You are on page 1of 573

‫ممم مممم مممممم مممممم‬

‫قال تعالى‬
‫سَنُه (‬
‫ح َ‬
‫ن َأ ْ‬
‫ن اْلَقوَْل ‪َ ،‬فَيّتِبُعو َ‬
‫سَتِمُعو َ‬
‫ن َي ْ‬
‫عَباِد ‪ ،‬اّلِذي َ‬
‫شْر ِ‬
‫) َفَب ّ‬
‫) الزمر (‬
‫كتاب‬

‫نهاية إسرائيل والوليات المتحدة المريكية‬

‫من ومتى وكيف‬


‫دراسة تحليلية في القران والسنة والتوراة والنجيل‬

‫حقوق النشر متاحة للجميع‬

‫خالد عبد الواحد‬

‫‪1‬‬
‫الجزء الول‬

‫الفصل الول ‪:‬‬

‫البداية‬

‫الفصل الثاني ‪:‬‬

‫زوال إسرائيل قبل ظهور المهدي‬

‫الفصل الثالث ‪:‬‬

‫مختصر لمجمل أقوال المفسرين‬

‫الفصل الرابع ‪:‬‬

‫صلناه تفصيل‬
‫وكل شيء ف ّ‬

‫الفصل الخامس ‪:‬‬

‫تاريخ وجغرافيا بني إسرائيل في القران‬

‫الفصل السادس ‪:‬‬

‫تاريخ اليهود في التوراة والتلمود‬

‫الفصل السابع ‪:‬‬

‫فلسطين عبر التاريخ‬

‫‪2‬‬
‫البداية‬

‫قبششل عششدة سششنوات ‪ ،‬كنششت قششد قششرأت كتششاب ) أحجششار علششى رقعششة الشششطرنج (‬
‫للدميرال الكندي ) وليام كار ( ‪ ،‬حيث يؤكد المؤلف في هششذا الكتششاب بالشششواهد‬
‫والدلة ‪ ،‬سششيطرة اليهششود علششى واقعنششا المعاصششر ‪ .‬بعششد قراءتششي لهششذا الكتششاب ‪،‬‬
‫وبالنظر لما يجششري علششى أرض الواقششع ‪ ،‬تملكتنششي حالششة مششن اليششأس والقنششوط ‪.‬‬
‫ططششه وينفششذه‬‫فأحلمنا وأمانينا ‪ ،‬إذا ما سار الناس من حولنا ‪ ،‬على هششدي مششا ُيخ ّ‬
‫اليهود – وهم سائرون وما زالوا – أصبحت هباًء منثورا ‪ ،‬وستسير المور إلى‬
‫السوأ يوما بعد يوم ‪ ،‬حتى يرث ال الرض ومن عليها ‪.‬‬
‫لم أكن أعلم آنذاك ‪ ،‬أن بعد كل هذا الكفششر والظلششم والفسششاد ‪ ،‬الششذي اسششتفحل فششي‬
‫الرض ‪ ،‬وأخذ ينتشر في أرض السلم والعروبة ‪ ،‬انتشار النار فششي الهشششيم ‪،‬‬
‫بعد أن ُمحيت آثار العيب والحرام ‪ ،‬من مفششردات قششاموس أهلهششا ‪ ،‬سششتظهر فششي‬
‫آخر الزمان ‪ ،‬خلفششة راشششدة علششى منهششاج النبششوة ‪ُ ،‬تعيششد هششذه المششة للحيششاة مششن‬
‫ي الساعة ‪ ،‬لم تكن معروفششة للعامششة قبششل‬ ‫جديد ‪ ،‬فأحاديث الفتن وما يكون بين يد ّ‬
‫سنوات قليلة ‪ ،‬ولم تلق أي اهتمششام كششون السششاعة بعيششدة عنششا – حسششبما نحششب أن‬
‫تكون – كل البعششد ‪ .‬ومششؤخرا بششدأ كششثير مششن الدارسششين والبششاحثين ‪ ،‬يخوضششون‬
‫غمار ما جاء فيها من أحاديث ‪ ،‬منّبهين لظهور الكثير من أشراطها الصغرى ‪،‬‬
‫ومحّذرين من قرب أشراطها الكبرى ‪.‬‬
‫معرفتي بوجود تلك الخلفة ‪ ،‬التي سشتقطع الطريشق ‪ ،‬علشى أصشحاب المشؤامرة‬
‫اليهودية العالمية ‪ ،‬وتلغي أحلمهم بسيادة العالم ‪ ،‬من القدس ‪ ،‬كانت لششي بمثابششة‬
‫الضوء في آخر النفق ‪ ،‬تلك المعرفة الجديدة أعادت لششي المششل ‪ ،‬بعششدما تملكنششي‬
‫الكششثير مششن اليششأس والقنششوط ‪ ،‬مششن أحششوال أمششتي العجيبششة ‪ .‬اعششترتني حالششة مششن‬
‫الفضول ‪ ،‬أردت معرفة المزيد ‪ ،‬حيث ساعدني حششبي القششديم للمطالعششة ‪ ،‬فعشّدت‬
‫ي ‪ ،‬من كتششب علششى مختلششف مواضششيعها ‪ ،‬مششن عقيششدة‬ ‫لمطالعة كل ما يقع بين يد ّ‬
‫وفقه وسيرة وتاريخ ‪ ،‬فضل عن القرآن العظيششم وتفسششيره ‪ ،‬فتششبين لششي أن العلششم‬
‫والمعرفة ‪ ،‬يهتكان الكششثير مششن أسششتار الجهششل بششأمور الحيششاة الخششرى ‪ ،‬ويششزداد‬
‫المرء بهما إيمانا ويقينا وصلة بربه ‪ ،‬وثباتا على دينششه ‪ ،‬فششازددت حبششا للمعرفششة‬
‫والمتابعة ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫شملت مطالعاتي في تلك الثناء ‪ ،‬بعششض الكتششب الششتي تنششاولت سششيرة المهششدي ‪،‬‬
‫وأكثر ما حاز على اهتمامي من هذه الحاديث ‪ ،‬ما يتعلق بالمهششدي وظهششوره ‪،‬‬
‫والمعارك التي سيخوضها ‪ .‬وبعد تحليلي لتلك الحاديث ‪ ،‬ومحاولة الربشط فيمشا‬
‫بينها ‪ ،‬تبين لي بأن دولة إسرائيل الحالية ‪ ،‬لن تكون موجودة عند ظهور أمره ‪،‬‬
‫وأن المهدي سيدخل القشدس ‪ ،‬وبلد الششام ككشل بل حشرب ‪ ،‬فتبشادر إلشى ذهنشي‬
‫بعض التساؤلت ‪ ،‬التي كان ل بد لي مششن الجابششة عليهششا ‪ ،‬بششدافع الفضششول فششي‬
‫البداية ‪ ،‬وأهمها كيف اختفت إسرائيل قبل ظهور المهدي ؟ ومن الذي كان سببا‬
‫في اختفائها ؟‬
‫كنششت سششابقا أعتقششد – كمششا كششان ومششا زال – يعتقششد عامششة المسششلمين اليششوم ‪ ،‬أن‬
‫الطريق إلى تحرير القدس ‪ ،‬ستكون بالوحدة العربية ‪ ،‬وهذا بل شك ضرب من‬
‫الخيال ‪ .‬أو بالعودة إلى السلم وقيام الخلفة السلمية ‪ ،‬وهذا أيضا أمششر بعيششد‬
‫المنال ‪ ،‬والواقع ل ينبئ بذلك ‪ ،‬واليهود الن يسيطرون على مجريات المور ‪،‬‬
‫أكثر مما نسيطر على زوجاتنا وأولدنششا ‪ ،‬فهششم يراقبششون وُيحششاربون ‪ ،‬أي جسششم‬
‫مسششلم أو عربششي ‪ ،‬تحششول مششن حالششة السششكون إلششى الحركششة ‪ ،‬وكششل المحششاولت‬
‫السششلمية والقوميششة العربيششة النهضششوية ‪ُ ،‬وئدت واش شُتريت وبيعششت فششي سششوق‬
‫النخاسة ‪ ،‬فل أمل في المنظور القريب ‪ ،‬حسب ما نراه على أرض الواقع ‪.‬‬
‫وأما إسرائيل فعلى ما يبدو ‪ ،‬أنها ستبقى جاثمة فوق صدورنا ‪ ،‬تمتص دماءنا ‪،‬‬
‫وتعدّ علينا أنفاسنا ونبضات قلوبنا ‪ ،‬لتثبت للعالم أننا ما زلنا أحياء ؟! والعالم‬
‫يأتي وينظر ويهّز رأسه موافقا ‪ ،‬ويمضي مطمئنا ‪ ،‬نعم إنهم ما زالوا أحياء ‪.‬‬
‫وكأن العالم ‪ ،‬ينتظر منا أن نموت أو نفنى ‪ ،‬فيستيقظ يوما ما ‪ ،‬فل فلسطين ول‬
‫فلسطينيون ‪ ،‬ليرتاح من تلك المهمة الثقيلة والمضنية ‪ ،‬التي ُرميت على كاهله‬
‫– وكأنه بل خطيئة اقترفتها يداه – كي يرتاح من مراقبة طويلة ‪ ،‬لعملية‬
‫احتضار شعب ُأدخل إلى قسم العناية الحثيثة ‪ ،‬منذ أكثر من ‪ 50‬عاما ‪ ،‬وما زال‬
‫حيا ‪.‬‬
‫وبالنظر إلى الواقع – قبل ثلث سنوات – ولغاية هذه اللحظة ‪ ،‬فإنك تراه يقول‬
‫بأن إسرائيل ستبقى ‪ .‬ولكن الحاديث النبوية الشريفة ‪ ،‬ترفض ما يقوله الواقع‬
‫وتؤكد زوالها ‪ ،‬قبل ظهور المهدي والخلفة السلمية ‪ ،‬ولكن كيف ؟ ومن ؟‬
‫ومتى ؟ ‪ ،‬وللجابة على هذه السئلة كان ل بد من البحث ‪ .‬ومن هناك ‪ ،‬وقبل‬
‫ثلث سنوات تقريبا ‪ ،‬كانت البداية ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫ما يملكه عاّمة المسلمين في بلدنا من معتقدات ‪ ،‬فيما يتعّلق بتحرير فلسطين ‪،‬‬
‫يتمحور حول ثلثة عبارات تقريبا ‪ ،‬هي ‪ :‬أول ؛ عبارة " شرقي النهر وهم‬
‫غربيه " المشهورة لدينا ‪ ،‬بين فلسطينيي الشتات ‪ ،‬وثانيا ؛ عبارة " عبادا لنا‬
‫" ‪ ،‬وثالثا ؛ عبارة " وليدخلوا المسجد " ‪ .‬والتفسيرات المعاصرة لهذه العبارات‬
‫في مجملها ‪ ،‬حصرت التحرير بقيام الخلفة السلمية ‪ ،‬حتى أصبحت من‬
‫المور العقائدية ‪ ،‬ويؤمن بصحتها الكثير من الناس ‪ ،‬إن لم يكن الغلبية‬
‫العظمى ‪.‬‬
‫أما حديث ل تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود ‪ ،‬ويا مسلم يا عبد ال ‪ ،‬الذي غالبا‬
‫ما نتدواله ‪ ،‬فهو يتحدث عن مسلمين حقيقيين ‪ ،‬لن يتوفروا في ظل هذه‬
‫الجواء على المدى القريب ‪ ،‬أو يتحّدث عن خلفة إسلمية ‪ ،‬ومما أعلمه أن‬
‫الخلفة السلمية ‪ ،‬لن تكون إل بظهور المهدي ‪ ،‬وخلف ذلك لم أجد في‬
‫السنة النبوية ‪ ،‬من الحاديث ما يشير إلى هذه الفترة ‪ ،‬فهي مغيبة تقريبا ‪ ،‬إل‬
‫من حديث هنا ‪ ،‬أو هناك ‪.‬‬
‫في النصف الثاني من عام ‪1998‬م ‪ ،‬ومن خلل البحث الولي في العديد من‬
‫المصادر ‪ ،‬أمسكت ببعض الخيوط ‪ ،‬التي قادتني بدورها إلى اليات ‪ ،‬التي‬
‫تحكي قصة العلو والفساد اليهودي في سورة السراء ‪ ،‬فطفقت أسبر معاني‬
‫ألفاظها وعباراتها وتركيباتها اللغوية ‪ ،‬فتحصّلت على فهم جديد ليات هذه‬
‫السورة ‪ ،‬يختلف تماما عن معظم ما تم طرحه سابقا ‪ ،‬ومن خلل هذا الفهم‬
‫استطعت الجابة على معظم تساؤلتي ‪ ،‬وتساؤلت أخرى كانت ترد في‬
‫ذهني ‪ ،‬بين حين وآخر ‪ ،‬أثناء كتابتي لهذا البحث ‪.‬‬
‫عادة ما كنت أطرح ما توصلت إليه ‪ ،‬شفاها أمام الخرين ‪ ،‬وغالبا ما كانت‬
‫أفكاري ‪ُ ،‬تجابه بالمعارضة أحيانا بعلم ‪ ،‬وأحيانا من غير علم ‪ ،‬وغالبا ما كان‬
‫النقاش يأخذ وقتا طويل ‪ ،‬وكان هناك الكثير ممن يرغبون بالمعرفة ‪ ،‬كل‬
‫حسب دوافعه وأسبابه الخاصة ‪ ،‬وكانت الغلبية تفاجأ بما أطرحه من أفكار ‪،‬‬
‫فالقناعات الراسخة لدى الغلبية ‪ ،‬مما سمعوه من الناس أو وجدوه في الكتب ‪،‬‬
‫والواقع الذي يرونه بأم أعينهم ‪ ،‬يخالف بصريح العبارة ما أذهب إليه ‪.‬‬
‫والمشكلة أن المر جّد خطير ‪ ،‬فالواقع الجديد والمفاجئ ‪ ،‬الذي سيفرض نفسه‬
‫بعد عدة شهور ‪ ،‬عندما يأتي أمر ال ‪ ،‬ول ينطق الحجر والشجر بشيء ! كما‬
‫كانوا يعتقدون ‪ ،‬سيوقع الناس في الحيرة والرتباك ‪ .‬وتتلطم الفكار‬
‫‪5‬‬
‫والتساؤلت في الذهان تلطم الموج في يوم عاصف ؛ ما الذي جرى ؟ وما‬
‫الذي يجري ؟ وما الذي سيجري ؟‬
‫صلت عليه ‪ ،‬وعلى نطاق‬ ‫لذلك وجدت نفسي ملزما بإطلع الناس ‪ ،‬على ما تح ّ‬
‫أوسع من دائرة الزملء والقارب ‪ .‬وبالرغم من محدودية قدراتي وتواضعها ‪،‬‬
‫إل أني حاولت جاهدا ‪ ،‬أن أصهر كل ما توصلت إليه ‪ ،‬مما عّلمني ربي ‪ ،‬في‬
‫بوتقة واحدة ‪ .‬تمّثلت في هذا الكتاب ‪ ،‬الذي بين أيديكم ‪ ،‬في أول محاولة لي‬
‫للكتابة ‪ ،‬كمساهمة متواضعة ‪ ،‬في الدعوة إلى ال ‪ ،‬ونصرة لكتابه الكريم ‪ ،‬قبل‬
‫أن يوضع على المحك ‪ ،‬عندما يتحّقق أحد أعظم النباء المستقبلية ‪ ،‬بشكل‬
‫مخالف ‪ ،‬لما اعتادوا أن يسمعوه ويقرءوه ‪ ،‬من آراء وتفسيرات ‪ ،‬كثرت في‬
‫ي بني إسرائيل‬ ‫الونة الخيرة ‪ ،‬تتناول ما ُتخبر عنه سورة السراء ‪ ،‬من إفساد ّ‬
‫‪.‬‬
‫كما وحاولت جاهدا أن أقدم هذا الكتاب ‪ ،‬في أسرع وقت ممكن ‪ ،‬بعد أن‬
‫تأخرت سنتين وأكثر ‪ ،‬شغلتني فيها مشاكل الحياة الدنيا ومصائبها ‪ ،‬عن إخراج‬
‫هذا الكتاب إلى حّيز الوجود ‪ ،‬ومن ثم لسعى ليصاله ‪ ،‬إلى أكبر عدد من أمة‬
‫السلم ‪ ،‬لعله يجد فيهم من يلق السمع وهو شهيد ‪ ،‬فإن أصبت فمن ال ‪ ،‬وإن‬
‫أخطأت فمن نفسي ‪ ،‬ول حول ول قوة إل بال ‪.‬‬
‫هذا الكتاب سيكون بإذن ال ‪ ،‬متوافرا باستمرار ‪ ،‬ضمن موقع خاص به ‪ ،‬على‬
‫شبكة النترنت ‪ ،‬وإن تعّذر الدخول إليه ‪ ،‬لسبب أو لخر ‪ ،‬فبالمكان الوصول‬
‫إليه ‪ ،‬عن طريق أحد محركات البحث ‪ ( www.google.com ) ،‬بكتابة‬
‫عنوان الكتاب كامل ‪ ،‬أو أحد العبارات الموجودة على صفحة الغلف ‪ ،‬حيث‬
‫تستطيع من خلل هذا الموقع ‪:‬‬
‫‪ .1‬الحصول على أحدث نسخة من الكتاب ‪.‬‬
‫‪ .2‬إبداء أي ملحظة أو استفسار ‪ ،‬من خلل سجل الزوار ‪ ،‬أو البريد‬
‫اللكتروني ‪.‬‬
‫‪ .3‬متابعة أطروحات جديدة ‪ ،‬قد تصدر للمؤلف مستقبل ‪.‬‬

‫‪2001 / 7 / 20‬م _ ‪1422 / 4 / 29‬هش‬


‫المؤلف‬
‫‪6‬‬
‫ضل به زوار‬ ‫من خلل ما وردنا من رسائل عبر البريد اللكتروني ‪ ،‬أو ما تف ّ‬
‫الموقع الكرام في سجل الزيارة ‪ ،‬وجدنا أن الكثير من الناس ‪ ،‬ل يعلمون أن‬
‫هناك فرقا شاسعا ‪ ،‬ما بين أمرين ‪ ،‬المر الول ‪ :‬هو كشف الغيب الذي ل‬
‫يعلمه إل ال ‪ ،‬وهو ما ل ندعيه في كتابنا هذا ‪ ،‬ونعوذ بال من أن ندعيه ‪،‬‬
‫والمر الثاني ‪ :‬هو قراءة ما هو مكشوف أصل في القرآن والسنة ‪ ،‬وكتب‬
‫اليهود والنصارى ‪ ،‬وبيانه للناس وتفصيله ‪ ،‬مما أوحى به ال إلى رسله ‪.‬‬
‫لقد أخبر سبحانه وتعالى ‪ ،‬في مواضع عدة من القرآن الكريم ‪ ،‬أنه ل يعلم‬
‫ب َل َيْعَلُمَها ِإّل ُهَو ‪59 ) ... ،‬‬ ‫ح اْلَغْي ِ‬‫عْنَدُه َمَفاِت ُ‬ ‫الغيب إل هو ‪ ،‬ومنها قوله ) َو ِ‬
‫النعام ( ‪ ،‬وهذه هي القاعدة ‪ .‬ولكن ‪ ،‬هناك استثناء يغفل عنه الكثير من‬
‫ل يَجَْتِبي ِم ْ‬
‫ن‬ ‫ن ا َّ‬ ‫ب ‪َ ،‬وَلِك ّ‬ ‫عَلى اْلَغْي ِ‬ ‫طِلَعُكْم َ‬ ‫ل ِلُي ْ‬
‫ن ا ُّ‬‫الناس ‪ ،‬وهو قوله ‪َ ) ،‬وَما َكا َ‬
‫غْيِبِه‬ ‫عَلى َ‬ ‫ظِهُر َ‬ ‫ل ُي ْ‬‫ب َف َ‬‫عاِلُم اْلَغْي ِ‬‫شاُء ) ‪ 179‬آل عمران ( ‪ .‬وقوله ) َ‬ ‫ن َي َ‬ ‫سِلهِ َم ْ‬ ‫ُر ُ‬
‫سوٍل ‪ 27) ... ،‬الجن ( ‪.‬‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ضى ِم ْ‬ ‫ن اْرَت َ‬ ‫حًدا )‪ِ (26‬إّل َم ِ‬ ‫َأ َ‬
‫إذن يتبين لنا ‪ ،‬أن ال سبحانه وتعالى أطلع على غيبه من شاء من رسله ‪،‬‬
‫وكثير من هذا الغيب ‪ ،‬مخطوط فيما ورثته البشرية من كتب النبياء ‪ ،‬ودليل‬
‫ت َوَل‬ ‫ت َتْعَلُمَها َأْن َ‬ ‫ك ‪َ ،‬ما ُكْن َ‬ ‫حيَها ِإَلْي َ‬ ‫ب ُنو ِ‬ ‫ن َأْنَباِء اْلَغْي ِ‬‫ك ِم ْ‬ ‫ذلك قوله تعالى ‪ِ ) :‬تْل َ‬
‫ن )‪ 49‬هود ( ‪ ،‬وقوله ‪َ ) :‬وَكَذِل َ‬
‫ك‬ ‫ن اْلَعاِقَبَة ِلْلُمّتِقي َ‬
‫صِبْر ِإ ّ‬ ‫ن َقْبِل َهَذا ‪َ ،‬فا ْ‬ ‫ك ِم ْ‬ ‫َقْوُم َ‬
‫ن‬
‫ن ‪َ ،‬وَلِك ْ‬ ‫ب َوَل اِْليَما ُ‬ ‫ت َتْدِري َما اْلِكَتا ُ‬ ‫ن َأْمِرَنا ‪َ ،‬ما ُكْن َ‬ ‫حا ِم ْ‬ ‫ك ُرو ً‬ ‫حْيَنا ِإَلْي َ‬
‫َأْو َ‬
‫سَتِقيٍم )‬ ‫ط ُم ْ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫ك َلَتْهِدي ِإَلى ِ‬ ‫عَباِدَنا ‪َ ،‬وِإّن َ‬ ‫ن ِ‬ ‫شاُء ِم ْ‬ ‫ن َن َ‬ ‫جَعْلَناُه ُنوًرا َنْهِدي ِبِه َم ْ‬ ‫َ‬
‫‪ 52‬الشورى ( ‪.‬‬
‫والذي ُكشف للرسل هو بعض من غيب ال ‪ ،‬مما اقتضت الحكمة اللهية كشفه‬
‫للناس عن طريق الوحي ‪ ،‬ولذلك عّلم سبحانه رسوله الكريم ‪ ،‬ما يقوله للناس ‪،‬‬
‫ن الِّ‬ ‫عْنِدي خََزاِئ ُ‬ ‫سئل عما ل يعلم من الغيب ‪ ،‬بقوله ‪ُ ) :‬قْل َل َأُقوُل َلُكْم ِ‬ ‫فيما لو ُ‬
‫ي ‪ُ ،‬قْل َهْل‬ ‫حى ِإَل ّ‬ ‫ن َأّتِبُع ِإّل َما ُيو َ‬ ‫ك ‪ِ ،‬إ ْ‬ ‫ب ‪َ ،‬ولَ َأُقوُل َلُكْم ِإّني َمَل ٌ‬ ‫عَلُم اْلَغْي َ‬
‫‪َ ،‬ولَ َأ ْ‬
‫ك‬
‫ن )‪ 50‬النعام ( ‪ ،‬وقوله ‪ُ ) :‬قْل َل َأْمِل ُ‬ ‫ل َتَتَفّكُرو َ‬ ‫صيُر َأَف َ‬ ‫عَمى َواْلَب ِ‬ ‫سَتِوي الَْ ْ‬ ‫َي ْ‬
‫ن‬
‫ت ِم َ‬ ‫سَتْكَثْر ُ‬
‫ب ‪َ ،‬ل ْ‬ ‫عَلُم اْلَغْي َ‬
‫ت َأ ْ‬‫ل ‪َ ،‬وَلْو ُكْن ُ‬ ‫شاَء ا ُّ‬ ‫ضّرا ‪ِ ،‬إّل َما َ‬ ‫سي َنْفًعا َوَل َ‬ ‫ِلَنْف ِ‬
‫ن )‪188‬‬ ‫شيٌر ِلَقْوٍم ُيْؤِمُنو َ‬ ‫ن َأَنا ِإلّ َنِذيٌر َوَب ِ‬ ‫سوُء ‪ِ ،‬إ ْ‬ ‫ي ال ّ‬ ‫سِن َ‬
‫خْيِر ‪َ ،‬وَما َم ّ‬ ‫اْل َ‬
‫العراف ( ‪ ،‬أما ما علمه عليه الصلة والسلم ‪ ،‬مما سيقع في مستقبل المة‬
‫من فتوحات وفتن وابتلءات ومحن ‪ ،‬منذ وفاته وحتى قيام الساعة ‪ ،‬مما علّمه‬
‫ربه من أمر الغيب ‪ ،‬فقد أخبر عنه الكثير ‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫عامة الناس تخلط ما بين المرين ‪:‬‬
‫من أهم أسباب الخلط ‪ ،‬هو أن معظم النبوءات المستقبلية الموحى بها للنبياء‬
‫والرسل ‪ ،‬لم تخبر صراحة عن أسماء أو أزمان أو أماكن ‪ ،‬وإنما اعتمدت‬
‫الوصف ‪ ،‬كأسلوب للخبار عن مضامين هذه النبوءات ‪ ،‬بالضافة لما تحفل به‬
‫اللغة العربية من أوجه بلغية ‪ ،‬من التفات واعتراض وإيجاز واستعارات‬
‫لفظيه وغيرها ‪ ،‬مما أشكل على عامة الناس فهمها واستيعابها ‪ ،‬ونتيجة‬
‫للقصور والعجز تجد أكثر الناس ‪ ،‬يتذّرعون بقولهم ل يعلم الغيب إل ال ‪،‬‬
‫بالرغم من أن ال هو من كشف هذا الغيب ‪ ،‬وبذلك لم يعد غيبا على الطلق ‪.‬‬
‫أما الحكمة اللهية ‪ ،‬في الخبار عن الحداث المستقبلية ‪ ،‬فهي تحمل وجهان ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬زف البشرى للذين آمنوا ‪ ،‬ونذير للذين كفروا ‪ ،‬من الذين يعايشون‬
‫ظروف الحدث المخبر عنه ‪ ،‬قبل تحققه على أرض الواقع ‪ ،‬وهذا مما يمل‬
‫نفوس المؤمنين بالمل ‪ ،‬ويعطيهم الدافع للعمل ‪ ،‬دون كلل أو ملل ‪ ،‬ويلهمهم‬
‫الصبر على ما أصابهم من السقام والعلل ‪ ،‬وأما الذين كفروا فأما أن يعودوا‬
‫عما عليه ‪ ،‬من الفسق والفجور والعصيان ‪ ،‬وإما أن تعمى بصائرهم ‪ ،‬فيزدادوا‬
‫طغيانا وكفرا ‪ ،‬لدرجة أن يتحّدوا ال لينزل بهم ما يعدهم به ‪ ،‬كما هي عادة‬
‫الجبابرة والظلمة والمفسدين في الرض ‪ ،‬هذا من جانب ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬زيادة إيمان المؤمنين بربهم وكتبه ‪ ،‬وزيادة اجتهادهم في عبادته ‪،‬‬
‫وزيادة في إذلل الكافرين ‪ ،‬رغم كل ما أخذوه من إجراءات احترازية درءا‬
‫ومنعا لمر ال ‪ ،‬بتحّقق ما وعدهم ربهم على أرض الواقع ‪ ،‬تماما كما أخبرت‬
‫عنه الكتب السماوية ‪ ،‬من جانب آخر ‪.‬‬
‫أما من يّدعي بأن ل حكمة ول فائدة من الخبار عنها ‪ ،‬وأن الخبار عنها ‪،‬‬
‫يبعث في النفس اليأس والقنوط والتواكل ‪ ،‬فأولئك ُيخشى عليهم من قلة‬
‫اليمان ‪ ،‬واّدعاء ما ليس لهم به علم ‪ ،‬لمخالفتهم لما اقتضته الحكمة اللهية من‬
‫الخبار عنها ‪.‬‬
‫وهذا ما أخبر عنه رب العزة ‪ ،‬في غير موضع ‪ ،‬وعلى وجه الخصوص بعد‬
‫ذكر أخبار ستقع في المستقبل ‪ ،‬وخير شاهد على ذلك ‪ ،‬تعليل الخبار عن‬
‫انتصار الروم مستقبل ‪ ،‬على من غلبوهم ‪ ،‬بفرحة المؤمنين واستبشارهم‬
‫بالنصر والتمكين في الرض ‪ ،‬وليعلموا أن ال ل يخلف وعده ‪ ،‬حيث قال‬
‫ن)‬‫سَيْغِلُبو َ‬
‫غَلِبِهْم َ‬
‫ن َبْعِد َ‬
‫ض ‪َ ،‬وُهْم ِم ْ‬
‫ت الّروُم )‪ِ (2‬في َأْدَنى الَْْر ِ‬
‫غِلَب ِ‬
‫سبحانه ‪ُ ) :‬‬
‫‪8‬‬
‫ن )‪(4‬‬ ‫ح اْلُمْؤِمُنو َ‬ ‫ن َبْعدُ ‪َ ،‬وَيْوَمِئٍذ َيْفَر ُ‬ ‫ن َقْبُل َوِم ْ‬ ‫ل اَْلْمُر ِم ْ‬ ‫ن ‪ِّ ،‬‬ ‫سِني َ‬ ‫ضِع ِ‬ ‫‪ِ (3‬في ِب ْ‬
‫ل‬
‫ف ا ُّ‬ ‫خِل ُ‬ ‫ل ‪َ ،‬ل ُي ْ‬ ‫عَد ا ِّ‬ ‫حيُم )‪َ (5‬و ْ‬ ‫شاُء ‪َ ،‬وُهَو اْلَعِزيُز الّر ِ‬ ‫ن َي َ‬‫صُر َم ْ‬ ‫ل ‪َ ،‬يْن ُ‬ ‫صِر ا ِّ‬ ‫ِبَن ْ‬
‫حَياِة الّدْنَيا ‪،‬‬ ‫ن اْل َ‬ ‫ظاِهًرا ِم َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن )‪َ (6‬يْعَلُمو َ‬ ‫س لَ َيْعَلُمو َ‬ ‫ن َأْكَثَر الّنا ِ‬ ‫عَدُه ‪َ ،‬وَلِك ّ‬ ‫َو ْ‬
‫ن )‪ 7‬الروم ( ‪.‬‬ ‫غاِفُلو َ‬ ‫خَرِة ُهْم َ‬ ‫لِ‬‫نا ْ‬ ‫عِ‬ ‫َوُهْم َ‬
‫إذن من الحكم اللهية لنزال هذا الخبر ‪ ،‬كما أخبرت عنها اليات ‪ ،‬أول ‪:‬‬
‫بشرى للمؤمنين ‪ ،‬ثانيا ‪ :‬تأكيد حقيقة أن النصر من عند ال ‪ ،‬ثالثا ‪ :‬تأكيد حقيقة‬
‫أن ال ل ُيخلف وعدا قطعه على نفسه ‪ ،‬رابعا ‪ :‬أن علم أكثر الناس ‪ ،‬وليس‬
‫كلهم ‪ ،‬محصور في الظاهر المشاهد والمحسوس من الحياة الدنيا ‪ ،‬وهو ما‬
‫شر بذلك ‪ ،‬فأكثر الناس يؤمنون بالواقع‬ ‫ُيسّمونه الواقع ‪ ،‬فالواقع ل ينبئ ول يب ّ‬
‫أكثر من إيمانهم بال واليوم الخر ‪.‬‬
‫وهذا ما أّكد عليه سبحانه ‪ ،‬بعد إخباره عن تفصيلت وعد الخرة ‪ ،‬في بداية‬
‫شُر اْلُمْؤِمِني َ‬
‫ن‬ ‫ي َأْقَوُم َوُيَب ّ‬‫ن َيْهِدي ِلّلِتي ِه َ‬ ‫ن َهَذا اْلُقْرآ َ‬ ‫السورة حيث قال ‪ِ ) :‬إ ّ‬
‫لخَِرِة‬ ‫ن ِبا ْ‬ ‫ن َل ُيْؤِمُنو َ‬ ‫ن اّلِذي َ‬ ‫جًرا َكِبيًرا )‪َ (9‬وَأ ّ‬ ‫ن َلُهْم َأ ْ‬ ‫ت َأ ّ‬‫حا ِ‬ ‫صاِل َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫ن َيْعَمُلو َ‬ ‫اّلِذي َ‬
‫سا ُ‬
‫ن‬ ‫ن اِْلن َ‬ ‫خْيِر َوَكا َ‬ ‫عاَءُه ِباْل َ‬ ‫شّر ُد َ‬ ‫ن ِبال ّ‬ ‫سا ُ‬‫ع اِْلن َ‬‫عَذاًبا َأِليًما )‪َ (10‬وَيْد ُ‬ ‫عَتْدَنا َلُهْم َ‬ ‫َأ ْ‬
‫جوًل )‪ 11‬السراء ( ‪.‬‬ ‫عُ‬ ‫َ‬
‫ومن الحكم اللهية ‪ ،‬لنزال خبر وعد الخرة في القرآن ‪ ،‬بعد أن ُأنزل في‬
‫التوراة قبل ثلثة آلف سنة ‪ ،‬وكما تقررها اليات ‪ ،‬أول ‪ :‬بشرى للمؤمنين ‪،‬‬
‫ثانيا نذير لمن ل يؤمنون بالخرة ‪ ،‬وفي مقدمتهم اليهود ‪ ،‬وثالثا ‪ :‬حث الناس‬
‫على الصبر ‪ ،‬وعدم الستعجال ‪ ،‬بالدعوة على أنفسهم وأهليهم بالهلك والدمار‬
‫‪ ،‬من شدة اليأس والقنوط من رحمة ال ‪.‬‬
‫ك ِإّل‬ ‫سْلَنا َ‬‫ق َنَزَل َوَما َأرْ َ‬ ‫حّ‬ ‫ق َأنَزْلَناهُ َوِباْل َ‬‫حّ‬‫وفي نهاية السورة حيث قال ‪َ ) :‬وِباْل َ‬
‫ث َوَنّزْلَناُه‬‫عَلى ُمْك ٍ‬ ‫س َ‬ ‫عَلى الّنا ِ‬ ‫شًرا َوَنِذيًرا )‪َ (105‬وُقْرآًنا َفَرْقَناُه ِلَتْقَرَأُه َ‬ ‫ُمَب ّ‬
‫ن َقْبِلِه ِإَذا ُيْتَلى‬ ‫ن ُأوُتوا اْلِعْلَم ِم ْ‬ ‫ن اّلِذي َ‬‫ل )‪ُ (106‬قْل آِمُنوا ِبِه َأْو لَ ُتْؤِمُنوا ِإ ّ‬ ‫َتنِزي ً‬
‫عُد َرّبَنا‬ ‫ن َو ْ‬ ‫ن َكا َ‬ ‫ن َرّبَنا ِإ ْ‬‫حا َ‬‫سْب َ‬‫ن ُ‬ ‫جًدا )‪َ (107‬وَيُقوُلو َ‬ ‫سّ‬ ‫ن ُ‬ ‫لْذَقا ِ‬ ‫ن ِل َْ‬
‫خّرو َ‬ ‫عَلْيِهْم َي ِ‬
‫َ‬
‫عا )‪ 109‬السراء ( ‪.‬‬ ‫شو ً‬ ‫خُ‬ ‫ن َوَيِزيُدُهْم ُ‬ ‫ن َيْبُكو َ‬ ‫لْذَقا ِ‬
‫ن ِل َْ‬‫خّرو َ‬ ‫َلَمْفُعولً )‪َ (108‬وَي ِ‬
‫ومن الحكم اللهية ‪ ،‬لنزال خبر وعد الخرة في القرآن أيضا ‪ ،‬وكما تقررها‬
‫اليات ‪ ،‬وفضل عن البشرى والنذار ‪ ،‬فيه امتحان لليمان الناس بهذا‬
‫القرآن ‪ ،‬وعلى وجه من التبكيت والتحذير ‪ ،‬يقول سبحانه ) قل آمنوا به أو ل‬
‫تؤمنوا ( ‪ ،‬وانظر موقف العالمين بتفاصيل هذا الوعد ‪ ،‬وانظر حالهم عندما‬
‫‪9‬‬
‫يتحّقق هذا الوعد على أرض الواقع ‪ ،‬وانظر حالهم كلما ُتليت عليهم آيات هذا‬
‫الوعد فيما بعد ‪.‬‬
‫وخلصة القول ‪ :‬أننا لم نكشف شيئا من الغيب ‪ ،‬وإنما رب العزة هو من كشف‬
‫لنا بعضا من علمه ‪ ،‬في ما أنزل على رسله وأنبيائه من كتب ‪ ،‬وما قمنا به‬
‫نحن ‪ ،‬هو أننا قرأنا هذه الكتب ‪ ،‬وبحثنا في أمر ما جاءت به من أخبار الغيب ‪،‬‬
‫وبذلنا ما وفقنا ال إلى بذله ‪ ،‬من جهد في فهمها واستيعابها ‪ ،‬ومن ثم قمنا‬
‫بعرضها في هذا الكتاب ‪.‬‬
‫في بداية المر ‪ ،‬كنت قد شرعت في البحث ‪ ،‬بدفع من الفضول وحب‬
‫المعرفة ‪ ،‬ولم أكن ُأفّكر في تأليف كتاب أو غيره ‪ ،‬ولكن بعد أن توصلت إلى‬
‫بعض النتائج المذهلة ‪ ،‬وإجابات لكثير من المسائل المربكة والمحّيرة ‪ ،‬أصبح‬
‫لدي يقين بأن هناك الكثير من عامة الناس سيفتنون ‪ ،‬وربما يخرجوا من‬
‫دينهم ‪ ،‬إذا لم يقم أحدهم بتصحيح ما تراكم لديهم من معتقدات خاطئة ‪ ،‬حول‬
‫حقيقة هذا الوعد الخاص بإزالة الدولة ‪ ،‬التي أوقفت العالم بأسره ‪ ،‬على قدم‬
‫وساق ‪ ،‬منذ نشأتها حتى هذه اللحظة ‪.‬‬
‫ولن أغلب من تناولوا سورة السراء ‪ ،‬لم يعطوها حقها من التفسير والتفصيل‬
‫صله رب العزة ‪ ،‬في هذه‬ ‫‪ ،‬لسبب أو لخر ‪ ،‬كان ل بد لنا أن نبين بعض ما ف ّ‬
‫السورة من علم الغيب ‪ ،‬وأن نقدمه للناس ‪ ،‬حيث أن هذه السورة ‪ ،‬تحمل في‬
‫طياتها ‪ ،‬أعظم وأهم وأخطر حدث في تاريخ أمتنا المعاصر ‪ ،‬وأنه سبحانه‬
‫خص فيها الداء الذي ُأصيبت به المة ‪ ،‬ووصف فيها كذلك الدواء ‪ ،‬وإن كنت‬ ‫شّ‬
‫تسأل عن حلول لما تعاني منه ضياع ‪ ،‬وما ستعاني منه مستقبل ‪ ،‬فاقرأ هذه‬
‫السورة وتفكر في معانيها مليا ‪.‬‬
‫ولهمية هذه السورة ‪ ،‬وقدرة ما جاء فيها من خبر هذا الوعد ‪ ،‬على إثبات‬
‫مصداقية هذا القرآن العظيم ‪ ،‬ومصداقية منزله ‪ ،‬وهو أصدق القائلين ‪،‬‬
‫للمتشككين من أمة السلم في هذا العصر ‪ ،‬والذين اتخذوا دينهم هزوا ولعبا‬
‫وغرتهم الحياة الدنيا ‪ ،‬وظنوا بأنفسهم خيرا ‪ ،‬ذكرت كلمة القرآن إحدى عشر‬
‫مرة ‪ ،‬وهو ما لم يقع في أي سورة أخرى من سور القرآن ‪ ،‬وفيها أيضا أورد‬
‫سبحانه أعظم تحد للبشرية ‪ ،‬حيث قال ‪:‬‬
‫ن ‪َ ،‬ل َيْأُتو َ‬
‫ن‬ ‫ن َيْأُتوا ِبِمْثِل َهَذا اْلُقْرَءا ِ‬
‫عَلى َأ ْ‬
‫ن‪َ ،‬‬‫جّ‬‫س َواْل ِ‬
‫ت اِْلْن ُ‬
‫جَتَمَع ِ‬
‫نا ْ‬ ‫) ُقْل َلِئ ِ‬
‫ظِهيًرا )‪(88‬‬ ‫ض َ‬
‫ضُهْم ِلَبْع ٍ‬
‫ن َبْع ُ‬
‫ِبِمْثِلِه ‪َ ،‬وَلْو َكا َ‬
‫‪10‬‬
‫فمن يعلم غيب الماضي والمستقبل غير ال ؟ … ل أحد … وحتى لو‬
‫استطاعت الجن والنس ‪ ،‬على أن تأت بنظم كنظم القرآن ‪ ،‬فلن تتمكن من‬
‫الخبار عن غيب الماضي ‪ ،‬ول عن غيب المستقبل !!! والخبار عن الغيب ‪،‬‬
‫كان وما زال من أعظم جوانب العجاز في القرآن ‪.‬‬
‫وفي نهاية المر ‪ ،‬وبعد مخاض عسير ‪ ،‬كان هذا الكتاب ‪ ،‬وما نسأل الناس‬
‫عليه من أجر ‪ ،‬فغايتنا سواء أصبنا أو أخطانا ‪ ،‬هي نفع الناس في دينهم‬
‫ودنياهم ‪ ،‬وإنما العمال بالنّيات ‪.‬‬
‫بضاعتنا في هذا الكتاب مستقاة ‪ ،‬من كتاب ال وسنة رسوله ‪ ،‬والناس أحرار‬
‫في شرائها أو العراض ‪ ،‬فصانعها بشري متهم ‪ ،‬حيث ل وحي يوحى ‪ ،‬بعد‬
‫وفاة المصطفى عليه الصلة والسلم ‪ ،‬ول نفرضها على أحد ‪ ،‬ولكن ل عليك‬
‫إن اطلعت عليها ‪ ،‬فهي إن لم تنفعك ‪ ،‬فلن تضرك في شيء ‪ ،‬مع يقيننا‬
‫الشخصي ‪ ،‬بأنها ل تخلو من الفائدة ‪ ،‬بل فيها الكثير ‪ ،‬كما أجمع معظم من‬
‫حظي بقراءة هذا الكتاب ‪ ،‬وتذكر أنك حر فيما اعتقدت بشأن هذه البضاعة ‪،‬‬
‫ونسأل ال أن يهدينا سواء السبيل ‪.‬‬
‫وأخيرا نطلب من قّراء هذا الكتاب ‪ ،‬أن يأخذوا بأحسن ما في هذا الكتاب ‪ ،‬وأن‬
‫يتركوا ما هو دونه ‪ ،‬تماشيا مع ما أمر به رب العزة أتباع رسله الكرام ‪ ،‬في‬
‫حق ما أنزله عليهم من الهدي ‪ ،‬في قوله لموسى عليه السلم ) َوَكَتْبَنا َلُه ِفي‬
‫خْذَها ِبُقّوٍة َوْأُمْر َقْوَم َ‬
‫ك‬ ‫يٍء ‪َ ،‬ف ُ‬
‫ش ْ‬‫ل ِلُكّل َ‬ ‫صي ً‬‫ظًة ‪َ ،‬وَتْف ِ‬ ‫عَ‬‫يٍء َمْو ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ن ُكّل َ‬‫ح ِم ْ‬ ‫اَْلْلَوا ِ‬
‫ن )‪ 145‬العراف ( ‪ ،‬وقوله لمحمد‬ ‫سِقي َ‬‫سُأِريُكْم َداَر اْلَفا ِ‬
‫سِنَها ‪َ ،‬‬ ‫ح َ‬
‫خُذوا ِبَأ ْ‬ ‫َيْأ ُ‬
‫سَنُه ‪،‬‬
‫ح َ‬
‫ن َأ ْ‬
‫ن اْلَقْوَل ‪َ ،‬فَيّتِبُعو َ‬
‫سَتِمُعو َ‬
‫ن َي ْ‬‫عَباِد ‪ ،‬اّلِذي َ‬‫شْر ِ‬ ‫عليه الصلة والسلم ) َفَب ّ‬
‫ب )‪ 18‬الزمر ( ‪.‬‬ ‫ك ُهْم ُأْوُلوا الَْْلَبا ِ‬‫ل ‪ ،‬وُأْوَلِئ َ‬ ‫ن َهَداُهُم ا ُ‬
‫ك اّلِذي َ‬‫ُأْوَلِئ َ‬
‫هذا ما قاله رب العزة في حق كتبه ‪ ،‬وما أنزل فيها من الهدي على رسله ‪ ،‬فما‬
‫بالك بقولنا في حق كتاب ‪ ،‬أنجزه عبد من عباد ال ‪ ،‬ل ولن يصل إلى حد‬
‫الكمال ‪ ،‬مهما بذل من جهد ‪ ،‬والعقل البشري له حدود وطاقات ‪ ،‬مهما بلغ من‬
‫إبداع ‪ ،‬فإن أصاب في شيء أخطأ في أشياء ‪.‬‬
‫ونقول ‪ :‬ربنا ل تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ‪ ،‬ول تحمل علينا إصرا كما حملته‬
‫على الذين قبلنا ‪ ،‬ربنا ول تحملنا ما ل طاقة لنا به ‪ ،‬واعف عنا واغفر لنا‬
‫وارحمنا ‪ ،‬أنت مولنا ‪ ،‬فانصرنا على القوم الكافرين ‪.‬‬
‫‪2002 / 3 / 15‬م – ‪1423 / 1 / 1‬هش‬
‫‪11‬‬
‫المؤلف‬

‫‪12‬‬
‫زوال إسرائيل قبل ظهور المهدي‬

‫استفاضت كثير من المؤلفات لكبار العلماء والئمة ‪ ،‬في ذكر المهدي وسيرته ‪،‬‬
‫وأكدت على حتمية خروجه آخر الزمان ‪ ،‬ومن هؤلء على سبيل المثال ل‬
‫الحصر ‪ ،‬ابن حجر والشوكاني والسيوطي والصابوني وغيرهم ‪ ،‬وهناك من‬
‫أفرد له بابا ‪ ،‬أو كان له مقال في كتاب ‪ ،‬كالذهبي وابن تيميه وابن القيم‬
‫والقرطبي والبرزنجي وغيرهم ‪ .‬وهناك الكثير من الكتب المتخصصة‬
‫الحديثة ‪ ،‬جمعت أقوال أولئك العلماء والئمة في المهدي وأحداث آخر‬
‫الزمان ‪ ،‬فمن رغب بالستزادة فليرجع إليها ‪ ،‬فهي متوافرة بكثرة في المكتبات‬
‫هذه اليام ‪ ،‬واللمام المسبق بالحاديث الواردة في المهدي ‪ ،‬سيساعد كثيرا في‬
‫فهم ما استخلصته من أفكار في هذا الفصل ‪.‬‬
‫وأما من ينكر أحاديث المهدي ‪ ،‬فل التفات لقوله ‪ ،‬فالحاديث الصريحة وغير‬
‫الصريحة ‪ ،‬التي أتت على ذكر أخبار المهدي ‪ ،‬بلغت حد التواتر المعنوي ‪،‬‬
‫وقد ورد فيها ما ُيقارب الربعين حديثا ‪ .‬وما سنتناوله منها ‪ ،‬هو ما يخص‬
‫موضوع هذا الكتاب فقط ‪ .‬وأود أن أشير إلى أن ذكر المهدي قد جاء في‬
‫التوراة ‪ ،‬حيث أن الترجمة العربية للنص التوراتي ‪ُ ،‬تسّميه ) بالقّدوس ( في‬
‫موضع ) وبالغصن ( في موضع آخر ‪ ،‬وهذا النص موجود مع التعليق ‪ ،‬في‬
‫سر النبوءات‬ ‫فصل النبوءات التوراتية ‪ .‬وقد تنبأ بظهوره ) نوستراداموس ( مف ّ‬
‫التوراتية ‪ ،‬وأشار إليه بألفاظ صريحة ‪ ،‬سنوردها في فصل لحق ‪.‬‬
‫وللحقيقة ‪ ،‬ومن خلل اطلعي على الكثير ‪ ،‬من دراسات وأبحاث الغربيين ‪،‬‬
‫التي تتناول النبوءات التوراتية والنجيلية ‪ ،‬الخاصة بأحداث النهاية ‪ ،‬تبّين لي‬
‫بأن اليهود والنصارى ‪ ،‬أكثر إيمانا ويقينا ‪ ،‬من عامة المسلمين ‪ ،‬بحتمية ظهور‬
‫المهدي ‪ ،‬وانتصاره في كافة حروبه ‪ ،‬واتخاذه للقدس عاصمة لملكه ‪ ،‬وامتداده‬
‫لمساحات شاسعة من الراضي ‪ .‬ولنهم يعلمون بأن النهاية قد اقتربت ‪،‬‬
‫ويعتقدون بأنه سيقود تحالفا عسكريا ضد الغرب ‪ ،‬ينجم عنه دمار الحضارة‬
‫الغربية برمتها ‪ ،‬فهم يتوقعون ظهوره في أي لحظة ‪ ،‬ويخشون أن يظهر وأن‬
‫تقوى شوكته ‪ ،‬وهم في غفلة من أمرهم ‪ ،‬فلذلك تجدهم ُيحاولون تجنيد العالم‬
‫بأسره ‪ ،‬ضد ما ُيسّمونه بالرهاب السلمي ‪ ،‬خوفا من ذلك المصير المشؤوم‬
‫الذي ينتظرهم ‪ ،‬عند ظهور أمره ‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫غربة السلم ‪:‬‬
‫ك اُْلَمُم َأنْ‬ ‫شُ‬‫سّلَم ‪ُ ) :‬يو ِ‬ ‫عَلْيِه َو َ‬ ‫ل َ‬ ‫صّلى ا ُّ‬ ‫ل َ‬ ‫ل ا ِّ‬
‫سو ُ‬‫ل َر ُ‬ ‫ل ‪َ :‬قا َ‬‫ن ‪َ ،‬قا َ‬ ‫ن َثْوَبا َ‬
‫عْ‬ ‫َ‬
‫ن َيْوَمِئٍذ‬‫حُ‬‫ن ِقّلةٍ َن ْ‬‫ل ‪َ :‬وِم ْ‬ ‫ل َقاِئ ٌ‬
‫صَعِتَها ‪َ ،‬فَقا َ‬ ‫عى الََْكَلُة ِإَلى َق ْ‬ ‫عَلْيُكْم ‪َ ،‬كَما َتَدا َ‬
‫عى َ‬ ‫َتَدا َ‬
‫ن‬
‫ل ِم ْ‬ ‫ن ا ُّ‬‫عّ‬ ‫سْيِل ‪َ ،‬وَلَيْنَز َ‬ ‫غَثاٌء َكُغَثاِء ال ّ‬ ‫ل ‪َ :‬بْل َأْنُتْم َيْوَمِئٍذ َكِثيٌر ‪َ ،‬وَلِكّنُكْم ُ‬ ‫‪َ ،‬قا َ‬
‫ل ‪َ :‬يا‬‫ل َقاِئ ٌ‬
‫ن ‪َ ،‬فَقا َ‬ ‫ل ِفي ُقُلوِبُكْم اْلَوْه َ‬ ‫ن ا ُّ‬ ‫عُدّوُكْم اْلَمَهاَبَة ِمْنُكْم ‪َ ،‬وَلَيْقِذَف ّ‬‫صُدوِر َ‬ ‫ُ‬
‫ت ( رواه أبو داود‬ ‫ب الّدْنَيا َوَكَراِهَيُة اْلَمْو ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ل‪ُ :‬‬ ‫ن ؟ َقا َ‬ ‫ل َوَما اْلَوْه ُ‬‫ل ا ِّ‬ ‫سو َ‬‫َر ُ‬
‫ححه اللباني ‪.‬‬ ‫وأخرجه أحمد ‪ ،‬وص ّ‬
‫غِريًبا ‪،‬‬ ‫لَم َبَدَأ َ‬‫سَ‬ ‫ن اِْل ْ‬ ‫ل ‪ِ ) :‬إ ّ‬ ‫سّلَم َقا َ‬‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬ ‫صّلى ا ُّ‬‫ي َ‬ ‫ن الّنِب ّ‬
‫عْ‬ ‫عَمَر َ‬ ‫ن ُ‬ ‫ن اْب ِ‬‫عْ‬ ‫َ‬
‫حّيُة ِفي‬‫ن َكَما َتْأِرُز اْل َ‬‫جَدْي ِ‬‫سِ‬ ‫ن اْلَم ْ‬ ‫غِريًبا َكَما َبَدَأ ‪َ ،‬وُهَو َيْأِرُز َبْي َ‬ ‫سيَُعوُد َ‬ ‫َو َ‬
‫حِرَها ( رواه مسلم ‪ ،‬وأخرجه الترمذي وابن ماجه وأحمد والدارمي ‪،‬‬ ‫جْ‬ ‫ُ‬
‫وصححه اللباني ‪.‬‬
‫قبل ظهور المهدي ستشهد المة السلمية ‪ ،‬عصرا حالك السواد ‪ ،‬من كثرة‬
‫الظلم والجور والفساد ‪ ،‬يتميز بوجود قلة مؤمنة صابرة متمسكة بدينها ‪ ،‬ل‬
‫حول لها ول قوة ‪ ،‬تنتظر حتى يأتي ال بأمر من عنده ‪ ،‬وكثرة طاغية فاسدة‬
‫ومفسدة متمسكة بدنياها ‪ ،‬هم غثاء كغثاء السيل ‪.‬‬
‫جيش يغزو الكعبة بداية ظهور أمر المهدي ‪:‬‬
‫سّلَم ‪:‬‬‫عَلْيِه َو َ‬‫ل َ‬ ‫صّلى ا ُّ‬ ‫ل َ‬ ‫ل ا ِّ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ت ‪َ :‬قا َ‬ ‫عْنَها ‪َ ) ،‬قاَل ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ي ا ُّ‬‫ضَ‬‫شُة َر ِ‬ ‫عاِئ َ‬
‫ن َ‬ ‫عْ‬‫َ‬
‫ف ِبَأّوِلِهْم َوآخِِرِهْم ‪: ،‬‬ ‫س ُ‬ ‫خ َ‬ ‫ن اَْلْرضِ ‪ُ ،‬ي ْ‬ ‫ش اْلَكْعَبَة ‪َ ،‬فِإَذا َكاُنوا ِبَبْيَداَء ِم ْ‬‫جْي ٌ‬ ‫َيْغُزو َ‬
‫ن َلْي َ‬
‫س‬ ‫سَواُقُهْم ‪َ ،‬وَم ْ‬ ‫خِرِهْم ‪َ ،‬وِفيِهْم َأ ْ‬ ‫ف ِبَأّوِلِهْم َوآ ِ‬‫س ُ‬ ‫خَ‬‫ف ُي ْ‬
‫ل َكْي َ‬ ‫ل ا ِّ‬‫سو َ‬‫ت ‪َ :‬يا َر ُ‬ ‫ُقْل ُ‬
‫عَلى ِنّياِتِهْم ( رواه‬ ‫ن َ‬‫خِرِهْم ‪ُ ،‬ثّم ُيْبَعُثو َ‬ ‫ف ِبَأّوِلِهْم َوآ ِ‬‫س ُ‬ ‫خ َ‬‫ل ‪ُ :‬ي ْ‬ ‫ِمْنُهْم ‪َ ،‬قا َ‬
‫البخاري ‪ ،‬وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد وصححه‬
‫اللباني ‪.‬‬
‫سّلَم ِفي‬ ‫عَلْيِه َو َ‬‫ل َ‬ ‫صّلى ا ُّ‬ ‫ل َ‬ ‫ل ا ِّ‬ ‫سو ُ‬ ‫ث َر ُ‬ ‫عَب َ‬‫ت‪َ :‬‬ ‫عْنَها ‪َ ،‬قاَل ْ‬‫ل َ‬ ‫يا ُ‬ ‫ضَ‬‫شَة َر ِ‬ ‫عاِئ َ‬
‫ن َ‬ ‫عْ‬‫َ‬
‫ل‪:‬‬ ‫ن َتْفَعُلُه ‪َ ،‬فَقا َ‬‫ك َلْم َتُك ْ‬ ‫شْيًئا ِفي َمَناِم َ‬ ‫ت َ‬ ‫صَنْع َ‬ ‫ل َ‬ ‫ل ا ِّ‬‫سو َ‬ ‫َمَناِمِه ‪َ ) ،‬فُقْلَنا ‪َ :‬يا َر ُ‬
‫ت‪،‬‬ ‫جَأ ِباْلَبْي ِ‬
‫ش َقْد َل َ‬‫ن ُقَرْي ٍ‬ ‫جلٍ ِم ْ‬ ‫ت ‪ِ ،‬بَر ُ‬ ‫ن اْلَبْي ِ‬‫ن ُأّمِتي َيُؤّمو َ‬ ‫سا ِم ْ‬ ‫ن َنا ً‬ ‫ب ِإ ّ‬
‫ج ُ‬‫اْلَع َ‬
‫جَمُع‬‫ق َقْد َي ْ‬ ‫طِري َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ل ِإ ّ‬‫ل ا ِّ‬ ‫سو َ‬ ‫ف ِبِهْم ‪َ ،‬فُقْلَنا ‪َ :‬يا َر ُ‬ ‫س َ‬ ‫خ ِ‬‫حّتى ِإَذا َكاُنوا ِباْلَبْيَداِء ُ‬ ‫َ‬
‫ن َمْهَلًكا‬ ‫سِبيِل ‪َ ،‬يْهِلُكو َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫جُبوُر َواْب ُ‬ ‫صُر َواْلَم ْ‬ ‫سَتْب ِ‬‫ل ‪َ :‬نَعْم ِفيِهْم اْلُم ْ‬ ‫الّناسَ ‪َ ،‬قا َ‬

‫‪14‬‬
‫عَلى ِنّياِتِهْم ( ‪ ،‬رواه مسلم ‪،‬‬ ‫ل َ‬ ‫شّتى ‪َ ،‬يْبَعُثُهْم ا ُّ‬ ‫صاِدَر َ‬ ‫ن َم َ‬ ‫صُدُرو َ‬ ‫حًدا ‪َ ،‬وَي ْ‬ ‫َوا ِ‬
‫وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد ‪ ،‬وصححه اللباني ‪.‬‬
‫ن ُأّمِتي‬‫ش ِم ْ‬‫جْي ٌ‬
‫سّلَم ‪َ ) :‬‬ ‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬ ‫صّلى ا ُّ‬ ‫ل َ‬ ‫ل ا ِّ‬‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬‫ت ‪َ :‬قا َ‬ ‫سَلَمَة َقاَل ْ‬
‫ن ُأّم َ‬‫عْ‬ ‫َ‬
‫حّتى ِإَذا َكاُنوا‬‫ل ِمْنُهْم ‪َ ،‬‬‫جٍل َيْمَنُعُه ا ُّ‬ ‫ت ِلَر ُ‬
‫ن اْلَبْي َ‬
‫شاِم ‪َ ،‬يُؤّمو َ‬ ‫ن ِقَبِل ال ّ‬ ‫ن ِم ْ‬ ‫جيُئو َ‬‫َي ِ‬
‫ل ا ِّ‬
‫ل‬ ‫سو َ‬‫ت ‪َ :‬يا َر ُ‬
‫شّتى ‪َ ،‬فُقل ُ‬ ‫صاِدُرُهْم َ‬ ‫ف ِبِهْم ‪َ ،‬وَم َ‬ ‫س َ‬ ‫خ ِ‬‫حَلْيَفِة ُ‬‫ن ِذي اْل ُ‬ ‫ِباْلَبْيَداِء ِم ْ‬
‫ن ِمْنُهْم‬
‫جِبَر ِإ ّ‬
‫ن ُ‬
‫ن ِمْنُهْم َم ْ‬‫ل ‪ِ :‬إ ّ‬‫شّتى ‪َ ،‬فَقا َ‬ ‫صاِدُرُهْم َ‬ ‫جِميًعا َوَم َ‬ ‫ف ِبِهْم َ‬‫س ُ‬ ‫خَ‬ ‫ف ُي ْ‬
‫َكْي َ‬
‫لًثا ( رواه أحمد بهذا النص ‪ ،‬ورواته ثقات ‪ ،‬إل واحدا وثقه البعض‬ ‫جِبَر َث َ‬‫ن ُ‬‫َم ْ‬
‫وضعفه آخرون ‪.‬‬
‫بداية ظهور المهدي ستكون في مكة بإذن ال ‪ ،‬وفور معرفته تسارع قلة من‬
‫تلك القلة ‪ ،‬لمبايعته على المارة ‪ ،‬فيلجأ إلى الحرم تهّربا ويعتصم به ‪ .‬ويظهر‬
‫أمره شيئا فشيئا ‪ ،‬فُيبعث إليه بجيش يغزو الكعبة ‪ ،‬فيخسف به في الصحراء ما‬
‫بين المدينة ومكة ‪.‬‬
‫هذه الحاديث الثلثة متوافقة من حيث النص والمضمون ‪ ،‬غير أن الحديث‬
‫ضح مخرج ذلك الجيش ‪ .‬ومع أن أحد الرواة ضعفه ‪،‬‬ ‫الثالث ‪ ،‬أضاف عبارة تو ّ‬
‫إل أن تلك الضافة ) من قبل الشام ( تتفق والتفسير المنطقي ‪ ،‬للحداث‬
‫الموصوفة في جملة أحاديث هذا الفصل ‪.‬‬
‫لنخلص إلى ما يلي ‪:‬‬
‫‪ .1‬أن جيشا سيغزو مكة ‪.‬‬
‫‪ .2‬وهذا الجيش من أمة محمد عليه الصلة والسلم ‪ ،‬ويعجب رسول ال‬
‫ويحق له العجب ‪ ،‬فما آل إليه أمر أمة السلم هذه اليام ‪ ،‬يثير ما هو أكثر‬
‫من العجب والشفقة ‪ ،‬حتى في نفوس أعدائنا ‪.‬‬
‫‪ .3‬ومقصد هذا الجيش رجل من قريش يلجأ إلى الحرم ‪ ،‬وغايته وأد بؤرة‬
‫الخلفة السلمية في مهدها ‪ ،‬خوفا من أن تزلزل أركان عبدة الحياة الدنيا ‪.‬‬
‫‪ُ .4‬يخسف بهذا الجيش في الصحراء قبل وصوله إلى مكة ‪.‬‬
‫‪ .5‬ومخرج هذا الجيش من قبل الشام ؟!‬

‫‪15‬‬
‫عمران بيت المقدس يعقبه خراب المدينة المنورة ‪:‬‬
‫ت الَمْقِد ِ‬
‫س‬ ‫ن َبْي ِ‬‫عْمَرا ُ‬ ‫سّلَم ‪ُ ) :‬‬‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬ ‫صّلى ا ُّ‬ ‫ل َ‬ ‫ل ا ِّ‬‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬‫ل ‪َ :‬قا َ‬ ‫ن ُمَعاٍذ َقا َ‬
‫عْ‬ ‫َ‬
‫حَمِة َفْت ُ‬
‫ح‬ ‫ج اْلَمْل َ‬
‫خُرو ُ‬‫حَمِة ‪َ ،‬و ُ‬ ‫ج اْلَمْل َ‬ ‫خُرو ُ‬ ‫ب ُ‬ ‫ب َيْثِر َ‬ ‫خَرا ُ‬ ‫ب ‪َ ،‬و َ‬ ‫خَرابُ َيْثِر َ‬ ‫َ‬
‫خِذ‬
‫ب ِبَيِدِه عََلى َف ِ‬ ‫ضَر َ‬ ‫جاِل ‪ُ ،‬ثّم َ‬ ‫ج الّد ّ‬ ‫خُرو ُ‬ ‫طيِنّيِة ُ‬ ‫طْن ِ‬
‫سَ‬‫ح اْلُق ْ‬ ‫طيِنّيِة ‪َ ،‬وَفْت ُ‬ ‫طْن ِ‬
‫سَ‬‫اْلُق ْ‬
‫عٌد‬
‫ك َقا ِ‬‫ك َهاُهَنا ‪َ ،‬أْو َكَما َأّن َ‬‫ق َكَما َأّن َ‬ ‫حّ‬ ‫ن َهَذا َل َ‬
‫ل ِإ ّ‬‫حّدَثُه َأْو َمْنِكِبِه ‪ُ ،‬ثّم َقا َ‬
‫اّلِذي َ‬
‫َيْعِني ُمَعاًذا ( ‪ .‬رواه أبو داود ‪ ،‬وأخرجه أحمد ‪ ،‬وصححه اللباني ‪.‬‬
‫تعمر بيت المقدس في آخر الزمان ‪ ،‬برجوعها إلى الحكم العربي ‪ ،‬واتخاذها‬
‫عاصمة للحكم ‪ ،‬فيرسل حاكمها جيش إلى الكعبة ‪ ،‬عند ظهور أمر المهدي ‪،‬‬
‫فيخرب المدينة المنّورة في طريقه إلى مكة ‪ ،‬ومن ثم ُيخسف بجيشه ‪ ،‬قبل أن‬
‫يصلها بالقرب من ذي الحليفة ‪ ،‬وهي ميقات إحرام أهل المدينة ‪ ،‬بينها وبين‬
‫المدينة ستة أميال أو سبعة ‪ ،‬وبينها وبين مكة مسيرة عشرة أيام ‪.‬‬
‫المهدي ل يغزو العراق وبلد الشام ‪:‬‬
‫ن جَِزيَرةَ‬ ‫سّلَم ‪َ ) :‬تْغُزو َ‬ ‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬‫صّلى ا ُّ‬
‫ل َ‬ ‫ل ا ِّ‬
‫سو ِ‬ ‫ل َر ُ‬
‫عْتَبَة ‪ ،‬قال ‪َ :‬قا َ‬ ‫ن ُ‬‫ن َناِفِع ْب ِ‬
‫عْ‬‫َ‬
‫ل ‪ُ ،‬ثمّ‬
‫حَها ا ُّ‬‫ن الّروَم َفَيْفَت ُ‬ ‫ل ‪ُ ،‬ثّم َتْغُزو َ‬
‫حَها ا ُّ‬‫س َفَيْفَت ُ‬
‫ل ‪ُ ،‬ثّم َفاِر َ‬‫حَها ا ُّ‬ ‫اْلَعَربِ َفَيْفَت ُ‬
‫ج‬
‫جاَل َيخُْر ُ‬‫جاِبُر َل َنَرى الّد ّ‬ ‫ل ‪َ ،‬قاَل ‪َ :‬فَقاَل َناِفٌع ‪َ :‬يا َ‬ ‫حُه ا ُّ‬
‫جاَل َفَيْفَت ُ‬
‫ن الّد ّ‬ ‫َتْغُزو َ‬
‫ح الّروُم ( رواه مسلم وابن ماجه وأحمد ‪ ،‬وصححه اللباني ‪.‬‬ ‫حّتى ُتْفَت َ‬
‫َ‬
‫وتجمع جزيرة العرب لقتال المهدي وصحبه ‪ ،‬فيغزونها فيفتحها ال فتدين لهم ‪،‬‬
‫ومن ثم يخرجون إلى إيران فيفتحها ال فتدين لهم ‪ ،‬ومن ثم يغزون الروم‬
‫فيفتحها ال ‪ ،‬ومن ثم يخرج الدجال ‪ ،‬فيغزونه بمعية عيسى عليه السلم ‪،‬‬
‫فيفتحه ال ‪.‬‬
‫ولو تدبرت هذا الحديث ‪ ،‬ستجد أن البلدان التي سيغزوها المهدي ‪ ،‬عندما‬
‫س أي‬ ‫ب ثانيا ‪َ :‬فاِر َ‬ ‫جِزيَرَة اْلَعَر ِ‬‫يمسك بزمام المور ‪ ،‬هي بالترتيب ؛ أول ‪َ :‬‬
‫جاَل ‪ ،‬والملحظ‬ ‫إيران ‪ ،‬ثالثا ‪ :‬الّروَم أي روسيا وأوروبا الشرقية ‪ ،‬رابعا ‪ :‬الّد ّ‬
‫في هذا الحديث ‪ ،‬عدم ورود ذكر فتح بلد الشام والعراق ‪ ،‬التي ل بد للمهدي‬
‫من المرور بها ‪ ،‬عند خروجه لفتح فارس ‪ ،‬ولفتح الروم الذين سُيلقونه‬
‫بالقرب من مدينة دمشق ‪.‬‬
‫فلو كانت دولة إسرائيل قائمة في فلسطين ‪ ،‬أليس من الحرى بالمهدي ومن‬
‫معه تحريرها ‪ ،‬فور خروجه من جزيرة العرب ؟!‬
‫‪16‬‬
‫يظهر بوضوح في هذا الحديث ‪ ،‬أن كل واحد من هذه المور ‪ ،‬أمارة لوقوع ما‬
‫بعده ‪ ،‬كما هو الحال في الحديث السابق ‪ ،‬وكل منهما يتقاطع مع الخر في‬
‫نقطتين ‪ ،‬هما ؛ أول ‪ :‬غزو الروم ويقابلها خروج الملحمة ‪ ،‬وثانيا ‪ :‬غزو‬
‫الدجال ويقابلها خروج الدجال ‪ ،‬ويضيف الحديث الول ثلثة أحداث ‪ ،‬هي‬
‫عمران بيت المقدس ‪ ،‬وخراب يثرب ‪ ،‬وفتح القسطنطينية ‪.‬‬
‫حتمية نزول الخلفة في بيت المقدس ‪:‬‬
‫حَواَلَة ِإَذا‬
‫ن َ‬‫ل ‪َ ) :‬يا اْب َ‬ ‫سّلَم َقا َ‬
‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬
‫صّلى ا ُّ‬ ‫ل َ‬ ‫ل ا ِّ‬‫سو ُ‬ ‫حَواَلَة عن َر ُ‬ ‫ن َ‬‫عن اْب ُ‬
‫لَيا َواُْلُموُر‬ ‫ت الّزَلِزُل َواْلَب َ‬ ‫سَة ‪َ ،‬فَقْد َدَن ْ‬ ‫ض اْلُمَقّد َ‬
‫ت اَْلْر َ‬ ‫لَفَة َقْد َنَزَل ْ‬
‫خَ‬‫ت اْل ِ‬
‫َرَأْي َ‬
‫ك ( رواه‬ ‫سَ‬‫ن َرْأ ِ‬‫ي َهِذِه ِم ْ‬‫ن َيَد ّ‬ ‫س ‪ِ ،‬م ْ‬ ‫ب ِإَلى الّنا ِ‬ ‫عُة َيْوَمِئٍذ َأْقَر ُ‬‫سا َ‬‫ظاُم ‪َ ،‬وال ّ‬ ‫اْلِع َ‬
‫أحمد ‪ ،‬وأخرجه أبو داود والحاكم ‪ ،‬وصححه اللباني ‪.‬‬
‫عند خروج المهدي إلى بلد الشام ‪ ،‬سيتخذ القدس عاصمة لخلفته ‪ ،‬تنعم المة‬
‫السلمية خلل سنوات حكمه ‪ ،‬بإقامة الحق والعدل ورفع الظلم والجور عن‬
‫أمة السلم ‪.‬‬
‫نستخلص من هذا الحديث ما يلي ‪:‬‬
‫‪ .1‬ل بد للخلفة من النزول في بيت المقدس آخر الزمان ‪.‬‬
‫‪ .2‬ونزولها هناك يعني بدء ظهور الفتن والكوارث الطبيعية ‪ ،‬ومن ثم‬
‫علمات الساعة الكبرى ‪ ،‬بداية بظهور الدجال ‪ ،‬ونزول عيسى عليه‬
‫السلم ‪ ،‬في نهاية حكم المهدي ‪.‬‬
‫‪ .3‬وهنا ل بد لنا من أن نشير ‪ ،‬إلى أن عبارة ) نزول الخلفة ( ‪ ،‬ربما تشمل‬
‫الحكم العربي للقدس ‪ ،‬الذي تكثر فيه الفتن والحروب والقتتال ‪،‬‬
‫والموصوف بالظلم والجور ‪ ،‬قبل ظهور المهدي ‪.‬‬
‫نطق الحجر والشجر ‪:‬‬
‫عةُ‬
‫سا َ‬ ‫ل ‪َ ) :‬ل َتُقوُم ال ّ‬ ‫سّلَم ‪َ ،‬قا َ‬
‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬‫صّلى ا ُّ‬ ‫ل َ‬ ‫ل ا ِّ‬
‫سو َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ن َأِبي ُهَرْيَرَة ‪َ ،‬أ ّ‬ ‫عْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ي ِم ْ‬ ‫ئ اْلَيُهوِد ّ‬‫خَتِب َ‬
‫حّتى َي ْ‬‫ن‪َ ،‬‬ ‫سِلُمو َ‬‫ن اْلَيُهوَد ‪َ ،‬فَيْقُتُلُهْم اْلُم ْ‬ ‫سِلُمو َ‬ ‫حّتى ُيَقاِتَل اْلُم ْ‬ ‫َ‬
‫ل ‪َ ،‬هَذا‬‫عْبَد ا ِّ‬
‫سِلُم َيا َ‬‫جُر ‪َ :‬يا ُم ْ‬ ‫شَ‬ ‫جُر َأْو ال ّ‬ ‫حَ‬ ‫جِر ‪َ ،‬فَيُقوُل اْل َ‬ ‫شَ‬ ‫جِر َوال ّ‬ ‫حَ‬ ‫َوَراِء اْل َ‬
‫جِر اْلَيُهوِد ( ‪ .‬رواه مسلم‬ ‫شَ‬ ‫ن َ‬ ‫خْلِفي َفَتَعاَل َفاْقُتْلُه ‪ِ ،‬إلّ اْلَغْرَقَد َفِإّنُه ِم ْ‬ ‫ي َ‬ ‫َيُهوِد ّ‬

‫‪17‬‬
‫وأحمد بنفس النص ‪ ،‬وصححه اللباني ‪ ،‬وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي‬
‫وأبو داود وابن ماجه ‪ ،‬بنصوص أخرى ‪.‬‬
‫هذا الحديث روي بعدة نصوص ‪ ،‬وهذا النص أشهرها وأكثرها تداول بين‬
‫العامة ‪ ،‬أما نطق الحجر والشجر ‪ ،‬فهو أمر خارج عن المألوف والعادة ‪ ،‬ول‬
‫ُيعقل أن تحصل تلك المعجزة في آخر الزمان ‪ ،‬قبل بدء ظهور أشراط الساعة‬
‫الكبرى على القل ‪ ،‬حتى بظهور المهدي ‪ .‬فنطق الحجر والشجر ‪ ،‬أكثر‬
‫إعجازا من نطق عيسى عليه السلم في المهد صبيا ‪ .‬فمن المنطقي أل يحدث‬
‫هذا المر ‪ ،‬قبل ظهور الحداث غير المألوفة للناس ‪ ،‬كأشراط الساعة‬
‫الكبرى ‪ .‬ومن الرجح أن يتزامن هذا الحدث ‪ ،‬مع وجود عيسى عليه السلم ‪،‬‬
‫لكي يستقيم المر ‪ ،‬فالمعجزات غالبا ما تأتي على أيدي الرسل ‪ ،‬وهذا ما تؤيده‬
‫سورة السراء ‪.‬‬
‫ي النهر وهم غربيه ( فل أساس لها من الصحة ‪ ،‬إذ لم أجد لها‬‫أما عبارة ) شرق ّ‬
‫أصل ‪ ،‬في أي من كتب الحديث على اختلفها وكثرتها ‪ ،‬ل في صحيحها ول‬
‫في ضعيفها ‪ .‬ول تعدو أكثر من كونها ‪ ،‬عبارة أضيفت إلى الحديث من قبل‬
‫ي النهر ‪ .‬وبالرغم من ذلك ‪،‬‬‫العامة ‪ ،‬بعد قيام دولة إسرائيل المعاصرة غرب ّ‬
‫ُيصّر البعض على أنها موجودة في الحاديث الضعيفة ‪ .‬أما الزمن الفعلي‬
‫المتوقع لتحقق هذه النبوءة ‪ ،‬هو وقت نزول عيسى عليه السلم ‪ ،‬وهرب‬
‫الدجال ومن معه من اليهود إلى فلسطين ‪ ،‬حيث ُيقتل على أبواب القدس ‪.‬‬
‫خلصة القول ‪:‬‬
‫وبناءا على ما تقدم ‪ ،‬نقول أن زوال دولة إسرائيل أمر حتمي ‪ ،‬يتبعه زوال‬
‫حلفائها من الغرب بالضرورة ‪ ،‬قبل ظهور خلفة المهدي ‪ ،‬وأن من سيقوم‬
‫بتحريرها هو جيش عربي ‪ ،‬وأن صاحب هذا الجيش سيتخذ مدينة القدس‬
‫عاصمة لملكه ‪ ،‬ومن ثم تدين له بلد الشام والعراق ‪ ،‬وأن فترة حكمه أو حكم‬
‫من يخلفه ‪ ،‬ستكون حافلة بالظلم والجور ‪ ،‬وعند ظهور أمر المهدي في مكة ‪،‬‬
‫يبعث حاكم مدينة القدس جيشا إلى الجزيرة ‪ ،‬ل قبل للمهدي وجماعته به ‪،‬‬
‫فُيخرب المدينة المنورة ‪ ،‬لدى مروره بها متجها إلى مكة ‪ ،‬فيخسف ال بهم‬
‫الرض ‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫وآنذاك يظهر أمر المهدي ‪ ،‬فيهب إلى قتاله من رضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا‬
‫بها ‪ ،‬من أمة محمد عليه الصلة والسلم ‪ ،‬خوفا من عودة دين أكل الزمان‬
‫عليه وشرب ‪ ،‬يدعوا إلى إخراجهم من غّيهم وضللهم ‪ ،‬وحرمانهم مما‬
‫يتلّذذون به من الشهوات والحرمات ‪ ،‬التي استحّلوها واستباحوها في هذا‬
‫العصر ‪ ،‬فاستعبدتهم فل فكاك لهم منها ‪ ،‬ول يرضون عنها بديل ‪.‬‬
‫فتكون أولى مواجهات المهدي ‪ ،‬مع جيش آخر ‪ُ ،‬يجمع له من جزيرة العرب ‪،‬‬
‫فينتصر عليهم حربا ‪ ،‬وبعد أن يستتب له أمر الجزيرة يخرج إلى أهل الشام ‪.‬‬
‫فيتسلم مقاليد الحكم فيها تسليما عن طيب خاطر ‪ ،‬أو استسلما خوفا ورهبة ‪،‬‬
‫خذ مدينة القدس عاصمة لخلفته ‪ ،‬ومن ثم يخرج إلى إيران فيفتحها ‪،‬‬ ‫ويت ّ‬
‫ويعود إلى بلد الشام ‪.‬‬
‫ومن ثم تكون الروم ) نصارى الشرق ( قد جمعت جيشا عرمرما ‪ ،‬قوامه‬
‫قرابة المليون نفر ‪ ،‬فيخرج لملقاتهها ‪ ،‬فتقع الملحمة الكبرى الفاصلة بين‬
‫الحق والباطل ‪ ،‬بالقرب من دمشق ‪ ،‬فيكون النصر في النهاية ‪ ،‬حليف المهدي‬
‫ومن معه من المسلمين ‪ .‬ومن ثم يخرج إلى القسطنطينية ) استنبول ( ‪ ،‬فيفتحها‬
‫بالتهليل والتكبير من غير قتال ‪ ،‬وقريبا من نهاية حكمه يخرج الدجال ‪ ،‬فيعيث‬
‫في الرض فتنة وفسادا ‪ ،‬وُيحصر المهدي وصحبه في الشام ‪ ،‬فينزل عيسى‬
‫عليه السلم ‪ ،‬فيهرب الدجال ومن تبعه من اليهود إلى القدس ‪ ،‬وهناك يلحقون‬
‫به فيقتله عليه السلم ‪ ،‬ويتولى المسلمون أمر البقية الباقية من اليهود ‪ ،‬فينطق‬
‫الحجر والشجر ‪ ،‬فيبيدوهم عن بكرة أبيهم ‪ ،‬بإذن ال ‪ ،‬ول المر من قبل ومن‬
‫بعد ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫هذا ما سيكون من أمر المهدي ‪ ،‬بإذن ال ‪ ،‬قّدمناه بشكل مختصر وموجز ‪،‬‬
‫تناولنا فيه بعضا من سيرة المهدي ‪ ،‬التي تعرضت لفتوحاته آخر الزمان ‪،‬‬
‫مستندين إلى ما أوردناه من أحاديث صحيحة ‪ ،‬آخذين بعين العتبار ‪ ،‬أحاديث‬
‫صحيحة أخرى ‪ ،‬لم يتسع المقام ليرادها ‪.‬‬
‫أما موضوع هذا الكتاب ‪ ،‬فهو يبحث إجمال ‪ ،‬في حدثين عظيمين مفاجئين ‪،‬‬
‫قبل ظهور المهدي ‪ ،‬وفي وقت قريب جدا جدا ‪ ،‬وهما ؛ أول ‪ :‬نهاية الدولة‬
‫اليهودية واختفائها إلى البد ‪ ،‬ثانيا ‪ :‬انهيار الحضارة الغربية العملقة‬
‫ومظاهرها المختلفة واختفائها إلى البد ‪.‬‬
‫ما ستجده في ثنايا هذا الكتاب ‪:‬‬
‫‪19‬‬
‫ش الجابة على التساؤلت المطروحة على صفحة الغلف ‪ ،‬فيما يتعلق بالدولة‬
‫اليهودية ‪ ،‬ومصيرها ومصير اليهود ‪.‬‬
‫ش الجابة على كثير من التساؤلت التي تدور في أذهان الناس ‪ ،‬وتوضيح كثير‬
‫من القضايا الخلفية التاريخية ‪ ،‬فيما يخص تاريخ وجغرافيا بني إسرائيل ‪ ،‬منذ‬
‫نشأتهم الولى حتى قيام الساعة ‪ ،‬وخاصة فيما يتعلق بتواجدهم في فلسطين ‪.‬‬
‫ش استقراء وتحليل ما جرى ويجري على أرض الواقع ‪ ،‬في منطقتنا والعالم من‬
‫حولنا ‪.‬‬
‫ش فهم حقيقة الصراع الدائر بين الغرب والشرق ‪ ،‬وحقيقة العداء الغربي للمة‬
‫العربية والسلمية ‪ ،‬والذي بلغ أشّده في العقود الخيرة ‪.‬‬
‫عمة بالشواهد والدلة من القرآن‬ ‫ش تفسيرات منطقية للحداث المستقبلية ‪ ،‬مد ّ‬
‫والسنة والتوراة والنجيل والواقع ‪ ،‬ووضعها ضمن سياق زمني منطقي ‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫مختصر لمجمل أقوال المفسرين‬

‫قبل أن نبدأ في البحار ‪ ،‬في معاني ومقاصد آيات سورة السراء ‪ ،‬سنتجول‬
‫سرين ‪ ،‬لنستعرض مجمل تفسيراتهم ‪ ،‬لهذه‬ ‫قليل ‪ ،‬في بعض كتب قدماء المف ّ‬
‫اليات ‪ ،‬ومجمل ما أوروده من روايات وآثار ‪ ،‬عن الفساد والعلو في الرض‬
‫ي الولى والخرة ‪ ،‬ومن هؤلء المفسرين ‪ :‬القرطبي وابن كثير‬ ‫‪ ،‬ووعد ّ‬
‫والطبري والبيضاوي ‪ ،‬والبغوي والنحاس والثعالبي ‪ ،‬وأبي السعود والشوكاني‬
‫وابن الجوزي ‪ ،‬والسيوطي والنسفي واللوسي ‪.‬‬
‫تعريف بسورة السراء ‪:‬‬
‫قال اللوسي في تفسيره ‪ " :‬سورة بني إسرائيل ‪ ) ،‬وهو السم التوقيفي لها (‬
‫وتسمى السراء وسبحان أيضا ‪ ،‬وهي كما أخرج ابن مردويه عن ابن عباس‬
‫وابن الزبير ‪ ،‬رضي ال تعالى عنهم مكية ‪ ،‬وكونها كذلك بتمامها قول‬
‫الجمهور ‪ .‬وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي ال تعالى عنهما ‪ ،‬أنه‬
‫قال ‪ )) :‬إن التوراة كلها في خمس عشرة آية ‪ ،‬من سورة بني إسرائيل ‪ ،‬وذكر‬
‫تعالى فيها عصيانهم وإفسادهم ‪ ،‬وتخريب مسجدهم واستفزازهم النبي ‪،‬‬
‫وإرادتهم إخراجه من المدينة ‪ ،‬وسؤالهم إياه عن الروح ‪ ،‬ثم ختمها جل شأنه ‪،‬‬
‫بآيات موسى عليه السلم التسع ‪ ،‬وخطابه مع فرعون ‪ ،‬وأخبر تعالى أن‬
‫فرعون أراد أن يستفزهم من الرض ‪ ،‬فأهلك وورث بنو إسرائيل من بعده ‪،‬‬
‫وفي ذلك تعريض بهم ‪ ،‬أنهم سينالهم ما نال فرعون ‪ ،‬حيث أرادوا بالنبي ‪ ،‬ما‬
‫أراد فرعون بموسى عليه السلم وأصحابه ‪ ،‬ولما كانت هذه السورة ‪ ،‬مصدرة‬
‫بقصة تخريب المسجد القصى ‪ ،‬افتتحت بذكر إسراء المصطفى تشريفا له –‬
‫أي المسجد القصى ‪ -‬بحلول ركابه الشريف فيه ‪ ،‬جبرا لما وقع من تخريبه ((‬
‫"‪.‬‬
‫اليات ‪:‬‬
‫ن ِفي اَْلْرضِ َمّرَتْينِ‬ ‫سُد ّ‬‫ب َلُتْف ِ‬
‫سراِئيَل ِفي اْلِكَتــا ِ‬ ‫ضْيَنا ِإَلى َبِني إ ْ‬ ‫قال تعالى ) َوَق َ‬
‫عَباًدا َلَنا ُأوِلي َبْأسٍ‬ ‫عَلْيُكْم ِ‬ ‫عُد ُأولَُهَما َبَعْثَنا َ‬
‫جاَء َو ْ‬ ‫عُلّوا َكِبيًرا )‪َ (4‬فِإَذا َ‬ ‫ن ُ‬ ‫َوَلَتْعُل ّ‬
‫عَلْيِهْم‬
‫عًدا َمْفُعوًل )‪ُ (5‬ثّم َرَدْدَنا َلُكْم اْلَكرَّة َ‬ ‫ن َو ْ‬‫لَل الّدَياِر َوَكا َ‬ ‫خَ‬‫سوا ِ‬ ‫جا ُ‬‫شِديٍد َف َ‬ ‫َ‬
‫سُكْم‬‫سنتُْم َِلنُف ِ‬
‫ح َ‬‫سنُتْم َأ ْ‬‫ح َ‬ ‫ن َأ ْ‬
‫جَعْلَناُكْم َأْكَثَر َنِفيًرا )‪ِ (6‬إ ْ‬
‫ن َو َ‬‫َوَأْمَدْدَناُكْم ِبَأْمَواٍل َوَبِني َ‬
‫‪21‬‬
‫سجَِد َكَما‬‫خُلوا اْلَم ْ‬ ‫جوَهُكْم َوِلَيْد ُ‬ ‫سوُءوا ُو ُ‬ ‫خَرِة ِلَي ُ‬
‫لِ‬‫عُد ا ْ‬ ‫جاَء َو ْ‬ ‫سْأُتْم َفَلَها َفِإَذا َ‬‫ن َأ َ‬
‫َوِإ ْ‬
‫حَمكُْم َوِإ ْ‬
‫ن‬ ‫ن َيْر َ‬‫سى َرّبُكْم َأ ْ‬ ‫ع َ‬‫عَلْوا َتْتِبيًرا )‪َ ( 7‬‬ ‫خُلوُه َأّوَل َمّرٍة َوِلُيَتّبُروا َما َ‬ ‫َد َ‬
‫ن َيْهِدي ِلّلِتي ِه َ‬
‫ي‬ ‫ن َهَذا اْلُقْرآ َ‬ ‫صيًرا )‪ِ ( 8‬إ ّ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬
‫جَهّنَم ِلْلَكاِفِري َ‬‫جَعْلَنا َ‬ ‫عْدَنا َو َ‬‫عْدُتْم ُ‬‫ُ‬
‫جًرا َكِبيًرا )‪َ (9‬وَأ ّ‬
‫ن‬ ‫ن َلُهْم َأ ْ‬
‫ت َأ ّ‬‫حا ِ‬
‫صاِل َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫ن َيْعَمُلو َ‬‫ن اّلِذي َ‬‫شُر اْلُمْؤِمِني َ‬‫َأْقَوُم َوُيَب ّ‬
‫شّر‬
‫ن ِبال ّ‬‫سا ُ‬ ‫ع اِْلن َ‬ ‫عَذاًبا َأِليًما )‪َ (10‬وَيْد ُ‬ ‫عَتْدَنا َلُهْم َ‬‫خَرِة َأ ْ‬
‫لِ‬ ‫ن ِبا ْ‬‫ن لَ ُيْؤِمُنو َ‬ ‫اّلِذي َ‬
‫سابَ‬ ‫ح َ‬‫ن َواْل ِ‬‫سِني َ‬‫عَدَد ال ّ‬ ‫جولً )‪َ … (11‬وِلَتْعَلُموا َ‬ ‫عُ‬ ‫ن َ‬ ‫سا ُ‬‫ن اِْلن َ‬ ‫خْيِر َوَكا َ‬‫عاَءُه ِباْل َ‬
‫ُد َ‬
‫ل )‪ 12‬السراء (‬ ‫صي ً‬ ‫صْلَناُه َتْف ِ‬
‫يٍء َف ّ‬ ‫ش ْ‬ ‫َوُكّل َ‬
‫عُلّوا‬
‫ن ُ‬
‫ن َوَلتَْعُل ّ‬
‫ض َمّرَتْي ِ‬
‫ن ِفي اَْلْر ِ‬
‫سُد ّ‬
‫ب َلُتْف ِ‬
‫سراِئيَل ِفي اْلِكَتا ِ‬
‫ضْيَنا ِإَلى َبِني إ ْ‬
‫َوَق َ‬
‫َكِبيًرا )‪(4‬‬
‫ب ‪ :‬وأوحينا إليهم في التوراة ‪ ،‬وحيا مقضيا‬
‫سراِئيَل ِفي اْلِكَتا ِ‬ ‫َوَقضَْيَنا ِإَلى َبِني إ ْ‬
‫مبتوتا ‪.‬‬
‫ن ‪ :‬لتفسدن في الرض ‪ ،‬جواب قسم محذوف ‪،‬‬ ‫ض َمّرَتْي ِ‬‫ن ِفي الَْْر ِ‬ ‫سُد ّ‬ ‫َلُتْف ِ‬
‫والمراد بالرض الجنس ‪ ،‬أو أرض الشام وبيت المقدس ‪ ،‬ومرتين إفسادتين ‪.‬‬
‫عُلّوا َكِبيًرا ‪ :‬ولتستكبرن عن طاعة ال ‪ ،‬من قوله أن فرعون عل في‬ ‫ن ُ‬ ‫َوَلَتْعُل ّ‬
‫الرض ‪ ،‬والمراد به البغي والظلم والغلبة ‪ ،‬لتستكبرن عن طاعة ال تعالى ‪،‬‬
‫أو لتغلبن الناس بالظلم والعدوان ‪ ،‬وتفرطن في ذلك إفراطا مجاوزا للحد ‪،‬‬
‫وأصل معنى العلو الرتفاع ‪ ،‬وهو ضد السفل وتجّوز به عن التكبر ‪،‬‬
‫والستيلء على وجه الظلم ‪.‬‬
‫لَل‬
‫سوا خِ َ‬
‫جا ُ‬
‫شِديٍد َف َ‬
‫س َ‬
‫عَباًدا َلَنا ُأوِلي َبْأ ٍ‬
‫عَلْيُكْم ِ‬
‫عُد ُأولَُهَما َبَعْثَنا َ‬
‫جاَء َو ْ‬‫َفِإَذا َ‬
‫عًدا َمْفُعوًل )‪(5‬‬ ‫ن َو ْ‬
‫الّدَياِر َوَكا َ‬
‫عُد ُأوَلُهَما ‪ :‬والوعد بمعنى الموعود ‪ ،‬مراد به العقاب ‪ ،‬وفي الكلم‬ ‫جاَء َو ْ‬ ‫َفِإَذا َ‬
‫تقدير ‪ ،‬أي فإذا حان وقت حلول العقاب الموعود ‪ ،‬وقيل الوعد بمعنى الوعيد ‪،‬‬
‫وفيه تقدير أيضا ‪ ،‬وقيل بمعنى الوعد الذي يراد به الوقت ‪ ،‬أي فإذا حان موعد‬
‫عقاب أولى الفسادتين ‪.‬‬
‫عَباًدا َلَنا ‪ :‬البعث بالتخلية وعدم المنع ) البيضاوي ( ‪ ،‬وقال‬
‫عَلْيُكْم ِ‬
‫َبَعْثَنا َ‬
‫الزمخشري ‪ " :‬خلينا بينهم وبين ما فعلوا ولم نمنعهم وفيه دسيسة اعتزال " ‪،‬‬

‫‪22‬‬
‫وقال ابن عطية ‪ " :‬يحتمل أن يكون ال تعالى ‪ ،‬أرسل إلى ملك أولئك العباد‬
‫رسول ‪ ،‬يأمره بغزو بني إسرائيل ‪ ،‬فتكون البعثة بأمر منه تعالى " ‪.‬‬
‫شِديٍد ‪ :‬ذوي قوة وبطش في الحروب ‪ ،‬والبأس والبأساء في‬ ‫س َ‬
‫ُأوِلي َبْأ ٍ‬
‫النكاية ‪ ،‬ومن هنا قيل ‪ ،‬إن وصف البأس بالشديد مبالغة ‪.‬‬
‫لَل الّدَياِر ‪ :‬قال الجوهري " الجوس مصدر ‪ ،‬وقولك جاسوا خلل‬ ‫خَ‬‫سوا ِ‬ ‫جا ُ‬
‫َف َ‬
‫الديار ‪ ،‬أى تخللوها كما يجوس الرجل للخبار أى يطلبها " ‪ ،‬أي عاثوا‬
‫وافسدوا وقتلوا وتخللوا الزقة بلغة جذام ‪ ،‬بمعنى الغلبة والدخول قهرا ‪ ،‬وقال‬
‫الزجاج ‪ " :‬طافوا خلل الديار ينظرون هل بقي احد لم يقتلوه "‪ ،‬والجوس‬
‫طلب الشيء باستقصاء ‪ ،‬وقال اللوسي ‪ " :‬والجمهور على أن في هذه البعثة ‪،‬‬
‫خرب هؤلء العباد بيت المقدس ‪ ،‬ووقع القتل الذريع والجلء والسر في بني‬
‫إسرائيل ‪ ،‬وحرقت التوراة " ‪.‬‬
‫عًدا َمْفُعوًل ‪ :‬قضاء كائنا ل خلف فيه ‪ ،‬وكان وعد عقابهم ل بد أن يفعل‬‫ن َو ْ‬
‫َوَكا َ‬
‫‪ ،‬أي ل بد من كونه ‪ ،‬مقضيا أي مفروغ منه ‪.‬‬
‫جَعْلَناُكْم َأْكَثَر َنِفيًرا )‪(6‬‬
‫ن َو َ‬
‫عَلْيِهْم َوَأْمَدْدَناُكْم ِبَأْمَواٍل َوَبِني َ‬
‫ُثّم َرَدْدَنا َلُكْم اْلَكّرَة َ‬
‫عَلْيِهْم ‪ :‬ثم للعطف ‪ ،‬وتفيد التراخي في الزمن ‪ ،‬يقول‬ ‫ُثّم َرَدْدَنا َلُكْم اْلَكّرَة َ‬
‫اللوسي " جعل َرَدَدنا ‪ ،‬موضع َنُرّد ‪ ،‬فعبر عن المستقبل بالماضي " ‪،‬‬
‫ن ( ‪ ،‬أي رددنا النسان‬‫ساِفِلي َ‬
‫سَفَل َ‬
‫وُيضيف في تفسير قوله تعالى ) ُثّم َرَدْدَناُه َأ ْ‬
‫أسفل سافلين من النار ‪ ،‬إل الذين آمنوا وعملوا الصالحات ‪ ،‬فلهم أجر غير‬
‫ممنون بعد البعث والجزاء " ‪ ،‬وهذه الكرة بعد الجلوة الولى ‪ ،‬أي الرجعة‬
‫والدولة والغلبة ‪ ،‬على الذين ُبعثوا عليكم ‪.‬‬
‫ن ‪ :‬أعطاهم ال الموال والولد ‪.‬‬ ‫َوَأْمَدْدَناُكْم ِبَأْمَواٍل َوَبِني َ‬
‫جَعْلَناُكْم َأْكَثَر َنِفيًرا ‪ :‬والنفير أي القوم الذين يجتمعون ‪ ،‬ليصيروا إلى أعدائهم‬ ‫َو َ‬
‫فيحاربوهم ‪ ،‬وهم المجتمعون للذهاب إلى العدو ‪ ،‬أي أكثر رجال من عدوكم ‪،‬‬
‫والنفير من ينفر مع الرجل من عشيرته ‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫سوُءوا‬ ‫خَرِة ِلَي ُ‬
‫لِ‬‫عُد ا ْ‬
‫جاَء َو ْ‬ ‫سْأُتْم َفَلَها َفِإَذا َ‬
‫ن َأ َ‬
‫سُكْم َوِإ ْ‬
‫سنُتْم َِلنُف ِ‬ ‫ح َ‬‫سنُتْم َأ ْ‬
‫ح َ‬ ‫ن َأ ْ‬
‫ِإ ْ‬
‫علَْوا َتْتِبيًرا )‬‫خُلوُه َأّولَ َمّرٍة َوِلُيَتّبُروا َما َ‬ ‫جَد َكَما َد َ‬‫سِ‬ ‫خُلوا اْلَم ْ‬‫جوَهُكْم َوِلَيْد ُ‬ ‫ُو ُ‬
‫‪(7‬‬
‫سْأُتْم َفَلَها ‪ :‬وهذا الخطاب قيل أنه لبني‬
‫ن َأ َ‬
‫سُكْم َوِإ ْ‬
‫سنُتْم َِلنُف ِ‬
‫ح َ‬‫سنُتْم َأ ْ‬
‫ح َ‬‫ن َأ ْ‬
‫ِإ ْ‬
‫إسرائيل الملبثين ‪ ،‬لما ذكر فى هذه اليات ‪ ،‬وقيل لبني إسرائيل الكائنين في‬
‫زمن محمد صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ،‬ومعناه إعلمهم ما حل بسلفهم فليرتقبوا‬
‫مثل ذلك ‪ ،‬وأن إحسان العمال وإساءتها مختص بهم ‪ ،‬والية تضمنت ذلك ‪،‬‬
‫وفيها من الترغيب بالحسان ‪ ،‬والترهيب من الساءة ‪ ،‬ما ل يخفى فتأمل ‪.‬‬
‫خَرِة ‪ :‬أى حضر وقت ما وعدوا من عقوبة المرة الخرة ‪،‬‬ ‫لِ‬ ‫عُد ا ْ‬‫جاَء َو ْ‬‫َفِإَذا َ‬
‫وجواب إذا محذوف تقديره بعثناهم لدللة جواب إذا الولى عليه ‪ ،‬فالظاهر فإذا‬
‫جاء وإذا جاء للدللة ‪ ،‬على أن مجيء وعد عقاب المرة الخرة ‪ ،‬لم يتراخ عن‬
‫كثرتهم واجتماعهم ‪ ،‬دللة على شدة شكيمتهم في كفران النعم ‪ ،‬وأنهم كلما‬
‫ازدادوا عددا وعدة ‪ ،‬زادوا عدوانا وعزة ‪ ،‬إلى أن تكاملت أسباب الثروة‬
‫والكثرة ‪ ،‬فاجأهم ال عز وجل على الغّرة ‪ ،‬نعوذ بال سبحانه من مباغتة عذابه‬
‫‪.‬‬
‫حذف لدللة ما‬ ‫جوَهُكْم ‪ :‬اللم لم كي ‪ ،‬وليسوءوا متعلق بفعل ُ‬ ‫سوُءوا ُو ُ‬ ‫ِلَي ُ‬
‫سبق عليه ‪ ،‬وهو جواب إذا ‪ ،‬أي بعثناهم ليسوءوا وجوهكم ‪ ،‬أي ليجعل العباد‬
‫المبعوثون ‪ ،‬آثار المساءة والكآبة بادية في وجوهكم ‪ ،‬إشارة إلى أنه جمع عليهم‬
‫ألم النفس والبدن ‪.‬‬
‫جَد ‪ :‬اللم لم كي ‪ ،‬والضمير للعباد أولى البأس الشديد ‪،‬‬ ‫سِ‬‫خُلوا اْلَم ْ‬‫َوِلَيْد ُ‬
‫والمسجد مسجد بيت المقدس ‪ ،‬قال اللوسي ‪ " :‬فإن المراد به بيت المقدس ‪،‬‬
‫وداود عليه السلم ابتدأ بنيانه ‪ ،‬بعد قتل جالوت وإيتائه النبوة ‪ ،‬ولم يتّمه ‪،‬‬
‫وأتّمه سليمان عليه السلم ‪ ،‬فلم يكن قبل داود عليه السلم مسجد حتى يدخلوه‬
‫أول مرة ‪ ،‬ودفع بأن حقيقة المسجد الرض ل البناء ‪ ،‬أو يحمل قوله تعالى‬
‫دخلوه على الستخدام ‪ ،‬والحق أن المسجد كان موجودا ‪ ،‬قبل داود عليه السلم‬
‫كما قدمنا " ‪.‬‬
‫خُلوُه َأّوَل َمّرٍة ‪ :‬كما دخلوه أي دخول كائنا ‪ ،‬كدخولهم إياه أول مرة ‪ ،‬قال‬ ‫َكَما َد َ‬
‫اللوسي‪ " :‬والمراد من التشبيه أنهم يدخلونه بالسيف والقهر والغلبة والذلل ‪،‬‬

‫‪24‬‬
‫وفيه أيضا أن هذا يبعد قول ‪ ،‬من ذهب إلى أن أولى المرتين ‪ ،‬لم يكن فيها قتال‬
‫ول قتل ول نهب " ‪.‬‬
‫عَلْوا َتْتِبيًرا ‪ :‬أي ليدمروا ويخربوا والتبار الهلك ‪ ،‬وليتبروا أي‬
‫َوِلُيَتّبُروا َما َ‬
‫يدّمروا ويهلكوا ما غلبوا عليه من بلدكم ‪ ،‬أو مدة علوهم ‪ ،‬أي ما علوا عليه‬
‫من القطار وملكوه من البلد ‪ ،‬وقيل ما ظرفية والمعنى مدة علوهم وغلبتهم‬
‫على البلد ‪ ،‬تتبيرا أي تدميرا ‪ُ ،‬ذكَر المصدر إزالة للشك وتحقيقا للخبر ‪ ،‬ما‬
‫علوا مفعول لتبروا ‪ ،‬أي لُيهلكوا كل شيء غلبوه واستولوا عليه ‪ ،‬أو بمعنى مدة‬
‫علوهم ‪.‬‬
‫صيًرا )‪(8‬‬
‫ح ِ‬
‫ن َ‬
‫جَهّنَم ِلْلَكاِفِري َ‬
‫جَعْلَنا َ‬
‫عْدَنا َو َ‬
‫عْدُتْم ُ‬
‫ن ُ‬
‫حَمُكْم َوِإ ْ‬
‫ن َيْر َ‬
‫سى َرّبُكْم َأ ْ‬
‫ع َ‬
‫َ‬
‫حَمُكْم ‪ :‬لبقية بني إسرائيل عسى ربكم ‪ ،‬إن أطعتم في أنفسكم‬ ‫ن َيْر َ‬ ‫سى َرّبُكْم َأ ْ‬ ‫ع َ‬‫َ‬
‫واستقمتم أن يرحمكم ‪ ،‬وهذه العودة ليست برجوع دولة ‪ ،‬وإنما هي بأن يرحم‬
‫المطيع منهم ‪ ،‬وكان من الطاعة اتباعهم لعيسى ومحمد عليهما السلم ‪.‬‬
‫صل المرتين ‪ ،‬كان قبل‬ ‫) ذلك لن المتقدمين من المفسرين اعتبروا أن تح ّ‬
‫بعثهما عليهما السلم ( ‪.‬‬
‫عْدَنا ‪ :‬وإن عدتم للفساد بعد الذي تقدم ‪ ،‬عدنا عليكم بالعقوبة‬ ‫عْدُتْم ُ‬ ‫ن ُ‬‫َوِإ ْ‬
‫فعاقبناكم في الدنيا ‪ ،‬بمثل ما عاقبناكم به في المرتين ‪.‬‬
‫صيًرا ‪ :‬أي محبوسون في جهنم ل يتخلصون منها ‪.‬‬ ‫ح ِ‬
‫ن َ‬‫جَهّنَم ِلْلَكاِفِري َ‬
‫جَعْلَنا َ‬‫َو َ‬
‫حا ِ‬
‫ت‬ ‫صاِل َ‬
‫ن ال ّ‬
‫ن َيْعَمُلو َ‬
‫ن اّلِذي َ‬
‫شُر اْلُمؤِْمِني َ‬
‫ي َأْقَوُم َوُيَب ّ‬
‫ن َيْهِدي ِلّلِتي ِه َ‬
‫ن هََذا اْلُقْرآ َ‬
‫ِإ ّ‬
‫جًرا َكِبيًرا )‪(9‬‬
‫ن َلُهْم َأ ْ‬
‫َأ ّ‬
‫ي َأْقَوُم ‪ :‬أي إلى الطريقة التي هي أصوب ‪ ،‬وقيل‬ ‫ن َيْهِدي ِلّلِتي ِه َ‬ ‫ن هََذا اْلُقْرآ َ‬‫ِإ ّ‬
‫الكلمة التي هي أعدل ‪.‬‬
‫شر بما‬
‫جًرا َكِبيًرا ‪ :‬أي ُيب ّ‬
‫ن لَُهْم َأ ْ‬
‫ت َأ ّ‬
‫حا ِ‬
‫صاِل َ‬
‫ن ال ّ‬
‫ن َيْعَمُلو َ‬
‫ن اّلِذي َ‬
‫شُر اْلُمْؤِمِني َ‬‫َوُيَب ّ‬
‫اشتمل عليه من الوعد بالخير ‪ ،‬آجل وعاجل للمؤمنين الذين يعملون الصالحات‬
‫‪ ،‬ويراد بالتبشير مطلق الخبار ‪ ،‬أو يكون المراد منه معناه الحقيقي ‪ ،‬ويكون‬
‫الكلم مشتمل على تبشير المؤمنين ببشارتين ‪ ،‬الولى ما لهم من الثواب ‪،‬‬
‫والثانية ما لعدائهم من العقاب ‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫عَذاًبا َأِليًما )‪(10‬‬
‫عَتْدَنا َلُهْم َ‬
‫خَرِة َأ ْ‬
‫لِ‬‫ن ِبا ْ‬
‫ن لَ ُيْؤِمُنو َ‬
‫ن اّلِذي َ‬
‫َوَأ ّ‬
‫وهو عذاب جهنم ‪ ،‬أي أعددنا وهيأنا لهم ‪ ،‬فيما كفروا به وأنكروا وجوده من‬
‫الخرة ‪ ،‬عذابا مؤلما وهو أبلغ من الزجر ‪ ،‬لما أن إتيان العذاب من حيث ل‬
‫يحتسب أفظع وأفجع ‪ ،‬ولعل أهل الكتاب داخلون في هذا الحكم ‪ ،‬لنهم ل‬
‫يقولون بالجزاء الجسماني ‪ ،‬ويعتقدون في الخرة أشياء ل أصل لها ‪ ،‬فلم‬
‫يؤمنوا بالخرة وأحكامها المشروحة ‪ ،‬في هذا القرآن حقيقة اليمان ‪ ،‬والعطف‬
‫على أن لهم أجرا كبيرا ‪ ،‬فيكون إعداد العذاب الليم ‪ ،‬للذين ل يؤمنون بالخرة‬
‫مبشرا به ‪ ،‬كثبوت الجر الكبير للمؤمنين الذين يعملون الصالحات ‪ ،‬ومصيبة‬
‫شر به ‪ ،‬فكأنه قيل يبشر المؤمنين بثوابهم وعقاب أعدائهم ‪،‬‬
‫العدو سرور ُيب ّ‬
‫ويجوز أن تكون البشارة مجازا مرسل ‪ ،‬بمعنى مطلق الخبار الشامل للخبار‬
‫بما فيه سرور للمؤمنين ‪.‬‬
‫جوًل )‪(11‬‬
‫عُ‬‫ن َ‬
‫سا ُ‬
‫ن اِْلن َ‬
‫خْيِر َوَكا َ‬
‫عاَءُه ِباْل َ‬
‫شّر ُد َ‬
‫ن ِبال ّ‬
‫سا ُ‬
‫ع اِْلن َ‬
‫َوَيْد ُ‬
‫شّر ‪ :‬ويدعو النسان على ماله وولده ونفسه بالشر ‪ ،‬فيقول‬ ‫ن ِبال ّ‬
‫سا ُ‬
‫ع اِْلن َ‬ ‫َوَيْد ُ‬
‫عند الغضب ‪ :‬اللهم العنه وأهلكه ونحوهما ‪.‬‬
‫خْيِر ‪ :‬أي كدعائه ربه بالخير ‪ ،‬أن يهب له النعمة والعافية ‪ ،‬ولو‬‫عاَءُه ِباْل َ‬‫ُد َ‬
‫استجاب ال دعاءه على نفسه لهلك ‪ ،‬ولكن ال ل يستجيب بفضله ‪.‬‬
‫جوًل ‪ :‬بالدعاء على ما يكره أن ُيستجاب له فيه ‪ ،‬قاله جماعة‬
‫عُ‬‫ن َ‬ ‫سا ُ‬
‫ن اِْلن َ‬ ‫َوَكا َ‬
‫من أهل التفسير ‪ ،‬وقال ابن عباس ‪ :‬ضجرا ل صبر له على السراء والضراء ‪.‬‬
‫ل )‪: (12‬‬
‫صي ً‬
‫صْلَناُه َتْف ِ‬
‫يٍء َف ّ‬
‫ش ْ‬
‫َوُكّل َ‬
‫أي كل ما تفتقرون إليه فى أمر دينكم ودنياكم ‪ ،‬فصلناه تفصيل ‪ :‬بيناه تبينا ل‬
‫يلتبس معه بغيره ‪ ،‬أي بيناه بيانا غير ملتبس ‪ ،‬فأزحنا عللكم وما تركنا لكم‬
‫حجة علينا ‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫أقوال المفسرين في المبعوثين أول وثانيا‬

‫من تفسير القرطبي ‪:‬‬


‫" بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد ‪ ،‬هم أهل بابل ‪ ،‬وكان عليهم بختنصر‬
‫في المرة الولى ‪ ،‬حين كذبوا إرمياء وجرحوه وحبسوه ‪ ،‬قاله ابن عباس‬
‫وغيره ‪ ،‬وقال قتادة ‪ :‬أرسل عليهم جالوت فقتلهم ‪ ،‬فهو وقومه أولوا بأس‬
‫شديد ‪ ،‬وقال مجاهد ‪ :‬جاءهم جند من فارس ‪ ،‬يتجسسون أخبارهم ومعهم‬
‫بختنصر ‪ ،‬فوعى حديثهم من بين أصحابه ‪ ،‬ثم رجعوا إلى فارس ولم يكن‬
‫قتال ‪ ،‬وهذا في المرة الولى فكان منهم جوس خلل الديار ل قتل ‪ ،‬ذكره‬
‫القشيري أبو نصر ‪ ،‬وذكر المهدوي ‪ :‬عن مجاهد أنه جاءهم بختنصر ‪ ،‬فهزمه‬
‫بنو إسرائيل ثم جاءهم ثانية ‪ ،‬فقتلهم ودمرهم تدميرا ‪ ،‬ورواه ابن أبي نجيح عن‬
‫مجاهد ذكره النحاس ‪ ،‬وقال محمد بن إسحاق في خبر فيه طول ‪ :‬إن المهزوم‬
‫سنحاريب ملك بابل ‪ ،‬جاء ومعه ستمائة ألف راية تحت كل راية ألف فارس ‪،‬‬
‫فنزل حول بيت المقدس فهزمه ال تعالى ‪ ،‬فرجعوا إلى بابل ‪ ،‬ثم مات‬
‫سنحاريب بعد سبع سنين ‪ ،‬واستخلف بختنصر وعظمت الحداث في بني‬
‫إسرائيل ‪ ،‬واستحلوا المحارم وقتلوا نبيهم شعيا ‪ ،‬فجاءهم بختنصر ودخل هو‬
‫وجنوده بيت المقدس ‪ ،‬وقتل بني إسرائيل حتى أفناهم ‪ ،‬وقال ابن عباس وابن‬
‫مسعود ‪ :‬أول الفساد قتل زكريا ‪ ،‬وقال ابن إسحاق ‪ :‬فسادهم في المرة الولى‬
‫قتل شعيا نبي ال في الشجرة ‪ ،‬وذكر ابن إسحاق ‪ :‬أن بعض العلماء ‪ ،‬أخبره أن‬
‫زكريا مات موتا ‪ ،‬ولم يقتل وإنما المقتول شعيا ‪ ،‬وقال سعيد بن جبير ‪ :‬في‬
‫قوله تعالى ) ثم بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلل الديار ( هو‬
‫سنحاريب من أهل نينوى بالموصل ملك بابل ‪ ،‬وهذا خلف ما قال ابن‬
‫إسحاق ‪ ،‬فال أعلم وقيل ‪ :‬إنهم العمالقة وكانوا كفارا قاله الحسن ‪.‬‬
‫من تفسير ابن كثير ‪:‬‬
‫وقد اختلف المفسرون من السلف والخلف ‪ ،‬في هؤلء المسلطين عليهم من‬
‫هم ‪ ،‬فعن ابن عباس وقتادة ‪ :‬أنه جالوت الجزري وجنوده ‪ ،‬سلط عليهم أول ثم‬
‫أديلوا عليه بعد ذلك ‪ ،‬وقتل داود جالوت ‪ ،‬ولهذا قال ) ثم رددنا لكم الكرة عليهم‬
‫( الية ‪ ،‬وعن سعيد بن جبير ‪ :‬أنه ملك الموصل سنحاريب وجنوده ‪ ،‬وعنه‬
‫أيضا وعن غيره ‪ :‬أنه بختنصر ملك بابل ‪ ،‬وقد وردت في هذا آثار كثيرة‬
‫‪27‬‬
‫إسرائيلية ‪ ،‬لم أر تطويل الكتاب بذكرها ‪ ،‬لن منها ما هو موضوع من وضع‬
‫بعض زنادقتهم ‪ ،‬ومنها ما قد يحتمل أن يكون صحيحا ‪ ،‬ونحن في غنية عنها‬
‫ول الحمد ‪ ،‬وفيما قص ال علينا في كتابه غنية ‪ ،‬عما سواه من بقية الكتب‬
‫قبله ‪ ،‬ولم يحوجنا ال ول رسوله إليهم ‪ ،‬وقد أخبر ال عنهم أنهم لما طغوا‬
‫وبغوا سلط ال عليهم عدوهم ‪ ،‬فاستباح بيضتهم وسلك خلل بيوتهم ‪ ،‬وأذلهم‬
‫وقهرهم جزاء وفاقا ‪ ،‬وما ربك بظلم للعبيد ‪ ،‬فإنهم كانوا قد تمردوا ‪ ،‬وقتلوا‬
‫خلقا من النبياء والعلماء ‪ ،‬وقد روى ابن جرير ‪ :‬حدثني يونس بن عبد‬
‫العلى ‪ ،‬حدثنا ابن وهب ‪ ،‬أخبرني سليمان بن بلل ‪ ،‬عن يحيى بن سعيد ‪ ،‬قال‬
‫‪ :‬سمعت سعيد بن المسيب ‪ ،‬يقول ‪ :‬ظهر بختنصر على الشام فخرب بيت‬
‫المقدس وقتلهم ‪ ،‬ثم أتى دمشق فوجد بها دما يغلي على كبا ‪ ،‬فسألهم ما هذا الدم‬
‫؟ فقالوا أدركنا آباءنا على هذا ‪ ،‬وكلما ظهر عليه الكبا ظهر ‪ ،‬قال ‪ :‬فقتل على‬
‫ذلك الدم سبعين ألفا من المسلمين وغيرهم ‪ ،‬فسكن وهذا صحيح إلى سعيد بن‬
‫المسيب ‪ ،‬وهذا هو المشهور وأنه قتل أشرافهم وعلماءهم ‪ ،‬حتى أنه لم يبق من‬
‫يحفظ التوراة ‪ ،‬وأخذ معه منهم خلقا كثيرا أسرى من أبناء النبياء وغيرهم ‪،‬‬
‫وجرت أمور وكوائن يطول ذكرها ‪ ،‬ولو وجدنا ما هو صحيح أو ما يقاربه ‪،‬‬
‫لجاز كتابته وروايته وال أعلم ‪.‬‬
‫من تفسير الطبري ‪:‬‬
‫فكان أول الفسادين قتل زكريا ‪ ،‬فبعث ال عليهم ملك النبط ‪ ،‬فخرج بختنصر‬
‫حين سمع ذلك منهم ‪ ،‬ثم إن بني إسرائيل تجهزوا فغزوا النبط ‪ ،‬فأصابوا منهم‬
‫واستنقذوا ما في أيديهم ‪ ،‬قال ابن زيد ‪ :‬كان إفسادهم الذي يفسدون في الرض‬
‫مرتين ‪ ،‬قتل زكريا ويحيى بن زكريا ‪ ،‬سلط ال عليهم سابور ذا الكتاف ‪ ،‬ملكا‬
‫من ملوك النبط في الولى ‪ ،‬وسلط عليهم بختنصر في الثانية ‪.‬‬
‫عن حذيفة بن اليمان ‪ ،‬يقول ‪ :‬قال رسول ال ‪ :‬إن بني إسرائيل لما اعتدوا‬
‫وعلوا وقتلوا النبياء ‪ ،‬بعث ال عليهم ملك فارس بختنصر ‪ ،‬وكان ال قد مّلكه‬
‫سبع مئة سنة ‪ ،‬فسار إليهم حتى دخل بيت المقدس ‪ ،‬فحاصرها وفتحها ‪ ،‬وقتل‬
‫علي دم زكريا سبعين ألفا ‪ ،‬ثم سبى أهلها وبني النبياء ‪ ،‬وسلب حليّ بيت‬
‫ي ‪ ،‬حتى أورده‬ ‫المقدس ‪ ،‬واستخرج منها سبعين ألفا ومئة ألف عجلة من حل ّ‬
‫بابل ‪ ،‬قال حذيفة ‪ :‬فقلت يا رسول ال ‪ ،‬لقد كان بيت المقدس عظيما عند ال ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬أجل بناه سليمان بن داود ‪ ،‬من ذهب ودر وياقوت وزبرجد ‪ ،‬وكان بلطه‬
‫‪28‬‬
‫بلطة من ذهب وبلطة من فضة وعمده ذهبا ‪ ،‬أعطاه ال ذلك ‪ ،‬وسخر له‬
‫الشياطين ‪ ،‬يأتونه بهذه الشياء في طرفة عين ‪ ،‬فسار بختنصر بهذه الشياء ‪،‬‬
‫حتى نزل بها بابل ‪ ،‬فأقام بنوا إسرائيل في يديه مئة سنة ‪ ،‬تعذبهم المجوس‬
‫وأبناء المجوس ‪ ،‬فيهم النبياء وأبناء النبياء ‪ ،‬ثم إن ال رحمهم ‪ ،‬فأوحى إلى‬
‫ملك من ملوك فارس ‪ ،‬يقال له كورش وكان مؤمنا ‪ ،‬أن سر إلى بقايا بني‬
‫إسرائيل حتى تستنقذهم ‪ ،‬فسار كورش ببني إسرائيل وحلي بيت المقدس ‪ ،‬حتى‬
‫رده إليه فأقام بنوا إسرائيل مطيعين ل مئة سنة ‪ ،‬ثم إنهم عادوا في المعاصي ‪،‬‬
‫فسلط ال عليهم ابطيانحوس ‪ ،‬فغزا بأبناء من غزا مع بختنصر ‪ ،‬فغزا بني‬
‫إسرائيل حتى أتاهم بيت المقدس ‪ ،‬فسبى أهلها وأحرق بيت المقدس ‪ ،‬وقال لهم‬
‫يا بني إسرائيل ‪ ،‬إن عدتم في المعاصي عدنا عليكم بالسباء ‪ ،‬فعادوا في‬
‫المعاصي ‪ ،‬فسّير ال عليهم السباء الثالث ملك رومية ‪ ،‬يقال له قاقس بن‬
‫إسبايوس ‪ ،‬فغزاهم في البر والبحر ‪ ،‬فسباهم وسبى حلي بيت المقدس ‪ ،‬وأحرق‬
‫بيت المقدس بالنيران ‪ ،‬فقال رسول ال ‪ :‬هذا من صنعة حلي بيت المقدس ‪،‬‬
‫ويرده المهدي إلى بيت المقدس ‪ ،‬وهو ألف سفينة وسبع مئة سفينة ‪ ،‬يرسى بها‬
‫على يافا ‪ ،‬حتى تنقل إلى بيت المقدس ‪ ،‬وبها يجمع ال الولين والخرين " ‪.‬‬
‫ثم اختلف أهل التأويل ‪ ،‬في الذين عنى ال بقوله أولي بأس شديد ‪ ،‬فيما كان من‬
‫فعلهم ‪ ،‬في المرة الولى في بني إسرائيل ‪ ،‬حين بعثوا عليهم ‪ ،‬ومن الذين بعث‬
‫عليهم في المرة الخرة ‪ ،‬وما كان من صنعهم بهم ‪ ،‬فقال بعضهم ‪ :‬كان الذي‬
‫بعث ال عليهم في المرة الولى جالوت ‪ ،‬وهو من أهل الجزيرة ‪ ،‬وفيما روي‬
‫عن ابن عباس قوله ‪ :‬بعث ال عليهم جالوت ‪ ،‬فجاس خلل ديارهم ‪ ،‬وضرب‬
‫عليهم الخراج والذل ‪ ،‬فسألوا ال أن يبعث لهم ملكا ‪ ،‬يقاتلون في سبيل ال‬
‫فبعث ال طالوت ‪ ،‬فقاتلوا جالوت فنصر ال بني إسرائيل ‪ ،‬وقتل جالوت بيدي‬
‫داود ‪ ،‬ورجع ال إلى بني إسرائيل ُملكهم ‪ ،‬وقال آخرون ‪ :‬بل بعث عليهم في‬
‫المرة الولى سنحاريب ‪ ،‬وفيما روي عن سعيد بن المسيب يقول ‪ :‬ظهر‬
‫بختنصر على الشام فخرب بيت المقدس وقتلهم ‪ ،‬وقال آخرون ‪ :‬يعني بذلك‬
‫قوما من أهل فارس ‪ ،‬قالوا ‪ :‬ولم يكن في المرة الولى قتال ‪ ) ،‬ثم رددنا لكم‬
‫… ( وفي قول ابن عباس ‪ ،‬الذي رواه عطية عنه ‪ ،‬هي إدالة ال إياهم من‬
‫عدوهم جالوت حتى قتلوه ‪ ،‬وكان مجيء وعد المرة الخرة عند قتلهم يحيى ‪،‬‬
‫بعث عليهم بختنصر ‪ ،‬وخّرب بيت المقدس ‪ ،‬وأمر به أن تطرح فيه الجيف ‪،‬‬

‫‪29‬‬
‫وأعانه على خرابه الروم ‪ ،‬فلما خربه ذهب معه بوجوه بني إسرائيل وأشرافهم‬
‫‪ ،‬وذهب بدانيال وعليا وعزاريا وميشائيل ‪ ،‬وهؤلء كلهم من أولد النبياء ‪.‬‬
‫وفيما روي عن سعيد بن جبير ‪ ،‬قال ‪ :‬بعث ال عليهم في المرة الولى‬
‫سنحاريب ‪ ،‬قال ‪ :‬فرّد ال لهم الكرة عليهم كما أخبر ‪ ،‬قال ‪ :‬ثم عصوا ربهم ‪،‬‬
‫وعادوا لما نهوا عنه ‪ ،‬فبعث عليهم في المرة الخرة بختنصر ‪ ،‬فقتل المقاتلة‬
‫وسبى الذرية ‪ ،‬وأخذ ما وجد من الموال ‪ ،‬ودخلوا بيت المقدس ‪ ،‬كما قال ال‬
‫عز وجل ‪ ،‬ودخلوه فتّبروه وخّربوه ‪ ،‬فرحمهم فرّد إليهم ملكهم ‪ ،‬وخّلص من‬
‫كان في أيديهم من ذرية بني إسرائيل ‪ ،‬وعن مجاهد قال ‪ :‬بعث ال ملك فارس‬
‫ببابل جيشا ‪ ،‬وأمر عليهم بختنصر ‪ ،‬فأتوا بني إسرائيل فدمروهم فكانت هذه‬
‫الخرة ووعدها ‪ .‬وعن قتادة قوله ‪ :‬فبعث ال عليهم في الخرة ‪ ،‬بختنصر‬
‫المجوسي البابلي ‪ ،‬أبغض خلق ال إليه ‪ ،‬فسبا وقتل وخّرب بيت المقدس ‪،‬‬
‫وسامهم سوء العذاب ‪ ،‬وفيما روي عن ابن عباس قال ‪ :‬فلما أفسدوا ‪ ،‬بعث ال‬
‫عليهم في المرة الخرة ‪ ،‬بختنصر فخرب المساجد " ‪.‬‬
‫من تفسير البغوي ‪:‬‬
‫قال قتادة ‪ :‬إفسادهم في المرة الولى ‪ ،‬ما خالفوا من أحكام التوراة وركبوا‬
‫المحارم ‪ ،‬وقال ابن إسحاق ‪ :‬إفسادهم في المرة الولى قتل إشعياء في الشجرة‬
‫وارتكابهم المعاصي ‪ ) ،‬بعثنا عليكم عبادا لنا ( ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬يعني جالوت‬
‫الجزري وجنوده ‪ ،‬وهو الذي قتله داود ‪ ،‬وقال سعيد بن جبير ‪ :‬يعني سنحاريب‬
‫من أهل نينوى ‪ ،‬وقال ابن إسحاق ‪ :‬بختنصر البابلي وأصحابه ‪ ،‬وهو الظهر ‪،‬‬
‫) فإذا جاء وعد الخرة ( وذلك قصدهم قتل عيسى عليه السلم ‪ ،‬حين رفع ‪،‬‬
‫وقتلهم يحيى بن زكريا عليهما السلم ‪ ،‬فسلط عليهم الفرس والروم خردوش‬
‫وطيطوس ‪ ،‬حتى قتلوهم وسبوهم ونفوهم عن ديارهم ‪.‬‬
‫من تفسير الشوكاني ‪:‬‬
‫والمرة الولى ‪ ،‬قتل شعياء ‪ ،‬أو حبس أرمياء ‪ ،‬أو مخالفة أحكام التوراة ‪،‬‬
‫والثانية قتل يحيى بن زكريا ‪ ،‬والعزم على قتل عيسى ‪ ) ،‬عبادا لنا ( قيل هو‬
‫بختنصر وجنوده ‪ ،‬وقيل جالوت ‪ ،‬وقيل جند من فارس ‪ ،‬وقيل جند من بابل ‪،‬‬
‫والمرة الخرة ‪ ،‬هى قتلهم يحيى ابن زكريا ‪ ) ،‬وإن عدتم ( قال أهل السير ‪ ،‬ثم‬
‫إنهم عادوا إلى ما ل ينبغي ‪ ،‬وهو تكذيب محمد صلى ال عليه وآله وسلم ‪،‬‬
‫‪30‬‬
‫وكتمان ما ورد من بعثه فى التوراة والنجيل ‪ ،‬فعاد ال إلى عقوبتهم على أيدي‬
‫العرب ‪ ،‬فجرى على بني قريظة والنضير وبني قينقاع وخيبر ‪ ،‬ما جرى من‬
‫القتل والسبي ‪ ،‬والجلء وضرب الجزية ‪ ،‬على من بقي منهم ‪ ،‬وضرب الذلة‬
‫والمسكنة ‪.‬‬
‫من تفسير اللوسي ‪:‬‬
‫واختلف في تعيين هؤلء العباد في إفسادهم الول ‪ ،‬فعن ابن عباس وقتادة ‪ ،‬هم‬
‫جالوت الجزري وجنوده ‪ ،‬وقال ابن جبير وابن إسحاق هم سنحاريب ملك بابل‬
‫وجنوده ‪ ،‬وقيل هم العمالقة ‪ ،‬وفي العلم للسهيلي ‪ ،‬هم بختنصر عامل‬
‫لهراسف ‪ ،‬أحد ملوك الفرس الكيانية ‪ ،‬على بابل والروم وجنوده ‪ ،‬بعثوا عليهم‬
‫حين كذبوا أرميا وجرحوه وحبسوه ‪ ،‬قيل وهو الحق ‪.‬‬
‫واختلف في تعيين هؤلء العباد المبعوثين ‪ ،‬بعد أن ذكروا قتل يحيى عليه‬
‫السلم في إفسادهم الخير ‪ ،‬فقال غير واحد إنهم بختنصر وجنوده ‪ ،‬وتعقبه‬
‫السهيلي وقال بأنه ل يصح ‪ ،‬لن قتل يحيى بعد رفع عيسى عليهما السلم ‪،‬‬
‫وبختنصر كان قبل عيسى عليه السلم بزمن طويل ‪ ،‬وقيل السكندر وجنوده ‪،‬‬
‫وتعقبه أيضا وقال ‪ :‬بأن بين السكندر وعيسى عليه السلم نحوا من ثلثمائة‬
‫سنة ‪ ،‬ثم قال لكنه إذا قيل إن إفسادهم في المرة الخيرة بقتل شعيا ‪ ،‬جاز أن‬
‫يكون المبعوث عليهم بختنصر ومن معه ‪ ،‬لنه كان حينئذ حيا ‪ ،‬والذي ذهب‬
‫إليه اليهود ‪ ،‬أن المبعوث أول بختنصر ‪ ،‬وكان في زمن آرميا عليه السلم ‪،‬‬
‫وقد أنذرهم مجيئه صريحا ‪ ،‬بعد أن نهاهم عن الفساد وعبادة الصنام ‪ ،‬كما‬
‫نطق به كتابه ‪ ،‬فحبسوه في بئر وجرحوه ‪ ،‬وكان تخريبه لبيت المقدس ‪ ،‬في‬
‫السنة التاسعة عشر من حكمه ‪ ،‬وبين ذلك وهبوط آدم ثلثة آلف وثلثمائة‬
‫وثماني وثلثين سنة ‪ ،‬وبقي خرابا سبعين سنة ‪ ،‬ثم إن أسبيانوس قيصر‬
‫جه وزيره طيطوس إلى خرابه ‪ ،‬فخربه سنة ثلثة آلف وثمانمائة‬ ‫الروم ‪ ،‬و ّ‬
‫وثمانية وعشرين ‪ ،‬فيكون بين البعثين عندهم أربعمائة وتسعون سنة ‪ ،‬وتفصيل‬
‫الكلم في ذلك في كتبهم ‪ ،‬وال تعالى أعلم بحقيقة الحال ‪.‬‬
‫وقال اللوسي ‪ " :‬ونعم ما قيل إن معرفة القوام المبعوثين ‪ ،‬بأعيانهم وتاريخ‬
‫البعث ونحوه ‪ ،‬مما ل يتعلق به كبير غرض ‪ ،‬إذ المقصود أنه لما كثرت‬
‫معاصيهم ‪ ،‬سلط ال تعالى عليهم من ينتقم منهم مرة بعد أخرى ‪ ،‬وظاهر‬
‫اليات يقتضي اتحاد المبعوثين أول وثانيا "‬
‫‪31‬‬
‫ونقول ‪ :‬نتفق مع اللوسي في بعض ما ذهب إليه ‪ ،‬ونختلف معه في التقليل من‬
‫ل لكبير غرض ‪،‬‬ ‫شأن المبعوثين ‪ ،‬التي ما أخبر بها سبحانه ‪ ،‬في كتابه العزيز إ ّ‬
‫لم الغيوب ‪ ،‬لمن هم في شك يلعبون من‬ ‫وهو إثبات أن هذا القران من لدن ع ّ‬
‫المسلمين وغيرهم ‪ ،‬فهذه النبوءة تحكي واقعا نعاصره الن ‪ ،‬بكل تفاصيله )‬
‫ل ( ومعرفة وتحديد المرتين ‪ ،‬أمر في غاية الهمية ‪.‬‬ ‫صي ً‬
‫صْلَناُه َتْف ِ‬
‫يٍء َف ّ‬
‫ش ْ‬
‫َوُكّل َ‬
‫مع أن عبارته الخيرة – رحمه ال ‪ -‬في النص السابق ‪ ،‬التي أكد فيها " اتحاد‬
‫سر الوحيد من القدماء ‪ ،‬الذي أشار‬ ‫المبعوثين أول وثانيا " ‪ ،‬وهو المف ّ‬
‫صراحة إلى هذا المر ‪ ،‬أعطتني دفعة كبيرة للمضي قدما في هذا البحث ‪،‬‬
‫حيث كنت قد تتبعت الضمائر الواردة في اليات ‪ ،‬وتأكدت من هذا المر في‬
‫بداية البحث ‪ ،‬فقد أّيدت هذه العبارة ‪ ،‬جانبا من الفكار التي كنت أحملها ‪ ،‬فيما‬
‫يتعلق بهذه النبوءة ‪ ،‬بعدما تبّين لي من خلل الحاديث النبوية ‪ ،‬التي ذكرتها‬
‫ن فناء دولة إسرائيل ‪ ،‬سيكون قبل قيام الخلفة السلمية ‪،‬‬ ‫في بداية البحث ‪ ،‬أ ّ‬
‫التي ما زال عامة المسلمين ‪ ،‬ينتظرون ويأملون قيامها ‪ ،‬للقضاء عليهم وإنهاء‬
‫وجودهم ‪ .‬وبما أن المبعوثين عليهم أول وثانيا متحدين ‪ ،‬فذلك يعني أن معرفتنا‬
‫لمن ُبعث عليهم أول ‪ ،‬ستقودنا بالضرورة لمعرفة من سيبعث عليهم ثانيا ‪،‬‬
‫وثالثا للكشف عن الكثير مما أحاط هذه النبوءة من غموض ‪ ،‬كان سببا في كثير‬
‫من التفسيرات المغلوطة ‪ ،‬التي أوقعت ُأناس هذا العصر ‪ ،‬في الحيرة‬
‫والرتباك ‪.‬‬
‫كان هذا عرضا لمجمل ما قاله المفسرين ‪ ،‬أجّلهم ال ورحمهم جميعا ‪ ،‬مع‬
‫الخذ بعين العتبار أن أحدا منهم ‪ ،‬لم يعاصر قيام دولة اليهود للمرة الثانية ‪،‬‬
‫وكان أكثرهم حداثة ‪ ،‬هو اللوسي الذي توفي سنة ‪ 1227‬هجري ‪ ،‬والملحظ‬
‫من أقوالهم ‪ ،‬أنهم أجمعوا على أن تحّقق المرتين ‪ ،‬كان قبل السلم ‪ ،‬ونسبة‬
‫إحدى المرتين ‪ ،‬إلى البابليين وبقيادة بختنصر ) نبوخذ نصر ( على الغلب ‪،‬‬
‫وهو الحدث المشهور تاريخيا بما ُيسّمى ) السبي البابلي ( ‪.‬‬
‫ومعظم ما تقّدم من روايات هي أخبار موقوفة ‪ ،‬على أصحابها ‪ ،‬وأصلها أهل‬
‫التوراة ‪ ،‬حيث أنها المصدر الوحيد لمثل هذه الروايات ‪ ، ،‬فامتلت التفاسير‬
‫منها ‪ ،‬وهي ليست مما ُيرجع إليه من الحكام ‪ ،‬التي يجب بها العمل ‪ ،‬فُتتحرى‬
‫في صحتها أو كذبها ‪ ،‬لذلك تساهل كثير من المفسرون في نقلها ‪ ،‬وهي في‬
‫بعض منها أقرب إلى الخرافة ‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫سرين ‪ ،‬فقد أعاد أغلبهم نسخ أقوال القدماء بشكل‬‫أّما المعاصرين من المف ّ‬
‫مختصر ‪ ،‬وأضافوها إلى كتبهم ‪ ،‬ولم يأتوا بجديد إل واحدا ‪ ،‬هو الشيخ سعيد‬
‫حوى رحمه ال ‪ ،‬حيث أعلمني أحد الزملء بذلك ‪ ،‬عندما عرضت عليه بعض‬
‫نتائج هذا البحث ‪ ،‬فقال لي بأن إحدى النتائج التي خرجت بها ‪ ،‬كان الشيخ قد‬
‫طلعت على تفسيره لهذه اليات مؤخرا ‪ ،‬فوجدت بأن‬ ‫أوردها في تفسيره ‪ ،‬وقد ا ّ‬
‫الشيخ ‪ ،‬قّدمها كاحتمال موسوم بالشك ‪ ،‬ولكنا نطرحها على وجه اليقين ‪ ،‬الذي‬
‫ل ُيخالطه شك ‪ ،‬بإذن ال ‪.‬‬
‫أما أناس هذه اليام ‪ ،‬ممن علم أو لم يعلم ‪ ،‬فقد جاءوا بتفسيرات وأقوال شتى‬
‫في هذه اليات ‪ ،‬منها ما وافق تفسيرات القدماء وأقوالهم من جانب ‪ ،‬وخالفها‬
‫في جوانب آخرى ‪ ،‬ومنها ما خالفها جملة وتفصيل ‪.‬‬
‫بعض من أسباب الضطراب والرتباك ‪ ،‬في تفسير آيات سورة السراء ؟‬

‫هجر القرآن‬
‫القرآن في العادة ‪ ،‬ل ُيقرأ من قبل عاّمة المسلمين ‪ ،‬هذه اليام ‪ ،‬إل ما رحم‬
‫ربي ‪ ،‬وإن ُقرء ‪ ،‬فهي قراءة بل تفّكر أو تدّبر ‪ ،‬حتى أصبحنا إذا سمعناه ‪،‬‬
‫ي أو شارع قريب ‪ ،‬تساءلنا فيما إذا كان أحدهم‬ ‫يصدر من أحد البيوت ‪ ،‬في ح ّ‬
‫ت َمَع‬
‫خْذ ُ‬
‫عَلى َيَدْيِه َيُقوُل َياَلْيَتِني اّت َ‬ ‫ظاِلُم َ‬ ‫ض ال ّ‬‫قد مات ‪ ،‬قال تعالى ) َوَيْوَم َيَع ّ‬
‫عْ‬
‫ن‬ ‫ضّلِني َ‬‫ل )‪َ (28‬لَقْد َأ َ‬ ‫خِلي ً‬‫لًنا َ‬ ‫خْذ ُف َ‬
‫ل )‪َ (27‬يَوْيَلِتي َلْيَتِني َلْم َأّت ِ‬ ‫سِبي ً‬‫سوِل َ‬ ‫الّر ُ‬
‫سوُل َيَر ّ‬
‫ب‬ ‫خُذوًل )‪َ (29‬وَقاَل الّر ُ‬ ‫ن َ‬ ‫سا ِ‬
‫لن َ‬ ‫ن ِل ِْ‬
‫طا ُ‬
‫شْي َ‬‫ن ال ّ‬‫جاَءِني َوَكا َ‬ ‫الّذْكِر َبْعَد ِإْذ َ‬
‫جوًرا )‪ 30‬الفرقان ( ‪ .‬وهجر القرآن نبوءة ‪،‬‬ ‫ن َمْه ُ‬ ‫خُذوا َهَذا اْلُقْرآ َ‬‫ن َقْوِمي اّت َ‬ ‫ِإ ّ‬
‫وقد تحققت في زماننا هذا ‪ ،‬وأّنى لنا هذا ‪ ،‬فالتفكر والتدبر في أمور الحياة الدنيا‬
‫‪ ،‬أشغلنا وأغنانا عن الخرة ‪ ،‬التي ما خل من القرآن موضع ‪ ،‬إل وذّكرنا بها ‪،‬‬
‫وهذا أخشى ما نخشاه ‪ ،‬لننا ل نريد أن نتذّكر ‪ ،‬لكيل نتأّلم من المصير‬
‫المرعب ‪ ،‬الذي نسجناه بأيدينا ‪ ،‬والذي إن تذّكرناه ‪ ،‬لم يغمض لنا جفن ‪ ،‬ولم‬
‫ترقأ لنا عين ‪.‬‬
‫تجميد القرآن وتعطيله وفصله عن الواقع ‪ ،‬ماضيا وحاضرا ومستقبل‬
‫يذهب كثير من الناس ‪ ،‬من علماء وعاّمة ‪ ،‬إلى أن فهم القرآن واكتشاف‬
‫مكنوناته ‪ ،‬مقصور على فئة معينة من الناس دون غيرهم ‪ ،‬أو في زمان أو‬
‫‪33‬‬
‫مكان دون آخر ‪ .‬بالرغم من أن هناك الكثير من التفسيرات الخاطئة ‪،‬‬
‫حح لغاية‬
‫والروايات المضّللة أحيانا ‪ ،‬في كتب التفسير القديمة ‪ ،‬والتي لم تص ّ‬
‫الن ‪ .‬ونحن باعتمادنا بشكل كّلي على تفسيرات القدماء ‪ ،‬حرمنا أنفسنا من فهم‬
‫كثير من اليات ‪ ،‬ذات الصلة بواقعنا المعاصر ‪ ،‬والتي ما كان لحد من‬
‫المفسرين قديما ‪ ،‬القدرة على تفسيرها ‪ ،‬في زمن يسبق زماننا هذا ‪ ،‬ول نقصد‬
‫هنا التعريض بأي حال من الحوال ‪ ،‬بأي من المفسرين أجّلهم ال ‪ ،‬فكل له‬
‫عذره وأسبابه ‪ ،‬ولكن نريد أن نؤكد من خلل هذا الكتاب أن القرآن ما زال حّيا‬
‫‪ ،‬وما زالت لديه القدرة ‪ ،‬على التيان بجديد حتى قيام الساعة ‪ ،‬ولم يكن فهم‬
‫القرآن يوما ‪ ،‬ولن يكون محصورا ‪ ،‬بزمان أو مكان ‪ ،‬أو أشخاص دون غيرهم‬
‫‪.‬‬
‫الغموض والبهام في نصوص النبوءات المستقبلية‬
‫عادة ل ُتستخدم النصوص الصريحة ‪ ،‬في الكتب السماوية ‪ ،‬وفي السنة‬
‫النبوية ‪ ،‬كأسلوب للخبار عن مضامين النبوءات ‪ ،‬فعادة ما ُيستعمل الوصف‬
‫والتشبيه والتمثيل ‪ .‬وهذا هو حال مجمل النبوءات المستقبلية ‪ ،‬تبقى بعض‬
‫نصوصها عصية على الفهم ‪ ،‬حتى تتمكن من تجسيد نفسها على أرض‬
‫سر نفسها بنفسها ‪ .‬فلكتمال معالمها ‪ ،‬أسباب ومسببات ‪ ،‬ل بد لها‬ ‫الواقع ‪ ،‬لتف ّ‬
‫من أخذ مجراها الطبيعي ‪ .‬وعادة ما تكون في جانب منها مبهمة ‪ ،‬خاصة‬
‫للطرف صاحب الدور الكبر ‪ ،‬بترجمة أحداثها على أرض الواقع ‪.‬‬
‫وفي المقابل تبقى بعض نصوصها سهلة للهضم والفهم ‪ ،‬لمن جاءت في‬
‫كتبهم ‪ ،‬إذا عاصروها ‪ ،‬ولكن بالَقْدِر الذي ل يسمح لهم ‪ ،‬بالتدخل في‬
‫مجرياتها ‪ ،‬أو تعطيل السباب والمسببات المؤدية لتحّققها ‪ .‬ولتبقى قدرتهم على‬
‫التدخل مقّيدة ‪ ،‬بما لم يعرفوه يقينا ‪ ،‬مما ُأبهم عليهم من نصوص النبوءة ‪.‬‬
‫شر بنبوة سيدنا‬ ‫ومثال ذلك ما جاء في كتب اليهود والنصارى ‪ ،‬من نصوص تب ّ‬
‫محمد عليه الصلة والسلم ‪ .‬وبالرغم من كثرة النصوص التي أخبرت عنه ‪،‬‬
‫لم يستطع اليهود الستدلل عليه يقينا ‪ ،‬قبل ظهور أمره ‪ ،‬وإل لقتلوه ‪.‬‬
‫وصاحب النبوة لم يكن يعلم ‪ ،‬بأنه المقصود بنبوءات أهل الكتاب ‪ ،‬قبل أن‬
‫يتنّزل عليه الوحي ‪ ،‬وحتى اسمه ) محمد ( عليه الصلة والسلم ‪ ،‬جاء مغايرا‬
‫لسمه ) أحمد ( الموجود في كتبهم ‪ ،‬حيث جاء بالمعنى وليس باللفظ ‪ .‬وبعدما‬
‫سر جميع النصوص التي كانت‬ ‫ُبعث ‪ ،‬ومع مرور الزمن ‪ ،‬بدأ الواقع ُيف ّ‬
‫‪34‬‬
‫بحوزتهم شيئا فشيئا ‪ .‬أما قريش فما كانت ُتصّدق من نبوءات أهل الكتاب‬
‫شيئا ‪.‬‬
‫وحتى لو ُكشفت مضامين النبوءات ‪ ،‬عند اكتمال معالم القدر ‪ ،‬وقبل تحقق‬
‫الفصل الخير منها ‪ ،‬كان من الصعب على ذوي العلقة ‪ ،‬إعادة عقارب‬
‫الساعة إلى الوراء ‪ ،‬من أجل التأثير على مجريات أحداثها ‪ ،‬أو منع تحّققها ‪،‬‬
‫وخاصة أن معظم النبوءات إذا ُفسّرت ‪ ،‬وكان واقع الحال ل يتطابق مع‬
‫التفسير ‪ ،‬وهذا أمر طبيعي جدا ‪ ،‬فعادة ما ُيجابه التفسير بالنكار والتكذيب ‪ ،‬أو‬
‫التشكيك حتى ممن يعنيهم المر ‪ ،‬أو الظن أن بالمكان منعها ‪ ،‬كما هو الحال‬
‫عند بني إسرائيل ‪ ،‬الذين يعلمون هذه النبوءة علم اليقين ‪ ،‬وُيحاولون جهدهم‬
‫منع تحّققها ‪ ،‬كما حاولوا جهدهم البحث ‪ ،‬عن نبينا عليه الصلة والسلم ‪ ،‬لمنع‬
‫بعثه وظهور أمره ‪ .‬وكما سيكون الحال مع كثير من الناس ‪ ،‬الذين سيقرأون‬
‫هذا الكتاب ‪ ،‬الذي نكشف فيه ملبسات تحّقق وعد الخرة ‪ ،‬كما لم تكن من قبل‬
‫‪ ،‬بعد أن تشابكت خيوطها ‪ ،‬واتصلت بإحكام منذ سنين عدة ‪ ،‬ولكن الناس كانوا‬
‫عنها غافلين ‪.‬‬
‫فهم اللفاظ ومدلولتها‬
‫في كثير من الحيان نفهم ألفاظ القرآن ‪ ،‬بالمعنى الذي نستخدمه به في حياتنا‬
‫المعاصرة ‪ ،‬وربما يكون هذا الستخدام مختلف أو مخالف تماما ‪ ،‬لستخدام‬
‫العرب القدماء ‪ -‬الذين نزل القرآن بلغتهم ‪ -‬لنفس اللفظ ‪ ،‬مما يتسّبب في سوء‬
‫ل ( ‪ ،‬فنحن نستخدم هذا‬‫صَ‬‫التفسير أو الفهم ‪ .‬فعلى سبيل المثال ‪ ،‬لنأخذ كلمة ) َف َ‬
‫اللفظ تقريبا بمعنى واحد ؛ َقطَع التيار ‪َ ،‬فّرق ما بين شيئين بشيء ثالث ‪ ،‬طرده‬
‫من الوظيفة ‪ .‬أما العرب القدماء فقد كانوا يستخدمونها بمعان شتى ‪ ،‬تفهم عادة‬
‫ج ‪ ،‬ومن هذه المعاني تستطيع تفسير قوله‬ ‫خَر َ‬
‫قو َ‬‫من السياق ‪ ،‬منها ؛ َقطَع وَفّر َ‬
‫جُنوِد )‪ 249‬البقرة ( ‪ ،‬على أن طالوت خرج‬ ‫ت ِباْل ُ‬
‫طاُلو ُ‬
‫صَل َ‬
‫تعالى ) َفَلّما َف َ‬
‫بالجنود ‪.‬‬
‫وفي كثير من الحيان ‪ ،‬يحمل اللفظ الواحد في القرآن ‪ ،‬مفهوما عاما عريضا ‪،‬‬
‫صلها القرآن في مواضع عديدة ‪.‬‬ ‫ويندرج تحته عدة مفاهيم خاصة ‪ُ ،‬يعّرفها وُيف ّ‬
‫ومن هذه اللفاظ على سبيل المثال ؛ الفساد والعلو والفاحشة والظلم ‪ ،‬وهذه‬
‫كلها مفاهيم عامة ‪ ،‬يختلف تحديد مواصفاتها ومقاييسها ‪ ،‬باختلف فهم‬

‫‪35‬‬
‫ل حسب‬ ‫الشخص على سبيل المثال لماهّية اللفظ ‪ .‬وإذا تركنا الجابة للناس ‪ ،‬ك ٌ‬
‫رأيه ‪ ،‬ستجد أن هناك تعاريف عديدة ومتباينة ‪ ،‬أما القرآن فله تعريفه الخاص ‪.‬‬
‫فلنأخذ لفظ الظلم ‪ ،‬يقول سبحانه وتعالى ) َوَما ُكّنا ُمْهِلِكي اْلُقَرى ِإّل َوَأْهُلَها‬
‫ن )‪ 59‬القصص ( ‪ ،‬فما هي ماهية هذا الظلم ‪ ،‬الذي يتحتم عليه إهلك‬ ‫ظاِلُمو َ‬
‫َ‬
‫القرى ؟ وكيف تستطيع القرى أن تسلم من الهلك ‪ ،‬بما أن الظلم هو المقياس‬
‫لذلك ‪ ،‬كما أخبر رب العزة ؟ ولفهم دللة هذا اللفظ ‪ ،‬يتحتم عليك أن ُتلّم بكل‬
‫ُمتعّلقاته ‪ ،‬في جميع اليات القرآنية ‪ ،‬التي ورد فيها ذكره ‪ ،‬لتخرج في النهاية‬
‫بما ُيشبه المقياس ‪ ،‬الذي من خلله تستطيع تعريف هذا المفهوم ‪ ،‬بالمقياس‬
‫اللهي له ‪ ،‬وليس بالمقاييس الشخصية للناس ‪.‬‬
‫اليجاز الشديد‬
‫مثل قوله تعالى ) فجاسوا خلل الديار ( ‪ ،‬حيث وصف سبحانه ‪،‬كل ما فعله‬
‫أولئك العباد ‪ ،‬في المرة الولى بثلث كلمات فقط ‪ ،‬أو بالحرى كلمة واحدة‬
‫هي ) فجاسوا ( ‪ ،‬وبالرغم من ذلك ‪ ،‬فإن هذه الكلمة ‪ ،‬وعند الطلع معانيها‬
‫في المعجم ‪ ،‬ستجد أنها تصّور مشهدا سينمائيا كامل ‪ ،‬وبدون الطلع على‬
‫تلك المعاني ‪ ،‬لن تمتلك القدرة على تخّيل ذلك المشهد ‪.‬‬
‫الحذف وتقدير المحذوف‬
‫حذف كلمة أو عبارة من السياق ‪ ،‬لسبق الدللة عليها فيما تقدم من نصوص ‪،‬‬
‫مثل حذف جواب شرط إذا الخاص بوعد الخرة ‪ ،‬وتقديره ) بعثناهم عليكم (‬
‫في الية )‪ ، (7‬لدللة قوله تعالى ) فإذا جاء وعد أولهما بعثنا عليكم ( في الية‬
‫) ‪. (5‬‬
‫اللتفات‬
‫الحديث عن الغائب ‪ ،‬ومن ثم النتقال لتوجيه الخطاب إلى الحاضر ‪ ،‬والعكس‬
‫بالعكس ‪ ،‬بين حين وآخر ‪ ،‬مثل ) وقضينا إلى – الحديث هنا عن الغائب‬
‫ن في – الخطاب هنا إلى الحاضر‬ ‫) السابقين من بني إسرائيل ( …لتفسد ّ‬
‫) المعاصرين من بني إسرائيل ( ‪ . ( ..‬عادة ما يستخدم هذا السلوب ‪ ،‬في‬
‫إخبار المستمع الحاضر عن حدث وقع في الماضي ‪ .‬والهدف من إنزال هذه‬
‫النبوءة في كتاب موسى ‪ ،‬وإعادة نسخها في القرآن ‪ ،‬هو كشف للغيب الذي ل‬
‫‪36‬‬
‫يعلمه إل من أخبر عنه ‪ ،‬فيما أنزله من كتب على ُرسله ‪ ،‬لعل الناس‬
‫المعاصرين بربهم يؤمنون ‪ ،‬عند تحقق هذه النبوءة بكل تفاصيلها ‪ ،‬كما جاءت‬
‫في الكتب السماوية ‪ .‬لذلك جاء الخبار في القرآن للناس كافة ‪ ،‬وجاء الخطاب‬
‫صة ‪ ،‬لن المر يعنيهم أكثر من غيرهم ‪ ،‬فلعّلهم إلى ربهم‬ ‫لبي إسرائيل خا ّ‬
‫يرجعون ‪.‬‬
‫لقد أخبر سبحانه في الية )‪ (2‬أنه آتى موسى الكتاب ‪ ،‬وفي الية )‪ (4‬أخبر بأنه‬
‫أنزل في ذلك الكتاب نص هذه النبوءة ‪ ،‬التي سيشرع فيما يلي بالخبار عنها‬
‫بكل تفاصيلها ‪ ،‬كما جاءت في كتاب موسى ‪ ،‬حيث جاء النص آنذاك مخاطبا‬
‫لبني إسرائيل ‪ .‬وإتيان النص بأسلوب المخاطبة لبني إسرائيل في القرآن ‪ ،‬يفيد‬
‫أن هناك جزء من هذه النبوءة سيتحقق مستقبل بعد نزول هذه اليات ‪ ،‬وأعيد‬
‫النص لتذكير بني إسرائيل وتنبيههم وتحذيرهم ‪ ،‬من مغبة الفساد في الرض‬
‫في المرة لثانية ‪ ،‬مما يترتب عليه نفاذ الوعد الثاني ‪ ،‬كما نفذ الوعد الول ‪.‬‬
‫طب في هذه اليات ‪ ،‬هم بنوا إسرائيل ) المعاصرين ( ‪ ،‬ولكن‬ ‫ومع أن المخا َ‬
‫يجب أل ننسى ‪ ،‬أن هناك من يقرأ ويسمع خطابه تعالى – لبني إسرائيل – من‬
‫خلل القرآن ‪ ،‬ممن هم من غير بني إسرائيل ‪ ،‬ول يعلمون من أمر هذه النبوءة‬
‫شيئا ‪ ،‬فيما إذا كانت قد أنزلت عليهم في كتابهم أم ل ‪ ،‬فابتدأ عز وجل القصة‬
‫بالخبار عن وجودها في كتابهم ‪ ،‬لمن ل يعلم من الجمهور بذلك ‪ ،‬من مستمع‬
‫وقارئ لهذه القصة ‪ .‬لُيعيد الجمهور إلى الجواء التي ُأنزلت فيها هذه النبوءة ‪،‬‬
‫ليسُهل فهمها من قبلهم ‪ .‬وليصبحوا مساوين لبني إسرائيل في معايشة تلك‬
‫الجواء ‪ ،‬التي يعرفونها كما يعرفون أبنائهم ‪ ،‬من خلل ما لديهم من كتب ‪.‬‬
‫لذلك تجده سبحانه أحيانا يتوجه بالخطاب إلى الجمهور ‪ ،‬تاركا ) خطاب بني‬
‫إسرائيل ( ‪ ،‬ليضيف إليهم خبرا أو تعقيبا ‪ ،‬على جزء معين من هذه النبوءة ‪،‬‬
‫أو إيضاحا أو تفصيل ‪،‬لم يرد في النص الصلي للنبوءة ‪ ،‬التي سبق أن ُأنزلت‬
‫عليهم ‪ ،‬أو تحقق بعد نزولها ‪ ،‬لزم إخبار الجمهور عنه في هذه اليات ‪.‬‬
‫صل اليمان‬‫فالحكمة من الخبار بهذه النبوءة والكشف عنها للبشر ‪ ،‬هي تح ّ‬
‫بالقرآن ومن أنزله ومن ُأرسل به ‪ ،‬كما عّقب سبحانه بقوله في نهاية السورة )‬
‫ُقْل َءاِمُنوا ِبِه َأْو لَ ُتْؤِمُنوا )‪ 107‬السراء ( ‪ .‬وسنبين إن شاء ال كل موضع ‪،‬‬
‫حصل فيه التفات ‪ ،‬لتصبح نصوص النبوءة أكثر وضوحا وأسهل للفهم ‪ .‬وعدم‬
‫معرفة ماهية اللتفات ومواضعه ‪ -‬أحد أوجه البلغة في لغة العرب – سيجعل‬

‫‪37‬‬
‫من الصعوبة بما كان ‪ ،‬أن يفهم الناس النصوص القرآنية بشكل صحيح ‪،‬‬
‫وربما يقلب المعنى بشكل مخالف تماما ‪.‬‬
‫الضمائر‬
‫طب والغائب‬ ‫متابعة الضمائر في هذه اليات ‪ ،‬بأنواعها الثلثة ‪ ،‬المتكّلم والمخا َ‬
‫ن كل‬ ‫‪ ،‬وتحديد على من يعود كل منها ‪ .‬وهنا ل بد أن نوضح ونؤكد ‪ ،‬على أ ّ‬
‫الضمائر الواردة في اليات ) ‪ ، ( 8-4‬ما عدا ضمائر المتكّلم التي تعود عليه‬
‫سبحانه ‪ ،‬تعود على أولئك العباد أولي البأس الشديد أنفسهم في مواضع ‪ ،‬وعلى‬
‫بني إسرائيل في مواضع أخرى ‪ ،‬وهي محصورة فيهم على الطلق ‪ ،‬إذ لم‬
‫يضف النص طرفا ثالثا ‪.‬‬
‫العتراض‬
‫وهو إضافة جملة إلى السياق ‪ ،‬كتعقيب على خبر قد سبق ذكره ‪ ،‬زيادة في‬
‫اليضاح والبانة ‪ ،‬وهو أحد أوجه البلغة أيضا ‪ .‬وعدم وجود هذا التعقيب ‪،‬‬
‫ربما ُيثير التساؤل في ذهن المستمع ‪ ،‬فُيضيف الراوي من تلقاء نفسه خبرا‬
‫جديدا ‪ ،‬ليدفع الحيرة عنه ‪ ،‬ومنعا لتوارد الجتهادات والتفسيرات الخاطئة في‬
‫مخيلته ‪ ،‬ولُيغني المستمع الحاجة إلى السؤال ‪ .‬فعادة ما تأتي الجملة المعترضة‬
‫كإضافة ‪ ،‬لزالة الغموض واللبس ‪ ،‬الذي قد ينجم عن سوء تقدير المستمع ‪،‬‬
‫ولزوم هذا التعقيب يعود لتقدير الراوي ‪.‬‬
‫وقد وقع العتراض في نصوص النبوءة في موضعين ‪ ،‬في قوله تعالى " وكان‬
‫وعدا مفعول " ‪ ،‬للتعقيب على الوعد الول ‪ ،‬لبيان أن هذا كان قد ُأنجز أم لم‬
‫ُينجز ‪ .‬وفي قوله تعالى " وليتّبروا ما علوا تتبيرا " للتعقيب على العلو الكبير‬
‫الخاص ببني إسرائيل ‪ ،‬لبيان وتأكيد أن هذا العلو ستتم إزالته مستقبل ل‬
‫محالة ‪.‬‬
‫الهوى والعاطفة‬
‫نحن كمسلمين مرتبطون عاطفيا بالمسجد القصى ‪ ،‬ومرتبطون عاطفيا‬
‫بالبطولت السلمية وأبطالها ‪ ،‬ومرتبطون عاطفيا بالخلفة السلمية‬
‫وخلفائها ‪ ،‬لنها توّفر لنا شعورا بالعزة والكرامة طالما افتقدناه ‪ ،‬ونحن بأمس‬
‫الحاجة إليه هذه اليام ‪ .‬وفي المقابل نحن أبعد ما نكون عن السلم ‪ ،‬في حياتنا‬
‫‪38‬‬
‫العملية ‪ ،‬ولو نظرنا في أعماق أعماقنا ‪ ،‬لوجدنا أننا نرفض السلم كأسلوب‬
‫سك‬ ‫للحياة ‪ ،‬لن السلم بكل بساطة يرفض كل مظاهر الحياة الدنيا ‪ ،‬التي يتم ّ‬
‫بها الن معظم المسلمين ‪ ،‬ويسعون لبقائها ويحرصون على إدامتها‬
‫والستزادة منها ما أمكنهم ذلك ‪.‬‬
‫نص هذه النبوءة موجود في كتب اليهود ‪ ،‬فما الذي قام به زعماؤهم العلمانيون‬
‫والمتدينون ‪ ،‬عندما أرادوا أن يقيموا لهم دولة ؟ أخذوا من النبوءة الجزء‬
‫سروها على أن ال أراد لهم ذلك ‪،‬‬ ‫الخاص بالعودة من الشتات ورد السبي ‪ ،‬وف ّ‬
‫بغض النظر عن فسادهم وإفسادهم ‪ ،‬وأخفوا النصوص التي ُتحّذر من العقوبة‬
‫التي تنتظرهم ‪ ،‬لُيضفوا على عودتهم إلى فلسطين ‪ ،‬بعدا دينيا توراتيا ‪،‬‬
‫وبالتالي استطاعوا كسب التأييد والدعم المادي والمعنوي ‪ ،‬سياسيا واقتصاديا‬
‫وعسكريا ‪ ،‬من اليهود والنصارى على حد سواء ‪.‬‬
‫نحن أيضا نملك نص النبوءة نفسها ‪ ،‬وملزمون بتحرير القصى ‪ ،‬ولننا نشعر‬
‫بالعجز وقصر ذات اليد ‪ ،‬قمنا بإضفاء البعد الديني على عملية التحرير ‪،‬‬
‫بحصرها بخلفة إسلمية غير منظورة على المدى القريب ‪ ،‬واستبعدنا‬
‫احتمالية أن يتم هذا المر ‪ ،‬خارج هذا الطار العاطفي ‪ .‬وبعد أن تقوقعنا داخل‬
‫جه ‪ .‬حتى بلغ‬ ‫سر المعطيات حسب ما يتوافق مع هذا التو ّ‬ ‫هذا الطار ‪ ،‬بدأنا ُنف ّ‬
‫بنا المر ‪ ،‬إلى أن ُنحّمل النصوص القرآنية ما ل تحتمله ‪ ،‬لتوافق رغباتنا‬
‫وأهوائنا وتطّلعاتنا كمنتسبين للسلم ‪ .‬فأخذنا عبارة ) عبادا لنا ( ‪ ،‬وعبارة‬
‫) وليدخلوا المسجد ( وعبارة ) كما دخلوه أول مرة ( ‪ ،‬وسلخناها عن جلدها ‪،‬‬
‫وقمنا بالسهاب في تفسير وتفصيل هذه العبارات ‪ ،‬وأهملنا بعض العبارات‬
‫سرنا بعضها الخر بشكل ُيناقض فحواها ‪ ،‬فعزلنا العبارات عن‬ ‫الخرى ‪ ،‬وف ّ‬
‫آياتها ‪ ،‬وعزلنا اليات عن بعضها ‪ ،‬وعزلنا مجموعة اليات عن السورة ‪،‬‬
‫وعزلنا السورة عن القرآن ‪ ،‬وعزلنا القرآن عن كل شيء ‪ .‬فخرجنا باستنتاجات‬
‫وتحليلت وأصدرنا أحكام ‪ ،‬حرمت الكثير من الناس من المعرفة الحقيقة ‪،‬‬
‫التي تكتنفها نصوص هذه النبوءة ‪ ،‬التي تم تفسيرها ‪ ،‬بتغليب من الهوى‬
‫والعاطفة ‪ ،‬على النصوص القرآنية والسنة ‪ ،‬وعلى العقل والمنطق والواقع‬
‫والتاريخ والجغرافيا ‪.‬‬
‫وبذلك أزاحت بعض التفسيرات ‪ ،‬التي حصرت تحرير القصى ‪ ،‬بالخلفة‬
‫السلمية عن غير قصد ‪ ،‬عن كاهل هذا الجيل عبء فكرة التحرير ‪ ،‬وأبعدت‬
‫‪39‬‬
‫عن أذهان الناس شبح حرب قادمة ‪ ،‬مما ساهم بشكل غير مباشر ‪ ،‬في تخدير‬
‫أمة السلم لسنين طويلة ‪ ،‬لينُعم الناس بحياة آمنة مطمئنة ‪ ،‬ولكن للسف بعيدا‬
‫عن الدين ‪ .‬فالخلفة السلمية على المدى القريب صعبة التحقق ‪ ،‬لن‬
‫مقومات قيامها ضمن الظروف الراهنة معدومة ‪ .‬والمة بحاجة لمن ُينّبهها ل‬
‫لمن ُيخّدرها … وقبل طرح هذه الفكرة الخطرة عن تحرير المسجد القصى‬
‫… ونسبها إلى كتاب ال … وأن ال أراد ذلك … كان على رّواد هذه الفكرة‬
‫… أن يتجّردوا من عواطفهم وأهوائهم كليا عند تفسير آيات ال … فالقرآن‬
‫يطلب العقل سبيل للفهم ل العاطفة والهوى … لدرجة أنه جعل ) القلب (‬
‫موطنا للعقل بدل من العاطفة … وأن ُيفّكروا ملّيا قبل أن ُيقّدموها للناس …‬
‫فنحن بحاجة لبناء مساجد في نفوس الناس … فإن استطعنا القيام بذلك … فلن‬
‫نحّرر المسجد القصى فقط … بل سنحّرر العالم بأسره … وإن لم نستطع‬
‫فالحرى بنا … أن نعتزل ونفّر إلى رؤوس الجبال … بأطلل المساجد‬
‫المتبقية في نفوسنا … حتى يأتي ال بأمره … !!!‬
‫طر والبعيد جدا ‪ ،‬عما جاء في النصوص القرآنية ‪ ،‬سيؤدي‬ ‫هذا الطرح الخ ِ‬
‫بالناس ل محالة ‪ ،‬إلى الوقوع في الحيرة والرتباك ‪ ،‬ونشوء كثير من علمات‬
‫الستفهام ‪ ،‬حول من قّدم هذه التفسيرات ‪ ،‬وحول مصداقية كتاب ال نفسه ‪ ،‬من‬
‫قبل ضعاف اليمان والعقل والقلب ‪ ،‬عندما تتحّقق النبوءة بشكل مغاير لتلك‬
‫التفسيرات ‪.‬‬
‫ربما ُيصّر الكثير من الواقعيون ‪ ،‬على أن الواقع ُيناقض مما يطرحه هذا‬
‫الكتاب ‪ .‬غير أن هذا الواقع سيتغير بالتدريج ‪ ،‬أو بين عشية وضحاها ليتوافق‬
‫مع أمر ال ‪ .‬وإن لم يتوافق ‪ ،‬فأمر ال فوق الواقع ‪ ،‬وكثيرا ما يأتي بغتة ‪.‬‬
‫وبالرغم من ذلك ‪ ،‬أعتقد بأن كثير من المتغيرات ‪ ،‬على المستوى القليمي‬
‫والعالمي ‪ ،‬ستلوح في الفق ‪ ،‬قبل مجيء أمر ال ‪ ،‬وسيلحظها كل ذي بصيرة ‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫صلناه تفصيل‬
‫وكل شيء ف ّ‬

‫سَراِئيَل َأْكَثَر اّلِذي ُهْم ِفيهِ‬ ‫ص عَلى َبِني ِإ ْ‬ ‫ن َيُق ّ‬ ‫ن َهَذا اْلُقْرآ َ‬‫قال تعالى ) ِإ ّ‬
‫ن )‪ 76‬النمل ( ‪ ،‬هذه الية الكريمة تؤكد أن هذا القرآن ‪ ،‬فضل عن‬ ‫خَتِلُفو َ‬
‫َي ْ‬
‫ضح‬ ‫ص على بني إسرائيل ‪ ،‬أي لُيخاطبهم ويو ّ‬ ‫مخاطبته لكافة البشر ‪ ،‬جاء ليق ّ‬
‫لهم بشكل خاص ‪ ،‬كثيرا مما اختلفوا فيه ‪ ،‬من أمور الدين والدنيا والخرة ‪.‬‬
‫فهو يحكي تاريخهم ‪ ،‬ويعرض مواقفهم من أنبيائهم ‪ ،‬ومشاهد من كفرهم‬
‫وعصيانهم وعدوانهم ‪ ،‬والعذابات التي أنزلها ال بهم ‪ ، ،‬ويكشف طبائعهم ‪،‬‬
‫ويفضح سرائرهم ‪ ،‬وُيفّند أقوالهم ‪ ،‬وُيحّذرهم وُيحّذر منهم ‪ ،‬وُيبّين لهم حقيقة ما‬
‫جاء به رسلهم وأنبيائهم من وحي ‪ ،‬بعد أن طمسته وشّوهت معالمه أقلم‬
‫أحبارهم ‪.‬‬
‫صْلَناُه‬
‫يٍء َف ّ‬‫ش ْ‬‫ويقول سبحانه في الية )‪ (12‬من سورة السراء ‪َ ) ،‬وُكّل َ‬
‫ي مما سبق هذا القول من آيات ‪ ،‬قّد بّينه سبحانه ‪ ،‬بيانا‬ ‫لش ّ‬ ‫ل ( ‪ ،‬أي أن ك ّ‬ ‫صي ً‬ ‫َتْف ِ‬
‫واضحا ل ُلبس فيه ‪ .‬وهذا القول البليغ ‪ ،‬عندما تقرأه مرارا وتكرارا ‪ ،‬تجد أن‬
‫له وقعا خاصا في نفسك ‪ ،‬واليات التي تسبق هذا القول ‪ ،‬تخبرنا عن أمر‬
‫يتعلق ببني إسرائيل ‪ ،‬من حيث إفسادهم وعلوهم وعقابهم ‪ .‬وقد جاء هذا القول‬
‫) بالفعل ومفعوله المطلق للمبالغة في التأكيد ( مرة واحدة في القرآن ‪ ،‬في هذا‬
‫ت عاّما‬ ‫الموضع بالذات ‪ ،‬تعقيبا على ما مجمل ما جاء قبله من آيات ‪ ،‬ولم يأ ِ‬
‫ن )‪ 3‬فصلت‬ ‫عَرِبّيا ِلَقْوٍم َيْعَلُمو َ‬
‫ت َءاَياُتُه ُقْرَءاًنا َ‬‫صَل ْ‬
‫ب ُف ّ‬‫كما في قوله تعالى ) ِكَتا ٌ‬
‫عْلٍم ُهًدى َوَرحَْمًة‬ ‫عَلى ِ‬ ‫صْلَناُه َ‬
‫ب َف ّ‬‫جْئَناُهْم ِبِكَتا ٍ‬
‫( ‪ ،‬أو في قوله تعالى ) َوَلَقْد ِ‬
‫ن )‪ 52‬العراف ( ‪.‬‬ ‫ِلَقْوٍم ُيْؤِمُنو َ‬
‫ل هذا على شيء ‪ ،‬فإنما يّدل على أن ما تتحّدث عنه هذه اليات ‪ ،‬أمر‬ ‫وإن د ّ‬
‫ك أو‬
‫صله سبحانه تفصيل ‪ ،‬وأبانه بيانا ل يختمره ش ّ‬ ‫غاية في الهمية ‪ ،‬ولذلك ف ّ‬
‫تقّول ‪ ،‬وأن هذا التفصيل جاء لِعظم هذا المر ‪ ،‬وأن معرفته بكل دقائقه‬
‫وتفاصيله ‪ ،‬ل بد إل أن يكون فيه الكثير ‪ ،‬من النفع والفائدة ‪ ،‬لمن ُيخاطبهم‬
‫القرآن ‪ ،‬وما كان بيانه وتفصيله عبثا ‪ .‬وما كان هذا الفصل ‪ ،‬إل للتعريف بهذه‬
‫الدقائق والتفاصيل ‪ ،‬وما جاء هذا الكتاب إل لتعميم الفائدة على الناس ‪ ،‬وال‬
‫من وراء القصد ‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫لو أمعنت النظر في مجمل سورة السراء ‪ ،‬لوجدت أنها تناوبت ما بين أسلوبي‬
‫الخبار والمخاطبة ‪ ،‬ولو أمعنت النظر في مقدمة السورة ‪ ،‬ستجد أنها جاءت‬
‫طبة لبني إسرائيل ‪،‬‬ ‫طبة للمسلمين ‪ ،‬بصفة عاّمة ‪ ،‬وإخبارية وُمخا ِ‬ ‫إخبارية وُمخا ِ‬
‫صة ‪.‬‬‫بصفة خا ّ‬
‫والسؤال الول ‪ :‬لماذا ُأعيد نص النبوءة بأسلوب المخاطبة ‪ ،‬لبني إسرائيل في‬
‫عصر أمة السلم ؟‬
‫مقدمة السورة ) اليات ‪ ( 3-1‬جاءت كتمهيد ‪ ،‬فهي تذكر المسجد القصى ‪،‬‬
‫وتبين قدسّيته عند ال وبالتالي عند المسلمين ‪ ،‬وتذُكر كتاب موسى عليه‬
‫السلم ‪ ،‬وتّذكر بني إسرائيل بما جاء فيه ‪ ،‬وبالذات عدم الشرك بال ‪ ،‬واّتخاذ‬
‫ل عليهم ويذكرهم بنجاة أسلفهم من الطوفان ‪ ،‬وبنفس‬ ‫نا ّ‬‫وكلء من دونه ‪ ،‬ويم ّ‬
‫الوقت يحّذرهم من الهلك ‪ ،‬من خلل ذكر نوح عليه السلم ‪ ،‬وأّنه ما كان‬
‫ل ‪ ،‬وقيامه بالعبادة‬‫لنوح ومن معه النجاة ‪ ،‬لول إقراره بالعبودية ل ) عبدًا ( أو ً‬
‫ل ) وشكورًا ثانيًا ( ‪.‬‬
‫السؤال الثاني ‪ :‬لماذا التمهيد ‪ ،‬وبهذا الشكل المرعب لبني إسرائيل ؟‬
‫هناك قول بأن كلتا المرتين وقعتا قبل السلم ‪ ،‬فلو كان هذا المر صحيحا ‪،‬‬
‫لتوجب أن يكون نص النبوءة كامل بأسلوب الخبار ‪ ،‬ولما كان هناك داعي‬
‫لوجوده أصل ‪ ،‬فقد أخبرنا سبحانه في مواضع أخرى في القرآن ‪ ،‬بأنه غضب‬
‫عليهم ‪ ،‬ولعنهم وضرب عليهم الذلة والمسكنة ‪ ،‬وتوعدهم بأن يبعث عليهم ‪،‬‬
‫طعهم في الرض أمما ‪.‬‬ ‫من يسومهم سوء العذاب إلى يوم القيامة ‪ ،‬وق ّ‬
‫السؤال الثالث ‪ :‬ما هو المر الذي خرج عن كل ما تقّدم ‪ ،‬فأراد سبحانه لفت‬
‫أنظارنا إليه ‪ ،‬مبينا أهميته ‪ ،‬ومنبها إليها ؟‬
‫بما أن المرتين متشابهتين تماما ‪ ،‬فلو فرضنا جدل أن القول السابق صحيح ‪،‬‬
‫لكان من الحرى ‪ ،‬أن يأتي النص في الحديث عن المرتين مجمل ‪ ،‬على سبيل‬
‫المثال ‪ ،‬على النحو التالي ‪ … ) ،‬لتفسدن … مرتين ولتعلن علوا كبيرا …‬
‫فإذا جاء وعد كل منهما ‪ ،‬بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد … فأساءوا‬
‫ل من الوعدين مفعول … وتّبروا ما علوا‬ ‫وجوهكم ودخلوا المسجد … وكان ك ّ‬
‫تتبيرا ( ‪.‬‬
‫ل مرة على حدة ؟‬ ‫صلت اليات ‪ ،‬ك ّ‬ ‫صلت وَف ّ‬‫السؤال الرابع ‪ :‬لماذا َف َ‬
‫‪42‬‬
‫الية الرابعة ‪ ،‬أجملت ثلثة شروط من شروط المرتين ‪ ،‬وهي الرض‬
‫) المقّدسة ( والعلو والفساد ‪ ،‬والية الخامسة أفردت وأوجزت الحديث عن‬
‫الوعد ) العقاب ( الول ‪ ،‬فذكرت البعث والجوس وصفة العباد ‪ ،‬وجاءت‬
‫صلت مظاهر العلو الثاني ‪ ،‬من‬
‫الفعال كلها بصيغة الماضي ‪ .‬والية السادسة ف ّ‬
‫لحظة النشوء حتى اكتمال مقوماته ‪ ،‬من حيث القدرة العسكرية والبشرية‬
‫والقتصادية ‪ ،‬وجاءت الفعال كلها بصيغة الماضي ‪ ،‬مع حملها لصفة‬
‫الستقبال ‪.‬‬
‫السؤال الخامس ‪ :‬لماذا جاءت أفعال وعد الولى بصيغة الماضي ‪ ،‬ولماذا‬
‫جاءت أفعال وعد الخرة بصيغة الستقبال ؟‬
‫السؤال السادس ‪ :‬لماذا جاء التخيير ما بين الحسان أو الساءة ‪ ،‬بعد اكتمال‬
‫مظاهر العلو الثاني ‪ ،‬وقبل الحديث عن عقاب وعد الخرة ‪ ،‬ولم يأتِ عند‬
‫الحديث عن وعد الولى ؟‬
‫السؤال السابع ‪ :‬لماذا ُأخرجت كيفية مجيئهم ‪ ،‬عند مجيء وعد الخرة من نص‬
‫النبوءة ‪ ،‬ولماذا ُأفردت في نهاية السورة ؟‬
‫صتهم مع فرعون في نهاية‬ ‫السؤال الثامن ‪ :‬لماذا ُأعيد ذكر بني إسرائيل وق ّ‬
‫السورة ‪ ،‬اليات ) ‪ ( 104 – 101‬؟‬
‫صى اّلِذي‬
‫جِد اَْلْق َ‬
‫سِ‬‫حَراِم ِإَلى اْلَم ْ‬
‫جِد الْ َ‬
‫سِ‬‫ن اْلَم ْ‬
‫ل ِم ْ‬
‫سَرى ِبَعْبِدِه َلْي ً‬ ‫ن اّلِذي َأ ْ‬‫حا َ‬‫سبْ َ‬
‫) ُ‬
‫صيُر )‪(1‬‬‫سِميُع اْلَب ِ‬ ‫ن آَياِتَنا ِإّنه ُهَو ال ّ‬
‫حْوَلُه ِلُنِرَيُه ِم ْ‬
‫َباَرْكَنا َ‬
‫ُتشير هذه الية ‪ ،‬بذكر المسجد الحرام ‪ ،‬إلى نقطة البداية ‪ ،‬لنتشار رسالة‬
‫السلم ‪ ،‬التي أنعم ال وأكرم بها نبيه ‪ ،‬محمد عليه الصلة والسلم ‪ .‬وبذكر‬
‫المسجد القصى ‪ُ ،‬تشير من طرف خفي ‪ ،‬إلى ما ورد في الحديث الصحيح ‪،‬‬
‫إلى أن مسك الختام لهذه الرسالة ‪ ،‬آخر الزمان ‪ ،‬سيكون بنزول الخلفة‬
‫الراشدة ‪ ،‬وأميرها المهدي في بيت المقدس ‪ ،‬بإذن ال ‪ .‬وهذا مما يوحي بأن‬
‫قيام دولة إسرائيل ‪ ،‬هو أحد أشراط الساعة ‪ ،‬وأن نهايتها ‪ ،‬علمة لقرب ظهور‬
‫المهدي ونزول الخلفة فيها ‪ ،‬وال أعلم ‪ .‬وأهم ما جاءت به الية هو تعريف‬
‫المسجد ‪ ،‬بوصفه بالقصى أي البعد ‪ ،‬وبالذي باركنا حوله ‪ ،‬وهو المسجد‬
‫الذي سيكون موضوع ما يلي هذه الية من آيات ‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫ل‬
‫ن ُدوِني َوِكي ً‬
‫خُذوا ِم ْ‬
‫سَراِئيَل َأّل َتّت ِ‬
‫جَعْلَناُه ُهًدى ِلَبِني ِإ ْ‬
‫ب َو َ‬
‫سى اْلِكَتا َ‬
‫) َوآتْيَنا ُمو َ‬
‫)‪(2‬‬
‫في هذه الية ‪ ،‬يحّذر ال بني إسرائيل ‪ ،‬من الّتكال على غيره ) َل يَّتخِذْ‬
‫سُه )‪ 28‬آل‬ ‫ل َنْف َ‬
‫حّذُرُكْم ا ُّ‬‫ن ‪َ ..‬وُي َ‬ ‫ن اْلُمْؤِمِني َ‬
‫ن ُدو ِ‬
‫ن َأْوِلَياَء ِم ْ‬
‫ن اْلَكاِفِري َ‬‫اْلُمْؤِمُنو َ‬
‫ن الذّّل ‪ ( ..‬أي‬ ‫ي ِم ْ‬‫ن َلُه َوِل ّ‬‫عمران ( ويختم سبحانه السورة ‪ ،‬بقوله ) ‪َ ..‬ولَْم َيُك ْ‬
‫لم يتخذ له حليفا لضعف أو لذّلة ‪ ،‬وهذا تعريض بالعلو الحالي لبني إسرائيل ‪،‬‬
‫لء مضطهدين ‪ ،‬وبموالة الغرب أصبحوا سادة ‪.‬‬ ‫حيث كانوا أذ ّ‬
‫ويذّكرهم فيها بما أنزله عليهم من الهدى ‪ ،‬ليكون لهم نورا يهتدون به ‪ ،‬ومن‬
‫ضمنه هذه النبوءة ‪ ،‬التي أعادها إلى أذهانهم مخاطبا إياهم بمضمونها ‪ ،‬وكما‬
‫وردت في الكتاب الذي ُأنزل على موسى عليه السلم ‪ ،‬ويحّذرهم من اّتخاذ‬
‫ن على حّد سواء ‪.‬‬ ‫أولياء من دونه ‪ ،‬من النس والج ّ‬
‫فاختاروا الولء لغير ال ‪ ،‬وتمسكنوا ‪ ،‬وحّققوا مآربهم منذ البداية بالفساد‬
‫ططوا له بمكرهم ودهائهم ‪ ،‬ونفّذه غيرهم ‪ ،‬من فتن وحروب‬ ‫والفساد ‪ ،‬بما خ ّ‬
‫سبقت وهّيأت الظروف ‪ ،‬وتسّببت في قيام دولتهم في فلسطين ‪ .‬ولما تمكنوا‬
‫استعلوا واستكبروا فيها ‪ ،‬استمروا بالفساد والفساد ‪ ،‬وساموا أهلها سوء‬
‫العذاب ‪ ،‬فاستحّقوا غضب ال واستوجبوا العقاب ‪ ،‬فتوافق أمرهم مع ذهب إليه‬
‫النص القرآني ‪ ،‬بِذكر إفسادهم في الرض بمجملها أول ‪ ،‬ومن ثم جاء ِذكر‬
‫ن ِفي اَْلْر ِ‬
‫ض‬ ‫سُد ّ‬
‫علوهم الكبير الذي نشهده هذه اليام ‪ ،‬في قوله تعالى ) َلُتْف ِ‬
‫عُلّوا َكِبيًرا ( ‪.‬‬‫ن ُ‬ ‫ن َوَلَتْعُل ّ‬
‫َمّرَتيْ ِ‬
‫شُكوًرا )‪(3‬‬
‫عْبًدا َ‬
‫ن َ‬
‫ح ِإّنُه َكا َ‬
‫حَمْلَنا َمَع ُنو ٍ‬
‫ن َ‬
‫) ُذّرّيَة َم ْ‬
‫يقول ابن كثير ‪ " :‬تقديره يا ذرّية من حملنا مع نوح ‪ ،‬فيه تهييج وتنبيه على‬
‫جه لبني إسرائيل ‪ ،‬وبالضافة لما قاله ابن كثير ‪ ،‬نلمس‬ ‫المنة " وهذا النداء مو ّ‬
‫تهديدا وتحذيرا خفيا لبني إسرائيل ‪ ،‬من وراء ذكر نوح عليه السلم ‪ ،‬فعادة ما‬
‫ن عليهم بتذكيرهم بنعمة النجاة من فرعون وقومه ‪) ،‬‬ ‫كان سبحانه وتعالى ‪ ،‬يم ّ‬
‫ن )‪ 50‬البقرة (‬‫ظُرو َ‬
‫ن َوَأْنُتْم َتن ُ‬
‫عْو َ‬
‫غَرْقَنا آَل ِفْر َ‬
‫جْيَناُكْم َوَأ ْ‬
‫حَر َفَأْن َ‬
‫َوِإْذ َفَرْقَنا ِبكْم اْلَب ْ‬
‫ن عليهم فيها ‪،‬‬
‫إل في هذا الموضع ‪ ،‬وهي المرة الوحيدة في القرآن التي يم ّ‬
‫بأنهم سللة من حمل مع نوح عليه السلم ‪ ،‬أي من الذين أنجاهم ال من‬
‫الطوفان ‪ ،‬حثا لهم على اليمان به ‪ ،‬والعبادة والشكر له كما كان يفعل نوح‬
‫‪44‬‬
‫ن ِفعل هؤلء هو الذي أنجاهم من الهلك ‪ ،‬فإن لم يفعلوا‬ ‫والذين حملهم معه ‪ ،‬وأ ّ‬
‫ل بقوم نوح ‪ .‬وِذْكُر نوح في هذا الموضع وتكرار‬ ‫ل بهم ما ح ّ‬ ‫كما فعلوا ‪ ،‬ح ّ‬
‫ح َوَكَفى‬ ‫ن َبْعِد ُنو ٍ‬ ‫ن ِم ْ‬ ‫ن اْلُقُرو ِ‬ ‫ذكره ‪ ،‬في الية )‪ 17‬السراء ( ) َوَكْم َأْهَلْكَنا ِم ْ‬
‫صيًرا ( دفعني إلى إلقاء نظرة على سورة نوح ‪.‬‬ ‫خِبيًرا َب ِ‬ ‫عَباِدِه َ‬
‫ب ِ‬ ‫ك ِبُذُنو ِ‬‫ِبَرّب َ‬
‫ب َأِليٌم )‪ِ ... (1‬إ ّ‬
‫ن‬ ‫عَذا ٌ‬ ‫ن َيْأِتَيُهْم َ‬‫ن َقْبِل َأ ْ‬
‫ك ِم ْ‬ ‫ن َأنِذْر َقْوَم َ‬ ‫ومنها قوله تعالى ) ‪َ ...‬أ ْ‬
‫جَعُلوا‬ ‫عاِئي ِإّل ِفَراًرا )‪َ … (6‬‬ ‫خُر ‪َ ... (4) ...‬فَلْم َيِزْدُهْم ُد َ‬ ‫جاَء َل ُيَؤ ّ‬ ‫ل ِإَذا َ‬‫جَل ا ِّ‬‫َأ َ‬
‫سِتْكَباًرا )‪… (7‬‬ ‫سَتْكَبُروا ا ْ‬ ‫صّروا َوا ْ‬ ‫شْوا ِثَياَبُهْم َوَأ َ‬‫سَتْغ َ‬ ‫صابَِعُهْم ِفي آَذاِنِهْم َوا ْ‬ ‫َأ َ‬
‫جَعْل َلُكْم َأْنَهاًرا )‪َ (12‬ما َلُكْم َل‬ ‫ت َوَي ْ‬
‫جّنا ٍ‬ ‫جَعْل َلُكْم َ‬ ‫ن َوَي ْ‬‫َوُيْمِدْدُكْم ِبَأْمَواٍل َوَبِني َ‬
‫ن َلْم َيِزْدُه‬‫صْوِني َواّتَبُعوا َم ْ‬ ‫ع َ‬ ‫ب ِإّنُهْم َ‬‫ح َر ّ‬ ‫ل َوَقاًرا )‪َ … (13‬قاَل ُنو ٌ‬ ‫ن ِّ‬ ‫جو َ‬‫َتْر ُ‬
‫ضّلوا َكِثيًرا ‪) ...‬‬ ‫ساًرا )‪َ (21‬وَمَكُروا َمْكًرا ُكّباًرا )‪َ .. (22‬وَقْد َأ َ‬ ‫خ َ‬‫َماُلُه َوَوَلُدُه ِإّل َ‬
‫ن َدّياًرا )‪َ ... (26‬وَل َتزِْد‬ ‫ن اْلَكاِفِري َ‬‫ض ِم ْ‬‫عَلى الَْْر ِ‬ ‫ب لَ َتَذْر َ‬ ‫‪َ … (24‬ر ّ‬
‫ن ِإلّ َتَباًرا )‪ 28‬نوح (‬ ‫ظاِلِمي َ‬‫ال ّ‬
‫اقرأ هذه اليات وتفّكر وتدّبر ) ‪ ..‬أول إنذار ‪ ..‬ول تأخير ‪ ..‬فرار ‪ ..‬إصرار‬
‫واستكبار ‪ ..‬إمداد بأموال وأولد ‪ ..‬وجنات وأنهار ‪ ..‬استهزاء وسخرية ‪..‬‬
‫عصيان ‪ ..‬عبادة القوة والمال ‪ ..‬المكر الكبير ‪ ..‬الضلل ‪ ..‬الكفر ‪ ..‬وأخيرا‬
‫تبار ‪( ..‬‬
‫وهذا هو حال بني إسرائيل ‪ ..‬وهذا هو الفساد في الرض ‪ ..‬ورّد ال عليه‬
‫أوله إنذار ‪ ..‬فإن كان هناك استكبار وإصرار ‪ ..‬كان هناك تبار ‪ .‬يقول سبحانه‬
‫عَلْيَها ‪َ ،‬ولَ َتِزُر‬ ‫ضّل َ‬‫ضّل َفإِّنَما َي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫سِه ‪َ ،‬وَم ْ‬ ‫ن اْهَتَدى َفِإّنَما َيْهَتِدي ِلَنْف ِ‬ ‫) َم ْ‬
‫سوًل )‪ 15‬السراء ( ‪.‬‬ ‫ث َر ُ‬ ‫حّتى َنْبَع َ‬ ‫ن َ‬ ‫خَرى ‪َ ،‬وَما ُكّنا ُمَعّذِبي َ‬ ‫َواِزَرٌة ِوْزَر ُأ ْ‬
‫والرسول قد ُبعث ‪ ،‬منذ ألف وأربعمائة وإحدى وثلثون عاما ‪ ،‬وقد أتاهم‬
‫بالنذار في كتاب ربه ‪ ) ،‬وصحيفة النذار ( الموجهة لتلك الفاعي في الجحر‬
‫البيض ‪ ،‬وتلك الطفّيليات في منتجعات المال العالمية ‪ ،‬التي تمتص بنهم دماء‬
‫الكرة الرضية ‪ ،‬وتلك الفئران المستأسدة في قدس القداس ‪ ،‬هي ) سورة بني‬
‫إسرائيل ( ومن أول حرف فيها وحتى آخر حرف ‪ ،‬حيث قال فيها ) َوِإَذا َأَرْدَنا‬
‫ك َقْرَيًة َأَمْرَنا ُمْتَرِفيَها ‪ ( ..‬وقد ساد دولة الكفر ويسودها ‪ ،‬قطاع الطرق‬ ‫ن ُنْهِل َ‬
‫َأ ْ‬
‫سُقوا ِفيَها ‪ ( ..‬فاغتالوا أصالتها ‪،‬‬ ‫واللصوص والقتلة ‪ ،‬وأسافل مجرميها ) ‪َ ..‬فَف َ‬
‫وقدسّية أرضها ‪ ،‬ووقار شيخوختها ‪ ،‬وسكينة عّبادها ‪ ،‬وحياء حرائرها ‪،‬‬
‫عَلْيَها اْلَقْوُل ‪ ، ( ..‬وهذا‬ ‫ق َ‬ ‫حّ‬ ‫وأحلم طفولتها ‪ ،‬وحتى طهارة مساجدها ) ‪ ..‬فَ َ‬
‫‪45‬‬
‫جوَهُكْم … ( ‪ ،‬وهذا هو ) فعله (‬ ‫سوُءوا ُو ُ‬ ‫هو ) قول ( رب العزة ‪ِ … ) ،‬لَي ُ‬
‫ك‬
‫) ‪َ ..‬فَدّمْرَناَها َتْدِميًرا )‪ 16‬السراء ( وهذا هو ) تعقيبه ( ) … َوَكَفى ِبَرّب َ‬
‫صيًرا )‪ 17‬السراء ( وهذه هي ) خاتمته ( ) َوُقْل اْلحَْمُد‬ ‫خِبيًرا َب ِ‬‫عَباِدِه َ‬ ‫ب ِ‬‫ِبُذُنو ِ‬
‫ن‬
‫ي ِم ْ‬‫ن َلُه َوِل ّ‬
‫ك ‪َ ،‬وَلْم َيُك ْ‬
‫ك ِفي اْلُمْل ِ‬‫شِري ٌ‬
‫ن َلُه َ‬
‫خْذ َوَلًدا ‪َ ،‬وَلْم َيُك ْ‬
‫ل الِّذي َلْم َيّت ِ‬
‫ِّ‬
‫الّذّل ‪َ ،‬وَكّبْرُه َتْكِبيًرا ) ‪ 111‬السراء ( ‪.‬‬
‫اقتصرت مقدمة السورة على ثلث آيات فقط ‪ ،‬حملت من المعاني ما يشحذ‬
‫الفكر والوجدان ‪ ،‬ويعمل على تهييج العقل وتنبيهه من غفلته ‪ ،‬لستقبال‬
‫واستيعاب ما سيأتي من عرض ‪ ،‬لنبوءة ستغير مجرى التاريخ في يوم أو‬
‫سهم في‬ ‫بضعة أيام ‪ .‬وهذه النبوءة تعني كل من سمع برسالت السماء ‪ ،‬وتم ّ‬
‫صميم معتقداتهم ‪ ،‬وأكثرهم تأّثرا هم أصحاب الديانات الثلث ‪ ،‬والذي يمتلك‬
‫ص عودة اليهود إلى الرض المقدسة ‪،‬‬ ‫كل منهم مخزونا عقائديا ‪ ،‬فيما يخ ّ‬
‫يلتقي مع أحدها ويتعارض مع الخر في التفاصيل والحداث ‪.‬‬
‫ن َوَلَتْعُل ّ‬
‫ن‬ ‫ض َمّرَتْي ِ‬
‫ن ِفي اَْلْر ِ‬
‫سُد ّ‬
‫ب ‪َ ،‬لُتْف ِ‬
‫سراِئيَل ِفي اْلِكَتـا ِ‬
‫ضْيَنا ِإَلى َبِني إ ْ‬
‫) َوق َ‬
‫عُلّوا َكِبيًرا )‪(4‬‬ ‫ُ‬

‫ب‪:‬‬
‫ل ِفي اْلِكَتشا ِ‬
‫سراِئي َ‬
‫ضْيَنا ِإَلى َبِني إ ْ‬
‫َوق َ‬
‫ورد جذر الفعل قضى في القرآن )‪ (63‬مرة ‪ ،‬ومشتقات هذا الفعل حملت عدة‬
‫معاني ‪ ،‬وعادة ما يأتي هذا الفعل ‪ ،‬ليفيد تمام العمل الوارد نصا في السياق ‪ ،‬أو‬
‫سَكُكْم )‪ 200‬البقرة ( ‪،‬‬‫ضْيُتْم َمَنا ِ‬
‫المفهوم ضمنا ‪ ،‬كما في قوله تعالى ) َفِإَذا َق َ‬
‫بمعنى أنجزتم مناسككم وانتهيتم منها ‪ ،‬وقوله تعالى في شأن لوط وقومه )‬
‫ن )‪ 66‬الحجر ( ‪ ،‬أي‬ ‫حي َ‬
‫صِب ِ‬
‫ع ُم ْ‬ ‫طو ٌ‬‫ن َداِبَر َهُؤلَِء َمْق ُ‬‫ك الَْْمَر ‪َ ،‬أ ّ‬ ‫ضْيَنا ِإَلْيِه َذِل َ‬
‫َوَق َ‬
‫أخبرناه بالمر ‪ ،‬على وجه النتهاء منه ‪ ،‬إذ ل رجعة عنه ‪ ،‬فل نقاش ول جدال‬
‫حُيُه )‪ 114‬طه ( ‪ ،‬أي‬ ‫ك َو ْ‬‫ضى ِإَلْي َ‬‫ن ُيْق َ‬‫ن َقْبِل َأ ْ‬
‫ن ‪ِ ،‬م ْ‬‫جْل ِباْلُقْرَءا ِ‬‫فيه ‪َ ) ،‬ولَ َتْع َ‬
‫من قبل أن ُتخبر بوحيه ‪ ،‬على وجه التمام ‪.‬‬
‫ب ( أي أّنا كّنا قد أخبرنا بني‬ ‫سراِئيَل ِفي اْلِكَتا ِ‬ ‫ضْيَنا ِإَلى َبِني إ ْ‬‫وقوله تعالى ) َوق َ‬
‫إسرائيل في كتابهم ‪ -‬أي أن مضمون هذا الخبر موجود في كتابهم نصا حتى‬
‫هذه اللحظة ‪ -‬بما سيأتي تفصيله فيما يلي ‪ ،‬من شأن إفسادهم وعلوهم في‬
‫جه في الحقيقة لمن هم من غير‬ ‫الرض ‪ ،‬وهذا الخطاب ‪ ،‬في هذه العبارة ‪ ،‬مو ّ‬
‫بني إسرائيل ‪ ،‬ممن ليس لديهم ‪ ،‬علم أو اطلع على هذا المر ‪ ،‬ليطلعهم ال‬
‫‪46‬‬
‫على هذا المر ‪ ،‬وما كان ال لُيخبر عنه إل لعظيم شأن ‪ ،‬وذلك من سابق علم‬
‫علم الغيوب ‪ ،‬بما سيكون منهم مستقبل ‪ ،‬وليس ما قضاه عليهم بمعنى المر‬
‫أو الحكم ‪ ،‬فحاشا ل أن يأمر بالفساد في الرض أو أن يقضي به ‪.‬‬
‫والكتاب المقصود هنا هو كتاب موسى عليه السلم ‪ ،‬المنصوص عليه في الية‬
‫الثانية أعله ‪ ،‬وليس التوراة ‪ ،‬فكتاب موسى شيء والتوراة شيء آخر ‪ .‬والذي‬
‫قادني إلى معرفة تلك الحقيقة ‪ ،‬هو تساؤلي ‪ ،‬أول ‪ :‬عن سبب عدم ذكر التوراة‬
‫بدل من الكتاب ‪ ،‬وثانيا ‪ :‬رغبتي بالطلع على نص النبوءة في التوراة‬
‫نفسها ‪ ،‬فيما لو وجد ‪ .‬وبعد أن استخرجت كافة اليات القرآنية ‪ ،‬التي ُذكر فيها‬
‫موسى ‪ ،‬والتي ُذكرت فيها التوراة ‪ ،‬تبين لي أن ذكر التوراة ‪ ،‬لم يرتبط بذكر‬
‫موسى على الطلق ‪ ،‬وعدم الربط بينهما ل بد له من سبب ‪ ،‬وبيان ذلك ‪،‬‬
‫والنص التوراتي للنبوءة في الترجمات العربية للتوراة اللتينية ‪ ،‬سيأتي في‬
‫فصل قادم ‪ ،‬إن شاء ال ‪.‬‬
‫عُلّوا َكِبيًرا ‪:‬‬
‫ن ُ‬
‫ن َوَلَتْعُل ّ‬
‫ض َمّرَتْي ِ‬
‫لْر ِ‬
‫ن ِفي ا َْ‬
‫سُد ّ‬
‫َلُتْف ِ‬
‫هنا حصل التفات من الحديث عن الغائب ‪ ،‬وهم بني إسرائيل ككل ‪ ،‬في قوله‬
‫ب ( ‪ ،‬ومن ثم عاد سبحانه ‪ ،‬لتوجيه‬ ‫سراِئيَل ِفي اْلِكَتــا ِ‬ ‫ضْيَنا ِإَلى َبِني إ ْ‬ ‫تعالى ) َوَق َ‬
‫طب ‪ ،‬وهم بني إسرائيل ) المعاصرين ( لرسالة‬ ‫الحديث إلى الحاضر الُمخا َ‬
‫السلم ‪ ،‬وذلك بسرد النبوءة ‪ ،‬بنفس السلوب والعبارات ‪ ،‬التي أنزلت عليهم‬
‫في كتابهم ‪ ،‬قبل ‪ 3‬آلف ‪ ،‬زمن موسى عليه السلم ‪ .‬فجاءت نصوصها‬
‫مخاطبة لبني إسرائيل ‪ ،‬ولكن بألفاظ عربية جزلة موجزة ‪ ،‬كما وأضيف إليها‬
‫تعقيبات ‪ ،‬لتبين وتؤكد بعض ما تحّقق منها ‪ ،‬قبل إنزالها في سورة السراء‬
‫مرة أخرى ‪ ،‬على محمد عليه الصلة والسلم ‪ .‬فبدأت بقوله تعالى‬
‫ن ‪. ( ...‬‬ ‫ن ‪َ ...‬وَلَتْعُل ّ‬‫سُد ّ‬
‫) َلُتْف ِ‬
‫ن سبحانه ‪ ،‬ما بين الفساد والعلو في المرتين ‪ ،‬في قوله )‬ ‫في هذا الموضع َقَر َ‬
‫عُلّوا َكِبيًرا )‪ 4‬السراء ( ولم يوضح‬ ‫ن ُ‬‫ن َوَلَتْعُل ّ‬ ‫ض َمّرَتْي ِ‬‫ن ِفي الَْْر ِ‬ ‫َلُتْفسُِد ّ‬
‫التفاصيل ‪ ،‬ولتكون لدينا القدرة ‪ ،‬على معرفة شكل هذا الفساد وهذا العلو ‪،‬‬
‫دعنا نمعن النظر في اليات التالية ‪ ،‬حيث اقترن فيها المرين معشا ‪ ،‬في‬
‫ل ِفي اَْلْرضِ‬ ‫عَ‬‫ن َ‬ ‫عْو َ‬
‫ن ِفْر َ‬‫مواضع أخرى من القران الكريم ‪ ،‬كقوله تعالى ) ِإ ّ‬
‫سَتْيَقَنْتَها‬
‫حُدوا ِبَها َوا ْ‬
‫جَ‬ ‫ن )‪ 4‬القصص ( ‪ ،‬وقوله ) َو َ‬ ‫سِدي َ‬‫ن اْلُمْف ِ‬ ‫ن ِم ْ‬
‫… ِإّنُه َكا َ‬
‫ن )‪ 14‬النمل ( ‪ ،‬حيث‬ ‫سِدي َ‬‫عاِقَبُة اْلمُْف ِ‬
‫ن َ‬‫ف َكا َ‬
‫ظْر َكْي َ‬ ‫عُلّوا َفان ُ‬ ‫ظْلًما َو ُ‬‫َأْنُفسُُهْم ُ‬
‫‪47‬‬
‫جاءت هذه الية ‪ ،‬تعقيبا على فرعون وقومه لما علو وأفسدوا ‪ ،‬وجحدوا بآيات‬
‫ال ‪ ،‬فكان جزاءهم الهلك غرقا ‪.‬‬
‫ساًدا‬‫ض َوَل َف َ‬ ‫عُلّوا ِفي اَْلْر ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫ن َل ُيِريُدو َ‬ ‫جَعُلَها ِلّلِذي َ‬‫خَرُة َن ْ‬‫لِ‬ ‫ك الّداُر ا ْ‬ ‫وقوله ) ِتْل َ‬
‫ن جزاء من لم ُيرد العلو‬ ‫ن )‪ 83‬القصص ( توضح هذه الية ‪ ،‬بأ ّ‬ ‫َواْلَعاِقَبُة ِلْلُمّتِقي َ‬
‫والفساد ‪ ،‬سواء كان قادرا على ذلك أم لم يكن ‪ ،‬هو أن يكون لهم حسن ثواب‬
‫الدنيا والخرة ‪ ،‬والعاقبة للمتقين بإذن ال ‪ ،‬وذلك تعقيبا على قارون وصنيعه‬
‫ن‬
‫ل به وبكنوزه ‪ ،‬حيث قال تعالى فيما آتاه ‪ ،‬من المال والقوة ) َوآَتْيَناُه ِم ْ‬ ‫وما ح ّ‬
‫صَبِة ُأوِلي اْلُقّوِة )‪ ، (76‬فجحد نعم ال ونسبها‬ ‫حُه َلَتُنوُء ِباْلُع ْ‬ ‫ن َمَفاِت َ‬‫اْلُكُنوِز َما ِإ ّ‬
‫ن َقْبِلِه‬‫ك ِم ْ‬‫ل َقْد َأْهَل َ‬
‫ن ا َّ‬ ‫عنِدي َأَولَْم َيْعَلْم َأ ّ‬ ‫عْلٍم ِ‬ ‫عَلى ِ‬ ‫إلى نفسه ) َقاَل ِإّنَما ُأوِتيُتُه َ‬
‫ج‬
‫خَر َ‬ ‫جْمًعا )‪ ، (78‬فعل واستكبر ) َف َ‬ ‫شّد ِمْنُه ُقّوًة َوَأْكَثُر َ‬ ‫ن ُهَو َأ َ‬ ‫ن َم ْ‬ ‫ن الُقُرو ِ‬ ‫ِم ْ‬
‫ض )‪81‬‬ ‫سْفَنا ِبِه َوِبَداِرِه اَْلْر َ‬ ‫خ َ‬‫عَلى َقْوِمِه ِفي ِزيَنِتِه )‪ ، (79‬فأهلكه ال )َف َ‬ ‫َ‬
‫القصص ( ‪ ،‬ليجعله عبرة لغيره ‪.‬‬
‫والملفت للنظر ‪ ،‬أن اقتران العلو بالفساد ‪ ،‬جاء في أربع آيات فقط من مجمل‬
‫القرآن ‪ ،‬وكلها ذات علقة ببني إسرائيل ‪ ،‬وقد تقدم ذكرها أعله ‪.‬‬
‫والقرآن كما نعلم ُأنزل للناس كافة ‪ ،‬منذ اليوم الول لبعثة نبينا ‪ ،‬عليه أفضل‬
‫الصلة وأتم التسليم ‪ ،‬وحتى يرث ال الرض ومن عليها ‪ ،‬ومن ضمن هؤلء‬
‫بني إسرائيل ‪ ،‬الذين عاصروا هذه الرسالة وهذا القرآن ‪ ،‬وقد ذّكرهم ال وما‬
‫زال ُيّذكرهم ‪ ،‬في معجزته الخالشدة بمشا حصل لفرعون وقارون ‪ ،‬وهم أشّد‬
‫الناس قربا لهم ‪ ،‬لما علوا وأفسدوا في الرض ‪ ،‬وأّنهم إن أصّروا على الفساد‬
‫ن َتجَِد‬ ‫ن َفَل ْ‬
‫سّنَة اَْلّوِلي َ‬‫ن ِإّل ُ‬ ‫ظُرو َ‬ ‫في الرض ‪ ،‬مضت فيهم سنة الولين ) َفَهْل َيْن ُ‬
‫ل )‪ 43‬فاطر ( ‪ ،‬وقال في سورة‬ ‫حِوي ً‬ ‫لت ْ‬ ‫سّنِة ا ِّ‬ ‫جَد ِل ُ‬
‫ن َت ِ‬ ‫ل َوَل ْ‬‫ل َتْبِدي ً‬ ‫سّنِة ا ِّ‬‫ِل ُ‬
‫ل )‪(77‬‬ ‫حِوي ً‬ ‫سّنِتَنا َت ْ‬
‫جُد ِل ُ‬
‫سِلَنا َوَل َت ِ‬ ‫ن ُر ُ‬ ‫ك ِم ْ‬ ‫سْلَنا َقْبَل َ‬
‫ن َقْد َأْر َ‬‫سّنَة َم ْ‬‫السراء ) ُ‬
‫ن ل مناص لهم‬ ‫لينالهم ما نال سابقيهم ‪ ،‬من العذاب في الدنيا والخرة ‪ ،‬وأ ّ‬
‫ل بالعودة إليه والنابة له ‪ ،‬ولكن هيهات لمن قيل‬ ‫للنجاة من سخطه وغضبة ‪ ،‬إ ّ‬
‫سَوًة …‬ ‫شّد َق ْ‬ ‫جاَرِة َأْو َأ َ‬‫حَ‬ ‫ي َكاْل ِ‬ ‫ك َفِه َ‬ ‫ن َبْعِد َذِل َ‬‫ت ُقُلوُبُكْم ِم ْ‬ ‫س ْ‬ ‫في أسلفهم ) ُثّم َق َ‬
‫ن )‪ 74‬البقرة ( ‪.‬‬ ‫عّما َتْعَمُلو َ‬ ‫ل ِبَغاِفٍل َ‬ ‫َوَما ا ُّ‬
‫علّو بني إسرائيل في المرة الولى ‪ ،‬لم تتضح تفاصيله في سورة السراء ‪،‬‬
‫لكنها جلّية واضحة في مواضع أخرى من القران ‪ ،‬وسيأتي الحديث عنها في‬
‫حينه ‪ ،‬أما ما نحن بصدده الن ‪ ،‬هو توضيح مفهوم العلّو ‪ ،‬ولدينا مثالين هما‬
‫‪48‬‬
‫ن العلّو المقصود هنا ‪ ،‬هو علّوهم كأّمة‬ ‫فرعون وقومه وقارون وكنوزه ‪ ،‬وبما أ ّ‬
‫وليس كأفراد ‪ ،‬فالخيار يقع على علّو فرعون وقومه ‪ ،‬وهذه آيات تعرضت‬
‫ن ِفي َقْوِمِه‬ ‫عْو ُ‬‫لبعض من مظاهر هذا العلو ومقوماته ‪ ،‬قال تعالى ) َوَناَدى ِفْر َ‬
‫ن)‬ ‫صُرو َ‬ ‫ل تُْب ِ‬ ‫حِتي َأَف َ‬ ‫ن َت ْ‬
‫جِري ِم ْ‬ ‫صَر َوَهِذِه الَْْنَهاُر َت ْ‬ ‫ك ِم ْ‬‫س ِلي ُمْل ُ‬ ‫َقاَل َيا َقْوِم َأَلْي َ‬
‫ن‬
‫ظاِهِري َ‬ ‫ك اْلَيْوَم َ‬ ‫‪ 51‬الزخرف ( وعلى لسان مؤمن آل فرعون ) َيا َقْوِم َلُكْم اْلُمْل ُ‬
‫لُه‬
‫ن َوَم َ‬ ‫عْو َ‬‫ت ِفْر َ‬ ‫ك آَتْي َ‬ ‫سى َرّبَنا ِإّن َ‬ ‫ض )‪ 29‬غافر ( ‪ ،‬وقال ) َوَقاَل ُمو َ‬ ‫ِفي اَْلْر ِ‬
‫حَر رَْهًوا ِإّنُهْم‬ ‫ك اْلَب ْ‬ ‫حَياِة الّدْنَيا )‪ 88‬يونس ( ‪ ،‬وقال ) َواْتُر ْ‬ ‫ِزيَنةً َوَأْمَوالً ِفي اْل َ‬
‫ع َوَمَقامٍ َكِريٍم )‬ ‫ن )‪َ (25‬وُزُرو ٍ‬ ‫عُيو ٍ‬ ‫ت َو ُ‬ ‫جّنا ٍ‬‫ن َ‬ ‫ن )‪َ(24‬كْم َتَرُكوا ِم ْ‬ ‫جنٌد ُمْغَرُقو َ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪ 27‬الدخان ( وبالقليل من التدبر في اليات‬ ‫‪َ (26‬وَنْعَمٍة َكاُنوا ِفيَها َفاِكِهي َ‬
‫السابقة ‪.‬‬
‫ن مقومات علو فرعون ومله ‪ ،‬وهم علية القوم ‪ ،‬ويمثلهم في زماننا ‪،‬‬ ‫نجد أ ّ‬
‫رجال الحكم والقضاء والدولة ‪ ،‬ورجال السياسة والمال والقتصاد ‪ ،‬والوجهاء‬
‫ورؤوس الناس ‪ ،‬تتمثل فيما يلي ‪ :‬ملك مصر والسيادة على أهلها ‪ ،‬والقوة‬
‫والمنعة والظهور في الرض ‪ ،‬وامتلك الزينة والموال ‪ ،‬والجنات والعيون ‪،‬‬
‫والنهار الجارية ‪ ،‬والزرع والمقام الكريم ‪ ،‬والنعم المختلفة ‪.‬‬
‫ش مفهوم العلو ‪ :‬هو مظهر من مظاهر الحياة ‪ ،‬بمعنى الستعلء والرتفاع‬
‫والتكّبر والتجّبر ‪ ،‬من خلل امتلك مقومات مادية ‪ ،‬كالرض والمال والقوة ‪،‬‬
‫مما ُيمّكن الظلمة والمفسدون من سيادة الناس وسياستهم ‪ ،‬والتحكم في تصريف‬
‫شؤونهم ‪ ،‬على وجه من الظلم والبغي ‪.‬‬
‫أما مفهوم الفساد ؛ فهو يتمّثل في بعض ‪ ،‬ما قيل من آيات في فرعون وقومه ‪،‬‬
‫ن )‪ 83‬يونس ( ‪،‬‬ ‫سِرِفي َ‬ ‫ن اْلُم ْ‬ ‫ض َوِإّنهُ َلِم ْ‬ ‫ن َلَعاٍل ِفي الَْْر ِ‬ ‫عْو َ‬ ‫ن ِفْر َ‬ ‫قال تعالى ) َوِإ ّ‬
‫طائَِفًة ِمْنُهْم‬‫ف َ‬ ‫ضِع ُ‬ ‫سَت ْ‬ ‫شَيًعا َي ْ‬‫جَعَل َأْهَلَها ِ‬ ‫ض َو َ‬‫ل ِفي الَْْر ِ‬ ‫عَ‬ ‫ن َ‬ ‫عْو َ‬ ‫ن ِفْر َ‬‫وقال ) ِإ ّ‬
‫ن )‪ 4‬القصص ( ‪ ،‬وقال )‬ ‫سِدي َ‬ ‫ن اْلمُْف ِ‬ ‫ن ِم ْ‬ ‫ساَءُهْم ِإّنُه َكا َ‬‫ي ِن َ‬‫حِ‬ ‫سَت ْ‬‫ح َأْبَناَءُهْم َوَي ْ‬ ‫ُيَذّب ُ‬
‫ن )‪ 46‬المؤمنون ( ‪ ،‬وقال )‬ ‫عاِلي َ‬ ‫سَتْكَبُروا َوَكاُنوا َقْوًما َ‬ ‫ن َوَمَلِئِه َفا ْ‬ ‫عْو َ‬‫ِإَلى ِفْر َ‬
‫لَيَة‬ ‫ن )‪ 12‬النمل ( ‪ ،‬وقال ) َفَأَراُه ا ْ‬ ‫سِقي َ‬‫ن َوَقْوِمِه ِإّنُهْم َكاُنوا َقْوًما َفا ِ‬ ‫عْو َ‬‫ِإَلى ِفْر َ‬
‫شَر َفَناَدى )‪(23‬‬ ‫ح َ‬ ‫سَعى )‪َ (22‬ف َ‬ ‫صى )‪ُ (21‬ثّم َأْدَبَر َي ْ‬ ‫ع َ‬ ‫ب َو َ‬ ‫اْلُكْبَرى )‪َ (20‬فَكّذ َ‬
‫ل َما‬‫ن َيا َأّيَها اْلَم َُ‬ ‫عْو ُ‬ ‫عَلى )‪ 24‬النازعات ( ‪ ،‬وقال ) َوَقاَل ِفْر َ‬ ‫َفَقاَل َأَنا َرّبُكْم الَْ ْ‬
‫عوهُ ِإّنُهْم‬‫طا ُ‬ ‫ف َقْوَمُه َفَأ َ‬ ‫خ ّ‬ ‫سَت َ‬ ‫غْيِري )‪ 38‬القصص ( ) َفا ْ‬ ‫ن ِإَلٍه َ‬ ‫عِلْمتُ َلُكْم ِم ْ‬ ‫َ‬

‫‪49‬‬
‫ن َقْوَمُه َوَما َهَدى )‪79‬‬
‫عْو ُ‬
‫ضّل ِفْر َ‬
‫ن )‪ 54‬الزخرف ( ) َوَأ َ‬ ‫سِقي َ‬
‫َكاُنوا َقْوًما َفا ِ‬
‫طه ( ‪.‬‬
‫ل أهل مصر فرقا وطوائف متنابذة ‪،‬‬ ‫ومظاهر إفساده تتمثل فيما يلي ‪ :‬جْع ُ‬
‫واستضعاف طائفة منهم ) بني إسرائيل ( ‪ ،‬بذبح أبنائهم واستحياء نسائهم ‪،‬‬
‫والسراف في كل أمره ‪ ،‬والستكبار والفسق ‪ ،‬وتكذيب الرسل ‪ ،‬ومعصية ال‬
‫وجحود آياته ‪ ،‬واّدعاء الربوبية واللوهية ‪ ،‬واستخفاف الناس وإضللهم ‪.‬‬
‫ش مفهوم الفساد ‪ :‬استضعاف الناس وتفريقهم وتصنيفهم ‪ ،‬وإثارة الفتن فيما‬
‫بينهم ‪ ،‬والقتل وسفك الدماء ‪ ،‬وتكذيب الرسل ‪ ،‬وتكذيب آيات ال وجحودها ‪،‬‬
‫ومعصية ال ورسله ‪ ،‬واستخفاف عقول الناس وتضليلهم وإضللهم ‪ ،‬وإنكار‬
‫ربوبية ال ‪ ،‬وإنكار أحقيته في العبادة دون غيره ‪.‬‬
‫وخلصة القول ‪ :‬هذا هو مفهوم العلو ‪ ،‬وهذا هو مفهوم الفساد ‪ ،‬الذي تتحدث‬
‫ي من المرتين ‪ ،‬يجب أن‬ ‫عنهما سورة السراء ‪ ،‬لذلك عند أي محاولة لتعيين أ ّ‬
‫تكون الحالة موضوع البحث ‪ ،‬مطابقة تماما لما كان عليه فرعون وَمَلئه ‪،‬‬
‫ن علو وإفساد بني إسرائيل ‪ ،‬صورة في مرآة لعلو وإفساد فرعون وَمَلِئه ‪،‬‬ ‫وكأ ّ‬
‫ي حالة‬ ‫ل أن نبحث ‪ ،‬في ماضي بني إسرائيل وحاضرهم ‪ ،‬عن أ ّ‬ ‫وما علينا إ ّ‬
‫ترافق فيها مثل هذا العلو ومثل هذا الفساد ‪ ،‬كما هو الحال بالنسبة لفرعون‬
‫وقومه ‪ .‬ولن نذهب بعيدا ‪ ،‬فإحداهما موصوفة في القران الكريم وبالتفصيل‬
‫أيضا ‪ .‬والخرى نشاهدها بأم أعيننا على أرض الواقع ‪ ،‬منذ أكثر من خمسين‬
‫عاما ‪.‬‬
‫ض‪:‬‬
‫لْر ِ‬
‫ِفي ا َْ‬
‫قرن سبحانه وتعالى ‪ ،‬بين الفساد والعلّو لكلتا المرتين بالرض ‪ ،‬ولفظ‬
‫الرض هنا اسم جنس ‪ ،‬وجاءت كذلك لتشمل الجزء والكل والخاص والعام ‪،‬‬
‫عُلّوا َكِبيًرا ( ولم‬‫ن ُ‬ ‫ن َوَلَتْعُل ّ‬
‫ض مَّرَتْي ِ‬‫ن ِفي الَْْر ِ‬ ‫سُد ّ‬
‫حيث قال في الية )‪َ ) (4‬لُتْف ِ‬
‫يحّدد مكانا بعينه ‪ ،‬وعاد سبحانه وحّدد موقع العقاب في المرتين ‪ ،‬حين قال في‬
‫خُلوُه َأّوَل َمّرٍة (‬
‫جَد ‪َ ،‬كَما َد َ‬ ‫سِ‬ ‫خُلوا اْلَم ْ‬
‫جوَهُكْم ‪َ ،‬وِلَيْد ُ‬ ‫سوُءوا ُو ُ‬
‫الية )‪ِ ) (7‬لَي ُ‬
‫حيث ربط ما بين العقاب والمسجد ‪ ،‬لنفهم من ذلك أن العقاب الموعود به بنو‬
‫إسرائيل والمقصود هنا ‪ ،‬سينفذ فيهم في المرتين ‪ ،‬خلل تواجدهم في فلسطين‬
‫) الرض المقدسة ( ‪ ،‬وُذكر المسجد للشارة إلى المكان ‪ .‬وهذا المسجد تم‬
‫‪50‬‬
‫صى اّلِذي‬
‫جِد اَْلْق َ‬
‫سِ‬
‫تعريفه ‪ ،‬في بداية سورة السراء ‪ ،‬في قوله تعالى ) اْلَم ْ‬
‫حْوَلُه )‪ (1‬وقوله الذي باركنا حوله ‪ ،‬أي ما يليه من الرض ‪ ،‬ولم يقل‬ ‫َباَرْكَنا َ‬
‫باركنا فيه ‪ ،‬أي لم ُتحصر البركة في المسجد فقط ‪ ،‬بل شملت ما حوله من‬
‫الرض ‪.‬‬
‫حصر في المرتين ‪ ،‬وأن ذكر الفساد سبق ذكر‬ ‫والملحظ أن ذكر الفساد ُ‬
‫العلّو ‪ ،‬وأن العلو لم ُيحصر في المرتين ‪ ،‬بل ُأفرد ووصف بالكبير ‪ .‬وبما أن‬
‫التركيز هنا على المرة الثانية ‪ ،‬فذلك يوحي بأن الفساد في المرتين متطابق ‪،‬‬
‫وبأن تحصيلهم للعلو ‪ ،‬على القل في المرة الثانية ‪ ،‬سيتأتى عن طريق‬
‫الفساد ‪ ،‬وأن العلو الثاني أكبر من الول ‪ ،‬لذلك تأخر ذكر العلو وصفته ‪ ،‬عن‬
‫كلمة مرتين للختلف ‪ .‬ذلك لن إفساد بني إسرائيل الُمتأّتي عن العلّو ‪ ،‬اقتصر‬
‫على حدود دولتهم ‪ ،‬في فلسطين في المرة الولى ‪ ،‬وهذا ما ُيثبته القرآن‬
‫والتوراة ‪ .‬وأّما إفسادهم وعلّوهم الخير في فلسطين ‪ ،‬والذي نعيشه الن ‪،‬‬
‫سبقه ورافقه إفساد وعلو ‪ ،‬شمل مشارق الرض ومغاربها ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ن العقاب سيحل بهم في الرض المقدسة ‪ ،‬يترتب على ذلك ‪ ،‬حتمية سبق‬ ‫وبما أ ّ‬
‫وقوع الفساد والعلّو فيها ‪ ،‬حتى ولو سبق منهم ‪ ،‬الفساد والعلو في الرض‬
‫على عمومها ‪ ،‬أو تزامن مع إفسادهم وعلوهم ‪ ،‬في الرض المقدسة ‪ ،‬لذلك‬
‫جاء الحديث مجمل في الية )‪ ، (4‬وهي الية الولى من قصة الفسادتين ‪،‬‬
‫فُذكر الفساد والعلو ‪ ،‬لشتراط وقوعهما في المرتين ‪ ،‬ولم يأتي بأي تفاصيل‬
‫ي من المرتين فيها ‪.‬‬ ‫ل ّ‬
‫وخلصة القول ‪ :‬أن الرض التي سيتم فيها ‪ ،‬علو بني إسرائيل وإفسادهم ‪،‬‬
‫هي الرض على عمومها في المرة الثانية ‪ ،‬وفلسطين بشكل خاص في المرتين‬
‫‪ .‬وأن عقابهم في المرتين ‪ ،‬سيكون في الرض المقدسة خاصة ‪ ،‬وزوال‬
‫علوهم في المرة الثانية ‪ ،‬من الرض على عمومها ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ن‪:‬‬
‫َمّرَتْي ِ‬
‫المرة ‪ ،‬هي الفعلة الواحدة ‪ ،‬من شيء ُيمكن تكراره ‪ ،‬والجمع ِمرار ‪ ،‬واعتدنا‬
‫أن نجمعها على مّرات ‪ .‬وقد أوضح سبحانه بما ل يدع مجال للشك ‪ ،‬أنهما‬
‫ح أن ُنضيف ثالثة ‪ ،‬ومن أفتى بثالثة ‪ ،‬فقد أفتى‬
‫مّرتان بصريح اللفظ ‪ .‬ول يص ّ‬
‫بغير علم ‪.‬‬
‫‪51‬‬
‫وعندما تقول ‪ :‬مرة ‪ ،‬ومرتان ‪ ،‬وثلث مرات ‪ ،‬فأنت في الواقع ‪َ ،‬تعّد فعلة‬
‫واحدة تتكّرر ‪ ،‬ولها صفة الستمرار ‪ ،‬كالعمرة والحج مثل ‪ ،‬لتقول اعتمرت‬
‫مرة ‪ ،‬ومرتان ‪ ،‬وثلث ‪ ،‬والعمرة لها شروط ومناسك خاصة بها ‪ ،‬تمّيزها عن‬
‫ح أن َتعّد أفعال مختلفة على أنها مّرات ‪ ،‬كأن‬‫غيرها كالحج مثل ‪ ،‬ول يص ّ‬
‫ج مرة ‪ ،‬اعتمرت مرتين أو حججت مرتين‬ ‫تقول مثل ‪ ،‬عندما تعتمر مرة ‪ ،‬وتح ّ‬
‫ح أن ُتسّمي فعلة غير مكتملة الشروط والمواصفات ‪ ،‬على أنها مرة ‪،‬‬ ‫‪ .‬ول يص ّ‬
‫كعمرة بل طواف أو سعي ‪.‬‬
‫ن المرتين تكرار لفعلة واحدة ‪ ،‬تمتلك نفس الشروط‬ ‫وخلصة القول ‪ :‬أ ّ‬
‫والمواصفات ‪ ،‬وبما أن إفساد بني إسرائيل في الرض ‪ ،‬بدأ منذ نشأتهم ‪ ،‬قبل‬
‫حوالي )‪ (3‬آلف سنة ‪ ،‬واستمر لغاية هذه اللحظة ‪ ،‬كان من الضروري لنا ‪،‬‬
‫أن نستنبط من هذه اليات شروطا ومواصفات ‪ ،‬تجعل من السهولة بما كان ‪،‬‬
‫تحديد المرتين وبدقة متناهية ‪ ،‬وتحديد موقعهما من حيث الزمان والمكان ‪،‬‬
‫وأول شرط من الشروط هو الفساد المقترن بالعلو ‪ ،‬والشرط الثاني أن يكون‬
‫في الرض المقّدسة دون غيرها ‪.‬‬
‫لَل‬
‫سوا خِ َ‬
‫جا ُ‬
‫شِديٍد َف َ‬
‫س َ‬
‫عَباًدا َلَنا ُأوِلي َبْأ ٍ‬
‫عَلْيُكْم ِ‬
‫عُد ُأوَلُهَما َبَعْثَنا َ‬
‫جاَء َو ْ‬‫) َفِإَذا َ‬
‫عًدا َمْفُعوًل )‪(5‬‬ ‫ن َو ْ‬
‫الّدَياِر َوَكا َ‬

‫لُهَما ‪:‬‬
‫عُد ُأو َ‬
‫جاَء َو ْ‬
‫َفِإَذا َ‬
‫جاء أي مجيء الوقت المعين أو الموعد المحّدد ‪ ،‬والوعد أي الموعودين به من‬
‫العقاب والهلك ‪ ،‬والمعنى إجمال هو مجيء زمن الستحقاق ‪ ،‬لنفاذ الوعد‬
‫بالعقاب والهلك ‪ ،‬ومجيء الوعد متعّلق بتحقق الشروط الثلثة في الية‬
‫عًدا )‪59‬‬
‫جَعْلَنا ِلَمْهِلِكِهْم َمْو ِ‬
‫ضح هذا المعنى ‪ ،‬في قوله تعالى ) َو َ‬ ‫السابقة ‪ ،‬ويتو ّ‬
‫الكهف ( ‪ ،‬أي ربط الهلك بموعد معين ‪ ،‬ل يتأخر ول يتقّدم ‪ ،‬كما في قوله‬
‫ن)‪34‬‬‫سَتْقِدُمو َ‬
‫عًة َوَل َي ْ‬‫سا َ‬ ‫ن َ‬ ‫خُرو َ‬‫سَتْأ ِ‬
‫جُلُهْم َل َي ْ‬
‫جاَء َأ َ‬ ‫جٌل َفِإَذا َ‬
‫تعالى ) َوِلُكّل ُأّمٍة َأ َ‬
‫العراف ( ‪ .‬وسرعة مجيء موعد الهلك وإبطاءه ‪ ،‬تعتمد على درجة الظلم ‪،‬‬
‫ظَلُموا … ) ‪ 59‬الكهف (‬ ‫ك اْلُقَرى َأْهَلْكَناهُْم َلّما َ‬ ‫وتجد ذلك في قوله تعالى ) َوِتْل َ‬
‫ن )‪ 59‬القصص ( ‪،‬‬ ‫ظاِلُمو َ‬ ‫‪ ،‬وقوله ) … َوَما ُكّنا ُمْهِلِكي اْلُقَرى ِإلّ َوَأْهُلَها َ‬
‫والظلم المقصود هنا هو الظلم الممي ‪ ،‬مع توافر الصرار ‪ .‬إذ كلما زادت‬

‫‪52‬‬
‫درجة الظلم ‪ ،‬وزادت وتيرة اقترافه ‪ ،‬كلما أسرع إلى المم قدرها المحتوم ‪،‬‬
‫لتمضي فيها سنن ال ‪ ،‬التي ل تتحول ول تتبدل ‪.‬‬
‫عَلْيُكْم ‪:‬‬
‫َبَعْثَنا َ‬
‫سولً مِْنُهْم )‪ 2‬الجمعة ( ‪ ،‬وقال ) ُثمّ‬ ‫ن َر ُ‬‫ث ِفي اُْلّمّيي َ‬ ‫قال تعالى ) ُهَو اّلِذي َبَع َ‬
‫غَراًبا‬
‫ل ُ‬ ‫ث ا ُّ‬ ‫ن )‪ 56‬البقرة ( ‪ ،‬وقال ) َفَبَع َ‬ ‫شُكُرو َ‬ ‫ن َبْعِد َمْوِتُكْم َلَعّلُكْم َت ْ‬
‫َبَعْثَناُكْم ِم ْ‬
‫عَباًدا‬
‫عَلْيُكْم ِ‬ ‫عُد ُأوَلُهَما َبَعْثَنا َ‬‫جاَء وَ ْ‬‫ض )‪ 31‬المائدة ( ‪َ ) ،‬فِإَذا َ‬ ‫ث ِفي الَْْر ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫َيْب َ‬
‫َلَنا )‪ 5‬السراء ( ‪ ،‬ومن خلل التدبر في اليات السابقة ‪ ،‬نجد أن المبعوث من‬
‫قبله سبحانه ‪ ،‬ليس له القدرة على بعث نفسه ‪ ،‬وذلك على حالين ‪:‬‬
‫الولى ‪ :‬هي وجود الرادة اللهية وانعدام الرادة البشرية ‪ ،‬فالرسل عليهم‬
‫السلم بتلقي الرسالة عن طريق الوحي ‪ ،‬ينتقلون من حال الغفلة والسكون إلى‬
‫حال الهداية والدعوة ‪ ،‬والموتى ينتقلون بنفخ الروح فيهم من حال الموت إلى‬
‫حال الحياة ‪ .‬وفي هذه الحالة يكون التدخل اللهي ظاهرا ‪ ،‬بإحداث البعث عن‬
‫طريق إرسال الروح والوحي ‪ ،‬سواء كانت وسيلة البعث مادية أو معنوية ‪.‬‬
‫والثانية ‪ :‬هي وجود كلتا الرادتين ‪ ،‬مع تعليق الرادة الثانية بالولى ‪ ،‬فالحياء‬
‫يملكون الرادة في بعث أنفسهم ‪ ،‬لتصريف أمورهم الدنيوية ‪ ،‬ولكّنها إرادة‬
‫معلقة بالمشيئة أو الرادة اللهية ‪ ،‬فما شاء ال كان ‪ ،‬وما لم يشأ لم يكن ‪ ،‬فإن‬
‫توافقت الرادة البشرية للقيام بأمر ما ‪ ،‬مع الرادة اللهية ‪ ،‬وقع ذلك المر وإن‬
‫ل َكا َ‬
‫ن‬ ‫ن ا َّ‬ ‫ل ‪ِ ،‬إ ّ‬ ‫شاَء ا ُّ‬‫ن َي َ‬
‫ن ‪ِ ،‬إّل َأ ْ‬
‫شاُءو َ‬ ‫لم تتوافق لم يقع ‪ ،‬قال تعالى ) َوَما َت َ‬
‫حِكيًما )‪ 30‬النسان ( ‪ .‬وفي هذه الحالة يكون التدخل اللهي غير‬ ‫عِليًما َ‬ ‫َ‬
‫ظاهر ‪ ،‬حيث أنه يتم عن طريق التمكين ‪ ،‬بإزالة المعوقات والمثّبطات وإيجاد‬
‫التسهيلت والمحّفزات ‪ ،‬سواء كانت الوسائل مادية أو معنوية ‪.‬‬
‫وفي كلتا الحالين يكون البعث من عند ال ‪ ،‬ولذلك نسب سبحانه بعث أولئك‬
‫العباد إلى نفسه ‪ ،‬لن ال سُيمّكن لهم السباب والسبل عند خروجهم ‪ ،‬لتحقيق‬
‫وعده في بني إسرائيل ‪ .‬وأما هؤلء العباد فسيخرجون من تلقاء أنفسهم ‪،‬‬
‫ورغبة منهم في ذلك ‪ ،‬بدفع من أسبابهم الخاصة ‪.‬‬
‫ن َكِرَه ا ُّ‬
‫ل‬ ‫عّدًة ‪َ ،‬وَلِك ْ‬ ‫عّدوا َلُه ُ‬‫ج َل َ‬ ‫خُرو َ‬‫ونجد ذلك في قوله تعالى ) َوَلْو َأَراُدوا ال ُ‬
‫ن )‪ 46‬التوبة (‬ ‫عِدي َ‬‫طُهْم ‪َ ،‬وِقيَل اْقُعُدوا َمَع اْلَقا ِ‬ ‫اْنِبَعاَثُهْم َفَثّب َ‬

‫‪53‬‬
‫أي لو أرادوا الخروج ‪ ،‬لعّدوا عدة الخروج ‪ ،‬ولكنهم لم ُيعّدوا العّدة ‪ ،‬لن‬
‫رغبة الخروج لديهم معدومة أصل ‪ .‬وبما أن إرادتهم معدومة ‪ ،‬كره ال‬
‫انبعاثهم ‪ ،‬فثّبطهم كي ل يخرجوا مكرهين حياءً أو رياًء ‪ ،‬خشية تأثيرهم السلبي‬
‫ن من ُوجد لديه الرادة والرغبة في‬ ‫على الخارجين ‪ .‬وفي المقابل ‪ ،‬فإ ّ‬
‫الخروج ‪ ،‬كان الولى بإزالة الُمثّبطات ‪ ،‬وإحاطته بالُمحّفزات لتمكينه من‬
‫النبعاث والخروج ‪.‬‬
‫ش مفهوم البعث ‪ :‬هو انتقال ‪ ،‬أو انقلب ‪ ،‬أو تحول ‪ ،‬أو تغير من حالة إلى‬
‫أخرى ‪ ،‬نتيجة ُمسّبب خارجي ‪ ،‬مادي أو معنوي ‪.‬‬
‫ن عملية البعث هنا ‪ ،‬معّلقة بالمشيئة اللهية ‪ ،‬وموعد البعث‬ ‫وخلصة القول ‪ :‬أ ّ‬
‫منوط بهذه المشيئة ‪ ،‬وأن هؤلء المبعوثين ولو تولدت فيهم الرادة ‪ ،‬ومهما‬
‫حاولوا النقضاض ‪ ،‬مرارا وتكرارا على بني إسرائيل ‪ ،‬للقضاء عليهم‬
‫وإفنائهم ‪ ،‬فلن يتمكنوا من ذلك ‪ ،‬حتى مجيء ذلك الموعد ‪.‬‬
‫عَباًدا َلَنا ‪:‬‬
‫ِ‬
‫معظم الناس هذه اليام ‪ ،‬يعتقدون اعتقادا جازما ل شك فيه ‪ ،‬بأن هؤلء العباد‬
‫الُمشار إليهم ‪ ،‬في هذه العبارة ‪ ،‬هم عباد مؤمنين ‪ ،‬بل من أولياء ال المخلصين‬
‫‪ .‬ولبيان خطأ هذا المعتقد ‪ ،‬سنناقش هذا المر من عدة وجوه ‪ ،‬وبما أن هذه‬
‫العبارة ‪ ،‬أحد أهم مرتكزات الفهم الخاطئ ‪ ،‬للنبوءة التي جاءت بها آيات سورة‬
‫السراء ‪ ،‬سنتاولها بالشرح والتفصيل ‪ ،‬بما يتناسب مع حجم المساحة ‪ ،‬التي‬
‫احتلتها في أذهان الناس ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬رأي المفسرين القدماء‬
‫هذه العبارة ‪،‬لم يكن فهم معناها ومغزاها ‪ ،‬مشكلة للمفسرين القدماء ‪ ،‬وهم‬
‫الكثر قربا وفهما ‪ ،‬للفاظ العربية وتركيباتها اللغوية ‪ ،‬ولو طالعت تفسيراتهم‬
‫للعبارة ‪ ،‬وآرائهم في أصحاب البعث الول والثاني ‪ ،‬التي أجملناها في الفصل‬
‫ن أّنهم ‪،‬‬
‫السابق ‪ ،‬لوجدت أّنهم بل استثناء ‪،‬لم يعيروها أدنى انتباه ‪ ،‬وبما أ ّ‬
‫ن تحقق الوعدين ‪ ،‬قد تّم قبل السلم ‪ ،‬فهم على القل ‪،‬لم يثبتوا لهم‬ ‫جزموا بأ ّ‬
‫صفة اليمان ‪ ،‬حيث أن بني إسرائيل آنذاك ‪ ،‬كانوا من أهل الكتاب ‪ ،‬وكل من‬
‫حولهم كانوا من عبدة الوثان ‪ .‬بل على العكس من ذلك ‪ ،‬نجد أنهم بل‬
‫استثناء ‪ ،‬كانوا قد أثبتوا لهم صفة الكفر ‪.‬‬
‫‪54‬‬
‫ثانيا ‪ :‬كلمة عباد نكرة ‪ ،‬وإضافتها للجار والمجرور ‪ ،‬لم تعّرفها ‪ ،‬وبالتالي لم‬
‫توضح ماهية المعتقد‬
‫وردت هذه عبارة ) عبادا لنا ( في القرآن مرة واحدة فقط ‪ ،‬ولو أمعّنا النظر‬
‫في تركيبتها ‪ ،‬لوجدنا أّنه سبحانه نّكر هؤلء العباد ‪ ،‬ولم ينسبهم إلى نفسه حتى‬
‫بضمير متصل ‪ ،‬كأن يقول عبادنا ‪ ،‬وأضافها إلى الجاّر والمجرور ) لنا ( ‪،‬‬
‫ن تنكيرهم ‪ ،‬كان غاية بحّد ذاته ‪ ،‬والضافة للجاّر والمجرور ‪ ،‬جاءت‬ ‫لنفهم أ ّ‬
‫هنا لتفيد ملكية ال لهم فقط ‪ ،‬وليس لها علقة ببيان ماهية المعتقد ‪ .‬وذلك ليعلم‬
‫بني إسرائيل ‪ ،‬أن هذا البعث من عند ال ‪ ،‬وبتمكين منه سبحانه ‪ ،‬فكل ما‬
‫يجري على الرض بخيره وشّره ‪ ،‬ل يكون إل بمشيئة ال جل وعل وتقدير‬
‫منه ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬الفرق بين العبودية والعبادة‬
‫لنعلم أن أصل العبودية الخضوع والذل ‪ ،‬كرها أكثر منها طواعية ‪ ،‬وأصل‬
‫العبادة الطاعة والولء ‪ ،‬طواعية ورغبة ل كراهية فيها ‪.‬‬
‫وتجب العبودية ل على الخلئق ‪ ،‬بدافع الربوبية أي الُملكية ‪ ،‬بأحقية الخلق‬
‫واليجاد ‪ ،‬واقرأ سورة الملك إن شئت فهبي تفصل المر ‪ ،‬ونجدها في قوله‬
‫يٍء )‪ 164‬النعام ( أي صاحب‬ ‫ش ْ‬‫ب ُكّل َ‬‫ل َأْبِغي َرّبا َوُهَو َر ّ‬ ‫غْيَر ا ِّ‬‫تعالى ) ُقْل َأ َ‬
‫ت َوالَْْرضِ َوَما َبْيَنُهَما )‪ 17‬المائدة ( أي‬ ‫سَمَوا ِ‬ ‫ك ال ّ‬‫ل ُمْل ُ‬‫كل شيء ‪ ،‬وقوله ) َو ِّ‬
‫يٍء )‪ 102‬النعام ( مما يعقل‬ ‫ش ْ‬‫ق ُكّل َ‬
‫خاِل ُ‬‫مالك للسموات والرض ‪ ،‬وقوله ) َ‬
‫ول يعقل ‪ ،‬والخلق هو الموجب لحقوق الربوبية والملكية ‪ ،‬ولذلك قال جل شأنه‬
‫عْبًدا )‪ 93‬مريم ( من‬ ‫ن َ‬ ‫ض ِإلّ آِتي الّرحَْم ِ‬‫ت َوالَْْر ِ‬ ‫سَمَوا ِ‬ ‫ن ِفي ال ّ‬ ‫ن ُكّل َم ْ‬
‫) ِإ ْ‬
‫الملئكة حتى الذّرة من التراب ‪ ،‬رغما عن أنوفهم ل خيار لهم ‪ ،‬بأحقية ما‬
‫سبق من خلقه إياهم ‪.‬‬
‫ق بدافع الشراء أو ما شابه ‪ ،‬التي توجب‬ ‫ويندرج تحت العبودية ‪ ،‬عبودية الر ّ‬
‫الملكية وحق التصرف بكل شؤون العبد ‪ ،‬ومن هنا جاءت تسمية الرقيق‬
‫سوُل َقاَل‬ ‫جاَءُه الّر ُ‬‫ك اْئُتوِني ِبِه َفَلّما َ‬ ‫بالعبد ‪ ،‬كما في قوله تعالى ) َوَقاَل اْلَمِل ُ‬
‫ن َرّبي بَِكْيِدِه ّ‬
‫ن‬ ‫ن ِإ ّ‬‫ن َأْيِدَيُه ّ‬
‫لِتي َقطّْع َ‬
‫سَوِة ال ّ‬ ‫سَأْلُه َما َباُل الّن ْ‬‫ك َفا ْ‬‫جْع ِإَلى َرّب َ‬‫اْر ِ‬
‫ب الرسول أي صاحبه‬ ‫عِليٌم )‪ 50‬يوسف ( والملك هو ملك مصر ‪ ،‬وهو ر ّ‬ ‫َ‬

‫‪55‬‬
‫خْمًرا ( ‪،‬‬ ‫صُر َ‬ ‫ع ِ‬ ‫وسّيده ‪ ،‬والرسول هو نفس الفتى الذي ‪ ،‬قال ‪ِ ) :‬إّني َأَراِني َأ ْ‬
‫وربوبية الَمِلك لهذا الفتى جاءت بدافع ملكية الملك للفتى ‪.‬‬
‫أما العبادة ‪ ،‬فهي تقديم فروض الطاعة والتقديس والولء ‪ ،‬لله أو للهة ‪ ،‬ول‬
‫جبرية فيها فالخيار للمخلوق ‪ ،‬فهو يعبد ما يشاء ‪ ،‬واللهة التي اتخذها الناس‬
‫ن‬
‫ن ُدو ِ‬‫حَباَرُهْم َوُرْهَباَنُهْم َأْرَباًبا ِم ْ‬‫خُذوا َأ ْ‬‫للعبادة كثيرة ومتنوعة ‪ ،‬قال تعالى ) اّت َ‬
‫حًدا ‪َ ،‬ل ِإَلَه ِإّل ُهَو ‪،‬‬ ‫ن َمْرَيَم َوَما ُأِمُروا ِإّل ‪ِ ،‬لَيْعُبُدوا ِإَلًها َوا ِ‬
‫ح اْب َ‬
‫سي َ‬‫ل َواْلَم ِ‬‫ا ِّ‬
‫ن والنس فهي‬ ‫ن )‪ 31‬التوبة ( ‪ ،‬أما الغاية من خلق الج ّ‬ ‫شِرُكو َ‬‫عّما ُي ْ‬‫حاَنُه َ‬ ‫سْب َ‬
‫ُ‬
‫ن )‪ 56‬الذاريات (‬ ‫س ِإّل ِلَيْعُبُدو ِ‬
‫ن َواِْلن َ‬ ‫جّ‬ ‫ت اْل ِ‬
‫خَلْق ُ‬
‫عبادة ال ‪ ،‬لقوله تعالى ) َوَما َ‬
‫‪.‬‬
‫وكلّ الناس يمارسون طقوسا العبادة ‪ ،‬سواء كانوا من أهل الكتب السماوية أو‬
‫وثنيون أو ملحدون ‪ ،‬أما المؤمنون بال فهم من ُنسبت عبادتهم ل ‪ ،‬وليس من‬
‫حُ‬
‫ن‬ ‫صْبغًَة َوَن ْ‬
‫ل ِ‬ ‫ن ا ِّ‬‫ن ِم َ‬‫سُ‬ ‫ح َ‬‫ن َأ ْ‬
‫ل َوَم ْ‬‫صْبَغَة ا ِّ‬‫ُنسبوا بذواتهم فقط ‪ ،‬قال تعالى ) ِ‬
‫ن )‪ 138‬البقرة ( ‪.‬‬ ‫عاِبُدو َ‬ ‫َلُه َ‬

‫ونجد أنه سبحانه ‪ ،‬يدعو إلى القرار بالربوبية ووحدانية اللوهية ‪ ،‬بأحقية‬
‫الخلق لكل شيء أول ‪ ،‬ومن ثم يأمر بالخضوع له ‪ ،‬وإفراده سبحانه بالعبادة‬
‫يٍء ‪،‬‬‫ش ْ‬‫ق ُكّل َ‬ ‫خاِل ُ‬‫ل َرّبُكْم ‪ ،‬لَ ِإَلَه ِإّل ُهَو ‪َ ،‬‬ ‫والتكال عليه ‪ ،‬في قوله ) َذِلُكْم ا ُّ‬
‫يٍء َوِكيٌل )‪ 102‬النعام ( ‪ .‬فل تستقيم العبادة إل‬ ‫ش ْ‬ ‫عَلى ُكّل َ‬ ‫عُبُدوُه ‪َ ،‬وُهَو َ‬ ‫َفا ْ‬
‫بإقرار الربوبية ل أول ‪ ،‬ول يستقيم الحال بإقرار الربوبية ل وحدها دون القيام‬
‫بمقتضيات العبادة ‪ .‬وهذا ما كان عليه كفار قريش ‪ ،‬حيث أنهم أقّروا بربوبية‬
‫ن‬
‫خَلقَُهْم َلَيُقوُل ّ‬
‫ن َ‬ ‫سَأْلَتُهْم َم ْ‬
‫ن َ‬ ‫ال لهم ‪ ،‬ولكنهم أشركوا بالعبادة ‪ ،‬قال تعالى ) َوَلِئ ْ‬
‫ن )‪ 87‬الزخرف ( ‪ ،‬بينما عبادتهم للصنام قالوا فيها ) … َما‬ ‫ل َفَأّنى ُيْؤَفُكو َ‬ ‫ا ُّ‬
‫ل ُزْلَفى … )‪ 3‬الزمر ( ‪.‬‬ ‫َنْعُبُدهُْم ِإّل ِلُيَقّرُبوَنا ِإَلى ا ِّ‬
‫عا‬‫ض ِاْئِتَيا طَْو ً‬
‫لْر ِ‬ ‫ن َفَقاَل َلَها َوِل َْ‬‫خا ٌ‬‫ي ُد َ‬ ‫سَماِء َوِه َ‬‫سَتَوى ِإَلى ال ّ‬ ‫قال تعالى ) ُثّم ا ْ‬
‫صلت ( ‪ ،‬طوعا من قبيل العبادة ‪ ،‬ولو لم تأتيا‬ ‫ن )‪ُ 11‬ف ّ‬ ‫طاِئِعي َ‬
‫َأْو َكْرًها َقاَلَتا َأَتْيَنا َ‬
‫ح َلُه‬
‫سّب ُ‬‫طوعا ‪ ،‬لكان ذلك كرها من قبيل العبودية ‪ ،‬حيث قال تعالى ) ُت َ‬
‫ن‬
‫حْمِدِه ‪َ ،‬وَلِك ْ‬ ‫ح ِب َ‬
‫سّب ُ‬
‫يٍء ِإّل ُي َ‬‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ِم ْ‬‫ن ‪َ ،‬وِإ ْ‬‫ن ِفيِه ّ‬‫ض َوَم ْ‬ ‫سْبُع َواَْلْر ُ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫سمََوا ُ‬‫ال ّ‬
‫غُفوًرا )‪ 44‬السراء ( ‪.‬‬ ‫حِليًما َ‬‫ن َ‬ ‫حُهْم ‪ِ ،‬إّنُه َكا َ‬‫سِبي َ‬ ‫ن َت ْ‬‫َل َتفَْقُهو َ‬

