إفراُد يوم الجمعة بالصوم‪ ،‬هذا منصو ُ‬
‫ث النهي عن أن ُيفرد‪ ،‬ثم قال‪ :‬إل أن يكون‬
‫ل‪ :‬صيام يوم الجمعة؟ فذكر حدي َ‬
‫الثرم‪ :‬قيل لبي عبد ا ّ‬
‫في صيام كان يصومه‪ ،‬وأما أن يفرَد‪ ،‬فل‪ .‬قلت‪ :‬رجل كان يصوم يومًا‪ ،‬ويفطر يومًا‪ ،‬فوقع فطره‬
‫يوَم الخميس‪ ،‬وصومه يوم الجمعة‪ ،‬وِفطره يوَم السبت‪ ،‬فصار الجمعة مفردًا؟ قال‪ :‬هذا إل أن يتعّمد‬
‫صوَمه خاصة‪ ،‬إنما ُكِره أن يتعمد الجمعة‪.‬‬
‫وأباح مالك‪ ،‬وأبو حنيفة صوَمه كسائر اليام‪ ،‬قال مالك‪ :‬لم أسمع أحدًا من أهل العلم والفقه‬
‫ت بعض أهل العلم يصوُمه‪،‬‬
‫ومن ُيقتدى به ينهى عن صيام يوم الجمعة‪ ،‬وصيامه حسن‪ ،‬وقد رأي ُ‬
‫وأراه كان يتحراه‪ .‬قال ابن عبد البر‪ :‬اختلفت الثاُر عن النبي صلى ال عليه وسلم في صيام يوم‬
‫ل عنه‪ ،‬أن النبي صلى ال عليه وسلم كان يصوم ثلثة أيام ِمن‬
‫الجمعة‪ ،‬فروى ابن مسعود رضي ا ّ‬
‫طرًا يوَم الجمعة وهذا حديث صحيح‪ .‬وقد روي عن ابن عمر رضي‬
‫كل شهر‪ ،‬وقال‪ :‬قّلَما رأيته مف ِ‬
‫ط‪ .‬ذكره ابن أبي‬
‫ل صلى ال عليه وسلم يفطر يوَم الجمعة ق ُ‬
‫ل عنهما‪ ،‬أنه قال‪ :‬ما رأيت رسول ا ّ‬
‫ا ّ‬
‫شيبة‪ ،‬عن حفص بن غياث‪ ،‬عن ليث بن أبي سليم‪ ،‬عن عمير بن أبي عمير‪ ،‬عن ابن عمر‪.‬‬
‫ن عباس‪ ،‬أنه كان يصوُمه وُيواظب عليه‪ .‬وأما الذي ذكره مالك‪ ،‬فيقولون‪ :‬إنه‬
‫وروى اب ُ‬
‫محمد بن المنكدر‪ .‬وقيل‪ :‬صفوان بن سليم‪.‬‬
‫‪194‬‬

‫وروى الدراوردي‪ ،‬عن صفوان بن سليم‪ ،‬عن رجل من بني جشم‪ ،‬أنه سمع أبا ُهريرة‬
‫غَرٌر ُزْهٌر‬
‫شَرُة أّياٍم ُ‬
‫عْ‬‫ب َلُه َ‬
‫جُمَعِة‪ُ ،‬كِت َ‬
‫ن صاَم َيْوَم ال ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪َ)) :‬م ْ‬
‫يقول‪ :‬قال رسول ا ّ‬
‫ن أياُم الّدنيا((‪.‬‬
‫خَرة ل ُيشاِكلُه ّ‬
‫ِمن أّياِم ال ِ‬
‫ت‪ :‬قد‬
‫والصل في صوم يوم الجمعة أنه عمل بر ليمنع منه إل بدليل ل معاِرض له‪ُ .‬قل ُ‬
‫صح المعاِرض صحًة لمطعن فيها البتة‪ ،‬ففي ))الصحيحين((‪ ،‬عن محمد بن عباد‪ ،‬قال‪ :‬سألت‬
‫جابرًا‪ :‬أنهى رسول ال صلى ال عليه وسلم عن صيام يوم الجمعة؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬وفي ))صحيح‬
‫ف بالبيت‪ :‬أنهى رسول ا ّ‬
‫ل‬ ‫ت جابر بن عبد ال‪ ،‬وهو يطو ُ‬
‫مسلم((‪ ،‬عن محمد بن عباد‪ ،‬قال‪ :‬سأل ُ‬
‫ب هذه الَبِنّيِة‪.‬‬
‫صلى ال عليه وسلم عن صيام يوم الجمعة؟ قال‪ :‬نعم ور ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‬
‫ت رسول ا ّ‬
‫وفي ))الصحيحين(( من حديث أبي هريرة‪ ،‬قال‪ :‬سمع ُ‬
‫صوَم َيْوَمًا قبَلُه‪َ ،‬أو َيَوَمًَا َبْعَده((‪ .‬واللفظ للبخاري‪.‬‬
‫ن َي ُ‬
‫جُمَعِة إل أ ْ‬
‫ن أحُدُكم َيْوَم ال ُ‬
‫صوَم ّ‬
‫يقول‪)) :‬ل َي ُ‬
‫وفي ))صحيح مسلم((‪ ،‬عن أبي هريرة‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬قال‪)) :‬ل َتخصوا‬
‫ن َيُكو َ‬
‫ن‬ ‫لّياِم‪ ،‬إل َأ ْ‬
‫ساِئِر ا َ‬
‫ن َبْين َ‬
‫صَيام م ْ‬
‫جُمَعِة ب ِ‬
‫صوا َيوَم ال ُ‬
‫خ ّ‬
‫جُمَعِة ِبِقياِم من بين الليالي‪ ،‬ول َت ُ‬
‫َلْيَلَة ال ُ‬
‫حُدُكم((‪.‬‬
‫صوُمُه َأ َ‬
‫صْوِم َي ُ‬
‫في َ‬
‫جويرية بنت الحارث‪)) ،‬أن النبي صلى ال عليه وسلم دخل‬
‫وفي ))صحيح البخاري((‪ ،‬عن ُ‬
‫صومي غدًا؟‬
‫ن أن َت ُ‬
‫ل‪َ :‬فُتِريِدي َ‬
‫ت‪ :‬ل‪َ .‬قا َ‬
‫س؟ َقاَل ْ‬
‫صمت َأْم ِ‬
‫عليها يوَم الجمعة وهي صائمة‪ ،‬فقال‪ :‬أ ُ‬
‫طري((‪.‬‬
‫ل‪ :‬فَأف ِ‬
‫قالت‪ :‬ل‪َ .‬قا َ‬
‫صوُموا َيوَم‬
‫وفي ))مسند أحمد(( عن ابن عباس‪ ،‬أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪)) :‬ل َت ُ‬
‫حَدُه((‪.‬‬
‫جُمَعِة َو ْ‬
‫ال ُ‬
‫ت على رسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬يوَم‬
‫وفي ))مسنده(( أيضًا عن جنادة الزدي قال‪ :‬دخل ُ‬
‫ل!‬
‫لا ّ‬
‫جمعة في سبعة من الزد‪ ،‬أنا ثامنهم وهو يتغّدى‪ ،‬فقال‪)) :‬هلموا إلى الغداء(( فقلنا‪ :‬يا رسو َ‬
‫طروا‪ .‬قال‪ :‬فأكلنا مع‬
‫س؟ قلنا‪ :‬ل‪ .‬قال‪ :‬فتصوُمون غدًا؟ قلنا‪ :‬ل‪ .‬قال‪ :‬فَأْف ِ‬
‫صمتم أم ِ‬
‫إنا صيام‪ .‬فقال‪ :‬أ ُ‬
‫جَلس على المنبر‪ ،‬دعا بإناء ماء‪ ،‬فشرب وهو‬
‫ل صلى ال عليه وسلم قال‪ :.‬فلما خرج و َ‬
‫رسول ا ّ‬
‫س ينظرون إليه‪ُ ،‬يريهم أنه ل َيصوُم َيوَم الجمعة((‪.‬‬
‫على المنبر‪ ،‬والنا ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ))َيْوُم‬
‫وفي ))مسنده(( أيضًا‪ ،‬عن أبي هريرة‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول ا ّ‬
‫صوُموا َقبَلُه َأْو َبْعَده((‪.‬‬
‫ن َت ُ‬
‫ل َأ ْ‬
‫صَياِمُكم إ ّ‬
‫عيِدكم َيْوَم ِ‬
‫جَعُلوا َيْوَم ِ‬
‫ل َت ْ‬
‫عيٍد‪َ ،‬ف َ‬
‫جُمَعِة َيْوُم ِ‬
‫ال ُ‬
‫‪195‬‬

‫حكيم بن سعد‪ ،‬عن‬


‫عيينة‪ ،‬عن عمران بن ظبيان‪ ،‬عن ُ‬
‫وذكر ابن أبي شيبة‪ ،‬عن سفيان بن ُ‬
‫ل عنه‪ ،‬قال‪ :‬من كان منكم متطوعًا ِمن الشهر أيامًا‪ ،‬فليكن في صومه‬
‫علي بن أبي طالب رضي ا ّ‬
‫يوم الخميس‪ ،‬ول يصْم يوَم الجمعة‪ ،‬فإنه يوُم طعام وشراب‪ ،‬وذكر‪ ،‬فيجمع ال له يومين صالحين‪:‬‬
‫يوم صيامه‪ ،‬ويوم نسكه مع المسلمين‪.‬‬
‫وذكر ابن جرير‪ ،‬عن مغيرة‪ ،‬عن إبراهيم‪ :‬إنهم كرهوا صوم الجمعة ِليْقَوْوا على‬
‫الصلة‪.‬‬
‫ت‪ :‬المأخذ في كراهته‪ :‬ثلثة أمور‪ ،‬هذا أحدها‪ ،‬ولكن ُيشكل عليه زوال الكراهية بضم يوم‬
‫قل ُ‬
‫قبله‪ ،‬أو بعده إليه‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أنه يوم عيد‪ ،‬وهو الذي أشار إليه صلى ال عليه وسلم وقد ُأوِرَد على هذا التعليل‬
‫إشكالن‪ .‬أحدهما‪ :‬أن صومه ليسر بحرام‪ ،‬وصوم يوم العيد حرام‪ .‬والثاني‪ :‬إن الكراهة تزول بعدم‬
‫لشكالين‪ ،‬بأنه ليس عيد العاٍم‪ ،‬بل عيد السبوع‪ ،‬والتحريُم إنما هو لصوم عيد‬
‫إفراده‪ ،‬وأجيب عن ا ِ‬
‫العام‪ .‬وأما إذا صام يومًا قبله‪ ،‬أو يومًا بعده‪ ،‬فل يكون قد صامه لجل كونه جمعة وعيدًا‪ ،‬فتزول‬
‫لمام‬
‫ل في صيامه تبعًا‪ ،‬وعلى هذا يحمل ما رواه ا ِ‬
‫المفسدة الناشئة من تخصيصه‪ ،‬بل يكون داخ ً‬
‫ل بن مسعود إن صح قال‪َ :‬قّلَما‬
‫ل في ))مسنده(( والنسائي‪ ،‬والترمذي من حديث عبد ا ّ‬
‫أحمد رحمه ا ّ‬
‫ح هذا‪ ،‬تعين حمله على أنه كان‬
‫ت رسول ال صلى ال عليه وسلم يفطر َيْوَم جُمَعٍة‪ .‬فإن ص ّ‬
‫رأي ُ‬
‫ث النهي الثابتة في‬
‫يدخل في صيامه تبعًا‪ ،‬ل أنه كان ُيفرده لصحة النهي عنه‪ .‬وأين أحادي ُ‬
‫))الصحيحين((‪ ،‬من حديث الجواز الذي لم يروه أحد من أهل الصحيح‪ ،‬وقد حكم الترمذي بغرابته‪،‬‬
‫فكيف تعارض به الحاديث الصحيحة الصريحة‪ ،‬ثم ُيقدم عليها؟!‬
‫والمأخذ الثالث‪ :‬سد الذريعة من أن ُيلحق بالّدين ما ليس فيه‪ ،‬وُيوجب التشبه بأهل الكتاب في‬
‫تخصيص بعض اليام بالتجرد عن العمال الدنيوية‪ ،‬وينضم إلى هذا المعنى‪ :‬أن هذا اليوم لما كان‬
‫ظّنة تتابع الناس في صومه‪،‬‬
‫ظاهَر الفضل على اليام‪ ،‬كان الداعي إلى صومه قويَا‪ ،‬فهو في َم ِ‬
‫واحتفاِلهم به ما ل يحتفلون بصوم يوٍم غيره‪ ،‬وفي ذلك إلحاق بالشرع ما ليس منه‪ .‬ولهذا المعنى‬
‫لنها من أفضل الليالي‪،‬‬ ‫ل أعلم ‪ -‬نهي عن تخصيص ليلِة الجمعة بالقيام من بين الليالي‪،‬‬
‫‪-‬وا ّ‬
‫ظّنِة تخصيصها بالعبادة‪،‬‬
‫ضلها بعضهم على ليلة القدر‪ ،‬وحكيت رواية عن أحمد‪ ،‬فهى في َم ِ‬
‫حتى ف ّ‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫ع الذريعة‪ ،‬وسّدها بالنهي عن تخصيصها بالقيام‪ .‬وا ّ‬
‫فحسم الشار ُ‬
‫‪196‬‬

‫فإن قيل‪ :‬ما تقولون في تخصيص يوم غيره بالصيام؟ قيل‪ :‬أما تخصيص ما خصصه‬
‫ص غيره‪ ،‬كيوم السبت‪،‬‬
‫سّنٌة‪ ،‬وأما تخصي ُ‬
‫الشارع‪ ،‬كيوم الثنين‪ ،‬ويوم عرفة‪ ،‬ويوم عاشوراء‪ ،‬ف ُ‬
‫ب إلى التشبه بالكفار لتخصيص أيام‬
‫والثلثاء‪ ،‬والحد‪ ،‬والربعاء‪ ،‬فمكروه‪ .‬وما كان منها أقر َ‬
‫ب إلى التحريم‪.‬‬
‫أعيادهم بالتعظيم والصيام‪ ،‬فأشد كراهًة‪ ،‬وأقر ُ‬
‫الثالثة الثلثون‪ :‬إنه يوم اجتماع الناس وتذكيرهم بالمبدأ والمعاد‪ ،‬وقد شرع ا ّ‬
‫ل‬
‫سبحانه وتعالى لكل أمة في السبوع يومًا يتفّرغون فيه للعبادة‪ ،‬ويجتمعون فيه لتذّكر المبدإ‬
‫والمعاد‪ ،‬والثواب والعقاب‪ ،‬ويتّذكرون به اجتماعهم يوم الجمع الكبر قيامًا بينهن يدي رب‬
‫ل فيه الخلئق‪ ،‬وذلك يوم‬
‫العالمين‪ ،‬وكان أحق اليام بهذا العرض المطلوب اليوم الذي يجمع ا ّ‬
‫ل لهذه المة لفضلها وشرفها‪ ،‬فشرع اجتماعهم في هذا اليوٍم لطاعته‪ ،‬وقّدر‬
‫الجمعة‪ ،‬فاّدخره ا ّ‬
‫اجتماعهم فيه مع المم لنيل كرامته‪ ،‬فهو يوم الجتماع شرعا في الدنيا‪ ،‬وقدرًا في الخرة‪ ،‬وفي‬
‫مقدار انتصافه وقت الخطبة والصلة يكون أهل الجنة في منازلهم‪ ،‬وأهل النار في منازلهم‪ ،‬كما‬
‫ل الجنة في‬
‫ل أه ُ‬
‫ثبت عن ابن مسعود من غير وجه أنه قال‪ :‬ل ينتصف النهاُر يوم القيامة حتى َيِقي َ‬
‫ل{‬
‫ن َمقي ً‬
‫جّنِة يومئٍذ خير مستقرًا وأحس ُ‬
‫ب ال َ‬
‫منازلهم‪ ،‬وأهل الناِر في منازلهم‪ ،‬وقرأ‪} :‬أصحا ُ‬
‫حيم{‪ ،‬وكذلك هي في قراءته‪ .‬ولهذا كون اليام سبعة‬
‫جِ‬‫للى ال َ‬
‫ن َمِقيَلْهم ِ‬
‫]الفرقان‪ [24:‬وقرأ‪ُ} :‬ثّم إ ّ‬
‫إنما تعِرُفه المم التي لها كتاب‪ ،‬فأما أمة ل كتاب لها‪ ،‬فل تعرف ذلك إل من تلّقاه منهم عن أمم‬
‫ن اليام سبعة‪ ،‬بخلف الشهر والسنة‪ ،‬وفصولها‪،‬‬
‫سية ُيعرف بها كو ُ‬
‫حّ‬‫النبياء‪ ،‬فإنه ليس هنا علمة ِ‬
‫ل السماوات والرض وما بينهما في ستة أيام‪.‬‬
‫ولما خلق ا ّ‬
‫وتعّرف بذلك إلى عباده على ألسنة رسله وأنبيائه‪ ،‬شرع لهم في السبوع‬
‫ي السماوات والرض‪،‬‬
‫جل العالِم‪ ،‬وط ّ‬
‫يومًا ُيذّكرهم فيه بذلك‪ ،‬وحكمِة الخلق وما خلقوا له‪ ،‬وبأ َ‬
‫ل صدقًا‪ ،‬ولهذا كان النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫عوِد المر كما بدأه سبحانه وعدًا عليه حقًا‪ ،‬وقو ً‬
‫وَ‬
‫لنسان( لما اشتملت عليه هاتان‬
‫يقرأ في فجر يوم الجمعة سورتي )الم تنزيل(؟ )هل أتى على ا ِ‬
‫السورتان مما كان ويكون من المبدأ والمعاد‪ ،‬وحشر الخلئق‪ ،‬وبعِثهم من القبور إلى الجنة والنار‪،‬‬
‫ل لجل السجدة كما يظنه من نقص علمه ومعرفته‪ ،‬فيأتي بسجدة من سورة أخرى‪ ،‬ويعتقد أن فجر‬
‫ضل بسجدة‪ ،‬وينكر على من لم يفعلها‪ .‬وهكذا كانت قراءته صلى ال عليه وسلم في‬
‫يوم الجمعة ف ّ‬
‫المجامع الكبار‪ ،‬كالعياد ونحوها‪ ،‬بالسورة المشتملة على التوحيد‪ ،‬والمبدإ والمعاد‪ ،‬وقص ِ‬
‫ص‬
‫ل به من كّذبهم وكفر بهم من الهلك والشقاء‪ ،‬ومن آمن منهم‬
‫النبياء مع أممهم‪ ،‬وما عامل ا ّ‬
‫‪197‬‬

‫وصّدقهم من النجاة والعافية‪ .‬كما كان يقرأ في العيدين بسورتي )ق و القرآن المجيد(‪ ،‬و )اقتربت‬
‫ق القمُر(؟ تارة‪ :‬بـ )سبح اسم ربك العلى(‪ ،‬و )هل أتاك حديث الغاشية(‪ ،‬وتارة يقرأ‬
‫الساعُة وانش ّ‬
‫ك العلم‬
‫سعي إليها‪ ،‬وتر ِ‬
‫ب ال ّ‬
‫في الجمعة بسورة الجمعة لما تضّمنت من المر بهذه الصلة‪ ،‬وإيجا ِ‬
‫ح في الدارين‪ ،‬فإن في نسيان ذكره تعالى‬
‫صل لهم الفل ُ‬
‫العائق عنها‪ ،‬والمر بإكثار ذكر ال ليح ُ‬
‫ك في الدارين‪ ،‬ويقرأ في الثانية بسورة )إذا جاءك المنافقون( تحذيرًا للمة من النفاق‬
‫ب والهل َ‬
‫العط َ‬
‫ل‪ ،‬وأنهم إن‬
‫المردي‪ ،‬وتحذيرًا لهم أن تشغَلَهم أموالُهم وأولدهم عن صلة الجمعة‪ ،‬وعن ِذكر ا ّ‬
‫لنفاق الذي هو من أكبر أسباب سعادتهم‪ ،‬وتحذيرًا‬
‫فعلوا ذلك خسروا ول بد‪ ،‬وحضًا لههم على ا ِ‬
‫لقالة‪ ،‬ويتمَنون الرجعة‪ ،‬ول ُيجابون إليها‪ ،‬وكذلك‬
‫لهم من هجوم الموت وهم على حالة يطلبون ا ِ‬
‫كان‪ :‬صلى ال عليه وسلم يفعل عند قدوم وفد يريد أن ُيسمعهم القرآن‪ ،‬وكان ُيطيل قراءة الصلة‬
‫الجهرية لذلك‪ ،‬كما صّلى المغرب بـ )العراف( و بـ )الطور(‪ ،‬و )ق(‪ .‬وكان ُيصلي الفجر بنحو‬
‫مائة آية‪.‬‬
‫وكذلك كانت خطبته صلى ال عليه وسلم‪ ،‬إنما هي تقرير لصول‬
‫ليمان بال وملئكته‪ ،‬وكتبه‪ ،‬ورسله‪ ،‬ولقاِئه‪ ،‬وذكِر الجنة‪ ،‬والنار‪ ،‬وما أعّد ال‬
‫ليمان من ا ِ‬
‫اِ‬
‫خطبته إيمانًَا وتوحيدًا‪،‬‬
‫لوليائه وأهل طاعته‪ ،‬وما أعّد لعدائه وأهل معصيته‪ ،‬فيمل القلوب ِمن ُ‬
‫خطب غيره التي إنما ُتفيد أمورًا مشتركة بين الخلئق‪ ،‬وهي الّنوح على‬
‫ل وأيامه‪ ،‬ل ك ُ‬
‫ومعرفة با ّ‬
‫ل‪ ،‬ول توحيدًا له‪ ،‬ول معرفة‬
‫ل في القلب إيمانًا با ّ‬
‫صُ‬‫الحياة‪ ،‬والتخويف بالموت‪ ،‬فإن هذا أمر ل ُيح ّ‬
‫خاصة به‪ ،‬ول تذكيرًا بأيامه‪ ،‬ول بعثًا للنفوس على محبته والشوق إلى لقائه‪ ،‬فيخرج السامعون ولم‬
‫ب أجسامهم‪ ،‬فيا ليت شعري أ ّ‬
‫ي‬ ‫يستفيدوا فائدة‪ ،‬غير أنهم يموتون‪ ،‬وُتقسم أموالهم‪ ،‬وُيبلي الترا ُ‬
‫ي توحيد ومعرفة وعلم نافع حصل به؟!‪.‬‬
‫إيمان حصل بهذا؟! وأ ّ‬
‫ومن تأمل خطب النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وخطب أصحابه‪ ،‬وجدها كفيلة ببيان الهدى‬
‫ل‪ ،‬وِذكر آلئه‬
‫ل اليمان الكلية‪ ،‬والدعوة إلى ا ّ‬
‫ب جل جلله‪ ،‬وأصو ِ‬
‫والتوحيد‪ ،‬وِذكر صفات الر ّ‬
‫تعالى التي ُتحّببه إلى خلقه وأياِمه التي تخّوفهم من بأسه‪ ،‬والمر بذكره وشكره الذي ُيحّببهم إليه‪،‬‬
‫ل وصفاته وأسمائه‪ ،‬ما ُيحّببه إلى خلقه‪ ،‬ويأمرون من طاعته وشكره‪ ،‬وِذكره‬
‫فيذكرون ِمن عظمة ا ّ‬
‫ما ُيحّببهم إليه‪ ،‬فينصرف السامعون وقد أحبوه وأحبهم‪ ،‬ثم طال العهد‪ ،‬وخفي نور النبوة‪ ،‬وصارت‬
‫طْوها صورها‪ ،‬وزّينوها بما‬
‫الشرائُع والوامُر رسومًا ُتقام من غير مراعاة حقائقها ومقاصدها‪ ،‬فأع َ‬
‫زينوها به فجعلوا الرسوم والوضاع سننًا ل ينبغي الخللُ بها‪ ،‬وأخّلوا بالمقاصد التي ل ينبغي‬
‫‪198‬‬

‫ظ القلوب منها‪،‬‬
‫عدَم ح ُ‬
‫سجيع والِفقر‪ ،‬وعلم البديع‪َ ،‬فنَقص بل َ‬
‫خطب بالت َ‬
‫لخلل بها‪ ،‬فرصعوا ال ُ‬
‫اِ‬
‫وفات المقصود بها‪.‬‬
‫طب بالقرآن وسورة )ق(‪.‬‬
‫فمما حفظ من خطبته صلى ال عليه وسلم أنه كان يكثر أن يخ ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‬
‫ن في رسول ا ّ‬
‫قالت أم هشام بنت الحارث بن النعمان‪ :‬ما حفظت )ق( إل م ْ‬
‫مما يخطب بها أعى المنبر‪.‬‬
‫حفظ من خطبته صلى ال عليه وسلم‪ ،‬من رواية علي بن زيد بن جدعان وفيها ضعف‪،‬‬
‫وُ‬
‫ل عز وجل قبل أن َتموتوا‪ ،‬وباِدُروا بالعمال الصالحة َقبل َأن ُتشَغلوا‪،‬‬
‫س توبوا إلى ا ّ‬
‫))يا أّيها النا ُ‬
‫صلوا اّلذي بينكم وبين رَبكم بكثرة ِذكركم له‪ ،‬وكثرِة الصدقة في السّر والعلنية ُتؤجروا‪،‬‬
‫و ِ‬
‫وتحَمدوا‪ ،‬وُترزقوا‪ .‬واعلموا أن ال عز وجل‪ ،‬قد فرض عليكم الجمعَة فريضَة مكتوبَة في مقامي‬
‫ل‪َ ،‬فَمن َترَكَها في حياتي‪،‬‬
‫سِبي ً‬
‫جَد إليها َ‬
‫ن وَ َ‬
‫عامي َهَذا‪ِ ،‬إلى َيْوِم الِقياَمِة‪َ ،‬م ْ‬
‫هذا‪ ،‬في شهري هذا‪ ،‬في َ‬
‫ل شمَله‪ ،‬ول باَرك‬
‫أو بعد مماتي جحودًا بها‪ ،‬أو استخفافًا بها‪ ،‬وله إماٌم جائر أو عاِدل‪ ،‬فل جمع ا ّ‬
‫ج له‪،‬‬
‫صوَم له‪ ،‬أل ول َزَكاَة له‪ ،‬أل ول ح َ‬
‫صلة له‪ ،‬أل ول وضوَء له‪ ،‬أل ول َ‬
‫له في أمره‪ ،‬أل ول َ‬
‫ل‪ ،‬أل ول َيُؤَم ّ‬
‫ن‬ ‫جً‬‫ن اْمَرَأٌة َر ُ‬
‫ل عليه‪ ،‬أل ول َتُؤَم ّ‬
‫ب ا ُّ‬
‫ب‪ ،‬تا َ‬
‫ب‪ ،‬فإن تا َ‬
‫أل ول َبَرَكة له حتى يتو َ‬
‫طه((‪.‬‬
‫سو َ‬
‫سْيَفه و َ‬
‫ف َ‬
‫خا َ‬
‫ن َفي َ‬
‫طا ٌ‬
‫ن َفاجٌر ُمؤمَنًا‪ ،‬إل أن َيقَهَرُه سل َ‬
‫جرًا‪ ،‬أل ول َيؤَم ّ‬
‫أعرابي ُمها ِ‬
‫شروِر أنفسنا‪َ ،‬م ْ‬
‫ن‬ ‫ن ُ‬
‫ل ِم ْ‬
‫ل نستعيُنه‪ ،‬ونستغفُره‪ ،‬ونعوُذ با ّ‬
‫وحفظ ِمن خطبته أيضًا‪)) :‬الحمُد ِ‬
‫ك َلُه‪ ،‬وأشهُد أن‬
‫شري َ‬
‫ل وحَده ل َ‬
‫ل إله إل ا ّ‬
‫ل له‪ ،‬ومن يضِلل َفل هادي له‪ ،‬وأشهُد َأ ّ‬
‫ل‪ ،‬فل مض ّ‬
‫َيْهِد ا ّ‬
‫شَد‬
‫سوَله‪َ ،‬فَقد َر َ‬
‫ل َوَر ُ‬
‫ن ُيطِع ا َّ‬
‫عِة‪َ ،‬م ْ‬
‫سا َ‬
‫ن َيَدي ال ّ‬
‫ق بشيرًا ونذيرًا َبْي َ‬
‫ُمحمداً عبده ورسوُله‪ ،‬أرسله بالح ّ‬
‫ل شيئا((‪ .‬رواه أبو داود وسيأتي إن شاء ا ّ‬
‫ل‬ ‫ضّر ا ّ‬
‫سة‪ ،‬ول َي ُ‬
‫ضّر إل َنْف َ‬
‫صِهَما‪ ،‬فإنه ل َي ُ‬
‫ومن َيْع ِ‬
‫تعالى ِذكر خطبه في الحج‪.‬‬
‫فصل‬
‫في هديه صلى ال عليه وسلم في خطبه‬
‫كان إذا خطب‪ ،‬احمّرت عيناه‪ ،‬وعل صوُته‪ ،‬واشتد غضُبه حتى كأنه منذُر جيش‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫طى((‪.‬‬
‫سَ‬‫سّباَبةِ َوالُو ْ‬
‫ن أصُبَعيِه ال ّ‬
‫ن َبْي َ‬
‫ن‪َ ،‬وَيْقُر ُ‬
‫عة َكَهاَتي ِ‬
‫سا َ‬
‫ت َأَنا وال ّ‬
‫حُكْم ومساكم(( ويقول‪ُ)) :‬بِعث ُ‬
‫صّب َ‬
‫)) َ‬
‫حَدَثاُتها‪،‬‬
‫لموِر ُم ْ‬
‫شّر ا ُ‬
‫حّمِد‪َ ،‬و َ‬
‫خْيَر الهْدي َهْدي ُم َ‬
‫ب ال‪َ ،‬و َ‬
‫ث ِكَتا ُ‬
‫حدي ِ‬
‫خْيَر ال َ‬
‫ن َ‬
‫ويقول‪َ)) :‬أّما َبْعُد‪ ،‬فإ ّ‬
‫ن َتَر َ‬
‫ك‬ ‫لهِلِه‪َ ،‬وَم ْ‬
‫ل‪َ ،‬ف َ‬
‫ك َما ً‬
‫سِه‪َ ،‬من تَر َ‬
‫ن َنْف ِ‬
‫ن ِم ْ‬
‫ل مْؤِم ٍ‬
‫لَلة((‪ .‬ثم يقول‪َ)) :‬أَنا َأْوَلى ِبُك ّ‬
‫ضَ‬‫عٍة َ‬
‫ل ِبد َ‬
‫َوُك ّ‬
‫ي(( رواه مسلم‪.‬‬
‫ي وعل ّ‬
‫ضَياعًا‪ ،‬فإل ّ‬
‫َدْيَنًا َأو َ‬
‫‪199‬‬

‫عَليِه‪ُ ،‬ثّم‬
‫ل وُيْثِني َ‬
‫حَمُد ا ّ‬
‫خطبة النبي صلى ال عليه وسلم َيْوَم الجمَعِة‪َ ،‬ي ْ‬
‫وفي لفظ‪ :‬كانت ُ‬
‫صْوُته َفَذَكُره‪.‬‬
‫ل َ‬
‫عَ‬‫ك َوَقْد َ‬
‫عَلى أَثِر ذِل َ‬
‫ل َ‬
‫َيُقو ُ‬
‫ضلّ َلُه‪َ ،‬وَم ْ‬
‫ن‬ ‫ل‪َ ،‬فل ُم ِ‬
‫ن َيْهِد ا ُّ‬
‫ل‪َ)) :‬م ْ‬
‫عَلْيِه ِبَما ُهَو َأْهُله‪ُ ،‬ثّم َيُقو ُ‬
‫ل َوُيْثِني َ‬
‫حَمُد ا ّ‬
‫وفي لفظ‪َ :‬ي ْ‬
‫ل((‪.‬‬
‫ب ا ِّ‬
‫ث ِكَتا ُ‬
‫حِدي ِ‬
‫خْير ال َ‬
‫ي َلُه‪َ ،‬و َ‬
‫ل َهاِد َ‬
‫ل‪ ،‬ف َ‬
‫ضِل ْ‬
‫ُي ْ‬
‫للٍَة في الّناِر((‪.‬‬
‫لض َ‬
‫لَلٌة‪َ ،‬وُك ّ‬
‫ل ِبْدعٍة ض َ‬
‫وفي لفظ للنسائي‪)) ،‬وُك ُ‬
‫وكان يقول في خطبته بعد التحميِد والثناِء والتشهد ))َأّما َبْعُد((‪.‬‬
‫ت الجوامع‪ ،‬وكان يقول‪:‬‬
‫خطبة‪ ،‬ويطيل الصلة‪ ،‬ويكثر الّذكر‪ ،‬وَيْقصُد الكلما ِ‬
‫صُر ال ُ‬
‫وكان ُيق ّ‬
‫ن ِفْقِهٌه((‬
‫طَبِته‪َ ،‬مِئّنٌة ِم ْ‬
‫خ ْ‬
‫صَر ُ‬
‫ل َوِق َ‬
‫جِ‬‫لِة الّر ُ‬
‫صَ‬‫ل َ‬
‫طو َ‬
‫ن ُ‬
‫))إ ّ‬
‫لسلم‪ ،‬وشرائَعه‪ ،‬ويأمرهم‪ ،‬وينهاهم في خطبته إذا‬
‫عَد ا ِ‬
‫خطبته قوا ِ‬
‫وكان ُيَعّلُم أصحاَبه في ُ‬
‫عَرض له أمر‪ ،‬أو نهى‪ ،‬كما أمر الداخل وهو يخطب أن ُيصلي ركعتين‪.‬‬
‫َ‬
‫ض‪،‬‬
‫ب الناس عن ذلك‪ ،‬وأمره بالجلوس‪ .‬وكان يقطُع خطبته للحاجة تْعِر ُ‬
‫طي ِرقا َ‬
‫ونهى المتخ ّ‬
‫خطبته‪ ،‬فيتّمها‪.‬‬
‫حٍد من أصحابه‪ ،‬فُيجيبه‪ ،‬ثم يعود إلى ُ‬
‫ن َأ َ‬
‫ل ِم ْ‬
‫أو السؤا ِ‬
‫وكان ربما نزل عن المنبر للحاجة‪ ،‬ثم يعوُد َفُيِتّمها‪ ،‬كما نزل لخذ الحسن والحسين رضي‬
‫ي بهما المنبر‪ ،‬فأتم خطبته‪.‬‬
‫ل عنهما‪ ،‬فأخذهما‪ ،‬ثم َرِق َ‬
‫ا ّ‬
‫ل يا ُفلن‪.‬‬
‫س يا فلن‪ ،‬ص ّ‬
‫ل يا فلن‪ ،‬اجِل ْ‬
‫وكان يدعو الرجل في خطبته‪ :‬تعا َ‬
‫ى منهم ذا فاقة وحاجة‪ ،‬أمرهم بالصدقة‪،‬‬
‫وكان يأمرهم بمقتضى الحال في خطبته‪ ،‬فإذا رأ َ‬
‫وحضهم عليها‪.‬‬
‫ل تعالى ودعائه‪.‬‬
‫سّباَبة في خطبته عند ذكر ا ّ‬
‫وكان ُيشير بأصبعه ال ّ‬
‫ط المطر في خطبته‪.‬‬
‫حَ‬‫وكان يستسقي بهم إذا َق َ‬
‫س‪ ،‬فإذا اجتمعوا‪ ،‬خرج إليهم وحَده من‬
‫وكان يمهل يوم الجمعة حتى يجتمَع النا ُ‬
‫غير شاويش يصيح بين يديه‪ ،‬ول لبس طيلسان‪ ،‬ول طرحة‪ ،‬ول سواد‪ ،‬فإذا دخل المسجد‪ ،‬سّلم‬
‫ل القبلة‪ ،‬ثم يجِلس‪،‬‬
‫س بوجهه‪ ،‬وسّلم عليهم‪ ،‬ولم يدع مستقب َ‬
‫صِعد المنبر‪ ،‬استقبل النا َ‬
‫عليهم‪ ،‬فإذا َ‬
‫ل بين‬
‫ل في الذان‪ ،‬فإذا فرغ‪ .‬منه‪ ،‬قام النبي صلى ال عليه وسلم فخطب من غير َفص ٍ‬
‫ويأخذ بل ٌ‬
‫الذان والخطبة‪ ،‬ل بإيراد خبر ول غيره‪.‬‬
‫ولم يكن يأخذ بيده سيفًا ول غيَره‪ ،‬وإنما كان يعَتِمد على قوس أو عصًا قبل أن يّتخذ المنبر‪،‬‬
‫وكان في الحرب َيعتمد على قوس‪ ،‬وفي الجمعة يعتِمد على عصا‪ .‬ولم ُيحفظ عنه أنه اعتمد على‬
‫‪200‬‬

