Professional Documents
Culture Documents
زاد المعاد
في هدي خير
العباد
للمام العلمة شيخ السلم
محمد بن أبى بكر الزرعى
ابن قيم الجوزية
الجزء الول
2
ترجمة ابن قيم الجوزية رحمه ال من كتاب "ذيل طبقات الحنابلة" لتلميذه الحافظ ابن رجب
الحنبلي رحمه ال ،قال :
هو محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن جريز الزرعي ،ثم الدمشقي الفقيه الصولي ،المفسر
النحوي ،العارف ،شمس الدين أبو عبد ال بن قيم الجوزية ؛ شيخنا.
ولد سنة إحدى وتسعين وستمائة ،وتفقه في مذهب المام أحمد ،وبرع وأفتى ،ولزم الشيخ تقي
لسلم.
الدين بن تيمية وأخذ عنه .وتفنن في علوم ا ِ
وكان عارفًا بالتفسير ل يجارى فيه ،وبأصول الدين ،وإليه فيهما المنتهى ،والحديث ومعانيه
وفقهه ،ودقائق الستنباط منه ،ل يلحق في ذلك ،وبالفقه وأصوله وبالعربية ،وله فيها اليد الطولى،
وتعلم الكلم والنحو وغير ذلك ،وكان عالمًا بعلم السلوك ،وكلم أهل التصوف ،وإشاراتهم،
ودقائقهم .له في كل فن من هذه الفنون اليد الطولى.
قال الذهبي في المختصر :عنى بالحديث ومتونه ،وبعض رجاله .وكان يشتغل في الفقه ،ويجيد
لنكاره شد الرحال إلى قبر الخليل ،وتصدى
تقريره وتدريسه ،وفي الصلين .وقد حبس مدةِ ،
للشغال ،وإقراء العلم ونشره.
قلت :وكان رحمه ال ذا عبادة وتهجد ،وطول صلة إلى الغاية القصوى ،وتأله ولهج بالذكر،
لنابة والستغفار ،والفتقار إلى ال ،والنكسار له ،والطراح بين يديه على
وشفف بالمحبة ،وا ِ
عتبة عبوديته ،لم أشاهد مثله في ذلك ،ول رأيت أوسع منه علمًا ،ول أعرف بمعاني القرآن والسنة
وحقائق اليمان منه ،وليس هو المعصوم ،ولكن لم أَر في معناه مثله .وقد امتحن وأوفي مرات،
وحبس مع الشيخ تقي الدين ابن تيمية في المرة الخيرة بالقلعة ،منفردًا عنه ،ولم يفرج عنه إل بعد
موت الشيخ.
ل بتلوة القرَان بالتدبر والتفكر ،ففتح عليه من ذلك خير كثير ،وحصل
وكان في مدة حبسه مشتغ ً
له جانب عظيم من الذواق والمواجيد الصحيحة ،وتسلط بسبب ذلك على الكلم في علوم أهل
المعارف ،والدخول في غوامضهم ،وتصانيفه ممتلئة بذلك ،وحج مرات كثيرة ،وجاور بمكة .وكان
أهل مكة يذكرون عنه من شدة العبادة ،وكثرة الطواف أمرًا يتعجب منه .ولزمت مجالسه قبل
موته أزيد من سنة ،وسمعت عليه "قصيدته النونية الطويلة" في السنة ،وأشياء من تصانيفه،
وغيرها .وأخذ عنه العلم خلق كثير من حياة شيخه وإلى أن مات ،وانتفعوا به ،وكان الفضلء
يعظمونه ،ويتتلمذون له ،كابن عبد الهادي وغيره.
3
وقال القاضي برهان الدين الزرعي عنه :ما تحت أديم السماء أوسع علمًا منه.
ودرس بالصدرية .وأّم بالجوزية مدة طويلة .وكتب بخطه ما ل يوصف كثرة .وصنف تصانيف
كثيرة جدًا في أنواع العلم .وكان شديد المحبة للعلم ،وكتابته ومطالعته وتصنيفه ،واقتناء الكتب،
واقتنى من الكتب ما لم يحصل لغيره.
فمن تصانيفه :كتاب "تهذيب سنن أبي داود" وإيضاح مشكلته ،والكلم على ما فيه من الحاديث
المعلولة مجلد ،كتاب "سفر الهجرتين وباب السعادتين" مجلد ضخم ،كتاب "مراحل السائرين بين
لسلم النصاري،
سَتِعين" مجلدان ،وهو شرح "منازل السائرين" لشيخ ا ِ
ك َن ْ
ك َنْعُبُد وإيا َ
منازل" إيا َ
كتاب جليل القمر ،كتاب "عقد محكم الحباء ،بين الكلم الطيب والعمل الصالح المرفوع إلى رب
السماء" مجلد ضخم ،كتاب "شرح أسماء الكتاب العزيز" مجلد ،كتاب "زاد المسافرين إلى منازل
السعداء في هدى خاتم النبياء" مجلد ،كتاب "زاد المعاد في هدى خير العباد" أربع مجلدات ،وهو
كتاب عظيم جدًا ،كتاب "جلء الفهام في ذكر الصلة والسلم على خير النام" وبيان أحاديثها
وعللها مجلد ،كتاب "بيان الدليل على استغناء المسابقة عن التحليل" مجلد ،كتاب "نقد المنقول
والمحك المميز بين المردود والمقبول" مجلد ،كتاب "إعلم الموقعين عن رب العالمين" ثلث
مجلدات ،كتاب "بدائع الفوائد" مجلدان "الشافية الكافية في إلنتصار للفرقة الناجية" وهي
"القصيدة النونية في السنة" مجلدان ،كتاب "الصواعق المنزلة على الجهمية والمعطلة لما في
مجلدات ،كتاب "حادي الرواح إلى بلد الفراح" وهو كتاب "صفة الجنة" مجلد ،كتاب "نزهة
المشتاقين وروضة المحبين" مجلد ،كتاب "الداء والدواء" مجلد ،كتاب "تحفة الودود في أحكام
المولود" مجلد لطيف ،كتاب "مفتاح دار السعادة" مجلد ضخم ،كتاب "اجتماع الجيوش السلمية
على غزو الفرقة الجهمية" مجلد ،كتاب "مصائد الشيطان" مجلد ،كتاب "الفرق الحكمية" مجلد
"رفع اليدين في الصلة" مجلد .كتاب "نكاح المحرم" مجلد "تفضيل مكة على المدينة" مجلد
"فضل العلماء" مجلد "عدة الصابرين" مجلد كتاب "الكبائر" مجلد "حكم تارك الصلة" مجلد،
كتاب "نور المؤمن وحياته" مجلد ،كتاب "حكم إغمام هلل رمضان"" ،التحرير فيما يحل،
ويحرم من لباس الحرير"" ،جوابات عابدي الصلبان ،وأن ما هم عليه دين الشيطان"" ،بطلن
الكيمياء من أربعين وجهًا" مجلد "الفرق بين الخلة والمحبة ،ومناظرة الخليل لقومه" مجلد "الكلم
الطيب والعمل الصالح" مجلد لطيف "الفتح القدسي"" ،التحفة المكية" كتاب "أمثال القرآن" "شرح
4
السماء الحسنى"" ،أيمان القرآن"" ،المسائل الطرابلسية" ثلث مجلدات "الصراط المستقيم في
أحكام أهل الجحيم" مجلدان ،كتاب " الطاعون" مجلد لطيف.
توفى رحمه ال وقت عشاء الخرة ليلة الخميس ثالث عشرين رجب سنة إحدى وخمسين
وسبعمائة .وصّلى عليه من الغد بالجامع عقيب الظهر ،ثم بجامع جراح .ودفن بمقبرة الباب
ل عنه .وكان قد رأى قبل موته
الصغير ،وشيعه خلق كثير ،ورئيت له منامات كثيرة حسنة رضي ا ّ
بمدة الشيخ تقي الدين رحمه ال في النوم ،وسأله عن منزلته؟ فأشار إلى علوها فوق بعض الكابر.
ل.
ثم قال له :وأنت كدت تلحق بنا ،ولكن أنت الن في طبقة ابن خزيمة رحمه ا ّ
5
لسلم ،ومفتاح دار السلم ،وعنها يسأل الولون والخرون ،فل تزول قدما العبد بين
فهي كلمُة ا ِ
جبُتم المرسلين؟
ل حتى يسأل عن مسألتين :ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أ َ
يدي ا ّ
ل.
ل(( معرفًة وإقرارًا وعم ً
فجواب الولى بتحقيق ))ل إله إل ا ّ
ل(( معرفًة وإقرارًا ،وانقيادًا
وجواب الّثانية بتحقيق ))أن محّمدًا رسول ا ّ
وطاعًة.
ن(( في موضع رفع عطفًا
وفيها تقدير رابع ،وهو خطأ من جهة المعنى ،وهو أن تكون ))َم ْ
ض الناس ،فهو خطأ محض،
عك ،وهذا وإن قاله بع ُ
ل وأتبا ُ
ل ،ويكون المعنى :حسُبك ا ّ
على اسم ا ّ
ل وحده ،كالتوكل والتقوى والعبادة ،قال
ل الية عليه ،فإن ))الحسب(( و ))الكفاية(( ّ
ل يجوز حم ُ
ن{ ]النفال:
صِرِه َوِباْلُمْؤِمِني َ
ك ِبَن ْ
ي َأّيد َ
ل ُهَو اّلذ َ
كا ّ
سَب َ
حْن َ
ك َفِإ ّ
عو َ
خَد ُ
ل تعالىَ} :وِإن ُيِريُدَوْا َأن َي ْ
ا ّ
ب له وحَده ،وجعل التأييد له بنصره وبعباده ،وأثنى
.[62ففّرق بين الحسب والتأييد ،فجعل الحس َ
ل َلُهُم
ن َقا َ
ل سبحانه على أهل التوحيد والتوكل ِمن عباده حيث أفردوه بالحسب ،فقال تعالى} :اّلذي َ
ا ّ
ل{ ]آل عمران:
ل َوِنْعَم اْلَوِكي ُ
سُبَنا ا ّ
حْشْوُهْم َفَزاَدُهْم ِإيَمانًا َوَقاُلوْا َ
خَ
جَمُعوْا َلُكْم َفا ْ
ن الّناس َقْد َ
الّناس ِإ ّ
ل ورسوله ،فإذا كان هذا قوَلهم ،ومدح الرب تعالى لهم بذلك ،فكيف
.[173ولم يقولوا :حسبنا ا ّ
عك حسُبك ،وأتباعه قد أفردوا الرب تعالى بالحسب ،ولم ُيشركوا بينه وبين
ل وأتبا ُ
يقول لرسوله :ا ّ
رسوله فيه ،فكيف ُيشرك بينهم وبينه في حسب رسوله؟! هذا ِمن أمحل المحال وأبطل الباطل،
ل ِمن
سُيْؤِتيَنا ا ّ
ل َ
سُبَنا ا ّ
حْسوُلُه َوَقاُلوْا َ
ل َوَر ُ
ضْوْا َما آَتاُهُم ا ّ
ونظيُر هذا قوُله تعالىَ} :وَلْو َأّنهْم َر ُ
ل ولرسوله ،كما قال
ليتاء ّ
ن{ ]التوبة .[59 :فتأمل كيف جعل ا ِ
غُبو َ
ل َرا ِ
سوُلُه ِإّنا ِإَلى ا ّ
ضِلهِ َوَر ُ
َف ْ
ب له وحده،
عْنُه َفانَتُهوْا { ]الحشر .[7 :وجعل الحس َ
خُذوُه َوَما َنَهاُكْم َ
ل َف ُ
تعالىَ} :وَمآ آَتاُكُم الّرسو ُ
ن{
غُبو َ
ل َرا ِ
ص حّقه ،كما قال تعالىِ} :إّنا ِإَلى ا ّ
ل ورسوُله ،بل جعله خال َ
فلم يقل :وقالوا :حسبنا ا ّ
غ َ
ت ]التوبة .[59 :ولم يقل :وإلى رسوله ،بل جعل الرغبة إليه وحَده ،كما قال تعالىَ} :فإَذا َفَر ْ
ل وحده،
ب ِّ
لنابُة ،والحس ُ
غب{ ]الشرح ،[8-7 :فالرغبُة ،والتوكل ،وا ِ
ك َفار َ
صبْ * وِإلى َرّب َ
َفاْن َ
ل سبحانه وتعالى .ونظيُر
ل وحَده ،والنذر والحلف ل يكون إل ّ
كما أن العبادَة والتقوى ،والسجود ّ
ب :هو الكافي ،فأخبر سبحانه وتعالى
عْبَدُه{ ]الزمر .[36 :فالحس ُ
ف َ
ل ِبَكا ٍ
سا ّ
هذا قوله تعالىَ} :أَلْي َ
ل في هذه الكفاية؟! والدلة الّدالة على بطلن هذا
ف عبَده ،فكيف يجعل أتباعه مع ا ّ
أّنه وحده كا ٍ
التأويل الفاسد أكثر من أن تذكر هاهنا.
7
جَع ُ
ل ث َي ْ
حْي ُ
عَلُم َ
ل َأ ْ
لا ّ
لا ّ
سُي ُر ُ
ل َما ُأوِت َ
ى ِمْث َ
حّتى ُنْؤَت َ
ن َ
جاَءْتُهْم آَيٌة َقاُلوْا َلن ّنْؤِم َ
قال تعالىَ} :وِإَذا َ
ن{ ]النعام،[124 :
شِديٌد ِبَما َكاُنوْا َيْمُكُرو َ
ب َ
عَذا ٌ
ل َو َ
عنَد ا ّ
صَغاٌر ِ
جَرُموْا َ
ن َأ ْ
ب اّلذي َ
صي ُ
سُي ِ
ساَلَتُه َ
ِر َ
ل أعلُم بالمحل الذي يصلح لصطفائه وكرامته وتخصيصه بالرسالة والنبوة دون غيره.
أي :ا ّ
شْرُكهم ِمن اقتراحهم
الّرابع :أنه نّزه نفسه سبحانه عّما اقتضاه ِ
عّما
ى َ
ل َوَتَعاَل َ
نا ّ
حا َ
سْب َ
خَيَرُة ُ
ن َلُهُم اْل ِ
خَتاُر َما َكا َ
شاُء َوَي ْ
ق َما َي َ
خُل ُ
واختيارهم فقالَ} :وَرّبك َي ْ
ق سواه حتى نّزه نفسه عنه،
لثبات خال ٍ
شركهم مقتضيًا ِ
ن{ ]القصص ،[68 :ولم يكن ِ
شِرُكو َ
ُي ْ
فتأمله ،فإنه في غاية اللطف.
ضِر َ
ب الخامس :أن هذا نظيُر قوله تعالى فيَ} :يَأّيها الّناس ُ
سُلْبُهُم الّذبا ُ
ب جَتَمُعوْا َلُه َوِإن َي ْ
خُلُقوْا ُذَبابًا َوَلِو ا ْ
ل َلن َي ْ
نا ّ
ن ِمن ُدو ِ
عو َ
ن َتْد ُ
ن اّلذي َ
سَتِمُعوْا َلُه ِإ ّ
ل َفا ْ
َمَث ٌ
عِزيٌز{ ثم
ي َ
ل َلَقِو ّ
نا ّ
ق َقْدِرِه ِإ ّ
حّل َ
ب * َما َقَدُرواْ ا ّ
طُلو ُ
ب َواْلَم ْ
طال ُ
ف ال ّ
ضُع َ
سَتنِقُذوُه ِمْنُه َ
ل َي ْ
شْيئًا ّ
َ
ن َأْيِديِهْم َوَما
صيٌر * َيْعَلُم َما َبْي َ
سِميٌع َب ِ
ل َ
نا ّ
ن الّناس ِإ ّ
ل َوِم َ
سًلِئَكِة ُر ُ
ن اْلَم َ
طِفي ِم َ
صَل َي ْ
قال} :ا ّ
ك َيْعَلُم َما ُتِك ّ
ن حج .[76 - 73 :وهذا نظير قوِلِه فيَ} :وَرّب َ
لُموُر{ ]ال ِ
جُع ا ُ
ل ُتْر َ
خْلَفُهْم َوِإَلى ا ّ
َ
ساَلَتُه{ ]النعام:
ل ِر َ
جَع ُ
ث َي ْ
حْي ُ
ل َأعَلُم َ
ن{ ]القصص [69 :ونظيُر قوله في} :ا ُ
صُدوُرُهْم َوَما ُيْعِلُنو َ
ُ
ل اختياره بما خصصها بهِ ،لعلمه
حا ّ
ن لتخصيصه َم َ
[124فأخبر في ذلك كّله عن علمه المتضم ِ
جْدُه متضمنًا لهذا المعنى ،زائدًا عليه،
سياق في هذه اليات َت ِ
بأنها تصُلح له دون غيرها ،فتدبر ال ّ
ل أعلم.
وا ّ
ب قولهَ} :وَيوَم
عقي َ
السادس :أن هذه الية مذكورٌة َ
ن َتا َ
ب ن * َفأّما َم ْ
ساَءلو َ
ل َيَت َ
لْنَباُء َيْوَمِئٍذ َفهْم َ
عَليِهم ا َ
ت َ
ن * َفَعِمَي ْ
سِلي َ
جبُتُم الُمر َ
ُيَناِديِهم َفَيُقول َماَذا َأ َ
شاُء َويخَتاُر{ ]القصص-65 :
ق َما َي َ
ك َيخُل ُ
ن * َوَرّب َ
حي َ
ن المفِل ِ
ن ِم َ
سى َأن َيكو َ
صاِلحًا َفَع َ
ل َ
عِم َ
ن َو َ
وآَم َ
[68فكما خلقهم وحده سبحانه ،اختار منهم من تاب ،وآمن ،وعمل صالحًا ،فكانوا صفوَته من
ل له ،ل
عباده ،وخيرَته ِمن خلقه ،وكان هذا الختياُر راجعًا إلى حكمته وعلمه سبحانه لمن هو أه ٌ
ل وتعالى عّما يشركون.
حهم ،فسبحان ا ّ
إلى اختيار هؤلء المشركين واقترا ِ
فصل
ل على ربوبيته تعالى
ت هذا الختيار والتخصيص فيه دا ً
ق ،رأي َ
ل هذا الخل ِ
وإذا تأملت أحوا َ
ل الذي ل إله إل هو ،فل شريك له يخُلق كخلقه،
ل حكمته وعلمه وقدرته ،وأنه ا ُّ
ووحدانيته ،وكما ِ
ويختار كاختياره ،ويدّبر كتدبيره ،فهذا الختياُر والتدبير ،والتخصيص المشهود أثُره في هذا العالم
11
ن هذا اختياُره سبحانه ولَد إسماعيل من أجناس بني آدم ،ثم اختار منهم بني ِكنانة ِمن
َوِم ْ
سّيَد
خزيمة ،ثم اختار ِمن ولد ِكنانة ُقريشًا ،ثم اختار ِمن قريش بني هاشم ،ثم اختار من بني هاشم َ
ُ
ولِد آدم محّمدًا صلى ال عليه وسلم.
ن الولين ،واختار منهم أه َ
ل ن ،واختار منهم السابقي َ
وكذلك اختار أصحابه ِمن جملة الَعاَلِمي َ
ل بيعة الّرضوان ،واختار لهم ِمن الّدين أكمَله ،وِمن الشرائع أفضَلها ،ومن الخلق
بدر ،وأه َ
أزَكاها وأطيبها وأطَهرها.
لمام أحمد((
واختار أمته صلى ال عليه وسلم على سائر المم ،كما في ))مسند ا ِ
ل صلى ال
سو ُ
وغيره من حديث بَهِز بن حكيم بن معاوية بن حْيَدَة ،عن أبيه ،عن جّده قال :قال ر ُ
ل(( .قال علي بن الْمديني وأحمد:
خْيُرَها َوَأْكَرُمَها عََلى ا ّ
ن ُأّمة َأْنتْم َ
سْبِعي َ
ن َ
عليه وسلم ))َأْنتْم ُموفو َ
حديثُ بهز بن حكيم ،عن أبيه ،عن جّده صحيح.
وظهر أثُر هذا الختيار في أعمالهم وأخلقهم وتوحيِدهم ومنازلهم في الجَنة ومقاماتهم في
ل فوقهم يشرفون عليهم ،وفي الترمذي من حديث ُبريدة بن
الموقف ،فإنهم أعلى من الّناس على ت ّ
ف،
ن َوَمائُة ص ّ
شُرو َ
عْجّنِة ِ
ل اْل َ
ل صلى ال عليه وسلمَ)) :أه ُ
لا ّ
ب السلمي قال :قال رسو ُ
صْي ِ
ح َ
ال ُ
لَمِم(( قال الترمذي :هذا حديث حسن .والذي في
ساِئِر ا ُ
ن َ
ن ِم ْ
لّمِةَ ،وَأْرَبُعو َ
ن َهِذِه ا ُ
ن ِمْنَها ِم ْ
َثَماُنو َ
خدري ،عن النبي صلى ال عليه وسلم في حديث بعث النار:
))الصحيح(( من حديث أبي سعيد ال ُ
جّنِة(( ،ولم يزد على ذلكَ .فِإّما أن يقال :هذا
ل ال َ
طَر َأْه ِ
ش ْ
ن تُكوُنوا َ
طَمُع َأ ْ
ل ْ
سي ِبَيده إّنى َ
))َواّلِذي َنْف ِ
أصح ،وإّما أن ُيقال :إن النبي صلى ال عليه وسلم طمع أن تكون أمُته شطَر أهل الجنة ،فأعلمه
ل أعلم.
رّبه فقال)) :إنهم ثمانون صفًا من مائة وعشرين صفًا(( ،فل تنافي بين الحديثين ،وا ّ
لّمة سواها ،وفي
ل لمته واختياِره لها أنه وهبها ِمن العلم والحلم ما لم َيَهْبُه ُ
َوِمن تفضيل ا ّ
ت أبا القاسم صلى ال عليه وسلم يقول:
))مسند البزار(( وغيره من حديث أبي الدرداء قال :سمع ُ
حِمُدوا
نَ ،
حّبو َ
صاَبُهم َما ُي ِ
ن َأ َ
ك آمًة ِإ ْ
ن َبْعِد َ
ث ِم ْ
ع ٌ
ن َمرَيَمِ)) :إّني َبا ِ
سى اْب ِ
ل ِلعي َ
ل َتَعاَلى َقا َ
ن ا َّ
))إ ّ
ف َهَذا
بَ ،كْي َ
لَ :يا َر ّ
عْلَمَ ،قا َ
ل ِ
حْلَم َو َ
ل ِ
سُبوا َوصَبُرواَ ،و َ
حَت َ
ن ،ا ْ
صاَبهْم َما َيْكَرُهو َ
ن َأ َ
شَكُرواَ ،وإ ْ
َو َ
عْلِمي((.
حْلِمي َو ِ
ن ِ
طيِهْم ِم ْ
عِلُ :أ ْ
عْلَم؟ َقا َ
حْلَم َول ِ
َول ِ
َوِمن هذا اختياُره سبحانه وتعالى ِمن الماكن والبلد خيَرَها وأشرفَها ،وهي البلد
الحراُم ،فإنه سبحانه وتعالى اختاره لنبيه صلى ال عليه وسلم ،وجعله مناسك لعباده ،وأوجب عليهم
ق ،فل َيدخلونه إل متواضعين متخشعين متذللين،
ج عمي ٍ
ل َف ّ
ن إليه من الُقْرب والُبْعد ِمن ك ّ
لتيا َ
اِ
13
ضُد به
حَرمًا آِمنًا ،ل ُيسفك فيه دٌم ،ول ُتَع َ
كاشفي رؤوسهم ،متجردين عن ِلباس أهل الدنيا ،وجعَله َ
طُته للتمليك بل للتعريف ليس إل ،وجعل
شجرة،ول ُيَنّفر له صيٌد ،ول ُيختلى خله ،ول ُتلتقط ُلَق َ
قصده مكفرًا لما سلف من الذنوب ،ماحيًا للوزار ،حاطًا للخطايا ،كما في ))الصحيحين(( عن أبي
جَع
قَ ،ر َ
س ْ
ثَ ،وَلْم َيفْ ُ
تَ ،فَلْم َيْرُف ْ
ل صلى ال عليه وسلمَ)) :من َأَتى َهَذا اْلَبْي َ
هريرة قال :قال رسول ا ّ
ل بن
ن الثواب دون الجّنة ،ففي ))السنن(( من حديث عبد ا ّ
َكيْوم َوَلَدْتُه ُأّمُه(( ،ولم يرض لقاصده ِم َ
ج َوالُعْمَرِةَ ،فإّنُهَما
حّن ال َ
ل صلى ال عليه وسلمَ)) :تاِبُعوا َبْي َ
مسعود رضي ال عنه قال :قال رسول ا ّ
جِة الَمْبُروَرِة َثَوا ٌ
ب حّس ِلْل َ
ضِةَ ،وَلْي َ
ب َوالِف ّ
ث الحِديِد والّذَه ِ
خَب َ
ب َكَما َيْنِفي الِكيُر َ
ن الَفْقَر َوالّذنو َ
َيْنِفَيا ِ
ل صلى ال عليه وسلم قال:
ن رسول ا ّ
ن الجّنِة(( .وفي ))الصحيحين(( عن أبي هريرة أ ّ
ُدو َ
جّنَة(( ،فلو لم يكن البلُد
ل ال َ
جَزاٌء ِإ ّ
س َلُه َ
ج الَمْبُروُر َلْي َ
حّ))الُعْمَرُة ِإَلى الُعْمَرِة َكّفاَرٌة ِلَما َبْيَنُهَماَ ،وال َ
ض عليهم
ك لعبادهَ ،فَر َ
سَ
صاِتها منا ِ
المين خيَر بلدهَ ،وأحّبها إليه ،ومختاَره من البلد ،لما جعل عر َ
لسلم ،وأقسم به في كتابه العزيز في موضعين منه ،فقال
قصَدها ،وجعل ذلك من آكِد فروض ا ِ
سُم ِبَهَذا اْلَبَلِد{ ]البلد ،[1 :وليس على
ل ُأْق ِ
ن{ ]التين ،[3 :وقال تعالىَ } :
تعالى؟ }َوَهَذا اْلَبَلِد الِمي ِ
ي إليها والطوافُ بالبيت الذي فيها غيَرها ،وليس على
وجه الرض بقعٌة يجب على كل قادٍر السع ُ
وجه الرض موضٌع ُيشرع تقبيُله واستلُمه ،وُتحط الخطايا والوزار فيه غيَر الحجر السود،
والركن اليماني .وثبت عن النبي صلى ال عليه وسلم أن الصلة في المسجد الحرام بمائة ألف
ل بن الزبير،عن النبي صلى
صلة ،ففي ))سنن النسائي(( و))المسند(( بإسناد صحيح عن عبد ا ّ
سجَد
ل الَم ْ
سَواُه ِإ ّ
لة ِفيَما ِ
فص َ
ل ِمن أل ِ
ضُلٌة في َمسجدي َهَذا أْف َ
صَال عليه وسلم أنه قالَ )) :
لة(( ورواه ابن
صَسجدي َهَذا بَماَئة َ
لًة في َم ْ
صَن َ
ضل ِم ْ
حَراِم أْف َ
جِد ال َ
لٌة في الًمس ِ
صَحَراَم ،و َ
اْل َ
ع الرض على الطلق،
ل بقا ِ
حرَاَم أفض ُ
ن َالمسجد اَل َ
صًريح في أ َ
حبان في ))صحيحه(( وهذا َ
ولذلك كان شّد الرحال إليه فرضًا ،وِلغيره مما ُيستحب ول يجبَ ،وفي ))المسند(( ،والترمذي
ل صلى ال عليه وسلم وهو واقف
ل بن عدي بن الحصراء أنه سمع رسول ا ّ
والنسائي ،عن عبد ا ّ
لَ ،وَلْو َ
ل ل ِإًلى ا ِّ
ض ا ِّ
ب أْر ِ
ح ّ
ل َوأ َ
ض ا ِّ
خْيُر َأر ِ
ل ِإّنك َل َ
ن َمّكَة َيُقولَ)) :وا ّ
حْزَوَرة ِم ْ
على راحلته بال َ
ت(( قال الترمذي :هذا حديث حسن صحيح.
ج ُ
خَر ْ
ك َمَا َ
ت ِمْن َِ
ج ُ
خِر ْ
أّني أ ْ
بل َوِمن خصائصها كوُنها قبلًة لهل الرض كّلهم ،فليس على وجه الرض قبلٌة غيُرها.
وِمن خواصها أيضًا أنه يحرم استقباُلها واستدباُرها عند قضاء الحاجة دون سائر
ِبقاع الرض.
14
وأصح المذاهب في هذه المسألة :أنه ل فرق في ذلك بين الفضاء والبنيان ،لبضعة عشر
ل قد ُذِكرت في غير هذا الموضع ،وليس مع المفرق ما ُيقاومها البتة ،مع تناقضهم في مقدار
دلي ً
جاج من الطرفين.
حَالفضاء والبنيان ،وليس هذا موضَع استيفاء ال ِ
)يتبع(...
ل مسجد وضع في الرض ،كما في
ومن خواصها أيضًا أن المسجَد الحراَم أو ُ @
ضَع في
ن أّول َمسجد ُو ِ
عْل صلى ال عليه وسلم َ
لا ّ
ت رسو َ
))الصحيحين(( عن أبي ذر قال :سأل ُ
ل:
تَ :كْم َبْيَنُهَما؟ َقا َ
صى(( ُقْل ُ
لْق َ
جُد ا ّ
سَل)) :المَ ْ
تُ :ثّم أي؟ َقا َ
حَراُم(( ُقْل ُ
سجد ال َ
الرض؟ فقال)) :الَم ْ
ف المراَد به ،فقال :معلوم أن سليمان ب َ
ن عاَمًا(( وقد أشكل هذا الحديث على من لم يعر ِ
ن َ
))أْرَبُعو َ
داود هو الذي بنى المسجد القصى ،وبينه وبين إبراهيم أكثر من ألف عام ،وهذا من جهل هذا
سه ،والذي أسسه هو يعقوب بن
جد القصى تجديُده ،ل تأسي ُ
ل ،فإن سليمان إنما كان له ِمن المس َ
القائ ِ
ل عليهما وآلهما وسلم بعد بناء إبراهيم الكعبة بهذا المقدار.
إسحاق صلى ا ّ
ع عليها،
ل تعالى أخبر أنها أّم القرى ،فالقرى كُلها تبع لها ،وفر ٌ
ومما يدل على تفضيلها أن ا ّ
عِديل ،فهي كما أخبر النبي صلى ال عليه وسلم
ل يكون لها في الُقرى َ
ل القرى ،فيجب أ ّ
وهي أص ُ
ل.
للهية عدي ٌ
عن )الفاتحة( أنها أّم القرآن ولهذا لم يكن لها في الكتب ا ِ
ومن خصائصها أنها ل يجوُز دخوُلها لغير أصحاب الحوائج المتكررة إل بإحرام،
س عن ابن عباس رضي ا ّ
ل وهذه خاصية ل ُيشاركها فيها شيٌء من البلد ،وهذه المسألُة تلقاها النا ُ
حَراٍمِ ،م ْ
ن ل ِبإ ْ
حٌد َمّكَة إ ّ
ل َأ َ
خُعنهما ،وقد روي عن ابن عباس بإسناد ل يحتج به مرفوعًا ))ل َيْد ُ
غيِر َأْهِلَها(( ذكره أبو أحمد بن عدي ،ولكن الحجاج بن أرطاة في الطريق ،وآخر قبله
ن َ
َأْهِلَها َوِم ْ
من الضعفاء.
ت ومن
ل المواقي ِ
ق بين من هو داخ ُ
ت ،والفر ُ
لثبا ُ
ي ،وا ِ
وللفقهاء في المسألة ثلثُة أقوال :الّنْف ُ
جاوزها إل بإحرام ،ومن هو داخلها ،فحكُمه حكُم أهل مّكة ،وهو قول أبي
هو قبَلها ،فمن قبلها ل ُي َ
حنيفة ،والقولن الولن للشافعي وأحمد.
صه أنه ُيعاقب فيه على الهّم بالسيئات وإن لم يفعلها ،قال تعالى}َوَمن ُيِرْد
وِمن خوا ّ
لرادة هاهنا بالباء ،ول
ب َأِليٍم{ ]الحج [25 :فتأمل .كيف عدى فعل ا ِ
عَذا ٍ
ن َ
ظْلٍم ّنذْقُه ِم ْ
حاٍد ِب ُ
ِفيِه ِبِإلْ َ
ن معنى فعل ))هم(( فإنه يقال :هممت بكذا ،فتوعَد من هم بأن َيظلم فيه
ت بكذا إل لما ضِم ّ
يقال :أرد ُ
ب الِليم.
بأن ُيذيقه العَذا َ
15
س البقاع واحدة بالذات ليس لبقعة على ُبقعة مزية البتة ،وإنما هو لما َيقع فيها من العمال
وكذلك نف ُ
الصالحة ،فل مزية لبقعة البيت ،والمسجد الحرام ،وِمنى وعرفة والمشاعر على أي بقعة سميتها
ل باعتبار أمر خارج عن البقعة ل يعوُد إليها ،ول إلى وصف قائم بها،
من الرض ،وإنما التفضي ُ
حّتى
ن َ
جاَءْتُهْم آَيٌة َقاُلوْا َلن ّنْؤِم َ
ل بقوله تعالىَ} :وِإَذا َ
ل الباط َ
ل سبحانه وتعالى قد رد هذا القو َ
وا ّ
عنَد ا ّ
ل صَغاٌر ِ
جَرُموْا َ
ن َأ ْ
ب اّلذي َ
صي ُ
سُي ِ
ساَلَتُه َ
ل ِر َ
جَع ُ
ث َي ْ
حْي ُ
عَلُم َ
ل َأ ْ
لا ّ
لا ّ
سُي ُر ُ
ل َما ُأوِت َ
ى ِمْث َ
ُنْؤَت َ
ل ول صالحًا لتحّمل رسالته،
ل أحد أه ً
ن{ ]النعام [124 :أيَ :ليس ك ّ
شِديٌد ِبَما َكاُنوْا َيْمُكُرو َ
ب َ
عَذا ٌ
َو َ
ل منكم .ولو كانت
ل أعلم بهذه المحا ّ
ل مخصوصة ل تليق إل بها ،ول تصلح إل لها ،وا ّ
بل لها محا ّ
ك َفَتّنا
ت متساوية كما قال هؤلء ،لم يكن في ذلك رٌد عليهم ،وكذلك قوُله تعالىَ} :وَكَذِل َ
الذوا ُ
ن{ ]النعام [53 :أي:
شاكِري َ
عَلَم ِبال ّ
ل ِبَأ ْ
سا ّ
عَلْيِهم ّمن َبْيِنَنا َأَلْي َ
ل َ
نا ّ
ض ّليُقولَوْا َأَهُؤلِء َم ّ
ضُهْم ِبَبْع ٍ
َبْع َ
ن عليه ممن ل يشكره،فليس ك ّ
ل هو سبحانه أعلُم بمن يشكره على نعمته ،فيختصه بفضلهَ ،وَيُم ّ
ل يصلح لشكره ،واحتمال منته ،والتخصيص بكرامته.
مح ٍ
ت ما اختاره واصطفاه من العيان والماكن والشخاص وغيرها مشَتِمَلة على صفات
فذوا ُ
ت،
ل ،وهو سبحانه الذي فضلها بتلك الصفا ِ
وأمور قائمة بها ليست لغيرها ،ولجلها اصطفاها ا ُّ
خَتاُر { ]القصص ،[67 :وما
شاُء َوَي ْ
ق َما َي َ
خُل ُ
وخصها بالختيار ،فهذا خلُقه ،وهذا اختياره }َوَرّبك َي ْ
ساويٌة
ت الحجر السود م َ
ي يقضي بأن مكان البيت الحرام مساٍو لسائر المكنة ،وذا َ
ن رْأ َ
أبين بطل َ
ل في ذلك بأمور
ل .مساويٌة لذات غيره ،وإنما التفضي ُ
ت رسول ا ّ
لسائر حجارة الرض ،وذا َ
خارجة عن الذات والصفات القائمة بها ،وهذه القاويل وأمثاُلها من الجنايات التي جناها المتكلمون
على الشريعة ،ونسبوها إليها وهي بريئة منها ،وليس معهم أكثُر من اشتراك الذوات في أمر عام،
ت قد تشتِرك في أمر عام مع اختلفها في صفاتها
وذلك ل يوجب تساويها في الحقيقة ،لن المختلفا ِ
ت البول أبدًا ،ول بين ذات الماء وذات الّنار أبدًا،
ل تعالى بين ذات الِمسك وذا ِ
النفسية ،وما سّوى ا ُّ
ت الفاضلة وأضدادها أعظُم من هذا التفاوت
ن المكنة الشريفة وأضدادها،والذوا ِ
ن َبْي َ
ت الَبّي ُ
والتفاو ُ
ت فرعون من التفاوت أعظُم مما بين المسك
ت موسى عليه السلم وذا ِ
بكثير ،فبين ذا ِ
ت بين نفس الكعبة ،وبين بيت السلطان أعظُم من هذا التفاوت أيضًا بكثير،
والرجيع،وكذلك التفاو ُ
ل البقعتان سواًء في الحقيقة والتفضيل باعتبار ما يقع هناك من العبادات والذكار
جَع ُ
فكيف ُت ْ
والدعوات؟!
17
صِد استيفاَء الرّد على هذا المذهب المردوِد المرذول ،وإنما قصدنا تصويَره ،وإلى
ولم نق ِ
ص شيئًا ،ول
ل سبحانه ل ُيخص ُ
ل وعباُده بغيره شيئًا ،وا ّ
اللبيب العادل العاقل التحاُكم ،ول َيعبأ ا ّ
صه وتفضيله ،نعم هو معطي ذلك المرجح وواهُبه ،فهو
ُيفضله ويرجحه إل لمعنى يقتضي تخصي َ
الذي خلقه ،ثم اختاره بعد خلقه ،ورّبك يخلق ما يشاُء ويختار.
ل يوُم النحر،
َوِمن هذا تفضيُله بعض اليام والشهور على بعض ،فخير اليام عند ا ّ
عْنَد ا َِ
ل ل الّياِم ِ
ضُوهو يوُم الحج الكبر كما في ))السنن(( عنه صلى ال عليه وسلم أنه قالَ)) :أْف َ
ل منه ،وهذا هو المعروف عند أصحاب الشافعي،
حِرُ ،ثّم َيْوُم الَقّر(( .وقيل :يوُم عرفة أفض ُ
َيْوُم الّن ْ
ب َأكَثَر ِمنُه ِفي
ل ِفيِه الّرقا َ
ق ا ُّ
ن َيْوٍم َيْعِت ُ
قالوا :لنه يوُم الحج الكبر ،وصياُمه يكفر سنتين ،وَما ِم ْ
ل الموقف .والصواب
لِئَكَته ِبَأْه ِ
عَباِدهُ ،ثّم ُيَباِهي َم َ
ن ِ
عَرَفَة ،ولنه سبحانه وتعالى َيْدُنو ِفيِه ِم ْ
َيْوِم َ
ب أن يوَم الحج الكبر
ل على ذلك ل ُيعارضه شيء ُيقاومه ،والصوا ُ
ث الدا ّ
القول الول ،لن الحدي َ
ج الْكَبِر{ ]التوبة [3 :وثبت
حّسوِلِه ِإَلى الّناس َيْوَم اْل َ
ل َوَر ُ
ن ّمن ا ّ
هو يوُم الّنحر ،لقوله تعالىَ} :وَأَذا ٌ
عَرَفَة .وفي
ل َيوَم َ
حِرَ ،
ك َيْوَم الّن ْ
ل عنهما َأّذَنا ِبَذِل َ
في ))الصحيحين(( أن أبا بكر وعليًا رضي ا ّ
ج الْكَبِر َيْوُم
حّل صلى ال عليه وسلم قال)) :يوم اْل َ
))سنن أبي داود(( بأصح إسناد أن رسول ا ّ
حِر(( ،وكذلك قال أبو هريرة ،وجماعٌة من الصحابة ،ويوُم عرفة مقّدمة ليوم الّنحر بين يديه،
الّن ْ
ل ،والستقالُة ،ثم يوَم الّنحر تكون الوفادُة
ع ،والتوبُة ،والبتها ُ
ف ،والتضر ُ
ن الوقو ُ
فإن فيه يكو ُ
ف الزيارة ،لنهم قد طهروا من ذنوبهم يوم عرفة ،ثم أذن لهم
والزيارة ،ولهذا سمي طواُفه طوا َ
ق الرؤوس،
ح القرابين ،وحل ُ
ل عليه إلى بيته ،ولهذا كان فيه ذب ُ
رّبهم يوم الّنحر في زيارته ،والدخو ِ
ل يوم عرفة كالطهور والغتسال بين يدي هذا اليوم.
ورميُ الجمار ،ومعظُم أفعال الحج ،وعم ُ
ل ،وقد ثبت في
ل الياِم عند ا ّ
ن أيامه أفض ُ
وكذلك تفضيل عشر ذي الحجة على غيره من اليام ،فإ ّ
ل صلى ال عليه وسلم:
ل عنهما قال :قال رسول ا ّ
))صحيح البخاري(( عن ابن عباس رضي ا ّ
سِبي ِ
ل جَهاُد في َ
ل ال ِ
شِر(( َقاُلواَ :و َ
ن هذه الّياِم الَع ْ
ل ِم ْ
ب ِإَلى ا ِّ
ح ّ
صالح ِفيَها َأ َ
ل ال ّ
ن َأّياٍم الَعَم ُ
))َما ِم ْ
شيٍء((
ك ِب َ
ن َذِل َ
سِه وَماِلِهُ ،ثّم َلْم َيْرجْع ِم ْ
ج ِبَنْف ِ
خَر َ
ل َ
جٌل َر ُ
لِ ،إ ّ
ل ا ِّ
سِبي ِ
جَهاُد في َ
ل ال ِ
لَ)) :و َ
ل؟ َقا َ
ا ِّ
شٍر{ ]الفجر [2-1 :ولهدا
عْل َ
جِر * َوَليا ٍ
ل بها في كتابه بقولهَ} :واْلَف ْ
وهي الياُم العشر التي أقسم ا ّ
لكثاُر من التْكِبير والتهليل والتحميِد،كما قال النبي صلى ال عليه وسلمَ)) :فأْكثُروا
ُيستحب فيها ا ِ
حِميِد(( ،ونسبُتَها إلى اليام كنسبة مواضع المناسك في سائر البقاع.
ن التْكِبيِر َوالّتْهِليل َوالَت ْ
ن ِم َ
ِفيِه ّ
18
المور ،فتزداد قوة إلى قوتها ،وفرحًا وسرورًا وابتهاجًا ورجاء لفضل ربها وكرمه ،فبهذه الوجوه
ت وقفُة يوِم الجمعة على غيرها.
ضَل ْ
وغيرها ُف ّ
وأّما ما استفاض على ألسنة العوام بأنها تعدل ثنتين وسبعين حجة ،فباطل ل أصل له عن
رسول صلى ال عليه وسلم ،ول عن أحد من الصحابة والتابعين وال أعلم.
فصل
ل سبحانه وتعالى اختار ِمن كل جنس من أجناس المخلوقات أطيَبه،
والمقصود أن ا َّ
ب إل الطيب ،ول يقبل من العمل
ب ل يح ّ
واختصه لنفسه وارتضاه دون غيره ،فإنه تعالى طي ٌ
ب ،فالطيب ِمن كل شيء هو مختاُره تعالى.
والكلم والصدقة إل الطي َ
ن سعادة العبد وشقاوته ،فإن الطيب
وأما خلُقه تعالى ،فعام للنوعين ،وبهذا ُيعلم عنوا ُ
ل يناسبه إل الطيب ،ول يرضى إل به ،ول يسُكن إل إليه ،ول يطمئن قلُبه إل به ،فله من الكلم
ل تعالى إل هو ،وهو أشّد شيء ُنفرة عن الفحش في المقال،
الَكِلُم الطيب الذي ل يصعد إلى ا ّ
حش في اللسان والبَذاء ،والكذب والغيبة ،والنميمة والُبهت،وقول الزور ،وكل كلم خبيث.
والتف ّ
وكذلك ل يألف من العمال إل أطيبها ،وهي العمال التي اجتمعت على
ل الصحيحة ،فاتفق على حسنها الشر ُ
ع طُر السليمُة مع الشرائع النبوية ،وزكتها العقو ُ
حسنها الِف َ
ب إليه
ك به شيئًا ،ويؤِثَر مرضاته على هواه ،ويتحب َ
ل وحده ل ُيشِر ُ
والعقلُ والِفطرُة ،مثل أن َيْعُبَد ا ّ
عهم
ل بهم ما ُيحب أن يفعلوا به ،وُيَعاملوه به ،وَيَد َ
ن إلى خلقه ما استطاع ،فيفع َ
سَحِ
جهده وطاقته ،وُي ْ
ُ
حهم بما ينصح به نفسه ،ويحكم لهم بما يحب أن يحكم له به ،ويحمل
عوه منه ،وينص َ
مّما يحب أن َيَد ُ
ف عن أعراضهم ول ُيقابلهم بما نالوا من عرضه ،وإذا رأى لهم حسنًا
أذاهم ول يحّملهم أذاه ،ويُك ّ
ض ّ
ل ل شريعة ،ول ُيناق ُ
طُأذاعه ،وإذا رأى لهم سيئًا ،كتمه ،ويقيم أعذارهم ما استطاع فيما ل ُيب ِ
أمرًا ول نهيًا.
وله أيضًا من الخلق أطيُبها وأزكاها ،كالحلم ،والوقار ،والسكينة ،والرحمة ،والصبر،
والوفاء ،وسهولة الجانب ،ولين العريكة ،والصدق ،وسلمة الصدر من الِغل والغش والحقد
ل ،وصيانة الوجه
ليمان والعزة ،والغلظة على أعداء ا ّ
والحسد ،والتواضع ،وخفض الجناج لهل ا ِ
ل ،والِعفة ،والشجاعة ،والسخاء ،والُمروءة ،وكل خلق اتفقت على حسنه
عن بذله وتذللـه لغير ا ّ
الشرائع والفطر والعقول.
23
وكذلك ل يختار من المطاعم إل أطيبها ،وهو الحلل الهنيء المريء الذي ُيغّذي
ن تغذية ،مع سلمة العبد من َتِبَعِتِه.
البدن والروح أحس َ
وكذلك ل يختار من المناكح إل أطيبها وأزكاها ،وِمن الرائحة إل أطيَبها
خُلُقه طيب،
وأزكاها ،ومن الصحاب والُعشراء إل الطيبين منهم ،فروحه طيب ،وبدُنه طيب ،و ُ
حه طيب،
وعمُله طيب ،وكلُمه طّيب ،ومطعُمه طيب ،وَمشربه طيب ،وملَبسُه طيب ،ومنِك ُ
ل تعالى فيه:
جه طيب ،وُمْنَقَلُبُه طيب ،ومثواه كله طيب .فهذا ممن قال ا ّ
ومدخُله طيب ،ومخر ُ
ن{ ]الّنحل[32 :
جّنة ِبَما ُكْنُتْم َتْعَمُلو َ
خُلوْا اْل َ
عَلْيُكُم اْد ُ
سلٌم َ
ن َ
ن َيُقوُلو َ
طّيبي َ
ن َتَتَوّفاُهُم اْلَملِئَكُة َ
}اّلذي َ
ن{ ]الزمر [73 :وهذه الفاء
خاِلِدي َ
خُلوَها َ
طْبُتْم َفاْد ُ
عَلْيُكْم ِ
لٌم َ
سَخَزَنُة الجّنةَ } :
ن َيُقول لهم َ
ن اّلِذي َ
وِم َ
خِبيَثا ِ
ت خِبيُثونَ ِلْل َ
ن َواْل َ
خِبيِثي َ
ت ِلْل َ
خِبيَثا ُ
تقتضي السببية ،أي :بسبب طيبكم ادخلها .وقال تعالى }اْل َ
ت الخبيثات
ت{ ]النور [26 :وقد فسرت الية بأن الكلما ِ
طّيبا ِ
ن ِلْل ّ
طّيبو َ
ن َوال ّ
طّيبي َ
ت ِلل ّ
طّيبا ُ
َوال ّ
ت للرجال الطيبين ،والنساَء
للخبيثين ،والكلمات الطيبات للطيبين ،وفسرت بأن النساَء الطيبا ِ
ت للرجال الخبيثين ،وهي تعم ذلك وغيره ،فالكلمات ،والعمال ،والنساء الطيبات لمناسبها
خِبيَثا ِ
ال َ
ل سبحانه وتعالى جعل
من الطيبين ،والكلمات ،والعمال ،والنساء الخبيثة لمناسبها من الخبيثين ،فا ّ
ب بحذافيره في الجنة ،وجعل الخبيث بحذافيره في النار فجعل الّدور ثلثة :دارًا أخلصت
طّي َ
ال ّ
ل طيب وهي الجنة ،ودارًا أخلصت للخبيث
للطيبين ،وهي حراٌم على غير الطيبين ،وقد جمعت ُك ّ
ب والخبيث ،وخلط بينهما،
والخبائث ول يدخلها إل الخبيثون ،وهي الّنار ،ودارًا امتزج فيها الطي ُ
وهي هذه الدار ،ولهذا وقع البتلُء،والمحنة بسبب هذا المتزاج والختلط ،وذلك بموجب الحكمة
ل الخبيث ِمن الطيب ،فجعل الطيب وأهله في دار على
للهية ،فإذا كان يوم معاد الخليقة ،ميز ا ّ
اِ
ث وأهله في دار على حدة ل يخالطهم غيرهم ،فعاد المر إلى
حدة ل ُيخاِلطهم غيُرهم ،وجعل الخبي َ
ل تعالى من أعمال
دارين فقط :الجّنة ،وهي دار الطيبين ،والنار ،وهي دار الخبيثين ،وأنشأ ا ّ
ن نعيمهم ولذاتهم،
ت أقوال هؤلء وأعمالهم وأخلقهم هي عي َ
الفريقين ثواَبهم وعقاَبهم ،فجعل طيبا ِ
ت أقوال الخرين وأعمالهم وأخلقهم هي
ل أسباب النعيم والسرور ،وجعل خبيثا ِ
أنشأ لهم منها أكم َ
ن عذابهم وآلمهم ،فأنشأ لهم منها أعظَم أسباب الِعقاب واللم ،حكمة بالغة ،وعزة باهرة قاهرة،
عي َ
ل حكمته وعلمه وعدله ورحمته ،وليعلم أعداؤه أنهم كانوا هم
ل ربوبيته ،وكما َ
ِلُيِري عباده كما َ
ل َيْبَع ُ
ث جْهَد َأْيَماِنِهْم َ
ل َ
سُموْا ِبا ّ
ل تعالىَ} :وَأْق َ
المفترين الكّذابين ،ل رسُله البررة الصادقون .قال ا ّ
24
ن ِفيِه َوِلَيْعَلمَ
خَتِلُفو َ
ن * ِلُيَبّين َلُهُم اّلذي َي ْ
ل َيْعَلُمو َ
ن َأْكَثَر اْلّناس َ
حّقا َوَلِك ّ
عَلْيِه َ
عدًا َ
ى َو ْ
ت َبَل َ
ل َمن َيُمو ُ
ا ّ
ن{ ]النحل.[39-38 :
ن َكَفُروْا َأّنهْم َكاُنوْا َكاِذِبي َ
اّلذي َ
ل -سبحانه وتعالى -جعل للسعادة والشقاوة عنوانًا
والمقصود أن ا ّ
ُيعرفان به ،فالسعيُد الطيب ل يليق به إل طيب ،ول يأتي إل طيبًا ول يصدر منه إل طيب ،ول
ُيلِبس إل طيبًا ،والشقي الخبيث ل يليق به إل الخبيث ،ول يأتي إل خبيثًا ،ول يصُدر منه إل
ب على
طي ُ
ب يتفجر من قلبه ال ّ
طّي ُ
ث على لسانه وجوارحه ،وال ّ
ث ،فالخبيث يتفجر من َقلبه الخب ُ
الخبي ُ
ل به
لسانه وجوارحه .وقد يكون في الشخص مادتان ،فأيهما غلب عليه كان من أهلها ،فإن أراد ا ّ
خيرًا طهره من المادة الخبيثة قبل الموافاة ،فُيوافيه يوم القيامة مطهرًا ،فل يحتاج إلى تطهيره
ت الماحية ،والمصائب المكّفرة ،حتى
ح ،والحسنا ِ
بالنار ،فيطهره منها بما يوّفقه له من التوبة النصو ِ
ل وما عليه خطيئة ،وُيمسك عن الخر مواد التطهير ،فيلقاه يوم القيامة بمادة خبيثة ،ومادة
يلقى ا ّ
جاوره أحد في داره بخبائثه ،فيدخله النار طهرة له وتصفية وسبكًا،
طيبة ،وحكمته تعالى تأبى أن ُي َ
فإذا خلصت سبيكُة إيمانه من الخبث ،صَلح حينئٍذ لجواره ،ومساكنة الطيبين من عباده .وإقامة هذا
النوع من الناس في النار على حسب سرعة زوال تلك الخبائث منهم وبطئها ،فأسرعهم زوا ً
ل
عهم خروجًا،وأبطؤهم أبطؤهم خروجًا ،جزاًء وفاقًا ،وما رّبك بظلم للعبيد.
وتطهيرًا أسر ُ
ولما كان المشرك خبيث العنصر ،خبيث الذات ،لم تطهر النار خبثه ،بل لو خرج منها لعاد
ل تعالى على المشرك الجّنة.
خبيثًا كما كان ،كالكلب إذا دخل البحر ثم خرج منه ،فلذلك حَرم ا ّ
ولما كان المؤمن الطيب المطيب مبّرءًا من الخبائث ،كانت النار حرامًا عليه ،إذ ليس فيه ما
طُر عباده وعقولهم بأنه
يقتضي تطهيره بها ،فسبحان من بهرت حكمته العقول واللباب ،وشهدت ِف َ
ب العالمين ،لإله إل هو.
أحكم الحاكمين ،ور ّ
فصل
ق كل ضرورة إلى معرفة الرسول ،وما جاء به،
ومن هاهنا تعلم اضطرار العباد فو َ
وتصديقه فيما أخبر به ،وطاعته فيما أمر ،فإنه ل سبيل إلى السعادة والفلح ل في الدنيا ،ول في
ل إلى معرفة الطيب والخبيث على التفصيل إل ِمن جهتهم،
الخرة إل على أيدي الرسل ،ول سبي َ
طّيب من العمال والقوال والخلق ،ليس إل هديهم
ل البتة إل على أيديهم ،فال ّ
ول ُينال رضى ا ّ
ن الراجح الذي على أقوالهم وأعمالهم وأخلقهم ُتوزن القوال والخلق
وما جاؤوا به ،فهم الميزا ُ
والعمال ،وبمتابعتهم يتميز أهل الهدى من أهل الضلل ،فالضرورة إليهم أعظُم ِمن ضرورة
25
ضت ،فضرورُة
البدن إلى روحه ،والعين إلى نورها ،والروح إلى حياتها ،فأي ضرورة وحاجة ُفِر َ
العبد وحاجته إلى الرسل فوقها بكثير .وما ظنك بمن إذا غاب عنك هدُيه وما جاء به طرفَة عين،
فسد قلُبك ،وصار كالحوت إذا فارق الماء ،ووضع في الِمقلة ،فحال العبد عند مفارقة قلبه لما جاء
س بهذا إل قلب حي و
ح ّ
به الرسل ،كهذه الحال ،بل أعظُم ،ولكن ل ُي ِ
لُم *
ت ِإي َ
ح ِبَمّي ٍ
جْر ٍ
* َما ِل ُ
جب على ك َ
ل وإذا كانت سعادُة العبد في الدارين معلقًة بهدي النبي صلى ال عليه وسلم ،في ِ
خُرجُ به عن
من نصح نفسه ،وأحب نجاتها وسعادتها ،أن يعرف من هديه وسيرته وشأنه َما َي ْ
حزبه ،والناس في هذا بين مستِقل ،ومستكِثر،
شيعته و ِ
عداد أتباعه و ِ
الجاهلين به ،ويدخل به في ِ
ل ذو الفضل العظيم.
ل ُيؤتيه من يشاء ،وا ّ
ل بيد ا ّ
ومحروم ،والفض ُ
فصل
ن له أدنى همة إلى معرفة نبيه صلى ال عليه
وهذه كلمات يسيرة ل َيستغني عن معرفتها َم ْ
جِرِه مع الِبضاعة المزجاة التي ل
جِرِه وُب َ
عَ
طُر الَمْكدوُد على ُ
وسلم وسيرِته وهديه ،اقتضاها الخا ِ
لقامة ،والقل ُ
ب سَدِد ،ول يتنافس فيها المتنافسون مع تعليقها في حال السفر ل ا ِ
ب ال ّ
تنفتح لها أبوا ُ
ن يفتح باب العلم لمذاكرته
شَذَر َمَذَر ،والكتاب مفقود ،وَم ْ
شعبة ،والهمة قد تفرقت َ
بكل واٍد منه ُ
معدوم غيُر موجودَ ،فُعوُد العلم النافع الكفيل بالسعادة قد أصبح ذاويًا ،وربعه قد أوحش من أهله
وعاد منهم خاليًا ،فلسان العالم قد ُمِلىَء بالغلول مضاربًة لغلبة الجاهلين ،وعادت مواِرُد شفائه وهي
معاطبه لكثرة المنحرفين والمحّرفين ،فليس له ُمَعّول إل على الصبِر الجميل ،وما له ناصر ول
ل وحده وهو حسُبنا ونعم الوكيل.
معين إل ا ّ
فصل
في نسبه صلى ال عليه وسلم
لطلق ،فلنسبه من الشرف أعلى ِذْروة ،وأعداؤه كانوا
وهو خير أهل الرض نسبًا على ا ِ
يشهدون له بذلك ،ولهذا شهد له به عدّوه إذ ذاك أبو سفيان بين يدي َمِلك الّروم ،فَأشرف القوم
ف الفخاذ فخذه.
قوُمه ،وَأشرف القبائل قبيُله ،وَأشر ُ
ن
ن ِكلب ،ب ِ
ي ،ب ِ
صّعبِد َمَناف ،بن ُق َ
شم ،بن َ
طِلب ،بن َها ِ
ل ،بن عبد الُم ّ
فهو محّمد بن عبد ا ّ
خَزْيَمة ،ب ِ
ن ن ُ
ن ِكَناَنة ،ب ِ
ضِر ،ب ِ
ن الّن ْ
ن َماِلك ،ب ِ
ن ِفْهر ،ب ِ
غاِلب ،ب ِ
ن َ
ن ُلَؤي ،ب ِ
ب ،ب ِ
ن َكْع ِ
ُمّرة ،ب ِ
عْدَنان.
ن َ
ن َمَعّد ،ب ِ
ن ِنَزار ،ب ِ
ضَر ،ب ِ
ن ُم َ
ن إلَياس ،ب ِ
ُمْدِرَكة ،ب ِ
26
عَباِدَنا
ن ِ
ن * ِإّنه ِم ْ
سِني َ
حِجِزي اْلُم ْ
ك َن ْ
ى ِإْبَراِهيَم * َكَذِل َ
عَل َ
لٌم َ
سَن* َ
خِري َ
عَلْيِه ِفي ال ِ
ظيٍم * َوَتَرْكَنا َ
عَِ
ن{
حي َ
صال ِ
ق َنِبّيا ّمن ال ّ
حا َ
سَشْرَناُه ِبِإ ْ
ن{ ]الصافات .[111-103 :ثم قال تعالىَ} :وَب ّ
اْلُمْؤِمِني َ
ل تعالى له شكرًا على صبره على ما ُأِمَر به ،وهذا ظاهر جدًا
]الصافات .[112 :فهذه بشارة من ا ّ
شر به غيُر الول ،بل هو كالنص فيه.
في أن المب ّ
فإن قيل :فالبشارة الثانية وقعت على نبوته ،أي :لما صبر الب على ما ُأمر به ،وَأسلم الولد
ل على ذلك بأن أعطاه الّنبوة.
ل ،جازاه ا ّ
لمر ا ّ
قيل :البشارة وقعت على المجموع :على ذاته ووجوده ،وأن يكون نبيًا ،ولهذا نصب ))نبيًا((
ج الِبشارة أن تقع على الصل ،ثم تخص
على الحال المقّدر ،أي :مقدرًا نبوته ،فل يمكن إخرا ُ
ضَلِة ،هذا ُمحال من الكلم ،بل إذا وقعت الِبشارُة على نبوته،
بالحال التابعة الجارية مجرى الَف ْ
فوقوعها على وجوده أولى وأحرى.
جِعل السع ُ
ي ن يوَم الّنحر بها ،كما ُ
جعلت القرابي ُ
وأيضًا فل ريب أن الذبيح كان بمّكة ،ولذلك ُ
ل ،ومعلوم أن
بين الصفا والمروة ورمي الجمار تذكيرًا لشأن ِإسماعيل وأّمه ،وإقامًة لذكر ا ّ
ن الذبح وزماُنه بالبيت
إسماعيل وأمه هما الّلذان كانا بمّكة دون إسحاق وأمه ،ولهذا اتصل مكا ُ
الحرام الذي اشترك في بنائه إبراهيم وإسماعيل ،وكان الّنحُر بمّكة ِمن تمام حج البيت الذي كان
على يد إبراهيم وابنه إسماعيل زمانًا ومكانًا ،ولو كان الذبح بالشام كما يزعم أهل الِكتاب ومن تلقى
عنهم ،لكانت القرابين والّنحر بالشام ،ل بمّكة.
ل سبحانه سمى الذبيح حليمًا .لنه ل أحلم ممن أسلم نفسه للذبح طاعة لربه.
وأيضًا فإن ا ّ
خُلوْا
ن * ِإْذ َد َ
ف ِإْبَراِهيَم اْلُمْكَرِمي َ
ضْي ِ
ث َ
حِدي ُ
ك َ
ل َأَتا َ
ولما ذكر إسحاق سماه عليمًا ،فقال تعالىَ} :ه ْ
خ ْ
ف ن{ ]الذاريات [25-24 :إلى أن قالَ} :قاُلوْا لَ َت َ
لٌم َقْوٌم ّمنكُرو َ
سَل َ
لمًا َقا َ
سَعَلْيِه َفَقاُلوْا َ
َ
شرة به،
عَليٍم{ ]الذاريات [28 :وهذا إسحاق بل ريب ،لنه من امرأته ،وهي المب ّ
لٍم َ
شروُه ِبُغ َ
َوَب ّ
س من الولد ،وهذا بخلف
شرا به على الِكبَر والَيْأ ِ
سّرّيِة .وأيضًا فإنهما ُب ّ
وأّما إسماعيل ،فمن ال ّ
ل ذلك.
إسماعيل ،فإنه ولد قب َ
ب إلى الوالدين ممن بعده،
ن بكر الولد أح ّ
ل سبحانه أجرى العادة البشرية أ ّ
وأيضًا فإن ا ّ
ل تعالى قد
شْعَبٌة من قلبه بمحبته ،وا ّ
وإبراهيم عليه السلم لما سأل ربه الولد ،ووهبه له ،تعلقت ُ
ب يقتضي توحيَد المحبوب بالمحبة ،وأن ل ُيشارك بينه وبين غيره فيها،
ص ٌ
خلة َمْن ِ
ل ،وال ُ
اتخذه خلي ً
خلة تنتزعها من قلب الخليل ،فأمره بذبح
غْيرُة ال ُ
فلما أخذ الولُد شعبًة من قلب الوالد ،جاءت َ
28
ت الخلة حينئٍذ
ص ِ
خَل َ
ل أعظَم عنده من محبة الولدَ ،
المحبوب ،فلما أقدم على ذبحه ،وكانت محبُة ا ّ
من شوائب المشاركة ،فلم يبق في الذبح مصلحة ،إذ كانت المصلحُة إنما هي في العزم وتوطين
ل الرؤيا ،وحصل مراد
خ المرَ ،وُفدي الذبيحَ ،وصّدق الخلي ُ
سَصل المقصوُدَ ،فُن ِ
ح َ
النفس عليه ،فقد َ
الرب.
ومعلوم أن هذا المتحان والختبار إنما حصل عند أول مولود ،ولم يكن ليحصل في
المولود الخر دون الول ،بل لم يحصل عند المولود الخر من مزاحمة الخلة ما يقتضي المر
بذبحه ،وهذا في غاية الظهور.
وأيضًا فإن سارة امرأة الخليل عليه السلم غارت من هاجر وابنها أشد الغيرة ،فإنها كانت
ل سبحانه أن ُيبعد عنها
جارية ،فلما ولدت إسماعيل وَأحّبه أبوه ،اشتدت غيرة ))سارة(( ،فأمر ا ّ
))هاجر(( وابنها ،ويسكنها في أرض مّكة لتبرد عن ))سارة(( حرارُة الغيرة ،وهذا من رحمته
تعالى ورأفته ،فكيف يأمره سبحانه بعد هذا أن يذبح ابنها ،ويدع ابن الجارية بحاله ،هذا مع رحمة
ال لها وإبعاد الضرر عنها وجبره لها ،فكيف يأمر بعد هذا بذبح ابنها دون ابن الجارية ،بل حكمُته
ب السيدة عليها وعلى ولدها ،وتتبدل قسوةُ
سّرّيِة ،فحينئٍذ يرق قل ُ
البالغة اقتضت أن يأمر بذبح ولد ال ّ
ل ل يضيع بيتًا هذه وابنها منهم ،ولُير َ
ي الغيرة رحمة ،ويظهر لها بركة هذه الجارية وولدها ،وأن ا ّ
عباده جبره بعد الكسر ،ولطفه بعد الشدة ،وأن عاقبة صبر ))هاجر(( وابنها على الُبعد والوحدة
جعل آثارهما ومواطىء أقدامهما مناس َ
ك والغربة والتسليم إلى ذبح الولد آلت إلى ما آلت إليه ،من َ
ت لهم إلى يوم القيامة ،وهذه سنته تعالى ِفيَمن ُيريد رفعه ِمن خلقه أن يم ّ
ن لعباده المؤمنين ،ومتعبدا ٍ
ضِعُفوْا ِفي الْر ِ
ض سُت ْ
نا ْ
عَلى اّلذي َ
ن َ
عليه بعد استضعافه وذله وانكساره .قال تعالىَ} :وُنِريُد َأن ّنم ّ
ل ذو الفضل
ل ُيْؤتيه من يشاء ،وا ّ
ن{ ]القصص [5 :وذلك فضل ا ّ
جَعَلُهُم اْلَواِرِثي َ
جَعلَُهْم َأِئّمة َوَن ْ
َوَن ْ
العظيم.
ولنرجع ِإلى المقصود من سيرته صلى ال عليه وسلم وهديه وأخلقه ل خلف أنه
ولد صلى ال عليه وسلم بجوف مّكة ،وأن مولده كان عاَم الفيل ،وكان أمُر الفيل تقِدمة قّدمها ا ّ
ل
لنبيه وبيته ،وإل فأصحاب الفيل كانوا نصارى أهل ِكتاب ،وكان دينهم خيرًا ِمن دين أهل مّكة إذ
ل على أهل الِكتاب نصرًا ل صُنع للبشر فيه ،إرهاصًا
عّباد أوثان ،فنصرهم ا ّ
لنهم كانوا ُ
ذاكَ ،
وتقِدمة للنبي صلى ال عليه وسلم الذي خرج من مّكة ،وتعظيمًا للبيت الحرام.
29
ل فيه القرآن ،أي في شأنه وتعظيمه ،وفرض صومه .وقيل :كان ابتداُء
وقالت طائفة :أنز َ
المبعث في شهر رجب.
ب عديدة:
ل له من مراتب الوحي مرات َ
وكمل ا ّ
إحداها :الّرؤيا الصادقة ،وكانت مبدَأ وحيه صلى ال عليه وسلم ،وكان ل يرى رؤيا إل
جاءت مثل فلق الصبح.
ك في ُرْوعه وقلبه من غير أن يراه ،كما قال النبي صلى ال عليه
الثانية :ما كان ُيلقيه المَل ُ
جِمُلوا
ل َوَأ ْ
ل ِرْزَقَهاَ ،فاّتُقوا ا َّ
ستْكِم َ
حّتى َت ْ
س َ
ت َنْف ٌ
ن َتُمو َ
ث في ُروعي َأّنه َل ْ
س َنَف َ
ح الُقُد ِ
ن ُرو َ
وسلمِ)) :إ ّ
ل ِإ ّ
ل ل ُيَنا ُ
ل َ
عْنَد ا ِّ
ن َما ِ
لَ ،فِإ ّ
صَيِة ا ِّ
طُلُبوُه ِبمَْع ِ
عَلى َأن َت ْ
ق َ
طاُء الّرْز ِ
سِتْب َ
حِمَلّنكُم ا ْ
ل َي ْ
بَ ،و َ
طَل ِ
في ال ّ
عِتِه((.
طا َ
ِب َ
ي عنه ما يقول
ل ،فُيخاطبه حتى َيِع َ
ك رج ً
ل له الَمَل ُ
الثالثةَ :أّنه صلى ال عليه وسلم كان يتمّث ُ
له ،وفي هذه المرتبة كان يراه الصحابة أحيانًا.
ك حتى إن
س به المل ُ
صَلِة الجرس ،وكان َأشّده عليه َفَيَتَلّب ُ
صْل َ
الّرابعةَ :أّنه كان يأتيه في مثل َ
ك به إلى الرض إذا كان راكبها
جبينه ليتفصد عرقًا في اليوم الشديد البرد وحتى إن راسلته لَتْبُر ُ
ضها
ي مرًة كذلك ،وفخذه على فخذ زيد بن ثابت ،فثقلت عليه حتى كادت تر ّ
ولقد جاءه الوح ُ
ل أن
ك في صورته التي خلق عليها ،فيوحي إليه ما شاء ا ّ
الخامسة :أنه َيَرى الَمَل َ
ل ذلك في سورة ]الّنجم[13-7 :
حَيه،وهذا وقع له مرتين ،كما ذكر ا ّ
ُيو ِ
ت ليَلة المعراج ِمن فرض الصلة وغيرها.
ل وهو فوق السماوا ِ
السادسة :ما أوحاه ا ّ
عمران ،وهذه المرتبة
ل موسى بن ِ
ك ،كما كّلم ا ُّ
ل له منه إليه بل واسطة َمَل ٍ
السابعة :كلم ا ّ
لسراء.
هي ثابتة لموسى قطعًا بنص القرآن ،وثبوتها لنبينا صلى ال عليه وسلم هو في حديث ا ِ
ل له كفاحًا من غير حجاب ،وهذا على مذهب من
وقد زاد بعضهم مرتبة ثامنة وهي تكليم ا ّ
يقول :إنه صلى ال عليه وسلم رأى رّبه تبارك وتعالى ،وهي مسألة خلف بين السلفِ والخلف،
وإن كان جمهور الصحابة بل ُكّلهم مع عائشة كما حكاه عثمان بن سعيد الدارمي إجماعًا للصحابة.
فصل
)يتبع(...
ختانه صلى ال عليه وسلم.
@في ِ
وقد اختلف فيه على ثلثة أقوال:
31
أحدها :أنه ُولد مختونًا مسرورًا ،وروي في ذلك حديث ل يصح ذكره أبو الفرج بن
الجوزي في ))الموضوعات(( وليس فيه حديث ثابت ،وليس هذا من خواصه ،فإن كثيرًا من الّناس
ُيولد مختونًا.
خّتان ختن صبيًا ،فلم يستقص؟ قال:
ت عنهاَ :
ل :مسألة سئل ُ
وقال الميموني :قلت لبي عبد ا ّ
إذا كان الختان جاوز نصف الحشفة إلى فوق ،فل يعيد ،لن الحشفة تغلظ ،وكلما غلظت ارتفع
لعادة شديدة جدًا ،وقد
ت أرى أن يعيد .قلت :فإن ا ِ
الختان .فأّما إذا كان الختان دون النصف ،فكن ُ
ن مختون ،فاغتّم لذلك
ل ولد له اب ٌ
لعادة؟ فقال :ل أدري ،ثم قال لي فإن هاهنا رج ً
ُيخاف عليه من ا ِ
ك بهذا؟! انتهى .وحدثني صاحبنا أبو عبد
ل قد كفاك المؤنة،فما غّم َ
غمًا شديدًا ،فقلت له :إذا كان ا ّ
ل محمد بن عثمان الخليلي المحّدث ببيت المقدس أنه ُوِلَد كذلك ،وأن أهله لم يختنوه ،والناس
ا ّ
خَتَنُه القمر ،وهذا من خرافاتهم.
يقولون لمن ولد كذلكَ :
ق قلَبه الملئكُة عند ظئره حليمة.
شّن صلى ال عليه وسلم يوَم َ
خِت َ
القول الثاني :أّنه ُ
خَتَنُه يوَم سابعه ،وصنع له مأُدبة وسّماه محّمدا.
القول الثالث :أن جّده عبد المطلب َ
قال أبو عمر بن عبد البّر :وفي هذا الباب حديث مسند غريب ،حدثناه أحمد بن محمد بن
أحمد ،حدثنا محمد بن عيسى ،حدثنا يحيى بن أيوب العلف ،حدثنا محمد بن أبي السري
العسقلني ،حدثنا الوليد بن مسلم ،عن شعيب ،عن عطاء الخراساني ،عن عكرمة ،عن ابن عباس،
أن عبد المطلب ختن النبي صلى ال عليه وسلم يوَم سابعه ،وجعل له مأُدبه ،وسّماه محمدًا ،صلى
ال عليه وسلم قال يحيى بن أيوب :طلبت هذا الحديث فلم أجده عند أحد من أهل الحديث ممن لقيته
إل عند ابن أبي السري ،وقد وقعت هذه المسألة بين رجلين فاضلين ،صنف أحدهما مصنفًا في أنه
خطام لها ول ِزمام ،وهو كمال الدين بن طلحة،
ولد مختونًا وأجلب فيه من الحاديث التي ل ِ
ن على عادة العرب ،وكان
خِت َ
فنقضه عليه كمال الدين بن العديم ،وبين فيه أنه صلى ال عليه وسلم ُ
ل أعلم.
سّنة للعرب قاطبة مغنيًا عن نقل معين فيها ،وا ّ
عموم هذه ال ّ
فصل
في أمهاته صلى ال عليه وسلم اللتي أرضعنه
ل بن عبد السد
فمنهن ثويبه مولة أبي لهب ،أرضعته أيامًا ،وأرضعت معه أبا سلمة عبد ا ّ
المخزومي بلبن ابنها مسروح ،وأرضعت معهما عّمه حمزَة بن عبد المطلب .واختلف في إسلمها،
جدامة ،وهي الشيماء أولد
ل أخي أنيسة ،و ُ
فال أعلم .ثم أرضعته حليمُة السعدية بلبن ابنها عبد ا ّ
32
ل أعلم،
الحارث بن عبد العزى بن رفاعة السعدي ،واخُتِلف في إسلم أبويه من الرضاعة ،فا ّ
وأرضعت معه ابن عمه أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ،وكان شديَد العداوة لرسول ا ّ
ل
صلى ال عليه وسلم ،ثم أسلم عاَم الفتح وحسن إسلمه ،وكان عمه حمزة مسترضعًا في بني سعد
بن بكر فأرضعت أمه رسول ال صلى ال عليه وسلم يومًا وهو عند أمه حليمة ،فكان حمزة رضيَع
ل صلى ال عليه وسلم من جهتين :من جهة ثويبة،ومن جهة السعدية.
رسول ا ّ
فصل
في حواضنه صلى ال عليه وسلم
فمنهن ُأّمه آمنُة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلب.
ومنهن ثويبة وحليمة ،والشيماء ابنتها ،وهي أخته من الرضاعة ،كانت تحضنه مع أمها،
وهي التي قدمت عليه في وفد َهوزان ،فبسط لها رداءه ،وأجلسها عليه رعاية لحقها.
ن أبيه ،وكانت دايَته،وزّوجها
ومنهن الفاضلة الجليلة أم أيمن َبَركة الحبشية ،وكان وِرثها ِم ْ
حّبه زيد بن حارثة ،فولدت له ُأسامة ،وهي التي دخل عليها أبو بكر وعمر بعد موت النبي
من ِ
ل خير لرسوله؟ قالت :إّني
صلى ال عليه وسلم وهي تبكي ،فقال :يا أم أيمن ما ُيبكيك فما عند ا ّ
ل خير لرسوله ،وإنما أبكي لنقطاع خبر السماء ،فهيجتهما على البكاء ،فبكيا.
لعلم أن ما عند ا ّ
فصل
في مبعثه صلى ال عليه وسلم وأول ما نزل عليه
ن الكمال .قيل :ولها تبعث الرسل ،وأما ما يذكر عن
ل على رأس أربعين ،وهي س ّ
بعثه ا ّ
المسيح أنه ُرفَع إلى السماء وله ثلث وثلثون سنة ،فهذا ل يعرف له أثر متصل يجب المصير
إليه.
ل صلى ال عليه وسلم من أمر النبوة الرؤيا ،فكان ل َيرى ُرؤيا
وأول ما بدئ به رسول ا ّ
ق الصّبح قيل :وكان ذلك ستَة أشهر ،ومدة النبوة ثلث وعشرون سنة ،فهذه الرؤيا
ل َفَل ِ
ت ِمْث َ
إل جاء ْ
ل أعلم.
جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة وا ّ
حَراٍء ،وكان ُيحب الخلوة فيه ،فأول ما
ل تعالى بالنبوة ،فجاءه الَمَلك وهو بغار ِ
ثم أكرمه ا ّ
ق{ ]العلق [1 :هذا قول عائشة والجمهور.
خَل َ
سِم َرّبك اّلذي َ
أنزل عليه }اْقَرْأ ِبا ْ
وقال جابر :أول ما أنزل عليهَ} :يَأّيها اْلُمّدّثر{ ]المدثر[1 :
والصحيح قول عائشة لوجوه:
33
أحدها أن قولهَ)) :ما َأَنا ِبَقاِرىء(( صريح في أنه لم يقرأ قبل ذلك شيئًا.
لنذار ،فإنه إذا قرأ في نفسه ،أنذر بما قرأه،
الثاني :المر بالقراءة في الترتيب قبل المر با ِ
لنذار بما قرأه ثانيًا.
ل ،ثم با ِ
فأمره بالقراءة أو ً
الثالث :أن حديث جابر ،وقوله :أول ما أنزل من القرآن }َيا أيها الُمّدثر{ ]المدثر [1 :قول
جابر ،وعائشة أخبرت عن خبره صلى ال عليه وسلم عن نفسه بذلك.
ل قبل
الّرابع :أن حديث جابر الذي احتج به صريح في أنه قد تقدم نزول المَلك عليه أو ً
نزول }َيأّيَها الُمّدَثر{ ]المدثر [1 :فإنه قال)) :فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء،
لَ} :يَأّيَها الُمّدَثُر{ ]المدثر (([1 :وقد أخبر أن
فرجعت إلى أهلي فقلت :زملوني دثروني ،فأنزل ا ّ
ق{ ]العلق [1 :فدل حديث جابر على
خَل َ
ك اّلِذي َ
سِم َرّب َ
الملك الذي جاءه بحراء أنزل عليه }اقَرْأ ِبا ْ
ل أعلم.
تأخر نزول }َيا َأّيَها الُمدّثُر{ ]المدثر [1 :والحجة في روايته ،ل في رأيه ،وا ّ
فصل
في ترتيب الدعوة ولها مراتب
المرتبة الولى :النبوة .الثانية :إنذار عشيرته القربين .الثالثة :إنذار قومه .الرابعة :إنذار
ن بلغته دعوته من الجن
قوٍم ما أتاهم من نذير من قبله وهم العرب قاطبة .الخامسة :إنذاُر جميع َم ْ
لنس إلى آخر الّدهر.
وا ِ
فصل
ل سبحانه مستخفيًا ،ثم نزل عليه
وأقام صلى ال عليه وسلم بعد ذلك ثلث سنين يدعو إلى ا ّ
ن{ ]الحجر .[94 :فأعلن صلى ال عليه وسلم بالدعوة
شِرِكي َ
ن الُم ْ
عِض َ
عِر ْ
ع ِبَما ُتْؤَمُر َوَأ ْ
صَد ْ
}َفا ْ
ل لهم بالهجرتين.
وجاهر قومه بالعداوة ،واشتد الذى عليه وعلى المسلمين حتى أذن ا ّ
فصل
في أسمائه صلى ال عليه وسلم
وكلها نعوت ليست أعلمًا محضة لمجرد التعريف ،بل أسماء مشتقة من صفات قائمة به
ح والكمال.
ب له المد َ
ج ُ
ُتو ِ
فمنها محمد ،وهو أشهرها ،وبه سمي في التوراة صريحًا كما بيناه بالبرهان الواضح في
كتاب ))جلء الفهام في فضل الصلة والسلم على خير النام(( وهو كتاب فرد في معناه لم ُيسبق
إلى مثله في كثرة فوائده وغزارتها ،بيّنا فيه الحاديث الواردة في الصلة والسلم عليه ،وصحيحها
34
من حسنها ،ومعلولها وبينا ما في معلولها من العلل بيانًا شافيًا ،ثم أسرار هذا الدعاء وشرفه وما
اشتمل عليه من الحكم والفوائد ،ثم مواطن الصلة عليها ومحالها ،ثم الكلم في مقدار الواجب
ق وصفه.
ب َفْو َ
منها ،واختلف أهل العلم فيه ،وترجيح الراجح ،وتزييف المزّيفَ ،وَمخَبُر الِكتا ِ
ل عالم من مؤمني أهل
والمقصود أن اسمه محمد في التوراة صريحًا بما يوافق عليه ك ّ
الكتاب.
ب.
ومنها أحمد ،وهو السم الذي سماه به المسيح ،لسّر ذكرناه في ذلك ا لِكتا ِ
ي الرحمة،
ومنها المتوّكل ،ومنها الماحي ،والحاشر ،والعاقب ،والُمَقّفى ،ونبى التوبة ،ونب ّ
ن.
ح ،والمي ُ
ي الملحمة ،والفات ُ
ونب ّ
ضحوك ،والقّتال،
سم ،وال ّ
شر ،والبشير ،والنذير ،والقا ِ
ويلحق بهذه السماء :الشاهد ،والمب ّ
ب لواء الحمد ،وصاحب المقام المحمود ،وغير
ل ،والسراج المنير ،وسيد ولد آدم ،وصاح ُ
وعبد ا ّ
ذلك من السماء ،لن أسماءه إذا كانت أوصاف مدح ،فله من كل وصف اسم ،لكن ينبغي أن يفرق
بين الوصف المختص به ،أو الغالب عليه ،ويشتق له منه اسم ،وبين الوصف المشتَرك ،فل يكون
له منه اسم يخصه.
ل صلى ال عليه وسلم نفسه أسماء ،فقال)) :أنا
طِعم :سّمى لنا رسول ا ّ
وقال جبير بن ُم ْ
ي،
عَلى َقَدَم ّ
س َ
حشُر الّنا ُ
شُر اّلِذي ُي ْ
حا ِ
ل ِبي الُكفَر ،وأنا ال َ
حو ا ُّ
حي اّلِذي َيْم ُ
حَمُد ،وأنا الَما ِ
حّمٌد ،وأنا أ ْ
ُم َ
ي ((.
س َبْعَدُه َنب ّ
والَعاِقب اّلِذي َلي َ
وأسماؤه صلى ال عليه وسلم نوعان:
أحدهما :خاص ل ُيشاِرُكه فيه غيره من الرسل كمحمد ،و أحمد ،والعاقب ،والحاشر،
والمقفي ،ونبي الملحمة.
والثاني :ما يشاركه في معناه غيره من الرسل ،ولكن له منه كماله ،فهو مختص بكماله دون
ي التوبة.
ي الرحمة ،ونب ّ
شِر ،والنذيِر ،ونب ّ
شاهِد ،والمب ّ
ل ،ونبيه ،وعبده ،وال ّ
أصله ،كرسول ا ّ
وأما إن جعل له ِمن كل وصف من أوصافه اسم ،تجاوزت أسماؤه المائتين ،كالصادق،
ف اسٍم،
والمصدوق ،والرؤوف الّرحيم ،إلى أمثال ذلك .وفي هذا قال من قال من الناس :إن ل أل َ
ف اسم ،قاله أبو الخطاب بنُ ِدحيَة ومقصوده الوصاف.
وللنبي صلى ال عليه وسلم أل َ
فصل
في شرح معاني أسمائه صلى ال عليه وسلم
35
حِمَد ،فهو محمد ،إذا كان كثيَر الخصال التي ُيحمد عليها،
حّمد ،فهو اسم مفعول ،من َ
أّما ُم َ
لذلك كان أبلَغ من محمود ،فإن ))محمودًا(( من الثلثي المجرد ،ومحمد من المضاعف للمبالغة،
ل أعلم -سِمي به في التوراة ،لكثرة
فهو الذي يحمد أكثر مّما يحمد غيره من البشر ،ولهذا -وا ّ
ف بها هو ودينه وأمته في التوراة ،حتى َتَمَنى موسى عليه الصلة
ص َ
الخصال المحمودة التي ُو ِ
والسلم أن يكون منهم ،وقد أتينا على هذا المعنى بشواهده هناك ،وبينا غلط أبي القاسم السهيلي
حيث جعل المر بالعكس ،وأن اسمه في التوراة أحمد.
وأما أحمد ،فهو اسم على ِزنة أفعل التفضيل ،مشتق أيضًا من الحمد .وقد اختلف
ل أكثُر من
حْمُده ّ
الناس فيه :هل هو بمعنى فاعل أو مفعول؟ فقالت طائفة :هو بمعنى الفاعل ،أيَ :
حمد غيره له ،فمعناه :أحمد الحامدين لربه ،ورجحوا هذا القول بأن قياس أفعل التفضيل ،أن ُيصاغ
ب زيدًا ،ول زيد
من فعل الفاعل ،ل من الفعل الواقع على المفعول ،قالوا :ولهذا ل يقال :ما أضر َ
أضرب من عمرو باعتبار الضرب الواقع عليه ،ول :ما أشَرَبه للماء ،وآكله للخبز ،ونحوه ،قالوا:
ل(( و
لن أفعل التفضيل ،وفعل التعجب ،إنما ُيصاغان من الفعل اللزم ،ولهذا يقدر نقله من ))َفَع َ
ل(( المضموم العين ،قاُلوا :ولهذا يعّدى بالهمزة إلى
ل(( المفتوح العين ومكسورها ،إلى ))َفُع َ
))َفِع َ
ظُرفَ ،وَكُرَم.