‫‪56‬‬
‫ومن ذلك ُيسّمى من يرزح تحت العبودية كرها عبدا ‪ ،‬فل خيار في أل يكون ‪،‬‬
‫فهو مرغم ‪ ،‬وُيسمى من يقوم بواجبات العبادة طواعية عابدا ‪ ،‬فالخيار في أن‬
‫يكون أو ل يكون ‪ ،‬عائد إليه ‪ ،‬وأشّد الكفر ‪ ،‬هو ما ُأنكر فيه العبودية والعبادة‬
‫عَبَد ( ‪.‬‬
‫ل معا ‪ ،‬وشتان ما بين المسّميين ‪ ،‬مع أن أصليهما واحد ‪ ،‬وهو كلمة ) َ‬
‫رابعا ‪ :‬الفراد والجمع‬
‫عْبد ( ‪ ،‬والعبد لغة نقيض اُلحّر ‪،‬‬ ‫عباد وعبيد كلمتان مترادفتان ‪ ،‬ومفردهما ) َ‬
‫ي ) عباد ( و ) عبيد ( هي صيغة الجمع من كلمة ) عبد ( ‪ ،‬وذلك بدللة‬ ‫فكلمت ّ‬
‫عْنِدَنا‬
‫ن ِ‬ ‫حَمًة ِم ْ‬
‫عَباِدَنا َءاَتْيَناُه َر ْ‬
‫ن ِ‬
‫عْبًدا ِم ْ‬‫جَدا َ‬
‫النص القرآني في قوله تعالى ) َفَو َ‬
‫عْلًما )‪ 65‬الكهف ( ‪ ،‬ولو قال ) عابدا من عبادا ( لختلف‬ ‫ن َلُدّنا ِ‬
‫عّلمَْناُه ِم ْ‬
‫َو َ‬
‫شُكوًرا )‪3‬‬ ‫عْبًدا َ‬
‫ن َ‬‫ح ِإّنُه َكا َ‬ ‫حَمْلَنا َمعَ ُنو ٍ‬
‫ن َ‬‫المر ‪ ،‬وتدبّر قوله تعالى ) ُذّرّيَة َم ْ‬
‫السراء ( ‪ ،‬نجد أنه سبحانه ُيخبر أن نوح عليه السلم ‪ ،‬كان عبدا أول من‬
‫العبودية ‪ ،‬وعابدا بالشكر ل ثانيا من العبادة ‪.‬‬
‫أما كلمة ) عابد ( ‪ ،‬وهو القائم بالعبادة ‪ ،‬فصيغة الجمع منها هي ) عابدون ( ‪،‬‬
‫عُبُد )‬‫ن َما َأ ْ‬
‫عاِبُدو َ‬
‫عَبْدُتْم )‪َ (4‬وَل َأْنُتْم َ‬ ‫عاِبٌد َما َ‬‫وذلك بدللة قوله تعالى ) َوَل َأَنا َ‬
‫‪ 5‬الكافرون (‬
‫خامسا ‪ :‬ترادف كلمتي عباد وعبيد في المعنى والستخدام ‪.‬‬
‫وقد أطلق سبحانه لفظ عباد على العبيد بمعنى رقيق ‪ ،‬ونجد ذلك في قوله تعالى‬
‫عَباِدُكْم َوِإَماِئُكْم )‪ 32‬النور ( ‪ ،‬نجد أن‬ ‫ن ِ‬‫ن ِم ْ‬ ‫حي َ‬‫صاِل ِ‬
‫حوا الََْياَمى ِمْنُكْم َوال ّ‬ ‫) َوَأنِك ُ‬
‫الضمير المتصل ) كم ( في كلمة ) عبادكم ( يعود على المؤمنين المخاطبين‬
‫بالنص ‪ ،‬ومما ل ُيعقل ‪ ،‬أو من المستحيل أن نقول بأن كلمة ) عباد ( جاءت‬
‫لغة من العبادة ‪ ،‬فهي ل تحمل هذا المعنى على الطلق ‪ ،‬ولو بدللة هذه الية‬
‫فقط ‪.‬‬
‫ظْلًما ِلْلِعَباِد )‪31‬‬
‫ل ُيِريُد ُ‬
‫وأما الترادف في الستخدام ‪ ،‬فقد جاء في قوله ) َوَما ا ُّ‬
‫ن‬
‫لٍم ِلْلَعِبيِد )‪ 46‬فصلت ( وقوله ) َقاَل اّلِذي َ‬ ‫ظّ‬ ‫ك ِب َ‬
‫غافر ( وقوله ) َوَما َرّب َ‬
‫ن اْلِعَبادِ )‪ 48‬غافر ( ‪ ،‬نجد أن المعنى‬ ‫حَكَم َبْي َ‬
‫ل َقْد َ‬‫ن ا َّ‬‫سَتْكَبُروا ِإّنا ُكّل ِفيَها ِإ ّ‬
‫ا ْ‬
‫المستفاد من عباد وعبيد ‪ ،‬هو جملة خلق ال ‪ ،‬مؤمنهم وكافرهم على السواء ‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫سادسا ‪ :‬كلمة عباد نكرة ‪ ،‬ول ُيعّرفها إل ما يأتي بعدها من سياق ‪.‬‬
‫تشمل العبودية ‪ ،‬كل من في السماوات والرض ‪ ،‬وما بينهما من الخلئق ‪،‬‬
‫وتشمل العبادة ‪ ،‬كل من يملك العقل والرادة من خلقه ‪ ،‬ومنهم على سبيل‬
‫المثال الملئكة والنس والجن ‪ ،‬وهم المطالبون والمكلفون ‪ ،‬بإفراده جل وعل‬
‫باللوهية والعبادة ‪ ،‬والمحاسبون عليها ‪ ،‬فإن جاءت كلمتي عباد أو عبيد ‪،‬‬
‫معّرفة أو غير معّرفة بأل التعريف ‪ ،‬أو بالضافة ‪ ،‬فهي تفيد جملة الخلق ‪،‬‬
‫ن اْلِعَباِد )‪ 48‬غافر ( ‪ .‬ول تفيد أي معنى آخر‬ ‫حَكَم َبْي َ‬
‫ل َقْد َ‬ ‫ن ا َّ‬‫كقوله تعالى ) ِإ ّ‬
‫ل إذا ُأضيف إليها ما يفيد ذلك ‪:‬‬ ‫على الطلق ‪ ،‬إ ّ‬
‫ن )‪ 81‬الصافات ( لُيبرز فيهم سبحانه‬ ‫عَباِدَنا اْلُمْؤِمِني َ‬
‫ن ِ‬ ‫كقوله تعالى ) ِإّنُه ِم ْ‬
‫ث على اليمان به ‪ .‬أو دل السياق‬ ‫صفة اليمان ‪ ،‬فهم عباده المؤمنين ‪ ،‬وفيها ح ّ‬
‫على غير ذلك ‪ ،‬من نفي أو إثبات لصفة دون غيرها ‪ ،‬لتناسب الموقف ‪ ،‬كقوله‬
‫عَباِدِه اْلُعَلَماُء )‪ 28‬فاطر ( لُيبرز فيهم صفة العلم ‪،‬‬ ‫ن ِ‬ ‫ل ِم ْ‬ ‫شى ا َّ‬ ‫خ َ‬‫تعالى ) ِإّنَما َي ْ‬
‫ث على‬‫وحصر خشية ال بمن يتصف بالعلم ‪ ،‬فهم عباده العلماء ‪ ،‬وفيها ح ّ‬
‫سِبيَل )‪17‬‬
‫ضّلوا ال ّ‬
‫عَباِدي َهُؤَلِء َأْم ُهْم َ‬‫ضَلْلُتْم ِ‬‫طلب العلم ‪ ،‬وقوله ) َأَأْنُتْم َأ ْ‬
‫الفرقان ( دل السياق على ضللهم ‪ ،‬فهم عباده الضالين ‪ ،‬وفيها تحذير من‬
‫سِهْم )‪ 53‬الزمر ( دل‬ ‫عَلى َأْنُف ِ‬
‫سَرُفوا َ‬
‫ن َأ ْ‬
‫عَباِدي اّلِذي َ‬ ‫الضلل ‪ ،‬وقوله ) ُقْل َيا ِ‬
‫السياق على إسرافهم ‪ ،‬فهم عباده المسرفين ‪ ،‬وفيها تنفير من السراف ‪ ،‬وكّلهم‬
‫نسبهم ال إلى نفسه ‪ ،‬بإضافة ضمير متصل يعود عليه سبحانه ‪.‬‬
‫سابعا ‪ :‬التركيب اللغوي للعبارة ‪ ،‬جيء به لتخصيص جزء من كل بصفة معينة‬
‫‪ ،‬وهي المراد إبرازها أصل ‪.‬‬
‫ت لنا ( ‪ ،‬يفهم‬
‫ولتوضيح ذلك ‪ ،‬لحظ الفرق بين أن تقول ) هذا بيتنا ( وذاك ) بي ٌ‬
‫ن هذا البيت ُملك لكم وخاصُتكم وأّنكم ُمقيمون‬ ‫المستمع من العبارة الولى ؛ أ ّ‬
‫ن ذلك البيت ‪ُ ،‬ملك لكم ‪ ،‬وأّنكم غير‬ ‫فيه ‪ ،‬وأّما الثانية ؛ فيفهم منها المستمع أ ّ‬
‫جرا ‪ .‬ومن هنا نجد أن عبارة ) بيت لنا (‬ ‫مقيمين فيه ‪ ،‬وربما يكون فارغا أو مؤ ّ‬
‫ن بيتكم هذا ‪ ،‬هو واحد من جملة بيوت تملكونها ‪ ،‬ول تعني شيئا أخر‬ ‫‪ ،‬تعني أ ّ‬
‫على الطلق ‪ ،‬وأّنك زدته تنكيرا بمثل هذا اللفظ ‪ .‬وأنك لو قلت ) ذاك بيت لنا‬
‫ذو غرف كثيرة ( ‪ ،‬نفهم أنك أبرزت فيه صفة معينة ‪ ،‬اختص بها دون غيره ‪،‬‬
‫من البيوت التي تملكونها ‪ ،‬وهي احتوائه على غرف كثيرة ‪ ،‬ومّيزته عن باقي‬
‫‪58‬‬
‫بيوتكم ‪ ،‬التي في معظمها ذات غرف قليلة ‪ .‬وكذلك المر بالنسبة لعبارة‬
‫) عبادا لنا ( ‪ ،‬التي جاءت منّكرة أيضا لبراز صفتهم ‪ ) ،‬أولي بأس شديد ( ‪،‬‬
‫التي يتميزون بها عن غيرهم ‪ ،‬من جملة عباد ال مؤمنهم وكافرهم ‪ ،‬ولم يأتي‬
‫السياق بتصريح أو تلميح عن ماهية معتقدهم ‪.‬‬
‫ولتوضيح ذلك أكثر فأكثر ‪ ،‬نطرح هذا المثال ‪ ،‬فيه أربعة أقوال لرجل ‪ُ ،‬يجيب‬
‫رجل آخرا ‪ ،‬يريد عمال لمزرعته ‪:‬‬
‫‪ -1‬سأرسل لك ) أولدي ( غدا ‪ ،‬للعمل في مزرعتك ‪.‬‬
‫‪ -2‬سأرسل لك ) أولدا لي ( غدا ‪ ،‬للعمل في مزرعتك ‪.‬‬
‫‪ -3‬سأرسل لك ) أولدي ‪ ،‬أولي المهارة والخبرة في الفلحة ( غدا ‪ ،‬للعمل‬
‫في مزرعتك ‪.‬‬
‫‪ -4‬سأرسل لك ) أولدا لي ‪ ،‬أولي مهارة وخبرة في الفلحة ( غدا ‪ ،‬للعمل‬
‫في مزرعتك ‪.‬‬
‫فما المعنى الذي أفادته كل عبارة أعله ؟‬
‫‪ -1‬أنه سيرسل جميع أولده ‪ ،‬مع عدم توضيحه لصفتهم أو ماهيتهم ‪.‬‬
‫‪ -2‬أنه سيرسل بعضا من أولده ‪ ،‬مع عدم توضيحه لصفتهم أو ماهيتهم‬
‫أيضا ‪.‬‬
‫‪ -3‬أنه سيرسل جميع أولده ‪ ،‬وأن جميع أولده لديهم مهارة وخبرة في‬
‫الفلحة ‪.‬‬
‫‪ -4‬أنه سيرسل بعضا من أولده ‪ ،‬وأن هذا البعض من أولده فقط ‪ ،‬هو الذي‬
‫يملك المهارة والخبرة في الفلحة ‪ ،‬أما البقية فل ‪.‬‬
‫وأخيرا تدبّر هذه اليات ‪:‬‬
‫ضا )‪ 118‬النساء ( ) أي أن من جملة‬ ‫صيًبا َمْفُرو ً‬ ‫ك َن ِ‬
‫عَباِد َ‬
‫ن ِ‬ ‫ن ِم ْ‬
‫خَذ ّ‬
‫) َوَقاَل َلّت ِ‬
‫العباد المنسوبين إلى ال هناك نصيب لبليس (‬
‫ن )‪ 42‬الحجر (‬ ‫ن اْلَغاِوي َ‬
‫ك ِم َ‬
‫ن اّتَبَع َ‬
‫ن ِإّل َم ِ‬
‫طا ٌ‬
‫سْل َ‬
‫عَلْيِهْم ُ‬
‫ك َ‬ ‫س َل َ‬‫عَباِدي َلْي َ‬‫ن ِ‬ ‫) ِإ ّ‬
‫) أي أن سلطان إبليس محصور فقط على أتباعه من الغاوين ‪ ،‬الذين هم من‬
‫جملة العباد المنسوبين إلى ال (‬
‫‪59‬‬
‫ن ُكْنُتمْ‬‫جيُبوا لَُكْم ِإ ْ‬ ‫سَت ِ‬‫عوُهْم َفْلَي ْ‬ ‫عَباٌد َأْمَثاُلُكْم َفاْد ُ‬
‫ل ِ‬ ‫ن ا ِّ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫ن ِم ْ‬ ‫عو َ‬ ‫ن َتْد ُ‬‫ن اّلِذي َ‬ ‫) ِإ ّ‬
‫ن )‪ 194‬العراف ( ) أي أنتم وهم ‪ ،‬أي العابد والمعبود ‪ ،‬سواء في‬ ‫صاِدِقي َ‬ ‫َ‬
‫كونكم عباد (‬
‫ن َءاَمُنوا )‪ 31‬إبراهيم ( ) أي أن الخطاب لعبادي الذين‬ ‫ي اّلِذي َ‬ ‫) ُقْل ِلِعَباِد َ‬
‫آمنوا ‪ ،‬دون عبادي الذين كفروا (‬
‫ن َتِقّيا )‪ 63‬مريم ( ) أي وأن النار‬ ‫ن َكا َ‬ ‫عَباِدَنا َم ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ث ِم ْ‬ ‫جّنُة اّلِتي ُنوِر ُ‬ ‫ك اْل َ‬‫) ِتْل َ‬
‫لمن لم يكن تقيا من عبادنا (‬
‫خْيُر‬
‫ت َ‬ ‫حْمَنا َوَأْن َ‬ ‫غِفْر َلَنا َواْر َ‬ ‫ن َرّبَنا َءاَمّنا َفا ْ‬ ‫عَباِدي َيُقوُلو َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ق ِم ْ‬‫ن َفِري ٌ‬ ‫) ِإّنُه َكا َ‬
‫ن )‪ 109‬المؤمنون ( ) أي وكان هناك فريق من عبادي ‪ ،‬يقولون غير‬ ‫حِمي َ‬ ‫الّرا ِ‬
‫ذلك (‬
‫عَباِدِه‬
‫ت ِفي ِ‬ ‫خَل ْ‬‫سّنَة اللِّه اّلِتي َقْد َ‬ ‫سَنا ُ‬ ‫ك َيْنَفُعُهْم ِإيَماُنُهْم َلّما َرَأْوا َبْأ َ‬ ‫) َفَلْم َي ُ‬
‫ن )‪ 85‬غافر ( ) أي في مجمل عباده ‪ ،‬والخاسرون‬ ‫ك اْلَكاِفُرو َ‬ ‫سَر ُهَناِل َ‬ ‫خ ِ‬‫َو َ‬
‫منهم ‪ ،‬هم الكافرون دون المؤمنين (‬
‫سَتِقيٍم )‪52‬‬ ‫ط ُم ْ‬ ‫صَرا ٍ‬‫ك َلَتْهِدي ِإَلى ِ‬ ‫عَباِدَنا َوِإّن َ‬ ‫ن ِ‬ ‫شاُء ِم ْ‬ ‫ن َن َ‬‫) َنْهِدي ِبِه َم ْ‬
‫الشورى ( ) أي وهناك من لم نهدي من عبادنا (‬
‫عْبًدا )‪ 93‬مريم (‬ ‫ن َ‬ ‫حَم ِ‬‫ض ِإلّ َءاِتي الّر ْ‬ ‫ت َواَْلْر ِ‬ ‫سَمَوا ِ‬ ‫ن ِفي ال ّ‬ ‫ن ُكّل َم ْ‬ ‫) ِإ ْ‬
‫) مؤمنهم وكافرهم بل استثناء (‬
‫وفي الحديث الصحيح الطويل ‪ ،‬الذي رواه مسلم وأخرجه الترمذي وأبو داود‬
‫سى ‪ِ ،‬إّني َقْد‬ ‫عي َ‬‫ل ِإَلى ِ‬ ‫حى ا ُّ‬ ‫وابن ماجة وأحمد ‪ ،‬جاء ما جاء نصه " … ِإْذ َأْو َ‬
‫طوِر ) جبال‬ ‫عَباِدي ِإَلى ال ّ‬ ‫حّرْز ِ‬ ‫حٍد ِبِقَتاِلِهْم ‪َ ،‬ف َ‬ ‫ن َِل َ‬ ‫عَباًدا ِلي ‪َ ،‬ل َيَدا ِ‬ ‫ت ِ‬ ‫ج ُ‬ ‫خَر ْ‬ ‫َأ ْ‬
‫ن … " يرد‬ ‫سُلو َ‬ ‫ب َيْن ِ‬‫حَد ٍ‬ ‫ن ُكّل َ‬ ‫ج ‪َ ،‬وُهْم مِ ْ‬ ‫جو َ‬ ‫ج َوَمْأ ُ‬ ‫جو َ‬ ‫ل َيْأ ُ‬‫ث ا ُّ‬ ‫القدس ( ‪َ ،‬وَيْبَع ُ‬
‫نفس التركيب اللغوي لعبارة ) عبادا لنا ( ‪ ،‬وهو )عبادا لي ( والمقصودين به‬
‫ن ‪ِ ،‬إ ّ‬
‫ن‬ ‫هم قبيلتي يأجوج ومأجوج ‪ ،‬الذين قال فيهم سبحانه ) َقاُلوا َياَذا اْلَقْرَنْي ِ‬
‫جَعَل‬ ‫ن َت ْ‬
‫عَلى َأ ْ‬ ‫جا ‪َ ،‬‬ ‫خْر ً‬‫ك َ‬ ‫جَعُل َل َ‬
‫ض ‪َ ،‬فَهْل َن ْ‬ ‫ن ِفي الَْْر ِ‬ ‫سُدو َ‬ ‫ج ‪ُ ،‬مْف ِ‬ ‫جو َ‬ ‫ج َوَمْأ ُ‬‫جو َ‬ ‫َيْأ ُ‬
‫سّدا )‪ 94‬الكهف ( ‪.‬‬ ‫َبْيَنَنا َوَبْيَنُهْم َ‬
‫وخلصة القول ‪ :‬أن كلمة ) عبادا ( ‪ ،‬جاءت نكرة ‪ ،‬و كلمة ) لنا ( لم تعّرفها ‪،‬‬
‫وإنما جاءت هنا لتأكيد الملكية فقط ‪ ،‬وكل الخلق ملك ل ‪ ،‬ليؤكد سبحانه لبني‬
‫إسرائيل ‪ ،‬أن هذا البعث سيكون من عنده ‪ ،‬وبما أن هؤلء العباد ملكه ‪ ،‬فهم‬
‫‪60‬‬
‫رهن إشارته وطوع بنانه ‪ ،‬ويملك حق التصرف بشؤونهم ‪ ،‬فإن شاء بعث وإن‬
‫شاء أمسك ‪ .‬وأكثر المعاني دقة لهذه العبارة ) عبادا لنا ( ‪ ،‬هو أنهم ) طائفة‬
‫من خلقنا ( ل أكثر من ذلك ول أقل ‪ ،‬وأهم ما يمّيز هؤلء الخلق عن غيرهم ‪،‬‬
‫أنهم ) أولي بأس شديد ( فقط ل غير ‪.‬‬
‫وأن ورود لفظ ) عباد ( في القرآن ‪ ،‬لم يقتصر على أولياء ال وأحباؤه ‪ ،‬وإنما‬
‫جاء هذا اللفظ في الخطاب القرآني ‪ ،‬مّنا على العباد بنعمة خلقه إياهم ‪ ،‬ورفقه‬
‫ولطفه بهم ‪ ،‬مطيعهم وعاصيهم ‪ ،‬والكلمات ) عبادي ‪ ،‬عبادنا ‪ ،‬وعباده ( عادة‬
‫ما تأتي كتهيئة ‪ ،‬لما سيأتي بعدها ‪ ،‬من صفة مميزة ‪ ،‬أو سياق يدل على صفة ‪،‬‬
‫وهي المراد إبرازها أصل ‪ ،‬فإن كانت صفة محمودة ‪ ،‬كاليمان والعلم فقد‬
‫ُأبرزت تحببا بها ‪ ،‬وإن كانت صفة مذمومة ‪ ،‬كالضلل والسراف ‪ ،‬فقد‬
‫ُأبرزت تنفيرا منها ‪.‬‬
‫وأما صفة البأس الشديد ‪ ،‬فقد ُأبرزت تهديدا وتحذيرا وتخويفا لبني إسرائيل ‪،‬‬
‫من سوء عاقبتهم ‪ ،‬بوقوعهم بين أيدي مثل أولئك الخلق ‪ ،‬الذين لن يرقبوا فيهم‬
‫ل ول ذمة ‪ ،‬لعلهم ينتهون ويرجعون ويرتدعون ‪ ،‬عّما هم عليه من فساد‬ ‫إّ‬
‫وإفساد واستعلء في الرض ‪.‬‬
‫شِديٍد ‪:‬‬
‫س َ‬
‫ُأوِلي َبْأ ٍ‬
‫وصف ال هؤلء العباد ‪ ،‬بأولي البأس الشديد ‪ ،‬والبأس كما قدمه معظم‬
‫المفسرون ‪ ،‬هو القوة والبطش في الحروب ‪ ،‬والشّدة جاءت زيادة في المبالغة ‪،‬‬
‫س )‪ 25‬الحديد ( ‪،‬‬ ‫شِديٌد َوَمَناِفُع ِللّنا ِ‬‫س َ‬‫حِديَد ِفيِه َبْأ ٌ‬‫قال تعالى ) َوَأْنَزْلَنا اْل َ‬
‫فانظر وتفكر في معدن الحديد ‪ ،‬فهو يحمل في جوهره صفتان ‪ ،‬قلما تجدهما‬
‫ل ‪ :‬أّنه يحافظ على طبيعته ‪ ،‬مهما عظم عليه الطرق‬ ‫في معدن أخر ‪ .‬وهما ؛ أو ّ‬
‫واشتّد ‪ ،‬ول يحترق أي يتحول إلى مادة أخرى ‪ ،‬مهما ازدادت شدة النيران‬
‫عليه ‪ ،‬وإن انصهر عاد إلى سابق عهده عند البرودة ‪ ،‬وهذه الصفة إن وجدت‬
‫في البشر ‪ ،‬فهي الجلد والصبر عند وقوع البلء ‪ .‬وثانيا ‪ :‬أّنه عند تشكيله‬
‫ل الحديد " ‪ ،‬وهذه‬ ‫وشحذه ‪ ،‬فهو قوي قاتل وقاطع ‪ ،‬لذلك قيل " ل يفل الحديد إ ّ‬
‫الصفة إن وجدت في البشر ‪ ،‬فهي القوة والبطش عند مواجهة العداء ‪.‬‬
‫ل )‪ 84‬النساء ( نجد أّنه سبحانه قد‬ ‫شّد َتنِكي ً‬
‫سا َوَأ َ‬
‫شّد َبْأ ً‬
‫ل َأ َ‬
‫وفي قوله تعالى ) َوا ُّ‬
‫ن البأس الشديد تعني القوة والبطش ‪ ،‬فأين‬ ‫وصف نفسه بذات الصفة ‪ ،‬وبما أ ّ‬
‫‪61‬‬
‫تستعمل هذه القوة وهذا البطش من قبله سبحانه ؟ وفي أي المواقع والمواقف‬
‫يصف رب العزة نفسه بهاتين الصفتين ؛ القوة والبطش ؟ دعنا نتتبع هذه‬
‫شِديٌد )‪12‬‬‫ك َل َ‬
‫ش َرّب َ‬ ‫ط َ‬ ‫ن َب ْ‬‫الصفات والعلقة ما بينها ‪ ،‬في اليات التالية ) ِإ ّ‬
‫ن )‪ 16‬الدخان ( نجد أ ّ‬
‫ن‬ ‫شَة اْلُكْبَرى ِإّنا ُمنَتِقُمو َ‬
‫ط َ‬
‫ش اْلَب ْ‬
‫ط ُ‬ ‫البروج ( ) َيْوَم َنْب ِ‬
‫الشدة ارتبطت بالبطش ‪ ،‬والبطش بالنتقام ‪.‬‬
‫عِزيٌز )‪ 40‬الحج ( )‬ ‫ي َ‬ ‫ل َلَقِو ّ‬‫ن ا َّ‬‫ب )‪ 52‬النفال ( ) ِإ ّ‬ ‫شِديُد اْلِعَقا ِ‬ ‫ي َ‬ ‫ل َقِو ّ‬ ‫ن ا َّ‬‫) ِإ ّ‬
‫خَذ اْلُقَرى َوِهيَ‬‫ك ِإَذا َأ َ‬
‫خُذ َرّب َ‬
‫ك َأ ْ‬
‫عِزيٍز ُمْقَتِدٍر )‪ 42‬القمر ( ) َوَكَذلِ َ‬ ‫خَذ َ‬ ‫خْذَناُهْم َأ ْ‬
‫َفَأ َ‬
‫عِزيٌز ُذو اْنِتَقاٍم‬
‫ل َ‬‫شِديٌد َوا ُّ‬ ‫ب َ‬ ‫عَذا ٌ‬‫شِديٌد )‪ 102‬هود ( ) َلُهْم َ‬ ‫خَذُه َأِليٌم َ‬ ‫ن َأ ْ‬‫ظاِلَمٌة ِإ ّ‬
‫َ‬
‫ن الشدة ارتبطت بالقوة ‪ ،‬والقوة بالعزة ‪ ،‬والعزة‬ ‫)‪ 4‬آل عمران ( ‪ ،‬ونجد أ ّ‬
‫بالخذ ‪ ،‬والخذ بالشدة ‪ ،‬والشدة بالعزة ‪ ،‬والعزة بالنتقام ‪.‬‬
‫ومما تقدم نجد أن الموقف ‪ ،‬الذي يستدعيه جل وعل لظهار بأسه الشديد ‪ ،‬هو‬
‫موقف النتقام ‪ ،‬وأن النتقام ل يتأتى إل ممن هو قوي وعزيز ‪.‬‬
‫ن هؤلء العباد ‪ ،‬المبعوثين من قبله سبحانه على بني‬ ‫وخلصة القول ‪ :‬أ ّ‬
‫إسرائيل ‪ ،‬اختارهم ال لتنفيذ مهمة ‪ ،‬وهي إنزال أبشع انتقام إلهي ممكن في بني‬
‫إسرائيل ‪ ،‬لذلك تطلب المر أن يكونوا أولي بأس شديد ‪ ،‬ويتمتعون بالقوة‬
‫والعزة ‪ ،‬ذوي صبر وجلد عند وقوع البلء ‪ ،‬وقوة وبطش عند اللقاء ‪ ،‬بغض‬
‫النظر عن إيمانهم أو كفرهم ‪ ،‬زيادة في التنكيل وإمعانا في الذلل لبني‬
‫إسرائيل ‪ ،‬وما عدا ذلك من صفات العباد ‪ ،‬ل تصلح لتنفيذ هذه المهمة ‪.‬‬
‫والفتوحات التي اتخذت الطابع السلمي قديما وحديثا ‪ ،‬لم تحمل الطابع‬
‫النتقامي بإهلك الحرث والنسل ‪ ،‬الذي سيكون عليه المر الذي تصفة‬
‫اليات ‪.‬‬
‫ل الّدَياِر ‪:‬‬
‫لَ‬
‫خَ‬‫سوا ِ‬
‫جا ُ‬
‫َف َ‬
‫لم ترد كلمة ) جاسوا ( ‪ ،‬أو أي من مشتقات مصدرها ) جوس ( في مجمل‬
‫ل مرة واحدة فقط في هذا الموضع ‪ ،‬لذلك لجأت إلى معجم لسان‬ ‫القرآن ‪ ،‬إ ّ‬
‫العرب ‪ ،‬وهذا مما قيل فيها ‪ " :‬الجوس هو مصدر جاس جوسا ‪ ،‬وجوسان‬
‫تردد ‪ ،‬فجاسوا خلل الديار ‪ :‬ترددوا بينها للغارة والجوسان ؛ أي قتلوكم بين‬
‫بيوتكم ؛ بمعنى يذهبون ويجيئون ؛ فطافوا خلل الديار ينظرون هل بقي أحد لم‬
‫يقتلوه ؛ تخللوها فطلبوا ما فيها ‪ ،‬والجوسان ‪ :‬الطوفان بالليل ‪ ،‬ورجل جّواس‬
‫‪62‬‬
‫أي يجوس كل شيء يدوسه ‪ ،‬والجوس ‪ :‬طلب الشيء باستقصاء ‪ ،‬وكل موضع‬
‫خالطته ووطئته ‪ ،‬فقد جسته " ‪.‬‬
‫ولو جمعنا كل ما قيل فيها من معاني ‪ ،‬وأعدنا تشكيل هذه المعاني وصياغتها ‪،‬‬
‫لخرجنا بالمشهد التالي ‪:‬‬
‫) أغاروا عليكم – ليل على الرجح – ودخلوا دياركم ‪ ،‬ووطئوا أرضكم‬
‫ليقتلوكم وينّكلوا بكم ‪ ،‬وترّددوا فيها ذهابا وإيابا ‪ ،‬وطافوا خللها شرقا وغربا ‪،‬‬
‫وتخّللوا أزقتكم واقتحموا بيوتكم ‪ ،‬بحثا وتقصّيا ‪ ،‬لعّلهم يجدوا منهم ‪ ،‬من بقي‬
‫حيا ليقتلوه ( ‪.‬‬
‫ن ال جّلت قدرته ‪ ،‬أوجز في وصف فعل هؤلء العباد أّيما إيجاز ‪،‬‬ ‫نلحظ هنا أ ّ‬
‫ليصف كل ما فعلوه في كلمة واحدة فقط ‪ ،‬هي كلمة ) جاسوا ( لتصف مشهدا‬
‫ل لتوضيح ما كان قد جيس ‪ .‬وهذا‬ ‫كامل ‪ ،‬ولم تكن الضافة ) خلل الديار ( إ ّ‬
‫جج‬‫ُيشبه مشهد الغارات الوحشية ‪ ،‬التي كان يقوم بها ‪ ،‬المريكي المد ّ‬
‫بالسلح الناري ‪ ،‬على قرى الهنود الحمر شبه الُعّزل ‪ ،‬وما ُيخلفه وراءه من‬
‫دمار ومآسي ‪ ،‬مشهد طالما حفلت به أفلم الغرب المريكي ‪.‬‬
‫والعبارة جاءت لتصف ما قام به عباد البعث الول عند بعثهم ‪ ،‬قال تعالى‬
‫) فجاسوا ( بصيغة الماضي ‪ ،‬أي أن الجوس ‪ ،‬قد وقع في الماضي ‪ ،‬ولم يقل‬
‫) ليجوسوا ( بصيغة الستقبال ‪ ،‬كما هو الحال في أفعال البعث الثاني ‪ ،‬التي‬
‫ستقع في المستقبل ‪.‬‬
‫وخلصة القول ‪ :‬أن هذا الجوس قد وقع في الماضي ‪ ،‬وكان غاية في‬
‫حُرماتهم جميعها ‪ ،‬من أرض ومال‬ ‫البشاعة ‪ ،‬واستباح فيه هؤلء العباد ُ‬
‫وعرض ‪ ،‬فوقع فيهم القتل والنهب والسبي ‪.‬‬
‫ل‪:‬‬
‫عًدا َمْفُعو ً‬
‫ن َو ْ‬
‫َوَكا َ‬
‫هذا الخبر جاء كتعقيب على الوعد الول ‪ ،‬ليؤكد سبحانه تحقق المرة الولى ‪،‬‬
‫بعلوها وإفسادها وبعثها ‪ ،‬قبل نزول هذه اليات ‪ .‬حيث جاءت صيغة اسم‬
‫ل ( ‪ ،‬للدللة على تمام الفعل ‪ ،‬بمعنى وكان‬
‫المفعول ) َمْفُعول ( من الفعل ) َفَع َ‬
‫ل ( فيما مضى من الزمان ‪ .‬ولم تأتي بأي حال من الحوال بمعنى‬ ‫وعدا ) قد ُفِع ْ‬
‫) مقضيا ( ‪ ،‬كما قّدمه معظم المفسرين القدماء ‪ ،‬ومنهم القرطبي أجّله ال ‪،‬‬

‫‪63‬‬
‫حيث قال فيها " وكان وعدا مفعول ‪ ،‬أي قضاء كائنا ل خلف فيه " ‪ ،‬على‬
‫اعتبار أن نفاذ الوعدين كان قبل السلم ‪.‬‬
‫وقد جاءت هذه العبارة ‪ ،‬كجملة معترضة ‪ ،‬بحيث لو قمت بإسقاطها من السياق‬
‫‪ ،‬ومن ثم قرأت اليتين ) ‪4‬و ‪ ، ( 5‬كما يلي ‪ … ) :‬بعثنا عليكم عبادا لنا أولي‬
‫بأس شديد ‪ ،‬فجاسوا خلل الديار ‪ .‬ثم رددنا لكم الكرة عليهم ‪ ،‬وأمددناكم … (‬
‫لوجدت أن السياق لم يتأثر بحذفها ‪ ،‬فخبر نفاذ الوعد الول ‪ ،‬انتهى عند ذكر‬
‫الجوس ‪ ،‬أي أن الجوس قد وقع بعد البعث ‪ .‬وجاء التعقيب على الوعد ‪،‬‬
‫بالجملة المعترضة ) وكان وعدا مفعول ( لبيان وتأكيد ‪ ،‬أن الوعد بالبعث الذي‬
‫تقّدم ِذكره ‪ ،‬قد تحّقق فعل ‪ ،‬وكانت نتيجته هي الجوس ‪ ،‬ومن ثم يبدأ النص‬
‫بالخبار عن الوعد الثاني ‪.‬‬
‫ن ِفي‬ ‫حِر ‪ِ ،‬إْذ َيْعُدو َ‬‫ضَرَة اْلَب ْ‬
‫حا ِ‬ ‫ت َ‬‫ن اْلَقْرَيِة اّلِتي َكاَن ْ‬‫عْ‬ ‫سَأْلُهْم َ‬‫قال تعالى ) َوا ْ‬
‫ن َل َتْأِتيِهْم ‪َ ،‬كَذِل َ‬
‫ك‬ ‫سِبُتو َ‬‫عا ‪َ ،‬وَيْوَم َل َي ْ‬ ‫شّر ً‬‫سْبِتِهْم ُ‬‫حيَتاُنُهْم َيْوَم َ‬ ‫ت ِإْذ َتْأِتيِهْم ِ‬‫سبْ ِ‬‫ال ّ‬
‫عْنُه ‪ُ ،‬قْلَنا َلُهْم‬
‫ن َما ُنُهوا َ‬ ‫عْ‬ ‫عَتْوا َ‬ ‫ن )‪َ … (163‬فَلّما َ‬ ‫سُقو َ‬ ‫َنْبُلوهُْم ِبَما َكاُنوا َيْف ُ‬
‫ن )‪ 166‬العراف ( وهذه الحادثة كما نعلم ‪ ،‬وقعت في بني‬ ‫سِئي َ‬
‫خا ِ‬ ‫ُكوُنوا ِقَرَدًة َ‬
‫ن ُأوُتوا اْلِكَتا َ‬
‫ب‬ ‫إسرائيل قبل مئات السنين ‪ ،‬والن انظر قوله تعالى ) َيَأّيَها اّلِذي َ‬
‫عَلى‬‫جوًها َفَنُرّدَها َ‬ ‫س ُو ُ‬ ‫طِم َ‬ ‫ن َن ْ‬‫ن َقْبِل َأ ْ‬
‫صّدًقا ِلَما َمَعُكْم ِم ْ‬‫َءاِمُنوا ِبَما َنّزْلَنا ُم َ‬
‫ن الَّ‬ ‫ل َمْفُعوًل )‪ِ (47‬إ ّ‬ ‫ن َأْمُر ا ِّ‬ ‫ت ‪َ ،‬وَكا َ‬ ‫سْب ِ‬
‫ب ال ّ‬ ‫حا َ‬‫صَ‬ ‫َأْدَباِرَها َأْو َنْلَعَنُهْم َكَما َلَعّنا َأ ْ‬
‫ك ِبِه ‪ 48) ..‬النساء (‬ ‫شَر َ‬‫ن ُي ْ‬ ‫َل َيْغِفُر َأ ْ‬
‫جاءت الجملة المعترضة ) وكان أمر ال مفعول ( زيادة لليضاح ‪ ،‬ولتؤكد بما‬
‫ل يدع مجال للشك أو الظن ‪ ،‬لبني إسرائيل المعاصرين لرسالة السلم ‪،‬‬
‫والمتشّككين منهم والذين خانتهم ذاكرتهم ‪ ،‬وغير المصّدقين بصحة هذا المر ‪،‬‬
‫الذي كان ال قد أجراه في أسلفهم ‪ ،‬أن هذا المر وهو المسخ ‪ ،‬قد مضى في‬
‫أسلفهم حقيقة ‪ ،‬فجاء تعقيبه تعالى على ما تقدم ‪ ،‬من لعن ومسخ لسلفهم ‪،‬‬
‫ن ال قادر على تكرار‬ ‫بقوله ) وكان أمر ال مفعول ( لزالة الشك ‪ ،‬ولتأكيد أ ّ‬
‫ذلك المر ‪ ،‬إن لم يؤمنوا بما ُأنزل من القرآن على وجه التهديد والتحذير ‪.‬‬
‫وخلصة القول ‪ :‬أن الوعد الول بالبعث ‪ ،‬كان قد مضى وانقضى قبل نزول‬
‫ن تعقيبه عز وجل بقوله ) وكان وعدا مفعول ( ‪ ،‬جاء لتذكير‬ ‫هذه اليات ‪ ،‬وأ ّ‬
‫اليهود الحاليين وتحذيرهم ‪ ،‬وإنباء المسلمين غير العالمين ‪ ،‬بوقوع ذلك في بني‬
‫إسرائيل ‪ ،‬بأنه قد وقع فعل ‪ ،‬وبشرى لهم بأن الوعد الثاني ‪ ،‬سيتحقق كما تحّقق‬
‫‪64‬‬
‫الوعد الول ‪ ،‬وأن ال ل يخلف الميعاد ‪ ،‬وما عليهم إل الصبر والستمرار في‬
‫كفاحهم ضد اليهود ‪ ،‬وحسن الظن بال وبوعده – وعد الخرة – قال تعالى )‬
‫ن َداِرِهْم ‪،‬‬
‫حّل َقِريًبا ِم ْ‬
‫عٌة ‪َ ،‬أْو َت ُ‬
‫صَنُعوا َقاِر َ‬
‫صيُبُهْم ِبَما َ‬‫ن َكَفُروا ُت ِ‬‫َوَل َيَزاُل اّلِذي َ‬
‫ف اْلِميَعاَد )‪ 31‬الرعد ( ‪.‬‬ ‫خِل ُ‬
‫ل لَ ُي ْ‬
‫ن ا َّ‬‫ل ِإ ّ‬
‫عُد ا ِّ‬
‫ي َو ْ‬‫حّتى َيْأِت َ‬
‫َ‬
‫جَعْلَناُكْم َأْكَثَر َنِفيًرا )‪(6‬‬
‫ن َو َ‬
‫عَلْيِهْم َوَأْمَدْدَناُكْم ِبَأْمَواٍل َوَبِني َ‬
‫) ُثّم َرَدْدَنا َلُكْم اْلَكّرَة َ‬

‫عَلْيِهْم ‪:‬‬
‫ُثّم َردَْدَنا َلُكْم اْلَكّرَة َ‬
‫ن ( أي ثم رددنا النسان أسفل سافلين من‬ ‫ساِفِلي َ‬
‫سَفَل َ‬ ‫قال تعالى ) ُثّم َرَدْدَناُه َأ ْ‬
‫النار ‪ ،‬وهذا ل يتحصل إل بعد البعث والحساب ‪ ،‬بدللة الستثناء في تكملة‬
‫غْيُر‬
‫جٌر َ‬ ‫ت َفَلُهْم َأ ْ‬
‫حا ِ‬
‫صاِل َ‬
‫عِمُلوا ال ّ‬
‫ن آَمُنوا َو َ‬
‫السياق ‪ ،‬في قوله تعالى ) ِإلّ اّلِذي َ‬
‫ن )‪ 6‬التين ( ‪ ،‬وبالتالي تكون ) ثم رددناه ( بالماضي ‪ ،‬جاءت بمعنى‬ ‫َمْمُنو ٍ‬
‫أيضا ) ثم نرّده ( بالمستقبل ‪.‬‬
‫وجاءت كلمة ) رددنا ( بمعنى أعدنا من إعادة ‪ ) ،‬والَكّرة ( مصدرها َكَرَر‬
‫وفعلها َكّر ‪ ،‬والَكّر والفّر تقنية عسكرية ‪ ،‬ويقولون " الحرب كّر وفرّ " وهي‬
‫تعني الفعل المضاد للفعل السابق ‪ ،‬فالغلبة كانت للعباد والهزيمة لبني إسرائيل ‪،‬‬
‫ورّد الكرة لهم هو العكس تماما ‪ ،‬كالصورة في المرآة ‪ ،‬أي الغلبة والتفوق‬
‫العسكري لبني لسرائيل ‪ .‬وليس المقصود بالكّرة العودة إلى فلسطين ‪،‬‬
‫وانتصار اليهود في حروبهم ضد الدول العربية ‪ ،‬لقوله ‪ ) ،‬الكّرة عليهم ( أي‬
‫الغلبة العسكرية على العباد أنفسهم دون غيرهم ‪ .‬فالضمير المتصل ) هم ( في‬
‫)عليهم ( ‪ ،‬يعود على العباد المبعوثين عليهم ‪ ،‬الذين سبق ذكرهم ‪ ،‬وجميع‬
‫الضمائر المتصلة ) كم ( في هذه الية ‪ ،‬تعود على بني إسرائيل ‪.‬‬
‫ن ِم ْ‬
‫ن‬ ‫ن ِلي َكّرًة َفَأُكو َ‬‫قال تعالى ‪ ،‬على لسان الكافر حين يرى العذاب ) َلْو َأ ّ‬
‫ن )‪ 58‬الزمر ( ‪ ،‬فالفعل الذي سبق ‪ ،‬هو مجيئه من الدنيا إلى الخرة ‪،‬‬ ‫سِني َ‬
‫ح ِ‬
‫اْلُم ْ‬
‫فتمنى الكرة ‪ ،‬وهي العودة من الخرة إلى الحياة الدنيا ‪ ،‬ليكون من المحسنين ‪.‬‬
‫وخلصة القول ‪ :‬أن المقصود هو أن ُيوقع اليهود بأولئك العباد ‪ ،‬ما كان أولئك‬
‫العباد قد ‪ ،‬أوقعوه في أسلفهم من قبل ‪ ،‬من استباحة للرض والمال‬
‫والعرض ‪ ،‬بعد استكمال مظاهر العلو الثاني ‪ ،‬بالستقواء على أولئك العباد‬
‫والعتداء عليهم ‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫جَعْلَناُكْم َأْكَثَر َنفيًرا ‪:‬‬
‫ن َو َ‬
‫ل َوَبِني َ‬
‫َوَأْمَدْدَناُكْم ِبَأْمَوا ٍ‬
‫وأمددنا في ) لسان العرب ( " مصدرها مدد ؛ ومّده غيره وأمّده ؛ وأمددناهم‬
‫بغيرنا ؛ والمدد هم العساكر التي تلحق بالمغازي ‪ ،‬والمداد أن يرسل الرجل‬
‫سِة آَلفٍ‬ ‫للرجل مددا ‪ ،‬تقول أمددنا فلنا بجيش ‪ ،‬قال تعالى ) ُيْمِدْدُكْم َرّبُكْم ِبخَْم َ‬
‫)‪ 125‬آل عمران ( " وفي المجمل تعني الزيادة والكثرة ‪ ،‬في المساعدة‬
‫العسكرية المقدمة من قبل الغير ‪ ،‬من مال وأفراد وعتاد أثناء الحرب ‪ .‬عندما‬
‫يكون الجيش أقرب للهزيمة منه إلى النصر ‪.‬‬
‫والنفير هم القوم ينفرون معك ويتنافرون في القتال ‪ ،‬ومنه قوله تعالى ) انِفُروا‬
‫ن ُكنُتْم‬‫خْيٌر َلُكْم ِإ ْ‬
‫ل َذِلُكْم َ‬
‫سِبيِل ا ِّ‬
‫سُكْم ِفي َ‬
‫جاِهُدوا ِبَأْمَواِلُكْم َوَأنُف ِ‬
‫خَفاًفا َوِثَقاًل َو َ‬
‫ِ‬
‫ن )‪ 41‬التوبة ( ‪.‬‬ ‫َتْعَلُمو َ‬
‫جاء في ) كتاب النبوءة والسياسة ( ‪ ،‬للكاتبة المريكية ) غريس هالسل ( ‪" :‬‬
‫لقد أغرقنا إسرائيل بالسلحة ‪ :‬جعلنا من دولة الثلثة مليين يهودي ‪ ،‬ماردا‬
‫عسكريا أكبر من أي دولة منفردة ‪ ،‬مثل ألمانيا أو إنكلترا أو فرنسا ‪ ،‬وأقوى من‬
‫‪ 21‬دولة عربية مجتمعة ‪ ،‬عدد سكانها ‪ 150‬مليون نسمة "‬
‫" أن إسرائيل ‪ ..‬هي المستفيد الول بل منازع من برنامج مساعداتنا ‪ ..‬تحصل‬
‫على ثلث مجمل المساعدات المريكية الخارجية "‬
‫ط أحد أي‬ ‫وتقول الكاتبة تعقيبا على انتصار إسرائيل في حرب ‪ " ، 1967‬لم يع ِ‬
‫فضل للوليات المتحدة ‪ ،‬لنها زودت إسرائيل بالسلحة والتكنولوجيا‬
‫والدولرات ‪ ،‬وحتى بالعناصر العسكرية المريكية التي ساعدت‬
‫السرائيليين ‪ ،‬في تلك الحرب ‪ .‬لقد ربحت إسرائيل لن الوليات المتحدة كانت‬
‫تؤيدها بل حدود "‬
‫وتقول أيضا " أن نسبة العسكريين إلى المدنيين في إسرائيل ‪ ،‬هي ) ‪1‬‬
‫عسكري من كل ‪ 22‬مدني ( وهي أعلى نسبة في العالم "‬
‫وتقول أيضا على لسان الستاذ في الجامعة العبرية ) إسرائيل شاهاك ( " إن‬
‫دافع الضرائب المريكي أرسل إلى إسرائيل ‪ ،‬في عام ‪ 1985‬خمسة مليارات‬
‫دولر " واستمرت أمريكا بدفع هذه القيمة سنويا لغاية الن ‪ ،‬فضل عن‬
‫المساعدات المادية والعينية الخرى " ‪ ،‬انتهى ‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫وفي قوله تعالى ) ثم رددنا لكم الكرة عليهم ‪ ،‬وأمددناكم بأموال وبنين ‪،‬‬
‫وجعلناكم أكثر نفيرا ( ثلثة أفعال ‪ ،‬جاءت جميعها بصيغة الماضي ‪ ،‬وهي‬
‫حّملت جميعها أيضا صفة الستقبال ‪،‬‬ ‫) رددنا لكم ‪ ،‬أمددناكم ‪ ،‬جعلناكم ( و ُ‬
‫بمعنى ) ونرّد لكم ‪ ،‬ونمّدكم ‪ ،‬ونجعلكم ( ولكن باختلف الزمان ‪ ،‬فهذه الفعال‬
‫جاءت لتأخذ صفة الستقبال ‪ ،‬قبل قيام دولة إسرائيل ‪ ،‬فتفيد معنى ) ونرّد لكم ‪،‬‬
‫ونمّدكم ‪ ،‬ونجعلكم ( ‪ ،‬ولتأخذ بعد قيام دولة إسرائيل صفة الماضي ‪ ) ،‬رددنا‬
‫لكم ‪ ،‬وأمددناكم ‪ ،‬وجعلناكم ( ‪.‬‬
‫كان المفسرين القدماء أكثر قربا منا ‪ ،‬وأكثر فهما لمفردات اللغة العربية ‪ ،‬ومع‬
‫ذلك لم يعطوا هذه اليات حقها من التفسير والتفصيل ‪ ،‬مما ساهم في إخفاء هذا‬
‫المر العظيم حتى هذه اليام ‪ ،‬ومرّد ذلك أنهم لم يعاصروا الدولة الحالية‬
‫سرت هذه اليات تفسيرا دقيقا كما الن ‪ ،‬لكشفت هذه النبوءة‬ ‫لليهود ‪ .‬ولو ُف ّ‬
‫للمسلمين ‪ ،‬الكثير من الوقائع ‪ ،‬ولكان ضّر هذا الكشف عنها للمسلمين أكثر من‬
‫نفعه ‪ ،‬ولكن لم يشأ ال ذلك رحمة بالمسلمين ‪ ،‬حتى ل يتملكهم اليأس والقنوط‬
‫ق‪.‬‬‫ق وقوله ح ّ‬ ‫ن ال قد أخبر بذلك ‪ ،‬وهو الح ّ‬ ‫والتسليم بالمر الواقع ‪ ،‬بما أ ّ‬
‫ولو حصل أن علم المسلمون بتفاصيل هذه النبوءة مسبقا ‪ ،‬فربما ترك معظم‬
‫الفلسطينيون بلدهم ‪ ،‬مع إطلق أول رصاصة من قبل برابرة هذا العصر ‪ ،‬إل‬
‫حِرَم المسلمون شرف الشهادة ‪ ،‬ونيل الذى‬ ‫حَم ربي ‪ ،‬وَل ُ‬ ‫من أوتي الحكمة وَر ِ‬
‫ح ِمْثُلُه ‪،‬‬‫س اْلَقْوَم َقْر ٌ‬ ‫ح ‪َ ،‬فَقْد َم ّ‬ ‫سُكْم َقْر ٌ‬‫س ْ‬‫ن َيْم َ‬ ‫في سبيل ال ‪ ،‬لقوله تعالى ) ِإ ْ‬
‫شَهَداَء ‪،‬‬ ‫خَذ ِمْنكُْم ُ‬ ‫ن آَمُنوا ‪َ ،‬وَيّت ِ‬ ‫ل اّلِذي َ‬
‫س ‪َ ،‬وِلَيْعَلَم ا ُّ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫ك الَّْياُم ُنَداِوُلَها َبْي َ‬
‫َوِتْل َ‬
‫ن‬
‫ن َِلْهِل اْلَمِديَنِة ‪َ ،‬وَم ْ‬ ‫ن )‪140‬آل عمران ( ولقوله ) َما َكا َ‬ ‫ظاِلِمي َ‬
‫ب ال ّ‬ ‫ح ّ‬‫لُ لَ ُي ِ‬
‫َوا ّ‬
‫عْ‬
‫ن‬ ‫سِهْم َ‬ ‫غُبوا ِبَأنُف ِ‬ ‫ل ‪َ ،‬وَل َيْر َ‬ ‫سوِل ا ِّ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫عْ‬ ‫خّلُفوا َ‬ ‫ن َيَت َ‬ ‫ب ‪َ ،‬أ ْ‬‫عَرا ِ‬ ‫ن الَْ ْ‬‫حْوَلُهْم ِم َ‬ ‫َ‬
‫سِبيِل‬
‫صٌة ِفي َ‬ ‫خَم َ‬ ‫ب ‪َ ،‬وَل َم ْ‬ ‫ص ٌ‬ ‫ظَمٌأ ‪َ ،‬ولَ َن َ‬ ‫صيُبُهْم ‪َ ،‬‬ ‫ك ِبَأّنُهْم ‪ ،‬لَ ُي ِ‬ ‫سِه ‪َ ،‬ذِل َ‬‫َنْف ِ‬
‫ب َلُهْم‬‫ل ‪ِ ،‬إّل ُكِت َ‬ ‫عُدّو َنْي ً‬
‫ن َ‬ ‫ن ِم ْ‬‫ظ اْلُكّفاَر ‪َ ،‬ولَ َيَناُلو َ‬ ‫طًئا َيِغي ُ‬ ‫ن َمْو ِ‬‫طُئو َ‬ ‫ل ‪َ ،‬ولَ َي َ‬ ‫ا ِّ‬
‫ن )‪120‬التوبة ( ‪ .‬ولكن عدم‬ ‫سِني َ‬‫ح ِ‬‫جَر اْلُم ْ‬‫ضيُع َأ ْ‬ ‫ل َل ُي ِ‬ ‫ن ا َّ‬ ‫ح ‪ِ ،‬إ ّ‬‫صاِل ٌ‬‫عَمٌل َ‬ ‫ِبِه ‪َ ،‬‬
‫معرفة الفلسطينيون ‪ ،‬آنذاك بحتمية قيام الدولة اليهودية ‪ ،‬أبقى المل بإمكانية‬
‫منع إقامتها ‪ ،‬حّيا في نفوس أهلها ‪ ،‬فبقي الكثير منهم فيها ‪ ،‬واستمر باب الجهاد‬
‫في سبيل ال ‪ ،‬مشرعا على مصراعيه ‪ ،‬وبقي سجل شرف الشهادة في سبيل‬
‫ال ‪ ،‬مفتوحا إلى يوم القيامة ‪ ،‬لمن يرغب منهم في تدوين اسمه ‪ ،‬ولتكون منهم‬
‫بإذن ال تلك الطائفة ‪ ،‬التي أخبر عنها رسول الحق عليه الصلة والسلم ‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫أما بالنسبة لليهود ‪ ،‬فهل ُكشفت لهم هذه النبوءة ؟ أقول ‪ :‬نعم بل شك ‪ ،‬ألم يقل‬
‫ب ( وكشفت لهم أيضا نبوءات‬ ‫سراِئيَل ِفي اْلِكَتـا ِ‬ ‫ضْيَنا ِإَلى َبِني إ ْ‬ ‫سبحانه ) َوَق َ‬
‫سى‬‫أخرى ‪ ،‬ويعرفون تفاصيلها كما يعرفون أبناءهم ‪ ،‬قال تعالى ) ُثّم آتَْيَنا ُمو َ‬
‫حَمًة ‪َ ،‬لَعّلُهْم‬ ‫يٍء َوُهًدى َوَر ْ‬ ‫ش ْ‬
‫ل ِلُكّل َ‬ ‫صي ً‬‫ن ‪َ ،‬وَتْف ِ‬‫سَ‬ ‫ح َ‬‫عَلى اّلِذي َأ ْ‬ ‫اْلِكَتابَ َتَماًما َ‬
‫يٍء‬ ‫ش ْ‬‫ن ُكّل َ‬ ‫ح ِم ْ‬ ‫ن )‪ 154‬النعام ( ) َوَكَتْبَنا َلُه ِفي اَْلْلَوا ِ‬ ‫ِبِلَقاِء َرّبِهْم ُيْؤِمُنو َ‬
‫سِنَها ‪،‬‬‫ح َ‬ ‫خُذوا ِبَأ ْ‬ ‫ك َيْأ ُ‬‫خْذَها ِبُقّوٍة َوْأُمْر َقْوَم َ‬‫يٍء ‪َ ،‬ف ُ‬ ‫ش ْ‬‫ل ِلُكّل َ‬ ‫صي ً‬ ‫ظًة ‪َ ،‬وَتْف ِ‬ ‫عَ‬ ‫َمْو ِ‬
‫ن )‪ 145‬العراف ( وقد كشفها ال لهم ليعلم ما سيكون‬ ‫سِقي َ‬ ‫سُأِريُكْم َداَر اْلَفا ِ‬‫َ‬
‫منهم ‪ ،‬فعلم العقلء يزيدهم تواضعا وخضوعا وامتثال ‪ ،‬وعلم الذين ل يعقلون‬
‫) اليهود ( زادهم جهل واستكبارا وطغيانا وعصيانا وعدوانا ‪ ،‬وسنوضح لحقا‬
‫ما كان منهم ‪ ،‬بناءا على معرفتهم لما جاء في كتبهم من نبوءات ‪ ،‬بإذن ال ‪.‬‬
‫أما لماذا ُكشفت الن ‪ ،‬نقول ‪ :‬أن ل جدوى من إخفاءها الن ‪ ،‬فقد اكتملت معالم‬
‫سر الواقع جزءا كبيرا من نصوصها ‪ ،‬وكل‬ ‫القدر من ظروف وملبسات ‪ ،‬وف ّ‬
‫عْدًل )‪ 115‬النعام (‬ ‫صْدًقا َو َ‬‫ك ِ‬ ‫ت َكِلَمُة َرّب َ‬‫شيء أصبح واضحا للعيان ‪َ ) ،‬وَتّم ْ‬
‫وعلم سبحانه ما أراد أن يعلم ؛ مما كان من المسلمين ‪ ،‬واتخذ وسيتخذ منهم ما‬
‫أراد أن يتخذ ‪ ،‬وما كان من اليهود وسيأخذ منهم ‪ ،‬ما شاء أن يأخذ حطبا لنار‬
‫صيًرا )‪ 8‬السراء ( ‪.‬‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬‫جَهّنَم ِلْلَكاِفِري َ‬
‫جَعْلَنا َ‬‫جهنم ‪ ،‬وبئس المصير ) َو َ‬
‫والكشف عن أسئلة المتحان والبلء ‪ ،‬لن ُيغّير شيئا ‪ ،‬فقوائم النتائج والشهادات‬
‫‪ُ ،‬تعلن من على شاشات التلفاز ‪ ،‬فقد نجح الكثير من طلب الخرة في امتحان‬
‫ربهم ‪ ،‬على ) درجة شهيد بامتياز مع مرتبة الشرف ( ‪ ،‬ولكن أكثر الناس ل‬
‫يعلمون ‪.‬‬
‫ونحن الن بانتظار أن ُيصدر رب العزة ‪ ،‬نتائج أولئك الوغاد السفلة ‪ ،‬بعد أن‬
‫يمهرها بتوقيعه المبارك ‪ ،‬وكأّني أتخّيل الملئكة ُيعّدونها ‪ ،‬في عجلة من أمر‬
‫ب َأْفئَِدَتُهْم‬
‫ربهم ‪ ،‬لتكون جاهزة عند موعد التسليم ‪ ،‬فتدّبر في قوله ) َوُنَقّل ُ‬
‫ن )‪110‬‬ ‫طْغَياِنِهْم َيْعَمُهو َ‬ ‫صاَرُهْم ‪َ ،‬كَما َلْم ُيْؤِمُنوا ِبِه َأّوَل َمّرٍة ‪َ ،‬وَنَذُرُهْم ِفي ُ‬ ‫َوَأْب َ‬
‫ضْوُه ‪َ ،‬وِلَيْقَتِرُفوا َما‬ ‫خَرِة ‪َ ،‬وِلَيْر َ‬ ‫لِ‬ ‫ن ِبا ْ‬‫ن َل ُيْؤِمُنو َ‬ ‫صَغى ِإَلْيِه َأْفِئَدُة اّلِذي َ‬
‫… َوِلَت ْ‬
‫عْدًل ‪َ ،‬ل ُمَبّدَل ِلَكِلَماِتِه َوُهَو‬ ‫صْدًقا َو َ‬‫ك ِ‬ ‫ت َكِلَمُة َرّب َ‬
‫ن ‪َ … 113) ،‬وَتّم ْ‬ ‫ُهْم ُمْقَتِرُفو َ‬
‫سِميُع اْلَعِليُم )‪ 115‬النعام ( ‪ ،‬وموعدهم قريب ‪ ،‬وعند مجيئه سيكون الباب‬ ‫ال ّ‬
‫مشرعا لولئك العباد بأمر ربهم ‪ ،‬لينقضوا عليهم ويزلزلوا أركانهم ‪ ،‬ويكسروا‬
‫ط في سبات عميق ‪ ،‬ولن‬ ‫شوكتهم ويقتلعوها من جذورها ‪ ،‬والبعبع المريكي يغ ّ‬
‫يمنعهم من أمر ال أحد كان ‪.‬‬
‫‪68‬‬
‫ق‪،‬‬ ‫ق ‪ ،‬فالذي أخبر عن ذلك هو الح ّ‬ ‫ن عودة اليهود إلى فلسطين ح ّ‬ ‫ونقول ‪ :‬أ ّ‬
‫ن ال عليهم بالستضعاف بالرض ‪ ،‬كما‬ ‫ق ‪ ،‬بعد أن م ّ‬ ‫ن إخراج أهلها منها ح ّ‬ ‫وأ ّ‬
‫استضعف الذين من قبلهم ‪ ،‬فُأورثوا الرض من بعد ‪ ،‬فقد َأخرج رسوله من‬
‫ن اْلُمْؤِمِني َ‬
‫ن‬ ‫ن َفِريًقا ِم ْ‬ ‫ق َوِإ ّ‬ ‫حّ‬‫ك ِباْل َ‬
‫ن َبْيِت َ‬
‫ك ِم ْ‬ ‫ك َرّب َ‬‫جَ‬ ‫خَر َ‬‫ق ‪َ ) ،‬كَما َأ ْ‬ ‫قبل بالح ّ‬
‫ن )‪ 5‬النفال ( وفي إحدى سننه الكونية لمن ُيخرج الناس من ديارهم‬ ‫َلَكاِرُهو َ‬
‫ن ِفي‬ ‫ضَنا َأْو َلَتُعوُد ّ‬ ‫ن َأْر ِ‬‫جّنُكْم ِم ْ‬ ‫خِر َ‬‫سِلِهْم َلُن ْ‬
‫ن َكَفُروا ِلُر ُ‬ ‫ق ) َوَقاَل اّلِذي َ‬ ‫قال الح ّ‬
‫ن )‪ 13‬إبراهيم ( ‪.‬‬ ‫ظاِلِمي َ‬‫ن ال ّ‬ ‫حى ِإَلْيِهْم َرّبُهْم َلُنْهِلَك ّ‬ ‫ِمّلِتَنا َفَأْو َ‬
‫وهذه رسالة رب العزة ‪ ،‬إلى أمة محمد عليه الصلة والسلم ‪ ،‬ومن سورة‬
‫ل َمَعُكْم ‪،‬‬ ‫ن ‪َ ،‬وا ُّ‬ ‫عَلْو َ‬
‫سْلِم ‪ ،‬وََأْنُتْم اَْل ْ‬‫عوا ِإَلى ال ّ‬ ‫ل َتِهُنوا ‪َ ،‬وَتْد ُ‬ ‫) محمد ( ‪َ ) :‬ف َ‬
‫غْيَرُكْم ُثّم َل َيُكوُنوا‬ ‫سَتْبِدْل َقْوًما َ‬ ‫ن َتَتَوّلْوا َي ْ‬‫عَماَلُكْم )‪َ … (35‬وِإ ْ‬ ‫ن َيِتَرُكْم َأ ْ‬
‫َوَل ْ‬
‫َأْمَثاَلُكْم )‪ ، (38‬وإن لم نكن نستحق النتساب لّمة ) محمد ( عليه أفضل‬
‫الصلة والتسليم ‪ ،‬قول وعمل ‪ ،‬فسّنة الستبدال واقعة بنا ل محالة ‪ ،‬ومن‬
‫المؤسف أنها على وشك ‪.‬‬
‫وخلصة القول ‪ :‬أنه وبعد نفاذ الوعد الول فيكم ‪ ،‬من قبل هؤلء العباد ‪،‬‬
‫وقتِلهم وقهِرهم لكم ‪ ،‬وزوال دولتكم ‪ ،‬وتشتتكم في الرض بمدة من الزمن ‪،‬‬
‫طالت أو قصرت ‪ -‬تفيدها ثّم ‪ -‬سنأذن لكم بالعودة إلى الرض المقدسة ‪،‬‬
‫وتهزموهم كما هزموا أسلفكم ‪ ،‬وتعود لكم السطوة عليهم ‪ ،‬وتلحقوا بهم ما‬
‫ألحقوه بأسلفكم ‪ ،‬وُنمّدكم بالفراد المدربين على القتال والمساعدات المالية‬
‫لّياُم ُنَداِوُلَها‬‫ك ا َْ‬
‫والعسكرية ‪ ،‬ونجعلكم أكثر عددا وعتادا ‪ .‬وهذا من قبيل ) َوِتْل َ‬
‫س ( بإجراء القضاء والقدر ‪ ،‬وليس من قبيل المكافأة ‪ ،‬لبني إسرائيل‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫بْي َ‬
‫على إحسانهم ونيلهم رضاه سبحانه ‪ ،‬كما يّدعون في توراتهم ‪ ،‬وكما ذهب إلى‬
‫سرين ‪.‬‬ ‫ذلك بعض المف ّ‬
‫سوُءوا‬ ‫خَرةِ ِلَي ُ‬
‫لِ‬‫عُد ا ْ‬
‫جاَء َو ْ‬ ‫سْأُتْم َفَلَها َفِإَذا َ‬
‫ن َأ َ‬
‫سُكْم َوِإ ْ‬
‫سنُتْم َِلنُف ِ‬
‫ح َ‬ ‫سنُتْم َأ ْ‬
‫ح َ‬
‫ن َأ ْ‬
‫) ِإ ْ‬
‫علَْوا َتْتِبيًرا )‬
‫خُلوُه َأّولَ َمّرٍة َوِلُيَتّبُروا َما َ‬ ‫جَد َكَما َد َ‬‫سِ‬ ‫خُلوا اْلَم ْ‬‫جوَهُكْم َوِلَيْد ُ‬ ‫ُو ُ‬
‫‪(7‬‬

‫سْأُتْم َفَلَها ‪:‬‬


‫ن َأ َ‬
‫سُكْم َوِإ ْ‬
‫لنُف ِ‬
‫سنُتْم َِ‬
‫حَ‬
‫سنُتْم َأ ْ‬
‫حَ‬
‫ن َأ ْ‬
‫ِإ ْ‬
‫وهذا على سبيل التخيير ‪ ،‬ولنفي الجبرية على من يملك العقل والرادة ‪ ،‬ولدفع‬
‫ساَء‬
‫ن َأ َ‬
‫سِه َوَم ْ‬
‫حا َفِلَنْف ِ‬
‫صاِل ً‬
‫عمَِل َ‬
‫ن َ‬
‫ل وعل ‪ ،‬حيث قال ) َم ْ‬
‫الظلم عن نفسه ج ّ‬
‫‪69‬‬
‫لٍم ِلْلَعِبيِد )‪ 46‬فصلت ( ‪ ،‬وجاءت في ظاهرها ‪ ،‬تحمل‬ ‫ظّ‬‫ك ِب َ‬‫َفَعَلْيَها َوَما َرّب َ‬
‫الكثير من الترغيب ‪ ،‬والكثير من الترهيب ‪ ،‬وفي باطنها التهديد والتحذير مما‬
‫يليها ‪ ،‬لكيل يكون لهم على ال حجة ‪ ،‬بأنه لم يحّذرهم وينذرهم ‪ ،‬قبل إنزال‬
‫عقاب وعد الخرة فيهم ‪ .‬أما دفع تهمة الفساد عن النفس ‪ ،‬فليست بالماني‬
‫ومعسول الكلم ‪ ،‬ولكن بالنظر إلى ما اقترفته اليادي ‪ ،‬حيث قال سبحانه )‬
‫جدْ َلُه ِم ْ‬
‫ن‬ ‫جَز ِبِه َوَل َي ِ‬‫سوًءا ُي ْ‬ ‫ن َيْعَمْل ُ‬ ‫ب َم ْ‬ ‫ي َأْهِل اْلِكَتا ِ‬ ‫س ِبَأَماِنّيُكْم َولَ َأَماِن ّ‬‫َلْي َ‬
‫صيًرا )‪ 123‬النساء ( ‪.‬‬ ‫ل َوِلّيا َولَ َن ِ‬ ‫ن ا ِّ‬‫ُدو ِ‬
‫والتغيير من الفساد إلى الصلح ‪ ،‬ومن الساءة إلى الحسان ‪ ،‬ل يأتي عبثا‬
‫بل يحتاج إلى الكثير من الجهد والعمل ‪ ،‬فالبداية تكون بتحصيل العلم والمعرفة‬
‫بال ‪ ،‬بالتفّكر والتدّبر في ملكوت السماوات والرض ‪ ،‬ومن ثم اليمان بوجوده‬
‫وقدرته على الخلق واليجاد ‪ ،‬ومن ثم رّد الجميل لصاحب الفضل والمّنة ‪،‬‬
‫بإقرار ربوبيته وملكيته لنا ‪ ،‬ومن ثم الطاعة والتسليم والنصياع ‪ ،‬ومن ثم‬
‫ن‬
‫ت اْلجِ ّ‬‫خَلْق ُ‬‫تحصيل المعرفة بمراده من الخلق ‪ ،‬كما جاء في كتابه ) َوَما َ‬
‫ن )‪ 56‬الذاريات ( ‪ ،‬وبالتالي البحث الحثيث لمعرفة ما ُينال‬ ‫س ِإّل ِلَيْعُبُدو ِ‬ ‫َواِْلن َ‬
‫به الرضا وُيدفع به الغضب ‪ ،‬ومن ثم العمل بما تعلم ‪ ،‬فإن لم يكن حبا في ملك‬
‫الملوك ‪ ،‬ليكن ولًء لسبق الفضل ‪ ،‬وإن لم يكن طمعا في الجنة فخوفا من‬
‫النار ‪.‬‬
‫فانظر بربك إلى ربك ما أعدله ‪ ،‬أنعم عليك وأوجدك أول ‪ ،‬وسيدخلك الجنة إلى‬
‫عَدُه َوَأْوَرَثَنا‬‫صَدَقَنا َو ْ‬
‫ل اّلِذي َ‬ ‫حْمُد ِّ‬ ‫البد ثانيا ‪ ،‬لتكون ممن قالوا ) َوَقاُلوا اْل َ‬
‫ن )‪ 74‬الزمر ( ‪ ،‬ل من‬ ‫جُر الَْعاِمِلي َ‬‫شاُء َفِنْعَم َأ ْ‬‫ث َن َ‬‫حْي ُ‬
‫جّنِة َ‬ ‫ن اْل َ‬‫ض َنَتَبّوُأ ِم َ‬ ‫اَْلْر َ‬
‫ن )‪ 97‬النبياء ( ‪.‬‬ ‫ظاِلِمي َ‬‫ن َهَذا َبْل ُكّنا َ‬ ‫غْفَلٍة ِم ْ‬
‫الذين قالوا ) َيَوْيَلَنا َقْد ُكّنا ِفي َ‬
‫ل ِبَقْوٍم‬ ‫سِهْم َوِإَذا َأَراَد ا ُّ‬‫حّتى ُيَغّيُروا َما ِبَأنُف ِ‬ ‫ل لَ ُيَغّيُر َما ِبَقْوٍم َ‬ ‫ن ا َّ‬‫قال تعالى ) ِإ ّ‬
‫ن َواٍل )‪ 11‬الرعد ( ‪ ،‬فالتغيير يبدأ من‬ ‫ن ُدوِنِه ِم ْ‬ ‫ل َمَرّد َلُه َوَما َلُهْم ِم ْ‬ ‫سوًءا َف َ‬ ‫ُ‬
‫سى ِلَقْوِمِه َيَقْوِم ِلَم ُتْؤُذوَنِني َوَقْد‬ ‫العبد وينتهي عنده ‪ ،‬قال تعالى ) َوِإْذ َقاَل ُمو َ‬
‫ل َل َيْهِدي اْلَقْوَم‬ ‫ل ُقُلوَبُهْم َوا ُّ‬‫غ ا ُّ‬ ‫غوا َأَزا َ‬ ‫ل ِإَلْيُكْم َفَلّما َزا ُ‬
‫سوُل ا ِّ‬ ‫ن َأّني َر ُ‬ ‫َتْعَلُمو َ‬
‫ن )‪ 5‬الصف ( ‪ ،‬حيث سبق الزيغ منهم فأزاغ ال قلوبهم ‪ ،‬أفل يستحق‬ ‫سِقي َ‬ ‫اْلَفا ِ‬
‫المر شيئا من العناء … ؟! فلنسارع بتغيير أنفسنا ‪ ،‬قبل أن تتغير جلودنا‬
‫مرارا وتكرارا ‪ ،‬في نار جهنم ‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫خَرِة ‪:‬‬
‫لِ‬‫عُد ا ْ‬
‫جاَء َو ْ‬
‫َفِإَذا َ‬
‫فيما روي عنه عليه الصلة والسلم ‪ ،‬مما قال في دعاءه " أنت الول فليس‬
‫خرة نقيض المتقدم‬‫خر وال ِ‬‫قبلك شيء ‪ ،‬وأنت الخر فليس بعدك شيء " ‪ ،‬وال ِ‬
‫خر بكسر الخاء بعد الول وهو‬ ‫والمتقدمة ‪ ،‬ومن معجم مختار الصحاح ‪ :‬ال ِ‬
‫خرة والجمع‬‫خرا أي أخيرا ‪ ،‬وتقديره فاعل ‪ ،‬والنثى آ ِ‬
‫صفة ‪ ،‬تقول جاء آ ِ‬
‫أواخر ‪.‬‬
‫وخلصة القول ‪ :‬أنها المرة الثانية في الترتيب ‪ ،‬والخيرة في عدد المرات ‪،‬‬
‫ول ثالثة بعدها ‪ ،‬وإنما هناك أخرى ‪ ،‬ولكنها تختلف في أنها ليست مرة ‪ ،‬ول‬
‫يصحّ أن نسميها مرة ثالثة ‪ ،‬فهي ل تمتلك شروط المرتين السابقتين ‪.‬‬
‫بعثناهم عليكم ‪:‬‬
‫هذه العبارة ‪ ،‬غير موجودة أصل في نص الية ‪ ،‬وهي جواب شرط إذا‬
‫حذفت ‪ ،‬لدللة جواب شرط إذا الخاص بوعد‬ ‫الخاص بوعد الخرة ‪ ،‬وقد ُ‬
‫أولهما ‪ .‬ولتوضيح عمل ) إذا ( وما يعنيه شرطها وجوابها ‪ ،‬نقول نستعمل‬
‫) إذا ( عادة ‪ ،‬إذا أردنا تعليق فعل معين ) ويسمى جواب شرط إذا ( ‪ ،‬بفعل‬
‫آخر ) ويسمى شرط إذا ( ‪ ،‬كأن تقول لزوجتك على سبيل المثال ‪ " :‬إذا‬
‫حصلت على ترقية في نهاية الشهر ‪ ،‬اشتريت لك ذلك الخاتم " ‪ ،‬فالذي ذهبت‬
‫إليه في الواقع ‪ ،‬هو أنك عّلقت عملية شراء الخاتم ‪ ،‬الذي رغبت فيه زوجتك ‪،‬‬
‫بعملية حصولك على الترقية الموعود بها آخر الشهر ‪ ،‬فإن لم تكن هناك‬
‫ترقية ‪ ،‬فلن تحصل زوجتك المسكينة على الخاتم ‪ .‬فشرط ) إذا ( هو‬
‫) الحصول على الترقية ( ‪ ،‬وجواب الشرط هو ) شراء الخاتم ( ‪ .‬وبعبارة‬
‫أخرى نقول أن حصول زوجتك على الخاتم متعّلق بالحصول على الترقية ‪.‬‬
‫جاَء‬
‫وبإعادة عبارة ) بعثناهم عليكم ( المحذوفة ‪ ،‬يصبح النص كما يلي ) َفِإَذا َ‬
‫سجَِد ( ‪.‬‬‫خُلوا اْلَم ْ‬
‫جوَهُكْم َوِلَيْد ُ‬
‫سوُءوا ُو ُ‬
‫خَرِة – بعثناهم عليكم – ِلَي ُ‬
‫لِ‬‫عُد ا ْ‬
‫َو ْ‬
‫وعبارة ) وليسوءوا وجوهكم ( ليست جوابا للشرط ‪ ،‬لرتباطها بلم كي ‪،‬‬
‫حيث جاءت العبارة لتعليل البعث وتوضيح الغاية منه ‪ .‬وضمير الغائب ) هم (‬
‫في ) بعثناهم ( يعود على العباد أنفسهم ‪ ،‬وضمير المخاطب ) كم ( في ) عليكم‬
‫( ‪ ،‬يعود على بني إسرائيل ‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫وخلصة القول ‪ :‬أن هذه المرة هي الخيرة من المرتين ‪ ،‬وأن تحّقق البعث‬
‫متعّلق بمجيء الموعد المحّدد ‪ ،‬وبما أن الضمير في كلمة ) بعثناهم ( يعود‬
‫على نفس العباد ‪ ،‬فإن عباد البعث الثاني ‪ ،‬هم نفس عباد البعث الول ‪.‬‬
‫جوَهُكْم ‪:‬‬
‫سوُءوا ُو ُ‬
‫ِلَي ُ‬
‫سّره ‪ .‬وفي الواقع أن‬ ‫ل ِبالنسان ما َيْكَره ‪ ،‬وأساءه نقيض َ‬ ‫إساءة الوجه ‪ ،‬أن ُيفِع َ‬
‫ِفعل الساءة ‪ ،‬لن يقع على الوجوه بشكل مباشر ‪ ،‬وإنما على المظاهر‬
‫والمقومات المادية ‪ ،‬التي مّكنتهم من العلو والستكبار والستعلء على الناس ‪،‬‬
‫لُيحرموا هذه الميزة بتبادل الدوار مع أولئك العباد ‪ .‬ويكسبوا ميزة جديدة ‪ ،‬هي‬
‫الستضعاف والذل والنخفاض ‪ ،‬بتبادل الدوار مع الفلسطينيين ‪ ،‬ومن ثم ليقع‬
‫فيهم ‪ ،‬ما أنزلوه بالفلسطينيين طيلة مدة علوهم ‪ ،‬من قتل وأسر وتعذيب وسلب‬
‫للراضي والممتلكات ‪ ،‬وإتلف وهدم ‪ ،‬على قاعدة الجزاء من جنس العمل ‪) ،‬‬
‫ن )‪ 14‬التوبة ( ‪ .‬وضمير الغائب ) واو الجماعة (‬ ‫صُدوَر َقْوٍم ُمْؤِمِني َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ش ِ‬‫َوَي ْ‬
‫في ) ليسوءوا ( ‪ ،‬يعود على نفس العباد ‪ ،‬وضمير المخاطب )كم ( في‬
‫) وجوهكم ( ‪ ،‬يعود على بني إسرائيل ‪.‬‬
‫والذي سيظهر على الوجه ‪ ،‬هو تعابير الستياء ‪ ،‬التي تنتج في الغالب ‪ ،‬عن‬
‫مشاعر تجيش بها النفس البشرية ‪ ،‬كاللم والحسرة والغيظ والخزي والذل ‪،‬‬
‫عندما تتعرض للذى النفسي ‪ ،‬الذي غالبا ما يكون ناتج ‪ ،‬عن فقدان مادي لما‬
‫هو جيد ‪ ،‬أو كسب ما هو سيئ ‪ ،‬أو كلهما ‪ ،‬وتعتمد درجة الستياء على درجة‬
‫الفقد أو الكسب ‪ ،‬والذي سيفقده اليهود ‪ ،‬هو السيادة والغنى والقوة ‪.‬‬
‫ونجد وصف لتعابير وجه ‪ ،‬يشعر صاحبه بسوء ألّم به ‪ ،‬لحرمانه من الذكر ‪،‬‬
‫شَر‬
‫بولدة النثى ‪ ،‬التي ستجلب له العار مستقبل ‪ ،‬في قوله تعالى ) َوِإَذا ُب ّ‬
‫سوِء‬ ‫ن ُ‬ ‫ن اْلَقْوِم ِم ْ‬
‫ظيٌم )‪َ (58‬يَتَواَرى ِم َ‬ ‫سَوّدا َوُهَو َك ِ‬ ‫جُهُه ُم ْ‬ ‫ظّل َو ْ‬‫حُدهُْم ِبالُْْنَثى َ‬ ‫َأ َ‬
‫شَر ِبِه … )‪ 59‬النحل ( ‪ ،‬ونجد وصف آخر لتعابير وجوه الذين اقترفوا‬ ‫َما ُب ّ‬
‫السيئات ‪ ،‬عندما استيقنوا أن ل مفر ول عاصم من أمر ال ‪ ،‬وأنهم سينالون‬
‫جزاء سيئاتهم ‪ ،‬فتملّكتهم مشاعر اليأس والقنوط من النجاة ‪ ،‬في قوله تعالى )‬
‫ن‬
‫ل ِم ْ‬
‫ن ا ِّ‬‫سّيَئٍة ِبِمْثِلَها َوَتْرَهُقُهْم ِذّلٌة َما َلُهْم ِم َ‬
‫جَزاُء َ‬‫ت َ‬ ‫سّيَئا ِ‬
‫سُبوا ال ّ‬ ‫ن َك َ‬ ‫َواّلِذي َ‬
‫ب الّناِر ُهْم‬
‫حا ُ‬ ‫صَ‬‫ك َأ ْ‬
‫ظِلًما ُأوَلِئ َ‬
‫ن الّلْيِل ُم ْ‬‫طًعا ِم َ‬‫جوُهُهْم ِق َ‬ ‫ت ُو ُ‬ ‫شَي ْ‬
‫غ ِ‬‫صٍم َكَأّنَما ُأ ْ‬
‫عا ِ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ 27‬يونس (‬ ‫خاِلُدو َ‬ ‫ِفيَها َ‬

‫‪72‬‬
‫توحي عبارة ) ليسوءوا وجوهكم ( ‪ ،‬أن ما سينزل بهم من عقاب ‪ ،‬على أيدي‬
‫هؤلء العباد ‪ ،‬شديد الوقع ‪ ،‬وبالغ الثر والتأثير في نفوسهم ‪ ،‬مما سيعكس‬
‫بالضرورة آثار المساءة على وجوههم ‪ .‬لدرجة أنه سبحانه ‪ ،‬أورد نفس التعبير‬
‫‪ ،‬في وصفه لحال الكفار عند رؤيتهم لعذاب جهنم ‪ ،‬في قوله تعالى ) َفَلّما َرَأْوُه‬
‫ن )‪ 27‬الملك ( ‪.‬‬ ‫عو َ‬ ‫ن َكَفُروا َوِقيَل َهَذا اّلِذي ُكْنُتْم ِبِه َتّد ُ‬ ‫جوُه اّلِذي َ‬‫ت ُو ُ‬‫سيَئ ْ‬‫ُزْلَفةً ِ‬
‫ل باليهود قريبا ‪ ،‬ليس له نظير ‪ ،‬ول ُيمكن أن يتأتى هذا‬ ‫فالعقاب الذي سيح ّ‬
‫العقاب ‪ ،‬إل من قبل أناس يملؤهم الحقد والكراهية ‪ ،‬ولديهم رغبة شديدة وملحة‬
‫للنتقام ‪ ،‬من بني إسرائيل لسبب أو لخر ‪.‬‬
‫سا ِبَغْيِر َنْف ٍ‬
‫س‬ ‫ن َقَتَل َنْف ً‬ ‫سَراِئيَل َأّنُه َم ْ‬‫عَلى َبِني ِإ ْ‬ ‫ك َكَتْبَنا َ‬ ‫جِل َذِل َ‬‫ن َأ ْ‬
‫قال تعالى ) ِم ْ‬
‫حَيا الّنا َ‬
‫س‬ ‫حَياَها َفَكَأّنَما َأ ْ‬‫ن َأ ْ‬‫جِميًعا وََم ْ‬‫س َ‬ ‫ض َفَكَأّنَما َقَتَل الّنا َ‬ ‫ساٍد ِفي الَْْر ِ‬ ‫َأْو َف َ‬
‫ك ِفي اَْلْر ِ‬
‫ض‬ ‫ن َكِثيًرا ِمْنُهْم َبْعَد َذِل َ‬‫ت ُثّم ِإ ّ‬‫سُلَنا ِباْلَبّيَنا ِ‬
‫جاَءْتُهْم ُر ُ‬‫جِميًعا َوَلَقْد َ‬‫َ‬
‫ن ِفي‬‫سَعْو َ‬ ‫سوَلُه ‪َ ،‬وَي ْ‬ ‫ن الَّ َوَر ُ‬ ‫حاِرُبو َ‬ ‫ن ُي َ‬
‫جَزاُء اّلِذي َ‬ ‫ن )‪ِ (32‬إّنَما َ‬ ‫سِرُفو َ‬
‫َلُم ْ‬
‫ف‪،‬‬ ‫ل ٍ‬ ‫ن خِ َ‬‫جُلُهْم ِم ْ‬ ‫صّلُبوا ‪َ ،‬أْو ُتَقطَّع َأْيِديِهْم َوَأْر ُ‬ ‫ن ُيَقّتُلوا ‪َ ،‬أْو ُي َ‬ ‫ساًدا ‪َ ،‬أ ْ‬‫ض َف َ‬
‫اَْلْر ِ‬
‫ظيٌم )‬ ‫عِ‬‫ب َ‬ ‫عَذا ٌ‬ ‫خَرِة َ‬ ‫لِ‬ ‫ي ِفي الّدنَيا وََلُهْم ِفي ا ْ‬ ‫خْز ٌ‬‫ك َلُهْم ِ‬ ‫ض َذِل َ‬
‫ن الَْْر ِ‬ ‫َأْو ُينَفْوا ِم ْ‬
‫‪ 33‬المائدة (‬
‫تبين الية الولى ‪ ،‬عظم مكانة النفس البشرية عند ال ‪ ،‬إذ ليس لحد كان ‪،‬‬
‫إزهاق أرواح الناس سوى خالقها ‪ ،‬فهو الذي يحيي ويميت ‪ ،‬ومن أزهق روحا‬
‫بغير نفس أي قصاصا ‪ ،‬أو لمنع الفساد في الرض ‪ ،‬كإقامة الحدود الموجبة‬
‫للقتل ‪ ،‬فكأنما قتل الناس جميعا ‪ ،‬ومن قام بهذا المر ‪ ،‬خارج نطاق ما تقّدم من‬
‫موجبات القتل ‪ ،‬فقد أعلن حربه على ال ‪ .‬وأن من أعلن حربه على ال ‪ ،‬في‬
‫حصر جزاءه من قبل رب العزة ‪ ،‬بأربعة خيارات ‪ ،‬تنّفذ فيه في‬ ‫الية الثانية ‪ُ ،‬‬
‫الحياة الدنيا ‪ ،‬من قبل من أوكله ال بذلك ‪ ،‬حسبما يرتأيه منفذ الحكم ‪ ،‬إذ ل‬
‫جناح عليه فيما ُأنزل به من عقوبة ‪.‬‬
‫والملحظ أن هذا البيان جاء عاّما ‪ ،‬ولكنه ارتبط ببني إسرائيل بشكل خاص ‪،‬‬
‫مما يوحي أن عقابهم في المرتين ‪ ،‬شمل وسيشمل على ما يبدو هذه الخيارات‬
‫مجتمعه ‪ ،‬بالقتل والصلب والتنكيل والسبي ‪ ،‬وبما أن النتيجة النهائية لهذا‬
‫العقاب ‪ ،‬هي زوال علوهم في فلسطين ‪ ،‬فهذا يعني رحيل من بقي حّيا فرارا ‪،‬‬
‫عن فلسطين نهائيا ‪ ،‬يجّر أذيال الخيبة والهزيمة ‪ .‬وستفيض قلوب كل اليهود‬
‫في كافة أرجاء العالم ‪ ،‬بمشاعر الذل والخزي والعار والهوان ‪ ، ،‬مما يدعو‬
‫‪73‬‬
‫القاصي والداني ‪ ،‬للشماتة بهم وبمن يشّد على أيديهم ‪ .‬وهذا ما تؤكده اليات‬
‫الكريمة ‪ ،‬بأن جزاءهم سيكون من جنس عملهم ‪.‬‬
‫جَد ‪:‬‬
‫سِ‬‫خُلوا اْلَم ْ‬
‫َوِلَيْد ُ‬
‫يعتقد الكثير من المسلمين هذه اليام ‪ ،‬أن ذكر المسجد في هذا الموضع ‪،‬‬
‫يترتب عليه أن من سيدخله ‪ ،‬وأن تحريره مقصورا على حملة لواء السلم ‪،‬‬
‫أو بتعبير أدق أولياء ال وخاصته ‪ ،‬يوحدهم ويقودهم خليفة يفوقهم ولًء ل‬
‫ولدينه ‪ ،‬وفي الذهان صورة ابن الخطاب ‪ ،‬رضي ال وأرضاه عنه ‪ ،‬وصلح‬
‫الدين رحمه ال ‪ ،‬ومن منا ل يتمنى ذلك ‪.‬‬
‫ولكن يحضرني هنا قول الشاعر ‪ " :‬ما كل ما يتمنى المرء يدركه تجري‬
‫ي عمر وصلح‬ ‫الرياح بما ل تشتهي السفن " ‪ ،‬فلو عدنا بالذاكرة ‪ ،‬إلى دخول ّ‬
‫الدين ‪ ،‬ستجد أنهما ل يتفّقان مع ما جاء في سورة السراء ‪ ،‬لسببين ‪ ،‬الول ؛‬
‫كان الدخول على النصارى في المرتين ‪ ،‬والثاني ؛ أن الجوس للديار لم يقع‬
‫فيهما ‪ ،‬وكذلك الساءة لوجوه اليهود ‪ .‬بالضافة إلى أن الدخول في المرتين ‪،‬‬
‫كان فتحا وليس عقابا لحد ‪.‬‬
‫ن المسألة ‪ ،‬هي لفظ المسجد الذي أورده تعالى ‪ ،‬للتعريف والتأكيد ‪،‬‬ ‫ويبدو وكأ ّ‬
‫على أن الرض التي ُذكرت في الية )‪ ، (4‬هي الرض التي تحوي المسجد‬
‫أي مدينة القدس ‪.‬‬
‫والسؤال هنا هل المساجد خاصة بالمسلمين فقط ؟ بكل تأكيد نعم ‪ ،‬ولكن لفظ‬
‫المسجد ل ! نحن نعلم أن حادثة السراء كانت في مكة ‪ ،‬وأن سورة السراء‬
‫ُأنزلت فيها أيضا ‪ ،‬وأن ال سبحانه وتعالى لّما سّماه بالمسجد القصى ‪،‬لم يكن‬
‫للمسلمين فيه ناقة ول بعير ‪ ،‬ولم يكن قائما أصل ‪ .‬وعبادة السجود ل كانت قد‬
‫ك اّلِذي َ‬
‫ن‬ ‫سبقت ‪ ،‬منذ آدم عليه السلم ‪ ،‬إلى يومنا هذا ‪ ،‬فاقرأ قوله تعالى ) ُأْوَلِئ َ‬
‫ن ُذّرّيِة‬ ‫ح َوِم ْ‬
‫حَمْلنا َمَع ُنو ٍ‬ ‫ن َ‬‫ن ُذّرّيِة آَدَم َوِمّم ْ‬ ‫ن ِم ْ‬ ‫ن الّنِبّيي َ‬
‫عَلْيِهْم ِم ْ‬
‫ل َ‬‫َأْنَعَم ا ُّ‬
‫ن خَّروا‬ ‫حَما ِ‬ ‫ت الّر ْ‬
‫عَلْيِهْم آَيا ُ‬
‫جَتَبْيَنا ِإَذا ُتْتَلى َ‬
‫ن َهَدْيَنا َوا ْ‬‫سَراِئيَل َوِمّم ْ‬ ‫ِإْبَراِهيَم َوِإ ْ‬
‫ن َأْهِل اْلِكَتابِ ُأّمٌة َقاِئَمٌة‬
‫سَواًء ِم ْ‬ ‫سوا َ‬ ‫جًدا َوُبِكّيا )‪ 58‬مريم ( وقوله تعالى ) َلْي ُ‬ ‫سّ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪ 113‬آل عمران ( وكل مكان اتخذوه‬ ‫جُدو َ‬ ‫سُ‬‫ل آَناَء الّلْيِل َوُهْم َي ْ‬ ‫ت ا ِّ‬‫ن آَيا ِ‬‫َيْتُلو َ‬
‫للسجود ‪ ،‬سّماه ال في القرآن مسجدا ‪ ،‬والمقصود المكان وليس البناء ‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫غَلُبوا‬
‫ن َ‬
‫عَلُم ِبِهْم َقاَل اّلِذي َ‬
‫عَلْيِهْم ُبْنَياًنا َرّبهُْم َأ ْ‬
‫انظر قوله تعالى ) َفَقاُلوا اْبُنوا َ‬
‫جًدا )‪ 21‬الكهف ( ‪ .‬ومع أن أصحاب الكهف ‪،‬‬ ‫سِ‬
‫عَلْيِهْم َم ْ‬
‫ن َ‬ ‫خَذ ّ‬
‫عَلى َأْمِرِهْم َلَنّت ِ‬
‫َ‬
‫كانوا من أتباع عيسى عليه السلم ‪ ،‬فإن الذين غلبوا على أمرهم في الواقع ‪،‬‬
‫أقاموا عليهم مكانا للعبادة ‪ .‬وجاءت تسمية القرآن له بالمسجد ‪ ،‬على اعتبارهم‬
‫له ‪ ،‬والقصد من بنائه ‪ ،‬أما أنه مسجد خاص بالمسلمين فل ‪ ،‬والصلة بالنسبة‬
‫سماه القرآن‬ ‫ي عنها ‪ ،‬وبالرغم من ذلك ّ‬ ‫للمسلمين في هذا المسجد ‪ ،‬منه ٌ‬
‫خذوه مكانا للعبادة ‪ ،‬التي أحد أركانها السجود ‪ .‬وضمير‬ ‫مسجدا ‪ ،‬لنهم ات ّ‬
‫الغائب ) واو الجماعة ( في ) وليدخلوا ( ‪ ،‬يعود على المبعوثين ‪.‬‬
‫وخلصة القول ‪ :‬أن هؤلء المبعوثين لم يتبين ‪ ،‬بنص صريح ول بتلميح بأنهم‬
‫من خاصة عباد ال ‪ .‬وأن ال نّكرهم وقصد تنكيرهم ‪ ،‬لمر اقتضته الحكمة‬
‫اللهية ‪ ،‬التي وضحنا جانبا منها فيما سبق ‪ .‬وأن معتقدهم غير واضح من حيث‬
‫اليمان أو الكفر ‪ ،‬وما زالت كل الحتمالت قائمة ‪ ،‬فربما يكونوا مؤمنين أو‬
‫مسلمين أو وثنيين أو ملحدين ‪ .‬ومن قال بعكس ذلك فقد جانبه الصواب ‪ ،‬بل‬
‫أدنى شك ‪ .‬والمر الكثر وضوحا ‪ ،‬هو اتحاد المبعوثين أول وثانيا ‪ ،‬أي‬
‫خروجهم من نفس الرض في المرتين ‪ ،‬مهما طال الزمن أو قصر وتعاقبت‬
‫عليها الجيال ‪ ،‬بمعنى أن أصحاب البعث الثاني ‪ ،‬هم ورثة الرض من‬
‫أصحاب البعث الول ‪ .‬وأنهم أولي قوة وبطش في الحروب ‪ .‬وأن عبارة‬
‫) وليدخلوا المسجد ( جاءت لتؤكد دخولهم ‪ ،‬لقلب الرض المقدسة ‪،‬‬
‫وسيطرتهم عليها بالكامل ‪.‬‬
‫ل َمّرٍة ‪:‬‬
‫خُلوُه َأّو َ‬
‫َكَما َد َ‬
‫خُلوُه َأّوَل َمّرٍة ( ‪ ،‬هو تشبيه للدخول الثاني بالول ‪ ،‬وفي‬ ‫قوله تعالى ) َكَما َد َ‬
‫ث يحتاج إلى وصف‬ ‫العادة عندما يروي شخص لخر ‪ ،‬قصة وقع فيها ِذكُر حد ٍ‬
‫‪ ،‬سواء كان هذا الحدث ‪ ،‬قد وقع ولم يشهده المستمع ‪ ،‬أو سيقع في المستقبل ‪،‬‬
‫فبدل من أن يستغرق الراوي ‪ ،‬في وصف هذا الحدث وسرد حيثياته ‪ ،‬على‬
‫حساب مجمل أحداث القصة ‪ ،‬يعمد الراوي إلى تشبيه الحدث المراد وصفه ‪،‬‬
‫بحدث آخر مألوف ومعروف من الماضي أو الحاضر ‪ ،‬لتقريب صفة الحدث‬
‫موضوع الخطاب لذهن المستمع ‪ ،‬ومن ثم يكمل سرد بقية الحداث ‪.‬‬
‫طُه‬
‫خّب ُ‬
‫ن ِإّل ‪َ ،‬كَما ‪َ ،‬يُقوُم اّلِذي َيَت َ‬
‫ن الّرَبا لَ َيُقوُمو َ‬
‫ن َيْأُكُلو َ‬
‫قال تعالى ) اّلِذي َ‬
‫س )‪ 275‬البقرة ( حيث شبه سبحانه قيام آكل الربا يوم‬ ‫ن اْلَم ّ‬ ‫ن ِم ْ‬
‫طا ُ‬
‫شيْ َ‬
‫ال ّ‬
‫‪75‬‬
‫القيامة ‪ ،‬مجهول الصفة بالنسبة لنا ‪ ،‬وهو حدث سيقع مستقبل ‪ ،‬بقيام الممسوس‬
‫أي المجنون ‪ ،‬وهو حدث ومشهد قد رأيناه ونراه في الماضي والحاضر ‪،‬‬
‫مرارا وتكرارا ‪ ،‬ومعروف ومألوف لذهن المستمع ‪ ،‬ونستطيع استرجاع ذلك‬
‫المشهد من الذاكرة ‪ ،‬لنرى مشهدا مؤلما ومخزيا ‪ ،‬لكل الربا عند بعثه ‪ ،‬يتميز‬
‫به عن غيره ‪ ،‬فيقوم مفزوعا متحفزا مشوشا ‪ ،‬ل يهدأ له بال ‪ ،‬ول تستكين له‬
‫حال ‪.‬‬
‫ولتوضيح المر أكثر ‪ ،‬فلو أن زوج مدح زوجته ‪ -‬على سبيل المثال ‪ُ -‬مبديا‬
‫إعجابه بجمالها قائل ‪ ) :‬وجهك كالمريخ ( ‪ ،‬فهل ستكون الزوجة قادرة ‪ ،‬على‬
‫معرفة مدى حبه لها ‪ ،‬في حال ‪ ،‬لم تكن عالمة بماهية المريخ وصفته ‪ ،‬من‬
‫حيث الجمال والقبح ‪ .‬وهل أبان هذا التشبيه ‪ ،‬بغير المألوف والمعروف للزوجة‬
‫‪ ،‬وظيفته في تعبير الزوج عن مدى حبه لها ‪ ،‬أم أنه زادها حيرة واضطرابا‬
‫وشّكا ‪ .‬لذلك ُيشّبهون جمال النساء ‪ ،‬إذا أريد المدح ‪ ،‬بالقول ‪ ) :‬وجهك كالبدر‬
‫ليلة تمامه ( وهي صورة معروفة ومألوفة لكل البشر ‪ ،‬تستطيع النساء‬
‫استرجاعها من الذاكرة وتخّيلها واستيعابها ‪ ،‬ومعرفة مدى حب زوجها لها ‪.‬‬
‫واستخدام التشبيه في الية )‪ (7‬أفاد أمرين ‪:‬‬
‫ن دخول المسجد أي بيت المقدس حاصل في المرتين ‪ ،‬وهذا يدحض‬ ‫أول ؛ أ ّ‬
‫ي من المرتين ‪ ،‬كانت أو ستكون في غير بيت المقدس‬ ‫قول من ذهب ‪ ،‬إلى أن أ ّ‬
‫‪.‬‬
‫وثانيا ؛ تشابه صفة الدخول في المرتين الولى والخرة بالدخول عنوة ‪ .‬لقوله‬
‫تعالى في وصف الدخول الول ) فجاسوا خلل الديار ( وهذا يدحض قول من‬
‫ذهب ‪ ،‬إلى أن المرة الولى كانت للمسلمين ‪ ،‬كون دخولهم إليها ‪،‬لم يحمل‬
‫صفة الجوس ‪.‬‬
‫ولكي يستقيم فهم هذه العبارة ‪ ،‬نود أن ُنشير إلى أن الخطاب لبني إسرائيل ‪ ،‬لم‬
‫طب في قوله تعالى ) كما دخلوه أول‬ ‫ينقطع ‪ ،‬بل ما زال مّوجها إليهم ‪ ،‬فالُمخا َ‬
‫لخَِرِة –‬ ‫عُد ا ْ‬
‫جاَء َو ْ‬ ‫مرة ( هم بنو إسرائيل‪ .‬واقرأ هذه الصياغة للنص ‪َ ) ،‬فِإَذا َ‬
‫جَد ‪َ ،‬كَما‬ ‫سِ‬ ‫خُلوا – عليكم – اْلَم ْ‬‫جوَهُكْم ‪َ ،‬وِلَيْد ُ‬
‫سوُءوا ُو ُ‬‫بعثناهم عليكم – ِلَي ُ‬
‫خُلوُه – عليكم – َأّوَل َمّرٍة ‪ /‬انقطاع الخطاب والعودة إلى الجمهور ‪َ /‬وِلُيَتّبُروا‬ ‫َد َ‬
‫عَلْوا َتْتِبيًرا ( ‪.‬‬
‫َما َ‬

‫‪76‬‬
‫وهذا يعني أن المعرفة ‪ ،‬بصفة الدخول الول ‪ ،‬محصورة ببني إسرائيل فقط ‪،‬‬
‫وهذا يقودنا إلى أن معرفة اليهود المعاصرين المخاطبين ‪ ،‬لصفة هذا الدخول‬
‫صلت لهم مما لديهم من كتب تحكي تاريخهم ‪ ،‬ومجمل‬ ‫بالضرورة ‪ ،‬تح ّ‬
‫تاريخهم القديم موثق في التوراة ‪ ،‬ويعلم سبحانه أن آباءهم القدماء ‪ ،‬قد وّثقوا‬
‫صفة الدخول في كتبهم ‪ ،‬فلذلك شبه الدخول الثاني لهم بما يعرفون ‪ .‬وإن أردت‬
‫معرفة صفته كمسلم ‪ ،‬ل بد لك من الرجوع إلى كتبهم ‪ ،‬وهذا الفهم يقودنا إلى‬
‫مراجعة تاريخهم كامل ‪ ،‬لنتعّرف على صفة الدخول الول ‪ ،‬كما وردت في‬
‫الية ) ‪ ، ( 5‬وهذا ما سنفعله في الفصول القادمة ‪.‬‬
‫والحقيقة أن هذا الحدث المفجع والرهيب الذي نزل بهم ‪ ،‬كان له بالغ الثر في‬
‫نفوسهم ‪ ،‬حيث شّكل لهم الكثير من العقد ‪ ،‬فضل عما كان لديهم في السابق ‪.‬‬
‫جعلت منهم شعبا مجرما حاقدا ‪ ،‬على البشرية جمعاء ‪ ،‬وعلى أولئك العباد ‪،‬‬
‫الذين ساموهم سوء العذاب في المرة الولى ‪ .‬وما جاء التشبيه هنا ‪ ،‬إل‬
‫لتذكيرهم بحدث يعرفونه كما يعرفون أبنائهم ‪ ،‬ومن لم يعرفه منهم ‪ ،‬أو خانته‬
‫ن آَتْيَناُهْم اْلِكَتا َ‬
‫ب‬ ‫ذاكرته ‪ ،‬يستطيع الرجوع إلى توراتهم ‪ ،‬قال تعالى ) اّلِذي َ‬
‫ن)‬‫ق َوُهْم يَْعَلُمو َ‬ ‫حّ‬ ‫ن اْل َ‬
‫ن َفِريًقا ِمْنُهْم َلَيْكُتُمو َ‬
‫ن َأْبَناَءُهْم َوِإ ّ‬‫َيْعِرُفوَنُه َكَما َيْعِرُفو َ‬
‫‪ 146‬البقرة ( ‪ ،‬وجاء هذا التشبيه والتذكير ‪ ،‬لنذارهم وتحذيرهم من مغبة‬
‫العودة إلى العلو والفساد ‪ ،‬وما ينتظرهم من خزي عذاب الدنيا ‪ ،‬وهول عذاب‬
‫الخرة ‪.‬‬
‫ن الباحثين في هذا الموضوع حديثا من المسلمين ‪ ،‬كانوا‬ ‫والعجيب في المر ‪ ،‬أ ّ‬
‫قد أهملوا أكبر وأعظم موسوعة تاريخية سماوية ‪ ،‬موجودة بين أيدينا ‪ ،‬أقصد‬
‫ن حَِكيمٍ‬‫خْلِفِه َتنِزيٌل ِم ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن َيدَْيِه َوَل ِم ْ‬‫ن بْي ِ‬
‫طُل ِم ْ‬ ‫القرآن الكريم الذي ) لَ َيْأِتيِه اْلَبا ِ‬
‫حِميٍد )‪ 42‬فصلت ( ‪ ،‬ولم يرجع إليها أحد ‪ ،‬مع أنه كاد أل يترك سورة من‬ ‫َ‬
‫سورِه ‪ ،‬إل وأّرخ فيها لبني إسرائيل ‪ ،‬فعلوهم الول ونشأته وإفسادهم في‬
‫الرض المقدسة ‪ ،‬ظاهر ماثل للعيان بما ل يترك مجال ‪ ،‬للتقّول أو الجتهاد ‪.‬‬
‫وأما فيما يخص عقاب الوعد الول ‪ ،‬فقد وردت إشارات كافية في هذه‬
‫ل على تحّققه قبل السلم ‪.‬‬ ‫اليات ‪ ،‬وفي مواضع أخرى في القرآن ‪ ،‬تد ّ‬
‫عَلْوا َتْتِبيًرا ‪:‬‬
‫َوِلُيَتّبُروا َما َ‬
‫في الُمعجم ‪ " :‬قال ابن جني ‪ :‬ل يقال له ِتْبر ‪ ،‬حتى يكون في تراب معدنه ‪ ،‬أو‬
‫سره وأهلكه ‪،‬‬
‫جاج ‪ :‬والتبار الهلك ‪ ،‬وتّبره تتبيرا أي ك ّ‬
‫مكسورا ‪ ،‬قال الز ّ‬
‫‪77‬‬
‫ن ِإّل َتَباًرا )‪28‬‬
‫ظاِلِمي َ‬
‫سره وأذهبه ‪ ،‬وفي التنزيل العزيز ) َوَل َتِزْد ال ّ‬ ‫وتّبره أي ك ّ‬
‫سٍر ِتبرا ‪ ،‬وفي قوله‬ ‫نوح ( قال الزجاج ‪ :‬معناه إل هلكا ‪ ،‬ولذلك سمي كل ُمك ّ‬
‫ك َكِثيًرا )‪َ (38‬وُك ّ‬
‫ل‬ ‫ن َذِل َ‬
‫س َوُقُروًنا َبْي َ‬
‫ب الّر ّ‬
‫حا َ‬
‫صَ‬‫عاًدا َوَثُموَد َوَأ ْ‬
‫عز وجل ) َو َ‬
‫ل َتّبْرَنا َتْتِبيًرا )‪ 39‬الفرقان ( قال ‪ :‬التتبير التدمير ‪ ،‬وكل‬ ‫ضَرْبَنا َلُه الَْْمَثاَل َوُك ّ‬
‫َ‬
‫سرته وفّتته فقد تّبرته " ‪.‬‬ ‫شيء ك ّ‬
‫والمعنى العام للعبارة ‪ ،‬هو ) ولُيدّمروا ما علوا تدميرا ( ‪ .‬وقد جاءت صيغة‬
‫المفعول المطلق ) تتبيرا ( ‪ ،‬زيادة في المبالغة ‪ ،‬وتأكيدا للفعل ) وليتبروا ( ‪.‬‬
‫وسواء كانت ) ما ( ظرفية ‪ ،‬أو اسم موصول ‪ ،‬بمعنى ) الذي ( ‪ ،‬لتشمل‬
‫المكان والزمان والكم ‪.‬‬
‫وكما أشرنا في تفسير العبارة السابقة ‪ ،‬فقد حصل انقطاع في الخطاب الموجه‬
‫لبني إسرائيل ‪ ،‬ليصبح الحديث موجها للجمهور ‪ ،‬مضيفا تعقيبا حول مصير‬
‫علو بني إسرائيل ‪ ،‬بدللة ضمير الغائب المتصل ‪ ،‬واو الجماعة في كلمتي‬
‫) وليتبروا ( و ) علوا ( العائد على بني إسرائيل أنفسهم ‪ .‬والعبارة ) وليتّبروا‬
‫ما علوا تتبيرا ( جاءت للتعقيب على ما فعله بني إسرائيل أنفسهم ‪ ،‬بمقومات‬
‫هذا العلو ‪ ،‬مما كان سببا في زواله ‪ .‬لُيصبح المراد هو أن علو بني إسرائيل ‪،‬‬
‫حمل في أحشائه بذرة دماره منذ نشأته ‪ ،‬بعدم الولء ل ‪ ،‬وعدم اكتراثهم ‪ِ ،‬بحّثه‬
‫لهم على الحسان وتحذيره لهم من الساءة ‪ .‬بل اعتمدوا على غير ال ‪ ،‬في‬
‫تحصيل هذا العلو ‪ ،‬وإدامته وحمايته من الزوال ‪ ،‬بالفساد والفساد والثم‬
‫والعدوان ‪.‬‬
‫ليتبّين لنا أن الحديث عن الوعد الثاني ‪ ،‬انتهى بقوله ) كما دخلوه أول مرة ( ‪.‬‬
‫وأن عبارة ) وليتّبروا ما علوا تتبيرا ( جاءت تعقيبا على قوله تعالى في بداية‬
‫القصة ) ولتعلن علوا كبيرا ( في الية )‪ ، (4‬ليؤكد بما ل يدع مجال للشك ‪ ،‬أن‬
‫صل عليه بني إسرائيل‬ ‫هذا العلو الموصوف بالكبير في الرض ‪ ،‬والذي تح ّ‬
‫ببعدهم عن ال ‪ ،‬سيصبح هباًء منثورا بما كسبته أيديهم ‪.‬‬
‫ومن تعريفنا السابق لمفهوم العلو ‪ ،‬نجد أن العلو مظهر من مظاهر الحياة ‪ ،‬كما‬
‫صل بامتلك‬ ‫صل بامتلك المال الوفير ‪ ،‬وكما الفقر الذي يتح ّ‬ ‫الغنى الذي يتح ّ‬
‫المال القليل ‪ ،‬ويتم تحصيله من خلل امتلك مقومات مادية ‪ ،‬تتمّثل في السيادة‬
‫على الرض وأهلها ‪ ،‬وسياستهم والتحّكم في مختلف شؤونهم ‪ ،‬والقدرة‬
‫بامتلك القوة ‪ ،‬والغنى بامتلك المال والموارد المادية الخرى ‪ .‬والحقيقة أن‬
‫‪78‬‬
‫اليهود في هذا العصر ‪ ،‬لم يقتصر علوهم على فلسطين فحسب ‪ ،‬بل شمل‬
‫أمريكا وبريطانيا والكثير من الدول الغربية ‪ .‬فَُهما شكل من أشكال الفساد‬
‫اليهودي في الرض ‪ ،‬وأداة للعدوان على الشعوب ‪ ،‬بأيدي اليهودية العالمية ‪.‬‬
‫وبما أن العلو مظهر ‪ ،‬والمظاهر ل ُتدّمر تدميرا ‪ ،‬وإنما تزول زوال بفقدان‬
‫أسبابها ومقوماتها ‪ ،‬كما ُأزيل علو فرعون ‪ ،‬بتدمير ما امتلك من مقومات علوه‬
‫ن)‬‫شو َ‬‫ن َوَقْوُمُه َوَما َكاُنوا َيْعِر ُ‬
‫عوْ ُ‬
‫صَنُع ِفْر َ‬
‫ن َي ْ‬
‫‪ ،‬في قوله تعالى ) َوَدّمْرَنا َما َكا َ‬
‫‪ 137‬العراف ( ‪ .‬ونلحظ أن ال تبارك وتعالى لم يأت بالمصدر ) علوهم ( ‪،‬‬
‫ليقول ) وليتبروا علوهم تتبيرا ( ‪ ،‬وإنما قال ) وليتبروا ما ( ‪ .‬لن المقصود‬
‫تدميره هنا ‪ ،‬ليس العلو بحّد ذاته ‪ ،‬وإنما تدمير ) ما ( عل عليه أو به أو فيه ‪،‬‬
‫بنوا إسرائيل بامتلكه والسيطرة عليه ‪ ،‬مما مّكنهم من الفساد في الرض ‪،‬‬
‫أي تدمير كل ما يقع تحت كلمة ) ما ( ‪ ،‬مما يمتلكونه من مقومات لعلوهم ‪.‬‬
‫لتشمل المكان والزمان والكم لهذا العلو ‪ ،‬الموصوفة بالتفصيل في اليتين ) ‪4‬و‬
‫‪ ، (6‬والتي تتلخص فيما يلي ‪:‬‬
‫• تدمير القوة العسكرية المتطورة ‪ ،‬والتي مكنتهم من العلو واستمراريته ‪،‬‬
‫ورد الكرة على أعدائهم ‪.‬‬
‫• ذهاب الموال والبنين والمداد ‪ ،‬الذي كان يتوفر لهم في حروبهم‬
‫السابقة ‪.‬‬
‫• استلب وتدمير المكنة ‪ ،‬التي يتمتعون فيها بالعلو ‪ ،‬في شتى بقاع‬
‫الرض ‪.‬‬
‫لذلك جاء التعقيب ‪ ،‬بعد نهاية ذكر عقاب وعد الخرة بإساءة الوجه ‪ ،‬وبدخول‬
‫المسجد ‪ .‬وجاء هذا التعقيب ُمتأخرا عنهما ‪ ،‬لن زوال العلو بشكل نهائي ‪،‬‬
‫سيكون كعاقبة أو نتيجة ‪ ،‬لنفاذ وعد الخرة فيهم ‪ ،‬ويبدوا لي أن زوال العلو‬
‫اليهودي في العالم ‪ ،‬سيأتي على مراحل ‪ ،‬ليبدأ في فلسطين ‪ ،‬ومن ثم يمتد‬
‫لمريكا وبريطانيا وفرنسا والغرب إجمال ‪ ،‬بإذن ال ‪.‬‬
‫وربما يذهب البعض إلى أن هذه العبارة ‪ ،‬جاءت للتعقيب على ما فعله هؤلء‬
‫العباد ‪ ،‬بعلو بني إسرائيل في وعد الخرة ‪ ،‬على اعتبار أن الضمير واو‬
‫الجماعة في ) وليتّبروا ( عائد على العباد ‪ .‬ولكن هذا غير صحيح ‪ ،‬لن ذلك‬

‫‪79‬‬
‫يعني استمرارية الخطاب ‪ ،‬فلو أن الخطاب لبني إسرائيل استمر ‪ ،‬لجاءت‬
‫العبارة على النحو التالي ) وليتّبروا ش ما علوتم ش تتبيرا ( ‪ ،‬هذا من جانب ‪.‬‬
‫ومن جانب آخر ‪ ،‬لم ُيذكر في التعقيب شيء يخص وعد الخرة ‪ ،‬بذكر كلمة‬
‫وعد مثل ‪ ،‬كما جاء في التعقيب على الوعد الولى ‪ ،‬بقوله ) وكان وعدا‬
‫مفعول ( ‪ ،‬وإنما جاء التعقيب الخير ‪ ،‬على بني إسرائيل ‪ ،‬المذكورين بالسم‬
‫في الية الرابعة ‪ ،‬لعود ضمير الغائب واو الجماعة عليهم ‪ ،‬في كلمة‬
‫) وليتبروا ( ‪ ،‬وكذلك على علوهم الكبير ‪ ،‬الموصوف في الية الرابعة أيضا ‪،‬‬
‫لتصال ضمير الغائب العائد عليهم ) واو ( ‪ ،‬في كلمة ) علوا ( ‪.‬‬
‫ولو فرضنا جدل استمرارية الخطاب ‪ ،‬فهل ُيعقل أن ُيدّمر المسلمون ‪ ،‬ما‬
‫صلوا عليه من مقومات العلو الصهيوني ‪ ،‬بعد أن يكونوا قد أوقعوا فيهم ‪،‬‬ ‫تح ّ‬
‫القتل والتنكيل والسبي والنفي ‪ ،‬وتّمت لهم السيطرة الكاملة على الرض‬
‫بدخول القدس ؟! طبعا ل ‪ .‬بل على العكس تماما ‪ ،‬سيكونون بأمس الحاجة ‪،‬‬
‫صلوا عليه سالما من مال وعتاد ‪ ،‬لستخدامه في المواجهة الحقيقة‬ ‫لما تح ّ‬
‫المقبلة مع الغرب ‪.‬‬
‫وخلصة القول ‪ :‬أن كل ما عل بنو إسرائيل عليه أو به أو فيه ‪ ،‬سيصله الدمار‬
‫ل محالة ‪ ،‬لعموم لفظ العلو ‪ ،‬حتى علوهم في الغرب ‪ ،‬إذ أن الذي أبقى علوهم‬
‫قائما ومستمرا في فلسطين ‪ ،‬هو علوهم في الغرب ‪ .‬ولذلك يصبح دمار الدول‬
‫الغربية أمر محتما ‪ ،‬ليزول علو بني إسرائيل فيها أيضا بشكل نهائي ‪ ،‬وبذلك‬
‫تنتفي تماما قدرتهم على العلو مرة أخرى ‪ ،‬إذ أن هذا العلو ‪ ،‬هو علوهم الخير‬
‫في الرض وأن أفعالهم ستكون سببا في زوال علوهم هذا ‪ ،‬وستجد مزيد من‬
‫تفصيل هذه العبارة ‪ ،‬في الجزء الثالث من الكتاب ‪.‬‬
‫خاتمة السورة ‪:‬‬
‫والن لننتقل إلى خاتمة سورة السراء ‪ ،‬حيث ُذكر وعد الخرة مرة أخرى ‪.‬‬
‫أما سبب مجيء هذه اليات في آخر السورة فهو لسببين ‪ :‬أول ؛ إظهار‬
‫العجاز العددي في القرآن ‪ ،‬الذي سنظهره بإذن ال لحقا ‪ ،‬ثانيا ؛ للتعقيب‬
‫على الوعد الثاني في بني إسرائيل بعد نفاذه ‪ ،‬وما سيكون ممن علموا بتفاصيل‬
‫هذا الوعد قبل نفاذه ‪ ،‬وما سيكون منهم بعد نفاذه ‪ ،‬تماما كما جاء به القرآن ‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫جْئَنا ِبكْم‬
‫خَرِة ِ‬
‫لِ‬ ‫عُد ا ْ‬‫جاَء َو ْ‬ ‫ض َفِإَذا َ‬‫سُكُنوا اَْلْر َ‬ ‫سَراِئيَل ا ْ‬ ‫ن َبْعِدِه ِلَبِني ِإ ْ‬ ‫) َوُقْلَنا ِم ْ‬
‫شًرا َوَنِذيًرا )‬‫ك ِإّل ُمَب ّ‬‫سْلَنا َ‬
‫ق َنَزَل َوَما َأْر َ‬ ‫حّ‬ ‫ق َأنَزْلَناُه َوِباْل َ‬‫حّ‬‫َلِفيًفا )‪َ (104‬وِباْل َ‬
‫ل )‪ُ (106‬قْل‬ ‫ث َوَنّزْلَناُه َتنِزي ً‬
‫عَلى مُْك ٍ‬ ‫س َ‬ ‫عَلى الّنا ِ‬ ‫‪َ (105‬وُقْرآًنا َفَرْقَناُه ِلَتْقَرَأُه َ‬
‫عَلْيِهْم َيخِّرو َ‬
‫ن‬ ‫ن َقبِلِه ِإَذا ُيْتَلى َ‬ ‫ن ُأوُتوا اْلِعْلَم ِم ْ‬ ‫ن اّلِذي َ‬ ‫آِمُنوا ِبِه َأْو َل ُتْؤِمُنوا ِإ ّ‬
‫عُد َرّبَنا َلَمْفُعوًل )‪(108‬‬ ‫ن َو ْ‬ ‫ن َكا َ‬‫ن َرّبَنا ِإ ْ‬‫حا َ‬
‫سْب َ‬
‫ن ُ‬ ‫جًدا )‪َ (107‬وَيُقوُلو َ‬ ‫سّ‬‫ن ُ‬ ‫لْذَقا ِ‬ ‫ِل َْ‬
‫عا )‪(109‬‬ ‫شو ً‬‫خُ‬‫ن َوَيِزيُدُهْم ُ‬ ‫ن َيْبُكو َ‬ ‫لْذَقا ِ‬‫ن ِل َْ‬
‫خّرو َ‬ ‫َوَي ِ‬
‫مختصر ما قيل في هذه اليات ‪ ،‬في تفسير اللوسي ‪:‬‬
‫" ) جئنا بكم لفيفا ( ؛ أي مختلطين ‪ ،‬وفسره ابن عباس ) جميعا ( ‪ ،‬وبكم ؛‬
‫جاءت لتغليب المخاطبين على الغائبين ‪ ) ،‬وبالحق أنزلناه وبالحق نزل ( ؛‬
‫عود إلى شرح حال القرآن الكريم ‪ ،‬فهو مرتبط بقوله تعالى ‪ ) ،‬لئن اجتمعت‬
‫النس والجن ( ‪ ،‬وهكذا طريقة العرب في كلمها تأخذ في شيء ‪ ،‬وتستطرد‬
‫منه إلى آخر ‪ ،‬ثم إلى آخر ثم إلى آخر ‪ ،‬ثم تعود إلى ما ذكرته أول ‪ ،‬والحديث‬
‫شجون ‪ ،‬فضمير الغائب للقرآن ‪ ،‬وقد حمله بعضهم على هذا ‪ ،‬أو للوعد‬
‫المذكور آنفا ‪ ،‬أي وعد الخرة الذي ُذكر في الية السابقة ‪.‬‬
‫والمراد بالحق الول ؛ على ما قيل الحكمة اللهية المقتضية لنزاله ‪ ،‬وبالثاني‬
‫ما اشتمل عليه من العقائد والحكام ونحوها ‪ ،‬أي ما أنزلناه إل ملتبسا بالحق‬
‫المقتضى لنزاله ‪ ،‬وما نزل إل ملتبسا بالحق الذي اشتمل عليه ‪ ،‬وقيل الحق‬
‫في الموضعين المر المحفوظ الثابت ‪ ) ،‬وما أرسلناك إل مبشرا ( ؛ للمطيع‬
‫بالثواب ) ونذيرا ( ؛ وللعاصي من العقاب ‪ ،‬فل عليك إل التبشير والنذار ل‬
‫هداية الكفرة المقترحين ‪.‬‬
‫ن‪،‬‬‫) وقرءانا فرقناه ( ؛ أي أنزلناه منجما مفّرقا ) على مكث ( ؛ أي تؤدة وتأ ّ‬
‫فإنه أيسر للحفظ وأعون على الفهم ‪ ) ،‬ونزلناه تنزيل ( ؛ على حسب الحوادث‬
‫والمصالح ‪ ،‬قل للذين كفروا ) آمنوا به ( أي بالقرآن ‪ ) ،‬أو ل تؤمنوا إن الذين‬
‫أوتوا العلم من قبله ( ؛ أي العلماء الذين قرءوا الكتب السالفة ‪ ،‬من قبل َتنّزل‬
‫القرآن وعرفوا حقيقة الوحي ‪ ،‬وأمارات النبوة ‪ ،‬وتمكنوا من تمييز الحق‬
‫ق والُمبطل ‪ ،‬أو رأوا نعتك ونعت ما أنزل إليك ‪.‬‬ ‫والباطل ‪ ،‬واُلمح ّ‬
‫) إذا يتلى ( أي القرآن ‪ ) ،‬عليهم يخرون للذقان ( ؛ يسقطون بسرعة على‬
‫وجوههم ) سجدا ( تعظيما لمر ال تعالى ‪ ،‬أو شكرا لنجاز ما وعد به في تلك‬
‫‪81‬‬
‫الكتب من بعثتك ‪ ،‬وقال صاحب الفرائد ‪ ،‬المراد المبالغة في التحامل على‬
‫الجبهة والنف ‪ ،‬حتى كأنهم يلصقون الذقان بالرض ‪ ،‬وهو وجه حسن جدا ‪،‬‬
‫أي يقعون على الرض عند التحقيق ‪ ،‬والمراد تصوير تلك الحالة ‪.‬‬
‫) ويقولون ( ؛ أي في سجودهم أو مطلقا ‪ ) :‬سبحان ربنا ( عن خلف وعده ‪ ،‬أو‬
‫عما يفعل الكفرة من التكذيب ‪ ) ،‬إن كان وعد ربنا لمفعول ( ‪ ) ،‬ويخرون‬
‫للذقان يبكون ( ؛ كّرَر الخرور للذقان لختلف السبب ‪ ،‬فإن الول لتعظيم‬
‫أمر ال تعالى أو الشكر لنجاز الوعد ‪ ،‬والثاني لما أّثر فيهم من مواعظ‬
‫القرآن ‪ ،‬أي ساجدين باكين من خشية ال تعالى ‪ ،‬ولما كان البكاء ناشئا ‪ ،‬من‬
‫الخشية الناشئة من التفّكر ‪ ،‬الذي يتجّدد ‪ ،‬جيء بالجملة الفعلية ) يبكون (‬
‫المفيدة للتجدد ‪ ) ،‬ويزيدهم ( ؛ القرآن بسماعهم له ‪ ) ،‬خشوعا ( لما يزيدهم‬
‫علما ويقينا بأمر ال تعالى ‪ ،‬على ما حصل عندهم من الدلة " ‪ .‬من تفسير‬
‫اللوسي ‪.‬‬
‫جْئَنا ِبكْم َلِفيًفا ‪:‬‬
‫ِ‬
‫هذا ما قيل في ) لسان العرب ( في كلمة لفيف ) ُمجَتِمع ملتف من كل مكان ( ‪،‬‬
‫و اللفيف ؛ ) القوم يجتمعون من قبائل شتى ليس أصلهم واحدا ( ‪ ،‬واللفيف ؛‬
‫جْمع العظيم من أخلط‬ ‫) ما اجتمع من الناس من قبائل شتى ( ‪ ،‬واللفيف ؛ ) ال َ‬
‫شتى فيهم الشريف والدنيء والمطيع والعاصي والقوي والضعيف ( ‪.‬‬
‫جْمع ل جميع ‪ ،‬والحقيقة أن الذي تم‬ ‫والملحظ أن معاني الكلمة جاءت بمعنى َ‬
‫على أرض الواقع ‪ ،‬هو المجيء والجمع من أماكن شتى ‪ .‬وأن مجيئهم جميعا‬
‫لن يتحقق ‪ ،‬لنهم يتمّتعون بصفات طفيلية ‪ ،‬ل تمّكنهم من ترك الدول الغربية‬
‫الغنية ‪ ،‬والعودة إلى فلسطين ‪.‬‬
‫أما اليات )‪ ، (109-104‬وكما عقب سبحانه بعد ِذكره لوعد الخرة في بداية‬
‫السورة ‪ .‬جاءت بعد ِذكره تعالى لوعد الخرة ‪ ،‬في نهاية السورة ‪ ،‬تعقيبا على‬
‫إنزاله هذا الوعد بنصه في القران ‪ ،‬كما ُأنزل في كتاب موسى عليه السلم من‬
‫شًرا‬
‫ك ِإّل ُمَب ّ‬
‫سْلَنا َ‬‫ق َنَزَل َوَما َأْر َ‬
‫حّ‬‫ق َأنَزْلَناُه َوِباْل َ‬
‫حّ‬‫قبل ‪ ،‬حيث قال سبحانه ) َوِباْل َ‬
‫ل)‬ ‫ث َوَنّزْلَناُه َتنِزي ً‬
‫عَلى ُمْك ٍ‬ ‫س َ‬
‫عَلى الّنا ِ‬ ‫َوَنِذيًرا )‪َ (105‬وُقْرآًنا َفَرْقَناُه ِلَتْقَرَأُه َ‬
‫‪ (106‬أي وبالحق الذي أوجبته الحكمة اللهية ‪ ،‬أنزلنا خبر هذا الوعد في‬
‫القران ‪ ،‬الذي نّزله على عبده تنزيل ‪ ،‬وفّرقه لُيقرأ على الناس على مكث ‪،‬‬
‫ق والصدق والخبر اليقين جاء هذا القران ‪ ،‬بهذا الوعد ‪ -‬مما سيكون من‬ ‫وبالح ّ‬
‫‪82‬‬
‫شأن بني إسرائيل – بكل تفاصيله وملبساته ‪ ،‬بما ل يدع مجال للشك أو التقّول‬
‫‪.‬‬
‫والحكمة اللهية التي اقتضت إنزاله ‪ ،‬كما جاء من نص اليات ‪ ،‬هي ‪:‬‬
‫ف البشرى للمؤمنين الصابرين المرابطين المتمسكين بدينهم‬ ‫أول ‪ :‬ز ّ‬
‫ن َلُهْم َأجًْرا َكِبيًرا )‬ ‫ت َأ ّ‬‫حا ِ‬‫صاِل َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫ن َيْعَمُلو َ‬‫ن اّلِذي َ‬‫شُر اْلُمْؤِمِني َ‬‫المخلصين له ) َوُيب ّ‬
‫‪ 9‬السراء ( ‪ ،‬بأن ال لن يخلف وعده الذي وعد ‪ ،‬وأن ما وعدهم ال ‪ ،‬ل‬
‫محالة واقع ولو بعد حين ‪ ،‬ليحثهم على التمسك بدينهم والتحلي بالصبر ‪ ،‬وعدم‬
‫الستعجال لمر ال والركون لليأس ‪ ،‬فكلما ادلهمت الخطوب بالمؤمنين‬
‫وضاقت السبل – كما هذه اليام – كان الفرج ‪ ،‬قاب قوسين أو أدنى ) حَّتى ِإَذا‬
‫شاُء ‪،‬‬ ‫ن َن َ‬‫ي َم ْ‬ ‫جَ‬‫صُرَنا ‪َ ،‬فُن ّ‬‫جاَءهُْم َن ْ‬ ‫ظّنوا َأّنُهْم َقْد ُكِذُبوا ‪َ ،‬‬ ‫سُل ‪َ ،‬و َ‬ ‫س الّر ُ‬ ‫سَتْيَئ َ‬‫ا ْ‬
‫ن )‪ 110‬يوسف ( ‪.‬‬ ‫جِرِمي َ‬ ‫ن اْلَقْوِم اْلُم ْ‬‫عْ‬ ‫سَنا َ‬ ‫َوَل ُيَرّد َبْأ ُ‬
‫وثانيا ‪ :‬إنذار لبني إسرائيل ) الذين ل يؤمنون بالخرة ( ‪ ،‬والمكذبين‬
‫والمتشّككين ممن غرتهم الحياة ‪ ،‬وآمنوا بما يقوله الواقع ‪ ،‬مع عدم قراءتهم له‬
‫بشكل صحيح ‪ ،‬أكثر من إيمانهم بال ‪ ،‬وما جاء في كتابه الذي أنزل ‪ ،‬من‬
‫ن َل‬‫ن اّلِذي َ‬
‫غضب ال عليهم ‪ ،‬وتحذيرا لهم من عقابه في الدنيا والخرة ) َوَأ ّ‬
‫عَذاًبا َأِليًما )‪ 10‬السراء ( ‪.‬‬ ‫عَتْدَنا َلُهْم َ‬‫خَرِة َأ ْ‬‫لِ‬ ‫ن ِبا ْ‬ ‫ُيْؤِمُنو َ‬
‫صل اليمان لمن لم يؤمن بعد ‪ ،‬وتجّدد إيمان المؤمنين ‪ ،‬وزيادًة في‬ ‫وثالثا ‪ :‬تح ّ‬
‫اطمئنان قلوبهم ‪ ،‬عند نفاذ هذا الوعد ‪ ،‬كما جاءت صفته في القرآن ‪ .‬حيث قال‬
‫سبحانه للناس كافة ‪ ،‬على وجه التبكيت والتهديد شديد اللهجة ‪ُ ) ،‬قْل آِمُنوا ِبِه‬
‫ن هذا الوعد ل محالة‬ ‫َأْو َل ُتْؤِمُنوا … ( من أمر هذا الوعد وهذا القرآن ‪ ،‬أ ّ‬
‫واقع ‪ ،‬وإيمانكم به وبالقرآن وعدمه سواء ‪ .‬وأن من كانوا قد علموه ‪ ،‬وسبق‬
‫ن َقبِلِه‬‫ن ُأوُتوا اْلِعْلَم ِم ْ‬‫ن اّلِذي َ‬
‫لهم اليمان به وتصديقهم له قبل تحققه ‪ِ … ) ،‬إ ّ‬
‫صدق ما جاء في كتابه ‪ ،‬سيكون هذا حالهم ‪ ،‬عند‬ ‫… ( ‪ ،‬ليمانهم بمن أنزله و ِ‬
‫جًدا )‪َ (107‬ويَُقوُلو َ‬
‫ن‬ ‫سّ‬ ‫ن ُ‬ ‫لْذَقا ِ‬
‫ن ِل َْ‬‫خّرو َ‬‫عَلْيِهْم َي ِ‬
‫تحققه وبعد تحققه ) ِإَذا ُيْتَلى َ‬
‫ي عليهم ِذكر هذا‬ ‫عُد َرّبَنا َلَمْفُعوًل )‪ ، (108‬أي أنهم إذا ُتل َ‬ ‫ن َو ْ‬‫ن َكا َ‬ ‫ن َرّبَنا ِإ ْ‬‫حا َ‬‫سْب َ‬
‫ُ‬
‫الوعد ‪ ،‬عند وبعد تحققه ‪ ،‬خّروا للذقان سجدا ‪ ،‬قائلين ‪ ) :‬سبحان ربنا إن كان‬
‫وعد ربنا لمفعول ( ‪ ،‬وسيكون هذا حالهم مرة تلو مرة ‪ ،‬كلما ُتليت عليهم آيات‬
‫عا )‪ (109‬وما أن يقوموا ‪،‬‬ ‫شو ً‬‫خُ‬ ‫ن َوَيِزيُدُهْم ُ‬ ‫ن َيْبُكو َ‬‫لْذَقا ِ‬
‫ن ِل َْ‬
‫خّرو َ‬ ‫هذا الوعد ) َوَي ِ‬

‫‪83‬‬
‫حتى ل تكاد تحملهم أرجلهم ‪ ،‬وتغلب عليهم مشاعرهم ‪ ،‬من شّدة التصديق‬
‫وشّدة اليمان ‪ ،‬فيعودوا ليقعوا ساجدين خاشعين ‪ ،‬لمن ل ُيخلف وعده ‪.‬‬
‫صيًرا )‪( 8‬‬
‫ح ِ‬
‫ن َ‬
‫جَهّنَم ِلْلَكاِفِري َ‬
‫جَعلَْنا َ‬
‫عْدَنا َو َ‬
‫عْدُتْم ُ‬
‫ن ُ‬
‫حَمُكْم َوِإ ْ‬
‫ن َيْر َ‬
‫سى َرّبُكْم َأ ْ‬
‫ع َ‬
‫) َ‬

‫حَمُكْم ‪:‬‬
‫ن َيْر َ‬
‫سى َرّبُكْم َأ ْ‬
‫عَ‬‫َ‬
‫بعد نفاذ الوعد الثاني ‪ ،‬يوجه سبحانه الخطاب ‪ ،‬للبقية الباقية من بني إسرائيل ‪،‬‬
‫الذين نجوا من هذا العذاب ‪ ،‬ولم يطلهم عقاب وعد الخرة ‪ ،‬لعّلهم يعتبرون مما‬
‫ل في بني قومهم ‪ ،‬لما علوا وأفسدوا في‬ ‫حصل ‪ ،‬بعد أن رأوا ما رأوا ‪ ،‬ما ح ّ‬
‫الرض ‪ .‬فلعلهم يعودون إلى ال ‪ ،‬ويصلحون أمورهم ‪ ،‬فيتوب ال عليهم‬
‫خْوًفا‬ ‫عوُه َ‬ ‫حَها ‪َ ،‬واْد ُ‬ ‫لِ‬‫صَ‬ ‫سُدوا ِفي الَْْرضِ َبْعَد ِإ ْ‬ ‫ويرحمهم ‪ .‬قال تعالى ) َوَل ُتْف ِ‬
‫ن )‪ 56‬العراف ( ‪ ،‬وعودتهم إلى‬ ‫سِني َ‬‫ح ِ‬‫ن اْلُم ْ‬
‫ب ِم ْ‬ ‫ل َقِري ٌ‬‫حَمَة ا ِّ‬‫ن َر ْ‬ ‫طمًَعا ‪ِ ،‬إ ّ‬‫َو َ‬
‫ن َلَما آَتْيُتُكمْ‬‫ق الّنِبّيي َ‬‫ل ِميَثا َ‬ ‫خَذ ا ُّ‬‫ال تعني إعتناقهم للسلم ‪ ،‬لقوله تعالى ) َوِإْذ َأ َ‬
‫صُرّنُه َقاَل‬‫ن ِبِه َوَلَتْن ُ‬ ‫ق ِلَما َمَعُكْم َلُتْؤِمُن ّ‬ ‫صّد ٌ‬‫سوٌل ُم َ‬ ‫جاَءُكْم َر ُ‬ ‫حْكَمٍة ُثّم َ‬ ‫ب َو ِ‬ ‫ن ِكَتا ٍ‬
‫ِم ْ‬
‫شَهُدوا َوَأَنا َمَعُكْم ِم ْ‬
‫ن‬ ‫صِري َقاُلوا َأْقَرْرَنا َقاَل َفا ْ‬ ‫عَلى َذِلُكْم ِإ ْ‬ ‫خْذُتْم َ‬‫َأَأْقَرْرُتْم َوَأ َ‬
‫ن ُيْقَبَل ِمْنُه َوُهَو ِفي‬ ‫لِم ِديًنا َفَل ْ‬‫سَ‬ ‫غْيَر اِْل ْ‬‫ن َيْبَتِغ َ‬
‫ن )‪َ ) … (81‬وَم ْ‬ ‫شاِهِدي َ‬‫ال ّ‬
‫ن‬
‫حوا َفِإ ّ‬ ‫صَل ُ‬
‫ك َوَأ ْ‬ ‫ن َبْعِد َذِل َ‬‫ن َتاُبوا ِم ْ‬ ‫ن )‪ِ ) … (85‬إّل اّلِذي َ‬ ‫سِري َ‬‫خا ِ‬
‫ن اْل َ‬ ‫خَرِة ِم ْ‬‫لِ‬ ‫اْ‬
‫حيٌم )‪ 89‬آل عمران ( ‪ .‬وهذا ما لم يفعلوه سابقا ‪ ،‬ولن يفعلوه‬ ‫غُفوٌر َر ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ا َّ‬
‫مستقبل ‪ ،‬فهم أعلنوا حربهم على ال ‪ ،‬قبل أن يعلنوها على أي شئ آخر ‪،‬‬
‫سَوًة … )‪ 74‬البقرة (‬ ‫شّد َق ْ‬ ‫وهيهات أن يتوبوا ‪ ،‬فقلوبهم كالحجارة ) … َأْو َأ َ‬
‫…‬
‫عْدَنا ‪:‬‬
‫عْدُتْم ُ‬
‫ن ُ‬
‫َوِإ ْ‬
‫لذلك سيستمرون بالفساد ‪ ،‬وسيعودون إليه مرة تلو أخرى ‪ ،‬وهذا محمول على‬
‫الشرط ‪ ،‬فإن عادوا للفساد بعد تحقق الوعد الثاني ‪ ،‬عاد ال عليهم بالعقاب ‪،‬‬
‫وستكون هذه العودة باتباعهم للدجال ‪ ،‬أكبر المفسدين في الرض ‪ ،‬وهي‬
‫العودة النهائية لهم ‪ ،‬ول تتفق من حيث المواصفات والشروط مع كونها مرة‬
‫من المرتين ‪ ،‬وستكون نهايتهم على مشارف بيت المقدس بباب ) ُلّد ( ‪ ،‬على‬
‫ي عيسى عليه السلم ومن معه من المسلمين ‪ ،‬عند هروب الدجال إليها ‪،‬‬ ‫يد ّ‬
‫كما روي في نفس الحديث الصحيح الطويل ‪ ،‬الذي أوردنا بعضا منه في‬
‫‪84‬‬
‫ك ) أي الدجال ( ِإْذ‬ ‫شرحنا لعبارة عبادا لنا ‪ ،‬جاء ما نصه " … َفَبْيَنَما ُهَو َكَذِل َ‬
‫ب ُلّد َفَيْقُتُلُه … " ‪.‬‬‫حّتى ُيْدِرَكُه ِبَبا ِ‬‫طُلُبُه َ‬
‫ن َمْرَيَم … َفَي ْ‬
‫ح اْب َ‬
‫سي َ‬
‫ل اْلَم ِ‬
‫ث ا ُّ‬
‫َبَع َ‬
‫صيًرا )‪ (8‬ول‬
‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫جهَّنَم ِلْلَكاِفِري َ‬
‫جَعْلَنا َ‬
‫ليعّقب سبحانه على ذلك بقوله ) … َو َ‬
‫أسف ول رحمة …‬
‫س(‪:‬‬
‫ن الّنا ِ‬
‫حْبٍل ِم ْ‬
‫ل … َو َ‬
‫ن ا ِّ‬
‫حْبٍل ِم ْ‬
‫) ِإّل ِب َ‬
‫سَكَنُة ‪َ ،‬وَباُءوا‬ ‫عَلْيهِْم الّذّلُة َواْلَم ْ‬
‫ت َ‬ ‫ضِرَب ْ‬‫قال تعالى في سورة البقرة ) … َو ُ‬
‫ن ِبَغْيِر‬‫ن الّنِبّيي َ‬
‫ل ‪َ ،‬وَيْقُتُلو َ‬ ‫ت ا ِّ‬
‫ن ِبآَيا ِ‬‫ك ِبَأّنُهْم َكاُنوا َيْكُفُرو َ‬ ‫ل ‪َ ،‬ذِل َ‬‫ن ا ِّ‬ ‫ب ِم ْ‬ ‫ِبَغضَ ٍ‬
‫ن )‪ ، (61‬هذه الية توضح حكما إلهيا‬ ‫صْوا َوَكاُنوا َيْعَتُدو َ‬ ‫ع َ‬ ‫ك ِبَما َ‬ ‫حقّ ‪َ ،‬ذِل َ‬ ‫اْل َ‬
‫ُملزما ‪ ،‬كان فيما سبق ‪ ،‬قد صدر بحق بني لسرائيل ‪ ،‬عند كفرهم وقتلهم‬
‫عطفت على الذلة مباشرة ‪ ،‬وأنهما تلزما في‬ ‫النبياء ‪ ،‬ونلحظ أن المسكنة ُ‬
‫سَكَنُة ( ‪.‬‬ ‫عَلْيِهْم الّذّلُة َواْلَم ْ‬
‫ت َ‬ ‫ضِرَب ْ‬
‫الوقوع تحت الضرب ‪ ،‬في قوله تعالى ) َو ُ‬
‫ضِرَب ْ‬
‫ت‬ ‫وفي سورة آل عمران ‪ُ ،‬أعيد نفس النص السابق ‪ ،‬في قوله تعالى ) ُ‬
‫ض ٍ‬
‫ب‬ ‫س ‪َ ،‬وَباُءوا ِبَغ َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫ل َوحَْبٍل ِم ْ‬ ‫ن ا ِّ‬
‫حْبٍل ِم ْ‬ ‫ن َما ُثِقُفوا ‪ِ ،‬إلّ ِب َ‬ ‫عَلْيِهْم الّذّلُة َأْي َ‬ ‫َ‬
‫ل‪،‬‬ ‫ت ا ِّ‬‫ن ِبآَيا ِ‬‫ك ِبَأّنُهْم َكاُنوا َيْكُفُرو َ‬‫سَكَنُة ‪َ ،‬ذِل َ‬‫عَلْيِهْم اْلَم ْ‬
‫ت َ‬ ‫ضِرَب ْ‬‫ل ‪َ ،‬و ُ‬ ‫ن ا ِّ‬ ‫ِم ْ‬
‫ن )‪ ، (112‬ولكن‬ ‫صْوا َوَكاُنوا َيْعَتُدو َ‬ ‫ع َ‬‫ك ِبَما َ‬ ‫ق ‪َ ،‬ذِل َ‬‫حّ‬ ‫ن اَْلنِبَياَء ِبَغْيِر َ‬ ‫َوَيْقُتُلو َ‬
‫بفصل الذّلة عن المسكنة ‪ ،‬مع ضرب كل منهما على حدة أول ‪ ،‬ومن ثم إضافة‬
‫س ( ‪ ،‬من ضرب الذّلة دون‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫حْبٍل ِم ْ‬
‫ل ‪َ ،‬و َ‬ ‫ن ا ِّ‬ ‫حْبٍل ِم ْ‬
‫الستثناء التالي ) ِإّل ِب َ‬
‫المسكنة ثانيا ‪ .‬ومن هنا نستطيع القول ‪ ،‬بأن الذّلة سُترفع عنهم في حالتين ‪:‬‬
‫الحالة الولى بحبل من ال ‪ ،‬والحالة الثانية بحبل من الناس ‪ ،‬وأن المسكنة‬
‫ستبقى ملزمة لهم ‪ ،‬في حال رفعت الذّلة عنهم أم لم ُترفع ‪.‬‬
‫طوُفَها‬ ‫ت ُق ُ‬ ‫جاء في معجم لسان العرب ‪ ،‬الّذل نقيض العّزة ‪ ،‬وقوله تعالى ) وُذّللَ ْ‬
‫ضع له ‪،‬‬ ‫خ َ‬ ‫ل له أي َ‬ ‫خّفضت ‪ ،‬وتذّل َ‬ ‫ل ( ‪ ،‬بمعنى سويت عناقيدها وُدّليت أي ُ‬ ‫َتْذِلي ًَ‬
‫وأن المعنى الُمستفاد من الّذل هو الصغار والخضوع والنخفاض ‪ ،‬والنقيض‬
‫لهذة الصفات ‪ ،‬هو الستكبار والسطوة والرتفاع ‪.‬‬
‫عَلْيِهْم الّذّلُة ‪ :‬أي ُألزموا الّذلة والصغار ‪ ،‬فل منعة لهم ‪ ،‬بمعنى ل قوة‬ ‫ت َ‬ ‫ضِرَب ْ‬ ‫َو ُ‬
‫لهم لمنع الغير ‪ ،‬من استباحة دمائهم وأموالهم وأهليهم ‪ .‬وثبتت فيهم هذه‬
‫الصفة ‪ ،‬ولزمتهم على مّر العصور ‪ ،‬ول خلص لهم منها ‪ ،‬والسبب في‬

‫‪85‬‬
‫ضربها عليهم ‪ ،‬هو استحقاقهم لغضب ال عليهم ‪ ،‬لكفرهم بآياته وقتلهم النبياء‬
‫‪ ،‬بالضافة لما كان من عصيانهم لوامره ‪ ،‬واعتدائهم على حدوده ‪.‬‬
‫جدوا ‪.‬‬
‫ن َما ُثِقُفوا ‪ :‬أينما ُو ِ‬
‫َأْي َ‬
‫عَلْيِهْم‬
‫ت َ‬‫ضِرَب ْ‬
‫هنا ل بد لنا من وقفة مع هذه العبارة ‪ ،‬حيث يقول سبحانه ‪ُ ) ،‬‬
‫س ( ‪ ،‬فالذلة ملزمة‬ ‫ن الّنا ِ‬
‫حْبٍل ِم ْ‬
‫ل َو َ‬
‫ن ا ِّ‬
‫حْبٍل ِم ْ‬
‫ن َما ُثِقُفوا ‪ِ ،‬إلّ ِب َ‬‫الّذّلُة ‪َ ،‬أْي َ‬
‫لهم ‪ ،‬أينما أقاموا أو ارتحلوا ‪ ،‬وهذه الذلة سُترفع عنهم مرتين ‪ ،‬لُتستبدل‬
‫بالعلو ‪ ،‬أينما أقاموا أو ارتحلوا ‪ ،‬على امتداد سطح كوكب الرض ‪ ،‬فالعلو‬
‫اليهودي لمرتين ‪ ،‬حدث عارض في تاريخهم ومصيره إلى الزوال ‪ ،‬أو حالة‬
‫استثنائية ‪ ،‬سيعيشها عامة الشعب اليهودي لمرتين أينما ُوجدوا ‪ ،‬وستزول هذه‬
‫الحالة عن عامة الشعب اليهودي كذلك ‪ ،‬عندما يأذن رب العزة بزوال علوهم ‪،‬‬
‫في المرة الثانية ‪ ،‬وليعود كل يهود العالم أفرادا وجماعات ‪ ،‬في شتى بقاع‬
‫الرض ‪ ،‬إلى حالة الذلة ‪ ،‬التي هي في الصل ‪ ،‬الحالة التي يستحقون بمنظور‬
‫رب العزة ‪.‬‬
‫والسؤال الن ‪ ،‬لماذا كان هذا الفصل ‪ ،‬وهذا الستثناء ؟‬
‫س ‪ :‬الستثناء هنا يفيد رفع حالة الّذلة ‪،‬‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫حْبٍل ِم ْ‬‫ل ‪َ ،‬و َ‬‫ن ا ِّ‬‫حْبٍل ِم ْ‬‫ِإّل ِب َ‬
‫لتصبح حالهم من ) الذل والصغار والخضوع والنخفاض ( ‪ ،‬إلى العكس تماما‬
‫‪ ،‬أي ) العز والستكبار والسطوة والرتفاع ( ‪ ،‬وهذا مما يفيد معنى العلو ‪،‬‬
‫وهذا الستثناء يوضح أن العلو سيكون على حالين ‪ ،‬وأن العلو الول ‪ ،‬كان‬
‫بحبل ال ‪ ،‬أي باتكالهم على ال ‪ ،‬في نشأته وتمكينه من خلل الوحي والنبوة ‪،‬‬
‫وأن العلو الثاني ‪ ،‬سيكون بحبل الناس ‪ ،‬أي باتكالهم على الناس ‪ ،‬في نشأته‬
‫وتمكينه من خلل المساعدات المالية والعسكرية ‪.‬‬
‫ن في جمال ودقة التعبير القرآني ‪ ،‬واستخدام كلمة ) حبل ( في هذا‬ ‫وتمع ّ‬
‫المقام ‪ ،‬فالحبل ُيرفع به دلو الماء ‪ ،‬من قعر البئر إلى قمته ‪ ،‬فهو وسيلة لنتشال‬
‫الشيء ‪ ،‬من أدنى حالته وإيصاله إلى أعلها ‪ ،‬ومن قوله عليه الصلة والسلم‬
‫‪ ،‬لصاحب الناقة " اعقل وتوكل " ‪ ،‬نجد أنه وسيلة ربط لحكام الشيء وإبقاءه‬
‫على حاله ‪.‬‬
‫وهذا ما تحقق في الواقع ‪ ،‬فقد استطاع اليهود بعد أن كانوا في القاع ‪ ،‬من تسلق‬
‫الحبل المريكي البريطاني ‪ ،‬ليصعدوا إلى قمة تمثال الحرية ‪ ،‬ومن ثم تناولوا‬
‫‪86‬‬
‫ي التمثال ‪ ،‬وأخذوا طرفه الخر ‪ ،‬ولّفوه سياجا منعيا‬ ‫الحبل ‪ ،‬وربطوه في قرن ّ‬
‫حول دولتهم في فلسطين ‪ .‬حتى أصبح عاّمة المريكيين عبيدا لليهود ‪ ،‬يقّدمون‬
‫لهم القرابين التي نعلمها ‪ ،‬خشية أن يسحب اليهود ‪ ،‬طرف الحبل الذي‬
‫يمسكونه بإحكام ‪ ،‬فيهوي رأس التمثال في البحر ‪ .‬وطرف الحبل الخر ليس‬
‫ببعيد عن أولئك العباد ‪ ،‬فما زال ينتظرهم ليسحبوه ‪ ،‬ليغرق التمثال وأهله ‪.‬‬
‫ن ال قد حّذرهم من اتخاذ وكلء غيره ‪ ،‬في افتتاحية السورة قائل ) َأّل‬ ‫نعلم أ ّ‬
‫ل )‪ . (2‬في العلو الول لهم ‪ ،‬كانوا قد طلبوا العون من‬ ‫ن ُدوِني َوِكي ً‬ ‫خُذوا ِم ْ‬ ‫َتّت ِ‬
‫ال ‪ ،‬لقامة الدولة في الرض المقدسة ‪ ،‬وكان اتكالهم على ال لدامة وجودها‬
‫سِبيِل )‪ 246‬البقرة ( ‪ ،‬فآتاهم ال‬ ‫ث َلَنا َمِلًكا ُنَقاِتْل ِفي َ‬ ‫ي َلُهْم اْبَع ْ‬ ‫‪ِ ) ،‬إْذ َقاُلوا ِلَنِب ّ‬
‫حْكَم َوالّنُبّوَة َوَرَزْقَناُهمْ ِم ْ‬
‫ن‬ ‫ب َواْل ُ‬‫سَراِئيَل اْلِكَتا َ‬‫ما طلبوا ) َوَلَقْد آَتْيَنا َبِني ِإ ْ‬
‫ن )‪ 16‬الجاثية ( فجمع لهم الملك والنبوة ‪ ،‬في‬ ‫عَلى اْلَعاَلِمي َ‬ ‫ضْلَناُهْم َ‬‫ت َوَف ّ‬ ‫طّيَبا ِ‬
‫ال ّ‬
‫داود وسليمان عليهما السلم ‪ .‬وأما في العلو الثاني ‪ ،‬كانوا قد طلبوا العون من‬
‫) بلفور ( لقامة الدولة ‪ ،‬والتكال على بريطانيا ليجادها ‪ ،‬وعلى أمريكا‬
‫عَلْيِهْم َوَأْمَدْدَناُكْم‬
‫لدامة وجودها ‪ ،‬فكان لهم ما أرادوا ‪ُ ) ،‬ثّم َرَددَْنا َلُكْم اْلَكّرَة َ‬
‫جَعْلَناُكْم َأْكَثَر َنِفيًرا )‪ 6‬السراء ( ‪.‬‬ ‫ن َو َ‬ ‫ِبَأْمَواٍل َوَبِني َ‬
‫ولو لم يأتي هذا الستثناء في سورة آل عمران ‪ ،‬وبقي على حاله كما هو في‬
‫ن ِفي‬ ‫سُد ّ‬ ‫سورة البقرة ‪ ،‬لتناقض ذلك مع قوله تعالى في سورة السراء ‪َ ) ،‬لُتفْ ِ‬
‫عُلّوًا َكِبيَرًا ( ‪ ،‬سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا ‪.‬‬ ‫ن ُ‬ ‫ن ‪ ،‬وَلَتْعُل ّ‬ ‫ض ‪َ ،‬مّرَتْي ِ‬ ‫اَْلْر ِ‬
‫سَكَنُة ‪ :‬أي الحاجة للغير والتسول بل خجل ‪ ،‬فل كرامة ول‬ ‫عَلْيِهْم اْلَم ْ‬
‫ت َ‬ ‫ضِرَب ْ‬‫َو ُ‬
‫عزة ول إباء لهم ‪ ،‬فل يوجد يهودي ‪ -‬وإن كان غنيا ‪ -‬خاليا من زي الفقر‬
‫والخضوع والمهانة ‪ ) ،‬وهكذا تكون الطفيليات ( ‪ ،‬بارعون في التسلق على‬
‫ظهور غيرهم بمكرهم ودهائهم ‪ ،‬لقضاء حاجاتهم الدنيوية الدنيئة ‪.‬‬
‫مجيء اليهود من الشتات ‪:‬‬
‫ن البعض ‪ ،‬بناءا على عبارة جئنا بكم لفيفا ‪ ،‬أن وعد الخرة ما زال بعيدا‬
‫يظ ّ‬
‫عن التحقق ‪ ،‬كون تجّمع بني إسرائيل في فلسطين لم يكتمل بعد ‪ ،‬فالكثير منهم‬
‫ن في غير محّله ‪ ،‬وينمّ‬‫– تقريبا النصف – ما زال في الدول الغربية ‪ ،‬وهذا الظ ّ‬
‫عن عدم معرفة بحقيقة الشخصية اليهودية ‪ .‬فاليهود المنتشرون كالجراد ‪ ،‬في‬
‫شرق العالم وغربه ‪ ،‬لن يهاجروا إلى فلسطين ‪ ،‬إل في حالة واحدة إذا ُأجبروا‬
‫‪87‬‬
‫على ذلك ُمكرهين ‪ ،‬أو ُدّمر العالم بأسره ‪ ،‬ولم يبق إل فلسطين ليهاجروا إليها ‪،‬‬
‫وهذا غير وارد في المنظور القريب ‪ ،‬ودمار إسرائيل القادم ‪ ،‬سيكون سابقا ‪،‬‬
‫بل سببا لنهيار العالم الغربي ودماره ‪.‬‬
‫فاليهود كائنات طفيلية ‪ ،‬ل تستطيع العيش بمعزل عن الخرين من غير‬
‫اليهود ‪ ،‬وحتى الدولة اليهودية تتصف بنفس الصفة ‪ ،‬فهي ل تستطيع البقاء‬
‫والمحافظة على وجودها وكيانها ‪ ،‬بدون المساعدة الخارجية من الدول‬
‫الغربية ‪ ،‬والتسّول الدائم والمستمر ‪ .‬وهذه هي المسكنة التي ضربها ال‬
‫عليهم ‪ ،‬ولزمتهم على مّر تاريخهم الطويل ‪ ،‬في غناهم وفقرهم وفي ذّلهم‬
‫ل والمخزي والمستمر ‪ ،‬للمحرقة‬ ‫ل على ذلك التسويق المذ ّ‬‫وعلوهم ‪ .‬ول أد ّ‬
‫النازية المبالغ فيها ‪ ،‬والتي جعلوا منها ‪ ،‬ومن تهمة معاداة السامية ‪ ،‬مسمار‬
‫جحا في حلق الشعوب الغربية ‪ ،‬لبتزازها ونهب خيراتها وخاصة ألمانيا ‪ ،‬فهم‬
‫عالة على كل من آواهم ‪ ،‬وهذا ما يشهد به تاريخهم ‪ ،‬وكان سببا – بالضافة‬
‫إلى غدرهم ومكرهم ومؤامراتهم ‪ -‬في اضطهادهم ‪ ،‬من قتل ونهب ونفي‬
‫وتهجير ‪.‬‬
‫واليهود هم أول من ابتكر الربا ويعيشون به وعليه ‪ ،‬والن هم يملكون معظم‬
‫بيوت المال العالمية إن لم تكن كلها ‪ ،‬حتى البنوك المركزية المريكية‬
‫والبريطانية ‪ ،‬وحق إصدار النقد فيها ‪ ،‬فهل من المعقول أن يتركوا العجل‬
‫الذهبي ‪ ،‬ويغادروا جّنة إلههم بمحض إرادتهم ؟! طبعا ل ‪ ،‬فهذا ضرب من‬
‫ن تجّمعهم في فلسطين بكّلهم‬ ‫الخيال ‪ .‬لذلك أستطيع الجزم – لما تقدم – بأ ّ‬
‫وكليلهم لن يكون ‪ ،‬وللعلم فإن معظم المهاجرين اليهود ‪ ،‬كانوا من بلدان أوروبا‬
‫الشرقية المعروفة بفقرها ‪ ،‬وأما الغربيون فأعدادهم قليلة جدا ‪.‬‬
‫فضل عن ذلك ‪،‬لم يأتي في مجمل معاني لفيفا ما ُيفيد ‪ ،‬تجّمع كل اليهود في‬
‫فلسطين ‪ ،‬كشرط لتحّقق وعد الخرة ‪ ،‬والمعنى المستفاد منها هو الختلط في‬
‫صل ‪ ،‬فالدول التي هاجروا‬ ‫الصول ‪ ،‬والجمع من أماكن مختلفة ‪ ،‬وهذا قد تح ّ‬
‫منها ‪ ،‬شملت معظم أرجاء المعمورة ‪ ،‬وهي غنّية عن التعريف ‪ ،‬وهذا هو‬
‫المراد ‪.‬‬
‫أما فيما يخص السنن اللهية في القرى الظالمة ‪ ،‬فقد وردت في هذا البحث‬
‫ضحها ‪ ،‬فل أسرع من النتقام اللهي ليحل بها ‪.‬‬ ‫الكثير من اليات التي تو ّ‬
‫وظلم اليهود وعلوهم واستكبارهم ‪ ،‬وعنجهّيتهم وعنصرّيتهم ‪ ،‬ومحاربتهم ل‬
‫‪88‬‬
‫ورسوله وأولياؤه ‪ ،‬وقتل البرياء العّزل ‪ ،‬وهدم البيوت ‪ ،‬واستلب الراضي‬
‫واقتلع أشجارها واستيطانها ‪ ،‬ومنعهم مساجد ال أن ُيذكر فيها اسمه وتدنيسها‬
‫‪ ،‬فاق كل تصّور ‪ ،‬وأوجب عقابه سبحانه لهم منذ زمن بعيد ‪ .‬ولول أن الحكيم‬
‫ظم شأنه ‪ ،‬ضرب لهم موعد لن ُيخلفوه ‪ ،‬وأن أرضه‬ ‫عُ‬‫العليم جّلت قدرته و َ‬
‫المقدسة تزخر بأوليائه الصالحين ‪ ،‬لنزل الن عليهم رجزا من السماء ‪ ،‬كما‬
‫أنزله على أسلفهم ‪ ،‬لمجرد تبديلهم للقول والهيئة عند دخول القرية ‪ ،‬لعنهم ال‬
‫ن عقابهم سيكون مختلفا ‪ ،‬رحمة من ربك بعباده‬ ‫بكفرهم قليل ما يؤمنون ‪ .‬ولك ّ‬
‫الصالحين هناك ‪ ،‬لكيل يسوءهم العذاب ‪ ،‬فضل عّما أساء لهم أولئك الوغاد ‪.‬‬
‫جاَء َل ُيَؤخُّر‬
‫ل ِإَذا َ‬
‫جَل ا ِّ‬
‫ن َأ َ‬
‫ت ( ‪ ،‬و ) ِإ ّ‬
‫ل ٍ‬‫ل َ‬
‫جَل ا ِّ‬‫ن َأ َ‬
‫فليرتقبوا إّنا مرتقبون ) َفِإ ّ‬
‫ن )‪ 4‬نوح ( ‪.‬‬ ‫َلْو ُكنُتْم َتْعَلُمو َ‬
‫تعني عملية ربط نفاذ وعد الخرة ‪ ،‬بتجّمع كل اليهود في فلسطين ‪ ،‬أن وعد‬
‫الخرة ‪ ،‬لن يتحقق حتى قيام الساعة ‪ ،‬وهذا مخالف لما نراه على أرض‬
‫الواقع ‪ ،‬حيث وصل الظلم اليهودي أقصى مداه ‪ ،‬ومخالف أيضا لما تحكيه‬
‫النصوص ‪ ،‬إذ أن هناك عودة أخرى للفساد ‪ ،‬وهناك عقاب آخر ‪ ،‬سينطق فيه‬
‫الحجر والشجر ‪ ،‬قبل قيام الساعة ‪ ،‬التي أصبحت أشراطها الكبرى على‬
‫البواب ‪ ،‬والناس في غفلة من أمرهم ‪.‬‬
‫ما ُتخبر عنه اليات في السورة ‪ ،‬ليس وعدا بنصر للمؤمنين ‪ ،‬وإنما وعد‬
‫استثنائي بعقاب بني إسرائيل ‪:‬‬
‫سوءَ‬
‫سوُمُهْم ُ‬
‫ن َي ُ‬
‫عَلْيِهْم ِإَلى َيْوِم اْلِقَياَمِة َم ْ‬
‫ن َ‬
‫ك َلَيْبَعَث ّ‬
‫ن َرّب َ‬
‫قال تعالى ) َوِإْذ َتَأّذ َ‬
‫ب )‪ 167‬العراف ( تقّرر هذه الية الكريمة ‪ ،‬بأن ال سيبعث على بني‬ ‫اْلَعَذا ِ‬
‫إسرائيل ‪ ،‬من يسومهم سوء العذاب إلى قيام الساعة ‪ .‬إذًا هناك استمرارية‬
‫للبعث ‪ ،‬وهناك استمرارية للعذاب ‪ .‬وقد وقع العذاب فيهم ‪ ،‬على أيدي وثنيون‬
‫ونصارى ومسلمون ‪ ،‬على مّر تاريخهم الطويل ‪ .‬مما يؤكد أن العذاب الخاص‬
‫بوعدي المرتين ‪ ،‬هو حالة استثنائية خاصة مختلفة ‪ ،‬عّما تقّرره الية أعله ‪،‬‬
‫وأن الذين سُيوقعونه بهم أناس استثنائيون أيضا ‪ ،‬وهذا الستثناء جاء لما‬
‫يملكونه من صفات ‪ ،‬على رأسها صفة البأس الشديد ‪ ،‬لن إفساد بني إسرائيل‬
‫المقترن بالعلو في كلتا المرتين ‪ ،‬أعظم من أي إفساد سابق أو لحق ‪ ،‬مما‬
‫يتطّلب بعث أناس هم أهل ‪ ،‬لما يريده ال لبني إسرائيل ‪ ،‬من العذاب الشديد ‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫ُأنزلت نصوص هذه النبوءة على موسى عليه السلم ‪ ،‬قبل ‪ 3‬آلف سنة تقريبا‬
‫من الن ‪ ،‬وقبل ‪1600‬سنة من مجيء السلم تقريبا ‪ ،‬وُكشفت نصوصها لبني‬
‫إسرائيل ‪ ،‬بعد نكوصهم عن الدخول إلى فلسطين ‪ ،‬وقبل سنوات التحريم والتيه‬
‫صل‬ ‫‪ .‬وهي في الواقع ‪ ،‬تحكي حالتين استثنائيتين من تاريخ بني إسرائيل ‪ ،‬يتح ّ‬
‫ي في فلسطين ‪ ،‬يشترط فيهما سبحانه ‪ ،‬الحسان وتجّنب‬ ‫لهم فيهما علو أمم ّ‬
‫الساءة ‪ ،‬فإن أحسنوا أحسن إليهم ‪ ،‬وإن أساءوا أزال علوهم ‪ ،‬وعّذبهم في‬
‫الدنيا والخرة ‪ .‬ووعدهم بإطالة أمد هذا العلو إليهم ‪ ،‬طالما هم محسنون ‪،‬‬
‫والساءة إليهم بعقابهم وبإزالة هذا العلو ‪ ،‬طالما هم ُيسيئون وُيصّرون على‬
‫الساءة ‪.‬‬
‫ولعلمه المسبق بإفسادهم بعد التمكن من العلو فيها في المرتين ‪ ،‬أخبرهم‬
‫سم ‪ ،‬تستشعر من خلله‬ ‫سبحانه بما سيكون منهم مستقبل ‪ ،‬مؤكدا ذلك ِبَق َ‬
‫التحّدي اللهي لهم ‪ ،‬كونهم دائبون على تحّديه ‪ ،‬بمحاربة رسله وأولياءه‬
‫وشرائعه ‪ .‬وأنهم كلّما علوا في الرض ‪ ،‬سيفسدون فيها ‪ ،‬بالرغم من تحذيرهم‬
‫هذا ‪ ،‬معلنين حربهم عليه سبحانه ‪ .‬فينالون غضبه وسخطه عليهم ‪ ،‬مما‬
‫صل ذلك منهم ‪ ،‬وعدهم ربهم بأن يبعث عليهم‬ ‫يستوجب العقاب ‪ .‬وعندما يتح ّ‬
‫في كل مرة ‪ ،‬عبادا له أولي بأس شديد ‪ ،‬ليعيدونهم إلى موقعهم الحقيقي من‬
‫العراب بين المم ‪.‬‬
‫لنؤكد هنا على أن ما ُتخبر عنه سورة السراء حصرا ‪ ،‬هو وعد بعقاب‬
‫وعذاب لليهود لفسادهم واستعلئهم في الرض ‪ ،‬بغض النظر عن أي‬
‫اعتبارات أخرى ‪ ،‬وفي التعقيب على هذا الخبر ‪ ،‬كانت إحدى الحكم اللهية‬
‫ف البشرى للمؤمنين ‪ .‬أما نصر المؤمنين ‪ ،‬من أهل‬ ‫للخبار عنه ‪ ،‬هي ز ّ‬
‫فلسطين ‪ ،‬الذين نصروا ال بصبرهم ورباطهم وثباتهم ‪ ،‬فالخبار عنه والوعد‬
‫به ‪ ،‬جاء في مواضع أخرى من القرآن ‪ ،‬فل نخلط بين المرين ‪.‬‬
‫من هم هؤلء العباد ‪ ،‬ولماذا هم ‪ ،‬وما الذي يجري في الحقيقة ؟‬
‫يؤكد النص القرآني ‪ ،‬في اليات من ) ‪ ( 7-5‬من سورة السراء ‪ ،‬أن العقاب‬
‫خرهم‬‫ل بهم على أيدي بشر ‪ .‬طائفة من خلقه ‪ ،‬س ّ‬ ‫اللهي لبني إسرائيل ‪ ،‬سيح ّ‬
‫ال جّلت قدرته ‪ ،‬من أجل القيام بهذه المهمة العظيمة ‪ ،‬واختارهم لهذه المهمة‬
‫لتصافهم بالبأس الشديد ‪ .‬وطبيعة هذه المهمة هي النتقام ‪ ،‬وهذا النتقام إلهي‬
‫الطابع ‪ ،‬وصفته شديد الوقع والتأثير ‪ .‬وبالتالي من الضرورة بما كان ‪ ،‬أن‬
‫‪90‬‬
‫جه‬
‫يمتلك أولئك العباد ‪ ،‬مخزونا هائل وكّما ضخما ‪ ،‬من الحقد والكراهية المو ّ‬
‫لبني إسرائيل لسبب أو لخر ‪ ،‬مما أوجد لديهم رغبة شديدة وملحة في النتقام‬
‫منهم ‪ ،‬حتى يتوافق ذلك مع مقتضى الرادة اللهية في النتقام ‪ ،‬وليتجلى ذلك‬
‫العذاب في أبشع صوره ‪ ،‬كما لو أنه ُأنزل عليهم من السماء ‪ .‬وتوحي اليات‬
‫بأن هناك علقة عدائية ‪ ،‬ما بين اليهود وأولئك العباد ‪ ،‬نشأت منذ نهاية علوهم‬
‫الول ‪ ،‬وتجّددت مع بداية علوهم الثاني ‪ ،‬واستمرت وتزايدت مع مرور الزمن‬
‫‪ ،‬وأن سبق العداء والعتداء اليهودي على أولئك العباد ‪ ،‬سيكون السبب في‬
‫خروج أولئك العباد عليهم ‪ .‬ولتوضيح ما خفي بين السطور ‪ ،‬في هذا النص‬
‫القرآني الكريم ‪ ،‬سنقوم بطرح مثال قريب إلى أذهاننا ‪.‬‬
‫لنأخذ مثل ‪ ،‬الرادة أو الرغبة في الكل ‪ ،‬وهي عادة ل تأتي عبثا ‪ ،‬وفي‬
‫صل لسببين ‪ :‬الشعور بالجوع ‪ ،‬أو لوجود صفة الشراهة في النسان‬ ‫الغالب تتح ّ‬
‫شِره يأكل في العادة ‪ ،‬دون الحاجة للشعور بالجوع ‪ ،‬ذلك لنها‬ ‫‪ .‬والنسان ال َ‬
‫طبع ملزم له ‪ ،‬فتخّيل أن إنسانا كهذا ‪ ،‬كان جائعا فضل عن شراهته ‪ ،‬وعند‬
‫نزوله من إلى الشارع ‪ ،‬مّر بمطعم ‪ ،‬فشاهد من خلل الواجهة الزجاجية‬
‫دجاجة مشوية ‪ ،‬فاستثارته بمنظرها وأسالت لعابه ‪ ،‬بالتأكيد ستتوّلد لديه رغبة‬
‫شديدة ‪ ،‬في التهام تلك الدجاجة الشهية على الفور ‪ ،‬للشعور باللذة والمتعة ‪،‬‬
‫أثناء التهامها ‪ .‬وعندما هّم بالدخول ‪ ،‬تبّين له أن المطعم مغلق للستراحة ‪،‬‬
‫وحسب اللفتة الموجودة على الباب ‪ ،‬تبين له أن المطعم لن ُيفتح قبل عشر‬
‫دقائق ‪ .‬والذي حصل مع صاحبنا ‪ ،‬أنه لم يترك المر ويمضي في حال سبيله ‪،‬‬
‫بل أخذ المر على أنه موضوع شخصي ‪ ،‬كونه ذو طبع شره ‪ ،‬وكأن الدجاجة‬
‫اعتدت عليه بتعّرضها له في الطريق ‪ ،‬وطعنته في مقتل ‪ ،‬فاتخذ قرارا بالنتقام‬
‫منها ‪ ،‬لكي ُيزيح عن كاهله ‪ ،‬ذلك الوضع وذلك الشعور المزري ‪ ،‬الذي‬
‫فرضته عليه تلك الدجاجة ‪ ،‬بما سّببته له من استثارة واستفزاز ‪ .‬ولكن هل‬
‫يستطيع تنفيذ رغبته في النتقام من الدجاجة ؟ كل ! … إذن ل مناص له إ ّ‬
‫ل‬
‫النتظار ‪ ،‬لحين مجيء الموعد المنتظر ‪ ،‬فقّرر النتظار ريثما يفتح المطعم‬
‫… والن تخيل سلوك ذلك النسان ‪ ،‬لحظة فتح الباب وحتى لحظة وقوع‬
‫الدجاجة بين يديه … ! وتخيل ما الذي سيفعله بتلك الدجاجة حتى ينتهي من‬
‫أمرها … ! وتخيل ما بقي من حطامها … ! وتخيل منظر الطاولة لحظة‬
‫النتهاء منها … ! وتخيل منظره لحظة تركه لساحة المعركة … وهو يشعر‬
‫بنشوة النتصار … الذي حققه وباقتدار … على تلك الدجاجة المزعجة … !‬
‫‪91‬‬
‫أخبر سبحانه بأن عقابه لبني إسرائيل ‪ ،‬سيكون من فعل البشر ‪ ،‬والسلوك‬
‫البشري في بعض من جوانبه ‪ ،‬هو مجموعة من الحوادث المتكررة ‪ .‬وما نحن‬
‫بصدده في هذا المقام ‪ ،‬هو القانون الفيزيائي ) لكل فعل رد فعل معاكس له‬
‫بالتجاه ( ‪ ،‬ولكن ليس مساو له بالمقدار ‪ ،‬فرد الفعل في السلوك البشري ‪،‬‬
‫تتدخل فيه عوامل كثيرة ‪ ،‬تغير من مقدار رد الفعل ‪ .‬ومن قراءتنا للنص‬
‫القرآني وفهمنا له ‪ ،‬نجد أن هذا العقاب اللهي ‪ ،‬سينفذ في بني إسرائيل على‬
‫أيدي بشر ‪ ،‬وسيكون غاية ‪ ،‬في البطش والتنكيل والذلل ‪.‬‬
‫وهذا السلوك البشري ‪ ،‬ل يقوم به إل من كان يعتمل في صدورهم ‪ ،‬رغبة‬
‫شديدة في النتقام ‪ .‬ورغبة النتقام لدى البشر ‪ ،‬ل تنشأ عبثا ‪ ،‬فغالبا ما تكون‬
‫رّد فعل لفعل سابق ‪ .‬بمعنى أن الرغبة في النتقام لدى شخص ما ‪ ،‬تنتج عادة‬
‫لسبق العتداء من قبل شخص آخر ‪ ،‬فغالبا ما يتسبب الشخص المعتِدي ‪ ،‬في‬
‫إيقاع الذى ‪ ،‬بالشخص المعتَدى عليه ‪ ،‬سواء كان هذا العدوان جسديا أو‬
‫نفسيا ‪ ،‬مما ُيشكل خطرا وتهديدا ‪ ،‬على كيان المعتَدى عليه برّمته ‪ ،‬من حيث‬
‫المن والسلمة النفسية والجسدية ‪ ،‬فُيشّكل هذا العدوان استفزازا واستثارة ‪،‬‬
‫تجعل المعتدى عليه ‪ ،‬يعيش حالة من التوتر والقلق ‪ ،‬تؤدي به أخيرا إلى القيام‬
‫برد العدوان ‪ ،‬بعدوان أشد قسوة وأكثر إيلما وتنكيل ‪ ،‬حتى يتخّلص المعتَدى‬
‫عليه من تلك الحالة ‪ ،‬بالضافة إلى رد اعتباره أمام نفسه وأمام الخرين ‪،‬‬
‫ولدرء خطر تكرار العدوان من قبل المعتِدي نفسه أو من قبل غيره ‪.‬‬
‫وفي كثير من الحيان ‪ ،‬يتكرر نفس السلوك البشري ‪ ،‬لشخص ما عند تعرضه‬
‫لنفس المثير ‪ ،‬في أوقات مختلفة ‪ .‬وفي أحيان كثيرة يتشابه سلوك شخص ما ‪،‬‬
‫لدرجة التطابق مع سلوك شخص آخر ‪ ،‬تعرض لنفس الموقف ‪ ،‬وإن اختلف ‪،‬‬
‫فالختلف إما أن يكون ‪:‬‬
‫أول ؛ في درجة الشدة ‪ ،‬للفعل نفسه من ) شتم ‪ ،‬أو ضرب ‪ ،‬أو إيذاء بليغ أو‬
‫قتل ( ‪.‬‬
‫ثانيا ؛ في درجة الشدة لرد الفعل من ) اكتئاب ‪ ،‬أو امتعاض ‪ ،‬أو شتم أو ضرب‬
‫أو إيذاء بليغ أو قتل ( ‪.‬‬
‫ثالثا ؛ في طبيعة الشخص المعتدى عليه ) فإن كان ذليل ربما يكتئب ‪ ،‬وإن كان‬
‫جبانا ربما يمتعض ‪ ،‬وإن كان قويا فيه لين ربما يشتم أو يضرب ‪ ،‬وإن كان‬
‫عزيزا وقويا ربما يؤذي أو يقتل وينكل ( ‪.‬‬
‫‪92‬‬
‫وبما أن السلوك البشري حدث متكرر ‪ ،‬فهو قابل للدراسة والمقارنة ‪ .‬وسورة‬
‫السراء أعطت صورة من صور هذا السلوك ‪ ،‬لولئك العباد في التعامل مع‬
‫بني إسرائيل ‪ .‬وتصوير السلوك البشري ‪ ،‬يظهر في مواضع كثيرة ‪ ،‬أثناء‬
‫السرد القرآني للقصة ‪ ،‬الذي يعتمد التصوير بإيجاز شديد ‪ ،‬ليلقي على كاهل‬
‫القارئ ‪ ،‬تخيل بقية تفاصيل القصة ‪ ،‬التي اختفت بسبب اليجاز ‪ ،‬وما كان‬
‫المثال السابق إل ليضاح الجانب الخفي ‪ ،‬مما تحكيه النصوص من أحداث‬
‫غير ظاهرة ‪ ،‬تغيب في العادة عن ذهن القارئ ‪ ،‬أثناء التلوة العادية لليات ‪.‬‬
‫ما تحصل لدينا من ملمح لسلوك هؤلء العباد ‪ ،‬ومن أحداث من خلل‬
‫اليات ‪ ،‬هو ما يلي ‪:‬‬
‫‪ .1‬صفة البأس الشديد ‪ :‬اتصاف هؤلء العباد بالقوة والبطش في الحروب ‪.‬‬
‫‪ :‬قيام بنو إسرائيل بالعتداء على هؤلء العباد ‪ ،‬بعد‬ ‫‪ .2‬رّد الكّرة‬
‫صلهم على العلو الكبير ‪.‬‬ ‫تح ّ‬
‫ظم الظلم والفساد في الرض ‪ ،‬فكلما‬ ‫‪ :‬متعّلق بِع َ‬ ‫‪ .3‬مجيء الوعد‬
‫ازدادت وتيرته كلما اقترب ‪.‬‬
‫‪ :‬الخروج للغزو والغارة ‪ ،‬يقترب كلما ازدادت وتيرة‬ ‫‪ .4‬البعث‬
‫الستفزاز والتهديد ‪ ،‬وتناقصت الُمعيقات والموانع ‪.‬‬
‫‪ .5‬دخول المسجد ‪ :‬سلب مقومات العلو اليهودي في فلسطين ‪.‬‬
‫ظم النتقام وبشاعته ‪ ،‬باليذاء والقتل والتنكيل‬ ‫عَ‬‫‪ِ :‬‬ ‫‪ .6‬إساءة الوجه‬
‫والتهجير والسبي ‪.‬‬
‫تتبع وقارن ما بين معطيات السلوكين ‪:‬‬
‫)‪ (1‬صفة الشراهة ‪ ( (2‬سبق رؤية الدجاجة تسبب في الستفزاز‬
‫والثارة ‪ ( (3‬توّلد الرادة والرغبة في الكل ‪ ( (4‬انتظار مجيء‬
‫الموعد ) الذي حدده مدير المطعم ( ‪ (← (5‬مجيء الموعد ‪( (6‬‬
‫النبعاث ‪ :‬فتح الباب وتمكين الوصول ) موظفو المطعم ( ‪ (← (7‬دخول‬
‫المطعم ‪ ( (8‬التلذذ والستمتاع بالتهام الدجاجة ( ‪.‬‬
‫)‪ (1‬صفة البأس الشديد ‪ ( (2‬سبق اليذاء والعتداء تسبب في الستفزاز‬
‫والثارة ‪ ( (3‬توّلد الرادة والرغبة في النتقام ‪ ( (4‬انتظار مجيء‬
‫‪93‬‬
‫الموعد ) الذي حّدده سبحانه ( ‪ (← (5‬مجيء الوعد ‪ ( (6‬النبعاث ‪:‬‬
‫إزالة المعوقات وتمكين الوصول ) العلي القدير ( ‪ (← (7‬دخول المسجد‬
‫‪ ( (8‬النتقام بالتلذذ والستمتاع بالتنكيل ببني إسرائيل ( ‪.‬‬
‫الملمح الخفية التي ظهرت من خلل المقارنة هي ‪:‬‬
‫‪ .1‬ضرورة اعتداء بني إسرائيل على أولئك العباد ‪ ،‬بإضرارهم وإيذائهم‬
‫بشكل بالغ الثر ‪.‬‬
‫‪ .2‬توّلد حالة من التوتر والقلق والقهر ‪ ،‬لدى أولئك العباد ُيخّلفها ذلك العدوان‬
‫‪.‬‬
‫‪ .3‬تولد الرادة والرغبة في النتقام ‪ ،‬لدى أولئك العباد ‪ ،‬برّد الصاع صاعين‬
‫‪ ،‬لدفع الذى والضرر ‪ ،‬ورّد العتبار ‪.‬‬
‫‪ .4‬العمل والستعداد والنتظار ‪ ،‬ريثما تأتي اللحظة المناسبة ‪ ،‬التي ُتمّكنهم‬
‫من النقضاض ‪.‬‬
‫والن لنطرح السئلة التالية ‪:‬‬
‫‪ .1‬من الشعب الذي يمتلك صفة الصبر والجلد عند وقوع البلء ‪،‬‬
‫والقوة والبطش عند مواجهة العداء ؟‬
‫‪ .2‬من الشعب الذي ُهزم من قبل اليهود عند نشوء دولتهم ‪ ،‬والوحيد‬
‫الذي استمر اليهود ‪ ،‬في إيذاءه والعتداء عليه ‪ ،‬بشكل مباشر وغير‬
‫مباشر ‪ ،‬وما زالوا حتى يومنا هذا ‪ ،‬وسيستمرون في إيذاءه حتى ُيجبروه‬
‫على الخروج عليهم ؟‬
‫‪ .3‬من الشعب الذي ُيظهر رغبة شديدة وملحة في النتقام منهم ‪،‬‬
‫والقضاء عليهم وإنهاء وجودهم ‪ ،‬وما بقي عليه إل أن ُيهيئ ال له ‪،‬‬
‫أسباب الخروج والنبعاث ؟‬
‫‪ .4‬من الشعب الذي ُبعث عليهم في المرة الولى ‪ ،‬ودّمر مملكتهم في‬
‫فلسطين بالذات ؟ وأين تقع الرض التي خرج منها الن ؟‬
‫‪ .5‬من الشعب العزيز والقوي ‪ ،‬الذي ل يقبل الخضوع والذل‬
‫والهوان ‪ ،‬ولديه القوة والقدرة ‪ ،‬ليفاجئهم ويكيل لهم الصاع صاعين ‪،‬‬
‫ل واقتدار ؟‬
‫وينزل بهم أبشع انتقام إلهي ‪ ،‬وبتج ّ‬
‫‪94‬‬
‫شروط ومواصفات المرة ‪:‬‬
‫والن لنحاول استنباط الشروط والمواصفات ‪ ،‬التي يجب توافرها في المرة‬
‫الواحدة ‪ ،‬ليصبح لدينا مقياس ينأى بنا ‪ ،‬عن التخبط والعشوائية والجتهاد‬
‫الخاطئ ‪ ،‬نستطيع من خلله ‪ ،‬تقييم كل حالة من الحالت المعروضة بين أيدينا‬
‫‪ ،‬لجل التحقق وبدقة متناهية ‪ ،‬من كونها إحدى المرتين أم ل ‪-:‬‬
‫أوجه التشابه بين المرتين ‪:‬‬
‫‪ .1‬المكان ‪ :‬الرض المقدسة ‪ -‬فلسطين ‪.‬‬
‫‪ .2‬صفة الفساد ‪ :‬أممي جماعي ‪ -‬القتل وسفك الدماء ‪ ،‬إخراج الناس من‬
‫ديارهم ‪ ،‬محاربة ال وما جاء به رسله ‪.‬‬
‫‪ .3‬العلو ‪ :‬الستعلء ‪ -‬امتلك الرض والمال والقوة ‪.‬‬
‫‪ .4‬صفة المبعوثين ‪ :‬أقوياء وأعزاء ‪ -‬يفضلون الموت على الذل والمهانة ‪،‬‬
‫ول يقبلون بأقل من رّد الصاع صاعين ‪ ،‬ومخرجهم من نفس الرض ‪ ،‬في‬
‫المرتين ‪.‬‬
‫‪ .5‬صفة العقاب ‪ :‬انتقام إلهي ‪ -‬الدخول بالغلبة قسرا وقهرا ‪ ،‬وهدم مقومات‬
‫الدولة ‪ ،‬وإفناء شعبها ‪ ،‬والشتات لمن ينجو منهم ‪.‬‬
‫علمات فارقة تميز كل مرة عن الخرى ‪:‬‬
‫‪ .1‬النشأة والستمرارية ‪ :‬تواكلية ‪ -‬إحداهما بالتواكل على ال ‪،‬‬
‫والخرى بالتواكل على الناس ‪.‬‬
‫‪ .2‬المجيء ‪ :‬مختلف ‪ -‬دخول فلسطين كأمة في الولى ‪ ،‬دخولها‬
‫كجماعات متفرقة من الشتات في الثانية ‪.‬‬
‫‪ .3‬الوعد ‪ :‬الول ‪ -‬تحقق قبل نزول سورة السراء ‪ ،‬والثاني ‪-‬‬
‫سيتحقق في مستقبل المة السلمية ‪.‬‬
‫هل من المكن أن يبعث ال الكفرة وُيسّلطهم على من شاء من عباده ؟‬
‫هذا السؤال كان قد أورده الزمخشري في الكشاف ‪ ،‬حيث قال ‪ ) " :‬عبادا لنا (‬
‫‪ ،‬وُقرئ عبيدا لنا ‪ ،‬وأكثر ما ُيقال عباد ال ‪ ،‬وعبيد الناس ‪ ،‬سنحاريب وجنوده‬
‫وقيل بختنصر … فإن قلت كيف جاز أن يبعث ال الكفرة وُيسّلطهم عليهم ؟‬
‫‪95‬‬
‫قلت ‪ :‬معناه خلينا بينهم وبين ما فعلوا ولم نمنعهم ‪ ،‬على أن ال أسند بعث‬
‫ضا ‪ِ ،‬بَما‬ ‫ن َبعْ ً‬ ‫ظاِلِمي َ‬
‫ض ال ّ‬ ‫ك ُنوَّلي َبْع َ‬ ‫الكفرة إلى نفسه ‪ ،‬فهو كقوله تعالى ) َوَكَذِل َ‬
‫ن )‪ 129‬النعام ( " انتهى ‪.‬‬ ‫سُبو َ‬‫َكاُنوا َيْك ِ‬
‫أما المام أحمد فقد قال ردا على نفس السؤال ‪ " :‬هذا السؤال إنما يتوجه على‬
‫ي ‪ُ ،‬يوجب على ال تعالى بزعمه ‪ ،‬رعاية ما يتوهمه بعقله مصلحة ‪ ،‬وأما‬ ‫قدر ّ‬
‫ن‬
‫سَأُلو َ‬ ‫عّما َيْفَعُل َوُهْم ُي ْ‬ ‫سَأُل َ‬‫سئل هذا السؤال أجاب عنه بقوله ‪َ ) :‬ل ُي ْ‬ ‫ي إذا ُ‬ ‫سن ّ‬ ‫ال ُ‬
‫)‪ 23‬النبياء ( " انتهى ‪.‬‬
‫صل قبل‬ ‫ول ننسى أن الكلم في المسألة أعله ‪ ،‬محمول على أن البعثين قد تح ّ‬
‫نزول اليات ‪ ،‬حيث أجمعت كل الروايات على كفر المبعوثين ‪ ،‬فجاء الكلم‬
‫رّدا ‪ ،‬على من قد ينكر على ال ‪ ،‬بعث الكفرة على فسقة أهل الكتاب ‪ ،‬ويحصر‬
‫ذلك بالمؤمنين وهما وظنا واتباعا للهوى ‪ُ ،‬مقّدرا بأن في ذلك كل المصلحة‬
‫ب العزة برأيه ‪.‬‬ ‫والمنفعة ‪ُ ،‬ملزما ر ّ‬
‫وبالضافة لما تقّدم ‪ ،‬نسوق بعض الدلة من القرآن والسنة ‪ ،‬على تسليط ال‬
‫الناس بعضهم على البعض ‪ ،‬دون بيان ماهية المعتقد من حيث اليمان أو الكفر‬
‫‪ ،‬وحتى نصرة الدين بالفجار ‪:‬‬
‫ل ُذو‬ ‫ن ا َّ‬ ‫ض َوَلِك ّ‬
‫ت اَْلْر ُ‬ ‫سَد ِ‬‫ض َلَف َ‬‫ضُهْم ِبَبْع ٍ‬ ‫س َبْع َ‬‫ل الّنا َ‬ ‫قال تعالى ) َوَلْوَل َدْفُع ا ِّ‬
‫ن )‪ 251‬البقرة (‬ ‫عَلى اْلَعاَلِمي َ‬‫ضٍل َ‬ ‫َف ْ‬
‫صَواِمُع َوِبَيٌع‬‫ت َ‬ ‫ضُهْم ِبَبْعضٍ َلُهّدَم ْ‬ ‫س َبْع َ‬‫ل الّنا َ‬ ‫وقال أيضا ) َوَلْوَل َدْفُع ا ِّ‬
‫ن ا َّ‬
‫ل‬ ‫صُرُه ِإ ّ‬ ‫ن َيْن ُ‬
‫ل َم ْ‬‫ن ا ُّ‬ ‫صَر ّ‬‫ل َكِثيًرا َوَلَيْن ُ‬ ‫سُم ا ِّ‬‫جُد ُيْذَكُر ِفيَها ا ْ‬‫سا ِ‬‫ت َوَم َ‬‫صَلَوا ٌ‬‫َو َ‬
‫عِزيٌز )‪ 40‬الحج (‬ ‫ي َ‬ ‫َلَقِو ّ‬
‫صّلى ا ُّ‬
‫ل‬ ‫ل َ‬ ‫ل ا ِّ‬
‫سو ِ‬ ‫عْنُه ‪ ،‬عن َر ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ي ا ُّ‬‫ضَ‬ ‫ومما روى البخاري عن َأِبي ُهَرْيَرَة َر ِ‬
‫ن ِبالّرجُِل‬ ‫ل َلُيَؤّيُد َهَذا الّدي َ‬‫ن ا َّ‬‫ل في معرض حديثه ‪َ … ) :‬وِإ ّ‬ ‫سّلَم ‪ ،‬أنه َقا َ‬‫عَلْيِه َو َ‬
‫َ‬
‫جِر ( ‪ ،‬وأخرجه مسلم وأحمد والدارمي ‪.‬‬ ‫اْلَفا ِ‬
‫فإذا كان الحكيم العليم ينصر دينه بالفجار ‪ ،‬أفل ُيعّذب الكفار بالكفار ؟!!‬
‫أولم ُيسّلط ال التتار على فسقة المسلمين قديما ‪ ،‬وُيسّلط التراك والنصارى‬
‫واليهود على فسقة المسلمين حديثا ‪ ،‬أم أن هذا التسليط كان من عند غير‬
‫ال ؟!!‬

‫‪96‬‬
‫والسؤال هل هناك منفعة أو مصلحة ‪ُ ،‬ترتجى من بعث الريح والحجارة ‪ ،‬أو‬
‫بعث الطير والضفادع ‪ ،‬على القوام السابقة ‪ ،‬طالما أن الغاية هي عقاب‬
‫الظلمة والمفسدين ؟!!‬
‫الخلصة ‪:‬‬
‫‪ .1‬أن إفساد بنو إسرائيل وعلوهم سيكون كأّمة ‪ ،‬وبقيام دولة لهم في فلسطين‬
‫لمرتين فقط ‪ ،‬ل ثالث لهما ‪.‬‬
‫‪ .2‬أن البعث من عند ال ‪ ،‬وأنه عقاب وعذاب لبني إسرائيل لفسادهم في‬
‫الرض ‪ ،‬في الدرجة الولى ‪ ،‬بالرغم من كونه نصرا للمستضعفين ‪ ،‬من‬
‫أهل فلسطين ‪ ،‬الذين انتصروا لربهم ودينهم ‪.‬‬
‫‪ .3‬أن هذا البعث متعّلق بموعد ‪ ،‬والمؤشر على قرب أجله ‪ ،‬هو ازدياد وتيرة‬
‫الظلم والفساد اليهودي ‪.‬‬
‫‪ .4‬أن غاية هذا البعث ‪ ،‬هي النتقام من بني إسرائيل في الدرجة الولى ‪،‬‬
‫وليس مكافأة لصلح المبعوثين ‪.‬‬
‫‪ .5‬أن الوعد الول كان قد ُأنجز فيما مضى ‪ ،‬وقبل مجيء السلم ‪ ،‬بل قبل‬
‫عيسى عليه السلم ‪.‬‬
‫‪ .6‬أن تحقق الوعد الثاني ‪ ،‬اشُترط فيه قبل تحقّقه ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬مجيئهم من الشتات ؛‬
‫ثانيا ‪ :‬هزيمة اليهود للمبعوثين وإلحاق الذى بهم ؛‬
‫ثالثا ‪ :‬اعتماد اليهود على المساعدات المادية والبشرية ؛‬
‫رابعا ‪ :‬تفّوق اليهود عسكريا على أعدائهم ‪.‬‬
‫‪ .7‬أن للبعث الثاني سبب ‪ ،‬وهو سبق العتداء اليهودي على المبعوثين ‪ ،‬وأن‬
‫خروج المبعوثين عليهم ‪ ،‬سيكون لرفع الضرر والنتقام لنفسهم ‪.‬‬
‫‪ .8‬أن المبعوثين عليهم في المرة الثانية ‪ ،‬هم نفس المبعوثين عليهم في المرة‬
‫الولى ‪.‬‬
‫‪ .9‬أن هذا البعث سيكون ُمفاجئا لهم ‪ ،‬وهم في قمة علوهم وتجبرهم ‪،‬‬
‫وسيأتيهم من حيث ل يحتسبوا ‪ ،‬وسيتم قتل اليهود والتنكيل بهم ‪ ،‬ومن ثم‬
‫‪97‬‬
‫دخول فلسطين والسيطرة عليها ‪ ،‬مع انعدام قدرة اليهود على صّد المبعوثين‬
‫‪.‬‬
‫‪ .10‬أن الدخول الول يعرفه اليهود ‪ ،‬كمعرفتهم لولدهم ‪ ،‬وليس للمسلمين‬
‫معرفة بصفته ‪ ،‬كونهم لم ُيعاصرونه ‪ ،‬إل من خلل كتب اليهود ‪.‬‬
‫‪ .11‬أن تدمير مقومات علوهم في مشارق الرض ومغاربها ‪ ،‬أمر حتمي ‪،‬‬
‫ولو بعد حين ‪.‬‬
‫‪ .12‬أن ماهية المعتقد للمبعوثين ُمبهمة ‪ ،‬فمن الجائز أن يكونوا كفرة أو‬
‫مسلمين أو مؤمنين أو من أولياء ال المخلصين ‪ ،‬في كل المرتين ‪ ،‬أو في‬
‫مرة دون الخرى ‪ ،‬وأن أهّم ما ُيمّيزهم في كل المرتين ‪ ،‬هو اّتصافهم‬
‫بالبأس الشديد ‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫تاريخ وجغرافيا بني إسرائيل في القران‬

‫بعد مراجعتي لمعظم اليات القرآنية ‪ ،‬التي تحكي سيرة بني إسرائيل ‪ ،‬تبّين لي‬
‫الكثير من الوقائع المبهمة في تاريخهم ‪ ،‬والمفاهيم المغلوطة ‪ ،‬التي كنت أحملها‬
‫ويحملها عامة المسلمين ‪ ،‬والتي سيرد تفصيلها في هذا الفصل إن شاء ال ‪.‬‬
‫كنت سأقتصر بحثي في تاريخ بني إسرائيل ‪ ،‬لثبات تحقق وعد المرة الولى‬
‫من علو وإفساد وعقاب ‪ ،‬ولكن تبين لي من خلل الحاديث العامة ‪ ،‬وعند‬
‫طرحي لموضوع هذا البحث ‪ ،‬أن كثيرا من الناس ‪ ،‬يجهلون تاريخ بني‬
‫إسرائيل ‪ ،‬وخاصة ماهّية الحداث التي حصلت معهم ‪ ،‬وموقعها من حيث‬
‫الزمان والمكان ‪ ،‬والتي ُذكرت متفرقة في القرآن ‪ ،‬وبل ترتيب في أغلب‬
‫الحيان ‪ ،‬ويجهلون أيضا حتى ترتيب أنبياء بني إسرائيل وتعاقبهم ‪ ،‬لذلك‬
‫اضطررت لتعقب تاريخهم منذ البداية ‪ ،‬لما فيه من فائدة ‪.‬‬
‫إبراهيم عليه السلم‬
‫حسبما ورد عن أهل الكتاب ‪ ،‬أن إبراهيم عليه السلم ‪ ،‬كان مقيما في بلدة أور‬
‫حّرُقوُه‬
‫ن َقاُلوا اْقُتُلوُه َأْو َ‬‫ب َقْوِمِه ِإّل َأ ْ‬ ‫جَوا َ‬‫ن َ‬ ‫في جنوب العراق ‪َ ) ،‬فَما َكا َ‬
‫ن‬
‫ن )‪ 24‬العنكبوت ( ‪َ ) ،‬فآَم َ‬ ‫ت ِلَقْوٍم ُيْؤمُِنو َ‬ ‫لَيا ٍ‬
‫ك َ‬ ‫ن ِفي َذِل َ‬ ‫ن الّناِر ِإ ّ‬ ‫ل ِم ْ‬ ‫جاُه ا ُّ‬‫َفَأن َ‬
‫حِكيُم )‪ 26‬العنكبوت ( ‪) ،‬‬ ‫جٌر ِإَلى َرّبي ِإّنُه ُهَو اْلَعِزيُز اْل َ‬ ‫ط َوَقاَل ِإّني ُمَها ِ‬ ‫َلُه ُلو ٌ‬
‫ن )‪ 71‬النبياء ( ومن ثم‬ ‫ض اّلِتي َباَرْكَنا ِفيَها ِلْلَعاَلِمي َ‬ ‫طا ِإَلى اَْلْر ِ‬ ‫جْيَناُه َوُلو ً‬‫َوَن ّ‬
‫انتقل إبراهيم ولوط عليهما السلم ‪ ،‬وهو الوحيد الذي آمن له من قومه ‪ ،‬إلى‬
‫فلسطين ‪.‬‬
‫وسكن لوط عليه السلم قرية ) سدوم وعمورة ( حسب تسمية التوراة ‪ ،‬في‬
‫موضع البحر الميت حاليا ‪ ،‬واستمر إبراهيم عليه السلم على الرجح ‪ ،‬إلى‬
‫المدينة المسّماة باسمه لغاية الن – وهي الخليل جنوبي القدس ‪ -‬وسكن فيها ‪،‬‬
‫وظاهر النص القرآني ‪ ،‬يفيد بأنهما لم يكونا متزوجين ‪ ،‬ولو كانا متزوجين ‪،‬‬
‫لُذِكَر أهلهما عند النجاة ‪ ،‬كما اقترن ِذْكر الهل مع النبياء ‪ ،‬في كل من حالت‬
‫ن‬
‫حا ِإْذ َناَدى ِم ْ‬
‫النجاة والهجرة ‪ ،‬التي وردت في القران ‪ ،‬كما في الية ) َوُنو ً‬
‫ظيِم )‪ 76‬النبياء ( ‪ ،‬والية ) َقاَل‬ ‫ب اْلَع ِ‬
‫ن اْلَكْر ِ‬‫جْيَناُه َوَأْهَلُه ِم ْ‬‫جْبَنا َلُه َفَن ّ‬
‫سَت َ‬‫َقْبُل َفا ْ‬
‫ن )‪ 32‬العنكبوت (‬ ‫ن اْلَغاِبِري َ‬
‫ت ِم ْ‬ ‫جَيّنُه َوَأْهَلُه ِإلّ اْمَرَأَتُه َكاَن ْ‬
‫طا … َلُنَن ّ‬ ‫ن ِفيَها ُلو ً‬ ‫ِإ ّ‬
‫ساَر ِبَأْهِلِه )‪ 29‬القصص ( ليفيد ذلك أنهما‬ ‫جَل َو َ‬‫سى اَْل َ‬ ‫ضى ُمو َ‬ ‫‪ ،‬والية ) َفَلّما َق َ‬
‫‪99‬‬
‫هاجرا منفردين وفي مقتبل العمر ‪ ،‬وأن الزواج حصل بعد القامة ‪ ،‬وعلى‬
‫الرجح ‪ ،‬من نفس القوام التي دخلوا عليها وعايشوهاكأفراد ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫عيَل‬
‫سَما ِ‬
‫عَلى اْلِكَبِر ‪ِ ،‬إ ْ‬
‫ب لي َ‬ ‫ل اّلِذي َوَه َ‬ ‫حْمُد ِّ‬ ‫قال تعالى على لسان إبراهيم ) اْل َ‬
‫عاِء )‪ 39‬إبراهيم ( ‪ ،‬ومرت سنون طويلة ‪ ،‬وبعد‬ ‫سِميُع الّد َ‬‫ن َرّبي َل َ‬ ‫ق ‪ِ ،‬إ ّ‬ ‫حا َ‬ ‫سَ‬‫َوِإ ْ‬
‫ل وعل إسماعيل أول من‬ ‫أن تقدم إبراهيم عليه السلم في العمر ‪ ،‬وهبه ال ج ّ‬
‫ق بإسحاق في شيخوخته ‪ ،‬من سارة‬ ‫هاجر ‪ ،‬فأسكنه وأمه في مكة ‪ ،‬ومن ثم ُرِز َ‬
‫التي أصبحت عجوزا ‪ ،‬ومن ثم ُوِلَد يعقوب لسحاق عليهما السلم ‪ ،‬قال تعالى‬
‫ب )‪(71‬‬ ‫ق َيْعُقو َ‬‫حا َ‬ ‫سَ‬
‫ن َوَراِء ِإ ْ‬ ‫ق َوِم ْ‬‫حا َ‬‫سَ‬‫شْرَناَها ِبِإ ْ‬‫ت َفَب ّ‬
‫حَك ْ‬‫ضِ‬‫) َواْمَرَأُتُه َقاِئَمٌة َف َ‬
‫ب )‪ 72‬هود (‬ ‫جي ٌ‬ ‫عِ‬ ‫يٌء َ‬‫ش ْ‬‫ن َهَذا َل َ‬ ‫خا ِإ ّ‬
‫شْي ً‬
‫جوٌز َوَهَذا َبْعِلي َ‬ ‫عُ‬ ‫َقاَلتْ َيَوْيَلَتا َأَأِلُد َوَأَنا َ‬
‫‪.‬‬
‫مسألة بناء البيت الحرام والمسجد القصى ‪:‬‬
‫ن )‪96‬‬ ‫س َلّلِذي ِبَبّكَة ُمَباَرًكا َوُهًدى ِلْلَعاَلِمي َ‬ ‫ضَع ِللّنا ِ‬ ‫ت ُو ِ‬‫ن َأّوَل َبْي ٍ‬ ‫قال تعالى ) ِإ ّ‬
‫آل عمران ( ‪.‬‬
‫ضَع َأّولَ‬
‫جٍد ُو ِ‬ ‫سِ‬ ‫ي َم ْ‬‫ل َأ ّ‬‫ل ا ِّ‬‫سو َ‬ ‫ت ‪َ :‬يا َر ُ‬‫ل ‪ُ ) :‬قْل ُ‬‫عْنُه ‪َ ،‬قا َ‬‫ل َ‬ ‫ي ا ُّ‬ ‫ضَ‬‫ن َأِبي َذّر َر ِ‬ ‫عْ‬
‫وَ‬
‫صى ‪،‬‬ ‫جُد اَْلْق َ‬ ‫سِ‬ ‫ل ‪ُ :‬ثّم اْلَم ْ‬‫ي ؟ َقا َ‬‫ت ‪ُ :‬ثّم َأ ّ‬
‫حَراُم ‪ُ ،‬قْل ُ‬‫جُد اْل َ‬ ‫سِ‬‫ل ‪ :‬اْلَم ْ‬‫؟ َقا َ‬
‫لُة‬
‫صَ‬‫ك ال ّ‬ ‫حْيُثَما َأْدَرَكْت َ‬
‫ل‪َ :‬‬ ‫ن ‪ُ ،‬ثّم َقا َ‬
‫ل ‪َ :‬أْرَبُعو َ‬ ‫ن َبْيَنُهَما ؟ َقا َ‬
‫ت ‪َ :‬كْم َكا َ‬‫ُقْل ُ‬
‫جٌد ( رواه البخاري ‪ ،‬وأخرجه مسلم والنسائي‬ ‫سِ‬‫ك َم ْ‬‫ض َل َ‬‫صّل ‪َ ،‬واَْلْر ُ‬ ‫َف َ‬
‫وابن ماجة وأحمد ‪ .‬جاء في شرح السندي ‪ ،‬لنفس المتن عند ابن ماجة ‪،‬‬
‫ضَع أول ( بالبناء على الضمة ‪ ) ،‬قال أربعون عاما‬ ‫ما نصه ‪ " :‬قوله ) ُو ِ‬
‫( قالوا ‪ :‬ليس المراد بناء إبراهيم للمسجد الحرام ‪ ،‬وبناء سليمان للمسجد‬
‫القصى ‪ ،‬فإن بينهما مدة طويلة بل ريب ‪ ،‬بل المراد بناؤها قبل هذين‬
‫البناءين ‪ ،‬وال أعلم " ‪.‬‬
‫ومن معاني ) الوضع ( ‪ ،‬في لسان العرب " والمواضع معروفة ‪ ،‬وواحدها‬
‫موضع ‪ ،‬والموضع هو اسم المكان ‪ ،‬وفي الحديث ‪ " :‬ينزل عيسى بن مريم‬
‫ضُع العلم " أي‬
‫ضُع الجزية " ‪ ،‬فتوضع الجزية وتسقط ‪ ،‬وفي الحديث ‪ " :‬و َي َ‬ ‫فَي َ‬
‫ضَعًا أي اختلقه وأوجده ‪ ،‬ووضع‬ ‫ضَع الشيء َو ْ‬
‫يهدمه ويلصقه بالرض ‪ ،‬وَو َ‬
‫الشيء في المكان ‪ ،‬أثبته فيه " ‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫ي ( ‪ ،‬وذلك يفيد بأن‬
‫ضَع ( بأي حال من الحوال بمعنى ) ُبِن َ‬ ‫ت ) ُو ِ‬
‫ولم تأ ِ‬
‫الوضع كان للقواعد فقط ‪ .‬وقد ُروي أن آدم عليه السلم ‪ ،‬هو أول من‬
‫بنى الكعبة ‪ ،‬واتخذت مكانًا لعبادة ال ‪ ،‬ومن ثم تحول الموضع لعبادة‬
‫الصنام ‪ ،‬وأزيلت معالم ذلك البناء ‪ ،‬بفعل الطوفان زمن نوح عليه‬
‫السلم ‪ ،‬واختفت هذه القواعد نتيجة تراكم التربة ‪ ،‬على مّر السنين ‪.‬‬
‫ض مبني للمجهول ‪،‬‬ ‫ضَع ( في كل الموضعين ‪ ،‬هو فعل ما ٍ‬ ‫وإعراب ) ُو ِ‬
‫أي أن فاعل الوضع غير معلوم في النص ‪ ،‬وجاءت بمعنى تعيين وتحديد‬
‫مكان البيت ‪ ،‬وهناك روايات بأن الملئكة كشفت لدم عن موضعه ‪،‬‬
‫ساحي الراضي ‪ ،‬نستطيع القول أن‬ ‫عندما بناه لول مرة ‪ .‬وبلغة م ّ‬
‫) ُوضع ( ‪ ،‬جاءت بمعنى تحديد وإسقاط إحداثيات الموقع على الرض ‪،‬‬
‫وتثبيت حدوده ‪.‬‬
‫ول يختلف اثنان ‪ ،‬على أن من أعاد بناء البيت الحرام ‪ ،‬هما إبراهيم وإسماعيل‬
‫ن َل‬‫ت َأ ْ‬‫ن اْلَبْي ِ‬
‫عليهما السلم ‪ ،‬بدللة قوله تعالى ) َوِإْذ َبّوْأَنا ِلْبَراِهيَم َمَكا َ‬
‫جوِد )‪26‬‬ ‫سُ‬‫ن َوالّرّكِع ال ّ‬ ‫ن َوالَْقاِئِمي َ‬ ‫طاِئِفي َ‬
‫طّهْر َبْيِتي ِلل ّ‬‫شْيًئا َو َ‬
‫ك ِبي َ‬ ‫شِر ْ‬
‫ُت ْ‬
‫الحج ( ‪ ،‬بّوأنا أي كشفنا وأظهرنا له موضعه ومكّناه منه وأذنا له في‬
‫بنائه ‪ ،‬ومن ثم كان البناء برفعه فوق القواعد ‪ ،‬في قوله ) َوِإْذ َيْرَفُع‬
‫عيُل )‪ 127‬البقرة ( ‪ ،‬والغاية من بناءه‬ ‫سَما ِ‬ ‫ت َوِإ ْ‬
‫ن اْلَبْي ِ‬
‫عَد ِم ْ‬‫ِإْبَراِهيُم اْلَقَوا ِ‬
‫هو جعله مكانا للعبادة ‪ ،‬بما تشمله من طواف وقيام وركوع وسجود ‪،‬‬
‫لمن يستجيبوا لرسالة السلم ‪ ،‬كما ورد في الية أعله ‪ ،‬التي كان‬
‫يحملها إسماعيل عليه السلم ‪ ،‬المقيم في ذلك المكان ) َواْذُكْر ِفي اْلِكَتا ِ‬
‫ب‬
‫سوًل َنِبّيا )‪ 54‬مريم ( ‪.‬‬ ‫ن َر ُ‬ ‫عِد َوَكا َ‬‫ق اْلَو ْ‬
‫صاِد َ‬ ‫ن َ‬ ‫عيَل ِإّنُه َكا َ‬‫سَما ِ‬
‫ِإ ْ‬

‫يعقوب ويوسف عليهما السلم‬


‫عَلْيِهمْ‬
‫جَتَبْيَنا ِإَذا تُْتَلى َ‬
‫ن َهَدْيَنا َوا ْ‬
‫سَراِئيَل َوِمّم ْ‬
‫ن ُذّرّيِة ِإْبَراِهيَم َوِإ ْ‬
‫قال تعالى ) َوِم ْ‬
‫جًدا َوُبِكّيا )‪ 58‬مريم ( ‪ ،‬ويعقوب عليه السلم هو‬ ‫سّ‬ ‫خّروا ُ‬ ‫ن َ‬‫حَما ِ‬
‫ت الّر ْ‬
‫آَيا ُ‬
‫إسرائيل ‪ ،‬والمقصود ببني إسرائيل ‪ ،‬هم نسل يعقوب عليه السلم ‪ ،‬وحسب ما‬
‫ترويه التوراة ‪ ،‬أنه ترك مقام أبيه إسحاق في فلسطين ‪ ،‬وهاجر إلى خاله في‬
‫العراق ‪ ،‬ورعى عنده الغنم عدة سنين ‪ ،‬وتزوج اثنتين من بناته ‪ ،‬وعاد إلى‬
‫فلسطين مرة أخرى ‪ ،‬وقد ُرزق عليه السلم باثني عشر ابنا ‪ ،‬وأبرزهم يوسف‬
‫‪101‬‬
‫شرَ‬‫ع َ‬ ‫حَد َ‬
‫ت َأ َ‬
‫ت ِإّني َرَأْي ُ‬
‫ف َِلِبيِه َيَأَب ِ‬‫س ُ‬‫عليه السلم ‪ ،‬في قوله تعالى ) ِإْذ َقاَل ُيو ُ‬
‫ن )‪ 4‬يوسف ( ‪ ،‬وقوله ) َوَرَفَع‬ ‫جِدي َ‬
‫سا ِ‬‫س َواْلَقَمَر ‪َ ،‬رَأْيُتُهْم ِلي َ‬‫شْم َ‬ ‫َكْوَكًبا ‪َ ،‬وال ّ‬
‫جًدا )‪ 100‬يوسف ( ‪ .‬أي أجلس أبوه وأمه إلى‬ ‫سّ‬‫خّروا َلُه ُ‬ ‫ش َو َ‬ ‫عَلى اْلَعْر ِ‬ ‫َأَبَوْيهِ َ‬
‫جواره ‪ ،‬احتراما وتقديرا وتوقيرا ‪ ،‬ومن ثم سجد له أخوته الحد عشر ‪ ،‬دون‬
‫أبويه ‪ ،‬ففي الية )‪ (4‬كانت الرؤيا الولى ‪ ،‬للحد عشر كوكبا والشمس والقمر‬
‫‪ ،‬ومن ثم كانت الرؤيا الثانية ‪ ،‬لسجود الحد عشر كوكبا ‪ ،‬دون الشمس والقمر‬
‫‪ ،‬وهذا ما تؤكده الية ) ‪ ، ( 100‬حيث ُرفع البوين إلى العرش ‪ ،‬ومن ثم وقع‬
‫السجود من الخوة ‪.‬‬
‫أما مكان سكنى يعقوب عليه السلم ‪ ،‬ومن قوله تعالى على لسان يوسف )‬
‫ن اْلَبْدِو )‪ 100‬يوسف ( ‪ ،‬يتبين لنا أنهم كانوا قد سكنوا الصحراء ‪،‬‬ ‫جاءَ ِبُكْم ِم ْ‬ ‫َو َ‬
‫وعاشوا حياة البداوة ‪ ،‬ومن المعروف أن مهنة البدو ‪ ،‬هي تربية المواشي ‪،‬‬
‫وتبادل منتجاتها مع أهل الحضر ‪ ،‬ومن قوله على لسان أخوة يوسف أيضا )‬
‫ن )‪82‬‬ ‫صاِدُقو َ‬
‫سَأْل اْلَقْرَيَة اّلِتي ُكّنا ِفيَها َواْلِعيَر اّلِتي َأْقَبْلَنا ِفيَها َوِإّنا َل َ‬
‫َوا ْ‬
‫يوسف ( والقرية ‪ ،‬هي مكان تواجد يوسف عليه السلم في مصر ‪ ،‬حيث تركوا‬
‫الخ الشقيق ليوسف ‪ ،‬وقولهم هذا وترّددهم لكثر من مرة على مصر ‪ ،‬يدل‬
‫على قربهم منها ‪ ،‬وقولهم ) َواْلِعيَر اّلِتي َأْقَبْلَنا ِفيَها ( يدل أنهم ذهبوا إلى مصر‬
‫ورجعوا في قافلة ‪ ،‬وأفرادها يقطنون معهم أو بالقرب منهم ‪ .‬والرجح أن‬
‫تكون هذه الصحراء ‪ ،‬التي كانوا يقيمون فيها قريبة إلى مصر ‪ ،‬وربما تكون‬
‫صحراء النقب ‪ ،‬جنوب فلسطين ‪ ،‬وفي منطقة بئر السبع بالذات ‪ ،‬حيث سكنى‬
‫بدو فلسطين ‪ ،‬وهو الرجح وال أعلم ‪.‬‬
‫النتقال إلى مصر ‪:‬‬
‫وبعد أن تبّوأ يوسف عليه السلم في مصر منصبا ‪ ،‬يوازي منصب وزير‬
‫الخزينة ‪ ،‬أو المالية في عصرنا الحالي ‪ ،‬لدى فرعون مصر ‪ ،‬انتقل يعقوب‬
‫ف آَوى ِإَلْيِه‬ ‫س َ‬‫عَلى ُيو ُ‬
‫خُلوا َ‬
‫وبنوه ‪ ،‬للحاق به في مصر ‪ ،‬قال تعالى ) َفَلّما َد َ‬
‫ب َقْد آَتْيَتِني‬
‫ن )‪َ (100) … (99‬ر ّ‬ ‫ل آِمِني َ‬
‫شاَء ا ُّ‬‫ن َ‬‫صَر ِإ ْ‬‫خُلوا ِم ْ‬‫َأَبَوْيِه َوَقاَل اْد ُ‬
‫ث … )‪ 101‬يوسف ( ‪ ،‬ودخلوها‬ ‫حاِدي ِ‬
‫ن َتْأِويِل الَْ َ‬
‫عّلْمَتني ِم ْ‬
‫ك َو َ‬
‫ن اْلُمْل ِ‬
‫ِم ْ‬
‫معّززين مكّرمين آمنين ‪ ،‬وقوله ) آمنين ( يوحي بأن ليس كل من دخل مصر‬
‫آنذاك ‪ ،‬ليقيم فيه من الغرباء والدخلء ‪ ،‬سيكون آمنا على نفسه ‪ ،‬من الضطهاد‬
‫والستعباد ‪.‬‬
‫‪102‬‬
‫بعض مظاهر الحكم المصري ‪:‬‬
‫قصة يوسف عليه السلم أشهر من أن تعّرف ‪ ،‬لذلك سنوردها باختصار ‪،‬‬
‫ونرّكز على بعض ما خفي منها ‪ .‬حيث كانت مصر آنذاك إحدى ُكبريات‬
‫سي‬‫خِلصُْه ِلَنْف ِ‬ ‫سَت ْ‬
‫ك اْئُتوِني ِبِه َأ ْ‬ ‫الممالك القديمة ‪ ،‬بدللة قوله تعالى ) َوَقاَل اْلَمِل ُ‬
‫ك اْلَيْوَم‬ ‫… )‪ 54‬يوسف ( ‪ ،‬وعلى لسان مؤمن آل فرعون ) َيا َقْوِم َلُكْم اْلُمْل ُ‬
‫ض )‪ 29‬غافر ( ‪ ،‬ونظام الحكم فيها ملكي وراثي ‪ ،‬وكلمة‬ ‫ن ِفي الَْْر ِ‬ ‫ظاِهِري َ‬ ‫َ‬
‫فرعون ربما تكون اسم أو لقب للملك ‪ ،‬ويقال أن الفراعنة لم يكونوا ملوك‬
‫مصر ‪ ،‬في زمن يوسف عليه السلم ‪ ،‬فسواء كان هذا أو ذاك ‪ ،‬فنحن نصف‬
‫الوضاع في مصر بشكل عام ‪.‬‬
‫حيث يبدو أن المجتمع المصري ‪ ،‬كان يتأّلف من أربع طبقات ‪-:‬‬
‫الطبقة الولى ‪ :‬العائلة الملكية ‪ ،‬التي هي في مصاف اللهة من حيث الحقوق‬
‫والمتيازات ‪.‬‬
‫الطبقة الثانية ‪ :‬الشراف من المصريين ‪ ،‬الموكل إليهم العمال التنفيذية ‪،‬‬
‫ويتمتعون بامتيازات استثنائية ‪ ،‬من وزراء وما شابه ‪ ،‬وهم علية القوم وسماهم‬
‫لُه‬‫ن َوَم َ‬ ‫عْو َ‬ ‫ت ِفْر َ‬‫ك آَتْي َ‬ ‫سى َرّبَنا ِإّن َ‬ ‫سبحانه مل فرعون ‪ ،‬في قوله ) َوَقاَل ُمو َ‬
‫حَياِة الّدْنَيا )‪ 88‬يونس ( ‪ .‬ومنهم العزيز صاحب يوسف‬ ‫ِزيَنةً َوَأْمَوالً ِفي اْل َ‬
‫عليه السلم ‪ ،‬وهامان الذي كان يشغل ما يشبه ‪ ،‬منصب رئيس الوزراء في‬
‫حا َلَعّلي َأْبُلُغ‬ ‫صْر ً‬‫ن ِلي َ‬ ‫ن اْب ِ‬
‫ن َيا َهاَما ُ‬ ‫عْو ُ‬ ‫عصرنا هذا ‪ ،‬قال تعالى ) َوَقاَل ِفْر َ‬
‫ب )‪ 36‬غافر ( ‪.‬‬ ‫سَبا َ‬
‫اَْل ْ‬
‫وانضوى يوسف عليه السلم ضمن هذه الطبقة ‪ ،‬مع أنه كان من الغرباء ‪،‬‬
‫س الحاجة لعلمه وحكمته ‪ ،‬لدارة شؤون البلد القتصادية ‪،‬‬ ‫كونهم كانوا بأم ّ‬
‫في سنين الجفاف ‪ ، ،‬ل لشيء آخر ‪ .‬بعد أن أصبح عليه السلم من المقربين‬
‫ك اْلَيْوَم‬
‫سي َفَلّما َكّلَمُه َقاَل ِإّن َ‬ ‫صُه ِلَنْف ِ‬
‫خِل ْ‬ ‫سَت ْ‬
‫ك اْئُتوِني ِبِه َأ ْ‬ ‫للملك ‪َ ) ،‬وَقاَل اْلَمِل ُ‬
‫ن )‪ 54‬يوسف ( حيث كان عبدا مملوكا لذلك العزيز ‪ ،‬الذي قال‬ ‫ن َأِمي ٌ‬‫َلَدْيَنا َمِكي ٌ‬
‫عنه يوسف عليه السلم ‪ ،‬عندما ُروِوَد عن نفسه للوقوع في الزنا ‪ ،‬بزوجة من‬
‫ن )‪23‬‬ ‫ظاِلُمو َ‬ ‫ح ال ّ‬ ‫ي ِإّنُه َل ُيْفِل ُ‬ ‫ن َمْثَوا َ‬‫سَ‬ ‫ح َ‬‫أكرمه وأحسن مقامه ‪ِ ) :‬إّنُه َرّبي َأ ْ‬
‫يوسف ( أي لن أظلم نفسي بمعصية ال ‪ ،‬ولن أظلم زوجك بنكران معروفه‬
‫صَر ِلْمَرَأِتِه‬ ‫ن ِم ْ‬ ‫شَتَراُه ِم ْ‬ ‫معي ‪ ،‬إذ قال لها زوجها عند شراءه ) َوَقاَل اّلِذي ا ْ‬
‫ب في‬ ‫خَذُه َوَلًدا )‪ 21‬يوسف ( ‪ ،‬ولفظ ر ّ‬ ‫ن َينَفَعَنا َأْو َنّت ِ‬
‫سى َأ ْ‬ ‫ع َ‬‫َأْكِرِمي َمْثَواُه َ‬
‫‪103‬‬
‫الية السابقة جاء بمعنى صاحب أو مالك ‪ ،‬ولفظ العزيز هو لقب ُيطلق على‬
‫خوطب به يوسف عليه السلم ‪ ،‬من‬ ‫الشراف ‪ ،‬ذوي المناصب الرفيعة ‪ ،‬وقد ُ‬
‫ِقَبل أخوته في الية )‪ . (88‬ويبدو أن المجتمع المصري كان منغلقا على نفسه ‪،‬‬
‫ول يخالط الغرباء من منظور الفوقية والستعلء ‪ ،‬ويخاف الغرباء ويخشاهم‬
‫وبالتالي كان ينبذهم ‪.‬‬
‫والطبقة الثالثة ‪ :‬عامة المصريين وهم يعملون بالوظائف العامة والخاصة ‪،‬‬
‫وامتيازاتهم عادية ‪ ،‬وشملت هذه الطبقة نسبيا بني إسرائيل ‪ ،‬في زمن يوسف‬
‫عليه السلم ‪.‬‬
‫والطبقة الرابعة ‪ :‬العبيد عن طريق الشراء وما شابه ‪ ،‬وأغلبهم من غير‬
‫المصريين ‪ ،‬بل حقوق وبل امتيازات ‪ ،‬بل على العكس ليس لهم إل المهانة‬
‫والزدراء ‪ ،‬ويعملون بقوتهم اليومي في الزراعة والبناء والخدمة ‪ ،‬ومن‬
‫ي السجن ‪ ،‬وشملت بني إسرائيل ‪ ،‬بعد يوسف عليه السلم ‪،‬‬ ‫ضمنها صاحب ّ‬
‫حتى زمن موسى عليه السلم ‪ .‬والمخطئ من هؤلء العبيد في حق‬
‫المصريين ‪ ،‬كان مصيره السجن أو العذاب الشديد أو القتل ‪ ،‬وبدون محاكمة‬
‫على الرجح ‪ ،‬وخاصة إذا كان خصمه مصريا ‪ ،‬حتى ولو ُأتهم زورا وبهتانا ‪.‬‬
‫ن ِفي‬ ‫عْو ُ‬‫وأما الموقع الجغرافي لعاصمة الملك ‪ ،‬وبدللة هذه اليات ) َوَناَدى ِفْر َ‬
‫ل‬
‫حِتي َأَف َ‬ ‫ن َت ْ‬‫جِري ِم ْ‬ ‫صَر َوَهِذِه اَْلْنَهاُر َت ْ‬ ‫ك ِم ْ‬ ‫س ِلي ُمْل ُ‬ ‫َقْوِمهِ َقاَل َيا َقْوِم َأَلْي َ‬
‫ن )‪َ(24‬كْم‬ ‫جنٌد ُمْغَرُقو َ‬ ‫حَر َرهًْوا ِإّنُهْم ُ‬ ‫ك اْلَب ْ‬
‫ن )‪ 51‬الزخرف ( ‪َ ) ،‬واْتُر ْ‬ ‫صُرو َ‬ ‫ُتْب ِ‬
‫ع َوَمَقاٍم َكِريٍم )‪َ (26‬وَنْعَمٍة َكاُنوا ِفيَها‬ ‫ن )‪َ (25‬وُزُرو ٍ‬ ‫عُيو ٍ‬‫ت َو ُ‬ ‫جّنا ٍ‬‫ن َ‬ ‫َتَرُكوا ِم ْ‬
‫ن )‪ 27‬الدخان ( ‪ ،‬فهو يقع على مجرى نهر النيل ‪ ،‬في أخصب الراضي‬ ‫َفاِكِهي َ‬
‫المصرية ‪ ،‬أما سكنى فرعون وآله ) أي عائلته ( كانت خارج المدينة ‪ ،‬بمعزل‬
‫عن الشعب ‪ ،‬وقصره مقام على ضفاف النيل ‪.‬‬
‫هل كان يوسف داعية إلى ال في مصر ؟ نقول نعم ‪ ،‬وقد بدأ الدعوة في السجن‬
‫خْيٌر َأْم ا ُّ‬
‫ل‬ ‫ن َ‬ ‫ب ُمَتَفّرُقو َ‬ ‫ن َأَأْرَبا ٌ‬
‫جِ‬‫سْ‬ ‫ي ال ّ‬‫حَب ِ‬
‫صا ِ‬‫ي السجن ) َي َ‬ ‫‪ ،‬عندما قال لصاحب ّ‬
‫سّمْيُتُموَها َأْنُتْم َوآَباُؤُكْم ‪،‬‬ ‫ن ُدوِنِه ِإلّ َأسَماًء َ‬ ‫ن ِم ْ‬‫حُد اْلَقّهاُر )‪َ (39‬ما َتْعُبُدو َ‬ ‫اْلَوا ِ‬
‫ك‬
‫ل َأَمَر َأّل َتْعُبُدوا ِإّل ِإّياُه ‪َ ،‬ذِل َ‬ ‫حْكُم ِإلّ ِّ‬ ‫ن اْل ُ‬
‫ن ‪ِ ،‬إ ْ‬ ‫طا ٍ‬
‫سْل َ‬‫ن ُ‬‫ل ِبَها ِم ْ‬ ‫َما َأنَزَل ا ُّ‬
‫ن )‪ 40‬يوسف ( ‪ ،‬واستمرت دعوته‬ ‫س َل َيْعَلُمو َ‬ ‫ن َأْكَثَر الّنا ِ‬‫ن اْلَقّيُم ‪َ ،‬وَلِك ّ‬ ‫الّدي ُ‬
‫ف ِم ْ‬
‫ن‬ ‫س ُ‬ ‫جاَءُكْم ُيو ُ‬ ‫حتى مماته ‪ ،‬قال تعالى على لسان مؤمن آل فرعون ) َوَلَقْد َ‬
‫ن َيْبَع َ‬
‫ث‬ ‫ك ُقْلُتْم لَ ْ‬
‫حّتى ِإَذا َهَل َ‬ ‫جاَءُكْم ِبِه ‪َ ،‬‬ ‫ك ِمّما َ‬ ‫شّ‬‫ت ‪َ ،‬فَما ِزْلُتْم ِفي َ‬ ‫َقْبُل ِباْلَبّيَنا ِ‬
‫‪104‬‬
‫ب )‪ 34‬غافر ( وهو‬ ‫ف ُمْرَتا ٌ‬
‫سِر ٌ‬‫ن ُهَو مُ ْ‬
‫ل َم ْ‬
‫ضّل ا ُّ‬
‫ك ُي ِ‬
‫سولً ‪َ ،‬كَذِل َ‬
‫ن َبْعِدِه َر ُ‬
‫ل ِم ْ‬
‫ا ُّ‬
‫يعني أهل مصر ‪ ،‬وكان يوسف عليه السلم ‪ ،‬يدعوا إلى ال تعالى بالقسط ‪ ،‬فما‬
‫أطاعوه تلك الطاعة ‪ ،‬إل بمجرد الوزارة والجاه الدنيوي ‪ ،‬ولهذا قال مؤمن آل‬
‫فرعون ‪ ) :‬فما زلتم في شك مما جاءكم به ‪ ،‬حتى إذا هلك ‪ ،‬قلتم لن يبعث ال‬
‫من بعده رسول ( ‪ ،‬وطال المد بقوم فرعون وببني إسرائيل ‪ ،‬فضّلوا إل‬
‫قليل ‪ ،‬وكان منهم مؤمن آل فرعون الذي كان يكتم إيمانه ‪ ،‬وعلى لسانه جاءت‬
‫هذه الية ‪ ،‬ومنهم أيضا أهل موسى عليه السلم ‪.‬‬
‫أحوال بني إسرائيل في مصر بعد وفاة يوسف عليه السلم وحتى خروجهم‬
‫منها ‪:‬‬
‫بعد زوال سندهم لدى فرعون ‪ ،‬أصبح حالهم حال العبيد ‪ .‬وربما يكون ذلك في‬
‫زمن فرعون نفسه ‪ ،‬أو من َمَلك بعده ‪ ،‬بعد وفاة يوسف عليه السلم ‪ ،‬لزوال‬
‫المصلحة والنفع الذي تأّتى من علم يوسف ‪ ،‬وحكمته في الدارة والقتصاد ‪.‬‬
‫واستمر حالهم كذلك حتى خروجهم مع موسى عليه السلم ‪ ،‬وحسب ما ُيروى‬
‫أن المدة ‪ ،‬ما بين دخولهم إلى مصر ‪ ،‬وخروجهم منها هي أربعمائة سنة ‪ ،‬وال‬
‫عَ‬
‫ل‬‫ن َ‬ ‫عْو َ‬ ‫ن ِفْر َ‬‫أعلم ‪ ،‬وحالهم في تلك الفترة الزمنية ‪ ،‬يصفه القرآن بما يلي ‪ِ ) :‬إ ّ‬
‫ي‬
‫حِ‬ ‫سَت ْ‬
‫ح َأْبَناَءُهْم َوَي ْ‬‫طاِئَفًة ِمْنُهْم ُيَذّب ُ‬‫ف َ‬‫ضِع ُ‬ ‫سَت ْ‬ ‫شَيًعا َي ْ‬‫جَعَل َأْهَلَها ِ‬ ‫ض َو َ‬‫ِفي اَْلْر ِ‬
‫ن‬
‫عْو َ‬ ‫ن آِل ِفْر َ‬ ‫جْيَناُكْم ِم ْ‬
‫ن )‪ 4‬القصص ( ‪َ ) ،‬وِإْذ َن ّ‬ ‫سِدي َ‬‫ن اْلُمْف ِ‬
‫ن ِم ْ‬ ‫ساءَُهْم ِإّنُه َكا َ‬
‫ِن َ‬
‫لٌء‬‫ساَءُكْم َوِفي ذَِلُكْم َب َ‬ ‫ن ِن َ‬ ‫حُيو َ‬ ‫سَت ْ‬
‫ن َأْبَناَءُكْم َوَي ْ‬‫حو َ‬ ‫ب ُيَذّب ُ‬
‫سوَء اْلَعَذا ِ‬ ‫سوُموَنُكْم ُ‬ ‫َي ُ‬
‫ن)‬
‫ب اْلُمِهي ِ‬ ‫ن اْلَعَذا ِ‬
‫سَراِئيَل ِم ْ‬ ‫جْيَنا َبِني ِإ ْ‬
‫ظيٌم )‪ 49‬البقرة ( ‪َ ) ،‬وَلَقْد َن ّ‬ ‫عِ‬
‫ن َرّبُكْم َ‬ ‫ِم ْ‬
‫‪ 30‬الدخان ( ‪ ،‬وازداد العذاب والضطهاد لهم ‪ ،‬ببعث موسى عليه السلم إلى‬
‫فرعون وقومه ‪.‬‬
‫موسى عليه السلم‬
‫والحكمة اللهية التي أرادها ال من بعث موسى عليه السلم ‪ ،‬هي ما ابتدر به‬
‫ضِعُفوا ِفي‬
‫سُت ْ‬
‫نا ْ‬
‫ن عَلى اّلِذي َ‬ ‫ن َنُم ّ‬
‫رب العزة سورة القصص ‪ ،‬بقوله ) َوُنِريُد َأ ْ‬
‫ض‪،‬‬‫ن َلُهْم ِفي اَْلْر ِ‬
‫ن )‪َ (5‬وُنَمّك َ‬ ‫جَعَلُهْم اْلَواِرِثي َ‬
‫جَعَلُهْم َأِئّمًة ‪َ ،‬وَن ْ‬
‫ض ‪َ ،‬وَن ْ‬ ‫اَْلْر ِ‬
‫ن )‪ 6‬القصص (‬ ‫حَذُرو َ‬ ‫جُنوَدُهَما ِمْنُهْم ‪َ ،‬ما َكاُنوا َي ْ‬ ‫ن َو ُ‬
‫ن َوَهاَما َ‬ ‫عْو َ‬ ‫َوُنِري ِفْر َ‬
‫والقصة بتمامها ‪ ،‬مفصلة في سورة القصص وسورة طه ‪ ،‬وقصة موسى‬
‫معروفة ومألوفة لدينا ‪ ،‬حيث ُولد عليه السلم ‪ ،‬وألقته أمه في النيل ‪ ،‬خوفا من‬
‫‪105‬‬
‫ذبحه ‪ ،‬فالتقطه آل فرعون ‪ ،‬واعتنوا به ‪ .‬حتى إذا بلغ أشّده ‪ ،‬قتل مصريا ‪،‬‬
‫فأتمر به مل فرعون ‪ ،‬فغادر مصر متجها إلى مدين ‪ ،‬ولم يكن قد لقي بلء قبل‬
‫ي إليه‬
‫ذلك ‪ ،‬فقد كان ربيبا منعّما في آل فرعون ‪ ،‬ولم يكن عليه السلم ‪ ،‬قد ُأوح َ‬
‫بعد ‪ ،‬وإنما كان مسلما ‪ ،‬على دين آبائه إبراهيم إسحاق ويعقوب عليهم السلم ‪.‬‬
‫الموقع الجغرافي لَمْدَين ‪:‬‬
‫قيل فيها في المعاجم ‪ :‬أنها تقع " قرب بحر القلزم ) البحر الحمر ( محاذية‬
‫لتبوك ‪ ،‬وتقع بين وادي القرى والشام ‪ ،‬وقيل اتجاه تبوك بين المدينة والشام ‪،‬‬
‫وقيل هي كفر سندة من أعمال طبرية ‪ ،‬وقيل بلد بالشام معلوم تلقاء غزة ‪ ،‬وفي‬
‫) البداية والنهاية ( ‪ " :‬كان أهل مدين قوما عربا ‪ ،‬ومدين هي قرية من أرض‬
‫معان ‪ ،‬من أطراف الشام ‪ ،‬مما يلي ناحية الحجاز ‪ ،‬قريبا من بحيرة قوم لوط ‪،‬‬
‫وكانوا بعد قوم لوط بمدة قريبة " ‪.‬‬
‫والقول الخير هو أفضل ما قيل فيها ‪ ،‬وهو الرجح فهي تقع شرقيّ نهر‬
‫الردن ‪ ،‬في السفح المطل على فلسطين ‪ ،‬قبالة أريحا ‪ ،‬حيث المكان المسمى‬
‫بوادي شعيب حاليا ‪ ،‬والذي يقع فيه مقام النبي شعيب عليه السلم ‪ ،‬في جبال‬
‫محافظة البلقاء الردنية ‪ ،‬وهي أرض خصبة تصلح لزراعة القثائّيات ‪ ،‬وفيها‬
‫الشجار المثمرة ‪ ،‬وعيون الماء ‪ ،‬ويؤيد ما ذهبنا إليه قوله تعالى ‪ ،‬على لسان‬
‫ط ِمْنُكْم ِبَبِعيدٍ )‪ 89‬هود ( ‪ ،‬والمقصود هنا‬ ‫شعيب مخاطبا قومه ) َوَما َقْوُم ُلو ٍ‬
‫البعد المكاني ‪ ،‬حيث المسافة بين قرية شعيب والبحر الميت ) بحيرة لوط ( ‪،‬‬
‫ل تتجاوز )‪ (20‬كم ‪ ،‬أما البعد الزماني بين لوط وشعيب ‪ ،‬فُيقّدر بمئات‬
‫السنين ‪ ،‬حيث أن لوط عاصر إبراهيم ‪ ،‬وشعيب عاصر موسى عليهم السلم ‪.‬‬
‫وكما ورد في الروايات ‪ ،‬كان أهل مدين ‪ ،‬يقطعون السبيل ويخيفون المارة ‪،‬‬
‫وهم أصحاب اليكة أي الشجار الملتفة والمتشابكة ‪ -‬وهي صفة موجودة أيضا‬
‫في تلك المنطقة ‪ -‬وكانوا من أسوء الناس معاملة ‪ ،‬يبخسون المكيال والميزان‬
‫ويطففون فيهما ‪ ،‬يأخذون بالزائد ويدفعون بالناقص ‪ ،‬فآمن بشعيب بعضهم‬
‫ظيٍم )‬‫عِ‬‫ب َيْوٍم َ‬
‫عَذا َ‬
‫ن َ‬ ‫ب َيْوِم الظّّلِة ِإّنُه َكا َ‬‫عَذا ُ‬‫خَذُهْم َ‬‫وكفر أكثرهم ‪َ ) ،‬فَكّذُبوُه َفَأ َ‬
‫ن )‪91‬‬ ‫جاِثِمي َ‬
‫حوا ِفي َداِرِهْم َ‬ ‫صَب ُ‬
‫جَفُة َفَأ ْ‬
‫خَذْتُهْم الّر ْ‬
‫‪ 189‬الشعراء ( ) َفَأ َ‬
‫العراف ( ‪ ،‬ولم تدمر ديارهم بل بقيت على حالها ‪ ،‬ويقال أن ذلك كان في يوم‬
‫شديد الحر ‪ ،‬فبعث ال ظلل من الغمام ‪ ،‬في بقعة قريبة من مكان سكناهم ‪،‬‬

‫‪106‬‬
‫فذهبوا ليستظلوا بها ‪ ،‬فنزل بهم العذاب ‪ ،‬وبقي في القرية من آمن لشعيب عليه‬
‫السلم من قومه وهم قلة ‪.‬‬
‫مقام موسى في مدين ‪:‬‬
‫سى‬‫ع َ‬ ‫ن … ( ‪ ،‬خرج موسى من مصر وحيدا ‪َ ) ،‬قاَل َ‬ ‫جَه ِتْلَقاَء َمْدَي َ‬
‫) َوَلّما َتَو ّ‬
‫سِبيِل )‪ 22‬القصص ( ‪ ،‬ولم يكن يملك من أمره ‪ ،‬إل‬ ‫سَواَء ال ّ‬ ‫ن َيْهِدَيِني َ‬ ‫َرّبي َأ ْ‬
‫حسن ظّنه بربه عز وجل ‪ ،‬حتى صار إلى مدين ‪ .‬فلبث موسى عليه السلم )‬
‫‪ ( 10-8‬سنين في أهلها ‪ ،‬لقوله تعالى على لسان شعيب عليه السلم ) َقاَل ِإّني‬
‫ن َأْتَمْم َ‬
‫ت‬ ‫ج َفِإ ْ‬
‫جٍ‬‫حَ‬
‫ي ِ‬‫جَرِني َثَماِن َ‬‫ن َتْأ ُ‬
‫عَلى َأ ْ‬
‫ن َ‬
‫ي َهاَتْي ِ‬
‫حَدى اْبَنَت ّ‬ ‫ك ِإ ْ‬
‫حَ‬ ‫ن ُأْنِك َ‬
‫ُأِريُد َأ ْ‬
‫ك … )‪ 27‬القصص ( وتزوج فيها ورعى الغنم ‪ ،‬وتعرف إلى‬ ‫عْنِد َ‬
‫ن ِ‬ ‫شًرا َفِم ْ‬ ‫ع ْ‬ ‫َ‬
‫ن ِفي َأْهِل‬
‫سِني َ‬
‫ت ِ‬‫أهلها وعرفوه ‪ ،‬وعرف سهولها وجبالها ووديانها ‪َ ) ،‬فَلِبْث َ‬
‫ن…(‪.‬‬ ‫َمْدَي َ‬
‫العودة إلى مصر ‪:‬‬
‫ساَر ِبَأْهِلِه )‬
‫جَل َو َ‬
‫سى اَْل َ‬
‫ضى ُمو َ‬
‫وبعد أن قضى المدة المطلوبة منه ‪َ ) ،‬فَلّما َق َ‬
‫صل عليه من أغنام ‪ ،‬تسّيره أقدار ربه ‪.‬‬ ‫‪ 29‬القصص ( غادرها مع أهله وما تح ّ‬
‫وكان خط مسيره ‪ ،‬وال أعلم ‪ ،‬باتجاه الجنوب ‪ ،‬شرقي البحر الميت باتجاه‬
‫مصر ‪ ،‬حيث انحدر بأهله إلى وادي عربة ‪ ،‬جنوب البحر الميت ‪ ،‬فض ّ‬
‫ل‬
‫عَلى َقَدٍر‬ ‫ت َ‬ ‫جْئ َ‬
‫الطريق ‪ ،‬وهناك أتاه هاتف السماء ‪ ،‬لذلك قال تعالى ) … ُثّم ِ‬
‫سى )‪ 40‬طه ( ‪ ،‬إلى موضع الوحي ‪ ،‬في الوقت المقّدر ‪ .‬فأوكله ال بحمل‬ ‫َيُمو َ‬
‫الرسالة إلى فرعون ‪ ،‬وأمره بالتوجه إلى مصر ‪ ،‬ومن هناك سار – بخط شبه‬
‫مستقيم ‪ -‬مجتازا صحراء النقب جنوب فلسطين ‪ ،‬وصحراء سيناء باتجاه بوابة‬
‫مصر البرية من الشرق ‪ ،‬ومن ثم سار جنوبا باتجاه القاهرة ‪ ،‬حيث إقامة‬
‫فرعون وقومه ‪.‬‬
‫تحديد الموقع الجغرافي ‪ ،‬للمكان الذي أوحي فيه ‪ ،‬إلى موسى عليه السلم ‪:‬‬
‫نزل الوحي إلى موسى مرتين ؛ الوحي الول ‪ :‬هو الذي ُكلف به موسى بحمل‬
‫الرسالة ‪ ،‬وما بعث به إلى فرعون وبني إسرائيل ‪ ،‬أثناء عودته إلى مصر ‪،‬‬
‫بعد خروجه من مدين ‪ ،‬والوحي الثاني ‪ :‬هو الشريعة الجديدة التي ُكتبت في‬
‫اللواح لبني إسرائيل ‪ ،‬بعد خروجهم من مصر ‪ ،‬في الطريق إلى الرض‬
‫‪107‬‬
‫المقدسة ‪ ،‬ويعتقد الكثيرون أن الوحي نزل على موسى ‪ ،‬على جبل سيناء‬
‫الواقع في صحراء سيناء المصرية ‪ ،‬وهذا غير صحيح ‪ ،‬حيث لم يوجد أي‬
‫نص في القرآن يفيد ذلك ‪ .‬والواقع أن هذه تسمية الصحراء المصرية بصحراء‬
‫سيناء ‪ ،‬استندت إلى ما جاء في التوراة ‪ ،‬مع أن التوراة لم ُتحّدد موقع‬
‫الصحراء أو الجبل ‪.‬‬
‫وتذكر التوراة في سفر الخروج ‪ ،‬أن بني إسرائيل مروا على التوالي ‪ ،‬بثلثة‬
‫صحارى ‪ ،‬هي الواردة في النص التالي بالترتيب ‪ :22 :15 " :‬ثم ارتحل‬
‫جهوا نحو صحراء شور ‪ :27 ،‬ثم‬ ‫موسى بإسرائيل من البحر الحمر ‪ ،‬وتو ّ‬
‫بلغوا إيليم … ‪ :1 :16‬ثّم انتقلوا من إيليم حتى أقبلوا على صحراء سين ‪،‬‬
‫الواقعة بين إيليم وسيناء " ‪.‬‬
‫وجاء في نص آخر ‪ :1 :17 " :‬وتنقل بنوا إسرائيل على مراحل ‪ ،‬من صحراء‬
‫سين … إلى أن خّيموا في رفيديم …‪ :2 :19‬فقد ارتحل السرائيليون من‬
‫رفيديم إلى أن جاءوا إلى برية سيناء ‪ ،‬فنزلوا مقابل الجبل فصعد موسى للمثول‬
‫أمام ال ‪ ،‬فناداه الرب من الجبل … ‪ : 20‬ونزل الرب على قمة جبل سيناء …‬
‫"‬
‫وهذه النصوص ُتشير إلى أن جبل سيناء ‪ ،‬هو اسم الجبل الذي ُأوحي بجانبه‬
‫إلى موسى ‪ ،‬وأن برية سيناء هي تسمية ‪ ،‬للمكان الواقع مقابل جبل سيناء ‪ .‬وأن‬
‫برية سيناء هي البعد عن مصر ‪ ،‬كونها كانت آخر الصحارى التي مّروا بها ‪،‬‬
‫أثناء مسيرهم ‪ ،‬باتجاه بوابة الرض المقّدسة شرقي نهر الردن ‪ ،‬والترجمات‬
‫العربية للتوراة ‪ ،‬ل ُتمّيز بين القفر ‪ ،‬أي الخلء غير المأهول بالسّكان ‪ ،‬وبين‬
‫الصحارى الرملية القاحلة ‪.‬‬
‫ن طوال أربعين سنة ‪،‬‬ ‫وجاء في التوراة " ‪ :35 :16‬واقتات السرائيليون بالم ّ‬
‫حتى جاءوا إلى تخوم أرض كنعان العامرة بالسكان " ‪ .‬وهذا النص الكاذب‬
‫ن والسلوى كانت تنّزل عليهم طيلة أربعين سنة ‪ ،‬قبل‬ ‫والمضّلل ‪ ،‬يقول أن الم ّ‬
‫وصولهم إلى مشارف فلسطين ‪ ،‬أي قبل أن ُيطلب منهم الدخول إلى الرض‬
‫المقدسة ‪ ،‬وقبل أن يحكم عليهم بسنوات التحريم والتيه الربعين ‪ .‬والصحيح أن‬
‫ن والسلوى كانت تنّزل عليهم خلل مسيرهم في الصحراء ‪ ،‬وهي مدة‬ ‫الم ّ‬
‫قصيرة ‪ ،‬أما سنوات التحريم والتيه الربعين – سنوات الغضب اللهي ‪ -‬فلم‬
‫يكن يتنّزل عليهم شيء ‪.‬‬
‫‪108‬‬
‫وتسمية الصحراء المصرية بسيناء ‪ ،‬وذكر التوراة أن بني إسرائيل عاشوا فيها‬
‫أربعين سنة يأكلون المن والسلوى ‪ .‬ضّللت حتى اليهود أنفسهم ‪ ،‬الذين بحثوا‬
‫ونقبوا فيها طويل ‪ ،‬عن أي أثر لمقامهم فيها ‪ ،‬ولكن دون جدوى ‪ ،‬مما اضطر‬
‫بعض الباحثين اليهود مؤخرا ‪ ،‬إلى تكذيب معظم روايات التوراة ‪ ،‬ونشر‬
‫الكثير من آرائهم ونتائج أبحاثهم في الصحف ‪.‬‬
‫أما كلمة الطور فقد وردت في القرآن )‪ (10‬مرات ‪ (8) ،‬منها بلفظ ) الطور (‬
‫جَرًة‬‫شَ‬ ‫معّرفة بأل التعريف ‪ ،‬بمعنى الجبل ‪ ،‬وواحدة بلفظ ) طور سيناء ( ) َو َ‬
‫ن )‪ 20‬المؤمنون ( ‪ ،‬وواحدة‬ ‫لِكِلي َ‬
‫صْبٍغ ِل ْ‬
‫ن َو ِ‬‫ت ِبالّدْه ِ‬
‫سْيَناَء َتْنُب ُ‬
‫طوِر َ‬ ‫ن ُ‬‫خُرجُ ِم ْ‬ ‫َت ْ‬
‫طوِر‬ ‫ن )‪َ (1‬و ُ‬ ‫ن َوالّزْيُتو ِ‬ ‫بلفظ ) طور سينين ( بنفس المعنى السابق ‪َ ) ،‬والّتي ِ‬
‫ن )‪ 2‬التين ( ‪ .‬وسيناء وسنين لغة ‪ ،‬إذا لم تمنع من الصرف ‪ ،‬أي لحقها‬ ‫سيِني َ‬‫ِ‬
‫التنوين جّرا ونصبًا ‪ ،‬فإنها تعني كثرة الشجر ‪ ،‬وإذا ُمنعت من الصرف ‪ ،‬كما‬
‫هو الحال هنا فهي اسم ‪ ،‬والكلمات ) طور وسيناء وسينين ( ألفاظ أعجمية ‪،‬‬
‫ومما تقدم نستطيع القول بأن ) طور سيناء ( اسم لجبل معروف لبني إسرائيل ‪،‬‬
‫ي بجانبه إلى‬ ‫بمعنى ) جبل الغابة ( ‪ ،‬وهو في الحقيقة ‪ ،‬اسم الجبل الذي أوح َ‬
‫عّرف هذا الجبل من خلل القرآن ‪ ،‬بأنه‬ ‫موسى ‪ ،‬حسب تسمية التوراة له ‪ ،‬وقد ُ‬
‫ُينبت التين والزيتون ‪ .‬والمقصود بكلمة ) الطور ( المعّرفة بألف ولم ‪ ،‬أينما‬
‫جاءت في القرآن ‪ ،‬هو طور سيناء أو سينين ‪ ،‬والطور هو سلسلة جبال‬
‫فلسطين ‪ ،‬التي تربض على تللها مدينة القدس ‪ ،‬والتي هي في الصل جبل‬
‫واحد ‪ ،‬يمتد من مدينة نابلس شمال إلى مدينة الخليل جنوبا ‪.‬‬
‫طوِر‬‫ب ال ّ‬
‫جاِن ِ‬‫ن َ‬ ‫س ِم ْ‬
‫ساَر ِبَأهِْلِه ‪ ،‬آَن َ‬ ‫جَل َو َ‬
‫سى اَْل َ‬ ‫ضى مو َ‬ ‫قال تعالى ) َفَلّما َق َ‬
‫جْذَوٍة‬‫خَبٍر ‪َ ،‬أْو َ‬‫ت َناًرا ‪َ ،‬لَعّلي آِتيُكْم ِمْنَها ِب َ‬
‫س ُ‬‫َناًرا ‪َ ،‬قاَل َِلْهِلِه اْمُكُثوا ‪ِ ،‬إّني آَن ْ‬
‫ن )‪ 29‬القصص ( قلنا أن موسى عليه السلم ‪ ،‬كان قد‬ ‫طُلو َ‬ ‫صَ‬‫ن الّناِر ‪َ ،‬لَعّلُكْم َت ْ‬‫ِم ْ‬
‫ل طريقه بعد خروجه من مدين باتجاه مصر ‪ ، ،‬لقوله عليه السلم ) َلَعّلي‬ ‫ضّ‬
‫خَبٍر ( فوجد نفسه في أحد الودية ‪ .‬ودخوله إلى الوادي كان عن‬ ‫آِتيُكْم ِمْنَها ِب َ‬
‫طريق انحداره ‪ ،‬بواد فرعي جنوب البحر الميت ‪ ،‬وكان ذلك ليل ‪ ،‬وفي طقس‬
‫بارد جدا ‪ .‬وأثناء التخييم هناك ‪ ،‬كان يلتفت يمنة ويسرة ‪ ،‬بحثا عن الدفء‬
‫والهداية ‪ ،‬فآنس نارا من جانب الجبل ‪ ،‬فاتجه إليها بعد أن استأذن أهله ‪ ،‬ليأتيهم‬
‫بجذوة منها لجل الدفء ‪ ،‬أو يجد من يرشده إلى طريقه ‪ ،‬ولكنه لم يجد نارا ‪،‬‬
‫ولم يجد في المكان أحد ‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫نور ل نار ‪:‬‬
‫شجََرِة )‬ ‫ن ال ّ‬
‫) َفَلّما َأَتاَها … ( ‪ ،‬أي النار ‪ ،‬وقف تحتها ) ِفي اْلُبْقَعِة اْلُمَباَرَكِة ِم ْ‬
‫‪ 30‬القصص ( وفي الواقع لم تكن نارا ‪ ،‬بل كانت نور في شجرة ‪ ،‬وهي‬
‫شْرِقّيٍة َوَل‬‫جَرٍة ‪ُ ،‬مَباَرَكٍة ‪َ ،‬زْيُتوِنٍة ‪َ ،‬ل َ‬ ‫شَ‬ ‫الشجرة الموصوفة في قوله سبحانه ) َ‬
‫سُه َناٌر )‪ 35‬النور ( ‪ ،‬وهي‬ ‫س ْ‬ ‫ضيُء ‪َ ،‬وَلْو َلْم َتْم َ‬ ‫غْرِبّيٍة ‪َ ،‬يَكاُد َزْيُتَها ُي ِ‬
‫َ‬
‫) شجرة ( ‪ ) ،‬وزيتونة ( ‪ ) ،‬ومباركة ( ‪ ،‬أي تقع في بقعة من الرض ‪ ،‬ينبت‬
‫فيها شجر الزيتون ‪ ،‬وهي أرض مباركة ‪ ،‬وقوله ) ل شرقية ول غربية ( ‪،‬‬
‫أي ل في الجانب الشرقي من وادي عربة ‪ ،‬ول في الجانب الغربي منه ‪ ،‬فهي‬
‫في منتصف الوادي تقريبا ‪ ،‬وقوله ) يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ( ‪،‬‬
‫أي لها وهج من نور ‪ ،‬وليس ذلك من اشتعال نار فيها ‪ ،‬فهي مضيئة من تلقاء‬
‫نفسها ‪ ،‬وقوله ) يكاد زيتها يضيء ( ‪ ،‬أي أن الضاءة ناتجة عن زيت‬
‫الشجرة ‪ ،‬فل يكون ذلك إل وهي مثمرة ‪ ،‬فالزيت يوجد في الثمر ‪ ،‬وتشكل‬
‫الزيت في الثمر ‪ ،‬ل يكون إل في بداية فصل الشتاء ‪ ،‬ويؤيد ذلك طلب موسى‬
‫عليه السلم للدفء ‪ ،‬ليتأكد لنا أن دخوله إلى بطن وادي عربة ‪ ،‬كان في فصل‬
‫ي من تحتها في الوادي المقدس ‪ ،‬هي نفس‬ ‫الشتاء ‪ ،‬وأن الشجرة التي نود َ‬
‫الشجرة الموصوفة في سورة النور ‪ ،‬ول أدري لماذا يتملكني شعور قوي ‪ ،‬بأن‬
‫هذه الشجرة قائمة في ذلك المكان إلى اليوم ‪ ،‬في منطقة موحشة ومقفرة وغير‬
‫مأهولة ‪ ،‬تضيء كلما أثمرت ‪ ،‬في فصل الشتاء ‪.‬‬
‫) َفَلّما َأَتاَها ( وقف حائرا أمامها ‪ ،‬يتفّكر في أمرها ‪ ،‬حيث أنه لم يجد ما جاء‬
‫يسعى إليه ‪ ،‬فل نار ول ناس ُيشعلونها ‪ ،‬وأثناء شروده ‪ ،‬وفي سكون الليل ‪) ،‬‬
‫ن )‪ 30‬القصص ( ‪ ،‬أي من‬ ‫ئ اْلَواِدي اَْلْيَم ِ‬ ‫طِ‬ ‫شا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫سى )‪ 11‬طه ( ) ِم ْ‬ ‫ُنوِدي َيُمو َ‬
‫ن )‪ 52‬مريم ( ‪ ،‬أي من‬ ‫طوِر اَْلْيَم ِ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫جان ِ‬ ‫ن َ‬ ‫الجانب اليمن من الوادي ‪ِ ) ،‬م ْ‬
‫ي )‪ 44‬القصص ( ‪ ،‬أي‬ ‫ب اْلَغْرِب ّ‬ ‫جاِن ِ‬
‫الجانب اليمن للجبل ‪ ،‬وليس اليسر ‪ِ ) ،‬ب َ‬
‫ي ‪ ،‬وهذا تحديد جغرافي بالغ الدقة لمكان الوحي ‪.‬‬ ‫الجبل الغرب ّ‬
‫أتاه النداء باسمه ممن يعرفه ‪ ،‬وذلك مما آنس موسى ‪ ،‬ليبّدد سكون ذلك الليل‬
‫الموحش ‪ ،‬ويقطع عليه شروده وتأمله ‪ ،‬ول أخاله إل قد أجفل عليه السلم ‪،‬‬
‫ك ( مطمئنا‬ ‫ولما التفت إلى مصدر النداء ‪ ،‬خاطبه رب العزة قائل ) ِإّني َأنا َرّب َ‬
‫طًوى )‪12‬طه ( فأمره‬ ‫س ُ‬ ‫ك ِباْلَواِدي اْلُمَقّد ِ‬ ‫ك ِإّن َ‬
‫خَلْع َنْعَلْي َ‬
‫إياه ومعّرفا بنفسه ‪َ ) ،‬فا ْ‬
‫بخلع نعليه – إذ هو في حضرة ملك الملوك – ليتجه حافي القدمين ‪ ،‬سائرا في‬
‫‪110‬‬
‫جّيا)‪52‬‬‫الجانب المقدس من الوادي ‪ ،‬صوب الجبل ‪ ،‬قال تعالى ) َوَقّرْبَناُه َن ِ‬
‫مريم ( أي كان الكلم مناجاة ‪ ،‬والمناجاة عادة تستدعي القرب ‪.‬‬
‫نحن نعلم أن الرض المباركة والمقّدسة هي أرض فلسطين ‪ ،‬وبما أن الوادي‬
‫الذي نزل فيه موسى واد مقّدس ‪ ،‬فل بد له من يكون واقعا في الرض المقّدسة‬
‫‪ ،‬وبما أن الشجرة نبتت في بقعة مباركة ‪ ،‬فل بد لها من أن تكون قائمة في‬
‫الرض المباركة ‪ ،‬وبما أن شجرة سورة النور زيتونة مباركة ومضيئة ‪ ،‬فلبد‬
‫لها من أن تكون هي الشجرة ‪ ،‬التي رآها موسى فظن نورها نارا ‪ ،‬في بطن‬
‫وادي عربة ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫وعندما اقترب موسى ‪ ،‬بما فيه الكفاية لبدء المناجاة ‪ ،‬ناجاه ربه قائل ) َوَأنا‬
‫عُبْدِني ‪َ ،‬وَأِقْم‬
‫ل ‪َ ،‬ل ِإَلَه ِإّل َأَنا َفا ْ‬‫حى )‪ِ (13‬إّنِني َأَنا ا ُّ‬ ‫سَتِمْع ِلَما ُيو َ‬
‫ك ‪َ ،‬فا ْ‬
‫خَتْرُت َ‬
‫اْ‬
‫لَة ِلِذْكِري )‪ 14‬طه ( فأمره بتوحيده ‪ ،‬وإفراده بالعبادة ‪ ،‬وإقامة الصلة ‪،‬‬ ‫صَ‬ ‫ال ّ‬
‫ي العصا واليد وكّلفه بحمل الرسالة ‪ ،‬والذهاب لدعوة فرعون‬ ‫ومن ثم منحه آيت ّ‬
‫طَغى )‪ 24‬طه( ‪ .‬وفي‬ ‫ن ِإّنُه َ‬ ‫عْو َ‬‫ب ِإَلى ِفْر َ‬
‫ودعوة بني إسرائيل إلى ال ‪ ) ،‬اْذَه ْ‬
‫الصباح عاين موسى عليه السلم المكان ‪ ،‬وحفظه عن ظهر قلب ‪ ،‬فهو المكان‬
‫الذي تغّير فيه مجرى حياته عليه السلم ‪ ،‬ولم كان يعلم عليه السلم ‪ ،‬ما يدّبره‬
‫رب العزة من أقدار ‪ ،‬ستأتي به إلى هذا المكان في قادم اليام ‪ ،‬عند خروجه‬
‫بقومه من مصر ‪ ،‬متجها إلى بوابة الرض المقدسة ‪ ،‬حيث كان في أرض‬
‫مدين ‪.‬‬
‫موسى في مصر ‪:‬‬
‫كنت أعتقد وربما يشاركني كثيرون أيضا ‪ ،‬أن ُمقام موسى في مصر ‪ ،‬ل‬
‫يتجاوز عدة أيام أو عدة أشهر على أبعد تقدير ‪ ،‬ولكن تبين لي أني كنت مخطئا‬
‫‪ ،‬فالحداث والوقائع التي مرت مع موسى عليه السلم كثيرة ‪ ،‬وتحتاج إلى‬
‫سنوات عديدة ‪ ،‬وأظنه مكث هناك ما ل يقل عن ‪ 30‬عاما ‪ ،‬يدعوا فرعون‬
‫ن َتَبّوَأا ِلَقْوِمُكَما‬
‫خيِه َأ ْ‬
‫سى َوَأ ِ‬‫حْيَنا ِإَلى ُمو َ‬
‫وقومه وبني إسرائيل أيضا ‪َ ) ،‬وَأْو َ‬
‫ن )‪87‬‬ ‫شْر اْلُمْؤِمِني َ‬‫لَة َوَب ّ‬
‫صَ‬
‫جَعُلوا ُبُيوَتُكْم ِقْبَلًة َوَأِقيُموا ال ّ‬
‫ِبِمصَْر ُبُيوًتا َوا ْ‬
‫يونس ( فلو تفكرت في الية الكريمة ‪ ،‬لتبينت أن طلبه سبحانه ببناء البيوت ‪،‬‬
‫وجعلها باتجاه بيت المقدس ‪ ،‬وَأْمِره إياهم بإقامة الصلة فيها ‪ ،‬ما كان إل لطول‬
‫ُمقام ‪ ،‬ولو كان ُمقامهم قصيرا أو عارضا ‪ ،‬لما أمرهم بذلك ‪ .‬والجدل بين‬
‫موسى عليه السلم وفرعون ‪ ،‬أخذ زمنا طويل ‪ ،‬بدءا باللقاء الول الذي‬
‫‪111‬‬
‫عرض فيه موسى رسالته ‪ ،‬وما أّيدها به من آيات – العصا واليد – ولقاء يوم‬
‫ل‬
‫ن َياَأّيَها اْلَم َُ‬
‫عْو ُ‬
‫الزينة حيث التقى موسى بالسحرة ‪ ،‬وبناء الصرح ) َوَقاَل ِفْر َ‬
‫حا‬‫صْر ً‬
‫جَعل ِلي َ‬ ‫ن َفا ْ‬
‫طي ِ‬‫عَلى ال ّ‬
‫ن َ‬ ‫غْيِري َفَأْوِقْد ِلي َياَهاَما ُ‬
‫ن ِإَلٍه َ‬
‫ت َلُكْم ِم ْ‬
‫عِلْم ُ‬
‫َما َ‬
‫ن )‪ 38‬القصص ( ‪.‬‬ ‫ن اْلَكاذِِبي َ‬
‫ظّنُه ِم ْ‬
‫سى َوِإّني َل ُ‬‫طِلُع ِإَلى ِإَلِه ُمو َ‬
‫َلَعّلي َأ ّ‬
‫بناء الهرامات ‪:‬‬
‫الصرح هو البناء الضخم والمرتفع ‪ ،‬وأعتقد أن الهرامات الثلثة ‪ ،‬هي ما ُأمر‬
‫هامان ببنائها ‪ ،‬من قبل فرعون ‪ ،‬لينظر إلى إله موسى ‪ .‬وفيما بعد اّتخذت تلك‬
‫الصروح ‪ ،‬مقابر ومدافن ‪.‬‬
‫حصت مادة بناء الهرامات ‪ ،‬لتبين أنها من الطين المشوي ‪ ،‬لدللة قوله‬ ‫إذ لو ُف ِ‬
‫ن ( ‪ ،‬إذ يخبر سبحانه – وما إعلمه لنا‬ ‫طي ِ‬
‫عَلى ال ّ‬
‫ن َ‬‫تعالى ) َفَأْوِقْد ِلي َيَهاَما ُ‬
‫بذلك عبثا ‪ -‬بأنهم كانوا يستخدمون الطين في البناء ‪ ،‬وليس الحجارة كما يعتقد‬
‫علماء الثار ‪ ،‬الذين حاولوا جاهدين لتفسير اللية المعقدة والمستحيلة ‪ ،‬في رفع‬
‫تلك الصخور ذات القطع الكبير ‪ ،‬إلى قمة الهرم حيث لم يكن لديهم رافعات‬
‫عملقة ‪ .‬وهذا الخبر يكشف حقيقة ‪ ،‬ربما لم تخطر ببال علماء الثار من قبل ‪،‬‬
‫ويجعل كيفية البناء غاية السهولة ‪ ،‬حيث كان عبيد فرعون ومنهم بني‬
‫إسرائيل ‪ ،‬ينقلون الطين – وليس الصخور والحجارة ‪ -‬ويضعوه في قوالب‬
‫مثبتة على الهرم نفسه ‪ ،‬وكل لبنة في موقعها ‪ ،‬وينتظرون الَلِبن حتى يتماسك ‪،‬‬
‫لينزعوا القوالب ‪ ،‬وكلما أنجزوا مرحلة ‪ ،‬قاموا بتثبيت القوالب مرة أخرى ‪،‬‬
‫على ما تّم إنجازه ‪ ،‬وبدءوا بنقل الطين ليفرغوه فيها ‪ ،‬وهكذا دواليك ‪ ،‬حتى‬
‫يكتمل بناء الهرم ‪ .‬ومن الداخل ستجد أن قلب الهرم مفرغ ‪ ،‬وستجد أن هناك‬
‫سراديب طويلة غير نافذة ‪ ،‬تتوّزع بكافة التجاهات ‪ ،‬والغاية منها توزيع‬
‫ي الطين الجاف ‪ ،‬وهي عملية‬ ‫الحرارة ‪ ،‬عند إشعال النار في قلب الهرم لش ّ‬
‫تحتاج إلى وقت طويل نظريا ‪ ،‬ولكن مع كثرة العبيد فالمر مختلف ‪ ،‬واللية‬
‫بسيطة وليست معقّدة ‪ ،‬ول توحي بأن الفراعنة كانوا جبابرة وأشداء ‪ ،‬فبناة‬
‫ي الطين قد تم على‬ ‫الهرام هم العبيد وليس الفراعنة أنفسهم ‪ ،‬وربما يكون ش ّ‬
‫صين لنفيها أو إثباتها‬
‫مراحل ‪ ،‬وليس دفعة واحدة ‪ .‬وهذه الفكرة مطروحة للمخت ّ‬
‫‪ ،‬وبذلك تكون الهرامات ‪ ،‬رمزا من رموز الكفر والعصيان والتمرد والتحدي‬
‫الفرعوني ل ورسوله ‪ ،‬ويكون أبو الهول هو إله المصريين القدماء ‪ ،‬قبل أن‬
‫ُيعلن فرعون ربوبيته ‪ ،‬تحديا لموسى عليه السلم وربه ‪.‬‬
‫‪112‬‬
‫وبالضافة إلى تلك الحداث ‪ ،‬التي وقعت أثناء تواجد موسى في مصر ‪ ،‬ما‬
‫وقع في قوم فرعون من البلء الذي أنزله ال ‪ ،‬وكلما كشف عنهم بلء أرسل‬
‫ع َوالّدَم‬
‫ضَفاِد َ‬‫جَراَد َواْلُقّمَل َوال ّ‬ ‫ن َواْل َ‬ ‫طوَفا َ‬ ‫عَلْيِهُم ال ّ‬
‫سْلَنا َ‬‫عليهم آخر ‪َ ) ،‬فَأْر َ‬
‫ن )‪ 133‬العراف ( ‪ .‬وستجد‬ ‫جِرِمي َ‬‫سَتْكَبُروا َوَكاُنوا َقْوًما ُم ْ‬ ‫ت َفا ْ‬ ‫ل ٍ‬‫صَ‬ ‫ت ُمَف ّ‬ ‫َءاَيا ٍ‬
‫سردت‬ ‫ما مّر بقوم فرعون من وقائع ‪ ،‬أثناء تواجد موسى في مصر ‪ ،‬قد ُ‬
‫بإيجاز في اليات )‪ (136 – 103‬من سورة العراف ‪ ،‬واليات )‪(90 – 85‬‬
‫من سورة النمل ‪ ،‬ومواضع أخرى متفرقة في القرآن الكريم ‪.‬‬
‫لُه ِزيَنًة َوَأْمَواًل‬ ‫ن َوَم َ‬ ‫عْو َ‬‫ت ِفْر َ‬‫ك آَتْي َ‬ ‫سى َرّبَنا ِإّن َ‬ ‫وفي نهاية المطاف ) َوَقاَل ُمو َ‬
‫عَلى‬‫شُدْد َ‬ ‫عَلى َأْمَواِلِهْم َوا ْ‬ ‫س َ‬ ‫طِم ْ‬ ‫ك َرّبَنا ا ْ‬‫سِبيِل َ‬ ‫ن َ‬ ‫عْ‬‫ضّلوا َ‬ ‫حَياِة الّدْنَيا َرّبَنا ِلُي ِ‬‫ِفي اْل َ‬
‫ب الَِْليَم )‪ 88‬يونس ( أي الغرق ‪ ،‬فاستجيبت‬ ‫حّتى َيَرْوا اْلَعَذا َ‬ ‫ل ُيْؤِمُنوا َ‬ ‫ُقُلوِبِهْم َف َ‬
‫ق َقاَل‬‫حّتى ِإَذا َأْدَرَكُه اْلَغَر ُ‬‫دعوة موسى ‪ ،‬وهذا بالضبط ما حصل مع فرعون ) َ‬
‫ن )‪ 90‬يونس (‬ ‫سِلِمي َ‬‫ن اْلُم ْ‬‫سَراِئيَل َوَأَنا ِم ْ‬ ‫ت ِبِه َبُنو ِإ ْ‬ ‫آَمْنتُ َأّنُه لَ ِإَلَه ِإلّ اّلِذي آَمَن ْ‬
‫ولو تمعنت في قوله ‪ ،‬لتبينت أنه لم يؤمن ‪ ،‬لقوله ) الذي آمنت به بنو إسرائيل (‬
‫‪ ،‬وأغلبية بني إسرائيل لم تكن تؤمن بال ‪ ،‬ولم يقل ال أو إله موسى تكبرا‬
‫وعلوا ‪.‬‬
‫فمن أصّر على المعصية وانتهاك حدود ال بكافة أشكالها ‪ ،‬والكفر بكافة أشكاله‬
‫‪ ،‬وعن علم بها وبعقوبتها ‪ ،‬ومّنى النفس بقول ) ل إله إل ال ( عند الموت‬
‫معلنا التوبة ‪ ،‬أّنه لن يوفق بقولها آنذاك ‪ ،‬لن قولها ُيوجب الجنة ‪ ،‬وهي لم‬
‫تكتب لهؤلء ‪ .‬ووجوب الجنة يحتاج لدفع الثمن ‪ ،‬وتوفير الثمن اللزم لها ‪،‬‬
‫يحتاج إلى جّد واجتهاد وصبر ل محدود ‪ ،‬وأن من كانت تلك الكلمة آخر عهده‬
‫بالدنيا ‪ُ ،‬كتبت له الجنة ‪ ،‬وما أصعب تذّكرها وقولها ‪ ،‬أما هؤلء فإن‬
‫تذّكروها ‪ ،‬تلعثموا بها فلم تؤد معناها ‪ ،‬فل توبة مع إصرار ‪ ،‬قال تعالى )‬
‫سَتْغَفُروا‬
‫ل ‪َ ،‬فا ْ‬ ‫سُهْم ‪َ ،‬ذَكُروا ا َّ‬ ‫ظَلُموا َأْنُف َ‬ ‫شًة ‪َ ،‬أْو َ‬ ‫ح َ‬‫ن ِإَذا َفَعُلوا َفا ِ‬ ‫َواّلِذي َ‬
‫عَلى َما َفَعُلوا ‪َ ،‬وُهْم َيْعَلُمو َ‬
‫ن‬ ‫صّروا َ‬ ‫ل ‪َ ،‬وَلْم ُي ِ‬ ‫ب ِإّل ا ُّ‬
‫ن َيْغِفُر الّذُنو َ‬ ‫ِلُذُنوبِِهْم ‪َ ،‬وَم ْ‬
‫ت‪،‬‬ ‫سّيَئا ِ‬‫ن ال ّ‬‫ن َيْعَمُلو َ‬ ‫ت الّتْوَبُة ‪ِ ،‬لّلِذي َ‬ ‫س ْ‬‫)‪ 135‬آل عمران ( ‪ ،‬وقال أيضا ) َوَلْي َ‬
‫ن َوُهْم‬ ‫ن َيُموُتو َ‬ ‫ن ‪َ ،‬وَل اّلِذي َ‬ ‫لَ‬ ‫تا ْ‬ ‫ت ‪َ ،‬قاَل ِإّني ُتْب ُ‬ ‫حَدُهْم اْلَمْو ُ‬ ‫ضَر َأ َ‬
‫ح َ‬ ‫حّتى ِإَذا َ‬ ‫َ‬
‫عَذاًبا َأِليًما )‪ 18‬النساء ( ‪.‬‬ ‫عَتْدَنا َلُهْم َ‬ ‫ك َأ ْ‬
‫ُكّفاٌر ‪ُ ،‬أْوَلِئ َ‬
‫ومعظم مسلمي هذا العصر ‪ ،‬إل ما رحم ربي ‪ ،‬وهم قلة ُيعّدون على أصابع‬
‫اليد الواحدة ‪ ،‬في بعض البلدان المسماة بالسلمية ‪ ،‬سلكوا هذا المنهج الذي‬
‫‪113‬‬
‫حّذر منه رب العزة ‪ ) ،‬جماعة كل شيء بحسابه ( ‪ ،‬والغلبية هم غثاء كغثاء‬
‫السيل ‪ ،‬فل فائدة فيهم أو ُترتجى منهم ‪ ،‬فإن لم يكفر أحدهم بال أشرك في‬
‫عبادته ‪ ،‬ومن لم يستجب ويطع ‪ ،‬تولى وعصى ‪ .‬والوثان كثيرة هذه اليام ‪،‬‬
‫ل عديدة ‪ .‬صحيح أنها ليست من الحجر أو التمر ‪ ،‬ولكنها أدهى‬ ‫واّتخذت أشكا ً‬
‫وأمّر ‪ ،‬فنحن حاشى ل أن نعبد الحجارة ‪ ،‬وكل ما نقّدسه فقط ‪ ،‬كرسي ورصيد‬
‫في البنك وعمارة ‪ ،‬وتلفزيون وستاليت وخلوي ‪ ،‬وشقراء أو سمراء في سّيارة‬
‫‪ .‬وناهيك عن المعاصي من أكل ربا ‪ ،‬وسرقة وخيانة وتبرج وزنا ‪ ،‬وقطع‬
‫رحم ‪ ،‬وأكل لحم ‪ ،‬وشرب خمر ودم ‪ ،‬وشتم وسب وذم ‪.‬‬
‫خروج موسى ببني إسرائيل من مصر ‪:‬‬
‫طِريًقا ِفي‬ ‫ب َلُهْم َ‬‫ضِر ْ‬
‫سِر بِعَباِدي ‪َ ،‬فا ْ‬ ‫ن َأ ْ‬
‫سى َأ ْ‬‫حْيَنا ِإَلى ُمو َ‬‫قال تعالى ) َوَلَقْد َأْو َ‬
‫شى )‪ 77‬طه ( ‪ ،‬نتبين من ذلك أن خروج‬ ‫خ َ‬
‫ف َدَرًكا َوَل َت ْ‬
‫خا ُ‬ ‫سا ‪َ ،‬ل َت َ‬ ‫حِر َيَب ً‬
‫اْلَب ْ‬
‫موسى بقومه إلى البحر ‪ ،‬كان بوحي من ربه ‪ ،‬وإن لم يخب ظني فقد اتجه‬
‫صوب البحر الحمر مباشرة ‪ ،‬أقصى الشمال من خليج السويس ‪ ،‬وبعد أن‬
‫خرج بقومه من البحر ‪ ،‬اتجه شرقا وشمال بخط شبه مستقيم ‪ ،‬متجاوزا‬
‫صحراء سيناء وصحراء النقب ‪ ،‬حيث المدخل الجنوبي لوادي عربة ‪ ،‬وسار‬
‫شمال في بطن الوادي ‪ ،‬حتى الجبل المعهود جنوب البحر الميت ‪ ،‬ليستقبل‬
‫الوحي بناءا على الموعد المسبق ‪ ،‬الذي ضرب بينه وبين ربه ‪ ،‬بعد النجاة من‬
‫عْدَناُكْم‬
‫عُدّوُكْم َوَوا َ‬
‫ن َ‬‫جْيَناُكْم ِم ْ‬
‫سَراِئيَل َقْد َأن َ‬
‫فرعون وقومه ‪ ،‬قال تعالى ) َيَبِني ِإ ْ‬
‫ن )‪ 80‬طه ( ‪ ،‬وهذه الية تدل على عدم مكوثهم لفترة طويلة‬ ‫طوِر الَْْيَم َ‬‫جاِنبَ ال ّ‬ ‫َ‬
‫‪ ،‬في أي من صحراء سيناء أو النقب ‪ ،‬وأن وجهتهم كانت حيث المكان‬
‫الموعود ‪ ،‬وكان موسى يستعجل المسير وهم يبطئون ‪ ،‬وبعد تلقيه الوحي ‪ ،‬وما‬
‫كان منهم معاصي في بطن الوادي ‪ ،‬صعد بقومه إلى المرتفعات الشرقية ‪،‬‬
‫ودخل الردن عن طريق الوادي الذي نزل به في المرة السابقة ‪ ،‬ملتفا حول‬
‫مملكة الدوميين ومملكة الموآبيين شرقي البحر الميت ‪ ،‬ليصل إلى مكان إقامته‬
‫السابق ‪ ،‬حيث كان سفيرا لبني إسرائيل – ولم يكن يعلم بذلك آنذاك ‪ -‬في مدين‬
‫قرية شعيب عليه السلم ‪ ،‬لُيَمّهد لهم طيب القامة فيها مستقبل ‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫ترتيب الحداث التي مرت بموسى وبني إسرائيل خلل تلك الرحلة الطويلة‬