‫سيف‪ ،‬وما يظنه بعض الجهال أنه كان يعتمد على السيف دائمًا‪ ،‬وأن ذلك إشارة إلى أن الدين قام‬
‫ط جهله‪ ،‬فإنه ل ُيحفظ عنه بعد اتخاذ المنبر أنه كان يرقاه بسيف‪ ،‬ول قوس‪ ،‬ول‬
‫بالسيف‪َ ،‬فِمن َفر ِ‬
‫غيره‪ ،‬ول قبل اتخاذه أنه أخذ بيده سيفًا البتة‪ ،‬وإنما كان يعتِمد على عصا أو قوس‪.‬‬
‫جذع يستند إليه‪ ،‬فلما تحّول‬
‫طب إلى ِ‬
‫ل اتخاذه يخ ُ‬
‫ث درجات‪ ،‬وكان قب ِ‬
‫وكان منبره ثل َ‬
‫ع حنينًا سمعه أهل المسجد‪ ،‬فنزل إليه صلى ال عليه وسلم وضّمه قال أنس‪:‬‬
‫جْذ ُ‬
‫ن ال ِ‬
‫إلى المنبر‪ ،‬ح ّ‬
‫ن لما فقد ما كان يسمع من الوحي‪ ،‬وفقده التصاق النبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫حّ‬
‫ولم ُيوضع المنبر في وسط المسجد‪ ،‬وإنما وضع في جانبه الغربي قريبًا من الحائط‪ ،‬وكان‬
‫بينه وبين الحائط قدر ممر الشاة‪.‬‬
‫وكان إذا جلس عليه النبي صلى ال عليه وسلم في غير الجمعة‪ ،‬أو خطب قائمًا في‬
‫الجمعة‪ ،‬استدار أصحاُبه إليه بوجوههم‪ ،‬وكان وجهه صلى ال عليه وسلم ِقبَلهم في وقت الخطبة‪.‬‬
‫وكان يقوم فيخطب‪ ،‬ثم يجِلس جلسة خفيفة‪ ،‬ثم يقوم‪ ،‬فيخطب الثانية‪ ،‬فإذا فرغ منها‪ ،‬أخذ‬
‫لنصات‪ ،‬وتخبرهم أن الرجل إذا َقا َ‬
‫ل‬ ‫لقامة‪ .‬وكان يأمر الناس بالدّنو منه‪ ،‬ويأمرهم با ِ‬
‫بلل في ا ِ‬
‫ل جُمَعة َلُه((‪ .‬وكان يقول‪َ)) :‬من َتَكّلَم َيْوَم الجُمَعة‬
‫ن َلَغا َف َ‬
‫صت َفَقْد َلَغا‪ .‬ويقول‪َ)) :‬م ْ‬
‫ِلصاحبه‪َ :‬أْن ِ‬
‫جمَُعة((‪ .‬رواه‬
‫ست َلُه ُ‬
‫ل َله‪ :‬أْنصت َلْي َ‬
‫ل َأسَفارًا‪ ،‬واَلِذي َيُقو َ‬
‫حِم ُ‬
‫حَماِر َي ْ‬
‫ل ال ِ‬
‫ب‪َ ،‬فُهَو َكَمَث ِ‬
‫ط ُ‬
‫خُ‬‫لماُم َي ْ‬
‫وا ِ‬
‫لمام أحمد‪.‬‬
‫اِ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم يوم الجمعة )تبارك( وهو قائم‪،‬‬
‫وقال أبي بن كعب‪ :‬قرأ رسول ا ّ‬
‫ت هذه السورة؟ فإني لم أسمعها‬
‫فذّكرنا بأّيام ال‪ ،‬وأبو الدرداء أو أبو ذر َيغِمُزني‪ ،‬فقال‪ :‬متى ُأنِزَل ْ‬
‫لن‪ ،‬فأشار إليه أن اسكت‪ ،‬فلما انصرفوا‪ ،‬قال‪ :‬سألُتك متى ُأنزلت هذه السورة فلم تخبرني‪،‬‬
‫إلى ا َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‬
‫ت‪ ،‬فذهب إلى رسول ا ّ‬
‫فقال‪ :‬إّنه ليحسن لك من صلتك اليوم إل ما لغو َ‬
‫ي((‪ .‬ذكره‬
‫صَدق أب ّ‬
‫فذكر له ذلك‪ ،‬وأخبره بالذي قال له ُأبي‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم )) َ‬
‫ابن ماجه‪ ،‬وسعيد بن منصور‪ ،‬وأصله في ))مسند أحمد((‪.‬‬
‫ظه‬
‫حُ‬
‫حضَرها َيلُغو َوُهَو َ‬
‫ل َ‬
‫جٌ‬‫جُمَعة َثلَثُة َنَفر‪َ :‬ر ُ‬
‫ضر ال ُ‬
‫ح ُ‬
‫وقال صلى ال عليه وسلم‪َ)) :‬ي ْ‬
‫شاَء َمَنَعْه‪َ ،‬وَرج ٌ‬
‫ل‬ ‫ن َ‬
‫طاُه‪ ،‬وإ ْ‬
‫عَ‬‫شاَء َأ ْ‬
‫ل إن َ‬
‫جّ‬‫عّز َو َ‬
‫ل َ‬
‫ل َدعا ا ّ‬
‫جُ‬‫ضَرها َيْدعو‪َ ،‬فُهَو َر ُ‬
‫ح َ‬
‫ل َ‬
‫جٌ‬‫منها‪ ،‬وَر ُ‬
‫جُمَعِة التي‬
‫سِلٍم‪َ ،‬وَلْم ُيْؤِذ أحدًا‪َ ،‬فهي َكّفاَرٌة له إلى َيْوِم ال ُ‬
‫ط َرَقَبَة ُم ْ‬
‫خّ‬‫ت‪َ ،‬وَلْم َيَت َ‬
‫سُكو ٍ‬
‫ت َو ُ‬
‫ضرَها بإْنصا ٍ‬
‫ح َ‬
‫َ‬
‫شُر أمَثاِلها{ ]النعام‪:‬‬
‫عْ‬‫سَنِة َفَلُه َ‬
‫حَ‬‫جاَء ِبال َ‬
‫ل يقول‪َ} :‬من َ‬
‫جَ‬‫ل عّز و َ‬
‫ك أن ا ّ‬
‫َتليها‪َ ،‬وزياَدة َثلَثَة أْياٍم‪َ ،‬وَذِل َ‬
‫‪ ،(([160‬ذكره أحمد وأبو داود‪.‬‬
‫‪201‬‬

‫وكان إذا فرغ بلل من الذان‪ ،‬أخذ النبي صلى ال عليه وسلم في الخطبة‪ ،‬ولم يقم‬
‫سّنة لها‬
‫ن إل واحدًا‪ ،‬وهذا يدل على أن الجمعة كالعيد‪ ،‬ل ُ‬
‫أحٌد يركع ركعتين البتة‪ ،‬ولم يكن الذا ُ‬
‫سّنة‪ ،‬فإن النبي صلى ال عليه وسلم كان يخرج ِمن‬
‫ل ال ّ‬
‫ح قولي العلماء‪ ،‬وعليه تد ّ‬
‫قبلها‪ ،‬وهذا أص ّ‬
‫ي صلى ال عليه وسلم في‬
‫ل في أذان الجمعة‪ ،‬فإذا أكمله‪ ،‬أخذ النب ّ‬
‫بيته‪ ،‬فإذا َرِقي المنبر‪ ،‬أخذ بل ٌ‬
‫سّنة؟! ومن ظن أنهم كانوا إذا‬
‫ي عين‪ ،‬فمتى كانوا ُيصلون ال ّ‬
‫الخطبة من غير فصل‪ ،‬وهذا كان رَأ َ‬
‫سّنة‪ ،‬وهذا‬
‫ل الناس بال ّ‬
‫ل عنه من الذان‪ ،‬قاموا كّلهم‪ ،‬فركعوا ركعتن‪ ،‬فهو أجه ُ‬
‫فرغ بلل رضي ا ّ‬
‫سّنة قبلها‪ ،‬هو مذهب مالك‪ ،‬وأحمد في المشهور عنه‪ ،‬وأحُد الوجهين‬
‫الذي ذكرناه من أنه ل ُ‬
‫لصحاب الشافعي‪.‬‬
‫سّنة‪ ،‬منهم من احتج أنها ظهٌر مقصورة‪ ،‬فيثبت لها أحكاُم الظهر‪ ،‬وهذه‬
‫والذين قالوا‪ :‬إن لها ُ‬
‫حجة ضعيفة جدًا‪ ،‬فإن الجمعة صلٌة مستِقلة بنفسها ُتخالف الظهر في الجهر‪ ،‬والعدد‪ ،‬والخطبة‪،‬‬
‫ق مسألة النزاع بموارد التفاق أولى من‬
‫والشروط المعتبرة لها‪ ،‬وُتوافقها في الوقت‪ ،‬وليس إلحا ُ‬
‫إلحاقها بموارد الفتراق‪ ،‬بل إلحاقها بموارد الفتراق أولى‪ ،‬لنها أكثر مما اتفقا فيه‪.‬‬
‫سّنة ما كان‬
‫سّنة لها بالقياس على الظهر‪ ،‬وهو أيضًا قياس فاسد‪ ،‬فإن ال ُ‬
‫ومنهم من أثبت ال ّ‬
‫سنة خلفائه الراشدين‪ ،‬وليس في مسألتنا شيء من ذلك‪ ،‬ول‬
‫ثابتًا عن النبي من قول أو فعل‪ ،‬أو ُ‬
‫ب فعله في عهد النبي صلى ال عليه‬
‫ت السنن في مثل هذا بالقياس‪ ،‬وأن هذا مما انعقد سب ُ‬
‫يجوز إثبا ُ‬
‫سّنة‪ ،‬ونظيُر هذا‪ ،‬أن ُيشرع لصلة العيد سنة قبلها‬
‫وسلم‪ ،‬فإذا لم يفعله ولم يشرعه‪ ،‬كان ترُكه هو ال ُ‬
‫ح أنه ل يسن الغسل للمبيت بمزدلفة‪ ،‬ول ِلرمي الجمار‪ ،‬ول‬
‫أو بعدها بالقياس‪ ،‬فلذلك كان الصحي ُ‬
‫للطواف‪ ،‬ول للكسوف‪ ،‬ول للستسقاء‪ ،‬لن النبي صلى ال عليه وسلم وأصحاَبه لم يغتسلوا لذلك‬
‫مع فعلهم لهذه العبادات‪.‬‬
‫ومنهم من احتج بما ذكره البخاري في ))صحيحه(( فقال‪ :‬باب الصلة قبل الجمعة وبعدها‪:‬‬
‫ل بن ُيوسف‪ ،‬أنبأنا مالك‪ ،‬عن نافع‪ ،‬عن ابن عمر‪ ،‬أن النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬كان‬
‫حدثنا عبد ا ّ‬
‫ظهر ركعتين‪ ،‬وبعدها ركعتين‪ ،‬وبعد المغرب ركعتين في بيته‪ ،‬وقبل العشاء ركعتين‪،‬‬
‫ل ال ّ‬
‫ُيصلي قب َ‬
‫حجة فيه‪ ،‬ولم ُيرد به البخاري‬
‫صِرف‪ ،‬فُيصلي ركعتين وهذا ل ُ‬
‫وكان ل ُيصلي بعد الجمعة حتى ين َ‬
‫ت السنة قبل الجمعة‪ ،‬وإنما مراُده أنه هل ورد في الصلة قبلها أو بعدها شيء؟ ثم ذكر هذا‬
‫إثبا َ‬
‫ل السنة إل بعدها‪ ،‬ولم يرد قبلها شيء‪.‬‬
‫الحديث‪ ،‬أي‪ :‬أنه لم ُيرو عنه فع ُ‬
‫‪202‬‬

‫وهذا نظير ما فعل في كتاب العيدين‪ ،‬فإنه قال‪ :‬باب الصلة قبل العيد وبعدها‪ ،‬وقال أبو‬
‫المعّلى‪ :‬سمعت سعيدًا عن ابن عباس‪ ،‬أنه كره الصلة قبل العيد‪ .‬ثم ذكر حديث سعيد بن جبير‪ ،‬عن‬
‫ابن عباس أن النبي صلى ال عليه وسلم خرج يوم الفطر‪ ،‬فصّلى ركعتين‪ ،‬لم يصل قبَلهما ول‬
‫بعَدهما ومعه بلل الحديث‪.‬‬
‫ل على أنه ل تشرع الصلُة قبَلها ول‬
‫ل ما ترجم للجمعة‪ ،‬وذكر للعيد حديثًا دا ً‬
‫فترجم للعيد مث َ‬
‫بعَدها‪ ،‬فدل على أن مراده من الجمعة كذلك‪.‬‬
‫ل عن الظهر‪ -‬وقد ذكر في الحديث السنة قبل الظهر‬
‫ضهم أن الجمعة لما كانت بد ً‬
‫وقد ظن بع ُ‬
‫ف(( بياناً‬
‫ل على أن الجمعة كذلك‪ ،‬وإنما قال‪)) :‬وكان ل ُيصلي بعد الجمعة حتى ينصِر َ‬
‫وبعدها ‪ -‬د ّ‬
‫لموضع صلة السنة بعد الجمعة‪ ،‬وأنه بعد النصراف‪ ،‬وهذا الظن غلط منه‪ ،‬لن البخاري قد ذكر‬
‫ل صلى ال عليه‬
‫ت مع رسول ا ّ‬
‫ل عنه‪ :‬صلي ُ‬
‫ث ابن عمر رضي ا ّ‬
‫في باب التطوع بعد المكتوبة حدي َ‬
‫ن بعد العشاء‪،‬‬
‫ن قبل الظهر‪ ،‬وسجدتين بعَد الظهر‪ ،‬وسجدتين بعَد المغرب‪ ،‬وسجدتي ِ‬
‫جدتي ِ‬
‫سْ‬
‫وسلم َ‬
‫ن بعد الجمعة‪ .‬فهذا صريح في أن الجمعة عند الصحابة صلٌة مستِقَلة بنفسها غير الظهر‪،‬‬
‫وسجدتي ِ‬
‫عِلَم أنه ل سنة‬
‫ت اسم الظهر‪ ،‬فلما لم يذكر لها سنًة إل بعدها‪ُ ،‬‬
‫وإل لم يحتج إلى ِذكرها ِلدخولها تح َ‬
‫لها قبلها‪.‬‬
‫سَليك‬
‫ومنهم من احتج بما رواه ابن ماجه في ))سننه(( عن أبي هريرة وجابر‪ ،‬قال‪ :‬جاء ُ‬
‫جيَء؟((‬
‫ن َت ِ‬
‫ل َأ ْ‬
‫ت رْكَعَتْين َقْب َ‬
‫صّلْي َ‬
‫ب فقال له‪َ)) :‬أ َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم يخط ُ‬
‫لا ّ‬
‫الَغطفاني ورسو ُ‬
‫جّوز فيهما((‪ .‬وإسناده ثقات‪.‬‬
‫ن َوَت َ‬
‫ل َرْكَعَتْي ِ‬
‫قال‪ :‬ل‪ .‬قال‪َ)) :‬فص ّ‬
‫قال أبو البركات ابن تيمية‪ :‬وقوله‪)) :‬قبل أن تجيء(( يدل عن أن هاتين الركعتين سنة‬
‫الجمعة‪ ،‬وليست تحية المسجد‪ .‬قال‪ :‬شيخنا حفيُده أبو العباس‪ :‬وهذا غلط‪ ،‬والحديث المعروف في‬
‫ل صلى ال عليه وسلم يخطب‪،‬‬
‫))الصحيحين(( عن جابر‪ ،‬قال‪ :‬دخل رجال يوَم الجمعة ورسول ا ّ‬
‫ب‪،‬‬
‫ط ُ‬
‫خُ‬‫لَماُم َي ْ‬
‫جُمَعَة وا ِ‬
‫حُدُكم ال ُ‬
‫صل َرْكَعَتْين‪ .‬وقال‪)) :‬إذا جاء َأ َ‬
‫ت(( قال‪ :‬ل‪ .‬قال‪َ :‬ف ّ‬
‫فقال ))َأصّلْي َ‬
‫جّوْز فيهما((‪ .‬فهذا هو المحفوظ في هذا الحديث‪ ،‬وأفراد ابن ماجه في الغالب‬
‫ن‪َ ،‬وْليَت َ‬
‫َفلَيْرَكْع َرْكَعَتْي ِ‬
‫غيُر صحيحة‪ ،‬هذا معنى كلمه‪.‬‬
‫ت قبل أن‬
‫جاج الحافظ المزي‪ :‬هذا تصحيف من الرواة‪ ،‬إنما هو ))أصلي َ‬
‫وقال شيخنا أبو الح ّ‬
‫ن ماجه إنما تداولته شيوخ لم يعتنوا به‪ ،‬بخلف صحيحي‬
‫ب اب ِ‬
‫خ‪ .‬وقال‪ :‬وكتا ُ‬
‫تجلس(( فغلط فيه الناس ُ‬
‫‪203‬‬

‫البخاري ومسلم‪ ،‬فإن الحفاظ تداولوهما‪ ،‬واعَتَنْوا بضبطهما وتصحيحهما‪ ،‬قال‪ :‬ولذلك وقع فيه‬
‫ط وتصحيف‪.‬‬
‫أغل ٌ‬
‫قلت‪ :‬ويدل على صحة هذا أن الذين اعَتَنْوا بضبط سنن الصلة قبلها وبعدها‪ ،‬وصنفوا في‬
‫ث في سنة الجمعة قبلها‪ ،‬وإنما‬
‫ذلك من أهل الحكام والسنن وغيرها‪ ،‬لم يذكر واحٌد منهم هذا الحدي َ‬
‫لمام على المنبر‪ ،‬واحتجوا به على من منع ِمن فعلها في‬
‫ذكروه في استحباب فعل تحية المسجد وا ِ‬
‫ظها‪ ،‬وشهرُتها‬
‫هذه الحال‪ ،‬فلو كانت هي سنَة الجمعة‪ ،‬لكان ذكرها هناك‪ ،‬والترجمُة عليها‪ ،‬وحف ُ‬
‫أولى من تحية المسجد‪ .‬ويدل عليه أيضًا أن النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬لم يأمر بهاتين الركعتين إل‬
‫الداخل لجل أنها تحيُة المسجد‪ .‬ولو كانت سنة الجمعة‪ ،‬لمر بها القاعدين أيضًا‪ ،‬ولم يخص بها‬
‫الداخل وحده‪.‬‬
‫ومنهم من احتج بما رواه أبو داود في ))سننه((‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مسّدد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا إسماعيل‪،‬‬
‫حدثنا أيوب‪ ،‬عن نافع‪ ،‬قال‪ :‬كان ابن عمر ُيطيل الصلة قبل الجمعة‪ ،‬وُيصلي بعدها ركعتين في‬
‫ل صلى ال عليه وسلم كان يفعل ذلك‪ .‬وهذا ل حجة فيه على أن للجمعة‬
‫بيته‪ ،‬وحدث أن رسول ا ّ‬
‫سنًة قبلها‪ ،‬وإنما أراد بقوله‪ :‬إن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يفعل ذلك‪ :‬أنه كان ُيصلي‬
‫الركعتين بعد الجمعة في بيته ل ُيصليهما في المسجد‪ ،‬وهذا هو الفضل فيهما‪ ،‬كما ثبت في‬
‫ل صلى ال عليه وسلم كان ُيصلي بعد الجمعة ركعتين‬
‫))الصحيحين(( عن ابن عمر أن رسول ا ّ‬
‫في بيته‪ .‬وفي ))السنن(( عن ابن عمر‪ ،‬أنه إذا كان بمكة‪ ،‬فصلى الجمعة‪ ،‬تقدم‪ ،‬فصّلى ركعتين‪ ،‬ثم‬
‫تقدم فصّلى أربعًا‪ ،‬وإذا كان بالمدينة‪ ،‬صلى الجمعة‪ ،‬ثم رجع إلى بيته‪ ،‬فصّلى ركعتين‪ ،‬ولم ُيصل‬
‫ل عليه وآله وسلم يفعل ذلك‪ .‬وأما إطالة ابن عمر‬
‫ل صلى ا ّ‬
‫بالمسجد‪ ،‬فقيل له‪ ،‬فقال‪ :‬كان رسول ا ّ‬
‫ع مطلق‪ ،‬وهذا هو الولى لمن جاء إلى الجمعة أن يشتِغل بالصلة‬
‫الصلة قبل الجمعة‪ ،‬فإنه تطو ٌ‬
‫لمام‪ ،‬كما تقدم من حديث أبي هريرة‪ ،‬وُنبيشة الهذلي عن النبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫حتى يخرج ا ِ‬
‫قال أبو هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم‪)) :‬من اغتسل يوم الجمعة‪ ،‬ثم أتى المسجَد‪،‬‬
‫غِفَر له ما بينه وبين‬
‫خطبته‪ ،‬ثم ُيصلي معه‪ُ ،‬‬
‫غ الماُم من ُ‬
‫ت حتى َيفُر َ‬
‫فصّلى ما ُقّدَر له‪ ،‬ثم أنص َ‬
‫الجمعة الخرى‪ ،‬وفضل ثلثة أّياٍم((‪ .‬وفي حديث ُنبيشة الهذلي‪)) :‬إن المسلَم إذا اغتسل يوَم‬
‫خرج‪ ،‬صّلى ما بدا له‪ ،‬وإن وجد‬
‫لمام َ‬
‫ل إلى المسجد ل ُيؤذي أحدًا‪ ،‬فإن لم يجد ا ِ‬
‫الجمعة‪ ،‬ثم أقب َ‬
‫جمعته‬
‫ي الماُم جمعته وكلَمه‪ ،‬إن لَم ُيغفر له في ُ‬
‫الماَم خرج‪ ،‬جلس‪ ،‬فاستمع وأنصت حتى يقض َ‬
‫ل عنهم‪.‬‬
‫ي الصحابة رضي ا ّ‬
‫ن تكون َكّفاَرًة للجمعة التي تليها(( هكذا كان هد ُ‬
‫تلك ذنوبه كّلها َأ ْ‬
‫‪204‬‬

‫قال ابن المنذر‪ :‬روينا عن ابن عمر‪ :‬أنه كان ُيصلي قبل الجمعة ِثنتي عشرة ركعة‪.‬‬
‫وعن ابن عباس‪ ،‬أنه كان يصلي ثمان ركعات‪ .‬وهذا دليل على أن ذلك كان منهم من باب‬
‫ي عنهم في ذلك‪ ،‬وقال الترمذي في ))الجامع((‪:‬‬
‫التطوع المطلق‪ ،‬ولذلك اختلف في العدد المرو َ‬
‫ن المبارك‬
‫وُروي عن ابن مسعود‪ ،‬أنه كان ُيصلي قبل الجمعة أربعًا وبعدها أربعًا‪ .‬وإليه ذهب اب ُ‬
‫ي‪.‬‬
‫والثور ّ‬
‫ل‪ ،‬إذا كان يوم الجمعة‬
‫ت أبا عبد ا ّ‬
‫وقال إسحاق بن إبراهيم بن هانىء النيسابوري‪ :‬رأي ُ‬
‫ُيصلي إلى أن يعلَم أن الشمس قد قاربت أن تزول‪ ،‬فإذا قاربت‪ ،‬أمسك عن الصلة حتى ُيؤّذ َ‬
‫ن‬
‫صل بينهما بالسلم‪ ،‬فإذا صلى‬
‫المؤّذن‪ ،‬فإذا أخذ في الذان‪ ،‬قام فصلى ركعتين أو أربعًا‪َ ،‬يف ِ‬
‫الفريضة‪ ،‬انتظر في المسجد‪ ،‬ثم يخرج منه‪ ،‬فيأتي بعض المساجد التي بحضرة الجامع‪ ،‬فُيصلي فيه‬
‫ركعتين‪ ،‬ثم يجلس‪ ،‬وربما صّلى أربعًا‪ ،‬ثم يجلس‪ ،‬ثم يقوم‪ ،‬فيصلي ركعتين أخريين‪ ،‬فتلك ست‬
‫ركعات على حديث علي‪ ،‬وربما صلى بعد الست ستًا أخر‪ ،‬أو أقل‪ ،‬أو أكثر‪ .‬وقد أخذ من هذا بع ُ‬
‫ض‬
‫أصحابه رواية‪ :‬أن للجمعة قبلها سنة ركعتين أو أربعًا‪ ،‬وليس هذا بصريح‪ ،‬بل ول ظاهر‪ ،‬فإن‬
‫أحمد كان ُيمسك عن الصلة في وقت النهي‪ ،‬فإذا زال وقت النهي‪ ،‬قام فأتم تطوعه إلى خروج‬
‫لمام‪ ،‬فربما أدرك أربعًا‪ ،‬وربما لم ُيدرك إل ركعتين‪.‬‬
‫اِ‬
‫ومنهم من احتج على ثبوت السنة قبلها‪ ،‬بما رواه ابن ماجه في ))سننه(( حدثنا محمد بن‬
‫يحيى‪ ،‬حدثنا يزيد بن عبد رّبه‪ ،‬حدثنا بقية‪ ،‬عن مبشر بن عبيد‪ ،‬عن حجاج بن أرطاة‪ ،‬عن عطية‬
‫صل‬
‫جمعة أربعًا‪ ،‬ل يف ِ‬
‫الَعْوفي‪ ،‬عن ابن عباس‪ ،‬قال‪ :‬كان النبي صلى ال عليه وسلم يركع قبل ال ُ‬
‫بينها في شيء منها‪ .‬قال ابن ماجه‪ :‬باب الصلة قبل الجمعة‪ ،‬فذكره‪.‬‬
‫وهذا الحديث فيه عدة بليا‪ ،‬إحداها‪ :‬بقية بن الوليد‪ :‬إمام المدلسين وقد عنعنه‪ ،‬ولم يصرح‬
‫بالسماع‪.‬‬
‫ل بن أحمد‪ :‬سمعت أبي يقول‪ :‬شيخ كان‬
‫عبيد‪ ،‬المنكر الحديث‪ .‬وقال عبد ا ّ‬
‫الثانية‪ :‬مبشر بن ُ‬
‫يقال له‪ :‬مبشر بن عبيد كان بحمص‪ ،‬أظنه كوفيًا‪ ،‬روى عنه بقية‪ ،‬وأبو المغيرة‪ ،‬أحاديُثه أحاديث‬
‫موضوعة كذب‪ .‬وقال الدارقطني‪ :‬مبشر بن عبيد متروك الحديث‪ ،‬أحاديثه ل يتابع عليها‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬الحجاج بن أرطاة الضعيف المدلس‪.‬‬
‫الرابعة‪.:‬عطية العوفي‪ ،‬قال البخاري‪ :‬كان هشيم يتكلم فيه‪ ،‬وضعفه أحمد وغيره‪.‬‬
‫‪205‬‬

‫وقال البيهقي‪ :‬عطية الَعْوفي ل يحتج به‪ ،‬ومبشر بن عبيد الحمصي منسوب إلى‬
‫وضع الحديث‪ ،‬والحجاج بن أرطاة‪ ،‬ل يحتج به‪ .‬قال بعضهم‪ :‬ولعل الحديث انقلب على بع ِ‬
‫ض‬
‫جُمعة أربعًا‪ ،‬وإنما هو بعد الجمعة‪،‬‬
‫ل ال ُ‬
‫هؤلء الثلثة الضعفاء‪ ،‬لعدم ضبطهم وإتقانهم‪ ،‬فقال‪َ :‬قْب َ‬
‫ل بن عمر‬
‫فيكون موافقًا لما ثبت في ))الصحيح(( ونظير هذا‪ :‬قول الشافعي في رواية عبد ا ّ‬
‫العمري‪)) :‬للفارس سهمان‪ ،‬وللراجل سهم((‪ .‬قال الشافعي‪ :‬كأنه سمع نافعًا يقول‪ :‬للفرس سهمان‪،‬‬
‫ل‪ ،‬قال‪:‬‬
‫وللراجل سهم‪ ،‬فقال‪ :‬للفارس سهمان‪ ،‬وللراجل سهم‪ .‬حتى يكون موافقًا لحديث أخيه عبيد ا ّ‬
‫ل في الحفظ‪.‬‬
‫ل بن عمر على أخيه عبد ا ّ‬
‫وليس يشك أحد من أهل العلم في تقديم عبيد ا ّ‬
‫جَهنم ُيلقى‬
‫ل َ‬
‫لسلم ابن تيمية في حديث أبي هريرة ))ل َتَزا ُ‬
‫خا ِ‬
‫قلت‪ :‬ونظير هذا ما قاله شي ُ‬
‫ضها إلى َبْعض‪،‬‬
‫ب الِعّزِة فيها قدَمه‪َ ،‬فَيْرِوي َبع ُ‬
‫ضَع ر ّ‬
‫فيَها‪ ،‬وهي َتُقول‪َ :‬هل ِمن َمزيد؟ حتى َي َ‬
‫وتقول‪َ :‬قط‪َ ،‬قط‪ .‬وأما الجنُة‪ :‬فُينشىء ال لها خلقًا(( فانقلب على بعض الرواة فقال أما النار‪:‬‬
‫ل لها خلقًا‪.‬‬
‫فينشىء ا ّ‬
‫ن أم‬
‫ل يؤّذن بَليل‪ ،‬فُكُلوا واشَرُبوا حتى ُيؤّذن اب ُ‬
‫ث عائشة ))إن بل ً‬
‫قلت‪ :‬ونظيُر هذا حدي ُ‬
‫ن أم مكتوم يؤّذن بليل‪ ،‬فكلوا‬
‫مكتوم(( وهو في ))الصحيحين(( فانقلب على بعض الرواة‪ ،‬فقال‪ :‬اب ُ‬
‫واشربوا حتى يؤّذن بلل‪.‬‬
‫ضْع‬
‫ك الَبعيُر ولي َ‬
‫ل َيْبُرك كَما َيْبُر ُ‬
‫حُدُكم َف َ‬
‫صَلى َأ َ‬
‫ونظيره أيضًا عندي حديث أبي هريرة ))إذا َ‬
‫ل أعلم ‪ -‬فيما قاله رسوُله الصادق المصدوق‪)) ،‬وليضع ركبتيه‬
‫ل ُركَبَتْيِه(( وأظنه َوِهَم ‪ -‬وا ّ‬
‫َيَده َقْب َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ))إذا سجد‪ ،‬وضع ُركبتيه‬
‫حجر‪ :‬كان رسول ا ّ‬
‫قبل يديه((‪ .‬كما قال وائل بن ُ‬
‫ث وائل بن حجر‪ ،‬أصح من حديث أبي هريرة‪ .‬وقد سبقت‬
‫قبل يديه((‪ .‬وقال الخطابي وغيره‪ :‬وحدي ُ‬
‫المسألة مستوفاة في هذا الكتاب والحمد ل‪.‬‬
‫سّنَتها‪،‬‬
‫وكان صلى ال عليه وسلم إذا صلى الجمعة‪ ،‬دخل إلى منزله‪ ،‬فصلى ركعتين ُ‬
‫ي بعدها أربعًا‪ .‬قال شيخنا أبو العباس ابن تيمية‪ :‬إن صلى في المسجد‪،‬‬
‫ن صلها أن ُيصل َ‬
‫وأمر َم ْ‬
‫ت‪ :‬وعلى هذا تدل الحاديث‪ ،‬وقد ذكر أبو داود‬
‫صلى أربعًا‪ ،‬وإن صلى في بيته‪ ،‬صلى ركعتين‪ .‬قل ُ‬
‫عن ابن عمر أنه كان إذا صّلى في المسجد‪ ،‬صلى أربعًا‪ ،‬وإذا صلى في بيته‪ ،‬صلى ركعتين‪.‬‬
‫وفي ))الصحيحين((‪ :‬عن ابن عمر‪ ،‬أن النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬كان يصلي بعد الجمعة‬
‫ركعتين في بيته‪ .‬وفي ))صحيح مسلم((‪ ،‬عن أبي هريرة‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم ))ِإَذا‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫ت((‪ .‬وا ّ‬
‫ل َبْعَدَها َأْرَبَع َرَكَعا ٍ‬
‫صّ‬‫جُمَعة‪َ ،‬فْلي َ‬
‫حُدُكُم ال ُ‬
‫صّلى َأ َ‬
‫َ‬
‫‪206‬‬

‫فصل‬
‫في هديه صلى ال عليه وسلم‪ ،‬في العيدين‬
‫صّلى‪ ،‬وهو المصّلى الذي على باب المدينة‬
‫كان صلى ال عليه وسلم ُيصلي العيدين في الُم َ‬
‫ل العيَد بمسجده إل مرًة واحدة‬
‫ل الحاج‪ ،‬ولم ُيص ّ‬
‫حِم ُ‬
‫الشرقي‪ ،‬وهو المصّلى الذي ُيوضع فيه َم ْ‬
‫أصابهم مطر‪ ،‬فصّلى بهم العيَد في المسجد إن ثبت الحديث‪ ،‬وهو في سنن أبي داود وابن ماجة‬
‫وهدُيه كان ِفعلهما في المصّلى دائمًا‪.‬‬
‫سها للعيدين والجمعة‪ ،‬ومرة كان‬
‫حّلة يلَب ُ‬
‫ل ثيابه‪ ،‬فكان له ُ‬
‫وكان يلَبس للخروج إليهما أجم َ‬
‫ض الناس‪ ،‬فإنه لو‬
‫َيلَبس ُبرَدين أخضرين‪ ،‬ومرة بردًا أحمر‪ ،‬وليس هو أحمَر ُمصَمتًا كما يظنه بع ُ‬
‫كان كذلك‪ ،‬لم يكن ُبردًا‪ ،‬وإنما فيه خطوط حمر كالبرود اليمنية‪ ،‬فسمي أحمر باعتبار ما فيه من‬
‫ي عن ُلبس المعصفر والحمر‪،‬‬
‫ض النه ُ‬
‫ذلك‪ .‬وقد صح عنه صلى ال عليه وسلم ِمن غير معار ٍ‬
‫ل بن عمرو لما رأى عليه ثوبين أحمرين أن َيحِرَقهما فلم يكن ليكره الحمر هذه‬
‫وأمر عبد ا ّ‬
‫سه‪ ،‬والذي يُقوم عليه الدليل تحريُم ِلباس الحمر‪ ،‬أو كراهيُته كراهية شديدة‪.‬‬
‫الكراهة الشديدة ثم يلَب ُ‬
‫)يتبع‪(...‬‬
‫ل خروجه في عيد الفطر تمرات‪ ،‬ويأكلهن‬
‫وكان صلى ال عليه وسلم يأُكل قب َ‬ ‫@‬
‫جَع ِمن المصّلى‪ ،‬فيأكل من أضحيته‪.‬‬
‫وترًا‪ ،‬وأما في عيد الضحى‪ ،‬فكان ل َيطَعُم حتى َير ِ‬
‫وكان يغتسل للعيدين‪ ،‬صح الحديث فيه‪ ،‬وفيه حديثان ضعيفان‪ :‬حديث ابن‬
‫عباس‪ ،‬من رواية جبارة بن ُمَغّلس‪ ،‬وحديث الفاِكه بن سعد‪ ،‬من رواية يوسف بن خالد السمتي‪.‬‬
‫سّنة‪ ،‬أنه كان يغتسل يوم العيد قبل خروجه‪.‬‬
‫شدة اّتباعه لل ُ‬
‫ولكن ثبت عن ابن عمر مع ِ‬
‫وكان صلى ال عليه وسلم يخرج ماشيًا‪ ،‬والَعَنَزُة تحمل بين يديه‪ ،‬فإذا‬
‫ي إليها‪ ،‬فإن المصّلى كان إذ ذاك فضاًء لم يكن فيه بناٌء‬
‫صبت بين يديه ليصل َ‬
‫وصل إلى المصّلى‪ُ ،‬ن ِ‬
‫سترَته‪.‬‬
‫ول حائط‪ ،‬وكانت الحربُة ُ‬
‫ن عمر مع شدة اتباعه للسنة‪ ،‬ل‬
‫جل الضحى‪ ،‬وكان اب ُ‬
‫خر صلة عيد الفطر‪ ،‬وُيع ّ‬
‫وكان ُيَؤ ّ‬
‫س‪ ،‬ويكّبر ِمن بيته إلى المصلى‪ .‬وكان صلى ال عليه وسلم إذا انتهى إلى‬
‫يخُرج حتى تطُلع الشم ُ‬
‫المصّلى‪ ،‬أخذ في الصلة من غير أذان ول إقامة ول قول‪ :‬الصلة جامعة‪ ،‬والسنة‪ :‬أنه ل ُيفعل‬
‫شيء من ذلك‪.‬‬
‫ولم يكن هو ول أصحاُبه ُيصلون إذا انتهوا إلى المصّلى شيئًا قبل الصلة ول بعدها‪.‬‬
‫‪207‬‬

‫خطبة‪ ،‬فُيصّلي ركعتين‪ ،‬يكّبر في الولى سبعَ تكبيرا ِ‬


‫ت‬ ‫ل ال ُ‬
‫وكان يبدأ بالصلة قب َ‬
‫عنه ذكٌر معين بين‬
‫ُمتوالية بتكبيرة الفتتاح‪ ،‬يسُكت بين ُكل تكبيرتين سكتًة يسيرة‪ ،‬ولم ُيحَفظ َ‬
‫ي عليه‪ ،‬ويصّلي على النبي صلى ال‬
‫ل‪ ،‬وُيثن َ‬
‫التكبيرات‪ ،‬ولكن ُذكَر عن ابن مسعود أنه قال‪َ :‬يحَمُد ا َّ‬
‫ل تكبيرة‪.‬‬
‫ن عمر مع تحريه للتباع‪ ،‬يرفع يديه مع ُك ّ‬
‫عليه وسلم‪ ،‬ذكرَه الخلل‪ .‬وكان اب ُ‬
‫وكان صلى ال عليه وسلم إذا أتم التكبير‪ ،‬أخذ في القراءة‪ ،‬فقرأ فاِتحة‬
‫عُة‬
‫الكتاب‪ ،‬ثم قرأ بعدها )ق والقرآن المجيد( في إحدى الركعتين‪ ،‬وفي الخرى‪) ،‬اقترَبت السا َ‬
‫ق الَقَمُر(‪.‬‬
‫وانش ّ‬
‫ث الَغاشية( صح عنه هذا وهذا‪،‬‬
‫ح اسَم رّبك العلى(‪ ،‬و )هل أتاك حدي ُ‬
‫وربما قرأ فيهما )سب ّ‬
‫صح عنه غيُر ذلك‪.‬‬
‫ولم َي ِ‬
‫فإذا فرغ من القراءة‪ ،‬كّبر وركع‪ ،‬ثم إذا أكمل الركعة‪ ،‬وقام من السجود‪ ،‬كّبر خمسًا‬
‫متوالية‪ ،‬فإذا أكمل التكبيَر‪ ،‬أخذ في القراءِة‪ ،‬فيكون التكبيُر َأّول ما يبدأ به في الركعتين‪ ،‬والقراءة‬
‫ل‪ ،‬ثم قرأ‬
‫يليها الركوع‪ ،‬وقد ُروي عنه صلى ال عليه وسلم أنه والى بين القراءتين‪ ،‬فكبر أو ً‬
‫وركع‪ ،‬فلما قام في الثانية‪ ،‬قرأ وجعل التكبير بعد القراءة‪ ،‬ولكن لم يثبت هذا عنه‪ ،‬فإنه من رواية‬
‫محمد بن معاوية النيسابوري‪ .‬قال البيهقي‪ :‬رماه غيُر واحد بالكذب‪.‬‬
‫ل بن عمرو بن عوف‪ ،‬عن أبيه عن جده‪ ،‬أن‬
‫وقد روى الترمذي من حديث كثير بن عبد ا ّ‬
‫خَرة خمسًا‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ‪.‬كّبر في العيدين في الولى سبعًا َقبل الِقَراَءة‪ ،‬وفي ال ِ‬
‫رسول ا ّ‬
‫ي عن هذا الحديث‪ ،‬قال‪ :‬ليس في الباب شيء‬
‫ل القراءة‪ .‬قال الترمذي‪ :‬سألت محمدًا يعني البخار ّ‬
‫َقب َ‬
‫ح ِمن هذا‪ ،‬وبه أقول‪ ،‬وقال‪ :‬وحديث عبد ال بن عبد الرحمن الطائفي عن عمرو بن شعيب‪،‬‬
‫أص ّ‬
‫عن أبيه‪ ،‬عن جده في هذا الباب‪ ،‬هو صحيح أيضًا‪.‬‬
‫قلت‪ُ :‬يريد حديثه أن النبي صلى ال عليه وسلم كّبر في عيد ِثنتي عشرة تكبيرة‪ ،‬سبعًا في‬
‫لولى‪ ،‬وخمسًا في الخرة‪ ،‬ولم ُيصل قبلها ول بعدها‪ .‬قال أحمد‪ :‬وأنا أذهب إلى هذا‪ .‬قلت‪ :‬وكثير‬
‫اُ‬
‫ل بن عمرو هذا ضرب أحمد على حديثه في ))المسند(( وقال‪ :‬ل ُيساوي حديُثه شيئًا‪،‬‬
‫بن عبد ا ّ‬
‫ي بأنه أصح شيء في الباب‪ ،‬مع‬
‫والترمذي تارة ُيصحح حديثه‪ ،‬وتارة ُيحسنه‪ ،‬وقد صرح البخار ّ‬
‫حكمه بصحة حديث عمرو بن شعيب‪ ،‬وأخبر أنه يذهب إليه‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫وكان صلى ال عليه وسلم إذا أكمل الصلَة‪ ،‬انصرف‪ ،‬فقام ُمقاِبل الناس‪ ،‬والنا ُ‬
‫س‬
‫جلوس على صفوفهم‪ ،‬فيِعظهم وُيوصيهم‪ ،‬ويأمرهم وينهاهم‪ ،‬وإن كان ُيريد أن يقطع بعثًا قطعه‪ ،‬أو‬
‫‪208‬‬