ف زيدًا ،وأكرَم عمرًا ،وأصلهما :من َ
المفعول ،فهمزته للتعدية ،كقولك :ما أظر َ
جب منه فاعل في الصل ،فوجب أن يكون فعله غيَر متعد ،قالوا :وأما نحو :ما
قالوا :لن المتع ّ
عدي
ل(( المضموم العين ،ثم ُ
ل(( المفتوح العين إلى ))َفُع َ
أضرب زيدًا لعمرو ،فهو منقول من ))َفَع َ
والحالة هذه بالهمزة قالوا :والدليل على ذلك مجيئهم باللم ،فيقولون :ما أضرب زيدًا لعمرو ،ولو
ب زيدًا عمرًا ،لنه متعد إلى واحد بنفسه ،وإلى الخر بهمزة
كان باقيًا على تعديه ،لقيلَ :ما أضر َ
التعدية ،فلما أن عّدوه إلى المفعول بهمزة التعدية ،عّدوه إلى الخر باللم ،فهذا هو الذي أوجب لهم
أن قالوا :إنهما ل ُيصاغان إل من فعل الفاعل ،ل من الفعل الواقع على المفعول.
غهما من فعل الفاعل ،ومن الواقع على
ونازعهم في ذلك آخرون ،وقالوا :يجوز صو ُ
المفعول ،وكثرة السماع به من أبين الدلة على جوازه ،تقول العرب :ما أشَغَله بالشيء ،وهو من
ل ،فهو مشغول وكذلك يقولون :ما أوَلعه بكذا ،وهو من ُأولَع بالشيء ،فهو ُموَلع به ،مجني
شِغ َ
ُ
ب به ،ويقولون :ما أحبه إلي ،فهو
ج َ
للمفعول ليس إل ،وكذلك قولهم :ما أعجبه بكذا ،فهو من ُأع ِ
ي.
ي ،وأمقته إل ّ
تعجب من فعل المفعول ،وكونه محبوبًا لك ،وكذا :ما أبغضه إل ّ
36
وهاهنا مسألة مشهورة ذكرها سيبويه ،وهي أنك تقول :ما أبغضني له ،وما أحبني
حب الماِقت ،فتكون متعجبًا من فعل الفاعل،
ض الكاِره ،والم ِ
ت المبِغ َ
ت أن َ
له ،وما أمقتني له :إذا كن َ
وتقول :ما أبغضني إليه ،وما أمقتني إليه ،وما أحبني إليه :إذا كنت أنت البغيض الممقوت ،أو
المحبوب ،فتكون متعجبًا من الفعل الواقع على المفعول ،فما كان باللم فهو للفاعل ،وما كان بـ
ل أعلم :إن اللم تكون
))إلى(( فهو للمفعول .وأكثر النحاة ل يعللون بهذا .والذي يقال في علته وا ّ
للفاعل في المعنى ،نحو قولك :لمن هذا؟ فيقال :لزيد ،فيؤتى باللم .وأما ))إلى(( فتكون للمفعول
ل ،وسر ذلك أن اللم في الصل
في ،المعنى ،فتقول :إلى من يصل هذا الكتاب؟ فتقول :إلى عبد ا ّ
للملك والختصاص ،والستحقاق إنما يكون للفاعل الذي يملك ويستحق ،و ))إلى(( لنتهاء الغاية،
ل ،فهي بالمفعول أليق ،لنها تمام مقتضى الفعل ،وِمن التعجب من
والغاية منتهى ما يقتضيه الفع ُ
ل كعب بن زهير في النبي صلى ال عليه وسلم:
فعل المفعول قو ُ
س َوَمْقُتو ُ
ل حُبو ّ
ك َم ْ
ل إّن َ
َوِقي َ عْنِدي ِإذ ُأَكّلُمُه
ف ِ
َفَلْهَو َأخـْـَو ُ
غْي ُ
ل ل ُدوَنُه ِ
غْي ٌ
عّثـَر ِ
ن َ
طِِبَب ْ سَكُنُه
سِد َم ْ
لْثا ُ
ن ُلُيو ِ
خاِدٍر ِم ْ
ن َ
ِم ْ
جّ
ن ن زيدًا ،من ُ
جّف ،ل من خاف ،وكذلك قولهم :ما أ َ
خو ُ
فأخوف هاهنا ،من خيف ،فهو َم ُ
فهو مجنون ،هذا مذهب الكوفيين ومن وافقهم.
قال البصريون :كل هذا شاذ ل ُيعّول عليه ،فل ُنشوش به القواعد ،ويجب القتصاُر منه
على المسموع ،قال الكوفيون :كثرة هذا في كلمهم نثرًا ونظمًا يمنع حمله على الشذوذ ،لن الشاذ
طِرَد كلمهم ،وهذا غير مخالف لذلك ،قالوا :وأما تقديركم لزوم الفعل ونقله
ما خالف استعمالهم وم ّ
ل ،فتحكم ل دليل عليه ،وما تمسكتم به من التعدية بالهمزة إلى آخره ،فليس المر فيها كما
إلى َفُع َ
ذهبتم إليه ،والهمزة في هذا البناء ليست للتعدية ،وإنما هي للدللة على معنى التعجب والتفضيل
فقط ،كألف ))فاعل(( ،وميم ))مفعول(( وواوه ،وتاء الفتعال ،والمطاوعة ،ونحوها من الزوائد
التي تلحق الفعل الثلثي لبيان ما لحقه من الزيادة على مجرده،فهذا هو السبب الجالب لهذه الهمزة،
ل تعدية الفعل.
قالوا :والذي يدل على هذا أن الفعل الذي ُيعّدى بالهمزة يجوز أن ُيعّدى بحرف الجّر
وبالتضعيف ،نحو :جلست به ،وأجلسته ،وقمت به ،وأقمته ،ونظائره ،وهنا ل يقوم مقاَم الهمزة
ن ِبِه،
سْ
غيرها ،فعلم أنها ليست للتعدية المجردة أيضًا ،فإنها تجامع باء التعدية ،نحو :أْكِرْم ِبِه ،وَأح ِ
ول يجمع على الفعل بين تعديتين.
37
وأيضًا فإنهم يقولون :ما أعطاه للدراهم ،وأكساه للثياب ،وهذا ِمن أعطى وكسا المتعدي،
ول يصح تقديُر نقله إلى ))عطو(( :إذا تناول ،ثم أدخلت عليه همزة التعدية ،لفساد المعنى ،فإن
التعجب إنما وقع من إعطائه ،ل من عطوه ،وهو تناوله ،والهمزة التي فيه همزة التعجب
والتفضيل ،وحذفت همزته التي فى فعله ،فل يصح أن يقال :هي للتعدية.
لتيان باللم
عّدي باللم في نحو :ما أضربه لزيد ...إلى آخره ،فا ِ
قالوا :وأما قولكم :إنه ُ
ف ،وُألِزمَ
هاهنا ليس لما ذكرتم من لزوم الفعل ،وإنما أتي بها تقوية له لما ضعف بمنعه من التصّر ِ
سنن الفعال ،فضعف عن اقتضائه وعمله ،فقوي باللم كما يقوى بها
طريقة واحدة خرج بها عن َ
عند تقدم معموله عليه ،وعند فرعيته ،وهذا المذهب هو الراجح كما تراه.
فلنرجع إلى المقصود فنقول :تقديُر أحمد على قول الولين :أحمد الناس لربه ،وعلى
قول هؤلء :أحق الناس وأولهم بأن ُيحمد ،فيكون كمحمد في المعنى ،إل أن الفرق بينهما أن
حَمُد غيره،
))محمدًا(( هو كثير الخصال التي يحمد عليها ،وأحمد هو الذي ُيحمد أفضل مّما ُي ْ
فمحمد في الكثرة والكمية ،وأحمد في الصفة والكيفية ،فيستحق من الحمد أكثر مّما يستحق غيره،
حِمَده البشر .فالسمان واقعان على
ل حمد َ
حق غيره ،فُيحَمُد أكثَر حمد ،وأفض َ
ل مّما يست ِ
وأفض ُ
المفعول ،وهذا أبلغ في مدحه ،وأكمل معنى .ولو أريد معنى الفاعل لسمي الحماد ،أي :كثير الحمد،
فإنه بها،كان أكثر الخلق حمدًا لربه ،فلو كان اسمه أحمد باعتبار حمده لربه ،لكان الولى به
الحّماد ،كما سميت بذلك أَمُته.
وأيضًا :فإن هذين السمين ،إنما اشتقا من أخلقه ،وخصائصه المحمودة التي لجلها
ل الرض
استحق أن يسمى محمدًا؟صلى ال عليه وسلم ،وأحمد وهو الذي يحمُده أهل السماء وأه ُ
عّد العاّدين وإحصاء المحصين،
ل الخرة ،لكثرة خصائصه المحمودة التي تفوق َ
ل الدنيا وأه ُ
وأه ُ
وقد أشبعنا هذا المعنى في كتاب ))الصلة والسلم(( عليه صلى ال عليه وسلم ،وإنما ذكرنا هاهنا
ل المستعان وعليه التكلن.
ت قلبه وتفرق همته ،وبا ّ
ل المسافر ،وتشت ُ
كلمات يسيرة اقتضتها حا ُ
ل بن عمرو قال)) :قرأت
وأما اسمه المتوكل ،ففي ))صحيح البخاري(( عن عبد ا ّ
سولي ،سّميُته الُمَتَوّكل،
ل ،عبدي َوَر ُ
لا ّ
حّمد رسو ُ
في التوراة صفة النبي صلى ال عليه وسلمُ :م َ
سيئة ،بل يعفو ويصفح ،ولن
سيئِة ال ّ
ب في السواق ،ول يجزي بال ّ
خا ٍ
سّظ ،ول َ
غلي ٍ
ظ ،ول َ
ليس ِبَف ّ
ق الناس
ل(( وهو صلى ال عليه وسلم أح ّ
جاَء ،بأن يقولوا :ل إله إل ا ّ
حّتى ُأقيَم ِبِه الِمّلة اْلَعْو َ
ضُه َ
َأْقِب َ
شرْكه فيه غيره.
ل لم َي ْ
بهذا السم ،لنه توّكل على ال في إقامة الدين توك ً
38
وأما الماحي ،والحاشر ،والمقّفي ،والعاقب ،فقد فسرت في حديث جبير بن
ح الكفر بأحد من الخلق ما ُمحي بالنبي صلى ال
ل به الكفر ،ولم ُيم َ
مطعم ،فالماحي :هو الذي محا ا ّ
عّباد أوثان،
ث وأهل الرض كلهم كفار ،إل بقايا من أهل الكتاب ،وهم ما بين ُ
عليه وسلم ،فإنه ُبِع َ
عّباد
ويهود مغضوب عليهم ،ونصارى ضالين ،وصابئة َدهرية ،ل يعرفون ربًا ول معادًا ،وبين ُ
ل سبحانه
عّباد النار ،وفلسفة ل يعرفون شرائع النبياء ،ول ُيقرون بها ،فمحا ا ّ
الكواكب ،و ُ
ل على كل دين ،وبلغ ديُنه ما بلغ الليل والنهار ،وسارت دعوته مسيرَ
نا ّ
برسوله ذلك حتى ظهر دي ُ
الشمس في القطار.
س على
وأما الحاشر ،فالحشر هو الضم والجمع ،فهو الذي ُيحشر النا ُ
قدمه ،فكأنه بعث لحشر الناس.
ب النبياء ،فليس بعده نبي ،فإن العاقب
عِق َ
والعاقب :الذي جاء َ
لطلق ،أي :عقب النبياء جاء بعقبهم.
هو الخر ،فهو بمنزلة الخاتم ،ولهذا سمي العاقب على ا ِ
وأما المقّفي ،فكذلك ،وهو الذي قّفى على آثار من
ل به على آثار من سبقه من الرسل ،وهذه اللفظة مشتقة من القفو ،يقال :قفاه يقفوه :إذا
تقدمه ،فقفى ا ُّ
تأخر عنه ،ومنه قافية الرأس ،وقافية البيت ،فالمقّفي :الذي قفى من قبله من الرسل ،فكان خاتمهم
وآخرهم.
ل به با َ
ب وأما نبي التوبة ،فهو الذي فتح ا ّ
ل عليهم توبة لم يحصل مثلها لهل الرض قبله .وكان صلى ال
التوبة على أهل الرض ،فتاب ا ّ
حِد ِماَئَة َمّرٍةَ)) :ر ّ
ب جِلس الَوا ِ
عليه وسلم أكثر الناس استغفارًا وتوبة ،حتى كانوا َيُعّدون لَُه في الَم ْ
ب الَغُفور((.
ت الّتّوا ُ
ك َأْن َ
ي إّن َ
عَل ّ
ب َ
غِفْر ِلي َوُت ْ
اْ
ل في اْلَيْوِم ِماَئَة َمّرٍة((
ب ِإلى ا ِّ
ل َرَبُكمَ ،فِإني َأُتو ُ
س ُتوُبوا ِإَلى ا ِّ
وكان يقولَ)) :يا َأّيَها الّنا ُ
ل ،وكانت توبة من قبلهم
ل ،وأسهل تناو ً
ل ِمن توبة سائر المم ،وأسرع قبو ً
وكذلك توبُة أمته أكم ُ
ل أنفسهم ،وأّما هذه الّمة،
ل ِمن عبادة العجل قت ُ
ِمن أصعب الشياء ،حتى كان من توبة بني إسرائي َ
لقلع.
ل تعالى جعل توبتها الندَم وا ِ
فلكرامتها على ا ّ
ط ما جاهد
ل ،فلم يجاهد نبي وأمته ق ّ
وأّما نبي الملحمة ،فهو الذي بعث بجهاد أعداء ا ّ
ل صلى ال عليه وسلم وأّمته ،والملحم الكبار التي وقعت وتقع بين أمته وبين الكفار لم
رسول ا ّ
39
ُيعهد مثُلها قبله ،فإن أمته يقتلون الكفار في أقطار الرض على تعاقب العصار،وقد أوقعوا بهم
من الملحم ما لم تفعله أّمة سواهم.
ل الرض
ل رحمة للعالمين ،فرحم به أه َ
ي الرحمة ،فهو الذي أرسله ا ّ
وأما نب ّ
ب الوفر ِمن الرحمة ،وأّما الكفار ،فأهل الكتاب
كّلهم مؤمَنهم وكافَرهم،أّما المؤمنون ،فنالوا النصي َ
منهم عاشوا في ظله ،وتحت حبله وعهده ،وأما من قتله منهم هو وأمُته ،فإنهم عجلوا به إلى الّنار،
وأراحوه من الحياة الطويلة التي ل يزداد بها إل شّدَة العذاب في الخرة.
ل به باب الهدى بعد أن كان ُمْرَتجًا ،وفتح
وأما الفاتح ،فهو الذي فتح ا ّ
ب الجّنة،
ل به أمصار الكفار ،وفتح به أبوا َ
صم ،والقلوب الُغلف،وفتح ا ّ
به العين العمي ،والذان ال ّ
وفتح به طرق العلم النافع والعمل الصالح ،ففتح به الدنيا والخرة ،والقلوب والسماع والبصار
والمصار.
ل على
وأّما المين ،فهو أحق العالمين بهذا السم ،فهو أمين ا ّ
ن في الرض ،ولهذا كانوا ُيسمونه قبل النبوة:
ن َم ْ
ن في السماء ،وأمي ُ
ن َم ْ
وحيه ودينه ،وهو أمي ُ
المين.
وأّما الضحوك القّتال ،فاسمان مزدوجان ،ل ُيفرد
طب ،ول غضوب ،ول
أحدهما عن الخر ،فإنه ضحوك في وجوه المؤمنين ،غيُر عابس ،ول مق ّ
ل ،ل تأخذه فيهم لومة لئم.
ظ ،قَتال لعداء ا ّ
فّ
شر لمن أطاعه بالثواب،
وأّما البشير ،فهو المب َ
ل عبَده في مواضع من كتابه ،منها قولهَ} :وَأّنه ّلما
والنذير المنذر لمن عصاه بالعقاب ،وقد سماه ا ّ
عْبِدِه{ ]الفرقان [1 :وقوله:
ى َ
عَل َ
ن َ
ك اّلذي َنّزل اْلُفْرَقا َ
عوُه{ ]الجن [19:وقولهَ} :تَباَر َ
ل َيْد ُ
عْبُد ا ّ
َقاَم َ
عْبِدَنا{
ى َ
عَل َ
ب ّمّما َنّزْلَنا َ
ى{ ]النجم [10 :وقولهَ} :وِإن ُكْنُتْم ِفي َرْي ٍ
حَعْبِدِه َما َأْو َ
ى َ
ى ِإَل َ
حَ}َفَأْو َ
]البقرة [23 :وثبت عنه في ))الصحيح(( أنه قال)) :أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ول فخر(( وسّماه
سراجًا منيرًا ،وسمى الشمس سراجًا وهاجًا.
ل ِ
ا ّ
والمنير هو الذي ينير من غير إحراق
ع إحراق َوَتَوُهج.
بخلف الوهاج ،فإن فيه نو َ
فصل
في ذكرى الهجرتين الولى والثانية
40
لما كثر المسلمون ،وخاف منهم الكفاُر ،اشتد أذاهم له صلى ال عليه وسلم ،وفتنتهم إياهم،
ل صلى ال عليه وسلم في الهجرة إلى الحبشة وقال)) :إن بها َملكًا ل ُيظَلُم الّناسُ
لا ّ
فَأِذن لهم رسو ُ
ل وأربع نسوة ،منهم عثمان بن عفان ،وهو أول من
عنده(( ،فهاجر من المسلمين اثنا عشر رج ً
ت رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فأقاموا في الحبشة في أحسن
خرج ،ومعه زوجته ُرَقّيُة بن ُ
ت ،وكان هذا الخبُر كذبًا ،فرجعوا إلى مكة ،فلما بلغهم أن المر أشّد
ن قريشًا أسلم ْ
جوار ،فبلغهم أ ّ
ن ُقريش أذى شديدًا ،وكان ممن دخل عبُد الّ
ن رجع ،ودخل جماعةَ ،فَلُقوا ِم ْ
مّما كان ،رجع منهم َم ْ
ل ،إن
ن مسعود .ثم أذن لهم في الهجرة ثانيًا إلى الحبشة ،فهاجر ِمن الرجال ثلثٌة وثمانون رج ً
بُ
كان فيهم عمار ،فإنه ُيشك فيه ،ومن النساء ثمان عشرة امرأة ،فأقاموا عند النجاشي على أحسن
ل بن أبي ربيعة في جماعة ،ليكيدوهم
حال ،فبلغ ذلك قريشًا ،فأرسلوا عمرو بن العاص ،وعبد ا ّ
ل كيدهم في نحورهم.
عند النجاشي ،فرد ا ّ
شَع ِ
ب شعب ِ
ل صلى ال عليه وسلم ،فحصروه وأهل بيته في ال ّ
فاشتد أذاهم لرسول ا ّ
أبي طالب ثلث سنين ،وقيل :سنتين ،وخرج من الحصر وله تسع وأربعون سنة ،وقيل :ثمان
شعب ُولد عبُد
وأربعون سنة ،وبعد ذلك بَأشهر مات عّمه أبو طالب وله سبع وثمانون سنة ،وفي ال ّ
ل بن عباس ،فنال الكفاُر منه أذى شديدًا ،ثم ماتت خديجُة بعد ذلك بيسير ،فاشتّد أذى الكفار له،
ا ّ
ل تعالى ،وأقام به أيامًا فلم يجيبوه ،وآَذوه،
فخرج إلى الطائف هو وزيد بن حارثة يدعو إلى ا ّ
سماطين ،فرجموه بالحجارة حتى أدموا كعبيه ،فانصرف عنهم رسول ا ّ
ل وأخرجوه ،وقاموا له ِ
ي ،فآمن به وصّدقه.
عّداسًا النصران ّ
صلى ال عليه وسلم راجعًا إلى مّكة ،وفي طريقه لقي َ
)يتبع(...
صيبين،
ن أهل َن ِ
صرف إليه نفر من الجن سبعٌة ِم ْ
وفي طريقه أيضًا بنخلة ُ @
ك الجبال يأمره ِبطاعته ،وأن ُيطبق
ل إليه َمَل َ
فاستمعوا القرآن وأسلموا ،وفي طريقه تلك أرسل ا ّ
ج ِم ْ
ن ل ُيخِر ُ
ل ا َّ
ستأِني ِبِهمَ ،لَع ّ
ل َأ ْ
ل َب ْ
على قومه أخشبي مّكة ،وهما جبلها إن أراد ،فقالَ )) :
شْيئًا(( .وفي طريقه دعا بذلك الدعاء المشهور)) :اللهم إليك أشكو
ك ِبِه َ
شِر ُ
ل ُي ْ
ن َيْعُبُده َ
لِبِهم َم ْ
صََأ ْ
ضعف ُقّوتي ،وقلة حيلتي (( ...الحديث ،ثم دخل مّكة في جوار المطعم بن عدي.
عِرجَ به إلى فوق
ثم أسري بروحه وجسده إلى المسجد القصى ،ثم ُ
ل عّز وجل ،فخاطبه ،وفرض عليه الصلوات ،وكان ذلك مرة
السماوات بجسده وروحه إلى ا ّ
واحدة ،هذا أصح القوال .وقيل :كان ذلك منامًا ،وقيل :بل يقال :أسري به ،ول يقال :يقظة ول
41
لسراء مرتين:
لسراء إلى بيت المقدس يقظة ،وإلى السماء منامًا .وقيل :كان ا ِ
منامًا .وقيل :كان ا ِ
ث مرات ،وكان ذلك بعد المبعث بالتفاق.
مرة يقظة ،ومرة منامًا .وقيل :بل أسري به ثل َ
عّد من أغلط شريك
وأّما ما وقع في حديث شريك أن ذلك كان قبل أن ُيوحى إليه ،فهذا مّما ُ
لسراء وقيل :إن هذا كان إسراء المنام قبل الوحي .وأّما إسراء
الثمانية ،وسوء حفظه ،لحديث ا ِ
اليقظة ،فبعد النبوة ،وقيل :بل الوحي هاهنا مقيد ،وليس بالوحي المطلق الذي هو مبدأ النبوة،
ل أعلم.
لسرار ،فأسري به فجأة من غير تقدم إعلم ،وا ّ
والمراد :قبل أن يوحى إليه في شأن ا ِ
ض نفسه
ل تعالىَ ،وَيْعِر ُ
فأقام صلى ال عليه وسلم بمّكة ما أقام ،يدعو القبائل إلى ا ّ
ب له قبيلة ،واّدخر ال
جي ْ
سَت ِ
عليهم في كل موسم أن يؤووه ،حتى يبّلَغ رسالة ربه ولهم الجّنة ،فلم َت ْ
ل تعالى إظهار دينه ،وإنجاز وعده ،ونصر نبيه ،وإعلء كلمته،
ذلك كرامة للنصار ،فلما أراد ا ّ
والنتقام من أعدائه ،ساقه إلى النصار ،لما أراد بهم من الكرامة ،فانتهى إلى نفر منهم ستة ،وقيل:
ل ،وقرأ عليهم
ثمانية ،وهم يحِلُقون رؤوسهم عند عقبِة ِمنى في الموسم ،فجلس إليهم ،ودعاهم إلى ا ّ
لسلم ،حتى فشا فيهم ،ولم
عْوا قومهم إلى ا ِ
ل ورسوله ،ورجعوا إلى المدينةَ ،فَد َ
القرآن ،فاستجابوا ّ
ل مسجد ُقرىء فيه
ل صلى ال عليه وسلم .فأو ُ
ن رسول ا ّ
يبق دار من دور النصار إل وفيها ذكٌر ِم ْ
ل من النصار ،منهم
ن بالمدينة مسجد بني ُزريق،ثم قِدم مكة في العام القابل اثنا عشر رج ً
القرآ ُ
ل صلى ال عليه وسلم على بيعة النساء عند العقبة ،ثم
خمسة من الستة الولين ،فبايعوا رسول ا ّ
ل وامرأتان ،وهم أه ُ
ل انصرفوا إلى المدينة ،فَقِدم عليه في العام القابل منهم ثلثة وسبعون رج ً
ل صلى ال عليه وسلم على أن يمنعوه مّما يمنعون منه نساءهم
العقبة الخيرة ،فبايعوا رسول ا ّ
ل صلى ال عليه وسلم منهم اثني
لا ّ
وأبناءهم وأنفسهم ،فترحل هو وأصحاُبه إليهم ،واختار رسو ُ
ل صلى ال عليه وسلم لصحابه في الهجرة إلى المدينة ،فخرجوا أْرسا ً
ل عشر نقيبًا ،وأذن رسول ا ّ
متسللين ،أولهم فيما قيل :أبو سلمة بن عبد السد المخزومي ،وقيل :مصعب بن عمير فقدموا على
ل صلى ال
ل لرسول ا ّ
نا ّ
لسلُم بالمدينة ،ثم َأِذ َ
النصار في دورهم ،فآَووهم ،ونصروهم ،وفشا ا ِ
عليه وسلم في الهجرة ،فخرج من مكة يوم الثنين في شهر ربيع الّول وقيل :في صفر ،وله إذ
عامُر بن ُفَهْيَرَة مولى أبي بكر ،ودليلهم عبد الّ
ذاك ثلث وخمسون سنة ،ومعه أبو بكر الصديق ،و َ
غار َثور هو وأبو بكر ،فأقاما فيه ثلثًا ،ثم أخذا على طريق الساحل ،فلما
لَرْيِقط الليثي ،فدخل َ
بن ا ُ
ت ِمن شهر ربيع الّول ،وقيل غير ذلك،
خَل ْ
انتَهْوا إلى المدينة ،وذلك يوم الثنين لثنتي عشرة ليلة َ
نزل بُقَباء في أعلى المدينة على بني عمرو بن عوف .وقيل :نزل على كلثوم بن الِهْدم .وقيل :على
42
سعِد بن خيثمة ،والول أشهر ،فأقام عندهم أربعة عشر يومًا ،وأسس مسجد ُقباء ،ثم خرج يوم
الجمعة ،فأدركته الجمعة في بني سالم ،فجمع بهم بمن كان معه من المسلمين ،وهم مائة ،ثم ركب
سِبيَلَها
خّلوا َ
ناقته وسار ،وجعل الناس يكلمونه في النزول عليهم ،ويأخذون بخطام الناقة ،فيقولَ )) :
َفإّنها َمْأُموَرٌة(( فبركت عند مسجده اليوم ،وكان ِمربدا لسهل وسهيل غلمين من بني النجار ،فنزل
ن،
عنها على أبي أيوب النصاري ،ثم بنى مسجده موضع المربد بيده هو وأصحابه بالجريد والّلِب ِ
ثم بنى مسكنه ومساكن أزواجه إلى جنبه ،وأقرُبها إليه مسكن عائشة ،ثم تحول بعد سبعة أشهر من
ل،
دار أبي أيوب إليها ،وبلغ أصحاَبه بالحبشة هجَرُته إلى المدينة ،فرجع منهم ثلثة وثلثون رج ً
ل صلى ال عليه وسلم بالمدينة ،ثم هاجر بقيتهم
حِبسَ منهم بمكة سْبَعٌة ،وانتهى بقيتهم إلى رسول ا ّ
َف ُ
في السفينة عام خيبر سنة سبع.
فصل
في أولده صلى ال عليه وسلم
ل ،وقيل :عاش إلى أن ركب الدابة ،وسار على
أولهم القاسم ،وبه كان ُيكنى ،مات طف ً
النجيبة.
ثم زينب ،وقيل :هي أسن من القاسم ،ثم ُرَقّية ،وأم كلثوم ،وفاطمة ،وقد قيل في كل واحدة
ن من أختها ،وقد ُذِكَر عن ابن عباس أن رقّية أسن الثلث ،وأم كلثوم أصغُرهن.
منهن :إنها أس ّ
ل ،وهل ولد بعد النبوة ،أو قبلها؟ فيه اختلف ،وصحح بعضهم أنه ولد بعد
ثم ولد له عبد ا ّ
ل أعلم.
النبوة ،وهل هو الطيب والطاهر ،أو هما غيُره؟ على قولين .والصحيح :أنهما لقبان له ،وا ّ
وهؤلء كلهم من خديجة ،ولم ُيولد له من زوجة غيرها.
شره به أبو
سّرّيِتِه ))مارية القبطية(( سنة ثمان من الهجرة ،وب ّ
ثم ولد له إبراهيم بالمدينة من ُ
ل قبل الفطام ،واختلف هل صلى عليه ،أم ل؟ على قولين.
رافع موله ،فوهب له عبدًا ،ومات طف ً
ل لها بصبرها واحتسابها
وكل أولده توفي قبَله إل فاطمة ،فإنها تأخرت بعده بستة أشهر فرفع ا ّ
لطلق ،وقيل :إنها
ل بناته على ا ِ
ت به على نساء العالمين .وفاطمة أفض ُ
ضَل ْ
من الدرجات ما ُف ّ
أفضل نساء العالمين ،وقيل :بل أمها خديجة ،وقيل :بل عائشة ،وقيل :بل بالوقف في ذلك.
فصل
في أعمامه وعّماته صلى ال عليه وسلم
43
ل وأسُد رسوله سيُد الشهداء حمزُة بن عبد المطلب ،والعّباس ،وأبو طالب
فمنهم أسُد ا ِّ
واسمه عبُد مناف ،وأبو لهب واسمه عبد العزى ،والزبير ،وعبد الكعبة ،والمقّوم ،وضرارَ ،وُقَثم،
حجل ،والغيداق واسمه مصعب ،وقيل :نوفل ،وزاد بعضهم :العوام ،ولم ُيسلم منهم
والمغيرة ولقبه َ
إل حمزة والعّباس .وأّما عّماته ،فصفية أم الزبير بن العوام ،وعاتكة ،وَبّرة ،وأروى ،وأميمة ،وأم
حكيم البيضاء .أسلم منهن صفية ،واختلف في إسلم عاتكة وأروى ،وصحح بعضهم إسلم أروى.
عَقب منه حتى مل أولُده الرض .وقيل:
وأسن أعمامه :الحارث ،وأصغرهم سنًا :العباس ،و َ
أحصوا في زمن المأمون ،فبلغوا ستمائة ألف ،وفي ذلك ُبعٌْد ل يخفى ،وكذلك أعقب أبو طالب
ل[
وأكثر ،والحارث ،وأبو لهب ،وجعل بعضهم الحارث والمقّوم واحدا ،وبعضهم الغيداق ]رج ً
واحدًا.
فصل
في أزواجه صلى ال عليه وسلم
خويلد القرشية السدية ،تزوجها قبل النبوة ،ولها أربعون سنة ،ولم
أولهن خديجة بنت ُ
ل إبراهيَم ،وهي التي آزرته على النبوة ،وجاهدت
ج عليها حتى ماتت ،وأولده كّلهم منها إ ّ
يتزو ْ
ل إليها السلَم مع جبريل ،وهذه خاصة ل ُتعرف لمرأة
معه ،وواسته بنفسها ومالها ،وأرسل ا ّ
سواها ،وماتت قبل الهجرة بثلث سنين.
سْودة بنت َزْمَعة الُقرشية ،وهي التي وهبت يومها لعائشة.
ثم تزوج بعد موتها بأيام َ
صّديق ،المبّرأة من فوق
صّديقة بنت ال ّ
ل عائشة ال ّ
ثم تزوج بعدها أّم عبد ا ّ
صّديق ،وعرضها عليه
ل صلى ال عليه وسلم عائشة بنت أبي بكر ال ّ
سبع سماوات ،حبيبة رسول ا ّ
سَرَقٍة من حرير وقال)) :هذه زوجتك(( تزوج بها في شوال وعمرها ست
ك قبل نكاحها في َ
الَمَل ُ
سنين ،وبنى بها في شوال في السنة الولى من الِهجرة وعمرها تسع سنين ،ولم يتزوج بكرًا
ب الخلق إليه ،ونزل عذُرَها ِمن
غيرها ،وما نزل عليه الوحي في ِلحاف امرأة غيرها ،وكانت أح ّ
السماء ،واتفقت المة على كفر َقاِذفها ،وهي أفقه نسائه وأعلُمهن ،بل أفقُه نساِء الّمة وأعلمُه ّ
ن
ن أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم يرجعون إلى قولها
لطلق ،وكان الكابُر ِم ْ
على ا ِ
سْقطًا ،ولم يثبت.
ويستفتونها .وقيل :إنها أسقطت من النبي صلى ال عليه وسلم ِ
ل عنه ،وذكر أبو
ثم تزوج حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي ا ّ
داود أنه طلقها ،ثم راجعها.
44
ثم تزوج زينب بنت خزيمة بن الحارث القيسية ،من بني هلل
بن عامر ،وتوفيت عنده بعد ضمه لها بشهرين.
ثم تزوج أّم سلمة هند بنت أبي أمية القرشية
المخزومية ،واسم أبي أمية حذيفة بن المغيرة ،وهي آخر نسائه موتًا .وقيل :آخرهن موتًا صفية.
واختلف فيمن ولي تزويجها منه؟ فقال ابن سعد
في ))الطبقات(( :ولي تزويجها منه سلمة بن أبي سلمة دون غيره من أهل بيتها ،ولما زوج النبي
صلى ال عليه وسلم سلمة بن أبي سلمة أمامة بنت حمزة التي اختصم فيها علي وجعفر وزيد قال:
ت سلمة(( يقول ذلك ،لن سلمة هو الذي تولى تزويجه دون غيره من أهلها ،ذكر هذا
))هل جزي ُ
في ترجمة سلمة ،ثم ذكر في ترجمة أم سلمة عن الواقدي :حدثني مجمع بن يعقوب ،عن أبي بكر
ل صلى ال عليه وسلم خطب أم سلمة إلى
بن محمد بن عمر بن أبي سلمة ،عن أبيه ،أن رسول ا ّ
ل صلى ال عليه وسلم وهو يومئٍذ غلم صغير.
لا ّ
ابنها عمر بن أبي سلمة ،فزّوجَها رسو َ
لمام أحمد في ))المسند(( :حدثنا عفان ،حدثنا حّماد بن أبي سلمة ،حدثنا ثابت قال:
وقال ا ِ
ن أبي سلمة ،بعث
عّدُتَها ِم ْ
حدثني ابن عمر بن أبي سلمة ،عن أبيه ،عن أم سلمة أنها لما انقضت ِ
غيرى،
حَبًا برسول صلى ال عليه وسلم إني امرأة َ
ل صلى ال عليه وسلم ،فقالتَ :مْر َ
لا ّ
إليها رسو ُ
س أحٌد من أوليائي حاضرًا ...الحديث ،وفيه فقالت لبنها عمر :قم فزوج رسول
صِبَيٌةَ ،وَلْي َ
وإني ُم ْ
ل صلى
ل صلى ال عليه وسلم ،فزوجه ،وفي هذا نظر ،فإن عمر هذا كان سّنه لما توفي رسول ا ّ
ا ّ
ل صلى ال عليه وسلم في شوال سنة
ال عليه وسلم تسع سنين ،ذكره ابن سعد ،وتزوجها رسول ا ّ
أربع ،فيكون له من العمر حينئٍذ ثلث سنين ،ومثل هذا ل يزّوج قال ذلك ابن سعد وغيره ،ولما قيل
لمام أحمد ،قال :من يقول :إن عمر كان صغيرًا؟! قال أبو الفرج بن الجوزي :ولعل أحمد
ذلك ل ِ
سّنه جماعٌة من المؤّرخين ،ابن سعد وغيره.
سّنه ،وقد ذكر مقدار ِ
قال هذا قبل أن يقف على مقدار ِ
ل صلى ال عليه وسلم ابن عّمها عمر بن الخطاب ،والحديث
وقد قيل :إن الذي زوجها من رسول ا ّ
ل صلى ال عليه وسلم(( ونسب عمر ،ونسب أم سلمة يلتقيان في
))قم يا عمر فزوج رسول ا ّ
ل بن ُقرط ،بن رزاح بن
كعب ،فإنه عمر بن الخطاب بن نفيل ،بن عبد العزى ،بن رياح ،بن عبد ا ّ
عدي بن كعب ،وأم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد ال بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة
ل صلى ال عليه وسلم،
بن كعب ،فوافق اسُم ابنها عمر اسَمه ،فقالت :قم يا عمر ،فزوج رسول ا ّ
فظن بعض الرواة أنه ابنها ،فرواه بالمعنى وقال :فقالت لبنها ،وذهل عن تعذر ذلك عليه لصغر
45
ل صلى ال عليه
سنه ،ونظير هذا َوْهم بعض الفقهاء في هذا الحديث ،وروايتهم له ،فقال رسول ا ّ
وسلم ))قم يا غلم فزوج أمك(( قال أبو الفرج بن الجوزي :وما عرفنا هذا في هذا الحديث ،قال:
ل أن يكون قاله على وجه المداعبة للصغير ،إذ كان له من العمر يومئٍذ ثلث
وإن ثبت ،فيحَتِم ُ
سنين ،لن رسول ال صلى ال عليه وسلم تزوجها في سنة أربع ،ومات ولعمر تسُع سنين،
حه إلى ولي .وقال ابن عقيل :ظاهر كلم أحمد أن
ل صلى ال عليه وسلم ل يفَتِقُر ِنكا ُ
ورسول ا ّ
ي ،وأن ذلك من خصائصه.
النبي صلى ال عليه وسلم ل ُيشترط في نكاحه الول ّ
ثم تزوج زينب بنت جحش من بني أسد بن خزيمة وهي ابنة عمته أميمة ،وفيها نزل
خر على نساء
جَناَكَها{ ]الحزاب [37 :وبذلك كانت تفت ِ
طرًا َزّو ْ
ى َزْيٌد ّمْنَها َو َ
ضَقوله تعالىَ} :فَلّما َق َ
ن أهاليُكن ،وزوجني ال ِمن فوق سبع سماوات.
النبي صلى ال عليه وسلم ،وتقول زوجُك ّ
ل سبحانه وتعالى كان هو ولّيها الذي زوجها لرسوله ِمن فوق سماواته،
ومن خواصها أن ا ّ
ل صلى
لا ّ
ل عند زيد بن حارثة ،وكان رسو ُ
وتوفيت في أول خلفة عمر بن الخطاب ،وكانت أو ً
سى به ُأّمته في نكاح أزواج من
ل تعالى إَياها لتتأ ّ
ال عليه وسلم تبّناه ،فلما طلقها زيد ،زّوجه ا ّ
تبّنْوه.
طِلِقّيَة،
صَجوْيرَية بنت الحارث بن أبي ضرار الُم ْ
وتزوج في صلى ال عليه وسلم ُ
ن به على ِكتابتها ،فأدى عنها كتابَتها وتزوجها.
ق ،فجاءته تستعي ُ
طِل ِ
صَوكانت من سبايا بني الُم ْ
ثم تزوج أّم حبيبة ،واسمها رملة بنت أبي سفيان صخِر بن حرب القرشية
الموية .وقيل :اسمها هند ،تزوجها وهي ببلد الحبشة مهاجرة ،وأصدقها عنه النجاشي أربعمائة
دينار ،وسيقت إليه من هناك ،وماتت في أيام أخيها معاوية .هذا هو المعروف المتواتر عند أهل
سير والتواريخ ،وهو عندهم بمنزلة نكاحه لخديجة بمّكة ،ولحفصة بالمدينة ،ولصفية بعد خيبر.
ال ّ
وأّما حديث عكرمة بن عّمار ،عن أبي ُزميل ،عن ابن عباس أن أبا
ب ُأمّ
ل الَعَر ِ
جَم ُ
عْنِدي َأ ْ
نِ ،مْنَهاَ :و ِ
طاُه إّياُه ْ
عَلَثًاَ ،فأ ْ
ك َث َ
سَأُل َ
سفيان قال للنبي صلى ال عليه وسلمَ)) :أ ْ
ك ِإّياَها((.
حِبيَبَة ُأَزّوج َ
َ
فهذا الحديث غلط ل خفاء به ،قال أبو محمد بن حزم :وهو موضوع بل شكَ ،كَذَبُه عكرمة
بن عمار ،وقال ابن الجوزي في هذا الحديث :هو وهم من بعض الرواة ،ل شك فيه ول تردد ،وقد
ل بن
اتهموا به عكرمة بن عمار ،لن أهل التاريخ أجمعوا على أن أم حبيبة كانت تحت عبد ا ّ
صر ،وثبتت أم حبيبة على
جحش ،وولدت له ،وهاجر بها وهما مسلمان إلى أرض الحبشة ،ثم تن ّ
46
ل صلى ال عليه وسلم إلى النجاشي يخطبها عليه ،فزوجه إَياها ،وأصدقها
إسلمها ،فبعث رسول ا ّ
عنه صداقًا ،وذلك في سنة سبع من الهجرة ،وجاء أبو سفيان في زمن الُهدنة فدخل عليها ،فثنت
س عليه ،ول خلف أن أبا سفيان ومعاوية أسلما
ل صلى ال عليه وسلم حتى ل يجل َ
ِفراش رسولى ا ّ
في فتح مكة سنة ثمان.
وأيضًا ففي هذا الحديث أنه قال له :وتؤّمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين،
قال :نعم .ول يعرف أن النبي صلى ال عليه وسلم َأّمَر أبا سفيان البتة.
س الكلم في هذا الحديث ،وتعددت طرقهم في وجهه ،فمنهم من قال :الصحيح
وقد أكثر الّنا ُ
أنه تزوجها بعد الفتح لهذا الحديث ،قال :ول ُيرد هذا بنقل المؤّرخين ،وهذه الطريقة باطلة عند من
سيرة وتواريخ ما قد كان.
له أدنى علم بال ّ
وقالت طائفة :بل سأله أن يجدد له العقد تطييبًا لقلبه ،فإنه كان قد تزوجها بغير اختياره،
وهذا باطل ،ل ُيظن بالنبي صلى ال عليه وسلم ،ول يليق بعقل أبي سفيان ،ولم يكن من ذلك شيء.
وقالت طائفة منهم البيهقي والمنذري :يحتِمل أن تكون هذه المسألة من أبي سفيان وقعت في
بعض خرجاته إلى المدينة ،وهو كافر حين سمع نعي زوج أم حبيبة بالحبشة ،فلما ورد على هؤلء
حيلة لهم في دفعه ِمن سؤاله أن يؤمره حتى يقاتل الكفار ،وأن يتخذ ابنه كاتبًا ،قالوا :لع ّ
ل ما ل ِ
سفُ والتكلف
هاتين المسألتين وقعتا منه بعد الفتح ،فجمع الراوي ذلك كله في حديث واحد ،والتع ّ
الشديد الذي في هذا الكلم ُيغني عن رده.
وقالت طائفة :للحديث محمل آخر صحيح ،وهو أن يكون المعنى :أرضى أن تكون زوجَتك
الن ،فإني قبل لم أكن راضيًا ،والن فإني قد رضيت ،فأسألك أن تكون زوجَتك ،وهذا وأمثاله لو
ت به الوراق ،وصنفت فيه الُكتب ،وحمله الناس ،لكان الولى بنا الرغبَة عنه،
سّوَد ْ
لم يكن قد ُ
لضيق الزمان عن كتابته وسماعه والشتغال به ،فإنه من ُرْبِد الصدور ل من ُزْبدها.
ل صلى ال عليه وسلم طلق نساءه لما آلى
وقالت طائفة :لما سمع أبو سفيان أن رسول ا ّ
منهن ،أقبل إلى المدينة ،وقال للنبي صلى ال عليه وسلم ما قال ،ظنًا منه أنه قد طلقها فيمن طلق،
وهذا من جنس ما قبله.
وقالت طائفة :بل الحديث صحيح ،ولكن وقع الغلط والوهم من أحد الرواة في تسمية
أم حبيبة ،وإنما سأل أن يزوجه أختها رملة ،ول يبعد خفاء التحريم للجمع عليه ،فقد خفي ذلك على
ل صلى ال عليه وسلم :هل لك في أختي بنت أبي
ابنته ،وهي أفقه منه وأعلم حين قالت لرسول ا ّ
47
ح ُ
ب خِليٍة ،وَأ َ
حها .قال)) :أو تحبين ذلك؟(( قالت :لست لك بُم ْ
سفيان؟ فقال)) :أفعل ماذا؟(( قالتَ :تنِك ُ
ل لي(( .فهذه هي التي عرضها أبو سفيان على
حّل َت ِ
ن شَِرَكني في الخير ُأختي ،قال)) :فإّنها َ
َم ْ
النبي صلى ال عليه وسلم ،فسماها الراوي من عنده أم حبيبة .وقيل :بل كانت كنيتها أيضًا أم
حبيبة ،وهذا الجواب حسن لول قوله في الحديث :فأعطاه رسول ال صلى ال عليه وسلم ما سأل،
فيقال حينئٍذ :هذه اللفظة وهم من الراوي ،فإنه أعطاه بعض ما سأل ،فقال الراوي :أعطاه ما سأل،
ل أعلم.
ل على فهم المخاطب أنه أعطاه ما يجوز إعطاؤه مّما سأل ،وا ّ
أو أطلقها اتكا ً
ب سيد بني النضير من
ط َ
خَحيي بن َأ ْ
ت ُ
وتزوج صلى ال عليه وسلم صفّية بن َ
ن َأجمل نساِء العالمين.
ولد هارون بن عمران أخي موسى ،فهي ابنة نبي ،وزوجة نبي ،وكانت ِم ْ
عتقها صداَقها،
ي أمة فأعتقها ،وجعل ِ
صف ّ
وكانت قد صارت له من ال ّ
ق الرجل أَمته ،ويجعل عتقها صداقها ،فتصير زوجته
سّنًة للّمة إلى يوم القيامة ،أن َيْعِت َ
فصار ذلك ُ
عتق أمتي صداقها ،صح
صَداقها ،أو قال :جعلت ِ
عتقها َ
بذلك ،فإذا قال :أعتقت أمتي ،وجعلت ِ
العتق والنكاح ،وصارت زوجَته من غير احتياج إلى تجديد عقد ول ولي ،وهو ظاهر مذهب أحمد
وكثيٍر من أهل الحديث.
ل به في النكاح دون
وقالت طائفة :هذا خاص بالنبي صلى ال عليه وسلم وهو مما خصه ا ّ
المة ،وهذا قول الئمة الثلثة ومن وافقهم ،والصحيح القول الول ،لن الصل عدم الختصاص
ن{
صًة ّلك ِمن ُدو ِ
خاِل َ
ل سبحانه لما خصه بنكاح الموهوبة له ،قال فيهاَ } :
حتى يقوم عليه دليل ،وا ّ
ل صلى ال عليه وسلم ليقطع تأسي
]الحزاب [50 :ولم يقل هذا في المعتقة ،ول قاله رسول ا ّ
ج في نكاح
ل سبحانه أباح له نكاح امرأة َمن تبّناه ،لئل يكون على المة حر ٌ
المة به في ذلك ،فا ّ
ل ورسوله
ت عن ا ّ
ل على أنه إذا نكح ِنكاحًا ،فلّمِته التأسي به فيه ،ما لم يأ ِ
أزواج من تبّنوه ،فد َ
ص بالختصاص وقطع التأسي ،وهذا ظاهر.
ن ٌ
ولتقرير هذه المسألة وبسط الحجاج فيها -وتقرير أن جواز مثل هذا هو مقتضى الصو ِ
ل
والقياس -موضٌع آخر ،وإنما نبهنا عليه تنبيهًا.
ثم تزوج ميمونَة بنت الحارث الِهللية ،وهي آخر من تزوج بها ،تزوجها بمكة في
عمرة القضاء بعد أن حل منها على الصحيح .وقيل :قبل إحلله ،هذا قول ابن عباس ،ووهم رضي
ل عنه ،فإن السفير بينهما بالنكاح أعلم الخلق بالِقصة ،وهو أبو رافع ،وقد أخبر أنه تزوجها
ا ّ
ل ،وقال :كنت أنا السفير بينهما ،وابن عباس إذ ذاك له نحو العشر سنين أو فوقها ،وكان غائبًا
حل ً
48
عن القصة لم يحضرها ،وأبو رافع رجل بالغ ،وعلى يده دارت القصة ،وهو أعلم بها ،ول يخفى
ف((.
سِر َ
أن مثل هذا الترجيح موجب للتقديم وماتت في أيام معاوية ،وقبرها بـ)) َ
قيل :ومن أزواجه ريحانة بنت زيد النضرية .وقيل :القرظية ،سبيت يوم بني
ل صلى ال عليه وسلم ،فأعتقها وتزوجها ،ثم طلقها تطليقة ،ثم
ي رسول ا ّ
قريظة ،فكانت صف ّ
راجعها.
وقالت طائفة :بل كانت أمَته ،وكان يطؤها بملك اليمين حتى توفي عنها ،فهي معدودة في
السراري ،ل في الزوجات ،والقول الول اختياُر الواقدي ،ووافقه عليه شرف الدين الدمياطي.
وقال :هو الثبت عند أهل العلم .وفيما قاله نظر ،فإن المعروف أنها من سراريه ،وإمائه ،وا ّ
ل
أعلم.
فهؤلء نساؤه المعروفات اللتي دخل بهن ،وأما من خطبها ولم يتزوجها ،ومن وهبت
سها له ،ولم يتزوجها ،فنحو أربع أو خمس ،وقال بعضهم :هن ثلثون امرأة ،وأهل العلم بسيرته
نف َ
وأحواله صلى ال عليه وسلم ل يعرفون هذا ،بل ينكرونه ،والمعروف عندهم أنه بعث إلى الجونية
ليتزوجها ،فدخل عليها ليخطبها ،فاستعاذت منه ،فأعاذها ولم يتزوجها ،وكذلك الكلبية ،وكذلك التي
رأى بكشحها بياضًا ،فلم يدخل بها ،والتي وهبت نفسها له فزوجها غيره على سور من القرآن ،هذا
ل اعلم.
هو المحفوظ ،وا ّ
ول خلف أنه صلى ال عليه وسلم توفي عن تسع ،وكان يقسم منهن لثمان :عائشة،
وحفصة ،وزينب بنت جحش ،وأم سلمة ،وصفية ،وأم حبيبة ،وميمونة ،وسودة ،وجويرية.
ب بنت جحش سنة عشرين،
وأول نسائه لحوقًا به بعد وفاته صلى ال عليه وسلم زين ُ
ل أعلم.
خرهن موتًا أم سلمة ،سنة اثنتين وستين في خلفة يزيد ،وا ّ
وآ ِ
فصل
في سراريه صلى ال عليه وسلم
قال أبو عبيدة :كان له أربع :مارية وهي أم ولده إبراهيم ،وريحانة وجارية أخرى جميلة
أصابها في بعض السبي ،وجارية وهبتها له زينب بنت جحش.
فصل
في مواليه صلى ال عليه وسلم
حيل ،مولته أّم أيمن ،فولدت له أسامة.
فمنهم زيد بن حارثة بن شرا ِ
49
فصل
لسلم في الشرائع
في كتبه صلى ال عليه وسلم التي كتبها إلى أهل ا ِ
فمنها كتاُبه في الصدقات الذي كان عند أبي بكر ،وكتبه أبو بكر لنس بن مالك لما وجهه
إلى البحرين وعليه عمل الجمهور.
ومنها كتاُبه إلى أهل اليمن وهو الكتاب الذي رواه أبو بكر بن عمرو بن حزم عن أبيه عن
ل ،ورواه أبو داود
جده ،وكذلك رواه الحاكم في ))مستدركه(( ،والنسائي ،و غيرهما مسندًا متص ً
ع كثيرة من الفقه ،في الزكاة ،والديات ،والحكام ،وذكر
ل ،وهو كتاب عظيم ،فيه أنوا ٌ
وغيره مرس ً
الكبائر ،والطلق ،والعتاق ،وأحكام الصلة في الثوب الواحد ،والحتباء فيه ،ومس المصحف،
وغير ذلك.
ل صلى ال عليه وسلم َكَتَبه ،واحتج الفقهاُء كُلهم بما فيه
لا ّ
لمام أحمد :ل شك أن رسو َ
قال ا ِ
من مقادير الديات.
ومنها كتابه إلى بني زهير.
ومنها كتاُبه الذي كان عند عمر بن الخطاب في نصب الزكاة ،وغيرها.
فصل
في كتبه ورسله صلى ال عليه وسلم إلى الملوك
حَدْيِبَيِة ،كتب إلى ملوك الرض ،وأرسل إليهم رسله ،فكتب إلى ملك الّروم،
لما رجع من ال ُ
فقيل له :إنهم ل يقرؤون كتابًا إل إذا كان مختومًا ،فاتخذ خاتمًا من فضة ،ونقش عليه ثلثة أسطر:
محّمد سطر ،ورسول سطر ،وال سطر ،وختم به الكتب إلى الملوك ،وبعث ستة نفر في يوم واحد
في المحرم سنة سبع.
صحمة بن َأبجر،
ضْمري ،بعثه إلى النجاشي ،واسمه َأ ْ
فأولهم عمرو بن أمية ال ّ
ب النبي صلى ال عليه وسلم ،ثم َأسلم ،وشهد شهادة
ظم كتا َ
وتفسير ))أصحمة(( بالعربية :عطية ،فع ّ
ي صلى ال عليه وسلم يوم مات بالمدينة
لنجيل ،وصلى عليه النب ّ
ن أعلم الناس با ِ
الحق ،وكان ِم ْ
وهو بالحبشة ،هكذا قال جماعة ،منهم الواقدي وغيره ،وليس كما قال هؤلء ،فإن أصحمة النجاشي
ل صلى ال عليه وسلم ليس هو الذي كتب إليه ،هذا الثاني ل يعرف
الذي صلى عليه رسول ا ّ
إسلمه ،بخلف الول ،فإنه مات مسلمًا .وقد روى مسلم في ))صحيحه (( من حديث قتادة عن
شيَ ،وإَلى ُك ّ
ل جا ِ
صر ،وإلى الّن َ
سَرى ،وإلى َقْي َ
ل صلى ال عليه وسلم إلى ِك ْ
لا ّ
ب رسو ُ
أنس قال :كَت َ
51
شِمر الغساني
وبعث شجاع بن وهب السدي إلى الحارث بن أبي َ
ن الْيَهِم .وقيل :توجه لهما معًا.
جَبلََة ب ِ
ملك البلقاء ،قاله ابن إسحاق والواقدي .قيل :إنما توجه ِل َ
ل أعلم.
وقيل :توجه لهرقل مع ِدحية بن خليفة ،وا ّ
)يتبع(...
ط بن عمرو إلى َهوَذَة بن علي الحنفي باليمامة ،فأكرمه .وقيل :بعثه إلى هوذة
سِلي َ
وبعث َ @
سِلْم َهوذة ،وأسلم ثمامة بعد ذلك ،فهؤلء الستة قيل :هم الذين
ن أثال الحنفي ،فلم ي ْ
وإلى ُثماَمة ب ِ
ل صلى ال عليه وسلم في يوم واحد.
لا ّ
بعثهم رسو ُ
جَلْنَدى
ل ابني ال ُ
وبعث عمرو بن العاص في ذي القعدة سنة ثمان إلى جعفر وعبد ا ّ
الزديين بُعمان ،فأسلما ،وصدقا ،وخّليا بين عمرو وبين الصدقة والحكم فيما بينهم ،فلم يزل فيما
ل صلى ال عليه وسلم.
بينهم حتى بلغته وفاُة رسول ا ّ
ساَوى العبدي ملك البحرين قبل
ضرمي إلى المنذر بن َ
ح ْ
وبعث العلء بن ال َ
جْعَراَنِة(( وقيل :قبل الفتح فأسلم وصدق.
منصرفه من ))ال ِ
وبعث المهاجر بن أبي أمية المخزومي إلى الحارث بن عبد كلل
حميري باليمن ،فقال :سأنظر في أمري.
ال ِ
وبعث أبا موسى الشعري ،ومعاَذ بن جبل إلى اليمن عند
لسلم ،فأسلم عامة أهلها
انصرافه من تبوك .وقيل :بل سنة عشر من ربيع الول داعيين إلى ا ِ
طوعًا من غير قتال.
ثم بعث بعد ذلك علي بن أبي طالب إليهم ،ووافاه بمكة في حجة الوداع.
حميري ،وذي عمرو ،يدعوهما إلى
جلي إلى ذي الَكلع ال ِ
ل الَب َ
وبعث جرير بن عبد ا ّ
ل صلى ال عليه وسلم ،وجرير عندهم.
ل ا ِّ
لسلم ،فأسلما ،وتوفي رسو ُ
اِ
ضْمري إلى مسيلَمة الكذاب بكتاب ،وكتب إليه بكتاب آخر مع
وبعث عمرو بن أمية ال ّ
السائب بن العوام أخي الزبير فلم ُيسلم.
لسلم .وقيل :لم يبعث إليه ،وكان فروة
جَذامي يدعوه إلى ا ِ
وبعث إلى فروة بن عمرو ال ُ
عاملً لقيصر بمعان ،فأسلم ،وكتب إلى النبي صلى ال عليه وسلم بإسلمه ،وبعث إليه هدية مع
ظرب ،وحمار يقال له:
مسعود بن سعد ،وهي بغلة شهباء يقال لها :فضة ،وفرس يقال لها :ال ّ
53
فصل
في ذكر سلحه وأثاثه صلى ال عليه وسلم
كان له تسعة أسياف:
مأثور ،وهو أول سيف ملكه ،ورثه من أبيه.
ضب ،وذو الِفقار ،بكسر الفاء ،وبفتح الفاء ،وكان ل يكاُد ُيفارقه ،وكانت قائمته وقبيعُته
والع ْ
خَذم،
ن فضة .والقلعي ،والبتار ،والحتف ،والّرسوب ،والمِ ْ
وحلقُته وذؤابته وبكراُته ونعُله ِم ْ
ل سيفه فضًة ،وما بين ذلك حلق فضة.
والقضيب ،وكان نع ُ
وكان سيفه ذو الِفقار تنّفله يوم بدر ،وهو الذي ُأري فيها الرؤيا ،ودخل .يوم الفتح مكة
وعلى سيفه ذهب وفضة.
وكان له سبعة أدرع:
ذات الفضول :وهي التي رهنها عند أبي الشحم اليهودي على شعير لعياله ،وكان ثلثين
ع ِمن حديد.
صاعًا ،وكان الّدْين إلى سنة ،وكانت الّدر ُ
خْرنق
وذات الِوشاح ،وذات الحواشي ،والسعدية ،وفضة ،والبتراء وال ِ
ت يوم
سَر ْ
ي :ا لزوراء ،والّروحاء ،والصفراء ،والبيضاء ،والَكتوم ،كُ ِ
ت ِقس ّ
وكانت له س ّ
سداد.
أحد ،فأخذها قتادة بن النعمان ،وال ّ
لبزيم
طَقة من أديم منشور فيها ثلث حلق من فضة ،وا ِ
جْعَبة تدعى :الكافورَ ،وِمْن َ
وكانت له َ
لسلم ابن تيمية :لم يبلغنا أن النبي
من فضة ،والطرف من فضة ،وكذا قال بعضهم ،وقال شيخ ا ِ
صلى ال عليه وسلم شّد على وسطه منطقة.
وكان له ترس يقال له :الّزنوق ،وترس يقال له :الفَتق .قيل وترس أهدى إليه ،فيه صورُة
ل ذلك التمثال.
تمثال ،فوضع يده عليه ،فأذهب ا ّ
وكانت له خمسة أرماح ،يقال لحدهم :الُمْثِوي ،والخر :الُمْثِني ،وحربة يقال لها :النبعة،
وأخرى كبيرة تدعى :البيضاء ،وأخرى صغيرة شبه العكاز يقال لها :الَعَنَزة يمشي بها بين يديه في
العياد ،تركز أماَمه ،فيتخذها سترة ُيصلي إليها ،وكان يمشى بها أحيانًا.
شَبٍه َوِمغَفر آخر يقال له :السبوغ ،أو :ذو
شح ،وشح ِب َ
وكان له ِمْغَفر من حديد يقال له :المو ّ
السبوغ.
57
فصل
في دوابه صلى ال عليه وسلم
سْكب .قيل :وهو أول فرس ملكه ،وكان اسمه عند العرابي الذي اشتراه منه
فمن الخيل :ال ّ
ق اليمين ُكميتًا .وقيل :كان أدهم.
ل ،طَل َ
جًق :الضرس ،وكان أغّر مح ّ
بعشر أوا ٍ
والُمْرَتجز ،وكان أشهب ،وهو الذي شهد فيه خزيمة بن ثابت.
لمام أبو عبد
حةَ ،والَوْرُد .فهذه سبعة متفق عليها جمعها ا ِ
سْب َ
ظِربَ ،و َ
فَ ،والّلَزاُزَ ،وال ّ
حْي ُ
َوالّل َ
ل محمد بن إسحاق بن جماعة الشافعي في بيت فقال:
ا ّ
سـَراُر
جٌز َوْرٌد لَها أ ْ
ِلـَزاُز ُمْرَت َ ظِر ٌ
ب حة َ
سْب َ
ف َ
حْي ٌ
ب ُل َ
سْك ٌ
ل َ
خْي ُ
وال َ
ل بطاعته.
لمام عز الدين عبد العزيز أبو عمرو ،أعزه ا ّ
أخبرني بذلك عنه ولده ا ِ
وقيل :كانت له أفراس أخر خمسة عشر ،ولكن مختلف فيها ،وكان دفتا سرجه من ليف.
وكان له من البغال ُدْلُدل ،وكانت شهباء ،أهداها له المقوِقس .وبغلة أخرى .يقال لها:
ب أيلة ،وأخرى أهداها له صاحب
))فضة(( .أهداها له فروة الجذامي ،وبغلة شهباء أهداها له صاح ُ
دومة الجندل ،وقد قيل :إن الَنجاشى أهدى له بغلة فكان يركبها.
ومن الحمير غفير ،وكان أشهب ،أهداه له المقوِقس ملك القبط ،وحمار آخر أهداه له فروة
الجذامي .وذكر أن سعد بن عبادة أعطى النبي صلى ال عليه وسلم حمارًا فركبه.
لبل القصواء ،قيل :وهي التي هاجر عليها ،والعضباء ،والجدعاء ،ولم يكن بهما
ومن ا ِ
سّميتا بذلك ،وقيل :كان بأذنها عضب ،فسميت به ،وهل العضباء والجدعاء
عضب ول جدع ،وإنما ُ
واحدة ،أو اثنتان؟ فيه خلف ،والعضباء هى التي كانت ل ُتسبق ،ثم جاء أعرابي على َقعود
ل َأل َيْرَفعَ
عَلى ا ِّ
حّقا َ
ن َ
ل صلى ال عليه وسلم)) :إ ّ
فسبقها ،فشق ذلك على المسلمين ،فقال رسول ا ّ
ل َمْهِرّيا لبي جهل في أنفه ُبَرّة
ل َوضَعُه(( وغِنم صلى ال عليه وسلم يوم بدر جم ً
شْيئًا إ ّ
ن الّدْنَيا َ
ِم َ
ن فضة ،فأهداه يوم الحديبية ليغيظ به المشركين
ِم ْ
)يتبع(...
حة ،وكانت له َمْهِرّيٌة أرسل بها إليه سعد بن عبادة من َنَعم
س وأربعون ِلق َ
وكانت له خم ٌ @
بني عقيل.
وكانت له مائة شاة وكان ل ُيريد أن تزيد ،كلما وّلد له الراعي بهمة ،ذبح مكانها شاة،
ح ترعاهن أّم أيمن.
وكانت له سبُع أعنز مَنائ َ
59
فصل
في ملبسه صلى ال عليه وسلم
سوة .وكان
س تحتها الَقَلن ُ
سها ويْلَب ُ
كانت له عمامة ُتسمى :السحاب ،كساها عليًا ،وكان يلَب ُ
عمامته بين كتفيه،
سوة .وكان إذا اعتم ،أرخى ِ
س الِعمامة بغير قلن ُ
سوة بغير عمامة ،ويلَب ُ
يلَبس القلن ُ
ل صلى ال عليه وسلم
ل ا ِّ
ت رسو َ
كما رواه مسلم في ))صحيحه(( عن عمرو بن حريث قال)) :رأي ُ
ن َكِتَفْيِه((.
طرَفيَها بي َ
خى َ
سْوَداُء َقْد أر َ
عَماَمة َ
عَليِه ِ
على المنبِر َو َ
ل َمّكة
خَ
ل صلى ال عليه وسلم ))َد َ
ل ،أن رسول ا ّ
وفي مسلم أيضًا ،عن جابر بن عبد ا ّ
سوَداء(( .ولم يذكر في حديث جابر :ذؤابة ،فدل على أن الذؤابة لم يكن يرخيها دائماً
عَلْيِه عَماَمٌة َ
َو َ
ن ما
طٍس في كل َمو ِ
بين كتفيه .وقد يقال :إنه دخل مكة وعليه أهبُة القتال والِمغفَُر على رأسه ،فلب َ
ُيناسبه.
ل روحه في الجّنة ،يذكر في سبب الّذؤابة شيئًا
وكان شيخنا أبو العباس ابن تيمية قّدس ا ّ
بديعًا ،وهو أن النبي صلى ال عليه وسلم إنما اتخذها صبيحة المنام الذي رآه في المدينة ،لما رأى
ل َأْدِريَ ،فوضع َيَدُه َبْين
تَ :
لعَلى؟ ُقْل ُ
لا َ
صُم الَم ُ
خَت ِ
حّمُد ِفيَم َي ْ
ب العّزة تبارك وتعالى ،فقالَ)) :يا ُم َ
ر ّ
سَماِء َوالْرض الحديث(( ،وهو في الترمذي ،وسئل عنه البخاري ،فقال
ن ال ّ
ي َفَعِلْمت َما َبْي َ
َكِتَف ّ
صحيح .قال :فمن تلك الحال أرخى الذؤابة بين كتفيه ،وهذا ِمن العلم الذي تنكره ألسنُة الجهال
ب الثياب إليه ،وكان
وقلوُبهم ،ولم أَر هذه الفائدة في إثبات الذؤابة لغيره .ولبس القميص وكان أح ّ
جّبَة والَفروج وهو شبه الَقباء ،والفرجية ،ولبس الَقباء أيضًا ،ولبس في
سغ ،ولبس ال ُ
ُكّمه إلى الّر ُ
لزار والرداء .قال الواقدي :كان رداؤه وبرده طولَ ستة أذرع
ضّيَقَة الُكّمين ،ولبس ا ِ
جبة َ
السفر ُ
عمان طول أربعة أذرع وشبر في عرض ذراعين وشبر.
في ثلثة وشبر ،وإزاره من نسج ُ
حلة إل اسمًا للثوبين معًا،
حلة حمراء ،والحلة :إزار ورداء ،ول تكون ال ُ
ولبس ُ
وغلط من ظن أنها كانت حمراء بحتًا ل ُيخالطها غيره ،وإنما الحلُة الحمراء :بردان يمانيان
منسوجان بخطوط حمر مع السود ،كسائر البرود اليمنية ،وهي معروفة بهذا السم باعتبار ما فيها
ت منهي عنه أشد النهي ،ففي ))صحيح البخاري(( أن النبي
من الخطوط الحمر ،وإل فالحمر البح ُ
ل بن عمرو أن النبي
صلى ال عليه وسلم نهى عن المياثر الحمر وفي ))سنن أبي داود(( عن عبد ا ّ
ك؟((
علْي َ
طُة اّلتي َ
لَ)) :ما هِذِه الّرْي َ
صُفِرَ ،فَقا َ
جة بالُع ْ
ضّر َ
طًة ُم َ
صلى ال عليه وسلم رأى عليه َرْي َ
عْبَد
لَ)) :يا َ
ن الَغِدَ ،فَقا َ
ن َتّنورًا َلهم ،فقذفتها فيهُ ،ثّم َأَتْيُتُه ِم َ
جُرو َ
سُت أْهلي َوُهْم َي ْ
فَعَرفت َما َكِره َفَأَتْي ُ
60
ساِء(( .وفي
س ِبَها ِللّن َ
ل َبْأ َ
كَ ،فِإّنُه َ
سْوَتَها َبْعضَ َأْهِل َ
ل َك َ
لَ)) :ه ّ
خَبْرُتُهَ ،فَقا َ
طُة؟(( َفَأ ْ
ت الّرْي َ
ل َما َفَعل ِ
ا ِّ
))صحيح مسلم(( عنه أيضًا ،قال :رأى النبي صلى ال عليه وسلم ثوبين معصفرين .فقال)) :إ ّ
ن
ل عنه قالَ)) :نَهى
ن علي رضي ا ّ
سَها(( وفي ))صحيحه(( أيضًا عَ ْ
ل تلَب ْ
س الُكَفاِر َف َ
ن ِلَبا ِ
هِذِه ِم ْ
صَفِر(( .ومعلوم أن ذلك إنما يصبغ صبغًا أحمر .وفي
س الُمَع ْ
ن ِلَبا ِ
عِي صلى ال عليه وسلم َ
الّنِب ّ
بعض ))السنن(( أنهم كانوا مع النبي صلى ال عليه وسلم في سفر ،فرأى على رواحلهم أكسيًة فيها
ل صلى ال عليه
ل ا ِّ
سو ِ
ل َر ُ
سَراعًا ِلَقْو ِ
عَلْتُكْمَ ،فُقْمَنا ِ
حْمَرَة َقْد َ
ل َأرى هِذِه ال ُ
ط حمراء ،فقال)) :آ َ
خطو ٌ
عْنَها(( .رواه أبو داود.
عَناَها َ
ت َفَنَز ْ
س ً
لْك ِ
خْذَنا ا َ
ض ِإِبلَناَ ،فَأ َ
حّتى َنَفَر َبْع ُ
وسلمَ ،
وفي جواز لبس الحمر من الثياب والجوخ وغيرها نظر .وأما كراهته ،فشديدة جدًا ،فكيف
ل منه ،وإنما وقعت الشبهُة
ُيظن بالنبي صلى ال عليه وسلم أنه لبس الحمر القاني ،كل لقد أعاذه ا ُّ
ل أعلم.
ِمن لفظ الحلة الحمراء ،وا ّ
جة ،ولبس ثوبًا أسود ،ولبس الَفروة المكفوفة بالسندس.
ولبس الخميصة الُمْعَلَمَة والساَذ َ
لمام أحمد ،وأبو داود بإسنادهما عن أنس بن مالك ))أن ملك الروم أهدى للنبي
وروى ا ِ
ن(( .قال الصمعي:
س ،فلبسهاَ ،فكَأّني أنظُر إلى َيَدْيه َتَذْبَذبا ِ
سْنُد ٍ
ن ُ
سَتَقًة ِم ْ
صلى ال عليه وسلم ُم ْ
المساتق فراء طوال الكمام .قال الخطابي :يشبه أن تكون هذه المستقة مكففة بالسندس ،لن نفس
الفروة ل تكون سندسا.
فصل
واشترى سراويل والظاهر أنه إنما اشتراها ليلَبسها ،وقد روي في غير حديث أنه لبس
السراويل ،وكانوا يلبسون السراويلت بإذنه.
سومة.
ولبس الخفين ،ولبس النعل الذي يسمى الّتا ُ
ولبس الخاتم ،واختلفت الحاديث هل كان في يمناه أو ُيسراه ،وكلها صحيحة السند.
ولبس البيضة التي تسمى :الخوذة ،ولبس الدرع التي تسمى :الزردية ،وظاهر يوَم ُأحد بين
الدرعين.
وفي ))صحيح مسلم(( عن أسماء بنت أبي بكر قالت :هذه جبة رسول ال صلى ال عليه
سروانية لها لبنُة ِديباج .وفرجاها مكفوفان بالديباج ،فقالت :هِذِه
وسلم ،فأخرجت جبَة طياِلسة َك ِ
سها ،فنح ُ
ن ضت ،فلما قبضت قبضُتها ،وكان النبي صلى ال عليه وسلم يلَب ُ
كانت عند عائشة حتى ُقِب َ
سَتشفى بها.
َنْغسلَها للمرضى ت ْ
61
وكان له بردان أخضران ،وِكساء أسود ،وكساء أحمر ملبد ،وكساء من شعر.
وكان قميصه من قطن ،وكان قصيَر الطول ،قصيَر الُكّمين ،وأما هذه الكمام الواسعة
طوال التي هي كالخراج ،فلم يلبسها هو ول أحد من أصحابه البتة ،وهي مخالفة لسنته ،وفي
ال ّ
جوازها نظر ،فإنها من جنس الخيلء.
حَبَرُة ،وهي ضرب من البرود فيه حمرة.
ص وال ِ
ب الثياب إليه القمي ُ
وكان أح ّ
خْيِر ِثَيابُكْمَ ،فالبسوهاَ ،وَكّفُنوا ِفيَها
ن َ
ض ،وقال)) :هي ِم ْ
ب اللوان إليه البيا ُ
وكان أح ّ
ض روح
َمْوَتاكْم(( وفي ))الصحيح(( عن عائشة أنها أخرجت ِكساءً ملّبدا وإزارَا غليظًا فقالتُ :قِب َ
ل صلى ال عليه وسلم في هذين.
لا ِ
َرسو ِ
ولبس خاتمًا من ذهب ،ثم رمى به ،ونهى عن التختم بالذهب ،ثم اتخذ خاتمًا من فضة ،ولم
ينه عنه .وأما حديث أبي َداود أن النبي صلى ال عليه وسلم نهى عن أشياء ،وذكر منها :ونهى عن
لبوس الخاتم إل لذي سلطان ،فل أدري ما حال الحديث ،ول وجهه ،وال أعلم.
وكان يجعل فص خاتمه مما يلي باطن كفه .وذكر الترمذي أنه كان إذا دخل الخلء نزع
خاتمه ،وصححه ،وأنكره أبو داود.
وأما الطيلسان ،فلم ينقل عنه أنه لبسه ،ول أحٌد من أصحابه ،بل قد ثبت في
جال فقال:
))صحيح مسلم(( من حديث أنس بن مالك عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه ذكر الّد ّ
سُة(( .ورأى أنس جماعة عليهم الطيالسة،
طياِل َ
عَلْيِهُم ال ّ
ن َ
صِبَها َ
ن َيُهوِد َأ ْ
ن َأْلفًا ِم ْ
سْبُعو َ
ج َمَعُه َ
خُر ُ
))ي ْ
فقال :ما أشَبهُهم بيهود خيبر .ومن ها هنا كره لبسها جماعة من السلف والخلف ،لما روى أبو
شّبَه
ن َت َ
داود ،والحاكم في ))المستدرك(( عن ابن عمر ،عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قالَ)) :م ْ
غْيِرَنا(( وأما
شّبَه ِبَقْوٍم َ
ن َت َ
س ِمّنا َم ْ
ِبَقْوٍم َفُهَو ِمْنُهْم(( .وفي الترمذي عنه صلى ال عليه وسلمَ)) :لْي َ
جَرةَ ،فإنما
ما جاء في حديث الهجرة أن النبي صلى ال عليه وسلم جاء إلى أبي بكر ُمَتَقّنعًا بالَها ِ
ي صلى ال عليه وسلم تلك الساعة ليختفي بذلك ،ففعلُه للحاجة ،ولم تكن عادُته التقنَع ،وقد
فعله النب ّ
ع ،وهذا إنما كان يفعله -وال أعلم -للحاجة
ذكر أنس عنه صلى ال عليه وسلم أنه كان ُيكثر الِقَنا َ
من الحر ونحوه ،وأيضًا ليس التقنع من التطيلس.
فصل
ج من الصوف
سَج ِمن القطن ،وربما لبسوا ما ُن ِ
سَب ما يلبس هو وأصحاُبه ما ُن ِ
وكان غال ُ
صْل ُ
ت والكّتان ،وذكر الشيخ أبو إسحاق الصبهاني بإسناد صحيح عن جابر بن أيوب قال :دخل ال ّ
62
ن البرد
حلة الحمراء الحمر البحت ،فينبغي أن يقولِ :إ ّ
كالحلة الحمراء سواء ،فمن فهم ِمن ال ُ
الخضر كان أخضَر بحتًا ،وهذا ل يقوُله أحد.
حشُوَها ِليف ،فالذين يمتنعون عما
خّدُته صلى ال عليه وسلم من َأَدٍم َ
وكانت ِم َ
سون إل
ل ِمن الملبس والمطاعم والمناكح تزّهدًا وتعّبدًا ،بإزائهم طائفٌة قابلوهم ،فل يلَب ُ
أباح ا ُّ
ن ول أكله تكّبرًا وتجّبرًا ،وكل
خش ِ
س ال َ
ن الطعام ،فل يرون َلِب َ
ف الثياب ،ول يأكلون إل ألي َ
أشر َ
ف لهدي النبي صلى ال عليه وسلم ولهذا قال بعض السلف :كانوا يكرهون
الطائفتين هدُيه مخاِل ٌ
ض.
الشهرتين من الثياب :العالي ،والمنخف ِ
وفي ))السنن(( عن ابن عمر يرفعه إلى صلى ال عليه وسلمَ)) :م ْ
ن
ب فيه الّناُر(( وهذا لنه قصد به الختيال
ب َمَذّلٍةُ ،ثّم َتَلّه ُ
ل َيْوَم الِقَياَمِة َثْو َ
سُه ا ُّ
شْهَرٍةَ ،أْلَب َ
ب ُ
س َثْو َ
َلِب َ
خيلء بَأن خسف به الرض ،فهو
ض ذلك ،فَأَذّله ،كما عاقب من أطال ثيابه ُ
ل بنقي ِ
والفخر ،فعاقبه ا ّ
ل صلى ال عليه
ل فيها إلى يوم القيامة .وفي ))الصحيحين(( عن ابن عمر قال :قال رسول ا ّ
يتجلج ُ
ل إَلْيِه َيْوَم الِقَياَمِة(( وفي ))السنن(( عنه أيضًا صلى ال
ظِر ا ُّ
لَءَ ،لْم َيْن ُ
خَي َ
جّر َثْوَبُه ُ
ن َ
وسلمَ)) :م ْ
ظِر ا ُّ
ل لَءَ ،لْم َيْن ُ
خَي َ
شْيَئًا ِمْنَها ُ
جَر َ
ن َ
ص َوالِعَماَمِةَ ،م ْ
لَزارَ ،والَقِمي ِ
ل في ا ِ
سَبا ُ
لْعليه وسلم قال)) :ا ِ
ِإَلْيِه َيْوَم الِقَياَمِة(( وفي ))السنن(( عن ابن عمر أيضًا قالَ :ما َقال رسول ال صلى ال عليه وسلم
ص ،وكذلك ُلبس الدنيء من الثياب ُيَذّم في موضع ،وُيحمد في موضع،
لَزاِرَ ،فُهَو ِفي الَقِمي ِ
في ا ِ
خيلء ويمدح إذا كان تواضعًا واستكانة ،كما أن لبس الرفيع من الثياب ُيذم إذا
شهرًة و ُ
فُيذم إذا كان ُ
ل ،ففي ))صحيح مسلم(( عن ابن
ل وإظهارًا لنعمة ا ّ
كان تكّبرًا وفخرًا وخيلء ،وُيمدح إذا كان تجم ً
حّبِة
ل َ
ن ِفي َقْلِبِه ِمْثَقا ُ
ن َكا َ
جَنَة َم ْ
خلُ ال َ
ل صلى ال عليه وسلم)) :ل َيْد ُ
لا ّ
مسعود قال :قال رسو ُ
لَ :يا
جٌل َر ُ
ن((َ ،فَقا َ
ن إيَما ٍ
ل ِم ْ
خْرَد ٍ
حّبِة َ
ل َ
ن في َقْلِبِه ِمْثَقا ُ
ن َكا َ
ل الّناَر َم ْ
خُل َيْد ُ
ن كْبِرَ ،و َ
ل ِم ْ
خْرَد ٍ
َ
جِميلٌ
ل َ
ن ا َّ
ل)) :لِ ،إ ّ
ك؟ َفَقا َ
ن الِكْبِر َذا َ
سَنًة ،أَفِم َ
حَسَنًاَ ،وَنْعِلي َ
حَن َثْوِبي َ
ب َأن َيُكو َ
ح ّ
ل إّني ُأ ِ
ل ا ِّ
سو َ
َر ُ
س((.
ط ا لَنا ِ
غْم ُ
قَ ،و َ
حّطُر اْل َ
ل ،الِكْبُرَ :ب َ
جَما َ
ب ال َ
ح ّ
ُي ِ
فصل
وكذلك كان هدُيه صلى ال عليه وسلم ،وسيرُته في الطعام ،ل يرّد موجودًا ،ول يتكلف
سه ،فيترَكه من غير تحريم ،وما
ب إليه شيٌء من الطيبات إل أكله ،إل أن تعاَفه نف ُ
مفقودًا ،فما ُقّر َ
ب لّما َلْم َيْعَتْدُه ولم يحرمه على
ض ّ
ط ،إن اشتهاه أكله ،وإل تركه ،كما ترك أكل ال ّ
عاب طعامًا ق ّ
ل على مائدته وهو ينظر.
المة ،بل ُأِك َ
64
وأكل الحلوى والعسل ،وكان ُيحبهما ،وأكل لحم الجزور ،والضأن ،والدجاج ،ولحم
ب والتمَر،
حمار الوحش ،والرنب ،وطعام البحر ،وأكل الشواء ،وأكل الّرط َ
حبارى ،ولحم ِ
ال ُ
خِزيَرة ،وهي
ن خالصًا ومشوبًا ،والسويق ،والعسل بالماء ،وشرب نقيع التمر ،وأكل ال َ
وشرب اللب َ
ط ،وأكل التمر بالخبز ،وأكل الخبز
لِق َ
ب ،وأكل ا َ
ط ِ
ساء يتخذ من اللبن والدقيق ،وأكل الِقّثاء بالّر َ
حََ
لهالة ،وهى الودك ،وهو الشحم المذاب،
بالخل ،وأكل الثريد ،وهو الخبز باللحم ،وأكل الخبز با ِ
ل المسُلوقَة ،وأك َ
ل ل الّدّباء المطبوخَة ،وكان ُيحّبها وأك َ
وأكل من الَكِبِد الَمشِوّيِة ،وأكل الَقِديد ،وأك َ
ب ،وأكل التمر ِبالّزْبِد ،وكان
ط ِ
ل الخبز بالزيت ،وأكل البطيخ بالّر َ
ن ،وأك َ
جب َ
ل ال ُ
سْمن ،وأك َ
الثريَد بال ّ
طّيبًا ،ول يتكلفه.
ُيحبه ،ولم يكن يرّد َ
ط على بطنه
صَبَر حتى إنه ليرِب ُ
ل ما تيسر ،فإن أعوزهَ ،
بل كان هديه أك َ
ل ،ول ُيوقد في بيته ناٌر .وكان معظُم مطعمه
ل والهل ُ
ل والهل ُ
الحجر من الجوع ،وُيرى الهل ُ
سفرة ،وهي كانت مائَدته ،وكان يأكل بأصابعه الثلث ،ويلَعُقها إذا فرغ،
يوضع على الرض في ال ّ
ص يأكل بالخمس،
شُع الحري ُ
جِف ما يكون من الكلة ،فإن المتكّبَر يأكل بأصبع واحدة ،وال َ
وهو أشر ُ
ويدفع بالراحة.
وكان ل يأكل ُمتِكئًا ،والتكاء على ثلثة أنواع ،أحدها :التكاء على
الجنب ،والثاني :الترّبع ،والثالث :التكاء على إحدى يديه ،وأكله بالخرى ،والثلث مذمومة.
وكان يسمى ال تعالى على أول طعامه ،ويحمده في آخره
عْنه
ى َ
سَتْغَن َ
ل ُمَوّدع َولَ ُم ْ
ي َو َ
غْيَر َمْكِف ّ
طّيبًا ُمَباَركًا ِفيهِ َ
حمدًا َكِثيرًا َ
ل َ
حْمُد ِ
فيقول عند انقضائه)) :اْل َ
لٍء
ل َب َ
سَقاَناَ ،وك ّ
عَليَنا َفَهَداَناَ ،وَأطَعَمَنا َو َ
ن َ
ل ُيطَعُمَ ،م ّ
طِعُم َو َ
ل اّلِذي ُي ْ
حْمُد ِ
َرّبَنا(( .وربما قال)) :اْل َ
يَ ،وَهَدى ،م َ
ن ن اْلُعر َ
سا ِم َ
بَ ،وَك َ
شرا ِ
ن ال ّ
سَقى ِم َ
طَعامَ ،و َ
ن ال ً
طَعَم ِم َ
ل اّلِذي َأ ْ
حمد ِ
لنا ،ال َ
ن َأْب َ
سٍحَ
َ
ن((.
ب الَعاَلِمي َ
ل َر ّ
حْمُد ِ
ل ،ال َ
ضي ً
ق َتْف ِ
خَل َ
عَلى َكِثير ِمّمن َ
ل َ
ضَن الَعَمىَ ،وف ّ
صَر ِم َ
ضلََلِةَ ،وَب ّ
ال ّ
غُه((.
سّو َ
سَقىَ ،و َ
ل اّلِذي َأطَعَم َو َ
حمد ِّ
وربما قال)) :اْل َ
ل يمسحون بها أيديهم ،ولم يكن
ق أصابعه ،ولم يكن لهم منادي ُ
وكان إذا فرغ ِمن طعامه َلِع َ
ل أيديهم كلما أكلوا.
عادتهم غس َ
وكان أكثُر شربه قاعدًا ،بل زجر عن الشرب قائمًا ))وشرب مّرة قائمًا(( .فقيل :هذا
ل أعلم -أنها واقعة عين
نسخ لنهيه ،وقيل :بل فعله لبيان جواز المرين ،والذي يظهر فيه -وا ّ
65
شرب فيها قائمًا لعذر ،وسياق القصة يدل عليه ،فإنه أتى زمزم وهم يستقون منها ،فأخذ الّدلو،
وشرب قائمًا.
والصحيح في هذه المسألة :النهى عن الشرب قائمًا ،وجوازه لعذر يمنع من القعود ،وبهذا
ل أعلم.
تجمع أحاديث الباب ،وا ّ
ن على يساره أكبَر منه.