‫الصاعقة والبعث بعد الموت ‪:‬‬


‫رحلته مع بني إسرائيل ‪ ،‬في طريق العودة إلى مدين ‪ ،‬اختلفت كثيرا عن‬
‫سابقتها ‪ ،‬فقد كانت ترافقه في هذه الرحلة أّمة بأسرها ‪ ،‬بما لها وما عليها ‪،‬‬
‫وأكثرها من غير المؤمنين ‪ ،‬وغير المطيعين ل تعالى وله عليه السلم ‪ ،‬فكان‬
‫سى ِإّل ذُّرّيٌة ِم ْ‬
‫ن‬ ‫ن ِلُمو َ‬ ‫المسير فيها بطيئا وشاقا وطويل ‪ ،‬قال تعالى ) َفَما آَم َ‬
‫ن َيْفِتَنُهْم )‪ 83‬يونس ( ‪ ،‬وقال أيضا )‬ ‫ن َوَمَلِئِهْم َأ ْ‬ ‫عْو َ‬‫ن ِفْر َ‬‫ف ِم ْ‬‫خْو ٍ‬‫عَلى َ‬ ‫َقْوِمهِ َ‬
‫عَقُة ‪،‬‬
‫صا ِ‬‫خَذْتُكْم ال ّ‬‫جْهَرًة ‪َ ،‬فَأ َ‬ ‫ل َ‬ ‫حّتى َنَرى ا َّ‬ ‫ك‪َ ،‬‬ ‫ن َل َ‬‫ن ُنْؤِم َ‬
‫سى ‪َ ،‬ل ْ‬ ‫َوِإْذ ُقْلُتْم َياُمو َ‬
‫ن )‪ 56‬البقرة ( ‪،‬‬ ‫شُكُرو َ‬ ‫ن َبْعِد َمْوِتُكْم َلَعّلُكْم َت ْ‬ ‫ن )‪ُ (55‬ثّم َبَعْثَناُكْم ِم ْ‬ ‫ظُرو َ‬ ‫َوَأْنُتْم َتن ُ‬
‫وكان قولهم هذا فور نجاتهم وخروجهم من البحر ‪ ،‬بعدما رأوا كل ما أجراه ال‬
‫‪ ،‬على يد موسى من معجزات ‪ ،‬تلين لها قلوب الجبال وعقولها ‪ ،‬فأماتهم ال ثم‬
‫أحياهم ‪ ،‬ولو نظرت إلى قولهم في الية السابقة ‪ ،‬واستخدام أداة الجزم والتأبيد‬
‫ي ومحجوب عن‬ ‫) لن ( ‪ ،‬تجد أن لديهم إصرار عجيب على الكفر ‪ ،‬بما هو غيب ّ‬
‫سهم ‪ ،‬رغم مشاهدتهم لليات والثار الدالة على وجوده ‪ ،‬وأنهم ل يؤمنون‬ ‫حوا ّ‬
‫إل بما تدركه الحواس من أشياء مادية ‪ ،‬وهذا ما جعلهم يقعون في فتنة العجل‬
‫الذهبي بعد هذه الحادثة ‪ ،‬وفي فتنة الدجال مستقبل ‪ ،‬بما لديه من فتن مادية‬
‫ظْلِمِهْم ‪ُ ،‬ثّم ‪،‬‬
‫عَقُة ِب ُ‬ ‫صا ِ‬‫خَذْتُهْم ال ّ‬ ‫جْهَرًة َفَأ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ظاهرة للعيان ‪َ ) ،‬فَقاُلوا َأِرَنا ا َّ‬
‫سى‬‫ك َوآَتْيَنا ُمو َ‬ ‫ن َذِل َ‬‫عْ‬ ‫ت ‪َ ،‬فَعَفْوَنا َ‬ ‫جاَءْتُهْم اْلَبّيَنا ُ‬ ‫ن َبْعِد َما َ‬‫جَل ِم ْ‬
‫خُذوا اْلِع ْ‬ ‫اّت َ‬
‫طاًنا ُمِبيًنا )‪ 153‬النساء ( ‪ ،‬وقد وقع هذا منهم ‪ ،‬قبل اتخاذهم للعجل ‪.‬‬ ‫سْل َ‬
‫ُ‬
‫ن والسلوى والتظليل بالسحاب أثناء المسير ‪:‬‬
‫تفجير الماء ونزول الم ّ‬
‫وبناًء على ما سبق ‪ ،‬كان خط مسير الرحلة في معظمه في صحاري قاحلة ‪،‬‬
‫وكل ما كان بحوزتهم من طعام وماء أثناء الخروج ‪ ،‬كانوا قد استنفدوه في‬
‫طا ُأَمًما ‪َ ،‬وَأْوحَْيَنا ِإَلى‬ ‫سَبا ً‬‫شَرَة َأ ْ‬‫ع ْ‬‫ي َ‬ ‫طْعَناُهْم اْثَنَت ْ‬
‫أيامهم الولى ‪ ،‬قال تعالى ) َوَق ّ‬
‫ت ِمْنُه اْثَنَتا‬‫س ْ‬‫ج َ‬ ‫جَر ‪َ ،‬فاْنَب َ‬ ‫ك اْلحَ َ‬‫صا َ‬‫ضِرب ِبَع َ‬ ‫نا ْ‬ ‫سَقاُه َقْوُمُه َأ ْ‬
‫سَت ْ‬
‫سى ِإْذ ا ْ‬
‫ُمو َ‬
‫عَلْيِهْم‬
‫عَلْيِهْم اْلَغَماَم ‪َ ،‬وَأنَزْلَنا َ‬ ‫ظّلْلَنا َ‬‫شَرَبُهْم ‪َ ،‬و َ‬ ‫س َم ْ‬ ‫عِلَم ُكّل ُأَنا ٍ‬‫عْيًنا ‪َ ،‬قْد َ‬
‫شَرَة َ‬‫ع ْ‬‫َ‬
‫سُهْم‬‫ن َكاُنوا َأنُف َ‬ ‫ظَلُموَنا َوَلِك ْ‬ ‫ت َما َرَزْقَناُكْم ‪ ،‬وََما َ‬ ‫طّيَبا ِ‬‫ن َ‬ ‫سْلَوى ُكُلوا ِم ْ‬ ‫ن َوال ّ‬‫اْلَم ّ‬
‫سموا إلى )‬ ‫ن )‪160‬العراف ( ‪ ،‬ومن هذه الية الكريمة ‪ ،‬نجد أنهم ُق ّ‬ ‫ظِلُمو َ‬
‫َي ْ‬
‫ن عليهم ربهم ‪ ،‬سبحانه عما يصفون ‪،‬‬ ‫‪ (12‬جماعة ‪ ،‬لتيسير عملّيه القيادة ‪ ،‬وم ّ‬
‫‪115‬‬
‫بأن وّفر لهم كل أسباب الراحة ‪ ،‬من ماء وغذاء ‪ ،‬وحتى أنه وقاهم من حر‬
‫الشمس ‪ ،‬بأن جعل السحاب يظللهم ‪ ،‬أينما حلوا وأينما ارتحلوا ‪ ،‬أثناء مسيرهم‬
‫باتجاه الرض الُمقّدسة ‪ ،‬وفي تلك الثناء مّروا على عبدة الصنام ‪ ،‬فطلبوا من‬
‫سَراِئيَل اْلَبحَْر ‪،‬‬ ‫جاَوْزَنا ِبَبِني ِإ ْ‬
‫موسى أن يجعل لهم ألهة كما لهؤلء ألهة ) َو َ‬
‫جَعْل َلَنا ِإَلًها َكَما َلُهْم‬‫سى ا ْ‬ ‫صَناٍم َلُهْم ‪َ ،‬قاُلوا َياُمو َ‬
‫عَلى َأ ْ‬
‫ن َ‬‫عَلى َقْوٍم َيْعُكُفو َ‬ ‫َفَأَتْوا َ‬
‫ن )‪ 138‬العراف ( ‪.‬‬ ‫جَهُلو َ‬
‫َءاِلَهٌة ‪َ ،‬قاَل ِإّنُكْم َقْوٌم َت ْ‬
‫ول يغب عن بالنا ‪ ،‬أن رحلة كهذه ‪ ،‬كانت تستوجب ما بين فترة وأخرى ‪،‬‬
‫التخييم والقامة لبعض الوقت ‪ ،‬ومن ثم متابعة المسير ‪ ،‬وهكذا دواليك ‪ ،‬ولم‬
‫تتعدى مدد القامة في أي من مراحل المسير ‪ ،‬سوى أيام أو أسابيع معدودة ‪،‬‬
‫فهم لم يركنوا إلى مكان معين ‪ ،‬إذ كان هناك مواعدة للقاء في جانب الطور‬
‫اليمن ‪ ،‬في وادي عربة ‪ ،‬وكانت هذه المواعدة جماعية لموسى ولبني إسرائيل‬
‫ن موسى عليه السلم ‪ ،‬وبعد أن قطع شوطا كبيرا في وادي عربة ‪،‬‬ ‫‪ ،‬ولك ّ‬
‫استعجل اللقاء ‪ ،‬وعندما اقترب من المكان المحدد ‪ ،‬استخلف أخيه هارون في‬
‫قومه ‪ ،‬وتركهم ومضى مسرعا رغبًة منه في إرضاء ربه ‪ ،‬واعتذارا عن‬
‫التأخير الذي تسّبب به قومه ‪ ،‬من جّراء مماطلتهم وتّذمرهم ‪.‬‬
‫اللقاء الول لموسى بربه بعد الخروج من مصر ‪ ،‬واتخاذ العجل في بطن‬
‫وادي عربة ‪:‬‬
‫عَلى َأَثِري‬ ‫سى )‪َ (83‬قاَل ُهْم ُأوَلِء َ‬ ‫ك َيُمو َ‬ ‫ن َقْوِم َ‬‫عْ‬ ‫ك َ‬ ‫جَل َ‬
‫عَ‬ ‫قال تعالى ) َوَما َأ ْ‬
‫ضى )‪ (84‬وهناك كان موسى عليه السلم ‪ ،‬مشتاقا‬ ‫ب ِلَتْر َ‬‫ك َر ّ‬ ‫ت ِإَلْي َ‬‫جْل ُ‬‫عِ‬‫َو َ‬
‫ومندفعا فطلب رؤية ربه ‪ ،‬وكأنه نسي ما كان من قومه ‪ ،‬فطلب من ربه ما‬
‫ب َأِرِني َأنظُْر‬ ‫سى ِلِميَقاِتَنا َوَكّلمَُه َرّبُه ‪َ ،‬قاَل َر ّ‬ ‫جاَء ُمو َ‬ ‫طلبه قومه منه ) َوَلّما َ‬
‫سْو َ‬
‫ف‬ ‫سَتَقّر َمَكاَنُه َف َ‬
‫نا ْ‬ ‫جَبِل ‪َ ،‬فِإ ْ‬‫ظْر ِإَلى اْل َ‬‫ن ان ُ‬ ‫ن َتَراِني ‪َ ،‬وَلِك ْ‬ ‫ك ‪َ ،‬قاَل َل ْ‬ ‫ِإَلْي َ‬
‫ق َقاَل‬ ‫صِعًقا ‪َ ،‬فَلّما َأَفا َ‬‫سى َ‬ ‫خّر ُمو َ‬ ‫جَعَلُه َدّكا ‪َ ،‬و َ‬ ‫جَبِل َ‬‫جّلى َرّبُه ِلْل َ‬ ‫َتَراِني ‪َ ،‬فَلّما َت َ‬
‫صعق موسى كما‬ ‫ن )‪ 143‬العراف ( ف ُ‬ ‫ك َوَأَنا َأّوُل اْلُمْؤِمِني َ‬‫ت ِإَلْي َ‬
‫ك ُتْب ُ‬ ‫حاَن َ‬
‫سْب َ‬‫ُ‬
‫صعق قومه من قبل ‪ ،‬وبعدما أفاق ‪ُ ،‬أعطيت له اللواح ‪ ،‬التي تحمل في ثناياها‬ ‫ُ‬
‫عظًَة‬ ‫يٍء َمْو ِ‬ ‫ش ْ‬‫ن ُكّل َ‬ ‫ح ِم ْ‬‫الشريعة الجديدة لبني إسرائيل ‪َ ) ،‬وَكَتْبَنا َلُه ِفي اَْلْلَوا ِ‬
‫سُأِريُكْم َداَر‬ ‫سِنَها َ‬‫ح َ‬‫ك َيْأخُُذوا ِبَأ ْ‬‫خْذَها ِبُقّوٍة َوْأُمْر َقْوَم َ‬ ‫يٍء َف ُ‬‫ش ْ‬‫ل ِلُكّل َ‬ ‫صي ً‬‫َوَتْف ِ‬
‫ن )‪ 145‬العراف ( ‪.‬‬ ‫سِقي َ‬‫اْلَفا ِ‬

‫‪116‬‬
‫ومن ثم ‪ ،‬أخبره ربه بأن قومه ُفتنوا من بعده ‪ ،‬بعبادتهم للعجل الذهبي الذي‬
‫ي )‪85‬‬ ‫ساِمرِ ّ‬‫ضّلُهْم ال ّ‬ ‫ك َوَأ َ‬ ‫ن َبْعِد َ‬
‫ك ِم ْ‬ ‫ابتدعه السامري ‪َ ) ،‬قاَل َفِإّنا َقْد َفَتّنا َقْوَم َ‬
‫سى ِلَقْوِمِه ‪،‬‬ ‫طه ( ‪ ،‬وكانت عقوبة الشرك بال غاية في القسوة ‪َ ) ،‬وِإْذ َقاَل ُمو َ‬
‫سُكْم ‪،‬‬
‫جَل ‪َ ،‬فُتوُبوا ِإَلى َباِرِئُكْم َفاْقُتُلوا َأنُف َ‬ ‫خاِذُكْم اْلِع ْ‬ ‫سُكْم ِباّت َ‬
‫ظَلْمُتْم َأنُف َ‬
‫َيَقْوِم ِإّنُكْم َ‬
‫حيُم )‪ 54‬البقرة ( ‪،‬‬ ‫ب الّر ِ‬ ‫عَلْيُكْم ‪ِ ،‬إّنُه هَُو الّتّوا ُ‬ ‫ب َ‬ ‫عْنَد َباِرِئُكْم ‪َ ،‬فَتا َ‬‫خْيٌر َلُكْم ِ‬‫َذِلُكْم َ‬
‫وتوحي هذه الية بأن المر كان ُملزما ‪ ،‬وقبول التوبة كان مشروطا بقتل‬
‫النفس ‪ ،‬فمن رغب في التوبة آنذاك ممن عبدوا العجل ‪ ،‬قتل نفسه حقيقة وُقبلت‬
‫خُذوا اْلعِجَْل‬ ‫ن اّت َ‬ ‫ن اّلِذي َ‬‫توبته ‪ ،‬ومن لم يقتل نفسه ‪ ،‬قال فيهم سبحانه ‪ِ ) ،‬إ ّ‬
‫ن )‪152‬‬ ‫جِزي اْلُمْفَتِري َ‬ ‫ك َن ْ‬‫حَياِة الّدْنَيا َوَكَذِل َ‬‫ن َرّبِهْم َوِذّلٌة ِفي اْل َ‬ ‫ب ِم ْ‬ ‫ض ٌ‬ ‫غ َ‬‫سَيَناُلُهْم َ‬‫َ‬
‫العراف ( ‪.‬‬
‫ظْر ِإَلى‬
‫ي ) َواْن ُ‬ ‫وبالنظر في قوله تعالى ‪ ،‬على لسان موسى مخاطبا السامر ّ‬
‫سًفا )‪ 97‬طه ( ‪،‬‬ ‫سَفّنُه ِفي اْلَيّم َن ْ‬ ‫حّرَقّنُه ُثّم َلَنْن ِ‬‫عاِكًفا َلُن َ‬‫عَلْيِه َ‬
‫ت َ‬ ‫ظْل َ‬‫ك اّلِذي َ‬ ‫ِإَلِه َ‬
‫حّرق وُرمي في البحر ‪ ،‬وأقرب بحر لمقام بني‬ ‫نجد أن العجل الذهبي ‪ ،‬قد ُ‬
‫إسرائيل في وادي عربة ‪ ،‬هو البحر الميت ‪.‬‬
‫اللقاء الثاني والرجفة ونتق الجبل ‪:‬‬
‫وبناءً على ما كان منهم ‪ ،‬اختار موسى )‪ (70‬رجل من أفضلهم ‪ ،‬للعتذار عما‬
‫ل ِلِميَقاِتَنا ‪َ ،‬فَلّما‬
‫جً‬‫ن َر ُ‬ ‫سْبِعي َ‬
‫سى َقْوَمُه َ‬ ‫خَتاَر ُمو َ‬‫فعله السفهاء من قومه ) َوا ْ‬
‫ي ‪َ ،‬أُتْهِلُكَنا ِبَما َفَعَل‬
‫ن َقْبُل َوِإّيا َ‬
‫ت َأْهَلْكَتُهْم ِم ْ‬
‫شْئ َ‬
‫ب َلْو ِ‬ ‫جَفُة ‪َ ،‬قاَل َر ّ‬ ‫خَذتُْهْم الّر ْ‬‫َأ َ‬
‫شاُء ‪َ ،‬أْن َ‬
‫ت‬ ‫ن َت َ‬ ‫شاُء َوَتْهِدي َم ْ‬ ‫ن َت َ‬
‫ضّل ِبَها َم ْ‬ ‫ك ُت ِ‬
‫ي ِإّل ِفْتَنُت َ‬
‫ن ِه َ‬‫سفََهاُء ِمّنا ‪ِ ،‬إ ْ‬ ‫ال ّ‬
‫ن )‪ 155‬العراف ( فشهدوا الوحي‬ ‫خْيُر اْلَغاِفِري َ‬
‫ت َ‬‫حْمَنا َوَأْن َ‬ ‫غِفْر َلَنا َواْر َ‬
‫َوِلّيَنا َفا ْ‬
‫بمعية موسى عليه السلم دون سماعه ‪ ،‬وشعروا بوجود خالقهم وقدرته ‪،‬‬
‫ومقدار حنقه وغضبه عليهم ‪ ،‬بأن زلزل الرض من تحت أرجلهم ‪.‬‬
‫ي عشر بالسهر على تطبيقه ‪ ،‬والحكم بما‬
‫أخذ الميثاق ‪ ،‬وإلزام النقباء الثن ّ‬
‫جاء فيه ‪:‬‬
‫عرض عليهم الميثاق ليلتزموا به ‪ ،‬ويلزموا أتباعهم على القيام به ‪،‬‬ ‫وهناك ُ‬
‫ويتحملوا مسؤولية نقضه ‪ ،‬فترّددوا وأَبْوا ‪ ،‬فرفع سبحانه فوقهم الجبل ‪،‬‬
‫وأجبرهم على أخذه بالقوة ‪ ،‬ولو أصّروا على الرفض لطبقه عليهم ‪ ،‬فقبلوه‬
‫على مضض ‪ ،‬وكان ال أعلم بما يعتمل في صدورهم ‪ ،‬ولكنه غفور رحيم ‪،‬‬
‫‪117‬‬
‫خُذوا َما آَتْيَناُكْم ِبُقّوٍة‬ ‫طوَر ُ‬ ‫خْذَنا ميَثاَقُكْم َوَرَفْعَنا َفوَْقُكْم ال ّ‬ ‫حيث قال فيهم ‪َ ) ،‬وِإْذ َأ َ‬
‫جَل ِبُكْفِرِهْم ‪ُ ،‬قْل‬ ‫شِرُبوا ِفي ُقُلوِبِهْم اْلِع ْ‬ ‫صْيَنا ‪َ ،‬وُأ ْ‬ ‫ع َ‬ ‫سِمْعَنا َو َ‬ ‫سمَُعوا ‪َ ،‬قاُلوا َ‬ ‫َوا ْ‬
‫ن )‪ 93‬البقرة ( ‪ .‬فاختير من السبعين‬ ‫ن ُكنُتْم ُمْؤِمِني َ‬ ‫سَما َيْأُمُرُكْم ِبِه ِإيَماُنُكْم ِإ ْ‬‫ِبْئ َ‬
‫رجل )‪ (12‬نقيبا ‪ ،‬بعدد السباط ) أي قبائل بني إسرائيل ( وهم الذين ُتسميهم‬
‫التوراة بالقضاة ‪ .‬وهذا نص الميثاق الذي ُألزموا بالعمل على تطبيقه ‪،‬‬
‫ق َبِني‬ ‫ل ِميَثا َ‬ ‫خَذ ا ُّ‬ ‫بالضافة إلى الوصايا الواردة في سورة النعام ) َوَلَقْد َأ َ‬
‫ن َأَقْمُتْم‬‫ل ِإّني َمَعُكْم ‪َ ،‬لِئ ْ‬ ‫شَر َنِقيًبا ‪َ ،‬وَقاَل ا ُّ‬ ‫ع َ‬ ‫ي َ‬ ‫سَراِئيَل ‪َ ،‬وَبَعْثَنا ِمْنُهْم اْثَن ْ‬ ‫ِإ ْ‬
‫ضا‬
‫ل َقْر ً‬ ‫ضُتْم ا َّ‬ ‫عّزْرُتُموُهْم ‪َ ،‬وَأْقَر ْ‬ ‫سِلي َو َ‬ ‫لَة ‪َ ،‬وآَتْيُتْم الّزَكاَة َوآَمْنُتْم ِبُر ُ‬ ‫صَ‬
‫ال ّ‬
‫حِتَها اَْلْنَهاُر ‪،‬‬ ‫ن َت ْ‬‫جِري ِم ْ‬ ‫ت َت ْ‬‫جّنا ٍ‬
‫خَلّنُكْم َ‬‫سّيَئاِتُكْم ‪َ ،‬وَُلْد ِ‬ ‫عْنُكْم َ‬ ‫ن َ‬ ‫سًنا ‪َُ ،‬لَكّفَر ّ‬ ‫ح َ‬‫َ‬
‫سِبيلِ )‪ 12‬المائدة ( ‪.‬‬ ‫سَواَء ال ّ‬ ‫ضّل َ‬ ‫ك ِمْنُكْم ‪َ ،‬فَقْد َ‬ ‫ن َكَفَر َبْعَد َذِل َ‬
‫َفَم ْ‬
‫رفض المن والسلوى وطلب القثائيات ‪ ،‬والحكم عليهم بالنزول في موطن‬
‫زراعتها ‪:‬‬
‫كانت مدة المكث بادئ المر في الصحراء بسيطة ‪ ،‬وذلك لتذّمرهم وعدم‬
‫ن والسلوى ‪ ،‬فحكم عليهم سبحانه بإكمال‬ ‫صبرهم على طعام واحد ‪ ،‬أي الم ّ‬
‫صِبَر‬
‫ن َن ْ‬ ‫سى َل ْ‬ ‫المسير ‪ ،‬المقّدر مسبقا ‪ ،‬بقوله على لسان موسى ) َوِإْذ ُقْلُتْم َيُمو َ‬
‫ن َبْقِلَها َوِقّثاِئَها‬
‫ض ِم ْ‬
‫ت اَْلْر ُ‬ ‫ج َلَنا ِمّما ُتْنِب ُ‬
‫خِر ْ‬ ‫ك ُي ْ‬‫ع َلَنا َرّب َ‬
‫حٍد َفاْد ُ‬
‫طَعاٍم َوا ِ‬‫عَلى َ‬‫َ‬
‫طوا‬‫ن اّلِذي ُهَو َأْدَنى ِباّلِذي ُهَو خَْيٌر اْهِب ُ‬ ‫سَتْبِدُلو َ‬
‫صِلَها َقاَل َأَت ْ‬‫سَها َوَب َ‬ ‫عَد ِ‬‫َوُفوِمَها َو َ‬
‫صرًا ( منونًة ‪ ،‬ولم‬ ‫سَأْلُتْم )‪ 61‬البقرة ( ‪ ،‬وحيث أنه قال ) ِم ْ‬ ‫ن َلُكْم َما َ‬ ‫صًرا ‪َ ،‬فِإ ّ‬
‫ِم ْ‬
‫صَر ( بدون تنوين ‪ ،‬فهي غير مصر التي خرجوا منها ‪ ،‬وإنما جاءت‬ ‫يقل ) ِم ْ‬
‫ن لكم ما سألتم ( تعني أن هذا‬ ‫هنا بمعنى ) بلدًا ( نكرة وغير معّرفة ‪ ،‬وقوله ) فإ ّ‬
‫البلد يتمّيز ‪ ،‬بأن فيه ما سأله بني إسرائيل من نبيهم ‪ ،‬من عدس وبصل‬
‫وغيره ‪ ،‬ولو تساءلنا عن موقع هذا البلد ‪ ،‬القريب من الرض المقدسة ‪ ،‬الذي‬
‫يتميز بخصوبة أراضيه ‪ ،‬ووفرة مياهه من ينابيع وآبار ‪ ،‬ويصلح لزراعة‬
‫القّثائيات ‪ ،‬بالتأكيد ستكون الجابة الرض الواقعة ‪ ،‬شرق نهر الردن ‪ ،‬وفي‬
‫السفوح الغربية للجبال المطلة على فلسطين ‪ ،‬وبالتحديد قرية مدين التي يعرفها‬
‫موسى ‪ ،‬ويعرف مّيزاتها وخصائصها ‪ ،‬وال أعلم ‪ ،‬والتي كان أهلها قد هلكوا‬
‫بعذاب يوم الظّلة ‪ ،‬قبل أو بعد خروج موسى منها ‪ ،‬ليرثها بنوا إسرائيل مع‬
‫القلة المؤمنة ‪ ،‬من قوم شعيب التي نجت من العذاب ‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫دخول مدين والُمقام فيها ‪:‬‬
‫غًدا َواْدخُُلوا‬ ‫شْئُتْم َر َ‬
‫ث ِ‬ ‫حْي ُ‬‫خُلوا َهِذِه اْلَقْرَيَة َفُكُلوا ِمْنَها َ‬ ‫قال تعالى ) َوِإْذ ُقْلَنا اْد ُ‬
‫ن )‪ 58‬البقرة ( ‪،‬‬ ‫سِني َ‬‫ح ِ‬
‫سَنِزيُد اْلُم ْ‬
‫طاَياُكْم َو َ‬‫خَ‬ ‫طٌة َنْغِفْر َلُكْم َ‬‫حّ‬ ‫جًدا َوُقوُلوا ِ‬ ‫سّ‬ ‫ب ُ‬ ‫اْلَبا َ‬
‫شْئُتْم‬
‫ث ِ‬ ‫حيْ ُ‬‫سُكُنوا َهِذِه اْلَقْرَيَة َوُكُلوا ِمْنَها َ‬ ‫وقال في آية أخرى ) َوِإْذ ِقيَل َلُهْم ا ْ‬
‫ن)‬ ‫سِني َ‬
‫ح ِ‬‫سَنِزيُد اْلُم ْ‬
‫طيَئاِتُكْم َ‬ ‫خِ‬ ‫جًدا َنْغِفْر َلُكْم َ‬
‫سّ‬‫ب ُ‬ ‫خُلوا اْلَبا َ‬ ‫طٌة َواْد ُ‬ ‫حّ‬‫َوُقوُلوا ِ‬
‫جًزا‬‫عَلْيِهْم ِر ْ‬
‫سْلَنا َ‬‫غْيَر اّلِذي ِقيَل َلُهْم َفَأْر َ‬‫ظَلُموا ِمْنُهْم َقْوًل َ‬ ‫ن َ‬ ‫‪َ (161‬فَبّدَل اّلِذي َ‬
‫ن )‪ 162‬العراف ( ‪ ،‬ولم يكن المقصود بهذه‬ ‫ظِلُمو َ‬ ‫سَماِء ِبَما َكاُنوا َي ْ‬ ‫ن ال ّ‬
‫ِم ْ‬
‫القرية ‪ ،‬الرض المقدسة ‪ ،‬كونهم دخلوها حربا ‪ ،‬بعد موسى عليه السلم‬
‫سكنت حقيقة ‪ ،‬بدخولها بل قتال بمعية‬ ‫بأربعين عاما على القل ‪ ،‬وهذه القرية ُ‬
‫موسى عليه السلم ‪ ،‬وقد بّدل الذين ظلموا منهم –أي الُعصاة – القول والهيئة‬
‫عند الدخول ‪ ،‬فأرسل عليهم سبحانه رجزا من السماء ‪.‬‬
‫شْئُتْم ( و قوله لهم في النص الخر )‬ ‫ث ِ‬ ‫حْي ُ‬‫وقوله قبل الدخول ) َوُكُلوا ِمْنها َ‬
‫غًدا ( يوحي بأنها سكنى مؤقتة ‪ ،‬ولم يكن لديهم علم ‪،‬‬ ‫شْئُتْم َر َ‬
‫ث ِ‬ ‫حْي ُ‬ ‫َفُكُلوا ِمْنَها َ‬
‫بأنه سيكون هناك ما بعدها ‪ ،‬وهو الستعداد والتهيئة لدخول الرض المقدسة ‪،‬‬
‫فأفشلوا أنفسهم في الدخول الول لتلك القرية ‪ ،‬فاستحقوا غضب ال عليهم ‪،‬‬
‫وأفشلوا أنفسهم عندما ُأمروا بالدخول الثاني بل حرب ‪ ،‬فأفشلهم ال وأذهب‬
‫غًدا‬‫ل ِمْنَها َر َ‬ ‫ريحهم ‪ .‬وقد قيلت هذه العبارة ‪ ،‬لدم عليه السلم وزوجه ) َوُك َ‬
‫شْئُتَما )‪ 35‬البقرة ( ‪ ،‬قبل دخوله الجنة ‪ ،‬ولم يكن لديهما علم بأن القامة‬ ‫ث ِ‬ ‫حْي ُ‬
‫َ‬
‫فيها مؤقتة ‪ ،‬وأن هناك ما بعدها ‪ ،‬وسيحاطون به علما عند وقوعه ‪ ،‬وفي‬
‫موعده المقدر المضمر في علم ال ‪ ،‬ولكن بعد فوات الوان ‪ .‬وإن لم تكن مدين‬
‫‪ ،‬هي القرية التي دخلها بنوا إسرائيل وأقاموا فيها ‪ ،‬فهي قرية تقع في نفس‬
‫المنطقة ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫الخسف بقارون ‪ ،‬ورحلة موسى والفتى ‪ ،‬وذبح البقرة ‪:‬‬
‫أقام بنو إسرائيل في مدين بمعية موسى ‪ -‬على ما يبدو ‪ -‬سنين عديدة ‪،‬‬
‫واطمأنوا بها وإليها ‪ ،‬وطاب لهم المقام فيها ‪ ،‬حيث الزراعة وتربية المواشي‬
‫والتجارة ‪ ،‬وهذا هو ديدنهم ‪ ،‬ومن الحداث التي وقعت فيها ‪ ،‬قصة البقرة ‪) ،‬‬
‫خُذَنا ُهُزًوا َقاَل‬
‫حوا َبَقَرًة َقاُلوا َأَتّت ِ‬
‫ن َتْذَب ُ‬
‫ل َيْأُمُرُكْم َأ ْ‬
‫ن ا َّ‬ ‫سى ِلقْوِمِه ِإ ّ‬‫َوِإْذ َقاَل ُمو َ‬
‫ن )‪ 67‬البقرة ( ‪ ،‬وقصة سفر موسى حيث‬ ‫جاِهِلي َ‬ ‫ن اْل َ‬‫ن ِم ْ‬‫ن َأُكو َ‬
‫ل َأ ْ‬
‫عوُذ ِبا ِّ‬
‫َأ ُ‬
‫‪119‬‬
‫حّتى َأْبُلغَ‬‫ح َ‬‫سى ِلَفَتاُه َل َأْبَر ُ‬ ‫مجمع البحرين ‪ ،‬لللتقاء بالعالم ‪َ ) ،‬وِإْذ َقاَل ُمو َ‬
‫حقًبا )‪ 60‬الكهف ( وقصة قارون المعروفة ‪ِ ) ،‬إ ّ‬
‫ن‬ ‫ي ُ‬ ‫ضَ‬‫ن َأْو َأْم ِ‬
‫حَرْي ِ‬
‫جمََع اْلَب ْ‬
‫َم ْ‬
‫حُه‬‫ن َمَفاِت َ‬
‫ن اْلُكُنوِز َما ِإ ّ‬ ‫علْيِهْم َوآَتْيَناُه ِم ْ‬
‫سى َفَبَغى َ‬ ‫ن َقْوِم ُمو َ‬‫ن ِم ْ‬‫ن َكا َ‬‫َقاُرو َ‬
‫ن)‬‫حي َ‬ ‫ب اْلَفِر ِ‬‫ح ّ‬
‫ل َل ُي ِ‬ ‫ن ا َّ‬
‫ح ِإ ّ‬ ‫صَبِة ُأوِلي اْلُقّوِة ِإْذ َقاَل َلُه َقْوُمُه لَ َتْفَر ْ‬
‫َلَتُنوُء ِباْلُع ْ‬
‫‪ 76‬القصص ( ‪.‬‬
‫المر بدخول الرض المقّدسة وتحريمها عليهم وتيههم شرقي النهر ‪:‬‬
‫وبعد مدة من مكثهم في مدين ‪ ،‬أمرهم موسى بدخول الرض المقدسة‬
‫) فلسطين ( ‪ ،‬ولم تكن هناك حاجة للقتال آنذاك ‪ ،‬فرفضوا وعصوا ‪ ،‬لقلة‬
‫وانعدام إيمانهم ‪ ،‬وأخلدوا إلى الرض ‪ ،‬وتذّرعوا بحجج واهية ليبّرروا‬
‫اتكاليتهم وعجزهم ‪ ،‬فدعا موسى ربه ليحكم بينه وبينهم ‪ ،‬فاستجاب له ربه ‪) ،‬‬
‫عَلى اْلَقْوِم‬
‫س َ‬‫ض َفل َتْأ َ‬
‫ن ِفي اَْلْر ِ‬
‫سَنًة َيِتيُهو َ‬
‫ن َ‬
‫عَلْيِهْم َأْرَبِعي َ‬
‫حّرَمٌة َ‬
‫َقاَل َفِإّنَها ُم َ‬
‫ن )‪ 26‬المائدة ( ‪ ،‬فكان تحريم الدخول لمدة أربعين سنة ومن ثم التيه‬ ‫سِقي َ‬ ‫اْلَفا ِ‬
‫في الرض ‪.‬‬
‫والتيه لغة الحيرة والضلل ‪ ،‬ورجل تائه وتّياه ‪ ،‬إذا كان جسورا يركب رأسه‬
‫في المور ‪ ،‬وفي الحديث ‪ :‬إنك امرؤ تائه ‪ ،‬أي متكبر أو ضال متحّير ‪.‬‬
‫حرموا من قيادة النبياء ‪ ،‬بأن ال‬ ‫والمراد من ذلك أنهم ُتركوا على رؤوسهم ‪ ،‬و ُ‬
‫تخلى عنهم وحرمهم من رعايته لهم ‪ ،‬ورفع عنهم الوحي وتركهم بل هداية ‪،‬‬
‫بعد موت موسى عليه السلم ‪ ،‬على مدى ‪ 40‬سنة ‪ ،‬ولم ُيقصد بالتيه الضياع‬
‫والتشّرد المكاني ‪ ،‬في صحراء سيناء ‪ ،‬كما كنا نعتقد سابقا ‪ .‬والصحيح أنهم‬
‫حافظوا على تواجدهم ‪ ،‬كأمة مكونة من ‪ 12‬جماعة شرقي نهر الردن ‪،‬‬
‫وُأوكلت قيادة كل جماعة إلى أحد النقباء الثني عشر ‪ ،‬كل حسب السبط الذي‬
‫ينتمي إليه ‪ ،‬بعد انقطاع قيادة الوحي ‪ ،‬وهذا مما ينفي نبوة فتى موسى المسمى‬
‫بيوشع بن نون ‪ .‬وهنا تتضح الحكمة من جراء إلقاء مسؤولية حفظ الميثاق‬
‫وإقامته ‪ ،‬على النقباء الثني عشر بعد وفاة موسى وانقطاع الوحي والعناية‬
‫اللهية ‪ .‬وهذا ما حاول مؤّلفو التوراة إخفاءه بتبديل مواضع الكلم ‪ ،‬فجعلوا‬
‫المن والسلوى ‪ ،‬تتنّزل عليهم لمدة أربعين سنة في الصحراء ‪ ،‬وهي عدد سنين‬
‫التحريم والتيه ‪ ،‬التي كانوا يأكلون فيها البصل والعدس ‪.‬‬
‫ويّدعي كتبة التوراة أن بني إسرائيل ‪ ،‬أثناء قدومهم إلى الرض المقدسة ‪،‬‬
‫بمعية موسى عليه السلم ‪ ،‬قد قاتلوا أقواما كثيرة ‪ ،‬شرق نهر الردن‬
‫‪120‬‬
‫وانتصروا عليها ‪ ،‬ويّدعون أيضا أنهم هاجموا الكنعانيين بعد موسى ‪ ،‬وهدموا‬
‫أسوار مدينة أريحا بمعية يوشع بن نون ‪ ،‬وأنهم أقاموا زمن القضاة غرب النهر‬
‫‪ .‬وهذا كله محض افتراء وتلفيق ‪ ،‬فكيف يقاتل من طلب منه مجرد الدخول ولم‬
‫يدخل ‪ ،‬ولفظ الدخول في القرآن يوحي بانتفاء القتال ‪ .‬والحوار الذي دار بين‬
‫موسى وقومه لدخولها ‪ ،‬تجد نصه كامل في اليات )‪ (27 – 20‬المائدة ‪.‬‬
‫زمن الخبار بنص نبوءة الفساد والعلو في الرض ‪:‬‬
‫وبعد مدة يسيره من الزمن من ذلك الحكم ‪ ،‬كشف موسى عليه السلم النقاب‬
‫عن النبوءة موضوع هذا الكتاب ‪ ،‬وأخبر عنها قبل أن ينتقل إلى جوار ربه ‪.‬‬
‫وتركهم في غيهم وطغيانهم يعمهون ‪ ،‬كما حكم عليهم ربهم ‪ ،‬وُأوكل المر من‬
‫بعده إلى النقباء الثني عشر أصحاب الميثاق ‪ ،‬ليحفظوا التوراة ‪ ،‬وليحكموا‬
‫بين الناس بما جاء فيها ‪ ،‬ومن ذلك اليوم انتقلت مسؤولية حفظ التوراة‬
‫والشريعة إلى أناس عاديين ‪ ،‬فبدأ ظهور الحبار ‪ ،‬قال تعالى ) ِإّنا َأنَْزْلَنا‬
‫ن َهاُدوا ‪،‬‬ ‫سَلُموا ‪ِ ،‬لّلِذي َ‬
‫ن َأ ْ‬
‫ن اّلِذي َ‬
‫حُكُم ِبَها الّنِبّيو َ‬
‫الّتْوَراَة ِفيَها ُهًدى َوُنوٌر ‪َ ،‬ي ْ‬
‫شَهَداَء )‪44‬‬ ‫عَلْيِه ُ‬‫ل ‪َ ،‬وَكاُنوا َ‬ ‫ب ا ِّ‬‫ن ِكَتا ِ‬
‫ظوا ِم ْ‬ ‫حِف ُ‬‫سُت ْ‬
‫حَباُر ِبَما ا ْ‬
‫ن َوالَْ ْ‬
‫َوالّرّباِنّيو َ‬
‫المائدة ( ‪.‬‬
‫طلب الُملك لدخول الرض المقّدسة بعد نهاية سنوات التيه ‪:‬‬
‫ن ُكِتبَ‬
‫سْيُتْم ِإ ْ‬
‫ع َ‬‫ل َقاَل َهْل َ‬ ‫سِبيِل ا ِّ‬ ‫ث َلَنا َمِلًكا ُنَقاِتْل ِفي َ‬ ‫ي َلُهُم اْبَع ْ‬ ‫) ِإْذ َقاُلوا ِلَنِب ّ‬
‫جَنا ِم ْ‬
‫ن‬ ‫خِر ْ‬ ‫ل َوَقْد ُأ ْ‬‫سِبيِل ا ِّ‬ ‫عَلْيُكُم اْلِقَتاُل َألّ ُتَقاِتُلوا َقاُلوا َوَما َلَنا َأّل ُنَقاِتَل ِفي َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ظاِلِمي َ‬
‫عِليٌم ِبال ّ‬‫ل َ‬ ‫ل ِمْنُهْم َوا ُّ‬ ‫عَلْيِهُم اْلِقَتاُل َتَوّلْوا ِإّل َقِلي ً‬
‫ب َ‬ ‫ِدَياِرَنا َوَأْبَناِئَنا َفَلّما ُكِت َ‬
‫)‪(246‬‬
‫وبعد انقضاء سنون التيه الربعون ‪ ،‬التي عاشوا خللها شرقي نهر الردن ‪.‬‬
‫ُبعث فيهم نبيا ‪ ،‬يّدعون أن اسمه ) صمويل ( ‪ .‬وربما لتعرضهم لضيق العيش‬
‫والضطهاد والغزو ‪ ،‬من قبل الممالك المجاورة شرقي النهر ‪ ،‬طلبوا من هذا‬
‫سَراِئيَل ِم ْ‬
‫ن‬ ‫ن َبِني ِإ ْ‬ ‫ل ِم ْ‬‫النبي ‪ ،‬أن يبعث لهم ملكا ‪ ،‬قال تعالى ) َأَلْم َتَر ِإَلى اْلَم َِ‬
‫ل )‪ 246‬البقرة (‬ ‫سِبيِل ا ِّ‬ ‫ث َلَنا َمِلًكا ُنَقاِتْل ِفي َ‬ ‫ي َلُهْم اْبَع ْ‬ ‫سى ‪ِ ،‬إْذ َقاُلوا ِلَنِب ّ‬ ‫َبْعِد ُمو َ‬
‫بغية دخول الرض المقدسة التي كتب ال لهم ‪ ،‬فُبعث لهم طالوت ملكا ‪ ،‬وأنزل‬
‫ال لهم التابوت تحمله الملئكة ‪ ،‬آية لملكه ‪ ،‬كونهم ل يؤمنون إل بما هو‬

‫‪121‬‬
‫ظم صفوفهم ‪ ،‬واجتاز بهم نهر الردن ‪ ،‬فشربوا منه إل‬ ‫محسوس ‪ ،‬فأعّدهم ون ّ‬
‫قليل ‪.‬‬
‫وكانت المواجهة مع الكنعانين – على الرجح في سهول أريحا – ) َفَهَزُموُهْم‬
‫ت ( وقتل داود ‪ -‬الذي كان من جنود طالوت ‪-‬‬ ‫جاُلو َ‬
‫ل َوَقَتَل َداُووُد َ‬
‫ن ا ِّ‬
‫ِبِإْذ ِ‬
‫جالوت قائد الكنعانيين ‪ ،‬ودخلوا القدس ‪ .‬ومن ثم انتقل الُملك لداود عليه‬
‫عّلَمُه ِمّما‬
‫حْكَمَة ‪َ ،‬و َ‬
‫ل اْلُمْلكَ َواْل ِ‬
‫السلم ‪ ،‬بغض النظر عن الكيفية ‪َ ) ،‬وآَتاُه ا ُّ‬
‫شاُء )‪ 251‬البقرة ( ‪ ،‬ونص هذه الحداث كامل ‪ ،‬تجده في اليات )‪– 246‬‬ ‫َي َ‬
‫‪ (251‬البقرة ‪ ،‬وكانت هذه أول معركة يقاتل فيها بنو إسرائيل ‪ ،‬وكان جيشهم‬
‫يتألف من القلة المؤمنة ‪ ،‬التي لم تكن قد شربت من النهر ) نهر الردن ( ‪،‬‬
‫وكان هذا هو الدخول الول لبني إسرائيل إلى الرض المقدسة ‪.‬‬
‫داود عليه السلم يؤسس أول دولة لليهود في القدس ‪:‬‬
‫ن‬
‫ب َواْلحُْكَم َوالّنُبّوَة َوَرَزْقَناُهْم ِم ْ‬
‫سَراِئيَل اْلِكَتا َ‬‫قال تعالى ) َوَلَقْد آَتيَنا َبِني ِإ ْ‬
‫ن )‪ 16‬الجاثية ( ‪ ،‬هذه الية تشير إلى أن هناك‬ ‫عَلى اْلَعاَلِمي َ‬
‫ضْلَناُهْم َ‬ ‫ت َوَف ّ‬
‫طّيَبا ِ‬
‫ال ّ‬
‫خمسة أمور اجتمعت لبني إسرائيل ‪ ،‬وهي الكتاب أي الشريعة التي تركها لهم‬
‫موسى عليه السلم ‪ ،‬والحكم أي الملك ‪ ،‬والنبوة أي الوحي ‪ ،‬والسعة في الرزق‬
‫‪ ،‬والتفضيل باختيارهم لحمل الرسالة السماوية في ذلك الزمان ‪ ،‬وقد اجتمعت‬
‫هذه المور الخمسة في زمن مملكتهم الولى في الرض المقدسة ‪ ،‬حيث كان‬
‫داود عليه السلم أول ملوكها ‪.‬‬
‫ملك داود عليه السلم ‪:‬‬
‫معظم اليات التي أخبرت عن داود وملكه ‪ ،‬كانت ترّكز على شخص داود ‪،‬‬
‫حيث اّتصف عليه السلم بالورع والتقوى وكثرة العبادة ‪ ،‬والعلم والقوة مع‬
‫شيء من اللين في المعاملة ‪ ،‬وتوحي بأن شغله الشاغل ‪ ،‬كان توطيد أركان‬
‫ب )‪ 20‬ص ( ‪،‬‬ ‫طا ِ‬
‫خَ‬‫صَل اْل ِ‬
‫حْكَمَة َوَف ْ‬
‫شَدْدَنا ُمْلَكُه َوآَتْيَناُه اْل ِ‬
‫دولته الحديثة ‪َ ) ،‬و َ‬
‫وإعداد ما استطاع من قوة للدفاع عن دولته الصغيرة ‪ ،‬التي كانت محصورة‬
‫في بيت المقدس وما حولها ‪ ،‬من هجمات القوام المجاورة لها من الكنعانيين ‪،‬‬
‫ولم يكن يسعى لتوسيع رقعة الدولة ‪ ،‬كون المة السرائيلية آنذاك كانت قليلة ‪-‬‬
‫وهي لم تكثر إل في العصر الحديث ‪ ،‬وبالتحديد بعد الحرب العالمية الثانية ‪،‬‬

‫‪122‬‬
‫حيث ُرفع عنهم القتل ‪ -‬ولم تكن تستدعي امتلك مساحة كبيرة من أرض‬
‫فلسطين ‪.‬‬
‫صفة الجبن الملزمة لليهود ومعالجتها بابتكار داود للدروع الحربية ‪:‬‬
‫شاِكُرونَ‬ ‫سُكْم َفَهْل َأْنُتمْ َ‬ ‫ن َبْأ ِ‬‫صَنُكْم ِم ْ‬ ‫ح ِ‬‫س َلُكْم ِلُت ْ‬‫صْنَعَة َلُبو ٍ‬
‫عّلْمَناُه َ‬ ‫قال تعالى ) َو َ‬
‫)‪ 80‬النبياء ( ‪ ،‬والضمير ) كم ( في كلمتي ) لكم ( و ) بأسكم ( ‪ ،‬يعود على‬
‫المخاطبين بالقرآن ‪ ،‬وهذا خبر يفيد أن داود عليه السلم ‪ ،‬هو أول من ابتكر‬
‫الدروع الحربية الحديدية ‪ ،‬وأول من استعملها هم بنو إسرائيل ‪ ،‬وهذا يكشف‬
‫طبيعة الجبن فيهم ‪ ،‬والحرص على الحياة ‪ ،‬والخوف من الموت ‪ ،‬وكرههم‬
‫شَرُكوا )‪ 96‬البقرة (‬ ‫ن َأ ْ‬‫ن اّلِذي َ‬ ‫حَياٍة وَِم ْ‬‫عَلى َ‬ ‫س َ‬ ‫ص الّنا ِ‬‫حَر َ‬ ‫جَدّنُهْم َأ ْ‬
‫للقتال ‪َ ) ،‬وَلَت ِ‬
‫وصناعة داود لها يدل على معرفته بطبيعتهم تلك ‪ ،‬فقد قالوا لموسى من قبل )‬
‫ن)‬ ‫عُدو َ‬ ‫ل ِإّنا َهاُهَنا َقا ِ‬ ‫ك َفَقاِت َ‬‫ت َوَرّب َ‬‫ب َأْن َ‬‫خَلَها َأَبًدا َما َداُموا ِفيَها َفاْذَه ْ‬ ‫ن َنْد ُ‬
‫ِإّنا َل ْ‬
‫صلة في نفوسهم ‪،‬‬ ‫‪ 24‬المائدة ( ‪ ،‬فالجبن والتواكل على الغير ‪ ،‬طبيعة متأ ّ‬
‫وانظر إلى قولهم ) وربك ( وليس ) وربنا ( ‪ ،‬فهو رب موسى ‪ ،‬وليس بربهم ‪،‬‬
‫ن اْلَقْوِم‬‫ق َبْيَنَنا َوَبْي َ‬
‫فما كانوا مؤمنين ‪ ،‬لذلك قال فيهم موسى عليه السلم ) َفاْفُر ْ‬
‫ن )‪ 25‬المائدة ( ‪ ،‬وكان أغلبهم فاسقين وعصاة ومعتدين ‪ ،‬حتى في‬ ‫سِقي َ‬‫اْلَفا ِ‬
‫ن‬
‫ن اّلِذي َ‬‫زمن طالوت وداود وسليمان وعلى مر العصور ‪ ،‬حيث قال تعالى ) ُلِع َ‬
‫صْوا‬‫ع َ‬ ‫ك ِبَما َ‬ ‫ن َمْرَيَم َذِل َ‬‫سى اْب ِ‬ ‫عي َ‬ ‫ن َداُووَد َو ِ‬ ‫سا ِ‬
‫عَلى ِل َ‬‫سَراِئيَل َ‬ ‫ن َبِني ِإ ْ‬ ‫َكَفُروا ِم ْ‬
‫ن )‪ 78‬المائدة ( ‪ ،‬فكما تأّذى موسى عليه السلم ‪َ ) ،‬وِإْذ َقاَل‬ ‫َوَكاُنوا َيْعَتُدو َ‬
‫غوا‬‫ل ِإَلْيُكْم َفلَّما َزا ُ‬‫سوُل ا ِّ‬ ‫ن َأّني َر ُ‬ ‫سى ِلَقْوِمِه َياَقْوِم ِلَم ُتْؤُذوَنِني َوَقْد َتْعَلُمو َ‬ ‫ُمو َ‬
‫ن )‪ 5‬الصف ( تأّذى منهم داود‬ ‫سِقي َ‬‫ل َل َيْهِدي اْلَقْوَم اْلَفا ِ‬ ‫ل ُقُلوَبُهْم َوا ُّ‬ ‫غ ا ُّ‬‫َأَزا َ‬
‫عليه السلم وهو أول ملوكهم ‪ ،‬وتأّذى منهم عيسى عليه السلم وهو آخر‬
‫أنبيائهم ‪ ،‬ومن وقع بينهما من النبياء ‪.‬‬
‫شرب أغلبهم من النهر ‪ ،‬عند عبورهم مع طالوت إلى فلسطين‬ ‫ولم يكن ُ‬
‫عطشا ‪ ،‬وإنما ليستثنيهم طالوت من الخروج في الجيش للقتال ‪ ،‬وما زالوا‬
‫يفتعلون الحجج للتهرب من القتال حتى في دولتهم الحالية ‪ ،‬فهم يدفعون بأبنائهم‬
‫إلى المدارس الدينية ‪ ،‬لتجنيبهم الخدمة العسكرية ‪ .‬فابتكر عليه السلم الدروع‬
‫الحديدية ليلبسوها في حروبهم ‪ ،‬مع الشعوب المجاورة ‪ ،‬التي على ما يبدو‬
‫كانت تغزوهم باستمرار ‪ ،‬لعلها تدخل شيئا من الطمئنان إلى تلك القلوب‬
‫الوجلة ‪ ،‬وتدفعهم إلى الذود عن حمى مملكتهم ‪ .‬ولو نظرت إلى واقعهم‬
‫‪123‬‬
‫المعاصر ‪ ،‬لوجدتهم يلبسون الدروع الواقية من الرصاص ‪ ،‬حتى في مواجهة‬
‫صنون وراء السيارات المصفحة ‪ ،‬أو يقاتلون من وراء‬ ‫الحجارة ‪ ،‬وتجدهم يتح ّ‬
‫جدر من السمنت المسلح ‪ ،‬وهذا ما يفضحهم به القرآن في مواضع كثيرة ‪) ،‬‬
‫شِديٌد‬
‫سُهْم َبْينَُهْم َ‬
‫جُدٍر َبْأ ُ‬
‫ن َوَراِء ُ‬ ‫صَنٍة َأْو ِم ْ‬
‫ح ّ‬ ‫جِميًعا ِإلّ ِفي ُقًرى ُم َ‬ ‫َل ُيَقاِتُلوَنُكْم َ‬
‫ن )‪ 14‬الحشر ( ‪.‬‬ ‫ك ِبَأّنُهْم َقْوٌم َل َيْعِقُلو َ‬‫شّتى َذِل َ‬
‫جِميًعا َوُقُلوُبُهْم َ‬
‫حسَُبُهْم َ‬ ‫َت ْ‬
‫طد أركان الدولة ‪:‬‬
‫سليمان عليه السلم يو ّ‬

‫نظام الحكم ملكي وراثي ‪:‬‬


‫ن َداُووَد )‪ 16‬النمل ( ‪،‬‬
‫سَلْيَما ُ‬
‫ث ُ‬
‫ن )‪ 30‬ص ( ‪َ ) ،‬وَوِر َ‬
‫سَلْيَما َ‬
‫) َوَوَهْبَنا ِلَداُووَد ُ‬
‫نتبين من اليتين السابقتين ‪ ،‬أن نظام الحكم في مملكة بني إسرائيل الولى ‪،‬‬
‫كان ملكيا وراثيا ‪ ،‬في نسل داود عليه السلم ‪ .‬وفي سنين حكم سليمان عليه‬
‫السلم ‪ ،‬سعى إلى توسيع رقعة مملكته نسبيا ‪ ،‬لتغطي مساحة أكبر من مدينة‬
‫القدس ‪ ،‬لتشمل ما حولها من المدن والقرى ‪ ،‬من النهر شرقا إلى البحر غربا ‪،‬‬
‫ولكنها على كل الحوال ‪ ،‬لم تشمل فلسطين كاملة ‪ ،‬فأهل فلسطين الصليين لم‬
‫يخرجوا منها ‪ ،‬ولم ّيبادوا ‪ ،‬ولكنهم تقهقروا إلى ما بعد حدود مملكة سليمان ‪،‬‬
‫حيث كانت الممالك في تلك العصور ‪ ،‬تقتصر على مدينة – بحجم قرية في‬
‫العصر الحالي – وما حولها من سهول ومراعي ‪ ،‬ول أظنهم استكانوا ‪،‬‬
‫وسلّموا لبني إسرائيل بالمر الواقع ‪ ،‬وإنما كان هناك ‪ ،‬حروب ومناوشات ‪،‬‬
‫وال أعلم ‪.‬‬
‫حقيقة ملك سليمان ‪:‬‬
‫ب ِلي ُمْلًكا َل َيْنبَِغي َِلحَدٍ‬
‫غِفْر ِلي َوَه ْ‬
‫با ْ‬
‫أما قول سليمان عليه السلم ) َقاَل َر ّ‬
‫ب )‪ 35‬ص ( فكان ملكا شخصيا خاصا به ‪ ،‬ولم يكن‬ ‫ت اْلَوّها ُ‬
‫ك َأْن َ‬
‫ن بَْعِدي ِإّن َ‬
‫ِم ْ‬
‫لبني إسرائيل فيه ‪ ،‬ناقة ول بعير ‪ ،‬ولم يقصد به امتلك مساحات شاسعة من‬
‫الراضي ‪ ،‬ومظاهر ملكه اقتصرت على ما وهبه سبحانه إياه ‪ ،‬من الممتلكات‬
‫والقوة والحكم ‪ ،‬والتي تمّيز بها عن كافة ملوك الرض ممن أتوا بعده ‪،‬‬
‫ن ‪ ،‬واستعمالهم في البناء والغوص‬ ‫ومنها ؛ جريان الريح بأمره ‪ ،‬وحكمه للج ّ‬
‫والقتال والصناعة ‪ ،‬والقدرة على إذابة النحاس وتشكيله ‪ ،‬وكثرة جنوده من‬
‫الجن والنس والطير ‪ ،‬وكان عليه السلم قويا ورعا تقيا عالما حكيما ‪ ،‬وفيه‬
‫‪124‬‬
‫شّدة ‪ ،‬وكان بنوا إسرائيل يرهبونه ويخافونه ‪ ،‬ولذلك نال قسطا‬ ‫شيء من ال ِ‬
‫كبيرا من اتهماتهم المشينة ‪ ،‬بعكس أبيه داود الذي كان لينا معهم ‪ ،‬فقال فيهم‬
‫ن … )‪102‬البقرة ( ‪،‬‬ ‫سَلْيَما َ‬
‫ك ُ‬ ‫عَلى ُمْل ِ‬‫ن َ‬‫طي ُ‬‫شَيا ِ‬
‫سبحانه ) َواّتَبُعوا َما َتْتُلوا ال ّ‬
‫وعلى ما يبدو أن الشياطين بعد وفاته عليه السلم ‪ ،‬اّدعت أن سليمان لم يسل ّ‬
‫ط‬
‫عليهم ‪ ،‬وإنما كان تابعا لهم ‪ ،‬يعبدهم ويستعين بهم لقضاء مصالحه ‪ .‬فأشركوا‬
‫ن‬
‫شَرَكاَء اْلجِ ّ‬‫ل ُ‬ ‫جَعُلوا ِّ‬‫بال وعبدوا الشياطين وأباحوا السحر والشعوذة ‪َ ) ،‬و َ‬
‫ن )‪100‬‬ ‫صُفو َ‬
‫عّما َي ِ‬‫حاَنُه َوَتَعاَلى َ‬ ‫سْب َ‬
‫عْلٍم ُ‬‫ت ِبَغْيِر ِ‬
‫ن َوَبَنا ٍ‬
‫خَرُقوا َلُه َبِني َ‬
‫خَلقَُهْم َو َ‬
‫َو َ‬
‫النعام ( ‪.‬‬
‫أكثر ما حّيرني في أمر ملك سليمان ‪ ،‬هو الغاية من تسخير الريح ‪ ،‬فالروايات‬
‫في كتب التفسير غير منطقية ‪ ،‬حيث تقول أنها كانت تحمل سليمان ومله‬
‫وجنوده ‪ ،‬على بساط خشبي عظيم ‪ ،‬وتنقلهم من بلد إلى آخر للقتال والترفيه‬
‫وغيره ‪ ،‬ولم يرد في تواريخ المم التي عاصرت ملك سليمان ‪ ،‬أنهم شاهدوا‬
‫يوما بساطا خشبيا طائرا ‪ ،‬وسورة النمل تؤكد أن سليمان وجنوده ‪ ،‬كانوا‬
‫يسيرون على القدام أثناء تنقلهم ‪.‬‬
‫ن وتدّبر في اليات ‪ ،‬التي تتحدث عن الريح وعن ملكه‬ ‫وبعد طول تفكير وتمع ّ‬
‫عليه السلم ‪ ،‬تبين لي أنه كان يركب البحر ‪ ،‬منطلقا من الرض المقدسة ‪،‬‬
‫فتجري الريح بمركبه إلى حيث أراد برفق ولين في الذهاب ‪ ،‬لتسهل عليه‬
‫جِري ِبَأْمِرِه‬‫ح َت ْ‬
‫خْرَنا َلُه الّري َ‬
‫سّ‬ ‫عملية البحث والتقصي ‪ ،‬بدللة قوله تعالى ) َف َ‬
‫ص )‪ 37‬ص ( ‪ ،‬وبعد‬ ‫غّوا ٍ‬ ‫ن ُكّل َبّناٍء َو َ‬
‫طي َ‬‫شَيا ِ‬
‫ب )‪َ (36‬وال ّ‬ ‫صا َ‬‫ث َأ َ‬ ‫حْي ُ‬
‫خاءً َ‬ ‫ُر َ‬
‫انتهاء المهمة ‪ ،‬يستعجل العودة إلى وطنه ‪ ،‬فيأمر الريح لتجري بقوة وسرعة‬
‫صَفًة َتجِْري‬‫عا ِ‬ ‫ح َ‬‫ن الّري َ‬ ‫سَلْيَما َ‬
‫إلى الرض المباركة ‪ ،‬بدللة قوله تعالى ) َوِل ُ‬
‫ن َلُه‬
‫صو َ‬‫ن َيُغو ُ‬‫ن َم ْ‬
‫طي ِ‬ ‫شَيا ِ‬
‫ن ال ّ‬ ‫ض اّلِتي َباَرْكَنا ِفيَها )‪َ (81‬وِم َ‬ ‫ِبَأْمِرِه ِإَلى الَْْر ِ‬
‫ن )‪ 82‬النبياء ( ‪ ،‬وأما الغاية من‬ ‫ظي َ‬
‫حاِف ِ‬
‫ك َوُكّنا َلُهْم َ‬‫ن َذِل َ‬
‫ل ُدو َ‬‫عَم ً‬‫ن َ‬‫َوَيْعمَُلو َ‬
‫القيام بالرحلت البحرية ‪ ،‬فهي السياحة واستخراج كنوز البحر وجلبها لمملكته‬
‫‪ ،‬ويؤيد ما ذهبت إليه ‪ ،‬ذكر الغوص ‪ ،‬الذي كانت تقوم به الشياطين ‪ ،‬مباشرة‬
‫بعد ذكر الريح في اليات السابقة ‪ ،‬والغوص عادة ل يكون إل في المياه العميقة‬
‫‪ ،‬وكانت مدة كل رحلة من رحلته شهرين ‪ ،‬شهر في الذهاب وشهر في العودة‬
‫شْهٌر )‪12‬سبأ ( ‪،‬‬ ‫حَها َ‬ ‫شْهٌر َوَرَوا ُ‬ ‫غُدّوَها َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن الّري َ‬‫سَلْيَما َ‬
‫‪ ،‬بدللة قوله تعالى ) َوِل ُ‬
‫وال أعلم ‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫سليمان هو أول من بنى المسجد القصى ‪:‬‬
‫ن ْبنَ‬ ‫سلَْيَما َ‬
‫ن ُ‬ ‫سّلَم ‪َ ) :‬أ ّ‬‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬ ‫صّلى ا ُّ‬
‫ل َ‬ ‫ل ا ِّ‬
‫سو ِ‬ ‫ن َر ُ‬‫عْ‬ ‫عْمٍرو َ‬ ‫ن َ‬ ‫ل ْب ِ‬
‫عْبِد ا ِّ‬
‫ن َ‬‫عْ‬‫َ‬
‫لًل‬ ‫جّل خِ َ‬ ‫عّز َو َ‬ ‫ل َ‬ ‫سَأَل ا َّ‬‫س‪َ ،‬‬ ‫ت اْلَمْقدِ ِ‬‫سّلَم ‪َ ،‬لّما َبَنى َبْي َ‬
‫عَلْيِه َو َ‬ ‫ل َ‬ ‫صّلى ا ُّ‬ ‫َداُوَد َ‬
‫عّز َوجَّل‬ ‫ل َ‬ ‫سَأَل ا َّ‬‫حْكَمُه َفُأوِتَيُه ‪َ ،‬و َ‬‫ف ُ‬ ‫صاِد ُ‬ ‫حْكًما ُي َ‬‫جّل ُ‬ ‫عّز َو َ‬ ‫ل َ‬ ‫سَأَل ا َّ‬‫لَثةً ‪َ ،‬‬ ‫َث َ‬
‫ن ِبَناِء‬‫غ ِم ْ‬ ‫ن َفَر َ‬‫حي َ‬ ‫جّل ِ‬ ‫عّز َو َ‬ ‫ل َ‬‫سَأَل ا َّ‬
‫ن َبْعِدِه َفُأوِتَيُه ‪َ ،‬و َ‬
‫حٍد ِم ْ‬ ‫ُمْلًكا لَ َيْنَبِغي لَِ َ‬
‫طيَئِتِه‬
‫خِ‬‫ن َ‬ ‫جُه ِم ْ‬‫خِر َ‬‫ن ُي ْ‬‫لُة ِفيِه ‪َ ،‬أ ْ‬ ‫صَ‬
‫حٌد َل َيْنَهُزُه ِإّل ال ّ‬‫ن َل َيْأِتَيُه َأ َ‬ ‫جِد ‪َ ،‬أ ْ‬‫سِ‬‫اْلَم ْ‬
‫َكَيْوِم َوَلَدْتُه ُأّمُه ( رواه النسائي وأحمد وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان‬
‫والحاكم بأسانيدهم ‪ ،‬وصححه اللباني ‪.‬‬
‫هذا الحديث يؤكد ‪:‬‬
‫‪ .1‬أن مملكة داود وسليمان ‪ ،‬أي مملكة بني إسرائيل الولى ‪ ،‬كانت في‬
‫فلسطين ‪.‬‬
‫‪ .2‬أن سليمان عليه السلم ‪ ،‬بنى مدينة بيت المقدس ‪.‬‬
‫‪ .3‬أن سليمان عليه السلم ‪ ،‬هو أول من بنى المسجد القصى ‪.‬‬
‫وأما التسمية بالمسجد فهي التسمية السلمية له ‪ ،‬وجاءت بعد حادثة السراء ‪،‬‬
‫وأما في عهد سليمان عليه السلم ‪ ،‬فقد جاءت تسميته في القرآن بالصرح ‪) ،‬‬
‫ح ( ‪ ،‬وأما الترجمة العربية للتوراة فأعطته اسم الهيكل ‪،‬‬ ‫صْر َ‬‫خِلي ال ّ‬ ‫ِقيَل لََها اْد ُ‬
‫والمعنى لكلتا التسميتين واحد ‪ ،‬وهو البناء الضخم المرتفع ‪ .‬وعلى كل الحوال‬
‫فإن المسجد القصى القائم حاليا ‪ ،‬يجثم في نفس المكان الذي أقيم فيه صرح‬
‫سليمان ‪ ،‬والغريب أن الكثير من أئمة المسلمين وعامتهم ‪ ،‬ينكرون هذه الحقيقة‬
‫‪ ،‬ربما ظنا منهم أن اعترافهم بها ‪ ،‬يعطي الصهاينة حقا في هدم المسجد ‪ ،‬وبناء‬
‫هيكلهم مكانه ‪ ،‬وُيسقط أحقّية المسلمين فيه ‪ ،‬وُيضعف موقفهم في الدفاع عنه ‪،‬‬
‫حتى وصل المر ببعضهم إلى مخالفة النص القرآني ‪ ،‬وإنكار حتى تواجدهم‬
‫في الرض المقدسة جملة وتفصيل ‪.‬‬
‫قبلة اليهود هي الصخرة المشّرفة ‪:‬‬
‫صه " قال المام احمد ‪ ،‬حدثنا اسود بن‬
‫جاء في البداية والنهاية لبن كثير ‪ ،‬ما ن ّ‬
‫عامر ‪ ،‬ثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬عن أبي سنان ‪ ،‬عن عبيد بن آدم ‪ ،‬وأبي مريم وأبي‬
‫شعيب ‪ :‬أن عمر بن الخطاب ‪ ،‬كان بالجابية فذكر فتح بيت المقدس ‪ ،‬قال ‪ :‬قال‬
‫‪126‬‬
‫ابن سلمة ‪ ،‬فحدثني أبو سنان ‪ ،‬عن عبيد بن آدم سمعت عمر يقول لكعب ‪" :‬‬
‫أين ترى أن أصلي " ‪ ،‬قال ‪ " :‬إن أخذت عني صليت خلف الصخرة ‪ ،‬وكانت‬
‫القدس كلها بين يديك " ‪ ،‬فقال عمر ‪ " :‬ضاهيت اليهودية ‪ .‬ل ‪ ،‬ولكن أصلي‬
‫حيث صلى رسول ال صلى ال عليه وسلم " ‪ ،‬فتقدم إلى القبلة فصلى ‪ ،‬ثم جاء‬
‫فبسط ردائه ‪ ،‬وكنس الكناسة في ردائه ‪ ،‬وكنس الناس ‪ .‬وهذا إسناد جيد ‪،‬‬
‫اختاره الحافظ ضياء الدين المقدسي ‪ ،‬في كتابه المستخرج " ‪.‬‬
‫وجاء في تاريخ الطبري في رواية أخرى ‪ ،‬أن عمر أجاب كعب بقوله ‪ " :‬فإنا‬
‫لم نؤمر بالصخرة ولكّنا ُأمرنا بالكعبة " ‪.‬‬
‫ونقول أن مفاد الرواية أن كعب ‪ ،‬لما أشار على عمر بالصلة خلف الصخرة ‪،‬‬
‫أراد منه أن يجمع القبلتين في صلته ‪ ،‬فأبى عمر وصلى ‪ ،‬جاعل وجه تلقاء‬
‫الكعبة ‪ ،‬والصخرة من وراء ظهره ‪.‬‬
‫الصلة في الشريعة الموسوية ‪:‬‬
‫لنوضح المر ‪ ،‬نحتاج إلى معرفة طبيعة العبادة في شريعة موسى عليه‬
‫السلم ‪ ،‬فالصلة لديهم كانت تؤّدى بشكل فردي في البيت أو فيما ُيسّمى‬
‫خيِه ‪،‬‬ ‫سى َوَأ ِ‬ ‫حْيَنا ِإَلى ُمو َ‬
‫بالمحراب ‪ ،‬في المعبد المقدس ) أي الهيكل ( ‪َ ) ،‬وَأْو َ‬
‫شرِ‬
‫لَة ‪َ ،‬وَب ّ‬ ‫صَ‬‫جَعُلوا ُبُيوَتُكْم ِقْبَلًة ‪َ ،‬وَأِقيُموا ال ّ‬‫صَر ُبُيوًتا ‪َ ،‬وا ْ‬
‫ن َتَبّوآ ِلَقْوِمُكَما ِبِم ْ‬ ‫َأ ْ‬
‫ن )‪ 87‬يونس ( ‪ ،‬والمحراب عبارة عن غرفة صغيرة منعزلة ‪،‬‬ ‫اْلُمْؤِمِني َ‬
‫صصة للصلة والدعاء والذكر ‪ ،‬والغلب أنها كانت تقام مرتفعة عن‬ ‫مخ ّ‬
‫الرض ‪ ،‬وهي أشبه ما يكون بالعلّية أو السّدة ‪ ،‬وقد ارتبط ذكر المحراب في‬
‫القرآن ‪ ،‬بأنبياء بني إسرائيل الوائل في فلسطين داود وسليمان ‪َ ) ،‬وَهْل َأَتا َ‬
‫ك‬
‫ب )‪ 21‬ص ( ‪ ،‬وبآخر أنبيائهم زكريا ويحيى )‬ ‫حَرا َ‬
‫سّوُروا اْلِم ْ‬ ‫صِم ِإْذ َت َ‬
‫خ ْ‬ ‫َنَبُأ اْل َ‬
‫ب )‪ 39‬آل عمران ( ‪.‬‬ ‫حَرا ِ‬ ‫صّلي ِفي اْلِم ْ‬‫لِئَكُة َوُهَو َقاِئٌم ُي َ‬ ‫َفَناَدْتُه اْلَم َ‬
‫الصرح أو الهيكل ‪ ،‬كيفية بناءه وصفته وموقعه ‪:‬‬
‫أما الصرح فعلى ما يبدو أنه كان أعجوبة من أعاجيب الزمان ‪ ،‬وأن من قام‬
‫ببنائه وصناعة محتوياته هم الجن والشياطين ‪ ،‬وأن مادة البناء كانت من‬
‫النحاس والزجاج ومواد أخرى ما عدا الحجارة ‪ ،‬وأنه اشتمل على المحاريب‬
‫والتماثيل والواني النحاسية الصغيرة ‪ ،‬والحواض أو البرك المائية الضخمة‬
‫المصنوعة من النحاس ‪ ،‬والجواهر والكنوز من لؤلؤ ومرجان وغيرها ‪ ،‬مما‬
‫‪127‬‬
‫غِفْر ِلي‬ ‫با ْ‬ ‫كانت تستخرجه الشياطين من أعماق البحار ‪ .‬قال تعالى ) َقاَل َر ّ‬
‫خْرَنا َلُه‬
‫سّ‬ ‫ب )‪َ (35‬ف َ‬ ‫ت اْلَوّها ُ‬
‫ك َأْن َ‬
‫ن َبْعِدي ِإّن َ‬‫حٍد ِم ْ‬‫ب ِلي ُمْلًكا َل َيْنَبِغي لَِ َ‬ ‫َوَه ْ‬
‫ص)‬‫غّوا ٍ‬ ‫ن ُكّل َبّناٍء َو َ‬‫طي َ‬‫شَيا ِ‬
‫ب )‪َ (36‬وال ّ‬ ‫صا َ‬‫ث َأ َ‬ ‫حْي ُ‬‫خاًء َ‬ ‫جِري ِبَأْمِرِه ُر َ‬ ‫الّريحَ َت ْ‬
‫ن َيَدْيِه‬‫ن َيْعَمُل َبْي َ‬
‫ن َم ْ‬‫جّ‬ ‫ن اْل ِ‬
‫طِر ‪َ ،‬وِم ْ‬‫ن اْلِق ْ‬‫عْي َ‬
‫سْلَنا َلُه َ‬
‫‪ 37‬ص ( وقال أيضا ) َوَأ َ‬
‫ن َلُه‬‫سِعيِر )‪َ (12‬يعَْمُلو َ‬ ‫ب ال ّ‬‫عَذا ِ‬
‫ن َ‬ ‫ن َأْمِرَنا ُنِذْقُه ِم ْ‬
‫عْ‬ ‫غ ِمْنُهْم َ‬‫ن َيِز ْ‬‫ن َرّبِه َوَم ْ‬‫ِبِإْذ ِ‬
‫عَمُلوا‬ ‫ت‪،‬ا ْ‬ ‫سَيا ٍ‬‫ب ‪َ ،‬وُقُدوٍر َرا ِ‬ ‫ن َكاْلجََوا ِ‬
‫جَفا ٍ‬‫ب ‪َ ،‬وَتَماِثيَل ‪َ ،‬و ِ‬ ‫حاِري َ‬‫ن َم َ‬‫شاُء ِم ْ‬ ‫َما َي َ‬
‫شُكوُر )‪ 13‬سبأ ( ‪.‬‬ ‫عَباِدي ال ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫شْكًرا َوَقِليٌل ِم ْ‬‫آَل َداُووَد ُ‬
‫وأستطيع وصف هذا الصرح بأنه بناء ضخم ومرتفع ‪ ،‬كانت الصخرة تقع في‬
‫مركزه ‪ ،‬تحيط بها ساحة واسعة ‪ ،‬أرضيتها من الزجاج المصقول ‪ُ ،‬يرى من‬
‫خللها ماء يجري أسفل منها ‪ ،‬أو ماء راكد في أحواض مائية ‪ ،‬وضع فيها ما‬
‫استجلبه سليمان من المناظر والمشاهد البحرية ‪ ،‬مما استخرجته له الشياطين‬
‫من أعماق البحر ‪ ،‬وعلى أطراف تلك الساحة أقيمت المحاريب العديدة للعبادة‬
‫من كل جانب ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬
‫وقد سمعت من زميل لي زار المسجد وتجّول فيه ‪ ،‬أن هناك آبارا وأحواضا‬
‫مائية ‪ ،‬تحت ساحة المسجد القصى مباشرة ‪ ،‬فإذا كان ذلك صحيحا ‪ ،‬ومع‬
‫علمنا بأن المسجد القصى ُبني في نفس موقع المسجد السابق ‪ ،‬وأن الصخرة‬
‫هي القبلة الفعلية لليهود ‪ ،‬فهذا المر ُيؤكد ‪ ،‬أن الصرح الذي كان قد ُبني في‬
‫عهد سليمان عليه السلم ‪ ،‬هو المسجد الذي دخله أولئك المبعوثين أول مرة ‪،‬‬
‫وخّربوه ونهبوا محتوياته ‪ ،‬فلم يبق له أثر ُيذكر ‪ ،‬وعدم وجود آثار له ‪ُ ،‬يؤكد‬
‫أن هذا الصرح ‪ ،‬لم يتم بناءه بالطرق المألوفة ‪ ،‬سواء بهندسة البناء أو بالمواد‬
‫المستخدمة ‪ ،‬فُبناته هم الجن والشياطين ‪ ،‬وبالتأكيد طريقتهم في البناء تختلف‬
‫عن طريقة البشر ‪ ،‬وطبيعة المواد المستخدمة تختلف عما يستخدمه البشر ‪،‬‬
‫وربما يكون هذا الصرح الخرافي ‪ ،‬هو ما دفع نبوخذ نصر صاحب حدائق‬
‫بابل المعّلقة ‪ ،‬للغارة على بني إسرائيل في المرة الولى ‪ ،‬لنهب محتوياته ‪.‬‬
‫حكمة سليمان عليه السلم وخرافات ألف ليلة وليلة ‪:‬‬
‫الروايات الموجودة في كتب التفسير ‪ ،‬عن قصة سليمان وحبه لملكة سبأ ‪،‬‬
‫ورغبته في الزواج منها ‪ ،‬وإدخالها إلى الصرح لرؤية ساقيها ‪ ،‬فيما إذا كان‬
‫عليهما شعر ‪ ،‬أو أن قدميها كحوافر الحمار ‪ ،‬لن أبوها أو أمها من الجن …‬
‫إلى آخره ‪ .‬مما ليس له أصل حتى في التوراة ‪ ،‬جرّدت سليمان عليه السلم من‬
‫‪128‬‬
‫حكمته ‪ ،‬في الدعوة إلى ال ‪ ،‬وجعلت منه رجل مزواجا شهوانيا ‪ ،‬كما أراد له‬
‫أعداء ال وأعداء أنبياؤه أن يكون ‪.‬‬
‫حكمة الهدهد ‪:‬‬
‫ولكي نفهم ما جرى من حوار وأحداث ‪ ،‬بين سليمان وملكة سبأ ‪ ،‬دعنا نتمعن‬
‫ل ‪َ ،‬وَزّينَ‬
‫ن ا ِّ‬
‫ن ُدو ِ‬
‫س ِم ْ‬‫شْم ِ‬ ‫ن ِلل ّ‬
‫جُدو َ‬
‫سُ‬ ‫جْدُتَها َوَقْوَمَها َي ْ‬
‫قليل في قول الهدهد ) َو َ‬
‫ن )‪ 24‬النمل ( ‪،‬‬ ‫سِبيِل ‪َ ،‬فُهْم َل َيْهَتُدو َ‬
‫ن ال ّ‬‫عْ‬ ‫صّدُهْم َ‬‫عَماَلُهْم ‪َ ،‬ف َ‬
‫ن َأ ْ‬
‫طا ُ‬
‫شْي َ‬
‫َلُهْم ال ّ‬
‫يقول الهدهد أنه وجدها هي وقومها ‪ ،‬يعبدون الشمس من دون ال ‪ ،‬ويعّلل ذلك‬
‫بقوله أن الشيطان زّين لهم أعمالهم ‪ ،‬بمعنى أن الشيطان فتنهم وأوهمهم ‪،‬‬
‫طل عقولهم‬ ‫وزّين لهم الباطل على أنه الحق ‪ ،‬وعّمى سمعهم وأبصارهم ‪ ،‬فع ّ‬
‫عن تمييز الحقيقة من الوهم ‪ ،‬فحرمهم القدرة على الحكم على معتقداهم ‪ ،‬أهي‬
‫خطا أم صواب ‪ ،‬فعبدوا الشمس على أنها ربهم ‪ ،‬وبذلك صّدهم عن السبيل ‪،‬‬
‫أي منعهم من الوصول إلى الحقيقة ‪ ،‬وهي أن ال هو ربهم ‪ ،‬فما دامت‬
‫أبصارهم قد عميت ‪ ،‬ويعتقدون بصوابية عبادة الشمس ‪ ،‬فمن أين لهم الهداية ‪،‬‬
‫جهها الهدهد لسليمان ‪ ،‬من خلل هذا‬ ‫وهم على حالهم تلك ‪ .‬والرسالة التي و ّ‬
‫القول ‪ ،‬هي أنهم بحاجة لمن يهديهم ‪ ،‬وُيزيل الغشاوة عن أبصارهم ‪ .‬فتكّفل‬
‫سليمان عليه السلم بهدايتهم ‪ ،‬وبإزالة هذه الغشاوة ‪ ،‬لعلهم ُيبصرون ومن ثم‬
‫خصَ حالتهم‬ ‫ح الهدهد ‪ ،‬وش ّ‬ ‫يهتدون ‪ ،‬بما أوتي من علم وحكمة ‪ ،‬بعد أن شّر َ‬
‫المرضية ‪ ،‬وأعطى سليمان مفاتيح الحل ‪ ،‬والن دعنا نتعلم منه عليه السلم ‪،‬‬
‫هذا الدرس العملي في الدعوة إلى ال ‪.‬‬
‫الدعوة إلى ال ‪:‬‬
‫عَليّ‬
‫كان أول خطاب وجهه سليمان لملكة سبأ وقومها ‪ ،‬هو قوله ) َأّل َتْعُلوا َ‬
‫ن )‪ ، (31‬خطابا حازما واثقا قويا ومزلزل ‪ ،‬وكانت هذه هي‬ ‫سِلِمي َ‬
‫َوْأُتوِني ُم ْ‬
‫الضربة الولى ‪ ،‬في جدار معتقداتهم الوثنية المتأصلة في نفوسهم ‪ ،‬فقد كانت‬
‫هي وقومها يعبدون الشمس ‪ ،‬ولم يكن لديهم علم بوجود إله آخر ‪ ،‬أولى بالعبادة‬
‫من غيره ‪ ،‬ولكن هل أطاعت ؟ بالطبع ل ‪ ،‬فتغيير معتقدات البشر عملية صعبة‬
‫جدا ‪ ،‬وتحتاج إلى أكثر من ذلك ‪ ،‬وتحتاج إلى علم وحكمة وصبر – وانظر‬
‫في سيرة نبي الهدى عليه الصلة والسلم مع كفار قريش لتحويلهم من عبادة‬
‫إلى الصنام إلى عبادة ال ‪ -‬ولكن هل تأثرت بذلك العرض القوي ؟ بالطبع‬
‫‪129‬‬
‫نعم ‪ ،‬فردت بالهدية – وكان بإمكانها عدم الرد – وذلك لتتأكد من جدّية سليمان‬
‫عليه السلم ‪ ،‬ولَتعِرف مع من تتعامل ‪ ،‬فهي ذكية وحكيمة أيضا ‪ ،‬وتعي‬
‫موقعها وعظم المسؤولية الملقاة على عاتقها ‪ ،‬بعكس ملها ذوي القوة والبأس‬
‫عّزَة‬‫جَعُلوا َأ ِ‬‫سُدوَها َو َ‬ ‫خُلوا َقْرَيًة َأْف َ‬ ‫ك ِإَذا َد َ‬
‫ن اْلُمُلو َ‬‫ت ِإ ّ‬
‫الشديد ‪ ،‬ودللة ذلك ) َقاَل ْ‬
‫جُع‬‫ظَرٌة ِبَم َيْر ِ‬
‫سَلٌة ِإَلْيِهْم ِبَهِدّيٍة َفَنا ِ‬
‫ن )‪َ (34‬وِإّني ُمْر ِ‬ ‫ك َيْفَعُلو َ‬ ‫َأْهِلَها َأِذّلًة َوَكَذِل َ‬
‫ن )‪ (35‬فأعاد الهدية ‪ ،‬ووجه لها تهديدا صارما وحازما وأخيرا ‪) ،‬‬ ‫سُلو َ‬ ‫اْلُمْر َ‬
‫جّنُهْم ِمْنَها َأِذّلًة َوُهْم‬‫خِر َ‬‫جُنوٍد َل ِقَبَل َلُهْم ِبَها َوَلُن ْ‬‫جْع ِإَلْيِهْم َفَلَنْأِتَيّنُهْم ِب ُ‬
‫اْر ِ‬
‫ن )‪ ، (37‬فاستوعبت الرسالة ‪ ،‬وهي أن ما لدى سليمان ‪ ،‬خير مما‬ ‫غُرو َ‬ ‫صا ِ‬
‫َ‬
‫لديها ‪ ،‬وأن هذا التهديد ‪ ،‬ل يصدر إل عّمن يعلم حجم قوتها ‪ ،‬ولديه من القوة‬
‫أضعاف ما تملك ‪ ،‬وأن ما يريده لجلها شيئا آخر ‪.‬‬
‫التيان بالعرش وتنكيره ‪:‬‬
‫لذلك حملت قومها وأتته على جناح من السرعة ‪ ،‬وفي طريقها إليه ‪ ،‬كان عليه‬
‫السلم ُيعّد لها الضربة الثانية ‪ ،‬فطلب عرشها وأمر بتنكيره ‪ ،‬وعّلة ذلك كانت‬
‫ن )‪ ، (41‬لختبار مدى استعدادها‬ ‫ن لَ َيْهَتُدو َ‬
‫ن اّلِذي َ‬
‫ن ِم ْ‬ ‫ظْر َأَتْهَتِدي َأْم َتُكو ُ‬
‫) َنن ُ‬
‫للهداية للدين الجديد ‪ ،‬وليس المقصود هو اهتدائها إلى العرش ‪ .‬كان هّمه عليه‬
‫السلم هدايتها وقومها ‪ ،‬وليس الزواج منها ‪ ،‬كما صّورته بعض الروايات في‬
‫كتب التفسير ‪.‬‬
‫وكان جلب العرش بحّد ذاته ‪ ،‬كفيل بتحطيم ذلك الجدار الذي تمترست خلفه ‪.‬‬
‫طم بداخلها فعل عندما رأته وعرفته ‪ ،‬لكنها أضمرت ذلك وتمالكت‬ ‫وقد تح ّ‬
‫ف ‪ ،‬وكان بمقدورها أن تعترف بأّنه‬ ‫سئلت عنه ‪ ،‬لم ُتثِبت ولم َتن ِ‬ ‫نفسها ‪ .‬ولما ُ‬
‫جلت ذلك ‪ .‬والسبب هو ذلك الجدار‬ ‫عرشها ‪ ،‬وأن ُتسلم على الفور ولكنها أ ّ‬
‫ل ( ‪ ،‬أي الغشاوة التي أعمت بصرها‬ ‫ن ا ِّ‬‫ن ُدو ِ‬‫ت َتْعُبُد ِم ْ‬
‫صّدَها َما َكاَن ْ‬
‫نفسه ) َو َ‬
‫وبصيرتها ‪ ،‬وخوفها من قومها أيضا ‪ ،‬فقالت ) َكَأّنُه ُهَو ( ‪ ،‬وحتى لو ُأجر َ‬
‫ي‬
‫على متاعك ‪ ،‬الكثير من التعديلت ‪ ،‬فستبقى أشياء كثيرة تدلك عليه ‪ ،‬فكانت‬
‫إجابتها حكيمة وغاية في التعقل ‪ ،‬فلم تثبت وتسلم أسلحتها الواهية من الوهلة‬
‫الولى ‪ ،‬محافظة منها على كبريائها كملكة ‪ ،‬ولم تنف ‪ ،‬لنها تعلم وقومها‬
‫ويعلم سليمان وقومه علم اليقين ‪ ،‬أنه هو بعينه ‪ ،‬فتدل على كبرياء أجوف وعن‬
‫ك كانت هي السلم ‪.‬‬ ‫بلهة وغباء ‪ ،‬فإجابتها الموسومة بالش ّ‬

‫‪130‬‬
‫كانت تعلم بحكمتها أن هناك شيئا آخر ينتظرها ‪ ،‬سيأتي أوانه بعد حين ‪،‬‬
‫فكشفت بهذه الجابة لسليمان عن استعدادها للهداية ‪ ،‬فيما لو عرض عليها‬
‫برهانا دامغا وقاطعا ‪ .‬ولكن ما الذي فعله سليمان حقيقة في هذا الموقف ؟ كان‬
‫إحضار عرشها ‪ ،‬لظهار مدى عظم ملكه الموهوب له من قبل ربه ‪ ،‬وكان‬
‫تنكير العرش ليقاظ حاسة البصر فيها ودقة الملحظة ‪ ،‬وتحفيزا لعقلها‬
‫وقلبها ‪ ،‬ولما اهتدت إلى إنه عرشها ‪ ،‬أخذتها العزة بالثم شيئا قليل ‪ ،‬فكابرت‬
‫حتى حين ‪.‬‬
‫دخول الصرح ‪:‬‬
‫فكانت الضربة الثالثة والخيرة ‪ ،‬أي القاضية التي سّوت ذلك الجدار‬
‫ح ( ‪ ،‬فما الذي كان في‬
‫صْر َ‬
‫خِلي ال ّ‬
‫بالرض ‪ ،‬ولم تترك له أثرا ‪ِ ) ،‬قيَل َلَها اْد ُ‬
‫الصرح ؟ كانت أرضية الصرح من زجاج مصقول ‪ ،‬ومن تحت الزجاج ماء ‪،‬‬
‫وعندما شاهدت الماء ‪ ،‬رفعت ثوبها خوفا من البلل ‪ ،‬وهّمت بالمشي فيه ‪) ،‬‬
‫ساَقْيَها ( فتبسم سليمان وكأنه خاطبها‬‫ن َ‬ ‫عْ‬ ‫ت َ‬
‫شَف ْ‬
‫جًة َوَك َ‬
‫سَبْتُه ُل ّ‬
‫ح ِ‬
‫َفَلّما َرَأْتُه َ‬
‫ضاحكا ‪ :‬لقد كنت واهمة ‪ ،‬فلن يصل الماء إلى ثوبك فأنزليه وتقدمي ‪ ،‬فهذا )‬
‫ن َقَواِريَر ( فأنزلته ودخلت ‪ ،‬ولما لمست قدميها الزجاج تبين‬ ‫ح ُمَمّرٌد ِم ْ‬‫صْر ٌ‬
‫َ‬
‫لها بطلن ما اعتقدت ‪ .‬وهنا مربط الفرس ‪ ،‬فما كان منها إل أن خجلت ‪ ،‬من‬
‫وهمها وانعدام بصيرتها ‪ ،‬وذهاب عقلها وحكمتها وضللها في تلك اللحظة ‪ ،‬إذ‬
‫لم تستطع تمييز الزجاج من الماء ‪ ،‬فاستوعبت على الفور ‪ ،‬مضمون الرسالة‬
‫التي وجهها لها سليمان ‪.‬‬
‫العبرة ‪:‬‬
‫ق ‪ ،‬بينما يكون في الحقيقة على باطل ‪،‬‬ ‫ن النسان بجهله أنه على ح ّ‬ ‫فقد يظ ّ‬
‫وهذا هو حالها وقومها بعبادة الشمس من دون ال ‪ ،‬وأنه دعاها إلى الحق عن‬
‫سكت بالباطل عن جهل ‪ ،‬فتبينت بالتجربة والبرهان بطلن معتقدها ‪،‬‬ ‫علم ‪ ،‬فتم ّ‬
‫ق مع سليمان ‪ ،‬فاستجابت على الفور لدعوة سليمان الولى ‪ ،‬قائلة )‬ ‫وأن الح ّ‬
‫ن لِّ‬‫سَلْيَما َ‬
‫ت َمَع ُ‬
‫سَلْم ُ‬
‫سي ( باتباع الباطل عن غير علم ‪َ ) ،‬وَأ ْ‬‫ت َنْف ِ‬
‫ظَلْم ُ‬
‫ب ِإّني َ‬ ‫َر ّ‬
‫ن )‪ 44‬النمل ( ‪ ،‬فما كان من قومها إل أن تبعوها ‪ ،‬وعادت إلى‬ ‫ب اْلَعاَلِمي َ‬
‫َر ّ‬
‫جح أن سليمان لم يتزوجها ‪ ،‬وال أعلم ‪ ،‬ودانت بعد‬ ‫مملكتها لهداية قومها ‪ ،‬وُأر ّ‬
‫ذلك مملكتها لسليمان دينيا ‪ ،‬وليس عسكريا ‪ ،‬وبقيت العلقات والمصالح‬
‫‪131‬‬
‫التجارية وغيرها قائمة بين الدولتين ‪ ،‬مرورا بجزيرة العرب ‪ ،‬لفترة طويلة ‪،‬‬
‫حسبما تثبته سورة سبأ )‪ ، (20 – 15‬وفيما بعد كفر قوم سبأ إل قليل منهم ‪،‬‬
‫ومع تقادم الزمن انقطعت تلك العلقة ‪.‬‬
‫بنو إسرائيل في عصر سليمان ‪:‬‬
‫أما بني إسرائيل في عصر سليمان ‪ ،‬فلم يختلفوا كثيرا عما كانوا عليه ‪ ،‬في‬
‫عصر موسى وداود ‪ ،‬حيث كانوا على الدوام فاسدين كأفراد ‪ ،‬إل من رحم‬
‫ال ‪ ،‬وما اختلف عليهم في عصر سليمان ‪ ،‬أن سليمان ساسهم بالقوة‬
‫والسلطان ‪ ،‬وكان يأخذهم إلى القتال ‪ ،‬وهم بطبيعتهم له كارهون ‪ ،‬قال تعالى )‬
‫ن )‪ 17‬النمل ( ‪،‬‬‫عو َ‬
‫س َوالطّْيِر َفُهْم ُيوَز ُ‬
‫ن َواِْلْن ِ‬
‫جّ‬
‫ن اْل ِ‬
‫جُنوُدُه ِم ْ‬
‫ن ُ‬
‫سَلْيَما َ‬
‫حشَِر ِل ُ‬
‫َو ُ‬
‫جمع ‪ ،‬ويوزعون أي يساقون بانضباط ‪ ،‬ول يتقدم آخرهم على‬ ‫وحشر أي ُ‬
‫أولهم ‪.‬‬
‫هل تحّقق العلو الول لبني إسرائيل في فلسطين ؟‬
‫وأما سبق دخولهم للرض المقدسة ‪ ،‬فقد قال فيه سبحانه ‪ ،‬على لسان موسى‬
‫ل َلُكْم )‪ 21‬المائدة (‬ ‫ب ا ُّ‬‫سَة اّلِتي َكَت َ‬‫ض اْلُمَقّد َ‬
‫خُلوا الَْْر َ‬
‫عليه السلم ‪َ ) ،‬يَقْوِم اْد ُ‬
‫ن َكاُنوا‬
‫أي ُكتب لبني إسرائيل دخولها ‪ ،‬وقال سبحانه ) َوَأْوَرْثَنا اْلَقْوَم اّلِذي َ‬
‫ض َوَمَغاِرَبَها اّلِتي َباَرْكَنا ِفيَها )‪ 137‬العراف ( أي‬ ‫ق الَْْر ِ‬ ‫شاِر َ‬ ‫ن َم َ‬
‫ضَعُفو َ‬
‫سَت ْ‬
‫ُي ْ‬
‫ملكوها وسكنوها ‪ ،‬وذلك بعد انقضاء سنوات التحريم والتيه الربعين ‪.‬‬
‫والرض المبارك فيها هي فلسطين ‪ ،‬ومشارقها ومغاربها أي كلها ‪ ،‬من النهر‬
‫إلى البحر ‪ ،‬وهذه هي حدود الرض المقّدسة والمباركة ‪ ،‬وحدود مملكة اليهود‬
‫القديمة ‪ .‬لنخلص إلى أن الرض المقّدسة والمباركة هي فلسطين فقط ‪ ،‬وليس‬
‫بلد الشام عامة ‪ .‬إذ أن موسى عليه السلم ‪ ،‬كان يتواجد وقومه شرقي نهر‬
‫الردن ‪ ،‬ولو كان شرق النهر أرضا مقّدسة ‪ ،‬لما قال ادخلوا الرض المقدسة‬
‫وهو بداخلها أصل ‪ .‬وشرق النهر لم يوّرث لبني إسرائيل ‪ ،‬وإنما أقاموا فيه‬
‫فترة الغضب اللهي عليهم ‪ ،‬ومن ثم تركوها وارتحلوا إلى فلسطين ‪.‬‬
‫وصلنا إلى مرحلة تحقق العلو ‪ ،‬بوحي من ال وقيادة أنبياؤه وملوكه ‪ ،‬وكان‬
‫هذا هو العلو الول لبني إسرائيل ‪ ،‬وأما الفساد فلم يكن قد وقع منهم بعد ‪،‬‬
‫كون الملك اقترن بالنبوة ‪ ،‬وما كان للنبياء عليهم السلم أن يفسدوا في الرض‬
‫‪ ،‬ونجد أن النبي التالي لسليمان في الذكر ‪ ،‬من أنبياء بني إسرائيل في القرآن ‪،‬‬
‫‪132‬‬
‫هو زكريا ومن بعده يحيى ‪ ،‬وكان آخرهم عيسى عليهم السلم جميعا ‪ .‬وقد‬
‫بعث الثلثة بالتتابع وعاصر بعضهم بعضا ‪ ،‬وكان ذلك بعد فترة طويلة من‬
‫وفاة سليمان ‪ ،‬وبعد عيسى لم ُيبعث فيهم أنبياء ‪ ،‬ويقّدر المؤرخون بأن المدة ما‬
‫بين سليمان وعيسى ‪ ،‬بأكثر من ‪ 900‬سنة ‪.‬‬
‫وما كان بعث عيسى عليه السلم بالنجيل ‪ ،‬إل لتجديد الشريعة التي جاء بها‬
‫موسى ‪ ،‬بعد أن أضاع بنو إسرائيل التوراة واختلفوا في أمرها ‪ .‬قال تعالى )‬
‫ض الِّذي‬
‫ن َلُكْم َبْع َ‬
‫حْكمَِة َوُِلَبّي َ‬
‫جْئُتُكْم ِباْل ِ‬
‫ت َقاَل َقْد ِ‬‫سى ِباْلَبّيَنا ِ‬
‫عي َ‬
‫جاَء ِ‬‫َوَلّما َ‬
‫ن )‪ 63‬الزخرف ( ‪ .‬وُيثبت التاريخ أن بعث‬ ‫طيُعو ِ‬‫ل َوَأ ِ‬
‫ن ِفيِه َفاّتُقوا ا َّ‬
‫خَتِلُفو َ‬
‫َت ْ‬
‫عيسى عليه السلم ‪ ،‬كان في زمن الحكم الروماني للمنطقة ‪ ،‬مما يعني أن هذا‬
‫صل عليه بنو إسرائيل قد زال واندثر ‪ .‬مما يترتب عليه أن‬ ‫العلو الذي تح ّ‬
‫الفساد قد وقع ‪ ،‬وأن البعث قد تحقق ‪ ،‬في الفترة الممتدة ما بين سليمان‬
‫وعيسى عليهما السلم ‪ ،‬في زمن أقرب إلى حكم سليمان منه إلى بعث عيسى ‪.‬‬
‫المملكة اليهودية بعد سليمان ‪:‬‬
‫وليس من المعقول أن نجزم بأن مملكة سليمان انهارت بموته ‪ .‬وبما أن نظام‬
‫الحكم ‪ ،‬كان ملكيا وراثيا كما أقّره القرآن ‪ ،‬فل بد أن يكون الملك ‪ ،‬قد انتقل إلى‬
‫أحد أبناء سليمان ‪ ،‬الذين لم يكونوا أنبياء في واقع الحال ‪ ،‬فالنبوة آنذاك خرجت‬
‫من الملك ‪ ،‬وأصبحت في عامة الشعب ‪ ،‬وهنا تحّرر العصاة والمعتدين من‬
‫اليهود ‪ ،‬من عبدة المال والسلطة تجارا ومرابين ‪ ،‬من حكم وملك النبياء ‪،‬‬
‫حيث كان الوحي يقف سّدا منيعا ‪ ،‬أمام طموحاتهم وأحلمهم ‪ ،‬في نهب ثروات‬
‫حَياَة الّدْنَيا‬
‫ن اْل َ‬
‫ن ُيِريُدو َ‬
‫البلد والعباد ‪ ،‬فهم أبناء الذين قال فيهم تعالى ) َقاَل اّلِذي َ‬
‫ظيٍم )‪ 79‬القصص ( ‪.‬‬ ‫عِ‬
‫ظ َ‬‫حّ‬‫ن ِإّنُه َلُذو َ‬
‫ي َقاُرو ُ‬
‫َيَلْيتَ َلَنا ِمْثَل َما ُأوِت َ‬
‫وعلى مر السنين تغّيرت الحوال ‪ ،‬وتغلغل المرابين والتجار في أوساط‬
‫الحكم ‪ ،‬وتبادلوا المصالح والمنافع ‪ ،‬وأصبحوا من علية القوم ‪ ،‬ليفرضوا على‬
‫الملوك ‪ ،‬ما شاءوا من سياسات تخدم مصالحهم ‪ .‬ولو راجعت التوراة المؤرخ‬
‫الوحيد لتلك الفترة ‪ ،‬لوجدت أن عدد الملوك الذين تعاقبوا على الحكم ‪ ،‬على‬
‫مدى ‪ 300‬سنة تقريبا ‪ ،‬هو ‪ 22‬ملكا ‪ ،‬وهو عدد كبير نسبيا ‪ ،‬بمعدل ‪ 14‬سنة‬
‫حكم لكل ملك ‪ .‬وذلك لكثرة الغتيالت ‪ ،‬التي كان يدّبرها ويوقعها فيهم علية‬
‫القوم ‪ ،‬ومن والهم من الكهنة والحبار ‪ ،‬سواء من صلح أو فسد ‪ ،‬من هؤلء‬
‫الملوك ‪ .‬والملحظ أيضا أن معظم ملوكهم ‪ ،‬كانوا صغارا في السن ‪ ،‬وربما‬
‫‪133‬‬
‫كان ذلك هو الغاية من قتل آبائهم ‪ ،‬فوجود ملك صغير السن ‪ ،‬يسهل عليهم‬
‫السيطرة على شؤون الحكم ‪ ،‬ليكونوا هم خبرائه ومستشاريه ‪ ،‬وهذه هي‬
‫سياستهم في العصر الحالي ‪ ،‬في شتى بقاع الرض ‪ .‬وعلى الجانب الخر كان‬
‫هناك النبياء ‪ ،‬الذين لم ينقطع بعثهم في بني إسرائيل ‪ ،‬ليعيدوا أولئك العصاة‬
‫إلى حظيرة اليمان ‪ ،‬بدعوتهم إلى العودة إلى شرع ال ‪ ،‬وتذكيرهم وتحذيرهم‬
‫بما قضاه ال عليهم إن أفسدوا في الرض ‪.‬‬
‫تخبرنا كثير من اليات القرآنية عن إفساد بني إسرائيل ‪ ،‬حيث الشرك بال ‪،‬‬
‫وتكذيب فريق من النبياء ‪ ،‬وقتل فريق آخر ‪ ،‬وقتل أولياء ال من الناس ‪،‬‬
‫وسفك دماء فريقا من قومهم وإخراجهم من ديارهم ‪ ،‬وتحريف الكهنة والحبار‬
‫‪ ،‬لكتاب ال ليوافق أهواء علية القوم ‪ ،‬والعتداء على حدود ال ‪ ،‬وعصيان‬
‫أوامره ‪ ،‬وأكلهم الربا وأموال الناس بالباطل … إلى آخره ‪ .‬ومجمل هذه اليات‬
‫تخاطب بني إسرائيل كأمة ‪ .‬فأين ومتى وقع منهم هذا الفساد الممي … ؟!‬
‫وهل تحّقق الفساد الول ؟‬
‫سَتْكَبْرُتْم َفَفِريًقا َكّذْبُتمْ‬
‫سُكْم ا ْ‬
‫سوٌل ِبَما َل َتْهَوى َأنُف ُ‬ ‫جاَءُكْم َر ُ‬
‫قال تعالى ) َأَفُكّلَما َ‬
‫ن )‪ 87‬البقرة ( ‪ ،‬والخطاب هنا موجه لمن يملك سلطة القتل ‪ ،‬وهم‬ ‫َوَفِريًقا َتْقُتُلو َ‬
‫سادة الحكم وعلية القوم ‪ ،‬فتارة كانوا يكّذبون النبياء وأولياء ال ‪ ،‬الذين ُبعثوا‬
‫من قبله سبحانه للصلح ‪ ،‬وتارة يقتلونهم ‪ ،‬بدفع من الكهنة والحبار‬
‫ن ِبآَيا ِ‬
‫ت‬ ‫ن َيْكُفُرو َ‬ ‫ن اّلِذي َ‬‫والتجار ‪ ، ،‬لتعارض ذلك مع رغباتهم وأهوائهم ‪ِ ) ،‬إ ّ‬
‫ن الّنا ِ‬
‫س‬ ‫ط ِم ْ‬ ‫سِ‬ ‫ن ِباْلِق ْ‬
‫ن َيْأُمُرو َ‬
‫ن اّلِذي َ‬
‫ق َوَيْقُتُلو َ‬
‫حّ‬‫ن ِبَغْيِر َ‬
‫ن الّنِبّيي َ‬
‫ل َوَيْقُتُلو َ‬ ‫ا ِّ‬
‫ب َأِليٍم )‪ 21‬آل عمران ( ‪ ،‬فل أشّد وأعظم إفسادا في الرض عند‬ ‫شْرُهْم ِبَعَذا ٍ‬ ‫َفَب ّ‬
‫ال ‪ ،‬من قتل الناس وسفك دمائهم بغير حق ‪ ،‬فما بالك إذا كان القتل في أنبياء‬
‫ال وأولياءه الصالحين ‪ ،‬فهذا قّمة في الجرام والسراف والعصيان والتمرد‬
‫ن أن هناك إفساد في الرض ‪ُ ،‬يقارن بهذا الفساد ‪ ،‬فلم‬ ‫والعدوان ‪ ،‬ول أظ ّ‬
‫يسبق لقوم من القوام السابقين واللحقين ‪ ،‬أن قتلوا أنبياءهم سوى بني‬
‫إسرائيل ‪ ،‬وما إفسادهم الحالي في دولتهم الحالية ‪ ،‬إل صورة طبق الصل عن‬
‫الفساد الول في دولتهم الولى ‪ ،‬ولو ُبعث فيهم أنبياء في هذا العصر لقتلوهم‬
‫بل شك ‪ ،‬فقد قتلوا رئيس وزرائهم ) رابين ( ‪ ،‬بدفع وتحريض من‬
‫الحاخامات ‪ ،‬كونه لبس ثوب الصلح فقط ‪ ،‬بإظهاره شيئا من اللين مع‬
‫الفلسطينين ‪ ،‬ل لنه ُمصلح ‪.‬‬
‫‪134‬‬
‫ن‬
‫سُكْم ِم ْ‬ ‫ن َأنُف َ‬
‫جو َ‬ ‫خِر ُ‬‫ن ِدَماَءُكْم َوَل ُت ْ‬ ‫سِفُكو َ‬
‫خْذَنا ِميَثاَقُكْم لَ َت ْ‬ ‫قال تعالى ) َوِإْذ َأ َ‬
‫سكُْم‬
‫ن َأنُف َ‬
‫ن )‪ُ (84‬ثّم َأْنُتْم َهُؤَلء َتْقُتُلو َ‬ ‫شَهُدو َ‬‫ِدَياِرُكْم ُثّم َأْقَرْرُتْم َوَأْنُتْم َت ْ‬
‫ن َيْأُتوُكْم‬
‫ن َوِإ ْ‬‫عَلْيِهْم ِباِْلْثِم َواْلُعْدَوا ِ‬
‫ن َ‬‫ظَهُرو َ‬‫ن ِدَياِرِهْم َت َ‬
‫ن َفِريًقا ِمْنُكْم ِم ْ‬ ‫جو َ‬ ‫خِر ُ‬ ‫َوُت ْ‬
‫ض اْلِكَتا ِ‬
‫ب‬ ‫ن ِبَبْع ِ‬ ‫جُهْم َأَفُتْؤِمُنو َ‬
‫خَرا ُ‬
‫عَلْيُكْم ِإ ْ‬
‫حّرٌم َ‬
‫ساَرى ُتَفاُدوُهْم َوُهَو ُم َ‬ ‫ُأ َ‬
‫ض )‪ 85‬البقرة ( ‪ .‬توحي هاتين اليتين ‪ ،‬أن سادة الحكم كانوا‬ ‫ن ِبَبْع ٍ‬ ‫َوَتْكُفُرو َ‬
‫يستضعفون طائفة من قومهم ‪ ،‬ظلما وعلوا بغير وجه حق – وهذا نفس فعل‬
‫فرعون ‪ -‬فأوقعوا فيهم القتل ‪ ،‬والنهب والسلب ‪ ،‬وأخرجوهم من ديارهم‬
‫واستولوا عليها ‪ .‬فاضطروا إلى اللجوء إلى أرض أعدائهم ‪ ،‬وعلى ما يبدو أنهم‬
‫كانوا ُيجبرون على خوض المعارك ‪ ،‬إلى جانب أعداء مملكة بني إسرائيل ‪،‬‬
‫وعند وقوع المعركة ‪ ،‬كان هؤلء المستضعفين ُيحجمون عن قتال بني‬
‫جلدتهم ‪ ،‬ويقومون بتسليم أنفسهم ‪ ،‬ظّنا منهم بأن أبناء جلدتهم ‪ ،‬سيتركونهم‬
‫ليعودوا إلى أهليهم بعد انتهاء المعركة ‪ ،‬فما كان من أولئك الظلمة ‪ ،‬إل أن‬
‫عاملوهم كأسرى العدو ‪ ،‬فحبسوهم وطالبوا ذويهم بالفدية ‪.‬‬
‫وأما مظاهر الفساد الخرى فمنها ‪:‬‬
‫‪ .1‬الشرك بال ‪:‬‬
‫ت )‪51‬‬ ‫غو ِ‬ ‫طا ُ‬‫ت َوال ّ‬ ‫جْب ِ‬‫ن ِباْل ِ‬‫ب ُيْؤِمُنو َ‬ ‫ن اْلِكَتا ِ‬ ‫صيًبا ِم َ‬ ‫ن ُأوُتوا َن ِ‬ ‫) َأَلْم َتَر ِإَلى اّلِذي َ‬
‫النساء (‬
‫عَلْيِه َوجََعَل‬‫ب َ‬ ‫ض َ‬ ‫غ ِ‬ ‫ل َو َ‬‫ن َلَعَنُه ا ُّ‬‫ل َم ْ‬ ‫عْنَد ا ِّ‬‫ك َمُثوَبًة ِ‬ ‫ن َذِل َ‬‫شّر ِم ْ‬ ‫) ُقْل َهْل ُأَنّبُئُكْم ِب َ‬
‫سَواِء‬‫ن َ‬ ‫عْ‬ ‫ضّل َ‬ ‫شّر َمَكاًنا َوَأ َ‬ ‫ك َ‬ ‫ت ُأوَلِئ َ‬‫غو َ‬ ‫طا ُ‬ ‫عَبَد ال ّ‬
‫خَناِزيَر َو َ‬ ‫ِمْنُهُم اْلِقَرَدَة َواْل َ‬
‫سِبيِل )‪ 60‬المائدة (‬ ‫ال ّ‬
‫ن َمْرَيَم َوَما ُأِمُروا‬ ‫ح اْب َ‬‫سي َ‬ ‫ل َواْلَم ِ‬ ‫ن ا ِّ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫حَباَرُهْم َوُرْهَباَنُهْم َأْرَباًبا ِم ْ‬ ‫خُذوا َأ ْ‬‫) اّت َ‬
‫ن )‪ 31‬التوبة (‬ ‫شِرُكو َ‬ ‫عّما ُي ْ‬‫حاَنُه َ‬ ‫سْب َ‬
‫حًدا لَ ِإَلَه ِإلّ ُهَو ُ‬ ‫ِإّل ِلَيْعُبُدوا ِإَلًها َوا ِ‬
‫‪ .2‬نقض الميثاق وكتمان كلم ال وإخفائه وتحريفه ‪:‬‬
‫ن‬
‫عْ‬ ‫ن اْلَكِلَم َ‬‫حّرُفو َ‬ ‫سَيًة ُي َ‬‫جَعْلَنا ُقُلوَبُهْم َقا ِ‬ ‫ضِهْم ِميَثاَقُهْم َلَعّناُهْم َو َ‬ ‫) َفِبَما َنْق ِ‬
‫ل‬
‫خاِئَنٍة ِمْنُهْم ِإّل َقِلي ً‬
‫عَلى َ‬ ‫ظا ِمّما ُذّكُروا ِبِه َوَل َتَزاُل َتطِّلُع َ‬ ‫حّ‬ ‫سوا َ‬ ‫َمَواضِِعِه َوَن ُ‬
‫ن )‪ 13‬المائدة (‬ ‫سِني َ‬‫ح ِ‬
‫ب اْلُم ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ل ُي ِ‬‫ن ا َّ‬‫ح ِإ ّ‬‫صَف ْ‬‫عْنُهْم َوا ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ع ُ‬ ‫ِمْنُهْم َفا ْ‬
‫س َوَل َتْكُتُموَنُه َفَنَبُذوُه‬ ‫ب َلُتَبّيُنّنهُ ِللّنا ِ‬
‫ن ُأوُتوا اْلِكَتا َ‬ ‫ق اّلِذي َ‬‫ل ِميَثا َ‬ ‫خَذ ا ُّ‬‫) َوِإْذ َأ َ‬
‫ن )‪ 187‬آل عمران (‬ ‫شَتُرو َ‬ ‫س َما َي ْ‬‫ل َفِبْئ َ‬ ‫شَتَرْوا ِبِه َثَمًنا َقِلي ً‬ ‫ظُهوِرِهْم َوا ْ‬ ‫َوَراءَ ُ‬
‫‪135‬‬
‫‪ .3‬عبادة الجن والشياطين وتعلم السحر وممارسته ‪:‬‬
‫حاَنُه‬‫سْب َ‬
‫عْلٍم ُ‬‫ت ِبَغْيِر ِ‬‫ن َوَبَنا ٍ‬ ‫خَرُقوا َلُه َبِني َ‬
‫خَلَقُهْم َو َ‬ ‫ن َو َ‬‫جّ‬ ‫شَرَكاَء اْل ِ‬‫ل ُ‬ ‫جَعُلوا ِّ‬ ‫) َو َ‬
‫ن )‪ 100‬النعام (‬ ‫صُفو َ‬ ‫عّما َي ِ‬ ‫َوَتَعاَلى َ‬
‫ن َوَلِك ّ‬
‫ن‬ ‫سَلْيَما ُ‬
‫ن َوَما َكَفَر ُ‬ ‫سَلْيَما َ‬
‫ك ُ‬‫عَلى ُمْل ِ‬ ‫ن َ‬ ‫طي ُ‬‫شَيا ِ‬‫) َواتَّبُعوا َما َتْتُلو ال ّ‬
‫حَر )‪ 102‬البقرة (‬ ‫سْ‬ ‫س ال ّ‬ ‫ن الّنا َ‬ ‫ن َكَفُروا ُيَعّلُمو َ‬ ‫طي َ‬‫شَيا ِ‬
‫ال ّ‬
‫‪ .4‬الربا والسرقة والحتيال ‪:‬‬
‫ن‬
‫عَتْدَنا ِلْلَكاِفِري َ‬
‫طِل َوَأ ْ‬‫س ِباْلَبا ِ‬‫عْنُه َوَأْكِلِهْم َأْمَواَل الّنا ِ‬ ‫خِذِهُم الّرَبا َوَقْد ُنُهوا َ‬ ‫) َوَأ ْ‬
‫عَذاًبا َأِليًما )‪ 161‬النساء (‬ ‫ِمْنُهْم َ‬
‫س َما‬‫ت َلبِْئ َ‬‫ح َ‬‫سْ‬ ‫ن َوَأْكِلِهُم ال ّ‬‫ن ِفي اِْلْثِم َواْلُعْدَوا ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ساِر ُ‬ ‫) َوَتَرى َكِثيًرا ِمْنُهْم ُي َ‬
‫ن )‪ 62‬المائدة (‬ ‫َكاُنوا َيْعَمُلو َ‬
‫‪ .5‬ترك المر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪:‬‬
‫ن )‪ 79‬المائدة (‬ ‫س َما َكاُنوا َيْفَعُلو َ‬ ‫ن ُمْنَكٍر َفَعُلوُه َلِبْئ َ‬ ‫عْ‬ ‫ن َ‬ ‫) َكاُنوا َل َيَتَناَهْو َ‬
‫‪ .6‬نقض العهود والمواثيق ‪:‬‬
‫ن )‪(100‬‬ ‫ق ِمْنُهْم َبْل َأْكَثُرُهْم َل ُيْؤِمُنو َ‬ ‫عْهًدا َنَبَذُه َفِري ٌ‬ ‫عاَهُدوا َ‬ ‫) َأَوُكّلَما َ‬
‫وهكذا نستطيع القول ‪ ،‬بأن العلو الول والفساد الول لبني إسرائيل ‪ ،‬قد تحّققا‬
‫في الرض المقّدسة ‪ .‬وكانت بداية علوهم بملك داود ‪ ،‬ووصل إلى أقصى‬
‫مداه ‪ ،‬في عصر سليمان عليه السلم ‪ .‬وأما الفساد فكانت بدايته بعد وفاة‬
‫خر هذا الملك وهذه المملكة في‬ ‫سليمان عليه السلم … والسؤال الن هل تب ّ‬
‫الهواء … ؟! وهل مّر ذلك الفساد دون عقاب … ؟!‬
‫وهل تحقق البعث الول ؟‬
‫سا ِبَغْيِر َنْفسٍ‬ ‫ن َقَتَل َنْف ً‬‫سَراِئيَل ‪َ ،‬أّنُه َم ْ‬ ‫عَلى َبِني ِإ ْ‬ ‫ك َكَتْبَنا َ‬
‫جِل َذِل َ‬
‫ن َأ ْ‬
‫قال تعالى ) ِم ْ‬
‫حَياَها َفَكَأّنَما َأحَْيا‬‫ن َأ ْ‬‫جِميًعا َوَم ْ‬ ‫س َ‬ ‫ض (( ‪َ ،‬فَكَأّنَما َقَتَل الّنا َ‬ ‫ساٍد ِفي الَْْر ِ‬ ‫)) َأْو َف َ‬
‫ك ِفي‬ ‫ن َكِثيًرا ِمْنُهْم َبْعدَ َذِل َ‬‫ت ‪ُ ،‬ثّم ِإ ّ‬ ‫سُلَنا ِباْلَبّيَنا ِ‬
‫جاَءْتُهْم ُر ُ‬‫جِميًعا ‪َ ،‬وَلَقْد َ‬ ‫س َ‬ ‫الّنا َ‬
‫سوَلُه ‪،‬‬ ‫ل َوَر ُ‬ ‫ن ا َّ‬‫حاِرُبو َ‬ ‫ن ُي َ‬ ‫جَزاُء اّلِذي َ‬ ‫ن )‪ِ (32‬إّنَما َ‬ ‫سِرُفو َ‬ ‫ض َلُم ْ‬
‫اَْلْر ِ‬
‫طَع َأْيِديِهْم‬‫صّلُبوا َأْو ُتَق ّ‬‫ن ُيَقّتُلوا َأْو ُي َ‬ ‫ساًدا (( ‪َ ،‬أ ْ‬ ‫ض َف َ‬‫ن ِفي الَْْر ِ‬ ‫سَعْو َ‬‫)) َوَي ْ‬
‫ي ِفي الّدنَيا ‪َ ،‬وَلُهْم ِفي‬ ‫خْز ٌ‬ ‫ك َلُهْم ِ‬ ‫ض َذِل َ‬‫ن اَْلْر ِ‬ ‫ف ‪َ ،‬أْو ُينَفْوا ِم ْ‬ ‫ل ٍ‬‫خَ‬ ‫ن ِ‬ ‫جُلُهْم ِم ْ‬
‫َوَأْر ُ‬
‫ظيٌم )‪ 33‬المائدة (‬ ‫عِ‬ ‫ب َ‬ ‫عَذا ٌ‬‫خَرِة َ‬ ‫لِ‬‫اْ‬
‫‪136‬‬
‫سَعْو َ‬
‫ن‬ ‫ل َمْغُلوَلٌة … )) َوَي ْ‬ ‫ت اْلَيُهوُد َيُد ا ِّ‬‫وقال أيضا في نفس السورة ) َوَقاَل ِ‬
‫ن )‪ 64‬المائدة (‬ ‫سِدي َ‬‫ب اْلُمْف ِ‬
‫ح ّ‬‫ل لَ ُي ِ‬‫ساًدا (( ‪َ ،‬وا ُّ‬ ‫ض َف َ‬‫ِفي الَْْر ِ‬
‫وانظر ما كتبه ال عليهم ‪ ،‬في الية الولى ‪ ،‬وما عقب به في الية الثانية ‪،‬‬
‫حيث أعطى أربع خيارات ‪ ،‬لمجازاة من يحاربون ال ورسوله ‪ ،‬ويسعون في‬
‫الرض فسادا ‪ .‬والذين لهم دأب على محاربة ال ورسوله بأقوالهم وأفعالهم ‪،‬‬
‫والذين يسعون في الرض فسادا ‪ ،‬هم اليهود ل غيرهم ‪ ،‬وهذا ما ُتقّرره الية‬
‫الثالثة ‪ .‬وهذا هو الحكم الُمسبق الذي أصدره أحكم الحاكمين ‪ ،‬وأوكل أصحاب‬
‫البعث الول ‪ ،‬لتنفيذ خياراته الربعة مجتمعة فيهم ‪ ،‬بإذن ال ‪.‬‬
‫ف ِفي‬‫صيِهْم َوَقَذ َ‬‫صَيا ِ‬‫ن َ‬ ‫ب ِم ْ‬
‫ن َأْهِل الِْكَتا ِ‬
‫ظاَهُروُهْم ِم ْ‬ ‫ن َ‬
‫وقال تعالى ) َوَأْنَزَل اّلِذي َ‬
‫حكم‬
‫ن َفِريًقا )‪ 26‬الحزاب ( ‪ ،‬وهذا ما ُ‬ ‫سُرو َ‬‫ن َوَتْأ ِ‬‫ب َفِريًقا َتْقُتُلو َ‬
‫ع َ‬ ‫ُقُلوِبِهُم الّر ْ‬
‫به على يهود بني قريظة بعد هزيمة الحزاب ‪ ،‬بقتل الرجال وسبي النساء‬
‫والطفال ‪.‬‬
‫صل ‪ ،‬ومن ثم زال ‪ ،‬فل بد أن يكون‬ ‫وبما أن الفساد المقترن بالعلو قد تح ّ‬
‫أولئك العباد قد ُبعثوا عليهم ‪ ،‬فجاسوا خلل ديارهم وخربوها ‪ ،‬وأوقعوا في‬
‫حكامهم ورؤسائهم وكهنتهم وأحبارهم القتل والتنكيل ‪ ،‬وهدموا المسجد‬
‫) الهيكل ( ونهبوا محتوياته من كنوز وأموال ‪ ،‬وسبوا نسائهم وأطفالهم ‪،‬‬
‫وأصبحت بيت المقدس أطلل تعوي فيها الثعالب ‪ ،‬فحل بهم الخزي والذ ّ‬
‫ل‬
‫والعار ‪ ،‬بعد أن رفعه ال عنهم بمّنه وكرمه ‪ ،‬فخانوا ميثاق ربهم ونقضوا عهده‬
‫‪ ،‬استكبارا وعلوا في الرض بغير الحق ‪ .‬حيث كان ذلك حكم ال الذي أنجزه‬
‫في أسلفهم ‪ ،‬على أيدي أولئك العباد ‪ ،‬فيما ُيسمى بالسبي البابلي الموصوف‬
‫بالتوراة بإسهاب ‪ ،‬والذي يؤكد نفاذ هذا الحكم فيهم ‪ ،‬كما جاء في الية الكريمة‬
‫عًدا َمْفُعوًل )‬‫ن َو ْ‬‫أعله ‪ .‬لذلك عّقب سبحانه بعد ذكر الوعد الول ‪ ،‬بقوله ) َوَكا َ‬
‫‪ 5‬السراء ( ‪.‬‬
‫بعض الحكام التي صدرت في حقهم فيما سبق نزول القرآن ‪:‬‬
‫سوءَ‬ ‫سوُمُهْم ُ‬ ‫ن َي ُ‬‫عَلْيِهْم ِإَلى َيْوِم اْلِقَياَمِة َم ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ك َلَيْبَعَث ّ‬‫ن َرّب َ‬
‫قال تعالى ) َوِإْذ َتَأّذ َ‬
‫طْعَناُهْم ِفي اَْلْر ِ‬
‫ض‬ ‫حيٌم )‪َ (167‬وَق ّ‬ ‫ب َوِإّنُه َلَغُفوٌر َر ِ‬ ‫سِريُع اْلِعَقا ِ‬ ‫ك َل َ‬ ‫ن َرّب َ‬
‫ب ِإ ّ‬
‫اْلَعَذا ِ‬
‫ت َلَعّلُهْم‬
‫سّيَئا ِ‬‫ت َوال ّ‬ ‫سَنا ِ‬ ‫ح َ‬
‫ك َوَبَلْوَناُهْم ِباْل َ‬
‫ن َذِل َ‬
‫ن َوِمْنُهْم ُدو َ‬ ‫حو َ‬ ‫صاِل ُ‬‫ُأَمًما ِمْنُهْم ال ّ‬
‫عَرضَ َهَذا‬ ‫ن َ‬ ‫خُذو َ‬ ‫ب َيْأ ُ‬
‫ف َوِرُثوا اْلِكَتا َ‬ ‫خْل ٌ‬
‫ن َبْعِدِهْم َ‬ ‫ف ِم ْ‬ ‫خَل َ‬
‫ن )‪َ (168‬ف َ‬ ‫جُعو َ‬‫َيْر ِ‬
‫‪137‬‬
‫عَلْيِهمْ‬
‫خذْ َ‬‫خُذوُه َأَلْم ُيْؤ َ‬ ‫ض مِْثُلُه َيْأ ُ‬
‫عَر ٌ‬ ‫ن َيْأِتِهْم َ‬‫سُيْغَفُر َلَنا َوِإ ْ‬
‫ن َ‬ ‫اَْلْدَنى َوَيُقوُلو َ‬
‫لخَِرُة‬ ‫سوا َما ِفيِه َوالّداُر ا ْ‬ ‫ق وََدَر ُ‬ ‫حّ‬ ‫ل ِإلّ اْل َ‬
‫عَلى ا ِّ‬ ‫ن لَ َيُقوُلوا َ‬ ‫ب َأ ْ‬‫ِميَثاقُ اْلِكَتا ِ‬
‫ن )‪ 169‬العراف ( ‪.‬‬ ‫ل َتْعِقُلو َ‬‫ن َأَف َ‬
‫ن َيّتُقو َ‬ ‫خْيٌر ِلّلِذي َ‬
‫َ‬
‫ت َأْيِديِهْم َوُلِعُنوا ِبَما َقاُلوا َبْل َيَداُه‬ ‫غّل ْ‬
‫ل َمْغُلوَلٌة ُ‬ ‫ت اْلَيُهوُد َيُد ا ِّ‬ ‫وقال أيضا ) َوَقاَل ْ‬
‫ك طُْغَياًنا‬ ‫ن َرّب َ‬‫ك ِم ْ‬‫ن َكِثيًرا ِمْنُهْم َما ُأنِزَل ِإَلْي َ‬ ‫شاُء َوَلَيِزيَد ّ‬ ‫ف َي َ‬‫ق َكْي َ‬ ‫ن ُينِف ُ‬‫طَتا ِ‬ ‫سو َ‬‫َمب ُ‬
‫حْر ِ‬
‫ب‬ ‫ضاَء ِإَلى َيْوِم اْلِقَياَمِة ُكّلَما َأْوَقُدوا َناًرا ِلْل َ‬ ‫َوُكْفًرا َوَأْلَقْيَنا َبْيَنُهْم اْلَعَداَوَة َواْلَبْغ َ‬
‫ن )‪ 64‬المائدة ( ‪.‬‬ ‫سِدي َ‬ ‫ب اْلُمْف ِ‬‫ح ّ‬ ‫ل َل ُي ِ‬‫ساًدا َوا ُّ‬‫ض َف َ‬ ‫ن ِفي اَْلْر ِ‬ ‫سَعْو َ‬‫ل َوَي ْ‬‫طَفَأَها ا ُّ‬ ‫َأ ْ‬
‫وهذه الحكام هي ‪:‬‬
‫‪ .1‬استضعافهم واضطهادهم وتعذيبهم من قبل الخرين ‪ ،‬أينما حلوا وأينما‬
‫ارتحلوا إلى يوم القيامة ‪ .‬وهذا حكم عاّم ‪ ،‬وأما عقابهم عند مجيء الوعدين ‪،‬‬
‫فهو حكم خاص مستثنى من هذا الحكم ‪.‬‬
‫‪ .2‬نفيهم من فلسطين وشتاتهم في كافة أرجاء الرض ‪ .‬مما يؤكد زوال مملكتهم‬
‫الولى ‪ ،‬ويهيئ لقيام الدولة الثانية مستقبل ‪.‬‬
‫‪ .3‬إلقاء العداوة والبغضاء فيما بينهم إلى يوم القيامة ‪ .‬وإطفاء الحروب التي‬
‫ُيشعلوها ‪ ،‬وإفشال مخططاتهم الساعية إلى الفساد ‪.‬‬
‫وهل دخلوا الرض المقّدسة ؟‬
‫لو عدنا إلى زمن موسى عليه السلم ‪ ،‬بعد أن وصل وقومه إلى مشارف‬
‫سَة اّلِتي َكَت َ‬
‫ب‬ ‫ض اْلُمَقّد َ‬
‫الرض والمقدسة ‪ ،‬حيث قال لقومه ) َيَقْوِم اْدخُُلوا اَْلْر َ‬
‫ن )‪ 21‬المائدة ( ‪ ،‬والرض‬ ‫سِري َ‬‫خا ِ‬‫عَلى َأْدَباِرُكْم َفَتْنَقِلُبوا َ‬
‫ل لَُكْم َولَ َتْرَتّدوا َ‬
‫ا ُّ‬
‫المقدسة هي فلسطين ‪ ،‬ولم تقّدس في القرآن أرض غيرها ‪ .‬وقد وردت هذه‬
‫العبارة في القرآن مرة واحدة فقط ‪ ،‬وكان بنو إسرائيل آنذاك أمة واحدة ‪،‬‬
‫حرموا من دخولها أربعين سنة ‪ ،‬ولم يكن التيه‬ ‫فامتنعوا عن الدخول إليها ‪ ،‬ف ُ‬
‫بضياعهم وتشرذمهم في الرض ‪ ،‬كما قد يتوهم البعض ‪ ،‬وإنما بحرمانهم من‬
‫الهداية والقيادة برفع النبوة والوحي ‪ ،‬وهذا يؤكد أن موسى عليه السلم ‪ ،‬انتقل‬
‫إلى جوار ربه قبل أو بداية سنوات التحريم ‪ ،‬ولذلك تجّلت الحكمة اللهية ‪،‬‬
‫باختيار النقباء الثني عشر وأخذ الميثاق منهم مسبقا ‪ ،‬لعلمه المسبق بما سيكون‬
‫ل حسب السبط الذي ينتمي‬ ‫منهم ‪ .‬وُترك أمر بني إسرائيل لولئك النقباء ‪ ،‬ك ٌ‬
‫إليه ‪ ،‬لقيادتهم والفصل بينهم في الحوال المدنية والشرعية ‪.‬‬
‫‪138‬‬
‫وفي نهاية الربعين سنة ‪ ،‬وصل ال ما كان قد قطعه ‪ ،‬فبعث فيهم نبيا ‪َ ) ،‬أَلمْ‬
‫ث َلَنا َمِلًكا‬
‫ي َلُهُم اْبَع ْ‬
‫سى ِإذْ َقاُلوا ِلَنِب ّ‬
‫ن َبْعِد ُمو َ‬
‫سَراِئيَل ِم ْ‬
‫ن َبِني ِإ ْ‬
‫ل ِم ْ‬
‫َتَر ِإَلى اْلَم َِ‬
‫ل )‪ 246‬البقرة ( ‪ ،‬وكلمة ) المل ( تعني علية القوم ‪ ،‬وطلب‬ ‫سِبيِل ا ِّ‬‫ُنَقاِتْل ِفي َ‬
‫القتال كان لدخول الرض المقدسة ‪ ،‬التي كان قد ُكتب لهم دخولها ‪ ،‬على لسان‬
‫موسى في الية السابقة ‪ ،‬وعندما أذن ال لهم بدخولها ‪ ،‬بعد قتال جالوت‬
‫وجنوده والنتصار عليهم ‪ ،‬بقتل داود عليه السلم لجالوت ‪ ،‬دخلوها مجتمعين‬
‫كأمة أيضا ‪ ،‬فأقام لهم داود وسليمان عليهما ‪ ،‬دولتهم الولى وعلوهم الول ‪.‬‬
‫حصر الفترة الزمنية للفساد الُمذكور في القرآن ‪:‬‬
‫ب ‪َ )) ،‬وَقّفْيَنا‬ ‫سى اْلِكَتا َ‬ ‫والن لننتقل إلى الكريمة التي تقول ) َوَلَقْد َءاَتْيَنا ُمو َ‬
‫ح‬
‫ت ‪َ ،‬وَأّيْدَناُه ِبُرو ِ‬
‫ن َمْرَيَم اْلَبّيَنا ِ‬
‫سى اْب َ‬
‫عي َ‬
‫سِل (( ‪َ ،‬وَءاَتْيَنا ِ‬ ‫ن َبْعِدِه ِبالّر ُ‬‫ِم ْ‬
‫سَتْكَبْرُتْم ‪َ ،‬فَفِريًقا‬‫سُكُم ‪ ،‬ا ْ‬
‫سوٌل ‪ِ ،‬بَما َل َتْهَوى َأْنُف ُ‬ ‫جاَءُكْم َر ُ‬
‫س ‪َ .‬أَفُكّلَما َ‬ ‫اْلُقُد ِ‬
‫ن )‪ 87‬البقرة ( ‪ ،‬قلنا أن قمة الفساد هي قتل النفس بغير‬ ‫َكّذْبُتْم َوَفِريًقا َتْقُتُلو َ‬
‫حق ‪ ،‬وأعظمها قتل الرسل والنبياء ‪ ،‬ولحظ قوله سبحانه ) تقتلون ( حيث‬
‫تفيد صيغة المضارع ‪ ،‬الستمرارية والكثرة في القتل ‪ ،‬وقد ُذكر قتلهم للرسل‬
‫حصر وقوع هذا‬ ‫والنبياء ) ‪ ( 7‬مرات ‪ ،‬في مواضع متفرقة من القرآن ‪ ،‬وقد ُ‬
‫القتل منهم في هذه الية ‪ ،‬بين موسى وعيسى عليهما السلم ‪ ،‬وإذا علمنا أن‬
‫بني إسرائيل ‪ ،‬كانوا بحاجة إلى النبياء ) حبل ال ( لدخول الرض المقدسة ‪،‬‬
‫لقامة دولتهم فيها ‪ ،‬ولم يكن فيهم أنبياء في سنوات التحريم ‪ ،‬غير ذلك النبي‬
‫الذي ُبعث عند انقضائها ‪ ،‬والذي توجهوا إليه لطلب المساعدة والنصرة من‬
‫صل منهم ‪ ،‬قبل بعث عيسى عليه السلم ‪،‬‬ ‫ال ‪ ،‬لتبين لنا أن قتل النبياء ‪ ،‬قد تح ّ‬
‫وهو آخر أنبيائهم ‪ ،‬وبعد وفاة سليمان عليه السلم ‪ ،‬آخر النبياء الملوك ‪ ،‬حيث‬
‫لم تعد بهم حاجة للنبياء ‪ ،‬ليذّكروهم بشرع ال واللتزام به ‪ ،‬بعد أن أمسى لهم‬
‫الملك والعلو في الرض ‪ ،‬فأهواء ورغبات وأطماع ‪ ،‬الذين ) أشربوا في‬
‫قلوبهم العجل بكفرهم ( ‪ ،‬والذين ) قست قلوبهم فهي كالحجارة أو شد قسوة ( ‪،‬‬
‫ل تتفق وشرع ال ‪.‬‬
‫نهاية المملكة وخروجهم من فلسطين ‪:‬‬
‫ض ُأَمًما ( ‪ ،‬أي فرّقناهم ‪ ،‬نجد‬
‫طْعَناُهْم ِفي اَْلْر ِ‬
‫ولو نظرنا في قوله تعالى ) َوَق ّ‬
‫أنه سبحانه أثبت خروجهم ونفيهم من الرض المقدسة ‪ ،‬وشتاتهم في الرض‬
‫‪139‬‬
‫على عمومها ‪ ،‬على القل قبل بعث محمد عليه الصلة والسلم بالقرآن ‪ ،‬فهل‬
‫ُيعقل أن أمة بأسرها ‪ ،‬تقوم بالتخلي عن ُملكها وترك أرضها من تلقاء نفسها‬
‫ورغبة عنها ؟!!! أم أن هناك أمر عظيم نزل بها ‪ ،‬فتركت أرضها قسرا وقهرا‬
‫‪ ،‬بعد أن ُأزيل ملكها وأفل نجمها ؟!!! وقد ورد ذكر هذا الحدث في القرآن‬
‫عًدا َمْفُعوًل )‪5‬‬
‫ن َو ْ‬
‫لَل الّدَياِر – َوَكا َ‬
‫خَ‬
‫سوا ِ‬
‫جا ُ‬
‫بصيغة الماضي ‪ ،‬بقوله تعالى ) َف َ‬
‫السراء ( ‪ .‬وبما أن تلك العبارة أثبتت شتاتهم بعد أن كانوا أمة واحدة ‪،‬‬
‫جْئَنا ِبُكْم َلِفيًفا )‪104‬السراء ( ‪ ،‬تشترط‬ ‫خَرِة ِ‬
‫لِ‬‫عُد ا ْ‬
‫جاَء َو ْ‬
‫والعبارة ) َفِإَذا َ‬
‫مجيئهم من الشتات والتجّمع في فلسطين ‪ ،‬ولم يرد نص في القرآن ‪ُ ،‬يثبت‬
‫مجيئهم وتجّمعهم من الشتات قبل السلم ‪ ،‬لقامة علوهم الثاني ‪ .‬نستطيع‬
‫الجزم بأن وعد الولى ‪ ،‬بقيام المملكة الولى وزوالها ‪ ،‬قد تحقق ‪ ،‬وأن المرة‬
‫الثانية قد تحّققت بمجيئهم وتجّمعهم من الشتات ‪ ،‬لقامة دولتهم الحالية ‪.‬‬
‫إثبات تواجد اليهود في بابل ‪:‬‬
‫ق ِلَما َمَعُهْم ‪َ (1) ،‬نَبَذ َفِريقٌ‬ ‫صّد ٌ‬‫ل ‪ُ ،‬م َ‬ ‫عْنِد ا ِّ‬‫ن ِ‬ ‫سوٌل ِم ْ‬ ‫جاَءُهْم َر ُ‬ ‫قال تعالى ) َوَلّما َ‬
‫)‬
‫ن )‪(101‬‬ ‫ظُهوِرِهْم ‪َ ،‬كَأّنُهْم َل َيْعَلُمو َ‬ ‫ل َوَراَء ُ‬ ‫ب ا ِّ‬‫ب ‪ِ ،‬كَتا َ‬ ‫ن ُأوُتوا اْلِكَتا َ‬ ‫ن اّلِذي َ‬‫ِم َ‬
‫ن َوَلِك ّ‬
‫ن‬ ‫سَلْيَما ُ‬‫ن ـ ) َوَما َكَفَر ُ‬ ‫سَلْيَما َ‬
‫ك ُ‬ ‫عَلى ُمْل ِ‬ ‫ن َ‬ ‫طي ُ‬‫شَيا ِ‬‫‪َ(2‬واّتَبُعوا َما َتْتُلو ال ّ‬
‫ن ) ِبَباِبَل‬‫عَلى اْلَمَلَكْي ِ‬‫حَر ‪َ ،‬وَما ُأْنِزَل َ‬ ‫سْ‬ ‫س ال ّ‬ ‫ن الّنا َ‬ ‫ن َكَفُروا ( ـ )‪ُ(3‬يَعّلُمو َ‬ ‫طي َ‬‫شَيا ِ‬‫ال ّ‬
‫ن ِفْتَنٌة ‪َ ،‬ف َ‬
‫ل‬ ‫حُ‬ ‫حٍد ‪ ،‬حَّتى َيُقوَل ِإّنَما َن ْ‬ ‫ن َأ َ‬
‫ن ِم ْ‬ ‫ت ـ ) َوَما ُيَعّلَما ِ‬ ‫ت َوَماُرو َ‬ ‫( َهاُرو َ‬
‫ن‬
‫ضاّري َ‬ ‫جِه ‪َ ،‬وَما ُهْم ِب َ‬ ‫ن اْلَمْرِء َوَزْو ِ‬ ‫ن ِبِه َبْي َ‬‫ن ِمْنُهَما ‪َ ،‬ما ُيَفّرُقو َ‬ ‫َتْكُفْر ‪َ ،‬فَيَتَعّلُمو َ‬
‫عِلُموا‬ ‫ضّرُهْم ‪َ ،‬وَل َيْنَفُعُهْم ‪َ ،‬وَلَقْد َ‬ ‫ن َما َي ُ‬ ‫ل ( ـ )‪َ(4‬وَيَتَعّلُمو َ‬ ‫ن ا ِّ‬ ‫حٍد ِإّل ِبِإْذ ِ‬
‫ن َأ َ‬
‫ِبِه مِ ْ‬
‫سُهْم ‪َ ،‬لْو‬ ‫شَرْوا ِبِه َأْنُف َ‬ ‫س َما َ‬ ‫ق ‪َ ،‬وَلِبْئ َ‬ ‫ل ٍ‬‫خَ‬‫ن َ‬ ‫خَرِة ِم ْ‬ ‫لِ‬‫شَتَراُه ‪َ ،‬ما َلُه ِفي ا ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫َلَم ِ‬
‫ن )‪ 102‬البقرة (‬ ‫َكاُنوا َيْعَلُمو َ‬
‫موضوع الحديث ما قبل هاتين اليتين ‪ ،‬وما بعدهما ‪ ،‬هم اليهود إجمال ‪ .‬بينما‬
‫تتعرض اليتان أعله ‪ ،‬لموقف فئة من اليهود المعاصرين لرسالة السلم ‪،‬‬
‫من بعث نبينا محمد عليه الصلة والسلم ‪ ،‬حيث قام هؤلء وما زالوا يقومون‬
‫بثلثة أفعال ‪:‬‬
‫‪ .1‬عند مجيء رسول ال عليه الصلة والسلم ‪ ،‬بصفة مطابقة لما كان بين‬
‫يديهم من التوراة ‪ ،‬ومجيئه بما يتفق مع ما جاء به أنبياؤهم ‪ ،‬أزاحوا التوراة‬
‫من عقولهم وقلوبهم وأنكروا ما فيها ‪ ،‬وكتموا ما أخبرت عنه وجاءت به عن‬

‫‪140‬‬
‫الناس ‪ ،‬وأظهروا عدم معرفتهم وعلمهم بأمر هذا النبي ‪ ،‬وعوضا عن‬
‫اتباعهم لهذا النبي عليه الصلة والسلم ‪ ،‬كما تأمرهم التوراة ‪:‬‬
‫‪ .2‬قاموا باتباع ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان ‪ ،‬وحقيقة ما اتبعوه ُيبّينه‬
‫ن َكَفُروا ( أي‬ ‫طي َ‬ ‫شَيا ِ‬
‫ن ال ّ‬ ‫ن َوَلِك ّ‬
‫سَلْيَما ُ‬
‫سبحانه ‪ ،‬بالجملة المعترضة ) َوَما َكَفَر ُ‬
‫الكفرّيات التي ما زالت تتلوها الشياطين على ملك سليمان ‪ ،‬ومجيء الفعل )‬
‫تتلوا ( بصيغة المضارع ‪ُ ،‬يفيد بأنهم على اّتصال دائم بالشياطين ‪ ،‬وأن‬
‫الشياطين ما زالت تتحّدث إليهم ‪ ،‬بكفرّيات تنسبها إلى سليمان عليه السلم ‪،‬‬
‫ُيبرأه سبحانه منها بقوله ) وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا ( ‪،‬‬
‫وعوضا عن تعليم الناس تعاليم التوراة ‪:‬‬
‫‪ .3‬كانوا وما زالوا ‪ُ ،‬يعلمون الناس السحر ‪ ،‬ويعّلمونهم أيضا نوعا آخرا من‬
‫السحر ‪ ،‬كانوا قد تعّلموه أثناء تواجدهم في بابل ‪ ،‬هو ما ُأنزل على الملكين‬
‫ن‬
‫هاروت وماروت ‪ ،‬اللذان لم ُيعّلما أحدا من الناس ‪ ،‬إل وقال له ‪ِ ) ،‬إّنَما َنحْ ُ‬
‫ل َتْكُفْر ( وحقيقة ما كان يتعّلمه الناس من الملكين في بابل ‪ُ ،‬يبّينه‬ ‫ِفتَْنٌة ‪َ ،‬ف َ‬
‫ن اْلَمْرِء‬
‫ن ِبِه َبْي َ‬
‫ن ِمْنُهَما ‪َ ،‬ما ُيَفّرُقو َ‬ ‫سبحانه بالجملة المعترضة ) َفَيَتَعّلُمو َ‬
‫ل(‪.‬‬ ‫ن ا ِّ‬
‫حٍد ِإلّ ِبِإْذ ِ‬
‫ن َأ َ‬
‫ن ِبِه ِم ْ‬
‫ضاّري َ‬
‫جِه ‪َ ،‬وَما ُهْم ِب َ‬‫َوَزْو ِ‬
‫ضّرُهْم ‪،‬‬ ‫ن َما َي ُ‬ ‫‪ .4‬وُيعّقب سبحانه على ما قامت به تلك الفئة بقوله ) َوَيَتَعّلُمو َ‬
‫َوَل َيْنَفُعُهْم … إلى آخر الية ( ‪ .‬وهذا ما يقومون به لغاية الن ‪ ،‬في‬
‫محافلهم الماسونية ومدارسهم الدينية ‪ ،‬حيث ُيمارسون وُيعّلمون منتسبيهم‬
‫وتلميذهم ‪ ،‬طقوس عبادة الشياطين ‪ ،‬وفنون السحر والشعوذة ‪.‬‬
‫عقوبتهم في الجزيرة العربية كانت جلًء وليس عذابا ‪:‬‬
‫وأما عند مجيء السلم ‪ ،‬كان جزء منهم متواجد في الجزيرة العربية ‪،‬‬
‫ج الِذي َ‬
‫ن‬ ‫خرَ َ‬
‫وأخرجوا منها زمن عمر رضي ال عنه ‪ ،‬قال تعالى ) ُهَو اّلِذي َأ ْ‬
‫شِر )‪ 2‬الحشر ( ‪ ،‬والحشر معناه‬ ‫ح ْ‬
‫ن ِدَياِرِهْم لَِّوِل اْل َ‬
‫ب ِم ْ‬
‫ن َأْهِل اْلِكَتا ِ‬
‫َكَفُروا ِم ْ‬
‫الجمع ‪ ،‬والجمع يختلف عن الجميع ‪ ،‬وقوله ) لول الحشر ( أي بداية الجمع ‪،‬‬
‫والجمع يكون عادة بعد التشّرد والشتات ‪ ،‬والمقصود هنا الجمع في الدنيا ‪،‬‬
‫وليس الحشر بعد الموت والبعث ‪ ،‬حيث كانت وجهتهم عند الخروج إلى بلد‬
‫الشام ‪ ،‬وأما الجلء الذي حكم ال به عليهم ‪ ،‬في زمن الرسول عليه السلم‬
‫وصحبه الكرام ‪ ،‬لم يكن عذابا كالموصوف في سورة السراء ‪ ،‬ل في الوعد‬
‫‪141‬‬
‫الول ‪ ،‬ول في الوعد الثاني ‪ ،‬فكيفية العقاب في المرتين متطابقة ‪ ،‬كما‬
‫ب ا ُّ‬
‫ل‬ ‫ن كََت َ‬‫أوضحنا سابقا ‪ ،‬وهذا ما يقرره سبحانه في الية التالية ) َوَلْوَل َأ ْ‬
‫ب الّناِر )‪ 3‬الحشر ( ‪،‬‬ ‫عَذا ُ‬‫لخَِرِة َ‬‫لَء ‪َ ،‬لَعّذَبُهْم ِفي الّدْنَيا َوَلُهْم ِفي ا ْ‬‫جَ‬ ‫عَلْيِهُم اْل َ‬
‫َ‬
‫وقوله تعالى ) لعّذبهم ( ‪ ،‬يفيد بأن الجلء لم ُيعتبر عذابا بمعنى الكلمة ‪ ،‬أما قتل‬
‫وسبي يهود بني قريظة ‪ ،‬فهو استثناء حصل لخطورة ما قاموا به من خيانة ‪،‬‬
‫في أحرج لحظة ‪ ،‬في تاريخ المة السلمية ‪.‬‬
‫وإن لم يكن ما تقّدم مقنعا بما فيه الكفاية ‪ ،‬فانظر إلى قوله تعالى ) َولَِيْدخُُلوا‬
‫عَلْوا َتْتِبيًرا )‪ 7‬السراء ( ‪ ،‬فأي‬ ‫خُلوُه َأّوَل َمّرٍة َوِلُيَتّبُروا َما َ‬‫جَد َكَما َد َ‬‫اْلَمسْ ِ‬
‫مسجد الذي دخله المسلمون على اليهود آنذاك ‪ ،‬وما هو المسجد المقصود أصل‬
‫في هذه الية ؟! وما صفة العلو الذي كان لهم آنذاك ؟! ‪ ،‬وأما فسادهم وإفسادهم‬
‫في الجزيرة وغيرها من الماكن ‪ ،‬فهو مشمول في الية الكريمة ) كُّلَما َأْوَقُدوا‬
‫ن)‬ ‫سِدي َ‬
‫ب اْلُمْف ِ‬
‫ح ّ‬ ‫ل َل ُي ِ‬
‫ساًدا َوا ُّ‬
‫ض َف َ‬‫ن ِفي اَْلْر ِ‬ ‫سَعْو َ‬ ‫ل َوَي ْ‬
‫طَفَأَها ا ُّ‬‫ب َأ ْ‬
‫حْر ِ‬ ‫َناًرا ِلْل َ‬
‫‪ 64‬المائدة ( ‪ ،‬ولحظ قوله تعالى ) ويسعون ( ‪ ،‬حيث تفيد الستمرارية‬
‫والمثابرة ‪ ،‬على الفساد في الرض على عمومها ‪ ،‬وهذا هو ديدنهم على مر‬
‫العصور ‪ ،‬لذلك كانوا عرضة للقتل والتنكيل ‪ ،‬أو النهب والسلب ‪ ،‬أو الطرد‬
‫والنفي ‪ ،‬أينما حلوا وأينما ارتحلوا ‪ ،‬فطافوا معظم أرجاء من المعمورة‬
‫وتواجدوا في كل قاراتها ‪ ،‬منذ ‪ 3‬آلف سنة واستمر حالهم هذا على مر‬
‫العصور ‪ ،‬وهذا ما لم يقع في أي شعب من شعوب الرض ‪ ،‬وكان الستثناء‬
‫الوحيد ‪ ،‬هو حصولهم على الدولة في القدس مرتين فقط ‪ .‬وبعد شتاتهم في‬
‫المرة الولى ‪ ،‬لم يكن لهم علو ‪ ،‬ولم يكن لهم جمع من الشتات ‪ ،‬الذي هو أحد‬
‫شروط ومواصفات تحقق الوعد الثاني ‪ ،‬إل ما ُنشاهده الن على أرض‬
‫الواقع ‪ ،‬من علوا ظاهر مقترن بالفساد والفساد ‪ ،‬في الرض الُمقّدسة‬
‫فلسطين ‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫تاريخ اليهود في التوراة والتلمود‬

‫ماهية التوراة ‪:‬‬


‫التوراة في ) لسان العرب ( ‪ :‬نجد أن هذه الكلمة ذات أصل عربي " ومصدرها‬
‫ي ‪ ،‬والوراء هو ولد الولد ‪ ،‬والواري هو السمين من كل شيء ‪ ،‬وَوِر َ‬
‫ي‬ ‫َوِر َ‬
‫ت النار توريًة ‪ ،‬إذا‬
‫المخ َيِري إذا اكتنز ‪ ،‬وناقة وارية أي سمينة ‪ ،‬ووَرْي ُ‬
‫استخرجتها ‪ ،‬قال واستوريت فلنا رأيا ‪ ،‬أي سألته أن يستخرج لي رأيا ‪،‬‬
‫ووريت الشيء وواريته أخفيته ‪ ،‬واستوريت فلنا رأيا أي طلبت إليه أن ينظر‬
‫في أمري ‪ ،‬فيستخرج رأيا أمضي عليه ‪ ،‬ووريت الخبر ‪ُ ،‬أوِريه توريًة ‪ ،‬إذا‬
‫سترته وأظهرت غيره ‪ ،‬وكأنه مأخوذ من وراء النسان ‪ ،‬لنه إذا قال َوَرْيته ‪،‬‬
‫سْتر " ‪.‬‬
‫فكأنه يجعله وراءه حيث ل يظهر ‪ ،‬والتورية هي ال َ‬
‫ولو تدبّرنا كل المعاني السابقة ‪ ،‬لوجدنا أن هذ التسمية ) التوارة ‪ ،‬التورية‬
‫حسب الرسم القرآني لها ( ‪ ،‬جاءت لتصف بدقة وبشمولية ‪ ،‬حال الكتاب‬
‫الموجود بين أيدي اليهود ‪ ،‬منذ وفاة زكريا عليه السلم ‪ ،‬ولغاية الن ‪،‬‬
‫ولتصف الكيفية التي يتعامل بها اليهود مع هذا الكتاب ‪ ،‬فكتابهم في الواقع‬
‫مكتنز وسمين ‪ ،‬فهو يحوي بين دفتيه ) ‪ ( 39‬سفرا ‪ ،‬وإحدى نسخه المترجمة ‪،‬‬
‫فيها ما يزيد عن ‪ 1128‬صفحة ‪ ،‬بمعدل ‪ 380‬كلمة لكل صفحة ‪ ،‬أي ما يفوق‬
‫جمع فيه ما ُأنزل على‬ ‫ب )‪ (6‬مرات تقريبا ‪ُ ،‬‬ ‫القرآن من حيث عدد الكلمات ‪ِ ،‬‬
‫أنبياء بني إسرائيل المتعاقبين تباعا ‪ ،‬من شرائع وأخبار ونبوءات غيبية ‪،‬‬
‫وتاريخ وأساطير وخرافات ‪ ،‬وعلى فترات متباعدة ومتتالية ‪ ،‬ولمدة ل تقل عن‬
‫ألف وخمسمائة سنة ‪.‬‬
‫التوراة لم تنّزل على موسى وكتابه جزء منها ‪:‬‬
‫ن ِفي ِإْبَراِهيَم َوَما‬ ‫جو َ‬ ‫حا ّ‬
‫ب ِلَم ُت َ‬‫وحسب النص القرآني ‪ ،‬في الية ) َيَأْهَل اْلِكَتا ِ‬
‫ن )‪ 65‬آل عمران ( ‪ ،‬والية )‬ ‫ل َتْعِقُلو َ‬‫ن َبْعِدِه َأَف َ‬
‫جيُل ِإلّ ِم ْ‬
‫ُأْنِزَلتْ الّتْوَراُة َواِْلن ِ‬
‫ن الّتْوَراِة )‪46‬‬ ‫ن َيَدْيِه ِم ْ‬‫صّدًقا ِلَما َبْي َ‬
‫ن َمْرَيَم ُم َ‬ ‫سى اْب ِ‬ ‫عَلى آَثاِرِهْم ِبِعي َ‬‫َوَقّفيَْنا َ‬
‫حصر في الفترة الزمنية الواقعة بين ‪ ،‬وفاة‬ ‫المائدة ( ‪ ،‬نجد أن نزول التوراة ‪ُ ،‬‬
‫إبراهيم ونبّوة عيسى عليهما السلم ‪ ،‬ومن قوله تعالى ) ِإّنا َأنَزْلَنا التّْوَراَة ِفيَها‬
‫ن َواَْلحَْباُر‬
‫ن َهاُدوا َوالّرّباِنّيو َ‬ ‫سَلُموا ِلّلِذي َ‬‫ن َأ ْ‬ ‫ن اّلِذي َ‬
‫حُكُم ِبَها الّنِبّيو َ‬
‫ُهًدى َوُنوٌر َي ْ‬
‫‪143‬‬
‫شَهَداَء )‪ 44‬المائدة ( ‪ ،‬نجد أنها‬ ‫عَلْيِه ُ‬
‫ل َوَكاُنوا َ‬ ‫ب ا ِّ‬‫ن ِكَتا ِ‬ ‫ظوا ِم ْ‬ ‫حِف ُ‬‫سُت ْ‬
‫ِبَما ا ْ‬
‫أنزلت كمرجع لبني إسرائيل ) بني يعقوب عليه السلم ( ‪ ،‬لستنباط واستخراج‬
‫سوُلَنا ُيَبّي ُ‬
‫ن‬ ‫جاَءُكْم َر ُ‬ ‫ب َقْد َ‬ ‫الحكام الشرعية منها ‪ ،‬وفي قوله تعالى ) َيَأْهَل اْلِكَتا ِ‬
‫ل ِميَثا َ‬
‫ق‬ ‫خذَ ا ُّ‬ ‫ب )‪15‬المائدة ( وقوله ) َوِإْذ َأ َ‬ ‫ن اْلِكَتا ِ‬
‫ن ِم ْ‬ ‫خُفو َ‬‫َلُكْم َكِثيًرا ِمّما ُكْنُتْم ُت ْ‬
‫شَتَرْوا‬ ‫ظُهوِرِهْم َوا ْ‬ ‫س َوَل َتْكُتُموَنُه َفَنَبُذوُه َوَراَء ُ‬ ‫ب َلُتَبّيُنّنُه ِللّنا ِ‬
‫ن ُأوُتوا اْلِكَتا َ‬ ‫اّلِذي َ‬
‫ن )‪ 187‬آل عمران ( نجد وصفا لحال اليهود‬ ‫شَتُرو َ‬ ‫س َما َي ْ‬ ‫ل َفِبْئ َ‬‫ِبِه َثمًَنا َقِلي ً‬
‫معها وما كان منهم ‪ ،‬في إخفائها وكتمانها وتحريفها ‪ ،‬وإظهار غير ما جاء فيها‬
‫‪ ،‬وكل ما قيل فيها من معاني في المعجم ‪ ،‬ينسجم مع واقع التوراة الحالي ‪،‬‬
‫وليس على كتاب موسى فقط ‪ ،‬والذي هو في الصل جزء منها ‪ ،‬وما كان‬
‫الفصل بينها وبين موسى عليه السلم في القران ‪ ،‬إل ليؤكد هذه الحقيقة ‪.‬‬
‫حّرَم‬‫سَراِئيَل ‪ِ -‬إّل َما َ‬ ‫ل ِلَبِني ِإ ْ‬‫حّ‬ ‫ن ِ‬
‫طَعاِم َكا َ‬‫ولو تمعّنا في هذه الية ) ُكّل ال ّ‬
‫ن‬
‫ن ُتَنّزَل الّتْوَراُة ‪ُ -‬قْل َفْأُتوا ِبالّتْوَراِة َفاْتُلوَها ِإ ْ‬ ‫ن َقْبِل َأ ْ‬
‫سِه ‪ِ -‬م ْ‬ ‫عَلى َنْف ِ‬ ‫سَراِئيُل َ‬ ‫ِإ ْ‬
‫ل ( ‪ ،‬ولم يقل ) ُتْنَزلَ‬ ‫ن )‪ 93‬آل عمران ( ‪ ،‬وانظر قوله تعالى ) ُتَنّز َ‬ ‫صاِدِقي َ‬‫ُكْنُتْم َ‬
‫( ‪ ،‬والتنزيل غير النزال ‪ ،‬فالول على مراحل ‪ ،‬والثاني لمرة واحدة ‪ ،‬ومن ثم‬
‫عَلْيُكْم‬‫حّرَم َرّبكُْم َ‬ ‫انتقلنا إلى سورة النعام ‪ ،‬وتدبرنا اليات ) ُقْل َتَعاَلْوا َأْتُل َما َ‬
‫عَلى‬ ‫ب َتَماًما َ‬ ‫سى اْلِكَتا َ‬ ‫… )‪ُ = (153) … (152) … (151‬ثّم = آَتْيَنا ُمو َ‬
‫ن)‬ ‫حَمةً َلَعّلُهْم ِبِلَقاِء َرّبِهْم ُيْؤِمُنو َ‬ ‫يٍء َوُهًدى َوَر ْ‬ ‫ش ْ‬‫ل ِلُكّل َ‬ ‫صي ً‬ ‫ن َوَتْف ِ‬ ‫سَ‬ ‫ح َ‬‫اّلِذي َأ ْ‬
‫حّرم عليهم في التوراة‬ ‫‪ 154‬النعام ( لوجدنا أن هذه اليات توضح ‪ ،‬ما كان قد ُ‬
‫‪ ،‬وأن مجيء أداة العطف ) ُثّم ( ‪ ،‬بعد ذكر ما جاء في التوراة مباشرة ‪ ،‬والتي‬
‫سى اْلِكَتا َ‬
‫ب‬ ‫تفيد لغًة ‪ ،‬الترتيب والتراخي في الزمن ‪ ،‬ومجيء العبارة ) آَتْيَنا ُمو َ‬
‫( بعدها ‪ ،‬يؤكد بما ل يدع مجال للشك أمرين ؛ الول ‪ :‬أن التوراة شيء يختلف‬
‫عن كتاب موسى عليه السلم ‪ ،‬والثاني ‪ :‬أنها سبقت كتاب موسى عليه السلم‬
‫في النزول ‪.‬‬
‫التوراة كتاب يضّم بين دفتيه جميع ما ُأنزل على أنبياء بني إسرائيل ‪:‬‬
‫والرجح أنها ُأنزلت مفّرقة بدءًا من يعقوب أو إسحاق ‪ ،‬وانتهاًء بزكريا عليهم‬
‫السلم ‪ ،‬وأنها مجمل ما ُأنزل على أنبياء بني إسرائيل من كتب ‪ ،‬ومن ضمنها‬
‫ما ُأنزل على يعقوب ويوسف ‪ ،‬وموسى وداود وسليمان وزكريا ‪ ،‬وبقية‬
‫أنبيائهم ‪ ،‬ممن لم تذكر أسمائهم ‪ ،‬في القرآن عليهم السلم أجمعين ‪ ،‬قال تعالى‬
‫ي‬
‫ط َوَما ُأوِت َ‬
‫سَبا ِ‬
‫ب َواَْل ْ‬
‫ق َوَيْعُقو َ‬
‫حا َ‬
‫سَ‬‫عيَل َوِإ ْ‬
‫سَما ِ‬
‫) َوَما ُأنِزَل ِإَلى ِإْبَراِهيَم َوِإ ْ‬
‫‪144‬‬
‫ن َلهُ‬
‫حُ‬‫حٍد ِمْنُهْم َوَن ْ‬
‫ن َأ َ‬
‫ق َبْي َ‬
‫ن َرّبِهْم َل ُنَفّر ُ‬‫ن ِم ْ‬
‫ي الّنِبّيو َ‬
‫سى َوَما ُأوِت َ‬
‫عي َ‬
‫سى َو ِ‬‫ُمو َ‬
‫ن )‪ 136‬البقرة ( ولحظ أن ترتيب أسماء النبياء ‪ ،‬في هذه الية جاء‬ ‫سِلُمو َ‬
‫ُم ْ‬
‫ن النزال ‪ ،‬شمل كل من‬ ‫متعاقبا حسب الترتيب الزمني ‪ ،‬ولحظ أيضا أ ّ‬
‫إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والسباط وتوقف ‪ .‬وأفرد موسى وعيسى‬
‫صهما باليتاء ‪ ،‬وأفرد النبيين من غير ذرية إبراهيم‬ ‫مع أنهم من السباط وخ ّ‬
‫باليتاء أيضا ‪ ،‬والظاهر أن هناك فرق بين النزال واليتاء ‪ ،‬وأما ماهية‬
‫السباط فسنبينها في فصل آخر ‪.‬‬
‫ولو اطلعت على مجمل النصوص القرآنية ‪ ،‬لوجدت أن ما ُنسب إلى موسى‬
‫عليه السلم باليتاء ‪ ،‬هو الكتاب والفرقان والهدى وضياء وذكر واللواح‬
‫صا إلى موسى عليه السلم ‪ ،‬في أي موضع‬ ‫والصحف ‪ ،‬وأن التوراة لم تنسب ن ّ‬
‫من المواضع ال )‪ (18‬في القرآن ‪ ،‬وهي ) ‪ 6‬مرات في آل عمران ‪ ،‬و ‪7‬‬
‫ل من ‪ ،‬العراف والتوبة والفتح والصف‬ ‫مرات في المائدة ‪ ،‬ومرة واحدة في ك ٍ‬
‫والجمعة ( ‪ ،‬وخلصة القول ‪ ،‬أن ذكر التوراة في القران ‪ُ ،‬يقصد به مجموع ما‬
‫ُأنزل على أنبياء بني إسرائيل ‪ ،‬أي الكتاب الذي كان بأيدي اليهود زمن نزول‬
‫القرآن ‪ ،‬وحتى عصرنا هذا ‪ ،‬وأن ذكر الكتاب ‪ ،‬يقصد به ما ُأنزل على موسى‬
‫لوحده ‪ ،‬وال أعلم ‪ .‬وأما ما ُينسب إلى موسى عليه السلم في التوراة الحالية ‪،‬‬
‫فهي السفار الخمسة الولى من مجموع أسفارها ‪ ،‬وهي أسفار التكوين‬
‫والخروج واللويين والعدد والتثنية ‪ ،‬وعلى الرجح أن بعض هذه السفار ‪،‬‬
‫كسفر التكوين ‪ ،‬كان موجودا قبل موسى عليه السلم ‪ ،‬ومن المحتمل أن يكون‬
‫هذا السفر ‪ ،‬هو مجموع صحف إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلم ‪.‬‬
‫حقيقة التوراة على لسان المقدسي ‪:‬‬
‫ي ‪ ،‬ما نصه ‪ " :‬وذلك أن‬ ‫جاء في كتاب ) البدء والتاريخ ( للمقدس ّ‬
‫) بختنصر ( ‪ ،‬لما خرب بيت المقدس وأحرق التورية ‪ ،‬وساق بني إسرائيل‬
‫إلى أرض بابل ‪ ،‬ذهبت التوراة من أيديهم ‪ ،‬حتى جّددها لهم عزير فيما يحكون‬
‫‪ ،‬والمحفوظ عن أهل المعرفة بالتواريخ والقصص ‪ ،‬أن عزيرا ) عزرا‬
‫الكاتب ( أملى التوراة في آخر عمره ‪ ،‬ولم يلبث بعدها أن مات ‪ ،‬ودفعها إلى‬
‫تلميذ من تلمذته ‪ ،‬وأمره بأن يقرأها على الناس بعد وفاته ‪ ،‬فعن ذلك التلميذ‬
‫أخذوها ودونوها ‪ ،‬وزعموا أن التلميذ ‪ ،‬هو الذي أفسدها وزاد فيها وحرفها ‪،‬‬
‫فمن ثم وقع التحريف والفساد في الكتاب ‪ ،‬وُبّدلت ألفاظ التوراة ‪ ،‬لنها من‬
‫‪145‬‬
‫تأليف إنسان بعد موسى ‪ ،‬لنه يخبر فيها ‪ ،‬عما كان من أمر موسى عليه السلم‬
‫‪ ،‬وكيف كان موته ووصيته إلى يوشع بن نون ‪ ،‬وحزن بني إسرائيل وبكاؤهم‬
‫عليه ‪ ،‬وغير ذلك مما ل يشكل على عاقل ‪ ،‬أنه ليس من كلم ال عز وجل ‪،‬‬
‫ول من كلم موسى ‪ ،‬وفي أيدي السامرة توراة ‪ ،‬مخالفة للتوراة التي في أيدي‬
‫سائر اليهود ‪ ،‬في التواريخ والعياد وذكر النبياء ‪ ،‬وعند النصارى توراة‬
‫منسوبة إلى اليونانية ‪ ،‬فيها زيادة في تواريخ السنين على التورية العبرانية ‪،‬‬
‫بألف وأربع مائة سنة ونيف ‪ ،‬وهذا كله يدل على تحريفهم وتبديلهم ‪ ،‬إذ ليس‬
‫يجوز وجود التضاد فيها من عند ال " ‪.‬‬
‫أما ما دفعني للبحث في أمر التوراة في البداية ‪ ،‬هو رغبتي في استخراج نص‬
‫النبوءة منها ‪ ،‬ومقارنته مع نص سورة السراء ‪ ،‬واستقراء تاريخهم حسب ما‬
‫يروونه هم بأنفسهم ‪ ،‬فيما إذا كان هناك ما يفيد تحقق الوعد الول ‪ ،‬من خلل‬
‫البحث في التوراة الحالية ‪ ،‬والموجودة تحت اسم العهد القديم ‪ ،‬في الكتاب‬
‫ي نسختين عنه ‪ ،‬باسم )كتاب‬ ‫المقدس الخاص بالنصارى ‪ ،‬حيث توفرت لد ّ‬
‫الحياة ‪ /‬ترجمة تفسيرية ‪ /‬ط ‪ / 1988 2‬جي سي سنتر القاهرة ( ‪ ،‬وتقع في )‬
‫‪ (1128‬صفحة ‪ ،‬والخرى باسم ) الكتاب المقدس ‪ /‬دار الكتاب المقدس في‬
‫الشرق الوسط ( وتقع في ) ‪ ( 1358‬صفحة ‪ ،‬مترجمة عن التوراة اليونانية ‪،‬‬
‫وبما أن عدد الصفحات كبير جدا ‪ ،‬ومن المؤكد أن هذا النص ‪ ،‬قد اعتراه‬
‫الكثير من التحريف والتزوير من إضافة ونقص ‪ ،‬فهو يحتاج إلى قراءة مركزة‬
‫ومتأنية ‪ ،‬من اللف إلى الياء ‪ ،‬مما يتطلب الكثير من الوقت والجهد ‪ ،‬فضل‬
‫عما ُتصاب به من دوار ‪ ،‬كلما حاولت أن تستجمع ما ورد فيها ‪ ،‬من أفكار‬
‫مشتتة ومضّللة ‪ ،‬ولما فيها من إسهاب وإطالة وتكرار ‪ ،‬لذلك كان ل بد لي ‪،‬‬
‫من تحديد على من ُأنزلت هذه النبوة ‪ ،‬وما هو المقصود بقوله سبحانه ) في‬
‫الكتاب ( على وجه الدقة ‪ ،‬وفي أي فترة زمنية ُأنزلت ‪ ،‬لتكون عملية البحث‬
‫فيها أقل جهدا ‪ ،‬وعند بحثي عنها فيما ُنسب إلى موسى عليه السلم من أسفار ‪،‬‬
‫وجدتها في سفر التثنية ‪ ،‬وقد اعتراها الكثير من التشويه من حذف وإضافة ‪،‬‬
‫وفيما يلي بعض من بقايا نصوصها التي توزعت على مدى ) ‪ 18‬صفحة ( ‪:‬‬

‫‪146‬‬
‫سفر التثنية آخر السفار المنسوبة لموسى ‪ ،‬ويضم في ثناياه نصوص‬
‫النبوءة ‪:‬‬
‫ملحظة ‪ :‬النص مأخوذ من نسخة ) كتاب الحياة ( حيث أن التركيب اللغوي‬
‫فيها ‪ ،‬أكثر قوة وتعبيرا ‪ ،‬إل في مواضع نادرة ‪ ،‬نلجأ فيها للخذ من النسخة‬
‫الخرى ) الكتاب المقدس ( وهو ما يرد بين ] … [ ‪ ،‬وما يرد بين ) … ( فهو‬
‫تعقيب من المؤلف ‪.‬‬
‫ن ُدوِني‬
‫خُذوا ِم ْ‬
‫سَراِئيَل َأّل َتّت ِ‬
‫جَعْلَناُه ُهًدى ِلَبِني ِإ ْ‬
‫ب َو َ‬
‫سى اْلِكَتا َ‬
‫) َوَءاَتْيَنا ُمو َ‬
‫ل )‪ 2‬السراء (‬ ‫َوِكي ً‬
‫" إصحاح ‪ :26‬آية ‪ :16‬لقد أمركم الرب إلهكم هذا اليوم ‪ ،‬أن تعملوا بهذه‬
‫الفرائض والحكام ‪ ،‬فأطيعوا واعملوا بها من كل قلوبكم ومن كل نفوسكم ‪،‬‬
‫‪ … :17‬وأن عليكم طاعة جميع وصاياه ‪ :19،‬فيجعلكم أسمى من كل المم‬
‫] مستعليا على جميع القبائل [ التي خلقها في الثناء والشرف والمجد ‪،‬‬
‫) العلو ( ‪. " … ،‬‬
‫إخبار موسى عليه السلم بنص النبوءة ‪ ،‬كان قبل دخولهم إلى الرض المقدسة‬
‫‪:‬‬
‫‪ " :1-9 :27‬وأوصى موسى وشيوخ إسرائيل الشعب قائلين ‪ :‬أطيعوا جميع‬
‫الوصايا التي أنا أمركم بها اليوم ‪ .‬فعندما تجتازون نهر الردن ‪ ،‬إلى الرض‬
‫التي يهبها الرب إلهكم لكم ‪ ،‬تنصبوا لنفسكم حجارة كبيرة ‪ … ،‬وتكتبون‬
‫عليها جميع كلمات هذه الشريعة ‪ … ،‬ثم قال موسى والكهنة واللويون لجميع‬
‫شعب إسرائيل " ‪:‬‬
‫سفر الخروج ‪ :2 : 20 " :‬أنا هو الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر‬
‫ديار عبوديتك ‪ :3 ،‬ل يكن لك آلهة أخرى سواي ‪ :4 ،‬ل تنحت لك تمثال ول‬
‫صورة ‪ :5 ، … ،‬ل تسجد لهن ول تعبدهن ‪ :7 ، … ،‬ل تنطق باسم الرب‬
‫باطل ‪ :12 ، … ،‬أكرم أباك وأمك ‪ :13 ، … ،‬ل تقتل ‪ :14 ،‬ل تزن ‪:15 ،‬‬
‫ل تسرق ‪ :16 ،‬ل تشهد على قريبك شهادة زور ‪ :17 ،‬ل تشته بيت جارك ‪،‬‬
‫… ‪ ،‬ول شيئا مما له " ‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫وهذا ما ُيسّمونه بالوصايا العشر ‪ ،‬واخترت النص من سفر الخروج ‪ ،‬كونه‬
‫أكثر وضوحا ومطابقة للقرآن ‪ ،‬حيث ورد نص الميثاق والوصايا في ) البقرة‬
‫‪ ) ، ( 84 – 83‬والنعام ‪ ) ، ( 153 – 151‬والسراء ‪. ( 39 – 22‬‬
‫عُلّوا‬
‫ن ُ‬
‫ن َوَلَتْعُل ّ‬
‫ض َمّرَتْي ِ‬
‫ن ِفي اَْلْر ِ‬
‫سُد ّ‬
‫ب َلُتْف ِ‬
‫سراِئيَل ِفي اْلِكَتا ِ‬
‫ضْيَنا ِإَلى َبِني إ ْ‬
‫) َوَق َ‬
‫َكِبيًرا )‪ 4‬السراء (‬
‫" ‪ :16-21 :31‬و قال الرب لموسى ‪ :‬ما إن تموت وتلحق بآبائك ) مستقبل (‬
‫… حالما أدخلهم إلى الرض التي تفيض لبنا وعسل ‪ ، … ،‬فيأكلون ويشبعون‬
‫ويسمنون ‪ ،‬فإنهم يسعون وراء آلهة أخرى ‪ ،‬ويعبدونها ويزدرون بي ‪،‬‬
‫وينكثون عهدي ‪ .‬فيحتدم غضبي عليهم في ذلك اليوم ‪ ،‬وأنبذهم وأحجب وجهي‬
‫عنهم ‪ ،‬فيكونوا فريسة ‪ :، … ،‬فمتى حّلت بهم شرور كثيرة ‪ ،‬ومصائب جّمة ‪،‬‬
‫يشهد هذا النشيد عليهم ‪ ،‬لنه سيظل يترّدد على أفواه ذرّيتهم ‪ ،‬إذ أنني عالم‬
‫بخواطرهم التي تدور بخلدهم الن ‪ ،‬قبل أن ُأدخلهم إلى الرض كما‬
‫] أقسمت [ " ‪.‬‬
‫سُكْم )‪ 7‬السراء (‬
‫سْنُتْم َِلْنُف ِ‬
‫ح َ‬
‫سْنُتْم َأ ْ‬
‫ح َ‬
‫ن َأ ْ‬
‫) ِإ ْ‬
‫" ‪ :1-13 :28‬وإن أطعتم صوت الرب طاعة تامة ‪،‬حرصا منكم على تنفيذ‬
‫جميع وصاياه فإن الرب إلهكم يجعلكم أسمى من جميع أمم الرض ‪ .‬وإذا‬
‫سمعتم لصوت الرب إلهكم ‪ ،‬فإن جميع هذه البركات تنسكب عليكم وتلزمكم ‪،‬‬
‫لت أرضكم ‪ ،‬ونتاج بهائمكم ‪ ،‬ويهزم الرب‬ ‫… ‪ ،‬كما تتبارك ُذّرّيتكم ‪ ،‬وغ ّ‬
‫أمامكم أعدائكم القائمين عليكم ‪ ،‬فيقبلون عليكم في طريق واحدة ‪ ،‬ولكّنهم‬
‫طرق ‪ ،‬فيفتح الرب كنوز سمائه الصالحة ‪ ،‬فيمطر على‬ ‫ُيوّلون الدبار في سبع ُ‬
‫أرضكم في مواسمها ‪ ،‬وُيبارك كل ما تنتجه أيديكم ‪ ، … ،‬فإّنه يجعلكم رؤوسا‬
‫ل أذنابا ‪ ،‬متسامين دائما ) علو ( ‪ ،‬ول ُيدرككم انحطاط أبدا ) ذّلة ( … " ‪.‬‬
‫سْأُتْم َفَلَها )‪ 7‬السراء (‬
‫ن َأ َ‬
‫) َوِإ ْ‬
‫" ‪ 15 :28‬ولكن إن عصيتم صوت الرب إلهكم ‪ ،‬ولم تحرصوا على العمل‬
‫بجميع وصاياه وفرائضه ‪ ،‬التي أنا آمركم اليوم بها ‪ ،‬فإن جميع هذه اللعنات‬
‫لت أرضكم ‪ ،‬ونتاج‬ ‫ل اللعنة بأبنائكم ‪ ،‬وغ ّ‬
‫تحل بكم وتلزمكم ‪ ، … ،‬وتح ّ‬
‫ب عليكم اللعنة والفوضى والفشل ‪ ،‬حتى تهلكوا وتفنوا‬ ‫ب الر ّ‬
‫بهائمكم ‪ ،‬ويص ّ‬
‫‪148‬‬
‫سريعا لسوء أفعالكم ‪ ،‬إذ تركتموني ‪ ،‬ويتفشى بينكم الوباء حتى ُيبيدكم ‪،‬‬
‫وتصبح السماء من فوقكم كالنحاس ‪ ،‬والرض من تحتكم كالحديد ‪:25 ،‬‬
‫ب أمام أعدائكم ‪ ،‬فتقبلون عليهم في طريق واحدة ‪ ،‬وتولون‬ ‫ويهزمكم الر ّ‬
‫الدبار أمامهم متفرقين في سبع طرق ‪ ،‬وتصبحون عبرة لجميع ممالك الرض‬
‫‪ :26 ،‬وتكون جثتكم طعاما ‪ ،‬لجميع طيور السماء ووحوش الرض ‪ ،‬ول‬
‫يطردها أحد ] وليس من يزعجها [ ‪ :28 ،‬ويبتليكم الرب بالجنون والعمى‬
‫سسون طرقكم في الظهر ‪ ،‬كما‬ ‫وارتباك الفكر ] وحيرة القلب [ ‪ :29 ،‬فتتح ّ‬
‫سس العمى في الظلم ‪ ،‬وتبوء طرقكم بالخفاق ‪ ،‬ول تكونون إل‬ ‫يتح ّ‬
‫مظلومين مغصوبين كل اليام ‪ :32 ،‬يساق أولدكم وبناتكم إلى أمة أخرى …‬
‫وما في أيديكم حيلة ‪ :36 ، … ،‬ينفيكم الرب أنتم وَمِلككم إلى أمة أخرى ‪ ،‬ل‬
‫تعرفونها أنتم ول آباؤكم ‪ :37 ، … ،‬وتصبحون مثار دهشة وسخرية وعبرة‬
‫في نظر جميع الشعوب ‪ ] :43 ، … ،‬الغريب الذي في وسطك ‪ ،‬يستعلي عليك‬
‫متصاعدا ‪ ،‬وأنت تنحط متنازل [ ) عودة الذل وزوال العلو ( ‪ ، … :44 ،‬وهم‬
‫يكونون رؤوسًا وأنتم تكونون ذنبا " ‪.‬‬
‫النصوص الخاصة بالمرة الولى ‪:‬‬

‫لَل‬
‫سوا خِ َ‬
‫جا ُ‬
‫شِديٍد َف َ‬
‫س َ‬
‫عَباًدا َلَنا ُأوِلي َبْأ ٍ‬
‫عَلْيُكْم ِ‬
‫عُد ُأوَلُهَما َبَعْثَنا َ‬
‫جاَء َو ْ‬
‫) َفِإَذا َ‬
‫الّدَياِر … )‪ 5‬السراء (‬
‫" ‪ 49 :28‬ويجلب الرب عليكم أمة من بعيد ‪ ،‬من أقصى الرض ‪ ،‬فتنقضّ‬
‫عليكم كالنسر ‪ :50 ،‬أّمة ] جافية الوجه [ يثير منظرها الرعب ‪ ،‬ل تهاب‬
‫الشيخ ول ترأف بالطفل ‪ :51 ،‬فتستولي على نتاج بهائمكم ‪ ،‬وتلتهم غلت‬
‫ق لك قمحا ول خمرا ول زيتا ‪ … ،‬حتى تفنيك ‪،‬‬ ‫أرضكم حتى تفنوا ‪ ،‬ول ُتب ِ‬
‫‪ :52‬وتحاصركم في جميع مدنكم ‪ ،‬حتى تتهدم أسواركم الشامخة الحصينة ‪،‬‬
‫التي وثقتم بمناعتها ‪ :58 ، … ،‬فإن لم تحرصوا على العمل بجميع كلمات هذا‬
‫الشريعة المكتوبة في هذا الكتاب ‪ :59 ، … ،‬فإن الرب يجعل الضربات‬
‫النازلة بكم وبذّريتكم ‪ ،‬ضربات مخيفة وكوارث رهيبة دائمة ‪ :63 ، … ،‬وكما‬
‫سّر الرب بكم ‪ ،‬فأحسن إليكم وكّثركم ‪ ،‬فإنه سُيسّر بأن يفنيكم ويهلككم‬
‫ُ‬
‫فتنقرضون ] فتستأصلون [ من الرض ‪ ،‬التي أنتم ماضون إلى امتلكها ‪،‬‬
‫‪ :64‬ويشّتتكم ] ويبددكم [ الرب بين جميع المم ‪،‬من أقصى الرض الى‬
‫‪149‬‬
‫أقصاها ‪ :65 ، … ،‬ول تجدون بين تلك المم اطمئنانا ‪ ،‬ول مقّرا لقدم ‪ ،‬بل‬
‫يعطيكم الرب قلبا هلعا ‪ ،‬وعيونا أوهنها الترقب ‪ ،‬ونفوسا يائسة ) الذلة‬
‫والمسكنة بين المم ( ‪ :66 ،‬و تعيشون حياة مفعمة بالتوتر ‪ ،‬مليئة بالرعب ليل‬
‫و نهارا ‪.‬‬
‫سم ولمرتين ) تكرار للنص السابق مع السهاب ( ‪:‬‬
‫النبوءة جاءت ِبَق َ‬
‫‪ 1 :29‬وهذه هي نصوص العهد ‪ ،‬الذي أمر الرب موسى ‪ ،‬أن يقطعه مع بني‬
‫إسرائيل في سهول موآب ‪ ،‬فضل عن العهد الذي قطعه معهم في حوريب ‪:2 ،‬‬
‫ودعا موسى جميع إسرائيل ‪ 4 :29 ، … ،‬و لكن الرب لم يعطكم حتى الن ‪،‬‬
‫قلوبا لتعوا ] لتفهموا [ وعيونا لتبصروا و أذانا لتسمعوا ‪ :9 ، … ،‬فأطيعوا‬
‫نصوص هذا العهد واعملوا بها ‪ ] ،‬لكي تفلحوا في كل ما تفعلون [ ‪، … ،‬‬
‫‪ :14‬ولست أقطع هذا العهد وهذا القسم معكم وحدكم ‪ :15 ،‬بل … ُأبرمه أيضا‬
‫مع الجيال القادمة ) حيث سيقع منهم الفساد مّرتين مستقبل ( ‪:18 ، … ،‬‬
‫صل فيه الشّر ‪ ،‬فيحمل ثمرا علقما ساّما ‪،‬‬
‫فاحرصوا أن ل يكون بينكم ‪ ،‬من تأ ّ‬
‫‪ :19‬فإن سمَع كلم هذا الَقسم يستمطر بركة على نفسه ) أي يزّكي نفسه ( قائل‬
‫‪ :‬سأكون آمنا ‪ ،‬حتى ولو أصررت على الستمرار في سلوك طريقي‬
‫) الصرار على المعصية ( ‪ ،‬إن هذا ُيفضي إلى فناء الخضر واليابس ‪ ،‬على‬
‫حد سواء ‪ :20 ،‬إن الرب ل يشاء الرفق بمثل هذا النسان ‪ ،‬بل يحتدم غضبه‬
‫وغيرته عليه ‪ ،‬فتنزل به كل اللعنات المدّونة في هذا الكتاب ‪ ،‬ويمحو اسمه من‬
‫تحت السماء ‪ :22 ،‬فيشاهد أبناؤكم من الجيال القادمة ‪ ،‬والغرباء الوافدون من‬
‫أرض بعيدة ‪ ،‬بليا تلك الرض ‪ :23 ، … ،‬إذ تصبح جميع الرض كبريتا‬
‫محترقة ل زرع فيها ‪ ، … ،‬كانقلب سدوم ) قوم لوط ( ‪ ،‬التي قلبها الرب من‬
‫ب وسخ ٍ‬
‫ط‬ ‫جراء غضبه وسخطه ‪ :28 ، … ،‬واجتّثهم من أرضهم ‪ ،‬بغض ٍ‬
‫وغيظٍ عظيم ‪ ،‬وطّوح بهم إلى أرض أخرى ) السبي والشتات ( ‪. " … ،‬‬
‫النصوص الخاصة بالمرة الثانية ‪:‬‬

‫جْئَنا ِبُكْم َلِفيًفا )‪ 104‬السراء (‬


‫خَرِة ِ‬
‫لِ‬‫عُد ا ْ‬
‫جاَء َو ْ‬
‫) َفِإَذا َ‬
‫ل بكم هذه البركات واللعنات ) تحقق الوعد الول من علو‬ ‫‪ 1 :30‬وعندما تح ّ‬
‫وإفساد وعقاب ( كلها التي وضعتها ُنصب أعينكم ‪ ،‬ورّددتموها في قلوبكم بين‬
‫‪150‬‬
‫المم ‪ ،‬حيث شّتتكم الرب إلهكم ‪ :2 ،‬ورجعتم إلى الرب إلهكم أنتم وبنوكم ‪… ،‬‬
‫‪ :3 ،‬فإن الرب إلهكم يرّد سبيكم ويرحمكم ‪ ،‬ويّلم شتاتكم من بين جميع الشعوب‬
‫‪ ،‬التي نفاكم الرب إلهكم إليها ‪… ،‬‬
‫جَعْلَناُكْم َأْكَثَر َنِفيًرا )‪6‬‬
‫ن َو َ‬
‫عَلْيِهْم َوَأْمَدْدَناُكْم ِبَأْمَواٍل َوَبِني َ‬
‫) ُثّم َرَدْدَنا َلُكُم اْلَكّرَة َ‬
‫السراء (‬
‫‪ :5 :30‬ويعيدكم إلى الرض التي امتلكها آباؤكم فتمتلكونها ‪ ،‬ويحسن إليكم‬
‫ويكّثركم أكثر من آبائكم ‪ :7 :30 ،‬و ُيحّول الرب إلهكم كل هذه اللعنات‬
‫) العقاب الذي سيكون قد نزل بهم في المرة الولى ( على أعدائكم ‪ ،‬وعلى‬
‫مبغضيكم الذين طردوكم ) الذين أنزلوا بهم العقاب اللهي في المرة الولى ( ‪،‬‬
‫‪ 8 :30‬و أما أنتم فتطيعون صوت الرب من جديد ) في المرة الثانية ( ‪،‬‬
‫وتعملون بجميع وصاياه التي أنا أوصيكم بها اليوم ‪ :9 ،‬فيفيض الرب عليكم‬
‫خيرا ‪ ،‬في كل عمل ما تنتجه أيدكم ‪ ،‬ويكّثر ثمرة أحشائكم ‪ ،‬ونتاج بهائمكم ‪،‬‬
‫أرضكم ‪ ) … ،‬وكل ما تقدم مشروط بالحسان (‬
‫سْأُتْم َفَلَها ) ‪ 7‬السراء ( ) تكرار (‬
‫ن َأ َ‬
‫سُكْم َوِإ ْ‬
‫سْنُتْم َِلْنُف ِ‬
‫ح َ‬
‫سْنُتْم َأ ْ‬
‫ح َ‬
‫ن َأ ْ‬
‫) ِإ ْ‬
‫‪ :10 :30‬هذا إن سمعتم لصوت الرب إلهكم ‪ ،‬وحفظتم وصاياه وفرائضه‬
‫المدّونة في كتاب الشريعة هذا ‪ ) ،‬أي تعاليم شريعة موسى في التوراة ‪ ،‬وليس‬
‫طها أحبارهم وكهنتهم ( ‪ ،‬وإن رجعتم إلى الرب إلهكم ‪،‬‬ ‫تعاليم التلمود التي خ ّ‬
‫من كل قلوبكم ومن كل نفوسكم ‪ :11 ،‬إن ما أوصيكم به اليوم من وصايا ‪،‬‬
‫ليست متعّذرة عليكم ول بعيدة المنال ‪ :15 ، … ،‬انظروا ‪ :‬ها أنا قد وضعت‬
‫أمامكم اليوم ‪ ،‬الحياة والخير والموت والشر ‪ … :16 ،‬أوصيتكم اليوم أن‬
‫ُتحّبوا الرب إلهكم ‪ ،‬وأن تسلكوا في طرقه ‪ ،‬وتطيعوا وصاياه وفرائضه‬
‫وأحكامه ‪ ،‬لكي تحيوا وتنمو ‪ ،‬فيبارككم الرب ‪ ،‬في الرض التي أنتم ماضون‬
‫إليها لمتلكها ‪ :17 ،‬ولكن إن تحّولت قلوبكم ولم تطيعوا ‪ ،‬بل غويتم وسجدتم‬
‫للهة أخرى وعبدتموها ‪ :18 ،‬فإني أنذركم ] ُأنّبئكم [ اليوم أنكم ل محالة‬
‫هالكون ‪ ،‬ول تطول اليام على الرض ) أي مقامكم ( التي أنت عابر ) نهر (‬
‫الردن لتدخلها وتمتلكها …‬
‫‪ :19‬ها أنا ُأشهد عليكم اليوم السماء والرض ‪ ،‬قد وضعت أمامكم الحياة‬
‫والموت ) أي وضحت لكم طريق النجاة وطريق الهلك ‪ ،‬واستبدالها بكلمتي‬
‫‪151‬‬
‫الحياة والموت من خلل النقل أو التحريف ‪ ،‬ترّتب عليه إنكار الحياة الخرة ‪،‬‬
‫واليوم الخر من بعث وحساب ‪ ،‬فالجزاء عندهم دنيوي فقط ‪ ،‬فالثواب هو‬
‫إطالة الحياة ‪ ،‬والعقاب هو قصرها ( ‪ ،‬البركة واللعنة ) أي الجزاء في الدنيا ( ‪،‬‬
‫فاختاروا الحياة ) أي الشريعة ( لتحيوا ) لتنجوا من عذاب الدنيا والخرة ( أنتم‬
‫سكون به لنه هو‬ ‫ونسلكم ‪ :20 ،‬إذ تحّبون الرب إلهكم و تطيعون صوته ‪ ،‬وتتم ّ‬
‫حياتكم ) أي نجاتكم ( والذي ُيطيل أيامكم لتستوطنوا ] لكي تسكنوا [ الرض‬
‫التي حلف الرب لبائك ‪ ،‬إبراهيم وإسحاق ويعقوب أن يعطيها لكم ‪.‬‬
‫الدخول أول مرة كان بحبل من ال ‪:‬‬
‫‪ :1 :31‬ومضى موسى يقول لبني إسرائيل ‪ … :2 :‬وقد قال لي الرب ‪ :‬لن‬
‫تعبر هذا الردن ‪ :3 ،‬ولكن الرب إلهكم هو عابر أمامكم ‪ ،‬وهو يبيد تلك المم‬
‫جعوا ‪ ،‬ل تخشونهم ول‬ ‫من قّدامكم فترثونهم ‪ ] :6 ، … ،‬تشّددوا [ وتش ّ‬
‫تجزعوا منهم ‪ ،‬لن الرب إلهكم سائر معكم ‪ ،‬ل يهملكم ول يترككم ‪.‬‬
‫حتمية إفسادهم وعقابهم في المرة الثانية ‪:‬‬
‫ي جميع شيوخ أسباطكم و عرفاءكم ) النقباء ( ‪ ،‬لتلو على‬ ‫‪ 28 :31‬اجمعوا إل ّ‬
‫مسامعهم هذه الكلمات ‪ ،‬وأشهد عليهم السماء والرض ‪ :29 ،‬لنني واثق أنكم‬
‫بعد موتي ‪ ،‬تفسدون وتضلون عن الطريق الذي أوصيتكم بها ‪ ،‬فيصيبكم الشّر‬
‫في آخر اليام ) المرة الثانية تكون آخر الزمان ( ‪ ،‬لنكم تقترفون الشر أمام‬
‫الرب ‪ ،‬حتى تثيروا غيظه بما تجنيه أيديكم ‪ :30 ،‬فتل موسى في مسامع كل‬
‫جماعة إسرائيل ] بكلمات [ هذا النشيد ‪… ،‬‬
‫ل )‪ 2‬السراء (‬
‫ن ُدوِني َوِكي ً‬
‫خُذوا ِم ْ‬
‫) َأّل َتّت ِ‬
‫جدوا عظمة إلهنا ‪ :4 ،‬هو الصخر ) الوكيل (‬ ‫‪ :3 :32‬باسم الرب أدعو فم ّ‬
‫] الكامل صنيعه [ ‪ ،‬سبله جميعها عدل ‪ ،‬هو إله أمانة ل يرتكب جورا ‪ ،‬صديق‬
‫وعادل هو ‪ :5 ،‬لقد اقترفوا الفساد أمامه ‪ ،‬ولم يعودوا له أبناء ‪ ،‬بل لطخة‬
‫عار ‪ ،‬إنهم جيل أعوج وملتو ‪ :6 ،‬أبهذا تكافئون الرب ‪ ،‬أيها الشعب الحمق‬
‫ي ‪ ،‬أليس هو أباكم وخالقكم ‪ ،‬الذي عملكم وخلقكم ‪ :7 ،‬اذكروا اليام‬ ‫الغب ّ‬
‫الغابرة ‪ ،‬وتأملوا في سنوات الجيال الماضية ‪ ،‬اسألوا آبائكم فينبئوكم ‪،‬‬
‫ش ‪ ،‬فأحاط‬‫جَدهم في أرض قفٍر وفي خلء موح ٍ‬ ‫وشيوخكم فيخبروكم ‪َ :10 ،‬و َ‬
‫‪152‬‬
‫بهم ورعاهم وصانهم ‪ … :12 ،‬وحده قاد شعبه ‪ ،‬وليس معه إله غريب ) أي‬
‫آخر ( ‪ :13 ،‬أصعدهم على هضاب الرض ‪ ،‬فأكلوا ثمار الصحراء ‪ ،‬وغّذاهم‬
‫بعسل من حجر ‪ ،‬وزيتا من حجر الصّوان ‪ ،‬و … و …‬
‫الدخول الثاني كان بحبل من الناس ‪ ،‬إذ ل حاجة بهم إلى ال ‪:‬‬
‫‪ :15‬فسمن بنو إسرائيل ورفسوا ‪ ،‬سمنوا وغلظوا واكتسوا شحما ) كناية عن‬
‫الترف ( ‪ ،‬فرفضوا الله صانعهم وتنّكروا لصخرة خلصهم ‪ :16 ،‬أثاروا‬
‫غيرته بآلهتهم الغريبة ‪ ،‬وأغاظوه بأصنامهم الرجسة ‪ :17 ،‬للهة غريبة لم‬
‫يعرفوها بل ظهرت حديثا ) المال والقوة والناس ( ‪ ،‬آلهة لم يرهبها آباؤهم من‬
‫قبل ‪ :18 ،‬لقد نبذتم الصخر الذي أنجبكم ونسيتم ال الذي أنشأكم ) وهذا حالهم‬
‫وحال دولتهم الحالية ( ‪.‬‬
‫خُلوُه َأّوَل َمّرٍة … )‪ 7‬السراء (‬
‫جَد َكَما َد َ‬
‫سِ‬
‫خُلوا اْلَم ْ‬
‫جوَهُكْم َوِلَيْد ُ‬
‫سوُءوا ُو ُ‬
‫) ِلَي ُ‬
‫‪ :19‬فرأى الرب ذلك ورذلهم ‪ ،‬إذ أثار أبناؤه وبناته غيظه ‪ :20 ،‬وقال ‪:‬‬
‫سأحجب وجهي عنهم فأرى ماذا سيكون مصيرهم ؟ إنهم جيل متقلب وأولُد‬
‫خونة ‪ ، … :21 ،‬لذلك سأثير غيرتهم بشعب متوحش ) أولي بأس شديد ( ‪،‬‬
‫وأغيظهم بأمة حمقاء ] أمة ل تفهمون لغتها [ ‪ :22‬فها قد أضرم غضبي نارا ‪،‬‬
‫لتها ‪ ،‬وتحرق أسس الجبال ‪،‬‬ ‫ُتحرق حتى الهاوية السفلى ‪ ،‬وتأكل الرض وغ ّ‬
‫‪ :23‬أجمع عليهم شرورا ‪ ،‬وُأنفذ سهامي فيهم ‪ :24 ،‬أجعل أنياب الوحوش ‪ ،‬مع‬
‫حّمة زواحف الرض تنشب فيهم ‪ :25 ،‬يثكلهم سيف العدو في الطريق ‪،‬‬
‫ويستولي عليهم الرعب داخل الخدور ‪ ،‬فيهلك الفتى مع الفتاة ‪ ،‬والرضيع مع‬
‫الشيخ ‪ :26 ،‬قلت ‪ :‬أشّتتهم في زوايا الرض ‪ ،‬وأمحو من بين الناس ذكرهم‬
‫) أي في المرة الولى ( ‪ :27 ،‬لول خوفي من تبجح العدو ‪ ،‬إذ يظنون قائلين ‪:‬‬
‫ظمت ) أعداء بني إسرائيل ( ‪ ،‬وليس ما جرى من ِفعل الرب ‪.‬‬ ‫عُ‬‫إن يدنا قد َ‬
‫خَرِة )‪ 7‬السراء (‬
‫لِ‬‫عُد ا ْ‬
‫جاَء َو ْ‬
‫) َفِإَذا َ‬
‫‪ 28 :32‬إن بني إسرائيل أمة غبية ول بصيرة فيهم )ل يعقلون ول يفقهون ( ‪،‬‬
‫‪ :29‬لو عقلوا لفطنوا لمآلهم وتأملوا في مصيرهم ‪ :32 ،‬إذ أن كرمتهم من‬
‫كرمة سدوم ‪ ،‬ومن حقول عمورة ‪ ) ،‬تشيه إفسادهم وإصرارهم ‪ ،‬بإفساد قوم‬
‫لوط وإصرارهم ( وعنبهم ينضح سّما ‪ ،‬وعناقيدهم تفيض مرارة ‪:33 ،‬‬
‫‪153‬‬
‫خمرهم حّمة الفاعي ‪ ،‬وسُم الثعابين المميت ‪ 34 :32‬أليس ذلك مدخرا‬
‫عندي ‪ ،‬مختوما عليه في خزائني ‪ :35 ،‬لي النقمة وأنا ُأجازي ‪ ،‬في الوقت‬
‫ل أقدامهم ‪ ،‬فيوم هلكهم بات وشيكا ‪ ،‬ومصيرهم‬ ‫المعين ) مجيء الوعد ( ‪ ،‬تز ّ‬
‫المحتوم ُيسرع إليهم ‪ ) ،‬كلما أمعنوا في الفساد كلما اقترب موعد هلكهم ( ‪.‬‬
‫حَمُكْم … ) ‪ 8‬السراء (‬
‫ن َيْر َ‬
‫سى َرّبُكْم َأ ْ‬
‫ع َ‬
‫) َ‬
‫" ‪ :36‬لن الرب يدين شعبه ) بني إسرائيل ( ويرأف بعبيده ‪ ،‬عندما يرى أن‬
‫قّوتهم قد اضمحلت ) زالت ‪ ،‬بعد المرة الثانية ( … " ‪.‬‬
‫ل)‬
‫عْنُكْم َوَل َتحِْوي ً‬
‫ضّر َ‬
‫ف ال ّ‬
‫ش َ‬
‫ن َك ْ‬
‫ل َيْمِلُكو َ‬
‫ن ُدوِنِه َف َ‬
‫عْمُتْم ِم ْ‬
‫ن َز َ‬‫عوا اّلِذي َ‬
‫) ُقِل اْد ُ‬
‫‪ 56‬السراء (‬
‫" ‪ 37 :32‬عندئذ يسأل الرب ‪ :‬أين آلهتهم ؟ أين الصخرة التي التجأوا إليها ؟‬
‫ب لمساعدتكم ‪ ،‬وتبسط عليكم حمايتها ‪ :39 ،‬انظروا الن ‪ :‬إني أنا هو‬ ‫‪ :38‬لته ّ‬
‫وليس إله معي ‪ ،‬أنا أميت وأحيي ‪ ،‬أسحق وأشفي ‪ ،‬ول منقذ من يدي ‪، … ،‬‬
‫ت به يدي للقضاء ‪ ،‬فإني أنتقم من أعدائي‬ ‫‪ :41‬إذا سننت سيفي البارق ‪ ،‬وأمسك ْ‬
‫ي ‪ُ :42 ،‬أسكر سهامي بالدم ويلتهم سيفي لحما ‪ ،‬بدم القتلى‬‫وأجازي مبغض ّ‬
‫والسبايا ‪ ،‬ومن رؤوس قواد العدو ) قادة إسرائيل ( ‪. " … ،‬‬
‫موسى عليه السلم ُيخبر بنص النبوءة قبل موته ‪:‬‬
‫" ‪ 45 :32‬وعندما انتهى موسى ‪ ،‬من تلوة جميع كلمات هذا النشيد على‬
‫السرائيليين ‪ :46 ،‬قال لهم ‪ :‬تأّملوا بقلوبكم في جميع الكلمات ‪ ،‬التي أنا أشهد‬
‫عليكم بها اليوم ‪ ،‬لكي توصوا بها أولدكم ‪ ،‬ليحرصوا على العمل بكلمات هذه‬
‫التوراة كلها ‪ :47 ،‬لنها ليست كلمات ل جدوى لكم منها ‪ ،‬إنها حياتكم وبها‬
‫تعيشون طويل ‪ ،‬في الرض التي أنتم عابرون نهر الردن إليها لترثوها …‬
‫‪ :5 :34‬فمات موسى عبد الرب ‪ ،‬في أرض موآب ]حسب [ قول الرب " ‪.‬‬
‫نلحظ هنا أن النبوءة ‪ ،‬اعتراها بعض التشويه من حذف أو إضافة أو تبديل ‪،‬‬
‫ولكنها حافظت على خطوطها العريضة ‪ ،‬ونلحظ أيضا أنها فصلت المرتين‬
‫كل منهما على حدة ‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫حيثيات نفاذ الوعد الول في السفار الخرى‬

‫التوراة كمرجع تاريخي غير موثوق به ‪:‬‬


‫جح كثير من الناقدين والباحثين الغربيون ‪ ،‬من الذين وضعوا التوراة تحت‬ ‫ير ّ‬
‫المجهر ‪ ،‬كونها العهد القديم من كتابهم المقدس ‪ ،‬أنها كتبت بأيدي بشر ‪ ،‬وذلك‬
‫لما تحفل به من خرافات وأساطير ‪ ،‬ولتناقضها مع العهد الجديد ) النجيل ( ‪،‬‬
‫وتناقضها مع المنطق والواقع ‪ ،‬وتناقضها أيضا ‪ ،‬مع المصادر التاريخية‬
‫الخرى في مواضع عديدة ‪ ،‬وُيجمع الكثير منهم أن كتابتها وجمعها ‪ ،‬قد تم بعد‬
‫السبي البابلي ‪ ،‬وجاء القرآن ليكشف الكثير من أكاذيبها وافتراءاتها ‪ ،‬ومن‬
‫طلعي عليها ‪ ،‬تبين لي أن من قام بإعادة كتابة التوراة ‪ ،‬هم أشخاص‬ ‫خلل ا ّ‬
‫مشبعون بمشاعر الحقد والقهر والنقمة والرغبة في النتقام ‪ ،‬وكل هذه المشاعر‬
‫‪ ،‬موجهة بالترتيب نحو ‪:‬‬
‫ل وعل ‪ ) ،‬يقولون أن يعقوب عليه السلم صرع ال في‬ ‫‪ .1‬رب العزة ج ّ‬
‫ض يعقوب في فخذه ‪ ،‬فسبب له عرق‬ ‫البرية ‪ ،‬واستطاع ال النجاة بع ّ‬
‫النساء ‪ ،‬ومن أجل ذلك ل يأكل اليهود عرق النساء الذي في الفخذ ‪ ،‬سفر‬
‫التكوين ‪ ، 32-24 :32‬ويقولون عنه سبحانه أنه كثير البكاء وكثير الندم‬
‫على ما أنزله بشعبه المقدس ‪ ،‬ولذلك كانوا وما زالوا يعتقدون ‪ ،‬أن ال‬
‫طردوا منه بل ذنب أو‬ ‫سيصلح خطأه معهم ‪ ،‬بإعادتهم إلى وطنهم ‪ ،‬الذي ُ‬
‫خطيئة ‪ ،‬فالخطأ منسوب إلى ال ورسله وملئكته والشعوب المجاورة ‪ ،‬أما‬
‫شعب ال المقّدس ‪ ،‬فليس له خطيئة فهو حمل وديع ‪ ،‬وهذا نوع من السقاط‬
‫النفسي ‪ ،‬لعظم الخطيئة ‪ ،‬وفداحة العقاب الذي وقع منهم وبهم ( ‪.‬‬
‫‪ .2‬الرسل والنبياء ‪ ) ،‬يقولون أن موسى وهارون خانا الرب وسط الشعب‬
‫التثنية ؛ ‪ ، 51-50 :32‬وهارون هو الذي صنع العجل الذهبي ‪ ،‬الخروج‬
‫‪ ، 6-1 :32‬وداود ارتكب خطيئة الزنا مع زوجة الجندي ؛ صموئيل الثاني ‪،‬‬
‫‪ ، 27-1 :11‬وسليمان عبد آلهة أخرى ‪ ،‬وفعل الشّر في عيني الرب ‪ ،‬كما‬
‫فعل أبوه ؛ ملوك أول ‪. ( 8-1 :11‬‬
‫‪ .3‬الكنعانيون القدماء وورثتهم الجدد ) الفلسطينيون ( ‪ ) ،‬سفر التكوين ‪:9‬‬
‫‪ :27-20‬واشتغل نوح بالفلحة وغرس كرما ‪ ،‬وشرب من الخمر فسكر‬
‫ي أبيه ‪ ،‬فخرج وأخبر‬ ‫عر ّ‬
‫وتعرى داخل خيمته ‪ ،‬فشاهد حام أبو الكنعانيين ُ‬
‫‪155‬‬
‫أخويه اللذين كانا في الخارج ‪ ،‬فأخذ سام ويافث ‪ ،‬رداًء ووضعاه على‬
‫أكتافهما ‪ ،‬ومشيا القهقرى إلى داخل الخيمة ‪ ،‬وسترا عورة أبيهما من غير‬
‫أن يستديرا بوجهيهما نحوه فُيبصرا عورته ‪ .‬وعندم أفاق نوح من سكره ‪،‬‬
‫وعلم ما فعله ابنه الصغير ‪ ،‬قال ‪ :‬ليكن كنعان ملعونا ‪ ،‬وليكن عبد العبيد‬
‫لخوته ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬تبارك ال إله سام ‪ ،‬وليكن كنعان عبدا له ‪ ،‬ليوسع ال‬
‫ليافث ‪ ،‬وليكن كنعان عبدا له ( ‪.‬‬
‫‪ .4‬الكلدانيون في بابل ‪ ،‬وورثتهم الجدد ) العراقيون ( ‪ ) ،‬وأحقادهم على‬
‫بابل وأهلها ‪ُ ،‬أفرد الحديث عنها في موضع آخر ( ‪.‬‬
‫‪ .5‬جميع شعوب الرض ما عدا اليهودي الصرف ‪ ) .‬والمثلة على ذلك‬
‫موجودة في أسفار موسى ‪ ،‬ونصوص التلمود ( ‪.‬‬
‫‪ .6‬سبط بنيامين الخ الشقيق ليوسف عليه السلم ‪.‬‬
‫وكل مشاعر الحقد والرغبة في النتقام ممن ُذكروا أعله ‪ ،‬أفرغها الكتبة‬
‫) الكهنة والحكماء ( في كتابهم المقدس ) التوراة ( ‪ ،‬فأعادوا جمعها ونسخها ‪،‬‬
‫تحت وطأة انفعالت نفسية رهيبة ‪ ،‬وفبركة جميع أسفارها ‪ ،‬بما يتناسب مع‬
‫تلك المشاعر ‪ ،‬بعد السبي البابلي ‪ ،‬أكبر فاجعة ُأصيب بها بنو إسرائيل والكثر‬
‫إيلما على مّر التاريخ ‪.‬‬
‫وتبين لي أن هناك تطويل وتكرار غير مبرر ‪ ،‬لنفس الحدث أو الموضوع ‪،‬‬
‫وأحيانا يكون هذا التكرار ‪ ،‬لنفس السفر كامل تحت مسميين ‪ ،‬مثل أسفار أخبار‬
‫اليام وأخبار الملوك ‪ ،‬مع اختلف بسيط ‪ ،‬وأحيانا لنفس الفقرة في نفس‬
‫جمعت ‪ ،‬على القل من‬ ‫السفر ‪ ،‬وهذا التكرار يدل على أن نصوص التوراة ُ‬
‫جمعت في كتاب واحد ‪ ،‬دون‬ ‫مصدرين مختلفين ‪ ،‬وُأخذت النصوص منهما ‪ ،‬و ُ‬
‫تفضيل نص على آخر ‪ ،‬فالحدث الواحد أحيانا يتكّرر مرتين وثلثة ‪ ،‬دون‬
‫وجود فارق جوهري في المضمون ‪.‬‬
‫وبعد أن قمت بمطالعة التوراة بشكل ُمتكّرر ‪ ،‬تأكدت من هذه الحقيقة ‪ ،‬التي لم‬
‫يكن قد تنّبه لها الباحثون والناقدون من قبل ‪ ،‬وهي أن التوراة قد جمعت فعل ‪،‬‬
‫حّرفت أكثر من الخرى ‪ ،‬وأن لغة‬ ‫من نسختين ُمختلفين ‪ ،‬وأن إحدى النسختين ُ‬
‫كل منهما تختلف عن الخرى ‪ ،‬فغالبا ما يكون هناك ُمسّمين لنفس الشخص أو‬
‫المكان ‪ ،‬حتى يخال للقارئ أنها أسماء لشخوص أو أماكن مختلفة ‪ ،‬وكمثال‬
‫على ذلك إبرام وإبراهيم ‪ ،‬وساراي وسارة ‪ ،‬وصحراء سين وصحراء سيناء ‪،‬‬
‫‪156‬‬
‫ومملكة يهوذا ومملكة إسرائيل ‪ ،‬والسبي البابلي والسبي الشوري ‪ .‬وهذا‬
‫الرتباك الذي وقع فيه مؤلفو التوراة المتأخرون ‪ ،‬أثناء محاولة التوفيق بجمع‬
‫ما جاء في النسختين ‪ ،‬تسبب في هذا العرض التأريخي المشّوه للوقائع ‪ ،‬مما‬
‫أفقد التوراة مصداقيتها حتى للكثير من الباحثين اليهود أنفسهم ‪ ،‬ولكل من بحث‬
‫من علماء التنقيب والثار ‪ .‬ولكنها بقيت المرجع التاريخي الوحيد لتاريخ بني‬
‫إسرائيل ‪.‬‬
‫وفي كثير من الحيان ‪ ،‬تشعر بسخافة كتابها ‪ ،‬من سخافة أفكارها وأخبارها ‪،‬‬
‫وسخافة تبريرها وتعليلها ‪ ،‬كقصة عرق النساء وصراع يعقوب مع ال ‪،‬‬
‫وفبركة قصة نوح وأولده أعله ‪ ،‬ناهيك عن ألفاظها البذيئة ‪ ،‬التي أحيانا تترفع‬
‫عن كتابتها حتى الروايات الهابطة ‪ ،‬ورائحة اللحوم والدماء ‪ ،‬والخمور‬
‫والمشاوي والهش والنش … إلى آخره ‪ ،‬وما يربط التوراة بالوحي ‪ ،‬هو ما‬
‫يظهر في ثناياها من خطوط عريضة ‪ ،‬هي البقية الباقية التي سلمت من‬
‫أيديهم ‪ ،‬رغما عن أنوفهم ‪ ،‬وهذا ل يعني أل نقرأ هذا الكتاب ‪ ،‬بل على العكس‬
‫تماما ‪ ،‬تّوجب على المسلمين قراءته ‪ ،‬وقراءة التلمود أيضا منذ أمد بعيد ‪،‬‬
‫وقراءة ما ُكتب فيهما من مؤلفات ناقدة ‪ ،‬لمعرفة العقلية التي يفكر بها هؤلء ‪،‬‬
‫ولمعرفة ما يطمحون إليه ‪ ،‬والحقيقة أني ما كنت لقرأها ‪ ،‬وأقرأ ما ُكتب فيها‬
‫من مؤلفات عديدة ‪ ،‬لول هذا البحث ‪.‬‬
‫مملكة شمالية ومملكة جنوبية ‪:‬‬
‫تقول السفار التاريخية في التوراة ‪ ،‬بأن مملكة سليمان ‪ ،‬انقسمت بعد موته إلى‬
‫مملكتين ‪ ،‬جنوبية في القدس واسمها يهوذا ) القدس ( وهي الصل ‪ ،‬وشمالية‬
‫واسمها إسرائيل ) نابلس ( وهي المنشقة ‪.‬‬
‫وصف فساد المملكة الشمالية ‪:‬‬
‫يذكر كتبة التوراة ‪ ،‬أن المملكة الشمالية فسدت وأفسدت ‪ ) ،‬ملوك أول ‪: 12:‬‬
‫صن يربعام ) ملك الشمالية ( مدينة شكيم ) نابلس ( ‪ ،‬في جبل‬
‫‪ " ( 33-25‬وح ّ‬
‫ي ذهب ‪ ،‬وقال‬‫أفرايم وأقام فيها ‪ ، … ،‬وبعد المشاورة سبك الملك عجل ّ‬
‫ضكم لمشقة عظيمة ‪ ،‬فها هي‬‫للشعب ‪ :‬إن الذهاب إلى أورشليم للعبادة ‪ ،‬يعر ّ‬
‫آلهتك يا إسرائيل ‪ ،‬التي أخرجتك من ديار مصر " ‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫وأما إفسادهم حسب ما يروونه هم عن أنفسهم ‪ ،‬فقد جاء في سفر الملوك الثاني‬
‫ق الرب‬ ‫ما نصه ‪ :9 :17 " ،‬وارتكب بنو إسرائيل في الخفاء المعاصي ‪ ،‬في ح ّ‬
‫إلههم ‪ :11 … ،‬واقترفوا الموبقات لغاظة الرب ‪ ،‬عابدين الصنام التي‬
‫ب عنها ‪ :13 … ،‬قائل ‪ :‬ارجعوا عن طرقكم الثيمة ‪،‬‬ ‫حّذرهم ونهاهم الر ّ‬
‫وأطيعوا وصاياي وفرائضي بمقتضى ‪ ،‬التي أوصيت آبائكم بتطبيقها ‪… ،‬‬
‫على لسان عبيدي النبياء ‪ :14 ،‬لكنهم أصّموا آذانهم ‪ ،‬وأغلظوا قلوبهم‬
‫كآبائهم ‪ :16 … ،‬ونبذوا جميع وصايا الرب ‪ ، … :17 ،‬وتعاطوا العرافة‬
‫والفأل ) السحر والكهانة ( ‪ :22 … ،‬ولم يعدل السرائيليون عن ارتكاب جميع‬
‫خطايا يربعام ‪ ،‬بل أمعنوا في اقترافها ‪ :23 ،‬فنفى الرب إسرائيل من‬
‫حضرته ‪،‬كما نطق على لسان جميع النبياء ‪ ،‬فسبي السرائيليون إلى أشور ‪،‬‬
‫إلى هذا اليوم " ) أي اليوم الذي كتبوا فيه هذا النص بعد السبي بمدة طويلة ( ‪.‬‬
‫وصف فساد المملكة الجنوبية ‪:‬‬
‫وأما ما ُينسب من إفساد إلى ملوك المملكة الجنوبية ‪ ،‬فقد جاء في نفس السفر ما‬
‫ب ‪ ،‬مقترفا رجاسات المم الذين‬ ‫ي الر ّ‬
‫نصه ‪ :2 :21 " ،‬وارتكب الشّر في عين ّ‬
‫طردهم الرب من أمام بني إسرائيل ‪ ، … :3 ،‬وأقام مذابح البعل ‪ ،‬ونصب‬
‫تماثيل عشتاروت ) مدينة بابلية ( ‪ ،‬وسجد لكواكب السماء وعبدها ‪ :6 ،‬ولجأ‬
‫ن والعّرافين ‪ ،‬وأوغل في ارتكاب الشّر ‪ :10 … ،‬ثم قال‬ ‫إلى أصحاب الجا ّ‬
‫سى ملك يهوذا اقترف جميع هذه‬ ‫الرب على لسان عبيده النبياء ‪ :‬لن من ّ‬
‫ل يهوذا … ‪ ، … :12 ،‬ها أنا أجلب شرا على أورشليم‬ ‫الموبقات ‪ ،‬وأض ّ‬
‫ويهوذا ‪ ، … :13 ،‬وأمسح أورشليم كما ّيمسح الطبق من بقايا الطعام ‪:14 ،‬‬
‫وأنبذ شعبي وأسلمهم إلى أيدي أعدائهم ‪ ،‬فيصبحون غنيمة وأسرى لهم ‪:15 ،‬‬
‫سى فسفك دم أبرياء كثيرين ‪،‬‬ ‫لنهم ارتكبوا الشّر في عيني ‪ :16 … ،‬وزاد من ّ‬
‫حتى مل أورشليم من أقصاها إلى أقصاها ‪ ،‬فضل عن خطيئته التي استغوى‬
‫بها يهوذا ‪. " … ،‬‬
‫وتخبر التوراة أن الحروب استمرت بين المملكتين ‪ ،‬واستعانة المغلوب بالقوام‬
‫المجاورة على الخر ‪ ،‬إلى أن جاء الغزو الشوري ‪ ،‬وسبى المملكة الشمالية‬
‫‪ 721‬ق‪.‬م ‪.‬‬
‫ي الرب ) حسب قولهم ( ‪،‬‬ ‫وتتابَع الملوك الجنوبيون في ارتكاب الشّر في عين ّ‬
‫وفي عهد الملك يهوياقيم ‪ ،‬هاجم نبوخذ نصر ) بختنصر ( مملكة يهوذا‬
‫‪158‬‬
‫وخضعت له ثلث سنوات ‪ ،‬ثم تمرّد عليه ) يهوياقيم ( ‪ :2 :24 " ،‬فأرسل‬
‫الرب غزاة من كلدانيين وأراميين وموآبيين وعّمونيين ) سكان العراق والردن‬
‫القدماء ( ‪ ،‬للغارة على مملكة يهوذا وإبادتها ‪ ،‬بموجب ما قضى به الرب ‪،‬‬
‫سى ( ‪ ،‬إذ‬ ‫على لسان عبيده النبياء ‪ :4 ،‬وانتقاما للدم البريء الذي سفكه ) من ّ‬
‫أنه مل أورشليم بدم البرياء ‪. " … ،‬‬
‫وفي عهد الملك ) يهوياكين ( " ‪ … :10 :24‬زحف قادة نبوخذ نصر ملك بابل‬
‫على أورشليم ‪ ،‬وحاصروا المدينة ‪ ،‬ثم جاء نبوخذ نصر بنفسه وتسّلم زمام‬
‫القيادة ‪ ،‬فاستسلم ) يهوياكين ( … واستولى على جميع ما في خزائن الهيكل‬
‫والقصر ‪ ، … ،‬تماما كما قضى الرب ‪ :14 ،‬وسبى نبوخذ نصر أهل‬
‫أورشليم ‪ ) " ،‬وكما يقولون أنه وّلى ابن عم الملك خلفا له ‪ ،‬وسّماه صدقّيا ‪،‬‬
‫وبعد سنوات ارتكب صدقّيا الشر في عيني الرب كالعادة ‪ ،‬وتمّرد على ملك‬
‫بابل ‪ ،‬وآنذاك ( ‪ :1 :25 " ،‬زحف نبوخذ نصر ملك بابل ‪ ،‬بكامل جيشه على‬
‫أورشليم وحاصرها ‪ :3 ، … ،‬تفاقمت المجاعة في المدينة ‪ ،‬حتى لم يجد أهلها‬
‫خبزا يأكلونه ‪ :6 ،‬فأسروا الملك ) الذي كان ينوي الهرب ( واقتادوه إلى ملك‬
‫بابل ‪ ، … ،‬ثّم قتلوا أبناء صدقّيا على مرأى منه ‪ ،‬وقلعوا عينيه ‪ ،‬وساقوه إلى‬
‫بابل ‪ :9 ، … ،‬وأحرق الهيكل وقصر الملك وسائر بيوت أورشليم ‪ ،‬وسبى‬
‫نبوزرادان ) قائد الحرس الملكي ( بقية الشعب … ‪ ، 121 ،‬ولكنه ترك فيها‬
‫فقراء الرض المساكين ‪ :13 .‬وحطم الكلدانيون أعمدة النحاس وبركة النحاس‬
‫… إلى آخره ‪ ) ،‬كل محتويات الهيكل ونقلوها إلى بابل ( ‪ :18 ،‬وسبى رئيس‬
‫الحرس الملكي ) سرايا رئيس الكهنة وأعوانه وقادة الجيش وندماء الملك ‪،‬‬
‫وفي المجمل هم علية القوم وزمرة الفساد والفساد في الرض ( فقتلهم ملك‬
‫سبي شعب‬ ‫بابل في المعسكر في أرض حماة ) المدينة السورية ( ‪ ،‬وهكذا ُ‬
‫يهوذا من أرضه " ‪.‬‬
‫فما أطول باله هذا النبوخذ نصر ‪ ،‬حتى يزحف عليهم مرارا وتكرارا ‪.‬‬
‫والحقيقة أنه زحف عليهم مرة واحدة ‪ ،‬وبشكل مفاجئ فأباد مملكتهم ‪ ،‬وما هذا‬
‫التطويل والتطويل والتكرار ‪ ،‬إل من صنع أيدي الكتبة ‪ ،‬وما ) يهوياقيم (‬
‫و) يهوياكين ( ‪ ،‬إل تسميتين لنفس الملك الذي حصل في عصره السبي‬
‫البابلي ‪.‬‬

‫‪159‬‬
‫مملكة واحدة وبعث واحد ‪:‬‬
‫ما تقدم من نصوص ‪ ،‬كان من السفار ‪ ،‬التي ُيسّمونها السفار التاريخية ‪،‬‬
‫خت لعصر الملوك ‪ ،‬ابتداًء من طالوت وداود وسليمان ‪ ،‬وانتهاًء‬ ‫التي أر ّ‬
‫بيهوياكين الذي وقع السبي البابلي في عصره ‪ .‬والحقيقة أنه لم يكن هناك‬
‫مملكتين ‪ ،‬ولم يكن هناك سبيين ‪ ،‬وإنما مملكة واحدة وسبي واحد ‪ .‬ولكن نتيجة‬
‫كتابة التوراة بتلك الطريقة المزدوجة ‪ ،‬أصبحت المملكة مملكتين ‪ ،‬وأصبح‬
‫الزحف البابلي زحفين ‪ ،‬ولحل الشكال قولبوه في زمانين مختلفين ‪.‬‬
‫أما إّدعاء انقسام المملكة ‪ ،‬فالقرآن أثبت بطلنه في موضعين ‪ ،‬أول ؛ ُذكر‬
‫العلو مرتين كأمة في زمانين مختلفين ‪ ،‬ثانيا ؛ الية التي تتحدث عن سفكهم‬
‫دمائهم وإخراجهم أنفسهم ‪ ،‬تؤكد أن ذلك لم يكن انشقاق في الحقيقة ‪ ،‬بل كان‬
‫ذلك قتل وإخراج وسلب ‪ ،‬لطائفة مستضعفة من قومهم ‪ ،‬وفي الحقيقة ‪ ،‬وقع‬
‫هذا الفعل ‪ ،‬في سبط الخ الشقيق ليوسف عليه السلم ‪ ،‬الذي ُتسميه التوراة‬
‫) ببنيامين ( ‪ ،‬وما كان بإمكان هؤلء ‪ ،‬إقامة دولة في أراضي الكنعانيين‬
‫المجاورة ‪ ،‬التي لجأوا إليها ‪ ،‬وما كانت حروبهم مع المملكة الم ‪ ،‬إل ضمن‬
‫جيوش الكنعانيين وهو الرجح ‪ ،‬أو كثّوار لسترداد أسلبهم وديارهم ‪.‬‬
‫وربما أن بعضهم استنجد بالبابليين ‪ ،‬كنوع من النتقام ‪ ) ،‬بأسهم بينهم شديد ‪،‬‬
‫تحسبهم جميعا وقلوبهم شّتى ( فاستجابوا لهم ‪ ،‬وربما كان ذلك طمعا في كنوز‬
‫هيكل سليمان ‪ ،‬وال أعلم ‪ .‬حيث لم يأتي أي ذكر في التاريخ للسبي الشوري ‪،‬‬
‫لعشرة أسباط ) قبائل ( من المملكة الشمالية ‪ ،‬حسب ما يّدعي مؤلفو التوراة ‪،‬‬
‫حتى أن بعض الباحثون الذين صّدقوا التوراة ‪ ،‬يتساءلون عن كيفية اختفاء تلك‬
‫جح أن اختراع قصة‬ ‫سبيت إلى مدينة أشور برمتها ‪ ،‬ومن المر ّ‬‫القبائل ‪ ،‬التي ُ‬
‫المملكة الثانية وسبيها ‪ ،‬هو أحد مظاهر السقاط النفسي ‪ ،‬لمن عوقبوا ‪ ،‬على‬
‫الذين لم ُيعاقبوا ‪ ،‬من الذين ُأخرجوا من ديارهم رغم أنوفهم ‪ ،‬تجنبا وتخفيفا‬
‫للشعور باللم ‪ ،‬كلما طرأ على مخيلتهم تلك الذكرى الليمة ‪ ،‬ويحصل هذا‬
‫عادة على المستوى الشخصي ‪ ،‬فور تعرض الشخص لحادثة مؤلمة ‪ ،‬فيعزو‬
‫الخطاء التي تسببت في الحادثة إلى الخرين ‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫تحذيرات النبياء من الفساد‬
‫جاء التحذير من الستهانة بنص النبوءة ‪ ،‬ومغبة الفساد عند العلو ‪ ،‬والتخويف‬
‫من العقاب ‪ ،‬التي كانت بدايتها نصا في كتاب موسى عليه السلم ‪ ،‬وعلى لسان‬
‫كل النبياء المتعاقبين ‪ ،‬داعين إلى اللتزام بشريعة موسى ‪ ،‬ومحّذرين من‬
‫تركها ومخالفتها على مدى عمر مملكتهم ‪ ،‬بدءا من سليمان عليه السلم ‪،‬‬
‫وانتهاًء بإشعياء وإرمياء عليهما السلم ‪ ،‬إن كانوا أنبياء ‪.‬‬
‫وهذا هو التحذير الذي جاء على لسان سليمان ‪ ،‬بعد انتهاءه من بناء الهيكل ‪،‬‬
‫اليام الثاني ‪ :19 :7 " :‬ولكن إن انحرفتم ونبذتم فرائضي التي شرعتها لكم ‪،‬‬
‫وضللتم وراء آلهة أخرى وعبدتموها وسجدتم لها ‪ :20 ،‬فإني أستأصلكم من‬
‫أرضي التي وهبتها لكم ‪ ،‬وأنبذ هذا الهيكل الذي قّدسته لسمي ) جعلته قائما‬
‫لذكري ( ‪ ،‬وأجعله مثل ومثار ُهزٍء لجميع المم ‪ :21 ،‬ويغدو هذا الهيكل الذي‬
‫كان شامخا ‪ ،‬عبرة ُيثير عجب كل من يمّر به " ‪.‬‬
‫وبالضافة إلى ما تقدم ‪ ،‬هذا عرض لجزء يسير ‪ ،‬من النصوص الكثيرة‬
‫والمطّولة والمكّررة ‪ ،‬لما جاء في أسفار بعض أنبيائهم ) الكبار ( ‪ ،‬اخترناها‬
‫لتكتمل معالم الصورة من الجانب الخر ‪.‬‬
‫تحذيرات إشعياء ‪:‬‬
‫إشعياء هو أول النبياء الكبار وهم أربعة ‪ ،‬وُيقال أنه ُبعث في فترة ‪ ،‬بلغ فيه‬
‫إفساد بني إسرائيل الذروة ‪ ،‬قبل وقوع السبي البابلي ‪ ،‬حيث أن سفره ‪ ،‬جاء‬
‫حافل بالتقريع والتوبيخ والتحذير والنذار ‪ ،‬والتذكير بنص النبوءة الذي جاء‬
‫به موسى ‪ ،‬ويروى أنه من النبياء الذين ُقتلوا ) التعريف بأصحاب السفار من‬
‫النبياء ‪ ،‬مستقاة من مقدمة المترجم لكل سفر ( ‪:‬‬
‫‪ :4 :1‬ويل للمة الخاطئة ‪ ،‬الشعب المثقل بالثم ‪ ،‬ذرية مرتكبي الشّر ‪ ،‬أبناء‬
‫الفساد ‪ :10 .‬اسمعوا كلمة الرب يا حكام سدوم ) قرية لوط ( ‪ :15 … ،‬عندما‬
‫تبسطون نحوي أيديكم أحجب وجهي عنكم ‪ ،‬وإن أكثرتم الصلة ل أستجيب ‪،‬‬
‫لن أيديكم مملوءة دما ‪ :16 ،‬اغتسلوا ‪ ،‬تطّهروا ‪ ،‬أزيلوا شّر أعمالكم من أمام‬
‫ق‪،‬‬‫عيني ‪ ،‬كفوا عن اقتراف الثم ‪ :17 ،‬وتعّلموا الحسان ‪ ،‬اْنشدوا الح ّ‬
‫انصفوا المظلوم ‪ ،‬اقضوا لليتيم ‪ ،‬ودافعوا عن الرملة ‪ :19 … ،‬إن شئتم‬
‫وأطعتم ‪ ،‬تتمتعون بخيرات الرض ‪ ،‬وإن أبيتم وتمّردتم فالسيف يلتهمكم ‪ ،‬ل ّ‬
‫ن‬
‫‪161‬‬
‫ب قد تكّلم " ) ويستطرد واصفا حال المدينة آنذاك ( ‪ … :21 " ،‬كانت‬ ‫فم الر ّ‬
‫تفيض حّقا ‪ ،‬ويأوي إليها العدل ‪ ،‬فأصبحت وكرا للمجرمين ‪ :22 ،‬صارت‬
‫ضتك مزّيفة ‪ ،‬وخمرك مغشوشة بماء ‪ :23 ،‬أصبح رؤساءك عصاة ‪،‬‬ ‫ف ّ‬
‫وشركاء لصوص ‪ُ ،‬يولعون بالرشوة ويسعون وراء الهبات ‪ ،‬ل يدافعون عن‬
‫اليتيم ‪ ،‬ول ُترفع إليهم دعوى الرملة " ‪.‬‬
‫" ‪ :8 :3‬قد َكَبت ) وقعت ( أورشليم ‪ ،‬انهارت يهوذا ) المملكة ( ‪ ،‬لنهما‬
‫أساءتا بالقول والفعل إلى الرب ‪ ،‬وتمّردتا على سلطانه ‪ :9 ،‬ملمح وجوههم‬
‫تشهد عليهم ‪ ،‬إذ يجاهرون بخطيئتهم كسدوم ول يسترونها ‪ ،‬فويل للذين جلبوا‬
‫شروا الصّديقين بالخير ‪ ،‬لنهم سيتمتعون بثواب‬ ‫على أنفسهم شّرا ‪ :10 ،‬ولكن ب ّ‬
‫أعمالهم ‪ :11 ،‬أّما الشّرير فويل له وبئس المصير ‪ … :12 ،‬إن قادتكم‬
‫ُيضّلونكم ويقتادونكم في مسالك منحرفة … " ‪.‬‬
‫سِكر … ‪ :12 ،‬يتلّهون في مآدبهم‬ ‫" ‪ :11 :4‬ويل لمن … يسعون وراء الُم ْ‬
‫بالعود والرباب والدف والناي والخمر ‪ ،‬غير مكترثين بأعمال الربّ ‪:13 … ،‬‬
‫عظماؤهم جوعا ‪ ،‬وتهلك العامة‬ ‫لذلك ُيسبى شعبي لنهم ل يعرفون ‪ ،‬ويموت ُ‬
‫ط كل متشامخ فيها ‪،‬‬‫ل النسان وُيخفض الناس وُيح ّ‬ ‫عطشا ‪ :15 … ،‬وُيذ ّ‬
‫) الذل بعد العلو ( … ‪ :18‬ويل لمن يجّرون الثم بحبال الباطل ‪:19 … ،‬‬
‫جل بعقابه حتى نراه ) انظر اليات ‪ 92،99‬السراء و‬ ‫ويقولون لُيسرع وُيع ّ‬
‫‪ 58،59‬الكهف ( ‪ ،‬لُينفذ مقّدس إسرائيل مآربه فينا ‪ ،‬فندرك حقيقة ما يفعله بنا ‪،‬‬
‫‪ :21‬ويل للحكماء في أعين أنفسهم ‪ ،‬والذكياء في نظر ذواتهم ‪ :25 … ،‬لذلك‬
‫احتدم غضب الرب ضّد شعبه ‪ ،‬فمّد يده عليهم وضربهم ‪ ،‬فارتعشت الجبال ‪،‬‬
‫وأصبحت جثث موتاهم كالقاذورات في الشوارع ‪ ،‬ومع ذلك لم يرتّد غضبه ‪،‬‬
‫ولم تبرح يده ممدودة بالعقاب ‪ :26 ،‬فيرفع راية لمم بعيدة ‪ ،‬ويصفر لمن في‬
‫أطراف الرض ‪ ،‬فيقبلون ُمسرعين ‪ :27 ،‬دون أن يكّلوا أو يتعثروا أو يعتريهم‬
‫ُنعاس أو نوم ‪ :28 … ،‬سهامهم مسنونة ‪ ،‬وقسّيهم مشدودة ‪ ،‬حوافر خيلهم‬
‫كأنها صّوان ‪ ،‬عجلت مركباتهم مندفعة كالعصار ‪ :29 ،‬زئيرهم كأنه زئير‬
‫أسد ‪ ،‬يزمجر وينقض على فريسته ‪ ،‬ويحملها وليس من منقذ ‪ُ :30 ،‬يزمجرون‬
‫… كهدير البحر ‪ ،‬وإن جاس أحدهم في البلد متفرسا ‪ ،‬ل يرى سوى الظلمة‬
‫والضيق ‪ ،‬حتى الضوء قد احتجب وراء سحبه ‪. " ..‬‬

‫‪162‬‬
‫جلون أحكام جور ‪:2 ،‬‬ ‫‪ :1 :10‬ويل للذين يسّنون شرائع ظلم ‪ ،‬وللكتبة الذين يس ّ‬
‫ليصّدوا البائسين عن العدل ‪ ،‬ويسلبوا مساكين شعبي حّقهم ‪ ،‬لتكون الرامل‬
‫مغنما لهم ‪ ،‬وينهبوا اليتامى ‪ :3 ،‬فماذا تصنعون في يوم العقاب ‪ ،‬عندما تقبل‬
‫الكارثة من بعيد ! إلى من تلجئون طلبا للعون ؟ وأين تودعون ثروتكم ؟ لم‬
‫يبقى شيء سوى أن تجثوا بين السرى ‪ ،‬وتسقطوا بين القتلى ‪:21 … ،‬‬
‫وترجع بقية ذرية يعقوب إلى الرب القدير ‪ ،‬مع أن شعبك يا إسرائيل ‪ ،‬فإن بقية‬
‫فقط ترجع ‪ ،‬لن ال قضى بفنائهم ‪ ،‬وقضاؤه عادل " ‪.‬‬
‫" ‪ :8 :46‬اذكروا هذا واتعظوا ‪ ،‬انقشوه في آذانكم أيها العصاة ‪ ،‬تذّكروا‬
‫المور الغابرة القديمة ‪ ،‬لني أنا ال وليس إله آخر ‪ :10 ،‬وقد أنبأت بالنهاية‬
‫منذ البداية ‪ ،‬وأخبرت منذ القدم ‪ ،‬بأمور لم تكن قد حدثت بعد ‪ ،‬قائل ‪ :‬مقاصدي‬
‫ل بد أن تتم ‪ ،‬ومشيئتي ل بد أن تتحقق ‪ :11 ،‬أدعوا من المشرق الطائر‬
‫الجارح ‪ ،‬ومن الرض البعيدة برجل مشورتي ‪ ،‬قد نطقت بقضائي ‪ ،‬ول بد أن‬
‫ي يا غلظ القلوب ‪ ،‬أيها البعيدون عن البّر ‪:13 ،‬‬ ‫ُأجريه ‪ :12 … ،‬أصغوا إل ّ‬
‫لقد جعلت أوان بّري قريبا ‪ ،‬لم يعد بعيدا ‪ ،‬وخلصي ل ُيبطئ …‬
‫ن خلصكم مرهون‬ ‫‪ :15-17 :30‬لنه هكذا قال الرب ‪ ،‬قّدوس إسرائيل ‪ :‬إ ّ‬
‫ي ‪ ،‬وقّوتكم في الطمأنينة والثقة بي ‪ ،‬لكنكم أبيتم ذلك ‪ ،‬وقلتم‬
‫بالتوبة والركون إل ّ‬
‫‪ :‬ل بل نهرب على الخيل ‪ ،‬أنتم حّقا تهربون ‪ ،‬لهذا فإن مطارديكم ُيسرعون في‬
‫تعّقبكم ‪ ،‬يهرب منكم ألف من زجرة واحد ‪ ،‬وتتشّتتون جميعا من زجرة‬
‫خمسة ‪ ،‬حتى ُتتركوا كسارية على رأس جبل …‬
‫نلحظ أن إشعياء يدعوا إلى التوبة والصلح ‪ ،‬ويصف ما وصل ببني‬
‫إسرائيل من إفساد ‪ ،‬ويّذكرهم ويحّذرهم ‪ ،‬ويعيد إلى أذهانهم ‪ ،‬مضمون تلك‬
‫النبوءة ‪ ،‬التي جاءت في أسفار موسى ‪ ،‬ونصوص إشعياء لم تحمل في طياتها‬
‫تصريح عن ماهية المبعوثين ‪ ،‬سوى أن الفقرة الخيرة ‪ ،‬ذكرت جهة مخرج‬
‫البعث ‪ ،‬وربما يكون ذلك إضافة من مؤلفي التوراة ‪.‬‬
‫تحذيرات ارميا ‪:‬‬
‫ارميا هو ثاني النبياء الكبار ‪ ،‬وُيقال أن هذا النبي ‪ ،‬عاش في الفترة ما قبل وما‬
‫بعد ‪ ،‬التي وقع فيها السبي البابلي ‪ ،‬وكان فحوى رسالته ‪ :‬دعوة قومه إلى‬
‫ق قدره ‪ ،‬فل ملجأ‬‫التوبة والعودة إلى ال ‪ ،‬والتخلي عن الوهام ‪ ،‬وتقدير ال ح ّ‬
‫‪163‬‬
‫منه إل إليه ‪ ،‬ول يرّد غضبه قوة أو مال أو جاه ‪ .‬وقد ُوصف هذا النبي ) بالنبي‬
‫البّكاء ( ‪ ،‬من كثرة بكاءه على قومه ‪ ،‬بعد وقوع الكارثة التي طالما حّذرهم‬
‫منها ‪ ،‬فلم يستجيبوا له ‪.‬‬
‫" ‪ :2 :7‬اسمعوا كلم الرب … ‪ :3‬قّوموا طرقكم وأعمالكم فُأسكنكم في هذا‬
‫الموضع ‪ :4 ،‬ل تتكّلوا على أقوال الكذب ) النفاق ( ‪ :5 ،‬لكن إن قّومتم حّقا‬
‫طرقكم وأعمالكم ‪ ،‬وأجريتم قضاًء عادل فيما بينكم ‪ :6 ،‬إن لم تجوروا على‬
‫الغريب واليتيم والرملة ‪ ،‬ولم تسفكوا دما بريئا … وإن لم تضّلوا وراء‬
‫الوثان ‪ :7 ،‬عندئذ ُأسكنكم في هذا الموضع … إلى البد ‪ :8‬ها أنتم قد اتكلتم‬
‫على أقوال الكذب ) نافقتم ( ‪ ،‬ولكن من غير جدوى ‪ :9 ،‬أتسرقون وتقتلون‬
‫خرون للبعل ) الصنم ( ‪ :10 ،‬ثم تمثلون في‬ ‫وتزنون ‪ ،‬وتحلفون زورا وتب ّ‬
‫حضرتي …هل أصبح هذا الهيكل ) الذي ُأقيم لذكري ( مغارة لصوص ؟! …‬
‫‪ :20‬لذلك ُيعلن الرب ‪ :‬ها غضبي وسخطي ينصّبان على هذا الموضع …‬
‫" ‪ :7 :8‬إن اللقلق في السماء يعرف ميعاد هجرته ‪ ،‬وكذلك … ‪ ،‬أّما شعبي فل‬
‫يعرف قضاء الرب ! ‪ :8‬كيف تّدعون أنكم حكماء ‪ ،‬ولديكم شريعة الرب ‪،‬‬
‫بينما حولها قلم الكتبة المخادع إلى ُأكذوبة ؟! سيلحق الخزي بالحكماء ‪،‬‬
‫ويعتريهم الفزع والذهول ‪ ،‬لنهم رفضوا كلمة الرب ‪ ،‬إذ أي حكمة فيهم ؟!‬
‫لذلك ُأعطي نسائهم لخرين ‪ ،‬وحقولهم للوارثين القاهرين ‪ ،‬لنهم جميعهم من‬
‫صغيرهم إلى كبيرهم مولعون بالربح ‪ ،‬حتى النبي والكاهن يرتكبان الزور في‬
‫أعمالهما ‪ ،‬ويعالجون جراح شعبي باستخفاف ‪ ،‬قائلين ‪ :‬سلٌم ‪ ،‬سلٌم ‪ ،‬في حين‬
‫ط ‪ ،‬ولم‬ ‫ل ! لم يخزوا ق ّ‬
‫ل يوجد سلم ‪ ،‬هل خجلوا عندما ارتكبوا الرجس ؟! ك ّ‬
‫يعرفوا الخجل ‪ ،‬لذلك سيسقطون بين الساقطين ‪ ،‬وحين ُأعاقبهم ُيطّوح بهم ‪،‬‬
‫يقول الرب " ‪.‬‬
‫" ‪ :22 :10‬اسمعوا ‪ ،‬ها أخبار تتواتر عن جيش عظيم ‪ ،‬مقبل من الشمال ‪،‬‬
‫ليحّول مدن يهوذا ‪ ،‬إلى خرائب ومأوى لبنات آوى " ‪.‬‬
‫ب زاحف من الشمال ‪ ،‬وأّمة عظيمة تهبّ من‬ ‫" ‪ :22 :6‬انظروا ‪ ،‬ها شع ٌ‬
‫ت بالقوس والرمح ‪ ،‬وهي قاسية ل ترحم ‪ ،‬جلبتها‬ ‫أقاصي الرض ‪ ،‬تسّلح ْ‬
‫كهدير البحر ‪ ،‬وهي مقبلة على صهوات الخيل ‪ ،‬قد اصطّفت كإنسان واحد ‪،‬‬
‫ب الوهن في أيدينا ‪ ،‬وتّولنا‬ ‫لمحاربتك يا أورشليم ‪ ،‬سمعنا أخبارهم المرعبة فد ّ‬
‫كرب وألم ‪ ،‬كألم امرأة تعاني المخاض ‪ ،‬ل تخرجوا إلى الحقل ‪ ،‬ول تمشوا في‬
‫‪164‬‬
‫الطريق ‪ ،‬فللعدّو سيف ‪ ،‬والهول ُمحّدق من كل جهة ‪ ،‬فيا أورشليم ارتدي‬
‫المسوح ‪ ،‬وتمّرغي في الرماد ‪ ،‬ونوحي كمن ينوح على وحيده ‪ ،‬وانتحبي نحيبا‬
‫مرا ‪ ،‬لن الُمدّمر ينقض علينا فجأة ‪ ،‬إني أقمتك ُممَتحنا للمعدن ) إقامة مملكتهم‬
‫كان لمتحانهم ( ‪ ،‬وجعلت شعبي مادًة خام ‪ ،‬لكي تعرف طرقهم وتفحصها ‪،‬‬
‫فكّلهم عصاة متمّردون ساعون في النميمة ‪ ،‬هم نحاس وحديد ‪ ،‬كلهم فاسدون "‬
‫‪.‬‬
‫" ‪ :3 :23‬وأجمع شتات غنمي من جميع الراضي ‪ ،‬التي أجليتها إليها ‪،‬‬
‫وأرّدها إلى مراعيها ‪ ،‬فتنموا وتتكاثر ‪ ،‬وُأقيم عليها رعاة يتعّهدونها ‪ ،‬فل‬
‫يعتريها خوف من بعد ‪ ،‬ول ترتعد ول تضل ‪ ،‬ها أيام مقبلة ُأقيم فيها لداود‬
‫ذرّية ِبّر ‪ ،‬ملكا يسود بحكمة ‪ ،‬ويجري في الرض عدل وحّقا ‪ ،‬في عهده يتّم‬
‫خلص شعب يهوذا ‪ ،‬ويسكن شعب إسرائيل آمنا " ‪.‬‬
‫" ‪ :3 :30‬ها أيام مقبلة أرّد فيها سبي شعبي … ‪ ،‬وأعيدهم إلى الرض التي‬
‫أعطيتها لبائهم فيرثونها ‪ ) ،‬ثم يقول ( ‪ :‬سمعنا صراخ رعب ‪ ،‬عم الفزع‬
‫وانقرض السلم ‪ ، … ،‬ما أرهب ذلك اليوم ‪ ،‬إذ ل مثيل له ‪ ،‬هو زمن ضيق‬
‫طم‬
‫على ذرية يعقوب ‪ ،‬ولكنها ستنجوا ‪ ،‬في ذلك اليوم ‪ ،‬يقول الرب القدير ‪ُ :‬أح ّ‬
‫طهم ) أي أرفع قيود العبودية والذل عنهم ( فل‬ ‫أنيار أعناقهم وأقطع ُرب َ‬
‫يستعبدهم غريب فيما بعد ‪ ،‬بل يعبدون الرب إلههم ‪ ،‬وداود ملكهم الذي ُأقيمه‬
‫ن ويستريح ‪ ،‬من غير‬ ‫عليهم ) شرك بال ( ‪ … ،‬فيرجع نسل إسرائيل ‪ ،‬ويطمئ ّ‬
‫ك بينها ‪ ،‬أّم أنت فل ُأفنيك‬ ‫أن ُيضايقه أحد ‪ ، … ،‬فُأبيُد جميع المم التي شّتت َ‬
‫جه لورشليم ( إن‬ ‫ُأوّدبك بالحق ‪ ،‬ول ُأبّرئك تبرئة كاملة ‪ ) ، … ،‬الخطاب مو ّ‬
‫جرحك ل شفاء له ‪ ،‬وضربتك ل علج لها ‪ ،‬إذ ل يوجد من يدافع عن دعواك ‪،‬‬
‫… ‪ ،‬قد نسيك محّبوك ‪ ،‬وأهملوك إهمال ‪ ،‬لني ضربتك كما َيضربُ عدّو ‪،‬‬
‫س ‪ ،‬لن إثمك عظيٌم وخطاياك متكاثرة ‪ ، … ،‬لهذا‬ ‫ض قا ٍ‬ ‫ب مبغ ٍ‬‫ك عقا َ‬
‫وعاقبت ِ‬
‫أوقعتك بالمحن ‪ ،‬ولكن سيأتي يوم ُيفترس فيه جميع ُمفترسيك ‪ ،‬ويذهب جميع‬
‫مضايقيك إلى السبي ‪ ،‬ويصبح ناهبيك منهوبين ‪ ،‬لني أرّد لك عافيتك وُأبرئ‬
‫جراحك " ‪.‬‬
‫النصوص الخيرة أعله ‪ ،‬من النصوص المضّللة ‪ ،‬التي شّكلت قناعات‬
‫ومعتقدات ‪ ،‬عاّمة اليهود حكماًء ومغفلين ‪ ،‬وملخصها أنهم في المرة الثانية ‪،‬‬
‫سيقيمون لهم دولة في أرض الميعاد ‪ ،‬وُيبعث لهم ملكا من نسل داود عليه‬
‫‪165‬‬
‫السلم ‪ ،‬يحكم الرض كلها بالحق والعدل ‪ ،‬وليس فلسطين فقط ‪ ،‬ففلسطين ل‬
‫تتسع لحلمهم وأوهامهم وهلوسهم وأمانّيهم ‪ ،‬وينعم اليهود تحت حكمه ‪،‬‬
‫بالسلم والمن إلى البد ) فل بعثا ول نشورا ( ‪ ،‬ويكون فيها اليهود أسيادا ‪،‬‬
‫وباقي خلق ال عبيدا تحت أقدامهم ‪.‬‬
‫لقد أضاع كتبة التوراة الحقيقة ‪ ،‬وظلموا أجيالهم القادمة من حيث ل يعلمون ‪،‬‬
‫فكذبوا الكذبة وصّدقها أبنائهم ‪ ،‬وأصبحت من صميم معتقداتهم ‪ ،‬فالمعاصرين‬
‫من اليهود والنصارى ‪ ،‬يتعاملون مع كل نصوص التوراة ‪ ،‬بغثها وسمينها ‪،‬‬
‫على أنها من عند ال ‪ ،‬ول مجال لتكذيبها ‪.‬‬
‫يقولون أن النص التالي ‪ ،‬هو رسالة من إرمياء إلى المسبيين في بابل ‪ُ ،‬يخبرهم‬
‫فيها أن مقامهم هناك سيكون طويل ‪ ،‬وينصحهم فيها بأن ُيقيموا فيها ويبنوا‬
‫بيوتا ‪ ،‬ويتزوجوا ويتكاثروا ‪ ،‬وهذا جزء من نصها ‪:‬‬
‫" ‪ :10 :29‬ولكن بعد انقضاء سبعين سنة عليكم في بابل ‪ ،‬ألتفت إليكم وأفي‬
‫لكم بوعودي الصالحة ‪ ،‬برّدكم إلى هذا الموضع ‪ ،‬لني عرفت ما رسمته لكم ‪،‬‬
‫إنها خطط سلم ل شّر ‪ ،‬لمنحكم مستقبل ورجاء ‪ ، … ،‬وحين تجدونني ‪ ،‬أردّ‬
‫سبيكم ‪ ،‬وأجمعكم من بين جميع المم ‪ ،‬ومن جميع الماكن التي شّتتكم إليها ‪،‬‬
‫…"‪.‬‬
‫في الحقيقة أن كتبة التوراة ‪ ،‬كانوا يعتقدون أن عودتهم الجزئية ‪ ،‬من بابل إلى‬
‫أورشليم ‪ ،‬بعد )‪ (70‬سنة من السبي ‪ ،‬في عهد كورش الفارسي كما ُيروون ‪،‬‬
‫هي العودة الثانية التي سيتحقق فيها ‪ ،‬النصف الثاني من نبوءة موسى وإشعياء‬
‫وارميا ‪ ،‬ومنذ ذلك اليوم وهم ينتظرون ‪ ،‬أن ُيبعث فيهم ) الملك الله ( لُيقيم لهم‬
‫دولة في القدس ‪ ،‬فلم يكن لهم ذلك ‪ ،‬ويروى أن الذين رجعوا من بابل ‪ ،‬أعادوا‬
‫ي ) ‪37‬ق‪.‬م‬ ‫بناء الهيكل ‪ ،‬مع معارضة المقيمين ‪ .‬وطال انتظارهم ‪ ،‬وبين عام ّ‬
‫– ‪70‬م ( أي مائة سنة تقريبا ‪ ،‬حصلوا على حكم ذاتي محدود ) المملكة‬
‫الهيرودية ‪ ،‬وكان الملك من أصل يهودي آرامي ( ‪ ،‬تحت التاج الروماني ‪،‬‬
‫وفي زمانهم تواجد زكريا ويحيى ‪ ،‬وُبعث إليهم عيسى عليه السلم ‪ ،‬فتآمروا‬
‫عليه ودفعوه إلى الرومان ‪ ،‬لقتله وصلبه ‪ ،‬حيث كانت سلطة القتل في أيدي‬
‫الرومان الوثنيون ‪.‬‬
‫وبعد زوال مملكتهم على يد ) نبوخذ نصر ( البابلي عام ‪586‬م ‪ ،‬وحتى تشّتتهم‬
‫النهائي على يد ) هادريان ( الروماني عام ‪135‬م ‪ُ ،‬أخرج أغلبية اليهود منها ‪،‬‬
‫‪166‬‬
‫ولم تقم لليهود في فلسطين قائمة ‪ ،‬وأقصى ما استطاعوا الحصول عليه ‪ ،‬هو‬
‫ذلك الحكم الذاتي ‪ ،‬في بداية الحكم الروماني لبلد الشام ‪ ،‬حيث قضى هذا‬
‫المبراطور ‪ ،‬على أي أمل لهم ‪ ،‬في إعادة إقامة دولتهم الثانية ‪ ،‬فكان إنتشارهم‬
‫في كافة أرجاء العالم ‪.‬‬
‫) ولنكمل النصوص من سفر ارميا ( ‪ :8 :31 " ،‬ها آتي بهم من بلد الشمال ‪،‬‬
‫وأجمعهم من أقصي أطراف الرض ‪ ،‬وفيهم العمى والعرج ‪ ،‬الحبلى‬
‫والماخض ‪ ،‬فيرجع حشد عظيم إلى هنا "‬
‫" ‪ :27 :31‬ها أيام مقبلة ‪ ،‬يقول الرب ‪ُ ،‬أكّثر فيها ذرية إسرائيل ويهوذا ‪،‬‬
‫وُأضاعف نتاج بهائمهم أضعافا ‪ ،‬وكما ترّبصت بهم لستأصل ‪ ،‬وأهدم وأنُقض‬
‫وُأهلك وُأسيء ‪ ،‬كذلك أسهر عليكم لبنيكم وأغرسكم " ‪.‬‬
‫" ‪ :33 :31‬سأجعل شريعتي في دواخلهم ‪ ، … ،‬وأكون لهم إلها ويكونون لي‬
‫شعبا ‪ ،‬لني سأصفح عن إثمهم ‪ ،‬ولن أذكر خطاياهم من بعد " ‪.‬‬
‫) وهذا محض افتراء وتحريف ‪ ،‬وتتبع هذه الكذوبة عبارات مبهمة ‪ ،‬ومن ثم‬
‫ُتفاجأ بهذه العبارة التي تقول ( ‪ " :‬عندئذ َأنبذ ذرية إسرائبل من أجل كل ما‬
‫ارتكبوه " ‪ ) ،‬لتفهم أن العبارات المبهمة ‪ ،‬كانت بدل من عبارات حذفوها ‪،‬‬
‫وهي عبارات مفادها اشتراط الحسان للثواب والفساد للعقاب ( ‪.‬‬
‫"‪ :38 :31‬ها أيام مقبلة ‪ُ ،‬يعاد فيها بناء هذه المدينة للرب ‪ ، … ،‬ولن تستأصل‬
‫أو ُتهدم إلى البد " ‪.‬‬
‫بالنظر في قولهم هذا ‪ ،‬وخاصة العبارة الخيرة ‪ ،‬نجد أن مؤلفي التوراة ‪،‬‬
‫قضوا على أي أمل لليهود ‪ ،‬في الصلح الصلح في دولتهم الحالية ‪ ،‬حيث‬
‫ي في استمرار وجودهم ‪ ،‬فمؤّدى هذه العبارة ‪ ،‬أنهم سيقيمون‬ ‫أنه شرط أساس ّ‬
‫فيها إلى البد ‪ ،‬بغض النظر عن إصلحهم أو إفسادهم فيها ‪ ،‬لتصبح نهاية‬
‫دولتهم حتمية في الموعد المحّدد ‪ ،‬وقد لحظت من خلل تتبعي ‪ ،‬لما جاء في‬
‫المرة الثانية ‪ ،‬أنهم بعد كل عقاب مأساوي يحل بهم ‪ ،‬يبدءون بذكر العودة‬
‫والجمع من الشتات ‪ ،‬والبركة والكثرة ‪ ،‬ويفيضون فيها وصفا وشرحا ‪،‬‬
‫والنتيجة تكون على الدوام هي ‪ ،‬انتصار ربهم على أعدائهم ومحقهم عن بكرة‬
‫أبيهم ‪ ،‬وجعل أرضهم صحراء قاحلة ‪ ،‬أما هم فيعشون جنة ونعيما ‪ ،‬ويكون‬
‫ي عنهم ربهم ورضوا عنه ‪.‬‬ ‫لهم الملك في الرض إلى البد ‪ ،‬بعد أن رض َ‬