‫ج منبر المدينة‪ ،‬وإنما كان‬


‫خِر ُ‬
‫يأمر بشيء أمر به‪ .‬ولم يكن ُهنالك ِمنبر يرقى عليه‪ ،‬ولم يكن ي ْ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم الصلة يوَم‬
‫لا ّ‬
‫ت مع رسو ِ‬
‫يخطبهم قائمًا على الرض‪ ،‬قال جابر‪ :‬شِهد ُ‬
‫ل‪ ،‬وح ّ‬
‫ث‬ ‫العيد‪ ،‬فبدأ بالصلة قبل الخطبة بل أذان ول إقامة‪ ،‬ثم قام متوكئًا على بلل‪ ،‬فامر بتقوى ا ّ‬
‫على طاعته‪ ،‬ووعظ النّاس‪ ،‬وذّكرهم‪ ،‬ثم مضى حتى أتى النساء‪ ،‬فوعظهن وذّكرُهن‪ ،‬متفق عليه‪.‬‬
‫ن النبي صلى ال عليه وسلم يخُرج يوم الِفطر والضحى إلى الُمصّلى‪،‬‬
‫خدري‪ :‬كا َ‬
‫وقال أبو سعيد ال ُ‬
‫س جلوس على صفوفهم ‪ ...‬الحديث‪.‬‬
‫ل الناس‪ ،‬والنا ُ‬
‫ف‪ ،‬فيُقوم مقاِب َ‬
‫صلُة‪ ،‬ثم ينصِر ُ‬
‫فأول ما َيبدأ به ال ّ‬
‫رواه مسلم‪.‬‬
‫خدري‪ :‬أنه صلى ال عليه وسلم‪ .‬كان يخرج يوم العيد‪ ،‬فُيصلي بالناس‬
‫وذكر أبو سعيد ال ُ‬
‫صّدقوا((‪،‬‬
‫س‪ ،‬فيقول‪َ)) :‬ت َ‬
‫ل الناس وهم صفوف جلو ٌ‬
‫سّلم‪ ،‬فيِقف على راحلته مستقِب َ‬
‫ركعتين‪ ،‬ثم ُي َ‬
‫فأكثُر من يتصدق النساء‪ ،‬بالُقرط والخاتم والشيء‪ .‬فإن كانت له حاجة ُيريد أن يبعث بعثًا يذكره‬
‫لهم‪ ،‬وإل انصرف‪.‬‬
‫وقد كان يقع لي أن هذا وهم‪ ،‬فإن النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬إنما كان يخرج إلى العيد‬
‫خَلد‬
‫ن َم ْ‬
‫ت َبِقي ب َ‬
‫ماشيًا‪ ،‬والعنزة بين يديه‪ ،‬وإنما خطب على راحلته يوَم النحر بِمنى‪ ،‬إلى أن رأي ُ‬
‫ل بن ُنمير‪ ،‬حّدثنا‬
‫الحافظ قد ذكر هذا الحديث في ))مسنده(( عن أبي بكر بن أبي شيبة‪ ،‬حّدثنا عبد ا ّ‬
‫خدري‪ ،‬قال‪ :‬كان‬
‫ل بن سعد بن أبي سرح‪ ،‬عن أبي سعيد ال ُ‬
‫عياض بن عبد ا ّ‬
‫داود بن قيس‪ ،‬حّدثنا ِ‬
‫ك الركعتين‪ ،‬ثم‬
‫ل صلى ال عليه وسلم يخُرج َيْوَم الِعيد ِمن َيوِم الِفطر‪ ،‬فُيصلي بالناس َتْيِن َ‬
‫رسول ا ّ‬
‫صّدُقوا((‪ .‬وكان أكثُر من يتصدق النساء وذكر الحديث‪.‬‬
‫ُيسلم‪ ،‬فيستقبل الناس‪ ،‬فيقول‪َ)) :‬ت َ‬
‫عياض‪ ،‬عن أبي سعيد‪:‬‬
‫لد‪ ،‬حّدثنا أبو عامر‪ ،‬حّدثنا داود‪ ،‬عن ِ‬
‫ثم قال‪ :‬حّدثنا أبو بكر بن خ ّ‬
‫ي صلى ال عليه وسلم يخُرج في يوم الفطر‪ ،‬فُيصلي بالناس‪ ،‬فيبدأ بالركعتين‪ ،‬ثم يستقِبُلهم‬
‫كان النب ّ‬
‫وهم جلوس‪ ،‬فيقول‪َ)) :‬تصّدُقوا(( فذكر مثله وهذا إسناُد أبن ماجه إل أنه رواه عن أبي كريب‪ ،‬عن‬
‫حف‬
‫أبي أسامة‪ ،‬عن داود‪ .‬ولعله‪ :‬ثم يقوم على رجليه‪ ،‬كما قال جابر‪ :‬قام متوكئًا على بلل‪ ،‬فتص ّ‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫على الكاتب‪ :‬براحلته‪ .‬وا ّ‬
‫ت صلَة الِفطر مع نبي الّ‬
‫فإن قيل‪ :‬فقد أخرجا في ))الصحيحين(( عن ابن عباس‪ ،‬قال شِهد ُ‬
‫صّليها قبل الخطبة‪ ،‬ثم‬
‫ل عنهم‪ ،‬فكّلهم ُي َ‬
‫ن رضي ا ّ‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وأبي بكر‪ ،‬وعمر‪ ،‬وعثما َ‬
‫ل بيده‪ ،‬ثم أقبل‬
‫س الّرجا َ‬
‫جّل ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬كأني أنظر إليه حين ُي َ‬
‫طب‪ ،‬قال‪ :‬فنزل نبي ا ّ‬
‫يخ ُ‬
‫‪209‬‬

‫نل‬
‫ك على َأ ْ‬
‫ت ُيباِيْعَن َ‬
‫ك الُمؤِمنا ُ‬
‫جاء َ‬
‫ي إذا َ‬
‫يشّقهم حتى جاء إلى النساء ومعه بلل‪ ،‬فقال‪َ} :‬يَأّيها الّنب ّ‬
‫ث‪.‬‬
‫شْيئًا{ ]الممتحنة‪ [12 :‬فتل الية حتى فرغ منها‪ ،‬الحدي َ‬
‫ل َ‬
‫ن ِبا ّ‬
‫شِرْك َ‬
‫ُي ْ‬
‫وفي ))الصحيحين(( أيضًا‪ ،‬عن جابر‪ ،‬أن النبي صلى ال عليه وسلم قام‪ ،‬فبدأ بالصلة‪ ،‬ثم‬
‫ل صلى ال عليه وسلم نزل فأتى النساء فذّكرهن‪ ،‬الحديث‪ .‬وهو‬
‫يا ّ‬
‫س َبْعُد‪ ،‬فلما فرغ نب ّ‬
‫خطب الّنا َ‬
‫ن أو طين أو‬
‫يدل على أنه كان يخطب على منبر‪ ،‬أو على‪ ،‬راحلته‪ ،‬ولعله كان قد ُبني له منبر من َلِب ٍ‬
‫نحوه؟‬
‫قيل‪ :‬ل ريب في صحة هذين الحديثين‪ ،‬ول ريب أن الِمنبر لم يكن ُيخَرج من المسجد‪ ،‬وأول‬
‫ن بن الحكم‪ ،‬فُأنِكَر عليه‪ ،‬وأما منبر الّلبن والطين‪ ،‬فأول من بناه كثير بن الصلت‬
‫من أخرجه مروا ُ‬
‫ن يقوم في‬
‫في إمارة مروان على المدينة‪ ،‬كما هو في ))الصحيحين(( فلعله صلى ال عليه وسلم كا َ‬
‫طبة‪ ،‬ثم ينحدر منه إلى النساء‪ ،‬فيِقف‬
‫المصَلى على مكان مرتفع‪ ،‬أو ُدكان وهي التي تسمى ِمص َ‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫عليهن‪ ،‬فيخطبُهن‪ ،‬فيِعظهن‪ ،‬ويذّكُرهن‪ .‬وا ّ‬
‫ل‪ ،‬ولم ُيحفظ عنه في حديث واحد‪ ،‬أنه كان يفتتح‬
‫طبه كّلها بالحمد ا ّ‬
‫خَ‬‫وكان يفتتح ُ‬
‫خطبتي العيدين بالتكبير‪ ،‬وإنما روى ابن ماجه في ))سننه(( عن سعد القرظ مؤّذن النبي صلى ال‬
‫ف الخطبة‪ ،‬ويكثر التكبير في خطبتي العيدين‪ .‬وهذا‬
‫ن أضعا ِ‬
‫عليه وسلم أّنه كان ُيكثر التكبير َبْي َ‬
‫خطبة العيدين والستسقاء‪ ،‬فقيل‪:‬‬
‫س في افتتاح ُ‬
‫ليدل على أنه كان يفتتحها به‪ .‬وقد اختلف النا ُ‬
‫ُيفتتحان بالتكبير‪ ،‬وقيل تفتتح خطبة الستسقاء بالستغفار‪ ،‬وقيل‪ُ :‬يفتتحان بالحمد‪ .‬قال شيخ السلم‬
‫حْمِد‬
‫ل ُيْبَدأ فيِه ِب َ‬
‫ل َ‬
‫ل َأْمٍر ذي با ٍ‬
‫ابن تيمية‪ :‬وهو الصواب‪ ،‬لن النبي صلى ال عليه وسلم قال ))ك ّ‬
‫جَذُم((‪.‬‬
‫ل‪َ ،‬فُهَو َأ ْ‬
‫ا ّ‬
‫وكان يفتتح خطَبه كّلها بالحمد ل‪.‬‬
‫خص لهم‬
‫ورخص صلى ال عليه وسلم لمن شهد العيد‪ :‬أن يجلس للخطبة‪ ،‬وأن يذهب‪ ،‬ور ّ‬
‫إذا وقع العيُد يوَم الجمعة أن يجتزئوا بصلة العيد عن حضور الجمعة‬
‫ق يوم العيد‪ ،‬فيذهب في طريق‪ ،‬ويرجُع في آخر‬
‫‪.‬وكان صلى ال عليه وسلم ُيخالف الطري َ‬
‫ي حاجة من له حاجة‬
‫فقيل‪ :‬ليسّلَم على أهل الطريقين‪ ،‬وقيل‪ :‬لينال بركَته الفريقان‪ ،‬وقيل‪ :‬ليقض َ‬
‫عّزة‬
‫لسلم في سائر الِفجاج والطرق‪ ،‬وقيل‪ :‬ليغيظ المنافقين برؤيتهم ِ‬
‫منهما‪ ،‬وقيل‪ :‬ليظهر شعاِئَر ا ِ‬
‫ى المسجد والمصّلى إحدى‬
‫السلم وأهله‪ ،‬وقيام شعائره‪ ،‬وقيل‪ :‬لتكثر شهادُة الِبقاع‪ ،‬فإن الذاهب إل َ‬
‫‪210‬‬

‫ط خطيئة حتى يرجع إلى منزله‪ ،‬وقيل وهو الصح‪ :‬إنه لذلك‬
‫خطوتيه ترفُع درجة‪ ،‬والخرى تح ّ‬
‫حَكم التي ل يخلو فعُله عنها‪.‬‬
‫ُكّله‪ ،‬ولغيره من ال ِ‬
‫وروي عنه‪ ،‬أنه كان ُيكّبر من صلة الفجر يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام‬
‫حْمُد‪.‬‬
‫ل ال َ‬
‫ل َأكَبر‪َ ،‬و ِّ‬
‫ل َأْكَبُر‪ ،‬ا ُّ‬
‫ل‪ ،‬وا ُّ‬
‫ل ا ُّ‬
‫ل إَلَه إ ّ‬
‫ل َأْكَبُر‪َ ،‬‬
‫ل َأْكَبُر‪ ،‬ا ُّ‬
‫التشريق‪ :‬ا ُّ‬
‫فصل‬
‫في هديه صلى ال عليه وسلم في صلة الكسوف‬
‫جّر رداءه‪ ،‬وكان‬
‫ج صلى ال عليه وسلم إلى المسجد ُمسِرعًا فِزعًا ي ُ‬
‫س‪ ،‬خر َ‬
‫شم ُ‬
‫ت ال ّ‬
‫سَف ِ‬
‫لما َك َ‬
‫سوُفها في أّول النهار على مقدار ُرمحين أو ثلثة ِمن طلوعها‪ ،‬فتقَدم‪ ،‬فصلى ركعتين‪ ،‬قرأ في‬
‫كُ‬
‫الولى بفاتحة الكتاب‪ ،‬وسورة طويلة‪ ،‬جهر بالقراءة‪ ،‬ثم ركع‪ ،‬فأطال الركوع‪ ،‬ثم رفع رأسه من‬
‫حِمَدُه َرّبَنا َل َ‬
‫ك‬ ‫ن َ‬
‫ل ِلَم ْ‬
‫سمَع ا ّ‬
‫الركوع‪ ،‬فأطال القيام وهو دون القيام الول‪ ،‬وقال لما رفع رأسه‪َ )) :‬‬
‫ل‪ ،‬ثم رفع رأسه من‬
‫حْمد((‪ ،‬ثم أخذ في القراءة‪ ،‬ثم ركع‪ ،‬فأطال الركوع وهو دون الركوع الو ِ‬
‫ال َ‬
‫ل ما فعل في الولى‪،‬‬
‫الركوع‪ ،‬ثم سجد سجدة طويلة فأطال السجود‪ ،‬ثم فعل في الركعة الخرى ِمث َ‬
‫ل ركعة ُركوعان وسجودان‪ ،‬فاستكمل في الركعتين أربَع ركعات وأربَع سجدات‪ ،‬ورأى‬
‫فكان في ُك ّ‬
‫عنقودًا من الجنة‪ ،‬فُيرَيهم إياه‪ ،‬ورأى أهل العذاب في‬
‫في صلته تلك الجنة والنار‪ ،‬وهّم أن يأخذ ُ‬
‫جوعًا وعطشًا‪ ،‬ورأى عمرو بن مالك يجر‬
‫شها ِهّرٌة ربطتها حتى ماتت ُ‬
‫النار‪ ،‬فرأى امرأة تخِد ُ‬
‫ق الحاج ُيعَذب‪ ،‬ثم انصرف‪،‬‬
‫ل من غّير دين إبراهيم‪ ،‬ورأى فيها ساِر َ‬
‫أمعاَءه في النار‪ ،‬وكان أو َ‬
‫ن بَمْو ِ‬
‫ت‬ ‫سَفا ِ‬
‫خِ‬‫ل ل َي ْ‬
‫تا ّ‬
‫ن ِمن آيا ِ‬
‫س َوالَقَمر َآَيَتا ِ‬
‫شْم َ‬
‫ن ال ّ‬
‫ظ منها قوله‪)) :‬إ ّ‬
‫حِف َ‬
‫فخطب بهم خطبة بليغة‪ُ ،‬‬
‫حٌد‬
‫ل َما َأ َ‬
‫حّمد‪ ،‬وا ّ‬
‫صُلوا‪ ،‬وَتصَدقوا يا ُأّمَة ُم َ‬
‫ل وَكبروا‪ ،‬و َ‬
‫ك‪ ،‬فادعوا ا ّ‬
‫حياِتِه‪ ،‬فإذا َرأْيُتم َذِل َ‬
‫حٍد‪َ ،‬ول ِل َ‬
‫َأ َ‬
‫ل‪،‬‬
‫حكتم َقلي ً‬
‫حّمد‪ ،‬وال َلو َتعَلمون ما َأعَلم َلض ِ‬
‫ي َأَمته‪ ،‬يا أّمة م َ‬
‫عبُدُه‪َ ،‬أْو َتْزن َ‬
‫ي َ‬
‫ن يزن َ‬
‫ن ال َأ ْ‬
‫َأغَيَر ِم َ‬
‫َوَلَبَكْيتْم َكِثيرًا((‪.‬‬
‫حّتى َلَقْد رأيُتني أريد أن آخَذ ِقطفًا ِمن‬
‫عدُتم به‪َ ،‬‬
‫شيٍء ُو ِ‬
‫ل َ‬
‫ت في َمَقاِمي هذا ُك ّ‬
‫وقال‪َ)) :‬لَقْد َرأي ُ‬
‫ت((‪.‬‬
‫خر ُ‬
‫ن رأْيتُموني َتَأ ّ‬
‫حي َ‬
‫ضًا ِ‬
‫ضها َبْع َ‬
‫طم َبْع ُ‬
‫جَهّنم َيح ِ‬
‫ت َ‬
‫ن رأيُتُموني َأَتقَدُم‪َ ،‬وَلَقد رأي ُ‬
‫حي َ‬
‫الجنة ِ‬
‫ساَء‪.‬‬
‫ل ألنار الّن َ‬
‫ظَع منها‪ ،‬وَرأْيت أكَثر أه ِ‬
‫ط َأْف َ‬
‫وفي لفظ‪َ :‬وَرأيت النّاَر فلم أَر كاليوم َمْنظرَا َق ّ‬
‫سان‪،‬‬
‫لح َ‬
‫نا ِ‬
‫ن الَعشيَر‪َ ،‬وَيكفر َ‬
‫ل؟ قال‪َ :‬يْكفر َ‬
‫ن با ّ‬
‫ن‪ .‬قيل‪ :‬أيكُفر َ‬
‫ل؟ قال‪ِ :‬بُكفِره ّ‬
‫قاُلوا‪َ :‬وِبَم يا رسول ا ّ‬
‫ط‪.‬‬
‫خيرًا ق ّ‬
‫ك َ‬
‫ت ِمن َ‬
‫شيئًا‪ ،‬قالت‪َ :‬ما َرأْي ُ‬
‫ك َ‬
‫ن الّدْهَر ُكّله‪ُ ،‬ثّم رأت ِمن َ‬
‫حداه ّ‬
‫ت إلى إ ْ‬
‫سن َ‬
‫لو َأح َ‬
‫‪211‬‬

‫حُدُكم‬
‫جال‪ُ ،‬يْؤتى َأ َ‬
‫ن ِفْتَنِة الّد َ‬
‫ل‪ ،‬أو َقريبًا ِم ْ‬
‫ي أَنُكم ُتفَتنون في الُقبوِر ِمث َ‬
‫حي إل ّ‬
‫ومنها‪)) :‬وَلَقْد ُأو ِ‬
‫ل‪ ،‬جاءَنا‬
‫سول ا ّ‬
‫حّمد َر ُ‬
‫ل؟ َفَأّما الُمؤِمن أو قال‪ :‬الُموِقن‪ ،‬فيقول‪ُ :‬م َ‬
‫جِ‬‫عْلُمك ِبَهذا الّر ُ‬
‫َفُيقال له‪ :‬ما ِ‬
‫ت لمؤمنا‪ ،‬وأّما الُمناِفق‬
‫عِلمَنا إن كن َ‬
‫صاِلحًا َفَقْد َ‬
‫جبنا‪ ،‬وآمَنّا‪ ،‬واّتَبعَنا‪ ،‬فُيقال َلُه‪ :‬نم َ‬
‫ت َوالُهَدى‪َ ،‬فَأ َ‬
‫بالبّيَنا ِ‬
‫شيئًا‪ ،‬فقلُته((‪.‬‬
‫س َيقوُلون َ‬
‫ب‪ ،‬فَيُقول‪ :‬ل أْدِري‪ ،‬سِمْعت الّنا َ‬
‫ل‪ :‬الُمْرتا ُ‬
‫َأْو َقا َ‬
‫حِمَد ال‬
‫سّلَم‪َ ،‬‬
‫ل‪ ،‬أنه صلي ال عليه وسلم لما َ‬
‫وفي طريق أخرى لحمد بن حنبل رحمه ا ّ‬
‫ل َه ْ‬
‫ل‬ ‫شُدُكم با ِّ‬
‫س‪ُ ،‬أُن ِ‬
‫ل‪ ،‬وأّنه عبُده ورسوُله‪ ،‬ثم قال‪َ)) :‬أّيَها النّا ُ‬
‫لا ّ‬
‫شهد أن ل إَله إ ّ‬
‫وأثنى عليه‪ ،‬و َ‬
‫شَهدُ‬
‫ل‪َ :‬ن ْ‬
‫ل‪َ ،‬فَقا َ‬
‫جٌ‬‫خَبرُتموني ِبَذِلك؟ َفَقاَم َر ُ‬
‫ت رّبي لَما أ ْ‬
‫سال ِ‬
‫ن َتْبِليغ ِر َ‬
‫ت في شيء ِم ْ‬
‫ن أّني َقصْر ُ‬
‫َتْعَلمو َ‬
‫جا ً‬
‫ل‬ ‫ن ِر َ‬
‫ك((‪ُ .‬ثّم َقال‪)) :‬أّما َبعُد فإ ّ‬
‫عَلْي َ‬
‫ت اّلذي َ‬
‫ك‪ ،‬وَقضْي َ‬
‫لّمِت َ‬
‫ت ُ‬
‫ح َ‬
‫صْ‬‫ك‪َ ،‬وَن َ‬
‫ت َرّب َ‬
‫ل ِ‬
‫سا َ‬
‫ت ِر َ‬
‫ك َقْد َبّلْغ َ‬
‫ّأن َ‬
‫جالٍ‬
‫ت ِر َ‬
‫عن َمطاِلعها ِلمو ِ‬
‫جوِم َ‬
‫ل هذه الّن ُ‬
‫ف َهذا الَقَمر‪َ ،‬وَزَوا َ‬
‫سو َ‬
‫شْمس‪ ،‬وُك ُ‬
‫ف هِذِه ال ّ‬
‫سو َ‬
‫ن ُك ُ‬
‫ن َأ ّ‬
‫عُمو َ‬
‫َيز َ‬
‫عباُدُه‪،‬‬
‫ك َوَتَعالى َيْعَتِبُر ِبَها ِ‬
‫ل َتباَر َ‬
‫تا ّ‬
‫ض‪ ،‬وإّنُهم َقْد َكَذُبوا‪َ ،‬وَلِكّنَها آيات ِمن آيا ِ‬
‫ن َأْهل الْر ِ‬
‫ظَماَء ِم ْ‬
‫عَ‬‫ُ‬
‫ن أْمِر ُدنَياُكْم‬
‫صّلي ما َأْنُتم لُقوه ِم ْ‬
‫ت ُأ َ‬
‫ت مُنذ ُقْم ُ‬
‫ل َلَقْد َرَأْي ُ‬
‫ث ِمنُهم َتْوَبًة‪ ،‬واْيُم ا ِّ‬
‫حِد ُ‬
‫ن ُي ْ‬
‫ظُر م ْ‬
‫َفَين ُ‬
‫ل‪،‬‬
‫جا ُ‬
‫عَوُر الّد ّ‬
‫ج َثلَثون َكّذابًا آخُرُهم ال ْ‬
‫خُر َ‬
‫حّتى َي ْ‬
‫عُة َ‬
‫سا َ‬
‫عَلُم ‪ -‬ل َتقوم ال ّ‬
‫ل َأ ْ‬
‫خَرِتُكم‪ ،‬وإّنُه ‪ -‬وا ُّ‬
‫وآ ِ‬
‫حجَرة عائشة‪،‬‬
‫ن ُ‬
‫صاِر‪َ ،‬بيَنه وَبْي َ‬
‫لْن َ‬
‫حيَنئٍذ َمن ا َ‬
‫خ ِ‬
‫ن َأبي تحيى ِلشْي ٍ‬
‫عْي ُ‬
‫سرى‪َ ،‬كَأّنها َ‬
‫ن الي ْ‬
‫سوح الَعْي ِ‬
‫َمْم ُ‬
‫ف‪،‬‬
‫سَل َ‬
‫عَمِله َ‬
‫صالح ِمن َ‬
‫صّدَقُه واّتبَعه‪َ ،‬لم َينَفْعه َ‬
‫ن ِبِه َو َ‬
‫ل‪َ ،‬فَمن آَم َ‬
‫عُم أّنه ا ُّ‬
‫ف َيْز ُ‬
‫سْو َ‬
‫ج‪ ،‬ف َ‬
‫خُر ْ‬
‫وإّنه َمَتى َي ْ‬
‫حَرَم‬
‫ل ال َ‬
‫ض ُكّلَها إ ّ‬
‫لْر ِ‬
‫عَلى ا َ‬
‫سَيظَهُر َ‬
‫سَلفًا‪ ،‬وإّنه َ‬
‫عَمِلِه َ‬
‫ن َ‬
‫َومن َكَفر به وَكّذبه‪َ ،‬لم ُيعاَقب بشيٍء ِم ْ‬
‫ل عّز‬
‫شِديَدًا‪ُ ،‬ثّم ُيهِلُكه ا ّ‬
‫ل َ‬
‫ن ِزلَزا ً‬
‫صر الُمؤمنين في َبْيت الَمْقِدس‪َ ،‬فُيَزْلَزلو َ‬
‫ح ُ‬
‫ت الَمقِدس‪ ،‬وإنه َي ْ‬
‫َوَبْي َ‬
‫سلُم‪ ،‬يا‬
‫جَرِة لُيَنادي‪ :‬يا مُ ْ‬
‫شَ‬‫ل ال ّ‬
‫صَ‬‫ط‪ ،‬وأ ْ‬
‫حاِئ ِ‬
‫ل ال َ‬
‫صَ‬‫ط َأْو َقال‪َ :‬أ ْ‬
‫حاِئ ِ‬
‫جْذَم ال َ‬
‫ن ِ‬
‫ل َوجنوَده‪ ،‬حتى إ ّ‬
‫جّ‬‫وَ‬
‫حَتى َتَرْوا ُأُمورًا َيَتَفاَقُم‬
‫ك َ‬
‫ن ذِل َ‬
‫ن َيُكو َ‬
‫ل‪َ :‬ولَ ْ‬
‫ل فاْقُتْلُه َقا َ‬
‫ل‪َ :‬هَذا َكاِفٌر‪َ ،‬فَتَعا َ‬
‫ي‪َ ،‬أْو َقا َ‬
‫ُمْؤِمن‪ ،‬هَذا َيُهوِد ٌ‬
‫عْ‬
‫ن‬ ‫ل َ‬
‫جَبا ٌ‬
‫ل ِ‬
‫ن َنبّيكْم َذَكر َلُكْم ِمْنَها ِذْكرَا‪ :‬وحّتى َتُزو َ‬
‫ل َكا َ‬
‫ن َبْينكم‪َ :‬ه ْ‬
‫سكم‪ ،‬وتساءلو َ‬
‫شْأُنَها في َأْنُف ِ‬
‫َبْينكم َ‬
‫ض((‪.‬‬
‫ك الَقْب ُ‬
‫َمراِتبها‪ ،‬ثّم على أَثر َذِل َ‬
‫فهذا الذي صح عنه صلي ال عليه وسلم‪ :‬من صفة صلة الكسوف وخطبتها‪ .‬وقد‬
‫لها على صفات أخر‪.‬‬
‫ُروي عنه أنه ص ّ‬
‫ل ركعة بثلث ركوعات‪.‬‬
‫منها‪ُ :‬ك ّ‬
‫ومنها‪ :‬كل ركعة بأربع ركوعات‪.‬‬
‫صّليت كل ركعة بركوع واحد‪ ،‬ولكن ِكبار الئمة‪ ،‬ل ُيصححون‬
‫ومنها‪ :‬إنها كإحدى صلة ُ‬
‫لمام أحمد‪ ،‬والبخاري‪ ،‬والشافعي‪ ،‬ويرونه غلطًا‪ .‬قال الشافعي وقد سأله سائل‪ ،‬فقال‪ :‬روى‬
‫ذلك‪ ،‬كا ِ‬
‫‪212‬‬

‫ت له‪:‬‬
‫ت في كل ركعة‪ ،‬قال الشافعي‪ :‬فقل ُ‬
‫ضهم أن النبي صلي ال عليه وسلم صلى بَثلث ركعا ٍ‬
‫بع ُ‬
‫ث الركوعين في‬
‫أتقول به أنت؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬ولكن ِلم لم تقل به أنت وهو زيادٌة على حديثكم؟ يعني حدي َ‬
‫ل أعلم ‪-‬‬
‫ت‪ :‬هو من وجه منقطع‪ ،‬ونحن ل نثبت المنقطع على النفراد‪ ،‬ووجٍه نراه ‪-‬وا ّ‬
‫الركعة‪ ،‬فقل ُ‬
‫ل عبيد بن عمير‪ :‬حدثني من أصّدق‪ ،‬قال عطاء‪ :‬حسبته ُيريد‬
‫غلطًا‪ ،‬قال البيهقي‪ :‬أراد بالمنقطع قو َ‬
‫ث ُركوعات وأربَع سجدات‪ .‬وقال قتادة‪ :‬عن عطاء‪،‬‬
‫ل ركعة ثل َ‬
‫عائشة الحديث‪ ،‬وفيه‪ :‬فركع في ك ّ‬
‫عبيد بن عمير‪ ،‬عنها‪ :‬ست ركعات في أربع سجدات فعطاء‪ ،‬إنما أسنده عن عائشة بالظن‬
‫عن ُ‬
‫عمرة‪ ،‬عن‬
‫عروة‪ ،‬و َ‬
‫والحسبان‪ ،‬ل باليقين‪ ،‬وكيف يكون ذلك محفوظًا عن عائشة‪ ،‬وقد ثبت عن ُ‬
‫عبيد بن عمير وهما اثنان‪ ،‬فروايُتهما‬
‫ص بعائشة وألزُم لها من ُ‬
‫عائشة خلفه وعروة وعمرة أخ ّ‬
‫ث عطاء عن جابر‪:‬‬
‫أولى أن تكون هي المحفوظة‪ .‬قال‪ :‬وأما الذي يراه الشافعي غلطًا‪ ،‬فأحسبه حدي َ‬
‫ل صلي‬
‫ت إبراهيُم بن رسول ا ّ‬
‫ل صلي ال عليه وسلم يوَم ما َ‬
‫س في عهد رسول ا ّ‬
‫ت الشم ُ‬
‫))انكسف ِ‬
‫س لموت إبراهيم‪ ،‬فقام النبي صلي ال عليه وسلم‪،‬‬
‫شم ُ‬
‫س إنما انكسفت ال ّ‬
‫ال عليه وسلم‪ ،.‬فقال النا ُ‬
‫ت ركعات في أربع سجدات(( الحديث‪.‬‬
‫فصّلى بالّناس س ِ‬
‫قال البيهقي‪ :‬من نظر في قصة هذا الحديث‪ ،‬وقصة حديث أبي الزبير‪ ،‬علم أنهما قصة‬
‫واحدة‪ ،‬وأن الصلة التي أخبر عنها إنما فعلها مرة واحدة‪ ،‬وذلك في يوم توفي ابنه إبراهيم عليه‬
‫السلم‪.‬‬
‫سليمان‪ ،‬عن عطاء‪ ،‬عن جابر‪ ،‬وبين‬
‫ف بين عبد الملك يعني ابن أبي ُ‬
‫قال‪ :‬ثم وقع الخل ُ‬
‫هشام الدستوائي‪ ،‬عن أبي الّزبير‪ ،‬عن جابر في عدد الركوع في كل ركعة‪ ،‬فوجدنا رواية هشام‬
‫أولى‪ ،‬يعني أن في كل ركعة ركوعين فقط‪ ،‬لكونه مع أبي الزبير أحفظ من عبد الملك‪ ،‬ولموافقة‬
‫عمرة وعروة عن عائشة‪ ،‬ورواية كثير بن عباس‪ ،‬وعطاء بن‬
‫روايته في عدد الركوع رواية َ‬
‫ل بن عمرو‪ ،‬ثم رواية يحيى بن سليم وغيره‪،‬‬
‫يسار‪ ،‬عن ابن عباس‪ ،‬ورواية أبي سلمة عن عبد ا ّ‬
‫عبيد بن‬
‫وقد خولف عبُد الملك في روايته عن عطاء‪ ،‬فرواه ابن جريج وقتادة‪ ،‬عن عطاء‪ ،‬عن ُ‬
‫عمير‪ :‬ست ركعات في أربع سجدات‪ ،‬فرواية هشام عن أبي الزبير عن جابر التي لم يقع فيها‬
‫ف وُيوافقها عدد كثيٌر أولى من روايتي عطاء اللتين إنما إسناد أحِدهما بالتوهم‪ ،‬والخرى‬
‫الخل ُ‬
‫ط في غير حديث‪.‬‬
‫يتفرد بها عنه عبد الملك بن أبي سليمان‪ ،‬الذي قد ُأخَذ عليه الغل ُ‬
‫ث حبيب بن أبي ثابت‪ ،‬عن طاووس‪ ،‬عن ابن عباس‪ ،‬عن النبي صلي ال‬
‫قال‪ :‬وأما حدي ُ‬
‫عليه وسلم‪ ،‬أنه صلى في كسوف‪ ،‬فقرأ‪ ،‬ثم ركع‪ ،‬ثم قرأ‪ ،‬ثم ركع‪ ،‬ثم قرأ‪ ،‬ثم ركع‪ ،‬ثم قرأ‪ ،‬ثم ركع‪،‬‬
‫‪213‬‬

‫ثم سجد قال والخرى مثلها‪ ،‬فرواه مسلم في ))صحيحه(( وهو مما تفرد به حبيب بن أبي ثابت‪،‬‬
‫عه ِمن طاووس‪ ،‬فيشبه أن يكون حمله عن غير‬
‫وحبيب وإن كان ثقة‪ ،‬فكان ُيدلس‪ ،‬ولم ُيبين فيه سما َ‬
‫موثوق به‪ ،‬وقد خالفه في رفعه ومتنه سليمان المكي الحول‪ ،‬فرواه عن طاووس‪ ،‬عن ابن عباس‬
‫ث ركعات في ركعة‪ .‬وقد خولف سليمان أيضًا في عدد الركوع‪ ،‬فرواه جماعة عن ابن‬
‫ِمن فعله ثل َ‬
‫عباس ِمن فعله‪ ،‬كما رواه عطاء بن يسار وغيره عنه‪ ،‬عن النبي صلي ال عليه وسلم‪ ،‬يعني في كل‬
‫ي عن هذه الروايات الثلث‪ ،‬فلم يخّرج‬
‫ركعة ركوعان‪ .‬قال‪ :‬وقد أعرض محمد بن إسماعيل البخار َ‬
‫ل‪ ،‬وقال‬
‫شيئًا منها في ))الصحيح(( لمخالفتهن ما هو أصح إسنادًا‪ ،‬وأكثر عددًا‪ ،‬وأوثق رجا ً‬
‫ح الروايات عندي في صلة الكسوف أربُع‬
‫البخاري في رواية أبي عيسى الترمذي عنه‪ :‬أص ّ‬
‫ت قال البيهقي‪ :‬وروي عن حذيفة مرفوعًا ))أربع ركعات في كل ركعة((‪،‬‬
‫ركعات في أربع سجدا ٍ‬
‫وإسناده ضعيف‪.‬‬
‫ن كعب مرفوعًا ))خمس ركوعات في كل ركعة(( وصاحبا الصحيح لم‬
‫يبِ‬
‫وُروي عن أب ّ‬
‫يحتجا بمثل إسناد حديثه‪.‬‬
‫قال‪ :‬وذهب جماعة من أهل الحديث إلى تصحيح الروايات في عدد الركعات‪ ،‬وحملوها‬
‫ق بن‬
‫على أن النبي صلي ال عليه وسلم فعلها مرارًا‪ ،‬وأن الجميع جائز‪ ،‬فممن ذهب إليه إسحا ُ‬
‫راهويه‪ ،‬ومحمد بن إسحاق بن خزيمة‪ ،‬وأبو بكر بن إسحاق الضبعي‪ ،‬وأبو سليمان الخطابي‪،‬‬
‫واستحسنه ابن المنذر‪ .‬والذي ذهب إليه البخاري والشافعي من ترجيح الخبار أولى لما ذكرنا من‬
‫رجوع الخبار إلى حكاية صلته صلي ال عليه وسلم في يوَم توفي ابنه‪.‬‬
‫ص عن أحمد أيضًَا أخذه بحديث عائشة وحده في كل ركعة ركوعان‬
‫قلت‪ :‬والمنصو ُ‬
‫وسجودان‪ .‬قال في رواية المروزي‪ :‬وأذهب إلى أن صلة الكسوف أربُع ركعات‪ ،‬وأربُع سجدات‪،‬‬
‫في كل ركعة ركعتان وسجدتان‪ ،‬وأذهب إلى حديث عائشة‪ ،‬أكثُر الحاديث على هذا‪ .‬وهذا اختياُر‬
‫ل ما خالفه‬
‫أبي بكر وقدماء الصحاب‪ ،‬وهو اختيار شيخنا أبي العباس ابن تيمية‪.‬؟كان يضعف كُ ّ‬
‫ف مرة واحدة يوَم‬
‫من الحاديث‪ ،‬ويقول‪ :‬هي غلط‪ ،‬وإنما صّلى النبي‪:‬صلي ال عليه وسلم الكسو َ‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫مات ابنه ابراهيم‪ .‬وا ّ‬
‫ل‪ ،‬والصلِة‪ ،‬والدعاء‪ ،‬والستغفار والصدقة‪،‬‬
‫وأمر صلي ال عليه وسلم في الكسوف بذكِر ا ّ‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫والعتاقة‪ ،‬وا ّ‬
‫فصل‬
‫‪214‬‬