ن على يمينه ،وإن كان َم ْ
وكان إذا شرب ،ناول َم ْ
فصل
في هديه في النكاح ومعاشرته صلى ال عليه وسلم أهله
ل عنه ،أنه صلى ال عليه وسلم قال:
صح عنه صلى ال عليه وسلم من حديث أنس رضي ا ّ
ظ الحديث ،ومن
لِة(( هذا لف ُ
صَعْيِني في ال ّ
ت ُقّرُة َ
جِعَل ْ
بَ ،و ُ
طْي ُ
ساُء ،وال ّ
يِ ،من ُدْنَياُكم :الّن َ
ب إل ّ
حّب َ
)) ُ
ي من دنياكم ثلث(( ،فقد وهم ،ولم يقل صلى ال عليه وسلم)) :ثلث(( والصلة
رواه ))حبب إل ّ
ب شيء إليه ،وكان يطوف على
ليست من أمور الدنيا التي ُتضاف إليها .وكان النساء والطيب أح ّ
ل له من ذلك ما لم
نسائه في الليلة الواحدة ،وكان قد أعطي قوة ثلثين في الجماع وغيره ،وأباح ا ّ
ُيبحه لحد من أمته.
سِمي
ليواء والنفقة ،وأما المحبة فكان يقول)) :الّلُهَم هذا َق ْ
وكان يقسم بينهن في المبيت وا ِ
ك(( فقيل :هو الحب والجماع ،ول تجب التسوية في ذلك ،لنه مما
ل َأْمِل ُ
ل َتُلْمِني ِفيَما َ
كَ ،ف َ
ِفيَما َأْمِل ُ
ل ُيملك.
سُم واجبًا عليه ،أو كان له معاشرتهن من غير قسم؟ على قولين للفقهاء.
وهل كان الَق ْ
لمِة أكثرها نساء.
فهو أكثر المة نساًء ،قال ابن عباس :تزوجواَ ،فإنّ خيَر هذه ا ُ
وطلق صلى ال عليه وسلم ،وراجع ،والى إيلًء مؤقتًا بشهر ،ولم يظاهر أبدًا ،وأخطأ من
ل منه.
قال :إنه ظاهر خطًأ عظيمًا ،وإنما ذكرته هنا تنبيهًا على قبح خطئه ونسبته إلى ما بّرأه ا ّ
ن الخلق.
ن المعاشرة ،وحس َ
وكانت سيرته مع أزواجه حس َ
ت النصار يلعبن معها .وكان إذا هويت شيئًا ل محذوَر فيه
ب إلى عائشة بنا ِ
سّر ُ
وكان ُي َ
لناء أخذه ،فوضع فمه في موضع فمها وشرب ،وكان إذا
تابعها عليه ،وكانت إذا شربت من ا ِ
جِرها،
حْظُم الذي عليه لحم -أخذه فوضع فمه موضع فمها ،وكان يتكئ في َ
عرقًا -وهو الَع ْ
تعرقت َ
حجِرها ،وربما كانت حائضًا ،وكان يأمرها وهي حائض َفَتّتِزُر ثم
ويقرأ القرآن ورأسه في َ
خُلقه مع أهله أنه يمّكنها من اللعب،
ُيباشرها ،وكان يقبلها وهو صائم ،وكان من لطفه وحسن ُ
66
ويريها الحبشة وهم يلعبون في مسجده ،وهي متكئة على منكبيه تنظر ،وسابقها في السفر على
القدام مرتين ،وتدافعا في خروجهما من المنزل مرة.
ن خرج سهمها ،خرج بها معه ،ولم يق ِ
ض وكان إذا أراد سفرًا ،أقرع بين نسائه ،فأيته ّ
للبواقي شيئًا ،وإلى هذا ذهب الجمهور.
خيُرُكم لهلي((.
لْهِلِهَ ،وَأَنا َ
خْيُرُكْم َ
خْيُرُكْم َ
وكان يقولَ )) :
وربما مد يده إلى بعض نسائه في حضرة باقيهن.
وكان إذا صلى العصر ،دار على نسائه ،فدنا منهن واستقرأ أحوالهن ،فإذا جاء
عَلى
ل َبْعضََنا َ
ضُالليل ،انقلب إلى بيت صاحبة الّنوبة ،فخصها بالليل .وقالت عائشة :كان ل ُيَف ّ
ل يوٌم إل كان يطوف علينا جميعًا ،فيدنو من كل امرأة من
ن في الَقسِم ،وق ّ
عْنَدُه ّ
ض في ُمْكِثِه ِ
َبع ٍ
غير مسيس حتى يبلَغ التي هو في نوبتها ،فيبيت عندها.
وكان يقسم لثمان منهن دون التاسعة ،ووقع في ))صحيح مسلم(( من قول
ل ،وإنما هي
ي ،وهو غلط ِمن عطاء رحمه ا ّ
عطاء أن التي لم يكن يقسم لها هي صفية بنت حَي ّ
سودة ،فإنها لما َكِبَرت وهبت نوبتها لعائشة.
سم لعائشة يومها ويوَم سودة ،وسبب هذا الوهم -وال أعلم -أنه
وكان صلى ال عليه وسلم يق ِ
ل صلى ال عليه
ك أن ُترضي رسول ا ّ
جَد على صفّية في شيء ،فقالت لعائشة :هل َل ِ
كان قد َو َ
ك يومي؟ قالت :نعم ،فقعدت عائشُة إلى جنب النبي صلى ال عليه وسلم في يوم
ب َل ِ
وسلم ،وَأه َ
ل ُيؤتيه من َيشاء
ك َفضل ا ِّ
ك(( فقاَلتَ :ذِل َ
س َيوَم ِ
شُةَ ،فإّنه َلي َ
عاِئ َ
عّني َيا َ
ك َ
صفية ،فقال)) :إَلْي ِ
ي عنها .وإنما كانت وهبتها ذلك اليوَم وتلك الّنوَبة الخاصة ،ويتعين ذلك،
وأخبرته بالخبِر ،فرض َ
وإل كان يكون القسم لسبع منهن ،وهو خلف الحديث الصحيح الذي ل ريب فيه أن القسم كان
ل أعلم .ولو اتفقت مثل هذه الواقعة لمن له أكثر من زوجتين ،فوهبت إحداهن يومها
ن ،وا ّ
لثما ٍ
ي بين ليلة الموهوبة وليلتها الصلية وإن لم تكن ليلة الواهبة تليها ،أو
للخرى ،فهل للزوج أن ُيواِل َ
يجب عليه أن يجعل ليَلتها هي الليلة التي كانت تستحقها الواهبة بعينها؟ على قولين في مذهب أحمد
وغيره.
ن إذا جامع أول الليل،
وكان صلى ال عليه وسلم يأتي أهَله آخَر الليل ،وأولهَ ،فَكا َ
سبيعي عن السود عن عائشة أنه كان
ربما اغتسل ونام ،وربما توضأ ونام .وذكر أبو إسحاق ال ّ
67
ربما نام ،ولم يمس ماء وهو غلط عند أئمة الحديث ،وقد أشبعنا الكلم عليه في كتاب ))تهذيب سنن
أبي داود(( وإيضاح علله ومشكلته.
وكان يطوف على نسائه بغسل واحد ،وربما اغتسل عند كل واحدة ،فعل هذا
وهذا.
ل ،وكان ينهى عن ذلك.
ق أهله لي ً
وكان إذا سافر َوَقِدَم ،لم يطُر ْ
فصل
في هديه وسيرته صلى ال عليه وسلم في نومه وانتباهه
كان يناُم على الفراش تارة ،وعلى الّنطع تارة ،وعلى الحصير تارة ،وعلى الرض تارة،
ت رسول
وعلى السرير تارة بين ِرَمالِه ،وتارة على ِكساء أسود .قال عّباد بن تميم عن عمه :رأي ُ
ال صلى ال عليه وسلم ُمستلقيًا في المسجد واضعًا إحدى ِرجليه على الخرى.
سحٌ ينام عليه يثنى بَثنيتين ،وُثني له يومًا
وكان فراشه َأَدمًا حشُوه ِليف .وكان له ِم ْ
لِتي الّلْيَلة(( .والمقصود
صَلَ ،فإّنه َمَنَعِني َ
لَو ِ
حاِلِه ا َ
أربع ثنيات ،فنهاهم عن ذلك وقالُ)) :رّدوه إَلى َ
ف اْمَرَأٍة ِمْنُك ّ
ن حا ِ
ل َوَأَنا في ِل َ
جْبري ُ
أنه نام على الفراش ،وتغطى باللحاف ،وقال لنسائهَ)) :ما َأَتاِني ِ
شة((.
عاِئ َ
غْيَر َ
َ
وكانت وسادُته َأَدمًا حشوها ليف.
ت((.
حَيا َوَأمو ُ
وكان إذا أوى إلى فراشه للنوم قالِ)) :باسِمك الّلُهّم َأ ْ
عوُذ ِبَر ّ
ب ل َأ ُ
حٌد { و }ُق ْ
ل َأ َ
ل ُهو ا ُّ
وكان يجمع كّفْيِه ثم ينُفث فيهما ،وكان يقرأ فيهماُ} :ق ْ
س{ ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده ،يبدُأ بهما على رأسه،
ب الّنا ِ
عوُذ ِبَر ّ
ل َأ ُ
ق{ و }ُق ْ
اْلَفَل ِ
ن جسده ،يفعل ذلك ثلث مرات.
ل ِم ْ
ووجهه ،وما أقب َ
شقه اليمن ،ويضع يده اليمنى تحت خده اليمن ،ثم يقول)) :الّلُهّم
وكان ينام على ِ
سَقاَنا
طعََمَنا َو َ
ل اّلِذي َأ ْ
ك(( .وكان يقول إذا أوى إلى فراشه)) :الحمُد ِ
عَباَد َ
ث ِ
ك َيْوَم َتبَع ُ
عَذاَب َ
ِقني َ
ي(( ذكره مسلم .وذكر أيضًا أنه كان يقول إذا أوى الى
ل ُمْؤو َ
ي له َو َ
ل َكاِف َ
ن َ
َوَكَفاَنا َوآَواَناَ ،فَكْم ِمّم ْ
ح َ
ب ق ال َ
شيٍءَ ،فاِل َ
ل َ
بكّ
ظيِمَ ،رّبَنا َوَر ّ
ش العَ ِ
ضَ ،وَرب الَعْر ِ
لْر ِ
ت وا َ
سَماَوا ِ
فراشه)) :الّلهم رب ال ّ
صيِتِهَ ،أْن َ
ت خذ ِبَنا ِ
تآ ِ
شّر َأن َ
ل ِذي َ
شّر ُك ّ
ك ِمن َ
عوُذ ِب َ
نَ ،أ ُ
لَ ،والُفْرَقا ِ
جي ِ
ل الّتْوَراِة َوالن ِ
َوالّنوى ،منز َ
ك شيٌءَ ،وَأْن َ
ت س َفْوَق َ
ظاِهُر َفَلْي َ
ت ال ّ
شيٌءَ ،وَأن َ
ك َ
س َبْعَد َ
خُرَ ،فَلْي َ
ت ال ِ
شيٌءَ ،وَأن َ
ك َ
س َقْبَل َ
ل َفَلي َ
لّو ُ
اَ
ن الفقِْر((.
غِنَنا ِم َ
نَ ،وَأ ْ
عّنا الّدي َ
ض َ
شيٌء ،اق ِ
ك َ
س ُدوَن َ
نَ ،فَلْي َ
طُالَبا ِ
68
فصل
ل صلى ال عليه وسلم الغنم .وكان له مائة شاة ،وكان ل ُيحب أن تزيد على مائة،
واتخذ رسول ا ّ
لماء والعبيد ،وكان مواليه وعتقاؤه من
فإذا زادت بهمة ،ذبح مكانها أخرى ،واتخذ الرقيق من ا ِ
لماء .وقد روى الترمذي في ))جامعه(( من حديث أبي أمامة وغيره ،عن النبي
العبيد أكثر من ا ِ
ل عضِو ِمنُه
ن الّنار ،ك ّ
ن ِفَكاَكه ِم َ
ق امرَءًا مسِلمَاَ ،كا َ
عَت َ
صلى ال عليه وسلم أنه قال)) :أيما اْمرىٍء َأ ْ
جِزىُء كل عضوين
ن الّناِر ،ي َ
سِلَمَتينَ ،كاَنَتا ِفَكاَكُه ِم َ
ق اْمَرَأتين م ْ
عضوًا ِمنُهَ ،وَأّيما اْمرىٍء مسِلم َأعَت َ
عضوًا مِنُه(( هذا حديث صحيح.
ِمنُهَما ُ
وهذا يدل على أن عتق العبد أفضل ،وأن عتق العبد َيْعِدل عتق أمتين ،فكان أكثر عتقائه
صلى ال عليه وسلم من العبيد ،وهذا أحد المواضع الخمسة التي تكون فيها النثى على النصف من
الذكر ،والثاني :العقيقة ،فإنه عن النثى شاة ،وعن الذكر شاتان عند الجمهور ،وفيه عدة أحاديث
صحاح وحسان .والثالث :الشهادة ،فإن شهادة امرأتين بشهادة رجل .والرابع :الميراث والخامس:
الدية.
)يتبع(...
فصل @
ل صلى ال عليه وسلم واشترى
وباع رسول ا ّ
ل تعالى برسالته أكَثر من بيعه ،وكذلك بعد الهجرة ل يكاد
وكان شراؤه بعد أن أكرمه ا ّ
ُيحفظ عنه البيع إل في قضايا يسيرة أكثرها لغيره ،كبيعه القدح والحلس فيمن يزيد ،وبيعه يعقوب
المدّبر غلم أبي مذكورة ،وبيعه عبدًا أسود بعبدين.
وأّما شراؤه ،فكثير ،وآجر ،واستأجر ،واستئجاره أكثر من إيجاره ،وإنما ُيحفظ عنه أنه أجر
نفسه قبل النبوة في رعاية الغنم ،وأجر نفسه من خديجة في سفره بمالها إلى الشام.
وإن كان العقد مضاربة ،فالمضارب أمين ،وأجير ،ووكيل ،وشريك ،فأمين إذا قبض المال،
ووكيل إذا تصرف فيه ،وأجير فيما ُيباشره بنفسه من العمل ،وشريك إذا ظهر فيه الربح .وقد
أخرج الحاكم في ))مستدركه(( من حديث الربيع بن بدر ،عن أبي الزبير ،عن جابر قال :آجَر
ص،
سفَرٍة ِبَقُلو ٍ
ش كل َ
جَر َ
ل صلى ال عليه وسلم نفسه ِمن خديجة بنت خويلد سفرتين إلى َ
رسول ا ّ
لسناد.
وقال :صحيح ا ِ
70
جَرش ،بضم الجيم وفتح الراء ِمن مخاليف اليمن ،وهو بفتحهما بلد
قال في ))النهاية((ُ :
بالشام.
ح ،فإن الربيع بن بدر هذا هو
صّقلت :إن صح الحديث ،فإنما هو المفتوح الذي بالشام ،ول َي ِ
عَلْيَلة ،ضعفه أئمة الحديث .قال النسائي والدارقطني والزدي :متروك ،وكأن الحاكم ظنه الربيع
ُ
ل.
بن بدر مولى طلحة بن عبيد ا ّ
ل صلى ال عليه وسلم ،ولما قدم عليه شريكُه قال :أما َتعِرُفني؟ قال)) :أما
ل ا ِّ
وشارك رسو ُ
ت ل تَداِري ول ُتَماِري((.
ك ُكْن َ
شِري ُ
شِريكي؟ َفِنْعَم ال ّ
ت َ
ُكْن َ
وتدارىء بالهمزة من المدارأة ،وهي مدافعة الحق ،صارت من المداراة ،وهي المدافعة
ل وَتَوّكل ،وكان توكيُله أكثَر من توّكله.
بالتي هي أحسن .ووّك َ
ب ،فقال لسلمة بن الكوع ،وقد وقع في
ل الهدية ،وأثاب عليها ،ووهب ،واّته َ
وأهدىَ ،وَقِب َ
ن الُمسلمين.
ساَرى ِم َ
ل مّكة ُأ َ
ن أْه ِ
سهمه جاريةَ)) :هْبَها ِلي(( فوَهَبها لهَ ،فَفاَدى بها ِم ْ
ل.
جِل والمؤ ّ
واستدان برهن ،وِبغير رهن ،واستعار ،واشترى بالثمن الحا ّ
]أحكام متعددة في العقود[
عِمَلها كان مضمونًا له بالجَنة،
ن َ
ل َم ْ
وضمن ضمانًا خاصًا على رّبه على أعما ٍ
ي ِمن المسلمين ،ولم يدع وفاًء أنها عليه وهو ُيوفيها وقد قيل :إن هذا
وضمانا عامًا لديون من ُتوف ّ
الحكَم عام للئمة بعده ،فالسلطان ضامن لديون المسلمين إذا لم ُيخلفوا وفاًء ،فإنها عليه ُيوفيها من
ع وارثًا ،فكذلك يقضي عنه ديَنه إذا مات ولم َيَد ْ
ع بيت المال ،وقالوا :كما يرثه إذا مات ،ولم َيَد ْ
ل صلى ال عليه
لا ّ
ف رسو ُ
ق عليه .ووق َ
ن ُيْنِف ُ
ق عليه في حياته إذا لم يكن له َم ْ
وفاًء ،وكذلك ُيْنِف ُ
شّفع إليه ،ورَدت بريرُة شفاعَته في
ل ،وتشّفع ،وَ ُ
وسلم أرضًا كانت له ،جعلها صدقًة في سبيل ا ّ
ب ،وهو السوة والقدوة ،وحلف في أكثَر من ثمانين
عِت َ
مراجعتها ُمغيثًا ،فلم يغضب عليها ،ول َ
ل ِإي
ق ُهَو ُق ْ
حّك َأ َ
سَتْنِبُئوَن َ
ل سبحانه بالحلف في ثلثة مواضع ،فقال تعالىَ} :وَي ْ
موضعًا ،وأمره ا ُّ
ى َوَرّبي
ل َبَل َ
ساعُة ُق ْ
ل َتْأِتيَنا ال ّ
ن َكَفُروْا َ
ل اّلذي َ
ق{ ]يونس [53 :قال تعالىَ}:وَقا َ
حَّوَرّبي ِإّنه َل َ
ن ِبَما
ن ُثّم َلُتَنّبؤ ّ
ى َوَرّبي َلُتْبَعُث ّ
ل َبَل َ
ن َكَفُرَوْا َأن ّلن ُيْبَعُثوْا ُق ْ
عَم اّلذي َ
َلَتْأِتَيّنكْم{ ]سبأ [3 :وقال تعالىَ} :ز َ
سيٌر{ ]التغابن [7 :وكان إسماعيل بن إسحاق القاضي يذاِكر أبا بكر محمد
ل َي ِ
عَلى ا ّ
ك َ
عِمْلُتْم َوَذِل َ
َ
بن داود الظاهري ،ول ُيسميه بالفقيه ،فتحاكم إليه يومًا هو وخصٌم له ،فتوجهت اليمينُ على أبي
ف ومثُلك يحلف يا أبا بكر؟! فقال:
بكر بن داود ،فتهيأ للحلف ،فقال له القاضي إسماعيل :أو تحِل ُ
71
ل صلى ال عليه
لا ّ
ل عنه :كان رسو ُ
سنا وإنه لغيُر ُمْكَتِرث .وقال علي بن أبي طالب رضي ا ّ
أنف َ
ت :والتقُلع :الرتفا ُ
ع ب ،وقال مرة :إذا مشى ،تقّلع قل ُ
صَب ٍ
ن َ
ط ِم ْ
وسلم إذا مشى تكّفأ تكفؤًا كأنما ينح ّ
من الرض بجملته ،كحال المنحط من الصبب ،وهي ِمشية أولي العزم والِهمة والشجاعة ،وهي
ي ،إّما
ج والمهانة والتماوت ،فإن الماش َ
حها للعضاء ،وأبعُدها من ِمشية الَهَو ِ
ل الِمشيات وأروا ُ
أعد ُ
أن يتماوت في مشيه ويمشي قطعة واحدة ،كأنه خشبة محمولة ،وهي ِمشية مذمومة قبيحة ،وإّما أن
خّفة
يمشي بانزعاج واضطراب مشي الجمل الهوج ،وهي ِمشيٌة مذمومة أيضًا ،وهي دالة على ِ
ل ،وإّما أن يمشي َهْونًا ،وهي
عقل صاحبها ،ول سيما إن كان ُيكثُر اللتفات حال مشيه يمينًا وشما ً
ى الْر ِ
ض عَل َ
ن َ
شو َ
ن َيْم ُ
ن اّلذي َ
حَم ِ
عَباُد الّر ْ
ِمشية عباِد الرحمن ،كما وصفهم بها في كتابه ،فقالَ} :و ِ
َهْونًا{ ]الفرقان [63 :قال غيُر واحد من السلف :بسكينة ووقار من غير تكّبر ول تماوت ،وهي
ل صلى ال عليه وسلم ،فإنه مع هذه الِمشية كان كأنما ينحط من صبب ،وكأنما
ِمشية رسول ا ّ
ل صلى ال عليه وسلم غيُر
لا ّ
سه ورسو ُ
جِهُد نف َ
ض ُتطوى له ،حتى كان الماشي معه ُي ْ
الر ُ
ث ،وهذا يدل على أمرين :أن ِمشيته لم تكن ِمشية بتماوت ول بمهانة ،بل مشية أعدل
ُمْكَتِر ٍ
المشيات.
ل ،وهو
والمشيات عشرة أنواع ،هذه الثلثة منها ،والرابع :السعي .والخامس :الّرَم َ
خبب ،وفي الصحيح من حديث ابن عمر أن النبي صلى
طا ،ويسمى :ال َ
خَع المشي مع تقارب ال ُ
أسر ُ
طواِفِه ثلثًا ،ومشى أربعًا.
ب في َ
خ ّ
ال عليه وسلم َ
سلن ،وهو الَعْدو الخفيف الذي ل ُيزعج الماشي ،ول َيْكِرُثُه .وفي بعض
السادس :الّن َ
ل صلى ال عليه وسلم من المشي في حجة الوداع ،فقال:
شَكْوا إلى رسول ا ّ
المسانيد أن المشاة َ
ن((.
لِسَ
سَتِعيُنوا بالّن َ
))ا ْ
خْوَزلى ،وهي ِمشية التمايل ،وهي ِمشية ،يقال :إن فيها تكسرا وتخنثًا.
والسابع :ال َ
والثامن :القهقرى ،وهي المشية إلى وراء.
ب فيها الماشي وثبًا.
جَمَزى ،وهي ِمشية َيِث ُ
والتاسع :ال َ
ل سبحانه
ف ا ُّ
س َ
خَوالعاشرِ :مشية التبختر ،وهي ِمشية ُأولي العجب والتكّبر ،وهي التي َ
ل في الرض إلى يوم القيامة.
سه ،فهو يتجلج ُ
طَفْيِه وأعجبته نف ُ
ع ْ
بصاحبها لما نظر في ِ
ن والتكّفؤ.
ل هذه الِمشيات ِمشية الَهْو ِ
وأعد ُ
74
ل ،وهو
والمشيات عشرة أنواع ،هذه الثلثة منها ،والرابع :السعي .والخامس :الّرَم َ
خبب ،وفي الصحيح من حديث ابن عمر أن النبي صلى
طا ،ويسمى :ال َ
خَع المشي مع تقارب ال ُ
أسر ُ
طواِفِه ثلثًا ،ومشى أربعًا.
ب في َ
خ ّ
ال عليه وسلم َ
سلن ،وهو الَعْدو الخفيف الذي ل ُيزعج الماشي ،ول َيْكِرُثُه .وفي بعض
السادس :الّن َ
ل صلى ال عليه وسلم من المشي في حجة الوداع ،فقال:
شَكْوا إلى رسول ا ّ
المسانيد أن المشاة َ
ن((.
لِسَ
سَتِعيُنوا بالّن َ
))ا ْ
خْوَزلى ،وهي ِمشية التمايل ،وهي ِمشية ،يقال :إن فيها تكسرا وتخنثًا.
والسابع :ال َ
والثامن :القهقرى ،وهي المشية إلى وراء.
ب فيها الماشي وثبًا.
جَمَزى ،وهي ِمشية َيِث ُ
والتاسع :ال َ
ل سبحانه
ف ا ُّ
س َ
خَوالعاشرِ :مشية التبختر ،وهي ِمشية ُأولي العجب والتكّبر ،وهي التي َ
ل في الرض إلى يوم القيامة.
سه ،فهو يتجلج ُ
طَفْيِه وأعجبته نف ُ
ع ْ
بصاحبها لما نظر في ِ
ن والتكّفؤ.
ل هذه الِمشيات ِمشية الَهْو ِ
وأعد ُ
فصل
في هديه صلى ال عليه وسلم في جلوسه واتكائه
ت رسول
خَرَمة :أتي ُ
كان يجِلس على الرض ،وعلى الحصير ،والِبساط ،وقالت َقْيَلُة بنت َم ْ
ل صلى ال عليه وسلم
ت رسول ا ّ
ل صلى ال عليه وسلم وهو قاعد الُقرفصاء ،قالت :فلما رأي ُ
ا ّ
ن حاِتم ،دعُاه إلى منزله ،فألقت إليه
يبُ
ت من الَفَرق .ولما قدم عليه عد ّ
عد ُ
شع في الجِلسةُ ،أر ِ
كالمتخ ّ
ت أنه
الجاريُة ِوسادة يجِلس عليها ،فجعلها بينه وبين عدي ،وجلس على الرض .قال عدي :فعرف ُ
ليس بَمِلك .وكان يستلقي أحيانًا ،ورب وضع إحدى رجليه على الخرى ،وكان يتكىء على
الِوسادة ،وربما اتكأ على يساره ،وربما اتكأ على يمينه .وكان إذا احتاج في خروجه ،توكأ على
بعض أصحابه من الضعف.
فصل
في هديه صلى ال عليه وسلم عند قضاء الحاجة
ج ِ
س س الّن ِ
ج ِ
ث(( ))الّر ْ
خَباِئ ِ
ث وال َ
خُب ِ
ن ال ُ
ك ِم َ
عوُذ ِب َ
كان إذا دخل الخلء قال)) :الّلُهّم إّني َأ ُ
جيِم((.
ن الّر ِ
طا ِ
شْي َ
ال ّ
ك((.
غْفَراَن َ
وكان إذا خرج يقولُ )) :
75
وكان يستنجي بالماء تارة ،ويستجِمر بالحجار تارة ،ويجمع بينهما تارة.
وكان إذا ذهب في سفره للحاجة ،انطلق حتى يتواَرى عن أصحابه ،وربما كان يبُعد نحو
الميلين.
ش الّنخل تارة ،وبشجر الوادي تارة.
حاِئ ِ
وكان يستِتر للحاجة بالهدف تارةَ ،وِب َ
وكان إذا أراد أن يبول في عَزاٍز من الرض -وهو الموضع الصلب -أخذ عودًا من
الرض ،فنكت به حتى ُيَثّرى ،ثم يبول.
ث -وهو اللين الرخو من الرض -وأكثر ما كان
وكان يرتاد لبوله الموضع الّدِم َ
ل إل
ن حّدَثكم أنه كان ُيبول قائمًا ،فل ُتصّدقوه ،ما كان يبو ُ
يبول وهو قاعد ،حتى قالت عائشةَ)) :م ْ
ل َقاِئمًا .فقيل :هذا بيان للجواز
قاعدا(( وقد روى مسلم في ))صحيحه(( من حديث حذيفة َأّنه َبا َ
ل :والعرب
ضْيِه .وقيل :فعله استشفاًء .قال الشافعي رحمه ا ّ
وقيل :إنما فعله ِمن وجع كان ِبَمْأِب َ
ن وجع الصلب بالبول قائمًا ،والصحيح أنه إنما فعل ذلك تنزهًا وُبعدًا من إصابة البول،
تستشفي م ِ
سباطة قوم وهو ملقى الُكناسة ،وتسمى المزبلة ،وهي تكون مرتفعة ،فلو
فإنه إنما فعل هذا لما أتى ُ
بال فيها الرجل قاعدًا ،لرتد عليه بوُله ،وهو صلى ال عليه وسلم استتر بها ،وجعلها بينه وبين
ل أعلم.
الحائط ،فلم يكن بٌد من بوله قائمًا ،وا ّ
ي صلى ال عليه وسلم وأنا أبول
وقد ذكر الترمذي عن عمر بن الخطاب قال :رآني النب ّ
ل قائمًا(( ،قال ،فما بلت قائمًا بعُد .قال الترمذي :وإنما رفعه عبد الكريم
قائمًا ،فقال)) :يا عمر ل َتُب ْ
بن أبي المخارق ،وهو ضعيف عند أهل الحديث.
ل صلى ال
ل بن ُبريدة عن أبيه ،أن رسول ا ّ
وفي ))مسند البزار(( وغيره ،من حديث عبد ا ّ
غ ِم ْ
ن ن َيْفُر َ
ل َأ ْ
جْبَهَتُه َقْب َ
ح َ
سَل َقاِئمًاَ ،أْو َيْم َ
جُل الّر ُ
ن َيُبو َ
جَفاِءَ :أ ْ
ن ال َ
ث ِم َ
ل ٌ
عليه وسلم قالَ)) :ث َ
جوِدِه(( .ورواه الترمذي وقال :هو غير محفوظ ،وقال البزار :ل نعلم من
سُ
خ في ُ
لِتِهَ ،أْو َيْنُف َ
صََ
ل ،ولم يجرحه بشيء .وقال ابن أبي حاِتم :هو
ل بن بريدة إل سعيد بن عبيد ا ّ
رواه عن عبد ا ّ
بصري ثقة مشهور.
وكان يخرج من الخلء ،فيقرأ القرآن ،وكان يستنجي ،ويستجِمر بشماله ،ولم يكن يصنع
شيئًا مما يصنعه المبتلون بالوسواس من َنْتر الّذَكِر ،والنحنحة ،والقفز ،ومسك الحبل ،وطلوع
ع أه ِ
ل لحليل ،وصب الماء فيه ،وتفقده الفينة بعد الفينة ،ونحِو ذلك ِمن ِبَد ِ
الدرج ،وحشو القطن في ا ِ
76
الوسواس .وقد روي عنه صلى ال عليه وسلم أنه كان إذا َبالَعَ ،نَتَر َذَكره ثلثًا .وروي أنه أمر به،
ولكن ل يصح من فعله ول أمره .قاله أبو جعفر الُعقيلي.
وكان إذا سلم عليه أحد وهو يُبول ،لم يرّد عليه ،ذكره مسلم في ))صحيحه(( عن ابن عمر.
شَيَة
خْك َ
عَلْي َ
وروى البزار في ))مسنده(( في هذه القصة أنه رَد عليه ،ثم قال ))إّنما َرَدْدتُ َ
عَلْي َ
ك ل َأُرّد َ
يَ ،فإّني َ
عَل ّ
سّلْم َ
ل ُت َ
لمًاَ ،فإَذا َرَأْيَتِني هكذاَ ،ف َ
سَي َ
عَل ّ
عَلْيِهَ ،فَلْم َيُرّد َ
ت َ
ل :سّلم ُ
ن َتُقو َ
َأ ْ
لَم(( .وقد قيل :لعل هذا كان مرتين ،وقيل :حديث مسلم أصح ،لنه من حديث الضحاك بن
سَال ّ
ل بن
عثمان ،عن نافع ،عن ابن عمر ،وحديث البزار من رواية أبي بكر رجل من أولد عبد ا ّ
ل بن
ن عمر بن عبد الرحمن بن عبد ا ّ
عمر ،عن نافع ،عنه .قيل :وأبو بكر هذا :هو أبو بكر ب ُ
عمر ،روى عنه مالك وغيره ،والضحاك أوثق منه.
ك على الرض ،وكان إذا جلس لحاجته ،لم يرفع
وكان إذا استنجى بالماء ،ضرب يده بعد ذِل َ
ثوَبه حّتى يدنو ِمن الرض.
فصل
في هديه صلى ال عليه وسلم في الفطرة وتوابعها
ق صدرُه
شّختنته الملئكة يوَم ُ
قد سبق الخلف هل ُولد صلى ال عليه وسلم مختونًا ،أو َ
لول مرة ،أو ختنه جُده عبد المطلب؟
جِله وطهوره وأخِذه وعطائه ،وكانت يميُنه ِلطعامه
وكان ُيعجبه التيمن في تنّعِله وتر ّ
خلئه ونحوه من إزالة الذى.
وشرابه وطهوره ،وَيساُره ِل َ
ع بعضه ،ولم
وكان هدُيه في حلق الرأس ترَكه كّله ،أو أخَذه كّله ،ولم يكن يحِلق بعضه ،ويد ُ
ك ،وكان يستاك مفطرًا وصائمًا ،ويستاك عند
سوا َ
ُيحفظ عنه حلُقه إل في ُنسك .وكان ُيحب ال ّ
النتباه من النوم ،وعند الوضوء ،وعند الصلة ،وعند دخول المنزل ،وكان يستاك ِبُعود الرائك.
طِلي بالّنَورة.
طيب ،وُذِكَر عنه أنه كان َي ّ
ب ،ويحب ال ّ
وكان ُيكثر التطي َ
ل شعره ،ثم فرقه ،والفرق أن يجعل شعره ِفرقتين ،كل فرقة ذؤابة ،والسدل
سُد ُ
ل َي ْ
وكان أو ً
أن يسُدَله من ورائه ول يجعله ِفرقتين .ولم يدخل حمامًا قط ،ولعله ما رآه بعينه ،ولم يصح في
الحمام حديث.
ل ليلة ثلثًا عند النوم في كل عين .واختلف الصحابة في
حل منها ك ّ
حلة يكت ِ
وكان له ُمك ُ
حميد ،عن
ب وقال أبو هريرة خضب ،وقد روى حماد بن سلمة عن ُ
ض ْ
خضابه ،فقال أنس لم يخ ِ
ِ
77
ل بن
ل صلى ال عليه وسلم مخضوبًا ،قال حماد :وأخبرني عبد ا ّ
ت شعر رسول ا ّ
أنس قال رأي ُ
ل صلى ال عليه وسلم عند أنس بن مالك مخضوبًا ،وقالت
محمد بن عقيل قال :رأيت شعر رسول ا ّ
ب قد احَمّر شعره ،فكان ُيظن مخضوبًا.
ل صلى ال عليه وسلم مما ُيْكِثُر الطي َ
لا ّ
طائفة :كان رسو ُ
ك؟((
ل صلى ال عليه وسلم مع ابن لي ،فقال)) :أهذا ابُن َ
ضب وقال أبو ِرْمثة :أتيت رسول ا ّ
ولم يخ ِ
ك(( ،قال :ورأيت الشيب أحمر ،قال
عَلْي َ
جِني َ
ل َي ْ
عَلْيِهَ ،و َ
جني َ
ت :نعم أشهد به ،فقال)) :ل َت ْ
ُقل ُ
الترمذي :هذا أحسن شيء روي في هذا الباب وأفسرُه ،لن الروايات الصحيحة أن النبي صلى ال
سماك بن حرب قيل لجابر بن سمرة :أكان في
عليه وسلم لم يبلغ الشيب .قال حماد بن سلمة عن ِ
ق رأسِه إذا
ت في َمْفِر ِ
ب إل شعرا ٍ
رأس النبي صلى ال عليه وسلم شيب؟ قال :لم يكن في رأسه شي ٌ
ن رأسه ولحيته،
ل صلى ال عليه وسلم ُيْكِثُر ُده َ
لا ّ
ن الّدهن :قال أنس :وكان رسو ُ
اّدهن وأراُه ّ
جله عائشة
جل نفسه تارة ،وتر ّ
ل ،وكان ير ّ
جَب التر ُ
ب زيات وكان ُيح ّ
ع كأن ثوبه ثو ُ
وُيكثر الِقَنا َ
جّمُته تضِرب شحمَة أذنيه ،وإذا طال ،جعله
جّمة وُدون الَوْفَرِة ،وكانت ُ
تارة .وكان شعره فوق ال ُ
ل صلى ال عليه وسلم مكة َقْدَمًة ،وله أربع غدائر،
لا ّ
غَداِئَر أربعًا ،قالت أّم هانئ :قدم علينا رسو ُ
َ
والغدائر :الضفائر ،وهذا حديث صحيح وكان صلى ال عليه وسلم ل يرّد الطيب ،وثبت عنه في
خِفي ُ
ف حِةَ ،
ب الّراِئ َ
طّي ُ
ل َيُرّدهَ ،فإّنُه َ
ن َف َ
حا ٌ
عَلْيِه َرْي َ
ض َ
عِر َ
ن ُ
ث ))صحيح مسلم(( أنه قالَ)) :م ْ
حدي ِ
ل َيُرّده(( وليس بمعناه،
ب َف َ
طي ٌ
عَلْيِه ِ
عِرضَ َ
ن ُ
حِمل(( ،هذا لفظ الحديث ،وبعضهم يرويهَ)) :م ْ
الَم ْ
فإن الريحان ل تكُثر الِمّنُة بأخذه ،وقد جرت العادُة بالتسامح في بذله ،بخلف المسك والعنبر
عْزرة بن ثابت ،عن ُثمامة ،قال أنس :كان رسو ُ
ل والَغاِلية ونحوها ،ولكن الذي ثبت عنه من حديث َ
طي َ
ب ل صلى ال عليه وسلم ل َيُرّد ال ّ
ا ّ
ن(( فحديث معلول ،رواه
ن ،والَلَب ُ
ساِئُد ،والّدْه ُ
ث ل ُترد :الَو َ
ل ٌ
ث ابن عمر يرفعه ))َث َ
وأّما حدي ُ
ل بن مسلم بن جندب ،عن
الترمذي وذكر علته ،ول أحفظ الن ما قيل فيه ،إل أنه من رواية عبد ا ّ
ل صلى ال عليه وسلم:
أبيه ،عن ابن عمر .ومن مراسيل أبي عثمان الّنهدي قال :قال رسول ا ّ
ل صلى ال عليه
جّنِة(( .وكان لرسول ا ّ
ن ال َ
ج ِم َ
خَر َ
ل َيُرّدُهَ ،فإّنُه َ
نَ ،ف َ
حا َ
حُدُكُم الّرْي َ
ي َأ َ
طَعِ
))ِإَذا ُأ ْ
حّناِء.
ب الطيب إليه الِمسك ،وكان ُيعجبه الفاغية قيل :وهي َنْور ال ِ
ب منها ،وكان أح ّ
طي ُ
سّكة يت ّ
وسلم ُ
فصل
في هديه صلى ال عليه وسلم في قص الشارب
78
وهذا ل يكون معه إحفاء .واحتج من لم يَر إحفاءه بحديثي عائشة وأبي هريرة المرفوعين ))عشر
س((
خْم ٌ
طَرة َ
ب وفي حديث أبي هريرة المتفق عليه)) :الِف ْ
شاِر ِ
ص ال ّ
من الفطرة(( ...فذكر منها َق ّ
وذكر منها قص الشارب.
واحتج المحفون بأحاديث المر بالحفاء ،وهي صحيحة ،وبحديث ابن عباس
لحفاء ،وهو
شاِرَبُه ،قال الطحاوي :وهذا الغلب فيه ا ِ
جّز َ
ل صلى ال عليه وسلم كان َي ُ
أن رسول ا ّ
جّزوا
يحتمل الوجهين .وروى العلء بن عبد الرحمن ،عن أبيه ،عن أبي هريرة يرفعه )) ُ
لحفاء أيضًا ،وذكر بإسناده عن أبي سعيد ،وأبي
حى(( قال وهذا يحتمل ا ِ
خوا الّل َ
بَ ،وَأْر ُ
شَواِر َ
ال ّ
ل بن عمر ،وجابر ،وأبي هريرة أنهم كانوا ُيحفون
سْيد ،ورافع بن خديج ،وسهل بن سعد ،وعبد ا ّ
ُأ َ
شواربهم .وقال إبراهيم بن محمد بن حاطب :رأيت ابن عمر ُيحفي شاربه كأنه َيْنِتُفه وقال بعضهم:
ض الجلد .قال الطحاوي :ولما كان التقصير مسنونًا عند الجميع ،كان الحلق فيه
حتى ُيرى بيا ُ
أفضلَ قياسًا على الرأس ،وقد دعا النبي صلى ال عليه وسلم للمحلقين ثلثًا وللمقصرين واحدة،
ل ِمن تقصيره ،فكذلك الشارب.
فجعل حلق الرأس أفض َ
فصل
في هديه صلى ال عليه وسلم في كلمه وسكوته وضحكه وبكائه
طقًا،
عهم أداًء ،وأحلهم َمْن ِ
ل ،وأعذَبهم كلمًا ،وأسر َ
ح خلق ا ّ
كان صلى ال عليه وسلم أفص َ
خُذ بمجامع القلوب ،وَيسبي الرواح ،ويشهُد له بذلك أعداؤه .وكان إذا تكلم تكّلم
حتى إن كلمه َلَيْأ ُ
ع ل ُيحفظ ،ول منَقطع تخّلُله السكتات بين أفراد
ن يعّده العاّد ،ليس ِبَهّذ ُمسِر ِ
ل ُمَبّي ٍ
صِبكلم ُمف ّ
سُرُد
ل صلى ال عليه وسلم َي ْ
ل الهدي ،قالت عائشة :ما كان رسول ا ّ
الكلم ،بل هدُيه فيه أكم ُ
ل يحفظه من جلس إليه .وكان كثيرًا ما ُيعيد الكلم ثلثًا
صٍن َف ْ
سرَدكم هذا ،ولكن كان يتكّلم بكلم بّي ٍ
ح الكلم
ل السكوت ل يتكلم شي غيِر حاجة ،يفتت ُ
ل عنه ،وكان إذا سّلم سّلم ثلثًا .وكان طوي َ
ِلُيعق َ
ل ل فضول ول تقصير ،وكان ل يتكلم فيما ل َيعنيه،
ويختتمه بأشداقه ،ويتكلم بجوامع الكلمَ ،فص ٍ
حشًا ،ول
ف في وجهه ،ولم يكن فاحشًا ،ول متف ّ
عِر َ
ول يتكلم إل فيما يرجو ثوابه ،وإذا كِره الشيءُ :
جُذه.
ل ضحكه التبسم ،بل كّله التبسم ،فكان نهايُة ضحِكه أن تبدَو نوا ِ
جّخابًا .وكان ُ
صّ
عه وُيستندر.
ك مما ُيضحك منه ،وهو مما ُيتعجب من مثله وُيستغرب وقو ُ
وكان يضح ُ
)يتبع(...
80
والتاسع :البكاء المستعار والمستأجر عليه ،كبكاء النائحة بالجرة ،فإنها كما قال عمر بن
غيرها.
جَو َ
شْعْبرَتهاَ ،وَتْبكي َ
الخطابَ :تِبيُع َ
س يبكون لمر ورد عليهم ،فيبكي معهم،
ل النا َ
جُوالعاشر :بكاء الموافقة ،وهو أن يرى الر ُ
ول يدري لي شيء يبكون ،ولكن يراهم يبكون ،فيبكي.
وما كان من ذلك دمعًا بل صوت ،فهو بكى ،مقصور ،وما كان معه صوت ،فهو
بكاء ،ممدود على بناء الصوات ،وقال الشاعر:
ل اْلَعِوي ُ
ل َوَما ُيْغِني اْلبَكاُء وَ َ ق لَها ُبَكاَها
حّعْيِني َو ُ
ت َ
َبَك ْ
ى متكلفًا ،فهو التباكي ،وهو نوعان :محمود ،ومذموم ،فالمحمود ،أن
وما كان منه مستدع ً
سمعة والمذموم :أن ُيجتلب لجل الخلق ،وقد قال
ُيستجَلب ِلرقة القلب ،ولخشية ال ،ل للرياء وال ّ
عمر بن الخطاب للنبي صلى ال عليه وسلم وقد رآه يبكي هو وأبو بكر في شأن أسارى بدر:
ت ،لبكائكما ولم ينكر عليه
ت ،وإن لم أجد تباَكي ُ
ت بكاًء بكي ُ
ل؟ فإن وجد ُ
لا ّ
أخبرني ما ُيبكيك يا رسو ْ
صلى ال عليه وسلم .وقد قال بعض السلف :ابكوا ِمن خشية ال ،فإن لم تبكوا ،فتباكوا.
فصل
في هديه صلى ال عليه وسلم في خطبته
خطب صلى ال عليه وسلم على الرض ،وعلى المِْنَبِر ،وعلى البعير ،وعلى الّناقة .وكان
حُكْم
صّب َ
لَ )) :
ش َيُقو ُ
جْي ٍ
إذا خطب ،احمّرت عيناه ،وعل صوته ،واشتد غضبه حتى كأّنُه ُمنِذُر َ
ل:
طىَ ،وَيُقو ُ
سَسّباَبِة َوالُو ْ
صُبَعْيِه ال ّ
ن ُأ ْ
ن َبْي َ
ن(( َوَيْقُر ُ
عة َكَهاَتْي ِ
سا َ
ت َأَنا َوال ّ
ساُكْم(( ويقولُ)) :بِعْث ُ
َوَم ّ
لُموِر
شّر ا ُ
حّمٍد صلى ال عليه وسلمَ ،و َ
ي ُم َ
ي َهْد ُ
خْيَر الَهْد ِ
لَ ،و َ
ب ا َِ
ث ِكتا ُ
حِدي ِ
خْيَر ال َ
ن َ
))َأّما َبْعُد َفِإ ّ
لَلٌة((.
عٍة ض َ
ل ِبْد َ
حَدَثاُتَها ،وُك ّ
ُم ْ
ل كثير من الفقهاء :إنه يفتتح
ل .وأما قو ُ
خطبة إل افتتحها بحمد ا ّ
طب ُ
وكان ل يخ ُ
ي صلى ال عليه
خطبة الستسقاء بالستغفار ،وخطبَة العيدين بالتكبير ،فليس معهم فيه سنة عن النب ّ
ل(( ،وهو أحد الوجوه
حْمد ِّ
ح جميع الخطب بـ ))اْل َ
وسلم البتَة ،وسنته تقتضي خلَفه ،وهو افتتا ُ
سّره.
ل ِ
الثلثة لصحاب أحمد ،وهو اختيار شيخنا قّدس ا ُّ
طب قائمًا ،وفي مراسيل عطاء وغيره أنه كان صلى ال عليه وسلم
وكان يخ ُ
عَلْيُكم(( قال الشعبي :وكان أبو بكر
لُم َ
سَصِعَد الِمَنبَر أقبل بوجهه على الناس ،ثم قال)) :ال ّ
إذا َ
خطبته بالستغفار ،وكان كثيرًا يخطب بالقرآن وفي ))صحيح
وعمر يفعلن ذلك وكان يخِتم ُ
82
سا ِ
ن ن ِل َ
عْ
جيِد{ ]ق ،[1 :إل َ
ن الَم ِ
ت }ق َواْلُقرآ ِ
مسلم(( عن أّم هشام بنت حارثة قالت)) :ما أخذ ُ
س(( ،وذكر أبو
ب الّنا َ
ط َ
خَ
عَلى الِمْنَبِر إَذا َ
جُمَعٍة َ
ل َيْوِم ُ
ل صلى ال عليه وسلم َيْقَرُؤَها ُك ّ
ل ا ِّ
سو ِ
َر ُ
سَتِعيُنُه
ل َن ْ
حْمُد َِ
ل صلى ال عليه وسلم كان إذا تشّهد قال)) :ال َ
سول ا ّ
نرُ
داود عن ابن مسعود َأ ّ
ي َلُه،
ل ،فل َهاِد َ
ضِل ْ
ن ُي ْ
ل َلُهَ ،وَم ْ
ل ُمض ّ
لَ ،ف َ
ن َيْهِد ا ُّ
سَناَ ،م ْ
شُروِر َأْنُف ِ
ن ُ
ل ِم ْ
سَتْغِفُرُهَ ،وَنُعوُذ ِبا ِّ
َوَن ْ
عِة،
سا َ
شيرًا َوَنِذيرًا َبْين َيَدي ال ّ
حق َب ِ
سَلُه ِباْل َ
سوُلُهَ ،أْر َ
عْبُدُه َوَر ُ
حّمدًا َ
ن ُم َ
لَ ،وَأ ّ
ل ا ُّ
ل ِإله ِإ ّ
شَهُد َأن َ
َوَأ ْ
ل شيئًا(( وقال أبو
ل َيضّر ا ُّ
سُهَ ،و َ
ل َنْف َ
ضّر ِإ ّ
ل َي ُ
ن َيْعصِهَماَ ،فِإّنُه َ
شَد َوَم ْ
سوَلُهَ ،فَقْد ر َ
ل َوَر ُ
ن ُيطِع ا َّ
َم ْ
ل صلى ال عليه وسلم يوَم الجمعة ،فذكر
ن شهاب عن تشهد رسول ا ّ
داود عن يونس أنه سأل اب َ
غَوى((.
صِهَما َفَقْد َ
ن َيْع ِ
نحو هذا إل أنه قالَ)) :وَم ْ
ل َما ُهَو
ل صلى ال عليه وسلم كان يقول إذا خطبُ)) :ك ّ
ل ا ِّ
قال ابن شهاب :وبلغنا أن رسو َ
ل َما
لَ ،
شاَء ا ُّ
سَ ،ما َ
لْمِر الّنا ِ
ف َ
خ ّ
ل ُي ِ
حٍدَ ،و َ
جَلِة َأ َ
ل ِلَع َ
ل ا َُ
جُل ُيَع ّ
تَ ،و َ
ل ُبْعَد ِلَما ُهَو آ ٍ
بَ ،
ت َقري ٌ
آ ٍ
ل ُمْبِعَد ِلَما قّر َ
ب سَ ،و َ
نَ ،وَلْو َكِرَه الّنا ُ
ل َكا َ
شاَء ا ُّ
شيئًاَ ،ما َ
س َ
شْيئًا َوُيريُد الّنا ُ
ل َ
سُ ،يِريُد ا ُّ
شاَء النا ُ
َ
ل((.
ن ا ِّ
ل ِبِإْذ ِ
شيٌء إ ّ
ن َ
ل َيُكو ُ
ل ،و َ
ب ِلَما َبّعَد ا ُّ
ل ُمَقّر َ
ل ،و َ
ا ُّ
ف كماله ومحامده،
ل ،والثناء عليه بآلئه ،وأوصا ِ
خطبه على حمد ا ّ
وكان مداُر ُ
ن موارد غضبه،
ل ،وتبيي ِ
لسلم ،وذكِر الجّنة والّنار والمعاد ،والمِر بتقوى ا ّ
وتعليِم قواعِد ا ِ
ومواقِع رضاه فعلى هذا كان مدار خطبه.
ل َما ُأِمْرُتْم بِهَ ،وَلِك ْ
ن ن َتْفَعُلوا ُ-ك َ
طيُقوا َ -أْو َل ْ
ن ُت ِ
س ِإَنُكْم َل ْ
وكان يقول في خطبهَ)) :أّيَها الّنا ُ
شُروا((.
سّدُدوا َوَأْب ِ
َ
طبين ومصلحتهم ،ولم َيُك ْ
ن طب في كل وقت بما تقتضيه حاجةُ المخا َ
وكان يخ ُ
خطبة إل افتتحها بحمد ال ،ويتشّهد فيها بكلمتي الشهادة ،ويذكر فيها نفسه باسمه العلم.
يخطب ُ
جْذَماِء((.
ي َكاْلَيِد ال َ
شّهٌدَ ،فِه َ
س ِفيَها َت َ
طَبٍة َلْي َ
خ ْ
ل ُ
وثبت عنه أنه قالُ)) :ك ّ
س الخطباء اليوم
س ِلَبا َ
حجرته ،ولم يكن َيْلَب ُ
ولم يكن له شاويش يخُرج بين يديه إذا خرج من ُ
طرحة ،ول ِزيقًا َواسعًا.
ل ُ
ث درجات ،فإذا استوى عليه ،واستقبل الناس ،أخذ المؤذن في الذان
وكان منبُره ثل َ
ن ول
ل شيئًا قبَله ول بعَده ،فإذا أخذ في الخطبة ،لم يرفع أحٌد صوته بشيء البتة ،ل مؤذ ٌ
فقط ،ولم َيُق ْ
غيُره.
83
وكان إذا قام يخطب ،أخذ عصًا ،فتوّكأ عليها وهو على المنبر ،كذا ذكره عنه
أبو داود عن ابن شهاب ،وكان الخلفاُء الثلثُة بعده يفعلون ذلك ،وكان أحيانًا يتوكْأ على قوس ،ولم
ف على المنبر إشارة إلى
ك السي َ
سُ
ُيحفظ عنه أنه توكأ على سيف ،وكثيٌر من الجهلة يظن أنه كان ُيْم ِ
ظ أنه صلى ال عليه
أن الدين إنما قام بالسيف ،وهذا جهل قبيح من وجهين ،أحدهما :أن المحفو َ
ق أهل
حِوسلم توكأ على العصا وعلى القوس .الثاني :أن الدين إنما قام بالوحي ،وأّما السيفَ ،فِلَم ْ
حت بالُقرآن ،ولم
الضلل والشرك ،ومدينُة النبي صلى ال عليه وسلم التي كان يخطب فيها إنما ُفِت َ
ُتفتح بالسيف.
وكان إذا عرض له في خطبته عارض ،اشتغل به ،ثم رجع إلى
طب ،فجاء الحسن والحسين يعُثران في قميصين أحمرين ،فقطع كلمه ،فنزل،
خطبته ،وكان يخ ُ
لُدُكْم ِفْتَنٌة{ ]النفال:
ظيُم }إِّنَما َأْمَواُلُكْم َوَأْو َ
ل الَع ِ
ق ا ُّ
صَد َ
فحملهما ،ثم عاد إلى منبره ،ثم قالَ )) :
حَمْلُتُهَما((.
لِمي َف َ
ت َك َ
طْع ُ
حّتى َق َ
صِبْر َ
صْيِهَماَ ،فَلْم َأ ْ
ن يعُثران في َقِمي َ
ت هَذْي ِ
َ [28رَأْي ُ
جّوْز
ك َفاْرَكْع َرْكعََتْين َوَت َ
سَلْي ُ
طب ،فجلس ،فقال لهُ)) :قْم َيا ُ
طَفاني وهو يخ ُ
ك ،الَغ َ
سَلْي ٌ
جاَء ُ
َو َ
بَ ،فْلَيْرَكْع َرْكَعَتْي ِ
ن ط ُ
خُلمام َي ْ
جُمَعِة وا ِ
حُدكْم َيْوَم ال ُ
جاَء َأ َ
ِفِيِهما(( ،ثم قال وهو على المنبر)) :إَذا َ
جّوْز ِفيِهَما((.
َوْلَيَت َ
وكان ُيقصر خطبته أحيانًا ،وُيطيلها أحيانًا بحسب حاجة الناس وكانت خطبُته العاِرضة
ن على الصدقة،
ضُه ّ
حدة في العياد ،ويحّر ُ
طب الّنساء على ِ
ل من خطبته الراِتبة .وكان يخ ُ
أطو َ
وال أعلم.
فصول
في هديه صلى ال عليه وسلم في العبادات
فصل
في هديه صلى ال عليه وسلم في الوضوء
كان صلى ال عليه وسلم يتوضأ لكل صلة في غالب أحيانه ،وربما صلى الصلوا ِ
ت
بوضوء واحد وكان يتوضأ بالُمد تارة ،وبثلثيه تارة ،وبأزَيد منه تارة ،وذلك نحو أربع أواق
حّذُر أمته من
ن أيسر الّناس صّبا لماء الوضوء ،وكان ُي َ
بالدمشقي إلى أوقيتين وثلث وكان ِم ْ
طانًا ُيَقا ُ
ل شْي َ
ضوِء َ
ن ِلْلُو ُ
ن يعتدي في الطهور ،وقال)) :إ ّ
لسراف فيه ،وأخبر أنه يكون في أمته َم ْ
اِ
84
ف في الَماء((
سِر ْ
ل ُت ْ
س الَماء(( ومر على سعد ،وهو يتوضأ فقال لهَ )) :
سَوا َ
َلُه الَولَهان َفاّتُقوا َو ْ
جاٍر((.
عَلى َنهٍر َ
ت َ
فقال :وهل َفي الماء من إسراف؟ قال)) :نعم وإن ْكْن َ
وصح عنه أنه توضأ مرة مرة ،ومرتين مرتين ،وثلثًا ثلثًا ،وفي بعض العضاء مرتين،
وبعضها ثلثًا.
وكان يتمضمض ويستنشق تارة بَغرفة ،وتارة بَغرفتين ،وتارة بثلث .وكان يصل
خذ نصف الغرفة لفمه ،ونصفها لنفه ،ول ُيَمكن في الغرفة إل
بين المضمضة والستنشاق ،فيأ ُ
ل ،إل أن هديه صلى ال عليه وسلم كان
ل والوص ُ
هذا ،وأما الغرفتان والثلث ،فيمكن فيهما الفص ُ
ل صلى ال عليه
ن رسول ا ّ
ل بن زيد أ ّ
ل بينهما ،كما في ))الصحيحين(( من حديث عبد ا ّ
الوص َ
ف واحدة ،فعل ذلك ثلثًا(( وفي لفظ)) :تمضمض واستنثر
ن َك ّ
وسلم ))تمضمض واستنشق م ْ
ل بين الًمضمضة
ح ما ُروي في المضمضة والستنشاق ،ولم يجىء اَلفص ُ
غرَفات(( فهذا أص ً
لث َ
بَث َ
والستنشاق في حديث صحيح البتة ،لكن في حديث طلحة بن مصرف ،عن أبيه ،عن جّده :رأي ُ
ت
ل بين المضمضة والستنشاق ،ولكن ل ُيروى إل عن طلحة عن
النبي صلى ال عليه وسلم َيْفص ُ
أبيه عن جّده ،ول يعرف لجده صحبة.
ح رأسه كّله ،وتارة
وكان يستنشق بيده اليمنى ،ويستنِثر بالُيسرى ،وكان يمس ُ
ل حديث من قال :مسح برأسه مرتين والصحيح أنه لم يكرَر مسح
ل بيديه َوُيْدبُر ،وعليه ُيحم ُ
ُيْقِب ُ
ح عنه
ح الرأس ،هكذا جاء عنه صريحًا ،ولم يص ّ
ل العضاء ،أفرد مس َ
سَغْ
رأسه ،بل كان إذا كرَر َ
صلى ال عليه وسلم .خلفه البتة ،بل ما عدا هذا ،إّما صحيح غير صريح ،كقول الصحابي :توضأ
ثلثًا ثلثًا ،وكقوله :مسح برأسه مرتين ،وإما صريح غير صحيح ،كحديث ابن البيلماني ،عن أبيه،
ح ِبَرأسه
سَ
ل َكّفْيه ثلثًا(( ثم قالَ)) :وَم َ
سَضُأ َفغَ َ
ن َتَو ّ
عن عمر أن النبي صلى ال عليه وسلم قالَ)) :م ْ
ل وكحديث
سن حا ً
حََثلَثًا(( وهذا ل يحتج به ،وابن البيلماني وأبوَه مضَعفان ،وإن كان الب أ َ
سُه َثلثًا(( وقال أبو داود :أحادي ُ
ث سحَ َرأ َ
عثمان الذي رواه أبو داود أنه صلى ال عليه وسلمَ)) :م َ
ح عنه في حديث واحد أنه اقتصر
ح كّلها تدل على أن مسح الرأس مرة ،ولم يص ّ
عثمان الصحا ُ
ث أنس الذي
ض رأسه البتة ،ولكن كان إذا مسح بناصيته كمل على العمامة ،فأّما حدي ُ
على مسح بع ِ
ن
ل َيَده ِم ْ
خَ
طِرّيٌةَ ،فأْد َ
ل صلى ال عليه وسلم يتوضأ وعليه عَمامة ق ْ
لا ّ
ت رسو َ
رواه أبو داود)) :رأي ُ
ي صلى ال
ض الِعًماَمة(( .فهذا مقصود أنس به أن َالنب َ
تحت العَماَمة ،فمسح ُمقّدَم رأسه ،ولم َيْنُق ِ
ل على الِعمامة ،وقد
ف التكمي َ
ح الشعر كّله ،ولم ين ِ
ب مس َ
ع َ
عمامته حتى يستو ِ
عليه وسلم لم ينُقض ِ
85
ت أنس عنه ل يدل على نفيه ولم يتوضأ صلى ال عليه وسلم
أثبته المغيرُة بن شعبة وغيره ،فسكو ُ
إل تمضمض واستنشق ،ولم ُيحفظ عنه أنه صلى ال عليه وسلم به مرة واحدة ،وكذلك كان
ل به مرة واحدة البتة ،وكان يمسح على رأسه تارة ،وعلى الِعمامة
خَوضوءه مرتبًا متواليًا ،لم ُي ِ
تارة ،وعلى الناصية والعمامة تارة.
وأما اقتصاُره على الناصية مجردة ،فلم ُيحفظ عنه كما تقدم وكان يغسل رجليه إذا لم يكونا
خفين ول جوربين ،ويمسح عليهما إذا كانا في الخفين أو الجوربين وكان يمسح أذنيه مع رأسه،
في ُ
وكان يمسح ظاهرهما وباطنهما ،ولم يثبت عنه أنه أخذ لهما ماًء جديدًا ،وإنما صح ذلك عن ابن
عمر ولم َيصح عنه في مسح الُعنق حديث البتة ،ولم يحفظ عنه أنه كان يقول على وضوئه شيئًا
لا ّ
ل ل رسو ُ
خَتَلق ،لم يُق ْ
ب ُم ْ
ل حديث في أذكار الوضوء الذي يقال عليهَ ،فَكِذ ٌ
غيَر التسميةَ ،وُك ّ
شَهُد
عّلمه لمته ،ول ثبت عنه غير التسمية في أوله وقولهَ)) :أ ْ
صلى ال عليه وسلم شيئًا منه ،ول َ
ن،
ن الّتّواِبي َ
جَعْلِني ِم َ
سوُلُه ،الّلُهّم ا ْ
عْبُدُه َوَر ُ
حّمدًا َ
ن ُم َ
شَهُد َأ ّ
ك َلُهَ ،وَأ ْ
شِري َ
ل َ
حَدُه َ
ل َو ْ
ل ا ُّ
ل إلَه ِإ ّ
َأن َ
ن(( في آخِره وفي حديث آخر في ))سنن النسائي(( مّما يقال بعد الوضوء
طّهري َ
ن الُمَت َ
جَعلِْني ِم َ
وا ْ
ك((.
ب ِإَلْي َ
ك َوَأُتو ُ
سَتْغِفُر َ
تَ ،أ ْ
كَ ،أْن َ
حْمِد َ
ك الّلُهّم َوِب َ
حاَن َ
سْب َ
أيضًاُ )) :
ن يقول في أوله :نويت رفَع الحدث ،ول استباحَة الصلة ،ل هو ،ول أحٌد من
َوَلْم َيُك ْ
أصحابه البتة ،ولم ُيرو عنه في ذلك حرف واحد ،ل بِإسناد صحيح ،ول ضعيف ،ولم يتجاوز
ل ذلك
ط ،وكذلك لم ُيثبت عنه أنه تجاوز الِمرفقين والكعبين ،ولكن أبو هريرة كان يفع ُ
الثلث ق ّ
ث أبي هريرة في صفة وضوء النبي صلى ال عليه وسلم أنه
ويتأّول حديث إطالة الغرة ،وأما حدي ُ
ضدين ،ورجليه حتى أشرع في الساقين فهو إنما يدل على إدخال
غسل يديه حتى أشرع في الع ُ
لطالة.
المرفقين والكعبين في الوضوء ،ول يدل على مسألة ا ِ
ف أعضائه بعد الوضوء ،ول صح عنه
ولم يكن رسول ال صلى ال عليه وسلم يعتاد تنشي َ
في ذلك حديث البتة ،بل الذي صح عنه خلفه ،وأما حديث عائشة كان للنبي صلى ال عليه وسلم
ل صلى ال عليه وسلم إذا
ف ِبَها َبعَد الُوضوِء ،وحديث معاذ بن جبل :رأيت رسول ا ّ
ش ُ
خرَقٌة ُيَن ّ
ِ
ف ثوبه ،فضعيفان ل يحتج بمثلهما ،في الول سليمان بن أرقم
طَر ِ
توضأ مسح على وجهه ِب َ
متروك ،وفي الثاني عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الفريقي ضعيف ،قال الترمذي :ول يصح عن
النبي صلى ال عليه وسلم في هذا الباب شيء.
86
شَرًا،
عْل َ
شرًاُ ،ثّم ُيَهّل ُ
عْحَمُد َ
تُ ،ثّم َي ْ
شَر مَرا ٍ
عْح َ
سّب ُ
تُ ،ثّم ُي َ
شَر َمّرا ٍ
عْل َأْكَبُر َ
وتارة يقول)) :ا ُّ
شَرًا((ُ ،ثّم يقول)) :الّلُهّم
عْعاِفِني َ
غِفْر ِلي َواْهِدني َواْرُزْقِني َو َ
شرًاُ ،ثّم َيقول)) :الّلُهّم ا ْ
عْسَتْغِفُر َ
ُثّم َي ْ
شَرًا((
عْق الُمَقاِم َيْوَم الِقَياَمِة َ
ضي ِ
ن ِ
ك ِم ْ
عوُذ ِب َ
ِإّني َأ ُ
فكل هذه النواع صحت عنه صلى ال عليه وسلم.
كَ ،و َ
ل جّد َ
ك ،وَتَعاَلى َ
سُم َ
كا ْ
كَ ،وَتَباَر َ
حمِْد َ
ك الّلُهّم َوِب َ
حاَن َ
سْب َ
وروي عنه أنه كان يستفتح بـ )) ُ
ل السنن من حديث علي بن علي الرفاعي ،عن أبي المتوكل الّناجي ،عن
ك(( ذكر ذلك أه ُ
غْيُر َ
ِإلِه َ
ل عنها ،والحاديث التي
أبي سعيد على أنه ربما أرسل ،وقد ُروي مثله من حديث عائشة رضي ا ّ
ت منه ،ولكن صح عن عمر بن الخطاب رضي ال عنه أنه كان يستفتح به في مقام النبي
قبله أثب ُ
لمام أحمد :أّما أنا فأذهب إلى ما روي عن
صلى ال عليه وسلم ويجهر به ،ويعّلمه الناس وقال ا ِ
ل استفتح ببعض ما ُروي عن النبي صلى ال عليه وسلم من الستفتاح كان
عمر ،ولو أن رج ً
حسنًا.
وإنما اختار المام أحمد هذا لعشرة أوجه قد ذكرُتها في مواضع أخرى .منها جهُر
عمر به يعّلمه الصحابة.
ل،
ومنها اشتماُله على أفضل الكلم بعد القرَآن ،فإن أفضل الكلم بعد القرَآن سبحان ا ِّ
لحرام.
ح مع تكبيرة ا ِ
ل أكبر ،وقد تضمنها هذا الستفتا ُ
ل وا ّ
ل ،ول ِإله ِإل ا ّ
والحمد ّ
ل ،وغيره متضمن للدعاء ،ولهذا كانت سورة
ص للثناء على ا ّ
ومنها أنه استفتاح أخل ُ
ل ثلث القرآن ،لنها أخلصت لوصف الرحمن تبارك وتعالى ،والثناء عليه ،ولهذا
لخلص َتعِد ُ
اِ
ل أكبر(( أفضل الكلم بعد القرآن ،فيلزم أن ما
ل ،وا ّ
ل ،ول ِإله ِإل ا ّ
ل ،والحمد ّ
كان ))سبحان ا ّ
تضمنها من الستفتاحات أفضل من غيره من الستفتاحات.
ومنها أن غيَره من الستفتاحات عامُتها إنما هي في قيام الليل في النافلة ،وهذا كان عمُر
يفعله ،ويعّلمه الناس في الفرض.
لخبار عن صفات كماله ،
ومنها أن هذا الستفتاح إنشاء للثناء على الّرب تعالى ،متضمن ل ِ
ونعوت جلله ،والستفتاح بـ ))وجهت وجهي(( إخبار عن عبودية العبد ،وبينهما من الفرق ما
بينهما.
90
ومنها أن من اختار الستفتاح بـ ))وجهت وجهي(( ل يكمله ،وإنما يأخذ بقطعة من الحديث
،ويَذُر باقيه ،بخلف الستفتاح بـ ))سبحانك اللهم وبحمدك(( فإن من ذهب إليه يقوله كله إلى
آخره.
ل من الشيطان الرجيم(( ثم يقرأ الفاتحة ،يجهر بـ ))بسم ا ّ
ل وكان يقول بعد ذلك)) :أعوذ با ّ
الّرحمن الّرحيم(( تارة ،ويخفيها أكثر مما يجهر بها.
ول ريب أنه لم يكن يجهر بها دائمًا في كل يوم وليلة خمس مرات أبدًا ،حضرًا وسفرًا،
جمهور أصحابه ،وأهل بلده في العصار الفاضلة ،هذا
ويخفي ذلك على خلفائه الّراشدين ،وعلى ُ
ِمن أمحل المحال حتى يحتاج إلى التشّبث فيه بألفاظ مجملة ،وأحاديث واهية ،فصحيح تلك
حها غير صحيح ،وهذا موضع يستدعي مجّلدًا ضخما.
الحاديث غيُر صريح ،وصري ُ
وكانت قراءته مدًا ،يِقف عند كل آية ،ويمّد بها صوته.
فإذا فرغ من قراءة الفاتحة ،قال)) :آمين(( ،فإن كان يجهر بالقراءة رفع بها صوته وقالها
من خلفه.
ن ،سكتة بين التكبير والقراءة ،وعنها سأله أبو هريرة ،واختلف في
وكان له سكتتا ِ
الثانية ،فروي أنها بعد الفاتحة .وقيل :إنها بعد القراءة وقبل الركوع .وقيل :هي سكتتان غير
الولى ،فتكون ثلثًا ،والظاهر إنما هي اثنتان فقط ،وأّما الثالثة ،فلطيفة جدًا لجل تراّد الّنَفس ،ولم
صل القراءة بالركوع ،بخلف السكتة الولى ،فإنه كان يجعلها بقدر الستفتاح ،والثانية قد
يكن َي ِ
قيل :إنها لجل قراءة المأموم ،فعلى هذا :ينبغي تطويلها بقدر قراءة الفاتحة ،وأّما الثالثة ،فللراحة
جَعلها سكتًة ثالثة ،فل
والنفس فقط ،وهي سكتة لطيفة ،فمن لم يذكرها ،فلقصرها ،ومن اعتبرهاَ ،
اختلف بين الروايتين ،وهذا أظهر ما يقال في هذا الحديث وقد صح حديث السكتتين ،من رواية
سمرة ،وأبي بن كعب ،وعمران بن حصين ،ذكر ذلك أبو حاتم في ))صحيحه(( وسمرة هو ابن
ت من
جندب ،وقد تبين بذلك أن أحد من روى حديث السكتتين سمرة بن جندب وقد قال :حفظ ُ
ل صلى ال عليه وسلم سكتتين :سكتًة إذا كبر ،وسكتة إذا فرغ من قراءة} :غير
رسول ا ّ
المغضوب عليهم ول الضالين{ ]الفاتحة .[7 :وفي بعض طرق الحديث :فإذا فرغ من القراءة،
سلمة بن عبد الرحَمن :للمام
سر مبين ،ولهذا قال أبو َ
سكت وهذا كالمجمل ،واللفظ الول مف ّ
سكتتان ،فاغتنموا فيهما القراءة بفاتحة الِكتاب إذا افتتح الصلة ،وإذا قال} :ول الضالين{ ]الفاتحة:
[7على أن تعيين محل السكتتين ،إنما هو من تفسير قتادة ،فإنه روى الحديث عن الحسن ،عن
91
وأما قراءته في العياد ،فتارة كان يقرأ سورتي )ق( و )اقتربت( كاملتين ،وتارة
ل عز
سورتي )سّبح( و )الغاشية( وهذا هو الهدي الذي استمر صلى ال عليه وسلم إلى أن لقي ا َّ
وجل ،لم ينسخه شيء.
ولهذا أخذ به خلفاؤه الراشدون من بعده ،فقرأ أبو بكر رضي ال عنه في الفجر بسورة
ل صلى ال عليه وسلم؟
)البقرة( حتى سّلم منها قريبًا من طلوع الشمس ،فقالوا :يا خليَفة رسول ا ّ
س تطلُع ،فقال :لو طَلعت لم تجدنا غافلين.
كادت الشم ُ
ل عنه يقرأ فيها بـ )يوسف( و )النحل( و بـ )هود( و )بني إسرائيل(
وكان عمر رضي ا ّ
ف على خلفائه الراشدين،
ونحوها من السور ،ولو كان تطويُله صلى ال عليه وسلم منسوخًا لم يخ َ
طلْع عليه الّنّقارون.
َوَي ّ
سُمرة أن النبي صلى ال عليه
وأما الحديث الذي رواه مسلم في ))صحيحه(( عن جابر بن َ
ن المجيد{ ]ق [1 :وكانت صلته بعد تخفيفًا فالمراد بقوله
وسلم كان يقرأ في الفجر }ق والقرآ ِ
))بعُد(( أي :بعد الفجر ،أي :إنه كان يطيل قراءة الفجر أكثر من غيرها ،وصلته بعدها تخفيفًا.
ل أم الفضل وقد سمعت ابن عباس يقرأ و )المرسلت عرفًا( فقالت :يا بني لقد
ويدل على ذلك قو ُ
ل صلى ال عليه وسلم يقرأ بها في
ت من رسولِ ا ّ
خُر ما سمع ُ
َذّكْرَتِني بقراءة هذه السورة ،إنها ل ِ
المغرب فهذا في آخر المر.
وأيضًا فإن قوله :وكانت صلته))بعُد(( غايٌة قد حذف ما هي مضافة إليه ،فل يجوز
ق إنما يقتضي أن صلته
ق ،والسيا ُ
ق ،وترك إضمار ما يقتضيه السيا ُ
إضماُر ما ل يدل عليه السيا ُ
بعد الفجر كانت تخفيفًا ،ول يقتضي أن صلَته كّلها بعد ذلك اليوم كانت تخفيفًا ،هذا ما ل يدل عليه
اللفظ ،ولو كان هو المراَد ،لم يخف على خلفائه الراشدين ،فيتمسكون بالمنسوخ ،ويدعون الناسخ.
ف(( وقول أنس رضي ا ّ
ل خّف ْ
سَ ،فْلُي َ
وأّما قوُله صلى ال عليه وسلمَ)) :أّيُكم َأّم الّنا َ
جُ
حلًة في َتماٍم فالتخفيف أمر نسبي َيْر ِ
صَس َ
ف الّنا ِ
خ ّ
ل صلى ال عليه وسلم أ َ
لا ّ
عنه :كان رسو ُ
إلى ما فعله النبي صلى ال عليه وسلم ،وواظب عليه ،ل إلى شهوة المأمومين ،فإنه صلى ال عليه
ف وَذا الحاجة ،فالذي
علَم أن من ورائه الكبيَر والضعي َ
وسلم لم يكن يأمرهم بأمر ،ثم ُيخالفه ،وقد َ
ن ذلك بأضعاف مضاعفة،
لمِ
ف الذي أمَر به ،فَإنه كان ُيمكن أن تكون صلُته أطو َ
فعله هو التخفي ُ
فهي خفيفٌة بالنسبة إلى أطول منها ،وهدُيه الذي كان واظب عليه هو الحاكُم على كل ما تنازع فيه
ل عنهما قال :كان رسو ُ
ل المتنازعون ،ويدل عليه ما رواه النسائي وغيره عن ابن عمر رضي ا ّ
94
ل يأمرنا بالتخفيف ويؤّمنا بـ )الصافات( فالقراءة بـ )الصافات( من التخفيف الذي كان يأمر به،
ا ّ
ل أعلم.
وا ّ
فصل
وكان صلى ال عليه وسلم ل يعين سورة في الصلة بعينها ل يقرأ إل بها إل في الجمعة
والعيدين ،وأّما في سائر الصلوات ،فقد ذكر أبو داود من حديث عمرو بن شعيب ،عن أبيه ،عن
ل صلى ال عليه
لا ّ
ت رسو َ
ل سورٌة صغيرٌة ول كبيرٌة إل وقد سِمع ُ
صِن المف ّ
جّده أنه قالَ :ما م َ
صلِة الَمْكُتوبِة.
س بها في َال ّ
وسلم َيؤّم النا َ
وكان من هديه قراءَة السورة كاملة ،وربما قرأها في الركعتين ،وربما قرأ أول السورة.
طها ،فلم ُيحفظ عنه .وأما قراءُة السورتين في ركعة ،فكان يفعله في
وأما قراءة أواخر السور وأوسا ِ
ل عنه :إني لعرف
ث ابن مسعود رضي ا ّ
النافلة ،وأما في الفرض ،فلم ُيحفظ عنه .وأما حدي ُ
ل صلى ال عليه وسلم يقُرن بينهن السورتين في الركعة )الرحمن( و
لا ّ
النظاِئَر التي كان رسو ُ
)النجم( في ركعة و )اقتربت( و )الحاقة( في ركعة و )الطور( و )الذاريات( في ركعة و )إذا
وقعت( و )ن( في ركعة الحديث فهذا حكاية فعل لم ُيعين محّله هل كان في الفرض أو في النفل؟
وهو محتِمل .وأما قراءُة سورة واحدة في ركعتين معًا ،فقلما كان يفعله .وقد ذكر أبو داود عن رجل
ل صلى ال عليه وسلم يقرأ في الصبح )إذا زلزلت( في الركعتين
جهينة أنه سمع رسول ا ّ
من ُ
ل صلى ال عليه وسلم ،أم قرأ ذلك عمدًا.
لا ّ
ي رسو ُ
كلتيهما ،قال :فل أدري أنس َ
فصل
صبح وِمن كل
ل الركعة الولى على الثانية ِمن صلة ال ّ
وكان صلى ال عليه وسلم ُيطي ُ
صلة ،وربما كان ُيطيلها حتى ل يسَمَع وْقَع قدٍم ،وكان ُيطيل صلة الصبح أكثَر ِمن سائر
ل تعالى وملئكُته ،وقيل :يشهُده ملئكُة اللي ِ
ل الصلوات ،وهذا لن قرآن الفجر مشهود ،يشهده ا ُّ
للهي هل يدوُم إلى انقضاء صلة الصبح ،أو إلى طلوع
لا ِ
والنهاِر ،والقولن مبنيان على أن النزو َ
الفجر؟ وقد ورد فيه هذا وهذا.
ل تطويُلها عوضًا عما نقصته من العدد.
جِع َ
وأيضًا فإنها لما نقص عدُد ركعاتهاُ ،
ب النوم ،والناس مستريحون.
وأيضًا فإنها تكون عقي َ
وأيضًا فإنهم لم يأخذوا َبْعُد في استقبال المعاش ،وأسباب الدنيا.
95
وقد روى ابن خزيمة في ))صحيحه(( من حديث ُمصعب بن سعد ،عن أبيه قال :كنا نضُع
ث أبي هريرة محفوظًا،
اليدين قبل الركبتينَ ،فُأمرنا بالّركبتين قبل اليدين وعلى هذا فإن كان حدي ُ
ن للحديث علتان:
فإنه منسوخ ،وهذه طريقُة صاحب ))المغنى(( وغيره ،ولك ْ
إحداهما :أنه من رواية يحيى بن سلمة بن كهيل ،وليس ممن ُيحتج به ،قال الّنسائي :متروك.
وقال ابن حبان :منكر الحديث جدًا ل ُيحتج به ،وقال ابن معين :ليس بشيء.
الثانية :أن المحفوظ من رواية مصعب بن سعد عن أبيه هذا إنما هو قصُة التطبيق ،وقول
سعد :كنا نصنع هذا ،فأمرنا أن نضع أيدينا على الركب.
وأما قول صاحب ))المغني(( عن أبي سعيد قال :كنا نضع اليدين قبل الركبتينَ ،فُأِمْرَنا أن
ل أعلم -وهم في السم ،وإنما هو عن سعد ،وهو أيضًا وهم
نضع الركبتين قبل اليدين ،فهذا -وا ّ
ل أعلم.
في المتن كما تقدم ،وإنما هو في قصة التطبيق ،وا ّ
وأما حديث أبي هريرة المتقدم ،فقد علله البخاري ،والترمذي ،والدارقطني .قال البخاري:
سمَع من أبي الزناد ،أم ل.
ل بن حسن ل ُيتابع عليه ،وقال :ل أدري َأ َ
محمد بن عبد ا ّ
وقال الترمذي :غريب ل نعرفه من حديث أبي الزناد إل من هذا ا لوجه.
ل بن الحسن العلوي،
وقال الدارقطني :تفرد به عبد العزيز الدراوردي ،عن محمد بن عبد ا ّ
ل بن الحسن
ل بن نافع ،عن محمد بن عبد ا ّ
عن أبي الزناد ،وقد ذكر النسائي عن قتيبة ،حدثنا عبد ا ّ
العلوي ،عن أبي الزناد عن العرج ،عن أبي هريرة أن النبي صلى ال عليه وسلم قالَ)) :يْعِمُد
ل(( ولم يزد .قال أبو بكر بن أبي داود :وهذه سنة تفرد بها
جَم ُ
ك ال َ
ك كما َيْبُر ُ
حُدُكم في صلتهَ ،فَيْبُر ُ
َأ َ
ل ،عن نافع ،عن ابن عمر ،عن
ل المدينة ،ولهم فيها إسنادان ،هذا أحدهما ،والخر عن عبيد ا ّ
أه ُ
النبي صلى ال عليه وسلم.
ل ،عن نافع،
ث الذي رواه أصبغ بن الفرج ،عن الدراوردي ،عن عبيد ا ّ
قلت :أراد الحدي َ
ل ُركبتيه ،ويقول:كان النبي صلى ال عليه وسلم يفعل ذلك.
ضع َيَديِه َقْب َ
عن ابن عمر أنه كان ي َ
رواه الحاكم في ))المستدَرك(( من طريق محرز بن سلمة عن الدراوردي وقال :على شرط مسلم
ن حديث حفص بن غياث ،عن عاصم الحول ،عن أنس قال :رأيتُ رسول ا ّ
ل وقد رواه الحاكُم ِم ْ
ت ُركبتاه َيَدْيِه قال الحاكم :على شرطهما ،ول أعلم له
سَبَق ْ
ط بالتكبير حتى َ
صلى ال عليه وسلم انح ّ
علة.
100
حذو منكبيه وُأذنيه ،وفي ))صحيح مسلم(( عن البراء أنه صلى ال عليه
وكان يضع يديه َ
ك((.
ك َواْرَفْع ِمْرَفَقْي َ
ضْع َكّفْي َ
تَ ،ف َ
جْد َ
سَوسلم قالِ)) :إَذا َ
وكان يعتِدل في سجوده ،ويستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة.
سط كفيه وأصابَعه ،ول ُيفّرج بينها ول يقبضها ،وفي ))صحيح ابن حبان(()) :كان
وكان يب ُ
جَد ،ضّم أصابعه((.
سَإذا ركع ،فرج أصابعه ،فإذا َ
عَلى(( وأمر به.
لْيا َ
ن َرّب َ
حا َ
سْب َ
وكان يقولُ )) :
غفِْر لي((.
ك الّلُهّم ا ْ
حْمِد َ
ك الّلُهّم َرّبَنا َوِب َ
حاَن َ
سْب َ
وكان يقولُ )) :
ح((.
لِئكَة والّرو ِ
ب الَم َ
س َر ّ
ح ُقّدو ٌ
سّبو ٌ
وكان يقولُ )) :
ت((.
ل َأْن َ
ل ِإَلَه ِإ ّ
كَ ،
حْمِد َ
ك الّلُهّم َوِب َ
حاَن َ
سْب َ
وكان يقول )) ُ
عوُذ ِب َ
ك كَ ،وَأ ُ
عُقوَبِت َ
ن ُ
ك ِم ْ
كَ ،وِبُمَعاَفاِت َ
طَ
خِسَ
ن َ
ك ِم ْ
ضا َ
عوُذ ِبِر َ
وكان يقول)) :الّلُهّم ِإّني َأ ُ
ك((.
سَ
عَلى َنْف ِ
ت َ
ت َكَما َأْثَنْي َ
كَ ،أْن َ
عَلي َ
حصي َثَناًء َ
ل ُأ ْ
كَ ،
ِمْن َ
صّوَرُه،
خَلَقُه َو َ
جِهي ِلّلِذي َ
ت ،سجد َو ْ
سَلْم ُ
ك َأ ْ
تَ ،وَل َ
ك آَمْن ُ
تَ ،وِب َ
جد ُ
سَ
ك َ
وكان يقول)) :الّلُهّم َل َ
ن((.
خاِلقي َ
ن اْل َ
سُحَ
ل َأ ْ
ك ا ُّ
صَرُهَ،تَباَر َ
سْمَعُه َوَب َ
ق َ
شّ
َو َ
علِنَيَتُه َوسَِرُه((.
خَرُهَ،و َ
جّلهَ ،وَأّوَله َوآ ِ
غِفْر ِلي َذْنِبي ُكّلُهِ ،دّقه َو ِ
وكان يقول)) :الّلُهّم ا ْ
عَلُم ِبِه ِمّني،
ت َأ ْ
سَراِفي في َأْمِريَ ،وَما َأْن َ
جْهِلي َوِإ ْ
طيَئتي َو َ
خِغِفر ِلي َ
وكان يقول)) :الّلُهّم ا ْ
ت َوَما
غِفر ِلي َما َقّدْم ُ
ك عْنِدي ،الّلُهّم ا ْ
ل ذِل َ
عمِديَ ،وك ّ
طِئي َو َ
خَجّدي َوَهْزليَ ،و َ
غِفْر ِلي ِ
الّلُهّم ا ْ
ت((.
ل َأْن َ
ل ِإلَه ِإ ّ
ت ٍإلِهيَ ،
تَ ،أْن َ
عَلْن ُ
تَ ،وَما َأ ْ
سَرْر ُ
تَ ،وَما َأ ْ
خْر ُ
َأ ّ
ن َيِميِني
عْ
صِري ُنورًاَ ،و َ
سْمِعي ُنورًاَ ،وِفي َب َ
ل في َقْلِبي ُنورًاَ ،وِفي َ
جَع ْ
وكان يقول)) :الّلُهّم ا ْ
ل ِلي
جَع ْ
حِتي ُنورًاَ ،وا ْ
خْلِفي ُنورًاَ ،وَفْوِقي ُنورًاَ ،وَت ْ
شَماِلي ُنورًاَ ،وَأَماِمي ُنورًاَ ،و َ
ن ِ
عْنورًاَ ،و َ
ُنورًا((.