‫‪167‬‬
‫) وانظر إلى هذه النبوءة في المرة الثانية على لسان الرب ( "‪ :10 :42‬إن‬
‫أقمتم في هذه الرض ‪ ،‬فإني أبنيكم ول أهدمكم ‪ ،‬وأغرسكم ول أستأصلكم ‪،‬‬
‫لني أسفت على الشّر الذي ألحقته بكم ) ربهم يأسف ( ‪ ،‬ل تخشوا ملك بابل ‪،‬‬
‫الذي أنتم منه خائفون ‪ ،‬فإني معكم لخلصكم وأنجيكم من يده ) بل قيد أو شرط‬
‫ضهم‬
‫( ‪ ،‬وُأنعم عليكم ‪ ،‬فيرحمكم ويرّدكم إلى أرضكم " ‪ ) ،‬فربهم يأسف ‪ ،‬ويح ّ‬
‫على عدم الخشية من ملك بابل ( ‪.‬‬
‫السبي البابلي ‪:‬‬
‫هذا الحدث المشهور تاريخيا والمعروف ) بالسبي البابلي ( ‪ ،‬هو أول وأقسى‬
‫وأفظع حدث ‪ ،‬وقع في تاريخ اليهود كأمة ‪ ،‬أثناء تواجدهم في فلسطين ‪ ،‬من‬
‫حيث الذى الجسدي والنفسي ‪ ،‬وكان له أبلغ الثر ‪ ،‬في وجدان وفكر الشعب‬
‫اليهودي ‪ ،‬وليس أدل على ذلك ‪ ،‬من أن عدد الصفحات ‪ ،‬التي تتطّرق إلى ذكر‬
‫صله من جميع جوانبه ‪ ،‬هو )‪ (400 – 350‬صفحة ‪،‬‬ ‫متعّلقات هذا الحدث ‪ ،‬وتف ّ‬
‫أي ما ُيعادل ثلث التوراة ‪ .‬وقد جاء في كتاب ) الختراق الصهيوني‬
‫للمسيحية ( للقس إكرام لمعي ‪ ،‬ونقل عن كتاب ) تاريخ اليهود ( للكاتب ) بول‬
‫جونسون ( ما نصه ‪ " :‬وفي بابل لم يعامل اليهود معاملة سيئة ‪ ،‬فقد وجدت‬
‫مخطوطات بجوار عشتاروت – أقدم مدن بابل – وجد فيها قائمة بأسماء‬
‫المسبيين ‪ ،‬ونشاطهم في بابل ‪ ،‬وكان بها اسم ) يهوياكين ( ملك يهوذا ‪ ،‬وبعض‬
‫السماء الخرى ‪ ،‬وموضح بها أن اليهود عملوا بالتجارة ‪ ،‬واكتسبوا أموال‬
‫كثيرة ‪ ،‬وكانت لهم أوضاعهم المتميزة إلى حّد ما " ‪ .‬وأما أشور فيشير نفس‬
‫الكاتب ‪ ،‬إلى عدم وجود أي دليل من ذكر أو أثر ‪ ،‬يؤكد رواية سبيهم إليها ‪.‬‬
‫رواية التلمود عن تدمير الهيكل ‪:‬‬
‫نص منقول عن كتاب ) التلمود تاريخه وتعاليمه ( لظفر السلم خان ‪:‬‬
‫" عندما بلغت ذنوب إسرائيل مبلغها ‪ ،‬وفاقت حدود ما ُيطيقه الله العظيم ‪،‬‬
‫وعندما رفضوا أن ُينصتوا لكلمات وتحذيرات ارميا ‪ ،‬ترك النبي أورشليم‬
‫وسافر إلى بلد بنيامين ‪ ،‬وطالما كان النبي ل يزال في المدينة المقّدسة ‪ ،‬كان‬
‫يدعو لها بالرحمة فنجت ‪ ،‬ولكنه عندما هجرها إلى بلد بنيامين ‪ ،‬دّمر نبوخذ‬
‫طم الهيكل المقّدس ‪ ،‬ونهب مجوهراته ‪ ،‬وتركه فريسة‬ ‫نصر بلد إسرائيل ‪ ،‬وح ّ‬

‫‪168‬‬
‫للنيران الملتهبة ‪ ،‬وكان نبورذدان الذي آثر البقاء في ريبله ) منطقة سورية‬
‫بالقرب من حماة ( ‪ ،‬قد أرسل نبوخذ نصر لتدمير أورشليم " ‪.‬‬
‫" وقبل أن يبدأ نبوخذ نصر حملته العسكرية ‪ ،‬سعى لمعرفة نتائج الحملة ‪،‬‬
‫بواسطة الشارات نظرا لذهوله ‪ ،‬فرمى من قوسه نحو المغرب ‪ ،‬فسارت‬
‫باتجاه أورشليم ‪ ،‬ثم رمى مرة أخرى نحو الشرق ‪ ،‬لكن السهم اتجهت نحو‬
‫أورشليم ‪ ،‬ثم رمى مرة أخرى ‪ ،‬ليتأكد من محل وقوع المدينة الُمذنبة ‪ ،‬التي‬
‫وجب تطهيرها من الرض ‪ ،‬وللمرة الثالثة اتجهت سهمه نحو أورشليم ‪ ،‬وبعد‬
‫جه مع ُأمرائه وضباط جيشه ‪ ،‬إلى‬ ‫أن استولى نبوخذ نصر على المدينة ‪ ،‬تو ّ‬
‫داخل الهيكل ‪ ،‬وصاح ساخرا مخاطبا إله إسرائيل ‪ :‬وهل أنت الله العظيم‬
‫الذي يرتعد أمامه العالم ؟ ها نحن في مدينتك ومعبدك ! " ‪.‬‬
‫" ووجد نبوخذ علمة لرأس سهم ‪ ،‬على أحد جدران الهيكل ‪ ،‬كأن أحدا ُقتل أو‬
‫ُأصيب بها ‪ ،‬فسأل ‪ :‬من ُقتل هنا ؟ فأجاب الشعب ‪ ) :‬زكريا بن يهوياداه ( كبير‬
‫الكهنة ‪ ،‬لقد كان ُيحّذرنا في كل ساعة من حساب اعتداءاتنا ‪ ،‬وقد سئمنا من‬
‫كلماته ‪ ،‬فانتهينا منه ‪ .‬فذبح جنود نبوخذ نصر سكان أورشليم ‪ ،‬كهنتها‬
‫وشعبها ‪ ،‬كهولها وشبابها ونسائها وأطفالها ‪ ،‬وعندما شاهد كبير الكهنة هذا‬
‫المنظر ‪ ،‬ألقى بنفسه بالنار ‪ ،‬التي أشعلها نبوخذ نصر في الهيكل ‪ ،‬وتبعه بقية‬
‫الكهنة مع عودهم وآلتهم الموسيقية الخرى ‪ ،‬ثم ضرب جنود نبوخذ نصر‬
‫السلسل الحديدية ‪ ،‬في أيدي باقي السرائيليين " ‪.‬‬
‫" ورجع ارميا النبي إلى أورشليم ‪ ،‬وصحب إخوانه البؤساء ‪ ،‬الذين خرجوا‬
‫عرايا ‪ ،‬وعند وصولهم إلى مدينة ‪ُ ،‬تسمى بيت كورو ‪ ،‬هّيأ لهم ملبس جيدة ‪،‬‬
‫وتكّلم مع نبوخذ نصر والكلدانيين ‪ ،‬قائل لهم ‪ :‬ل تظن ‪ ،‬أنك بقوتك وحدها ‪،‬‬
‫استطعت أن تتغّلب على شعب الرب الُمختار ‪ ،‬إنها ذنوبهم الفاجرة ‪ ،‬التي‬
‫ساقتهم إلى هذا العذاب " ‪.‬‬
‫نجد أن رواية التلمود أكثر وضوحا من رواية التوراة ‪ ،‬حيث أنها لم تذكر‬
‫مملكتين ‪ ،‬وتؤكد أن اسم المملكة الجنوبية ‪ ،‬المقام فيها الهيكل هو إسرائيل ‪،‬‬
‫وليس يهوذا كما ُذكر في التوراة ‪ .‬وأن من أسقطوا عليهم اسم إسرائيل‬
‫والمملكة الشمالية ‪ ،‬هم الذين ُأخرجوا من ديارهم ‪ ،‬ولم يقع فيهم السبي‬
‫الشوري المزعوم ‪ ،‬وبقوا على حالهم خارج حدود المملكة ‪ ،‬حيث يذكر النص‬
‫التلمودي أن ارميا النبي لجأ إليهم " ترك النبي أورشليم وسافر إلى بلد بنيامين‬
‫‪169‬‬
‫" ‪ .‬وبنيامين حسب التوراة ‪ ،‬هو الخ الشقيق ليوسف عليه السلم ‪ ،‬وهذا يوحي‬
‫أن الحقد القديم بين الخوة الباء ‪ ،‬توارثه البناء على مّر العصور ‪ ،‬وبأن‬
‫السباط الخرى القوية ‪ ،‬أخرجت سبط بنيامين المستضعف ‪ ،‬عندما سيطرت‬
‫على مقاليد الحكم ‪ ،‬بعد سليمان عليه السلم ‪ .‬وبالتالي ُيثبت هذا النص وقوع‬
‫السبي البابلي ‪ ،‬وينفي وقوع السبي المسمى بالشوري ‪ .‬وأن أشور وبابل آنذاك‬
‫‪ ،‬تسميتان لمملكة واحدة ‪ ،‬عند كتبة التوراة ‪ ،‬وأن أحد مصادر التوراة ذكر‬
‫على أنه بابلي ‪ ،‬والخر ذكره على أنه آشوري ‪ ،‬وأما نبوخذ نصر ‪ ،‬فتجده‬
‫أحيانا ملكا ‪ ،‬وأحيانا وزيرا أو قائدا للجيش ‪ ،‬أو قائدا للحرس ‪.‬‬
‫مقتطفات من رثاء ارميا لشعبه ولورشيلم بعد السبي البابلي ‪:‬‬
‫) من كتاب مراثي ارميا في نهاية سفره ( ‪ :1 " :‬كيف أصبحت المدينة الهلة‬
‫بالسكان مهجورة وحيدة ؟! هذه التي كانت عظيمة بين المم ‪ ،‬صارت‬
‫كأرملة ! صارت السيدة بين المدن تحت الجزية ! تبكي في الليل بمرارة ‪،‬‬
‫لنها‬‫وتنهمر دموعها على خّديها ‪ ،‬ل ُمعّزي لها بين ُمحبيها ‪ ،‬غدر بها جميع خ ّ‬
‫سبيت يهوذا إلى المنفى ‪ ، … ،‬فأقامت شقية بين‬ ‫‪ ،‬وأصبحوا أعداًء لها ‪ُ ،‬‬
‫المم ‪ ، … ،‬تهّدمت جميع أبوابها ‪ ، … ،‬ارتكبت أورشليم خطيئة نكراء‬
‫فأصبحت نجسة ‪ ، … ،‬لم تذكر آخرتها لهذا كان سقوطها رهيبا ‪ ، … ،‬بّدد‬
‫شّباني‬‫ي حشدا من أعدائي ليسحقوا ُ‬ ‫ب جميع جبابرتي في وسطي ‪ ،‬وأّلب عل ّ‬ ‫الر ّ‬
‫ب العذراء بنت صهيون ‪ ،‬كما ُيداس العنب في المعصرة ‪، … ،‬‬ ‫‪ ،‬داس الر ّ‬
‫ب عادل حقا ‪ ،‬وقد تمّردت على أمره ‪ ،‬فاستمعوا يا جميع الشعوب ‪،‬‬ ‫الر ّ‬
‫ي كهنتي‬‫ي وشّباني إلى السبي ‪َ ، … ،‬فِن َ‬
‫واشهدوا وجعي ‪ ،‬قد ذهب عذارا َ‬
‫وشيوخي في المدينة ‪ ، … ،‬ها السيف يثكل في الخارج ‪ ،‬ويسود الموت في‬
‫البيت … " ‪.‬‬
‫ب بل رحمة ‪ ،‬جميع مساكن يعقوب ‪ ، … ،‬وألحق العار‬ ‫" ‪ :2‬قد هدم الر ّ‬
‫بالمملكة وحّكامها ‪ ،‬إذ سّواها بالرض ‪ ، … ،‬وّتر قوسه كعدّو ‪ ،‬نصب يمينه‬
‫ل عزيز في عيوننا ‪ ، … ،‬وهدم جميع قصورها ودّمر‬ ‫كُمْبِغض ‪ ،‬ذبح بقسوة ك ّ‬
‫حصونها ‪ ، … ،‬جلس شيوخ ابنة صهيون على الرض صامتين ‪ ،‬عّفروا‬
‫رؤوسهم بالرماد ‪ ،‬وارتدوا المسوح ‪ ،‬وطأطأت عذارى أورشليم رؤوسهن إلى‬
‫الرض ‪ ،‬كّلت عيناي من البكاء ‪ ، … ،‬نّفذ الرب قضاءه ‪ ،‬وحقق وعيده الذي‬
‫ظم قوة‬ ‫حكم به منذ الحقب السالفة ‪ ،‬هدم ولم يرأف ‪ ،‬فأشمت بك الخصوم ‪ ،‬وع ّ‬
‫‪170‬‬
‫ب وتأّمل ‪ ، … ،‬قد انطرح الصبيان والشيوخ في‬ ‫عدوك ‪ ، … ،‬انظر يا ر ّ‬
‫شّباني بالسيف ‪ ،‬قد قتلتهم في يوم غضبك ‪،‬‬ ‫يوُ‬ ‫غبار الطرقات ‪ ،‬سقط عذارا َ‬
‫ونحرتهم من غير رحمة … "‬
‫" ‪ :3‬أنا هو الرجل الذي شهد البلية ‪ ،‬التي أنزلها قضيب سخطه ‪ ، … ،‬ولكن‬
‫هذا ما ُأناجي به نفسي ‪ ،‬لذلك يغمرني الرجاء ‪ ،‬من إحسانات الرب ‪ ،‬أننا لم‬
‫ن ‪ ،‬لن مراحمه ل تزول ‪ ، … ،‬فلماذا يشتكي النسان حين ُيعاقب على‬ ‫نف َ‬
‫خطاياه ؟ … ‪ ،‬لنفحص طرقنا ونختبرها ‪ ،‬ونرجع إلى الرب ‪ ،‬لنرفع أيدينا‬
‫وقلوبنا إلى ال في السماوات ‪" … ،‬‬
‫" ‪ ، … :4‬لن عقاب إثم ابنة شعبي ‪ ،‬أعظم من عقاب خطيئة سدوم ‪ ،‬التي‬
‫انقلبت في لحظة ‪ ،‬من غير أن تمتّد إليها يد إنسان ‪ ،‬كان ُنبلؤها ‪ ،‬أنقى من‬
‫الثلج ‪ ،‬وأنصع من اللبن ‪ ،‬أجسادهم أكثر حمرة من المرجان ‪ ،‬وقاماتهم‬
‫كالياقوت الزرق ‪ ،‬فأصبحت صورتهم أكثر سوادا من الفحم ‪ ،‬فلم ُيعرفوا في‬
‫ب حمّو غضبه ‪ ،‬وأضرم نارا‬ ‫ب كامل سخطه ‪ ،‬وص ّ‬ ‫الشوارع ‪ ، … ،‬نفث الر ّ‬
‫في صهيون ‪ ،‬فالتهمت ُأسسها ‪ ، … ،‬عقابا لها على خطايا أنبيائها ‪ ،‬وآثام‬
‫كهنتها ‪ ،‬الذين سفكوا في وسطها دماء الصّديقين ‪ ، … ،‬آذنت نهايتنا ‪ ،‬وتّمت‬
‫أيامنا ‪ ،‬وأِزفت خاتمتنا ‪ ،‬كان ُمطاردونا أسرع من نسور السماء ‪ ،‬تعّقبونا على‬
‫الجبال ‪ ،‬وترّبصوا بنا في الصحراء ‪" … ،‬‬
‫ب ما أصابنا ‪ ،‬انظر وعاين عارنا ‪ ،‬قد تحّول ميراثنا إلى‬ ‫" ‪ :5‬اذكر يا ر ّ‬
‫الغرباء ‪ ،‬وبيوتنا إلى الجانب ‪ ،‬أصبحنا أيتاما ل أب لنا ‪ ،‬وأمهاتنا كالرامل ‪،‬‬
‫… ‪ ،‬داس ُمضطهدونا أعناقنا ‪ُ ،‬أعيينا ولم نجد راحة ‪ ،‬خضعنا باسطين أيدينا‬
‫إلى أشور ومصر ‪ ،‬لنشبع خبزا ‪ ، … ،‬تسّلط علينا عبيد ‪ ،‬وليس من ُينقذنا من‬
‫عّلق‬
‫أيديهم ‪ ، … ،‬اغتصبوا النساء في صهيون ‪ ،‬والعذارى في ُمدن يهوذا ‪ُ ،‬‬
‫شّبان‬
‫خروا ال ُ‬
‫النبلء من أيديهم ‪ ،‬ولم يوّقروا الشيوخ ) كبار القوم ( ‪ .‬س ّ‬
‫للطحن ‪ ،‬وهوى الصبيان تحت الحطب ‪ ،‬هجر الشيوخ ) كبار السن ( بّوابات‬
‫ف الشّبان عن غنائهم ‪ ،‬انقطع فرح قلوبنا ‪ ،‬وتحّول رقصنا إلى‬ ‫المدينة ‪ ،‬وك ّ‬
‫شي على قلوبنا‬ ‫غِ‬‫نوح ‪ ،‬تهاوت أكاليل رؤوسنا ‪ ،‬فويل لنا لننا قد أخطأنا ‪ ،‬لهذا ُ‬
‫‪ ،‬وأظلمت عيوننا ‪ ،‬لن جبل صهيون أصبح أطلل ‪ ،‬ترتع فيه الثعالب " ‪.‬‬

‫‪171‬‬
‫فلسطين عبر التاريخ‬

‫منذ نشأة مملكة اليهود الولى ‪ ،‬وحتى نشأة دولتهم الثانية‬

‫تاريخ ما قبل الميلد ‪:‬‬


‫طالوت ) شاول ( ملكًا على اليهود ‪ 1020 .‬ق‪.‬م‬
‫عصر الملك سليمان وبناء الهيكل في القدس ‪ 928 – 965 .‬ق‪.‬م‬
‫تقسيم دولة إسرائيل الى مملكة إسرائيل ) شمالية ( ويهودا ) جنوبية ( ‪928 .‬‬
‫ق‪.‬م‬
‫فلسطين تحت الحكم الشوري ‪ 732 .‬ق‪.‬م‬
‫فتح الشوريون لمملكة إسرائيل ‪ ،‬ونهاية مملكة إسرائيل ) الشمالية ( ‪721 .‬‬
‫ق‪.‬م‬
‫انتصار البابليين بقيادة " نبوخذ نصر" على مملكة يهودا ) في القدس ( ‪،‬‬
‫وتدمير الهيكل ‪ ،‬وترحيل سكانها إلى بابل ‪ 586 .‬ق‪.‬م‬
‫السكندر يهزم الفرس ‪ ،‬وتصبح فلسطين تحت الحكم اليوناني ‪ 333 .‬ق‪.‬م‬
‫موت السكندر يؤدي لتغيير الحكم الى البطالسة ) في مصر ( والسالوقيين‬
‫) في سوريا ( ‪ 323 .‬ق‪.‬م‬
‫بداية حكم البطالسة ‪ 301 .‬ق‪.‬م‬
‫تمّرد المكابيين ) اليهود ( ضد الحكم السالوقي ‪ ،‬للعمل على إنشاء دولة يهودية‬
‫مستقلة ‪ 165 .‬ق‪.‬م‬
‫فلسطين ضمن المبراطورية الرومانية ) بعد استيلء الرومان عليها ( ‪63 .‬‬
‫ق‪.‬م‬
‫استيلء الفرس على فلسطين ‪ 40 .‬ق‪.‬م‬
‫عودة الحكم الروماني الوثني للمنطقة ‪ 38 .‬ق‪.‬م‬
‫القضاء على المكابيين وابتداء حكم الهرادسة في فلسطين ‪ 37 .‬ق‪.‬م‬

‫‪172‬‬
‫تاريخ ما بعد الميلد ‪:‬‬
‫تدمير الهيكل الثاني على يد المبراطور الروماني ) تيطس أو تايتوس ( ‪.‬‬
‫‪70‬م‬
‫إخماد ثورة ) باركوبا ( اليهودي ضد الرومان ‪ ،‬وإبعاد بقية اليهود عن القدس ‪،‬‬
‫على يد المبراطور ) هادريان ( ‪135 -132 .‬م‬
‫فلسطين تحت الحكم البيزنطي ) نسبة إلى بيزنطة ( ‪638 – 313 .‬م‬
‫سس المبراطور قسطنطين ‪ ،‬الذي جعل المسيحية الدين‬ ‫) في عام ‪330‬م أ ّ‬
‫عرفت‬ ‫الرسمي للمبراطورية ‪ ،‬عاصمة جديدة للنصف الشرقي في بيزنطة ُ‬
‫بالقسطنطينية ‪ .‬وفي عام ‪395‬م انقسمت المبراطورية الرومانية ‪ ،‬إلى قسمين‬
‫‪ :‬شرقية عاصمتها بيزنطة ) القسطنطينية ( وغربية وعاصمتها روما ‪ ،‬ومع‬
‫اتخاذ المسيحية كديانة رسمية للمبراطورية الرومانية ‪ ،‬بدأ عصر الضطهاد‬
‫المسيحي لليهود ‪ ،‬واستمّر حتى منتصف القرن الماضي (‬
‫العرب المسلمون يفتحون فلسطين ‪ ،‬في عهد الخليفة عمر بن الخطاب ‪.‬‬
‫‪638‬م‬
‫فلسطين تحت الحكم السلمي ) المويون ‪ ،‬العباسيون ‪ ،‬الفاطميون ‪ ،‬السلجقة‬
‫( ‪1099 - 638 .‬م‬
‫الصليبيون يقيمون المملكة اللتينية في القدس ‪1187 - 1099 .‬م‬
‫صلح الدين اليوبي يهزم الصليبيين في معركة حطين ‪1187 .‬م‬
‫فلسطين تحت حكم المماليك بعد هزيمة المغول فى موقعة عين جالوت ‪.‬‬
‫‪1220‬م‬
‫فلسطين جزء من المبراطورية العثمانية وعاصمتها استنبول‬
‫) القسطنطينية ( ‪1917 - 1516 .‬م‬
‫تاريخ فلسطين الحديث ‪:‬‬
‫إنشاء أول مستوطنة زراعية صهيونية ) بتاح تكفا ( في فلسطين ‪1878 .‬م‬
‫البارون ) ادموند دورتشلد ( ‪ ،‬يبدأ دعمه المالي للمستوطنات اليهودية ‪.‬‬
‫‪1882‬م‬
‫‪173‬‬
‫أول موجة من ‪ 25‬ألف مهاجر صهيوني تدخل فلسطين ‪ ،‬وغالبيتهم من أوروبا‬
‫الشرقية ‪1903 – 1882 .‬م‬
‫ينعقد المؤتمر الصهيوني الول " في بال بسويسرا " ويصدر " برنامج بال "‬
‫الذي يدعو إلى إقامة وطن للشعب اليهودي في فلسطين ‪ ،‬ويقرر إنشاء‬
‫) المنظمة الصهيونية العالمية ‪ ، ( WZO‬للعمل من أجل هذا الهدف ‪.‬‬
‫‪1897‬م‬
‫إنشاء أول كيبوتز على قاعدة العمل اليهودي ‪ ،‬إنشاء قاعدة تل أبيب شمالي يافا‬
‫‪1909 .‬م‬
‫بداية الحرب العالمية الولى ‪1914 .‬م‬
‫المراسلت بين الشريف حسين )شريف مكة وقائد الثورة العربية ضد‬
‫العثمانيون ( ‪ ،‬وبين سير هنري مكماهون ) المندوب السامي في مصر ( ‪،‬‬
‫تنتهي إلى اتفاق استقلل ووحدة البلد العربية ‪ ،‬تحت الحكم العربي بعد انتهاء‬
‫الحرب ‪3/1/1916 .‬م‬
‫اتفاقية ) سايكس بيكو ( السرية ‪ ،‬لتقسيم البلد العربية ‪ ،‬التي كانت تحت الحكم‬
‫العثماني بين بريطانيا وفرنسا ‪16/5/1916 .‬م‬
‫) وقد كشف البلشفة ) الروس ( النقاب عنها في تشرين أول ‪1917‬م (‬
‫الشريف حسين يعلن استقلل العرب ‪ ،‬عن الحكم العثماني ‪ ،‬وبداية الثورة‬
‫العربية ‪1916 .‬م‬
‫وزير الخارجية البريطاني ) بلفور ( ‪ ،‬يتعهد بالدعم البريطاني ‪ ،‬لوطن قومي‬
‫لليهود في فلسطين ‪2/11/1917 .‬م‬
‫قوات الحلفاء بقيادة الجنرال اللنبي البريطاني تحتل فلسطين ‪9/1917/- .‬م‬
‫نهاية الحرب العالمية الولى ‪30/10/1918 .‬م‬
‫المجلس العلى لمؤتمر السلم سان ريمو يعطي بريطانيا النتداب على‬
‫فلسطين ‪25/4/1920 .‬م‬
‫المندوب السامي سير هربرت صموئيل السياسي اليهودي النجليزي يدشن "‬
‫الدارة المدنية البريطانية " ‪1/7/1920 .‬م‬
‫عصبة المم تقّر النتداب على فلسطين ‪24/7/1921 .‬م‬
‫‪174‬‬
‫بداية الحرب العالمية الثانية ‪1/9/1938 .‬م‬
‫اللجنة المريكية – النجليزية لتقصي الحقائق ‪ ،‬تصل إلى فلسطين ‪.‬‬
‫‪6/3/1946‬م‬
‫تقرير اللجنة المريكية النجليزية يقدر حجم القوات المسلحة اليهودية ) ‪- 61‬‬
‫‪ ( 69‬ألف فرد ‪ ،‬ويوصي بقبول ‪ 100.000‬يهودي في فلسطين ‪ ،‬وفلسطين‬
‫تضرب احتجاجا ‪ ) .‬هنا تدخل العناية المريكية ( ‪5/1946/- .‬م‬
‫لجنة المم المتحدة الخاصة تقترح خطة للتقسيم ‪ ،‬والجامعة العربية ترفضها ‪.‬‬
‫‪ 8/9/1947‬م‬
‫بريطانيا تعلن أنها ستغادر فلسطين خلل ستة شهور إذا لم يتم التوصل الى‬
‫تسوية ‪29/10/1947 .‬م‬
‫الجمعية العامة للمم المتحدة ‪ ،‬توصي بتقسيم فلسطين بنسبة ‪ %56.5‬لدولة‬
‫يهودية ‪ ،‬ونسبة ‪ %43‬للدولة الفلسطينية ‪ ،‬ومنطقة دولية حول القدس ‪.‬‬
‫‪29/11/1947‬م‬
‫الجامعة العربية تنظم جيش النقاذ العربي ) قوة متطوعين بقيادة فوزي‬
‫القاوقجي ‪ ،‬لمساعدة الفلسطينيين في مقاومة التقسيم ( ‪12/1947/- .‬م‬
‫بريطانيا توصي المم المتحدة ‪ ،‬بإنشاء دولتين يهودية وفلسطينية ‪ ،‬بعد‬
‫أسبوعين من انتهاء النتداب ‪8/12/1947 .‬م‬
‫جيش النقاذ العربي يشن هجمات ناجحة على المستعمرات السرائيلية شمالي‬
‫بيسان ‪16/2/1948 .‬م‬
‫القاوقجي يدخل فلسطين ويقود وحدات جيش النقاذ في مثلث جنين – نابلس‪-‬‬
‫طولكرم ‪7/3/1948-5 .‬م‬
‫الرئيس المريكي ) ترومان ( يدعو الى هدنة فورية للقتال ‪25/3/1948 .‬م‬
‫عصابة شتيرن ترتكب مذبحة في دير ياسين بالقرب من القدس تسفر عن مقتل‬
‫اكثر من ‪ 250‬شخصًا ‪9/4/1948 .‬م‬
‫قرار لمجلس المن يدعو إلى هدنة ‪17/4/1948 .‬م‬

‫‪175‬‬
‫نهاية النتداب البريطاني ‪ ،‬وإعلن الدولة السرائيلية من تل أبيب ‪.‬‬
‫‪15/5/1948‬م‬
‫القوات اللبنانية تعبر الحدود وتستعيد مؤقتا قرى المالكية وقدس من الهاجاناة ‪.‬‬
‫‪17/5/1948 -15‬م‬
‫القوات الردنية تعبر نهر الردن ‪ ،‬وتتحرك صوب القدس ‪ ،‬وتسيطر على‬
‫الشيخ جراح والحي اليهودي ‪ ،‬في المدينة القديمة ‪28/5/1948 -15 .‬م‬
‫الوحدات العراقية تعبر نهر الردن ‪ ،‬وتتحرك نحو مثلث نابلس ‪ ،‬جنين ‪،‬‬
‫طولكرم ‪4/6/1948 – 15/5 .‬م‬
‫القوات المصرية تعبر الحدود ‪ ،‬وتتحرك عبر الساحل إلى اسدود ‪– 15/5 .‬‬
‫‪7/6/19489‬م‬
‫تقدم الطوابير السورية عبر الشمال ‪10/6/1948 -16/5 .‬م‬
‫مجلس المن الدولي يعين الكونت ) فولك برنادوت ( كوسيط دولي في فلسطين‬
‫‪20/5/1948 .‬م‬
‫قرار مجلس المن الدولي ‪ ،‬بوقف إطلق النار ‪1948 /22/5 .‬م‬
‫الهدنة الولى ‪8/7/1948 -11/6 .‬م‬
‫الهدنة الثانية ‪15/10/1948 -18/7 .‬م‬
‫تقرير الوسيط الدولي ) برنادوت ( يقترح تقسيم فلسطين الى دولتين ؛ عربية‬
‫وإسرائيلية ‪ ،‬مع بقاء القدس منطقة دولية ‪ ،‬وُترفض من العرب وإسرائيل ‪.‬‬
‫‪16/9/1948‬م‬
‫اغتيال الوسيط الدولي ) برنادوت ( في القدس ‪ ،‬بواسطة عصابة شتيرن ‪،‬‬
‫ويخلفه نائبه المريكي ) رالف باتش ( ‪.‬‬
‫عام ‪1949‬م ‪:‬‬
‫توقيع اتفاقيات الهدنة من قبل الدول العربية التي شاركت في حرب ‪48‬‬
‫باستثناء العراق ‪:‬‬
‫‪ 24/2‬الهدنة المصرية – السرائيلية ‪.‬‬
‫‪ 23/3‬الهدنة اللبنانية – السرائيلية ‪.‬‬
‫‪176‬‬
‫‪ 3/4‬الهدنة الردنية ‪ -‬السرائيلية ‪.‬‬
‫‪ 20/5‬الهدنة السورية – السرائيلية ‪.‬‬

‫‪177‬‬
‫المراحل الزمنية في تاريخ اليهود حسب ما جاءت في سورة السراء‬
‫توضح اليات من ) ‪ ( 8 – 4‬من سورة السراء ‪ ،‬خمس مراحل زمنية ‪ ،‬من‬
‫تاريخ بني إسرائيل ‪ ،‬وهي ‪:‬‬
‫ن ِفي‬
‫سُد ّ‬
‫ب َلُتْف ِ‬
‫سراِئيَل ِفي اْلِكَتــا ِ‬ ‫ضْيَنا ِإَلى َبِني إ ْ‬ ‫♦ المرحلة الولى ‪َ ) :‬وَق َ‬
‫عُلّوا َكِبيًرا )‪(4‬‬ ‫ن ُ‬ ‫ن َوَلَتْعُل ّ‬‫ض َمّرَتْي ِ‬
‫الَْْر ِ‬
‫) زمن موسى عليه السلم ‪ ،‬حيث أوحى إليه ربه عز وجل ‪ ،‬فيما أنزل إليه من‬
‫الكتاب نص هذه النبوءة ‪ ،‬والرجح أنها أنزلت في بداية فترة التيه قبل أربعين‬
‫عاما ‪ ،‬من دخولهم الول للرض المقدسة ( ‪.‬‬
‫عُد ُأولَُهَما ………………… ……‬ ‫جاَء َو ْ‬ ‫♦ المرحلة الثانية ‪َ ) :‬فِإَذا َ‬
‫عًدا َمْفُعوًل )‪(5‬‬ ‫ن َو ْ‬‫…… َوَكا َ‬
‫) منذ نهاية فترة التيه … بدء حرب الملك طالوت ‪ ،‬لدخول الرض المقدسة‬
‫…ُملك ونبّوة داود وسليمان عليهما السلم … ُملك ُمتوارث بدون نبّوة ‪ :‬فساد‬
‫وإفساد … حتى السبي البابلي سنة ‪ 586‬قبل الميلد ( ‪.‬‬
‫♦ المرحلة الثالثة ‪ُ … ) :‬ثّم … )‪(6‬‬
‫) منذ السبي البابلي … بعث عيسى عليه السلم … نزول سورة السراء‬
‫بنص هذه النبوءة سنة ‪621‬م … إلى ما قبل حرب ‪1948‬م ( ‪.‬‬
‫عَلْيهِْم … … … … …‬ ‫♦ المرحلة الرابعة ‪َ ) :‬رَدْدَنا َلُكْم اْلَكّرَة َ‬
‫عَلْوا َتْتِبيًرا )‪(7‬‬ ‫َوِلُيَتّبُروا َما َ‬
‫) منذ قيام دولة إسرائيل ) ‪15/5/1948‬م ( … وانتصار الجيش إسرائيلي في‬
‫حروبه … ووصول الدولة إلى قمة مجدها … حتى نهايتها ( ‪.‬‬
‫عْدَنا … ) ‪(8‬‬ ‫عْدُتْم ُ‬
‫ن ُ‬ ‫حمَُكْم َوِإ ْ‬
‫ن َيْر َ‬
‫سى َرّبُكْم َأ ْ‬ ‫ع َ‬‫♦ المرحلة الخامسة ‪َ ) :‬‬
‫) منذ نهاية إسرائيل … قيام الدولة العربية المتحدة في بلد الشام والعراق …‬
‫الحرب العالمية النووية الثالثة … ظهور المهدي … معارك المهدي … قيام‬
‫المبراطورية السلمية وعاصمتها القدس … خروج الدجال … نزول‬
‫عيسى عليه السلم … هروب الدجال وأتباعه إلى فلسطين … قتل الدجال …‬
‫نطق الحجر والشجر … حتى الذبح النهائي لبني إسرائيل على أرض‬
‫فلسطين ( ‪.‬‬
‫‪178‬‬
‫] نهاية الجزء الول [‬

‫‪179‬‬
‫الجزء الثاني‬

‫الفصل الول ‪:‬‬

‫المؤامرة اليهودية على العالم‬

‫الفصل الثاني ‪:‬‬

‫النبوءات التوراتية بين الماضي والمستقبل‬

‫الفصل الثالث ‪:‬‬

‫النبوءات النجيلية بين الماضي والمستقبل‬

‫الفصل الرابع ‪:‬‬

‫الغربيون وهوس النبوءات التوراتية والنجيلية‬

‫الفصل الخامس ‪:‬‬

‫السياسة المريكية ونبوءات التوراة والنجيل‬

‫الفصل السادس ‪:‬‬

‫الكتب المقّدسة تأمر اليهود بتدمير أصحاب البعث‬

‫‪180‬‬
‫المؤامرة اليهودية على العالم‬

‫" ويل للُمتآمرين بالسوء ‪ ،‬الذين يحيكون الشّر ‪ ،‬وهم في مضاجعهم ‪ ،‬الذين‬
‫ططوا له ) في الليل ( ‪ ،‬لن ذلك في ُمتناول‬ ‫ُينّفذون عند طلوع الفجر ‪ ،‬ما خ ّ‬
‫أيديهم ‪ ،‬يشتهون حقول فيغتصبونها ‪ ،‬وبيوتا فيستولون عليها ‪ ،‬يجورون‬
‫على الرجل ‪ ،‬وعلى بيته ‪ ،‬وعلى النسان وميراثه " ) التوراة ‪ :‬سفر ميخا ‪،‬‬
‫‪. ( 2-1 :2‬‬
‫" قد باد الصالح من الرض ‪ ،‬واختفى الُمستقيم من الناس ‪ ،‬جميعهم يكمنون‬
‫جّد أيديهم في ارتكاب الشّر ‪،‬‬ ‫لسفك الدماء ‪ ،‬وكل واحد منهم يقتنص أخاه ‪َ .‬ت ِ‬
‫ويسعى الرئيس والقاضي وراء الرشوة ‪ ،‬ويملي العظيم عليهم أهواء نفسه ‪،‬‬
‫ق ‪ .‬أفضلهم مثل العوسج ‪ ،‬وأكثرهم استقامة مثل‬ ‫فيتآمرون جميعا على الح ّ‬
‫سياج الشوك " ) التوراة ‪ :‬سفر ميخا ‪. ( 3-2 :7 ،‬‬
‫طها قلم‬
‫هذه النصوص التي تكشف حقيقة اليهود والعقلية التي يفّكرون ‪ ،‬لم تخ ّ‬
‫كاتب عربي أو غربي حاقد ‪ ،‬على اليهود واليهودية ‪ ،‬من المعادين للسامية‬
‫اليهودية ‪ ،‬وإنما جاءت في التوراة ‪ ،‬كتاب اليهود والنصارى المقّدس ‪ .‬وبالرغم‬
‫من ذلك ما زال الكثير ‪ ،‬من مفكري وكتاب العرب في هذا العصر الغبر ‪،‬‬
‫ينكر أن هناك مؤامرة ُتحاك ضد كل ما هو مسلم ‪ ،‬وضد كل ما هو عربي ‪ ،‬بل‬
‫ضد كل ما هو غير يهودي ‪ ،‬ويتهمون كل من يقول بذلك ‪ ،‬بأنه من مؤيدي‬
‫نظرية المؤامرة ‪ ،‬التي ل أصل لها من الصحة ‪ .‬أما ما نقوله نحن في هؤلء‬
‫أحد أمرين ‪ ،‬إما أن يكونوا شركاء في المؤامرة ‪ ،‬ويعملون ما بوسعهم لتجهيل‬
‫الناس بعلم ‪ ،‬حتى ل يتنّبهوا لسلحتها ورموزها فُيقاوموها ‪ ،‬وإما أن يكونوا‬
‫ب ‪ ،‬غير الذي نعيش فيه ‪ُ ،‬يدلون بدلوهم‬ ‫ُأناس ‪ ،‬يعيشون على سطح كوك ٍ‬
‫لُيضّلوا الناس بغير علم ‪.‬‬
‫الديانة اليهودية ‪:‬‬
‫لنعلم أن تسمية القرآن لبني إسرائيل باليهود ‪ُ ،‬أطلقت عليهم لقولهم ) ِإّنا ُهْدَنا‬
‫ك )‪ 156‬العراف ( ‪ ،‬وذلك بعد اتخاذهم العجل ‪ ،‬بمعنى أنهم أعلنوا التوبة‬ ‫ِإَلْي َ‬
‫عن فعلهم والرجوع إلى ال ‪ ،‬وفي الحقيقة كان ذلك قولهم بألسنتهم ‪ ،‬وأما‬
‫سِمْعَنا‬
‫شغفت بعبادة العجل ‪ ،‬حيث قال سبحانه ) َقاُلوا َ‬‫قلوبهم فُأشربت و ُ‬
‫‪181‬‬
‫سَما َيْأُمُرُكْم ِبِه ِإيَماُنُكْم ِإنْ‬
‫جَل ِبُكْفِرِهْم ُقْل ِبْئ َ‬‫شِرُبوا ِفي ُقُلوِبِهُم اْلِع ْ‬ ‫صْيَنا َوُأ ْ‬
‫ع َ‬ ‫َو َ‬
‫ن )‪ 93‬البقرة ( ‪ ،‬وكان هذا حالهم بمعية نبيهم موسى عليه السلم ‪.‬‬ ‫ُكْنُتْم ُمْؤِمِني َ‬
‫ولم يختلف حالهم مع نبينا محمد عليه الصلة والسلم ‪ ،‬حيث قال فيهم سبحانه‬
‫صْيَنا ‪،‬‬
‫ع َ‬ ‫سِمْعَنا َو َ‬ ‫ن َ‬ ‫ضِعِه ‪َ ،‬وَيُقوُلو َ‬ ‫ن َمَوا ِ‬ ‫عْ‬ ‫ن اْلَكِلَم َ‬ ‫حّرُفو َ‬‫ن َهاُدوا ُي َ‬ ‫ن اّلِذي َ‬‫) ِم َ‬
‫ن ‪َ ،‬وَلْو َأّنُهْم َقاُلوا‬ ‫طْعًنا ِفي الّدي ِ‬ ‫سَنِتِهْم َو َ‬
‫عَنا َلّيا ِبَأْل ِ‬
‫سَمٍع ‪َ ،‬وَرا ِ‬ ‫غْيَر ُم ْ‬ ‫سمَْع َ‬ ‫َوا ْ‬
‫ل ِبُكْفِرِهْم‬
‫ن َلَعَنُهُم ا ُّ‬‫خْيًرا َلُهْم َوَأْقَوَم َوَلِك ْ‬
‫ن َ‬ ‫ظْرَنا ‪َ ،‬لَكا َ‬ ‫سَمْع َواْن ُ‬‫طْعَنا َوا ْ‬ ‫سِمْعَنا َوَأ َ‬‫َ‬
‫ل )‪ 46‬النساء ( ‪.‬‬ ‫ن ِإلّ َقِلي ً‬‫ل يُْؤِمُنو َ‬ ‫َف َ‬
‫وأما الديانة اليهودية ‪ :‬فهي معتقد ‪ ،‬اختلط فيه شيء ‪ ،‬من بقايا مشّوهة لكتب‬
‫أنبيائهم ‪ ،‬مع آراء وتفسيرات أحبارهم ‪ ،‬ومعتقدات وأساطير وخرافات‬
‫القوام ‪ ،‬التي عاشوا فيما بينها ‪ ،‬على مّر العصور ‪ ،‬ومصدر هذه العقيدة في‬
‫الصل هو التوراة ‪ ،‬والتي سبق أن قلنا أنها ُكتبت بشكلها النهائي ‪ ،‬في القرن‬
‫الول الميلدي ‪ ،‬قبل خروجهم النهائي من فلسطين ‪ ،‬وتشّتتهم في كافة أرجاء‬
‫الرض ‪.‬‬
‫وفيما بعد السبي البابلي ‪ ،‬قام كهنتهم وأحبارهم ) حكمائهم ( ‪ ،‬بتأليف ُكتب‬
‫جمعوا فيها ‪ ،‬معتقداتهم وآرائهم وشروحهم للتوراة ‪ ،‬وقالوا أنها القانون الشفوي‬
‫ت به موسى عليه السلم مكتوبا ‪ ،‬والذي تناقلوه شفاها عبر الجيال‬ ‫‪ ،‬الذي لم يأ ِ‬
‫سّمي بالتلمود ‪ ،‬والذي يعتبرونه أكثر ُقدسية من‬ ‫جمعت هذه المؤلفات فيما ُ‬ ‫‪،‬وُ‬
‫سم َ‬
‫ي‬ ‫جمع في فلسطين عام ‪ 400‬م ‪ ،‬و ُ‬ ‫التوراة نفسها ‪ ،‬ولديهما تلمودان أحدهما ُ‬
‫ي تلمود بابل ‪ ،‬وهو‬ ‫سم َ‬ ‫جمع في بابل عام ‪ 500‬م ‪ ،‬و ُ‬ ‫تلمود أورشليم ‪ ،‬والخر ُ‬
‫الشهر ويقع في ‪ُ 36‬مجّلدا ‪ .‬وقد كان التلمود ُيعامل بسرية ‪ ،‬فيما بين اليهود ‪،‬‬
‫وقد تم طبعه في أوروبا ‪ ،‬في القرون الوسطى ‪ ،‬وكّلما ُأكتشف أمره في الدول‬
‫الوربية ‪ ،‬كان ُيصادر وُيجمع وُيحرق ‪ ،‬وكان اكتشافه سببا ‪ ،‬في كثير من‬
‫حالت الضطهاد والتعذيب والقتل والنفي لليهود ‪ .‬ومن هذا نخلص إلى أن‬
‫الديانة اليهودية ‪ ،‬هي ما جاء من معتقدات في التلمود أول وثانيا وثالثا … ‪،‬‬
‫والتوراة على ما بقي فيها من وحي أخيرا ‪.‬‬
‫ماهية التلمود ومعتقدات اليهود ‪:‬‬
‫قال د‪ ) .‬جوزيف باركلي ( أحد الباحثين في التلمود ‪ " :‬وبعض أقوال التلمود‬
‫ل ) ُمبالغ فيه ( ‪ ،‬وبعضها كريه ‪ ،‬وبعضها الخر كفر ‪ .‬ولكنها تشّكل في‬
‫مغا ٍ‬

‫‪182‬‬
‫صورتها المخلوطة ‪ ،‬أثرًا غير عادي ‪ ،‬للجهد النساني ‪ ،‬وللعقل النساني ‪،‬‬
‫وللحماقة النسانية " ‪.‬‬
‫ي)‬‫ومما جاء في التلمود من تعاليم ‪ ،‬نعرض بعض المقتطفات التالية ‪ ،‬من كتاب ّ‬
‫تعاليم التلمود ( لظفر السلم خان ‪ ،‬و) بروتوكولت حكماء صهيون ( لعجاج‬
‫نويهض ‪:‬‬
‫يقول عجاج نويهض ‪ " :‬هذه الكلمات للعلمة ) بولس حنا مسعد ( ‪ ،‬صاحب‬
‫كتاب ) همجية التعاليم الصهيونية ( ‪ ،‬ومما قاله المؤلف في مقدمته ‪" :‬‬
‫شر به العالم ‪ ،‬وللمسلم قرآنه ينشره بين جميع الشعوب ‪ ،‬أما‬ ‫للمسيحي إنجيله يب ّ‬
‫السرائيلي فله كتابان ؛ كتاب معروف وهو التوراة ‪ ،‬ل يعمل به ‪ ،‬والخر‬
‫ضله على الول ويدرسه خفية ‪ ،‬وهو‬ ‫مجهول ل يعرفه العالم ) التلمود ( ‪ ،‬يف ّ‬
‫أساس كل مصيبة ‪ .‬والنصارى يؤمنون بأن ال هو أبو الجميع ‪ ،‬والمسلمين‬
‫يعترفون بأن ال رب العالمين ‪ .‬أما الصهيونيون يريدون أن يكون الله ‪ ،‬لهم‬
‫ص على أن جميع خيرات الرض ‪ ،‬ملك‬ ‫وحدهم ‪ ،‬زد على ذلك ‪ ،‬أن التلمود ين ّ‬
‫لبني إسرائيل ‪ ،‬وأن النصارى والمسلمين وعبدة الوثان ‪ ،‬خلقوا عبيدا لهم ‪ .‬هم‬
‫منحدرون من ال ‪ ،‬كما ينحدر البن من أبيه ‪ ،‬وشعوب الرض مشّتقة من‬
‫الرواح النجسة ‪ ،‬ولم ُيعطوا صورة النسانية ‪ ،‬إل إكراما لبني إسرائيل " ‪.‬‬
‫نظرة التلمود لكافة البشر ‪:‬‬
‫المخلوقات نوعان ؛ علوي وسفلي ‪ .‬العالم يسكنه سبعون شعبا بسبعين لغة ‪.‬‬
‫إسرائيل صفوة المخلوقات ‪ ،‬واختاره ال ‪ ،‬لكي تكون له السيادة العليا ‪ ،‬على‬
‫جن ‪ " .‬إن نفوس اليهود‬ ‫بني البشر جميعا ‪ ،‬سيادة النسان على الحيوان الُمد ّ‬
‫منّعم عليها ‪ ،‬بأن تكون جزءا من ال ‪ ،‬فهي تنبثق من جوهر ال ‪ ،‬كما ينبثق‬
‫الولد من جوهر أبيه " ‪ ،‬و" هذا السبب يجعل نفس اليهودي ‪ ،‬أكثر قبول عند‬
‫ال ‪ ،‬وأعظم شأنا عند ال ‪ ،‬من نفوس سائر الشعوب ‪ ،‬لن هؤلء ُتشت ّ‬
‫ق‬
‫نفوسهم من الشيطان ‪ ،‬وهي مشابهة لنفوس الحيوانات والجماد " ‪.‬‬
‫ولهذا يقول التلمود ‪ " :‬أن زرع ) نطفة ( الرجل غير اليهودي هي زرع‬
‫حيواني " ‪ .‬و" زرع الغراب كزرع الحصان " ‪ .‬و" إن غير اليهود كلب‬
‫عند اليهود " ‪ .‬و" إن غير اليهودي ‪ ،‬ل يختلف بشيء عن الخنزير البري " ‪.‬‬
‫و" إن بيوت غير اليهود زرائب للحيوانات " ‪ ،‬و" قد ُكتب على شعوب‬
‫‪183‬‬
‫الرض ‪ :‬لحومكم من لحوم الحمير ‪ ،‬وزرعكم من زرع الحيوانات " ‪ .‬و" كما‬
‫أن ربة البيت تعيش من خيرات زوجها ‪ ،‬هكذا أبناء إسرائيل ‪ ،‬يجب أن يعيشوا‬
‫من خيرات المم ‪ ،‬دون أن يتحّملوا عناء العمل " ‪.‬‬
‫نظرة التلمود إلى العرب ) القدماء ( ‪:‬‬
‫أمة ُمحتقرة ‪ ،‬من العار الزواج بعربية ‪ ،‬يعبدون الصنام ‪ ،‬مرتكبو تسعة‬
‫أعشار الجرائم في العالم ‪ ،‬صفتهم الغدر وكراهية اليهود ‪ ،‬كانوا قادة تخريب‬
‫الهيكل مع نبوخذ نصر ‪.‬‬
‫التعامل مع الملل الخرى ‪:‬‬
‫" إن عبدة الوثان ‪ ،‬الذين ل يعتنقون الدين اليهودي ‪ ،‬والمسيحيين والمسلمين ‪،‬‬
‫هم في نظر اليهود أعداء ال وأعداء اليهود " ‪ .‬و" يسمح التلمود لصدقاء ال‬
‫ن"‬‫وأقاربه ‪ ،‬في أن ُيضّلوا الشرار " ‪ .‬و" ممنوع السلم على الكفار " ‪ ،‬ولك ّ‬
‫ش الغريب وتدينه بالربا الفاحش " ‪ .‬و"‬ ‫الرياء مسموح به " ‪ .‬و" ُيمكنك أن تغ ّ‬
‫يجب انتزاع قلب النصراني من جسده ‪ ،‬وإهلك علية القوم منهم " ‪ .‬و" إذا رّد‬
‫أحد اليهود إلى الغريب ما أضاعه ‪ ،‬فالرب ل يغفر له أبدا " ‪ .‬و" ُأقتل عبدة‬
‫الوثان ‪ ،‬ولو كان أكثر الناس كمال " ‪ .‬و" إذا وقع وثني في حفرة فاسددها‬
‫عليه بحجر " ‪ .‬و" من يسفك دم الكفار ) غير اليهود ( بيده ‪ ،‬يقّدم قربانا‬
‫ُمرضيا ل " ‪ .‬وإجمال يقول التلمود ‪ :‬أن من ينتهك الوصايا العشر مع غير‬
‫اليهود فهو جائز بل واجب ‪.‬‬
‫التجديف على ال ‪:‬‬
‫" اليهود يضعون التلمود فوق التوراة ‪ ،‬والحاخام فوق ال ‪ ،‬وال يقرأ وهو‬
‫واقف على قدميه ‪ ،‬وما يقوله الحاخام يفعله ال ‪ ،‬إن تعاليم اللهوتيين في‬
‫التلمود ‪ ،‬لهي أطيب من كلم الشريعة ) كلم ال ( ‪ ،‬والخطايا الُمقترفة ضد‬
‫التلمود ‪ ،‬لهي أعظم من المقترفة ضد التوراة " ‪ .‬و" إن الرباني مناحيم ُيطلعنا‬
‫بالتفاق مع كثير من العلماء ‪ ،‬على أن ال يأخذ رأي الربانيين على الرض ‪،‬‬
‫في المشاكل التي تنشأ في السماء " ‪ .‬و" إن كلمات الربانيين أشّد عذوبة من‬
‫كلمات النبياء … وذلك لن كلماتهم هي كلمات ال " ‪.‬‬

‫‪184‬‬
‫و" إن ال قد تاب عن تركه بني إسرائيل ‪ ،‬يرتطمون في الشقاء ‪ ،‬كمن يتوب‬
‫عن إثم شخصي ‪ . " … ،‬و" أن ال عندما ُيقسم في كل مرة ‪ ،‬بدون ُمبّرر‬
‫ل قسمه بقسم آخر نظيره ‪ . " … ،‬و" أن ال قد‬ ‫معقول ‪ ،‬فمن اللزم أن يح ّ‬
‫أقسم بغير عدل ‪ ،‬وارتكب خطيئة الكذب ‪ ،‬لكي يلقي السلم والوئام ‪ ،‬بين سارة‬
‫ب إلى ال من الملئكة ‪ ،‬فالذي يصفع اليهودي ‪،‬‬ ‫وإبراهيم " ‪ .‬و" أن اليهود أح ّ‬
‫كمن يصفع العناية اللهية سواء بسواء ‪ ،‬وهذا ُيفسر لنا ‪ ،‬استحقاق الوثني‬
‫وغير اليهودي الموت ‪ ،‬إذا ضرب يهوديا " ‪ .‬و" وإذا أراد الرجل أن يقترف‬
‫ذنبا ‪ ،‬فعليه أن يذهب إلى مكان ‪ ،‬هو مجهول فيه ‪ ،‬لئل ُيهين ال علنية " ‪.‬‬
‫الملئكة ‪:‬‬
‫" إن عمل الملئكة الرئيسي ‪ ،‬سكب النوم على عيون البشر ‪ ،‬وحراستهم في‬
‫الليل ‪ ،‬أما في النهار فإنهم ُيصّلون عن البشر ‪ ،‬ولذلك ‪ ،‬يجب أن نلتجئ إليهم "‬
‫‪.‬‬
‫النبياء ‪:‬‬
‫" أن إبراهيم أكل ‪ 74‬رجل ‪ ،‬وشرب دمائهم دفعة واحدة ‪ ،‬ولذلك كان له قوة‬
‫‪ 74‬رجل " ‪ .‬وصفوا عيسى عليه السلم بالحمق والمجذوم و" غشاش بني‬
‫إسرائيل " ‪ ،‬واتهموا أمه بالزنا ‪ ،‬وتلميذه بالملحدين ‪ ،‬والنجيل بالكتاب‬
‫المملوء بالثم ‪.‬‬
‫التنجيم ‪:‬‬
‫يعتقد التلمود اعتقادا جازما ‪ ،‬بأن التنجيم علم يتحكم بحياة الناس ‪ ،‬ومن‬
‫أقوالهم ‪ " :‬إن تأثير النجوم تجعل الرجل ذكيا ‪ ،‬وبنو إسرائيل تحت تأثير‬
‫النجوم " ‪ " ،‬إن كسوف الشمس آية سوء للشعوب ‪ ،‬وخسوف القمر آية سوء‬
‫لبني إسرائيل ‪ ،‬لن إسرائيل تعتمد في بقائها على القمر " ‪.‬‬
‫السحر ‪:‬‬
‫ن‪،‬‬‫والتلمود مليء بطقوس السحر والشعوذة والعرافة ‪ ،‬وطرق التصال بالج ّ‬
‫وفيه أن الرواح الشريرة والشياطين والجنيات ‪ ،‬من ذرية آدم ‪ .‬وأنهم يطيرون‬
‫في كل اتجاه ‪ ،‬وهم يعرفون أحوال المستقبل ‪ ،‬باستراق السمع ‪ ،‬وهم يأكلون‬
‫‪185‬‬
‫ويشربون ويتكاثرون مثل النسان ‪ ،‬ويجوز للناس استشارة الشيطان ‪ ،‬في آخر‬
‫أيام السبوع ‪.‬‬
‫الروح والبعث والجزاء ‪:‬‬
‫لهم فيها أقوال شتى ‪ " ،‬تنتقل نفس اليهودي بعد موته إلى جسد آخر ‪ ،‬وعندما‬
‫يلفظ المتقدم في السن أنفاسه ‪ ،‬تسرع نفسه إلى جنين في بطن أمه " ‪ .‬ومنها ؛‬
‫أن اليهودي الذين يقتل يهوديا " تدخل روحه في الحيوانات والنباتات ‪ ،‬ثم‬
‫ي عشر شهرا ‪ ،‬ثم تعود ثانية‬ ‫تذهب إلى الجحيم ‪ ،‬وتعّذب عذابا أليما ‪ ،‬مدة اثن ّ‬
‫لتدخل في الجمادات ‪ ،‬ثم في الحيوانات ‪ ،‬ثم في الوثنيين ‪ ،‬حتى ترجع إلى جسد‬
‫يهودي بعد تطهيرها " ‪ .‬ويقولون أن الجنة ‪ ،‬ليس فيها أكل أو شرب ‪ ،‬أو زواج‬
‫أو تناسل … ‪ ،‬وإنما يجلس الصالح فيها بوقار وسكينة ‪ ،‬ويقولون أن نار جهنم‬
‫ل سلطان لها ‪ ،‬على ُمذنبي بني إسرائيل ‪ ،‬ول سلطان لها على تلمذة‬
‫الحكماء ‪.‬‬
‫ويقولون أنه ل حساب بعد انفصال الروح عن الجسد ‪ .‬ويقولون " المشروبات‬
‫السماوية هي الخمور الفاخرة ‪ ،‬المعّتقة المحفوظة من يوم الخليقة السادس ‪،‬‬
‫جون في‬ ‫وهذه الجّنة اللذيذة ‪ ،‬ل يدخلها إل اليهود الصالحون ‪ ،‬أما الباقون فُيز ّ‬
‫نار جهنم " ‪ .‬و" … ‪ ،‬ويأتي المسلمون بعد النصارى ‪ ،‬لنهم ل يغسلون ‪،‬‬
‫سوى أيديهم وأرجلهم وأفخاذهم وعوراتهم ‪ ،‬كل هؤلء ‪ُ ،‬يحشرون حشرا في‬
‫جهنم ‪ ،‬ول يغادرونها أبدا " ‪.‬‬
‫التطلع الدائم للملك ‪:‬‬
‫" إن المسيح ) الذي ينتظرون ظهوره ( ُيعيد قضيب الُملك إلى إسرائيل ‪،‬‬
‫فتخدمه الشعوب وتخضع له الممالك " ‪ " ،‬ول يأتي ما لم ينقرض ُملك الشعوب‬
‫غير اليهودية " ‪ " ،‬ذلك أن إسرائيل إذا كان صالحا ‪ ،‬يجب عليه أن يعمل بغير‬
‫هوادة ‪ ،‬في العمل على أن ينبذ المتسّلطين ) الحكام ( على الشعوب نبذ النواة ‪،‬‬
‫لن السلطة على الشعوب غير اليهودية ‪ ،‬هي من نصيب اليهود فقط ‪ ،‬وفي كل‬
‫مكان يدخله اليهود ‪ ،‬يجب أن يكونوا هم المتسّلطين ‪ ،‬وطالما هم بعيدون ‪ ،‬عن‬
‫تحقيق هذه الفكرة ‪ ،‬فيعتبرون أنفسهم منفيين وغرباء " ‪.‬‬
‫صل لدينا لما جاء في التلمود ‪ ،‬من أفكار‬
‫) وهذا المقتطفات جزء يسير ‪ ،‬مما تح ّ‬
‫وأقوال لحاخامات اليهود ( ‪.‬‬
‫‪186‬‬
‫سِمْعَنا‬‫ن َ‬ ‫ضِعِه َوَيُقوُلو َ‬ ‫ن َمَوا ِ‬ ‫عْ‬ ‫ن اْلَكِلَم َ‬ ‫حّرُفو َ‬ ‫ن َهاُدوا ُي َ‬ ‫ن اّلِذي َ‬‫قال تعالى ) ِم َ‬
‫ن َوَلْو َأّنُهْم‬ ‫طْعًنا ِفي الّدي ِ‬ ‫سَنِتِهْم َو َ‬ ‫عَنا َلّيا ِبَأْل ِ‬‫سَمٍع َوَرا ِ‬ ‫غْيَر ُم ْ‬ ‫سَمْع َ‬ ‫صْيَنا َوا ْ‬‫ع َ‬ ‫َو َ‬
‫ن َلَعنَُهُم ا ُّ‬
‫ل‬ ‫خْيًرا َلُهْم َوَأْقَوَم َوَلِك ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ظْرَنا َلَكا َ‬ ‫سَمْع َواْن ُ‬ ‫طْعَنا َوا ْ‬ ‫سِمْعَنا َوَأ َ‬ ‫َقاُلوا َ‬
‫ب َءاِمُنوا ِبَما َنّزْلَنا‬ ‫ن ُأوُتوا اْلِكَتا َ‬ ‫ل )‪ (46‬يَأّيَها اّلِذي َ‬ ‫ن ِإّل َقِلي ً‬‫ل ُيْؤِمُنو َ‬ ‫ِبُكْفِرِهْم َف َ‬
‫عَلى َأْدَباِرَها َأْو َنْلَعَنُهْم َكَما‬ ‫جوًها َفَنُرّدَها َ‬ ‫س ُو ُ‬ ‫طِم َ‬ ‫ن َن ْ‬‫ن َقْبِل َأ ْ‬‫صّدًقا ِلَما َمَعُكْم ِم ْ‬ ‫ُم َ‬
‫ك ِبِه‬ ‫شَر َ‬ ‫ن يُ ْ‬
‫ل َل َيْغِفُر َأ ْ‬‫ن ا َّ‬ ‫ل َمْفُعولً )‪ِ (47‬إ ّ‬ ‫ن َأْمُر ا ِّ‬ ‫ت َوَكا َ‬ ‫سْب ِ‬‫ب ال ّ‬ ‫حا َ‬ ‫صَ‬ ‫َلَعّنا َأ ْ‬
‫ظيًما )‪(48‬‬ ‫عِ‬‫ل َفَقِد اْفَتَرى ِإْثًما َ‬ ‫ك ِبا ِّ‬ ‫شِر ْ‬ ‫ن ُي ْ‬ ‫شاُء َوَم ْ‬ ‫ن َي َ‬‫ك ِلَم ْ‬‫ن َذِل َ‬‫َوَيْغِفُر َما ُدو َ‬
‫ل)‬ ‫ن َفِتي ً‬ ‫ظَلُمو َ‬‫شاُء َوَل ُي ْ‬ ‫ن َي َ‬‫ل ُيَزّكي َم ْ‬ ‫سُهْم َبِل ا ُّ‬ ‫ن َأْنُف َ‬
‫ن ُيَزّكو َ‬ ‫َأَلْم تََر ِإَلى اّلِذي َ‬
‫ب َوَكَفى ِبِه ِإْثًما ُمِبيًنا )‪َ (50‬أَلْم َتَر ِإَلى‬ ‫ل اْلَكِذ َ‬ ‫عَلى ا ِّ‬ ‫ن َ‬ ‫ف َيْفَتُرو َ‬ ‫ظْر َكْي َ‬ ‫‪ (49‬اْن ُ‬
‫ن‬
‫ن ِلّلِذي َ‬‫ت َوَيُقوُلو َ‬ ‫غو ِ‬ ‫طا ُ‬ ‫ت َوال ّ‬ ‫جْب ِ‬
‫ن ِباْل ِ‬ ‫ب ُيْؤِمُنو َ‬ ‫ن اْلِكَتا ِ‬‫صيًبا ِم َ‬ ‫ن ُأوُتوا َن ِ‬ ‫اّلِذي َ‬
‫ن‬
‫ل َوَم ْ‬ ‫ن َلَعَنُهُم ا ُّ‬‫ك اّلِذي َ‬
‫ل )‪ُ (51‬أوَلِئ َ‬ ‫سِبي ً‬ ‫ن َءاَمُنوا َ‬ ‫ن اّلِذي َ‬‫َكَفُروا َهُؤلَِء َأْهَدى ِم َ‬
‫صيًرا )‪ 52‬النساء ( ‪.‬‬ ‫جَد َلُه َن ِ‬‫ن َت ِ‬ ‫ل َفَل ْ‬
‫ن ا ُّ‬‫َيْلَع ِ‬
‫المؤامرة اليهودية ‪:‬‬
‫هي شجرة شيطانية ‪ ،‬ل تراها فوق أنفك ‪ ،‬ول ترى رسمها فوق السطور ‪،‬‬
‫بذورها التوراة ‪ ،‬وجذورها التلمود ‪ ،‬وجذعها بروتوكولت الحكماء ‪،‬‬
‫وفروعها الهيئات والمنظمات الدولية ‪ ،‬وأوراقها كل وسائل العلم المرئية‬
‫والمسموعة والمكتوبة ‪ ،‬وثمارها اللحاد والنحلل ‪ُ .‬أنتجت بذورها في‬
‫سقيت بماء الذهب ‪ ،‬وأضيف إليها سماد‬ ‫ألمانيا ‪ ،‬ونقلت وُزرعت في بريطانيا و ُ‬
‫غرست في أمريكا ‪ ،‬ذات الراضي‬ ‫الشهوة ‪ ،‬ولما استقام عودها ‪ُ ،‬نقلت و ُ‬
‫الخصبة ‪ ،‬لمثل هذا النوع من الشجار ‪ ،‬فاشتّد عودها وارتفع ‪ ،‬حتى بلغ عنان‬
‫السماء ‪ ،‬وامتدت جذورها إلى شتى بقاع الرض ‪ ،‬وبدأنا نقطف شيئا من‬
‫بواكير ثمارها ‪ ،‬وعندما ينضب ماء الذهب من الرض ‪ ،‬ستعلن حربها‬
‫المدّمرة على العالم ‪ ،‬لنقطف الفوج الثاني من ثمار الفقر والمجاعة والمرض ‪،‬‬
‫ول علج ‪ .‬آنذاك يأتي يوم الحصاد ‪ ،‬قيام مملكة داود الدكتاتورية العالمية‬
‫صب العجل الذهبي ‪ ،‬إله أوحدا لكل البشر ‪،‬‬ ‫البدية ‪ ،‬في قدس القداس ‪ ،‬لُين ّ‬
‫على أطلل المسجد القصى ‪.‬‬

‫‪187‬‬
‫المؤامرة الولى في تاريخ بني إسرائيل‬

‫ن )‪(7‬‬
‫ساِئِلي َ‬
‫ت ِلل ّ‬
‫خَوِتِه َءاَيا ٌ‬
‫ف َوِإ ْ‬
‫س َ‬
‫ن ِفي ُيو ُ‬
‫قال تعالى ) َلَقْد َكا َ‬
‫سورة يوسف وبالرغم من تسميتها باسمه عليه السلم ‪ ،‬تحكي في الواقع ‪،‬‬
‫قصة ُأخوة يوسف ‪ ،‬وتروي تفاصيل أول مؤامرة ‪ ،‬حاكها ونفذها بنوا إسرائيل‬
‫) يعقوب ( بدم بارد ‪ ،‬ضد أبيهم وأخيهم يوسف عليهما السلم ‪ ،‬أحّبهم إلى قلب‬
‫أبيه ‪ ،‬وبوحشية منقطعة النظير ‪ ،‬وقوله تعالى ) في يوسف وأخوته آيات‬
‫للسائلين ( ‪ ،‬يؤكد أن موضوع السورة ‪ ،‬هو ما قام به أخوة يوسف من أفعال ‪،‬‬
‫ل على عدم إيمانهم بال وما جاء به أنبياءه ‪ ،‬من علم وموعظة وحكمة ‪ ،‬من‬ ‫تد ّ‬
‫آبائهم إبراهيم وإسحاق ويعقوب ‪ ،‬وأنهم لما كادوا ليوسف ما كادوه ‪ ،‬كانوا قد‬
‫أغفلوا كليا ‪ ،‬وجود ال سبحانه وتعالى ‪ ،‬وأنكروا قدرته على التدخل بمجريات‬
‫ططون له رأسا على عقب ‪ ،‬وأنكروا أيضا نبوة‬ ‫المور ‪ ،‬وقلب نتائج ما ُيخ ّ‬
‫أبيهم يعقوب عليه السلم ‪.‬‬
‫أخوة يوسف ليسوا أنبياء ‪:‬‬
‫صصْ ُرْؤَياكَ‬
‫ي َل َتْق ُ‬ ‫جاء في تفسير القرطبي رحمه ال للية التالية ) َقاَل َيُبَن ّ‬
‫ن )‪ (5‬ما نصه ‪" :‬‬ ‫عُدّو ُمِبي ٌ‬ ‫ن َ‬ ‫سا ِ‬
‫لْن َ‬
‫ن ِل ِْ‬
‫طا َ‬
‫شْي َ‬
‫ن ال ّ‬
‫ك َكْيًدا ِإ ّ‬
‫ك َفَيِكيُدوا َل َ‬
‫خَوِت َ‬
‫عَلى ِإ ْ‬
‫َ‬
‫ودل أيضا على أن يعقوب عليه السلم ‪ ،‬كان أحس من بنيه حسد يوسف‬
‫ل بذلك صدورهم ‪،‬‬ ‫وبغضه ‪ ،‬فنهاه عن قصص الرؤيا عليهم ‪ ،‬خوف أن تغ ّ‬
‫فيعملوا الحيلة في هلكه ‪ ،‬ومن هذا ‪ ،‬ومن فعلهم بيوسف ‪ ،‬يدل على أنهم كانوا‬
‫غير أنبياء ‪ ،‬في ذلك الوقت ) ولم يكونوا أنبياء في غير ذلك الوقت أيضا ( ‪،‬‬
‫ووقع في كتاب الطبري لبن زيد ‪ ،‬أنهم كانوا أنبياء ‪ ،‬وهذا يرّده القطع بعصمة‬
‫النبياء عن الحسد الدنيوي ‪ ،‬وعن عقوق الباء ‪ ،‬وتعريض مؤمن للهلك ‪،‬‬
‫والتآمر في قتله ‪ ،‬ول التفات لقول من قال إنهم كانوا أنبياء ‪ ،‬ول يستحيل في‬
‫العقل زلة نبي ‪ ،‬إل أن هذه الزلة قد جمعت أنواعا من الكبائر ‪ ،‬وقد أجمع‬
‫المسلمون على عصمتهم منها ‪ ،‬وإنما اختلفوا في الصغائر " ‪.‬‬
‫لفظ سبط ُيطلق على الحفاد وليس على البناء ‪:‬‬
‫وفي لسان العرب " وقيل السبط واحد السباط ‪ ،‬وهو ولد الولد ‪ ،‬وقال ابن‬
‫سيده ‪ :‬السبط ولد البن والبنة ‪ ،‬وفي الحديث ‪ ،‬الحسن والحسين ‪ ،‬سبطا‬
‫‪188‬‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ورضي عنهما ‪ ،‬ومعناه طائفتان وقطعتان‬
‫منه ‪ ،‬ومنه حديث الضباب ‪ ،‬إن ال غضب على سبط من بني إسرائيل ‪،‬‬
‫فمسخهم دواب ‪ ،‬والسبط من اليهود كالقبيلة من العرب ‪ ،‬وهم الذين يرجعون‬
‫سّمي سبطا ‪ ،‬ليفرق بين ولد إسماعيل وولد إسحاق ‪ ،‬وجمعه‬ ‫إلى أب واحد ُ‬
‫أسباط ‪ .‬قالوا والصحيح أن السباط ‪ ،‬في ولد إسحاق بن إبراهيم ‪ ،‬بمنزلة‬
‫القبائل في ولد إسماعيل عليهم السلم ‪ ،‬وإنما سمي هؤلء بالسباط ‪ ،‬وهؤلء‬
‫بالقبائل ‪ ،‬ليفصل بين ولد إسماعيل ‪ ،‬وولد إسحاق عليهما السلم ‪ .‬وجاء أيضا‬
‫أن السبط لغة ‪ ،‬هو نبات ذو ساق طويلة مفردة عليها أوراق دقيقة ‪ ،‬تعلفه البل‬
‫"‪.‬‬
‫وبالتالي نستطيع القول ‪ ،‬بأن لفظ السباط ‪ُ ،‬أطلق على أحفاد يعقوب عليهم‬
‫السلم ‪ ،‬وليس على أبنائه الثني عشر ‪ ،‬بل يتعدى ذلك إلى كل نسل بني‬
‫عيَل‬ ‫سَما ِ‬ ‫إسرائيل ‪ ،‬حتى يومنا هذا ‪ ،‬وأّما قوله تعالى ) وََما ُأنِزَل ِإَلى ِإْبَراِهيَم َوِإ ْ‬
‫ط )‪ 136‬البقرة ( ‪ ،‬المقصود هنا النبياء من الحفاد‬ ‫سَبا ِ‬
‫ب َواَْل ْ‬ ‫ق َوَيْعُقو َ‬ ‫حا َ‬‫سَ‬
‫َوِإ ْ‬
‫على مّر العصور ‪ ،‬ومنهم يوسف وموسى وداود وسليمان ‪ ،‬وزكريا ويحيى‬
‫وعيسى ‪ ،‬ومن ُكّذب وُقتل من أنبياء بني إسرائيل ‪ ،‬وهم كثير ‪ ،‬ممن لم ُتذكر‬
‫ص القرآن على نبّوته‬ ‫أسمائهم ‪ .‬والوحيد من أبناء يعقوب الثني عشر ‪ ،‬الذي ن ّ‬
‫ل‬
‫ب ُك ّ‬‫ق َوَيْعُقو َ‬ ‫حا َ‬‫سَ‬‫هو يوسف عليه السلم ‪ ،‬بدللة قوله تعالى ) َووََهْبَنا َلُه ِإ ْ‬
‫س َ‬
‫ف‬ ‫ب َوُيو ُ‬ ‫ن َوَأّيو َ‬
‫سَلْيَما َ‬‫ن ُذّرّيِتِه َداُوَد َو ُ‬‫ن َقْبُل َوِم ْ‬ ‫حا َهَدْيَنا ِم ْ‬ ‫َهَدْيَنا َوُنو ً‬
‫جاَءُكْم‬‫ن )‪ 84‬النعام ( وقوله ) َوَلَقْد َ‬ ‫سِني َ‬‫ح ِ‬‫جِزي اْلُم ْ‬ ‫ك َن ْ‬‫ن َوَكَذِل َ‬‫سى َوَهاُرو َ‬ ‫َوُمو َ‬
‫ك ُقْلُتْم َل ْ‬
‫ن‬ ‫حّتى ِإَذا َهلَ َ‬
‫جاَءُكْم ِبِه َ‬ ‫ك ِمّما َ‬ ‫شّ‬ ‫ت َفَما ِزْلُتْم ِفي َ‬ ‫ن َقْبُل ِباْلَبّيَنا ِ‬
‫ف ِم ْ‬‫ُيوسُ ُ‬
‫سولً )‪ 34‬غافر ( ‪ ،‬بالضافة إلى ما جاء من آيات في‬ ‫ن َبْعِدِه َر ُ‬ ‫ل ِم ْ‬‫َيْبَعثَ ا ُّ‬
‫سورة يوسف ‪.‬‬
‫طا ُأَمًما )‪ 160‬العراف (‬ ‫سَبا ً‬‫شَرَة َأ ْ‬
‫ع ْ‬‫ي َ‬ ‫طْعَناُهُم اْثَنَت ْ‬
‫وانظر في قوله تعالى ) َوَق ّ‬
‫‪ ،‬وقوله تعالى ) أسباطا أمما ( أي تم فرزهم حسب انتساب كل فرد منهم ‪ ،‬إلى‬
‫أحد أبناء يعقوب عليه السلم ‪ ،‬فنتج بالتالي اثنتي عشرة أمة ‪ ،‬وكل أمة ُأطلق‬
‫سمي كل سبط باسم أحد أبناء يعقوب ‪ ،‬وعلى ذلك ُيطلق لفظ‬ ‫عليها لفظ سبط ‪ ،‬و ُ‬
‫سبط على مجموعة من الفراد ‪ ،‬يجمعهم انتسابهم إلى أب واحد ‪ ،‬فيقال سبط‬
‫يوسف أي قبيلة يوسف ‪.‬‬

‫‪189‬‬
‫فصول المؤامرة الولى ‪:‬‬

‫لٍ‬
‫ل‬‫ضَ‬‫ن َأَباَنا َلِفي َ‬
‫صَبٌة ِإ ّ‬
‫ع ْ‬
‫ن ُ‬
‫حُ‬‫ب ِإَلى َأِبيَنا ِمّنا ‪َ ،‬وَن ْ‬
‫ح ّ‬
‫خوُه َأ َ‬
‫ف َوَأ ُ‬
‫س ُ‬‫) ِإْذ َقاُلوا َلُيو ُ‬
‫ن )‪(8‬‬ ‫ُمِبي ٍ‬
‫‪ .1‬قام أبناء يعقوب بعقد اجتماع سري ‪ ،‬بعيدا عن المعنيين بالمر‬
‫) يعقوب ويوسف وأخيه (‬
‫‪ .2‬كانت المشكلة مدار البحث حب أبيهم ليوسف وأخيه ‪ ،‬والدافع هو‬
‫الحسد وحب التمّلك ‪.‬‬
‫ل‪،‬‬ ‫ي ال ضا ّ‬
‫ن أبيهم يعقوب نب ّ‬
‫‪ .3‬كان هناك إقرار بالجماع ‪ ،‬أ ّ‬
‫وضلله واضح ل ُلبس فيه ‪.‬‬
‫صلة من الكثرة ) فهم عشرة أشّقاء كبار‬‫‪ .4‬كانوا يؤمنون بالقوة المتح ّ‬
‫مقابل اثنان صغار ( ‪.‬‬
‫‪ .5‬جمعتهم وحدة الغاية والمصلحة ‪.‬‬
‫ن َبْعِدِه‬
‫جُه َأِبيُكْم ‪َ ،‬وَتُكوُنوا ِم ْ‬
‫ل َلُكْم َو ْ‬
‫خُ‬
‫ضا ‪َ ،‬ي ْ‬
‫حوُه َأْر ً‬
‫طَر ُ‬
‫ف ‪َ ،‬أِو ا ْ‬‫س َ‬
‫) اْقُتُلوا ُيو ُ‬
‫ن )‪(9‬‬‫حي َ‬‫صاِل ِ‬
‫َقْوًما َ‬
‫‪ .1‬الطرح الول كان القتل أي حتمية الهلك ‪.‬‬
‫‪ .2‬الطرح الثاني كان النفي إلى أرض بعيدة مع احتمالية الهلك ‪.‬‬
‫ب أبيهم ‪.‬‬
‫‪ .3‬كانت الغاية الستفراد بح ّ‬
‫‪ .4‬القرار بعدم مشروعية عملهم وفساده ‪ ،‬وذلك قبل شروعهم‬
‫بالتنفيذ ‪.‬‬
‫‪ .5‬تبييت نية بالتوبة والصلح ‪ ،‬قبل ارتكاب الجريمة ‪ ،‬وهذا منطق‬
‫ب ول عبد ‪.‬‬
‫أعوج ل يقبله ر ّ‬
‫‪ .6‬إغفالهم للعناية اللهية الُمّدخرة في علم الغيب ‪ ،‬والتي تتدخل في‬
‫الوقت المناسب لتسيير المور ‪.‬‬

‫‪190‬‬
‫طُه َبْع ُ‬
‫ض‬ ‫ب ‪َ ،‬يْلَتِق ْ‬
‫ج ّ‬
‫غَياَبِة اْل ُ‬
‫ف ‪َ ،‬وَأْلُقوُه ِفي َ‬
‫س َ‬
‫ل َتْقُتُلوا ُيو ُ‬ ‫ل ِمْنُهْم ‪َ ،‬‬‫) َقالَ َقاِئ ٌ‬
‫ن )‪(10‬‬‫عِلي َ‬
‫ن ُكْنُتْم َفا ِ‬‫سّياَرِة ‪ِ ،‬إ ْ‬
‫ال ّ‬
‫‪ .1‬كان أصلحهم فاسدا ‪ ،‬حيث وافقهم على فعل المنكر مع تخفيف الضرر ‪.‬‬
‫‪ .2‬كان هناك إصرار لدى الغلبية ‪.‬‬
‫‪ .3‬كان القرار النهائي أخف الضرر ‪ :‬إلقاء يوسف في بئر مع توافر احتمالية‬
‫الهلك ‪ ،‬فيما لو لم يلتقطه أحد ‪.‬‬
‫‪ .4‬عدم الكتراث بنبوة أبيهم ‪ ،‬وما كان يتنّزل عليه من الوحي ‪.‬‬
‫‪ .5‬غفلة وعمى بصر وبصيرة واتباع للهوى ‪ ،‬فليس فيهم ذو رأي سديد ‪ ،‬ول‬
‫حتى شيطان أخرس ‪.‬‬
‫‪ .6‬جهل بعواقب المور ‪ ،‬كالثر النفسي والمعنوي البالغ ‪ ،‬على من‬
‫يطمحون بالستفراد بحبه ‪ ،‬وبالتالي عدم تحقق مرادهم ‪.‬‬
‫‪ .7‬تبييت النية للقيام بالفعل عندما تحين الفرصة ‪.‬‬
‫سْلُه َمَعَنا‬
‫ن )‪َ (11‬أرْ ِ‬ ‫حو َ‬ ‫صُ‬ ‫ف ‪َ ،‬وِإّنا َلُه َلَنا ِ‬ ‫س َ‬ ‫عَلى ُيو ُ‬ ‫ل َتْأَمّنا َ‬ ‫ك َ‬ ‫) َقاُلوا َيَأَباَنا َما َل َ‬
‫ن َتْذَهُبوا ِبِه‬ ‫حُزُنِني َأ ْ‬ ‫ل ِإّني َلَي ْ‬
‫ن )‪َ (12‬قا َ‬ ‫ظو َ‬ ‫حاِف ُ‬ ‫ب ‪َ ،‬وِإّنا َلُه َل َ‬ ‫غًدا َيْرَتْع َوَيْلَع ْ‬ ‫َ‬
‫ن َأَكَلُه الّذْئ ُ‬
‫ب‬ ‫ن )‪َ (13‬قاُلوا َلِئ ْ‬ ‫غاِفُلو َ‬
‫عْنُه َ‬ ‫ب ‪َ ،‬وَأْنُتْم َ‬ ‫ن َيْأُكَلُه الّذْئ ُ‬ ‫ف َأ ْ‬
‫خا ُ‬ ‫‪َ ،‬وَأ َ‬
‫جَمُعوا َأ ْ‬
‫ن‬ ‫ن )‪َ (14‬فَلّما َذَهُبوا ِبِه ‪َ ،‬وَأ ْ‬ ‫سُرو َ‬ ‫خا ِ‬‫صَبٌة ‪ِ ،‬إّنا ِإًذا َل َ‬‫ع ْ‬ ‫ن ُ‬‫حُ‬ ‫َوَن ْ‬
‫حْيَنا ِإَلْيِه َلُتَنّبَئّنُهْم ِبَأْمِرِهْم َهَذا َوُهْم َ‬
‫ل‬ ‫ب ‪َ ،‬وَأْو َ‬ ‫ج ّ‬ ‫غَياَبِة اْل ُ‬
‫جَعُلوُه ِفي َ‬ ‫َي ْ‬
‫ن )‪(15‬‬ ‫شُعُرو َ‬ ‫َي ْ‬
‫‪ .1‬لم يكن يعقوب في العادة يأمنهم على يوسف وأخوه ‪ ،‬لمعرفته بعدم‬
‫صلحهم ‪.‬‬
‫‪ .2‬لم ينتظروا الفرصة للتنفيذ ‪ ،‬بل سعوا إلى خلقها وإيجادها ‪ ،‬باستخدام‬
‫الحيلة والمكر والدهاء ‪.‬‬
‫‪ .3‬تجاهلوا تأكيد أبيهم لهم ‪ ،‬بأن غيبة يوسف عن وجهه ‪ ،‬ولو لفترة بسيطة‬
‫تسبب له الحزن ‪ .‬فكيف إذا كان ذلك أبديا ؟! وكانت تلك محاولة منه عليه‬
‫السلم ‪ ،‬لحياء ضمائرهم لعّلهم يرجعون ‪ ،‬ولكنهم لم يشعروا بذلك فكان‬
‫كما أخبره سبحانه ‪.‬‬

‫‪191‬‬
‫ططهم قبل التنفيذ ‪ ،‬وقد أخبرهم بما‬‫‪ .4‬كان أبوهم عليه السلم على علم بمخ ّ‬
‫ططوه مسبقا بشأن الذئب ‪ ،‬لكن ذلك لم ُيثنهم عن عزمهم ‪.‬‬ ‫كانوا قد خ ّ‬
‫‪ .5‬قرار التنفيذ اُتخذ بالجماع ‪.‬‬
‫‪ .6‬تم إخفاء النوايا الجرامية اتجاه يوسف ‪ ،‬تحت غطاء من الحرص على‬
‫ترفيهه ‪ ،‬لقناع أبيهم بالستجابة لمطلبهم ‪.‬‬
‫سفَ‬ ‫ق ‪َ ،‬وَتَرْكَنا ُيو ُ‬
‫سَتِب ُ‬
‫ن )‪َ (16‬قاُلوا َيَأَباَنا ِإّنا َذَهْبَنا َن ْ‬ ‫شاًء َيْبُكو َ‬ ‫عَ‬ ‫جاُءوا َأَباُهْم ِ‬‫) َو َ‬
‫ن )‪(17‬‬ ‫صاِدِقي َ‬‫ن َلَنا ‪َ ،‬وَلْو ُكّنا َ‬ ‫ت ِبُمْؤِم ٍ‬ ‫ب ‪َ ،‬وَما َأْن َ‬‫عَنا ‪َ ،‬فَأَكَلُه الّذْئ ُ‬‫عْنَد َمَتا ِ‬
‫ِ‬
‫صْبٌر‬
‫سُكْم َأْمًرا ‪َ ،‬ف َ‬
‫ت َلُكْم َأْنُف ُ‬
‫سّوَل ْ‬‫ل َ‬ ‫ل َب ْ‬ ‫ب ‪َ ،‬قا َ‬ ‫صِه ِبَدٍم َكِذ ٍ‬
‫عَلى َقِمي ِ‬ ‫جاُءوا َ‬ ‫َو َ‬
‫ن )‪(18‬‬ ‫صُفو َ‬ ‫عَلى َما َت ِ‬ ‫ن َ‬ ‫سَتَعا ُ‬
‫ل اْلُم ْ‬‫ل ‪َ ،‬وا ُّ‬ ‫جِمي ٌ‬‫َ‬
‫‪ .1‬الستخفاف بأبيهم واستضعافه لكبر سّنه ‪.‬‬
‫‪ .2‬التضليل واختلق وفبركة الشواهد والدلة ‪ ،‬لتبرئة أنفسهم وإدانة الذئب ‪.‬‬
‫ي ال مع علمهم بذلك ‪.‬‬ ‫‪ .3‬الجرأة في الكذب على نب ّ‬
‫‪ .4‬يقين يعقوب عليه السلم من كذبهم وتجّنيهم على الذئب ‪.‬‬
‫‪ .5‬ومما أحزنه عليه السلم ‪ ،‬هو ما كان عليه أبناءه من قلة إيمانهم ‪،‬‬
‫وعقوقهم له ‪ ،‬وظلم لخيهم ‪ ،‬وفسادهم وإفسادهم ‪ ،‬وصفات وطبائع غاية في‬
‫السوء ‪ ،‬ل تليق بالنبياء أو بأبناء أنبياء يتنّزل الوحي بين ظهرانيهم ‪ ،‬وفي‬
‫المقابل لم يملك عليه السلم إل الصبر والرجاء ‪ ،‬وطلب العون من ال‬
‫لمجابهتم ‪.‬‬
‫س ِبَما‬‫ل َتْبَتِئ ْ‬
‫ك ‪َ ،‬ف َ‬ ‫خو َ‬ ‫ل ِإّني َأَنا َأ ُ‬
‫خاُه ‪َ ،‬قا َ‬
‫ف ‪َ ،‬ءاَوى ِإَلْيِه َأ َ‬ ‫س َ‬
‫عَلى ُيو ُ‬ ‫خُلوا َ‬‫) َوَلّما َد َ‬
‫ل‪،‬‬ ‫ن َقْب ُ‬
‫خ َلُه ِم ْ‬
‫ق َأ ٌ‬
‫سَر َ‬ ‫ق ‪َ ،‬فقْد َ‬ ‫سِر ْ‬‫ن َي ْ‬‫ن )‪َ ) … (69‬قاُلوا ِإ ْ‬ ‫َكاُنوا َيْعَمُلو َ‬
‫عَلمُ‬
‫ل َأ ْ‬
‫شّر َمَكاًنا ‪َ ،‬وا ُّ‬ ‫ل ‪َ :‬أْنُتْم َ‬
‫سِه ‪َ ،‬وَلْم ُيْبِدَها َلُهْم ‪َ ،‬قا َ‬
‫ف ِفي َنْف ِ‬
‫س ُ‬‫سّرَها ُيو ُ‬ ‫َفَأ َ‬
‫ن )‪(77‬‬ ‫صُفو َ‬‫ِبَما َت ِ‬
‫بعد أن مّرت سنين على تلك الحادثة ‪ ،‬وأصبح يوسف وزيرا لمالية فرعون ‪،‬‬
‫وقِدَم أخوته إليه في مصر ‪ ،‬احتال عليهم ليأمن منهم على أخيه ‪ ،‬ويرفع عنه ما‬
‫كان قد وقع عليه من ظلم وكيد ‪.‬‬

‫‪192‬‬
‫‪ .1‬كان يوسف عليه السلم على علم ‪ ،‬بما كانوا يكيدون لخيه ‪ ،‬عن طريق‬
‫الوحي أو القياس ‪.‬‬
‫‪ .2‬عدم توبتهم عما فعلوه سابقا ‪ ،‬وبقائهم على نفس الحال ‪.‬‬
‫‪ .3‬خيانة يوسف بالغيب ‪ ،‬بعد كل هذه السنين ‪ ،‬واتهامه زورا وبهتانا بالسرقة‬
‫‪ ،‬فيوسف من عباد ال المخلصين ‪ ،‬وما كان له أن يسرق ‪.‬‬
‫‪ .4‬تأكيد يوسف على فسادهم وإفسادهم ‪ ،‬بما حّدث به نفسه ‪ ،‬حيث لم يجهر‬
‫نبي ال بقوله ) أو بحكمه عليهم ( أنهم أسوء حال ممن يسرق ‪َ ) ،‬قاَل َأْنُتْم‬
‫شَّر َمَكاًنا ( فما فعلوه معه ل ُيقارن بخطيئة السرقة ‪ ،‬التي اتهموه بها ‪،‬‬
‫عِلْمُتْم َما‬ ‫ل َلَقْد َ‬
‫والتي أقّروا بأنها أحد أشكال الفساد في الرض ) َقاُلوا َتا ِّ‬
‫ن )‪ 73‬يوسف ( ‪.‬‬ ‫ساِرِقي َ‬
‫ض َوَما ُكّنا َ‬
‫سَد ِفي الَْْر ِ‬
‫جْئَنا ِلُنْف ِ‬
‫ِ‬
‫ظيٌم )‬ ‫ن َفُهَو َك ِ‬‫حْز ِ‬‫ن اْل ُ‬‫عْيَناُه ِم َ‬‫ت َ‬ ‫ض ْ‬ ‫ف َواْبَي ّ‬‫س َ‬ ‫عَلى ُيو ُ‬ ‫سَفى َ‬ ‫ل َيَأ َ‬ ‫عْنُهْم َوَقا َ‬ ‫) َوَتَوّلى َ‬
‫ن اْلَهاِلِكي َ‬
‫ن‬ ‫ن ِم َ‬ ‫ضا َأْو َتُكو َ‬ ‫حَر ً‬ ‫ن َ‬ ‫حّتى َتُكو َ‬ ‫ف َ‬ ‫س َ‬ ‫ل َتْفَتُأ َتْذُكُر ُيو ُ‬ ‫‪َ (84‬قاُلوا َتا ِّ‬
‫ن)‬ ‫ل َتْعَلُمو َ‬
‫ل َما َ‬ ‫ن ا ِّ‬ ‫عَلُم ِم َ‬
‫ل َوَأ ْ‬‫حْزِني ِإَلى ا ِّ‬ ‫شُكو َبّثي َو ُ‬ ‫ل ِإّنَما َأ ْ‬ ‫)‪َ (85‬قا َ‬
‫ل ِإّنُه‬
‫ن رَْوحِ ا ِّ‬ ‫سوا ِم ْ‬ ‫ل َتْيَئ ُ‬
‫خيِه َو َ‬ ‫ف َوَأ ِ‬
‫س َ‬ ‫ن ُيو ُ‬‫سوا ِم ْ‬ ‫سُ‬‫حّ‬ ‫ي اْذَهُبوا َفَت َ‬ ‫‪َ (86‬يَبِن ّ‬
‫ن )‪(87‬‬ ‫ل اْلَقْوُم اْلَكاِفُرو َ‬
‫ل ِإ ّ‬
‫ح ا ِّ‬ ‫ن َرْو ِ‬ ‫س ِم ْ‬ ‫ل َيْيَئ ُ‬
‫َ‬
‫‪ .1‬عدم اكتراثهم بسوء حال يعقوب عليه السلم ‪ ،‬ومدى ما نزل به من أذى‬
‫نفسي وجسدي ‪.‬‬
‫‪ .2‬قسوة قلوبهم باستنكارهم حزن أبيهم على يوسف ‪.‬‬
‫‪ .3‬يعقوب يقطع الرجاء من أبنائه ‪ ،‬ويشكو قسوة أبنائه ‪ ،‬وضعفه وقلة حيلته‬
‫في مواجهة أفعالهم إلى ال ‪.‬‬
‫‪ .4‬لم يعترفوا لبيهم بحقيقة فعلتهم مع يوسف ‪ ،‬مع علمهم ومعرفتهم‬
‫ومعايشتهم لحال أبيهم ‪ ،‬وما وصلت إليه من سوء ‪.‬‬
‫‪ .5‬كان يعقوب على يقين من نجاة يوسف ‪ ،‬وكذب أبنائه عليه ‪.‬‬
‫هنا تتضح مفارقة عجيبة ‪ ،‬توضح الكثير من معالم الشخصية اليهودية‬
‫السرائيلية القديمة الحديثة ‪ ،‬فهم يعلمون علم اليقين ‪ ،‬أن يوسف ذهب إلى غير‬
‫رجعة ‪ ،‬وأنه ُقتل على الرجح ‪ ،‬ولم يعترفوا لبيهم بحقيقة ما فعلوا ‪ ،‬وظّلوا‬
‫مصّرين على حكاية الذئب ‪ ،‬فل ضمير يؤنبهم ‪ ،‬ول قلب يشعر مع أبيهم ‪.‬‬
‫‪193‬‬
‫وأبيهم يعلم علم اليقين من ربه ‪ ،‬أن يوسف على قيد الحياة ‪ ،‬وأنه نبي وسيكون‬
‫له شأن كبير مستقبل ‪ ،‬إذ كان عالما بتأويل رؤيا يوسف السابقة ‪ ،‬وأن أخوته‬
‫سيسجدون له لعلو منزلته ‪ ،‬وهذا ما كان ُيصّبره عليه السلم حين قال ) فصبر‬
‫جميل ( ‪ ،‬أما ما كان يؤلمه عليه السلم ‪ ،‬هو إصرار أبنائه على ما هم عليه‬
‫واستمرارهم ‪ ،‬وعدم التوبة والرجوع إلى ال ‪.‬‬
‫عَلْيُكمُ‬
‫ل َتْثِريبَ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن )‪َ (91‬قا َ‬ ‫طِئي َ‬
‫خا ِ‬ ‫ن ُكّنا َل َ‬‫عَلْيَنا َوِإ ْ‬‫ل َ‬‫ك ا ُّ‬‫ل َلَقْد َءاَثَر َ‬ ‫) َقاُلوا َتا ِّ‬
‫ل َيَأَبتِ َهَذا َتْأِويلُ‬‫ن )‪َ ) … (92‬وَقا َ‬ ‫حِمي َ‬ ‫حُم الّرا ِ‬ ‫ل َلُكْم َوُهَو َأْر َ‬ ‫اْلَيْوَم َيْغِفُر ا ُّ‬
‫جِ‬
‫ن‬ ‫سْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫جِني ِم َ‬‫خَر َ‬‫ن ِبي ِإْذ َأ ْ‬ ‫سَ‬‫حَ‬‫حّقا َوَقْد َأ ْ‬‫جَعَلَها َرّبي َ‬ ‫ل َقْد َ‬ ‫ن َقْب ُ‬‫ي ِم ْ‬ ‫ُرْؤَيا َ‬
‫ن َرّبي‬ ‫خَوِتي ِإ ّ‬
‫ن ِإ ْ‬
‫ن َبْيِني َوَبْي َ‬
‫طا ُ‬
‫شْي َ‬‫غ ال ّ‬ ‫ن َنَز َ‬‫ن َبْعِد َأ ْ‬ ‫ن اْلَبْدِو ِم ْ‬‫جاَء ِبُكْم ِم َ‬ ‫َو َ‬
‫ن َأْنَباِء اْلَغْي ِ‬
‫ب‬ ‫ك ِم ْ‬‫حِكيُم )‪َ ) … (100‬ذِل َ‬ ‫شاُء ِإّنُه ُهَو اْلَعِليُم اْل َ‬ ‫ف ِلَما َي َ‬ ‫طي ٌ‬ ‫َل ِ‬
‫ن )‪َ (102‬وَما‬ ‫جَمُعوا َأْمَرُهْم َوُهْم َيْمُكُرو َ‬ ‫ت َلَدْيِهْم ِإْذ َأ ْ‬
‫ك َوَما ُكْن َ‬ ‫حيِه ِإَلْي َ‬‫ُنو ِ‬
‫ن )‪(103‬‬ ‫ت ِبُمْؤِمِني َ‬ ‫ص َ‬ ‫حَر ْ‬ ‫س َوَلْو َ‬ ‫َأْكَثُر الّنا ِ‬
‫‪ .1‬هنا يتضح خلق النبياء وأدبهم ‪ ،‬في يوسف عليه السلم ‪ ،‬حيث قاب َ‬
‫ل‬
‫السيئة بالحسنة ‪ ،‬ونسب خطيئة أخوته إلى الشيطان ‪.‬‬
‫‪ .2‬معطيات المعادلة كانت ‪ :‬جمع واجتماع في الخفاء ‪ +‬قرار بالجماع ‪+‬‬
‫تنفيذ بمكر ودهاء = مؤامرة ‪.‬‬
‫‪ .3‬أخوة يوسف لم يكونوا أنبياء بأي حال من الحوال ‪.‬‬
‫انظر إلى اليتين )‪ (103-102‬التي جاءت تعقيبا على قصة يوسف عليه السلم‬
‫وأخوته ‪ ،‬لتقول أن هذا هو حال نبي ال يوسف مع أخوته ‪ ،‬وحال نبي ال‬
‫يعقوب مع أبنائه ‪ ،‬الذين لم يكونوا على القل مؤمنين بنبوة أبيهم ‪ ،‬إن لم يكونوا‬
‫أصل غير مؤمنين بال ‪ ،‬فما بالك في عدم إيمان قومك بنبوتك ودعوتك ‪ ،‬وهم‬
‫ليسوا بأبنائك ‪ ،‬فل تكن شديد الحرص ‪ ،‬على من ل أمل في هدايته بعدما أضّله‬
‫ع الناس ‪ ،‬وفّوض أمر هدايتهم ل ‪ ،‬كما فّوض يعقوب ويوسف‬ ‫ال ‪ ،‬ولكن ُأد ُ‬
‫عليهما السلم ‪ ،‬أمرهما إلى ال فيما كان من شأن أبنائه ‪ .‬أما من يستنكر فكرة‬
‫أنهم غير أنبياء ‪ ،‬وال أعلم بحالهم ‪ ،‬فليرجع إلى القرآن وليقرأ قصة نوح عليه‬
‫السلم مع ابنه ‪ ،‬وقصة إبراهيم عليه السلم مع أبيه ‪ ،‬وقصة أبو لهب عم‬
‫رسول ال عليه الصلة والسلم ‪ ،‬ولحظ أنه سبحانه نسبهم بالخوة إلى يوسف‬

‫‪194‬‬
‫عليه السلم ‪ ،‬في قوله ‪ ) :‬لقد كان في يوسف وأخوته آيات للسائلين ( ‪ ،‬ولم‬
‫ينسبهم إلى يعقوب عليه السلم ‪ ،‬مع أنهم أبنائه ‪.‬‬
‫ما تقّدم من أمر أخوة يوسف عليه السلم ‪ ،‬ليس بحاجة لزيادة أو توضيح أو‬
‫تعليق ‪ ،‬فهذا ما جاء به القرآن الكريم ‪ ،‬وكان هذا أول فسادهم وإفسادهم في‬
‫جها ضد أخيهم وأبيهم ‪ .‬ومنذ ذلك اليوم ‪ ،‬احترف بنو‬ ‫الرض ‪ ،‬الذي كان مو ّ‬
‫إسرائيل فنون التآمر ‪ ،‬ومارسوه أول فيما بينهم ‪ ،‬منذ نشأتهم وحتى نهاية‬
‫مملكتهم الولى في فلسطين ‪ .‬وبعد السبي البابلي ‪ ،‬وشتاتهم في شتى بقاع‬
‫الرض ‪ ،‬أصبح بعضا من تآمرهم ‪ُ ،‬يحاك ضد الشعوب التي يقيمون فيما بينها‬
‫‪ .‬وكان تطّلعهم دائما وأبدا إلى الملك والقوة والغنى والفضلية ‪ ،‬وكانت غايتهم‬
‫على الدوام ‪ ،‬جمع المال بطرق غير مشروعة ‪ ،‬من ربا ونصب واحتيال ‪،‬‬
‫والتقرب من أصحاب السلطة والنفوذ بالغواء والغراء ‪ ،‬للتلعب بهم‬
‫وتحريكهم من وراء الستار ‪ ،‬ليقاع الفتن والحروب بين الشعوب ‪ ،‬لضمان‬
‫ططون في‬ ‫السيطرة لتلبية مصالحهم واحتياجاتهم ‪ ،‬ولذلك تجدهم يجتمعون وُيخ ّ‬
‫السر والعلن ‪ ،‬ويعملون باستمرار بل كلل أو ملل ‪ ،‬وتاريخهم قديما وحديثا‬
‫غني بالمثلة والشواهد ‪.‬‬
‫اليهود والُملك المادي‬

‫ملك يوسف عليه السلم ‪:‬‬


‫كانت نشأة بني إسرائيل كقبيلة بدوية ‪ ،‬تعيش ضمن قبائل البدو ‪ ،‬في صحراء‬
‫النقب ‪ ،‬وكان أول عهد لهم بالُملك ‪ ،‬في زمن يوسف عليه السلم ‪ ،‬تحت التاج‬
‫الفرعوني في مصر ‪ ،‬حيث وّفر لهم اُلملك آنذاك حياة هانئة رغيدة ‪ ،‬وأزال‬
‫عنهم بؤس وشقاء حياة البدواة ‪ ،‬ولما زال ملك يوسف عليه السلم بوفاته ‪،‬‬
‫انقلب حالهم رأسا على عقب ‪ ،‬فقاسوا شتى أنواع العذاب والمهانة ‪ ،‬ومنذ ذلك‬
‫خت لديهم قناعة بأن الملك والغنى يعني السعادة ‪ ،‬وزوالهما يعني‬
‫اليوم ترس ّ‬
‫الشقاء ‪.‬‬
‫رفض نبوة موسى عليه السلم ‪:‬‬
‫وعندما بعث سبحانه لهم موسى عليه السلم ‪ ،‬لم يستجيبوا له ‪ ،‬فهم ل ينتظرون‬
‫من يدعوهم إلى ال ‪ ،‬ول يؤمنون بما هو غيبي وغير محسوس ‪ ،‬دين فيه إله‬
‫‪195‬‬
‫غير مرئي ‪ ،‬يمنح جنة غير مرئية ‪ ،‬والحصول عليها مشروط بالصلح‬
‫والصلح ‪ ،‬بعد عمر طويل ‪ ،‬وبعد موت وبعث وحساب ‪ ،‬وإنما يؤمنون بمن‬
‫يمنحهم ‪ ،‬ملكا مجانيا دنيويا ماديا ‪ ،‬عاجل ل آجل ‪ ،‬يكون في متناول اليد ‪ ،‬بل‬
‫جهد أو عناء منهم لتحصيله ‪ ،‬ول مانع لديهم بعد ذلك ‪ ،‬أن يكون لهم إله ‪،‬‬
‫بشرط أن يكون محسوسا ‪ ،‬ويوافق أهوائهم ‪ ،‬كالعجل الذهبي الذي صنعه لهم‬
‫السامري ‪ ،‬فسارعوا لعبادته ‪ ،‬لذلك عانى منهم عليه السلم ما عاناه ‪ ،‬في‬
‫رحلته معهم من مصر ‪ ،‬إلى الرض المقّدسة ‪.‬‬
‫طلب الُملك بدعوى الرغبة في القتال ‪:‬‬
‫وبعد موته عليه السلم ‪ ،‬وبعد انقضاء سنوات التحريم الربعين ‪ ،‬لم يطلبوا من‬
‫نبيهم قيادتهم للقتال ‪ ،‬لدخول الرض المقدسة ‪ ،‬وإنما طلبوا منه أن يبعث ال‬
‫لهم َمِلكا ‪ ،‬وذلك طمعا في الُمْلك ‪ ،‬وليس للقتال في سبيل ال كما زعموا ‪ ،‬إذ‬
‫ن ال‬‫أنهم بعد أن ُكتب عليهم القتال ‪ ،‬تولوا إل قليل منهم ‪ ،‬وبالرغم من ذلك م ّ‬
‫عليهم بالملك ‪ ،‬فكانت مملكتهم الولى في الرض المقدسة ‪ ،‬بقيادة داود‬
‫وسليمان ‪ ،‬الذين لم يكن لبني إسرائيل معهما حول ول قوة ‪ ،‬إذ لم يستطع‬
‫مترفوهم وفسقتهم ‪ ،‬من الوصول والتغلغل والتدخل في شؤون الحكم ‪ ،‬لجتماع‬
‫الملك والنبوة فيهما عليهما السلم ‪ ،‬بل لعنهم داود آنذاك ‪ ،‬كما لعنهم عيسى‬
‫عليه السلم من بعد ‪.‬‬
‫ُملكًا ل نبوة فيه ‪:‬‬
‫وبعد أن توّفى ال سليمان ‪ ،‬وخرجت النبوة من الملك ‪ ،‬كان لهم ما أرادوا –‬
‫ل – فأفسدوا فيها أّيما إفساد ‪ ،‬فوقع منهم القتل‬
‫امتحانا لهم وابتلء منه عّز وج ّ‬
‫في النبياء والصالحين والمستضعفين ‪ ،‬وإخراج بني جلدتهم من أرضهم ‪،‬‬
‫وسلب ونهب ممتلكاتهم ‪ ،‬وعصيان أوامر ال ‪ ،‬والعتداء على حدوده ‪،‬‬
‫بمخالفتهم الوصايا العشر برمتها ‪ ،‬بما فيها الشرك بال باتخاذ الصنام‬
‫والشياطين والملئكة ‪ ،‬أولياء من دونه ‪ ،‬فأزال ال عنهم الُملك عقابا لهم ‪ ،‬على‬
‫يد نبوخذ نصر البابلي وجيوشه ‪ ،‬وكان فيهم السبي والخراج من الرض‬
‫المقّدسة ‪ ،‬لقسم كبير منهم ‪ ،‬ومع علمهم بفسادهم وعقاب ال لهم ببعث البابليين‬
‫عليهم ‪ ،‬إل أنهم عاتبون وغاضبون على ال ‪ ،‬لنه أخطأ في حقهم ‪ -‬حسب‬
‫اعتقادهم – بإنزال عقاب أولى الفسادتين فيهم ‪ ،‬ويعتبرون وعده لهم‬
‫‪196‬‬
‫برجوعهم من الشتات للفساد الثاني ‪ ،‬هو تصحيح للخطأ الول ‪ .‬بالضافة إلى‬
‫ذلك تجدهم ‪ ،‬يصّبون جام غضبهم على بابل والبابليين ‪ ،‬وكأن بعث البابليين‬
‫على شعب ال المختار ‪ ،‬كان من تلقاء أنفسهم ‪ ،‬ودون وجه حق ‪ ،‬ولم يكن هذا‬
‫جانا ‪،‬‬
‫البعث من قبله سبحانه ‪ .‬فقد جاء في سفر إشعياء " ‪ :3 :52‬قد تّم بيعكم م ّ‬
‫جانا من غير فضة ُتفَدْون ) أي ُيعادون إلى فلسطين ( ‪ ،‬قد نزل شعبي أول‬ ‫وم ّ‬
‫إلى مصر ليتغّرب هناك ‪ ،‬ثم جار عليه الشوريون بل سبب " ‪.‬‬
‫عيسى عليه السلم لم يوافق أهواءهم ‪:‬‬
‫ومع بقاء بعضهم في الرض المقدسة ‪ ،‬من الذين كانوا قد أخرجوا من المملكة‬
‫من المستضعفين ‪ ،‬وعودة بعض المسبيين من بابل ‪ ،‬بعد مدة من الزمن ‪ ،‬حيث‬
‫لم يكن لهم فيها من أمرهم شيئا ‪ ،‬كانت أعينهم تتطلع إلى الُملك من جديد ‪،‬‬
‫حيث كانوا يظّنون أن علوهم الثاني ‪ ،‬سيكون بعد عودتهم من بابل مباشرة ‪ ،‬إذ‬
‫كانت لديهم عدة نبوءات ‪ ،‬الولى بعيسى عليه السلم الذي سُيبعث من جبال‬
‫ساعير ) القدس ( ‪ ،‬فانتظروه ليقيم لهم ملكهم الثاني ‪ ،‬وفي فترة انتظارهم ‪،‬‬
‫تناوب على حكمهم عدة شعوب ‪ ،‬إلى أن ُبعث عيسى في زمن الحكم الروماني‬
‫لفلسطين ‪ ،‬فدعاهم للعودة إلى ال والمحبة والسلم والتواضع ‪ ،‬وعندما تيقنوا‬
‫أنه ليس من طلب الملك على اليهود ‪ ،‬بالرغم من توافق صفته مع ما جاءت‬
‫ضوا الرومان‬
‫به التوراة ‪ ،‬حاربوه وعادوه وكادوا له ‪ ،‬وتآمروا عليه وحر ّ‬
‫الوثنيون على قتله وصلبه ‪.‬‬
‫وملك البّر لم يوافق أهواءهم ‪:‬‬
‫وقبل بعث عيسى وبعده ‪ ،‬تعّرضوا للكثير من الذل والهوان ‪ ،‬من الشعوب التي‬
‫حكمتهم ‪ ،‬في كل مرة قاموا فيها ‪ ،‬بالتمرد والعصيان للستقلل وإقامة الملك ‪،‬‬
‫وكان آخرها على يد ) هدريان ( الروماني ‪ ،‬الذي أخرجهم منها بشكل نهائي ‪،‬‬
‫ففّرق ال شملهم في شتى بقاع الرض ‪ ،‬فاتجه قسم كبير منهم إلى الجزيرة‬
‫العربية ‪ ،‬وسكنوا بالقرب من المدينة المنورة ‪ ،‬مكان هجرة الرسول عليه‬
‫الصلة والسلم ‪ ،‬صاحب النبوءة الثانية لديهم ‪ ،‬ملك البّر ‪ ،‬الذي سُيبعث من‬
‫جبال فاران ) مكة ( ‪ ،‬ويكون له ولخلفائه ملكا ‪ ،‬يشمل مشارق الرض‬
‫ومغاربها ‪.‬‬

‫‪197‬‬
‫وكان اليهود يترّقبون أخباره ‪ ،‬ويحسبون لزمان مولده ومبعثه ‪ ،‬مع كرههم‬
‫وعدائهم المسبق له ‪ ،‬كونه من ولد إسماعيل وليس منهم ‪ ،‬وعندما ُبعث عليه‬
‫السلم ‪ ،‬عاينوا صفته ‪ ،‬وامتحنوه بأسئلتهم بما علموا وما لم يعلموا ‪ ،‬ولما‬
‫تبّينوا صدق نبوته ‪ ،‬حاولوا استمالته لجانبهم بالغواء والغراء ‪ ،‬مستغلين‬
‫رغبته عليه السلم في اتباعهم له ‪ ،‬كونهم أهل كتاب ‪ ،‬وهم القرب لتصديقه‬
‫ومؤازرته ومناصرته ‪ ،‬وكان مرادهم منه ‪ ،‬هو اتباع ملتهم لتحقيق رغباتهم‬
‫وأهوائهم ‪ ،‬لخراجه من الجزيرة إلى فلسطين ‪ ،‬لقامة ملكه عليهم هناك ‪،‬‬
‫ففضحهم رب العزة ‪ ،‬وحّذر رسوله الكريم من الوقوع في حبائلهم وشراكهم ‪،‬‬
‫ولّما تيّقنوا من عدم رضوخه لهم ‪ ،‬أنكروا نبوته وناصروا المشركين عليه ‪،‬‬
‫وكادوا له بكل ما ُأتوا من مكر ودهاء وحيلة ‪ ،‬فآذوه وآذوا أصحابه ‪ ،‬ولم‬
‫خروا في ذلك جهدا ‪ ،‬وحاولوا فتنته وقتله عدة مّرات ‪ ،‬إلى أن تّم جلئهم‬ ‫يد ّ‬
‫وإخراجهم من جزيرة العرب ‪.‬‬
‫البحث عن الُملك القاروني ‪ ،‬وانتظار الَملك الله ‪ ،‬على النمط الفرعوني آخر‬
‫الزمان ‪:‬‬
‫ومع ظهور السلم ‪ ،‬ومعرفتهم بما سيكون من أمره ‪ ،‬من سرعة انتشاره ‪،‬‬
‫واتساع دولته لتشمل مناطق شاسعة من العالم ‪ ،‬ومن ضمنها سيطرته على‬
‫الرض المقّدسة ‪ ،‬تلشت أحلمهم في عودتهم إليها ‪ ،‬لقامة ملكهم الممي‬
‫الثاني فيها على المستوى الفرعوني ‪ ،‬فتخّلوا عن ذلك الطموح مؤقتا ‪ ،‬وشرعوا‬
‫في تحقيق الملك الفردي على المستوى القاروني ‪ ،‬بجمع المال بالطرق‬
‫المشروعة وغير المشروعة ‪ ،‬من ربا واحتيال وسرقة والتهريب وتجارة‬
‫الرقيق والدعارة ‪ ،‬والتمتع بزينة الحياة الدنيا من جّراء هذا الكسب ‪ ،‬واستمروا‬
‫على تلك الحال ‪ ،‬إلى أن تمكّنوا من إقامة دولتهم الحالية في فلسطين ‪،‬‬
‫منتظرين حكم العالم أجمع ‪ ،‬من خلل النبوءة الخيرة ‪ ،‬بالذي يأتي من ربوات‬
‫القدس ) مسيحهم المنتظر ( ‪.‬‬
‫وبعد ذلك اتجه أغلبهم إلى الشمال ‪ ،‬وتفرقوا في البلد العربية الخرى ‪،‬‬
‫فتواجدوا في العراق وبلد الشام ومصر والندلس ‪ ،‬وبالرغم من تعامل‬
‫السلم السمح مع أهل الكتاب ‪ ،‬إل أنهم كانوا مقّيدين ‪ ،‬بما وضعه السلم من‬
‫قيود ‪ ،‬على أهوائهم ومطامعهم المادية ‪ ،‬ووجود القرآن عدوهم اللدود وثيقة‬
‫أبدية ‪ ،‬تكشف طبائعهم وحقيقة نواياهم وتحذر منهم ‪ .‬ولكي يستطيع أحدهم من‬
‫‪198‬‬
‫العيش في ظل الحكم السلمي ‪ ،‬كان يعمد إلى إظهار إسلمه وإخفاء‬
‫يهوديته ‪ ،‬أو أن ُيرغم نفسه كارها على التخلي ‪ ،‬عن طبائعه وأهوائه في الفساد‬
‫والفساد ‪ ،‬وهذا مما ل يوافق طبعهم ‪ ،‬ول ما يأمرهم به تلمودهم ‪ ،‬ولذلك آثر‬
‫الكثير منهم الهجرة ‪ ،‬من كل البلد ‪ ،‬التي كانت تخضع للحكم السلمي تباعا ‪،‬‬
‫على مّر العصور ‪ ،‬ومن ثم استقر بهم المقام في القارة الوروبية ‪ ،‬حيث‬
‫وجدوا فيها متنفسا في البداية ‪ ،‬لجهل الوربيين بطبيعتهم البشعة ‪.‬‬
‫الضطهاد الوروبي لليهود ‪ ،‬وفشلهم في تحصيل الُملك القاروني ‪:‬‬
‫وعندما تبين للوربيين مع مرور الوقت ‪ ،‬أن الكثير من المشاكل والمصائب‬
‫والكوارث الجتماعية والقتصادية ‪ ،‬من فقر ومجاعات وانهيارات اقتصادية ‪،‬‬
‫وانتشار للفساد والرذيلة ‪ ،‬كان سببه اليهود ‪ ،‬وضعوا الكثير من الحلول‬
‫لمواجهة مشكلتهم ‪ ،‬مثل سن القوانين التي تقيد حركتهم وتعاملتهم ‪ ،‬فلم تكن‬
‫تجدي نفعا ‪ ،‬مع ما يملكون من مكر ودهاء ‪ .‬وتم عزلهم في أحياء سكنية‬
‫خاصة بهم ‪ ،‬فلم يجدي ذلك نفعا ‪ ،‬فكان ل بد من الحل الخير ‪ ،‬وهو طردهم‬
‫ونفيهم ‪ ،‬من معظم بلدان أوروبا الغربية ‪ ،‬وكان رجالت الكنيسة آنذاك ‪،‬‬
‫يعملون كمستشارين للملوك في العصور الوسطى ‪ ،‬وكانوا يؤيدون تلك‬
‫الجراءات ضد اليهود ‪ ،‬لتحريم المسيحية للزنا والربا ‪ ،‬بالضافة إلى ما‬
‫اكتشف من تجديف على المسيح والدته ‪ ،‬وكره وبغض وعداء للمسيحيين ‪ ،‬في‬
‫تلمودهم السري ‪ ،‬الذي جلب لهم المذابح الجماعية في بعض البلدان الوربية ‪،‬‬
‫كإسبانيا والبرتغال ‪ ،‬وفي النهاية تم طردهم بالتعاقب وعلى فترات متباعدة ‪،‬‬
‫من فرنسا وسكسونيا وهنغاريا ‪ ،‬وبلجيكا وسلوفاكيا والنمسا ‪ ،‬وهولندا وإسبانيا‬
‫وليتوانيا ‪ ،‬والبرتغال وإيطاليا وألمانيا ‪ ،‬بدءا من عام ‪1253‬م وحتى عام‬
‫‪1551‬م ‪ ،‬فاضطر اليهود للهجرة ‪ ،‬إلى روسيا وأوروبا الشرقية‬
‫والمبراطورية العثمانية ‪.‬‬
‫إذن ل بّد من التآمر ‪:‬‬
‫آنذاك أصبح لليهود كشعب مشتت هّما مشتركا ‪ ،‬من جّراء الضطهاد‬
‫والتعذيب والطرد ‪ ،‬من قبل الوروبيين ‪ .‬وأبواب الجّنة الوربية قد أغلقت من‬
‫دونهم ‪ ،‬حيث بدأ هناك بعد رحيل أغلب اليهود ‪ ،‬ما ُيسمى بالنهضة‬
‫الوروبية ‪ ،‬فحيل بينهم وبين تحقيق أحلمهم ‪ ،‬سواء على مستوى الملك‬
‫‪199‬‬
‫الممي ‪ ،‬أو مستوى الملك الفردي ‪ ،‬وهذا ما ل يستطيعون احتماله أو تقّبله ‪،‬‬
‫وهذه الجواء تذّكرنا بأجواء المؤامرة الولى في تاريخهم ‪ ،‬حيث واجه أخوة‬
‫يوسف هّما مشتركا ‪ ،‬تمّثل في شعورهم بالدونية ‪ ،‬بالمقارنة مع يوسف وأخيه ‪،‬‬
‫وكان دافعهم الحسد ‪ ،‬فاجتمعوا سرا وتآمروا ‪ ،‬وأجمعوا فنّفذوا ‪.‬‬
‫ويحضرني في هذا المقام قول لبن القيم ‪ ،‬إذ يقول في كتاب الفوائد أن أصول‬
‫المعاصي ‪ ،‬ثلثة ‪ :‬الكبر والحرص والحسد ‪ ،‬فالكبر جعل إبليس يفسق عن أمر‬
‫ي آدم يقتل أخاه ‪،‬‬ ‫ربه ‪ ،‬والحرص أخرج آدم من الجنة ‪ ،‬والحسد جعل أحد ابن ّ‬
‫وبعد التدبر في هذا القول ‪ ،‬ستجد أن الطريق إلى الوقوع في المعصية ‪ ،‬هو‬
‫الوقوع فريسة للمقارنة والمفاضلة ‪ ،‬من خلل العتماد على الحواس فقط ‪،‬‬
‫وبتغييب العقل والفؤاد ‪ ،‬وبالتالي فقدان القدرة على الستبصار ‪ ،‬والحكم على‬
‫المور ‪ ،‬وقد نهى سبحانه في مواضع كثيرة من القرآن ‪ ،‬عن المقارنة‬
‫والمفاضلة ‪ ،‬وحسم المر بأن الفضل من لدنه ‪ ،‬يؤتيه من يشاء من عباده ‪ ،‬أما‬
‫اليهود وبعد إطلعي على ما جاء في توراتهم وتلمودهم ‪ ،‬فإنهم جمعوا فيها‬
‫أصول المعاصي كلها ‪ ،‬فالكبر جعلهم أفضل الناس على الطلق ‪ ،‬والحرص‬
‫ضلون الدنيا على الخرة ‪ ،‬والحسد جعلهم يستبيحون ممتلكات‬ ‫جعلهم يف ّ‬
‫الخرين ويستحّلونها لنفسهم ‪.‬‬
‫) لوثر ( بإصلحاته الكنسية في القرن السادس عشر ‪ُ ،‬يمّكن اليهود من احتلل‬
‫أوروبا اقتصاديا ‪:‬‬
‫وعندما تم تدمير السلطة الكنسية ‪ ،‬التي قام بها الصلحيون في أوروبا ) بفعل‬
‫ضّمت التوراة إلى النجيل في كتب النصارى المقدسة ‪،‬‬ ‫اليهود أنفسهم ( ‪ ،‬و ُ‬
‫وجد اليهود بعض القبول في الدول الوروبية ‪ ،‬فعادوا إليها شيئا فشيئا ‪،‬‬
‫ونتيجة للضطهاد والطرد الجماعي ‪ ،‬الذي تعرض له اليهود في هذه الدول‬
‫فيما مضى ‪ ،‬وهم شعب ال المختار ‪ ،‬أجمع قارونات المال اليهود ‪ ،‬وبدءوا‬
‫يعقدون اجتماعاتهم السرية ‪ ،‬في نهايات القرن الثامن عشر ) قبل أكثر من‬
‫مائتي سنة ( ‪ ،‬للنتقام وتجنب ذلك المصير المرعب مرة أخرى ‪ .‬وبوجود‬
‫المال اليهودي ‪ ،‬تشكل لديهم مخططا شيطانيا ‪ ،‬للسيطرة على العالم كله وحكمه‬
‫‪ ،‬فوضعوا مخططا مبدئيا ‪ ،‬كان موجها في الدرجة الولى ‪ ،‬ضد ملوك أوروبا‬
‫ورجالت الدين المسيحي ‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫أكبر وأخطر مؤامرة في تاريخ اليهود‬

‫المخطط في أطواره الولى ‪:‬‬


‫ويتلخص مخططهم المبدئي ‪ ،‬مما ُكشف من محاضر اجتماعاتهم ‪ ،‬في كتاب‬
‫) أحجار على رقعة الشطرنج ( لمؤلفه ) وليام كار ( ضابط الستخبارات في‬
‫البحرية الكندية ‪ ،‬بما يلي ‪:‬‬
‫الهدف العام ‪ :‬تأليه المادة ونشر المذاهب اللحادية ‪ ،‬لتمهيد سيطرة اليهود على‬
‫العالم ‪ ،‬ومن ثم تتويج أنفسهم ملوكا وأسيادا على الشعوب ‪ ) .‬ونتيجة لذلك برز‬
‫الكثيرين من الُمفّكرين اليهود كفرويد وماركس وغيرهم ‪ ،‬ومن غير اليهود من‬
‫المأجورين كداروين وغيره ‪ ،‬حيث بدأت الطروحات والنظريات اللحادية‬
‫ل ‪ ،‬فظهرت الشيوعية ) ل إله ( والرأسمالية ) المال‬ ‫المنكرة لوجود ال عّز وج ّ‬
‫هو الله ( لذلك وضع الصيارفة اليهود عبارة ) ‪ ( In God we Trust‬على‬
‫الدولر المريكي ‪ ،‬وليس على الصفحة الولى من كتابهم المقّدس ‪ ،‬وظهرت‬
‫الشتراكية التي جمعت ما بين المبدأين من حيث الكفر ( ‪.‬‬
‫فلسفة المخطط ‪ :‬يتم تقسيم الشعوب ‪ ،‬إلى معسكرات متنابذة ‪ ،‬تتصارع إلى‬
‫البد ‪ ،‬دونما توقف ‪ ،‬حول عدد من المشاكل ‪ ،‬اقتصادية وسياسية واجتماعية‬
‫وعرقية وغيرها ‪ ،‬ومن ثم يتم تسليح هذه المعسكرات ‪ ،‬ثم يجري تدبير حادث‬
‫طم‬
‫ما ) فتنة ( ‪ ،‬تتسبب في إشعال الحروب بين هذه المعسكرات ‪ ،‬لُتْنِهك وتح ّ‬
‫بعضها بعضا ‪ ،‬وبالتالي تتساقط الحكومات الوطنية والمؤسسات الدينية تباعا ‪.‬‬
‫برنامج العمل ‪:‬‬
‫‪ .1‬السيطرة على رجالت الحكم ‪ ،‬على مختلف المستويات والمسؤوليات ‪،‬‬
‫بالغواء المالي ) الرشوة ( والغراء الجنسي ‪ ،‬وعند وقوعهم ‪ ،‬يتم‬
‫استغللهم لغايات تنفيذ المخطط ‪ ،‬وعند تفكير أي منهم بالنسحاب ‪ ،‬يتم‬
‫تهديده بالنطفاء السياسي أو الخراب المالي ‪ ،‬أو تعريضه لفضيحة عامة‬
‫كبرى تقضي على مستقبله ‪ ،‬أو تعريضه لليذاء الجسدي أو بالتخلص منه‬
‫بالقتل ‪.‬‬
‫‪ .2‬دفع معتنقي المذهب اللحادي المادي ‪ ،‬للعمل كأساتذة والجامعات‬
‫والمعاهد العلمية وكمفكرين ‪ ،‬لترويج فكرة الممية العالمية بين الطلب‬
‫‪201‬‬
‫المتفوقين ‪ ،‬لقامة حكومة عالمية واحدة ‪ ،‬وإقناعهم أن الشخاص ذوي‬
‫المواهب والملكات العقلية الخاصة ‪ ،‬لهم الحق في السيطرة على من هم أقل‬
‫منهم كفاءًة وذكاًء ) وذلك كغطاء لجرهم لعتناق المذهب اللحادي ( ‪.‬‬
‫‪ .3‬يتم استخدام الساسة والطلب ) من غير اليهود ( ‪ ،‬الذين اعتنقوا هذا‬
‫المذهب ‪ ،‬كعملء خلف الستار ‪ ،‬بعد إحللهم لدى جميع الحكومات ‪ ،‬بصفة‬
‫خبراء أو اختصاصيين ‪ ،‬لدفع كبار رجال الدولة ‪ ،‬إلى نهج سياسات ‪ ،‬من‬
‫شأنها في المدى البعيد ‪ ،‬خدمة المخططات السرية لليهود ‪ ،‬والتوصل إلى‬
‫التدمير النهائي ‪ ،‬لجميع الديان والحكومات ‪ ،‬التي يعملون لجلها ‪.‬‬
‫‪ .4‬السيطرة على الصحافة وكل وسائل العلم ‪ ،‬لترويج الخبار‬
‫والمعلومات التي تخدم مصالح اليهود ‪ ،‬وتساهم في تحقيق هدفها النهائي ‪.‬‬
‫أما القائمون على المؤامرة ‪ ،‬فهم مجموعة كبيرة منظمة من جنود إبليس ‪ ،‬تضم‬
‫حفنة من كبار أثرياء اليهود في العالم ‪ ،‬بالضافة إلى حفنة من كبار حاخامات‬
‫الشرق والغرب ‪ ،‬ومن السماء التي أطلقها عليهم الباحثون في مؤلفاتهم ‪،‬‬
‫جماعة النورانيون ‪ ،‬وحكومة العالم الخفية ‪ ،‬واليهود العالمّيون ‪ ،‬يعملون في‬
‫الخفاء ‪ .‬هدفهم حكم العالم اقتصاديا ‪ ،‬ومن ثم سياسيا ‪ ،‬عن طريق تدمير‬
‫الخلق والديان ‪ ،‬وإشعال الحروب القليمية والعالمية ‪ ،‬وهم وراء كل‬
‫جريمة ‪ ،‬ويسيطرون على كثير من المنظمات السرية والعلنية ‪ ،‬اليهودية وغير‬
‫اليهودية ‪ ،‬تحت مسميات عديدة ‪ ،‬ولهم عملء ذوي مراكز رفيعة ومرموقة ‪،‬‬
‫في معظم الحكومات الوطنية لدول العالم ‪ ،‬من الذين باعوا شعوبهم وأوطانهم‬
‫بأبخس الثمان ‪ ،‬وتمّيزوا بولئهم المطلق للمؤامرة وأصحابها ‪ ،‬وفيما يلي‬
‫سنعرض أهدافهم وسياساتهم ‪.‬‬
‫بروتوكولت حكماء صهيون‬
‫يقول ) ويليام كار ( أن هذه البروتوكولت ‪ ،‬عرضها ) ماير روتشيلد ( أحد‬
‫كبار أثرياء اليهود ‪ ،‬أمام اثني عشر من كبار أثرياء اليهود الغربيون ‪ ،‬في‬
‫فرانكفورت بألمانيا عام ‪1773‬م ‪ ،‬أما كشفها فقد تم بالصدفة عام ‪1784‬م في‬
‫ألمانيا نفسها ‪ ،‬حيث أرسلت نسخ منها إلى كبار رجال الدولة والكنيسة ‪ ،‬وتم‬
‫محاربتها ‪ ،‬ومحاربة كل رموزها الظاهرة في ألمانيا آنذاك ‪ .‬ولذلك انتقلت إلى‬
‫السرية التامة ‪ ،‬وسارع معظم يهود العالم إلى التنصل منها ‪ ،‬واستطاعوا بما‬
‫‪202‬‬
‫لديهم من نفوذ ‪ ،‬من إرغام الناس والحكومات على تجاهلها ‪ ،‬ومنذ ذلك اليوم‬
‫الذي ُكشفت فيه ‪ ،‬وحتى منتصف القرن الماضي ‪ ،‬والكّتاب والباحثون‬
‫الغربيون يتناولونها بالبحث والتقصي ‪ ،‬ويؤكدون مطابقة ما جاء فيها ‪ ،‬مع ما‬
‫جرى ويجري على أرض الواقع ‪ ،‬ويحّذرون حكوماتهم من الخطر اليهودي‬
‫المحّدق بأممهم ‪ ،‬ولكن ل حياة لمن تنادي ‪ ،‬في حكومات تغلغل فيها اليهود ‪،‬‬
‫كما تتغلغل بكتيريا التسوس في السنان ‪ ،‬ومعظم الكتب التي حّذرت ‪ -‬وما‬
‫زالت ‪ -‬من الخطر اليهودي ‪ ،‬كان مصيرها الختفاء من السواق ‪ ،‬أو اللقاء‬
‫في زوايا النسيان والهمال ‪.‬‬
‫أما من ُيفّكر اليوم بمناهضة اليهود ومعاداتهم في الغرب ‪ ،‬فقد ثكلته أمه ‪ ،‬فخذ‬
‫) هايدر ( مثل ‪ ،‬زعيم أحد الحزاب النمساوية ‪ ،‬الذي أطلق يوما عبارات‬
‫مناهضة لليهود ‪ ،‬عندما فاز حزبه ديموقراطيا ‪ ،‬بأغلبية في مقاعد البرلمان ‪،‬‬
‫جة إعلمية كبرى ‪ ،‬في إسرائيل ‪ ،‬أمريكا ‪ ،‬بريطانيا‬ ‫فقامت الدنيا ولم تقعد ‪ ،‬ض ّ‬
‫‪ ،‬فرنسا ‪ ،‬المم المتحدة ‪ ،‬حتى ُأرغم التحاد الوروبي على مقاطعة النمسا ‪،‬‬
‫لمنع ) هايدر ( من الحصول على أي منصب في الحكومة النمساوية ‪.‬‬
‫الصيغة النهائية لمبادئ المخطط الشيطاني ‪:‬‬
‫ش الذي تربع اليهود من خلله ‪ ،‬أسيادا على العالم في الخفاء ‪ ،‬منذ خمسين عاما‬
‫مضت ‪ ،‬وما زالوا ‪:‬‬
‫ق هو القوة ‪ ) .‬بمعنى أن الذي يملك‬‫‪ .1‬أن قوانين الطبيعة تقضي بأن الح ّ‬
‫القوة ‪ ،‬هو الذي ُيحّدد مفاهيم الحق ‪ ،‬ويفرضها على الخرين ‪ ،‬والقوة تعني‬
‫امتلك المال ( ‪.‬‬
‫‪ .2‬أن الحرية السياسية ليست إل فكرة مجردة ‪ ،‬ولن تكون حقيقة واقعة ‪.‬‬
‫) بمعنى أنك تستطيع الدعاء ظاهريا ‪ ،‬بأنك ديموقراطي وتسمح بحرية‬
‫الرأي ‪ ،‬ولكنك في المقابل تقمع الرأي الخر سرا ( ‪.‬‬
‫‪ .3‬سلطة الذهب ) المال ( فوق كل السلطات حتى سلطة الدين ‪ ) .‬محاربة‬
‫الدين وإسقاط أنظمة الحكم غير الموالية ‪ ،‬من خلل تمويل الحركات الثورية‬
‫ذات الفكار التحررية ‪ ،‬وتمويل المنتصر منها بالقروض ( ‪.‬‬
‫‪ .4‬الغاية تبّرر الوسيلة ‪ ) .‬فالسياسي الماهر ‪ :‬هو الذي يلجأ إلى الكذب‬
‫والخداع والتلفيق ‪ ،‬في سبيل الوصول إلى سدة الحكم ( ‪.‬‬
‫‪203‬‬
‫‪ .5‬من العدل أن تكون السيادة للقوى ‪ ) .‬وبالتالي تحطيم المؤسسات والعقائد‬
‫القائمة ‪ ،‬عندما يترك المستسلمون حقوقهم ومسؤولياتهم ‪ ،‬للركض وراء‬
‫فكرة التحّرر الحمقاء ( ‪.‬‬
‫‪ .6‬ضرورة المحافظة على السرية ‪ ) .‬يجب أن تبقى سلطتنا ‪ ،‬الناجمة عن‬
‫سيطرتنا على المال ‪ ،‬مخفّية عن أعين الجميع ‪ ،‬لغاية الوصول إلى درجة‬
‫من القوة ‪ ،‬ل تستطيع أي قوة منعنا من التقدم ( ‪.‬‬
‫‪ .7‬ضرورة العمل على إيجاد حكام طغاة فاسدين ‪ ) .‬لن الحرية المطلقة‬
‫تتحول إلى فوضى ‪ ،‬وتحتاج إلى قمع ‪ ،‬وذلك لكي يتسنى لولئك الحكام‬
‫سرقة شعوبهم ‪ ،‬وتكبيل بلدانهم بالديون ‪ ،‬ولتصبح الشعوب برسم البيع ( ‪.‬‬
‫‪ .8‬إفساد الجيال الناشئة لدى المم المختلفة ‪ ) .‬ترويج ونشر جميع أشكال‬
‫النحلل الخلقي ‪ ،‬لفساد الشبيبة ‪ ،‬وتسخير النساء للعمل في دور الدعارة‬
‫‪ ،‬وبالتالي تنتشر الرذيلة حتى بين سيدات المجتمع الراقي ‪ ،‬اقتداًء بفتيات‬
‫الهوى وتقليدا لهن ( ‪.‬‬
‫‪ .9‬الغزو السلمي التسللي هو الطريق السلم ‪ ،‬لكسب المعارك مع المم‬
‫الخرى ‪ ) .‬الغزو القتصادي لغتصاب ممتلكات وأموال الخرين ‪ ،‬لتجنب‬
‫وقوع الخسائر البشرية في الحروب العسكرية المكشوفة ( ‪.‬‬
‫‪ .10‬إحلل نظام مبني على أرستقراطية المال ‪ ،‬بدل من أرستقراطية النسب ‪،‬‬
‫) لذلك يجب إطلق شعارات ‪ :‬الحرية والمساواة والخاء ‪ ،‬بين الشعوب‬
‫بغية تحطيم النظام السابق ‪ ،‬وكان هذا موجها إلى السر الوروبية ذات‬
‫الجذور العريقة ‪ ،‬ومن ضمنها السر الملكية والمبراطورية ‪ ،‬ليلقى‬
‫لصوص هذه المؤامرة بعدها ‪ ،‬شيئا من التقدير والحترام ( ‪.‬‬
‫‪ .11‬إثارة الحروب ‪ ،‬وخلق الثغرات في كل معاهدات السلم التي تعقد بعدها ‪،‬‬
‫لجعلها مدخل لشعال حروب جديدة ‪ ) .‬وذلك لحاجة المتحاربين إلى‬
‫القروض ‪ ،‬وحاجة كل من المنتصر والمغلوب لها بعد الحرب ‪ ،‬لعادة‬
‫العمار والبناء ‪ ،‬وبالتالي وقوعهم تحت وطأة الديون ‪ ،‬ومسك الحكومات‬
‫الوطنية من خّناقها ‪ ،‬وتسيير أمورها حسب ما يقتضيه المخطط من سياسات‬
‫هدامة ( ‪.‬‬

‫‪204‬‬
‫‪ .12‬خلق قادة للشعوب ‪ ،‬من ضعاف الشخصية الذين يتميزون بالخضوع‬
‫والخنوع ‪ ) ،‬وذلك بإبرازهم وتلميع صورهم ‪ ،‬من خلل الترويج العلمي‬
‫لهم ‪ ،‬لترشيحهم للمناصب العامة في الحكومات الوطنية ‪ ،‬ومن ثم التلعب‬
‫صصين ‪ ،‬لتنفيذ سياساتنا ( ‪.‬‬ ‫بهم ‪ ،‬من وراء الستار بواسطة عملء متخ ّ‬
‫‪ .13‬امتلك وسائل العلم والسيطرة عليها ‪ ) .‬لترويج الكاذيب والشاعات‬
‫والفضائح الملّفقة ‪ ،‬التي تخدم المؤامرة ( ‪.‬‬
‫‪ .14‬قلب أنظمة الحكم الوطنية المستقلة بقراراتها ‪ ،‬والتي تعمل من أجل‬
‫شعوبها ‪ ،‬ول تستجيب لمتطلبات المؤامرة ‪ ) .‬من خلل إثارة الفتن ‪ ،‬وخلق‬
‫ثورات داخلية فيها ‪ ،‬لتؤدي إلى حالة من الفوضى ‪ ،‬وبالتالي سقوط هذه‬
‫النظمة الحاكمة ‪ ،‬وإلقاء اللوم عليها ‪ ،‬وتنصيب العملء قادة في نهاية كل‬
‫ثورة ‪ ،‬وإعدام من ُيلصق بهم تهمة الخيانة من النظام السابق ( ‪.‬‬
‫‪ .15‬استخدام الزمات القتصادية للسيطرة على توجهات الشعوب ‪ ) .‬التسبب‬
‫في خلق حالت من البطالة والفقر والجوع ‪ ،‬لتوجيه الشعوب إلى تقديس‬
‫المال وعبادة أصحابه ‪ ،‬لتصبح لهم الحقية والولوية في السيادة ‪ ،‬واتخاذهم‬
‫قدوة والسير على هديهم ‪ ،‬وبالتالي سقوط أحقية الدين وأنظمة الحكم الوطنية‬
‫‪ ،‬والتمرد على كل ما هو مقّدس ‪ ،‬من أجل لقمة العيش ( ‪.‬‬
‫‪ .16‬نشر العقائد اللحادية المادية ‪ ) .‬من خلل تنظيم محافل الشرق الكبرى ‪،‬‬
‫تحت ستار العمال الخيرية والنسانية ‪ ،‬كالماسونية ونوادي الروتاري‬
‫والليونز ‪ ،‬التي تحارب في الحقيقة كل ما تمثله الديان السماوية ‪ ،‬وتساهم‬
‫أيضا في تحقيق أهداف المخطط الخرى ‪ ،‬داخل البلدان التي تتواجد فيها ( ‪.‬‬
‫‪ .17‬خداع الجماهير المستمر ‪ ،‬باستعمال الشعارات والخطابات الرّنانة ‪،‬‬
‫والوعود بالحرية والتحرر ‪ ) .‬التي تلهب حماس ومشاعر الجماهير لدرجة‬
‫يمكن معها ‪ ،‬أن تتصرف بما يخالف حتى الوامر اللهية ‪ ،‬وقوانين الطبيعة‬
‫‪ ،‬وبالتالي بعد الحصول على السيطرة المطلقة على الشعوب ‪ ،‬سنمحو حتى‬
‫اسم " ال " من معجم الحياة ( ‪.‬‬
‫‪ .18‬ضرورة إظهار القوة لرهاب الجماهير ‪ ) .‬وذلك من خلل افتعال‬
‫حركات تمرد وهمية ‪ ،‬على أنظمة الحكم ‪ ،‬وقمع عناصرها بالقوة على علم‬
‫أو مرأى من الجماهير ‪ ،‬بالعتقال والسجن والتعذيب والقتل إذا لزم المر ‪،‬‬

‫‪205‬‬
‫لنشر الذعر في قلوب الجماهير ‪ ،‬وتجّنب أي عصيان مسلح قد ُيفّكرون‬
‫فيه ‪ ،‬عند مخالفة الحكام لمصالح أممهم ( ‪.‬‬
‫‪ .19‬استعمال الدبلوماسية السرّية من خلل العملء ‪ ) .‬للتدخل في أي اتفاقات‬
‫أو مفاوضات ‪ ،‬وخاصة بعد الحروب ‪ ،‬لتحوير بنودها بما يتفق مع‬
‫مخططات المؤامرة ( ‪.‬‬
‫‪ .20‬الهدف النهائي لهذا البرنامج هو الحكومة العالمية التي تسيطر على العالم‬
‫بأسره ‪ ) .‬لذلك سيكون من الضروري ‪ ،‬إنشاء احتكارات عالمية ضخمة ‪،‬‬
‫من جّراء اتحاد ثروات اليهود جميعها ‪ ،‬بحيث ل يمكن لي ثروة من‬
‫ظمت ‪ ،‬من الصمود أمامها ‪ ،‬مما يؤدي إلى انهيار‬ ‫ثروات الغرباء مهما ع ُ‬
‫جه اليهود العالميون ‪ ،‬ضربتهم الكبرى‬ ‫هذه الثروات والحكومات ‪ ،‬عندما يو ّ‬
‫في يوم ما ( ‪.‬‬
‫‪ .21‬الستيلء والسيطرة على الممتلكات العقارية والتجارية والصناعية‬
‫للغرباء ‪ ) .‬وذلك من خلل ؛ أول ‪ :‬فرض ضرائب مرتفعة ‪ ،‬ومنافسة غير‬
‫عادلة للتجار الوطنيين ‪ ،‬وبالتالي تحطيم الثروات والمدخرات الوطنية ‪،‬‬
‫وحصول النهيارات القتصادية بالمم ‪ .‬ثانيا ‪ :‬السيطرة على المواد الخام ‪،‬‬
‫وإثارة العمال ‪ ،‬للمطالبة بساعات عمل أقل وأجور أعلى ‪ ،‬وهكذا تضطر‬
‫الشركات الوطنية لرفع السعار ‪ ،‬فيؤدي ذلك إلى انهيارها وإفلسها ‪،‬‬
‫ويجب أل يتمكن العمال بأي حال من الحوال ‪ ،‬من الستفادة من زيادة‬
‫الجور ( ‪.‬‬
‫‪ .22‬إطالة أمد الحروب لستنزاف طاقات المم المتنازعة ماديا ومعنويا‬
‫وبشريا ‪ ) .‬لكي ل يبقى في النهاية سوى مجموعات من العمال ‪ ،‬تسيطر‬
‫عليها وتسوسها حفنة من أصحاب المليين العملء ‪ ،‬مع عدد قليل من أفراد‬
‫الشرطة والمن ‪ ،‬لحماية الستثمارات اليهودية المختلفة ‪ ،‬بمعنى آخر إلغاء‬
‫الجيوش النظامية الضخمة حربا أو سلما ‪ ،‬في كافة البلدان ( ‪.‬‬
‫‪ .23‬الحكومة العالمية المستقبلية ‪ ،‬تعتمد الدكتاتورية المطلقة كنظام للحكم ‪.‬‬
‫) فرض النظام العالمي الجديد ‪ ،‬يقوم فيه الدكتاتور بتعيين أفراد الحكومة‬
‫العالمية ‪ ،‬من بين العلماء والقتصاديين وأصحاب المليين ( ‪.‬‬

‫‪206‬‬
‫‪ .24‬تسلل العملء إلى كافة المستويات الجتماعية والحكومية ‪ ) .‬من أجل‬
‫تضليل الشباب وإفساد عقولهم بالنظريات الخاطئة ‪ ،‬حتى تسهل عملية‬
‫السيطرة عليهم مستقبل ( ‪.‬‬
‫‪ .25‬ترك القوانين الداخلية والدولية التي سنتها الحكومات والدول كما هي ‪،‬‬
‫وإساءة استعمالها وتطبيقها ‪ ) .‬عن طريق تفسير القوانين ‪ ،‬بشكل مناقض‬
‫لروحها ‪ ،‬يستعمل أول قناعا لتغطيتها ‪ ،‬ومن ثم يتم طمسها بعد ذلك‬
‫نهائيا ( ‪.‬‬
‫ثم يختم المتحّدث عرضه بالقول ‪ " :‬لعلكم تعتقدون أن الغرباء ) غير اليهود ( ‪،‬‬
‫لن يسكتوا بعد هذا ‪ ،‬وأنهم سيهّبون للقضاء علينا ‪ ،‬كل هذا اعتقاد خاطئ ‪.‬‬
‫سيكون لنا في الغرب ‪ ،‬منظمة على درجة من القوة والرهاب ‪ ،‬تجعل أكثر‬
‫القلوب شجاعة ترتجف أمامها ‪ ،‬تلك هي منظمة الشبكات الخفية تحت‬
‫الرض ‪ ،‬وسنعمل على تأسيس منظمات من هذا النوع ‪ ،‬في كل عاصمة‬
‫ومدينة ‪ ،‬نتوّقع صدور الخطر منها " ‪ ،‬انتهى ‪.‬‬
‫* بتصّرف من كتاب ) أحجار على رقعة الشطرنج ( ‪.‬‬
‫ن هذا المخطط ‪ُ ،‬وضع قبل أكثر من ‪ 200‬سنة تقريبا ‪ ،‬وأن‬ ‫نود أن ُنشير إلى أ ّ‬
‫العمل على تنفيذه بقي جاريا على قدم وساق ‪ ،‬وكان دائم التجّدد والتطّور من‬
‫حيث القائمين عليه ‪ ،‬ومن حيث برامجه وأدواته ‪ ،‬ليتوافق مع التطورات‬
‫المتسارعة التي ظهرت في القرنين الماضيين ‪ ،‬من ُمخترعات واكتشافات‬
‫سخّرت كلها لخدمة‬ ‫كوسائل التصال ووسائل الحروب على مختلف أنواعها ‪ُ ،‬‬
‫طته أيدي أبالسة اليهود على مّر العصور ‪،‬‬ ‫طط الشيطاني ‪ ،‬الذي خ ّ‬ ‫هذا الُمخ ّ‬
‫وما كان لبشر من غير اليهود ‪ ،‬أن يجمعوا كل هذا الشّر في جعبتهم ‪،‬‬
‫ويصهروه بهذا الشكل الُمذهل المتعّمق ‪ ،‬في معرفته بدواخل النفس البشرية‬
‫وأهوائها ‪ ،‬ومكامن ضعفها وقوتها ‪ ،‬اتقانا ربما يعجز إبليس نفسه عن التيان‬
‫بمثله ‪ ،‬حتى استطاعوا من خلله ‪ ،‬التحكم بالبشر ‪ ،‬بدءا من الرئيس المريكي‬
‫بعظمته ‪ ،‬وحتى إنسان الغياهب الفريقية بفقره وقلة حيلته ‪ ،‬الذي ل يدري ما‬
‫الذي ُيحاربه أول ‪ ،‬الجوع أم اليدز ‪ .‬وها هم الن بدءوا ُيزيلون أقنعتهم شيئا‬
‫فشيئا ‪ ،‬فتصريحاتهم من مواقع السياسة المريكية ومواقفهم ‪ ،‬تكشف عن مدى‬
‫ق النسانية ‪.‬‬‫قباحة وجوههم وأفعالهم في ح ّ‬

‫‪207‬‬
‫إسقاط جميع أنظمة الحكم الوراثية العريقة في أوروبا من خلل الثورات‬
‫التحررية ‪:‬‬
‫وقد استطاع اليهود ‪ ،‬من خلل مواظبتهم على تنفيذ هذه البروتوكولت ‪ ،‬من‬
‫إسقاط نظام الحكم الملكي في بريطانيا ‪ ،‬لفترة ليست بالقصيرة ‪ ،‬ومن ثم عاد‬
‫النظام الملكي ‪ ،‬بشكل صوري ل يتمتع بأي سلطة ‪ ،‬كما هو الحال الن ‪ ،‬كما‬
‫وقاموا بإسقاط النظام الملكي في فرنسا ‪ ،‬ومن ثم تم تحويلها إلى النظام‬
‫الجمهوري ‪ .‬وبعد إثارتهم للحرب العالمية الولى ‪ ،‬استطاعوا إسقاط الحكم‬
‫القيصري في روسيا ‪ ،‬الذي عاملهم كما عوملوا في أوروبا ‪ ،‬ولكن بدون‬
‫طرد ‪ ،‬وإدخال الحكم الشيوعي إليها ‪ ،‬واستطاعوا إسقاط الحكم القيصري في‬
‫ألمانيا أيضا ‪ ،‬وأسقطوا المبراطورية العثمانية ‪ ،‬وكان آخر حصادها ‪ ،‬هو‬
‫وضع فلسطين تحت النتداب البريطاني ‪.‬‬
‫المخطط في مراحله النهائية ‪ ،‬تحت حماية أمريكا ‪:‬‬
‫ولو أنك نظرت إلى البروتوكول رقم )‪ ، (23‬ستجد أن النظام الذي كان ُينادي‬
‫به الرئيس المريكي ) بوش ( في بداية التسعينيات ‪ ،‬بعد انهيار التحاد‬
‫السوفييتي ‪ ،‬موجود تحت نفس السم ) النظام العالمي الجديد ( وهذه العبارة‬
‫نفسها مكتوبة أيضا ‪ ،‬على الدولر باللغة اللتينية ‪ ،‬وهذا مؤشر على أن‬
‫طط أصبح في مراحله الخيرة ‪ ،‬حيث أن هذا البرتوكول هو الثالث قبل‬ ‫المخ ّ‬
‫الخير ‪ ،‬وما بقي عليهم للوصول إلى هدفهم النهائي ‪ ،‬سوى تنفيذ البرتوكولين‬
‫)‪ (24‬و )‪ ، (25‬وهما المتعلقّين بالعولمة بجانبيها الثقافي والقتصادي ‪ ،‬والتي‬
‫سنوضحها لحقا ‪.‬‬
‫الرؤساء المريكيون الوائل ُيحّذرون من الخطر اليهودي‬
‫ترجمة النص الكامل للجزء الخاص باليهود من خطاب بنيامين فرانكلين أمام‬
‫الكونغرس ‪:‬‬
‫" أيها السادة ‪ :‬هنالك خطر كبير يتهدد الوليات المتحدة المريكية … وهذا‬
‫ل بها اليهود … يعملون على تدني‬
‫الخطر هو اليهود … ففي أي أرض يح ّ‬
‫المستوى الخلقي والتجاري فيها … وعلى مدى تاريخهم الطويل …ظّلوا‬
‫متقوقعين على أنفسهم في معزل عن المم التي يعيشون فيها … ولم يندمجوا‬
‫‪208‬‬
‫في حضاراتها … بل كانوا يعملون دوما على إثارة الزمات المالية وخنق‬
‫اقتصادياتها … كما حصل في البرتغال وإسبانيا ‪.‬‬
‫لكثر من ‪ 1700‬سنة … وهم يبكون على قدرهم ومصيرهم المحزن …‬
‫أعني طردهم ونفيهم من وطنهم الم ) فلسطين ( … ولو أن العالم المتحضر‬
‫) الغرب ( أعاد لهم فلسطين الن … فإنهم على الفور سيختلقون الكثير من‬
‫السباب والعذار والحجج الواهية … ليبرروا عدم رغبتهم في العودة إليها‬
‫… لماذا ؟ … لنهم كائنات طفيلية … والطفيليات ل تستطيع أن تتطفل على‬
‫طفيليات أخرى … فهم ل يستطيعون العيش مع بعضهم البعض … مما‬
‫يستدعي ضرورة تواجدهم بين المسيحيين … أو بين أناس من غير جنسهم ‪.‬‬
‫وإن لم ُيطردوا من الوليات المتحدة بموجب الدستور … فإنهم وخلل مائة‬
‫عام على القل من الن … سيتوافدون إلى هذا البلد بأعداد كبيرة … وبتلك‬
‫العداد سوف يحكمونا ويدّمرونا … من خلل تغيير أنظمة الحكم لدينا …‬
‫والتي بذلنا نحن المريكيين من أجل توطيدها على مر السنين … الغالي‬
‫والنفيس من دمائنا وأرواحنا وممتلكاتنا وحرياتنا … وإن لم يتم طردهم …‬
‫وبعد مائتي سنة من الن …فإن أحفادنا سيعملون في الحقول ليل نهار … من‬
‫أجل إشباع بطونهم وجيوبهم … بينما يجلسون هم في قصورهم يفركون أيديهم‬
‫فرحا واغتباطا … بما حصدوه من غلل وأرباح ‪.‬‬
‫وها أنا أحذركم أيها السادة … إن لم تطردوا اليهود من هذا البلد إلى البد …‬
‫فإن أولدكم وأحفادكم سيلعنونكم في قبوركم … ومع أنهم يعيشون بيننا منذ‬
‫أجيال … فإن ُمُثلهم العليا ما زالت تختلف كليا ‪ ،‬عما يتحلى به الشعب‬
‫المريكي من ُمُثل … فالفهد الرقط ل يمكنه تغيير لون جلده ) عبارة مقتبسة‬
‫من التوراة ( … سوف ُيعّرضون مؤسساتنا ومقوماتنا الجتماعية للخطر …‬
‫لذلك يجب طردهم بنص من الدستور " ‪.‬‬
‫وكان فرانكلين من الرؤساء الوائل في أمريكا ‪ ،‬والذي استشعر الخطر‬
‫اليهودي قبل تغلغله في أمريكا ‪ ،‬من خلل دراسته لتوراتهم ولتاريخهم في‬
‫أوروبا ‪ ،‬وما أحدثوه من خراب فيها ‪.‬‬

‫‪209‬‬
‫وهذا قسم من خطاب الرئيس المريكي ) لنكولن ( للمة ‪ ،‬في نهاية مدته‬
‫الرئاسية الولى ‪:‬‬
‫" إنني أرى في الفق ُنذر أزمة تقترب شيئا فشيئا … وهي أزمة تثيرني‬
‫وتجعلني أرتجف على سلمة بلدي … فقد أصبحت السيادة للهيئات والشركات‬
‫الكبرى … وسيترتب على ذلك وصول الفساد إلى أعلى المناصب … إذ أن‬
‫أصحاب رؤوس الموال ‪ ،‬سيعملون على إبقاء سيطرتهم على الدولة …‬
‫مستخدمين في ذلك مشاعر الشعب وتحّزباته … وستصبح ثروة البلد‬
‫بأكملها ‪ ،‬تحت سيطرة فئة قليلة … المر الذي سيؤدي إلى تحطم الجمهورية "‬
‫‪.‬‬
‫وكان هذا الخطاب قبل أكثر من ‪ 130‬سنة ‪ ،‬بعد أن تغلغل اليهود في أمريكا ‪،‬‬
‫وقد اغتيل هذا الرئيس في بداية فترة الرئاسية الثانية ‪ ،‬نتيجة خطاباته لن كل‬
‫أصحاب رؤوس المال المريكي أصبحوا من اليهود ‪ .‬كما اغتيل الرئيس‬
‫) جون كندي ( ‪ ،‬عندما أعلن عن برامجه الصلحية ‪ ،‬وبناء أمريكا من‬
‫الداخل ‪ ،‬ونهج التعايش السلمي مع الخارج ‪ ،‬كروسيا والبلدان الخرى ‪ ،‬وهذا‬
‫مما يتعارض كليا ‪ ،‬مع بروتوكولت أرباب المال اليهود وحكمائهم ‪ .‬وتخيل لو‬
‫أن أرباب المال اليهود يسحبون أرصدتهم من أمريكا ‪ ،‬بالتأكيد سينهار‬
‫القتصاد المريكي برّمته على الفور ‪ ،‬وربما تصبح أمريكا من أفقر بلدان‬
‫العالم ‪.‬‬
‫بعد اغتيال ) كندي ( استوعب رؤساء أمريكا الدرس ‪ ،‬وحفظوه عن ظهر‬
‫قلب ‪ ،‬فلم يجرؤ أحدهم على نهج أي سياسة ‪ ،‬تتعارض مع طموحات اليهود ‪،‬‬
‫وتطلعاتهم على كافة الصعدة ‪ ،‬بل كانوا فور انتخابهم ‪ ،‬يسارعون لتقديم‬
‫فروض الطاعة والولء لسيادهم اليهود ‪ .‬وخدماتهم لليهود خلل الربعين سنة‬
‫الماضية ظاهرة للعيان ‪ ،‬وأصبحت مهمة الرئيس المريكي ‪ ،‬ل تتعدى مهمة )‬
‫كلب الصيد المدّرب جيدا ( ‪ ،‬لصطياد الشعوب وثرواتها وجلبها ‪ ،‬لليهود في‬
‫الداخل والخارج ‪ ،‬وفي نهاية ولية كل كلب جيد منهم ‪ُ ،‬يعّلق في رقبته وساما‬
‫رفيعا من المديح اليهودي ‪ ،‬فيهّز ذنبه فرحا ويمضي خارجا من البيت‬
‫البيض ‪ ،‬بعد حصوله على شرف عضوية ) نادي كلب الصيد ( اليهودي ‪،‬‬
‫وكلنا يذكر قصة ) كلينتون ( عندما نسي نفسه ‪ ،‬وحاول الضغط على نتنياهو ‪،‬‬
‫جروا في بيته البيض القنبلة ) لوينسكي ( ‪ ،‬التي كانت ُمعّدة منذ لحظة‬‫فف ّ‬
‫‪210‬‬
‫انتخابه ‪ ،‬فأعادته إلى صوابه ‪ ،‬وإلى موقعه الحقيقي ككلب صيد ل أكثر ‪،‬‬
‫فأصبح في نهاية مدة رئاسته صهيونيا ‪ ،‬أكثر من الصهاينة أنفسهم ‪ ،‬يمسح‬
‫بفروه البيض الناعم نعال أحذيتهم ‪ ،‬عسى أن يقتات هو وزوجته على فتات‬
‫موائدهم ‪ ،‬في قاعات مجلس الشيوخ المريكي ‪ ،‬بعد خروجهم من البيت‬
‫البيض ‪.‬‬
‫الحرب العالمية الثانية درس من دروس التآمر اليهودي العالمي‬
‫الظروف التي سبقت الحرب ‪ ،‬من كتاب ) أحجار على رقعة الشطرنج (‬
‫بتصّرف ‪:‬‬
‫ش معاهدة فرساي المجحفة بحق ألمانيا ‪ :‬التي كان لليهود وعملئهم اليد الطولى‬
‫في صياغتها ‪ ،‬من وراء الستار ‪ ،‬لتكون بؤرة لتوريط ألمانيا في حرب أخرى ‪،‬‬
‫إذا تطلب المر مستقبل ‪ .‬حيث أن بنود هذه المعاهدة ‪ ،‬اقتطعت جزءا من‬
‫الراضي اللمانية ‪ ،‬وضمتها إلى بولندا ‪ ،‬وأرغمت ألمانيا على دفع‬
‫التعويضات ‪ ،‬للخسائر الناجمة عن الحرب العالمية الولى ‪ ،‬وأبقت ألمانيا تحت‬
‫طائلة الديون إلى ما ل نهاية ‪.‬‬
‫ش وجود الحركة النازية في ألمانيا ‪ :‬والسبب في بلورة أفكارها ‪ ،‬هو معرفة‬
‫اللمان بفصول المؤامرة اليهودية ‪ ،‬حيث أن الصيغة النهائية لبرتوكولت‬
‫حكماء المؤامرة ‪ ،‬التي تدعو لتفوق العرق اليهودي ‪ ،‬والتي ُكشفت أصل فيما‬
‫سبق في ألمانيا نفسها ‪ ،‬مما دفع اللماني ) كارل ريتر ( إلى طرح أفكار ‪،‬‬
‫تدعو إلى تفوق العرق الجرماني ‪ ،‬ردا على ما طرحته برتوكولت حكماء‬
‫اليهود ‪ .‬ومن أقوال مؤسس الفكر النازي ) كارل ريتر ( الذي نشر أفكاره عام‬
‫‪1849‬م ‪ " :‬لكي يعود السلم والحرية القتصادية إلى العالم ‪ ،‬يجب أول‬
‫القضاء على الممولين اليهود ‪ ،‬وعلى جميع أعضاء الحركة الثورية العالمية ‪،‬‬
‫جهون الشيوعية ويسيطرون عليها " ‪ .‬ومضمون المعتقدات النازية‬ ‫الذين ُيو ّ‬
‫يقضي بتفوق العرق الجرماني ‪ ،‬والذي يتوجب عليه إخضاع العالم بالقوة‬
‫العسكرية ‪ ،‬ويجب أن تكون الطاعة فيه لرئيس الدولة الجرمانية ‪ ،‬طاعة عمياء‬
‫وبدون نقاش ‪ .‬وعلى ما يبدو أن رجالت الحرب اللمان ‪ ،‬بعد الحرب العالمية‬
‫الولى ‪ ،‬وما لحق بألمانيا من إجحاف ‪ ،‬من خلل المؤامرات اليهودية قبل‬
‫وبعد الحرب ‪ ،‬اقتنعوا بالمذهب النازي واعتنقوا مبادئه ‪ ،‬التي تتقاطع مع‬
‫المخطط اليهودي ‪ ،‬للسيطرة على العالم اقتصاديا ‪ ،‬ومن ثم السيطرة على‬
‫‪211‬‬
‫الحكم سلميا ‪ ،‬فوضعوا مخططهم العسكري لكتساح أوروبا وأمريكا ‪ ،‬للقضاء‬
‫على الممولين اليهود ‪ ،‬واليهود بشكل عام في أماكن تواجدهم ‪ ،‬والستيلء‬
‫على ثرواتهم الطائلة ‪.‬‬
‫ش مرتكزات السياسة اللمانية ‪ :‬كانت تقوم على وجوب تحرير ألمانيا ‪ ،‬من‬
‫التفاقيات القتصادية المفروضة عليها ‪ ،‬من قبل الممولين والمرابين‬
‫الدوليين ‪ ،‬بعد أن أدرك الزعماء اللمان ‪ ،‬خطر هذه التفاقيات على استقلل‬
‫البلد ‪ ،‬لن الفوائد المفروضة على القروض المالية ‪ ،‬بموجب هذه التفاقيات ‪،‬‬
‫ستؤدي حتما إلى وقوع البلد في براثن دائنيها ‪ ) ،‬بمعنى ارتهان القرار‬
‫والموقف ‪ ،‬السياسي والقتصادي بمصلحة الدائنين ‪ ،‬بغض النظر عن مصلحة‬
‫المة ( ‪ ،‬تماما كما وقعت بريطانيا عام ‪1694‬م ‪ ،‬وفرنسا عام ‪1790‬م ‪،‬‬
‫وأمريكا عام ‪1791‬م ‪ .‬وبالتالي ستكون هذه القروض ‪ ،‬دينا واستعبادا لكل فرد‬
‫من أفراد الشعب ‪ ،‬لن تسديدها لن يكون إل بفرض مزيد من الضرائب ‪،‬‬
‫يدفعها المواطنون جميعا ‪ ،‬ويكون المستفيد الذي ل يخسر أبدا هو الدائن ‪ ،‬أي‬
‫الممول المرابي العالمي ‪ .‬عندئذ صمم القادة اللمان ‪ ،‬على خلق عملة ألمانية ‪،‬‬
‫ل تستند إلى القروض ‪ ،‬بل تعتمد على الدخل القومي ‪ ،‬والممتلكات الوطنية ‪،‬‬
‫وعلى موارد الصناعة والزراعة ‪ ،‬والثروات الطبيعية ‪ ،‬وعلى الطاقة النتاجية‬
‫للمة ‪.‬‬
‫ش وصول هتلر إلى سدة الحكم ‪ :‬شخصية هذا الرجل ‪ ،‬اعتراها الكثير من‬
‫التشويه العلمي اليهودي الغربي ‪ ،‬وفي الحقيقة لم يكن هتلر داعية حرب ‪،‬‬
‫ولم يكن معتنقا للمذهب النازي ‪ ،‬بل كان رجل قوميا ‪ ،‬يسعى لرفع الظلم‬
‫والجحاف الذي لحق بأمته ‪ ،‬من جراء معاهدة فرساي ‪ ،‬وكان عدًوا لدودا‬
‫للنازيين ‪ ،‬والممولين اليهود على حد سواء ‪ ،‬وقد جاء في الصفحة الخيرة من‬
‫كتابه ) كفاحي ( الذي كتبه في السجن عام ‪1934‬م ‪ ،‬قبل أن يتسّلم الزعامة ‪،‬‬
‫ما نصه " وبهذا يقف الحزب الشتراكي الوطني ‪ ،‬موقفا إيجابيا من المسيحية ‪،‬‬
‫ولكنه ل يترك أمور العقيدة لجماعة من المنحرفين ) النازيين ( ‪ ،‬ومن جهة‬
‫أخرى يحارب ‪ ،‬الروح المادية اليهودية ‪ ،‬المتغلغلة في نفوسنا وفي نفوس‬
‫الخرين " ‪ .‬أما عن معاهدة فرساي فقد كتب يقول ‪ " :‬إنها لم تكن لمصلحة‬
‫بريطانيا ‪ ،‬ولكنها كانت أول وأخيرا ‪ ،‬في صالح اليهود لتدمير ألمانيا " ‪ .‬ونود‬
‫أن نضيف أن السبب الرئيسي ‪ ،‬في هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الولى ‪،‬‬
‫وهي في قمة انتصاراتها العسكرية ‪ ،‬هو الثورات والفتن التي أحدثها الممولون‬
‫‪212‬‬
‫اليهود ‪ ،‬بإحياء الثورات الشيوعية داخل ألمانيا ‪ ،‬والتي أضعفت الجبهة الداخلية‬
‫‪ ،‬وأضعفت الروح المعنوية لدى الجيش اللماني ‪ ،‬والتي تسببت في تنازل‬
‫القيصر عن عرشه ‪ ،‬وتوقيع الهدنة لللتفات إلى الشأن الداخلي ‪ ،‬خوفا من‬
‫سيطرة الشيوعية على ألمانيا ‪ ،‬كما حصل في روسيا ‪.‬‬
‫ش نشوء دول المحور ‪ :‬وجد الشعب اللماني بصورة عامة ‪ ،‬أنه يشارك شعوب‬
‫اليابان وإيطاليا وإسبانيا ‪ ،‬آمالهم وأمانيهم في المستقبل السياسي والقتصادي ‪،‬‬
‫فظهر حلف المحور ‪ ،‬ونظرا لديناميكية زعماء تلك الدول ‪ ،‬وما بذلوه من‬
‫جهود ضخمة ‪ ،‬تمكّنوا من إعادة بناء بلدانهم على كافة المستويات ‪ ،‬الصناعية‬
‫والزراعية والعسكرية ‪ ،‬بما يشبه المعجزات ‪.‬‬
‫كان هتلر يحمل على كاهله أربعة هموم قومية ‪:‬‬
‫‪ .1‬إعادة بناء الدولة اللمانية ‪.‬‬
‫‪ .2‬استرجاع الجزاء المقتطعة من ألمانيا ‪.‬‬
‫‪ .3‬محاربة أرباب المال اليهود ‪ ،‬والقضاء على الثورة الشيوعية اليهودية في‬
‫روسيا ‪ ،‬والتي كانت تمّول الحركات الثورية في بلده ‪.‬‬
‫‪ .4‬كبت رغبات لوردات الحرب النازيون ‪ ،‬في احتلل العالم عسكريا ‪.‬‬
‫سيناريو الحرب ‪:‬‬
‫بدأ هتلر عام ‪1936‬م ‪ ،‬محاولت التحالف مع بريطانيا ‪ ،‬وجرت عدة محادثات‬
‫غير رسمية بين دبلوماسيي البلدين ‪ ،‬وكانت الغاية من هذا التحالف ‪ ،‬هو رغبة‬
‫اللمان في احتلل جميع الدول الشيوعية ‪ ،‬وتحرير شعوبها ‪ ،‬وإعدام جميع‬
‫الخونة فيها ‪ ،‬وذلك لقناعة اللمان بارتباط الشيوعية ‪ ،‬بكبار أغنياء اليهود ‪،‬‬
‫جهون حركتها ويمّولونها ‪ ،‬كما يوجهون ويمولون في نفس الوقت‬ ‫الذين يو ّ‬
‫الحركة الصهيونية السياسية ‪ ،‬وكان الرد البريطاني على مقترحات اللمان‬
‫سلبيا ‪ ،‬معبرا عن عدم موافقته على هذه المقترحات ‪ ،‬فاقتنع هتلر بأنه يستحيل‬
‫على أي أمة بمفردها ‪ ،‬أن تحطم نفوذ المرابين العالميين ‪ ،‬وخاصة في الدول‬
‫المسّماة بالديموقراطية ‪ ،‬وذلك لتحّكمهم المالي بهذه الدول ‪ ،‬وإيقاعهم إياها‬
‫تحت طائلة الديون ‪.‬‬

‫‪213‬‬
‫ولّما رفض هتلر ‪ ،‬أوامر لوردات الحرب النازيين ‪ ،‬لردع الشيوعية وستالين‬
‫منفردا ‪ ،‬حاولوا اغتياله ‪ ،‬ولما فشلوا ‪ ،‬حاولوا إضعاف شعبيته التي حققها بين‬
‫اللمان ‪ ،‬فبدأ النازيون بنشر الفكار النازية اللحادية بين الشعب اللماني ‪،‬‬
‫واستغلت الصحافة المعادية ذلك ‪ ،‬وألصقت هذه التهمة بهتلر ‪ ،‬وبدأت وسائل‬
‫العلم حملتها ضد هتلر ‪ ،‬وانقسم الشعب اللماني إلى قسمين ‪ ،‬ووقع هتلر‬
‫بين فكي كماشة ‪ ،‬رجال الكنيسة من جهة ‪ ،‬ورجال النازية من جهة أخرى ‪،‬‬
‫أما في بريطانيا فكانت وسائل العلم اليهودية ‪ ،‬ماضية في تشويه صورة‬
‫هتلر وألمانيا ‪ ،‬لتمنع أي فرصة لي تقارب ألماني بريطاني ‪.‬‬
‫وعندما عرضت ألمانيا مشروعا مقبول ‪ ،‬لمشكلة الممر البولندي ودانزنغ‬
‫المدينة اللمانية ‪ ،‬التي سببتها معاهدة فرساي الجائرة ‪ ،‬سارع أقطاب‬
‫المؤامرة ‪ ،‬ليجاد تحالف بريطاني بولندي ‪ ،‬من خلل فبركتهم لنذار مزّور ‪،‬‬
‫خض عن‬ ‫تنذر فيه ألمانيا البولنديين ‪ ،‬بالستسلم خلل ‪ 48‬ساعة فقط ‪ ،‬تم ّ‬
‫معاهدة بريطانية ‪ ،‬لحماية البولنديين من أي عدوان ألماني ‪ ،‬عام ‪1939‬م ‪.‬‬
‫ومن ثم عملوا على إقناع البولنديين ‪ ،‬بصلحية معاهدة الحماية البريطانية ‪،‬‬
‫وهكذا أهمل البولنديون المذكرة اللمانية أشهرا عديدة ‪ ،‬في حين كانت‬
‫ن عليه الحملت العنيفة المضادة ‪ ،‬وذلك لسبب‬ ‫الصحافة المعادية لهتلر ‪ ،‬تش ّ‬
‫واحد هو معاداته لصحاب المؤامرة العالمية ‪ ،‬واعتماده سياسة مستقلة داخل‬
‫المبراطورية اللمانية ‪ ،‬بعيدا عن قروضهم وخططهم القتصادية المدمرة ‪،‬‬
‫وبشكل عام كانت الصحافة الغربية ‪ ،‬قد هّيأت الشعوب هناك لتقف موقفا‬
‫سر وتحّلل أقواله‬ ‫معاديا لللمان ‪ ،‬ولجميع الدول التي تؤيد سياستهم ‪ ،‬وبدأت تف ّ‬
‫وأفعاله ‪ ،‬وتقلب الحقائق وتفبرك الخبار ‪ ،‬وتحذر من أطماعه التوسعية ‪.‬‬
‫وهكذا بعد التعنت البولندي وتجاهله للمذكرة اللمانية ‪ ،‬ضجر هتلر من انتظار‬
‫الرد ‪ ،‬ومن الحرب المشينة ‪ ،‬التي وجهتها ضده صحافة الحلفاء ‪ ،‬فأمر جيوشه‬
‫بالتحرك نحو بولندا ‪ ،‬لسترجاع ما استقطع من أراضي ألمانيا بالقوة ‪ ،‬ولم‬
‫يتعّد إلى ما وراءها ‪ ،‬بل توقف عند ذلك الحّد ‪ .‬عندئذ أعلنت بريطانيا الحرب‬
‫على ألمانيا ‪ ،‬بموجب التفاقية السابقة ‪ ،‬مع علم الذين أوجدوا هذه التفاقية عدم‬
‫قدرة بريطانيا ‪ ،‬على حماية نفسها في مواجهة القدرات العسكرية اللمانية ‪.‬‬
‫وعندما تأكد لهم أن رئيس الوزراء البريطاني ) تشامبرلين ( ‪ ،‬غير ُمتحمس‬
‫للدخول في حرب فعلية مع ألمانيا ‪ ،‬أسقطوه وجاءوا ) بتشرشل ( الذي قام‬
‫بقصف المدن اللمانية بالطائرات ‪ .‬وهكذا اضطر هتلر مرغما لتكملة تلك‬
‫‪214‬‬
‫الحرب المدمرة ‪ُ ،‬مستجيبا للوردات الحرب النازيون ‪ ،‬التي دامت قرابة‬
‫الخمس سنوات ‪ ،‬وانتهت بخروج معظم الدول التي شاركت فيها ‪ ،‬مثقلة‬
‫بالديون والخسائر المادية والبشرية ‪ .‬وكان المستفيد الوحيد هم المرابون اليهود‬
‫‪ ،‬الذين مّولوا هذه الحرب في سنواتها الخمس ‪ ،‬ومّولوا عمليات العمار‬
‫بعدها ‪ ،‬بقروض لم تستطع البلدان الوربية ‪ ،‬تسديدها إلى يومنا هذا ‪.‬‬
‫وأما ألمانيا ومن أجل عدائها المعلن لليهود ‪ ،‬سواء من هتلر أو من قبل‬
‫النازيون ‪ ،‬فقد لقت مصيرها المحتوم ‪ ،‬من تقسيم أراضيها وتحجيمها‬
‫قدراتها ‪ ،‬ونهب مقّدراتها وثرواتها ‪ ،‬حيث استطاع اليهود العالميون ‪ ،‬بما‬
‫يملكونه من أموال ‪ ،‬ومن خلل سيطرتهم على اقتصاديات الدول الغربية‬
‫برمتها ‪ ،‬ومصادرة قرارها السياسي ‪ ،‬وتجييره لخدمة مخططاتهم الشيطانية ‪،‬‬
‫وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا ‪ ،‬من التخلص من الخطر اللماني ‪ ،‬الذي كان‬
‫ططاتهم لتدمير البشرية ‪.‬‬ ‫ض مضجعهم ويتقاطع مع مخ ّ‬ ‫ُيهّدد وجودهم ‪ ،‬ويق ّ‬
‫ويخلص صاحب كتاب ) أحجار على رقعة الشطرنج ( المسيحي الكندي ‪ ،‬في‬
‫نهاية حديثه عن الحرب العالمية الثانية ‪ ،‬يوجهه لمن انساق وساهم من ساسة‬
‫الغرب ‪ ،‬في نجاح المخطط الجهنمي للمرابين اليهود ‪ ،‬طمعا بما يلقونه لهم من‬
‫فتات وحطام هذه الدنيا الزائلة ‪ ،‬إلى القول ‪:‬‬
‫" أما الحقيقة الولى ‪ :‬فهي أن النسان ‪ ،‬لن يصحب معه إلى القبر ‪ ،‬شيئا من‬
‫كنوز الدنيا ‪ ،‬أو شيئا من أكاليل المجد والثناء …‬
‫والحقيقة الثانية ‪ :‬هي أن القبر ‪ ،‬ليس النهاية ‪ ،‬بل إنه الطريق الذي ل مناص‬
‫منه ول مفّر ‪ ،‬بعد القبر ‪ ،‬من تقديم الحساب أخيرا ‪ ،‬حيث ليس للمرابين‬
‫العالميين ‪ ،‬من حول ول قوة " ‪.‬‬
‫تأخر موسم الحصاد اليهودي للمحصول العالمي ‪:‬‬
‫كان مخطط المؤامرة ‪ ،‬يقتضي تنفيذ ما جاء في البروتوكولت بحرفتيه ‪،‬‬
‫والغاية من ذلك السيطرة على اقتصاديات دول العالم بأسرها ‪ ،‬وحصر رؤوس‬
‫الموال العالمية كلها في أيدي اليهود ‪ ،‬وعندما يحين الموعد المناسب ‪ ،‬يعمد‬
‫اليهود إلى شراء الذهب من السواق العالمية وتكديسه ‪ ،‬ومن ثم ُيشعلون نيران‬
‫الحرب العالمية الثالثة ‪ ،‬والتي حسب تصورهم ‪ ،‬ستكون كارثية بكل معنى‬
‫الكلمة على العالم بأسره ‪ ،‬وتخلف وراءها قطعانا بشرية جائعة ‪ ،‬ملحدة ل‬
‫‪215‬‬
‫تؤمن إل بما هو مادي ‪ ،‬ومنحلة ل تبحث إل عن كل ما ُيشبع غرائزها الجسدية‬
‫‪ ،‬آنذاك ُيعلن ملوك الذهب عن أنفسهم ‪ ،‬ويشترطون لنقاذ تلك القطعان البشرية‬
‫من الموت جوعا ‪ ،‬بما أنهم يملكون الذهب ‪ ،‬تنصيبهم ملوكا على الرض ‪،‬‬
‫لُيقيموا دولتهم العالمية الدكتاتورية وعاصمتها القدس ‪ ،‬فل تملك تلك القطعان ‪،‬‬
‫إل أن تدين بالعبودية المطلقة لليهود ‪ ،‬بعد أن جاءها نور الذهب لُيبدد ظلمة‬
‫الديان الموحشة ‪.‬‬
‫إذ كان من المفروض أن تقوم الحرب العالمية الثالثة ‪ ،‬حسب ُمخططاتهم ‪ ،‬بعد‬
‫) ‪ ( 25 – 20‬عاما من الحرب العالمية الثانية ‪ ،‬ولكن ما لم يكن في الحسبان ‪،‬‬
‫ططاتها‬ ‫هو موت لينين نتاج المؤامرة اليهودية ‪ ،‬وانقلب ) ستالين ( على مخ ّ‬
‫ططيها ‪ ،‬وتخّلصه من جميع القادة اليهود في الحزب الشيوعي ‪ ،‬وإقامته‬ ‫ومخ ّ‬
‫لتحاد سوفييتي قوي ‪ ،‬وامتلكه للسلح النووي ‪ ،‬ومقاسمته لمريكا حكم العالم‬
‫جم اليهود وطموحاتهم ‪ ،‬بوقوفه نّدا‬‫‪ ،‬ودخول عصر الحرب الباردة ‪ ،‬الذي ح ّ‬
‫قويا في وجه أمريكا وطموحاتها ‪ ،‬فكان ل بد من تدميره وتفكيكه أول ‪ ،‬عن‬
‫طريق الغزو السلمي التسلي ‪ ،‬المطروح في البروتوكول رقم ) ‪. ( 9‬‬
‫فوجدوا في ) غورباتشوف ( ضالتهم ‪ ،‬الذي أدخل إصلحاته الهّدامة ‪ .‬ولما‬
‫أوشك التحاد على النهيار ‪ ،‬أجهزوا عليه بعمليهم الخر ) يلتسين ( ‪ ،‬فسيطر‬
‫على مقاليد الحكم بالقوة ‪ ،‬وأنهى ما ُيسمى بحلف وارسو ‪ ،‬وأزاح الحكم‬
‫الشيوعي المناهض لمريكا عن روسيا ‪ ،‬وأخذ بنصائح صندوق النقد الدولي ‪،‬‬
‫للصلح القتصادي من خصخصة وغيرها ‪ ،‬فاستطاع المليارديرات اليهود‬
‫ك ) بيريزوفسكي ( من شراء معظم المشاريع الستثمارية الروسية ‪ ،‬وشراء‬
‫القرار السياسي والقتصادي الروسي ‪ ،‬وبالضافة إلى ما كانت تواجهه روسيا‬
‫من أوضاع اقتصادية مترّدية ‪ ،‬أدخلوها في حرب استنزافية مع الشيشان في‬
‫أوساط التسعينيات ‪ ،‬وكل ذلك حتى يتسنى لليهود أن يصولوا ويجولوا ‪ ،‬في‬
‫كافة أرجاء العالم لُيحققوا طموحاتهم ‪ ،‬وخاصة في منطقة الشرق الوسط ‪،‬‬
‫وعندما خلت لهم الساحة بانهيار التحاد السوفييتي ‪ ،‬وتجيير قرارات روسيا‬
‫بالموال اليهودية ‪ ،‬أشعلوا حرب الخليج الثانية ‪ ،‬باستخدام نفس السيناريو‬
‫المستخدم في الحرب العالمية الثانية ‪ ،‬والخروج بنفس النتائج ‪ ،‬وشاركت‬
‫روسيا في الحملة الثلثينية على العراق ‪ ،‬على استحياء من حليفها السابق ‪،‬‬
‫غير أن الحصار العراقي ‪ ،‬شمل كل مناحي الحياة ‪ ،‬ولم يقتصر على التصنيع‬
‫العسكري كما هو الحال مع ألمانيا واليابان ‪.‬‬
‫‪216‬‬
‫ططي ومفكري‬ ‫وكان مؤتمر مدريد للسلم ‪ ،‬الذي كان في الصل ‪ ،‬غاية لمخ ّ‬
‫اليهود التوراتيون في الغرب ‪ ،‬والذي لم يكن يوافق عليه حكام إسرائيل‬
‫العلمانيون ‪ ،‬وذلك لخلق درع من معاهدات السلم ‪ ،‬لحماية إسرائيل من‬
‫الخطار الخارجية ‪ ،‬من دول ما وراء دول الطوق ‪ ،‬ولتحييد طول الطوق‬
‫نفسها ‪ ،‬ودفعها لخوض الحروب نيابة عن الدولة اليهودية ‪ ،‬في حال فكرت أي‬
‫دولة بعيدة ‪ ،‬كروسيا والعراق ‪ ،‬العدوين اللدودين حسب النبوءات التوراتية ‪،‬‬
‫بالضافة إلى مصر والسودان وليبيا ‪ ،‬والردن وسوريا وإيران وأفغانستان ‪،‬‬
‫وكل هذه الدول مذكورة في التوراة بأسمائها القديمة ‪ .‬ولذلك كانت هناك‬
‫معاهدة السلم المصرية ‪ ،‬لقطع الطريق على مصر نفسها والسودان وليبيا ‪،‬‬
‫وكانت المعاهدة الردنية لقطع الطريق على الدول الشرقية ‪ ،‬ولم تتحقق‬
‫معاهدة السلم السورية ‪ ،‬نتيجة التعنت السوري لسترجاع هضبة الجولن ‪،‬‬
‫التي ل تستطيع إسرائيل التخلي عنها ‪ ،‬بأي حال من الحوال ‪ ،‬فكانت هناك‬
‫معاهدة أمنية بين إسرائيل وتركيا ‪ ،‬بديل عن المعاهدة السورية مؤقتا ‪ ،‬لقطع‬
‫الطريق على روسيا ‪ ،‬أما هذه اليام فالموقف من سوريا قد اختلف ‪ ،‬باختلف‬
‫الموقف السوري من إسرائيل ومن العراق ‪ ،‬مما يستدعي أفكارا جديدة ‪،‬‬
‫وأسلوبا جديدا للتعامل مع سوريا ‪.‬‬
‫ميكانيكيات وأدوات العمل المستخدمة لتنفيذ برامج المخطط الشيطاني‬

‫مجلس المن ‪:‬‬


‫بغض النظر عما ُيمّثله من أنظمة وقوانين وقرارات ‪ ،‬تأخذ طابع العدالة‬
‫والنصاف ‪ ،‬فالتطبيق في الواقع يختلف كليا ‪ ،‬ويأخذ طابع الجور والظلم ‪ ،‬كما‬
‫هو الحال مع فلسطين والعراق من جانب ‪ ،‬وإسرائيل من جانب آخر ‪.‬‬
‫فالقرارات ملزمة للجانب الول ‪ ،‬وغير ملزمة للجانب الثاني ‪ .‬وخذ إسرائيل‬
‫وجنوب إفريقيا من جانب آخر كنظاميين عنصريين ‪ ،‬فالنظام الول زالت عنه‬
‫صفة العنصرية ‪ ،‬بقرار من مجلس المن مع بقاء النظام العنصري ‪ ،‬والثاني‬
‫زالت عنه هذه الصفة بزوال النظام ‪ ،‬وهذا ل ُيسّمى كما يحلو لبعض الغافلين ‪،‬‬
‫ازدواجية في التعامل ‪ ،‬أو الكيل بمكيالين ‪ ،‬فالحقيقة هي أن مجلس المن‬
‫الخاص بالمم المتحدة ‪ ،‬هو مجلس أمن يهودي عالمي ‪ ،‬وبالتالي ليس هناك ما‬
‫ُيسّمى بمعيارين أو مكيالين ‪ ،‬بل هو معيار واحد ومكيال واحد ‪ ،‬يقيس كل‬
‫‪217‬‬
‫الشياء وفق الرؤى اليهودية السرائيلية ‪ ،‬فهو الذي أوجد دولة إسرائيل ‪ ،‬وهو‬
‫الذي حافظ على بقائها وإدامتها ‪.‬‬
‫لنطرح هذه التساؤلت ‪ :‬كم كان عدد الدول ‪ ،‬التي كانت قلقة بمصير اليهود ؟‬
‫وما الداعي لوجود دولة لليهود ‪ ،‬بما أن اليهودية ديانة وليست قومية ؟ ومن قال‬
‫بأن القومية تعطي الشرعية لقامة دولة ؟ فهناك الكراد والرمن وألبان‬
‫كوسوفو وغيرهم الكثير ‪ ،‬ممن هم متواجدين على أراضيهم ! فلماذا لم ُيوجد‬
‫لهم مجلس المن دول ؟! وبدل من ذلك يتغاضى عن إبادتهم وقمعهم ‪ ،‬خاصة‬
‫إذا كانوا مسلمين كالبوسنة وكوسفو والشيشان ‪ ،‬أو أعداًء لدولة حليفة لليهود‬
‫كأكراد تركيا ‪ ،‬وعندما يتعّلق المر بالعراق ُيصبح الكراد في الشمال مسألة‬
‫إنسانية ُتقلق مجلس المن ‪ .‬فما مصلحة أمم العالم قاطبة ومجلس أمنها ‪ ،‬في‬
‫إنشاء دولة لليهود ! مع وجود النظمة العلمانية في معظم دول العالم ‪ ،‬حتى في‬
‫معظم الدول السلمية والعربية ! إل أن يكون هذا المجلس هو مجلس أمن‬
‫صل اليهود على ذلك ؟‬‫يهودي بحت ‪ ،‬ولكن كيف تح ّ‬
‫الجواب بسيط جدا ‪ ،‬من خلل التلعب من خلف الستار ‪ ،‬بالترغيب والترهيب‬
‫القتصادي ‪ ،‬للمصّوتين على القرارات ‪ ،‬لضمان الغلبية لصدار أي قرار‬
‫يرغبون بتمريره ‪ .‬بالضافة إلى إيجاد حق النقض ) الفيتو ( للدول دائمة‬
‫العضوية ‪ ،‬منها ثلث دول مؤيدة لسرائيل بالسيطرة القتصادية ‪ ،‬مع أن‬
‫واحدة تكفي ‪ ،‬لتعطيل أي قرار ل يخدم مصالح اليهود والدولة اليهودية ‪،‬‬
‫ج منهما خيرا وهما روسيا والصين ‪ ،‬اللتان غالبا ما كانتا‬ ‫واثنتان ل ُيرت َ‬
‫تتماشيان مع الرغبة المريكية ‪ ،‬نتيجة السترضاء السياسي ‪ ،‬كغض الطرف‬
‫عن ممارسات هاتين الدولتين ‪ ،‬فيما يخص مثل حقوق النسان في الصين ‪ ،‬أو‬
‫اضطهاد الشعوب الُمجاورة والقلّيات العرقية أو الدينية في روسيا ‪ ،‬بالضافة‬
‫إلى الغراء القتصادي ‪ ،‬متعدد الوجه والخيارات ‪ .‬وفي حال فّكرت إحداهما‬
‫في استعمال أي منهما ‪ ،‬حق النقض على قرار يخدم إسرائيل ‪ ،‬تصبح دولة‬
‫نازية ول سامية ‪ ،‬وتبدأ اللة العلمية اليهودية العالمية بالطبل والزمر ‪،‬‬
‫فالمور تصبح محسومة مسبقا ‪ ،‬ومؤخرا ُكشف النقاب عن هذه السياسة علنا ‪،‬‬
‫عندما هّددت أمريكا دولة كولومبيا المستضعفة بفرض مقاطعة اقتصادية ‪،‬‬
‫عندما صّوتت لصالح إرسال قوة حماية دولية للفلسطينيين ‪.‬‬

‫‪218‬‬
‫ولنأخذ على سبيل المثال ‪ ،‬القرارات الخاصة بالعراق ‪ ،‬حيث اُتخذت‬
‫بالجماع ‪ ،‬بحجة مخالفة العراق للقانون الدولي آنذاك ‪ ،‬وطريقة تأمين الجماع‬
‫‪ ،‬تمت كما هي العادة بطريقة آلية ‪ ،‬بالنشاط الملحوظ للديبلوماسية اليهودية‬
‫المريكية من وراء الستار ‪ ،‬ومن أمام الستار أحيانا بجولت مكوكية ‪ .‬فمعظم‬
‫دول مجلس المن ‪ ،‬إّما أن تكون حليفة أو صديقة أو مديونة أو منهارة‬
‫اقتصاديا ‪ .‬وعندما ُوضع أول قرار بدأت الماكينة اليهودية ‪ ،‬بالدوران بأقصى‬
‫سرعتها وطاقتها ‪ ،‬مدفوعة بأحقادها ومخاوفها التوراتية ‪ ،‬لفرض قرارات‬
‫جديدة ‪ ،‬ولتأمين تطبيق القرارات وتنفيذها ‪ ،‬والعالم كله ل يعلم لغاية الن ‪،‬‬
‫حقيقة النوايا اليهودية المريكية البريطانية الفرنسية ‪ ،‬من وراء تلك الحرب‬
‫وهذا الحصار ‪ .‬وفي الحقيقة ما ُوضع بقرار ل ُيرفع إل بقرار ‪ ،‬وهذا ينطبق‬
‫على الحصار ‪ ،‬ولن ُيرفع هذا الحصار اليهودي التوراتي ‪ ،‬ما دامت أمريكا‬
‫تملك حق النقض ‪ ،‬إل أن يتم خرق هذا الحصار بدون قرار رفع ‪ ،‬من جانب‬
‫دولة عظمى كروسيا أو الصين ‪ ،‬ل يستطيع القانون الدولي اليهودي المريكي‬
‫معاقبتها ‪ ،‬كونها تمتلك سلحا نوويا ‪ ،‬قادرا على أن يمحو أمريكا وحلفائها عن‬
‫الوجود ‪ ،‬بما فيها من يهود ‪ ،‬وهذا الحتمال ُيعدّ نوع من الُمغامرة في الظروف‬
‫الراهنة ‪ ،‬ومع ذلك بدأ التمرد الروسي على أوامر أسياد العالم يلوح في الفق ‪.‬‬
‫المنظمات النسانية في المم المتحدة ‪:‬‬
‫ما الذي تنادي به هذه المنظمات ؟ تنادي بحرية المرأة ‪ ،‬وحقوق النسان ‪،‬‬
‫وحقوق الطفل ‪ ،‬وتنظيم النسل وتحديده ‪ ،‬وغيرها ‪ ،‬وكل هذه الحريات‬
‫والحقوق ‪ ،‬عند المناداة بها ‪ ،‬غالبا ما تأخذ الطابع السياسي ‪ ،‬فانظر إلى الدول‬
‫المتهمة ‪ ،‬بانتهاك هذه الحريات وهذه الحقوق ‪ ،‬هي الدول العربية السلمية‬
‫أول ‪ ،‬والدول السلمية غير العربية ثانيا ‪ ،‬والدول الشيوعية ‪ ،‬وما عدا ذلك‬
‫إذا كان موجودا ‪ ،‬فهو لذّر الرماد في العيون ‪ ،‬فما الذي يريدون من وراء‬
‫ذلك ؟ انظر إلى الحياة الجتماعية في الغرب ‪ ،‬الذي سمح ويسمح بهذه‬
‫الحريات والحقوق ‪ ،‬تجد أن الجابة هي ما يلي ‪:‬‬
‫تحّرر الفكر ‪ ،‬فنتج الكفر واللحاد وعبادة المادة وتقديسها ‪ ،‬تحررت النساء‬
‫فتنازلن عن دورهن الفطري في المومة والتربية ‪ ،‬فنتجت كافة أنواع الباحية‬
‫والفجور والدعارة ‪ ،‬وأصبحت لحوم النساء عرضة للكلب الضاّلة ‪ .‬وتحّررت‬
‫الطفولة ‪ ،‬فتطاولت على الباء والمهات والمعّلمين والمعّلمات ‪ ،‬وتمّردت عند‬
‫‪219‬‬
‫البلوغ لتترك السرة ‪ ،‬وطفقت تبحث عن إشباع الغرائز والشهوات ‪ .‬لنخلص‬
‫من ذلك إلى أن المطالبة بحماية هذه الحقوق والحريات ‪ ،‬هي في الصل دعوة‬
‫للتمرد على الطبيعة البشرية وأبجدياتها ‪ ،‬وعلى القيم الروحية والخلقية ‪،‬‬
‫التي قّدمتها الديان السماوية كمنهج للحياة ‪ .‬تهدف إلى ضرب السرة ‪ ،‬اللبنة‬
‫الساسية في بناء المجتمعات ‪ ،‬بحرمان الب من دوره القيادي ‪ ،‬مما يؤدي إلى‬
‫تفكيك العلقات ما بين أفرادها ‪ ،‬وضياع الرؤى المشتركة للبقاء والستمرار ‪.‬‬
‫ولو قمت بإحصائية لعدد الغربيون ذوي الولدات الشرعية ! ربما لوجدت أن‬
‫معظمهم أولد زنا ‪ ،‬شّر الخلق عند ال !! أما نحن … فماضون على الدرب‬
‫لنواكب ُمتطلبات العصر اليهودي … بجهود الجهابذة من مفكرين وخبراء‬
‫واختصاصيين … من دعاة التحّرر والتحرير والصلح القتصادي والثقافي‬
‫… وسنصل … عّما قريب … إن لم يّداركنا ال برحمته ‪.‬‬
‫البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ‪:‬‬
‫مهمة هذه المؤسسة تقديم النصائح ‪ ،‬بما ُيسمى ببرامج التصحيح القتصادي ‪،‬‬
‫ومن ثم تقديم القروض ‪ ،‬والحصول على ضمانات للسداد ‪ ،‬ولكن هل تكترث‬
‫هذه المؤسسة بمصير الموال المقّدمة ‪ ،‬وهل تتابع تنفيذ برامجها التصحيحية ؟‬
‫وما هي طبيعة هذه البرامج وماذا تحمل في طياتها ؟ في الحقيقة تذهب معظم‬
‫الموال المقّدمة إلى جيوب ‪ ،‬المتنّفذين في الحكم ‪ ،‬وكنفقات للجهزة‬
‫الحكومية ‪ ،‬ول تظهر المتابعة ‪ ،‬إل عندما تقع الدول المديونة ‪ ،‬في أزمات‬
‫اقتصادية يكون سببها في الصل برامج الصندوق نفسها ‪ ،‬تعجز بسببها من‬
‫سداد استحقاقات الدين ‪ ،‬فيأتي الصندوق بحزمة اقتراحات جديدة ‪ ،‬بديون‬
‫جديدة وفوائد جديدة ‪ ،‬ومن ثم يتم إعادة جدولة الديون ‪ .‬ومن ضمن القتراحات‬
‫رفع الضرائب والرسوم على كل شيء ‪ .‬وربما يضعوا في بيتك مستقبل موظفا‬
‫حكوميا ‪ ،‬ليحصي عليك عدد لقمات الطعام ‪ ،‬التي تأكلها أنت وأبناءك ‪ ،‬أو ما‬
‫تحرقه عضلتك من سّكر أثناء الحركة ‪ ،‬بما أنها نوع من الوقود ‪ ،‬ولُتجبى‬
‫سّكر ‪ ،‬مما يؤدي إلى رفع‬ ‫منك نسبة الضريبة على كل لقمة أو غرام من ال ُ‬
‫السعار باستمرار ‪ ،‬ويكون ضحيتها أول وأخيرا المواطن المسحوق ‪ .‬وُيضاف‬
‫دين جديد للخروج من الزمة القتصادية ‪ ،‬وُتعاد جدولته مع الديون القديمة‬
‫مرة أخرى ‪ ،‬ومن ثم تقع أزمة جديدة ‪ ،‬نتيجة النسياب المستمر لرأس المال‬
‫الوطني ‪ ،‬في المجتمعات الستهلكية وغير المنتجة ‪ ،‬فضل عن السرقات‬
‫‪220‬‬
‫والختلسات ‪ ،‬ومن ثم ديون جديدة ‪ ،‬وهكذا دواليك … ‪ ،‬فيتضخم أصل الدين‬
‫القومي ليصل إلى أرقام فلكية ‪ ،‬ل تستطيع الشعوب حتى تسديد قيمة فوائدها‬
‫السنوية …‬
‫وبالتالي تصادر أو بالحرى ُتشترى القرارات السياسية ‪ ،‬كما اشُتريت قرارات‬
‫التحاد السوفييتي ‪ ،‬في حرب الخليج وما بعدها ‪ ،‬بعد أن اختلس‬
‫) غورباتشوف ( وحاشيته ‪ ،‬ما مجموعه أربعة مليارات دولر ‪ ،‬ثمنا لتدمير‬
‫التحاد السوفييتي ‪ ،‬لكي يتمكن اليهود من التفّرد بحكم العالم ‪ ،‬من خلل‬
‫نظامهم العالمي الجديد ‪ .‬وبعد أن أزاح الرئيس الروسي ) يلتسين ( غريمه من‬
‫الكرملين بقوة المدرعات ‪ ،‬أكمل صفقة البيع ‪ ،‬فاختلس على مدى سنين حكمه ‪،‬‬
‫ما مجموعه سبعة مليارات دولر ‪ ،‬من مساعدات صندوق النقد لدولي ‪ .‬ولما‬
‫اُكتشف المر من قبل الروس ‪ ،‬وصار ) يلتسين ( قاب قوسين أو أدنى من‬
‫الملحقة القضائية ‪ ،‬اشتعلت بقدرة قادر أحداث داغستان ‪ ،‬والتفجيرات الوهمية‬
‫شّنت حرب غير مبررة للقضاء على‬ ‫جل أي ضحية ‪ ،‬و ُ‬ ‫في موسكو ‪ ،‬التي لم ُتس ّ‬
‫الرهاب في الشيشان ‪ ،‬وانشغل الشعب الروسي فيها ‪ ،‬ونسي اختلسات‬
‫) يلتسين ( ‪ ،‬الذي قّدم استقالته ‪ ،‬واشترط علنا على خليفته ) بوتين ( ‪ ،‬عدم‬
‫ملحقته قضائيا عند تسلمه للسلطة ‪ ،‬فمن الذي مّكن ) يلتسين ( من ذلك ؟‬
‫وكيف صعد ) بوتين ( من المجهول ‪ ،‬ليصبح رئيسا لروسيا ؟!‬
‫ُيصّرح الملياردير اليهودي ) سوروس ( ‪ ،‬بأن المسؤول عن تدبير ذلك ‪ ،‬هو‬
‫الملياردير اليهودي الخر ) بيريزوفسكي ( ‪ ،‬الذي قّدم التمويل لثوار داغستان‬
‫السلميين ‪ ،‬وبعد اشتعال النيران وغزو الشيشان ‪ ،‬انقطع التمويل ‪ .‬ويصرح‬
‫طاب ( صحفيا ‪ ،‬بعد أن شرب المقلب اليهودي ‪،‬‬ ‫زعيم السلميين ) خ ّ‬
‫وتبخّرت أحلمه في إقامة دولة إسلمية في داغستان ‪ ،‬بأن التفاق مع‬
‫) بيريزوفسكي ( ‪ ،‬لم يتطّرق إلى تدخل الطيران الروسي لقصف الثوار ‪.‬‬
‫وبالتالي ذهبت الشعب الشيشاني المسلم ‪ ،‬ضحية لمؤامرة ) يلتسين ‪،‬‬
‫طاب ‪ ،‬بوتين ( ‪ ،‬كما حصل مع الشريف حسين في الثورة‬ ‫بيريزوفسكي ‪ ،‬خ ّ‬
‫غدر به ‪ ،‬فكانت نتيجتها الستعمار‬ ‫العربية في الحرب العالمية بعد أن ُ‬
‫والنتداب وضياع فلسطين وتشرذم المة العربية ‪ ،‬وكما حصل مع هتلر في‬
‫الحرب العالمية الثانية ‪ ،‬ومع صدام حسين في حربي العراق الُمدّمرتين ‪ .‬هل‬
‫المشكلة في أن العرب ‪ ،‬ل يقرءون التاريخ أو القرآن أو التوراة أو النجيل ؟!‬
‫أم أن العرب ل يقرءون شيئا ‪ ،‬وإن قرءوا ل يفهمون ‪ ،‬وإن فهموا ل يعملون ‪.‬‬
‫‪221‬‬
‫في الحقيقة هذا ليس من قولي ‪ ،‬وإنما سمعته يوما من أحدهم ‪ ،‬منسوبا إلى أحد‬
‫زعماء اليهود ربما يكون ) بيغن ( ‪ ،‬والغريب أن سيناريو المؤامرة هو نفسه‬
‫بكل حيثياته ‪ ،‬يتكّرر في كل مرة !!!‬
‫والسؤال هنا ‪ ،‬من هم أصحاب صندوق النقد الدولي والبنك الدولي‬
‫الحقيقيون ؟! وإن كانت تملكهما الدول ‪ ،‬فما معنى أن تكون بلدان كأمريكا‬
‫وبريطانيا وفرنسا واليابان مثل ‪ ،‬من أكثر دول العالم أرقاما للدين القومي ؟!‬
‫فالدين القومي المريكي المعلن لعام ‪ ، 2000‬كما ُنشر في إحدى الصحف ‪،‬‬
‫يصل إلى ‪ 300‬ألف مليار دولر ‪ ،‬والدين القومي الياباني يصل إلى ‪ 280‬ألف‬
‫مليار دولر ‪ ،‬وهما أكبر اقتصادان في العالم ‪ .‬ولم يكفهم كل ذلك ‪ ،‬وكما أخوة‬
‫يوسف ‪ ،‬لم ينتظروا الفرصة ولم يتقاعسوا ‪ ،‬بل سارعوا لخلق الفرصة بالمكر‬
‫والحيلة ‪ ،‬للظفر بأخيهم ‪ ،‬لم تستكن أبالسة الشر ‪ ،‬ولم يهدأ لهم بال ‪ ،‬فهم دائمو‬
‫الحركة والبحث ‪ ،‬في مطابخ السياسة والقتصاد هناك في الغرب ‪ ،‬وكل جيل‬
‫ُيكمل ما بدأه الخر ‪ ،‬ويضيف عليه تعديلته ‪ ،‬ويستعجل تنفيذ خطوات‬
‫المخطط الشيطاني ‪ ،‬ويحلم كل جيل بأن يكون مجيء مليكهم المنتظر في زمانه‬
‫خر التنفيذ يعني تأخر المجيء ‪ ،‬وآخر ما تفّتقت عنه أذهانهم ‪ ،‬في حلقات‬ ‫‪ ،‬وتأ ّ‬
‫هذا المسلسل الطويل ‪ ،‬هو فكرة العولمة ‪ ،‬التي ل تعدو أكثر من كونها ‪ ،‬وحيا‬
‫شيطانيا ‪ ،‬لنشر المذهب الشيطاني وفرضه على شعوب العالم ‪.‬‬
‫العولمة ‪:‬‬
‫العولمة ‪ :‬كلفظ ُمجّرد مصطلح ُمبهم ‪ ،‬ويصبح مفهوما وتضح ماهيته ‪ ،‬عندما‬
‫ُتضاف إليه كلمة أخرى ‪ ،‬كأن نقول عولمة الثقافة وعولمة القتصاد ‪ .‬وبما أننا‬
‫نعلم أن من ُينادي بالعولمة ويدعوا إليها هي أمريكا ‪ ،‬فذلك يعني أول ‪ :‬تعميم‬
‫الثقافة المريكية ‪ ،‬وثانيا ‪ :‬تعميم النظام القتصادي المريكي الرأسمالي ‪.‬‬
‫وبشكل شمولي هو فرض الحضارة المريكية الغربية بكافة جوانبها ‪ ،‬كأسلوب‬
‫جديد للحياة على كافة شعوب العالم ‪ ،‬ولو قمنا بتقييم بسيط للحضارة‬
‫المريكية ‪ ،‬لوجدنا أن من رسم وشّكل معالم وأبعاد هذه الحضارة ‪ ،‬منذ بدايات‬
‫القرن الماضي ‪ ،‬هم السياد الجدد لمريكا ‪ ،‬أعني أرباب المال اليهود ‪ ،‬من‬
‫خلل سيطرتهم المطلقة ‪ ،‬على كافة أدوات النتاج المريكي القتصادي‬
‫والثقافي ‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫أما ملمح الحضارة المريكية ‪ ،‬فهي في الواقع ترجمة حّية لما يحمله اليهود ‪،‬‬
‫من عقائد كفرية إلحادية ‪ ،‬ل تؤمن إل بكل ما هو محسوس ‪ ،‬تدعوا إلى تأليه‬
‫رأس المال والقتصاد وعبادة أصحابه ‪ .‬وتدعوا إلى أخلقيات اجتماعية‬
‫سمتها النحلل والباحية ‪ ،‬والدعوة لممارسة كل رذيلة ‪ ،‬والتحلل‬ ‫تلمودية ‪ِ ،‬‬
‫من كل فضيلة ‪ .‬لنخلص إلى القول إلى أن الغاية من العولمة ‪ ،‬هو نشر العقيدة‬
‫اليهودية المادية الدنيوية ‪ ،‬الخاصة بأصحاب البروتوكولت اليهود تمهيدا‬
‫لضربتهم النهائية ‪.‬‬
‫في أواخر القرن الماضي ‪ ،‬تمكن اليهود من نشر هذه العقيدة في أمريكا والدول‬
‫الغربية ‪ ،‬وبعد أن استحكمت قبضتهم على مواقع صنع القرار فيها ‪ ،‬من خلل‬
‫امتلكهم لرؤوس الموال المحّركة لقتصاديات هذه الدول ‪ .‬ومع انتهاء‬
‫الحرب الباردة وتفّرد أمريكا بحكم العالم ‪ ،‬امتلك هؤلء القوة العظمى والوحيدة‬
‫في العالم ‪ ،‬التي أصبحت كالمعّلم الشرس بعصاه الطويلة ‪ ،‬الذي يسعى كل‬
‫التلميذ لنيل رضاه ‪ ،‬بالنصياع لوامره وترك نواهيه ‪ ،‬وينفذون ما يفرضه‬
‫عليهم رغبة ورهبة ‪ ،‬حتى لو أوردهم موارد الهلك ‪ .‬فأصبح لدى هؤلء‬
‫القدرة أكثر من أي وقت مضى – حسب تصورهم ‪ -‬على تنفيذ ما تبقى من‬
‫خطوات مخططهم الشيطاني ‪.‬‬
‫في الجانب الخر من العالم ‪ ،‬تقف بشموخ المجتمعات الشرقية ‪ ،‬من المؤمنين‬
‫بال وحتى الملحدين والوثنيون ‪ ،‬ذوي المعتقدات والقيم الراسخة ‪ ،‬والتي‬
‫غرسها وحافظ عليها النبياء والمفّكرين ورجال الدين ‪ ،‬قديما وحديثا ‪ ،‬فشّكلت‬
‫حواجز منيعة أمام طموحات اليهودية العالمية ‪ ،‬وكانت آخر القلع التي‬
‫يتطّلعون إلى تحطيمها ‪ ،‬وما تبقى من أسوارها في طريقه للنهيار ‪.‬‬
‫ولما أصبحت الرياح مواتية لهم ‪ ،‬جلس أسياد العالم وائتمروا فتفّتقت أذهانهم ‪،‬‬
‫عن هذه الفكار الجهنمية الخاصة بمنظمة التجارة العالمية وقوانينها ‪،‬‬
‫ومتطلبات النتساب إليها ‪ ،‬لختراق جميع الحواجز القتصادية ‪ ،‬التي أقامتها‬
‫الحكومات لحماية ثرواتها الوطنية ‪ ،‬من النسياب التلقائي إلى جيوب أرباب‬
‫المال اليهود ‪ .‬والتي سيكون بمقدورهم من خللها ‪ ،‬إصابة عدة عصافير بحجر‬
‫واحد ‪.‬‬
‫وسائلها الثقافية ‪ :‬بالترتيب هي ‪ ،‬المطبوعات والراديو والسينما والتلفاز‬
‫والفيديو والطباق اللقطة وأخيرا النترنت ‪ .‬وكان ابتكار النترنت بُمشاركة‬
‫‪223‬‬
‫الطباق اللقطة ‪ ،‬التي ُأجبرت الدول العربية ‪ ،‬على السماح بدخولها واقتناها ‪،‬‬
‫قبل ‪ 4‬إلى ‪ 5‬سنوات ‪ ،‬أكبر ضربة لما أقامه هؤلء من حواجز ‪ ،‬لحماية‬
‫شعوبهم من الغزو الثقافي الغربي ‪ .‬وجاءت العولمة القتصادية لترفع الرسوم‬
‫الجمركية عنها ‪ ،‬لتصبح في متناول من ل يملك ثمن رغيف الخبز ‪ ،‬ولتكون‬
‫بمثابة حصان طروادة ولكن بحّلة جديدة ‪ ،‬لتصل إلى البدوي في خيمته ‪،‬‬
‫والمشّرد في كهفه ‪ ،‬والموظف في مكان عمله ‪ ،‬والطالب في جامعته ومدرسته‬
‫‪ ،‬وحتى الطفل في مهده ‪.‬‬
‫التحذير من خطر العقائد والخلقيات اليهودية ‪ ،‬والتي يسعون الن لنشرها‬
‫تحت ُمسميات عولمة الثقافة وعولمة القتصاد ‪ ،‬جاء في بعض أقوال رؤساء‬
‫الغرب ‪:‬‬
‫) لنكولن ( ‪ … " :‬فقد أصبحت السيادة للهيئات والشركات الكبرى … إذ أن‬
‫أصحاب رؤوس الموال ‪ ،‬سيعملون على إبقاء سيطرتهم على الدولة …‬
‫وستصبح ثروة البلد بأكملها ‪ ،‬تحت سيطرة فئة قليلة … المر الذي سيؤدي‬
‫إلى تحطم الجمهورية " ‪.‬‬
‫) فرانكلين ( ‪ " :‬ومع أنهم يعيشون بيننا منذ أجيال … فإن ُمُثلهم العليا ما زالت‬
‫تختلف كليا ‪ ،‬عما يتحلى به الشعب المريكي من ُمُثل … فالفهد الرقط ل‬
‫يمكنه تغيير لون جلده ) عبارة مقتبسة من التوراة ( " ‪.‬‬
‫) هتلر ( ‪ " :‬ومن جهة أخرى يحارب ‪ ،‬الروح المادية اليهودية ‪ ،‬المتغلغلة في‬
‫نفوسنا وفي نفوس الخرين " ‪.‬‬
‫بعد هذا العرض نستطيع تعريف لفظ العولمة على أنها ‪:‬‬
‫مصطلح مضلل استعمل كغطاء ‪ ،‬للتعبير عن برنامج يهودي أمريكي لتهويد‬
‫العالم بأسره ‪ .‬أدواته الثقافية هي وسائل التصال والعلم المختلفة ‪ ،‬وأدواته‬
‫القتصادية صندوق النقد والبنك الدولي والخصخصة ومنظمة التجارة‬
‫العالمية ‪ .‬وغايته أول ‪ :‬خلق ديانة مادية جديدة ‪ ،‬تحت عنوان الثقافة‬
‫ضر ‪ ،‬وثانيا ‪ :‬نهب ثروات الشعوب ‪ ،‬تحت عنوان تحرير التجارة ‪.‬‬ ‫والتح ّ‬
‫وذلك لتهيئة الجواء ‪ ،‬لظهور اليهود كأسياد للعالم بأسره ‪ ،‬عندما يحين الوقت‬
‫المناسب لذلك ‪.‬‬

‫‪224‬‬
‫أخطار العولمة على أرض الواقع ‪:‬‬
‫الخطر الجتماعي ؛ يتمّثل في ضرب منظومة العقائد والقيم والخلق ‪ ،‬لدى‬
‫الشعوب المختلفة في العالم ‪ ،‬والتي بدورها تشكل الضمير النساني للفرد ‪،‬‬
‫الذي ُيحاول السمو بالنسان إلى مرتبة الملئكة ‪ .‬وأما الهدف النهائي المرتجى‬
‫من بعدها الجتماعي ‪ ،‬هو تشكيل أجيال جديدة تبحث بشتى الوسائل والسبل ‪،‬‬
‫عما ُيشبع غرائزها ورغباتها ونزواتها ‪ ،‬لتهبط بالنسان إلى ما دون مرتبة‬
‫الحيوان ‪ ،‬وبذلك يسهل على مخططي المؤامرة اليهود سياسة هذه الجيال‬
‫حكموا من‬‫وتذليلها ‪ .‬وبالتالي لن تكون هناك معارضة ‪ ،‬لمثل هؤلء فيما لو ُ‬
‫قبل سادة العالم الجدد ‪ ،‬ملوك اللحاد والباحية ‪ ،‬وهذا ما تصبوا إليه الجيال‬
‫التي هي في طور التشّكل الن ‪.‬‬
‫وقد بدأنا في السنوات الخيرة ‪ ،‬نرى نماذج من المسوخ البشرية ‪ ،‬في العديد‬
‫من بيوت المسلمين ‪ .‬فتيان وفتيات ل يرغبون في التعلم أو العمل ‪ ،‬والفشل هو‬
‫السمة البارزة في أعمالهم وتوجهاتهم ونتائجهم ‪ .‬يجوبون الشوارع ويرتادون‬
‫الماكن العامة ويذهبون إلى الجامعات ‪ ،‬بحثا عن الحب والمجون والخلعة ‪،‬‬
‫بعد أن أصبحت جامعاتنا وشوارعنا معارض لدور الزياء العالمية ‪ ،‬ول أحد‬
‫يريد العفاف والطهر ‪ ،‬لذلك تجدهم يعزفون عن الزواج ‪ ،‬وكما قال أحد‬
‫المتعولمين ‪ " :‬ما دام الحليب موجود في السوق ‪ ،‬فما الداعي لشراء البقر ؟ " ‪.‬‬
‫وأكبر الثر في تشكيل هذه النماذج ‪ ،‬هي القنوات الفضائية العربية – فضل‬
‫عن قنوات الباحة الجنبية – وخاصة التي تضم في طاقمها مقّدمي ومقّدمات‬
‫البرامج اللبنانيون ‪ ،‬بعرض الكاسيات العاريات المائلت المميلت ‪ ،‬اللواتي‬
‫يتحدثن بلسان عربي مبين ‪ ،‬مما أعطى المبرر لفتياتنا ‪ ،‬وكسر الحاجز النفسي‬
‫لديهن ‪ ،‬ليّتخذن منهن قدوة ُتحتذى ‪ ،‬بمباركة من الب الذي ُيرّبت على كتف‬
‫ابنته ‪ ،‬أثناء مشاهدته لتلك الغواني وأولئك المخّنثين ‪ ،‬بعين الرضا والقبول‬
‫والعجاب والستحسان والستمتاع ‪.‬‬
‫حرماته ‪ ،‬عن سبق‬ ‫ما تراه اليوم أن رجال أمة السلم ‪ ،‬يتحّدون ال وحدوده و ُ‬
‫صد ‪ ،‬وهم يدفعون فتياتهم بشكل مباشر لممارسة مهنة عرض‬ ‫إصرار وتر ّ‬
‫الزياء ‪ ،‬في الشوارع والماكن العامة والجامعات وأماكن العمل ‪ .‬هدفهن دائما‬
‫وأبدا الغواء والفتنة بحركات وأصوات ‪ ،‬ل تقوم بها إل إناث القطط في شهر‬
‫شباط ‪ ،‬ولمرة واحدة في السنة ‪ ،‬أّما رجال بلد العرب أوطاني ‪ ،‬شيوخا وشبابا‬
‫‪225‬‬
‫‪ ،‬أصبحوا كذكورها ‪ ،‬ولكن على مدار السنة ‪ .‬لينتهي بهن المطاف في أحضان‬
‫الرذيلة ‪ ،‬فل أحد معصوم ‪ ،‬والذباب البشري الجائع يمل الجواء ‪ ،‬بحثا عن‬
‫قطة الحلوى أو كيس للقمامة ‪ ،‬فل فرق عنده ‪ .‬وأما النترنت فحّدث ول‬
‫حرج ‪ ،‬والنساء تتهافت عليها أكثر من الرجال …‬
‫أما أطفال أمة السلم ‪ ،‬فهم بين أيدي أمهات صفتهن قد تقّدمت أعله ‪ ،‬ل‬
‫يفقهن من الزواج شيئا ‪ ،‬ول يملكن من عاطفة المومة واحد بالمليون ‪ ،‬مما‬
‫تمتلكه وحوش القفر ‪ .‬وتربية الطفال لديهن ‪ ،‬تقوم على مبادئ تربية الدواجن‬
‫وتسمين الخراف ‪ .‬أطفال مهملون في زوايا الغرف ‪ ،‬يحملقون في برامج‬
‫المسوخ المتحركة ‪ ،‬وأغاني ومسلسلت وأفلم الدعارة العربية والجنبية ‪ .‬أما‬
‫عِمَد إلى تغيير المناهج المدرسية ‪ ،‬لسلخ الطفل عن هويته‬ ‫في المدرسة فقد ُ‬
‫حذفت أمجاد البطال والبطولت السلمية ‪ ،‬وبدل منها‬ ‫السلمية العربية ‪ ،‬ف ُ‬
‫تم تصميم بطولت وهمية لبطال من ورق ‪ .‬وربما يضيفون غدا مناهج‬
‫التربية الجنسية لتثقيف الجيال الناشئة ‪ ،‬فالغرائز تحتاج إلى تعلم ‪ .‬وتم تغيير‬
‫أساليب التربية والتدريس ‪ ،‬بإلغاء عقوبة الضرب ‪ ،‬وإلغاء عقوبة الرسوب ‪،‬‬
‫وإدخال لغة العولمة ‪ ،‬كمبحث أساسي في المناهج الدراسية ‪.‬‬
‫ب)‬‫وخلصة القول بأنهم سُيهّودون العالم ‪ ،‬تحت غطاء أمريكي مدموغ ِ‬
‫‪ ، ( made in USA‬لدرجة أنهم ربما ‪ُ ،‬يجبروك على الذهاب لصلة‬
‫الجمعة ‪ ،‬في يوم السبت أو الحد ‪ ،‬بعد إحدى ندوات حوار الديان ‪.‬‬
‫أما الخطر القتصادي ؛ فيتمّثل في ضرب قوانين الحماية ‪ ،‬التي ُوضعت‬
‫للمحافظة على الثروة الوطنية ‪ .‬لتسهيل عملية سلب ثروات الشعوب ‪،‬‬
‫وتكديسها في المصارف العالمية وإفقارها وتجويعها ‪ .‬إذ لم يكفهم ما يقوم به‬
‫البنك الدولي وصندوق النقد والخصخصة ‪ ،‬من نهب لثروات الشعوب ‪ ،‬من‬
‫خلل تغلغل الستثمارات اليهودية ‪ ،‬في شتى أقطار العالم ‪ ،‬بعد كل هزة أو‬
‫أزمة اقتصادية مفتعلة ‪ ،‬بشكل مباشر أو غير مباشر ‪ .‬فموجة الخصخصة التي‬
‫هي أحد برامج صندوق النقد الدولي ‪ ،‬أتاحت لرؤوس الموال اليهودية ‪،‬‬
‫لدخول الدول العربية ‪ ،‬تحت ُمسميات شركات أجنبية عالمية كبرى ‪ ،‬أو عن‬
‫طريق شركات محلية بأسماء عربية صورية ‪ ،‬مقابل حفنة من الدولرات ‪.‬‬
‫بل ابتكروا ما هو أخطر بكثير ‪ ،‬الشق الخر الذي كان ) كلينتون ( ُيرّوج‬
‫للنضمام له ‪ ،‬أل وهو ) منظمة التجارة العالمية ( ‪ ،‬والتي تدعو لتحرير‬
‫‪226‬‬
‫التجارة وتحرير رأس المال ‪ .‬والملحظ أن كل مبادئهم الهداّمة ‪ ،‬عادة ما تحمل‬
‫صفة التحرير أو التحرر ‪ ،‬وانظر إلى هذا القول العرج العوج ‪ ،‬فالشعوب‬
‫عندما تحمي سلعتها وصنعتها ‪ ،‬تصبح ُمستعِمرة لتجارتها ‪ ،‬لذلك فهي بحاجة‬
‫إلى التحرير ‪ .‬أما المراد من وراء ذلك في الحقيقة ‪ ،‬فهو السطو على مكتسبات‬
‫طاة بأوراق التغليف البراّقة‬
‫الدول الغنية والفقيرة ‪ ،‬بطرق شرعية ملتوية ‪ ،‬مغ ّ‬
‫الملّونة ‪ ،‬لتسحر أعين الشعوب المسحوقة ‪ ،‬بما ُيشبه عملية التنويم المغناطيسي‬
‫‪ .‬ولنوضح ما نقصده بذلك ‪ ،‬بأنك تستطيع في البداية على سبيل المثال ‪،‬‬
‫الحصول على سيارة جيدة بثمن زهيد ‪ ،‬نتيجة تخفيض الجمارك والرسوم ‪،‬‬
‫ولكن هذا التخفيض سيترتب عليه ‪ ،‬عجز كبير في الموازنة العامة للدولة ‪،‬‬
‫فمن أين ستغطي الدولة هذا العجز برأيك ‪ ،‬إن لم تعتمد على فرض رسوم‬
‫وضرائب بديلة تحت مسميات أخرى ‪ ،‬لتصل في النهاية إلى عدم القدرة ‪ ،‬على‬
‫شراء الوقود لتلك السيارة ‪ ،‬لعدم قدرة الراتب على تأمين متطلبات الحياة‬
‫الساسية ‪.‬‬
‫فبعد أن تمّكنوا من خلق قطعان من المستهلكين ‪ ،‬تنظر بعين القداسة لكل ما هو‬
‫غربي ومستورد ‪ ،‬من منتجات ثقافية وتكنولوجية استهلكية الطابع ‪ ،‬جاءوا‬
‫باتفاقيات هذه المنظمة ‪ ،‬لرفع القيود ‪ ،‬من قوانين جمركية وضريبية على السلع‬
‫المستوردة ‪ ،‬وذلك بغية فتح السواق الوطنية للسلع الجنبية ‪ ،‬وبالتالي تتهافت‬
‫المجتمعات الستهلكية ‪ ،‬على تلك السلع ‪ ،‬فتتسّرب العملة الوطنية إلى الخارج‬
‫بل توقف ‪ ،‬ويترّتب على ذلك عجز كبير ‪ ،‬في ميزانيات دول العالم الثالث ‪،‬‬
‫التي ل تملك صناعات منافسة ‪ ،‬تعّوض وتعيد جزء من العملة المفقودة ‪ .‬لذلك‬
‫ستضطر الحكومات ‪ ،‬إلى اتخاذ إجراءات علجية عديدة ‪ ،‬لسّد عجز‬
‫الموازنة ‪ ،‬التي غالبا ما يتكفل بها صندوق النقد الدولي ‪ ،‬بزيادة الضرائب‬
‫بكافة الشكال والُمسّميات ‪ ،‬بمبررات ومن غير مبررات أحيانا ‪ ،‬بالضافة إلى‬
‫تراكم ديون جديدة ‪ ،‬وزيادة الضرائب تعني رفع السعار تلقائيا ‪ ،‬وهكذا دواليك‬
‫… ‪ ،‬وسيظهر التأثير المدّمر على شعوب الدول التي انضّمت لهذه المنظمة ‪،‬‬
‫خلل فترة ربما ل تزيد عن سنة أو سنتان ‪ .‬وذلك عندما تبدأ المؤسسات‬
‫والشركات الوطنية ‪ ،‬بالفلس والنهيار تباعا ‪ ،‬ومن ثم انتشار البطالة والفقر‬
‫والجوع بين مواطنيها ‪ ،‬انتشار النار في الهشيم ‪.‬‬
‫هناك فرق شاسع ‪ ،‬بين فلسفة القتصاد وفلسفة الدمار والخراب ‪ .‬تقضي فلسفة‬
‫القتصاد بأن تنفق أقل مما ُتنتج ‪ ،‬وتّدخر الفائض لتقلبات الزمن ‪ ،‬وأما فلسفة‬
‫‪227‬‬
‫الدمار والخراب ‪ ،‬تقضي بأن تنفق أضعاف أضعاف ما تنتج ‪ ،‬لتنتهي في‬
‫أحضان صندوق النقد الدولي ‪ ،‬ول أظن من قال ‪ " :‬على قّد لحافك مّد رجليك‬
‫" كان حاصل على دكتوراه في القتصاد ‪ ،‬ليصل إلى هذه النتيجة ‪ .‬وأتساءل‬
‫كيف عاشت البشرية ما ُيقارب الستة آلف سنة ‪ ،‬بدون صندوق النقد الدولي‬
‫وبرامجه الصلحية ‪.‬‬
‫أما الن … فأمعن النظر والفكر والوجدان ‪ ،‬في كل ما يدور من حولك ‪ ،‬في‬
‫بيتك ‪ ،‬في الشارع ‪ ،‬في المدرسة ‪ ،‬في الجامعة ‪ ،‬في وطنك ‪ ،‬بل في العالم‬
‫ي هدي ‪ ،‬يسير هذا الواقع الذي‬
‫أجمع … وأجب هن هذا التساؤل … على أ ّ‬
‫نحن عليه الن … ؟! على هدي القرآن … أم على هدي أسياد هذا الزمان !‬
‫نبذة بسيطة عن يهود العالم‬

‫من حيث المنشأ ‪ ،‬ينقسم الشعب اليهودي إلى ثلثة أقسام ‪:‬‬
‫ش اليهود الغربيون ‪ :‬وأغلبهم أثرياء ‪ ،‬استطاعوا التغلغل في أوروبا الغربية في‬
‫نهاية القرون الوسطى ‪ ،‬وبدايات عصر النهضة ) ‪ ، (17-16‬فازدادوا ثراء‬
‫فوق ثراء ‪ ،‬بما لديهم من وسائل وإمكانيات وأخلقيات ‪ ،‬لجمع المال بطرق‬
‫مشروعة وغالبا غير مشروعة ‪ ،‬لم يكن الوروبيون والمريكيون ُيمارسونها‬
‫أو يتنّبهوا إليها ‪ ،‬رغم كل تحذيرات الرؤساء والساسة والخبراء المخلصين‬
‫لممهم ‪ ،‬حتى " وقع الفأس في الرأس " ‪ ،‬فتربعوا على عرش القتصاد‬
‫العالمي حاليا ‪.‬‬
‫ش اليهود الشرقيون الشكناز ‪ :‬وأغلبهم فقراء ‪ ،‬وقد بقي حالهم كذلك ‪ ،‬في بلدان‬
‫أوروبا الشرقية وروسيا الفقيرة ‪ ،‬وكانوا مضطهدين ومنبوذين ‪ ،‬في أغلب‬
‫الحيان ‪ ،‬ويعيشون فيما ُيسّمى بالغيتوهات أو الكيبوتس ‪.‬‬
‫ش اليهود الشرقيون العرب ‪ :‬وهم الذين عاشوا في البلدان العربية ‪ ،‬كأفراد‬
‫وجماعات ‪ ،‬يتمتعون بحق المواطنة مثلهم مثل غيرهم ‪ ،‬وكثير منهم ُأجبر على‬
‫الهجرة إسرائيل ‪ ،‬من خلل دّبره الموساد السرائيلي ‪ ،‬من أزمات لرغامهم‬
‫على المغادرة ‪ ،‬وبقي جزء منهم في البلدان العربية لغاية الن ‪.‬‬

‫‪228‬‬
‫أما من حيث التوجه فينقسموا إلى ثلث أقسام ‪:‬‬
‫ش المتحّررون ‪ :‬وأغلبهم من يهود الغرب ‪ ،‬ومهمتهم تنفيذ ما جاء في‬
‫بروتوكولت الحكماء ‪ ،‬وحكم العالم اقتصاديا وسياسيا ‪ ،‬يكونون فيه شيوخ‬
‫صبون َمِلكا من أنفسهم ‪،‬‬‫المة ‪ ،‬ويضعون الدستور ‪ ،‬ويرسمون السياسية ‪ ،‬وُين ّ‬
‫دكتاتورا ُمطلقا على العالم ‪ ،‬يؤمر فُيطاع ‪ ،‬ويكون بمثابة الله على الرض ‪،‬‬
‫ول إله في السماء ‪ ،‬فُيصبح اليهود أسيادا وبقية خلق ال ‪ ،‬بل استثناء عبيدا لهم‬
‫‪.‬‬
‫ش العلمانيون ‪ :‬وأغلبهم من يهود الشرق الوروبي ‪ ،‬ومهمتهم هي تنفيذ أهداف‬
‫الحركة الصهيونية السياسية ‪ ،‬التي تلّفعت بالدين اليهودي ‪ ،‬من أجل تحقيق‬
‫أهدافها السياسية ‪ ،‬بإيجاد " غيتو " قومي لليهود في فلسطين ‪ ،‬لرفع الضطهاد‬
‫والذل الذي لزمهم طيلة ‪ ،‬وليجاد موطئ قدم لهم ‪ ،‬فنوائب الدهر الغربية غير‬
‫مضمونه ‪ ،‬فربما ينقلبون عليهم يوما ما ويطردونهم ‪ ،‬وهم الذين يشّكلون‬
‫الحزاب العلمانية في الدولة اليهودية ‪.‬‬
‫ش المتدينون ‪ :‬وأغلبهم من يهود الشرق بما فيهم يهود البلد العربية ‪ ،‬وظهرت‬
‫منهم حركات دينية متطرفة كثيرة ‪ ،‬ومهمتهم هي تنفيذ الوصايا التوراتية ‪ ،‬التي‬
‫طها أحبارهم القدماء على شكل نبوءات ‪ ،‬وتتلخص في استلب الراضي ‪،‬‬ ‫خّ‬
‫وتهجير السكان الوثنيين ‪ ،‬والستيطان ‪ ،‬وهدم المسجد القصى وبناء الهيكل ‪،‬‬
‫تمهيدا للملك اليهودي الداودي القادم ‪ ،‬الذي سيأتي من ربوات القدس ‪ ،‬ليحكم‬
‫العالم إلى البد ‪ ،‬فينتشر الحق والعدل والسلم اليهودي في الرض ‪ ،‬وهم‬
‫الذين يشّكلون الحزاب الدينية المتطّرفة ‪.‬‬
‫وكل هذه الصناف اليهودية ‪ ،‬في المحصلة وجوه عديدة لعملة واحدة ‪ ،‬هي‬
‫التوراة والتلمود ‪ ،‬أخطر وثيقتين على مستقبل البشرية والعالم ‪ ،‬لذلك احتل‬
‫التحذير من اليهود واليهودية ‪ ،‬مساحة شاسعة من قرآننا العظيم ‪ .‬بينما احتل‬
‫الفكر اليهودي المادي ‪ ،‬مساحة شاسعة ‪ ،‬من عقول أمة السلم ‪ ،‬فنسيت‬
‫إلهها ‪ ،‬وعبدت العجول الذهبية المادية للسامرّيون الجدد ‪.‬‬
‫آخر ما نود قوله ‪ ،‬أن اليهود قطعوا شوطا كبيرا ‪ ،‬في تنفيذ مخططهم الشيطاني‬
‫للسيطرة على العالم ‪ ،‬حتى صاروا ) نظريا ( قاب قوسين أو أدنى ‪ ،‬من‬
‫الوصول إلى هدفهم النهائي في ظرف سنين قليلة ‪ ،‬ونجاحهم اعتمد في الدرجة‬
‫الولى ‪ ،‬ليس على ذكائهم ومكرهم ودهائهم فحسب ‪ ،‬بل في العزف على وتر‬
‫‪229‬‬
‫يطرب له جميع الناس ‪ ،‬بل استثناء إل من رحم وهدى ربي ‪ ،‬أل وهو سهولة‬
‫وقوع النفس البشرية أسيرة لهوائها وأطماعها ‪ ،‬ومن ثم إرغامها على الخلود‬
‫ن بها ‪ ،‬عندما تنعدم لديها القيم‬ ‫إلى الرض ‪ ،‬لترضى بالحياة الدنيا وتطمئ ّ‬
‫صلة من فهم حقيقة العلقة ما بين السماء والرض ‪،‬‬ ‫الروحية اليمانية ‪ ،‬الُمتح ّ‬
‫والتي توضحها سورة السراء بكل فصولها ‪ ،‬فاقرأها إن رغبت في الفهم ‪،‬‬
‫فهي تحكي واقعنا المعاصر بكل فصوله ‪ ،‬ومن أجل أن تفهم فصولها ‪ ،‬كان هذا‬
‫الفصل في هذا الكتاب ‪.‬‬
‫ن َقْبِلِهْم ‪،‬‬‫ن ِم ْ‬
‫وقد يسأل سائل ‪ :‬ثم ماذا ؟ ُنجيب بقوله تعالى ‪َ ) :‬وَقْد َمَكَر اّلِذي َ‬
‫عقَْبى الّداِر )‬ ‫ن ُ‬‫سَيْعَلُم اْلُكّفاُر ِلَم ْ‬
‫س ‪ ،‬وَ َ‬‫ب ُكّل َنْف ٍ‬ ‫س ُ‬
‫جِميًعا ‪َ ،‬يْعَلُم َما َتْك ِ‬
‫َفِلّلِه اْلَمْكُر َ‬
‫عِد ‪،‬‬
‫ن اْلَقَوا ِ‬ ‫ل ُبْنَياَنُهْم ِم َ‬
‫ن َقْبِلِهْم ‪َ ،‬فَأَتى ا ُّ‬
‫ن ِم ْ‬‫‪ 42‬الرعد ( وقوله ‪َ ) :‬قْد َمَكَر اّلِذي َ‬
‫ن )‪26‬‬ ‫شُعُرو َ‬‫ث َل َي ْ‬ ‫حْي ُ‬
‫ن َ‬ ‫ب ِم ْ‬‫ن َفْوِقِهْم ‪َ ،‬وَأَتاُهُم اْلَعَذا ُ‬‫ف ِم ْ‬ ‫سْق ُ‬‫عَلْيِهُم ال ّ‬
‫خّر َ‬
‫َف َ‬
‫النحل ( ‪.‬‬
‫والعلو اليهودي قائم على قاعدتين ‪ ،‬هما إسرائيل كموطن بما فيها القدس ‪،‬‬
‫كعاصمة مستقبلية للدولة اليهودية العالمية البدية ‪ ،‬وأمريكا كقوة اقتصادية‬
‫عسكرية ‪ ،‬لتمكين هذا الحلم اليهودي ‪ .‬فل غرابة ول عجب ‪ ،‬إن أتى ال هذا‬
‫البنيان من القواعد ‪ ،‬فخّر على رؤوسهم وعلى رؤوس من يشّد على أيديهم ‪،‬‬
‫سقف أحلمهم وطموحاتهم ‪ ،‬فأتاهم العذاب من حيث ل يشعرون ‪.‬‬
‫ونختم هذا الفصل بنص من التوراة ‪ ،‬يؤكد لليهود أن عاقبة أفعالهم ‪ ،‬ستكون‬
‫مدمرة ل محالة ‪ ،‬وأن الكأس التي جّرعوها للشعوب ‪ ،‬ل بد أن يتجّرعوها في‬
‫النهاية ‪ ،‬حتى لو تخندقوا في الحصن المريكي البريطاني المنيع ‪ ،‬فذلك لن‬
‫ُيجدي نفعا ‪ ،‬ومهما ُكبرت أمريكا وعظمت وتعالت ‪ ،‬فال أكبر وأعظم وأعلى ‪،‬‬
‫وليت عبدة أمريكا من أمتي يفقهون ذلك ‪ ،‬لعلهم يرجعون ‪ ،‬قبل فوات الوان ‪.‬‬
‫" ويل لمن يكّوم لنفسه السلب ‪ ،‬ويثرى على حساب ما نهب ‪ ،‬إنما إلى‬
‫متى ؟ أل يقوم عليك دائنوك بغتة ‪ ،‬أول يثورون عليك وُيملونك ُرعبا ‪.‬‬
‫فتصبح لهم غنيمة لنك سلبت أمما كثيرة ‪ ،‬فإن بقية الشعوب ينهبونك ثأرا ‪،‬‬
‫لما سفكت من دماء ‪ ،‬وارتكبت من جور في الرض ‪ ،‬فدّمرت ُمدنا ‪ ،‬وأهلكت‬
‫الساكنين فيها ‪ .‬ويل لمن يّدخر لبنيه مكسب ظلم ‪ ،‬وُيشيد مسكنه في مقام‬
‫ت مؤامرتك بيتك بالعار ‪ ،‬حين‬ ‫طخ ْ‬‫حصين ‪ ،‬ليكون في مأمن من الخطر ‪ .‬لقد ل ّ‬
‫استأصلت أمما عديدة ‪ ،‬وجلبت الدمار على نفسك ‪ ،‬حتى حجارة الجدران‬
‫‪230‬‬
‫تصرخ من شّرك ‪ ،‬فترّدد الدعائم الخشبية أصداءها ‪ .‬ويل لمن يبني مدينة‬
‫بالدماء ‪ ،‬وُيؤسس قرية بالثم " ‪ ) .‬التوراة ‪ :‬سفر حبقوق ‪( 12-6 :2‬‬
‫قال تعالى‬
‫ت َأْيِديِهْم ‪َ ،‬وُلِعُنوا ِبَما َقاُلوا ‪َ ،‬بْل َيَداُه‬ ‫غّل ْ‬ ‫ل َمْغُلوَلٌة ‪ُ ،‬‬ ‫ت اْلَيُهوُد َيُد ا ِّ‬ ‫) َوَقاَل ِ‬
‫ك‪،‬‬‫ن َرّب َ‬‫ك ِم ْ‬ ‫ن َكِثيًرا ِمْنُهْم ‪َ ،‬ما ُأْنِزَل ِإَلْي َ‬
‫شاُء ‪َ ،‬وَلَيِزيَد ّ‬ ‫ف َي َ‬ ‫ق َكْي َ‬ ‫ن ‪ُ ،‬يْنِف ُ‬‫طَتا ِ‬‫سو َ‬ ‫َمْب ُ‬
‫ضاءَ ِإَلى َيْوِم اْلِقَياَمِة ‪ُ ،‬كلَّما َأْوَقُدوا‬ ‫طْغَياًنا َوُكْفًرا ‪َ ،‬وَأْلَقْيَنا َبْيَنُهُم اْلَعَداَوَة َواْلَبْغ َ‬ ‫ُ‬
‫سِدي َ‬
‫ن‬ ‫ب اْلُمْف ِ‬‫ح ّ‬ ‫ل َل ُي ِ‬ ‫ساًدا ‪َ ،‬وا ُّ‬ ‫ض َف َ‬‫ن ِفي اَْلْر ِ‬ ‫سَعْو َ‬
‫ل ‪َ ،‬وَي ْ‬ ‫طَفَأَها ا ُّ‬ ‫ب َأ ْ‬
‫حْر ِ‬ ‫َناًرا ِلْل َ‬
‫)‪ 64‬المائدة (‬

‫‪231‬‬
‫النبوءات التوراتية بين الماضي والمستقبل‬

‫بالرغم من تحريف التوراة ‪ ،‬ونسخها وتأليفها عدة مرات ‪ ،‬وضعف الترجمة‬


‫إلى العربية وانحيازها ‪ .‬إل أنها ما زالت تحوي بقية من كلم ال جلّ وعل ‪،‬‬
‫تستطيع الستدلل عليها ‪ ،‬من خلل مقابلتها ومقارنتها ‪ ،‬مع ما لدينا من‬
‫وحي ‪ ،‬وتستطيع أحيانا ملحظة الساليب ‪ ،‬التي تم بها كتابة التوراة ‪ ،‬من‬
‫إضافة وحذف وتبديل لمواضع العبارات ‪ ،‬كما أخبر عنها القرآن الكريم ‪ .‬وهذه‬
‫البقية هي ما كان يستدل اليهود من خللها وما زالوا ‪ ،‬على بعض الحداث‬
‫المستقبلية ‪ ،‬كبعث عيسى ومحمد عليهما السلم قديما ‪ ،‬وما سيقع من أحداث‬
‫النهاية مستقبل ‪.‬‬
‫وكما قلنا في الفصل السابق ‪ ،‬أن معرفتهم بما وجد لديهم من نبوءات ‪ ،‬كانت‬
‫بمثابة القوة الدافعة ‪ ،‬في تحركاتهم لستباق تحّقق هذه النبوءات ‪ ،‬على أرض‬
‫الواقع ‪ ،‬ولم ولن يألوا جهدا ‪ ،‬في استعجالها إن وافقت أهوائهم ‪ ،‬أو في تعطيلها‬
‫إن خالفتها ‪،‬‬
‫في هذا الفصل ‪ ،‬سنتتبع في البداية ‪ ،‬بعض الخبار التي وردت في التوراة ‪،‬‬
‫بشكل مقتضب وسريع ‪ ،‬ومن ثم سنعرض جانبا من النبوءات التوراتية ‪ ،‬التي‬
‫تحققت في الماضي ‪ ،‬وجانبا من النبوءات التي لم تتحقق بعد ‪ ،‬مما ُيساعد على‬
‫استقراء بعض النبوءات المستقبلية لديهم ‪ ،‬لنتعّرف على المخاوف اليهودية ‪،‬‬
‫وتطلعاتهم وأحلمهم وأمانّيهم ‪ ،‬المتعّلقة بعودتهم إلى فلسطين للمرة الثانية ‪.‬‬
‫ومن خلل هذا الكشف تستطيع التعرف على حقيقة العقلية ‪ ،‬التي ُيفّكر بها‬
‫يهود ‪ ،‬ومن ثم قراءة مواقفهم وسياستهم ‪ ،‬على الساحتين العالمية والقليمية ‪،‬‬
‫وتستطيع أيضا قراءة سياسات ومواقف أمريكا ‪ ،‬التي يحكمها ويديرها في‬
‫الخفاء ‪ ،‬زعماء المؤامرة العالمية ‪ ،‬من الثرياء والحاخامات اليهود ‪ ،‬لتجد أن‬
‫التوراة ونبوءاتها هي ما سّير اليهود في الماضي ‪ ،‬وهي ما ُيسّيرهم في‬
‫الحاضر والمستقبل ‪.‬‬
‫ل‪،‬‬‫عْنِد ا ِّ‬
‫ن ِ‬ ‫ن َهَذا ِم ْ‬‫ب ِبَأْيِديِهْم ‪ُ ،‬ثّم َيُقوُلو َ‬‫ن اْلِكَتا َ‬
‫ن َيْكُتُبو َ‬
‫قال تعالى ) َفَوْيٌل ِلّلِذي َ‬
‫ن)‬ ‫سُبو َ‬‫ت َأْيِديِهْم ‪َ ،‬وَوْيٌل َلُهْم ِمّما َيْك ِ‬
‫ل ‪َ ،‬فَوْيٌل َلُهْم ِمّما َكَتَب ْ‬‫شَتُروا ِبِه َثَمًنا َقِلي ً‬
‫ِلَي ْ‬
‫‪ 79‬البقرة (‬

‫‪232‬‬
‫ق ِلَما َمَعُهْم ‪َ ،‬وَكاُنوا ِمنْ‬‫صّد ٌ‬ ‫ل ‪ ،‬مُ َ‬ ‫عْنِد ا ِّ‬ ‫ن ِ‬‫ب ِم ْ‬ ‫جاَءُهْم ِكَتا ٌ‬‫وقال أيضا ) َوَلّما َ‬
‫عَرُفوا َكَفُروا ِبِه ‪َ ،‬فَلْعَنُة ا ِّ‬
‫ل‬ ‫جاَءُهْم َما َ‬ ‫ن َكَفُروا َفَلّما َ‬ ‫عَلى اّلِذي َ‬ ‫ن َ‬ ‫حو َ‬ ‫سَتْفِت ُ‬
‫َقْبُل َي ْ‬
‫ن )‪ 89‬البقرة (‬ ‫عَلى اْلَكاِفِري َ‬ ‫َ‬
‫ن اْلِكَتابِ‬
‫سُبوُه ِم َ‬‫ح َ‬‫ب ‪ِ ،‬لَت ْ‬
‫سَنَتهُْم ِباْلِكَتا ِ‬‫ن َأْل ِ‬
‫ن ِمْنُهْم َلَفِريًقا ‪َ ،‬يْلُوو َ‬ ‫وقال أيضا ) َوِإ ّ‬
‫ل‪،‬‬ ‫عْنِد ا ِّ‬
‫ن ِ‬‫عْنِد الِّ ‪َ ،‬وَما ُهَو ِم ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن ُهَو ِم ْ‬‫ب ‪َ ،‬وَيُقوُلو َ‬ ‫ن اْلِكَتا ِ‬ ‫‪َ ،‬وَما ُهَو ِم َ‬
‫ن )‪ 78‬آل عمران (‬ ‫ب َوُهْم َيْعَلُمو َ‬‫ل اْلَكِذ َ‬
‫عَلى ا ِّ‬ ‫ن َ‬ ‫َوَيُقوُلو َ‬
‫خبر إبراهيم وإسماعيل عليهما السلم في سفر التكوين‬