‫في هديه صلي ال عليه وسلم الستسقاء‬


‫ثبت عنه صلي ال عليه وسلم‪ ،‬أنه استسقى على وجوه‪.‬‬
‫غثَنا‪ ،‬الّلُهّم‬
‫غثنا‪ ،‬الّلُهم َأ ِ‬
‫أحدها‪ :‬يوَم الجمعة على المنبر في أثناء خطبته‪ ،‬وقال‪)) :‬الّلهم َأ ِ‬
‫غْثَنا‪ ،‬الّلهم اسِقنا‪ ،‬الّلُهم اسِقَنا‪ ،‬الّلُهّم اسِقَنا((‪.‬‬
‫َأ ِ‬
‫جون فيه إلى المصلى‪ ،‬فخرج‬
‫س يومًا يخر ُ‬
‫الوجه الثاني‪ :‬أنه صلي ال عليه وسلم وعد النا َ‬
‫صِعَد المنبر‬
‫ضرعًا‪ ،‬فلما وافى المصّلى‪َ ،‬‬
‫ل‪ ،‬مت ّ‬
‫سً‬‫شعًا‪ ،‬متر ّ‬
‫ل‪ ،‬متخ ّ‬
‫س متواضعًا‪ ،‬متبّذ ً‬
‫لما طلعت الشم ُ‬
‫حِفظ من خطبته‬
‫ح‪ ،‬وإل ففي القلب منه شيء ‪ -‬فحمد ال وأثنى عليه وكّبره‪ ،‬وكان مما ُ‬
‫‪ -‬إن ص ِ‬
‫ل ما ُيريد‪،‬‬
‫ل‪َ ،‬يْفَع ُ‬
‫ك َيْوِم الَذين‪ ،‬ل إله إل ا ُّ‬
‫حمن الّرحيم‪ ،‬ماِل ِ‬
‫ب العاَلمين‪ ،‬الّر ْ‬
‫ل َر ّ‬
‫حْمُد ِ‬
‫ودعائه‪)) :‬ال َ‬
‫حن الُفَقراُء‪َ ،‬أْنِزل‬
‫ي َوَن ْ‬
‫ت الَغن ُ‬
‫ت‪َ ،‬أْن َ‬
‫ل ل إله إل أنت‪َ ،‬تْفَعل ما ُتريُد‪ ،‬الّلُهم ل إل إله إل َأْن َ‬
‫تا ّ‬
‫الّلُهم َأن َ‬
‫غًا إلى حين(( ثم رفع يديه‪ ،‬وأخذ في التضّرع‪،‬‬
‫ث‪ ،‬واجَعل ما َأْنَزْلَته علينا ُقّوًة َلَنا‪َ ،‬وبل َ‬
‫عَليَنا الَغْي َ‬
‫َ‬
‫ض إبطيه‪ ،‬ثم حّول إلى الناس ظَهره‪ ،‬واستقبل‬
‫والبتهال‪ ،‬والدعاء‪ ،‬وبالغ في الرفع حتى بدا بيا ُ‬
‫ن على اليسر‪ ،‬واليسر على اليمن‪،‬‬
‫القبلة‪ ،‬وحول إذ ذاك رداَءه وهو مستقبل القبلة‪ ،‬فجعل اليم َ‬
‫ل الِقبلة‪،‬‬
‫وظهَر الرداء لبطنه‪ ،‬وبطنه لظهره‪ ،‬وكان الرداء خميصًة سوداء‪ ،‬وأخذ في الدعاء مستقب َ‬
‫والناسُ كذلك‪ ،‬ثم نزل فصّلى بهم ركعتين كصلة العيد من غير أذان ول إقامة ول نداٍء البتة‪ ،‬جهر‬
‫فيهما بالقراءة‪ ،‬وقرأ في الولى بعد فاتحة الكتاب‪}.:‬سبح اسم ربك العلى{ ]العلى‪ ،[1 :‬وفي‬
‫الثانية‪} :‬هل أتاك حديث الغاشية{ ]الغاشية‪.[1 :‬‬
‫الوجه الثالث‪:‬أنه صلي ال عليه وسلم استسقى على منبر المدينة استسقاء مجردًا في غير‬
‫يوم جمعة‪ ،‬ولم ُيحفظ عنه صلي ال عليه وسلم في هذا الستسقاء صلة‪.‬‬
‫الوجه الرابع‪ :‬أنه صلي ال عليه وسلم استسقى وهو جالس في المسجد‪ ،‬فرفعٍ يديه‪ ،‬ودعا‬
‫ث‪ ،‬ناِفعًا‬
‫غْيَر راِئ ٍ‬
‫ل َ‬
‫جً‬‫عا ِ‬
‫طَبقًا َ‬
‫غْيثًا ُمغيثا َمِريعًا َ‬
‫سِقنا َ‬
‫ظ ِمن دعائه حينئذ‪)) :‬الّلُهم ا ْ‬
‫حِف َ‬
‫ل عز وجل‪ ،‬ف ُ‬
‫ا َّ‬
‫ضاّر((‬
‫غْيَر َ‬
‫َ‬
‫الوجه الخامس‪ :‬أنه صلي ال عليه وسلم استسقى عند أحجار الزيت قريبَا من الّزوراء‪،‬‬
‫ف عن يمين الخارج‬
‫وهي خارج باب المسجد الذي ُيدعى اليوم باب السلم نحو قذفِة حجر‪ ،‬ينعط ُ‬
‫من المسجد‪.‬‬
‫الوجه السادس‪ :‬أنه صلى ال عليه وسلم استسقى في بعض غزواته لما سبقه المشركون إلى‬
‫ض المنافقين‪:‬‬
‫ل صلي ال عليه وسلم‪ .‬وقال بع ُ‬
‫شَكوا إلى رسول ا ّ‬
‫ش‪ ،‬ف َ‬
‫ن العط ُ‬
‫الماء‪ ،‬فأصاب المسلمي َ‬
‫‪215‬‬

‫ي صلي ال عليه وسلم؟ فقال‪:‬‬


‫لو كان نبيًا‪ ،‬لستسقى لقومه‪ ،‬كما استسقى موسى لقومه‪ ،‬فبلغ ذلك النب ّ‬
‫ط َيَديه‪ ،‬ودعا‪ ،‬فما رّد يديه من دعائه‪ ،‬حتى أظّلُهُم‬
‫سَ‬‫سِقَيكم‪ُ ،‬ثَم َب َ‬
‫ن َي ْ‬
‫ى َرّبكم َأ ْ‬
‫سَ‬‫عَ‬
‫))َأَوَقْد َقاُلوها؟ َ‬
‫ل الوادي‪ ،‬فشرب الناس‪ ،‬فارَتَوْوا((‪.‬‬
‫طروا‪ ،‬فأفعَم السي ُ‬
‫ب‪ ،‬وُأم ِ‬
‫سحا ُ‬
‫ال ّ‬
‫حَمَتك‪،‬‬
‫شِر َر ْ‬
‫ك‪ ،‬واْن ُ‬
‫ك َوَبَهاِئَم َ‬
‫عَباَد َ‬
‫ق ِ‬
‫حفظ من دعائه في الستسقاء‪)) :‬الّلُهم اس ِ‬
‫وُ‬
‫جل((‪.‬‬
‫غْيَر َا ِ‬
‫ل َ‬
‫جً‬‫غيثًا ُمِغيثًا َمريئًا‪ ،‬مريعًا‪ ،‬ناِفعًا غير ضاّر‪ ،‬عا ِ‬
‫سِقنا َ‬
‫ت((‪)) ،‬الَلُهم ا ْ‬
‫ك الَمّي َ‬
‫حي َبَلَد َ‬
‫وَأ ْ‬
‫وُأغيث صلى ال عليه وسلم في كل مرة استسقى فيها‪.‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم إن التمر في‬
‫واستسقى مرة‪ ،‬فقام إليه أبو ُلبابة فقال‪ :‬يا رسول ا ّ‬
‫عريانًا‪َ ،‬فَيسّد َثعَل َ‬
‫ب‬ ‫حّتى َيقوَم أبو ُلَبابة ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪)) :‬الّلهم اسِقَنا َ‬
‫الَمرابد‪ ،‬فقال رسول ا ّ‬
‫سّد‬
‫عريانًا‪ ،‬فت ُ‬
‫ِمْرَبِده بإزاره((‪ ،‬فأمطرت‪ ،‬فاجتمعوا إلى أبي ُلبابة‪ ،‬فقالوا‪ :‬إنها لن ُتقلَع حتى تقوم ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ففعل‪ ،‬فاستهلت السماء‪.‬‬
‫ب مربدك بإزارك كما قال رسول ا ّ‬
‫ثعل َ‬
‫عَليَنا‪ ،‬الّلُهم‬
‫حَواَلْيَنا ول َ‬
‫ولما كثر المطر‪ ،‬سألوه الستصحاء‪ ،‬فاستصحى لهم وقال‪)) :‬اللهم َ‬
‫جر((‪.‬‬
‫شَ‬‫ن الودية َوَمَناِبت ال ّ‬
‫ظراب‪ ،‬وُبطو ِ‬
‫جبال‪َ ،‬وال ّ‬
‫على الكام وال ِ‬
‫وكان صلى ال عليه وسلم‪ :‬إذا رأى مطر قال‪)) :‬اّللهم صّيَبًا َناِفعًا((‬
‫عْهٍد ِبَرّبه((‪.‬‬
‫ث َ‬
‫حدي ُ‬
‫وكان يحسر ثوَبه حتى يصيبه من المطر‪ ،‬فسئل عن ذلك‪،‬فقال‪)) :‬لنه َ‬
‫ل‪ :‬أخبرني من ل أتهم عن يزيد بن الهاد‪ ،‬أن النبي صلى ال عليه‬
‫قال الشافعي رحمه ا ّ‬
‫حَمَد‬
‫طّهَر منه‪ ،‬وَن ْ‬
‫طُهورًا‪َ ،‬فَنَت َ‬
‫جَعَلُه ال َ‬
‫جوا ِبَنا إلى َهَذا اَلِذي َ‬
‫وسلم كان إذا سال السيل قال‪)) :‬اخُر ُ‬
‫علَْيِه((‪.‬‬
‫ل َ‬
‫ا َّ‬
‫ل ذهب بأصحابه‬
‫ل أن عمر كان إذا سال السي ُ‬
‫وأخبرني من ل أّتهم‪ ،‬عن إسحاق بن عبد ا ّ‬
‫سحنا به‪.‬‬
‫ن مجيئه أحٌد إل تم ّ‬
‫إليه‪ ،‬وقال‪ :‬ما كان ِليجيء م ْ‬
‫ف ذلك في وجهه‪ ،‬فأقبل وأدبر‪ ،‬فإذا‬
‫وكان صلى ال عليه وسلم إذا رأى الغيَم والريح‪ ،‬عُِر َ‬
‫ي عنه‪ ،‬وذهب عنه ذلك‪ ،‬وكان يخشى أن يكون فيه العذاب‪ .‬قال الشافعي‪ :‬وروي عن‬
‫سّر َ‬
‫أمطرت‪ُ ،‬‬
‫غَدقًا‬
‫ل عن أبيه مرفوعًا أنه كان إذا استسقى قال‪)) :‬الّلُهم اسِقَنا غيثًا ُمغيثًا َهِنيئًا َمِريئًا َ‬
‫ن عبد ا ّ‬
‫سالم ب ِ‬
‫ث‪ ،‬ول تجعلنا من الَقاِنطين‪ ،‬اللهم إن ِبالعباِد والِبلِد‬
‫حًا دائمًا‪ ،‬الّلُهم اسِقَنا الَغْي َ‬
‫سّ‬‫طَبقًا َ‬
‫عاّمًا َ‬
‫ُمجّللً َ‬
‫ع‪ ،‬وَأِدّر لنا‬
‫ت لنا الّزَر َ‬
‫ل إليك‪ ،‬اللهم َأْنِب ْ‬
‫ك ما ل نشكوه إ ّ‬
‫ضْن ِ‬
‫والبهاِئم والخلق ِمن اللواِء والجهد وال ّ‬
‫جو َ‬
‫ع‬ ‫جْهَد وال ُ‬
‫ت لنا ِمن بركات الرض‪ ،‬اللهم ارفع عنا ال َ‬
‫ع‪ ،‬واسِقنا ِمن بركات السماء‪ ،‬وأنِب ْ‬
‫ضْر َ‬
‫ال ّ‬
‫‪216‬‬

‫ت غّفارًا‪ ،‬فأرسل‬
‫شُفه غيُرك‪ ،‬اللهم إنا نستغِفرك‪ ،‬إنك كن َ‬
‫ف عنا ِمن البلء ما ل يك ِ‬
‫ي‪ ،‬واكش ْ‬
‫والُعر َ‬
‫السماء علينا ِمدرارًا((‪.‬‬
‫لمام بهذا‪ ،‬قال‪ :‬وبلغني أن النبي صلى ال عليه‬
‫ب أن يدعَو ا ِ‬
‫ل‪ :‬وأح ّ‬
‫قال الشافعي رحمه ا ّ‬
‫طر في أول‬
‫وسلم كان إذا دعا في الستسقاء رفع يديه وبلغنا أن النبي صلى ال عليه وسلم كان يتم ّ‬
‫ب جسده‪ .‬قال‪ :‬وبلغني أن بعض أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم كان إذا أصبح‬
‫مطرة حتى يصي َ‬
‫ك َلَها{‬
‫سَ‬
‫حَمٍة فل مم ِ‬
‫ل ِللّناس من َر ْ‬
‫ح ا ُّ‬
‫طرنا بَنوِء الَفتح‪ ،‬ثم يقرأ‪} :‬ما َيفت َ‬
‫طَر الناس‪ ،‬قال‪ُ :‬م ِ‬
‫وقد ُم ِ‬
‫]فاطر‪.[2 :‬‬
‫قال‪ :‬وأخبرني من ل أتهم عن عبد العزيز بن عمر‪،‬عن مكحول عن ابن عمر عن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪)) :‬اطلُبوا استجابة الدعاء عند التقاء الجيوش وإقامة الصلة‪،‬‬
‫ونزول الغيث((‪.‬‬
‫لجابة غد‪ :‬نزول الغيث‪ ،‬وإقامة الصلة‪ .‬قال البيهقى‪ :‬وقد‬
‫با ِ‬
‫ت عن غير واحد طل َ‬
‫ظ ُ‬
‫حف ْ‬
‫وقد َ‬
‫روينا في حديث موصول عن سهل بن سعد‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم ))الدعاء ل ُيَرّد عِنَد‬
‫طِر((‪ .‬وروينا عن أبي أمامة‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪:‬‬
‫ت الَم َ‬
‫ح َ‬
‫عْنَد الَبأس‪ ،‬وَت ْ‬
‫النداِء‪َ ،‬و ِ‬
‫عنَد ُنُزول‬
‫صفوف‪ ،‬و ِ‬
‫ب الدعاء في أربعة مواطن‪ :‬عند التقاء ال ّ‬
‫ب السماء‪ ،‬وُيستجا ُ‬
‫ح أبوا ُ‬
‫))ُتفَت ُ‬
‫عْنَد ُرْؤَيِة الَكْعَبِة((‪.‬‬
‫صلِة‪َ ،‬و ِ‬
‫الَغْيث‪ ،‬وعنَد إَقاَمة ال ّ‬
‫فصل‬
‫في هديه صلى ال عليه وسلم في سفره وعبادته فيه‬
‫كانت أسفاره صلى ال عليه وسلم دائرَة بين أربعة أسفار‪ :‬سفِره لهجرته‪ ،‬وسفره للجهاد‬
‫وهو أكثرها‪ ،‬وسفِره للعمرة‪ ،‬وسفِره للحج‪.‬‬
‫ج‪ ،‬سافر‬
‫وكان إذا أراد سفرًا‪ ،‬أقرع بين نسائه‪ ،‬فأّيُتُهن خرج سهُمها‪ ،‬سافر بها معه‪ ،‬ولما ح ّ‬
‫بهن جميعًا‪.‬‬
‫ل تبارك‬
‫ج يوم الخميس‪ ،‬ودعا ا ّ‬
‫ب الخرو َ‬
‫ح ّ‬
‫وكان إذا سافر‪ ،‬خرج ِمن أول النهار‪ ،‬وكان يست ِ‬
‫لّمِتِه في ُبكورها‪.‬‬
‫وتعالى أن ُيبارك ُ‬
‫وكان إذا بعث سرية أو جيشًا‪ ،‬بعثهم من أول النهار‪ ،‬وأمَر المسافرين إذا كانوا ثلثة أن‬
‫ن‪،‬‬
‫طاَنا ِ‬
‫ن شَْي َ‬
‫ن‪ ،‬والّراِكبا ِ‬
‫طا ٌ‬
‫شْي َ‬
‫ب َ‬
‫يؤّمروا أحدهم‪ .‬ونهى أن ُيسافر الرجل وحَده‪ ،‬وأخبر أن الراِك َ‬
‫َوالّثلَثُة َرْكب‪.‬‬
‫‪217‬‬

‫صْمت‪ ،‬الّلُهم‬
‫عَت َ‬
‫كا ْ‬
‫ت‪ ،‬وِب َ‬
‫جْه ُ‬
‫وُذِكَر عنه أنه كان يقول حين ينهض للسفر ))الَلُهم إَلْيك َتَو َ‬
‫خْيِر َأَيَنَما‬
‫جْهِني ِلل َ‬
‫غِفْر لي َذْنِبي‪َ ،‬وَو ّ‬
‫ل َأْهَتم بِه‪ ،‬الّلُهّم َزّوْدني الّتْقَوى‪َ ،‬وا ْ‬
‫اْكِفني َما َأهّمني َوَما َ‬
‫ت((‪.‬‬
‫جْه ُ‬
‫َتَو ّ‬
‫ل حين يضع رجله في الّركاب‪ ،‬وإذا‬
‫ت إليه دابُته ليركبها‪ ،‬يقول‪)) :‬بسم ا ّ‬
‫وكان إذا ُقّدم َ‬
‫ن‪،‬‬
‫ن َوإّنا ِإَلى َرّبَنا لمْنقَِلبو َ‬
‫خَر َلَنا َهذا َوَما ُكّنا َلُه بمْقِرني َ‬
‫سّ‬‫استوى على ظهرها‪ ،‬قال‪ :‬الحمُد ل اَلذي َ‬
‫حاَن َ‬
‫ك‬ ‫سْب َ‬
‫ل‪ُ :‬‬
‫ل َأكبر‪ ،‬ثم يقو ٌ‬
‫ل َأْكَبُر‪ ،‬ا ُّ‬
‫ل َأْكَبُر‪ ،‬ا ُّ‬
‫ل‪ ،‬ثم يقول‪ .:‬ا ّ‬
‫حْمُد ِّ‬
‫ل‪ ،‬ال َ‬
‫حمد ِّ‬
‫ل‪ ،‬ال َ‬
‫حْمُد ِّ‬
‫ل‪ :‬ال َ‬
‫ُثّم َيُقو ُ‬
‫سَفِرَنا‬
‫ك في َ‬
‫سأُل َ‬
‫ت(( وكان يقول‪)) :‬الّلهم إّنا َن ْ‬
‫ل َأن َ‬
‫ب ِإ ّ‬
‫ل َيْغفر الُذُنو َ‬
‫سي‪َ ،‬فاغِفِر ِلي ِإّنه َ‬
‫ت َنْف ِ‬
‫ظَلْم ُ‬
‫ي َ‬
‫ِإَن ّ‬
‫عّنا ُبغَدُه‪ ،‬الّلهم َأْن َ‬
‫ت‬ ‫طِو َ‬
‫سَفَرَنا هذا‪َ ،‬وا ْ‬
‫عَلْيَنا َ‬
‫ضى‪ ،‬الّلُهم َهّون َ‬
‫ل َما َتْر َ‬
‫ن الَعَم ِ‬
‫َهَذا الِبّر َوالّتْقَوى‪َ ،‬وِم َ‬
‫ب‪،‬‬
‫سَفِر‪َ ،‬وَكآَبِة المنَقَل ِ‬
‫عَثاِء ال ّ‬
‫ك ِمن َو ْ‬
‫عوُذ ِب َ‬
‫ي َأ ُ‬
‫ل‪ ،‬الَلُهّم إن ّ‬
‫لْه ِ‬
‫خِليَفُة في ا َ‬
‫سَفِر‪َ ،‬وال َ‬
‫ب في ال ّ‬
‫ح ُ‬
‫صا ِ‬
‫ال ّ‬
‫عاِبُدون ِلَرّبَنا‬
‫ن َ‬
‫ل(( وإذا رجع‪ ،‬قالهن‪ ،‬وزاد فيهن‪)) :‬آيبون َتاِئُبو َ‬
‫ل َوالَما ِ‬
‫له ِ‬
‫ظِر في ا َ‬
‫َوسوِء الَمْن َ‬
‫حاِمُدون((‪.‬‬
‫َ‬
‫علوا الثنايا‪ ،‬كّبروا‪ ،‬وإذا هبطوا الودية‪،‬سَبحوا‪.‬‬
‫وكان هو وأصحاُبه إذا َ‬
‫ن‪،‬‬
‫ظَلْل َ‬
‫سْبِع وما أ ْ‬
‫ت ال ّ‬
‫سَماَوا ِ‬
‫ب ال ّ‬
‫ل ))الّلُهّم َر ّ‬
‫وكان إذا أشرف على قرية ُيريد دخوَلها يقو ُ‬
‫خْيَر‬
‫ك َ‬
‫سَأُل َ‬
‫ن‪َ ،‬أ ْ‬
‫ح َوما َذَرْي َ‬
‫ب الّرَيا ِ‬
‫ن‪َ ،‬وَر ّ‬
‫ضَللْ َ‬
‫ن وما َأ ْ‬
‫طي ِ‬
‫شَيا ِ‬
‫ب ال ّ‬
‫ن‪َ ،‬وَر ّ‬
‫سْبِع َوَما َأْقَلْل َ‬
‫لرضين ال ّ‬
‫با َ‬
‫َوَر ّ‬
‫شّر َما ِفيَها((‬
‫شّر َأْهِلَها وَ َ‬
‫شّرَها‪َ ،‬و َ‬
‫ن َ‬
‫ك ِم ْ‬
‫عوُذ ِب َ‬
‫خْيَر أْهِلَها‪ ،‬وَأ ُ‬
‫هِذه الَقْرَيِة َو َ‬
‫ت ِفيَها‪،‬‬
‫جَمْع َ‬
‫خْيِر َما َ‬
‫خْيِر هِذِه الَقْرَية َو َ‬
‫ن َ‬
‫ك ِم ْ‬
‫وذكر عنه أنه كان يقول‪)) :‬الّلُهّم ِإّني أسَأُل َ‬
‫حّبْبَنا ِإَلى َأْهِلَها‪،‬‬
‫ن َوَباَها‪َ ،‬و َ‬
‫عْذَنا ِم ْ‬
‫جَناَها‪َ ،‬وَأ ِ‬
‫ت ِفيَها‪ ،‬الّلُهّم ارُزْقَنا َ‬
‫جَمْع َ‬
‫شّرَها َوشّر َما َ‬
‫ن َ‬
‫ك ِم ْ‬
‫عوُذ ِب َ‬
‫َوَأ ُ‬
‫حي َأْهِلَها ِإَلْيَنا((‪.‬‬
‫صاِل ِ‬
‫حّبب َ‬
‫َو َ‬
‫صر الّرَباعية‪ ،‬فيصليها ركعتين ِمن حين يخُرج مسافرًا إلى أن يرجع إلى‬
‫وكان َيق ُ‬
‫المدينة‪ ،‬ولم يثُبت عنه أنه أتّم الّرباعية في سفره البتة‪ ،‬وأما حديث عائشة‪ :‬أن النبي صلى ال عليه‬
‫لسلم ابن تيمية يقول‪:‬‬
‫ت شيخ ا ِ‬
‫ح‪ .‬وسمع ُ‬
‫صوُم‪ ،‬فل َيص ّ‬
‫طُر وَي ُ‬
‫صُر في السفر ويِتّم‪ ،‬وُيْف ِ‬
‫وسلم كان يق ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم انتهى‪ ،‬وقد روي‪ :‬كان يقصُر وتتم‪ ،‬الول بالياء آخر‬
‫هو كذب على رسول ا ّ‬
‫الحروف‪ ،‬والثاني بالتاء المثناة من فوق‪ ،‬وكذلك ُيفطر وَيصوم‪ ،‬أي‪ :‬تأخذ هى بالعزيمة في‪.‬‬
‫الموضعين‪ ،‬قال شيخنا ابن تيمية‪ :‬وهذا باطل ما كانت أم المؤمنين ِلُتخالف رسول ال صلى ال‬
‫ل فرض‬
‫ي خلف صلتهم‪ ،‬كيف والصحيح عنها أنها قالت‪ :‬إن ا ّ‬
‫عليه وسلم وجميَع أصحابه‪ ،‬فتصل َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم إلى المدينة‪ِ ،‬زيد في صلة‬
‫الصلة ركعتين ركعتين‪ ،‬فلما هاجَر رسول ا ّ‬
‫‪218‬‬

‫ي بخلف صلة النبي صلى ال عليه‬


‫الحضر‪ ،‬وأقرت صلة السفر فكيف ُيظن بها مع ذلك أن ُتصل َ‬
‫وسلم والمسلمين معه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقد أتّمت عائشُة بعد موت النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬قال ابن عباس وغيره‪ :‬إنها‬
‫ض الرواة من‬
‫تأّولت كما تأّول عثمان وإن النبي صلى ال عليه وسلم كان يقصر دائمًا‪ ،‬فركب بع ُ‬
‫ض الرواة‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫الحديثين حديثًا‪ ،‬وقال‪ :‬فكان رسول صلى ال عليه وسلم يقصر وُتتم هي‪ ،‬فغلط بع ُ‬
‫صُر وُيِتّم‪ ،‬أي‪ :‬هو‪.‬‬
‫كان يق ُ‬
‫والتأويل الذي تأولته قد اخُتِلف فيه‪ ،‬فقيل‪ :‬ظنت أن القصر مشروط بالخوف في السفر‪ ،‬فإذا‬
‫ب القصر‪ ،‬وهذا التأويل غيُر صحيح‪ ،‬فإن النبي صلى ال عليه وسلم سافر‬
‫زال الخوف‪ ،‬زال سك ُ‬
‫ل صلى ال‬
‫عمر وعلى غيره‪ ،‬فسأل عنها رسول ا ّ‬
‫آِمنًا وكان يقصُر الصلة‪ ،‬والية قد أشكلت على ُ‬
‫ن أن حكم‬
‫ل وشرع شرعه للمة‪ ،‬وكان هذا بيا َ‬
‫ن ا ِّ‬
‫صَدَقة ِم َ‬
‫شفاء وأن هذا َ‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فأجابه بال ّ‬
‫المفهوم غيُر مراد‪ ،‬وأن الجناح مرتفٌع في قصر الصلة عن الِمن والخائف‪ ،‬وغايُته أنه نوع‬
‫تخصيص للمفهوم‪ ،‬أو رفع له‪ ،‬وقد يقال‪ :‬إن الية اقتضت قصرًا يتناول قصَر الركان بالتخفيف‪،‬‬
‫ف‪ ،‬فإذا ُوجَد‬
‫وقصر العدد بُنقصان ركعتين‪ ،‬وُقّيَد ذلك بأمرين‪ :‬الضرب في الرض‪ ،‬والخو ِ‬
‫ن‪،‬‬
‫ح القصران‪ ،‬فُيصُلون صلَة الخوف مقصورة عدُدها وأركاُنها‪ ،‬وإن انتفى المرا ِ‬
‫ن‪ ،‬أبي َ‬
‫المرا ِ‬
‫جَد أحُد السببين‪ ،‬ترتب‬
‫فكانوا آمنين مقيمين‪ ،‬انتفى القصران‪ ،‬فتصّلون صلة تامة كاملة‪ ،‬وإن ُو ِ‬
‫لقامة‪ُ ،‬قصرت الركان‪ ،‬واستوفي العدد‪ ،‬وهذا نوع قصر‪،‬‬
‫جَد الخوف وا ِ‬
‫عليه قصُره وحَده‪ ،‬فإذا ُو ِ‬
‫صَر العدد واستوفي الركان‪ ،‬وسميت‬
‫وليس بالقصر المطلق في الية‪ ،‬فإن وجد السفُر والمن‪ُ ،‬ق ِ‬
‫صٍر‪ ،‬وليس بالقصر المطلق‪ ،‬وقد ُتسمى هذه الصلة مقصورة باعتبار‬
‫صلة أمن‪ ،‬وهذا نوع َق ْ‬
‫نقصان العدد‪ ،‬وقد ُتسمى تامة باعتبار إتمام أركانها‪ ،‬وأنها لم تدخل في قصر الية‪ ،‬والول‬
‫اصطلح كثير من الفقهاء المتأخرين‪ ،‬والثاني يدل عليه كلم الصحابة‪ ،‬كعائشة وابن عباس‬
‫ل صلى ال عليه‬
‫لا ّ‬
‫ت الصلُة ركعتين ركعتين‪ ،‬فلما هاجر رسو ُ‬
‫ض ِ‬
‫وغيرهما‪ ،‬قالت عائشة‪ُ :‬فِر َ‬
‫ت صلة السفر‪ .‬فهذا يدل على أن صلة السفر‬
‫وسلم إلى المدينة‪ ،‬زيد في صلة الحضر‪ ،‬وُأِقّر ْ‬
‫عندها غيُر مقصورة من أربع‪ ،‬وإنما هي مفروضة كذلك‪ ،‬وأن فرض المسافر ركعتان‪ .‬وقال ابن‬
‫لة على ِلسان نبيكم في الحضر أربعًا‪ ،‬وفي السفر ركعتين‪ ،‬وفي الخوف‬
‫صَ‬‫ل ال ّ‬
‫ض ا ُّ‬
‫عباس‪ :‬فر َ‬
‫ل عنه‪ :‬صلة‬
‫ركعة متفق على حديث عائشة‪ ،‬وانفرد مسلم بحديث ابن عباس وقال عمر رضى ا ّ‬
‫السفر ركعتان‪ ،‬والجمعة ركعتان‪،‬والعيد ركعتان‪ ،‬تماٌم غيُر قصٍر على لسان محمد‪ ،‬وقد خاب من‬
‫‪219‬‬

‫ل عنه‪ ،‬وهو الذي سأل النبي صلى ال عليه وسلم‪ :‬ما باُلنا‬
‫افترى‪ .‬وهذا ثابت عن عمر رضي ا ّ‬
‫عَلْيكُْم‪َ ،‬فاْقَبلوا‬
‫ل َ‬
‫ق بَها ا ُّ‬
‫صّد َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪)) :‬صَدَقٌة َت َ‬
‫لا ّ‬
‫صر وقد أِمّنا؟ فقال له رسو ُ‬
‫نق ُ‬
‫صَدَقَتُه((‪.‬‬
‫َ‬
‫ض بين حديثيه‪ ،‬فإن النبي صلى ال عليه وسلم لما أجابه بأن هذه صدقُة ال عليكم‪،‬‬
‫ول تناق َ‬
‫وِديُنه اليسر السمح‪ ،‬علم عمُر أنه ليس المراُد من الية قصَر العدد كما فهمه كثير من الناس‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫صلة السفر ركعتان‪ ،‬تماٌم غير قصر‪ .‬وعلى هذا‪ ،‬فل دللة في الية على أن قصر العدد مباح‬
‫منفي عنه الجناح‪ ،‬فإن شاء المصلي‪ ،‬فعله‪ ،‬وإن شاء أتم‪.‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ُيواظب في أسفاره على ركعتين ركعتين‪ ،‬ولم‬
‫وكان رسول ا ّ‬
‫ط إل شيئًا فعله في بعض صلة الخوف‪ ،‬كما سنذكره هناك‪ ،‬ونبين ما فيه إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫ُيرّبع ق ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم من المدينة إلى مكة‪ ،‬فكان ُيصلي‬
‫وقال أنس‪ :‬خرجنا مع رسول ا ّ‬
‫جْعَنا إلى المدينة‪ .‬متفق عليه‪.‬‬
‫ركعتين ركعتين حتى ر َ‬
‫ن بن عفان صّلى بِمنى أربَع ركعات قال‪ :‬إّنا ل وإّنا‬
‫ل بن مسعود أن عثما َ‬
‫ولما بلغ عبد ا ّ‬
‫ت مع أبي بكر بِمنى‬
‫ل صلى ال عليه وسلم بِمنى ركعتين وصلي ُ‬
‫ت مع رسول ا ّ‬
‫جعون‪ ،‬صلي ُ‬
‫إليه را ِ‬
‫ت رْكَعَتا ِ‬
‫ن‬ ‫ت مع عمر بن الخطاب ِبمنى ركعتين‪ ،‬فليت حظي ِمن أربع َركعا ٍ‬
‫ركعتين‪ ،‬وصلي ُ‬
‫ن مسعود ِليسترجع ِمن فعل عثمان أحد الجائزين المخّيِر بينهما‪ ،‬بل‬
‫ن‪ .‬متفق عليه‪ .‬ولم يكن اب ُ‬
‫متقّبلَتا ِ‬
‫خلفائه على‬
‫الولى على قول‪ ،‬وإنما استرجع لما شاهده ِمن مداومة النبي صلى ال عليه وسلم و ُ‬
‫صلة ركعتين في السفر‪.‬‬
‫ل صلى ال‬
‫ت رسول ا ّ‬
‫ل عنه قال‪ :‬صحب ُ‬
‫وفي ))صحيح البخاري(( عن ابن عمر رضي ا ّ‬
‫عثمان يعني في صدر خلفة‬
‫عَمر و ُ‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فكان في السفر ل َيزيد على ركعتين‪ ،‬وأبا بكر و ُ‬
‫عثمان‪ ،‬وإل فعثمان قد أتم في آخر خلفته‪ ،‬وكان ذلك أحَد السباب التي ُأنِكرت عليه‪ .‬وقد خرج‬
‫لفعله تأويلت‪:‬‬
‫ض الصلة أربع‪ ،‬لئل‬
‫جوا تلك السنة‪ ،‬فأراد أن ُيعّلَمهم أن فر َ‬
‫أحدها‪ :‬أن العراب كانوا قد ح ُ‬
‫ل بأنهم كانوا أحرى بذلك في حج النبي‬
‫يتوّهموا أنها ركعتان في الحضر والسفر‪ ،‬وُرّد هذا التأوي ُ‬
‫ب‪ ،‬ومع هذا‪ ،‬فلم ُيرّبْع بهم‬
‫لسلم‪ ،‬والعهُد بالصلة قري ٌ‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فكانوا حديثي عهد با ِ‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪220‬‬

‫لمام حيث نزل‪ ،‬فهو عمله ومحل وليته‪ ،‬فكأنه‬


‫التأويل الثاني‪ :‬أنه كان إمامًا للناس‪ ،‬وا ِ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم كان هو‬
‫لطلق رسول ا ّ‬
‫وطنه‪ ،‬وُرّد هذا التأويل بأن إمام الخلئق على ا ِ‬
‫لماَم المطلق‪ ،‬ولم ُيرّبع‪.‬‬
‫أولى بذلك‪ ،‬وكان هو ا ِ‬
‫التأويل الثالث أن ِمنى كانت قد ُبنيت وصارت قرية كثر فيها المساكن في عهده‪ ،‬ولم يكن‬
‫ذلك في عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم بل كانت فضاًء‪ ،‬ولهذا قيل له‪ :‬يا رسول ال أل نبني‬
‫ن أن القصر إنما يكون‬
‫سَبق((‪ .‬فتأّول عثما ُ‬
‫ن َ‬
‫خ َم ْ‬
‫ك ِمن الحر؟ فقال‪)) :‬ل منى ُمَنا ُ‬
‫ظُل َ‬
‫لك بِمنى بيتًا ُي ِ‬
‫صر الصلة‪.‬‬
‫ل بأن النبي صلى ال عليه وسلم أقام بمكة عشرًا يق ُ‬
‫في حال السفر‪ .‬هذا التأوي ُ‬
‫التأويل الرابع‪ :‬أنه أقام بها ثلثًا‪ ،‬وقد قال النبي صلى ال عليه وسلم‪ُ)) :‬يقيُم الُمَهاجر َبْعَد‬
‫ل بأن هذه إقامة مقيدة في أثناء‬
‫سِكِه َثلثًا(( فسماه مقيمًا‪ ،‬والمقيم غيُر مسافر‪ ،‬وُرّد هذا التأوي ُ‬
‫ضاِء ن ُ‬
‫َق َ‬
‫صر‬
‫لقامة التي هي قسيم السفر‪ ،‬وقد أقام صلى ال عليه وسلم بمكة عشرًا يق ُ‬
‫السفر ليست با ِ‬
‫صلة‪.‬‬
‫صُر ال ّ‬
‫سكه أياَم الجمار الثلث يق ُ‬
‫الصلة‪ ،‬وأقام بِمنى بعد ن ُ‬
‫لقامة والستيطان بِمنى‪ ،‬واتخاِذها داَر الخلفة‪،‬‬
‫التأويل الخامس‪ :‬أنه كان قد عزم على ا ِ‬
‫ن رضي ال‬
‫فلهذا أتم‪ ،‬ثم بدا له أن َيرجع إلى المدينة‪ ،‬وهذا التأويل أيضًا مما ل يقوى‪ ،‬فإن عثما َ‬
‫لقامة بمكة بعد نسكهم‪،‬‬
‫عنه من المهاجرين الولين‪ ،‬وقد َمنع صلى ال عليه وسلم المهاجرين من ا ِ‬
‫ي صلى ال عليه وسلم من‬
‫ن ِليقيم بها‪ ،‬وقد منع النب ّ‬
‫عثما ُ‬
‫خص لهم فيها ثلثة أيام فقط‪ ،‬فلم يكن ُ‬
‫ور ّ‬
‫ل‪ ،‬فإنه ل ُيعاد فيه‪ ،‬ول ُيسترجع‪،‬‬
‫ك ّ‬
‫ل‪ ،‬وما ُتِر َ‬
‫خص فيها ثلثًا وذلك لنهم تركوها ّ‬
‫ذلك‪ ،‬وإنما ر َ‬
‫ولهذا منع النبي صلى ال عليه وسلم ِمن شراء المتصّدق لصدقته‪ ،‬وقال لعمر‪)) :‬ل َتشَتِرَها‪ ،‬ول‬
‫ك((‪ .‬فجعله عائدًا في صدقته مع أخذها بالثمن‪.‬‬
‫صَدَقِت َ‬
‫َتُعْد في َ‬
‫التأويل السادس‪ :‬أنه كان قد تأّهل بمنى والمسافر إذا أقام في موضع‪ ،‬وتزوج فيه‪ ،‬أو كان له‬
‫به زوجة‪ ،‬أتم‪ ،‬وُيروى في ذلك حديث مرفوع‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم‪ .‬فروى عكرمة بن‬
‫إبراهيم الزدي‪ ،‬عن ابن أبي ُذباب‪ ،‬عن أبيه قال‪ :‬صلى عثمان بأهل ِمنى أربعًا وقال‪ :‬يا أّيها‬
‫جل‬
‫ل صلى ال عليه وسلم يقول‪)) :‬إذا َتأّهل الّر ُ‬
‫ت رسول ا ّ‬
‫ت تأّهلت بها‪ ،‬وإني سمع ُ‬
‫س! لما َقِدم ُ‬
‫النا ُ‬
‫ل في ))مسنده(( وعبد ال بن الزبير‬
‫لمام أحمد رحمه ا ّ‬
‫صّلي بها صلَة ُمقيم((‪ .‬رواه ا ِ‬
‫ِبَبْلَدٍة‪ ،‬فإّنه ُي َ‬
‫حميدي في ))مسنده(( أيضًا‪ ،‬وقد أعله البيهقي بانقطاعه‪ ،‬وتضعيفه عكرمة بن إبراهيم‪ .‬قال أبو‬
‫ال ُ‬
‫البركات ابن تيمية‪ :‬ويمكن المطالبة بسبب الضعف‪ ،‬فإن البخاري ذكره في ))تاريخه(( ولم يطعن‬
‫‪221‬‬