ب َلُكْم(( .وهل هذا
جا َ
سَت َ
ن ُي ْ
ن َأ ْ
وأمر بالجتهاد في الدعاء في السجود وقالِ)) :إّنُه َقِم ٌ
ي ِإذا دعا في محل ،فليكن في السجود؟ وفرق
أمر بأن ُيكثر الدعاء في السجود ،أو أمر بأن الداع َ
ث أن الدعاء نوعان :دعاء ثناٍء ،ودعاُء مسألة ،والنبي
ل عليه الحدي ُ
ن ما يحم ُ
بين المرين ،وأحس ُ
صلى ال عليه وسلم كان ُيكثر في سجوده من النوعين ،والدعاُء الذي َأَمَر به في السجود يتناول
النوعين.
103
والستجابة أيضًا نوعان :استجابُة دعاِء الطالب بإعطائه سؤاَله ،واستجابُة دعاء الُمثني
ن{ ]البقرة[187 :
عا ِ
ع ِإَذا َد َ
عَوَة الّدا ِ
ب َد ْ
جي ُ
سَر قوله تعالى} :أ ِ
بالثواب ،وبكل واحد من النوعين ُف ّ
والصحيح أنه يعم النوعين.
فصل
ل؟ فرجحت طائفة القيام لوجوه.
وقد اختلف الناس في القيام والسجود أُيُهَما أفض ُ
)يتبع(...
ل الركان.
ل الذكار ،فكان ركُنه أفض َ
أحُدها :أن ِذْكره أفض ُ @
ن{ ]البقرة .[238 :الثالث :قوله صلى ال عليه وسلم:
ل َقاِنِتي َ
والثاني :قوله تعالىُ} :قوُموا ِ
ت((.
ل الُقُنو ِ
طو ُ
لِة ُ
صَل ال ّ
))َأْفضَ ُ
ن اْلَعْبُد
ب َما َيُكو ُ
ل ،واحتجت بقوِله صلى ال عليه وسلمَ)) :أْقَر ُ
وقالت طائفة :السجوُد أفض ُ
ل صلى ال
ن مولى رسول ا ّ
ت ثوبا َ
ن أبي طلحة قال :لقي ُ
ساجٌد(( وبحديث َمعدان ب ِ
ن َرّبِه َوُهَو َ
ِم ْ
سِمْع ُ
ت جوِد(( فإني َ
سُ
ك ِبال ّ
عَلْي َ
ل أن ينفَعني به؟ فقالَ )) :
ث عسى ا ُّ
ت :حّدثني بحدي ٍ
عليه وسلم ،فقل ُ
حطّ
جًةَ ،و َ
ل َلُه ِبَها َدَر َ
ل َرَفَع ا ُّ
جَدًة ِإ ّ
سْل َ
جُد ِّ
سُعْبٍد َي ْ
ن َ
ل صلى ال عليه وسلم يقولَ)) :ما ِم ْ
رسولَ ا ّ
ل صلى
لا ّ
ل ذلك.وقال رسو ُ
ت أبا الدرداء ،فسألُته ،فقال ِلي مث َ
طيَئًة(( قال معدان :ثم لِقي ُ
خِعْنُه ِبَها َ
َ
ك ِبَكْثَرِة
سَ
عَلى َنْف ِ
ي َ
ب السلمي وقد سأله مرافقَته في الجّنة ))َأعِن ّ
ن كع ٍ
ال عليه وسلم ِلربيعة ب ِ
جوِد((.
سُال ّ
ل صلى ال عليه وسلم سورُة )اْقَرْأ( على الصح ،وختمها
ل سورة ُأنِزلت على رسول ا ّ
وأو ُ
ب{ ]العلق.[19 :
جْد َواْقَتِر ْ
سُبقولهَ} :وا ْ
ل ما يكون لربه
سفلّيها ،وبأن الساجد أذ ّ
ل يقع ِمن المخلوقات كّلها علوّيها و ُ
وبأن السجود ّ
ف حالت العبد ،فلهذا كان أقرب ما يكون من رّبه في هذه الحالة ،وبأن
وأخضُع له ،وذلك أشر ُ
ع ،يقال :طريق معّبد ،أي ذللته القدام،
خضو ُ
ل وال ُ
السجوَد هو سّر العبودية ،فإن العبودية هي الّذ ّ
ل ما يكون العبد وأخضع إذا كان ساجدًا.
ووطأته ،وأذ ّ
ل ،واحتجت
ل ،وكثرُة الركوع والسجود بالنهار أفض ُ
ل القياِم بالليل أفض ُ
وقالت طائفة :طو ُ
ل{ ]المزمل :ا[ وقوله
صت باسم القيام ،لقوله تعالىُ} :قِم الَلْي َ
خ ّ
هذه الطائفُة بأن صلة الليل قد ُ
سابًا(( ،ولهذا ُيقال :قياُم الليل ،ول يقال :قياُم
حِت َ
ن ِإيَمانًا َوا ْ
ن َقاَم َرَمضا َ
صلى ال عليه وسلمَ)) :م ْ
104
ل صلى ال عليه وسلم إذا قام إلى الصلة ،كّبرُ ،ثّم رفع َيَدْيِه حتى
ل ا ِّ
الساعدي قال :كان رسو ُ
ي بهما َمْنِكَبْيِه،
عضٍو في موضعه ،ثم َيْقَرأ ،ثم يرفع يديه حتى ُيحاِذ َ
ل ُ
ُيحاِذيَ بهما َمْنِكَبْيِهَ ،وُيِقيُم ُك ّ
ل ِلم ْ
ن سمَع ا ُّ
لَ :
ب رأسه ول ُيْقنُع بهُ ،ثّم يقو ُ
ل ل ُيصّو ُ
ضُع راحتيه على ُركبتيه معتِد ً
ثم يركُع وي َ
ضِعه ،ثم َيْهوي إلى
عظٍم إلى َمْو ِ
ل َ
ي بهما َمْنِكَبْيِه ،حّتى َيَقّر ُك ّ
حاِذ َ
حّتى ُي َ
حِمَدُهَ ،وَيرَفُع َيَدْيِه َ
َ
جَلْيِه إذا
صابع ِر ْ
ح َأ َ
عَلْيَها ،وَيفَت ُ
جَلهَ ،فَيْقُعُد َ
سُهَ ،وَيْثِني ِر ْ
جْنبْيِه ثم َيْرَفُع َرْأ َ
ن َ
عْجافي َيَدْيِه َ
الْرضَ ،وُي َ
ضِعهُ ،ثّم يُقوُم فيصَنُع في
ح ُكلّ عظٍم إلى َمو ِ
جِلِه الُيسرى حتىَ .يرِي َ
عَلى ِر ْ
س َ
جِل ُ
جد ،ثم ُيَكّبُرَ ،وَي ْ
سََ
عْنَد افتتا ِ
ح صَنُع ِ
ي ِبِهَما َمْنِكَبْيِه كما َي ْ
حّتى ُيحاِذ َ
ن َرَفَع َيَدْيِه َ
ن الّرَكَعتْي ِ
ك ،ثم إَذا َقاَم ِم َ
ل َذِل َ
الخرى ِمْث َ
جَلسَ
جَدُة التي فيها التسليُم ،أخرج ِرجليهَ ،و َ
سْت ال ّ
لِته َهَكَذا ،حتى إذا َكاَن ِ
صَصّلي َبقيَة َ
الصلة ،ثم ُي َ
سِر ُمَتوّركًا .هذا سياق أبي حاتم في ))صحيحه(( وهو في ))صحيح مسلم(( أيضًا،
عَلى شِّقه الْي َ
َ
ل عنه ،عن النبي صلى ال
وقد ذكره الترمذي مصححًا له من حديث علي بن أبي طالب رضي ا ّ
ن يرفع يديه في هذه المواطن أيضًا.
عليه وسلم أنه كا َ
ثم كان يقرأ الفاتحة وحدها ،ولم يثبت عنه أنه قرأ في الركعتين الخريين بعد
الفاتحة شيئًا ،وقد ذهب الشافعي في أحد قوليه وغيره إلى استحباب القراءة بما زاد على الفاتحة في
ل صلى
ل بحديث أبي سعيد الذي في ))الصحيح(( :حزْرَنا قياَم رسول ا ّ
الخريين ،واحتج لهذا القو ِ
سجدة( ،وحزرنا قياَمه في
ل ال ّ
ال عليه وسلم في الظهر في الركعتين الوليين َقْدر ِقراءة )ألم تنزي َ
الركعتين الخريين َقْدَر النصف ِمن ذلك ،وحزرنا قياَمه في الركعتين الوليين من العصر على
لخريين من العصر على النصف من ذلك.
ن من الظهر ،وفي ا ُ
خَرَيْي ِ
لْقدر قيامه في الركعتين ا ُ
وحديث أبي قتادة المتفق عليه ظاهٌر في القتصار على فاتحة الكتاب في الركعتين
لخريين.
اُ
ل صلى ال عليه وسلم ُيصلي بنا ،فيقرأ في
لا ّ
ن رسو ُ
ل عنه :وكا َ
قال أبو قتادة رضي ا ّ
سورتين ،وُيسمعنا الية أحيانًا .زاد مسلم:
ظهر والعصر في الركعتين الوليين بفاتحة الكتاب و ُ
ال ّ
لخريين بفاتحة الكتاب ،والحديثان غير صريحين في محل النزاع .وأما حديث أبي
ويقرُأ في ا ُ
س فعله صلى ال عليه وسلم .وأما
حزر منهم وتخمين ،ليس إخبارًا عن تفسير نف ِ
سعيد ،فإنما هو َ
ل بها
خّحديث أبي قتادة ،فيمكن أن ُيراد به أنه كان يقتصر على الفاتحة ،وأن ُيراد به أنه لم يكن ُي ِ
لخريين ،بل كان يقرؤها فيهما ،كما كان يقرؤها في الوليين ،فكان يقرأ الفاتحة في
في الركعتين ا ُ
كل ركعة ،وإن كان حديث أبي قتادة في القتصار أظهر ،فإنه في معرض التقسيم ،فإذا قال :كان
109
ل ،وَرَمى
أمامة وواثلة :كان النبي صلى ال عليه وسلم :إذا قام إلى الصلة لم يلتفت يمينًا ول شما ً
ل أنكر هذا وهذا،
ضرب عليه .فأحمد رحمه ا ّ
ببصره في موضع سجوده ،فأنكره جدًا ،وقال :ا ِ
وكان إنكاُره للول أشد ،لنه باطل سندًا ومتنًا.
ل أعلم.
والثاني :إنما أنكر سنده ،وإل فمتنه غير منكر ،وا ّ
ولو ثبت الول ،لكان حكاية فعل َفَعَلُه ،لعله كان لمصلحة تتعلق بالصلة ككلمه عليه
السلم هو وأبو بكر وعمر ،وذو اليدين في الصلة لمصلحتها ،أو لمصلحة المسلمين ،كالحديث
ب بالصلة يعني صلَة
ل بن الحنظلية قالُ :ثو َ
سْه ِ
سُلولي عن َ
الذي رواه أبو داود عن أبي كبشة ال ّ
ب .قال أبو داود :يعني
شع ِ
ت إلى ال ّ
ل صلى ال عليه وسلم ،يصلي وهو يلتِف ُ
لا ّ
الصبح ،فجعل رسو ُ
س فهذا اللتفات من الشتغال بالجهاد في الصلة
حُر ُ
شعب من الليل َي ْ
وكان أرسل فارسًا إلى ال ّ
ل عمر :إني لجّهز جيشي وأنا في
ب منه قو ُ
وهو يدخل في مداخل العبادات ،كصلة الخوف ،وقري ٌ
ج كنوز العلم
الصلة .فهذا جمع بين الجهاد والصلة .ونظيره التفكر في معاني القرآن ،واستخرا ُ
ت الغافلين اّللهين وأفكارهم لون
منه في الصلة ،فهذا جمٌع بين الصلة والعلم ،فهذا لون ،والتفا ُ
ل التوفيق.
َآخر ،وبا ّ
فهديه الراتب صلى ال عليه وسلم إطالُة الركعتين الوليين من الّرباعية على
ل في الوليين،
لخريين ،وإطالة الولى من الوليين على الثانية ،ولهذا قال سعد لعمر :أما أنا فأطي ُ
اُ
ل صلى ال عليه وسلم.
ي بصلة رسول ا ّ
لخريين ،ول آُلو أن أقتد َ
وأحذف في ا ُ
وكذلك كان هدُيه صلى ال عليه وسلم .إطاَلة صلة الفجر على سائر
ل الصلة ركعتين ركعتين ،فلما هاجر
ل عنها :فرض ا ُّ
الصلوات ،كما تقدم .قالت عائشة رضي ا ّ
ل صلى ال عليه وسلمِ،زيد في صلة الحضر ،إل الفجر ،فإنها ُأِقّرت على حالها من أجل
رسولُ ا ِّ
طول القراءة ،والمغرب ،لنها وتر النهار .رواه أبو حاتم بن حبان في ))صحيحه(( وأصله في
))صحيح البخاري(( ،وهذا كان هدَيه صلى ال عليه وسلم في سائر صلته إطالُة أولها على
آخرها ،كما فعل في الكسوف ،وفي قيام الليل لما صّلى ركعتين طويلتين ،ثم ركعتين وهما دون
حه صلى
اللتين قبلهما ،ثم ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ،حتى أتم صلته .ول ُيناقض هذا افتتا َ
ح قيام الليل،
ال عليه وسلم صلة الليل بركعتين خفيفتين ،وأمره بذلك ،لن هاتين الركعتين مفتا ُ
فهما بمنزلة سنة الفجر وغيرها.
111
وكذلك الركعتان اللتان كان ُيصليهما أحيانًا بعد وتره ،تارة جاِلسًا،
ل ِوْترًا(( فإن هاتين الركعتين ل ُتنافيان هذا
لِتُكْم ِبالّلْي ِ
صَجَعُلوا آخَر َ
وتارة قائمًا ،مع قوله)) :ا ْ
المر ،كما أن المغرب وتُر للنهار ،وصلُة السنة شفعًا بعدها ل ُيخرجها عن كونها وترًا للنهار،
وكذلك الوتُر لَما كان عبادة مستقلة ،وهو وتر الليل ،كانت الركعتان بعده جاريتين مجرى سنة
المغرب ،من المغرب ،ولما كان المغرب فرضًا ،كانت محافظته عليه السلم على سنتها أكثر من
محافظته على سنة الوتر ،وهذا على أصل من يقول بوجوب الوتر ظاهٌر جدًا ،وسيأتي مزيد كلم
ل التوفيق.
ل تعالى ،وهي مسألة شريفة لعلك ل تراها في مصنف ،وبا ّ
في هاتين الركعتين إن شاء ا ّ
فصل
وكان صلى ال عليه وسلم إذا جلس في التشهد الخيِر ،جلس متوّركًا ،وكان ُيفضي بوركه
إلى الرض ،وُيخرج قدمه من ناحية واحدة.
ك .ذكره أبو داود في
فهذا أحد الوجوه الثلثة التي ُرويت عنه صلى ال عليه وسلم في التوّر ِ
ل بن لهيعة وقد ذكر أبو حاتم في ))صحيحه(( هذه
حميد الساعدي من طريق عبد ا ّ
حديث أبي ُ
الصفة من حديث أبي حميد الساعدي من غير طريق ابن لهيعة ،وقد تقدم حديثه.
الوجه الثاني :ذكره البخاري في ))صحيحه(( من حديث أبي حميد أيضًا قال :وإذا جلس في
الّركعة الخرةَ ،قّدم رجله الُيسرى ونصب اليمنى ،وقعد على مقعدته فهذا هو الموافق الول في
الجلوس على الَوِرك ،وفيه زيادة وصف في هيئة الَقَدَمين لم تتعرض الرواية الولى لها.
ل بن الزبير :أنه صلى ال
الوجه الثالث :ما ذكره مسلم في ))صحيحه(( من حديث عبد ا ّ
ش قدمه اليمنى ،وهذه هي الصفة التي
عليه وسلم كان يجعل قدمه الُيسرى بين فخذه وساقه ،ويفر ُ
خَرِقي في ))مختصره(( وهذا مخالف للصفتين الوليين في إخراج اليسرى
اختارها أبو القاسم ال ِ
من جانبه اليمن ،وفي نصب الُيمنى ،ولعله كان يفعل هذا تارة ،وهذا تارة ،وهذا أظهر.
ك إل في التشهد
ويحتِمل أن يكون من اختلف الرواة ،ولم ُيذكر عنه عليه السلم هذا التور ُ
ص بالصلة التي فيها تشهدان ،وهذا
لمام أحمد ومن وافقه :هذا مخصو ٌ
الذي يليه السلم .قال ا ِ
جِعل فرقًا بين الجلوس في التشهد الول الذي ُيسن تخفيفه ،فيكون الجالس فيه متهيئًا
التورك فيها ُ
للقيام ،وبين الجلوس في التشهد الثاني الذي يكون الجالس فيه ُمطمئنًا.
ن هيئة الجلوسين فارقة بين التشهدين،مذكرة للمصلي حاله .فيهما.
وأيضًا فتكو ُ
112
حميد إنما ذكر هذه الصفة عنه في الجلسة التي في التشهد الثاني ،فإنه ذكر
وأيضًا فإن أبا ُ
صفة جلوسه في التشهد الول ،وأنه كان يجلس مفترشًا ،ثم قال)) :وإذا جلس في الركعة الخرة((
وفي لفظ)) :فإذا جلس في الركعة الرابعة((.
وأما قوله في بعض ألفاظه :حتى إذا كانت الجلسة التي فيها التسليُم ،أخرج رجله الُيسرى،
وجلس على شقه متوّركًا ،فهذا قد يحتج به من يرى التورك ُيشرع في كل تشهد يليه السلم،
ق الحديث يدل
فيتورك في الثانية ،وهو قول الشافعي رحمه ال ،وليس بصريح في الّدللة ،بل سيا ُ
على أن ذلك إنما كان في التشهد،الذي يليه السلم من الرباعية والثلثية ،فإنه ذكر صفة جلوسه في
التشهد الول وقيامه منه ،ثم قال)) :حتى إذا كانت السجدة التي فيها التسليُم ،جلس متوّركًا(( فهذا
السياق ظاهر في اختصاص هذا الجلوس بالتشهد الثاني.
فصل
جَلس في التشُهد ،وضع يَده اليمنى على فخِذه اليمنى ،وضَم
وكان صلى ال عليه وسلم إذا َ
صب السبابة .وفي لفظ :وقبض أصابعه الثلث ،ووضع يده اليسرى على فخذه
أصابعه الثلث ،ون َ
اليسرى .ذكره مسلم عن ابن عمر.
حّد ِمْرَفِقه اليمن على َفخِذه اليمنى ،ثم قبض ثنتين من
حجر)) :جعل َ
وقال واِئل بن ُ
عو بها(( وهو في ))السنن((.
أصابعه ،وحّلق حلقة ،ثم رفع أصبعه فرأيته ُيحركها يد ُ
ن((.
سي َ
خم ِ
عَقَد َثلَثَة َو َ
وفي حديث ابن عمر في ))صحيح مسلم(( )) َ
ت كّلها واحدة ،فإن من قال :قبض أصابعه الثلث ،أراد به :أن الوسطى كانت
وهذه الروايا ُ
مضمومة لم تكن منشورة كالسبابة ،ومن قال :قبض ثنتين من أصابعه ،أراد :أن الوسطى لم تكن
مقبوضة مع البنصر ،بل الخنصر والبنصر متساويتان في القبض دون الوسطى ،وقد صّرح بذلك
ن مضمومة ،ول تكون مقبوضة مع
من قال :وعقد ثلثة وخمسين ،فإن الوسطى في هذا العقد تكو ُ
البنصر.
وقد استشكل كثير من الفضلء هذا ،إذ عقُد ثلث وخمسين ل ُيلِئم واحدة من الصفتين
المذكورتين ،فإن الخنصر ل بد أن تركب البنصر في هذا العقد.
ض الفضلء ،بأن الثلثة لها صفتان في هذا العقد :قديمة ،وهي التي
وقد أجاب عن هذا بع ُ
لبهام مع الوسطى،
ذكرت في حديث ابن عمر :تكون فيها الصابع الثلث مضمومة مع تحليق ا ِ
ل أعلم.
وحديثة ،وهي المعروفة اليوم بين أهل الحساب ،وا ّ
113
سط ذراعه على فخذه ول يجافيها ،فيكون حد مرفقه عند آخر فخذه ،وأما الُيسرى،
وكان يب ُ
فممدودة الصابع على الفخذ الُيسرى.
وكان يستقبل بأصابعه القبلة في رفع يديه ،في ركوعه ،وفي سجوده ،وفي تشهده،
ويستقبل أيضًا بأصابع رجليه القبلة في سجوده .وكان يقول في كل ركعتين :التحيات.
وأما المواضع التي كان يدعو فيها في الصلة ،فسبعة مواطن.
لحرام في محل الستفتاح.
أحُدها :بعد تكبيرة ا ِ
الثاني :قبل الركوع وبعد الفراغ من القراءة في الوتر والقنوت العارض في الصبح قبل
الركوع إن صح ذلك ،فإن فيه نظرًا.
ل بن
الثالث :بعد العتدال من الركوع ،كما ثبت ذلك في ))صحيح مسلم(( من حديث عبد ا ّ
ل لِم ْ
ن سمَع ا ّ
ل صلى ال عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قالَ )) :
لا ّ
أبي أوفى :كان رسو ُ
شيٍء َبْعُد ،الّلُهّم
ن َ
ت ِم ْ
شْئ َ
لَء َما ِ
ضَ ،وِم ْ
لْر ِ
لَء ا َ
تَ ،وِم ْ
سَماَوا ِ
لَء ال ّ
حْمُدِ ،م ْ
ك اْل َ
حِمَدُه ،الّلُهّم َرّبَنا َل َ
َ
لْبَي ُ
ض با َ
طاَيا َكَما ُيَنّقى الّثْو ُ
خَب َواْل َ
ن الّذُنو ِ
طّهْرِني ِم َ
ج َوالَبَرِدَ ،والَماِء الَباِرِد ،الّلُهّم َ
طّهرِني ِبالّثل ِ
َ
خ((.
سِن اْلَو َ
ِم َ
غِفْر ِلي((.
ك ،الّلهّم ا ْ
حْمِد َ
ك الّلُهّم َرّبَنا َوِب َ
حاَن َ
سْب َ
الّرابع :في ركوعه كان يقولُ )) :
الخامس :في سجوده ،وكان فيه غالب دعائه.
السادس :بين السجدتين.
ضالة بن عبيد
السابع :بعد التشهد وقبل السلم ،وبذلك أمر في حديث أبي هريرة ،وحديث َف َ
وأمر أيضًا بالدعاء في السجود.
وأما الدعاء بعد السلم من الصلة مستقبل القبلة أو المأمومين ،فلم يكن ذلك ِمن
ل ،ول روي عنه بإسناد صحيح ،ول حسن.
هديه صلى ال عليه وسلم أص ً
وأما تخصيص ذلك بصلتي الفجر والعصر ،فلم يفعل ذلك هو ول أحٌد من خلفائه ،ول
ل أعلم .وعامة الدعية
أرشد إليه ُأّمته ،وإنما هو استحسان رآه من رآه عوضًا من السّنة بعدهما ،وا ّ
المتعلقة بالصلة إنما فعَلها فيها ،وأمر بها فيها ،وهذا هو اللئق بحال المصلي ،فإنه مقبل على
ربه ،يناجيه ما دام في الصلة ،فإذا سّلم منها ،انقطعت تلك المناجاة ،وزال ذلك الموقف بين يديه
لقبال عليه ،ثم يسأله إذا انصرف
والقرب منه ،فكيف يترك سؤاله في حال مناجاته والقرب منه ،وا ِ
عنه؟! ول ريب أن عكس هذا الحال هو الولى بالمصلي ،إل أن ها هنا نكتة لطيفة ،وهو أن
114
ت َوِلّيَها
ن َزّكاَهاَ ،أْن َ
خْيُر َم ْ
ت َ
سي َتْقَواَهاَ ،وَزّكَها َأْن َ
ط َنْف ِ
عِبأ ْ
وكان يقول في سجوده ))َر ّ
لَها((.وقد تقدم ِذكر بعض ما كان يقول في ركوعه وسجوده وجلوسه واعتداله في الركوع.
َوَمْو َ
فصل
غِفر
با ْ
لفراد ،كقولهَ)) :ر ّ
والمحفوظ في أدعيته صلى ال عليه وسلم في الصلة كّلها بلفظ ا ِ
حْمِني َواْهِدِني(( ،وسائر الدعية المحفوظة عنه ،ومنها قوُله في دعاء الستفتاح)) :الّلُهّم
ِلي َواْر َ
ق
شِر ِ
ن الَم ْ
ت َبْي َ
عْد َ
ي َكَما َبا َ
طاَيا َ
خَن َ
عْد َبْيِني َوَبْي َ
ج َوالماِء َوالَبَرِد ،الّلُهّم َبا ِ
ي ِبالّثْل ِ
طاَيا َ
خَن َ
سْلِني ِم ْ
غِاْ
ب(( الحديث.
َوالَمْغِر ِ
ل وأهل ))السنن(( من حديث ثوبان عن النبي صلى ال عليه
لمام أحمد رحمه ا ّ
وروى ا ِ
خاَنُهم(( قال ابن خزيمة في
ن َفَعلَ ،فَقْد َ
عَوٍة دونهمَ ،فِإ ْ
سُه ِبَد ْ
ص َنْف َ
خ ّ
عْبٌد َقْومًا َفَي ُ
ل َيُؤّم َ
وسلمَ )) :
ي(( ...الحديث قال :في هذا دلي ٌ
ل طاَيا َ
خَعْد َبْيِني َوبينَ .
))صحيحه(( :وقد ذكر حديث ))الّلُهّم َبا ِ
خاَنُهْم((
ل َفَقد َ
ن َفَع َ
عَوٍة ُدوَنُهمَ ،فإ ْ
سه ِبَد ْ
ص َنْف َ
عْبٌد َقْومًا َفَيخ ّ
ل يؤم َ
على رد الحديث الموضوع )) َ
لماُم
ث عندي في الدعاء الذي يدعو به ا ِ
لسلم ابن تيمية يقول :هذا الحدي ُ
ت شيخ ا ِ
وسمع ُ
ل أعلم.
وللمأمومين ،ويشتِركون فيه كدعاء القنوت ونحوه وا ّ
فصل
لمام أحمد رحمه ال
سه ،ذكره ا ِ
وكان صلى ال عليه وسلم إذا قام في الصلة ،طأطأ رأ َ
ل تعالى عينه ونعيَمه وسروَره
صُرُه إشارَته ،وقد تقدم .وكان قد جعل ا ّ
وكان في التشهد ل ُيجاوز َب َ
عْيِني ِفي
ت قُّرُة َ
جِعَل ْ
لِة(( .وكان يقولَ)) :و ُ
ل أرحنِْا ِبالص َ
لُحه في الصلة .وكان يقول)) :يا ِب َ
ورو َ
صلَِة(( .ومع هذا لم يكن يشَغُله ما هو فيه من ذلك عن مراعاة أحوال المأمومين وغيرهم مع
ال ّ
عه عليه.
ل تعالى وحضوِر قلبه بين يديه واجتما ِ
كمال إقباله .وقربه من ا ّ
ق على
شّوكان يدخل في الصلة وهو ُيريد إطالتها ،فيسمع بكاَء الصبي ،فيخففها مخافَة أن َي ُ
شعب الذي يجيء منه الفارس،
طليعًة له ،فقام يصلي ،وجعل يلتِفت إلى ال ّ
أّمه ،وأرسل مرة فارسًا َ
ولم يشَْغْله ما هو فيه عن مراعاة حال فارسه.
ل أمامة بنت أبي العاص بن الربيع ابنَة بنته زينب على
وكذلك كان ُيصلي الفرض وهو حام ٌ
عاتقه ،إذا قام ،حملها ،وإذا ركع وسجد ،وضعها.
)يتبع(...
117
ق بطُنه
جدار ،فجاءت َبْهَمٌة تمّر من بين يديه ،فما زال ُيدارئها،حتى َلص َ
وكان ُيصلي إلى ِ
بالجدار ،ومرت من ورائه.
يدارئها :يفاعلها من المدارأة وهي المدافعة.
ع إحداهما
ن من بني عبد المطلب قد اقتتلتا ،فأخذهما بيديهَ ،فَنَز َ
وكان ُيصلي ،فجاءته جاريتا ِ
من الخرى وهو في الصلة ولفظ أحمد فيه :فأخذتا بركبتي النبي صلى ال عليه وسلم ،فنزع
ف.
صِر ْ
بينهما ،أو فّرق بينهما ،ولم َيْن َ
وكان ُيصلي ،فمّر بين يديه غلم ،فقال بيده هكذا ،فرجع ،ومرت بين يديه جاريٌة فقال بيده
لمام أحمد ،وهو
ب(( ذكره ا ِ
غَل ُ
ن َأ ْ
ل صلى ال عليه وسلمُ)) :ه ّ
لا ّ
هكذا ،فمضت ،فلما صّلى رسو ُ
في ))السنن((.
لمام أحمد ،وهو في ))السنن((.
وكان ينُفخ في صلته ،ذكره ا ِ
لٌم(( فل أصل له عن رسول صلى ال عليه وسلم ،وإنما
لِة َك َ
صَخ ِفي ال ّ
وأّما حديث)) :الّنْف ُ
ل عنهما من قوله إن صح
رواه سعيد في ))سننه(( عن ابن عباس رضي ا ّ
ح في صلته قال علي بن أبي طالب رضي ا ّ
ل حَن ُ
وكان يبكي في صلته ،وكان َيَتَن ْ
ت،فإن وجدُته
ل صلى ال عليه وسلم ساعٌة آتيه فيها ،فإذا أتيُته استأذن ُ
عنه :كان لي من رسول ا ّ
ت ،وإن وجدته فارغًا ،أذن لي ،ذكره النسائي .وأحمد ،ولفظ أحمد :كان لي ِمن
ُيصلي فتنحنح ،دخل ُ
ت عليه وهو يصلي ،تنحنح.
ن بالليل والنهار ،وكنت إذا دخل ُ
ل صلى ال عليه وسلم َمدخل ِ
رسول ا ّ
ح في صلته ول يرى النحنحة مبطلة للصلة.
رواه أحمد ،وعمل به ،فكان يتنحن ُ
ل بن عمرو عنه:
ل أخرى ،كذلك قال عبد ا ّ
وكان ُيصلي حافيًا تارًة ،ومنتع ً
َوَأَمَر بالصلة بالنعل ُمخالفة لليهود.
وكان ُيصلي في الثوب الواحد تارة ،وفي الثوبين تارة ،وهو أكثر.
وقنت في الفجر بعد الركوع شهرًا ،ثم ترك القنوت ولم يكن
ل صلى ال عليه وسلم كان في كل غداة بعد
ل ا ِّ
ن المحال أن رسو َ
ت فيها دائمًا ،وِم ْ
ِمن هديه القنو ُ
ت (( ...الخ ويرفُع بذلك
ن َوّلْي َ
تَ ،وَتَوّلِني ِفيَم ْ
ن َهَدْي َ
اعتداله من الركوع يقول)) :الّلُهَم اْهِدني ِفيَم ْ
صوته ،ويؤّمن عليه أصحاُبه دائمًا إلى أن فارق الدنيا ،ثم ل يكون ذلك معلومًا عند المة ،بل
ث ،كما قال سعد
حَد ٌ
ل من يقول منهم :إنه ُم ْ
ُيضيعه أكثُر أمته ،وجمهوُر أصحابه ،بل كُلهم ،حتى يقو َ
ل صلى ال عليه وسلم ،وأبي
لا ّ
ف رسو ِ
ت خل َ
ت إّنك قد صلي َ
ت لبي :يا أب ِ
بن طارق الشجعي :قل ُ
119
صبح في الَركعة الثانية ،يرفع يديه فيها ،فيدعو بهذا الدعاء)) :الّلهّم اْهِدني
ع من صلة ال ّ
الّرُكو ِ
شّر َما
تَ ،وِقني َ
طْي َ
عَتَ ،وَباِرك لي ِفيَما َأ ْ
ن َتَوّلْي َ
تَ ،وَتَوّلِني ِفيَم ْ
عاَفْي َ
ن َ
عاِفني ِفيَم ْ
تَ ،و َ
ن َهَدْي َ
ِفيَم ْ
ت(( فما أبين
ت َرّبَنا َوتعاَلْي َ
تَ ،تَباَرْك َ
ن َواَلْي َ
ل َم ْ
ل َيِذ ّ
كِ ،إّنُه َ
عَلْي َ
ل ُيْقضى َ
ضي َو َ
ك َتْق ِ
تِ ،إّن َ
ضْي َ
َق َ
ل هذا وإن كان الحاكم صحح حديثه في
الحتجاج به لو كان صحيحًا أو حسنًا ،ولكن ل يحتج بعبد ا ّ
ل المزني :حدثنا يوسف بن موسى ،حدثنا أحمد بن صالح ،حدثنا ابن
القنوت عن أحمد بن عبد ا ّ
ل صلى ال عليه
ل لنا أقرُبكم صلًة برسول ا ّ
ح عن أبي ُهَريَرة أنه قال :وا ّ
أبي فديك فذكره نعم ص ّ
حِمده،
ن َ
ل ِلَم ْ
سمَع ا ُّ
وسلم ،فكان أبو هريرة يقُنت في الركعة الخيرة ِمن صلة الصبح بعدما يقولَ :
ل صلى ال عليه وسلم فعل ذلك ،ثّم تركه،
ل ا ِّ
ن الُكّفار ول ريب أن رسو َ
فيدعو للمؤمنين ،ويلع ُ
ل صلى ال عليه وسلم فعله،
ت سنة ،وأن رسول ا ّ
ل هذا القنو ِ
فأحبّ أبو هريرة أن ُيعّلمهم أن ِمث َ
وهذا رد على أهل الكوفة الذين يكرهون القنوت في الفجر مطلقًا عند النوازل وغيرها
ل الحديث متوسطون بين هؤلء وبين من استحبه
ويقولون :هو منسوخ ،وفعله بدعة ،فأه ُ
ل صلى
لا ّ
ث قنت رسو ُ
عند النوازل وغيرها ،وهم أسعُد بالحديث من الطائفتين ،فإنهم يقُنتون حي ُ
ال عليه وسلم ،ويترُكونه حيث تركه ،فيقتدون به في فعله وتركه،ويقولونِ :فعله سنة ،وترُكه لسنة،
ومع هذا فل ُينكرون على من داوم عليه ،ول يكرهون فعله ،ول يرونه بدعة ،ول فاعَِله مخالفًا
للسنة ،كما ل ُينِكرون على من أنكره عند النوازل ،ول يرون تركه بدعة ،ول تاِركه مخالفًا للسنة،
بل من قنت ،فقد أحسن ،ومن تركه فقد أحسن ،وركن العتدال محل الدعاء والثناء ،وقد جمعهما
النبي صلى ال عليه وسلم فيه ،ودعاء القنوت دعاء وثناء ،فهو أولى بهذا المحل ،وإذا جهر به
لمام أحيانًا ِليعّلم المأمومين ،فل بأس بذلك ،فقد جهر عمر بالستفتاح ليعلم المأمومين ،وجهر ابن
اِ
لمام بالتأمين ،وهذا
عباس بقراءة الفاتحة في صلة الجنازة ليعلمهم أنها سنة ،ومن هذا أيضًا جهر ا ِ
ن َتركه ،وهذا كرفع اليدين في الصلة
من الختلف المباح الذي ل ُيعّنف فيه من فعله ،ول َم ْ
لفراد والِقران
لقامة ،وأنواع النسك من ا ِ
وتركه ،وكالخلف في أنواع التشهدات ،وأنواع الذان وا ِ
والتمتع ،وليس مقصوُدنا إل ذكر هديه صلى ال عليه وسلم الذي كان يفعله هو ،فإنه ِقبَلُة القصد،
جه في هذا الكتاب ،وعليه مداُر التفتيش والطلب ،وهذا شيء ،والجائز الذي ل ُينكر فعُله
وإليه التو ّ
وترُكه شيء ،فنحن لم نتعرض في هذا الكتاب لما يجوز ،ولما ل يجوز ،وإنما مقصوُدنا فيه هد ُ
ي
ل الهدي وأفضُله ،فإذا قلنا :لم يكن ِمن
النبي صلى ال عليه وسلم الذي كان يختاره لنفسه ،فإنه أكم ُ
121
الراوي ،لن غاية ذلك أن يكون غلط ووهم في ذكر عبيدة بدل منصور ،ومن الذي يسلم من هذا
من المحدثين؟
ت النبي صلى ال عليه
الثالث :أن أنسًا أخبر أنهم لم يكونوا يقُنتون ،وأن بدء القنوت هو قنو ُ
وسلم يدعو على ِرعل وَذكوان ،ففي ))الصحيحين(( من حديث عبد العزيز بن صهيب،عن أنس
ن
حّيا ِ
ل لحاجة ،يقال لهم :الُقّراُء ،فعرض لهم َ
ل صلى ال عليه وسلم سبعين رج ً
لا ّ
ث رسو ُ
قال :بع َ
ل ما إياكم أردنا ،وإنما نحن
من بني سليم ِرعل وَذكوان عند بئر يقال له :بئر َمعونة ،فقال القوم :وا ّ
ل صلى ال عليه وسلم
لا ّ
ل صلى ال عليه وسلم ،فقتلوهم ،فدعا رسو ُ
مجتازون في حاجة لرسول ا ّ
عليهم شهرًا في صلة الغداة ،فذلك بدُء القنوت ،وما كنا نقُنت.
فهذا يدل على أنه لم يكن من هديه صلى ال عليه وسلم القنوت دائمًا ،وقول أنس :فذلك بدُء
ت النوازل ،وهو
ت ،مع قوله :قنت شهرًا ،ثم تركه ،دليل على أنه أراد بما أثبته من القنوت قنو َ
القنو ُ
الذي وّقته بشهر ،وهذا كما قنت في صلة العتمة شهرًا ،كما في ))الصحيحين(( عن يحيى بن أبي
ل صلى ال عليه وسلم قنت في صلة الَعَتَمة
كثير ،عن أبي سلمة ،عن أبي هريرة أن رسول ا ّ
ن َأِبي
ش ْب َ
عّيا َ
شام ،الّلُهّم َأْنجِ َ
ن ِه َ
سَلَمَة ْب َ
ن اْلَوِليِد ،الّلُهّم َأْنجِ َ
ج اْلَوِليَد ْب َ
شهرًا يقول في قنوته)) :الّلُهّم َأْن ِ
عَلْيِهْم
جعَْلَها َ
عَلى ُمضَر ،الّلُهّم ا ْ
ك َ
طَأَت َ
شُدْد َو ْ
ن ،الّلُهّم ا ْ
ن الُمْؤِمِني َ
ن ِم ْ
سَتضعِفي َ
ج الُم ْ
َرِبيَعَة ،الّلُهّم َأْن ِ
ت ذلك له ،فقال :أو ما
ع لهم ،فذكر ُ
ت يوم فلم يد ُ
سف(( .قال أبو هريرة :وأصبح ذا َ
سني ُيو ُ
ن َك ِ
سِني َ
ِ
تراهم قد َقِدُموا ،فقنوُته في الفجر كان هكذا سواء لجل أمر عارض ونازلة ،ولذلك وّقته أنس
بشهر.
وقد روي عن أبي هريرة أنه قنت لهم أيضًا في الفجر شهرا ،وكلهما صحيح ،وقد تقدم
ل صلى ال عليه وسلم :شهرًا متتابعًا في الظهر،
ذكر حديث عكرمة عن ابن عباس :قنت رسول ا ّ
والعصر ،والمغرب ،والعشاء ،والصبح ،ورواه أبو داود وغيره ،وهو حديث صحيح.
وقد ذكر الطبراني في ))معجمه(( من حديث محمد بن أنس :حدثنا ُمطّرف بن طريف ،عن
ي صلًة مكتوبة إل
أبي الجهم ،عن البراء بن عازب ،أن النبي صلى ال عليه وسلم كان ل ُيصل ّ
قنت فيها.
قال الطبراني :لم يروه عن مطّرف إل محمد بن أنس .انتهى.
حجة ،فالحديث صحيح من جهة المعنى ،لن القنوت هو
لسناد وإن كان ل تقوم به ُ
وهذا ا ِ
ل صلى ال عليه وسلم لم ُيصل مكتوبة إل دعا فيها ،كما تقدم ،وهذا
الدعاء ،ومعلوم أن رسول ا ّ
124
هو الذي أراده أنس في حديث أبي جعفر الرازي إن صح أنه لم يزل يقنت حتى فارق الدنيا ،ونحن
ل نشك ول نرتاب في صحة ذلك ،وأن دعاءه استمر في الفجر إلى أن فارق الدنيا.
الوجه الرابع :أن طرق أحاديث أنس ُتبين المراد ،ويصدق بعضها بعضًا ،ول
تتناقض .وفي ))الصحيحين(( من حديث عاصم الحول قال :سألت أنس بن مالك عن القنوت في
ت :وإن فلنًا أخبرني
ل الركوع أو بعده؟ قال :قبله؟ قل ُ
الصلة؟ فقال :قد كان القنوت ،فقلت :كان قب َ
ل صلى ال عليه وسلم بعد الركوع
ت رسول ا ّ
عنك أنك قلت :قنت بعَده .قال :كذب ،إنما قلت :قن َ
شهرًا .وقد ظن طائفة أن هذا الحديث معلول تفرد به عاصم ،وسائر الرواة .عن أنس خالفوه،
ب أنس موضع القنوتين ،والحافظ قد يهم ،والجواد قد
فقالوا :عاصم ثقة جدًا ،غيَر أنه خالف أصحا َ
ت لبي عبد ال -يعني أحمد بن حنبل :-أيقول
لمام أحمد تعليله ،فقال الثرم :قل ُ
يعُثر ،وحكوا عن ا ِ
ل صلى ال عليه وسلم قنت قبل الركوع غيَر عاصم الحول؟
أحد في حديث أنس :إن رسول ا ّ
ل :خالفهم عاصم ُكّلهم ،هشام عن قتادة عن أنس،
ت أحدًا يقوله غيُره .قال أبو عبد ا ّ
فقال :ما علم ُ
ب عن
والتيمي ،عن أبي مجلز ،عن أنس ،عن النبي صلى ال عليه وسلم :قنت بعد الركوع ،وأيو ُ
محمد بن سيرين قال :سألت أنسا .وحنظلة السدوسي عن أنس أربعة وجوه .وأما عاصم فقال :قلت
ت بعد الركوع شهرًا .قيل له :من ذكره عن عاصم؟ قال :أبو معاوية
له؟ فقال :كذبوا ،إنما قن َ
خفاف بن
ل :وسائر الحاديث أليس إنما هي الركوع؟ فقال :بلى كلها عن ُ
وغيره ،قيل لبي عبد ا ّ
ضة ،وأبي هريرة.
ح َ
ن َر ْ
إيماء ب ِ
ث بعد الركوع؟
قلت لبي عبد ال :فلم ترخص إذًا في القنوت قبل الركوع ،وإنما صح الحدي ُ
فقال :القنوت في الفجر بعد الركوع ،وفي الوتر ُيختار بعد الركوع ،ومن قنت قبل الركوع ،فل
بأس ،لفعل أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم ،واختلفهم ،فأما في الفجر ،فبعد الركوع.
ل هذا الحديث الصحيح المتفق على صحته ،ورواه أئمة ثقات أثبات
فيقال :من العجب تعلي ُ
حفاظ ،والحتجاج بمثل حديث أبي جعفر الرازي ،وقيس بن الربيع ،وعمرو بن أيوب ،وعمرو بن
عبيد ،ودينار ،وجابر الجعفي ،وقل من تحّمل مذهبًا ،وانتصر له في كل شيء إل اضطر إلى هذا
المسلك.
ض،
ضها بعضًا ،ول تتناق ُ
فنقول وبال التوفيق :أحاديث أنس كلها صحاحُ ،يصّدق بع ُ
والقنوت الذي ذكره قبل الركوع غيُر القنوت الذي ذكره بعده ،والذي وقته غير الذي أطلقه ،فالذي
ذكره قبل الركوع هو إطالُة القيام للقراءة ،وهو الذي قال فيه النبي صلى ال عليه وسلمَ)) :أْفض ُ
ل
125
ت(( والذي ذكره بعده ،هو إطالُة القيام للدعاء ،فعله شهرًا يدعو على قوم،
ل القُنو ِ
طو ُ
لِة ُ
صَال ّ
ن للدعاء والثناء ،إلى أن فارق الدنيا ،كما في ))الصحيحين((
ويدعو لقوم ،ثم استمّر ُيطيل هذا الرك َ
ل ال صلى ال عليه وسلم ُيصلي
عن ثابت ،عن أنس قال :إني ل أزال ُأصلي بكم كما كان رسو ُ
بنا ،قال :وكان أنس يصنع شيئًا ل أراكم تصنعونه ،كان إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائمًا،
ل :قد نسي .فهذا هو
ل :قد نسي ،وإذا رفع رأسه من السجدة يمُكث ،حتى يقول القائ ُ
حتى يقول القائ ُ
القنوتُ الذي ما زال عليه حتى فارق الدنيا.
جده،
ل كان يثني على ربه ،وُيم ّ
ومعلوم أنه لم يكن يسُكت في مثل هذا الوقوف الطويل ،ب َ
عصّية وبني ِلحيان،
ت الموّقت بشهر ،فإن ذلك دعاء على ِرعل وَذكوان و ُ
ويدعوه ،وهذا غيُر القنو ِ
ص هذا بالفجر ،فبحسب سؤال السائل ،فإنما
وُدعاء للمستضعفين الذين كانوا بمكة .وأما تخصي ُ
سأله عن قنوت الفجر ،فأجابه عما سأله عنه .وأيضًا ،فإنه كان يطيل صلة الفجر دون سائر
عه ،واعتداله،
الصلوات ،ويقرأ فيها بالستين إلى المائة ،وكان كما قال البراء بن عازب :رُكو ُ
وسجوُده ،وقياُمه متقاربًا .وكان يظهُر ِمن تطويله بعد الركوع في صلة الفجر ما ل يظهر في
سائر الصلوات بذلك .ومعلوم أنه كان يدعو ربه ،ويثني عليه ،ويمجده في هذا العتدال ،كما
ب أنه يزل يقنت في الفجر
ك ول نرتا ُ
ب ،فنحن ل نش ّ
ت منه ل ري َ
تقدمت الحاديث بذلك ،وهذا قنو ٌ
حتى فارق الدنيا.
ت في ِلسان الفقهاء وأكثِر الناس ،هو هذا الدعاء المعروف :اللهم
ولما صار القنو ُ
اهدني فيمن هديت ...إلى آخره ،وسمعوا أنه لم يزل يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا ،وكذلك
الخلفاُء الراشدون وغيرهم من الصحابة ،حملوا القنوت في لفظ الصحابة على القنوت في
ل صلى ال عليه وسلم وأصحاَبه
اصطلحهم ،ونشأ َمن ل يعرف غيَر ذلك ،فلم يشك أن رسول ا ّ
ل غداة ،وهذا هو الذي نازعهم فيه جمهوُر العلماء ،وقالوا :لم يكن هذا من
كانوا مداومين عليه ك ّ
ِفعله الراتب ،بل ول يثُبت عنه أنه فعله.
وغاية ما ُروي عنه في هذا القنوت ،أنه علمه للحسن بن علي ،كما في ))المسند(( و
ت أقولهن في ُقنوت الوتِر:
ل ال صلى ال عليه وسلم كلما ٍ
))السنن(( الربع عنه قال :عّلمني رسو ُ
ت،
عطْي َ
تَ ،وَباِرك ِلي ِفيَما َأ ْ
ن َتَوّلْي َ
تَ ،وَتَوّلِني ِفيَم ْ
عاَفْي َ
ن َ
عاِفِني ِفيَم ْ
تَ ،و َ
ن َهَدْي َ
))الّلُهّم اْهِدني ِفيَم ْ
ت َرّبَنا
تَ ،تَباَرْك َ
ن َواَلي َ
ل َم ْ
ل َيِذ ّ
كِ ،إّنه َ
عَلْي َ
ضى َ
ل ُيْق َ
ضيَ ،و َ
ك َتْق ِ
تَ ،فإَن َ
ضْي َ
شّر َما َق َ
َوِقني َ
126
ت((( قال الترمذي :حديث حسن ،ول نعرف في القنوت عن النبي صلى ال عليه وسلم شيئًا
َوَتَعاَلْي َ
ت((.
عاَدْي َ
ل َيِعّز َمن َ
ت((َ)) ،و َ
ن َواَلْي َ
ل َم ْ
ل َيِذ ّ
ن من هذا ،وزاد البيهقي بعد ))َو َ
أحس َ
ومّما يدل على أن مراد أنس بالقنوت بعد الركوع هو القياُم للدعاء والثناء ما رواه
سليمان بن حرب :حدثنا أبو هلل ،حدثنا حنظلة إماُم مسجد قتادة ،قلت :هو السدوسي ،قال:
اختلفت أنا وقتادة في القنوت في صلة الصبح ،فقال قتادة :قبل الركوع ،وقلت ،أنا :بعد الركوع،
ت النبي صلى ال عليه وسلم في صلة الفجر ،فكبر،
فأتينا أنس بن مالك ،فذكرنا له ذلك ،فقال :أتي ُ
وركع ،ورفع رأسه ،ثم سجد ،ثم قام في الثانية ،فكبر ،وركع ،ثم رفع رأسه ،فقام ساعة ثم وقع
ل لمن قال:
ساجدًا .وهذا مثل حديث ثابت عنه سواء ،وهو ُيبين مراد أنس بالقنوت ،فإنه ذكره دلي ً
ل التوفيق.
إنه قنت بعد الركوع ،فهذا القيام والتطويل هو كان مراَد أنس ،فاتفقت أحاديُثه كُلها ،وبا ّ
وأما المروي عن الصحابة ،فنوعان:
ل عنه في محاربه الصحابة لمسيِلمة،
ت الصديق رضي ا ّ
أحُدهما :قنوت عند النوازل ،كقنو ِ
ت عمر ،وقنوت علي عند محاربته لمعاوية وأهل الشام.
عند محاربة أهل الكتاب ،وكذلك قنو ُ
وِ
ل أعلم.
ل هذا الركن للدعاء والثناء ،وا ّ
الثاني :مطَلق ،مراُد من حكاه عنهم به تطوي ُ
فصل
في هديه صلى ال عليه وسلم في سجود السهو
سي ُ
ت نَ ،فِإَذا َن ِ
سْو َ
سى َكَما َتْن َ
شٌر ِمْثُلُكْمَ ،أْن َ
ثبت عنه صلى ال عليه وسلم أنه قالِ)) :إّنَما َأَنا َب َ
َفَذّكُروني((.
عه
ل دينهم ،ليقتدوا به فيما يشر ُ
ل على أمته ،وإكما ِ
وكان سهوه في الصلة من تمام نعمة ا ّ
ن((.
سَ
لُسى َ
سى أْو أَن ّ
لهم عند السهو ،وهذا معنى الحديث المنقطع الذي في ))المَوطأ((ِ)) :إّنَما أْن َ
وكان صلى ال عليه وسلم ينسى ،فيترتب على سهوه أحكاٌم شرعية تجري على
سهو أمته إلى يوم القيامة ،فقام صلى ال عليه وسلم من اثنتين في الّرباعية ،ولم يجلس بينهما ،فلما
قض صلته ،سجد سجدتين قبل السلم ،ثم سلم ،فأخَذ من َهذا قاعدة :أن من ترك شيئًا من أجزاء
سجد له قبل السلم ،وأخَذ من بعض طرقه أنه :إذا ترك ذلك
الصلة التي ليست بأركان سهوًاَ ،
حوا ،فأشار إليهم :أن قوموا.
سّب ُ
لنه لما قامَ ،
وشرع في ركن ،لم يرجع إلى المتروكَ ،
127
حْيَنة ،أنه
ل بن ُب َ
واختلف عنه في محل هذا السجود ،ففي ))الصحيحين(( من حديث عبد ا ّ
ن،
جَدَتْي ِ
سْ
جَد َ
سَجلس بينهما ،فلما قضى صلتهَ ،
ن من الظهر ،ولم َي ْ
صلى ال عليه وسلم قام من اْثَنَتْي ِ
ك.
ثم سّلم بعد ذل َ
سّلَم.
وفي رواية متفق عليها :يَكّبر في كل سجدة وهو جاِلس قبل أن ُي َ
علقة قال :صّلى
وفي ))المسند(( من حديث يزيد بن هارون ،عن المسعودي ،عن زياد بن ِ
بنا المغيرُة بن شعبة ،فلما صلى ركعتين ،قام ولم يجِلس ،فسّبح به َمن خلفهَ ،فأشار إليهم :أن قوموا،
ل صلى ال
لا ّ
غ من صلته ،سّلم ،ثم سجد سجدتين ،وسّلم ،ثم قال :هكذا صنع بنا رسو ُ
فلما َفَر َ
عليه وسلم ،وصححه الترمذي
سة الَمضري قال :صّلى بنا عقبة بن عامر
وذكر البيهقي من حديث عبد الرحمن بن شَما َ
ل ،فلم يجلس ،ومضى على قيامه،
ل ،سبحان ا ّ
ن ا ِّ
سبحا َ
ل الناسُ :
س ،فقا َ
جهني ،فقام وعليه جلو ٌ
ال ُ
سهو وهو جَالس ،فلما سّلم ،قال :إني سمعتكم آنفًا تقولون:
فلما كان في آخر صلته ،سجد سجدتي ال َ
ل بن ُبحينة أولى لثلثة وجوه.
سّنَة اّلِذي صَنْعت وحديث عبد ا ّ
ن اَل ّ
ل لكيما أجلس ،لِك ّ
ن ا ِّ
سبحا َ
ح من حديث المغيرة.
أحدها :أنه أص ّ
الثاني :أنه أصرح منه ،فإن قول المغيرة :وهكذا صنع بنا رسول ال صلى ال عليه وسلم،
يجوز أن يرجع إلى جميع ما فعل المغيرة ،ويكون قد سجد النبي صلى ال عليه وسلم في
هذا،السهو مرة قبل السلم ،ومرة بعده ،فحكى ابن ُبحينة ما شاهده ،وحكى المغيرُة ما شاهده،
فيكون ِكل المرين جائزًا ،ويجوز أن ُيريد المغيرة أنه صلى ال عليه وسلم قام ولم يرجع ،ثم سجد
للسهو.
الثالث :أن المغيرة لعله نسي السجود قبل السلم وسجده بعده ،وهذه صفة السهو ،وهذا ل
ل أعلم.
يمكن أن يقال في السجود قبل السلم ،وا ّ
فصل
صِر،
ظهِر ،وإما الَع ْ
ي ،إما ال ّ
شّوسّلم صلى ال عليه وسلم من ركعتين في إحدى صلتي الَع ِ
حين يسجُد ،ثّم ُيكّبر حين
سلِم والكلمُ ،يكّبر ِ
ن بعد ال ّ
جَدَتْي ِ
سْجَد َ
سَ
ُثّم َتَكلَّمُ ،ثّم أَتّمَهاُ ،ثّم سّلم ،ثّم َ
يرفع.
وذكر أبو داود والترمذي أن النبي صلى ال عليه وسلم صّلى بهم ،فسجد سجدتين ،ثم تشهد،
ثم سّلم ،وقال الترمذي :حسن غريب.
128
ل ،فقال:
وصلى يومًا فسّلم وانصرف ،وقد بقي ِمن الصلة ركعة ،فأدركه طلحُة بن عبيد ا ّ
ل فأقام الصلة ،فصلى للناس َرْكَعًة ذكره
ت من الصلة ركعة ،فرجع فدخل المسجد ،وأمر بل ً
نسي َ
ل.
لمام أحمد رحمه ا ّ
اِ
جَد
ت خمسًا ،فس َ
ك؟ قالوا :صلي َ
وصلى الظهر خمسًا ،فقيل لهِ :زيَد في الصلة؟ قال :وما ذا َ
سجدتين بعدما سلم .متفق عليه.
وصلى العصر ثلثًا ،ثم دخل منزله ،فذّكره الناس ،فخرج فصلى بهم ركعة ،ثم سلم ،ثم
سجد سجدتين ،ثم سلم.
ظ عنه صلى ال عليه وسلم من سهوه في الصلة ،وهو خمسة مواضع،
حِف َ
ع َما ُ
فهذا مجمو ُ
ل السلم ،وفي بعضه بعَده.
وقد تضمن سجودُه في بعضه قب َ
لُ :كّله قبل السلم.
فقال الشافعي رحمه ا ّ
لُ :كُله بعد السلم.
وقال أبو حنيفة رحمه ا ّ
ل سهو
ل سهو كان نقصانًا في الصلة ،فإن سجوده قبل السلم ،وُك ّ
لُ :ك ّ
وقال مالك رحمه ا ّ
ن :زيادة ونقصان ،فالسجوُد لهما
كان زيادة في الصلة ،فإن سجوده بعد السلم ،وإذا اجتمع سهوا ِ
قبل السلم.
قال أبو عمر بن عبد البر :هذا مذهُبه ل خلف عنه فيه ،ولو سجد أحد عنده لسهوه بخلف
ذلك ،فجعل السجود كّله بعد السلم ،أو كّله قبل السلم ،لم يكن عليه شيء ،لنه عنده من باب
ف من هذه المة في ذلك.
قضاء القاضي باجتهاده ،لختلف الثار المرفوعِة ،والسل ِ
ل ،فقال الثرم :سمعت أحمد بن حنبل ُيسأل عن سجود السهو :قبل
لمام أحمد رحمه ا ّ
وأما ا ِ
السلم ،أم بعده؟ فقال :في مواضع قبل السلم ،وفي مواضع بعده ،كما صنع النبي صلى ال عليه
وسلم حين سّلم من اثنتين ،ثم سجد بعد السلم ،على حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين.
ومن سلم من ثلث سجد أيضًا بعد السلم على حديث عمران بن حصين وفي التحري
يسجد بعد السلم على حديث ابن مسعود ،وفي القيام من اثنتين يسجد قبل السلم على حديث ابن
ث عبد
ث أبي سعيد الخدرى وحدي ِ
ُبحينة وفي الشك َيبني على اليقين ،ويسجُد قبل السلم على حدي ِ
الرحمن بن عوف.
سوى هذه المواضع؟ قال يسجُد فيها كّلها قبل
ت لحمد بن حنبل :فما كان ِ
قال الثرم :فقل ُ
السلم ،لنه يتم ما نقص من صلته ،قال :ولول ما روي عن النبي صلى ال عليه وسلم ،لرأي ُ
ت
129
لِ
لجَت َيا َذا ال َ
لُمَ ،تَباَرْك َ
ك الس َ
لُم ،ومن َ
سَت ال ّ
كان إذا سلم ،استغفر ثلثًا ،وقال)) :الّلُهّم َأْن َ
لْكَراِم((
َوا ِ
ل إلى المأمومين.
ل ذلك ،بل ُيسرع النتقا َ
ل الِقبلة إل مقداَر ما يقو ُ
ولم يمكث مستقِب َ
ل صلى ال عليه وسلم كثيرًا
ت رسول ا ّ
وكان ينفِتل عن يمينه وعن يساره ،وقال ابن مسعود :رأي ُ
ينصِرف عن يساره.
ل صلى ال عليه وسلم ينصرف عن يمينه ،والول فى
لا ّ
ت رسو َ
وقال أنس :أكثُر ما رأي ُ
))الصحيحين(( والثاني في ))مسلم((.
ل عن يمينه وعن يساره
ل صلى ال عليه وسلم ينفِت ُ
ت رسول ا ّ
وقال عبد ال بن عمرو :رأي ُ
في الصلة.
)يتبع(...
ص ناحيًة منهم دون ناحية.
ثم كان ُيقِبل على المأمومين بوجهه ،ول يخ ّ @
س.
طُلَع الشم ُ
وكان إذا صلى الفجَر ،جلس في مصله حتى َت ْ
ك َلُه،له الُمْل ُ
ك شِري َ
ل َ
حَده َ
ل َو ْ
لا ّ
ل إله ِإ ّ
ل صلة مكتوبةَ )) :
ل في ُدُبر ك ّ
وكان يقو ُ
ل َيْنَفُع َذا
تَ ،و َ
ي ِلَما َمَنْع َ
طَتَ،ول مْع ِ
طْي َ
عَل َمانَع ِلَما َأ ْ
ل شيء َقِديٌر ،الّلُهّم َ
عَلى ُك ّ
حْمُد ،وُهَو َ
َوَلُه الْ َ
جّد((
ك ال َ
جّد ِمْن َ
ال َ
شيء
ل َ
عَلى ُك ّ
حمُدَ ،وهَو َ
ك َولُه اْل َ
ك َلُهَ ،لُه الُمْل ُ
شِري َ
حَدُه ل َ
ل َو ْ
ل إله ِإل ا ُّ
وكان يقولَ )) :
لَ ،وَلُه الّثَناُء
ضُل ِإّياُهَ ،لُه الّنْعَمُةَ ،وًلُه اَلَف ْ
لَ ،ول َنْعُبُد إ َ
ل ا ُّ
ل إلَه إ ّ
لَ ،
ل با ّ
ل َول ُقّوَة ِإ ّ
حْو َ
ل َ
َقديٌرَ ،و َ
ن((
ن َوَلو َكِره اْلَكاِفُرو َ
ن َلُه الّدي َ
خلصي َ
لُ ،م ْ
ل ا ُّ
ل إله ِإ ّ
نَ ،
سُحَ
اْل َ
ل صلى ال عليه وسلم
ل عنه ،أن رسول ا ّ
وذكر أبو داود عن علي بن أبي طالب رضي ا ّ
تَ ،وَما
عَلْن ُ
تَ ،وَما أ ْ
سَرْر ُ
خْرتَ ،وَما أ ْ
تَ ،وَما أ ّ
غفْر لي َما َقّدْم ُ
كان إذا سّلم من الصلة قال)) :الّلُهّم ا ْ
ت((.
ل إلَه ِإل ْاْن َ
خُرَ ،
ت الُمَؤ ّ
ت الُمَقّدُمَ ،وأْن َ
عَلُم به مّني ،أْن َ
ت َأ ْ
تَ ،وَما أْن َ
سَرف ُ
أْ
هذه قطعة من حديث علي الطويل الذي رواه مسلم في استفتاح الصلة والسلم ،وما كان
يقوله في ركوعه وسجوده.
ولمسلم فيه لفظان
أحُدهما :إن النبي صلى ال عليه وسلم كان يقوله بين التشهد والتسليم ،وهذا هو الصواب
ل أعلم.
والثاني :كان يقوله بعد السلم ،ولعله كان يقوله في الموضعين ،وا ّ
132
ل ُك ّ
ل ل صلى ال عليه وسلم يقو ُ
لا ّ
وذكر المام أحمد عن زيد بن أرقم قال :كان رسو ُ
ك ،الّلُهّم َرّبَنا
ك َل َ
شِري َ
ب وحدك ل َ
شهيٌد َأّنك الّر ّ
شيٍء َوَمِليَكُهَ ،أنا َ
ل َ
ب ُك ّ
صلة)) :الّلُهّم َرّبنا َوَر ّ
ن الِعَباَد
شِهيٌد َأ ّ
شيٍءَ ،أَنا َ
ل َ
ب ُك ّ
ك َورسولك الّلُهّم َرّبَنا َوَر ّ
عْبُد َ
حَمدًا َ
ن ُم َ
شِهيٌد َأ ّ
شيٍءَ ،أَنا َ
ل َ
بكّ
َوَر ّ
خَرِة
ن الّدْنَيا َوال ِ
عة ِم َ
ل سا َ
ك َوَأْهِلي في ك ّ
خِلصًا َل َ
جَعْلني م ْ
شيٍء ،ا ْ
خَوٌة ،الّلُهّم َرّبَنا َورب كل َ
ُكّلُهم ِإ ْ
لرض .ال َأْكَبُر
ت َوا َ
سَماوا ِ
لُ ُنور ال ّ
لكْبُر ا ّ
ل أْكَبُر ا َ
ب ،ا ُّ
ج ْ
سَت ِ
سَمْع َوا ْ
لكَراِم ،ا ْ
َيا َذا الجلل َوا ِ
لْكَبُر(( ورواه أبو داود.
ل َأْكَبُر ال َ
ل ،ا ُّ
ل َوِنْعَم اْلَوِكي ُ
ي ا ُّ
سِب َ
حْ
لْكَبُرَ ،
اَ
ل أكبُر
ل كذلك ،وا ُّ
ل ثلثًا والحمُد ِّ
ن ا ِّ
سبحا َ
وندب أمته إلى أن يقوُلوا في ُدبر كل صلةُ :
ل شيٍء قدير.
حْمُد َوُهَوعلى ُك ّ
حَده ل شريك لهَ ،لُه الُمْلك َوَلُه اْل َ
ل َو ْ
كذلك ،وتمام المائة :ل إلَه إل ا ّ
وفي صفة أخرى :التكبيُر أربعًا وثلثين فتتم به المائه
وفي صفة أخرى)) :خمسًا وعشرين تسبيحة ،ومثلها تحميدة ،ومثلها تكبيرة ،ومثلها ل إله
ل شيٍء َقِدير((
عَلى ُك ّ
حْمُد َوُهَو َ
ك وله اْل َ
ك له ،له المل ُ
شِري َ
ل وحَده ل َ
إل ا ُّ
وفي صفٍة أخرى)) :عشر تسبيحات ،وعشر تحميدات ،وعشر تكبيرات((
ض روايات حديث أبي
وفي صفة أخرى ))إحدى عشرة(( كما في ))صحيح مسلم(( في بع ِ
ل صلة ثلثًا وثلثين إحدى عشرة ،وإحدى
ن ُدُبَر ُك ّ
نَ ،وُيَكّبُرو َ
حَمُدو َ
نَ ،وَي ْ
حو َ
سّب ُ
هريرة ))َوُي َ
عشرة ،وإحدى عشرة ،فذلك ثلثة وثلثون(( والذى يظهر في هذه الصفة ،أنها ِمن تصرف بعض
ل صلة ثلثًا وثلثين((
ن ُدُبَر ُك ّ
نَ ،وُيَكّبُرو َ
حَمُدو َ
ن َوَي ْ
حو َ
سّب ُ
لن لفظ الحديث ))ُي َ
الرواة وتفسيرهَ ،
ت التسبيح والتحميد والتكبير،
وإنما ُمَراُده بهذا أن يكون الثلث والثلثون في كل واحدة من كلما ِ
سمي عن أبي
ل أكبر ،ثلثًا وثلثين(( لن راوي الحديث ُ
ل ،وا ّ
حْمُد ّ
ل ،وال َ
ن ا ِّ
سبحا َ
اى ))قولواُ )) :
ل أكبر ،حتى يكون
ل ،وا ُّ
سبحانَ ال والحمُد ِّ
صالح السمان ،وبذلك فسره أبو صالح قال :قولواُ )) :
منهن ُكّلهن ثلث وثلثون((.
صه بإحدى عشرة ،فل نظير له في شيء من الذكار بخلف المائة ،فإن لها
وأما تخصي ُ
نظائر ،والعشر لها نظائُر أيضًا ،كما في السنن من حديث أبي ذر أن رسول ال صلى ال عليه
حَدُه َ
ل ل َو ْ
ل ا ُّ
ل إلَه إ ّ
ل أن َيتَكّلَمَ ،
جَلْيِه َقْب َ
ن ِر ْ
جِر َوُهَو َثا ٍ
لِة اْلَف ْ
صَل ِفي ُدُبِر َ
ن َقا َ
وسلم قالَ)) :م ْ
شُر
عْب َلُه َ
شَر َمّراتُ ،كِت َ
عْشيٍء َقِديٌرَ ،
ل َ
عَلى ُك ّ
ت وهو َ
حْمُد ُيحِيي َوُيِمي ُ
كَ ،وَلُه اْل َ
ك َلُهَ ،لُه الُمْل ُ
شِري َ
َ
ن ُك ّ
ل حْرٍز ِم ْ
ك ُكّلُه في ِ
ن َيْوَمُه ذِل َ
تَ ،وَكا َ
جا ٍ
شُر َدَر َ
عْتَ ،وُرفَع َلُه َ
سّيَئا ٍ
عْنَُه عشر َ
ي َ
حَتَ ،وُم ِ
سَنا ٍ
حََ
133
جْرني
ن تتَكّلَم :الّلُهّم َأ ِ
ل َأ ْ
ل َقْب َ
بَ ،فُق ْ
ت الَمْغِر َ
صَلْي َ
ن الّنارَ ،وِإَذا َ
جوارًا ِم َ
ك َ
ل َل َ
ب ا ُّ
كَ ،كَت َ
ن َيْوِم َ
ت ِم ْ
ُم ّ
ن الّناِر((
جَوارًا ِم َ
ك ِ
ل َل َ
ب ا ُّ
ك َكَت َ
ن َلْيَلِت َ
ت ِم ْ
ن ُم َ
ك ِإ ْ
ت َفِإّن َ
سْبَع َمّرا ٍ
ن الّناِر َ
ِم َ
ل صلى ال
لا ّ
وقد ذكر النسائي في ))السنن الكبير(( من حديث أبي أمامة قال :قال رسو ُ
ل َأ ْ
ن جّنِة ِإ ّ
ل ال َ
خو ِ
لٍة َمْكُتوبةَ ،لم َيْمنعُه من ُد ُ
صَل َ
سي في ُدُبِر ُك ّ
ن َقَرَأ آَيَة اْلُكْر ِ
عليه وسلمَ)) :م ْ
ث تفرد به محمد بن حمير ،عن محمد بن زياد اللهاني ،عن أبي أمامة ،ورواه
ت(( .وهذا الحدي ُ
َيمو َ
ث ِمن الناس َمن يصححه ،ويقول:
النسائي عن الحسين بن بشر ،عن محمد بن حمير .وهذا الحدي ُ
الحسين بن بشر قد قال فيه النسائي :ل بأس به ،وفي موضع َاخر :ثقة .وأما المحمدان ،فاحتج بهما
البخاري في ))صحيحه(( قالوا :فالحديث على رسمه ،ومنهم من يقول :هو موضوع ،وأدخله أبو
الفرج ابن الجوزي في كتابه في الموضوعات ،وتعلق على محمد بن حمير ،وأن أبا حاتم الرازي
ض الحفاظ ،ووثقوا
قال :ل ُيحتج به ،وقال يعقوب بن سفيان :ليس بقوي ،وأنكر ذلك عليه بع ُ
ل من صنف في الحديث
ث موضوع ،وقد احتج به أج ّ
ل من أن يكون له حدي ٌ
محمدًا ،وقالُ :هو أج ّ
الصحيح ،وهو البخاري ،ووثقه أشّد الناس مقالة في الرجال يحيى بن معين ،وقد رواه الطبراني
ل صلى ال
ل بن حسن عن أبيه ،عن جده قال :قال رسول ا ّ
في ))معجمه(( أيضًا من حديث عبد ا ّ
خَرى((
لْلِة ا ُ
ل ِإَلى الصّ َ
ن في ِذّمِة ا ِّ
لِة الَمْكُتوَبِةَ ،كا َ
صَي في ُدُبِر ال ّ
سّ
ن َقَرَأ آَيَة اْلُكْر ِ
عليه وسلمَ)) :م ْ
ل بن عمر ،والمغيرة بن
ث ِمن حديث أبي أمامة ،وعلي بن أبي طالب ،وعبد ا ّ
وقد ُروي َهَذا الحدي ُ
ل ،وأنس بن مالك ،وفيها ُكّلها ضعف ،ولكن إذا انضم بعضها إلى بعض مع
شعبة ،وجابر بن عبد ا ّ
خاِرجها ،دلت على أن الحديث له أصل وليس بموضوع .وبلغني عن
ف َم َ
تباُين طرقها واختل ِ
ل صلة .وفي المسند
ب ُك ّ
حه أنه قال :ما تركُتها عقي َ
ل رو َ
شيخنا أبي العباس ابن تيمية قّدس ا ّ
ت في
ل صلى ال عليه وسلم :أن أقرأ بالُمَعّوَذا ِ
ل ا ِّ
عقبة بن عامر قال)) :أمرني رسو ُ
سنن ،عن ُ
وال ّ
لٍة(( ورواه أبو حاتم ابن حبان في ))صحيحه(( ،والحاكم في ))المستدرك(( ،وقال:
صَل َ
ُدُبِر ُك ّ
صحيح على شرط مسلم .ولفظ الترمذي ))بالمعوذتين((.
صلي(( من حديث عمر بن نبهان ،وقد
وفي ))معجم الطبراني(( ،و ))مسند أبي يعلى الَمْو ِ
شاَءَ ،وُزّو َ
ج جّنِة َ
ب ال َ
ي َأْبَوا ِ
ن َأ ّ
ل ِم ْ
خَنَ ،د َ
ليَما ِ
ن َمَع ا ِ
جاَء ِبِه ّ
ن َ
ث َم ْ
ُتكّلم فيه عن جابر يرفعهَ)) :ثل ٌ
لٍة َمْكُتوَبٍة
صَل َ
خِفّيًاَ ،وَقَرَأ في ُدُبِر ُك ّ
ن َقاِتِلهَ ،وَأّدى َدْينًا َ
عْعَفا َ
ن َ
شاَءَ ،م ْ
ث َ
حْي ُ
ن َ
حوِر الِعي ِ
ن ال ُ
ِم َ
ل:
ل((َ :قا َ
ل ا ِّ
سو َ
ن َيا َر ُ
حَداُه ّ
ل عنهَ)) :أْو ِإ ْ
حٌد(( فقال أبو َبكٍر رضي ا ّ
ل َأ َ
ل ُهَو ا ُّ
تُ ،ق ْ
شَر َمّرا ٍ
عَْ
ن((.
حَداُه ّ
))َأْو إ ْ
135
سِ
نحْ
ك َو ُ
شْكِر َ
ك َو ُ
عَلى ِذْكِر َ
عّني َ
ل صلٍة)) :الّلهّم أَ ِ
وأوصى معاذًا أن يقول في ُدُبِر ُك ّ
ك((
عَباَدِت َ
ِ
جح أن يكون قبل السلم ،فراجعته
َوُدُبُر الصلة يحتمل قبل السلم وبعده ،وكان شيخنا ُير ّ
ل شيء منه ،كُدُبِر الحيوان.
فيه ،فقالُ :دُبُر ُك ّ
فصل
جدار ،جعل بينه وبينه قدر ممّر الشاة،
ل صلى ال عليه وسلم إذا صلى إلى ال ِ
لا ّ
وكان رسو ُ
شجرة ،جعله
عمود أو َ
عود أو َ
سترة ،وكان إذا صّلى إلى ُ
عُد منه ،بل أمر بالُقرب من ال ّ
ولم يكن يتبا َ
حربة في السفر والبّرّية ،فُيصلي
صُمد له صمدًا ،وكان َيْرُكُز ال َ
ن أو اليسر ،ولم َي ْ
على حاجبه اليم ِ
إليها ،فتكون سترَته ،وكان ُيَعّرض راحلته ،فُيصلي إليها ،وكان يأخُذ الرحل فَيْعِدُله فيصلي إلى
ط خطًا في الرض ،قال أبو
خرِته ،وأمر المصلي أن يستتِر ولو ِبسهم أو عصا ،فإن لم يجد فليخ ّ
آِ
ل :الخط بالطول ،وأما
ل الهلل.وقال عبد ا ّ
ط عرضًا مث ُ
ت أحمد بن حنبل يقول :الخ ّ
داود سمع ُ
حماُر
سترة ،فإنه صح عنه أنه يقطع صلَته)) ،المرأُة وال ِ
العصا ،فُتنصب نصبًا ،فإن لم يكن ُ
ل بن ُمَغّفل.
والكلبُ السوُد(( .وثبت ذلك عنه من رواية أبي ذر وأبي ُهَرْيَرة ،وابن عباس ،وعبد ا ّ
ومعاِرض هذه الحاديث قسمان :صحيح غير صريح ،وصريح غير صحيح ،فل يترك العمل بها
ل صلى ال عليه وسلم يصلي وعائشُة رضي ال عنها نائمة في
لمعارض هذا شأنه .وكان رسول ا ّ
ن ذلك ليس كالَماّر ،فإن الرجل محّرم عليه المروُر بين يدي المصلي ،ول ُيكره له أن
قبلته وكأ ّ
يكون لبثًا بين يديه ،وهكذا المرأُة يقطع مروُرها الصلَة دون ُلبثها ،وال أعلم.
فصل
في هديه صلى ال عليه وسلم في السنن الرواتب
كان صلى ال عليه وسلم ُيحافظ على عشر ركعات في الحضر دائمًا ،وهى التي قال فيها
ظهِر ،وركعتين
ت ِمن النبي صلى ال عليه وسلم عشَر ركعات :ركعتين قبل ال ّ
ظ ُ
حِف ْ
ابن عمرَ )) :
صبح(( .فهذه
ل ال ّ
ن قب َ
ن بعد العشاء في بيته ،وركعتي ِ
بعَدها وركعتين بعد المغرب في بيته ،وركعتي ِ
ن بعد الظهر قضاهما بعد العصر ،وداوم عليهما،
عها في الحضر أبدًا ،ولما فاتته الركعتا ِ
لم يكن يد ُ
ل أثبته ،وقضاء .السنن الرواتب في أوقات النهى عام له
عم ً
ل َ
عِم َ
لنه صلى ال عليه وسلم كان إذا َ
ولمته ،وأما المداومة على تلك الركعتين في وقت النهي ،فمختص به كما سيأتي تقريُر ذلك في
ل الظهر أربعًا ،كما في ))صحيح
ذكر خصائصه إن شاء ال تعالى .وكان ُيصّلي أحيانًا قب َ
136
ظْهر،
ل ال ّ
ع َأْرَبعًا قَْب َ
ل َيَد ُ
ن َ
ل عنها أنه صلى ال عليه وسلمَ)) :كا َ
البخاري(( عن عائشة رضي ا ّ
صّلى أربعًا،
وركعتين قبل الغداة((َ ،فِإّما أن ُيقال :إنه صلى ال عليه وسلم كان إذا صّلى في بيته َ
ل هذا ،ويفعل هذا ،فحكى
وإذا صّلى في المسجد صّلى ركعتين ،وهذا أظهر ،وِإّما أن ُيقال :كان يفع ُ
ل عن عائشة وابن عمر ما شاهده ،والحديثان صحيحان ل مطعن في واحد منهما .وقد ُيقال :إن
كّ
لمام
هذه الربَع لم تكن سنَة الظهر ،بل هي صلٌة مستِقلة كان يصليها بعد الزوال ،كما ذكره ا ِ
ل صلى ال عليه وسلم كان ُيصلي أربعًا بعد أن تزو َ
ل ل ا ِّ
ل بن السائب ،أن رسو َ
أحمد عن عبد ا ّ
صالح((.
ل َ
عَم ٌ
صَعَد ِلي ِفيَها َ
ن َي ْ
ب َأ ْ
ح ّ
سَماِءَ ،فُأ ِ
ب ال ّ
ح ِفيَها َأْبَوا ُ
عٌة ُتْفَت ُ
سا َ
الشمس ،وقال)) :إّنَها َ
ل صلى ال عليه وسلم،
ل ا ِّ
ل عنها)) :أن رسو َ
وفي السنن أيضًا عن عائشَة رضي ا ّ
ل صلى ال
لا ّ
ن بعدها(( وقال ابن ماجه)) :كان رسو ُ
ل أربعًا قبل الظهر ،صلُه ّ
كان إذا لم ُيص ّ
لها بعد الركعتين بعد الظهر(( وفي الّترمذي عن علي
عليه وسلم إذا فاتته الربُع قبل الظهر ،ص ّ
ل صلى ال عليه وسلم يصلي أربعاً قبل الظهر،
ل ا ِّ
ل عنه قال)) :كان رسو ُ
بن أبي طالب رضي ا ّ
ل صلى ال عليه وسلم ))يصلي
ل ا ِّ
ن رسو ُ
وبعدها ركعتين(( .وذكر ابن ماجه أيضًا عن عائشة :كا َ
ل أعلم -هي الربع
ع والسجود(( فهذه -وا ّ
ن الِقيام ،ويحسن فيهن الركو َ
أربعًا قبل الظهر ،يطيل ِفيِه ّ
ل بن عمر،
ن قال عبُد ا ّ
التي أرادت عائشة أنه كان ل يدعهن وأما سنُة الظهر ،فالركعتان اللتا ِ
ن ،والفجِر جمع كونها ركعتين ،والناس في
ن ركعتا ِ
ت سنُتها ركعتا ِ
ُيوضح ذلك أن سائَر الصلوا ِ
ن هذه الربُع التي قبل الظهر
ن ،وعلى هذا ،فتكو ُ
غ ما يكونون ،ومع هذا سنُتها ركعتا ِ
وقتها أفر ُ
ن
ن مسعود ُيصلي بعد الزوال ثما َ
لبُ
ل الشمس وكان عبُد ا ِّ
ف النهار وزوا ُ
ل سبُبه انتصا ُ
ِوردًا ُمستِق ً
ف النهار مقاِبل
ل أعلم -أن انتصا َ
سّر هذا -وا ّ
ن بمثلهن ِمن قياِم الليل و ِ
ن َيْعِدْل َ
ركعات ،ويقول :إّنه ّ
ل النزول اللِهي بعد انتصاف
ب السماء ُتفتح بعد زوال الشمس ،ويحص ُ
لنتصاف الليل ،وأبوا ُ
ب تبارك وتعالى إلى
ب السماء ،وهذا ينِزل فيه الر ّ
الليل ،فهما وقتا قرب ورحمة ،هذا ُتفتح فيه أبوا ُ
ل صلى ال
ل ا ِّ
ت رسو َ
سماء الدنيا .وقد روى مسلم في ))صحيحه(( من حديث أّم حبيبة قالت :سمع ُ
جَنِة(( وزاد
ن َبْيت في ال َ
ي َلُه ِبِه ّ
شَرَة َرْكَعةُ ،بِن َ
عْي َ
صّلى في َيْوٍم َوَلْيَلٍة ِثنَت ْ
ن َ
عليه وسلم يقولَ)) :م ْ
ن بعد المغرب ،وركعتين بعد
ن بعدها ،وركعتي ِ
ظْهِرَ ،وَرْكَعَتْي ِ
ل ال ّ
النسائي والترمذي فيهَ)) :أْرَبعًا َقْب َ
العشاء ،وركعتين قبل صلة الفجر(( قال النسائي)) :وركعتين قبل العصر(( )بدل( ))وركعتين بعد
شَرَة َرْكَعَة
عْي َ
عَلى ِثَنَت ْ
ن َثاَبَر َ
العشاء(( وصححه الترمذي وذكر ابن ماجه عن عائشة ترفعهَ)) :م ْ
ب،
ن َبْعَد الَمْغِر ِ
ن َبْعَدهاَ ،وَرْكَعَتْي ِ
ظْهِرَ ،وَرْكَعَتْي ِ
ل ال ّ
جّنِةَ :أْربعًا َقْب َ
ل َلُه َبْيتًا ِفي ال َ
سّنِةَ ،بَنى ا ُ
ن ال ّ
ِم ْ
137
ب في هاتين الركعتين،
س سنة(( وهذا هو الصوا ُ
شاَء َكَراَهَة أن يتخذها النا ُ
ن َ
قال في الّثاِلَثِةِ)) :لَم ْ
ب إليهما ،وليستا راتبة كسائر السنن الرواتب.
ن مندو ٌ
سَتحّبَتا ِ
أنهما ُم ْ
وكان ُيصلي عامَة السنن ،والتطوع الذي ل سبب له في بيته ،ل سيما المغرب ،فإنه
لم ُينقل عنه أنه فعلها في المسجد البتة.
ن .المغرب في بيته ،كذا
ل الركعتي ِ
ي الرج ُ
لمام أحمد في رواية حنبل :السنة أن ُيصل َ
وقال ا ِ
ت الناس في زمن عمر بن
ي عن النبي صلى ال عليه وسلم وأصحابه .قال السائب بن يزيد :رأي ُ
ُرو َ
الخطاب ،إذا انصرفوا من المغرب ،انصرفوا .حتى ل َيبقى في المسجد أحد ،كأنهم ل ُيصلون بعد
المغرب حتى يصيروا إلى أهليهم انتهى كلمه .فإن صّلى الركعتين في المسجد ،فهل يجزئ عنه،
ل أنه قال :بلغني عن رجل سماه أنه قال :لو أن
وتقع موقعها؟ اختلف قوُله ،فروى عنه ابُنه عبد ا ّ
ل ،وما
ن ما قال هذا الرج ُ
ل صّلى الركعتين بعد المغرب في المسجد ما أجزأه؟ فقال :ما أحس َ
رج ً
أجوَد ما انتزع ،قال أبو حفص :ووجهه أمر النبي صلى ال عليه وسلم بهذه الصلة في البيوت.
وقال المروزي :من صلى ركعتين بعد المغرب في المسجد يكون عاصيًا ،قال :ما أعرف هذا ،قلتُ
لهُ :يحكى عن أبي ثور أنه قال :هو عاص .قال :لعله ذهب إلى قول النبي صلى ال عليه وسلم:
ض في البيت ،وترك المسجد،
صّلى الفر َ
جَعُلوَها ِفي ُبُيوِتُكْم(( .قال أبو حفص :ووجُهه أنه لو َ
))ا ْ
ل ،وانما وجُهه أن السنن ل
أجزأه ،فكذلك السنة انتهى كلمه وليس هذا وجَهه عند أحمد رحمه ا ّ
ل أعلم.
ُيشترط لها مكان معين ،ول جماعة ،فيجوُز فعلها في البيت والمسجد ،وا ّ
وفي سنة المغرب سنتان ،إحداهما :أنه ل ُيفصل بينها وبين المغرب بكلم ،قال
ل في رواية الميموني والمروزي :يستحب أل يكون قبل الركعتين بعد المغرب إلى
أحمد رحمه ا ّ
أن ُيصَّلَيهما كلٌم وقال الحسن بن محمد :رأيت أحمد إذا سلم من صلة المغرب ،قام ولم يتكلم ،ولم
يركع في المسجد قبل أن يدخل الدار ،قال أبو حفص :ووجهه قول مكحول :قال رسول ال صلى
ن(( ،ولنه
عّلّيي َ
صلته ِفي ِ
ت َ
ن َيتَكّلَمُ ،رِفَع ْ
ل َأ ْ
ب َقب َ
ن َبْعَد الَمْغِر ِ
صّلى َرْكَعَتْي ِ
ال عليه وسلمَ)) :من َ
يتصل النفل بالفرض ،انتهى كلمه.