‫وعد ال لنسل إبراهيم بامتلك الرض ‪:‬‬


‫" تكوين ‪ :18 :15 :‬في ذلك اليوم ‪ ،‬عقد الرب ميثاقا مع إبراهيم ‪ ،‬قائل ‪:‬‬
‫سأعطي نسلك هذه الرض ‪ ،‬من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات " ‪.‬‬
‫" تكوين ‪ :8-4 :17 :‬ها أنا أقطع لك عهدي ‪ ،‬فتكون أبا لمم كثيرة ‪ ،‬وُأصّيرك‬
‫ُمثمرا جدا ‪ ،‬يخرج من نسلك ملوك ‪ ،‬فأكون إلها لك ولنسلك من بعدك ‪ .‬وأهبك‬
‫أنت وذرّيتك أرض كنعان التي نزلت فيها غريبا ‪ُ ،‬ملكًا أبديا " ‪.‬‬
‫جمعت‬ ‫ش تكرار الوعد لبراهيم ‪ ،‬بأرضين مختلفتين ‪ ،‬ناتج عن كون التوراة ‪ُ ،‬‬
‫من مصدرين ُمختلفين كما سبق وأوضحنا ‪ ،‬وأحد المصدرين أقل تطّرفا‬
‫وُمغالة ‪ ،‬في التحريف والكذب من الخر ‪ ،‬وهذا الوعد بما أنه كان لبراهيم‬
‫ونسله ‪ ،‬فهو ليس حكرا على نسل إسحاق ‪ ،‬بل يشمل نسل إسماعيل أيضا ‪.‬‬
‫وعد ال لهاجر في إسماعيل ‪:‬‬
‫ن نسلك فل ُيعّد من الكثرة ‪،‬‬
‫لكّثر ّ‬
‫" تكوين ‪ 10 :16 :‬وقال لها ملك الرب ‪ُ :‬‬
‫هو ذا أنت حامل ‪ ،‬وستلدين ابنا وتدعينه إسماعيل ‪ ،‬ويكون إنسانا وحشّيا‬
‫ُيعادي الجميع والجميع ُيعادونه ‪ ] ،‬وأمام جميع أخوته يسكن [ " ‪.‬‬
‫ي متّوحش وإرهابي ‪ ،‬معاد للبشرية ‪ ،‬هذه هي صورة ‪ ،‬إسماعيل عليه‬ ‫ش همج ّ‬
‫السلم نبي ال ‪ ،‬جد العرب ‪ ،‬وهي ذاتها صورة النسان العربي في وسائل‬
‫لت ‪ ،‬ومصدر هذه‬ ‫العلم الغربية ‪ ،‬من سينما وتلفزيون وصحف ومج ّ‬
‫الصورة هو التوراة ‪ ،‬والُمنتج الُمنفّذ هم اليهود ‪ ،‬الُمسيطرون على كافة وسائل‬
‫العلم الغربية ‪ .‬فالرب يقول ذلك ‪ ،‬ل كذبة التوراة ‪ ،‬وإذا كان العرب‬
‫‪233‬‬
‫مستاءون من هذه النظرة لهم ‪ ،‬فليجرؤ أحدهم على مطالبة اليهود والنصارى ‪،‬‬
‫بحذف كلمات الرب هذه ‪ ،‬من كتابهم المقّدس ‪ ،‬كما ُيطالبوننا بحذف اليات‬
‫ض على قتالهم ‪ ،‬من الكتب المدرسية ‪.‬‬
‫التي تح ّ‬
‫وعد ال لبراهيم في سارة ونسلها ‪:‬‬
‫" تكوين ‪ :19-15 :17 :‬وقال الرب لبراهيم ‪ :‬أما ساراي زوجتك ‪ ،‬وُأباركها‬
‫وُأعطيك منها ابنا ‪ ،‬سأباركها وأجعلها أّما لشعوب ‪ ،‬ومنها يتحّدر ملوك أمم ‪،‬‬
‫ن سارة زوجتك هي التي تلد لك ابنا ‪ ،‬وتدعو اسمه اسحق وُأقيم عهدي معه ‪،‬‬ ‫إّ‬
‫ومع ذرّيته من بعده إلى البد " ‪.‬‬
‫وعد ال لبراهيم في إسماعيل ونسله ‪:‬‬
‫" تكوين ‪ :20 :17 :‬وأّما إسماعيل فقد استجبت لطلبتك من أجله ‪ ،‬سُأباركه حقا‬
‫‪ ،‬وأجعله ُمثمرا ‪ ،‬وأكّثر ذرّيته جدا ‪ ،‬فيكون أبا لثني عشر رئيسا يلد ‪ ،‬وُيصبح‬
‫أّمة كبيرة " ‪.‬‬
‫هجرة هاجر وإسماعيل إلى صحراء فاران ‪:‬‬
‫" تكوين ‪ :21-14 :21 :‬فنهض إبراهيم في الصباح الباكر ‪ ،‬وأخذ خبزا وقربة‬
‫ماء ‪ ،‬ودفعهما إلى هاجر ‪ ،‬ووضعهما على كتفيها ‪ ،‬ثم صرفها مع الصبي ‪،‬‬
‫فهامت على وجهها في برية بئر سبع ‪ .‬وعندما فرغ الماء من القربة ‪ ،‬طرحت‬
‫الصبي تحت إحدى الشجار ‪ ،‬ومضت وجلست قبالته ‪ ،‬على ُبعد مائة متر ‪،‬‬
‫) تبريرهم ‪ :‬حتى ل تشهد موت الصبي ( ‪ ،‬ورفعت صوتها وبكت ‪ ) .‬ناداها‬
‫ملك الرب قائل ( ‪ " :‬قومي واحملي الصبي ‪ ،‬وتشّبثي به لّني سأجعله أّمة‬
‫عظيمة " ‪ ،‬ثم فتحت عينيها ‪ ،‬فأبصرت بئر ماء ‪ ،‬فذهبت وملت القربة وسقت‬
‫الصبي ‪ .‬وكان ال مع الصبي فكُبر ‪ ،‬وسكن في صحراء فاران ‪ ،‬وبرع في‬
‫رمي القوس ‪ ،‬واّتخذت له ُأّمه زوجة من مصر " ‪.‬‬
‫ش في هذا النص ُيوحي كتبة التوراة ‪ ،‬أن إبراهيم تخّلى عن هاجر وابنها‬
‫وطردهما طردا ‪ ،‬ويقولون في بداية النص ‪ ،‬أنه سكن بئر السبع ‪ ،‬وأن بئر‬
‫جرت فيها ‪ ،‬وفي نهاية النص يقولون بأنه سكن في صحراء فاران ‪،‬‬ ‫زمزم تف ّ‬
‫وهذا يعني أن التسمية العبرية القديمة ‪ ،‬لصحراء الجزيرة العربية هو صحراء‬
‫فاران ‪ ،‬وجبال فاران هي جبال مكة أو الجزيرة العربية ‪ ،‬ولذلك كان اليهود‬
‫‪234‬‬
‫يعلمون على وجه التحديد ‪ ،‬أن نبيًا من نسل إسماعيل ‪ ،‬سُيبعث في جزيرة‬
‫العرب ‪ ،‬فارتحلوا إليها وسكنوا فيها ‪.‬‬
‫التبشير بمحمد عليه الصلة والسلم في سفر التثنية على لسان موسى عليه‬
‫السلم‬
‫" تثنية ‪ :18 :18 :‬فقال لي الرب ‪ :‬لهذا ُأقيم لهم نبيا من بين ُأخوتهم مثلك ‪،‬‬
‫ل من يعصي كلمي ‪،‬‬ ‫وأضع كلمي في فمه ‪ ،‬فُيخاطبهم بكل ما آمره به ‪ ،‬وك ّ‬
‫الذي يتكلم به باسمي ‪ ،‬فإني ُأحاسبه " ‪.‬‬
‫ش وقول موسى عليه السلم ‪ ،‬نبيا من بين ُأخوتهم ‪ ،‬يعني أنه من غير بني‬
‫إسرائيل ‪ ،‬بل من أخوتهم ‪ ،‬وأخوتهم كما نعلم هم نسل إسماعيل عليه السلم ‪،‬‬
‫بدللة التوراة نفسها في النص الوارد أعله ) ‪ ، ( 12 :16‬وهذا القول بطبيعة‬
‫الحال ‪ ،‬ل ُيشير إلى عيسى عليه السلم ‪ ،‬كون ُأمه من بني إسرائيل ‪ .‬وقوله‬
‫نبيا مثلك ‪ ،‬يعني يماثله في كل شيء تقريبا ‪ ،‬من لحظة ولدته بما شمله ال من‬
‫رعاية وعناية ‪ ،‬وبعثه ورسالته ومعاناته ‪ ،‬وحتى مماته عليه السلم ‪.‬‬
‫" تثنية ‪ ] 2 :33 :‬فقال ) موسى عليه السلم ( ‪ :‬جاء الرب من سيناء ‪ ،‬وأشرق‬
‫لهم من سعير ‪ ،‬وتلل من جبال فاران ‪ ،‬وأتى من ربوات القدس ‪ ،‬وعن يمينه‬
‫نار شريعة لهم [ " ‪.‬‬
‫ش وهذا النص يحمل في ثناياه أربع نبوءات هي ‪:‬‬
‫‪ .1‬جاء الرب من سيناء ‪ .‬وسيناء هو ) طور سيناء ( في وادي عربة ‪ ،‬مكان‬
‫الوحي الذي ُأنزلت فيه اللواح ‪ ،‬على موسى عليه السلم ‪.‬‬
‫‪ .2‬وأشرق لهم من سعير ‪ ، .‬حيث ُبعث عيسى عليه السلم بالنجيل ‪ ،‬قال‬
‫شْرِقّيا )‪16‬‬ ‫ن َأْهِلَها َمَكاًنا َ‬‫ت ِم ْ‬‫ب َمْرَيَم ِإِذ اْنَتَبَذ ْ‬
‫تعالى ) َواْذُكْر ِفي اْلِكَتا ِ‬
‫ت َقَراٍر‬
‫ن َمْرَيَم َوُأّمُه َءاَيًة َوَءاَوْيَنُهَما ِإَلى َرْبَوٍة َذا ِ‬ ‫جَعْلَنا اْب َ‬
‫مريم ( وقال ) َو َ‬
‫ن )‪ 50‬المؤمنون ( وسعير على ما يبدو من اليات الكريمة ‪ ،‬هي‬ ‫َوَمِعي ٍ‬
‫منطقة شرقي القدس ‪ ،‬تقع على تلة ذات أشجار مثمرة وفيها عين ماء جارية‬
‫‪.‬‬
‫‪ .3‬وتلل من جبال فاران ‪ .‬جبال فاران هي جبال الجزيرة العربية ‪ ،‬حيث‬
‫سكنى إسماعيل بدللة التوراة نفسها ‪ ،‬حيث ُبعث محمد‬ ‫تقع مكة ‪ ،‬مكان ُ‬
‫عليه الصلة والسلم بالقرآن ) لحظ هنا الفعل تلل ( ‪ ،‬دللة على ما‬
‫‪235‬‬
‫سيكون للسلم من شأن عظيم ‪ .‬وهذا دعاء إبراهيم وإسماعيل عليهما‬
‫ك َوُيَعّلُمُهُم اْلِكَتا َ‬
‫ب‬ ‫عَلْيِهْم َءاَيِت َ‬
‫سوًل ِمْنُهْم َيْتُلو َ‬ ‫ث ِفيِهْم َر ُ‬ ‫السلم ) َرّبَنا َواْبَع ْ‬
‫حِكيُم )‪129‬إبراهيم ( ‪ ،‬وهذه استجابة‬ ‫ت اْلَعِزيُز اْل َ‬ ‫ك َأْن َ‬
‫حْكَمَة َوُيَزّكيِهْم ِإّن َ‬
‫َواْل ِ‬
‫عَلْيِهْم َءاَياِتِه‬
‫سوًل ِمْنُهْم َيْتُلو َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ث ِفي اُْلّمّيي َ‬ ‫دعائهما ) ُهَو اّلِذي َبَع َ‬
‫ن )‪2‬‬‫لٍل ُمِبي ٍ‬ ‫ضَ‬‫ن َقْبُل َلِفي َ‬ ‫ن َكاُنوا ِم ْ‬‫حْكَمَة َوِإ ْ‬ ‫ب َواْل ِ‬‫َوُيَزّكيِهْم َوُيَعّلُمُهُم اْلِكَتا َ‬
‫الجمعة (‬
‫‪ .4‬وأتى من ربوات القدس ‪ .‬وهي النبوءة التي لم تتحقق لغاية الن ‪ ،‬حيث ل‬
‫شريعة جديدة ‪ ،‬بل تجديد لشريعة قائمة ‪.‬‬
‫ش والنبوءة الخيرة ُفسّرت على ثلثة أقوال ‪:‬‬
‫• المسلمون ‪ :‬ظهور المهدي وعودة الخلفة السلمية واّتخاذ القدس‬
‫عاصمة لها ‪.‬‬
‫• اليهود ‪ :‬ظهور َمِلك اليهود المنتظر ‪ ،‬الذي سينتصر على أعداء‬
‫إسرائيل ‪ ،‬في حرب العالمية النووية الثالثة ‪ ،‬ومن ثم يحكم العالم إلى البد ‪.‬‬
‫• النصارى ‪ :‬عودة عيسى عليه السلم ‪ ،‬ليخّلص أتباعه برفعهم فوق‬
‫السحاب ‪ ،‬عند نشوب تلك الحرب ‪ ،‬ومن ثم يحكم العالم مدة ألف عام ‪.‬‬
‫سفر إشعياء ُيخبر عن نبينا عليه الصلة والسلم وعن أمته‬
‫ل ْب َ‬
‫ن‬ ‫عْبَد ا ِّ‬ ‫ت َ‬ ‫ل ‪َ :‬لِقي ُ‬ ‫ساٍر ‪َ ،‬قا َ‬ ‫ن َي َ‬‫طاِء ْب ِ‬ ‫عَ‬ ‫ن َ‬ ‫عْ‬‫مما روى البخاري في صحيحه " َ‬
‫ل‪،‬‬ ‫سولِ ا ِّ‬ ‫صَفِة َر ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫عْ‬ ‫خِبْرِني َ‬ ‫ت ‪َ :‬أ ْ‬ ‫عْنُهَما ‪ُ ،‬قْل ُ‬ ‫ل َ‬‫ي ا ُّ‬ ‫ضَ‬ ‫ص َر ِ‬ ‫ن اْلَعا ِ‬ ‫عْمِرو ْب ِ‬ ‫َ‬
‫ف ِفي الّتْوَراِة ‪،‬‬ ‫صو ٌ‬ ‫ل ِإّنُه َلَمْو ُ‬ ‫ل ‪َ ،‬وا ِّ‬ ‫جْ‬ ‫ل ‪َ :‬أ َ‬‫سّلَم ِفي الّتْوَراِة ‪َ ،‬قا َ‬ ‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬ ‫صّلى ا ُّ‬ ‫َ‬
‫شًرا َوَنِذيًرا ( ‪،‬‬ ‫شاِهًدا َوُمَب ّ‬ ‫ك َ‬ ‫سْلَنا َ‬
‫ي ِإّنا َأْر َ‬ ‫ن ) َيا َأّيَها الّنِب ّ‬ ‫صَفِتِه ِفي اْلُقْرآ ِ‬ ‫ض ِ‬ ‫ِبَبْع ِ‬
‫ظ‪،‬‬ ‫غِلي ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫ظ َو َ‬ ‫س ِبَف ّ‬‫ل ‪َ ،‬لْي َ‬ ‫ك المَتَوّك َ‬ ‫سّمْيُت َ‬‫سوِلي َ‬ ‫عْبِدي َوَر ُ‬ ‫ت َ‬ ‫ن َأْن َ‬ ‫لّمّيي َ‬
‫حْرًزا ِل ُْ‬ ‫َو ِ‬
‫ن َيْعُفو َوَيْغِفرُ ‪َ ،‬وَل ْ‬
‫ن‬ ‫سّيَئَة ‪َ ،‬وَلِك ْ‬ ‫سّيَئِة ال ّ‬‫ل َيْدَفُع ِبال ّ‬
‫ق ‪َ ،‬و َ‬ ‫سَوا ِ‬‫لْ‬ ‫ب ِفي ا َْ‬ ‫خا ٍ‬ ‫ل سَ ّ‬ ‫َو َ‬
‫ح ِبَها‬ ‫ل ‪َ ،‬وَيْفَت ُ‬ ‫ل ا ُّ‬ ‫ل ِإَلَه ِإ ّ‬
‫ن َيُقوُلوا َ‬ ‫جاَء ‪ِ ،‬بَأ ْ‬ ‫حّتى ُيِقيَم ِبِه اْلِمّلَة اْلَعْو َ‬ ‫ل َ‬ ‫ضُه ا ُّ‬ ‫َيْقِب َ‬
‫غْلًفا " ‪ .‬وأخرجه أحمد في مسنده ‪.‬‬ ‫صّما ‪َ ،‬وُقُلوًبا ُ‬ ‫عْمًيا ‪َ ،‬وآَذاًنا ُ‬ ‫عُيًنا ُ‬ ‫َأ ْ‬
‫خَذتُْهُم‬ ‫ل ِلِميَقاِتَنا ‪َ ،‬فَلّما َأ َ‬ ‫جً‬ ‫ن َر ُ‬ ‫سْبِعي َ‬‫سى َقْوَمُه َ‬ ‫خَتاَر ُمو َ‬ ‫وقال تعالى ) َوا ْ‬
‫سَفَهاُء‬ ‫ي ‪َ ،‬أُتْهِلُكَنا ِبَما َفَعَل ال ّ‬ ‫ن َقْبُل َوِإّيا َ‬ ‫ت َأْهَلْكَتُهْم ِم ْ‬‫شْئ َ‬ ‫ب َلْو ِ‬ ‫جَفُة ‪َ ،‬قاَل َر ّ‬ ‫الّر ْ‬
‫ت َوِلّيَنا ‪،‬‬ ‫شاُء ‪َ ،‬أْن َ‬ ‫ن َت َ‬ ‫شاُء َوَتْهِدي َم ْ‬ ‫ن َت َ‬‫ضّل ِبَها َم ْ‬ ‫ك ‪ُ ،‬ت ِ‬ ‫ي ِإّل ِفْتَنُت َ‬
‫ن ِه َ‬ ‫ِمّنا ‪ِ ،‬إ ْ‬
‫‪236‬‬
‫ب َلَنا ِفي َهِذِه الّدْنَيا‬ ‫ن )‪َ (155‬واْكُت ْ‬ ‫خْيُر اْلَغاِفِري َ‬ ‫ت َ‬ ‫حْمَنا ‪َ ،‬وَأْن َ‬ ‫غفِْر َلَنا َواْر َ‬ ‫َفا ْ‬
‫شاُء ‪َ ،‬وَرحَْمِتي‬ ‫ن َأ َ‬
‫ب ِبِه َم ْ‬ ‫صي ُ‬‫عَذاِبي ُأ ِ‬ ‫ك ‪َ ،‬قاَل َ‬ ‫خَرِة ‪ِ ،‬إّنا ُهْدَنا ِإَلْي َ‬ ‫لِ‬ ‫سنًَة َوِفي ا ْ‬ ‫ح َ‬‫َ‬
‫ن ُهْم‬ ‫ن الّزَكاَة ‪َ ،‬واّلِذي َ‬ ‫ن ‪َ ،‬وُيْؤُتو َ‬ ‫ن َيّتُقو َ‬ ‫سَأْكُتُبَها ‪ِ ،‬لّلِذي َ‬ ‫يٍء ‪َ ،‬ف َ‬ ‫ش ْ‬‫ت ُكّل َ‬ ‫سَع ْ‬ ‫َو ِ‬
‫جُدوَنُه‬ ‫ي ‪ ،‬اّلِذي َي ِ‬ ‫ي اُْلّم ّ‬‫سوَل الّنِب ّ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫ن َيّتِبُعو َ‬ ‫ن )‪ (156‬اّلِذي َ‬ ‫ِبآَياِتَنا ُيْؤِمُنو َ‬
‫ن اْلُمْنَكِر‬ ‫عِ‬ ‫ف ‪َ ،‬وَيْنَهاُهْم َ‬ ‫جيِل ‪َ ،‬يْأُمُرُهْم ِباْلَمْعُرو ِ‬ ‫عْنَدُهْم ِفي الّتْوَراِة َوالِْْن ِ‬ ‫َمْكُتوًبا ِ‬
‫صَرُهْم ‪،‬‬ ‫عْنُهْم ِإ ْ‬ ‫ضُع َ‬ ‫ث ‪َ ،‬وَي َ‬ ‫خَباِئ َ‬
‫عَلْيِهُم اْل َ‬ ‫حّرُم َ‬ ‫ت ‪َ ،‬وُي َ‬ ‫طّيَبا ِ‬‫حّل َلُهُم ال ّ‬ ‫‪َ ،‬وُي ِ‬
‫صُروُه َواّتَبُعوا‬ ‫عّزُروُه َوَن َ‬ ‫ن َءاَمُنوا ِبِه َو َ‬ ‫عَلْيِهْم ‪َ ،‬فاّلِذي َ‬ ‫ت َ‬ ‫لَل اّلِتي َكاَن ْ‬ ‫غَ‬ ‫َواَْل ْ‬
‫سوُل‬ ‫س ِإّني َر ُ‬ ‫ن )‪ُ (157‬قْل َيَأّيَها الّنا ُ‬ ‫حو َ‬ ‫ك ُهُم اْلُمْفِل ُ‬ ‫الّنوَر اّلِذي ُأْنِزَل َمَعُه ُأوَلِئ َ‬
‫حِيي َوُيِمي ُ‬
‫ت‬ ‫ت َوالَْْرضِ َل ِإَلَه ِإّل ُهَو ُي ْ‬ ‫سَمَوا ِ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫جِميًعا اّلِذي َلُه ُمْل ُ‬ ‫ل ِإَلْيُكْم َ‬‫ا ِّ‬
‫ل َوَكِلَماِتِه َواّتِبُعوُه َلَعّلُكْم‬ ‫ن ِبا ِّ‬
‫ي اّلِذي ُيْؤِم ُ‬ ‫ي الُّْم ّ‬ ‫سوِلِه الّنِب ّ‬ ‫ل َوَر ُ‬ ‫َفآِمُنوا ِبا ِّ‬
‫ن )‪159‬‬ ‫ق َوِبِه َيْعِدُلو َ‬‫حّ‬ ‫ن ِباْل َ‬
‫سى ُأّمٌة َيْهُدو َ‬ ‫ن َقْوِم ُمو َ‬ ‫ن )‪َ (158‬وِم ْ‬ ‫َتْهَتُدو َ‬
‫العراف (‬
‫خاتم النبوة على كتفه واسمه أحمد ‪:‬‬
‫من كتاب ) المنتظم في تاريخ الملوك والمم ( لبي الفرج " عن حسان بن‬
‫ي بيثرب ‪ ،‬يصرخ‬ ‫ثابت ‪ ،‬قال ‪ :‬إني لغلٍم يفعة ‪ ،‬ابن سبع أو ثمان ‪ ،‬إذا يهود ٌ‬
‫ذات غداة ‪ :‬يا معشر يهود ‪ ،‬فلما قالوا ‪ :‬ما لك ‪ ،‬ويلك ! قال ‪ :‬طلع نجم أحمد ‪،‬‬
‫الذي ولد هذه الليلة ‪ ،‬قال ‪ :‬فأدركه اليهودي ولم يؤمن به " ‪.‬‬
‫من كتاب ) المنتظم ( " أخبرنا أبو الحسن بن البراء قالت آمنة ‪ … :‬وكان بمكة‬
‫رجل من اليهود حين ولد ‪ ،‬فلما أصبح ‪ ،‬قال ‪ :‬يا معشر قريش ‪ ،‬هل ولد فيكم‬
‫مولود ؟ قالوا ‪ :‬ل نعلمه ‪ ،‬قال ‪ :‬ولد الليلة نبي العرب ‪ ،‬به شامة بين منكبيه‬
‫سوداء فيها شعرات ‪ ،‬فرجع القوم ‪ ،‬فسألوا أهليهم فقيل ‪ :‬ولد الليلة لعبد المطلب‬
‫غلم ‪ ،‬فلقوه فأخبروه ‪ ،‬فنظر إليه ‪ ،‬فقال ‪ :‬ذهبت النبوة من بني إسرائيل ‪ ،‬هذا‬
‫ن بكم سطوة ‪ ،‬يخرج نبأها‬ ‫الذي سّره أحبارهم ‪ ،‬يا معشر قريش ‪ ،‬وال ليسطو ّ‬
‫من المشرق إلى المغرب " ‪.‬‬
‫" إشعياء ‪ :2 :9 :‬الشعب السالك في الظلمة أبصر نورا عظيما ‪ ،‬والمقيمون في‬
‫أرض ظلل الموت ‪ ،‬أضاء عليهم نور عظيم … ‪ :7-6 :9‬لنه ُيولد لنا ولد ‪،‬‬
‫وُيعطى لنا ابن يحمل الرياسة على كتفه ‪ ،‬وُيدعى اسمه عجيبا ‪ُ ،‬مشيرا ‪ ،‬إلها‬
‫قديرا ‪ ،‬أبا أبديا ‪ ،‬رئيس السلم ‪ ،‬ول تكون نهاية لنمو رياسته وللسلم ‪ ،‬اللَذْين‬

‫‪237‬‬
‫يسودان عرش داود ومملكته ‪ ،‬لُيثبتها بالحق والبّر ‪ ،‬من الن وإلى البد ‪ ،‬إن‬
‫غيرة الرب ُتتم هذا " ‪.‬‬
‫" إشعياء ‪ :13 :9 :‬إن الشعب لم يرجع تائبا إلى من عاقبه ‪ ،‬ول طلب الرب‬
‫القدير ‪ .‬لذلك سيقطع الرب من إسرائيل ‪ ،‬في يوم واحد الرأس والذنب ‪ ،‬النخل‬
‫والسل " ‪.‬‬
‫طم الغصان بعنفوان ‪ ،‬فكل‬ ‫" إشعياء ‪ :34-33 :10 :‬لكن الرب القدير ُيح ّ‬
‫ل"‪.‬‬ ‫ُمتطاول ُيقطع ‪ ،‬وكل ُمتشامخ ُيذ ّ‬
‫ش علم اليهود من خلل النص الول ‪:‬‬
‫‪ .1‬أن نجما عظيما سيظهر عند مولد أحمد ‪،‬‬
‫‪ .2‬ومن النص الثاني أن علمة النبوة ستكون على كتفه ‪،‬‬
‫‪ .3‬أما اسمه العجيب في هذا الموضع فوصفته أقلم الكهنة ‪ ،‬بمشير وإله‬
‫وأب ورئيس سلم ‪.‬‬
‫‪ .4‬أما رسالته فتشمل مشارق الرض ومغاربها ‪ ،‬حتى قيام الساعة ‪،‬‬
‫‪ .5‬أما إضافة عرش داود ومملكته فهي من أمانيهم وأحلمهم ‪.‬‬
‫‪ .6‬أما النص الثالث والرابع يؤكد انقطاع النبوة وخروجها من بني إسرائيل‬
‫بمولد هذا النبي ومبعثه ‪.‬‬
‫ش ويعود الكهنة ويسّمون هذا الله بأحمد ‪ ،‬في النص التالي ‪:‬‬
‫" إشعياء ‪ :3-1 :25 :‬يا رب أنت إلهي ‪ُ ،‬أعظّمك وأحمد اسمك ‪ ،‬لنك صنعت‬
‫جدك‬‫عجائب كنت قد قضيت بها منذ القدم ‪ ،‬وهي حق وصدق … لذلك ُيم ّ‬
‫شعب قوي ‪ ،‬وتخشاك مدن آهلة بأمم فظة لنك كنت حصنا للبائس ‪ ،‬وملذا‬
‫ل تقيه وهج الحّر … "‬ ‫منيعا للمسكين في ضيقه ‪ ،‬وملجأ له من العاصفة ‪ ،‬وظ ّ‬
‫هو ملك البّر ورؤساءه يحكمون بالعدل ‪:‬‬
‫" إشعياء ‪ :1 :32 :‬ها إن ملكا يملك بالبّر ) محمد ( ‪ ،‬ورؤساء يحكمون بالعدل‬
‫) الخلفاء ( ‪ ] :2 ،‬ويكون إنسان [ ) أي ليس إلها كما صّوره النص السابق (‬
‫كملذ من الريح ‪ ،‬وكملجأ من العاصفة ‪ ،‬أو كجداول مياه في صحراء ‪ ،‬أو‬
‫كظل صخرة عظيمة في أرض جدباء ‪ :3 ،‬عندئذ تنفتح عيون الناظرين‬
‫‪238‬‬
‫وتصغي آذان السامعين ‪ :4 ،‬فتفهم وتعلم العقول المتهّورة ‪ ،‬وتنطق بطلقة‬
‫لمّيون ( ‪ ، … .‬حتى تنسكب علينا روح من السماء ‪ ،‬فتتحّول‬ ‫اللسنة الثقيلة ) ا ُ‬
‫البرية ) الصحراء ( إلى مرج خصيب ‪ ،‬وُيحسب المرج غابة ‪ ،‬عندئذ يسكن‬
‫العدل في الصحراء ‪ ،‬وٌيقيم البّر في المرج الخصيب ‪ ،‬فيكون ثمر البّر سلما ‪،‬‬
‫وفعل البّر سكينة وطمأنينة إلى البد " ‪.‬‬
‫نص آخر " إشعياء ‪ :1 :35 :‬ستفرح الصحراء والقفر الجرد ) جزيرة العرب‬
‫( ‪ ،‬و تبتهج البرية وتزهر كالورد ‪ ،‬تزهر ازدهارا ‪ ،‬وتبتهج أشّد بهجة ‪،‬‬
‫ويضفي عليها مجد لبنان وجلل الكرمل ‪ ،‬ويشهدون مجد الرب وبهاء إلهنا ‪،‬‬
‫… ‪ :5 ،‬عندئذ تبصر عيون العمي ‪ ،‬وتنفتح آذان الصّم ‪ ] :6 ،‬ويقفز [ العرج‬
‫كالظبي ‪ ،‬ويترنم لسان البكم فرحا ‪ ،‬إذ تنفجر المياه في البرية ‪ ،‬وتتدفق‬
‫الجداول في الصحراء ‪ :7 ،‬و يتحّول السراب إلى واحة ‪ ،‬والرض الظمأى‬
‫إلى جداول ‪ ، … ،‬حيث كانت تأوي بنات أوى ‪ ،‬ينمو العشب القصب و‬
‫ي‪"…،‬‬ ‫البرد ّ‬
‫صفة المصطفى عليه الصلة والسلم ‪:‬‬
‫" إشعياء ‪ :1 :42 :‬هو ذا عبدي الذي أعضده ‪ ،‬مختاري الذي ابتهجت به نفسي‬
‫‪ ،‬وضعت روحي عليه ليسوس المم بالعدل ‪ :2 ،‬ل يصيح ول يصرخ ‪ ،‬ول‬
‫يرفع صوته في الطريق ‪ :3 ،‬ل يكسر قصبة مرضوضة ) أي ُيقيمها ( ‪ ،‬ول‬
‫يطفئ فتيلة ] خامدة [ ) أي ُيشعلها ( ‪ ،‬إنما بأمانة ُيجري عدل ‪ ) ،‬أي أنه ل‬
‫سخ‬
‫يسيء إلى الناس ‪ ،‬بل ُيحسن إليهم ( ‪ 4 ،‬ل يكلّ ول ُتثّبط له هّمة ‪ ،‬حتى ير ّ‬
‫العدل في الرض ‪ ،‬وتنتظر الجزائر شريعته ‪ :6 ،‬أنا الرب قد دعوتك بالّبر ‪،‬‬
‫أمسكت بيدك وحافظت عليك ‪ ،‬وجعلتك عهدا للشعب ونورا للمم ‪ :7 ،‬لتفتح‬
‫عيون العمي ‪ ،‬وتطلق سراح المأسورين في السجن ‪ ،‬وتحّرر الجالسين في‬
‫ن عنها ‪،‬‬‫ظلمة الحبس ‪ :9 ،‬ها النبّوات السالفة تتحقق ‪ ،‬وأخرى جديدة ُأعل ُ‬
‫ئ بها قبل أن تحدث ‪" … ،‬‬ ‫وُأنب ُ‬
‫نبي الهدى ُيعّرف بنفسه من خلل التوراة ‪:‬‬
‫ي أّيتها الجزائر ‪ ،‬وأصغوا يا شعوب الرض البعيدة‬‫" ‪ " :1-13 :49‬أنصتي إل ّ‬
‫ب وأنا ما زلت جنينا ‪ ،‬وذكر اسمي وأنا ما برحت‬
‫‪ :‬قد دعاني ) سّماني ( الر ّ‬
‫في رحم ُأّمي ‪ ،‬جعل فمي كسيف قاطع ‪ ،‬وواراني في ظل يديه ‪ ،‬فصنع مني‬
‫‪239‬‬
‫سهما مسنونا ‪ ،‬وأخفاني في جعبته ‪ ،‬وقال لي ‪ :‬أنت عبدي إسرائيل الذي به‬
‫أتّمجد ‪ ،‬ولكنني أجبت ‪ :‬لقد تعبت باطل ‪ ،‬وأفنيت قّوتي سدى وعبثا ‪ ،‬غير أ ّ‬
‫ن‬
‫حقي محفوظ عند الرب ‪ ،‬وُمكافأتي عند إلهي " ‪.‬‬
‫ش وحتى يستقيم النص ضع أحمد بدل من إسرائيل ‪ ،‬واحذف الكلمات ‪ ،‬التي‬
‫تحتها خط ‪ ،‬وأقرأ النص من جديد ‪ ،‬فهي ليست من قول رسولنا الكريم ( ‪،‬‬
‫ل … )‪ 47‬سبأ‬ ‫عَلى ا ِّ‬
‫ي ِإّل َ‬
‫جِر َ‬
‫ن َأ ْ‬
‫جٍر َفُهَو َلُكْم ِإ ْ‬
‫ن َأ ْ‬
‫سَأْلُتُكْم ِم ْ‬
‫وهذا قوله ) ُقْل َما َ‬
‫(‪.‬‬
‫الجزيرة العربية ُتشرق بنور رّبها ‪:‬‬
‫"إشعياء ‪ :1 :60 :‬قومي استضيئي ) صهيون ‪ ،‬والصل الجزيرة العربية ( ‪،‬‬
‫فإن نورك قد جاء ‪ ،‬ومجد الرب أشرق عليك ‪ :3 … ،‬فتقبل المم إلى نورك ‪،‬‬
‫وتتوافد الملوك في إشراق ضياءك ) الحج ( ‪ :15 … ،‬وبعد أن كنت مهجورة‬
‫وممقوتة ‪ ،‬ل يعبر بك أحد ‪ ،‬سأجعلك بهّية إلى البد ‪ ،‬وفرح كل الجيال ‪… ،‬‬
‫‪ :18‬ول يسمع بظلم في أرضك ‪ :21 … ،‬وشعبك كلهم أبرار ‪ ،‬ويرثون‬
‫جد ‪ :22 ،‬ويضحي أقّلهم‬ ‫الرض إلى البد ‪ ،‬فهم غصن غرسي وعمل يدي لتم ّ‬
‫ألفا ‪ ،‬وأصغرهم أمة قوية ‪ ،‬أنا الرب ُأسرع في تحقيق ذلك في حينه ‪. "… ،‬‬
‫رسالة السلم وصفة حملتها ‪:‬‬
‫شر‬
‫لب ّ‬ ‫ي ) الوحي ( لن الرب مسحني ُ‬ ‫" إشعياء ‪ :1 :61 :‬روح السيد الرب عل ّ‬
‫المساكين ‪ ،‬أرسلني لضّمد جراح منكسري القلوب ‪ ،‬لنادي للمسبيين بالعتق‬
‫عْندَ ا ِّ‬
‫ل‬ ‫ن ِ‬ ‫ن الّدي َ‬‫وللمأسورين بالحرية ‪ :2 ،‬لعلن سّنة الرب المقبولة ) ِإ ّ‬
‫جاَءُهُم اْلِعْلُم َبغًْيا َبْيَنُهْم‬ ‫ن َبْعِد َما َ‬
‫ب ِإّل ِم ْ‬‫ن ُأوُتوا اْلِكَتا َ‬ ‫ف اّلِذي َ‬ ‫خَتَل َ‬
‫لُم َوَما ا ْ‬‫سَ‬ ‫اِْل ْ‬
‫)‪ 19‬آل عمران ( ‪ :7 ، … ،‬وعوضا عن عاركم تنالون ضعفين من الميراث )‬
‫ن … )‪54‬‬ ‫جَرُهْم َمّرَتْي ِ‬
‫ن َأ ْ‬
‫ك ُيْؤَتْو َ‬‫ن )‪ُ (53‬أوَلِئ َ‬ ‫سِلِمي َ‬‫ن َقْبِلِه ُم ْ‬
‫ِإّنا ُكّنا ِم ْ‬
‫ب العدل ‪ ،‬وأمقت الختلس والظلم ‪،‬‬ ‫القصص ( ‪ :8 ،‬لني أنا الرب ُأح ّ‬
‫ن )‪ 97‬النحل ( ‪،‬‬ ‫ن َما َكاُنوا َيْعَمُلو َ‬ ‫سِ‬‫ح َ‬‫جَرُهْم ِبَأ ْ‬‫جِزَيّنُهْم َأ ْ‬
‫وُأكافئهم بأمانة ) َوَلَن ْ‬
‫وأقطع معهم عهدا أبديا ‪ :9 ،‬وتشتهر ذريتهم بين المم ‪ ،‬ونسلهم وسط الشعوب‬
‫ك َمَثُلُهْم‬
‫جوِد َذلِ َ‬ ‫سُ‬‫ن َأَثِر ال ّ‬‫جوِهِهْم ِم ْ‬ ‫سيَماُهْم ِفي ُو ُ‬ ‫‪ ،‬وكل من يراهم يعرفهم ) ِ‬
‫ِفي الّتْوَراِة ( ‪ ،‬وُيقّر أنهم شعب باركه الرب ‪ :11 ، … ،‬كما تنبت الرض‬
‫مزروعاتها ‪ ،‬والحديقة تخرج نباتاتها ‪ ،‬هكذا السيد الرب ينبت البّر والتسبيح ‪،‬‬
‫‪240‬‬
‫سوِقِه‬‫عَلى ُ‬
‫سَتَوى َ‬
‫ظ َفا ْ‬
‫سَتْغَل َ‬
‫طَأُه َفآَزَرُه َفا ْ‬
‫شْ‬‫ج َ‬‫خَر َ‬
‫ع َأ ْ‬
‫ينبتان أمام كل المم ) َكَزْر ٍ‬
‫ظ ِبِهُم اْلُكّفاَر ( ‪ :1 :62 ،‬إكراما لصهيون ) هذه إحدى‬ ‫ع ِلَيِغي َ‬
‫ب الّزّرا َ‬‫ج ُ‬‫ُيْع ِ‬
‫تحريفاتهم ‪ ،‬والصل إكراما لخير أمة ُأخرجت للناس ( ‪ ،‬ل أصمت ‪ ،‬و… ل‬
‫أستكين ‪ ] ،‬حتى يخرج بّرها كضياء ‪ ،‬وخلصها كمصباح ُمتقد [ ‪ :2 ،‬فترى‬
‫ل الملوك مجدك ‪ ،‬وتدعين باسم جديد يطلقه عليك فم الرب ) ُهَو‬ ‫ك وك ّ‬ ‫المم ِبّر ِ‬
‫ن َقْبُل )‪ 78‬الحج ( ‪.‬‬ ‫ن ِم ْ‬
‫سِلِمي َ‬‫سّماُكُم اْلُم ْ‬
‫َ‬
‫جاج بيت ال الحرام ‪:‬‬
‫انتشار رسالة السلم بين المم ‪ ،‬وصفة مجيء ح ّ‬
‫" إشعياء ‪ :20-18 :66 :‬ولني عالم بأعمالهم وأفكارهم ‪ ،‬فأنا ُمزمع أن آتي‬
‫لجمع كل المم واللسنة ‪ ،‬فيتوافدون ويرون مجدي ‪ ،‬وأجعل بينهم آية ‪،‬‬
‫وأبعث بعض الناجين منهم إلى المم ‪ ،‬إلى ترشيش وفول ولود ‪ ،‬المهرة في‬
‫رمي السهام ‪ ،‬وإلى توبال وياوان ‪ ،‬وإلى الجزائر البعيدة ‪ ،‬ممن لم يسمعوا‬
‫بشهرتي ‪ ،‬أو يروا مجدي ‪ ،‬فيذيعون مجدي بين المم ‪ .‬وُيحضرون جميع‬
‫أخوتكم من سائر المم ‪ ،‬تقدمة للرب ‪ ،‬على متون الجياد ‪ ،‬وفي المركبات‬
‫والهوادج ‪ ،‬وعلى ظهور البغال وأسنمة الجمال ‪ ،‬إلى أورشليم جبل قدسي " ‪.‬‬
‫طّهْر‬
‫شْيًئا ‪َ ،‬و َ‬
‫ك ِبي َ‬‫شِر ْ‬
‫ن َل ُت ْ‬ ‫ت ‪َ ،‬أ ْ‬
‫ن اْلَبْي ِ‬
‫قال تعالى ) َوِإْذ َبّوْأَنا لِْبَراِهيَم َمَكا َ‬
‫ج‪،‬‬‫س ِباْلحَ ّ‬
‫ن ِفي الّنا ِ‬‫جوِد )‪َ (26‬وَأّذ ْ‬ ‫سُ‬ ‫ن َوالّرّكِع ال ّ‬‫ن َواْلَقاِئِمي َ‬ ‫طاِئِفي َ‬
‫ي ِلل ّ‬‫َبْيِت َ‬
‫ق )‪ 27‬الحج (‬ ‫عِمي ٍ‬‫ج َ‬ ‫ن ُكّل َف ّ‬
‫ن ِم ْ‬‫ضاِمٍر ‪َ ،‬يْأِتي َ‬
‫عَلى ُكّل َ‬ ‫جالً ‪َ ،‬و َ‬ ‫ك ِر َ‬‫َيْأُتو َ‬
‫وهب بن منبه ُيجمل ما تفّرق من نصوص التوراة ‪:‬‬
‫وقارن كل ما تقّدم مع ما قاله وهب بن منبه أحد ُمسلمي اليهود ‪ ،‬حيث أجمل‬
‫كل هذه النبوءات في هذا النص من كتاب ) المنتظم ( لبي الفرج " قال وهب‬
‫بن منبه ‪ :‬أوحى ال تعالى إلى إشعياء ‪ ،‬إني ُمبعث نبيا أمّيا ‪ ،‬أفتح به آذانا‬
‫صما ‪ ،‬وقلوبا غلفا ‪ ،‬وأعينا عميا ‪ ،‬مولده بمكة ومهاجره طيبة ) المدينة‬
‫المنورة ( ‪ ،‬وملكه بالشام ‪ ،‬عبدي المتوكل المرفوع الحبيب المجيب ‪ ،‬ل يجزي‬
‫بالسيئة السيئة ‪ ،‬ولكن يعفو ويصفح ‪ ،‬ويغفر بالمؤمنين ‪ ،‬وليس بفظ ول غليظ ‪،‬‬
‫ول صخاب في السواق ‪ ،‬ول متزّين بالفحش ول قّوال ‪ُ ،‬أسّدده لكل جميل ‪،‬‬
‫وأهب له كل خلق كريم ‪ ،‬وأجعل السكينة لباسه ‪ ،‬والبّر شعاره ‪ ،‬والتقوى‬
‫والحكمة مقولته ‪ ،‬والصدق والوفاء طبيعته ‪ ،‬والعفو والمغفرة والمعروف‬
‫خلقه ‪ ،‬والعدل والحق شريعته ‪ ،‬والهدى إمامه ‪ ،‬والسلم ملته ‪ ،‬وأحمد اسمه ‪،‬‬
‫‪241‬‬
‫أهدي به بعد الضللة ‪ … ،‬به بعد الجهالة ‪ ،‬وُأكثر به بعد القلة ‪ ،‬وأغني به بعد‬
‫العيلة ‪ ،‬وأجمع به بعد الفرقة بين قلوب مختلفة ‪ ،‬وأهواء متشتتة ‪ ،‬وأمم‬
‫متفرقة ‪ ،‬أجعل أمته خير أمة أخرجت للناس ‪ ،‬تأمر بالمعروف وتنهى عن‬
‫المنكر ‪ ،‬توحيدا لي ‪ ،‬وإيمانا بي ‪ ،‬وإخلصا لي ‪ ،‬وتصديقا لما جاء به رسلي ‪،‬‬
‫وهم دعاة الشمس ) النور ( ‪ ،‬طوبى لتلك القلوب " ‪.‬‬
‫اليهود ينكرون نبّوة أحمد عليه الصلة والسلم حسدا وبغيا ‪:‬‬
‫من كتاب ) المنتظم ( " عن عاصم بن عمر عن قتادة عن رجل من قومه ‪ ،‬قال‬
‫‪ :‬إن مما دعانا إلى السلم ‪ ،‬مع رحمة ال إيانا وهداه ‪ ،‬لما كنا نسمع من‬
‫يهود ‪ ،‬كنا أصحاب أوثان ‪ ،‬وكانوا أهل كتاب ‪ ،‬عندهم علم ليس عندنا ‪ ،‬وكانت‬
‫ل تزال بيننا وبينهم ‪ ،‬فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون ‪ ،‬قالوا لنا ‪ :‬إنه قد تقارب‬
‫زمان نبي يبعث الن ‪ ،‬فنقتلكم معه قتل عاد وإرم ‪ ،‬وكنا كثيرا ما نسمع ذلك‬
‫منهم ‪ ،‬فلما بعثه ال عز وجل ‪ ،‬أجبناه حين دعانا إلى ال ‪ ،‬وعرفنا ما كانوا‬
‫يتّوعدونا به ‪ ،‬فبادرناهم إليه ‪ ،‬وآمنا وكفروا ‪ ،‬ففينا وفيهم ‪ ،‬نزلت هذه اليات )‬
‫حو َ‬
‫ن‬ ‫سَتْفِت ُ‬
‫ن َقْبُل َي ْ‬‫ق ِلَما َمَعهُْم َوَكاُنوا ِم ْ‬‫صّد ٌ‬
‫ل ُم َ‬‫عْنِد ا ِّ‬
‫ن ِ‬
‫ب ِم ْ‬ ‫جاَءُهْم ِكَتا ٌ‬‫َوَلّما َ‬
‫ن)‬‫عَلى اْلَكاِفِري َ‬‫ل َ‬ ‫عَرُفوا َكَفُروا ِبِه َفَلْعَنُة ا ِّ‬
‫جاَءُهْم َما َ‬ ‫ن َكَفُروا َفَلّما َ‬‫عَلى اّلِذي َ‬
‫َ‬
‫‪ 89‬البقرة ( " ‪.‬‬
‫من كتاب ) المنتظم ( " وعن عاصم عن شيخ من بني قريظة ‪ ،‬قال ‪ :‬قال لي ‪:‬‬
‫هل تدرون عّما كان إسلم ثعلبة بن سعيد وأسد بن عبيد ‪ ،‬نفر من بني ذهل‬
‫أخوة بني قريظة ‪ ،‬كانوا معهم في جاهليتهم ‪ ،‬كانوا ساداتهم في السلم ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫قلت ‪ :‬ل أدري ‪ ،‬قال ‪ :‬فإن رجل من يهود من أهل الشام ‪ُ ،‬يقال له ابن الهيبان ‪،‬‬
‫ل بين أظهرنا ‪ ،‬ل وال ما رجل قط ‪ ،‬كان‬ ‫قدم علينا قبل السلم بسنين ‪ ،‬فح ّ‬
‫يصلي الخمس أفضل منه ‪ ،‬فأقام عندنا ‪ ،‬فكّنا إذا قحط عنا المطر ‪ ،‬قلنا اخرج‬
‫يا ابن الهيبان فاستسق لنا ‪ ،‬فيقول ل وال ‪ ،‬حتى تقدموا بين يدي مخرجكم‬
‫صدقة له ‪ ،‬فنقول ‪ :‬كم ؟ فيقول ‪ :‬صاعا من تمر أو ُمّدين من شعير ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫فُيخرج ذلك ‪ ،‬ثم يخرج بنا إلى حّرتنا ‪ ،‬فيستسقي لنا ‪ ،‬فوال ما يبرح مجلسه ‪،‬‬
‫حتى يمر السحاب ويسقي ‪ ،‬قد فعل ذلك غير مرة ول مرتين ول ثلثا ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫ثم حضرته الوفاة عندنا ‪ ،‬فلما عرف أنه ميت ‪ ،‬قال ‪ :‬يا معشر يهود ‪ ،‬ما ترونه‬
‫أخرجني من أرض الخمر والخمير ‪ ،‬إلى أرض الجوع والبؤس ‪ ،‬قالوا ‪ :‬قل لنا‬
‫أنت ‪ ،‬قال ‪ :‬فإني إنما جئت هذه البلدة ‪ ،‬أتّوكف خروج نبي قد أظّلكم زمانه ‪،‬‬
‫‪242‬‬
‫هذه البلدة مهاجره ‪ ،‬فكنت أرجو أن ُأدركه فأتبعه ‪ ،‬وقد أظّلكم زمانه ‪ ،‬فل‬
‫يسبقّنكم أحد إليه ‪ ،‬يا معشر اليهود ‪ ،‬فإنه ُيبعث يسفك ويسبي الذراري والنساء‬
‫ممن خالفه ‪ ،‬فل يمنعّنكم ذلك منه ‪ ،‬فلما بعث ال رسوله … بني قريظة ‪ ،‬قال‬
‫هؤلء الفتية ‪ ،‬وكانوا شبابا أحداثا ‪ ،‬يا بني قريظة ‪ ،‬وال إنه الذي عهد إليكم فيه‬
‫ابن الهيبان ‪ ،‬قالوا ‪ :‬ليس به ‪ ،‬قالوا ‪ :‬بلى وال ‪ ،‬إنه لهو بصفته ‪ ،‬فأسلموا‬
‫فأحرزوا دماءهم وأموالهم وأهاليهم " ‪.‬‬
‫من كتاب ) المنتظم ( " عن ابن عباس قال ‪ :‬كانت يهود قريظة والنضير وفدك‬
‫وخيبر ‪ ،‬يجدون صفة النبي قبيل أن ُيبعث ‪ ،‬وأن دار مهاجره المدينة ‪ ،‬فلما ُولد‬
‫رسول ال ‪ ،‬قالت أحبار اليهود ولد أحمد الليلة ‪ ،‬هذا الكوكب طلع ‪ ،‬فلما تنّبأ ‪،‬‬
‫قالوا تنبأ أحمد ‪ ،‬قد طلع الكوكب ‪ ،‬كانوا يعرفون ذلك ‪ ،‬وُيقّرون به ‪ ،‬وما منعهم‬
‫من اّتباعه ‪ ،‬إل الحسد والبغي " ‪.‬‬
‫كان هذا عرضا لبعض من نبوءات التوراة ‪ ،‬التي تحّققت في الماضي ‪،‬‬
‫وعرضا لكيفية فهمهم لشاراتها ورموزها وتفسيرهم لها ‪ .‬وفيما يلي سنبدأ‬
‫بعرض أغلب نبوءاتهم المستقبلية ‪ ،‬والتفسيرات المعاصرة لها ‪ ،‬من الرواد‬
‫الغربيون من اليهود والنصارى ‪ ،‬مع التعقيب عليها أحيانا ‪.‬‬
‫نبوءات المرة الولى والثانية في سفر ارميا‬

‫المرة الولى وما بعدها ‪:‬‬


‫ي بكلمته ‪،‬‬‫ب يوحي إل ّ‬‫" ارميا ‪ :3 :25 :‬على مدى ثلث وعشرين سنة ‪ ،‬والر ّ‬
‫فخاطبتكم بها ‪ ،‬ولكنكم لم تسمعوا ‪ :5 … ،‬وقد قالوا لكم ) النبياء ( ‪ :‬توبوا‬
‫طرِقه الشّريرة ‪ ،‬وممارساته الثيمة ‪:6 … ،‬‬ ‫الن ليرجع كل واحد منكم ‪ ،‬عن ُ‬
‫ى ‪ :7 ،‬غير أنكم لم‬ ‫ول تضلوا وراء آلهة أخرى … عندئذ ل ُأنزل بكم أذ ً‬
‫تسمعوا لي ‪ ،‬بل أثرتم غيظي بما جنته أيديكم ‪ ،‬فاستجلبتم على أنفسكم الشّر ‪،‬‬
‫‪ :8‬لذلك يقول الرب القدير ‪ :‬لنكم عصيتم كلمي ‪ :9 ،‬فها أنا ُأجّند جميع قبائل‬
‫الشمال ‪ ،‬بقيادة نبوخذ نصر عبدي ‪ ،‬وآتي بها إلى هذه الرض ‪ ،‬فيجتاحونها‬
‫ويهلكون جميع سّكانها ‪ ،‬مع سائر المم المحيطة بها ‪ ،‬وأجعلهم مثار دهشة‬
‫وصفير ‪ ،‬وخرائب أبدية ‪ :10 ،‬وُأبيد من بينهم أهازيج الفرح والطرب ‪… ،‬‬
‫وضجيج الرحى ونور السراج ‪ :11 ،‬فتصبح هذه الرض بأسرها قفرا خرابا ‪،‬‬
‫وُتستعبد هذه المم لملك بابل ‪ ،‬طوال سبعين سنة ‪ :12 ،‬وفي ختام السبعين سنة‬
‫‪243‬‬
‫ُأعاقب ملك بابل وأّمته ‪ ،‬وأرض الكلدانيين على إثمهم ‪ ،‬وُأحولها إلى خراب‬
‫ي ‪ ،‬يقول الرب ‪ :13 ،‬وُأنّفذ في تلك الرض ‪ ،‬كل القضاء الذي نطقت به‬ ‫أبد ّ‬
‫ل ما دّون في هذا الكتاب ‪ ،‬وتنبأ به إرميا على جميع المم ‪ :14 ،‬إذ‬ ‫عليها ‪ ،‬ك ّ‬
‫ن أمما كثيرة وملوكا عظماء يستعبدونهم أيضا ‪ ،‬وهكذا ُأجازيهم بمقتضى‬ ‫أّ‬
‫أفعالهم ‪ ،‬وما جنته أيديهم من أعمال أثيمة " ‪.‬‬
‫ش نص النبوءة في هذه الفقرة ‪ ،‬بالمقارنة مع نص النبوءة الصلي في سفر‬
‫التثنية ‪ ،‬هو محض افتراء وتزوير ‪ ،‬فالكاتب في الواقع يسرد تاريخا لحداث‬
‫بعد وقوعها ‪ ،‬يحّدد فيه أسماء وأمكنة وأزمنة ‪ ،‬مع أنه يحكيها بصيغة المستقبل‬
‫‪ ،‬وفي النهاية يسكب بعضا من حقده الدفين ‪ ،‬على بابل وأهلها ‪ ،‬فاضحا الثر‬
‫ن هذا النص ‪ُ ،‬أعيدت كتابته‬‫النفسي الذي كان يعتريه عند كتابتها ‪ ،‬وهذا يؤكد أ ّ‬
‫بالضافات ‪ ،‬من قبل مؤلفي التوراة ‪ ،‬بعد السبي البابلي ‪ ،‬فمثل سفر إشعياء ‪،‬‬
‫يقول بأن الطائر الجارح سيأتي من المشرق ‪ ،‬وسفر إرمياء يقول أن نبوخذ‬
‫نصر يأتي من الشمال ‪ ،‬وفي الحقيقة ‪ ،‬ربما يكون كل المرين بناًء على‬
‫نصوص التوراة صحيح ‪ ،‬ليكون خروج نبوخذ نصر من الشرق ) بابل ( ‪،‬‬
‫وغزوه لمملكتهم من الشمال ) حماة ( ‪ ،‬أما جهة المخرج في المرة الولى ‪،‬لم‬
‫تكن معروفة إل بعد تحقق البعث ‪ ،‬فلذلك كانت الفقرة السابقة سردا تاريخيا ‪.‬‬
‫المرة الثانية وما بعدها ‪:‬‬
‫" ارميا ‪ :3 :30 :‬ها أيام مقبلة أرّد فيها سبي شعبي … ‪ ،‬وأعيدهم إلى الرض‬
‫التي أعطيتها لبائهم فيرثونها ‪ ) ،‬ثم يقول ( ‪ :‬سمعنا صراخ رعب ‪ ،‬عم الفزع‬
‫وانقرض السلم ‪ ، … ،‬ما أرهب ذلك اليوم ‪ ،‬إذ ل مثيل له ‪ ،‬هو زمن ضيق‬
‫طم‬‫على ذرية يعقوب ‪ ،‬ولكنها ستنجو ‪ ،‬في ذلك اليوم ‪ ،‬يقول الرب القدير ‪ُ :‬أح ّ‬
‫طهم ) أي أرفع قيود العبودية والذل عنهم ( فل‬ ‫أنيار أعناقهم وأقطع ُرب َ‬
‫يستعبدهم غريب فيما بعد ‪ ،‬بل يعبدون الرب إلههم ‪ ،‬وداود ملكهم الذي ُأقيمه‬
‫ن ويستريح ‪ ،‬من غير أن ُيضايقه‬ ‫عليهم ‪ … ،‬فيرجع نسل إسرائيل ‪ ،‬ويطمئ ّ‬
‫ك بينها ‪ ،‬أّم أنت فل ُأفنيك ُأوّدبك بالحق ‪،‬‬
‫أحد ‪ ، … ،‬فُأبيُد جميع المم التي شّتت َ‬
‫جه لورشليم ( إن جرحك ل شفاء‬ ‫ول ُأبّرئك تبرئة كاملة ‪ ) ، … ،‬الخطاب مو ّ‬
‫له ‪ ،‬وضربتك ل علج لها ‪ ،‬إذ ل يوجد من يدافع عن دعواك ‪ ، … ،‬قد نسيك‬
‫ك عقا َ‬
‫ب‬ ‫ب عدّو ‪ ،‬وعاقبت ِ‬
‫محّبوك ‪ ،‬وأهملوك إهمال ‪ ،‬لني ضربتك كما ُيضر ُ‬
‫س ‪ ،‬لن إثمك عظيٌم وخطاياك متكاثرة ‪ ، … ،‬لهذا أوقعتك بالمحن ‪،‬‬ ‫ض قا ٍ‬
‫مبغ ٍ‬
‫‪244‬‬
‫ولكن سيأتي يوم ُيفترس فيه جميع ُمفترسيك ‪ ،‬ويذهب جميع مضايقيك إلى‬
‫السبي ‪ ،‬ويصبح ناهبيك منهوبين ‪ ،‬لني أرّد لك عافيتك وُأبرئ جراحك " ‪.‬‬
‫ش هذه الفقرة تتحدث عن المرة الثانية وعقابهم الثاني ‪ ،‬وهذا النص منقول‬
‫كامل ‪ ،‬مع حذف بعض العبارات الزائدة كعبارة يقول الرب أو ما شابه ‪،‬‬
‫فانظر ماذا أضافوا إليها ‪ ،‬لقد أضاعوا الحقيقة ‪ ،‬وظلموا أجيالهم القادمة من‬
‫حيث ل يعلمون ‪ ،‬فكذبوا الكذبة وصّدقها أبنائهم ‪ ،‬وأصبحت من صميم‬
‫معتقداتهم ‪ ،‬فالمعاصرين من اليهود والنصارى ‪ ،‬يتعاملون مع كل نصوص‬
‫التوراة ‪ ،‬بغثها وسمينها ‪ ،‬على أنها من عند ال ‪ ،‬ول مجال لتكذيبها ‪ .‬وما‬
‫ُأضيف إلى هذه النبوءة المستقبلية ‪ ،‬كما يعتبرونها هم ‪ ،‬هو كل ما تحته خط ‪.‬‬
‫وأخطر ما في هذه الضافة ‪ ،‬هو تفسيرهم المعاصر لها ‪.‬‬
‫نبوءات حزقيال المستقبلية‬
‫سبوا إلى بابل ‪ ،‬ويحتوي‬ ‫حزقيال هو ثالث النبياء الكبار ‪ ،‬ويقال أنه أحد الذين ُ‬
‫كتابه على كثير من النبوءات المستقبلية ‪ ،‬فيما يخص عودة اليهود الثانية ‪،‬‬
‫وأحداث آخر الزمان وما سيقع فيها من حروب ‪ ،‬وهذا الكتاب وما يأتي بعده‬
‫في الترتيب ‪ ،‬من كتب أنبياء التوراة ‪ ،‬أصبح مادة دسمة للباحثين في القرن‬
‫الماضي ‪ ،‬فيما يتعّلق بأحداث آخر الزمان ‪ ،‬كنهاية اليهود ‪ ،‬والحرب والعالمية‬
‫الثالثة ‪ ،‬وظروفها ‪ ،‬ونتائجها ‪ ،‬وعودة المسيح الثانية إلى الرض ‪ ،‬وفيما يلي‬
‫عرض لنبوءاته حسب تسلسلها في التوراة ‪ ،‬الذي كما يبدو حافظ عليه كتبة‬
‫التوراة ‪.‬‬
‫تأكيد الوعد بالعقاب وتبيان أسبابه وغاياته ‪:‬‬
‫" حزقيال ‪ :5 :5 :‬هذه هي أورشليم التي أقمتها في وسط الشعوب … ‪،‬‬
‫فخالفت أحكامي بأشّر مما خالفتها المم … لذلك من حيث أنكم تمّردتم أكثر‬
‫من المم المحيطة بكم ‪ ، … ،‬ها أنا أنقلب عليك يا أورشليم ‪ ،‬وأجري عليك‬
‫قضاء على مشهد من المم ‪ ،‬فأصنع بك ما لم أصنعه من قبل ‪ ،‬وما لم أصنع‬
‫مثله من بعد ‪ ،‬عقابا لك على جميع أرجاسك ‪ ، … ،‬فأنا أيضا أستأصل ‪ ،‬ول‬
‫سّكانك يموتون بالوبأ والجوع في وسطك‬ ‫تترأف عليك عيني ول أعفو … ُثلث ُ‬
‫ن ُيقتل حولك بالسيف ‪ ،‬وُثلث أخير ُأشّتته بين المم ‪ ،‬وأتعقبه بسيف‬
‫‪ ،‬وُثلث ثا ٍ‬

‫‪245‬‬
‫مسلول ‪ ،‬وهكذا ُأنّفس عن غضبي ‪ ،‬ويخمد سخطي ‪ ،‬إذ أكون قد انتقمت …‬
‫وأجعلك خرابا وعارا بين المم … أنا الرب قد قضيت " ‪.‬‬
‫ش هذا النص يؤكد مقتل ثلثي اليهود ‪ ،‬وشتات ثلث سيكون عرضة للقتل والتنكيل‬
‫والضطهاد ‪.‬‬
‫نزول العقاب ببني إسرائيل في جميع مواطن إقامتهم ‪:‬‬
‫" حزقيال ‪ :3 :6 :‬ها أنا أجلب عليكم سيفا وأهدم مرتفعاتكم ‪ ،‬فتصبح مذابحكم‬
‫أطلل ‪ ، … ،‬وأطرح قتلكم أمام أصنامكم ‪ ،‬وُألقي جثث أبناء إسرائيل أمام‬
‫أوثانهم ‪ ،‬وأذري عظامهم حوا مذابحكم ‪ ،‬وحيثما ُتقيمون تتحول ُمدنكم إلى‬
‫أطلل ‪ … ،‬يموت البعيد بالوبأ ‪ ،‬والقريب يصرعه السيف ‪ ،‬والباقي منهم‬
‫والُمحاصر تقضي عليهم المجاعة ‪ ، … ،‬وأمدّ يدي عليهم في جميع مواطن‬
‫إقامتهم " ‪.‬‬
‫ش هنا يؤكد نزول العقاب بهم على اختلف أمكنة إقامتهم ‪ ،‬ويؤكد بأن مدنهم‬
‫التي يتواجدون فيها ستصبح خرابا ‪.‬‬
‫شدة العقاب وآثاره النفسية على البقية الناجية ‪:‬‬
‫" حزقيال ‪ :15 :7 :‬السيف ُمسّلط من الخارج ‪ ،‬والوبأ والجوع من الداخل …‬
‫أما الناجون منهم ‪ ،‬فيلوذون بالجبال كحمام الودية ‪ ،‬يبكي كل واحد منهم على‬
‫ل الركب مائعة كالمياه ‪ ،‬يتلفعون بالمسوح )‬
‫إثمه ‪ ،‬جميع اليدي مسترخية ‪ ،‬وك ّ‬
‫الملبس الخشنة ( ‪ ،‬ويغشاهم الرعب ‪ ،‬ويكسو العار وجوههم جميعا ‪ ،‬ويطغى‬
‫ضتهم في الشوارع ‪ ،‬ويضحي‬ ‫القَرع ) الصلع ( على رؤوسهم ‪ .‬ويطرحون ف ّ‬
‫ذهبهم نجاسة ‪ ،‬وتعجز فضتهم وذهبهم عن إنقاذهم في يوم غضب الرب " ‪.‬‬
‫الوعد بالعودة إلى فلسطين من الشتات ‪:‬‬
‫ي بكلمته ‪ ،‬قائل ‪ :‬يا ابن آدم ‪ ،‬قل‬
‫" حزقيال ‪ 14 :11 :‬ثم أوحى الرب إل ّ‬
‫لخوتك وأقربائك وسائر شعب إسرائيل ‪ ،‬في الشتات معك ‪ ،‬الذين قال لهم‬
‫سكان أورشليم ‪ :‬ابتعدوا عن الرب ‪ ،‬لنا قد وهبت هذه الرض ميراثا ‪ .‬ولكن إن‬
‫كنت ‪ ،‬قد فّرقتهم بين المم ‪ ،‬وشّتتهم بين البلد ‪ ،‬فإني أكون لهم َمقِدسا‬
‫صغيرا ‪ ،‬في الراضي التي تبّددوا فيها ‪ .‬لذلك قل لهم ‪ :‬سأجمعكم من بين‬
‫الشعوب ‪ ،‬وأحشدكم من الراضي التي شّتتكم فيها ‪ ،‬وأهبكم أرض إسرائيل ‪.‬‬
‫‪246‬‬
‫وعندما ُيقبلون إليها ينتزعون منها جميع أوثانها الممقوتة ورجاساتها ) أي‬
‫الحسان والصلح بترك أوثانهم وأرجاسهم ‪ ،‬ولكنهم عملوا ويعملون على‬
‫انتزاع الفلسطينيين وهدم أوثانهم المقدسة ( ‪ ،‬أعطيهم جميعا قلبا واحدا ‪،‬‬
‫وأجعل في دواخلهم روحا جديدا ‪ ،‬وأنزع قلب الحجر من لحمهم ‪ ،‬وأستبدله‬
‫بقلب من لحم ‪ ،‬لكي يسلكوا في فرائضي ‪ ،‬ويطيعوا أحكامي ويعملوا بها ‪،‬‬
‫ويكونون لي شعبا وأنا أكون لهم إلها ‪ .‬يقول السّيد الرب ‪ :‬أّما الذين ضّلت‬
‫طُرقهم على‬‫قلوبهم وراء أوثانهم ورجاساتهم ‪ ،‬فإني أجعلهم يلَقْون عقاب ُ‬
‫رؤوسهم ) فإن أحسنوا فلها وإن أساءوا فعليها ( " ‪.‬‬
‫الحث على الحسان والتوبة والرجوع إلى ال ‪ ،‬لنها السبيل الوحيد للنجاة ‪:‬‬
‫" حزقيال ‪ :32-29 :18 :‬يقول السيد الرب ‪ :‬ومع ذلك يقول بيت إسرائيل إنّ‬
‫طريق الرب غير عادلة ‪ ،‬أطرقي غير عادلة يا بيت إسرائيل ؟! أليست طرقكم‬
‫طُرقه ‪.‬‬
‫جة ؟! لذلك ُأدينكم يا شعب إسرائيل ‪ ،‬كل واحد بُمقتضى ُ‬ ‫هي المعو ّ‬
‫يقول السيد الرب ‪ :‬توبوا وارجعوا عن ذنوبكم كّلها ‪ ،‬فل يكون لكم الثم معثرة‬
‫هلك ‪ .‬اطرحوا عنكم كل ذنوبكم ‪ ،‬واحصلوا لنفسكم على قلب جديد وروح‬
‫جديدة ‪ ،‬فلماذا تموتون يا شعب إسرائيل ؟! إذ ل ُأسّر بموت أحد ‪ ،‬فتوبوا‬
‫واحيوا " ‪.‬‬
‫ش يؤكد النص على فسادهم على الدوام ‪ ،‬وأنهم ل يعترفون بذلك ‪ ،‬بل يّدعون‬
‫ضهم النص على التوبة‬ ‫بأن الرب غير عادل بعقابهم على فسادهم ‪ ،‬كما ويح ّ‬
‫والعودة ‪ ،‬وُيحّذرهم من الهلك إن لم يفعلوا ‪.‬‬
‫ذكر المرتين وعقابهما بشكل رمزي ‪:‬‬
‫ل مرثاة على رؤساء إسرائيل ‪ ،‬وقل ‪ :‬ماذا‬ ‫" حزقيال ‪ :9-1 :19 :‬أما أنت فات ُ‬
‫كانت أمك ؟! لبؤة ربضت بين السود ‪ ،‬ورّبت جراءها بين الشبال ‪ ،‬حتى إذا‬
‫كُبر أحد جرائها وصار شبل ) الولى ( ‪ ،‬وتعّلم الصيد ‪ ،‬أكل الناس ‪ .‬وعندما‬
‫بلغ أمره المم وقع في حفرتهم ‪ ،‬فأخذوه مسوقا بخزائمه إلى أرض مصر ‪،‬‬
‫وعندما أدركت أثناء انتظارها أن رجاءها قد هلك ‪ ،‬أخذت جروا آخر وجعلته‬
‫شبل ) الثانية ( ‪ ،‬فتمشى بين السود وتعّلم الصيد ‪ ،‬أكل الناس ‪ ،‬وهدم‬
‫قصورهم وخّرب مدنهم ‪ ،‬فارتعبت الرض ومن فيها صوت زمجرته ‪،‬‬
‫فاجتمعت عليه المم من كل صوب ‪ ،‬وألقوا عليه شبكتهم فوقع في حفرتهم ‪،‬‬
‫‪247‬‬
‫جوه في قفص وأحضروه إلى ملك بابل ‪ ،‬واعتقلوه في‬ ‫فساقوه بخزائم وز ّ‬
‫القلع لكيل تترّدد أصداء صوته بعد ‪ ،‬فوق جبال إسرائيل " ‪.‬‬
‫التحذير الُمسبق من الغترار بالقوة ‪ ،‬ومن الستهانة بما أنذرهم ال به ‪:‬‬
‫" حزقيال ‪ :16-6 :21 :‬يقول السيد الرب ‪ :‬أّما أنت يا ابن آدم ‪ ،‬فتنّهد بقلب‬
‫ُمنكسر وحزن ومرارة ‪ ،‬فإن سألوك على ماذا تتنّهد ؟ تجيبهم ‪ :‬على الخبار‬
‫الواردة التي ُتذيب كل قلب ‪ ،‬فتسترخي اليدي ويعتري القنوط كل روح ‪،‬‬
‫وتصبح الركب كالماء ‪ ،‬ها هي الخبار واردة ول بد أن تتم ‪ .‬وأوحى إل ّ‬
‫ي‬
‫ف قد تم‬
‫ف ‪ ،‬سي ٌ‬ ‫بكلمته قائل ‪ :‬يا ابن آدم ‪ ،‬تنّبأ وقل ‪ :‬هذا ما ُيعلنه الرب ‪ :‬سي ٌ‬
‫ن للذبح الُمبرم ‪ ،‬وصقل ليومض بالبريق ‪ ،‬فهل نبتهج قائلين‬ ‫سّ‬‫سّنه وصقله ‪ ،‬قد ٌ‬
‫‪ :‬عصا ابني ) البن إسرائيل الدولة ‪ ،‬والعصا كناية عن القوة ( تحتقر كل‬
‫قضيب ؟! ) بمعنى فهل نسخر من هذا السيف ونستهزئ بجبروته مغتّرين‬
‫بقوتنا ( ‪ ،‬وقد ُأعطي السيف ليصقل ويجّرد بالكف ‪ ،‬وها هو بعد سّنه وصقله‬
‫ُيسّلم ليد القاتل ‪ ،‬اصرخ واعول يا ابن آدم ‪ ،‬لنه يتسّلط على شعبي ‪ ،‬وعلى كل‬
‫رؤساء إسرائيل ‪ ،‬يتعّرض شعبي لهوال من جراء هذا السيف ‪ ،‬لذلك اضرب‬
‫على صدرك فزعا ) ندبا ( ‪ .‬يقول السيد الرب ‪ :‬لنه امتحان ) وجود إسرائيل‬
‫في فلسطين ( ‪ ،‬وماذا يحدث إن لم ُتقبل العصا الُمحتقِرة ) اُلمزدِرية ‪ ،‬غير‬
‫البهة بالعقاب ( ؟! ) بمعنى ماذا ستكون عاقبتها ‪ ،‬إذا رسبت بالمتحان اللهي‬
‫( ‪ .‬أنا الرب قد تكّلمت ) قضيت ( ‪ :‬فتنبأ يا ابن آدم ‪ ،‬واصفق كفا على كف ‪،‬‬
‫وليضرب السيف مرتّين ‪ ،‬بل ثلث مّرات ‪ ،‬إنه سيف القتلى ‪ ،‬سيف المجزرة‬
‫العظيمة الُمحّدقة بهم ‪ ،‬لكي تذوب القلوب ‪ ،‬ليتهاوى كثيرون عند كل بواباتهم ‪،‬‬
‫لهذا جّردت سيفا متقلبا بّراقا مصقول للذبح ‪ .‬فيا سيف اجرح يمينا ‪ ،‬اجرح‬
‫جه حّدك ‪ ،‬وأنا أيضا ُأصّفق بكفي ‪ ،‬وُأسكن غضبي " ‪.‬‬ ‫شمال ‪ ،‬اجرح حيثما تو ّ‬
‫ش هذا النص يصف الجبن اليهودي وحالة الرعب التي ستصيبهم ‪ ،‬عندما يدخل‬
‫عليهم هذا السيف الذي يعرفونه جيدا ‪ ،‬والذي مّزق أجسادهم شّر ُممزق ذات‬
‫مّرة ‪ .‬ويحّذر النص من الستهزاء بهذا السيف ‪ ،‬والغترار بالقوة ‪ ،‬لنه سيف‬
‫من صنع ال ‪ ،‬وسيسّلم ليد القاتل في الموعد الُمحّدد ‪ ،‬ويؤكد أن الرسوب في‬
‫المتحان أي الفساد ‪ ،‬معناه نفاذ القضاء بوقوع المجزرة ‪.‬‬

‫‪248‬‬
‫من أرض واحدة يخرج البعثان ‪:‬‬
‫ب بكلمته قائل ‪ :‬أّما أنت يا ابن آدم ‪،‬‬
‫ي الر ّ‬‫" حزقيال ‪ :19 :21 :‬وأوحى إل ّ‬
‫طط طريقين لزحف ملك بابل ‪ .‬من أرض واحدة تخرج الطريقان ] وأنت يا‬ ‫فخ ّ‬
‫ابن آدم ‪ ،‬عّين لنفسك طريقين ‪ ،‬لمجيء سيف ملك بابل ‪ ،‬من أرض واحدة‬
‫تخرج الثنتان [ ) النص الثاني من النسخة الخرى ( ‪ ، ... ،‬لنكم ذّكرتم‬
‫بإثمكم ‪ ،‬إذ انكشف تمردكم ‪ ،‬فتجّلت خطاياكم في كل ما ارتكبتموه من أعمال ‪،‬‬
‫لهذا إذ ذّكرتم بأنفسكم ‪ُ ،‬يقبض عليكم باليد ‪ ،‬وأنت أّيها المطعون الثيم ‪ ،‬ملك‬
‫إسرائيل ‪ ،‬يا من أِزف يومه في ساعة العقاب النهائي ‪ ،‬اخلع العمامة وانزع‬
‫التاج ‪ ،‬فلن يبقى الحال كسالف العهد به ‪ ،‬ارفع الوضيع ‪ ،‬وضع الرفيع ) اجعل‬
‫الوضيع عاليا ‪ ،‬والعالي وضيعا ( ‪ ،‬ها أنا أقلبه ‪ ،‬أقلبه ‪ ،‬أقلبه ‪ ،‬حتى ل يبقى‬
‫منه أثر ) تاج الملك ( إلى أن يأتي صاحب الحكم ‪ ،‬فأعطيه إياه ) للذي يأتي من‬
‫ربوات القدس ( " ‪.‬‬
‫ش هذه النبوءة توضح لهم ‪ ،‬أن أرض الخروج الثاني هي بابل ‪ ،‬بما ل يدع‬
‫مجال للشك ‪ ،‬وأن البعث عقاب لهم لفسادهم ‪ ،‬وأن ملكهم سيزول ل محالة ‪،‬‬
‫وأن تاج الُملك سُيعطى لصاحبه ‪ ،‬عندما يأتي من ربوات القدس ‪ ،‬وهي النبوءة‬
‫الرابعة والخيرة ‪ ،‬التي أخبر عنها موسى عليه السلم قبل موته ‪ .‬وبما أنهم ل‬
‫يفقهون ول يعلمون ‪ ،‬وعقولهم وقلوبهم كالحجارة أو أشّد قسوة ‪ ،‬فهم ل يتقّبلون‬
‫فكرة زوال ملكهم ‪ ،‬وذهاب الملك لغير شعب ال الُمختار وأبناء ال وأحبائه ‪،‬‬
‫حسب ما عّلمهم كهنتهم وأحبارهم ‪ ،‬لذلك فهم سيعملون المستحيل ‪ ،‬للمحافظة‬
‫على بقائهم في فلسطين ‪ ،‬بغض النظر عن إفسادهم فيها ‪ ،‬ليخرج هذا الملك‬
‫التوراتي الُمنتظر فيهم ‪ ،‬ليحكموا العالم من خلله إلى البد ‪.‬‬
‫وصف الفساد والعقاب في المرة الثانية ‪:‬‬
‫ب بكلمته قائل ‪ :‬وأنت يا ابن آدم ‪،‬‬‫ي الر ّ‬
‫" حزقيال ‪ :17-2 :22 :‬وأوحى إل ّ‬
‫أُتدين المدينة السافكة الدماء ؟! إذًا عرّفها بكل رجاساتها ) أي بّين صفة‬
‫إفسادها ( ‪ ،‬وقل ‪ :‬هذا ما ُيعلنه السيد الرب ‪ :‬أّيتها المدينة التي تسفك الدماء في‬
‫وسطها ‪ ،‬لتستجلب العقاب على نفسها ‪ ، … ،‬قد أثمت بما سفكت من دماء ‪،‬‬
‫ت منتهى أيامك‬‫جست بما عملت من أصنامك ‪ .‬قد قّربت يوم دينونتك ‪ ،‬وبلغ ِ‬ ‫وتن ّ‬
‫‪ ،‬لذلك جعلتك عارا عند المم ‪ ،‬ومثار سخرية لجميع البلدان ‪ ، … ،‬أنت يا‬
‫‪249‬‬
‫نجسة ‪ ،‬يا كثيرة الشغب ‪ ،‬هو ذا كل واحد من رؤساء إسرائيل ‪ ،‬ممن كانوا فيك‬
‫‪ ،‬انهمك في سفك الدماء على قدر طاقته ‪ .‬فيك استخّفوا بأب وأم ‪ ،‬واضطهدوا‬
‫جست أيام سبوتي ‪ .‬أقام فيك وشاة عملوا‬ ‫ت ُمقّدساتي ون ّ‬
‫اليتيم والرملة ‪ ،‬احتقر ِ‬
‫على سفك الدم ‪ ،‬وأكلوا أمام الصنام على الجبال ‪ ،‬وارتكبوا في وسطك‬
‫ظلما ونسيتني " ‪.‬‬ ‫الموبقات ‪ ، … ،‬أخذت الربا ومال الحرام ‪ ،‬وسلبت أقربائك ُ‬
‫" حزقيال ‪ :16-13 :22 :‬ها أنا قد صّفقت بكفي من جّراء ‪ ،‬ما حصلت عليه‬
‫سفك من دم في وسطك ‪ .‬فهل يصمد قلبك أو تحتفظ يداك‬ ‫من ربح حرام ‪ ،‬وما ُ‬
‫بقوتهما ‪ ،‬في اليام التي أتعامل معك فيها ؟! أنا الرب قد تكّلمت ‪ ،‬وُأتمم ما‬
‫أنطق به ‪ .‬سُأشتتك بين المم وُأبعثرك بين البلدان ‪ ،‬وأزيل نجاستك منك ‪،‬‬
‫وتتدّنسين بنفسك على مرأى من المم ‪ ،‬وتدركين أّني أنا الرب " ‪.‬‬
‫ي الرب بكلمته قائل ‪ :‬يا ابن آدم ‪ ،‬تنبأ وقل‬ ‫" حزقيال ‪ :31-23 :22 :‬وأوحى إل ّ‬
‫لها أنت أرض ‪ ،‬لم تتطّهري ولم ُيمطر عليها في يوم الغضب ‪ ، ... ،‬خالف‬
‫جسوا مقادسي ‪ ،‬لم ُيمّيزوا بين الُمقّدس والرجس ‪ ،‬ولم‬ ‫كهنتها شريعتي ‪ ،‬ون ّ‬
‫يعلموا الفرق بين الطاهر والّنجس ‪ ،‬رؤساؤها فيها كذئاب خاطفة ‪ُ ،‬تمّزق‬
‫فرائسها ‪ ،‬إذ يسفكون دماء الناس ‪ ،‬في سبيل الربح الحرام ‪ ،‬وأنبياؤها ) أي‬
‫المتنبئون الجدد كعوفاديا يوسف ( يَرْون لها رؤى باطلة ‪ ، … ،‬قائلين ‪ :‬هذا ما‬
‫يعلنه الرب ‪ -‬مع أن الرب لم يعلن شيئا ‪َ : -‬أِفرطوا في ظلم شعب الرض ‪،‬‬
‫فاغتصبوا سالبين ‪ ،‬واضطهدوا الفقير والمسكين ‪ ،‬وظلموا الغريب جورا ‪.‬‬
‫فالتمست من بينهم رجل واحدا ‪ ،‬يبني جدارا ) رجل ُمصلحًا ( ‪ ،‬ويقف في‬
‫الثغرة أمامي ‪ ،‬حتى ل ُأخربها فلم أجد ‪ .‬فصببت سخطي عليهم ‪ ،‬والتهمتهم‬
‫بنار غضبي ‪ ،‬جازيتهم بحسب طرقهم ‪ ،‬يقول السيد الرب " ‪.‬‬
‫جل‬‫ش هذه النصوص تصف إفساد دولة اليهود الحالية ‪ ،‬بدقة متناهية ‪ ،‬وكأنها ُتس ّ‬
‫وقائع عاينها الراوي ‪ ،‬وتؤكد أن الهلك والخراب واقع بهم ل محالة ‪ ،‬عندما‬
‫تبلغ هذه الدولة منتهى أيامها ‪.‬‬
‫التعقيب على المرتين وعقابهما بشكل رمزي ‪:‬‬
‫ي الرب بكلمته قائل ‪ :‬يا ابن آدم ‪ ،‬كانت‬
‫" حزقيال ‪ :35-1 :23 :‬وأوحى إل ّ‬
‫هناك امرأتان ‪ ،‬ابنتا أم واحدة ‪ ، … ،‬اسم الكبرى ) ُأهولة أي السامرة ( واسم‬
‫أختها ) ُأهوليبة أي أورشليم ( ‪ ،‬وكانتا لي وأنجبتا أبناء وبنات ‪ ،‬وزنت أهولة )‬
‫‪250‬‬
‫جست بكل من‬ ‫المملكة الولى ( ) أي فسدت وأفسدت ( مع أنها كانت لي ‪ ،‬وتن ّ‬
‫عشقتهم ‪ ،‬وبكل أصنامهم ‪ ،‬ولم تتخل عن زناها منذ أيام مصر ) فساد الباء‬
‫شاقها أبناء أشور ‪ ،‬ففضحوا عورتها ‪،‬‬ ‫عّ‬ ‫وعصيانهم ( ‪ ،‬لذلك سلّمتها ليد ُ‬
‫وأسروا أبنائها وبناتها ‪ ،‬وذبحوها بالسيف ‪ ،‬فصارت عبرة للنساء ‪ ،‬ونّفذوا فيها‬
‫قضاًء ‪ .‬ومع أن أختها ُأهوليبة ) المملكة الثانية ( شهدت هذا ‪ ،‬فإّنها أوغلت‬
‫أكثر منها في عشقها وزناها ‪ ، … ،‬فرأيت أنها قد تنجست ‪ ،‬وسلكتا كلتاهما في‬
‫عرّيها ‪،‬‬
‫ذات الطريق ‪ ، … ،‬وإذ واظبت على زناها علنية ‪ ،‬وتباهت بعرض ُ‬
‫شاقك ‪، … ،‬‬ ‫كرهتها كما كرهت أختها ‪ .‬لذلك يا أهوليبة ‪ :‬ها أنا ُأثير عليك ع ّ‬
‫وآتي بهم عليك من كل ناحية ‪ ،‬أبناء البابليين ‪ ،‬وسائر الكلدانيين ‪ ،‬ومعهم جميع‬
‫أبناء أشور ‪ ،‬من ولة وقادة ورؤساء ‪ ،‬وكلهم فرسان خيل ‪ ،‬فُيهاجمونك بأسلحة‬
‫ب سخطي عليك ‪ ،‬فيعاملونك بغيظ ‪ ،‬يجدعون‬ ‫ومركبات وعربات ‪ ، … ،‬وأص ّ‬
‫أنفك وأذنيك ‪ ،‬وُتقتل بقّيتك بالسيف ‪ .‬يأسرون أبناءك وبناتك ‪ ،‬وتلتهم النار‬
‫حلّيك ‪ .‬وهكذا أضع حّدا لعهرك‬ ‫بقّيتك ‪ ،‬وُيجّردونك من ثيابك ‪ ،‬ويستولون على ُ‬
‫وزناك ‪ . … ،‬وهذا ما ُيعلنه السيد الرب ‪ :‬ستشربين كأس عقاب أختك العميقة‬
‫) في الِقدم ( ‪ ،‬وتكونين مثار ضحك واستهزاء ‪ ،‬لن الكأس تسع كثيرا ‪،‬‬
‫سكرا وحزنا ‪ ،‬فكأس أختك السامرة ‪،‬كأس الرعب والخراب ‪ ،‬تشربينها‬ ‫تمتلئين ُ‬
‫وتمتصينها ‪ ، … ،‬لنك نسيتني ونبذتني وراء ظهرك " ‪.‬‬
‫خراب أمريكا بعد زوال إسرائيل ‪:‬‬
‫في الصحاحات ) ‪ ، ( 28 ، 27 ، 26‬تجد وصفا تفصيليا لمدينة سّماها كتبة‬
‫صه بما يلي ‪:‬‬
‫التوراة ) صور ‪ :‬مدينة ساحلية لبنانية ( نلخ ّ‬
‫سّكانها على البحر ‪.‬‬ ‫‪ُ .1‬مسيطرة هي و ُ‬
‫‪ُ .2‬ترعب جميع جيرانها ‪.‬‬
‫‪ .3‬تاجرة الشعوب وكاملة الجمال ‪.‬‬
‫‪ .4‬تقبع في قلب البحار ‪.‬‬
‫‪ .5‬تأتيها السفن التجارية من كل مكان ‪.‬‬
‫‪ .6‬شعبها وجيشها خليط من أمم أخرى ‪.‬‬
‫‪ .7‬تتمتع بكونها مركز للتجارة العالمية ‪.‬‬
‫‪251‬‬
‫ش وهذه الوصاف ل تنطبق إل على أمريكا كدولة ‪ ،‬أو ) نيويورك ( كمدينة ‪،‬‬
‫وأما صفة عقابها فهي كما يلي ‪:‬‬
‫‪ .1‬دمارها سيتحصل بريح شرقية ) أي من الشرق ( ‪.‬‬
‫‪ .2‬اندلع النيران في وسطها ‪.‬‬
‫‪ .3‬تحّولها إلى رماد ‪.‬‬
‫‪ .4‬مصيرها الغرق ولن يبقى منها أثر ‪.‬‬
‫‪ .5‬القائمون على خرابها غرباء من أعتى المم ‪.‬‬
‫ش وأما أسباب الغضب اللهي عليها وعلى ملكها فهي ‪:‬‬
‫‪ .1‬تنصيب ملكها لنفسه كإله للبشر ‪.‬‬
‫‪ .2‬تربعه في مجلس اللهة في قلب البحار ‪.‬‬
‫‪ .3‬الدعاء بامتلكه حكمة اللهة ‪.‬‬
‫‪ .4‬الستحواذ على الذهب والفضة واّدخارها ‪.‬‬
‫‪ .5‬مضاعفة الثروة بمهارتها في التجارة ‪.‬‬
‫‪ .6‬التجارة الظالمة ‪.‬‬
‫‪ .7‬البهاء والجلل والتكبر والستعلء لفرط الغنى ‪.‬‬
‫ش وفي النص التالي تسمية أخرى لها ‪ ،‬هي مصر ‪:‬‬
‫" حزقيال ‪ :16-3 :29 :‬ها أن أنقلب عليك يا فرعون ملك مصر ‪ ،‬أيها‬
‫التمساح الكامن في وسط أنهاره ‪ … ،‬وُأخرجك قسرا من أنهارك ‪ ،‬وأسماكها‬
‫ما برحت عالقة بحراشفك ‪ ،‬وأهجرك في البرية ‪ ،‬مع جميع سمك أنهارك ‪،‬‬
‫فتتهاوى على سطح أرض الصحراء ‪ ،‬فل ُتجمع ول ُتلّم ‪ ،‬بل تكون قوتا‬
‫لوحوش البّر وطيور السماء ‪ .‬فُيدرك كل أهل مصر أني أنا الرب ‪ ،‬لّنهم كانوا‬
‫ب هشًة لبني إسرائيل ‪ ،‬ما أن اعتمدوا عليك بأكفهم ‪ ،‬حتى انكسرت‬ ‫عّكاز قص ٍ‬‫ُ‬
‫ل متونهم ‪ .‬لذلك‬‫طمت وقصفت ك ّ‬ ‫ومّزقت أكتافهم ‪ ،‬وعندما توّكأوا عليك ‪ ،‬تح ّ‬
‫ها أنا أجلب سيفا ‪ ،‬وأستأصل منك النسان والحيوان ‪ ،‬وأجعل ديار مصر ‪،‬‬
‫ل مدنها الكثر خرابا بين المدن‬ ‫الكثر وحشة بين الراضي المقفرة ‪ ،‬وتظ ّ‬

‫‪252‬‬
‫الخربة … وأجعلهم أقلية لئل يتسلطوا على الشعوب ‪ ،‬فل تكون بعد ‪ ،‬موضع‬
‫اعتماد لبني إسرائيل ‪ ،‬بل ُتذّكرهم بإثمهم حين ضّلوا وراءهم … "‬
‫ش قد يظن القارئ للوهلة الولى أن هذا النص ‪ ،‬يتنبأ بخراب مصر ‪ ،‬ولكن بعد‬
‫ضحة بما تحته‬ ‫إمعان النظر في العلقة ما بين هذا الفرعون وبين اليهود ‪ ،‬المو ّ‬
‫خط ‪ ،‬ستجد أن المقصود بهذا النص ‪ ،‬هم فراعنة هذا العصر ‪ ،‬أمريكا ومن‬
‫شايعها ‪ ،‬وعلى ما يبدو أن المقصود بالتمساح هو السطول ‪ ،‬والمقصود‬
‫بالسماك هو السفن الحربية ‪ ،‬والمقصود بالنهار هي البحار التي تنشر فيها‬
‫القوات البحرية المريكية ‪ ،‬وعلى ما يبدو أن الساطيل المريكية ‪ ،‬ستخرج‬
‫وتجتمع في مكان ما ) البحر المتوسط ( ‪ ،‬بعد إنهاء الوجود اليهودي في‬
‫فلسطين ‪ ،‬لتلقي مصيرها المحتوم الذي ُيخبر عنه هذا النص ‪.‬‬
‫ش وفي نصوص أخرى ‪ ،‬ربما نوردها لحقا ‪ ،‬ستجد أن هناك تسميات أخرى ‪،‬‬
‫استخدمها كتبة التوراة والنجيل ‪ ،‬لنفس المدينة كبابل الجديدة ‪ ،‬وبابل‬
‫الُعظمى ‪ .‬كناية عن دولة عظمى ‪ ،‬سيتزامن وجودها مع ظهور الدولة اليهودية‬
‫في فلسطين ‪.‬‬
‫تحالف أعداء ال ضد اليهود والنصارى ‪:‬‬
‫خر جيشا‬‫صر ملك بابل ‪ ،‬قد س ّ‬ ‫ن نبوخذ ن ّ‬
‫" حزقيال ‪ : -18 :29 :‬يا ابن آدم ‪ :‬إ ّ‬
‫أشّد تسخير ‪ ،‬ضّد صور فأصبحت كل رأس من رؤوس جنوده صلعاء ‪ ،‬وكل‬
‫كتف ُمجّردة من الثياب ‪ ،‬ولكن لم يغنم هو ول جيشه شيئا من صور ‪ ،‬رغم ما‬
‫كابده من جهد للستيلء عليها ‪ .‬لذلك … ‪ ،‬ها أنا أبذل ديار مصر لنبوخذ نصر‬
‫ملك بابل ‪ ،‬فيستولي على ثروتها ‪ ،‬ويسلبها غنائمها وينهبها ‪ ،‬فتكون هذه ُأجرًة‬
‫لجيشه " ‪.‬‬
‫ي الرب بكلمته قائل ‪ :‬يا ابن آدم ‪ ،‬تنّبأ ‪ ،‬وقل‬‫" حزقيال ‪ :13-1 :30 :‬وأوحى إل ّ‬
‫ب بات وشيكا ‪ ، … ،‬إّنه يوم ُمكفهّر بالغيوم ‪ ،‬ساعة دينونة‬ ‫ن يوم الر ّ‬
‫‪،…:‬إّ‬
‫) نهاية ( للمم ‪ ،‬إذ ُيجّرد سيف على مصر ‪ ،‬فيُعّم الذعر الشديد إثيوبيا ‪ ،‬عندما‬
‫يتهاوى قتلى مصر ‪ ،‬ويستولي على ثروتها ‪ ،‬وُتنقض ُأسسها ‪ .‬ثم تسقط معهم‬
‫بالسيف ‪ ،‬إثيوبيا وفوط ولود ‪ ،‬وشبه الجزيرة العربية وليبيا ‪ ،‬وشعوب الرض‬
‫سّكانها من مجدل إلى أسوان ‪ ...‬فُتصبح أكثر‬ ‫الُمتحالفة معهم … فيتهاوى ُ‬

‫‪253‬‬
‫الراضي الُمقفرة وحشة ‪ ،‬وُتضحي ُمدنها أكثر الُمدن خرابا … في يوم هلك‬
‫مصر ‪ ،‬الذي ل بد أن يتحّقق ‪.‬‬
‫صر ملك بابل ‪،‬إذ ُيقبل بجيشه ‪ ،‬أعتى‬ ‫لني سأفني جماهير مصر بيد نبوخذ ن ّ‬
‫جيوش المم لخراب ديار مصر ‪ ،‬فُيجّردون عليها سيوفهم ‪ ،‬ويملئون أرضها‬
‫بالقتلى ‪ ،‬وُأجّفف مجاري نهر النيل ‪ ،‬وأبيع الرض لقوم أشرار ‪ ،‬وُأخّرب‬
‫طم الصنام ‪ ،‬وُأزيل الوثان‬ ‫ب قد قضيت ‪ .‬ثمّ ُأح ّ‬
‫البلد فيها بيد الغرباء ‪ ،‬أنا الر ّ‬
‫من ممفيس ‪ ،‬ول يبقى بعد ‪ ،‬رئيس في ديار مصر ‪ ،‬وُألقي فيها الرعب " ‪.‬‬
‫ي الرب بكلمته قائل ‪ :‬يا ابن آدم ‪ ،‬ولول على جند‬ ‫" ‪ :18-30 :32‬وأوحى إل ّ‬
‫مصر ‪ ، … ،‬يسقطون صرعى وسط قتلى السيف ‪ .‬قد أسلمت مصر للسيف ‪،‬‬
‫وأسروها مع كل حلفائها ‪ ،‬وهناك أشور ) سوريا ( وقومه ‪ … ،‬وحلفاؤه ‪.… ،‬‬
‫وهناك أيضا أيلم ) أفغانستان ( وحلفاؤها … وهناك أيضا ماشك وتوبال‬
‫ل حلفائهما ‪ … ،‬وهناك أيضا أدوم ) الردن ( وملوكها‬ ‫) مدن روسية ( ‪ ،‬وك ّ‬
‫ورؤسائها ‪ … ،‬وهناك ُأمراء الشمال ‪ ،‬وكل الصيدونيين ) اللبنانيين ( ‪… ،‬‬
‫أولئك الذين أشاعوا الرعب في أرض الحياء ‪ ، … ،‬كلهم قتلى ‪ ،‬وصرعى‬
‫السيف " ‪.‬‬
‫ش هذه الفقرات الثلثة ‪ ،‬مقتطعة من الصحاحات ) ‪ ، ( 32 ، 31 ، 30‬التي‬
‫كّررت بإسهاب ما جاء في الصحاح ) ‪ ، ( 29‬وعلى ما يبدو أن محتوى هذه‬
‫الصحاحات الثلثة ‪ ،‬قد تناولته أقلم الكتبة ‪ ،‬بكثير من التبديل والتحوير‬
‫والضافة ‪ ،‬وقد أوردنا هذه الفقرات لتعيينها بعض الشعوب والدول ‪ ،‬التي‬
‫يعتبرها الغرب أعداًء ل ‪ ،‬الذي هو المسيح عند النصارى ‪ .‬ويفترض الكثير‬
‫سرين الجدد للتوراة ‪ ،‬أن الدول المذكورة في هذه النصوص ‪ ،‬ستقوم‬ ‫من المف ّ‬
‫بالتحالف مستقبل ‪ ،‬ومن ثم ستغزو إسرائيل وتنهي وجودها ‪ ،‬بقيادة مصر أو‬
‫العراق أو روسيا ‪ ،‬منفردة أو مجتمعة ‪ ،‬مما يتسبب في مواجهة مصيرية كبرى‬
‫بين الشرق والغرب ‪ ،‬يطلقون عليها تسمية ‪ ،‬الحرب العالمية الثالثة ‪،‬‬
‫ويجزمون بأن النصر ‪ ،‬سيكون فيها حليف أحباء ال من اليهود والنصارى ‪،‬‬
‫على أعداءه من المسلمين وغيرهم ‪ ،‬وحتمية وقوع هذه الحرب المستقبلية ‪،‬‬
‫أصبحت في السنوات الخيرة ‪ ،‬حقيقة وعقيدة راسخة ‪ ،‬لدى عامة نصارى‬
‫الغرب وساستهم ‪ ،‬المهووسون بالنبوءات التوراتية ‪ ،‬وهذا مما ساهم فيه‬
‫واستغلته اليهود في أمريكا ‪ ،‬لدفع أمريكا لخوض هذه الحرب الوهمية ‪ ،‬التي‬
‫‪254‬‬
‫فيها كل المصلحة ليهود الشرق والغرب ‪ ،‬ضد العرب والمسلمين ‪ ،‬من قبل أن‬
‫تبدأ ‪.‬‬
‫وقد تكون هذه النصوص ‪ ،‬في الحقيقة ‪ُ ،‬تخبر عن الستعمار الغربي ‪ ،‬لكل‬
‫البلدان العربية والبلدان الخرى المذكورة فيها ‪ ،‬أو ُتخبر عن توحيد البلدان‬
‫المذكورة بالقوة ‪ ،‬من قبل ورثة نبوخذ نصر الجدد ‪ ،‬بعد قيامهم بإنهاء الوجود‬
‫اليهودي في فلسطين ‪.‬‬
‫خراب الرض بعد خراب إسرائيل ‪:‬‬
‫ي الرب بكلمته قائل ‪ :‬يا ابن آدم ‪ ،‬إن‬ ‫" حزقيال ‪ :29-24 :33 :‬فأوحى إل ّ‬
‫المقيمين في خرائب أرض إسرائيل ‪ ،‬يقولون ‪ :‬إن إبراهيم كان فردا واحدا ‪،‬‬
‫ومع ذلك ورث الرض ‪ ،‬وهكذا نحن كثيرون ‪ ،‬وقد ُوهبت لنا الرض ميراثا ‪.‬‬
‫لذلك قل لهم أتأكلون اللحم بالدم ‪ ،‬وتتعّلق عيونكم بأصنامكم ‪ ،‬وتسفكون الّدم ‪،‬‬
‫فهل ترثون الرض ؟! اعتمدتم على سيوفكم ‪ ،‬وارتكبتم الموبقات ‪ ، … ،‬فهل‬
‫ترثون الرض ؟! قل لهم ‪ :‬هذا ما ُيعلنه الرب ‪ :‬إن الذين ُيقيمون في الخرائب ‪،‬‬
‫ُيقتلون بالسيف ‪ .‬والذين يسكنون في العراء ‪ ،‬أبذلهم قوتا للوحوش ‪ .‬والمتمّنعون‬
‫سرونه على أنه السلح النووي‬ ‫في الحصون والمغاور يموتون بالوبأ ) ُيف ّ‬
‫ل كبريائها وعّزتها …‬ ‫والكيماوي ( ‪ .‬فأجعل الرض أطلل ُمقفرة ‪ ،‬وُيذ ّ‬
‫فُيدركون أّني أنا الرب ‪ ،‬حين أجعل الرض خربة ُمقفرة ) وهذا ما سُتحدثه‬
‫أسلحة الدمار الشامل التي يرتعبون منها لتوافقها مع ما جاءت به التوراة ( ‪،‬‬
‫من جّراء ما ارتكبوه من رجاسات " ‪.‬‬
‫ش وهذه النبوءة تؤكد زوال الدولة اليهودية بعد قيامها ‪ ،‬وذبح اليهود وتشريدهم‬
‫وفنائهم ) بالنووي والكيماوي كما يعتقدون ( ‪ ،‬وبالضافة إلى ذلك تؤكد خراب‬
‫الرض إجمال ؟ ولكنهم يرفضون هذه النبوءة جملة وتفصيل ‪ ،‬ويصّرون على‬
‫مخالفة ما جاء فيها ‪ ،‬ويبذلون قصارى جهدهم لمنع تحّققها ‪ .‬ولو طالعت‬
‫نصوص التوراة بمجملها ‪ ،‬ستجد أنه بعد كل مرة ‪ُ ،‬تخبر التوراة بحتمية نفاذ‬
‫قضاء ) الرب ( ‪ ،‬في إسرائيل وشعبها عند الفساد ‪ُ ،‬يضيف ) كتبة التوراة (‬
‫نصوصا تفيد بأن ربهم دائما وأبدا ‪ ،‬يعود ويعفوا عنهم ‪ ،‬فيجمعهم من الرض‬
‫شتتوا فيها ‪ ،‬من جميع الشعوب ‪ ،‬ويعيدهم إلى أرض الميعاد التي ُوهبت‬ ‫التي ُ‬
‫لهم ‪ ،‬فّيفسدون فيها ‪ ،‬فُيعّذبون وُيشتتون ‪ ،‬فيجمعهم ويعيدهم إليها ‪ ،‬وهكذا‬
‫دواليك ‪ ) … ،‬حسب ما يشتهيه كتبة التوراة ( ‪ ،‬واليهود حتى بعد زوال دولتهم‬
‫‪255‬‬
‫صل لهم فيها الملك البدي ‪ ،‬الذي‬
‫الحالية لن يستكينوا أو يهدءوا ‪ ،‬إلى أن يتح ّ‬
‫يحلمون به ‪ ،‬وهو ما رسم معالمه أقلمهم الكهنة والحبار ‪ ،‬في النص التالي ‪:‬‬
‫َمِلك القدس المنتظر من نسل محمد ‪ ،‬ل من نسل داود ‪:‬‬
‫ي الرب بكلمته قائل ‪ :‬يا ابن آدم ‪، … ،‬‬ ‫" حزقيال ‪ :28-21 :37 :‬وأوحى إل ّ‬
‫وها أنا أحشد أبناء إسرائيل من بين المم ‪ ،‬التي تفّرقوا فيها ‪ ،‬وأجمعهم من كل‬
‫جهة ‪ ،‬وُأحضرهم إلى أرضهم ‪ ،‬وأجعلهم أمة واحدة ‪ ، … ،‬تحت رئاسة ملك‬
‫واحد ‪ ، … ،‬ول ينقسمون إلى مملكتين ‪ .‬ول يتدّنسون بعد بأصنامهم‬
‫ي من معاصيهم ‪ ،‬بل ُأخّلصهم من مواطن إثمهم ‪،‬‬ ‫ورجاساتهم ‪ ،‬ول بأ ّ‬
‫وُأطّهرهم فيكونون لي شعبا ‪ ،‬وأكون لهم إلها ‪ .‬وُيصبح داود عبدي ملكا‬
‫عليهم ‪ ، … ،‬فيمارسون أحكامي وُيطيعون فرائضي ويعملون بمقتضاها ‪.‬‬
‫وُيقيمون في الرض التي وهبتها لعبدي يعقوب ‪ ،‬التي سكن فيها آباؤهم ‪،‬‬
‫فيستوطنون فيها ‪ ،‬هم وأبناؤهم وأحفادهم إلى البد ‪ ،‬ويكون عبدي داود رئيسا‬
‫عليهم مدى الدهر ‪ .‬وُأبرم معهم ميثاق سلم ‪ ،‬فيكون معهم عهدا أبديا ‪، … ،‬‬
‫فتدرك المم أّني أنا الرب ُمقّدس إسرائيل ‪ ،‬حين يكون مقِدسي قائما فيهم ) أي‬
‫سرونها بإقامة الهيكل ( إلى البد " ‪.‬‬
‫العبادة ل ‪ ،‬ولكنهم ُيف ّ‬
‫ش هذه النبوءة الُمحّرفة ‪ ،‬هي ما يسير عليه اليهود ‪ ،‬منذ أجيال وما زالوا ‪ ،‬حيث‬
‫أن كتبة هذا النص ‪ ،‬استخلصوا ما ُيوافق أهوائهم وأطماعهم ‪ ،‬من ُمجمل‬
‫النبوءات السابقة واللحقة ‪ ،‬وصهروها في بوتقة واحدة ‪ ،‬وبات من جاء بعدهم‬
‫من اليهود ‪ ،‬يحملها ويعتقد بها كحقيقة ‪ ،‬غير قابلة للنقض أو المناقشة ‪ ،‬فهي‬
‫ُنسبت إلى الرب ‪ .‬ومؤدى هذه النبوءة يقول ‪ :‬عند مجيئهم من الشتات ) نبوءة‬
‫العلو والفساد الثاني مع استثناء العقاب ‪ ،‬الذي طالما تحّدثت عنه النصوص‬
‫السابقة ( ‪ ،‬سيبعث ال لهم ملكا ) وجاءت شخصية هذا الملك من خلل تجميع‬
‫جال ( ‪ ،‬وجعلوه من نسل داود‬ ‫النبوءات الخاصة برسولنا ‪ ،‬وعيسى ‪ ،‬والد ّ‬
‫) َمِلَكهم الول ( ‪ ،‬ويكون ُملكه البدي هذا ‪ ،‬في فلسطين ) يأتي من ربوات‬
‫ق والعدل ) اليهودي طبعا ( ‪ ،‬في أرجاء‬ ‫القدس ( ‪ ،‬وفي زمانه ينتشر الح ّ‬
‫المعمورة ‪ .‬وعلى هذا يعتقد عامة اليهود أن عودتهم الحالية ‪ ،‬هي العودة‬
‫الخيرة والنهائية ‪ ،‬والتي ورد ذكرها في سورة السراء ‪ ،‬تحت عبارة ) وإن‬
‫عّدتم عدنا ( ‪ ،‬وليست المرة الثانية ‪ ،‬التي سيتحّقق فيها وعد الخرة ‪ ،‬ولكن هذا‬ ‫ُ‬
‫ك توّلد نتيجة التناقض‬
‫العتقاد ليس يقينا ‪ ،‬بل هناك نسبة من الشك ‪ ،‬وهذا الش ّ‬
‫‪256‬‬
‫في النصوص التوراتية ‪ ،‬فهم يعملون على الحتمال الول ‪ ،‬مع عدم إغفالهم‬
‫للحتمال الثاني ‪ .‬وحقيقة النص أعله ُتخبر عن ُملك المهدي ‪ ،‬في القدس ‪،‬‬
‫وهو من نسل محمد عليه الصلة والسلم ‪ ،‬مؤسس دولة السلم الولى ‪.‬‬
‫روسيا وحلفاؤها من نصارى الشرق ُيهاجمون دولة السلم في زمن المهدي‬
‫‪:‬‬
‫ي الرب بكلمته قائل ‪ :‬يا ابن آدم ‪ ،‬التفت‬‫" حزقيال ‪ :12-1 :38 :‬وأوحى إل ّ‬
‫بوجهك نحو جوج أرض ماجوج ‪ ،‬رئيس روش ) روسيا ( ماشك ) موسكو (‬
‫وتوبال ‪ ،‬وتنّبأ عليه ‪ ،‬وقل ‪ :‬هذا ما ُيعلنه السّيد الرب ‪ :‬ها أنا أنقلب عليك ‪ ،‬يا‬
‫جوج رئيس روش وماشك وتوبال ‪ ،‬وأقهرك … ‪ ،‬وأطردك أنت وكل جيشك‬
‫خيل وفرسانا ‪ ،‬وجميعهم ُمرتدون أفخر ثياب ‪ ،‬جمهورا غفيرا ‪ ،‬كلهم قابض‬
‫ن ‪ .‬ومن جملتهم ‪ ،‬رجال فارس ) إيران ( ‪،‬‬ ‫سيف ‪ ،‬وحامل أتراس ومجا ّ‬
‫وإثيوبيا ) السودان ( وفوط ‪ ، … ،‬وأيضا جومر ) اليمن ‪ /‬أوروبا الشرقية (‬
‫وكل جيوشه ‪ ،‬وبيت توجرمة ) بلد القوقاز الروسية ‪ /‬الشيشان ( من أقاصي‬
‫الشمال مع كل جيوشه ‪ ،‬جيوش غفيرة اجتمعت إليك ) أي لرئيس روش ( ‪ .‬إذ‬
‫بعد أيام كثيرة ُتستدعى للقتال ‪ ،‬فتقبل في السنين الخيرة ) آخر الزمان ( ‪ ،‬إلى‬
‫الرض الناجية من السيف ) فلسطين ( ‪ ،‬التي تم جمع أهلها من بين شعوب‬
‫كثيرة ‪ ،‬فتأتي ُمندفعا كزوبعة ‪ … ،‬أفكار سوء تراودك ‪ ، … ،‬للستيلء على‬
‫السلب ‪ ،‬ونهب الغنائم ‪ ،‬ومهاجمة الخرائب التي أصبحت آهلة ‪ ،‬ولمحاربة‬
‫الشعب المجتمع من بين المم ‪ ، … ،‬الُمستوطن في مركز الرض " ‪.‬‬
‫ش هذا النص النبوي ‪ ،‬وقع فيه خلط كبير ‪ ،‬بين نبوءتين ‪ ،‬وحقيقة هذا النص‬
‫تحكي وقائع الملحمة الكبرى ‪ ،‬التي ستقع مستقبل بين الروس والعرب ‪ ،‬والتي‬
‫سنتطرق لذكرها لحقا ‪ ،‬ولنكمل النص …‬
‫خروج يأجوج ومأجوج ‪ ،‬ونهايتهم عند وصولهم لمشارف مدينة القدس ‪:‬‬
‫"حزقيال ‪ :23-14 :38 :‬لذلك تنّبأ يا ابن آدم وقل لجوج ‪ ،‬هذا ما ُيعلنه الرب ‪:‬‬
‫في ذلك اليوم عندما يسكن شعبي إسرائيل آمنا … وُتقبل أنت من مقّرك في‬
‫أقاصي الشمال ‪ ،‬مع جيوش غفيرة ‪ ،‬تغشى الرض ‪ ،‬كّلهم راكبو خيل ‪… ،‬‬
‫وتزحف على شعبي إسرائيل ‪ ،‬كسحابة تغطي الرض ‪ ،‬في اليام الخيرة ‪،‬‬
‫أني آتي بك إلى أرضي ‪ ،‬لكي تعرفني الشعوب ‪ ،‬عندما تتجّلى قداستي ‪ ،‬حين‬
‫‪257‬‬
‫ُأدّمرك يا جوج أمام عيونهم ‪ .‬هذا ما يقوله السيد الرب ‪ :‬ألست أنت الذي ‪،‬‬
‫تحّدثت عنه في اليام الغابرة ‪ ،‬على ألسنة عبيدي أنبياء إسرائيل ‪ ،‬الذين تنّبأوا‬
‫في تلك اليام لسنين كثيرة ؟! … ‪ ،‬وُأسّلط عليه السيف في كل جبالي ‪ ،‬فيكون‬
‫ل رجل ضّد أخيه ‪ .‬وُأدينه بالوباء وبالدم ‪ ،‬وُأمطر عليه وجيوشه ‪،‬‬ ‫سيف ك ّ‬
‫وعلى جموع حلفائه الغفيرة ‪ ،‬مطرا جارفا ‪ ،‬وبردا عظيما ‪ ،‬ونارا وكبريتا ‪،‬‬
‫… فيدركون أني أنا الرب … فيخرج سكان ُمدن إسرائيل ) بعد أن يكونوا قد‬
‫ن ‪ ،‬والترسة‬ ‫اعتصموا منهم في جبال القدس ( ‪ ،‬ويحرقون السلحة والمجا ّ‬
‫ي والسهام ‪ ،‬والحراب والرماح ‪ ،‬ويوقدون بها النار سبع سنين ‪ ،‬وينهبون‬ ‫والقس ّ‬
‫ناهبيهم ‪ ،‬ويسلبون سالبيهم " ‪.‬‬
‫سره وُيأوّله الباحثون الجدد حديثا ‪،‬‬‫ش مفاد هذه النبوءة ‪ ،‬والنبوءة السابقة ‪ ،‬كما ُيف ّ‬
‫من اليهود والنصارى ‪ ،‬أن روسيا ) جوج وماجوج ( وحلفائها ‪ ،‬ستقوم بغزو‬
‫أرض إسرائيل ‪ ،‬آنذاك سيقف الرب بجانب إسرائيل وحلفائها ‪ ،‬فيكون النصر‬
‫حليفهم ‪ .‬والخلط الذي أوجده مؤلفو التوارة ‪ ،‬بتكرار ذكر يأجوج ومأجوج ‪ ،‬في‬
‫سري التوراة للعتقاد ‪ ،‬بأن الروس هم يأجوج‬ ‫نصين مختلفين ‪ ،‬دفع مف ّ‬
‫ومأجوج ‪ ،‬والحقيقة التي نعلمها نحن كمسلمون أن خروج يأجوج ومأجوج ‪،‬‬
‫سيقع بعد زوال دولة إسرائيل ‪ ،‬بل بعد ذبح اليهود النهائي ‪ ،‬وبعد خروج‬
‫الدجال ‪ ،‬ونزول عيسى عليه السلم ‪ ،‬وأما غزو الروس لبلد الشام ‪ ،‬فسيكون‬
‫لقتال المسلمين ‪ ،‬في زمن المهدي وقبل خروج الدجال ‪.‬‬
‫مواصفات الهيكل الهندسية ‪:‬‬
‫وعلى مدى ‪ 16‬صفحة تقريبا ‪ُ ،‬يفردها سفر حزقيال ‪ ،‬لتحديد المواصفات‬
‫الهندسية للهيكل الجديد ‪ ،‬بلغة الكلمات ‪ ،‬من بوابات وساحات ‪ ،‬وحجرات‬
‫لعداد الذبائح ‪ ،‬وحجرات للكهنة ‪ ،‬ودعائم الهيكل وجدرانه وغرفه ‪ ،‬ومخادع‬
‫الكهنة ‪ ،‬ومقاييس المنطقة التي سيقام فيها الهيكل ‪ ،‬ومقاييس المذبح ‪ .‬ويصف‬
‫مراسيم تقديم القرابين الُمقّدسة ‪ ،‬ويوضح شرائع لستخدام الهيكل ‪ .‬وُيحّدد‬
‫الرض الممنوحة للكهنة ‪ ،‬والممنوحة للشعب ‪ ،‬والممنوحة للملك ‪ .‬ومن ثم‬
‫يصف طريقة تقديم الملك للقربان الُمقّدس ‪ ،‬إلى آخره ‪ .‬وبناًء على هذه‬
‫المواصفات ‪ ،‬قام كثير من اليهود بعمل مخططات ونماذج ‪ ،‬للهيكل الذي‬
‫يسعون لتشييده مكان المسجد القصى ‪ ،‬كما تأمرهم التوراة ‪.‬‬

‫‪258‬‬
‫الطار العام للحداث المستقبلية حسب الترتيب الزمني لحزقيال ‪:‬‬
‫‪ .1‬غزو الجيش العراقي لسرائيل وإنهاء وجود اليهود فيها ‪.‬‬
‫‪ .2‬توحيد البلدان العربية تحت لواء واحد ‪.‬‬
‫‪ .3‬خراب الرض في حرب عالمية نووية ُمدّمرة ‪.‬‬
‫‪ .4‬نزول الخلفة السلمية في القدس ‪.‬‬
‫‪ .5‬روسيا وحلفاؤها من نصارى الشرق يغزون دولة السلم في زمن‬
‫المهدي ‪.‬‬
‫‪ .6‬خروج يأجوج ومأجوج ‪ ،‬ونهايتهم عند وصولهم لمشارف مدينة القدس ‪.‬‬
‫ش هذه هي قراءتنا لنبوءات حزقيال ‪ ،‬من خلل معرفتنا بأحداث آخر الزمان ‪،‬‬
‫مما ورد في القرآن والسنة ‪ ،‬أما فهم النصارى واليهود لهذه النبوءات ‪ ،‬هو فهم‬
‫مرتبك ومضطرب ‪ ،‬إذ أنهم عند تفسيرها ‪ ،‬ل ُيعيرون انتباها لترتيبها الزمني ‪،‬‬
‫كما جاءت في سفر حزقيال ‪ ،‬فمعظم تفسيراتهم على اختلفها ‪ ،‬تذهب إلى أن‬
‫كل هذه الحداث ‪ ،‬ستتحقق في زمن واحد ‪ ،‬متمثلة في حرب عالمية ثالثة ‪.‬‬
‫رؤى دانيال ونبوءاته‬
‫سبوا إلى بابل طفل ‪ ،‬وكتابه في‬
‫دانيال هو آخر النبياء الكبار ‪ ،‬وأحد الذين ُ‬
‫ُمعظمه يشتمل على رؤى نبوية ‪ ،‬تصف ما سيقع من أحداث في آخر الزمان ‪،‬‬
‫صة فيما يتعّلق بقيام دولة اليهود الثانية وزوالها ‪ ،‬وعودة المسيح عليه‬
‫وخا ّ‬
‫السلم ‪.‬‬
‫غزو العراق لسرائيل سُيشعل الحرب العالمية الثالثة ‪:‬‬
‫تفسير جبريل لحدى رؤى النبي دانيال ‪ " :‬دانيال ‪ :19 :8 :‬وقال ‪ :‬ها أن‬
‫ن الرؤيا ترتبط بميعاد‬
‫ُأطلعك على ما سيحدث ‪ ،‬في آخر حقبة الغضب ‪ ،‬ل ّ‬
‫النتهاء ] وقت الُمنتهى [ ‪ ،‬أن الكبش ذو القرنين الذي رأيته هو ملوك مادي‬
‫وفارس ) إيران والعراق ( ‪ ،‬والتيس الشعر هو ملك اليونان ) الغرب ( ‪،‬‬
‫والقرن العظيم النابت بين عينيه ‪ ،‬هو الملك الول وما أن انكسر ‪ ،‬حتى خلفه‬
‫أربعة عوضا عنه ‪ ،‬تقاسموا مملكته ‪ ،‬ولكن لم ُيماثلوه في قوته ‪ .‬وفي أواخر‬
‫ملكهم ‪ ،‬عندما تبلغ المعاصي أقصى مداها ) عند اكتمال الظلم ( ‪ ،‬يقوم ملك فظ‬
‫‪259‬‬
‫سرون يرون بأنه‬ ‫حاذق وداهية ] جافي الوجه وفاهم الحيل [ ) بعض المف ّ‬
‫الرئيس العراقي ( ‪ ،‬فُيعظم شأنه ‪ ،‬إنما ليس بفضل قّوته ) أي بقدرة ال ( ‪.‬‬
‫وُيسّبب دمارا رهيبا ) نتيجة استخدام أسلحة الدمار الشامل ( ‪ ،‬ويفلح في‬
‫القضاء على القوياء ) أمريكا والغرب ( ‪ ،‬ويقهر شعب ال ) اليهود ( ‪.‬‬
‫وبدهائه ومكره ُيحّقق مآربه ‪ ،‬ويتكّبر في قلبه ‪ ،‬وُيهلك الكثيرين وهم في‬
‫طم بغير يد النسان ) أي‬ ‫طمأنينة ‪ ،‬ويتمّرد على رئيس الرؤساء ‪ ،‬لكنه يتح ّ‬
‫يموت موتا طبيعيا ( " ‪.‬‬
‫ش يرى نوستراداموس قديما ‪ ،‬من خلل هذا النص ‪ ،‬أن نقطة البداية‬
‫) الشرارة ( للحرب العالمية النهائية المدّمرة ‪ ،‬ستكون محصورة في ثلثة‬
‫بلدان هي ) إيران والعراق وفلسطين ( ‪ ،‬أما أتباعه الجدد ‪ ،‬فيرون أن هذه‬
‫النبوءة تتحدث عن صدام حسين ‪ ،‬وغزوه لسرائيل وتدميرها ‪ ،‬وإشعاله لنار‬
‫الحرب العالمية الثالثة ‪ ،‬فتارة يصفونه بنبوخذ نصر جديد ‪ ،‬وتارة يصفونه‬
‫بصلح الدين الجديد ‪ ،‬وتارة بدجال آخر الزمان ‪ ،‬الذي يظهر في إيران أو‬
‫العراق ‪ ،‬وهذه النبوءة وتفسيراتها الحديثة ‪ ،‬مما ُيفسر جانبا من العداء الغربي‬
‫ي المزمن ‪ ،‬للعراق وللعراقيين ولشخص الرئيس العراقي ‪.‬‬ ‫المرض ّ‬
‫فساد إسرائيل وإفسادها يؤكد حتمية زوالها ‪:‬‬
‫ل شعب إسرائيل على شريعتك ‪ ،‬وانحرفوا فلم‬ ‫" دانيال ‪ :11 :9 :‬قد تعّدى ك ّ‬
‫صت‬ ‫يسمعوا صوتك ‪ ،‬فسكبت علينا اللعنة وما أقسمت أن توقعه بنا ‪ ،‬كما ن ّ‬
‫عليه شريعة موسى عبد ال ‪ ،‬لننا أخطأنا إليك ‪ .‬وقد نفّذت قضاءك الذي‬
‫قضيت به علينا ‪ ،‬وعلى قضاتنا الذين توّلوا أمرنا ‪ ،‬جالبا علينا على أورشليم‬
‫شرا عظيما ‪ ،‬لم يحدث له مثيل تحت السماء ‪ ، … .‬ولم ] نتضّرع إلى [‬
‫وجهك أيها الرب إلهنا ‪ ،‬تائبين عن آثامنا وُمتنّبهين لحقك ‪ ،‬فأضمرت لنا‬
‫العقاب ‪ ،‬وأوقعته بنا لنك إلهنا الباّر في كل أعمالك ‪ ،‬التي صنعتها لننا لم‬
‫نستمع إليك "‪.‬‬
‫ش هنا ُيخبر دانيال عن العقاب على اعتبار ما سيكون ‪ ،‬وبأنه قضاء كان موسى‬
‫عليه السلم قد أخبر عنه في كتابه ‪ ،‬وموضحا السباب التي أوجبت العقاب ‪،‬‬
‫وأن العقاب سُيرفع ‪ ،‬لو سبقته التوبة ‪ ،‬ويقّرر أن ال عادل في عقابه لشعبه‬
‫المختار ‪.‬‬

‫‪260‬‬
‫قيام دولة اليهود الثانية ‪:‬‬
‫ص متداخل ‪ ،‬على ما يبدو أنه تكرار لنفس نص‬ ‫ش النص التالي هو تكملة لن ّ‬
‫الرؤيا الولى أعله ‪ ،‬لم أستطع تتّبع بداياته بدقة ‪ ،‬يتحّدث عن حروب وعن‬
‫ملك ما ‪ ،‬لم أستطع تحديد ماهيته أو مخرجه ‪ ،‬ولكن من قراءة النص اللحق ‪،‬‬
‫يتبين أنه الذي تسبب في زوال الحكم السلمي وقيام دولة إسرائيل في فلسطين‬
‫‪ .‬ويصف هذا النص بدقة ‪ ،‬الواقع الحالي لهل فلسطين وللعرب والمسلمين‬
‫إجمال ‪ ،‬ويحمل بشرى لهم ‪ ،‬بالنصر والفرج من عند ال ‪ ،‬عندما يحين موعد‬
‫نهاية الدولة اليهودية ‪ ،‬وما كان عودة اليهود لفلسطين إل امتحانا ‪ ،‬ليميز‬
‫الطيب من الخبيث ‪ ،‬والمؤمن من المنافق ‪.‬‬
‫جسه ‪ ،‬وتزيل‬ ‫" دانيال ‪ :31 :11 :‬فُتهاجم بعض قّواته حصن الهيكل وتن ّ‬
‫المحرقة الدائمة ) أي الحكم السلمي ( ‪ ،‬وتنصب الرجس الُمخّرب ) أي دولة‬
‫إسرائيل ( ‪ .‬وُيغوي بالُمداهنة المعتدين على عهد الرب ) اليهود ( ‪ ،‬أّما الشعب‬
‫) الفلسطينيون ( الذين يعرفون إلههم فإّنهم يصمدون وُيقاومون ‪ .‬والعارفون‬
‫منهم ُيعّلمون كثيرين ‪ ،‬مع أّنهم ُيقتلون بالسيف والنار ‪ ،‬ويتعّرضون للسر‬
‫والنهب أّياما ) سنين معدودة ( ‪ ،‬ول يتلقون عند سقوطهم ) قتلى وجرحى ( ‪،‬‬
‫إل عونا قليل ‪ ،‬وينضّم إليهم كثيرون نفاقا ) حال العرب ( ‪ ،‬ويعثر بعض‬
‫الحكماء تمحيصا لهم وتنقية ‪ ،‬حتى يأزف وقت النهاية ) نهاية إسرائيل ( ‪ ،‬في‬
‫ميقات ال المعّين ) أي عند مجيء وعد الخرة ( " ‪.‬‬
‫حتمية نهاية إسرائيل على يد العراقيين ‪:‬‬
‫ظم على‬‫" دانيال ‪ :36 :11 :‬ويصنع الملك ) ملك إسرائيل ( ما يطيب له ‪ ،‬ويتع ّ‬
‫كل إله وُيجّدف بالعظائم على إله اللهة ‪ ،‬وُيفلح إلى أن يحين اكتمال الغضب ‪،‬‬
‫إذ ل بّد أن يتم ما قضى ال به ‪ ،‬ولن يبالي هذا الملك بآلهة آبائه ‪ ، … ،‬إّنما‬
‫يكرم إله الحصون بدل منهم ) أي يّتكل على القوة ( ‪ . … ،‬وعندما تأزف‬
‫ض عليه ملك الشمال ‪ ،‬كالزوبعة بمركبات‬ ‫النهاية ‪ُ ،‬يحاربه ملك الجنوب ‪ ،‬فينق ّ‬
‫وفرسان وسفن كثيرة ‪ ،‬ويقتحم دياره كالطوفان الجارف ‪ .‬ويغزو أرض‬
‫إسرائيل ‪ ،‬فيسقط عشرات اللوف صرعى ‪ ،‬ول ينجو منه سوى ‪ ،‬أرض أدوم‬
‫وأرض موآب ‪ ،‬والجزء الكبر من أرض عمون ) ممالك الردن القديمة ( ‪،‬‬
‫يبسط يده على الراضي ‪ ،‬فل تفلت منه حتى أرض مصر ‪ .‬ويستولي على‬
‫‪261‬‬
‫كنوز الذهب والفضة ‪ ،‬وعلى كل ذخائر مصر ‪ ،‬ويسير الليبيون والثيوبيون‬
‫في ركابه ) ليبيا والسودان ( ‪ ،‬وتبلغه أخبار من الشرق ومن الشمال ‪ ،‬فيرجع‬
‫بغضب شديد ‪ ،‬لُيدّمر ويقضي على كثيرين ‪ ،‬وينصب خيمته الملكية ‪ ،‬بين‬
‫البحر وأورشليم ‪ ،‬ويبلغ نهاية مصيره ) الوفاة ( ‪ ،‬وليس له من نصير " ‪.‬‬
‫ش يبدو أن هذا النص يتحّدث عن آخر رئيس لسرائيل ‪ ،‬وهو ملك ل يؤمن إل‬
‫ل إل عليها ‪ ،‬والنص يصف الغزو العراقي القادم لسرائيل ‪،‬‬ ‫بالقوة ول يتك ّ‬
‫وسيطرة رئيس العراق على معظم بلدان المنطقة وحكمه لها ‪ ،‬واتخاذه القدس‬
‫عاصمة لملكه ‪ ،‬ومن ثم موته موتا ‪ ،‬ل قتل ‪ .‬وأما ذكر ملكين من الشمال‬
‫والجنوب ‪ ،‬فهو ناتج عن ارتباك كتبة التوراة ‪ ،‬في تحديد هوية هذا الملك ‪،‬‬
‫والذي تبين لدينا من النبوءات السابقة ‪ ،‬أن هناك ملكين سيقومان بغزو إسرائيل‬
‫‪ ،‬الول هو ملك بابل ‪ ،‬وكان مخرجه حسب إشعياء من الشرق ‪ ،‬وكان غزوه‬
‫لسرائيل حسب ارميا من الشمال ‪ ،‬وهذا يفيد بأنه خرج من الشرق ‪ ،‬وغزاهم‬
‫من الشمال عن طريق سوريا حيث كان ُمعسكرا ‪ ،‬في منطقة حماة ‪ .‬والملك‬
‫الثاني هو جوج رئيس ماجوج أي الرئيس الروسي ‪ ،‬الذي سيغزوهم من أقصى‬
‫الشمال ‪ ،‬ومع أن كل منهما ‪ ،‬حادث منفصل عن الخر ‪ ،‬إل أنهم جمعوهما في‬
‫نص واحد ‪ ،‬بطريقة مربكة للقارئ ‪ ،‬وهذا أدى إلى حيرة الدارسين والباحثين‬
‫الجدد لهذه النصوص ‪ ،‬في محاولتهم لمعرفة ظروف الحرب العالمية الثالثة ‪،‬‬
‫ي النزاع فيها وأحلف كل منهم ‪ ،‬وهذا النص تكرار لنص تفسير‬ ‫ولتحديد شق ّ‬
‫جبريل للرؤيا الذي تقّدم أعله ‪.‬‬
‫" ‪ :9 :12‬اذهب يا دانيال ‪ ،‬لن الكلمات مكتومة ومختومة إلى وقت النهاية ‪.‬‬
‫حصون بالتجارب ) ُيمتحنون ( ‪ ،‬أما الشرار‬ ‫كثيرون يتطّهرون ويتنّقون وُيم ّ‬
‫فيرتكبون شرا ول يفهمون ‪ ،‬ولكن ذوو الفطنة ُيدركون ] يفهمون [ " ‪.‬‬
‫ش يؤكد هذا النص ‪ ،‬أن الحداث التي أخبر عنها ‪ ،‬ستأخذ مكانها في زمان‬
‫النهاية ‪ ،‬وسُيمتحن من خللها أناس كثيرون ‪ ،‬فمنهم من يقع بشّر أعماله ‪،‬‬
‫ومنهم من ينجو بجميل صنعه وفهمه ‪ ،‬واختياره للطريق الصوب ‪ ،‬بناًء على‬
‫ما جاء في هذه النبوءات ‪.‬‬

‫‪262‬‬
‫بعض رؤى ونبوءات النبياء الصغار‬
‫وهم اثنا عشر نبيا ‪ ،‬وعلى ما يبدو أنهم ُبعثوا في الفترة ‪ ،‬التي كان لليهود فيها‬
‫تواجد في جزئي في القدس ‪ ،‬وتمتعوا فيها بحكم شبه ذاتي ‪ ،‬للقلة التي بقيت‬
‫فيها ولمن عادوا من السبي البابلي ‪ ،‬وامتدت هذه الفترة ‪ ،‬ما بعد السبي‬
‫سّموا بالنبياء الصغار ‪ ،‬كون‬ ‫البابلي ‪ ،‬إلى ما قبل بعث عيسى عليه السلم ‪ ،‬و ُ‬
‫أسفارهم صغيرة الحجم ‪ ،‬حيث يتراوح عدد صفحات كل منها ‪ ،‬ما بين ) ‪-2‬‬
‫‪ ( 12‬صفحة ‪ ،‬ومعظم رؤاهم ونبوءاتهم تتحدث عن أحداث آخر الزمان ‪،‬‬
‫المرتبطة بعودتهم الثانية إلى فلسطين ‪:‬‬
‫سفر يوئيل‬

‫وصف أصحاب البعث الثاني ‪:‬‬


‫" هذا ما أوحى به الرب ‪ ،‬إلى يوئيل بن فثوئيل ‪ :‬اسمعوا هذا أّيها الشيوخ ‪،‬‬
‫وأصغوا يا جميع أهل الرض ‪… ،‬‬
‫‪ :15 :1‬يا له من يوم رهيب ‪ ،‬لن يوم الرب قريب ‪ ،‬حامل معه الدمار من عند‬
‫القدير ‪ … ،‬اصحوا أيها السكارى ‪ ،‬وابكوا يا جميع مدمني الخمر … فإن أمًة‬
‫قوية قد زحفت على أرضي ‪ُ ،‬أمة قوية ل ُتحصى لكثرتها ‪ ،‬لها أسنان ليث‬
‫وأنياب لبؤة ‪… ،‬‬
‫‪ :2 :2‬هو يوم ظلمة وتجّهم ‪ ،‬يوم غيوم ُمكفهّرة وقتام دامس ‪ ،‬فيه تزحف أمة‬
‫قوية وعظيمة ‪ ،‬كما يزحف الظلم على الجبال ‪ ،‬أّمة لم يكن لها شبيه في سالف‬
‫الزمان ‪ ،‬تلتهم النار ما أمامها ‪ ،‬وُيحرق اللهيب ما خلفها ‪ ،‬الرض أمامها جنة‬
‫عدن ‪ ،‬وخلفها صحراء موحشة ‪ ،‬يثبون على رؤوس الجبال ‪ ،‬في جلبة كجلبة‬
‫ف للقتال ‪.‬‬
‫ش ‪ ،‬وكجيش عات ُمصط ّ‬ ‫المركبات ‪ ،‬كفرقعة لهيب نار يلتهم الق ّ‬
‫تنتاب الرعدة منهم كل الشعوب ‪ ،‬وتشحب كل الوجوه ‪ ،‬يندفعون كالجبابرة‬
‫ضون‬ ‫وكرجال الحرب ‪ ، … ،‬ينسّلون بين السلحة من غير أن يتوقفوا ‪ ،‬ينق ّ‬
‫على المدينة ‪ ،‬ويتواثبون فوق السوار ‪ ،‬يتسّلقون البيوت ‪ ،‬ويتسّللون من‬
‫الكوى كاللصوص ‪ ،‬ترتعد الرض أمامهم وترجف السماء ‪ ، … ،‬يجهر الرب‬
‫جنده ل ُيحصى لهم عدد ‪ ،‬ومن ُينّفذ أمره يكون‬ ‫بصوته في ُمقّدمة جيشه ‪ ،‬لن ُ‬
‫ُمقتدرا ‪ ،‬لن يوم الرب عظيم ومخيف ‪ ،‬فمن يحتمله ؟! " ‪.‬‬
‫‪263‬‬
‫ض فيه ‪ ،‬تلك المة القوية‬
‫ش يوم الغضب الذي يصفه يوئيل ‪ ،‬هو اليوم الذي ستنق ّ‬
‫‪ ،‬لتنفيذ وعد الخرة ‪ ،‬في شعب ال المختار ‪.‬‬
‫الشارة إلى موعد زوال دولة إسرائيل فلكيا ‪:‬‬
‫" يوئيل ‪ :30 :2 :‬وأجري آيات في السماء ‪ ،‬وعلى الرض ‪ ،‬دما ونارا‬
‫وأعمدة دخان ‪ .‬وتتحول الشمس إلى ظلم ) كسوف الشمس ( ‪ ،‬والقمر إلى دم‬
‫) وخسوف القمر ( ‪ ،‬قبل مجيء يوم الرب العظيم الُمخيف ‪ .‬إّنما كل من يدعو‬
‫باسم الرب يخلص ‪ ،‬لن النجاة تكون في جبل صهيون وفي أورشليم …‬
‫ش ُيشير هذا النص إلى أن نهاية إسرائيل ‪ ،‬سيسبقها بعض الشارات والدلئل ‪،‬‬
‫في السماء وفي الرض ‪ ،‬أما الشارات الرضية ‪ ،‬فهي قتل وسفك دماء ‪،‬‬
‫ودمار ونار ‪ ،‬وحرائق ودخان ‪ ،‬وأما الشارات السماوية ‪ ،‬فهي أول كسوف‬
‫كّلي للشمس ‪ ،‬يليه خسوف كّلي للقمر ‪ ،‬تتم مشاهدتهما من فلسطين على التوالي‬
‫‪ ،‬والملفت للنظر أن الشارات السماوية قد وقعت بالفعل ‪ ،‬فالكسوف الكلي‬
‫للشمس ‪ ،‬حدث بتاريخ ‪1999 / 8 / 11‬م ‪ ،‬وتبعه خسوف كلي للقمر بتاريخ‬
‫صل هذا الحدث‬ ‫‪ ، 2001 / 1 / 9‬ولول مرة بعد قيام الدولة اليهودية ‪ ،‬يتح ّ‬
‫على هذا النحو ‪ ،‬وهو ما لن يتكّرر قبل ‪ 180‬سنة على القل ‪.‬‬
‫فلسطين مسرح الحرب العالمية الثالثة ‪:‬‬
‫‪ :1 :3‬لّنه في تلك اليام ‪ ،‬وفي ذلك الحين ‪ ،‬عندما أرّد سبي يهوذا وأورشليم ‪،‬‬
‫أجمع المم كّلها ‪ ،‬وأحضرهم إلى وادي يهوشافاط ‪ ،‬وأحاكمهم هناك ‪ ،‬من أجل‬
‫شعبي وميراثي إسرائيل ‪ ، … ،‬نادوا بهذا بين المم ‪ ،‬وتأهبوا للحرب ‪، … ،‬‬
‫أسرعوا وتعالوا من كل ناحية ‪ ، … ،‬لتنهض المم وتقبل إلى وادي القضاء ‪،‬‬
‫… ‪ ،‬تعالوا ودوسوا ‪ ،‬فإن المعصرة الخمر قد امتلت ‪ ،‬والحياض فاضت‬
‫بكثرة شّرهم …‬
‫ش يوم الغضب يشمل أيضا ‪ ،‬ما سيقع من غضب إلهي لحق ‪ ،‬على بقية شعوب‬
‫الرض ‪.‬‬
‫عودة المن والطمأنينة لفلسطين بعد الحرب ‪:‬‬
‫وتقطر الجبال في ذلك اليوم خمرة عذبة ‪ ،‬وتفيض التلل باللبن ‪ ،‬وجميع ينابيع‬
‫يهوذا تتدفق ماء ‪ ،‬ويخرج ينبوعا من هيكل الرب ‪ ،‬يروي واد السنط ‪ ،‬وتصبح‬
‫‪264‬‬
‫مصر خرابا ‪ ،‬وأدوم قفرا موحشا ‪ ،‬لفرط ما أنزلوه من ظلم ‪ ، … ،‬ولنهم‬
‫سفكوا دما بريئا في ديارهم ‪ .‬أما يهوذا فإّنه يسكن الرض إلى البد ‪ ،‬وتعمر‬
‫أورشليم مدى الجيال ‪ ،‬وُأزّكي دمهم الذي لم ُأبّرئه ‪ ،‬لن الرب يسكن في‬
‫صهيون ) كناية عن الدين ( " ‪.‬‬
‫رؤيا حبقوق‬

‫وصف الفساد وأصحاب البعث الثاني ‪:‬‬


‫" ‪ :3-11 :1‬أينما تلّفت أشهد أمامي جورا واغتصابا ‪ ،‬ويثور حولي خصام‬
‫ونزاع ‪ ،‬لذلك بطلت الشريعة ) تعطّلت ( وباد العدل ‪ ،‬لن الشرار ُيحاصرون‬
‫ق‪.‬‬‫الصّديق ‪ ،‬فيصدر الحكم ُمنحرفا عن الح ّ‬
‫جبوا وتحّيروا ‪ ،‬لني ُمقبل على إنجاز أعمال ‪ ،‬في‬ ‫تأّملوا المم وأبصروا ‪ ،‬تع ّ‬
‫عهدكم ‪ ،‬إذا ُأخبرتم بها ل تصّدقونها ‪ .‬فها أنا ُأثير الكلدانيين ‪ ،‬هذه المة الحانقة‬
‫الُمندفعة ‪ ،‬الزاحفة في رحاب الرض ‪ ،‬لتستولي على مساكن ليست لها ‪ ،‬أّمة‬
‫حكمها وعظمتها من ذاتها ‪ .‬خيولها أسرع من النمور ‪،‬‬ ‫ُمخيفة ُمرعبة ‪ ،‬تستمّد ُ‬
‫وأكثر ضراوة من ذئاب المساء ‪ ،‬فرسانها يندفعون بكبرياء ‪ ،‬قادمين من أماكن‬
‫بعيدة ‪ُ ،‬متسابقين كالنسر الُمسرع ‪ ،‬للنقضاض على فريسته ‪ُ ،‬يقبلون جميعهم‬
‫ليعيثوا فسادا ‪ ،‬ويطغى الرعب منهم على قلوب الناس قبل وصولهم ‪ ،‬فيجمعون‬
‫أسرى كالرمل ‪ .‬يهزءون بالملوك ويعبثون بالحكام ‪ ،‬ويسخرون من الحصون ‪،‬‬
‫يجعلون حولها تلل من التراب ‪ ،‬ويستولون عليها ‪ .‬ثم يجتاحون كالريح‬
‫ويرحلون ‪ ،‬فقوة هؤلء الرجال هي إلههم " ‪.‬‬
‫" ‪ 3 :2‬لن الرؤيا ل تتحّقق إل في ميعادها ‪ ،‬وتسرع إلى نهايتها ‪ ،‬إنها ل‬
‫تكذب ‪ ،‬وإن توانت فانتظرها ‪ ،‬لنها ل بّد أن تتحّقق ‪ ،‬ولن تتأخر طويل " ‪.‬‬
‫عودة السلم بخروج المهدي من مكة وانتصاره في جميع حروبه ‪:‬‬
‫" ‪ :3-13 :3‬قد أقبل ال من أدوم ) الردن ( ‪ ،‬وجاء القّدوس من جبل فاران )‬
‫مكة ( ‪ ،‬غمر جلله السماوات ‪ ،‬وامتلت الرض من تسبيحه ‪ ،‬إن بهاؤه‬
‫كالنور ‪ ،‬ومن يده يومض شعاع ‪ ،‬وهناك يحجب قّوته ‪ .‬يتقّدمه وبأ ‪ ،‬والموت‬
‫يقتفي خطاه ‪ .‬وقف وزلزل الرض ‪ ،‬تفّرس فأرعب المم ‪ ،‬اندّكت الجبال‬

‫‪265‬‬
‫البدية ‪ ،‬وانهارت التلل القديمة ‪ ،‬أما مسالكه فهي منذ الزل ‪ ،‬لقد رأيت خيام‬
‫شقق أخبية ديار مديان ترجف رعبا " ‪.‬‬‫كوشان تنوء بالبلية ‪ ،‬و ُ‬
‫ش هذا النص مشابه للنص النبوي الذي ورد في سفر التثنية ‪ ،‬بداية هذا الفصل ‪،‬‬
‫فعبارة ) جاء القّدوس ( ‪ُ ،‬تشير إلى عودة الدين ‪ ،‬وعبارة ) من جبل فاران ( ‪،‬‬
‫ُتحّدد مكان ظهور القائم على أمره ‪ ،‬وهي جبال الجزيرة العربية ‪ ،‬أما عبارة‬
‫) قد أقبل ال ( ‪ ،‬فتعني قدوم شيء من أمر ال ‪ ،‬كالبعث أو الملك المنتظر ‪،‬‬
‫وعبارة ) من أدوم ( أي من الردن ‪ُ ،‬تشير إلى الجهة التي سيأتي منها البعث ‪،‬‬
‫أو التي سيأتي منها المهدي لدخول القدس ‪ ،‬وعلى ما يبدو أن هذا النص ‪ ،‬جاء‬
‫صل النبوءة ‪ ،‬التي جاءت على لسان موسى عليه السلم ) وأتى من‬ ‫سر وُيف ّ‬
‫لُيف ّ‬
‫ربوات القدس ‪ ،‬وعن يمينه نار شريعة لهم ( ‪ ،‬وتؤكد أن المهدي ‪ ،‬سيظهر في‬
‫مكة ‪ ،‬ومن ثم سينتقل إلى القدس ‪ ،‬لُيعيد للسلم مجده وبهاءه ‪ ،‬ولُييدد بنوره ‪،‬‬
‫عصورا من ظلم القلوب والعقول ‪.‬‬
‫رؤيا صفنيا‬

‫وصف إفساد إسرائيل والوعد بعقابها ‪:‬‬


‫‪ :1-4 :3‬ويل للمدينة الظالمة الُمتمّردة الدنسة ‪ ،‬التي ل ُتصغي لصوت أحد ‪،‬‬
‫ل على الرب ‪ ،‬ول تتقّرب من إلهها ‪ ،‬رؤساؤها في‬ ‫وتأبى التقويم ‪ ،‬ول تتك ّ‬
‫داخلها ُأسود زائرة ‪ ،‬وقضاتها كذئاب المساء الجائعة ‪ ،‬التي ل تبقي شيئا ‪ ،‬من‬
‫فرائسها إلى الصباح ‪ ،‬أنبياؤها مغرورون وخونة ‪ ،‬وكهنتها ُيدّنسون المقدس ‪،‬‬
‫ويتعّدون على الشريعة …‬
‫" ‪ :2 :1‬يقول الرب ‪ :‬سأمحو محوا كل شيء عن وجه الرض ‪ . … ،‬أمّد‬
‫لعاقب يهوذا وكل أهل أورشليم ‪ ،‬وُأفني من هذا الموضع بقية عبدة البعل‬ ‫يدي ُ‬
‫‪ ،‬وكل كهنة الوثن ‪ ، … .‬فتصبح ثروتهم غنيمة ‪ ،‬وبيتهم خرابا " ‪.‬‬
‫الحرب القادمة ُمباغتة وسريعة ‪:‬‬
‫ي يوم الرب‬
‫‪ :14-18 :1‬إن يوم الرب العظيم قريب ‪ ،‬وشيك وسريع جدا ‪ .‬دو ّ‬
‫ُمخيف ‪ ،‬فيه يصرخ الجبار مرتعبا ‪ ،‬يوم غضب هو ذلك اليوم ‪ ،‬يوم ضيق‬
‫وعذاب ‪ ،‬يوم خراب ودمار ‪ ،‬يوم ظلمة واكتئاب ‪ ،‬يوم غيوم وقتام ‪ ، … .‬فيه‬
‫ق الرب ‪ ،‬فتنسكب دماؤهم‬‫ُأضايق الناس فيمشون كالعمي ‪ ،‬لنهم أخطئوا في ح ّ‬
‫‪266‬‬
‫كالتراب ‪ ،‬ويتناثر لحمهم كالجّلة ‪ .‬ل ُينقذهم ذهبهم ول فضتهم ‪ ،‬في يوم غضب‬
‫ل الرض ‪ ،‬وفيه يضع نهاية ‪ُ ،‬مباغتة كاملة‬ ‫الرب ‪ ،‬إذ بنار غيرته ُتلتهم ك ّ‬
‫ل سكان المعمورة " ‪.‬‬ ‫سريعة ‪ ،‬لك ّ‬
‫سرون الغربيون ‪ ،‬بأن الحرب‬ ‫ش اعتمادا على هذا النص ‪ ،‬يعتقد معظم المف ّ‬
‫العالمية القادمة ‪ ،‬ستكون مباغتة وسريعة جدا ‪ ،‬وستحسم في فترة زمنية‬
‫قصيرة جدا ‪ُ ،‬تعّد باليام ‪ .‬وقصر المدة ‪ُ ،‬يشير إلى حتمية استخدام أسلحة‬
‫الدمار الشامل بكافة أشكالها ‪.‬‬
‫جي‬
‫سفر ح ّ‬

‫إعادة بناء الهيكل طمعا في الذهب والفضة ‪:‬‬


‫" ‪ :7-8 :1‬هكذا يقول الرب القدير ‪ :‬تأملوا فيما فعلتم ‪ ،‬اصعدوا الجبل ‪،‬‬
‫جد …‬ ‫واجلبوا خشبا وشّيدوا الهيكل ‪ ،‬فأرضى عنه وأتم ّ‬
‫‪ :5-9 :2‬بمقتضى عهدي الذي أبرمته معكم ‪ ،‬عندما خرجتم من ديار مصر ‪،‬‬
‫إن روحي ماكث معكم ‪ ،‬فل تفزعوا ‪ .‬لنه هكذا يقول الرب ‪ :‬ها أنا ُمزمع مّرة‬
‫أخرى ‪ ،‬عّما قليل أن ُأزلزل السماء والرض والبحر واليابسة ‪ ،‬وأن ُأزعزع‬
‫أركان جميع المم ‪ ،‬فُتجلب نفائسهم إلى هذا المكان ‪ ،‬وأمل الهيكل بالمجد ‪،‬‬
‫فالذهب والفضة لي يقول الرب القدير ‪ ،‬ويكون مجد هذا الهيكل الخير ‪ ،‬أعظم‬
‫من مجد الهيكل السابق ‪ ،‬وأجعل السلم يسود هذا الموضع ‪ ،‬يقول الرب القدير‬
‫"‪.‬‬
‫ش هذا النص الُمحّرف ‪ ،‬مما يّتخذه اليهود كدعوة لعادة بناء الهيكل ‪ ،‬والحقيقة‬
‫أن ال أمرهم بعبادته وإقامة شريعته ‪ ،‬ولكنهم يعبدون الذهب والفضة ‪،‬‬
‫ومستودعها هو الهيكل ‪ ،‬ويسعون لبناءه لجعله مصرف دولي أو بورصة‬
‫عالمية ‪ ،‬وهذا كان حالهم عند مجيء المسيح عليه السلم ‪ ،‬وكما هو موصوف‬
‫بالنجيل ‪ ،‬وأما النص غير الُمحّرف ‪ ،‬الذي يخبرهم فيه ربهم ‪ ،‬بأنه ل يريد‬
‫منهم هيكل ‪ ،‬وإنما يريد منهم صلحا وإصلحا ‪ ،‬فهو موجود أيضا في نفس‬
‫السفر ‪ ،‬بعد أسطر قليلة وهذا نصه ‪:‬‬

‫‪267‬‬
‫" ‪ :14-15 :2‬هذا هو حال الشعب ‪ ، … ،‬فكلّ أعمال أيديهم ‪ ،‬وما ُيقّدمونه‬
‫نجس ‪ .‬والن تأملوا فيما صنعتم اليوم ‪ ،‬وفيما صنعتم في اليام السالفة ‪ ،‬قبل‬
‫أن تضعوا حجرا فوق حجر ‪ ،‬لبناء هيكل الرب !!! " ‪.‬‬
‫سفر زكريا‬

‫تحذير يهود هذا الزمان على لسان زكريا عليه السلم ‪:‬‬
‫ب أشّد الغضب على آبائكم ‪ ،‬ولكن ُقل لهم هذا ما ُيعلنه‬ ‫‪ :2-6 :1‬لقد غضب الر ّ‬
‫ي فأرجع إليكم ‪ .‬ول تكونوا كآبائكم ‪ ،‬الذين حّذرهم‬ ‫الرب القدير ‪ :‬ارجعوا إل ّ‬
‫طرقكم الباطلة ‪ ،‬وأعمالكم الشّريرة ‪،‬‬ ‫النبياء السابقون ‪ ،‬قائلين ‪ :‬ارجعوا عن ُ‬
‫ي ‪ … ،‬ألم تدركوا أقوالي وفرائضي ‪ ،‬التي‬ ‫ولكّنهم لم يسمعوا ولم ُيصغوا إل ّ‬
‫أمر بها عبيدي النبياء آباءكم ‪ ،‬قائلين ‪ :‬لقد نّفذ الرب القدير ‪ ،‬ما عزم أن‬
‫ُيعاقبنا به ) في المرة الولى ( ‪ ،‬بمقتضى ما ارتكبناه ‪ ،‬من أعمال باطلة " ‪.‬‬
‫" ‪ :8 :7‬هذا ما يقوله الرب القدير ‪ :‬اقضوا بالعدل ‪ ،‬ولُيبِد كل منكم إحسانا‬
‫ورحمة لخيه ‪ .‬ول تجوروا على الرملة واليتيم ‪ ،‬والغريب والمسكين ‪.‬‬
‫ولكنهم أَبْوا أن ُيصغوا ‪ ،‬واعتصموا بعنادهم غير عابئين ‪ ،‬وأصموا آذانهم لئل‬
‫ب غضب عظيم‬ ‫سوا قلوبهم كالصّوان لئل يسمعوا ‪ ، … ،‬فانص ّ‬ ‫يسمعوا ‪ .‬وق ّ‬
‫من لدن الرب القدير ‪ … ،‬وأضحت الرض المبهجة قفرا " ‪.‬‬
‫مصير الشعب اليهودي في إسرائيل ‪:‬‬
‫ي ورجل‬ ‫" ‪ :7-9 :13‬ويقول الرب القدير ‪ :‬استيقظ أيها السيف ‪ ،‬وهاجم راع ّ‬
‫صغار ) أي‬‫رفقتي ‪ ،‬اضرب الراعي فتتبّدد الخراف ‪ ،‬ولكّني أرّد يدي عن ال ّ‬
‫المستضعفين ( ‪ .‬يقول الرب ‪ :‬فيفنى ُثلثا شعب أرضي ‪ ،‬ويبقى ُثلثهم حيا فقط ‪.‬‬
‫حص الذهب "‬ ‫حصه كما ُيم ّ‬‫لنقيه تنقية الفضة ‪ ،‬وأُم ّ‬
‫فُأجيز هذا الثلث في النار ‪ُ ،‬‬
‫‪.‬‬
‫ش هذا النص ُيشير إلى الوعد الثاني وعقابه ‪ ،‬حيث يفنى ثلثان وينجو ثلث ‪،‬‬
‫وهذا الثلث ُيمتحن بمجيء الدجال ‪ ،‬فيفنى من تبعه منهم ‪ ،‬وينجو منهم من‬
‫يعتنق السلم ‪.‬‬
‫سلب منكم في وسطكم ‪.‬‬ ‫" ‪ :1 :14‬انظروا ها يوم ُمقبل للرب ‪ُ ،‬يقسم فيه ما ُ‬
‫لني أجمع المم على أورشليم لتحاربها ‪ ،‬فُتؤخذ المدينة وُتنهب البيوت ‪،‬‬
‫‪268‬‬
‫وُتغتصب النساء ‪ ،‬وُيسبى نصف أهلها إلى المنفى ‪ ،‬إّنما ل ينقرض بقية الشعب‬
‫من المدينة " ‪.‬‬
‫الحرب العالمية النووية الثالثة ‪:‬‬
‫سري النصوص‬ ‫ش يعتقد ُمجمل الغربيون من يهود ومسيحيين ‪ ،‬من مف ّ‬
‫التوراتية ‪ ،‬أن حربا نووية ستقع في المستقبل القريب ‪ ،‬تبدأ بهجوم على‬
‫إسرائيل ‪ ،‬من قبل روسيا وحلفائها من الشرقيين ‪ ،‬المذكورين في النصوص‬
‫السابقة ‪ .‬وستكون نتيجة هذه الحرب ‪ ،‬هي انتصار إسرائيل وحلفائها‬
‫الغربّيون ‪ ،‬وفيما بعض النصوص ‪ ،‬التي ُتخبر عن ظروف هذه الحرب ‪.‬‬
‫" ‪ :1-6 :12‬ها أنا ُمزمع ‪ ،‬أن أجعل أورشليم كأس خمر ‪ ،‬تترّنح منها جميع‬
‫الشعوب الُمحيطة بها ‪ ، … ،‬في ذلك اليوم أجعل أورشليم كصخرة ثقيلة ‪،‬‬
‫ق شّقا ‪ ،‬ويتأّلب‬‫تعجز عن حملها جميع الشعوب ‪ .‬وكل من ُيحاول حملها ينش ّ‬
‫عليها جميع شعوب الرض ‪ ،‬في ذلك اليوم ‪ ،‬يقول الرب ‪ُ :‬أصيب كل فرس‬
‫من جيوش العداء بالرعب ‪ ،‬وفارسه بالجنون ‪ ، … ،‬أجعل عشائر يهوذا ‪،‬‬
‫ب بين أكداس الحنطة ‪ ،‬فيلتهمون الشعوب من حولهم ‪ ،‬ممن‬ ‫ل ملته ٍ‬
‫… ‪ ،‬كمشع ٍ‬
‫ل أورشليم ‪ ،‬آمنة آهلة في موضعها " ‪.‬‬ ‫عن يمينهم وعن يسارهم ‪ ،‬بينما تظ ّ‬
‫ن هذا النص ُيشير إلى أن إسرائيل ‪ ،‬سُتهاجم من قبل أمم كثيرة ‪ ،‬فينتصر‬ ‫ش مع أ ّ‬
‫الرب لورشليم وعشائرها ‪ ،‬وتبقى آمنة مطمئنة ‪ ،‬لكن في النصوص التي تلي‬
‫هذا النص ‪ ،‬تجد نواحا ونحيبا من قبل ذرية داود ‪ ،‬والنواح والنحيب ل يكون‬
‫عادة من شدة الفرح ‪ ،‬وإنما من شدة اللم ‪ ،‬لوقوع فاجعة ما حّلت بهم ‪ ،‬وفي‬
‫النص التالي ‪ ،‬وصفا لهذا النواح ‪:‬‬
‫" ‪ :11 :12‬في ذلك اليوم يكون النواح في أورشليم ‪ ،‬مماثل للنواح في هدد‬
‫رّمون في سهل مجّدو ‪ ،‬فيشيع النحيب بين أهل البلد " ‪.‬‬
‫ش وحسب ما يعتقد اليهود والنصارى ‪ ،‬فإن هذا النص ُيحّدد ساحة المعركة‬
‫البرية ‪ ،‬في الحرب القادمة الُمسّماة ) هرمجدون ( ‪ ،‬بين إسرائيل وأعدائها ‪،‬‬
‫في سهل مجّدو شمال فلسطين ‪.‬‬
‫" ‪ :12 :14‬وهذا هو البلء الذي ُيعاقب به الرب ‪ ،‬جميع الشعوب الذين‬
‫اجتمعوا على أورشليم ‪ :‬تتهّرأ لحومهم وهم واقفون على أرجلهم ‪ ،‬وتتآكل‬
‫عيونهم في أوقابها ‪ ،‬وتتلف ألسنتهم في أفواههم ‪ :13 .‬في ذلك اليوم ُيلقي الرب‬
‫‪269‬‬
‫‪ ،‬الرعب في قلوبهم ‪ ،‬حتى ترتفع يد الرجل ضد رفيقه فيهلكان معا ‪:14 .‬‬
‫وُيحارب أبناء يهوذا أيضا دفاعا عن أورشليم ‪ ،‬ويغنمون ثروات من المم‬
‫الُمحيطة " ‪.‬‬
‫ش ُيشّكل هذا النص توليفة غريبة ‪ ،‬من صنع الكتبة ‪ .‬فالفقرة )‪ (12‬تصف ما‬
‫ُيشبه تأثير تعّرض الجسم لحرارة شديدة جدا ‪ .‬والية )‪ (13‬تصف ما ُيشبه قيام‬
‫الساعة ‪ .‬والفقرة )‪ (14‬وكأنها نص مأخوذ ‪ ،‬مما يلي الفقرة )‪ (16‬في النص‬
‫اللحق ‪ ،‬إذ كيف يقوم أبناء يهوذا بمحاربة الجثث المحترقة !!!‬
‫" ‪ :13 :9‬ها أنا ُأتر يهوذا كقوس ‪ ،‬وأجعل أفرايم كسهم ‪ ،‬وُأثير رجال صهيون‬
‫على أبناء اليونان ‪ ،‬فتكونين كسيف جّبار ‪ :15 ، … .‬يقيهم الرب القدير‬
‫حجارة المقلع ‪ ،‬بل تقصر عنهم ويطئونها ‪ ،‬ويشربون ويصخبون كالسكارى‬
‫ب إلههم‬‫من الخمر ) من نشوة النصر ( ‪ :16 .‬في ذلك اليوم ‪ُ ،‬يخّلصهم الر ّ‬
‫صعة في تاج ‪،‬‬ ‫لنهم شعبه وقطيعه ‪ ،‬ويتألقون في أرضه كحجارة كريمة مر ّ‬
‫فما أجملهم وأبهاهم ! " ‪.‬‬
‫ش هذا النص يصف رجال ‪ُ ،‬يقاتلون أبناء اليونان ‪ ،‬أي ليس آباءهم ‪ ،‬واليونان‬
‫هم الغرب ‪ ،‬وُيمّثلهم الن أمريكا وبريطانيا وحلف الناتو ‪ ،‬وهم كما نعلم حلفاء‬
‫حلفائهم من أبناء اليونان ؟‬
‫لسرائيل ‪ ،‬فكيف سيقاتل رجال صهيون ‪ُ ،‬‬
‫ش ملخص ما ُتفصح عنه هذه النصوص ‪:‬‬
‫بربط هذه النصوص مع النصوص السابقة ‪ ،‬نجد أن النصوص السابقة ‪ُ ،‬تحّذر‬
‫اليهود من الفساد في الرض ‪ ،‬ومن ثم ُتخبر بأن الفساد سيقع منهم ل‬
‫محالة ‪ ،‬مما ُيحتم انسكاب الغضب اللهي عليهم ‪ ،‬والنتيجة هي وفاة ثلثيهم ‪،‬‬
‫ونجاة ثلث ‪ ،‬وخراب أرضهم ‪ ،‬بمعنى نهاية دولتهم في فلسطين ‪ ،‬وهذا يعني‬
‫أن القدس ‪ ،‬ستكون في أيدي أناس من غير اليهود ‪ ،‬وهم الذين أنهوا الوجود‬
‫اليهودي فيها ‪.‬‬
‫ومن ثم تبدأ بالخبار بأن أورشليم أي القدس ‪ ،‬ستكون محط أنظار جميع‬
‫شعوب العالم ‪ ،‬وبأن شعوبا كثيرة ‪ ،‬ستأتي لقتال أهلها والستيلء عليها ‪،‬‬
‫فيهلكوا جميعا ‪ ،‬وتبقى القدس آمنة عامرة بسكانها ‪ .‬وهلك هذه الشعوب‬
‫سيكون باحتراقها بالسلحة النووية ‪ ،‬وُيحارب أهل فلسطين آنذاك في معركة‬
‫برية ‪ ،‬فُينصرون ويغنمون ويسلمون ‪.‬‬

‫‪270‬‬
‫والخصم ُيحّدده النص الخير ‪ ،‬بأبناء اليونان ‪ ،‬أي حلف الناتو بقيادة أمريكا ‪،‬‬
‫وُيخبر النص بأن ال سيقي شعبه المتواجد في فلسطين ‪ ،‬من صورايخ أعداءهم‬
‫وقنابلهم ‪ ،‬ويكون النصر حليفهم ‪ ،‬ومن ثم ُيخبر عن صفة القوم ‪ ،‬الذين‬
‫ُيحاربون أبناء اليونان ‪ ،‬وهي صفة ل تليق إل بالمسلمين ‪.‬‬
‫بناء الهيكل تعبير مجازي والمراد منه إقامة الدين وليس إقامة البناء ‪:‬‬
‫" ‪ :14-17 :1‬هذا ما يقوله الرب القدير ‪ :‬إّني قد غرت على أورشليم ‪ ،‬وعلى‬
‫صهيون ) جبل المسجد ( غيرة عظيمة ‪ ) ،‬من أجل ما فعلوه فيها ( ‪ ،‬ولك ّ‬
‫ن‬
‫غضبي ُمتأجج على المم المتنعمة ) وهم على رأسها ( ‪ .‬لقد اغتظت قليل‬
‫ح كثيرا ( من شعبي ‪ ،‬إل أّنهم زادوا من فواجعهم ‪ .‬لذلك يقول الرب ‪:‬‬ ‫) والص ّ‬
‫سأرجع إلى أورشليم بفيض من المراحم ) بعودتها إلى أهلها ( ‪ ،‬فُيبنى هيكلي )‬
‫فُيقام الدين ( ‪ ،‬وتعمر أورشليم ) ُتّتخذ عاصمة للحكم السلمي ( ‪ ،‬واهتف‬
‫قائل ‪ :‬هذا ما يقوله الرب القدير ‪ :‬ستفيض ُمدني خيرا ثانية ويرجع الرب ‪،‬‬
‫فُيعّزي صهيون ويصطفي أورشليم " ‪.‬‬
‫ش وفيما يلي تكرار لنفس النص ‪ ،‬ولكن بدون التشويهات التي أضافها الكهنة إلى‬
‫النص أعله ‪:‬‬
‫" ‪ :2-3 :8‬هذا ما يقوله الرب القدير ‪ :‬إّنني أغار على صهيون غيرة عظيمة ‪،‬‬
‫ُمفعمة بغضب شديد على أعدائها ) وأعداءها هم اليهود أنفسهم ( ‪ .‬لهذا يقول‬
‫لقيم في أورشليم ‪ ،‬فُتدعى آنئذ مدينة‬ ‫الرب القدير ‪ :‬ها أنا عائد إلى صهيون ُ‬
‫ق ‪ ،‬كما ُيدعى جبل الرب القدير بالجبل الُمقّدس " ‪.‬‬
‫الح ّ‬
‫ش وهذا سيكون عند ظهور ملك القدس المنتظر ‪ ،‬الذي تتحّدث عنه النصوص‬
‫التالية ‪:‬‬
‫المهدي ومسّماه وصفة ملكه ‪:‬‬
‫" ‪ :8 :3‬فأصغ يا يهوشع رئيس الكهنة ‪ ،‬أنت وسائر رفاقك الكهنة الجالسين‬
‫أمامك ‪ ،‬أنتم رجال آية ) أي شهود ( ‪ :‬وها أنا آتي بعبدي الذي ُيدعى الغصن "‬
‫‪.‬‬
‫" ‪ :12-15 :6‬هكذا يقول الرب القدير ‪ :‬ها هو الرجل الذي اسمه الغصن ‪،‬‬
‫ينبت من ذاته ] وفي الترجمة الثانية ‪ /‬ومن مكانه ينبت [ ‪ ،‬ويبني هيكل الرب )‬
‫‪271‬‬
‫أي يقيم الدين ( ‪ .‬هو الذي يبني هيكل الرب ويتجّلل بالمجد ‪ ،‬ويكون ملكا‬
‫وكاهنا في آن واحد ) أي خليفة قائم بأمر الدين والدنيا ( ‪ ،‬فيجلس ويحكم على‬
‫عرشه ‪ ،‬فيعمل بفضل مشورة رتبتيه ) أي الملك والكهانة ( ‪ ،‬على إشاعة‬
‫السلم بين قومه ‪ .‬ويتوافد قوم من بعيد ليبنوا هيكل الرب ‪.‬‬
‫ش وهذا الرجل ‪ ،‬غصن من شجرة محمد عليه الصلة والسلم ‪ ،‬وينبت في نفس‬
‫المكان أي من جزيرة العرب ‪ ،‬التي ُيسّمونها في التوراة ‪ ،‬جبال فاران ‪.‬‬
‫" ‪ :19-22 :8‬ستكون مواسم ابتهاج وفرح وأعياد سعيدة ‪ ،‬يتمتع بها شعب‬
‫ق والسلم ‪ . … ،‬فتتوافد أمم كثيرة وشعوب قوّية ‪،‬‬ ‫يهوذا ‪ ،‬لهذا أحّبوا الح ّ‬
‫ليلتمسوا وجه الرب القدير ‪ ،‬في ُأورشليم وليحظوا برضاه ‪.‬‬
‫ش قارن ما بين النصين لتكتشف التحريف والتبديل ‪ ،‬حيث وضعوا شعب يهوذا‬
‫في النص ) ‪ (22-19‬بدل من قومه في النص ) ‪ (15-12‬أعله ‪ ،‬وأضافوا‬
‫إلى النص الثاني ‪ ،‬ابنة صهيون وابنة أورشليم ‪.‬‬
‫ملك القدس المنتظر ‪ ،‬الذي ُتخبر عنه توراة اليهود ‪ ،‬هو المهدي ‪:‬‬
‫" ‪ :9-10 :9‬ابتهجي جدا يا ابنة صهيون ‪ ،‬واهتفي يا ابنة أورشليم ‪ ،‬لن هو ذا‬
‫ملكك ُمقبل إليك ‪ .‬هو عادل ظافر ‪ ،‬ولكّنه وديع راكب على أتان ‪ .‬وأستأصل‬
‫المركبات الحربية من أفرايم ‪ ،‬والخيل من أورشليم ‪ ،‬وتبيد أقواس القتال ‪،‬‬
‫ويشيع السلم بين المم ‪ ،‬ويمتّد ملكه من البحر إلى البحر ‪ ،‬ومن نهر الفرات‬
‫إلى أقاصي الرض " ‪.‬‬
‫ش يقول اليهود أنه الملك الرب ‪ ،‬ويقول النصارى أنه عيسى عليه السلم وقد‬
‫تحقق ذلك ‪ ،‬والحقيقة أن هذه النبوءة مستقبلية ‪ ،‬ولم تتحقق لغاية الن ‪،‬‬
‫فصاحبها هو المهدي ‪ ،‬الذي سيقهر كل خصومه ‪ ،‬ومن ثم يشيع السلم والمن‬
‫‪ ،‬على امتداد ملكه الموصوف بالنص ‪ ،‬وهذا مما يجعل أي صحوة إسلمية ‪،‬‬
‫ب الرعب في قلوبهم الفزعة ‪.‬‬ ‫تد ّ‬
‫الدجال وصفته في التوراة ‪:‬‬
‫" ‪ :16 :11‬فها أنا مزمع ‪ ،‬أن ُأقيم في الرض راعيا ‪ ،‬ل يعبأ بالغنم الشاردة ‪،‬‬
‫ول يفتقد الحملن أو يجبر المكسورين ‪ ،‬ول ُيغذي الصحيح ‪ ،‬ولكنه يفترس‬
‫سمان منهم ‪ ،‬وينزع أظلفهم ‪ ،‬ويل للراعي الحمق الذي يهجر القطيع ‪ .‬ليبتر‬ ‫ال ِ‬
‫‪272‬‬
‫ف عينه اليمنى عن‬ ‫السيف ذراعه ويفقأ عينه اليمنى ‪ ،‬فُتيّبس ذراعه ‪ ،‬فتك ّ‬
‫البصر " ‪.‬‬
‫ب إلهي في موكب ‪ ،‬من جميع قّديسيه ‪ .‬في ذلك‬ ‫" ‪ ، … :5 :14‬ويأتي الر ّ‬
‫اليوم ‪ ،‬يتلشى نور الكواكب ‪ ،‬ول يكون برد ول صقيع ‪ .‬ويكون يوم متواصل‬
‫ب ‪ ،‬ل نهار فيه ول ليل ‪ ،‬إذ يغمر النهار ساعات المساء ‪ .‬في‬ ‫معروف عند الر ّ‬
‫ي‪،‬‬‫ب نصفها في البحر الشرق ّ‬ ‫ذلك اليوم تجري مياه حية من أورشليم ‪ ،‬يص ّ‬
‫ب على الرض كلها ‪ ،‬فيكون في ذلك‬ ‫ونصفها في البحر الغربي ‪ ،‬ويملك الر ّ‬
‫ب واحد ل ُيذكر سوى اسمه " ‪.‬‬ ‫اليوم ‪ ،‬ر ّ‬
‫" ‪ :16 :14‬فيصعد الناجون من المم ‪ ،‬التي تأّلبت على أورشليم ‪ ،‬سنة بعد‬
‫لت " ‪ .‬وإن تقاعست أّية‬ ‫سنة ليعبدوا الملك الرب القدير ‪ ،‬ويحتفلوا بعيد المظ ّ‬
‫عشيرة من عشائر أمم الرض ‪ ،‬عن الصعود إلى أورشليم ‪ ،‬لتسجد للملك‬
‫الرب القدير ‪ ،‬يمتنع المطر عن الهطول على ديارهم ‪ ،‬وإن أبى أهل مصر‬
‫ل البلء الذي ُيعاقب به الرب المم ‪،‬‬ ‫الصعود ‪ ،‬للشتراك في الحتفال ‪ ،‬يح ّ‬
‫لت … ‪ ،‬ول يبقى في هيكل الرب القدير‬ ‫التي ل تجيء للحتفال بعيد المظ ّ‬
‫جار في ذلك اليوم " ‪.‬‬ ‫تّ‬
‫ش من يملك دراية بالحاديث النبوية الخاصة بآخر الزمان ‪ ،‬ل يشك بأن هذه‬
‫النصوص بالرغم من تلعب الكتبة بها وتشويهها ‪ ،‬تصف حال الدجال ‪ ،‬وما‬
‫يملك من خوارق ‪ ،‬في الفقرتين الولى والثالثة ‪ ،‬فهو يأتي لُيفسد في الرض ‪،‬‬
‫وهو أعور العين الُيمنى ‪ .‬يومه الول كسنة ليس فيه تعاقب لليل والنهار ‪ ،‬وبين‬
‫يديه نهران ‪ ،‬نهر من ماء ونهر من نار ‪ ،‬ويّدعي الربوبية ويجوب الرض‬
‫كلها ‪ ،‬وإن امتنع قوم من الستجابة له ‪ ،‬أمر السماء فأمسكت ‪ ،‬وأصبحت سمان‬
‫مواشيهم هزيلة ‪ ،‬والعكس بالعكس ‪ .‬والنص الخير يدعوهم لعبادة هذا الملك‬
‫الرب القدير ‪ ،‬فلذلك فهم ينتظرون ظهوره ‪ ،‬ويريدون استعجال المر ‪،‬‬
‫ليحارب أعدائهم ‪ ،‬كما كان ُيحارب عنهم في اليام الغابرة ‪ ،‬وأما الفقرة‬
‫غْيَر‬
‫ض َ‬
‫الثانية ‪ ،‬فكأنها تصف يوم القيامة في قوله تعالى ) َيْوَم ُتَبّدُل اَْلْر ُ‬
‫حِد اْلَقّهاِر )‪ 48‬إبراهيم ( ‪ ،‬وقوله ) َهْل‬ ‫ل اْلَوا ِ‬
‫ت َوَبَرُزوا ِّ‬ ‫سَمَوا ُ‬ ‫اَْلْرضِ َوال ّ‬
‫ي اَْلْمُر َوِإَلى ا ِّ‬
‫ل‬ ‫ضَ‬
‫لِئَكُة َوُق ِ‬ ‫ن اْلَغَماِم َواْلَم َ‬
‫ظَلٍل ِم َ‬
‫ل ِفي ُ‬ ‫ن َيْأِتَيُهُم ا ُّ‬
‫ن ِإلّ َأ ْ‬
‫ظُرو َ‬‫َيْن ُ‬
‫جُع اُْلُموُر )‪ 210‬البقرة ( ‪.‬‬ ‫ُتْر َ‬

‫‪273‬‬
‫النبوءات التوراتية وأثرها في تشكيل القناعات والعقائد اليهودية المشّوهة ‪:‬‬
‫هذه النبوءات التوراتية الواعدة ‪ ،‬شكّلت أحد أبرز العقد في الشخصية‬
‫اليهودية ‪ ،‬وهي التطلع الدائم إلى الملك والسيادة ‪ ،‬في أرض الميعاد ‪ .‬وهذه‬
‫النبوءات ‪ ،‬كانت ُتسّير اليهود ‪ ،‬على مدى تاريخهم الطويل ‪ ،‬وما زالت ‪ ،‬في‬
‫حّلهم وترحالهم في أرجاء الرض ‪ ،‬بحثا عن هذا الُملك التوراتي الموعود ‪،‬‬
‫الذي نسجته أقلم الكهنة ‪ ،‬فظلموا أنفسهم وظلموا من جاء بعدهم ‪ ،‬ممن آمن‬
‫عميان البصر والبصيرة ‪ ،‬من أبنائهم هذه اليام ‪،‬‬‫بأن هذا من عند ال ‪ ،‬لُيلقي ُ‬
‫مصيرهم المظلم والمحتوم ‪ ،‬والذي تقشعّر من وصفه في التوراة ‪ ،‬أبدان الذين‬
‫يعقلون من الناس ‪ .‬ولكن اليهود … ل يسمعون … ول ُيبصرون … ول‬
‫يعقلون … ول يفقهون … إل أكاذيب أربابهم من الكهنة والحبار ‪ .‬ولذلك‬
‫جال عند‬‫سيكون من ينجو منهم ‪ ،‬من عقاب وعد الخرة ‪ ،‬صيدا سهل للد ّ‬
‫ظهوره بملكه المادي ‪ ،‬الذي هو القرب للوصف الذي خطه الكهنة ‪ ،‬وهو‬
‫القرب لهوائهم وأطماعهم ‪ ،‬التي لم تختلف قيد أنملة عن أهواء وأطماع‬
‫أسلفهم ‪.‬‬
‫قراءة في العقائد اليهودية ‪:‬‬
‫اليهود أقرب إلى القرار بوجود ال من إنكاره ‪ ،‬ولكن معرفة الُمِقّر منهم بال‬
‫محصورة ‪ ،‬في إطار ما جاء في التوراة والتلمود ‪ ،‬التي تصف ال بصفات ‪،‬‬
‫أقرب ما يكون إلى صفات الب البشري ‪ ،‬الذي يعطي ويعطف ويعفو‬
‫ويصفح ‪ ،‬ول يغضب على أبنائه ‪ ،‬مهما بلغوا من السوء ‪ ،‬وُيخطئ ولكنه يعود‬
‫ويعترف بخطئه في حق أبنائه ‪ ،‬ويرجع عنه ‪ ،‬وهم يعتبرون أنفسهم البن البكر‬
‫‪ ،‬صاحب الحظوة عند الب كما هي العادة ‪ ،‬ويتعاملون مع ال على هذا‬
‫الساس ‪ ،‬لفهمهم الخاطئ لمسألة التفضيل ‪ ،‬باختيارهم لحمل الرسالة‬
‫السماوية ‪ ،‬ورعاية ال لهم فيما مضى من الزمان ‪ ،‬وتستطيع تصّور العقلية‬
‫التي يتعاملون بها مع ال ‪ ،‬بعقلية البن الُمدّلل الناني الفاسد والمفسد ‪ ،‬عديم‬
‫البصر والبصيرة ‪ ،‬والذي ل يتوقع من أبيه الذى ‪ ،‬مهما ارتكب من أخطاء ‪.‬‬
‫حتى ولو حّذره والده مرارا وتكرارا ‪ ،‬من استمراره على نفس الحال ‪ ،‬فهو ل‬
‫يريد أن ُيصّدق أن هذا الب المعطاء الحاني ‪ ،‬من الممكن يوما من اليام ‪ ،‬أن‬
‫ُيعاقب ابنه المدّلل ‪ ،‬مهما كانت السباب ‪ .‬وتستطيع تصّور الكيفية التي يتعامل‬

‫‪274‬‬
‫بها اليهود ‪ ،‬مع باقي البشر ‪ ،‬من خلل الكيفية التي يتعامل بها ذلك البن مع‬
‫باقي أخوته ‪ ،‬وهذه الكيفية هي ما تجده في تعاليم التلمود ‪.‬‬
‫خر ‪ ،‬فمؤدى نكران اليوم‬ ‫وأخطر معتقدات اليهود ‪ ،‬هو عدم اليمان باليوم ال ِ‬
‫خر ‪ ،‬هو نكران للبعث بعد الموت ‪ ،‬ونكران للحساب ‪ ،‬ونكران للجزاء‬ ‫ال ِ‬
‫الخروي ‪ ،‬والبديل إن ُوجد فهو الجزاء الدنيوي ‪ .‬وهذا مما يؤدي إلى العتقاد‬
‫بعبثية الخلق ‪ ،‬وعبثية اليمان بال أصل ‪ ،‬فل جدوى من الصلح والصلح ‪،‬‬
‫إن لم يكن هناك ثواب ‪ ،‬ول ضير من الفساد والفساد ‪ ،‬إن لم يكن هناك‬
‫عاقبة ‪ ،‬وبعض من هذه الفكار اللحادية ‪ ،‬تجدها في التوراة في سفر‬
‫الجامعة ‪ ،‬سفر العبث والعبثية ‪ .‬ولذلك أخذ اليهود على عاتقهم ‪ ،‬مسؤولية‬
‫الفساد في الرض دونما وازع أو رادع ‪ ،‬بما أخفاه مؤلفو التوراة من ذكر‬
‫لليوم الخر ومتعّلقاته ‪ ،‬فالثواب حسب اعتقادهم ‪ ،‬هو مقدار ما ينالونه من‬
‫كسب دنيوي بشتى الوسائل والسبل ‪ ،‬والعقاب هو مقدار ما يخسرونه من هذا‬
‫الكسب ‪ .‬وحتى ُيجّنب رب العزة أّمة السلم خطر هذا العتقاد ‪ ،‬اقترن ذكر‬
‫اليمان بال بذكر اليمان باليوم الخر والخرة ‪ ،‬بصريح اللفظ ‪ 26‬مرة في‬
‫القرآن ‪ ،‬وتكاد ل تخلو سورة من ذكر متعّلقاته أو التذكير بها ‪ ،‬من بعث‬
‫وحساب وجزاء ‪ ،‬وما يليه من عقاب وثواب ‪ .‬وانعدام إيمانهم باليوم الخر ‪،‬‬
‫أوجد لديهم الصفات السلبية ‪ ،‬التي تمتعوا بها على مّر العصور ‪ ،‬مثل الحرص‬
‫على الحياة ‪ ،‬والجبن ‪ ،‬والبخل ‪ ،‬والسعي وراء الكسب المادي ‪ ،‬وانعدام‬
‫المبادئ والقيم والصفات البشرية المحمودة ‪.‬‬
‫وللتعويض عما حذفوه من الصول العقائدية الصحيحة ‪ ،‬وللتوفيق ما بين‬
‫المعتقدين السابقين ‪ ،‬طرح مؤلفو التوراة والتلمود ‪ ،‬الكثير من الفكار اللحادية‬
‫‪ ،‬كفكرة الملك الله الرب من نسل داود ‪ ،‬الذي سيظهر بلحمه ودمه ‪ ،‬ليسكن‬
‫جبل صهيون في القدس ‪ ،‬ويحكم العالم إلى البد ‪ ،‬لينفوا بعبارة ) إلى البد (‬
‫أي أمل لليهود ليعتقدوا بنهاية الحياة الدنيا ‪ ،‬وبوجود حياة أخرى هي التي‬
‫تتصف بالبدية ‪ ،‬مما أبهم على العامة مصير الروح بعد الموت ‪ ،‬فطرحوا‬
‫حول مصيرها أفكار متضاربة ‪ ،‬هي أقرب إلى المعتقدات الوثنية ‪ ،‬منها إلى‬
‫أي شيء آخر ‪.‬‬

‫‪275‬‬
‫أثر هذه المعتقدات في الشخصية اليهودية ‪:‬‬
‫كان السبي البابلي بما أحدثه من دمار وتنكيل وأسر ‪ ،‬أكبر صدمة يتعرض لها‬
‫الشعب اليهودي ‪ ،‬حيث قلبت كيانهم رأسا على عقب ‪ ،‬ولم تقم لهم قائمة منذ‬
‫ذلك اليوم ‪ ،‬حتى تمكنوا من تحقيق علوهم الثاني في فلسطين ‪ ،‬ولول مشيئة ال‬
‫التي ينكرونها ما كان ‪ .‬والذي لم يكن يتخيله أو يتصوره اليهود آنذاك وهم في‬
‫قمة علوهم الول ‪ ،‬أن يتخلى عنهم رب الجنود ‪ ،‬وأن يبعث عليهم أمة جافية‬
‫ل وخزيا ‪ ،‬بعد عزة‬ ‫الوجه ‪ ،‬لتعمل فيهم سيف انتقامه ‪ ،‬وأن ُينزل بهم ضعة وذ ّ‬
‫وقوة وعلو ‪ ،‬بالرغم من كل ذلك الدلل ‪ -‬الموّثق في التوراة ‪ -‬الذي أحاطهم‬
‫به ‪ ،‬منذ خروجهم من مصر ‪ ،‬وما أجراه لهم من معجزات ‪ ،‬وعفوه سبحانه‬
‫عنهم رغم كفرهم وعصيانهم وعدوانهم ‪ ،‬مرارا وتكرارا ‪ ،‬حتى أدخلهم إلى‬
‫الرض المقّدسة ‪ ،‬وأقام لهم مملكة بل جهد أو عناء ‪.‬‬
‫وبالرغم من وضع نبوءة الفسادين وما يليهما من عقاب ‪ ،‬سيفا إلهيا مسلطا‬
‫على رقابهم ‪ ،‬لم ولن يرجعوا عن غيهم وطغيانهم ‪ ،‬فهم مسكونون بما تقّوله‬
‫كهنتهم وأحبارهم وحاخاماتهم ) الحكماء ( ‪ ،‬على ال وعلى رسله ‪ ،‬وعلى كل‬
‫ما هو مقّدس ‪ ،‬مما أدى إلى إصابتهم كأّمة ‪ ،‬بحالة معقّدة من الفصام العقلي ‪،‬‬
‫من جراء اعتناقهم لمعتقدات خاطئة ‪ ،‬نتيجة ما زرعه حكماؤهم في التوراة‬
‫والتلمود ‪ ،‬من خرافات وأساطير وآراء وتفسيرات ‪ ،‬هي أقرب ما يكون إلى‬
‫الوهام والهلوس ‪ ،‬فأنبتت تلك المسوخ الشيطانية ‪ ،‬عديمة البصر والبصيرة ‪،‬‬
‫التي اّتحدت وآمنت بشكل جماعي بمعتقدات خاصة بها ‪ ،‬تتنافى مع الطبيعة‬
‫البشرية السليمة ‪ ،‬فُرفضت واضطهدت من كل المجتمعات البشرية ‪ ،‬التي‬
‫ساءها ذلك السلوك الجماعي الشاذ والمنحرف لتلك المسوخ ‪ ،‬وبالتالي لم تجد‬
‫الشعوب ‪ ،‬حل لمشكلتهم ‪ ،‬إل الطرد والنفي ‪ ،‬أو إجبارها بمراسيم ملكية ‪ ،‬على‬
‫التقوقع والعيش كالبهائم في حظائر المواشي ‪ ،‬المسماة بالغيتوهات أو الكيبوتس‬
‫ن الغرب أنهم بإيجاد غيتو كبير لهم فلسطين‬ ‫‪ ،‬ومع ذلك لم ينجح هذا الحل ‪ ،‬وظ ّ‬
‫‪ ،‬ونفيهم إليه وحشرهم فيه ‪ ،‬سيتخلصون من مشكلتهم إلى البد ‪ ،‬ولكن تبين‬
‫لهم بعد فوات الوان ‪ ،‬أنهم كانوا على خطأ ‪ ،‬إذ أنهم بعد تمّكنهم من إقامة وطن‬
‫قومي لهم ‪ ،‬أصّر معظمهم وخاصة الغنياء منهم على البقاء في الغرب ‪،‬‬
‫فأصيب نصارى الغرب مؤخرا بعدوى الفصام اليهودي ‪ ،‬لنهم يملكون‬
‫استعدادا وراثيا توراتيا لذلك ‪ ،‬لما يحملونه بدورهم من معتقدات خاطئة ‪ ،‬بناًء‬
‫‪276‬‬
‫على ما جاء في النجيل ‪ ،‬من أوهام وهلوس مشابهة ‪ .‬لذلك من الطبيعي‬
‫جدا ‪ ،‬أن ترى زعماء اليهود يصافحون العرب ‪ ،‬راسمين على شفاهم تلك‬
‫البتسامة العريضة ‪ ،‬بينما أيديهم تقطر من دم أبنائهم وأخوانهم ‪ ،‬وكأن شيئا لم‬
‫يكن ‪.‬‬
‫ما يعتقده اليهود بالنسبة لوجودهم الحالي في فلسطين ‪:‬‬
‫خلصة ما يعتقده اليهود هذه اليام ‪ ،‬وهم القرب والكثر فهما لنبوءات التوراة‬
‫‪ ،‬لمعرفتهم بالطرق السرية التي ُكتبت فيها نصوص التوراة ‪ ،‬وما تضمنته من‬
‫أسرار ورموز ‪ ،‬مفاتيح حلها موجودة ‪ ،‬في كتب خاصة لديهم ‪ ،‬بناًء على ما‬
‫تقّدم ‪:‬‬
‫‪ُ .1‬تخبرهم بعض نصوص التوراة بأنهم ‪ ،‬بعد العودة من الشتات ‪ ،‬ل‬
‫محالة سُيفسدون ‪ ،‬وأن ال سيبعث عليهم من ُيعاقبهم ‪ ،‬من العراق أو‬
‫إيران أو كليهما ‪.‬‬
‫ن ُملكهم بعد العودة من الشتات ‪،‬‬‫‪ .2‬وُتخبرهم نصوص أخرى ‪ ،‬أ ّ‬
‫سينضوي مستقبل ‪ ،‬تحت لواء ملك من نسل داود أو الملك الرب القدير ‪،‬‬
‫يظهر آخر الزمان ‪ ،‬يقود اليهود وينتصر على أعداء إسرائيل ‪ ،‬في‬
‫الحرب القادمة ‪ ،‬ويحكم العالم أجمع من القدس ‪ ،‬ملكا أبديا ‪ ،‬يتصف‬
‫بالحق والعدل والسلم ‪ ،‬وأن أوانه قد اقترب ‪ ،‬ولتعجيل ظهوره ‪ ،‬ل بد‬
‫لهم من الستيلء على أرض فلسطين كاملة ‪ ،‬وتفريغ شعبها منها ‪ .‬وهدم‬
‫المسجد القصى ‪ ،‬وبناء الهيكل ‪ ،‬لكي يتسنى لهذا الملك تقديم القربان‬
‫الُمقّدس على مذبح الهيكل ‪ ،‬وهو أول عمل سيقوم به فور ظهوره ‪،‬‬
‫جل بظهور هذا الملك ‪.‬‬ ‫ويعتقدون بأن سرعة إنجاز هذه المور ‪ ،‬سُتع ّ‬
‫‪ .3‬وُتخبرهم نصوص أخرى ‪ ،‬أن هناك كم هائل من العداء ‪ ،‬الذين‬
‫سُيهاجمون إسرائيل مستقبل ‪ ،‬وسيكون النصر حليف إسرائيل وحلفائها ‪.‬‬
‫لذلك فهم يعملون بل كلل أو ملل ‪ ،‬من وراء الستار الغربي المريكي‬
‫البريطاني ‪ ،‬لتأمين هذا النصر الموعود ‪.‬‬
‫ش لذلك ل بد لهم من أجل مخالفة النبوءة التي تخبر عن دمار دولتهم ‪ ،‬ومن أجل‬
‫تحقق النبوءة ‪ ،‬التي تنسب إليهم الملك البدي ‪ ،‬الذي سيقوم في القدس في نهاية‬
‫المر ‪ ،‬أن يعملوا ‪:‬‬
‫‪277‬‬
‫‪ .1‬على تقوية إسرائيل بإمدادها بالموال والتكنولوجيا العسكرية الُمتطّورة‬
‫التقليدية والنووية ‪.‬‬
‫‪ .2‬على إجبار دول هؤلء العداء التوراتيون على الموالة للغرب ‪ ،‬ومن‬
‫ثم الموالة لسرائيل عن طريق الترغيب والترهيب ‪.‬‬
‫‪ .3‬على حرمان الدول المعادية لسرائيل من هذه القدرات ‪ ،‬وإضعاف هذه‬
‫القدرات حين امتلكها وتدميرها ‪.‬‬
‫‪ .4‬على تدمير الستقرار الداخلي لتلك الدول ‪ ،‬سياسيا واقتصاديا‬
‫واجتماعيا ‪ ،‬إن تعّذر ذلك عسكريا ‪.‬‬
‫ش ويعتقدون أن الخطر القادم يتمّثل بشكل أساسي في ‪:‬‬
‫‪ .1‬البلدان العربية والسلمية وعلى رأسها العراق ‪.‬‬
‫‪ .2‬البلدان الشيوعية المناهضة للديموقراطية الرأسمالية ‪ ،‬وعلى رأسها‬
‫روسيا ‪.‬‬
‫‪ .3‬شخص المير الُمسلم الذي أخبرت عنه التوراة ‪ ،‬بأنه سيخرج من‬
‫جزيرة العرب ‪ ،‬ليملك مشارق الرض ومغاربها ‪.‬‬
‫وللسباب الثلثة مجتمعة ‪ ،‬عمل اليهود وما زالوا يعملون ‪ ،‬على تواجد‬
‫الساطيل والقواعد العسكرية المريكية البريطانية ‪ ،‬بشكل مكثف في منطقة‬
‫الخليج العربي والجزيرة العربية ‪ ،‬وتركيا والبحر الحمر والبحر البيض‬
‫المتوسط سابقا ولحقا ‪ ،‬لكي تمنع العراق من مهاجمة إسرائيل ‪ ،‬ولكي تمنع‬
‫هذا المير المسلم من الخروج من أرض الجزيرة ‪ ،‬وظهور أمره وأمر السلم‬
‫من جديد ‪ .‬فكما أنهم أي اليهود ‪ ،‬سكنوا جزيرة العرب ‪ ،‬ليحاربوا جّده عليه‬
‫الصلة والسلم ‪ .‬فهم الن متواجدون فيها تحت القناع المريكي ‪ ،‬في انتظار‬
‫خروجه ‪ ،‬ليحاربونه بل أدنى شك ‪ .‬ولقطع الطريق على الجيش الروسي عند‬
‫هجومه على إسرائيل ‪ ،‬أما اّدعائهم بالتواجد في منطقة الخليج ‪ ،‬للحفاظ على‬
‫مصالح الوليات الُمتحدة ‪ ،‬فذلك لذّر الرماد في العيون ‪ ،‬فمصالحهم محمّية‬
‫بسواعد عربية ‪ ،‬وأوامرهم مطاعة حتى في غرف النوم ‪.‬‬
‫وغزو العراق لسرائيل ‪ ،‬الذي هو أول مشهد في الحلقة الخيرة ‪ ،‬من مسلسل‬
‫اليهود التاريخي الطويل ‪ ،‬قد اقترب أوانه وأشرف زمانه ‪ ،‬وهم يعلمون ذلك‬

‫‪278‬‬
‫من خلل الحساب ‪ ،‬ومن خلل الظواهر الفلكية ‪ ،‬كما علموا قديما عن طريق‬
‫الفلك ‪ ،‬بموعد مولده عليه السلم وموعد بعثه ‪.‬‬
‫أعداء دولة إسرائيل التوراتيون بمسّمياتها القديمة والحديثة حسب‬
‫تفسيرهم ‪:‬‬
‫‪ .1‬بابل وآشور وبلد الكلدانيين ورجال فارس ش العراق ‪ ) .‬درجة أولى‬
‫في العداء التوراتي لسرائيل ‪ ،‬وبامتياز مع مرتبة الشرف ( ‪ .‬تم توريطه‬
‫ي الخليج الولى والثانية ‪ ،‬وضرب المفاعل النووي ‪ ،‬وفرض‬ ‫في حرب ّ‬
‫حصار أبدي ‪ ،‬ويطمحون إلى إبادة شعبه بالسلحة النووية ‪ ،‬في أقرب‬
‫فرصة ممكنة ‪ .‬ومشمول في قائمة الدول الراعية للرهاب ‪.‬‬
‫ل حلفائهما ‪ ،‬وبيت توجرمة من أقاصي‬ ‫‪ .2‬روش وماشك وتوبال وك ّ‬
‫الشمال ش دول التحاد السوفييتي السابق ‪ ) .‬درجة ثانية ( ‪ .‬تم تفكيك‬
‫التحاد السوفييتي ‪ ،‬وإضعاف الحزب الشيوعي المناهض للغرب ‪،‬‬
‫وتدمير اقتصاد روسيا وتوريطها مع صندوق النقد الدولي ‪ .‬وتوريطها‬
‫في حربين استنزافيتين في جمهورية الشيشان ‪.‬‬
‫‪ .3‬مادي ‪ ،‬ملوك الشرق ش إيران ‪ ) .‬درجة ثانية ( ‪ .‬تم توريطها في حرب‬
‫الخليج الولى ‪ ،‬ومقاطعة اقتصادية أمريكية وعداء ُمعلن ‪ ،‬تشجيع‬
‫الحركات الصلحية الهدامة ‪ ،‬وإثارة الفتن والثورات الداخلية ‪ ،‬لشعال‬
‫حروب أهلية ‪ ،‬طمعا في قلب نظام الحكم السلمي فيها ‪ ،‬وهي مشمولة‬
‫في القائمة المريكية للدول الراعية للرهاب ‪.‬‬
‫‪ .4‬إثيوبيا ش السودان ‪ ) .‬درجة ثالثة ( ‪ .‬ما زالت الحروب الهلية التي‬
‫يدعمها الغرب مشتعلة فيها ‪ ،‬ومقاطعة اقتصادية أمريكية وعداء ُمعلن ‪،‬‬
‫ُوقصفت بالصواريخ المريكية في زمن ) كلينتون ( ‪ ،‬لتهامها بالتعاون‬
‫مع ابن لدن ‪ ،‬وهي مشمولة في القائمة المريكية للدول الراعية‬
‫للرهاب ‪.‬‬
‫‪ .5‬ليبيا ‪ ) .‬درجة ثالثة ( ٌقصفت من قبل الطائرات المريكية في زمن‬
‫الرئيس المريكي ) ريغان ( ‪ ،‬تم فبركة حادثة تفجير الطائرة ) لوكربي (‬
‫‪ ،‬واُتهمت بتدبيرها ‪ ،‬ومن ثم ُفرض عليها ‪ ،‬حظر دولي من مجلس المن‬

‫‪279‬‬
‫‪ ،‬ومقاطعة اقتصادية أمريكية ‪ ،‬وهي مشمولة في القائمة المريكية للدول‬
‫الراعية للرهاب ‪.‬‬
‫‪ .6‬أشور وحلفائها ش سوريا ‪ ) .‬درجة ثالثة ( ‪ .‬موضوعة على جدول‬
‫مؤامراتهم القادمة ‪ ،‬وهي مشمولة في القائمة المريكية للدول الراعية‬
‫للرهاب ‪.‬‬
‫‪ .7‬عيلم وحلفاؤها ‪ ،‬ملوك الشرق ش أفغانستان وباكستان ‪ ) .‬درجة‬
‫ثالثة ( ‪ .‬حظر ومقاطعة اقتصادية على كلتا الدولتين ‪ ،‬تم قصف‬
‫معسكرات تنظيم القاعدة في أفغانستان ‪ .‬وأفغانستان غير مشمولة في‬
‫القائمة المريكية للدول الراعية للرهاب ‪ ،‬كونهم ل يعترفون بنظام‬
‫الحكم فيها ‪.‬‬

‫‪280‬‬
‫النبوءات النجيلية بين الماضي والمستقبل‬

‫النجيل في الصل كتاب سماوي ‪ُ ،‬أنزل على عيسى عليه السلم ‪ ،‬بنص واحد‬
‫مصدقا لما جاء في التوراة ‪ ،‬ويحمل في طياته شريعة جديدة لليهود ‪ ،‬وناسخة‬
‫لبعض ما جاء في شريعة موسى ‪ ،‬لتخّفف عنهم الكثير من العباء ‪ ،‬والكثير‬
‫من القيود والغلل ‪ ،‬التي كانوا قد ألزموا بها في التوراة ‪ ،‬نتيجة فسقهم‬
‫وعصيانهم وظلمهم ‪.‬‬
‫ومن أهم ما جاء به عيسى عليه السلم ‪ ،‬هي البشرى بنبي الهدى ) أحمد (‬
‫عليه الصلة والسلم ‪ .‬وكلمة النجيل في اليونانية تعني البشرى أو البشارة ‪،‬‬
‫ويّدعي النصارى أن هذه البشرى هي بشرى الخلص ‪ .‬أّما فيمن كانت البشارة‬
‫سَراِئيَل ِإّني‬
‫ن َمْرَيَم َيَبِني ِإ ْ‬‫سى اْب ُ‬‫عي َ‬‫حقيقة ‪ ،‬فنجده في قوله تعالى ) َوِإْذ َقاَل ِ‬
‫ن‬
‫سوٍل َيْأِتي ِم ْ‬ ‫شًرا ِبَر ُ‬‫ن الّتْوَراِة َوُمَب ّ‬
‫ي ِم َ‬
‫ن َيَد ّ‬ ‫صّدًقا ِلَما َبْي َ‬
‫ل ِإَلْيُكْم ُم َ‬
‫سوُل ا ِّ‬
‫َر ُ‬
‫ن )‪ 6‬الصف ( ‪.‬‬ ‫حٌر ُمِبي ٌ‬ ‫سْ‬‫ت َقاُلوا َهَذا ِ‬ ‫جاَءُهْم ِباْلَبّيَنا ِ‬ ‫حَمُد َفَلّما َ‬
‫سُمُه َأ ْ‬‫َبْعِدي ا ْ‬
‫ونص البشارة بنبينا محمد عليه الصلة والسلم ‪ ،‬موجود في النجيل الرابع‬
‫المنسوب ليحيى ) يوحّنا ( عليه السلم ‪ ،‬في الصحاحات ) ‪، ( 16-14‬‬
‫وُمسّمياته هي " المؤّيد" و " المؤّيد الروح الُقدس " و " روح الحق " و" سّيد‬
‫هذا العالم " ‪ ،‬في الترجمة التي اقتبست منها هذا النص ‪ .‬وفي ترجمات‬
‫أخرى ‪ " :‬الروح الُقدس الُمِعين " ‪ " ،‬الُمَعّزي " ‪.‬‬
‫أما ما هو موجود هذه اليام في الناجيل ‪ ،‬هو ُمجّرد بقايا من الوحي اللهي ‪،‬‬
‫الُمنزل على الرسل ‪ .‬وهذا ما يؤكّده حتى المؤمنين به من النصارى أنفسهم ‪.‬‬
‫فقد جاء في مقّدمة نسخة العهد الجديد من الكتاب الُمقّدس ‪ ،‬دار المشرق ط‬
‫‪ ، 13‬ما نصه " إن القارئ في عصرنا ‪ ،‬وهو حريص على الّدقة ‪ ،‬ل ينف ّ‬
‫ك‬
‫يبحث عن الحداث ‪ ،‬التي تم إثباتها والتحّقق منها ‪ ،‬يقع في حيرة أمام تلك‬
‫المؤلفات ) الناجيل الربعة وملحقاتها ( ‪ ،‬التي تبدو له مفّككة ‪ ،‬يخلو تصميمها‬
‫من التنسيق ‪ ،‬ويستحيل التغلب على تناقضاتها ‪ ،‬ول ُيمكنها أن ترّد على‬
‫السئلة التي ُتطرح عليها " ‪.‬‬
‫وهكذا يعترف رجالت الدين المسيحي ‪ ،‬أن محتويات كتابهم المقّدس‬
‫ُمتناقضة ‪ ،‬وأنها مؤلفات ُكتبت بأيدي بشر ‪ ،‬بعد المسيح بما يزيد على ‪300‬‬
‫سنة ‪ ،‬وأقدم النسخ المتوافرة ذات أصل يوناني ‪ ،‬تعود إلى القرن الرابع‬
‫‪281‬‬
‫الميلدي ‪ .‬وأما النصوص الصلية للنجيل بلغته العبرية أو الرامية ‪ ،‬فهي‬
‫غير موجودة ‪ .‬وللحقيقة يستحيل أن يكون ذلك صحيحا ‪ .‬فقد سمعت يوما ‪ ،‬أن‬
‫الكثير من المخطوطات الصلية ‪ ،‬موجود على شكل لفائف وقراطيس ‪ ،‬في‬
‫قوارير زجاجية على رفوف ‪ ،‬في أقبية الكنائس الكبرى ‪ .‬ول ُيسمح لي كان‬
‫من الوصول إليها ‪ ،‬إل كبار رجالت الكنيسة ‪ ،‬الحريصون على إضلل الناس‬
‫‪ ،‬بكتم ما في تلك المخطوطات من حقائق ‪ ،‬تنفي ألوهية عيسى ‪ ،‬وتدعوا إلى‬
‫وحدانية ال ‪.‬‬
‫ي النصارى ‪ ،‬فهو ل يعدو أكثر من كونه كتاب‬ ‫أما الكتاب الموجود حاليا بين يد ّ‬
‫‪ ،‬يحكي سيرة المسيح عليه السلم ‪ -‬كما التوراة تحكي سيرة موسى ‪ -‬بشكل‬
‫حائر وُمضطرب ‪ ،‬تغلب عليه ِذكر أفعاله أكثر من أقواله ‪ ،‬حتى أنك تشعر عند‬
‫قراءته ‪ ،‬أن المسيح شخصية خيالية أسطورية ساذجة غبية وبليدة ‪ ،‬خالية من‬
‫الحكمة والمنطق ‪ ،‬وحاشا ل أو لبنه كما يّدعون ‪ ،‬أو حتى لرسول أن يكون‬
‫كذلك ‪ .‬غير أن إنجيل يوحّنا ) يحيى ( ‪ ،‬وسفر الرؤيا المنسوب ليوحّنا ‪ ،‬يبدو‬
‫أنهما أكثر قربا ‪ ،‬إلى السفار الُمتأخرة من التوراة ‪ ،‬حيث أنهما يتفقان مع‬
‫أسلوب كتابة النصوص التوراتية ‪ ،‬إلى درجة التطابق ‪ ،‬من حيث النشاء‬
‫واللفاظ الُمستخدمة والُمسمّيات ‪ ،‬وحتى تكرار وازدواجية النصوص ‪ ،‬التي‬
‫جمعا ونسخا من مصدرين ُمختلفين ‪.‬‬ ‫تؤكد أنهما ُ‬
‫وقد جاء في مقّدمة سفر الرؤيا ‪ ،‬من نسخة العهد الجديد من الكتاب الُمقّدس ‪،‬‬
‫دار المشرق ط ‪ ، 13‬ما نصه ‪ " :‬ل يأتينا سفر رؤيا يوحّنا ‪ ،‬بشيء من‬
‫اليضاح عن كاتبه ‪ .‬لقد أطلق على نفسه اسم يوحّنا ‪ ،‬واسم نبي ‪ ،‬ولم يذكر‬
‫ي عشر ) التلميذ ( ‪ .‬هناك تقليد على شيء من الثبوت ‪ ،‬وقد‬ ‫قط ‪ ،‬أنه أحد الثن ّ‬
‫عثر على بعض آثاره منذ القرن الثاني ) الميلدي ( ‪ ،‬وورد فيه أن كاتب‬ ‫ُ‬
‫الرؤيا هو الرسول يوحّنا ‪ ،‬وقد ُنسب إليه أيضا النجيل الرابع ‪ .‬بيد أنه ليس في‬
‫التقليد القديم إجماع على هذا الموضوع ‪ .‬وقد بقي المصدر الرسولي لسفر‬
‫الرؤيا ‪ ،‬عرضة للشك مّدة طويلة ‪ ،‬في بعض الجماعات المسيحية ‪ .‬إن آراء‬
‫سرين في عصرنا ُمتشعبة كثيرا ‪ ،‬ففيهم من يؤكد أن الختلف في النشاء‬ ‫الُمف ّ‬
‫والبيئة والتفكير اللهوتي ‪ ،‬يجعل نسبة سفر الرؤيا والنجيل الرابع ‪ ،‬إلى كاتب‬
‫سرون يرون أن ظروف إنشاء سفر الرؤيا ‪ ،‬أشّد‬ ‫واحد أمرا عسيرا ‪ .‬وهناك ُمف ّ‬
‫تشعبا من ذلك بكثير ‪ ،‬فهو ليس ُمؤّلفا ُمتجانسا ‪ ،‬بل محاولة غير ُمحكمة لجمع‬
‫أجزاء ُمختلفة ‪ُ ،‬أنشئت ‪ ،‬ثم ُنّقحت في العقود الخيرة من القرن الول " ‪.‬‬
‫‪282‬‬
‫وللحق نستطيع الجزم ‪ ،‬بأن التوراة تم تنقيحها وجمعها بشكل نهائي ‪ ،‬في هذه‬
‫الحقبة من الزمن ‪ ،‬بعد وفاة عيسى ويحيى عليهما السلم ‪.‬‬
‫نجد من خلل ما تقّدم أن النصارى أنفسهم ‪ ،‬كان لديهم الكثير من الشكوك حول‬
‫سفر الرؤيا ‪ ،‬وبعد قراءتي لمحتوى هذا السفر تبين لي ‪ ،‬أن أسلوب إنشاءه هو‬
‫نفس السلوب ‪ ،‬الذي ُأنشئت به أسفار التوراة ‪ ،‬من حيث اللفاظ والعبارات ‪،‬‬
‫وحتى تكرار الفكار والنصوص وتحويرها وتحريفها ‪ ،‬وتبديل مواضعها من‬
‫تقديم وتأخير ‪ ،‬لتشويه الرؤى النبوية التي تأتي عادة في غير صالح اليهود ‪.‬‬
‫والسفر يحتوي على نبوءات ُمشابه ‪ ،‬لما جاء في السفار الُمتأخرة من التوراة ‪.‬‬
‫حيث أن سفر زكريا في التوراة ‪ ،‬ينتهي عند ذكر الدجال ‪ ،‬وُيغفل ما سيأتي‬
‫بعده من أحداث ‪ .‬وتجد أن سفر الرؤيا ُيعيد بعض ما جاء في السفار الُمتأخرة‬
‫من التوراة ومن ضمنها سفر زكريا ‪ ،‬ويكمل الحداث حتى دخول أهل الجنة‬
‫الجنة ‪ ،‬ودخول أهل النار النار ‪.‬‬
‫وما تقّدم يدفعني إلى العتقاد ‪ ،‬أن كتبة هذين السفرين ‪ ،‬هم كهنة اليهود الذين‬
‫ألفوا التوراة ‪ ،‬إذ أن آثار أقلمهم واضحة للعيان ‪ ،‬مما فيه من تناقض أحيانا‬
‫وتكرار أحيانا أخرى ‪ ،‬لمحاولتهم فهم هذه النبوءات وتفسيرها ‪ ،‬حسبما يتناسب‬
‫مع زمانهم ‪ ،‬أي مع بداية التقويم الميلدي ‪ ،‬حيث كانت مقومات ذلك العصر‬
‫ورموزه ‪ ،‬تختلف كليا عّما لدينا في العصر الحالي ‪ ،‬حيث بدأت هذه النبوءات‬
‫هذه اليام ‪ ،‬تأخذ مكانها على أرض الواقع ‪.‬‬
‫ويبدو أن الُمتأخرين من الكهنة اليهود ‪ ،‬كانوا عاقدي العزم ‪ ،‬على ضّم سفر‬
‫الرؤيا والنجيل المنسوب إلى يوحّنا إلى التوراة ‪ ،‬فشأعملوا أقلمهم فيهما ‪،‬‬
‫ويبدوا أنهم تراجعوا عن ذلك في اللحظة الخيرة ‪ ،‬فقّرروا إسقاطهما ‪ ،‬بعد أن‬
‫تنكّروا لنبوة يحيى وعيسى عليهما السلم ‪ .‬فسفر الرؤيا كما الحال بالنسبة‬
‫جمعات كهنتهم ) الُمسّماة‬‫لنجيل يوحنا ‪ُ ،‬يهاجم اليهود أنفسهم ‪ ،‬ويهاجم م ّ‬
‫بالسنهدرين ( التي كانوا يتدارسون فيها التوراة ) والحقيقة أنهم كانوا يدرسون‬
‫التوراة كما ندرس الزيتون ( ‪ ،‬والتي وصفها هذا السفر بُمجمعات الشيطان ‪.‬‬
‫حيث جاء فيه " رؤيا ‪ :9 :2‬وأعلم افتراء الذين يقولون أنهم يهود وليسوا بيهود‬
‫‪ ،‬بل هم َمجَمع للشياطين " ‪ .‬رؤيا ‪ :9 :3‬ها إني أعطيك ُأناسا من َمجَمع‬
‫للشيطان ‪ ،‬يقولون أنهم يهود ‪ ،‬وما هم إل كّذابون " ‪ ،‬وهاتين العبارتين مثال‬
‫على التكرار لنفس المعنى وبنفس اللفاظ تقريبا ‪.‬‬
‫‪283‬‬
‫بالضافة إلى ذلك جاء سفر الرؤيا ‪ ،‬بنبوءات ُتخالف أهواء الكهنة ‪ ،‬وتتناقض‬
‫طه الكهنة الُمتقّدمين ‪ .‬ومنها أّنه ُيثبت البعث والحساب والجزاء‬
‫مع ما كان قد خ ّ‬
‫‪ ،‬وهذا مما ُينكره اليهود ويجحدونه ‪ .‬فالتوراة على امتدادها الشاسع ‪ ،‬ل تجد‬
‫ضح مصير الروح بعد الموت ‪ .‬وما يملكونه من معتقدات ‪،‬‬ ‫فيها حتى كلمة ‪ ،‬تو ّ‬
‫فيا يتعلق بالروح والبعث والجزاء ‪ ،‬تعتمد في الدرجة الولى على أقوال‬
‫متناقضة ومرتبكة لحكمائهم ‪ ،‬وهذه القوال مثبتة في التلمود ‪ ،‬وهي أقرب ما‬
‫تكون إلى معتقدات الوثنيين ‪ ،‬كتناسخ الرواح والحلولية ‪.‬‬
‫وربما تكون نسبة هذا السفر إلى ) يوحّنا ( ‪ ،‬وهو يحيى بن زكريا عليهما‬
‫السلم صحيحه ‪ ،‬حيث أن يحيى كان قد سبق عيسى عليه السلم في البعث‬
‫لليهود ‪ ،‬وحال سفر الرؤيا يشبه حال السفار المتأخرة من التوراة ‪ ،‬التي‬
‫امتازت بالطابع الدعوي النبوي في معظمها ‪ .‬وبعد أن أسقط اليهود النجيل‬
‫وسفر الرؤيا ‪ ،‬المنسوبين إلى يوحنا من التوراة ‪ ،‬تلّقفته كهنة النصارى ‪ ،‬ومن‬
‫ثم قاموا بتحريفه بالحذف والضافة والتبديل ‪ ،‬لثبات ُألوهية عيسى عليه‬
‫السلم ‪ ،‬وأضافوه إلى كتابهم الُمقّدس ‪ ،‬على ما هو عليه من ازدواجية‬
‫وتكرار ‪ ،‬في اللفاظ والفكار ‪.‬‬
‫أّما الكلم في النجيل المنسوب إلى يوحّنا ‪ ،‬هو أقرب ما يكون إلى كلم عيسى‬
‫عليه السلم ‪ ،‬حيث جاءت على لسانه البشارة بنبّينا عليه الصلة والسلم ‪ ،‬كما‬
‫نص عليها القرآن الكريم ‪ ،‬وهذا النجيل يتمّيز عن باقي الناجيل ‪ ،‬بأنه ُيرّكز‬
‫على القوال التي جاء بها عيسى عليه السلم ‪ ،‬أكثر من طابع السرد القصصي‬
‫للفعال التي قام بها ‪ ،‬الذي غلب على الناجيل الخرى ‪.‬‬
‫إنجيل يوحنا‬

‫نص البشارة بنبي السلم عليه الصلة والسلم ‪:‬‬


‫سوُل الِّ ِإَلْيُكْم ‪،‬‬
‫سَراِئيَل ِإّني َر ُ‬‫ن َمْرَيَم ‪َ ،‬يَبِني ِإ ْ‬
‫سى اْب ُ‬‫عي َ‬ ‫قال تعالى ) َوِإْذ َقاَل ِ‬
‫سُمُه‬ ‫ن َبْعِدي ا ْ‬
‫سوٍل َيْأِتي ِم ْ‬ ‫شًرا ِبَر ُ‬
‫ن الّتْوَراِة ‪َ ،‬وُمَب ّ‬‫ي ِم َ‬ ‫ن َيَد ّ‬
‫صّدًقا ِلَما َبْي َ‬
‫ُم َ‬
‫ن )‪ 6‬الصف (‬ ‫حٌر ُمِبي ٌ‬
‫سْ‬ ‫ت ‪َ ،‬قاُلوا َهَذا ِ‬ ‫جاَءُهْم ِباْلَبّيَنا ِ‬
‫حَمُد ‪َ ،‬فَلّما َ‬ ‫َأ ْ‬
‫" ‪ :16-18 :14‬وأنا سأسأل الب ‪ ،‬فيهب لكم مؤّيدًا آخر ‪ ،‬يكون معكم إلى‬
‫ق ‪ ،‬الذي ل يستطيع العالم أن يتلّقاه ‪ ،‬لّنه ل يراه ول يعرفه ‪.‬‬ ‫البد ‪ ،‬روح الح ّ‬

‫‪284‬‬
‫أّما أنتم فتعلمون ‪ ،‬أّنه ُيقيم عندكم ويكون فيكم ‪ ،‬لن أدعكم يتامى ‪ ،‬فإني أرجع‬
‫إليكم " ‪.‬‬
‫ش ُيخبر عيسى أتباعه في هذا النص أن الب سيرسل لهم مؤيدا آخر ‪ ،‬غير‬
‫عيسى عليه السلم ‪ ،‬فإن كان عيسى هو ال ‪ ،‬فإن ال سيبعث للنصارى إلها‬
‫غير عيسى ‪ ،‬وإن كان ابن ال ‪ ،‬فإن ال سيبعث لهم ابنا له غير عيسى ‪ ،‬وإن‬
‫كان عيسى رسول ال ‪ ،‬فإن ال سيبعث لهم رسول آخر غيره ‪ .‬وُيخبر أيضا أن‬
‫ق ويعدل به ‪،‬‬ ‫رسالته ‪ ،‬ستكون خاتمة الرسالت السماوية ‪ ،‬ويأتي بالح ّ‬
‫وُيخبرهم بأنهم امتازوا على الخرين من سكان العالم ‪ ،‬بأن لديهم علم بهذا‬
‫الرسول ‪ ،‬وبإخبارهم أيضا أن الوحي من بعده لن ينقطع ‪.‬‬
‫" ‪ : 24-25 :14‬ومن ل ُيحبني ل يحفظ كلمي ‪ ،‬والكلمة التي تسمعونها ليست‬
‫كلمتي ‪ ،‬بل كلمة الب الذي أرسلني ‪ .‬قلت لكم هذه الشياء وأنا ُمقيم عندكم " ‪.‬‬
‫" ‪ :26-31 :14‬ولكن المؤّيد الروح القدس ‪ ،‬الذي ُيرسله الب باسمي ‪ ،‬هو‬
‫ُيعلمكم جميع الشياء ‪ ،‬وُيذّكركم بجميع ما قلته ‪ … .‬لقد أنبأتكم ُمنذ الن بالمر‬
‫قبل حدوثه ‪ ،‬حتى إذا حدث تؤمنون ‪ .‬لن ُأطيل عليكم الكلم بعد ذلك ‪ ،‬لن سيد‬
‫ي ‪ .‬وما ذلك إل ليعرف العالم أّني ُأحبّ الب ‪،‬‬ ‫هذا العالم آت ‪ ،‬وليس له يد عل ّ‬
‫وأّني أعمل كما أوصاني " ‪.‬‬
‫ش يخبرهم بأن هذا المؤّيد ‪ ،‬سُيذّكرهم من خلل الوحي بما سبقه ‪ ،‬وُيعّلمهم أشياء‬
‫جديدة ‪ ،‬وسبب إخباره لهم بذلك ‪ ،‬هو وجوب اليمان به واّتباعه عند ظهوره ‪.‬‬
‫يصفه عيسى بأنه سّيد هذا العالم ‪ ،‬ويؤكد مجيئه ‪ ،‬وأنه ذو أفضلية على من قبله‬
‫‪ ،‬وُيخبرهم في نهاية النص أّنه بّلغهم البشارة بأمانة ‪ ،‬كما أخبره ربه ‪.‬‬
‫ق الُمنبثق من‬
‫" ‪ :26-27 :15‬ومتى جاء الُمؤّيد ‪ ،‬الذي أرسله لكم روح الح ّ‬
‫الب ‪ ،‬فهو يشهد لي ‪ ،‬وأنتم أيضا تشهدون ‪ ،‬لنكم معي منذ البدء " ‪.‬‬
‫ش هذا النص تكرار لجزاء مما تقدم من نصوص ‪.‬‬
‫‪ُ :1-14 :16‬قلت لكم هذه الشياء لئل تعثروا ‪ .‬سيفصلونكم عن المجامع ‪ ،‬بل‬
‫ل من يقتلكم ‪ ،‬بأنه يؤدي عبادة ل ‪ … .‬وقد قلت هذه‬ ‫ن فيها ك ّ‬
‫تأتي ساعة ‪ ،‬يظ ّ‬
‫الشياء لكم لتذكروا إذا أتت الساعة ‪ ،‬أّني ُقلتها لكم ‪ .‬ولم أقلها منذ البدء ‪ ،‬لّني‬
‫كنت معكم ‪ .‬أّما الن ‪ ،‬فإّني ذاهب إلى الذي أرسلني ‪ ،‬وما من أحد يسألني إلى‬

‫‪285‬‬
‫أين أذهب ؟ ل بل مل الحزن قلوبكم ‪ ،‬لّني قلت لكم هذه الشياء ‪ .‬فإن لم أم ِ‬
‫ض‬
‫‪ ،‬ل يأتكم المؤّيد ‪ .‬أّما إذا ذهبت فأرسله إليكم " ‪.‬‬
‫_ ُيثبت هذا النص بما ل يدع مجال للشك ‪ ،‬أن هذا المؤّيد سُيرسل ل محالة ‪،‬‬
‫وأن بعثه مرتبط بذهاب عيسى عليه السلم ‪.‬‬
‫" ‪ :8-11 :16‬وهو ‪ ،‬متى جاء ‪ ،‬أخزى العالم ‪ ،‬على الخطيئة والبّر والدينونة ‪:‬‬
‫أما على الخطيئة ‪ ،‬فلنهم ل يؤمنون بي ‪ .‬وأّما على البّر ‪ ،‬فلني ذاهب إلى‬
‫أبي ‪ ،‬وأما على الدينونة ‪ ،‬فلن سّيد هذا العالم قد ِدين ‪. ".‬‬
‫ش هذا النص فيه فلسفة تفسيرية من الكاتب ‪ ،‬محاول ترميم ما أفسده من تغيير‬
‫لللفاظ والعبارات ومواضعها ‪ ،‬والمعنى المراد من وراء هذا النص ‪ ،‬أنه يأتي‬
‫شرا بالثواب وُمنذرا‬ ‫شرا ونذيرا ‪ ،‬يدعوا إلى البّر وُيدين الخطيئة ‪ُ ،‬مب ّ‬ ‫شاهدا وُمب ّ‬
‫بالعقاب وشاهد على الخلق يوم الدينونة أي يوم القيامة ‪ ،‬وال أعلم ‪ ،‬قال تعالى‬
‫شًرا َوَنِذيًرا )‪ 45‬الحزاب ( ‪.‬‬ ‫شاِهًدا َوُمَب ّ‬
‫ك َ‬ ‫سْلَنا َ‬
‫ي ِإّنا َأْر َ‬
‫) َيَأّيَها الّنِب ّ‬
‫ق كله ‪ ،‬لّنه‬‫" ‪ :13-14 :16‬فمتى جاء هو ‪ ،‬أي روح الحقّ ‪ ،‬أرشدكم إلى الح ّ‬
‫جدني لنه‬ ‫لن يتكّلم من عنده ‪ ،‬بل يتكّلم بما يسمع ‪ ،‬ويخبركم بما سيحدث ‪ ،‬سُيم ّ‬
‫يأخذ مما لي وُيخبركم " ‪.‬‬
‫ق ‪ ،‬وُيبّلغ رسالة ربه‬‫ق " ‪ ،‬سيرشدهم إلى الح ّ‬ ‫ش هذا النص ُيخبر بأن " روح الح ّ‬
‫حى )‪ 4‬النجم‬ ‫ي ُيو َ‬
‫حٌ‬
‫ن ُهَو ِإّل َو ْ‬
‫ن اْلَهَوى )‪ِ (3‬إ ْ‬‫عِ‬‫ق َ‬ ‫ط ُ‬
‫على أكمل وجه ‪َ ) ،‬وَما َيْن ِ‬
‫( ‪ .‬وُينبئهم بأمور غيبية ستحدث لحقا ‪.‬‬
‫ولو أمعنت النظر أخي القارئ ‪ ،‬في النصوص أعله أو رجعت إلى الكتاب‬
‫نفسه ‪ ،‬ستكتشف بسهولة محاولت التضليل والتمويه ‪ ،‬من خلل تتّبع‬
‫النصوص ومقارنتها مع بعضها البعض ‪ ،‬فاللفاظ والُمسّميات تتكّرر بصورة‬
‫ُمزدوجة ‪ ،‬وتتقّدم أحيانا وتتأخر أحيانا أخرى ) ُيحّرفون الكلم عن‬
‫مواضعه ( ‪،‬كما هو الحال في النصوص التوراتية تماما ‪ .‬وغالبا ما يكشف أحد‬
‫النصوص المزدوجة كذب ‪ ،‬وتضليل النص الخر ‪.‬‬

‫‪286‬‬
‫إنجيل متى‬

‫النجيل يكشف حقيقة اليهود وُيحّذر الناس من اّتباعهم ‪:‬‬


‫" متى ‪ :13 :23 :‬ولكن الويل لكم أّيها الكتبة والفّريسّيون المراءون ‪ ،‬فإنكم‬
‫ُتغلقون ملكوت السماوات في وجوه الناس ‪ ،‬فل أنتم تدخلون ‪ ،‬ول تدعون‬
‫الناس يدخلون ‪ ، … ،‬فإنكم تطوفون البّر والبحر ‪ ،‬لتكسبوا ُمتهّودا واحدا ‪ ،‬فإذا‬
‫تهّود جعلتموه أهل لجهّنم ‪ ،‬ضعف ما أنتم عليه ‪ .‬الويل لكم أيها القادة العميان ‪،‬‬
‫تقولون ‪ :‬من أقسم بالهيكل ‪ ،‬فقسمه غير ُملزم ‪ ،‬أّما من أقسم بذهب الهيكل ‪،‬‬
‫فقسمه ُملزم " ‪.‬‬
‫" ‪ :27 :23‬الويل لكم … فإنكم كالقبور المطلية بالكلس ‪ ،‬تبدو جميلة من‬
‫الخارج ‪ ،‬ولكّنها من الداخل ‪ ،‬ممتلئة بعظام الموتى وكل نجاسة ‪ .‬كذلك أنتم‬
‫أيضا تبدون للناس أبرارا ‪ ،‬ولكّنكم من الداخل ممتلئون بالرياء والفسق ‪… .‬‬
‫الويل لكم … فإنكم تبنون قبور النبياء وُتزّينون مدافن البرار ‪ ،‬وتقولون ‪ :‬لو‬
‫عشنا في زمن آبائنا ‪ ،‬لما شاركناهم في سفك دماء النبياء ‪ .‬فبهذا تشهدون على‬
‫أنفسكم ‪ ،‬بأنكم أبناء قاتلي النبياء ‪ ،‬فأكملوا ما بدأه آباؤكم ‪ ،‬ليطفح الكيل " ‪.‬‬
‫الجريمة وعقابها ‪:‬‬
‫" ‪ :33 :23‬أيها الحّيات ‪ ،‬أولد الفاعي ‪ ،‬كيف ُتفلتون من عقاب جهّنم ؟ لذلك‬
‫ها أنا ذا ُأرسل إليكم ‪ ،‬أنبياء وحكماء ومعّلمين ‪ ،‬فبعضهم تقتلون وتصلبون ‪،‬‬
‫وبعضهم في مجامعكم تجلدون ‪ ،‬ومن مدينة إلى ُأخرى ُتطاردون ‪ ،‬حتى يقع‬
‫سفك في الرض ‪ ،‬من دم هابيل الّبار إلى دم زكرّيا بن برخيا ‪،‬‬ ‫عليكم كل دٍم ُ‬
‫الذي قتلتموه بين الهيكل والمذبح ‪ .‬الحق أقول لكم ‪ :‬أن عقاب ذلك كله سينزل‬
‫بهذا الجيل " ‪.‬‬
‫" ‪ :37 :23‬أورشليم ‪ ،‬يا قاتلة النبياء وراجمة المرسلين إليها ‪ .‬كم مّرة أردت‬
‫أن أجمع أولدك ‪ ،‬كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ‪ ،‬فأَبْيتم ‪ .‬ها إن‬
‫بيتكم ُيترك لكم خرابا ‪ ،‬فإني أقول لكم ‪ :‬أّنكم لن تروني من الن ‪ ،‬حتى تقولوا ‪:‬‬
‫ُمبارك التي باسم الرب " ‪.‬‬
‫" ‪ :1 :24 :‬ثم خرج يسوع من الهيكل ‪ ، … ،‬فقال لهم ‪ :‬أما ترون هذه المباني‬
‫ق أقول لكم ‪ :‬لن ُيترك هنا حجر فوق حجر إل وُيهدم " ‪.‬‬ ‫كلها ؟ الح ّ‬
‫‪287‬‬
‫المسيح ُينبئ بأحداث آخر الزمان ‪:‬‬
‫" ‪ :3 :24‬وبينما كان جالسا على جبل الزيتون ‪ ،‬تقّدم إليه التلميذ على انفراد ‪،‬‬
‫وقالوا له ‪ :‬أخبرنا متى يحدث هذا ) أي خراب أورشليم ( ‪ ،‬وما هي علمة‬
‫رجوعك ‪ ،‬وانتهاء الزمان ؟ فأجاب يسوع ‪ :‬انتبهوا ‪ ،‬إّياكم أن ُيضّلكم أحد ‪،‬‬
‫فسوف يأتي كثير من الناس منتحلين اسمي ‪ ،‬ويضّلون ُأناسا كثيرين ‪.‬‬
‫وستسمعون بالحروب وبإشاعات عن الحروب ‪ ،‬فإياكم أن تفزعوا ‪ ،‬فل بّد من‬
‫حدوثها ‪ ،‬ولكن لن تكون النهاية عندئذ ‪ .‬فستقوم أمة على أمة ‪ ،‬ومملكة على‬
‫مملكة ‪ ،‬وتحدث مجاعات وزلل في أماكن كثيرة ‪ ،‬وهذا ليس إل بدء المخاض‬
‫"‪.‬‬
‫شر بقرب النهاية ‪:‬‬
‫اضطهاد المؤمنين بال وفساد الدنيا ُيب ّ‬
‫" ‪ :9 :24‬وستسلمون عندئذ إلى الضيق وتقتلون ‪ ،‬وُيبغضكم جميع الوثنيين من‬
‫أجل اسمي ‪ .‬فيعثر أناس كثيرون ‪ ،‬وُيسلم بعضهم بعضا ويتباغضون …‪.‬‬
‫ويزداد الثم ‪ ،‬فتفتر المحبة في أكثر الناس ‪ ،‬والذي يثبت إلى النهاية فذاك الذي‬
‫يخلص ‪ .‬وسُتعلن بشارة الملكوت هذه ‪ ،‬في المعمورة كّلها ‪ ،‬شهادة لدى‬
‫الوثنيين أجمعين ‪ ،‬وحينئذ تأتي النهاية " ‪.‬‬
‫قيام دولة إسرائيل ودمارها ُيبشر بقرب النهاية ‪:‬‬
‫" متى ‪ :15 :24 :‬فإذا رأيتم الُمخّرب الشنيع ‪ ،‬الذي تكّلم عليه النبي دانيال ‪،‬‬
‫قائما في المكان الُمقّدس – ليفهم القارئ – فليهرب إلى الجبال من كان عندئذ‬
‫في اليهودية ‪ .‬ومن كان على السطح ‪ ،‬فل ينزل ليأخذ ما في بيته ‪.‬ومن كان في‬
‫الحقل ‪ ،‬فل يرجع ليأخذ رداءه ‪ .‬الويل للحوامل والمرضعات في تلك اليام ‪،‬‬
‫صّلوا لئل يكون هربكم في الشتاء أو في يوم سبت " ‪.‬‬
‫" لوقا ‪ :24-20 :21 :‬فإذا رأيتم أورشليم قد حاصرتها الجيوش ‪ ،‬فاعلموا أن‬
‫خرابها قد اقترب ‪ .‬فمن كان يومئذ في اليهودية فليهرب إلى الجبال ‪ ،‬ومن كان‬
‫في وسط المدينة فليخرج منها ‪ ،‬ومن كان في الحقول فل يدخل إليها ‪ ،‬لن هذه‬
‫اليام أيام نقمة يتم فيها جميع ما ُكتب ‪ .‬الويل للحوامل والمرضعات في تلك‬
‫اليام ‪ ،‬فستنزل الشّدة على هذا البلد ‪ ،‬وينزل الغضب على هذا الشعب ‪،‬‬
‫فيسقطون قتلى بحّد السيف ‪ ،‬ويؤخذون أسرى إلى جميع المم " ‪.‬‬
‫‪288‬‬
‫ش المقصود بالُمخّرب الشنيع ‪ ،‬في النص الول المأخوذ من إنجيل متى ‪ ،‬هي‬
‫ضحه النص الثاني من إنجيل لوقا بنص‬ ‫دولة الفساد إسرائيل ‪ ،‬وهذا ما يو ّ‬
‫صريح بعبارة )فإذا رأيتم أورشليم ( ‪ .‬ولو تمّعنت في النصائح الُمقّدمة للشعب‬
‫اليهودي ‪ ،‬لتجّنب القتل والسر ‪ .‬ستجد أن دخول الجيوش على أورشليم ‪،‬‬
‫سيكون ُمفاجئا وسريعا وبدون ضجة ‪ ،‬لدرجة أن من على سطح المنزل ‪ ،‬ل‬
‫يشعر بدخولهم إلى بيته ‪ .‬وأن من في الرياف ل يسمع بهم ‪ ،‬إل ُمتأخرا ‪ ،‬وأما‬
‫النصارى الجدد في الغرب ‪ ،‬فيرون أن المقصود بالُمخّرب الشنيع ‪ -‬أو رجسة‬
‫الخراب في سفر دانيال ‪ -‬هو الدجال عدو المسيح ‪ ،‬الذي سيظهر في القدس ‪،‬‬
‫وأما اليهود فيرون أنه المسجد القصى ‪.‬‬
‫الحرب الكونية النووية ‪:‬‬
‫" ‪ :21 :24‬فستحدث عندئذ شّدة عظيمة ‪ ،‬لم يحدث مثلها ‪ ،‬منذ بدء الخليقة إلى‬
‫صر تلك اليام ‪ ،‬لما نجا أحد من البشر ‪ ،‬ولكن‬ ‫اليوم ‪ ،‬ولن يحدث ‪ .‬ولو لم تق ّ‬
‫من أجل الُمختارين ‪ ،‬ستقصر تلك اليام " ‪.‬‬
‫ش وهذا أحد النصوص التي يستند إليها نصارى الغرب في تحليلتهم ‪ ،‬بالقول‬
‫بأن الحرب العالمية الثالثة ستكون نووية ل محالة ‪ ،‬لسرعة هذه السلحة في‬
‫حسم المعركة ‪.‬‬
‫جال ‪:‬‬
‫المسيح ُيحّذر من أتباعه الد ّ‬
‫" ‪ :23 :24‬فإذا قال عندئذ أحد من الناس ‪ :‬ها هو ذا المسيح هنا ‪ ،‬بل هنا ‪ ،‬فل‬
‫جالون وأنبياء كّذابون ‪ ،‬يأتون بآيات عظيمة‬ ‫ُتصّدقوه ‪ .‬فسيظهر ُمسحاء د ّ‬
‫وأعاجيب ‪ ،‬لُيضّلوا حتى الُمختارين ) التقياء ( لو استطاعوا ‪ .‬فها أنا قد أنبأتكم‬
‫"‪.‬‬
‫" ‪ :26 :24‬فإن قيل لكم ها هو في البرية ‪ ،‬فل تخرجوا إليها ‪ ،‬أو ها هو ذا في‬
‫المخابئ ‪ ،‬فل ُتصّدقوا ‪ .‬وكما أن البرق يخرج من المشرف ‪ ،‬ويلمع حتى‬
‫المغرب ‪ ،‬فكذلك يكون مجيء ابن النسان ‪ ،‬وحيث تكون الجيفة ) الدجال (‬
‫تتجّمع النسور ) اليهود ( " ‪.‬‬

‫‪289‬‬
‫ظواهر فلكية تسبق بداية النهاية ‪:‬‬
‫" ‪ :29 :24‬وعلى أثر الشّدة في تلك اليام ‪ُ ،‬تظلم الشمس ) كسوف ( ‪ ،‬والقمر‬
‫ل ُيرسل ضوءه )خسوف ( ‪ ،‬وتتساقط النجوم من السماء ) الصواريخ ( ‪،‬‬
‫وتتزعزع قوات السماء ) دوي النفجارات ( ‪ .‬وتظهر عندئذ في السماء آية ابن‬
‫النسان ‪ .‬فتنتحب جميع قلئل الرض ‪ ،‬وترى ابن النسان آتيا على غمام‬
‫السماء ‪ ،‬في تمام العزة والجلل " ‪.‬‬
‫ش وهذا النص جعل الصوليون النجيليون ‪ ،‬يعتقدون بأن مجيء عيسى عليه‬
‫السلم ‪ ،‬يسبقه حرب كونية نووية شاملة ‪ ،‬تحرق الخضر واليابس ‪ ،‬وهم‬
‫يعملون على دفع القادة السياسيين في أمريكا ‪ ،‬إلى التحضير لها ‪ ،‬بغية‬
‫النتصار فيها ‪ ،‬والنجاة من أهوالها ‪ ،‬فهي ل محالة قادمة ‪ ،‬ومن ضمن‬
‫التحضيرات ‪ -‬فضل عن التسلح النووي ‪ -‬إصرار أمريكا مؤخرا ‪ ،‬على إنشاء‬
‫الدرع المضاّد للصورايخ البالستية ‪.‬‬
‫أحداث النهاية ستكون مباغتة ‪:‬‬
‫" ‪ :32 :24‬من التينة خذوا العبرة ‪ ،‬فمتى لنت أغصانها ونبتت أوراقها ‪،‬‬
‫ل هذه المور ‪ ،‬فاعلموا أن‬‫علمتم أن الصيف قريب ‪ ،‬وكذلك أنتم ‪ ،‬إذا رأيتم ك ّ‬
‫ابن النسان قريب ‪ ،‬بل على البواب … السماء والرض تزولن ‪ ،‬وكلمي‬
‫ل يزول … " ‪.‬‬
‫" ‪ :37 :24‬وكما كانت الحال في زمن نوح ‪ ،‬كذلك ستكون عند رجوع ابن‬
‫النسان ‪ ،‬فقد كان الناس قبل الطوفان ‪ ،‬يأكلون ويشربون ويتزّوجون‬
‫وُيزّوجون ‪ ،‬وما كانوا يتوقعون شيئا ‪ ،‬حتى جاء الطوفان فجرفهم أجمعين " ‪.‬‬
‫رؤيا يوحّنا‬

‫خروج أصحاب البعث الثاني من أرض الفرات ‪:‬‬


‫" ‪ :14 :9‬فقال للملك السادس ‪ " :‬أطلق الملئكة الربعة الُمقّيدين ‪ ،‬على‬
‫النهر الكبير ‪ ،‬نهر الفرات " ‪ .‬وكان هؤلء الملئكة الربعة ‪ُ ،‬مجّهزين‬
‫استعدادا لهذه الساعة واليوم والشهر والسنة ‪ ،‬فُأطلقوا ليقتلوا ثلث البشر ‪.‬‬
‫وسمعت أن جيشهم يبلغ مائتي مليون ُمحارب ‪ ،‬ورأيت في الرؤيا الخيول‬
‫‪290‬‬
‫وعليها فرسان ‪ ،‬يلبسون دروعا … ‪ .‬وكانت رؤوس الخيل مثل رؤوس‬
‫السود ‪ ،‬تلفظ من أفواهها نارا ودخانا وكبريتا ‪ ،‬فُقتل ثلث الناس بهذه البليا‬
‫الثلث … ‪ .‬وكانت قوة الخيل القاتلة ‪ ،‬تكمن في أفواهها وفي أذنابها أيضا ‪،‬‬
‫أما سائر الناس الذين لم يموتوا من هذه النكبات ‪ ،‬لم يتوبوا عن أعمالهم … " ‪.‬‬
‫ش هذا النص ُيبين أن هنالك جيش كبير العدد ‪ ،‬مقّيد على نهر الفرات أي في‬
‫ك قيده في موعد ُمعين ‪ .‬ويصف هذا النص ما يملكه هذا الجيش‬ ‫العراق ‪ ،‬وسُيف ّ‬
‫من آلّيات حربية حديثة ‪ ،‬وأن هناك ُأناس سينجون من هذا الجيش ‪ ،‬ولكنهم‬
‫بالرغم من ذلك لن يتوبوا ‪.‬‬
‫جفاف نهر الفرات والحرب العالمية النهائية ‪:‬‬
‫" ‪ :12-14 :16‬وسكب الملك السادس ‪ ،‬كأسه على نهر الفرات الكبير فجفّ‬
‫ماؤه ‪ ،‬ليصير ممرا للملوك القادمين من الشرق ‪ .‬وعند هذا رأيت ثلثة أرواح‬
‫نجسة ‪ ، … ،‬وهي أرواح شيطانية ‪ ،‬قادرة على صنع الُمعجزات ‪ ،‬تذهب إلى‬
‫ملوك الرض جميعا ‪ ،‬وتجمعهم للحرب في ذلك اليوم العظيم ‪ ،‬يوم ال القادر‬
‫على كل شيء " ‪.‬‬
‫ف نهر الفرات‬ ‫ش هذا النص ُيخبر بأن العراق سُيضرب بالنووي ل محالة ‪ ،‬فيج ّ‬
‫من جراء ذلك ‪ ،‬إما قبل أو بعد ‪ ،‬نشوب الحرب العالمية ‪ ،‬ليصير ممرا للدول‬
‫الشرقية لتشارك في الحرب القادمة ‪ ،‬والدول الواقعة شرق الفرات ‪ ،‬تبدأ‬
‫بإيران وتنتهي بالصين ‪ .‬ومن ثم يجتمع ملوك العالم لتبدأ الحرب البرية ‪ ،‬التي‬
‫ُيحّدد مكانها في النص اللحق ‪.‬‬
‫" ‪ :16-21 :16‬وجمعت الرواح الشيطانية ‪ ،‬جيوش العالم كلها ‪ ،‬في مكان‬
‫ُيسّمى بالعبرية " هرمجدون " ‪ .‬ثم سكب الملك السابع ‪ ،‬كأسه على الهواء ‪،‬‬
‫ي المر " ‪ .‬فحدثت بروق‬ ‫فدوى صوت من العرش ‪ ، … ،‬يقول ‪ُ " :‬قض َ‬
‫وأصوات ورعود وزلزال عنيف ‪ ،‬لم تشهد الرض له مثيل ‪ ،‬منذ أن ُوجد‬
‫النسان على الرض ‪ ،‬لنه كان زلزال عنيفا جّدا ‪ .‬فانقسمت المدينة الُعظمى‬
‫ل الدمار بُمدن المم ‪ .‬فقد ذكر ال بابل الُعظمى ‪ ،‬ليسقيها‬ ‫إلى ثلثة أقسام ‪ ،‬وح ّ‬
‫جزر كلها ‪ ،‬واختفت الجبال ‪ .‬وتساقط من‬ ‫كأسا تفور بخمر غضبه ‪ .‬وهربت ال ُ‬
‫ل حّبة بقدار وزنة واحدة ‪ ،‬فجّدف الناس على‬ ‫السماء على الناس َبَرٌد كبير ‪ ،‬ك ّ‬
‫ال ‪ ،‬بسبب هذه البلية الشديدة جدا " ‪.‬‬
‫‪291‬‬
‫ش هذا النص يصف هذه الحرب ‪ ،‬فهناك صواريخ تسقط من السماء ‪ ،‬وأصوات‬
‫انفجاراتها ُمدّوية كالرعد ‪ ،‬محدثة زلزل عنيفة ‪ ،‬واختفاء الجبال من شدة‬
‫خر‬‫جزر تحت الماء ‪ ،‬لذوبان الكتل الجليدية ‪ ،‬وتب ّ‬ ‫الزلزل ‪ ،‬وهروب ال ُ‬
‫طحات المائية ‪ ،‬نتيجة ارتفاع درجات الحرارة ‪ ،‬التي ستحدثها السلحة‬ ‫المس ّ‬
‫النووية ‪.‬‬
‫أّما المدينة الُعظمى التي ستنقسم إلى ثلثة أقسام ‪ ،‬فهي بل شك أمريكا ‪ ،‬وإن‬
‫كان هناك مدينة بعينها فهي نيويورك ‪ ،‬بالرغم من أن كتبة التوراة ‪ ،‬أضافوا‬
‫عبارة ) فقد ذكر ال بابل الُعظمى ( ‪ .‬فلفظ مدينة بالعبرية يعني دولة ‪ ،‬وبما أن‬
‫عظمى في العصر الحالي ‪ ،‬فهم أضافوا هذه العبارة‬ ‫النبوءة تحكي عن دولة ُ‬
‫لكون بابل في ُمخّيلتهم ‪ُ ،‬تمّثل الدولة العظمى والقوية في العصور القديمة ‪ ،‬أما‬
‫بابل الحالية أي العراق ‪ ،‬فهي ليست بأي حال من الحوال بالدولة العظمى ‪،‬‬
‫وهذا اللقب حاليا ُيطلق على أمريكا ‪.‬‬
‫سري النبوءات التوراتية والنجيلية ُمؤخرا ‪ ،‬اكتشفوا هذا‬ ‫ويبدو أن بعض مف ّ‬
‫المر ‪ ،‬ومنهم من قام بتأليف كتب تنبأوا فيها بدمار إسرائيل ‪ ،‬ومن ثم أمريكا ‪،‬‬
‫وبالتالي تستطيع قراءة النصوص ‪ ،‬التي ُتخبر عن دمار بابل العظمى أو‬
‫ل بأمريكا نتيجة هذه الحرب ‪ ،‬وليس‬ ‫الجديدة ‪ ،‬على أنها ُتخبر عّما سيح ّ‬
‫العراق ‪ .‬ولكن اليهود يريدونها بابل القديمة ‪ ،‬ولكن ستجري الرياح بما ل‬
‫سفنهم ‪ ،‬بإذن ال ‪.‬‬
‫تشتهيه ُ‬
‫عرس الحمل ‪:‬‬
‫" ‪ :6-10 :19‬ثّم سمعت صوتا ‪ ، … ،‬يقول ‪ " :‬هّللويا ! فإن الرب الله القادر‬
‫جده ‪ ،‬فإن عرس الحمل ‪ ،‬قد حان‬ ‫على كل شيء ‪ ،‬قد َمَلك ‪ ،‬لنفرح ونبتهج ونم ّ‬
‫موعده ‪ ،‬وعروسه قد هّيأت نفسها ‪ ،‬ووهب لها أن تلبس الكتان البيض الناصع‬
‫‪ ،‬والكتان يرمز إلى أعمال الصلح التي قام بها القّديسون " ‪.‬‬
‫" ‪ :11 :19‬ثم رأيت السماء مفتوحة ‪ ،‬وإذا حصان أبيض ُيسّمى راكبه "‬
‫المين الصادق " ‪ ،‬الذي يقضي ويحارب بالعدل ‪ … .‬وكان الجناد الذين في‬
‫السماء ‪ ،‬يتبعونه راكبين خيول بيضاء ‪ ، … ،‬وكان يخرج من فمه سيف حاّد ‪،‬‬
‫ليضرب به المم ‪ ،‬ويحكمهم بعصا من حديد ‪. " … ،‬‬

‫‪292‬‬
‫ش ل أجد تفسيرا لهذه النبوءة ‪ ،‬إل أنها ُتخبر عن المهدي ) الحمل ( وعروسه‬
‫) القدس ( ‪ ،‬وجيوشه ) الجناد ( ‪ ،‬وانتصاراته في حروبه التي سيخوضها ‪.‬‬
‫عودة المسيح ‪:‬‬
‫" ‪ :4 :20‬ثّم رأيت عروشا ُمنح الجالسون عليها حق القضاء ‪ .‬ورأيت نفوس‬
‫الذين ُقتلوا في سبيل الشهادة ليسوع ‪ ،‬وفي سبيل كلمة ال ‪ ،‬والذين … ‪ ،‬وقد‬
‫عادوا إلى الحياة ‪ ،‬وملكوا مع المسيح ألف سنة ‪ .‬هذه هي القيامة الولى ‪ .‬أما‬
‫بقية الموات فل يعودون إلى الحياة حتى تنقضي اللف سنة " ‪.‬‬
‫ش ظاهر هذا النص ُيبشر بعودة المسيح ‪ ،‬وبأنه سيحكم من انتسب إلى الديانة‬
‫المسيحية ‪ ،‬بعد بعثهم من الموت ‪ ،‬بغض النظر عن فساد من انتسب إليه أو‬
‫صلحه ‪ ،‬مدة ألف عام يعيشون فيها بسلم ‪ ،‬أما بقية البشر من غير‬
‫المسيحين ‪ ،‬فسيقومون بعد ألف سنة ‪ ،‬فيما ُيسّمونه بالقيامة الثانية ‪ .‬وسُيخّلدون‬
‫في نار جهنم ‪ ،‬ول في خلقه شؤون ‪.‬‬
‫جال ويأجوج ومأجوج ‪:‬‬
‫الد ّ‬
‫" ‪ :7-10 :20‬فحين تنقضي اللف سنة ‪ُ ،‬يطلق الشيطان من سجنه ‪ ،‬فيخرج‬
‫لُيضّلل المم في زوايا الرض الربع ‪ ،‬جوج وماجوج ‪ ،‬ويجمعهم للقتال ‪،‬‬
‫وعددهم كثير جّدا كرمل البحر ‪ .‬فيصعدون على سهول الرض العريضة ‪،‬‬
‫ويحاصرون من كل جانب ُمعسكر القّديسين ) عيسى ومن معه من المسلمين (‬
‫والمدينة المحبوبة ) القدس ( ‪ ،‬ولكن نارا من السماء تنزل عليهم وتلتهمهم ‪ .‬ثم‬
‫ُيطرح إبليس الذي كان ُيضّللهم ‪ ،‬في ُبحيرة النار والكبريت ‪ ،‬حيث الوحش‬
‫) أمريكا ( والنبي الدجال ) إسرائيل ( ‪ ،‬هناك سوف ُيعّذبون نهارا وليل ‪ ،‬إلى‬
‫أبد البدين " ‪.‬‬
‫) في هذا النص ُيذكر الشيطان ) الدجال ( الذي سُيطلق ‪ ،‬بعد أن كان مقيدا مدة‬
‫ألف سنة ‪ .‬وهو في الصل سابق لمجيء عيسى عليه السلم ‪ ،‬ويذكر خروج‬
‫يأجوج ومأجوج ‪ ،‬حيث أنهم يحصرون عيسى ومن معه من المؤمنين ‪ ،‬في‬
‫جبال القدس ‪ ،‬هربا منهم حيث ل ِقبل لحد بهم ‪ ،‬فيتم القضاء عليهم والتخّلص‬
‫سرون هذا النص ‪ ،‬على‬ ‫من جثثهم ‪ ،‬بأمر من عند ال ‪ ،‬أّما النصارى ‪ ،‬فُهم ُيف ّ‬
‫سره العهد القديم أي التوراة ‪ ،‬حيث أخبرت أن جوج وماجوج هم الروس ‪.‬‬ ‫ما ف ّ‬

‫‪293‬‬
‫البعث والحساب ‪:‬‬
‫" ‪ :11-12 :20‬ثم رأيت عرشا عظيما أبيض ‪ ،‬هربت السماء والرض من‬
‫أمام الجالس عليه ‪ ،‬فلم يبق لهما مكان ‪ .‬ورأيت الموات كبارا وصغارا ‪،‬‬
‫ل الحياة ‪ ،‬وِدين‬
‫واقفين أمام العرش ‪ .‬وُفتحت الكتب ‪ ،‬ثم ُفتح كتاب آخر هو سج ّ‬
‫الموات بحسب ما هو ُمدّون في تلك الكتب ‪ ،‬كل واحد حسب أعماله ‪… .‬‬
‫طرح في ُبحيرة‬ ‫طرح الموت … وكل من لم ُيوجد اسمه في سجل الحياة ‪ُ ،‬‬ ‫وُ‬
‫النار " ‪.‬‬
‫السماء الجديدة والرض الجديدة‬
‫"‪ :1 :12‬ثم رأيت سماء جديدة ‪ ،‬وأرضا جديدة ‪ ،‬ل بحر فيها ‪ ،‬لن السماء‬
‫والرض القديمتين قد زالتا ‪ .‬ورأيت المدينة الُمقّدسة أورشليم الجديدة ‪ ،‬نازلة‬
‫من السماء من عند ال ‪ . … ،‬وسمعت صوتا هاتفا من العرش ‪ " :‬الن صار‬
‫مسكن ال مع الناس ‪ ،‬هو يسكن بينهم ‪ .‬وال نفسه يكون معهم إلها لهم ‪،‬‬
‫وسيمسح كل دمعة عن عيونهم ‪ .‬إذ يزول الموت والحزن … ‪ ،‬لن المور‬
‫القديمة كلها زالت " ‪.‬‬
‫ش في الحقيقة يصف هذا النص يوم الحشر والحساب ‪ ،‬حيث أن أورشليم هي‬
‫أرض المحشر ‪ ،‬وهذا الموقف العظيم الوارد في هذا النص ‪ ،‬موصوف‬
‫بالتفصيل في مواضع كثيرة من القرآن ‪ .‬ولكن النصارى يفهمون النص على‬
‫أن إلههم ) المسيح ( سينزل ليسكن معهم ‪ ،‬في أورشليم الجديدة ‪ ،‬التي يصفونها‬
‫في نهاية السفر ‪ ،‬وهو في الحقيقة وصف ُيشبه وصف الجّنة في القرآن ‪،‬‬
‫والموت ل يزول ‪ ،‬إل عندما يدخل أهل الجنة إلى الجنة ‪ ،‬وأهل النار إلى‬
‫النار ‪.‬‬
‫ش يفهم عامة النصارى وخاصتهم من ُمجمل النصوص أعله ‪ ،‬أنه عندما تبدأ‬
‫الحداث الُمدّمرة التي سيتعّرض لها كوكب الرض ‪ ،‬بأن المسيح سيعود‬
‫وسيرتفع بهم فوق السحاب ‪ ،‬وبعد نهاية الحداث التي لن تستمّر طويل ‪،‬‬
‫سينزل بهم ويحكمهم مدة ألف عام ‪ ،‬تحت أرض وسماء جديدتين ‪ .‬وهنا وقع‬
‫خلط ما بين ‪ ،‬استعادة الرض لبركتها بعد الخراب ‪ ،‬وبين تبّدل السماء‬
‫غْيَر اَْلْر ِ‬
‫ض‬ ‫ض َ‬
‫والرض يوم القيامة ‪ ،‬كما جاء في قوله تعالى ) َيْوَم ُتَبّدُل اَْلْر ُ‬
‫حِد اْلَقّهاِر )‪ 48‬إبراهيم ( ‪.‬‬
‫ل اْلَوا ِ‬
‫ت َوَبَرُزوا ِّ‬
‫َوالسَّمَوا ُ‬
‫‪294‬‬
‫ولذلك ظهرت جماعة التدبيريين ‪ ،‬التي تدعوا إلى تدمير كوكب الرض‬
‫بالسلحة النووية ‪ ،‬لقناعاتهم الجديدة نتيجة تفسيرهم الجديد ‪ ،‬بأن هناك أرض‬
‫جديدة وسماء جديدة ستأتي بعد الدمار ‪ .‬والمصيبة الكبرى أن رؤساء وساسة ‪،‬‬
‫أكبر دولة عظمى في العالم يؤمنون بذلك ‪ ،‬ويسيرون بالعالم نحو الهاوية ‪،‬‬
‫) فجورج بوش البن ( ل يكترث بظاهرة النحباس الحراري ‪ ،‬وارتفاع درجة‬
‫حرارة الرض ‪ ،‬وهو غير معني بتوقيع اتفاقية ) كيوتو ( للحد من هذه‬
‫الظاهرة ‪ ،‬بما أن هذه الرض ستؤول إلى الزوال ‪ ،‬وما يعنيه في الدرجة‬
‫الولى ‪ ،‬هو الستعداد للحرب النووية القادمة هجوما ودفاعا ‪.‬‬

‫‪295‬‬
‫الغربيون وهوس النبوءات التوراتية والنجيلية‬

‫يعتقد اليهود ونصارى الغرب ‪ ،‬أن قيام دولة إسرائيل للمرة الثانية في‬
‫فلسطين ‪ ،‬هو علمة لقرب ظهور الملك المنتظر بالنسبة لليهود ‪ ،‬وللمجيء‬
‫الثاني للمسيح بالنسبة للنصارى ‪ ،‬ولذلك يعكف الكثير من النصارى واليهود ‪،‬‬
‫على اختلف تخصصاتهم العلمية والمهنية ‪ ،‬في السنوات الخيرة ‪ ،‬على‬
‫دراسة وتحليل وتفسير النبوءات التوراتية والنجيلية ‪ ،‬التي ُتخبر عن أحداث‬
‫آخر الزمان ‪ .‬وخاصة فيما يتعّلق بنهاية إسرائيل ‪ ،‬ودمار العالم الغربي ‪،‬‬
‫وعودة السلم ‪ ،‬في نهاية المطاف ‪ ،‬لواجهة الصدارة ‪ .‬ونطاق هذه البحوث‬
‫في الغالب ‪ ،‬يدور حول ما جاء في التوراة والنجيل من نصوص نبوية ‪ ،‬وما‬
‫سر هذه النصوص ‪ ،‬والكتاب الكثر‬ ‫ُقّدم فيها من كتب ومؤلفات مؤخرا ‪ ،‬تف ّ‬
‫شهرة في هذا المجال ‪ ،‬هو كتاب ) نبوءات نوستراداموس ( الغامض ‪،‬‬
‫والسوق الرائجة لطروحاتهم في هذا المجال ‪ ،‬هي شبكة النترنت ‪.‬‬
‫وإذا أردت أن تعرف مقدار ما تشغله هذه النبوءات المستقبلية ‪ ،‬من فكر كبار‬
‫رجالت السياسة والدين والعلم ‪ ،‬وعامة الشعوب الغربية ‪ ،‬وفي مقّدمتها‬
‫المريكية والبريطانية والفرنسية ‪ ،‬وحتى عامة النصارى واليهود في شتى‬
‫بقاع الرض ‪ ،‬فما عليك إل أن تزور شبكة النترنت ‪ ،‬وأن تقوم بالبحث –‬
‫على سبيل المثال – عن إحدى الكلمات التالية ‪World War III ) ، ) :‬‬
‫( ‪(WW III ) ، (WW3 ) ، ( Armegeddon ) ( Nostradamus ) ،‬‬
‫‪ ، ( Prophecy ) ، ( Miracle) ، ( Piple ) ، ( Torah‬لتجد أن هناك‬
‫عشرات اللف ‪ ،‬من المواقع التي تعرض البحاث والكتب والدراسات ‪ ،‬التي‬
‫تبحث في تفسير النصوص التوراتية والنجيلية ‪.‬‬
‫ش وفيما يلي ‪ ،‬غيض من فيض هذه المواقع ‪:‬‬
‫•‪NOSTRADAMUS, CATHOLIC PROPHECY ON‬‬
‫‪(WORLD WAR III (1999-2030‬‬
‫‪A Catholic Prophecy Nostradamus prophesied that ...‬‬
‫‪World War III would be initiated‬‬
‫‪by Russia and Iran on July 4th of 1999 with nuclear and‬‬
‫‪... .chemical weapons‬‬
‫‪296‬‬
http://web.tusco.net/newone/nostradamus.htm [More
[Results From: web.tusco.net
( ‫م‬2030 – ‫م‬1999 ) ‫نبوءة الكاثوليكي نوستراداموس بالحرب العالمية الثالثة‬
‫ ستبدأ‬، ‫ بأن الحرب العالمية الثالثة‬، ‫ كان قد تنبأ‬، ‫… الكاثوليكي نوستراداموس‬
‫ في الرابع‬، ‫ للسلحة النووية … والكيميائية‬، ‫ل من روسيا وإيران‬ ٍ ‫باستخدام ك‬
… ‫م‬1999 ‫من حزيران عام‬
Armageddon, World War III, Antichrist, and the second•
... coming
Armageddon, World War III, Antichrist, and the second
... coming of Jesus
‫ العودة الثانية‬، ( ‫ عدو المسيح ) الدجال‬، ‫ الحرب العالمية الثالثة‬، ‫هرمجدون‬
… ‫للمسيح‬
Web Directory: Resources for Nostradamus Research
. ‫مصادر لبحاث نوستراداموس‬
.Nostradamus Society of America
. ‫مجتمع نوستراداموس في أمريكا‬
International Center for Nostradamian Studies – description
of Nostradamus, his prophecies, and Prof. Vlaicu Ionescu’s
.interpertations
… ‫المركز العالمي لدارسات نوستراداموس‬
Vlaicu ) ‫ وتفسيرات البروفيسور‬، ‫ نبوءاته‬، ‫وصف لنوستراداموس‬
. ( Ionescu
Nostradamus, Saddam Hussein, Armegeddon – by Storm
.Ministries
‫ هرمجدون‬، ‫ صدام حسين‬، ‫نوستراداموس‬

297
‫كتاب لكاتب البريطاني ) ستورم مينيستريز ( ‪ ،‬يبحث في النصوص النبوية‬
‫التوراتية ‪ ،‬يجيب فيه عن عّدة تساؤلت يطرحها في بداية كتابه ‪ ،‬وأحد هذه‬
‫جال آخر الزمان الذي تنبأ به‬
‫التساؤلت ‪ :‬هل صدام حسين هو د ّ‬
‫) نوستراداموس ( ؟! ‪.‬‬
‫من هو ) نوستراداموس ( ‪ ...‬؟‬
‫ش من كتاب ) نبوءات نوستراداموس ( للطبيب الفرنسي د‪ ) .‬دو فونبرون ( ‪،‬‬
‫ترجمة أسامة الحاج ‪ ،‬دار مكتبة التربية ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬طبعة ‪1996‬م ‪.‬‬
‫هو مسيحي كاثوليكي فرنسي ‪ ،‬ذو أصل يهودي ‪ ،‬عاش في الفترة ) ‪– 1503‬‬
‫‪1566‬م ( ‪ ،‬أّلف أحد أشهر كتب النبوءات التوراتية والنجيلية ‪ .‬يقول هذا‬
‫المتنبئ في مقدمة كتابه ‪ ،‬أن مصدر نبوءاته ‪ ،‬هو مجموعة من الكتب‬
‫والمجلدات القديمة ‪ ،‬التي كان قد ورثها عن أجداده اليهود ‪ ،‬كانت مخبأة منذ‬
‫قرون عديدة ‪ ،‬وعلى ما يبدو أنه استطاع من خللها ‪ ،‬الكشف عن الرموز‬
‫التوراتية اللفظية والعددية ‪ ،‬التي استخدمها مؤلفو التوراة من الكهنة والحبار ‪،‬‬
‫ومن ثم قام بقراءة الحداث الواردة في النبوءات ‪ .‬ووضعها في كتاب ‪ ،‬على‬
‫شكل رسائل نثرية ‪ ،‬وأبيات شعرية سّماها الرباعيات ‪ ،‬استخدم فيها الكثير من‬
‫الستعارات والرموز ‪ ،‬الواضحة الدللة أحيانا ‪ ،‬والمضّللة والُمحّيرة أغلب‬
‫الحيان ‪.‬‬
‫وقد اجتهد كثير من الباحثين الغربيين ‪ ،‬وخاصة في العصر الحديث ‪ ،‬وأجهدوا‬
‫أنفسهم ‪ ،‬بمحاولت مضنية لحل رموزه وطلسمه ‪ ،‬ومحاولت مضنية‬
‫لمطابقتها ‪ ،‬لما جرى ويجري وسيجري على أرض الواقع ‪ ،‬لدرجة أنك لو‬
‫بحثت عن لفظ ) ‪ ( Nostradamus‬في أحد محّركات البحث على شبكة‬
‫النترنت ‪ ،‬ستجد أكثر من ) ‪ ( 57‬ألف موقع ‪ ،‬لمراكز وجمعيات وكتب‬
‫ودراسات ‪ ،‬تبحث في أمر نبوءاته وتجتهد في مطابقتها مع الواقع ‪ ،‬في محاولة‬
‫لستقراء المستقبل ‪ ،‬وخاصة فيما يتعلق بأحداث النهاية ‪ ،‬وخاصة الحرب‬
‫العالمية الثالثة ‪ ،‬ونهاية الحضارة الغربية ‪ ،‬المرتبطة بعودة الخلفة السلمية ‪.‬‬
‫ومن أشهر الكتب في تفسير نبوءاته ‪ ،‬وفك رموزه وطلسمه ‪ ،‬هو كتاب‬
‫) نبوءات نوستراداموس ( ‪ ،‬الذي أّلفه الطبيب الفرنسي ) دو فونبرون ( ‪،‬‬
‫طبع هذا الكتاب عدة مرات ‪ ،‬أعوام ‪ 38‬و ‪ 39‬و‬ ‫المتوفى عام ‪1959‬م ‪ ،‬وقد ُ‬
‫‪298‬‬
‫‪1940‬م ‪ ،‬ومن ثم ُأعيد طبعه بعد عدة سنوات من خلل ابن المؤلف ‪ ،‬ومما‬
‫أضافه البن إلى الطبعة الجديدة من الكتاب ‪ ،‬نص مخطوط بقلم أبيه الطبيب ‪،‬‬
‫كتبه قبل وفاته بأربعة أشهر ‪ ،‬بعنوان ‪ ) :‬بحث في الحداث القادمة (‬
‫وهذا نصه ‪:‬‬
‫" يجب النظر بصورة منفصلة إلى الحداث وتتابعها الزمني ‪ ،‬إن ترتيبها من‬
‫حيث الزمان ل يمكن تصّوره ‪ ،‬إل ضمن عملية افتراضية ‪ ،‬إذ أن المعطيات‬
‫المتعلقة بها شديدة التشذر ‪ ،‬بحيث ل يمكن أن تؤدي إلى استنتاجات أكيدة كليا‬
‫…‬
‫إن جميع النبوءات القّيمة ‪ ،‬مترّكزة على الحقبة ‪ ،‬التي ستغدو فيها الحضارة‬
‫الغربية ‪ ،‬مهّددة بالدمار ‪ .‬والوقائع الساسية لهذه الزمة العالمية ‪ ،‬هي‬
‫كالتالي ‪ :‬الحرب والثورة العامتان ‪ ،‬تدمير باريس الكلي بالنار ‪ ،‬وتدمير جزء‬
‫من مرسيليا ‪ ،‬بتلطم لمواج البحر ‪ ،‬هزات أرضية مخيفة ‪ ،‬وباء طاعون‬
‫يقضي على ثلثي البشرية ‪ ،‬البابا المطرود من روما ‪ ،‬انشقاق كنسي …‬
‫يبدو أن هذه الحداث ستبدأ بالحرب بين الشرق والغرب ‪ ،‬أما ذريعتها فستكون‬
‫في الشرق الوسط ) العراق ‪ ،‬إيران ‪ ،‬أو فلسطين ( ‪ ،‬ومن المرجح أن تجري‬
‫على مرحلتين ‪ ،‬على غرار حرب ‪1945– 39‬م …‬
‫في تلك اللحظة يظهر نجم مذّنب سوف يمّر على مقربة من الرض ‪ ،‬لدرجة‬
‫أنها ستجتاز شعره الُمحّمل بالحصى ‪ ،‬هذه النيازك الجوية التي ستكون بمثابة‬
‫انتقام السماء العجائبي ‪ ،‬سوف تسقط على أمكنة محّددة ‪ ،‬حيث ستكون محتشدة‬
‫قوات الثورة الحمراء ‪ ،‬والسطول الروسي في البحر المتوسط …‬
‫من المرجح أن تدمير باريس ‪ ،‬سيتم في المرحلة الثانية من النزاع ‪ ،‬قبل وقت‬
‫قصير من طرد البابا من روما … " ‪ ،‬انتهى ‪.‬‬
‫وجاء في نفس المقدمة ما مفاده أن المحنة الكبرى ‪ ،‬التي ستشهد بداية تدمير‬
‫الحضارة اليهودية المسيحية ‪ ،‬كان ) نوستراداموس ( قد حّدد نقطة انطلقها في‬
‫الشهر السابع من عام ‪1999‬م ‪.‬‬
‫نصوص من نبوءات ) نوستراداموس ( من كتاب الطبيب الفرنسي ‪:‬‬
‫صه ‪:‬‬
‫في الرسالة إلى هنري الثاني ورد ما ن ّ‬