‫فيه‪ ،‬وعادُته ذكر الجرح والمجروحين‪ ،‬وقد نص أحمد وابن عباس قبله أن المسافر إذا تزوج‪،‬‬
‫لتمام‪ ،‬وهذا قول أبي حنيفة‪ ،‬ومالك‪ ،‬وأصحابهما‪ ،‬وهذا أحسن ما اعُتِذر به عن عثمان‪.‬‬
‫لزمه ا ِ‬
‫وقد اعُتِذَر عن عائشة أنها كانت أّم المؤمنين‪ ،‬فحيث نزلت كان وطنها‪ ،‬وهو أيضًا اعتذار‬
‫ضعيف‪ ،‬فإن النبي صلى ال عليه وسلم أبو المؤمنين أيضًا‪ ،‬وأمومة أزواجه فرع عن أبوته‪ ،‬ولم‬
‫عروة‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬أنها كانت ُتصلي في السفر أربعًا‪ ،‬فقلت‬
‫يكن ُيتم لهذا السبب‪ .‬وقد روى هشام بن ُ‬
‫ي‪.‬‬
‫ت ركعتين‪ ،‬فقالت‪ :‬يا ابن أختي! إنه ل يشق عل ّ‬
‫لها‪ :‬لو صلي ِ‬
‫ض المسافر ركعتين‪ ،‬لما أتمها عثمان‪ ،‬ول عائشة‪ ،‬ول‬
‫ل‪ :‬لو كان فر ُ‬
‫قال الشافعي رحمه ا ّ‬
‫ل صلى‬
‫ل ذلك قد فعل رسول ا ّ‬
‫جْز أن ُيتمها مسافر مع مقيم‪ ،‬وقد قالت عائشة‪ :‬ك ّ‬
‫ن مسعود‪ ،‬ولم َي ُ‬
‫اب ُ‬
‫ال عليه وسلم‪ ،‬أتم وقصر‪ ،‬ثم روى عن إبراهيم بن محمد‪ ،‬عن طلحة بن عمرو‪ ،‬عن عطاء بن أبي‬
‫ل ذلك فعل النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬قصر الصلة في السفر وأتم‪.‬‬
‫رباح‪ ،‬عن عائشة قالت‪ُ :‬ك ّ‬
‫)يتبع‪(...‬‬
‫قال البيهقى‪ :‬وكذلك رواه المغيرة بن زياد‪ ،‬عن عطاء‪ ،‬وأصح إسناد فيه ما أخبرنا أبو‬ ‫@‬
‫بكر الحارثي‪ ،‬عن الدارقطني‪ ،‬عن المحاملي‪ ،‬حدثنا سعيد بن محمد بن ثواب‪ ،‬حدثنا أبو عاصم‪،‬‬
‫حدثنا عمر بن سعيد‪ ،‬عن عطاء‪ ،‬عن عائشة‪ ،‬أن النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬كان يقصُر في الصلِة‬
‫ويتم‪ ،‬وُيفطر‪ ،‬ويصوم‪.‬‬
‫قال الدارقطني‪ :‬وهذا إسناد صحيح ثم ساق من طريق أبي بكر النيسابوري‪ ،‬عن عباس‬
‫الدوري‪ ،‬أنبأنا أبو نعيم‪ ،‬حدثنا العلء بن زهير‪ ،‬حدثني عبد الرحمن بن السود‪ ،‬عن عائشة‪ ،‬أنها‬
‫اعتمرت مع النبي صلى ال عليه وسلم من المدينة إلى مكة‪ ،‬حتى إذا َقِدمت مكة‪ ،‬قالت‪ :‬يا رسول‬
‫ت يا عائشة((‪.‬‬
‫ت‪ .‬قال‪)) :‬أحسن ِ‬
‫ت وأفطر ُ‬
‫ت وأتممت‪ ،‬وصم َ‬
‫ت وأمي‪ ،‬قصر َ‬
‫ال بأبي أن َ‬
‫ب على عائشة‪ ،‬ولم تكن عائشة‬
‫لسلم ابن تيمية يقول‪ :‬هذا الحديث كذ ٌ‬
‫ت شيخ ا ِ‬
‫وسمع ُ‬
‫صرون‪،‬‬
‫لُتصلي بخلف صلة رسول ال صلى ال عليه وسلم وسائر الصحابة‪ ،‬وهي تشاهدهم يق ُ‬
‫ت الصلُة ركعتين ركعتين‪َ ،‬فِزيد في صلة‬
‫ثم تتم هي وحدها بل موجب‪ .‬كيف وهي القائلة‪ُ :‬فِرض ِ‬
‫ل صلى‬
‫ل‪ ،‬وُتخالف رسول ا ّ‬
‫الحضر‪ ،‬وُأِقّرت صلُة السفر‪ .‬فكيف ُيظن أنها تزيد على ما فرض ا ّ‬
‫ال عليه وسلم وأصحابه‪.‬‬
‫قال الزهري لعروة لما حدثه عنها بذلك‪ :‬فما شأنها كانت ُتتم الصلة؟ فقال‪ :‬تأولت كما أول‬
‫سن ِفعلها وأقّرها عليه‪ ،‬فما للتأويل حينئذ وجه‪ ،‬ول‬
‫عثمان فإذا كان النبي صلى ال عليه وسلم قد ح ّ‬
‫‪222‬‬

‫ل صلى ال‬
‫يصح أن ُيضاف إتماُمها إلى التأويل على هذا التقدير‪ ،‬وقد أخبر ابن عمر‪ ،‬أن رسول ا ّ‬
‫ن بعائشة أم المؤمنين‬
‫ظّ‬‫عليه وسلم‪ ،‬لم يكن َيزيُد في السفر على ركعتين‪ ،‬ول أبو بكر‪ ،‬ول عمر‪ .‬أفُي َ‬
‫صرون؟ وأما بعد موته صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فإنها أتمت كما أتم عثمان‪،‬‬
‫مخالفتهم‪ ،‬وهي تراهم يق ُ‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫ل‪ ،‬والحجة في روايتهم ل في تأويل الواحد منهم مع مخالفة غيره له وا ّ‬
‫وكلهما تأول تأوي ً‬
‫ل بن عمر‪ :‬إنا نجد صلة الحضر‪ ،‬وصلة الخوف في القرآن‪ ،‬ول نجد‬
‫وقد قال أميُة بن خالد لعبد ا ّ‬
‫ل بعث محمدًا صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ول‬
‫ن عمر‪ :‬يا أخي إن ا ّ‬
‫صلة السفر في القرآن؟ فقال له اب ُ‬
‫نعلم شيئًا‪ ،‬فإنما نفعل كما رأينا محمدًا صلى ال عليه وسلم يفعل‪.‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم إلى مكة‪ ،‬فكان ُيصلي ركعتي ِ‬
‫ن‬ ‫وقد قال أنس‪ :‬خرجنا مع رسول ا ّ‬
‫ن‪ ،‬حتى رجعنا إلى المدينة‪.‬‬
‫ركعتي ِ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فكان ل يزيد في السفر على‬
‫لا ّ‬
‫ت رسو َ‬
‫وقال ابن عمر‪ :‬صحب ُ‬
‫ث صحيحة‪.‬‬
‫ل عنهم‪ ،‬وهذه كّلها أحادي ُ‬
‫ركعتين‪ ،‬وأبا بكر وعمر‪ ،‬وعثمان رضي ا ّ‬
‫فصل‬
‫وكان من هديه صلى ال عليه وسلم في سفره القتصاُر على الفرض‪ ،‬ولم ُيحفظ عنه أنه‬
‫حضرًا‪،‬‬
‫سنة الصلة قبَلها ول بعَدها‪ ،‬إل ما كان من الِوتر وسنة الفجر‪ ،‬فإنه لم يكن ليدعهما َ‬
‫صلى ُ‬
‫ت َالنبى صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فلم أره ُيسّبح‬
‫ن عمر وقد سئل عن ذَلك‪ :‬فقال‪ :‬صحب ُ‬
‫ول سفرًا‪ .‬قال اب ُ‬
‫سَنٌة{ ]الحزاب‪ ،[21 :‬ومراده‬
‫حَ‬
‫سَوٌة َ‬
‫ل ُأ ْ‬
‫لا ِ‬
‫سو ِ‬
‫ن َلُكْم في َر ُ‬
‫ل عز وجل‪َ} :‬لَقْد َكا َ‬
‫في السفر‪ ،‬وقال ا ّ‬
‫ح عنه صلى ال عليه وسلم‪ ،‬أنه كان ُيسّبح على ظهر راحلته‬
‫بالتسبيح‪ :‬السنة الراتبة‪ ،‬وإل فقد ص ّ‬
‫حيث كان وجهه‪ .‬وفي ))الصحيحين((‪ ،‬عن ابن عمر‪ ،‬قال‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫ض وُيوتر على‬
‫ث توجهت‪ُ ،‬يومئ إيماًء صلَة الليل‪ ،‬إل الفرائ َ‬
‫ُيصلي في السفر على راحلته حي ُ‬
‫راحلته‪.‬‬
‫ل‪ ،‬وهو‬
‫ل‪ :‬وثبت عن النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬أنه كان يتنفل لي ً‬
‫قال الشافعي رحمه ا ّ‬
‫صر‪ ،‬وفي ))الصحيحين((‪ :‬عن عامر بن ربيعة‪ ،‬أنه رأى النبي صلى ال عليه وسلم ُيصلي‬
‫يق ُ‬
‫سبحة بالليل في السفر على ظهر راحلته فهذا قيام الليل‪.‬‬
‫ال ّ‬
‫ل‪ ،‬عن التطوع في السفر؟ فقال‪ :‬أرجو أن ل يكون بالتطوع في‬
‫وسئل المام أحمد رحمه ا ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ُيسافرون‪،‬‬
‫ب رسول ا ّ‬
‫س‪ ،‬وُروي عن الحسن قال‪ :‬كان أصحا ُ‬
‫السفر بأ ٌ‬
‫‪223‬‬

‫ن مسعود‪ ،‬وجابٍر‪ ،‬وأنس‪ ،‬واب ِ‬


‫ن‬ ‫فيتطّوعون قبل المكتوبة وبعدها‪ ،‬وروي هذا عن عمر‪ ،‬وعلي‪ ،‬واب ِ‬
‫عباس‪ ،‬وأبي ذر‪.‬‬
‫ل الفريضة ول بعَدَها‪ ،‬إل ِمن جوف الليل مع الوتر‪ ،‬وهذا‬
‫ن عمر‪ ،‬فكان ل يتطّوع قب َ‬
‫وأما اب ُ‬
‫هو الظاهر من هدي النبي بطلى صلى ال عليه وسلم أنه كان ل ُيصلي قبل الفريضة المقصورة‬
‫ول بعدها شيئًا‪ ،‬ولكن لم يكن يمنُع من التطوع قبلها ول بعدها‪ ،‬فهو كالتطوع المطلق‪ ،‬ل أنه سنة‬
‫خففت إلى ركعتين تخفيفًا على‬
‫لقامة‪ ،‬ويؤيد هذا أن الرباعية قد ُ‬
‫راِتبة للصلة‪ ،‬كسنة صلة ا ِ‬
‫المسافر‪ ،‬فكيف يجعل لها سنة راتبة ُيحافظ عليها وقد خفف الفرض إلى ركعتين‪ ،‬فلول قصد‬
‫ل بن عمر‪ :‬لو كنت مسّبحًا‪،‬‬
‫لتمام أولى به‪ ،‬ولهذا قال عبد ا ّ‬
‫التخفيف على المسافر‪ ،‬وإل كان ا ِ‬
‫ضحى‪ ،‬وهو إذ ذاك‬
‫ت‪ ،‬وقد ثبت عنه صلى ال عليه وسلم‪ ،‬أنه صلى يوم الفتح ثمان ركعات ُ‬
‫لتمم ُ‬
‫مسافر‪ .‬وأما ما رواه أبو داود والترمذي في السنن‪ ،‬من حديث الليث‪ ،‬عن صفوان بن سليم‪ ،‬عن‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ثمانيَة‬
‫ت مع رسول ا ّ‬
‫أبي ُبسرة الغفاري‪ ،‬عن البراء بن عازب‪ ،‬قال‪ :‬سافر ُ‬
‫عشر سفرًا‪ ،‬فلم أره ترك ركعتين غد َزْيِغ الشمس قبل الظهر‪ .‬قال الترمذي‪ :‬هذا حديث غريب‪.‬‬
‫قال‪ :‬وسألت محمدًا عنه‪ ،‬فلم يعرفه إل من حديث الليث بن سعد‪ ،‬ولم يعرف اسم أبي بسرة ورآه‬
‫حسنًا‪ .‬وبسرة‪ :‬بالباء الموحدة المضمومة‪ ،‬وسكون السين المهملة‪.‬‬
‫ع أربعًا قبل‬
‫ل عنها‪ :‬أن النبي صلى ال عليه وسلم كان ل يد ُ‬
‫وأما حديث عائشة رضي ا ّ‬
‫ن بعدها‪ ،‬فرواه البخاري في ))صحيحه(( ولكنه ليس بصريح في فعله ذلك في‬
‫الظهر‪ ،‬وركعتي ِ‬
‫لقامة‪ ،‬والرجال أعلم بسفره من النساء‪ ،‬وقد أخبر ابن‬
‫السفر‪ ،‬ولعلها أخبرت عن أكثر أحواله وهو ا ِ‬
‫عمر أنه لم يزد على ركعتين‪ ،‬ولم يكن ابن عمر يصلي قبلها ول بعدها شيئًا‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫فصل‬
‫جهت به‪ ،‬وكان‬
‫وكان من هديه صلى ال عليه وسلم صلُة التطوع على راحلته حيث تو ّ‬
‫ض ِمن ركوعه‪ ،‬وروى أحمد وأبو داود‬
‫ُيومئ إيماًء برأسه في ركوعه‪ ،‬وسجوده‪ ،‬وسجوُده أخف ُ‬
‫عنه‪ِ ،‬من حديث أنس‪ ،‬أنه كان يستقِبل بناقته الِقبَلة عند تكبيرة الفتتاح‪ ،‬ثم تصلي سائَر الصلة‬
‫جهت به‪ .‬وفي هذا الحديث نظر‪ ،‬وسائر من وصف صلته صلى ال عليه وسلم على‬
‫حيث تو ّ‬
‫لحرام‬
‫جهت به‪ ،‬ولم يستثنوا من ذلك تكبيرة ا ِ‬
‫ي جهة تو ّ‬
‫لأ ّ‬
‫راحلته‪ ،‬أطلقوا أنه كان ُيصلي عليها ِقَب َ‬
‫ح ِمن حديث‬
‫ول غيَرها‪ ،‬كعامر بن ربيعة‪ ،‬وعبد ال بن عمر‪ ،‬وجابر بن عبد ال‪ ،‬وأحاديُثهم أص ُ‬
‫‪224‬‬

‫وصلى على الراحلة‪ ،‬وعلى الحمار إن صح عنه‪ ،‬وقد رواه مسلم في‬ ‫أنس هذا‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫))صحيحه(( من حديث ابن عمر‪.‬‬
‫ض بهم على الرواحل لجل المطر والطين إن صح الخبُر بذلك‪ ،‬وقد رواه أحمد‬
‫وصلى الفر َ‬
‫والترمذي والنسائي أنه عليه الصلة والسلم انتهى إلى مضيق هو وأصحاُبه وهو على راحلته‪،‬‬
‫ت الصلُة‪ ،‬فأمر المؤّذن فأذن‪ ،‬وأقام‪ ،‬ثم تقَدم‬
‫ل منهم‪ ،‬فحضر ُ‬
‫سماء ِمن فوقهم‪ ،‬والِبّلُة من أسف َ‬
‫وال ّ‬
‫ض من‬
‫ل صلى ال عليه وسلم على راحلته‪ ،‬فصلى بهم ُيومى إيماًء‪ ،‬فجعل السجود أخف َ‬
‫رسول ا ّ‬
‫الركوع‪ .‬قال الترمذي‪ :‬حديث غريب‪ ،‬تفرد به عمر بن الرماح‪ ،‬وثبت ذلك عن أنس من فعله‪.‬‬
‫فصل‬
‫خر الظهر إلى‬
‫س‪ ،‬أ ّ‬
‫وكان من هديه صلى ال عليه وسلم‪ ،‬أنه إذا ارتحل قبل أن َتزيغ الشم ُ‬
‫ل‪ ،‬صّلى الظهر‪ ،‬ثم ركب‪.‬‬
‫حَ‬‫س قبل أن َيرَت ِ‬
‫وقت العصر‪ ،‬ثم نزل‪ ،‬فجمع بينهما‪ ،‬فإن زالت الشم ُ‬
‫ب حتى يجمع بينها وبين العشاء في وقت العشاء‪ .‬وقد ُروي عنه‬
‫خر المغر َ‬
‫وكان إذا أعجله السيُر‪ ،‬أ ّ‬
‫حل‪ ،‬جمع بين الظهر والعصر‪ ،‬وإن ارتحل‬
‫س قبل أن يرت ِ‬
‫في غزوة تبوك‪ ،‬أنه كان إذا زاغت الشم ُ‬
‫خر الظهر حتى ينزل للعصر‪ ،‬فيصليهما جميعًا‪ ،‬وكذلك في المغرب‬
‫قبل أن تزيغ الشمس‪ ،‬أ ّ‬
‫والعشاء‪ ،‬لكن اختلف في هذا الحديث‪ ،‬فمن مصحح له‪ ،‬ومن محسن‪ ،‬ومن قادح فيه‪ ،‬وجعله‬
‫موضوعًا كالحاكم‪ ،‬وإسناده على شرط الصحيح‪ ،‬لكن ُرمي بعّلة عجيبة‪ ،‬قال الحاكم‪ :‬حدثنا أبو بكر‬
‫ن سعد‪،‬‬
‫بن محمد بن أحمد بن بالويه‪ ،‬حدثنا موسى بن هارون‪ ،‬حدثنا ُقتيبة بن سعيد‪ ،‬حدثنا الليث ب ُ‬
‫طفيل‪ ،‬عن معاذ بن جبل‪ ،‬أن النبي صلى ال عليه وسلم كان في‬
‫عن يزيد بن أبي حبيب‪ ،‬عن أبي ال ُ‬
‫خر الظهر حتى يجمعها إلى العصر‪ ،‬وُيصلَيهما‬
‫غزوة تبوك إذا ارتحل قبل أن تِزيغ الشمس‪ ،‬أ ّ‬
‫جميعًا‪ ،‬وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس‪ ،‬صلى الظهر والعصر جميعًا‪ ،‬ثم سار‪ ،‬وكان إذا ارتحل قبل‬
‫خر المغرب حتى ُيصليها مع العشاء‪ ،‬وإذا ارتحل بعد المغرب‪ ،‬عجل العشاء فصلها مع‬
‫المغرب‪ ،‬أ ّ‬
‫لسناد والمتن‪ ،‬ثم ل نعِرف له علة‬
‫المغرب‪ .‬قال الحاكم‪ :‬هذا الحديث رواته أئمة ثقات‪ ،‬وهو شاذ ا ِ‬
‫ُنعله بها‪ .‬فلو كان الحديث عن الليث‪ ،‬عن أبي الزبير‪ ،‬عن أبي الطفيل‪ ،‬لعللنا به الحديث‪ .‬ولو كان‬
‫عن يزيد بن أبي حبيب‪ ،‬عن أبي الطفيل‪ ،‬لعللنا به‪ ،‬فلما لم نجد له العلتين‪ ،‬خرج عن أن يكون‬
‫ل‪ ،‬ثم نظرنا فلم نجد ليزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل رواية‪ ،‬ول وجدنا هذا المتن بهذه‬
‫معلو ً‬
‫السياقة عن أحد من أصحاب أبي الطفيل‪ ،‬ول عن أحد ممن روى عن معاذ بن جبل غير أبي‬
‫الطفيل‪ ،‬فقلنا‪ :‬الحديث شاذ‪ .‬وقد حدثوا عن أبي العباس الثقفي قال‪ :‬كان ُقتيبة بن سعيد يقول لنا‪:‬‬
‫‪225‬‬

‫ي بن المديني‪ ،‬ويحيى بن معين‪ ،‬وأبي بكر بن أبي‬


‫على هذا الحديث علمُة أحمد بن حنبل‪ ،‬وعل َ‬
‫شيبة‪ ،‬وأبي خيثمة‪ ،‬حتى عد قتيبة سبعة من أئمة الحديث كتبوا عنه هذا الحديث‪ ،‬وأئمة الحديث إنما‬
‫جبًا من إسناده ومتنه‪ ،‬ثم َلْم َيبُلْغَنا عن أحد منهم أنه ذكر للحديث عِّلة‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫سمعوه من قتيبة تع ّ‬
‫فنظرنا فإذا الحديث موضوع‪ ،‬وقتيبة ثقة مأمون‪ ،‬ثم ذكر بإسناده إلى البخاري‪ .‬قال‪ :‬قلت لقتيبة بن‬
‫سعيد‪ :‬مع من كتبت عن الليث بن سعد حديث يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل؟ قال‪ :‬كتبته مع‬
‫خالد بن القاسم أبي الهيثم المدائني‪ .‬قال البخاري‪ :‬وكان خالد المدائني ُيدخل الحاديث على الشيوخ‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وحكمه بالوضع على هذا الحديث غيُر مسّلم‪ ،‬فإن أبا داود رواه عن يزيد بن خالد بن‬
‫ل بن موهب الرملي‪ ،‬حدثنا المفضل بن فضالة‪ ،‬عن الليث بن سعد‪ ،‬عن هشام بن سعد‪ ،‬عن‬
‫عبد ا ّ‬
‫ل من‬
‫أبي الزبير‪ ،‬عن أبي الطفيل‪ ،‬عن معاذ فذكره‪ ...‬فهذا المفضل قد تابع قتيبة‪ ،‬وإن كان قتيبة أج ّ‬
‫المفضل وأحفظ‪ ،‬لكن زال تفرد قتيبة به‪ ،‬ثم إن ُقتيبة صرح بالسماع فقال‪ :‬حدثنا ولم يعنعن‪ ،‬فكيف‬
‫ُيقدح في سماعه‪ ،‬مع أنه بالمكان الذي جعله ال به من المانة‪ ،‬والحفظ‪ ،‬والثقة‪ ،‬والعدالة‪ .‬وقد روى‬
‫إسحاق بن راهويه‪ :‬حدثنا شبابة‪ ،‬حدثنا الليث‪ ،‬عن عقيل‪ ،‬عن ابن شهاب‪ ،‬عن أنس‪ ،‬أن رسول ال‬
‫س‪ ،‬صّلى الظهر والعصر‪ ،‬ثم ارتحل((‪.‬‬
‫صلى ال عليه وسلم‪)) :‬كان إذا كان في سفر‪ ،‬فزالت الشم ُ‬
‫وهذا إسناد كما ترى‪ ،‬وشبابة‪ :‬هو شبابة بن سوار الثقة المتفق على الحتجاج بحديثه‪ ،‬وقد روى له‬
‫ل درجاته أن يكون‬
‫لسناد‪ ،‬على شرط الشيخين‪ ،‬وأق ّ‬
‫مسلم في ))صحيحه(( عن الليث بن سعد بهذا ا ِ‬
‫مقويًا لحديث معاذ‪ ،‬وأصله في ))الصحيحين(( لكن ليس فيه جمُع التقديم‪ .‬ثم قال أبو داود‪ :‬وروى‬
‫ل‪ ،‬عن كريب‪ ،‬عن ابن عباس‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه‬
‫هشام‪ ،‬عن عروة‪ ،‬عن حسين بن عبد ّ‬
‫ل بن‬
‫وسلم‪ ،‬نحو حديث المفضل‪ ،‬يعني حديث معاذ في الجمع والتقديم‪ ،‬ولفظه‪ :‬عن حسين بن عبد ا ّ‬
‫عبيد ال بن عباس‪ ،‬عن كريب‪ ،‬عن ابن عباس‪ ،‬أنه قال‪ :‬أل أخبركم عن صلة النبي صلى ال‬
‫ُ‬
‫ت الشمس وهو في منزله‪ ،‬جمع بين الظهر والعصر في الزوال‪،‬‬
‫عليه وسلم في السفر؟ كان إذا زال ِ‬
‫وإذا سافر قبل أن تزول الشمس‪ ،‬أخر الظهر حتى يجمع بينها وبين العصر في وقت العصر‪ ،‬قال‪:‬‬
‫حسُِبه قال في المغرب والعشاء مثل ذلك‪ ،‬ورواه الشافعي من حديث ابن أبي يحيى‪ ،‬عن حسين‪،‬‬
‫وأ ْ‬
‫ومن حديث ابن عجلن بلغًا عن حسين‪.‬‬
‫ل‪ .‬ورواه عبد‬
‫قال البيهقي‪ :‬هكذا رواه الكابر‪ ،‬هشام بن عروة وغيره‪ ،‬عن حسين بن عبد ا ّ‬
‫الرزاق‪ ،‬عن ابن جريج‪ ،‬عن حسين‪ ،‬عن عكرمة‪ ،‬وعن كريب كلهما عن ابن عباس‪ ،‬ورواه‬
‫أيوب عن أبي ِقلبة‪ ،‬عن ابن عباس‪ ،‬قال‪ :‬ول أعلمه إل مرفوعًا‪.‬‬
‫‪226‬‬

‫وقال إسماعيل بن إسحاق‪ :‬حدثنا إسماعيل بن أبي إدريس‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أخي‪ ،‬عن سليمان‬
‫ل صلى ال عليه‬
‫بن مالك‪ ،‬عن هشام بن عروة‪ ،‬عن كريب عن ابن عباس‪ ،‬قال‪ :‬كان رسولى ا ّ‬
‫س‪ ،‬رِكب فسار‪ ،‬ثم نزل‪ ،‬فجمع بين الظهر‬
‫وسلم إذا جّد به السير‪ ،‬فراح قبل أن َتزيغ الشم ُ‬
‫ح حتى تِزيغ الشمس‪ ،‬جمع بين الظهر والعصر‪ ،‬ثم ركب‪ ،‬وإذا أراد أن يركب‬
‫والعصر‪ ،‬وإذا لم َيُر ْ‬
‫ودخلت صلُة المغرب‪ ،‬جمع بين المغرب وبين صلة العشاء‪.‬‬
‫قال أبو العباس بن سريج‪ :‬روى يحيى بن عبد الحميد‪ ،‬عن أبي خالد الحمر‪ ،‬عن الحجاج‪،‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم يخض إذا لم‬
‫عن الحكم‪ ،‬عن مقسم‪ ،‬عن ابن عباس‪ ،‬قال‪ :‬كان رسول ا ّ‬
‫خرها حتى يجمع بينهما في‬
‫غ‪ ،‬أ َ‬
‫ل حتى تزيغ الشمس‪ ،‬صّلى الظهر والعصر جميعًا‪ ،‬فإذا لم َتِز ْ‬
‫حْ‬‫يرت ِ‬
‫وقت العصر‪.‬‬
‫لسلم ابن تيمية‪ :‬ويدل على جمع التقديم جمعه بعرفة بين الظهر والعصر‬
‫قال شيخ ا ِ‬
‫لمصلحة الوقوف‪ ،‬ليتصل وقت الدعاء‪ ،‬ول يقطُعه بالنزول لصلة العصر مع إمكان ذلك ِبل‬
‫مشقة‪ ،‬فالجمُع كذلك لجل المشقة والحاجة أولى‪.‬‬
‫ل له الدعاُء‪ ،‬فل يقطعه‬
‫صَ‬‫ق به يوم عرفة تقديُم العصر لن يّت ِ‬
‫قال الشافعي‪ :‬وكان أرف َ‬
‫ل له المسير‪ ،‬ول يقطعه بالنزول للمغرب‪ ،‬لما في ذلك‬
‫بصلة العصر‪ ،‬وأرفق بالمزدلفة أن يتص َ‬
‫من التضييق على الناس‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫فصل‬
‫ولم يكن ِمن هديه صلى ال عليه وسلم الجمُع راكبًا في سفره‪ ،‬كما يفعله كثير من الناس‪،‬‬
‫ب الصلة‪ ،‬كما ذكرنا‬
‫ول الجمع حال نزوله أيضًا‪ ،‬وإنما كان يجمع إذا جّد به السير‪ ،‬وإذا سار عقي َ‬
‫في قصة تبوك‪ ،‬وأما جمعه وهو نازل غيُر مسافر‪ ،‬فلم ُينقل ذلك عنه إل بعرفة لجل اتصال‬
‫ل وشيخنا‪ ،‬ولهذا خصه أبو حنيفة بعرفة‪ ،‬وجعله من تمام‬
‫الوقوف‪ ،‬كما قال الشافعي رحمه ا ّ‬
‫النسك‪ ،‬ول تأثير للسفر عنده فيه‪ .‬وأحمد‪ ،‬ومالك‪ ،‬والشافعي‪ ،‬جعلوا سببه السفر‪ ،‬ثم اختلفوا‪ ،‬فجعل‬
‫الشافعي وأحمد في إحدى الروايات عنه التأثير للسفر الطويل‪ ،‬ولم يجوزاه لهل مكة‪ ،‬وجوز مالك‬
‫خنا وأبو الخطاب‬
‫وأحمد في الرواية الخرى عنه لهل مكة الجمَع‪ ،‬والقصَر بعرفة‪ ،‬واختارها شي ُ‬
‫ل في جواز القصر والجمع في طويل السفر وقصيره‪،‬‬
‫في عباداته‪ ،‬ثم طّرد شيخنا هذا‪ ،‬وجعله أص ً‬
‫ب كثير من السلف‪ ،‬وجعله مالك وأبو الخطاب مخصوصًا بأهل مكة‪.‬‬
‫كما هو مذه ُ‬
‫‪227‬‬

‫ولم يحّد صلى ال عليه وسلم لمته مسافة محدودة للقصر والفطر‪ ،‬بل أطلق لهم ذلك‬
‫في ُمطلق السفر والضرب في الرض‪ ،‬كما أطلق لهم التيمم في كل سفر‪ ،‬وأما ما ُيروى عنه من‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫التحديد باليوم‪ ،‬أو اليومين‪ ،‬أو الثلثة‪ ،‬فلم يصح عنه منها شيء البتة‪ ،‬وا ّ‬
‫فصل‬
‫في هديه صلى ال عليه وسلم في قراءة القرآن‪ ،‬واستماعه‪ ،‬وخشوعه‪ ،‬وبكائه عند قراءته‪،‬‬
‫واستماعه وتحسين صوته به وتوابع ذلك‬
‫ل ل هّذا ول‬
‫ل به‪ ،‬وكانت قراءُته ترتي ً‬
‫خّ‬‫حزب يقرؤه‪ ،‬ول ُي ِ‬
‫كان له صلى ال عليه وسلم ِ‬
‫طع قراءته آية آية‪ ،‬وكان يمّد عند حروف المد‪ ،‬فيمد‬
‫سرة حرفًا حرفًا‪ .‬وكان ُيَق ّ‬
‫عجلة‪ ،‬بل ِقراءًة مف ّ‬
‫عوُذ‬
‫ل من الشيطان الرجيم فى أول قراءته‪ ،‬فيقول‪)) :‬أ ُ‬
‫)الرحمن( ويمد )الرحيم(‪ ،‬وكان يستعيذ با ّ‬
‫جيم من َهْمِزِه‬
‫ن الّر ِ‬
‫طا ِ‬
‫شْي َ‬
‫ن ال ّ‬
‫ك ِم َ‬
‫عوُذ ِب َ‬
‫جيم((‪ ،‬وُرّبما كان يقول‪)) :‬الّلُهّم إّني َأ ُ‬
‫ن الَر ِ‬
‫طا ِ‬
‫شي َ‬
‫ن ال ّ‬
‫ل ِم َ‬
‫ِبا ِ‬
‫ل القراءة‪.‬‬
‫خِه‪ ،‬وَنفِثِه((‪ .‬وكان تعّوذه قب َ‬
‫وَنْف ِ‬
‫ل بن مسعود‪ ،‬فقرأ عليه وهو يسمع‪.‬‬
‫ن ِمن غيره‪ ،‬وأمر عبد ا ّ‬
‫ب أن يسمع القرَا َ‬
‫وكان ُيح ّ‬
‫شع صلى ال عليه وسلم لسماع القران ِمنه‪ ،‬حتى ذرفت عيناه‪.‬‬
‫خَ‬‫وَ‬
‫حِدثًا‪ ،‬ولم يكن يمنعه من ِقراءته‬
‫وكان يقرأ القرَان قائمًا‪ ،‬وقاعدًا‪ ،‬ومضطجعًا ومتوضئًا‪ ،‬وُم ْ‬
‫إل الجنابة‪.‬‬
‫جع يوم الفتح في قراءته‬
‫جع صوَته به أحيانًا كما ر ّ‬
‫وكان صلى ال عليه وسلم يتغّنى به‪ ،‬وُير ّ‬
‫جيَعه‪ ،‬آ ا آ ثلث مرات‪ ،‬ذكره‬
‫حًا ُمِبينًا{ ]الفتح‪ .[1 :‬وحكى عبد ال بن مغّفل تر ِ‬
‫ك َفْت َ‬
‫حَنا َل َ‬
‫}إّنا فَت ْ‬
‫البخاري‪.‬‬
‫ن َلْم‬
‫س ِمّنا َم ْ‬
‫صواِتُكم((‪ .‬وقوله‪َ)) :‬لْي َ‬
‫ث إلى قوله‪َ)) :‬زّيُنوا الُقرآن بأ ْ‬
‫وإذا جمعت هذه الحادي َ‬
‫ت َيَتَغّنى ِبالُقْران((‪ .‬علمت أن‬
‫صْو ِ‬
‫ن ال ّ‬
‫سِ‬‫حَ‬
‫ي َ‬
‫شيء‪ ،‬كَأَذِنِه ِلَنب ّ‬
‫ل ِل َ‬
‫نا ُ‬
‫ن ِبالُقْرآن((‪ .‬وقوله‪)) :‬ما َأِذ َ‬
‫َيَتَغ ّ‬
‫هذا الترجيَع منه صلى ال عليه وسلم‪ ،‬كان اختيارًا ل اضطرارًا لهّز الناقة له‪ ،‬فإن هذا لو كان‬
‫ل تحت الختيار‪ ،‬فلم يكن عبُد ال بن مغّفل يحكيه ويفعُله اختيارًا‬
‫لجل هّز الناقة‪ ،‬لما كان داخ ً‬
‫جُع في قراءته‪ ،‬فنسب‬
‫ِلُيؤتسى به‪ ،‬وهو يرى هّز الراحلة له حتى ينقطع صوُته‪ ،‬ثم يقول؟ كان ُير ّ‬
‫الّترجيع إلى فعله‪ .‬ولو كان ِمن هّز الراحلة‪ ،‬لم يكن منه فعل يسمى ترجيعًا‪.‬‬
‫ت أعلم أنك‬
‫وقد استمع ليلًة لقراءة أبي موسى الشعري‪ ،‬فلما أخبره بذلك‪ ،‬قال‪ :‬لْو كن ُ‬
‫سنته وزّينته بصوتي تزيينًا‪ ،‬وروى أبو داود في ))سننه(( عن‬
‫حِبيرًا‪ .‬أي‪ :‬ح ّ‬
‫ك َت ْ‬
‫تسمعه‪ ،‬لحّبْرته َل َ‬
‫‪228‬‬

‫ل بن أبي يزيد‪ :‬مر بنا أبو ُلبابة‪،‬‬


‫ن أبي ُمليكة يقول‪ :‬قال عبد ا ّ‬
‫ت اب َ‬
‫عبد الجبار بن الورد‪ ،‬قال‪ .‬سمع ُ‬
‫ل صلى ال عليه‬
‫ت رسول ا ّ‬
‫ث الهيئة‪ ،‬فسمعُته يقول‪ :‬سمع ُ‬
‫لر ّ‬
‫فاّتبعناه حتى دخل بيته‪ ،‬فإذا رج ٌ‬
‫ت إذا لم‬
‫ن((‪ .‬قال‪ :‬فقلت لبن أبي ُمليكة‪ :‬يا أبا محمد! أرأي َ‬
‫ن بالقرَا ِ‬
‫ن َلْم َيَتَغ ّ‬
‫س ِمّنا َم ْ‬
‫وسلم يقول‪َ)) :‬لْي َ‬
‫سُنه ما استطاع‪.‬‬
‫ن الصوت؟ قال‪ُ :‬يح ّ‬
‫يكن حس َ‬
‫ل فريق‪،‬‬
‫ف الناس فيها‪ ،‬واحتجاج ك ّ‬
‫قلت‪ :‬ل بد من كشف هذه المسألة‪ ،‬وذكر اختل ِ‬
‫ل تبارك وتعالى ومعونته‪ ،‬فقالت‬
‫وما لهم وعليهم في احتجاجهم‪ ،‬وذكر الصواب في ذلك بحول ا ّ‬
‫ك وغيرهما‪ ،‬فقال أحمد في رواية‬
‫طائفة‪ :‬تكره قراءة اللحان‪ ،‬وممن نص على ذلك أحمد ومال ٌ‬
‫حَدث‪ .‬وقال في رواية المرَوزي‪ :‬القراءُة‬
‫علي بن سعيد في قراءة اللحان‪ :‬ما تعجُبني وهو م ْ‬
‫باللحان بدعة ل تسمع‪ ،‬وقال في رواية عبد الرحمن المتطبب‪ :‬قراءُة اللحان بدعة‪ ،‬وقال في‬
‫ل‪ ،‬ويوسف بن موسى‪ ،‬ويعقوب بن بختان‪ ،‬والثرم‪ ،‬وإبراهيم بن الحارث‪ :‬القراءُة‬
‫رواية ابنه عبد ا ّ‬
‫ل صوت أبي موسى‪ ،‬وقال في رواية‬
‫حزنًا‪ ،‬فيقرأ بحزن مث َ‬
‫باللحان ل ُتعجبني إل أن يكون ذلك ُ‬
‫سنه‪ ،‬وقال في رواية المرَوزي‪)) :‬ما أِذن ا ّ‬
‫ل‬ ‫صَواِتُكم((‪ ،‬معناه‪ :‬أن ُيح ّ‬
‫ن ِبأ ْ‬
‫صالح‪َ)) :‬زّيُنوا الُقْرَا َ‬
‫ن َلْم َيَتَغ ّ‬
‫ن‬ ‫س ِمّنا َم ْ‬
‫لشيء كأَذِنِه لنبي حسن الصوت أن يتغّنى بالقرآن(( وفي رواية قوله‪َ)) :‬لْي َ‬
‫ن عيينة يقول‪ :‬يستغني به‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬يرفع صوته‪ ،‬وذكر له حديث‬
‫ن((‪ ،‬فقال‪ :‬كان اب ُ‬
‫ِبالُقْرآ ِ‬
‫ل أن يكون على معنى‬
‫معاوية بن قرة في قصة قراءة سورة الفتح والترجيع فيها‪ ،‬فأنكر أبو عبد ا ّ‬
‫ث التي ُيحتج بها في الرخصة في اللحان‪.‬‬
‫اللحان‪ ،‬وأنكر الحادي َ‬
‫وروى ابن القاسم‪ ،‬عن مالك‪ ،‬أنه سئل عن اللحان في الصلة‪ ،‬فقال‪ :‬ل ُتعجبني‪ ،‬وقال‪ :‬إنما هو‬
‫غناٌء يتغّنون به‪ ،‬ليأخذوا عليه الدراهم‪ ،‬وممن ُرويت عنه الكراهُة‪ ،‬أنس بن مالك‪ ،‬وسعيد بن‬
‫المسّيب‪ ،‬وسعيد بن جبير‪ ،‬والقاسم بن محمد‪ ،‬والحسن‪ ،‬وابن سيرين‪ ،‬وإبراهيم النخعي‪ .‬وقال عبد‬
‫ل في القراءة باللحان؟ فقال ما اسمك؟ قال‬
‫ل يسأل أحمد‪ ،‬ما تقو ُ‬
‫ل بن يزيد العكبري‪ :‬سمعت رج ً‬
‫ا ّ‬
‫محمد‪ :‬قال‪ :‬أيسرك أن يقال لك‪ :‬يا موحمد ممدودًا‪ ،‬قال القاضي أبو يعلى‪ :‬هذه مبالغة في الكراهة‪.‬‬
‫ي رجل بوصية‪ ،‬وكان فيما خّلف جارية تقرأ‬
‫جَروي‪ :‬أوصى إل ّ‬
‫ن عبد العزيز ال َ‬
‫وقال الحسن ب ُ‬
‫عبيد‪،‬‬
‫ت أحمد بن حنبل والحارث بن مسكين‪ ،‬وأبا ُ‬
‫باللحان‪ ،‬وكانت أكَثر َتِركته أو عامتها‪ ،‬فسأل ُ‬
‫كيف أبيُعها؟ فقالوا‪ :‬بعها ساذجًة‪ ،‬فأخبرُتهم بما في بيعها من النقصان‪ ،‬فقالوا‪ :‬بعها ساَذجة‪ ،‬قال‬
‫القاضي‪ :‬وإنما قالوا ذلك‪ ،‬لن سماع ذلك منها مكروه‪ ،‬فل يجوز أن ُيعاوض عليه كالغناء‪.‬‬
‫‪229‬‬