والسنة الثانية :أن تفعل في البيت ،فقد روى النسائي ،وأبو داود ،والّترمذي من حديث كعب
ب ،فلما
عجرة ،أن النبي صلى ال عليه وسلم أتى مسجَد بني عبد الشهل ،فصّلى فيه المغر َ
بن ُ
ت(( .ورواه ابن ماجه من حديث رافع
صلة اْلُبُيو ِ
ن بعدها فقالَ)) :هِذِه َ
حو َ
سّب ُ
صلتهم رآهم ُي َ
ضْوا َ
َق َ
ن ِفي ُبُيوِتُكم((.
ن الَرْكَعَتْي ِ
بن خديج ،وقال فيها)) :اْرَكُعوا َهاَتْي ِ
139
والمقصود ،أن هدي النبي صلى ال عليه وسلم ،فعل عامة السنن والتطوع في بيته كما في
ظهر،
ل ال ّ
ت عن النبي صلى ال عليه وسلم عشَر ركعات :ركعتين قب َ
ظ ُ
حِف ْ
الصحيح عن ابن عمرَ :
ن بعدها ،وركعتين بعد المغرب في بيته ،وركعتين بعد العشاء في بيته ،وركعتين قبل صلة
وركعتي ِ
الصبح.
ل عنها قالت :كان النبي صلى ال عليه وسلم
وفي ))صحيح مسلم(( عن عائشة رضي ا ّ
خل فُيصلي ركعتين ،وكان ُيصلي
ُيصلي في بيتي أربعًا قبل الظهر ،ثم يخرج فُيصلي بالناس ،ثم يد ُ
بالناس المغرب ،ثم يدخل فُيصلي ركعتين ،وُيصلي ،بالناس العشاء ،ثم يدخل بيتي فُيصلي ركعتين.
وكذلك المحفوظ عنه في سنة الفجر ،إنما كان ُيصليها في بيته كما قالت حفصة وفي
جُمعة في بيته
ن بعد ال ُ
))الصحيحين(( عن ابن عمر ،أنه صلى ال عليه وسلم كان ُيصلي ركعتي ِ
وسيأتي الكلم على ذكر سنة الجمعة بعدها والصلة قبَلها ،عند ذكر هديه في الجمعة إن شاء ا ّ
ل
لِة الَمْرِء في َبْيِته ِإ ّ
ل صَل َ
ضَن َأْف َ
صّلوا في ُبُيوِتُكْمَ ،فِإ ّ
س َ
تعالى ،وهو ُمواِفق لقوله فيَ)) :أّيَها الّنا ُ
ل السنن ،والتطوع في البيت ِإل ِلعارض،
ي النبي صلى ال عليه وسلم و فع َ
الَمْكُتوَبَة(( .وكان هد ُ
ل الفرائض في المسجد ِإل ِلعارض من سفر ،أو مرض ،أو غيره مما يمنُعه
كما أن هدَيه كان ِفع َ
من المسجد ،وكان تعاهده ومحافظته على سنة الفجر أشّد ِمن جميع النوافل.
عها هي والوتَر سفرًا وحضرًا ،وكان في السفر ُيواظب على سنة
ولذلك لم يكن يد ُ
الفجر والوتر أشّد ِمن جميع النوافل دون سائر السنن ،ولم ُينقل عنه في السفر أنه صلى ال عليه
ت مع
صّلى سنة راتبة غيَرهما ،ولذلك كان ابن عمر ل يزيد على ركعتين ويقول :سافر ُ
وسلم َ
ل عنهما ،فكانوا ل يزيدون في
ل صلى ال عليه وسلم ،ومع أبي بكر ،وعمر رضي ا ّ
رسول ا ّ
السفر على ركعتين ،وهذا وإن احتمل أنهم لم يكونوا يرّبعون ،إل أنهم لم ُيصلوا السنة ،لكن قد ثبت
ت ،وهذا من فقهه
سّبحا لتمم ُ
ت ُم َ
عن ابن عمر أنه سئل عن سنة الظهر في السفر ،فقال :لو كن ُ
سبحانه وتعالى خّفف عن المسافر في الرباعية شطَرها ،فلو شرع له
ل ُ
ل عنه ،فإن ا ّ
رضي ا ّ
لتمام أولى به.
ن قبلها أو بعدها ،لكان ا ِ
الركعتا ِ
ي الصلتين آكُد ،سنة الفجر أو الوتر؟ قولين :ول يمكن
وقد اختلف الفقهاُء :أ ّ
خ
ح باختلف الفقهاء في وجوب الوتر ،فقد اختلفوا أيضًا في وجوب سنة الفجر ،وسمعت شي َ
الترجي ُ
لسلم ابن تيمية يقول :سنة الفجر تجري مجرى بداية العمل ،والوتر خاتمته .ولذلك كان النبي
اِ
140
خِلصت من أولها وآخرها لهذا الشطر ،فلم يذكر فيها إل الخرة .وما يكون فيها
ت{ قد ُأ ْ
}ِإَذا ُزْلِزَل ْ
ف القرآن ،فأحرى بهذا الحديث أن يكون صحيحًا -
ل نص َ
سّكانها ،كانت َتعِد ُ
من أحوال الرض و ُ
لخلص
ل أعلم -ولهذا كان يقرأ بهاتين السورتين في ركعتي الطواف ،ولنهما سورتا ا ِ
وا ّ
والتوحيد ،كان يفتتح بهما عمل النهار ،ويختمها بهما ،ويقرأ بهما في الحج الذي هو شعار التوحيد.
فصل
شقه اليمن ،هذا الذي ثبت عنه فى
وكان صلى ال عليه وسلم يضطجع بعد سنة الفجر على ِ
ل عنها وذكر الترمذي من حديث أبى هريرة رضي ا ّ
ل ))الصحيحين(( من حديث عائشة رضي ا ّ
عَلى
طجْع َ
ضَحَ ،فْلَي ْ
صب ِ
ل ال ّ
ن َقْب َ
حُدُكُم الّرْكَعَتْي ِ
صّلى َأ َ
عنه ،عنه صلى ال عليه وسلم أنه قالِ)) :إَذا َ
ن(( قال الترمذي :حديث حسن غريب .وسمعت ابن تيمية يقول :هذا باطل ،وليس
لْيَم ِ
جْنِبِه ا َ
َ
بصحيح ،وإنما الصحيح عنه الفعل ل المُر بها ،والمر تفرد به عبد الواحد بن زياد وغلط فيه،
وأما ابن حزم ومن تابعه ،فإنهم يوجبون هذه الضجعة ،وُيبطل ابن حزم صلَة من لم يضجعها بهذا
ث ،وهذا مما تفرد به عن المة ،ورأيت مجلدًا لبعض أصحابه قد نصر فيه هذا المذهب .وقد
الحدي ِ
ذكر عبد الرّزاق في ))المصنف(( عن معمر ،عن أيوب ،عن ابن سيرين ،أن أبا موسى ،ورافَع بن
ل عنهم ،كانوا يضطجعون بعد ركعتي الفجر ،ويأمرون بذلك،
س بن مالك رضي ا ّ
خديج ،وأن َ
َ
وذكر عن معمر ،عن أيوب ،عن نافع ،أن ابن عمر كان ل يفعله ،ويقول :كفانا بالتسليم .وذكر عن
ل عنها كانت تقول)) :إن النبي صلى ال عليه
ابن جريج :أخبرني من أصدق أن عائشة رضي ا ّ
صُبهم إذا
ن عمر َيح ِ
ب ليله فيستريح(( .قال :وكان اب ُ
وسلم لم يكن يضطجع لسنة ،ولكنه كان يدَأ ُ
صّديق الناجي ،أن ابن عمر رأى
رآهم يضطجعون على أيمانهم .وذكر ابن أبي شيبة عن أبي ال ّ
ن عمر:
قومًا اضطجعوا بعد ركعتي الفجر ،فأرسل إليهم فنهاهم ،فقالوا :نريد بذلك السنة ،فقال اب ُ
ن .قال
شيطا ُ
ب بكم ال ّ
ت ابن عمر عنها فقال :يلع ُ
ارجع إليهم وأخبرهم أنها بدعة .وقال أبو ِمجلز :سأل ُ
صّلى الركعتين يفعل كما يفعل الحمار إذا تمّعك.
ل الرجل إذا َ
ل عنه :ما با ُ
ن عمر رضي ا ّ
اب ُ
وقد غل في هذه الضجعة طائفتان ،وتوسط فيها طائفّة ثالثة ،فأوجبها جماعة من أهل
الظاهر ،وأبطلوا الصلَة بتركها كابن حزم ومن وافقه ،وكرهها جماعة من الفقهاء ،وسموها بدعة،
وتوسط فيها مالك وغيره ،فلم يروا بها بأسًا لمن فعلها راحة ،وكرهوها لمن فعلها استنانًا،
لطلق ،سواء استراح بها أم ل ،واحتجوا بحديث أبي هريرة .والذين
واستحبها طائفة على ا ِ
ب َمن فعلها ،ومنهم من
كرهوهاِ ،منهم َمن احتج بآثار الصحابة كابن عمر وغيره ،حيث كان يحص ُ
142
أنكر فعل النبي صلى ال عليه وسلم لها ،وقال :الصحيح أن اضطجاعه كان بعد الوتر ،وقبل
ث عائشة ،فاختلف على ابن
ركعتي الفجر ،كما هو مصرح به في حديث ابن عباس قال :وأما حدي ُ
شقه اليمن حتى يأتيه المؤذن
شهاب فيه ،فقال مالك عنه :فإذا فرغ يعني من الليل ،اضطجع على ِ
فصلي ركعتين خفيفتين وهذا صريح أن الضجعة قبل سنة الفجر ،وقال غيُره عن ابن شهاب :فإذا
سكت المؤذن من أذان الفجر ،وتبين له الفجُر ،وجاءه المؤذن ،قام فركع ركعتين خفيفتين ،ثم
اضطجع على شقه اليمن .قالوا :وإذا اختلف أصحاب ابن شهاب فالقول ما قاله مالك ،لنه أثبُتهم
ظهم .وقال الخرون:بل الصواب هذا مع من خالف مالكًا ،وقال أبو بكر الخطيب :روى
فيه وأحف ُ
ل صلى ال عليه وسلم يصلي من الليل إحدى
ل ا ِّ
مالك عن الزهري ،عروة ،عن عائشة :كان رسو ُ
شقه اليمن حتى يأتيه المؤذن،
عشرة ركعة ،يوتر منها بواحدة ،فإذا فرغ منها ،اضطجع على ِ
ن أبي ذئب .والوزاعي،
ل ،ويونس ،وشعيب ،واب ُ
))ركعتين خفيفتين(( .وخالف مالكًا ،عقي ٌ
وغيرهم ،فرووا عن الزهري ،أن النبي صلى ال عليه وسلم ،كان يركع الركعتين للفجر ،ثم
يضطجع على شقه اليمن حتى يأتيه المؤذن ،فيخرج معه فذكر ما أن اضطجاعه كان قبل ركعتي
الفجر وفي حديث الجماعة ،أنه اضطجع بعد فحكم العلماء أن مالكًا أخطأ وأصاب غيره ،انتهى
كلمه.
ت لحمد :حدثنا أبو الصلت ،عن أبي ُكَدينة،عن سهيل بن أبي صالح عن
وقال أبو طالب :قل ُ
أبيه ،عن أبي هريرة ،عن النبي صلى ال عليه وسلم ،أنه اضطجع بعد ركعتي الفجر ،قال :شعبة ل
ت :فإن لم يضطجع عليه شيء؟ قال :ل ،عائشة ترويه وابن عمر ينكره .قال الخلل:
يرفعه ،قل ُ
ث أبي هريرة ليس بذاك .قلت :إن العمش ُيحدث به عن
ل قال :حدي ُ
وأنبأنا المروزي أن أبا عبد ا ّ
أبي صالح ،عن أبي هريرة .قال :عبد الواحد وحده ُيحدث به .وقال إبراهيم بن الحارث :إن أبا عبد
ل سئل عن الضطجاع بعد ركعتي الفجر قال :ما أفعُله ،وإن فعله رجل ،فحسن .انتهى .فلو كان
ا ّ
ل درجاته عنده
حديث عبد الواحد بن زياد ،عن العمش ،عن أبي صالح صحيحًا عنده ،لكان أق ّ
ل هذا تارة ،وهذا
ل عنها روت هذا ،وروت هذا ،فكان يفع ُ
ب ،وقد تقال :إن عائشة رضي ا ّ
الستحبا َ
تارة ،فليس في ذلك خلف ،فإنه من المباح ،وال أعلم.
شقه اليمن سر ،وهو أن القلب معّلق في الجانب اليسر ،فإذا نام
وفي اضطجاعه على ِ
الرجل على الجنب اليسر ،استثقل نومًا ،لنه يكون في َدعة واستراحة ،فيثقل نومه ،فإذا نام على
شقه اليمن ،فإنه يقلق ول يستغرق في النوم ،لقلق القلب ،وطلبه مستقره ،وميله إليه ،ولهذا استحب
ِ
143
الطباء النوم على الجانب اليسر لكمال الراحة وطيب المنام ،وصاحب الشرع يستحب النوم على
الجانب اليمن ،لئل يثقل نومه فينام عن قيام الليل ،فالنوم على الجانب اليمن أنفُع للقلب ،وعلى
ل أعلم.
الجانب اليسر أنفع للبدن ،وا ّ
فصل
في هديه صلى ال عليه وسلم في قيام الليل
ف والخلف في أنه :هل كان فرضًا عليه أم ل؟ والطائفتان احتجوا بقوله
قد اختلف السل ُ
لسراء [79 :قالوا :فهذا صريح في عدم الوجوب ،قال
ك{ ]ا ِ
جد ِبِه َناِفَلًة َل َ
ل َفَتَه ّ
ن اْلَلْي ِ
تعالىَ} :وِم َ
ل{
ل َقِلي ً
ل ِإ ّ
ل ُقِم اْلّلْي َ
الخرون .أمره بالتهجد في هذه السورة ،كما أمره في قوله تعالىَ} :يَأّيَها المّزّم ُ
ع ،لم
ك{ فلو كان المراُد به التطو َ
خه عنه ،وأما قوُله تعالىَ} :ناِفَلًة َل َ
]المزمل [1:ولم يجىء ما ينس ُ
ق الزيادة ل يدل على التطوع ،قال تعالى:
يخصه بكونه نافلة له ،وإنما المراد بالنافلة الزيادة ،ومطل ُ
ب َناِفَلًة{ ]النبياء ،[72 :أى زيادة على الولد ،وكذلك النافلة في تهجد
ق َوَيْعقو َ
حا َ
سَ
}َوَوَهبَنا َلُه ِإ ْ
النبي صلى ال عليه وسلم زيادة في درجاته ،وفي أجره ولهذا خصه بها ،فإن قياَم الليل في حق
ل له ما تقدم ِمن ذنبه وما
غَفَر ا ُّ
ح ،ومكّفر للسيئات ،وأما النبي صلى ال عليه وسلم ،فقد َ
غيره مبا ٌ
تأخر ،فهو يعمل في زيادة الدرجات وعلو المراتب ،وغيره يعمل في التكفير .قال مجاهد :إنما كان
غِفَر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ،فكانت طاعته نافلة،
نافلًة للنبي صلى ال عليه وسلم ،لنه قد ُ
أي :وزيادة في الثواب ،ولغيره كفارة لذنوبه ،قال ابن المنذر في تفسيره :حدثنا يعلى بن أبي عبيد،
ل بن كثير ،عن ،مجاهد قال :ما سوى المكتوبة ،فهو نافلة
حدثنا الحجاج ،عن ابن جريج ،عن عبد ا ّ
ِمن أجل أنه ل يعمل في كفارة الذنوب ،وليست للناس نوافل ،إنما هي للنبي صلى ال عليه وسلم
خاصة ،والناس جميعًا يعملون ما سوى المكتوبة لذنوبهم في كفارتها.
ل ،حدثنا عمرو ،عن سعيد وقبيصة ،عن سفيان ،عن أبي
ن نصر ،حدثنا عبد ا ّ
حدثنا محمد ب ُ
ك{ ]السراء ،[79 :قال :ل تكون
جْد ِبِه َناِفَلة َل َ
ل َفَتَه ّ
ن الّلْي ِ
عثمان ،عن الحسن في قوله تعالىَ} :وِم َ
نافلة الليل إل للنبى صلى ال عليه وسلم .وذكر عن الضحاك ،قال :نافلة للنبى صلى ال عليه وسلم
خاصة.
ت الطهوَر مواضعه،
سليم بن حيان ،حدثنا أبو غالب ،حدثنا أبو أمامة ،قال :إذا وضع َ
وذكر ُ
ت تصلي ،كانت لك فضيلًة وأجرًا ،فقال رجل :يا أبا أمامة ،أرأيت إن قام
ت مغفورًا لك ،فإن قم َ
قم َ
يصلي تكون له نافلة؟ قال :ل ،إنما النافلُة للنبي صلى ال عليه وسلم ،فكيف يكون له نافلة ،وهو
144
ل عنها تقول :كانت صلُة رسول ال صلى ال عليه وسلم من الليل عشَر ركعات ،وُيوتر
رضي ا ّ
ث عشرة ركعة ،فهذا مفسر مبين.
بسجدة ،ويركع ركعتي الفجر ،وذلك ثل َ
ن عباس ،فقد اختلف عليه ،ففي ))الصحيحين(( عن أبي جمرة عنه :كانت صلُة
وأما اب ُ
ث عشرة ركعًة يعني بالليل لكن قد جاء عنه هذا مفسرًا أنها
ل صلى ال عليه وسلم ثل َ
لا ّ
رسو ِ
ل عنهما ،عن
ل بن عمر رضي ا ّ
ل بن عباس ،وعبد ا ّ
ت عبد ا ّ
بركعتي الفجر .قال الشعبي :سأل ُ
ث ركعات ركعة ،منها ثمان ،وُيوتر بثلث،
ل صلى ال عليه وسلم بالليل ،فقال :ثل َ
صلةِ رسول ا ّ
وركعتين قبل صلة الفجر .وفي ))الصحيحين(( عن ُكريب عنه ،في قصة مبيته عند خالته ميمونة
بنت الحارث ،أنه صلى ال عليه وسلم صّلى ثلث عشرة ركعة ،ثم نام حتى نفخ ،فلما تبّين له
ن وفي لفظ :فصّلى ركعتين ،ثم ركعتين ،ثم ركعتين ،ثم ركعتين ،ثم
الفجُر ،صّلى ركعتين خفيفتي ِ
ن .فقام فصّلى ركعتين خفيفتين ،ثم خرج
ركعتين ،ثم ركعتين ،ثم أوتر ثم اضطجع حتى جاءه المؤّذ ُ
ق على إحدى عشرة ركعة.
ُيصلي الصبح .فقد حصل التفا ُ
واختلف في الركعتين الخيرتين هل هما ركعتا الفجر أو هما غيرهما .فإذا انضاف
ع ورده الراتب
ذلك إلى عدد ركعات الفرض والسنن الراتبة التي كان ُيحافظ عليها ،جاء مجمو ُ
بالليل والنهار أربعين ركعة ،كان ُيحافظ عليها دائمًا سبعة عشر فرضًا ،وعشر ركعات ،أو ثنتا
عشرة سنة راتبة ،وإحدى عشرة ،أو ثلث عشرة ركعة قيامه بالليل ،والمجموع أربعون ركعة،
وما زاد على ذلك ،فعارض غيُر راتب ،كصلة الفتح ثمان ركعات ،وصلة الضحى إذا َقِدَم من
سفر ،وصلته عند من يزوره ،وتحية المسجد ونحو ذلك ،فينبغي للعبد أن ُيواظب على هذا الورد
ل يوم وليلة أربعين مرة .وا ّ
ل عه ك ّ
لجابة وأعجل فتح الباب لمن يقر ُ
دائمًا إلى الممات ،فما أسرع ا ِ
المستعان.
فصل
في سياق صلته صلى ال عليه وسلم بالليل ووتره وذكر صلة أول الليل.
ط فدخل
ل صلى ال عليه وسلم الِعشاء ق ّ
لا ّ
ل عنها :ما صّلى رسو ُ
قالت عائشُة رضي ا ّ
علي ،إل صّلى أربع ركعات ،أو ست ركعات ،ثم يأوي إلى فراشه.
جاءُ ،ثّم صَلى ،ثم نام ذكرهما أبو داود.
وقال ابن عباس لما بات عنده :صّلى الِعشاء ،ثم َ
وكان إذا استيقظ ،بدأ بالسواك ،ثم يذُكر ال تعالى ،وقد تقدم ذكرهما كان يقوله عند استيقاظه ،ثم
لا ّ
ل يتطهر ،ثم ُيصلى ركعتين خفيفتين ،كما في ))صحيح مسلم(( ،عن عائشة قالت :كان رسو ُ
146
الثالث :أنه كان يقرأ قاعدًا ،فإذا بقي يسيٌر ِمن قراءته ،قام فركع قائمًا ،والنواع الثلثة
صحت عنه.
ل بن شقيق ،عن عائشة
وأما صفة جلوسه في محل القيام ،ففي ))سنن النسائي(( ،عن عبد ا ّ
ل صلى ال عليه وسلم يصلي مترّبعًا قال النسائي :ل أعلم أحدًا روى هذا
ت رسول ا ّ
قالت :رأي ُ
ث غيَر أبي داود ،يعني الحفري ،وأبو داود ثقة ،ول أحسب إل أن هذا الحديث خطأ وا ّ
ل الحدي َ
أعلم.
فصل
وقد ثبت عنه صلى ال عليه وسلم أنه كان يصلي بعد الوتر ركعتين جالسًا تارة ،وتارة يقرأ
ت عائشة
سَلمة قال :سأل ُ
فيهما جالسًا ،فإذا أراد أن يركع ،قام فركع ،وفي ))صحيح مسلم(( عن أبي َ
ث عشرة ركعًة،
ل صلى ال عليه وسلم ،فقالت :كان ُيصلي ثل َ
لا ّ
ل عنها عن صلة رسو ِ
رضي ا ّ
ن ركعات ،ثم ُيوِتر ،ثم ُيصلي ركعتين وهو جالس ،فإذا أراد أن يركع ،قام فركع ،ثم
ُيصلي ثما َ
لقامِة ِمن صلة الصبح وفي ))المسند(( عن أم سلمة ،أن النبي صلى
ُيصلي ركعتين بين النداِء وا ِ
ال عليه وسلم ،كان ُيصلي بعد الوتر ركعتين خفيفتين وهو جالس وقال الترمذي :روي نحُو هذا
عن عائشة ،وأبي أمامة ،وغيِر واحٍد عن النبي صلى ال عليه وسلم.
ل صلى ال عليه وسلم ،كان ُيصلي ركعتين بعد
وفي ))المسند(( عن أبي أمامة ،أن رسول ا ّ
ن{.
ل َيا َأّيَها اْلَكاِفُرو َ
الوتر وهو جالس ،يقرأ فيهما بـ}ِإَذا ُزلِزَلت{ و }ُق ْ
ل عنه.
وروى الدارقطني نحَوه من حديث أنس رضي ا ّ
جَعُلوا
وقد أشكل هذا على كثير من الناس ،فظنوه معارضًا ،لقوله صلى ال عليه وسلم)) :ا ْ
ل هاتين الركعتين ،وقال أحمد :ل أفعله ول أمنُع
ل ِوْترًا(( .وأنكر مالك رحمه ا ّ
لِتُكم ِباْلّلْي ِ
خَر صَ َ
آِ
ن فعله ،قال :وأنكره مالك وقالت طائفة :إنما فعل هاتين الركعتين ،ليبين جواَز الصلة بعد الوتر،
َم ْ
ل ِوْترًا(( على الستحباب،
لِتُكم ِباْلّلْي ِ
صَخَر َ
جَعُلوا آ ِ
وأن فعله ل يقطع التنّفل ،وحملوا قوُله)) :ا ْ
وصلة الركعتين بعده على الجواز.
والصواب :أن يقال :إن هاتين الركعتين تجريان مجرى السنة ،وتكميل الوتر ،فإن الوتَر
ب ِمن المغرب،
عبادة مستقلة ،ول سيما إن قيل بوجوبه ،فتجري الركعتان بعده .مجرى سنة المغر ِ
ل أعلم.
فإنها ِوتر النهار ،والركعتان بعدها تكميل لها ،فكذلك الركعتان بعد وتر الليل ،وا ّ
فصل
149
ولم ُيحفظ عنه صلى ال عليه وسلم أنه قنت في الوتر ،إل في حديث رواه ابن ماجه ،عن
علي بن ميمون الّرقي ،حدثنا مخلد بن يزيد ،عن سفيان ،عن ُزبيد اليامي ،عن سعيد بن عبد
ل صلى ال عليه وسلم كان ُيوتر فيقُنت
الرحمن بن أبزى ،عن أبيه ،عن أبي بن كعب ،أن رسول ا ّ
ل شيء ثبت عن
ن ُك ّ
ل :أختار القنوت بعد الركوع ،إ ّ
قبل الركوع وقال أحمد في رواية ابنه عبد ا ّ
النبي صلى ال عليه وسلم في القنوت ،إنما هو في الفجر لَما رفع رأسه من الركوع ،وقنوت الوتر
ل أو بعُد شيء.
ح عن النبي صلى ال عليه وسلم في قنوت الوتر قب ُ
أختاُره بعد الركوع ،ولم يص ّ
ل في القنوت في الوتر؟ فقال:
لل :أخبرني محمد بن يحيى الكحال ،أنه قال لبي عبد ا ّ
وقال الخ ّ
ليس ُيروى فيه عن النبي صلى ال عليه وسلم شيء ،ولكن كان عمر يقُنت من السنة إلى السنة.
)يتبع(...
وقد روى أحمد وأهل ))السنن(( من حديث الحسن بن علي رضي ال عنهما قال :عّلمني @
ن
عاِفني ِفيَم ْ
تَ ،و َ
ن َهَدْي َ
ت أقولهن في الوتر)) :الّلُهّم اْهِدِني ِفيَم ْ
ل صلى ال عليه وسلم كلما ٍ
رسول ا ّ
ضى
ل ُيقْ َ
ضي َو َ
ك َتْق ِ
تِ ،إّن َ
ضْي َ
شّر َما ق َ
تَ ،وِقِني َ
طْي َ
عَتَ ،وَباِرك ِلي ِفيَما َأ ْ
ن َتَوّلْي َ
تَ ،وَتوّلِني ِفيَم ْ
عاَفْي َ
َ
ل َيعِّز من
ت(( زاد البيهقي والنسائيَ)) :و َ
ت َرّبَنا َوَتَعاَلْي َ
تَ ،تَباَرْك َ
ن َوَالْي َ
ل َم ْ
ل َيِذ ّ
كِ ،إّنُه َ
عَلْي َ
َ
ت((.
عاَدْي َ
َ
ي((
عَلى الَنب ّ
ل َ
صّلى ا ُّ
وزاد النسائي في روايتهَ)) :و َ
ل صلى ال عليه وسلم في وتري
لا ّ
وزاد الحاكم في ))المستدرك(( وقال)) :عّلمني رسو ُ
ت رسول ا ّ
ل إذا رفعت رأسي ولم يبق إل السجود(( .ورواه ابن حبان في ))صحيحه(( ولفظه سمع ُ
صلى ال عليه وسلم يدعو.
ل عنه ،وهذا حديث ل نعِرُفه إل ِمن هذا الوجه
قال الترمذي :وفي الباب عن علي رضي ا ّ
من حديث أبي الحوراء السعدي ،واسمه ربيعة بن شيبان ،ول نعرف عن النبي صلى ال عليه
ن ِمن هذا انتهى.
وسلم في القنوت في الوتر شيئًا أحس َ
والقنوت في الوتر محفوظ عن عمر ،وابن مسعود ،والرواية عنهم أصح من القنوت في
الفجر ،والروايُة عن النبي صلى ال عليه وسلم في قنوت الفجر ،أصح الرواية في قنوت الوتر.
ل أعلم.
وا ّ
ي بن أبي طالب رضي ا ّ
ل وقد روى أبو داود والترمذي والنسائي من حديث عل ّ
ك ِمن
ضا َ
ل صلى ال عليه وسلم -كان يقول في آخر وتره)) :الّلُهّم إّني أعوذ ِبِر َ
عنه ،أن رسول ا ّ
150
ك((.
سَ
عَلى َنْف ِ
ت َكَما َأْثَنْيتَ َ
ك َأْن َ
عَلْي َ
صي َثناًء َ
ح ِ
ل ُأ ْ
ك َ
ك ِمن َ
عوُذ ِب َ
كَ ،وَأ ُ
عُقوَبِت َ
ن ُ
ك ِم ْ
كَ ،وِبُمَعاَفاِت َ
طَ
خِسَ
َ
غ ِم ْ
ن ل ِإَذا َفَر َ
وهذا يحتِمل ،أنه قبل فراغه منه وبعده ،وفي إحدى الروايات عن النسائي :كان يقو ُ
ت(( وثبت عنه صلى
ص ُ
حَر ْ
ك َوَلْو َ
عَلْي َ
صي ثَناًء َ
ح ِ
ل ُأ ْ
صلته ،وتبّوَأ مضجعه ،وفي هذه الروايةَ )) :
َ
ال عليه وسلم -أنه قال ذلك في السجود ،فلعله قاله في الصلة وبعدها .وذكر الحاكم في
ل عنهما ،في صلة النبي صلى ال عليه وسلم،
))المستدرك(( من حديث ابن عباس رضي ا ّ
صِري ُنورًا،
ل في َقْلبي ُنّوراَ ،وفي َب َ
ووتره :ثم أوتر ،فلما قضى صلته ،سمعته يقول)) :الّلُهّم اجَع ْ
حِتي ُنورًاَ ،وَأَماِمي ُنورًا،
شَماِلي ُنورًاَ ،وَفوِقي ُنورًاَ ،وَت ْ
ن ِ
عْن َيِميِني ُنورًاَ ،و َ
عْسْمِعي ُنورًاَ ،و َ
وفي َ
ل ِمن ولد
ت رج ً
ك ُنورًا(( .قال ُكريب :وسبع في القنوت ،فلقي ُ
جَعل ِلي َيْوَم ِلَقاِئ َ
خْلِفي ُنوراَ ،وا ْ
َو َ
شِري(( ،وذكر خصلتين ،وفي
شْعِري َوَب َ
صبي َو َ
ع َ
حِمي َوَدِميَ ،و َ
العباس ،فحدثني بهن ،فذكرَ)) :ل ْ
ل في سجوده وفي رواية لمسلم في هذا الحديث :فخرج
رواية النسائي في هذا الحديث ،وكان يقو ُ
ساني
إلى الصلة يعني صلة الصبح ،وهو يقول ...فذكر هذا الدعاء ،وفي رواية له أيضًا)) ،وفي ِل َ
جَعْلني ُنورا((.
ظْم ِلي ُنورًا(( ،وفي رواية لهَ)) ،وا ْ
عِسي ُنورًاَ ،وَأ ْ
ل في َنْف ِ
جَع ْ
ُنورًا َوا ْ
ل صلى ال عليه
وذكر أبو داود ،والنسائي من حديث أبي بن كعب ،قال)) :كان رسول ا ّ
ل أحد{ ،فإذا
وسلم يقرأ في الوتر} ،سبح اسم ربك العلى{ و }قل يا أيها الكافرون{ و }قل هو ا ُّ
صوَْتُه في الّثاِلَثِة ويرفع(( .وهذا لفظ
تَ ،يمّد بها َ
ث َمّرا ٍ
ل َ
ك الُقُدوس َث َ
ن الَمِل ِ
حا َ
سْب َ
سلم قالُ )) :
لِئَكِة َوالّروح((.
ب الَم َ
النسائي .زاد الدارقطني ))َر ّ
ل َر ّ
ب حْمُد ِ
ل آَيٍة فيقول)) :ال َ
عنَد ُك ّ
ف ِ
طُع قراءَته ،ويِق ُ
وكان صلى ال عليه وسلم يَق ّ
فَ :ماِلك َيْوِم الّدين((.
حيم ،ويِق ُ
ن الّر ِ
الَعاَلِمين ،ويِقف :الّرحم ِ
وذكر الزهري أن قراءة رسول ال صلى ال عليه وسلم كانت آية آية ،وهذا هو الفضل،
ض القراء إلى تتبع الغراض
ف على رؤوس اليات وإن تعلقت بما بعدها ،وذهب بع ُ
الوقو ُ
ع هدي النبي صلى ال عليه وسلم وسنته أولى .ومّمن ذكر
والمقاصد ،والوقوف عند انتهائها ،واتبا ُ
ليمان(( وغيره ،ورجح الوقوف على رؤوس الي وإن تعلقت بما بعدها.
ذلك البيهقى في ))شعب ا ِ
ل منها ،وقام بَآية ُيَرّدُدَها
طَو ِ
ن َأ ْ
ل ِم ْ
وكان صلى ال عليه وسلم ُيرّتل السورة حتى تكون أطو َ
حتى الصباح.
س في الفضل من الترتيل وقلة القراءة ،كثرة القراءة :أيهما أفضل؟
وقد اختلف النا ُ
على قولين.
151
ل والتدبر مع قلة
ل عنهما وغيُرهما إلى أن الترتي َ
ن مسعود وابن عباس رضي ا ّ
فذهب اب ُ
ب هذا القول بأن المقصود من القراءة
ل ِمن سرعة القراءة مع كثرتها .واحتج أربا ُ
القراءة أفض ُ
ظه وسيلة إلى معانيه ،كما قال بعض السلف :نزل
ل به ،وتلوُته وحف ُ
فهُمه وتدّبره ،والفقُه فيه والعم ُ
ل القرآن هم العاِلمون به ،والعاملون بما فيه،
ل ،ولهذا كان أه ُ
القرآن ِليعَمل به ،فاتخذوا تلوته عم ً
وإن لم يحفظوه عن ظهر قلب وأما من حفظه ولم يفهمه ولم يعمل بما فيه ،فليس ِمن أهله وإن أقام
حروفه إقامَة السهم.
ليمان ،وأما مجردُ
ل العمال ،وفهم القرآن وتدّبره هو الذي ُيثمر ا ِ
ليمان أفض ُ
قالوا :ولن ا ِ
التلوة من غير فهم ول تدبر ،فيفعلها البّر والفاجُر ،والمؤمن والمنافق ،كما قال النبي صلى ال
طْعُمَها ُمّر((.
بَ ،و َ
طّي ٌ
حَها َ
حاَنِةِ ،ري ُ
ل الّرْي َ
نَ ،كَمَث ِ
ق اّلِذي َيقَرُأ اْلُقْرا َ
ل الُمَناِف ِ
عليه وسلمَ)) :وَمَث ُ
عِدم
ليمان ،وهم أفضل الناس .والثانية :من َ
ل القرآن وا ِ
والناس في هذا أربع طبقات :أه ُ
ليمان .الثالثة :من أوتي قرآنًا ،ولم ُيؤت إيمانًا ،الرابعة :من أوتي إيمانًا ولم ُيؤت قرآنًا.
القرآن وا ِ
ل ممن أوتي قرآنًا بل إيمان ،فكذلك من أوتي
قالوا :فكما أن من أوتي إيمانًا بل قرآن أفض ُ
ي النبي
تدبرًا ،وفهمًا في التلوة أفضل ممن أوتي كثرة قراءة وسرعتها بل تدبر .قالوا :وهذا هد ُ
ل من أطول منها ،وقام بآية حتى
صلى ال عليه وسلم ،فإنه كان يرّتل السورة حتى تكون أطو َ
الصباح.
ل ،واحتجوا بحديث ابن مسعود رضي
ل :كثرة القراءة أفض ُ
ب الشافعي رحمه ا ّ
وقال أصحا ُ
سَنٌة،
حَلَ ،فَلُه ِبِه َ
ب ا ِّ
ن ِكَتا ِ
حْرفًا ِم ْ
ن َقَرَأ َ
ل صلى ال عليه وسلمَ)) :م ْ
ل عنه قال :قال رسول ا ّ
ا ّ
ف(( .رواه
حْر ٌ
فَ ،وِميٌم َ
حْر ٌ
لٌم َ
فَ ،و َ
حْر ٌ
ن َأِلف َ
حْرفَ ،وَلِك ْ
ل الم َ
ل َأُقو ُ
شِر َأْمَثاِلَهاَ ،
سَنُة ِبَع ْ
حََواْل َ
الترمذي .وصححه.
قالوا :ولن عثمان بن عفان قرَأ القرآن في ركعة ،وذكروا آثارًا عن كثير من السلف في
كثرة القراءة.
ل وأرفُع قدرًا ،وثوا َ
ب والصواب في المسألة أن ُيقال :إن ثواب قراءة الترتيل والتدبر أج ّ
كثرة القراءة أكثُر عددًا ،فالول :كمن تصّدق بجوهرة عظيمة ،أو أعتق عبدًا قيمُته نفيسة جدًا،
والثاني :كمن تصّدق بعدد كثير من الدراهم ،أو أعتق عددًا من العبيد قيمُتهم رخيصة ،وفي
))صحيح البخاري(( عن قتادة قال :سألت أنسًا عن قراءة النبي صلى ال عليه وسلم ،فقال)) :كان
يمّد مّدا((.
152
وقال شعبة :حدثنا أبو جمرة ،قال :قلت لبن عباس :إني رجل سريُع الِقراءة ،وربما قرأ ُ
ت
ي من أن أفعل َذِل َ
ك ب ِإَل ّ
ن عباس :لن أقرأ سورَة واحدة أعج ُ
القرآن في ليلة مرة أو مرتين ،فقال اب ُ
سمُع ُأُذَنْيكَ ،ويعيها قلُبك.
ل ول بد ،فاقرأ ِقراَءًة ُت ْ
الذي تفعل ،فإن كنت فاع ً
ن الصوت ،فقال :رّتل ِفداك أبي
وقال إبراهيم :قرأ علقمُة على ابن مسعود ،وكان حس َ
ن القرآن.
وأمي ،فإنه زي ُ
جائِبِه،
عَعْنَد َ
ل َتْنُثُروه َنْثَر الّدَقلَ ،وِقُفوا ِ
شْعِرَ ،و َ
ن َهّذ ال ّ
ل َتُهّذوا الُقْرآ َ
وقال ابن مسعودَ :
سوَرِة.
خَر ال ّ
حِدُكْم آ ِ
ن َهّم َأ َ
ل َيُك ْ
بَ ،و َ
حّرُكوا ِبِه الُقُلو َ
َو َ
ن آَمُنوا{ فأصِغ لها سمعك ،فإنه خيٌر
ل يقولَ} :يَأّيَها اّلِذي َ
تا ّ
ل أيضًا :إذا سمع َ
وقال عبد ا ّ
ي امرأة وأنا أقرُأ )سورَة
ُتؤمر به ،أو شّر ُتصرف عنه .وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى :دخلت عل ّ
ت ِمن
ل إني فيها منذ ستِة أشهر وما فرغ ُ
ُهود( فقالت :يا عبد الرحمن :هكذا تقرأ سورة هود؟! وا ّ
قراءتها.
ل صلى ال عليه وسلم ُيسُر بالقراءة في صلة الليل تارة ،ويجهر بها تارة،
لا ّ
وكان رسو ُ
طه تارة.
وُيطيل القيام تارة ،ويخّففه تارة ،وُيوتر آخر الليل -وهو الكثر -وأّوله تارة ،وأوس َ
ل أي جهة توجهت به،
وكان ُيصلي التطوع بالليل والنهار على راحلته في السفر ِقَب َ
ض ِمن ركوعه ،وقد روى أحمد وأبو داود عن أنس
فيركع ويسجد عليها إيماًء ،ويجعل سجوَده أخف َ
ل صلى ال عليه وسلم إذا أراد أن ُيصلي على راحلته تطوعًا،
لا ّ
ن رسو ُ
بن مالك ،قال)) :كا َ
استقبل القبلة ،فكبر للصلة ،ثم خّلى عن راحلته ،ثم صّلى أينما توجهت به(( فاختلف الرواة عن
أحمد :هل يلزمه أن يفعل ذلك إذا قدر عليه؟ على روايتين :فإن أمكنه الستدارُة إلى القبلة في
ي حيث
حِمل أو عمارية ونحوها ،فهل يلزمه ،أو يجوز له أن ُيصّل َ
ل أن يكون في َم ْ
صلته كّلها ِمث َ
ل :أنه ل ُيجزُئه إل أن
حِم ٍ
توجهت به الراحلُة؟ فروى محمد بن الحكم عن أحمد فيمن صّلى في َم ْ
يستقبل القبلة ،لنه يمكنه أن يدور ،وصاحب الراحلة والدابة ل ُيمكنه .وروى عنه أبو طالب أنه
ل شديدة ُيصلي حيث كان وجهه .واختلفت الرواية عنه في السجود في
حِم ِ
قال :الستدارُة في الَم ْ
حِمل ،فيسجد.
ل فقدر أن يسجد في الَم ْ
حِم ً
ل أنه قال :وإن كان َم ْ
ل ،فروى عنه ابنه عبد ا ّ
حِم ِ
الَم ْ
ي أن يسجد ،لنه يُمكنه .وروى عنه الفضل بن
ب إل ّ
ل أح ّ
حِم ِ
وروى عنه الميموني ،إذا صّلى في الَم ْ
ل إذا أمكنه وروى عنه جعفر بن محمد :السجود على الِمْرَفَقِة إذا كان في
حِم ِ
زياد :يسجد في الَم ْ
153
وفي ))صحيح مسلم(( ،عن زيد بن أرقم أنه رأى قومًا ُيصلون من الضحى في مسجد ُقباء،
ل صلى ال عليه وسلم قال:
ن رسول ا ّ
لإّ
عِلموا أن الصلة في غير هذه الساعة أفض ُ
فقال :أما لقد َ
ل((.
صا ُ
ن َتْرَمض الِف َ
لُة الّوابين حي َ
))ص َ
ض الِفصال ،أي :يشتد حر النهار ،فتجد الِفصال حرارَة الرمضاء .وفي
وقوله :ترَم ُ
عتبان بن مالك ركعتين.
ضحى في بيت ِ
))الصحيح(( أن النبي صلى ال عليه وسلم صلى ال ّ
ل الواسطي ،عن محمد بن عمرو ،عن
وفي ))مستدرك(( الحاكم من حديث خالد بن عبد ا ّ
حى
ضَصلِة ال ّ
على َ
ظ َ
ل صلى ال عليه وسلم قال)) :ل ُيحاِف ُ
أبي سلمة ،عن أبي هريرة ،أن رسول ا ّ
إل َأَواب(( وقال)) :هذا إسناد قد احتج بمثله مسلُم بن الحجاج ،وأنه حدث عن شيوخه ،عن محمد
ن
ل عنه ،عن النبي صلى ال عليه وسلم ))َما َأِذ َ
بن عمرو ،عن أبي سلمة ،عن أبي هريرة رضي ا ّ
ل يقول :قد أرسله حماد بن سلمة ،وعبد
ن(( قال :ولعل قائ ً
ي َيَتَغّنى ِبالُقْرآ ِ
ن ِلَنِب ّ
شيء ما َأِذ َ
ال ِل َ
ل ثقة ،والزيادة من
العزيز بن محمد الّدَراوردي ،عن محمد بن عمرو ،فيقال له :خالد بن عبد ا ّ
الثقة مقبولة.
ثم روى الحاكم :حدثنا عبدان بن يزيد ،حدثنا محمد بن المغيرة السكري ،حدثنا القاسم بن
الحكم العَرني ،حدثنا سليمان بن داود اليمامي ،حدثنا يحيى بن أبي كثير ،عن أبي سلمة ،عن أبي
حىَ ،فِإَذا َكا َ
ن ضَب ال ّ
ل َلُه با ُ
جّنِة بابًا ُيقا ُ
ن ِلْل َ
ل صلى ال عليه وسلمِ)) :إ َ
هريرة ،قال :قال رسول ا ّ
حَمِة
خُلوه ِبَر ْ
حى ،هذا بابكم ،فاْد ُ
على صلة الض َ
ن َ
ن كانوا ُيداِومو َ
ن اّلِذي َ
َيْوم الِقَياَمة ناَدى ُمَناٍدَ :أْي َ
ل((.
ا ِ
ب محمد بن العلء ،حدثنا ُيونس بن بكير،
وقال الترمذي في ))الجامع(( :حدثنا أبو ُكري ٍ
عن محمد بن إسحاق ،قال :حدثني موسى بن فلن ،عن عمه ُثمامة بن أنس بن مالك ،عن أنس بن
ل َلُه
عشَرَة َرْكَعًةَ ،بَنى ا ُّ
ي َ
ضحى ِثْنَت ْ
صّلى ال ّ
مالك ،قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ))َمن َ
جّنة(( .،قال الترمذي :حديث غريب ل نعرفه إل من هذا الوجه .وكان أحمد
ب في ال َ
ن َذَه ٍ
صراً ِم ْ
َق ْ
ث أم هانئ .قلت :وموسى ابن فلن هذا ،هو موسى بن عبد ا ّ
ل ح شيء في هذا الباب حدي َ
يرى أص ّ
بن المثنى بن أنس بن مالك.
ن رسول
خدري ،قال :كا َ
عطية الَعْوفي ،عن أبي سعيد ال ُ
وفي ))جامعه(( أيضًا ِمن حديث َ
ل :ل يصليها .قال:
عها حتى نقو َ
عها ،ويد ُ
ل :ل يد ُ
حى حتى نقو َ
ضَل صلى ال عليه وسلم يصلي ال ّ
ا ّ
هذا حديث حسن غريب.
157
لمام أحمد في ))مسنده(( حدثنا أبو اليمان ،حدثنا إسماعيل بن عياش ،عن يحيى بن
وقال ا ِ
ن َمشى إلى
ي ،عن القاسم ،عن أبي أمامة ،عن النبي صلى ال عليه وسلم ،قالَ)) :م ْ
الحارث الّذَمار َ
ن َلُه
حى َكا َ
ضَحة ال ّ
سب َ
ن َمشى إلى ُ
ج الُمحِرم ،وَم ْ
جِر الحا ّ
ن َله َكَأ ْ
طّهر ،كا َ
صلٍة مَكتوَبٍة َوهَو ُمَت َ
َ
عّلِيين(( قال أبو أمامة :الغدو
ب في ِ
ل َلْغَو َبْيَنهَما ِكَتا ٌ
صلة َ
على ِإثِر َ
صلة َ
جِر الُمعَتِمِرَ ،و َ
َكَأ ْ
ل.
جّل عّز َو َ
ل ا ِّ
سبي ِ
جهاِد في َ
ن ال ِ
جِد ِم َ
والرواح إلى هِذِه الَمسا ِ
وقال الحاكم :حدثنا أبو العباس ،حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني حدثنا أبو الموّرع
ل بن عامر اللهاني ،عن منيب بن
ص بن حكيم ،حدثني عبد ا ّ
محاضر بن الموّرع ،حدثنا الحو ُ
ل صلى ال عليه وسلم أنه كان يقولَ)) :من
سلمي ،عن أبي أمامة ،عن رسول ا ّ
ل ال ّ
عيينة بن عبد ا ّ
ن َلُه َكَأجِر
حى ،كا َ
ضَحَة ال ّ
سب َ
حى ،ثّم ُيصّلي ُ
ضَحّتى ال ّ
ت فيِه َ
عٍة ،ثّم ثب َ
جَما َ
جِد َ
ح في َمس ِ
صّلى الصب َ
َ
عمَرُته((.
جُته َو ُ
حّ
ج َأْو ُمْعَتِمٍر َتام َلُه َ
حا ّ
وقال ابن أبي شيبة :حدثني حاتم بن إسماعيل ،عن حميد بن صخر ،عن المقُبري ،عن
ل عنه ،قال :بعث النبي صلى ال عليه وسلم جيشًا ،فأعظموا
العرج ،عن أبي ُهريرة رضي ا ّ
ظَم غنيمة
ع كرًة ول أع َ
ط أسر َ
ل ! ما رأينا بعثًا ق ّ
الغنيمَة ،وأسرعوا الَكّرة .فقال رجل :يا رسول ا ّ
سَ
نحَل توضَأ في َبيِتِه َفَأ ْ
جٌغنيَمًةَ :ر ُ
ظَم َ
عَع َكّرًةَ ،وَأ ْ
ث ،فقالَ)) :أل ُأخِبرُكْم ِبَأسَر َ
من هذا الَبع ِ
ع الَكَرَة
ضحىَ ،فَقد َأَر َ
ب ِبصلِة ال ّ
لَة الَغداِةُ ،ثّم َأعَق َ
صَصّلى فيِه َ
جدَ ،ف َ
عَمَد إلى الَمس ِ
ُوضوَءهَ ،ثّم َ
ظَم الَغِنيَمة((.
عََوأ ْ
ت جماعًة من أئمة الحديث،
وفي الباب أحاديث سوى هذه ،لكم هذه أمثلها قال الحاكم :صحب ُ
فوجدتهم يختارون هذا العدَد ،يعني أربَع ركعات ،وُيصلون هذه الصلة أربعًا ،لتواتر الخبار
الصحيحة فيه ،وإليه أذهب ،وإليه أدعو اّتباعَا للخبار المأثورة ،واقتداء بمشايخ الحديث فيه.
قال ابن جرير الطبري وقد ذكر الخباَر المرفوعَة في صلة الضحى ،واختلف عددها:
ث يدفع صاحبه ،وذلك أن من حكى أنه صلى الضحى أربعًا جائز أن
وليس في هذه الحاديث حدي ّ
ل أخرى صلى ركعتين ،ورآه آخُر في حال أخرى
يكون رآه في حال فعِله ذلك ،ورآه غيُره في حا ٍ
ث على أن ُيصلي ركعتين ،وآخر
ث على أن ُيصلي ستًا ،وآخر يح ّ
صلها ثمانيًا ،وسمعه آخر يح ّ
ل واحد منهم عما رأى وسمع .قال :والدليل على
على عشر ،وآخر على ثنتي عشرة ،فأخبر ك ّ
ل بن عمر يقول لبي ذر :أوصني يا عم،
ت عبد ا ّ
ي عن زيد بن أسلم قال .سمع ُ
صحة قولنا ،ما رِو َ
نَ ،لْم
ضحى َرْكَعَتْي ِ
صّلى ال ّ
ن َ
ل صلى ال عليه وسلم كما سألتني ،فقال؟ ))َم ْ
ت رسول ا ّ
قال :سأل ُ
158
ب،
ك الَيْوَم َذْن ٌ
حْقُة َذِل َ
سّتاَ ،لْم َيْل َ
صّلى ِ
ن الَعاِبدين ،وَمن َ
ب ِم َ
صًلى أرَبعًا ،كِت َ
ن َ
نَ ،وَم ْ
ب ِمن الَغاِفِلي َ
يْكَت ْ
جّنة((.
ل َلُه َبْيتا في ال َ
شرًا َبنى ا ّ
عْصّلى َ
ن َ
ن ،وَم ْ
ن الَقاِنِتي َ
ب ِم َ
ن صَّلى َثماِنيَاُ ،كِت َ
َوَم ْ
ل صلى ال عليه وسلم يومًا الضحى ركعتين ،ثم يومًا أربعًا ،ثم
لا ّ
وقال مجاهد :صّلى رسو ُ
خِبٍر ممن
ك .فأبان هذا الخبر عن صحة ما قلنا من احتمال خبر كل ُم ْ
يومًا سِّتا ،ثم يومًا ثمانيًا ثم تر َ
ضحى على قدر ما شاهده وعاينه.
تقدم أن يكون إخباُره ِلما أخبر عنه في صلة ال ّ
ي هذا
والصواب :إذا كان المر كذلك :أن ُيصّليها من أراد على ما شاء من العدد .وقد رِو َ
ن حميد ،حدثنا جرير ،عن إبراهيم ،سأل رجل السود ،كم أصلي
عن قوم من السلف حدثنا اب ُ
الضحى؟ قال :كم شئت.
جحتها من جهة صحة إسنادها ،وعمل
وطائفة ثانية ،ذهبت إلى أحاديث الترك ،ور ّ
الصحابة بموجبها ،فروى البخاري عن ابن عمر ،أنه لم يكن ُيصليها ،ول أبو بكر ،ول عمر .قلت:
فالنبي صلى ال عليه وسلم قال :ل إخاله .وقال وكيع :حدثنا سفيان الثوري ،عن عاصم بن ُكليب،
ل صلى ال عليه وسلم صّلى صلة الضحى إل
ت رسول ا ّ
عن أبيه ،عن أبي هريرة ،قال :ما رأي ُ
يومًا واحدًا .وقال علي بن المديني :حدثنا معاذ بن معاذ ،حدثنا شعبة ،حدثنا فضيل بن َفضالة ،عن
عبد الرحمن بن أبي بكرة ،قال :رأى أبو بكرة ناسًا ُيصلون الضحى ،قال :إنكم لتصلون صلة ما
صلها رسول ال صلى ال عليه وسلم ول عاَمُة أصحابه.
عروة ،عن عائشة قالت :ما سّبح رسو ُ
ل وفي ))الموطأ(( :عن مالك ،عن ابن شهاب ،عن ُ
ل صلى ال عليه
لا ّ
حها ،وإن كان رسو ُ
ط ،وإني لسّب ُ
ضحى ق ّ
سبحَة ال ّ
ل صلى ال عليه وسلم ُ
ا ّ
ع العمل وهو يحب أن يعمل به خشيَة أن يعمل به الناسَ ،فُيفرض عليهم.
وسلم لَيَد ُ
سلف بحديث عائشة ،ولم َيَروا صلَة
طال :فأخذ قوم من ال ّ
وقال أبو الحسن علي بن ب ّ
عبيد ،قال :كنت أختِلف إلى ابن مسعود
الضحى ،وقال قوم :إنها بدعة ،روى الشعبي ،عن قيس بن ُ
سَنَة كّلها ،فما رأيُته مصليًا الضحى .وروى شعبة ،عن سعد بن إبراهيم ،عن أبيه أن عبد الرحمن
ال ّ
ن
بن عوف ،كان ل يصلي الضحى .وعن مجاهد ،قال :دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجَد ،فإذا اب ُ
حجرة عائشة ،وإذا الناس في المسجد ُيصلون صلة الضحى ،فسألناه عن
عمر جالس عند ُ
ت الِبْدعُة.
صلتهم ،فقال :بدعة .،وقال مرة :وِنعَم ِ
ت ابن عمر يقول :ما ابتدع المسلمون أفضل صلة ِمن الضحى،
وقال الشعبي :سمع ُ
وسئل أنس بن مالك عن صلة الضحى ،فقال :الصلوات خمس.
159
فأشرت إليه من المكان الذي ُأحب أن يصلي فيه ،فقام وصففنا خلفه ،وصلى ،ثم سلم ،وسلمنا حين
سلم .متفق عليه.
عتبان،
فهذا أصل هذه الصلة وقصتها ،ولفظ البخاري فيها ،فاختصره بعض الرواة عن ِ
سبحة الضحى ،فقاموا وراءه فصّلْوا.
ل ال صلى ال عليه وسلم صّلى في بيتي ُ
فقال :إن رسو َ
ل صلى ال عليه وسلم ُيصلي الضحى إل أن َيْقَدَم ِم ْ
ن ل عائشة :لم يكن رسول ا ّ
وأما قو ُ
مغيبه ،فهذا من أبين المور أن صلته لها إنما كانت لسبب ،فإنه صلى ال عليه وسلم كان إذاَ .قِدَم
من سفر ،بدأ بالمسجد ،فصلى فيه ركعتين.
ل صلى ال
فهذا كان هدَيه ،وعائشُة أخبرت بهذا وهذا ،وهي القائلُة)) :ما صّلى رسول ا ّ
ط((.
عليه وسلم صلَة الضحى ق ّ
فالذي أثبتته فعلها بسبب ،كقدومه من سفر ،وفتحه ،وزيارِته لقوم ونحوه ،وكذلك إتياُنه
مسجد قباء للصلة فيه ،وكذلك ما رواه يوسف بن يعقوب ،حّدثنا محمد بن أبي بكر ،حّدثنا سلمة بن
شر برأس أبي جهل.
ضحى ركعتين يوم ُب ّ
ن أبي أوفى صلى ال ّ
ت اب َ
رجاء ،حّدثتنا الشعثاء ،قالت :رأي ُ
ي نفته ،هو ما كان يفعله
شكر الفتح والذ َ
ح فهي صلة شكر وقعت وقت الضحى ،ك ُ
فهذا إن ص ّ
ف لسنته ،ولكن لم يكن ِمن
الناس ،تصلونها لغير سبب ،وهي لم تقل :إن ذلك مكروه ،ول مخال ٌ
ض عليها ،وكان َيستغني عنها بقيام الليل،
هديه فعُلها لغير سبب .وقد أوصى بها وندب إليها ،وح ّ
خْلَفًة ِلَمن َأراَد َأ ْ
ن ل والّنهاَر ِ
ل الَلْي َ
جَع َ
غنية عنها وهي كالبدل منه ،قال تعالىَ} :وُهَو اّلذي َ
فإن فيه ُ
شكوَرًا{ ]الفرقان [62 :قال ابن عباس ،والحسن ،وقتادة :عوضًا وخلفًا يقوم أحُدهما
َيّذّكَر أْو أراَد ُ
مقاَم صاحبه ،فمن فاته عمل في أحدهما ،قضاه في الخر.
س إلى
حَمان النا َ
ل من أعمالكم خيرًا في هذا الليل والنهار ،فإنهما مطّيتان ُيق ِ
قال قتادة :فأدوا ّ
ل موعود إلى يوم القيامة.
ل جديد ،وَيجيئان بك ّ
ل بعيد ،ويبليان ك ّ
آجالهم ،وُيقّربان ك ّ
وقال شقيق :جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي ال عنه فقال :فاتتني الصلُة الليلة،
خلفة لمن أراد أن
ل والنهار ِ
ل عّز وجل جعل اللي َ
فقال :أدرك ما فاتك ِمن ليلتك في نهارك ،فإن ا ّ
شكورا.
يّذّكر أو أراد ُ
ل عنهم يدل على هذا ،فإن ابن عباس كان ُيصليها يومًا،
قالوا :وِفعل الصحابة رضي ا ّ
ل سبت وقال
ن عمر ل يصليها ،فإذا أتى مسجد ُقباء ،صلها ،وكان يأتيه ك ّ
ويدعها عشرة ،وكان اب ُ
سفيان ،عن منصور :كانوا يكرهون أن ُيحافظوا عليها ،كالمكتوبة ،ويصلون وَيدعون ،قالوا :وِمن
161
الضحى(( وهو حديث موضوع ،المتهم به عمر بن صبح قال البخاري :حَدثني يحيى ،عن علي بن
جرير ،قال سمعت عمر بن صبح يقول :أنا وضعت خطبة النبي صلى ال عليه وسلم ،وقال ابن
ل كتب حديثه إل على جهة
حّعدى منكر الحديث .وقال ابن حبان :يضع الحديث على الثقات ،ل َي ِ
التعجب منه ،وقال الدارقطني :متروك ،وقال الزدي كذاب.
ث عبد العزيز بن أبان ،عن الثوري ،عن حجاج بن ُفَراِفصة ،عن مكحول ،عن
وكذلك حدي ُ
جَراِد،
عَدِد ال َ
ت ُذنوبه ،وإن كانت مثل َ
غِفَر ْ
ضحىُ ،
حِة ال ّ
عَلى سب َ
ظ َ
حاف َ
أبي هريرة مرفوعًا ))َمن َ
ن زَبِد الَبحِر(( ذكره الحاكم أيضًا .وعبد العزيز هذا ،قال ابن نمير :هو كّذاب ،وقال يحيى:
َوَأكثر ِم ْ
ك الحديث.
ليس بشيء ،كذاب خبيث يضع الحديث ،وقال البخاري ،والنسائي ،والدارقطني :مترو ُ
شفَْعِة
عَلى ُ
ظ َ
حاَف َ
وكذلك حديث النهاس بن قهم ،عن شداد ،عن أبي هريرة يرفعه ))من َ
ت َأْكَثر ِمن َزَبِد البحر(( .والنهاس ،قال يحيى :ليس بشيء ضعيف
ن َكاَن ْ
ت ُذُنوُبه َوإ ْ
غِفَر ْ
حىُ ،
ضَال ُ
كان يروي عن عطاء ،عن ابن عباس أشياء منكرة ،وقال النسائي :ضعيف ،وقال ابن عدي:
ليساوى شيئًا ،وقال ابن حبان :كان يروي المناكير عن المشاهير ،ويخالف الثقات ،ل يجوز
الحتجاج به ،وقال الدارقطني :مضطرب الحديث ،تركه يحيى القطان.
ل صلى ال عليه
حميد بن صخر ،عن المقبري ،عن أبي هريرة :بعث رسول ا ّ
وأما حديث ُ
ث ،وقد تقدم .فحميد هذا ضعفه النسائي ،ويحيى بن معين ،ووثقه آخرون ،وُأنِكَر
وسلم ،بعثًا الحدي َ
ل أعلم.
عليه بعض حديثه ،وهو ممن ل يحتج به إذا انفرد وا ّ
وأما حديث محمد بن إسحاق ،عن موسى ،عن عبد ال بن المثنى ،عن أنس ،عن عمه
ب(( ،فمن الحاديث
ن َذَه ٍ
جّنِة ِم ْ
صرًا في ال َ
حى ،بنى ال له َق ْ
ضَصّلى ال ّ
ن َ
ُثمامة ،عن أنس يرفعه ))َم ْ
ي :غريب ل نعرفه إل من هذا الوجه.
الغرائب ،وقال الترمذ َ
ل الّنَهاِرَ ،أْكِف َ
ك ن أْرَبِع رَكَعات فى أّو ِ
جْز لي عَ ْ
ل َتْع ِ
وأما حديث نعيم بن هّمار)) :ابن آَدَم َ
لسلم ابن تيمية يقول :هذه الربع
خَرُه(( ،وكذلك حديث أبي الدرداء ،وأبي ذر ،فسمعت شيخ ا ِ
آِ
عندي هي الفجر وسنتها.
فصل
سُر أو
وكان ِمن هديه صلى ال عليه وسلم وهدي أصحابه سجوُد الشكر عند تجّدد ِنعمة ت ُ
اندفاع ِنقمة ،كما في ))المسند(( عن أبي بكرة ،أن النبي صلى ال عليه وسلم كان إذا أتاه أمٌر
شْكرًا ل َتَعالى.
جدًا ُ
سا ِ
سّره ،خّر ل َ
َي ُ
163
جدًا.
سا ِ
ل َ
خّر ّ
جٍة ،ف َ
حا َ
شَر ب َ
ن ماجه ،عن أنس ،أن النبي صلى ال عليه وسلم ُب ّ
وذكر اب ُ
وذكر البيهقي بإسناد على شرط البخاري ،أن عليًا رضي ال عنه ،لما كتب إلى النبي صلى
على
لَم َ
سَن ،ال ّ
عَلى َهْمَدا َ
لم َ
سَال عليه وسلم بإسلم هْمَدان ،خّر ساجدًا ثم رفع رأسه ،فقال)) :ال ّ
َهْمدان(( وصدر الحديث في صحيح البخاري وهذا تمامه بإسناده عند البيهقي.
ل صلى ال عليه وسلم،
وفي ))المسند(( من حديث عبد الرحمن بن عوف ،أن رسول ا ّ
سجد شكرًا لما جاءته الُبشرى من ربه ،أنه من صّلى عليك ،صّلْيت عليه ،ومن سّلم عليك ،سلم ُ
ت
عليه.
ل صلى ال عليه وسلم في
وفي سنن أبي داود من حديث سعد بن أبي وقاص ،أن رسول ا ّ
ت لّمتي،
شَفْع ُ
ت َربي و َ
سَأْل ُ
ث مرات ،ثم قال)) :إّني َ
ل ساعة ،ثم خّر ساجدًا ثل َ
رفع يديه فسأل ا ّ
طاني
عَت َرّبي لّمتيَ ،فَأ ْ
سأل ُ
سيَ ،ف َ
شْكَرًا ِلَرّبيُ ،ثّم َرفعت رأ ْ
جدًا ُ
سا ِ
ث ُأّمتيَ ،فخَرْرت َ
طاني ثُل َ
عََفَأ ْ
طاني الّثل َ
ث لّمتي ،فأع َ
ت َرّبي ُ
سَأْل ُ
ساجدًا شْكرًا ِلَربي ثّم َرَفعت َرأسيَ ،ف َ
خَرَرت َ
ث الثانيَ ،ف َ
الّثل َ
ت ساجدًا لرّبي((.
خرَر ُ
خَرَ ،ف َ
ال َ
ل عليه ،ذكره البخاري.
وسجد كعب بن مالك لما جاءته البشرى بتوبة ا ّ
ل عنه ،أنه سجد حين وجد ذا الّثَدّية في قتلى الخوارج.
وذكر أحمد عن علي رضي ا ّ
)يتبع(...
ل عنه ،سجد حين جاءه قت ُ
ل صديق رضي ا ّ
وذكر سعيد بن منصور ،أن أبا بكر ال ّ @
مسيِلمة.
فصل
في هديه صلى ال عليه وسلم في سجود القرآن
جَد َوجهي
سَكان صلى ال عليه وسلم ،إذا مّر بسجدة ،كّبر وسجد ،وربما قال في سجوده )) َ
حوِلِه َوُقّوِتِه((.
سْمَعُه َوَبصَرُه ِب َ
ق َ
شّخَلَقُه َوصّوَرُه َو َ
ِلّلذي َ
خَرًا،
ك ُذ ْ
عْنَد َ
جَعْلَها لي ِ
جَرًا ،وا ْ
عّني بها ِوزرا ،واْكُتب لي بها َأ ْ
وربما قال)) :الّلهم احطط َ
ك داوَد(( .ذكرهما أهل السنن.
عْبِد َ
َوَتقّبلها ِمّني َكَما َتَقّبلَتها ِمن َ
خرقي ومتقدمو
ولم ُيذكر عنه أنه كان يكبر للرفع من هذا السجود ،ولذلك لم يذكره ال ِ
ل فيه عنه تشهد ول سلم البتة وأنكر أحمد والشافعي السلَم فيه ،فالمنصوص
الصحاب ،ول ُنِق َ
164
عن الشافعي :إنه ل تشهَد فيه ول تسليم ،وقال أحمد :أما التسليُم ،فل أدري ما هو ،وهذا هو
الصواب الذي ل ينبغي غيره.
وصح عنه صلى ال عليه وسلم أنه سجد في )الم تنزيل( ،وفي )ص( ،وفي )النجم( وفي؟
خَلق(.
ك الذي َ
سم َرّب َ
سماء انشّقت( ،وفي )اقرأ با ْ
)إذا ال َ
ل صلى ال عليه وسلم ،أقرأه خم َ
س وذكر أبو داود عن عمرو بن العاص ،أن رسول ا ّ
صل ،وفي سورة الحج سجدتان.
عشرة ،سجدة ،منها ثلث في المف ّ
ل صلى ال عليه وسلم إحدى عشرة
وأما حديث أبي الدرداء ،سجدت مع رسول ا ّ
صل شيء) :العراف( ،و)الرعد( ،و)النحل( ،و)بني إسرائيل(،
سجدة ،ليس فيها من المف ّ
و)مريم( ،و)الحج( ،و)سجدة الفرقان( ،و)النمل( ،و)السجدة( ،وصلى ال عليه وسلم ،و)سجدة
الحواميم( ،فقال أبو داود :روى أبو الدرداء عن النبي صلى ال عليه وسلم إحدى عشرة سجدة،
وإسناده واٍه.
ل صلى ال عليه وسلم لم يسجد في
ل عنهما ،أن رسول ا ّ
وأما حديث ابن عباس رضي ا ّ
المفصل منذ تحول إلى المدينة .رواه أبو داود فهو حديث ضعيف ،في إسناده أبو قدامة الحارث بن
لمام أحمد :أبو قدامة مضطِرب الحديث .وقال يحيى بن معين:
عبيد ،ل يحتج بحديثه .قال ا ِ
ضعيف ،وقال النسائي :صدوق عنده مناكير ،وقال أبو حاتم البستي :كان شيخًا صالحًا ممن كثر
وهمه وعّلله ابن القطان بمطر الوراق ،وقال :كان يشبهه في سوء الحفظ محمد بن عبد الرحمن بن
ج حديثه انتهى كلمه.
أبي ليلى ،وعيب على مسلم إخرا ُ
ول عيب على مسلم في إخراج حديثه ،لنه ينتقي من أحاديث هذا الضرب ما يعلم أنه
حفظه ،كما يطرح من أحاديث الثقة ما يعلم أنه غِلط فيه ،فغِلط في هذا المقام من استدرك عليه
ج جميع حديث الثقة ،ومن ضّعف جميع حديث سيىء الحفظ ،فالولى :طريقة الحاكم وأمثاله،
إخرا َ
والثانية :طريقة أبي محمد بن حزم وأشكاله ،وطريقة مسلم هي طريقة أئمة هذا الشأن وا ّ
ل
المستعان.
ك اَلذي
سم َرّب َ
وقد صح عن أبي هريرة أنه سجد مع النبي صلى ال عليه وسلم في )اقرأ با ْ
شّقت( ،وهو إنما أسلم بعد َمقَدم النبي صلى ال عليه وسلم المَدينة بست
سَماُء اْن َ
خَلق( ،وفي )إَذا ال ّ
َ
سنين أو سبع ،فلو تعارض الحديثان من كل وجه ،وتقاوما في الصحة ،لتعين تقديُم حديث أبي
165
عٍة هي،
سا َ
ت َأّية َ
عِلم ُ
لَ :قْد َ
بَ ،قا َ
جِلسي َمَع َكع ٍ
حّدْثتُه ِبَم ْ
لٍم ،ف َ
سَن َ
ل ْب َ
عْبَد ا ِّ
ت َ
ل َأُبو ُهَرْيَرَةُ ،ثّم َلِقي ُ
َقا َ
ل صلى ال
لا ّ
سو ُ
ل َر ُ
ف َوَقْد َقا َ
تَ :كي َ
جُمَعِةَ ،فُقل ُ
عٍة في َيْوِم ال ُ
سا َ
خُر َ
يآ ِ
ُقلت :فَأخِبْرِني ِبَها ،قالِ :ه َ
ل ابن سلمَ :أَلْم َيقُ ْ
ل صّلى فيها؟ َفَقا َ
ل ُي َ
عُة َ
سا َ
ك ال ّ
صّلي َوِتْل َ
عبٌد مسِلّم َوهَو ي َ
صاِدُفَها َ
عليه وسلم ل ي َ
ي((؟
حّتى ُيصّل َ
صلٍة َ
لَةَ ،فُهَو في ً
ظُر الص َ
س َمجِلسًا َيْنَت ِ
جَل َ
ل ))َمن َ
سولُ ا ّ
َر ُ
جُمعة((.
وفي ))صحيح ابن حبان(( مرفوعًا)) :ل تطلع الشمس على يوم خير من َيْوِم ال ُ
ل عنه ،قال :أتى جبري ُ
ل وفي ))مسند الشافعي(( من حديث أنس بن مالك رضي ا ُّ
ي صلى ال عليه
ل النب ّ
ضاَءِ ،فيها ُنكتٌةَ ،فَقا َ
ل صلى ال عليه وسلم .بمْرآة َبْي َ
لا ّ
عليه السلم رسو َ
س َلُكْم فيها َتَبٌع ،اليهوُد
ك ،والّنا ُ
ت َوُأمُّت َ
ت ِبَها َأْن َ
ضْل َ
جُمعِةُ ،ف ّ
وسلم ما هِذِه؟ فقال)) :هِذِه َيوُم ال ُ
ب َلُه وُهَو
جي َ
سُت ِ
خْيٍر إل ا ْ
ل ِب َ
ن يدعو ا ّ
عْبٌد ُمؤِْم ٌ
عٌة ل ُيواِفُقها َ
سا َ
خْيٌر ،وفيها َ
والّنصارى ،ولكم فيها َ
خَذ
ك اّت َ
ن َرّب َ
جْبريلُ ! ما يوُم المزيِد؟ قالِ :إ ّ
عْنَدَنا َيْوُم المزيد ،فقال النبي صلى ال عليه وسلم :يا ِ
ِ
شاَء ِم ْ
ن حاَنُه ما َ
سب َ
ل ُ
لا ّ
جُمَعِة أنز َ
ن َيْوُم ال ُ
ك ،فإذا َكا َ
سٍ
ن ِم ْ
ب ِم ْ
ح ِفيِه ُكُث ٌ
س َواِديًا أفي َ
ِفي الِفْرَدْو ِ
ن َذَهبٍ ُمَكّلَلٍة
ك المناِبَر ِبمَناِبَر ِم ْ
ف ِتل َ
ح ّ
ن ،و َ
عُد الّنبّيي َ
عليها َمَقا ِ
ن ُنوٍر َ
حْوَلُه َمَناِبُر ِم ْ
لِئَكِتِهَ ،و َ
َم َ
ل ا ُّ
ل ب(( ،فيقو ُ
ك الُكُث ِ
ن َوَرائهم على ِتْل َ
ن ،فجلسوا ِم ْ
صّديُقو َ
شَهداُء وال ّ
جِد ،عليها ال ّ
بالياقوت َوالّزَبر َ
طُكم ،فيقولون :رّبنا نسألك رضواَنك ،فيقول:
عِسُلوني ُأ ْ
صَدقتكم وعدي ،ف َ
لَ)) :أنا َرّبكم َقْد َ
جّعّز و َ
جُمعِة ِلما ُيعطيهم فيه رّبهم ِم َ
ن ن َيْوَم ال ُ
حّبو َ
ي َمزيد ،فهم ُي ِ
ت عْنُكم َوَلُكم َما َتَمنْيُتم َوَلَد ّ
ضي ُ
َقْد َر ِ
ق آدم ،وفيه تقوم
خَل َ
ك وَتعالى على العرش ،وفيه َ
ستوى فيه رّبك َتَباَر َ
خْيِر ،وُهَو اليوُم اّلذي ا ْ
ال َ
ساعة((.
ال ّ
عبيدة ،قال :حدثني أبو الزهر
رواه الشافعي عن إبراهيم بن محمد ،حدثني موسى بن ُ
ل بن عبيد ،عن عمير بن أنس.
معاوية بن إسحاق بن طلحة ،عن عبد ا ّ
ثم قال :وأخبرنا إبراهيم قال :حدثني أبو عمران إبراهيم بن الجعد ،عن أنس شبيهًا به.
ل:
لمام أحمد رحمه ّ
ن الرأي في شيخه إبراهيم هذا ،لكن قال فيه ا ِ
وكان الشافعي حس َ
ل بلء فيه.
معتزلي جهمي قدري ُك ّ
ي صلى ال عليه
ورواه أبو اليمان الحكم بن نافع ،حدثنا صفوان :قال :قال أنس :قال النب ّ
غفرة ،عن أنس ورواُه أبو
ل فذكره(( ورواه محمد بن شعيب ،عن عمر مولى ُ
جْبري ُ
وسلم ))أتاني ِ
عمير ،عن أنس .وجمع أبو بكر بن أبي داود طرقه.
ظبية ،عن عثمان بن ُ
167
وفي ))مسند أحمد(( من حديث علي بن أبي طلحة ،عن أبي هريرة ،قال :قيل للنبي صلى
صْعقَُة،
ك آَدَم ،وفيه ال ّ
طيَنُة َأبي َ
طِبَعت ِ
ن فيه ُ
لّي َيْوم الجمعة؟ قال )) َ
سّم َ
ال عليه وسلم :لي شيء ُ
جيبَ له((.
سُت ِ
ن دعا ال فيها ا ْ
عٌة َم ْ
سا َ
ت ،منها َ
ساعا ٍ
ث َ
خِرِه َثل ُ
شُة ،وفي آ ِ
طَوالبْعَثُة ،وفيه الَب ْ
وقال الحسن بن سفيان الّنسوي في ))مسنده(( حدثنا أبومروان هشام بن خالد الزرق،
غفرة ،حدثني أنس بن مالك ،قال:
ل مولى ُ
خشني ،حدثنا عمر بن عبد ا ّ
حدثنا الحسن بن يحيى ال ُ
ل وفي َيده َكَهْيَئة الِمْرآة البيضاء ،فيها
جبري ُ
ل صلى ال عليه وسلم يقول)) :أتاني ِ
سمعت رسول ا ّ
ك ِم ْ
ن لّمِت َ
ك َو ُ
ن عيدًا ل َ
ك تُكو ُ
ت بها ِإَلْي َ
جُمَعة ُبِعْث ُ
ل؟ فقال :هذه ال ُ
جبري ُ
سْوداُء ،فقلت :ما هذه يا ِ
نْكَتٌة َ
ن َيْوَم القَِياَمة،
سابقو َ
خُرون ال َ
خْيٌر َكثيرَ ،أْنُتُم ال ِ
جْبريل؟ قالَ :لكْم فيها َ
بعِدك .فقلت :وما َلنا فيها يا ِ
سوداء يا
ت :فما هذه الّنْكَتُة ال ّ
عطاه .قل ُ
ل أَ ْ
شيئًا ِإ ّ
ل َ
ل ا َّ
سأ ُ
سِلٌم يصّلي َي ْ
عْبٌد ُم ْ
عٌة ل ُيواِفُقها َ
سا َ
وفيها َ
ن نسميه عندنا يوَم الَمزيد.
لّيام ،ونح ُ
سّيد ا َ
جُمعة وهو َ
ساعة تكون في يوم ال ُ
ل؟ قال :هذه ال ّ
جبِري ُ
ِ
سكٍ أْبيض ،فإذا
ن ِم ْ
ح ِم ْ
جّنة واديًا أفي َ
خَذ في ال َ
ك اّت َ
ن َرّب َ
جْبريل؟ قال :ذلك ِبَأ ّ
قلت :وما يوُم الَمزيد يا ِ
ف الُكْرس ّ
ي ح ّ
سّيه ،وُي َ
شِه ِإلى ُكر ِ
عْر ِ
ل ِمن َ
جّعّز َو َ
ب َ
ط الّر ّ
لخرةَ ،هَب َ
ن َأّيام ا َ
جُمعة ِم ْ
كان َيْوُم ال ُ
صّديقون
س عليها ال ّ
ن َذَهب ،فيجِل ُ
سي ِم ْ
ف المناِبُر ِبَكرا ِ
ح ّ
ن وُت َ
س عليها الّنِبّيو َ
ن الّنوِر فيجل ُ
ِبمناِبَر ِم َ
ل المناِبر
ك ل يرون له ِ
ن الِمس ِ
غَرفهم ،فيجلسون على ُكثبا ِ
ف من ُ
ل الُغَر ِ
ط أه ُ
شهداء ،وَيْهِب ُ
وال ّ
لكرام تبارك وتعالى ،فيقول :سلوني،
جلل وا ِ
ل في المجِلس ،ثّم َيَتبّدى لهم ذو ال َ
والكراسي َفض ً
حّتى
سلوني ،فيسألوَنه َ
على الّرضى ،ثم يقولَ :
شَهُد َلهم َ
ب ،فَي ْ
سَأُلك الّرضى يا ر ّ
جَمِعهمَ :ن ْ
فيقولون ِبَأ ْ
طر على
خَت ،ول َ
سِمَع ْ
ن َ
ن َرأت ،ول ُأذ ٌ
عْي ٌ
عَلْيِهم ِبما ل َ
سعى َ
عْبٍد ِمْنُهم ،قالُ :ثّم ُي ْ
ل َ
َتنَتِهيَ َنْهَمُة ُك ّ
ن
غرَفٌة ِم ْ
غَرِفهم ،وهي ُ
ل الُغَرف إلى ُ
شِهَ ،وَيْرَتفُع أْه ُ
عر ِ
ن ُكْرسّيه ِإلى َ
جّبار ِم ْ
شرُ ،ثّم َيرَتفع ال َ
َقلب َب َ
ل َوصٌم ُمَنّورة ،فيها
صٌم َو َ
حمراء ،أو ُزمّردٍة خضراء ،ليس فيها َف ْ
ُلؤُلَؤٍة َبْيضاء ،أو ياُقوَتٍة َ
جّنة
ل ال َ
خدُمها َوَمساِكُنها قال :فأه ُ
جها َو َ
طِردٌة ُمَتَدلَيٌة فيها ِثَماُرها ،فيها أزوا ُ
أنهاُرها ،أو قالُ :م ّ
شُر أهل الّدنيا في الّدنيا بالمطر((.
جُمعة ،كما َيتَبا َ
شرون في الجّنة ِبَيوِم ال ُ
َيتبا َ
وقال ابن أبي الدنيا في كتاب ))صفة الجنة(( :حدثني أزهر بن مروان الرقاشي ،حدثني عبد
حذيفة ،قال :قال
عَرادة الشيباني ،حدثنا القاسم بن ُمطّيب ،عن العمش ،عن أبي وائل ،عن ُ
ل بن َ
ا ّ
ضَوِئها ،وإذا في
ن المَرائي وأ ْ
سِحَ
جْبِريل وفي َكّفه مِْرآٌة كأ ْ
ل صلى ال عليه وسلمَ)) :أتاني ِ
رسولُ ا ّ
جمَعُة؟ قال:
جُمَعُة ،قلت :وما ال ُ
طها َلْمَعٌة سوداُء ،فقلت :ما هذه الّلْمَعُة التي أرى فيها؟ قال :هذه ال ُ
سَِو َ
سمه
خِبُرك با ْ
ضِلِه في الّدنيا ،وما يرجى فيه لهله ،وُأ ْ
شَرِفِه وَف ْ
ك ِب َ
خِبُر َ
سأ ْ
ك عظيمَ ،و َ
ن َأّيام َرّب َ
َيْوٌم ِم ْ
168
جى فيه
جَمَع فيه أمر الخلق ،وأّما ما ُير َ
ل َ
جّضُلُه في الدنيا ،فإن ال عّز و َ
شَرفه َوَف ْ
خرة ،فأما َ
في ال ِ
خْيرًا إل أعطاهما
ل تعالى فيها َ
نا ّ
سَأل ِ
سِلَمٌة َي ْ
سِلٌم َأْو َأَمٌة ُم ْ
عْبٌد ُم ْ
عًة ل ُيواِفُقها َ
سا َ
ن فيه َ
لهله ،فإ ّ
جّنة،
ل الجَنة إلى ال َ
صّيَر أْه َ
ك وَتَعالى إذا َ
ل تبار َ
نا ّ
سمه ،فإ ّ
خَرة وا ْ
ضُلُه في ال ِ
شَرُفُه َوف ْ
إياه ،وأّما َ
ل َقْد علم ا ُّ
ل ل َنَهاّر ِإ ّ
ل َو َ
ليام وهذه الّليالي ،ليس فيها َلي ٌ
ت عليهم هذه ا ّ
جَر ْ
وأْهل النار إلى النّارَ ،
جُمَعِتهم ،نادى
جُمَعِة إلى ُ
عاِته ،فإذا كان َيْوُم الجُمَعة حين يخرج أهل ال ُ
سا َ
ك َو َ
ل ِمقَداَر َذِل َ
جّعَز َو َ
جّنة اخرجوا إلى وادي الَمزيد ،وَوادي الَمزيد ل يعلم سَعة طوله وعرضه
ل الجّنة ُمَناٍد ،يا أْهل ال َ
َأْه َ
ن نور ،ويخرج
ن الْنِبياء بمنابَر ِم ْ
غْلَما ُ
خُرج ِ
سَماء قالَ :في ْ
ن الِمسك ،رؤوسها في ال ّ
ل ،فيه ُكثَبا ُ
ل ا ُّ
إّ
ل عليهم ريحًا
ث ا ُّ
سهمَ ،بَع َ
جاِل َ
خَذ الَقْوُم َم َ
ت َلهمَ ،وَأ َ
ضَع ْ
ت ،فإذا ُو ِ
ن َياقو ٍ
ن المؤمنين ِبَكراسي ِم ْ
غْلَما ُ
ِ
شعاِرِهمِ ،تْلك
خِرجُه في وجوِهِهم وأ ْ
ت ِثياِبِهم ،وُت ْ
خله ِمن َتح ِ
ك ،وُتْد ِ
تدعى الُمثيرةُ ،تثيُر ذلك الِمس َ
جه الرض.
طيب على َو ْ
ل ِ
حِدُكم ،لو ُدفَع إليها ُك ّ
ك ِمن امرأِة أ َ
ك الِمس ِ
صَنع ِبذِل َ
ف َت ْ
عَلم َكي َ
الّريح َأ ْ
ضُعوه َبين َأظُهِرِهم ،فيكون أّول ما َيسَمعوَنُه
شِهَ :
عْر ِ
حَمَلة َ
قالُ:ثم ُيوحي ال تبارك وتعالى إلى َ
سُلوني فهذا
سِلي ،واّتَبعوا أْمريَ ،
عوني ِبالَغيب َولم َيروني ،وصَّدقوا ُر ُ
ي يا عبادي الذين أطا ُ
منه :إل ّ
ن َيا َأه َ
ل ل إَليهمَ :أ ْ
جُع ا ُّ
عّنا ،فيْر ِ
ض َ
عْنك َفاْر َ
ضْينا َ
حَدٍة :ر ِ
ن على َكِلَمٍة وا ِ
جَتِمُعو َ
َيوُم الَمزيد ،في َ
ن على َكِلَمٍة
جَتِمُعو َ
سُلوني فهذا َيْوُم الَمزيدَ ،فَي ْ
سِكْنُكم داريَ ،ف َ
عْنُكم لم ُأ ْ
ض َ
جّنة ِإّني َلْو لم َأْر َ
ال َ
ن ُنوره
شاُهم ِم ْ
لَ ،فَيْغ َ
جّعّز و َ
جّلى لهم َ
بَ ،فَيت َ
ج َ
حُك ال ُ
ف تْل َ
ش ُ
ظْر إليه ،فَيْك ِ
ك َنْن ُ
جَه َ
حَدٍة :يا َرّبَنا َو ْ
َوا ِ
ل َلُهم :اْرجعوا إلى َمناِزِلكم،
ن ُنوِرِهُ ،ثّم ُيقا ُ
شاُهم ِم ْ
حتَرقوا ِلما َيْغ َ
حَتِرُقوا ،ل ْ
ضى أل َي ْ
شيٌء َلْول َأّنه َق َ
َ
جُعون إلى
عَلى َما كانوا فيهَ ،فَيْر ِ
ف َ
ضْع َ
حٍد ِمْنُهْم ال ّ
طىُ .كل َوا ِ
عَجعون إلى َمَناِزِلِهم َوَقْد َأ ْ
فَيْر ِ
جُعوا
حّتى َيْر ِ
شَيهْم ِمن ُنوِرِه ،فإذا َرجُعوا َتراّد الّنوُر َ
غِن عليهم مّما َ
خِفي َ
ن َو َ
عَلْيِه ّ
خُفوا َ
جِهم وقد َ
َأْزَوا ِ
على
جْعُتم َ
عْنِدَنا على صورة وَر َ
ن ِ
جُتم ِم ْ
خَر ْ
جُهمَ :لَقْد َ
عَلْيهاَ ،فَتقول َلُهم َأْزَوا ُ
إلى صَُوِرهم اّلتي كانوا َ
ق،
خْل ٌ
ط به َ
ل ما أحا َ
ظْرنا ِمْنه قال :وِإّنُه َوا ِّ
جّلى لناَ ،فَن َ
ل َت َ
جّعّز و َ
ل َ
ن ا َّ
غْيِرها ،فيقولون :ذلك ل ّ
َ
ظْرنا ِمْنه ،قالَ :فُهم َيَتقَّلُبون
ك قولهم َفَن َ
ن ُيِرَيُهم قالَ :فذِل َ
شاَء َأ ْ
جلِلِه ما َ
ظَمِتِه َو َ
ن ،ع َ
َولكّنُه َقد أراهم ِم ْ
ل صلى ال عليه
على َما َكانوا فيه .قال رسول ا ّ
ف َ
سبَعِة َأّيام الضع َ
ل َ
جّنة وَنعيِمها في ك ّ
ك ال َ
في ِمسْ ِ
جزاًء ِبَما َكانوا َيعَملون{
ن َ
عي ٍ
ن ُقَرِة َأ ْ
ي َلُهم ِم ْ
خِف َ
س ما ُأ ْ
ك َقْوُله تعالىَ} :فل َتْعَلُم َنف ٌ
وسلمَ :فَذِل َ
]السجدة.[17 :
عصمة بن محمد حدثنا ،موسى بن عقبة ،عن
ورواه أبو ُنعيم في ))صفة الجنة(( من حديث ِ
أبي صالح ،عن أنس شبيهًا به.