‫‪299‬‬
‫" وسوف تتم حملة جديدة ‪ ،‬ما وراء البحر المتوسط لنقاذ الندلس ‪ ،‬التي‬
‫ُيهّددها النهوض الول للمحمديين ‪ ) .‬إشارة للستعمار الغربي للبلد‬
‫العربية ( ‪.‬‬
‫والمكان الذي كان به مسكن إبراهيم في الماضي البعيد ) أي العراق ( سوف‬
‫ُتهاجمه رسل المسيح ) إشارة للعدوان الثلثيني النصراني على العراق ( ‪.‬‬
‫ومدينة ) سيشم ( أي فلسطين ‪ ،‬سوف ُتحيط بها وتهاجمها من كل الجهات ‪،‬‬
‫جيوش غربية قوية جدا ‪ ،‬ستحد من قوة أساطيلهم ‪ .‬وفي هذا الملك سوف‬
‫يحدث حزن عظيم ‪ ،‬تقفر مدنه الكبرى ‪ ) .‬إشارة لستلب فلسطين (‬
‫والذين يعودون إليها ‪ ،‬أولئك الذين سُيمارس ال غضبه ضدهم ) أي اليهود في‬
‫فلسطين ( ‪ ،‬والمكان الُمقّدس لن يؤوي بعد ذلك ‪ ،‬سوى عدد صغير جدا من‬
‫الكفار ) يقصد المسلمين ( ‪ ،‬أوه ! في أي حزن فاجع ‪ ،‬ستكون عندئذ النساء‬
‫الحبالى ‪ ،‬اللواتي ستمنعهن ثمرة أحشائهن من الهرب …‬
‫وخلل كل هذا التقدير الكرونولوجي ) الممتد طوليا عبر الزمن ( ‪ ،‬الُمعاد إلى‬
‫الكتابات المقّدسة ‪ ،‬سيتولد اضطهاد رجال الكنيسة ‪ ،‬من خلل تحالف قادة‬
‫الشمال العسكريين )من قبل دول التحاد السوفييتي السابق ‪ ،‬يأجوج ومأجوج (‬
‫‪ ،‬وهذا الضطهاد سيدوم ‪ 11‬عاما غير مكتملة ‪ ،‬وستسقط خللها الدولة‬
‫الشمالية الرئيسية ) روسيا ( ‪ ،‬بعد أن ُتنجز تلك السنوات من الضطهاد ‪،‬‬
‫سيأتي حليفها الجنوبي ) العرب ( ‪ ،‬الذي سيضطهد رجال الكنيسة على مدى‬
‫ثلثة أعوام وبقسوة أشّد … إلى حّد أن دم رجال الدين الحقيقيين سيسبح في كل‬
‫مكان …‬
‫وللمرة الخيرة أيضا سترتجف كل الممالك المسيحية ‪ ،‬وكذلك ممالك الكفار‬
‫خلل ‪ 25‬عاما ‪ ،‬ستكون الحروب والمعارك أكثر دموية من أي وقت مضى ‪،‬‬
‫وسوف ُتحرق المدن والقصور وكل المباني الخرى ‪ ،‬وسيتم هجرها وتدميرها‬
‫‪ ،‬مع إهراق عظيم لدماء العذارى والمهات والرامل المغتصبات ‪ ،‬والطفال‬
‫طم عظامهم ) وصف لعقاب‬ ‫الُرضع الذين سُيرمى بهم على جدران المدن وتح ّ‬
‫اليهود في فلسطين ( ‪ ،‬الكثير من الشرور سيتم ارتكابها بفعل الشيطان ‪ ،‬المير‬
‫الجهنمي ‪ ،‬بحيث كل العالم الكاثوليكي تقريبا ‪ ،‬سيتعّرض للخراب للبادة ‪،‬‬
‫وقبل أن تتم هذه الحداث ‪ ،‬ستدوي في الفضاء طيور غريبة ) هي الطائرات (‬
‫… ‪ ،‬وستختفي بعد قليل ‪ ،‬بفعل الكارثة النهائية للعالم ) الحرب العالمية النووية‬
‫‪300‬‬
‫الثالثة ( … ومن ثم ستقوم حقبة جديدة ‪ ،‬عهد ذهبي سيأمر به الخالق ‪ .‬وعندئذ‬
‫سيبدأ بين ال والبشر سلم شامل ) زمن عيسى عليه السلم ( … "‬
‫وفي نهاية الفصل )‪ (11‬من الكتاب يخلص المؤلف إلى القول ‪ " :‬كل الشرق‬
‫إذن ‪ ،‬سينتفض من جديد ضد الغرب ‪ ،‬وحبره العظم الخير بطرس الروماني‬
‫) أمريكا ( … "‬
‫ش نجد أن المؤلف من خلل فهمه لمجمل نصوص ) نوستراداموس ( ‪ ،‬يخلص‬
‫إلى أن الشعوب الشرقية بما فيها من إثنيات متنوعة ‪ ،‬ستتحد ضد الغرب في‬
‫مواجهة مصيرية نهائية ‪.‬‬
‫وفي بدايات الفصل )‪ (14‬على لسان المتنبئ ‪:‬‬
‫‪ " 1-9‬من الشرق سيأتي العمل الغادر ‪ .‬الذي سُيصيب إيطاليا وورثة‬
‫رومولوس ‪ .‬بصحبة السطول الليبي ‪ .‬ارتجفوا يا سكان مالطا والجزر القريبة‬
‫المقفرة " ‪.‬‬
‫ش نجد أن المتنبئ يصف انتفاضة الشرق ‪ ،‬بالعمل الغادر ‪ ،‬الذي سيطيح بإيطاليا‬
‫وورثة المبراطورية الرومانية ‪ ،‬ونجده يذكر ليبيا بالسم مؤكدا انضمامها‬
‫للتحالف الشرقي ‪ ،‬مثيرا رعب الغربيين من هذا العمل الغادر ‪.‬‬
‫وفي الفصل ) ‪ ، (27‬يقول المؤلف ‪:‬‬
‫" بمقدار ما نبتعد في المستقبل ‪ ،‬يغدو من الصعوبة بما كان ‪ ،‬أن نربط بين‬
‫الحداث ‪ ،‬التي ستعيشها البشرية في انحدارها القصى ‪ .‬إل أن التكرار‬
‫المتواصل للتاريخ متشابه ‪ ،‬وعلى شبكته الُمتجّددة باستمرار ‪ُ ،‬يمكن أن ُتطّرز‬
‫سلفا المعركة الخيرة والُمخيفة ‪ ،‬التي سيظفر بها الشرق البربري على الغرب‬
‫المسيحي ‪.‬‬
‫ش هنا يلصق المؤلف صفة البربرية بالشرق ‪ ،‬ويؤكد انتصار هذا الشرق‬
‫المتوحش ‪ ،‬على الغرب المسيحي المسالم والمتحضر ‪.‬‬
‫مستفيدين من النقسامات التي سُيثيرها المسيح الدجال ‪ ،‬ومن الضعف‬
‫والفوضى الناتجة عن مذاهبه ‪ ،‬ينجح العرب والسيوّيون والمغول في اجتياح‬
‫أوروبا ‪ ،‬بعضهم عبر إيطاليا وإسبانيا ‪ ،‬كما هي العادة ‪ ،‬والخرون عبر القارة‬
‫والجو ‪ ،‬في حين تنهار فرنسا والكنيسة ‪ ،‬ويتعرض البابا بالذات إلى الغتيال‬
‫وسط الفساد العام ‪ ،‬تظهر ظواهر مرعبة في السماء ‪.‬‬
‫‪301‬‬
‫ش نجد أن المتنبئ ‪ُ ،‬يحّدد في هذا النص ماهية الشعوب الشرقية التي يقصدها ‪،‬‬
‫ويضع العرب على رأس القائمة ‪ ،‬ويؤكد نجاحهم في اجتياح معظم دول أوروبا‬
‫‪ ،‬برا وبحرا وجوا ‪.‬‬
‫في عام الكسوفين الكاملين ‪ ،‬من طرف لخر طرف في العالم القديم ‪ ،‬تحصل‬
‫أمور غريبة ‪ :‬تظلم الشمس ويفقد القمر نوره ‪ ،‬وضجيج البحر والموج ‪،‬‬
‫سيجعل الناس ييبسون رعبا ‪ ،‬لنه سيصل الطوفان التكفيري الجديد ) عودة‬
‫الخلفة السلمية ( ‪ ،‬ليختم فجأة العصر الذي بدأ مع زمن نوح " ‪.‬‬
‫ش في هذا النص ‪ُ ،‬يحّدد المتنبئ فلكيا ‪ ،‬نقطة البداية ‪ ،‬لحداث مسلسل الرعب‬
‫الخير ‪ ،‬الذي يصفه في كتابه ‪ ،‬بكسوف كلي كبير للشمس ) ‪1999‬م ( ‪،‬‬
‫متبوعا بخسوف كلي للقمر ‪.‬‬
‫يؤكد المؤلف على حتمية وقوع مواجهة أخيرة ‪ ،‬بين الغرب والشرق ‪ ،‬وعلى‬
‫حتمية ظفر الشرق بها ‪ ،‬وكنتيجة لهذه المواجهة ‪ ،‬ستنهار فرنسا ) التي كانت‬
‫ُتمثل الدولة الصليبية العظمى آنذاك ‪ ،‬في العصر الذي عاش فيه المتنبئ ‪ ،‬أما‬
‫الن فأمريكا هي الدولة العظمى ‪ ،‬وراعية الحملت الصليبية الجديدة على‬
‫الشرق ( ‪ ،‬وستنهار الكنيسة ) بمعنى انهيار الدين ‪ ،‬بظهور الدين السلمي من‬
‫جديد ( ‪ .‬ويعزو المؤلف نجاح الشرق في غزوه أوروبا ‪ ،‬إلى ما أثاره المسيح‬
‫الدجال ‪ ،‬من ضعف وفوضى وانقسام ‪ ،‬وليس غضبا إلهيا لكفرهم وضللهم ‪،‬‬
‫ورغبة إلهية في إظهار الحق وزهق الباطل ‪ ،‬والحقيقة أن الذي سيتسبب في‬
‫ظهور الضعف والنقسام الوروبي ‪ ،‬بين مؤيد ومعارض هو إسرائيل‬
‫) المسيح الدجال الحقيقي ( ‪ ،‬والشعب اليهودي بشكل عام ‪.‬‬
‫سرو النبوءات التوراتية على شخص مفسد‬ ‫والمسيح الدجال هو لفظ ‪ ،‬يطلقه مف ّ‬
‫ومخّرب ‪ ،‬سيظهر في المكان المقّدس ‪ ،‬معاٍد لليهود وللمسيح وأتباعه ‪ ،‬سيقود‬
‫الشرق في معركته الخيرة مع إسرائيل الغرب ‪ ،‬وينسبون إليه كل ما ُيوصف‬
‫في التوراة من إفساد ‪ ،‬حتى إفساد الدولة اليهودية الحالية الموصوف بالتوراة ‪،‬‬
‫وبذلك أصبح الفساد اليهودي السرائيلي ‪ ،‬الذي حّذرت منه التوراة ووصفته‬
‫بدقة متناهية ‪ ،‬منسوبا إلى شخص المسيح الدجال الذي لم يظهر بعد ‪ ،‬لتكون‬
‫إسرائيل وحلفائها ‪ ،‬بمنأى عن الغضب والعقاب اللهي ‪ ،‬الذي سينسكب على‬
‫الدجال وأتباعه ‪ ،‬وأتباعه هم من العرب والروس والمغول ‪ ،‬حسب اعتقادهم ‪.‬‬
‫وفيما يلي بعض النصوص ‪ ،‬التي استقى منها المؤلف هذه الفكار ‪:‬‬
‫‪302‬‬
‫مشاهد من الحرب العالمية الثالثة ‪:‬‬
‫‪ " 2-70‬سيف السماء يمتد فوق العالم … يجري إعدام عظيم لمن سيموتون‬
‫وهم يتخاطبون "‬
‫‪ " 2-18‬مطر جديد مفاجئ وعنيف … تتساقط من السماء على البحر ‪،‬‬
‫الحجارة والنار … تموت بغتة الجيوش السبعة البرية والبحرية " ‪.‬‬
‫‪ " 2-56‬من لم ينجح الطاعون والسلح في الجهاز عليهم … سُيضربون من‬
‫أعالي السماء ‪" ..‬‬
‫‪ " 2-86‬خلل الغرق الذي سيتم قرب البحر الدرياتيكي … ستهتز الرض‬
‫لُتميت من كانوا يحومون في الهواء … "‬
‫‪ " 3-83‬الجو والسماء والرض سُتظلم وتضطرب … حينئذ سيتضرع الكافر‬
‫ل وقّديسيه "‬
‫أمريكا ‪:‬‬
‫‪ " 9-44‬اهربوا ‪ ،‬اهربوا يا سكان جنيف أجمعين … عهدكم الذهبي سيغدو‬
‫عهدا حديديا … "‬
‫ش هذه الدعوة للهرب من جنيف ‪ ،‬هي في الصل دعوة للهرب من بابل في‬
‫النصوص التوراتية ‪ ،‬ليتبين لنا أن لفظ بابل استخدمه كتبة التوراة ‪ ،‬للتعبير عن‬
‫دولة أو مدينة ذات مال وجمال وسطوة ‪ ،‬ستظهر مستقبل ‪ ،‬كما كانت جنيف‬
‫في عصر نوستراداموس ‪ ،‬الذي لم ُيعاصر العصر الذهبي لمريكا وعاصمتها‬
‫التجارية ) نيويورك ( ‪.‬‬
‫‪ " 1-26‬الصاعقة العظيمة ستسقط في وضح النهار "‬
‫‪ " 1-87‬النار المركزية التي تجعل الرض تهتز … ستتجلى حول المدينة‬
‫الجديدة ) نيويورك ( "‬
‫طس في البحيرة‬ ‫‪ " 10-49‬بستان العالم قرب المدينة الجديدة … سُيؤخذ وُيغ ّ‬
‫الغالية "‬
‫‪ " 6-97‬سماء خط التوازي ‪ ، 45‬ستحترق تقترب النار من المدينة الجديدة‬
‫العظيمة … "‬
‫‪303‬‬
‫بريطانيا وفرنسا وبقية دول أوروبا ‪:‬‬
‫‪ " 9-55‬أية حرب مخيفة ستتهيأ في الغرب … وفي العام التالي سيأتي‬
‫شّبان والعجزة والقطعان … سيكون للدم‬ ‫الطاعون … رهيبا إلى حّد أنه على ال ُ‬
‫والنار سلطة في فرنسا …‬
‫‪ " 4-67‬في العام الذي سيشتعل فيه الزمن والحرب معا … سيكون ثمة مسار‬
‫كبير للمقذوف في الهواء الجاف ) الصواريخ النووية ( … يحترق المكان‬
‫الكبير بنيران آتية من بعيد … يرى الناس القحط والعاصفة ‪ ،‬تحصل حروب‬
‫وغزوات " ‪.‬‬
‫‪ " 8-16‬في روما ‪ ،‬حيث كلي القدرة بنى هيكله … سيكون طوفان كبير‬
‫ومفاجئ … بحيث ما من مكان ‪ ،‬وما من أرض ستسمح باتقائه … ستمر‬
‫المياه من فوق الولمب فيزول " ‪.‬‬
‫‪ " 3-32‬القبر الكبير للشعب البريطاني … سيكون على وشك النفتاح …‬
‫حين تزمجر الحرب قرب حدود ألمانيا … وفي بلد مانتو ) إيطاليا ( " ‪.‬‬
‫‪ " 3-70‬بريطانيا العظمى ‪ ،‬أي إنكلترا … تتعرض لثورة عنيفة ) تغمرها‬
‫المياه ( … " ‪.‬‬
‫‪ " 8-15‬نحو الشمال تعزيزات كبرى من الحشود البشرية ) روسيا ( …‬
‫تضرب أوروبا والعالم أجمع تقريبا … خلل الكسوفين ‪ ،‬تقوم بمطاردة مهمة‬
‫… وتدخل هنغاريا في الحياة والموت " ‪.‬‬
‫خلصة ما يتنبأ به ) نوستراداموس ( ‪ ،‬هو دمار الدول الغربية ) أمريكا‬
‫وبريطانيا وفرنسا ( ‪ ،‬بهجوم صاروخي نووي مفاجئ ‪ ،‬يصفه بكل دقة ) مطر‬
‫جديد مفاجئ وعنيف …( وُيعّرف هذا المطر الجديد ) تتساقط من السماء على‬
‫البحر ‪ ،‬الحجارة والنار ( وُيعّرفه أكثر بقوله ) للمقذوف في الهواء الجاف (‬
‫وُيحّدد مصدره ) بنيران آتية من بعيد ( ويصف تأثيره ) يرى الناس القحط‬
‫والعاصفة ( ويصف ما يعقبه ) سيكون طوفان كبير ومفاجئ ( نتيجة ارتفاع‬
‫خر مياه‬ ‫درجة حرارة الرض ‪ ،‬التي ستعمل على ذوبان الكتل الجليدية ‪ ،‬وتب ّ‬
‫البحار والمحيطات ‪ ،‬ومن ثم لتعود وتسقط على شكل مطر غزير ‪ ،‬مسببة‬
‫طوفانا ‪ ،‬تغرق في مياهه أمريكا وبريطانيا إلى غير رجعة ‪.‬‬

‫‪304‬‬
‫وما يعطي مصداقية ‪ ،‬لنبوءات هذا المتنبئ ‪ ،‬واهتماما منقطع النظير بها لدى‬
‫الغربيين ‪ ،‬هو تحّقق الكثير منها حسب اعتقادهم ‪ ،‬بالرغم من إبهامها‬
‫وعموميتها ‪ ،‬ووصفه الدقيق ‪ -‬قبل )‪ (450‬سنة تقريبا ‪ -‬للسلحة ووسائل‬
‫النقل ‪ ،‬التي استخدمت في الحروب العالمية ‪ ،‬والتي لم تكن موجودة أصل في‬
‫عصره ‪ .‬وهذا مما ُيعّزز مخاوف هؤلء من صدق نبوءاته ‪ ،‬بشأن دمار‬
‫الحضارة الغربية برمتها ‪ ،‬من قبل الشرقيين ‪ ،‬كما ُيعلن عن ذلك بصراحة ‪.‬‬
‫من خلل هذه النصوص والنصوص التوراتية الصلية ‪ ،‬تبين للكثير من‬
‫الباحثين المريكيين والبريطانيين والفرنسيين ‪ ،‬المشغولين بنبوءات‬
‫) نوستراداموس ( ‪ ،‬أن المقصود بالمدينة الجديدة ‪ ،‬التي سيلحقها الدمار‬
‫والخراب ‪ ،‬هي ) نيويورك ( بشكل خاص ‪ ،‬وأمريكا بشكل عام ‪ .‬وخوفا من‬
‫صدق هذه النبوءات المرعبة ‪ُ ،‬تجهد أمريكا نفسها – بقيادة الحزب الجمهوري‬
‫ث الخطى ‪ ،‬سعيا لمتلك الدرع النووي المضاد ‪،‬‬ ‫التوراتي النجيلي ‪ -‬وتح ّ‬
‫للنبوءات التوراتية بصواريخها النووية الروسية والصينية ‪ ،‬ل الصواريخ‬
‫النووية العراقية أو اليرانية أو الكورية الشمالية كما تّدعي ‪.‬‬
‫في تقرير لوكالة ) أ ف ب ( من واشنطن ‪ ،‬نقل عن صحيفة الدستور‬
‫الردنية ‪ ،‬الصادرة بتاريخ ‪2001 - 7 - 12‬م ‪ ،‬جاء ما نصه ‪ " :‬أعلنت وزارة‬
‫الدفاع المريكية أمس ‪ ،‬تسريع برنامجها للدرع المضاد للصواريخ ‪ ،‬الذي قد‬
‫يصطدم بالقيود التي تفرضها معاهدة ) إيه بي أم ( ‪ " :‬وذلك في غضون بضعة‬
‫أشهر عوضا عن بضع سنين " ‪ .‬وصّرح مساعد وزير الدفاع المريكي ) بول‬
‫فولفوفيتس ( في كلمة أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ ‪ " :‬لقد‬
‫بدأنا متأخرين سباقا ضد الزمن " ‪ .‬وبحسب المسؤول المريكي ‪ ،‬فإن عمليات‬
‫التجارب وتطوير نظام الدرع المضاد للصواريخ ‪ ،‬سيصطدم بل شك ‪ ،‬بقيود‬
‫نصت عليها معاهدة ) إيه بي أم ( ‪ ،‬وأشار إلى " أن هناك فرصا عديدة ليتم‬
‫ذلك في غضون بضعة أشهر بدل من بضع سنين " ‪ ،‬وأكد أنه " ينبغي أن‬
‫نتجاوز قيودا تفرضها علينا معاهدة ) إيه بي أم ( ‪ ،‬وقال أن الوليات المتحدة ‪،‬‬
‫ستحاول العمل على إبرام اتفاق مع روسيا ‪ ،‬يتضّمن ترتيبات جديدة ‪ ،‬بهدف‬
‫تجاوز معاهدة ) إيه بي أم ( ‪ ،‬وأشار مع ذلك إلى أنه ‪ " :‬سيكون من الصعب‬
‫ضل التوصل‬ ‫التأكد من تأمين ذلك خلل السنة المقبلة " ‪ .‬وأضاف ‪ " :‬كنا ُنف ّ‬
‫لذلك من خلل التعاون ) مع روسيا ( ‪ ،‬ول نزال متفائلين بأن مثل هذا الخيار‬
‫أمر ممكن " ‪ .‬وذكرت صحيفة واشنطن بوست ( في عددها أمس أن وزارة‬
‫‪305‬‬
‫الخارجية ‪ ،‬أن وزارة الخارجية المريكية أمرت السبوع الماضي ‪ ،‬سفارات‬
‫الوليات المتحدة في العالم ‪ ،‬باطلع الحكومات الجنبية ‪ ،‬على النية‬
‫المريكية ‪ ،‬بتطوير مشروع الدرع المضادة للصواريخ " انتهى ‪.‬‬
‫لماذا بدءوا هذا السباق المحموم مع الزمن لنتاج هذا الدرع ؟‬
‫الذريعة المريكية بتخّوفها من مهاجمتها بصواريخ باليستية ‪ ،‬من قبل العراق‬
‫وإيران وكوريا الشمالية ‪ ،‬غير مقنعة لكل دول العالم ‪ ،‬وحتى حلفاء أمريكا من‬
‫الوروبيين ‪ ،‬أما السباب الحقيقية لنتاج هذا الدرع ‪ ،‬فمرّدها هو مخاوف‬
‫توراتية وإنجيلية بحتة ‪ ،‬وهي على أربعة احتمالت ‪:‬‬
‫‪ .1‬وقاية نفسها من أي هجوم روسي ‪ ،‬أثناء المواجهة القادمة بين الشرق‬
‫والغرب ‪ ،‬فيما لو فكرت روسيا ببدء هجوم مباغت ‪ ،‬بعد تحالفها مع الدول‬
‫العربية والسلمية ‪ ،‬وهو الحتمال الضعف ‪.‬‬
‫‪ .2‬التفكير بالمبادرة بالهجوم على روسيا ‪ ،‬استعجال للمواجهة الحتمية التي‬
‫جه‬
‫فرضتها عليهم النبوءات ‪ ،‬فكسب المعركة سيكون من نصيب ‪ ،‬من ُيو ّ‬
‫شرين‬ ‫الضربة الولى للطرف الخر ‪ ،‬وقد يكون استجابة لدعوات الُمب ّ‬
‫النجيلين ‪ ،‬استعجال للمجيء الثاني للمسيح ‪.‬‬
‫‪ .3‬تنفيذ نواياها المعلنة اتجاه العراق ‪ ،‬بالقيام بعمل إجرامي جديد ‪ُ ،‬يريح‬
‫أعصاب اليهود في الشرق والغرب إلى البد ‪ ،‬من خطر زوال إسرائيل‬
‫على أيدي العراقيين ‪ ،‬بشن حرب أو بتوجيه ضربة نووية واسعة النطاق أو‬
‫محدودة ‪ ،‬وهو الحتمال القوى ‪.‬‬
‫‪ .4‬منع إمكانية ظهور ذلك القائد المسلم ‪ ،‬الذي سيتسبب في دمار الحضارة‬
‫الغربية ‪ ،‬بضرب بؤر القيادات السلمية الحالية ‪.‬‬
‫وعلى ما يبدو أن صفة الستعجال ‪ ،‬جاءت من فهم حاخامات اليهود للنصوص‬
‫النبوية ‪ ،‬ومعرفتهم من خلل الشارات الفلكية ‪ ،‬والحسابات الموجودة في‬
‫التوراة ‪ ،‬بقرب تحقق هذه الحداث على أرض الواقع ‪.‬‬
‫العدوان على العراق ‪:‬‬
‫‪ " 10-86‬سيأتي ملك أوروبا مثل غريفون … ُترافقه جماعة الشمال …‬
‫سيقود حشدا كبيرا من الحمر والبيض … ويسيرون ضد ملك بابل " ‪.‬‬
‫‪306‬‬
‫‪ " 1-55‬في ظل المناخ الذي سيواجه بابل … سيكون الدم المراق غزيرا …‬
‫والرض والبحر والجو والسماء جائرات … بفعل البدع والمجاعة‬
‫والحكومات والطاعون والفوضى " ‪.‬‬
‫خروج المهدي من مكة ‪ ،‬وحتمية ظهور الدين السلمي من جديد ‪:‬‬
‫ض مضاجعهم ‪ ،‬وهو‬ ‫وهو المر الذي ُيرعب نصارى ويهود الغرب ويق ّ‬
‫المبّرر الوحيد لحربهم الشعواء ‪ ،‬التي يشّنوها ضد السلم ومن ُيمّثله ‪ ،‬دون‬
‫كلل أو ملل ‪ ،‬بدفع من أحبار اليهود وكهنتهم ‪ ،‬في كواليس ودهاليز السياسة‬
‫الغربية ‪ ،‬كما كانوا ُيزّينون لكفار قريش سوء أفعالهم ‪ ،‬في كواليس ودهاليز‬
‫السياسة في مكة ‪ ،‬خوفا من ظهور أمر الدولة المحمدية الولى ‪ ،‬وكنا قد أشرنا‬
‫سابقا إلى بعض النصوص التوراتية الصلية ‪ ،‬التي استطاع ) نوستراداموس (‬
‫من خللها التنبؤ بهذا المر بنصوص صريحة ل ُلبس فيها ‪:‬‬
‫‪ " 5-55‬من الجزيرة العربية السعيدة … سيولد قائد مسلم كبير … يهزم‬
‫إسبانيا ويحتل غرناطة … يصد المسلمون الصليب … يخون البلد واحد من‬
‫قرطبة " ‪.‬‬
‫‪ " 5-25‬أمام المير العربي ‪ ،‬بعد الحرب الملكية الفرنسية … تسقط مملكة‬
‫الكنيسة في البحر … يأتون من جهة فارس مليونا … حين يستولي الشيطان‬
‫على مصر واستنبول ‪.‬‬
‫‪ " 2-29‬سُيغادر الشرقي مقّره … يجتاز جبال البينين ويدخل فرنسا … يعبر‬
‫الثلوج الخالدة ) جبال اللب ( … ويضرب كل واحد بعصاه " ‪.‬‬
‫‪ " 9-100‬سيجري كسب المعركة البحرية ليل … يكون ذلك خراب الغرب‬
‫… سيكون ثمة ميثاق أحمر ‪ ،‬تتلطخ الكنيسة بالدم … يشهد المهزوم إفلت‬
‫النصر منه ويستشيط غضبا " ‪.‬‬
‫‪ " 2-93‬قريبا من نهر التيبر ‪ُ ،‬تهّدد آلهة الموت … بعد فيضان عظيم بقليل‬
‫… يقع البابا في السر … يحرقون القصر والفاتيكان " ‪.‬‬
‫ش إذن يعلم الغربيون يهودا ونصارى ‪ ،‬مما جاء في كتبهم ‪ ،‬أن هناك قائد مسلم‬
‫كبير ‪ ،‬هو نفس المير العربي والشرقي ‪ ،‬الذي سيولد في الجزيرة العربية ‪،‬‬
‫وأن هذا القائد سينتصر في حروبه ‪ ،‬موحدا بذلك جميع دول العالم السلمي ‪،‬‬
‫ومن ثم سيجتاح أوروبا كاملة ‪ ،‬بجيوشه الجرارة البالغة في نص ) ‪( 1‬‬
‫‪307‬‬
‫مليون ‪ ،‬وفي نص آخر ) ‪ ( 200‬مليون مقاتل ‪ ،‬مسببا سقوط الحضارة‬
‫المسيحية اليهودية واندثارها ‪ .‬لذلك تجد الغرب يسعى حثيثا ‪ ،‬لوأد أية بادرة‬
‫تلوح في الفق ‪ ،‬لحياء الخلفة السلمية ‪.‬‬
‫الصحوة السلمية ‪:‬‬
‫يقول مؤلف الكتاب ‪ :‬إذا كانت أوروبا ‪ ،‬وفرنسا بوجه خاص ‪ ،‬بقيت بمنأى عن‬
‫أي غزو من جانب العالم العربي ‪ ،‬منذ أيام ) شارلمان ( ‪ ،‬فالحرب الكبرى‬
‫ستشهد عودتهم المؤذية ‪ ،‬هذا ما سماه ) نوستراداموس ( في الرسالة إلى هنري‬
‫الثاني ‪ " ،‬العودة المحمدية الولى " ‪ .‬حيث يقول ) نوستراداموس ( ‪:‬‬
‫‪ " 3-4‬حين سيقترب تمّرد المسلمين ‪ ،‬لن نكون بعيدين جدا عن هذا وذاك …‬
‫البرد والقحط والخطر على الحدود … حتى حيث بدأ الوحي اللهي " ‪.‬‬
‫‪ … " 4-39‬لن إمبراطورية الهلل ستخرج من سباتها … "‬
‫‪ " 6-42‬سيجري التخلي عن السلطة للكلم الفتان … لمبراطورية الهلل‬
‫التي ستفرض نفسها … وتمّد رايتها إلى ما فوق اليطاليين … ستكون في يد‬
‫شخص يتظاهر بالحكمة " ‪.‬‬
‫‪ " 5-73‬سيتم اضطهاد كنيسة ال … وتصادر البنية الدينية … سُيعري الولد‬
‫أمه … وسيتفق العرب مع البولنديين " ‪.‬‬
‫‪ " 10-33‬الجماعة القاسية ذات الرداء الطويل ) المسلمون ( … ستأتي مخبئة‬
‫خناجرها … يستولي قائدها على فلورنسا ومكان اللهبة المزدوجة ) روما (‬
‫… قائما بفتحه مع القتلة والحالمين " ‪.‬‬
‫ش تؤكد هذه النصوص ‪ ،‬أن المة السلمية ستنهض من سباتها ‪ ،‬وستفرض‬
‫نفسها كدولة عظمى ‪ ،‬وعلى مساحة واسعة من الرض ‪ ،‬تشمل أجزاء من‬
‫أوروبا الغربية ‪ ،‬وُيخبر ) نوستراداموس ( بخبث ودهاء يهوديين ‪ ،‬بأنهم أي‬
‫المسلمون الغادرون القساة القتلة ‪ ،‬سيضطهدون كنيسة ال ‪ ،‬ويستولون على‬
‫إيطاليا كلها ‪ .‬وهذه إحدى الصور التي شكلتها النبوءات التوراتية والنجيلية ‪،‬‬
‫عن السلم والمسلمين بشكل عام ‪ ،‬وبدون استثناء لي عربي أو مسلم ‪ ،‬حتى‬
‫صر ‪ .‬وهذه الصور أجاد في تشويهها والتخويف منها ‪ ،‬والتحريض على‬ ‫لو تن ّ‬
‫سرو هذه النبوءات قديما وحديثا ‪ ،‬حتى أصبحت من المسلمات‬ ‫محاربتها ‪ ،‬مف ّ‬
‫العقدية لدى عامة الغربيين ‪ ،‬فل عجب ول غرابة ‪ ،‬من حمل الغربيين لهذا‬
‫‪308‬‬
‫سرو‬
‫العداء العقائدي المزمن للعرب والمسلمين ‪ ،‬فهذا ما ُيخبرونهم به مف ّ‬
‫الكتاب المقدس ‪ ،‬الذي ل يأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه ‪ ،‬حسب‬
‫اعتقادهم ‪.‬‬
‫نزول عيسى عليه السلم وتسّلمه لمقاليد الحكم ‪:‬‬
‫‪ " 4-77‬إمبراطورية الهلل ) المسلمون ( ‪ ،‬وإيطاليا المسالمة ) النصارى (‬
‫حكمان ‪ ،‬على يد ملك العالم المسيحي ) المسيح عليه السلم (‬ ‫… يتحّد فيهما ال ُ‬
‫…"‪.‬‬
‫ش هذا النص ‪ ،‬يؤكد عملية تسّلم عيسى عليه السلم للحكم من المهدي ‪ ،‬أما‬
‫النصارى فليس لديهم استعداد ‪ ،‬لطرح أي تساؤل عن سبب اتحاد المسلمين‬
‫) الكفار غير المؤمنين بألوهية المسيح ( والنصارى ؟ ولماذا يتنازل خليفة‬
‫المسلمين ‪ ،‬عن مقاليد الحكم للمسيح عليه السلم ‪ ،‬بعد أن يكون قد فرض‬
‫سيطرته على العالم بأسره ؟ ولماذا ل يصلبه المسلمون ‪ ،‬وهم المتوحشون‬
‫والغادرون والقتلة والقساة والرهابيون ‪ ،‬كما صلبه اليهود المساكين‬
‫الضعفاء ؟‬
‫نحن نعلم أن الناس قديما وحديثا ‪ ،‬كانوا وما زالوا ‪ ،‬يلجئون للعرافين والكهان ‪،‬‬
‫لكشف الطالع ومعرفة أنباء الغيب ‪ ،‬كل حسب مآربه وغاياته ‪ ،‬ومنها الفضول‬
‫وحب المعرفة ‪ ،‬ومنهم العوام وأكثرهم الملوك والرؤساء ‪ ،‬ول غرابة عندما‬
‫أقرأ يوما ‪ ،‬أن زوجة أحد رؤساء أمريكا المعاصرين ‪ ،‬وأظنه بوش الب كانت‬
‫تلجأ إليهم ‪.‬‬
‫إن أخطر ما فعلته هذه الكتب ‪ ،‬هو أنها خلقت لدى نصارى الغرب ‪ ،‬عقائد‬
‫جديدة مرتبكة ومشوهة ‪ ،‬فيما يتعّلق بشكل خاص بالمسلمين والعرب ‪،‬‬
‫ودورهم القادم في دمار الحضارة الغربية المسيحية ‪ ،‬التي صنعتها اليهودية‬
‫العالمية ‪ ،‬حتى أنستهم تعاليم المسيح نفسه ‪ ،‬التي ما زالت تدعوا إلى التسامح‬
‫والتعايش السلمي ‪ ،‬بالرغم من إعادة صيغتها من قبل اليهوديين بولس وبطرس‬
‫‪ .‬مما خلق لديهم حالة من الرعب والقلق ‪ ،‬من كل ما هو إسلمي وعربي ‪،‬‬
‫بمساعدة حثيثة من خبثاء اليهود ‪ ،‬الذين يؤمنون بأن استمرارية وجودهم‬
‫وبقائهم ‪ ،‬ونجاح مخططاتهم الشيطانية ‪ ،‬تعتمد في الساس على القضاء على‬
‫الديان ‪ ،‬التي ُيحاربهم ال بها ‪ ،‬ويعلمون أن ألّد أعدائهم هو القرآن العظيم ‪،‬‬
‫‪309‬‬
‫الذي ل بد له في يوم من اليام ‪ ،‬إن بقي المر على حاله ‪ ،‬ولم يتم مسحه من‬
‫قلوب وعقول حملته ‪ ،‬ومسخ تعاليمه وتشويها كما شّوه آباءهم وأجدادهم‬
‫التوراة والنجيل ‪ ،‬سيبعث فيهم الحياة من جديد ‪.‬‬
‫الحرب الشاملة ‪2006‬‬
‫هو عنوان لكتاب صدر في بريطانيا ‪ ،‬عام ‪1999‬م ‪ ،‬وعنوانه بالنجليزية هو )‬
‫‪ ، ( Total War 2006‬للكاتب البريطاني ) سيمون بيرسون ( ‪ ،‬الذي شغل‬
‫منصب ‪ ،‬مساعد رئيس أركان الحرب البريطاني لشؤون السياسة ‪ ،‬وهذا‬
‫الكتاب واحد من آلف الكتب والبحاث ‪ ،‬التي كادت أن ُتصيب كبد الحقيقة ‪،‬‬
‫لول تضليل مؤلفي نصوص التوراة ‪ ،‬بتحريف الكلم عن مواضعه ‪ ،‬وتضليل‬
‫الواقع ‪ ،‬مما أدى إلى الخلط بين الحداث ‪ ،‬من حيث شخوصها وزمانها‬
‫ومكانها ‪.‬‬
‫* من مقال للكاتب محمد عارف ‪ ،‬من صحيفة الحياة اللندنية ‪ ،‬في النصف‬
‫الثاني من عام ‪1999‬م ‪.‬‬
‫" كل فصل من فصول الكتاب تقريبا ‪ُ ،‬يستهل بقول للنبي ارميا ‪ ،‬ويسته ّ‬
‫ل‬
‫الفصل الخير منه ‪ ،‬بأربع فقرات من سفر ارميا ‪ ،‬أخفها وقعًا ‪ " :‬أرضهم‬
‫أضحت قفرا يبابا ‪ ،‬شارة للزدراء السرمدي ‪ ،‬ويُهّز كل عابر فيها رأسه فزعا‬
‫" ‪ .‬هذا ما سُتخّلفه الحرب الشاملة عام ‪ ، 2006‬بين التحالف السلمي العظيم‬
‫وروسيا من جانب ‪ ،‬والوليات المتحّدة من جانب آخر ‪ ،‬حيث تبدأ الحداث‬
‫بنشوب حرب البلقان ُمجّددا عام ‪ ، 2002‬واندلع الحرب الكورية الثانية ‪،‬‬
‫حدها عام ‪ ، 2004‬تحت راية‬ ‫وثورات إسلمية تكتسح البلدان العربية ‪ ،‬وتو ّ‬
‫صلح دين جديد ‪ ،‬نصفه كردي ونصفه الخر ألماني ‪.‬‬
‫ويبلغ الباحث الستراتيجي البريطاني الذروة ‪ ،‬عندما يتوقع الحداث‬
‫السياسية ‪ ،‬التي ستشمل قيام مملكة فلسطين السلمية ‪ ،‬وتضم الردن ويقودها‬
‫العاهل الردني ‪ ،‬وثورة جديدة في روسيا ‪ ،‬تأتي بحكومة عسكرية ‪ُ ،‬يسيطر‬
‫عليها صلح الدين ‪ ،‬من مقّره في مدينة قم اليرانية ‪ ،‬وانتفاضات ُمتعاطفة مع‬
‫شّنها متطرفون في مدن فرنسا وإيطاليا وبريطانيا ‪ .‬ول‬ ‫الحلف السلمي ‪ ،‬ي ُ‬
‫يخلو الكتاب ‪ ،‬من صور فوتوغرافية لحرب عام ‪ ، 2006‬بينها صورة لخر‬
‫البطال السرائيليين الحياء ‪ ،‬يقف تحت ُملصق جداري لحركة حماس ‪.‬‬
‫‪310‬‬
‫وعندما ُتقّرر السيدة رئيسة الوليات المتحّدة المريكية ‪ ،‬اللجوء إلى السلح‬
‫النووي الشامل ‪ ،‬تجد أن صلح الدين ‪ ،‬استبق تفكيرها مرة أخرى ‪ ،‬إّنه انفجار‬
‫السلح الكهرومغناطيسي ‪ ،‬الذي طّوره ألمع " علماء المسلمين " ‪ ،‬لُيضيء‬
‫السماء ليل على امتداد المسافة ‪ ،‬من قبرص والسكندرية ‪ ،‬حتى حدود الردن‬
‫والحدود السورية العراقية ‪ ،‬حيث ُيطلق هذا السلح السلمي ‪ ،‬نبضا إلكترونيا‬
‫جبارا ينفذ من خلل كل شيء معدني ‪ ،‬في البنايات والجهزة والعربات‬
‫والدبابات والسلحة ‪ ،‬وتكمن قوته في قدرته على تدمير ‪ ،‬الدارات الكهربائية‬
‫المستخدمة في كل شيء ‪ ،‬من الترانزيستور والكمبيوتر والتلفزيون ‪ ،‬إلى‬
‫أجهزة الهاتف والتصالت ‪ ،‬وأنظمة المصانع والمختبرات ‪ ،‬وحتى الطائرات‬
‫جهة ‪ .‬خلل لحظة تحّولت دولة‬ ‫والقمار الصطناعية والصواريخ المو ّ‬
‫التكنولوجيا الرفيعة ) إسرائيل ( ‪ ،‬إلى مجتمع العصر الحجري ‪ ،‬من دون‬
‫معدات حرارة وإنارة وضخ مياه ونقل ‪ُ ،‬محاطة بجبل من الدوات المعدنية‬
‫واللكترونية ‪ ،‬لعصر أصبح فجأة غابرا " ‪.‬‬
‫ن الحرب النووية الشاملة ‪ُ ،‬يجيبها صلح‬ ‫وعندما ُتهّدد الرئيسة المريكية ‪ ،‬بش ّ‬
‫سّكانها قد‬
‫الدين ‪ " :‬بأن كّل شيء قد انتهى ‪ ،‬إسرائيل انتهت كشعب ‪ ،‬معظم ُ‬
‫ماتوا ‪ ،‬مخزونها النووي قد ُدّمر ‪ ،‬ولن يشكر التاريخ الرئيسة ‪ ،‬لتسّببها في‬
‫قتل مئات اللوف ‪ ،‬وربما المليين لجل بلد خاٍو " ‪ .‬كما ويبدي صلح الدين‬
‫استعداده ‪ ،‬في حال تراجع قوات حلف الناتو ‪ ،‬التي تستعد للتحرك ضّده من‬
‫تركيا ‪ ،‬لوقف العمليات العسكرية ‪ ،‬لمشاهدة إسرائيل وهي تموت " ‪.‬‬
‫تعقيب على الكتاب ‪:‬‬
‫الملفت للنظر أن كثير من الباحثين ‪ ،‬في نصوص النبوءات التوراتية والنجيلية‬
‫‪ ،‬هم ممن يشغلون مراكز حساسة ومرموقة ‪ ،‬في السلك السياسي والعسكري‬
‫والديني ‪ ،‬وهذا الكاتب هو أحدهم ‪ ،‬ول ُيعقل أل تتأثر القرارات السياسية‬
‫والعسكرية لهؤلء ‪ ،‬بما يحملونه من أفكار ومعتقدات ‪ُ ،‬تشّكل خطرا على‬
‫المن والستقرار العالمي ‪ ،‬ول ُيعقل أل تؤثر أفكارهم ومعتقداتهم في قرارات‬
‫رؤساء دولهم ‪ ،‬هذا إن لم يكن رؤساء الدول أنفسهم ) كريغان وبوش ( يحملون‬
‫هذه الفكار والمعتقدات ‪.‬‬

‫‪311‬‬
‫ش تفصيل الحداث بشخوصها ومكانها وزمانها ‪ ،‬سنعرضه لحقا في الفصول‬
‫حح بعضا من‬ ‫الخيرة ‪ ،‬ولكن سنتوقف قليل مع هذا الكتاب ‪ ،‬لنوضح ونص ّ‬
‫أحداثه وشخوصه ‪:‬‬
‫‪ .1‬صلح الدين الجديد ش كناية عن القائد الذي سُينهي الوجود اليهودي في‬
‫فلسطين ‪.‬‬
‫‪ .2‬مملكة فلسطين السلمية ش كناية عن الخلفة السلمية في القدس ‪.‬‬
‫‪ .3‬العاهل الردني ش كناية عن ملك القدس المنتظر ‪ ،‬أي المهدي الذي يعود‬
‫بنسبه ‪ ،‬إلى الرسول عليه الصلة والسلم ‪.‬‬
‫‪ .4‬ثورات إسلمية تكتسح البلدان العربية ش حروب المهدي لتوحيد البلدان‬
‫العربية والسلمية ‪.‬‬
‫‪ .5‬السلح الكهرومغناطيسي ‪ ،‬لُيضيء السماء ليل ش شريعة السلم التي‬
‫ستبعث من جديد بخلفة المهدي ‪.‬‬
‫‪ .6‬من قبرص والسكندرية ‪ ،‬حتى حدود الردن والحدود السورية العراقية ش‬
‫امتداد الدولة السلمية ‪.‬‬
‫‪ .7‬إنتاج السلح الكهرومغناطيسي ش ربما تكون صحيحة ‪ ،‬ولكن من الرجح‬
‫أنها فكرة ابتدعها الكتاب ‪ ،‬لتفسير النتصار المقبل للعرب على إسرائيل‬
‫وتدميرها ‪ ،‬رغم امتلكها للتكنولوجيا العسكرية ‪ ،‬وأسلحة الدمار الشامل ‪،‬‬
‫وتحالفها مع الغرب ‪ ،‬حسب رأيه ‪ .‬والحقيقة أن فلسطين لن يتم تدميرها ‪،‬‬
‫لتصبح قفرا ل تصلح للسكن للبد ‪ ،‬كما ُتخبر النصوص التوراتية ‪.‬‬
‫‪ .8‬الدمار الموصوف ‪ -‬هو دمار لمريكا ل فلسطين ‪ ،‬أما فلسطين فسيتم‬
‫استعادتها بدون تدمير ‪ ،‬وهي التي ستكون أكثر البلدان ‪ ،‬أمانا وطمأنينة‬
‫خلل الحداث القادمة ‪ ،‬وستكون بمنأى ‪ ،‬عن ضربات أسلحة الدمار‬
‫الشامل ‪ ،‬بإذن ال ‪ ،‬حيث ُقسم لها بعد تلك الحداث ‪ ،‬أن تكون عاصمة‬
‫الخلفة السلمية ‪.‬‬
‫حقيقة ما وقع فيه هذا الكاتب ‪ ،‬أنه قام ببناء هرم نبوءاته على أساس ‪ ،‬صحة‬
‫النصوص التوراتية ‪ ،‬إذ أنه ل يعلم أن كتبة التوراة ‪ ،‬قاموا ببعثرة وجمع ‪،‬‬
‫ن‬
‫ثلثة أخبار نبوية ‪ ،‬متباعدة ومتتابعة ‪ ،‬في نصوص مرتبكة ومضطربة ‪ ،‬ليظ ّ‬
‫الكاتب أنها تحكي حدثا نبويا واحدا ‪ .‬وهذه الخبار النبوية الثلثة بالترتيب‬
‫‪312‬‬
‫هي ؛ أول ‪ :‬الغزو العراقي لسرائيل ‪ ،‬وثانيا ‪ :‬تحالف الروس والعرب ضد‬
‫الغرب في الحرب العالمية الثالثة ‪ ،‬بعد سقوط الدولة اليهودية ‪ ،‬وثالثا ‪ :‬خروج‬
‫المهدي من مكة ‪ ،‬واتخاذ القدس عاصمة لخلفته الممتدة ‪ ،‬من النيل إلى الفرات‬
‫‪ ،‬ومن تركيا إلى اليمن ‪.‬‬
‫ولحظ هنا ‪ ،‬أن مؤلف هذا الكتاب ‪ ،‬كان قد شغل منصب ‪ ،‬مساعد رئيس‬
‫أركان الحرب البريطاني ‪ ،‬ولشؤون السياسة أيضا ‪ ،‬ونحن هنا ل نطرح‬
‫تكهنات أو تخّرصات ‪ ،‬حول معتقداتهم بالنسبة لنا كمسلمين وعرب ‪ ،‬فهذا ما‬
‫يعتقدون ويؤمنون به ‪ ،‬ويطرحونه في كتبهم ‪ ،‬والتي هي من أكثر الكتب مبيعا‬
‫في بلدانهم ‪ ،‬وأن هذا المؤلف وغيره الكثير ‪ ،‬من الذين يحملون هذه الفكار ‪،‬‬
‫كانوا في المس القريب جدا ‪ ،‬يشتركون في صنع القرارات الخاصة‬
‫ك أنك‬‫بالمنطقة ‪ ،‬ولو اطلعت على غزارة إنتاجهم في هذا المجال ‪ ،‬ل ش ّ‬
‫ستصاب بالذهول ‪ ،‬مما يطرحونه من أفكار وقناعات جنونية ومرعبة ‪،‬‬
‫ُيقّدمونها لشعوبهم على أنها مسلمات ‪ ،‬وستصاب بالذهول لغفلة أمتنا عما‬
‫يحملونه من عقائد وقناعات ‪ ،‬وما يقترفونه بناءً عليها من سياسات ‪ُ ،‬يحيكونها‬
‫تحت ستر الظلم ‪ ،‬في كواليس السياسة الغربية ‪ ،‬وينفذونها على أرض واقع‬
‫أمتنا ‪ ،‬ونشاركهم نحن أيضا في تنفيذها ‪ ،‬بعد أن ُيقّدموها لنا ‪ ،‬في غلف من‬
‫ورق السولفان الملون ‪ ،‬الذي يكشف من خلل شفافيته وسخافته ‪ ،‬حقيقة‬
‫أهدافهم البشعة ‪ ،‬والمشبعة بالحقد على أمة القرآن ‪ ،‬التي تخّلت عنه طوعا ل‬
‫كرها ‪ ،‬منذ أمد ليس بالقصير ‪ ،‬ولكن ذلك ل ولن يرضيهم ‪ ،‬حتى ُيحّققوا كامل‬
‫أحلمهم وأمانيهم ‪ ،‬وُيتخّلصوا من كامل مخاوفهم وهواجسهم ‪ ،‬التي لن تزول ‪،‬‬
‫إل بزوال هذه المة عن وجه الرض ‪ ،‬التي وعدها ربها بالبقاء حتى تقوم‬
‫الساعة ‪ ،‬ولذلك عاجل أم آجل ‪ ،‬ستقودهم أوهامهم وهواجسهم ‪ ،‬إلى تدمير‬
‫أنفسهم ‪ ،‬بكسب مزيد من العداء والحقاد ‪ ،‬من جراء تخبطهم العمى ‪،‬‬
‫وسيرحلوا قريبا جدا ‪ ،‬إلى غير رجعة ‪ ،‬وسيرث الصالحون من هذه المة‬
‫عَباِدِه‬
‫ن ِ‬‫شاُء ِم ْ‬
‫ن َي َ‬
‫ل ُيوِرُثَها َم ْ‬
‫ض ِّ‬
‫ن الَْْر َ‬
‫الرض بأسرها ‪ ،‬بإذن ال ‪ِ … ) ،‬إ ّ‬
‫ن )‪ 128‬العراف ( ‪.‬‬ ‫َواْلَعاِقَبُة ِلْلُمّتِقي َ‬

‫قال تعالى‬

‫‪313‬‬
‫ن ُهَدى الِّ‬ ‫حّتى َتّتِبَع ِمّلَتُهْم ‪ُ ،‬قْل ِإ ّ‬
‫صاَرى ‪َ ،‬‬ ‫ك اْلَيُهوُد َوَل الّن َ‬ ‫عْن َ‬
‫ضى َ‬ ‫ن َتْر َ‬
‫) َوَل ْ‬
‫ن ا ِّ‬
‫ل‬ ‫ك ِم َ‬
‫ن اْلِعْلِم ‪َ ،‬ما لَ َ‬
‫ك ِم َ‬ ‫جاَء َ‬ ‫ت َأْهَواَءُهْم ‪َ ،‬بْعَد اّلِذي َ‬
‫ن اّتَبْع َ‬
‫ُهَو اْلُهَدى ‪َ ،‬وَلِئ ِ‬
‫صيٍر )‪(120‬‬ ‫ي َوَل َن ِ‬
‫ن َوِل ّ‬‫ِم ْ‬
‫) البقرة (‬

‫‪314‬‬
‫السياسة المريكية ونبوءات التوراة والنجيل‬

‫ستناول في هذا الفصل ‪ ،‬مسألة تأثير نبوءات التوراة والنجيل ‪ ،‬على القرارات‬
‫السياسة المريكية ‪ ،‬وخاصة ما يتعلق بمنطقة الشرق الوسط ‪ ،‬لنفهم أبجديات‬
‫هذه السياسة المنحازة لسرائيل ‪ ،‬والمعادية للعرب والمسلمين بشكل عام ‪،‬‬
‫والتي اجتهد الكثير من المحللين في تفسيرها وتحليل دوافعها ‪ .‬وخير من‬
‫تعّرض لهذه المسألة ‪ ،‬وأفاض في بحثها هي الكاتبة المريكية ) غريس‬
‫هالسل ( في كتاب ) النبوءة والسياسة ( ‪ ،‬وهو من منشورات ) الناشر‬
‫للطباعة ( ‪ ،‬ط ‪1990 3‬م ‪ ،‬ترجمة محمد السّماك ‪.‬‬
‫ملخص مقّدمة المترجم ) بتصرف ( ‪:‬‬
‫يمثل العالم العربي موقعا متميزا وفريدا من نوعه ‪ ،‬في عملية صنع القرار‬
‫السياسي المريكي ‪ ،‬فبالضافة إلى أهمية موقعه الجغرافي ‪ ،‬وكونه سوقا‬
‫تجارية استهلكية ‪ ،‬ويملك أكبر احتياطي من النفط ‪ ،‬فإن هناك عامل آخر ‪،‬‬
‫يتقدم على كل هذه العوامل ‪ ،‬وهو تأثير الفكر المسيحي الديني ‪ ،‬على صياغة‬
‫القرار المريكي ‪ ،‬المتعلق بالصراع العربي السرائيلي ‪ .‬حيث نشأ في نهاية‬
‫القرن التاسع عشر ‪ ،‬وبداية القرن الماضي ‪ ،‬ما يسمى بالصهيونية المسيحية‬
‫النجيلية القائمة على اعتناق ثلثة مبادئ ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬اليمان بعودة المسيح ‪،‬‬
‫ثانيا ‪ :‬أن عودته مشروطة بقيام دولة إسرائيل ‪،‬‬
‫ثالثا ‪ :‬وبالتالي تجّمع اليهود في فلسطين ‪.‬‬
‫وقد لعب هذا المر دورا أساسيا ‪ ،‬في صناعة القرار الخاص بقيام إسرائيل ‪،‬‬
‫وتهجير اليهود إليها ومن ثم دعمها ومساعدتها ‪ ،‬وإعفاءها من النصياع‬
‫للقوانين والمواثيق الدولية ‪ .‬وأن شريعة ال وحدها ‪ -‬التوراة – التي يجب أن‬
‫تطبق على اليهود في فلسطين ‪ ،‬بما أنهم شعب ال المختار ‪.‬‬
‫ونتيجة لهذه المعتقدات ‪ ،‬ظهر الكثير من الحركات الدينية المسيحية النجيلية‬
‫الصولية ‪ ،‬في بريطانيا والوليات المتحدة ‪ ،‬وأهم وأخطر هذه الحركات هي )‬
‫الحركة التدبيرية ( ‪ ،‬التي نشأت في الوليات المتحدة ‪ ،‬بعد قيام دولة إسرائيل ‪.‬‬
‫وتضّم في عضويتها أكثر من أربعين مليون أمريكي ‪ ،‬لحظة تأليف هذا الكتاب‬
‫‪315‬‬
‫في أواسط الثمانينيات ‪ ،‬ومن بين أعضائها الرئيس المريكي آنذاك ) رونالد‬
‫ريغان ( وهي تسيطر على قطاع واسع من المنابر العلمية المريكية ‪،‬‬
‫وتمتلك محطات تلفزة خاصة بها ‪ ،‬ويشارك قادتها ‪ ،‬كبار المسؤولين في البيت‬
‫البيض ‪ ،‬ومجلس المن القومي المريكي ‪ ،‬ووزارة الخارجية في صناعة‬
‫القرارات السياسية والعسكرية ‪ ،‬المتعلقة بالصراع العربي السرائيلي ‪.‬‬
‫ن ال قد وضع في الكتاب المقدس ‪ ،‬نبوءات واضحة ‪،‬‬ ‫ش وتعتقد هذه الحركة أ ّ‬
‫حول كيفية تدبيره لشؤون الكون ونهايته ‪ ،‬كما يلي ‪:‬‬
‫‪ .1‬قيام إسرائيل وعودة اليهود إليها ‪.‬‬
‫‪ .2‬هجوم أعداء ال على إسرائيل ووقوع محرقة هرمجدون النووية ) وأعداء‬
‫إسرائيل هم الروس والعرب ‪ ،‬وعلى مدى أوسع هم الشيوعيون والمسلمون‬
‫بشكل عام ( ‪.‬‬
‫‪ .3‬انتشار الخراب والدمار ومقتل المليين ‪.‬‬
‫‪ .4‬ظهور المسيح المخلص وتخليصه لتباعه ) أي المؤمنين به ( من هذه‬
‫المحرقة ‪.‬‬
‫‪ .5‬إيمان من بقي من اليهود بالمسيح بعد المحرقة ‪.‬‬
‫‪ .6‬انتشار السلم في مملكة المسيح في أرض جديدة وتحت سماء جديدة مدة‬
‫ألف عام ‪.‬‬
‫ن ال قد‬‫ش وأن مهمة أعضاء هذه الحركة وأتباعها ‪ ،‬هي تدبير وتهيئة ‪ -‬وكأ ّ‬
‫جل في عودة المسيح إلى‬ ‫أوصاهم بذلك ‪ -‬كل المور التي من الممكن ‪ ،‬أن تع ّ‬
‫الرض ‪ ،‬ومن ضمن تلك المور ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬ضرورة إضعاف العرب عسكريا ‪،‬‬
‫وثانيا ‪ :‬تلبية جميع مطالب إسرائيل بالدعم المالي والسياسي والعسكري ‪،‬‬
‫وثالثا ‪ :‬تعزيز ترسانتها النووية ‪.‬‬
‫مقتطفات من مقدمة الكاتبة ‪:‬‬
‫تؤكد الكاتبة المريكية ) غريس هالسل ( ‪ ،‬أن بذور هذه الُمعتقدات الُمدّمرة ‪،‬‬
‫نشأت في نهاية القرن التاسع عشر ‪ .‬وكان رائد هذا التجاه ‪ ،‬في تفسير الكتاب‬
‫‪316‬‬
‫طبع أول مرجع إنجيلي له عام‬ ‫الُمقّدس ‪ ،‬هو ) سايروس سكوفيلد ( ‪ ،‬وقد ُ‬
‫‪1909‬م ‪ ،‬زرع فيه آراءه الشخصية في النجيل ‪ ،‬وصار أكثر الكتب المتداولة‬
‫حول المسيحية ‪ .‬وبدأت هذه الُمعتقدات في الظهور وتعّززت ‪ ،‬عندما تتابعت‬
‫انتصارات إسرائيل ‪ ،‬على دول الجوار العربية ‪ ،‬وبلغت ذروتها بعد الجتياح‬
‫السرائيلي لجنوب لبنان ‪.‬‬
‫تقول ‪ ،‬وفي إحدى المناسبات كان ) سكوفيلد ( يذّكر ُمستمعيه بأنه ‪ " :‬عام بعد‬
‫عام ‪ ،‬كان ُيرّدد التحذير بأن عالمنا ‪ ،‬سيصل إلى نهايته بكارثة ودمار ومأساة‬
‫عالمية نهائية " ‪ .‬ولكنه يقول أيضا ‪ " :‬أن المسيحيين الُمخّلصين ‪ ،‬يجب أن‬
‫حبوا بهذه الحادثة ‪ ،‬لنه ُمجّرد ما أن تبدأ المعركة النهائية ‪ ،‬فإن المسيح‬
‫ُير ّ‬
‫سوف يرفعهم فوق السحاب ‪ ،‬وسُينقذون ‪ ،‬وأنهم لن ُيواجهوا شيئا من المعاناة ‪،‬‬
‫التي تجري تحتهم " ‪.‬‬
‫وتقول " بالرغم من أن بعض الصوليين ‪ ،‬لم يتقّبلوا هذه الفكرة ‪ ،‬إل أنها‬
‫تسّببت في انقسام كبير ‪ .‬فهناك مؤشر إلى أن أعداد المسيحيين الذين يتعّلقون‬
‫بنظرية ) هرمجدون ( في تزايد ُمضطرد ‪ .‬فُهم مثل سكوفيلد ‪ ،‬يعتقدون أن‬
‫المسيح ‪ ،‬وعد المسيحيين الُمخّلصين ‪ ،‬بسماء جديدة وأرض جديدة ‪ .‬وبما أن‬
‫المر كذلك ‪ ،‬فليس عليهم أن يقلقوا حول مصير الرض ‪ ،‬فليذهب العالم كّله‬
‫إلى الجحيم ‪ ،‬لُيحّقق المسيح للقّلة الُمختارة ‪ ،‬سماًء وأرضا جديدتين " ‪.‬‬
‫" إن استقصاء عام ‪1984‬م ‪ ،‬الذي أجرته مؤسسة ) باتكيلو فيتش ( أظهر أن‬
‫‪ 39‬بالمائة من الشعب المريكي ‪ ،‬يقولون ‪ ،‬أنه عندما يتحّدث عن تدمير‬
‫الرض بالنار ‪ ،‬فإن ذلك يعني ‪ ،‬أننا نحن أنفسنا سوف ُندّمر الرض ب‬
‫) هرمجدون ( نووية ‪ .‬وأظهرت دراسة لمؤسسة ) نلسن ( ُنشرت في ُأكتوبر‬
‫شرين ‪ ،‬يقولون أننا ل‬ ‫‪1985‬م ‪ ،‬أن ‪ 61‬مليون أمريكي يستمعون بانتظام إلى ُمب ّ‬
‫نستطيع أن نفعل شيئا ‪ ،‬لمنع حرب نووية تتفجر في حياتنا " ‪.‬‬
‫ش ومن أكثر الصوليين النجيليين شهرة ‪ ،‬من الذين ُيبشرون على شاشة‬
‫التلفزيون بنظرية ) هرمجدون ( ‪:‬‬
‫‪ .1‬بات روبرتسون ‪ :‬يملك شبكة تلفزيونية مسيحية ‪ ،‬مكونة من ثلث‬
‫محطات ‪ ،‬عائداته السنوية تصل إلى ‪ 200‬مليون دولر ‪ ،‬ومساهم في‬
‫محطة تلفزيون الشرق الوسط في جنوب لبنان ‪ ،‬يشاهد برامجه أكثر من‬
‫‪ 16‬مليون عائلة أمريكية ‪.‬‬
‫‪317‬‬
‫‪ .2‬جيمي سواغرت ‪ :‬يملك ثاني أكبر المحطات النجيلية شهرة ‪ُ ،‬يشاهد‬
‫برامجه ما مجموعه ‪ 9,25‬مليون منزل ‪.‬‬
‫‪ .3‬جيم بيكر ‪ :‬يملك ثالث أشهر محطة تبشيرية ‪ ،‬عائداته السنوية تصل إلى‬
‫‪ 100-50‬مليون دولر ‪ُ ،‬يشاهد برامجه حوالي ‪ 6‬مليين منزل ‪ ،‬يعتقد أن‬
‫علينا أن نخوض حربا رهيبة ‪ ،‬لفتح الطريق أمام المجيء الثاني للمسيح ‪.‬‬
‫‪ .4‬أورال روبرتس ‪ :‬تصل برامجه التلفزيونية إلى ‪ 5,77‬مليون منزل ‪.‬‬
‫‪ .5‬جيري فولويل ‪ :‬تصل دروسه التبشيرية إلى ‪ 5,6‬مليون منزل ‪ ،‬يملك‬
‫محطة الحرية للبث بالكابل ‪ ،‬أقام بعد شرائها بأسبوع ‪ ،‬حفل عشاء على‬
‫شرف جورج بوش نائب الرئيس ريغان آنذاك ‪ .‬وقد أخبر فولويل يومها بأن‬
‫جورج بوش ‪ ،‬سيكون أفضل رئيس في عام ‪1988‬م ‪.‬‬
‫‪ .6‬كينين كوبلند ‪ُ :‬يشاهد برامجه ‪ 4,9‬مليون منزل ‪ .‬يقول ‪ " :‬أن ال أقام‬
‫إسرائيل ‪ .‬إّننا ُنشاهد ال يتحرك من أجل إسرائيل … إنه لوقت رائع أن نبدأ‬
‫في دعم حكومتنا ‪ ،‬طالما أّنها تدعم إسرائيل … إنه لوقت رائع أن ُنشعر ال‬
‫‪ ،‬مدى تقديرنا لجذور إبراهيم " ‪.‬‬
‫‪ .7‬ريتشارد دي هان ‪ :‬يصل في برنامجه إلى ‪ 4,75‬مليون منزل ‪.‬‬
‫شر بتعاليم سكوفيلد‬‫‪ .8‬ريكس همبرد ‪ :‬يصل إلى ‪ 3,7‬مليون منزل ‪ ،‬وهو ُيب ّ‬
‫التي تقول ‪ " :‬أن ال كان يعرف منذ البداية الولى ‪ ،‬أننا نحن الذين نعيش‬
‫اليوم ‪ ،‬سوف ُندّمر الكرة الرضية " ‪.‬‬
‫وتعّقب الكاتبة بقولها ‪ " :‬لقد ذكرت ثمانية من الذين ٌيقّدمون البرامج الدينية ‪،‬‬
‫شرون بنظرية هرمجدون نووية في الذاعة والتلفزيون ‪ ،‬ومن بين ‪ 4‬آلف‬ ‫وُيب ّ‬
‫أصولي إنجيلي ‪ … ،‬هناك ‪ 3‬آلف من التدبيريين ‪ ،‬يعتقدون أن كارثة نووية‬
‫فقط ‪ ،‬يمكن أن ُتعيد المسيح إلى الرض ‪ .‬إن هذه الرسالة ُتبث عبر ‪1400‬‬
‫سيس إنجيلي ‪ ،‬يذيعون يوميا برامج‬ ‫محطة دينية في أمريكا ‪ .‬ومن بين ألف ق ّ‬
‫من خلل ‪ 400‬محطة راديو ‪ ،‬فإن الكثرية الساحقة منهم من التدبيريين " ‪.‬‬
‫وتقول ‪ " :‬أن بعض هؤلء القساوسة ‪ ،‬ورؤساء الكنائس ‪ ،‬هم من القوة بحيث‬
‫يظهرون كالملوك في مناطقهم " ‪.‬‬
‫والرسالة التي ُيرسلها هؤلء على الدوام هي ‪ " :‬لن يكون هناك سلم حتى‬
‫يعود المسيح ‪ ،‬وأن أي تبشير بالسلم ‪ ،‬قبل هذه العودة هو هرطقة ) تخريف‬
‫‪318‬‬
‫وكفر ( ‪ ،‬إنه ضد كلمة ال ) ضد ما جاء في الُكتب المقدسة ( ‪ ،‬إنه ضد المسيح‬
‫" ‪ .‬وهذا ما يقوله أيضا ) جيم روبرتسون ( التلفزيوني النجيلي الذي دعاه‬
‫الرئيس ) ريغان ( ‪ ،‬للقاء صلة افتتاح المؤتمر الحزب الجمهوري عام‬
‫‪1984‬م ‪.‬‬
‫كتاب ) آخر أعظم كرة أرضية ( ومؤلفه ) هال لندسي ( ‪:‬‬
‫تقول الكاتبة أن هذا الكتاب ‪ ،‬أصبح الكثر مبيعا خلل السبعينات ‪ ،‬حيث بيع‬
‫منه حوالي ‪ 18‬مليون نسخة ‪ ،‬وفي تعليقها على هذا الكتاب ومؤلفه ‪ ،‬تقول "‬
‫سر كل التاريخ ‪ ،‬قائل أن دولة إسرائيل ‪ ،‬هي الخط التاريخي‬ ‫أن المؤلف يف ّ‬
‫لمعظم أحداث الحاضر والمستقبل " ‪.‬‬
‫) ومن هنا يأتي تقديس النصارى المريكان لسرائيل ‪ ،‬فضل عن اليهود ‪،‬‬
‫ولحظ أن هذا الكتاب ‪ ،‬قرأه ما ل يقل عن ‪ 18‬مليون أمريكي ‪ ،‬في بداية‬
‫صدوره ‪ ،‬أما الن فربما قد قرأه معظم الشعب المريكي ‪ ،‬وخطورة هذا‬
‫الكتاب تنبع من كون الفكار والمعتقدات التي أوردها المؤلف ‪ ،‬منسوبة إلى ال‬
‫‪ ،‬كما أوضح في كتابه المقّدس لديهم ( ‪.‬‬
‫" ويقول لندسي ‪ :‬أن الجيل الذي ُولد عام ‪1948‬م ‪ ،‬سوف يشهد العودة الثانية‬
‫للمسيح ‪ .‬ولكن قبل هذا الحدث ‪ ،‬علينا أن نخوض حربين ‪ ،‬الولى ضد يأجوح‬
‫ومأجوج ) أي الروس ( ‪ ،‬والثانية في هرمجدون ‪ .‬والمأساة ستبدأ هكذا ‪ :‬كل‬
‫العرب بالتحالف مع السوفييت ) الروس ( ‪ ،‬سوف ُيهاجمون إسرائيل " ‪.‬‬
‫) وهذا تحذير من ‪ ،‬وتحريض للغرب النصراني ‪ ،‬لمعاداة العرب المسلمين‬
‫والروس الشيوعيين (‬
‫وتقول الكاتبة بعد مقابلتها للمؤلف ‪ " :‬أن لندسي ل يبدو عليه الحزن ‪ ،‬عندما‬
‫ُيعلن ‪ :‬أن كل مدينة في العالم ‪ ،‬سيتم تدميرها في الحرب النووية الخيرة ‪،‬‬
‫وتعّقب الكاتبة ‪ :‬تصّوروا أن ُمدنا مثل لندن وباريس وطوكيو ‪ ،‬ونيويورك‬
‫ولوس أنجلوس وشيكاغو وقد ُأبيدت " ‪.‬‬
‫ويقول لندسي ‪ " :‬إن القوة الشرقية سوف ُتزيل ثلث العالم … عندما تصل‬
‫الحرب الكبرى إلى هذا المستوى ‪ ،‬بحيث يكون كل شخص تقريبا قد ُقتل ‪،‬‬
‫ستحين ساعة اللحظة العظيمة ‪ ،‬فُينقذ المسيح النسانية من الندثار الكامل‬
‫) الفناء ( " ‪.‬‬
‫‪319‬‬
‫وُيتابع لندسي ‪ " :‬وفي هذه الساعة سيتحول اليهود ‪ ،‬الذين نجوا من الذبح إلى‬
‫المسيحية … سيبقى ‪ 144‬ألف يهودي فقط ‪ ،‬على قيد الحياة بعد معركة‬
‫هرمجدون " ‪.‬‬
‫) إذن يجب أل يكترث نصارى الغرب ‪ ،‬بنشوب حرب عالمية نووية ثالثة‬
‫مدمرة ‪ ،‬ما دامت مجمل ضحايا هذه الحرب ‪ ،‬ستكون من المسلمين واليهود‬
‫وبقية الوثنيين في الشرق ‪ ،‬غير المؤمنين بألوهية المسيح ‪ ،‬بل عليهم أن‬
‫يستعجلوا نشوبها ‪ ،‬بالعمل على تسريع المواجهة بين الشرق والغرب ‪ ،‬حتى‬
‫يعود للرض مرة لُينقذ البشرية النصرانية فقط ‪ ،‬من الندثار الكامل " ‪.‬‬
‫شر النجيلي ) جيري فولويل ( ‪:‬‬
‫وقفة مع الُمب ّ‬
‫بعد عرضه لنظرية هرمجدون مستخدما الدلة التوراتية والنجيلية ‪ .‬تقول‬
‫الكاتبة بعد حضورها للعرض ‪ " :‬رسم فولويل صورة ُمرعبة عن نهاية‬
‫العالم ‪ ،‬ولكنه لم يبُد حزينا أو حتى مهتّما ‪ .‬في الواقع أنهى عظته بابتسامه‬
‫كبيرة ‪ ،‬قائل ‪ :‬ما أعظم أن نكون مسيحيين ! إن أمامنا ُمستقبل رائعا " ‪.‬‬
‫وفي إحدى تسجيلته يقول ‪:‬‬
‫" وهكذا ترون أن هرمجدون حقيقة ‪ ،‬إنها حقيقة ُمرّكبة ‪ .‬ولكن نشكر ال لنها‬
‫ستكون نهاية العامة ‪ ،‬لنه بعد ذلك سيكون المسرح ُمعّدا ‪ ،‬لتقديم الملك الرب‬
‫شرين بالكتاب الُمقّدس ‪ ،‬يتوّقعون العودة‬‫ن كل الُمب ّ‬
‫المسيح ‪ ،‬بقوة وعظمة … إ ّ‬
‫الحتمية للله … وأنا نفسي ُأصّدق ‪ ،‬بأننا جزء من جيل النهاية ‪ ،‬الذي لن‬
‫ُيغادر قبل أن يأتي المسيح " ‪.‬‬
‫" ومنذ ‪ 2600‬سنة تنبأ النبي العبراني حزقيال ‪ ،‬أن أمة ستقوم إلى الشمال من‬
‫فلسطين ‪ ،‬قبل وقت قصير من العودة الثانية للمسيح … في الفصلين ‪ 38‬و‬
‫‪ 39‬من حزقيال ‪ ،‬نقرأ أن اسم هذه الرض هو روش ‪ .‬ويذكر أيضا اسم‬
‫مدينتين هما ماشك وتوبال … إن هذه السماء تبدو ُمشابهة بشكل ُمثير ‪،‬‬
‫لموسكو وتيبولسك ‪ ،‬العاصمتين الحاكمتين اليوم في روسيا … وكذلك كتب‬
‫حزقيال ‪ ،‬أن هذه الرض ستكون ُمعادية لسرائيل ‪ ،‬وأنه من أجل ذلك سيكون‬
‫حلفاء‬
‫ضدها ‪ .‬وقال أيضا أن روسيا ‪ ،‬سوف تغزوا إسرائيل بمساعدة ُ‬
‫ُمختلفين ‪ ،‬في اليام الخيرة … وقد سّمى هؤلء الحلفاء ‪ :‬إيران ) التي كنا‬

‫‪320‬‬
‫ُنسميها فارس ( ‪ ،‬وجنوب إفريقيا أو إثيوبيا ‪ ،‬وشمال إفريقيا أو ليبيا ‪ ،‬وأوروبا‬
‫الشرقية ) جومر ( ‪ ،‬والقوقاز جنوب روسيا ) توجرمة ( " ‪.‬‬
‫" بالرغم من المال الوردية وغير الواقعية تماما ‪ ،‬التي أبدتها حكومتنا ‪ ،‬حول‬
‫اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل ‪ ،‬إل أن هذه التفاقية لن تدوم ‪ .‬إننا‬
‫ي حكومت ّ‬
‫ي‬ ‫نصلي بالفعل من أجل السلم في القدس … إننا نحترم كثيرا رئيس ّ‬
‫إسرائيل ومصر … ولكن أنت وأنا نعرف أنه ‪ ،‬لن يكون هناك سلم حقيقي في‬
‫الشرق الوسط ‪ ،‬إلى أن يأتي يوم ‪ ،‬يجلس فيه الله المسيح ‪ ،‬على عرش داود‬
‫في القدس " ‪.‬‬
‫وفي كتابه ) الحرب النووية والمجيء الثاني … ( ‪ ،‬في فصل الحرب القادمة‬
‫مع روسيا ‪ ،‬يتنبأ ) فولويل ( بغزو سوفييتي لسرائيل ‪ ...‬وفي نهاية المعركة‬
‫سيسقط خمس أسداس الجنود السوفييت ‪ ،‬وبذلك يبدأ أول احتفال للرب ‪.‬‬
‫ويجري احتفال آخر بعد معركة هرمجدون … وسيتوقف التهديد الشيوعي إلى‬
‫البد ‪ ،‬وسيستغرق دفن الموتى مدة ‪ 7‬أشهر ‪.‬‬
‫الرئيس المريكي ) ريغان ( كان أحد فرسان هرمجدون النووية ‪:‬‬
‫تقول الكاتبة ‪ " :‬كان ) رونالد ريغان ( واحدا ‪ ،‬من الذين قرءوا كتاب ) آخر‬
‫أعظم كرة أرضية ( … في وقت مبكر من عام ‪1986‬م ‪ ،‬أصبحت ليبيا العدو‬
‫الول ) لريغان ( … واستنادا إلى ) جيمس ميلز ( ‪ ،‬الرئيس السابق لمجلس‬
‫الشيوخ في ولية كاليفورنيا ‪ ،‬فإن ) ريغان ( كره ليبيا ‪ ،‬لنه رأى أنها واحدة‬
‫من أعداء إسرائيل ‪ ،‬الذين ذكرتهم النبوءات ‪ ،‬وبالتالي فإنها عدو ال " ‪.‬‬
‫" وعندما كان ) ريغان ( مرشحا للرئاسة عام ‪1980‬م ‪ ،‬كان ُيواصل الحديث‬
‫عن هرمجدون ‪ ،‬ومن أقواله ‪ " :‬إن نهاية العالم قد تكون في متناول أيدينا …‬
‫إن هذا الجيل بالتحديد هو الجيل الذي سيشهد هرمجدون " ‪.‬‬
‫" إن معظم المؤمنين ) بالتدبيرية ( ‪ ،‬ينظرون إلى روسيا على أنها شيطانية ‪،‬‬
‫وأنها ُتمّثل إمبراطورية الشيطان ‪ .‬ولقد جاهر ) ريغان ( بذلك في ‪/ 3 / 8‬‬
‫‪1983‬م ‪ ،‬عندما قال ‪ " :‬إن التحاد السوفييتي هو حجر الزاوية في العالم‬
‫المعاصر " ‪ " .‬إنني أؤمن أن الشيوعية ‪ ،‬فصل حزين وسيئ في التاريخ‬
‫النساني ‪ ،‬الذي يكتب الن صفحاته الخيرة " ‪.‬‬

‫‪321‬‬
‫وتقول الكاتبة ‪ :‬يقول )جيمس ميلز ( في مقال صحفي ‪ " :‬إن استعمال ) ريغان‬
‫( لعبارة إمبراطورية الشيطان … كان إعلنا انطلق من اليمان الذي أعرب‬
‫لي عنه ‪ ،‬في تلك الليلة عام ‪1971‬م … إن ) ريغان ( كرئيس أظهر بصورة‬
‫دائمة ‪ ،‬التزامه القيام بواجباته ‪ ،‬تمشيا مع ارادة ال … إن ) ريغان ( كان‬
‫صيصا ‪ ،‬وهو يعمل على بناء ‪ ،‬القدرة العسكرية للوليات‬ ‫يشعر بهذا اللتزام خ ّ‬
‫المتحدة وحلفائها …‬
‫… صحيح أن حزقيال تنبأ بانتصار إسرائيل وحلفائها ‪ ،‬في المعركة الرهيبة‬
‫ضد قوى الظلم ‪ ،‬إل أن المسيحيين المحافظين مثل رئيسنا ‪ ،‬ل يسمح لهم‬
‫التطرف الروحي ‪ ،‬بأن يأخذوا هذا النتصار كُمسّلمات ‪ .‬إن تقوية قوى الح ّ‬
‫ق‬
‫لتربح هذا الصراع المهم ‪ ،‬هو في عيون مثل هؤلء الرجال ‪ ،‬عمل ُيحّقق‬
‫نبوءة ال انسجاما مع إرادته السامية ‪ ،‬وذلك حتى يعود المسيح مّرة ثانية …‬
‫… وبالتأكيد فإن توجهه بالنسبة للنفاق العسكري ‪ ،‬وبرودته اتجاه ُمقترحات‬
‫نزع السلح النووي ‪ ،‬متفقة مع وجهة نظره هذه ‪ ،‬التي يستمّدها من سفر‬
‫الرؤيا … إن هرمجدون التي تنبأ بها حزقيال ‪ ،‬ل ُيمكن أن تحدث في عالم‬
‫منزوع السلح ‪ .‬إن كل من يؤمن بحتمية وقوعها ‪ ،‬ل ُيمكن توقع تحقيقه لنزع‬
‫السلح ‪ .‬إن ذلك ُيناقض مشيئة ال كما وردت على لسانه …‬
‫… إن سياسات الرئيس ) ريغان ( الداخلية والمالية ‪ُ ،‬منسجمة مع التفسير‬
‫اللفظي ‪ ،‬للنبوءات التوراتية والنجيلية ‪ .‬فل يوجد أي سبب للغضب من مسألة‬
‫الَدْين القومي المريكي ‪ ،‬إذا كان ال سيطوي العالم كّله قريبا " ‪.‬‬
‫وتقول الكاتبة ‪ " :‬وبناء على ذلك ‪ ،‬فإن جميع البرامج المحلية ‪ ،‬التي تتطلب‬
‫إنفاقا كبيرا ‪ ،‬يمكن بل يجب أن ُتعّلق من أجل توفير المال ‪ ،‬لتمويل برامج‬
‫تطوير السلحة النووية ‪ ،‬من أجل إطلق الحمم الُمدّمرة على الشياطين ‪ ،‬أعداء‬
‫ال وأعداء شعبه ‪ ،‬وأضاف ميلز ‪:‬‬
‫" لقد كان ) ريغان ( على حق عندما اعتقد أن أمامه فرصة أكبر ‪ ،‬لينفق‬
‫المليارات من الدولرات ‪ ،‬استعدادا لحرب نووية مع يأجوج ومأجوج ‪ ،‬لو كان‬
‫معظم الشعب الذي أعاد انتخابه ‪ ،‬يؤمن كما أخبرني ‪ ،‬بما يؤمن هو به ‪،‬‬
‫بالنسبة ) لهرمجدون ( والعودة الثانية للمسيح " ‪.‬‬
‫وتقول نقل عن كتاب ) ساحات المعارك النووية ( ‪ " :‬أن أمريكا تملك في‬
‫الداخل ‪ 14500‬رأس نووي ‪ ،‬موزعة على ‪ 40‬ولية ‪ ،‬وتملك ‪ 3396 :‬في‬
‫‪322‬‬
‫ألمانيا ‪ ،‬و ‪ 1268‬في بريطانيا ‪ ،‬و ‪ 549‬في إيطاليا ‪ ،‬و ‪ 489‬في تركيا ‪ ،‬و‬
‫‪ 164‬في اليونان ‪ ،‬و ‪ 151‬في كوريا الجنوبية ‪ ،‬و ‪ 81‬في هولندا ‪ ،‬و ‪ 25‬في‬
‫بلجيكا " ‪.‬‬
‫ونقل عن صحيفة واشنطن بوست ‪ ،‬تقول ‪ " :‬أن الدارة المريكية ‪ ،‬اقترحت‬
‫مواصلة البناء العسكري في السنوات الخمس الُمقبلة ‪ .‬وأن النفاق على‬
‫مشاريع وزارة الدفاع ‪ُ ،‬يشير إلى ارتفاع من ‪ 258.4‬مليار دولر عام‬
‫‪1986‬م ‪ ،‬إلى ‪ 356.6‬مليار عام ‪1991‬م " ‪.‬‬
‫النجيليون الصوليون يؤمنون بأكاذيب التوراة أكثر من اليهود أنفسهم ‪:‬‬
‫في لقاء للكاتبة مع محام فلسطيني مسيحي بروتستنتي إنجيلي ‪ ،‬يعمل في القدس‬
‫‪ ،‬بعد أن عاد من أمريكا ليعيش في فلسطين ‪ ،‬في معرض رّده على سؤال ‪،‬‬
‫شر ) فولويل ( لزيارة‬‫ظمهم الُمب ّ‬‫جاج المريكيين ‪ ،‬الذين ُين ّ‬
‫عن رأيه في الح ّ‬
‫أرض المسيح ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫" بالنسبة للنجيليين الصوليين مثل ) فولويل ( ‪ ،‬فإن اليمان بإسرائيل يتقدم‬
‫على تعاليم المسيح ‪ .‬إن الصهاينة ُيفسدون تعاليم المسيح ‪ .‬إن صهيونية‬
‫) فولويل ( سياسية ل علقة لها ‪ ،‬بالقيم أو الخلق أو بمواجهة المشاكل‬
‫الحقيقية ‪ .‬إنه يدعو أتباعه إلى تأييد إسرائيل ‪ ،‬ويطلب من دافع الضرائب‬
‫المريكي ‪ ،‬أن ُيقّدم لسرائيل ‪ 5‬مليار دولر كل سنة ‪ .‬إذ أنه يؤكد لتباعه وبما‬
‫أنهم مؤيدون للصهيونية ‪ ،‬فهم على الطريق الصحيح ‪ ،‬وفي الجانب الرابح‬
‫دوما …‬
‫وفي الواقع فإن مسيحيين مثل ) فولويل ( ‪ُ ،‬يوّفرون للسرائيليين الدافع للتوسع‬
‫ومصادرة المزيد من الراضي ‪ ،‬ولضطهاد مزيد من الشعوب ‪ ،‬لنهم يّدعون‬
‫أن ال إلى جانب إسرائيل ‪ ،‬وأن العم سام راغب في التوقيع على الفاتورة …‬
‫إن السرائيليين ‪ ،‬يعرفون أن مسيحيين جيدين ومؤثرين مثل ) فولويل ( ‪،‬‬
‫يقفون معهم على الدوام ‪ ،‬بغض النظر عما يفعلون أخلقيا ومعنويا ‪ .‬ومهما‬
‫بلغوا من القمع ‪ ،‬فإن السرائيليين يعرفون أن الصهيونيين المسيحيين‬
‫المريكيين معهم ‪ ،‬ويرغبون في إعطائهم السلحة ومليارات الدولرات ‪،‬‬
‫وسُيصّوتون إلى جانبهم في المم المتحّدة " ‪.‬‬

‫‪323‬‬
‫الُمبشر ) فولويل ( والترويج لسرائيل سياسيا ‪:‬‬
‫في بحث قام به اثنان من الساتذة الجامعيين عن حياة ) فولويل ( ‪ ،‬يؤكد د‪.‬‬
‫) غودمان ( أن ) فولويل ( تحّول من الوعظ الديني ‪ ،‬إلى الوعظ السياسي‬
‫المؤيد للدولة الصهيونية ‪ ،‬بعد النتصار العسكري السرائيلي في عام‬
‫‪1967‬م ‪ .‬حيث أن هذا النتصار الُمذهل ‪ ،‬كان له تأثير كبير على العديد من‬
‫المريكيين ‪ ،‬في الوقت الذي كان فيه شعور الهزيمة والخيبة ‪ُ ،‬يخّيم على‬
‫الكثير من المريكيين من جّراء الحرب الفيتنامية ‪ ،‬ومن هؤلء كان‬
‫) فولويل ( الذي نظر إلى المر بطريقة مختلفة ‪ ،‬حيث قال ‪ :‬أن السرائيليين ‪،‬‬
‫خل من ال ‪.‬‬
‫ما كانوا لينتصروا لو لم يكن هناك تد ّ‬
‫ونتيجة لذلك بدأ السرائيليون باستخدام ) فولويل ( في السبعينيات ‪ ،‬لتحقيق‬
‫أغراضهم ومطالبهم ‪ ،‬وتأييد سياساتهم لدي الشعب والساسة المريكان ‪ ،‬وفي‬
‫خطاب له عام ‪1978‬م في إسرائيل ‪ ،‬قال ‪ " :‬إن ال ُيحب أمريكا ‪ ،‬لن أمريكا‬
‫ُتحب اليهود " ‪ .‬وفي مناسبات عديدة كان يقول للمريكيين ‪ " :‬إن قدر المة‬
‫يتوقف على التجاه ‪ ،‬الذي يتخذونه من إسرائيل … وإذا لم ُيظهر‬
‫المريكيون ‪ ،‬رغبة جازمة في تزويد إسرائيل بالمال والسلح ‪ ،‬فإن أمريكا‬
‫ستخسر الكثير " ‪ .‬وقد قامت وسائل العلم الصهيونية بإبرازه وتلميع صورته‬
‫‪ ،‬ليصبح شخصية سياسية وإعلمية مرموقة على الساحة المريكية ‪ ،‬لدرجة‬
‫أن الرئيس ) ريغان ( رتب له حضور اجتماع مجلس المن القومي‬
‫) البنتاغون ( ‪ ،‬ليستمع وُيناقش كبار المسؤولين فيه ‪ ،‬حول احتمال نشوب‬
‫حرب نووية مع روسيا ‪.‬‬
‫ُيتابع د‪ ) .‬غودمان ( ‪ " :‬في عام ‪1981‬م ‪ ،‬عندما قصفت إسرائيل المفاعل‬
‫يء في الوليات الُمتحّدة ‪.‬‬ ‫النووي قرب بغداد ‪ ،‬تخّوف ) بيغن ( من رد فعل س ّ‬
‫ومن أجل الحصول على الدعم ‪ ،‬لم يتصل بسيناتور أو كاهن يهودي ‪ ،‬إنما‬
‫اتصل ) بفولويل ( … وقبل أن ُيغلق سماعة الهاتف ‪ ،‬قال ) فولويل (‬
‫) لبيغن ( ‪ " :‬السيد رئيس الوزراء ‪ ،‬أريد أن أهنئك على المهمة ‪ ،‬التي جعلتنا‬
‫فخورين جدا بإنتاج طائرات ف ‪. " 16‬‬
‫وقال د‪ ) .‬برايس ( ‪ " :‬إن أي عمل عسكري قامت أو ستقوم به إسرائيل ‪،‬‬
‫تستطيع أن تعتمد فيه على دعم اليمين المسيحي " ‪.‬‬

‫‪324‬‬
‫هدم المسجد القصى وبناء الهيكل ‪ ،‬مطلب إلهي منصوص عليه فيه التوراة ‪،‬‬
‫كما يعتقد مسيحيو الغرب ‪ ،‬فضل عن يهود الشرق والغرب ‪:‬‬
‫أثناء رحلة الحج الثانية للكاتبة ‪ ،‬وفي لقاء مع أحد مستوطني ُمستعمرة ) غوش‬
‫أمونيم ( ‪ُ -‬معقبة على قوله ‪ -‬قالت له ‪ :‬إن بناء هيكل للعبادة شيء ‪ ،‬وتدمير‬
‫المسجد شيء آخر ‪ ،‬فمن الممكن ‪ ،‬أن ُيؤدي ذلك إلى حرب بين إسرائيل‬
‫والعرب ‪ ،‬فرّد قائل ‪ " :‬تماما ‪ ،‬هذا ما ُنريده أن يحدث ‪ ،‬لننا سوف نربحها ‪،‬‬
‫ومن ثم سنقوم بطرد العرب من أرض إسرائيل ‪ ،‬وسُنعيد بناء الهيكل ‪ ،‬وننتظر‬
‫مسيحنا " ‪.‬‬
‫تقول الكاتبة ‪ " :‬لقد زرت قبة الصخرة ‪ ،‬وهي واحدة من أجمل الصروح في‬
‫العالم – والتي ُتقارن بجمال تاج محل – وقد تم بناؤها عام ‪685‬م ‪ ،‬بأمر من‬
‫الخليفة الموي عبد الملك بن مروان ‪ ،‬وهو البناء الجمل في القدس " ‪ .‬وتقول‬
‫‪ " :‬على الرغم من أن المسيح ‪ ،‬دعا إلى إقامة المعابد في النفس ‪ ،‬فإن‬
‫الصوليين المسيحيين ‪ُ ،‬يصّرون على أن ال ‪ُ ،‬يريد أكثر من بناء معبد‬
‫روحي ‪ ،‬إنه ُيريد معبدا حقيقيا من السمنت والحجارة ‪ُ ،‬يقام تماما في الموقع‬
‫الذي توجد فيه الصروح السلمية " ‪.‬‬
‫وتقول الكاتبة ‪ " :‬قال زميل لي في الجولة ‪ " :‬إنني أعتقد أن الرهابيين‬
‫اليهود ‪ ،‬سوف ينسفون الماكن السلمية الُمقّدسة ‪ .‬وأن ذلك سيتسّبب في إثارة‬
‫ن حرب ُمقّدسة على إسرائيل ‪ ،‬مما يحمل‬ ‫العالم السلمي ‪ ،‬ودفعه إلى ش ّ‬
‫المسيح على التدخل ‪ .‬يعتقد اليهود أن المسيح سيأتي للمرة الولى ‪ ،‬ونحن‬
‫كمسيحيين نعلم أن عودته ستكون الثانية ‪ ،‬وأنا واثق من أنه سيكون هناك هيكل‬
‫يهودي ثالث " ‪.‬‬
‫ويقول ) لندسي ( في كتاب ) آخر أعظم كرة أرضية ( ‪ " :‬لم يبق سوى حدث‬
‫واحد ‪ ،‬ليكتمل المسرح تماما أمام إسرائيل ‪ ،‬لتقوم بدورها في المشهد العظيم‬
‫الخير ‪ ،‬من مأساتها التاريخية ‪ ،‬وهو إعادة بناء الهيكل القديم ‪ ،‬في موقعه‬
‫القديم ‪ .‬ول يوجد سوى مكان واحد ‪ ،‬يمكن بناء الهيكل عليه ‪ ،‬استنادا إلى‬
‫قانون موسى ‪ ،‬في جبل موريا حيث الهيكلن السابقان " ‪.‬‬

‫‪325‬‬
‫نشأة المسيحية الصهيونية ‪:‬‬
‫تقول الكاتبة ‪ " :‬أواخر أغسطس ‪1985‬م ‪ ،‬سافرت من واشنطن إلى سويسرا ‪،‬‬
‫لحضور المؤتمر المسيحي الصهيوني الول في بازل ‪ ،‬برعاية السفارة‬
‫المسيحية العالمية في القدس ‪ ،‬لتعّرف على خلفية الصهيونية السياسية … في‬
‫ث المسيحيون إسرائيل ‪ ،‬على ضم الضفة الغربية ‪،‬‬ ‫أحد مقررات المؤتمر ح ّ‬
‫بسكانها المليون فلسطيني … فاعترض يهودي إسرائيلي ‪ :‬بأن ثلث‬
‫السرائيليين ‪ُ ،‬يفضلون مقايضة الراضي المحتلة ‪ ،‬بالسلم مع الفلسطينيين‬
‫… فرّد عليه مقرر المؤتمر ‪ " :‬إننا ل نهتم بما ُيصّوت عليه السرائيليون ‪،‬‬
‫وإنما بما يقوله ال ‪ .‬وال أعطى هذه الرض لليهود " ‪.‬‬
‫وتقول ‪ " :‬كان تقديري أنه من بين ‪ 36‬ساعة … فإن المسيحيين الذين أشرفوا‬
‫على المؤتمر ‪ ،‬خصصوا ‪ %1‬من الوقت لرسالة المسيح وتعاليمه ‪ ،‬وأكثر من‬
‫‪ %99‬من الوقت للسياسة ‪ .‬ول ُيوجد في المر ما ُيثير الستغراب ‪ ،‬ذلك أن‬
‫المشرفين على المؤتمر ‪ ،‬برغم أنهم مسيحيون فهم أول وقبل كل شيء صهاينة‬
‫‪ ،‬وبالتالي فإن اهتمامهم الول هو الهداف الصهيونية السياسية " ‪.‬‬
‫وفي بحثها عن أصل الصهيونية السياسية ‪ ،‬الداعية إلى عودة اليهود إلى‬
‫فلسطين ‪ ،‬تؤكد الكاتبة أن ) ثيودور هرتزل ( لم يكن أصل صاحب هذه‬
‫الفكرة ‪ ،‬وإنما كان ُدعاتها هم المسيحيون البروتستانت ) ذوي الغلبية في‬
‫أمريكا وبريطانيا الن ( ‪ ،‬قبل ثلث قرون من المؤتمر الصهيوني الول ‪.‬‬
‫حيث ضّم لوثر زعيم حركة الصلح الكنسي ‪ ،‬في القرن السادس عشر ‪،‬‬
‫توراة اليهود إلى الكتاب المقّدس ‪ ،‬تحت اسم العهد القديم ‪ .‬فأصبح المسيحيون‬
‫الوربيون ُيبدون اهتماما أكبر باليهود ‪ ،‬وبتغيير التجاه السائد الُمعادي لهم في‬
‫أوروبا ‪.‬‬
‫وتقول الكاتبة ‪ " :‬توجه البروتستانت إلى العهد القديم ‪ ،‬ليس فقط لنه أكثر‬
‫الكتب شهرة ‪ ،‬ولكن لنه المرجع الوحيد لمعرفة التاريخ العام ‪ .‬وبذلك قّلصوا‬
‫تاريخ فلسطين ما قبل المسيحية ‪ ،‬إلى تلك المراحل التي تتضّمن فقط الوجود‬
‫ضعوا في إطار العتقاد ‪،‬‬ ‫العبراني فيها ‪ .‬إن أعدادا ضخمة من المسيحيين ُو ِ‬
‫أنه لم يحدث شيء في فلسطين القديمة ‪ ،‬سوى تلك الخرافات غير الموثقة من‬
‫الروايات التاريخية المدّونة في العهد القديم " ‪.‬‬

‫‪326‬‬
‫وتقول ‪ " :‬في منتصف عام ‪1600‬م ‪ ،‬بدأ البروتستانت بكتابة معاهدات ‪ُ ،‬تعلن‬
‫بأن على جميع اليهود ‪ُ ،‬مغادرة أوروبا إلى فلسطين ‪ .‬حيث أعلن ) أوليفر‬
‫كرمويل ( ‪ ،‬بصفته راعي الكومنولث البريطاني الذي ُأنشئ حديثا ‪ ،‬أن الوجود‬
‫اليهودي في فلسطين ‪ ،‬هو الذي سُيمّهد للمجيء الثاني للمسيح " ‪ .‬ومن هناك‬
‫في بريطانيا ‪ ،‬بدأت بذرة الدولة الصهيونية الحديثة في التخّلق ‪.‬‬
‫وفي خطاب لمندوب إسرائيل في المم المتحّدة ) بنيامين نتنياهو ( عام ‪1985‬م‬
‫‪ -‬الذي أصبح فيما بعد رئيسا لسرائيل ‪ -‬أمام المسيحيين الصهاينة ‪ ،‬قال ‪ " :‬إن‬
‫كتابات المسيحيين الصهاينة ‪ ،‬من النجليز والمريكان ‪ ،‬أّثرت بصورة ُمباشرة‬
‫على تفكير قادة تاريخيين ‪ ،‬مثل ) لويد جورج ( و ) آرثر بلفور ( و ) ودرو‬
‫ويلسون ( ‪ ،‬في مطلع هذا القرن … الذين لعبوا دورا أساسيا ‪ ،‬في إرساء‬
‫القواعد السياسية والدولية ‪ ،‬لحياء الدولة اليهودية " ‪.‬‬
‫حلما بالرض‬ ‫وتقول ‪ " :‬لم يكن حلم هرتزل روحانيا ‪ ،‬بل كان جغرافيا ‪ ،‬كان ُ‬
‫والقوة ‪ .‬وعلى ذلك فإن السياسة الصهيونية ضّللت الكثير من اليهود … وقد‬
‫اّدعى الصهاينة السياسيون ‪ ،‬أنه لم يكن هناك فلسطينيون ‪ ،‬يعيشون في‬
‫فلسطين … ويقول ) موش مانوحين ( ‪ :‬أنه انتقل إلى الدولة اليهودية الجديدة ‪،‬‬
‫على أمل أن يجد جّنة روحية ‪ ،‬ولكّنه اكتشف أن الصهاينة " ل يعبدون ال ‪،‬‬
‫ولكنهم يعبدون قوتهم " ‪.‬‬
‫وتقول ‪ " :‬لن يهود أمريكا – مثل ) آندي غرين ( – يعرفون أنه يمكنهم‬
‫العتماد ‪ ،‬على دعم ‪ 40‬مليون مسيحي إنجيلي أصولي ‪ ،‬فهم ُيصادرون‬
‫الرض من الفلسطينيين بقوة السلح ‪ .‬ويقول غرين الذي انتقل إلى إسرائيل‬
‫عام ‪1975‬م ‪ ،‬ول يزال يحتفظ بجواز سفره المريكي ‪ " :‬ليس للعرب أي حق‬
‫في الرض ‪ ،‬إنها أرضنا على الطلق ‪ ،‬هكذا يقول الكتاب المقّدس ‪ ،‬إنه أمر‬
‫ل نقاش فيه ‪ .‬من أجل ذلك ‪ ،‬ل أجد أي ُمبرر للتحّدث مع العرب ‪ ،‬حول‬
‫ادعاءاتهم المنافسة لنا ‪ .‬إن القوى هو الذي يحصل على الرض " ‪.‬‬
‫الحصول على الدعم السياسي والعسكري والقتصادي ‪ ،‬هو غاية إسرائيل من‬
‫التحالف مع اليمين المسيحي ‪:‬‬
‫يوضح ) ناتان بيرلمتر ( يهودي أمريكي ‪ ،‬من حركة ) بناي برث ( – منظمة‬
‫يهودية ‪ -‬في أمريكا ‪ ،‬أسباب تحالف يهود الوليات المتحدة مع الصوليين‬
‫‪327‬‬
‫سرون نصوص الكتاب‬ ‫المسيحيين ‪ ،‬بقوله ‪ " :‬أن الصوليين النجيليين ‪ُ ،‬يف ّ‬
‫الُمقّدس بالقول ‪ " :‬أن على جميع اليهود ‪ ،‬أن يؤمنوا بالمسيح أو أن ُيقتلوا في‬
‫معركة هرمجدون ‪ .‬ولكنه يقول في الوقت نفسه ‪ " :‬نحن نحتاج إلى كل‬
‫الصدقاء لدعم إسرائيل … وعندما يأتي المسيح فسوف نفكر في خياراتنا‬
‫آنذاك ‪ .‬أما الن دعونا ُنصّلي ونرسل السلحة " ‪.‬‬
‫تشير الكاتبة إلى كتاب ) مصير اليهود ( للمؤلفة اليهودية ) فيورليخت ( ‪ ،‬الذي‬
‫تصفه بالرائع ‪ ،‬حيث تقول فيه الكاتبة اليهودية ‪ " :‬أن أول مساهمة لليهودية‬
‫كانت القانون الخلقي ‪ ،‬وأن عظمة اليهودية ‪ ،‬لم تكن في ملوكها وإنما في‬
‫أنبيائها ‪ .‬وأن ال لم يأمر اليهود بالموت ‪ ،‬ولكّنه أمرهم بالحياة ‪ .‬وُتدّلل على‬
‫قولها بنص من التوراة " لقد وضعت أمامكم الحياة والموت … ولذلك عليكم‬
‫أن تختاروا الحياة " ‪ .‬وُتضيف ‪ :‬مع ذلك فإن السرائيليين بوضع مصيرهم بيد‬
‫الجيوش والسلحة ‪ ،‬وبتشريفهم الجنرالت أكثر من النبياء ‪ .‬ل يختارون‬
‫ن أولئك الذين يجعلون من‬ ‫الحياة وإنما يختارون الموت "‪ .‬وُتحّذر ‪ ،‬من أ ّ‬
‫إسرائيل إلها ُيعبد ‪ ،‬يدفعوننا في هذا التجاه " ‪.‬‬
‫ش وتلخص الكاتبة أهداف إسرائيل من التحالف ‪ ،‬مع اليمين المسيحي في‬
‫الوليات المتحدة ‪:‬‬
‫• الحصول على المال ‪.‬‬
‫• أن يكون الكونغرس مجرد خاتم مطاطي للموافقة على أهدافها السياسية ‪.‬‬
‫• تمكينها من السيطرة الكاملة والمنفردة على القدس ‪.‬‬
‫وتقول على لسان ) إسرائيل شاهاك ( ‪ " :‬إن طبيعة الصهيونية هي البحث‬
‫جه الصهاينة السياسيون إلى إنجلترا ‪،‬‬
‫الدائم ‪ ،‬عن حاٍم ومعيل ‪ .‬في البداية تو ّ‬
‫جهون ويعتمدون كلّيا على الوليات المتحدة ‪ .‬وقد أقاموا هذا الحلف‬ ‫والن يتو ّ‬
‫مع اليمين المسيحي الجديد ‪ ،‬لكي ُيبّرر أي عمل عسكري أو إجرامي ‪ ،‬تقوم به‬
‫إسرائيل " ‪.‬‬
‫وتقول الكاتبة ‪ " :‬إن للقادة الصوليين النجيليين اليوم ‪ ،‬قوة سياسية ضخمة ‪.‬‬
‫إن اليمين المسيحي الجديد ‪ ،‬هو النجم الصاعد في الحزب الجمهوري ‪،‬‬
‫وتحصد إسرائيل مكاسب سياسية جمة ‪ ،‬داخل البيت البيض من خلل تحالفها‬
‫معه " ‪.‬‬
‫‪328‬‬
‫وتنقل الكاتبة ‪ :‬إن ) مارفن ( – أحد زملئها في رحلة الحج ‪ -‬كغيره من اليمين‬
‫المسيحي الجديد ‪ ،‬يشعر بالنشوة لنه مع الحليف الرابح ‪ .‬وقد نقل إلي مرة‬
‫المقطع ‪ 110‬الذي يتحّدث عن يهوه وهو يسحق الرؤوس ‪ ،‬ويمل الرض‬
‫بجثث غير المؤمنين ‪ ،‬والمقطع ‪ 137‬الذي ُيعرب فيه عن الرغبة من النتقام ‪،‬‬
‫من أطفال بابليين وإلقائهم فوق الصخور ‪ .‬ثم قال ) مارفن ( ‪ :‬وهكذا يتوجب‬
‫على السرائيليين أن ُيعاملوا العرب بهذه الطريقة ‪ .‬ورغم أن ) مارفن ( كان‬
‫معجبا ومطلعا على نصوص التاريخ التوراتي ‪ ،‬إل أنه كان جاهل فيما يتعلق‬
‫بالصراع العربي السرائيلي ‪ .‬لنه يعرف مسبقا ‪ ،‬كل ما يعتقد أن ال يريد منه‬
‫أن يعرفه ‪ .‬وقال لي ‪ " :‬إن على المريكيين أن يتعلموا من السرائيليين كيف‬
‫ُيحاربون " ‪ .‬ويشارك ) مارفن ( كذلك ‪ ،‬هؤلء بالعتقاد " بأننا نحن‬
‫المسيحيين نؤخر وصول المسيح ‪ ،‬من خلل عدم مساعدة اليهود ‪ ،‬على‬
‫مصادرة مزيد من الرض من الفلسطينيين " ‪.‬‬
‫وتخُلص الكاتبة إلى القول أن عدة مليين ‪ ،‬من المسيحيين المريكيين ‪،‬‬
‫يعتقدون أن القوانين الوضعية ‪ ،‬يجب أل ُتطبق على مصادرة اليهود‬
‫واسترجاعهم لكل أرض فلسطين ‪ .‬وإذا تسّبب ذلك في حرب عالمية نووية ثالثة‬
‫‪ ،‬فإنهم يعتقدون بأنهم تصّرفوا بمشيئة ال " ‪.‬‬
‫وتذكر الكاتبة أن هناك قائمة ‪ ،‬بأسماء ‪ 250‬منظمة إنجيلية أصولية موالية‬
‫لسرائيل ‪ ،‬من مختلف الحجام والعمق في أمريكا ‪ ،‬ومعظم هذه المنظمات نما‬
‫خلل السنوات الخمس الخيرة ‪ ،‬أي منذ عام ‪1980‬م ‪.‬‬
‫وتقول الكاتبة في فصل مزج الدين بالسياسة ‪ " :‬أن السرائيليون ُيطالبون‬
‫بفرض سيادتهم وحدهم ‪ ،‬على المدينة التي ُيقّدسها مليار مسيحي ومليار مسلم ‪،‬‬
‫وحوالي ‪ 14‬مليون يهودي ‪ .‬وللدفاع عن اّدعائهم هذا ‪ ،‬فإن السرائيليين –‬
‫ومعظمهم ل يؤمن بال – يقولون ‪ :‬بأن ال أراد للعبرانيون ‪ ،‬أن يأخذوا القدس‬
‫جه السرائيليون إلى ) مايك ايفنز‬ ‫إلى البد ‪ .‬ومن أجل ترويج هذه الرسالة ‪ ،‬تو ّ‬
‫صر ليساعد‬ ‫( اليهودي المريكي ‪ ،‬الذي ُقّدم في أحد المعابد ‪ ،‬على أنه قسّ تن ّ‬
‫شعبه ‪ ،‬وأنه صديق لجورج بوش ‪ ،‬ويحتل مكانة مرموقة في الحزب‬
‫الجمهوري ‪ ،‬ومن حديثه في هذا المعبد قوله ‪ " :‬إن ال يريد من المريكيين ‪،‬‬
‫نقل سفارتهم من تل أبيب إلى القدس ‪ ،‬لن القدس هي عاصمة داود ‪ .‬ويحاول‬
‫الشيطان أن يمنع اليهود ‪ ،‬من أن يكون لليهود حق اختيار عاصمتهم ‪ .‬إذا لم‬
‫‪329‬‬
‫تعترفوا بالقدس ملكية يهودية ‪ ،‬فإننا سندفع ثمن ذلك من حياة أبنائنا وآبائنا ‪ .‬إن‬
‫ال ‪ ،‬سُيبارك الذين ُيباركون إسرائيل ‪ ،‬وسيلعن لعنيها " ‪.‬‬
‫الخاتمة ‪:‬‬
‫وفي الخاتمة تقول الكاتبة ‪ " :‬فكرت في خيارنا للحياة أو الموت ‪ ،‬طوال السنين‬
‫العديدة الماضية ‪ ،‬مستمعة إلى ) جيري فولويل ( وغيره من النجيليين ‪ ،‬الذين‬
‫يطّلون علينا عبر الهاتف ‪ ،‬والكتاب المقّدس باليد الخرى ‪ ،‬ناقلين عن كتاب‬
‫دانيال من العهد القديم ‪ ،‬وعن كتاب سفر الرؤيا من العهد الجديد ‪ ،‬قائلين ‪ :‬أن‬
‫ال قد قضى علينا أن نخوض حربا نووية مع روسيا ‪...‬‬
‫اقتناعا منهم بأن هرمجدون نووية ل مفر منها ‪ ،‬بمقتضى الخطة اللهية ‪ .‬فإن‬
‫العديد من النجيليين المؤمنين بالتدبيرية ‪ ،‬ألزموا أنفسهم سلوك طريق مع‬
‫إسرائيل ‪ ،‬يؤدي بشكل مباشر – باعترافهم أنفسهم – إلى محرقة أشّد وحشية ‪،‬‬
‫وأوسع انتشارا ‪ ،‬من أي مجزرة ‪ُ ،‬يمكن أن يتصورها عقل ) أدولف هتلر (‬
‫الجرامي …‬
‫لقد وجدت فكرهم الوعظي ‪ ،‬تحريضيا تصادميا ‪ ،‬في حّثهم على الستعداد‬
‫لنهاية العالم ‪ ،‬إنهم يدفعونني إلى العتقاد ‪ ،‬بأننا قطعنا مسافة طويلة بعيدا عن‬
‫بداياتنا كبشر ‪ .‬إن معظمنا يتمسك باعتبار حسن الجوار ‪ ،‬كعلقة رائعة في‬
‫حياتنا المتحضرة ؛ معاملة الخرين كما نحب أن ُيعاملونا ‪ ،‬وفوق ذلك عاش‬
‫الكثيرين بهدف أكثر نبل ؛ وهو مغادرة هذه الدنيا في حاله ‪ ،‬أفضل من تلك‬
‫التي وجدوها عليها " ‪.‬‬
‫بعد هذا العرض لبعض ما جاء في هذا الكتاب ‪ ،‬نستطيع القول أن الحلف‬
‫المنعقد بين إسرائيل والوليات المتحّدة ‪ ،‬هو حلف عقائدي عسكري ‪ُ ،‬تغذيه‬
‫النبوءات التوراتية والنجيلية ‪ .‬لدرجة أن الكثير من أفراد الشعب المريكي‬
‫ل ‪ ،‬يتمنى لو أنه ولد يهوديا ‪ ،‬لينعم بالنتساب إلى شعب ال المختار ‪،‬‬ ‫الضا ّ‬
‫الذي يقاتل ال عنهم في جميع حروبهم ضد الكفرة من المسلمين والشيوعيين ‪.‬‬
‫ونحن كمسلمين بتواجدنا على أرض اليهود ‪ ،‬وبمقاومتنا للحتلل الصهيوني ‪،‬‬
‫نمنع ال من تحقيق إرادته ‪ ،‬بإعطاء أرض فلسطين لليهود ‪ .‬فالشعب المريكي‬
‫ينظر على أن اليهود هم جنود ال ‪ ،‬وأن الفلسطينيون هم إرهابيون وجنود‬
‫شرفاء أمريكا ‪ ،‬يعتقدون بعكس ذلك ‪ ،‬من الذين‬ ‫الشيطان ‪ ،‬وأن قلة قليلة من ُ‬
‫‪330‬‬
‫سبروا أغوار الحقيقة ‪ ،‬ودرسوا التاريخ والجغرافيا والواقع ‪ ،‬بعين العدالة‬
‫والنصاف ‪ ،‬حتى أن بعضهم طعن في مصداقية كتبهم الُمقّدسة ‪ ،‬ولكن كل‬
‫جهود الشرفاء ‪ ،‬من مواقف ومحاضرات وبرامج ومؤلفات ‪ ،‬ذهبت أدراج‬
‫الرياح ‪ ،‬لنهم قلة ول يملكون ‪ ،‬ما يملكه اليهود وأتباعهم من القوة والمال ‪،‬‬
‫فكانوا كمن ُيجّدف بالرمال ‪.‬‬
‫ش ونستطيع تلخيص العلقة ما بين إسرائيل وأمريكا ) اليهود والنصارى ( كما‬
‫يلي ‪:‬‬
‫• أن التحالف بين الدولتين ‪ ،‬فضل عن كل شيء ‪ ،‬هو حلف ديني عقائدي ‪،‬‬
‫أقوى من أي معاهدة أو اتفاقية مكتوبة على الورق ‪.‬‬
‫• كل من المريكان والسرائيليون ينتظرون المسيح الخاص بهم ‪.‬‬
‫• يتفق الطرفان على أن قيام الدولة اليهودية في فلسطين إشارة لقرب مجيئه‬
‫‪.‬‬
‫• ويتفق الطرفان على وجوب سيطرة اليهود ‪ ،‬على فلسطين كاملة ‪ ،‬واتخاذ‬
‫القدس عاصمة لهم ‪ ،‬ومن ثم يتوجب عليهم إقامة الهيكل مكان المسجد‬
‫القصى ‪ ،‬وأن هذه المور ‪ ،‬ما لم تأخذ مجراها على أرض الواقع ‪ ،‬فإنها‬
‫ستعطل مجيء المسيح بالنسبة للطرفين ‪.‬‬
‫• وأن ظهور المسيح سيكون مسبوقا ‪ ،‬بحرب ُمدمرة ستقع بين إسرائيل‬
‫وأعدائها ‪ ،‬تحصد ما ل ُيعّد ول ُيحصى من أرواح البشر ‪ ،‬وتنتهي بخراب‬
‫الرض ‪ ،‬ورّواد المؤامرة اليهودية العالمية ‪ ،‬يبذلون قصارى جهدهم‬
‫لشعالها ‪ ،‬لقطف ثمار مخططهم الشيطاني ‪ ،‬بإثارة الفتن وافتعال الزمات ‪.‬‬
‫• وبناء على ذلك ‪ ،‬تجد أمريكا نفسها ملزمة عقائديا ‪ ،‬بتسليح إسرائيل ما‬
‫أمكنها ذلك ‪ ،‬وبدعمها في كل مخططاتها داخل فلسطين وخارجها ‪ .‬استعدادا‬
‫لوقوع هذه الحرب المدمرة ‪ ،‬لضمان انتصار إسرائيل وحلفائها ضد أعداء‬
‫ال ‪.‬‬
‫هكذا هي المعادلة بكل بساطة ‪ ،‬فساسة الشعب المريكي جملة وتفصيل ‪،‬‬
‫صهاينة أكثر من ساسة إسرائيل أنفسهم ‪ ،‬وما عبادة المريكيين ‪ ،‬لسرائيل إل‬
‫لتقّربهم إلى ال زلفى ‪ ،‬ولذلك يسعى المريكيون قبل السرائيليون ‪ ،‬لتلبية‬

‫‪331‬‬
‫متطلبات مجيء المسيح ‪ ،‬وأعجب من العرب عندما يطلبون من صهاينة‬
‫الغرب ‪ ،‬رفع ظلم صهاينة الشرق ‪.‬‬
‫ولو عدنا بالذاكرة إلى الوراء ‪ ،‬وبدأنا بتتّبع الرؤساء المريكيين المتأخرين ‪،‬‬
‫لتبين لنا أن الرؤساء من الحزب الديموقراطي ‪ ،‬كانوا أكثر اعتدال وأكثر ميل‬
‫إلى السلم مع العرب وروسيا ‪ ،‬بغض النظر عن مفهومهم له ‪ ،‬وأقل تجاوبا‬
‫مع متطلبات الصهيونية اليهودية ‪ ،‬والصهيونية المسيحية الُمتطّرفة ‪ ،‬كما هو‬
‫حال الرئيس ) كارتر ( – الذي انتهت وليته عام ‪1980‬م – حيث ُأنجزت في‬
‫عهده اتفاقية ) كامب ديفيد ( بين مصر وإسرائيل ‪ ،‬والرئيس ) كلينتون ( ‪،‬‬
‫‪200-1992‬م ‪ ،‬الذي ُأنجزت في عهده اتفاقية وادي عربة بين الردن‬
‫وإسرائيل ‪ ،‬وحاول جاهدا صنع ) كامب ديفيد ( أخرى مع الفلسطينيين ‪ ،‬رغم‬
‫محاولته الخجولة لرضاء هؤلء بقصف مصانع الدوية السودانية ‪ ،‬وقصف‬
‫العراق بين حين وأخر ‪.‬‬
‫ولتبين لنا أيضا ‪ ،‬أن الرؤساء من الحزب الجمهوري اليميني المسيحي‬
‫النجيلي التوراتي الصولي المتطّرف ‪ ،‬كانوا أكثر تطرفا وعدوانية ‪ ،‬وأقل‬
‫اهتماما بالسلم ‪ ،‬ويتجاوبون مع متطلبات اليهود ‪ ،‬بل ُينّفذونها بحذافيرها ‪.‬‬
‫ن الحرب على ليبيا ‪ ،‬وتم في عصره‬ ‫فالرئيس ) ريغان ( ‪1988-1980‬م ‪ ،‬ش ّ‬
‫ضرب المفاعل العراقي ‪ ،‬واجتياح بيروت ‪ ،‬واشتعلت الحرب اليرانية ‪ ،‬وتم‬
‫إطالة أمدها ‪ ،‬وانتهت بنهاية وليته ‪ .‬والرئيس ) بوش الب ( ‪-1988 ،‬‬
‫ن الحرب على العراق ‪ ،‬وفرض عليه الحصار ‪ ،‬وتم إسقاط‬ ‫‪1992‬م ‪ ،‬ش ّ‬
‫الشيوعية وتفكيك التحاد السوفييتي ‪ ،‬وأعلن عن النظام العالمي الجديد ‪،‬‬
‫المذكور في بروتوكولت اليهود ‪.‬‬
‫ومؤخرا جاء دور ) بوش البن ( ‪ ،‬لُيكمل سلسلة جرائم أسلفه من‬
‫الجمهوريين ‪ ،‬وُينفذ ما ُأعّد له هؤلء من برامج مسبقة ‪ ،‬كان أبالسة اليهود قد‬
‫ط أجدادهم أسفار التوراة والنجيل ‪،‬‬ ‫طوها ‪ ،‬قبل وصوله لسدة الحكم ‪ ،‬كما خ ّ‬ ‫خّ‬
‫وبروتوكولت الحكماء ‪ ،‬فيما ُيسّمى ) بتقرير معهد واشنطن لسياسات الشرق‬
‫الدنى ‪ ، ( 2001‬حيث بدأ بتنفيذ ما جاء فيه من أوامر ‪ ،‬فور تسّلمه للسلطة ‪:‬‬
‫‪ .1‬فضرب بغداد دون سابق إنذار ‪ ،‬وبدأت إدارته بالترويج " للعقوبات‬
‫الذكية " ‪ ،‬التي طالب بها خبثاء معهد واشنطن ‪.‬‬
‫‪ .2‬وأظهر عداءه لروسيا والصين ‪.‬‬
‫‪332‬‬
‫‪ .3‬وطلب الرئيس المصري لمعاقبة مصر ‪ ،‬على موقفها المتشّدد مع إسرائيل‬
‫في قمة القاهرة ‪ ،‬بخفض المساعدات وتأخير إنشاء منطقة التجارة الحرة ‪،‬‬
‫فيما لو أصّرت على ذلك ‪.‬‬
‫‪ .4‬وصّرح عن رغبته في نقل السفارة المريكية إلى القدس ‪.‬‬
‫‪ .5‬ودعم إسرائيل في قمعها لنتفاضة الرهابيين الفلسطينيين ‪ ،‬وبّرر وما‬
‫زال ُيبّرر جرائمها ‪.‬‬
‫‪ .6‬وظهر هناك من يدعو إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان ‪ ،‬من‬
‫اللبنانيين المدعومين بالموال اليهودية تحت غطاء الدين ‪.‬‬
‫‪ .7‬وقام وزير الخارجية بجولة في دول المنطقة ‪ ،‬لشرح السياسة الجديدة‬
‫التي جاء بها هذا التقرير ‪ ،‬الذي تمت صياغته بذكاء ودهاء يهودي صرف ‪،‬‬
‫بناء على المخاوف النبوية التوراتية ‪.‬‬
‫تقرير معهد واشنطن لسياسة الشرق الدنى لعام ‪2001‬م‬
‫ُيؤكد هذا التقرير أن مصير هذه المنطقة ‪ ،‬مرهون بما جاء من نبوءات في‬
‫طلعت‬ ‫الكتب المقّدسة ‪ ،‬ومرهون أيضا بكيفية تفسيرهم لهذه النبوءات ‪ .‬وإذا ا ّ‬
‫على هذا التقرير ‪ ،‬الذي يوضح السياسات ‪ ،‬التي يتوجب على الرئيس‬
‫المريكي نهجها ‪ ،‬للسيطرة على هذه المنطقة واستعباد شعوبها ‪ ،‬ستجد أنها قد‬
‫س السم في العسل ‪ ،‬بناًء على المخاوف‬ ‫ُرسمت بدهاء ومكر ‪ ،‬على طريقة د ّ‬
‫اليهودية ‪ ،‬المنبثقة من النبوءات التوراتية ‪ .‬حيث أن ُمجمل بنود هذا التقرير ‪،‬‬
‫جاءت لدرء المخاطر عن الدولة اليهودية فقط ل غير ‪ .‬وفيما يلي سنعرض من‬
‫فصول هذا التقرير الخمسة ‪ ،‬بعض المقتطفات شديدة التعلق بموضوع هذا‬
‫الكتاب ‪ .‬وقد ُنشر هذا التقرير مترجما على حلقات ‪ ،‬في جريدة العرب اليوم‬
‫الردنية ‪ ،‬في النصف الول من شهر ‪3/2001‬م ‪.‬‬
‫تأسس معهد واشنطن عام ‪1985‬م ‪ ،‬وهو يعمل كوحدة للبحوث ‪ ،‬تابعة للجنة‬
‫ب ) ايباك ( ‪ ،‬وهي الُمنظّمة‬‫للعلقات العاّمة المريكية السرائيلية ‪ ،‬المسماة ِ‬
‫الصهيونية الولى في الوليات الُمتحدة ‪ ،‬التي ُتعتبر " خط الدفاع الول عن‬
‫إسرائيل " ‪ ،‬ويضم في عضويته مفكرون وسياسيون وخبراء أمريكيون يهودا‬
‫ومسيحيين ‪ ،‬صهاينة في الفكر والمعتقد ‪ .‬وقد تطّور هذا المعهد ليصبح مصدر‬
‫التأثير العظم ‪ ،‬في صنع القرارات السياسية الخاصة بالمنطقة ‪ ،‬التي تتخذها‬
‫‪333‬‬
‫الدارات المريكية المتعاقبة ‪ .‬ويصدر هذا التقرير في بداية كل ولية رئاسية‬
‫جديدة ‪ ،‬ليكون نورا يهتدي به الرئيس المريكي الجديد ‪ ،‬ونجاح هذا الرئيس‬
‫وفشله لدى سادته اليهود ‪ ،‬يعتمد على مدى التزامه ‪ ،‬ومقدار ما أنجزه من‬
‫ظمة على علقة وثيقة مع الرؤساء‬ ‫الهداف الواردة في التقرير ‪ ،‬وهذه المن ّ‬
‫والساسة المريكان ‪ ،‬وفي العادة ‪ ،‬تقيم مأدبة عشاء على شرف الرئيس‬
‫المريكي ‪ ،‬بين الحين والخر ‪ ،‬لُيعلن في خطابه الفتتاحي ‪ -‬كما جرت العادة‬
‫‪ -‬عن ولئه المطلق لسرائيل ‪ ،‬وعبوديته لليهود العالميون ‪.‬‬
‫الفصل الول ‪:‬‬
‫دبلوماسية عربية إسرائيلية ‪ -‬اردع الحرب القليمية ‪ ،‬بين إسرائيل والدول‬
‫العربية ‪ ،‬واستطلع مسالك جديدة ‪.‬‬
‫تقويم دروس تجربة أوسلو ‪ ،‬واستطلع مسارات بديلة للسلم ‪:‬‬
‫التأكيد على أن الوليات المتحدة حليفة لسرائيل ‪ ،‬وأنها ل ترتبط معها بأحكام‬
‫ومعاهدات مكتوبة ‪ ،‬وإنما بروابط أقوى من القيم والمصالح المشتركة ‪.‬‬
‫المضي قدما في نقل سفارة الوليات المتحدة إلى الموقع المقرر في القدس‬
‫الغربية ‪.‬‬
‫تشجيع الجهود الدولية للمساعدة في تخفيف التوتر القليمي ‪:‬‬
‫التركيز على الدول الموالية للغرب ‪ :‬تحتاج الوليات المتحدة إلى التواصل مع‬
‫الزعماء العرب والمسلمين ‪ ،‬ومع شعوبهم ‪ ،‬في السعي إلى إشراكهم ‪ ،‬في‬
‫ن دور الدول‬‫حوار صادق وصريح ‪ ،‬حول آراء ومصالح كل منهم ‪ .‬إذ أ ّ‬
‫الموالية للغرب في المنطقة مهم جدا ‪ ،‬في وضع الجندة السياسية الجتماعية‬
‫الثقافية للشرق الوسط ‪ ،‬ويصدق ذلك بشكل خاص على مصر وتركيا ‪،‬‬
‫والعربية السعودية والمغرب والردن ‪ .‬وقد اتضح ذلك أثناء قمة كامب ديفيد‬
‫‪ 2000‬وبعدها ‪ ،‬عندما أدى غياب التشاور ‪ ،‬مع الدول العربية الرئيسية ‪ ،‬حول‬
‫قضية القدس خصوصا ‪ ،‬إلى تقليص فرصة قبول عرفات ‪ ،‬بأي من الحلول‬
‫طرحت في الجتماع ‪.‬‬ ‫المختلفة ‪ ،‬التي ُ‬
‫تتحمل مصر من بين جميع الدول ‪ ،‬المسؤولية الكبر ‪ ،‬بصفتها الدولة العربية‬
‫القوى ‪ ،‬والدولة التي تحمل إجراءاتها الثر الكثر أهمية في المنطقة ‪ .‬إذ‬
‫‪334‬‬
‫ُتعتبر تصريحات الرئيس المصري حسني مبارك ‪ ،‬ضد أي توسيع للنزاع‬
‫الفلسطيني السرائيلي ‪ ،‬وضد تحويله إلى حرب عربية إسرائيلية ‪ ،‬جدارا واقيا‬
‫‪ ،‬بوجه انتشار المزيد من الراديكالية ) أي التوجه المعادي لسرائيل والغرب (‬
‫‪.‬‬
‫المثلث السرائيلي اللبناني السوري ‪ :‬ينبغي على الدارة المريكية الجديدة ‪،‬‬
‫أن ُتعّزز قوة الردع السرائيلية ضد احتمالت تعرضها ‪ ،‬لهجمات برية أو‬
‫صاروخية ‪ ،‬تقوم بها قوات حزب ال ‪ ،‬المدعوم من سوريا وإيران ‪ .‬على‬
‫الدارة المريكية أن تدعم الحركة الناشئة في لبنان ‪ ،‬والداعية إلى الضغط من‬
‫أجل المزيد من الحرية في الداخل ‪ ،‬وتخفيف قبضة سوريا المطبقة على‬
‫الشؤون اللبنانية ‪.‬‬
‫الفصل الثاني ‪:‬‬
‫أسلحة الدمار الشامل ‪ -‬امنع النتشار ‪ ،‬واردع الستخدام ‪.‬‬
‫من الممكن أن تشهد السنوات الربع المقبلة ‪ ،‬تحقق تقديرات الستخبارات‬
‫المريكية ‪ ،‬بأن إيران سوف تطور نظاما صاروخيا متعدد المراحل ‪ُ ،‬يمّكنها‬
‫من تطوير صاروخ عابر للقارات ‪ .‬ومن الممكن خلل الفترة نفسها أن ُيطور‬
‫العراق أو إيران سلحا نوويا ‪ ،‬خصوصا في حالة حصولها على الوقود‬
‫النووي ‪ ،‬بصورة سرية من التحاد السوفييتي السابق مثل ‪ .‬والحصول عليها‬
‫من قبل جماعات إرهابية بمساعدة بعض الحكومات ‪.‬‬
‫الكثيرون في المنطقة يتهمون الوليات المتحدة بازدواجية المواقف ‪ ،‬فيما‬
‫يتعّلق بقدرة العراق النووية ‪ .‬فعلى الرغم من القلق الذي توّلده السلحة‬
‫النووية ‪ ،‬من وجهة النظر الداعية إلى عدم النتشار ‪ .‬فإن هذه السلحة توفر‬
‫لسرائيل هامشا من المن ‪ ،‬يمكنها من المجازفة بعقد السلم مع جارات‬
‫معينة ‪ .‬في الوقت الذي تطور فيه دول أخرى في المنطقة ‪ -‬ما زالت تهدد‬
‫بتدمير إسرائيل ) أي العراق ( ‪ -‬الوسائل الكفيلة بتنفيذ تلك التهديدات ‪.‬‬
‫الفصل الثالث ‪:‬‬
‫الرهاب ‪ -‬اعمل على تقوية الرد على التهديدات الجديدة ‪.‬‬

‫‪335‬‬
‫اعزل جهود مكافحة الرهاب عن ديناميكيات العملية السلمية ‪ ،‬وعزز الرد‬
‫على التحديات المستمرة ‪:‬‬
‫ينبغي على الوليات المتحدة ‪ ،‬أن تتبع سياسة ل تسامح فيها ‪ :‬ففي الوقت الذي‬
‫يحق للسلطة الفلسطينية ‪ ،‬أن تختلف مع إسرائيل حول القضايا الدبلوماسية ‪،‬‬
‫فإن العلقة المريكية الفلسطينية ‪ ،‬يجب أن تدفع ثمن التهاون ‪ ،‬الذي ُتبديه‬
‫السلطة الفلسطينية بشأن التزامها بمكافحة الرهاب ‪.‬‬
‫ينبغي على الوليات المتحدة ‪ ،‬أن ُتعزز جهودها الرامية للرتقاء بالتعاون‬
‫الدولي ‪ ،‬ضد شبكات العنف السلمية الُمتطّرفة ‪ .‬وينبغي أن تعمل مع دول‬
‫أوروبا والشرق الوسط ‪ ،‬لممارسة ضغط جماعي على تلك الدول القليلة ‪،‬‬
‫التي ما زالت تقدم الملذ للرهابيين ‪ ،‬أو تغض النظر عنهم ‪ ،‬وهي إيران‬
‫وباكستان واليمن وأفغانستان ‪.‬‬
‫* وقفة قصيرة مع مقال ‪ ،‬في جريدة الدستور الردنية الصادرة ‪ ،‬بتاريخ ‪– 5‬‬
‫‪2001 – 7‬م ‪ ،‬نقل عن رويترز ‪:‬‬
‫) تصدير المقال ‪ :‬في حال هاجم ابن لدن مصالح أمريكية ‪ -‬واشنطن ُتهّدد‬
‫طالبان بانتقام عسكري (‬
‫" واشنطن – رويترز ؛ قال نائب وزير الخارجية المريكية ) ريتشارد‬
‫ن انتقاما عسكريا ‪ ،‬على‬‫أرميتاج ( ‪ :‬أن الوليات المتحّدة قد تش ّ‬
‫ن أسامة بن لدن ‪ ،‬على هجمات مصالح‬ ‫حركة طالبان ‪ ،‬إذا ش ّ‬
‫أمريكية ‪ .‬وكان ) أرميتاج ( ُيعّقب على تحذير قّدمه إلى طالبان ‪،‬‬
‫سفير الوليات المتحدة لدى باكستان ) ويليام ملم ( ‪ ،‬في اجتماع‬
‫عقد في إسلم أباد ‪ ،‬يوم الجمعة الماضي ‪ .‬وقال مسؤول في طالبان‬ ‫ُ‬
‫لرويترز ‪ ،‬أن طالبان التي توفر المأوى لبن لدن ‪ ،‬تم إبلغها بأنها‬
‫ستتحمل المسؤولية ‪ ،‬عن أي هجمات على مصالح أمريكية … " ‪،‬‬
‫انتهى ‪.‬‬
‫طور الستخدام الفّعال لدوات السياسة المريكية المتوفرة ‪:‬‬
‫لخضاع الرهابيين للدانة الجنائية ‪ ،‬يتحتم على الوليات المتحدة ‪ ،‬متابعة‬
‫اللتزام بملحقة أولئك المجرمين ‪ ،‬حتى وإن واجه المر عقبات دبلوماسية ‪.‬‬
‫على الحكومة التحادية ‪ ،‬العمل على إيقاف المناصرين المحليين المؤيدين‬
‫‪336‬‬
‫للجماعات الرهابية ‪ ) ،‬المقصود هنا هو الجاليات العربية الداعمة للحركات‬
‫الجهادية في فلسطين ( ‪.‬‬
‫لقد تقلص عدد الدول الداعمة للرهاب ‪ ،‬إلى سبع دول ‪ .‬وآخر الدول ‪ ،‬التي‬
‫ُرفع اسمها هي العراق عام ‪1982‬م وأعيد عام ‪1991‬م ‪ ،‬أما آخر اسم ُأضيف‬
‫للقائمة هو السودان عام ‪1993‬م ‪ .‬على الرئيس كجزء من عملية إعادة النظر ‪،‬‬
‫أن ُيفكر بتحديد الطرق ‪ ،‬التي تستطيع من خللها تلك الدول من رفع اسمها من‬
‫القائمة ) أي وضع متطلبات جديدة لشهادات حسن السيرة والسلوك المريكية (‬
‫‪ .‬وخصوصا تلك التي أظهرت اهتماما بذلك مثل ليبيا والسودان وسوريا ‪ .‬بعد‬
‫ذلك يجب ربط درجة الدعم المقّدم للرهاب ‪ ،‬بدرجة العقوبات التي تفرضها‬
‫الوليات المتحدة ‪ ،‬وكذلك بمستوى التعامل ‪ ،‬الذي يقوم بين الحكومة المعنية ‪،‬‬
‫وحكومة الوليات المتحدة ‪.‬‬
‫الفصل الرابع ‪:‬‬
‫العراق وإيران ‪ -‬اعمل من أجل التغيير ‪.‬‬
‫إن الموقف من العراق وإيران ‪ُ ،‬يعتبر من أهم القضايا السياسية التي تواجه‬
‫ل من الدولتين ُيعتبر لعبا ُمهّما في الخطرين‬‫الدارة المريكية الجديدة ‪ .‬فك ٌ‬
‫الرئيسين ‪ ،‬اللذين يتهددان مصالح الوليات المتحدة في المنطقة ) والمصالح‬
‫هي وجود إسرائيل فقط ( ‪ .‬واللذين حّددهما هذا التقرير بزعزعة العملية‬
‫السلمية – لدرجة النزلق نحو الحرب – وبامتلك أسلحة الدمار الشامل ‪.‬‬
‫في إيران يبدو التغيير يلوح في الفق ‪ ،‬وأنه سيكون ثمرة للديناميكيات السياسية‬
‫الداخلية ‪ .‬أما بالنسبة للعراق فإن القصة مختلفة ‪ ،‬ومن المور الُمحزنة ‪ ،‬كوننا‬
‫مقتنعين بأن التغيير في العراق يكاد يكون مرتبطا بصورة حتمية بالعنف ‪ ،‬أي‬
‫بانقلب أو بانتفاضة داخلية ‪ ، … ،‬ينبغي على الرئيس المريكي ‪ ،‬أن ُيطور‬
‫استراتيجية شاملة ‪ ،‬تنطوي على خطوات فّعالة ‪ ،‬تهدف إلى الضغط على‬
‫صدام حسين في عدة جبهات ‪.‬‬
‫وحتى يحين موعد التغيير في العراق وإيران ‪ ،‬فإن على الوليات المتحدة أن‬
‫تواجه التحدي لحتواء الضرر الذي تسببه هاتان الدولتان ‪ ،‬بالضافة للعقوبات‬
‫والقيود المفروضة على الصادرات من أجل تقليص الموارد ‪ ،‬التي يمكن أن‬

‫‪337‬‬
‫صصها الدولتان للتحديث العسكري ونشر السلحة ‪ ،‬والحصول على‬
‫ُتخ ّ‬
‫التكنولوجيا اللزمة لذلك ‪.‬‬
‫ضح التهديد الذي ُيمّثله صدام حسين لمصالح الوليات المتحدة ‪:‬‬
‫و ّ‬
‫نعتقد أن من المهم تحديد تلك المصالح المريكية الحيوية ‪ ،‬التي يمكن لصدام‬
‫أن ُيهّددها ‪ ،‬ووضع خطوط حمراء ُتشّكل عند تجاوزها ‪ ،‬تحّديا غير مقبول ‪،‬‬
‫يستدعي ردا عسكريا أمريكيا واسع النطاق ‪.‬‬
‫ما أن يتم النتهاء من هذه المراجعة ‪ ،‬يتوجب على الرئيس ‪ ،‬أن يطرح‬
‫مقرراتها على الشعب ‪ ،‬كتهيئة لحتمال وقوع مواجهة عسكرية ‪ ،‬واسعة‬
‫النطاق مع صدام ‪ ،‬إذا ما اقتضى المر … في حالة العدوان خارج أراضيه ‪،‬‬
‫أو استخدامه لسلحة الدمار الشامل ‪ ،‬أو حتى نشرها في حالت معينة ‪ ،‬أو‬
‫عدوانه على الكراد ‪.‬‬
‫ش ُيقصد بالقوة واسعة النطاق ‪:‬‬
‫أول ؛ حملت القصف المتواصلة ‪ ،‬ضد الهداف التي تحمي النظام ‪،‬‬
‫ثانيا ؛ إذا كانت النتهاكات العراقية خطيرة بما يكفي ‪ ،‬يعني إرسال قوات‬
‫أرضية ‪ ،‬بقدرات كافية بمشاركة الحلفاء ‪ ،‬لغرض إحلل التغيير في النظام‬
‫العراقي ‪،‬‬
‫ثالثا ؛ في حالة استخدام أسلحة الدمار الشامل ‪ ،‬يتوجب استخدام جميع الوسائل‬
‫الُمتاحة ‪ ،‬ضد نظام صدام حسين ) أي استخدام السلح النووي ( ‪.‬‬
‫على الوليات المتحدة ‪ ،‬أن تكون مستعدة ‪ ،‬للعمل بالتنسيق مع الحلفاء‬
‫الرئيسيين ‪ ،‬وبالخص السعودية والكويت وبريطانيا ‪ .‬وبذل مزيد من الجهد‬
‫لقناع تركيا ‪ ،‬بلعب دور أكثر فاعلية ‪ ،‬في الرد على التحّدي الذي ُيمّثله صدام‬
‫حسين ‪.‬‬
‫أحد الخطوط الصفراء التي تجاوزها صدام بالفعل ‪ ،‬هو التوقف عن التعاون‬
‫مع مفتشي السلحة ‪ .‬أظهرت دروس التاريخ الليمة ‪ ،‬أن صدام ل يسمح‬
‫بعمليات تفتيش ‪ ،‬تكشف ما تبقى من برامجه ‪ ،‬لنتاج الصواريخ وأسلحة الدمار‬
‫الشامل ‪ ،‬كما أن السرة الدولية غير مستعدة ‪ ،‬لتأييد استخدام القوة لرغام‬
‫صدام على التعاون ‪.‬‬
‫‪338‬‬
‫إلى جانب التفتيش المهني الدقيق الذي يجب أن تصّر الوليات المتحدة عليه ‪.‬‬
‫يوجد عنصر مهم آخر ‪ ،‬هو الدعم الذي يجب أن توفره واشنطن ‪ ،‬لجماعات‬
‫المعارضة العراقية ‪ ،‬كعنصر إضافي لحتواء صدام ‪.‬‬
‫ضمن عملها مع المعارضة العراقية ‪ ،‬ينبغي للوليات المتحدة أن تضع رؤية‬
‫أوضح لعراق ما بعد صدام ‪ ،‬على واشنطن أن توضح ‪ ،‬انه كلما ازداد العراق‬
‫مسالمة وانفتاحا وديموقراطية ‪ ،‬كلما ازداد دعمها له ‪.‬‬
‫حّول العقوبات إلى أداٍة لنفتاح العراق ‪:‬‬
‫نعتقد بأن على الوليات المتحدة ‪ ،‬أن تقوم بمجهود عاجل ‪ ،‬لتركيز العقوبات‬
‫على نحو أكثر حّدة ‪ ،‬على صدام ونظامه العسكري ‪ .‬من أجل ذلك ينبغي‬
‫لواشنطن ‪ ،‬أن تأخذ زمام المبادرة في إعادة صياغة العقوبات ‪ ،‬بدل من أن‬
‫توافق مرغمة ‪ ،‬على خطوات يفرضها الخرون ‪.‬‬
‫في الوقت نفسه ‪ ،‬ينبغي للوليات المتحدة التوجه للمنظمات النسانية ‪ ،‬لتحسين‬
‫طرق إيصال المساعدات للشعب العراقي ‪ .‬بدل من أن تكّرس هذه المنظمات ‪،‬‬
‫الكثير من جهدها لنتقاد السياسة المريكية إزاء العراق ‪ .‬وأن ُتظهر لهذه‬
‫المنظمات ‪ ،‬أنها تشاركها همومها النسانية ‪ ،‬مؤكدة بأن السبب في معاناة‬
‫الشعب العراقي هو حكومة العراق الستبدادية ) أي استخدام النفاق‬
‫السياسي ( ‪.‬‬
‫ينبغي للقيود التي ُفرضت على السفر ‪ ،‬من تلك الدولة ‪ ،‬أن ُتعكس بشكل تام ‪.‬‬
‫سيكون من الفضل تشجيع التبادل الفردي ‪ ،‬وسفر العراقيين العاديين ‪ ،‬ومنع‬
‫سفر المسؤولين العراقيين وأفراد أسرهم ‪ ،‬من الذين ُيعيقون تنفيذ قرارات‬
‫مجلس المن ‪ ،‬أو الذين ُيشتبه بارتكابهم جرائم حرب ‪ ،‬أو انتهاكات فظيعة‬
‫لحقوق النسان ‪ .‬لقد حصل هذا النوع من " العقوبات الذكية " ‪ ،‬على التأييد في‬
‫طبق على يوغسلفيا ‪.‬‬ ‫المم المتحدة عندما ُ‬
‫الفصل الخامس ‪:‬‬
‫الستراتيجية القليمية ‪ :‬استثمر في العلقات الحاسمة ‪.‬‬
‫على الدارة المريكية الجديدة أن تأخذ زمام المبادرة ‪ ،‬في توسيع التواصل‬
‫الثقافي والتربوي مع الدول العربية والمسلمة ‪ ،‬لغرض تطوير المعرفة‬
‫‪339‬‬
‫المحلية ‪ ،‬بثقافة ومجتمع وسياسة الوليات المتحدة وتفّهمها ‪ .‬وإيجاد وسائل‬
‫شي في الشرق الوسط ‪ ،‬حول معاداة أمريكا‬ ‫لمحاربة النطباع الخاطئ ‪ ،‬المتف ّ‬
‫للسلم والمسلمين ‪.‬‬
‫في الطرف الخر من الطيف ‪ ،‬ينبغي للدبلوماسية المريكية ‪ ،‬أن ُتبرز العيوب‬
‫الفاضحة لدول المنطقة ‪ ،‬التي تمارس أقصى حد من انتهاكات حقوق النسان ‪،‬‬
‫وبالخص العراق والسودان وليبيا وسوريا ‪.‬‬
‫تقوية العلقات الثنائية المهمة ‪:‬‬
‫إسرائيل ‪ :‬أكد على التحالف غير المكتوب ‪ ،‬فهو يعكس عمق ينابيع الدعم‬
‫والتآخي ‪ ،‬الذي يشعر به الشعب المريكي إزاء إسرائيل ‪ ،‬والذي يشمل كافة‬
‫الطياف السياسية المريكية ‪ .‬ينبغي على الدارة أن تأخذ زمام المبادرة ‪ ،‬في‬
‫الرتقاء بشراكتها لسرائيل ‪ ،‬إلى مستوى مواجهة التهديدات الستراتيجية‬
‫المشتركة … وسط جو التهديدات الجديدة ‪ ،‬ومع اضطراد تقّدم السلحة‬
‫الحديثة ‪ .‬فإن على الدارة أن تواجه التحدي السياسي المتمثل في التوضيح‬
‫لجارات إسرائيل ‪ ،‬بأن أمريكا سوف تعارض أي مجهود ‪ ،‬للتوصل إلى‬
‫مستوى الندية الستراتيجية مع إسرائيل ‪.‬‬
‫دول مجلس التعاون الخليجي ‪ :‬تقوية المن النفطي والعسكري والقتصادي ‪،‬‬
‫لضمان استمرار تدفق النفط بأسعار مناسبة ‪ .‬على الوليات المتحّدة تعميق‬
‫دعمها ‪ ،‬للصلحات القتصادية في تلك الدول ‪ ،‬بسبب مصلحتها في استقرار‬
‫النظمة الملكية الخليجية ‪.‬‬
‫مصر ‪ :‬لدى مصر قدرة على لعب دور إيجابي ‪ ،‬في تعزيز العتدال‬
‫والستقرار في المنطقة ‪ ،‬أو لعب دور سلبي في تعقيد وإعاقة مبادرات‬
‫الوليات المتحدة القليمية ‪ .‬ولو حافظت مصر على وضعها المقبول فإن على‬
‫الوليات المتحدة ‪ ،‬أن تكون مستعدة للمضي قدما ‪ ،‬في مبادراتها القتصادية ‪.‬‬
‫الردن ‪ :‬ادعم السلم مع إسرائيل ‪ ،‬واحذر من العودة إلى احتضان عراق صدام‬
‫‪ .‬أما على الجانب العسكري ‪ ،‬فينبغي له المساعدة في عملية التعامل مع المن‬
‫الحدودي ‪ ،‬ومكافحة الرهاب ‪ ،‬والخطر العراقي المحتمل ‪ .‬أحد السباب‬
‫المبررة لتقديم معونة أمريكية كبيرة هو المسعى الذي يبذله العراق ‪ ،‬لجذب‬
‫الردن بتقديم مساعدة نفطية ‪ 900-600‬مليون دولر ‪ .‬ولحباط الغراء‬
‫‪340‬‬
‫العراقي ‪ ،‬بوسع دول الخليج تقديم النفط بشروط ملئمة ‪ ،‬وتوسيع دائرة‬
‫التجارة ‪ ،‬واستخدام العمالة الردنية ‪.‬‬
‫تركيا ‪ُ :‬يعتبر بقاؤها ‪ ،‬كدولة ديموقراطية علمانية موالية للغرب ‪ ،‬مصلحة‬
‫حيوية للوليات المتحدة ‪ .‬حيث تلعب تركيا دورا مركزيا في عملية احتواء‬
‫العراق ‪.‬‬
‫ادعم التعاون ما بين شركاء أمريكا القليميين ‪ ،‬ومن ضمنها إسرائيل وتركيا‬
‫ن التعاون بين تركيا‬
‫ودول مجلس التعاون الخليجي والردن ومصر ‪ .‬إ ّ‬
‫وإسرائيل ‪ُ ،‬يعتبر الفضل بين جميع حالت التعاون المني القليمي في‬
‫المنطقة ‪.‬‬
‫الطار الستراتيجي ‪:‬‬
‫لدى الوليات المتحدة مصالح دائمة في الشرق الوسط ‪ ،‬من بينها ؛ منع وقوع‬
‫الحرب ‪ ،‬وتسهيل التقدم باتجاه سلم عربي إسرائيلي ‪ ،‬وضمان أمن وسلمة‬
‫إسرائيل ‪ ،‬وتوطيد الستقرار والمن والرفاهية والتنمية ‪ ،‬في تركيا والدول‬
‫العربية المعتدلة ‪ ،‬والمحافظة على حرية تدفق النفط وبأسعار معقولة ‪ .‬بعد‬
‫النتصار في الحرب الباردة ‪ ،‬وحرب الخليج في مطلع التسعينيات ‪ ،‬تمكنت‬
‫الوليات المتحدة ‪ ،‬من ممارسة الزعامة في مجالين مهمين ‪ ،‬هما ؛ بناء السلم‬
‫العربي السرائيلي ‪ ،‬وتعزيز المن في الخليج ‪.‬‬
‫العولمة ‪:‬‬
‫على مدى العقد الخير ‪ ،‬كان سجل المنطقة مشوشا بالنسبة للعولمة ‪ ،‬فمن‬
‫جانب ‪ ،‬لم تستطع الحواجز الوطنية القوية ‪ ،‬أن تمنع انتشار وسائل العلم‬
‫الحديثة ‪ ،‬مثل القنوات الفضائية العربية ‪ ،‬التي أنهت – بمصاحبة النترنت –‬
‫سيطرة الدولة على المعلومات ‪ ،‬كما تم العتراف ‪ ،‬على مستوى المنطقة‬
‫باقتصاد السوق ‪ ،‬والنفتاح على التجارة والستثمار الدوليين ‪ ،‬بصفتها أفضل‬
‫الطرق لتحقيق التنمية … إل أن الشرق الوسط ‪ُ ،‬يعتبر خاسرا نسبيا في سباق‬
‫صته في التجارة العالمية في تدهور مستمر ‪.‬‬
‫العولمة ‪ ،‬فح ّ‬

‫‪341‬‬
‫طات الفضائية والنترنت ‪ ،‬وأخيرا وليس آخرا ‪.‬‬ ‫بفضل أجهزة الفيديو والمح ّ‬
‫فمن المحتمل جدا ‪ ،‬أن يرتدي المتظاهرون في رام ال أو طهران ‪ ،‬بنطلونات‬
‫وأحذية من إنتاج أمريكي ‪.‬‬
‫* بقولهم هذا ‪ ،‬يكشف رواد العولمة ودعاتها ‪ ،‬عن الوجه القذر لها ولغاياتها ‪،‬‬
‫بشقّيها الثقافي والقتصادي ‪ ،‬فغايات العولمة هي ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬مسخ الهوية العربية والسلمية بشكل خاص ‪ ،‬والشرقية بشكل عام ‪،‬‬
‫باستهلك الثقافة المريكية ‪ ،‬عن طريق وسائل العلم المختلفة ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬ومن ثم جعل جميع دول العالم سوقا مفتوحة ‪ ،‬للمنتجات المريكية‬
‫بمختلف أنواعها ‪ ،‬بإجبار الحكومات على رفع القيود ‪ ،‬التي ُوضعت لحماية‬
‫ودعم الصناعات الوطنية ‪.‬‬
‫إذ ليس هناك أي أهمية ُتذكر لدى رواد العولمة ‪ ،‬بالنسبة لتظاهرك ضد‬
‫إسرائيل وأمريكا ‪ ،‬وحرق أعلمها وصور زعمائها ‪ ،‬بما أنك تدعم في نفس‬
‫الوقت ‪ ،‬اقتصاد الدولتين ‪ ،‬باستهلك منتجاتهما ‪ ،‬مما ُيساهم بزيادة النمو‬
‫القتصادي فيهما ‪ ،‬وأمريكا سيطرت على العالم اقتصاديا ‪ ،‬وبذلك تمّكنت من‬
‫السيطرة عليه عسكريا ‪.‬‬
‫انهيار تحالف حرب الخليج ‪:‬‬
‫على المستوى الدولي ‪ ،‬ما زالت هيمنة أمريكا القليمية على ما كانت عليه ‪،‬‬
‫إل أن هناك تصاعدا ‪ ،‬في عزم القوى الخرى وقدرتها ‪ ،‬على التأثير في‬
‫مجرى الحداث في الشرق الوسط ‪ ،‬خصوصا باتجاه إعاقة السياسة المريكية‬
‫في المنطقة ‪ .‬ويبرز في هذا المجال ثلثة لعبين مهمين ‪:‬‬
‫روسيا ‪ :‬أصبحت روسيا أكثر قومية خلل العقد الماضي ‪ ،‬وازدادت شكوكها‬
‫فيما يتعلق بعلقاتها مع الوليات المتحدة … لكنها أصبحت من جديد ‪ ،‬لعبا‬
‫ُمثيرا للمشاكل … دأبت روسيا على تقويض جهود المم المتحدة ‪ ،‬الرامية إلى‬
‫السيطرة على التسلح وفرض العقوبات ‪ ،‬حتى أن الرئيس الروسي مؤخرا ‪،‬‬
‫أثنى بنفسه على التعاون التام بين موسكو وبغداد ‪ .‬لم ُتبِد روسيا تعاونا ُيذكر ‪،‬‬
‫مع مساعي الوليات المتحدة المدعومة بدولرات المساعدات ‪ ،‬للحيلولة دون‬
‫انتشار أسلحة الدمار الشامل ‪ ،‬وتكنولوجيا الصواريخ ‪ ،‬من روسيا إلى الشرق‬
‫الوسط وخصوصا إلى إيران ‪.‬‬
‫‪342‬‬
‫الصين ‪ :‬فالصين ‪ ،‬تمتلك القدرة على تغيير ميزان القوى القليمية ‪ ،‬بتزويد‬
‫دول في المنطقة ‪ ،‬بتكنولوجيا الصواريخ وأسلحة الدمار الشامل ‪ .‬في الوقت‬
‫الذي تستطيع الصين فيه ‪ ،‬أن تصبح قوة إيجابية بالنسبة لنمو اقتصاد العولمة ‪،‬‬
‫إذا ما واصلت فتح أسواقها ‪ ،‬وخصخصة اقتصادها ‪.‬‬
‫أوروبا ‪ :‬على سبيل المثال لعبت الدول الوروبية ‪ ،‬دورا مهما في تسهيل‬
‫الدبلوماسية الهادئة ‪ ،‬بين إسرائيل والفلسطينيين ‪ .‬وفي تأمين التمويل السخي‬
‫للسلطة الفلسطينية بعد عام ‪1993‬م ‪ .‬وفي فرض مناطق حظر الطيران ‪ ،‬شمال‬
‫وجنوب العراق ‪ .‬إن مما ُيؤسف له ‪ ،‬أن فرنسا قد أصبحت العقبة الكبرى ‪ ،‬في‬
‫طريق تحقيق التنسيق المريكي الوروبي ‪ ،‬حول الكثير من قضايا الشرق‬
‫الوسط ‪ ،‬خصوصا تلك المتعلقة بالعملية السلمية ‪ ،‬والسياسة الُمتبعة إزاء‬
‫العراق ‪.‬‬
‫على خلفية هذا الطار الستراتيجي ‪ ،‬نعتقد بأن الشرق الوسط ‪ ،‬مرشح لن‬
‫يكون منطقة مضطربة ‪ ،‬خلل فترة ولية الرئيس المريكي الجديد ‪ .‬سيتغذى‬
‫بعض ذلك الضطراب ‪ ،‬على مشاعر عدم الرضا والرغبة في تحقيق الوحدة ‪،‬‬
‫والمور غير المنجزة في النزاع العربي السرائيلي ‪ .‬كما أن بعضا منه ‪،‬‬
‫سوف يتولد نتيجة التغييرات البركانية التي تنتظر إيران ‪ .‬وسوف ينتج بعضه‬
‫الخر عن ردود الفعل المترتبة ‪ ،‬على عودة انبعاث صدام حسين ‪.‬‬
‫يحتاج الرئيس المريكي الجديد وكبار مساعديه ‪ ،‬لدراك أن الشرق الوسط‬
‫يدخل القرن الواحد والعشرين ‪ ،‬بقيادة زعماء جدد بل خبرة ‪ ،‬يتولون الزعامة‬
‫من المحيط الطلسي إلى الخليج الفارسي ‪ ،‬باقتصاديات راكدة وبأسلحة مرعبة‬
‫عالية التقنية ‪ ،‬لها القدرة على نقل النزاعات ‪ ،‬إلى شواطئ أمريكا ‪ .‬إن لجنة‬
‫الدراسة الرئيسية ‪ ،‬في معهد واشنطن لسياسة الشرق الوسط الدنى ‪ ،‬قد‬
‫وضعت هذا التقرير ‪ ،‬من أجل تقديم النصح للرئيس المريكي الجديد ‪ ،‬حول‬
‫الطرق الكفيلة بإدارة هذه اللحظة العاصفة ‪ ،‬على نحو يحمي مصالح الوليات‬
‫المتحدة وحلفائها … انتهى القتباس ‪.‬‬
‫بنود هذا التقرير اليهودي المقّدم للرئيس المريكي واضحة ‪ ،‬وربما ل تحتاج‬
‫لتعليق ‪ ،‬فالمخاوف والهداف التوراتية واضحة ‪ ،‬خلف ما يّدعي اليهود ‪ ،‬بأنه‬
‫مصالح للوليات المتحّدة ‪ ،‬تقضي بتحجيم وتدمير ثلثة قوى ‪ ،‬ذات الخطر‬
‫الكبر على مستقبل الدولة اليهودية في المنطقة ‪ ،‬حسبما أوضحته التفسيرات‬
‫‪343‬‬
‫الجديدة للنبوءات التوراتية ‪ ،‬وهي روسيا ) يأجوج ومأجوج ( ‪ ،‬والعراق‬
‫وإيران ) مادي وفارس وبابل وأشور ( ‪ ،‬كافة الدول ذات التوجه السلمي ‪،‬‬
‫التي يسمونها بالراعية للرهاب ) خوفا من إحياء الخلفة السلمية ( ‪.‬‬
‫والسؤال المطروح بعد الطلع على هذا التقرير ‪ :‬لماذا يشغل العراق المساحة‬
‫الكبر ‪ ،‬في مفردات صحيفة برتوكولت حكماء صهيون الجديدة ‪ ،‬المسّماة‬
‫بتقرير معهد واشنطن ؟!‬
‫ونختم هذا الفصل ‪ ،‬بقول لظفر السلم خان ‪ ،‬صاحب كتاب ) تعاليم‬
‫التلمود ( ‪ " :‬وقد ساعدت كراهية بريطانيا العمياء ‪ ،‬وغدرها بالعرب‬
‫والمسلمين ‪ ،‬ووجود النزعة الصليبية الخاطئة ‪ ،‬لدى البلدان الوربية وأمريكا ‪،‬‬
‫على نجاح المخططات الصهيونية ‪ ،‬وغزو البلدان العربية في الحرب العالمية‬
‫الولى ‪ ،‬فنرى القائد الفرنسي ) غورو ( الذي فتح دمشق يقول ‪ ،‬وقد وضع‬
‫عدنا يا صلح الدين ! " ‪،‬‬ ‫قدمه على قبر صلح الدين ‪ " :‬ها نحن قد ُ‬
‫والجنرال النجليزي ) اللنبي ( عند دخوله القدس ‪ ،‬يقول أمام كنيسة القيامة ‪" :‬‬
‫اليوم ‪ ،‬انتهت الحروب الصليبية " ‪.‬‬
‫قال تعالى‬
‫جَد ّ‬
‫ن‬ ‫شَرُكوا ‪َ ،‬وَلَت ِ‬ ‫ن َأ ْ‬‫ن َءاَمُنوا ‪ ،‬اْلَيُهوَد ‪َ ،‬واّلِذي َ‬‫عَداَوًة ِلّلِذي َ‬
‫س َ‬‫شّد الّنا ِ‬ ‫ن َأ َ‬‫جَد ّ‬
‫) َلَت ِ‬
‫سي َ‬
‫ن‬ ‫سي ِ‬‫ن ِمْنُهْم ِق ّ‬‫ك ِبَأ ّ‬
‫صاَرى َذِل َ‬
‫ن َقاُلوا ِإّنا َن َ‬
‫ن َءاَمُنوا اّلِذي َ‬‫َأْقَرَبُهْم َمَوّدًة ِلّلِذي َ‬
‫ن )‪ 82‬المائدة (‬ ‫سَتْكِبُرو َ‬
‫َوُرهَْباًنا َوَأّنُهْم لَ َي ْ‬

‫‪344‬‬
‫الكتب المقّدسة تأمر اليهود بتدمير أصحاب البعث‬

‫احتل العراق مساحة شاسعة في التقرير السابق ‪ ،‬لن التوراة ُتخبر اليهود‬
‫صراحة ‪ ،‬بأن العراقيون هم أصحاب البعث الثاني ‪ .‬وتوصيهم وتأمرهم‬
‫كذلك ‪ ،‬بتدمير العراق ‪ ،‬بعد عودتهم من الشتات لفلسطين في المرة القادمة ‪،‬‬
‫ل يّدخروا جهدا ‪ ،‬من أجل إعادته‬ ‫لقامة دولتهم الثانية ‪ ،‬وُتحّرضهم وتحّثهم بأ ّ‬
‫إلى العصر الحجري ‪ ،‬حتى ل يتمّكن أهل بابل ‪ ،‬من النبعاث عليهم مرة‬
‫أخرى ‪ ،‬عندما يأذن ال لهم بذلك ‪.‬‬
‫صر البعث بالعراقيين ‪:‬‬
‫بعض مقتطفات من النصوص التوراتية ‪ ،‬التي تح ُ‬

‫موسى ‪:‬‬
‫سفر التثنية " ‪ 49 :28‬ويجلب الرب عليكم أمة من بعيد ‪ ،‬من أقصى الرض ‪،‬‬
‫ض عليكم كالنسر ‪ :50 ،‬أّمة ] جافية الوجه [ يثير منظرها الرعب ‪ ،‬ل‬ ‫فتنق ّ‬
‫تهاب الشيخ ول ترأف بالطفل ) أولي بأس شديد ( ‪ :51 ،‬فتستولي على نتاج‬
‫ق لك قمحا ول خمرا ول‬ ‫بهائمكم ‪ ،‬وتلتهم غلت أرضكم حتى تفنوا ‪ ،‬ول ُتب ِ‬
‫زيتا ‪ … ،‬حتى تفنيك ‪ :52 ،‬وتحاصركم في جميع مدنكم ‪ ،‬حتى تتهدم‬
‫أسواركم الشامخة الحصينة ‪ ،‬التي وثقتم بمناعتها ‪" … ،‬‬
‫‪ :29 :31‬لنني واثق أنكم بعد موتي ‪ ،‬تفسدون وتضلون عن الطريق الذي‬
‫أوصيتكم بها ‪ ،‬فيصيبكم الشّر في آخر اليام ) المرة الثانية تكون في آخر اليام‬
‫( ‪ ،‬لنكم تقترفون الشر أمام الرب ‪ ،‬حتى تثيروا غيظه بما تجنيه أيديكم … " ‪.‬‬
‫‪ :19 :32‬فرأى الرب ذلك ورذلهم ‪ ،‬إذ أثار أبناؤه وبناته غيظه ‪ :20 ،‬وقال ‪:‬‬
‫سأحجب وجهي عنهم فأرى ماذا سيكون مصيرهم ؟ إنهم جيل متقلب وأولُد‬
‫خونة ‪ ، … :21 ،‬لذلك سأثير غيرتهم بشعب متوحش ) أولي بأس شديد ( ‪،‬‬
‫وأغيظهم بأمة حمقاء ] أمة ل تفهمون لغتها [ ‪.‬‬
‫إشعياء ‪:‬‬
‫‪ :3 :10‬فماذا تصنعون في يوم العقاب ‪ ،‬عندما تقبل الكارثة من بعيد !‬

‫‪345‬‬
‫ل فلسطين ) إسرائيل ( ‪ ،‬لن القضيب الذي ضربك‬ ‫" ‪ :29 :14‬ل تفرحي يا ك ّ‬
‫قد انكسر ‪ .‬فانه من أصل تلك الفعى يخرج ُأفعوان ‪ ،‬وذرّيته تكون ثعبانا ساّما‬
‫طّيارا … ولول أّيها الباب ‪ ،‬ونوحي أّيتها المدينة ‪ ،‬ذوبي خوفا يا فلسطين‬
‫قاطبة ‪ ،‬لن جيشا ُمدّربا قد زحف نحوك من الشمال … " ‪.‬‬
‫‪ :11 :46‬أدعو من المشرق الطائر الجارح ‪ ،‬ومن الرض البعيدة برجل‬
‫مشورتي ‪ ،‬قد نطقت بقضائي ‪ ،‬ول بد أن ُأجريه ‪.‬‬
‫ارميا ‪:‬‬
‫‪ :9 :25‬فها أنا ُأجّند جميع قبائل الشمال ‪ ،‬بقيادة نبوخذ نصر عبدي* ‪ ،‬وآتي بها‬
‫إلى هذه الرض ‪ ،‬فيجتاحونها ويهلكون جميع سّكانها ‪ ،‬مع سائر المم المحيطة‬
‫بها ‪ ،‬وأجعلهم مثار دهشة وصفير ‪ ،‬وخرائب أبدية ‪.‬‬
‫* ) عبدي ( جاءت صفة لنبوخذ نصر في التوراة ‪.‬‬
‫‪ :22 :10‬اسمعوا ‪ ،‬ها أخبار تتواتر عن جيش عظيم ‪ ،‬مقبل من الشمال ‪،‬‬
‫ليحّول مدن يهوذا ‪ ،‬إلى خرائب ومأوى لبنات آوى ‪.‬‬
‫ب من أقاصي‬‫ب زاحف من الشمال ‪ ،‬وأّمة عظيمة ته ّ‬ ‫‪ :22 :6‬انظروا ‪ ،‬ها شع ٌ‬
‫الرض ‪ ، … ،‬لمحاربتك يا أورشليم ‪.‬‬
‫حزقيال ‪:‬‬
‫طط طريقين‬ ‫ب بكلمته قائل ‪ :‬أّما أنت يا ابن آدم ‪ ،‬فخ ّ‬
‫ي الر ّ‬
‫‪ :19 :21‬وأوحى إل ّ‬
‫لزحف ملك بابل ‪ .‬من أرض واحدة تخرج الطريقان ‪ ،‬وفي ترجمة أخرى‬
‫] وأنت يا ابن آدم ‪ ،‬عّين لنفسك طريقين ‪ ،‬لمجيء سيف ملك بابل ‪ ،‬من أرض‬
‫واحدة تخرج الثنتان [‬
‫‪ :22-23 :23‬وآتي بهم عليك من كل ناحية ‪ ،‬أبناء البابليين ‪ ،‬وسائر‬
‫الكلدانيين ‪ ،‬ومعهم جميع أبناء أشور ‪.‬‬
‫ش يعلم اليهود علم اليقين ‪ ،‬أن المبعوثين عليهم في المرة الثانية ‪ ،‬سيخرجون من‬
‫أرض بابل وأشور ‪ ،‬فالكلدانيون بابليين وآشوريون هم سكان العراق القدماء ‪.‬‬
‫وبابل مدينة عراقية ‪ ،‬تقع في وسط العراق إلى الجنوب من بغداد ‪ ،‬وأشور تقع‬
‫في شماله ‪ .‬ورغم معرفتهم هذه فهم مستمّرون في غيهم وطغيانهم ‪ ،‬ذلك لنهم‬
‫لم يؤمنوا بال ول بأنبيائه سابقا ولحقا ‪ ،‬فمعرفتهم به سبحانه جاءت من خلل‬
‫‪346‬‬
‫آراء كهنتهم وأحبارهم ‪ .‬فهم يأخذون من التوراة ما يوافق أهوائهم ‪ ،‬ويتركون‬
‫ما سواه ‪ .‬أما ما يؤمنون به حقا فهو المال والقوة ‪ .‬وبما أنهم يملكون القوة‬
‫والمال ‪ ،‬وبما أن ال قد كشف لهم عن ُمخططاته ‪ ،‬بالنسبة لحتمية القضاء على‬
‫وجودهم في فلسطين ‪ ،‬فالحل لديهم ليس التوبة والرجوع إلى ال ) الذي ل‬
‫يقيمون له وزنًا ‪ ،‬نتيجة افتراءات زنادقة التلمود عليه ‪ ،‬سبحانه وتعالى عّما‬
‫ططات ال وإبطالها ‪ ،‬معتمدين على ما أّلفه الكهنة‬ ‫يصفون ( ‪ ،‬وإنما بمخالفة ُمخ ّ‬
‫من نبوءات خاطئة عن الملك الموعود ‪ .‬وذلك بكل بساطة ‪ ،‬من خلل تنفيذ‬
‫ل لمعضلتهم‬ ‫ططات الكهنة والحبار القديمة الجديدة ‪ ،‬التي ُوضعت كح ّ‬ ‫مخ ّ‬
‫المستعصية مع ال ‪ ،‬وهي إبادة الكلدانيين ‪ ،‬ومحو بابل الجديدة عن الوجود ‪،‬‬
‫وتحويلها إلى صحراء قاحلة ‪ ،‬ل تسكنها إل الثعالب ‪ ،‬وما كان تصريح أحد‬
‫كلبهم ) بوش الب ( ‪ ،‬عندما قال ‪ ) :‬بأنه سُيعيد العراق إلى العصر‬
‫الحجري ( ‪ ،‬إل من خلفية توراتية حاقدة ‪.‬‬
‫نبوءة عن دمار بابل في سفر إشعياء‬
‫" ‪ :1-8 :13‬رؤيا إشعياء بن آموص بشأن بابل ‪ " :‬انصبوا راية فوق جبل‬
‫أجرد ‪ ،‬اصرخوا فيهم لوحوا بأيديكم ‪ ،‬ليدخلوا أبواب ] العتاة [ … لن الرب‬
‫القدير يستعرض جنود القتال ‪ .‬يقبلون من أرض ] بعيدة [ من أقصى السماوات‬
‫‪ ،‬هم جنود الرب وأسلحة سخطه لتدمير الرض كلها ‪ ] .‬ولولوا [ ‪ ،‬فإن يوم‬
‫الرب بات وشيكا ‪ ،‬قادما من عند الرب ُمحّمل بالدمار ‪ .‬لذلك ترتخي كل يد ‪،‬‬
‫ويذوب قلب كل إنسان ‪ .‬ينتابهم الفزع ‪ ،‬وتأخذهم أوجاع ‪ ،‬يتلوون كوالدة ُتقاسي‬
‫من الم المخاض …‬
‫" ‪ :9-16 :13‬ها هو يوم الرب قادم ‪ ،‬مفعما بالقسوة والسخط والغضب‬
‫الشديد ‪ ،‬ليجعل الرض خرابا ويبيد منها الخطاة … والشمس تظلم عند‬
‫بزوغها ) كسوف ( ‪ ،‬والقمر ل يلمع بضوئه ) خسوف ( ‪ .‬وأعاقب العالم على‬
‫ل كبرياء‬‫شّره والمنافقين على آثامهم ‪ ،‬وأضع حّدا لصلف الُمتغطرسين وُأذ ّ‬
‫العتاة … وُأزلزل السماوات فتتزعزع الرض في موضعها ‪ ،‬من غضب‬
‫الرب القدير في يوم احتدام سخطه ‪ .‬وتوّلي جيوش بابل ) عبارة جيوش بابل ‪،‬‬
‫غير موجودة في الترجمة الخرى ( حتى ُينهكها التعب ‪ ،‬عائدين إلى أرضهم‬
‫كأنهم غزال ُمطارد أو غنم ل راعي لها ‪ .‬كل من ُيؤسر ُيطعن ‪ ،‬وكل من‬

‫‪347‬‬
‫ُيقبض عليه ُيصرع بالسيف ‪ ،‬وُيمّزق أطفالهم على مرأى منهم ‪ ،‬وُتنهب بيوتهم‬
‫وُتغتصب نسائهم " ‪.‬‬
‫" ‪ :17-22 :13‬ها أنا ُأثير عليهم الماديين ) اليرانيين ( ‪ ،‬الذين ل يكترثون‬
‫للفضة ول ُيسّرون بالذهب ‪ ] ،‬فتحطم [ قسّيهم الفتيان ‪ ،‬ول يرحمون الولد أو‬
‫الرضع … أما بابل مجد الممالك وبهاء وفخر الكلدانيين ‪ ،‬فُتصبح كسدوم‬
‫وعمورة اللتين قلبهما ال ‪ .‬ل ُيسكن فيها ‪ ،‬ول تعمر من جيل إلى جيل ‪ ،‬ول‬
‫ينصب فيها بدوي خيمته ‪ ،‬ول ُيربض فيها راع ُقطعانه ‪ .‬إنما تأوي إليها‬
‫ج البوم خرائبها ‪ ،‬وتلجأ إليها بنات النعام ‪ ،‬وتتواثب فيها‬ ‫وحوش القفر وتع ّ‬
‫ضباع بين أبراجها ‪ ،‬وبنات آوى في قصورها‬ ‫] معز الوحش [ ‪ ،‬وتعوي ال ّ‬
‫الفخمة ‪ .‬إن وقت عقابها بات وشيكا ‪ ،‬وأيامها لن تطول " ‪.‬‬
‫ن الرب ] سيرحم [ ذرّية يعقوب ‪ ،‬ويصطفي شعب إسرائيل‬ ‫" ‪ 1 :14‬ولك ّ‬
‫ثانية ‪ُ ،‬ويحّلهم في أرضهم ‪ ،‬فينضم الغرباء إليهم ويلحقون ببيت يعقوب ‪ .‬وتُمدّ‬
‫شعوب الرض إليهم يد العون ‪ ،‬ويصيرون عبيدا لبني إسرائيل ‪ ،‬في أرض‬
‫الرب ‪ ،‬ويتسّلطون على آسريهم وظالميهم ‪ .‬في ذلك اليوم ُيريحكم الرب ‪ ،‬من‬
‫عنائكم وشقائكم وعبوديتكم القاسية " ‪.‬‬
‫" ‪ :4-23 :14‬فتسخرون من ملك بابل قائلين ‪ " :‬كيف استكان الظالم وكيف‬
‫طم الرب عصا المنافق وصولجان الُمتسلطين‬ ‫خمدت غضبته الُمتعجرفة ؟ قد ح ّ‬
‫… حتى شجر السرو وأرز لبنان عّمها الفرح ‪ ،‬فقالت ‪ " :‬منذ أن انكسرت‬
‫شوكتك ‪ ،‬لم يصعد إلينا قاطع حطب " … والذين يرونك ‪ ،‬يحملقون فيك‬
‫ويتساءلون ‪ " :‬أهذا هو النسان الذي زعزع الرض وهّز الممالك ‪ ،‬الذي‬
‫حّول المسكونة إلى مثل القفر ‪ ،‬وقلب ُمدنها ‪ ،‬ولم ُيطلق أسراه ليرجعوا إلى‬
‫طرحت بعيدا عن قبرك ‪ ،‬كغصن مكسور … لنك‬ ‫بيوتهم ؟ " … أما أنت فقد ُ‬
‫خّربت أرضك ‪ ،‬وذبحت شعبك ‪ ،‬فذرّية فاعلي الثم ‪ ،‬يبيد ذكرها إلى البد ‪.‬‬
‫أعّدوا مذبحة لبنائه جزاء إثم آبائهم ‪ ،‬لئل يقوموا ويرثوا الرض فيملئوا وجه‬
‫ب ضدهم ‪ ،‬وأمحو من بابل ‪ ،‬اسمًا‬ ‫البسيطة ُمدنًا ‪ .‬يقول الرب القدير ‪ " :‬إني أه ّ‬
‫ت للمياه ‪ ،‬وأكنسها‬‫ل وذريًة ‪ ،‬وأجعلها ميراثًا للقنافذ ‪ ،‬ومستنقعا ٍ‬‫وبقيًة ونس ً‬
‫بمكنسة الدمار " ‪.‬‬

‫‪348‬‬
‫ش دعوة للشماتة والسخرية من بابل بعد سقوطها ‪ .‬ودعوة لعداد مذبحة‬
‫لبنائها ؛ أول ‪ :‬للنتقام منهم لما فعله آبائهم سابقا ‪ ،‬وثانيا ‪ :‬لمنع البناء من‬
‫تكرار فعل الباء لحقا ‪ ،‬وتلك هي ُمبّرراتهم لتدمير العراق ‪.‬‬
‫ل فلسطين ) إسرائيل ( ‪ ،‬لن القضيب الذي ضربك‬ ‫" ‪ :29 :14‬ل تفرحي يا ك ّ‬
‫قد انكسر ‪ .‬فانه من أصل تلك الفعى يخرج ُأفعوان ‪ ،‬وذرّيته تكون ثعبانا ساّما‬
‫طّيارا … ولول أّيها الباب ‪ ،‬ونوحي أّيتها المدينة ‪ ،‬ذوبي خوفا يا فلسطين‬
‫قاطبة ‪ ،‬لن جيشا ُمدّربا قد زحف نحوك من الشمال … " ‪.‬‬
‫ش وهذا النص ُيحذر اليهود من الفرح ‪ ،‬بانكسار قضيب بابل ) أي بانكسار‬
‫العراق في بادئ المر ( ‪ ،‬لنه في النهاية سينهض من جديد ‪ ،‬لُينجز ما قضاه‬
‫لفعوان ل محالة خارج ‪ ،‬من أصل تلك الفعى ‪ ،‬طال الزمان أو‬ ‫ال عليهم ‪ .‬فا ُ‬
‫قصر ‪ ،‬وسينفث سّمه في أجسادهم عند مجيء الموعد ‪ ،‬وذريته ستكون أشد‬
‫بأسا وأشد تنكيل ‪.‬‬
‫نبوءة عن دمار بابل من سفر ارميا‬
‫جاء هذا النص ‪ ،‬تحت ) ُمسمى النبوءة التي قضى بها الرب ( ‪ ،‬والحقيقة أنه‬
‫وثيقة للثأر وتسديد للحساب القديم لمملكة بابل ‪ ،‬كتبه كهنتهم وأحبارهم ‪ ،‬بعد أن‬
‫سامهم أهل بابل في المرة الولى ‪ ،‬أشكال وألوانا من الذل والهوان والعذاب ‪،‬‬
‫ولم يستطع أولئك الكهنة ‪ ،‬تقّبل فكرة أن إلههم ‪ -‬الذي أرادوه حسب أهوائهم ‪،‬‬
‫فجعلوه كالعجينة بين أيديهم ‪ُ ،‬يشّكلونها كما شاءوا ‪ -‬يتخلى عنهم ويسمح‬
‫لولئك البابلّيون الوثنيون ‪ ،‬بالقضاء على حبيبته أورشليم ‪ ،‬وأبناؤه وأحباؤه‬
‫وشعب ال الُمختار ‪ .‬فكان وقع الصدمة شديد عليهم ‪ ،‬حيث أتاهم العذاب من‬
‫حيث لم يحتسبوا ‪ ،‬وكان غاية في البشاعة ‪ ،‬حتى أّنهم شّبهوه في توراتهم ‪،‬‬
‫بعذاب قوم لوط ‪ ،‬مما أشعل نيران الحقد والكراهية اتجاه البابليين ‪ ،‬التي ما‬
‫زالت مشتعلة في قلوبهم إلى الن ‪ ،‬بعد أن توارثوها ‪ ،‬جيل بعد جيل ‪.‬‬
‫حفظة التوراة من الحبار والكهنة ‪ ،‬هم أنفسهم من كان سببا ‪ ،‬في دمار دولتهم‬
‫الولى ‪ ،‬بفسادهم وإفسادهم ‪ ،‬وحثهم الناس على الفساد والفساد ‪ ،‬من حّكام‬
‫وُمترفين وعامة ‪ ،‬وهم الذين كذبوا وحاربوا أنبياء ال والصالحين من الناس ‪،‬‬
‫وتآمروا عليهم وأمروا بقتلهم ‪ ،‬لّما كانوا يأتونهم من عند ال بما ُيخالف‬
‫حسبانهم ‪ ،‬أنكروا ذلك وأنكروا أنه جاء‬ ‫أهواءهم ‪ .‬وعندما وقع ما لم يكن في ُ‬
‫‪349‬‬
‫في ُكتبهم ‪ ،‬وأنكروا أنه جاء من عند ال ‪ ،‬وأنكروا أنه عقابا لهم على إفسادهم )‬
‫ن )‪14‬‬ ‫ك ِبأَّنُهْم َقْوٌم َل َيْعِقُلو َ‬
‫ن )‪َ … (13‬ذِل َ‬ ‫ك ِبَأّنُهْم َقْوٌم لَ َيْفَقُهو َ‬
‫… َذِل َ‬
‫الحشر ( ‪ .‬فخروج البابليين كان حسدا من عند أنفسهم ‪ ،‬ورغبة منهم للستيلء‬
‫على كنوزهم ‪ ،‬لذلك كان ل بد لهم من النتقام منهم ‪ ،‬عندما ُترّد لهم الكّرة مرة‬
‫طوا بأقلمهم ما ستقرأه لحقا ‪.‬‬ ‫أخرى ‪ ،‬فخ ّ‬
‫أخبر سبحانه بأنه سيكون لليهود ‪ ،‬كّرة على أولئك العباد ) الكلدانيين ( ‪ ،‬وذلك‬
‫صل ذلك في كافة حروبها مع‬ ‫بهزيمتهم عسكريا في حروبهم معها ‪ ،‬وقد تح ّ‬
‫العرب ‪ ،‬ومن ضمنها العراق ‪ ،‬في بدايات نشوء الدولة اليهودية ‪ ،‬ونسب‬
‫ن ما تّم لهم ذلك ‪ ،‬إل بإذنه‬ ‫سبحانه رّد الكرة إلى نفسه ‪ ،‬لُيذّكرهم وُيؤكّد لهم أ ّ‬
‫ومشيئته ‪ ،‬مّنا وكرمًا ‪ ،‬وعقابا للعرب على نكوصهم عن دينهم ‪ ،‬وتخليهم عن‬
‫حمل رسالتهم ‪ ،‬فما من مصيبة تقع في الناس ‪ ،‬إل من كسب أيديهم ‪ ،‬كما أخبر‬
‫سبحانه في غير موضع من كتابه العزيز ‪ ،‬بالضافة إلى ما أوردناه سابقا من‬
‫حكم إلهية ‪ ،‬لعودة اليهود إلى فلسطين ‪.‬‬
‫أّما أن ال قد أمرهم ‪ ،‬بتدمير العراق وإبادة أهله ‪ ،‬وتحويل العراق إلى صحراء‬
‫قاحلة ‪ ،‬تسكنها الثعالب ‪ ،‬فحاشا ل ‪ ،‬أن يأمر أو ُيحّرض الناس على الفساد في‬
‫الرض ‪ ،‬وهو الذي سيمحو ذكرهم عن فلسطين ‪ ،‬على أيدي العراقيين‬
‫أنفسهم ‪ ،‬لعظم ما أفسدوه في أرضه ‪ ،‬ولجل الفساد ذاته ‪ ،‬ولجل سفك دماء‬
‫البرياء الذي هو أعظم الفساد في الرض ‪ .‬إذ أنهم فور امتلكهم للقوة‬
‫والسلطة ‪ ،‬أسرفوا في القتل والتنكيل ‪ ،‬أّيما إسراف ‪ ،‬في الرض على‬
‫عمومها ‪ ،‬فأصابعهم ملوثة بدماء ضحايا كافة الحروب على مّر العصور ‪ .‬ففي‬
‫مملكتهم الولى أوقعوا القتل والنهب والنفي في أبناء جلدتهم ‪ ،‬وفي دولتهم‬
‫الثانية كّرروا فعلتهم في شعب فلسطين ‪.‬‬
‫ول يغب عن البال أن هذه النص التحريضي ‪ ،‬بما يحفل به من مبالغة‬
‫وتهويل ‪ ،‬وتكرار وتطويل ‪ُ ،‬كتب بعد السبي البابلي ‪ ،‬قبل ‪ 2500‬عام تقريبا ‪،‬‬
‫كدعوة للنتقام من بابل القديمة ‪ ،‬عند عودتهم من السبي والشتات إلى‬
‫فلسطين ‪ ،‬وإن كانت بابل قد وقعت في أيدي الفرس قديما كما جاء في التوراة ‪،‬‬
‫فمملكة فارس تقع إلى الشرق من بابل وأشور ‪ ،‬والنبوءة تقول أن من سُيدّمرها‬
‫جمع من الملوك يجتمعون عليها من الشمال ‪ .‬حتى جاءت دولتهم الحالية ‪،‬‬
‫وأخذ يهود هذا العصر ‪ ،‬بكل ما لديهم من طاقات وإمكانيات ووسائل ‪ ،‬على‬
‫‪350‬‬
‫عاتقهم تنفيذ هذا البرنامج ‪ ،‬الذي وضعه لهم أربابهم من الحبار والكهنة‬
‫) الحكماء ( ‪ .‬ولو أنك أمعنت النظر في الواقع ‪ ،‬وما مّر بالعراق من أحداث ‪،‬‬
‫خلل عشرين سنة ماضية ‪ ،‬تجد أن مرجعية كل تلك الحداث ‪ ،‬موجودة في‬
‫هذا النص التوراتي وبالتفصيل ‪.‬‬
‫ش وفي ما يلي النص الكامل لوثيقة الثأر ‪ ،‬والدعوة لتسديد الحساب القديم لبابل‬
‫الجديدة ‪ ،‬كما جاء في الصحاح ) ‪ ( 51 – 50‬من سفر ارميا ‪ ،‬بما فيها من‬
‫تكرار وتطويل ‪:‬‬
‫التحريض العلمي ‪:‬‬
‫" النبوءة التي قضى بها الرب ‪ ،‬على بابل وعلى بلد الكلدانيين ‪ ،‬على لسان‬
‫ارميا النبي ‪ :‬أخِبروا في الشعوب وأسِمعوا وارفعوا راية ‪ ،‬أسِمعوا ل تخفوا ‪،‬‬
‫طم مردوخ ) أسماء‬ ‫قولوا ‪ :‬قد تم الستيلء على بابل ‪ ،‬ولحق ببيل العار وتح ّ‬
‫لصنام بابل ( ‪ ،‬خربت أصنامها وانسحقت أوثانها ‪ ،‬لن أمة من الشمال ‪ ،‬قد‬
‫زحفت عليها ‪ ،‬لتجعل أرضها مهجورة ‪ ،‬شرد منها الناس والبهائم جميعا " ‪.‬‬
‫التنفيذ مرتبط بعودتهم إلى فلسطين ‪:‬‬
‫" وفي تلك اليام ‪ ،‬يقول الرب ‪ ،‬يتوافد بنو إسرائيل وبنو يهوذا معا ‪ ،‬يبكون في‬
‫جهون إليها‬ ‫سيرهم ويلتمسون الرب إلههم ‪ ،‬يسألون عن الطريق صهيون ويتو ّ‬
‫ن شعبي كغنم ضاّلة قد‬ ‫قائلين ‪ :‬هلم ننضّم إلى الرب ‪ ،‬بعهد أبدي ل ُينسى ‪ ،‬إ ّ‬
‫أضّلهم رعاتهم ‪ ،‬وشّردوهم على الجبال ‪ ،‬فتاهوا ما بين الجبل والتل ‪ ،‬ونسوا‬
‫مربضهم ‪ ،‬كل من وجدهم افترسهم ‪ ،‬وقال أعدائهم ‪ :‬ل ذنب علينا لنهم ‪ ،‬هم‬
‫ق ‪ ،‬ورجاء آبائهم "‬
‫ق الرب ‪ ،‬الذي هو ملذهم الح ّ‬‫الذين أخطأوا في ح ّ‬
‫دعوة لخروج الغرباء من بابل ‪:‬‬
‫" اهربوا من وسط بابل ‪ ،‬واخرجوا من ديار الكلدانيين ‪ ،‬وكونوا كالتيوس أمام‬
‫قطيع الغنم ‪ ) ،‬الطلب من جميع الغربيين ُمغادرة العراق قبل القصف ( فها أنا‬
‫ُأثير وأجلب على بابل ‪ ،‬حشود ُأمم عظيمة ) ‪ 30‬دولة ( ‪ ،‬من أرض الشمال ‪،‬‬
‫فيتأّلبون عليها ‪ ،‬ويستولون عليها من الشمال ‪ ،‬وتكون سهامهم كجّبار متمّرس‬
‫ل يرجع فارغا ) من الصيد ( ‪ ،‬فتصبح أرض الكلدانيين غنيمة ‪ ،‬وكل من‬
‫يسلبها ُيتخم ) عوائد النفط ( ‪ ،‬يقول الرب ‪ .‬لنكم تبتهجون وتطفرون غبطة يا‬
‫‪351‬‬
‫ن أّمكم قد‬
‫ناهبي شعبي ‪ ،‬وتمرحون كِعجلٍة فوق العشب وتصهلون كالخيل ‪ ،‬فإ ّ‬
‫ل الشعوب ‪ ،‬وأرضها‬ ‫لحقها الخزي الشديد ‪ ،‬وانتابها الخجل ‪ ،‬ها هي ُتضحي أق ّ‬
‫ل بأسرها مهجورة وخربة ‪ ،‬كل من يمّر ببابل‬ ‫تصير قفرا جافا وصحراء ‪ ،‬وتظ ّ‬
‫‪ُ ،‬يصيبه الذعر ويصفر دهشة ‪ ،‬لما ابتليت به من نكبات " ‪.‬‬
‫تحريض على تدمير بابل ‪:‬‬
‫" اصطّفوا على بابل من كل ناحية ‪ ،‬يا جميع موتري القواس ‪ ،‬ارموا السهام‬
‫ق الرب ) لنها أنزلت بهم‬ ‫ول تبقوا سهما واحدا ‪ ،‬لنها قد أخطأت في ح ّ‬
‫العقاب اللهي في المرة الولى ( ‪ ،‬أطلقوا هتاف الحرب عليها من كل جانب‬
‫) طبل وزمر العلم الغربي قبل بدء الحرب ( ‪ ،‬فقد استسلمت ) لقرارات‬
‫مجلس المن ( وانهارت أسسها وتقوضت أسوارها ) البنية التحتية ( ‪ ،‬لن هذا‬
‫هو انتقام الرب ) بل هو انتقامهم ( ‪ ،‬فاثأروا منها ) تحريض ( ‪ ،‬وعاملوها‬
‫بمثل ما عاملتكم ‪ ،‬استأصلوا الّزارع من بابل ‪ ،‬والحاصد بالمنجل في يوم‬
‫الحصاد ‪ ،‬إذ يرجع كل واحد إلى قومه ‪ ،‬ويهرب إلى أرضه فرارا من سيف‬
‫العاتي " ‪.‬‬
‫دوافع النتقام ‪:‬‬
‫ل من‬‫" إسرائيل قطيع غنم مشّتت ‪ ،‬طردته السود ‪ ،‬كان ملك أشور أو ّ‬
‫شم عظامه ) كان هذا واقع حال الكهنة ‪ ،‬عند‬ ‫خر من ه ّ‬ ‫افترسه ‪ ،‬ونبوخذ نصر آ ِ‬
‫كتابة هذه الوثيقة ‪ ،‬موضحين دوافع هذا التحريض ( ‪ ،‬لذلك هذا ما ُيعلنه الرب‬
‫القدير إله إسرائيل ‪ :‬ها أنا ُأعاقب ملك بابل وأرضه ‪ ،‬كما عاقبت ملك أشور‬
‫من قبل ‪ ،‬وأرّد إسرائيل إلى مرتعه ‪ ،‬فيرعى في الكرمل وباشان ‪ ،‬وتشبع نفسه‬
‫في جبل أفرايم وجلعاد ‪ .‬وفي ذلك الزمان والوان ) المستقبل ( ‪ ،‬يقول الرب‬
‫) وما هو بقوله ( ‪ُ :‬يلتمس إثم إسرائيل فل يوجد ‪ ،‬وخطيئة يهوذا فل تكون ‪،‬‬
‫لني أعفو عمن أبقيته منهما ) في المرة الثانية بعد السبي البابلي ( " ‪.‬‬
‫تحريض مستمر‪:‬‬
‫" ازحف على أرض ميراثايم ) الجّبار المتمّرد ‪ ،‬أي ملك بابل ( ‪ ،‬وعلى‬
‫خّرب ودّمر وراءهم ) أثناء فرارهم‬ ‫المقيمين في فقود ) أرض العقاب ‪ ،‬بابل ( َ‬
‫ت جلبة القتال في‬
‫عَل ْ‬
‫( ‪ ،‬يقول الرب ‪ ،‬وافعل حسب كل ما آمرك به ‪ .‬قد َ‬
‫‪352‬‬
‫ي وُمباشر ( ‪ ،‬صوت تحطيم عظيم‬ ‫الرض ) على مرآى من العالم في بث ح ّ‬
‫طمت بابل ‪ ،‬مطرقة الرض كلها ؟ قد‬ ‫) دوي القنابل ( ‪ ،‬كيف تكسّرت وتح ّ‬
‫ت فيه يا بابل ) تورطت في الحرب نتيجة مؤامرة ( ‪ ،‬من‬ ‫ت الشرك فوقع ِ‬
‫نصب ُ‬
‫ب‪،‬‬ ‫ض عليك ‪ ،‬لّنك خاصمت الر ّ‬ ‫ت ( وُقب َ‬‫غير أن تشعري ‪ ،‬قد ُوجّدت ) ُأخذ ِ‬
‫قد فتح الرب ) أمريكا التي يعبدون ( مخزن سلحه ‪ ،‬وأخرج آلت سخطه‬
‫) التعبير هنا أكثر دقة وبمصطلحات حديثة ( ‪ ،‬لنه ما برح للسيد الرب‬
‫القدير ‪ ،‬عمل ُينجزه في ديار الكلدانيين ) حربين مدّمرتين وحصار وما زال‬
‫في جعبتهم أكثر ‪ ،‬لحقا ( ‪ ،‬ازحفوا عليها من أقاصي الرض ‪ ،‬وافتحوا‬
‫أهراءها ‪ ،‬وكّوموها أعراما واقضوا عليها قاطبة ‪ ،‬ول تتركوا منها بقية ‪،‬‬
‫) نهب ثرواتها وخيراتها ( ‪ ،‬اذبحوا جميع ثيرانها ‪ ،‬أحضروها للذبح ‪ ،‬ويل لهم‬
‫لن يوم موعد عقابهم قد حان " ‪.‬‬
‫استخدام وسائل العلم في الطبل والزمر ) تكرار ( ‪:‬‬
‫" اسمعوا ها جلبة الفاّرين الناجين ‪ ،‬من ديار بابل ليذيعوا في صهيون ‪ ،‬أنباء‬
‫انتقام الرب إلهنا والثأر لهيكله ‪ ،‬استدعوا إلى بابل رماة السهام ‪ ،‬جميع موتري‬
‫خري السلح ( ‪ ،‬عسكروا حولها فل ُيفلت منها أحد ) الحصار ( ‪،‬‬ ‫القسي )ُمذ ّ‬
‫جازوها بُمقتضى أعمالها ‪ ،‬واصنعوا بها كما صنعت بكم ‪ ،‬لنها بغت على‬
‫الرب قّدوس إسرائيل ‪ ،‬لذلك ُيصرع شّبانها في ساحاتها ‪ ،‬ويبيد في ذلك اليوم‬
‫ك أيتها المتغطرسة ‪ ،‬يقول الرب‬ ‫جميع جنودها ‪ ،‬يقول الرب ‪ .‬ها أنا ُأقاوم ِ‬
‫القدير ‪ ،‬لن يوم إدانتك ‪ ،‬وتنفيذ العقاب فيك قد حان ‪ ،‬فيتعّثر الُمتغطرس ويكبو‬
‫‪ ،‬ول يجد من ُينهضه ‪ ،‬وُأضرم نارا في ُمدنه فتلتهم ما حوله " ‪.‬‬
‫دوافع النتقام ) تكرار ( ‪:‬‬
‫" وهذا ما يعلنه الرب القدير ‪ :‬قد وقع الظلم على شعب إسرائيل ) عقابهم من‬
‫قبل بابل كان ظلمًا لهم ( ‪ ،‬وعلى شعب يهوذا ‪ ،‬وجميع الذين سبوهم وتشّبثوا‬
‫بهم ولم يطلقوهم ‪ ،‬غير أن فاديهم قوي ‪ ،‬الرب القدير اسمه ‪ ،‬وهو حتما ُيدافع‬
‫عن قضيتهم ‪ ،‬لكي ُيشيع راحة في الرض ‪ ،‬وُيقلق أهل بابل ‪ .‬ها سيف على‬
‫الكلدانيين ‪ ،‬يقول الرب وعلى أهل بابل ‪ ،‬وعلى أشرافها وعلى حكامها " ‪.‬‬

‫‪353‬‬
‫طبيعة العقاب الذي يأمل اليهود أن يوقعوه في بابل وأهلها ‪:‬‬
‫" ها سيف على عّرافيها فيصبحون حمقى ‪ ،‬وها سيف على ُمحاربيها فيمتلئون‬
‫رعبا ‪ .‬ها سيف على خيلها وعلى مركباتها ‪ ،‬وعلى ِفرق ُمرتزقتها فيصيرون‬
‫حّر على مياهها فُيصيبها الجفاف‬ ‫كالنساء ‪ ،‬ها سيف على كنوزها فُتنهب ‪ ،‬ها ال َ‬
‫) بسبب ضربة نووية قادمة ( لنها أرض أصنام ‪ ،‬وقد ُأولع أهلها بالوثان ‪.‬‬
‫لذلك يسكنها وحش القفر مع بنات آوى ‪ ،‬وتأوي إليها رعال النعام ‪ ،‬وتظ ّ‬
‫ل‬
‫مهجورة إلى البد ‪ .‬غير آهلة بالسكان إلى مدى الدهر ‪ .‬وكما قلب ال سدوم‬
‫وعمورة وما جاورهما ‪ ،‬هكذا لن يسكن فيها أحد ‪ ،‬أو يقيم فيها إنسان ) وهذا ما‬
‫يصبون إليه ‪ ،‬ولن يهدأ لهم بال حتى يحققوه ( " ‪.‬‬
‫العدوان الثلثيني لتدمير بابل وإسقاط نظام الحكم فيها ‪:‬‬
‫ف من الملوك ) العدوان‬ ‫" ها شعب ُمقبل من الشمال ‪ ،‬أّمة عظيمٌة ولفي ٌ‬
‫ي ويتقّلدون بالرماح ‪،‬‬
‫الثلثيني ( ‪ ،‬قد هّبوا من أقاصي الرض ‪ ،‬يمسكون بالقس ّ‬
‫ُقساة ل يعرفون الرحمة ‪ ،‬جلبتهم كهدير البحر ‪ ،‬يمتطون الخيل وقد اصطفوا‬
‫كرجل واحد ‪ ،‬لمحاربتك يا بنت بابل ) بابل الجديدة هي بنت بابل القديمة ‪ ،‬أي‬
‫العراق ( ‪ ،‬قد بلغ خبرهم ملك بابل ‪ ،‬فاسترخت يده وانتابته الضيقة ‪ ،‬ووجع‬
‫ض أسد من أجمات‬ ‫ض عليها ‪ ،‬كما ينق ّ‬
‫امرأة في مخاضها ‪ .‬انظر ‪ ،‬ها هو ينق ّ‬
‫نهر الردن ‪ ،‬هكذا وفي لحظة أطردهم منها ‪ ،‬وُأولي عليها من أختاره ) قلب‬
‫نظام الحكم ‪ ،‬وإسقاط الرئيس ‪ ،‬وتولية من يرضون عنه ( ‪ .‬لنه من هو‬
‫نظيري ؟ ومن ُيحاكمني ؟ وأي راع يقوى على مواجهتي ؟ " ) من منطلق‬
‫العنجهية والقوة العمياء ( ‪.‬‬
‫قصف بابل بالقنابل التوراتية ‪:‬‬
‫ططه ودّبره عميان القلب‬ ‫ب ضّد بابل ) بل ما خ ّ‬ ‫ططه الر ّ‬ ‫" لذلك اسمعوا ما خ ّ‬
‫والبصيرة ‪ ،‬من كهنتهم وأحبارهم الحاقدين ( ‪ ،‬وما دّبره ضد ديار الكلدانيين ‪،‬‬
‫سقوط‬‫ها صغارهم ُيجّرون جّرا ‪ ،‬وُيخّرب مساكنهم عليهم ‪ .‬من دوي أصداء ُ‬
‫) القنابل التوراتية على ( بابل ترجف الرض ‪ ،‬ويترّدد صراخها بين المم " ‪.‬‬
‫" وهذا ما ُيعلنه الرب ) أربابهم ( ‪ :‬ها أنا ُأثير على بابل ‪ ،‬وعلى الُمقيمين في‬
‫ديار الكلدانيين ريحا ُمهلكة ‪ ،‬وأبعث إلى بابل ُمذّرين ُيذّرونها ‪ ،‬ويجعلون‬
‫‪354‬‬
‫خر (‬‫أرضها قفرا ‪ ،‬وُيهاجمونها من كل جانب في يوم بلّيتها ‪ .‬ليوتر ) ُيذ ّ‬
‫جج بسلحه ) لتلقي طائراتهم كل حمولتها فوق بابل ( ‪ ،‬ل‬ ‫الرامي قوسه وليتد ّ‬
‫شّبانها ‪ ،‬بل أبيدوا كل جيشها إبادة كاملة ‪ ،‬يتساقط القتلى في أرض‬ ‫تعفوا عن ُ‬
‫الكلدانيين ‪ ،‬والجرحى في شوارعها ) من المدنيين طبعا ( ‪ ،‬لن إسرائيل‬
‫ض بالثم ضّد قّدوس‬ ‫ب القدير ‪ ،‬وإن تكن أرضهما تفي ُ‬ ‫ويهوذا لم ُيهملهما الر ّ‬
‫إسرائيل ) ربهم معهم دائما حتى لو وصل إفسادهم عنان السماء ( " ‪.‬‬
‫دعوة لخروج الغرباء من بابل ) تكرار ( ‪:‬‬
‫ج كل واحد بحياته ‪ ،‬ل تبيدوا من جراء إثمها‬‫" اهربوا من وسط بابل ‪ ،‬ولين ُ‬
‫) دعوة للجاليات الغربية لمغادرة العراق ( ‪ ،‬لن هذا هو وقت انتقام الرب‬
‫) الوقت الذي حدده جورج بوش ( ‪ ،‬وموعد ُمجازاتها ) تصفية الحساب القديم‬
‫قبل ‪ 2500‬عام تقريبا ( ‪ ،‬كانت بابل كأس ذهب في يد ال ) الثروة والقوة ( ‪،‬‬
‫جّنت الشعوب ‪.‬‬ ‫فسكرت الرض قاطبة ‪ ،‬تجّرعت المم من خمرها ‪ ،‬لذلك ُ‬
‫طمت ‪ ،‬فولولوا عليها ‪ ،‬خذوا بلسما لجرحها لعلها تبرأ ‪.‬‬ ‫فجأة سقطت بابل وتح ّ‬
‫ُقمنا بمداواة بابل ) حرب الخليج الولى ‪ ،‬وضرب المفاعل النووي ( ‪ ،‬ولكن لم‬
‫ينجع فيها علج ) إذ قامت بالتهديد بحرق نصفها حال اعتدائها على أي بلد‬
‫ض كل واحد منا إلى أرضه ‪ ،‬لن قضاءها قد بلغ‬ ‫عربي ( ‪ .‬اهجروها وليم ِ‬
‫عنان السماء ‪ ،‬وتصاعد حتى ارتفع إلى الغيوم ) تهديدها لدولة الفاعي مرارا‬
‫وتكرارا ( " ‪.‬‬
‫تحريض اليرانيين على تدمير بابل ‪:‬‬
‫" قد أظهر الرب بّرنا ‪ ،‬فتعالوا لُنذيع في صهيون ‪ ،‬ما صنعه الرب إلهنا ‪ .‬سّنوا‬
‫السهام وتقّلدوا التروس ‪ ،‬لن الرب قد أثار روح ملوك الماديين‬
‫طد العزم على إهلك بابل ‪ ،‬لن هذا هو انتقام الرب ‪،‬‬ ‫) اليرانيين ( ‪ ،‬إذ و ّ‬
‫والثأر لهيكله ‪ .‬انصبوا راية على أسوار بابل ‪ ،‬شّددوا الحراسة ‪ ،‬أقيموا‬
‫الرصاد ) الجواسيس والعملء ( أعدوا الكمائن ) المؤامرات ( ‪ ،‬لن الرب قد‬
‫طط وأنجز ما قضى به على أهل بابل ‪ ،‬أيتها الساكنة إلى جوار المياه‬ ‫خّ‬
‫الغزيرة ‪ ،‬ذات الكنوز الوفيرة ‪ ،‬إن نهايتك قد أزفت ‪ ،‬وحان موعد اقتلعك ‪،‬‬
‫قد أقسم الرب القدير بذاته ‪ ،‬قائل ‪ :‬لملّنك ُأناسا كالغوغاء فتعلوا جلبتهم عليك‬
‫"‪.‬‬
‫‪355‬‬
‫بقدرة الرب القدير سيتم تدمير بابل ‪:‬‬
‫سس الدنيا بحكمته ‪ ،‬ومّد السماوات بفطنته‬ ‫" هو الذي صنع الرض بقدرته ‪ ،‬وأ ّ‬
‫‪ ،‬ما إن ينطق بصوته ‪ ،‬حتى تتجمع غمار المياه في السماوات ‪ ،‬وتصعد‬
‫السحب من أقاصي الرض ‪ ،‬ويجعل للمطر بروقا ‪ ،‬وُيطلق الريح من‬
‫ي من تمثاله ‪ ،‬لن‬ ‫ئ خامل وعديم المعرفة ‪ ،‬وكل صائغ خز َ‬ ‫خزائنه ‪ ،‬كل امر ٍ‬
‫صنمه المسبوك كاذب ول حياة فيه ‪ ،‬جميع الصنام باطلة وصنعة ضلل ‪،‬‬
‫وفي زمن عقابها تبيد ‪ .‬أما نصيب يعقوب فليس مثل هذه الوثان ‪ ،‬بل جابل كل‬
‫الشياء ‪ .‬وشعب إسرائيل ميراثه ‪ ،‬واسمه الرب القدير ‪ ،‬أنت فأس معركتي‬
‫طم ممالك ‪ ،‬بك أجعل الفرس وفارسها‬ ‫وآلة حربي ‪ ،‬بك ُأمّزق المم إربا وُأح ّ‬
‫طم الرجل والمرأة ‪ ،‬والشيخ والفتى‬ ‫شم المركبة وراكبها ‪ ،‬بك ُأح ّ‬‫أشلء ‪ ،‬وأه ّ‬
‫والشاب والعذراء ‪ ،‬بك أسحق الراعي وقطيعه ‪ ،‬والحارث وفّدانه والحّكام‬
‫والولة " ‪.‬‬
‫خطيئة بابل في حق صهيون ‪:‬‬
‫" سُأجازي بابل وسائر الكلدانيين على شّرهم ‪ ،‬الذي ارتكبوه في حق‬
‫صهيون ‪ ،‬على مرأى منكم ‪ ،‬يقول الرب ‪ .‬ها أنا أنقلب عليك أيها الجبل‬
‫المخّرب ‪ ،‬أنت ُتفسد كل الرض ‪ ،‬لذلك أمّد يدي عليك ‪ ،‬وأدحرجك من بين‬
‫الصخور ‪ ،‬وأجعلك جبل محترقا ‪ ،‬فل ُيقطع منك حجر لزاوية ‪ ،‬ول حجر‬
‫ُيوضع لساس ‪ ،‬بل تكون خرابا أبديا ‪ ،‬يقول الرب " ‪.‬‬
‫تحريض المم والممالك على تدمير بابل ) تكرار ( ‪:‬‬
‫" انصبوا رايًة في الرض ‪ ،‬انفخوا في البوق بين المم ) وسائل العلم‬
‫ك أراراط ومّني‬ ‫الغربية ( ‪ ،‬أثيروا عليها المَم لقتالها ‪ ،‬وأّلبوا عليها ممال َ‬
‫وأشكناز ) تركيا وما حولها ( ‪ ،‬أقيموا عليها قائدًا ‪ ،‬اجعلوا الخيل تزحف‬
‫ك الماديين‬
‫ب الشرسة ‪ .‬أثيروا عليها المَم وملو َ‬ ‫ل الجناد ِ‬‫عليها ‪ ،‬كجحاف ِ‬
‫) اليرانيين ( ‪ ،‬وكل حّكامهم وولتهم وسائر الديار التي يحكمونها‬
‫ض ترتجف وتقشعّر ‪ ،‬لن قضاء الرب‬ ‫) إمبراطورية فارس القديمة ( ‪ .‬الر ُ‬
‫على بابل يتّم ‪ ،‬ليجعل أرض بابل خرابا وقفرا " ‪.‬‬

‫‪356‬‬
‫أهل بابل بيدر ‪ ،‬أزف موعد حصاده في ‪1991 – 1 – 16‬م ‪:‬‬
‫" قد أحجم ُمحاربو بابل الجبابرة عن القتال ‪ ،‬واعتصموا في معاقلهم ‪ ،‬خارت‬
‫طمت مزاليجها ‪،‬‬ ‫شجاعتهم وصاروا كالنساء ‪ ،‬احترقت مساكن بابل وتح ّ‬
‫يركض عّداء لملقاة عّداء آخر ‪ ،‬وُيسرع ُمخبر للقاء ُمخبر ‪ ،‬لُيبلغ ملك بابل أن‬
‫مدينته ‪ ،‬قد تم الستيلء عليها ‪ ،‬من كل جانب ‪ ،‬قد سقطت المعابر ‪ ،‬وُأحرقت‬
‫أجمات القصب بالنار ‪ ،‬واعترى المحاربين الذعر ‪ ،‬لن هذا ما ُيعلنه الرب‬
‫ن أهل بابل كالبيدر ‪ ،‬وقد حان أوان درس حنطته ‪ ،‬وبعد‬ ‫القدير إله إسرائيل ‪ :‬أ ّ‬
‫قليل يأزف موعد حصادهم " ‪.‬‬
‫دوافع النتقام ) تكرار ( ‪:‬‬
‫" يقول المسبيون ‪ " :‬قد افترسنا نبوخذ نصر ملك بابل ‪ ،‬وسحقنا وجعلنا إناءً‬
‫فارغا ‪ ،‬ابتلعنا كتّنين ‪ ،‬ومل جوفه من أطايبنا ‪ ،‬ثم لفظنا من فمه " ‪ .‬يقول أهل‬
‫ل ببابل ما أصابنا ‪ ،‬وما أصاب لحومنا من ظلم " ‪ ،‬وتقول‬‫حّ‬‫أورشليم ‪ " :‬لي ُ‬
‫أورشليم ‪ " :‬دمي على أهل أرض الكلدانيين " ) مطالبة بالثأر مستقبل من‬
‫الجيال القادمة ( ‪.‬‬
‫الكيفية التي تم بها إشعال حرب الخليج الثانية ‪:‬‬
‫" لذلك هذا ما ُيعلنه الرب ‪ :‬ها أنا ُأدافع عن دعواك وانتقم لك ‪ ،‬فأجفف بحر‬
‫بابل وينابيعها ‪ ،‬فتصير بابل ركاما ‪ ،‬ومأوى لبنات آوى ‪ ،‬ومثار دهشة وصفير‬
‫صل لهم ذلك في حال ضرب العراق نوويا ‪ ،‬وهو ما‬ ‫وأرضا موحشة ) سيتح ّ‬
‫ُيفّكرون به حاليا ( ‪ ،‬إنهم يزأرون كالسود ‪ ،‬وُيزمجرون كالشبال ‪ ) ،‬أي‬
‫العراقيون ‪ ،‬وهذا ما ُيغيظ تلك الفئران ‪ ،‬التي ترتعد فرائسها ‪ ،‬وتصطك أسنانها‬
‫هلعا وجزعا ‪ ،‬عند سماعها للتهديدات العراقية ( ‪ ،‬عند شبعهم ‪ُ ،‬أعّد لهم مأدبة‬
‫) دولة الكويت ‪ ،‬وحكامها باستجابتهم لبالسة المكر والدهاء جعلوا منها‬
‫مأدبة ( ‪ ،‬وُأسكرهم حتى تأخذهم نشوة ) الغراء والمديح لحكام العراق ‪،‬‬
‫باستجابتهم للفريق الثاني من البالسة ( ‪ ،‬فيناموا نوما أبديا ل يقظة منه ‪ ،‬يقول‬
‫الرب ‪ .‬وُأحضرهم ) العراقيين ( كالحملن للذبح ‪ ،‬وكالكباش والتيوس " ‪.‬‬
‫ش وكل الفريقين وبقية الدول العربية ‪ ،‬بعلم ومن غير علم ‪ ،‬وقعوا في الفخ الذي‬
‫ُنصب لهم ‪ ،‬وكلهم ملومين بل استثناء ‪ ،‬ومن يضع اللوم على فريق دون الخر‬
‫‪357‬‬
‫‪ ،‬فقد جانبه الصواب ‪ ،‬فكل عربي كان له دور في المؤامرة ‪ ،‬ونفّذه على أكمل‬
‫ل أخذ نصيبه في تأجيج نار الفتنة ‪ .‬وفي المحصلة ُنهبت ثروات‬ ‫وجه ‪ ،‬وك ٌ‬
‫المة ‪ ،‬واستخدمت لشباع بعضا من الرغبة اليهودية في النتقام من بابل ‪،‬‬
‫ل يتركوا العراق ‪ ،‬حتى يعود إلى " العصر‬ ‫ولديهم مزيد ‪ ،‬فتوراتهم تأمرهم بأ ّ‬
‫الحجري " ‪ ،‬كما صرح الرئيس المريكي آنذاك ‪ ،‬وأقصى أمانّيهم ‪ ،‬هي‬
‫اختفاء أي مظهر من مظاهر الحياة في العراق ‪ ،‬خوفا من تكرار كابوس السبي‬
‫ض مضاجعهم ‪ ،‬ما دام هناك عراق‬ ‫البابلي ‪ ،‬الذي ما زال يؤرق أجفانهم ‪ ،‬ويق ّ‬
‫قوي ‪ُ ،‬يهّدد وجودهم ‪ ،‬وقادر على الوصول إليهم ‪.‬‬
‫المصير المرعب الذي كان اليهود يتمنونه لبابل بعد حرب الخليج وما زالوا ‪:‬‬
‫ي على بابل ! كيف سقطت فخر كل الرض ! كيف صارت بابل‬ ‫" كيف اسُتول َ‬
‫مثار دهشة بين المم ! قد طغى البحر على بابل ‪ ،‬فغمرها بأمواجه الهائجة ‪،‬‬
‫وأصبحت ُمدنها موحشة ‪ ،‬وأرض قفر وصحراء ‪ ،‬أرض ل يأوي إليها أحد ‪،‬‬
‫ب الصنم بيل في بابل ‪ ،‬وأستخرج من فمه ما‬ ‫ول يجتاز بها إنسان ‪ ،‬وأعاق ُ‬
‫ف المم من‬ ‫ابتلعه ‪ ) ،‬نهب ثروات العراق تعويضا عن كنوز الهيكل ( ‪ ،‬فتك ّ‬
‫التوافد إليه ‪ ،‬وينهدم أيضا سور بابل " ‪.‬‬
‫ش ل بد لهم ‪ ،‬من ضرب العراق بالنووي ‪ ،‬عاجل أم آجل ‪ ،‬حتى يتمكنوا من‬
‫تحقيق هذا الحلم التوراتي ‪ ،‬فالسلحة التقليدية لم ُتجدي نفعا ‪ ،‬والرعب‬
‫ي اليهودي من اسم بابل وأشور ‪ ،‬كما هو واضح من هذه النصوص ‪،‬‬ ‫ضّ‬‫المَر ِ‬
‫ليس له علج إل محو هذا البلد بأهله ‪ ،‬عن الوجود وإلى البد ‪ ،‬وهذا ما‬
‫ُيصّرحون به ‪ ،‬في هذه النصوص ‪ ،‬ومن معرفتك بطبيعة العلج الذي يصفونه‬
‫لنفسهم ‪ ،‬تستطيع التعرف على خطورة الحالة المرضّية المستعصية ‪ ،‬التي‬
‫ُيعانون منها ‪ ،‬وخطورة ما قد ُيقدمون عليه مستقبل في حق العراق ‪.‬‬
‫دعوة أخرى لخروج الغرباء من بابل ) تكرار ( ‪:‬‬
‫" اخرجوا من وسطها يا شعبي )لذلك لم يبدأ العدوان إل بعد خروج رعايا‬
‫الدول المعتدية ‪ ،‬والنية كانت تدمير العراق عن بكرة أبيه ‪ ،‬لو ُأتيح لهم ذلك ( ‪،‬‬
‫ج كل واحد بحياته ‪ ،‬هربا من احتدام غضب الرب ‪ ،‬ل تخّر قلوبكم ول‬ ‫ولين ُ‬
‫تفزعوا ‪ ،‬مما يشيع في الديار من أنباء ‪ ،‬إذ تروج شائعة في هذه السنة ‪،‬‬
‫وُأخرى في السنة التالية ‪ ،‬ويسود العنف الرض ‪ ،‬ويقوم ُمتسّلط على ُمتسّلط ‪.‬‬
‫‪358‬‬
‫لذلك ها أيام ُمقبلة ‪ُ ،‬أعاقب فيها أصنام بابل ‪ ،‬ويلحق العار بأرضها كلها ‪،‬‬
‫ويتساقط قتلها في وسطها ‪ ،‬عندئذ تتغنى بسقوط بابل ‪ ،‬السماوات والرض‬
‫وكل ما فيها ‪ ،‬لن الُمدّمرين يتقاطرون عليها من الشمال ‪ ،‬يقول الرب " ‪.‬‬
‫المستهدف هو شعب بابل ‪:‬‬
‫" كما صرعت بابل قتلى إسرائيل ‪ ،‬هكذا ُيصرع قتلى بابل في كل الرض‬
‫) السن بالسن والعين بالعين ( ‪ ،‬يا أّيها الناجون من السيف ‪ ،‬اهربوا ل تقفوا ‪،‬‬
‫اذكروا الرب في مكانكم البعيد ‪ ،‬ول تبرح أورشليم من خواطركم ‪ .‬قد لحقنا‬
‫ي لننا استمعنا للهانة ‪ ،‬فكسا الخجل وجوهنا ) إساءة الوجه ( ‪ ،‬إذ انتهك‬ ‫الخز َ‬
‫الغرباء ) أي البابليون ( مقادس هيكل الرب ) بعدما حّوله الكهنة إلى بورصة ‪،‬‬
‫للتبادلت التجارية الربوّية ‪ ،‬حسبما ذكر أنبياؤهم ( " ‪.‬‬
‫" لذلك ها أيام ُمقبلة ‪ ،‬يقول الرب ‪ُ ،‬أنّفذ فيها قضائي على أصنام بابل ‪ ،‬ويئ ّ‬
‫ن‬
‫جرحاها في كل ديارها ‪ ،‬وحتى لو ارتفعت بابل فبلغت عنان السماء ‪ ،‬وحتى لو‬
‫ن الُمدّمرين ينقضون عليها من عندي ‪ ،‬يقول‬ ‫صنت معاقلها الشامخة ‪ ،‬فإ ّ‬ ‫ح ّ‬
‫الرب " ‪.‬‬
‫المصير المرعب الذي كان اليهود يتمنونه لبابل بعد حرب الخليج وما زالوا‬
‫) تكرار ( ‪:‬‬
‫" ها صوت صراخ يترّدد في بابل ‪ ،‬صوت جلبة دمار عظيم ‪ ،‬من أرض‬
‫الكلدانيين ‪ ،‬لن الرب قد خّرب بابل ‪ ،‬وأخرس جلبتها العظيمة ‪ ،‬إذ طغت عليها‬
‫جاجة ‪ ،‬وعل ضجيج أصواتهم ‪ ،‬لن الُمدّمر قد انقض‬ ‫جحافل أعدائها ‪ ،‬كمياه ع ّ‬
‫على بابل ‪ ،‬وأسَر ُمحاربيها ‪ ،‬وتكسرت كل قسّيها ) أسلحتها ( ‪ ،‬لن الرب إله‬
‫ُمجازاة ‪ ،‬وهو حتما ُيحاسبها ‪ ،‬إني ُأسكُر رؤساءها وحكماءها ومحاربيها ‪،‬‬
‫فينامون نوما أبديا ل يقظة منه ‪ ، … ،‬وهذا ما ُيعلنه الرب القدير ‪ :‬إن سور‬
‫بابل العريض ‪ُ ،‬يقّوض وُيسّوى بالرض ‪ ،‬وبّواباتها العالية تحترق بالنار ‪،‬‬
‫ويذهب تعب الشعوب باطل ‪ ،‬ويكون مصير جهد المم للنار " ‪.‬‬
‫" وكان ارميا قد دّون في كتاب واحد ‪ ،‬جميع الكوارث التي سُتبتلى بها بابل ‪،‬‬
‫أي جميع النبوءات المدّونة عن بابل ‪ ) ،‬وأرسله ارميا إلى بابل وقال لحامله ( ‪:‬‬
‫" حالما تصل إلى بابل ‪ ،‬اعمل على تلوة جميع هذه النبوءات ‪ ،‬وقل ‪ :‬أيها‬
‫الرب ‪ ،‬قد قضيت على هذا الموضع بالنقراض ‪ ،‬فل يسكن فيه أحد من الناس‬
‫‪359‬‬
‫والبهائم ‪ ،‬بل ُيصبح خرابا أبديا " ‪ ،‬ومتى فرغت من تلوة هذا الكتاب ‪ ،‬اربط‬
‫به حجرا واطرحه في وسط الفرات ‪ ،‬وقل ‪ " :‬كذلك تغرق بابل ‪ ،‬ول تطفو بعد‬
‫‪ ،‬لما ُأوقعه عليها من عقاب ‪ ،‬فيعيا كل أهلها " ‪.‬‬
‫طها مؤلفو التوراة ‪ ،‬على أنها عقوبة ال لبابل ‪ ،‬ما‬‫ش هذه الوثيقة المرعبة التي خ ّ‬
‫هي إل العقوبة التي تنتظر إسرائيل وأمريكا مستقبل ‪ ،‬ولكنهم أرادوها لبابل ‪،‬‬
‫ونفّذوا فصولها في العراق ‪ ،‬فصل تلو الخر ‪ ،‬وهم يسعون الن من وراء‬
‫الكواليس لتنفيذ بقية فصولها ‪.‬‬
‫صفة العقاب اللهي لمريكا ‪:‬‬
‫سبب العقاب اللهي هو استعلئها وإضللها لشعوب الرض ‪ ،‬وما أوقعته من‬
‫ظلم بهم ‪ .‬ودمارها سيأتي من الشمال ‪ .‬من خلل تحالف عدة دول ‪ ،‬وبضربات‬
‫نووية كثيفة ومفاجئة ‪ .‬تتسبب بدمار عظيم وحرائق وجفاف ‪ ،‬ومن ثم طوفان‬
‫عظيم يجتاح أراضيها ‪ ،‬ليتركها قفرا أجرد ل يصلح للسكن أبد الدهر ‪.‬‬
‫وجيوشها التي كانت قد خرجت منها ‪ ،‬سيتم ذبحها كالحملن والتيوس ‪.‬‬
‫نبوءة عن سقوط بابل من سفر الرؤيا ليوحنا‬
‫قلنا في السابق أن إنجيل يوحنا ورؤياه ‪ ،‬ل بد أن تكون أسفار توراتية ‪ ،‬وكان‬
‫من المفروض أن تكون ُملحقة بالتوراة ‪ ،‬ولكّنها ُأسقطت في وقت ُمتأخر ‪ ،‬بعد‬
‫أن تمّ التلعب فيها من قبل اليهود ‪ ،‬فتلقفها النصارى وضّموها إلى النجيل ‪،‬‬
‫أثناء جمعه وتحريفه ونسخه ‪ ،‬وليس أدل على ذلك ‪ -‬بالضافة لما تقّدم وأشرنا‬
‫إليه ‪ -‬من تكرار نصوص الوثيقة السابقة من سفر ارميا في التوراة ‪ ،‬بنفس‬
‫الفكار والعبارات تقريبا ‪ ،‬ولكن بدرجة أقل من المبالغة والتهويل والتطويل ‪،‬‬
‫في سفر الرؤيا الملحق بأناجيل النصارى ‪.‬‬
‫" ‪ : -1 :18‬بعد هذا رأيت ملكا آخر ‪ ،‬نازل من السماء ‪ ، … ،‬وصاح بأعلى‬
‫صوته ‪ " :‬سقطت بابل ‪ ،‬سقطت بابل العظمى ‪ ،‬وصارت وكرا للشياطين ‪،‬‬
‫ومأوى لكل روح نجس ‪ ، … ،‬ثم سمعت صوتا آخر ‪ُ ،‬ينادي من السماء ‪" :‬‬
‫اخرجوا منها يا شعبي ‪ ،‬لئل تشتركوا في خطاياها ‪ ،‬فتصابوا ببلياها ‪ ،‬فقد‬
‫تراكمت خطاياها حتى بلغت عنان السماء ‪ ،‬وتذّكر ال ما ارتكبته من آثام ‪.‬‬
‫ض عليها‬ ‫افعلوا بها كما فعلت بكم ‪ ،‬وضاعفوا لها جزاء ما اقترفت ‪ . … ،‬ستنق ّ‬

‫‪360‬‬
‫البليا في يوم واحد ‪ ،‬من موت وحزن وجوع ‪ ،‬وستحترق بالنار فإن ال الذي‬
‫ب قدير " ‪.‬‬
‫ُيدينها ‪ ،‬هو ر ّ‬
‫" ‪ :9-10 :18‬وسيبكي عليها ملوك الرض ‪ ،‬الذين زنوا وترّفهوا معها ‪،‬‬
‫وسينوحون وهم ينظرون إلى دخان حريقها ‪ ،‬فيقفون على ُبعد منها ‪ ،‬خوفا من‬
‫عذابها ‪ ،‬وهم يصرخون ‪ :‬الويل ‪ ،‬الويل ‪ ،‬أيتها المدينة العظمى ‪ ،‬بابل القوية !‬
‫في ساعة واحدة حل بك العقاب ! " ‪.‬‬
‫" ‪ :12-17 :18‬وسيبكي ُتجار الرض ويحزنون عليها ‪ ، … ،‬هؤلء التجار‬
‫الذين اغتنوا من التجارة معها ‪ ،‬يقفون على بعد منها ‪ ،‬خوفا من عذابها ‪ ،‬يبكون‬
‫عليها وينتحبون ‪ ،‬قائلين ‪ :‬الويل ‪ ،‬الويل ‪ ،‬على المدينة العظمى ‪ ، … ،‬وقد‬
‫زال هذا كله في ساعة واحدة ! " ‪.‬‬
‫لحوها على بعد منها ‪ ،‬ينظرون‬ ‫" ‪ :18-19 :18‬ويقف قادة السفن ورّكابها وم ّ‬
‫إلى ُدخان حريقها ‪ ،‬أية مدينة مثل هذه المدينة العظمى ؟! ويذرون التراب على‬
‫رؤوسهم ‪ ،‬وهم يصرخون باكين منتحبين ‪ :‬الويل ‪ ،‬الويل ‪ ،‬على المدينة‬
‫العظمى ‪ ،‬التي اغتنى أصحاب سفن البحر جميعا بفضل ثروتها ! ها هي في‬
‫ساعة واحدة قد زالت ! " ‪.‬‬
‫" ‪ :20 :18‬اشمتي بها أيتها السماء ! واشمتوا بها أيها القّديسون والرسل‬
‫حكمه عليها بعد أن أصدرت أحكامها عليكم " ‪.‬‬ ‫والنبياء ‪ ،‬فقد أصدر ال ُ‬
‫" ‪ :21-24 :18‬وتناول ملك قوي ‪ ،‬حجرا كأّنه حجر طاحونة عظيم ‪ ،‬وألقاه‬
‫في البحر ‪ ،‬قائل ‪ " :‬هكذا ُتدفع وُتطرح بابل الدينة الُعظمى ‪ ،‬فتختفي إلى‬
‫البد ! لن ُيسمع فيك عزف موسيقى بعد ‪ ، … ،‬ولن تقوم فيك صناعة بعد الن‬
‫‪ ،‬ولن ُيسمع فيك صوت رحى ‪ ،‬ولن ُيضيء فيك نور مصباح … فقد كان‬
‫جارك سادة الرض ‪ ،‬وبسحرك ضّللت جميع أمم الرض ‪ .‬وفيها ُوجدت دماء‬ ‫ُت ّ‬
‫أنبياء وقّديسين وجميع الذين ُقتلوا على الرض " ‪.‬‬
‫" ‪ :1-2 :19‬وبعد هذا سمعت صوتا عاليا ‪ … ،‬يقول ‪ " :‬هّللويا ! الخلص‬
‫ب إلهنا ! فإن أحكامه حق وعدل ‪ ،‬لّنه عاقب‬ ‫والمجد والكرامة والقدرة للر ّ‬
‫الزانية الكبرى ‪ ،‬التي أفسدت الرض ‪ ،‬وانتقم لدم عبيده منها " ‪.‬‬
‫ش الحقيقة أن هذه النبوءة ‪ ،‬تتحدث عن دولة عظمى في العصر الحديث ‪،‬‬
‫ُتضاهي عظمة بابل القديمة وقوتها ‪ ،‬وهذه النصوص في الواقع ‪ ،‬تصف حال‬
‫‪361‬‬
‫أمريكا بقوتها القتصادية والعسكرية ‪ ،‬وما أحدثته في هذا العصر من فساد‬
‫وإفساد ‪ ،‬وسفك للدماء في مشارق الرض ومغاربها ‪ ،‬فهي تحكم الكرة‬
‫صبت نفسها كإله ُيعبد وُيقّدس ‪ ،‬فهي تحّدد في‬ ‫الرضية بأسرها من خلل ‪ ،‬ون ّ‬
‫تقارير وزارة خارجّيتها ‪ ،‬من أصلح ومن أفسد ‪ ،‬ومن حافظ على الحقوق ومن‬
‫هضمها ‪ ،‬ومن أرهب ومن لم يرهب ‪ .‬وعلى قائمة مقاطعاتها القتصادية‬
‫ل يخطب‬ ‫ضل على خلق ال ‪ ،‬والك ّ‬ ‫حوالي ‪ 46‬دولة ‪ ،‬فهي الُمنِعم والُمكِرم والُمتف ّ‬
‫وّد ورضا هذه اللهة الجديدة ‪ ،‬وهي تسعى الن لعولمة اقتصادها وثقافتها ‪،‬‬
‫وفرضها على شعوب تارة بالترهيب وتارة بالترغيب ‪ ،‬وأما كلمة بابل في هذه‬
‫النص إما أن تكون ُأضيفت عن قصد من قبل الكهنة ‪ ،‬بسبب الحقد والكراهية‬
‫والرغبة في النتقام من بابل ‪ ،‬وإما أن تكون قد استخدمت لترمز إلى الدولة‬
‫الُعظمى في هذا العصر ‪ .‬ولو حذفت كلمة بابل ووضعت كلمة أمريكا ‪ ،‬لوجدت‬
‫أن النص سُيصبح أكثر صدقا وتطابقا مع الواقع ‪.‬‬
‫سرين الجدد من النصارى بوجه خاص ‪ ،‬كما تشير الكاتبة‬ ‫ولكن أغلب المف ّ‬
‫المريكية في الفصل السابق ‪ ،‬يأخذون بالتفسير اللفظي للمسميات ‪ ،‬التي جاءت‬
‫في النصوص التوراتية والنجيلية ‪ ،‬ويقّدمون شروحاتهم وتفسيراتهم ‪،‬‬
‫لنصارى الغرب من ساسة وعامة ‪ ،‬على نحو مغاير لما ُتخبر عنه النصوص‬
‫حقيقة ‪ ،‬فبابل القديمة أينما جاءت في النصوص ‪ ،‬تعني بالنسبة لهم بابل الجديدة‬
‫أي العراق ‪ ،‬بالرغم من أن النصوص تصف دولة عظمى ‪ ،‬هي أقرب إلى‬
‫أمريكا منها إلى العراق ‪ ،‬وتوحي بأن لفظ بابل استخدام كاستعارة لفظية ‪.‬‬
‫أما اليهود فهم يعلمون حقيقة ما ُتخبر عنه النصوص ‪ ،‬وبأن الدمار القادم‬
‫والذي ُتخبر عنه النصوص ‪ ،‬سيكون لسرائيل وأمريكا وحلفائهما ‪ ،‬ولكنهم‬
‫يستغلون الفهم الخاطئ والمضطرب للنصارى ‪ ،‬لخدمة أغراضهم ومخططاتهم‬
‫الشيطانية ‪ ،‬ولحماية دولتهم من الخطار المحّدقة بها ‪ .‬فهم مّتفقون على أن هذه‬
‫النبوءات تتحدث عن تدمير العراق ‪ ،‬وبما أنها جاءت تحريضية بصيغة‬
‫المر ‪ ،‬فقد اّتحدوا لتنفيذ ما قضى به الرب على بابل ‪ ،‬ولن تستكين لهم حال أو‬
‫تلين لهم عزيمة ‪ ،‬حتى يتحقق ما جاء في هذه النصوص ‪ ،‬بجعل العراق أرضا‬
‫قفرا صحراء قاحلة خاوية على عروشها ‪ ،‬لذلك هم ل يكترثون بالشرعية‬
‫الدولية ول بالقانون الدولي ‪ ،‬إذ ل يمتثل لهما إل الضعفاء والغبياء ‪ ،‬فالقوانين‬
‫اللهية بشأن العراق ‪ ،‬هي ما ينصاعون إليه ويلتزمون بتطبيقه ‪ ،‬فالحرب على‬

‫‪362‬‬
‫العراق حرب ُمقّدسة ‪ ،‬لنهم موقنون تماما ‪ :‬بأنّ بقاء العراق يعني حتمية زوال‬
‫ن بقاء إسرائيل يعني حتمية زوال العراق …‬ ‫إسرائيل … وأ ّ‬
‫وما داموا يمتلكون مقّدرات الكاوبوي المريكي البريطاني ‪ ،‬الُمشترى بالرشوة‬
‫والشهوة والرعب ‪ ،‬والمأخوذ بجنون القوة ‪ .‬فلن ُيثنيهم عن عزمهم ‪ ،‬إل أن‬
‫ُيبادوا قبل أن ُيبيدوا الحرث والنسل ‪ .‬وبالتالي فإن بقاء العراق ‪ ،‬يتحّتم عليه‬
‫محو إسرائيل ‪ ،‬من قلب الوطن العربي ‪ ،‬وسحق تلك الفئران ‪ ،‬المتلّفعة بريش‬
‫النسر المريكي القرع ‪.‬‬
‫وإن لم تكن الحرب العراقية اليرانية من صنع أيديهم ‪ ،‬فهم ساهموا فيها بشكل‬
‫أو بآخر ‪ ،‬فإيران تأتي في الدرجة الثانية في العداء التوراتي لسرائيل ‪ ،‬وكلنا‬
‫سمع بفضيحة ) إيران غيت ( في الثمانينيات ‪ ،‬التي كان بطلها الرئيس‬
‫المريكي ) ريغان ( حيث كانوا ُيؤيدون العراق علنا ‪ ،‬وُيزّودون إيران ‪ -‬التي‬
‫كانت تنظر إلى أمريكا على أنها الشيطان الكبر ‪ -‬بالسلحة سرا ‪ ،‬لطالة أمد‬
‫هذه الحرب ‪ ،‬ولبقاء العراق وإيران منشغلين فيها ‪.‬‬
‫والسبب الهم لشعالها ‪ ،‬هو الرعب الذي دب في قلوبهم من المارد العراقي ‪،‬‬
‫الذي أعاد إلى أذهانهم النبوءات التوراتية ‪ ،‬وأيقظ في مخيلتهم شبح نبوخذ‬
‫نصر ‪ ،‬وكابوس السبي البابلي ‪ ،‬ليقض مضاجعهم فلم ترقأ لهم عين ‪ ،‬ولم‬
‫يغمض لهم جفن ‪ ،‬والذي بدأ يستيقظ من غفوته بامتلكه المفاعل النووي ‪.‬‬
‫وسيكون بعد سنوات قليلة ‪ ،‬قاب قوسين أو أدنى من إنتاج القنابل النووية ‪ .‬وما‬
‫أن انشغل العراق في الحرب ‪ ،‬وأصبح ظهره مكشوفا ‪ ،‬حتى انسلت‬
‫ب حممها التوراتية الحاقدة ‪ ،‬على ذلك‬ ‫خفافيشهم ‪ ،‬تحت جنح الظلم ‪ ،‬لتص ّ‬
‫المفاعل ‪ ،‬في سنين صباه الولى ‪ ،‬لُتبيده عن بكرة أبيه ‪.‬‬
‫وبعد أن خرج العراق من تلك الحرب ‪ ،‬محتفظا بقوته وجبروته ‪ ،‬ومع أول‬
‫تصريح وتهديد له ‪ " ،‬بحرق نصف إسرائيل ‪ ،‬حال اعتدائها على أي قطر‬
‫عربي " ‪ ،‬على لسان الرئيس العراقي ‪ ،‬جهارا نهارا في مؤتمر قمة بغداد ‪،‬‬
‫عام ‪1989‬م ‪ ،‬أقامت وسائل العلم المرئية والمسموعة والمقروءة ‪ -‬التي‬
‫جه‬
‫تمتلك معظمها تلك الفاعي ‪ -‬الدنيا ولم تقعدها ‪ ،‬حتى استطاعت ز ّ‬
‫وتوريطه ‪ ،‬في الدخول إلى الكويت ‪ ،‬بالتآمر والتواطؤ وبمكرهم ودهائهم‬
‫ضت عليه من بأقطارها ‪ ،‬بحجة رفع الظلم عن دولة‬ ‫المعهودين ‪ ،‬ومن ثم حر ّ‬
‫طوا‬‫الكويت ‪ ،‬وتأمين منابع النفط ‪ ،‬التي سيسطر عليها العراقيون ‪ .‬وكما خ ّ‬
‫‪363‬‬
‫بأقلمهم سيناريو الحرب العالمية الثانية ‪ ،‬أعادوا نفس السيناريو ‪ ،‬في حرب‬
‫الخليج ‪ ،‬من ألفه إلى يائه ‪.‬‬
‫فها قد تحّررت الكويت ‪ ،‬وتأّمنت منابع النفط ‪ ،‬فلماذا هذا الحصار الظالم على‬
‫أطفال العراق ؟! يّدعون أن العراق يهدد جيرانه ‪ ،‬فانظر من يّدعي ! وانظر‬
‫إلى جيرانه ! وما علقة المّدعي بالجيران ؟! المّدعون هم ) مادلين ُألبرايت‬
‫وزيرة الخارجية المريكية ‪ ،‬ووليام كوهين وزير الدفاع المريكي ‪ ،‬وساندي‬
‫بيرغر مسؤول المن القومي المريكي ‪ ،‬وهلم جرا … ( وكلهم يهود ‪ .‬فما‬
‫عليك إل استبدال كلمة المريكي في مناصبهم ومسؤولياتهم ‪ ،‬بكلمة السرائيلي‬
‫‪ ،‬لتعرف من هم الجيران الذين سيهددهم وجود عراق قوي ‪.‬‬
‫أما الحصار ‪ ،‬فقد ُوجد ليبقى ‪ ،‬وغايته منع المارد العراقي من الصحوة ‪.‬‬
‫واستمّر الحصار ليبقى المارد محصورا في القمقم ‪ ،‬وعندما تّم لهم ذلك ‪،‬‬
‫عمدوا إلى تقليم مخالبه واقتلع أنيابه ‪ ،‬فمنظرها ُيرعب تلك الفئران المسكينة ‪،‬‬
‫ويجعل فرائصها ترتعد هلعا وجزعا ‪ .‬واستمّر الحصار لمنع أطفال العراق ‪،‬‬
‫طر‬‫من الوصول إلى مرحلة الرجولة ‪ ،‬كي ل يكونوا مستقبل أفراد جيش ‪ُ ،‬يس ّ‬
‫على أجساد تلك الفئران أساطير البطولة ‪ ،‬فهم وحسب رؤاهم التوراتية ‪،‬‬
‫يعرفون ويعلمون أن دولتهم ستزول ‪ ،‬وسيكون فيهم القتل والنهب والنفي ‪ ،‬وأن‬
‫المرشح الول والوحيد للقضاء عليهم هو غريمهم الزلي ‪ ،‬وأن دولتهم سيعيش‬
‫فيها ‪ ،‬ل أكثر من جيل واحد ‪ .‬لذلك بما أنهم موقنون تماما ‪ ،‬بأن زوال دولتهم‬
‫أمر حتمي ‪ ،‬كان ل بد لهم من أن يعملوا بكل طاقاتهم ‪ ،‬من أجل حماية هذا‬
‫المسخ الخداج ‪ ،‬الذي حملت به عروس المدائن غصبا واغتصابا ‪ ،‬من مرتزقة‬
‫الغرب المأجورين ‪ ،‬في غفلة من الزمان ‪.‬‬
‫لذلك … فالحصار لن ُيرفع … ما دامت تلك الفئران … في القدس ترتع‬
‫الفعوان العراقي في سفر إشعياء‬
‫خطورة هذا الفعوان المرعب ‪ ،‬تتمثل في ما يحمله في أحشائه من سموم‬
‫ُمميتة ‪ ،‬كان أسلفهم قد تجّرعوها من قبل ‪ ،‬ووصفوا تأثيرها المؤلم على امتداد‬
‫التوراة الشاسع ‪ ،‬فشغلت حّيزا كبيرا من فكرهم ووجدانهم ‪ ،‬فمجّرد التفكير‬
‫ل بأسلفهم ‪ ،‬من جّراء تلك الفعى التي‬ ‫بتكرار ذلك المصير المرعب ‪ ،‬الذي ح ّ‬

‫‪364‬‬
‫أنجبت هذا الفعوان ‪ُ ،‬يصيبهم بحالة من الذعر والهلع ‪ ،‬لذلك كان وسيكون لهم‬
‫‪ ،‬محاولت عديدة للتخّلص من خطر هذا الفعوان على وجودهم ‪:‬‬
‫• الُمحاولة الولى ‪ :‬هي الحرب اليرانية العراقية ‪ ،‬لصابته بالشلل وقد‬
‫ُأصيب ‪ ،‬فتسّنى لهم ضرب مفاعله النووي ‪ ،‬واجتياح بيروت ‪ ،‬وترحيل‬
‫منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان ‪.‬‬
‫• الُمحاولة الثانية ‪ :‬هي الحرب المريكية العراقية ‪ ،‬لتغيير رأس هذا‬
‫الفعوان ‪ ،‬وزرع رأس جديد له ‪ ،‬وتقطيع أوصاله وتفريق شملها ‪ ،‬وتوزيع‬
‫دمه على جميع القبائل التي اجتمعت عليه ‪ ،‬ولم ُيكتب لها النجاح ‪.‬‬
‫• الُمحاولة الثالثة ‪ :‬هي الحصار الممي ولجان التفتيش ‪ ،‬لنزع النياب التي‬
‫تنفث السّم ‪ ،‬بتدمير أسلحة الدمار الشامل ‪ ،‬وحرمانه من امتلك أسلحة‬
‫جديدة ‪ ،‬فاقتلعوا النياب واستخرجوا السّم ‪ ،‬ولكن النياب نبتت من جديد ‪،‬‬
‫والسم يتجّدد ول ينقطع ‪.‬‬
‫• الُمحاولة الرابعة ‪ :‬هي الحرب المريكية الشاملة ‪ ،‬مع احتمالية توجيه‬
‫ضربات نووية محدودة إن أمكن ‪ ،‬لقطع الرأس والوصال معا ‪ ،‬حيث لم‬
‫يُعد هناك أهمية لتوزيع دمه على القبائل ‪ .‬وستصبح احتمالية الضربات‬
‫النووية ‪ ،‬قائمة وحتمية فور امتلك أمريكا ‪ ،‬للدرع الُمضاد للصواريخ‬
‫الُمحّملة بالرؤوس النووية ‪ ،‬وهذه الحرب قائمة بل أدنى شك ‪ ،‬إن لم يقع ‪،‬‬
‫ططون لها ويستعجلونها ‪،‬‬ ‫حسبان أمريكا وإسرائيل ‪ ،‬فهم ُيخ ّ‬‫ما لم يكن في ُ‬
‫ويطلبون من الرئيس المريكي ‪ ،‬تهيئة الشعب المريكي لتقّبلها ‪ ،‬وسيعملون‬
‫جهدهم لشعالها في أقرب فرصة ممكنة ‪ ،‬ظنا من الذين ل يعقلون ول‬
‫يفقهون ‪ ،‬بأنهم قادرين على منع رب العزة ‪ ،‬من إنجاز وعده فيهم ‪ ،‬بإبادة‬
‫العراقيين وتقسيم العراق وإسقاط قيادته ‪.‬‬

‫] نهاية الجزء الثاني [‬

‫‪365‬‬
‫الجزء الثالث‬

‫‪366‬‬
‫الفصل الول ‪:‬‬

‫وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة‬

‫الفصل الثاني ‪:‬‬

‫وليتبروا ما علوا تتبيرا‬

‫الفصل الثالث ‪:‬‬

‫وجعلنا لمهلكهم موعدا‬

‫الفصل الرابع ‪:‬‬

‫سرناه بلسانك لعّلهم يتذّكرون‬


‫فإنما ي ّ‬

‫الفصل الخامس ‪:‬‬

‫فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين‬

‫الفصل السادس ‪:‬‬

‫بل هم في شك يلعبون‬

‫الفصل السابع ‪:‬‬

‫ثم تولوا عنه وقالوا ُمعّلم مجنون‬

‫الفصل الثامن ‪:‬‬

‫يوم نبطش البطشة الكبرى‬

‫الفصل التاسع ‪:‬‬

‫‪367‬‬
‫الطوفان الخير وطوق النجاة‬

‫‪368‬‬
‫وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة‬

‫تبين لنا من خلل هذه القراءة الجديدة ‪ ،‬في تاريخ بني إسرائيل ‪ ،‬في القرآن‬
‫والسّنة والتوراة والتلمود ‪ ،‬أن البابلّيون هم أصحاب البعث الول ‪ ،‬وبناًء على‬
‫ذلك ‪ ،‬يكون العراقيون حصرا ‪ ،‬بل أدنى شك ‪ ،‬هم أصحاب البعث الثاني ‪.‬‬
‫وسيتبين لنا في هذا الفصل ‪ ،‬من خلل قراءة جديدة للواقع ‪ ،‬بأن اليهود على‬
‫علم بهذا البعث وأصحابه ‪ ،‬وظّنا منهم بأنهم قادرون على مخالفة أمر ال ‪،‬‬
‫بمنع تحقق البعث الثاني ‪ ،‬خططوا ونّفذوا وما زالوا يخططون ‪ ،‬لدرء خطر‬
‫هذا البعث الموعودين به ‪ ،‬بإبادة أصحابه بشتى الوسائل والسبل ‪ ،‬لقناعتهم بأن‬
‫بقاء دولتهم ‪ ،‬يتحتم عليه محو العراق وشعبه عن خريطة العالم ‪.‬‬
‫حقيقة ما ُيضمره الغرب للعراق ‪:‬‬
‫دأبت أمريكا ومن سار في ركبها ‪ ،‬على إعلن عدائها لقيادة العراق الحالية ‪،‬‬
‫والرغبة في إسقاطها ‪ ،‬وجعلت من بقاء القيادة العراقية ‪ ،‬على سدة الحكم في‬
‫بغداد ‪ ،‬وسابقتها في غزو الكويت ‪ ،‬مثال لعدوانية هذه الحكومة وخطورتها‬
‫على جيرانها ‪ ،‬وذريعة لدامة الحصار ‪ ،‬لتجريد العراق من مقومات وجوده ‪.‬‬
‫ليصل العالم والشعب العراقي إلى قناعة ‪ ،‬بأن المستهدف حقيقة من وراء‬
‫الصرار المريكي ‪ ،‬على إبقاء الحصار مفروضا على العراق ‪ ،‬هي القيادة‬
‫العراقية الحالية ‪ ،‬بتوجهاتها العدوانية ضد جيرانها ‪ ،‬مما ُيهدد أمن منطقة‬
‫الخليج الحيوية للعالم ‪ ،‬وبإسقاط هذه القيادة ‪ ،‬ستنعم منطقة الخليج بالمن مجّددا‬
‫‪ ،‬حسب الرؤى المريكية ‪.‬‬
‫ومع أن أمريكا ل ُتبِد أدنى اهتمام بمصير الشعب العراقي ‪ ،‬بل على العكس من‬
‫ذلك ‪ ،‬كان وما زال بعض مسؤوليها من اليهود ‪ُ ،‬يبدون سعادة عارمة ‪ ،‬بل‬
‫خجل أو مواربة ‪ ،‬بوقوع المزيد من الضحايا في العراق ‪ ،‬حيث الغالبية‬
‫العظمى من الطفال ‪ ،‬الذين سقطوا ‪ ،‬من جراء نقص الدوية والغذاء ‪ ،‬حين‬
‫تصرح وزيرة الخارجية المريكية ) أولبرايت ( ‪ ،‬في حوار صحفي في محطة‬
‫)‪ : ( CBS‬بأن تسّبب أمريكا بموت نصف مليون طفل عراقي " أمر يستحق‬
‫العناء " ‪ ،‬إل أن العالم أجمع ‪ ،‬والشعب العربي وحتى الشعب العراقي ‪ ،‬لم‬
‫يبحث عن الدوافع الحقيقية ‪ ،‬لهذا العداء المريكي للعراق ‪.‬‬