‫ن الصوت به‪ ،‬والترجُع بقراءته‪،‬‬


‫طال‪ :‬وقالت طائفة‪ :‬التغّني بالقران‪ ،‬هو تحسي ُ‬
‫قال ابن ب ّ‬
‫شميل‪ ،‬قال‪ :‬وممن‬
‫قال‪ :‬والتغني بما شاء ِمن الصوات واللحون هو قول ابن المبارك‪ ،‬والنضِر بن ُ‬
‫ل عنه‪ ،‬أنه كان يقول لبي‬
‫أجاز اللحان في القرآن‪ :‬ذكر الطبري‪ ،‬عن عمر بن الخطاب رضي ا ّ‬
‫غناء أبي‬
‫موسى‪ :‬ذّكرنا رّبنا‪ ،‬فيقرأ أبو موسى ويتلحن‪ ،‬وقال‪ :‬من استطاع أن يتغنى بالقرآن ِ‬
‫موسى‪ ،‬فليفعل‪ ،‬وكان عقبة بن عامر من أحسن الناس صوتًا بالقرَان‪ ،‬فقال له عمر‪ :‬اعرض عل ّ‬
‫ي‬
‫ت أظن أنها نزلت‪ ،‬قال‪ :‬وأجازه ابن عباس‪،‬‬
‫سورة كذا‪ ،‬فَعرض عليه‪ ،‬فبكى عمر‪ ،‬وقال‪ :‬ما كن ُ‬
‫وابن مسعود‪ ،‬وروي عن عطاء بن أبي رباح‪ ،‬قال‪ :‬وكان عبد الرحمن بن السود بن يزيد‪ ،‬يتتَبع‬
‫ت الحسن في المساجد في شهر رمضان‪ .‬وذكر الطحاوي عن أبي حنيفة وأصحابه‪ :‬أنهم‬
‫الصو َ‬
‫كانوا يستمعون القران باللحان‪ .‬وقال محمد بن عبد الحكم‪ :‬رأيت أبي والشافعي ويوسف بن عمر‬
‫يستمعون القرآن باللحان‪ ،‬وهذا اختياُر ابن جرير الطبرى‪.‬‬
‫ل‪ :‬على أن معنى الحديث تحسي ُ‬
‫ن‬ ‫قال المجّوزون ‪ -‬واللفظ لبن جرير‪ :-‬الدلي ُ‬
‫الصوت‪ ،‬والغناء المعقول الذي هو تحزين القارئ سامَع قراءته‪ ،‬كما أن الغناء بالشعر هو الغناُء‬
‫ل الذي ُيطرب سامعه ‪ :-‬ما روى سفيان‪ ،‬عن الزهري‪ ،‬عن أبي سلمة‪ ،‬عن أبي هريرة‪ ،‬أن‬
‫المعقو ُ‬
‫ي حسن الّترّنم بالُقْرآن(( ومعقول‬
‫ن لنب ّ‬
‫ل لشيء َما أذ َ‬
‫ن ا ُّ‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬قال‪َ)) :‬ما أذ َ‬
‫سنه المترنم وطّرب به‪ .‬وروي في هذا‬
‫ل يًكون إل باَلصوت إذا ح ّ‬
‫ن الترّنم َ‬
‫حجا‪ ،‬أ َ‬
‫عند ذوي ال ِ‬
‫ن الصوت يتغنى بالقرَان يجهُر به((‪ .‬قال الطبري‪:‬‬
‫ل لشيء ما أذن لنبي حس ِ‬
‫نا ّ‬
‫الحديث ))ما أِذ َ‬
‫ن عيينة‪ ،‬يعني‪ :‬يستغني به‬
‫وهذا الحديث من أبين البيان أن ذلك كما قلنا‪ ،‬قال‪ :‬ولو كان كما قال اب ُ‬
‫حسن الصوت والجهر به معنى‪ ،‬والمعروف في كلم العرب أن التغني إنما‬
‫عن غيره‪ ،‬لم يكن لذكر ُ‬
‫ن الصوت بالترجيع‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬
‫هو الغناء الذي هو حس ُ‬
‫ضَماُر‬
‫شعِر ِم ْ‬
‫ن الِغَناَء ِلَهذا ال ّ‬
‫إّ‬ ‫ت َقاِئَله‬
‫شْعِر إّما ُكْن َ‬
‫ن ِبال ّ‬
‫َتَغ َ‬
‫ش في كلم العرب‪ ،‬فلم نعلم أحدًا قال‬
‫قال‪ :‬وأما ادعاء الزاعم‪ ،‬أن تغّنيت بمعنى استغنيت فا ٍ‬
‫ل العشى‪:‬‬
‫جه لتصحيح قوله بقو ِ‬
‫به من أهل العلم بكلم العرب‪ .‬وأما احتجا ُ‬
‫ل الّتَغ ْ‬
‫ن‬ ‫خ طوي َ‬
‫ف الُمَنا ِ‬
‫عِفي َ‬
‫َ‬ ‫وُكْنتُ اْمَرءًا َزَمنًا بالِعَراق‬
‫وزعم أنه أراد بقوله‪ :‬طويل التغني‪ :‬طويل الستغناء‪ ،‬فإنه غلط منه‪ ،‬وإنما عنى العشى‬
‫لقامة من قول العرب‪ :‬غني فلن بمكان كذا إذا أقام به‪ ،‬ومنه قوله‬
‫بالتغني في هذا الموضع‪ :‬ا ِ‬
‫ن َلْم َيْغَنْوا ِفيَها{ ]العراف‪ [92 :‬واستشهاده بقول الخر‪:‬‬
‫تعالى‪} :‬كَأ ْ‬
‫‪230‬‬

‫شُد َتَغاِنيا‬
‫ن إذا ِمْتنا َأ َ‬
‫حُ‬‫َوَن ْ‬ ‫حَياَتُه‬
‫خيِه َ‬
‫نأ ِ‬
‫عْ‬‫ي َ‬
‫غِن ّ‬
‫لنا َ‬
‫ِك َ‬
‫فإنه إغفال منه‪ ،‬وذلك لن التغاني تفاعل من تغّنى‪ :‬إذا استغنى كل واحد منهما عن صاحبه‪،‬‬
‫كما يقال‪ :‬تضارب الرجلن‪ ،‬إذا ضرب كل واحد منهما صاحبه‪ ،‬وتشاتما‪ ،‬وتقاتل‪ .‬ومن قال‪ :‬هذا‬
‫في فعل اثنين‪ ،‬لم يجز أن يقول مثله في فعل الواحد‪ ،‬فيقول‪ :‬تغانى زيد‪ ،‬وتضارب عمرو‪ ،‬وذلك‬
‫غيُر جائز أن يتول‪ :‬تغنى زيد بمعنى استغنى‪ ،‬إل أن يريد به قائله أنه أظهر الستغناء‪ ،‬وهو غير‬
‫جه‬
‫جع‪ ،‬وتكّرم‪ ،‬فإن و ّ‬
‫جَلدا من نفسه‪ ،‬وهو غير جليد‪ ،‬وتش ّ‬
‫مستغن‪ ،‬كما يقال‪ :‬تجّلد فلن‪ :‬إذا أظهر َ‬
‫جه التغّني بالقرآن إلى هذا المعنى على ُبعده من مفهوم كلم العرب‪ ،‬كانت الُمصيبة في خطئه‬
‫مو ّ‬
‫ل تعالى ِذكُره لم يأذن لنبيه أن يستغني‬
‫في ذلك أعظَم‪ ،‬لنه ُيوجب على من تأوله أن يكون ا ّ‬
‫ف ما هو به من الحال‪ ،‬وهذا ل يخفى فساُده‪.‬‬
‫ن له أن ُيظهر من نفسه لنفسه خل َ‬
‫بالقرآن‪ ،‬وإنما أِذ َ‬
‫عيينة أيضًا أن الستغناء عن الناس بالقرآن ِمن المحال أن ُيوصف‬
‫قال‪ :‬ومما ُيبين فساَد تأويل ابن ُ‬
‫لذن الذي هو إطلق‬
‫أحد به أنه تؤذن له فيه أو ل يؤذن‪ ،‬إل أن يكون الذن غد ابن عيينة بمعنى ا ِ‬
‫وإباحة‪ ،‬وإن كان كذلك‪ ،‬فهو غلط من وجهين‪ ،‬أحدهما‪ :‬من اللغة‪ ،‬والثاني‪ :‬من إحالة المعنى عن‬
‫وجهه‪ .‬أما اللغة‪ ،‬فإن الذن مصدر قوله‪ :‬أذن فلن لكلم فلن‪ ،‬فهو يأَذن له‪ :‬إذا استمع له وأنصت‪،‬‬
‫ق لها ذلك‪ ،‬كما قال‬
‫حّ‬‫ت{ ]النشقاق‪ ،[2 .‬بمعنى سِمعت لربها و ُ‬
‫حّق ْ‬
‫كما قال تعالى‪} :‬وَأِذَنت ِلَرّبَها َو ُ‬
‫عدى بن زيد‪:‬‬
‫ع وأَذن *‬
‫سَما ٍ‬
‫ن َهّمي ِفي َ‬
‫*إّ‬
‫ل لشيء من‬
‫ل لشيء‪ ،‬إنما هو‪ :‬ما استمع ا ّ‬
‫بمعنى‪ ،‬في سماع واستماع‪ .‬فمعنى قوله‪ :‬ما أذن ا ّ‬
‫لحالة في المعنى‪ ،‬فلن الستغناء بالُقْرآن عن‬
‫كلم الناس ما استمع لنبي يتغنى بالقرآن‪ .‬وأما ا ِ‬
‫الناس غيُر جائز وصفه بأنه مسموع ومأذون له‪ ،‬انتهى كلم الطبري‪.‬‬
‫لشكال في هذه المسألة أيضًا‪ ،‬بما رواه ابن أبي شيبة‪،‬‬
‫قال أبو الحسن بن بطال‪ :‬وقد وقع ا ِ‬
‫عقبة بن عامر‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ي بن رباح‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ُ‬
‫حدثنا زيد بن الحباب‪ ،‬قال‪ :‬حدثني موسى بن عل ّ‬
‫ن وَتَغّنوا ِبِه‪ ،‬واكتبوه‪َ ،‬فوالذي َنفسي ِبَيِدِه‪َ ،‬لهَو‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪َ)) :‬تَعّلموا الُقْرآ َ‬
‫قال رسول ا ّ‬
‫شّبة‪ ،‬قال‪ :‬ذكر لبي عاصم النبيل تأوي ُ‬
‫ل‬ ‫ل((‪ .‬قال‪ :‬وذكر عمر بن َ‬
‫ن العُق ِ‬
‫ض ِم َ‬
‫خا ِ‬
‫ن الَم َ‬
‫صيَا ِم َ‬
‫شّد َتفَ ّ‬
‫َأ َ‬
‫ن جريج‪،‬‬
‫ابن عيينة في قوله ))يتغّنى بالقرآن(( يستغني به‪ ،‬فقال‪ :‬لم يصنع ابن عيينة شيئًا‪ ،‬حدثنا اب ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ِمعَزَفٌة يتغّنى عليها‬
‫يا ّ‬
‫عمير‪ ،‬قال‪ :‬كانت لداود نب ّ‬
‫عن عطاء‪ ،‬عن عبيد بن ُ‬
‫طَر ُ‬
‫ب‬ ‫َيبكي وُيبكي‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬إنه كان يقرأ الزبور بسبعين لحنًا‪ ،‬تكون فيهن‪ ،‬ويقرأ قراءة َي ْ‬
‫‪231‬‬

‫ل‪ ،‬عن تأويل ابن عيينة فقال‪ :‬نحن أعلُم بهذا‪ ،‬لو أراد به‬
‫ع‪ .‬وسئل الشافعي رحمه ا ّ‬
‫منها الجمو ُ‬
‫الستغناء‪ ،‬لقال‪)) :‬من لم يستغن بالُقرآن((‪ ،‬ولكن لما قال‪)) :‬يتغّنى بالقرآن((‪ ،‬علمنا أنه أراد به‬
‫التغّني‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ولن تزيينه‪ ،‬وتحسين الصوت به‪ ،‬والتطريب بقراءته أوقُع في النفوس‪ ،‬وأدعى إلى‬
‫ن على‬
‫لصغاء إليه‪ ،‬ففيه تنفيذ للفظه إلى السماع‪ ،‬ومعانيه إلى القلوب‪ ،‬وذلك عو ٌ‬
‫الستماع وا ِ‬
‫المقصود‪ ،‬وهو بمنزلة الحلوة التي ُتجعل في الدواء لتنفذه إلى موضع الداء‪ ،‬وبمنزلة الفاويه‬
‫طيب والتحّكي‪ ،‬وتجّمل‬
‫ل‪ ،‬وبمنزلة ال ّ‬
‫طيب الذي ُيجعل في الطعام‪ ،‬لتكون الطبيعة أدعى له قبو ً‬
‫وال ّ‬
‫المرأة لبعلها‪ ،‬ليكون أدعى إلى مقاصد النكاح‪ .‬قالوا‪ :‬ول بد للنفس من طرب واشتياق إلى الغناء‪،‬‬
‫عّوضت عن كل محّرم ومكروه بما هو خيٌر لها‬
‫فُعّوضت عن طرب الغناء بطرب القرآن‪ ،‬كما ُ‬
‫ض التوحيد والتوكل‪ ،‬وعن‬
‫منه‪ ،‬وكما عّوضت عن الستقسام بالزلم بالستخارة التي هي مح ُ‬
‫سفاح بالنكاح‪ ،‬وعن الِقمار بالُمراهنة بالّنصال وسباق الخيل‪ ،‬وعن السماع الشيطاني بالسماع‬
‫ال ّ‬
‫الرحماني القرآني‪ ،‬ونظائره كثيرة جدًا‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬والمحّرم‪ ،‬ل بد أن يشتِمل على مفسدة راجحة‪ ،‬أو خالصة‪ ،‬وقراءة التطريب واللحان‬
‫ل بين السامع وبين فهمه‪ ،‬ولو‬
‫ج الكلم عن وضعه‪ ،‬ول َتحو ُ‬
‫ل تتضمن شيئًا ِمن ذلك‪ ،‬فإنها ل ُتخِر ُ‬
‫كانت متضّمنة لزيادة الحروف كما ظن المانع منها‪ ،‬لخرجت الكلمة عن موضعها‪ ،‬وحالت بين‬
‫السامع وبين فهمها‪ ،‬ولم يدر ما معناها‪ ،‬والواقُع بخلف ذلك‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وهذا التطريب والتلحين‪ ،‬أمر راجع إلى كيفية الداء‪ ،‬وتارة يكون سليقة وطبيعة‪،‬‬
‫صفات‬
‫ج الكلم عن وضع مفرداته‪ ،‬بل هي ِ‬
‫ل‪ ،‬وكيفيات الداء ل تخِر ُ‬
‫وتارة يكون تكّلفًا وتعُق ً‬
‫لصوت المؤّدي‪ ،‬جارية مجرى ترقيقه وتفخيمه وإمالته‪ ،‬وجارية مجرى مدود القّراء الطويلة‬
‫والمتوسطة‪ ،‬لكن تلك الكيفيات متعلقة بالحروف‪ ،‬وكيفيات اللحان والتطريب‪ ،‬متعلقة بالصوات‪،‬‬
‫والثار في هذه الكيفيات‪ ،‬ل يمكن نقُلها‪ ،‬بخلف كيفيات أداء الحروف‪ ،‬فلهذا ُنقلت تلك بألفاظها‪،‬‬
‫ولم يمكن نقل هذه بألفاظها‪ ،‬بل نقل منها ما أمكن نقله‪ ،‬كترجيع النبي صلى ال عليه وسلم في‬
‫سورة الفتح بقوله‪)) :‬آ آ آ((‪ .‬قالوا‪ :‬والتطريب والتلحين راجع إلى أمرين‪ :‬مٍد وترجيع‪ ،‬وقد ثبت عن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬أنه كان يمد صوته بالقراءة يمد ))الرحمن(( ويمد ))الّرحيم((‪ ،‬وثبت‬
‫عنه الترجيع كما تقدم‪.‬‬
‫‪232‬‬

‫حذيفة بن اليمان‪ ،‬عن‬


‫قال المانعون من ذلك‪ :‬الحجة لنا من وجوه‪ .‬أحدها‪ :‬ما رواه ُ‬
‫ل الِكَتا ِ‬
‫ب‬ ‫ن َأْه ِ‬
‫حو َ‬
‫صَواِتها‪ ،‬وإَياُكم َوُل ُ‬
‫ب وأ ْ‬
‫ن الَعَر ِ‬
‫حو ِ‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم‪)) :‬إقرؤوا الُقْرآن ِبل ُ‬
‫جاِوُز‬
‫ح‪ ،‬ل ُي َ‬
‫جيَع الِغَناِء َوالّنْو ِ‬
‫ن ِبالُقْرآنِ َتْر ِ‬
‫جُعو َ‬
‫ن َبْعِدي َأقَواٌم ُيَر ّ‬
‫سَيجيء فى ِم ْ‬
‫سق‪ ،‬فإّنُه َ‬
‫َوالِف ْ‬
‫ن في ))تجريد‬
‫شْأُنُهم(( رواه أبو الحسن َرِزي ّ‬
‫جُبُهم َ‬
‫ن ُيْع ِ‬
‫ب اَلِذي َ‬
‫جَرهم‪َ ،‬مفُتوَنًة ُقُلوُبُهم‪َ ،‬وُقُلو ُ‬
‫حَنا ِ‬
‫َ‬
‫ل الحكيم الترمذي في ))نوادر الصول((‪ .‬واحتج به القاضي أبو يعلى‬
‫الصحاح(( ورواه أبو عبد ا ّ‬
‫ط الساعة‪ ،‬وذكر‬
‫في ))الجامع((‪ ،‬واحتج معه بحديث آخر‪ ،‬أنه صلى ال عليه وسلم ذكر شرائ َ‬
‫ضِلِهم ما ُيَقّدُموَنُه إل‬
‫س ِبَأْقَرِئِهم َول َأْف َ‬
‫حَدُهم َلْي َ‬
‫ن َأ َ‬
‫ن َمزاميَر‪ُ ،‬يقّدمو َ‬
‫أشياء‪ ،‬منها‪)) :‬أن ُيتخذ القرآ ُ‬
‫غَناًء((‪.‬‬
‫ِلُيَغّنَيُهم ِ‬
‫ل عنه مع القراء‪ ،‬فقيل له‪ :‬إقرأ‪ ،‬فرفع صوته‬
‫قالوا‪ :‬وقد جاء زياد النهدي إلى أنس رضي ا ّ‬
‫خرقة سوداء‪ ،‬وقال‪ :‬يا‬
‫وطّرب‪ ،‬وكان رفيَع الصوت‪ ،‬فكشف أنس عن وجهه‪ ،‬وكان على وجهه ِ‬
‫خرقة عن وجهه‪ .‬قالوا‪ :‬وقد منع النب ّ‬
‫ي‬ ‫هذا! ما هكذا كانوا يفعلون‪ ،‬وكان إذا رأى شيئًا ُينكره‪ ،‬رفع ال ِ‬
‫ب في أذانه من التطريب‪ ،‬كما روى ابن جريج‪ ،‬عن عطاء‪ ،‬عن‬
‫طّر َ‬
‫صلى ال عليه وسلم المؤّذن الُم َ‬
‫ي صلى ال عليه‬
‫ل صلى ال عليه وسلم مؤّذن يطّرب‪ ،‬فقال النب ّ‬
‫ابن عباس قال‪ :‬كان لرسول ا ّ‬
‫ل َفل ُتؤّذن(( رواه الدارقطني‬
‫سْمحًا‪ ،‬وإ ّ‬
‫سْهل َ‬
‫ك َ‬
‫ل سمح‪ ،.‬فإن كان َأَذاُن َ‬
‫سْه ّ‬
‫ن الذان َ‬
‫وسلم‪)) :‬إ ّ‬
‫وروى عبد الغني بن سعيد الحافظ من حديث قتادة‪ ،‬عن عبد الرحمن بن أبي بكر‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم المّد‪ ،‬ليس فيها ترجيع‪ .‬قالوا‪ :‬والترجيع والتطريب‬
‫كانت قراءُة رسول ا ّ‬
‫يتضمن همَز ما ليس بمهموز‪ ،‬ومّد ما ليس بممدود‪ ،‬وترجيَع اللف الواحد ألفات‪ ،‬والواَو واوات‪،‬‬
‫ت‪ ،‬فيؤّدي ذلك إلى زيادة في القران‪ ،‬وذلك غير جائز‪ ،‬قالوا‪ :‬ول حّد لما يجوز من ذلك‪،‬‬
‫والياء ياءا ٍ‬
‫حّد بحّد‪ ،‬أفض‬
‫ل تعالى وِدينه‪ ،‬وإن لم ُي َ‬
‫ن‪ ،‬كان تحّكمًا في كتاب ا ّ‬
‫حّد بحّد معّي ٍ‬
‫وما ل يجوز منه‪ ،‬فإن ُ‬
‫ليقاعات واللحان‬
‫إلى أن ُيطلق لفاعله ترديُد الصوات‪ ،‬وكثرُة الترجيعات‪ ،‬والتنويُع في أصناف ا ِ‬
‫ل الغناء بالبيات‪ ،‬وكما يفعله كثير من الُقّراء أمام الجنائز‪ ،‬ويفعُله كثيٌر‬
‫المشِبهة للغناء‪ ،‬كما يفعل أه ُ‬
‫ِمن قراء الصوات‪ ،‬مما يتضمن تغييَر كتاب ال والِغناء به على نحو ألحان الشعر والغناء‪،‬‬
‫ل وكتابه‪ ،‬وتلعبًا بالقرآن‪ ،‬وركونًا إلى‬
‫ليقاعات عليه مثل الغناء سواء‪ ،‬اجتراًء على ا ّ‬
‫وُيوقعون ا ِ‬
‫ب والتلحين ذريعٌة‬
‫لسلم‪ ،‬ومعلوم‪ :‬أن التطري َ‬
‫تزيين الشيطان‪ ،‬ول يجيز ذلك أحٌد من علماء ا ِ‬
‫ُمفضية إلى هذا إفضاًء قريبًا‪ ،‬فالمنع منه‪ ،‬كالمنع من الذرائع الموصلة إلى الحرام‪ ،‬فهذا نهايُة اقدام‬
‫الفريقين‪ ،‬ومنتهى احتجاج الطائفتين‪.‬‬
‫‪233‬‬

‫وفصل النزاع‪ ،‬أن يقال‪ :‬التطريب والتغّني على وجهين‪ ،‬أحدهما‪ :‬ما اقتضته الطبيعة‪،‬‬
‫خّلي وطبعه‪ ،‬واسترسلت طبيعته‪ ،‬جاءت‬
‫وسمحت به من غير تكلف ول تمرين ول تعليم‪ ،‬بل إذا ُ‬
‫ل تزيين وتحسين‪ ،‬كما قال أبو موسى‬
‫بذلك التطريب والتلحين‪ ،‬فذلك جائز‪ ،‬وإن أعان طبيعَته بفض ِ‬
‫ك تحِبيرًا(( والحزين وَمن‬
‫حّبْرُته َل َ‬
‫ت أّنك َتسَمع َل َ‬
‫الشعري للنبي صلى ال عليه وسلم‪َ)) :‬لو علم ُ‬
‫ب والشوق ل يملك من نفسه دفَع التحزين والتطريب في القراءة‪ ،‬ولكن النفو َ‬
‫س‬ ‫هاجه الطرب‪ ،‬والح ُ‬
‫ف ل‬
‫تقبُله وتستحليه لموافقته الطبع‪ ،‬وعدم التكلف والتصنع فيه‪ ،‬فهو مطبوع ل متطّبع‪ ،‬وَكل ٌ‬
‫متكَلف‪ ،‬فهذا هو الذي كان السلف يفعلونه ويستمعونه‪ ،‬وهو التغني الممدوح المحمود‪ ،‬وهو الذي‬
‫يتأثر به التالي والسامُع‪ ،‬وعلى هذا الوجه ُتحمل أدلة أرباب هذا القول كلها‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬ما كان من ذلك صناعًة من الصنائع‪ ،‬وليس في الطبع السماحة به‪ ،‬بل ل‬
‫صل إل بتكّلف وتصّنع وتمّرن‪ ،‬كما يتعلم أصوات الِغناء بأنواع اللحان البسيطة‪ ،‬والمركبة على‬
‫يح ُ‬
‫ن مخترعة‪ ،‬ل تحصل إل بالتعُلم والتكلف‪ ،‬فهذه هي التي كرهها‬
‫إيقاعات مخصوصة‪ ،‬وأوزا ٍ‬
‫ف‪ ،‬وعابوها‪ ،‬وذّموها‪ ،‬ومنعوا القراءَة بها‪ ،‬وأنكروا على من قرأ بها‪ ،‬وأدلة أرباب هذا القول‬
‫السل ُ‬
‫ل من له علم‬
‫ب من غيره‪ ،‬وك ّ‬
‫إنما تتناول هذا الوجه‪ ،‬وبهذا التفصيل يزول الشتباُه‪ ،‬ويتبين الصوا ُ‬
‫بأحوال السلف‪ ،‬يعلم قطعًا أنهم ُبرآء من القراءة بألحان الموسيقى المتكلفة‪ ،‬التي هي إيقاعات‬
‫ل من أن يقرؤوا بها‪ ،‬وُيسّوغوها‪ ،‬ويعلم قطعًا أنهم‬
‫وحركات موزونة معدودة محدودة‪ ،‬وأنهم أتقى ّ‬
‫طر ِ‬
‫ب‬ ‫ى تارة‪ ،‬وِب َ‬
‫سنون أصواَتهم بالقرآن‪ ،‬ويقرؤونه ِبشج ً‬
‫كانوا يقرؤون بالتحزين والتطريب‪ ،‬ويح ّ‬
‫تارة‪ ،‬وِبشْوق تارة‪ ،‬وهذا أمر مركوز في الطباع تقاضيه‪ ،‬ولم ينه عنه الشارع مع شدة تقاضي‬
‫س ِمّنا َمن َلْم‬
‫ل لمن قرأ به‪ ،‬وقال‪َ)) :‬لْي َ‬
‫الطباع له‪ ،‬بل أرشد إليه وندب إليه‪ ،‬وأخبر عن استماع ا ّ‬
‫ن(( وفيه وجهان‪ :‬أحدهما‪ :‬أنه إخبار بالواقع الذي كّلنا نفعله‪ ،‬والثاني‪ :‬أنه نفي لهدي من‬
‫ن ِباْلقرآ ِ‬
‫َيَتَغ ّ‬
‫لم يفعله عن هديه وطريقته صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫فصل‬
‫في هديه صلى ال عليه وسلم في عيادة المرضى‬
‫ض من أصحابه‪ ،‬وعاد غلمًا كان َيخِدمه ِمن أهل‬
‫ن َمِر َ‬
‫كان صلى ال عليه وسلم يعوُد َم ْ‬
‫لسلم‪ ،‬فأسلم اليهودي‪ ،‬ولم يسلم عّمه‪.‬‬
‫الكتاب‪ ،‬وعاد عّمه وهو مشرك‪ ،‬وعرض عليهما ا ِ‬
‫س عند رأسه‪ ،‬ويسأُله عن حاله‪ ،‬فيقول‪ :‬كيف تجُدك؟‬
‫وكان يدنو من المريض‪ ،‬ويجِل ُ‬
‫‪234‬‬

‫شيئًا((؟ فإن اشتهى شيئًا‬


‫شَتِهي َ‬
‫ض عما يشتهيه‪ ،‬فيقول‪َ)) :‬هل َت ْ‬
‫وذكر أنه كان يسأل المري َ‬
‫وعِلم أنه ل يضّره‪ ،‬أمر له به‪.‬‬
‫شِفه‬
‫س‪ ،‬وا ْ‬
‫ب البْأ َ‬
‫ب الّناس‪َ ،‬أْذِه ِ‬
‫وكان يمسح بيده الُيمنى على المريض‪ ،‬ويقول‪)) :‬الّلُهّم َر ّ‬
‫سَقمًا((‪.‬‬
‫شفاًء ل ُيغادر َ‬
‫ك‪ِ ،‬‬
‫شفاؤ َ‬
‫شَفاَء إل ِ‬
‫شافي‪ ،‬ل ِ‬
‫ت ال ّ‬
‫َأن َ‬
‫ل أنت((‪.‬‬
‫ف له إ ّ‬
‫شَفاُء‪ ،‬ل َكاش َ‬
‫ك ال ّ‬
‫ب الَناس‪ ،‬بَيد َ‬
‫س َر ّ‬
‫سح الَبأ َ‬
‫وكان يقول‪)) :‬ام َ‬
‫ش ِ‬
‫ف‬ ‫سْعدًا الّلُهّم ا ْ‬
‫ف َ‬
‫ش ِ‬
‫سْعدًا‪ ،‬الّلُهّم ا ْ‬
‫ف َ‬
‫ش ِ‬
‫وكان يدعو للمريض ثلثًا كما قاله لسعد‪)) :‬اللهم ا ْ‬
‫سْعدًا((‪.‬‬
‫َ‬
‫ل((‪.‬‬
‫شاَء ا ّ‬
‫ن َ‬
‫طُهوٌر إ ْ‬
‫س َ‬
‫وكان إذا دخل على المريض يقول له‪)) :‬ل َبأ َ‬
‫جرح‪ ،‬أو شكوى‪،‬‬
‫طهوٌر(( وكان َيْرِقي َمن به َقرحة‪ ،‬أو ُ‬
‫وربما كان يقول‪َ)) :‬كّفاَرٌة َو َ‬
‫سِقيُمَنا‪،‬‬
‫شفى َ‬
‫ضنا ُي ْ‬
‫ضنا‪ِ ،‬بِريَقِة َبع ِ‬
‫ل‪ُ ،‬تْرَبُة أْر ِ‬
‫سِم ا ّ‬
‫ضع سَبابته بالرض‪ ،‬ثم يرفعها ويقول‪ِ)) :‬ب ْ‬
‫في ِ‬
‫ن َرّبنا(( هذا في ))الصحيحين((‪ ،‬وهو يبطل اللفظة التي جاءت في حديث السبعين ألفًا الذين‬
‫بإْذ ِ‬
‫ن فقوله في الحديث‪)) :‬ل يرقون(( غلط من‬
‫سَتْرُقو َ‬
‫ن ول َي ْ‬
‫يدخلون الجنة بغير حساب‪ ،‬وأنهم ل يْرُقو َ‬
‫ن((‪.‬‬
‫سَتْرُقو َ‬
‫لسلم ابن تيمية يقول ذلك‪ .‬قال‪ :‬وإنما الحديث ))هم الذين ل َي ْ‬
‫الراوي‪ ،‬سمعت شيخ ا ِ‬
‫قلت‪ :‬وذلك لن هؤلء دخلوا الجنة بغير حساب‪ ،‬لكمال توحيدهم‪ ،‬ولهذا نفى عنهم السترقاء‪ ،‬وهو‬
‫سكونهم‬
‫ن((‪ ،‬فلكمال توّكلهم على ربهم‪ ،‬و ُ‬
‫عَلى َرّبِهْم َيَتَوّكُلو َ‬
‫ل الناس أن يرقوهم‪ .‬ولهذا قال‪َ)).:‬و َ‬
‫سؤا ُ‬
‫إليه‪ ،‬وثقتهم به‪ ،‬وِرضاهم عنه‪ ،‬وإنزال حوائجهم به‪ ،‬ل يسألون الناس شيئًا‪ ،‬ل ُرقيًة ول غيرها‪،‬‬
‫ضِعُفه‪ .‬قال‪ :‬والراقي‬
‫ص التوحيد وُت ْ‬
‫طَيَرَة َتْنُق ُ‬
‫صدونه‪ ،‬فإن ال ّ‬
‫طيَرٌة تصّدهم عما يق ِ‬
‫ل لهم ِ‬
‫صُ‬‫ول يح ُ‬
‫متصّدق ُمحسن‪ ،‬والمسترقي سائل‪ ،‬والنبي صلى ال عليه وسلم َرَقى‪ ،‬ولم يسترق‪ ،‬وقال‪َ)) :‬م ْ‬
‫ن‬
‫ن َيْنَفَع َأخاه َفْلَيْنَفْعه((‪.‬‬
‫ستطاع منكم َأ ْ‬
‫اْ‬
‫ل عنها‪ ،‬أن‬
‫فإن قيل‪ :‬فما تصنعون بالحديث الذي في ))الصحيحين(( عن عائشة رضي ا ّ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬كان إذا أوى إلى فراشه‪ ،‬جمع كّفيه ثم نَفث فيهما‪ ،‬فقرأ }قل ُهَو الُّ‬
‫ب الناس{ ]الناس‪:‬‬
‫عوُذ ِبَر ّ‬
‫ل َأ ُ‬
‫ب الَفَلق{ ]الفلق‪ ،[1 :‬و }ُق ْ‬
‫عوُذ ِبَر ّ‬
‫ل َأ ُ‬
‫حٌد{ ]الخلص‪ ،[1 :‬و }ُق ْ‬
‫َأ َ‬
‫ل ذلك‬
‫‪ ،[1‬ويمسح بهما ما استطاع ِمن جسده‪ ،‬ويبدأ بهما على رأسه ووجهه مَا أقبل من جسده‪ ،‬يفع ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬كان يأمرني أن أفعل ذلك‬
‫ثلث مرات قالت عائشة‪ :‬فلما اشتكى رسول ا ّ‬
‫به‪.‬‬
‫‪235‬‬

‫فالجواب‪ :‬أن هذا الحديث قد روي بثلثة ألفاظ‪ .‬أحدها‪ :‬هذا‪ .‬والثاني‪ :‬أنه كان ينُفث على‬
‫نفسه‪ ،‬والثالث‪ :‬قالت‪ :‬كنت أنُفث عليه بهن‪ ،‬وأمسح بيد نفسه لبركتها‪ ،‬وفي لفظ رابع‪ :‬كان إذا‬
‫سر بعضها بعضًا‪ .‬وكان صلى ال عليه‬
‫اشتكى‪ ،‬يقرأ على نفسه بالمعّوذات وينُفث‪ ،‬وهذه اللفاظ ُيف ّ‬
‫وسلم ينفث على نفسه‪ ،‬وضعفه ووجُعه يمنعه من إمرار يده على جسده كله‪ .‬فكان يأمر عائشة أن‬
‫ُتمر يده على جسده بعد نفثه هو‪ ،‬وليس ذلك من السترقاء في شيء‪ ،‬وهي لم تقل‪ :‬كان يأمرني أن‬
‫أرقيه‪ ،‬وإنما ذكرت المسح بيده بعد النفث على جسده‪ ،‬ثم قالت‪ :‬كان يأمرني أن أفعل ذلك به‪ ،‬أى‪:‬‬
‫أن أمسح جسده بجده‪ ،‬كما كان هو يفعل‪.‬‬
‫ص يومًا من اليام بعيادة المريض‪ ،‬ول وقتًا‬
‫خ ّ‬
‫ولم يكن ِمن هديه عليه الصلة والسلم أن َي ُ‬
‫ل ونهارًا‪ ،‬وفي سائر الوقات‪ .‬وفي ))المسند(( عنه‪:‬‬
‫من الوقات‪ ،‬بل شرع لمته عيادة المرضى لي ً‬
‫حَمُة‪َ ،‬فإن‬
‫غَمَرْتُه الّر ْ‬
‫س‪َ ،‬‬
‫جَل َ‬
‫س‪َ ،‬فِإَذا َ‬
‫جِل َ‬
‫حّتى َي ْ‬
‫جّنِة َ‬
‫خرَفِة ال َ‬
‫شى في ُ‬
‫خاُه الُمسِلَم َم َ‬
‫ل َأ َ‬
‫جُ‬‫عاَد الّر ُ‬
‫))إذا َ‬
‫ف َمَل ٍ‬
‫ك‬ ‫ن َأل َ‬
‫سْبُعو َ‬
‫عَلْيِه َ‬
‫صّلى َ‬
‫ساًء‪َ ،‬‬
‫ن َم َ‬
‫ي‪َ ،‬وإن َكا َ‬
‫سَ‬‫حّتى ُيْم ِ‬
‫ك َ‬
‫ف َمَل ٍ‬
‫ن َأْل َ‬
‫سْبُعو َ‬
‫عَلْيِه َ‬
‫صّلى َ‬
‫غدَوًة‪َ ،‬‬
‫ن ُ‬
‫َكا َ‬
‫عَليه‬
‫ك يصَّلون َ‬
‫ف َمَل ٍ‬
‫ن َأْل َ‬
‫سْبِعي َ‬
‫ل َله َ‬
‫ث ا َُ‬
‫سِلمًا إل َبَع َ‬
‫سِلم َيُعوُد ُم ْ‬
‫ن ُم ْ‬
‫ح((‪ .‬وفي لفظ ))ما ِم ْ‬
‫صِب َ‬
‫حّتى ُي ْ‬
‫َ‬
‫ح((‪.‬‬
‫صِب َ‬
‫ل كانت حّتى ُي ْ‬
‫عٍة ِمن اللي ِ‬
‫ي سا َ‬
‫ي‪ ،‬وأ ّ‬
‫سَ‬‫ن الّنهار كانت حّتى ُيْم ِ‬
‫ي ساعٍة ِم َ‬
‫َأ ّ‬
‫ح صدره‬
‫وكان يعود من الرمد وغيره‪ ،‬وكان أحيانًا يضع يده على جبهة المريض‪ ،‬ثم يمس ُ‬
‫شِفِه(( وكان يمسح وجهه أيضًا‪.‬‬
‫وبطنه ويقول‪)) :‬الّلُهّم ا ْ‬
‫جُعون((‪.‬‬
‫ل وإّنا إليه َرا ِ‬
‫وكان إذا يئس من المريض قال‪)) :‬إنا ِ‬
‫ل الهدي‪ ،‬مخالفًا لهدي سائر المم‪،‬‬
‫كان هدُيه صلى ال عليه وسلم في الجنائز أكم َ‬
‫لحسان إلى أهله‬
‫لحسان إلى الميت ومعاملته بما ينفعه في قبره ويوم معاده‪ ،‬وعلى ا ِ‬
‫مشتِملً على ا ِ‬
‫ل وحَده فيما ُيعامل به الميت‪ .‬وكان ِمن هديه في الجنائز إقامُة‬
‫وأقاربه‪ ،‬وعلى إقامة عبودية الحي ِّ‬
‫ل على‬
‫لحسان إلى الميت‪ ،‬وتجهيزه إلى ا ّ‬
‫ب تبارك وتعالى على أكمل الحوال‪ ،‬وا ِ‬
‫العبوديِة للر ّ‬
‫ل ويستغفرون له‪ ،‬ويسألون له‬
‫أحسن أحواله وأفضِلها‪ ،‬ووقوفه ووقوف أصحابه صفوفًا يحَمدون ا ّ‬
‫عوُه حفرته‪ ،‬ثم يقوم هو وأصحابه‬
‫المغفرَة والرحمَة والتجاوَز عنه‪ ،‬ثم المشي بين يديه إلى أن ُيوِد ُ‬
‫ج ما كان إليه‪ ،‬ثم يتعاهُده بالزيارة له في قبره‪ ،‬والسلم‬
‫بين يديه على قبره سائلين له التثبيت أحو َ‬
‫حَبه في دار الدنيا‪.‬‬
‫ي صا ِ‬
‫عليه‪ ،‬والدعاء له كما يتعاهُدالح ّ‬
‫ن حضره‬
‫فأول ذلك‪ :‬تعاهُده في مرضه‪ ،‬وتذكيُره الخرة‪ ،‬وأمُره بالوصية‪ ،‬والتوبة‪ ،‬وأمُر َم ْ‬
‫ل لتكون آخر كلمه‪ ،‬ثم النهى عن عادة المم التي ل تؤِمنُ بالبعث‬
‫بتلقينه شهادة أن ل إله إل ا ّ‬
‫‪236‬‬