169
وذكر أبو نعيم في ))صفة الجنة(( من حديث المسعودي ،عن الِمنهال ،عن أبي عبيدة ،عن
ل تَبارك وتعالى َيْبُرُز لهل الجنة في كل جمعة
جُمعة في الدنيا ،فإن ا ّ
ل قال :سارعوا إلى ال ُ
عبد ا ّ
سرعتهم إلى الجمعة ،وُيحِد ُ
ث على كثيب من كافور أبيض ،فيكونون منه سبحانه بالقرب على قدر ُ
جعون إلى أهليهم وقد أحدث لهم.
لهم من الكرامة شيئًا لم يكونوا رأوه قبل ذلك ،فير ِ
فصل
في مبدإ الجمعة
قال ابن إسحاق :حدثني محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ،عن أبيه ،قال :حدثني عبد
ت به إلى الجمعة ،فسمع
ف بصُره ،فإذا خرج ُ
الرحمن بن كعب بن مالك ،قال :كنت قائَد أبي حين ُك ّ
ن ُزرارة ،فمكث حينًا على ذلك فقلت :إن هذا لعجز أل أسأله
ن بها ،استغفر لبي أمامة أسعد ب ِ
الذا َ
ت أخرج ،فلما سمع الذان للجمعة ،استغفَر له ،فقلت :يا أبتاه ! أرأي َ
ت ت به كما كن ُ
ن هذا ،فخرج ُ
عَْ
ل من جّمع
ي ! كان أسعُد أو َ
ت الذان يوَم الجمعة؟ قال :أي ُبَن ّ
ن ُزرارة كلما سمع َ
استغفاَرك لسعد ب ِ
حّرة بني َبياضة في نقيع
ت ِمن َ
ل صلى ال عليه وسلم في َهْزم الّنبي ِ
بنا بالمدينة قبل َمْقَدِم رسول ا ّ
ل.
ت :فكم ُكنتم يومئذ؟ قال :أربعون رج ً
ت .قل ُ
ضما ِ
خ َ
ُيقال له :نقيع ال َ
قال البيهقي ،ومحمد بن إسحاق إذا ذكر سماعه من الراوي ،وكان الراوي ثقة ،استقام
لسناد انتهى.
لسناُد ،وهذا حديث حسن صحيح ا ِ
اِ
ل صلى ال عليه وسلم المدينة ،فأقام بُقباء في
لا ّ
قلت :وهذا كان مبدأ الجمعة .ثم َقدم رسو ُ
ن إسحَاق يوم الثنين ،ويوَم الثلثاء ،ويوَم الربعاء ،ويوَم
بني عمرو بن عوف ،كما قاله اب ُ
لها
س مسجَدهم ،ثم خرج يوَم الجمعة ،فأدركته الجمعُة في بني سالم بن عوف ،فص ّ
الخميس ،وأس ّ
س مسجده.
في المسجد الذي في بطن الوادي ،وكانت أّول جمعة صلها بالمدينة ،وذلك قبل تأسي ِ
ل صلى ال عليه وسلم ،فيما بلغني عن
لا ّ
قال ابن إسحاق :وكانت أّول خطبة خطبها رسو ُ
ل -أنه
ل صلى ال عليه وسلم ما لم يقُ ْ
ل أن نقول على رسول ا ّ
سَلمة بن عبد الرحمن -ونعوذ با ّ
أبي َ
لْنُفسكَم
سَ ،فَقّدموا َ
ل وأثنى عليه بما هو أهله ،ثم قال)) :أّما َبْعُد أُيها الّنا ُ
قام ِفيهم خطيبًا ،فحمد ا ّ
جمان ،ول
ن َلُه رّبه وَلْيس َلة ُتْر ُ
غَنَمه َليس لها َراعُ ،ثّم ليقوَل ّ
ن َ
عّحُدكمُ ،ثّم َلَيَد َ
نأَ
صَعَق ّ
ل َلُي ْ
ن َوا ّ
َتْعَلُم ّ
سك،
ت ِلَنف ِ
كَ ،فَما َقّدْم َ
عَلْي َ
ت َ
ضْل ُ
ل ،وأْف َ
ك َرسوليَ ،فَبّلَغك ،وآَتْيتك َما ً
حجُبه ُدونه ْاَلْم َيْات َ
حاجبٌ َي ْ
ن َيِق َ
ي عأ ْ
سَتطا َ
نا ْ
جهّنمَ ،فَم ِ
غْيَر َ
ل َيَرى َ
ن قّداَمه َف َ
شيئًاُ ،ثّم َلَيْنظَر ّ
ل ،فل َيرى َ
شما ً
ن َيمينًا و ِ
َفَلَيْنظر ّ
170
شَر
حسنُة بَع ْ
جزى َال َ
ن ِبَها ُت ْ
ن َتْمرةَ ،فْلَيْفَعل ،ومن َلْم َيجدَ ،فبَكلَمٍة طّيبٍةَ ،فإ ّ
قم ْ
ن الّناِر ولو بش ّ
جَهُه م َ
َو ْ
ل وبركاته((.
سبعمائة ضعف ،والسلم عَليَكم ورحمة ا ّ
َأْمَثالَها إلى ً
ل صلى ال عليه وسلم مرة أخرى ،فقال)) :إن الحمد ّ
ل لا ّ
قال ابن إسحاق :ثم خطب رسو ُ
ضلّ له ،وَمن
ل ،فل ُم ِ
ن َيْهِده ا ّ
عماِلنا َم ْ
تأ ْ
سّيئا ِ
سنا ،و َ
ن شرور أْنُف ِ
ل ِم ْ
سَتِعيُنهَ ،نعوُذ با ّ
َأحَمُدُه وَأ ْ
لَ ،قْد
با ّ
حديث ِكتا ُ
سن ال َ
ن أح َ
ك له ،إ ّ
شري َ
حَده ل َ
ل َو ْ
ل ا ُّ
شَهُد أن ل إله إ ّ
ي له ،وأ ْ
ضِلل ،فل هاِد َ
ُي ْ
ن أحاديث الّناس،
لسلم بعد الكفر ،فاختاَره على ما سواه ِم ْ
ل في قلبه ،وأدخله في ا ِ
ح َمن َزّيَنه ا ّ
َأْفَل َ
ل وِذْكَره،
ل ُقلوِبُكم ،ول َتَملوا َكلَم ا ِّ
ل ِمنْ ُك ّ
حّبوا ا َّ
لَ ،أ ِ
ب ا ُّ
ح ّ
حّبوا ما َأ َ
ث وأْبلُغهَ ،أ ِ
ن الحدي ِ
سُحَ
إّنه َأ ْ
ن العمال،
خيَرته ِم َ
ل ِ
طِفي ،قد سّماه ا ّ
صَخَتاُر َوَي ْ
ل َي ْ
قا ّ
خُل ُ
ل َما َي ْ
ن ُك ّ
س ُقلوُبكم ،فإّنه ِم ْ
ول َتق ُ
عُبدوا
حَراِم ،فا ْ
ل َوال َ
حل ِ
س من ال َ
ي الّنا ُ
ل َما ُأوت َ
ن ُك ّ
ن الحديث ،وِم ْ
صالح ِم َ
وُمصطَفاُه من الِعَباِد وال ّ
ح ما تقولون بأْفواِهكم ،وََتحاّبوا ِبُروح
ل صال َ
صُدُقوا ا َّ
ق ُتَقاِته ،وا ْ
حّشْيئًا ،واّتقوه َ
شِركوا به َ
ل ول ُت ْ
ا ّ
ل وبركاته((.
حَمة ا ّ
عَليكم َوَر ْ
سلُم َ
عْهُده ،وال ّ
ث َ
ن ُينَك َ
ب َأ ْ
ض ُ
ل َيْغ َ
ن ا َّ
ل َبْينكم ،إ ّ
ا ِّ
وقد تقدم طرف من خطبته عليه السلم عند ذكر هديه في الخطب.
فصل
وكان من هديه صلى ال عليه وسلم تعظيُم هذا اليوم وتشريفه ،وتخصيصه بعبادات يختص
ل ،أم يوُم عرفة؟ على قولين :هما وجهان لصحاب
بها عن غيره .وقد اختلف العلماء :هل هو أفض ُ
الشافعي.
وكان صلى ال عليه وسلم يقرأ في فجره بسورتي )الم تنزيل( و )هل أتى على
ص هذه الصلة بسجدة زائدة ،ويسمونها
لنسان( .ويظن كثير ممن ل علم عنده أن المراد تخصي ُ
اِ
ب قراءة سورة أخرى فيها سجدة ،ولهذا كره
سجدة الجمعة ،وإذا لم يقرأ أحُدهم هذه السورة ،استح ّ
من كره من الئمة المداومة على قراءة هذه السورة في فجر الجمعة ،دفعًا لتوهم الجاهلين،
ي صلى ال عليه وسلم يقرأ هاتين السورتين في
لسلم ابن تيمية يقول :إنما كان النب ّ
خا ِ
وسمعت شي َ
فجر الجمعة ،لنهما تضمنتا ما كان ويكون في َيوِمها ،فإنهما اشتملتا على خلق آدم ،وعلى ِذكر
المعاد ،وحشر العباد ،وذلك يكون يوَم الجمعة ،وكان في قراءتهما في هذا اليوم تذكيٌر للمة بما
ث اتفقت.
كان فيه ويكون ،والسجدة جاءت تبعًا ليست مقصودة حتى يقصَد المصلي قراءتها حي ُ
فهذه خاصة من خواص يوم الجمعة.
171
ب كثرة الصلة على النبي صلى ال عليه وسلم فيه وفي ليلته ،لقوله
الخاصة الثانية :استحبا ُ
ل صلى ال
جُمعة(( .ورسول ا ّ
جُمعة َوَلْيَلة ال ُ
عّلي يوم ال ُ
ن الصلة َ
صلى ال عليه وسلم ))أكِثروا ِم َ
عليه وسلم سيُد النام ،ويوم الجمعة سيُد اليام ،فللصلِة عليه في هذا اليوم مزيٌة ليست لغيره مع
ل لمته
حكمة أخرى ،وهي أن كل خير نالته أمُته في الدنيا والخرة ،فإنما نالته على يده ،فجمع ا ّ
به بين خيري الدنيا والخرة ،فأعظُم كرامة تحصل لهم ،فإنما تحصل يوم الجمعة ،فإن فيه بعَثهم
إلى منازلهم وقصوِرهم في الجّنة ،وهو يوُم المزيد لهم إذا دخلوا الجّنة ،وهو يوم عيد لهم في الدنيا،
ل إنما عرفوه وحصل لهم
ل تعالى بطلباتهم وحوائجهم ،ول َيُرّد سائلهم ،وهذا ك ُ
ويوم فيه ُيسعفهم ا ّ
بسببه وعلى يده ،فمن شكِره وحمده ،وأداِء القليل من حقه صلى ال عليه وسلم أن نكثر الصلة
عليه في هذا اليوم وليلته.
لسلم ،وِمن أعظم مجامع
الخاصة الثالثة :صلة الجمعة التي هي من آكد فروض ا ِ
ضه سوى مجمع عرفة ،ومن تركها تهاونًا
المسلمين ،وهي أعظُم ِمن كل مجمع يجتمعون فيه وأفر ُ
ب أهل الجنة يوَم القيامة ،وسبُقهم إلى الزيارة يوَم المزيد بحسب ُقربهم
ل على قلبه ،وُقر ُ
بها ،طبع ا ُ
لمام يوَم الجمعة وتبكيرهم.
من ا ِ
الخاصة الرابعة :المر بالغتسال في يومها ،وهو أمٌر مؤكد جدًا ،ووجوبه أقوى ِمن
وجوب الوتر ،وقراءة البسملة في الصلة ،ووجوب الوضوِء من مس النساء ،ووجوب الوضوِء
ِمن مّر الذكر ،ووجوب الوضوِء من القهقهة في الصلة ،ووجوب الوضوِء من الّرعاف،
حجامة ،والقيء ،ووجوب الصلة على النبي صلى ال عليه وسلم في التشهد الخير ،ووجوب
وال ِ
القراءة على المأموم.
ل بين من به رائحة يحتاج إلى
لثبات ،والتفصي ُ
ي وا ِ
وللناس في وجوبه ثلثُة أقوال :النف ُ
إزالتها ،فيجب عليه ،ومن هو مستغن عنه ،فيستحب له ،والثلثة لصحاب أحمد.
الخاصة الخامسة :التطيب فيه ،وهو أفضل من التطيب في غيره من أيام السبوع.
سواك فيه ،وله مزية على السواك في غيره.
الخاصة السادسة :ال ّ
الخاصة السابعة :التبكير للصلة.
لمام.
الخاصة الثامنة :أن يشتغل بالصلة ،والذكر ،والقراءة حتى يخرج ا ِ
172
لنصات للخطبة إذا سمعها وجوبًا في أصح القولين ،فإن تركه ،كان
الخاصة التاسعة :ا ِ
جُمَعةَ
تَ ،فل ُ
حِبه أنصِ ْ
لغيًا ،ومن لغا ،فل جمعة له ،وفي ))المسند(( ،مرفوعًا ))والذي يقول ِلصا ِ
َلُه((.
الخاصة العاشرة :قراءة سورة الكهف في يومها ،فقد روي عن النبي صلى ال عليه وسلم:
سَماء ُيضىء ِبه َيْوَم
ن ال ّ
عَنا ِ
ت َقَدِمِه إلى َ
طَع َلُه ُنوٌر ِمن َتح ِ
سَف َيْوَم الجُمَعِةَ ،
سوَرَة الَكْه ِ
ن َقرَأ ُ
))َم ْ
ن((.
جُمَعَتْي ِ
ن ال ُ
غِفَر َلُه َما َبْي َ
الِقياَمِة ،و ُ
خدري وهو أشبه.
وذكره سعيد بن منصور ِمن قول أبي سعيد ال ُ
ل ومن وافقه،
ت الزوال عند الشافعى رحمه ا ّ
ل الصلة فيه وق َ
الحادية عشرة :إنه ل ُيكره فع ُ
وهو اختيار شيخنا أبي العباس بن تيميةَ ،وَلم يكن اعتماُده .على حديث ليث ،عن مجاهد ،عن أبي
الخليل ،عن أبي قتادة ،عن النبي صلى ال عليه وسلم ،أنه كره الصلة ِنصف النهار إل يوَم
جُمَعة وإنما كان اعتماُده على أن من جاء إلى الجمعة
ل َيْوَم ال ُ
جُر إ ّ
سّجَهّنَم ُت َ
ن َ
الجمعة .وقال :إ ّ
جمَعِة،
ل َيْوَم ال ُ
جٌل َر ُ
سُلمام ،وفي الحديث الصحيح ))ل َيْغَت ِ
ي حتى يخرج ا ِ
ُيستحب له أن ُيصّل َ
ق َبْي َ
ن ل ُيفَّر ُ
جَ ،ف َ
ب َبيِتهُ ،ثّم َيخُر ُ
طي ِ
س ِمن ِ
ن ِمن ُدْهِنِهَ ،أْو َيَم ّ
طْهٍرَ ،وَيّدِه ُ
ن ُ
ع ِم ْ
طا َ
سَت َ
طّهُر َما ا ْ
َوَيَت َ
خَرى((.
جُمَعِة ال ْ
ن ال ُ
ل غُِفَر َلُه َما َبينُة َوَبْي َ
لَماُم إ ّ
ت إذا َتَكّلَم ا ِ
ص ُ
ب َلُهُ ،ثّم يْن ِ
صّلي َما ُكِت َ
اْثَنْينُ ،ثّم ُي َ
لمام ،ولهذا قال
رواه البخاري فندبه إلى الصلة ما كِتب له ،ولم يمنعه عنها إل في وقت خروج ا ِ
لمام أحمد بن حنبل:
ل عنه ،وتبعه عليه ا ِ
غيُر واحد من السلف ،منهم عمر بن الخطاب رضي ا ّ
لمام ،ل
جا ِ
لمام يمنع الصلة ،وخطبُته تمنع الكلم ،فجعلوا المانع من الصلة خرو َ
جا ِ
خرو ُ
ف النهار.
انتصا َ
وأيضًا ،فإن الناس يكونون في المسجد تحت السقوف ،ول يشعُرون بوقت الزوال ،والرج ُ
ل
طى رقاب الناس،
ل بالصلة ل يدرى بوقت الزوال ،ول ُيمكنه أن يخرج ،ويتخ ّ
غًيكون متشا ِ
جَع ،ول يشرع له ذلك.
ظر إلى الشمس وير ِ
وين ُ
وحديث أبي قتادة هذا ،قال أبو داود :هو مرسل لن أبا الخليل لم يسمع من أبي قتادة،
ل صحابي ،أو كان مرسله معروفاً باختيار
س ،أو قو ُ
ضَدُه قيا ٌ
ع َ
والمرسل إذا اتصل به عملَ ،و َ
ل به.
عِم َ
الشيوخ ورغبتِه عن الرواية عن الضعفاء والمتروكين ونحو ذلك مما يقتضي قوتهُ ،
وأيضًا ،فقد عضده شواهد أخر ،منها ما ذكره الشافعي في كتابه فقال :روي عن إسحاق بن
صلِة
ن ال ّ
عِ
ل ،عن سعيد بن أبي سعيد ،عن أبي هريرة ،أن النبي صلى ال عليه وسلم َنهى َ
عبد ا ّ
173
ل في كتاب ))اختلف
س إل يوَم الجمعة .هكذا رواه رحمه ا ّ
ف النهار حتى تزول الشم ُ
ِنص َ
الحديث(( ورواه في ))كتاب الجمعة(( حدثنا إبراهيم بن محمد ،عن إسحاق ،ورواه أبو خالد
ل بن سعيد المقبري ،عن أبي هريرة ،عن النبي
الحمر ،عن شيخ من أهل المدينة ،يقال له :عبد ا ّ
صلى ال عليه وسلم .وقد رواه البيهقي في ))المعرفة(( من حديث عطاء بن عجلن ،عن أبي
ي صلى ال عليه وسلم ينهى عن الصلة ِنص َ
ف نضرة ،عن أبى سعيد وأبي هريرة قال :كان النب ّ
النهار ،إل يوم الجمعة ولكن إسناده فيه من ل يحتج به ،قاله البيهقي ،قال :ولكن إذا انضمت هذه
الحاديث إلى حديث أبي قتادة أحدثت بعض القوة .قال الشافعي :من شأن الناس التهجير إلى
لمام ،قال البيهقى :الذي أشار إليه الشافعي موجود في الحاديث
الجمعة ،والصلُة إلى خروج ا ِ
غب في التبكير إلى الجمعة ،وفي الصلة إلى
الصحيحة وهو أن النبي صلى ال عليه وسلم ر ّ
لمام من غير استثناء ،وذلك ُيواِفق هذه الحاديث التي ُأبيحت فيها الصلة نصف النهار
خروج ا ِ
يوم الجمعة ،وروينا الّرخصة في ذلك عن عطاء ،وطاووس ،والحسن ،ومكحول .قلت :اختلف
ف النهار على ثلثة أقوال:
س في كراهة الصلِة ِنص َ
النا ُ
أحدها :أنه ليس وقت كراهة بحال ،وهو مذهب مالك.
الثاني :أنه وقت كراهة في يوم الجمعة وغيرها ،وهو مذهب أبي حنيفة ،والمشهور من
مذهب أحمد.
والثالث :أنه وقت كراهة إل يوَم الجمعة ،فليس بوقت كراهة ،وهذا مذهب الشافعي.
الثانية عشرة :قراءة )سورة الجمعة( و )المنافقين ( ،أو )سبح والغاشية( .صلة الجمعة ،فقد
ل صلى ال عليه وسلم يقرأ بهن في الجمعة ،ذكره مسلم في ))صحيحه((.
كان رسول ا ّ
ث الغاشية(
ل أتاك حدي ُ
جُمعِة( و )َه ْ
وفيه أيضًا :أنه صلى ال عليه وسلم ،كان يقرأ فيها بـ )ال ُ
ثبت عنه ذلك كّله.
ول ُيستحب أن يقرأ ِمن كل سورة بعضها ،أو يقرأ إحداهما في الركعتين ،فإنه خل ُ
ف
جّهال المة ُيداومون على ذلك.
السنة ،و ُ
ل بن ماجه في
الثالثة عشرة :،أنه يوُم عيد متكّرر في السبوع ،وقد روى أبو عبد ا ّ
ن عبِد الُمنذر قال :قال رسول صلى ال عليه وسلم)) :إن َيوَم
))سننه(( من حديث أبي ُلبابة ب ِ
طر ،فيه
حىَ ،وَيْوِم الِف ْ
ضَن َيْوِم ال ْ
ل مِ ْ
عْنَد ا ّ
ظم ِ
عَظُمها عِند ال ،وُهَو َأ ْ
عَسّيد اليام ،وَأ ْ
جُمَعِة َ
ال ُ
سَأ ُ
ل عٌة ل َي ْ
ط فيه آدم إلى الرض ،وفيه توّفى ال آدم ،وفيه سا َ
ل فيه آدم ،وَأْهَب َ
قا ّ
خَل َ
لَ :
خل ٍ
س ِ
خم ُ
َ
174
وذهب أبو حنيفة إلى جواز السفر مطلقًا ،وقد روى الدارقطني في ))الفراد(( ،من حديث
ن داِر إقاَمته يوَم
سافَر ِم ْ
ل صلى ال عليه وسلم قالَ)) :من َ
ل عنهما أن رسول أ ّ
ابن عمر رضي ا ّ
سَفِره(( .وهو من حديث ابن لهيعة.
حب في َ
عَليِه الَملِئكُة ال يص َ
ت َ
ع ْ
الجمعِةَ ،د َ
ث رسو ُ
ل سم ،عن ابن عباس قال :بع َ
لمام أحمد(( من حديث الحكم ،عن مِْق َ
وفي ))مسند ا ِ
ك َيوَم الجمعة ،قال :فغدا أصحاُبه،
ل بن رواحة في سرية ،فوافق ذِل َ
ل صلى ال عليه وسلم عبد ا ّ
ا ّ
ل صلى ال عليه وسلم ،ثم ألحقهم ،فلما صّلى النبي صلى ال
لا ّ
وقال :أتخّلف وأصلي مع رسو ِ
حاِبك؟ فقال :أردت أن أصّلي معك ،ثم ألحَقهم،
ن َتْغُدَو َمع أص َ
عليه وسلم ،رآه ،فقال :ما َمَنَعك َأ ْ
غْدَوِتهم((.
ل َ
ت َفض َ
ض ما أْدَرك َ
لر ِ
ت َما في ا َ
فقالَ) :لْو َأنَفْق َ
ث ،بأن الحكم لم يسمع من مقسم.
ل هذا الحدي ُ
عّوُأ ِ
عه بعدهم ،جاز له السفُر
ت رفقته ،فإن خاف فوت رفقته وانقطا َ
ف المسافُر َفو َ
خ ِ
هذا إذا لم َي َ
مطلقًا ،لن هذا عذر ُيسقط الجمعة والجماعة.
ولعل ما روي عن الوزاعي -أنه سئل عن مسافر سمع أذان الجمعة وقد أسرج دابته،
ل ابن عمر رضي ال عنه :الجمعة ل تحِب ُ
س ل على هذا ،وكذلك قو ُ
ض على سفرِه -محمو ٌ
فقالِ :ليم ِ
عن السفر .وإن كان مرادهم جواز السفر مطلقًا ،فهي مسألة نزاع .والدليل :هو الفاصل ،على أن
عبد الرزاق قد روى في ))مصنفه(( عن معمر ،عن خالد الحذاء ،عن ابن سيرين أو غيره ،أن
سَفر بعد ما قضى الجمعة ،فقال :ما شأُنك؟ قال :أرد ُ
ت ب َ
ل عليه ثيا ُ
عمر بن الخطاب رأى رج ً
ضْر وقُتها
ج حتى أصلي ،فقال عمر :إن الجمعة ل تمنُعك السفَر ما لم يح ُ
ت أن أخُر َُ
سفرًا ،فكِرْه ُ
فهذا قول من يمنع السفر بعد الزوال ،ول يمنع منه قبله.
وذكره .عبد الرزاق أيضًا عن الثوري ،عن السود بن قيس ،عن أبيه قال :أبصَر عمُر بن
ت ،فقال عمر:
ل :إن اليوَم يوم جمعة ولول ذلك ،لخرج ُ
سفِر ،وقال الرج ُ
ل عليه هْيَئُة ال ّ
الخطاب رج ً
ن الرواح.
حِس مسافرا ،فاخُرج ما لم َي ِ
إن الجمعة ل تحب ُ
وذكر أيضًا عن الثوري ،عن ابن أبي ذئب ،عن صالح بن كثير ،عن الزهري قال :خرج
ضحى قبل الصلة.
رسول ال صلى ال عليه وسلم مسافرًا يوم الجمعة ُ
وذكر عن معَمر قال :سألت يحيى بن أبي كثير :هل يخرج الرجل يوَم الجمعة؟ فكرهه،
فجعلت أحّدثه بالرخصة فيه ،فقال لي :قلما يخرج رجل في يوم الجمعة إل رأى ما يكرهه ،لو
نظرت في ذلك ،وجدَته كذلك.
176
ل يوم
جُ
وذكر ابن المبارك ،عن الوزاعي ،عن حسان بن أبي عطية ،قال :إذا سافر الر ُ
ن على حاجته ،ول ُيصاحب في سفره.
الجمعة ،دعا عليه النهاُر أن ل ُيَعا َ
جريج:
وذكر الوزاعي ،عن ابن المسَيب ،أنه قال :السفر يوَم الجمعة بعد الصلة .قال ابن ُ
قلت لعطاء :أبلغك أنه كان ُيقال :إذا أمسى في قرية جامعة ِمن ليلة الجمعة ،فل يذهب حتى ُيجّمَع؟
قال :إن ذلك ليكره .قلت :فِمن يوم الخميس؟ قال :ل ،ذلك النهار فل يضره.
خطوة أجَر سنة صياَمها وقياَمها ،قال عبد
السابعة عشرة :أن للماشي إلى الجمعة بكل ُ
الرزاق :عن معمر ،عن يحيى بن أبي كثير ،عن أبي قلبة ،عن أبي الشعث الصنعاني ،عن أوس
جُمَعِة ،وَبّكَر وابتَكَر،
ل َيْوَم ال ُ
سَغَت َ
سل وا ْ
ل صلى ال عليه وسلم ))من غ ّ
بن أوس ،قال :قال رسول ا ّ
ل يسير((.
ك على ا ِّ
سَنٍة وقيامها ،وذِل َ
صياُم َ
طوها ِ
خُطَوٍة َي ْ
لخ ْ
ن َله ِبُك ّ
ت ،كا َ
ص َ
ن المام ،فَأْن َ
ودنا ِم َ
لمام أحمد في ))مسنده((.
ورواه ا ِ
سره وكيع.
ل بالتشديد :جامع أهله ،وكذلك ف ّ
سَغّ
لمام أحمدَ :
وقال ا ِ
لمام أحمد في)) .مسنده(( عن سلمان قال:
الثامنة عشرة :أنه يوم تكفير السّيئات ،فقد روى ا ِ
جمَع الّلة فيه
جمعة؟(( قلتُ :هَو اليوم الذي َ
ي ما َيوُم ال ُ
ل صلى ال عليه وسلم ))َأَتدر َ
لي رسول ا ّ
جُمعة،
سن طُهوَرة ،ثَم يأتي ال ُ
ل َفيح ِ
جُطّهر الّر ُ
جُمعة ،ل َيَت َ
َأباكم آدم قال)) :ولكّني َأْدري ما َيوُم ال ُ
جُتِنَب ِ
ت صلَته إل كانت َكّفاَرَة لما َبْيَنه وَبين الجمعِة المقبَلة ما ا ْ
ي المام َ
ضَحّتى َيق ِ
َفُيْنصت َ
الَمْقَتلة((.
وفي ))المسند(( أيضًا من حديث عطاء الخراساني ،عن ُنبيشة الُهذلي ،أنه كان ُيحّدث عن
جد ل يؤذي
ل ِإَلى الَمس ِ
جُمَعِةُ ،ثّم َأقَب َ
ل َيوَم ال ُ
سَن المسِلَم إذا اغَت َ
ل صلى ال عليه وسلم)) :إ ّ
رسول ا ّ
ص َ
ت سَتَمع َوَأن َ
سَ ،فا ْ
جَل َ
جَ ،
خَر َ
لَماَم قد َ
جَد ا ِ
صّلى َما َبَدا َلُهَ ،وِإن َو َ
خَرجَ ،
لمام َ
جِد ا ِ
حدَاَ ،فإن َلْم َي ِ
أَ
جُمَعِة
جمَعِته ِتْلك ُذنوُبه كّلها ،أن تُكون َكَفاَرًة ِلْل ُ
جُمَعَتُه وَكلَمُه ،إن َلْم ُيْغَفْر َله في ُ
لَماُم ُ
يا ِ
ضَحّتى َيق ِ
َ
اّلِتي َتِليها((.
سل
ل صلى ال عليه وسلم ))ل َيْغَت ِ
وفي ))صحيح البخاري(( ،عن سلمان قال :قال رسول ا ّ
خرج،
ب َبْيِتهُ ،ثّم َي ْ
ن ِمنْ ُدهِنِه َأْو َيصّر ِمن طي ِ
طْهرَ ،وَيّدِه ُ
ع ِمن ُ
طا َ
جُمَعِة َوَيَتطّهُر ما است َ
ل َيوَم ال ُ
جٌَر ُ
جمعِة
ن ال ُ
لَمام ،إل غِفَر َلُه َما بْينُه وَبي َ
ت إَذا َتَكّلَم ا ِ
ب َلُهُ ،ثّم ُينص ُ
صلي َماكِت َ
نُ ،ثّم ُي َ
ن اثني ِ
ق َبي َ
فليفّر ُ
لخَرى((.
اُ
)يتبع(...
177
ل بن سلم،
والقول الثاني :أنها بعد العصر ،وهذا أرجح القولين ،وهو قول عبد ا ّ
لمام أحمد ،وخلق .وحجة هذا القول ما رواه أحمد في ))مسنده(( من حديث أبي
وأبي هريرة ،وا ِ
عْبٌد مسلم
سعيد وأبي هريرة ،أن النبي صلى ال عليه وسلم قال)) :إنَ في الجمعة ساعًة ل ُيواِفقها َ
ي َبْعَد الَعصِر((.
عطاه إّياُه وِه َ
لأ ْ
خْيرًا ِإ ّ
ل فيَها َ
لا ّ
َيسَأ ُ
وروى أبو داود والنسائي ،عن جابر ،عن النبي صلى ال عليه وسلم قال)) :يوم الجمعِة اثَنا
عٍة َبعَد
سا َ
خَر َ
سوها آ ِ
طاه ،فالَتِم ُ
ل أع َ
شْيئًا إ ّ
ل ِفيَها َ
ل ا َّ
سَأ ُ
جُد ُمسِلٌم َي ْ
ل ُيو َ
عٌة َ
سا َ
عًةِ ،فيَها َ
سا َ
شَر َ
عََ
الَعصر((.
وروى سعيد بن منصور في ))سننه(( عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ،أن ناسًا من أصحاب
ل صلى ال عليه وسلم اجتمعوا ،فتذاكروا الساعة التي في يوم الجمعة ،فتفّرقوا ولم يختِلفوا
رسول ا ّ
أنها آخُر ساعة من يوم الجمعة.
ل صلى ال عليه وسلم
ل ا ِّ
وفي ))سنن ابن ماجه(( :عن عبد ال بن سلم ،قال :قلت ورسو ُ
ن ُيصلي
عبٌد ُمؤِم ٌ
عة ل ُيواِفُقها َ
سا َ
ل )يعني التوراة( في َيوِم الجُمَعة َ
با ّ
جُد في ِكَتا ِ
جاِلس :إّنا َلَن ِ
ل صلى ال عليه
ل ا ِّ
ل :فأشاَر إلي رسو ُ
عبُد ا ِ
ل َ
جَتُه َقا َ
حا َ
ضى ال َلُه َ
ل َق َ
شْيئًا ِإ ّ
ل َ
جّعّز َو َ
ل َ
ل ا َّ
يسأ ُ
ي ساعٍة هي؟ قال)) :هي
ساعة .قلتَ :أ ّ
ض َ
ل ال ،أو َبع َ
سو َ
ت يا ر ُ
عٍة .قلت :صدق َ
سا َ
ض َ
وسلم أو َبْع َ
ن إذا صّلى،
ساعات الّنهار(( .قلت :إنها ليست ساعَة صلة ،قال :بلى إن العبَد المؤم َ
آخُر ساعٍة من َ
صلٍة((.
لة ،فهو في َ
ل الص َ
سه إ ً
جَلسَ ل يجِل ُ
ثم َ
وفي ))مسند أحمد(( من حديث أبي هريرة ،قال :قيل للنبي صلى ال عليه وسلم :لي شيء
شُة،
طَصْعَقُة والَبْعَثُة ،وفيها الَب ْ
ت طيَنُة أبيك آَدَم ،وفيها ال ّ
طِبَع ْ
ن فيها ُ
ي يوم الجمعة؟ قال)) :ل ّ
سّم َ
ُ
ب َلُه((.
عا ال ِفيَها اسُتجي َ
ن َد َ
عٌة َم ْ
سا َ
ت ِمْنها َ
عا ٍ
سا َ
ث َ
خر َثل ِ
وفي آ ِ
وفي ))سنن أبي داود(( ،والترمذي ،والنسائي من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن ،عن
جُمَعة،
شمس َيْوُم ال ُ
ت ِفيِه ال ّ
طَلَع ْ
خْيُر َيْوٍم َ
ل صلى ال عليه وسلمَ )) :
لا ّ
ل رسو ُ
أبي هريرة قال :قا َ
ب عليه ،وفيه مات ،وفيه تقوُم الساعة ،وما ِمن داّبِة إل وهي
ط ،وفيه ِتي َ
ق آَدُم ،وفيه أْهِب َ
خِل َ
فيه ُ
س ،وفيه
ن والن َ
عة ،إل الج ّ
سا َ
شَفقًا من ال ّ
س َ
شْم ُ
طُلَع ال ّ
ي َت ْ
ح حت َ
جُمَعة ،من حين ُتصِب ُ
خٌة َيوَم ال ُ
ُمصي َ
ل حاجًة إل أعطاُه إّياها(( قال كعب :ذلك
جّعّز َو َ
ل َ
ل ا َّ
سَأ ُ
صّلي َي ْ
سِلٌم وهو ُي َ
عْبد ُم ْ
ساعٌة ل ُيصادفها َ
ب التوراة ،فقال :صدق رسول ال صلى ال
ت :بل في كل جُمَعٍة قال :فقرأ كع ٌ
في كلّ سنٍة يوم؟ فقل ُ
لبُ
ن عْبُد ا ّ
ن سلم ،فحدثته بمجِلسي َمَع َكْعبَ ،فقالَ َ
لبَ
عليه وسلم .قال أبو هريرة :ثّم َلِقْيت عبَد ا ّ
180
لم :هي
سَن َ
لبُ
عْبُد ا ّ
ل َ
خِبرني ِبَهاَ ،فَقا َ
تَ :أ ْ
ي .قال أُبو ُهَرْيَرَةَ :فُقْل ُ
عٍة ِه َ
سا َ
ت أّية َ
سلم :وقد علم ُ
ل صلى
لا ِ
سو ُ
ل َر ُ
جُمَعِةَ ،وَقْد َقا َ
ن َيْوِم ال ُ
عٍة ِم ْ
سا َ
خُر َ
يآ ِ
ف ِه َ
جُمَعِة ،فقلتَ :كْي َ
ن َيْوِم ال ُ
عٍة ِم ْ
سا َ
خُر َ
آِ
ل بن
صّلى ِفيَها؟ فقال عبُد ا ّ
عُة ل ُي َ
سا َ
ك ال ّ
صّلي(( وِتْل َ
سِلم َوُهَو ُي َ
عْبٌد ُم ْ
صاِدُفَها َ
ال عليه وسلم)) :ل ُي َ
لٍة
صَلَةَ ،فُهَو في َ
ظُر الص َ
جِلسًا َيْنَت ِ
س َم ْ
جَل َ
ل ال صلى ال عليه وسلم)) :من َ
سو ُ
سلم :أَلم َيُقل َر ُ
ك.
ي((؟ قال :فقلت :بلى .فقالُ :هَو َذا َ
صّل َ
حّتى ُي َ
َ
قال الترمذي :حديث حسن صحيح .وفي ))الصحيحين(( بعضه.
لماُم الخطبة إلى فراغه من الصلة ،فاحتج بما
وأما من قال إّنها من حين يفتتح ا ِ
ل بن عمر:
رواه مسلم في ))صحيحه(( ،عن أبي بردة بن أبي موسى الشعري ،قال :قال عبد ا ّ
أسمعتَ أباك ُيحّدث عن رسول صلى ال عليه وسلم فى شأن ساعة الجمعة؟ قالُ :قلت :نعم سمعُته
لمام الصلة((.
يا ِ
ضَلماُم إلى أن يق ِ
ن َيجِلس ا ِ
ن َأ ْ
ي َما َبْي َ
ت رسول ال يقولِ)) :ه َ
يقول :سمع ُ
وأما من قال :هي ساعة الصلة ،فاحتج بما رواه الترمذي ،وابن ماجه ،من حديث عمرو
عًة ل
سا َ
جُمَعة َل َ
ن في ال ُ
ل صلى ال عليه وسلم يقول)) :إ ّ
بن عوف المزني ،قال :سمعت رسول ا ّ
ن ُتقاُم
حي َ
ي؟ قالِ )) :
ل أيُة ساعة ِه َ
لا ّ
ل ِإّياُه(( .قالوا :يا رسو َ
ل آتاُه ا ُّ
شْيئًا ِإ ّ
ل الَعْبُد ِفيَها َ
ل ا َّ
سَأ ُ
َي ْ
ف ِمْنَها(( .ولكن هذا الحديث ضعيف ،قال أبو عمر بن عبد البر :هو حديث لم
صَرا ِ
صلة إلى الن ِ
ال ّ
ل بن عمرو بن عوف ،عن أبيه ،عن جده ،وليس هو ممن ُيحت ّ
ج يروه فيما علمت إل كثيُر بن عبد ا ّ
ح بن عبادة ،عن عوف ،عن معاوية بن قرة ،عن أبي بردة عن أبي موسى،
بحديثه .وقد روى رو ُ
ضى الصلُة .فقال ابن عمر:
لمام إلى أن تق َ
ل بن عمر :هي الساعة التي يخرج فيها ا ِ
أنه قال لعبد ا ّ
ل بك.
ب ا ُّ
أصا َ
ب فيها
جْيَرَة ،عن أبي ذر ،أن امرأته سألته عن الساعة التي ُيستجا ُ
حَ
وروى عبد الرحمن بن ُ
يوَم الجمعة للعبد المؤمن ،فقال لها :هي مع رفع الشمس بيسير ،فإن سألتِني بعدها ،فأنت طالق.
صّلي(( وبعد العصر ل صلة
واحتج هؤلء أيضًا بقوله في حديث أبي هريرة ))وُهَو َقاِئٌم ُي َ
في ذلك الوقت ،والخذ بظاهر الحديث أولى .قال أبو عمر يحتج أيضًا من ذهب إلى هذا بحديث
ح ِ
ت لفياُء ،وَرا َ
س ،وفاءت ا َ
شْم ُ
علي ،عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال)) :إذا زالت ال ّ
غُفورًا{
ن َ
لّواِبي َ
نل َ
ل حوائجكم ،فإّنها ساعة الوابين ،ثم تلَ} :فِإّنُه َكا َ
لْرواح ،فاطلبوا إلى ا ّ
اَ
لسراء.(([25 :
]ا ِ
181
وأما من قال بتنقلها ،فرام الجمع بذلك بين الحاديث ،كما قيل ذلك في ليلة
سوها في
القدر ،وهذا ليس بقوي ،فإن ليلَة القدر قد قال فيها النبي صلى ال عليه وسلم)) :فالَتِم ُ
ل ذلك في ساعة الجمعة.
سَعٍة َتْبَقى(( .ولم يجىء مث ُ
ساِبَعٍة َتبَقى ،في َتا ِ
سٍة َتْبَقى ،في َ
خاِم َ
َ
ث صريح بأنها ليلة كذا وكذا ،بخلف
وأيضًا فالحاديث التي في ليلة القدر ،ليس فيها حدي ّ
أحاديث ساعة الجمعة ،فظهر الفرق بينهما.
ن
وأما قول من قال :إَنها ُرفعت ،فهو نظيُر قول َمن قال :إن ليلة القدر ُرِفَعت ،وهذا القائل ،إ ْ
ل المة ،وإن ُرفَع
أراد أّنها كانت معلومة ،فرفع علُمها عن المة ،فيقال له :لم ُيرفع علمها عن ُك ّ
ل باطل مخالف للحاديث
ت ،فقو ٌ
عن بعضهم ،وإن أراد أن حقيقتها وكوَنها ساعة إجابة رِفعَ ْ
ل أعلم.
الصحيحة الصريحة ،فل يعول عليه .وا ّ
صت من بين سائر الصلوات
خ ّ
الحادية والعشرون :أن فيه صلَة الجمعة التي ُ
لقامة،
المفروضات بخصائص ل توجد في غيرها من الجتماع ،والعدد المخصوص ،واشتراط ا ِ
ت نظيُره إل في صلة العصر،
والستيطان ،والجهر بالقراءة .وقد جاء من التشديد فيها ما لم يأ ِ
ل صلى ال
ضْمِري -وكانت له صحبة -إن رسول ا ّ
جْعِد ال ّ
ففي السنن الربعة ،من حديث أبي ال َ
على َقْلِبِه(( .قال الترمذي :حديث حسن،
ل َ
طبَع ا ُّ
جَمع َتهاُونًاَ ،
ث ُ
ك َثل َ
عليه وسلم قالَ)) :من َتَر َ
ف له
وسألت محمد بن إسماعيل عن اسم أبي الجعد الضمري ،فقال :لم ُيعرف اسمه ،وقال :ل أعِر ُ
عن النبي صلى ال عليه وسلم إل هذا الحديث .وقد جاء في السنن عن النبي صلى ال عليه وسلم
المُر لمن تركها أن يتصّدق بدينار ،فإن لم يجد ،فنصف دينار .رواه أبو داود ،والنسائي من رواية
قدامة بن وبرة ،عن سمرة بن جندب .ولكن قال أحمد :قدامة بن وبرة ل يعرف .وقال يحيى بن
حكي عن البخاري ،أنه ل يصح سماعه من سمرة .وأجمع المسلمون على أن الجمعة
معين :ثقة ،و ُ
ل ُيحكى عن الشافعي ،أنها فرض كفاية ،وهذا غلط عليه منشؤه أنه قال :وأما
ض عين ،إل قو ً
فر ُ
ض
صلة العيد ،فتجب على كل من تجب عليه صلُة الجمعة ،فظن هذا القائل أن العيد لما كانت فر َ
كفاية ،كانت الجمعة كذلك .وهذا فاسد ،بل هذا نص من الشافعي أن العيد واجب على الجميع ،وهذا
ض كفاية ،فإن فرض الكفاية
جُمَعِة ،وأن يكون فر َ
ض عين كال ُ
يحتمل أمرين ،أحدهما :أن يكون فر َ
ن بسُقوطه عن البعض بعد وجوبه بفعل
ب على الجميع ،كفرض العيان سواء ،وإنما يختِلفا ِ
يج ُ
الخرين.
183
ب القول الول ،بحديث جابر رضي اللله عنه عن النبي صلى ال عليه
واحتج أصحا ُ
عًة(( .قالوا :والساعات المعهودة ،هي الساعات التي هي ثنتا
سا َ
جُمَعِة ِثْنَتا عشَرة َ
وسلمَ)) :يْوُم ال ُ
عشرة ساعة ،وهي نوعان :ساعات تعديلية ،وساعات زمانية ،قالوا :ويدل على هذا القول ،أن
النبي صلى ال عليه وسلم إنما َبَلَغ بالساعات إلى ست ،ولم يزد عليها ،ولو كانت الساعة أجزاء
صغارًا مثل الساعة التي ُتفعل فيها الجمعة ،لم تنحصر في ستة أجزاء ،بخلف ما إذا كان الُمراُد
طوي ِ
ت لماُم ،و ُ
بها الساعات المعهودة ،فإن الساعة السادسة متى خرجت ،ودخلت السابعة ،خرج ا ِ
الصحف ،ولم يكتب لحد قربان بعد ذلك ،كما جاء مصرحًا به في ))سنن أبي داود(( من حديث
طي ُ
ن شيا ِ
ت ال ّ
غَد ِ
جُمَعِةَ ،
ن َيْوُم ال ُ
علي رضي ال عنه ،عن النبي صلى ال عليه وسلم)) :إذا َكا َ
جُمَعِةَ ،وَتْغُدو
ن ال ُ
عِطوَنُهم َ
ث َوُيَثّب ُ
ث َأو الّرَباِئ ِ
س بالترابي ِ
ن الّنا َ
سَواقَ ،فَيْرُمو َ
لِْبَراَياِتَها إلى ا َ
خُر َ
ج عَتْين حّتى َي ْ
سا َ
ن َ
ل ِم ْ
جَعٍة ،والّر ُ
سا َ
ل ِمن َ
جَن الّر ُ
جِدَ ،فَيكُتبو َ
سا ِ
عَلى أْبَواب الَم َ
س َ
جِل ُ
لِئَكُةَ ،ت ْ
الَم َ
لَمام((.
اِ
ل العلم في تلك الساعات ،فقالت طائفة منهم :أراد
قال أبو عمر بن عبد البر :أختلف أه ُ
ل عندهم التبكيُر في ذلك الوقت إلى الجمعة ،وهو
ت ِمن طلوع الشمس وصفاِئها ،والفض ُ
الساعا ِ
قول الثوري ،وأبي حنيفة والشافعي ،وأكثر العلماء ،بل كلهم يستحب البكور إليها.
ل :ولو بكر إليها بعد الفجر ،وقبل طلوع الشمس ،كان حسنًا .وذكر
قال الشافعي رحمه ا ّ
الثرم ،قال :قيل لحمد بن حنبل :كان مالك بن أنس يقول :ل ينبغي التهجير يوَم الجمعة باكرًا،
ل إلى أي شيء ذهب في هذا،
فقال :هذا خلف حديث النبي صلى ال عليه وسلم .وقال :سبحان ا ّ
جُزورًا(( .قال :وأما مالك فذكر يحيى بن عمر ،عن
والنبي صلى ال عليه وسلم يقول)) :كالُمْهِدي َ
حرملة ،أنه سأل ابن وهب عن تفسير هذه الساعات :أهو الغّدو من أول ساعات النهار ،أو إنما أراد
ت مالكًا عن هذا ،فقال :أما الذي يقع بقلبي ،فإنه
ن وهب :سأل ُ
ت الرواح؟ فقال اب ُ
ل ساعا ِ
بهذا القو ِ
ت ،من راح من أول تلك الساعة ،أو الثانية ،أو الثالثة،
ن فيها هذه الساعا ُ
إنما أراد ساعة واحدة تكو ُ
جُمَعُة حّتى يكون النهاُر تسَع
ت ال ُ
صّلي ِ
أو الرابعة ،أو الخامسة ،أو السادسة .ولو لم يكن كذلك ،ما ُ
ن حبيبُ ،ينكر مالك هذا ،ويميل إلى القول
ساعات في وقت العصر ،أو قريبًا من ذلك .وكان اب ُ
الول ،وقال :قول مالك هذا تحريف في تأويل الحديث ،ومحال من وجوه .وقال :يدُلك أنه ل يجوز
ساعات في ساعة واحدة :أن الشمس إنما تزول في الساعة السادسة من النهار ،وهو وقت الذان،
لمام إلى الخطبة ،فدل ذلك على أن الساعات في هذا الحديث هي ساعات النهار
جا ِ
وخرو ِ
185
المعروفات ،فبدأ بأول ساعات النهار ،فقال :من راح في الساعة الولى ،فكأّنما قرب بدنة ،ثم قال:
ح الحديث بّين في لفظه،
في الساعة الخامسة بيضة ،ثم انقطع التهجير ،وحان وقت الذان ،فشر ُ
س فيما
حه النا َ
ف ِمن القول ،وما ل يكون ،وزّهد شار ُ
خْل ِ
ح بال ُ
شِر َ
ف عن موضعه ،و ُ
حّر َ
ولكنه ُ
رغبهم فيه رسول ال صلى ال عليه وسلم من التهجير من أول النهار ،وزعم أن ذلك كّله إنما
ب زوال الشمس ،قال :وقد جاءت الثاُر بالتهجير إلى الجمعة في أول
يجتمع في ساعة واحدة قر َ
سقنا ذلك في موضعه من كتاب واضح السنن بما فيه بيان وكفاية.
النهار ،وقد ُ
هذا كله قول عبد الملك بن حبيب ،ثم رد عليه أبو عمر ،وقال :هذا تحامل منه على مالك
خلفًا وتحريفًا من التأويل ،والذي قاله مالك
ى أنكره وجعله ُ
ل تعالى ،فهو الذي قال القول الذ ِ
رحمه ا ّ
ح فيه
ل بالمدينة عنده ،وهذا مما يص ُ
تشهد له الثار الصحاح من رواية الئمة ،ويشهد له أيضًا العم ُ
ج بالعمل ،لنه أمر يترّدد كل جمعة ل يخفى على عامة العلماء .فمن الثار التي يحتج بها
الحتجا ُ
مالك ما رواه الزهري عن سعيد بن المسّيب ،عن أبي هريرة ،أن النبي صلى ال عليه وسلم قال:
ل،
لّو َ
ل َفا َ
س ،الَّو َ
ن الّنا َ
لِئكٌةَ ،يكُتُبو َ
جِد َم َ
سِب الَم ْ
ن َأْبوا ِ
ب ِم ْ
ل َبا ٍ
عَلى ُك ّ
جُمَعِةَ ،قاَم َ
ن َيْوُم ال ُ
))إَذا َكا َ
حّتى
شًاَ ،
جُمَعِة َكالُمْهدي َبَدَنًةُ ،ثَم اّلِذي َيليِه كالُمْهِدي َبَقرًةُ ،ثّم اّلِذي َيليِه َكالُمهِدي َكْب َ
جُر إَلى ال ُ
فالُمَه ّ
طَبة(( .قال :أل ترى إلى
خ ْ
سَتَمُعوا ال ُ
ف ،وا ْ
صح ُ
ت ال ّ
طوَي ِ
لَماُمُ ،
سا ِ
جَل َ
جة َوالَبْيضَة ،فإَذا َ
جا َ
ذَكَر الّد َ
جُر إلى الجمعة كالمهدي بدنة ،ثم
ن الناس الول فالول ،فالمه ّ
ما في هذا الحديث ،فإنه قال :يكتبو َ
الذي يليه فجعل الول مهجرًا ،وهذه اللفظة إنما هي مأخوذة من الهاجرة والتهجير ،وذلك وقت
ت طلوع الشمس ،لن ذلك الوقت ليس بهاجرة ول تهجير،
النهوض إلى الجمعة ،وليس ذلك وق َ
وفي الحديث)) :ثّم الذي يليه ،ثّم الذي يليه(( .ولم يذكر الساعة .قال :والطرق بهذا اللفظ كثيرة،
جُمعَِة كالُمْهِدي َبَدَنًة(( .وفي أكثرها:
ل إلى ال ُ
جُمذكورة في ))التمهيد(( ،وفي بعضها ))المتع ّ
جُزوَرا(( الحديث .وفي بعضها ،ما يدل على أنه جعل الرائح إلى الجمعة في
جُر كالُمْهِدي َ
))المه ّ
أول الساعة كالُمهدي بدنة ،وفي آخرها كذلك ،وفي أول الساعة الثانية كالمهدي بقرة ،وفي آخرها
جُمَعِة
جُر إلى ال ُ
كذلك .وقال بعض أصحاب الشافعي :لم ُيرد صلى ال عليه وسلم بقوله)) :المه ّ
ي َبَدَنًة(( ،الناهض إليها في الهجير والهاجرة ،وإنما أراد التارك لشغاله وأعماله من
كالُمْهِد َ
أغراض أهل الدنيا للنهوض إلى الجمعة ،كالُمهدي بدنة ،وذلك مأخوذ من الهجرة وهو تر ُ
ك
ض إلى غيره ،ومنه سّمي المهاجرون .وقال الشافعي رحمه ال :أحبّ التبكير إلى
الوطن ،والنهو ُ
الجمعة ،ول ُتؤتى إل مشيًا .هذا كله كلُم أبي عمر.
186
قلت :ومدار إنكار التبكير أول النهار على ثلثة أمور ،أحدها :على لفظة الرواح،
وإنها ل تكون إل بعد الزوال ،والثاني :لفظة التهجير ،وهي إنما تكون بالهاجرة وقت شدة الحر،
والثالث :عمل أهل المدينة ،فإنهم لم يكونوا يأتون من أول النهار.
فأما لفظة الرواح ،فل ريب أنها ُتطلق على المضى بعد الزوال ،وهذا إنما
شْهٌر{ ]سبأ ،[12 :وقوله
حَها َ
شْهٌر َوَرَوا ُ
غُدّوها َ
يكون في الكثر إذا ُقرنت بالُغدّو ،كقوله تعالىُ } :
ح((.
غَدا َأْو َرا َ
جّنِة ُكّلَما َ
ل في ال َ
ل َلُه ُنُز ً
عّد ا ُّ
حَ ،أ َ
جد َوَرا َ
غدا إلى الَمس ِ
ن َ
صلى ال عليه وسلمَ)) :م ْ
وقول الشاعر:
ضي
ش ل َتْنقَ ِ
عا َ
ن َ
جُة َم ْ
حا َ
َو َ جاِتَنا
حا َ
ح َوَنْغُدو ِل َ
َنُرو ُ
وقد ُيطلق الرواح بمعنى الذهاب والمضي ،وهذا إنما يجيء ،إذا كانت مجردة عن القتران
بالغدو.
ل الرواح في السير في كل
ض العرب يستعِم ُ
وقال الزهري في ))التهذيب(( :سمعت بع َ
وقت ،يقال :راح القوم :إذا ساُروا ،وغَدْوا كذلك ،ويقول أحدهم لصاحبه :ترّوح ،ويخاطب
ن ذلك ما جاء في الخبار
ن؟ وِم ْ
حو َ
أصحابه ،فيقولُ :روحوا أي :سيروا ،ويقول الخر :أل ترو ُ
خّفِة إليها ،ل بمعنى الرواح بالعشي.
الصحيحة الثابتة ،وهو بمعنى المضي إلى الجمعة وال ِ
جر ،فمن الهجير ،والهاجرة ،قال الجوهري :هي نصف
وأما لفظ التهجير والمه ّ
جر النهاُر ،قال امرؤ القيس:
النهار عند اشتداد الحر ،تقول منه :ه ّ
جرا
صاَم الّنهاُر وَه ّ
سرٍة إَذا َ
جْبَ ل الَهّم عنها
ســ ّ
عها َو َ
َفَد ْ
جر :السير في الهاجرة،
جرين ،أي :في وقت الهاجرة ،والتهجير والته ّ
ويقال :أتينا أهلنا مه ّ
ل أهل المدينة.
فهذا ما يقّرر به قو ُ
قال الخرون :الكلم في لفظ التهجير ،كالكلم في لفظ الرواح ،فإنه يطلق وُيراد به التبكير.
سمي ،عن أبي صالح ،عن أبي هريرة،
قال الزهري في ))التهذيب(( :روى مالك ،عن ُ
س ما في الَتهجير ،لسَتبقوا إليه((.
ل صلى ال عليه وسلم)) :لو َيْعَلُم الّنا ُ
قال :قال رسول ا ّ
جُمعة كالُمْهِدي َبَدنة(( .قال :ويذهب كثيٌر من
جُر إلى ال ُ
وفي حديث آخر مرفوع)) :المه ّ
ت الزوال وهو غلط ،والصواب فيه
الناس إلى أن التهجير في هذه الحاديث تفعيل من الهاجرة وق َ
شميل ،أنه قال :التهجير إلى الجمعة وغيرها :التبكير
ما روى أبو داود المصاحفي ،عن الّنضر بن ُ
ل يقول ذلك ،قاله في تفسير هذا الحديث.
ت الخلي َ
والمبادرة إلى كل شيء قال :سمع ُ
187
قال الزهري :وهذا صحيح ،وهي لغة أهل الحجاز ومن جاورهم من قيس ،قال لبيد:
سْلَمى َوَما َتَذُر
َفَما ُتواصلُه َ جٍر َبْعَدما اْبتَكُروا
ن ِبَه ْ
ح الَقطي ُ
َرا َ
ح عندهم :الذهاب والمضي ،يقال :راح القوم :إذا خّفوا وَمّروا
فقرن الَهجر بالبتكار ،والروا ُ
جيِر ،لستَبُقوا ِإَليِه(( أراد به
ي وقت كان .وقوله صلى ال عليه وسلمَ)) :لْو َيعَلُم الّناس َما في الّته ِ
أ ّ
صلوات ،وهو المضي إليها في أول أوقاتها ،قال الزهري :وسائر العرب
التبكيَر إلى جميع ال ّ
جر الرجل :إذا
جر الرجل :إذا خرج وقت الهاجرة ،وروى أبو عبيد عن أبي زيد :ه ّ
يقولون :ه ّ
خرج بالهاجرة .قال :وهي نصف النهار .ثم قال الزهري :أنشدني المنذري فيما روى ثعلب ،عن
ن جّواس الّربِعي في ناقته:
جْعثَنة ب ُ
ابن العرابي في ))نوادره(( ،قال :قال ِ
جْفـِر
ت ِبُعُروضِ ال َ
ن َأْن ِ
َأْزَما َ سِمي وَنْذِري
ن َق َ
ل َتْذُكِري َ
َه ْ
ضي ِبِوْقري
ن َلْم َتْنَه ِ
يإ ْ
عَل ّ
َ ضِر
ح ْ
ضَراٌر جواُد ال ُ
إْذ َأْنتِ ِم ْ
حجـِر
ع َ
صا ِ
ي ل ِب َ
خاِلِد ّ
ِبال َ ت ِبَقـــْدِر
ن قّدَر ْ
ِبَأْرَبِعي َ
جــِر
جيِر الَف ْ
ن ِبَه ِ
جُرو َ
ُيَه ّ سفــِر
حبي َأياِنقًا في َ
صَوَت ْ
ج الُغبِر
جا ِ
ض الِف َ
ن َأغَرا َ
طُوو َ
َي ْ شي َليَلُهم َفَتسـِري
ت َتْم ِ
ثّم َ
جِر
جِر ُبُروَد الّت ْ
خي الّت ْ
ي َأ ِ
طَّ
حِر.
سَجرون بهجير الفجر ،أي :يبكرون بوقت ال ّ
قال الزهريُ :يه ّ
وأما كون أهل المدينة لم يكونوا َيُروحون إلى الجمعة أّول النهار ،فهذا غايُة عملهم في
ع أهل المدينة حجة ،فإن هذا ليس
ل ،وهذا ليس بحجة ،ول عند َمن يقول :إجما ُ
زمان مالك رحمه ا ّ
ل الرجل
ك الرواح إلى الجمعة من أول النهار ،وهذا جائز بالضرورة .وقد يكون اشتغا ُ
فيه إل تر ُ
ل ِمن َرَواحه إلى الجمعة من
شه وغيِر ذلك من أمور دينه ودنياه أفض َ
بمصالحه ومصالح أهله ومعا ِ
س الرجل في مصله حتى ُيصل َ
ي ب أن انتظاَر الصلة بعد الصلة ،وجلو َ
أَول النهار ،ول ري َ
ل من ذهابه وعوده في وقت آخر للثانية ،كما قال صلى ال عليه وسلم:
الصلة الخرى ،أفض ُ
صّليُ ،ثّم َيُروح ِإلى َأهِْله(( وأخبر:
ن اّلِذي ُي َ
ل ِم َ
ضُلمام َأْف َ
صّليَها َمَع ا ِ
لَةُ ،ثّم ُي َ
صَظر ال َ
))واّلِذي َيْنَت ِ
ل ُتصلي عليه ما داَم في ُمصله(( وأخبر)) :أن انتظار الصلة بعد الصلة،
))أن الملِئَكة لم َتَز ْ
لِئَكَته بَمن
خطايا وَيْرَفُع ِبِه الدرجات ،وأنه الَرباط(( وأخبر)) :أن ال ُيَباِهي َم َ
ل به ال َ
حو ا ُّ
مما يم ُ
ظر الجمعة،
خَرى(( وهذا يدل على أن من صّلى الصبح ،ثم جلس ينت ِ
ظُر ُأ ْ
س َينَت ِ
جَل َ
ضة و َ
ضى َفِري َ
َق َ
188
ل ممن يذهب ،ثم يجيء في وقتها ،وكون أهل المدينة وغيرهم ل يفعلون ذلك ،ل يدل
فهو أفض ُ
ل أعلم.
على أنه مكروه ،فهكذا المجيء إليها والتبكيُر في أول النهار ،وا ّ
الخامسة والعشرون :أن للصدقة فيه مزيًة عليها في سائر اليام ،والصدقُة فيه
بالنسبة إلى سائر أيام السبوع ،كالصدقِة في شهر رمضان بالنسبة إلى سائر الشهور .وشاهد ُ
ت
ل روحه ،إذا خرج إلى الجمعة يأخُذ ما وجد في البيت من خبز أو
لسلم ابن تيمية قدس ا ّ
خا ِ
شي َ
ل قد أمرنا بالصدقة بين يدي مناجاة
غيره ،فيتصدق به في طريقه سرًا ،وسمعته يقول :إذا كان ا ّ
ل وأولى بالفضيلة .وقال
ل صلى ال عليه وسلم ،فالصدقة بين يدي مناجاته تعالى أفض ُ
رسول ا ّ
أحمد بن زهير بن حرب :حدثنا أبي ،حدثنا جرير ،عن منصور ،عن مجاهد ،عن ابن عباس ،قال:
ل مسلم في صلة
اجتمع أبو هريرة ،وكعب ،فقال أبو هريرة :إن في الجمعة لساعًة ل ُيواِفقها رج ٌ
ل عز وجل شيئًا إل آتاه إّياه ،فقال كعب :أنا أحّدُثكم عن يوم الجمعة ،إنه إذا كان يوُم الجمعة
لا ّ
يسأ ُ
ن آدم
ق كُلها ،إل اب َ
ض ،والبّر ،والبحُر ،والجبال ،والشجُر ،والخلئ ُ
ت والر ُ
َفِزعت له السماوا ُ
لمام ،فإذا
والشياطين ،وحّفت الملئكة بأبواب المسجد ،فيكُتبون من جاء الول فالول حتى يخرج ا ِ
ل حاِلم أن
ق على ُك ّ
ل ،لما ُكتب عليه ،وح ّ
حَفهم ،فمن جاء بعد ،جاء لحق ا ّ
طَووا ص ُ
خرج المامَ ،
لّياِم ،ولم تطُلِع
سل يومئذ كاغتساله من الجنابة ،والصدقُة فيه أعظُم من الصدقة في سائر ا َ
يغت ِ
الشمس ولم تغُرب على مثل يوم الجمعة .فقال ابن عباس :هذا حديث كعب وَأبي هريرة ،وأنا أرى
ب يمس منه.
إن كان لهله طي ٌ
ل فيه لوليائه المؤمنين في
ل عّز وج ّ
السادسة والعشرون :أنه يوم يتجّلى ا ّ
لمام ،وأسبقهم إلى الزيارة أسبَقهم إلى الجمعة.
الجنة ،وزيارتهم له ،فيكون أقرُبهم منهم أقرَبهم من ا ِ
وروى يحيى بن يمان ،عن شريك ،عن أبي اليقظان ،عن أنس بن مالك رضي ال عنه ،في قوله
ل جمعة.
عز وجلَ} :وَلَدْيَنا َمِزيٌد{ ]ق [35 :قال :يتجّلى لهم في ك ّ
وذكر الطبراني في ))معجمه(( ،من حديث أبي نعيم المسعودي ،عن الِمنهال بن عمرو،
ل الجنة في كل
ل عز وجل َيْبُرز له ِ
ل :سارعوا إلى الجُمعِة ،فإن ا ّ
عبيدة قال :قال عبد ا ّ
عن أبي ُ
ث ا ُّ
ل ن كافور فيكونون منه في الُقرب على قدر تسارعهم إلى الجمعة ،فُيحِد ُ
ب ِم ْ
جمَعة في َكِثي ٍ
ُ
سبحانه لهم ِمن الكرامة شيئًا لم يُكونوا قد رأْوه قبل ذلك ،ثم َيرجُعون إلى أهليهم ،فُيحّدثونهم بما
ُ
ل :رجلن وأنا الثالث ،إن
جد ،فإذا هو برجلين ،فقال عبُد ا ّ
ل المس َ
ل لهم .قال :ثم دخل عبُد ا ّ
أحدث ا ّ
ل ُيبارك في الثالث.
يشِأ ا ُّ
189
ل بن مسعود رضي
ب(( عن علقمة بن قيس قالُ :رحت مع عبد ا ّ
شَع ِ
وذكر البيهقى في ))ال ّ
ل عنه إلى جمعة ،فوجد ثلثة قد سبقوه ،فقال :رابع أربعة ،وما رابُع أربعة ببعيد .ثم قال :إني
ا ّ
عَلى َقْدِر
ل َ
ن ا ِّ
ن َيوَم الِقَياَمِة ِم َ
سو َ
س َيجِل ُ
ن الّنا َ
ل صلى ال عليه وسلم :يقول ))إ ّ
لا ّ
سمعت رسو َ
لَ)) :وَما رْاَبع َأْرَبَعٍة ِبَبِعيٍد((.
حِهْم إلى الجُمَعَة ،الولُ ،ثّم الثاني ،ثّم الثالثُ ،ثّم الرابع(( .ثم َقا َ
َرَوا ِ
قال الدارقطني في كتاب ))الرؤية(( :حدثنا أحمد بن سلمان بن الحسن ،حدثنا محمد بن
عثمان بن محمد ،حدثنها مروان بن جعفر ،حدثنا نافع أبو الحسن مولى بني هاشم ،حدثنا عطاء بن
ل صلى ال عليه وسلمِ)) :إَذا َكا َ
ن لا ّ
ل عنه ،قال :قال رسو ُ
أبي ميمونة ،عن أنس بن مالك رضي ا ّ
جمَعِةَ ،وَتَراُه الُمْؤمَنا ُ
ت ل ُ
ن َبّكَر في ُك ّ
ظِر إَليِه َم ْ
عْهدًا ِبالّن َ
حَدُثُهم َ
ن َرّبهم ،فَأ ْ
َيوُم الِقَياَمِةَ ،رَأى الُمْؤِمُنو َ
حِر((.
َيْوَم الفطر َوَيْوَم الّن ْ
ل بن الجهم
حدثنا محمد بن نوح ،حدثنا محمد بن موسى بن سفيان السكري ،حدثنا عبد ا ّ
الرازي ،حدثنا عمرو بن أبي قيس ،عن أبي طيبة ،عن عاصم ،عن عثمان بن عمير أبي اليقظان،
ل َوِفي َيِدِه
جْبِرْي ُ
ل عنه ،عن رسول صلى ال عليه وسلم ،قالَ)) :أَتاِني ِ
عن أنس بن مالك رضي ا ِّ
عَلْي َ
ك ل َ
ل :هِذِه الجُمَعة َيْعِرضَها ا َُ
ل؟ َقا َ
جْبِري ُ
تَ :ما َهَذا َيا ِ
َكالِمْرَآِة الَبْيضاِء ِفيَها َكالنْكَتِة السْوَداِءَ ،فُقْل ُ
ل ،والَيُهوُد
ت ِفيَها الَّو ُ
خْيٌرَ ،أْن َ
لَ :لُكْم ِفيَها َ
تَ :وَما َلَنا فيها؟ َقا َ
كُ ،قْل ُ
ن َبْعِد َ
ك ِم ْ
عيدًا وِلَقْوِم َ
ك ِ
ن َل َ
ِلتُكو َ
طاُهَ ،أْو
عَل َأ ْ
سٌم ِإ ّ
شْيئًا ُهَو َلُه َق ْ
عْبٌد ِفيَها َ
ل َ
جّعّز َو َ
ل َ
ل ا َّ
سَأ ُ
ل َي ْ
عٌة َ
سا َ
ك ِفيَها َ
كَ ،وَل َ
ن َبْعِد َ
صاَرى ِم ْ
َوالّن َ
عْنُه َما ُهَو
ل َدَفَع َ
عَلْيِه ،وِإ ّ
ب َ
شّر َما ُهَو َمْكُتو ٌ
ن َ
ل ِم ْ
عاُذه ا ُّ
ل ِمْنُهَ ،وَأ َ
ضَطاُه َأْف َ
ل َأع َ
سٌم ِإ ّ
س َلُه َق ْ
َلْي َ
عْنَدَنا
جُمَعِةَ ،وُهَو ِ
عُة َتُقوُم َيْوَم ال ُ
سا َ
ي ال ّ
لِ :ه َ
سْوَداُء؟ َقا َ
تَ :وَما هِذِه الّنكتُة ال ّ
ن ذِلك .قالُ :قْل ُ
ظُم ِم ْ
َأع َ
ك َأ ّ
ن ل ! َوَما َيْوُم الَمِزيِد؟ قال :ذِل َ
جبِري ُ
تَ :يا ِ
لُ :قْل ُ
خَرِة َيْوَم الَمزيِدَ .قا َ
ل ال ِ
عوُه َأْه ُ
لّياِمَ ،وَيْد ُ
سّيُد ا َ
َ
سّيه،
عَلى ُكْر ِ
ل َ
جُمَعِةَ ،نَز َ
ن َيْوُم ال ُ
ضَ ،فِإَذا َكا َ
ك َأْبَي َ
سٍ
ن ِم ْ
ح ِم ْ
جّنِة َواِديًا َأْفَي َ
خَذ في ال َ
ل اّت َ
جّعّز َو َ
ك َ
َرّب َ
ف الَمَناِبُر ِبَمَناِبَر ِم ْ
ن ح ّ
عَلْيَهاُ ،ثّم ُ
سوا َ
جِل ُ
حّتى َي ْ
ن َ
جيُء الّنِبُيو َ
ن ُنوٍرَ ،فَي ِ
ي ِبَمَناِبَر ِم ْ
سّ
ف الُكْر ِ
ح ّ
ُثّم ُ
عَلى
سوا َ
حّتى َيجِل ُ
ف َ
ل الُغر ِ
عَلْيَهاَ ،وَيجيُء َأْه ُ
سوا َ
جِل ُ
حَتى َي ْ
شهَداُء َ
ن وال ُ
صّديقو َ
جيُء ال ّ
بَ ،فَي ِ
َذَه ٍ
لَ :أَنا اّلِذي صَدْقتُكْم َوعِدي،
ن ِإَلْيِه َفَيُقو ُ
ظُرو َ
ل ،قالَ :فَيْن ُ
جّعّز َو َ
جّلى َلُهْم َرّبُهْم َ
ل :ثّم َيَت َ
بَ ،قا َ
الُكُث ِ
ي أنِزَلُكْم َداِري،
ضا َ
لِ :ر َ
سُلوِنيَ ،فَيسَأُلوَنُه الّرضىَ .قا َ
ل َكَراَمِتي َف َ
حّعَلْيُكم ِنْعَمِتي ،وَهَذا َم َ
وَأْتَمْمتُ َ
حّتى َتْنَتِه َ
ي سَأُلوَنُهَ ،
شَهُد َلُهْم ِبالِرضىُ ،ثّم َي ْ
لَ :ف ْ
سَأُلوَنُه الّرضىَ .قا َ
سُلوِفيَ ،فَي ْ
وَأناَلُكْم َكَراَمِتيَ ،ف َ
لُ :لّم
ب َبشٍَرَ .قا َ
عَلى َقْل ِ
طَر َ
خَل َ
تَ ،و َ
سمَع ْ
ن َ
ل ُأُذ ٌ
ت َو َ
ن َرَأ ْ
عي ّ
ل َ
ك َما َ
عْنَد َذِل َ
ح َلُهْم ِ
غَبُتهْم ،ثّم ُيْفَت ُ
َر ْ
غْرَفٍة
ل ُ
غَرِفِهمَ .قالُ :ك ّ
ف ِإلى ُ
ل الُغَر ِ
جيُء َأْه ُ
شَهَداء ،وَي ِ
ن وال ّ
ب الِعّزِةَ ،وَيْرَتفُع َمَعُه الّنِبّيو َ
َيْرَتفُع َر ّ
190
لِليَها
عَضراءَ ،أبوابها و َ
خ ْ
جَدٍة َ
ن َزَبْر َ
غْرَفٌة ِم ْ
حْمَراُء ،و ُ
صَمَ ،ياُقوَتة َ
ل َف ْ
ل ِفيَها َو َ
صَن ُلْؤُلَؤٍة ل َو ْ
ِم ْ
سوا ِإلى
خَدُمها .قال :فَلْي ُ
جَها و َ
طِرَدة متدّلية ِفيَها َأْثَماُرَهاِ ،فيها َأْزوا ُ
غلُفها ِمنها أنهاُرها ُم ّ
وسَقاِئُفَها وَأ ْ
جِهِه الَكِريِمَ ،فذِل َ
ك ظِر ِإَلى َو ْ
ل والّن َ
جّل عَّز َو َ
ن َكَراَمِة ا ِّ
جُمَعِة ِليْزَداُدوا م ْ
ج ِمْنُهْم ِإلى َيْوِم ال ُ
شيء َأحو َ
َ
َيْوُم الَمِزيِد((.
ث عدُة طرق ،ذكرها أبو الحسن الدارقطني في كتاب ))الرؤية((.
ولهذا الحدي ِ
ل به في كتابه بيوم الجمعة ،قال
سَر الشاهد الذي أقسم ا ّ
السابعة والعشرون :أنه قد ُف ّ
عبيدة ،عن أيوب بن خالد ،عن عبد الّ
ل بن موسى ،أنبأنا موسى بن ُ
حميد بن زنجويه :حدثنا عبد ا ّ
ُ
عوُدَ :يْوُم الِقَياَمِة،
بن رافع ،عن أبي هريرة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم)) :الَيْوُم الَمْو ُ
ل ِمن
ضَ
عَلى َأْف َ
ت َ
غَرَب ْ
ل َ
سَ ،و َ
شْم ٌ
ت َ
طَلَع ْ
جُمَعِةَ ،ما َ
شاِهُد َيْوُم ال ُ
عَرَفةَ ،وال ّ
شهود :هو َيوُم َ
واْلَيْوُم الَم ْ
شّر
ن َ
سَتِعيُذُه م ْ
ب َلُهَ ،أْو َي ْ
جا َ
سَت َ
لا ْ
خير إ ّ
ل فيَها ب َ
عو ا َّ
ن َيْد ُ
عْبٌد ُمْؤِم ّ
ل ُيواِفُقَها َ
عٌة َ
سا َ
جُمَعِةِ ،فيِه َ
َيوِم ال ُ
عاَذ ِمْنُه((.
لأ َ
ِإ ّ
ورواه الحارث بن أبي أسامة في ))مسنده(( ،عن روح ،عن موسى بن عبيدة.
وفي ))معجم الطبراني(( ،من حديث محمد بن إسماعيل بن عياش ،حدثني أبي ،حدثني
ل صلى ال
لا ّ
شريح بن عبيد ،عن أبي مالك الشعري قال :قال رسو ُ
ضمضم بن زرعة ،عن ُ
َ
عَرَفَةَ ،وَيْوُم
جُمَعِة ،والَمشُهوُدَ :يْوُم َ
شاِهُد َيْوُم ال ُ
عوُدَ :يْوُم الِقَياَمِة ،وال ّ
عليه وسلم)) :اْلَيْوُم الَمْو ُ
جبير بن مطعم.
صِر(( وقد ُروي من حديث ُ
لُة الَع ْ
صَطى َ
سَصلُة الُو ْ
ل َلَناَ ،و َ
خَرُه ا ُّ
جُمَعِة َذ َ
ال ُ
لمام أحمد :حدثنا محمد
ل أعلم :-أنه من تفسير أبي هريرة ،فقد قال ا ِ
قلت :والظاهر -وا ّ
بن جعفر ،حدثنا شعبة سمعت علي بن زيد ويونس بن عبيد يحدثان عن عماٍر مولى بني هاشم ،عن
أبي هريرة ،أما علي بن زيد ،فرفعه إلى النبي ،وأما يونس ،فلم َيْعُد أبا هريرة أنه قال :في هذه
شُهود{ قال :الشاِهد :يوم الجمعة ،والمشهود يوُم عرفة ،والموعود :يوم القيامة.
شاِهٍد َوَم ْ
الية} :و َ
ل والبحاُر،
ض ،والجبا ُ
ت والر ُ
الثامنة والعشرون :أنه اليوم الذي تفزع منه السماوا ُ
ن ،فروى أبو الجّواب ،عن عّمار بن رزيق ،عن منصور ،عن
جّس وال ِ
لن َ
ق كلها إل ا ِ
والخلئ ُ
ل صلى ال
لا ّ
مجاهد ،عن ابن عباس ،قال :اجتمع كعب وأبو هريرة ،فقال أبو هريرة :قال رسو ُ
ل أعطاه
خَرة إ ّ
خيَر الُدنَيا وال ِ
ل ِفيَها َ
ل ا َّ
سَأ ُ
عْبٌد ُمسِلٌم َي ْ
عًة ل ُيواِفُقَها َ
سا َ
ن في الجُمَعِة َل َ
عليه وسلم)) :إ ّ
سماوا ُ
ت ت َلُه ال ّ
ع ْ
جُمَعِة ،فِز َ
ن َيْوُم ال ُ
جُمَعِة ،إّنُه ِإَذا َكا َ
ن َيوِم ال ُ
عْحّدثكم َ
ب :أل ُأ َ
ل َكْع ٌ
إياه((َ .فَقا َ
ت الملئكُة بأَبواب
ن آدم والشياطين ،وحّف ِ
لْرض ،والجبال ،والبحار ،والخلئق كّلها إل اب َ
وا َ
191
جاَء َبْعُد
ن َ
صحَفُهم ،وَم ْ
طَوْوا ُ
لماُمَ ،
جا ِ
خَر َ
لماُمَ ،فِإَذا َ
جا ِ
لّول حتى يخر َ
ل فا َ
لَو َ
نا َ
المساجد ،فيكُتُبو َ
صَدَقُة
جَناَبة ،وال ّ
ن ال َ
ل فيه ،كاغِتساِله ِم َ
سَل حاِلم َأن َيْغَت ِ
عَلى ُك ّ
ق َ
حّعَلْيِه ،وَي ِ
ب َ
ل ،وِلَما ُكِت َ
ق ا ِّ
حّجاَء ِل َ
َ
جُمعِة .قال ابن
عَلى َيْوم َكَيْوِم ال ُ
شمس َولَْم َتْغُرب َ
طُلِع ال ّ
ساِئِر الّياِمَ ،وَلم َت ْ
صَدَقِة في َ
ن ال ّ
ل ِم َ
ضُِفيِه َأف َ
طيب أن يصّرفه يومئذ.
عباس :هذا حديث كعب وأبي هريرة ،وأنا أرى ،من كان لهله ِ
وفي حديث أبي ُهريرة :عن النبي صلى ال عليه وسلم ))ل تطلع الشمس ول تغرب على
ع ليوم الجمعة إل هذين الّثقلين ِمن الجن
ل ِمن يوم الجمعة ،وما من دابة إل وهي تفَز ُ
يوم أفض َ
خَرب فيه
لنس(( ،وهذا حديث صحيح وذلك أنه اليوم الذي تقوُم فيه الساعة ،وُيطوى العالم ،وَت ْ
وا ِ
الدنيا ،وُيبعث فيه الناس إلى منازلهم من الجنة والنار.
ل الِكتاب
ل عنه أه َ
ل لهده المة ،وأض ّ
التاسعة والعشرون :أنه اليوُم الذي اّدخره ا ّ
قبلهم ،كما في ))الصحيح(( ،من حديث أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم قال)) :ما طلع ِ
ت
س عَنه ،فالّناس َلَنا ِفيِه
ل النّا ُ
ضّل َلُهَ ،و َ
جُمَعِةَ ،هَدانا ا ُّ
خِير ِمن َيْوِم ال ُ
عَلى َيْوٍم َ
ت َ
غَرَب ْ
س ،ول َ
شْم ُ
ال ّ
ل َلَنا((.
صاَرى َيوُم الحد(( .وفي حديث آخر ))ذخره ا ُّ
سْبت ،وللّن َ
َتَبٌع ،هَو َلَناَ ،وللَيهوِد َيْوُم ال ّ
)يتبع(...
لمام أحمد :حدثنا علي بن عاصم ،عن حصين بن عبد الرحمن ،عن عمر بن
وقال ا ِ @
قيس ،عن محمد بن الشعث ،عن عائشة قالت)) :بينما أنا عِند النبي صلى ال عليه وسلم إذ استأذن
ك .قالت:
عَلْي َ
ك ،قال النبي صلى ال عليه وسلم :و َ
عَلْي َ
ساُم َ
ل من اليهود ،فأِذن له ،فقال :ال ّ
رج ٌ
ك،
عَلي َ
ل ذلك ،فقال النبي صلى ال عليه وسلمَ :و َ
َفَهِمْمت أن َأتكّلم ،قالت :ثم دخل الثانية ،فقال ِمث َ
ض ُ
ب غ َ
عَلْيُكم ،و َ
ساُم َ
ت :بل ال ّ
ساُم عليكم ،قالت ،فقل ُ
ت أن أتكّلم ،ثم دخل الثالثة ،فقال :ال ّ
قالت .فهمم ُ
ل .قالت :فنظر إل ّ
ي جّعّز و َ
ل َ
ل بما لم ُيحّيه به ا ُّ
لا ّ
حُيون رسو َ
ن القردة والخنازير ،أُت َ
ل ،إخوا َ
ا ّ
ضّرَنا شيئًاَ ،وَلِزَمُهم
عَلْيِهمَ ،فَلم َي ُ
ل َفَرَدْدَناه َ
شَ ،قاُلوا َقْو ً
ح َ
ل الّتَف ّ
ش َو َ
ح َ
ب الُف ْ
ح ّ
ل ُي ِ
ل َ
نا ّ
فقالَ :مْه ِإ ّ
ضّلوا
ل َلها ،و َ
جُمَعِة التي َهَداَنا ا ُّ
عَلى ال ُ
سُدوَنا َ
حُعَلى شيء َكَما َي ْ
سُدونَا َ
حُإلى َيوِم الِقَياَمِةِ،،إّنهم ل َي ْ
لمام :آمين((.
عَلى َقْوِلَنا خلف ا ِ
عْنها ،و َ
ضلوا َ
ل لَها ،و َ
على الِقْبَلِة اّلتي َهَداَنا ا ُ
عْنَهاَ ،و َ
َ
وفي ))الصحيحين(( من حديث أبي هريرة ،عن النبي صلى ال عليه وسلمَ)) ،نح ُ
ن
ب ِمن َقْبِلَنا ،وُأوِتيَناُه ِمن َبعِدهْمَ ،فَهذا َيْوُمُهُم اَلِذي
ن َيْوَم الِقَياَمِةَ ،بْيَد َأّنهْم ُأوُتوا الِكَتا َ
ساِبقو َ
ن ال ّ
خرو َ
ال ِ
غٍد((.
صاَرى َبْعَد َ
غدًا ،والّن َ
س َلَنا فيه َتَبٌع ،الَيُهوُد َ
ل َلُهَ ،فالّنا ُ
خَتَلُفوا ِفيهَ ،فَهداَنا ا ُّ
عَلْيِهْمَ ،فا ْ
ل َ
ض ا ُّ
َفَر َ
وفي ))بيد(( لغتان بالباء ،وهي المشهورة ،وَمْيَد بالميم ،حكاها أبو عبيد .
192
وفي هذه الكلمة قولن ،أحدهما :أنها بمعنى ))غير(( وهو أشهر معنييها ،والثاني :بمعى
))على(( وأنشد أبو عبيد شاهدًا له :
ت َلْم تِرّني
ل َلو َهَلْك ُ
خا ُ
إَ ك بيَد َأّني
عْمدًا َفعلت َذا َ
َ
:تِرّنيَ :تفعلي ِمن الرنين .