‫‪369‬‬
‫" إشعياء ‪ :16 :13 :‬كل من ُيؤسر ُيطعن ‪ ،‬وكل من ُيقبض عليه ُيصرع‬
‫بالسيف ‪ ،‬وُيمّزق أطفالهم على مرأى منهم ‪ ،‬وُتنهب بيوتهم وُتغتصب نسائهم "‬
‫‪.‬‬
‫" إشعياء ‪ :23-20 :14 :‬فذرّية فاعلي الثم ‪ ،‬يبيد ذكرها إلى البد ‪ .‬أعّدوا‬
‫مذبحة لبنائه جزاء إثم آبائهم ‪ ،‬لئل يقوموا ويرثوا الرض فيملئوا وجه‬
‫ب ضدهم ‪ ،‬وأمحو من بابل ‪ ،‬اسمًا‬ ‫البسيطة ُمدنًا ‪ .‬يقول الرب القدير ‪ " :‬إني أه ّ‬
‫ت للمياه ‪ ،‬وأكنسها‬ ‫ل وذريًة ‪ ،‬وأجعلها ميراثًا للقنافذ ‪ ،‬ومستنقعا ٍ‬‫وبقيًة ونس ً‬
‫بمكنسة الدمار " ‪.‬‬
‫" وهذا ما ُيعلنه الرب ‪ :‬ها أنا ُأثير على بابل ‪ ،‬وعلى الُمقيمين في ديار‬
‫الكلدانيين ريحا ُمهلكة ‪ ،‬وأبعث إلى بابل ُمذّرين ُيذّرونها ‪ ،‬ويجعلون أرضها‬
‫خر ( الرامي قوسه‬ ‫قفرا ‪ ،‬وُيهاجمونها من كل جانب في يوم بلّيتها ‪ .‬ليوتر ) ُيذ ّ‬
‫شّبانها ‪ ،‬بل أبيدوا كل جيشها إبادة كاملة ‪،‬‬ ‫جج بسلحه ‪ ،‬ل تعفوا عن ُ‬ ‫وليتد ّ‬
‫يتساقط القتلى في أرض الكلدانيين ‪ ،‬والجرحى في شوارعها ) من المدنيين‬
‫طبعا ( " ‪.‬‬
‫وباستجابة ) أولبرايت ( ‪ ،‬وكافة الجوقة اليهودية ‪ ،‬في الدارات المريكية‬
‫المتعاقبة ‪ ،‬لوامر الرب القدير ‪ ،‬الواردة في التوراة ‪ ،‬استطاع بنوا إسرائيل ‪،‬‬
‫من رّد الصاع صاعين لهل بابل ‪ ،‬وهكذا يكون العراقيون حصرا ‪ ،‬من ُرّدت‬
‫لبني إسرائيل الكرة عليهم ‪ ،‬إذ أنهم أنزلوا بالعراقيين أضعاف أضعاف ‪ ،‬ما‬
‫أنزله البابليون بهم في المرة الولى ‪.‬‬
‫ولو عدنا إلى كامل النصوص التوراتية ‪ ،‬ونظرنا إلى ما يجري حقيقة على‬
‫أرض الواقع ‪ ،‬لتبين لنا أن المستهدف الحقيقي ‪ ،‬هو العراق لنه أرض البعث ‪،‬‬
‫والشعب العراقي لنه يحمل صفة أهل البعث ‪ ،‬والقيادة العراقية لرسالها‬
‫البعوث في كل الحروب العربية السرائيلية ‪ ،‬وعدم قبولها وتوقيعها على‬
‫اتفاقيات الهدنة ‪ ،‬ولعلنها المتجّدد عن نية البعث ‪ ،‬بمناسبة وبدون مناسبة ‪،‬‬
‫في السنوات الخيرة ‪ ،‬منذ انتهاء حرب الخليج الولى ‪ ،‬ورفضها لمعاهدات‬
‫السلم والتطبيع ‪ ،‬ولصرارها على مقولة ‪ ،‬فلسطين عربية من البحر إلى‬
‫النهر ‪ ،‬والدعوة إلى تحرير فلسطين بالقوة ‪.‬‬
‫وفي حال استطاع الغرب اليهودي إسقاط القيادة العراقية ‪ ،‬فسيكون البديل ‪،‬‬
‫كما هي العادة ‪ ،‬قيادة موالية للغرب ‪ ،‬ومعادية للشعب العراقي وللمة‬
‫‪370‬‬
‫العربية ‪ ،‬المتخمة أصل بالعداء من أبناء جلدتنا ‪ ،‬لتزيد المة ذل وهوانا‬
‫أضعافا مضاعفة ‪ ،‬أما مصير العراق بين يدي هكذا قيادة ‪ ،‬فسيكون بل شك‬
‫كما يتمّنى يهود الغرب والشرق ويشتهون ‪ ،‬ليتحّقق لهم ‪ ،‬ما لم يحلموا‬
‫ججة بالسلحة المتطورة ‪ .‬وانظر إلى حال ألمانيا بعد‬ ‫بتحقيقه ‪ ،‬بجيوشهم المد ّ‬
‫الحرب ‪ ،‬وانظر إلى حال التحاد السوفييتي ‪ ،‬العدو الثاني للوجود اليهودي في‬
‫فلسطين ‪ ،‬كما ُتخبر التوراة ‪ ،‬عندما استطاعوا إيصال الخونة – من شعبه –‬
‫إلى سدة الحكم ‪ ،‬وما فعلوه به ‪ .‬لنقول بأن مهمة القيادة المستقبلية للعراق ‪ ،‬فيما‬
‫لو ُأسقطت القيادة الحالية ‪ ،‬هي ‪:‬‬
‫• تفكيك العراق وتقسيمه إلى دويلت صغيرة ‪ ،‬كردية وسنية وشيعية ‪ ،‬في‬
‫الشمال والوسط والجنوب ‪.‬‬
‫• إثارة الحروب والفتن بين هذه الدويلت ‪ ،‬لشغالها عن المهمة الساسية ‪،‬‬
‫التي ُأنيطت بأصحاب البعث ‪.‬‬
‫• تدمير القتصاد وإفقار الشعب العراقي ‪ ،‬ليركض لهثا وراء قروض‬
‫صندوق النقد الدولي ‪.‬‬
‫• حظر امتلك وتصنيع السلحة ‪.‬‬
‫• تقديم فروض الطاعة والولء ليهود الغرب والشرق ‪ ،‬وإنهاء حالة الحرب‬
‫مع إسرائيل ‪ ،‬ومباركة عملية السلم ‪.‬‬
‫فالمعضلة الساسية لدى الغرب ‪ ،‬المملوك من قبل اليهود ‪ ،‬هي وجود عراق‬
‫قوي وقادر ‪ ،‬فكما صدقت نبوءات التوراة ‪ ،‬في عودتهم من الشتات إلى‬
‫فلسطين ‪ .‬فهم يخشون أيضا ‪ ،‬صدق النبوءات الخرى ‪ ،‬فيما تصفه في‬
‫نصوص عديدة ‪ ،‬من عقاب حتمي ‪ ،‬غاية في البشاعة ‪ ،‬سينزل بهم بعد العودة‬
‫إليها ‪ ،‬من قبل أصحاب البعث الول ‪ ،‬بالرغم مما ُأضيف إليها من نصوص‬
‫قليلة مضللة ‪ ،‬ل ُتسمن ول تغني من جوع ‪ُ ،‬تخبر عن ملكهم البدي ‪ ،‬تبعث‬
‫في تخّبطها وعدم منطقيتها ‪ ،‬في نفوسهم القلق ‪ ،‬أكثر مما تبعث على‬
‫الطمأنينة ‪ .‬ليجد اليهود أنفسهم ملزمون ‪ ،‬بتسخير كل إمكانياتهم ‪ ،‬دون كلل أم‬
‫ملل ‪ ،‬لدفع قادة الغرب إلى القضاء المبرم على العراق ‪ ،‬كما هي عادتهم دائما‬
‫وأبدا ‪ ،‬يدفعون الخرين لخوض حروبهم نيابة عنهم ‪ ،‬مذ طلبوا من موسى‬
‫وربه الذهاب للقتال عنهم ‪ ،‬وحتى حربهم الخيرة على العراق ‪ ،‬التي خاضتها‬
‫‪371‬‬
‫ومازالت تخوضها ‪ ،‬أمريكا وبريطانيا في العلن ‪ ،‬وفرنسا المنافقة في الخفاء ‪،‬‬
‫والحرب الوحيدة ‪ ،‬التي كسبها اليهود منفردين في مواجهة جيش ‪ ،‬هي عند‬
‫دخولهم فلسطين مع طالوت في المرة الولى ‪ ،‬وكان ذلك بتأييد من ال للقلة‬
‫المؤمنة ‪ ،‬وبشجاعة نبي ال داود عليه السلم ‪ ،‬فالمسألة لديهم مسألة حياة أو‬
‫موت ‪ ،‬وبقاء العراق ‪ ،‬يعني تبخر أحلم الشعب اليهودي بسيادة العالم من‬
‫القدس ‪.‬‬
‫ومما يؤذي الذان اليهودية في الشرق والغرب هو سماعها ‪ ،‬لتصريحات هذه‬
‫القيادة المتكررة ‪ ،‬بضرورة تحرير فلسطين من البحر إلى النهر ‪ ،‬وطرد اليهود‬
‫ض مضطجعهم في فلسطين ‪ ،‬وُيعيد إلى أذهانهم تلك الذكريات‬ ‫منها ‪ ،‬مما يق ّ‬
‫الليمة للبعث الول ‪ ،‬التي أشبعتها أسفار التوراة وصفا وتفصيل ‪ ،‬لتتراءى‬
‫لهم ‪ ،‬صورة نبوخذ نصر وهتلر وصلح الدين ‪ ،‬دفعة واحدة ‪ ،‬في شخص‬
‫الرئيس العراقي ‪.‬‬
‫الخيارات القائمة أمام اليهود ‪ ،‬لدرء الخطر العراقي ‪:‬‬
‫‪ .1‬العمل على بقاء الحصار على ما هو عليه ‪ ،‬ما أمكنهم ذلك ‪ ،‬ومنع أي‬
‫محاولة لتفكيكه أو إضعافه ‪ .‬والستمرار في نهب ثروات العراق ‪ ،‬وحرمانه‬
‫من تطوير أسلحته وتجديدها ‪.‬‬
‫‪ .2‬محاولة إسقاط القيادة العراقية ‪ ،‬عن طريق إحداث فتن وثورات داخلية ‪،‬‬
‫أو عن طريق مواجهة عسكرية واسعة النطاق ‪ ،‬بعد خلق المبررات لها ‪،‬‬
‫باستفزاز جديد للعراق للقيام بعمل عدواني داخلي ‪ ،‬ضد الكراد في الشمال‬
‫أو الشيعة في الجنوب ‪ ،‬أو القيام بعمل عدواني خارجي ‪ ،‬ضد إحدى دول‬
‫الجوار ‪.‬‬
‫‪ .3‬ضرب العراق نوويا كخيار أخير ‪ ،‬وهذا الحتمال غير قائم حاليا ‪ ،‬حيث‬
‫أنه مرفوض عالميا ‪ ،‬فمثل هذا المر ‪ ،‬سيؤلب العالم بأسره ضد أمريكا‬
‫ومؤيديها ‪ .‬ولكن هذا الحتمال سيقوى ‪ ،‬في حال فشلت الخيارات السابقة ‪،‬‬
‫وخاصة عند امتلك أمريكا للدرع المضاد للصورايخ البالستية ‪.‬‬
‫ش والسؤال الن ‪ :‬هل من الممكن أن يكون هناك ضربة نووية للعراق ؟‬
‫جاء في سفر الرؤيا ما نصه ‪ " :‬وسكب الملك السادس ‪ ،‬كأسه على نهر‬
‫ف ماؤه ‪ ،‬ليصير ممرا لملوك القادمين من الشرق " ‪.‬‬‫الفرات الكبير فج ّ‬
‫‪372‬‬
‫ل‬
‫ل ا ِّ‬
‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬
‫ل ‪َ :‬قا َ‬ ‫ن َأِبي ُهَرْيَرَة ‪َ ،‬قا َ‬
‫عْ‬‫أما في السنة النبوية فقد جاء ما نصه ‪َ :‬‬
‫ن‬
‫ب َفَم ْ‬
‫ن َذَه ٍ‬ ‫ن َكْنٍز ِم ْ‬
‫عْ‬ ‫سَر َ‬ ‫ح ِ‬
‫ن َي ْ‬
‫ت َأ ْ‬
‫ك اْلُفَرا ُ‬
‫شُ‬‫سّلَم ‪ُ " :‬يو ِ‬
‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬‫صّلى ا ُّ‬
‫َ‬
‫شْيًئا " ‪ .‬رواه البخاري ‪ ،‬وأخرجه مسلم والترمذي ‪ ،‬وأبو‬ ‫خْذ ِمْنُه َ‬‫ل َيْأ ُ‬
‫ضَرُه َف َ‬
‫ح َ‬‫َ‬
‫عُة‬
‫سا َ‬‫داود وابن ماجه وأحمد ‪ .‬وفي نص آخر من رواية مسلم ‪َ " :‬ل َتُقوُم ال ّ‬
‫ب " ‪ ،‬يحسر أي ينكشف عن ‪.‬‬ ‫ن َذَه ٍ‬‫جَبٍل ِم ْ‬
‫ن َ‬
‫عْ‬
‫ت َ‬ ‫سَر اْلُفَرا ُ‬ ‫ح ِ‬‫حّتى َي ْ‬
‫َ‬
‫ُيخبر النص في سفر الرؤيا ‪ ،‬أن شيئا ما سيسكب على نهر الفرات فيجف‬
‫ماؤه ‪ ،‬وُيخبر الحديث الصحيح ‪ ،‬عن انحسار الفرات عن كنز من ذهب ‪ ،‬قبل‬
‫قيام الساعة ‪ ،‬وانحسار الفرات يعني ذهاب ماءه ‪ ،‬فهل سيكون جفافه نتيجة ‪،‬‬
‫لما تنتجه السلحة النووية ‪ ،‬من حرارة شديدة عند انفجارها ‪.‬‬
‫وبالضافة إلى ما ورد من مخططات ‪ ،‬لتدمير العراق والطاحة بقيادته ‪ ،‬كما‬
‫جاءت في تقرير واشنطن السابق ‪ ،‬يقول الصحفي فتحي خطاب من القاهرة ‪،‬‬
‫في مقال له في جريدة العرب اليوم الردنية ) لم أنتبه لتوثيق تاريخ صدورها ‪،‬‬
‫ولكنه على الرجح كان في بداية شهر ‪: ( 2001/ 3‬‬
‫" حّذر خبراء عسكريون من ُمخطط عسكري أمريكي إسرائيلي ‪ ،‬يستهدف‬
‫فرض السيطرة الُمطلقة على المنطقة ‪ ،‬وتطبيق ما ُيعرف في ) البنتاغون (‬
‫جه ) شارون ( لستحداث‬ ‫بخطة إعادة دمج المنطقة عسكريا وأمنيا … وأن تو ّ‬
‫وزارة تعنى بتطوير السلحة النووية ‪ ،‬وأسلحة الدمار الشامل ‪ ،‬واستحداث‬
‫وزارة للشؤون الستخباراتية ‪ ،‬في سابقة هي الولى من نوعها ‪ ،‬يأتي في‬
‫إطار ما تفرضه ضرورات نظام الحماية المنية الجديد … وكشف الخبراء‬
‫العسكريون في مصر ‪ ،‬عن الترتيبات المريكية لنشاء أكبر شبكة صاروخية‬
‫في منطقة الخليج العربي ‪ ،‬تتمتع بمدى قتالي واسع ‪ ،‬يشمل العراق وإيران‬
‫ودول أخرى ‪ ،‬بالضافة إلى مناطق شمال إفريقيا والبحر الحمر ‪ .‬لضمان‬
‫أمن منطقة الخليج ‪ ،‬وملحقة الطائرات الُمغيرة ‪ ،‬والتدمير السريع لية أهداف‬
‫ُمعادية ‪.‬‬
‫وأكد الخبراء أن وزير الخارجية المريكي ) كولن باول ( ‪ ،‬حصل على موافقة‬
‫دول خليجية … على إنشاء الشبكة ‪ ،‬التي سيتم تزويدها بأحدث أجهزة‬
‫التصالت الحديثة والنذار المبّكر ‪ ،‬التي ستكون لها القدرة على التعامل‬
‫السريع ‪ ،‬مع العمليات الطارئة ‪ ،‬وقادرة على منع إصابة الشبكة ‪ ،‬بأي خلل‬
‫أثناء العمليات العسكرية ‪ .‬وسوف تتحمل دول الخليج النصيب الكبر ‪ ،‬من‬
‫‪373‬‬
‫تكلفة مشروع هذه الشبكة الصاروخية ‪ ،‬وأن هناك مشاورات واتصالت‬
‫عسكرية ‪ ،‬للترتيب لنشاء هذه الشبكة ‪ ،‬ولعداد التفصيلت الفنية المتعّلقة بها‬
‫… وحّذر الخبراء من الُمخطط العسكري السرائيلي ‪ ،‬لضرب العراق بالقنابل‬
‫النيترونية ‪ ،‬والتي سيتم إطلقها على منطقة غرب العراق ‪ ،‬وفق إعلن‬
‫) شارون ( ‪ .‬التي تعتبر نقلة نوعية في التسلح بالمنطقة …‬
‫وأوضح العالم الفيزيائي الدكتور طارق النمر ‪ ،‬بقوله ‪ " :‬أن القنابل النيوترونية‬
‫النووية ‪ ،‬هي قنابل إشعاعية ‪ ،‬ذات أحجام مختلفة ‪ ،‬منها أسطوانات إبرية في‬
‫حجم القلم ‪ ،‬وتستطيع قتل جميع الكائنات الحية ‪ ،‬في مساحة قطرها ُمحّدد‬
‫سلفا ‪ ،‬وتأثير كل قنبلة منها يتحدد حسب حجمها ‪ ،‬بحيث يتم زراعتها داخل‬
‫الراضي العراقية ‪ ،‬وفي الوقت المحدد ‪ ،‬سيتم تفجير هذه القنابل بواسطة أشعة‬
‫الليزر … وأن إسرائيل مهتمة بتجربة أسلحتها الجديدة على أرض العراق ‪،‬‬
‫بعدما نفذت عدة تجارب أسفل مياه خليج العقبة … ول أستبعد أن تعمل أمريكا‬
‫وبريطانيا ‪ ،‬على زرع قنابل نيوترونية في مناطق من العراق ‪ ،‬بحيث تبقى‬
‫بغداد تحت التهديد الدائم ‪ ،‬بتدمير حقول القنابل النيوترونية بواسطة أشعة‬
‫الليزر ‪ ،‬في نطاق العقوبات الذكية " ‪.‬‬
‫ما لفت انتباهي في هذا التقرير الصحفي ‪ ،‬هو انسجامه مع المخاوف اليهودية‬
‫التوراتية ‪ ،‬حيث ُيسّمي الدول والمناطق التي تضم الدول المعادية لسرائيل‬
‫توراتيا ‪ ،‬ومنها إيران والعراق ‪ ،‬وليبيا في شمال إفريقيا ‪ ،‬والسودان وإثيوبيا‬
‫بمحاذاة البحر الحمر ‪ ،‬واللتان كانتا قديما دولة واحدة ‪ ،‬وُيشير أيضا إلى‬
‫ضرورة ضرب العراق ‪ ،‬حسب ما تدعو وُتحّرض عليه النصوص التوراتية ‪.‬‬
‫ولفت انتباهي أيضا التركيز على منطقة غرب العراق ‪ ،‬التي من المتوقع ‪ ،‬أن‬
‫يتواجد فيها الجيش العراقي ‪ ،‬قبل تحّركه لغزو لسرائيل ‪.‬‬
‫وفي تقرير آخر من واشنطن ‪ ،‬للصفحي محمد دلبح ‪ُ ،‬نشر في جريدة الدستور‬
‫الردنية ) التاريخ غير مّوثق ( ‪ ،‬يقول فيه ‪:‬‬
‫" تبحث وزارة الدفاع المريكية ) البنتاغون ( ‪ ،‬إنتاج قنابل نووية من نوع‬
‫جديد ‪ ،‬قادرة على اختراق مراكز القيادة ‪ ،‬والتحصينات التي يستخدمها‬
‫الزعماء والقادة ‪ .‬ونقلت صحيفة ) واشنطن بوست ( عن مصادر في الحكومة‬
‫المريكية والكونغرس قولها ‪ :‬أن الهدف من إنتاج هذه القنابل ‪ ،‬هو تجّنب ما‬
‫ُتس‍ّميه الحكومة المريكية الضرار الجانبية ‪ ،‬التي ُتحدثها السلحة التدميرية‬
‫‪374‬‬
‫بأنواعها ‪ .‬ويقول المدافعون عن هذا النوع من القنابل النووية الصغيرة –‬
‫مقارنة بغيرها – أنها قد تعمل على قيام الوليات المتحدة ‪ ،‬بتخفيض مخزونها‬
‫الحالي من القنابل النووية ‪ ،‬دون أن تتعّرض مفاهيمها المنية لخطار أو‬
‫ي وزير الدفاع المريكي ) دونالد‬ ‫تعديلت ‪ .‬ونسبت الصحيفة إلى مستشار ّ‬
‫رامسفيلد ( قوله ‪ :‬أن السلحة النووية المريكية الحالية ‪ ،‬لن تردع الرئيس‬
‫العراقي صدام حسين ‪ ،‬لنه يعلم بأن الرئيس المريكي ‪ ،‬لن يقوم بإلقاء قنبلة‬
‫نووية – بقوة مائة كيلو طن ‪ -‬على بغداد ‪ ،‬لُيدّمر المدينة بأكملها ‪ ،‬ويقضي‬
‫سّكانها ‪ ،‬بهدف القضاء على أسلحة الدمار الشامل … ومن ناحية أخرى‬ ‫على ُ‬
‫‪ ،‬يعتزم اتحاد العلماء المريكيين ‪ ،‬إصدار تقرير هذا السبوع يقول فيه " أن‬
‫إضافة هذا النوع من القنابل النووية ‪ ،‬إلى المخزون النووي في العالم ‪ ،‬سيجعل‬
‫استخدام هذا النوع من السلح أكثر احتمال " ‪.‬‬
‫أستطيع القول بأن التفكير المريكي السرائيلي العسكري على المدى القريب ‪،‬‬
‫بعد المعارضة والدانة العالمية لضربهم بغداد مؤخرا ‪ ،‬سيكون محصورا في‬
‫الردع وليس في الهجوم ‪ ،‬لعدم وجود ذريعة للهجوم مقبولة دوليا ‪ ) ،‬كذريعة‬
‫القضاء على أسلحة الدمار الشامل العراقية ( ‪ ،‬منتظرين فبركة مؤامرة جديدة ‪،‬‬
‫أو تحّرك عراقي خاطئ ‪ ،‬وأعتقد أنهم سُيحاولون استفزازه في المستقبل‬
‫القريب ‪ ،‬بشتى الوسائل والسبل ‪ ،‬ليعلنوا عليه حربهم الشاملة ‪ .‬أما على المدى‬
‫ن تلك الحرب – أستطيع القول ‪ ،‬أنهم‬ ‫البعيد – إن لم ُيعطهم العراق الذريعة لش ّ‬
‫وفور امتلكهم للدرع النووي – الذي سيكون جاهزا بعد خمس سنوات حسب‬
‫تقديرهم – والذي سُيوفر لهم الحماية من أي ردود فعل نووية ‪ ،‬سيشّنون‬
‫حربهم الُمقّدسة على العراق ‪ ،‬وسيقومون بضربه بوابل من القنابل النووية ‪،‬‬
‫حتى يغدو صحراء قاحلة خاوية على عروشها ‪ .‬لكي يتخلص يهود العالم ‪ ،‬من‬
‫هذا الرعب التوراتي الُمسّلط على رقابهم ‪ ،‬لينتظروا بسلم ملكهم الذي سيظهر‬
‫في القدس ‪ ،‬والذي سيعيشون معه أحلمهم الوردية إلى البد ‪ ،‬ومن المحتمل‬
‫جدا أن تكون الضربة النووية للعراق ‪ ،‬كرد فعل أمريكي على الدخول العراقي‬
‫لفلسطين ‪ ،‬لتبدأ بذلك الحرب العالمية الثالثة ‪.‬‬
‫الموقف العالمي إزاء العراق ‪:‬‬
‫كانت غاية الغرب في السنوات الخيرة وما زالت ‪ ،‬هي تدمير العراق تحقيقا‬
‫لرغبات اليهود في حماية إسرائيل ‪ .‬وما كان للغرب أن ُيحّقق هذا الهدف ‪،‬‬
‫‪375‬‬
‫بالخروج على العراف والمواثيق الدولية ‪ ،‬بأي شكل من الشكال ‪ ،‬كالقيام‬
‫بعدوان مباشر ومكشوف على العراق ‪ ،‬وما كان لمريكا بعظمتها ‪ ،‬أن تقوم‬
‫منفردة بعمل عدواني ضد العراق ‪ ،‬لنها في هذه الحالة ستجابه العالم بأسره ‪.‬‬
‫وبما أن مآرب اليهود ‪ ،‬من خلل إشعال حرب الخليج الولى ‪ ،‬لم تتحّقق ‪ .‬بل‬
‫على العكس من ذلك تماما ‪ ،‬خرج العراق من هذه الحرب محتفظا بقوته ‪،‬‬
‫وقامت قيادته بتهديد إسرائيل جهارا نهارا ‪ ،‬بحرق نصف إسرائيل حال‬
‫ك لليهود على جرب "‬ ‫اعتدائها على أي بلد عربي ‪ ،‬فكانت هذه القيادة " كمن ح ّ‬
‫‪.‬‬
‫آنذاك قامت الدنيا ولم تقعد ‪ ،‬طبل وزمر في الشرق والغرب ‪ ،‬لتأكيد عدوانية‬
‫ي ‪ ،‬وكان ذلك لتهيئة الرأي‬‫ي ناز ّ‬
‫العراق ونازيته ‪ ،‬فحرق اليهود هو فعل هتلر ّ‬
‫الغربي والعالمي ‪ ،‬لستقبال هتلر جديد يسعى لحرق اليهود ‪ .‬وفي الخفاء كانت‬
‫خضت عن غزو العراق للكويت ‪ ،‬وبذلك استطاعت‬ ‫ُتطبخ مؤامرة جديدة ‪ ،‬تم ّ‬
‫أمريكا ‪ ،‬أن ُتوجد مبّررا قانونيا لتدمير العراق ‪ ،‬فغزو العراق للكويت ‪ ،‬كان‬
‫مخالفا للقوانين والعراف والمواثيق الدولية ‪ ،‬وبذلك استطاعوا إضفاء‬
‫الشرعية على عدوانيتهم ‪ ،‬لتحقيق مآربهم الحقيقية تحت غطاء الشرعية الدولية‬
‫‪ ،‬وبدل من أن تواجه أمريكا المعتدية العالم بأسره ‪ ،‬أصبحت الضحية العراقية‬
‫تواجه العالم ‪ ،‬بعد أن أصبحت معتدية ‪ ،‬كما حصل مع ألمانيا ‪ ،‬بنفس السيناريو‬
‫ما قبل الحرب العالمية الثانية ‪ ،‬وبكل حيثياته ‪ ،‬والسبب هو عداء قيادة البلدين‬
‫لسياد العالم ‪ ،‬وبذلك ُأجبرت دول العالم المختلفة ‪ ،‬على اتخاذ موقف معادي‬
‫للعراق ‪ ،‬حتى من قبل حلفاءه التقليديين ‪ ،‬في ذلك الوقت ‪.‬‬
‫أما في الوقت الحالي ‪ ،‬فقد بدأت دول العالم مؤخرا ‪ ،‬تصحو من أكاذيب‬
‫الدارات المريكية المتعاقبة ‪ ،‬لتبرير ما تنتهجه من سياسات إزاء العراق ‪،‬‬
‫فكل المبّررات السابقة لم تعد موجودة ‪ ،‬وأصبحت العمال المريكية‬
‫العدوانية ‪ُ ،‬تجابه بالمعارضة الشديدة من قبل أغلب دول العالم ‪ .‬وحتى قرارات‬
‫الشرعية الدولية ‪ ،‬تميل كثير من الدول ومنها روسيا والصين ‪ ،‬إلى التغاضي‬
‫عن البحث ‪ ،‬في مسألة التزام العراق بها من عدمه ‪ ،‬ومنها مسألة فرق التفتيش‬
‫عن السلحة ‪ .‬بل تعمد هذه الدول أحيانا ‪ ،‬إلى خرق هذه القرارات سرا ‪ ،‬حتى‬
‫وصل المر بمجلس الدوما الروسي ‪ ،‬إلى المطالبة بالتصويت ‪ ،‬على عملية‬
‫رفع الحصار عن العراق من جانب واحد ‪ .‬أما الكثر تمسكا بقرارات الشرعية‬
‫الدولية ‪ ،‬فهم الذين يذرفون دموع التماسيح ‪ ،‬على الشعب العراقي ‪ ،‬بدعوى‬
‫‪376‬‬
‫أنهم حريصون على مصلحة هذا الشعب ‪ ،‬وأن قيادة هذا الشعب ليست حريصة‬
‫عليه ‪ ،‬بما أنها عصت وتمّردت على قرارات الشرعية الدولية ‪ ،‬التي جعلوا‬
‫من يعصيها ‪ ،‬بمنزلة من عصى ال ‪ ،‬إن لم تكن أعظم ‪.‬‬
‫وأما دعوى المريكان ‪ ،‬بأن العراق ُيشكل تهديدا للمصالح المريكية ‪ ،‬في‬
‫منطقة الشرق الوسط ‪ ،‬وأهم هذه المصالح ‪ ،‬هي تدفق النفط بأسعار معقولة ‪،‬‬
‫واستمرارية فتح السواق الخليجية للبضائع المريكية ‪ ،‬فهي دعوى باطلة ‪،‬‬
‫فهذان المران هما تحصيل حاصل ‪ ،‬منذ اغتيال الزعيم العربي الوحيد ‪ ،‬الذي‬
‫ل بذلك العالم الغربي بأسره ‪ .‬وأما‬
‫عارض الله المريكي بقطع النفط ‪ ،‬ليش ّ‬
‫التذّرع بعدوانية العراق على جيرانه بغزوه للكويت ‪ ،‬فهو محض افتراء ‪ ،‬لن‬
‫من أجبر العراق على غزو الكويت ‪ ،‬هم المريكان بعلم ‪ ،‬وحلفائهم الكويتيون‬
‫بغير علم ‪ ،‬وبتخطيط وتدبير وتشجيع من المريكان أنفسهم لكل الطرفين ‪،‬‬
‫وبمساعدة من العرب أنفسهم ‪ .‬لنخلص إلى القول أن العداء المريكي للعراق ‪،‬‬
‫أصبح غير مبّرر ‪ ،‬في نظر شعوب العالم كافة ‪ ،‬حتى من قبل الشعب‬
‫المريكي نفسه ‪ ،‬الذي أصبح ُيحرج قادته ‪ ،‬بتفنيد كافة الحجج والذرائع ‪ ،‬التي‬
‫ُيبّررون فيها مواقفهم المتناقضة من العراق وإسرائيل ‪.‬‬
‫ولنخلص إلى القول ‪ ،‬أول ؛ بأن الموقف العالمي إزاء الصراع المريكي‬
‫العراقي ‪ ،‬أصبح مختلفا بل مغايرا لما كان عليه في السابق ‪ ،‬فهناك بعض‬
‫الدول العظمى وحتى الصغرى منها ‪ ،‬باتت تتخذ موقفا مناهضا لمريكا‬
‫ولسرائيل ‪ ،‬ومتعاطفا مع العراق وفلسطين ‪ ،‬وخير مثال على ذلك موقف‬
‫كولومبيا في مجلس المن المؤيد ‪ ،‬لرسال قوة حماية دولية للفلسطينيين ‪،‬‬
‫مبدية عدم اكتراثها بمقاطعات أمريكا القتصادية ‪ ،‬وموقفي كل من روسيا‬
‫والصين ‪ .‬وثانيا ؛ بأن الموقف المريكي المعادي للعراق ‪ ،‬عند عدم عزوه‬
‫للمخاوف التوراتية اليهودية ‪ُ ،‬يصبح أمرا ل ُيمكن فهمه من قبل الخرين ‪.‬‬
‫الموقف العربي من العراق ‪:‬‬
‫دأبت أمريكا على دفع المور ‪ ،‬باتجاه جعل الرأي العالمي والعربي والعراقي ‪،‬‬
‫يعتقد بأن السبب في معاناة الشعب العراقي ‪ ،‬هو القيادة العراقية بتوجهاتها‬
‫العدوانية ‪ ،‬حتى بات كثير من العرب ‪ ،‬يعتقدون بأن هذه القيادة هي السبب‬
‫الحقيقي ‪ ،‬فيما وصل إليه العرب من ذل وهوان وفرقة ‪ ،‬وضياع لثرواتهم‬
‫النفطية ‪ ،‬فضل عما كانوا عليه في السابق ‪ .‬بل مضى الكثير منهم إلى أبعد من‬
‫‪377‬‬
‫ذلك ‪ ،‬فاتهموا هذه القيادة بالتآمر والتواطؤ مع الغرب نفسه ‪ ،‬ضد العرب وضد‬
‫الشعب العراقي ‪ ،‬ليصبح إسقاط القيادة العراقية مطلبا عالميا وعربيا وعراقيا ‪،‬‬
‫وليبقى رفع المعاناة عن الشعب العراقي مرتبطا ‪ ،‬بإسقاط القيادة العراقية‬
‫الحالية ‪ .‬وهذا مما جعل البعض يذهب إلى القول أيضا ‪ ،‬أن الغرب مستفيد من‬
‫وجود القيادة العراقية على رأس السلطة ‪ ،‬لذلك ل يرغب بإسقاطها ‪ ،‬وأن‬
‫الرئيس العراقي متآمر ومتواطئ مع أمريكا ‪ ،‬للضرار بشعبه وأمته ‪ ،‬وحتى‬
‫ضربه لسرائيل كان فقط ‪ ،‬لذر الرماد في العيون ‪ .‬ولو أن أمريكا لم تكن‬
‫مستفيدة من وجوده ‪ ،‬لعملت على إزاحته ‪ ،‬تأليها من أولئك لمريكا بغير علم ‪،‬‬
‫وكأّنها القادر على كل شيء ‪.‬‬
‫وكما أخطأ الشريف حسين بوضع ثقته في النكليز ‪ ،‬في الحرب العالمية‬
‫الولى ‪ ،‬وساهم بتنفيذ مخططات اليهود ‪ ،‬من حيث ل يدري ‪ ،‬أخطأت القيادة‬
‫العراقية مرتين ‪ ،‬عندما وثقت بأمريكا وبعض مواليها من العرب ‪ ،‬المتآمرين‬
‫في ظهر الغيب ‪ ،‬فانطلى عليها معسول الكلم ‪ ،‬فسيق العراق كما ُيساق الفهد‬
‫إلى قفص الصياد ‪ ،‬فدخل حربين مدمرتين ‪ ،‬كان الهدف منهما تحطيم قدراته ‪.‬‬
‫وعلى ما يبدو أن هذه القيادة استيقظت من غفوتها ‪ ،‬فور دخولها للكويت ‪،‬‬
‫وانكشاف الوجه الحقيقي لمريكا ‪ ،‬ولكن بعد فوات الوان ‪ ،‬فانسحبت من‬
‫حرب الخليج الثانية ‪ ،‬لنقاذ ما يمكن إنقاذه ‪ ،‬ولكن المتآمرون على العراق من‬
‫عرب وعجم ‪ ،‬لم ُيعطوها الفرصة للتقاط أنفاسها ‪ ،‬فتوالت قرارات مجلس‬
‫المن تباعا ‪ ،‬وكان الحصار الذي لم يكن في الحسبان ‪ ،‬وكانت لجان التفتيش ‪،‬‬
‫حصر المارد العراقي ‪ ،‬في قمقم قرارات مجلس المن‬ ‫وكانت التعويضات ‪ ،‬ف ُ‬
‫الدولي ‪ ،‬ريثما يجد المتآمرون عليه طريقة للجهاز عليه تماما ‪.‬‬
‫كان مقتل القيادة العراقية الول ‪ ،‬الذي استغله المتآمرون خير استغلل ‪ ،‬هي‬
‫ما يتمتع به العراقيون إجمال ‪ ،‬من صفات العزة والنفة وامتلكهم للقوة ‪،‬‬
‫وعدم قبولهم للذل والهوان ‪ ،‬والتطاول عليهم من قبل الخرين ‪ .‬فعندما ُأغري‬
‫الكويتيون بالتطاول على العراق ‪ ،‬كانت الحرب النتقامية ‪ .‬وكان المقتل الثاني‬
‫وما زال ‪ ،‬هو أن العراقيين رجال حرب ‪ ،‬وليسوا برجال مكر وكذب ومراء ‪.‬‬
‫لذلك كان من السهولة بما كان ‪ ،‬أن تنطلي عليهم دسائس المكرة الفجرة من‬
‫الغرب والشرق ‪ .‬وأما رجم القيادة العراقية بالخيانة والتواطؤ مع الغرب ‪ ،‬من‬
‫بعض المحبطين العرب ‪ ،‬فذلك أول ‪ :‬لجهلهم بما يدور في مطابخ الغرب‬
‫والشرق ‪ ،‬ضد هذه المة بشكل عام ‪ ،‬وضد العراق بشكل خاص ‪ ،‬وثانيا ‪:‬‬
‫‪378‬‬
‫لخيبة أملهم فيما عقدوه من آمال ‪ ،‬على القيادة العراقية ‪ ،‬لرفع حالة الذل‬
‫والهوان المزمنة التي ُيعانون منها ‪ ،‬وخاصة بعد أن توقفت الصواريخ العراقية‬
‫‪ ،‬التي كانت تضيء سماء العروبة ‪ ،‬لتدك معاقل الصهاينة ‪ ،‬قبل أن تتحّقق‬
‫أحلم الشعب العربي في العزة والكرامة ‪.‬‬
‫دوافع ومبررات العراق لمحو إسرائيل عن الوجود ‪:‬‬
‫‪ .1‬التخّلص من الشعور بعقدة الذنب ‪ ،‬حيث أن أفعال القيادة العراقية ‪،‬‬
‫أضّرت حقيقة بالشعب العراقي والمة العربية ‪ ،‬حتى لو كانت عن غير‬
‫قصد ‪.‬‬
‫‪ .2‬تبيض الصفحة ونفي تهمة الخيانة والتواطؤ ‪ ،‬حيث أن القيادة العراقية ‪،‬‬
‫أصبحت متهمة من قبل الخرين ‪.‬‬
‫‪ .3‬ضرورة التعويض عما لحق الشعب العراقي والمة العربية ‪ ،‬من ذل‬
‫وهوان نتيجة النكسار العراقي ‪.‬‬
‫‪ .4‬إثبات القدرة العراقية على النهوض بالمة العربية ‪ ،‬وقيادتها لما تصبو‬
‫إليه من منازل العز والكرامة ‪ ،‬والتي طالما كانت تتحدث عنها فيما مضى ‪،‬‬
‫ولكنها لم تفلح لغاية الن ‪ ،‬مما شّكك في مصداقية القيادة العراقية ‪ ،‬في‬
‫تصديها لهموم المة العربية ‪ ،‬كما تّدعي ‪.‬‬
‫‪ .5‬إثبات صدق تبني القيادة العراقية ‪ ،‬لمقولة " عاشت فلسطين حرة عربية‬
‫من البحر إلى النهر " ‪ ،‬والتي ُتعتبر من أولويات الحزب الحاكم ‪.‬‬
‫‪ .6‬الخروج من الوضع المأساوي والُمهين ‪ ،‬الذي نجم عن الحصار البدي ‪،‬‬
‫المفروض على العراق منذ أحد عشر عاما ‪.‬‬
‫‪ .7‬قطع الطريق على المخططات اليهودية المريكية لتدمير العراق ‪ ،‬التي‬
‫أصبح العراقيون يعونها تماما ‪.‬‬
‫‪ .8‬النتقام من التطاول السرائيلي الجبان ‪ ،‬بضرب المفاعل النووي العراقي‬
‫‪ ،‬أثناء انشغاله في الحرب مع إيران ‪.‬‬
‫‪ .9‬النتقام من التطاول المريكي ‪ ،‬بتكنولوجيته الجبانة ‪ ،‬أثناء وما بعد حرب‬
‫الخليج الثانية ‪.‬‬

‫‪379‬‬
‫‪ .10‬إظهار عدم مقدرة أمريكا ‪ ،‬على حماية مسخها الخداج في المنطقة ‪ ،‬في‬
‫أي مواجهة عسكرية حقيقية ‪.‬‬
‫‪ .11‬سلبية مواقف القيادات العربية غير المبّررة من العراق ‪ ،‬ويأس القيادة‬
‫العراقية وقنوطها من هذه القيادات ‪ ،‬خاصة بعد مؤتمري القمة الخيرين ‪،‬‬
‫في القاهرة وعمان ‪.‬‬
‫‪ .12‬تعّلق آمال الشعب الفلسطيني اليائس ‪ ،‬بصحوة المارد العراقي المحاصر ‪،‬‬
‫وخروجه من القامة الجبرية في القمقم ‪ .‬وهذا ما ُيظهره الفلسطينيون أثناء‬
‫مسيراتهم ‪ ،‬من خلل رفع صور الرئيس العراقي ‪ ،‬والعلم العراقية ‪.‬‬
‫‪ .13‬حاجة الشعوب العربية إلى بطل حقيقي يعيد لها أمجادها ‪ ،‬في زمن عّزت‬
‫فيه البطولة ‪ ،‬إل من بطولت ‪ ،‬على نمط بطولت الدون كيشوت ‪ ،‬في‬
‫معاركه مع طواحين الهواء ‪ ،‬التي ما فتئت تتغنى بها وبأبطالها شاشات‬
‫التلفزة العربية ‪ ،‬ليل ونهارا ‪.‬‬
‫‪ .14‬العراق ‪ ،‬غريق لن يخشى البلل ‪ ،‬وعلى ما يبدو ‪ ،‬أنه سيعمل على مبدأ "‬
‫أنا والطوفان من بعدي " ‪ ،‬وإن لم يكسب ‪ ،‬فل شيء يخسره ‪.‬‬
‫‪ .15‬الستفزاز أو العدوان المريكي القادم ‪ ،‬بناًء على التحريض اليهودي ‪،‬‬
‫كما ورد في تقرير واشنطن ‪ ،‬بإثارة مسألة المفتشين ‪ ،‬مع نهاية شهر‬
‫‪11/2001‬م ‪ ،‬أو بإثارة فتنة جديدة ‪ ،‬تدفع العراق للقيام بعمل عدواني ‪،‬‬
‫داخل أو خارج أراضيه ‪.‬‬
‫النص القرآني يتحّدث عن علقة ثأرية بين طرفين ‪ ،‬ول اعتبار لي طرف‬
‫آخر ‪:‬‬
‫يتحّدث النص القرآني عن نزاع بين طرفين ‪ ،‬في سورة السراء ‪ ،‬تربط ما‬
‫بينهما علقة ثأرية متأصلة في النفس اليهودية ‪ ،‬منذ آلف السنين ‪ ،‬ول يضع‬
‫ظم شأنه أو صُغر ‪ ،‬وكأنه ل يوجد على‬ ‫في حسبانه أي طرف آخر ‪ ،‬مهما ع ُ‬
‫الكرة الرضية ‪ ،‬سوى اليهود وأولئك العباد ‪ .‬وهذا ما نجده في الية السادسة‬
‫ن‬
‫ل َيْمِلُكو َ‬
‫ن ُدوِنِه ‪َ ،‬ف َ‬
‫عْمُتْم ِم ْ‬
‫ن َز َ‬
‫عوا اّلِذي َ‬
‫والخمسين من سورة السراء ) ُقِل اْد ُ‬
‫ضّر ( ورد في القرآن ‪) ،‬‬ ‫ل )‪ ، (56‬ولفظ ) ال ّ‬ ‫حِوي ً‬
‫عْنُكْم ‪َ ،‬ولَ َت ْ‬
‫ضّر َ‬
‫ف ال ّ‬
‫ش َ‬
‫َك ْ‬
‫‪ (29‬مرة فقط ‪ ،‬وبمعنى واحد هو الذى أو العذاب في الحياة الدنيا ‪ ،‬والمعنى‬
‫الجمالي للية ‪ ،‬بأن ال سبحانه وتعالى ‪ُ ،‬يخاطب ُأناسا أثناء نزول العذاب بهم‬
‫‪380‬‬
‫متحديا إّياهم ‪ ،‬بدعوة من اّتكلوا عليهم من دونه ‪ ،‬لرفع عذاب ال عنهم ‪ .‬ووعد‬
‫الخرة هو وعد إلهي لليهود بالعذاب – وليس للمسلمين بالنصر ‪ -‬سيقع ل‬
‫محالة ‪ ،‬والذين نهاهم ال في نفس السورة ‪ ،‬عن اتخاذ وكلء من دونه ‪ ،‬هم‬
‫بنوا إسرائيل أنفسهم ‪ ،‬ولن يملك أحد من الجن والنس ‪ ،‬رفعه أو حتى تحويله‬
‫عنهم ‪ ،‬ولكن كيف ؟‬
‫لنتفق أول على أن تحقق هذا الوعد ‪ ،‬بغزو العراق لسرائيل ‪ ،‬يعتمد أساسا‬
‫على انفراد العراق بإسرائيل ‪ ،‬ويمكن لهذا المر أن يتحّقق في حالتين ‪:‬‬
‫الحتمال الول ‪ :‬أن يكون هذا الغزو مسبوقا ‪ ،‬بدمار جميع القوى العسكرية‬
‫التي يمتلكها الغرب وإسرائيل ‪ ،‬كنتيجة لتدخل بشري بقيام حرب نووية‬
‫عالمية ‪ ،‬بين الغرب والشرق ‪ ،‬أو كنتيجة لتدخل إلهي ‪ ،‬بإحداث كوارث‬
‫طبيعية هائلة في الغرب ‪ ،‬شبيهة بأحداث يوم القيامة ‪.‬‬
‫الحتمال الثاني ‪ :‬أن يكون هذا الغزو ضمن معطيات الواقع الحالي ‪ ،‬مع بقاء‬
‫جميع القوى العسكرية التي يمتلكها الغرب وإسرائيل ‪ .‬باستخدام العراق لتقنيات‬
‫وخطط عسكرية بسيطة ‪ ،‬تحمل في طياتها منطق عسكري جديد ‪ ،‬لم تألفه‬
‫الشعوب ول تتوقعه ضمن المعطيات الحالية ‪ ،‬يكون من شأنه أثناء الغزو ‪،‬‬
‫إلغاء أو تهميش القدرات العسكرية السرائيلية والغربية كليا ‪.‬‬
‫والحتمال الول ضعيف جدا ‪ ،‬حيث أنه يتطلب أن تقوم القوى الغربية ‪ ،‬بفعل‬
‫عدواني ُيهّدد الستقرار العالمي ‪ ،‬مما ُيجبر القوى الشرقية المتمثلة بروسيا‬
‫والصين مثل ‪ ،‬على الرد بشكل عنيف ومدّمر ‪ ،‬لعادة المور إلى نصابها ‪.‬‬
‫وضمن المنظور القريب ل يوجد من السباب ‪ ،‬ما يدفع القوى الغربية للقيام‬
‫بمثل هذا الفعل العدواني ‪ .‬أما الفعل اللهي بتدمير القوى الغربية ‪ ،‬فهو أمر‬
‫مستبعد كليا ‪ ،‬لن الحاديث النبوية ‪ ،‬فيما ُيخص الفترة الزمنية التي يظهر فيها‬
‫المهدي ‪ُ ،‬تشير إلى فناء التكنولوجيا العسكرية وغير العسكرية بمجملها ‪ ،‬سواء‬
‫ما يمتلكه الشرق أو ما يمتلكه الغرب ‪ ،‬ول ُتشير إلى فناء جميع الدول‬
‫والشعوب ‪ ،‬التي تمتلك هذه التكنولوجيا ‪ ،‬فكيف فنيت التكنولوجيا بكليتها ‪ ،‬ولم‬
‫تفنى الشعوب … ؟!‬
‫وهذا مما يؤكد أمرين ‪ ،‬أول ‪ :‬بقاء بعض الدول وفناء البعض الخر ‪ ،‬وثانيا ‪:‬‬
‫فناء جميع السلحة المتطورة وعلى رأسها السلحة النووية من كل الطرفين ‪.‬‬
‫صل ل محالة ‪ ،‬وعلى ما يبدو ‪،‬‬ ‫فالدمار القادم للحضارة الغربية برمتها ‪ ،‬سيتح ّ‬
‫‪381‬‬
‫من جّراء حرب عالمية نووية مدمرة ‪ ،‬تستنفذ فيها كافة السلحة المتطورة من‬
‫على وجه البسيطة ‪ ،‬مع بقاء بعض الشعوب المنتصرة ‪ ،‬بعد أن تكون ألقت ما‬
‫في جعبتها من أسلحة ‪ ،‬على خصومها المنكسرة ‪ ،‬وبذلك يغدو من الممكن قيام‬
‫الخلفة السلمية ‪ ،‬في ظل غياب تلك القوى ‪ ،‬ليحكم الكون بأسره ‪ ،‬إذ ل بد‬
‫للنصر من أسباب ومسببات مادية ‪ ،‬فضل عن العقائد الروحية ‪.‬‬
‫أما الحتمال الثاني فهو القوى ‪ ،‬إذ أن المؤشرات على الساحة العالمية‬
‫والمحلية ‪ ،‬تؤكد على أن العراق ‪ ،‬لن يستطيع الصمود حتى وقت متأخر جدا ‪،‬‬
‫فصبر القيادة العراقية بدأ ينفذ ‪ ،‬والتحركات السياسية المتعددة للخلص من‬
‫الحصار ‪ ،‬على المستوى القليمي والدولي باتت غير مجدية ‪ ،‬ورغم كل ذلك ‪،‬‬
‫ل يبدو أن هناك ضوء في آخر النفق ‪ ،‬والضغوط والتهديدات المريكية في‬
‫تزايد مستمر ‪ ،‬فل بد لها من القيام بعمل ما لتحريك المور ‪ ،‬أو قلبها رأسا‬
‫على عقب ‪ .‬وكذلك المر بالنسبة للشعب الفلسطيني في فلسطين ‪ ،‬إذا ما استمر‬
‫الحال ‪ ،‬على ما هو عليه من الخذلن العربي والعالمي ‪ ،‬فهو أقرب إلى‬
‫النهيار منه إلى الستمرار ‪ ،‬وستكون النتيجة مأساوية على المدى البعيد ‪،‬‬
‫وعلى عكس ما يتوقعه الناس منهم ‪ ،‬فللنسان طاقة محدودة على الصبر ‪،‬‬
‫وسيبدأ الفلسطينيون مجّددا بالنسياب إلى الخارج شيئا فشيئا ‪.‬‬
‫معطيات الواقع الحالي تؤكد حتمية نفاذ هذا الوعد في وقت قريب ‪:‬‬
‫وسّر قابلية نفاذ هذا الوعد في الوقت الراهن ‪ ،‬يكمن أول ‪ :‬في القيادة الحالية‬
‫للعراق ‪ ،‬التي إن زالت لن تتكّرر ‪ ،‬فهي التي تملك إرادة الغزو ‪ ،‬بعدما تولدت‬
‫لديها نتيجة عملية مخاض عسيرة ‪ ،‬تمثلت بما لحق بالعراق ‪ ،‬من ظلم‬
‫وإجحاف وإذلل في السنوات الخيرة ‪ ،‬على عهد هذه القيادة ‪ ،‬وهي الُمطالَبة‬
‫بإزالة هذا الظلم والهوان ‪ ،‬والثأر ممن تسّبب فيه ‪ ،‬وبعث أولئك العباد المشار‬
‫حنا سابقا ‪ ،‬قائم على علقة ثأرية‬ ‫إليهم في النص القرآني أساسا ‪ ،‬وكما وض ّ‬
‫بينهم وبين اليهود ‪ ،‬غايته النتقام ليس إل ‪.‬‬
‫ويكمن ثانيا ‪ :‬في القيادة الحالية لسرائيل ‪ ،‬بقيادة أكثر اليهود إجراما‬
‫ووحشية ‪ ،‬ودورها في ازدياد حّدة ودموية النتفاضة الجديدة ‪ ،‬التي ساهمت‬
‫وستساهم ‪ ،‬في استمرارية انغماس يهود إسرائيل في شأنهم الداخلي ‪ ،‬وإهمالهم‬
‫وعدم التفاتهم لمن يترّبص بهم الدوائر من الخارج ‪ ،‬مما يعطي فرصة أكبر‬
‫لنجاح الغزو العراقي ‪.‬‬
‫‪382‬‬
‫ويكمن ثالثا ‪ :‬في حالة المجتمع السرائيلي الراهنة ‪ ،‬وخاصة بعد اختياره لقيادة‬
‫هي الكثر دموية بين سابقاتها ‪ ،‬وبأغلبية ساحقة مما ُيشير إلى أن الشعب‬
‫بكليته ‪ ،‬أصبح أيضا شعبا دمويا فاسدا ومفسدا ‪ ،‬وعندما تصبح المة بأسرها‬
‫تملك هذه الصفة ‪ ،‬وحسب السنن اللهية ‪ ،‬نجد أن هلكها بات وشيكا جدا ‪.‬‬
‫وإذا علمنا أن السفاح ) شارون ( يحمل على عاتقه ‪ ،‬تنفيذ مجمل أحلم اليهود‬
‫التوراتية ‪ ،‬الواردة في الفصول السابقة ‪ ،‬قبل نهاية وليته ‪ ،‬وعلى رأسها هدم‬
‫المسجد القصى ‪ ،‬نستطيع القول بأن هلك هذه المة ‪ ،‬لن يتجاوز الربع‬
‫سنوات على أبعد الحتمالت ‪.‬‬
‫ويكمن رابعا ‪ :‬في القيادة الحالية المريكية غير المتزنة ‪ ،‬التي أعلنت عدائيتها‬
‫غير المبررة للعراق ‪ ،‬وقامت بضربه فور تسلمها للسلطة ‪ ،‬دون سابق إنذار ‪،‬‬
‫بالرغم من سياساته التصالحية ‪ ،‬وتجاوبه الكامل مع قرارات الشرعية الدولية ‪،‬‬
‫وانتهاجه لسلوب الحوار مع مجلس المن _ وكل ذلك لم ولن ُيجدي نفعا ‪ ،‬إذ‬
‫أن المطلوب من العراق ‪ ،‬هو عبادة إسرائيل التي يعبدون ‪ ،‬وتقديم فروض‬
‫الطاعة والولء للسامرّيون الجدد في الغرب المتصهين _ والتي أظهرت أيضا‬
‫في المقابل تغاضيا وصمتا ‪ ،‬على ما تقترفه القيادة السرائيلية ‪ ،‬بشكل غير‬
‫مسبوق ‪ ،‬مما أثار حفيظة حتى المنافقين من حلفاء أمريكا ‪ ،‬فتعاقبت التنديدات‬
‫والنتقادات لهذا التصرف الهوج ‪ ،‬من قبل الُمهّرج المريكي بوش ‪.‬‬
‫هذا ‪ ،‬فضل عما أثارته القيادة المريكية من استياء عالمي ودولي ‪ ،‬لسياستها‬
‫المعادية لدول الشرق القصى والدنى من روسيا شمال وحتى اليمن جنوبا ‪،‬‬
‫ومن الصين شرقا وحتى ليبيا غربا ‪ ،‬ولحلفائها الغربيين من الدول غير‬
‫المنحازة لسياساتها ‪ ،‬وللبشرية جمعاء بعدم توقيعها على اتفاقية الحد من‬
‫النبعاث الحراري ‪ ،‬حتى انعكس ذلك ‪ ،‬على مشاركة أمريكا ‪ ،‬في اللجان‬
‫المنبثقة عن هيئة المم المتحدة ‪ ،‬فُأسقطت من لجنتي حقوق النسان ومكافحة‬
‫المخدرات ‪ ،‬خلل فترة قصيرة ‪ ،‬مما يعكس السخط الدولي على أمريكا‬
‫وسياساتها ‪.‬‬
‫فضل عن ذلك ‪ ،‬يأتي مشروع الدرع المضاد للصواريخ المثير للجدل ‪ ،‬والذي‬
‫ترّوج له أمريكا على أنه مشروع دفاعي بحت ‪ ،‬تسعى لمتلكه ‪ ،‬متذّرعة‬
‫بمخاوف غير منطقية ‪ ،‬من هجوم نووي ‪ ،‬ربما تقوم به إحدى الدول المارقة ‪،‬‬
‫كإيران وكوريا الشمالية ‪ ،‬أو جماعات إرهابية ‪ ،‬من الممكن أن تحصل يوما ما‬
‫‪383‬‬
‫على السلح النووي ‪ ،‬لضمان تأييد حلفائها لهذا المشروع ‪ ،‬الذين أبدوا حوله‬
‫الكثير من التحفظات ‪ ،‬لعدم قناعتهم بالمسوغات المريكية لهذا المشروع ‪.‬‬
‫والذي ُيجابه أيضا بمعارضة شديدة من قبل روسيا والصين ‪ ،‬كون هذا‬
‫المشروع سيلغي قوة الردع النووية ‪ ،‬لي دولة تمتلك السلح النووي ‪.‬‬
‫فالسلح النووي في الصل هو قوة ردع كفيلة ‪ ،‬بمنع أي دولة مارقة أو غير‬
‫مارقة ‪ ،‬من مجرد التفكير بضرب أمريكا نوويا ‪ ،‬ليتبين لنا أن دوافع أمريكا‬
‫المعلنة لمتلك هذا الدرع ‪ ،‬غير مبررة وغير منطقية ‪.‬‬
‫أما دوافعها غير المعلنة لمتلك هذا الدرع ‪ ،‬فهي نابعة من المخاوف التوراتية‬
‫والنجيلية ‪ ،‬فيما يتعّلق بالمواجهة المقبلة بين الشرق والغرب ‪ ،‬والتي تناولناها‬
‫في فصل سابق ‪ ،‬ومحركاتها الرئيسية هي العراق وروسيا والمهدي ‪.‬‬
‫وبامتلك أمريكا لهذا الدرع ‪ ،‬تتحول صواريخها النووية إلى أسلحة هجومية ‪،‬‬
‫قادرة على ضرب أي جماعة ‪ ،‬أو دولة نوويا أو غير نووية من المذكورة آنفا ‪،‬‬
‫في حالة قيامها بتهديد المصالح أو أمن أمريكا وحلفائها ‪ ،‬دون أن تكترث بأي‬
‫هجوم نووي مضاد ‪ ،‬حتى من قبل روسيا والصين ‪ ،‬وبذلك تستطيع أمريكا ‪،‬‬
‫فرض إرادتها على أي دولة بالقوة إن لم تمتثل لسياساتها طواعية ‪ ،‬ضاربة‬
‫عرض الحائط ‪.‬‬ ‫بهيئة المم ومجالسها وقراراتها ومواثيقها ُ‬
‫ولو بحثت عمن يسعى بحماس لترويج فكرة هذا الدرع ‪ ،‬في الدارة المريكية‬
‫ومجلسي الشيوخ والنواب ‪ ،‬لوجدت أنهم في معظمهم ‪ ،‬من اليهود ومن‬
‫المتصهينين النصارى من عبدة إسرائيل ‪ ،‬المسكونين بالمخاوف التوراتية‬
‫والنجيلية ‪ .‬وأن الهدف المنشود من إقامة هذا الدرع ‪ ،‬هو تمكين النبوءات‬
‫التوراتية المستقبلية التي توافق أهوائهم وأمانيهم من التحقق ‪ ،‬وتعطيل جميع‬
‫النبوءات التي تخالفها ‪ ،‬وبذلك تصبح قابلية نفاذ هذا الوعد ‪ ،‬بالشكل الذي‬
‫نتحدث عنه شبه معدومة بل مستحيلة ‪ ،‬ففور شعور أمريكا بأي بوادر تحركات‬
‫عراقي باتجاه إسرائيل ‪ ،‬لن تتردد الدارة المريكية التوراتية ‪ ،‬في أن تجعل‬
‫أرض العراق صعيدا جرزا ‪ ،‬دون خوف أو وجل ‪ ،‬وليصبح اسم العراق نسيا‬
‫منسيا ‪ .‬هذا إن لم تستبق المور كما هي العادة ‪ ،‬بضرب العراق والخلص من‬
‫أمره ‪ ،‬حتى قبل أن ُيفكر بالتحرك ‪ ،‬فور امتلكها لهذا الدرع ‪ ،‬بعد خمس‬
‫سنوات من البدء في تنفيذه ‪ ،‬حسب تقديراتها ‪ ،‬ليصبح أمر نفاذ هذا الوعد ‪ ،‬بعد‬
‫هذه المدة الزمنية ضربا من الخيال ‪ .‬فل بد من تحقق هذا الوعد قبل مضي هذه‬
‫المدة ‪.‬‬
‫‪384‬‬
‫وقد يقول قائل أن أمريكا ل تخشى أحدا ‪ ،‬ولو أرادت بالعراق السوء لفعلت ‪،‬‬
‫ونقول بأن هذا القول غير صحيح ‪ ،‬فلتدمير القدرة العسكرية التقليدية وأسلحة‬
‫الدمار الشامل العراقية ‪ ،‬احتاجت أمريكا أول ‪ :‬مبررا وهو غزو الكويت ‪،‬‬
‫وثانيا ‪ :‬لجماع أممي لستصدار قرار باستخدام القوة ‪ ،‬وثالثا ‪ :‬لمشاركة ‪30‬‬
‫دولة لتنفيذ الهجوم ‪ ،‬لتوزيع دمه على القبائل ‪ ،‬ومن ثم ُفتح المجال لجراءاتها‬
‫العدائية المستمرة اتجاه العراق ‪ .‬فلو كانت قادرة ‪ ،‬فما الداعي لما قامت به من‬
‫خطوات سبقت الضرب الفعلي للعراق ! ونقول بأن أمريكا ‪ ،‬لن تجرؤ على‬
‫ضرب العراق نوويا ‪ ،‬بداعي الخوف على مصالحها أو أمنها ‪ ،‬في ظل امتلك‬
‫نفس السلح ‪ ،‬من قبل دول مناهضة لها ولسياساتها كروسيا والصين ‪ ،‬لنها‬
‫بالمقابل ‪ ،‬ستعطي لهما مبررا لضربها نوويا دون سابق إنذار ‪ ،‬في حال قيام‬
‫أمريكا بتهديد مصالحهما وأمنهما ‪ .‬فالمخاوف المريكية من أسلحة الدمار‬
‫الشامل تأتي من العراق ‪ ،‬وكما نعلم فإن العراق كان على علقة طيبة مع‬
‫أمريكا ‪ ،‬قبل حرب الخليج الثانية ‪ ،‬ولم ُيهّدد يوما ل أمن الوليات المتحدة ول‬
‫مصالحها ‪ ،‬وحتى بعد احتلله للكويت ‪ ،‬لم يكن ذلك لُيغّير من طبيعة تلك‬
‫العلقة ‪ ،‬والذين هّدد العراق أمنهم قبل جّره لغزو الكويت وما زال ‪ ،‬وتستطيع‬
‫صواريخه الكيماوية والبيولوجية أن تصلهم ‪ ،‬هم يهود إسرائيل ‪ ،‬وهو ما كان‬
‫قد أيقظ المخاوف التوراتية لسياد أمريكا من اليهود ‪ ،‬فكان ما كان ‪ ،‬ووقع ما‬
‫لم يكن في الحسبان ‪.‬‬
‫الجواء الن مغايرة تماما ‪ ،‬للجواء التي قامت في ظلها الدولة اليهودية ‪:‬‬
‫منذ أكثر من مائتي سنة ‪ ،‬قام اليهود بوضع مخطط طويل المد ‪ ،‬جمعوا فيه ‪،‬‬
‫ما بين مطامع أرباب المال اليهود في السيطرة القتصادية ‪ ،‬وأحلم الحاخامات‬
‫التوراتية في فلسطين ‪ .‬وكان الهدف النهائي للعمل الجماعي اليهودي ‪ ،‬وما‬
‫زال ‪ ،‬هو السيادة الكاملة على كوكب الرض ‪ ،‬من خلل حكم ملكي‬
‫ديكتاتوري ‪ ،‬يتخذ من القدس عاصمة له ‪ ،‬لتحقيق مطلب الطرفين معا ‪ .‬نظريا‬
‫وبإغفال القدرة اللهية ‪ ،‬التي ل يؤمن اليهود بوجودها ‪ ،‬فإن مخططهم‬
‫الفسادي قابل للتحقق على أرض الواقع ‪ .‬أما عمليا ‪ ،‬وبإدخال القدرة اللهية ‪،‬‬
‫ُيصبح أمر تحقق مخططهم هذا ‪ ،‬ضربا من الخيال ‪.‬‬
‫وقد تمكن اليهود من خلل هذا المخطط ‪ ،‬من تحقيق السيطرة القتصادية ‪،‬‬
‫على العالم الغربي ‪ ،‬بامتلك الصناعة المصرفية ‪ ،‬وشراء الستثمارات بكافة‬
‫‪385‬‬
‫أشكالها ‪ ،‬وأهمها الصناعات العسكرية والعلمية ‪ .‬مما مّكنهم من السيطرة‬
‫على مجمل سياسيات تلك الدول الداخلية والخارجية ‪ ،‬ومن ثم تم تسخيرها ‪،‬‬
‫لخدمة أهداف المخطط اليهودي آنف الذكر ‪.‬‬
‫ولو أمعنت النظر في ظروف المنطقة ‪ ،‬التي سبقت الحربين العالميتين الولى‬
‫والثانية ‪ ،‬لوجدت أنها تتقاطع كليا مع المخططات اليهودية ‪ ،‬بإقامة وطن قومي‬
‫لهم في فلسطين ‪ ،‬في ظل موقف السلطان عبد الحميد ‪ ،‬الرافض حتى لقامة‬
‫اليهود فيها كأفراد ‪ ،‬حتى استيئست رسل اليهود من المر ‪ .‬ولو أمعنت النظر‬
‫في نتائج الحربين ‪ ،‬ستجد أنها خدمت المخطط اليهودي بشكل ملفت للنظر ‪،‬‬
‫حيث تمخضت الحرب الولى عن انهيار الدولة العثمانية ‪ ،‬ومن ثم إصدار‬
‫وعد بلفور ‪ ،‬ووضع فلسطين تحت النتداب البريطاني ‪ ،‬ومن ثم فتح باب‬
‫خض عنها إنشاء المم‬ ‫الهجرة اليهودية ‪ .‬ومن ثم قامت الحرب الثانية ‪ ،‬فتم ّ‬
‫المتحدة من خمس دول حليفة ومنتصرة ‪ ،‬وفي تلك الجواء تم استصدار قرار‬
‫أممي بتقسيم فلسطين ‪ ،‬من خلل دعم غربي أمريكي بريطاني فرنسي ‪ ،‬وعدم‬
‫معارضة شرقية روسية صينية ‪ ،‬حيث كان لكل دولة ‪ ،‬من تلك الدول‬
‫والمأخوذة بنشوة النتصار ‪ ،‬أطماع لنيل جزء من الكعكة العالمية بعد الحرب ‪،‬‬
‫وكان أحد المطالب الغربية ‪ ،‬هو تقديم فلسطين لليهود على طبق من ذهب ‪.‬‬
‫وفي المقابل ‪ ،‬ستجد أن نتائج هذه الحرب ‪ ،‬كانت مأساوية على مجمل الدول ‪،‬‬
‫التي شاركت فيها ‪ ،‬حتى المنتصرة منها ‪ ،‬بما أنها تكّبلت بالديون اليهودية إلى‬
‫جار الحروب من سادات اليهود‬ ‫ما ل نهاية ‪ ،‬والمستفيد الوحيد دائما وأبدا ‪ ،‬هم ت ّ‬
‫‪ ،‬أثرياء وحاخامات ‪ ،‬ممن يحكمون العالم الغربي في الخفاء ‪.‬‬
‫ش لنخلص إلى أن قيام إسرائيل واستمرارها ‪ ،‬اعتمد على عدة أمور ‪:‬‬
‫‪ .1‬تمكين بريطانيا من السيطرة على فلسطين ‪ ،‬لستصدار وعد بلفور ‪ ،‬الذي‬
‫لم يكن كافيا لتحقيق الحلم اليهودي ‪ ،‬بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين ‪.‬‬
‫ومن ثم وضع فلسطين تحت النتداب البريطاني ‪ ،‬لتمكين بريطانيا من تنفيذ‬
‫الوعد ‪ ،‬بفتح أبواب الهجرة ‪ ،‬وخلق واقع جديد ‪ ،‬يسمح لليهود بإقامة الدولة ‪.‬‬
‫‪ .2‬التضليل العلمي المستمر للرأي العالمي ‪ ،‬بترويج مقولة " أرض بل‬
‫شعب ‪ ،‬وشعب بل أرض " ‪ .‬بالضافة إلى التضخيم العلمي لمسألة‬
‫الضطهاد الممي لليهود ‪ ،‬وخاصة ترويج حكاية ضحايا المحرقة النازية‬
‫الستة مليين ‪ .‬لكسب تعاطف وتأييد الرأي العالمي الغربي ‪ .‬ومن ثم‬
‫‪386‬‬
‫استغلل الحلفاء الخمسة المنتصرين ‪ ،‬والمؤسسين للمم المتحدة ‪،‬‬
‫لستصدار قرار أممي بتقسيم فلسطين ‪ ،‬تمخض عنه قيام دولة إسرائيل ‪.‬‬
‫بطلب وتأييد من الدول الغربية ‪ ،‬وقبول من الدول الشرقية ‪ ،‬حيث كانت‬
‫حسبة المصالح للدول الخمسة الكبرى آنذاك ‪ ،‬تسير في مركب واحد ‪ ،‬بينما‬
‫كانت الدول العربية بأسرها ‪ ،‬مملوكة من قبل الغرب ‪.‬‬
‫‪ .3‬الرعاية القتصادية والسياسية والعسكرية المريكية والوربية المستمرة‬
‫لسرائيل ‪ ،‬في حالتي السلم والحرب ‪.‬‬
‫ش والسؤال الن هل الظروف ‪ ،‬التي أوجدت دولة إسرائيل ‪ ،‬وحافظت على‬
‫بقائها واستمراريتها ‪ ،‬ما زالت قائمة ؟‬
‫‪ .1‬فور خروج الجيش البريطاني ‪ ،‬وفور العلن عن قيام الدولة اليهودية ‪،‬‬
‫استطاعت الجيوش العربية قهر الجيش السرائيلي ‪ ،‬والوصول إلى مشارف‬
‫تل أبيب ‪ ،‬ولول استجابة العرب للوامر المريكية بوقف القتال ‪ ،‬لما‬
‫استطاع الغرب من إمداد إسرائيل بالعدة والعتاد ‪ ،‬مما مّكنها لحقا من‬
‫النتصار ‪ ،‬ولما كان هناك ما ُيسمى بدولة إسرائيل ‪ ،‬ولكن قّدر ال وما شاء‬
‫فعل ‪.‬‬
‫‪ .2‬بعد النفتاح العلمي ‪ ،‬وعالمية وسائل التصال ‪ ،‬وتعّدد مصادر‬
‫المعلومات ‪ُ ،‬أتيح للرأي العالمي ‪ ،‬وخاصة المناهض لمريكا وسياساتها ‪،‬‬
‫رؤية الجانب الخر من الصورة ‪ ،‬الذي عملت وسائل العلم الغربية على‬
‫التعتيم عليه ‪ ،‬فيما مضى ‪ ،‬فبات الكل يعلم ‪ ،‬أن فلسطين لم تكن يوما من‬
‫اليام ‪ ،‬أرضا بل شعب ‪ ،‬بل فيها شعب ‪ ،‬ل مثيل له بين الشعوب ‪ ،‬له إرادة‬
‫تفل الحديد ‪ ،‬ويستحق التقدير والحترام ‪ .‬وبات الكل يعلم ‪ ،‬أن الشعب الذي‬
‫كان يتباكى من الضطهاد النازي له ‪ ،‬تبين أنه أكثر نازية ووحشية من‬
‫ط عليه ‪ ،‬واستياٍء وخج ٍ‬
‫ل‬ ‫النازيين أنفسهم ‪ ،‬فتبّدل التعاطف معه إلى سخ ٍ‬
‫ي من أفعاله ‪ ،‬ولول الفيتو المريكي والدعم البريطاني والفرنسي‬ ‫عالم ّ‬
‫والتخاذل العربي ‪ ،‬المسّلط على رقاب الفلسطينيين ‪ ،‬واُلمحِبط حتى لنصار‬
‫القضية الفلسطينية ‪ ،‬من الشعوب غير العربية ‪ ،‬لما استمرت هذه الدولة‬
‫النازية الجديدة في الوجود ‪.‬‬
‫‪ .3‬لو تتبعنا كافة الحروب العربية السرائيلية ‪ ،‬لوجدنا أن إسرائيل لم تكن‬
‫قادرة ‪ ،‬بأي حال من الحوال ‪ ،‬على مجابهة الجيوش العربية ‪ ،‬بل لم تكن‬
‫‪387‬‬
‫قادرة على حماية نفسها ‪ ،‬لول الدعم العسكري المريكي البريطاني‬
‫الفرنسي ‪ ،‬المعلن والخفي بالسلح والفراد ‪ ،‬من خلل الجسور الجوية التي‬
‫كانت توصل هذا الدعم ‪ .‬فالمواجهة في كل الحروب ‪ ،‬لم تكن بين العرب‬
‫وإسرائيل ‪ ،‬وإنما كانت بين العرب والغرب ‪ .‬ولوجدنا أن مجمل نوايا‬
‫القيادات العربية ‪ ،‬كانت معروفة باليوم والساعة ‪ ،‬وأن تحركات الجيوش‬
‫العربية وإمداداتها ‪ ،‬كانت معلنة ومكشوفة وبطيئة ‪ ،‬وغير منسقة لتعدد‬
‫القيادات ‪ ،‬ولوجدنا أن عامل الوقت كان حاسما في مجمل تلك الحروب ‪،‬‬
‫مما كان ُيمّكن إسرائيل من الستعداد ‪ ،‬وطلب النصرة من الغرب ‪.‬‬
‫كانت هذه قراءتنا للواقع ‪ .‬أما معطيات الواقع المنظور ‪ ،‬كما يقرأها عامة‬
‫الناس ‪ ،‬والتي ل توحي باقتراب تحّقق وعد الخرة ‪ ،‬بإساءة وجوه الصهاينة ‪،‬‬
‫والدخول العراقي لفلسطين ‪ .‬سنحاول تصحيح هذه القراءة ما أمكن ‪ ،‬من خلل‬
‫رسم صورة ‪ ،‬للدخول القادم من خلل صور ومشاهد ‪ ،‬من القرآن والتاريخ‬
‫والواقع ‪ ،‬لتقريب صفة هذا الدخول لذهن القارئ ‪ ،‬وذلك أول ‪ :‬لتأكيد مصداقية‬
‫ما جاء به كتاب ال ‪ ،‬من أمر هذا الوعد قبل تحّققه ‪ ،‬وعلى النحو الذي أراده‬
‫رب العزة ‪ ،‬ل كما أرادته أهواء البشر ‪ ،‬وثانيا ‪ :‬بيان مدى قابلية تحّقق هذا‬
‫البعث ‪ ،‬في زمن قريب جدا ‪ ،‬وضمن معطيات الواقع الحالي ‪ ،‬الذي قد يراه‬
‫الناس مخالفا ‪ ،‬لما نذهب إليه جملة وتفصيل ‪.‬‬
‫من صور الدخول في القرآن ‪:‬‬
‫نطرح فيما يلي بعضا من صور الدخول ‪ ،‬مما ورد ذكره في القرآن الكريم ‪:‬‬
‫غًدا ‪َ ،‬واْدخُُلوا‬ ‫شْئُتْم َر َ‬
‫ث ِ‬‫حْي ُ‬
‫خُلوا َهِذِه اْلَقْرَيَة ‪َ ،‬فُكُلوا ِمْنَها َ‬
‫• ) َوِإْذ ُقْلَنا اْد ُ‬
‫ن )‪58‬‬ ‫سِني َ‬‫ح ِ‬
‫سَنِزيُد اْلُم ْ‬
‫طاَياُكْم ‪َ ،‬و َ‬
‫خَ‬‫طٌة ‪َ ،‬نْغِفْر َلُكْم َ‬‫حّ‬ ‫جًدا ‪َ ،‬وُقوُلوا ِ‬ ‫سّ‬ ‫ب ُ‬ ‫الَْبا َ‬
‫البقرة (‬
‫كان هذا وصف لكيفية الدخول ‪ ،‬التي ُأمر بها بنو إسرائيل على قرية مدين شبه‬
‫الخاوية ‪ ،‬بعد هلك أغلبية أهلها بالعذاب ‪ ،‬وتركهم لرضهم ومساكنهم‬
‫وممتلكاتهم من الزروع والمواشي ‪ ،‬وهذا ما ُيشير إليه قوله تعالى ) فكلوا منها‬
‫حيث شئتم رغدا ( ‪ ،‬أي أن ما فيها من خيرات وأنعام ‪ ،‬أصبح في متناول‬
‫أيديهم بمجرد الدخول ‪ ،‬وهذه العبارة قيلت لدم وزوجه عند أمرهم بدخول‬
‫طلب منهم عند‬ ‫الجنة ‪ ،‬وكان هذا من لطف ال بهم ومّنه وكرمه عليهم ‪ ،‬ولذلك ُ‬
‫‪388‬‬
‫دخول باب القرية ‪ ،‬التعبير بالقول والهيئة ‪ ،‬عن شكرهم وطاعتهم ل على هذه‬
‫صلوا عليها دون جهد أو عناء ‪ ،‬إذ لم‬ ‫النعمة ‪ ،‬التي كانوا قد طلبوها سابقا ‪ ،‬وتح ّ‬
‫ُيجابهوا بأية ممانعة أو مقاومة ‪ ،‬بل على العكس ‪ ،‬قوبلوا بالترحيب ‪ ،‬من قبل‬
‫شعيب والقلة المؤمنة ممن بقي من قومه ‪ ،‬لمصاهرة موسى عليه السلم لهم ‪،‬‬
‫وإقامته عندهم فيما مضى ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫عَلْيِهُم اْلَبابَ‬‫خُلوا َ‬ ‫عَلْيِهَما ‪ ،‬اْد ُ‬
‫ل َ‬‫ن ‪َ ،‬أْنَعَم ا ُّ‬‫خاُفو َ‬
‫ن َي َ‬‫ن اّلِذي َ‬
‫ن ‪ِ ،‬م َ‬ ‫لِ‬‫جَ‬ ‫• ) َقاَل َر ُ‬
‫ن )‪ 23‬المائدة (‬ ‫غاِلُبو َ‬‫خْلُتُموُه َفِإّنُكْم َ‬
‫‪َ ،‬فِإَذا َد َ‬
‫كان هذا وصف لكيفية الدخول ‪ ،‬الذي ُأمر به بنو إسرائيل ‪ ،‬لدخول الرض‬
‫المقّدسة المأهولة بالسكان ‪ ،‬في محاولة من رجلين مؤمنين عالمين بواقع‬
‫الحال ‪ ،‬لتشجيعهم وطمأنتهم ‪ ،‬لعلهم يرجعون عن موقفهم الرافض ‪ ،‬لدخولها‬
‫وطرد سكانها الوثنيون ‪ ،‬والستيطان فيها بدل منهم ‪ ،‬حيث يؤكد لهما الرجلن‬
‫‪ ،‬بأنهم لن يتعرضوا للذى عند الدخول ‪ ،‬وفي حال كانت هناك مواجهة ‪ ،‬فلن‬
‫ُيكّلفهم ذلك سوى كسر الباب ‪ ،‬بقتل الحراس المتواجدين عليه ومباغتة أهلها‬
‫في الداخل ‪ .‬وعلى ما يبدو أن موسى عليه السلم ‪ ،‬قبل أن يأمر بني إسرائيل‬
‫بالدخول ‪ ،‬كان قد بعث هذين الرجلين ‪ ،‬للتجسس على أهل المدينة المقّدسة ‪،‬‬
‫فوجدا أن أهلها على غير استعداد للحرب ‪ ،‬وأنهم ل يملكون جيشا ‪ ،‬ولم يكونوا‬
‫جبارين حقيقة ‪ ،‬كما ادعى بنوا إسرائيل لحقا ‪ ،‬وأنهم ل يملكون سوى بضعة‬
‫حّراس ‪ ،‬على باب المدينة فقط ‪ .‬وعندما أمر موسى قومه بالدخول ‪ ،‬رفضوا‬
‫ُمتذرعين بجبروت أهلها تقاعسا وخذلنا وجبنا ‪ ،‬فعّقب هذين الرجلين على‬
‫قول موسى ‪ ،‬بقولهم ذلك تفنيدا لّدعائهم ‪ ،‬وتوضيحا لحقيقة المر ‪ ،‬كما رأوها‬
‫بُأّم أعينهم ‪ ،‬ومع ذلك أصّر بنو إسرائيل على موقفهم ‪ ،‬بقلة إيمانهم وفسقهم‬
‫وجبنهم ‪ .‬ودخول كهذا يحتاج للمباغتة كعنصر أساسي ‪ ،‬لمنع الخصم من‬
‫الستعداد والجاهزية للقتال ‪ ،‬مما ُيقّلل أو يمنع الخسائر في المواجهات‬
‫المكشوفة ‪ ،‬ويدفع الخصم إلى الستسلم والرضوخ للمر الواقع ‪ ،‬ومن ثم‬
‫الرحيل عن الرض ‪.‬‬
‫عّزَة َأْهِلَها َأِذّلًة ‪،‬‬
‫جَعُلوا َأ ِ‬
‫سُدوَها ‪َ ،‬و َ‬ ‫خُلوا َقْرَيًة َأْف َ‬
‫ك ‪ِ ،‬إَذا َد َ‬
‫ن اْلُمُلو َ‬‫ت ِإ ّ‬‫• ) َقاَل ْ‬
‫ن )‪ 34‬النمل (‬ ‫ك َيْفَعُلو َ‬
‫َوَكَذِل َ‬
‫وكان هذا وصفا لكيفية دخول الملوك ‪ ،‬على القرى المتمّردة والمتطاولة ‪ ،‬على‬
‫أمرهم ومكانتهم ‪ ،‬على لسان ملكة سبأ ‪ ،‬تحذيرا لقومها من عصيان أمر الملك‬
‫‪389‬‬
‫سليمان عليه السلم ‪ ،‬وهذا الدخول هو السوأ على الطلق ‪ .‬وانظر في قول‬
‫سليمان عليه السلم ‪ ،‬عندما تمّردوا على أمره ‪ ،‬ولم يأتوه مسلمين كما طلب ‪،‬‬
‫جنُّهْم ِمْنَها‬ ‫خِر َ‬
‫جُنوٍد لَ ِقَبَل َلُهْم ِبَها ‪َ ،‬وَلُن ْ‬‫جْع ِإَلْيِهْم ‪َ ،‬فَلَنْأِتَيّنُهْم ِب ُ‬
‫حيث قال ) اْر ِ‬
‫ن )‪ 37‬النمل ( ‪ ،‬فعصيان أمر الملوك ‪ ،‬ذوي القوة والعزة‬ ‫غُرو َ‬ ‫صا ِ‬‫َأِذّلًة َوُهْم َ‬
‫والنفة والتطاول عليهم ‪ ،‬بأي شكل من الشكال ‪ُ ،‬يحمل على أنه تحقير وتقليل‬
‫من شأنهم ‪ ،‬وُيعتبر إهانة ل يستطيعون غفرانها ‪ .‬والرد عليها عادة ما يكون ‪،‬‬
‫كما هو ظاهر في رد سليمان عليهم ‪ ،‬بإرسال جيش ل قبل للخصم به ‪ ،‬ل من‬
‫حيث العدد ول من حيث العدة ‪ ،‬ونتيجة فعلهم ‪ ،‬هي كما وصفته ملكة سبأ في‬
‫الية الولى ‪ ،‬وما أكّد عليه سليمان في الية الثانية أعله ‪.‬‬
‫وغاية هذا الدخول في العادة ‪ ،‬تكون للنتقام ورد العتبار ‪ ،‬باستباحة الرض‬
‫والمال والعرض ‪ ،‬بتخريب الممتلكات والقتل والتنكيل في العامة ‪ ،‬وأسر علية‬
‫القوم وإذللهم ‪ ،‬ومن ثم قتلهم والتنكيل بهم ‪ ،‬وسبي نسائهم وأطفالهم ‪،‬‬
‫وتسخيرهم للعمل كجواري وخدام في القصور إمعانا في إذللهم ‪ .‬ودخول كهذا‬
‫‪ ،‬عادة ما ُتعلن فيه الرغبة في النتقام ‪ ،‬ويتم فيه تهديد الخصم مسبقا ‪ ،‬لذلله‬
‫وإدخال الرعب في قلبه ‪ ،‬مما يكون أدعى لنهياره ‪ ،‬وسرعة تداعيه عند‬
‫المواجهة ‪ ،‬في حال تجّرأ على ذلك ‪.‬‬
‫شاَء‬
‫ن َ‬ ‫حَراَم ‪ِ ،‬إ ْ‬ ‫جَد اْل َ‬‫سِ‬‫ن اْلَم ْ‬
‫خُل ّ‬‫ق ‪َ ،‬لَتْد ُ‬‫حّ‬
‫سوَلُه الّرْؤَيا ِباْل َ‬ ‫ل َر ُ‬‫ق ا ُّ‬ ‫صَد َ‬‫• ) َلَقْد َ‬
‫ن ‪َ ،‬فَعِلَم َما َلْم‬
‫خاُفو َ‬ ‫ن َل َت َ‬ ‫صِري َ‬‫سُكْم ‪َ ،‬وُمَق ّ‬ ‫ن ُرُءو َ‬ ‫حّلِقي َ‬
‫ن ‪ُ ،‬م َ‬ ‫ل َءاِمِني َ‬
‫ا ُّ‬
‫حا َقِريًبا )‪ 27‬الفتح (‬ ‫ك َفْت ً‬‫ن َذِل َ‬ ‫ن ُدو ِ‬‫جَعَل ِم ْ‬ ‫َتْعَلُموا ‪َ ،‬ف َ‬
‫هذه هي المرة الخرى ‪ ،‬والوحيدة في القرآن ‪ ،‬التي يرتبط فيها ذكر الدخول‬
‫بالمسجد ‪ ،‬وهو دخول المسجد الحرام في مكة ‪ ،‬ولو أمعنت النظر في نص‬
‫الية ‪ ،‬ستجد أنها تصف المسلمين أثناء تأدية العمرة ‪ ،‬وقد جاء في كتب‬
‫سّمي لحقا بعمرة القضاء ‪ ،‬في العام‬ ‫التفسير ‪ ،‬أن هذه الرؤيا قد تحّققت ‪ ،‬فيما ُ‬
‫التالي لصلح الحديبية ‪ ،‬فأنزلت هذه الية تصديقا للرؤيا ووعدا بالفتح ‪ .‬وأما‬
‫سّمي في القرآن فتحا وليس دخول ‪.‬‬ ‫الدخول العسكري لمكة والمسجد الحرام ‪ ،‬ف ُ‬
‫والمعروف أن المسلمين عندما خرجوا لغزو مكة ‪ ،‬كانوا قد أعدوا عدة‬
‫الحرب ‪ .‬وقد روى المام مسلم عن جابر ‪ " :‬أن رسول ال دخل مكة ‪ ،‬وعليه‬
‫عمامة سوداء ‪ ،‬من غير إحرام " ‪ ،‬وقال ابن كثير في تفسيره للية )‪ (24‬من‬
‫نفس السورة ‪ ،‬والتي سيرد نصها في الحديث عن فتح مكة ‪ ،‬أن الرسول عليه‬
‫‪390‬‬
‫الصلة والسلم ‪ " :‬لم يسق عام الفتح هديا ‪ ،‬وإنما جاء محاربا مقاتل في جيش‬
‫عرمرم " ‪.‬‬
‫المقصود بدخول المسجد ‪:‬‬
‫الدخول القادم للمسجد القصى ‪ ،‬لن يكون لتخريبه كما وقع في المرة الولى ‪،‬‬
‫ولن يكون بقصد الزيارة فقط ‪ ،‬لداء عبادة من العبادات ‪ ،‬كما هو الحال عند‬
‫دخول المسجد الحرام ‪ ،‬الموصوف في الية أعله ‪ .‬فالمقصود بقوله تعالى‬
‫) وليدخلوا المسجد ( هو الدخول إلى الرض المباركة ‪ ،‬التي تحوي هذا‬
‫المسجد ‪ ،‬أي فلسطين ككل والسيطرة عليها ‪ .‬وِذكر المسجد ‪ ،‬الذي هو بمثابة‬
‫القلب من الجسد ‪ ،‬بالنسبة للرض المباركة والمقّدسة ‪ ،‬جاء للشارة وللتأكيد‬
‫على أن نفاذ الوعد بشكل كامل ‪ ،‬سيتحصل أخيرا بدخول القدس ‪ ،‬بعد إزالة‬
‫العلو اليهودي من فلسطين ‪ ،‬وإنهاء الوجود اليهودي فيها ‪ ،‬الذي يفيده تقّدم ذكر‬
‫الساءة عن ِذكر الدخول ‪.‬‬
‫جوَهُكْم ‪،‬‬
‫سوُءوا ُو ُ‬
‫خَرِة ‪ِ ،‬لَي ُ‬
‫لِ‬‫عُد ا ْ‬
‫جاَء َو ْ‬
‫ولو تمعّنت في قوله تعالى ) َفِإَذا َ‬
‫جَد )‪ ، (7‬ستجد أن الغاية من البعث في الصل ‪ ،‬هي إساءة‬ ‫سِ‬‫خُلوا اْلَم ْ‬
‫َوِلَيْد ُ‬
‫صل هذه الساءة ‪ ،‬من جّراء ما وقع فيهم ‪ ،‬من قتل‬ ‫وجوه اليهود ‪ ،‬وستتح ّ‬
‫وتنكيل وسبي وفرار ‪ .‬ومن ثم جاء ذكر المسجد ‪ ،‬ليكون دخول القدس‬
‫واستعادتها ‪ ،‬نتيجة تأّتى من جّراء ما وقع في اليهود من إساءة ‪ .‬والنكى‬
‫والكثر إيلما لليهود ‪ ،‬هو أن ُتّتخذ القدس عاصمة لدولة عربية كبرى ‪،‬‬
‫لتصبح أحلم يهود الشرق والغرب المتعلقة بها هباًء منثورا ‪ ،‬بعد أن كانت‬
‫قاب قوسين أو أدنى من التحقق ‪ .‬وبالتالي يكون مجيء لفظ الدخول في هذه‬
‫الحالة ‪ ،‬تأكيدا لتحرير فلسطين واستعادة المسجد والستيلء عليه من قبل‬
‫المبعوثين ‪ ،‬وأن البعث لم يقتصر على إساءة الوجوه فقط ‪ .‬والتشبيه هنا كان‬
‫لصفة الدخول ‪ ،‬منذ اجتيازهم لحدود الرض المقّدسة ‪ ،‬بما تخلله من قتل‬
‫وتنكيل وأسر وإذلل ‪ ،‬حتى وصولهم إلى قلب مدينة القدس ‪ ،‬ليتأكد لنا زوال‬
‫علوهم منها بشكل كامل قهرا وقسرا ‪ ،‬بالضبط كما حصل في المرة الولى ‪،‬‬
‫صر ‪.‬‬ ‫عند دخول البابليين بقيادة نبوخذ ن ّ‬
‫وعلى ما يبدو أن الدخول القادم ‪ ،‬سيجمع بين صفتي الدخول الثاني والثالث ‪،‬‬
‫المشار إليهما أعله ‪ ،‬لن غاية الدخول القادم ‪ ،‬تجمع ما بين غايتيهما ‪ ،‬وهما‬

‫‪391‬‬
‫أول ‪ :‬طرد اليهود وإعادة الرض لصحابها الصليين ‪ ،‬وثانيا ‪ :‬إشباع الرغبة‬
‫العراقية في النتقام من اليهود وإذللهم ‪.‬‬
‫ومن جانب آخر ‪ ،‬نجد أن قوله تعالى ) ليسوءوا … وليدخلوا … كما دخلوه‬
‫… ( يصف ما سيجري على أرض فلسطين لحظة الوصول إليها ‪ ،‬وحتى‬
‫استعادة كامل أرضها ‪ .‬والذي سيجري حقيقة على أرض الواقع ‪ ،‬حسب‬
‫الوصف القرآني ‪ ،‬ليس بمعركة ‪ ،‬وإنما غزو من قبل أمة ل تعرف الرحمة ‪،‬‬
‫لمة ضعيفة وجبانة مستباحة الرض والمال والعرض ‪ .‬ولو أنك فّكرت بهذا‬
‫الحدث نظريا ‪،‬كما جاء به النص القرآني ‪ ،‬وحاولت مطابقته مع معطيات‬
‫الواقع الحالي ‪ ،‬ستجد بأن عملية تحققه ضرب من الخيال ‪ ،‬ضمن الظروف‬
‫الراهنة ‪ ،‬التي تؤكد رجحان كفة موازين القوى العالمية ‪ ،‬لصالح اليهود‬
‫وحلفائهم الغربيين ‪.‬‬
‫صور من الواقع ‪:‬‬
‫ش حال إسرائيل في المنطقة ‪ ،‬كحال ثري يملك منزل ‪ ،‬في منطقة معزولة عن‬
‫ل من الكنوز والمقتنيات الثمينة ‪ ،‬ويقتني عتاد‬‫المدينة ‪ ،‬يحتوي على كّم هائ ٍ‬
‫جيش كامل من السلحة ‪ ،‬من مسدسات وأسلحة رشاشة وقنابل يدوية‬
‫وصواريخ ‪ ،‬لحماية هذه الممتلكات من هجمات اللصوص ‪.‬‬
‫فلو أن مجموعة كبيرة من اللصوص ‪ ،‬ل تملك سوى السلح البيض ‪ ،‬فّكرت‬
‫بالسطو على مثل هذا المنزل ‪ ، ،‬فهل ستنجح ؟!‬
‫للجابة فّكر مليا بالحالت التالية ‪:‬‬
‫• إذا وقع السطو ‪ ،‬وشعر صاحب المنزل باللصوص ‪ ،‬وهم خارج‬
‫السوار ‪ ،‬سيكون بمقدوره التصال برجال المن ‪ ،‬ومشاغلتهم بما لديه من‬
‫السلحة متنوعة وفتاكة ‪ ،‬حتى يتمكن من الحصول على المساعدة ‪ ،‬هذا إن‬
‫لم يكن قد فرق شملهم ‪ ،‬وأبادهم عن بكرة أبيهم ‪ ،‬قبل وصول المساعدة ‪،‬‬
‫وستكون إمكانية صدهم في هذه الحالة كبيرة جدا ‪.‬‬
‫• إذا وقع السطو ‪ ،‬ولم يشعر صاحب المنزل باللصوص ‪ ،‬إل بعد دخولهم‬
‫إلى المنزل والنتشار في أرجاءه ‪ ،‬فهو خاسر ل محالة ‪ ،‬ولكن أمامه عدة‬
‫خيارات ‪ ،‬أول ‪ :‬التصال بالمساعدة التي لن تصل في الوقت المناسب ‪،‬‬
‫وسيكون ضررها أكثر من نفعها ‪ ،‬في حال أحس اللصوص بذلك ‪ ،‬فقد‬
‫‪392‬‬
‫ُيصبح قتله أمرا محتما ‪ ،‬وكذلك الحال فيما لو حوصر اللصوص ‪ ،‬من قبل‬
‫رجال المن ‪ ،‬داخل المنزل الُمتخم بالسلحة ‪ ،‬ثانيا ‪ :‬المواجهة المسلحة ‪،‬‬
‫فيما لو لم يتمكن من التصال ‪ ،‬والنتيجة مع كثرتهم ‪ ،‬محسومة لصالحهم ‪،‬‬
‫بقتله ونهب محتويات المنزل ‪ ،‬وثالثا ‪ :‬الفرار أو الختفاء ‪ ،‬والتسليم بالمر‬
‫الواقع ‪ ،‬لتنهب محتويات المنزل ‪.‬‬
‫• إذا وقع السطو ‪ ،‬ولم يشعر صاحب المنزل باللصوص ‪ ،‬إل وسكين‬
‫أحدهم تضغط على حنجرته ‪ ،‬منبهين إياه من النوم ‪ .‬هنا ستكون النتيجة‬
‫محسومة ‪ ،‬فنهب المنزل أصبح تحصيل حاصل ‪ ،‬وأما أمر نجاته من عدمها‬
‫‪ ،‬فمرهون بأيدي اللصوص ‪.‬‬
‫ولغزو إسرائيل ‪ ،‬يتطلب المر تجّنب الحالة الولى ‪ ،‬وهي ما جرت عليه‬
‫العادة ‪ ،‬في كافة الحروب العربية السرائيلية ‪ ،‬والعمل على ما أمكن على‬
‫تحقيق الحالة الثالثة ‪ ،‬أو الحالة الثانية على القل ‪ ،‬بهجوم كبير وشامل‬
‫ق والمحافظة على‬ ‫ومباغت وسريع ‪ ،‬تكفله وحدة القيادة من خلل العمل المنس ّ‬
‫السرية التامة ‪ ،‬مما يحرم إسرائيل من الستعداد ‪ ،‬ويلغي جميع قدراتها‬
‫الدفاعية والهجومية ‪ ،‬ويحرمها حتى من القدرة على طلب المساعدة كذلك ‪.‬‬
‫ولنخلص إلى القول بأن نجاح هذه المهمة ‪ ،‬يتطّلب عدة عوامل ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬إعداد جيش كبير العدد ‪ ،‬يفوق تعداد الجيش السرائيلي أضعافا مضاعفة‬
‫‪ ،‬يتم تدريبه على كافة الساليب القتالية الحديثة ‪ ،‬ويكون لفراده القدرة على‬
‫تحمل الجهد والجوع والعطش ‪ ،‬والقدرة على البقاء والستمرارية في أقسى‬
‫الظروف ‪ ،‬تملؤهم رغبة جامحة بالنتقام ‪ ،‬وُيسّيرهم حقد جارف ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬المحافظة على السرية التامة ‪ ،‬منذ لحظة النطلق حتى الوصول ‪،‬‬
‫لتوفير عنصر المباغتة ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬سرعة الوصول ‪ ،‬باستخدام كافة الوسائل والتقنيات العصرية المتاحة ‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬شمولية الهجوم ‪ ،‬من خلل تعدد الجبهات ‪.‬‬
‫خامسا ‪ :‬سرعة النتشار ‪.‬‬
‫ش ولو نظرنا إلى واقع إسرائيل ‪ ،‬ستجد أنها أشبه بالطفل الخداج ‪ ،‬الذي يعيش‬
‫في بيئة مصطنعة ‪ ،‬ويحتاج فيها إلى من ٌيقّدم له الحماية والرعاية والعناية‬
‫المستمرة والحثيثة ‪ ،‬والمداد بالغذاء والهواء في الظروف الطبيعية ‪ ،‬وإلى‬
‫‪393‬‬
‫العلج المكثف في الزمات الصحية بسبب نقص المناعة ‪ ،‬وعدم القدرة على‬
‫المقاومة ‪.‬‬
‫ومشكلة إسرائيل ‪ ،‬أن حاضنتها تقع في بيئة معادية ‪ ،‬وهي عرضة لن ُيفتك‬
‫بها ‪ ،‬في أي لحظة ‪ ،‬وأن أمريكا القائمة على رعايتها والعناية بها ‪ ،‬تبعد عنها‬
‫آلف الميال ‪ .‬وتحتاج إلى وقت ليس بالقصير ‪ ،‬لتقديم العون لها ‪ ،‬كلما ألّم بها‬
‫عارض مفاجئ ‪ ،‬وغالبا ما كانت أمريكا تلجأ إلى الحيلة والمماطلة ‪ ،‬في كل‬
‫مّرة لكسب الوقت ‪ ،‬كي تؤمن لها العلج المناسب ‪ ،‬وتنقذها من الهلك ‪.‬‬
‫وللتخلص من هذا المسخ ‪ ،‬يتطلب المر ‪ ،‬المباغتة بالهجوم وسرعة النجاز‬
‫وعدم التأخير ‪ ،‬أثناء عملية القتل ‪ ،‬والستمرارية حتى مفارقة الروح الجسد ‪،‬‬
‫لحرمان القائمة على الرعاية ‪ ،‬من كسب الوقت ‪ ،‬الذي تحتاجه لتعطيل عملية‬
‫قتل المسخ ‪ ،‬ومن ثم لتقوم بإنعاشه ‪ ،‬كما جرت العادة في كافة الحروب العربية‬
‫السرائيلية ‪ .‬ولنخلص إلى القول بأن نجاح هذه المهمة ‪ ،‬يعتمد على ثلثة‬
‫عوامل ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬المباغتة بالهجوم ‪.‬‬
‫وثانيا ‪ :‬سرعة النجاز ‪.‬‬
‫وثالثا ‪ :‬الستمرارية حتى مفارقة الروح الجسد ‪ ،‬إذ ليس بإمكان أمريكا أن‬
‫تحيي الموتى ‪ ،‬ولو فّكرت بذلك فلن تجد من ُيؤّيدها ‪.‬‬
‫صور من التاريخ السلمي ‪:‬‬
‫في السنة السادسة للهجرة ‪ ،‬كان الرسول عليه الصلة السلم ‪ ،‬وألف‬
‫وأربعمائة رجل من المسلمين ‪ ،‬قد أحرموا بالعمرة متوجهين إلى مكة ‪ ،‬فعلم‬
‫مشركي قريش بذلك ‪ ،‬فخرجوا بخيلهم ‪ ،‬لصّدهم عن دخول المسجد الحرام ‪.‬‬
‫فسلك عليه الصلة والسلم طريقا ‪ ،‬غير التي كان عليها ‪ ،‬حتى وصل إلى‬
‫الحديبية ‪ ،‬بركت الناقة على غير عادتها ‪ ،‬فعلم عليه الصلة والسلم ‪ ،‬أنها لن‬
‫تعدو مكانها ‪ ،‬وبأن العمرة لم ُتكتب لهم ذلك العام ‪ ،‬فأقام ومن معه فيها ‪ .‬فكان‬
‫فيها الصلح الذي كان من بنوده ‪ ،‬حرمان المسلمين من أداء العمرة في ذلك‬
‫ق ذلك على المسلمين ‪،‬‬ ‫شّ‬‫العام ‪ ،‬على أن يعودوا لدائها في العام المقبل ‪ ،‬ف ُ‬
‫ومنهم عمر بن الخطاب رضي ال عنه ‪ ،‬الذي أراد قتالهم والدخول قسرا ‪ ،‬ولم‬
‫سْورة غضبه ‪ ،‬إل بعض أن ُأنزلت آيات سورة الفتح ‪ُ ،‬مبّينة الحكمة‬ ‫تهدأ َ‬
‫‪394‬‬
‫اللهية ‪ ،‬التي غفل عنها بعض من أّيد قتال أهل مكة ‪ ،‬من الصحابة رضوان‬
‫ال عليهم ‪.‬‬
‫ن َبْعِد‬‫ن َمّكَة ‪ِ ،‬م ْ‬ ‫طِ‬ ‫عْنُهْم ِبَب ْ‬
‫عْنُكْم ‪َ ،‬وَأْيِدَيُكْم َ‬‫ف َأْيِدَيُهْم َ‬‫قال تعالى ) َوُهَو اّلِذي َك ّ‬
‫ن َكَفُروا ‪،‬‬ ‫صيًرا )‪ُ (24‬هُم اّلِذي َ‬ ‫ن َب ِ‬ ‫ل ِبَما َتْعَمُلو َ‬
‫ن ا ُّ‬ ‫عَلْيِهْم ‪َ ،‬وَكا َ‬‫ظَفَرُكْم َ‬
‫ن َأ ْ‬
‫َأ ْ‬
‫جاٌل‬ ‫حّلُه ‪َ ،‬وَلْوَل ِر َ‬ ‫ن َيْبُلَغ َم ِ‬
‫ي َمْعُكوًفا َأ ْ‬ ‫حَراِم ‪َ ،‬واْلَهْد َ‬ ‫جِد اْل َ‬‫سِ‬
‫ن اْلَم ْ‬‫عِ‬ ‫صّدوُكْم َ‬ ‫َو َ‬
‫صيَبُكْم ِمْنُهْم َمَعّرٌة‬‫ن َتطَُئوُهْم ‪َ ،‬فُت ِ‬ ‫ت ‪َ ،‬لْم َتْعَلُموُهْم ‪َ ،‬أ ْ‬ ‫ساٌء ُمْؤِمَنا ٌ‬ ‫ن َوِن َ‬‫ُمْؤِمُنو َ‬
‫ن َكَفُروا‬ ‫شاُء ‪َ ،‬لوْ َتَزّيُلوا ‪َ ،‬لَعّذْبَنا اّلِذي َ‬ ‫ن َي َ‬
‫حَمِتِه َم ْ‬ ‫ل ِفي َر ْ‬ ‫خَل ا ُّ‬
‫عْلٍم ‪ِ ،‬لُيْد ِ‬
‫ِبَغْيِر ِ‬
‫عَذاًبا َأِليًما )‪ 25‬الفتح ( ‪ ،‬فبالرغم من توافر الرغبة اللهية في تعذيب‬ ‫ِمْنُهْم َ‬
‫الكفار ‪ ،‬وتوافر التأييد اللهي للمسلمين في مواجهاتهم للمشركين ‪ ،‬وأسر‬
‫المسلمين لمن خرج لصّدهم عن المسجد من مشركي قريش ‪ُ ،‬منع المسلمين من‬
‫الدخول لمكة قسرا ‪ ،‬لئل ُيلحقوا الذى بالمؤمنين ‪ ،‬غير المعلومين من أهل مكة‬
‫سمح للمسلمين بقتال المشركين ‪،‬‬ ‫‪ ،‬وأنه لو كان هؤلء ظاهرين ومعلومين ‪ ،‬ل ُ‬
‫ودخول مكة قسرا ‪.‬‬
‫قلنا في فصل سابق أن صفة دخول المسجد القصى ‪ ،‬في المرة الثانية مشابهة‬
‫لصفة دخوله في المرة الولى ‪ ،‬والدخول الول كما علمنا ‪ ،‬كان من قبل‬
‫البابليين ‪ .‬ولكن ما نود أن نؤكد عليه هنا ‪ ،‬أن ظروف الدخول الول مختلفة ‪،‬‬
‫عن ظروف الدخول الثاني ‪ ،‬فالدخول الول ‪ ،‬وقع على كفرة اليهود وفسقتهم ‪،‬‬
‫بعد أن قاموا بإخراج المؤمنين المستضعفين من ديارهم ‪ ،‬وإبعادهم إلى خارج‬
‫حدود المملكة ‪ .‬وما نراه أمامنا على أرض الواقع في فلسطين ككل ‪ ،‬هو تداخل‬
‫المدن الفلسطينية بالمدن اليهودية والمستوطنات ‪ ،‬واختلط السكان من عرب‬
‫ويهود ‪ ،‬في بعض المدن وخاصة في مدينة القدس ‪ .‬وهذا الواقع مشابه إلى حد‬
‫ما ‪ ،‬ظروف مكة قبل الفتح ‪ ،‬حيث اختلط المؤمنين سّرا بالكفار ‪ .‬وهذا مما‬
‫ينفي ‪ ،‬وال أعلم ‪ ،‬استخدام القوة بشكل مفرط ‪ ،‬أثناء الدخول العراقي‬
‫لفلسطين ‪ ،‬ومما ينفي وقوع مواجهة شاملة ‪ ،‬في حرب معلنة ومكشوفة ‪،‬‬
‫ولنتعرف على الفكر العسكري ‪ ،‬لرسول ال عليه الصلة والسلم ‪ ،‬في كيفية‬
‫التعامل مع هذا الواقع ‪ ،‬وكيفية التدبير اللهي في تنفيذ وعده ‪ ،‬سنعرض بعض‬
‫الملمح من فتح مكة ‪.‬‬
‫لما كان صلح الحديبية ‪ ،‬دخل بنو بكر في عقد قريش ‪ ،‬ودخلت خزاعة في عقد‬
‫رسول ال عليه الصلة والسلم ‪ ،‬وكانت الهدنة ‪ .‬فاغتنمها جماعة من بني بكر‬
‫‪395‬‬
‫‪ ،‬في السنة الثامنة للهجرة ‪ ،‬فأصابوا من خزاعة ثأرا قديما لهم ‪ ،‬وكانت قريش‬
‫قد رفدت بني بكر بالسلح والرجال ‪ .‬فخرج نفر من خزاعة ‪ ،‬حتى قدموا على‬
‫رسول ال عليه الصلة والسلم ‪ ،‬فأخبروه بما أصيب منهم ‪ ،‬ومظاهرة قريش‬
‫لبني بكر عليهم ‪ ،‬فوعدوا بالنصر ‪ ،‬ثم انصرفوا راجعين ‪ .‬فخرج أبو سفيان‬
‫حتى قدم المدينة ‪ ،‬ليطلب الشفاعة ‪ ،‬ويشّد في العقد ‪ ،‬ويزيد في المدة ‪ ،‬فرجع‬
‫خائبا ‪.‬‬
‫في تلك الثناء ‪ُ ،‬أمر المسلمون بالجهاد ‪ ،‬وُأخفيت جهة الخروج عن الناس في‬
‫بادئ المر ‪ ،‬كما ُأخفي موعد الخروج ‪ ،‬ثم إن رسول ال أخبر الناس ‪ ،‬قبيل‬
‫خروجه بفترة قصيرة ‪ ،‬أنه سائر إلى مكة ‪ ،‬وأمرهم بالجّد والتهيؤ ‪ ،‬وقال ‪" :‬‬
‫خذ العيون والخبار عن قريش ‪ ،‬حتى نبغتها في بلدها " ‪ .‬وكلنا يعلم‬ ‫اللهم ُ‬
‫قصة حاطب بن أبي بلتعه ‪ ،‬عندما حاول إعلم قريش بما كان من أمر‬
‫المسلمين ‪ ،‬فكشف ال أمره عن طريق الوحي ‪ .‬وشاء ال ‪ ،‬فُعّميت الخبار عن‬
‫قريش ‪ ،‬ونزل جيش الفتح بالقرب من مكة ‪.‬‬
‫كان العباس عم الرسول عليه الصلة والسلم ‪ ،‬قد أعلن إسلمه عند مقدم جيش‬
‫المسلمين لغزو مكة ‪ ،‬ومما قاله حين نزل رسول ال مّر الظهران ‪ " :‬واصباح‬
‫قريش ‪ ،‬وال لئن دخل رسول ال مكة عنوة ‪ ،‬قبل أن يأتوه فيستأمنوه ‪ ،‬إنه‬
‫لهلك قريش إلى آخر الدهر " ‪ .‬فخرج العباس رضي ال عنه ‪ ،‬ليبحث عن‬
‫رجل من قريش ‪ ،‬ليطلب لها المان ‪ ،‬من رسول ال عليه الصلة والسلم ‪،‬‬
‫خوفا من أن ُيهلكها جيش المسلمين ‪ ،‬القادم للنتقام منها لنقض العهد ‪ ،‬فوجد‬
‫صاحبه أبي سفيان ‪ ،‬فاستجلبه ليطلب المان ‪ .‬ولول ما ُأعطي أبو سفيان ‪ ،‬من‬
‫المان لهل مكة ‪ ،‬وإطلق سراحه صباحا ‪ ،‬لُيخبرهم قبل دخول جيش‬
‫المسلمين ‪ ،‬لهلكت قريش ‪.‬‬
‫كانت قريش – بعد أن نقضت العهد – تتوقع خروج الرسول عليه الصلة‬
‫ن معرفتها لوقت خروجه على وجه الدقة ‪ ،‬لم تكن‬ ‫والسلم عليها ‪ ،‬ولك ّ‬
‫صلة ‪ ،‬لذلك لم تقم بالستعداد للمواجهة ‪ ،‬وكانت تعتمد على خبر يأتيها من‬ ‫متح ّ‬
‫عمليات التجسس ‪ ،‬التي دأبت على القيام بها ‪ ،‬منذ نقضها للعهد ‪ ،‬للبدء في‬
‫الستعداد ‪ .‬ولكن ذلك الخبر لم يأت ‪ ،‬بمشيئة ال ‪ ،‬حتى كان صباح يوم الفتح ‪،‬‬
‫على لسان أبي سفيان ‪ ،‬الذي كان قد أسلم ‪ ،‬داعيا أهل مكة إلى الستسلم ‪ ،‬ل‬
‫داعيا إياهم إلى النفير ‪.‬‬
‫‪396‬‬
‫مقومات وظروف فتح مكة ‪:‬‬
‫كان ُمحّرك الخروج على قريش ‪ ،‬هو الرغبة في النتقام منها لنقضها العهد ‪،‬‬
‫والثأر لبني خزاعة ‪ ،‬بالضافة لدوافع أخرى ‪ ،‬أما رسول ال عليه السلم ‪،‬‬
‫فكان أرحم بأهل قريش من أنفسهم ‪.‬‬
‫‪ .1‬توافر الوعد اللهي لرسوله وللمؤمنين بالفتح ‪.‬‬
‫‪ .2‬إحاطة عملية الخروج بالسرية التامة ‪ ،‬لتوفير عنصر المباغتة ‪ ،‬مما حرم‬
‫قريش من الستعداد للمواجهة ‪ ،‬سواء بإعداد العدد والعدة ‪ ،‬أو بالستعانة‬
‫بما حولها من القبائل ‪ ،‬ممن كانوا على عداء مع المسلمين ‪ .‬مع العلم بأن‬
‫المسافة ما بين المدينة ومكة ‪ ،‬تزيد على ‪ 400‬كم ‪ ،‬وأن وسائل النتقال‬
‫كانت بدائية وبطيئة جدا ‪ ،‬ومع ذلك تمّكن المسلمون ‪ ،‬من الوصول ومباغتة‬
‫أهل مكة ‪ ،‬من خلل الخذ بالسباب ‪ ،‬ومن ثم العتماد على التأييد اللهي ‪.‬‬
‫‪ .3‬تأمين الكثرة ‪ ،‬لدب الرعب في قلوب المشركين ‪ ،‬وإجبارهم على‬
‫الستسلم لنعدام القدرة على المواجهة ‪ ،‬ولسحق أي مقاومة محتملة ‪ ،‬مهما‬
‫كان حجمها ‪ ،‬حيث بلغ تعداد الجيش قرابة عشرة آلف رجل ‪ ،‬وهو نفس‬
‫العدد الذي استطاعت قريش ‪ ،‬وحلفائها من القبائل ‪ ،‬جمعه في غزوة الخندق‬
‫حرمت قريش من فعله عند فتح مكة ‪.‬‬ ‫‪ ،‬وهو ما ُ‬
‫‪ .4‬علم المسلمين التام ‪ ،‬بجغرافية مكة ومحيطها ‪ ،‬مما أفاد المسلمين قبل‬
‫وأثناء الدخول ‪.‬‬
‫‪ .5‬والهم من كل ما تقّدم ‪ ،‬هو التأييد والتمكين والتدبير اللهي ‪ ،‬من البداية‬
‫إلى النهاية ‪ ،‬لنجاز ذلك الوعد ‪.‬‬
‫ش والن لو طرحنا التساؤل التالي ‪ ،‬أليس من الممكن أن تتوفر ذات المقومات‬
‫للعراقيين ‪ ،‬لُينجز ال وعده لبني إسرائيل ؟!‬
‫‪ .1‬توافر نفس الُمحّرك للخروج ‪ ،‬وتوافر دوافع ومبررات أخرى طرحناها‬
‫أعله ‪.‬‬
‫‪ .2‬توافر الوعد اللهي بعقاب بني إسرائيل على أيدي العراقيين ‪ ،‬حتى لو لم‬
‫ُيذكروا بالسم في النص القرآني ‪.‬‬

‫‪397‬‬
‫‪ .3‬توافر وحدة القيادة ‪ ،‬وقدرتها في هذه الحالة ‪ ،‬على إخفاء أمر الخروج ‪،‬‬
‫من حيث توقيته وكيفّيته ‪ ،‬مما يضمن عنصر المباغتة ‪.‬‬
‫‪ .4‬القرب المكاني ‪ ،‬وتوافر آليات النقل الحديثة ‪ ،‬مما يضمن سرعة الوصول‬
‫‪.‬‬
‫‪ .5‬توافر الكثرة والستعداد والتدريب المكثف ‪ ،‬فهذا هو ما ُيشاهده القاصي‬
‫والداني ‪ ،‬على شاشة التلفزيون العراقي مؤخرا ‪ .‬ول يأخذ هذا المر على‬
‫محمل الجّد ‪ ،‬إل يهود أمريكا وإسرائيل من المؤمنين بالنبوءات التوراتية ‪،‬‬
‫لدرجة أن ) شارون ( سافر مؤخرا لمريكا فقط ‪ ،‬لبحث أمر جيش القصى‬
‫الذي ُيعّده الرئيس العراقي ‪ ،‬حيث وعَده المريكان بالتكفل بأمره ‪ ،‬وطلبوا‬
‫منه الهتمام بالشأن الداخلي ‪ ،‬والعمل على تهدئة المور ظاهريا ‪ .‬ومربط‬
‫الفرس ‪ ،‬أن العالم ل ُيعير أدنى اهتمام للستعدادات العراقية الجارية حاليا‬
‫على قدم وساق ‪ ،‬وحتى أمريكا نفسها على ما يبدو تقلل من شأن هذا‬
‫الجيش ‪ ،‬ول تتوقع أن يقوم العراق بغزو إسرائيل برا ‪.‬‬
‫‪ .6‬توافر التجربة والخبرة الميدانية للقيادات العسكرية العراقية ‪ ،‬بمشاركتها‬
‫في كافة الحروب العربية السرائيلية ‪ ،‬والحرب اليرانية ‪ ،‬ودخولها‬
‫المفاجئ للكويت ‪.‬‬
‫‪ .7‬توافر التأييد والتمكين اللهي ‪ ،‬بتذليل السبل أمام العراقيين ‪ ،‬والتي من‬
‫شأنها تحقيق هذا الوعد ‪ ،‬بالكيفية التي جاءت بها النصوص القرآنية ‪.‬‬
‫صفة جيش البعث في التوراة ‪:‬‬
‫ش سفر يوئيل ‪ :1 :1 " :‬هذا ما أوحى به الرب إلى يوئيل بن فثوئيل ‪ :‬اسمعوا‬
‫هذا أّيها الشيوخ ‪ ،‬وأصغوا يا جميع أهل الرض ‪… ،‬‬
‫‪ :15 :1‬يا له من يوم رهيب ‪ ،‬لن يوم الرب قريب ‪ ،‬حامل معه الدمار من عند‬
‫القدير ‪ … ،‬اصحوا أيها السكارى ‪ ،‬وابكوا يا جميع مدمني الخمر … فإن أمًة‬
‫قوية قد زحفت على أرضي ‪ُ ،‬أمة قوية ل ُتحصى لكثرتها ‪ ،‬لها أسنان ليث‬
‫وأنياب لبؤة ‪… ،‬‬
‫‪ :2 :2‬هو يوم ظلمة وتجّهم ‪ ،‬يوم غيوم ُمكفهّرة وقتام دامس ‪ ،‬فيه تزحف أمة‬
‫قوية وعظيمة ‪ ،‬كما يزحف الظلم على الجبال ‪ ،‬أّمة لم يكن لها شبيه في سالف‬
‫الزمان ‪ ،‬تلتهم النار ما أمامها ‪ ،‬وُيحرق اللهيب ما خلفها ‪ ،‬الرض أمامها جنة‬
‫‪398‬‬
‫عدن ‪ ،‬وخلفها صحراء موحشة ‪ ،‬يثبون على رؤوس الجبال ‪ ،‬في جلبة كجلبة‬
‫ف للقتال ‪.‬‬
‫ش ‪ ،‬وكجيش عات ُمصط ّ‬ ‫المركبات ‪ ،‬كفرقعة لهيب نار يلتهم الق ّ‬
‫تنتاب الرعدة منهم كل الشعوب ‪ ،‬وتشحب كل الوجوه ‪ ،‬يندفعون كالجبابرة‬
‫ضون‬ ‫وكرجال الحرب ‪ ، … ،‬ينسّلون بين السلحة من غير أن يتوقفوا ‪ ،‬ينق ّ‬
‫على المدينة ‪ ،‬ويتواثبون فوق السوار ‪ ،‬يتسّلقون البيوت ‪ ،‬ويتسّللون من‬
‫الكوى كاللصوص ‪ ،‬ترتعد الرض أمامهم وترجف السماء ‪ ، … ،‬يجهر الرب‬
‫جنده ل ُيحصى لهم عدد ‪ ،‬ومن ُينّفذ أمره يكون‬ ‫بصوته في ُمقّدمة جيشه ‪ ،‬لن ُ‬
‫ُمقتدرا ‪ ،‬لن يوم الرب عظيم ومخيف ‪ ،‬فمن يحتمله ؟! " ‪.‬‬
‫ش سفر حبقوق ‪ :3 :1 " :‬أينما تلّفت أشهد أمامي جورا واغتصابا ‪ ،‬ويثور‬
‫حولي خصام ونزاع ‪ ،‬لذلك بطلت الشريعة ) تعطّلت ( وباد العدل ‪ ،‬لن‬
‫ق‪.‬‬
‫الشرار ُيحاصرون الصّديق ‪ ،‬فيصدر الحكم ُمنحرفا عن الح ّ‬
‫جبوا وتحّيروا ‪ ،‬لني ُمقبل على إنجاز‬ ‫" ‪ :5 :1‬تأّملوا المم وأبصروا ‪ ،‬تع ّ‬
‫أعمال ‪ ،‬في عهدكم ‪ ،‬إذا ُأخبرتم بها ل تصّدقونها ‪ .‬فها أنا ُأثير الكلدانيين ‪ ،‬هذه‬
‫المة الحانقة الُمندفعة ‪ ،‬الزاحفة في رحاب الرض ‪ ،‬لتستولي على مساكن‬
‫حكمها وعظمتها من ذاتها ‪ .‬خيولها‬ ‫ليست لها ‪ ،‬أّمة ُمخيفة ُمرعبة ‪ ،‬تستمّد ُ‬
‫أسرع من النمور ‪ ،‬وأكثر ضراوة من ذئاب المساء ‪ ،‬فرسانها يندفعون‬
‫بكبرياء ‪ ،‬قادمين من أماكن بعيدة ‪ُ ،‬متسابقين كالنسر الُمسرع ‪ ،‬للنقضاض‬
‫على فريسته ‪ُ ،‬يقبلون جميعهم ليعيثوا فسادا ‪ ،‬ويطغى الرعب منهم على قلوب‬
‫الناس قبل وصولهم ‪ ،‬فيجمعون أسرى كالرمل ‪ .‬يهزءون بالملوك ويعبثون‬
‫بالحكام ‪ ،‬ويسخرون من الحصون ‪ ،‬يجعلون حولها تلل من التراب ‪،‬‬
‫ويستولون عليها ‪ .‬ثم يجتاحون كالريح ويرحلون ‪ ،‬فقوة هؤلء الرجال هي‬
‫إلههم " ‪.‬‬
‫" ‪ 3 :2‬لن الرؤيا ل تتحّقق إل في ميعادها ‪ ،‬وتسرع إلى نهايتها ‪ ،‬إنها ل‬
‫تكذب ‪ ،‬وإن توانت فانتظرها ‪ ،‬لنها ل بّد أن تتحّقق ‪ ،‬ولن تتأخر طويل " ‪.‬‬
‫اليهودي وصفة الجبن الملزمة له عبر العصور ‪:‬‬
‫كلنا يعلم أن وجود إسرائيل وبقائها ‪ ،‬ل يعتمد في الدرجة الولى على مقّوماتها‬
‫الذاتية ‪ ،‬مهما بلغت قوتها العسكرية من عدة وعتاد ‪ ،‬فحصنهم المنيع هو‬
‫أمريكا بقوتها وعظمتها ‪ ،‬والحصن الخر هو الطوق المني من معاهدات‬
‫‪399‬‬
‫السلم والحلف العسكرية ‪ ،‬التي سعوا جاهدين للتوقيع عليها مع دول الجوار‬
‫‪ .‬وهذين الحصنين هما ما يتكل عليه اليهود ‪ ،‬كضمانة لستمرار وجودهم ‪،‬‬
‫وشعورهم نسبيا بالمان ‪ ،‬الذي ُيمّكنهم من البدء ‪ ،‬في تنفيذ مشاريعهم التوراتية‬
‫على أرض فلسطين ‪.‬‬
‫أما اليهود في الحقيقة ‪ ،‬فليس لديهم عقيدة أو مبدأ ‪ ،‬ليبذلوا أرواحهم في سبيل‬
‫الدفاع عنها ‪ ،‬كما هي الحال عند غيرهم من شعوب الرض ‪ .‬لذلك تجدهم أشدّ‬
‫الناس حرصا على الحياة ‪ ،‬فل ُيقاتلون إل مجبرين ‪ ،‬وفي قرى محصنة أو من‬
‫وراء جدر ‪ ،‬فعادة الخروج للقتال ليست من شأنهم ‪ ،‬أما الخروج للقتل وسفك‬
‫دماء غير المقاتلين ‪ ،‬فهذا أكثر ما يستطيعون القيام به ‪ ،‬وعلى تخّوف من‬
‫إصابتهم ‪ ،‬من قبل خصمهم العزل ‪ ،‬وهذا ما نشاهده على أرض الواقع هذه‬
‫اليام ‪.‬‬
‫أما في حال المواجهة المعلنة المكشوفة ‪ ،‬فأول ما ُيفّكر به الجندي السرائيلي‬
‫صن خلفه ‪ ،‬هذا إن تجرأ على القتال‬ ‫جج بالسلح ‪ ،‬هو البحث عن ملجأ يتح ّ‬ ‫المد ّ‬
‫‪ .‬وإن لم يجرؤ ‪ ،‬فأول ما ُيفّكر به ‪ ،‬هو أن يولي الدبار مطلقا لساقيه العنان ‪،‬‬
‫هاربا إلى حيث ل يدري ‪ .‬فكيف إذا لم يكن هناك مواجهة ‪ ،‬بل غزو مفاجئ ‪،‬‬
‫أتخّيل هذا الجندي وفور سماعه ‪ ،‬بأمر خروج أحفاد نبوخذ نصر ‪ ،‬من بابل‬
‫وقبل اجتيازهم للحدود العراقية ‪ ،‬باتجاه إسرائيل ‪ ،‬وقد تسّمر في مكانه ‪،‬‬
‫وتجّمد الدم في عروقه ‪ ،‬وشّلت أطرافه ‪ ،‬فلم يقو على حمل سلحه ‪ .‬وخلصة‬
‫القول أن دولتهم محكوم عليها بالفناء ‪ ،‬منذ لحظة قيامها ‪ ،‬وهم يعلمون ذلك علم‬
‫اليقين ‪ ،‬وأن الجندي السرائيلي ‪ ،‬مهزوم بالرعب من قبل أن تبدأ المعركة ‪.‬‬
‫الكيفية المتوقعة لهذا الدخول ‪:‬‬
‫على ما يبدو ‪ ،‬وبعد هذه القراءة المطّولة ‪ ،‬أنه لن تكون هناك معركة معلنة‬
‫ومكشوفة وطويلة المد ‪ ،‬تستخدم فيها الليات الحربية ‪ ،‬من مدافع ودبابات‬
‫وصواريخ وطائرات ‪ .‬وإنما غزو سريع ومباغت ‪ ،‬لجيش عرمرم ‪ ،‬بعدد هائل‬
‫من الجند ‪ُ ،‬مدّربين على سرعة النتقال والنتشار ‪ ،‬ومزودين بأسلحة خفيفة ‪،‬‬
‫هم أشبه – كما تصورهم التوراة – باللصوص في خفة حركتهم وانسيابهم‬
‫وتسّللهم ‪ ،‬وبالنسور بسرعة انقضاضها ‪ ،‬وبالسود في قوتها وجبروتها‬
‫وبطشها ‪ .‬وقد ل يخلو المر ‪ ،‬من مواجهات ولكنها ستكون محدودة وقصيرة ‪،‬‬

‫‪400‬‬
‫ربما ل تتعدى كسر الباب ‪ ،‬بمعنى أن العقبة الوحيدة التي ربما تواجه‬
‫المهاجمين ‪ ،‬ل تعدو عن كونها ‪ ،‬مقاومة بسيطة على الحدود ‪.‬‬
‫وكون هذا الهجوم مباغتا ‪ُ ،‬يفهم من تحذير النجيل لليهود ‪ ،‬بأن من سمع‬
‫بمحاصرة أورشليم بالجيوش ‪ ،‬إذا كان في الحقل ‪ ،‬فل يرجع إلى المدينة ‪ ،‬وإذا‬
‫كان على سقف المنزل ‪ ،‬فل ينزل إلى أسفل ‪ ،‬ليجلب متاعا أو ما شابه ‪ ،‬أي أن‬
‫هناك من سيسمع بهذا الغزو بعد خروجه إلى الحقل ‪ ،‬وأن هناك من سيسمع‬
‫بالغزو ‪ ،‬بعد صعوده إلى سطح منزله ‪ ،‬والخروج من المدينة إلى الحقل‬
‫والعودة ‪ ،‬ربما ل يتجاوز سويعات معدودة ‪ ،‬وأما الصعود إلى سطح المنزل‬
‫والنزول عنه ‪ ،‬فربما ل يتجاوز دقائق معدودة ‪ .‬فالفارق الزمني قصير جدا ‪،‬‬
‫ما بين الحالتين ‪ ،‬فالذي خرج إلى الحقل ‪ ،‬لم يكن يعلم بالغزو قبل خروجه ‪،‬‬
‫والذي صعد إلى سطح المنزل ‪ ،‬لم يكن قد سمع بالغزو قبل صعوده ‪.‬‬
‫ومن المحتمل أن يكون هذا الغزو ليل ‪ ،‬ومن المحتمل أن يبدأ الهجوم ليل‬
‫الجمعة ‪ ،‬لينتهي يوم السبت قبل الظهيرة ‪ ،‬استغلل لنقطاع أغلب اليهود عن‬
‫العمل ‪ ،‬بحجة التزامهم بشريعة حرمة السبت ‪ ،‬التي ما ألزم ال بها ‪ ،‬إل‬
‫أصحاب تلك القرية ‪ ،‬وال أعلم ‪ .‬وسينجم عن هذا الغزو ‪ ،‬تفريغ كامل لليهود‬
‫من فلسطين ‪ ،‬سواء بالقتل أو الفرار ‪ ،‬وسيطرة كاملة ‪ ،‬على مساحة فلسطين‬
‫كلها ‪ ،‬وبالتالي فرض واقع جديد ‪ُ ،‬يعيد المور إلى نقطة الصفر ‪ ،‬أي ما قبل‬
‫قيام إسرائيل بخمسين عاما ‪ ،‬أيام خلو فلسطين من اليهود ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ردود الفعل العالمية المتوقعة ‪:‬‬
‫هذا الحدث ‪ ،‬السريع والمباغت ‪ ،‬المرعب والعجيب ‪ ،‬عندما يقع ‪ ،‬سُيصاب‬
‫العالم بأسره بالذهول والشلل ‪ ،‬ربما لشهر أو لعدة أشهر ‪ ،‬وأول ما ُيجابه به‬
‫سماع خبره ‪ ،‬هو عدم التصديق ‪ ،‬وسيحتاج الغرب اليهودي الحليف‬
‫لسرائيل ‪ ،‬إلى وقت طويل ليفيق من هول الصدمة ‪ ،‬وليجد الغرب نفسه‬
‫عاجزا ‪ ،‬عن القيام بأي رد فعل سريع ومؤثر للمساعدة ‪ ،‬فل إسرائيل ول يهود‬
‫‪ .‬أما من هم في الصف المناهض لسرائيل وأمريكا من الشرق ‪ ،‬فسيصابون‬
‫بنفس الشعور ‪ ،‬ولكن شعور ل يخلو من الشماتة باليهود إجمال ‪ ،‬وبأمريكا‬
‫بشكل خاص ‪ .‬أما اليهود إجمال ‪ ،‬ويهود أمريكا بشكل خاص ‪ ،‬فسيصابون‬
‫بخيبة أمل كبيرة ‪ ،‬وهم يرون أحلهم التوراتية ‪ ،‬تتحول إلى سراب ‪.‬‬

‫‪401‬‬
‫وبعد امتصاص الصدمة الولى ‪ ،‬ستبدأ المواقف العالمية من هذا الحدث في‬
‫التبلور ‪ ،‬لتجد أمريكا نفسها عندما تبدأ بالتحرك ‪ ،‬لعادة إحياء الدولة‬
‫اليهودية ‪ ،‬بدفع من سادتها اليهود المتربعين على عروشها ‪ ،‬أنها تغني منفردة‬
‫خارج السرب العالمي ‪ ،‬الذي أضحى مؤيدا ومعجبا بما قّدمه العراقيون ‪ ،‬من‬
‫حل سحري لتلك المشكلة المستعصية ‪ ،‬التي أّرقت جفون العالم طوال قرن من‬
‫الزمان ‪.‬‬
‫طلعة على أدق تفاصيل القضية‬ ‫فالعرب من وجهة النظر العالمية ‪ ،‬التي باتت م ّ‬
‫الفلسطينية ‪ ،‬قد استعادوا أرضهم وحقوقهم ‪ ،‬وإسرائيل بما قّدمته من أعمال‬
‫وحشية وهمجية ‪ ،‬خلل سنين عمرها ‪ ،‬ضد أرض فلسطين وشعبها ‪ ،‬وعدم‬
‫استجابتها لقرارات الجهة التي أوجدتها ‪ ،‬ل تستحق الوجود والبقاء ‪ .‬فالحق هو‬
‫عودة فلسطين إلى أهلها العرب ‪ ،‬والباطل هو وجود إسرائيل على أرض‬
‫العرب ‪ ،‬فإذا جاء الحق وزهق الباطل ‪ ،‬فليس هناك مشكلة بالنسبة لمجمل دول‬
‫العالم ‪ ،‬التي ل تقع تحت النتداب المريكي اليهودي المعاصر ‪ ،‬فالمشكلة‬
‫ُوجدت بإقامة إسرائيل ‪ ،‬في قلب الوطن العربي ‪ ،‬وزالت هذه المشكلة بزوالها ‪.‬‬
‫الوعد والموعد والواقع ‪:‬‬
‫وبالعودة إلى الوراء قليل ‪ ،‬نجد أن المسلمون استاءوا كثيرا ‪ ،‬عندما ُمنعوا من‬
‫أداء العمرة ‪ ،‬بصحبة رسول ال عليه الصلة السلم ‪ ،‬في السنة السادسة‬
‫للهجرة ‪ ،‬وما زاد في قهرهم هو ذلك الصلح ‪ ،‬الذي منع دماء المشركين منهم ‪،‬‬
‫وأبقى المسجد الحرام في أيديهم ‪ ،‬لمدة عشر سنوات قادمة ‪ ،‬فعّقب سبحانه‬
‫وتعالى على ذلك قائل ) َفَعِلَم َما َلْم َتْعَلُموا … ( ‪ ،‬والذي كان يعلمه رب العزة‬
‫مسبقا ‪ ،‬هو أنهم سيؤدون العمرة في العام التالي ‪ ،‬وأن هذا الصلح ‪ ،‬الذي‬
‫استاءوا من عقده مع مشركي قريش ‪ ،‬وأضفى عليهم شعورا باليأس‬
‫والحباط ‪ ،‬سيكون هو نفسه ‪ ،‬سببا ومبررا لفتح مكة ‪ ،‬عند نقضه من قبل‬
‫حا َقِريًبا‬
‫ك َفْت ً‬
‫ن َذِل َ‬
‫ن ُدو ِ‬
‫جَعَل ِم ْ‬
‫قريش بعد سنتين من إبرامه ‪ ،‬فعّقب بقوله ) … َف َ‬
‫)‪ 27‬الفتح ( ‪.‬‬
‫حتى أكثر المسلمين إيمانا ويقينا وتفاؤل ‪ ،‬لم يكن يتصور ‪ ،‬لحظة منعهم من‬
‫أداء العمرة وإبرام الصلح ‪ ،‬بأن فتح مكة سيكون بعد سنتين فقط ‪ ،‬من تاريخ‬
‫تلك اللحظة ‪ ،‬وبتلك الصورة الحتفالية والمشّرفة ‪ ،‬لتكون تأدية فريضتي الحج‬
‫والعمرة ‪ ،‬متاحة لهم في أي وقت شاءوا ‪.‬‬
‫‪402‬‬
‫وبالنظر لواقع المسلمين في غزوة الحزاب ‪ ،‬وهم قلة ‪ ،‬وقريش وقبائل‬
‫الجزيرة بمشركيها ويهودها ‪ ،‬يتربصون بهم ريب المنون ‪ ،‬من الداخل‬
‫والخارج ‪ ،‬هل كان ممن المكن أن يتصور أن هذه الحال ‪ ،‬ستنقلب رأسا على‬
‫عقب ‪ ،‬بعد ثلث سنوات ‪ ،‬فيغزو المسلمين مكة بعشرة آلف مقاتل ؟‬
‫وبالرغم من اختلف طبيعة الوعود اللهية ‪ ،‬من حيث الثواب والعقاب ‪ ،‬إل‬
‫أننا نتحّدث هنا عن الوعد بحد ذاته ‪ ،‬لنقول بأن الوعد اللهي ‪ ،‬ل يحّده زمان‬
‫ول مكان ول واقع ‪ ،‬ول ننسى بأن وعد الخرة ‪ ،‬هو وعد بعقاب اليهود في‬
‫المقام الول ‪ ،‬ولكن هناك أسباب ومسببات ل بد أن تأخذ مجراها ‪ ،‬قبل إتيان‬
‫أمر ال ‪.‬‬
‫قال تعالى‬
‫ب ‪َ ،‬وَلَيْأِتَيّنُهْم َبْغَتًة‬ ‫جاَءُهُم اْلَعَذا ُ‬ ‫سّمى ‪َ ،‬ل َ‬‫جٌل ُم َ‬ ‫ب ‪َ ،‬وَلْوَل َأ َ‬ ‫ك ِباْلَعَذا ِ‬
‫جُلوَن َ‬
‫) َوَيسَْتْع ِ‬
‫ن َكَفُروا ‪،‬‬ ‫ج اّلِذي َ‬ ‫خَر َ‬
‫ن )‪ 53‬العنكبوت ( ‪ ،‬وقال ) ُهَو اّلِذي َأ ْ‬ ‫شُعُرو َ‬ ‫‪َ ،‬وُهْم لَ َي ْ‬
‫جوا ‪َ ،‬وظَّنوا َأّنُهْم‬ ‫خُر ُ‬‫ن َي ْ‬‫ظَنْنُتْم َأ ْ‬
‫شِر ‪َ ،‬ما َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن ِدَياِرِهْم ‪َِ ،‬لّوِل اْل َ‬‫ب ِم ْ‬ ‫ن َأْهِل اْلِكَتا ِ‬
‫ِم ْ‬
‫ف ِفي‬ ‫سُبوا ‪َ ،‬وَقَذ َ‬ ‫حَت ِ‬‫ث َلْم َي ْ‬‫حْي ُ‬‫ن َ‬
‫ل ِم ْ‬‫ل ‪َ ،‬فَأَتاُهُم ا ُّ‬ ‫ن ا ِّ‬‫صوُنُهْم ِم َ‬ ‫ح ُ‬ ‫َماِنَعُتُهْم ُ‬
‫عَتِبُروا َيُأوِلي‬ ‫ن ‪َ ،‬فا ْ‬‫ن ُبُيوَتُهْم ِبَأْيِديِهْم َوَأْيِدي اْلُمْؤِمِني َ‬ ‫خِرُبو َ‬
‫ب ‪ُ ،‬ي ْ‬ ‫ع َ‬‫ُقُلوِبِهُم الّر ْ‬
‫صاِر )‪ 2‬الحشر (‬ ‫اَْلْب َ‬

‫‪403‬‬
‫وليتبروا ما علوا تتبيرا‬

‫قلنا في نهاية تفسيرنا لعبارة ) وليتبروا ما علوا تتبيرا ( ‪ :‬أن كل ما عل بنو‬


‫إسرائيل عليه أو به أو فيه ‪ ،‬سيصله الدمار ل محالة ‪ ،‬لعموم لفظ العلو ‪ ،‬حتى‬
‫علوهم في الغرب ‪ ،‬إذ أن الذي أبقى علوهم قائما ومستمرا في فلسطين ‪ ،‬هو‬
‫علوهم في الغرب ‪ .‬ولذلك يصبح دمار الدول الغربية أمر محتما ‪ ،‬ليزول علو‬
‫بني إسرائيل فيها أيضا بشكل نهائي ‪ ،‬وبذلك تنتفي تماما قدرتهم على العلو مرة‬
‫أخرى ‪ ،‬إذ أن هذا العلو ‪ ،‬هو علوهم الخير في الرض ‪.‬‬
‫ويؤكد سبحانه أن السبب ‪ ،‬في زوال هذا العلو ‪ ،‬هم اليهود أنفسهم ‪ ،‬حيث أن‬
‫ال ‪ ،‬كان قد اشترط عليهم الحسان لدامة هذا العلو ‪ ،‬وحذرهم من زواله إن‬
‫هم أساءوا ‪ ،‬وجاء هذا الشرط مباشرة ‪ ،‬قبل إخباره عن وعد الخرة في الية‬
‫السابعة ‪ ،‬فاليهود حكموا على أنفسهم بالهلك ‪ ،‬وعلى علوهم بالزوال ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬وذلك لنهم لم ُيحسنوا ‪ ،‬بل على العكس ‪ ،‬من ذلك أساءوا ‪ ،‬ولم يألوا‬
‫جهدا ‪ ،‬بالفساد في الرض ‪ ،‬ضاربين بالتحذير اللهي عرض الحائط ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬والنكى من ذلك أنهم ‪ ،‬بأنهم قاموا بتوجيه رسالة أخرى لرب العزة ‪،‬‬
‫ومؤداها يقول ‪ :‬بأننا سنفعل ما يحلو لنا ‪ ،‬وسنفسد في الرض ‪ ،‬وسنمنعك من‬
‫بعث عبادك الشداء ‪ ،‬الذين ُتهّددنا بهم ‪ ،‬لننا سُنبيدهم عن بكرة أبيهم ‪ ،‬قبل أن‬
‫ُتفكر في بعثهم ‪ ،‬مظهرين إصرارا عز نظيره في تحّديهم لرب العزة ‪ ،‬بأن‬
‫ينزل بهم ما وعدهم ‪ ،‬مّتكلين على من هم دونه ‪ ،‬لحمايتهم ووقايتهم من أمر ال‬
‫‪ ،‬منكرين ربوبية ال وألوهيته ‪ ،‬وقدرته على تصريف أمور الكون ‪ ،‬وكذلك‬
‫حقيقة البعث بعد الموت ‪ ،‬وهذه المور هي ما تتناوله سورة السراء ‪ ،‬على‬
‫امتدادها ‪ ،‬من وجوه متعددة ‪ ،‬وبذلك تكون عداوتهم للعراق ‪ ،‬وعدوانهم عليه ‪،‬‬
‫ورغبتهم في تدميره وإبادة أهله سببا ‪ ،‬في خروج أهل العراق عليهم ‪ ،‬انتقاما‬
‫ودفعا لما ُيحيق بهم من أخطار ‪ ،‬في حال استمر تواجد الدولة اليهودية على‬
‫أرض فلسطين ‪ ،‬ليخربوا بيوتهم بأيديهم وأيدي المسلمين ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬هي حرب ال عليهم ‪ ،‬ل حرب أحد ‪ ،‬ذلك بأنهم تحدوا ال ‪ ،‬وأعلنوا‬
‫حربهم عليه ‪ ،‬وعلى كل من يؤمن به ‪ ،‬ربا وإلها واحدا أوحدا ‪ ،‬خاب وخسر‬
‫الذين من دونه ‪ ،‬وأن رب العزة قِبل التحّدي ‪ ،‬وأعلن حربه عليهم ‪ ،‬وهذا ما‬

‫‪404‬‬
‫تستشعره من خلل مجمل آيات سورة السراء ‪ ،‬ولكن لم يتبّقى إل أن تحين‬
‫ساعة الصفر ‪ ،‬ليروا من ال ما لم يكونوا يحتسبون ‪.‬‬
‫وفي الصل كما أوضحنا سابقا ‪ ،‬أن علوهم غير المسبوق في الغرب ‪ ،‬هو‬
‫الذي أوجد علوهم في فلسطين لحقا ‪ ،‬وإذا كانت النتيجة ‪ ،‬أي علوهم في‬
‫فلسطين ‪ ،‬تستحق الزوال ‪ ،‬فالولى أن ُيزال المتسّبب فيها ‪ ،‬أي علوهم في‬
‫الغرب ‪ ،‬حتى تنتفي فرصة ظهور تلك النتيجة ) أي العلو اليهودي ( مرة‬
‫أخرى ‪ ،‬فكما أن زوال دولة إسرائيل أمر حتمي ‪ ،‬فزوال أمريكا أمر أكثر‬
‫حتمية ‪.‬‬
‫فاليهود لهم من حيث المكان إفسادين ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬في فلسطين ‪ ،‬إفساد بسفك الدماء ‪ ،‬وإخراج الناس من ديارها ‪،‬‬
‫والستيلء على ممتلكاتهم ‪ ،‬وإتلف الخضر واليابس ‪ ،‬ومنع مساجد ال أن‬
‫ُيذكر فيها اسمه ‪ ،‬والسعي في خرابها … إلى آخره ‪.‬‬
‫وثانيا ‪ :‬في أمريكا والدول الغربية ‪ ،‬إفساد بنشر العقائد المادية اللحادية ‪،‬‬
‫وإشاعة الرذيلة والنحلل الخلقي والخلقي ‪ ،‬في شتى مناحي الحياة ‪،‬‬
‫بالضافة إلى تفريق الناس وتصنيفهم واستضعاف طوائف منهم ‪ ،‬وسومهم‬
‫سوء العذاب ‪ ،‬لدرجة حرقهم وإبادتهم ‪ ،‬بالسلحة التقليدية والنووية ‪ ،‬وعلى‬
‫قاعدة الجزاء من جنس العمل ‪ ،‬ل شك لدي من أن كبرى المدن المريكية ‪،‬‬
‫سُتضرب من السماء بصواريخ نووية ‪ ،‬أو بشهب من السماء ‪ ،‬مسببة دمارا‬
‫كالدمار ‪ ،‬الذي أحدثته قنابلها المدن اليابانية ‪ ،‬ولكن على مدى أوسع بكثير ‪.‬‬
‫زوال العلو اليهودي في أمريكا ‪ ،‬لن يتوانى كثيرا ‪ ،‬عن زوال العلو اليهودي‬
‫في فلسطين ‪:‬‬
‫ن‬
‫حْبٍل ِم ْ‬
‫ل َو َ‬
‫ن ا ِّ‬
‫حْبٍل ِم ْ‬
‫ن َما ُثِقُفوا ـ ِإّل ِب َ‬
‫عَلْيِهْم الّذّلُة ـ َأْي َ‬
‫ت َ‬‫ضِرَب ْ‬
‫قال تعالى ) ُ‬
‫ل ‪ 112) … ،‬آل عمران ( ‪ ،‬الذلة هي الضعة‬ ‫ن ا ِّ‬‫ب ِم ْ‬‫ض ٍ‬ ‫س ‪َ ،‬وَباُءوا ِبَغ َ‬
‫الّنا ِ‬
‫والنخفاض ‪ ،‬وهي نقيض العزة والعلو ‪ ،‬وأين ما ثقفوا ‪ ،‬أينما وجدوا ‪ ،‬في‬
‫الرض على امتداد رقعتها ‪ ،‬وخلصة ما تقوله هذه الية ‪ ،‬أن الشعب اليهودي‬
‫كأمة وأفراد ‪ ،‬سيمّر بخمسة مراحل ‪ ،‬هي ذات المراحل التي أشرنا إليها ‪ ،‬في‬
‫نهاية الجزء الول ‪ ،‬وهي على التوالي ‪ ) :‬ذل ‪ ،‬علو ‪ ،‬ذل ‪ ،‬علو ‪ ،‬ذل ( ‪ .‬ومن‬
‫ذلك نفهم أن صفة العلو ‪ ،‬وهي المرحلة الرابعة ‪ ،‬ستزول عنهم في شتى بقاع‬
‫‪405‬‬
‫الرض ‪ ،‬سواء في إسرائيل أو في أمريكا ‪ ،‬أو فيما سواها من دول العالم ‪،‬‬
‫ليدخل الشعب اليهودي بأسره ‪ ،‬في المرحلة التي تليها ‪ ،‬ولتعود إليه صفة الذل‬
‫التي هي القاعدة ‪ ،‬أينما وجد أيضا ‪ ،‬وعلى مستوى الفراد والجماعات ‪ ،‬حيث‬
‫صل ذلك إل بانكسار وزوال كل الدول‬ ‫كان العلو استثناًء لمرتين فقط ‪ .‬ولن يتح ّ‬
‫‪ ،‬التي يوجد بها علو يهودي ظاهر ‪ ،‬وفي مقّدمتها أمريكا ‪.‬‬
‫صة وشاملة ‪،‬‬ ‫ولو أننا نظرنا إلى أمريكا كدولة ‪ ،‬وما تقوم به حاليا ‪ ،‬نظرة ُمتفح ّ‬
‫سنجد أنها فاقت فرعون ‪ ،‬في علوه واستعلئه وفساده وإفساده ‪ ،‬باحتضانها‬
‫للعقائد اليهودية الشيطانية ‪ ،‬والسهر على تطبيقها وترويجها ‪ ،‬في الرض على‬
‫عمومها ‪ ،‬بالترغيب تارة وبالترهيب تارة أخرى ‪.‬‬
‫والعقاب اللهي الموعود به بنو إسرائيل ‪ ،‬كان للفساد الناجم عن العلو ‪،‬‬
‫وعلوهم الن يتمثل في مكانين تحديدا ‪ ،‬هما فلسطين وأمريكا ‪ ،‬وفضل عن‬
‫ذلك ‪ ،‬فإن أمريكا المتعالية على شعوب الرض ‪ ،‬وبصرف النظر عن كونها‬
‫مكانا للعلو اليهودي ‪ ،‬ستكون هدفا مؤكدا لنسكاب الغضب اللهي عليها ‪ ،‬بما‬
‫يفوق الغضب اللهي على إسرائيل ‪ ،‬وذلك لن أمريكا ‪ ،‬تجمع ما بين علوين‬
‫وإفسادين ‪ ،‬هما ‪ :‬العلو والفساد اليهودي ‪ ،‬والعلو والفساد الذاتي لها ‪ ،‬ليتأكد‬
‫لنا أنها أولى من إسرائيل بالعقاب ‪ ،‬وبما هو أشد بأسا وأشد تنكيل ‪ ،‬وهذا بإذن‬
‫ال ‪ ،‬ما سنشهده في السنوات القليلة القادمة ‪ ،‬وما ذلك على ال بعزيز ‪.‬‬
‫وقد يستغرب ويستنكر كثير ‪ ،‬من أمة السلم ‪ ،‬والصح من المؤمنين بالله‬
‫) أمريكا ( ‪ ،‬مجرد التفكير بأن أمريكا ستزول ‪ ،‬وكأنهم ل يقرءون قوله تعالى‬
‫ن َقْبِلِهْم ‪َ ،‬وَكاُنوا‬
‫ن ِم ْ‬‫عاِقَبُة اّلِذي َ‬
‫ن َ‬‫ف َكا َ‬‫ظُروا َكْي َ‬ ‫ض ‪َ ،‬فَيْن ُ‬ ‫سيُروا ِفي الَْْر ِ‬ ‫) َأَولَْم َي ِ‬
‫ت َوَل ِفي‬ ‫سَمَوا ِ‬ ‫يٍء ‪ِ ،‬في ال ّ‬ ‫ش ْ‬‫ن َ‬ ‫جَزُه ِم ْ‬‫ل ِلُيْع ِ‬‫ن ا ُّ‬
‫شّد ِمْنُهْم ُقّوًة ‪َ ،‬وَما َكا َ‬ ‫َأ َ‬
‫عِليًما َقِديًرا )‪ 44‬فاطر ( ‪.‬‬ ‫ن َ‬ ‫ض ‪ِ ،‬إّنُه َكا َ‬ ‫اَْلْر ِ‬
‫ن‬
‫ن َكاُنوا ِم ْ‬ ‫عاِقَبُة اّلِذي َ‬
‫ن َ‬ ‫ف َكا َ‬‫ظُروا َكْي َ‬‫ض ‪َ ،‬فَيْن ُ‬
‫سيُروا ِفي الَْْر ِ‬ ‫وقوله ) َأَوَلْم َي ِ‬
‫ل ِبُذُنوِبِهْم ‪،‬‬
‫خَذُهُم ا ُّ‬‫ض ‪َ ،‬فَأ َ‬‫شّد ِمْنُهْم ُقّوًة َوَءاَثاًرا ِفي الَْْر ِ‬ ‫َقْبِلِهْم ‪َ ،‬كاُنوا ُهْم َأ َ‬
‫ق )‪ 21‬غافر (‬ ‫ن َوا ٍ‬‫ل ِم ْ‬
‫ن ا ِّ‬ ‫ن َلُهْم ِم َ‬‫َوَما َكا َ‬
‫ما بعد الغزو العراقي لسرائيل ‪:‬‬
‫بعد امتصاص يهود أمريكا والغرب للصدمة ‪ ،‬من جّراء الكارثة التي حّلت‬
‫ببني جلدتهم في فلسطين ‪ ،‬ستبدأ الماكينة اليهودية في الغرب ‪ ،‬في بذل أقصى‬
‫‪406‬‬
‫طاقاتها ‪ ،‬وعمل ما بوسعها لعادة عقارب الساعة ‪ ،‬قبل فوات الوان ‪ ،‬من‬
‫خلل الدبلوماسية في مجلس المن ‪ ،‬لشن حرب دولية تحت غطاء الشرعية‬
‫الدولية ‪ ،‬لتحرير إسرائيل من العرب ‪ ،‬كما كان المر عند مطالبتهم بتحرير‬
‫الكويت ‪ ،‬وسُتفاجأ هذه الماكينة اليهودية ‪ ،‬ببرود وجمود شديدين ‪ ،‬لم يسبق لها‬
‫أن واجهتهما ‪ ،‬من قبل معظم دول العالم ‪ ،‬لُتثبت عدم نجاعتها هذه المرة ‪،‬‬
‫طرحت ‪،‬‬ ‫وستجد مشاريع القرارات المريكية والبريطانية والفرنسية ‪ ،‬فيما لو ُ‬
‫معارضة شديدة من قبل روسيا والصين ‪ ،‬حتى لو تطّلب المر استخدام حق‬
‫النقض من قبلهما ‪ ،‬خوفا من الدخول في مواجهة ‪ ،‬ل ُتحمد عقباها مع العالم ‪،‬‬
‫بين الغرب المسيحي والشرق المسلم ‪.‬‬
‫وربما يأخذ المر قرابة السنتين بين مّد وجزر ‪ ،‬حتى يستطيع اليهود تحريض‬
‫أمريكا ‪ ،‬وبعض دول الغرب من حلف الناتو ‪ ،‬وحملها على تحريك أساطيلها ‪،‬‬
‫ن حرب مصيرية على العرب ‪ ،‬ضاربة‬ ‫باتجاه شواطئ البحر المتوسط ‪ ،‬لش ّ‬
‫عرض‬ ‫بمجلس المن وغطاءه الشرعي ‪ -‬بعد اليأس من الحصول عليه ‪ُ -‬‬
‫الحائط ‪.‬‬
‫وعلى الجانب الخر ‪ ،‬سيضطر العرب والمسلمون ‪ ،‬لتوحيد صفوفهم كرها من‬
‫البعض ‪ ،‬وطواعية من البعض الخر ‪ ،‬والنضواء تحت لواء واحد ‪ ،‬للدفاع‬
‫عن القصى بعد عودته إلى حظيرة السلم ‪ ،‬وسيبدأ التقارب العربي الروسي‬
‫الصيني ‪ ،‬على ما يبدو في التشكل ‪ ،‬إلى ما ُيشبه الحلف العسكري ‪ ،‬وربما‬
‫يكون باتفاقيات مكتوبة ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫الحرب العالمية الثالثة ‪ ،‬والسيناريو المحتمل ‪:‬‬
‫بوجود القيادة الحالية غير المتزنة لمريكا ‪ ،‬وبتأييد من صهاينة الحزب‬
‫الجمهوري ‪ ،‬سيتمكن اليهود أخيرا من جّر أمريكا ‪ ،‬للدخول في مواجهة غير‬
‫محسوبة ‪ ،‬مع العالمين العربي والسلمي ‪ ،‬بدفع من العقائد الدينية المشّوهة ‪،‬‬
‫فيما يخص وجود اليهود في فلسطين ‪ ،‬وعودة المسيح الثانية للنصارى والولى‬
‫لليهود ‪ ،‬بالضافة إلى الرغبة في النتقام للمكانة المريكية ‪ ،‬التي ُمّرغت في‬
‫التراب أمام العالم أجمع ‪ ،‬بزوال مسخها الخداج بطرفة عين ‪ ،‬دون أن ُيعير‬
‫العرب عظمة أمريكا وجبروتها أدنى انتباه ‪.‬‬

‫‪407‬‬
‫في ظرف سنتين من استعادة العرب لفلسطين ‪ ،‬سُتعلن أمريكا ‪ ،‬حربها اليهودية‬
‫الصليبية المقّدسة على العرب والمسلمين ‪ ،‬مما ُيثير حالة من عدم الستقرار‬
‫في سائر أرجاء العالم ‪ ،‬وستبدأ المواقف العالمية من هذا العلن شيئا فشيئا ‪،‬‬
‫بالتباين والتمايز ‪ ،‬بشكل لم يسبق له مثيل ‪ ،‬لينقسم إلى العالم معسكرين شرقي‬
‫وغربي ‪ .‬يقف إلى جانب العرب معظم الدول المناهضة لمريكا في الشرق‬
‫وفي مقدمتها روسيا ‪ ،‬ويقف إلى جانب أمريكا دول حلف الناتو وملحقاته ‪.‬‬
‫وعندما تبدأ أمريكا بحشد قواتها وأساطيلها في البحر البيض ‪ ،‬وتبوء كل‬
‫المحاولت والتحذيرات والتهديدات العالمية ‪ ،‬لثني أمريكا عن عزمها بالفشل ‪،‬‬
‫وتصبح المواجهة أمر ل مفر منه ‪ ،‬ستتطور المواقف الدولية فجأة ‪ ،‬وتتحول‬
‫إلى أحلف عسكرية ‪ ،‬بحيث تضطر وتنجّر الكثير من الدول ‪ ،‬للمشاركة‬
‫الفعلية في الحرب الدائرة ‪ ،‬وعلى ما يبدو أن أمريكا نتيجة لذلك ‪ ،‬ستفقد زمام‬
‫السيطرة مبكرا ‪ ،‬وربما تلجأ إلى استخدام السلح النووي ‪ ،‬في وقت ما بضرب‬
‫بعض العواصم العربية ‪ ،‬كبغداد والقاهرة على سبيل المثال ‪ ،‬وربما يكون ذلك‬
‫قبل الحرب البرية ‪ ،‬ظنا منها أن ذلك ‪ ،‬سيحسم المعركة لصالحها ‪ ،‬في وقت‬
‫مبكر ‪.‬‬
‫ولكن ما لن يكون في حساب أمريكا ‪ ،‬هو رّد الفعل الروسي والصيني العنيف ‪،‬‬
‫على استخدام أمريكا لهذا السلح ‪ ،‬لتبدأ الصواريخ النووية الروسية وربما‬
‫الصينية ‪ ،‬تنهال على أمريكا تباعا ‪ ،‬دون سابق إنذار ‪ ،‬لتبيدها عن بكرة أبيها ‪،‬‬
‫هذا إن لم ُيسقط عليها رب العزة ‪ ،‬كسفا من السماء ‪ .‬ومن ثم تبدأ الحروب‬
‫البينية ‪ ،‬بين دول العالم المختلفة المتخاصمة ‪ ،‬فيختلط الحابل بالنابل ‪ ،‬لتشمل‬
‫هذه الحرب معظم بقاع العالم ‪ .‬ولدخول السلحة النووية دائرة الصراع ‪،‬‬
‫ستكون هذه الحرب سريعة وقصيرة وحاسمة ‪ ،‬ولكن حجم الدمار فيها سيكون‬
‫هائل جدا ‪ ،‬وستنتهي بالمواجهة البرية البحرية على سواحل فلسطين ‪ ،‬بين‬
‫الغرب والشرق ‪ ،‬بانتصار العرب والروس نصرا مؤزرا ‪ ،‬بإذن ال ‪.‬‬
‫تحالف الروس والعرب ونصرهم على عدو مشترك ‪:‬‬
‫غْزَوِة َتُبوكَ‬‫سّلَم ‪ِ ،‬في َ‬‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬‫صّلى ا ُّ‬ ‫ي َ‬ ‫ت الّنِب ّ‬‫ل ‪َ :‬أَتْي ُ‬‫ك ‪َ ،‬قا َ‬‫ن َماِل ٍ‬ ‫ف ْب َ‬
‫عْو َ‬ ‫ن َ‬‫عْ‬‫َ‬
‫عِة ؛ َمْوِتي ‪ُ ،‬ثّم َفْت ُ‬
‫ح‬ ‫سا َ‬
‫ي ال ّ‬ ‫ن َيدَ ْ‬‫سّتا َبْي َ‬
‫عُدْد ِ‬ ‫ل‪":‬ا ْ‬ ‫ن َأَدٍم ‪َ ،‬فَقا َ‬
‫َوُهَو ِفي ُقّبٍة ِم ْ‬
‫حّتى‬
‫ضُة اْلَماِل ‪َ ،‬‬ ‫سِتَفا َ‬
‫ص اْلَغَنِم ‪ُ ،‬ثّم ا ْ‬ ‫خُذ ِفيُكْم َكُقَعا ِ‬ ‫ن َيْأ ُ‬
‫س ‪ُ ،‬ثّم ُمْوَتا ٌ‬ ‫ت اْلَمْقِد ِ‬
‫َبْي ِ‬
‫ب ِإّل‬
‫ن اْلَعَر ِ‬
‫ت ِم ْ‬
‫طا ‪ُ ،‬ثّم ِفْتَنةٌ َل َيْبَقى َبْي ٌ‬‫خً‬ ‫سا ِ‬‫ظّل َ‬ ‫جُل ِماَئَة ِديَناٍر َفَي َ‬ ‫طى الّر ُ‬‫ُيْع َ‬
‫‪408‬‬
‫حتَ‬ ‫ن َفَيْأُتوَنُكْم َت ْ‬ ‫صَفِر ‪َ ،‬فَيْغِدُرو َ‬ ‫ن َبِني اَْل ْ‬ ‫ن َبْيَنُكْم َوَبْي َ‬‫خَلتُْه ‪ُ ،‬ثّم ُهْدَنٌة َتُكو ُ‬ ‫َد َ‬
‫شَر َأْلًفا ( رواه البخاري ‪ ،‬وأخرجه أبو‬ ‫ع َ‬‫غاَيٍة اْثَنا َ‬ ‫ت ُكّل َ‬ ‫ح َ‬ ‫غاَيًة ‪َ ،‬ت ْ‬ ‫ن َ‬‫َثَماِني َ‬
‫داود وابن ماجه وأحمد ‪.‬‬
‫جاء في شرح هذا الحديث في فتح الباري ‪ " :‬قوله هدنة ‪ ،‬هي الصلح على‬
‫ترك القتال بعد التحرك فيه ‪ ،‬قوله بني الصفر ‪ ،‬هم الروم ‪ ،‬قوله غاية أي راية‬
‫"‪.‬‬
‫يخبر هذا الحديث عن هدنة تكون بين المسلمين والروم ‪ ،‬والهدنة كما جاء في‬
‫الشرح ‪ ،‬هي صلح على إيقاف القتال قبل اشتعال فتيله أو في بداياته ‪ ،‬ومن ثم‬
‫يغدر الروم فيغزون ديار المسلمين ‪ ،‬بجيش قوامه ما ُيقارب المليون جندي ‪.‬‬
‫أما الهدنة وما يسبقها ‪ ،‬فيوضحه الحديث التالي ‪:‬‬
‫ن َمْعَدا َ‬
‫ن‬ ‫خاِلِد ْب ِ‬
‫ن َأِبي َزَكِرّيا ‪ِ ،‬إَلى َ‬ ‫ل َواْب ُ‬ ‫حو ٌ‬ ‫ل َمْك ُ‬ ‫ل ‪َ :‬ما َ‬ ‫طّيَة ‪َ ،‬قا َ‬‫عِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ْب ِ‬‫سا َ‬‫حّ‬‫ن َ‬ ‫عْ‬‫َ‬
‫جَبْيٌر ‪:‬‬‫ل ُ‬ ‫ل ‪َ :‬قا َ‬ ‫ن اْلُهْدَنِة ‪َ ،‬قا َ‬‫عْ‬ ‫ن ُنَفْيٍر ‪َ ،‬‬ ‫جَبْيِر ْب ِ‬
‫ن ُ‬ ‫عْ‬ ‫حّدَثَنا َ‬‫ت َمَعُهْم ‪َ ،‬ف َ‬ ‫‪َ ،‬وِمْل ُ‬
‫سّلَم ‪َ ،‬فَأَتْيَناُه‬‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬ ‫صّلى ا ُّ‬ ‫ي َ‬ ‫ب الّنِب ّ‬‫حا ِ‬ ‫صَ‬ ‫ن َأ ْ‬ ‫ل ِم ْ‬‫جٍ‬ ‫خَبٍر ‪َ ،‬ر ُ‬ ‫طِلقْ ِبَنا ِإَلى ِذي ِم ْ‬ ‫اْن َ‬
‫سّلَم ‪َ ،‬يُقولُ‬ ‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬ ‫صّلى ا ُّ‬ ‫ل َ‬ ‫سولَ ا ِّ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫سِمْع ُ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫ن اْلُهْدَنِة ‪َ ،‬فَقا َ‬‫عْ‬‫جَبْيٌر َ‬ ‫‪َ ،‬فسََأَلُه ُ‬
‫ن َوَراِئُكْم ‪،‬‬ ‫عُدّوا ِم ْ‬ ‫ن َأْنُتْم َوُهْم َ‬ ‫حا آِمًنا ‪َ ،‬فَتْغُزو َ‬ ‫صْل ً‬‫ن الّروَم ُ‬ ‫حو َ‬ ‫صاِل ُ‬‫‪ " :‬سَُت َ‬
‫ج ِذي‬ ‫حّتى َتْنِزُلوا ِبَمْر ٍ‬ ‫ن‪َ ،‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫ن ‪ُ ،‬ثّم َتْر ِ‬ ‫سَلُمو َ‬ ‫ن ‪َ ،‬وَت ْ‬ ‫ن ‪َ ،‬وَتْغَنُمو َ‬ ‫َفُتْنصَُرو َ‬
‫ب‪،‬‬ ‫صِلي ُ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫غَل َ‬ ‫ب ‪َ ،‬فَيُقوُل ‪َ :‬‬ ‫صِلي َ‬‫صَراِنّيِة ال ّ‬ ‫ن َأْهِل الّن ْ‬ ‫جٌل ِم ْ‬ ‫ُتُلوٍل ‪َ ،‬فَيْرَفُع َر ُ‬
‫ك ‪َ ،‬تْغِدُر الّروُم ‪َ ،‬وَتجَْمُع‬ ‫ن ‪َ ،‬فَيُدّقُه ‪َ ،‬فِعْنَد َذِل َ‬ ‫سِلِمي َ‬‫ن اْلُم ْ‬ ‫جٌل ِم ْ‬‫ب َر ُ‬ ‫ض ُ‬‫َفَيْغ َ‬
‫ححه اللباني وأخرجه ابن ماجه وأحمد‬ ‫حَمِة " ‪ ،‬رواه أبو داود ‪ ،‬وص ّ‬ ‫ِلْلَمْل َ‬
‫والحاكم والبيهقي ‪.‬‬
‫حَمِة ‪،‬‬ ‫ن ِلْلَمْل َ‬
‫جَتِمُعو َ‬ ‫وتكملة للحديث ‪ ،‬في رواية أخرى بسند آخر لبن ماجه " َفَي ْ‬
‫شَر َأْلًفا " ‪.‬‬ ‫ع َ‬‫غاَيٍة اْثَنا َ‬ ‫ت ُكّل َ‬ ‫ح َ‬ ‫غاَيٍة ‪َ ،‬ت ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ت َثَماِني َ‬ ‫ح َ‬‫حيَنِئٍذ ‪َ ،‬ت ْ‬ ‫ن ِ‬‫َفَيْأُتو َ‬
‫جاء في شرح هذا الحديث في ) عون المعبود ( ‪ " :‬الروم جيل معروف ‪ ،‬في‬
‫بلد واسعة تضاف إليهم ‪ ،‬فيقال بلد الروم ‪ ،‬ومشارق بلدهم وشمالهم الترك‬
‫والروس والخزر ‪ ،‬وجنوبهم الشام والسكندرية ‪ ،‬ومغاربهم البحر والندلس ‪،‬‬
‫وكانت الرقة والشامات كلها ‪ ،‬تعد في حدودهم أيام الكاسرة ‪ ،‬وكانت أنطاكية‬
‫دار ملكهم ‪ ،‬إلى أن نفاهم المسلمون إلى أقصى بلدهم انتهى ‪ ...‬فسأله جبير‬
‫عن الهدنة ‪ ،‬أي الهدنة التي تكون بين المسلمين وبين الروم ‪ ،‬آمنا أي ذا أمن ‪،‬‬
‫فتغزون أنتم ‪ ،‬أي فتقاتلون أيها المسلمون ‪ ،‬وهم أي الروم المصالحون معكم ‪،‬‬
‫‪409‬‬
‫عدوا من ورائكم أي من خلفكم ‪ ،‬وقال السندي في حاشية ابن ماجه ‪ ،‬أي عدوا‬
‫آخرين بالمشاركة والجتماع ‪ ،‬بسبب الصلح الذي بينكم وبينهم ‪ ،‬فُتنصرون‬
‫بصيغة المجهول ‪ ،‬وتغنمون بصيغة المعلوم أي الموال ‪ ،‬وتسلمون من‬
‫السلمة ‪ ،‬أي تسلمون من القتل والجرح في القتال ‪ ،‬ثم ترجعون أي من عدوكم‬
‫‪ ،‬حتى تنزلوا ‪ ،‬أي أنتم وأهل الروم بمرج ‪ ،‬أي الموضع الذي ترعى فيه‬
‫الدواب قاله السندي ‪ ،‬وفي النهاية أرض واسعة ذات نبات كثيرة ‪ ،‬ذي تلول‬
‫بضم التاء جمع تل ‪ ،‬وهو موضع مرتفع ‪ ،‬قاله القاري ‪ ،‬وقال السندي ‪ :‬كل ما‬
‫اجتمع على الرض ‪ ،‬من تراب أو رمل انتهى ‪ .‬فيقول أي الرجل منهم ‪ ،‬غلب‬
‫الصليب أي دين النصارى ‪ ،‬فيدّقه ‪ ،‬أي فيكسر المسلم الصليب ‪ ،‬تغدر الروم‬
‫أي تنقض العهد ‪ ،‬وتجمع أي رجالهم ويجتمعون للملحمة أي للحرب " ‪.‬‬
‫هذا الحديث ُيخبر بأن هناك صلحا آمنا ‪ ،‬أي ل قتال فيه ‪ ،‬سيكون بين المسلمين‬
‫والنصارى ‪ ،‬لمدة من الزمن ‪ ،‬ثم ُيقاتلون جنبا إلى جنب عدوا مشتركا ‪،‬‬
‫فينتصرون بل خسائر ‪ ،‬وبعد النصر يقع الخلف بين المنتصَرْين ‪ ،‬بسبب‬
‫إدعاء أحد النصارى ‪ ،‬أن النصر كان للصليب دون السلم ‪ ،‬فيقتتل الطرفان ‪،‬‬
‫ومن ثم ُيفض الشتباك ‪ ،‬وتعلن الهدنة ‪ ،‬ومن ثم يعود النصارى إلى ديارهم‬
‫مضمرين الغدر ‪ ،‬ليعودوا في قادم في اليام ‪ ،‬في جيش عرمرم ‪ ،‬لغزو‬
‫المسلمين في زمن المهدي ‪.‬‬
‫الروم قديما وحديثا ‪:‬‬
‫نعلم أن المبراطورية الرومانية القديمة ‪ ،‬كانت قد انقسمت إلى قسمين شرقي‬
‫وغربي ‪ ،‬واّتخذت القسطنطينية عاصمة للجزء الشرقي ‪ ،‬وروما عاصمة‬
‫للجزء الغربي ‪ ،‬وذلك قبل ظهور السلم بحوالي مائتي سنة ‪ ،‬وبقيت‬
‫القسطنطينية عاصمة ‪ ،‬لمملكة الروم الشرقية منذ ذلك الوقت ‪ ،‬حتى تم فتحها ‪،‬‬
‫على يد محمد الفاتح ‪ ،‬سابع السلطين العثمانيين ‪ ،‬وبذلك اختفت مملكة الروم‬
‫الشرقية إلى البد ‪ ،‬وأما سكان تركيا الحاليين فمعظهم من التراك‬
‫المتأسلمون ‪ ،‬الذين يعودون في أصولهم إلى غرب الصين ‪ ،‬مع بقاء نسبة قليلة‬
‫من النصارى فيها ‪ ،‬ذوي الصول الرومية ‪ ،‬أما النسبة الكبر من الروم ‪ ،‬فقد‬
‫هاجرت وانتشرت ‪ ،‬فيما حولها من بلدان أوروبا الشرقية ‪.‬‬
‫ولنذكر هنا أن المسلمين ‪ ،‬حاصروا القسطنطينية إحدى عشرة مرة ‪ ،‬ولم‬
‫يتمكنوا من فتحها ‪ ،‬إل بعد أن بدأت شمس العثمانيون الترك ‪ ،‬بالظهور فيما‬
‫‪410‬‬
‫ُيسمى بآسيا الصغرى ‪ ،‬بعد ضعف الدولة السلجوقية وانحللها عام ‪1300‬م‬
‫تقريبا ‪ ،‬فبدأت دولتهم بالتساع غربا ‪ ،‬على حساب مملكة الروم الشرقية ‪ ،‬شيئا‬
‫فشيئا ‪ ،‬حتى اقتصرت مملكة الروم الشرقية ‪ ،‬على القسطنطينية وضواحيها ‪،‬‬
‫عندما تسّلم محمد الفاتح لمقاليد الحكم ‪ ،‬وهو الذي لم يتوانى عن فتحها سنة‬
‫‪1453‬م ‪ .‬ومن ثم استمرت فتوحات العثمانيين ‪ ،‬حتى شملت معظم بلدان منطقة‬
‫البلقان ‪ ،‬في أوروبا الشرقية ‪.‬‬
‫والمتتبع للتاريخ الحديث ‪ ،‬سيجد أن روسيا القيصرية بعد بزوغ شمسها ‪،‬‬
‫أصبحت الوريث الكبر ‪ ،‬لمملكة الروم الشرقية بعد زوالها ‪ ،‬حيث كانت وما‬
‫زالت في القرون الخيرة ‪ ،‬تحاول تنصيب نفسها كراعية وحامية ‪ ،‬لمصالح‬
‫نصارى الشرق ذوي المذهب الرثوذكسي ‪ ،‬وأخذت على عاتقها ‪ ،‬بعد أن اشتد‬
‫عودها ‪ ،‬مهمة استعادة القسطنطينية من التراك ‪ ،‬ومن ثم إعادتها كعاصمة‬
‫دينية للكنيسة الرثوذكسية ‪ ،‬كما كانت في السابق ‪ ،‬وهو ما تحاول الستئثار به‬
‫حاليا ‪ ،‬الكنيسة اليونانية الموالية للغرب ‪ .‬وفيما يلي بعض البنود التي جاءت‬
‫في وصية بطرس الكبر ‪ ،‬المؤسس الحقيقي للملكة الروسية ‪ ،‬في أواخر القرن‬
‫السابع عشر ‪ ،‬من كتاب ) تاريخ الدولة العثمانية ( لفريد بك المحامي ‪:‬‬
‫" البند التاسع ‪ :‬ينبغي التقرب بقدر المكان ‪ ،‬من استنبول والهند ‪ ،‬وحيث انه‬
‫من القضايا المسلمة ‪ ،‬أن من يحكم على استنبول ‪ ،‬يمكنه حقيقة أن يحكم على‬
‫الدنيا بأسرها ‪… ،‬‬
‫البند الحادي عشر ‪ ، … :‬وحينما نستولي على استنبول ‪ ،‬علينا أن نسلط دول‬
‫أوروبا القديمة ‪ ،‬على دولة النمسا حربا ‪ ،‬أو ُنسكن حسدها ومراقبتها لنا ‪،‬‬
‫بإعطائها حصة صغيرة من الماكن ‪ ،‬التي نكون قد أخذناها من قبل ‪ ،‬وبعدها ‪،‬‬
‫نسعى إلى نزع هذه الحصة منها ‪.‬‬
‫البند الثاني عشر ‪ :‬ينبغي أن نستميل لجهتنا جميع المسيحيين ‪ ،‬الذين هم من‬
‫مذهب الروم ‪ ،‬المنكرين لرياسة البابا الروحية ‪ ،‬والمنتشرين في بلد المجر‬
‫والممالك العثمانية ‪ ،‬ونجعلهم أن يتخذوا دولة روسيا مرجعا ومعينا لهم ‪ ،‬ومن‬
‫اللزم قبل كل شيء ‪ ،‬إحداث رياسة مذهبية ‪ ،‬حتى نتمكن من إجراء نوع من‬
‫السلطة الدينية عليهم … " ‪.‬‬

‫‪411‬‬
‫المذاهب النصرانية ‪:‬‬
‫كل النصارى بل استثناء أعداء للسلم والمسلمين ‪ ،‬ولكن بالنظر إلى‬
‫الطوائف الثلثة الكبرى ‪ ،‬المهيمنة على العالم المسيحي ‪ ،‬نجد أن معتنقي‬
‫المذهب البروتستانتي ‪ ،‬والذي ُتمّثله أمريكا وبريطانيا وهولندا ‪ ،‬هم الشّد‬
‫عدواة وكراهية للمسلمين والعرب بشكل خاص ‪ ،‬والمعروفين بميلهم وتأييدهم‬
‫لليهود ‪ .‬ويليهم في ذلك معتنقي المذهب الكاثوليكي ‪ ،‬والذي ُتمّثله فرنسا‬
‫وإيطاليا وألمانيا وإسبانيا وباقي الدول الغربية ‪ ،‬وأقّلهم عدواة وكراهية هم‬
‫معتنقي المذهب الرثوذكسي ‪ ،‬والذي ُتمّثله روسيا ودول أوروبا الشرقية ‪.‬‬
‫والمتتبع للتاريخ القديم والحديث ‪ ،‬سيجد أن الطوائف المسيحية الثلثة على‬
‫خلف دائم ‪ ،‬وأن العداوة والبغضاء ‪ ،‬مستفحلة وذات جذور عميقة ‪ ،‬فنصارى‬
‫الشرق الرثوذكس ‪ ،‬لم ينسوا ولم يغفروا ‪ ،‬لنصارى الغرب من الكاثوليك ‪ ،‬ما‬
‫أوقعوه بهم من مذابح في حملت الغرب الصليبية ‪ ،‬ولم يقبلوا مؤخرا اعتذار‬
‫البابا عنها ‪ .‬والعداوة والبغضاء مستفحلة ‪ ،‬حتى بين الكاثوليك والبروتستنت‬
‫من جهة أخرى ‪ ،‬كما هو الحال في أيرلندا الشمالية ‪ ،‬وهذا ما أخبر عنه سبحانه‬
‫ظا‬
‫حّ‬ ‫سوا َ‬ ‫خْذَنا ِميَثاَقُهْم ‪َ ،‬فَن ُ‬
‫صاَرى ‪َ ،‬أ َ‬‫ن َقاُلوا ِإّنا َن َ‬ ‫ن اّلِذي َ‬‫وتعالى في قوله ) َوِم ْ‬
‫سْو َ‬
‫ف‬ ‫ضاَء ‪ِ ،‬إَلى َيْوِم اْلِقَياَمِة ‪َ ،‬و َ‬‫غَرْيَنا َبْيَنُهْم اْلَعَداَوَة َواْلَبْغ َ‬
‫ِمّما ُذّكُروا ِبِه ‪َ ،‬فَأ ْ‬
‫ن )‪ 14‬المائدة ( ‪ ،‬وهذه العداوة والبغضاء ل‬ ‫صَنُعو َ‬ ‫ل ِبَما َكاُنوا َي ْ‬ ‫ُيَنّبُئُهْم ا ُّ‬
‫انقطاع لها ‪ ،‬مستمرة إلى يوم القيامة ‪ ،‬وهذا ما أكّده التاريخ الوروبي القديم‬
‫والحديث ‪.‬‬
‫والمتتبع للتاريخ السلمي والعربي ‪ ،‬سيجد أن ما ُتخبر عنه هذا الحاديث‬
‫النبوية أعله ‪ ،‬من شأن مصالحة المسلمين أو العرب للنصارى ‪ ،‬والتحالف‬
‫صلهم معا على النصر والغنيمة والسلمة ‪ ،‬ومن‬ ‫معهم ضد عدو مشترك ‪ ،‬وتح ّ‬
‫ثم الختلف ‪ ،‬وإضمار الغدر ‪ ،‬وعودة الروم لمقاتلة المسلمين ‪ ،‬لم يكن قد‬
‫صل قديما أو حديثا ‪ .‬وبما أن الدنيا تعّد سنواتها الخيرة ‪ ،‬وأشراط الساعة‬ ‫تح ّ‬
‫الكبرى باتت على البواب ‪ ،‬فل شك أن هذه الحرب ‪ ،‬التي سيخوضها‬
‫المسلمين والنصارى جنبا إلى جنبا ‪ ،‬ضد عدوهم المشترك ‪ ،‬للمرة الولى‬
‫والخيرة ‪ ،‬ستقع في وقت قريب ‪ .‬والحاديث النبوية ‪ُ ،‬تخبر أن هناك ثلثة‬
‫أطراف ؛ المسلمون ‪ ،‬والروم ‪ ،‬وعدو مشترك للمسلمين والروم ‪.‬‬

‫‪412‬‬
‫وبما أن هذا الحدث سيقع ضمن معطيات الواقع الحالي ‪ ،‬ومن خلل قراءة‬
‫الواقع ‪ ،‬في ضوء ما أخبرت عنه الحاديث ‪ ،‬سنجد أن الروم ما زالوا ينقسمون‬
‫إلى قسمين ‪:‬‬
‫• نصارى الشرق من معتنقي المذهب الرثوذكسي ‪ ،‬وهم الُمقيمون إجمال‬
‫في أوروبا الشرقية ‪ ،‬أو دول حلف وارسو القديم ‪ ،‬الذي كانت فيه الزعامة ‪،‬‬
‫وما زالت للدولة الروسية ‪.‬‬
‫• نصارى الغرب من معتنقي المذهب البروتستانتي والمذهب الكاثوليكي ‪،‬‬
‫وهم المقيمون إجمال في أمريكا وأوروبا الغربية ‪ ،‬أو دول حلف الناتو‬
‫بزعامة أمريكا ‪.‬‬
‫ن عداوة مذهبية ‪ ،‬قل نظيرها ‪ ،‬للفريق الخر ‪ .‬ولو نظرنا إلى‬ ‫وكل الفريقين ُيك ّ‬
‫الواقع الحالي ‪ ،‬لوجدنا أن أمريكا وبريطانيا وفرنسا ‪ ،‬هي الدول الشّد عداًء‬
‫للعرب والمسلمين ‪ ،‬منذ حروبهم الصليبية الولى ‪ ،‬التي كانت تقودها فرنسا‬
‫بصفتها الراعية للمذهب الكاثوليكي ‪ ،‬منضويا تحت لوائها كل من ألمانيا‬
‫وإيطاليا وإنكلترا ‪ ،‬وحتى حروبهم الستعمارية في العصر الحديث بقيادة‬
‫أمريكا ‪ ،‬وما موالة هذه الدول لبعض الدول العربية إل مداهنة ‪ ،‬من قبيل‬
‫الحرص على مصالحها فقط ‪ ،‬بل هي أكثر مقتا واحتقارا وامتهانا ‪ ،‬لتلك الدول‬
‫نفسها من غيرها ‪ .‬ولوجدنا أيضا أن الروس ‪ ،‬ونصارى الشرق إجمال ‪ ،‬ممن‬
‫ل عداًء للعرب والمسلمين من مجموع‬ ‫يعتنقون المذهب الرثوذكسي ‪ ،‬هم الق ّ‬
‫المذاهب النصرانية ‪.‬‬
‫لنخلص إلى القول ‪ ،‬بأن الفريق الذي سيكون حليفنا في المعركة القادمة هم‬
‫الروس ‪ ،‬ضد عدونا وعدوهم المشترك ‪ ،‬أمريكا ومن شايعها من دول حلف‬
‫الناتو ‪ .‬وأن هذا التحالف بين الروس والعرب ‪ ،‬سيحصل بدافع المصالح أول ‪،‬‬
‫وعلى قاعدة عدو عدوي صديقي ثانيا ‪ ،‬وليس حبا بالعرب أو بالمسلمين ‪،‬‬
‫ولكن لتعارض مصالحهم مع مصالح المريكان ‪ ،‬ولكراهية الروس المذهبية‬
‫لمريكا واليهود ‪.‬‬
‫هذه الحرب البشع في تاريخ البشرية ‪ ،‬أجد أحداثها ونتائجها موصوفة في‬
‫كثير من اليات ‪ ،‬في مطالع سور كثيرة من سور القرآن ‪ ،‬والتي يعتقد معظم‬
‫الناس ‪ ،‬أنها ُتخبر عن أحداث يوم القيامة ‪ ،‬ومنها اشتعال البحار ‪ ،‬واضطراب‬
‫السماء ‪ ،‬وزلزلة الجبال وانهيار بعضها ‪ ،‬وحتى السلحة المستخدمة في‬
‫‪413‬‬
‫الحروب الحديثة ‪ ،‬كان سبحانه قد أخبر عنها ‪ ،‬أيضا في مطالع السور ‪،‬‬
‫فالطارق هو الصاروخ ‪ ،‬والعاديات هي الدبابات ‪ ،‬وربما نفرد لهذا المر بحثا‬
‫خاصا ‪ ،‬إن شاء ال ‪ ،‬في وقت لحق ‪ ،‬وسيكون متوافرا على نفس موقع‬
‫الكتاب ‪ ،‬هذا إن أسعفنا الوقت ‪ ،‬وكان في العمر بقية ‪.‬‬
‫النتائج المتوقعة للحرب العالمية الثالثة ‪:‬‬
‫‪ .1‬تدمير عدد كبير من المدن الكبرى ‪ ،‬وخاصة في أمريكا ومن شايعها من‬
‫الدول في الشرق والغرب ‪.‬‬
‫‪ .2‬ارتفاع هائل ومفاجئ ‪ ،‬في درجة حرارة الرض نتيجة التفجيرات النووية‬
‫‪ ،‬ذوبان الكتل الجليدية القريبة من القطب الشمالي للكرة الرضية ‪ ،‬وتبخر‬
‫مياه المحيطات والبحار ‪ ،‬وعودتها على شكل أمطار غزيرة ‪ ،‬مما يتسبب‬
‫في طوفان كبير ‪ ،‬أشبه ما يكون بطوفان نوح عليه السلم ‪ ،‬وبالتالي اختفاء‬
‫بعض البلدان والجزر غرقا ‪.‬‬
‫‪ .3‬اختفاء معالم الحضارة الغربية ومظاهرها ‪ ،‬من خلل الموت البطيء‬
‫للتكنولوجيا المتبقية ‪ ،‬لعدم القدرة على تجديدها ‪ ،‬بكسر حلقة أو أكثر من‬
‫حلقات سلسلة إنتاجها ‪ ) ،‬نفط _ كهرباء _ تقنية _ كهرباء _ نفط ( ‪.‬‬
‫‪ .4‬عودة منطقة الشرق الوسط كبؤرة للنشاط والصراع العالمي ‪ ،‬كما كانت‬
‫في العصور القديمة ‪.‬‬
‫‪ .5‬عودة عصور الجاهلية الولى ‪ ،‬في أبشع صورها ‪ ،‬بما فيها من ظلم‬
‫وجور وفساد وإفساد ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫قال تعالى‬
‫ل َوَلًدا )‪(4‬‬ ‫خَذ ا ُّ‬ ‫ن َقاُلوا اّت َ‬
‫) َوُيْنِذَر اّلِذي َ‬
‫ن ِإّل‬
‫ن َيُقوُلو َ‬
‫ن َأْفَواِهِهْم ِإ ْ‬
‫ج ِم ْ‬‫خُر ُ‬‫ت َكِلَمًة َت ْ‬ ‫لَباِئِهْم َكُبَر ْ‬ ‫عْلٍم َولَ ِ‬‫ن ِ‬ ‫َما َلُهْم ِبِه ِم ْ‬
‫َكِذًبا )‪(5‬‬
‫سًفا )‪(6‬‬ ‫ث َأ َ‬
‫حِدي ِ‬‫ن َلْم ُيْؤِمُنوا ِبَهَذا اْل َ‬ ‫عَلى َءاَثاِرِهْم ِإ ْ‬ ‫ك َ‬‫سَ‬‫خٌع َنْف َ‬‫ك َبا ِ‬‫َفَلَعّل َ‬
‫ل )‪(7‬‬ ‫عَم ً‬
‫ن َ‬ ‫سُ‬ ‫ح َ‬
‫ض ِزيَنًة َلَها ِلَنْبُلَوُهْم َأّيُهْم َأ ْ‬ ‫عَلى الَْْر ِ‬ ‫جَعْلَنا َما َ‬‫ِإّنا َ‬
‫جُرًزا )‪(8‬‬ ‫صِعيًدا ُ‬ ‫عَلْيَها َ‬ ‫ن َما َ‬ ‫عُلو َ‬
‫جا ِ‬‫َوِإّنا َل َ‬

‫‪414‬‬
‫) الكهف (‬

‫‪415‬‬
‫وجعلنا لمهلكهم موعدا‬

‫ل اهتمامي في البداية محصورا ‪ ،‬لثبات نظرية زوال دولة إسرائيل قبل‬ ‫كان ج ّ‬
‫ظهور المهدي ‪ ،‬ومن ثم معرفة هؤلء العباد ‪ ،‬الذين سيكونون سببا في‬
‫زوالها ‪ ،‬والكيفية التي ستزول بها ‪ ،‬ولم أكن قد فّكرت في بحث مسألة معرفة‬
‫طلعت على كتاب ) زوال إسرائيل عام ‪2022‬م (‬ ‫موعد زوالها ‪ ،‬إل بعد أن ا ّ‬
‫للكاتب بسام جرار ‪ ،‬والذي كان قد بحث هذا المر من قبل ‪ .‬وجدت أن الكاتب‬
‫توغل في حسابات كثيرة ومعّقدة ‪ ،‬كانت أحيانا عصّية على الفهم والمتابعة ‪،‬‬
‫ن محاولته لتحديد موعد زوال إسرائيل ‪ ،‬من خلل تلك الحسابات غير مقنعة‬ ‫وأ ّ‬
‫ن طرحه لفكرة استخراج الموعد ‪ ،‬من سورة السراء ‪ ،‬أمر لفت‬ ‫‪ .‬ولك ّ‬
‫انتباهي ‪ ،‬وأوجد لدي الدافع للبحث في أمر العدد والحساب ‪ ،‬لستخراج موعد‬
‫زوال الدولة اليهودية ‪.‬‬
‫مسألة العّد في القرآن ‪:‬‬
‫أغلب رجال الدين إل من رحم ربي ‪ُ ،‬ينّفرون من مسألة العّد في القرآن ‪،‬‬
‫ومنهم من ُينكر ذلك جملة وتفصيل ‪ ،‬وربما يذهب البعض إلى اتهام من يبحث‬
‫في هذا المر ‪ ،‬بالسحر والشعوذة والتنجيم ‪ .‬بالرغم من ذلك فإن هذا النوع من‬
‫العجاز ‪ ،‬الذي ُيظهر ما يكتنفه القرآن ‪ ،‬من توافق وترابط عددي لغوي ‪ ،‬بدأ‬
‫مؤخرا يفرض نفسه بشكل ظاهر ‪ ،‬وصدرت فيه بعض الكتب والمؤلفات حديثا‬
‫‪.‬‬
‫ويتذّرع البعض في معرض إنكاره واستنكاره ‪ ،‬لمسألة العّد في القرآن ‪ ،‬بعدم‬
‫وجود ‪ ،‬خبر صريح وصحيح ‪ ،‬عن رسول ال عليه الصلة والسلم ‪ ،‬أتى من‬
‫قريب أو بعيد على ذكر هذه المسألة ‪ ،‬ولكن في المقابل ‪ ،‬هل يوجد خبر أو‬
‫حتى أثر ‪ُ ،‬ينكر وجود العجاز العددي في القرآن ‪ ،‬أو ينهى عن البحث في‬
‫أمر إثباته وبيانه ‪ ،‬وهل وضع رسول ال عليه الصلة والسلم ‪ ،‬تفسيرا للقرآن‬
‫أو كتابا بّين فيها أوجه العجاز كلها ‪ ،‬فلم يترك المجال لباحث أو مجتهد ؟!‬
‫وهل نجعل من استغلل أشخاص أو طوائف ‪ ،‬للعداد الواردة في القرآن ‪،‬‬
‫بشكل غير سوي ‪ ،‬عقبة في طريق بحث هذه المسألة ‪.‬‬

‫‪416‬‬
‫وأما الفترة الزمنية التي سينفذ فيها وعد الخرة ‪ ،‬والتي سنكشف عنها في هذا‬
‫الفصل ‪ ،‬فنحن لم نقم بتحديدها ‪ ،‬فهي محددة أصل من قبله سبحانه وتعالى ‪،‬‬
‫في سورة السراء ‪ ،‬وكل ما قمنا به ‪ ،‬هو الكشف عن هذه الفترة الزمنية ‪،‬‬
‫وقراءتها بشكل صحيح ودقيق ‪ .‬وبما أن القرآن جاء بكل هذه التفاصيل ‪ ،‬من‬
‫حيث ماهية العباد وكيفية الدخول وموعده ‪ ،‬وبالرغم من كونه حدثا مستقبليا ‪،‬‬
‫فإن حيثيات هذا الوعد ‪ ،‬لم تعد بوجودها في القرآن غيبا على الطلق ‪،‬‬
‫وقراءة وفهم ما هو معلوم ‪ ،‬إذا اعترى النسان قصور في القراءة أو الفهم ‪ ،‬ل‬
‫ٌيقال عنه كشفا للغيب ‪ ،‬إل إذا كان ذلك من قبيل تعزية النسان لنفسه ‪ ،‬فذلك‬
‫شأن آخر ‪.‬‬
‫ورد في القرآن والسنة ‪ ،‬الكثير من النبوءات المستقبلية ‪ ،‬وفيما يلي سنطرح‬
‫مثال ‪ ،‬ربما يجعل هذا الفصل قابل للهضم والفهم ‪ ،‬فلنأخذ على سبيل المثال ‪،‬‬
‫النبوءة المستقبلية ‪ ،‬بانتصار الروم على الفرس ‪ ،‬في سورة الروم ‪ ،‬حيث قال‬
‫ن )‪(3‬‬ ‫سيَْغِلُبو َ‬‫غَلِبِهْم َ‬‫ن َبْعِد َ‬ ‫ض ‪َ ،‬وُهْم ِم ْ‬ ‫ت الّروُم )‪ِ (2‬في َأْدَنى الَْْر ِ‬ ‫غِلَب ِ‬‫تعالى ) ُ‬
‫ن )‪(4‬‬ ‫ح اْلُمْؤِمُنو َ‬ ‫ن َبْعُد ‪َ ،‬وَيْوَمِئٍذ َيْفَر ُ‬
‫ن َقْبُل َوِم ْ‬‫ل اَْلْمُر ِم ْ‬‫ن ‪ِّ ،‬‬‫سِني َ‬‫ضِع ِ‬ ‫ِفي بِ ْ‬
‫ل‬
‫ف ا ُّ‬‫خِل ُ‬‫ل ‪َ ،‬ل ُي ْ‬ ‫عَد ا ِّ‬
‫حيُم )‪َ (5‬و ْ‬ ‫شاُء ‪َ ،‬وُهَو اْلَعِزيُز الّر ِ‬ ‫ن َي َ‬‫صُر َم ْ‬
‫ل ‪َ ،‬يْن ُ‬ ‫صِر ا ِّ‬
‫ِبَن ْ‬
‫حَياِة الّدْنَيا ‪،‬‬
‫ن اْل َ‬
‫ظاِهًرا ِم َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن )‪َ (6‬يْعَلُمو َ‬ ‫س لَ َيْعَلُمو َ‬
‫ن َأْكَثَر الّنا ِ‬‫عَدُه ‪َ ،‬وَلِك ّ‬
‫َو ْ‬
‫ن )‪(7‬‬ ‫غاِفُلو َ‬‫خَرِة ُهْم َ‬
‫لِ‬ ‫نا ْ‬ ‫عِ‬‫َوُهْم َ‬
‫‪ .1‬جاء النص القرآني ‪ ،‬بفعل ماض مبني للمجهول ‪ ،‬فأظهر المغلوب ولم‬
‫يظهر الغالب ‪.‬‬
‫‪ .2‬وأضاف نبأ جديدا ‪ ،‬وهو غلبة الروم مستقبل ‪ ،‬لمن غلبهم في الماضي ‪.‬‬
‫‪ .3‬وحّدد فترة زمنية لتحّقق ذلك ببضع سنين ‪.‬‬
‫‪ .4‬وأفاد بأن المؤمنين سيفرحون عند تحّقق هذا المر ‪.‬‬
‫‪ .5‬وأكّد على أنه وعد من ال ‪ ،‬وأن ال ل ُيخلف وعده ‪.‬‬
‫ن أكثر الناس ل يعلمون ( ‪ ،‬مما يكون من أمر ال ‪.‬‬ ‫‪ .6‬وعّقب بقوله ) ولك ّ‬
‫‪ .7‬وأما ما يعلمه الناس ‪ ،‬فهو ظاهر الحياة الدنيا ‪ ،‬أي الواقع الذي‬
‫يستشعرونه بحواسهم فقط ‪.‬‬
‫‪ .8‬أما أمر الغيبيات ‪ ،‬التي أخبر عنها سبحانه في كتابه ‪ ،‬ومنها الحياة الخرة‬
‫فهم عنها غافلون ‪.‬‬
‫‪417‬‬
‫فلو قلنا بأن هذه النبوءة تقول ‪ :‬بأن الروم سيهزمون الفرس في فترة زمنية ‪،‬‬
‫تتراوح ما بين ] ‪ [ 9 – 3‬سنوات ‪ ،‬سيقول من لم يعلم بظروف هذه النبوءة ‪،‬‬
‫ولم يعلم التاريخ ‪ ،‬ولم يعلم أن البضع في لغة العرب يساوي ) ‪ ، ( 9 – 3‬أن‬
‫هذا النص غير مكتوب في القرآن ‪ ،‬فكيف عرفت أن الذين سُيهزمون هم‬
‫الفرس ؟ وأن ذلك سيتم في فترة ‪ ،‬ل تقل عن ‪ 3‬سنوات ‪ ،‬ول تزيد عن ‪9‬‬
‫سنوات ؟‬
‫نلحظ أن هذه النبوءة كانت واضحة بالنسبة للمسلمين ‪ ،‬من حيث من سيغلب‬
‫من ‪ ،‬ولكن زمن التحّقق جاء فضفاضا ‪ ،‬إذ لم يشأ سبحانه مع علمه ‪ ،‬الكشف‬
‫عن الزمن بشكل دقيق ‪ ،‬ولكنه أعطى فترة زمنية على مدى ‪ 6‬سنوات تقريبا ‪،‬‬
‫ليترك المجال لجريان السباب والمسّببات ‪ ،‬التي من شأنها أن تترجم النبوءة‬
‫على أرض الواقع ‪ ،‬دون تعطيل من البشر ‪ ،‬من جّراء العلم المسبق بحيثياتها ‪.‬‬
‫ولو تمعّنا في التعقيب الخير في الية )‪ ، (7‬الذي جاء فيها على مجمل ‪ ،‬ما‬
‫أخبر عنه سبحانه في اليات السابقة لها ‪ ،‬ستجد أن هناك حكمة إلهية ‪ ،‬من‬
‫ف البشرى للمؤمنين ‪،‬‬ ‫الخبار عن شأن هذا الحدث المستقبلي ‪ .‬أل وهي ز ّ‬
‫بحتمية النصر مستقبل ‪ ،‬فكما تحّققت هذه النبوءة وهذا الوعد ‪ ،‬على أرض‬
‫الواقع ‪ ،‬فسُينجز ال كل ما وعد به في كتابه الكريم ‪ ،‬ليزداد المؤمنون إيمانا‬
‫ويقينا ‪ ،‬بصدق كل ما حواه هذا الكتاب ‪ ،‬من شأن الدنيا والخرة ‪ ،‬ماضيا‬
‫وحاضرا ومستقبل ‪ ،‬وصدق من أنزله ‪ ،‬وصدق وأمانة من ُأرسل به ‪ ،‬هدى‬
‫ورحمة للعالمين ‪.‬‬
‫وتراوحت غايات الخبار عن أنباء المستقبل ‪ ،‬ما بين البشارة والنذارة ‪ ،‬وأهم‬
‫النباء المستقبلية ‪ ،‬التي يريد رب العزة أن يتيقن منها الناس ‪ ،‬هي اليوم‬
‫الخر ‪ ،‬بما فيه من بعث وحساب وثواب وعقاب ‪ ،‬وهذه الحقيقة تكاد ل تخلو‬
‫أي من سور القرآن ‪ ،‬من ذكرها والتذكير بها ‪ ،‬إذ أن مؤدى إنكار اليوم‬
‫الخر ‪ ،‬حتى ولو ُقرن مع اليمان بال ‪ ،‬هو عبث وعبثية ‪ ،‬لُيصبح إحسان‬
‫صل عليه من مكاسب دنيوية فقط ‪ ،‬وبذلك يفسد الناس‬ ‫النسان ‪ ،‬مرتبط بما يتح ّ‬
‫وتفسد الرض ‪ ،‬فيحل بهم الهلك ‪ ،‬ولذلك عّقب سبحانه ‪ ،‬بعد الخبار عن هذه‬
‫ن اْلحََياِة‬
‫ظاِهًرا ِم َ‬
‫ن َ‬
‫ن )‪َ (6‬يْعَلُمو َ‬‫س لَ َيْعَلُمو َ‬
‫ن َأْكَثَر الّنا ِ‬
‫النبوءة بقوله ) … َوَلِك ّ‬
‫ن )‪ 7‬الروم ( ‪.‬‬ ‫غاِفُلو َ‬
‫خَرِة ُهْم َ‬ ‫لِ‬ ‫نا ْ‬
‫عِ‬‫الّدْنَيا ‪َ ،‬وُهْم َ‬

‫‪418‬‬
‫وقد جاءت أخبار النبوءات المستقبلية في القرآن والسّنة مسبقا ‪ ،‬لتتحّقق في‬
‫أزمان يكون المؤمنين فيها ‪ ،‬بأمس الحاجة لما يقوي إيمانهم ‪ ،‬وُيثّبتهم على‬
‫دينهم ‪ ،‬ويشّد من أزرهم ‪ ،‬في مواجهة أهل الكفر والفسوق والعصيان ‪ ،‬كما هو‬
‫الحال مع النبوءة السابقة ‪ .‬وجاءت أيضا لتتحّقق في أزمان يكاد فيها اليمان ‪،‬‬
‫أن يلفظ أنفاسه الخيرة ‪ ،‬لُتعيد له الحياة في قلوب أصحابه ‪ ،‬ولينفضوا ما علق‬
‫بأرواحهم ‪ ،‬وما أغشى أبصارهم وبصائرهم ‪ ،‬من رماد هذه الدنيا ‪ ،‬التي‬
‫أوشكت على الفناء ‪ .‬فإذا ما عاصر الناس ‪ ،‬تحّقق نبوءة على أرض الواقع ‪،‬‬
‫مما أخبر به القرآن ‪ ،‬أثبت هذا القرآن للناس ‪ ،‬بشكل قاطع وملموس محسوس ‪،‬‬
‫بأنه من لدن حكيم عليم ‪ ،‬عالم للغيب والشهادة ‪ ،‬وأن ل بد للناس من المثول‬
‫بين يديه ‪ ،‬فالموت ليس نهاية المطاف ‪ ،‬بل هو بداية رحلة ل نهاية لها ‪ ،‬من‬
‫الشقاء أو من السعادة ‪.‬‬
‫سورة الكهف ‪:‬‬
‫كنت قد قرأت فيما سبق ‪ ،‬بعضا من كتب العجاز العددي في القرآن ‪ ،‬ومن‬
‫ضمنها كتاب بسام جرار بعنوان ) إعجاز الرقم ‪ ، ( 19‬حيث قال بسام جرار‬
‫فيه ‪:‬‬
‫)) كنت أقرأ سورة الكهف ‪ ،‬فخطر ببالي أن أحصي الكلمات ‪ ،‬من بداية قصة‬
‫ف َوالّرِقيِم ( ‪ ،‬وعندما وصلت إلى الية )‬ ‫ب اْلَكْه ِ‬
‫حا َ‬
‫صَ‬‫ن َأ ْ‬
‫ت َأ ّ‬
‫سْب َ‬
‫ح ِ‬
‫الكهف ) َأْم َ‬
‫‪َ ) : (25‬وَلِبُثوا ِفي َكْهِفِهْم ( ‪ ،‬وإذا بالكلمة ‪ ،‬التي تأتي بعد هذه العبارة‬
‫مباشرة ‪ ،‬هي الكلمة رقم )‪ ، (309‬ونحن نعلم أنهم لبثوا في كهفهم )‪(309‬‬
‫سنوات ‪ ،‬كما نص القرآن الكريم (( ‪ .‬كان هذا نقل حرفيا ‪ ،‬لما جاء في‬
‫الكتاب ‪ ،‬وكان هذا الكتاب ‪ ،‬سابقا لكتاب ) زوال إسرائيل ( بعدة سنوات ‪.‬‬
‫عندما قرأت هذه المعلومة ‪ ،‬أحببت أن أتأكد من صحتها ‪ ،‬فقمت بإجراء نفس‬
‫عملية الحصاء آنذاك ‪ ،‬فتبّين لي صحة الخبر ‪ .‬ظننت في بادئ المر ‪ ،‬أن‬
‫المقصود هو إظهار التوافق العددي اللغوي ‪ ،‬ما بين عدد السنين التي لبثها‬
‫هؤلء الفتية في الكهف ‪ ،‬وعدد كلمات القصة التي تروي خبرهم ‪ ،‬وهو بحّد‬
‫ذاته شيء جميل وعجيب ‪ .‬ولكن عندما رغبت في البحث ‪ ،‬في مسألة زوال‬
‫إسرائيل فيما بعد ‪ ،‬حيث لم أقتنع بحسابات بسام جرار ‪ ،‬أصبح لهذا المثال‬
‫ى أخرا ‪.‬‬
‫المطروح في سورة الكهف ‪ ،‬معن ً‬

‫‪419‬‬
‫تصّفحت سورة السراء مرارا وتكرارا ‪ ،‬ولفت انتباهي أن موضوع السورة‬
‫بشكل عام ‪ ،‬هم بني إسرائيل أنفسهم ‪ " ،‬وبني إسرائيل " هو السم التوقيفي‬
‫للسورة ‪ ،‬كما ورد في جميع الحاديث والروايات ‪ ،‬التي جاءت على ذكرها ‪،‬‬
‫وأما ما ُترّكز عليه السورة بشكل خاص ‪ ،‬هو قصة المرتين ‪ ،‬وما فيهما من‬
‫إفساد وعلو ووعد كل منهما ‪ ،‬والملحظ أن القصة لها بداية ولها نهاية ‪ .‬قمت‬
‫بالمقارنة بين القصتين ‪ ،‬وفي مخيلتي تساؤل مفاده ‪ ،‬أليس من الممكن أن يكون‬
‫سبحانه ‪ ،‬قد طرح هذا المثال الموجود في سورة الكهف ‪ ،‬لكي نقوم بتطبيقه في‬
‫سورة السراء ‪ ،‬لستخراج موعد هلك بني إسرائيل في المرة الثانية ‪.‬‬
‫وجعلنا لمهلكهم موعدا ‪:‬‬
‫ُترّكز سورة السراء بشكل كبير ‪ ،‬على ذكر وعد الخرة ‪ ،‬وهو وعد بهلك‬
‫بني إسرائيل وزوال دولتهم ‪ ،‬وهذا الوعد له موعد ‪ ،‬ويقول سبحانه وتعالى في‬
‫جَعَل‬‫ن َن ْ‬‫عْمُتْم َألّ ْ‬
‫سورة الكهف ‪ ،‬التي تلي سورة السراء مباشرة ) … ‪َ ،‬بْل َز َ‬
‫ك اْلُقَرى َأْهَلْكَناُهْم َلّما‬‫عٌد ‪َ (58) … ،‬وِتْل َ‬
‫عًدا )‪َ ، … (48‬بْل َلُهْم َمْو ِ‬ ‫َلُكْم مَْو ِ‬
‫عًدا )‪ ، (59‬هذا التكرار لكلمة موعد ‪ ،‬والتأكيد‬ ‫جَعْلَنا ِلَمْهِلِكِهْم َمْو ِ‬
‫ظَلُموا ‪َ ،‬و َ‬ ‫َ‬
‫على أن هناك موعد ‪ ،‬أمر ملفت للنظر ‪ .‬حاولت في البداية إيجاد أوجه الشبه‬
‫عّدت إلى سورة الكهف ‪ ،‬وقمت بدارسة وتحليل المثال‬ ‫بين السورتين ‪ ،‬ومن ثم ُ‬
‫المطروح فيها ‪ ،‬فوجدت نفسي أمام درس إلهي ‪ ،‬في رياضات من نوع آخر ‪.‬‬
‫خرجت منه بعدة قواعد رياضية ‪ ،‬فتملكني شعور آنذاك ‪ ،‬أن هذا المثال ‪ ،‬إنما‬
‫ُوضع ليكون بمثابة مفتاح ‪ ،‬للكشف عن موعد هلك بني إسرائيل ‪ ،‬في سورة‬
‫السراء ‪.‬‬
‫قصة أصحاب الكهف ‪:‬‬
‫بعد إطلعي على قصة أصحاب الكهف ‪ ،‬من خلل كتاب ) أهل الكهف ( ‪،‬‬
‫لحدى دور النشر الردنية – ل أذكر اسم المؤلف ‪ -‬الذي يؤكد فيه المؤلف ‪،‬‬
‫أن الكهف المعني ‪ ،‬هو الكهف الموجود ‪ ،‬بالقرب من مدينة مادبا الردنية ‪،‬‬
‫وأن أحداث القصة ‪ ،‬وقعت بعد وفاة عيسى عليه السلم ‪ ،‬وقبل بعث محمد‬
‫عليه الصلة والسلم ‪ ،‬حيث كانت المبراطورية الرومانية الوثنية آنذاك ‪،‬‬
‫مسيطرة على المنطقة ‪ ،‬وأن القضية التي كانت مطروحة آنذاك ‪ ،‬هي مسألة‬

‫‪420‬‬
‫البعث بعد الموت ‪ ،‬التي كان ينكرها الوثنّيون الرومانيون ‪ ،‬واليهود الخاضعين‬
‫لسيطرتهم كذلك ‪.‬‬
‫والحكمة من جّراء تنويمهم ‪ ،‬ومن ثم بعثهم ‪ ،‬ومن ثم العثور عليهم من قبل أهل‬
‫المدينة ‪ ،‬كانت لثبات البعث بعد الموت ‪ ،‬لدى ُأناس ذلك العصر ‪ ،‬من وثنيون‬
‫عَثْرَنا‬ ‫ك َأ ْ‬
‫ويهود ‪ ،‬وهذا ما ُيخبر عنه سبحانه وتعالى صراحة ‪ ،‬في قوله ) َوَكَذِل َ‬
‫عو َ‬
‫ن‬ ‫ب ِفيَها ‪ِ ،‬إْذ َيَتَناَز ُ‬‫عَة َل َرْي َ‬
‫سا َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫ق ‪َ ،‬وَأ ّ‬‫حّ‬‫ل َ‬ ‫عَد ا ِّ‬‫ن َو ْ‬ ‫عَلْيِهْم ‪ِ ،‬لَيْعَلُموا َأ ّ‬
‫َ‬
‫َبْيَنُهْم َأْمَرُهْم … )‪ (21‬أي أن ال أعثر ُأناس تلك المدينة المجاورة للكهف ‪،‬‬
‫ن‬
‫ق _ بالبعث بعد الموت _ َوَأ ّ‬ ‫حّ‬ ‫ل َ‬ ‫عَد ا ِّ‬‫ن َو ْ‬
‫لكي يعلم أولئك الناس ‪ ،‬بش ) َأ ّ‬
‫ب ِفيَها ( ‪ .‬ومجيء قصة أصحاب الكهف في القرآن ‪ ،‬لم يكن في‬ ‫عَة َل َرْي َ‬ ‫سا َ‬
‫ال ّ‬
‫الصل ‪ ،‬لطرح التساؤلت عن عددهم وعن مدة لبثهم ‪ ،‬فهذا أمر ل طائل منه‬
‫ظاِهرًَا‬ ‫ل ُتَماِر ِفيِهْم ِإّل ِمَراًء َ‬ ‫ول فائدة فيه ‪ ،‬فهو سبحانه ينهى عن ذلك بقوله ) َف َ‬
‫حَدًا )‪ 22‬الكهف ( ‪ ،‬وقد قّرر سبحانه عددهم ‪ ،‬بقوله )‬ ‫ت ِفيِهْم ِمْنُهْم َأ َ‬‫سَتْف ِ‬
‫َوَل َت ْ‬
‫عَلُم ِبِعّدِتِهْم َما َيْعَلُمُهْم ِإّل َقِليٌل ) ‪22‬‬
‫سْبَعٌة َوَثاِمُنُهْم َكْلُبُهْم ُقْل َرّبي َأ ْ‬‫ن َ‬ ‫َوَيُقوُلو َ‬
‫الكهف ( ‪ ،‬إذ استثنى هذه العبارة من قوله ) رجما بالغيب ( ‪ ،‬واقتصرها على‬
‫القوال السابقة فقط ‪ .‬وأما مدة لبثهم فقد قّررها في قوله ) َوَلِبُثوا ِفي َكْهِفِهْم‬
‫عَلُم ِبَما َلِبُثوا ‪َ ،‬لُه‬‫ل َأ ْ‬
‫سًعا )‪ ، (25‬وقوله ) ُقِل ا ُ‬ ‫ن َواْزَداُدوا ِت ْ‬ ‫سِني َ‬
‫ث ِماَئٍة ِ‬ ‫ل َ‬‫َث َ‬
‫ض )‪ 26‬الكهف ( ‪ ،‬تأكيد على أن ما أخبر عنه ‪ ،‬من مدة‬ ‫ت َوالَْْر ِ‬ ‫سَمَوا ِ‬ ‫غْيبُ ال ّ‬ ‫َ‬
‫لبثهم هو الحق ‪ ،‬فهو أعلم بغيب الماضي والمستقبل ‪ ،‬كما أكّد على إخباره عن‬
‫عّدتهم فيما سبق ‪.‬‬
‫ل ُيمكن إحصاء عدد السنين ‪:‬‬
‫نخلص من ذلك ‪ ،‬إلى أن المسألة المراد التركيز عليها ‪ ،‬هي شيء آخر غير‬
‫إحصاء عددهم أو مدة لبثهم ‪ ،‬هي إشارات لدرس رائع في الرياضيات اللهية ‪،‬‬
‫خص سبحانه القصة‬ ‫ولتوضيح هذا الدرس ‪ ،‬سنبدأ مع بداية القصة ‪ ،‬حيث ل ّ‬
‫ف َوالّرِقيِم َكاُنوا‬ ‫ب اْلَكْه ِ‬‫حا َ‬
‫صَ‬ ‫ن َأ ْ‬‫ت َأ ّ‬
‫سْب َ‬
‫ح ِ‬ ‫كاملة في أربع آيات ‪ ،‬في قوله ) َأْم َ‬
‫ن َلُدْن َ‬
‫ك‬ ‫ف َفَقاُلوا َرّبَنا َءاِتَنا ِم ْ‬
‫جًبا )‪ِ (9‬إْذ َأَوى اْلِفْتَيُة ِإَلى اْلَكْه ِ‬ ‫عَ‬ ‫ن َءاَياِتَنا َ‬‫ِم ْ‬
‫ن‬
‫سِني َ‬
‫ف ِ‬ ‫عَلى َءاَذاِنِهْم ِفي اْلَكْه ِ‬ ‫ضَرْبَنا َ‬‫شًدا )‪َ (10‬ف َ‬ ‫ن َأْمِرَنا َر َ‬ ‫ئ َلَنا ِم ْ‬ ‫حَمًة َوَهّي ْ‬‫َر ْ‬
‫صى ِلَما َلِبُثوا َأَمًدا )‪ ، (12‬هذا‬ ‫ح َ‬ ‫ن َأ ْ‬
‫حْزَبْي ِ‬
‫ي اْل ِ‬
‫عَدًدا )‪ُ (11‬ثّم َبَعْثَناُهْم ِلَنْعَلَم َأ ّ‬ ‫َ‬
‫خص يقول ‪ :‬أن أصحاب الكهف فتية ‪ ،‬لجئوا إلى الكهف ‪ ،‬وطلبوا من ربهم‬ ‫المل ّ‬
‫أن يرحمهم ‪ ،‬وأن ُيهيئ لهم سبيل للنجاة من قومهم ‪ ،‬فأسلمهم سبحانه للنوم في‬
‫‪421‬‬
‫الكهف ‪ ،‬عددا من السنين ‪ ،‬ثم بعثهم ‪ ،‬ثم عّلل أمر نومهم ثم بعثهم ‪ ،‬بأنه يريد‬
‫ص مدة لبثهم في الكهف ‪ ،‬من عدد السنين ‪.‬‬ ‫أن يعلم ‪ ،‬من أحصى ممن لم ُيح ِ‬
‫وتعليل النوم والبعث حقيقة ‪ ،‬كنا قد أوضحناه سابقا ‪ ،‬ولكن الملفت للنظر هنا‬
‫هو تعليل البعث ‪ ،‬في بداية القصة على غير الوجه الحقيقي له ‪ ،‬بقوله تعالى‬
‫) لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا ( ‪ ،‬إذ ل ُيعقل أن يكون المقصد‬
‫صها ‪ .‬وفي الواقع ‪ ،‬فإن‬‫الحقيقي ‪ ،‬هو معرفة من أحصى مدة اللبث ممن لم ُيح ِ‬
‫صل بالحساب ‪ .‬ولو‬ ‫المد ) أي الفترة الزمنية ( ل ُيحصى إحصاًء ‪ ،‬وإنما يتح ّ‬
‫فّكرت في معنى الحصاء رياضيا ‪ ،‬لوجدت أن هذا الذي جاء في اليتين ‪،‬‬
‫غير منطقي من الناحية الرياضية العملية ‪ ،‬فعملية الحصاء والعّد ل يمكن‬
‫القيام بها ‪ ،‬إل إذا كان المراد إحصاءه أو عّده ‪ ،‬ماثل أمامك عيانا ‪ ،‬كأن‬
‫تحصي مجموعة من الشياء ‪ .‬أما أن تحصي شيئا ‪ ،‬ل تلمسه بيديك أو تراه‬
‫بعينيك ‪ ،‬فهذا أمر مستحيل ‪ .‬وأما بالنسبة للسنين ‪ ،‬فل ُيمكن بأي حال من‬
‫الحوال إحصائها أيضا ‪ ،‬لنها ليست أشياء قابلة للعّد ‪ ،‬وإنما تتحصل معرفتها‬
‫بالحساب ‪ ،‬فهي نتيجة لجمع عدد من الشهور ‪ ،‬والشهور نتيجة لعدد من اليام ‪،‬‬
‫وعلى سبيل المثال ‪ ،‬إذا أردت معرفة عمر شخص ما ‪ ،‬أو عمر ُأّمة ما ‪ ،‬فما‬
‫ستقوم به هو عملية طرح للتواريخ ‪ ،‬لتحصيل عدد السنين ‪ ،‬التي ُتمّثل عمر‬
‫ذلك الشخص ‪ ،‬أو عمر تلك المة ‪.‬‬
‫الحصاء لمدة اللبث ‪:‬‬
‫وبالتالي نستطيع القول بأن هذا التركيب اللغوي ‪ ،‬جاء ليلفت انتباهنا إلى ما‬
‫جاء في هذه القصة ‪ ،‬من إعجاز عددي لغوي ‪ ،‬ولحصاء أشياء ماثلة أمام‬
‫أعيننا ‪ ،‬أل وهي كلمات القصة ‪ ،‬التي توافق عدد السنين ‪ ،‬التي لبثها أصحاب‬
‫الكهف في كهفهم ‪ ،‬والتي إن قمت بإحصاءها ‪ ،‬ستكون في الحقيقة قمت بعّد‬
‫مدة اللبث بالسنين ‪ ،‬لن عدد الكلمات يوافق عدد السنين ‪ ،‬ويقول سبحانه تعقيبا‬
‫ض(‪،‬‬ ‫ت َواَْلْر ِ‬ ‫سَمَوا ِ‬‫ب اْل ّ‬
‫غْي ُ‬
‫على هذا العجاز ‪ ،‬فيما يلي القصة من آيات ) َلُه َ‬
‫سِمْع )‬ ‫صْر ِبِه َوَأ ْ‬
‫أي ما كشفه من شأن هؤلء الفتية من غيب الماضي ‪َ ) ،‬أْب ِ‬
‫ث على إمعان النظر ‪ ،‬فيما بين يديك من إعجاز ‪ ،‬وكشفه‬ ‫‪ (26‬وكأنه ح ّ‬
‫والخبار عنه ‪ ،‬ويؤكد سبحانه من خلل هذا التوافق العددي أن ) ل ُمَبّدَل‬
‫ِلَكِلَماِته ) ‪ 27‬الكهف ( ‪ ،‬كما أكّد أيضا في سورتي النعام ويونس بقوله ) َوَل‬
‫ل )‪ (64‬ليتبين لك أن ل تبديل‬ ‫ت ا ِّ‬
‫ل )‪ ) ، (34‬لَ َتْبِديَل ِلَكِلَما ِ‬
‫ت ا ِّ‬
‫ُمَبّدَل ِلَكِلَما ِ‬
‫‪422‬‬
‫لمواقع الكلمات فيه ‪ ،‬ول زيادة فيه ول نقص ‪ ،‬وهذا ما تثبته هذه السورة ‪،‬‬
‫ن َنّزْلَنا اْلّذْكَر َوِإّنا َلُه‬
‫حُ‬
‫وسورة السراء أيضا ‪ ،‬مصداقا لقوله تعالى ) ِإّنا َن ْ‬
‫لًفا‬
‫خِت َ‬
‫جُدوا ِفيِه ا ْ‬ ‫ل َلَو َ‬‫غْيِر ا ِّ‬
‫عْنِد َ‬‫ن ِ‬ ‫ن ِم ْ‬
‫ن )‪ 9‬الحجر ( ‪ ،‬وقوله ) َوَلْو َكا َ‬ ‫ظو َ‬‫حاِف ُ‬
‫َل َ‬
‫َكِثيًرا )‪ 82‬النساء ( ‪.‬‬
‫يقول سبحانه ) أحصى لما لبثوا أمدا ( ‪ ،‬نتبين من ذلك ‪ ،‬أن المراد هو إجراء‬
‫عملية إحصاء أو عّد ‪ ،‬وأن المراد إحصاؤه _ حسب ظاهر النص القرآني ‪ -‬هو‬
‫مدة اللبث ‪ ،‬وبما أن إحصاء مدة اللبث ُمتعّذر ‪ ،‬فالحصاء سيكون لشياء ُتمّثل‬
‫هذه المّدة ‪ ،‬أل وهي الكلمات الماثلة أمامنا ‪ ،‬والتي ُتشكل أحداث القصة ‪،‬‬
‫لنستطيع من خلل إحصائها ‪ ،‬معرفة عدد سنين مدة اللبث ‪ ،‬وكأنه سبحانه أراد‬
‫أن ُيعلمنا درسا رياضيا ‪ ،‬نستطيع من خلل القواعد التي سنستنبطها منه ‪ ،‬من‬
‫استخراج عدد السنين لمدة لبث ُأناس ‪ ،‬قد سبق ذكرهم في السورة التي سبقت‬
‫سورة الكهف ‪ ،‬وهذا يعني أن مدة لبثهم لها نهاية بهلكهم ‪ ،‬والمشار إليها بوعد‬
‫الخرة ‪.‬‬
‫طريقة العّد في سورة الكهف ‪:‬‬
‫ف‪ … … 5‬وََلِبُثوا ‪ِ 306‬فـي ‪َ 307‬كْهِفـِهْم‪) 308‬‬ ‫ب‪ 4‬اْلَكْه ِ‬
‫حا َ‬
‫صَ‬ ‫ن‪َ 3‬أ ْ‬‫ت‪َ 2‬أ ّ‬
‫سْب َ‬ ‫) َأْم‪َ 1‬‬
‫ح ِ‬
‫سًعا (‪(25)309‬‬‫ن َواْزَداُدوا ِت ْ‬
‫سِني َ‬
‫ث ِماَئٍة ِ‬
‫ل َ‬
‫َث َ‬
‫تبدأ القصة من الية )‪ ، (9‬بعبارة ) أم حسبت ( وتنتهي في الية )‪ ، (25‬بعبارة‬
‫) ثلثمائة سنين وازدادوا تسعا ( ‪ .‬نلحظ أن كلمة ) كهفهم ( تحمل العدد )‬
‫‪ ، ( 308‬وأن العدد الذي يلي العدد )‪ ، (308‬هو )‪ ، (309‬وبدل من أن ينتهي‬
‫العّد عند الكلمة ‪ ،‬التي تلي كلمة ) كهفهم ( مباشرة ‪ ،‬بقولنا ‪ :‬ثلثمائة وتسعة ‪،‬‬
‫جاء سبحانه بعبارة ‪ ،‬تحكي العدد نفسه بالكلمات ‪ ) ،‬ثلثمائة سنين وازدادوا‬
‫تسعا ( ‪ ،‬لتحمل العبارة كاملة ‪ ،‬العدد ) ‪. ( 309‬‬
‫وقوله سبحانه ) ثلثمائة سنين وازدادوا تسعا ( ‪ ،‬وعدم قوله ) تسع وثلثمائة (‬
‫‪ ،‬جاءت لُيعّلمنا قاعدة حسابية ‪ ،‬لحساب الفرق بين السنين الشمسية والسنين‬
‫القمرية ‪ ،‬بإضافة ‪ 3‬سنوات لكل ‪ 100‬شمسية ‪ ،‬لنحصل على ما ُيعادلها‬
‫بالقمرية ‪ ،‬حيث أن كل )‪ (100‬سنة شمسية ‪ ،‬تعادل )‪ (103‬سنوات قمرية‬
‫تقريبا ‪ .‬ومفاد هذه العبارة أنهم لبثوا )‪ (300‬سنة شمسية ‪ ،‬و )‪ (309‬سنة قمرية‬
‫‪ ،‬والهم من ذلك أن عدد الكلمات جاء متفقا ‪ ،‬مع مدة لبثهم بالسنين القمرية ‪،‬‬
‫‪423‬‬
‫أي أن كل كلمة مّثلت سنة قمرية ل شمسية ‪ .‬وبناء على ذلك ‪ ،‬وعند استخدام‬
‫هذه الطريقة ‪ ،‬في سورة السراء سنتعامل ‪ ،‬مع السنين القمرية ‪.‬‬
‫قواعد الحصاء في سورة الكهف ‪:‬‬
‫‪ .1‬الحصاء للكلمات ‪ ،‬إذ ل ُيمكن إحصاء السنين ‪.‬‬
‫‪ .2‬الكلمة لغة ‪ ،‬هي التي تتكون من حرفين فما فوق ‪.‬‬
‫‪ .3‬بداية العّد كانت من بداية قصة أصحاب الكهف ‪.‬‬
‫‪ .4‬قصة أصحاب الكهف سبقتها مقدمة ‪ ،‬تكّونت من ‪ 8‬آيات ‪ .‬وعملية العّد لم‬
‫تشملها ‪.‬‬
‫‪ .5‬أن بعض اليات التي وردت ضمن القصة ‪ ،‬دخلت كلماتها في العّد ‪ ،‬مع‬
‫أن علقتها بالقصة ليست ظاهرة ‪ ،‬كاليات ) ‪. ( 24 ، 23‬‬
‫‪ .6‬أن نهاية العّد كان بانتهاء القصة ‪.‬‬
‫‪ .7‬أن عدد الكلمات ‪ ،‬توافق مع عدد السنين ‪ ،‬التي لبثوها في الكهف ‪ ،‬إذ أن‬
‫كل كلمة تمثل سنة ‪.‬‬
‫‪ .8‬أن كل كلمة ‪ ،‬تمّثل سنة قمرية ‪ ،‬ذلك لن نتيجة العّد كانت ‪ 309‬كلمات ‪،‬‬
‫قد توافقت مع مدة لبثهم بالسنين القمرية ‪.‬‬
‫قابلية هذا المثال للتطبيق على سورة السراء ‪:‬‬
‫عَدًدا )‪ُ (11‬ثّم َبَعْثَناُهمْ‬
‫ن َ‬
‫سِني َ‬
‫ف ِ‬
‫عَلى َءاَذاِنِهْم ِفي اْلَكْه ِ‬
‫ضَرْبَنا َ‬
‫قال تعالى ) َف َ‬
‫صى ِلَما َلِبُثوا َأَمًدا )‪ (12‬لو أمعنت النظر فيما تحته ‪،‬‬ ‫ح َ‬‫ن َأ ْ‬
‫حْزَبْي ِ‬
‫ي اْل ِ‬
‫ِلَنْعَلَم َأ ّ‬
‫لوجدت أن الظاهر يقول ‪ ،‬أن بعثهم كان لن ال سبحانه وتعالى ‪ ،‬أراد أن يعلم‬
‫أي الحزبين أحصى ! أحصى ماذا ؟ أحصى مدة ما لبثوا في الكهف من عدد‬
‫السنين ‪ .‬أي أن المراد من الحصاء هو معرفة عدد السنين ‪ .‬في المقابل نجد‬
‫في الية )‪ (12‬من سورة السراء عبارة تقول ) ولتعلموا عدد السنين والحساب‬
‫( ‪ ،‬للشارة إلى أن السورة ‪ ،‬تحمل بين ثناياها معرفة لعدد سنين ‪ ،‬تتحصل‬
‫ص ُأناس سبق ذكرهم فيما ورد من آيات ‪ ،‬سبقت هذه‬ ‫بالعّد والحساب ‪ ،‬تخ ّ‬
‫العبارة ‪.‬‬

‫‪424‬‬
‫وللفت النتباه إلى أن الحصاء متعلق بمدة اللبث ‪ ،‬تكّرر ِذكر مشتقات هذه‬
‫الكلمة )‪ (6‬مرات في سورة الكهف ‪ ،‬وهي ) َلِبُثوا ‪َ ،‬لِبْثُتْم ‪َ ،‬لِبْثَنا ‪َ ،‬لِبْثُتْم ‪،‬‬
‫َوَلِبُثوا ‪َ ،‬لِبُثوا ( في اليات ) ‪ . ( 12،19،25،26‬وفي المقابل نجد أن مشتقات‬
‫ن ِإ ْ‬
‫ن‬ ‫هذه الكلمة ‪ ،‬تكّررت مرتين في سورة السراء ‪ ،‬في قوله سبحانه ) َوَتظُّنو َ‬
‫ل )‪ُ ، (76‬يقال أن‬ ‫ك ِإّل َقِلي ً‬ ‫لَف َ‬‫خَ‬ ‫ن ِ‬‫ل )‪ (52‬وقوله ) َوِإًذا لَ َيْلَبُثو َ‬ ‫َلِبْثُتْم ِإّل َقِلي ً‬
‫المقصودين في هاتين اليتين هم مشركي قريش حصرا ‪ ،‬وهذا القول غير‬
‫صريح ‪ .‬ولو أنك تتبعت النص منذ البداية ‪ ،‬لوجدت أن القول الول قيل‬
‫لمنكري البعث ‪ ،‬وعلى رأس القائمة في إنكار البعث هم اليهود ‪.‬‬
‫حْيَنا‬
‫ن اّلِذي َأْو َ‬ ‫عِ‬ ‫ك َ‬ ‫ن َكاُدوا َلَيْفِتُنوَن َ‬ ‫ولو أنك تتبعت النص من قوله تعالى ) َوِإ ْ‬
‫ك ِمْنَها ‪َ ،‬وِإًذا َل َيْلَبُثو َ‬
‫ن‬ ‫جو َ‬ ‫خِر ُ‬‫ض ‪ ،‬لُِي ْ‬
‫ن الَْْر ِ‬ ‫ك ِم َ‬‫سَتِفّزوَن َ‬
‫ن َكاُدوا َلَي ْ‬‫ك … َوِإ ْ‬ ‫ِإَلْي َ‬
‫ل )‪ ، (76‬لوجدت أن القول الثاني قيل في اليهود حصرا ‪ ،‬حيث‬ ‫ك ِإّل َقِلي ً‬
‫لَف َ‬
‫خَ‬ ‫ِ‬
‫تؤكد معظم الروايات أن هذه اليات مدنية ‪ ،‬ولو تمعّنت في قوله تعالى ) وإن‬
‫كادوا ليفتنونك ( وتساءلت عمن له القدرة ‪ ،‬على فتنة الرسول عليه الصلة‬
‫والسلم ‪ ،‬أهم أهل الكتاب أم عبدة الصنام ! ولو تمعّنت في قوله تعالى ) وإن‬
‫كادوا ليستفّزونك من الرض لُيخرجوك منها ( وتساءلت عمن حاولوا استفزاز‬
‫الرسول عليه الصلة والسلم ‪ ،‬لخراجه ولم ُيكتب لهم النجاح ! لو قلت أنهم‬
‫اليهود ‪ ،‬عندما أرادوا منه أن يخرج معهم ‪ ،‬من أرض الجزيرة ككل إلى‬
‫الرض المقّدسة ‪ ،‬لُيعيد لهم ملكهم المنقرض ‪ ،‬لكان ذلك أقرب إلى العقل‬
‫والمنطق ‪ ،‬وهناك روايات تؤكد ذلك ‪ .‬ولو قلت أنهم مشركي قريش ‪ ،‬فقد‬
‫جانبت الصواب ‪ ،‬لنهم قد استفّزوه بالفعل ‪ ،‬وأخرجوه من بلدته حقيقة ‪.‬‬
‫أوجه التشابه ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬ذكر أحد مشتقات لفظ اللبث في السورتين ‪ ،‬وهو لفظ يأتي أينما ورد في‬
‫عاٍم )‪ 259‬البقرة ( ‪) ،‬‬ ‫ت ِماَئَة َ‬ ‫القرآن ‪ ،‬للشارة إلى مدة زمنية ‪َ ) ،‬قاَل َبْل َلِبْث َ‬
‫ن )‪40‬‬ ‫ن ِفي َأْهِل َمْدَي َ‬‫سِني َ‬
‫ت ِ‬‫ن )‪ 42‬يوسف ( ‪َ ) ،‬فَلِبْث َ‬ ‫سِني َ‬‫ضَع ِ‬ ‫ن ِب ْ‬ ‫جِ‬ ‫سْ‬ ‫ث ِفي ال ّ‬‫َفَلِب َ‬
‫سِني َ‬
‫ن‬ ‫عَدَد ِ‬ ‫ض َ‬‫شًرا )‪ 103‬طه ( ) َقاَل َكْم َلِبْثُتْم ِفي اَْلْر ِ‬ ‫ع ْ‬ ‫ن َلِبْثُتْم ِإلّ َ‬
‫طه ( ‪ِ ) ،‬إ ْ‬
‫عاًما )‪ 14‬العنكبوت ( ‪.‬‬ ‫ن َ‬‫سي َ‬‫خْم ِ‬ ‫سَنٍة ِإّل َ‬ ‫ف َ‬‫ث ِفيِهْم َأْل َ‬
‫)‪ 112‬المؤمنون ( ‪َ ) ،‬فَلِب َ‬
‫عَدًدا …‬ ‫ن َ‬‫سِني َ‬
‫ثانيا ‪ :‬ذكر لفظ ُيشير إلى الحصاء أو العّد في السورتين ‪ِ ) ،‬‬
‫ب ( في‬ ‫سا َ‬‫ح َ‬‫ن َواْل ِ‬
‫سِني َ‬
‫عَدَد ال ّ‬
‫صى ِلَما َلِبُثوا َأَمًدا ( في الكهف ‪َ ) ،‬وِلَتْعَلُموا َ‬ ‫ح َ‬‫َأ ْ‬
‫السراء ‪ ،‬بإضافة لفظ الحساب ‪.‬‬
‫‪425‬‬
‫سورة السراء ‪:‬‬
‫ما سنقوم بإحصائه هو الكلمات ‪ ،‬في قصة المرتين ووعديهما ‪ ،‬والتركيز في‬
‫المجمل ‪ -‬كما سبق وأشرنا في فصل التفسير ‪ -‬كان على المرة الثانية ووعدها ‪.‬‬
‫وهذه الكلمات التي سنقوم بعّدها أو بإحصائها ‪ ،‬تمثل مدة ُلبث اليهود بالسنين‬
‫القمرية ‪.‬‬
‫جاء في بداية سورة السراء ‪ ،‬مقّدمة تمهيدية مكونة من ثلث آيات ‪ ،‬ومن ثم‬
‫سراِئيَل ِفي‬ ‫ضْيَنا ِإَلى َبِني إ ْ‬
‫تبدأ رواية القصة من الية ) ‪ ، ( 4‬بقوله تعالى ) َوَق َ‬
‫عُلّوا َكِبيًرا )‪ ، (4‬وتنتهي في الية )‬ ‫ن ُ‬‫ن َوَلَتْعُل ّ‬‫ض َمّرَتْي ِ‬
‫ن ِفي اَْلْر ِ‬ ‫سُد ّ‬
‫ب َلُتْف ِ‬‫اْلِكَتا ِ‬
‫جاَء‬ ‫سُكُنوا اَْلْرضَ َفِإَذا َ‬ ‫سَراِئيَل ا ْ‬
‫ن َبْعِدِه ِلَبِني ِإ ْ‬
‫‪ ، ( 104‬بقوله تعالى ) َوُقْلَنا ِم ْ‬
‫جْئَنا ِبُكْم َلِفيًفا )‪ . (104‬وإذا قمت بإحصاء الكلمات من عبارة )‬ ‫خَرِة ِ‬‫لِ‬ ‫عُد ا ْ‬
‫َو ْ‬
‫سراِئيَل‪ ، (4) …4‬حتى تصل إلى عبارة ) ِ‬
‫جْئـَنا ِبكُـْم‬ ‫ضْيَنا ‪ِ 1‬إَلى ‪َ 2‬بِني ‪ 3‬إ ْ‬‫َوَق َ‬
‫َلِفيًفا )‪ ، (104‬ستجد أن كلمة ) لفيفا ( تحمل العدد ‪ ، 1422‬وهو عدد كلمات‬
‫القصة ‪ ،‬وهو مما خالفنا به الخ بسام جّرار ‪ ،‬الذي اعتبر بداية القصة من الية‬
‫الثانية ‪.‬‬
‫) ملحظة ‪ :‬لو قمت بعّد كلمات السورة ‪ ،‬من خلل العّد التسلسلي العادي ‪،‬‬
‫ستخطئ مرارا وتكرارا ‪ ،‬فالصوب والسهل هو استخدام الحساب التراكمي ‪،‬‬
‫بحيث تعّد كلمات كل آية بشكل منفرد ‪ ،‬ومن ثم تقوم بجمع كل عشر مع بعضها‬
‫‪ ،‬ومن ثم تقوم بجمع الناتج الكلي ‪ .‬وإن كنت تملك جهاز حاسوب ‪ ،‬ستكون‬
‫عملية غاية في السهولة ‪ ،‬فما عليك إل أن تنقل نص سورة السراء ‪ ،‬من أحد‬
‫برامج القرآن ‪ ،‬كما هو مرسوم بالمصحف ‪ ،‬واستثناء أرقام اليات ‪ ،‬أو‬
‫إلصاقها بالكلمة التي تسبقها ‪ ،‬ومن ثم تظليل نقطة البداية حتى نقطة النهاية ‪،‬‬
‫ومن ثم طلب أمر ) عدد الكلمات ( من قائمة ) أدوات ( ‪ ،‬لتظهر لك النتيجة‬
‫على الفور ( ‪.‬‬
‫صلنا عليه ‪ ،‬هو عدد من السنين القمرية ‪ ،‬التي ربما ُتشير‬ ‫هذا العدد الذي تح ّ‬
‫إلى نهاية مدة لبث بني إسرائيل ‪ ،‬في الرض المذكورة بداية السورة ‪ ،‬أي أن‬
‫نهاية هذا اللبث ‪ ،‬ستكون بعد ‪ 1422‬سنة قمرية ‪ ،‬ومن هنا تكون نقطة النهاية‬
‫معلومة ‪ ،‬بينما نقطة البداية مجهولة ‪.‬‬

‫‪426‬‬
‫فهل ستكون نقطة البداية هي حادثة السراء والمعراج ‪ ،‬أم هو وقت نزول‬
‫سورة السراء ‪ ،‬أم حادثة الهجرة النبوية نفسها ‪ ،‬التي اّتخذت اصطلحا كنقطة‬
‫بداية للتقويم الهجري ‪ ،‬ال أعلم ؟!‬
‫حيث ورد في كتاب ) الكامل في التاريخ ( للشيباني ‪ ،‬ما نصه ‪ " :‬والصحيح‬
‫المشهور أن عمر بن الخطاب رضي ال عنه ‪ ،‬أمر بوضع التاريخ ‪ ،‬وسبب‬
‫ذلك أن أبا موسى الشعري ‪ ،‬كتب إلى عمر ‪ ،‬أنه يأتينا منك ‪ ،‬كتب ليس لها‬
‫تاريخ ‪ ،‬فجمع عمر الناس للمشورة ‪ ،‬فقال بعضهم ‪َ :‬أّرخ بمبعث النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪ ،‬وقال بعضهم ‪ :‬بمهاجرة رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال‬
‫عمر ‪ :‬بل نؤرخ بمهاجرة رسول ال ‪ ،‬فإن مهاجرته فرق بين الحق والباطل ‪،‬‬
‫قاله الشعبي " ‪.‬‬
‫اختبار العدد ‪ ، 1422‬على فرض أنه يمّثل السنة الهجرية ‪: 1422‬‬
‫جة هو الشهر‬ ‫جة ‪ ،‬وذو الح ّ‬
‫آخر أيام السنة الهجرية ‪ ، 1422‬هو ‪ - 29‬ذو الح ّ‬
‫الثاني عشر من السنة الهجرية ‪ .‬وقامت دولة إسرائيل بتاريخ ‪/ 5 / 15‬‬
‫‪1948‬م ‪ ،‬ويقابل هذا التاريخ بالهجري ‪ / 6‬رجب ‪ 1367 /‬هش ‪ ،‬ورجب هو‬
‫الشهر السابع من السنة الهجرية ‪ .‬ولحساب أطول مدة ممكنة ‪ ،‬لبقاء دولة‬
‫إسرائيل على قيد الحياة ‪ ،‬سنقوم بطرح التاريخ الثاني من الول ‪:‬‬
‫‪ 1422 / 12 / 29‬هش ‪ 1367 / 7 / 6 -‬هش = ‪ 23‬يوم ‪ ،‬و ‪ 5‬أشهر و ‪ 55‬سنة‬
‫قمرية‬
‫أي ستكون نهاية الدولة اليهودية في بحر السنة ) السادسة والخمسين ( من‬
‫عمرها ‪.‬‬
‫اختبار العدد ) ‪: ( 56‬‬
‫ضْيَنا ِإَلى َبِني‬
‫• بما أن قصة وعدي الولى والخرة ‪ ،‬بدأت بعبارة ) َوَق َ‬
‫سراِئيَل … )‪ (4‬وإذا فرضنا أنها ‪ ،‬تمّثل بداية قيام دولة إسرائيل ‪ ،‬فما هي‬ ‫إ ْ‬
‫العبارة التي ُتشير إلى نهايتها ‪ ،‬ونفاذ وعد الخرة فيها ؟ بل شك ستكون‬
‫جَد … )‪ ، (7‬إذ أن ما جاء بعدها ‪،‬‬ ‫سِ‬‫خُلوا اْلَم ْ‬
‫الجابة هي عبارة ) … َوِلَيْد ُ‬
‫ضْيَنا‬
‫هي عبارات للتعقيب فقط ‪ .‬وإذا قمت بإحصاء الكلمات من عبارة ) َوَق َ‬
‫سجَِد‬ ‫سراِئيَل‪ ، (4) …4‬حتى تصل إلى عبارة ) َوِلَيْد ُ‬
‫خُلوا اْلَم ْ‬ ‫‪ِ 1‬إَلى ‪َ 2‬بِني ‪ 3‬إ ْ‬
‫‪427‬‬
‫… )‪ (7‬ستجد أن كلمة ) المسجد ( تحمل العدد ) ‪ ، ( 56‬وهو نفس العدد‬
‫صلنا عليه في الحسبة السابقة ‪.‬‬ ‫الذي تح ّ‬
‫• ُيعاد ِذكر بني إسرائيل مرة أخرى ‪ ،‬في نهاية السورة ‪ ،‬في قوله تعالى )‬
‫سَراِئيَل … )‪، (101‬‬ ‫سَئْل َبِني ِإ ْ‬
‫ت َف ْ‬‫ت َبّيَنا ٍ‬
‫سَع َءاَيا ٍ‬
‫سى ِت ْ‬
‫َوَلَقْد َءاَتْيَنا ُمو َ‬
‫وينتهي ذكرهم بالمر الخر الذي سيتحّقق بمجيء وعد الخرة ‪ ،‬وهو‬
‫جْئَنا ِبُكْم َلِفيًفا )‬
‫خَرِة ِ‬
‫لِ‬‫عُد ا ْ‬‫جاَء َو ْ‬‫مجيئهم من الشتات ‪ ،‬في قوله تعالى ) َفِإَذا َ‬
‫‪ . (104‬وإذا قمت بإحصاء الكلمات ‪ ،‬منذ بداية ذكرهم وذكر وعد الخرة‬
‫للمرة الثانية بعبارة ) َوَلَقْد‪ 1‬آَتْيَنا ‪ُ 2‬موسى ‪ (101) … 3‬حتى تصل إلى‬
‫جْئَنا ِبُكْم َلِفيًفا )‪ ، (104‬ستجد أن كلمة ) لفيفا ( أيضا ‪ ،‬تحمل‬ ‫عبارة ) … ِ‬
‫العدد ) ‪. ( 56‬‬
‫اختبار العدد ‪ 56‬من خلل العّد والحساب ‪:‬‬
‫ل )‪ ، (52‬وقوله ) َوِإًذا لَ‬ ‫ن َلِبْثُتْم ِإّل َقِلي ً‬
‫ن ِإ ْ‬
‫ظّنو َ‬ ‫والن نعود إلى قوله تعالى ) َوَت ُ‬
‫ل )‪ ، (76‬حيث ُذكر لفظ اللبث ‪ .‬وكما قلنا فيما سبق ‪ ،‬أن‬ ‫ك ِإلّ َقِلي ً‬
‫لَف َ‬
‫خَ‬‫ن ِ‬ ‫َيْلَبُثو َ‬
‫المقصود باللبث ‪ ،‬في العبارتين هو لبث اليهود ‪ .‬وهذا اللبث منذ بداية دولتهم‬
‫وحتى نهايتها ‪ ،‬تبين لنا أنه ل يتجاوز ‪ 56‬سنة ‪ ،‬وهو موصوف بالقليل ‪:‬‬
‫• إذا قمت بإحصاء ‪ 56‬كلمة ‪ ،‬من حيث الكلمة التي تلي كلمة قليل مباشرة ‪،‬‬
‫ل )‪َ (52‬وُقْل‪ِ 1‬لِعَباِدي ‪(53) … 2‬‬ ‫ن َلِبْثُتْم ِإلّ َقِلي ً‬
‫ن ِإ ْ‬
‫ظّنو َ‬
‫في قوله تعالى ) َوَت ُ‬
‫وتوقفت عند الكلمة التي تحمل العدد )‪ ، (56‬ستجد أنك توقفت في نهاية‬
‫عوا اّلِذي َ‬
‫ن‬ ‫العبارة ) فل يملكون كشف الضّر عنكم ( ‪ ،‬في الية ) ُقِل اْد ُ‬
‫ل)‬ ‫حِوي ً‬‫عنُكْم‪َ ، 56‬وَل َت ْ‬
‫ضّر‪َ 55‬‬ ‫ف‪ 54‬ال ّ‬ ‫ش َ‬ ‫ن َك ْ‬‫ل َيْمِلُكو َ‬
‫ن ُدوِنِه ‪َ ،‬ف َ‬ ‫عْمُتْم ِم ْ‬‫َز َ‬
‫ضّر أي الذى والعذاب الدنيوي ‪ ،‬عند مجيء‬ ‫‪ ، (56‬والذين سيقع بهم ال ُ‬
‫وعد الخرة هم اليهود ‪ .‬ولو نظرت إلى نهاية الية ‪ ،‬التي تسبق هذه الية‬
‫مباشرة ‪ ،‬ستجد قوله تعالى ) َوآَتْيَنا َداُووَد َزُبوًرا )‪ (55‬وداود عليه السلم‬
‫سس مملكتهم الولى ‪ ،‬وكأن ذكره جاء للشارة إليهم ‪ .‬ولو قرأت‬ ‫هو مؤ ّ‬
‫نص الية كامل ‪ ،‬ستجد المخاطبين ‪ ،‬كانوا قد اّتخذوا أولياء ووكلء من‬
‫دون ال ‪ ،‬ويؤكد سبحانه أن هؤلء الولياء والوكلء ‪ ،‬ل يملكون إزالة‬
‫الذى أو تحويله عنهم ‪ ،‬حال وقوعه بهم ‪.‬‬

‫‪428‬‬
‫ولو كنت دقيق الملحظة ‪ ،‬ستكتشف أن الية التي توقف العّد فيها عند العدد‬
‫‪ ، 56‬على عبارة ) فل يملكون كشف الضّر عنكم ( ‪ ،‬هي الية التي تحمل‬
‫العدد ) ‪ ( 56‬أيضا ‪ ،‬وهذه الية تقع في منتصف السورة تمامًا ‪ .‬إذ لو أنك‬
‫قمت بقسمة عدد آيات السورة )‪ (111‬على )‪ (2‬ستحصل على ) ‪، ( 55.5‬‬
‫وهي تقريبا نفس الحسبة التي خرجنا بها سابقا ‪ ،‬لُتشير إلى أن زوال‬
‫دولتهم ‪ ،‬سيكون في بحر السنة السادسة والخمسين من عمر دولتهم ‪.‬‬
‫• وإذا قمت بإحصاء ‪ 56‬كلمة ‪ ،‬من حيث الكلمة التي تلي كلمة قليل مباشرة‬
‫‪3‬‬
‫ن‪َ 2‬قْد‬
‫سّنَة‪َ 1‬م ْ‬
‫ل )‪ُ (76‬‬ ‫ك ِإّل َقِلي ً‬
‫لَف َ‬
‫خَ‬ ‫ن ِ‬ ‫‪ ،‬في قوله تعالى ) َوِإًذا لَ َيْلَبُثو َ‬
‫سْلَنا ‪ ، (77) … 4‬وتوقفت عند الكلمة التي تحمل العدد )‪ ، (56‬ستجد أنك‬ ‫َأْر َ‬
‫جاَء‬
‫ق وزهق الباطل ( ‪ ،‬في الية ) َوُقْل َ‬ ‫توقفت في نهاية العبارة ) جاء الح ّ‬
‫ن َزُهوًقا )‪ ، (81‬ومجيء الح ّ‬
‫ق‬ ‫طَل َكا َ‬ ‫طُل‪ِ ، 56‬إ ّ‬
‫ن اْلَبا ِ‬ ‫ق‪ 55‬اْلَبا ِ‬‫ق‪َ 54‬وَزَه َ‬‫‪ 53‬اْل َ‬
‫حّ‬
‫حّقا )‪98‬‬ ‫عُد َرّبي َ‬ ‫ن َو ْ‬
‫جَعَلُه َدّكاَء َوَكا َ‬
‫عُد َرّبي َ‬ ‫جاَء َو ْ‬ ‫هو مجيء الوعد ) َفِإَذا َ‬
‫ق الباطل هو بل شك نفاذ وعد الخرة ‪ ،‬بزوال دولة الفساد‬ ‫الكهف ( ‪ ،‬وَزه ِ‬
‫وهلك أهلها ‪.‬‬
‫التأريخ لقيام دولة إسرائيل ‪:‬‬
‫سُكُنوا‬‫سَراِئيَل ا ْ‬‫خَرِة ‪َ … ( 7 ) … :‬وُقْلَنا … ِلَبِني ِإ ْ‬ ‫لِ‬ ‫عُد ا ْ‬
‫جاَء َو ْ‬‫) … َفِإَذا َ‬
‫جْئَنا ِبُكْم َلِفيًفا )‪. (104‬‬
‫خَرِة ‪ِ :‬‬
‫لِ‬‫عُد ا ْ‬
‫جاَء َو ْ‬‫ض … َفِإَذا َ‬ ‫اَْلْر َ‬
‫تكرار ذكر بني إسرائيل في بداية السورة ونهايتها ‪ ،‬هو أمر ملفت للنظر ‪،‬‬
‫وتكرار ذكر وعد الخرة في بدايتها ونهايتها كذلك ‪ ،‬هو أمر آخر ملفت للنظر‬
‫أيضا ‪ ،‬وأثناء محاولتي المتكّررة للربط العددي ‪ ،‬بين عبارتي ) فإذا جاء وعد‬
‫الخرة ( في الية ) ‪ ( 7‬والية ) ‪. ( 104‬‬
‫خَرِة‪ (7) … 4‬في بداية‬ ‫لِ‬ ‫عُد‪ 3‬ا ْ‬
‫جاَء‪َ 2‬و ْ‬
‫قمت بعّد الكلمات من قوله تعالى ) َفِإَذا ‪َ 1‬‬
‫السورة ‪ ،‬إلى ما قبل عبارة ) فإذا جاء وعد الخرة )‪ (104‬في نهاية السورة ‪،‬‬
‫سَراِئيَل‬
‫وتوقفت عند عبارة ) اسكنوا الرض ( ‪ ،‬في قوله ) َوُقْلَنا … ِلَبِني ِإ ْ‬
‫ض‪ . (104) … 1367‬فوجدت أنني قد توقفت على العدد )‬ ‫سُكُنوا ‪ 1366‬الَْْر َ‬‫ا ْ‬
‫‪ ، (1367‬وهذا العدد ‪ ،‬هو موعد قيام دولة إسرائيل بالتقويم الهجري ‪ ،‬وهو‬
‫موعد استيلئهم الفعلي على أرض فلسطين ‪ ،‬وبدء استيطانهم فيها ‪ ،‬وتجّمعهم‬
‫من شتى بقاع الرض ‪.‬‬
‫‪429‬‬
‫وكأن واقع الحال ‪ُ ،‬يخبر بأنه في عام ‪ 1367‬هش ‪ ،‬سيأذن ال لهم بالسكن في‬
‫الرض المقّدسة واستيطانها ‪ ،‬وإقامة علوهم الثاني والخير فيها ‪.‬‬
‫مجموع كلمات السورة يحمل في ثناياه العددين ‪ 56‬و ‪: 1422‬‬
‫عدد كلمات القصة من بدايتها حتى نهايتها هو )‪ (1422‬كلمة ‪.‬‬
‫سَرى … )‪ (1‬إلى‬ ‫ن اّلِذي َأ ْ‬‫حا َ‬‫سْب َ‬‫عدد كلمات المقدمة بدءا من قوله تعالى ) ُ‬
‫شُكوًرا )‪، (3‬‬
‫عْبًدا َ‬‫ن َ‬‫قوله تعالى ) … َكا َ‬
‫هو )‪ (42‬كلمة ‪.‬‬
‫ق َأنَزْلَناُه … )‪ (105‬إلى‬ ‫حّ‬ ‫عدد كلمات الخاتمة ‪ ،‬بدءا من قوله تعالى ) َوِباْل َ‬
‫قوله تعالى ) … َوَكّبْرُه َتْكِبيًرا )‪، (111‬‬
‫هو )‪ (92‬كلمة ‪.‬‬
‫وبجمع النواتج الثلثة ‪ ،‬نحصل على عدد كلمات السورة كاملة ‪:‬‬
‫‪ 1556 = 92 + 1422 + 42‬كلمة‬
‫والن تمّعن في العدد الكلي لكلمات السورة ‪ ،‬فما الذي يقوله هذا العدد ؟ لو‬
‫ي المئات واللوف ‪ ،‬ستحصل على‬ ‫ي الحاد والعشرات ‪ ،‬عن خانت ّ‬ ‫فصلت خانت ّ‬
‫العددين )‪ (56‬و )‪ ، (15‬والعدد الول معلوم ‪ ،‬والعدد الثاني ُيعّبر عن القرن‬
‫الخامس عشر الهجري ‪ ،‬الذي نعيشه الن ‪.‬‬
‫كما أن مجموع أرقام هذا العدد ‪ُ ،‬يمّثل ترتيب سورة السراء في القرآن ‪+ 6 :‬‬
‫‪17 = 1 + 5 + 5‬‬
‫سوُءوا‬ ‫خَرِة ِلَي ُ‬
‫لِ‬‫عُد ا ْ‬
‫جاَء َو ْ‬
‫والملفت للنظر أيضا أن عدد كلمات عبارة ) َفِإَذا َ‬
‫جَد ( هو ثمانية كلمات ‪ ،‬وأن عدد كلمات عبارة ) َفِإَذا‬ ‫سِ‬ ‫خُلوا اْلَم ْ‬‫جوَهُكْم َوِلَيْد ُ‬‫ُو ُ‬
‫جْئَنا ِبُكْم َلِفيًفا ( هو سبعة كلمات ‪.‬‬ ‫خَرِة ِ‬
‫لِ‬ ‫عُد ا ْ‬ ‫جاَء َو ْ‬‫َ‬
‫حاصل ضرب العددين هو ‪56 = 7 × 8 :‬‬
‫وحاصل جمع العددين هو ‪15 = 7 + 8 :‬‬
‫ومجموع الناتجين ‪ ،‬هو ‪ ، 71 = 15 + 56 :‬وهذا العدد سنوضح أمره فيما‬
‫يلي ‪.‬‬

‫‪430‬‬
‫تحديد الفترة الزمنية ‪:‬‬
‫بعد انقضاء الموعد ‪ ،‬الذي كنا قد رجحناه في الصدارات السابقة ‪ ،‬وبعد العودة‬
‫لسورة السراء ‪ ،‬والتفكير مليا في أمر العدد ‪ ، 1442‬تبين لنا أن هذا العدد‬
‫جْئَنا ِبُكْم َلِفيفًا )‪ ، (104‬مما يدفعنا‬
‫خَرِة ِ‬
‫لِ‬‫عُد ا ْ‬
‫جاَء َو ْ‬
‫ارتبط بعبارة ) َفِإَذا َ‬
‫للعتقاد بأن ارتباط هذه العبارة بهذا العدد ‪ ،‬يشير إلى اكتمال مجيء بني‬
‫إسرائيل من الشتات ‪ ،‬بانقضاء سنة ‪ 1422‬هش ‪ ،‬وليس موعدا لنهايتها ‪ ،‬وأن‬
‫الموعد الكثر احتمال ‪ ،‬هو بحر السنة ‪ 56‬من عمرها ‪ ،‬والتي بقي منها الن‬
‫هو النصف الثاني فقط ‪.‬‬
‫وبعد التدقيق في أمر العدد ‪ ، 56‬تبين لنا أن سورة السراء ‪ُ ،‬تظهر هذا العدد‬
‫أكثر من العدد ‪ ،1422‬وبصورة ملفتة للنظر ‪ ،‬وهو ما لم نعتمد عليه بشكل‬
‫كلي ‪ ،‬لتحديد أقصى موعد محتمل لنهاية إسرائيل ‪.‬‬
‫وبذلك تكون الفترة الزمنية المحتملة لنهاية الدولة اليهودية ‪ ،‬هي الفترة التي‬
‫تمتد ما بين ‪ ،‬أول يوم حتى آخر يوم ‪ ،‬من السنة ‪ 56‬من عمرها ‪:‬‬
‫] ‪ / 6‬رجب ‪ 1422 /‬هـ – ‪ / 5‬رجب ‪ 1423 /‬هـ [‬
‫ويقابلها بالميلدي ‪:‬‬
‫] ‪2001 / 9 / 23‬م ‪2002 / 9 / 12 -‬م [‬
‫وإذا ثبت خطأ هذا الحتمال ‪ ،‬ولم يتحقق وعد الخرة في بني إسرائيل في‬
‫الموعد المحدد ‪ ،‬فلن يكون هناك احتمالت جديدة ‪ ،‬لعدم وجود أية دلئل أخرى‬
‫صلنا عليها سابقا ‪ ،‬ونود أن ننبه الخوة القّراء ‪،‬‬ ‫‪ ،‬توحي بأرقام غير التي تح ّ‬
‫بأن إصابتنا في هذا الموعد ‪ ،‬فيما لو حصلت ‪ ،‬فذلك ل يعني بالضرورة‬
‫إصابتنا ‪ ،‬في المواعيد التي تليها ‪ ...‬والتصديق بهذه مسألة من عدمها ‪ ،‬يعود‬
‫لقناعة القارئ الشخصية ‪.‬‬
‫ونكّرر ما ختمنا به مقدمة كتابنا ‪ ،‬وإن أخطأنا فمن أنفسنا ‪ ،‬وإن أصبنا فمن‬
‫ال ‪ ،‬ول حول ول قوة إل بال ‪ ،‬وال ولي التوفيق ‪.‬‬
‫الموعد المتوقع لنهاية الوليات المتحّدة المريكية ‪:‬‬
‫عْنُكْم َوَل‬
‫ف الضّّر َ‬ ‫ش َ‬ ‫ن َك ْ‬‫ل َيْمِلُكو َ‬‫ن ُدوِنِه َف َ‬
‫عْمُتْم ِم ْ‬
‫ن َز َ‬‫عوا اّلِذي َ‬‫قال تعالى ) ُقِل اْد ُ‬
‫سيَلَة َأّيُهْم َأْقَر ُ‬
‫ب‬ ‫ن ِإَلى َرّبِهُم اْلَو ِ‬‫ن َيْبَتُغو َ‬
‫عو َ‬‫ن َيْد ُ‬
‫ك اّلِذي َ‬
‫ل )‪ُ (56‬أوَلِئ َ‬
‫حِوي ً‬
‫َت ْ‬
‫‪431‬‬
‫ن‬
‫ن ِم ْ‬‫حُذوًرا )‪َ (57‬وِإ ْ‬ ‫ن َم ْ‬
‫ك َكا َ‬
‫ب َرّب َ‬‫عَذا َ‬
‫ن َ‬ ‫عَذاَبُه ِإ ّ‬‫ن َ‬ ‫خاُفو َ‬‫حَمَتُه َوَي َ‬
‫ن َر ْ‬‫جو َ‬ ‫َوَيْر ُ‬
‫ن َذِل َ‬
‫ك‬ ‫شِديًدا ‪َ ،‬كا َ‬
‫عَذاًبا َ‬
‫ن ُمْهِلُكوَها ‪َ ،‬قْبَل َيْوِم اْلِقَياَمِة ‪َ ،‬أْو ُمَعّذُبوَها َ‬ ‫حُ‬‫َقْرَيةٍ ِإلّ َن ْ‬
‫طوًرا )‪ 58‬السراء (‬ ‫سُ‬ ‫ب َم ْ‬‫ِفي اْلِكَتا ِ‬
‫إذا كانت الية ) ‪ ، ( 56‬تتحدث عن نهاية دولة إسرائيل ‪ ،‬فالية ) ‪ ( 58‬تتحدث‬
‫عن قرى ‪ -‬ظالمة بل شك ‪ -‬سيتم إهلكها ‪ ،‬أو إنزال العذاب الشديد بها ‪ ،‬قبل‬
‫يوم القيامة ‪ ،‬ولم يبق الكثير من الوقت ‪ ،‬فُدول هذا العصر ‪ ،‬هي القرى الخيرة‬
‫قبل يوم القيامة ‪ ،‬وتكاد ل تجد فيها قرية غير ظالمة ‪ ،‬وأكثر القرى المعاصرة‬
‫ظلما هي أمريكا ‪.‬‬
‫وإذا كان رقم الية ) ‪ُ ، ( 56‬يعّبر عن موعد هلك إسرائيل ‪ ،‬فمن المحتمل أن‬
‫رقم الية ) ‪ُ ( 58‬يشير إلى موعد هلك أمريكا ‪ ،‬أي بعد زوال إسرائيل بسنتين‬
‫قمريتين ‪ ،‬في السنة الثامنة والخمسون ‪ ،‬من قيام دولة إسرائيل ‪ ،‬وهي ُتقابل ‪،‬‬
‫سنة ‪ 1424‬هش تقريبا ‪.‬‬
‫لقد بدأ يوم القيامة ‪ ،‬بقيام دولة إسرائيل ‪ ،‬بل منذ عل اليهود في الرض ‪،‬‬
‫والناس في غفلة من أمرهم ‪:‬‬
‫ن وترّوي ‪ ،‬وتوقف عند كل مقطع ‪ ،‬وكل‬ ‫إن لم ُتصّدق ذلك ‪ ،‬فتفّكر معي ‪ ،‬بتأ ٍ‬
‫ي‪،‬‬ ‫ك ِإَل ّ‬
‫ك ‪َ ،‬وَراِفُع َ‬ ‫سى ِإّني ُمَتَوّفي َ‬ ‫ل ‪َ ،‬يِعي َ‬ ‫عبارة ‪ ،‬في قوله تعالى ) ِإْذ َقاَل ا ُّ‬
‫ن َكَفُروا ‪ِ ،‬إَلى‬ ‫ق اّلِذي َ‬
‫ك ‪َ ،‬فْو َ‬ ‫ن اّتَبُعو َ‬
‫عُل اّلِذي َ‬ ‫جا ِ‬‫ن َكَفُروا ‪َ ،‬و َ‬ ‫ن اّلِذي َ‬‫ك ِم َ‬‫طّهُر َ‬ ‫َوُم َ‬
‫ن )‪ 55‬آل‬ ‫خَتِلُفو َ‬
‫حُكُم َبْيَنُكْم ‪ِ ،‬فيَما ُكْنُتْم ِفيِه َت ْ‬
‫جُعُكْم ‪َ ،‬فَأ ْ‬
‫ي َمْر ِ‬
‫َيْوِم اْلِقَياَمِة ‪ُ ،‬ثّم ِإَل ّ‬
‫عمران ( ‪.‬‬
‫ك ِم َ‬
‫ن‬ ‫يقول سبحانه وتعالى ‪ ،‬في معرض خطابه لعيسى عليه السلم ‪َ ) ،‬وُمطَّهُر َ‬
‫ن َكَفُروا ( ‪ ،‬والذين كفروا بعيسى وطّهره ال من أقوالهم وأفعالهم ‪ ،‬هم‬ ‫اّلِذي َ‬
‫ك ( والذين اتبعوه هم النصارى إجمال ‪ ،‬بغض‬ ‫ن اّتَبُعو َ‬
‫عُل اّلِذي َ‬‫جا ِ‬‫اليهود ‪َ ) ،‬و َ‬
‫ن َكَفُروا (‬ ‫ق اّلِذي َ‬
‫النظر عن صحة معتقدهم وصدق التزامهم بتعاليمه ‪َ ) ،‬فْو َ‬
‫والفوقية تعني العلو والستعلء ‪ ،‬والذين كفروا هم اليهود ‪ِ ) ،‬إَلى َيْوِم اْلِقَياَمِة (‬
‫واليوم في الميقات السماوي ‪ ،‬يساوي ألف سنة بالميقات الرضي ‪ ،‬وهذا‬
‫اليوم ‪ ،‬هو الذي سيقوم الناس فيه من قبورهم ‪ ،‬ول ندري فيما كانت الناس ‪،‬‬
‫ستقوم في أوله ‪ ،‬أم في وسطه ‪ ،‬أم في آخره ‪.‬‬

‫‪432‬‬
‫ومفاد الية أعله ‪ ،‬أن الفوقية ستكون للنصارى على اليهود ‪ ،‬إلى يوم القيامة ‪،‬‬
‫بمعنى أن فوقية النصارى على اليهود ‪ ،‬لها منتهى ‪ ،‬وقد حّددته هذه الية‬
‫بمجيء يوم القيامة ‪ ،‬وأن تحّول هذه الحالة إلى العكس تماما ‪ ،‬أي أصبحت‬
‫الفوقية لليهود على النصارى ‪ ،‬فهي إيذان ببدء يوم القيامة بالميقات السماوي ‪.‬‬
‫ولو تتبعنا التاريخ اليهودي ‪ ،‬لوجدنا أن الضطهاد النصراني لليهود ‪ ،‬بدأ منذ‬
‫اعتناق الرومان للنصرانية ‪ ،‬واتخاذها كدين رسمي للمبراطورية الرومانية ‪،‬‬
‫واستمر حتى بدايات القرن الماضي ‪ ،‬وزال كلية بعد الحرب العالمية الثانية ‪،‬‬
‫وبعد قيام الدولة اليهودية في فلسطين ‪ ،‬حيث انقلب الحال ‪ ،‬فأصبحت الفوقية‬
‫لليهود على النصارى ‪ ،‬وبدأ عصر الضطهاد اليهودي للنصارى وغيرهم ‪،‬‬
‫فرئيس الوليات المتحدة بعظمته ‪ ،‬ل يملك من أمره ‪ ،‬إل السمع والطاعة‬
‫لسياده اليهود ‪.‬‬
‫الموعد المتوقع لعودة عيسى عليه السلم ‪ ،‬والقضاء على الدجال وأتباعه‬
‫اليهود ‪:‬‬
‫سراِئيَل‪، (4) …4‬‬ ‫ضْيَنا ‪ِ 1‬إَلى ‪َ 2‬بِني ‪ 3‬إ ْ‬
‫عندما قمنا بعّد الكلمات ‪ ،‬من عبارة ) َوَق َ‬
‫جَد … )‪ (7‬وجدنا أن كلمة ) المسجد (‬ ‫سِ‬ ‫خُلوا اْلَم ْ‬
‫حتى تصل إلى عبارة ) َوِلَيْد ُ‬
‫تحمل العدد ) ‪ ، ( 56‬وهي السنة التي ستكون فيها نهاية إسرائيل ‪ .‬فلنكمل العدّ‬
‫عْدَنا ( ‪ ،‬التي ُتخبر عن عودتهم للفساد ‪،‬‬ ‫عْدُتْم ُ‬
‫ن ُ‬ ‫حتى نصل لعبارة ) … َوِإ ْ‬
‫وعودة ال عليهم بالعقاب ‪ ،‬على يد عيسى عليه السلم ‪ ،‬ومن معه من المؤمنين‬
‫‪ ،‬ستجد أن كلمة ) عدنا ( تحمل العدد ) ‪ ، ( 71‬وهي ُتمّثل السنة الواحدة‬
‫والسبعون ‪ ،‬من قيام دولتهم ‪ ،‬وهي تقابل سنة ‪ 1437‬هش تقريبا ‪.‬‬
‫ومجموع العدد ) ‪ ، ( 71‬ومقلوبه ) ‪ ( 17‬الذي ُيمثل ترتيب السورة هو ‪+ 71 :‬‬
‫‪88 = 17‬‬
‫والناتج ) ‪ ( 88‬هو رقم الية ‪ ،‬التي تحدى سبحانه فيها الجن والنس ‪ ،‬على أن‬
‫يأتوا بمثل هذا القرآن ‪.‬‬
‫الموعد المتوقع لظهور المهدي ‪:‬‬
‫ج ِفي آخِِر‬
‫خرُ ُ‬
‫ل ‪ُ ) :‬ثّم َي ْ‬
‫سّلَم َقا َ‬
‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬
‫صّلى ا ُّ‬‫ي َ‬ ‫ن الّنِب ّ‬
‫ي َأ ّ‬
‫خْدِر ّ‬
‫سِعيٍد اْل ُ‬
‫ن َأِبي َ‬‫عْ‬ ‫َ‬
‫جًا ( رواه الحاكم‬ ‫جَ‬ ‫حَ‬ ‫سْبًعا َأْو َثَماِنَيًا ‪َ ،‬يْعِني ِ‬
‫ش َ‬ ‫ي ‪َ ، … ،‬يِعي ُ‬ ‫ُأّمِتي اْلَمْهِد ّ‬
‫‪433‬‬
‫سٌع ( ‪،‬‬ ‫سْبٌع َوِإّل َفِت ْ‬
‫صَر َف َ‬‫ن ُق ِ‬
‫ححه اللباني ‪ ،‬وأخرجه الترمذي ) … ِإ ْ‬ ‫وص ّ‬
‫سًعا ( ‪،‬‬ ‫سْبًعا َأْو ِت ْ‬
‫سا َأْو َ‬ ‫خْم ً‬‫سًعا … ( و ) … َ‬ ‫سْبًعا َأْو ِت ْ‬‫ك َ‬ ‫وأحمد ) … َيْمِل ُ‬
‫سٌع‬
‫سْبٌع َوِإّل َفِت ْ‬
‫صَر َف َ‬‫ن ُق ِ‬ ‫ن ( ‪ ،‬وابن ماجه ) ِإ ْ‬
‫سِني َ‬
‫سْبَع ِ‬ ‫ك َ‬ ‫وأبو داود ) … َيْمِل ُ‬
‫ي‪.‬‬
‫خْدِر ّ‬‫سِعيٍد اْل ُ‬
‫ن َأِبي َ‬ ‫عْ‬ ‫… ( كّلهم َ‬
‫جح لدي أن خروج المهدي ‪ ،‬سيكون قبل خروج الدجال ‪ ،‬وستنتهي‬ ‫ومن المر ّ‬
‫خلفته ‪ ،‬بنزول عيسى عليه السلم وتسليمها له ‪ ،‬ومتوسط مدة خلفته ‪ ،‬إذا‬
‫ح هذا‬ ‫أخذنا بعين العتبار ‪ ،‬اختلف الروايات ‪ ،‬هو سبع سنوات ‪ ،‬فإن ص ّ‬
‫التقدير ‪ ،‬نستطيع حساب موعد خروجه بطرح ) ‪ ( 7‬سنوات ‪ ،‬من الموعد‬
‫المتوقع لنزول عيسى عليه السلم ) ‪: ( 1437‬‬
‫‪1430 = 7 – 1437‬‬
‫الموعد المتوقع لخروجه هو عام ‪ 1430‬هش ‪ ،‬بتقديم سنتين أو تأخير سنتين ‪،‬‬
‫وال أعلم ‪.‬‬
‫المواعيد المتوقعة للحداث الكبرى ‪:‬‬

‫ميلدي‬ ‫هجري‬ ‫الحدث‬


‫‪2002 - 2001‬‬ ‫‪1423 - 1422‬‬ ‫نهاية إسرائيل‬
‫‪2004 - 2003‬‬ ‫‪1425 - 1424‬‬ ‫نهاية الوليات المتحّدة‬
‫المريكية‬
‫‪2010 - 2009‬‬ ‫‪1431 - 1430‬‬ ‫خروج المهدي‬
‫‪2017 - 2016‬‬ ‫‪1438 - 1437‬‬ ‫خروج الدجال ونزول عيسى‬
‫عليه السلم‬

‫قال تعالى‬
‫ن ‪َ ،‬ل َيْأُتو َ‬
‫ن‬ ‫ن َيْأُتوا ِبِمْثِل َهَذا اْلُقْرَءا ِ‬
‫عَلى َأ ْ‬
‫ن‪َ ،‬‬ ‫جّ‬‫س َواْل ِ‬
‫ت اِْلْن ُ‬ ‫جَتَمَع ِ‬
‫نا ْ‬ ‫) ُقْل َلِئ ِ‬
‫ظِهيًرا )‪(88‬‬ ‫ض َ‬ ‫ضُهْم ِلَبْع ٍ‬
‫ن َبْع ُ‬‫ِبِمْثِلِه ‪َ ،‬وَلْو َكا َ‬

‫‪434‬‬
‫س ِإّل‬
‫ن ُكّل َمَثٍل ‪َ ،‬فَأَبى َأْكَثُر الّنا ِ‬
‫ن ‪ِ ،‬م ْ‬
‫س ‪ِ ،‬في َهَذا اْلُقْرَءا ِ‬
‫صّرْفَنا ِللّنا ِ‬
‫) َولََقْد َ‬
‫ُكُفوًرا )‪(89‬‬
‫) السراء (‬

‫‪435‬‬
‫سرناه بلسانك لعّلهم يتذّكرون‬
‫فإنما ي ّ‬

‫تبدأ سورة الدخان بتعظيم شأن القرآن الكريم ‪ ،‬وتعظيم شأن الليلة التي ُأنزل‬
‫فيها ‪ ،‬وترّكز السورة ‪ ،‬على النذار دون البشرى ‪ ،‬حيث قال سبحانه في‬
‫شًرا‬
‫شاِهًدا َوُمَب ّ‬
‫ك َ‬‫سْلَنا َ‬
‫ي ِإّنا َأْر َ‬
‫إرسال محمد عليه الصلة والسلم ) َيَأّيَها الّنِب ّ‬
‫َوَنِذيًرا )‪ 45‬الحزاب ( ‪ .‬ويؤكد سبحانه أنه أرسله ‪ ،‬منذرا للبشر من قبل أن‬
‫يحل بهم العقاب ‪ ،‬رحمة منه بعباده ‪ .‬والعقاب الذي تأتي على خبره اليات‬
‫وتحّذر منه ‪ ،‬هو البطشة الكبرى ‪ ،‬التي لم ُتحّدد ماهيتها هنا ‪ ،‬ونذير هذه‬
‫البطشة ‪ ،‬الذي سيسبقها بقليل ‪ ،‬هو الدخان ‪ ،‬فليرتقبه الناس ‪ ،‬فإن ظهر وعاينوه‬
‫فليعتبروا ‪ ،‬وليحذروا ‪ ،‬وليعودوا عما هم عليهم من الشك والتشكيك في أمر‬
‫ربهم ‪ ،‬واللعب في أمر دينهم ‪ ،‬والطعن في رسولهم الكريم ‪ ،‬الذي ُبعث إليهم‬
‫بشيرا ونذيرا ‪ ،‬فإن لم يفعلوا ولن يفعلوا ‪ ،‬فليرتقبوا البطشة الكبرى ‪ .‬وقد ظهر‬
‫الدخان الموصوف في هذه السورة ‪ ،‬في عاصمة أحد القطار العربية ‪ ،‬فاقرأ‬
‫سرت هذه النبوءة على‬ ‫معنا هذا الفصل والفصول التي تليه ‪ ،‬لتعرف كيف ُف ّ‬
‫أرض الواقع ‪ ،‬ولتعرف من هم الموعودين بالبطشة الكبرى قريبا ‪ ،‬بعد‬
‫إصرارهم على ما هم عليه ‪ ،‬من الكفر والفسوق والعصيان ‪ ،‬بالرغم من‬
‫غشيان الدخان لهم ‪ ،‬بنفس الصفة ‪ ،‬التي أخبرت عنها اليات ‪.‬‬
‫تعريف بسورة الدخان ‪:‬‬
‫" مكية ‪ ،‬كما روي عن ابن عباس ‪ ،‬وابن الزبير رضي ال تعالى عنهم ‪،‬‬
‫ووجه مناسبتها لما قبلها أنه عز وجل ‪ ،‬ختم ما قبلها ) الزخرف ( بالوعيد‬
‫والتهديد ‪ ،‬وافتتح هذه بشيء من النذار الشديد ‪ ،‬وذكر سبحانه هنا ‪ ،‬كقول‬
‫الرسول صلى ال تعالى عليه وسلم ‪ ،‬يا رب إن هؤلء قوم ل يؤمنون ) في‬
‫نهاية سورة الزخرف ( ‪ ،‬وهنا نظيره ‪ ،‬فيما حكى عن أخيه موسى عليهم‬
‫الصلة والسلم ‪ ،‬بقوله تعالى فدعا ربه ‪ ،‬أن هؤلء قوم مجرمون ‪ ،‬وورد‬
‫بفضلها أخبار " ‪ ،‬اللوسي ‪.‬‬