‫ق الرؤوس‪ ،‬ورفع الصوت بالّندب‪ ،‬والّنياحة وتوابع‬


‫ق الثياب‪ ،‬وحل ِ‬
‫والّنشور‪ِ ،‬من لطم الخُدود‪ ،‬وش ّ‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ن القلب‪ ،‬وكان يفعل ذلك‬
‫حْز َ‬
‫ع للميت‪ ،‬والبكاَء الذي ل صوت معه‪ ،‬و ُ‬
‫ن الخشو َ‬
‫سّ‬‫وَ‬
‫ب((‪.‬‬
‫ضي الّر ّ‬
‫ل إل ما ُير ِ‬
‫ل َنقو ُ‬
‫ب َو َ‬
‫ن الَقل ُ‬
‫حَز ُ‬
‫ن َوَي ْ‬
‫ويقول‪َ)) :‬تْدَمُع العي ُ‬
‫حز ِ‬
‫ن‬ ‫ل‪ ،‬ولم يكن ذلك منافيًا لدمع العين و ُ‬
‫ع‪ ،‬والرضى عن ا ّ‬
‫ن لمته الحمد والسترجا َ‬
‫سّ‬‫وَ‬
‫حمدًا‪ ،‬وبكى مع ذلك يوم موت‬
‫ل في قضائه‪ ،‬وأعظمهم له َ‬
‫ق عن ا ّ‬
‫القلب‪ ،‬ولذلك كان أرضى الخل ِ‬
‫ل عز وجل وشكره‪،‬‬
‫ب ممتلئ بالَرضى عن ا ّ‬
‫ابنه إبراهيم رأفة به‪ ،‬ورحمة للولد‪ ،‬وِرّقة عليه‪ ،‬والقل ُ‬
‫ن مشتغل بِذكره وحمده‪.‬‬
‫واللسا ُ‬
‫ولما ضاق هذا المشهُد والجُمع بين المرين على بعض العارفين يوم مات ولده‪ ،‬جعل‬
‫ت أن أرضى‬
‫حَبب ُ‬
‫ضاٍء‪ ،‬فأ ْ‬
‫ل َتعالى َقضى بَق َ‬
‫نا ّ‬
‫يضحك‪ ،‬فقيل له‪ :‬أتضحك في هذه الحالة؟ قال‪ :‬إ ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‬
‫لا ّ‬
‫ضاِئِه‪ ،‬فأشكل هذا على جماعة من أهل العلم‪ ،‬فقالوا‪ :‬كيف يبكي رسو ُ‬
‫ِبَق َ‬
‫ق عن ال‪ ،‬ويبلغ الرضى بهذا العارف إلى أن يضحك‪،‬‬
‫يوَم مات ابُنه إبراهيم وهو أرضى الخل ِ‬
‫ل من هدي هذا‬
‫ي نبينا صلى ال عليه وسلم كان أكَم َ‬
‫لسلم ابن تيمية يقول‪َ :‬هْد ُ‬
‫ت شيخ ا ِ‬
‫فسمع ُ‬
‫ل‪ ،‬ولرحمة الولد‪ ،‬والرّقِة عليه‪ ،‬فحِمد‬
‫العارف‪ ،‬فإنه أعطى العبودية حقها فاتسع قلبه للرضى عن ا ّ‬
‫ل‪ ،‬ومحبته‬
‫ي عنه في قضائه‪ ،‬وبكى رحمَة ورأفة‪ ،‬فحملته الرأفة على البكاء‪ ،‬وعبوديُته ّ‬
‫ل‪ ،‬وَرض َ‬
‫ا ّ‬
‫ف ضاق قلُبه عن اجتماع المرين‪ ،‬ولم يتسع باطُنه لشهودهما‬
‫له على الرضى والحمد‪ ،‬وهذا العار ُ‬
‫شَغَلْتُه عبودية الرضى عن عبودية الرحمة والرأفة‪.‬‬
‫والقياِم بهما‪َ ،‬ف َ‬
‫فصل‬
‫ل‪ ،‬وتطهيره‪ ،‬وتنظيِفه‪،‬‬
‫ع بتجهيز الميت إلى ا ّ‬
‫لسرا ُ‬
‫وكان من هديه صلى ال عليه وسلم ا ِ‬
‫وتطييبه‪ ،‬وتكفِينه في الثياب البيض‪ ،‬ثم يؤتى به إليه‪ ،‬فُيصّلي عليه بعد أن كان ُيدعى إلى الميت‬
‫عند احتضاره‪ ،‬فُيقيم عنده حتى يقضي‪ ،‬ثم يحضر تجهيزه‪ ،‬ثم ُيصّلي عليه‪ ،‬ويشّيعه إلى قبره‪ ،‬ثم‬
‫ت‪ ،‬دعوه‪ ،‬فحضر تجهيزه‪ ،‬وغسله‪ ،‬وتكفيَنه‪.‬‬
‫ق عليه‪ ،‬فكانوا إذا قض المي ُ‬
‫رأى الصحابُة أن ذلك يش ُ‬
‫ق عليه‪ ،‬فكانوا هم ُيجّهزون ميتهم‪ ،‬ويحملونه إليه صلى ال عليه وسلم على‬
‫ثم رأوا أن ذلك يش ّ‬
‫سريره‪ ،‬فُيصلي عليه خاِرج المسجد‪.‬‬
‫ولم يكن من هديه الراتب الصلُة عليه في المسجد‪ ،‬وإنما كان ُيصلي على الجنازة‬
‫خارج المسجد‪ ،‬وُربما كان يصلي أحيانًا على الميت في المسجد‪ ،‬كما صلى على سهيل بن بيضاء‬
‫‪237‬‬

‫وأخيه في المسجد ولكن لم يكن ذلك سنَته وعادَته‪ ،،،‬فقد روى أبو داود في ))سننه(( من حديث‬
‫صّلى على‬
‫ن َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪َ)) :‬م ْ‬
‫صالح مولى التوأمة‪ ،‬عن أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول ا ّ‬
‫شيء له((‪ .‬وقد اختلف في لفظ الحديث‪ ،‬فقال الخطيب في روايته لكتاب‬
‫ل َ‬
‫جد َف َ‬
‫سِ‬‫جَناَزة في الَم ْ‬
‫َ‬
‫شيَء َلُه(( وقد رواه ابن ماجه في‬
‫ل َ‬
‫عَلْيِه(( وغيُره يرويه ))َف َ‬
‫شيَء َ‬
‫السنن‪ :‬في الصل ))فل َ‬
‫لمام‬
‫لمام أحمد وغيره هذا الحديث‪ ،‬قال ا ِ‬
‫شيء((‪ .‬ولكن قد ضعف ا ِ‬
‫س َلُه َ‬
‫))سننه(( ولفظه‪َ)) :‬فَلْي َ‬
‫أحمد‪ :‬هو مما تفرد به صالح مولى التوأمة‪ ،‬وقال البيهقي‪ :‬هذا حديث يعّد في أفراد صالح‪ ،‬وحديث‬
‫عائشة أصح منه‪ ،‬وصالح مختَلف في عدالته‪ ،‬كان مالك يجرحه‪ ،‬ثم ذكر عن أبي بكر وعمر‬
‫صّلي عليهما في المسجد‪.‬‬
‫ل عنهما‪ ،‬أنه ُ‬
‫رضي ا ّ‬
‫قلت‪ :‬وصالح ثقة في نفسه‪ ،‬كما قال عباس الّدوري عن ابن معين‪ :‬هو ثقة في نفسه‪ .‬وقال‬
‫ف‪،‬‬
‫خِر َ‬
‫ابن أبي مريم ويحيى‪ :‬ثقة حجة‪ ،‬فقلت له‪ :‬إن مالكًا تركه‪ ،‬فقال‪ :‬إن مالكًا أدركه بعد أن َ‬
‫ف‪ .‬وقال‬
‫ف‪ ،‬فسمع منه‪ ،‬لكن ابن أبي ذئب سمع منه قبل أن َيخَر َ‬
‫خِر َ‬
‫والثوري إنما أدركه بعد أن َ‬
‫ف وَكِبَر فسمع منه الثوري بعد الخرف وسماع ابن أبي ذئب‬
‫خِر َ‬
‫علي بن المديني‪ :‬هو ثقة إل أنه َ‬
‫منه قبل ذلك‪ .‬وقال ابن حبان‪ :‬تغير في سنة خمس وعشرين ومائة‪ ،‬وجعل يأتي بما ُيشبه‬
‫الموضوعات عن الثقات‪ ،‬فاختلط حديثه الخير بحديثه القديم ولم يتميز‪ ،‬فاستحق الترك انتهى‬
‫كلمه‪.‬‬
‫وهذا الحديث‪ :‬حسن‪ ،‬فإنه من رواية ابن أبي ذئب عنه‪ ،‬وسماعه منه قديم قبل اختلطه‪ ،‬فل‬
‫يكون اختلطه موجبًا لرد ما حّدث به قبل الختلط‪ .‬وقد سلك الطحاوي في حديث أبي هريرة هذا‪،‬‬
‫سهيل بن بيضاء في‬
‫وحديث عائشة مسلكًا آخر‪ ،‬فقال‪ :‬صلُة النبي صلى ال عليه وسلم على ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم بدليل إنكار عامة‬
‫المسجد منسوخة‪ ،‬وترك ذلك آخر الفعلين من رسول ا ّ‬
‫ف ما نقلت‪ .‬وَرد ذلك على الطحاوي‬
‫الصحابة ذلك على عائشة‪ ،‬وما كانوا ِليفعلوه إل لما علموا خل َ‬
‫خ ما روته عائشة‪ ،‬لذكره‬
‫جماعة‪ ،‬منهم‪ :‬البيهقي وغيره‪ .‬قال البيهقى‪ :‬ولو كان عند أبي هريرة نس ُ‬
‫ي على عمر بن الخطاب في المسجد‪،‬‬
‫صّل َ‬
‫ي على أبي بكر الصديق في المسجد‪ ،‬ويوم ُ‬
‫يوم صّل َ‬
‫ولذكره من أنكر على عائشة أمرها بإدخاله المسجد‪ ،‬ولذكره أبو هريرة حين روت فيه الخبر‪،‬‬
‫وإنما أنكره من لم يكن له معرفة بالجواز‪ ،‬فلما روت فيه الخبر‪ ،‬سكتوا ولم ُينكروه‪ ،‬ول عارضوه‬
‫بغيره‪.‬‬
‫‪238‬‬

‫ى عليهما في المسجد‪،‬‬
‫صّل َ‬
‫ل عنهما ُ‬
‫قال الخطابي‪ :‬وقد ثبت أن أبا بكر وعمر رضي ا ّ‬
‫ل على‬
‫لنكار الدلي ُ‬
‫ومعلوم أن عامة المهاجرين والنصار شهدوا الصلة عليهما‪ ،‬وفي تركهم ا ِ‬
‫ل على نقصان الجر‪ ،‬وذلك‬
‫جوازه‪ ،‬قال‪ :‬ويحتِمل أن يكون معنى حديث أبي هريرة إن ثبت‪ ،‬متأو ً‬
‫ب أنه ينصرف إلى أهله ول يشهد دفنه‪ ،‬وأن من سعى إلى‬
‫أن من صلى عليها في المسجد‪ ،‬فالغال ُ‬
‫الجنازة‪ ،‬فصلى عليها بحضرة المقابر‪ ،‬شهد دفنه‪ ،‬وأحرز أجر القيراطين‪ ،‬وقد يؤجر أيضًا على‬
‫لضافة إلى من صلي عليه‬
‫ص الجر با ِ‬
‫خطاه‪ ،‬وصار الذي ُيصلي عليه في المسجد منقو َ‬
‫كثرة ُ‬
‫خارج المسجد‪.‬‬
‫وتأولت طائفة معنى قوله‪)) :‬فل شيء له((‪ ،‬أي فل شيء عليه‪ ،‬ليتحد معنى اللفظين‪ ،‬ول‬
‫سْأُتْم َفَلَها{ ]السراء‪ ،[7 :‬أي‪ :‬فعليها‪ ،‬فهذه طرق الناس في هذين‬
‫يتناقضان كما قال تعالى‪} :‬وإن َأ َ‬
‫سّنته وهديه الصلُة على الجنازة خارج المسجد إل لعذر‪،‬‬
‫ل‪ ،‬وأن ُ‬
‫الحديثين‪ .‬والصواب ما ذكرناه أو ً‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫وكل المرين جائز‪ ،‬والفضل الصلة عليها خارج المسجد‪ .‬وا ّ‬
‫فصل‬
‫ض عينيه‪ ،‬وتغطيُة وجهه‬
‫وكان من هديه صلى ال عليه وسلم تسجيُة الميت إذا مات‪ ،‬وتغمي ُ‬
‫ب عليه‪ ،‬فقّبله‬
‫ق أك ّ‬
‫صّدي ُ‬
‫ن بن مظعون وبكى وكذلك ال ّ‬
‫وبدنه‪ ،‬وكان ُربما ُيقّبل الميت كما قّبل عثما َ‬
‫بعد موته صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫سل‪ ،‬ويأمر بالكافور في‬
‫وكان يأمر بغسل الميت ثلثًا أو خمسًا‪ ،‬أو أكثر بحسب ما يراه الغا ِ‬
‫لمام أحمد‪ ،‬أنه نهى عن تغسيلهم‪،‬‬
‫سل الشَهداَء َقتَلى المعركة‪ ،‬وذكر ا ِ‬
‫الغسلة الخيرة‪ ،‬وكان ل ُيغ َ‬
‫ل عليهم‪.‬‬
‫وكان ينزع عنهم الجلوَد والحديَد وَيدِفُنهم في ثيابهم‪ ،‬ولم ُيص ّ‬
‫)يتبع‪(...‬‬
‫سْدر‪ ،‬وُيكفن في ثوبيه وهما ثوبا‬
‫وكان إذا مات الُمحِرُم‪ ،‬أمر أن ُيغسل بماء و ِ‬ ‫@‬
‫ت أن ُيحسن‬
‫إحرامه‪ :‬إزاره ورداؤه‪ ،‬وينهى عن تطييبه وتغطية رأسه وكان يأمر من ولي المي َ‬
‫ستر جميع‬
‫ن عن َ‬
‫صَر الكف ُ‬
‫كفنه‪ ،‬وُيكفنه في البياض‪ ،‬وينهى عن المغالة في الكفن‪ ،‬وكان إذا ق ّ‬
‫طى رأسه‪ ،‬وجعل على رجليه من الُعشب‪.‬‬
‫البدن‪ ،‬غ ّ‬
‫فصل‬
‫وكان إذا ُقّدم إليه ميت ُيصّلي عليه‪ ،‬سأل‪ :‬هل عليه َدين‪ ،‬أم ل؟ فإن لم يكن عليه َدين‪ ،‬صّلى‬
‫عليه‪ ،‬وإن كان عليه دين‪ ،‬لم يصل عليه‪ ،‬وأِذن لصحابه أن ُيصلوا عليه‪ ،‬فإن صلته شفاعة‪،‬‬
‫‪239‬‬

‫ل عليه‪ ،‬كان‬
‫ن بَدينه‪ ،‬ول يدخل الجنة حتى ُيقضى عنه‪ ،‬فلما فتح ا ّ‬
‫وشفاعُته موجبة‪ ،‬والعبد مرَتَه ٌ‬
‫ُيصلي على المِدين‪ ،‬ويتحّمل دينه‪ ،‬ويدع ماله لورثته‬
‫علْيِه‪ ،‬وصلى ابن عباس على جنازة‪ ،‬فقرأ‬
‫ل َوَأثَنى َ‬
‫حِمَد ا ّ‬
‫فإذا أخذ في الصلة عليه‪ ،‬كبر و َ‬
‫سّنة(( وكذلك قال أبو ُأمامة ب ُ‬
‫ن‬ ‫بعد التكبيرة الولى بفاتحة الكتاب جهرًا‪ ،‬وقال‪ِ)) :‬لَتْعَلُموا أنها ُ‬
‫ن قراءة الفاتحة في الولى سّنة‪ .‬وُيذكر عن النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬أنه أمر أن يقرأ‬
‫سهل‪ :‬إ ّ‬
‫على الجنازة بفاتحة الكتاب‪ .‬ول يصح إسناده‪ .‬قال شيخنا‪ :‬ل تجب قراءة الفاتحة في صلة الجنازة‪،‬‬
‫ن سهل‪ ،‬عن جماعة من الصحابة‪ ،‬الصلة على النبي صلى ال عليه‬
‫بل هى سنة‪ ،‬وذكر أبو أمامة ب ُ‬
‫وسلم في الصلة على الجنازة وروى يحيى بن سعيد النصاري‪ ،‬عن سعيد المقُبري‪ ،‬عن أبي‬
‫ل ُأخبُرك‪ :‬تبدأ فتكّبر‪ُ ،‬ثّم‬
‫ن الصامت عن الصلة على الجنازة فقال‪ :‬أنا وا ِّ‬
‫عباَدة ب َ‬
‫هريرة‪ ،‬أنه سأل ُ‬
‫عَلُم‬
‫ت َأ ْ‬
‫ك ِبك َوَأْن َ‬
‫شِر ُ‬
‫ن ل ُي ْ‬
‫ك َفلنًا َكا َ‬
‫عْبَد َ‬
‫ن َ‬
‫ُتصّلي على النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وَتُقول‪ :‬الّلُهّم إ ّ‬
‫جَرُه‪َ ،‬و َ‬
‫ل‬ ‫حِرْمَنا َأ ْ‬
‫ل َت ْ‬
‫عْنُه‪ ،‬الّلُهًم َ‬
‫جاوَْز َ‬
‫سيئًا‪َ ،‬فَت َ‬
‫ن ُم ِ‬
‫ن َكا َ‬
‫ساِنِه‪ ،‬وإ ْ‬
‫سنًا‪َ ،‬فِزْد في إح َ‬
‫حِ‬
‫ن ُم ْ‬
‫ن َكا َ‬
‫ِبِه‪ ،‬إ ْ‬
‫ضّلَنا َبَعَدُه‪.‬‬
‫ُت ِ‬
‫فصل‬
‫ظ عن النبي صلى ال عليه‬
‫ومقصوُد الصلة على الجنازة‪ :‬هو الدعاء للميت‪ ،‬لذلك حف َ‬
‫ن قراءة الفاِتحة والصلة عليه صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫ل عنه ما لم ُينقل ِم ْ‬
‫وسلم‪ ،‬وُنِق َ‬
‫خَله‪،‬‬
‫سْع َمْد َ‬
‫عنُه‪َ ،‬وَأْكِرْم ُنُزَله‪َ ،‬وَو ّ‬
‫عفُ َ‬
‫عاِفِه‪ ،‬وا َ‬
‫حْمُه‪ ،‬و َ‬
‫ظ من دعائه‪)) :‬الّلُهّم اغِفْر َلُه‪ ،‬واْر َ‬
‫حِف َ‬
‫فُ‬
‫س‪ ،‬وَأْبِدْلُه َداَرًا‬
‫ن الّدَن ِ‬
‫ض ِم َ‬
‫ب الْبَي ُ‬
‫طاَيا َكَما ُيَنّقى الّثْو ُ‬
‫ن الخ َ‬
‫ج َوالَبَرِد‪ ،‬وَنّقِه َم َ‬
‫سْلُه ِبالَماِء َوالّثْل ِ‬
‫غِ‬‫وا ْ‬
‫عَذا ِ‬
‫ب‬ ‫عْذُه ِمن َ‬
‫جنَة‪َ ،‬وَأ ِ‬
‫خْلُه ال َ‬
‫جِه‪ ،‬وَأْد ِ‬
‫ن َزْو ِ‬
‫خْيرًا ِم ْ‬
‫ن َأْهِلِه‪َ ،‬وَزوجًا َ‬
‫خْيرًا ِم ْ‬
‫ل َ‬
‫ن َداِره‪َ ،‬وَأْه ً‬
‫خْيرًا ِم ْ‬
‫َ‬
‫ب الَناِر((‪.‬‬
‫عَذا ِ‬
‫ن َ‬
‫الَقْبِر َوِم ْ‬
‫شاِهِدَنا‬
‫صِغيِرَنا‪ ،‬وَكِبيِرَنا‪َ ،‬وَذَكِرَنا‪ ،‬وُأْنَثاَنا‪َ ،‬و َ‬
‫حّيَنا‪َ ،‬وَمّيِتَنا‪َ ،‬و َ‬
‫غِفْر ِل َ‬
‫ظ من دعائه‪)) :‬الّلُهّم ا ْ‬
‫حِف َ‬
‫وُ‬
‫ن‪ ،‬الّلُهّم ل‬
‫ليَما ِ‬
‫عَلى ا ِ‬
‫ن َتوّفْيَتُه ِمّنا‪َ ،‬فَتَوّفه َ‬
‫لم‪َ ،‬وَم ْ‬
‫سَ‬‫لْ‬
‫عَلى ا ِ‬
‫حيِه َ‬
‫ن َأحَيْيَتُه ِمّنا‪ ،‬فَأ ْ‬
‫غاِئبَنا‪ ،‬الّلُهّم َم ْ‬
‫َو َ‬
‫ل َتفِتّنا َبْعَدُه((‪.‬‬
‫جَرُه‪َ ،‬و َ‬
‫حِرْمَنا َأ ْ‬
‫َت ْ‬
‫عَذابِ‬
‫ن َ‬
‫ن ِفْتَنِة الَقْبِر‪َ ،‬وِم ْ‬
‫ك‪َ ،‬فِقِه َم ْ‬
‫جَواِر َ‬
‫حْبلِ ِ‬
‫ك َو َ‬
‫ن في ِذّمِت َ‬
‫ن ُفل ٍ‬
‫ن ْب َ‬
‫ن ُفل َ‬
‫ظ ِمن دعائه‪)) :‬الّلُهّم إ ّ‬
‫حِف َ‬
‫وُ‬
‫حيُم((‪.‬‬
‫ت الَغُفوُر الّر ِ‬
‫ك َأْن َ‬
‫حمُه‪ ،‬إّن َ‬
‫حق‪َ ،‬فاغِفْر َلُه َواْر َ‬
‫ل الَوَفاِء َوال َ‬
‫ت َأْه ُ‬
‫الّنار‪ ،‬فَأْن َ‬
‫ت َهَدْيَتَها‬
‫ت َرَزْقَتَها‪ ،‬وَأْن َ‬
‫خَلْقَتَها‪َ ،‬وَأن َ‬
‫ت َ‬
‫ت َربَها‪َ ،‬وَأْن َ‬
‫ظ ِمن دعائه أيضًا‪)) :‬الّلُهّم َأْن َ‬
‫حِف َ‬
‫وُ‬
‫علِنَيَتَها‪ ،‬جْئَنا شَفَعاَء َفاغِفْر َلَها((‪.‬‬
‫سّرَها َو َ‬
‫حَها‪ ،‬وَتْعَلُم ِ‬
‫ت ُرو َ‬
‫ض َ‬
‫ت َقب ْ‬
‫سلِم‪َ ،‬وَأْن َ‬
‫لْ‬‫لِ‬
‫‪240‬‬

‫وكان صلى ال عليه وسلم يأمر بإخلص الدعاء للميت‪ ،‬وكان ُيكبّر أربَع تكبيرات‪،‬‬
‫وصح عنه أنه كّبر خمسًا‪ ،‬وكان الصحابة بعده ُيكّبرون أربعًا‪ ،‬وخمسًا‪ ،‬وستًا‪ ،‬فكّبر زيد بن أرقم‬
‫خمسًا‪ ،‬وذكر أن النبي صلى ال عليه وسلم كبرها‪ ،‬ذكره مسلم‪.‬‬
‫حنيف ستًا‪ ،‬وكان ُيكبر على أهل بدر ستًا‪،‬‬
‫ل عنه على سهل بن ُ‬
‫وكبر علي بن أبي طالب رضي ا ّ‬
‫وعلى غيرهم من الصحابة خمسًا‪ ،‬وعلى سائر الناس أربعًا‪ ،‬ذكره الدارقطني‪.‬‬
‫عتيبة أنه قال‪ :‬كانوا يكبرون على أهل بدر خمسًا‪،‬‬
‫ن منصور‪ ،‬عن الحكم بن ُ‬
‫وذكر سعيد ب ُ‬
‫ي صلى ال عليه وسلم لم يمنع مما‬
‫وستًا‪ ،‬وسبعًا‪ .‬وهذه آثار صحيحة‪ ،‬فل موجب للمنع منها‪ ،‬والنب ّ‬
‫زاد على الربع‪ ،‬بل فعله هو وأصحاُبه من بعده‪.‬‬
‫والذين منعوا من الزيادة على الربع‪ِ ،‬منهم من احتج بحديث ابن عباس‪ ،‬أن آخر جنازة صّلى عليها‬
‫خر‪ ،‬فالخر ِمن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬كّبَر أربعًا قالوا‪ :‬وهذا آخر المرين‪ ،‬وإنما يؤخذ بال ِ‬
‫ث‪ ،‬قد قال الخلل في ))العلل((‪ :‬أخبرني حرب‪ :‬قال‪:‬‬
‫فعله صلى ال عليه وسلم هذا‪ .‬وهذا الحدي ُ‬
‫لمام أحمد عن حديث أبي المليح‪ ،‬عن ميمون‪ ،‬عن ابن عباس‪ ،‬فذكر الحديث‪ .‬فقال أحمد‪ :‬هذا‬
‫سئل ا ِ‬
‫كذب ليس له أصل‪ ،‬إنما رواه محمد بن زياد الطحان وكان يضع الحديث‪ .‬واحتجوا بأن ميمون بن‬
‫مهران روى عن ابن عباس‪ ،‬أن الملئكة لما صَلت على آدم عليه الصلة والسلم‪ ،‬كّبرت عليه‬
‫أربعًا‪ ،‬وقالوا‪ِ :‬تلك سنتكم يا بني آدم‪ .‬وهذا الحديث قد قال في الثرم‪ :‬جرى ذكر محمد بن معاوية‬
‫ل قال‪ :‬رأيت أحاديثه موضوعة‪ ،‬فذكر منها عن أبي‬
‫ت أبا عبد ا ّ‬
‫النيسابوري الذي كان بمكة‪ ،‬فسمع ُ‬
‫المليح‪ ،‬عن ميمون بن مهران‪ ،‬عن ابن عباس‪ ،‬أن الملئكة لما صّلت على آدم‪ ،‬كّبرت عليه أربعًا‪،‬‬
‫ل هذا‪.‬‬
‫ي مث َ‬
‫واستعظمه أبو عبد ال وقال‪ :‬أبو المليح كان أصح حديثًا وأتقى ل من أن َيرو َ‬
‫ي‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬أن الملئكة‬
‫واحتجوا بما رواه البيهقي من حديث يحيى‪ ،‬عن أب ّ‬
‫لما صّلت على آدم‪ ،‬فكبرت عليه أربعًا‪ ،‬وقالت‪ :‬هذه سنتكم يا بني آدم‪ ،‬وهذا ل يصح وقد روي‬
‫مرفوعًا وموقوفًا‪.‬‬
‫ل‪ :‬إن ناسًا من أصحاب معاذ قدموا من‬
‫ت لعبد ا ّ‬
‫وكان أصحاب معاذ ُيكّبرون خمسًا‪ ،‬قال علقمة‪ :‬قل ُ‬
‫ت‪ ،‬كّبر ما كّبَر‬
‫س على الّميت في التكبير وق ٌ‬
‫ل‪ :‬لي َ‬
‫الشام‪ ،‬فكّبروا على ميت لهم خمسًا‪ ،‬فقال عبد ا ّ‬
‫ف‪.‬‬
‫ف المام فانصِر ْ‬
‫لمام‪ ،‬فإذا انصر َ‬
‫اِ‬
‫فصل‬
‫‪241‬‬

‫وأما هديه صلى ال عليه وسلم في التسليم من صلة الجنازة‪ .‬فروي عنه‪ :‬إنه كان يسّلم‬
‫واحدة‪ .‬وروي عنه‪ :‬أنه كان يسلم تسليمتين‪.‬‬
‫فروى البيهقي وغيره‪ ،‬من حديث المقُبري‪ ،‬عن أبي هريرة‪ ،‬أن النبي صلى ال عليه وسلم صلى‬
‫لمام أحمد في رواية الثرم‪ :‬هذا الحديث‬
‫على جنازة‪ ،‬فكبر أربعَا‪ ،‬وسلم تسليمة واحدة لكن قال ا ِ‬
‫ل بن أبي أوفى‪ :‬إنه‬
‫عندي موضوع‪ ،‬ذكره الخلل في ))العلل(( وقال إبرهيم الهجري‪ :‬حّدثنا عبد ا ّ‬
‫صلى على جنازة ابنته‪ ،‬فكبر أربعًا‪ ،‬فمكث ساعة حتى ظننا أنه يكبر خمسًا‪ ،‬ثم سلم عن يمينه وعن‬
‫ل صلى ال عليه‬
‫ل ا ِّ‬
‫شماله‪ ،‬فلما انصرف‪ ،‬قلنا له‪ :‬ما هذا؟ فقال‪ :‬إني ل أزيدكم على ما رأيت رسو َ‬
‫خلل كان‬
‫ث ِ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ .‬قال ابن مسعود‪ :‬ثل ُ‬
‫لا ّ‬
‫وسلم يصنُع‪ ،‬أو هكذا صنع رسو ُ‬
‫س‪ ،‬إحداهن‪ :‬التسليم على الجنازة مثل التسليم‬
‫ن النا ُ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬يفعلهن تركُه ّ‬
‫في الصلة‪ ،‬ذكرهما البيهقي‪ .‬ولكن إبراهيم بن مسلم العبدي الهجري‪ ،‬ضعفه يحيى بن معين‪،‬‬
‫والنسائي‪ ،‬وأبو حاتم‪ ،‬وحديثه هذا‪ ،‬قد رواه الشافعي في كتاب حرملة عن سفيان عنه وقال‪ :‬كّبر‬
‫عليها أربعًا‪ ،‬ثم قام ساعة‪ ،‬فسّبح به القوُم فسلم‪ ،‬ثم قال‪ :‬كنتم ترون أن أزيد على أربع‪ ،‬وقد رأي ُ‬
‫ت‬
‫ل صلى ال عليه وسلم كبر أربعًا‪ ،‬ولم يقل‪ :‬ثم سَلم عن يمينه وشماله‪ .‬ورواه ابن ماجه من‬
‫رسول ا ّ‬
‫سّلَم عن يمينه وشماله‪.‬‬
‫حديث المحاربي عنه كذلك‪ ،‬ولم يقل‪ :‬ثم َ‬
‫ي صلى ال عليه‬
‫وِذكر السلم عن يمينه وعن شماله انفرد بها شريك عنه‪ .‬قال البيهقي‪ :‬ثم عزاه للنب ّ‬
‫وسلم في التكبير فقط‪ ،‬أو في التكبير وغيره‪.‬‬
‫لمام أحمد عنه‪ .‬قال‬
‫قلت‪ :‬والمعروف عن ابن أبي أوفى خلف ذلك‪ ،‬أنه كان يسلم واحدة‪ ،‬ذكره ا ِ‬
‫ل‪ ،‬أتعرف عن أحد من الصحابة أنه كان يسلم على الجنازة‬
‫أحمد بن القاسم‪ ،‬قيل لبي عبد ا ّ‬
‫تسليمتين؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬ولكن عن ستة من الصحابة أنهم كانوا يسلمون تسليمًة واحدة خفيفًة عن يمينه‪،‬‬
‫ن عباس‪ ،‬وأبا هريرة‪ ،‬وواِثلة بن السقع‪ ،‬وابن أبي أوفى‪ ،‬وزيد بن ثابت‪ .‬وزاد‬
‫ن عمر‪ ،‬واب َ‬
‫فذكر اب َ‬
‫ل‪ ،‬وأنس بن مالك‪ ،‬وأبا أمامة بن سهل بن حنيف‪،‬‬
‫البيهقي‪ :‬علي بن أبي طالب‪ ،‬وجابر بن عبد ا ّ‬
‫فهؤلء عشرة من الصحابة‪ ،‬وأبو أمامة أدرك النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وسماه باسم جده لمه‬
‫أبي أمامة‪ :‬أسعد بن زرارة‪ ،‬وهو معدود في الصحابة ومن كبار التابعين‪.‬‬
‫وأما رفع اليدين‪ ،‬فقال الشافعي‪ :‬ترفع للثر‪ ،‬والقياس على السنة في الصلة‪ ،‬فإن النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم كان يرفع يديه في كل تكبيرة كّبرها في الصلة وهو قائم‪.‬‬
‫‪242‬‬

‫قلت‪ :‬يريد بالثر ما رواه عن ابن عمر‪ ،‬وأنس بن مالك‪ ،‬أنهما كانا يرفعان أيديهما كلما كّبرا على‬
‫الجنازة ويذكر عنه صلى ال عليه وسلم‪ ،‬أنه كان يرفع يديه في أول التكبير‪ ،‬ويضع اليمنى على‬
‫اليسرى‪ ،‬ذكره البيهقي في السنن‪.‬‬
‫وفي الترمذي من حديث أبي ُهريرة‪))،‬أن النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وضع يده اليمنى على‬
‫يده اليسرى في صلة الجنازة((‪ ،‬وهو ضعيف بيزيد بن سنان الرهاوى‪.‬‬
‫فصل‬
‫وكان من هديه صلى ال عليه وسلم إذا فاتته الصلة على الجنازة‪ ،‬صلى على القبر‪ ،‬فصلى‬
‫مرة على قبر بعد ليلة‪ ،‬ومرة بعد ثلث‪ ،‬ومرة بعد شهر‪ ،‬ولم ُيوقت في ذلك وقتًا‪.‬‬
‫ك في الصلة على القبر؟! وُيروى عن النبي صلى ال عليه‬
‫ل‪ :‬من يش ّ‬
‫قال أحمد رحمه ا ّ‬
‫لمام أحمد الصلة‬
‫سان‪ ،‬فحّد ا ِ‬
‫حَ‬‫وسلم‪ ،‬كان إذا فاتته الجنازُة‪ ،‬صلى على القبر من ستة أوجه ُكُلها ِ‬
‫على القبر بشهر‪ ،‬إذ هو أكثر ما روي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه صلى بعده‪ ،‬وحّده الشافعي‬
‫ي إذا كان غائبًا‪.‬‬
‫ل إل ِللول ّ‬
‫ك وأبو حنيفة رحمهما ا ّ‬
‫ل الميت‪ ،‬ومنع منها مال ٌ‬
‫رحمه ال‪ ،‬بما إذا لم َيْب َ‬
‫ط المرأة‪.‬‬
‫سِ‬‫وكان من هديه صلى ال عليه وسلم‪ ،‬أنه كان يقوُم عند رأس الرجل َوَو ْ‬
‫فصل‬
‫صلى‬
‫طْفل ُي َ‬
‫وكان من هديه صلى ال عليه وسلم الصلُة على الطفل‪ ،‬فصح عنه أنه قال‪)) :‬ال ّ‬
‫عَلْيِه((‪.‬‬
‫َ‬
‫طُكم((‪.‬‬
‫ن َأْفرا ِ‬
‫طَفاِلُكم‪ ،‬فإّنهم ِم ْ‬
‫وفي ))سنن ابن ماجه(( مرفوعًا‪)) ،‬صُلوا على َأ ْ‬
‫سقط؟ قال‪ :‬إذا أتى عليه‬
‫ب أن ُيصلى على ال ّ‬
‫ج ُ‬
‫ت أحمد‪ :‬متى َي ِ‬
‫قال أحمد بن أبي عبدة‪ :‬سأل ُ‬
‫أربعة أشهر‪ ،‬لنه ُينفخ فيه الروح‪.‬‬
‫ت‪ :‬ليس في‬
‫ت‪ :‬فحديث المغيرة بن شعبة ))الطفل ُيصلى عليه((؟ قال‪ :‬صحيح مرفوع‪ ،‬قل ُ‬
‫قل ُ‬
‫ن الربعة الشهر ول غيرها؟ قال‪ :‬قد قاله سعيد بن المسّيب‪.‬‬
‫هذا بيا ُ‬
‫ي صلى ال عليه وسلم على ابنه إبراهيم يوم مات؟ قيل‪ :‬قد اختلف‬
‫فإن قيل‪ :‬فهل صلى النب ّ‬
‫ل عنها قالت‪ :‬مات إبراهيُم بن النبي‬
‫في ذلك‪ ،‬فروى أبو داود في ))سننه(( عن عائشة رضي ا ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫لا ّ‬
‫ى عليه رسو ُ‬
‫صلى ال عليه وسلم وهو ابن ثمانية عشر شهرًا‪ ،‬فلم يصل ِ‬
‫لمام أحمد‪ :‬حّدثنا يعقوب بن إبراهيم‪ ،‬قال‪ :‬حّدثني أبي عن ابن إسحاق حّدثني عبد ا ّ‬
‫ل‬ ‫قال ا ِ‬
‫بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم‪ ،‬عن عمرة‪ ،‬عن عائشة‪ ...‬فذكره‪.‬‬
‫‪243‬‬