ل من أيام السبوع ،كما أن شهر رمضان خيرُته من شهور العام،
خيرة ا ّ
الثلثون :أنه ِ
خيرُته ِمن
وليلة القدر خيرُته من الليالي ،ومكُة خيرُته ِمن الرض ،ومحمد صلى ال عليه وسلم ِ
خلقه .قال آدم بن أبي إياس :حدثنا شيبان أبو معاوية ،عن عاصم بن أبي الّنجود ،عن أبي صالح،
ل اختار الشهوَر ،واختار شهَر رمضان ،واختار الياَم،
جَل عّز و َ
عن كعب الحبار .قال :إن ا ّ
ت ،واختار ساعَة الصلة،
واختار يوَم الجمعة ،واختار الليالي ،واحتار ليلَة القدر ،واختار الساعا ِ
ن ُيكّفُر ما بينه وبين رمضان،
والجمعُة تكّفر ما بينها وبين الجمعة الخرى ،وتزيد ثلثًا ،ورمضا ُ
ج يكفر ما بينه وبين الحج ،والُعْمَرة تكّفر ما بينها وبين العمرة ،ويموت الرجل بين حسنتين:
والح ّ
ق أبواب النار،
حسنٍة قضاها ،وحسنٍة ينتظرها يعني صلتين ،وُتصّفد الشياطين في رمضان ،وُتْغَل ُ
ل أحب إلى ا ّ
ل ي الخير؟ هُلم .رمضان أجمع ،وما ِمن ليا ٍ
غَب الجنة ،ويقال فيه :يا َبا ِ
ح فيه أبوا ُ
وُتفت ُ
ن من ليالي العشر.
العملُ فيه ّ
حهم ِمن قبورهم ،وُتوافيها في يوم الجمعة،
الحادية والثلثون :إن الموتى تدنو أروا ُ
فيعرفون ُزّوارهم وَمن َيُمّر بهم ،وُيسلم عليهم ،ويلقاهم في ذلك اليوم أكثر من معرفتهم بهم في
غيره من اليام ،فهو يوم تلتقي فيه الحياء والموات ،فإذا قامت فيه الساعُة ،التقى الولون
ل وعمله ،والمظلوُم وظاِلُمه
ب والعبُد ،والعام ُ
ل السماء ،والر ّ
ل الرض وأه ُ
خرون ،وأه ُ
وال ِ
س فيه في الدنيا
ط ،وهو يوُم الجمع واللقاء ،ولهذا يلتقي النا ُ
س والقمُر ،ولم تلتقيا قبل ذلك ق ّ
والشم ُ
أكَثر من التقائهم في غيره ،فهو يوُم التلق .قال ابو التياح يزيد بن حميد :كان مطّرف بن عبد ا ّ
ل
ل قبر
بكّ
يبادر فيدخل كل جمعة ،فأدلج حتى إذا كان عند المقابر يوم الجمعة ،قال :فرأيت صاح َ
جالسًا على قبره ،فقالوا :هذا مطّرف يأتي الجمعة ،قال فقلت لهم :وتعلمون عن عندكم الجمعة؟
ل فيه الطير ،قلت :وما تقول فيه الطير؟ قالوا :تقول :ربي سّلم سّلم يوم
قالوا :نعم ،ونعلم ما تقو ُ
صالح.
جحدري ،قال:
وذكر ابن أبي الدنيا في كتاب ))المنامات(( وغيره ،عن بعض أهل عاصم ال َ
ت :فأي َ
ن ت؟ قال :بلى ،قل ُ
ت :أليس قد ِم ّ
ي في منامي بعد موته لسنتين ،فقل ُ
رأيت عاصمًا الجحدر ّ
193
ل في روضة من رياض الجنة ،أنا ونفٌر ِمن أصحابي ،نجتمُع كل ليلة جمعة
أنت؟ قال :أنا وا ّ
ل المزني ،فنتلقى أخباركم .قلت :أجساُمكم أم أرواحكم؟ قال :هيها َ
ت وصبيحتها إلى بكر بن عبد ا ّ
ح ،قال :قلت :فهل تعلمون بزيارتنا لكم؟ قال :نعلم بها عشَية
َبِليت الجسام ،وإنما تتلقى الروا ُ
ن اليام كّلها؟
ت :فكيف ذلك دو َ
الجمعة ،ويوَم الجمعة كله ،وليلَة السبت إلى طلوع الشمس .قال :قل ُ
قال :لفضل يوم الجمعة وعظمته.
غداِة سبت حتى يأتي
وذكر ابن أبي الدنيا أيضًا ،عن محمد بن واسع ،أنه كان يذهب كل َ
الجّبانة ،فيِقف على القبور ،فُيسلم عليهم ،ويدعو لهم ،ثم ينصرف .فقيل له :لو صّيرت هذا اليوَم
يوم الثنين .قال :بلغني أن الموتى يعلمون بزّواِرهم يوَم الجمعة ،ويومًا قبله ،ويومًا بعده.
ي قال بلغني عن الضحاك،أنه قال :من زار قبرًَا يوَم السبت قبل
وذكر عن سفيان الثور َ
طلوع الشمس ،علم الميت بزيارته فقيل له :كيف:ذلك؟ قال ِلمكان يوم الجمعة.
ص أحمد ،قال
الثانية والثلثون :أنه يكره إفراُد يوم الجمعة بالصوم ،هذا منصو ُ
ث النهي عن أن ُيفرد ،ثم قال :إل أن يكون
ل :صيام يوم الجمعة؟ فذكر حدي َ
الثرم :قيل لبي عبد ا ّ
في صيام كان يصومه ،وأما أن يفرَد ،فل .قلت :رجل كان يصوم يومًا ،ويفطر يومًا ،فوقع فطره
يوَم الخميس ،وصومه يوم الجمعة ،وِفطره يوَم السبت ،فصار الجمعة مفردًا؟ قال :هذا إل أن يتعّمد
صوَمه خاصة ،إنما ُكِره أن يتعمد الجمعة.
وأباح مالك ،وأبو حنيفة صوَمه كسائر اليام ،قال مالك :لم أسمع أحدًا من أهل العلم والفقه
ت بعض أهل العلم يصوُمه،
ومن ُيقتدى به ينهى عن صيام يوم الجمعة ،وصيامه حسن ،وقد رأي ُ
وأراه كان يتحراه .قال ابن عبد البر :اختلفت الثاُر عن النبي صلى ال عليه وسلم في صيام يوم
ل عنه ،أن النبي صلى ال عليه وسلم كان يصوم ثلثة أيام ِمن
الجمعة ،فروى ابن مسعود رضي ا ّ
طرًا يوَم الجمعة وهذا حديث صحيح .وقد روي عن ابن عمر رضي
كل شهر ،وقال :قّلَما رأيته مف ِ
ط .ذكره ابن أبي
ل صلى ال عليه وسلم يفطر يوَم الجمعة ق ُ
ل عنهما ،أنه قال :ما رأيت رسول ا ّ
ا ّ
شيبة ،عن حفص بن غياث ،عن ليث بن أبي سليم ،عن عمير بن أبي عمير ،عن ابن عمر.
ن عباس ،أنه كان يصوُمه وُيواظب عليه .وأما الذي ذكره مالك ،فيقولون :إنه
وروى اب ُ
محمد بن المنكدر .وقيل :صفوان بن سليم.
194
وروى الدراوردي ،عن صفوان بن سليم ،عن رجل من بني جشم ،أنه سمع أبا ُهريرة
غَرٌر ُزْهٌر
شَرُة أّياٍم ُ
عْب َلُه َ
جُمَعِةُ ،كِت َ
ن صاَم َيْوَم ال ُ
ل صلى ال عليه وسلمَ)) :م ْ
يقول :قال رسول ا ّ
ن أياُم الّدنيا((.
خَرة ل ُيشاِكلُه ّ
ِمن أّياِم ال ِ
ت :قد
والصل في صوم يوم الجمعة أنه عمل بر ليمنع منه إل بدليل ل معاِرض لهُ .قل ُ
صح المعاِرض صحًة لمطعن فيها البتة ،ففي ))الصحيحين(( ،عن محمد بن عباد ،قال :سألت
جابرًا :أنهى رسول ال صلى ال عليه وسلم عن صيام يوم الجمعة؟ قال :نعم .وفي ))صحيح
ف بالبيت :أنهى رسول ا ّ
ل ت جابر بن عبد ال ،وهو يطو ُ
مسلم(( ،عن محمد بن عباد ،قال :سأل ُ
ب هذه الَبِنّيِة.
صلى ال عليه وسلم عن صيام يوم الجمعة؟ قال :نعم ور ّ
ل صلى ال عليه وسلم
ت رسول ا ّ
وفي ))الصحيحين(( من حديث أبي هريرة ،قال :سمع ُ
صوَم َيْوَمًا قبَلُهَ ،أو َيَوَمًَا َبْعَده(( .واللفظ للبخاري.
ن َي ُ
جُمَعِة إل أ ْ
ن أحُدُكم َيْوَم ال ُ
صوَم ّ
يقول)) :ل َي ُ
وفي ))صحيح مسلم(( ،عن أبي هريرة ،عن النبي صلى ال عليه وسلم ،قال)) :ل َتخصوا
ن َيُكو َ
ن لّياِم ،إل َأ ْ
ساِئِر ا َ
ن َبْين َ
صَيام م ْ
جُمَعِة ب ِ
صوا َيوَم ال ُ
خ ّ
جُمَعِة ِبِقياِم من بين الليالي ،ول َت ُ
َلْيَلَة ال ُ
حُدُكم((.
صوُمُه َأ َ
صْوِم َي ُ
في َ
جويرية بنت الحارث)) ،أن النبي صلى ال عليه وسلم دخل
وفي ))صحيح البخاري(( ،عن ُ
صومي غدًا؟
ن أن َت ُ
لَ :فُتِريِدي َ
ت :لَ .قا َ
س؟ َقاَل ْ
صمت َأْم ِ
عليها يوَم الجمعة وهي صائمة ،فقال :أ ُ
طري((.
ل :فَأف ِ
قالت :لَ .قا َ
صوُموا َيوَم
وفي ))مسند أحمد(( عن ابن عباس ،أن النبي صلى ال عليه وسلم قال)) :ل َت ُ
حَدُه((.
جُمَعِة َو ْ
ال ُ
ت على رسول صلى ال عليه وسلم ،يوَم
وفي ))مسنده(( أيضًا عن جنادة الزدي قال :دخل ُ
ل!
لا ّ
جمعة في سبعة من الزد ،أنا ثامنهم وهو يتغّدى ،فقال)) :هلموا إلى الغداء(( فقلنا :يا رسو َ
طروا .قال :فأكلنا مع
س؟ قلنا :ل .قال :فتصوُمون غدًا؟ قلنا :ل .قال :فَأْف ِ
صمتم أم ِ
إنا صيام .فقال :أ ُ
جَلس على المنبر ،دعا بإناء ماء ،فشرب وهو
ل صلى ال عليه وسلم قال :.فلما خرج و َ
رسول ا ّ
س ينظرون إليهُ ،يريهم أنه ل َيصوُم َيوَم الجمعة((.
على المنبر ،والنا ُ
ل صلى ال عليه وسلم ))َيْوُم
وفي ))مسنده(( أيضًا ،عن أبي هريرة ،قال :قال رسول ا ّ
صوُموا َقبَلُه َأْو َبْعَده((.
ن َت ُ
ل َأ ْ
صَياِمُكم إ ّ
عيِدكم َيْوَم ِ
جَعُلوا َيْوَم ِ
ل َت ْ
عيٍدَ ،ف َ
جُمَعِة َيْوُم ِ
ال ُ
195
فإن قيل :ما تقولون في تخصيص يوم غيره بالصيام؟ قيل :أما تخصيص ما خصصه
ص غيره ،كيوم السبت،
سّنٌة ،وأما تخصي ُ
الشارع ،كيوم الثنين ،ويوم عرفة ،ويوم عاشوراء ،ف ُ
ب إلى التشبه بالكفار لتخصيص أيام
والثلثاء ،والحد ،والربعاء ،فمكروه .وما كان منها أقر َ
ب إلى التحريم.
أعيادهم بالتعظيم والصيام ،فأشد كراهًة ،وأقر ُ
الثالثة الثلثون :إنه يوم اجتماع الناس وتذكيرهم بالمبدأ والمعاد ،وقد شرع ا ّ
ل
سبحانه وتعالى لكل أمة في السبوع يومًا يتفّرغون فيه للعبادة ،ويجتمعون فيه لتذّكر المبدإ
والمعاد ،والثواب والعقاب ،ويتّذكرون به اجتماعهم يوم الجمع الكبر قيامًا بينهن يدي رب
ل فيه الخلئق ،وذلك يوم
العالمين ،وكان أحق اليام بهذا العرض المطلوب اليوم الذي يجمع ا ّ
ل لهذه المة لفضلها وشرفها ،فشرع اجتماعهم في هذا اليوٍم لطاعته ،وقّدر
الجمعة ،فاّدخره ا ّ
اجتماعهم فيه مع المم لنيل كرامته ،فهو يوم الجتماع شرعا في الدنيا ،وقدرًا في الخرة ،وفي
مقدار انتصافه وقت الخطبة والصلة يكون أهل الجنة في منازلهم ،وأهل النار في منازلهم ،كما
ل الجنة في
ل أه ُ
ثبت عن ابن مسعود من غير وجه أنه قال :ل ينتصف النهاُر يوم القيامة حتى َيِقي َ
ل{
ن َمقي ً
جّنِة يومئٍذ خير مستقرًا وأحس ُ
ب ال َ
منازلهم ،وأهل الناِر في منازلهم ،وقرأ} :أصحا ُ
حيم{ ،وكذلك هي في قراءته .ولهذا كون اليام سبعة
جِللى ال َ
ن َمِقيَلْهم ِ
]الفرقان [24:وقرأُ} :ثّم إ ّ
إنما تعِرُفه المم التي لها كتاب ،فأما أمة ل كتاب لها ،فل تعرف ذلك إل من تلّقاه منهم عن أمم
ن اليام سبعة ،بخلف الشهر والسنة ،وفصولها،
سية ُيعرف بها كو ُ
حّالنبياء ،فإنه ليس هنا علمة ِ
ل السماوات والرض وما بينهما في ستة أيام.
ولما خلق ا ّ
وتعّرف بذلك إلى عباده على ألسنة رسله وأنبيائه ،شرع لهم في السبوع
ي السماوات والرض،
جل العالِم ،وط ّ
يومًا ُيذّكرهم فيه بذلك ،وحكمِة الخلق وما خلقوا له ،وبأ َ
ل صدقًا ،ولهذا كان النبي صلى ال عليه وسلم
عوِد المر كما بدأه سبحانه وعدًا عليه حقًا ،وقو ً
وَ
لنسان( لما اشتملت عليه هاتان
يقرأ في فجر يوم الجمعة سورتي )الم تنزيل(؟ )هل أتى على ا ِ
السورتان مما كان ويكون من المبدأ والمعاد ،وحشر الخلئق ،وبعِثهم من القبور إلى الجنة والنار،
ل لجل السجدة كما يظنه من نقص علمه ومعرفته ،فيأتي بسجدة من سورة أخرى ،ويعتقد أن فجر
ضل بسجدة ،وينكر على من لم يفعلها .وهكذا كانت قراءته صلى ال عليه وسلم في
يوم الجمعة ف ّ
المجامع الكبار ،كالعياد ونحوها ،بالسورة المشتملة على التوحيد ،والمبدإ والمعاد ،وقص ِ
ص
ل به من كّذبهم وكفر بهم من الهلك والشقاء ،ومن آمن منهم
النبياء مع أممهم ،وما عامل ا ّ
197
وصّدقهم من النجاة والعافية .كما كان يقرأ في العيدين بسورتي )ق و القرآن المجيد( ،و )اقتربت
ق القمُر(؟ تارة :بـ )سبح اسم ربك العلى( ،و )هل أتاك حديث الغاشية( ،وتارة يقرأ
الساعُة وانش ّ
ك العلم
سعي إليها ،وتر ِ
ب ال ّ
في الجمعة بسورة الجمعة لما تضّمنت من المر بهذه الصلة ،وإيجا ِ
ح في الدارين ،فإن في نسيان ذكره تعالى
صل لهم الفل ُ
العائق عنها ،والمر بإكثار ذكر ال ليح ُ
ك في الدارين ،ويقرأ في الثانية بسورة )إذا جاءك المنافقون( تحذيرًا للمة من النفاق
ب والهل َ
العط َ
ل ،وأنهم إن
المردي ،وتحذيرًا لهم أن تشغَلَهم أموالُهم وأولدهم عن صلة الجمعة ،وعن ِذكر ا ّ
لنفاق الذي هو من أكبر أسباب سعادتهم ،وتحذيرًا
فعلوا ذلك خسروا ول بد ،وحضًا لههم على ا ِ
لقالة ،ويتمَنون الرجعة ،ول ُيجابون إليها ،وكذلك
لهم من هجوم الموت وهم على حالة يطلبون ا ِ
كان :صلى ال عليه وسلم يفعل عند قدوم وفد يريد أن ُيسمعهم القرآن ،وكان ُيطيل قراءة الصلة
الجهرية لذلك ،كما صّلى المغرب بـ )العراف( و بـ )الطور( ،و )ق( .وكان ُيصلي الفجر بنحو
مائة آية.
وكذلك كانت خطبته صلى ال عليه وسلم ،إنما هي تقرير لصول
ليمان بال وملئكته ،وكتبه ،ورسله ،ولقاِئه ،وذكِر الجنة ،والنار ،وما أعّد ال
ليمان من ا ِ
اِ
خطبته إيمانًَا وتوحيدًا،
لوليائه وأهل طاعته ،وما أعّد لعدائه وأهل معصيته ،فيمل القلوب ِمن ُ
خطب غيره التي إنما ُتفيد أمورًا مشتركة بين الخلئق ،وهي الّنوح على
ل وأيامه ،ل ك ُ
ومعرفة با ّ
ل ،ول توحيدًا له ،ول معرفة
ل في القلب إيمانًا با ّ
صُالحياة ،والتخويف بالموت ،فإن هذا أمر ل ُيح ّ
خاصة به ،ول تذكيرًا بأيامه ،ول بعثًا للنفوس على محبته والشوق إلى لقائه ،فيخرج السامعون ولم
ب أجسامهم ،فيا ليت شعري أ ّ
ي يستفيدوا فائدة ،غير أنهم يموتون ،وُتقسم أموالهم ،وُيبلي الترا ُ
ي توحيد ومعرفة وعلم نافع حصل به؟!.
إيمان حصل بهذا؟! وأ ّ
ومن تأمل خطب النبي صلى ال عليه وسلم ،وخطب أصحابه ،وجدها كفيلة ببيان الهدى
ل ،وِذكر آلئه
ل اليمان الكلية ،والدعوة إلى ا ّ
ب جل جلله ،وأصو ِ
والتوحيد ،وِذكر صفات الر ّ
تعالى التي ُتحّببه إلى خلقه وأياِمه التي تخّوفهم من بأسه ،والمر بذكره وشكره الذي ُيحّببهم إليه،
ل وصفاته وأسمائه ،ما ُيحّببه إلى خلقه ،ويأمرون من طاعته وشكره ،وِذكره
فيذكرون ِمن عظمة ا ّ
ما ُيحّببهم إليه ،فينصرف السامعون وقد أحبوه وأحبهم ،ثم طال العهد ،وخفي نور النبوة ،وصارت
طْوها صورها ،وزّينوها بما
الشرائُع والوامُر رسومًا ُتقام من غير مراعاة حقائقها ومقاصدها ،فأع َ
زينوها به فجعلوا الرسوم والوضاع سننًا ل ينبغي الخللُ بها ،وأخّلوا بالمقاصد التي ل ينبغي
198
ظ القلوب منها،
عدَم ح ُ
سجيع والِفقر ،وعلم البديعَ ،فنَقص بل َ
خطب بالت َ
لخلل بها ،فرصعوا ال ُ
اِ
وفات المقصود بها.
طب بالقرآن وسورة )ق(.
فمما حفظ من خطبته صلى ال عليه وسلم أنه كان يكثر أن يخ ُ
ل صلى ال عليه وسلم
ن في رسول ا ّ
قالت أم هشام بنت الحارث بن النعمان :ما حفظت )ق( إل م ْ
مما يخطب بها أعى المنبر.
حفظ من خطبته صلى ال عليه وسلم ،من رواية علي بن زيد بن جدعان وفيها ضعف،
وُ
ل عز وجل قبل أن َتموتوا ،وباِدُروا بالعمال الصالحة َقبل َأن ُتشَغلوا،
س توبوا إلى ا ّ
))يا أّيها النا ُ
صلوا اّلذي بينكم وبين رَبكم بكثرة ِذكركم له ،وكثرِة الصدقة في السّر والعلنية ُتؤجروا،
و ِ
وتحَمدوا ،وُترزقوا .واعلموا أن ال عز وجل ،قد فرض عليكم الجمعَة فريضَة مكتوبَة في مقامي
لَ ،فَمن َترَكَها في حياتي،
سِبي ً
جَد إليها َ
ن وَ َ
عامي َهَذاِ ،إلى َيْوِم الِقياَمِةَ ،م ْ
هذا ،في شهري هذا ،في َ
ل شمَله ،ول باَرك
أو بعد مماتي جحودًا بها ،أو استخفافًا بها ،وله إماٌم جائر أو عاِدل ،فل جمع ا ّ
ج له،
صوَم له ،أل ول َزَكاَة له ،أل ول ح َ
صلة له ،أل ول وضوَء له ،أل ول َ
له في أمره ،أل ول َ
ل ،أل ول َيُؤَم ّ
ن جًن اْمَرَأٌة َر ُ
ل عليه ،أل ول َتُؤَم ّ
ب ا ُّ
ب ،تا َ
ب ،فإن تا َ
أل ول َبَرَكة له حتى يتو َ
طه((.
سو َ
سْيَفه و َ
ف َ
خا َ
ن َفي َ
طا ٌ
ن َفاجٌر ُمؤمَنًا ،إل أن َيقَهَرُه سل َ
جرًا ،أل ول َيؤَم ّ
أعرابي ُمها ِ
شروِر أنفسناَ ،م ْ
ن ن ُ
ل ِم ْ
ل نستعيُنه ،ونستغفُره ،ونعوُذ با ّ
وحفظ ِمن خطبته أيضًا)) :الحمُد ِ
ك َلُه ،وأشهُد أن
شري َ
ل وحَده ل َ
ل إله إل ا ّ
ل له ،ومن يضِلل َفل هادي له ،وأشهُد َأ ّ
ل ،فل مض ّ
َيْهِد ا ّ
شَد
سوَلهَ ،فَقد َر َ
ل َوَر ُ
ن ُيطِع ا َّ
عِةَ ،م ْ
سا َ
ن َيَدي ال ّ
ق بشيرًا ونذيرًا َبْي َ
ُمحمداً عبده ورسوُله ،أرسله بالح ّ
ل شيئا(( .رواه أبو داود وسيأتي إن شاء ا ّ
ل ضّر ا ّ
سة ،ول َي ُ
ضّر إل َنْف َ
صِهَما ،فإنه ل َي ُ
ومن َيْع ِ
تعالى ِذكر خطبه في الحج.
فصل
في هديه صلى ال عليه وسلم في خطبه
كان إذا خطب ،احمّرت عيناه ،وعل صوُته ،واشتد غضُبه حتى كأنه منذُر جيش ،يقول:
طى((.
سَسّباَبةِ َوالُو ْ
ن أصُبَعيِه ال ّ
ن َبْي َ
نَ ،وَيْقُر ُ
عة َكَهاَتي ِ
سا َ
ت َأَنا وال ّ
حُكْم ومساكم(( ويقولُ)) :بِعث ُ
صّب َ
)) َ
حَدَثاُتها،
لموِر ُم ْ
شّر ا ُ
حّمِدَ ،و َ
خْيَر الهْدي َهْدي ُم َ
ب الَ ،و َ
ث ِكَتا ُ
حدي ِ
خْيَر ال َ
ن َ
ويقولَ)) :أّما َبْعُد ،فإ ّ
ن َتَر َ
ك لهِلِهَ ،وَم ْ
لَ ،ف َ
ك َما ً
سِهَ ،من تَر َ
ن َنْف ِ
ن ِم ْ
ل مْؤِم ٍ
لَلة(( .ثم يقولَ)) :أَنا َأْوَلى ِبُك ّ
ضَعٍة َ
ل ِبد َ
َوُك ّ
ي(( رواه مسلم.
ي وعل ّ
ضَياعًا ،فإل ّ
َدْيَنًا َأو َ
199
عَليِهُ ،ثّم
ل وُيْثِني َ
حَمُد ا ّ
خطبة النبي صلى ال عليه وسلم َيْوَم الجمَعِةَ ،ي ْ
وفي لفظ :كانت ُ
صْوُته َفَذَكُره.
ل َ
عَك َوَقْد َ
عَلى أَثِر ذِل َ
ل َ
َيُقو ُ
ضلّ َلُهَ ،وَم ْ
ن لَ ،فل ُم ِ
ن َيْهِد ا ُّ
لَ)) :م ْ
عَلْيِه ِبَما ُهَو َأْهُلهُ ،ثّم َيُقو ُ
ل َوُيْثِني َ
حَمُد ا ّ
وفي لفظَ :ي ْ
ل((.
ب ا ِّ
ث ِكَتا ُ
حِدي ِ
خْير ال َ
ي َلُهَ ،و َ
ل َهاِد َ
ل ،ف َ
ضِل ْ
ُي ْ
للٍَة في الّناِر((.
لض َ
لَلٌةَ ،وُك ّ
ل ِبْدعٍة ض َ
وفي لفظ للنسائي)) ،وُك ُ
وكان يقول في خطبته بعد التحميِد والثناِء والتشهد ))َأّما َبْعُد((.
ت الجوامع ،وكان يقول:
خطبة ،ويطيل الصلة ،ويكثر الّذكر ،وَيْقصُد الكلما ِ
صُر ال ُ
وكان ُيق ّ
ن ِفْقِهٌه((
طَبِتهَ ،مِئّنٌة ِم ْ
خ ْ
صَر ُ
ل َوِق َ
جِلِة الّر ُ
صَل َ
طو َ
ن ُ
))إ ّ
لسلم ،وشرائَعه ،ويأمرهم ،وينهاهم في خطبته إذا
عَد ا ِ
خطبته قوا ِ
وكان ُيَعّلُم أصحاَبه في ُ
عَرض له أمر ،أو نهى ،كما أمر الداخل وهو يخطب أن ُيصلي ركعتين.
َ
ض،
ب الناس عن ذلك ،وأمره بالجلوس .وكان يقطُع خطبته للحاجة تْعِر ُ
طي ِرقا َ
ونهى المتخ ّ
خطبته ،فيتّمها.
حٍد من أصحابه ،فُيجيبه ،ثم يعود إلى ُ
ن َأ َ
ل ِم ْ
أو السؤا ِ
وكان ربما نزل عن المنبر للحاجة ،ثم يعوُد َفُيِتّمها ،كما نزل لخذ الحسن والحسين رضي
ي بهما المنبر ،فأتم خطبته.
ل عنهما ،فأخذهما ،ثم َرِق َ
ا ّ
ل يا ُفلن.
س يا فلن ،ص ّ
ل يا فلن ،اجِل ْ
وكان يدعو الرجل في خطبته :تعا َ
ى منهم ذا فاقة وحاجة ،أمرهم بالصدقة،
وكان يأمرهم بمقتضى الحال في خطبته ،فإذا رأ َ
وحضهم عليها.
ل تعالى ودعائه.
سّباَبة في خطبته عند ذكر ا ّ
وكان ُيشير بأصبعه ال ّ
ط المطر في خطبته.
حَوكان يستسقي بهم إذا َق َ
س ،فإذا اجتمعوا ،خرج إليهم وحَده من
وكان يمهل يوم الجمعة حتى يجتمَع النا ُ
غير شاويش يصيح بين يديه ،ول لبس طيلسان ،ول طرحة ،ول سواد ،فإذا دخل المسجد ،سّلم
ل القبلة ،ثم يجِلس،
س بوجهه ،وسّلم عليهم ،ولم يدع مستقب َ
صِعد المنبر ،استقبل النا َ
عليهم ،فإذا َ
ل بين
ل في الذان ،فإذا فرغ .منه ،قام النبي صلى ال عليه وسلم فخطب من غير َفص ٍ
ويأخذ بل ٌ
الذان والخطبة ،ل بإيراد خبر ول غيره.
ولم يكن يأخذ بيده سيفًا ول غيَره ،وإنما كان يعَتِمد على قوس أو عصًا قبل أن يّتخذ المنبر،
وكان في الحرب َيعتمد على قوس ،وفي الجمعة يعتِمد على عصا .ولم ُيحفظ عنه أنه اعتمد على
200
سيف ،وما يظنه بعض الجهال أنه كان يعتمد على السيف دائمًا ،وأن ذلك إشارة إلى أن الدين قام
ط جهله ،فإنه ل ُيحفظ عنه بعد اتخاذ المنبر أنه كان يرقاه بسيف ،ول قوس ،ول
بالسيفَ ،فِمن َفر ِ
غيره ،ول قبل اتخاذه أنه أخذ بيده سيفًا البتة ،وإنما كان يعتِمد على عصا أو قوس.
جذع يستند إليه ،فلما تحّول
طب إلى ِ
ل اتخاذه يخ ُ
ث درجات ،وكان قب ِ
وكان منبره ثل َ
ع حنينًا سمعه أهل المسجد ،فنزل إليه صلى ال عليه وسلم وضّمه قال أنس:
جْذ ُ
ن ال ِ
إلى المنبر ،ح ّ
ن لما فقد ما كان يسمع من الوحي ،وفقده التصاق النبي صلى ال عليه وسلم.
حّ
ولم ُيوضع المنبر في وسط المسجد ،وإنما وضع في جانبه الغربي قريبًا من الحائط ،وكان
بينه وبين الحائط قدر ممر الشاة.
وكان إذا جلس عليه النبي صلى ال عليه وسلم في غير الجمعة ،أو خطب قائمًا في
الجمعة ،استدار أصحاُبه إليه بوجوههم ،وكان وجهه صلى ال عليه وسلم ِقبَلهم في وقت الخطبة.
وكان يقوم فيخطب ،ثم يجِلس جلسة خفيفة ،ثم يقوم ،فيخطب الثانية ،فإذا فرغ منها ،أخذ
لنصات ،وتخبرهم أن الرجل إذا َقا َ
ل لقامة .وكان يأمر الناس بالدّنو منه ،ويأمرهم با ِ
بلل في ا ِ
ل جُمَعة َلُه(( .وكان يقولَ)) :من َتَكّلَم َيْوَم الجُمَعة
ن َلَغا َف َ
صت َفَقْد َلَغا .ويقولَ)) :م ْ
ِلصاحبهَ :أْن ِ
جمَُعة(( .رواه
ست َلُه ُ
ل َله :أْنصت َلْي َ
ل َأسَفارًا ،واَلِذي َيُقو َ
حِم ُ
حَماِر َي ْ
ل ال ِ
بَ ،فُهَو َكَمَث ِ
ط ُ
خُلماُم َي ْ
وا ِ
لمام أحمد.
اِ
ل صلى ال عليه وسلم يوم الجمعة )تبارك( وهو قائم،
وقال أبي بن كعب :قرأ رسول ا ّ
ت هذه السورة؟ فإني لم أسمعها
فذّكرنا بأّيام ال ،وأبو الدرداء أو أبو ذر َيغِمُزني ،فقال :متى ُأنِزَل ْ
لن ،فأشار إليه أن اسكت ،فلما انصرفوا ،قال :سألُتك متى ُأنزلت هذه السورة فلم تخبرني،
إلى ا َ
ل صلى ال عليه وسلم
ت ،فذهب إلى رسول ا ّ
فقال :إّنه ليحسن لك من صلتك اليوم إل ما لغو َ
ي(( .ذكره
صَدق أب ّ
فذكر له ذلك ،وأخبره بالذي قال له ُأبي ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم )) َ
ابن ماجه ،وسعيد بن منصور ،وأصله في ))مسند أحمد((.
ظه
حُ
حضَرها َيلُغو َوُهَو َ
ل َ
جٌجُمَعة َثلَثُة َنَفرَ :ر ُ
ضر ال ُ
ح ُ
وقال صلى ال عليه وسلمَ)) :ي ْ
شاَء َمَنَعْهَ ،وَرج ٌ
ل ن َ
طاُه ،وإ ْ
عَشاَء َأ ْ
ل إن َ
جّعّز َو َ
ل َ
ل َدعا ا ّ
جُضَرها َيْدعوَ ،فُهَو َر ُ
ح َ
ل َ
جٌمنها ،وَر ُ
جُمَعِة التي
سِلٍمَ ،وَلْم ُيْؤِذ أحدًاَ ،فهي َكّفاَرٌة له إلى َيْوِم ال ُ
ط َرَقَبَة ُم ْ
خّتَ ،وَلْم َيَت َ
سُكو ٍ
ت َو ُ
ضرَها بإْنصا ٍ
ح َ
َ
شُر أمَثاِلها{ ]النعام:
عْسَنِة َفَلُه َ
حَجاَء ِبال َ
ل يقولَ} :من َ
جَل عّز و َ
ك أن ا ّ
َتليهاَ ،وزياَدة َثلَثَة أْياٍمَ ،وَذِل َ
،(([160ذكره أحمد وأبو داود.
201
وكان إذا فرغ بلل من الذان ،أخذ النبي صلى ال عليه وسلم في الخطبة ،ولم يقم
سّنة لها
ن إل واحدًا ،وهذا يدل على أن الجمعة كالعيد ،ل ُ
أحٌد يركع ركعتين البتة ،ولم يكن الذا ُ
سّنة ،فإن النبي صلى ال عليه وسلم كان يخرج ِمن
ل ال ّ
ح قولي العلماء ،وعليه تد ّ
قبلها ،وهذا أص ّ
ي صلى ال عليه وسلم في
ل في أذان الجمعة ،فإذا أكمله ،أخذ النب ّ
بيته ،فإذا َرِقي المنبر ،أخذ بل ٌ
سّنة؟! ومن ظن أنهم كانوا إذا
ي عين ،فمتى كانوا ُيصلون ال ّ
الخطبة من غير فصل ،وهذا كان رَأ َ
سّنة ،وهذا
ل الناس بال ّ
ل عنه من الذان ،قاموا كّلهم ،فركعوا ركعتن ،فهو أجه ُ
فرغ بلل رضي ا ّ
سّنة قبلها ،هو مذهب مالك ،وأحمد في المشهور عنه ،وأحُد الوجهين
الذي ذكرناه من أنه ل ُ
لصحاب الشافعي.
سّنة ،منهم من احتج أنها ظهٌر مقصورة ،فيثبت لها أحكاُم الظهر ،وهذه
والذين قالوا :إن لها ُ
حجة ضعيفة جدًا ،فإن الجمعة صلٌة مستِقلة بنفسها ُتخالف الظهر في الجهر ،والعدد ،والخطبة،
ق مسألة النزاع بموارد التفاق أولى من
والشروط المعتبرة لها ،وُتوافقها في الوقت ،وليس إلحا ُ
إلحاقها بموارد الفتراق ،بل إلحاقها بموارد الفتراق أولى ،لنها أكثر مما اتفقا فيه.
سّنة ما كان
سّنة لها بالقياس على الظهر ،وهو أيضًا قياس فاسد ،فإن ال ُ
ومنهم من أثبت ال ّ
سنة خلفائه الراشدين ،وليس في مسألتنا شيء من ذلك ،ول
ثابتًا عن النبي من قول أو فعل ،أو ُ
ب فعله في عهد النبي صلى ال عليه
ت السنن في مثل هذا بالقياس ،وأن هذا مما انعقد سب ُ
يجوز إثبا ُ
سّنة ،ونظيُر هذا ،أن ُيشرع لصلة العيد سنة قبلها
وسلم ،فإذا لم يفعله ولم يشرعه ،كان ترُكه هو ال ُ
ح أنه ل يسن الغسل للمبيت بمزدلفة ،ول ِلرمي الجمار ،ول
أو بعدها بالقياس ،فلذلك كان الصحي ُ
للطواف ،ول للكسوف ،ول للستسقاء ،لن النبي صلى ال عليه وسلم وأصحاَبه لم يغتسلوا لذلك
مع فعلهم لهذه العبادات.
ومنهم من احتج بما ذكره البخاري في ))صحيحه(( فقال :باب الصلة قبل الجمعة وبعدها:
ل بن ُيوسف ،أنبأنا مالك ،عن نافع ،عن ابن عمر ،أن النبي صلى ال عليه وسلم ،كان
حدثنا عبد ا ّ
ظهر ركعتين ،وبعدها ركعتين ،وبعد المغرب ركعتين في بيته ،وقبل العشاء ركعتين،
ل ال ّ
ُيصلي قب َ
حجة فيه ،ولم ُيرد به البخاري
صِرف ،فُيصلي ركعتين وهذا ل ُ
وكان ل ُيصلي بعد الجمعة حتى ين َ
ت السنة قبل الجمعة ،وإنما مراُده أنه هل ورد في الصلة قبلها أو بعدها شيء؟ ثم ذكر هذا
إثبا َ
ل السنة إل بعدها ،ولم يرد قبلها شيء.
الحديث ،أي :أنه لم ُيرو عنه فع ُ
202
وهذا نظير ما فعل في كتاب العيدين ،فإنه قال :باب الصلة قبل العيد وبعدها ،وقال أبو
المعّلى :سمعت سعيدًا عن ابن عباس ،أنه كره الصلة قبل العيد .ثم ذكر حديث سعيد بن جبير ،عن
ابن عباس أن النبي صلى ال عليه وسلم خرج يوم الفطر ،فصّلى ركعتين ،لم يصل قبَلهما ول
بعَدهما ومعه بلل الحديث.
ل على أنه ل تشرع الصلُة قبَلها ول
ل ما ترجم للجمعة ،وذكر للعيد حديثًا دا ً
فترجم للعيد مث َ
بعَدها ،فدل على أن مراده من الجمعة كذلك.
ل عن الظهر -وقد ذكر في الحديث السنة قبل الظهر
ضهم أن الجمعة لما كانت بد ً
وقد ظن بع ُ
ف(( بياناً
ل على أن الجمعة كذلك ،وإنما قال)) :وكان ل ُيصلي بعد الجمعة حتى ينصِر َ
وبعدها -د ّ
لموضع صلة السنة بعد الجمعة ،وأنه بعد النصراف ،وهذا الظن غلط منه ،لن البخاري قد ذكر
ل صلى ال عليه
ت مع رسول ا ّ
ل عنه :صلي ُ
ث ابن عمر رضي ا ّ
في باب التطوع بعد المكتوبة حدي َ
ن بعد العشاء،
ن قبل الظهر ،وسجدتين بعَد الظهر ،وسجدتين بعَد المغرب ،وسجدتي ِ
جدتي ِ
سْ
وسلم َ
ن بعد الجمعة .فهذا صريح في أن الجمعة عند الصحابة صلٌة مستِقَلة بنفسها غير الظهر،
وسجدتي ِ
عِلَم أنه ل سنة
ت اسم الظهر ،فلما لم يذكر لها سنًة إل بعدهاُ ،
وإل لم يحتج إلى ِذكرها ِلدخولها تح َ
لها قبلها.
سَليك
ومنهم من احتج بما رواه ابن ماجه في ))سننه(( عن أبي هريرة وجابر ،قال :جاء ُ
جيَء؟((
ن َت ِ
ل َأ ْ
ت رْكَعَتْين َقْب َ
صّلْي َ
ب فقال لهَ)) :أ َ
ل صلى ال عليه وسلم يخط ُ
لا ّ
الَغطفاني ورسو ُ
جّوز فيهما(( .وإسناده ثقات.
ن َوَت َ
ل َرْكَعَتْي ِ
قال :ل .قالَ)) :فص ّ
قال أبو البركات ابن تيمية :وقوله)) :قبل أن تجيء(( يدل عن أن هاتين الركعتين سنة
الجمعة ،وليست تحية المسجد .قال :شيخنا حفيُده أبو العباس :وهذا غلط ،والحديث المعروف في
ل صلى ال عليه وسلم يخطب،
))الصحيحين(( عن جابر ،قال :دخل رجال يوَم الجمعة ورسول ا ّ
ب،
ط ُ
خُلَماُم َي ْ
جُمَعَة وا ِ
حُدُكم ال ُ
صل َرْكَعَتْين .وقال)) :إذا جاء َأ َ
ت(( قال :ل .قالَ :ف ّ
فقال ))َأصّلْي َ
جّوْز فيهما(( .فهذا هو المحفوظ في هذا الحديث ،وأفراد ابن ماجه في الغالب
نَ ،وْليَت َ
َفلَيْرَكْع َرْكَعَتْي ِ
غيُر صحيحة ،هذا معنى كلمه.
ت قبل أن
جاج الحافظ المزي :هذا تصحيف من الرواة ،إنما هو ))أصلي َ
وقال شيخنا أبو الح ّ
ن ماجه إنما تداولته شيوخ لم يعتنوا به ،بخلف صحيحي
ب اب ِ
خ .وقال :وكتا ُ
تجلس(( فغلط فيه الناس ُ
203
البخاري ومسلم ،فإن الحفاظ تداولوهما ،واعَتَنْوا بضبطهما وتصحيحهما ،قال :ولذلك وقع فيه
ط وتصحيف.
أغل ٌ
قلت :ويدل على صحة هذا أن الذين اعَتَنْوا بضبط سنن الصلة قبلها وبعدها ،وصنفوا في
ث في سنة الجمعة قبلها ،وإنما
ذلك من أهل الحكام والسنن وغيرها ،لم يذكر واحٌد منهم هذا الحدي َ
لمام على المنبر ،واحتجوا به على من منع ِمن فعلها في
ذكروه في استحباب فعل تحية المسجد وا ِ
ظها ،وشهرُتها
هذه الحال ،فلو كانت هي سنَة الجمعة ،لكان ذكرها هناك ،والترجمُة عليها ،وحف ُ
أولى من تحية المسجد .ويدل عليه أيضًا أن النبي صلى ال عليه وسلم ،لم يأمر بهاتين الركعتين إل
الداخل لجل أنها تحيُة المسجد .ولو كانت سنة الجمعة ،لمر بها القاعدين أيضًا ،ولم يخص بها
الداخل وحده.
ومنهم من احتج بما رواه أبو داود في ))سننه(( ،قال :حدثنا مسّدد ،قال :حدثنا إسماعيل،
حدثنا أيوب ،عن نافع ،قال :كان ابن عمر ُيطيل الصلة قبل الجمعة ،وُيصلي بعدها ركعتين في
ل صلى ال عليه وسلم كان يفعل ذلك .وهذا ل حجة فيه على أن للجمعة
بيته ،وحدث أن رسول ا ّ
سنًة قبلها ،وإنما أراد بقوله :إن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يفعل ذلك :أنه كان ُيصلي
الركعتين بعد الجمعة في بيته ل ُيصليهما في المسجد ،وهذا هو الفضل فيهما ،كما ثبت في
ل صلى ال عليه وسلم كان ُيصلي بعد الجمعة ركعتين
))الصحيحين(( عن ابن عمر أن رسول ا ّ
في بيته .وفي ))السنن(( عن ابن عمر ،أنه إذا كان بمكة ،فصلى الجمعة ،تقدم ،فصّلى ركعتين ،ثم
تقدم فصّلى أربعًا ،وإذا كان بالمدينة ،صلى الجمعة ،ثم رجع إلى بيته ،فصّلى ركعتين ،ولم ُيصل
ل عليه وآله وسلم يفعل ذلك .وأما إطالة ابن عمر
ل صلى ا ّ
بالمسجد ،فقيل له ،فقال :كان رسول ا ّ
ع مطلق ،وهذا هو الولى لمن جاء إلى الجمعة أن يشتِغل بالصلة
الصلة قبل الجمعة ،فإنه تطو ٌ
لمام ،كما تقدم من حديث أبي هريرة ،وُنبيشة الهذلي عن النبي صلى ال عليه وسلم.
حتى يخرج ا ِ
قال أبو هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم)) :من اغتسل يوم الجمعة ،ثم أتى المسجَد،
غِفَر له ما بينه وبين
خطبته ،ثم ُيصلي معهُ ،
غ الماُم من ُ
ت حتى َيفُر َ
فصّلى ما ُقّدَر له ،ثم أنص َ
الجمعة الخرى ،وفضل ثلثة أّياٍم(( .وفي حديث ُنبيشة الهذلي)) :إن المسلَم إذا اغتسل يوَم
خرج ،صّلى ما بدا له ،وإن وجد
لمام َ
ل إلى المسجد ل ُيؤذي أحدًا ،فإن لم يجد ا ِ
الجمعة ،ثم أقب َ
جمعته
ي الماُم جمعته وكلَمه ،إن لَم ُيغفر له في ُ
الماَم خرج ،جلس ،فاستمع وأنصت حتى يقض َ
ل عنهم.
ي الصحابة رضي ا ّ
ن تكون َكّفاَرًة للجمعة التي تليها(( هكذا كان هد ُ
تلك ذنوبه كّلها َأ ْ
204
قال ابن المنذر :روينا عن ابن عمر :أنه كان ُيصلي قبل الجمعة ِثنتي عشرة ركعة.
وعن ابن عباس ،أنه كان يصلي ثمان ركعات .وهذا دليل على أن ذلك كان منهم من باب
ي عنهم في ذلك ،وقال الترمذي في ))الجامع((:
التطوع المطلق ،ولذلك اختلف في العدد المرو َ
ن المبارك
وُروي عن ابن مسعود ،أنه كان ُيصلي قبل الجمعة أربعًا وبعدها أربعًا .وإليه ذهب اب ُ
ي.
والثور ّ
ل ،إذا كان يوم الجمعة
ت أبا عبد ا ّ
وقال إسحاق بن إبراهيم بن هانىء النيسابوري :رأي ُ
ُيصلي إلى أن يعلَم أن الشمس قد قاربت أن تزول ،فإذا قاربت ،أمسك عن الصلة حتى ُيؤّذ َ
ن
صل بينهما بالسلم ،فإذا صلى
المؤّذن ،فإذا أخذ في الذان ،قام فصلى ركعتين أو أربعًاَ ،يف ِ
الفريضة ،انتظر في المسجد ،ثم يخرج منه ،فيأتي بعض المساجد التي بحضرة الجامع ،فُيصلي فيه
ركعتين ،ثم يجلس ،وربما صّلى أربعًا ،ثم يجلس ،ثم يقوم ،فيصلي ركعتين أخريين ،فتلك ست
ركعات على حديث علي ،وربما صلى بعد الست ستًا أخر ،أو أقل ،أو أكثر .وقد أخذ من هذا بع ُ
ض
أصحابه رواية :أن للجمعة قبلها سنة ركعتين أو أربعًا ،وليس هذا بصريح ،بل ول ظاهر ،فإن
أحمد كان ُيمسك عن الصلة في وقت النهي ،فإذا زال وقت النهي ،قام فأتم تطوعه إلى خروج
لمام ،فربما أدرك أربعًا ،وربما لم ُيدرك إل ركعتين.
اِ
ومنهم من احتج على ثبوت السنة قبلها ،بما رواه ابن ماجه في ))سننه(( حدثنا محمد بن
يحيى ،حدثنا يزيد بن عبد رّبه ،حدثنا بقية ،عن مبشر بن عبيد ،عن حجاج بن أرطاة ،عن عطية
صل
جمعة أربعًا ،ل يف ِ
الَعْوفي ،عن ابن عباس ،قال :كان النبي صلى ال عليه وسلم يركع قبل ال ُ
بينها في شيء منها .قال ابن ماجه :باب الصلة قبل الجمعة ،فذكره.
وهذا الحديث فيه عدة بليا ،إحداها :بقية بن الوليد :إمام المدلسين وقد عنعنه ،ولم يصرح
بالسماع.
ل بن أحمد :سمعت أبي يقول :شيخ كان
عبيد ،المنكر الحديث .وقال عبد ا ّ
الثانية :مبشر بن ُ
يقال له :مبشر بن عبيد كان بحمص ،أظنه كوفيًا ،روى عنه بقية ،وأبو المغيرة ،أحاديُثه أحاديث
موضوعة كذب .وقال الدارقطني :مبشر بن عبيد متروك الحديث ،أحاديثه ل يتابع عليها.
الثالثة :الحجاج بن أرطاة الضعيف المدلس.
الرابعة.:عطية العوفي ،قال البخاري :كان هشيم يتكلم فيه ،وضعفه أحمد وغيره.
205
وقال البيهقي :عطية الَعْوفي ل يحتج به ،ومبشر بن عبيد الحمصي منسوب إلى
وضع الحديث ،والحجاج بن أرطاة ،ل يحتج به .قال بعضهم :ولعل الحديث انقلب على بع ِ
ض
جُمعة أربعًا ،وإنما هو بعد الجمعة،
ل ال ُ
هؤلء الثلثة الضعفاء ،لعدم ضبطهم وإتقانهم ،فقالَ :قْب َ
ل بن عمر
فيكون موافقًا لما ثبت في ))الصحيح(( ونظير هذا :قول الشافعي في رواية عبد ا ّ
العمري)) :للفارس سهمان ،وللراجل سهم(( .قال الشافعي :كأنه سمع نافعًا يقول :للفرس سهمان،
ل ،قال:
وللراجل سهم ،فقال :للفارس سهمان ،وللراجل سهم .حتى يكون موافقًا لحديث أخيه عبيد ا ّ
ل في الحفظ.
ل بن عمر على أخيه عبد ا ّ
وليس يشك أحد من أهل العلم في تقديم عبيد ا ّ
جَهنم ُيلقى
ل َ
لسلم ابن تيمية في حديث أبي هريرة ))ل َتَزا ُ
خا ِ
قلت :ونظير هذا ما قاله شي ُ
ضها إلى َبْعض،
ب الِعّزِة فيها قدَمهَ ،فَيْرِوي َبع ُ
ضَع ر ّ
فيَها ،وهي َتُقولَ :هل ِمن َمزيد؟ حتى َي َ
وتقولَ :قطَ ،قط .وأما الجنُة :فُينشىء ال لها خلقًا(( فانقلب على بعض الرواة فقال أما النار:
ل لها خلقًا.
فينشىء ا ّ
ن أم
ل يؤّذن بَليل ،فُكُلوا واشَرُبوا حتى ُيؤّذن اب ُ
ث عائشة ))إن بل ً
قلت :ونظيُر هذا حدي ُ
ن أم مكتوم يؤّذن بليل ،فكلوا
مكتوم(( وهو في ))الصحيحين(( فانقلب على بعض الرواة ،فقال :اب ُ
واشربوا حتى يؤّذن بلل.
ضْع
ك الَبعيُر ولي َ
ل َيْبُرك كَما َيْبُر ُ
حُدُكم َف َ
صَلى َأ َ
ونظيره أيضًا عندي حديث أبي هريرة ))إذا َ
ل أعلم -فيما قاله رسوُله الصادق المصدوق)) ،وليضع ركبتيه
ل ُركَبَتْيِه(( وأظنه َوِهَم -وا ّ
َيَده َقْب َ
ل صلى ال عليه وسلم ))إذا سجد ،وضع ُركبتيه
حجر :كان رسول ا ّ
قبل يديه(( .كما قال وائل بن ُ
ث وائل بن حجر ،أصح من حديث أبي هريرة .وقد سبقت
قبل يديه(( .وقال الخطابي وغيره :وحدي ُ
المسألة مستوفاة في هذا الكتاب والحمد ل.
سّنَتها،
وكان صلى ال عليه وسلم إذا صلى الجمعة ،دخل إلى منزله ،فصلى ركعتين ُ
ي بعدها أربعًا .قال شيخنا أبو العباس ابن تيمية :إن صلى في المسجد،
ن صلها أن ُيصل َ
وأمر َم ْ
ت :وعلى هذا تدل الحاديث ،وقد ذكر أبو داود
صلى أربعًا ،وإن صلى في بيته ،صلى ركعتين .قل ُ
عن ابن عمر أنه كان إذا صّلى في المسجد ،صلى أربعًا ،وإذا صلى في بيته ،صلى ركعتين.
وفي ))الصحيحين(( :عن ابن عمر ،أن النبي صلى ال عليه وسلم ،كان يصلي بعد الجمعة
ركعتين في بيته .وفي ))صحيح مسلم(( ،عن أبي هريرة ،عن النبي صلى ال عليه وسلم ))ِإَذا
ل أعلم.
ت(( .وا ّ
ل َبْعَدَها َأْرَبَع َرَكَعا ٍ
صّجُمَعةَ ،فْلي َ
حُدُكُم ال ُ
صّلى َأ َ
َ
206
فصل
في هديه صلى ال عليه وسلم ،في العيدين
صّلى ،وهو المصّلى الذي على باب المدينة
كان صلى ال عليه وسلم ُيصلي العيدين في الُم َ
ل العيَد بمسجده إل مرًة واحدة
ل الحاج ،ولم ُيص ّ
حِم ُ
الشرقي ،وهو المصّلى الذي ُيوضع فيه َم ْ
أصابهم مطر ،فصّلى بهم العيَد في المسجد إن ثبت الحديث ،وهو في سنن أبي داود وابن ماجة
وهدُيه كان ِفعلهما في المصّلى دائمًا.
سها للعيدين والجمعة ،ومرة كان
حّلة يلَب ُ
ل ثيابه ،فكان له ُ
وكان يلَبس للخروج إليهما أجم َ
ض الناس ،فإنه لو
َيلَبس ُبرَدين أخضرين ،ومرة بردًا أحمر ،وليس هو أحمَر ُمصَمتًا كما يظنه بع ُ
كان كذلك ،لم يكن ُبردًا ،وإنما فيه خطوط حمر كالبرود اليمنية ،فسمي أحمر باعتبار ما فيه من
ي عن ُلبس المعصفر والحمر،
ض النه ُ
ذلك .وقد صح عنه صلى ال عليه وسلم ِمن غير معار ٍ
ل بن عمرو لما رأى عليه ثوبين أحمرين أن َيحِرَقهما فلم يكن ليكره الحمر هذه
وأمر عبد ا ّ
سه ،والذي يُقوم عليه الدليل تحريُم ِلباس الحمر ،أو كراهيُته كراهية شديدة.
الكراهة الشديدة ثم يلَب ُ
)يتبع(...
ل خروجه في عيد الفطر تمرات ،ويأكلهن
وكان صلى ال عليه وسلم يأُكل قب َ @
جَع ِمن المصّلى ،فيأكل من أضحيته.
وترًا ،وأما في عيد الضحى ،فكان ل َيطَعُم حتى َير ِ
وكان يغتسل للعيدين ،صح الحديث فيه ،وفيه حديثان ضعيفان :حديث ابن
عباس ،من رواية جبارة بن ُمَغّلس ،وحديث الفاِكه بن سعد ،من رواية يوسف بن خالد السمتي.
سّنة ،أنه كان يغتسل يوم العيد قبل خروجه.
شدة اّتباعه لل ُ
ولكن ثبت عن ابن عمر مع ِ
وكان صلى ال عليه وسلم يخرج ماشيًا ،والَعَنَزُة تحمل بين يديه ،فإذا
ي إليها ،فإن المصّلى كان إذ ذاك فضاًء لم يكن فيه بناٌء
صبت بين يديه ليصل َ
وصل إلى المصّلىُ ،ن ِ
سترَته.
ول حائط ،وكانت الحربُة ُ
ن عمر مع شدة اتباعه للسنة ،ل
جل الضحى ،وكان اب ُ
خر صلة عيد الفطر ،وُيع ّ
وكان ُيَؤ ّ
س ،ويكّبر ِمن بيته إلى المصلى .وكان صلى ال عليه وسلم إذا انتهى إلى
يخُرج حتى تطُلع الشم ُ
المصّلى ،أخذ في الصلة من غير أذان ول إقامة ول قول :الصلة جامعة ،والسنة :أنه ل ُيفعل
شيء من ذلك.
ولم يكن هو ول أصحاُبه ُيصلون إذا انتهوا إلى المصّلى شيئًا قبل الصلة ول بعدها.
207
نل
ك على َأ ْ
ت ُيباِيْعَن َ
ك الُمؤِمنا ُ
جاء َ
ي إذا َ
يشّقهم حتى جاء إلى النساء ومعه بلل ،فقالَ} :يَأّيها الّنب ّ
ث.
شْيئًا{ ]الممتحنة [12 :فتل الية حتى فرغ منها ،الحدي َ
ل َ
ن ِبا ّ
شِرْك َ
ُي ْ
وفي ))الصحيحين(( أيضًا ،عن جابر ،أن النبي صلى ال عليه وسلم قام ،فبدأ بالصلة ،ثم
ل صلى ال عليه وسلم نزل فأتى النساء فذّكرهن ،الحديث .وهو
يا ّ
س َبْعُد ،فلما فرغ نب ّ
خطب الّنا َ
ن أو طين أو
يدل على أنه كان يخطب على منبر ،أو على ،راحلته ،ولعله كان قد ُبني له منبر من َلِب ٍ
نحوه؟
قيل :ل ريب في صحة هذين الحديثين ،ول ريب أن الِمنبر لم يكن ُيخَرج من المسجد ،وأول
ن بن الحكم ،فُأنِكَر عليه ،وأما منبر الّلبن والطين ،فأول من بناه كثير بن الصلت
من أخرجه مروا ُ
ن يقوم في
في إمارة مروان على المدينة ،كما هو في ))الصحيحين(( فلعله صلى ال عليه وسلم كا َ
طبة ،ثم ينحدر منه إلى النساء ،فيِقف
المصَلى على مكان مرتفع ،أو ُدكان وهي التي تسمى ِمص َ
ل أعلم.
عليهن ،فيخطبُهن ،فيِعظهن ،ويذّكُرهن .وا ّ
ل ،ولم ُيحفظ عنه في حديث واحد ،أنه كان يفتتح
طبه كّلها بالحمد ا ّ
خَوكان يفتتح ُ
خطبتي العيدين بالتكبير ،وإنما روى ابن ماجه في ))سننه(( عن سعد القرظ مؤّذن النبي صلى ال
ف الخطبة ،ويكثر التكبير في خطبتي العيدين .وهذا
ن أضعا ِ
عليه وسلم أّنه كان ُيكثر التكبير َبْي َ
خطبة العيدين والستسقاء ،فقيل:
س في افتتاح ُ
ليدل على أنه كان يفتتحها به .وقد اختلف النا ُ
ُيفتتحان بالتكبير ،وقيل تفتتح خطبة الستسقاء بالستغفار ،وقيلُ :يفتتحان بالحمد .قال شيخ السلم
حْمِد
ل ُيْبَدأ فيِه ِب َ
ل َ
ل َأْمٍر ذي با ٍ
ابن تيمية :وهو الصواب ،لن النبي صلى ال عليه وسلم قال ))ك ّ
جَذُم((.
لَ ،فُهَو َأ ْ
ا ّ
وكان يفتتح خطَبه كّلها بالحمد ل.
خص لهم
ورخص صلى ال عليه وسلم لمن شهد العيد :أن يجلس للخطبة ،وأن يذهب ،ور ّ
إذا وقع العيُد يوَم الجمعة أن يجتزئوا بصلة العيد عن حضور الجمعة
ق يوم العيد ،فيذهب في طريق ،ويرجُع في آخر
.وكان صلى ال عليه وسلم ُيخالف الطري َ
ي حاجة من له حاجة
فقيل :ليسّلَم على أهل الطريقين ،وقيل :لينال بركَته الفريقان ،وقيل :ليقض َ
عّزة
لسلم في سائر الِفجاج والطرق ،وقيل :ليغيظ المنافقين برؤيتهم ِ
منهما ،وقيل :ليظهر شعاِئَر ا ِ
ى المسجد والمصّلى إحدى
السلم وأهله ،وقيام شعائره ،وقيل :لتكثر شهادُة الِبقاع ،فإن الذاهب إل َ
210
ط خطيئة حتى يرجع إلى منزله ،وقيل وهو الصح :إنه لذلك
خطوتيه ترفُع درجة ،والخرى تح ّ
حَكم التي ل يخلو فعُله عنها.
ُكّله ،ولغيره من ال ِ
وروي عنه ،أنه كان ُيكّبر من صلة الفجر يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام
حْمُد.
ل ال َ
ل َأكَبرَ ،و ِّ
ل َأْكَبُر ،ا ُّ
ل ،وا ُّ
ل ا ُّ
ل إَلَه إ ّ
ل َأْكَبُرَ ،
ل َأْكَبُر ،ا ُّ
التشريق :ا ُّ
فصل
في هديه صلى ال عليه وسلم في صلة الكسوف
جّر رداءه ،وكان
ج صلى ال عليه وسلم إلى المسجد ُمسِرعًا فِزعًا ي ُ
س ،خر َ
شم ُ
ت ال ّ
سَف ِ
لما َك َ
سوُفها في أّول النهار على مقدار ُرمحين أو ثلثة ِمن طلوعها ،فتقَدم ،فصلى ركعتين ،قرأ في
كُ
الولى بفاتحة الكتاب ،وسورة طويلة ،جهر بالقراءة ،ثم ركع ،فأطال الركوع ،ثم رفع رأسه من
حِمَدُه َرّبَنا َل َ
ك ن َ
ل ِلَم ْ
سمَع ا ّ
الركوع ،فأطال القيام وهو دون القيام الول ،وقال لما رفع رأسهَ )) :
ل ،ثم رفع رأسه من
حْمد(( ،ثم أخذ في القراءة ،ثم ركع ،فأطال الركوع وهو دون الركوع الو ِ
ال َ
ل ما فعل في الولى،
الركوع ،ثم سجد سجدة طويلة فأطال السجود ،ثم فعل في الركعة الخرى ِمث َ
ل ركعة ُركوعان وسجودان ،فاستكمل في الركعتين أربَع ركعات وأربَع سجدات ،ورأى
فكان في ُك ّ
عنقودًا من الجنة ،فُيرَيهم إياه ،ورأى أهل العذاب في
في صلته تلك الجنة والنار ،وهّم أن يأخذ ُ
جوعًا وعطشًا ،ورأى عمرو بن مالك يجر
شها ِهّرٌة ربطتها حتى ماتت ُ
النار ،فرأى امرأة تخِد ُ
ق الحاج ُيعَذب ،ثم انصرف،
ل من غّير دين إبراهيم ،ورأى فيها ساِر َ
أمعاَءه في النار ،وكان أو َ
ن بَمْو ِ
ت سَفا ِ
خِل ل َي ْ
تا ّ
ن ِمن آيا ِ
س َوالَقَمر َآَيَتا ِ
شْم َ
ن ال ّ
ظ منها قوله)) :إ ّ
حِف َ
فخطب بهم خطبة بليغةُ ،
حٌد
ل َما َأ َ
حّمد ،وا ّ
صُلوا ،وَتصَدقوا يا ُأّمَة ُم َ
ل وَكبروا ،و َ
ك ،فادعوا ا ّ
حياِتِه ،فإذا َرأْيُتم َذِل َ
حٍدَ ،ول ِل َ
َأ َ
ل،
حكتم َقلي ً
حّمد ،وال َلو َتعَلمون ما َأعَلم َلض ِ
ي َأَمته ،يا أّمة م َ
عبُدُهَ ،أْو َتْزن َ
ي َ
ن يزن َ
ن ال َأ ْ
َأغَيَر ِم َ
َوَلَبَكْيتْم َكِثيرًا((.
حّتى َلَقْد رأيُتني أريد أن آخَذ ِقطفًا ِمن
عدُتم بهَ ،
شيٍء ُو ِ
ل َ
ت في َمَقاِمي هذا ُك ّ
وقالَ)) :لَقْد َرأي ُ
ت((.
خر ُ
ن رأْيتُموني َتَأ ّ
حي َ
ضًا ِ
ضها َبْع َ
طم َبْع ُ
جَهّنم َيح ِ
ت َ
ن رأيُتُموني َأَتقَدُمَ ،وَلَقد رأي ُ
حي َ
الجنة ِ
ساَء.
ل ألنار الّن َ
ظَع منها ،وَرأْيت أكَثر أه ِ
ط َأْف َ
وفي لفظَ :وَرأيت النّاَر فلم أَر كاليوم َمْنظرَا َق ّ
سان،
لح َ
نا ِ
ن الَعشيَرَ ،وَيكفر َ
ل؟ قالَ :يْكفر َ
ن با ّ
ن .قيل :أيكُفر َ
ل؟ قالِ :بُكفِره ّ
قاُلواَ :وِبَم يا رسول ا ّ
ط.
خيرًا ق ّ
ك َ
ت ِمن َ
شيئًا ،قالتَ :ما َرأْي ُ
ك َ
ن الّدْهَر ُكّلهُ ،ثّم رأت ِمن َ
حداه ّ
ت إلى إ ْ
سن َ
لو َأح َ
211
حُدُكم
جالُ ،يْؤتى َأ َ
ن ِفْتَنِة الّد َ
ل ،أو َقريبًا ِم ْ
ي أَنُكم ُتفَتنون في الُقبوِر ِمث َ
حي إل ّ
ومنها)) :وَلَقْد ُأو ِ
ل ،جاءَنا
سول ا ّ
حّمد َر ُ
ل؟ َفَأّما الُمؤِمن أو قال :الُموِقن ،فيقولُ :م َ
جِعْلُمك ِبَهذا الّر ُ
َفُيقال له :ما ِ
ت لمؤمنا ،وأّما الُمناِفق
عِلمَنا إن كن َ
صاِلحًا َفَقْد َ
جبنا ،وآمَنّا ،واّتَبعَنا ،فُيقال َلُه :نم َ
ت َوالُهَدىَ ،فَأ َ
بالبّيَنا ِ
شيئًا ،فقلُته((.
س َيقوُلون َ
ب ،فَيُقول :ل أْدِري ،سِمْعت الّنا َ
ل :الُمْرتا ُ
َأْو َقا َ
حِمَد ال
سّلَمَ ،
ل ،أنه صلي ال عليه وسلم لما َ
وفي طريق أخرى لحمد بن حنبل رحمه ا ّ
ل َه ْ
ل شُدُكم با ِّ
سُ ،أُن ِ
ل ،وأّنه عبُده ورسوُله ،ثم قالَ)) :أّيَها النّا ُ
لا ّ
شهد أن ل إَله إ ّ
وأثنى عليه ،و َ
شَهدُ
لَ :ن ْ
لَ ،فَقا َ
جٌخَبرُتموني ِبَذِلك؟ َفَقاَم َر ُ
ت رّبي لَما أ ْ
سال ِ
ن َتْبِليغ ِر َ
ت في شيء ِم ْ
ن أّني َقصْر ُ
َتْعَلمو َ
جا ً
ل ن ِر َ
ك((ُ .ثّم َقال)) :أّما َبعُد فإ ّ
عَلْي َ
ت اّلذي َ
ك ،وَقضْي َ
لّمِت َ
ت ُ
ح َ
صْكَ ،وَن َ
ت َرّب َ
ل ِ
سا َ
ت ِر َ
ك َقْد َبّلْغ َ
ّأن َ
جالٍ
ت ِر َ
عن َمطاِلعها ِلمو ِ
جوِم َ
ل هذه الّن ُ
ف َهذا الَقَمرَ ،وَزَوا َ
سو َ
شْمس ،وُك ُ
ف هِذِه ال ّ
سو َ
ن ُك ُ
ن َأ ّ
عُمو َ
َيز َ
عباُدُه،
ك َوَتَعالى َيْعَتِبُر ِبَها ِ
ل َتباَر َ
تا ّ
ض ،وإّنُهم َقْد َكَذُبواَ ،وَلِكّنَها آيات ِمن آيا ِ
ن َأْهل الْر ِ
ظَماَء ِم ْ
عَُ
ن أْمِر ُدنَياُكْم
صّلي ما َأْنُتم لُقوه ِم ْ
ت ُأ َ
ت مُنذ ُقْم ُ
ل َلَقْد َرَأْي ُ
ث ِمنُهم َتْوَبًة ،واْيُم ا ِّ
حِد ُ
ن ُي ْ
ظُر م ْ
َفَين ُ
ل،
جا ُ
عَوُر الّد ّ
ج َثلَثون َكّذابًا آخُرُهم ال ْ
خُر َ
حّتى َي ْ
عُة َ
سا َ
عَلُم -ل َتقوم ال ّ
ل َأ ْ
خَرِتُكم ،وإّنُه -وا ُّ
وآ ِ
حجَرة عائشة،
ن ُ
صاِرَ ،بيَنه وَبْي َ
لْن َ
حيَنئٍذ َمن ا َ
خ ِ
ن َأبي تحيى ِلشْي ٍ
عْي ُ
سرىَ ،كَأّنها َ
ن الي ْ
سوح الَعْي ِ
َمْم ُ
ف،
سَل َ
عَمِله َ
صالح ِمن َ
صّدَقُه واّتبَعهَ ،لم َينَفْعه َ
ن ِبِه َو َ
لَ ،فَمن آَم َ
عُم أّنه ا ُّ
ف َيْز ُ
سْو َ
ج ،ف َ
خُر ْ
وإّنه َمَتى َي ْ
حَرَم
ل ال َ
ض ُكّلَها إ ّ
لْر ِ
عَلى ا َ
سَيظَهُر َ
سَلفًا ،وإّنه َ
عَمِلِه َ
ن َ
َومن َكَفر به وَكّذبهَ ،لم ُيعاَقب بشيٍء ِم ْ
ل عّز
شِديَدًاُ ،ثّم ُيهِلُكه ا ّ
ل َ
ن ِزلَزا ً
صر الُمؤمنين في َبْيت الَمْقِدسَ ،فُيَزْلَزلو َ
ح ُ
ت الَمقِدس ،وإنه َي ْ
َوَبْي َ
سلُم ،يا
جَرِة لُيَنادي :يا مُ ْ
شَل ال ّ
صَط ،وأ ْ
حاِئ ِ
ل ال َ
صَط َأْو َقالَ :أ ْ
حاِئ ِ
جْذَم ال َ
ن ِ
ل َوجنوَده ،حتى إ ّ
جّوَ
حَتى َتَرْوا ُأُمورًا َيَتَفاَقُم
ك َ
ن ذِل َ
ن َيُكو َ
لَ :ولَ ْ
ل فاْقُتْلُه َقا َ
لَ :هَذا َكاِفٌرَ ،فَتَعا َ
يَ ،أْو َقا َ
ُمْؤِمن ،هَذا َيُهوِد ٌ
عْ
ن ل َ
جَبا ٌ
ل ِ
ن َنبّيكْم َذَكر َلُكْم ِمْنَها ِذْكرَا :وحّتى َتُزو َ
ل َكا َ
ن َبْينكمَ :ه ْ
سكم ،وتساءلو َ
شْأُنَها في َأْنُف ِ
َبْينكم َ
ض((.
ك الَقْب ُ
َمراِتبها ،ثّم على أَثر َذِل َ
فهذا الذي صح عنه صلي ال عليه وسلم :من صفة صلة الكسوف وخطبتها .وقد
لها على صفات أخر.
ُروي عنه أنه ص ّ
ل ركعة بثلث ركوعات.
منهاُ :ك ّ
ومنها :كل ركعة بأربع ركوعات.
صّليت كل ركعة بركوع واحد ،ولكن ِكبار الئمة ،ل ُيصححون
ومنها :إنها كإحدى صلة ُ
لمام أحمد ،والبخاري ،والشافعي ،ويرونه غلطًا .قال الشافعي وقد سأله سائل ،فقال :روى
ذلك ،كا ِ
212
ت له:
ت في كل ركعة ،قال الشافعي :فقل ُ
ضهم أن النبي صلي ال عليه وسلم صلى بَثلث ركعا ٍ
بع ُ
ث الركوعين في
أتقول به أنت؟ قال :ل ،ولكن ِلم لم تقل به أنت وهو زيادٌة على حديثكم؟ يعني حدي َ
ل أعلم -
ت :هو من وجه منقطع ،ونحن ل نثبت المنقطع على النفراد ،ووجٍه نراه -وا ّ
الركعة ،فقل ُ
ل عبيد بن عمير :حدثني من أصّدق ،قال عطاء :حسبته ُيريد
غلطًا ،قال البيهقي :أراد بالمنقطع قو َ
ث ُركوعات وأربَع سجدات .وقال قتادة :عن عطاء،
ل ركعة ثل َ
عائشة الحديث ،وفيه :فركع في ك ّ
عبيد بن عمير ،عنها :ست ركعات في أربع سجدات فعطاء ،إنما أسنده عن عائشة بالظن
عن ُ
عمرة ،عن
عروة ،و َ
والحسبان ،ل باليقين ،وكيف يكون ذلك محفوظًا عن عائشة ،وقد ثبت عن ُ
عبيد بن عمير وهما اثنان ،فروايُتهما
ص بعائشة وألزُم لها من ُ
عائشة خلفه وعروة وعمرة أخ ّ
ث عطاء عن جابر:
أولى أن تكون هي المحفوظة .قال :وأما الذي يراه الشافعي غلطًا ،فأحسبه حدي َ
ل صلي
ت إبراهيُم بن رسول ا ّ
ل صلي ال عليه وسلم يوَم ما َ
س في عهد رسول ا ّ
ت الشم ُ
))انكسف ِ
س لموت إبراهيم ،فقام النبي صلي ال عليه وسلم،
شم ُ
س إنما انكسفت ال ّ
ال عليه وسلم ،.فقال النا ُ
ت ركعات في أربع سجدات(( الحديث.
فصّلى بالّناس س ِ
قال البيهقي :من نظر في قصة هذا الحديث ،وقصة حديث أبي الزبير ،علم أنهما قصة
واحدة ،وأن الصلة التي أخبر عنها إنما فعلها مرة واحدة ،وذلك في يوم توفي ابنه إبراهيم عليه
السلم.
سليمان ،عن عطاء ،عن جابر ،وبين
ف بين عبد الملك يعني ابن أبي ُ
قال :ثم وقع الخل ُ
هشام الدستوائي ،عن أبي الّزبير ،عن جابر في عدد الركوع في كل ركعة ،فوجدنا رواية هشام
أولى ،يعني أن في كل ركعة ركوعين فقط ،لكونه مع أبي الزبير أحفظ من عبد الملك ،ولموافقة
عمرة وعروة عن عائشة ،ورواية كثير بن عباس ،وعطاء بن
روايته في عدد الركوع رواية َ
ل بن عمرو ،ثم رواية يحيى بن سليم وغيره،
يسار ،عن ابن عباس ،ورواية أبي سلمة عن عبد ا ّ
عبيد بن
وقد خولف عبُد الملك في روايته عن عطاء ،فرواه ابن جريج وقتادة ،عن عطاء ،عن ُ
عمير :ست ركعات في أربع سجدات ،فرواية هشام عن أبي الزبير عن جابر التي لم يقع فيها
ف وُيوافقها عدد كثيٌر أولى من روايتي عطاء اللتين إنما إسناد أحِدهما بالتوهم ،والخرى
الخل ُ
ط في غير حديث.
يتفرد بها عنه عبد الملك بن أبي سليمان ،الذي قد ُأخَذ عليه الغل ُ
ث حبيب بن أبي ثابت ،عن طاووس ،عن ابن عباس ،عن النبي صلي ال
قال :وأما حدي ُ
عليه وسلم ،أنه صلى في كسوف ،فقرأ ،ثم ركع ،ثم قرأ ،ثم ركع ،ثم قرأ ،ثم ركع ،ثم قرأ ،ثم ركع،
213
ثم سجد قال والخرى مثلها ،فرواه مسلم في ))صحيحه(( وهو مما تفرد به حبيب بن أبي ثابت،
عه ِمن طاووس ،فيشبه أن يكون حمله عن غير
وحبيب وإن كان ثقة ،فكان ُيدلس ،ولم ُيبين فيه سما َ
موثوق به ،وقد خالفه في رفعه ومتنه سليمان المكي الحول ،فرواه عن طاووس ،عن ابن عباس
ث ركعات في ركعة .وقد خولف سليمان أيضًا في عدد الركوع ،فرواه جماعة عن ابن
ِمن فعله ثل َ
عباس ِمن فعله ،كما رواه عطاء بن يسار وغيره عنه ،عن النبي صلي ال عليه وسلم ،يعني في كل
ي عن هذه الروايات الثلث ،فلم يخّرج
ركعة ركوعان .قال :وقد أعرض محمد بن إسماعيل البخار َ
ل ،وقال
شيئًا منها في ))الصحيح(( لمخالفتهن ما هو أصح إسنادًا ،وأكثر عددًا ،وأوثق رجا ً
ح الروايات عندي في صلة الكسوف أربُع
البخاري في رواية أبي عيسى الترمذي عنه :أص ّ
ت قال البيهقي :وروي عن حذيفة مرفوعًا ))أربع ركعات في كل ركعة((،
ركعات في أربع سجدا ٍ
وإسناده ضعيف.
ن كعب مرفوعًا ))خمس ركوعات في كل ركعة(( وصاحبا الصحيح لم
يبِ
وُروي عن أب ّ
يحتجا بمثل إسناد حديثه.
قال :وذهب جماعة من أهل الحديث إلى تصحيح الروايات في عدد الركعات ،وحملوها
ق بن
على أن النبي صلي ال عليه وسلم فعلها مرارًا ،وأن الجميع جائز ،فممن ذهب إليه إسحا ُ
راهويه ،ومحمد بن إسحاق بن خزيمة ،وأبو بكر بن إسحاق الضبعي ،وأبو سليمان الخطابي،
واستحسنه ابن المنذر .والذي ذهب إليه البخاري والشافعي من ترجيح الخبار أولى لما ذكرنا من
رجوع الخبار إلى حكاية صلته صلي ال عليه وسلم في يوَم توفي ابنه.
ص عن أحمد أيضًَا أخذه بحديث عائشة وحده في كل ركعة ركوعان
قلت :والمنصو ُ
وسجودان .قال في رواية المروزي :وأذهب إلى أن صلة الكسوف أربُع ركعات ،وأربُع سجدات،
في كل ركعة ركعتان وسجدتان ،وأذهب إلى حديث عائشة ،أكثُر الحاديث على هذا .وهذا اختياُر
ل ما خالفه
أبي بكر وقدماء الصحاب ،وهو اختيار شيخنا أبي العباس ابن تيمية.؟كان يضعف كُ ّ
ف مرة واحدة يوَم
من الحاديث ،ويقول :هي غلط ،وإنما صّلى النبي:صلي ال عليه وسلم الكسو َ
ل أعلم.
مات ابنه ابراهيم .وا ّ
ل ،والصلِة ،والدعاء ،والستغفار والصدقة،
وأمر صلي ال عليه وسلم في الكسوف بذكِر ا ّ
ل أعلم.
والعتاقة ،وا ّ
فصل
214
ت غّفارًا ،فأرسل
شُفه غيُرك ،اللهم إنا نستغِفرك ،إنك كن َ
ف عنا ِمن البلء ما ل يك ِ
ي ،واكش ْ
والُعر َ
السماء علينا ِمدرارًا((.
لمام بهذا ،قال :وبلغني أن النبي صلى ال عليه
ب أن يدعَو ا ِ
ل :وأح ّ
قال الشافعي رحمه ا ّ
طر في أول
وسلم كان إذا دعا في الستسقاء رفع يديه وبلغنا أن النبي صلى ال عليه وسلم كان يتم ّ
ب جسده .قال :وبلغني أن بعض أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم كان إذا أصبح
مطرة حتى يصي َ
ك َلَها{
سَ
حَمٍة فل مم ِ
ل ِللّناس من َر ْ
ح ا ُّ
طرنا بَنوِء الَفتح ،ثم يقرأ} :ما َيفت َ
طَر الناس ،قالُ :م ِ
وقد ُم ِ
]فاطر.[2 :
قال :وأخبرني من ل أتهم عن عبد العزيز بن عمر،عن مكحول عن ابن عمر عن
النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال)) :اطلُبوا استجابة الدعاء عند التقاء الجيوش وإقامة الصلة،
ونزول الغيث((.
لجابة غد :نزول الغيث ،وإقامة الصلة .قال البيهقى :وقد
با ِ
ت عن غير واحد طل َ
ظ ُ
حف ْ
وقد َ
روينا في حديث موصول عن سهل بن سعد ،عن النبي صلى ال عليه وسلم ))الدعاء ل ُيَرّد عِنَد
طِر(( .وروينا عن أبي أمامة ،عن النبي صلى ال عليه وسلم قال:
ت الَم َ
ح َ
عْنَد الَبأس ،وَت ْ
النداِءَ ،و ِ
عنَد ُنُزول
صفوف ،و ِ
ب الدعاء في أربعة مواطن :عند التقاء ال ّ
ب السماء ،وُيستجا ُ
ح أبوا ُ
))ُتفَت ُ
عْنَد ُرْؤَيِة الَكْعَبِة((.
صلِةَ ،و ِ
الَغْيث ،وعنَد إَقاَمة ال ّ
فصل
في هديه صلى ال عليه وسلم في سفره وعبادته فيه
كانت أسفاره صلى ال عليه وسلم دائرَة بين أربعة أسفار :سفِره لهجرته ،وسفره للجهاد
وهو أكثرها ،وسفِره للعمرة ،وسفِره للحج.
ج ،سافر
وكان إذا أراد سفرًا ،أقرع بين نسائه ،فأّيُتُهن خرج سهُمها ،سافر بها معه ،ولما ح ّ
بهن جميعًا.
ل تبارك
ج يوم الخميس ،ودعا ا ّ
ب الخرو َ
ح ّ
وكان إذا سافر ،خرج ِمن أول النهار ،وكان يست ِ
لّمِتِه في ُبكورها.
وتعالى أن ُيبارك ُ
وكان إذا بعث سرية أو جيشًا ،بعثهم من أول النهار ،وأمَر المسافرين إذا كانوا ثلثة أن
ن،
طاَنا ِ
ن شَْي َ
ن ،والّراِكبا ِ
طا ٌ
شْي َ
ب َ
يؤّمروا أحدهم .ونهى أن ُيسافر الرجل وحَده ،وأخبر أن الراِك َ
َوالّثلَثُة َرْكب.
217
صْمت ،الّلُهم
عَت َ
كا ْ
ت ،وِب َ
جْه ُ
وُذِكَر عنه أنه كان يقول حين ينهض للسفر ))الَلُهم إَلْيك َتَو َ
خْيِر َأَيَنَما
جْهِني ِلل َ
غِفْر لي َذْنِبيَ ،وَو ّ
ل َأْهَتم بِه ،الّلُهّم َزّوْدني الّتْقَوىَ ،وا ْ
اْكِفني َما َأهّمني َوَما َ
ت((.
جْه ُ
َتَو ّ
ل حين يضع رجله في الّركاب ،وإذا
ت إليه دابُته ليركبها ،يقول)) :بسم ا ّ
وكان إذا ُقّدم َ
ن،
ن َوإّنا ِإَلى َرّبَنا لمْنقَِلبو َ
خَر َلَنا َهذا َوَما ُكّنا َلُه بمْقِرني َ
سّاستوى على ظهرها ،قال :الحمُد ل اَلذي َ
حاَن َ
ك سْب َ
لُ :
ل َأكبر ،ثم يقو ٌ
ل َأْكَبُر ،ا ُّ
ل َأْكَبُر ،ا ُّ
ل ،ثم يقول .:ا ّ
حْمُد ِّ
ل ،ال َ
حمد ِّ
ل ،ال َ
حْمُد ِّ
ل :ال َ
ُثّم َيُقو ُ
سَفِرَنا
ك في َ
سأُل َ
ت(( وكان يقول)) :الّلهم إّنا َن ْ
ل َأن َ
ب ِإ ّ
ل َيْغفر الُذُنو َ
سيَ ،فاغِفِر ِلي ِإّنه َ
ت َنْف ِ
ظَلْم ُ
ي َ
ِإَن ّ
عّنا ُبغَدُه ،الّلهم َأْن َ
ت طِو َ
سَفَرَنا هذاَ ،وا ْ
عَلْيَنا َ
ضى ،الّلُهم َهّون َ
ل َما َتْر َ
ن الَعَم ِ
َهَذا الِبّر َوالّتْقَوىَ ،وِم َ
ب،
سَفِرَ ،وَكآَبِة المنَقَل ِ
عَثاِء ال ّ
ك ِمن َو ْ
عوُذ ِب َ
ي َأ ُ
ل ،الَلُهّم إن ّ
لْه ِ
خِليَفُة في ا َ
سَفِرَ ،وال َ
ب في ال ّ
ح ُ
صا ِ
ال ّ
عاِبُدون ِلَرّبَنا
ن َ
ل(( وإذا رجع ،قالهن ،وزاد فيهن)) :آيبون َتاِئُبو َ
ل َوالَما ِ
له ِ
ظِر في ا َ
َوسوِء الَمْن َ
حاِمُدون((.
َ
علوا الثنايا ،كّبروا ،وإذا هبطوا الودية،سَبحوا.
وكان هو وأصحاُبه إذا َ
ن،
ظَلْل َ
سْبِع وما أ ْ
ت ال ّ
سَماَوا ِ
ب ال ّ
ل ))الّلُهّم َر ّ
وكان إذا أشرف على قرية ُيريد دخوَلها يقو ُ
خْيَر
ك َ
سَأُل َ
نَ ،أ ْ
ح َوما َذَرْي َ
ب الّرَيا ِ
نَ ،وَر ّ
ضَللْ َ
ن وما َأ ْ
طي ِ
شَيا ِ
ب ال ّ
نَ ،وَر ّ
سْبِع َوَما َأْقَلْل َ
لرضين ال ّ
با َ
َوَر ّ
شّر َما ِفيَها((
شّر َأْهِلَها وَ َ
شّرَهاَ ،و َ
ن َ
ك ِم ْ
عوُذ ِب َ
خْيَر أْهِلَها ،وَأ ُ
هِذه الَقْرَيِة َو َ
ت ِفيَها،
جَمْع َ
خْيِر َما َ
خْيِر هِذِه الَقْرَية َو َ
ن َ
ك ِم ْ
وذكر عنه أنه كان يقول)) :الّلُهّم ِإّني أسَأُل َ
حّبْبَنا ِإَلى َأْهِلَها،
ن َوَباَهاَ ،و َ
عْذَنا ِم ْ
جَناَهاَ ،وَأ ِ
ت ِفيَها ،الّلُهّم ارُزْقَنا َ
جَمْع َ
شّرَها َوشّر َما َ
ن َ
ك ِم ْ
عوُذ ِب َ
َوَأ ُ
حي َأْهِلَها ِإَلْيَنا((.
صاِل ِ
حّبب َ
َو َ
صر الّرَباعية ،فيصليها ركعتين ِمن حين يخُرج مسافرًا إلى أن يرجع إلى
وكان َيق ُ
المدينة ،ولم يثُبت عنه أنه أتّم الّرباعية في سفره البتة ،وأما حديث عائشة :أن النبي صلى ال عليه
لسلم ابن تيمية يقول:
ت شيخ ا ِ
ح .وسمع ُ
صوُم ،فل َيص ّ
طُر وَي ُ
صُر في السفر ويِتّم ،وُيْف ِ
وسلم كان يق ُ
ل صلى ال عليه وسلم انتهى ،وقد روي :كان يقصُر وتتم ،الول بالياء آخر
هو كذب على رسول ا ّ
الحروف ،والثاني بالتاء المثناة من فوق ،وكذلك ُيفطر وَيصوم ،أي :تأخذ هى بالعزيمة في.
الموضعين ،قال شيخنا ابن تيمية :وهذا باطل ما كانت أم المؤمنين ِلُتخالف رسول ال صلى ال
ل فرض
ي خلف صلتهم ،كيف والصحيح عنها أنها قالت :إن ا ّ
عليه وسلم وجميَع أصحابه ،فتصل َ
ل صلى ال عليه وسلم إلى المدينةِ ،زيد في صلة
الصلة ركعتين ركعتين ،فلما هاجَر رسول ا ّ
218
ل عنه ،وهو الذي سأل النبي صلى ال عليه وسلم :ما باُلنا
افترى .وهذا ثابت عن عمر رضي ا ّ
عَلْيكُْمَ ،فاْقَبلوا
ل َ
ق بَها ا ُّ
صّد َ
ل صلى ال عليه وسلم)) :صَدَقٌة َت َ
لا ّ
صر وقد أِمّنا؟ فقال له رسو ُ
نق ُ
صَدَقَتُه((.
َ
ض بين حديثيه ،فإن النبي صلى ال عليه وسلم لما أجابه بأن هذه صدقُة ال عليكم،
ول تناق َ
وِديُنه اليسر السمح ،علم عمُر أنه ليس المراُد من الية قصَر العدد كما فهمه كثير من الناس ،فقال:
صلة السفر ركعتان ،تماٌم غير قصر .وعلى هذا ،فل دللة في الية على أن قصر العدد مباح
منفي عنه الجناح ،فإن شاء المصلي ،فعله ،وإن شاء أتم.
ل صلى ال عليه وسلم ُيواظب في أسفاره على ركعتين ركعتين ،ولم
وكان رسول ا ّ
ط إل شيئًا فعله في بعض صلة الخوف ،كما سنذكره هناك ،ونبين ما فيه إن شاء ال تعالى.
ُيرّبع ق ّ
ل صلى ال عليه وسلم من المدينة إلى مكة ،فكان ُيصلي
وقال أنس :خرجنا مع رسول ا ّ
جْعَنا إلى المدينة .متفق عليه.
ركعتين ركعتين حتى ر َ
ن بن عفان صّلى بِمنى أربَع ركعات قال :إّنا ل وإّنا
ل بن مسعود أن عثما َ
ولما بلغ عبد ا ّ
ت مع أبي بكر بِمنى
ل صلى ال عليه وسلم بِمنى ركعتين وصلي ُ
ت مع رسول ا ّ
جعون ،صلي ُ
إليه را ِ
ت رْكَعَتا ِ
ن ت مع عمر بن الخطاب ِبمنى ركعتين ،فليت حظي ِمن أربع َركعا ٍ
ركعتين ،وصلي ُ
ن مسعود ِليسترجع ِمن فعل عثمان أحد الجائزين المخّيِر بينهما ،بل
ن .متفق عليه .ولم يكن اب ُ
متقّبلَتا ِ
خلفائه على
الولى على قول ،وإنما استرجع لما شاهده ِمن مداومة النبي صلى ال عليه وسلم و ُ
صلة ركعتين في السفر.
ل صلى ال
ت رسول ا ّ
ل عنه قال :صحب ُ
وفي ))صحيح البخاري(( عن ابن عمر رضي ا ّ
عثمان يعني في صدر خلفة
عَمر و ُ
عليه وسلم ،فكان في السفر ل َيزيد على ركعتين ،وأبا بكر و ُ
عثمان ،وإل فعثمان قد أتم في آخر خلفته ،وكان ذلك أحَد السباب التي ُأنِكرت عليه .وقد خرج
لفعله تأويلت:
ض الصلة أربع ،لئل
جوا تلك السنة ،فأراد أن ُيعّلَمهم أن فر َ
أحدها :أن العراب كانوا قد ح ُ
ل بأنهم كانوا أحرى بذلك في حج النبي
يتوّهموا أنها ركعتان في الحضر والسفر ،وُرّد هذا التأوي ُ
ب ،ومع هذا ،فلم ُيرّبْع بهم
لسلم ،والعهُد بالصلة قري ٌ
صلى ال عليه وسلم ،فكانوا حديثي عهد با ِ
النبي صلى ال عليه وسلم.
220
فيه ،وعادُته ذكر الجرح والمجروحين ،وقد نص أحمد وابن عباس قبله أن المسافر إذا تزوج،
لتمام ،وهذا قول أبي حنيفة ،ومالك ،وأصحابهما ،وهذا أحسن ما اعُتِذر به عن عثمان.
لزمه ا ِ
وقد اعُتِذَر عن عائشة أنها كانت أّم المؤمنين ،فحيث نزلت كان وطنها ،وهو أيضًا اعتذار
ضعيف ،فإن النبي صلى ال عليه وسلم أبو المؤمنين أيضًا ،وأمومة أزواجه فرع عن أبوته ،ولم
عروة ،عن أبيه ،أنها كانت ُتصلي في السفر أربعًا ،فقلت
يكن ُيتم لهذا السبب .وقد روى هشام بن ُ
ي.
ت ركعتين ،فقالت :يا ابن أختي! إنه ل يشق عل ّ
لها :لو صلي ِ
ض المسافر ركعتين ،لما أتمها عثمان ،ول عائشة ،ول
ل :لو كان فر ُ
قال الشافعي رحمه ا ّ
ل صلى
ل ذلك قد فعل رسول ا ّ
جْز أن ُيتمها مسافر مع مقيم ،وقد قالت عائشة :ك ّ
ن مسعود ،ولم َي ُ
اب ُ
ال عليه وسلم ،أتم وقصر ،ثم روى عن إبراهيم بن محمد ،عن طلحة بن عمرو ،عن عطاء بن أبي
ل ذلك فعل النبي صلى ال عليه وسلم ،قصر الصلة في السفر وأتم.
رباح ،عن عائشة قالتُ :ك ّ
)يتبع(...
قال البيهقى :وكذلك رواه المغيرة بن زياد ،عن عطاء ،وأصح إسناد فيه ما أخبرنا أبو @
بكر الحارثي ،عن الدارقطني ،عن المحاملي ،حدثنا سعيد بن محمد بن ثواب ،حدثنا أبو عاصم،
حدثنا عمر بن سعيد ،عن عطاء ،عن عائشة ،أن النبي صلى ال عليه وسلم ،كان يقصُر في الصلِة
ويتم ،وُيفطر ،ويصوم.
قال الدارقطني :وهذا إسناد صحيح ثم ساق من طريق أبي بكر النيسابوري ،عن عباس
الدوري ،أنبأنا أبو نعيم ،حدثنا العلء بن زهير ،حدثني عبد الرحمن بن السود ،عن عائشة ،أنها
اعتمرت مع النبي صلى ال عليه وسلم من المدينة إلى مكة ،حتى إذا َقِدمت مكة ،قالت :يا رسول
ت يا عائشة((.
ت .قال)) :أحسن ِ
ت وأفطر ُ
ت وأتممت ،وصم َ
ت وأمي ،قصر َ
ال بأبي أن َ
ب على عائشة ،ولم تكن عائشة
لسلم ابن تيمية يقول :هذا الحديث كذ ٌ
ت شيخ ا ِ
وسمع ُ
صرون،
لُتصلي بخلف صلة رسول ال صلى ال عليه وسلم وسائر الصحابة ،وهي تشاهدهم يق ُ
ت الصلُة ركعتين ركعتينَ ،فِزيد في صلة
ثم تتم هي وحدها بل موجب .كيف وهي القائلةُ :فِرض ِ
ل صلى
ل ،وُتخالف رسول ا ّ
الحضر ،وُأِقّرت صلُة السفر .فكيف ُيظن أنها تزيد على ما فرض ا ّ
ال عليه وسلم وأصحابه.
قال الزهري لعروة لما حدثه عنها بذلك :فما شأنها كانت ُتتم الصلة؟ فقال :تأولت كما أول
سن ِفعلها وأقّرها عليه ،فما للتأويل حينئذ وجه ،ول
عثمان فإذا كان النبي صلى ال عليه وسلم قد ح ّ
222
ل صلى ال
يصح أن ُيضاف إتماُمها إلى التأويل على هذا التقدير ،وقد أخبر ابن عمر ،أن رسول ا ّ
ن بعائشة أم المؤمنين
ظّعليه وسلم ،لم يكن َيزيُد في السفر على ركعتين ،ول أبو بكر ،ول عمر .أفُي َ
صرون؟ وأما بعد موته صلى ال عليه وسلم ،فإنها أتمت كما أتم عثمان،
مخالفتهم ،وهي تراهم يق ُ
ل أعلم.
ل ،والحجة في روايتهم ل في تأويل الواحد منهم مع مخالفة غيره له وا ّ
وكلهما تأول تأوي ً
ل بن عمر :إنا نجد صلة الحضر ،وصلة الخوف في القرآن ،ول نجد
وقد قال أميُة بن خالد لعبد ا ّ
ل بعث محمدًا صلى ال عليه وسلم ،ول
ن عمر :يا أخي إن ا ّ
صلة السفر في القرآن؟ فقال له اب ُ
نعلم شيئًا ،فإنما نفعل كما رأينا محمدًا صلى ال عليه وسلم يفعل.
ل صلى ال عليه وسلم إلى مكة ،فكان ُيصلي ركعتي ِ
ن وقد قال أنس :خرجنا مع رسول ا ّ
ن ،حتى رجعنا إلى المدينة.
ركعتي ِ
ل صلى ال عليه وسلم ،فكان ل يزيد في السفر على
لا ّ
ت رسو َ
وقال ابن عمر :صحب ُ
ث صحيحة.
ل عنهم ،وهذه كّلها أحادي ُ
ركعتين ،وأبا بكر وعمر ،وعثمان رضي ا ّ
فصل
وكان من هديه صلى ال عليه وسلم في سفره القتصاُر على الفرض ،ولم ُيحفظ عنه أنه
حضرًا،
سنة الصلة قبَلها ول بعَدها ،إل ما كان من الِوتر وسنة الفجر ،فإنه لم يكن ليدعهما َ
صلى ُ
ت َالنبى صلى ال عليه وسلم ،فلم أره ُيسّبح
ن عمر وقد سئل عن ذَلك :فقال :صحب ُ
ول سفرًا .قال اب ُ
سَنٌة{ ]الحزاب ،[21 :ومراده
حَ
سَوٌة َ
ل ُأ ْ
لا ِ
سو ِ
ن َلُكْم في َر ُ
ل عز وجلَ} :لَقْد َكا َ
في السفر ،وقال ا ّ
ح عنه صلى ال عليه وسلم ،أنه كان ُيسّبح على ظهر راحلته
بالتسبيح :السنة الراتبة ،وإل فقد ص ّ
حيث كان وجهه .وفي ))الصحيحين(( ،عن ابن عمر ،قال :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم
ض وُيوتر على
ث توجهتُ ،يومئ إيماًء صلَة الليل ،إل الفرائ َ
ُيصلي في السفر على راحلته حي ُ
راحلته.
ل ،وهو
ل :وثبت عن النبي صلى ال عليه وسلم ،أنه كان يتنفل لي ً
قال الشافعي رحمه ا ّ
صر ،وفي ))الصحيحين(( :عن عامر بن ربيعة ،أنه رأى النبي صلى ال عليه وسلم ُيصلي
يق ُ
سبحة بالليل في السفر على ظهر راحلته فهذا قيام الليل.
ال ّ
ل ،عن التطوع في السفر؟ فقال :أرجو أن ل يكون بالتطوع في
وسئل المام أحمد رحمه ا ّ
ل صلى ال عليه وسلم ُيسافرون،
ب رسول ا ّ
س ،وُروي عن الحسن قال :كان أصحا ُ
السفر بأ ٌ
223
وصلى على الراحلة ،وعلى الحمار إن صح عنه ،وقد رواه مسلم في أنس هذا ،وال أعلم.
))صحيحه(( من حديث ابن عمر.
ض بهم على الرواحل لجل المطر والطين إن صح الخبُر بذلك ،وقد رواه أحمد
وصلى الفر َ
والترمذي والنسائي أنه عليه الصلة والسلم انتهى إلى مضيق هو وأصحاُبه وهو على راحلته،
ت الصلُة ،فأمر المؤّذن فأذن ،وأقام ،ثم تقَدم
ل منهم ،فحضر ُ
سماء ِمن فوقهم ،والِبّلُة من أسف َ
وال ّ
ض من
ل صلى ال عليه وسلم على راحلته ،فصلى بهم ُيومى إيماًء ،فجعل السجود أخف َ
رسول ا ّ
الركوع .قال الترمذي :حديث غريب ،تفرد به عمر بن الرماح ،وثبت ذلك عن أنس من فعله.
فصل
خر الظهر إلى
س ،أ ّ
وكان من هديه صلى ال عليه وسلم ،أنه إذا ارتحل قبل أن َتزيغ الشم ُ
ل ،صّلى الظهر ،ثم ركب.
حَس قبل أن َيرَت ِ
وقت العصر ،ثم نزل ،فجمع بينهما ،فإن زالت الشم ُ
ب حتى يجمع بينها وبين العشاء في وقت العشاء .وقد ُروي عنه
خر المغر َ
وكان إذا أعجله السيُر ،أ ّ
حل ،جمع بين الظهر والعصر ،وإن ارتحل
س قبل أن يرت ِ
في غزوة تبوك ،أنه كان إذا زاغت الشم ُ
خر الظهر حتى ينزل للعصر ،فيصليهما جميعًا ،وكذلك في المغرب
قبل أن تزيغ الشمس ،أ ّ
والعشاء ،لكن اختلف في هذا الحديث ،فمن مصحح له ،ومن محسن ،ومن قادح فيه ،وجعله
موضوعًا كالحاكم ،وإسناده على شرط الصحيح ،لكن ُرمي بعّلة عجيبة ،قال الحاكم :حدثنا أبو بكر
ن سعد،
بن محمد بن أحمد بن بالويه ،حدثنا موسى بن هارون ،حدثنا ُقتيبة بن سعيد ،حدثنا الليث ب ُ
طفيل ،عن معاذ بن جبل ،أن النبي صلى ال عليه وسلم كان في
عن يزيد بن أبي حبيب ،عن أبي ال ُ
خر الظهر حتى يجمعها إلى العصر ،وُيصلَيهما
غزوة تبوك إذا ارتحل قبل أن تِزيغ الشمس ،أ ّ
جميعًا ،وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس ،صلى الظهر والعصر جميعًا ،ثم سار ،وكان إذا ارتحل قبل
خر المغرب حتى ُيصليها مع العشاء ،وإذا ارتحل بعد المغرب ،عجل العشاء فصلها مع
المغرب ،أ ّ
لسناد والمتن ،ثم ل نعِرف له علة
المغرب .قال الحاكم :هذا الحديث رواته أئمة ثقات ،وهو شاذ ا ِ
ُنعله بها .فلو كان الحديث عن الليث ،عن أبي الزبير ،عن أبي الطفيل ،لعللنا به الحديث .ولو كان
عن يزيد بن أبي حبيب ،عن أبي الطفيل ،لعللنا به ،فلما لم نجد له العلتين ،خرج عن أن يكون
ل ،ثم نظرنا فلم نجد ليزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل رواية ،ول وجدنا هذا المتن بهذه
معلو ً
السياقة عن أحد من أصحاب أبي الطفيل ،ول عن أحد ممن روى عن معاذ بن جبل غير أبي
الطفيل ،فقلنا :الحديث شاذ .وقد حدثوا عن أبي العباس الثقفي قال :كان ُقتيبة بن سعيد يقول لنا:
225
وقال إسماعيل بن إسحاق :حدثنا إسماعيل بن أبي إدريس ،قال :حدثني أخي ،عن سليمان
ل صلى ال عليه
بن مالك ،عن هشام بن عروة ،عن كريب عن ابن عباس ،قال :كان رسولى ا ّ
س ،رِكب فسار ،ثم نزل ،فجمع بين الظهر
وسلم إذا جّد به السير ،فراح قبل أن َتزيغ الشم ُ
ح حتى تِزيغ الشمس ،جمع بين الظهر والعصر ،ثم ركب ،وإذا أراد أن يركب
والعصر ،وإذا لم َيُر ْ
ودخلت صلُة المغرب ،جمع بين المغرب وبين صلة العشاء.
قال أبو العباس بن سريج :روى يحيى بن عبد الحميد ،عن أبي خالد الحمر ،عن الحجاج،
ل صلى ال عليه وسلم يخض إذا لم
عن الحكم ،عن مقسم ،عن ابن عباس ،قال :كان رسول ا ّ
خرها حتى يجمع بينهما في
غ ،أ َ
ل حتى تزيغ الشمس ،صّلى الظهر والعصر جميعًا ،فإذا لم َتِز ْ
حْيرت ِ
وقت العصر.
لسلم ابن تيمية :ويدل على جمع التقديم جمعه بعرفة بين الظهر والعصر
قال شيخ ا ِ
لمصلحة الوقوف ،ليتصل وقت الدعاء ،ول يقطُعه بالنزول لصلة العصر مع إمكان ذلك ِبل
مشقة ،فالجمُع كذلك لجل المشقة والحاجة أولى.
ل له الدعاُء ،فل يقطعه
صَق به يوم عرفة تقديُم العصر لن يّت ِ
قال الشافعي :وكان أرف َ
ل له المسير ،ول يقطعه بالنزول للمغرب ،لما في ذلك
بصلة العصر ،وأرفق بالمزدلفة أن يتص َ
من التضييق على الناس .وال أعلم.
فصل
ولم يكن ِمن هديه صلى ال عليه وسلم الجمُع راكبًا في سفره ،كما يفعله كثير من الناس،
ب الصلة ،كما ذكرنا
ول الجمع حال نزوله أيضًا ،وإنما كان يجمع إذا جّد به السير ،وإذا سار عقي َ
في قصة تبوك ،وأما جمعه وهو نازل غيُر مسافر ،فلم ُينقل ذلك عنه إل بعرفة لجل اتصال
ل وشيخنا ،ولهذا خصه أبو حنيفة بعرفة ،وجعله من تمام
الوقوف ،كما قال الشافعي رحمه ا ّ
النسك ،ول تأثير للسفر عنده فيه .وأحمد ،ومالك ،والشافعي ،جعلوا سببه السفر ،ثم اختلفوا ،فجعل
الشافعي وأحمد في إحدى الروايات عنه التأثير للسفر الطويل ،ولم يجوزاه لهل مكة ،وجوز مالك
خنا وأبو الخطاب
وأحمد في الرواية الخرى عنه لهل مكة الجمَع ،والقصَر بعرفة ،واختارها شي ُ
ل في جواز القصر والجمع في طويل السفر وقصيره،
في عباداته ،ثم طّرد شيخنا هذا ،وجعله أص ً
ب كثير من السلف ،وجعله مالك وأبو الخطاب مخصوصًا بأهل مكة.
كما هو مذه ُ
227
ولم يحّد صلى ال عليه وسلم لمته مسافة محدودة للقصر والفطر ،بل أطلق لهم ذلك
في ُمطلق السفر والضرب في الرض ،كما أطلق لهم التيمم في كل سفر ،وأما ما ُيروى عنه من
ل أعلم.
التحديد باليوم ،أو اليومين ،أو الثلثة ،فلم يصح عنه منها شيء البتة ،وا ّ
فصل
في هديه صلى ال عليه وسلم في قراءة القرآن ،واستماعه ،وخشوعه ،وبكائه عند قراءته،
واستماعه وتحسين صوته به وتوابع ذلك
ل ل هّذا ول
ل به ،وكانت قراءُته ترتي ً
خّحزب يقرؤه ،ول ُي ِ
كان له صلى ال عليه وسلم ِ
طع قراءته آية آية ،وكان يمّد عند حروف المد ،فيمد
سرة حرفًا حرفًا .وكان ُيَق ّ
عجلة ،بل ِقراءًة مف ّ
عوُذ
ل من الشيطان الرجيم فى أول قراءته ،فيقول)) :أ ُ
)الرحمن( ويمد )الرحيم( ،وكان يستعيذ با ّ
جيم من َهْمِزِه
ن الّر ِ
طا ِ
شْي َ
ن ال ّ
ك ِم َ
عوُذ ِب َ
جيم(( ،وُرّبما كان يقول)) :الّلُهّم إّني َأ ُ
ن الَر ِ
طا ِ
شي َ
ن ال ّ
ل ِم َ
ِبا ِ
ل القراءة.
خِه ،وَنفِثِه(( .وكان تعّوذه قب َ
وَنْف ِ
ل بن مسعود ،فقرأ عليه وهو يسمع.
ن ِمن غيره ،وأمر عبد ا ّ
ب أن يسمع القرَا َ
وكان ُيح ّ
شع صلى ال عليه وسلم لسماع القران ِمنه ،حتى ذرفت عيناه.
خَوَ
حِدثًا ،ولم يكن يمنعه من ِقراءته
وكان يقرأ القرَان قائمًا ،وقاعدًا ،ومضطجعًا ومتوضئًا ،وُم ْ
إل الجنابة.
جع يوم الفتح في قراءته
جع صوَته به أحيانًا كما ر ّ
وكان صلى ال عليه وسلم يتغّنى به ،وُير ّ
جيَعه ،آ ا آ ثلث مرات ،ذكره
حًا ُمِبينًا{ ]الفتح .[1 :وحكى عبد ال بن مغّفل تر ِ
ك َفْت َ
حَنا َل َ
}إّنا فَت ْ
البخاري.
ن َلْم
س ِمّنا َم ْ
صواِتُكم(( .وقولهَ)) :لْي َ
ث إلى قولهَ)) :زّيُنوا الُقرآن بأ ْ
وإذا جمعت هذه الحادي َ
ت َيَتَغّنى ِبالُقْران(( .علمت أن
صْو ِ
ن ال ّ
سِحَ
ي َ
شيء ،كَأَذِنِه ِلَنب ّ
ل ِل َ
نا ُ
ن ِبالُقْرآن(( .وقوله)) :ما َأِذ َ
َيَتَغ ّ
هذا الترجيَع منه صلى ال عليه وسلم ،كان اختيارًا ل اضطرارًا لهّز الناقة له ،فإن هذا لو كان
ل تحت الختيار ،فلم يكن عبُد ال بن مغّفل يحكيه ويفعُله اختيارًا
لجل هّز الناقة ،لما كان داخ ً
جُع في قراءته ،فنسب
ِلُيؤتسى به ،وهو يرى هّز الراحلة له حتى ينقطع صوُته ،ثم يقول؟ كان ُير ّ
الّترجيع إلى فعله .ولو كان ِمن هّز الراحلة ،لم يكن منه فعل يسمى ترجيعًا.
ت أعلم أنك
وقد استمع ليلًة لقراءة أبي موسى الشعري ،فلما أخبره بذلك ،قال :لْو كن ُ
سنته وزّينته بصوتي تزيينًا ،وروى أبو داود في ))سننه(( عن
حِبيرًا .أي :ح ّ
ك َت ْ
تسمعه ،لحّبْرته َل َ
228
شُد َتَغاِنيا
ن إذا ِمْتنا َأ َ
حَُوَن ْ حَياَتُه
خيِه َ
نأ ِ
عْي َ
غِن ّ
لنا َ
ِك َ
فإنه إغفال منه ،وذلك لن التغاني تفاعل من تغّنى :إذا استغنى كل واحد منهما عن صاحبه،
كما يقال :تضارب الرجلن ،إذا ضرب كل واحد منهما صاحبه ،وتشاتما ،وتقاتل .ومن قال :هذا
في فعل اثنين ،لم يجز أن يقول مثله في فعل الواحد ،فيقول :تغانى زيد ،وتضارب عمرو ،وذلك
غيُر جائز أن يتول :تغنى زيد بمعنى استغنى ،إل أن يريد به قائله أنه أظهر الستغناء ،وهو غير
جه
جع ،وتكّرم ،فإن و ّ
جَلدا من نفسه ،وهو غير جليد ،وتش ّ
مستغن ،كما يقال :تجّلد فلن :إذا أظهر َ
جه التغّني بالقرآن إلى هذا المعنى على ُبعده من مفهوم كلم العرب ،كانت الُمصيبة في خطئه
مو ّ
ل تعالى ِذكُره لم يأذن لنبيه أن يستغني
في ذلك أعظَم ،لنه ُيوجب على من تأوله أن يكون ا ّ
ف ما هو به من الحال ،وهذا ل يخفى فساُده.
ن له أن ُيظهر من نفسه لنفسه خل َ
بالقرآن ،وإنما أِذ َ
عيينة أيضًا أن الستغناء عن الناس بالقرآن ِمن المحال أن ُيوصف
قال :ومما ُيبين فساَد تأويل ابن ُ
لذن الذي هو إطلق
أحد به أنه تؤذن له فيه أو ل يؤذن ،إل أن يكون الذن غد ابن عيينة بمعنى ا ِ
وإباحة ،وإن كان كذلك ،فهو غلط من وجهين ،أحدهما :من اللغة ،والثاني :من إحالة المعنى عن
وجهه .أما اللغة ،فإن الذن مصدر قوله :أذن فلن لكلم فلن ،فهو يأَذن له :إذا استمع له وأنصت،
ق لها ذلك ،كما قال
حّت{ ]النشقاق ،[2 .بمعنى سِمعت لربها و ُ
حّق ْ
كما قال تعالى} :وَأِذَنت ِلَرّبَها َو ُ
عدى بن زيد:
ع وأَذن *
سَما ٍ
ن َهّمي ِفي َ
*إّ
ل لشيء من
ل لشيء ،إنما هو :ما استمع ا ّ
بمعنى ،في سماع واستماع .فمعنى قوله :ما أذن ا ّ
لحالة في المعنى ،فلن الستغناء بالُقْرآن عن
كلم الناس ما استمع لنبي يتغنى بالقرآن .وأما ا ِ
الناس غيُر جائز وصفه بأنه مسموع ومأذون له ،انتهى كلم الطبري.
لشكال في هذه المسألة أيضًا ،بما رواه ابن أبي شيبة،
قال أبو الحسن بن بطال :وقد وقع ا ِ
عقبة بن عامر ،قال:
ي بن رباح ،عن أبيه ،عن ُ
حدثنا زيد بن الحباب ،قال :حدثني موسى بن عل ّ
ن وَتَغّنوا ِبِه ،واكتبوهَ ،فوالذي َنفسي ِبَيِدِهَ ،لهَو
ل صلى ال عليه وسلمَ)) :تَعّلموا الُقْرآ َ
قال رسول ا ّ
شّبة ،قال :ذكر لبي عاصم النبيل تأوي ُ
ل ل(( .قال :وذكر عمر بن َ
ن العُق ِ
ض ِم َ
خا ِ
ن الَم َ
صيَا ِم َ
شّد َتفَ ّ
َأ َ
ن جريج،
ابن عيينة في قوله ))يتغّنى بالقرآن(( يستغني به ،فقال :لم يصنع ابن عيينة شيئًا ،حدثنا اب ُ
ل صلى ال عليه وسلم ِمعَزَفٌة يتغّنى عليها
يا ّ
عمير ،قال :كانت لداود نب ّ
عن عطاء ،عن عبيد بن ُ
طَر ُ
ب َيبكي وُيبكي .وقال ابن عباس :إنه كان يقرأ الزبور بسبعين لحنًا ،تكون فيهن ،ويقرأ قراءة َي ْ
231
ل ،عن تأويل ابن عيينة فقال :نحن أعلُم بهذا ،لو أراد به
ع .وسئل الشافعي رحمه ا ّ
منها الجمو ُ
الستغناء ،لقال)) :من لم يستغن بالُقرآن(( ،ولكن لما قال)) :يتغّنى بالقرآن(( ،علمنا أنه أراد به
التغّني.
قالوا :ولن تزيينه ،وتحسين الصوت به ،والتطريب بقراءته أوقُع في النفوس ،وأدعى إلى
ن على
لصغاء إليه ،ففيه تنفيذ للفظه إلى السماع ،ومعانيه إلى القلوب ،وذلك عو ٌ
الستماع وا ِ
المقصود ،وهو بمنزلة الحلوة التي ُتجعل في الدواء لتنفذه إلى موضع الداء ،وبمنزلة الفاويه
طيب والتحّكي ،وتجّمل
ل ،وبمنزلة ال ّ
طيب الذي ُيجعل في الطعام ،لتكون الطبيعة أدعى له قبو ً
وال ّ
المرأة لبعلها ،ليكون أدعى إلى مقاصد النكاح .قالوا :ول بد للنفس من طرب واشتياق إلى الغناء،
عّوضت عن كل محّرم ومكروه بما هو خيٌر لها
فُعّوضت عن طرب الغناء بطرب القرآن ،كما ُ
ض التوحيد والتوكل ،وعن
منه ،وكما عّوضت عن الستقسام بالزلم بالستخارة التي هي مح ُ
سفاح بالنكاح ،وعن الِقمار بالُمراهنة بالّنصال وسباق الخيل ،وعن السماع الشيطاني بالسماع
ال ّ
الرحماني القرآني ،ونظائره كثيرة جدًا.
قالوا :والمحّرم ،ل بد أن يشتِمل على مفسدة راجحة ،أو خالصة ،وقراءة التطريب واللحان
ل بين السامع وبين فهمه ،ولو
ج الكلم عن وضعه ،ول َتحو ُ
ل تتضمن شيئًا ِمن ذلك ،فإنها ل ُتخِر ُ
كانت متضّمنة لزيادة الحروف كما ظن المانع منها ،لخرجت الكلمة عن موضعها ،وحالت بين
السامع وبين فهمها ،ولم يدر ما معناها ،والواقُع بخلف ذلك.
قالوا :وهذا التطريب والتلحين ،أمر راجع إلى كيفية الداء ،وتارة يكون سليقة وطبيعة،
صفات
ج الكلم عن وضع مفرداته ،بل هي ِ
ل ،وكيفيات الداء ل تخِر ُ
وتارة يكون تكّلفًا وتعُق ً
لصوت المؤّدي ،جارية مجرى ترقيقه وتفخيمه وإمالته ،وجارية مجرى مدود القّراء الطويلة
والمتوسطة ،لكن تلك الكيفيات متعلقة بالحروف ،وكيفيات اللحان والتطريب ،متعلقة بالصوات،
والثار في هذه الكيفيات ،ل يمكن نقُلها ،بخلف كيفيات أداء الحروف ،فلهذا ُنقلت تلك بألفاظها،
ولم يمكن نقل هذه بألفاظها ،بل نقل منها ما أمكن نقله ،كترجيع النبي صلى ال عليه وسلم في
سورة الفتح بقوله)) :آ آ آ(( .قالوا :والتطريب والتلحين راجع إلى أمرين :مٍد وترجيع ،وقد ثبت عن
النبي صلى ال عليه وسلم ،أنه كان يمد صوته بالقراءة يمد ))الرحمن(( ويمد ))الّرحيم(( ،وثبت
عنه الترجيع كما تقدم.
232
وفصل النزاع ،أن يقال :التطريب والتغّني على وجهين ،أحدهما :ما اقتضته الطبيعة،
خّلي وطبعه ،واسترسلت طبيعته ،جاءت
وسمحت به من غير تكلف ول تمرين ول تعليم ،بل إذا ُ
ل تزيين وتحسين ،كما قال أبو موسى
بذلك التطريب والتلحين ،فذلك جائز ،وإن أعان طبيعَته بفض ِ
ك تحِبيرًا(( والحزين وَمن
حّبْرُته َل َ
ت أّنك َتسَمع َل َ
الشعري للنبي صلى ال عليه وسلمَ)) :لو علم ُ
ب والشوق ل يملك من نفسه دفَع التحزين والتطريب في القراءة ،ولكن النفو َ
س هاجه الطرب ،والح ُ
ف ل
تقبُله وتستحليه لموافقته الطبع ،وعدم التكلف والتصنع فيه ،فهو مطبوع ل متطّبع ،وَكل ٌ
متكَلف ،فهذا هو الذي كان السلف يفعلونه ويستمعونه ،وهو التغني الممدوح المحمود ،وهو الذي
يتأثر به التالي والسامُع ،وعلى هذا الوجه ُتحمل أدلة أرباب هذا القول كلها.
الوجه الثاني :ما كان من ذلك صناعًة من الصنائع ،وليس في الطبع السماحة به ،بل ل
صل إل بتكّلف وتصّنع وتمّرن ،كما يتعلم أصوات الِغناء بأنواع اللحان البسيطة ،والمركبة على
يح ُ
ن مخترعة ،ل تحصل إل بالتعُلم والتكلف ،فهذه هي التي كرهها
إيقاعات مخصوصة ،وأوزا ٍ
ف ،وعابوها ،وذّموها ،ومنعوا القراءَة بها ،وأنكروا على من قرأ بها ،وأدلة أرباب هذا القول
السل ُ
ل من له علم
ب من غيره ،وك ّ
إنما تتناول هذا الوجه ،وبهذا التفصيل يزول الشتباُه ،ويتبين الصوا ُ
بأحوال السلف ،يعلم قطعًا أنهم ُبرآء من القراءة بألحان الموسيقى المتكلفة ،التي هي إيقاعات
ل من أن يقرؤوا بها ،وُيسّوغوها ،ويعلم قطعًا أنهم
وحركات موزونة معدودة محدودة ،وأنهم أتقى ّ
طر ِ
ب ى تارة ،وِب َ
سنون أصواَتهم بالقرآن ،ويقرؤونه ِبشج ً
كانوا يقرؤون بالتحزين والتطريب ،ويح ّ
تارة ،وِبشْوق تارة ،وهذا أمر مركوز في الطباع تقاضيه ،ولم ينه عنه الشارع مع شدة تقاضي
س ِمّنا َمن َلْم
ل لمن قرأ به ،وقالَ)) :لْي َ
الطباع له ،بل أرشد إليه وندب إليه ،وأخبر عن استماع ا ّ
ن(( وفيه وجهان :أحدهما :أنه إخبار بالواقع الذي كّلنا نفعله ،والثاني :أنه نفي لهدي من
ن ِباْلقرآ ِ
َيَتَغ ّ
لم يفعله عن هديه وطريقته صلى ال عليه وسلم.
فصل
في هديه صلى ال عليه وسلم في عيادة المرضى
ض من أصحابه ،وعاد غلمًا كان َيخِدمه ِمن أهل
ن َمِر َ
كان صلى ال عليه وسلم يعوُد َم ْ
لسلم ،فأسلم اليهودي ،ولم يسلم عّمه.
الكتاب ،وعاد عّمه وهو مشرك ،وعرض عليهما ا ِ
س عند رأسه ،ويسأُله عن حاله ،فيقول :كيف تجُدك؟
وكان يدنو من المريض ،ويجِل ُ
234
فالجواب :أن هذا الحديث قد روي بثلثة ألفاظ .أحدها :هذا .والثاني :أنه كان ينُفث على
نفسه ،والثالث :قالت :كنت أنُفث عليه بهن ،وأمسح بيد نفسه لبركتها ،وفي لفظ رابع :كان إذا
سر بعضها بعضًا .وكان صلى ال عليه
اشتكى ،يقرأ على نفسه بالمعّوذات وينُفث ،وهذه اللفاظ ُيف ّ
وسلم ينفث على نفسه ،وضعفه ووجُعه يمنعه من إمرار يده على جسده كله .فكان يأمر عائشة أن
ُتمر يده على جسده بعد نفثه هو ،وليس ذلك من السترقاء في شيء ،وهي لم تقل :كان يأمرني أن
أرقيه ،وإنما ذكرت المسح بيده بعد النفث على جسده ،ثم قالت :كان يأمرني أن أفعل ذلك به ،أى:
أن أمسح جسده بجده ،كما كان هو يفعل.
ص يومًا من اليام بعيادة المريض ،ول وقتًا
خ ّ
ولم يكن ِمن هديه عليه الصلة والسلم أن َي ُ
ل ونهارًا ،وفي سائر الوقات .وفي ))المسند(( عنه:
من الوقات ،بل شرع لمته عيادة المرضى لي ً
حَمُةَ ،فإن
غَمَرْتُه الّر ْ
سَ ،
جَل َ
سَ ،فِإَذا َ
جِل َ
حّتى َي ْ
جّنِة َ
خرَفِة ال َ
شى في ُ
خاُه الُمسِلَم َم َ
ل َأ َ
جُعاَد الّر ُ
))إذا َ
ف َمَل ٍ
ك ن َأل َ
سْبُعو َ
عَلْيِه َ
صّلى َ
ساًءَ ،
ن َم َ
يَ ،وإن َكا َ
سَحّتى ُيْم ِ
ك َ
ف َمَل ٍ
ن َأْل َ
سْبُعو َ
عَلْيِه َ
صّلى َ
غدَوًةَ ،
ن ُ
َكا َ
عَليه
ك يصَّلون َ
ف َمَل ٍ
ن َأْل َ
سْبِعي َ
ل َله َ
ث ا َُ
سِلمًا إل َبَع َ
سِلم َيُعوُد ُم ْ
ن ُم ْ
ح(( .وفي لفظ ))ما ِم ْ
صِب َ
حّتى ُي ْ
َ
ح((.
صِب َ
ل كانت حّتى ُي ْ
عٍة ِمن اللي ِ
ي سا َ
ي ،وأ ّ
سَن الّنهار كانت حّتى ُيْم ِ
ي ساعٍة ِم َ
َأ ّ
ح صدره
وكان يعود من الرمد وغيره ،وكان أحيانًا يضع يده على جبهة المريض ،ثم يمس ُ
شِفِه(( وكان يمسح وجهه أيضًا.
وبطنه ويقول)) :الّلُهّم ا ْ
جُعون((.
ل وإّنا إليه َرا ِ
وكان إذا يئس من المريض قال)) :إنا ِ
ل الهدي ،مخالفًا لهدي سائر المم،
كان هدُيه صلى ال عليه وسلم في الجنائز أكم َ
لحسان إلى أهله
لحسان إلى الميت ومعاملته بما ينفعه في قبره ويوم معاده ،وعلى ا ِ
مشتِملً على ا ِ
ل وحَده فيما ُيعامل به الميت .وكان ِمن هديه في الجنائز إقامُة
وأقاربه ،وعلى إقامة عبودية الحي ِّ
ل على
لحسان إلى الميت ،وتجهيزه إلى ا ّ
ب تبارك وتعالى على أكمل الحوال ،وا ِ
العبوديِة للر ّ
ل ويستغفرون له ،ويسألون له
أحسن أحواله وأفضِلها ،ووقوفه ووقوف أصحابه صفوفًا يحَمدون ا ّ
عوُه حفرته ،ثم يقوم هو وأصحابه
المغفرَة والرحمَة والتجاوَز عنه ،ثم المشي بين يديه إلى أن ُيوِد ُ
ج ما كان إليه ،ثم يتعاهُده بالزيارة له في قبره ،والسلم
بين يديه على قبره سائلين له التثبيت أحو َ
حَبه في دار الدنيا.
ي صا ِ
عليه ،والدعاء له كما يتعاهُدالح ّ
ن حضره
فأول ذلك :تعاهُده في مرضه ،وتذكيُره الخرة ،وأمُره بالوصية ،والتوبة ،وأمُر َم ْ
ل لتكون آخر كلمه ،ثم النهى عن عادة المم التي ل تؤِمنُ بالبعث
بتلقينه شهادة أن ل إله إل ا ّ
236
وأخيه في المسجد ولكن لم يكن ذلك سنَته وعادَته ،،،فقد روى أبو داود في ))سننه(( من حديث
صّلى على
ن َ
ل صلى ال عليه وسلمَ)) :م ْ
صالح مولى التوأمة ،عن أبي هريرة قال :قال رسول ا ّ
شيء له(( .وقد اختلف في لفظ الحديث ،فقال الخطيب في روايته لكتاب
ل َ
جد َف َ
سِجَناَزة في الَم ْ
َ
شيَء َلُه(( وقد رواه ابن ماجه في
ل َ
عَلْيِه(( وغيُره يرويه ))َف َ
شيَء َ
السنن :في الصل ))فل َ
لمام
لمام أحمد وغيره هذا الحديث ،قال ا ِ
شيء(( .ولكن قد ضعف ا ِ
س َلُه َ
))سننه(( ولفظهَ)) :فَلْي َ
أحمد :هو مما تفرد به صالح مولى التوأمة ،وقال البيهقي :هذا حديث يعّد في أفراد صالح ،وحديث
عائشة أصح منه ،وصالح مختَلف في عدالته ،كان مالك يجرحه ،ثم ذكر عن أبي بكر وعمر
صّلي عليهما في المسجد.
ل عنهما ،أنه ُ
رضي ا ّ
قلت :وصالح ثقة في نفسه ،كما قال عباس الّدوري عن ابن معين :هو ثقة في نفسه .وقال
ف،
خِر َ
ابن أبي مريم ويحيى :ثقة حجة ،فقلت له :إن مالكًا تركه ،فقال :إن مالكًا أدركه بعد أن َ
ف .وقال
ف ،فسمع منه ،لكن ابن أبي ذئب سمع منه قبل أن َيخَر َ
خِر َ
والثوري إنما أدركه بعد أن َ
ف وَكِبَر فسمع منه الثوري بعد الخرف وسماع ابن أبي ذئب
خِر َ
علي بن المديني :هو ثقة إل أنه َ
منه قبل ذلك .وقال ابن حبان :تغير في سنة خمس وعشرين ومائة ،وجعل يأتي بما ُيشبه
الموضوعات عن الثقات ،فاختلط حديثه الخير بحديثه القديم ولم يتميز ،فاستحق الترك انتهى
كلمه.
وهذا الحديث :حسن ،فإنه من رواية ابن أبي ذئب عنه ،وسماعه منه قديم قبل اختلطه ،فل
يكون اختلطه موجبًا لرد ما حّدث به قبل الختلط .وقد سلك الطحاوي في حديث أبي هريرة هذا،
سهيل بن بيضاء في
وحديث عائشة مسلكًا آخر ،فقال :صلُة النبي صلى ال عليه وسلم على ُ
ل صلى ال عليه وسلم بدليل إنكار عامة
المسجد منسوخة ،وترك ذلك آخر الفعلين من رسول ا ّ
ف ما نقلت .وَرد ذلك على الطحاوي
الصحابة ذلك على عائشة ،وما كانوا ِليفعلوه إل لما علموا خل َ
خ ما روته عائشة ،لذكره
جماعة ،منهم :البيهقي وغيره .قال البيهقى :ولو كان عند أبي هريرة نس ُ
ي على عمر بن الخطاب في المسجد،
صّل َ
ي على أبي بكر الصديق في المسجد ،ويوم ُ
يوم صّل َ
ولذكره من أنكر على عائشة أمرها بإدخاله المسجد ،ولذكره أبو هريرة حين روت فيه الخبر،
وإنما أنكره من لم يكن له معرفة بالجواز ،فلما روت فيه الخبر ،سكتوا ولم ُينكروه ،ول عارضوه
بغيره.
238
ى عليهما في المسجد،
صّل َ
ل عنهما ُ
قال الخطابي :وقد ثبت أن أبا بكر وعمر رضي ا ّ
ل على
لنكار الدلي ُ
ومعلوم أن عامة المهاجرين والنصار شهدوا الصلة عليهما ،وفي تركهم ا ِ
ل على نقصان الجر ،وذلك
جوازه ،قال :ويحتِمل أن يكون معنى حديث أبي هريرة إن ثبت ،متأو ً
ب أنه ينصرف إلى أهله ول يشهد دفنه ،وأن من سعى إلى
أن من صلى عليها في المسجد ،فالغال ُ
الجنازة ،فصلى عليها بحضرة المقابر ،شهد دفنه ،وأحرز أجر القيراطين ،وقد يؤجر أيضًا على
لضافة إلى من صلي عليه
ص الجر با ِ
خطاه ،وصار الذي ُيصلي عليه في المسجد منقو َ
كثرة ُ
خارج المسجد.
وتأولت طائفة معنى قوله)) :فل شيء له(( ،أي فل شيء عليه ،ليتحد معنى اللفظين ،ول
سْأُتْم َفَلَها{ ]السراء ،[7 :أي :فعليها ،فهذه طرق الناس في هذين
يتناقضان كما قال تعالى} :وإن َأ َ
سّنته وهديه الصلُة على الجنازة خارج المسجد إل لعذر،
ل ،وأن ُ
الحديثين .والصواب ما ذكرناه أو ً
ل أعلم.
وكل المرين جائز ،والفضل الصلة عليها خارج المسجد .وا ّ
فصل
ض عينيه ،وتغطيُة وجهه
وكان من هديه صلى ال عليه وسلم تسجيُة الميت إذا مات ،وتغمي ُ
ب عليه ،فقّبله
ق أك ّ
صّدي ُ
ن بن مظعون وبكى وكذلك ال ّ
وبدنه ،وكان ُربما ُيقّبل الميت كما قّبل عثما َ
بعد موته صلى ال عليه وسلم.
سل ،ويأمر بالكافور في
وكان يأمر بغسل الميت ثلثًا أو خمسًا ،أو أكثر بحسب ما يراه الغا ِ
لمام أحمد ،أنه نهى عن تغسيلهم،
سل الشَهداَء َقتَلى المعركة ،وذكر ا ِ
الغسلة الخيرة ،وكان ل ُيغ َ
ل عليهم.
وكان ينزع عنهم الجلوَد والحديَد وَيدِفُنهم في ثيابهم ،ولم ُيص ّ
)يتبع(...
سْدر ،وُيكفن في ثوبيه وهما ثوبا
وكان إذا مات الُمحِرُم ،أمر أن ُيغسل بماء و ِ @
ت أن ُيحسن
إحرامه :إزاره ورداؤه ،وينهى عن تطييبه وتغطية رأسه وكان يأمر من ولي المي َ
ستر جميع
ن عن َ
صَر الكف ُ
كفنه ،وُيكفنه في البياض ،وينهى عن المغالة في الكفن ،وكان إذا ق ّ
طى رأسه ،وجعل على رجليه من الُعشب.
البدن ،غ ّ
فصل
وكان إذا ُقّدم إليه ميت ُيصّلي عليه ،سأل :هل عليه َدين ،أم ل؟ فإن لم يكن عليه َدين ،صّلى
عليه ،وإن كان عليه دين ،لم يصل عليه ،وأِذن لصحابه أن ُيصلوا عليه ،فإن صلته شفاعة،
239
ل عليه ،كان
ن بَدينه ،ول يدخل الجنة حتى ُيقضى عنه ،فلما فتح ا ّ
وشفاعُته موجبة ،والعبد مرَتَه ٌ
ُيصلي على المِدين ،ويتحّمل دينه ،ويدع ماله لورثته
علْيِه ،وصلى ابن عباس على جنازة ،فقرأ
ل َوَأثَنى َ
حِمَد ا ّ
فإذا أخذ في الصلة عليه ،كبر و َ
سّنة(( وكذلك قال أبو ُأمامة ب ُ
ن بعد التكبيرة الولى بفاتحة الكتاب جهرًا ،وقالِ)) :لَتْعَلُموا أنها ُ
ن قراءة الفاتحة في الولى سّنة .وُيذكر عن النبي صلى ال عليه وسلم ،أنه أمر أن يقرأ
سهل :إ ّ
على الجنازة بفاتحة الكتاب .ول يصح إسناده .قال شيخنا :ل تجب قراءة الفاتحة في صلة الجنازة،
ن سهل ،عن جماعة من الصحابة ،الصلة على النبي صلى ال عليه
بل هى سنة ،وذكر أبو أمامة ب ُ
وسلم في الصلة على الجنازة وروى يحيى بن سعيد النصاري ،عن سعيد المقُبري ،عن أبي
ل ُأخبُرك :تبدأ فتكّبرُ ،ثّم
ن الصامت عن الصلة على الجنازة فقال :أنا وا ِّ
عباَدة ب َ
هريرة ،أنه سأل ُ
عَلُم
ت َأ ْ
ك ِبك َوَأْن َ
شِر ُ
ن ل ُي ْ
ك َفلنًا َكا َ
عْبَد َ
ن َ
ُتصّلي على النبي صلى ال عليه وسلم ،وَتُقول :الّلُهّم إ ّ
جَرُهَ ،و َ
ل حِرْمَنا َأ ْ
ل َت ْ
عْنُه ،الّلُهًم َ
جاوَْز َ
سيئًاَ ،فَت َ
ن ُم ِ
ن َكا َ
ساِنِه ،وإ ْ
سنًاَ ،فِزْد في إح َ
حِ
ن ُم ْ
ن َكا َ
ِبِه ،إ ْ
ضّلَنا َبَعَدُه.
ُت ِ
فصل
ظ عن النبي صلى ال عليه
ومقصوُد الصلة على الجنازة :هو الدعاء للميت ،لذلك حف َ
ن قراءة الفاِتحة والصلة عليه صلى ال عليه وسلم.
ل عنه ما لم ُينقل ِم ْ
وسلم ،وُنِق َ
خَله،
سْع َمْد َ
عنُهَ ،وَأْكِرْم ُنُزَلهَ ،وَو ّ
عفُ َ
عاِفِه ،وا َ
حْمُه ،و َ
ظ من دعائه)) :الّلُهّم اغِفْر َلُه ،واْر َ
حِف َ
فُ
س ،وَأْبِدْلُه َداَرًا
ن الّدَن ِ
ض ِم َ
ب الْبَي ُ
طاَيا َكَما ُيَنّقى الّثْو ُ
ن الخ َ
ج َوالَبَرِد ،وَنّقِه َم َ
سْلُه ِبالَماِء َوالّثْل ِ
غِوا ْ
عَذا ِ
ب عْذُه ِمن َ
جنَةَ ،وَأ ِ
خْلُه ال َ
جِه ،وَأْد ِ
ن َزْو ِ
خْيرًا ِم ْ
ن َأْهِلِهَ ،وَزوجًا َ
خْيرًا ِم ْ
ل َ
ن َداِرهَ ،وَأْه ً
خْيرًا ِم ْ
َ
ب الَناِر((.
عَذا ِ
ن َ
الَقْبِر َوِم ْ
شاِهِدَنا
صِغيِرَنا ،وَكِبيِرَناَ ،وَذَكِرَنا ،وُأْنَثاَناَ ،و َ
حّيَناَ ،وَمّيِتَناَ ،و َ
غِفْر ِل َ
ظ من دعائه)) :الّلُهّم ا ْ
حِف َ
وُ
ن ،الّلُهّم ل
ليَما ِ
عَلى ا ِ
ن َتوّفْيَتُه ِمّناَ ،فَتَوّفه َ
لمَ ،وَم ْ
سَلْ
عَلى ا ِ
حيِه َ
ن َأحَيْيَتُه ِمّنا ،فَأ ْ
غاِئبَنا ،الّلُهّم َم ْ
َو َ
ل َتفِتّنا َبْعَدُه((.
جَرُهَ ،و َ
حِرْمَنا َأ ْ
َت ْ
عَذابِ
ن َ
ن ِفْتَنِة الَقْبِرَ ،وِم ْ
كَ ،فِقِه َم ْ
جَواِر َ
حْبلِ ِ
ك َو َ
ن في ِذّمِت َ
ن ُفل ٍ
ن ْب َ
ن ُفل َ
ظ ِمن دعائه)) :الّلُهّم إ ّ
حِف َ
وُ
حيُم((.
ت الَغُفوُر الّر ِ
ك َأْن َ
حمُه ،إّن َ
حقَ ،فاغِفْر َلُه َواْر َ
ل الَوَفاِء َوال َ
ت َأْه ُ
الّنار ،فَأْن َ
ت َهَدْيَتَها
ت َرَزْقَتَها ،وَأْن َ
خَلْقَتَهاَ ،وَأن َ
ت َ
ت َربَهاَ ،وَأْن َ
ظ ِمن دعائه أيضًا)) :الّلُهّم َأْن َ
حِف َ
وُ
علِنَيَتَها ،جْئَنا شَفَعاَء َفاغِفْر َلَها((.
سّرَها َو َ
حَها ،وَتْعَلُم ِ
ت ُرو َ
ض َ
ت َقب ْ
سلِمَ ،وَأْن َ
لْلِ
240
وكان صلى ال عليه وسلم يأمر بإخلص الدعاء للميت ،وكان ُيكبّر أربَع تكبيرات،
وصح عنه أنه كّبر خمسًا ،وكان الصحابة بعده ُيكّبرون أربعًا ،وخمسًا ،وستًا ،فكّبر زيد بن أرقم
خمسًا ،وذكر أن النبي صلى ال عليه وسلم كبرها ،ذكره مسلم.
حنيف ستًا ،وكان ُيكبر على أهل بدر ستًا،
ل عنه على سهل بن ُ
وكبر علي بن أبي طالب رضي ا ّ
وعلى غيرهم من الصحابة خمسًا ،وعلى سائر الناس أربعًا ،ذكره الدارقطني.
عتيبة أنه قال :كانوا يكبرون على أهل بدر خمسًا،
ن منصور ،عن الحكم بن ُ
وذكر سعيد ب ُ
ي صلى ال عليه وسلم لم يمنع مما
وستًا ،وسبعًا .وهذه آثار صحيحة ،فل موجب للمنع منها ،والنب ّ
زاد على الربع ،بل فعله هو وأصحاُبه من بعده.
والذين منعوا من الزيادة على الربعِ ،منهم من احتج بحديث ابن عباس ،أن آخر جنازة صّلى عليها
خر ،فالخر ِمن
النبي صلى ال عليه وسلم ،كّبَر أربعًا قالوا :وهذا آخر المرين ،وإنما يؤخذ بال ِ
ث ،قد قال الخلل في ))العلل(( :أخبرني حرب :قال:
فعله صلى ال عليه وسلم هذا .وهذا الحدي ُ
لمام أحمد عن حديث أبي المليح ،عن ميمون ،عن ابن عباس ،فذكر الحديث .فقال أحمد :هذا
سئل ا ِ
كذب ليس له أصل ،إنما رواه محمد بن زياد الطحان وكان يضع الحديث .واحتجوا بأن ميمون بن
مهران روى عن ابن عباس ،أن الملئكة لما صَلت على آدم عليه الصلة والسلم ،كّبرت عليه
أربعًا ،وقالواِ :تلك سنتكم يا بني آدم .وهذا الحديث قد قال في الثرم :جرى ذكر محمد بن معاوية
ل قال :رأيت أحاديثه موضوعة ،فذكر منها عن أبي
ت أبا عبد ا ّ
النيسابوري الذي كان بمكة ،فسمع ُ
المليح ،عن ميمون بن مهران ،عن ابن عباس ،أن الملئكة لما صّلت على آدم ،كّبرت عليه أربعًا،
ل هذا.
ي مث َ
واستعظمه أبو عبد ال وقال :أبو المليح كان أصح حديثًا وأتقى ل من أن َيرو َ
ي ،عن النبي صلى ال عليه وسلم ،أن الملئكة
واحتجوا بما رواه البيهقي من حديث يحيى ،عن أب ّ
لما صّلت على آدم ،فكبرت عليه أربعًا ،وقالت :هذه سنتكم يا بني آدم ،وهذا ل يصح وقد روي
مرفوعًا وموقوفًا.
ل :إن ناسًا من أصحاب معاذ قدموا من
ت لعبد ا ّ
وكان أصحاب معاذ ُيكّبرون خمسًا ،قال علقمة :قل ُ
ت ،كّبر ما كّبَر
س على الّميت في التكبير وق ٌ
ل :لي َ
الشام ،فكّبروا على ميت لهم خمسًا ،فقال عبد ا ّ
ف.
ف المام فانصِر ْ
لمام ،فإذا انصر َ
اِ
فصل
241
وأما هديه صلى ال عليه وسلم في التسليم من صلة الجنازة .فروي عنه :إنه كان يسّلم
واحدة .وروي عنه :أنه كان يسلم تسليمتين.
فروى البيهقي وغيره ،من حديث المقُبري ،عن أبي هريرة ،أن النبي صلى ال عليه وسلم صلى
لمام أحمد في رواية الثرم :هذا الحديث
على جنازة ،فكبر أربعَا ،وسلم تسليمة واحدة لكن قال ا ِ
ل بن أبي أوفى :إنه
عندي موضوع ،ذكره الخلل في ))العلل(( وقال إبرهيم الهجري :حّدثنا عبد ا ّ
صلى على جنازة ابنته ،فكبر أربعًا ،فمكث ساعة حتى ظننا أنه يكبر خمسًا ،ثم سلم عن يمينه وعن
ل صلى ال عليه
ل ا ِّ
شماله ،فلما انصرف ،قلنا له :ما هذا؟ فقال :إني ل أزيدكم على ما رأيت رسو َ
خلل كان
ث ِ
ل صلى ال عليه وسلم .قال ابن مسعود :ثل ُ
لا ّ
وسلم يصنُع ،أو هكذا صنع رسو ُ
س ،إحداهن :التسليم على الجنازة مثل التسليم
ن النا ُ
رسول ال صلى ال عليه وسلم ،يفعلهن تركُه ّ
في الصلة ،ذكرهما البيهقي .ولكن إبراهيم بن مسلم العبدي الهجري ،ضعفه يحيى بن معين،
والنسائي ،وأبو حاتم ،وحديثه هذا ،قد رواه الشافعي في كتاب حرملة عن سفيان عنه وقال :كّبر
عليها أربعًا ،ثم قام ساعة ،فسّبح به القوُم فسلم ،ثم قال :كنتم ترون أن أزيد على أربع ،وقد رأي ُ
ت
ل صلى ال عليه وسلم كبر أربعًا ،ولم يقل :ثم سَلم عن يمينه وشماله .ورواه ابن ماجه من
رسول ا ّ
سّلَم عن يمينه وشماله.
حديث المحاربي عنه كذلك ،ولم يقل :ثم َ
ي صلى ال عليه
وِذكر السلم عن يمينه وعن شماله انفرد بها شريك عنه .قال البيهقي :ثم عزاه للنب ّ
وسلم في التكبير فقط ،أو في التكبير وغيره.
لمام أحمد عنه .قال
قلت :والمعروف عن ابن أبي أوفى خلف ذلك ،أنه كان يسلم واحدة ،ذكره ا ِ
ل ،أتعرف عن أحد من الصحابة أنه كان يسلم على الجنازة
أحمد بن القاسم ،قيل لبي عبد ا ّ
تسليمتين؟ قال :ل ،ولكن عن ستة من الصحابة أنهم كانوا يسلمون تسليمًة واحدة خفيفًة عن يمينه،
ن عباس ،وأبا هريرة ،وواِثلة بن السقع ،وابن أبي أوفى ،وزيد بن ثابت .وزاد
ن عمر ،واب َ
فذكر اب َ
ل ،وأنس بن مالك ،وأبا أمامة بن سهل بن حنيف،
البيهقي :علي بن أبي طالب ،وجابر بن عبد ا ّ
فهؤلء عشرة من الصحابة ،وأبو أمامة أدرك النبي صلى ال عليه وسلم ،وسماه باسم جده لمه
أبي أمامة :أسعد بن زرارة ،وهو معدود في الصحابة ومن كبار التابعين.
وأما رفع اليدين ،فقال الشافعي :ترفع للثر ،والقياس على السنة في الصلة ،فإن النبي
صلى ال عليه وسلم كان يرفع يديه في كل تكبيرة كّبرها في الصلة وهو قائم.
242
قلت :يريد بالثر ما رواه عن ابن عمر ،وأنس بن مالك ،أنهما كانا يرفعان أيديهما كلما كّبرا على
الجنازة ويذكر عنه صلى ال عليه وسلم ،أنه كان يرفع يديه في أول التكبير ،ويضع اليمنى على
اليسرى ،ذكره البيهقي في السنن.
وفي الترمذي من حديث أبي ُهريرة))،أن النبي صلى ال عليه وسلم ،وضع يده اليمنى على
يده اليسرى في صلة الجنازة(( ،وهو ضعيف بيزيد بن سنان الرهاوى.
فصل
وكان من هديه صلى ال عليه وسلم إذا فاتته الصلة على الجنازة ،صلى على القبر ،فصلى
مرة على قبر بعد ليلة ،ومرة بعد ثلث ،ومرة بعد شهر ،ولم ُيوقت في ذلك وقتًا.
ك في الصلة على القبر؟! وُيروى عن النبي صلى ال عليه
ل :من يش ّ
قال أحمد رحمه ا ّ
لمام أحمد الصلة
سان ،فحّد ا ِ
حَوسلم ،كان إذا فاتته الجنازُة ،صلى على القبر من ستة أوجه ُكُلها ِ
على القبر بشهر ،إذ هو أكثر ما روي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه صلى بعده ،وحّده الشافعي
ي إذا كان غائبًا.
ل إل ِللول ّ
ك وأبو حنيفة رحمهما ا ّ
ل الميت ،ومنع منها مال ٌ
رحمه ال ،بما إذا لم َيْب َ
ط المرأة.
سِوكان من هديه صلى ال عليه وسلم ،أنه كان يقوُم عند رأس الرجل َوَو ْ
فصل
صلى
طْفل ُي َ
وكان من هديه صلى ال عليه وسلم الصلُة على الطفل ،فصح عنه أنه قال)) :ال ّ
عَلْيِه((.
َ
طُكم((.
ن َأْفرا ِ
طَفاِلُكم ،فإّنهم ِم ْ
وفي ))سنن ابن ماجه(( مرفوعًا)) ،صُلوا على َأ ْ
سقط؟ قال :إذا أتى عليه
ب أن ُيصلى على ال ّ
ج ُ
ت أحمد :متى َي ِ
قال أحمد بن أبي عبدة :سأل ُ
أربعة أشهر ،لنه ُينفخ فيه الروح.
ت :ليس في
ت :فحديث المغيرة بن شعبة ))الطفل ُيصلى عليه((؟ قال :صحيح مرفوع ،قل ُ
قل ُ
ن الربعة الشهر ول غيرها؟ قال :قد قاله سعيد بن المسّيب.
هذا بيا ُ
ي صلى ال عليه وسلم على ابنه إبراهيم يوم مات؟ قيل :قد اختلف
فإن قيل :فهل صلى النب ّ
ل عنها قالت :مات إبراهيُم بن النبي
في ذلك ،فروى أبو داود في ))سننه(( عن عائشة رضي ا ّ
ل صلى ال عليه وسلم.
لا ّ
ى عليه رسو ُ
صلى ال عليه وسلم وهو ابن ثمانية عشر شهرًا ،فلم يصل ِ
لمام أحمد :حّدثنا يعقوب بن إبراهيم ،قال :حّدثني أبي عن ابن إسحاق حّدثني عبد ا ّ
ل قال ا ِ
بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ،عن عمرة ،عن عائشة ...فذكره.
243
ن إسحاق.
وقال أحمد في رواية حنبل :هذا حديث منكر جدًا ،ووّهى اب َ
ل :حّدثني أبي ،حّدثنا أسود بن عامر ،حّدثنا إسرائيل ،قال:
وقال الخلل :وقرئ على عبد ا ّ
ل صلى ال عليه وسلم
حدثنا جابر الجعفي ،عن عامر ،عن البراء بن عازب ،قال :صّلى رسول ا ّ
ن ستة عشر شهرا.
على ابنه إبراهيم ومات وهو اب ُ
ل صلى ال عليه وسلم ،صّلى
لا ّ
وذكر أبو داود عن البهي ،قال :لما مات إبراهيُم بن رسو ِ
ل بن يسار كوفي.
ل صلى ال عليه وسلم في المقاعد وهو مرسل ،والبهي اسمه عبد ا ّ
لا ّ
عليه رسو ُ
وذكر عن عطاء بن أبي رباح ،أن النبي صلى ال عليه وسلم صّلى على ابنه إبراهيم وهو
ن سبعين ليلة وهذا مرسل وهم فيه عطاء ،فإنه قد كان تجاوز السنة.
اب ُ
ث عائشة ،كما
س في هذه الثار ،فمنهم من أثبت الصلة عليه ،ومنع صحَة حدي ِ
فاختلف النا ُ
ضها بعضًا ،ومنهم من
ل ،مع حديث البراء ،يشّد بع ُ
لمام أحمد وغيُره :قالوا :وهذه المراسي ُ
قال ا ِ
ث البراء بجابر الجعفي ،وضعف هذه المراسيل وقال :حديث ابن إسحاق أصح منها.
ضّعف حدي َ
ل عليه ،فقالت طائفٌة :استغنى ببنوة رسول ا ّ
ل ثم اختلف هؤلء في السبب الذي لجله لم ُيص ّ
صلى ال عليه وسلم عن ُقْربة الصلة التي هي شفاعة له ،كما استغنى الشهيد بشهادته عن الصلة
عليه.
وقالت طائفة أخرى :إنه مات يوم كسفت الشمس ،فاشتغل بصلة الكسوف عن الصلة
عليه.
صّلي عليه ،ولم
وقالت طائفٌة :ل تعارض بين هذه الثار ،فإنه أمر بالصلة عليه ،فقيلُ :
ُيباشرها بنفسه لشتغاله بصلة الكسوف ،وقيل :لم ُيصل عليه ،وقالت فرقة :رواية المثبت أولى،
لثبات.
لثباتُ ،قَدم ا ِ
لن معه زيادة علم ،وإذا تعارض النفي وا ِ
فصل
ل من
غّن َ
وكان من هديه صلى ال عليه وسلم ،أّنه ل ُيصّلي على َمن قتل نفسه ،ول على َم ْ
الغنيمُة.
ل حدًا ،كالزاني المرجوم ،فصح عنه أنه صلى ال عليه
واختلف عنه في الصلة على المقُتو ِ
ت؟ فقالَ)) :لقَْد
ل ال وقد َزَن ْ
وسلم صلى على الجهنية التي رجمها ،فقال عمرُ :تصّلي عليها يا رسو َ
جاَد ْ
ت ن َ
ل ِمنْ َأ ْ
ضَت َتْوَبًة أْف َ
جْد َ
سَعْتهم ،وَهل َو َ
ل الَمِديَنِة َلَو ِ
ن ِمن أْه ِ
سْبِعي َ
ت بين َ
سَم ْ
ت َتْوَبًة لو ُق ِ
َتاَب ْ
سَها ل تعالى(( .ذكره مسلم.
ِبَنْف ِ
244
ي صلى ال عليه
ل له النب ّ
ن مالك وقال :فقا َ
عز ب ِ
وذكر البخاري في ))صحيحه(( ،قصة ما ِ
ف على الزهري في ذكر الصلة عليه ،فأثبتها محموُد بن غيلن،
عَلْيِه وقد اختِل َ
صّلى َ
خْيرًا َو َ
وسلم َ
عن عبد الرزاق عنه ،وخالفه ثمانية من أصحاب عبد الرزاق ،فلم يذكروها ،وهم :إسحاق بن
حميد
ن بن علي ،ومحّمُد بن المتوكل ،و ُ
راهويه ،ومحمد بن يحيى الُذهلي ،ونوح بن حبيب ،والحس ُ
بن زنجويه ،وأحمد بن منصور الرمادي.
لجماع أصحاب عبد الرزاق
قال البيهقي :وقول محمود بن غيلن :إنه صلى عليه ،خطأ ِ
على خلفه ،ثم إجماع أصحاب الزهري على خلفه.
سّبه ،وقال
وقد اختلف في قصة ماعز بن مالك ،فقال أبو سعيد الخدري :ما استغفر له ول َ
ك.
ن َماِل ٍ
عِز ْب ِ
ل ِلَما ِ
غَفَر ا ُّ
عز بن َماِلك(( .فقالواَ :
سَتْغِفروا ِلَما ِ
ُبريدة بن الحصيب :إنه قال)) :ا ْ
ذكرهما مسلم .وقال جابر :فصّلى عليه ،ذكره البخاري ،وهو حديث عبد الرزاق المعّلل ،وقال أبو
ن الصلة عليه ،ذكره أبو داود.
ل عليه النبي صلى ال عليه وسلم ،ولم ينَه ع ِ
برزة السلمي :لم ُيص ّ
ث ماعز ،إما أن يقال :ل تعارض
ت :حديث الغامدية ،لم يختلف فيه أنه صّلى عليها .وحدي ُ
قل ُ
ك الصلة فيه هي تركه الصلَة
ل له ،وتر َ
بين ألفاظه ،فإن الصلة فيه .هي دعاُؤه له بأن َيغِفَر ا ّ
ل عنه إلى حديث الغاِمدية.
ت ألفاظه ،عِد َ
على جنازته تأديبًا وتحذيرًا ،وإما أن ُيقال :إذا تعارض ْ
فصل
وكان صلى ال عليه وسلم إذا صّلى على ميت ،تِبعه إلى المقابر ماشيًا أمامه.
ن لمن تبعها إن كان راكبًا أن يكون وراءها،
وهذه كانت سنة خلفائه الراشدين ِمن بعده ،وس ّ
وإن كان ماشيًا أن يكون قريبًا منها ،إّما خلفها ،أو أمامها ،أو عن يمينها ،أو عن شمالها .وكان يأمر
خطوة ،فبدعة
خطوة ُ
س اليوَم ُ
ل ،وأما دبيب النا ِ
لسراع بها ،حتى إن كانوا لَيرُمُلون بها َرَم ً
با ِ
ط على من
مكروهة مخاِلفة للسنة ،ومتضّمنة للتشّبه بأهل الكتاب اليهود .وكان أبو بكر يرفع السو َ
ل.
ل رم ً
ل صلى ال عليه وسلم َنْرُم ُ
ن مع رسول ا ّ
يفعل ذلك ،ويقول :لقد رأيتنا ونح ُ
ل عنه :سألنا نبينا صلى ال عليه وسلم عن المشي مع الجنازة،
قال ابن مسعود رضي ا ّ
لرَك َ
ب ب(( رواه أهل السنن وكان يمشي إذا َتبَع الجنازة ويقول ))لم أُكن َ
خب ِ
ن ال َ
فقال)) :ما ُدو َ
والَملِئَكُة َيْمشون(( .فإذا انصرف عنها ،فرّبما مشى ،ورَبما رِكب.
سوا حتى
جِل ُ
جَناَزة ،فلَ :،ت ْ
س حتى ُتوضع ،وقال ))إذا َتِبعُتم ال ِ
وكان إذا َتِبعها ،لم يجِل ْ
توضَع((.
245
فصل
وصح عنه صلى ال عليه وسلم أنه قام للجنازة لما مّرت به ،وأمَر بالقياِم لها ،وصح عنه
ف في ذلك ،فقيل :القياُم منسوخ ،والقعوُد آخر المرين ،وقيل .بل المران جائزان،
خُتِل َ
أنه قعد ،فا ْ
وِفعُله بيان للستحباب ،وترُكه بيان للجواز ،وهذا أولى من ادعاء النسخ.
فصل
شمس ،ول عند غروِبها،
ل يدفن الميت عند طلوع ال ّ
وكان من هديه صلى ال عليه وسلم ،أ ّ
عند رأس الميت
ق القبر وتوسيُعه ِمن ِ
ن ِمن هديه الّلحُد وتعمي ُ
ول حين َيُقوم قائُم الظهيرة وَكا َ
سو ِ
ل على ِمّلِة َر ُ
لَ ،و َ
لَ ،وِبا ِّ
سِم ا ِّ
ت في القبر قال ))ب ْ
ورجليه ،وُيذكُر عنه ،أنه كان إذا وضع المّي َ
ل((
ل ا ِّ
سو ِ
عَلى ِمّلِة َر ُ
لَ ،و َ
ل ا ِّ
سِبي ِ
لَ ،وفي َ
سم ا َِ
ال(( .وفي روايةِ)) :ب ْ
سه ثلثًا.
ل رأ ِ
ن ِقَب َ
ن ِم ْ
وُيذكر عنه أيضًا أنه كان يحُثوا التراب على قبر الميت إذا ُدِف َ
ت ،وأَمَرُهم أن
ل له الّتثِبي َ
سَأ َ
وكان إذا فرغ من دفن الميت قام على قبره هو وأصحابه ،و َ
ت.
سَأُلوا َلُه الّتثِبي َ
َي ْ
ولم يكن يجِلس يقرأ عند القبر ،ول ُيلّقن الميت كما يفعله الناس اليوم ،وأما الحديث
الذي رواه الطبراني في ))معجمه(( من حديث أبي أمامة ،عن النبي صلى ال عليه وسلمِ)) :إَذا
لَ :يا ُفلنَ ،فِإّنُه
س َقْبِرِه ُثّم ِلَيُق ْ
عَلى َرأ ِ
حدكم َ
عَلى َقْبِرِه ،فليقم َأ َ
ب َ
سّوْيتُم الّتَرا َ
خَواِنُكم َف َ
ن ِإ ْ
حٌد ِم ْ
ت أَ َ
َما َ
ن بنَ ُفلَنة ،فإّنه
عدًاُ ،ثّم َيُقولَ :يا ُفل َ
سَتوي َقا ِ
ن فلَنة ،فإّنه َي ْ
نبَ
ل يجيبّ ،ثم َيُقول :يا فل َ
سَمُعهُ َو َ
َي ْ
ن لَ
شَهاَدَة َأ ْ
ن الّدْنَياَ :
عَليِه ِم َ
ت َ
ج َ
خَر ْ
ل :اْذُكْر َما َ
نُ ،ثّم َيُقو ُ
شُعرو َ
ل َت ْ
ن َ
ك ال وَلِك ْ
حم َ
شدَنا َيْر َ
لَ :أر ِ
َيقو ُ
حّمد َنِبّيا،
لِم ِدينًا ،وِبُم َ
سَلْ
ل َرّبًا ،وبا ِ
ت ِبا ِّ
ضي َ
عْبُدُه َوَرسوُلهَ ،وَأّنك َر ِ
حّمدًا َ
نم َ
ل ،وَأ َ
ل ا ُّ
ِإلَه إ ّ
عْنَد
طِلق ِبنا َما َنقُْعد ِ
ل :اْن َ
حِبِه َوَيُقو ُ
صا ِ
حٍد ِمْنَهَما ِبَيِد َ
ل َوا ِ
خُذ ُك ّ
ن ُمنَكرًا َوَنِكيرًا َيْأ ُ
ن إَمامًا ،فإ ّ
وِباْلُقْرآ ِ
سُبه
ف ُأّمه؟ َقالَ :فُيْن ِ
ن َلْم َيعِر ْ
ل! َفِإ ْ
لا ِ
سو َ
لَ :يا َر ُ
ل رج ٌ
جَه ُدوَنُهَماَ .فَقا َ
جي َ
حِ
ل َ
ن ا ُّ
جَتُهَ ،فَيكو ُ
حّ
ن ُ
ن لّق َ
َم ْ
ل:
ت لبي عبد ا ّ
حّواء(( .فهذا حديث ل يصح رفُعه ،ولكن قال الثرم :قل ُ
حّواء :يا ُفلن بن َ
إلى َ
ل ويقول :يا فلن بن فلنة ،اذكر ما فارقت عليه
ف الرج ُ
ت يِق ُ
ن المي ُ
فهذا الذي يصنعونه إذا ُدِف َ
ت أحدًا فعل هذا إل أهل الشام ،حين مات أبو المغيرة،
الدنيا :شهادِة َأن ل إله إل ال .فقال :ما رأي ُ
ل ذلك ،وكان أبو المغيرة يروي فيه عن أبي بكر بن أبي مريم ،عن أشياخهم ،أنهم
جاء إنسان فقا َ
كانوا يفعلونه ،وكان ابن عياش يروي فيه.
قلت :يريد حديث إسماعيل بن عياش هذا الذي رواه الطبراني عن أبى أمامة.
247
وقد ذكر سعيد بن منصور في ))سننه(( عن راشد بن سعد ،وضمرة بن حبيب ،وحكيم بن
حّبون أن ُيقال للميت عند
س عنه ،فكانوا يست ِ
ي على المّيت قبُره ،وانصرف النا ُ
سّو َ
عمير ،قالوا :إذا ُ
ل وديني
ن ! قل :ربي ا ُّ
ث مرات ،يا فل ُ
ل ،أشهُد أن ل إله إل ال ثل َ
لا ّ
ن! قل :ل إله إ ّ
قبره :يا فل ُ
ي محمد ،ثم ينصرف.
لسلُم ،نبّي َ
اِ
فصل
جر وَلِبن ،ول
ولم يكن من هديه صلى ال عليه وسلم ،تعليُة القبور ول بناؤها بآجر ،ول بح َ
ل هذا بدعة مكروهة ،مخالفٌة لهديه صلى ال عليه
تشييُدها ،ول تطييُنها ،ول بناُء القباب عليها ،فُك ّ
ل َقْبَرًا
سهَ ،و َ
ل إل طَم َ
ل َيَدع تْمًثا ً
ى اليمن ،أ ّ
ل عنه إل َ
طالب رضي ا ّ
ي بن أبي َ
ث عل ّ
وسلم وقد َبع َ
سّواه ،فسنُته صلى ال عليه وسلم تسويُة هذه القبور الُمشرفة كّلها ،ونهى أن ُيجصص
شِرفًا إل َ
ُم ْ
ب عليه.
القبُر ،وأن ُيبنى عليه ،وأن يكت َ
وكانت قبور أصحابه ل ُمشِرفة ،ول لطئة ،وهكذا كان قبُره الكريُم ،وقبُر صاحبيه ،فقبُره
ح ببطحاء العَرصة الحمراء ل مبني ول مطين ،وهكذا كان قبر
سّنم َمْبطو ٌ
صلى ال عليه وسلم ُم َ
صاحبيه.
ف َقبِره بصخرة.
ن يريُد تعّر َ
وكان يعلم قبَر َم ْ
فصل
سرج عليها ،واشتد
ل صلى ال عليه وسلم عن اتخاذ القبوِر مساجد ،وإيقاِد ال ّ
ونهى رسول ا ّ
خذوا قبَره عيدًا ،ولعن
نهيه في ذلك حتى لعن فاعله ،ونهى عن الصلة إلى الُقبور ،ونهى أمته أن يت ِ
ظم
زّوراتِ القبور وكان هدُيُه أن ل ُتهان القبوُر وُتوطأ ،وأل ُيجَلس عليها ،وُيتكأ عليها ول ُتع ّ
جَد فُيصّلى عندها وإليها ،وُتتخذ أعيادًا وأوثانًا.
بحيث ُتّتخُذ مسا ِ
فصل
في هديه صلى ال عليه وسلم في زيارة القبور
حم عليهم ،والستغفاِر لهم ،وهذه هي
كان إذا زار قبور أصحابه يزوُرها للدعاء لهم ،والتر ّ
ل الّديار
عليُكم َأْه َ
سلُم َ
عها لهم ،وأمرهم أن يُقولوا إذا زاُروها)) :ال ّ
الزيارُة التي سنها لمته ،وشر َ
ل َلَنا َوَلُكم الَعاِفَيَة((.
ل ا َّ
سأ ُ
حُقونَ ،ن ْ
لِ
ل ِبُكْم َ
شاَء ا ُّ
ن ،وإّنا إن َ
سِلِمي َ
ن والُم ْ
ن الُمؤِمِني َ
ِم َ
ل عند زيارتهاِ ،من جنس ما يقوُله عند الصلة على الميت ،من
ل ويفع َ
وكان هدُيه أن يقو َ
ل به،
لقساَم على ا ّ
لشراك به ،وا ِ
حِم ،والستغفارَ .فأَبى المشركون إل دعاَء الميت وا ِ
الِدعاِء والتر ّ
248
جَه إليه ،بعكس هديه صلى ال عليه وسلم ،فإنه هدي توحيد
وسؤاله الحوائج ،والستعانة به ،والتو ّ
ي هؤلء شرك وإساءة إلى نفوسهم ،وإلى الميت ،وهم ثلثة أقسام :إما أن
وإحسان إلى الميت ،وهد ُ
ب وأولى من الدعاء في المساجد،
يدعوا الميت ،أو يدعوا به ،أو عنده ،ويرون الدعاء عنده أوج َ
ق بين المرين وبا ّ
ل ل صلى ال عليه وسلم وأصحاِبه ،تبّين له الفر ُ
ي رسول ا ّ
ومن تأمل هد َ
التوفيق.
فصل
)يتبع(...
@
ل الميت ،ولم يكن ِمن هديه أن يجتر للَعزاء،
وكان من هديه صلى ال عليه وسلم ،تعزية أه ِ
وُيقرأ له القرآن ،ل عنَد قبره ول غيره ،وُكل هذا بدعة حادثة مكروهة.
ل ،والسترجاع ،ويبرأ ممن خرق
ن والرضى بقضاء ال ،والحمد ّ
وكان من هديه :السكو ُ
لجل الُمصيبة ثياَبه ،أو رفع صوَته بالندب والنياحة ،أو حلق لها شعره.
وكان من هديه صلى ال عليه وسلم أن أهل الميت ل يتكّلفون الطعام للناس ،بل أمر أن
شيم ،والحملِ عن أهل
س لهم طعامًا ُيرسلونه إليهم وهذا من أعظم مكارم الخلق وال ّ
يصنع النا ُ
الميت ،فإنهم في شغل بمصابهم عن إطعام الناس.
ك نعي الميت ،بل كان ينهى عنه ،ويقول :هو ِمن
وكان من هديه صلى ال عليه وسلم ،تر ُ
س إذا مات وقال :أخاف أن يكون من النعي.
عمل الجاهلية ،وقد كِره حذيفُة أن ُيعلم به أهُله النا َ
فصل
ل سبحاَنه وتعالى قصَر
ح ا ُّ
وكان من هديه صلى ال عليه وسلم ،في صلة الخوف ،أن أبا َ
ف والسفُر ،وقصَر العدد وحَده إذا كان سفٌر ل خوف معه،
ن الصلة وعدِدها إذا اجتمع الخو ُ
أركا ِ
ف ل سفَر معه وهذا كان من هديه صلى ال عليه وسلم ،وبه
وقصَر الركان وحَدها إذا كان خو ٌ
حكمة في تقييد القصر في الية بالضرب في الرض والخوف.
ُتعلم ال ِ
وكان من هديه صلى ال عليه وسلم في صلة الخوف ،إذا كان العدّو بينَه وبين القبلة ،أن
ف المسلمين كّلهم خلَفه ،ويكّبُر ويكبرون جميعًا ،ثم يركع فيركعون جميعًا ،ثم يرفُع ويرفعون
ص ّ
َي ُ
جَه العُدّو ،فإذا
خر موا ِ
ف المؤ ّ
ف الذي يليه خاصة ،ويقوم الص ّ
جميعًا معه ،ثم ينحِدُر بالسجود والص ّ
خر بعد قيامه سجدتين ،ثم قاموا،
ف المؤ ّ
فرغ من الركعة الولى ،ونَهض إلى الثانية ،سجَد الص ّ
249
ف الو ِ
ل ل فضيلُة الص ّ
صَل مكاَنهم لتح ُ
ف الو ُ
خر الص ّ
ف الول ،وتأ ّ
فتقّدموا إلى مكان الص ّ
ف الثاني مع النبي صلى ال عليه وسلم السجدتين في الركعة الثانية ،كما
ك الص ّ
للطائفتين ،وِلُيدِر َ
ضْوا لنفسهم،
ن فيما أدركوا معه ،وفيما َق َ
أدرك الول معه السجدتين في الولى ،فتستوي الطائفتا ِ
وذلك غايُة العدل ،فإذا ركع ،صنع الطائفتان كما صنعوا أّول مرة فإذا جلس للتشهد ،سجد الص ّ
ف
خر سجدتين ،ولحقوه في التشهد ،فيسّلم بهم جميعًا.
المؤ ّ
نِ :فرقًة بإزاء العدّو ،وِفرقًة
وإن كان العُدو في غير جهة القبلة ،فإّنه كان تارًة يجعُلهم ِفرقتي ِ
ُتصلي معه ،فُتصلي معه إحدى الفرقتين ركعًة ،ثم تنصِرف في صلتها إلى مكان الفرقة الخرى،
ل طائفة ركعًة
وتجيُء الخرى إلى مكان هذه ،فُتصلي معه الركعة الثانية ،ثم ُتسلم ،وتقضي ك ّ
لمام.
ركعًة بعد سلم ا ِ
وتارة كان ُيصلي بإحدى الطائفتين ركعة ،ثم يقوم إلى الثانية ،وتقضي هي ركعة وهو
واقف ،وُتسلم قبل ركوعه ،وتأتي الطائفة الخرى ،فتصلي معه الركعة الثانية ،فإذا جلس في
التشهد ،قامت ،فقضت ركعًة وهو ينتظرها في التشهد ،فإذا تشهدتُ ،يسلم بهم.
وتارة كان ُيصلي بإحدى الطائفتين ركعتين ،فُتسلم قبله ،وتأتي الطائفة الخرى ،فُيصلي بهم
الركعتين الخيرتين ،وُيسلم بهم ،فتكون له أربعًا ،ولهم ركعتين ركعتين.
وتارة كان ُيصلي بإحدى الطائفتين ركعتين ،ويسلم بهم ،وتأتي الخرى ،فتصلي بهم
ل طائفة صلة.
ركعتين ،وُيسلم فيكون قد صلى بهم بك ّ
وتارة كان يصلي بإحدى الطائفتين ركعَة ،فتذهب ول تقضي شيئًا ،وتجيء الخرى،
فُيصلي بهم ركعة ،ول تقضي شيئًا ،فيكون له ركعتان ،ولهم ركعة ركعة ،وهذه الوجه ُكُلها تجوز
الصلة بها.
ل حديث ُيروى في أبواب صلة الخوف ،فالعمل به جائز.
لمام أحمد :ك ّ
قال ا ِ
ل :تقو ُ
ل ت لبي عبد ا ّ
وقال :ستُة أوجه أو سبعةُ ،تروى فيهاُ ،كّلها جائزة ،وقال الثرم :قل ُ
ل :من ذهب إليها كّلها،
ث في موضعه ،أو تختاُر واحدًا منها؟ قال :أنا أقو ُ
ل حدي ٍ
بالحاديث كّلها ،ك ّ
ل طائفة معه ركعًة ركعًة ،ول تقضي شيئًا ،وهذا مذهبُ
يكّ
فحسن .وظاهر هذا ،أنه جّوز أن ُتصل َ
ل ،وطاووس ،ومجاهد ،والحسن ،وقتادة ،والحكم ،وإسحاق بن
ابن عباس ،وجابر بن عبد ا ّ
راهويه .قال صاحب ))المغني(( :وعموُم كلم أحمد يقتضي جواَز ذلك ،وأصحابنا ينكرونه.
250