‫ن إسحاق‪.‬‬
‫وقال أحمد في رواية حنبل‪ :‬هذا حديث منكر جدًا‪ ،‬ووّهى اب َ‬
‫ل‪ :‬حّدثني أبي‪ ،‬حّدثنا أسود بن عامر‪ ،‬حّدثنا إسرائيل‪ ،‬قال‪:‬‬
‫وقال الخلل‪ :‬وقرئ على عبد ا ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‬
‫حدثنا جابر الجعفي‪ ،‬عن عامر‪ ،‬عن البراء بن عازب‪ ،‬قال‪ :‬صّلى رسول ا ّ‬
‫ن ستة عشر شهرا‪.‬‬
‫على ابنه إبراهيم ومات وهو اب ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬صّلى‬
‫لا ّ‬
‫وذكر أبو داود عن البهي‪ ،‬قال‪ :‬لما مات إبراهيُم بن رسو ِ‬
‫ل بن يسار كوفي‪.‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم في المقاعد وهو مرسل‪ ،‬والبهي اسمه عبد ا ّ‬
‫لا ّ‬
‫عليه رسو ُ‬
‫وذكر عن عطاء بن أبي رباح‪ ،‬أن النبي صلى ال عليه وسلم صّلى على ابنه إبراهيم وهو‬
‫ن سبعين ليلة وهذا مرسل وهم فيه عطاء‪ ،‬فإنه قد كان تجاوز السنة‪.‬‬
‫اب ُ‬
‫ث عائشة‪ ،‬كما‬
‫س في هذه الثار‪ ،‬فمنهم من أثبت الصلة عليه‪ ،‬ومنع صحَة حدي ِ‬
‫فاختلف النا ُ‬
‫ضها بعضًا‪ ،‬ومنهم من‬
‫ل‪ ،‬مع حديث البراء‪ ،‬يشّد بع ُ‬
‫لمام أحمد وغيُره‪ :‬قالوا‪ :‬وهذه المراسي ُ‬
‫قال ا ِ‬
‫ث البراء بجابر الجعفي‪ ،‬وضعف هذه المراسيل وقال‪ :‬حديث ابن إسحاق أصح منها‪.‬‬
‫ضّعف حدي َ‬
‫ل عليه‪ ،‬فقالت طائفٌة‪ :‬استغنى ببنوة رسول ا ّ‬
‫ل‬ ‫ثم اختلف هؤلء في السبب الذي لجله لم ُيص ّ‬
‫صلى ال عليه وسلم عن ُقْربة الصلة التي هي شفاعة له‪ ،‬كما استغنى الشهيد بشهادته عن الصلة‬
‫عليه‪.‬‬
‫وقالت طائفة أخرى‪ :‬إنه مات يوم كسفت الشمس‪ ،‬فاشتغل بصلة الكسوف عن الصلة‬
‫عليه‪.‬‬
‫صّلي عليه‪ ،‬ولم‬
‫وقالت طائفٌة‪ :‬ل تعارض بين هذه الثار‪ ،‬فإنه أمر بالصلة عليه‪ ،‬فقيل‪ُ :‬‬
‫ُيباشرها بنفسه لشتغاله بصلة الكسوف‪ ،‬وقيل‪ :‬لم ُيصل عليه‪ ،‬وقالت فرقة‪ :‬رواية المثبت أولى‪،‬‬
‫لثبات‪.‬‬
‫لثبات‪ُ ،‬قَدم ا ِ‬
‫لن معه زيادة علم‪ ،‬وإذا تعارض النفي وا ِ‬
‫فصل‬
‫ل من‬
‫غّ‬‫ن َ‬
‫وكان من هديه صلى ال عليه وسلم‪ ،‬أّنه ل ُيصّلي على َمن قتل نفسه‪ ،‬ول على َم ْ‬
‫الغنيمُة‪.‬‬
‫ل حدًا‪ ،‬كالزاني المرجوم‪ ،‬فصح عنه أنه صلى ال عليه‬
‫واختلف عنه في الصلة على المقُتو ِ‬
‫ت؟ فقال‪َ)) :‬لقَْد‬
‫ل ال وقد َزَن ْ‬
‫وسلم صلى على الجهنية التي رجمها‪ ،‬فقال عمر‪ُ :‬تصّلي عليها يا رسو َ‬
‫جاَد ْ‬
‫ت‬ ‫ن َ‬
‫ل ِمنْ َأ ْ‬
‫ضَ‬‫ت َتْوَبًة أْف َ‬
‫جْد َ‬
‫سَعْتهم‪ ،‬وَهل َو َ‬
‫ل الَمِديَنِة َلَو ِ‬
‫ن ِمن أْه ِ‬
‫سْبِعي َ‬
‫ت بين َ‬
‫سَم ْ‬
‫ت َتْوَبًة لو ُق ِ‬
‫َتاَب ْ‬
‫سَها ل تعالى((‪ .‬ذكره مسلم‪.‬‬
‫ِبَنْف ِ‬
‫‪244‬‬

‫ي صلى ال عليه‬
‫ل له النب ّ‬
‫ن مالك وقال‪ :‬فقا َ‬
‫عز ب ِ‬
‫وذكر البخاري في ))صحيحه((‪ ،‬قصة ما ِ‬
‫ف على الزهري في ذكر الصلة عليه‪ ،‬فأثبتها محموُد بن غيلن‪،‬‬
‫عَلْيِه وقد اختِل َ‬
‫صّلى َ‬
‫خْيرًا َو َ‬
‫وسلم َ‬
‫عن عبد الرزاق عنه‪ ،‬وخالفه ثمانية من أصحاب عبد الرزاق‪ ،‬فلم يذكروها‪ ،‬وهم‪ :‬إسحاق بن‬
‫حميد‬
‫ن بن علي‪ ،‬ومحّمُد بن المتوكل‪ ،‬و ُ‬
‫راهويه‪ ،‬ومحمد بن يحيى الُذهلي‪ ،‬ونوح بن حبيب‪ ،‬والحس ُ‬
‫بن زنجويه‪ ،‬وأحمد بن منصور الرمادي‪.‬‬
‫لجماع أصحاب عبد الرزاق‬
‫قال البيهقي‪ :‬وقول محمود بن غيلن‪ :‬إنه صلى عليه‪ ،‬خطأ ِ‬
‫على خلفه‪ ،‬ثم إجماع أصحاب الزهري على خلفه‪.‬‬
‫سّبه‪ ،‬وقال‬
‫وقد اختلف في قصة ماعز بن مالك‪ ،‬فقال أبو سعيد الخدري‪ :‬ما استغفر له ول َ‬
‫ك‪.‬‬
‫ن َماِل ٍ‬
‫عِز ْب ِ‬
‫ل ِلَما ِ‬
‫غَفَر ا ُّ‬
‫عز بن َماِلك((‪ .‬فقالوا‪َ :‬‬
‫سَتْغِفروا ِلَما ِ‬
‫ُبريدة بن الحصيب‪ :‬إنه قال‪)) :‬ا ْ‬
‫ذكرهما مسلم‪ .‬وقال جابر‪ :‬فصّلى عليه‪ ،‬ذكره البخاري‪ ،‬وهو حديث عبد الرزاق المعّلل‪ ،‬وقال أبو‬
‫ن الصلة عليه‪ ،‬ذكره أبو داود‪.‬‬
‫ل عليه النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ولم ينَه ع ِ‬
‫برزة السلمي‪ :‬لم ُيص ّ‬
‫ث ماعز‪ ،‬إما أن يقال‪ :‬ل تعارض‬
‫ت‪ :‬حديث الغامدية‪ ،‬لم يختلف فيه أنه صّلى عليها‪ .‬وحدي ُ‬
‫قل ُ‬
‫ك الصلة فيه هي تركه الصلَة‬
‫ل له‪ ،‬وتر َ‬
‫بين ألفاظه‪ ،‬فإن الصلة فيه‪ .‬هي دعاُؤه له بأن َيغِفَر ا ّ‬
‫ل عنه إلى حديث الغاِمدية‪.‬‬
‫ت ألفاظه‪ ،‬عِد َ‬
‫على جنازته تأديبًا وتحذيرًا‪ ،‬وإما أن ُيقال‪ :‬إذا تعارض ْ‬
‫فصل‬
‫وكان صلى ال عليه وسلم إذا صّلى على ميت‪ ،‬تِبعه إلى المقابر ماشيًا أمامه‪.‬‬
‫ن لمن تبعها إن كان راكبًا أن يكون وراءها‪،‬‬
‫وهذه كانت سنة خلفائه الراشدين ِمن بعده‪ ،‬وس ّ‬
‫وإن كان ماشيًا أن يكون قريبًا منها‪ ،‬إّما خلفها‪ ،‬أو أمامها‪ ،‬أو عن يمينها‪ ،‬أو عن شمالها‪ .‬وكان يأمر‬
‫خطوة‪ ،‬فبدعة‬
‫خطوة ُ‬
‫س اليوَم ُ‬
‫ل‪ ،‬وأما دبيب النا ِ‬
‫لسراع بها‪ ،‬حتى إن كانوا لَيرُمُلون بها َرَم ً‬
‫با ِ‬
‫ط على من‬
‫مكروهة مخاِلفة للسنة‪ ،‬ومتضّمنة للتشّبه بأهل الكتاب اليهود‪ .‬وكان أبو بكر يرفع السو َ‬
‫ل‪.‬‬
‫ل رم ً‬
‫ل صلى ال عليه وسلم َنْرُم ُ‬
‫ن مع رسول ا ّ‬
‫يفعل ذلك‪ ،‬ويقول‪ :‬لقد رأيتنا ونح ُ‬
‫ل عنه‪ :‬سألنا نبينا صلى ال عليه وسلم عن المشي مع الجنازة‪،‬‬
‫قال ابن مسعود رضي ا ّ‬
‫لرَك َ‬
‫ب‬ ‫ب(( رواه أهل السنن وكان يمشي إذا َتبَع الجنازة ويقول ))لم أُكن َ‬
‫خب ِ‬
‫ن ال َ‬
‫فقال‪)) :‬ما ُدو َ‬
‫والَملِئَكُة َيْمشون((‪ .‬فإذا انصرف عنها‪ ،‬فرّبما مشى‪ ،‬ورَبما رِكب‪.‬‬
‫سوا حتى‬
‫جِل ُ‬
‫جَناَزة‪ ،‬فل‪َ :،‬ت ْ‬
‫س حتى ُتوضع‪ ،‬وقال ))إذا َتِبعُتم ال ِ‬
‫وكان إذا َتِبعها‪ ،‬لم يجِل ْ‬
‫توضَع((‪.‬‬
‫‪245‬‬

‫ل‪ :‬والمراد‪ :‬وضُعها بالرض‪ .‬قلت‪ :‬قال أبو داود‪ :‬روى‬


‫لسلم ابن تيمية رحمه ا ّ‬
‫قال شيخ ا ِ‬
‫لرض((‬
‫ضَع با َ‬
‫حّتى ُتو َ‬
‫ي‪ ،‬عن سهيل‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن أبي هريرة‪ .‬قال‪ :‬وفيه )) َ‬
‫هذا الحديث الثور ّ‬
‫ظ من أبي معاوية‪،‬‬
‫حِد((‪ .‬قال‪ :‬وسفيان أحف ُ‬
‫ضَع في الّل ْ‬
‫ورواه أبو معاوية‪ ،‬عن سهيل وقال‪)) :‬حّتى ُتو َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‬
‫لا ّ‬
‫ن رسو ُ‬
‫وقد روى أبو داود والترمذي‪ ،‬عن عبادة بن الصامت‪ ،‬قال‪ :‬كا َ‬
‫ي في‬
‫يقوم في الجنازة حتى توضَع في اللحد لكن في إسناده ِبشُر بن رافع‪ ،‬قال الترمذي‪ :‬ليس بالقو ّ‬
‫الحديث‪ ،‬وقال البخاري‪ :‬ل ُيتابع على حديثه‪ ،‬وقال أحمد‪ :‬ضعيف‪ ،‬وقال ابن معين‪ :‬حدث بمناكير‪،‬‬
‫حبان‪ :‬يروي أشياء موضوعة كأنه المتعّمُد لها‪.‬‬
‫وقال النسائي‪ :‬ليس بالقوي‪ ،‬وقال ابن ِ‬
‫فصل‬
‫ل ميت غائب‪.‬‬
‫ولم يكن ِمن هديه وسنته صلى ال عليه وسلم الصلة على ُك ّ‬
‫ل عليهم‪ ،‬وصح عنه‪ :‬أنه صّلى على‬
‫غّيب‪ ،‬فلم ُيص ّ‬
‫فقد مات خلق كثيٌر من المسلمين وهم ُ‬
‫النجاشي صلته على الميت‪ ،‬فاختلف الناس في ذلك على ثلثة طرق‪ ،‬أحدها‪ :‬أن هذا تشريٌع منه‪،‬‬
‫ل الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه‪ ،‬وقال أبو‬
‫وسنٌة للمة الصلة على كل غائب‪ ،‬وهذا قو ُ‬
‫س ذلك لغيره‪ ،‬قال أصحاُبهما‪ :‬وِمن الجائز أن يكون ُرفَع له‬
‫حنيفة ومالك‪ :‬هذا خاص به‪ ،‬ولي َ‬
‫سريُره فصّلى عليه وهو يرى صلَته على الحاضر المشاَهد‪ ،‬وإن كان على مسافة من البعد‪،‬‬
‫والصحابة وإن لم يروه‪ ،‬فهم تابعون للنبي صلى ال عليه وسلم في الصلة‪ .‬قالوا‪ :‬ويدل على هذا‪،‬‬
‫سّنٌة‪ ،‬ول سبيل‬
‫ل الغائبين غيَره‪ ،‬وترُكه سنة‪ ،‬كما أن ِفعله ُ‬
‫أنه لم ُينَقل عنه أنه كان ُيصلي على ك ّ‬
‫ي عليه‪َ ،‬فُعِلَم أن ذلك‬
‫لحد بعده إلى أن ُيعاين سرير الميت من المسافة البعيدة‪ ،‬وُيرفع له حتى ُيصّل َ‬
‫مخصوص به‪ .‬وقد روي عنه‪ ،‬أنه صلى على معاوية بن معاوية الليثي وهو غائب‪ ،‬ولكن ل يصح‪،‬‬
‫فإن في إسناده العلء بن زيد‪ ،‬ويقال‪ :‬ابن زيد‪ ،‬قال علي بن المديني‪ :‬كان يضع الحديث‪ ،‬ورواه‬
‫ي‪ :‬ل يتابع عليه‪.‬‬
‫محبوب بن هلل‪ ،‬عن عطاء بن أبي ميمونة عن أنس قال البخار َ‬
‫صّل َ‬
‫ي‬ ‫ل عليه فيه‪ُ ،‬‬
‫ب إن مات ببلد لم ُيص ّ‬
‫لسلم ابن تيمية‪ :‬الصواب‪ :‬أن الغائ َ‬
‫وقال شيخ ا ِ‬
‫عليه صلة الغائب‪ ،‬كما صّلى النبي صلى ال عليه وسلم على النجاشي‪ ،‬لنه مات بين الكفار ولم‬
‫ل عليه صلة الغائب‪ ،‬لن الفرض قد سقط بصلة‬
‫ث مات‪ ،‬لم ُيص ّ‬
‫ي عليه حي ُ‬
‫ل عليه‪ ،‬وإن صّل َ‬
‫ُيص ّ‬
‫المسلمين عليه‪ ،‬والنبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬صلى على الغائب‪ ،‬وتركه‪ ،‬وِفعُله‪ ،‬وترُكه سنة‪ ،‬وهذا‬
‫ل‪،‬‬
‫ل أعلم‪ ،‬والقوال ثلثة في مذهب أحمد‪ ،‬وأصحها‪ :‬هذا التفصي ُ‬
‫له موضع‪ ،‬وهذا له موضع‪ ،‬وا ّ‬
‫والمشهور عند أصحابه‪ :‬الصلة عليه مطلقًا‪.‬‬
‫‪246‬‬

‫فصل‬
‫وصح عنه صلى ال عليه وسلم أنه قام للجنازة لما مّرت به‪ ،‬وأمَر بالقياِم لها‪ ،‬وصح عنه‬
‫ف في ذلك‪ ،‬فقيل‪ :‬القياُم منسوخ‪ ،‬والقعوُد آخر المرين‪ ،‬وقيل‪ .‬بل المران جائزان‪،‬‬
‫خُتِل َ‬
‫أنه قعد‪ ،‬فا ْ‬
‫وِفعُله بيان للستحباب‪ ،‬وترُكه بيان للجواز‪ ،‬وهذا أولى من ادعاء النسخ‪.‬‬
‫فصل‬
‫شمس‪ ،‬ول عند غروِبها‪،‬‬
‫ل يدفن الميت عند طلوع ال ّ‬
‫وكان من هديه صلى ال عليه وسلم‪ ،‬أ ّ‬
‫عند رأس الميت‬
‫ق القبر وتوسيُعه ِمن ِ‬
‫ن ِمن هديه الّلحُد وتعمي ُ‬
‫ول حين َيُقوم قائُم الظهيرة وَكا َ‬
‫سو ِ‬
‫ل‬ ‫على ِمّلِة َر ُ‬
‫ل‪َ ،‬و َ‬
‫ل‪َ ،‬وِبا ِّ‬
‫سِم ا ِّ‬
‫ت في القبر قال ))ب ْ‬
‫ورجليه‪ ،‬وُيذكُر عنه‪ ،‬أنه كان إذا وضع المّي َ‬
‫ل((‬
‫ل ا ِّ‬
‫سو ِ‬
‫عَلى ِمّلِة َر ُ‬
‫ل‪َ ،‬و َ‬
‫ل ا ِّ‬
‫سِبي ِ‬
‫ل‪َ ،‬وفي َ‬
‫سم ا َِ‬
‫ال((‪ .‬وفي رواية‪ِ)) :‬ب ْ‬
‫سه ثلثًا‪.‬‬
‫ل رأ ِ‬
‫ن ِقَب َ‬
‫ن ِم ْ‬
‫وُيذكر عنه أيضًا أنه كان يحُثوا التراب على قبر الميت إذا ُدِف َ‬
‫ت‪ ،‬وأَمَرُهم أن‬
‫ل له الّتثِبي َ‬
‫سَأ َ‬
‫وكان إذا فرغ من دفن الميت قام على قبره هو وأصحابه‪ ،‬و َ‬
‫ت‪.‬‬
‫سَأُلوا َلُه الّتثِبي َ‬
‫َي ْ‬
‫ولم يكن يجِلس يقرأ عند القبر‪ ،‬ول ُيلّقن الميت كما يفعله الناس اليوم‪ ،‬وأما الحديث‬
‫الذي رواه الطبراني في ))معجمه(( من حديث أبي أمامة‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم‪ِ)) :‬إَذا‬
‫ل‪َ :‬يا ُفلن‪َ ،‬فِإّنُه‬
‫س َقْبِرِه ُثّم ِلَيُق ْ‬
‫عَلى َرأ ِ‬
‫حدكم َ‬
‫عَلى َقْبِرِه‪ ،‬فليقم َأ َ‬
‫ب َ‬
‫سّوْيتُم الّتَرا َ‬
‫خَواِنُكم َف َ‬
‫ن ِإ ْ‬
‫حٌد ِم ْ‬
‫ت أَ َ‬
‫َما َ‬
‫ن بنَ ُفلَنة‪ ،‬فإّنه‬
‫عدًا‪ُ ،‬ثّم َيُقول‪َ :‬يا ُفل َ‬
‫سَتوي َقا ِ‬
‫ن فلَنة‪ ،‬فإّنه َي ْ‬
‫نبَ‬
‫ل يجيب‪ّ ،‬ثم َيُقول‪ :‬يا فل َ‬
‫سَمُعهُ َو َ‬
‫َي ْ‬
‫ن لَ‬
‫شَهاَدَة َأ ْ‬
‫ن الّدْنَيا‪َ :‬‬
‫عَليِه ِم َ‬
‫ت َ‬
‫ج َ‬
‫خَر ْ‬
‫ل‪ :‬اْذُكْر َما َ‬
‫ن‪ُ ،‬ثّم َيُقو ُ‬
‫شُعرو َ‬
‫ل َت ْ‬
‫ن َ‬
‫ك ال وَلِك ْ‬
‫حم َ‬
‫شدَنا َيْر َ‬
‫ل‪َ :‬أر ِ‬
‫َيقو ُ‬
‫حّمد َنِبّيا‪،‬‬
‫لِم ِدينًا‪ ،‬وِبُم َ‬
‫سَ‬‫لْ‬
‫ل َرّبًا‪ ،‬وبا ِ‬
‫ت ِبا ِّ‬
‫ضي َ‬
‫عْبُدُه َوَرسوُله‪َ ،‬وَأّنك َر ِ‬
‫حّمدًا َ‬
‫نم َ‬
‫ل‪ ،‬وَأ َ‬
‫ل ا ُّ‬
‫ِإلَه إ ّ‬
‫عْنَد‬
‫طِلق ِبنا َما َنقُْعد ِ‬
‫ل‪ :‬اْن َ‬
‫حِبِه َوَيُقو ُ‬
‫صا ِ‬
‫حٍد ِمْنَهَما ِبَيِد َ‬
‫ل َوا ِ‬
‫خُذ ُك ّ‬
‫ن ُمنَكرًا َوَنِكيرًا َيْأ ُ‬
‫ن إَمامًا‪ ،‬فإ ّ‬
‫وِباْلُقْرآ ِ‬
‫سُبه‬
‫ف ُأّمه؟ َقال‪َ :‬فُيْن ِ‬
‫ن َلْم َيعِر ْ‬
‫ل! َفِإ ْ‬
‫لا ِ‬
‫سو َ‬
‫ل‪َ :‬يا َر ُ‬
‫ل رج ٌ‬
‫جَه ُدوَنُهَما‪َ .‬فَقا َ‬
‫جي َ‬
‫حِ‬
‫ل َ‬
‫ن ا ُّ‬
‫جَتُه‪َ ،‬فَيكو ُ‬
‫حّ‬
‫ن ُ‬
‫ن لّق َ‬
‫َم ْ‬
‫ل‪:‬‬
‫ت لبي عبد ا ّ‬
‫حّواء((‪ .‬فهذا حديث ل يصح رفُعه‪ ،‬ولكن قال الثرم‪ :‬قل ُ‬
‫حّواء‪ :‬يا ُفلن بن َ‬
‫إلى َ‬
‫ل ويقول‪ :‬يا فلن بن فلنة‪ ،‬اذكر ما فارقت عليه‬
‫ف الرج ُ‬
‫ت يِق ُ‬
‫ن المي ُ‬
‫فهذا الذي يصنعونه إذا ُدِف َ‬
‫ت أحدًا فعل هذا إل أهل الشام‪ ،‬حين مات أبو المغيرة‪،‬‬
‫الدنيا‪ :‬شهادِة َأن ل إله إل ال‪ .‬فقال‪ :‬ما رأي ُ‬
‫ل ذلك‪ ،‬وكان أبو المغيرة يروي فيه عن أبي بكر بن أبي مريم‪ ،‬عن أشياخهم‪ ،‬أنهم‬
‫جاء إنسان فقا َ‬
‫كانوا يفعلونه‪ ،‬وكان ابن عياش يروي فيه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬يريد حديث إسماعيل بن عياش هذا الذي رواه الطبراني عن أبى أمامة‪.‬‬
‫‪247‬‬

‫وقد ذكر سعيد بن منصور في ))سننه(( عن راشد بن سعد‪ ،‬وضمرة بن حبيب‪ ،‬وحكيم بن‬
‫حّبون أن ُيقال للميت عند‬
‫س عنه‪ ،‬فكانوا يست ِ‬
‫ي على المّيت قبُره‪ ،‬وانصرف النا ُ‬
‫سّو َ‬
‫عمير‪ ،‬قالوا‪ :‬إذا ُ‬
‫ل وديني‬
‫ن ! قل‪ :‬ربي ا ُّ‬
‫ث مرات‪ ،‬يا فل ُ‬
‫ل‪ ،‬أشهُد أن ل إله إل ال ثل َ‬
‫لا ّ‬
‫ن! قل‪ :‬ل إله إ ّ‬
‫قبره‪ :‬يا فل ُ‬
‫ي محمد‪ ،‬ثم ينصرف‪.‬‬
‫لسلُم‪ ،‬نبّي َ‬
‫اِ‬
‫فصل‬
‫جر وَلِبن‪ ،‬ول‬
‫ولم يكن من هديه صلى ال عليه وسلم‪ ،‬تعليُة القبور ول بناؤها بآجر‪ ،‬ول بح َ‬
‫ل هذا بدعة مكروهة‪ ،‬مخالفٌة لهديه صلى ال عليه‬
‫تشييُدها‪ ،‬ول تطييُنها‪ ،‬ول بناُء القباب عليها‪ ،‬فُك ّ‬
‫ل َقْبَرًا‬
‫سه‪َ ،‬و َ‬
‫ل إل طَم َ‬
‫ل َيَدع تْمًثا ً‬
‫ى اليمن‪ ،‬أ ّ‬
‫ل عنه إل َ‬
‫طالب رضي ا ّ‬
‫ي بن أبي َ‬
‫ث عل ّ‬
‫وسلم وقد َبع َ‬
‫سّواه‪ ،‬فسنُته صلى ال عليه وسلم تسويُة هذه القبور الُمشرفة كّلها‪ ،‬ونهى أن ُيجصص‬
‫شِرفًا إل َ‬
‫ُم ْ‬
‫ب عليه‪.‬‬
‫القبُر‪ ،‬وأن ُيبنى عليه‪ ،‬وأن يكت َ‬
‫وكانت قبور أصحابه ل ُمشِرفة‪ ،‬ول لطئة‪ ،‬وهكذا كان قبُره الكريُم‪ ،‬وقبُر صاحبيه‪ ،‬فقبُره‬
‫ح ببطحاء العَرصة الحمراء ل مبني ول مطين‪ ،‬وهكذا كان قبر‬
‫سّنم َمْبطو ٌ‬
‫صلى ال عليه وسلم ُم َ‬
‫صاحبيه‪.‬‬
‫ف َقبِره بصخرة‪.‬‬
‫ن يريُد تعّر َ‬
‫وكان يعلم قبَر َم ْ‬
‫فصل‬
‫سرج عليها‪ ،‬واشتد‬
‫ل صلى ال عليه وسلم عن اتخاذ القبوِر مساجد‪ ،‬وإيقاِد ال ّ‬
‫ونهى رسول ا ّ‬
‫خذوا قبَره عيدًا‪ ،‬ولعن‬
‫نهيه في ذلك حتى لعن فاعله‪ ،‬ونهى عن الصلة إلى الُقبور‪ ،‬ونهى أمته أن يت ِ‬
‫ظم‬
‫زّوراتِ القبور وكان هدُيُه أن ل ُتهان القبوُر وُتوطأ‪ ،‬وأل ُيجَلس عليها‪ ،‬وُيتكأ عليها ول ُتع ّ‬
‫جَد فُيصّلى عندها وإليها‪ ،‬وُتتخذ أعيادًا وأوثانًا‪.‬‬
‫بحيث ُتّتخُذ مسا ِ‬
‫فصل‬
‫في هديه صلى ال عليه وسلم في زيارة القبور‬
‫حم عليهم‪ ،‬والستغفاِر لهم‪ ،‬وهذه هي‬
‫كان إذا زار قبور أصحابه يزوُرها للدعاء لهم‪ ،‬والتر ّ‬
‫ل الّديار‬
‫عليُكم َأْه َ‬
‫سلُم َ‬
‫عها لهم‪ ،‬وأمرهم أن يُقولوا إذا زاُروها‪)) :‬ال ّ‬
‫الزيارُة التي سنها لمته‪ ،‬وشر َ‬
‫ل َلَنا َوَلُكم الَعاِفَيَة((‪.‬‬
‫ل ا َّ‬
‫سأ ُ‬
‫حُقون‪َ ،‬ن ْ‬
‫لِ‬
‫ل ِبُكْم َ‬
‫شاَء ا ُّ‬
‫ن‪ ،‬وإّنا إن َ‬
‫سِلِمي َ‬
‫ن والُم ْ‬
‫ن الُمؤِمِني َ‬
‫ِم َ‬
‫ل عند زيارتها‪ِ ،‬من جنس ما يقوُله عند الصلة على الميت‪ ،‬من‬
‫ل ويفع َ‬
‫وكان هدُيه أن يقو َ‬
‫ل به‪،‬‬
‫لقساَم على ا ّ‬
‫لشراك به‪ ،‬وا ِ‬
‫حِم‪ ،‬والستغفار‪َ .‬فأَبى المشركون إل دعاَء الميت وا ِ‬
‫الِدعاِء والتر ّ‬
‫‪248‬‬

‫جَه إليه‪ ،‬بعكس هديه صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فإنه هدي توحيد‬
‫وسؤاله الحوائج‪ ،‬والستعانة به‪ ،‬والتو ّ‬
‫ي هؤلء شرك وإساءة إلى نفوسهم‪ ،‬وإلى الميت‪ ،‬وهم ثلثة أقسام‪ :‬إما أن‬
‫وإحسان إلى الميت‪ ،‬وهد ُ‬
‫ب وأولى من الدعاء في المساجد‪،‬‬
‫يدعوا الميت‪ ،‬أو يدعوا به‪ ،‬أو عنده‪ ،‬ويرون الدعاء عنده أوج َ‬
‫ق بين المرين وبا ّ‬
‫ل‬ ‫ل صلى ال عليه وسلم وأصحاِبه‪ ،‬تبّين له الفر ُ‬
‫ي رسول ا ّ‬
‫ومن تأمل هد َ‬
‫التوفيق‪.‬‬
‫فصل‬
‫)يتبع‪(...‬‬
‫@‬
‫ل الميت‪ ،‬ولم يكن ِمن هديه أن يجتر للَعزاء‪،‬‬
‫وكان من هديه صلى ال عليه وسلم‪ ،‬تعزية أه ِ‬
‫وُيقرأ له القرآن‪ ،‬ل عنَد قبره ول غيره‪ ،‬وُكل هذا بدعة حادثة مكروهة‪.‬‬
‫ل‪ ،‬والسترجاع‪ ،‬ويبرأ ممن خرق‬
‫ن والرضى بقضاء ال‪ ،‬والحمد ّ‬
‫وكان من هديه‪ :‬السكو ُ‬
‫لجل الُمصيبة ثياَبه‪ ،‬أو رفع صوَته بالندب والنياحة‪ ،‬أو حلق لها شعره‪.‬‬
‫وكان من هديه صلى ال عليه وسلم أن أهل الميت ل يتكّلفون الطعام للناس‪ ،‬بل أمر أن‬
‫شيم‪ ،‬والحملِ عن أهل‬
‫س لهم طعامًا ُيرسلونه إليهم وهذا من أعظم مكارم الخلق وال ّ‬
‫يصنع النا ُ‬
‫الميت‪ ،‬فإنهم في شغل بمصابهم عن إطعام الناس‪.‬‬
‫ك نعي الميت‪ ،‬بل كان ينهى عنه‪ ،‬ويقول‪ :‬هو ِمن‬
‫وكان من هديه صلى ال عليه وسلم‪ ،‬تر ُ‬
‫س إذا مات وقال‪ :‬أخاف أن يكون من النعي‪.‬‬
‫عمل الجاهلية‪ ،‬وقد كِره حذيفُة أن ُيعلم به أهُله النا َ‬
‫فصل‬
‫ل سبحاَنه وتعالى قصَر‬
‫ح ا ُّ‬
‫وكان من هديه صلى ال عليه وسلم‪ ،‬في صلة الخوف‪ ،‬أن أبا َ‬
‫ف والسفُر‪ ،‬وقصَر العدد وحَده إذا كان سفٌر ل خوف معه‪،‬‬
‫ن الصلة وعدِدها إذا اجتمع الخو ُ‬
‫أركا ِ‬
‫ف ل سفَر معه وهذا كان من هديه صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وبه‬
‫وقصَر الركان وحَدها إذا كان خو ٌ‬
‫حكمة في تقييد القصر في الية بالضرب في الرض والخوف‪.‬‬
‫ُتعلم ال ِ‬
‫وكان من هديه صلى ال عليه وسلم في صلة الخوف‪ ،‬إذا كان العدّو بينَه وبين القبلة‪ ،‬أن‬
‫ف المسلمين كّلهم خلَفه‪ ،‬ويكّبُر ويكبرون جميعًا‪ ،‬ثم يركع فيركعون جميعًا‪ ،‬ثم يرفُع ويرفعون‬
‫ص ّ‬
‫َي ُ‬
‫جَه العُدّو‪ ،‬فإذا‬
‫خر موا ِ‬
‫ف المؤ ّ‬
‫ف الذي يليه خاصة‪ ،‬ويقوم الص ّ‬
‫جميعًا معه‪ ،‬ثم ينحِدُر بالسجود والص ّ‬
‫خر بعد قيامه سجدتين‪ ،‬ثم قاموا‪،‬‬
‫ف المؤ ّ‬
‫فرغ من الركعة الولى‪ ،‬ونَهض إلى الثانية‪ ،‬سجَد الص ّ‬
‫‪249‬‬

‫ف الو ِ‬
‫ل‬ ‫ل فضيلُة الص ّ‬
‫صَ‬‫ل مكاَنهم لتح ُ‬
‫ف الو ُ‬
‫خر الص ّ‬
‫ف الول‪ ،‬وتأ ّ‬
‫فتقّدموا إلى مكان الص ّ‬
‫ف الثاني مع النبي صلى ال عليه وسلم السجدتين في الركعة الثانية‪ ،‬كما‬
‫ك الص ّ‬
‫للطائفتين‪ ،‬وِلُيدِر َ‬
‫ضْوا لنفسهم‪،‬‬
‫ن فيما أدركوا معه‪ ،‬وفيما َق َ‬
‫أدرك الول معه السجدتين في الولى‪ ،‬فتستوي الطائفتا ِ‬
‫وذلك غايُة العدل‪ ،‬فإذا ركع‪ ،‬صنع الطائفتان كما صنعوا أّول مرة فإذا جلس للتشهد‪ ،‬سجد الص ّ‬
‫ف‬
‫خر سجدتين‪ ،‬ولحقوه في التشهد‪ ،‬فيسّلم بهم جميعًا‪.‬‬
‫المؤ ّ‬
‫ن‪ِ :‬فرقًة بإزاء العدّو‪ ،‬وِفرقًة‬
‫وإن كان العُدو في غير جهة القبلة‪ ،‬فإّنه كان تارًة يجعُلهم ِفرقتي ِ‬
‫ُتصلي معه‪ ،‬فُتصلي معه إحدى الفرقتين ركعًة‪ ،‬ثم تنصِرف في صلتها إلى مكان الفرقة الخرى‪،‬‬
‫ل طائفة ركعًة‬
‫وتجيُء الخرى إلى مكان هذه‪ ،‬فُتصلي معه الركعة الثانية‪ ،‬ثم ُتسلم‪ ،‬وتقضي ك ّ‬
‫لمام‪.‬‬
‫ركعًة بعد سلم ا ِ‬
‫وتارة كان ُيصلي بإحدى الطائفتين ركعة‪ ،‬ثم يقوم إلى الثانية‪ ،‬وتقضي هي ركعة وهو‬
‫واقف‪ ،‬وُتسلم قبل ركوعه‪ ،‬وتأتي الطائفة الخرى‪ ،‬فتصلي معه الركعة الثانية‪ ،‬فإذا جلس في‬
‫التشهد‪ ،‬قامت‪ ،‬فقضت ركعًة وهو ينتظرها في التشهد‪ ،‬فإذا تشهدت‪ُ ،‬يسلم بهم‪.‬‬
‫وتارة كان ُيصلي بإحدى الطائفتين ركعتين‪ ،‬فُتسلم قبله‪ ،‬وتأتي الطائفة الخرى‪ ،‬فُيصلي بهم‬
‫الركعتين الخيرتين‪ ،‬وُيسلم بهم‪ ،‬فتكون له أربعًا‪ ،‬ولهم ركعتين ركعتين‪.‬‬
‫وتارة كان ُيصلي بإحدى الطائفتين ركعتين‪ ،‬ويسلم بهم‪ ،‬وتأتي الخرى‪ ،‬فتصلي بهم‬
‫ل طائفة صلة‪.‬‬
‫ركعتين‪ ،‬وُيسلم فيكون قد صلى بهم بك ّ‬
‫وتارة كان يصلي بإحدى الطائفتين ركعَة‪ ،‬فتذهب ول تقضي شيئًا‪ ،‬وتجيء الخرى‪،‬‬
‫فُيصلي بهم ركعة‪ ،‬ول تقضي شيئًا‪ ،‬فيكون له ركعتان‪ ،‬ولهم ركعة ركعة‪ ،‬وهذه الوجه ُكُلها تجوز‬
‫الصلة بها‪.‬‬
‫ل حديث ُيروى في أبواب صلة الخوف‪ ،‬فالعمل به جائز‪.‬‬
‫لمام أحمد‪ :‬ك ّ‬
‫قال ا ِ‬
‫ل‪ :‬تقو ُ‬
‫ل‬ ‫ت لبي عبد ا ّ‬
‫وقال‪ :‬ستُة أوجه أو سبعة‪ُ ،‬تروى فيها‪ُ ،‬كّلها جائزة‪ ،‬وقال الثرم‪ :‬قل ُ‬
‫ل‪ :‬من ذهب إليها كّلها‪،‬‬
‫ث في موضعه‪ ،‬أو تختاُر واحدًا منها؟ قال‪ :‬أنا أقو ُ‬
‫ل حدي ٍ‬
‫بالحاديث كّلها‪ ،‬ك ّ‬
‫ل طائفة معه ركعًة ركعًة‪ ،‬ول تقضي شيئًا‪ ،‬وهذا مذهبُ‬
‫يكّ‬
‫فحسن‪ .‬وظاهر هذا‪ ،‬أنه جّوز أن ُتصل َ‬
‫ل‪ ،‬وطاووس‪ ،‬ومجاهد‪ ،‬والحسن‪ ،‬وقتادة‪ ،‬والحكم‪ ،‬وإسحاق بن‬
‫ابن عباس‪ ،‬وجابر بن عبد ا ّ‬
‫راهويه‪ .‬قال صاحب ))المغني((‪ :‬وعموُم كلم أحمد يقتضي جواَز ذلك‪ ،‬وأصحابنا ينكرونه‪.‬‬
‫‪250‬‬

‫خُر‪ ،‬ترجع كلها إلى هذه‬


‫ت ُأ َ‬
‫صفا ّ‬
‫وقد روى عنه صلى ال عليه وسلم في صلة الخوف ِ‬
‫ضهم عشَر صفات‪ ،‬وذكرها أبو محمد‬
‫ظها‪ ،‬وقد ذكرها بع ُ‬
‫وهذه ُأصوُلها‪ ،‬وربما اختلف بعض ألفا ِ‬
‫ل‪ ،‬وهؤلء كلما رأوا اختلف الرواة في‬
‫س عشرة صفة‪ ،‬والصحيح‪ :‬ما ذكرناه أو ً‬
‫بن حزم نحو خم َ‬
‫قصة‪ ،‬جعلوا ذلك وجوهًا من فعل النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وإنما هو من اختلف الرواة‪ .‬وا ّ‬
‫ل‬
‫أعلم‪.‬‬

You might also like