‫‪436‬‬
‫سرين في آيات سورة الدخان ‪:‬‬
‫أقوال بعض المف ّ‬

‫ن )‪(3‬‬ ‫ن )‪ِ (2‬إّنا َأْنَزْلَناُه ِفي َلْيَلٍة ُمَباَرَكٍة ِإّنا ُكّنا ُمْنذِِري َ‬
‫ب اْلُمِبي ِ‬
‫) حم )‪َ (1‬واْلِكَتا ِ‬
‫ن )‪َ (5‬رحَْمًة‬ ‫سِلي َ‬‫عْنِدَنا ِإّنا ُكّنا ُمْر ِ‬‫ن ِ‬‫حِكيٍم )‪َ (4‬أْمًرا ِم ْ‬ ‫ق ُكّل َأْمٍر َ‬‫ِفيَها ُيْفَر ُ‬
‫سِميُع الَعِليُم )‪(6‬‬ ‫ك ِإّنُه ُهَو ال ّ‬ ‫ن َرّب َ‬
‫ِم ْ‬
‫" يقول تعالى مخبرا عن القرآن العظيم ‪ ،‬أنه أنزله في ليلة مباركة ‪ ،‬وهي ليلة‬
‫القدر ‪ ،‬أمر حكيم ‪ ،‬أي محكم ل ُيبّدل ول ُيغّير ‪ ،‬ولهذا قال جل جلله ‪ ) ،‬أمرا‬
‫من عندنا ( ‪ ،‬أي جميع ما يكون وُيقّدره ال تعالى وما يوحيه ‪ ،‬فبأمره وإذنه‬
‫وعلمه ‪ ) ،‬إنا كنا مرسلين ( أي إلى الناس رسول يتلوا عليهم آيات ال مبينات‬
‫" ‪ ،‬ابن كثير ‪.‬‬
‫حِيي‬
‫ن )‪َ (7‬ل ِإَلَه ِإّل ُهَو ُي ْ‬
‫ن ُكْنُتْم ُموِقِني َ‬
‫ض َوَما َبْيَنُهَما ِإ ْ‬‫ت َوالَْْر ِ‬‫سَمَوا ِ‬‫) َربّ ال ّ‬
‫ن )‪(8‬‬ ‫ب َءاَباِئُكُم اَْلّوِلي َ‬
‫ت َرّبُكْم َوَر ّ‬
‫َوُيِمي ُ‬
‫" أي إن كنتم من أهل اليقان ‪ ،‬علمتم كونه سبحانه رب السماوات والرض ‪،‬‬
‫لنه من أظهر اليقينيات دليل ‪ ،‬وفي هذا الشرك تنزيل إيقانهم ‪ ،‬منزلة عدمه ‪،‬‬
‫لظهور خلفه عليهم ‪ ،‬وهو مراد من قال ‪ :‬إنه من باب تنزيل العالم منزلة‬
‫الجاهل ‪ ،‬لعدم جريه على موجب العلم ‪ ،‬قيل ‪ :‬ول يصح أن يقال ‪ :‬إنهم نزلوا‬
‫منزلة الشاكين ‪ ،‬لما كان قوله سبحانه بعد ‪ :‬بل هم في شك ‪ ،‬ول أدري بأسا في‬
‫جل عليهم بالشك ‪ ،‬لنهم وأن أقّروا بأنه‬ ‫أن يقال ‪ :‬إنهم نزلوا أول كذلك ‪ ،‬ثم س ّ‬
‫ك للحادهم في‬‫عز وجل ‪ ،‬رب السماوات والرض ‪ ،‬لم ينفّكوا عن الش ّ‬
‫صفاته ‪ ،‬وإشراكهم به تعالى شأنه " ‪ ،‬اللوسي ‪.‬‬
‫ن )‪(9‬‬
‫ك َيْلَعُبو َ‬
‫شّ‬
‫) َبْل ُهْم ِفي َ‬
‫" بل هؤلء المشركون ‪ ) ،‬في شك يلعبون ( أي قد جاءهم الحق اليقين ‪ ،‬وهم‬
‫يشّكون فيه ‪ ،‬ويمترون ول يصدقون به ‪ ،‬ثم قال عز وجل متوعدا لهم ومهّددا ‪،‬‬
‫) فارتقب يوم تأتي السماء ( " ‪ ،‬ابن كثير ‪.‬‬
‫" ) بل هم في شك يلعبون ( أي ليسوا على يقين ‪ ،‬فيما يظهرونه من اليمان‬
‫والقرار ‪ ،‬في قولهم إن ال خالقهم ‪ ،‬وإنما يقولونه لتقليد آبائهم ‪ ،‬من غير علم ‪،‬‬
‫ك ‪ ،‬وإن توهموا أنهم مؤمنون ‪ ،‬فهم يلعبون في دينهم ‪ ،‬وقيل‬ ‫فهم في ش ّ‬
‫يلعبون ‪ ،‬يضيفون إلى النبي صلى ال عليه وسلم الفتراء والستهزاء ‪ ،‬ويقال‬
‫‪437‬‬
‫أعرض عن المواعظ لعب ‪ ،‬وهو كالصبي الذي يلعب ‪ ،‬فيفعل ما ل يدري‬
‫عاقبته " القرطبي ‪.‬‬
‫" ل يقولون ما يقولون ‪ ،‬مما هو مطابق لنفي المر عن جدر وإذعان ‪ ،‬بل‬
‫يقولونه مخلوطا بهزء ولعب ‪ ،‬وهذه الجملة خبر بعد خبر لهم ‪ ،‬واللتفات عن‬
‫خطابهم ‪ ،‬لفرط عنادهم وعدم التفاتهم ‪ ،‬والفاء في قوله تعالى ‪ :‬فارتقب لترتيب‬
‫الرتقاب ‪ ،‬أو المر به على ما قبلها ‪ ،‬فإن كونهم في شك يلعبون ‪ ،‬مما يوجب‬
‫ذلك ‪ ،‬أي فانتظر لهم ‪ ،‬يوم تأتي السماء بدخان مبين " ‪ ،‬اللوسي ‪.‬‬
‫ب َأِليٌم )‬
‫عَذا ٌ‬
‫س َهَذا َ‬
‫شى الّنا َ‬
‫ن )‪َ (10‬يْغ َ‬
‫ن ُمِبي ٍ‬
‫خا ٍ‬
‫سَماُء ِبُد َ‬
‫ب َيْوَم َتْأِتي ال ّ‬
‫) َفاْرَتِق ْ‬
‫‪(11‬‬
‫" ارتقب معناه انتظر ‪ ،‬يا محمد بهؤلء الكفار ‪ ،‬يوم تأتي السماء بدخان مبين ‪،‬‬
‫قاله قتادة ‪ .‬وقيل معناه احفظ قولهم هذا ‪ ،‬لتشهد عليهم " ‪ ،‬القرطبي ‪.‬‬
‫" يعني تعالى ذكره بقوله ) فارتقب ( ‪ ،‬فانتظر ‪ ،‬يا محمد بهؤلء المشركين من‬
‫قومك ‪ ،‬الذين ) هم في شك يلعبون ( ‪ ) ،‬يغشى الناس ( يقول يغشى أبصارهم ‪،‬‬
‫من الجهد الذي يصيبهم ‪ ) ،‬هذا عذاب أليم ( يعني أنهم يقولون ‪ ،‬مما نالهم من‬
‫ذلك الكرب والجهد ‪ ،‬هذا عذاب أليم ( " الطبري ‪.‬‬
‫سرين في الدخان ‪:‬‬
‫أقوال المف ّ‬
‫ل‪:‬‬ ‫ث ِفي ِكْنَدَة ‪َ ،‬فَقا َ‬ ‫حّد ُ‬ ‫ل ُي َ‬‫جٌ‬ ‫ل ‪َ " :‬بْيَنَما َر ُ‬ ‫ق ‪َ ،‬قا َ‬ ‫سُرو ٍ‬ ‫ن َم ْ‬ ‫عْ‬‫تفسير ابن مسعود ‪َ :‬‬
‫خُذ اْلُمْؤِم َ‬
‫ن‬ ‫صاِرِهْم ‪َ ،‬يْأ ُ‬ ‫ن َوَأْب َ‬ ‫ع اْلُمَناِفِقي َ‬‫سَما ِ‬ ‫خُذ ِبَأ ْ‬‫ن َيْوَم اْلِقَياَمِة ‪َ ،‬فَيْأ ُ‬ ‫خا ٌ‬ ‫جيُء ُد َ‬ ‫َي ِ‬
‫س‪،‬‬ ‫جَل َ‬ ‫ب ‪َ ،‬ف َ‬ ‫ض َ‬ ‫ن ُمّتِكًئا ‪َ ،‬فَغ ِ‬ ‫سُعوٍد ‪َ ،‬وَكا َ‬ ‫ن َم ْ‬ ‫ت اْب َ‬ ‫عَنا ‪َ .‬فَأَتْي ُ‬ ‫َكَهْيَئةِ الّزَكاِم ‪َ ،‬فَفِز ْ‬
‫ن َيُقو َ‬
‫ل‬ ‫ن اْلِعْلِم ‪َ ،‬أ ْ‬ ‫ن ِم ْ‬‫عَلُم ‪َ ،‬فِإ ّ‬ ‫ل َأ ْ‬‫ل ا ُّ‬‫ن َلْم َيْعَلْم ‪َ ،‬فْلَيُق ْ‬ ‫ل ‪َ ،‬وَم ْ‬ ‫عِلَم َفْلَيُق ْ‬
‫ن َ‬ ‫ل ‪َ :‬م ْ‬ ‫َفَقا َ‬
‫عَلْيِه‬
‫سَأُلُكْم َ‬‫سّلَم ) ُقْل َما َأ ْ‬ ‫عَلْيِه َو َ‬ ‫ل َ‬ ‫صّلى ا ُّ‬ ‫ل ِلَنِبّيِه َ‬ ‫ل َقا َ‬ ‫ن ا َّ‬ ‫عَلُم ‪َ ،‬فِإ ّ‬ ‫ل َأ ْ‬‫ِلَما لَ َيْعَلُم َ‬
‫عَلْيِهْم‬
‫عا َ‬ ‫لِم ‪َ ،‬فَد َ‬ ‫سَ‬ ‫لْ‬ ‫ن ا ِْ‬‫عْ‬ ‫طُئوا َ‬ ‫شا َأْب َ‬
‫ن ُقَرْي ً‬ ‫ن ( َوِإ ّ‬ ‫ن اْلُمَتَكّلِفي َ‬ ‫جٍر َوَما َأَنا ِم ْ‬ ‫ن َأ ْ‬
‫ِم ْ‬
‫ف‪،‬‬ ‫س َ‬ ‫سْبِع ُيو ُ‬ ‫سْبٍع َك َ‬ ‫عَلْيِهْم ِب َ‬‫عّني َ‬ ‫ل ‪ :‬الّلُهّم َأ ِ‬ ‫سّلَم ‪َ ،‬فَقا َ‬ ‫عَلْيِه َو َ‬‫ل َ‬ ‫صّلى ا ُّ‬ ‫ي َ‬ ‫الّنِب ّ‬
‫جلُ َما َبْي َ‬
‫ن‬ ‫ظاَم ‪َ ،‬وَيَرى الّر ُ‬ ‫حّتى َهَلُكوا ِفيَها ‪َ ،‬وَأَكُلوا اْلَمْيَتَة َواْلِع َ‬ ‫سَنٌة َ‬ ‫خذَْتُهْم َ‬‫َفَأ َ‬
‫جْئ َ‬
‫ت‬ ‫حّمُد ِ‬ ‫ل ‪َ :‬يا ُم َ‬ ‫ن ‪َ ،‬فَقا َ‬ ‫سْفَيا َ‬
‫جاَءُه َأُبو ُ‬ ‫ن ‪َ ،‬ف َ‬ ‫خا ِ‬‫ض ‪َ ،‬كَهْيَئِة الّد َ‬ ‫لْر ِ‬ ‫سَماِء َوا َْ‬ ‫ال ّ‬
‫ب َيْوَم َتْأِتي‬ ‫ل ) َفَقَرَأ َفاْرَتِق ْ‬ ‫ع ا َّ‬ ‫ك َقْد َهَلُكوا ‪َ ،‬فاْد ُ‬ ‫ن َقْوَم َ‬ ‫حِم ‪َ ،‬وِإ ّ‬ ‫صَلِة الّر ِ‬ ‫َتْأُمُرَنا ِب ِ‬
‫خَرِة ‪ِ ،‬إَذا‬ ‫لِ‬ ‫با ْ‬ ‫عَذا ُ‬ ‫عْنُهْم َ‬ ‫ف َ‬ ‫ش ُ‬ ‫ن ( َأَفُيْك َ‬‫عاِئُدو َ‬ ‫ن ‪ِ -‬إَلى َقْوِلِه ‪َ -‬‬ ‫ن ُمِبي ٍ‬ ‫خا ٍ‬‫سَماُء ِبُد َ‬ ‫ال ّ‬
‫شَة اْلُكْبَرى (‬ ‫ط َ‬ ‫ش اْلَب ْ‬‫ط ُ‬ ‫ك َقْوُلُه َتَعاَلى ‪َ ) :‬يْوَم َنْب ِ‬ ‫عاُدوا ِإَلى ُكْفِرِهْم ‪َ ،‬فَذِل َ‬ ‫جاَء ُثّم َ‬ ‫َ‬
‫‪438‬‬
‫ن ( َوالّروُم َقْد‬ ‫سَيْغِلُبو َ‬
‫ت الّروُم ( ِإَلى ) َ‬ ‫غِلَب ْ‬
‫َيْوَم َبْدٍر َو ) ِلَزاًما ( َيْوَم َبْدٍر ) الم ُ‬
‫ضى " ‪ .‬رواه البخاري وأخرجه مسلم والترمذي وأحمد ‪.‬‬ ‫َم َ‬
‫ضى‬ ‫ل ‪َ " :‬م َ‬ ‫سُعوٍد ‪َ ،‬قا َ‬ ‫ن َم ْ‬‫لبَ‬ ‫عْبِد ا ِّ‬
‫ن َ‬ ‫عْ‬ ‫ق َ‬ ‫سُرو ٍ‬ ‫ن َم ْ‬ ‫عْ‬ ‫رواية لبن مسعود ‪َ :‬‬
‫شُة َوالّلَزاُم " ‪ .‬رواه البخاري وأخرجه مسلم‬ ‫طَ‬ ‫ن َوالّروُم َواْلَقَمُر َواْلَب ْ‬ ‫خا ُ‬‫س الّد َ‬‫خْم ٌ‬ ‫َ‬
‫والترمذي وأحمد ‪.‬‬
‫عَلْيِه‬‫ل َ‬ ‫صّلى ا ُّ‬‫ي َ‬ ‫طَلَع الّنِب ّ‬
‫ل‪:‬ا ّ‬ ‫ي ‪َ ،‬قا َ‬ ‫سيٍد اْلِغَفاِر ّ‬ ‫ن َأ ِ‬
‫حَذْيَفَة ْب ِ‬‫ن ُ‬‫عْ‬ ‫حديث حذيفة ‪َ :‬‬
‫عَة ‪َ ،‬قالَ‬ ‫سا َ‬‫ن ؟ ( َقاُلوا ‪َ :‬نْذُكُر ال ّ‬ ‫ل ‪َ ) :‬ما َتَذاَكُرو َ‬ ‫ن َنَتَذاَكُر ‪َ ،‬فَقا َ‬ ‫حُ‬‫عَلْيَنا ‪َ ،‬وَن ْ‬‫سّلمَ َ‬ ‫َو َ‬
‫جاَل ‪،‬‬‫ن ‪َ ،‬والّد ّ‬ ‫خا َ‬‫ت ‪َ ،‬فَذَكَر الّد َ‬ ‫شَر آَيا ٍ‬‫ع ْ‬‫ن َقْبَلَها َ‬ ‫حّتى َتَرْو َ‬ ‫ن َتُقوَم َ‬ ‫‪ِ ) :‬إنَّها َل ْ‬
‫ن َمْرَيَم صَّلى ا ُّ‬
‫ل‬ ‫سى اْب ِ‬ ‫عي َ‬‫ن َمْغِرِبَها ‪َ ،‬وُنُزولَ ِ‬ ‫س ِم ْ‬ ‫شْم ِ‬ ‫ع ال ّ‬‫طُلو َ‬ ‫َوالّداّبَة ‪َ ،‬و ُ‬
‫س ٌ‬
‫ف‬ ‫خ ْ‬ ‫ق ‪َ ،‬و َ‬ ‫شِر ِ‬ ‫ف ِباْلَم ْ‬‫س ٌ‬ ‫خ ْ‬‫ف َ‬ ‫سو ٍ‬ ‫خُ‬‫لَثَة ُ‬ ‫ج ‪َ ،‬وَث َ‬ ‫جو َ‬ ‫ج َوَمْأ ُ‬ ‫جو َ‬‫سّلَم ‪َ ،‬وَيَأ ُ‬‫عَلْيِه َو َ‬ ‫َ‬
‫ن ‪َ ،‬تطُْرُد‬ ‫ن اْلَيَم ِ‬‫ج ِم ْ‬ ‫خُر ُ‬‫ك َناٌر َت ْ‬
‫خُر َذِل َ‬ ‫ب ‪َ ،‬وآ ِ‬ ‫جِزيَرِة اْلَعَر ِ‬ ‫ف ِب َ‬
‫س ٌ‬ ‫خ ْ‬ ‫ب ‪َ ،‬و َ‬ ‫ِباْلَمْغِر ِ‬
‫شِرِهْم ( رواه مسلم وأخرجه الترمذي وأبو داود وابن ماجه‬ ‫ح َ‬‫س ِإَلى َم ْ‬ ‫الّنا َ‬
‫وأحمد ‪.‬‬
‫قال ابن كثير " وقد وافق ابن مسعود ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬على تفسير الية‬
‫بهذا ‪ ،‬وأن الدخان مضى ‪ ،‬جماعة من السلف ‪ ،‬كمجاهد وأبي العالية وإبراهيم‬
‫النخعي ‪ ،‬والضحاك وعطية العوفي وهو اختيار ابن جرير ‪ .‬وروى ابن‬
‫جرير ‪ ،‬عن ربعي بن حراش قال سمعت حذيفة بن اليمان ‪ ،‬رضي ال عنه ‪،‬‬
‫يقول ‪ ،‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ) :‬إن أول اليات الدجال ‪ ،‬ونزول‬
‫عيسى بن مريم عليهما الصلة والسلم ‪ ،‬ونار تخرج من قعر عدن أبين ‪،‬‬
‫تسوق الناس إلى المحشر ‪ ،‬تقيل معهم إذا قالوا ‪ ،‬والدخان ‪ ،‬قال ‪ :‬حذيفة رضي‬
‫ال عنه يا رسول ال ‪ :‬وما الدخان ؟ فتل رسول ال صلى ال عليه وسلم هذه‬
‫الية ‪ ) :‬فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين ‪ ،‬يغشى الناس هذا عذاب أليم (‬
‫يمل ما بين المشرق والمغرب ‪ ،‬يمكث أربعين يوما وليلة ‪ ،‬أما المؤمن فيصيبه‬
‫منه كهيئة الزكمة ‪ ،‬وأما الكافر فيكون بمنزلة السكران ‪ ،‬يخرج من منخريه‬
‫ح هذا الحديث لكان فاصل ‪ ،‬وإنما لم‬ ‫وأذنيه ودبره ( ‪ ،‬قال ابن جرير لو ص ّ‬
‫أشهد له بالصحة ‪.‬‬
‫وقال ابن جرير أيضا ‪ :‬عن أبي مالك الشعري ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ) :‬إن ربكم أنذركم ثلثا ؛ الدخان ‪ ،‬يأخذ‬
‫المؤمن كالزكمة ‪ ،‬ويأخذ الكافر ‪ ،‬فينفخ حتى يخرج من كل مسمع منه ‪،‬‬
‫‪439‬‬
‫والثانية الدابة ‪ ،‬والثالثة الدجال ( ورواه الطبراني ‪ ،‬عن هاشم بن مرثد عن‬
‫محمد بن إسماعيل بن عياش به ‪ ،‬وهذا إسناد جيد ‪.‬‬
‫وروى ابن جرير ‪ :‬عن عبد ال بن أبي مليكة ‪ ،‬قال ‪ :‬غدوت على ابن عباس‬
‫رضي ال عنهما ‪ ،‬ذات يوم ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما نمت الليلة حتى أصبحت ! قلت ‪ِ :‬لَم ؟‬
‫قال ‪ :‬قالوا طلع الكوكب ذو الذنب ‪ ،‬فخشيت أن يكون الدخان قد طرق ‪ ،‬فما‬
‫نمت حتى أصبحت ( وهكذا رواه ابن أبي حاتم فذكره وهذا إسناد صحيح إلى‬
‫ابن عباس رضي ال عنهما ‪ ،‬حبر المة وترجمان القرآن ‪ ،‬وهكذا قول من‬
‫وافقه من الصحابة والتابعين ‪ ،‬رضي ال عنهم ‪ ،‬مع الحاديث المرفوعة من‬
‫الصحاح والحسان وغيرهما ‪ ،‬التي أوردوها ‪ ،‬مما فيه مقنع ‪ ،‬ودللة ظاهرة ‪،‬‬
‫على أن الدخان ‪ ،‬من اليات المنتظرة ‪ ،‬مع أنه ظاهر القرآن ‪ ،‬قال ال تبارك‬
‫ح ‪ ،‬يراه كل‬
‫وتعالى ) فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين ( أي بّين واض ٌ‬
‫سر به ابن مسعود ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬إنما هو خيال ‪ ،‬رأوه في‬ ‫أحد ‪ ،‬وعلى ما ف ّ‬
‫أعينهم من شدة الجوع والجهد ‪ ،‬وهكذا قوله تعالى ) يغشى الناس ( ‪ ،‬أي‬
‫ص أهل مكة المشركين ‪ ،‬لما قيل‬ ‫يتغشاهم ويعميهم ‪ ،‬ولو كان أمرا خياليا ‪ ،‬يخ ّ‬
‫فيه يغشى الناس ‪ ،‬وقوله تعالى ) هذا عذاب أليم ( ‪ ،‬أي يقال لهم ذلك تقريعا‬
‫وتوبيخا " ‪.‬‬
‫وقال القرطبي ‪ " :‬وفي الدخان أقوال ثلثة ؛ الول ‪ :‬أنه من أشراط الساعة ‪،‬‬
‫لم يجئ بعد ‪ ،‬وأنه يمكث في الرض أربعين يوما ‪ ،‬يمل ما بين السماء‬
‫والرض ‪ ،‬فأما المؤمن فيصيبه مثل الزكام ‪ ،‬وأما الكافر والفاجر فيدخل في‬
‫أنوفهم ‪ ،‬فيثقب مسامعهم ‪ ،‬ويضيق أنفاسهم ‪ ،‬وهو من آثار جهنم يوم القيامة ‪،‬‬
‫وممن قال إن الدخان لم يأت بعد ‪ ،‬علي وابن عباس وابن عمر وأبو هريرة‬
‫وزيد بن علي والحسن وابن أبي ملكية وغيرهم ؛ والثاني ‪ :‬أن الدخان ‪ ،‬هو ما‬
‫أصاب قريشا من الجوع ‪ ،‬بدعاء النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬حتى كان الرجل‬
‫يرى بين السماء والرض دخانا ‪ ،‬قاله ابن مسعود ؛ والثالث ‪ :‬إنه يوم فتح مكة‬
‫لما حجبت السماء الغبرة ‪ ،‬قاله عبد الرحمن العرج " ‪.‬‬
‫وقال اللوسي ‪ " :‬أي يوم تأتي بجدب ومجاعة ‪ ،‬فإن الجائع جدا ‪ ،‬يرَ بينه وبين‬
‫سر أبو عبيدة الدخان به ‪ ،‬والمراد باليوم مطلق‬ ‫السماء ‪ ،‬كهيئة الدخان ‪ ،‬وقد ف ّ‬
‫الزمان ‪ ،‬أي ارتقب وعد ال ذلك اليوم ‪ ،‬وبالسماء جهة العلو ‪ ،‬وإسناد التيان‬
‫بذلك إليهما ‪ ،‬من قبيل السناد إلى السبب ‪ ،‬لنه يحصل بعدم إمطاره ‪ ،‬وتفسير‬
‫‪440‬‬
‫الدخان بما فسرناه به ‪ ،‬مروي عن قتادة وأبي العالية والنخعي ‪ ،‬والضحاك‬
‫جاج ‪ ،‬وقد روي بطرق كثيرة عن‬ ‫ومجاهد ومقاتل ‪ ،‬وهو اختيار الفّراء والز ّ‬
‫ابن مسعود رضي ال تعالى ‪ ،‬وظاهره ‪ ،‬يدّلك ما في تاريخ ابن كثير ‪ ،‬على أن‬
‫القصة ‪ ،‬كانت بمكة ‪ ،‬فالية مكية ‪ ،‬وفي بعض الروايات ‪ ،‬أن قصة أبي‬
‫سفيان ‪ ،‬كانت بعد الهجرة ‪ ،‬فلعلها وقعت مرتين ‪ ،‬وقد تقّدم ما يتعلق بذلك في‬
‫سورة المؤمنين ‪ ،‬وقال علي كّرم ال تعالى وجهه ‪ ،‬وابن عمر وابن عباس وأبو‬
‫سعيد الخدري ‪ ،‬وزيد بن علي والحسن ‪ ،‬أنه دخان يأتي من السماء ‪ ،‬قبل يوم‬
‫القيامة ‪ ،‬يدخل في أسماع الكفرة ‪ ،‬حتى يكون رأس الواحد ‪ ،‬كالرأس الحنيذ ‪،‬‬
‫ويعتري المؤمن كهيئة الزكام ‪ ،‬فالدخان على ظاهره ‪ ،‬والمعنى فارتقب يوم‬
‫ظهور الدخان ‪.‬‬
‫وحمل ما في الية ‪ ،‬على ما يعم الدخانين ‪ ،‬ل يخفى حاله ‪ .‬هذا والظهر ‪،‬‬
‫حمل الدخان على ما روي عن ابن مسعود أولى ‪ ،‬لنه أنسب بالسياق ‪ ،‬لما أنه‬
‫في كفار قريش ‪ ،‬وبيان سوء حالهم ‪ ) .‬يغشى الناس ( أي يحيط بهم ‪ ،‬والمراد‬
‫بهم كفار قريش ‪ ،‬ومن جعل الدخان ‪ ،‬ما هو من أشراط الساعة ‪ ،‬حمل ) الناس‬
‫( ‪ ،‬على من أدركه ذلك الوقت ‪ ،‬ومن جعل ذلك يوم القيامة ‪ ،‬حمل الناس على‬
‫العموم ‪ ،‬والجملة ) يغشى الناس ( صفة أخرى للدخان ‪ ،‬وقوله تعالى هذا‬
‫عذاب أليم ‪ ،‬وقيل ‪ :‬يجوز أن يكون هذا عذاب أليم ‪ ،‬إخبارا منه عز وجل ‪،‬‬
‫تهويل للمر ‪ ،‬كما قال سبحانه وتعالى ‪ ،‬في قصة الذبيح ‪ ،‬إن هذا لهو البلء‬
‫المبين " ‪.‬‬
‫ن )‪(12‬‬
‫ب ِإّنا ُمْؤِمُنو َ‬
‫عّنا اْلَعَذا َ‬
‫ف َ‬
‫ش ْ‬
‫) َرّبَنا اْك ِ‬
‫" أي يقول الكافرون ‪ ،‬إذا عاينوا عذاب ال وعقابه ‪ ،‬سائلين رفعه وكشفه عنهم‬
‫‪ ) ،‬ربنا اكشف عنا العذاب ( " ابن كثير ‪.‬‬
‫" وقوله ) ربنا اكشف عنا العذاب ( يعني أن الكافرين الذين يصيبهم ذلك الجهد‬
‫ضرعون إلى ربهم ‪ ،‬بمسألتهم إياه كشف ذلك الجهد " ‪ ،‬الطبري ‪.‬‬ ‫‪،‬ي ّ‬
‫فجّ‬
‫ل‬ ‫" كما صرح به غير واحد من المفسرين ‪ ،‬وعدُ منهم باليمان ‪ ،‬إن كش َ‬
‫وعل عنهم العذاب ‪ ،‬فكأنهم قالوا ‪ :‬ربنا إن كشفت عنا العذاب آمنا ‪ ،‬لكن عدلوا‬
‫عنه " ‪ ،‬اللوسي ‪.‬‬

‫‪441‬‬
‫عْنُه َوَقاُلوا ُمَعّلٌم‬
‫ن )‪ُ (13‬ثّم َتَوّلْوا َ‬
‫سوٌل ُمِبي ٌ‬
‫جاَءُهْم َر ُ‬
‫) َأّنى َلُهُم الّذْكَرى َوَقْد َ‬
‫ن )‪(14‬‬ ‫جُنو ٌ‬‫َم ْ‬
‫" يقول كيف لهم بالتذكر ‪ ،‬وقد أرسلنا إليهم رسول ‪ ،‬بين الرسالة والنذارة ‪،‬‬
‫ومع هذا توّلوا عنه ‪ ،‬وما وافقوه بل كّذبوه ‪ ،‬وقالوا ُمعّلم مجنون " ابن كثير ‪.‬‬
‫" قال ابن عباس ‪ :‬أي يتعظون ‪ ،‬وال أبعدهم من التعاظ والتذكر ‪ ،‬بعد توليهم‬
‫عن محمد صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وتكذيبهم إياه ‪ ) ،‬وقالوا ُمعّلم مجنون ( أي‬
‫عّلمه بشر ‪ ،‬أو عّلمه الكهنة والشياطين ‪ ،‬ثم هو مجنون وليس برسول " ‪،‬‬
‫القرطبي ‪.‬‬
‫" يقول تعالى ِذكره ‪ ،‬من أي وجه لهؤلء المشركين التذّكر ‪ ،‬من بعد نزول‬
‫البلء بهم ‪ ،‬وقد تولوا عن رسولنا ‪ ،‬حين جاءهم مدبرين عنه ‪ ،‬ل يتذكرون بما‬
‫حججنا ‪ ،‬ويقولون إنما‬‫يتلى عليهم من كتابنا ‪ ،‬ول يتعظون بما يعظهم به من ُ‬
‫عّلم هذا الكلم " الطبري ‪.‬‬
‫هو مجنون ُ‬
‫" ) أنى لهم الذكرى ( نفي صدقهم في الوعد ‪ ،‬وأن غرضهم إنما هو كشف‬
‫العذاب والخلص ‪ ،‬أي كيف يتذكرون ‪ ،‬أو من أين يتذكرون بذلك ‪ ،‬ويفون بما‬
‫وعدوه من اليمان ‪ ،‬عند كشف العذاب عنهم ‪ ،‬وقد جاءهم رسول مبين ‪ ،‬أي‬
‫والحال ‪ ،‬أنهم شاهدوا من دواعي التذكر وموجبات التعاظ ‪ ،‬ما هو أعظم من‬
‫ذلك في إيجابهم ‪ ،‬حيث جاءهم رسول عظيم الشأن ‪ ،‬ظاهر أمر رسالته باليات‬
‫والمعجزات ‪ ،‬التي تخز لها صم الجبال ‪ ،‬أو مظهرا لهم مناهج الحق ‪ ) ،‬ثم‬
‫تولوا عنه ( أي عن ذلك الرسول عليه الصلة والسلم ‪ ،‬ولم يقل ومجنون‬
‫بالعطف لن المقصود تعديد قبائحهم " ‪ ،‬اللوسي ‪.‬‬
‫شَة اْلُكْبَرى ِإّنا‬
‫ط َ‬
‫ش اْلَب ْ‬
‫ط ُ‬
‫ن )‪َ (15‬يْوَم َنْب ِ‬
‫عاِئُدو َ‬
‫ل ِإّنُكْم َ‬
‫ب َقِلي ً‬
‫شُفوا اْلَعَذا ِ‬
‫) ِإّنا َكا ِ‬
‫ن )‪(16‬‬ ‫ُمْنَتِقُمو َ‬
‫" والحتمال الثاني أن يكون المراد ‪ ،‬إنا مؤخرو العذاب عنكم قليل ‪ ،‬بعد انعقاد‬
‫أسبابه ‪ ،‬ووصوله إليكم ‪ ،‬وأنتم مستمرون ‪ ،‬فيما أنتم فيه من الطغيان‬
‫والضلل ‪ ،‬ول يلزم من الكشف عنهم أن يكون باشرهم " ابن كثير ‪.‬‬
‫" ) إنا كاشفوا العذاب ( يعني الضّر النازل بهم ‪ ،‬يقول تعالى ذكره ‪ ،‬إنكم أيها‬
‫ل بكم ‪ ،‬ثم عّدتم‬
‫المشركون ‪ ،‬إن كشفت عنكم العذاب النازل بكم ‪ ،‬والضّر الحا ّ‬

‫‪442‬‬
‫في كفركم ونقضتم عهدكم ‪ ،‬الذي عاهدتم ربكم ‪ ،‬انتقمت منكم ‪ ،‬يوم أبطش‬
‫بكم ‪ ،‬بطشتي الكبرى ‪ ،‬في عاجل الدنيا ‪ ،‬فأهلككم " ‪ ،‬الطبري ‪.‬‬
‫" إنا كاشفوا العذاب قليل ‪ ،‬وعد أن يكشف عنهم ذلك العذاب قليل ‪ ،‬أي في‬
‫زمان قليل ‪ ،‬ليعلم أنهم ل يفون بقولهم ‪ ،‬بل يعودون إلى الكفر ‪ ،‬بعد كشفه ‪،‬‬
‫قاله ابن مسعود ‪ .‬ومن قال ‪ ،‬إن الدخان منتظر ‪ ،‬قال ‪ ،‬أشار بهذا إلى ما‬
‫يكون ‪ ،‬من الفرجة بين آية وآية ‪ ،‬من آيات قيام الساعة ‪ ،‬ثم من قضى عليه‬
‫بالكفر ‪ ،‬يستمر على كفره ‪ .‬ومن قال هذا في القيامة ‪ ،‬قال أي لو كشفنا عنكم‬
‫العذاب لعدتهم إلى الكفر ‪ ،‬وقيل ‪ ،‬معنى إنكم عائدون إلينا ‪ ،‬أي مبعوثون بعد‬
‫الموت " ‪ ،‬القرطبي ‪.‬‬
‫" وقيل ‪ :‬المعنى وارتقب الدخان ‪ ،‬وارتقب يوم نبطش ‪ ،‬فحذف واو العطف ‪،‬‬
‫كما تقول ‪ :‬اتق النار ‪ ،‬اتق العذاب ‪ ،‬والبطشة الكبرى في قول ابن مسعود ‪،‬‬
‫يوم بدر ‪ ،‬وهو قول ابن عباس ‪ ،‬وأبي بن كعب ‪ ،‬ومجاهد والضحاك ‪ ،‬وقيل ‪:‬‬
‫عذاب جهنم يوم القيامة ‪ ،‬قاله الحسن وعكرمة وابن عباس أيضا ‪ ،‬واختاره‬
‫الزجاج " ‪ ،‬القرطبي ‪.‬‬
‫" أي إن كشفنا عنكم العذاب ‪ ،‬كشفا قليل ‪ ،‬أو زمانا قليل عدتم ‪ ،‬والمراد على‬
‫ما قيل ‪ ،‬عائدون إلى الكفر ‪ ،‬وأنت تعلم أن عودهم إليه ‪ ،‬يقتضي إيمانهم ‪ ،‬وقد‬
‫عُدهم ُمنزل ‪َ ،‬منزلة‬‫مر أنهم لم يؤمنوا ‪ ،‬وإنما وعدوا اليمان ‪ ،‬فإما أن يكون و ْ‬
‫إيمانهم ‪ ،‬أو المراد عائدون إلى الثبات ‪ ،‬على الكفر أو على القرار والتصريح‬
‫به ‪ ) .‬يوم نبطش ( يوم نسّلط القتل عليهم ونوسع الخذ منهم ‪ ،‬وفي القاموس ‪،‬‬
‫بطش به ‪ ،‬أخذه بالعنف والسطوة ‪ ،‬كأبطشه ‪ ،‬والبطش ‪ ،‬الخذ الشديد في كل‬
‫شيء " ‪ ،‬اللوسي ‪.‬‬
‫" فسر ذلك ابن مسعود رضي ال عنه ‪ ،‬بيوم بدر ‪ ،‬وهذا قول جماعة ‪ ،‬ممن‬
‫وافق ابن مسعود رضي ال عنه ‪ ،‬على تفسيره الدخان بما تقدم ‪ ،‬وروي‬
‫أيضا ‪ ،‬عن ابن عباس رضي ال عنهما ‪ ،‬من رواية العوفي عنه ‪ ،‬وعن أبي بن‬
‫كعب رضي ال عنه ‪ ،‬وهو محتمل ‪ .‬والظاهر أن ذلك يوم القيامة ‪ ،‬وإن كان‬
‫يوم بدر يوم بطشة ‪ .‬وروى ابن جرير عن عكرمة ‪ ،‬قال ‪ :‬قال ابن عباس‬
‫رضي ال عنهما ‪ ) :‬قال ابن مسعود رضي ال عنه ‪ ،‬البطشة الكبرى يوم‬
‫بدر ‪ ،‬وأنا أقول هي يوم القيامة ( ‪ ،‬وهذا إسناد صحيح عنه ‪ ،‬وبه يقول الحسن‬
‫ح الروايتين عنه ‪ ،‬وال أعلم " ‪ ،‬ابن كثير ‪.‬‬‫البصري وعكرمة ‪ ،‬في أص ّ‬
‫‪443‬‬
‫عَباَد ا ِّ‬
‫ل‬ ‫ي ِ‬ ‫ن َأّدوا ِإَل ّ‬
‫سوٌل َكِريٌم )‪َ (17‬أ ْ‬ ‫جاَءُهْم َر ُ‬ ‫ن َو َ‬ ‫عْو َ‬‫َوَلَقْد َفَتّنا َقْبَلُهْم َقْوَم ِفْر َ‬
‫ن‬
‫طا ٍ‬ ‫سْل َ‬
‫ل ِإّني َءاِتيُكْم ِب ُ‬
‫عَلى ا ِّ‬‫ن لَ َتْعُلوا َ‬ ‫ن )‪َ (18‬وَأ ْ‬ ‫سوٌل َأِمي ٌ‬ ‫ِإّني َلُكْم َر ُ‬
‫ن َلْم ُتْؤِمُنوا ِلي‬‫ن )‪َ (20‬وِإ ْ‬ ‫جُمو ِ‬
‫ن َتْر ُ‬
‫ت ِبَرّبي َوَرّبُكْم َأ ْ‬ ‫عْذ ُ‬‫ن )‪َ (19‬وِإّني ُ‬ ‫ُمِبي ٍ‬
‫ن )‪(22‬‬ ‫جِرُمو َ‬
‫ن َهُؤَلِء َقْوٌم ُم ْ‬ ‫عا َرّبُه َأ ّ‬‫ن )‪َ (21‬فَد َ‬ ‫عَتِزُلو ِ‬ ‫َفا ْ‬
‫" يقول تعالى ‪ ،‬ولقد اختبرنا قبل هؤلء المشركين ‪ ،‬قوم فرعون ‪ ،‬وهم قبط‬
‫مصر ‪ ،‬وجاءهم رسول كريم ‪ ،‬يعني موسى كليمه ‪ ،‬عليه الصلة والسلم " ‪،‬‬
‫ابن كثير ‪.‬‬
‫ظم عند ال عز وجل ‪ ،‬أو عند المؤمنين ‪ ،‬أو‬ ‫" ) رسول كريم ( أي ُمكرم مع ّ‬
‫عنده تعالى وعندهم ‪ ،‬أو كريم في نفسه متصف بالخصال الحميدة والصفات‬
‫الجليلة حسبا ونسبا ‪ ،‬وقال الراغب ‪ :‬الكرم إذا وصف به النسان ‪ ،‬فهو اسم‬
‫للخلق والفعال المحمودة ‪ ،‬التي تظهر منه ‪ ،‬ول يقال هو كريم ‪ ،‬حتى يظهر‬
‫ذلك منه " ‪ ،‬اللوسي ‪.‬‬
‫" ) وإني عذت بربي وربكم ( أي التجأت إليه تعالى ‪ ،‬وتوكلت عليه جل شأنه‬
‫) أن ترجمون ( ‪ ،‬من أن ترجموني ‪ ،‬أن تؤذوني ضربا أو شتما ‪ ،‬أو أن‬
‫تقتلوني ‪ ،‬وروي هذا عن قتادة وجماعة ‪ ،‬قيل ‪ :‬لما قال ‪ :‬أن ل تعلوا على ال ‪،‬‬
‫عدوه بالقتل ‪ ،‬فقال ذلك ‪ ،‬وفي البحر أن هذا ‪ ،‬كان قبل أن يخبره عز وجل‬ ‫تو ّ‬
‫بعجزهم عن رجمه بقوله ‪ ) ،‬وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون ( ‪ ،‬فكونوا بمعزل‬
‫مني ل علي ول لي ‪ ،‬ول تتعرضوا لي بسوء ‪ ،‬فليس ذلك جزاء ‪ ،‬من يدعوكم‬
‫إلى ما فيه فلحكم ‪ ،‬فدعا ربه بعد أن أصّروا على تكذيبه عليه السلم ‪ ) ،‬أن‬
‫هؤلء قوم مجرمون ( " ‪ ،‬اللوسي ‪.‬‬
‫" وفيه اختصار كأنه قيل ‪ :‬أن هؤلء مجرمون ‪ ،‬تناهى أمرهم في الكفر ‪،‬‬
‫وأنت أعلم بهم ‪ ،‬فافعل بهم ما يستحقونه ‪ ،‬قيل ‪ :‬كان دعاؤه عليه السلم ‪ ،‬اللهم‬
‫جل لهم ما يستحقون بإجرامهم ‪ ،‬وقيل ‪ :‬قوله ربنا ل تجعلنا فتنة للقوم‬ ‫عّ‬
‫الظالمين ‪ ،‬إلى قوله ‪ ،‬فل يؤمنوا حتى يروا العذاب الليم ‪ ،‬وإنما ذكر ال‬
‫سبحانه السبب ‪ ،‬الذي استوجبوا به الهلك ‪ ،‬لُيعلم منه دعاؤه والجابة معا ‪،‬‬
‫وإن دعاءه على يأس من أيمانهم ‪ ،‬وهذا من بليغ اختصارات الكتاب المعجز‬
‫" ‪ ،‬اللوسي ‪.‬‬

‫‪444‬‬
‫ن‬
‫عُيو ٍ‬
‫ت َو ُ‬
‫جّنا ٍ‬‫ن َ‬ ‫ن )‪َ (24‬كْم َتَرُكوا ِم ْ‬
‫جْنٌد ُمْغَرُقو َ‬‫حَر َرْهًوا ِإّنُهْم ُ‬ ‫ك اْلَب ْ‬
‫) … َواْتُر ِ‬
‫سَماُء‬
‫عَلْيِهُم ال ّ‬‫ت َ‬‫ن )‪َ (28‬فَما َبَك ْ‬
‫خِري َ‬
‫ك َوَأْوَرْثَناَها َقْوًما َءا َ‬‫)‪َ … (25‬كَذِل َ‬
‫ن )‪(29‬‬ ‫ظِري َ‬
‫ض َوَما َكاُنوا ُمْن َ‬ ‫َوالَْْر ُ‬
‫" يقول تعالى ذكره ‪ ،‬كم ترك فرعون وقومه من القبط ‪ ،‬بعد مهلكهم ‪ ،‬وتغريق‬
‫ال إياهم ‪ ،‬من بساتين وأشجار وعيون ومقام كريم ‪ ،‬يقول وموضع كانوا‬
‫يقومونه شريف كريم ‪ .‬وقوله ) كذلك وأورثناها قوما آخرين ( يقول تعالى‬
‫ذكره ‪ ،‬وأورثنا جناتهم وعيونهم وزروعهم ومقاماتهم ‪ ،‬وما كانوا فيه من‬
‫ي بالقوم الخرين بنو إسرائيل " ‪ ،‬الطبري ‪.‬‬ ‫عن َ‬
‫النعمة قوما آخرين ‪ ،‬وقيل ُ‬
‫" ) كذلك وأورثناها قوما آخرين ( وهم بنو إسرائيل ‪ ،‬كما تقدم ‪ ،‬وقوله سبحانه‬
‫وتعالى ) فما بكت عليهم السماء والرض ( أي لم تكن لهم أعمال صالحة ‪،‬‬
‫تصعد في أبواب السماء ‪ ،‬فتبكي على فقدهم ‪ ،‬ول لهم في الرض ‪ ،‬بقاع عبدوا‬
‫ال تعالى فيها ‪ ،‬فقدتهم ‪ ،‬فلهذا استحقوا أن ل ُينظروا ‪ ،‬ول ُيؤخروا ‪ ،‬لكفرهم‬
‫وإجرامهم وعتوهم وعنادهم " ‪ ،‬ابن كثير ‪.‬‬
‫" قال الزجاج ‪ :‬أي المر كذلك ‪ ،‬فيوقف على كذلك ‪ ،‬وقيل ‪ :‬إن الكاف في‬
‫موضع نصب ‪ ،‬على تقدير نفعل فعل كذلك ‪ ،‬بمن نريد إهلكه ‪ ،‬وقال الكلبي ‪:‬‬
‫كذلك أفعل بمن عصاني ‪ ،‬وقيل ‪ :‬كذلك كان أمرهم ‪ ،‬فأهلكوا ‪ ،‬وأورثناها قوما‬
‫آخرين ‪ ،‬يعني بني إسرائيل ‪ ،‬مّلكهم ال تعالى أرض مصر ‪ ،‬بعد أن كانوا فيها‬
‫مستعبدين ‪ ،‬فصاروا لها وارثين لوصول ذلك إليهم ‪ ،‬كوصول الميراث ونظيره‬
‫‪ ،‬وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الرض ومغاربها ‪ ،‬الية " ‪،‬‬
‫القرطبي ‪.‬‬
‫ن ِإّنُه َكانَ‬
‫عْو َ‬
‫ن ِفْر َ‬
‫ن )‪ِ (30‬م ْ‬ ‫ب اْلُمِهي ِ‬
‫ن اْلَعَذا ِ‬‫سَراِئيَل ِم َ‬
‫جْيَنا َبِني ِإ ْ‬
‫) … َوَلَقْد َن ّ‬
‫ن )‪(32‬‬ ‫عَلى اْلَعاَلِمي َ‬
‫عْلٍم َ‬
‫عَلى ِ‬
‫خَتْرَناُهْم َ‬‫ن )‪َ (31‬وَلَقِد ا ْ‬ ‫سِرِفي َ‬
‫ن اْلُم ْ‬‫عاِلًيا ِم َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪… (33‬‬ ‫لٌء ُمِبي ٌ‬‫ت َما ِفيِه َب َ‬‫لَيا ِ‬
‫نا ْ‬‫َوَءاَتْيَناُهْم ِم َ‬
‫" يعني ما كانت القبط ‪ ،‬تفعل بهم بأمر فرعون ‪ ،‬من قتل البناء ‪ ،‬واستخدام‬
‫النساء ‪ ،‬واستعبادهم إياهم ‪ ،‬وتكلفهم العمال الشاقة ‪ ،‬وقيل ‪ :‬أي أنجيناهم من‬
‫العذاب ‪ ،‬ومن فرعون ‪ ،‬إنه كان عاليا من المسرفين ‪ ،‬ولقد اخترناهم يعني بني‬
‫إسرائيل " ‪ ،‬القرطبي ‪.‬‬

‫‪445‬‬
‫" واختلف أهل التأويل ‪ ،‬في ذلك البلء ‪ ،‬فقال بعضهم ابتلهم بنَعِمه عندهم ‪،‬‬
‫وقال آخرون ‪ ،‬بل ابتلهم بالرخاء والشدة ‪ ،‬وأولى القوال في ذلك بالصواب ‪،‬‬
‫أن يقال إن ال أخبر ‪ ،‬أنه آتى بني إسرائيل من اليات ‪ ،‬ما فيه ابتلؤهم‬
‫واختبارهم ‪ ،‬وقد يكون البتلء والختبار بالرخاء ‪ ،‬ويكون بالشدة ‪ ،‬ولم يضع‬
‫لنا دليل ‪ ،‬من خبر ول عقل ‪ ،‬أنه عنى بعض ذلك دون بعض ‪ ،‬وقد كان ال‬
‫اختبرهم ‪ ،‬بالمعنيين كليهما جميعا " ‪ ،‬الطبري ‪.‬‬
‫ن)‬ ‫شِري َ‬‫ن ِبُمْن َ‬
‫حُ‬ ‫ي ِإلّ َمْوَتُتَنا اُْلوَلى َوَما َن ْ‬‫ن ِه َ‬‫ن )‪ِ (34‬إ ْ‬ ‫ن َهُؤَلِء َلَيُقوُلو َ‬ ‫) … ِإ ّ‬
‫ن‬
‫ن ِم ْ‬‫خْيٌر ‪َ ،‬أْم َقْوُم ُتّبٍع َواّلِذي َ‬
‫ن )‪َ (36‬أُهْم َ‬ ‫صاِدِقي َ‬
‫ن ُكْنُتْم َ‬‫‪َ (35‬فْأُتوا ِبآَباِئَنا ِإ ْ‬
‫ن )‪… (37‬‬ ‫جِرِمي َ‬‫َقْبِلِهْم ‪َ ،‬أْهَلْكَناُهْم ‪ِ ،‬إّنُهْم َكاُنوا ُم ْ‬
‫" ) إن هؤلء ( ‪ ،‬كفار قريش ‪ ،‬لن الكلم فيهم ‪ ،‬وذكر قصة فرعون وقومه ‪،‬‬
‫استطرادي للدللة على أنهم مثلهم ‪ ،‬في الصرار على الضللة ‪ ،‬والنذار على‬
‫ل بهم ‪ ،‬وفي اسم الشارة )هؤلء ( تحقير لهم ) ليقولون ( ‪ ) :‬إن هي‬ ‫مثل ما ح ّ‬
‫إل موتتنا الولى ( أي ما العاقبة ونهاية المر ‪ ،‬إل الموتة الولى المزيلة للحياة‬
‫الولى ‪ ) ،‬وما نحن بمنشرين ( أي بمبعوثين بعدها " ‪ ،‬اللوسي ‪.‬‬
‫" ) إن هؤلء ليقولون ‪ ،‬إن هي إل موتتنا الولى ‪ ،‬وما نحن بمنشرين ‪ ،‬فأتوا‬
‫بآبآئنا ‪ ،‬إن كنتم صادقين ( ‪ ،‬يقول تعالى ذكره ‪ ،‬مخبرا عن قيل مشركي قريش‬
‫‪ ،‬لنبي ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬إن هؤلء المشركين من قومك ‪ ،‬يا محمد ‪،‬‬
‫ليقولون إن هي إل موتتنا الولى ‪ ،‬التي نموتها ‪ ،‬وهي الموتة الولى ‪ ،‬وما‬
‫نحن بمنشرين بعد مماتنا ‪ ،‬ول بمبعوثين ‪ ،‬تكذيبا منهم بالبعث والثواب والعقاب‬
‫" ‪ ،‬الطبري ‪.‬‬
‫" ) أهم خير أم قوم تبع ‪ ،‬والذين من قبلهم أهلكناهم ‪ ،‬إنهم كانوا مجرمين ( ‪،‬‬
‫يقول تعالى ذكره ‪ ،‬لنبيه محمد صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬أهؤلء المشركون يا‬
‫محمد من قومك خير ‪ ،‬أم قوم تبع يعني تبعا الحميري ‪ ،‬وكانت عائشة تقول ‪:‬‬
‫ل تسبوا تبعا فإنه كان رجل صالحا ‪ .‬وقوله ) والذين من قبلهم ( ‪ ،‬من المم‬
‫الكافرة بربها ‪ ،‬يقول فليس هؤلء بخير من أولئك ‪ ،‬فنصفح عنهم ول نهلكهم ‪،‬‬
‫وهم بال كافرون ‪ ،‬كما كان الذين أهلكناهم ‪ ،‬من المم من قبلهم كفارا ‪ ،‬وقوله‬
‫) إنهم كانوا مجرمين ( ‪ ،‬إنما أهلكناهم لجرامهم وكفرهم بربهم " ‪ ،‬الطبري ‪.‬‬

‫‪446‬‬
‫" عن عائشة قالت ‪ :‬كان تبع رجل صالحا ‪ ،‬أل ترى أن ال تعالى ذم قومه ولم‬
‫يذمه " ‪ ،‬اللوسي ‪.‬‬
‫" ) أهم خير أم قوم تبع ( هذا استفهام إنكار ‪ ،‬أي إنهم مستحقون في هذا القول‬
‫العذاب ‪ ،‬إذ ليسوا خيرا من قوم تبع ‪ ،‬والمم المهلكة ‪ ،‬وإذا أهلكنا أولئك فكذا‬
‫هؤلء " ‪ ،‬القرطبي ‪.‬‬
‫" ) والذين من قبلهم ( أي قبل قوم تبع كعاد وثمود ‪ ،‬أو قبل قريش فهو تعميم ‪،‬‬
‫بعد تخصيص ‪ ) ،‬أهلكناهم ( ‪ ،‬استئناف لبيان عاقبة أمرهم هّدد به كفار قريش‬
‫‪ ) ،‬إنهم كانوا مجرمين ( ‪ ،‬تعليل لهلكهم ‪ ،‬أي أهلكناهم ‪ ،‬بسبب كونهم‬
‫مجرمين ‪ ،‬فليحذر كفار قريشا " ‪ ،‬اللوسي ‪.‬‬
‫ن )‪(59‬‬
‫ب ِإّنُهْم ُمْرَتِقُبو َ‬
‫ن )‪َ (58‬فاْرَتِق ْ‬
‫ك َلَعّلُهْم َيَتَذّكُرو َ‬
‫ساِن َ‬
‫سْرَناُه ِبِل َ‬
‫) َفِإنَّما َي ّ‬
‫" أي أنزلناه سهل واضحا بينا جليا ‪ ،‬بلسانك الذي هو أفصح اللغات ‪ ،‬وأجلها‬
‫وأحلها وأعلها ‪ ) ،‬لعلهم يتذكرون ( أي يتفّهمون ويعلمون ‪ ،‬ثم لما كان مع‬
‫ف وعانَد ‪ ،‬قال ال تعالى‬ ‫هذا الوضوح والبيان ‪ ،‬من الناس ‪ ،‬من َكفَر وخال َ‬
‫لرسوله صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬مسليا له وواعدا له بالنصر ‪ ،‬ومتوعدا لمن كّذبه‬
‫بالعطب والهلك ‪ ) ،‬فارتقب ( أي انتظر ‪ ) ،‬إنهم مرتقبون ( أي فسيعلمون لمن‬
‫ستكون النصرة ‪ ،‬والظفر وعلو الكلمة في الدنيا والخرة " ابن كثير ‪.‬‬
‫" ) فإنما يسرناه بلسانك ‪ ،‬لعلهم يتذكرون ‪ ،‬فارتقب إنهم مرتقبون ( يقول تعالى‬
‫ذكره ‪ ،‬لنبيه محمد صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فإنما سّهلنا قراءة هذا القرآن ‪ ،‬الذي‬
‫أنزلناه إليك بلسانك ‪ ،‬ليتذكر هؤلء المشركون ‪ ،‬الذين أرسلناك إليهم ‪ ،‬بِعبِره‬
‫حججه ‪ ،‬ويتعظوا بعظاته ‪ ،‬ويتفكروا في آياته ‪ ،‬إذا أنت تتلوه عليهم ‪ ،‬فُينيبوا‬
‫وُ‬
‫إلى طاعة ربهم ‪ ،‬ويذعنوا للحق عندما تبينهموه ‪ .‬وقوله ) فارتقب إنهم‬
‫مرتقبون ( يقول تعالى ذكره ‪ ،‬لنبيه محمد صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فانتظر أنت يا‬
‫محمد الفتح من ربك ‪ ،‬والنصر على هؤلء المشركين بال ‪ ،‬من قومك من‬
‫قريش ‪ ،‬إنهم منتظرون ‪ ،‬عند أنفسهم قهرك وغلبتك ‪ ،‬بصدهم عما أتيتهم به من‬
‫الحق ‪ ،‬من أراد قبوله واتباعك عليه " ‪ ،‬الطبري ‪.‬‬
‫" ) فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون ( أي كي يفهموه ‪ ،‬ويتذكروا به ويعملوا‬
‫ل بهم ‪ ،‬وهو تعميم بعد‬‫بموجبه ‪ ) ،‬فارتقب ( ‪ ،‬أي وأن لم يتذكروا بما يح ّ‬
‫تخصيص ‪ ،‬بقوله تعالى ) فارتقب يوم تأتي السماء …حتى قوله … إنهم‬
‫‪447‬‬
‫مرتقبون ( وقيل ‪ :‬معناه مرتقبون ما يحل بهم تهكما ‪ ،‬وفي الية من الوعد له ‪،‬‬
‫صلى ال تعالى عليه وسلم ‪ ،‬ما ل يخفى " ‪ ،‬اللوسي ‪.‬‬
‫سورة الدخان ُتنذر قوما من أمة السلم كفروا بعد إيمانهم‬
‫ن )‪(9‬‬
‫ك َيْلَعُبو َ‬
‫شّ‬
‫َبْل هُْم ِفي َ‬
‫هذا الوصف لم يكن بحال من الحوال ‪ ،‬لمشركي قريش ‪ ،‬فهؤلء كّذبوا‬
‫ك في‬ ‫وكفروا بما جاء به ‪ ،‬محمد عليه الصلة والسلم ‪ ،‬جملة وتفصيل ‪ .‬والش ّ‬
‫ن والهوى ‪،‬‬ ‫المعتقد عادة ‪ ،‬يتأّتى بعد اليمان ‪ ،‬بوحي من شياطين النس والج ّ‬
‫مما يدفع النسان في النهاية إلى الكفر ‪ .‬وأما اللعب ‪ ،‬جاء بمعنى العراض‬
‫عما ينفع والستهزاء به ‪ ،‬والنشغال بما ل ينفع ‪ ،‬بل وبما يضّر ‪ ،‬وهي صفة‬
‫يمتاز بها الصبية والولد الصغار ‪ ،‬لصغر عقولهم ‪ ،‬وقلة مداركهم ‪ ،‬وضيق‬
‫أفقهم ‪ ،‬وعدم مقدرتهم ‪ ،‬على أخذ العبرة والعظة ‪.‬‬
‫أما هؤلء القوم من أمة محمد ‪ ،‬فهم في شك من أمر ال ‪ ،‬والشك هو انعدام‬
‫اليقين ‪ ،‬بمعنى أنهم غير موقنين ‪ ،‬مما أخبر عنه في كتابه المبين ‪ ،‬الذي جاء به‬
‫الرسول المبين ‪ ،‬بلسان عربي مبين ‪ ،‬من أمور الغيب ‪ ،‬وعلى رأسها انعدام‬
‫اليقين بربوبية وألوهية ال ووحدانيته وإنكار البعث ‪ ،‬أي الشك بملكية ال‬
‫للسماوات والرض وما بينهما ‪ ،‬وقدرته على تصريف المور ‪ ،‬والشك بأمر‬
‫البعث بعد الموت ‪ .‬لذلك فهم ل يتورعون ‪ ،‬عن اتخاذ دينهم هزوا ولعبا ‪ ،‬إذ ل‬
‫بعث ول حساب ول عقاب يردعهم ‪.‬‬
‫خُذوا ِديَنُكْم ُهُزًوا َوَلِعًبا ‪،‬‬ ‫ن اّت َ‬‫خُذوا اّلِذي َ‬‫ن َءاَمُنوا ‪ ،‬لَ َتّت ِ‬ ‫قال تعالى ) َيَأّيَها اّلِذي َ‬
‫ن كُْنُتْم‬‫ل ‪ِ ،‬إ ْ‬‫ن َقْبِلُكْم َواْلُكّفاَر َأْوِلَياءَ ‪َ ،‬واّتُقوا ا َّ‬ ‫ب ِم ْ‬‫ن ُأوُتوا اْلِكَتا َ‬‫ن اّلِذي َ‬‫ِم َ‬
‫ن )‪ 57‬المائدة ( ‪ ،‬فالذين يوالون الذين اتخذوا دين ال هزوا ولعبا ‪ ،‬من‬ ‫ُمْؤِمِني َ‬
‫اليهود والنصارى والكفار إجمال ‪ ،‬وهم ُيظهرون اليمان ليسوا بمؤمنين ‪ ،‬فما‬
‫بالك بمن يتخذ دين السلم ‪ ،‬هزوا ولعبا ويحاربه ‪ ،‬وهو ينتسب إليه ‪.‬‬
‫حَياُة الدّْنَيا َوَذّكْر‬ ‫غّرْتُهُم اْل َ‬‫خُذوا ِديَنُهْم َلِعًبا َوَلهًْوا َو َ‬ ‫ن اّت َ‬
‫وقال تعالى ) َوَذِر اّلِذي َ‬
‫ن َتْعِدْل‬‫شِفيٌع َوِإ ْ‬ ‫ي َوَل َ‬ ‫ل َوِل ّ‬‫ن ا ِّ‬‫ن ُدو ِ‬‫س َلَها ِم ْ‬ ‫ت َلْي َ‬‫سَب ْ‬‫س ِبَما َك َ‬‫سَل َنْف ٌ‬ ‫ن ُتْب َ‬
‫ِبِه َأ ْ‬
‫ن حَِميٍم‬ ‫ب ِم ْ‬ ‫شَرا ٌ‬ ‫سُبوا َلُهْم َ‬ ‫سُلوا ِبَما َك َ‬‫ن ُأْب ِ‬‫ك اّلِذي َ‬
‫خْذ ِمْنَها ُأوَلِئ َ‬
‫عْدٍل لَ ُيْؤ َ‬ ‫ُكّل َ‬
‫خُذوا ِديَنُهْم َلْهًوا‬ ‫ن اّت َ‬‫ن )‪ 70‬النعام ( ‪ ،‬وقال ) اّلِذي َ‬ ‫ب َأِليٌم ِبَما َكاُنوا َيْكُفُرو َ‬‫عَذا ٌ‬‫َو َ‬

‫‪448‬‬
‫سوا ِلَقاَء َيْوِمِهْم َهَذا َوَما َكاُنوا‬
‫ساُهْم َكَما َن ُ‬
‫حَياُة الّدْنَيا َفاْلَيْوَم َنْن َ‬
‫غّرْتُهُم اْل َ‬
‫َوَلِعًبا َو َ‬
‫ن )‪ 51‬العراف ( ‪.‬‬ ‫حُدو َ‬ ‫جَ‬ ‫ِبآَياِتَنا َي ْ‬
‫فهؤلء القوم يتصفون بأمرين ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أنهم ل يؤمنون بال واليوم الخر ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن شغلهم الشاغل هو الحياة الدنيا ‪ ،‬وأنهم يتخذون أمور دينهم ‪ ،‬مادة‬
‫للهزء والسخرية واللهو ‪.‬‬
‫ب َأِليٌم )‬
‫عَذا ٌ‬
‫س َهَذا َ‬
‫شى الّنا َ‬
‫ن )‪َ (10‬يْغ َ‬
‫ن ُمِبي ٍ‬
‫خا ٍ‬
‫سَماُء ِبُد َ‬
‫ب َيْوَم َتْأِتي ال ّ‬
‫َفاْرَتِق ْ‬
‫‪(11‬‬
‫نلحظ أن المفسرين اختلفوا على ثلثة مواقف ‪ ،‬فمنهم من وافق تفسير ابن‬
‫مسعود ‪ ،‬ومنهم من وافق تفسير ابن عباس ‪ ،‬ومنهم من أخذ بالحتمالين ‪ .‬وكلّ‬
‫منهم أكمل تفسير السورة ‪ ،‬على ما ارتأى من صوابية اعتقاده ‪ ،‬بالنسبة لهذا‬
‫الدخان ‪ .‬وأما من حيث زمن الوقوع ‪ ،‬فالحتمال الول ‪ ،‬يقول بأن الدخان‬
‫والبطشة ‪ ،‬قد مضيا في مشركي قريش ‪ ،‬والحتمال الثاني يقول بأنه قبل يوم‬
‫القيامة ‪ ،‬والحتمال الثالث يقول بأنه من أحداث يوم القيامة ‪ ،‬وللفصل في هذه‬
‫القوال والمواقف ‪ ،‬سنستنبط صفات هذا الدخان من اليات نفسها ‪ ،‬وصفات‬
‫هؤلء القوم وأفعالهم ‪ ،‬في نهاية الفصل ‪ ،‬بمعزل عن الروايات والتفسيرات‬
‫السابقة ‪ ،‬فظاهر اليات الكريمة ‪ ،‬يدل على أن ما ورد في اليات ‪ ،‬هو نبأ‬
‫دخان سيظهر في المستقبل ‪ ،‬والقدر على بيان أمره ‪ ،‬هو من يعاصر‬
‫ظهوره ‪ ،‬بعد اكتمال معالمه ‪ ،‬كما هي العادة ‪ ،‬في فهم وتفسير النبوءات‬
‫المستقبلية ‪.‬‬
‫ن )‪(12‬‬
‫ب ِإّنا ُمْؤِمُنو َ‬
‫عّنا اْلَعَذا َ‬
‫ف َ‬
‫ش ْ‬
‫َرّبَنا اْك ِ‬
‫وهذا هو دعاء المُعرضين عن ذكر ال ‪ ،‬كما هي العادة ‪ ،‬من المسرفين‬
‫ستهم الضراء والبأساء ‪ ،‬سواء‬ ‫والمشركين والكفار ‪ ،‬من الناس إجمال ‪ ،‬كلما م ّ‬
‫ضّر‬
‫ن ال ّ‬
‫سا َ‬‫س اِْلْن َ‬‫من أمة السلم أو من غيرها ‪ ،‬كما في قوله تعالى ) َوِإَذا َم ّ‬
‫ضّر‬‫عَنا ِإَلى ُ‬
‫ن َلْم َيْد ُ‬
‫ضّرُه َمّر َكَأ ْ‬
‫عْنُه ُ‬
‫شْفَنا َ‬‫عًدا َأْو َقاِئًما َفَلّما َك َ‬
‫جْنِبِه َأْو َقا ِ‬
‫عاَنا ِل َ‬
‫َد َ‬
‫ن )‪ 12‬يونس ( ‪.‬‬ ‫ن َما َكاُنوا َيْعَمُلو َ‬ ‫سِرِفي َ‬‫ن ِلْلُم ْ‬
‫ك ُزّي َ‬‫سُه َكَذِل َ‬
‫َم ّ‬

‫‪449‬‬
‫ولحظ ضمير المخاطب ) كم ( ‪ ،‬والذي يعود على المخاطبين بالقرآن ‪ ،‬في‬
‫ن)‬ ‫جَأُرو َ‬ ‫ضّر ‪َ ،‬فِإَلْيِه َت ْ‬‫سُكُم ال ّ‬ ‫ل ‪ُ ،‬ثّم ِإَذا َم ّ‬ ‫ن ا ِّ‬ ‫ن ِنْعَمٍة َفِم َ‬
‫قوله تعالى ) َوَما ِبُكْم ِم ْ‬
‫ن )‪ 54‬النحل ( ‪،‬‬ ‫شِرُكو َ‬ ‫ق ِمْنُكْم ِبَرّبِهْم ُي ْ‬ ‫عْنُكْم ِإَذا َفِري ٌ‬ ‫ضّر َ‬ ‫ف ال ّ‬ ‫ش َ‬ ‫‪ُ (53‬ثّم ِإَذا َك َ‬
‫جاُكْم ِإَلى‬ ‫ن ِإّل ِإّياُه َفَلّما َن ّ‬‫عو َ‬ ‫ن َتدْ ُ‬‫ضّل َم ْ‬ ‫حِر َ‬ ‫ضّر ِفي اْلَب ْ‬ ‫سُكُم ال ّ‬ ‫وقوله ) َوِإَذا َم ّ‬
‫ن َكُفوًرا )‪ 67‬السراء ( ‪.‬‬ ‫سا ُ‬
‫ن اِْلْن َ‬ ‫ضُتْم َوَكا َ‬‫عَر ْ‬ ‫اْلَبّر َأ ْ‬
‫والقرب والظهر ‪ ،‬بالنظر في دعواهم تلك ‪ ،‬وإقرارهم بألسنتهم ما ليس في‬
‫قلوبهم من اليمان ‪ ،‬عند غشيان الدخان لهم ‪ ،‬أن يكون هؤلء من أمة محمد‬
‫عليه الصلة والسلم ‪ ،‬فسقوا عن دينهم مع كونهم مسلمين ‪ ،‬نفاقا على‬
‫الغلب ‪ ،‬وشركهم في ال جاء بعد اليمان به ‪ .‬أما قريش فلم يكن هذا حالهم ‪،‬‬
‫وما كان ليصدر منها هذا الدعاء ‪ ،‬فمنهم من أسلم ‪ ،‬ومنهم أصّر على كفره ‪،‬‬
‫أما النفاق فلم يعرفوه ‪ ،‬ولم يكن لهم فيه مصلحة ‪ ،‬ومن المعروف أن النفاق ‪،‬‬
‫ظهر بعد انتشار السلم ‪ ،‬وهو ما حصل في المدينة المنورة ‪ ،‬لعدة غايات‬
‫وأهمها وأخطرها ‪ ،‬هو سعيهم لمحاربة تعاليم الدين وهدم معالمه ‪ ،‬داخل‬
‫المجتمعات السلمية ‪ ،‬وسورة الدخان مكية ‪ ،‬وحال هؤلء ‪ ،‬كحال من قال‬
‫فيهم سبحانه ‪ ،‬في مطلع سورة البقرة ‪:‬‬
‫ن )‪(8‬‬ ‫خِر ‪َ ،‬وَما ُهْم ِبُمْؤِمِني َ‬ ‫لِ‬ ‫ل ‪َ ،‬وِباْلَيْوِم ا ْ‬ ‫ن َيُقوُل ‪َ :‬ءاَمّنا ِبا ِّ‬ ‫س َم ْ‬‫ن الّنا ِ‬ ‫) َوِم َ‬
‫ن )‪(9‬‬ ‫شُعُرو َ‬ ‫سُهْم َوَما َي ْ‬ ‫ن ِإّل َأْنُف َ‬‫عو َ‬ ‫خَد ُ‬‫ن َءاَمُنوا ‪َ ،‬وَما َي ْ‬ ‫ل ‪َ ،‬واّلِذي َ‬ ‫ن ا َّ‬ ‫عو َ‬ ‫خاِد ُ‬‫ُي َ‬
‫ن )‪(10‬‬ ‫ب َأِليٌم ِبَما َكاُنوا َيْكِذُبو َ‬ ‫عَذا ٌ‬‫ضا َوَلُهْم َ‬ ‫ل َمَر ً‬ ‫ض َفَزاَدُهُم ا ُّ‬ ‫ِفي ُقُلوِبِهْم َمَر ٌ‬
‫ن )‪َ (11‬أَل ِإّنُهْم ُهمُ‬ ‫حو َ‬ ‫صِل ُ‬
‫ن ُم ْ‬ ‫حُ‬ ‫ض َقاُلوا ِإّنَما َن ْ‬ ‫سُدوا ِفي الَْْر ِ‬ ‫َوِإَذا ِقيَل َلُهْم لَ ُتْف ِ‬
‫س َقاُلوا‬ ‫ن الّنا ُ‬ ‫ن )‪َ (12‬وِإَذا ِقيَل َلهُْم َءاِمُنوا َكَما َءاَم َ‬ ‫شُعُرو َ‬‫ن لَ َي ْ‬ ‫ن َوَلِك ْ‬‫اْلُمْفسُِدو َ‬
‫ن )‪َ (13‬وِإَذا‬ ‫ن َل َيْعَلُمو َ‬‫سَفَهاءُ َوَلِك ْ‬ ‫سَفَهاُء َألَ ِإّنُهْم ُهُم ال ّ‬ ‫ن ال ّ‬‫ن َكَما َءاَم َ‬ ‫َأُنْؤِم ُ‬
‫طيِنِهْم َقاُلوا ِإّنا َمَعكُْم ِإّنَما َنحْ ُ‬
‫ن‬ ‫شَيا ِ‬‫خَلْوا ِإَلى َ‬ ‫ن َءاَمُنوا َقاُلوا َءاَمّنا َوِإَذا َ‬ ‫َلُقوا اّلِذي َ‬
‫ك‬
‫ن )‪ُ (15‬أوَلِئ َ‬ ‫طْغَياِنِهْم َيْعَمُهو َ‬ ‫ئ ِبِهْم َوَيُمّدُهْم ِفي ُ‬ ‫سَتْهِز ُ‬‫ل َي ْ‬ ‫ن )‪ (14‬ا ُّ‬ ‫سَتْهِزُئو َ‬ ‫ُم ْ‬
‫ن )‪16‬‬ ‫جاَرُتُهْم َوَما َكاُنوا ُمْهَتِدي َ‬ ‫ت ِت َ‬‫ح ْ‬ ‫لَلَة ِباْلُهَدى َفَما َرِب َ‬ ‫ضَ‬‫شَتَرُوا ال ّ‬ ‫نا ْ‬ ‫اّلِذي َ‬
‫البقرة ( ‪.‬‬
‫حيث قال سبحانه ) ومن الناس ( ‪ ،‬ولم يحصر هذا السلوك بطائفة من الناس ‪،‬‬
‫أو بزمن معين ‪ ،‬وهذا السلوك بدأ بالظهور ‪ ،‬بعدما قويت شوكة السلم في‬
‫المدينة المنورة ‪ ،‬واستمر على مّر العصور ‪ ،‬حتى يومنا هذا ‪.‬‬

‫‪450‬‬
‫عْنُه َوَقاُلوا ُمَعّلٌم‬
‫ن )‪ُ (13‬ثّم َتَوّلْوا َ‬
‫سوٌل ُمِبي ٌ‬
‫جاَءُهْم َر ُ‬
‫َأّنى لَُهُم الّذْكَرى َوَقْد َ‬
‫ن )‪(14‬‬ ‫جُنو ٌ‬‫َم ْ‬
‫من أين لهؤلء القوم الذكرى ؟! أي التوبة والنابة إلى ال ‪ ،‬وقد سبق منهم‬
‫العراض ‪ ،‬عما جاء به الرسول الكريم ‪ ،‬الذي ل ُيشّكك في كرم أخلقه ‪ ،‬أو‬
‫حسبه أو نسبه أو لسانه العربي ‪ ،‬محمد عليه الصلة والسلم ‪ ،‬بعد مجيئه‬
‫واليمان به ‪ ،‬والنتساب إلى دينه ‪ .‬وفضل عن سبق العراض عن رسالته ‪،‬‬
‫بعد احتضانها لمدة من الزمن ‪ ،‬توّلوا عنه وأعرضوا عما جاء به ‪ ،‬واتهموه‬
‫بالتعّلم من الكّهان والشياطين ‪ ،‬بحوادث ميتافيزيقية ‪ ،‬وأضافوا إليه صفة‬
‫الجنون ‪ ،‬إمعانا منهم ‪ ،‬في الجرام والفتراء والستهزاء ‪ ،‬فإن سلم من الكهانة‬
‫‪ ،‬لم يسلم من الجنون ‪ .‬فيرّد عليهم ربهم قولهم هذا ‪ ،‬بقوله لرسوله ) َفَذّكْر ‪َ ،‬فَما‬
‫ظيٍم )‪4‬‬ ‫عِ‬‫ق َ‬ ‫خُل ٍ‬
‫ك َلَعلى ُ‬
‫ن )‪ 29‬الطور ( ‪َ ) ،‬وِإّن َ‬‫جُنو ٍ‬
‫ن َولَ َم ْ‬
‫ك ِبَكاِه ٍ‬
‫ت ِبِنْعَمِة َرّب َ‬
‫َأْن َ‬
‫سوٍل َكِريٍم )‪ 40‬الحاقة (‬‫القلم ( ‪ِ ) ،‬إّنُه َلَقْوُل َر ُ‬
‫ستفاجأ أخي المسلم ‪ ،‬أن المقصود بهذا القول ليسوا مشركي قريش ‪ ،‬بل‬ ‫وُ‬
‫مشركي ومنافقي هذا العصر من أمة السلم ‪ ،‬وأنهم قالوا هذا القول وأكثر ‪،‬‬
‫في رسول ال عليه الصلة والسلم ‪ ،‬تحت رعاية ودعم حكومي مادي‬
‫ومعنوي ‪ ،‬وأن هذا الفتراء ذاته ‪ ،‬هو الذي أخبر عنه سبحانه ‪ ،‬وهو من أكبر‬
‫السباب الموجبة لعقابهم ‪.‬‬
‫ن )‪(15‬‬
‫عاِئُدو َ‬
‫ل ِإّنُكْم َ‬
‫ب َقِلي ً‬
‫شُفوا اْلَعَذا ِ‬
‫ِإّنا َكا ِ‬
‫وُيخبر سبحانه بأنه سيرفع العذاب عنهم قليل ‪ ،‬بعد انعقاد أسبابه ‪ ،‬بكشف‬
‫الدخان ‪ ،‬بعد نيلهم قسطا من أذاه ‪ ،‬نزول عند رغبتهم السابقة ‪ ،‬وإقرارهم‬
‫باليمان عند غشيانه لهم ‪ ،‬فالدخان مجرد تحذير ‪ ،‬ولفت انتباه لهم ‪ ،‬بأن ال هو‬
‫رب السموات والرض ‪ ،‬وبأنه قادر على إماتتهم وإهلكهم ‪ ،‬كما أمات‬
‫جة ‪ ،‬بأنه لم يعطهم الفرصة للتوبة والنابة ‪ .،‬ومن ثم‬
‫آبائهم ‪ ،‬ولئل تكن لهم ح ّ‬
‫ٌيقّرر سبحانه بأنهم سيعودون ‪ ،‬لما كانوا عليه ‪ ،‬من الشك واللعب ‪ ،‬وسيضيفون‬
‫إليها التولي والعراض والعصيان والتهام لرسوله الكريم ‪ ،‬ليستوجبوا عن‬
‫جدارة واستحقاق ‪ ،‬أن يبطش بهم رب العزة بطشته الكبرى ‪.‬‬

‫‪451‬‬
‫ب َأِليم )‪ 61‬التوبة ( ‪ ،‬وقال )‬ ‫عَذا ٌ‬
‫ل َلُهْم َ‬‫سوَل ا ِّ‬‫ن َر ُ‬ ‫ن ُيْؤُذو َ‬‫قال تعالى ‪َ ) :‬واّلِذي َ‬
‫عَذاًبا ُمِهيًنا‬
‫عّد َلُهْم َ‬
‫خَرِة َوَأ َ‬
‫لِ‬‫ل ِفي الّدْنَيا َوا ْ‬
‫سوَلُه َلَعَنُهُم ا ُّ‬
‫ل َوَر ُ‬‫ن ا َّ‬
‫ن ُيْؤُذو َ‬
‫اّلِذي َ‬
‫)‪ 57‬الحزاب ( ‪.‬‬
‫ن )‪(16‬‬
‫شَة اْلُكْبَرى ِإّنا ُمْنَتِقُمو َ‬
‫ط َ‬
‫ش اْلَب ْ‬
‫ط ُ‬
‫َيْوَم َنْب ِ‬
‫شِديٌد )‪ 12‬البروج ( ‪.‬‬ ‫ك َل َ‬ ‫ش َرّب َ‬
‫ط َ‬ ‫ن َب ْ‬‫أما بطش رب العزة ‪ ،‬فهذا وصفه ) ِإ ّ‬
‫ونستطيع تصّور طبيعة هذه البطشة ‪ ،‬من قوله تعالى في سورة القمر ) َكّذَب ْ‬
‫ت‬
‫حٍر )‬ ‫سَ‬‫جْيَناُهْم ِب َ‬
‫ط َن ّ‬
‫صًبا ِإّل َءاَل ُلو ٍ‬ ‫حا ِ‬ ‫عَلْيِهْم َ‬ ‫سْلَنا َ‬
‫ط ِبالّنُذِر )‪ِ (33‬إّنا َأْر َ‬ ‫َقْوُم ُلو ٍ‬
‫شتََنا َفَتَماَرْوا‬ ‫ط َ‬
‫شَكَر )‪َ (35‬وَلَقْد َأْنَذَرُهْم َب ْ‬ ‫ن َ‬ ‫جِزي َم ْ‬ ‫ك َن ْ‬‫عْنِدَنا َكَذِل َ‬
‫ن ِ‬‫‪ِ (34‬نْعَمًة ِم ْ‬
‫عَذاِبي َوُنُذِر )‬ ‫عُيَنُهْم َفُذوُقوا َ‬ ‫سَنا َأ ْ‬
‫طَم ْ‬‫ضْيِفِه َف َ‬‫ن َ‬ ‫عْ‬ ‫ِبالّنُذِر )‪َ (36‬وَلَقْد َراَوُدوُه َ‬
‫عَذاِبي َوُنُذِر )‪َ (39‬وَلَقْد‬ ‫سَتِقّر )‪َ (38‬فُذوُقوا َ‬ ‫ب ُم ْ‬‫عَذا ٌ‬ ‫حُهْم ُبْكَرًة َ‬ ‫صّب َ‬
‫‪َ (37‬وَلَقْد َ‬
‫ن ُمّدِكٍر )‪ 40‬القمر ( ‪ ،‬وتماروا بالُنذر ‪ ،‬أي كّذبوا‬ ‫ن ِللّذْكِر َفَهْل ِم ْ‬ ‫سْرَنا اْلُقْرَءا َ‬
‫َي ّ‬
‫إنذارات لوط عليه الصلة والسلم ‪ ،‬وتحذيراته لهم ‪ ،‬وأكثروا الجدال‬
‫والستهزاء بها ومنها ‪ ،‬فبطش بهم ربهم ‪ ،‬وما وقع من قوم لوط ‪ ،‬هو ما وقع‬
‫من هؤلء ‪ ،‬بعد أن جاءهم هذا رسولهم الكريم ‪ ،‬نذيرا من غضب ال ‪ ،‬فغشيهم‬
‫الدخان ‪ ،‬وستبغتهم البطشة الكبرى ‪ ،‬وهم ما زالوا ُيمارون ويتمارون ‪ ،‬في ش ٍ‬
‫ك‬
‫يلعبون ‪ ،‬من أمر هذا الرسول المبين ‪ ،‬وأمر هذا الكتاب المبين ‪ ،‬وأمر هذا‬
‫الدخان المبين ‪.‬‬
‫ش وما نزل بقوم لوط نستخلصه من اليات التالية ‪:‬‬
‫جاَء َأْمُرَنا ‪ ،‬جََعْلَنا‬ ‫ب )‪َ (81‬فَلّما َ‬ ‫ح ِبَقِري ٍ‬‫صْب ُ‬‫س ال ّ‬ ‫ح َأَلْي َ‬‫صْب ُ‬‫عَدُهُم ال ّ‬ ‫ن َمْو ِ‬‫) … ِإ ّ‬
‫سّوَمًة‬‫ضوٍد )‪ُ (82‬م َ‬ ‫جيٍل َمْن ُ‬ ‫سّ‬‫ن ِ‬ ‫جاَرًة ِم ْ‬ ‫حَ‬ ‫عَلْيَها ‪ِ ،‬‬ ‫طْرَنا َ‬ ‫ساِفَلَها ‪َ ،‬وَأْم َ‬
‫عاِلَيَها َ‬ ‫َ‬
‫ن ِبَبِعيٍد )‪ 83‬هود ( ‪.‬‬ ‫ظاِلِمي َ‬‫ن ال ّ‬ ‫ي ِم َ‬‫ك ‪َ ،‬وَما ِه َ‬ ‫عْنَد َرّب َ‬
‫ِ‬
‫كان ذلك في الصباح الباكر ‪ ،‬حيث ُرفعت قرية لوط عليه الصلة والسلم بمن‬
‫فيها ‪ ،‬إلى السماء ‪ ،‬وتقول بعض الروايات أن الملئكة في السماء الولى‬
‫سمعت نباح كلبهم ‪ ،‬ومن ثم ُقلبت ‪ ،‬وُرميت من ذلك الرتفاع الشاهق إلى‬
‫الرض ‪ ،‬فأحدثت ذلك الجرف الجغرافي ‪ ،‬الممتد من على طول نهر الردن‬
‫ووادي عربة ‪ ،‬ومن ثم ُأمطرت بالحجارة ‪ ،‬التي ل تزال ظاهرة ‪ ،‬إلى يومنا‬
‫جر ‪ ،‬في تلك المنطقة على سواحل البحر‬ ‫هذا ‪ ،‬بانغراسها في الطين المتح ّ‬
‫الميت ‪ ،‬وفي سفوح الجبال حوله ‪ .‬وخلصة القول ‪ ،‬أن البطشة تعني خراب‬
‫‪452‬‬
‫الديار وهلك أهلها ‪ ،‬بغض النظر عن الوسيلة ‪ ،‬مشهد يحمل في ثناياه أبشع‬
‫صور للنتقام اللهي ‪ ،‬حين يوغل الناس بإصرار في الجرام ‪ ،‬بحق ال وحق‬
‫عرض الحائط ‪،‬‬ ‫رسله الكرام ‪ ،‬دون وازع أو رادع ‪ ،‬ضاربين بإنذارات ربهم ُ‬
‫مستحّقين بذلك غضبا إلهيا عارما ‪ ،‬سيسكبه على رؤوسهم عاجل أم آجل ‪.‬‬
‫ن َهُؤَلِء َقْومٌ‬
‫عا َرّبُه َأ ّ‬
‫سوٌل َكِريٌم … َفَد َ‬
‫جاَءُهْم َر ُ‬
‫ن َو َ‬
‫عْو َ‬
‫َوَلَقْد َفَتّنا َقْبَلُهْم َقْوَم ِفْر َ‬
‫ن )‪(22‬‬ ‫جِرُمو َ‬ ‫ُم ْ‬
‫ومفاد اليات أعله ‪ ،‬هو أن حال هؤلء القوم ‪ ،‬مع محمد الكريم المين‬
‫المبين ‪ ،‬عليه الصلة والسلم ‪ ،‬كحال فرعون وقومه مع موسى الكريم المين‬
‫المبين ‪ ،‬عليه الصلة والسلم ‪ ،‬وذلك نفيا لما قاله هؤلء عنهما ‪ ،‬سواء من‬
‫فرعون وقومه ‪ ،‬أو ممن أشرك وكفر من أمة محمد ‪ .‬ومن تشبيه الحال‬
‫بالحال ‪ ،‬نستطيع التعرف على موقف هؤلء القوم من محمد ‪ ،‬من خلل معرفة‬
‫موقف فرعون وقومه من موسى ‪ ،‬الذي ورد بالتفصيل في القرآن الكريم ‪،‬‬
‫حيث أن اليات ‪ ،‬التي تصف موقف فرعون وقومه من موسى ورسالته ‪ ،‬تكاد‬
‫تبين ما تحويه سورة الدخان ‪ ،‬من مقاصد إلهية ‪ ،‬تكتنفها اليات الكريمة ‪.‬‬
‫حال فرعون وقومه مع موسى ‪:‬‬
‫ش دعا موسى عليه الصلة والسلم فرعون وقومه ‪ ،‬إلى تقوى ال ‪ ،‬فجادلوه‬
‫واستهزءوا به ‪ ،‬وبما جاء به ‪ ،‬وأنكروا ربوبية ال ‪ ،‬واتهمه فرعون بالجنون ‪،‬‬
‫وهّدده بالسجن ‪ ،‬إن اّتخذ إلها غيره ‪ ،‬فأراه موسى آيات ربه الكبرى ‪ ،‬فاتهمه‬
‫بالسحر ‪ ،‬وببلوغه مرتبة عالية في علمه ‪ ،‬ليصبح كبيرا السحرة ‪ ،‬ونّفذ تهديده‬
‫فيمن اتبعه وآمن به من السحرة ‪.‬‬
‫ن)‬ ‫ن َأَل َيّتُقو َ‬‫عْو َ‬ ‫ن )‪َ (10‬قْوَم ِفْر َ‬ ‫ظاِلِمي َ‬‫ت اْلَقْوَم ال ّ‬‫ن اْئ ِ‬ ‫سى َأ ِ‬ ‫ك ُمو َ‬ ‫) َوِإْذ َناَدى َرّب َ‬
‫سوُل‬ ‫ن َفُقوَل ِإّنا َر ُ‬ ‫عْو َ‬ ‫ن )‪َ … (12‬فْأِتَيا ِفْر َ‬ ‫ن ُيَكّذُبو ِ‬ ‫ف َأ ْ‬‫خا ُ‬ ‫ب ِإّني َأ َ‬‫‪َ (11‬قاَل َر ّ‬
‫ن َوَما َر ّ‬
‫ب‬ ‫عْو ُ‬‫سَراِئيَل )‪َ … (17‬قاَل ِفْر َ‬ ‫سْل َمَعَنا َبِني ِإ ْ‬ ‫ن َأْر ِ‬ ‫ن )‪َ (16‬أ ْ‬ ‫ب اْلَعاَلِمي َ‬
‫َر ّ‬
‫ن )‪(24‬‬ ‫ن ُكْنُتْم ُموِقِني َ‬ ‫ض َوَما َبْيَنُهَما ِإ ْ‬ ‫ت َوالَْْر ِ‬ ‫سَمَوا ِ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ن )‪َ (23‬قاَل َر ّ‬ ‫اْلَعاَلِمي َ‬
‫ن )‪َ (26‬قاَل ِإ ّ‬
‫ن‬ ‫ب َءاَباِئُكُم اَْلّوِلي َ‬ ‫ن )‪َ (25‬قاَل َرّبُكْم َوَر ّ‬ ‫سَتِمُعو َ‬ ‫حْوَلُه َأَل َت ْ‬
‫ن َ‬ ‫َقاَل ِلَم ْ‬
‫ب َوَما‬‫ق َواْلَمْغِر ِ‬ ‫شِر ِ‬‫ب اْلَم ْ‬‫ن )‪َ (27‬قاَل َر ّ‬ ‫جُنو ٌ‬ ‫سَل ِإَلْيُكْم َلَم ْ‬‫سوَلُكُم اّلِذي ُأْر ِ‬ ‫َر ُ‬
‫ك ِم َ‬
‫ن‬ ‫جَعَلّن َ‬
‫غْيِري َل ْ‬ ‫ت ِإلًَها َ‬ ‫خْذ َ‬ ‫ن اّت َ‬
‫ن )‪َ (28‬قاَل َلِئ ِ‬ ‫ن ُكْنُتْم َتْعِقُلو َ‬
‫َبْيَنُهَما ِإ ْ‬
‫ت ِم َ‬
‫ن‬ ‫ن ُكْن َ‬‫ت ِبِه ِإ ْ‬ ‫ن )‪َ (30‬قاَل َفْأ ِ‬ ‫يٍء ُمِبي ٍ‬ ‫ش ْ‬
‫ك ِب َ‬ ‫جْئُت َ‬
‫ن )‪َ (29‬قاَل َأَوَلْو ِ‬ ‫جوِني َ‬‫سُ‬ ‫اْلَم ْ‬
‫‪453‬‬
‫ع َيَدُه َفِإَذا ِهيَ‬ ‫ن )‪َ (32‬وَنَز َ‬ ‫ن ُمِبي ٌ‬ ‫ي ُثْعَبا ٌ‬ ‫صاُه َفِإَذا ِه َ‬ ‫ع َ‬ ‫ن )‪َ (31‬فَأْلَقى َ‬ ‫صاِدِقي َ‬ ‫ال ّ‬
‫عِليٌم )‪َ … (34‬قاَل‬ ‫حٌر َ‬ ‫سا ِ‬ ‫ن َهَذا َل َ‬ ‫حْوَلُه ِإ ّ‬‫ل َ‬ ‫ن )‪َ (33‬قاَل ِلْلَم َِ‬ ‫ظِري َ‬ ‫ضاُء ِللّنا ِ‬ ‫َبْي َ‬
‫ن‬
‫ف َتْعَلُمو َ‬ ‫سْو َ‬ ‫حَر َفَل َ‬‫سْ‬ ‫عّلَمُكُم ال ّ‬ ‫ن َلُكْم ِإّنُه َلَكِبيُرُكُم اّلِذي َ‬ ‫ن َءاَذ َ‬ ‫َءاَمنُْتْم َلُه َقْبَل َأ ْ‬
‫ن )‪ ) … (49‬الشعراء ( ‪.‬‬ ‫جَمِعي َ‬ ‫صّلَبّنُكْم َأ ْ‬
‫ف َولَُ َ‬ ‫ل ٍ‬ ‫خَ‬ ‫ن ِ‬ ‫جَلُكْم ِم ْ‬‫ن َأْيِدَيُكْم َوَأْر ُ‬ ‫طَع ّ‬‫َُلَق ّ‬
‫ولهذا تشابهت لغة الخطاب وتشابهت الحجة في قول الرسولين الكريمين ‪:‬‬
‫ن )‪… (24‬‬ ‫ن ُكْنُتْم ُموِقِني َ‬ ‫ض َوَما َبْيَنُهَما ِإ ْ‬ ‫ت َوالَْْر ِ‬ ‫سَمَوا ِ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫موسى ‪َ ) :‬قاَل َر ّ‬
‫ن )‪ 26‬الشعراء (‬ ‫ب َءاَباِئُكُم اَْلّوِلي َ‬ ‫َقاَل َرّبُكْم َوَر ّ‬
‫ن )‪… (7‬‬ ‫ن ُكْنُتْم ُموِقِني َ‬‫ض َوَما َبْيَنهَُما ِإ ْ‬ ‫ت َوالَْْر ِ‬ ‫سَمَوا ِ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫محمد ‪َ … ) :‬ر ّ‬
‫ن )‪ 8‬الدخان (‬ ‫ب َءاَباِئُكُم الَّْوِلي َ‬ ‫َرّبُكْم َوَر ّ‬
‫ش فأنذرهم ال بعذابات ‪ ،‬من المألوفة للناس ‪ ،‬كالقحط والجوع ‪ ،‬مشعرا إياهم‬
‫بقدرته على أخذهم ‪ ،‬لعلهم يرجعون ‪ ،‬ولكنهم رّدوا هذه البتلءات ‪ ،‬إلى "‬
‫ش النحس " ) باللهجة المصرية ( ‪ ،‬لموسى ومن معه ‪ ،‬ولم ينسبوها إلى ال‬ ‫الو ّ‬
‫‪ .‬وأصّروا على كفرهم ‪ ،‬فأرسل عليهم ما لم يألفوه ‪ ،‬كالطوفان والجراد والقمل‬
‫والضفادع والدم ‪ ،‬فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين ‪ .‬ولكنهم لما وقع بهم العذاب‬
‫وعاينوه ‪ ،‬وعدوا موسى باليمان ‪ ،‬في حال ُكشف عنهم ‪ .‬وُرفع العذاب عنهم‬
‫لجل مسمى ‪ ،‬هم بالغوه ‪ ،‬وفور شعورهم بالرخاء ‪ ،‬نكثوا عهدهم وعادوا لما‬
‫سبق ‪ ،‬فانتقم ال منهم ‪ ،‬لتكذيبهم ليات ال وغفلتهم عنها ‪.‬‬
‫ن)‬ ‫ت ‪َ ،‬لَعّلُهْم َيّذّكُرو َ‬ ‫ن الّثَمَرا ِ‬ ‫ص ِم َ‬ ‫ن َوَنْق ٍ‬ ‫سِني َ‬ ‫ن ِبال ّ‬ ‫عْو َ‬ ‫خْذَنا َءاَل ِفْر َ‬ ‫) َوَلَقْد َأ َ‬
‫سّيَئٌة ‪َ ،‬يطّّيُروا‬ ‫صْبُهْم َ‬ ‫ن ُت ِ‬ ‫سَنُة ‪َ ،‬قاُلوا َلَنا َهِذِه ‪َ ،‬وِإ ْ‬ ‫ح َ‬‫جاَءْتُهُم اْل َ‬ ‫‪َ (130‬فِإَذا َ‬
‫ن )‪(131‬‬ ‫ن َأْكَثَرُهْم َل َيْعَلُمو َ‬ ‫ل ‪َ ،‬وَلِك ّ‬ ‫عْنَد ا ِّ‬ ‫طاِئُرُهْم ِ‬ ‫ن َمَعُه ‪َ ،‬ألَ ِإّنَما َ‬ ‫سى َوَم ْ‬ ‫ِبُمو َ‬
‫ن )‪(132‬‬ ‫ك ِبُمْؤِمِني َ‬ ‫ن َل َ‬‫حُ‬‫حَرَنا ِبَها ‪َ ،‬فَما َن ْ‬ ‫سَ‬ ‫ن َءاَيٍة ‪ِ ،‬لَت ْ‬ ‫َوَقاُلوا َمْهَما َتْأِتَنا ِبِه ِم ْ‬
‫ت‪،‬‬ ‫ل ٍ‬ ‫صَ‬ ‫ت ُمَف ّ‬ ‫ع َوالّدَم ‪َ ،‬ءاَيا ٍ‬ ‫ضَفاِد َ‬ ‫جَراَد َواْلُقّمَل َوال ّ‬ ‫ن َواْل َ‬ ‫طوَفا َ‬ ‫عَلْيِهُم ال ّ‬ ‫َفَأْرسَْلَنا َ‬
‫جُز ‪َ ،‬قاُلوا ‪:‬‬ ‫عَلْيِهُم الّر ْ‬
‫ن )‪َ (133‬وَلّما َوَقَع َ‬ ‫جِرِمي َ‬ ‫ستَْكَبُروا ‪َ ،‬وَكاُنوا َقْوًما ُم ْ‬ ‫َفا ْ‬
‫ك‪،‬‬ ‫ن َل َ‬‫جَز َلُنْؤِمَن ّ‬
‫عّنا الّر ْ‬ ‫ت َ‬ ‫شْف َ‬ ‫ن َك َ‬ ‫ك ‪َ ،‬لِئ ْ‬ ‫عْنَد َ‬‫عِهَد ِ‬ ‫ك ِبَما َ‬ ‫ع َلَنا َرّب َ‬ ‫سى اْد ُ‬ ‫َيُمو َ‬
‫جٍل ُهْم‬ ‫جَز ِإَلى َأ َ‬‫عْنُهُم الّر ْ‬ ‫شْفَنا َ‬ ‫سَراِئيَل )‪َ (134‬فَلّما َك َ‬ ‫ك َبِني ِإ ْ‬ ‫ن َمَع َ‬ ‫سَل ّ‬
‫َوَلُنْر ِ‬
‫غَرْقَناُهْم ِفي اْلَيّم ‪ِ ،‬بَأّنُهْم‬ ‫ن )‪َ (135‬فاْنَتَقْمَنا ِمْنُهْم ‪َ ،‬فَأ ْ‬ ‫َباِلُغوُه ‪ِ ،‬إَذا ُهْم َيْنُكُثو َ‬
‫ن َكاُنوا‬ ‫ن )‪َ (136‬وَأْوَرْثَنا اْلَقْوَم اّلِذي َ‬ ‫غاِفِلي َ‬ ‫عْنَها َ‬ ‫َكّذُبوا ِبآَياِتَنا ‪َ ،‬وَكاُنوا َ‬
‫ك‬
‫ت كَِلَمُة َرّب َ‬ ‫ض َوَمَغاِرَبَها اّلِتي َباَرْكَنا ِفيَها ‪َ ،‬وَتّم ْ‬ ‫ق اَْلْر ِ‬ ‫شاِر َ‬ ‫ن ‪َ ،‬م َ‬ ‫ضَعُفو َ‬ ‫سَت ْ‬ ‫ُي ْ‬

‫‪454‬‬
‫ن‬
‫عْو ُ‬
‫صَنُع ِفْر َ‬ ‫ن َي ْ‬ ‫صَبُروا ‪َ ،‬وَدّمْرَنا َما َكا َ‬ ‫سَراِئيَل ِبَما َ‬ ‫عَلى َبِني ِإ ْ‬ ‫حسَْنى َ‬ ‫اْل ُ‬
‫ن )‪ 137‬العراف ( ‪.‬‬ ‫شو َ‬ ‫َوَقْومُُه ‪َ ،‬وَما َكاُنوا َيْعِر ُ‬
‫ش فما آمن لموسى ‪ ،‬سوى فئة قليلة من مجموع بني إسرائيل ‪ ،‬وتبعهم فرعون‬
‫إلى البحر ‪ ،‬وعندما أدركه الغرق ‪ ،‬ندم الله فرعون ‪ ،‬فخان قومه ‪ ،‬وأعلن‬
‫توبته وإيمانه بإله آخر ‪ ،‬هو الله ‪ ،‬الذي آمنت به بنوا إسرائيل ‪ ،‬حسب قوله ‪.‬‬
‫سَتْكَبُروا‬
‫ن َوَمَلِئِه ِبآَياِتَنا َفا ْ‬‫عوْ َ‬‫ن ِإَلى ِفْر َ‬ ‫سى َوَهاُرو َ‬ ‫ن َبْعِدِهْم ُمو َ‬ ‫) ُثّم َبَعْثَنا ِم ْ‬
‫عَلى‬ ‫ن َقْوِمِه ‪َ ،‬‬ ‫سى ِإّل ُذّرّيٌة ِم ْ‬ ‫ن ِلُمو َ‬ ‫ن )‪َ … (75‬فَما َءاَم َ‬ ‫جِرِمي َ‬ ‫َوَكاُنوا َقْوًما ُم ْ‬
‫ن َلَعاٍل ِفي اَْلْرضِ َوِإّنُه‬ ‫عْو َ‬‫ن ِفْر َ‬‫ن َيْفِتَنُهْم ‪َ ،‬وِإ ّ‬ ‫ن َوَمَلِئِهْم ‪َ ،‬أ ْ‬ ‫عْو َ‬ ‫ن ِفْر َ‬‫ف ِم ْ‬‫خْو ٍ‬ ‫َ‬
‫عْو ُ‬
‫ن‬ ‫حَر ‪َ ،‬فَأْتَبَعُهْم ِفْر َ‬‫سَراِئيَل اْلَب ْ‬‫جاَوْزَنا ِبَبِني ِإ ْ‬ ‫ن )‪َ … (83‬و َ‬ ‫سِرِفي َ‬‫ن اْلُم ْ‬ ‫َلِم َ‬
‫ت َأّنُه َل ِإَلَه ِإّل اّلِذي‬ ‫ق ‪َ ،‬قاَل َءاَمْن ُ‬ ‫حّتى ِإَذا َأْدَرَكُه اْلَغَر ُ‬ ‫عْدًوا ‪َ ،‬‬ ‫جُنوُدُه َبْغًيا َو َ‬ ‫َو ُ‬
‫ن )‪ 90‬يونس ( ‪.‬‬ ‫سِلِمي َ‬ ‫ن اْلُم ْ‬‫سَراِئيَل ‪َ ،‬وَأَنا ِم َ‬ ‫ت ِبِه َبُنو ِإ ْ‬ ‫َءاَمنَ ْ‬
‫ش وأما عامة المصريين ‪ ،‬فقد اتبعوا إلههم وربهم العلى فرعون ‪ ،‬بعد أن‬
‫ف عقولهم فأطاعوه ‪ ،‬وأضّلهم عن السبيل ‪ ،‬فكانوا قوما فاسقين كإلههم ‪،‬‬ ‫استخ ّ‬
‫ومن الغريب أن صفة خفة العقل ‪ ،‬صفة متوارثة لغاية الن في عامة الشعب‬
‫المصري ‪ ،‬إل من رحم ربي ‪ ،‬كما ورث أهل العراق صفة البأس الشديد من‬
‫أجدادهم البابليين ‪.‬‬
‫غْيِري ‪َ ،‬فَأْوِقْد ِلي َياَهاَما ُ‬
‫ن‬ ‫ن ِإَلهٍ َ‬‫ت َلُكْم ِم ْ‬ ‫عِلْم ُ‬
‫ل َما َ‬ ‫ن َيَأّيَها اْلَم َُ‬
‫عْو ُ‬‫) َوَقاَل ِفْر َ‬
‫ن‬
‫ظّنُه ِم َ‬‫سى َوِإّني َل ُ‬ ‫طِلُع ِإَلى ِإَلِه ُمو َ‬ ‫حا ‪َ ،‬لَعّلي َأ ّ‬ ‫صْر ً‬‫جَعْل ِلي َ‬ ‫ن ‪َ ،‬فا ْ‬ ‫طي ِ‬‫عَلى ال ّ‬ ‫َ‬
‫صى )‪ُ (21‬ثّم‬ ‫ع َ‬ ‫ب َو َ‬ ‫لَيَة اْلُكْبَرى )‪َ (20‬فَكّذ َ‬ ‫ن )‪ 38‬القصص ( ‪َ ) .‬فَأَراُه ا ْ‬ ‫اْلَكاِذِبي َ‬
‫عَلى )‪ 24‬النازعات ( ‪.‬‬ ‫شَر َفَناَدى )‪َ (23‬فَقاَل َأَنا َرّبُكْم اَْل ْ‬ ‫ح َ‬‫سَعى )‪َ (22‬ف َ‬ ‫َأْدَبَر َي ْ‬
‫ضّل‬‫ن )‪ 54‬الزخرف ( ‪َ ) .‬وَأ َ‬ ‫سِقي َ‬‫عوُه ِإّنُهْم َكاُنوا َقْوًما َفا ِ‬ ‫طا ُ‬
‫ف َقْوَمُه َفَأ َ‬ ‫خ ّ‬ ‫سَت َ‬‫) َفا ْ‬
‫ن َقْوَمُه َوَما َهَدى )‪ 79‬طه ( ‪.‬‬ ‫عْو ُ‬‫ِفْر َ‬
‫ش أما علية القوم ‪ ،‬حاشية السوء فكان رأيهم أنهم هم المصلحون ‪ ،‬وأن موسى‬
‫ومن معه من المؤمنين بال ‪ ،‬هم الُمفسدون في الرض ‪ ،‬وكذلك رأي فراعنة‬
‫هذا العصر ‪ ،‬في المصلحين من الناس ‪ ،‬بمعنى أنهم سيدفعون الناس إلى عبادة‬
‫ال ‪ ،‬فيتركوا عبادة آلهة فرعون ‪ ،‬مما يجعلهم يستنكفوا عن طاعته ‪ ،‬فُتقوض‬
‫بذلك أركان ملكه ‪ ،‬مما يؤول به إلى الزوال ‪ ،‬فتفسد الرض ‪ ،‬لذلك يجب‬
‫التخلص من شرورهم ‪ ،‬بقتل أبنائهم واستحياء نسائهم وقهرهم ‪ ،‬وقتل الرأس‬
‫المحّركة للفتنة ‪.‬‬
‫‪455‬‬
‫ك‬
‫سُدوا ِفي اَْلْرضِ َوَيَذَر َ‬ ‫سى َوَقْوَمُه ِلُيْف ِ‬ ‫ن َأَتَذُر ُمو َ‬ ‫عْو َ‬‫ن َقْوِم ِفْر َ‬‫ل ِم ْ‬ ‫) َوَقاَل اْلَم َُ‬
‫ن )‪127‬‬ ‫ساَءُهْم َوِإّنا َفْوَقُهْم َقاِهُرو َ‬ ‫حِيي ِن َ‬ ‫سَت ْ‬‫سُنَقّتُل َأْبَناَءُهْم َوَن ْ‬
‫ك َقاَل َ‬ ‫َوَءالَِهَت َ‬
‫ف َأ ْ‬
‫ن‬ ‫خا ُ‬ ‫ع َرّبُه ‪ِ ،‬إّني َأ َ‬ ‫سى ‪َ ،‬وْلَيْد ُ‬ ‫ن َذُروِني َأْقُتْل ُمو َ‬ ‫عْو ُ‬‫العراف ( ‪َ ) .‬وَقاَل ِفْر َ‬
‫ساَد )‪(26‬‬ ‫ض اْلَف َ‬
‫ظِهَر ِفي الَْْر ِ‬ ‫ن ُي ْ‬
‫ُيَبّدَل ِديَنُكْم ‪َ ،‬أْو َأ ْ‬
‫ش وأما مؤمن آل فرعون ‪ ،‬كان له رأي آخر ‪ ،‬إذ قال لقومه ‪ ،‬فمن ينصرنا من‬
‫بأس ال إن جاءنا ؟!‬
‫ن‬
‫ل ِإ ْ‬ ‫س ا ِّ‬ ‫ن َبْأ ِ‬ ‫صُرَنا ِم ْ‬ ‫ن َيْن ُ‬ ‫ض ‪ ،‬فََم ْ‬ ‫ن ِفي الَْْر ِ‬ ‫ظاِهِري َ‬ ‫ك اْلَيْوَم َ‬‫) َيَقْوِم َلُكُم اْلُمْل ُ‬
‫شاِد )‬ ‫سِبيَل الّر َ‬ ‫ن ‪َ :‬ما ُأِريُكْم ِإّل َما َأَرى ‪َ ،‬وَما َأْهِديُكْم ِإّل َ‬ ‫عْو ُ‬‫جاَءَنا ‪َ … ،‬قاَل ِفْر َ‬ ‫َ‬
‫‪ 29‬غافر ( ‪ .‬وعلى هذا ‪ ،‬فليحذر فراعنة أمة السلم الجدد ‪ ،‬الذين يهدون‬
‫الناس إلى سبيل الرشاد الخاص بهم ‪ ،‬من بأس ال !!‬
‫ش وجاء نصر ال لرسوله الكريم ‪ ،‬فأنجاه من مكر فرعون وملئه ‪ ،‬وأنزل بهم ما‬
‫استجلبوه على أنفسهم ‪ ،‬من عذاب الدنيا والخرة ‪.‬‬
‫ب )‪ (45‬الّناُر‬ ‫سوُء اْلَعَذا ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫عْو َ‬ ‫ق ِبآِل ِفْر َ‬‫حا َ‬ ‫ت َما َمَكُروا َو َ‬ ‫سّيَئا ِ‬‫ل َ‬ ‫) َفَوَقاُه ا ُّ‬
‫شّد‬
‫ن َأ َ‬ ‫عْو َ‬‫خُلوا َءاَل ِفْر َ‬ ‫عُة َأْد ِ‬ ‫سا َ‬‫شّيا َوَيْوَم َتُقوُم ال ّ‬ ‫ع ِ‬‫غُدّوا َو َ‬‫عَلْيَها ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ضو َ‬ ‫ُيْعَر ُ‬
‫ب )‪ 46‬غافر (‬ ‫اْلَعَذا ِ‬
‫ش وأخيرا ‪ ،‬تهديد وتحذير شديد اللهجة ‪ ،‬لمن كفر بالنذير محمد ‪ ،‬من ملقاة‬
‫نفس المصير ‪ ،‬فليس هناك استثناء لحد ‪ ،‬حتى ولو انتسب لمته وادعى‬
‫السلم ‪ ،‬فملة الكفر عند رب العزة واحدة ‪ ،‬ومصيرها واحد ‪ ،‬إذ ل خيرية في‬
‫الكفر ‪.‬‬
‫عِزيٍز‬ ‫خذَ َ‬ ‫خْذَناُهْم َأ ْ‬
‫ن الّنُذُر )‪َ (41‬كّذُبوا ِبآَياِتَنا ُكّلَها َفَأ َ‬ ‫عْو َ‬‫جاَء َءاَل ِفْر َ‬ ‫) َوَلَقْد َ‬
‫ن ُأوَلِئُكْم َأْم َلُكْم َبَراَءٌة ِفي الّزُبِر )‪ 43‬القمر ( ‪ِ ) .‬إّنا‬ ‫خْيٌر ِم ْ‬‫ُمْقَتِدٍر )‪َ (42‬أُكّفاُرُكْم َ‬
‫سوًل )‪(15‬‬ ‫ن َر ُ‬ ‫عْو َ‬‫سْلَنا ِإَلى ِفْر َ‬‫عَلْيُكْم ‪َ ،‬كَما ‪َ ،‬أْر َ‬ ‫شاِهًدا َ‬ ‫سولً ‪َ ،‬‬ ‫سْلَنا ِإَلْيُكْم َر ُ‬
‫َأْر َ‬
‫ل )‪ 16‬المزمل ( ‪.‬‬ ‫خًذا َوِبي ً‬‫خْذَناُه َأ ْ‬
‫سوَل ‪َ ،‬فَأ َ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫عْو ُ‬ ‫صى ِفْر َ‬ ‫َفَع َ‬
‫ن ‪ ،‬بأن الذين ورثوا أرض مصر ‪ ،‬هم بني‬ ‫وقد جانب الصواب من ظ ّ‬
‫إسرائيل ‪ ،‬فتاريخ مصر القديم والحديث ‪ ،‬ل يدل على ذلك ‪ ،‬وكذلك تاريخ بني‬
‫إسرائيل ‪ ،‬في القرآن والسنة والتوراة والتلمود ‪ ،‬كما بيّناه سابقا ‪ ،‬وأما‬
‫المقصودين بوراثتها ها هنا ‪ ،‬هم أهل مصر ‪ ،‬من أبناء من بقي ‪ ،‬من قوم‬
‫فرعون وعبيده ‪ ،‬الذين لم ُيهلك منهم في اليم غرقا ‪ ،‬سوى من تبع بني إسرائيل‬
‫‪456‬‬
‫‪ ،‬أثناء خروجهم من مصر ‪ ،‬أما الرض التي ورثها بنو إسرائيل ‪ ،‬بعد‬
‫خروجهم من مصر ‪ ،‬فهي الرض المقّدسة والمباركة أي فلسطين ‪.‬‬
‫لَياتِ َما ِفيِه‬
‫نا ْ‬
‫ن … َوَءاَتْيَناُهْم ِم َ‬
‫ب اْلُمِهي ِ‬
‫ن اْلَعَذا ِ‬
‫سَراِئيَل ِم َ‬
‫جْيَنا َبِني ِإ ْ‬
‫َوَلَقْد َن ّ‬
‫ن )‪(33‬‬ ‫لٌء ُمِبي ٌ‬ ‫َب َ‬
‫وُيذّكر سبحانه بإنجائه بني إسرائيل ‪ ،‬من فرعون وقومه ‪ ،‬وبما آتى نبيهم‬
‫موسى عليه الصلة والسلم ‪ ،‬من معجزات بّينات ‪ ،‬في مصر وأثناء خروجهم‬
‫منها ‪ ،‬شاهدوها بأم أعينهم ‪ ،‬ويذّكر سبحانه بأنه وبالرغم من تفضيلهم ‪،‬‬
‫وابتلئهم بالسّراء والضّراء ‪ ،‬فما كان من أكثرهم إل الكفر والفسوق والعصيان‬
‫‪ ،‬وإيذاء نبيهم موسى عليه الصلة والسلم ‪ ،‬فأنزل بهم وعليهم ربهم العذاب‬
‫تلو العذاب ‪ ،‬مما فصلناه في فصل سابق ‪ .‬وكما حاول فرعون إيذاء موسى‬
‫ومن منعه من المؤمنين ‪ ،‬كذلك فعل بنو إسرائيل أنفسهم ‪ ،‬بموسى بعد النجاة ‪،‬‬
‫سوُل ا ِّ‬
‫ل‬ ‫ن َأّني َر ُ‬ ‫سى ِلَقْوِمِه ‪َ :‬يَقْوِم ِلَم ُتْؤُذوَنِني ؟! َوَقْد َتْعَلُمو َ‬
‫) َوِإْذ َقاَل ُمو َ‬
‫ن )‪5‬‬‫سِقي َ‬‫ل َل َيْهِدي اْلَقْوَم اْلَفا ِ‬‫ل ُقُلوَبُهْم ‪َ ،‬وا ُّ‬‫غ ا ُّ‬‫غوا ‪َ ،‬أَزا َ‬‫ِإَلْيُكْم ‪َ ،‬فَلّما َزا ُ‬
‫الصف ( ‪ ،‬ومجمل من تقّدم ذكرهم في سورة الدخان ‪ ،‬يقول فيهم سبحانه ‪:‬‬
‫ي ِإّل َمْوَتُتَنا اُْلوَلى … َأْهَلْكَناُهْم ‪ِ ،‬إّنُهْم َكاُنوا‬
‫ن ِه َ‬
‫ن ‪ِ :‬إ ْ‬
‫ن هَُؤَلِء َلَيُقوُلو َ‬
‫ِإ ّ‬
‫ن )‪(37‬‬ ‫جِرِمي َ‬ ‫ُم ْ‬
‫ُيقّرر سبحانه وتعالى بأن ) َهُؤلَِء ( أي أصحاب الدخان ‪ُ ،‬ينكرون البعث‬
‫والنشور ‪ ،‬كما ُيقّرر سبحانه وتعالى ‪ ،‬أنهم ليسوا بخير من قوم تبع ‪ ،‬والذين من‬
‫قبلهم ‪ ،‬حيث أهلكهم ال بإجرامهم ‪ .‬ومن المفهوم ضمنا ‪ ،‬بأن في هذا وعيد ‪،‬‬
‫لمن ُيجرمون في حق ال ورسله وكتبه ‪ ،‬وينكرون البعث ‪ .‬حيث أنهم لو‬
‫آمنوا ‪ ،‬بحقيقة رجعتهم إلى ال في اليوم الخر لتقديم الحساب ‪ ،‬ونيل ما ترتب‬
‫صل لديهم اليقين بذلك ‪ ،‬لما‬ ‫على أقوالهم وأفعالهم تلك ‪ ،‬من ثواب وعقاب ‪ ،‬وتح ّ‬
‫تجّرأوا على الجرام ‪ ،‬كما أجرم الذين من قبلهم ‪ .‬فهم في شك يلعبون ‪،‬‬
‫ومصيرهم الهلك ل محالة ‪ ،‬وانظر قوله تعالى موضحا حقيقة حالهم ‪ ،‬وهو‬
‫أعلم بما يعتمل في صدورهم ‪ ،‬وحقيقة موقفه منهم ‪ ،‬ومن أمثالهم ماضيا‬
‫ومستقبل ‪:‬‬
‫صُدوِر )‬ ‫ت ال ّ‬ ‫عِليٌم ِبَذا ِ‬
‫ض ‪ِ ،‬إّنُه َ‬ ‫ت َواَْلْر ِ‬ ‫سَمَوا ِ‬
‫ب ال ّ‬
‫غْي ِ‬
‫عاِلُم َ‬
‫ل َ‬‫ن ا َّ‬
‫قال تعالى ) ِإ ّ‬
‫ن َكَفَر َفَعَلْيِه ُكْفُرُه ‪َ ،‬وَل َيِزيُد‬
‫ض ‪َ ،‬فَم ْ‬
‫ف ِفي الَْْر ِ‬‫لِئ َ‬‫خَ‬‫جَعَلُكْم َ‬
‫‪ُ (38‬هَو اّلِذي َ‬
‫‪457‬‬
‫ساًرا )‬ ‫ن ُكْفُرُهْم ‪ِ ،‬إّل خَ َ‬ ‫عْنَد َرّبِهْم ‪ِ ،‬إلّ َمْقًتا ‪َ ،‬وَل َيِزيدُ اْلَكاِفِري َ‬ ‫ن ُكْفُرُهْم ِ‬ ‫اْلَكاِفِري َ‬
‫ن َأْهَدى ِم ْ‬
‫ن‬ ‫جاَءُهْم َنِذيٌر ‪َ ،‬لَيُكوُن ّ‬ ‫ن َ‬ ‫جْهَد َأْيَماِنِهْم ‪َ ،‬لِئ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫سُموا ِبا ِّ‬ ‫‪َ … (39‬وَأْق َ‬
‫سِتْكَباًرا ِفي‬‫جاَءُهْم َنِذيٌر ‪َ ،‬ما َزاَدُهْم ِإّل ُنُفوًرا )‪ (42‬ا ْ‬ ‫حَدى اُْلَمِم ‪َ ،‬فَلّما َ‬ ‫ِإ ْ‬
‫ن ِإّل‬
‫ئ ِإّل ِبَأْهِلِه ‪َ ،‬فَهْل َيْنظُُرو َ‬ ‫سّي ُ‬‫ق اْلَمْكُر ال ّ‬ ‫حي ُ‬ ‫ئ ‪َ ،‬ولَ َي ِ‬ ‫سّي ِ‬‫اَْلْرضِ ‪َ ،‬وَمْكَر ال ّ‬
‫ل )‪َ (43‬أَوَلمْ‬ ‫حِوي ً‬ ‫ل َت ْ‬‫سّنِة ا ِّ‬‫جَد ِل ُ‬
‫ن َت ِ‬
‫ل ‪َ ،‬وَل ْ‬ ‫ل َتْبِدي ً‬
‫سّنِة ا ِّ‬‫جَد ِل ُ‬ ‫ن َت ِ‬‫ن ‪َ ،‬فَل ْ‬‫سّنَة الَّْوِلي َ‬‫ُ‬
‫شّد‬‫ن َقْبِلِهْم ‪َ ،‬وَكاُنوا َأ َ‬ ‫ن ِم ْ‬‫عاِقَبُة اّلِذي َ‬
‫ن َ‬ ‫ف َكا َ‬ ‫ظُروا َكْي َ‬ ‫ض ‪َ ،‬فَيْن ُ‬ ‫سيُروا ِفي الَْْر ِ‬ ‫َي ِ‬
‫ت َوَل ِفي اَْلْرضِ ‪ِ ،‬إّنُه‬ ‫سَمَوا ِ‬ ‫يٍء ‪ِ ،‬في ال ّ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫جَزُه ِم ْ‬ ‫ل ِلُيْع ِ‬
‫ن ا ُّ‬ ‫ِمْنُهْم ُقّوًة ‪َ ،‬وَما َكا َ‬
‫عَلى‬ ‫ك َ‬‫سُبوا ‪َ ،‬ما َتَر َ‬ ‫س ‪ِ ،‬بَما َك َ‬ ‫ل الّنا َ‬ ‫خُذ ا ُّ‬ ‫عِليًما َقِديًرا )‪َ (44‬وَلْو ُيَؤا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫َكا َ‬
‫ن ا َّ‬
‫ل‬ ‫جُلُهْم ‪َ ،‬فِإ ّ‬
‫جاَء َأ َ‬‫سّمى ‪َ ،‬فِإَذا َ‬ ‫جٍل ُم َ‬ ‫خُرُهْم ِإَلى َأ َ‬ ‫ن ُيَؤ ّ‬ ‫ن َداّبٍة ‪َ ،‬وَلِك ْ‬ ‫ظْهِرَها ِم ْ‬ ‫َ‬
‫صيًرا )‪ 45‬فاطر ( ‪.‬‬ ‫ن ِبِعَباِدِه َب ِ‬‫َكا َ‬
‫ت ِفي‬ ‫خَل ْ‬
‫ل اّلِتي َقْد َ‬ ‫سّنَة ا ِّ‬‫سَنا ‪ُ ،‬‬ ‫ك َيْنَفُعُهْم ِإيَماُنُهْم ‪َ ،‬لّما َرَأْوا َبْأ َ‬ ‫وقال ) َفَلْم َي ُ‬
‫ن )‪ 85‬غافر ( ‪.‬‬ ‫ك اْلَكاِفُرو َ‬ ‫سَر ُهَناِل َ‬‫خ ِ‬ ‫عَباِدِه ‪َ ،‬و َ‬‫ِ‬
‫‪ -‬إذن ل أحد ممن أجرم في حق ال ‪ ،‬بمفازة من العذاب ‪ ،‬وما ترِكهم في‬
‫طغيانهم يعمهون ‪ ،‬إل لحين مجيء أجلهم الُمعلوم سلفا ‪ ،‬وتأخير العذاب عنهم ‪،‬‬
‫ما كان لعجز ‪ ،‬أو لقصر ذات يد ‪ .‬إذ أنهم كلما أمعنوا في الكفر ‪ ،‬كلما ازدادوا‬
‫مقتا وغضبا وخسارة ‪ ،‬وكلما اقترب إليهم أجلهم ‪ ،‬وهم ل يشعرون ‪ ،‬ولن يقبل‬
‫إيمانهم ‪ ،‬عند معاينة العذاب ‪ ،‬بعد أن حق القول عليهم ‪ ،‬وصدر الحكم‬
‫بكفرهم ‪ ،‬ونفذ قضاء ال فيهم ‪.‬‬
‫ن )‪(59‬‬
‫ب ِإّنُهْم ُمْرَتِقُبو َ‬
‫ن ‪َ ،‬فاْرَتِق ْ‬
‫ك َلَعّلُهْم َيَتَذّكُرو َ‬
‫ساِن َ‬
‫سْرَناُه ِبِل َ‬
‫َفِإّنَما َي ّ‬
‫أي أن ال سبحانه سّهل هذا القرآن ‪ ،‬بلسان عربي مبين ‪ ،‬وجعله قابل للفهم‬
‫والهضم ‪ ،‬لمن أراد فهمه ‪ ،‬رغبة في الذكرى والتذّكر ‪ ،‬ومن لم ُيرد الذكرى‬
‫حجب عنه الفهم ‪ ،‬ووجده طلسم ورموز ل‬ ‫منه ‪ ،‬وارتاده لمر ما غير ذلك ‪ُ ،‬‬
‫يفقه منها شيئا ‪ ،‬فكّذب وجادل وكفر ‪ ،‬ونسب إلى كتاب ال ‪ ،‬ما ليس فيه ‪،‬‬
‫وأعرض عن اتباعه ‪ ،‬ونهى عن العمل به ‪ ،‬وحاربه بشتى الوسائل والسبل ‪:‬‬
‫ب ِبآَياِتِه ِإّنُه َل ُيْفِل ُ‬
‫ح‬ ‫ل َكذًِبا َأْو َكّذ َ‬
‫عَلى ا ِّ‬ ‫ن اْفَتَرى َ‬ ‫ظَلُم ِمّم ِ‬
‫ن َأ ْ‬
‫قال تعالى ) َوَم ْ‬
‫عَلى ُقُلوِبِهْم َأكِّنًة َأ ْ‬
‫ن‬ ‫جَعْلَنا َ‬‫ك ‪ ،‬وَ َ‬ ‫سَتِمُع ِإَلْي َ‬
‫ن َي ْ‬‫ن )‪َ … (21‬وِمْنُهْم َم ْ‬ ‫ظاِلُمو َ‬
‫ال ّ‬
‫حّتى ِإَذا‬‫ن َيَرْوا ُكّل َءاَيٍة َل ُيْؤِمُنوا ِبَها ‪َ ،‬‬ ‫َيْفَقُهوُه ‪َ ،‬وِفي َءاَذاِنِهْم َوْقًرا ‪َ ،‬وِإ ْ‬
‫ن )‪َ (25‬وُهْم‬ ‫طيُر اَْلّوِلي َ‬‫سا ِ‬
‫ن َهَذا ِإّل َأ َ‬ ‫ن َكَفُروا ‪ِ ،‬إ ْ‬ ‫ك ‪َ ،‬يُقوُل اّلِذي َ‬‫جاِدُلوَن َ‬
‫ك ُي َ‬
‫جاُءو َ‬‫َ‬
‫‪458‬‬
‫ن )‪(26‬‬ ‫شُعُرو َ‬ ‫سُهْم ‪َ ،‬وَما َي ْ‬ ‫ن ِإلّ َأْنُف َ‬‫ن ُيْهِلُكو َ‬ ‫عْنُه ‪َ ،‬وِإ ْ‬
‫ن َ‬‫عْنُه ‪َ ،‬وَيْنَأْو َ‬‫ن َ‬ ‫َيْنَهْو َ‬
‫ت َرّبَنا ‪،‬‬ ‫ب ِبآَيا ِ‬
‫عَلى الّناِر ‪َ ،‬فَقاُلوا ‪َ :‬يَلْيَتَنا ُنَرّد َوَل ُنَكّذ َ‬ ‫َوَلْو َتَرى ِإْذ ُوِقُفوا َ‬
‫ن َقْبُل ‪َ ،‬وَلْو ُرّدوا‬ ‫ن ِم ْ‬‫خُفو َ‬‫ن )‪َ (27‬بْل َبَدا َلُهْم ‪َ ،‬ما َكاُنوا ُي ْ‬ ‫ن اْلُمْؤِمِني َ‬ ‫ن ِم َ‬
‫َوَنُكو َ‬
‫حَياُتَنا الّدْنَيا َوَما‬
‫ي ِإّل َ‬ ‫ن ِه َ‬‫ن )‪َ (28‬وَقاُلوا ِإ ْ‬ ‫عْنُه ‪َ ،‬وِإّنُهْم َلَكاِذُبو َ‬‫َلَعاُدوا ِلَما ُنُهوا َ‬
‫ن )‪ 29‬النعام ( ‪.‬‬ ‫ن ِبَمْبُعوِثي َ‬
‫حُ‬ ‫َن ْ‬
‫) فارتقب ( خاص برسوله عليه الصلة والسلم ‪ ،‬وفيه وعد بنصرته ونصرة‬
‫أتباعه ‪ ،‬بإهلك خصومه ‪ ،‬وعام لمن ُيخاطبهم القرآن ‪ ) ،‬إنهم مرتقبون ( أي‬
‫مرتقبين هلكهم ‪ ،‬غير مصّدقين ‪ ،‬مستهزئين غير عابئين ‪ ،‬بما وعدهم ال من‬
‫أمر البطشة الكبرى ‪ ،‬وفيه تهّكم من ال بهم وتحقيرا لشأنهم ‪ .‬وقوله ) فارتقب (‬
‫ث على الترّقب والنتظار ‪ ،‬كقوله ) فارتقب‬ ‫يفيد أن ذلك سيقع مستقبل ‪ ،‬وفيه ح ّ‬
‫يوم تأتي السماء ( لمعاينة الحدث الول ‪ ) ،‬أي الدخان ( الذي بّين رب العزة‬
‫خبره ‪ ،‬وبّين ما سيكون قولهم عند نزوله بهم ‪ ،‬وما سيكون موقفهم بعد كشفه‬
‫عنهم ‪ ،‬ومن ثم ) فارتقب ( في آخر السورة ‪ ،‬لمعاينة الحدث الثاني ) أي‬
‫البطشة الكبرى ( ‪ ،‬لتعلم وليعلم المؤمنون ‪ ،‬بأن ما أخبر عنه هذا القرآن الكريم‬
‫المبين هو الحق ‪ ،‬وأن من أنزله هو الحق ‪ ،‬وأن ما ُينكره هؤلء بكفرهم ‪ ،‬هو‬
‫الحق فل ُيضيرك وُيضير المؤمنين به ‪ ،‬كفرهم وفسوقهم وعصيانهم ‪ ،‬فلن‬
‫تأسف عليهم السماء ول الرض ‪ ،‬كما لم تأسف على من أهلكناهم من قبل ‪،‬‬
‫ضّل ِإَذا‬
‫ن َ‬ ‫ضّرُكْم َم ْ‬‫سُكْم ‪َ ،‬ل َي ُ‬ ‫عَلْيُكْم َأْنُف َ‬‫ن َءاَمُنوا َ‬ ‫قال تعالى ) َيَأّيَها اّلِذي َ‬
‫ن )‪105‬المائدة ( ‪.‬‬ ‫جِميًعا َفُيَنّبُئُكْم ِبَما ُكْنُتْم َتْعَمُلو َ‬‫جُعُكْم َ‬
‫ل َمْر ِ‬‫اْهَتَديُْتْم ‪ِ ،‬إَلى ا ِّ‬
‫صفات الدخان ‪:‬‬
‫‪ .1‬بّين واضح ل ُلبس فيه ‪ ،‬ل يختلف عليه اثنان ‪ ،‬وهو المعروف المألوف‬
‫بين الناس ‪ ،‬وهو الذي ينجم عن عملية الحرق في العادة ‪ ،‬ذو طبيعة‬
‫غازية ‪ ،‬ولون أسود ‪ ،‬ورائحة كريهة نّفاثة مؤذية ‪ ،‬بدللة قوله تعالى )‬
‫ن(‪.‬‬ ‫ن ُمِبي ٍ‬
‫خا ٍ‬
‫ِبُد َ‬
‫‪ .2‬هو من المور المنتظرة والمرتقبة ‪ ،‬قادم ل محالة في يوم من اليام ‪،‬‬
‫بدللة تنكير كلمة ) َيْوَم ( ‪.‬‬

‫‪459‬‬
‫سَماُء ( ‪،‬‬
‫‪ .3‬مصدره من السماء ‪ ،‬ل الرض ‪ ،‬بدللة قوله تعالى ) َتْأِتي ال ّ‬
‫أي أن السماء ستأتي به ‪ ،‬وبذلك ستكون الغازات المؤلفة لهذا الدخان ‪ ،‬غير‬
‫تلك الغازات ‪ ،‬التي تؤلف الدخان الناجم ‪ ،‬عن الحرائق على الرض ‪.‬‬
‫‪ .4‬ظهوره مفاجئ ومباغت ‪ ،‬وغير مسبوق بما ُينبئ عن قدومه ‪ ،‬لكي يتعذر‬
‫على الناس ‪ ،‬إيجاد تبريرات وأسباب مادية ومنطقية لظهوره ‪ ،‬ليؤكد‬
‫سبحانه ‪ ،‬بأن مصدره هو السماء ‪ ،‬وأنه عذاب من عنده ‪ ،‬وأنه نذير سوء ‪،‬‬
‫وأن هناك ما هو أفظع منه وأقسى ‪ ،‬أل وهو البطشة الكبرى ‪ ،‬بدللة قوله‬
‫ب ( ‪ ،‬وهو خطاب بلفظ المفرد خاص برسول ال عليه‬ ‫تعالى ) َفاْرَتِق ْ‬
‫السلم ‪ ،‬ومراد به العموم ‪ ،‬ممن يسوءهم ما يسوء ال ورسوله ‪ ،‬أي‬
‫فارتقبوه لتعرفوه إذا ظهر ‪ ،‬وليرتقبه المعنيين به ليحذروا ‪ ،‬ما يكون من أمر‬
‫ال بعده ‪.‬‬
‫‪ .5‬إحاطته بالناس من كل الجوانب ‪ .‬بمعنى أنه ينزل من السماء ‪ ،‬ويمكث‬
‫قريبا من الرض ‪ ،‬ملزما للناس ‪ ،‬يمل عليهم معايشهم ومساكنهم ‪ ،‬بدللة‬
‫س ( ‪ ،‬والناس هنا ‪ ،‬هم الذين سُيظهرون الشك‬ ‫شى الّنا َ‬‫قوله تعالى ) َيْغ َ‬
‫واللعب في أمر دينهم ‪ ،‬دون غيرهم ‪ ،‬لن اليات السابقة لها حّددت حقيقة‬
‫معتقدهم ) في شك ( ووصفت فعلهم ) يلعبون ( ‪ .‬وفي العادة فإن الدخان ‪،‬‬
‫يتصاعد إلى أعلى بعيدا عن الناس ومساكنهم ‪ ،‬ومن ثم ينتشر في السماء‬
‫ويختفي تدريجيا ‪ ،‬ومن ثم تمتزج ذراته مع ذرات الماء والغبار ‪ ،‬وتترسب‬
‫وتعود إلى سطح الرض ‪ ،‬خلل سويعات قليلة ‪ .‬ولكن هذا مخالف لكل ما‬
‫سبق ‪ ،‬يهبط من أعلى إلى أسفل ‪ ،‬ويبقى ملزما للرض وللناس ‪ ،‬ول‬
‫صل الغاية من إرساله ‪ ،‬بتعذيب أولئك القوم ‪.‬‬ ‫ينتشر ول يترسب ‪ ،‬حتى تتح ّ‬
‫‪ُ .6‬يصاب الناس منه بالذى والضرر ‪ ،‬وعادة ما ُيحدث الدخان ضررا ‪ ،‬في‬
‫النف والعين والحنجرة ‪ ،‬وقد يتسّبب بحالت اختناق نتيجة نقص‬
‫الوكسجين ‪ ،‬في أسوأ الحوال ‪ ،‬من جراء غشيانه وإحاطته بهم ‪ ،‬ولكن‬
‫ب َأِليٌم ( ‪ ،‬وهذا تقرير‬ ‫عَذا ٌ‬
‫دون الموت والهلك ‪ ،‬بدللة قوله تعالى ) هََذا َ‬
‫من رب العزة بأنه عذاب ‪ ،‬لمن قد ُيشّكك في ذلك ‪ ،‬أي أن المقصود‬
‫ضحها‬ ‫بإنزاله ‪ ،‬تعذيب من ينزل بهم ‪ ،‬وليس موتهم ‪ ،‬لمور اقترفوها ‪ ،‬تو ّ‬
‫اليات فيما يليها ‪.‬‬

‫‪460‬‬
‫‪ .7‬هذا الدخان حدث عارض ‪ ،‬وغشيانه للناس مؤقت ‪ ،‬وانكشاف هذا الدخان‬
‫ل ( ‪ ،‬إذ أن الهدف منه‬
‫ب َقِلي ً‬
‫شُفوا اْلَعَذا ِ‬
‫‪ ،‬سيكون بأمر من ال ‪ ،‬لقوله ) ِإّنا َكا ِ‬
‫هو النذار فقط ‪ ،‬بالرغم من انعقاد السباب الموجبة للعذاب ‪ ،‬ولكن يلزم‬
‫الصرار من قبل القوم ‪ ،‬على ما هم فيه من العتو والكبر ‪ ،‬قبل نزول‬
‫البطشة الكبرى بهم ‪ ،‬وهذا رحمة من ال ‪ ،‬حتى بمن يؤذيه ‪ ،‬ويؤذي ُرسله‬
‫من عباده ‪.‬‬
‫حقيقة معتقد هؤلء القوم وصفة أقوالهم وأفعالهم ‪:‬‬
‫‪ .1‬انعدام اليقين بال ‪ ،‬وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر ‪ ،‬وكل ما أخبرت‬
‫ك(‪.‬‬ ‫شّ‬ ‫عنه الكتب السماوية ‪َ ) ،‬بْل ُهْم ِفي َ‬
‫‪ .2‬العراض عن آيات ال ‪ ،‬والستهزاء بها ‪ ،‬واتخاذها هزوا ولعبا ‪ ،‬كمادة‬
‫ن(‪.‬‬ ‫للتسلية والفكاهة والتندر ) َيْلَعُبو َ‬
‫‪ .3‬النفاق حتى مع ال ‪ ،‬فحقيقة أفعالهم ‪ ،‬تتنافى مع ما ُيظهرونه ‪ ،‬من إيمان‬
‫ن(‪،‬‬ ‫ب ِإّنا ُمْؤِمُنو َ‬
‫عّنا اْلَعَذا َ‬
‫ف َ‬ ‫ش ْ‬‫أو انتساب للسلم ‪ ،‬فقولهم هو ) َرّبَنا اْك ِ‬
‫وشهادة رب العزة ُتكّذب قولهم ) َأّنى َلُهُم الّذْكَرى ( ‪.‬‬
‫‪ .4‬الكفر بعد اليمان ‪ ،‬بالعراض عن هدي رسول ال ‪ ،‬عليه الصلة‬
‫عْنُه ( ‪.‬‬‫والسلم ‪ُ ) ،‬ثّم َتَوّلْوا َ‬
‫‪ .5‬الطعن في خلقه الكريم ‪ ،‬واتهامه بالجنون أي المس ‪ ،‬وبالتعّلم من البشر‬
‫ن(‪.‬‬ ‫جُنو ٌ‬‫والكهان والسحرة ‪َ ) ،‬وَقاُلوا ُمَعّلٌم َم ْ‬
‫‪ .6‬محاربة ال وإيذاء رسوله وأوليائه من الناس ‪ ،‬من تضييق وتعذيب‬
‫وقتل ‪ ،‬ومحاربة السلم ‪ ،‬والطعن في تعاليمه ‪ ،‬وإضلل الناس وإبعادهم‬
‫عن الحقيقة ‪ ،‬وهدي الناس بغير هدي محمد ‪ ،‬عليه الصلة والسلم ‪ ،‬واتهام‬
‫الُمصلحين من الناس ‪ ،‬بالمفسدين في الرض ‪ ،‬خشية أن ُيبّدل هؤلء‬
‫المصلحون دينهم الجديد الذي يدينون ‪ ،‬بإحياء الدين السلمي من جديد ‪، ،‬‬
‫وهذه هي أقوال وأفعال فرعون وقومه ‪ ،‬ومستفادة من تشبيه حال هؤلء‬
‫القوم ‪ ،‬بحال فرعون وقومه ‪ ،‬وكذلك بحال بني إسرائيل ‪.‬‬
‫ن َهُؤَلِء‬‫‪ .7‬إنكار البعث والنشور وما يليه من حساب ‪ ،‬وثواب وعقاب ‪ِ ) ،‬إ ّ‬
‫ن(‪.‬‬ ‫شِري َ‬ ‫ن ِبُمْن َ‬‫حُ‬
‫ي ِإّل َمْوَتُتَنا اُْلوَلى َوَما َن ْ‬‫ن ِه َ‬ ‫ن ‪ِ :‬إ ْ‬
‫َلَيُقوُلو َ‬

‫‪461‬‬
‫عّباد الدنيا‬ ‫‪ .8‬مادّيون منشغلون ومتفانون في الحياة الدنيا ‪ ،‬فهم من ُ‬
‫ومظاهرها الخادعة ‪ ،‬ل يؤمنون إل بما هو محسوس ‪ ،‬من الدلئل الدافعة‬
‫ن ُكْنُتْم‬‫للشك والموجبة لليقين ‪ ،‬لطلبهم الدليل المادي بقولهم ) َفْأُتوا ِبآَباِئَنا ِإ ْ‬
‫ن ( ‪ ،‬للتأكد من حقيقة القدرة على البعث ‪ ،‬وما هم بموقنين ‪ ،‬فعقولهم‬ ‫صاِدِقي َ‬‫َ‬
‫صل‬ ‫قاصرة عن فهم الدلئل العقلية ‪ ،‬المطروحة في القرآن ‪ ،‬والتي ل تتح ّ‬
‫إل بالتفّكر والتدّبر ‪.‬‬
‫‪ .9‬مجرمون ومصّرون على إجرامهم ‪ ،‬فل وازع ول رادع ‪ ،‬يثنيهم عن‬
‫خْيٌر َأْم َقْوُم ُتّبٍع‬
‫غيهم وطغيانهم ‪ ،‬ول تعنيهم التحذيرات والنذر ‪َ ) ،‬أُهْم َ‬
‫ن(‪.‬‬ ‫جِرِمي َ‬
‫ن َقْبِلِهْم َأْهَلْكَناُهْم ِإّنُهْم َكاُنوا ُم ْ‬
‫ن ِم ْ‬‫َواّلِذي َ‬
‫صل في حياته عليه الصلة‬ ‫ظهور هذا الدخان بصفته الموضحة أعله ‪ ،‬لم يتح ّ‬
‫والسلم ‪ ،‬حيث لو عاينه في حياته لخبر عنه ‪ ،‬أو أخبر عنه أصحابه ‪ ،‬ولورد‬
‫خبره في كتب السيرة والتاريخ ‪ ،‬وليس من المنطقي أن يكون من أحداث يوم‬
‫القيامة ‪ ،‬أو من أشراطها الكبرى ‪ ،‬فصفته وصفة هؤلء القوم ‪ ،‬والغاية من‬
‫غشيانه لهم ‪ ،‬كما ُتبينها اليات ‪ ،‬ل تتفق مع كونها أحد أشراط الساعة‬
‫الكبرى ‪ ،‬والتي سُيعاينها مجمل البشر ‪ ،‬بينما هذا الدخان ‪ ،‬خاص بأناس من‬
‫أمة السلم ‪ ،‬وسبب غشيانه لهم ‪ ،‬هو أنهم كفروا بعد أن كانوا مسلمين ‪ ،‬وأما‬
‫السبب الموجب للبطشة الكبرى ‪ ،‬هو إيذاءهم لرسوله الكريم ‪ ،‬بالرغم من‬
‫تحذيرهم بالدخان ‪.‬‬
‫سوٌل َكِريٌم (‬
‫جاَءُهْم َر ُ‬
‫ن َو َ‬
‫عْو َ‬
‫) َوَلَقْد َفَتّنا َقْبَلُهْم َقْوَم ِفْر َ‬
‫جاء في لسان العرب أن " جماع معنى الفتنة ‪ ،‬البتلء والمتحان والختبار ‪،‬‬
‫وأصلها ‪ ،‬مأخوذ من قولك فتنت الفضة والذهب ‪ ،‬إذا أذبتهما بالنار ‪ ،‬لتميز‬
‫شّر َواْلخَْيِر‬ ‫الرديء من الجيد " ‪ .‬ويتضح معناها من قوله تعالى ) َوَنْبُلوُكْم ِبال ّ‬
‫ن‬
‫ن ُيْتَرُكوا ‪َ ،‬أ ْ‬ ‫س ‪َ ،‬أ ْ‬‫ب الّنا ُ‬ ‫س َ‬ ‫ِفْتَنًة )‪ 35‬النبياء ( ‪ ،‬وقوله تعالى ) الم )‪َ (1‬أحَ ِ‬
‫ن ا ُّ‬
‫ل‬ ‫ن َقْبِلِهْم ‪َ ،‬فَلَيْعَلَم ّ‬‫ن ِم ْ‬‫ن )‪َ (2‬وَلَقْد َفَتّنا اّلِذي َ‬ ‫َيُقوُلوا َءاَمّنا ‪َ ،‬وُهْم لَ ُيْفَتُنو َ‬
‫ن‬
‫ن َءاَمُنوا َوَلَيْعَلَم ّ‬ ‫ل اّلِذي َ‬‫ن ا ُّ‬‫ن )‪َ … ( 3‬وَلَيْعَلَم ّ‬ ‫ن اْلَكاِذِبي َ‬
‫صَدُقوا ‪َ ،‬وَلَيْعَلَم ّ‬
‫ن َ‬ ‫اّلِذي َ‬
‫ن )‪ 11‬العنكبوت ( ‪ ،‬ليكون معنى الفتنة ‪ ،‬هو المتحان والختبار ‪،‬‬ ‫اْلُمَناِفِقي َ‬
‫ويكون ذلك بالبتلء بالشر أو بالخير ‪ ،‬ليعلم ال الصادق من الكاذب ‪ ،‬وليعلم‬
‫المؤمن من المنافق ‪.‬‬

‫‪462‬‬
‫والملحظ في اليات أعله ‪ ،‬أن المخاطب في الية ) ‪ ( 35‬من النبياء ‪ ،‬هم‬
‫المعاصرين لرسالة السلم ‪ ،‬وأن الحديث في الية ) ‪ ( 2‬من العنكبوت ‪ ،‬كان‬
‫عن الناس إجمال وبشكل عام ‪ .‬أما قوله ) ولقد فتنا الذين من قبلهم ( فالضمير )‬
‫هم ( يعود على المعاصرين لرسالة السلم ‪ ،‬والذين فتنوا من قبلهم ‪ ،‬هم كل‬
‫من سبقت فتنتهم ‪ ،‬قبل مجي السلم ‪ ،‬إذ لم يكن في هذه العبارة ‪ ،‬تحديد لقوام‬
‫بعينها سبقت فتنتها ‪ ،‬فهي أسبقية زمانية ل مكانية ‪.‬‬
‫وأما في سورة الدخان ‪ ،‬فيقول سبحانه وتعالى ‪ ) ،‬ولقد فتنا قبلهم ( ‪ ،‬وضمير‬
‫الغائب ) هم ( في كلمة ) قبلهم ( ‪ ،‬يعود حصرا على أصحاب الدخان ‪،‬‬
‫الموعودين بالبطشة الكبرى ‪ ،‬وبمجيء التحديد لقوم بعينهم ‪ ،‬بقوله تعالى ) قوم‬
‫فرعون ( ‪ ،‬تصبح أسبقية ) قوم فرعون ( لهؤلء الناس ‪ ،‬مكانية وزمانية في‬
‫آن واحد ‪ ،‬ونلحظ هنا ‪ ،‬أن الفتنة كانت للقوم بشكل عام ‪ ،‬إذ لم يقل سبحانه‬
‫) فرعون ( أو ) فرعون وقومه ( أو ) فرعون وملئه ( ‪ ،‬وإنما قال ) قوم‬
‫فرعون ( ‪.‬‬
‫ليصبح المعنى ‪ ،‬بأننا قمنا بامتحان واختبار ‪ ،‬هؤلء القوم ) أصحاب‬
‫الدخان ( ‪ ،‬فكان منهم ما كان ‪ ،‬من أمر رسولهم ‪ ،‬ورسبوا في المتحان الذي‬
‫ُقّدم إليهم ‪ ،‬بمجيء محمد عليه الصلة والسلم ‪ ،‬الرسول الكريم ‪ ،‬وتبّين لنا‬
‫وتأّكد أنهم كاذبون ‪ ،‬فاستحقوا بطشتنا الكبرى ‪ ،‬فبطشنا بهم ‪ ،‬كما كنا قد فتنا‬
‫قبلهم في نفس الرض ‪ ،‬قوم فرعون ‪ ،‬ببعث رسولنا الكريم موسى إليهم ‪،‬‬
‫فكذبوه وحاربوه واتهموه بالسحر والجنون ‪ ،‬فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر ‪.‬‬
‫وهنا نفهم من قوله تعالى ‪ ) ،‬يغشى الناس ( ‪ ،‬بأن المقصودين هنا ‪ ،‬أناس‬
‫بعينهم ل جملة البشر ‪ ،‬وحقيقة هؤلء الناس موضحة ‪ ،‬في اليات بشكل ل‬
‫لبس فيه ‪ ،‬وأهم ما يتمّيزون به هو الكفر والنفاق ‪ ،‬وأن هذا الدخان سيغشاهم‬
‫كعذاب وليس كابتلء ‪ ،‬وذلك لكفرهم ونفاقهم ‪ ،‬مما ينفي أن هذا الدخان سُيبتلى‬
‫به عامة البشر ‪ ،‬من مؤمنين وكفار ومنافقين ‪ ،‬وُيفهم من قوله ) الناس ( ‪ ،‬أنه‬
‫سيغشى عامة الناس المقيمين في المكان ‪ ،‬الذي أحدث الناس فيه ‪ ،‬ما وصفته‬
‫اليات أعله ‪ ،‬دون سائر البشر ‪.‬‬
‫سَراِئيَل ِم َ‬
‫ن‬ ‫جْيَنا َبِني ِإ ْ‬
‫أما الشارة الثانية للمكان فجاءت في قوله تعالى ) َوَلَقْد َن ّ‬
‫ن … ( ‪ ،‬ونجاتهم كانت بخروجهم من مصر ‪،‬‬ ‫عْو َ‬
‫ن ِفْر َ‬
‫ن )‪ِ (30‬م ْ‬
‫ب اْلُمِهي ِ‬
‫اْلَعَذا ِ‬
‫وذكر بني إسرائيل أيضا جاء هنا ‪ ،‬لشتراكهم مع الفراعنة بالفساد والفساد في‬
‫‪463‬‬
‫الرض ‪ ،‬وانعدام اليمان بال واليوم الخر ‪ ،‬ومحاربتهم ل ولرسله وأنبيائه‬
‫والصالحين من الناس ‪ ،‬قبل العلو وبعده ‪ ،‬فأنزل ال بهم العذاب تلو العذاب ‪.‬‬
‫ن َهُؤلَِء … ( أصحاب الدخان ‪َ … ) ،‬أْهَلْكَناُهْم ‪ِ ،‬إّنُهْم‬
‫وقوله تعالى ) … ِإ ّ‬
‫ن )‪ (37‬وفيه تهديد ضمني ‪ ،‬للمخاطبين بالقرآن ‪ ،‬من كفرة أمة‬ ‫جِرِمي َ‬
‫َكاُنوا ُم ْ‬
‫محمد عليه الصلة والسلم ‪ ،‬بالهلك كما ُأهلك الذين من قبلهم ‪ ،‬لما فعلوا‬
‫مثل فعلهم ‪.‬‬
‫ترتيب المشاهد حسبما وردت في سورة الدخان ‪:‬‬
‫المشهد الول ‪ :‬الشك واللعب ‪.‬‬
‫المشهد الثاني ‪ :‬غشيان الدخان للناس ‪ ،‬ومن ثم زواله ‪.‬‬
‫المشهد الثالث ‪ :‬العودة لما كانوا عليه ‪ ،‬بل والمعان في التولي والعراض ‪،‬‬
‫وأخيرا الساءة لرسول ال ‪.‬‬
‫المشهد الرابع ‪ :‬البطشة الكبرى ‪.‬‬
‫تساؤلت ‪:‬‬
‫والسؤال الول ‪ :‬هل ظهر الدخان في مصر ‪ ،‬حيث مكان إقامة فرعون‬
‫وقومه ؟‬
‫ن ( ‪ ،‬قبل ظهور الدخان‬ ‫ك َيْلَعُبو َ‬
‫شّ‬
‫والسؤال الثاني ‪ :‬هل كان أهل مصر ‪ِ ) ،‬في َ‬
‫؟‬
‫والسؤال الثالث ‪ :‬هل أمعن أهل مصر ‪ ،‬في التولي والعراض ‪ ،‬عما جاء به‬
‫رسول ال عليه الصلة والسلم ‪ ،‬بعد ظهور الدخان ‪َ ) ،‬وَقاُلوا _ عنه _ ُمَعّلٌم‬
‫ن ( أيضا ؟‬ ‫جُنو ٌ‬
‫َم ْ‬

‫‪464‬‬
‫فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين‬

‫في هذا الفصل ‪ ،‬سنعرض جانبا من مقالت ‪ ،‬أوردتها صحيفة الهرام‬


‫المصرية ‪ ،‬تتحدث عن سحابة كثيفة من الدخان السود ‪ ،‬غشَيت سكان‬
‫القاهرة ‪ ،‬في الفترة الواقعة ‪ ،‬ما بين ‪1999 / 10/ 30 – 20‬م ‪.‬‬
‫سر سحابة الدخان التي أزعجت سكان القاهرة الكبرى !!‬
‫الصفحة الولى ‪ /‬الحد ‪ 15 /‬من رجب ‪ 1420‬هش ‪ 24 ،‬أكتوبر ‪ ، 1999‬السنة‬
‫‪ – 124‬العدد ‪41229‬‬
‫موقع الصفحة على شبكة النترنت هو ‪:‬‬
‫‪www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/24/FRON15.HT‬‬
‫‪M‬‬
‫تزايدت طوال الليلة الماضية ‪ ،‬ظاهرة تراكم الدخنة والغازات والروائح النفاذة‬
‫‪ ،‬في سماء مدينة القاهرة ‪ ،‬والمستمرة منذ نحو ثلث ليال سابقة ‪ ،‬وقد وصلت‬
‫هذه الظاهرة ‪ ،‬في مساء أمس إلى حد ‪ ،‬تسبب في حالة من القلق ‪ ،‬بين سكان‬
‫القاهرة ‪ ،‬وطوال الليل ‪ ،‬لم تنقطع التصالت التليفونية من المواطنين ‪ ،‬إلى‬
‫الهرام ‪ ،‬يشكون ويستفسرون ‪ ،‬بعد أن اضطروا إلى إغلق نوافذ منازلهم ‪،‬‬
‫وبعد لجوء بعضهم إلى المستشفيات ‪ ،‬لعلج اللتهابات التي أصيبت بها عيون‬
‫أطفالهم ‪.‬‬
‫وفي محاولة لتفسير هذه الظاهرة ‪ ،‬أجرت الهرام عدد من التصالت ‪ ،‬مع‬
‫مسئولي الرصاد الجوية والبيئة ‪ ،‬طوال ليلة أمس ‪ .‬فقد صرح مصدر مسئول‬
‫بهيئة الرصاد الجوية ‪ ،‬لفوزي عبد الحليم ‪ ،‬مندوب الهرام ‪ ،‬بأن الظاهرة‬
‫ناتجة عن حرق المزارعين ‪ ،‬في المحافظات حول القاهرة ‪ ،‬لمخلفات محصول‬
‫الرز ‪ ،‬بالضافة إلى تراكم الدخنة ‪ ،‬الناتج عن عوادم السيارات والمصانع ‪،‬‬
‫وتزامنت هذه الدخنة ‪ ،‬مع وجود مرتفع جوي شمال البلد ووسطها ‪ ،‬أدى إلى‬
‫احتباس حراري ‪ ،‬واستقرار الحالة الجوية ‪ ،‬المر الذي أدى بدوره إلى تركيز‬
‫الدخنة ‪ ،‬في طبقة الهواء القريبة من سطح الرض ‪ ،‬واحتفاظ الهواء بكل‬
‫مكوناته ‪ .‬وقال إنه من المنتظر ‪ ،‬انتهاء هذه الظاهرة ‪ ،‬فور تحرك المرتفع‬
‫الجوي بعيدا عن القاهرة ‪.‬‬
‫‪465‬‬
‫ومن ناحية أخرى ‪ ،‬نفى الدكتور إبراهيم عبد الجليل ‪ ،‬الرئيس التنفيذي لجهاز‬
‫شئون البيئة ‪ ،‬ما ترّدد على ألسنة المواطنين ‪ ،‬عن وجود حرائق بمناطق تجّمع‬
‫القمامة ‪ ،‬حول القاهرة والجيزة ‪ ،‬كمصدر لنتشار هذه الدخنة في القاهرة ‪.‬‬
‫وقال إنه أجرى اتصال بمحافظ القليوبية ‪ ،‬المستشار صبري البيلي ‪ ،‬أكّد خلله‬
‫انتشار الدخنة بالمحافظة ‪ ،‬نتيجة حرق قش الرز بها ‪ ،‬كما أكد الدكتور‬
‫حسين كاظم ‪ ،‬محافظ الشرقية ‪ ،‬المعلومات نفسها في محافظته ‪ ،‬خلل اتصال‬
‫مماثل ‪ .‬وأضاف عبد الجليل ‪ ،‬أن جهاز شئون البيئة ‪ ،‬طلب من وزارة‬
‫الزراعة ‪ ،‬إصدار تعليمات بمنع حرق قش الرز ‪ ،‬أو أي مواد مماثلة لمنع‬
‫تكرار هذه الظاهرة مستقبل ‪.‬‬
‫وفي محاولة لطمأنة المواطنين ‪ ،‬ناشد الدكتور محمود عمرو ‪ ،‬أستاذ ورئيس‬
‫قسم المراض المهنية ‪ ،‬ومدير مركز السموم بقصر العيني ‪ ،‬المواطنين بعدم‬
‫المبالغة في القلق ‪ ،‬ووصف ما حدث بأنه ليس كارثة ‪ ،‬على الرغم من أن‬
‫العراض المبدئية للتعرض لها ‪ ،‬تشمل التهاب العيون والنف والذن والصدر‬
‫‪ ،‬وأكّد أن الحتياطات اللزمة ‪ ،‬تستدعي التركيز على حماية الطفال ‪ ،‬وعدم‬
‫إغلق النوافذ ضمانا للتهوية اللزمة ‪ ،‬وكذلك توفير الحماية اللزمة للمرضى‬
‫بالمستشفيات ‪ ،‬أما الصحاء البالغين ‪ ،‬فلن يتعرضوا لخطورة من التعرض‬
‫للدخنة ‪ ،‬مشيرا إلى أن ندى الفجر سيغسل الهواء ‪ ،‬ويخّفف من حدة التلوث ‪.‬‬
‫وأكّد الدكتور عمرو ‪ ،‬أن هذه الظاهرة قد حدثت من قبل عام ‪1949‬م في‬
‫لندن ‪ ،‬بسبب ارتفاع نسبة الرطوبة ‪ ،‬والحماس الزائد للتوسع الصناعي ‪،‬‬
‫وانتشار المداخن ‪ ،‬أما في مصر فالطبيعة الصحراوية للبلد ‪ ،‬تمتص الملوثات‬
‫الزائدة في المدن ‪ ،‬لذا فلن يشعر بها سكان الصعيد ‪.‬‬

‫‪466‬‬
‫سحابة الدخان تتلشى نهائيا من فوق القاهرة خلل ‪ 48‬ساعة‬
‫الصفحة الولى ‪ /‬الثنين ‪ 16 /‬من رجب ‪ 1420‬هش ‪ 25 ،‬أكتوبر ‪1999‬م ‪،‬‬
‫السنة ‪ -124‬العدد ‪41230‬‬
‫موقع الصفحة على شبكة النترنت هو ‪:‬‬

‫‪www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/25/FRON13.HT‬‬
‫‪M‬‬
‫صورة نهارية ‪ :‬واختفت القاهرة خلف دخان حريق قش الرز‬
‫توقع خبراء الرصاد الجوية ‪ ،‬أن تتلشى نهائيا ‪ ،‬سحابة الدخان الكثيف ‪ ،‬التي‬
‫خّيمت ليلة أمس الول على القاهرة وضواحيها ‪ ،‬خلل الساعات الثماني‬
‫والربعين المقبلة ‪ ،‬وأضافوا أن الكتلة الهوائية التي حملت هذه السحابة ‪،‬‬
‫الناتجة عن إحراق مخلفات محصولي الرز والقطن ‪ ،‬في المحافظات‬
‫المجاورة ‪ ،‬آخذة في التحرك شرقا ‪ ،‬لتحل محلها كتلة هوائية نظيفة ‪ ،‬مقبلة من‬
‫الشمال الغربي ‪ ،‬وأوضحوا أن نسبة الرطوبة ‪ ،‬سوف تنخفض أيضا ‪ ،‬بفعل‬
‫هذه التغيرات في حالة الطقس ‪.‬‬
‫وقد قامت الدكتورة نادية مكرم عبيد ‪ ،‬وزيرة الدولة لشئون البيئة ‪ ،‬أمس بجولة‬
‫في محافظتي الشرقية والقليوبية ‪ ،‬بوصفهما المصدر الرئيسي للدخان ‪ ،‬الناتج‬
‫عن إحراق مخلفات الرز والقطن ‪ ،‬وصّرحت بأنه سيتّم تدريب المزارعين ‪،‬‬
‫على استخدام غاز المونيا ‪ ،‬لتحويل قش الرز ‪ ،‬إلى أعلف حيوانية ‪ ،‬بحيث‬
‫‪467‬‬
‫تنتفي الحاجة تماما ‪ ،‬إلى إحراقه ‪ ،‬كما أعلنت الجهات المسؤولة في‬
‫المحافظتين ‪ ،‬عن اتخاذ إجراءات حاسمة ‪ ،‬لوقف عمليات إحراق المخلفات‬
‫الزراعية في الحقول ‪.‬‬

‫‪468‬‬
‫سر اختناق القاهرة !‬
‫تحقيقات ‪ /‬الثنين ‪ 16 /‬من رجب ‪ 1420‬هش ‪ 25 ،‬أكتوبر ‪1999‬م ‪ ،‬السنة‬
‫‪ -124‬العدد ‪41230‬‬
‫موقع الصفحة على شبكة النترنت هو ‪:‬‬
‫‪www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/25/INVE1.HTM‬‬
‫حرق حطب القطن وقش الرز ‪ ،‬مع خليط الغازات المركبة ‪ ،‬سبب سحابة‬
‫الدخان ‪ .‬المواطنون ‪ :‬إصابات بالنف والحلق ‪ ،‬وصعوبة في التنفس ‪ ،‬نتيجة‬
‫للتلوث ‪ .‬مصدر أمني ‪ 5 :‬بلغات فقط حول حرائق المخلفات وتم إخمادها ‪.‬‬

‫صورة نهارية ‪ :‬اختفاء القاهرة خلف سحابة الدخان‬


‫تحقيق وجدي رياض ومحمود النوبي ‪:‬‬
‫تعرضت سماء الدلتا والقاهرة حتى الجيزة ‪ ،‬لتلوث هوائي شديد ‪ ،‬خلق حالة‬
‫من الهباء الجوي ش بخار ماء مع ملوثات ش أثار ذعر السكان ‪ ،‬وسبب بعض‬
‫حالت الختناق ‪ ،‬لمن لديهم حساسية صدرية ‪ ،‬أو ربوية أو أمراض سوء‬
‫التنفس ‪ .‬كما تعرض بعض سكان القاهرة ‪ ،‬إلى أزمات تنفسية ‪ ،‬نتيجة لزمتة‬
‫الهواء وغياب الوكسجين الكافي ‪.‬‬
‫ويرجع سبب حدوث هذه الحالة النادرة ‪ ،‬إلى عدة اعتبارات تم رصدها ‪ ،‬كان‬
‫من أبرزها ‪:‬‬
‫‪469‬‬
‫• صدور الوامر إلى المزارعين من مديريات الزراعة ‪ ،‬بضرورة‬
‫حرق حطب القطن ‪ ،‬المتخّلف عن زراعات القطن ‪ ،‬للتخلص من دودة‬
‫اللوز ‪ ،‬ومن المعروف أن الدلتا بخصوبة أرضها ‪ ،‬تزرع حوالي‪750‬‬
‫ألف فدان ‪ ،‬بزراعات القطن الذي تم جمعه هذا الشهر ‪.‬‬
‫• ارتفاع نسبة الرطوبة في مثل هذا الوقت من السنة ‪ ،‬مع ارتفاع في‬
‫درجة الحرارة ‪ ،‬مما أدى إلى حدوث حالة من الهباء الجوي ‪ ،‬أدى إلى‬
‫كتمة الهواء ‪ ،‬وغياب الكسجين الكافي ‪.‬‬
‫• ساعد على ذلك ش أيضا ش انتشار احتراق آثار الحصاد ‪ ،‬من حطب‬
‫القطن وقش الرز ‪ .‬ومع حركة الرياح أدى إلى تغطية هواء سكان‬
‫القاهرة ‪ ،‬بحالة من الدخان ‪ ،‬مع سكون للهواء ‪ ،‬وارتفاع في درجة‬
‫الحرارة ‪ ،‬مع رطوبة ‪ ،‬مع ملوثات كربونية ‪ ،‬آزوتية وغازية ‪ ،‬وكبريتية‬
‫‪ ،‬وذرات عالقة في الجو ‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى فقد أدت عمليات احتراق أحطاب القطن ‪ ،‬للقضاء على دودة‬
‫اللوز ‪ ،‬وفقا للقرار الذي صدر من مديريات الزراعة بالمحافظات ‪ ،‬بالعقوبات‬
‫المقررة لمن يحتفظ بالحطب ‪ ،‬مما دفع الفلحين ‪ ،‬إلى سرعة حرق الحطاب ‪،‬‬
‫تنفيذا لقرارات وزارة الزراعة في الحقول ‪.‬‬
‫ومن جانبه آثار المستشار صبري البيلي ‪ ،‬محافظ القليوبية ‪ ،‬مشكلة حرق‬
‫حطب القطن في المزارع ‪ ،‬أمام وزيرة البيئة ‪ ،‬ورئيس جهاز شؤون البيئة ‪،‬‬
‫في اجتماع هذا السبوع ‪ .‬وقال المستشار البيلي ‪ ،‬أن القانون ‪ 4‬لسنة ‪1994‬‬
‫المادة ‪ ، 37‬بشأن البيئة ‪ ،‬يمنع منعا باتا حرق المخلفات والقمامة ومخلفات‬
‫الحقول ‪ ،‬حتى ل يتلوث الهواء ‪ ،‬وفي نفس الوقت ‪ ،‬يحتم القرار الوزاري على‬
‫الفلحين ‪ ،‬حرق الحطاب ‪ .‬من هنا ‪ ،‬وقف المحافظ عاجزا ‪ ،‬عن إصدار قرار‬
‫بمنع الحرق ‪ ،‬أو الحرق في الحقول ! ومن ناحية أخرى ‪ ،‬تدرس وحدة البيئة‬
‫والتنمية ‪ ،‬في الصندوق الجتماعي ‪ ،‬الستفادة من دراسات عديدة ‪ ،‬أشارت‬
‫إلى أهمية الستفادة ‪ ،‬من حطب القطن ‪ ،‬في صناعات خشبية ‪ ،‬كأحد مقومات‬
‫المشاريع الصغيرة ‪ ،‬التي يدفع بها الصندوق ‪ ،‬إلى السوق لتشجيع الشباب ‪،‬‬
‫على الدخول في هذه المشاريع التنموية ‪.‬‬
‫ومن المعروف ‪ ،‬أن هناك ‪ 32‬محطة ‪ ،‬أقامتها الدانمرك في الرض‬
‫المصرية ‪ ،‬لرصد حالة الهواء ‪ ،‬بالكاسيد الزوتية الكبريتية والكربونية ‪ .‬وقد‬
‫‪470‬‬
‫تم تركيب هذه المحطات ‪ ،‬لتغطي أرض الدلتا ‪ ،‬وهي تعمل لمدة‪ 24‬ساعة ‪،‬‬
‫ويتم بها رصد حالة الهواء ومكوناته ‪ ،‬ولم نسمع أن أحدا ‪ ،‬فتح هذه المحطات ‪،‬‬
‫ورصد ما بها من تسجيل ‪ ،‬وما حدث من ملوثات ‪ ،‬بهواء الدلتا وعواصم مدنها‬
‫‪.‬‬
‫وفي القاهرة الكبرى ‪ ،‬حوالي‪ 40‬محطة لرصد الهواء ‪ ،‬وقد أقام المشروع‬
‫المريكي ‪ ،‬لتحسين هواء القاهرة ‪ ،‬حوالي ‪ 33‬محطة ‪ ،‬لرصد الذرات‬
‫الصغيرة ‪ ،‬العالقة من ‪ 2.5‬جزء في المليون ‪ ،‬إلى عشرة أجزاء في المليون ‪،‬‬
‫كما تقوم برصد الرصاص ‪ ،‬وهناك ‪ 7‬محطات دانمركية ‪ ،‬تقوم برصد أول‬
‫وثاني أكسيد الكربون ‪ ،‬وأول أكسيد الكبريت ‪ ،‬والغازات الخرى ‪ ،‬ولم َتُبح‬
‫هذه المحطات ‪ ،‬بأسرار ما حدث من تلوث ‪ ،‬في هواء القاهرة الكبرى والدلتا‬
‫والجيزة ‪.‬‬
‫قام اليابانيون ‪ ،‬بإنشاء معمل مركزي ‪ ،‬تابع لجهاز شؤون البيئة ‪ ،‬ومعامل‬
‫أخرى متنقلة ‪ ،‬لرصد حالة الجو عند حدوث أزمة أو كارثة ‪ ،‬أو رد فعل لي‬
‫شكوى ‪ ،‬ويشرف على المعامل جهاز شؤون البيئة ‪ ،‬ويديرها خبراء مصريون‬
‫‪ ،‬وتدرب عليها الخبراء ‪.‬‬
‫ومن المعروف أيضا أن المصادر الطبيعية ‪ ،‬لتلوث هواء القاهرة ‪ ،‬مصدرها‬
‫بخار الماء الضار ‪ ،‬والبكتيريا والفطريات والملح ‪ ،‬ونواتج الحتراق ذو‬
‫النشاط الطبيعي ‪ .‬أما المصادر الصناعية ‪ .‬في تلوث هواء القاهرة الكبرى ‪،‬‬
‫فهي حرق الوقود والطاقة ‪ ،‬وعمليات النتاج الصناعي ‪ ،‬ووسائل النقل‬
‫والقطارات والطائرات والسفن ‪..‬‬
‫ومن ناحية أخرى ‪ ،‬لم تنقطع التصالت التليفونية ‪ ،‬للمواطنين بالهرام ‪،‬‬
‫طت‬ ‫طوال ليلة أمس الحد ‪ ،‬حيث اشتكوا من وجود ‪ ،‬سحابة دخان كثيفة ‪ ،‬غ ّ‬
‫أجواء القاهرة ‪ ،‬خاصة منطقتي مدينة نصر ومصر الجديدة ‪ ،‬ومناطق وسط‬
‫البلد ومصر القديمة ‪ ،‬وأصابت الطفال وكبار السن بالختناق ‪.‬‬
‫وتقول السيدة نجية الشال ‪ ،‬من سكان شارع مصطفى النحاس بمدينة نصر ‪،‬‬
‫أن سحابة الدخان أصابتها وأطفالها ‪ ،‬بحالة اختناق ‪ ،‬حيث تعاني من حساسية‬
‫في الصدر ‪ ،‬أدت إلى عدم قدرتها على التنفس ‪ ،‬رغم إغلق النوافذ بالشقة ‪،‬‬
‫وتتساءل هل عمال جمع القمامة هم السبب ‪ ،‬أم القائمون على حرق القمامة ؟!‬
‫أم العمال المختصين ‪ ،‬بجمع القمامة من الشوارع ‪ ،‬هم الذين أحرقوا هذه‬
‫‪471‬‬
‫القمامة ‪ ،‬التي أدت إلى هذا الدخان الكثيف ؟! وتتساءل السيدة نجية الشال ‪ ،‬أين‬
‫وزيرة شؤون البيئة ‪ ،‬وأين القائمون على النظافة في بلدنا ‪ ..‬وكيف يتركون‬
‫هذا المر دون متابعة ‪ ،‬أدت إلى عدم قدرتها على التنفس ‪ ،‬رغم إغلق النوافذ‬
‫بالشقة‬
‫ومن الروضة بالمنيل ‪ ،‬استغاث بنا محمد أبو سريع عبد الكريم ‪ ،‬قائل ‪ :‬ما‬
‫هي حكاية الدخان الكثيف ‪ ،‬الذي يمتد من حلوان إلى المعادي والمنيل‬
‫والمهندسين ؟! ويقول أننا ل نستطيع التنفس ‪ ،‬ونكاد نصاب بحالة اختناق‬
‫شديدة ‪.‬‬
‫أما السيدة سمر عمر محمود ‪ ،‬من سكان مدينة نصر ‪ ،‬فقد وصفت الدخان ‪،‬‬
‫بأنه عبارة عن دخان ‪ ،‬ينبعث من آبار بترول تحترق ‪ ،‬وليس دخانا عاديا ‪،‬‬
‫ينبعث من مخلفات قمامة ‪ ،‬كما أن الجو الحار ‪ ،‬ساعد على حدوث انقباض في‬
‫حالة الجو ‪ ،‬جعلتنا ل نستطيع التنفس ‪.‬‬
‫أحمد علي أبو الحسن ‪ ،‬مشرف اجتماعي بجامعة الزهر ‪ ،‬بمدينة نصر ‪ ،‬يقول‬
‫إنه يشعر بحالة اختناق شديدة ‪ ،‬وحرقان بعينيه ‪ ،‬لم يستطع معها ‪ ،‬البصار‬
‫بصورة جيدة ‪.‬‬
‫ومن جانبه أكد مصدر أمني بنجدة القاهرة ‪ ،‬بأن النجدة لم تتلق بلغات‬
‫حرائق ‪ ،‬ليلة أمس ‪ ،‬عدا حريق محدود شب في محطة بنزين التعاون ‪ ،‬بشارع‬
‫قصر العيني ‪ .‬وذكر المصدر المني ‪ ،‬أن الدارة تلقت ليلة أمس ‪ ،‬حوالي ‪5‬‬
‫بلغات حريق في مخلفات قمامة ‪ ،‬وتم إخمادها فورا ‪ ،‬وأوضح أن الدارة‬
‫تلّقت إشارة بأن الشبورة ‪ ،‬التي أحاطت سماء القاهرة ليلة أمس ‪ ،‬كانت نتيجة‬
‫حرق ‪ ،‬مخلفات محصول القطن والرز بالرياف ‪.‬‬
‫وحول أسباب الظاهرة ‪ ،‬كتب عبد المجيد الشوادفي من الشرقية ‪ ،‬في محاولة‬
‫سريعة وعاجلة ‪ ،‬لحتواء السباب التي أدت إلى ظهور السحابة السوداء ‪،‬‬
‫فوق سماء القاهرة ‪ ،‬وعدد من محافظات الدلتا ‪ ،‬نتيجة لقيام الفلحين بحرق‬
‫قش الرز المتخلف ‪ ،‬عن حصاد المحصول ‪ ،‬مما ترتب عليه ‪ ،‬حدوث‬
‫اختناقات ‪ ،‬وإصابات في العيون ‪ ،‬بين الكثيرين من أبناء ومحافظة الشرقية ‪.‬‬
‫قّرر المحافظ الدكتور حسين رمزي كاظم ‪ ،‬تنفيذ عدة إجراءات ‪ ،‬للقضاء على‬
‫هذه الظاهرة ‪ ،‬التي انتشرت في مختلف مساحات الراضي المزروعة‬
‫بالرز ‪ ،‬والتي تبلغ حوالي‪ 150‬ألف فدان ‪ .‬وتم التفاق ‪ ،‬مع اللواء محمد‬
‫‪472‬‬
‫صادق أبو النور ‪ ،‬مساعد وزير الداخلية لمن الشرقية ‪ ،‬على تكليف رؤساء‬
‫الوحدات المحلية ‪ ،‬بالقرى والمدن ومأموري مراكز الشرطة ‪ ،‬بتنظيم حملت‬
‫لخماد عمليات حرق قش الرز ‪ ،‬والستعانة بفرق الدفاع المدني ‪ ،‬والحريق‬
‫لطفاء النيران المشتعلة في الحقول ‪ ،‬وتحرير محاضر للمخالفين ‪.‬‬
‫كما تم التفاق على تشكيل غرفة عمليات ‪ ،‬تضم ممثلين لجهزة الحكم المحلي‬
‫والشرطة ‪ ،‬لمتابعة هذه العملية ‪ ،‬وتجميع البلغات بشأنها ‪ .‬وتم إخطار وزارة‬
‫الزراعة ‪ ،‬للبحث في إمكانية الستفادة ‪ ،‬من مخلفات محصول الرز ‪،‬‬
‫والتوصل إلى وسائل لستثمارها ‪ ،‬بما يعود بالنفع العام على المزارعين ‪،‬‬
‫وحتى ل تتكرر هذه الظاهرة مرة أخرى ‪.‬‬
‫وكانت سحابة الدخان الكثيفة ‪ ،‬التي خّيمت على مدى اليام الماضية ‪ ،‬فوق‬
‫محافظة الشرقية ‪ ،‬نتيجة حرق قش الرز ‪ ،‬قد امتدت إلى مناطق متعددة ‪ ،‬في‬
‫طت الطرق الرئيسية التي تربط بينها ‪ ،‬وبين الطرق‬ ‫المحافظات المجاورة ؟ وغ ّ‬
‫الصحراوية ‪ ،‬مما أدى إلى إعاقة الرؤية ‪ ،‬أمام سائقي السيارات ‪ ،‬وعرضتهم‬
‫إلى ارتكاب حوادث التصادم ‪.‬‬
‫ومن جانبه صرح المهندس محمود الجمل ‪ ،‬وكيل وزارة الزراعة بمحافظة‬
‫الشرقية ‪ ،‬بأن عمليات حرق قش الرز ‪ ،‬التي يقوم بها الفلحون ‪ ،‬وسط‬
‫الحقول ‪ ،‬يستهدفون من ورائها ‪ ،‬زيادة نسبة التسميد للراضي ‪ ،‬حيث أن‬
‫مخلفات حريق القش ‪ ،‬تسهم في خصوبة الرض ‪ ،‬وارتفاع الخصوبة فيها ‪،‬‬
‫نتيجة لما يحويه القش المحروق ‪ ،‬من عناصر متعددة ومختلفة ‪ ،‬تؤدي إلى‬
‫تحسين التربة الزراعية ‪ ،‬وترفع من إنتاجيتها ‪ ،‬في مختلف المحاصيل التي‬
‫تزرع فيها ‪.‬‬
‫ومن القليوبية ‪ ،‬كتب أبو سريع إمام ‪ ،‬أكد المستشار ‪ ،‬أحمد صبري البيلي‬
‫محافظ القليوبية ‪ ،‬أنه بالنسبة للشبورة الملوثة ‪ ،‬الناتجة عن صرف مخلفات‬
‫زراعة الرز ‪ ،‬فإنني اتخذت الجراءات ‪ ،‬منذ يوم ‪ 12‬أكتوبر ‪ ،‬وتّمت إحالة‬
‫بعض المخالفين والمتسببين ‪ ،‬في هذه الدخنة الملوثة ‪ ،‬إلى النيابة العامة ‪،‬‬
‫طبقا لقانون البيئة ‪ ،‬والكثر من ذلك ‪ ،‬بأنني قمت بعرض هذه المشكلة ‪ ،‬في‬
‫مؤتمر حماية البيئة يوم ‪ 14‬أكتوبر ‪ ،‬برئاسة الدكتورة نادية مكرم عبيد ‪،‬‬
‫وزيرة الدولة لشئون البيئة ‪ .‬وأوضح محافظ القليوبية ‪ ،‬أنه طلب من وكيل‬
‫وزارة الزراعة ‪ ،‬اتخاذ الجراءات لوقف عمليات حرق مخلفات الرز ‪ ،‬فأكد‬
‫‪473‬‬
‫أنه ل يوجد تعليمات ‪ ،‬بمنع الحرق بالراضي الزراعية ‪ .‬ويقول المهندس عبد‬
‫الحميد خاطر ‪ ،‬وكيل وزارة الزراعة بالقليوبية ‪ ،‬إن المحافظة غير مسموح لها‬
‫بزراعة الرز ‪ .‬وإنما زراعة هذا المحصول ‪ ،‬تمت على مساحة ‪ 21‬ألف فدان‬
‫بالمحافظة ‪ ،‬وقامت أجهزة الري ‪ ،‬بعمل محاضر لصحاب هذه الراضي ‪،‬‬
‫لن أجهزة الري ‪ ،‬هي الجهة الوحيدة المسؤولة عن تحرير محاضر ‪،‬‬
‫بالمخالفات لمزارعي الرز ‪.‬‬
‫وأوضح اللواء محمود وجدي ‪ ،‬مساعد وزير الداخلية لمن القليوبية ‪ ،‬أنه تم‬
‫على الفور عمل دوريات مرورية ‪ ،‬ليلية ونهارية ‪ ،‬لمحاولة السيطرة‬
‫السريعة ‪ ،‬للحد من عمليات الحريق ‪ ،‬حتى يتم بشكل منظم ‪.‬‬
‫انتهاء السحابة الملوثة خلل ‪ 48‬ساعة‬
‫تحقيقات ‪ /‬الثنين ‪ 16 /‬من رجب ‪ 1420‬هش ‪ 25 ،‬أكتوبر ‪1999‬م ‪ ،‬السنة‬
‫‪ -124‬العدد ‪41230‬‬
‫موقع الصفحة على شبكة النترنت هو ‪:‬‬
‫‪www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/25/INVE2.HTM‬‬
‫أكد فوزي غنيمي ‪ ،‬مدير مركز التنبؤات ‪ ،‬أن خبراء الرصاد الجوية ‪،‬‬
‫يتوقعون انتهاء هذه الظاهرة الجوية ‪ ،‬خلل الساعات ال ‪ 48‬المقبلة ‪ ،‬بسبب‬
‫تحرك هذه الكتلة الهوائية جهة الشرق ‪ ،‬وتقدم الكتلة الهوائية المقبلة ‪ ،‬من‬
‫جنوب وشرق أوروبا ‪ ،‬مما يحرك الهواء ويجدده ويقلل نسبة الرطوبة ‪،‬‬
‫وبالتالي سيبدأ الدخان في الختفاء التدريجي ‪ ،‬وتنبه المسؤولون في المحافظات‬
‫المجاورة للقاهرة ‪ ،‬لعطاء تعليمات بمنع حرق مخلفات الزراعة ‪ ،‬إل بأسلوب‬
‫علمي ‪ ،‬وفي الوقت المناسب ‪ ،‬والهيئة على استعداد ‪ ،‬لمدادهم بالبيانات‬
‫اللزمة ‪ ،‬والحوال الجوية المتوقعة ‪.‬‬
‫الزراعة تقول أحرقوه‪ ..‬والبيئة تقول ل‬
‫‪ 16‬من رجب ‪ 1420‬هش ‪ 25 ،‬أكتوبر ‪1999‬م ‪ ،‬السنة‬
‫تحقيقات ‪ /‬الثنين ‪/‬‬
‫‪ -124‬العدد ‪41230‬‬
‫موقع الصفحة على شبكة النترنت هو ‪:‬‬
‫‪www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/25/INVE3.HTM‬‬
‫‪474‬‬
‫كتب عبد الوهاب حامد ‪ :‬تناقضات غريبة ‪ ،‬ومعادلت صعبة ‪ ،‬يتعّرض لها‬
‫الفلح المصري ) نتيجة تخبط خبراء البيئة ( ‪ .‬فبينما تطالبه وزارة الزراعة ‪،‬‬
‫بضرورة حرق عيدان القطن بعد جنيه ‪ ،‬كشرط لتمتع الفلح ‪ ،‬بالحصول على‬
‫الدعم المقرر ‪ ،‬في عمليات المقاومة ‪ ،‬الذي تحمّلته الدولة بالكامل ‪ ،‬لول مرة‬
‫هذا العام ‪ ،‬نظرا لنخفاض أسعار القطن عالميا ‪ ،‬وهي على حق ‪ ،‬وبناء على‬
‫هذا الحق للمصلحة العامة ‪ ،‬تقوم مديريات الزراعة بالمحافظات ‪ ،‬بتحرير‬
‫محاضر مخالفات للفلحين ‪ ،‬الذين ل يقومون بحرق عيدان القطن ‪ .‬على‬
‫الجانب الخر ‪ ،‬نجد تعليمات وزارة البيئة ‪ ،‬تركز على الحماية من التلوث ‪،‬‬
‫وذلك بحظر حرق أية مخلفات ‪ ،‬بأساليب بدائية ‪ ،‬ومنها طبعا ‪ ،‬حرق مخلفات‬
‫زراعات القطن والرز ‪.‬‬
‫يقول المسؤولون بالبنوك الزراعية ‪ ،‬إن ما يجري من تعليمات الحرق ‪ ،‬وتقدير‬
‫النسبة المقّررة للمقاومة ‪ ،‬عن محصول القطن ‪ ،‬هو حق كامل لوزارة الزراعة‬
‫‪ ،‬ول دخل لنا به ‪ ،‬ومهمتنا تحصيل الديون ‪ ،‬وتقديم الخدمات الئتمانية للفلح ‪.‬‬
‫والسؤال ‪ :‬لماذا لم يتم وضع خطة شاملة ‪ ،‬للستفادة من هذه المخلفات ‪ ،‬في‬
‫مجالت كثيرة أهمها صناعة العلف ؟ ويضيفون ‪ :‬لو فعلنا ذلك ‪ ،‬لمنعنا‬
‫وقوع مثل هذا التناقض ‪ ،‬بين وزارتي الزراعة والبيئة ‪ ،‬ولحمينا الفلح من‬
‫الحيرة والتضارب في القرارات ‪ .‬ويمكن للدولة بإمكاناتها الكثيرة ‪ ،‬أن تجذب‬
‫الفلح ‪ ،‬إلى توريد فضلت القطن والرز ‪ ،‬إلى مصانع العلف والورق ‪،‬‬
‫حماية للبيئة من التلوث ‪.‬‬
‫المزارعون ‪ :‬القش بريء‬
‫تحقيقات ‪ /‬الثنين ‪16 /‬من رجب ‪ 1420‬هش ‪ 25‬أكتوبر ‪1999‬م ‪ ،‬السنة ‪-124‬‬
‫العدد ‪41230‬‬

‫‪475‬‬
‫موقع الصفحة على شبكة النترنت هو ‪:‬‬

‫‪www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/25/INVE4.HTM‬‬
‫صورة لحرق القش‬
‫كتبت أهداف البنداري ‪ :‬في قرية الناي بمحافظة القليوبية ‪ ،‬إحدى المحافظات‬
‫التي تزرع الرز ‪ ،‬قال عبد ال إبراهيم فلح ‪ ،‬أنه يتم حرق ‪ 5‬أطنان قش في‬
‫كل فدان أرز ‪ ،‬وتستغرق كل كمية يتم حرقها ربع ساعة ‪ ،‬ول يصل دخان هذا‬
‫الحريق ‪ ،‬إلى مدينة قليوب التي تبعد خمسة كيلو مترات ‪ ،‬عن قرية الناي ‪.‬‬
‫ويضيف عادل عطا أن مواعيد حرق القش ‪ ،‬تختلف في القرية الواحدة ‪ ،‬من‬
‫مكان لخر ‪ ،‬ومازالت أماكن لم تبدأ الحرق بعد ‪ .‬وتساءل فلح آخر ‪ ،‬بأن‬
‫رماد حريق القش يترسب ‪ ،‬ثم يتبخر ‪ ،‬فكيف يصل إلى القاهرة ‪ ،‬التي تبعد عن‬
‫قليوب ‪ 30‬كيلو مترا ؟! ) تساؤل وجيه ( ‪ ،‬وأضاف أن ميعاد حرق القش ‪ ،‬يبدأ‬
‫من ‪ 15‬أكتوبر ‪ ،‬ويستمر‪ 20‬يوما ‪ ،‬وما يصل ارتفاع الدخان إلى حوالي عشرة‬
‫أمتار ‪ .‬وفي مركز شبين القناطر ‪ ،‬أرجع فلح سبب الدخان الغامق اللون ‪،‬‬
‫الذي ظهر اليام الماضية ‪ ،‬إلى طبقة مفتوحة في الوزون ‪ ،‬وقال انه شاهد‬
‫شبورة مع دخان أزرق ) أي أنها أتت من السماء ( ‪ ،‬ل يعرف سببها وإدارات‬
‫المرور ‪ ،‬هي المفترض أن تشرح أسبابها !‬

‫‪476‬‬
‫سر اختناق القاهرة ) ‪( 2‬‬
‫تحقيقات ‪ /‬الثلثاء ‪ 17 /‬من رجب ‪ 1420‬هش ‪ 26 ،‬أكتوبر ‪1999‬م ‪ ،‬السنة‬
‫‪ -124‬العدد ‪41231‬‬
‫موقع الصفحة على شبكة النترنت هو ‪:‬‬
‫‪www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/26/INVE1.HTM‬‬
‫تحقيق أهداف البنداري ‪ :‬كشف اختناق القاهرة ‪ ،‬الذي استمر لثلثة أيام‬
‫متتالية ‪ ،‬عن وجود العديد من الملوثات ‪ ،‬في سماء العاصمة ‪ .‬ففي الوقت الذي‬
‫تقوم فيه الدولة ‪ ،‬بالحفاظ على سلمة المواطنين ‪ ،‬والهتمام بتجميل القاهرة‬
‫الكبرى ‪ ،‬تنتشر مقالب القمامة بين الشوارع والميادين ‪ ،‬وعلى أسطح‬
‫المنازل ‪ ،‬حسب ما شاهدته وزيرة البيئة ‪ ،‬في جولتها بالطائرة ‪ ،‬فوق القاهرة ‪،‬‬
‫ويؤدي حرقها بل أية ضوابط ‪ ،‬إلى تلوث هوائي ‪ُ ،‬يصيب العديد من‬
‫المواطنين بالمراض ‪.‬‬
‫وعلى الرغم من أن مقالب القمامة الرسمية ‪ ،‬قد أوقفت حرق القمامة ‪ ،‬منذ‬
‫أكثر من عام ‪ ،‬بقرار صادر من وزيرة البيئة ‪ ،‬إل أن مقالب القمامة الخاصة ‪،‬‬
‫مازالت تعمل بل ضوابط ‪ .‬والسؤال الن ‪ ..‬متى تختفي مقالب القمامة من‬
‫شوارع العاصمة ؟! في البداية ‪ ،‬تقول د‪ .‬نادية مكرم عبيد وزيرة البيئة ‪ ،‬إنها‬
‫رصدت سحابة الدخان ‪ ،‬وشعرت بها مثل كل المواطنين ‪ ،‬وأدركت أن هناك‬
‫شيئا غير طبيعي ‪ ،‬في الهواء منذ عشرة أيام ‪ ،‬فبحثت مع كل الجهات المعنية ‪،‬‬
‫لتعرف حقيقة هذا الدخان ‪..‬‬
‫وتضيف ‪ :‬قمت بجولة جوية بالطائرة ‪ ،‬لمدة ثلث ساعات بعد استجابة‬
‫فورية ‪ ،‬من المشير محمد طنطاوي وزير الدفاع ‪ ،‬شملت القاهرة الكبرى ‪ ،‬في‬
‫محافظات القاهرة والجيزة والقليوبية ‪ .‬وشاهدت حالت اشتعال ذاتي في حوالي‬
‫‪ 7‬أو ‪ 8‬مواقع للقمامة ‪ ،‬في مناطق عشوائية ‪ ،‬وتلوث في جنوب القاهرة ‪ ،‬من‬
‫بعض المصانع ‪ .‬كما شاهدت حرق قش الرز ‪ ،‬ولفت نظري انتشار القمامة ‪،‬‬
‫على أسطح المنازل ‪.‬‬
‫من هنا أرجعت هذه السحابة الدخانية ‪ ،‬إلى تزامن عدة عوامل ‪ ،‬في آن واحد ‪.‬‬
‫فالنبعاثات التي تصدر من الشتعال الذاتي للقمامة ‪ ،‬التي يلقيها الهالي‬
‫بطريقة عشوائية ‪ ،‬نتيجة سلوك غير سوي ‪ ،‬مع استقرار الهواء بدون رياح ‪،‬‬
‫‪477‬‬
‫أدى إلى تعّلق دخان القمامة المشتعلة والقش المحترق ‪ ،‬والذي يقوم الفلحون ‪،‬‬
‫بحرقه منذ سنوات ‪ ،‬لكننا شعرنا بدخان هذا الحتراق ‪ ،‬نتيجة اتحاد العوامل‬
‫السابقة معا ‪ .‬فالدخنة المعّلقة سبب شعورنا ‪ ،‬بأن هناك شيئا يحرق في‬
‫الهواء ‪.‬‬
‫وأضافت د‪ .‬نادية مكرم عبيد ‪ ،‬أنه سيتم إعداد برنامج تنفيذي ‪ ،‬للتعامل مع‬
‫الحرق المكشوف ‪ .‬فقانون البيئة يعطي للمواطن ‪ ،‬الحق في البلغ ‪ ،‬عن أية‬
‫مخالفة بيئية في القسم ‪ ،‬وعلى ملّوث البيئة أن يدفع الثمن ‪ .‬وعلى الرغم أن‬
‫الوزارة ‪ ،‬ليست لديها شرطة بيئية ‪ ،‬إل أننا نعتمد في المحافظة على البيئة ‪،‬‬
‫على ‪ 60‬مليون مصريا ‪ ،‬فبعد تصريحات الرئيس حسني مبارك ‪ ،‬أن الحفاظ‬
‫على البيئة أصبحت ضرورة ‪ ،‬وليست ضربا من الرفاهية ‪ .‬وجهود السيدة‬
‫سوزان مبارك ‪ ،‬في توعية المواطنين بذلك خاصة الطفال ‪ ،‬أصبحت البيئة‬
‫على الجندة السياسية ‪ ،‬وقد لمست صحوة بيئية ‪ ،‬في آلف الشكاوي ‪ ،‬التي‬
‫تتلقاها الوزارة من المواطنين ‪.‬‬
‫وأوضحت أن قانون البيئة ‪ ،‬ينص على عقوبات لملوثي البيئة ‪ ،‬منها غرامة‬
‫مالية ألف جنيه لحارق القمامة ‪ ،‬وهذا المبلغ من وجهة نظر وزيرة البيئة ‪،‬‬
‫مناسب لكن المشكلة في تنفيذ العقوبات ‪ ،‬وهي مهمة منوط بها الوزارة‬
‫والمحافظات ‪ ،‬والهم سلوك المواطنين ‪ ،‬والجمعيات الهلية ‪ ،‬وأجهزة العلم‬
‫عليهم دور كبير لتحقيق الستجابة المطلوبة ‪ ،‬من الموطنين ‪ ،‬للحفاظ علي‬
‫بيئتهم ‪.‬‬
‫وكما يقول د‪ .‬أحمد نعيم البنداق ‪ ،‬المشرف على المجالس النوعية بأكاديمية‬
‫البحث العلمي ‪ ،‬أن المحاور الرئيسية ‪ ،‬التي يجب أن تنتهجها الدولة ‪ ،‬لمعالجة‬
‫مشكلة القمامة ‪ ،‬وكيفية الستفادة منها ‪ ،‬عن طريق دراسة مكونات القمامة ‪،‬‬
‫… ويؤكد د‪ .‬أحمد نعيم على أن كل هذا ل يتم دون وضع التشريعات الخاصة‬
‫بالنفايات ‪ ،‬بشكل عام ‪ ،‬والتطبيق الذي تم إصداره بالفعل منها ‪ ،‬في قانون‬
‫البيئة ‪ ،‬الذي صدر عام ‪ ، 94‬وعمل حصر للمؤسسات المختلفة ‪ ،‬لمتابعة‬
‫تشريعات حماية البيئة من التلوث ‪ ،‬وكيفية الستفادة منها بشكل نافع ‪.‬‬
‫أما الدكتور فوزي عبد القادر الرفاعي ‪ ،‬المشرف على قطاع تنمية التكنولوجيا‬
‫والخدمات ‪ ،‬بأكاديمية البحث العلمي ‪ ،‬فقد طرح نموذجا عمليا ‪ ،‬بوحدات تحول‬

‫‪478‬‬
‫القمامة إلى سماد ‪ ،‬ثم بنائها ‪ ،‬وتعميمها بأيد مصرية ‪ ،‬وبتكلفة أقل بكثير من‬
‫مثيلها المستوردة ‪… ،‬‬
‫ويقول د‪ .‬شريف عيسى ‪ ،‬رئيس المركز القومي للبحوث ‪ ،‬أن هناك خطة قادمة‬
‫لتطوير التكنولوجيا المصرية ‪ ،‬في مجال تصنيع القمامة ‪. … ،‬‬
‫ويوضح المهندس مدحت حسين ‪ ،‬مدير مصنع ) شبرامنت ( أحد المصانع‬
‫الخاصة ‪ ،‬بتحويل القمامة إلى سماد عضوي ‪ ،‬بمدينة شبرامنت أن هذا المصنع‬
‫ُأنشئ بسعة كلية‪ 10‬أطنان قمامة يوميا ‪. … ،‬‬
‫ومن جانبه أكد د‪ .‬عبد الرحيم شحاته ‪ ،‬محافظ القاهرة ‪ ،‬أن سحابة الدخان ‪،‬‬
‫التي غطت القاهرة ‪ ،‬ليست بسبب القمامة ‪ ،‬فالمحافظة خصصت ‪ 18‬مليون‬
‫جنيه سنويا ‪ ،‬لميزانية شركات القمامة ‪ ،‬وأن الدولة تقوم بدورها ‪ ،‬من حيث‬
‫توفير جهاز بمسئوليه ومعداته ‪ ،‬لنظافة القاهرة ‪ ،‬ولم تعد لدى إدارات مقالب‬
‫القاهرة الرسمية أية محارق ‪ ،‬إل أن المحافظة ‪ ،‬وكل الجهزة المعنية ‪ ،‬لن‬
‫تستطيع أن تقضي علي القمامة في الشوارع ‪ ،‬فذلك يتوقف بنسبة‪ 100%‬على‬
‫سلوك المواطنين ‪ ،‬واستشهد محافظ القاهرة بسلوك المواطنين ‪ ،‬الذي يساعد‬
‫على استمرار تلل القمامة في الشوارع ‪ ،‬حيث إن ‪ 50%‬فقط من سكان‬
‫القاهرة ‪ ،‬يتعاملون مع جامعي القمامة ‪ ،‬والباقي يرفض دفع ‪ 3‬جنيهات ‪،‬‬
‫مفضل إلقاء مخلفاته على الجزيرة الوسطية في الشارع ‪. ...‬‬
‫رئيس هيئة النظافة وتجميل القاهرة ُيبّرئ مقالب القمامة ويتهم القش‬
‫تحقيقات ‪ /‬الثلثاء ‪ 17 /‬من رجب ‪ 1420‬هش ‪ 26 ،‬أكتوبر ‪1999‬م ‪ ،‬السنة‬
‫‪ -124‬العدد ‪41231‬‬
‫موقع الصفحة على شبكة النترنت هو ‪:‬‬
‫‪www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/26/INVE2.HTM‬‬
‫كتب عبد العظيم الباسل ‪ :‬أثارت سحابة الدخان الخانق ‪ ،‬التي غطت القاهرة ‪،‬‬
‫أول أمس ‪ ،‬تساؤلت عديدة حول أسبابها ‪ ..‬البعض أرجعها لحرق ‪ ،‬مقالب‬
‫القمامة المنتشرة حول القاهرة ‪ ،‬وعّللها البعض الخر ‪ ،‬بحرق بقايا جذور نبات‬
‫الرز ‪ ،‬في الحقول المنتشرة حول القاهرة الكبرى ‪.‬‬

‫‪479‬‬
‫وأيًا كانت أسبابها الحقيقية ‪ ،‬فقد انزعج العديد من الهالي ‪ ،‬التي أصابها‬
‫احمرار بالعين ‪ ،‬وضيق بالتنفس الصدري ‪ ،‬نتيجة لهذا الدخان الخانق ‪ ،‬الذي‬
‫لف القاهرة ‪.‬‬
‫من جانبه يؤكد اللواء مجدي البسيوني ‪ ،‬رئيس هيئة التجميل والنظافة‬
‫بالقاهرة ‪ :‬إن هذه السحابة العالقة بسماء القاهرة ‪ ،‬ل ترجع إلى حرق القمامة ‪،‬‬
‫خاصة أن لدينا ثلث مقالب كبرى ‪ ،‬بالوفاء والمل والقطامية ودار السلم ‪،‬‬
‫ل منها ‪ 15‬فدانا ‪ ،‬ولم يتم حرق قمامة إحداها ‪ ،‬طوال اليام الثلثة‬ ‫مساحة ك ٍ‬
‫الماضية ‪ ..‬فضل عن أننا ‪ ،‬قمنا بالتفتيش على مقالب قمامة القطاع الخاص ‪،‬‬
‫ووجدناها ل تعمل أيضا ‪ ،‬وقبل هذا وذاك ‪ ،‬فان رائحة حرق القمامة مميزة ‪،‬‬
‫وهي تختلف عن رائحة الدخان ‪ ،‬التي انبعث فوق القاهرة ‪.‬‬
‫ومن هنا فقد تأكدنا ‪ ،‬وفقا لشكاوي المواطنين القادمين من الطرق السريعة ‪،‬‬
‫والذين أكّدوا انهم فقدوا الرؤية على الطرق السريعة ‪ ،‬نتيجة لنبعاث الدخنة‬
‫من الحقول المجاورة ‪ ،‬على جانبي الطريق ‪ ،‬على غرار ما حدث في العام‬
‫الماضي ‪ ،‬خلل نفس التوقيت ‪ .‬وأضاف ‪ :‬من المعاينة ‪ ،‬تأكدنا من اشتعال ‪9‬‬
‫مواقع في المساحة المحصورة ‪ ،‬من مزارع الرز ‪ ،‬بين الطريق الدائري‬
‫والطريق الزراعي ‪ ،‬عند مدينة قليوب ‪ ،‬بالضافة لمساحات أخرى ‪ ،‬كانت‬
‫ظاهرة من طريق بلبيس الصحراوي ‪ ،‬باتجاه الخانكة ‪. ...‬‬

‫‪480‬‬
‫عودة سحابة الدخان إلى سماء القاهرة‬
‫الصفحة الولى ‪ /‬الربعاء ‪ 18 /‬من رجب ‪ 1420‬هش ‪ 27 ،‬أكتوبر ‪1999‬م ‪،‬‬
‫السنة ‪ -124‬العدد ‪41232‬‬
‫موقع الصفحة على شبكة النترنت هو ‪:‬‬

‫‪www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/27/FRON1.HTM‬‬
‫صورة ليلية ‪ :‬سحابة الدخان حجبت مباني القاهرة مرة أخرى مساء أمس‬
‫تجدد انتشار الدخان ‪ ،‬في سماء القاهرة الكبرى ‪ ،‬مساء أمس ‪ ،‬وتلقت الهرام‬
‫اتصالت هاتفية ‪ ،‬من قاطني الساحل وشبرا مصر ومصر الجديدة ‪ ،‬ومدينة‬
‫السلم والعجوزة والمنيل والهرم ‪ ،‬بإحساسهم بتكاثر الدخان ‪ ،‬وأنهم أغلقوا‬
‫نوافذ مساكنهم ‪ .‬وصرحت الدكتورة نادية مكرم عبيد ‪ ،‬وزيرة شئون البيئة ‪،‬‬
‫بأن كثافة سحابة الدخان ‪ ،‬التي عادت إلى سماء القاهرة ‪ ،‬أقل مما كانت عليه‬
‫مساء السبت الماضي ‪ ،‬حين بلغت ذروتها ‪ .‬وقالت لمندوبي الهرام ‪ ،‬أنها في‬
‫اجتماع دائم مع خبراء البيئة المصريين ‪ ،‬وبعض الخبراء من الدنمارك ‪،‬‬
‫لرصد وتحليل الدخنة الموجودة ‪ ،‬في سماء القاهرة الكبرى ‪ .‬وأكّدت وجود‬
‫مرتفع جوي ‪ ،‬قادم من شمال الجمهورية ‪ ،‬وأنه أدى إلى عدم تشتت الملوثات‬
‫العالقة في الجو ‪ ،‬وزيادة شعور المواطنين بها ‪ ،‬في بعض مناطق القاهرة‬
‫الكبرى ‪ .‬وحذر الدكتور طارق صفوت ‪ ،‬رئيس قسم المراض الصدرية‬
‫بجامعة عين شمس ‪ ،‬من أن هذه السحابة ‪ ،‬تزيد مخاطر التهاب الشعب الهوائية‬
‫للمواطنين ‪ ،‬وحدوث النزلت الربوية ‪ ،‬وحساسية جهاز التنفس ‪ .‬ونفى مدير‬
‫‪481‬‬
‫أمن القليوبية ‪ ،‬ما ترّدد عن احتراق ‪ ،‬مخلفات أحد المصانع الكبرى بش‬
‫) بنها ( ‪.‬‬

‫‪482‬‬
‫عودة الدخان الخانق ! طوارئ في وزارة البيئة لفك لغز السحابة السوداء‬
‫تحقيقات ‪ /‬الربعاء ‪ 18 /‬من رجب ‪ 1420‬هش ‪ 27 ،‬أكتوبر ‪1999‬م ‪ ،‬السنة‬
‫‪ -124‬العدد ‪41232‬‬
‫موقع الصفحة على شبكة النترنت هو ‪:‬‬
‫‪www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/27/INVE1.HTM‬‬
‫متابعة ‪ :‬عبد العظيم الباسل وناجي الجرجاوي وسالي وفائي وأشرف أمين‬

‫صورة ليلية‬
‫في حوالي الساعة السابعة والنصف مساء أمس ‪ 26 ،‬أكتوبر ‪ ،‬تلقت الهرام‬
‫العديد من المكالمات التليفونية ‪ ،‬تؤكد عودة سحابة الدخان مرة أخرى ‪ ،‬في‬
‫مناطق الساحل وشبرا ومصر الجديدة ‪ ،‬ومدينة السلم والعجوزة والمنيل‬
‫والهرم ‪ .‬وقد أغلق المواطنون النوافذ لشعورهم بالختناق ‪ .‬وصرحت الدكتور‬
‫نادية مكرم عبيد ‪ ،‬وزيرة شؤون البيئة ‪ ،‬بأن سحابة الدخان الخانق ‪ ،‬عادت إلى‬
‫سماء القاهرة بالمس ‪ ،‬ولكن ليست بكثافة السحابة ‪ ،‬التي غطت القاهرة منذ‬
‫ثلثة أيام ‪ .‬وقالت ‪ :‬أنها في اجتماع دائم ‪ ،‬مع خبراء البيئة المصريين وبعض‬
‫الخبراء الدانماركيين ‪ ،‬لرصد وتحليل الدخنة المنبثقة والمنتشرة ‪ ،‬في سماء‬
‫القاهرة الكبرى ‪.‬‬
‫وأشارت إلى أن التحليل المبدئي للدخنة ‪ ،‬أكد وجود نسبة عالية ‪ ،‬من‬
‫الجسيمات العالقة والتربة الرفيعة ‪ ،‬ساعد على انتشارها سكون الجو ‪ ،‬وعدم‬
‫‪483‬‬
‫تحريكها بواسطة الرياح ‪ ،‬ومازالت أبحاثنا مستمرة للوصول إلى حقيقة هذه‬
‫الدخنة ‪ ،‬خلل الش ‪ 48‬ساعة المقبلة ‪ .‬وعّللت عودة الدخنة إلى تضافر‬
‫مجموعة من العوامل ‪ ،‬أهمها المسابك والصناعات الملوثة للبيئة ‪ ،‬وحرق بقايا‬
‫محصولي الرز والقطن ‪ ،‬في الحقول المجاورة للقاهرة ‪.‬‬
‫أكّدت السيدة نادية مكرم عبيد ‪ ،‬أن استمرار ظهور الدخان المنتشر ‪ ،‬في سماء‬
‫القاهرة الكبرى ‪ ،‬هو نتيجة وجود مرتفع جوي ‪ ،‬قادم من شمال الجمهورية ‪،‬‬
‫أدى إلى عدم تشتت الملوثات العالقة في الجو ‪ ،‬والتي شعر بها المواطنون ‪ ،‬في‬
‫بعض مناطق القاهرة الكبرى ‪ .‬وقالت الوزيرة إن الوزارة تقوم حاليا ‪،‬‬
‫بالتعاون مع الجهزة المعنية ‪ ،‬بمتابعة الموقف للتخفيف من تركيز تلك‬
‫الملوثات ‪ ،‬حيث أشارت مصادر الرصاد الجوية ‪ ،‬إلى توقع استمرار هذه‬
‫الظاهرة لمدة ‪ 3‬أيام على القل ‪.‬‬
‫ومن جانبه ‪ ،‬قال الدكتور محمود نصر ال ‪ ،‬مدير معمل تلوث الهواء بالمركز‬
‫القومي للبحوث ‪ :‬إن حرائق القمامة ‪ ،‬والملوثات الناتجة من العربات‬
‫والصناعات الصغيرة ‪ ،‬ليست السبب الوحد في هذه الحالة المناخية ‪ ،‬فهناك‬
‫نوع من الركود للحركة الرئيسية والفقية للهواء ‪ ،‬هذا بالضافة إلى انخفاض‬
‫سرعة الرياح ‪ ،‬وتغير العوامل الجوية ‪ ،‬مما يؤدي إلى حالة من الحتباس‬
‫الحراري ‪ ،‬لذلك يجب أن تشكل غرفة عمليات ‪ ،‬في مثل هذه الحالت ليقاف‬
‫الملوثات المنبعثة ‪ ) .‬تبريرات وتكهنات جديدة ( ‪.‬‬
‫وشرح الدكتور محمود نصر ال مدير معمل تلوث الهواء ‪ ،‬أنه من المتوقع أن‬
‫تكون الدخنة ) وليس من المؤكد ( ‪ ،‬ناتجة عن احتراق وقود البترول أو‬
‫القمامة ! هذه الدخنة عبارة عن جسيمات عالقة ‪ ،‬من الدخان السود ‪ ،‬ثاني‬
‫أكسد الكربون ‪ ،‬وثاني أكسيد الكبريت ‪ ،‬أول أكسيد الكربون ‪ ،‬وأكاسيد‬
‫النيتروجين ‪ ،‬لذلك يجب أن يكون هناك حل سريع وفوري ‪ ،‬وتشكيل غرفة‬
‫عمليات ‪ ،‬لرصد مصادر التلوث ‪ ،‬وكل منطقة سكنية ‪ ،‬بها محرقة أو مقلب‬
‫زبالة ‪ ،‬يجب أن تبلغ الجهات المسؤولة ‪ ،‬مثل وزارة البيئة وجهاز شؤون البيئة‬
‫‪ ،‬حتى تخمد هذه الحرائق فورا ‪.‬‬
‫ويضيف الدكتور محمود نصر ال ‪ :‬إننا الن أمام احتمالين ‪ ،‬إما أن تنشط‬
‫حركة الهواء مرة أخرى ‪ ،‬ويعود المناخ لوضعه الطبيعي ‪ ،‬أو يستمر الوضع‬
‫على ما هو عليه ‪ ،‬مما يؤدي إلى تركز الهواء ‪ ،‬وبالتالي تراكم الملوثات ‪،‬‬
‫‪484‬‬
‫والتي سُيضاّر منها ‪ ،‬مرضى الصدر والدورة الدموية والقلب ‪ .‬ويضيف‬
‫الدكتور محمود نصر ال ‪ ،‬أنه للسف ل توجد خريطة ‪ ،‬توضح مراكز التلوث‬
‫بالقاهرة ‪ ،‬مثل المحارق وبعض الورش والمصانع ‪ ،‬والتي من الممكن التحكم‬
‫بها ‪ ،‬في مثل هذه الحالت بإيقاف مصادر التلوث ‪ ،‬بشكل تدريجي ومؤقت ‪،‬‬
‫لحين عودة الرياح لنشاطها ‪.‬‬
‫ويضيف الدكتور محمود نصر ال ‪ :‬أن حادثا مشابها ‪ ،‬وقع في لندن عام ‪56‬‬
‫) المسؤول السابق قال أنه وقع عام ‪ ، ( 49‬حيث ازدادت كثافة السحب المعبأة‬
‫بالملوثات ‪ ،‬مما أدى إلى إصابة العديد باللتهابات الشعبية ‪ ،‬وتطور المر إلى‬
‫مرحلة الختناق والوفاة ‪ .‬لذلك يطالب الدكتور محمود نصر ال ‪ ،‬بأن تتابع‬
‫محطات الرصد ‪ ،‬التابعة لجهاز شؤون البيئة ‪ ،‬تغيرات مكونات الهواء ‪ ،‬في‬
‫كل منطقة ‪ ،‬وتحدد مصادر التلوث سواء كانت محارق أو مصانع ‪ .‬ووقفها‬
‫بشكل مؤقت ‪ ،‬لحين تحسن الحالة الجوية ‪ ،‬وعودة الرياح لسرعتها الطبيعية ‪.‬‬
‫ومن جانبه أكد مجدي البسيوني ‪ ،‬رئيس هيئة النظافة وتجميل القاهرة ‪ :‬أنه قام‬
‫بجولة ميدانية ‪ ،‬للوقوف على مصادر انبعاث الدخنة ‪ ،‬من جديد ‪ ،‬فوجد أن‬
‫المقالب الرسمية ‪ ،‬لم يحدث بها أي اشتعال للقمامة ‪ ،‬بينما لحظ وجود‬
‫الدخنة ‪ ،‬بكثافة في المناطق المتاخمة للراضي الزراعية ‪ ،‬على امتداد‬
‫المشروع البلبيسي ‪ .‬وأجمعت المصادر على أن الحرائق ‪ ،‬ل تزال مشتعلة في‬
‫الحقول ‪ ،‬بمنطقة الخانكة والطريق الدائري ‪ .‬وطالب البسيوني ‪ :‬بضرورة‬
‫تحرك الرصاد والبيئة ‪ ،‬للكشف عن سر هذه الظاهرة ‪ ،‬التي تفاجئ القاهرة‬
‫بين الحين والخر ‪.‬‬
‫ومن جانبه أكد المستشار صبري البيلي ‪ ،‬محافظ القليوبية أنه بالمس فقط ‪ ،‬تم‬
‫تحرير ‪ 35‬محضرا ‪ ،‬بش ) قها وطوخ ( لحرق قش الرز المخالف ‪ ،‬والحملت‬
‫مازالت مستمرة من الزراعة ‪ ،‬ومجالس المدن لمتابعة المخالفين ‪ .‬مؤكدا أن‬
‫سبب الدخان ‪ ،‬يرجع للرز المحترق ‪ ،‬من بعض المزارعين ‪ ،‬بمنطقة اللج‬
‫والخانكة بجوار الطريق الدائري ‪ .‬ونفى المستشار البيلي ‪ ،‬عدم حرق أي‬
‫كاوتش كما ترّدد عن أحد المصانع الكبرى ‪.‬‬
‫ومن جانبه صرح د‪ .‬محمد عطية الفيومي ‪ ،‬رئيس مجلس محلي محافظة‬
‫القليوبية ‪ :‬بأنه ل توجد حرائق في المنشآت الموجودة ‪ ،‬على أرض المحافظة ‪،‬‬
‫حتى الساعة التاسعة ‪ ،‬مساء الثلثاء ‪ 26‬أكتوبر ‪ ،‬ولم تتلق النجدة أو المطافئ ‪،‬‬
‫‪485‬‬
‫أية بلغات في هذا الخصوص ‪ ،‬إل أنه قد توجد بعض حرائق ‪ ،‬يشعلها بعض‬
‫المزارعين للمحاصيل المنتهية ‪ ،‬لكنها ل تخرج عن كونها ‪ ،‬حرائق محدودة‬
‫الثر ‪ ،‬وغير ذات تأثير‪ .‬وعلى الجانب الخر ‪ ،‬لم يشعر سكان القليوبية‬
‫بالدخان ‪ ،‬الذي شعر به سكان القاهرة ‪ ،‬ولم تتغير طبيعة المناخ ‪ ،‬ول رائحة‬
‫الجو ‪ ،‬عن المور المعتادة ) بالرغم من أن الحرق يتم في القليوبية ‪ ،‬وهي تبعد‬
‫عن القاهرة ‪ 25‬كم ( ‪ .‬ونفى مدير أمن القليوبية ‪ ،‬ما ترّدد عن احتراق مخلفات‬
‫طى سماء القاهرة ‪.‬‬‫أحد المصانع الكبرى بش ) بنها ( مسببة الدخان ‪ ،‬الذي غ ّ‬
‫مرضى الصدر ضحايا التلوث !‬
‫تحقيقات ‪ /‬الربعاء ‪ 18 /‬من رجب ‪ 1420‬هش ‪ 27 ،‬أكتوبر ‪1999‬م ‪ ،‬السنة‬
‫‪ -124‬العدد ‪41232‬‬
‫موقع الصفحة على شبكة النترنت هو ‪:‬‬
‫‪www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/27/INVE2.HTM‬‬
‫تحقيق ‪ :‬عبد المحسن سلمة ونادية يوسف‬
‫أدى الدخان الكثيف ‪ ،‬الذي تعرضت له القاهرة مؤخرا ‪ ،‬إلى ازدياد معاناة‬
‫مرضى الحساسية الصدرية ‪ ،‬وزيادة أعداد المترددين على أقسام الصدر‬
‫بالمستشفيات ‪ ،‬بعد أن شعر المرضى بالختناق ‪ ،‬وضيق التنفس ‪ ،‬الناتج عن‬
‫تهيج الغشية المخاطية للعين والنف ‪ .‬ويقول د‪ .‬محمد عوض تاج الدين ‪،‬‬
‫أستاذ المراض الصدرية ‪ ،‬ونائب رئيس جامعة عين شمس ‪ … :‬وبالنسبة‬
‫لدخان السحابة الخيرة ‪ ،‬فقد اتسم بالكثافة ‪ ،‬ووجود رائحة نفاذه مصاحبة له ‪،‬‬
‫مما أحدث تهيجا في الغشية المخاطية ‪ ،‬للعين والنف ‪ ،‬لمن تعرضوا له ‪،‬‬
‫وأدى ذلك إلى إصابتهم ‪ ،‬بضيق في التنفس ‪ ،‬نتيجة تهيج هذه الغشية ‪ ،‬فارتفع‬
‫عدد الحالت المصابة ‪ ،‬وزاد عدد المترّددين على أقسام الصدر ‪ ،‬بالمستشفيات‬
‫العامة والخاصة ‪ .‬وقد تلقى هؤلء المرضى العلج ‪ ،‬وخرجوا على الفور ‪،‬‬
‫لن معظمها حالت مؤقتة كان الدخان السبب الرئيسي لها ‪ ،‬وتركز علجهم ‪،‬‬
‫في موسعات الشعب الهوائية ‪ ،‬وعلج للغشية المخاطية ‪.‬‬
‫وأكد د‪ .‬طارق صفوت ‪ ،‬رئيس قسم المراض الصدرية ‪ ،‬بجامعة عين شمس ‪:‬‬
‫أن هذه السحابة ‪ ،‬مبعث للتلوث ‪ ،‬وانتقال أمراض التهابات الشعب الهوائية‬
‫والنزلت الربوية ‪ ،‬وتشكل حساسية شديدة ‪ ،‬في الجهاز التنفسي لمرضى‬
‫‪486‬‬
‫المراض الصدرية ‪ ،‬ومرضى النف والذن ‪ ،‬لنها تسبب التهابات في‬
‫الجيوب النفية ‪ ،‬والعيون ‪ ،‬أي جميع الغشية المخاطية ‪ .‬وينصح د‪ .‬صفوت ‪:‬‬
‫بوضع ماسكات واقية للذين لديهم حساسية ربوية ‪ ،‬لتجنب استنشاق هذه‬
‫الدخنة ‪ .‬وقد استقبل قسم المراض الصدرية ‪ ،‬أكثر من ضعف العداد التي‬
‫يستقبلها القسم في اليام العادية ‪ .‬ولبد من اللتزام بعلج مرضى الصدر ‪ ،‬مع‬
‫طبيبهم الستشاري واستخدام بخاخات ‪ .‬وأضاف أنه ل يشترط أن تكون الزمة‬
‫حادة ‪ ،‬لكن تزيد أعراض المرض في فترة انتشار الدخان ‪.‬‬
‫ويقول الدكتور هشام قاسم أخصائي الصدر بمستشفى الصدر بالعباسية ‪ :‬أنه لم‬
‫ترد أي حالت اختناق أو إعياء للمستشفى ‪ ،‬بسبب التلوث ‪ ،‬ويوصي الدكتور‬
‫هشام مرضى الحساسية ‪ :‬بإغلق النوافذ والبتعاد عن الملوثات بقدر‬
‫المكان ‪ ،‬كما يجب وضع منديل مبلل ‪ ،‬على النف والفم والتنفس من خلله ‪.‬‬
‫كما من الممكن ‪ ،‬أن يصاب الناس ‪ ،‬في حالة كثافة الدخنة ‪ ،‬باحتقان الحلق‬
‫والتهاب شديد ‪ ،‬في الشعب الهوائية والعينين ‪ ) .‬يغشى الناس هذا عذاب أليم ( ‪.‬‬
‫تقرير لرئيس مجلس الوزراء حول ظاهرة الدخان‬
‫الصفحة الولى ‪ /‬الخميس ‪ 19 /‬من رجب ‪ 1420‬هش ‪ 28 ،‬أكتوبر ‪1999‬م ‪،‬‬
‫السنة ‪ -124‬العدد ‪41233‬‬
‫موقع الصفحة على شبكة النترنت هو ‪:‬‬
‫‪www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/28/FRON.HTM‬‬
‫مرتفع جوي فوق القاهرة ‪ ،‬تسبب في تكوين طبقة عازلة ‪ ،‬منعت انسياب‬
‫الدخان والملوثات ‪ ،‬إلى طبقات الجو العليا ‪.‬‬
‫تلقى الدكتور عاطف عبيد ‪ ،‬رئيس مجلس الوزراء ‪ ،‬تقريرا شامل ‪ ،‬مساء‬
‫أمس ‪ ،‬من الدكتورة نادية مكرم عبيد ‪ ،‬وزيرة الدولة لشؤون البيئة ‪ ،‬حول‬
‫ظاهرة الدخان الكثيف ‪ ،‬الذي غطى سماء القاهرة ‪ ،‬منذ يوم السبت الماضي ‪،‬‬
‫وعاد إلى الظهور ‪ ،‬يومي أمس وأمس الول ‪ .‬وقال عبيد ‪ :‬أنه سيتم بحث هذا‬
‫التقرير ‪ ،‬بشكل تفصيلي ‪ ،‬لمعرفة أسباب تلك الظاهرة ‪ ،‬وكانت الهرام ‪ ،‬قد‬
‫تلقت طوال ليلة أمس ‪ ،‬سيل من الشكاوي حولها ‪ ،‬من عشرات المواطنين ‪،‬‬
‫الذين يشكون من الختناق ‪ ،‬وعودة الدخان إلى الظهور بشكل كثيف ‪ ،‬في‬
‫أنحاء متفرقة من القاهرة ‪.‬‬
‫‪487‬‬
‫كما أكدت وزيرة البيئة ‪ :‬أن السبب وراء زيادة نسبة الدخان في الجو ‪ ،‬هو‬
‫ظهور المرتفع الجوي ‪ ،‬الذي ساد منطقة شمال الجمهورية ‪ ،‬وأدى إلى تحرك‬
‫كتلة من الهواء المشبع ‪ ،‬ببخار الماء ‪ ،‬باتجاه الدلتا والقاهرة ‪ ،‬وقالت ‪ :‬إن هذه‬
‫الكتلة ‪ ،‬كونت طبقة عازلة فوق الهواء ‪ ،‬تمنع انسياب الملوثات ‪ ،‬إلى طبقات‬
‫الجو العليا ‪ .‬وأضافت في مؤتمر صحفي ‪ ،‬عقدته بعد ظهر أمس ‪ :‬أن ذلك‬
‫تزامن مع انخفاض سرعة الرياح ‪ ،‬وحرق المخلفات الزراعية داخل الحقول ‪،‬‬
‫في محافظات الدلتا القريبة ‪ ،‬وهي ‪ :‬القليوبية والشرقية ‪ ،‬بالضافة إلى مصادر‬
‫التلوث الموجودة ‪ ،‬على مدار العام ‪ ،‬مما أدى إلى تكّون سحابة من الدخان ‪،‬‬
‫طت أجواء القاهرة الكبرى ‪ ،‬وشعر بها المواطنون ‪ ،‬نتيجة لتركيز تلك‬ ‫غّ‬
‫الملوثات ‪ ،‬وعدم تشتتها أو انسيابها ‪ ،‬إلى طبقات الجو العليا ‪.‬‬
‫وكان بيان لهيئة الرصاد ‪ ،‬قد أعلن ‪ :‬أن العاصمة تأثرت أمس ‪ ،‬بمرتفع جوي‬
‫أدى إلى تباطؤ سرعة الرياح ‪ .‬كذلك أكدت الوزيرة ‪ :‬ضرورة اتخاذ إجراءات‬
‫عاجلة ‪ ،‬حتى يمكن التخفيف من حدة تلك الظاهرة ‪ ،‬بما في ذلك التنبيه على‬
‫المصانع الكبرى ‪ ،‬حول القاهرة الكبرى ‪ ،‬للعمل على التقليل من حدة‬
‫النبعاثات الملوثة ‪ ،‬خلل اليام القليلة المقبلة ‪ ،‬وقيام الجهزة المعنية ‪،‬‬
‫باليقاف الفوري للنشطة العشوائية الملوثة ‪ ،‬مثل الجيارات والفواخير ‪،‬‬
‫والمسابك ومصانع الطوب والحرق المكشوف ‪ ،‬أيا كان مصدره ‪ ،‬وقيام أجهزة‬
‫الشرطة ‪ ،‬بمنع سير السيارات ‪ ،‬التي ينتج عنها عادم كثيف ‪ ،‬تطبيقا لحكام‬
‫قانون المرور ‪.‬‬
‫والي يطلب سرعة وقف حرق مخلفات الزراعة‬
‫الصفحة الولى‪ /‬الجمعة ‪ 20 /‬من رجب ‪ 1420‬هش ‪ 29 ،‬أكتوبر ‪1999‬م ‪،‬‬
‫السنة ‪ – 124‬العدد ‪41234‬‬
‫موقع الصفحة على شبكة النترنت هو ‪:‬‬
‫‪www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/29/FRON10.HT‬‬
‫‪M‬‬
‫الرصاد ‪ :‬المرتفع الجوي مستمر اليوم‬
‫أصدر الدكتور يوسف والي ‪ ،‬نائب رئيس مجلس الوزراء ‪ ،‬ووزير الزراعة‬
‫واستصلح الراضي ‪ ،‬تعليمات بسرعة وقف حرق قش الرز وحطب‬
‫‪488‬‬
‫القطن ‪ ،‬للحد من ظاهرة تراكم الدخنة ‪ ،‬في سماء القاهرة الكبرى ‪ .‬وصرحت‬
‫الدكتورة نادية مكرم عبيد ‪ ،‬وزيرة الدولة لشؤون البيئة ‪ ،‬بأن معدلت تلوث‬
‫الهواء ‪ ،‬وصلت أخيرا إلى ‪ 300‬ميكروجرام في المتر المكعب ‪ ،‬بما يتجاوز‬
‫أربعة أضعاف نسب التلوث المنية ) إحدى الحقائق المرعبة ( ‪ .‬ومن ناحية‬
‫أخرى ‪ ،‬قال خبراء الرصاد الجوية ‪ ،‬أن القاهرة الكبرى ‪ ،‬ستتأثر اليوم بامتداد‬
‫مرتفع جوي ‪ ،‬قريب من سطح الرض ‪ ،‬يؤدي إلى استمرار الستقرار في‬
‫الحوال الجوية ‪ ،‬وهدوء في سرعة الرياح ليل ‪ ،‬مما يساعد على ظهور‬
‫الدخنة ‪ ،‬في سماء القاهرة الكبرى ‪ ،‬في حالة استمرار ‪ ،‬عملية حرق مخلفات‬
‫المحاصيل الزراعية ‪ ،‬في الرض المحيطة بإقليم القاهرة الكبرى ‪.‬‬
‫وزيرة البيئة ‪ :‬استمرار متابعة ظاهرة الدخان للحد من أثارها‬
‫الصفحة الولى ‪ /‬الجمعة ‪ 20 /‬من رجب ‪ 1420‬هش ‪ 29 ،‬أكتوبر ‪1999‬م ‪،‬‬
‫السنة ‪ -124‬العدد ‪41234‬‬
‫موقع الصفحة على شبكة النترنت هو ‪:‬‬
‫‪www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/29/FRON11.HT‬‬
‫‪M‬‬
‫كتبت سالي وفائي ‪ :‬صرحت السيدة نادية مكرم عبيد ‪ ،‬وزيرة الدولة لشؤون‬
‫البيئة ‪ ،‬بأن غرفة العمليات المشكلة في الوزارة ‪ ،‬في حالة عمل مستمر‬
‫لمواجهة ظاهرة الدخان ‪ ،‬والحد من آثارها ‪ .‬وقالت أنها تلّقت تقريرا ‪ ،‬من‬
‫الدكتور حسين رمزي كاظم محافظ الشرقية ‪ ،‬أكّد خلله ‪ ،‬أنه تم إيقاف عمليات‬
‫‪ ،‬حرق قش الرز وأعواد القطن ‪ ،‬وإخماد النيران عن طريق رشها بالماء ‪.‬‬
‫وأشارت الوزيرة إلى أنه يتم التصال بصورة دائمة ‪ ،‬بالسادة الوزراء‬
‫والمحافظين ‪ ،‬ومتابعة المصانع ‪ ،‬للتأكد من خفض نسب النبعاثات الملوثة ‪،‬‬
‫خلل اليام القليلة القادمة ‪ ،‬وحتى ينتهي المرتفع الجوي المشبع ببخار الماء ‪،‬‬
‫والذي يسود البلد حاليا ‪ ،‬مع استمرار الجولت المفاجئة للوزيرة ‪ ،‬بالشتراك‬
‫مع قوات الشرطة ‪ ،‬لوقف الممارسات البيئية الخاطئة ‪.‬‬
‫وقالت السيدة نادية مكرم عبيد ‪ ،‬أن القياسات المسجلة لنسب تلوث الهواء ‪،‬‬
‫والصادرة عن ثماني محطات ‪ ،‬منتشرة في نطاق القاهرة الكبرى ‪ ،‬وصلت‬
‫أخيرا إلى ‪ 300‬ميكروجرام في المتر المكعب ‪ ،‬من الجسيمات العالقة ‪ ،‬في‬
‫‪489‬‬
‫حين أن الحدود التي نص عليها قانون البيئة ‪ ،‬هي‪ 70‬ميكروجرام ‪ ،‬حيث‬
‫تسبب المنخفض الجوي ‪ ،‬في عدم انسياب تلك الجسيمات ‪ ،‬والتي تنتج عن‬
‫النشطة الصناعية الكبرى ‪ ،‬وكذلك الصناعات التقليدية ‪ ،‬مثل المسابك‬
‫والفواخير وقمائن الطوب ‪ ،‬بالضافة إلى عوادم السيارات ‪ ،‬والرمال القادمة‬
‫من الصحراء ‪ ،‬وكذلك النشطة الموسمية للزراعات ‪.‬‬
‫مشكلة الدخان وتطوير مطار القاهرة‬
‫الصفحة الولى ‪ /‬السبت ‪ 21 /‬من رجب ‪ 1420‬هش ‪ 30 ،‬أكتوبر ‪1999‬م ‪،‬‬
‫السنة ‪ -124‬العدد ‪41235‬‬
‫موقع الصفحة على شبكة النترنت هو ‪:‬‬
‫‪www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/29/FRON10.HT‬‬
‫‪M‬‬
‫يعقد الدكتور عاطف عبيد ‪ ،‬رئيس مجلس الوزراء ‪ ،‬اجتماعين متتاليين اليوم‬
‫وغدا ‪ ،‬لبحث عدد من المشكلت ‪ ،‬التي تهم الجماهير ‪ .‬يخصص اجتماع اليوم‬
‫للمجموعة الوزارية ‪ ،‬لبحث مشكلة الدخان ‪ ،‬الذي غطى سماء القاهرة في‬
‫السبوع الماضي ‪ ،‬والتعرف على أسبابها ‪ ،‬واتخاذ الجراءات الحازمة ‪ ،‬التي‬
‫تقلل من حدوث مثل هذه الظاهرة ‪ ،‬مرة أخرى ‪ ،‬ويخصص الجتماع الثاني ‪،‬‬
‫لدراسة ارتفاعات المباني ‪ ،‬حول مطار القاهرة الدولي ‪ ،‬واتخاذ الجراءات‬
‫الخاصة لتطوير المطارات … انتهى ‪.‬‬
‫صحيفة الشعب‬
‫* فيما يلي سنعرض تعليقا ‪ ،‬للكاتب عادل حسين من صحيفة ) الشعب (‬
‫المصرية ‪ ،‬في عددها الذي صدر يوم الجمعة ‪1999 / 11 / 5‬م ‪ .‬عنوان‬
‫المقال على شبكة النترنت ‪www. elshaab.com/05-11- ) :‬‬
‫‪ ، ( 1999/2.htm‬تصدير المقال ‪:‬‬
‫• السحابة وسقوط الطائرة وتهديد السودان ‪ :‬حلقات متكاملة لرهابنا ‪.‬‬
‫• بيرجر ‪ :‬المخاطر الصاروخية في الشرق الوسط ‪ ،‬تتطلب التحرك‬
‫المريكي القوي ‪.‬‬
‫• إخضاع مصر بالكامل هو الهدف الول ‪ :‬ما المطلوب ؟ وكيف نقاوم ؟‬
‫‪490‬‬
‫• السقوط المفاجئ للطائرة ‪ ،‬يضع دولتنا تحت رحمة أمريكا ‪ ،‬هل هذا‬
‫مصادفة ؟‬
‫• التحرك المجنون لفصل جنوب السودان قد يورط مصر في مواجهة‬
‫عسكرية حتى ل نموت عطشا ‪.‬‬
‫جع غيرها على‬ ‫جع موريتانيا ‪ ،‬وُيش ّ‬
‫• استمرار ) والي ( في مناصبه ‪ ،‬ش ّ‬
‫العتراف بإسرائيل ‪.‬‬
‫• بقاء مجدي حسين وصحبه في السجن مرفوض … وتقديم الخوان‬
‫للمحاكمة ‪ ،‬مرفوض … مرفوض ‪.‬‬
‫الجزء الخاص بالدخان من نص المقال ‪:‬‬
‫لحظ المواطنون ‪ ،‬أن المصائب توالت علينا ‪ ،‬منذ إعلن النقلب الوزاري‬
‫الخير ‪ ،‬بدءا من اختطاف طائرة بسكين ‪ ،‬وانهيار بعض المدارس ‪ ،‬ثم انتهاًء‬
‫بالسحابة السوداء الغامضة ‪ ،‬والسقوط المروع للطائرة المصرية ‪ ،‬في المياه‬
‫المريكية ‪ ،‬وهذه الملحظة عن تتابع المصائب ‪ ،‬صحيحة بالقطع ‪ ،‬وقد استنتج‬
‫شها نحس ( ‪.‬‬‫الناس أن الوزارة ) و ّ‬
‫إل أننا ل نتفق طبعا ‪ ،‬مع هذا التفسير ‪ ،‬ومن واجبنا أن ننتبه ‪ ،‬إلى ما جرى ‪،‬‬
‫أخطر كثيرا من كونه مجرد أحداث متفرقة ‪ ،‬تتابعت بسبب النحس ‪.‬‬
‫ونحن في تحليلنا ُنفّرق بين نمطين من الحداث ‪ ،‬الول له أسبابه المحلية‬
‫الظاهرة ‪ ،‬ومثل ذلك اختطاف الطائرة بالسكين ‪ ،‬وسقوط المدارس ‪ ،‬وما سبقه‬
‫من تصادم القطارات ‪ ،‬وتهاوي ركابها فوق القضبان ‪ ،‬فمثل هذه الحداث ‪،‬‬
‫كوارث داخلية في أسبابها ومغازيها ‪ ،‬فهي تكشف عن مدى النحطاط ‪ ،‬الذي‬
‫بلغه جهازنا الداري ‪ ،‬الذي ل يعرف كيف ُينظم العمل ‪ ، ،‬ول كيف تتم‬
‫الصيانة والمتابعة ‪ ،‬والذي أصبح ل يعرف العقاب الفوري ‪ ،‬للمهمل والفاسد ‪.‬‬
‫ويتفّرع عن هذا ‪ ،‬كل ما ُيعانيه المواطن ‪ ،‬من ظلم وإذلل ‪ ،‬لدى تعامله مع أية‬
‫مصلحة حكومية ‪.‬‬
‫إل أنني ُأرّكز هنا على النمط الثاني ‪ ،‬من المصائب التي اجتاحتنا ‪ ،‬والذي‬
‫يتمّثل في السحابة السوداء ‪ ،‬وفي سقوط الطائرة في المياه المريكية ‪،‬‬
‫وسأضيف أيضا ‪ ،‬التهديد باستقلل جنوب السودان ‪.‬‬

‫‪491‬‬
‫لغز السحابة السوداء ‪:‬‬
‫بالنسبة للسحابة السوداء ‪ ،‬مؤكد أن هناك إجماعا ‪ ،‬على رفض التفسير الرسمي‬
‫المعلن ‪ ،‬بحكاية مقالب الزبالة ‪ ،‬وحرق قش الرز وما شابه … طبعا لو ص ّ‬
‫ح‬
‫التفسير ‪ ،‬لكان سببا إضافيا لعزل ) يوسف والي ( !! ولكننا ل نصّدق مثل‬
‫غيرنا هذا التفسير ‪ ،‬المتهافت والمهين للعقول ‪ ،‬ونحن ل نتسّقط أسبابا ‪ ،‬لعزل‬
‫) والي ( ‪ ،‬فوالي مش ناقص ‪ ،‬والتهامات الخرى الثابتة في حقه ‪ ،‬تكفي‬
‫وزيادة ‪ ،‬للطاحة به ومحاكمته ‪.‬‬
‫ولكن مع الرفض الجماعي ‪ ،‬لعلن الحكومة عن حكاية قش الرز ‪ ،‬حاول‬
‫الناس أن يتوصلوا بمعرفتهم ‪ ،‬للسباب الكثر احتمال ومنطقية ‪ ،‬لحكاية‬
‫السحابة السوداء ‪ ،‬وفي سعيهم هذا ‪ ،‬حاولوا أن يرصدوا أي تغّير جديد ‪،‬‬
‫يربطونه بنشوء هذه الظاهرة ‪ ،‬المفاجئة وغير المألوفة ‪ ،‬فلم يجدوا أمامهم إل‬
‫مناورات النجم الساطع ‪ ،‬وانتشر بين الناس أنها السبب ‪ ،‬وهذا التفسير للظاهرة‬
‫العجيبة والمؤذية ‪ُ ،‬يعّبر في تقديري عن اتجاه سليم في التحليل ‪ ،‬فهو من ناحية‬
‫يعكس وعيا شعبيا عميقا ‪ ،‬في التعامل مع الحلف الصهيوني المريكي ‪ ،‬على‬
‫أمننا ووجودنا … ومن جهة أخرى ‪ ،‬فقد خّمن الناس ‪ ،‬أن لجوء الحكومة إلى‬
‫كذبة مفضوحة وسخيفة ‪ُ ،‬يخفي حرجها من إعلن السبب الحقيقي ‪ ،‬لمأساة‬
‫السحابة السوداء ‪ ،‬فتأكد عندهم ‪ ،‬أن مناورات النجم الساطع ‪ ،‬قد تكون السبب ‪،‬‬
‫الُمثير للحرج ‪.‬‬
‫وقد ذكرت ‪ ،‬أن ما وصل إليه جمهور الناس وخاصتهم ‪ُ ،‬يعتبر تحليل في‬
‫التجاه الصحيح ‪ ،‬ولكن قد ل تكون مناورات النجم الساطع ‪ ،‬بالذات مسؤولة ‪،‬‬
‫وبشكل مباشر عن هذه الظاهرة ‪ ،‬إذن كيف حدثت ؟ ل أستبعد أن تكون‬
‫الحكومة عاجزة مثلنا ‪ ،‬عن المساك وبالدليل ‪ ،‬بالسبب الحقيقي لمصيبة‬
‫السحابة السوداء ‪ ،‬ول غرابة في قولي هذا ‪ ،‬فمن الثابت الن ‪ ،‬أن ترسانة‬
‫العداء ‪ ،‬في مجال الحرب البيولوجية والكيمائية ‪ ،‬فيها الكثير من الطلسم‬
‫والسرار ‪ ،‬التي يصعب فهم كنهها ‪ ،‬وفيها تنويع هائل ‪ ،‬فبعضها ُيمكن أن يقتل‬
‫‪ ،‬والبعض الخر ُيمكنه اليذاء ‪ ،‬دون القتل ‪ ،‬وحسب الدرجة المطلوبة … ‪،‬‬
‫وفي كل الحوال ‪ ،‬فإن الميزة العظمى لهذه السلحة السرية ‪ ،‬أنها ُتحدث فعلها‬
‫المدمر ‪ ،‬دون أن تتمكن الضحية ‪ ،‬من معرفة السبب أو من التثبت ‪ ،‬من نوع‬
‫الوسائل ‪ ،‬التي حملت إليها أسلحة القتل واليذاء ‪.‬‬
‫‪492‬‬
‫) ويسهب الكاتب قليل ‪ ،‬في الحديث عن السلحة السرية ‪ ،‬ويضرب قصة‬
‫المحاولة السرائيلية الفاشلة ‪ ،‬لغتيال خالد مشغل ‪ ،‬واستخدام اليورانيوم‬
‫المستنفذ في العراق ويوغسلفيا ‪ ،‬ومنتجات الهندسة الوراثية في الغذية ‪،‬‬
‫ومن ثم يختم كل ذلك بقوله ( ‪:‬‬
‫في إطار ما سبق ‪ ،‬لم ل تكون سحابتنا الغامضة ‪ ،‬ضمن وسائل الحرب السرية‬
‫؟! ول يعني هذا ‪ ،‬أن ما جرى كان بالضرورة ‪ ،‬في إطار أسلحة البادة‬
‫الشاملة ‪ ،‬فقد ذكرت أن أسلحتهم ‪ ،‬أصبح فيها درجات متصاعدة من اليذاء ‪،‬‬
‫الذي قد ل يصل في كل الحالت إلى القتل ‪.‬‬
‫ن البتلء الذي مّثلته السحابة السوداء الغامضة ‪ ،‬قد يكون مجّرد إشارة تحذير‬ ‫إّ‬
‫) لقد أصاب الكاتب هنا كبد الحقيقة ‪ ،‬وهي كذلك ( ‪ ،‬وشّد للذن ‪ ،‬فالدولة قد‬
‫تتوصل إلى نفس الستنتاج الذي وصلناه ‪ ،‬وهذا في ظنهم يكفي – مع ضغوط‬
‫أخرى ‪ -‬لكي تخضع الدولة ‪ ،‬وُتنّفذ ما ُيطلب منها ‪ ،‬خوفا من تكرار الظاهرة‬
‫وتصاعدها ‪ ،‬إن الدولة قد ل تتمكن من تقديم ‪ ،‬أدلة قاطعة ‪ ،‬تثبت وقوع‬
‫الجريمة ‪ ،‬وإن كانت ترجح قيامها ‪ ،‬ولكن هذا الغموض ‪ ،‬هو ما ُيمّيز الشكال‬
‫الجديدة ‪ ،‬للحروب الكيماوية والبيولوجية ‪ ،‬والتي ُيمكن أن تحقق ما يستهدفه‬
‫القصف النووي بالصواريخ ‪ ،‬ولكن دون ضجيج ودليل … انتهى ‪.‬‬
‫* صحيفة الشعب ‪ ،‬والتي ُأخذ منها هذا المقال ‪ ،‬موقوفة عن العمل ‪ ،‬من قبل‬
‫الحكومة المصرية ‪.‬‬
‫قراءة سريعة في مقالت الهرام والشعب‬
‫صحيفة الهرام‬

‫وصف المسؤولين الصحفيين والطباء والمواطنين للظاهرة ‪:‬‬


‫الدخنة والغازات والروائح النفاذة … ظاهرة غريبة بحاجة إلى تفسير …‬
‫سحابة دخان كثيفة … الدخان الكثيف … السحابة العالقة بسماء القاهرة …‬
‫دخان ينبعث من آبار بترول تحترق ‪ ،‬وليس دخانا عاديا … بأن هناك شيئا‬
‫يحرق في الهواء … هذا الدخان الخانق … وبالنسبة لدخان السحابة الخيرة ‪،‬‬
‫فقد اتسم بالكثافة ‪ ،‬ووجود رائحة نّفاذه مصاحبة له ‪ .‬تقول د‪ .‬نادية مكرم عبيد‬
‫وزيرة البيئة ‪ ،‬إنها رصدت سحابة الدخان ‪ ،‬وشعرت بها مثل كل المواطنين ‪،‬‬
‫‪493‬‬
‫وأدركت أن هناك شيئا غير طبيعي ‪ ،‬في الهواء منذ عشرة أيام … لغز‬
‫السحابة السوداء ‪.‬‬
‫مدى انتشار الدخان ‪:‬‬
‫طت‬‫تعرضت سماء الدلتا والقاهرة حتى الجيزة ‪ ،‬لتلوث هوائي شديد … غ ّ‬
‫أجواء القاهرة ‪ ،‬خاصة منطقتي مدينة نصر ومصر الجديدة ‪ ،‬ومناطق وسط‬
‫البلد ومصر القديمة … الدخان الكثيف ‪ ،‬الذي يمتد من حلوان إلى المعادي‬
‫والمنيل والمهندسين … نتيجة لهذا الدخان الخانق ‪ ،‬الذي لف القاهرة ‪ ...‬فوق‬
‫سماء القاهرة ‪ ،‬وعدد من محافظات الدلتا … التي خّيمت على مدى اليام‬
‫الماضية ‪ ،‬فوق محافظة الشرقية … تجدد انتشار الدخان ‪ ،‬في سماء القاهرة‬
‫الكبرى ‪ ،‬مساء أمس ‪ ،‬وتلقت الهرام اتصالت هاتفية ‪ ،‬من قاطني الساحل‬
‫وشبرا مصر ومصر الجديدة ‪ ،‬ومدينة السلم والعجوزة والمنيل والهرم ‪،‬‬
‫بإحساسهم بتكاثر الدخان ‪.‬‬
‫الضرر النفسي والجسدي الذي أحدثه ‪:‬‬
‫اختناق القاهرة ‪ ،‬الذي استمر لثلثة أيام متتالية … وأيًا كانت أسبابها الحقيقية ‪،‬‬
‫فقد انزعج العديد من الهالي … ‪ ،‬تسبب في حالة من القلق ‪ ،‬بين سكان‬
‫القاهرة … أثار ذعر السكان … بعدم المبالغة في قلق ‪ ،‬ووصف الحدث ‪،‬‬
‫بالكارثة …‬
‫العراض المبدئية للتعرض لها ‪ ،‬تشمل التهاب العيون ‪ ،‬والنف والذن‬
‫والصدر والحلق ‪ ،‬وصعوبة في التنفس … وسّبب بعض حالت الختناق …‬
‫أزمات تنفسية ‪ ،‬نتيجة لزمتة الهواء ‪ ،‬وغياب الوكسجين الكافي ‪ ،‬وأصابت‬
‫الطفال وكبار السن بالختناق … عدم القدرة على التنفس ‪ ،‬رغم إغلق نوافذ‬
‫الشقق … ل نستطيع التنفس ‪ ،‬ونكاد نصاب بحالة اختناق شديدة … أصيب‬
‫بحالة اختناق شديدة ‪ ،‬وحرقان بعينيه ‪ ،‬لم يستطع معها ‪ ،‬البصار بصورة جيدة‬
‫طت الطرق الرئيسية ‪ ،‬مما أدى إلى إعاقة الرؤية ‪ ،‬أمام سائقي‬ ‫‪ ...‬وغ ّ‬
‫السيارات ‪ ،‬وعرضتهم إلى ارتكاب حوادث التصادم ‪ ...‬وقد أغلق المواطنون‬
‫النوافذ لشعورهم بالختناق ‪.‬‬
‫ويقول د‪ .‬محمد عوض تاج الدين ‪ ،‬أستاذ المراض الصدرية ‪ ،‬ونائب رئيس‬
‫جامعة عين شمس ‪ … :‬وبالنسبة لدخان السحابة الخيرة ‪ ،‬فقد اتسم بالكثافة ‪،‬‬
‫‪494‬‬
‫ووجود رائحة نفاذه مصاحبة له ‪ ،‬مما أحدث تهيجا في الغشية المخاطية ‪،‬‬
‫للعين والنف ‪ ،‬لمن تعرضوا له ‪ ،‬وأدى ذلك إلى إصابتهم ‪ ،‬بضيق في‬
‫التنفس ‪ ،‬نتيجة تهيج هذه الغشية ‪ ،‬فارتفع عدد الحالت المصابة ‪ ،‬وزاد عدد‬
‫المترّددين على أقسام الصدر ‪ ،‬بالمستشفيات العامة والخاصة ‪.‬‬
‫السباب المحتملة ‪:‬‬
‫ثلثة احتمالت ‪ :‬حرق المخلفات الزراعية ‪ ،‬حرق القمامة ‪ ،‬عوادم السيارات‬
‫… أثارت سحابة الدخان الخانق ‪ ،‬التي غطت القاهرة ‪ ،‬أول أمس ‪ ،‬تساؤلت‬
‫عديدة حول أسبابها ‪ ..‬البعض أرجعها لحرق ‪ ،‬مقالب القمامة المنتشرة حول‬
‫القاهرة ‪ ،‬وعّللها البعض الخر ‪ ،‬بحرق بقايا جذور نبات الرز ‪.‬‬
‫مقالب الزبالة بريئة من التهمة ‪:‬‬
‫من جانبه يؤكد اللواء مجدي البسيوني ‪ ،‬رئيس هيئة التجميل والنظافة‬
‫بالقاهرة ‪ :‬إن هذه السحابة العالقة بسماء القاهرة ‪ ،‬ل ترجع إلى حرق القمامة ‪.‬‬
‫لُيبّرئ مقالب القمامة ‪ ،‬ويتهم القش ‪.‬‬
‫ش أما المزارعون فقد بّرءوا القش بحجج منطقية ‪ ،‬بالضافة إلى أن دخان حرق‬
‫القش والخشاب ‪ ،‬ذو لون أبيض ‪ ،‬ورائحة خاصة ومميزة ‪ ،‬من الممكن‬
‫احتمالها ‪ ،‬تختلف عن دخان حرق المواد البترولية ‪ ،‬ذو اللون السود ‪،‬‬
‫والرائحة النفاثة ‪ ،‬وكذلك تختلف عن دخان حرق القمامة ‪ ،‬ذو اللون القل‬
‫سوادا ‪ ،‬والرائحة الكريهة ‪.‬‬
‫المختص ل يعرف الحقيقة ‪ ،‬وُيبّرئ القش ويتهم القمامة ‪:‬‬
‫وشرح الدكتور محمود نصر ال ‪ ،‬مدير معمل تلوث الهواء ‪ ،‬أنه من المتوقع‬
‫أن تكون الدخنة ) وليس من المؤكد ( ‪ ،‬ناتجة عن احتراق وقود البترول ! ‪،‬‬
‫أو القمامة ! هذه الدخنة عبارة عن جسيمات عالقة ‪ ،‬من الدخان السود ‪:‬‬
‫‪ .1‬ثاني أكسد الكربون ‪،‬‬
‫‪ .2‬وثاني أكسيد الكبريت ‪،‬‬
‫‪ .3‬أول أكسيد الكربون ‪،‬‬
‫‪ .4‬وأكاسيد النيتروجين ‪.‬‬
‫‪495‬‬
‫لذلك يجب أن يكون هناك حل سريع وفوري ‪ ،‬وتشكيل غرفة عمليات ‪ ،‬لرصد‬
‫مصادر التلوث ‪ ،‬وكل منطقة سكنية ‪ ،‬بها محرقة أو مقلب زبالة ‪ ،‬يجب أن تبلغ‬
‫الجهات المسؤولة ‪ ،‬مثل وزارة البيئة وجهاز شؤون البيئة ‪ ،‬حتى تخمد هذه‬
‫الحرائق فورا ‪.‬‬
‫ش وبما أنه ل يوجد حقول نفط تحترق في القاهرة ‪ ،‬نجد أن هذا المختص ‪ُ ،‬يبعد‬
‫الشبهة عن القش ‪ ،‬ويعزوه لمقالب القمامة ‪ ،‬والتي أكد المسؤولون ‪ ،‬أنها‬
‫موقوفة عن العمل منذ مدة ‪ ،‬وأنها ليست السبب ‪.‬‬
‫عودة الدخان … ول حرائق تؤخذ بعين العتبار … ؟!‬
‫ل الجراءات الحترازية والحتياطات اللزمة ‪ ،‬التي اتخذت على‬ ‫ش ورغم ك ّ‬
‫الرض ‪ ،‬بمنع الحرائق في القاهرة وما حولها ‪ ،‬يعود الدخان بنفس الكثافة ‪،‬‬
‫ب الذعر والرعب ‪ ،‬بين سكان القاهرة ‪ ،‬من‬ ‫ويبقى عالقا في سماء القاهرة ‪ ،‬ليد ّ‬
‫جديد ‪ ،‬في ليل ‪1999 / 10 / 26‬م ‪ ،‬ليصبح لغزا غامضا ‪ ،‬ل يقبل تبريرا‬
‫منطقيا ‪ ،‬ول يجد تفسيرا علميا ‪.‬‬
‫وقالت الوزيرة ‪ :‬أنها في اجتماع دائم ‪ ،‬مع خبراء البيئة المصريين وبعض‬
‫الخبراء الدانماركيين ‪ ،‬لرصد وتحليل الدخنة المنبثقة والمنتشرة ‪ ،‬في سماء‬
‫القاهرة الكبرى ‪ .‬وأشارت إلى أن التحليل المبدئي للدخنة ‪ ،‬أكد وجود نسبة‬
‫عالية ‪ ،‬من الجسيمات العالقة والتربة الرفيعة ‪ ،‬ساعد على انتشارها سكون‬
‫سر الماء بعد الجهد بالماء ( ‪،‬‬‫الجو ‪ ،‬وعدم تحريكها بواسطة الرياح ) كمن ف ّ‬
‫وما زالت أبحاثنا مستمرة للوصول إلى حقيقة هذه الدخنة ‪.‬‬
‫ش أي بالرغم من كل محطات الرصد ‪ ،‬التي عّددها أحد المقالت أعله ‪ ،‬لم‬
‫تستطع الوزيرة وخبرائها الدنمركيين من معرفة أسبابها ‪.‬‬
‫ونفى المستشار البيلي ‪ ،‬حرق أي كاوتش ‪ ،‬كما ترّدد عن أحد المصانع‬
‫الكبرى ‪.‬‬
‫ومن جانبه صرح د‪ .‬محمد عطية الفيومي ‪ ،‬رئيس مجلس محلي محافظة‬
‫القليوبية ‪ :‬بأنه ل توجد حرائق في المنشآت الموجودة ‪ ،‬على أرض المحافظة ‪،‬‬
‫حتى الساعة التاسعة ‪ ،‬مساء الثلثاء ‪ 26‬أكتوبر ‪.‬‬

‫‪496‬‬
‫اهتمام على مستوى رئاسة مجلس الوزراء ‪:‬‬
‫تلقى الدكتور عاطف عبيد ‪ ،‬رئيس مجلس الوزراء ‪ ،‬تقريرا شامل ‪ ،‬مساء‬
‫أمس ‪ ،‬من الدكتورة نادية مكرم عبيد ‪ ،‬وزيرة الدولة لشؤون البيئة ‪ ،‬حول‬
‫ظاهرة الدخان الكثيف ‪ ،‬الذي غطى سماء القاهرة ‪ ،‬منذ يوم السبت الماضي ‪،‬‬
‫وعاد إلى الظهور ‪ ،‬يومي أمس وأمس الول ‪ .‬وقال عبيد ‪ :‬أنه سيتم بحث هذا‬
‫التقرير ‪ ،‬بشكل تفصيلي ‪ ،‬لمعرفة أسباب تلك الظاهرة ‪ ،‬وكانت الهرام ‪ ،‬قد‬
‫تلقت طوال ليلة أمس ‪ ،‬سيل من الشكاوي حولها ‪ ،‬من عشرات المواطنين ‪،‬‬
‫الذين يشكون من الختناق ‪ ،‬وعودة الدخان إلى الظهور بشكل كثيف ‪ ،‬في‬
‫أنحاء متفرقة من القاهرة ‪.‬‬
‫إحدى الحقائق المرعبة ‪ ،‬على لسان وزيرة الدولة لشؤون البيئة ‪:‬‬
‫وصرحت الدكتورة نادية مكرم عبيد ‪ ،‬وزيرة الدولة لشؤون البيئة ‪ ،‬بأن‬
‫معدلت تلوث الهواء ‪ ،‬وصلت أخيرا إلى ‪ 300‬ميكروغرام في المتر المكعب ‪،‬‬
‫بما يتجاوز أربعة أضعاف نسب التلوث المنية ‪.‬‬
‫ش فكيف وصلت نسبة التلوث بالدخان ‪ ،‬إلى هذه الدرجة بين عشية وضحاها …‬
‫؟! ولماذا لم ُتطلع الوزيرة وخبراء الرصد الشعب المصري ‪ ،‬على تقارير‬
‫التحليلت المخبرية ‪ ،‬أثناء حدوث الظاهرة أو بعد انتهائها ‪ ،‬واقتصرت على‬
‫تبريرات وتفسيرات ‪ ،‬أشبه ما يكون بحكايا جدتي ‪.‬‬
‫صحيفة الشعب ‪:‬‬
‫تؤكد الصحيفة ‪ ،‬أن هناك إجماعا ‪ ،‬على رفض التفسير الرسمي المعلن ‪،‬‬
‫بحكاية مقالب الزبالة ‪ ،‬وحرق قش الرز وما شابه …!! وتصف التفسير‬
‫الحكومي للظاهرة ‪ ،‬بالمتهافت والمهين للعقول ‪ .‬ولذلك ‪ ،‬حاول الناس أن‬
‫يتوصلوا بمعرفتهم ‪ ،‬للسباب الكثر احتمال ومنطقية ‪ ،‬لحكاية السحابة‬
‫السوداء ‪ ،‬وفي سعيهم هذا ‪ ،‬حاولوا أن يرصدوا أي تغّير جديد ‪ ،‬يربطونه‬
‫بنشوء هذه الظاهرة ‪ ،‬المفاجئة وغير المألوفة ‪.‬‬

‫‪497‬‬
‫التطّير من الناس والشياء من عادات أهل مصر قديما وحديثا ‪:‬‬
‫وكما تطّير فرعون وقومه بموسى ومن معه ‪ ،‬لما كان ينزل بهم العذاب ‪ ،‬تطّير‬
‫ش النحس ( للوزارة الجديدة ‪ ،‬وكان جواب رب العزة لهل‬ ‫أهل مصر ) بالو ّ‬
‫ن(‪.‬‬‫ن َأْكَثَرُهْم َل َيْعَلُمو َ‬
‫ل ‪َ ،‬وَلِك ّ‬
‫عْنَد ا ِّ‬
‫طاِئُرُهْم ِ‬
‫مصر القدماء ) َألَ ِإّنَما َ‬
‫الوصاف التي أطلقتها الصحيفة على ظاهرة الدخان ‪:‬‬
‫الظاهرة العجيبة والمؤذية ‪ ،‬المفاجئة وغير المألوفة ‪ ،‬مأساة السحابة السوداء ‪،‬‬
‫مصيبة السحابة السوداء ‪ ،‬سحابتنا الغامضة ‪ ،‬السحابة السوداء الغامضة ‪.‬‬
‫هي ابتلء ونذير شؤم لهل مصر ؟!‬
‫ن البتلء الذي ‪ ،‬مّثلته السحابة السوداء‬
‫وتخلص الصحيفة إلى القول ‪ :‬إ ّ‬
‫الغامضة ‪ ،‬قد يكون مجّرد إشارة تحذير ‪ ،‬وشّد للذن ‪.‬‬
‫ش وهنا أصاب كاتب المقال كبد الحقيقة ‪ ،‬نعم هو تحذير وإنذار نهائي ‪ ،‬ولكن‬
‫من قبل من … ؟!‬

‫‪498‬‬
‫بل هم في شك يلعبون‬

‫* النصوص الكاملة لمادة هذا الفصل ‪ ،‬تجدها على موقع باسم ) ملف وليمة‬
‫لعشاب البحر ( ‪ ،‬على شبكة النترنت على العنوان ‪:‬‬
‫‪، www.mohammadabbas.com/books/alwaai/alwaai8.htm‬‬
‫أو العنوان ‪:‬‬
‫‪www.alshaab.com/GIF/31-08-2001/Walima.htm‬‬
‫" الرواية في ميزان السلم ‪ :‬ساقطة داعرة ‪..‬‬

‫في ميزان العقل ‪ :‬مختلة فاسدة ‪..‬‬

‫في ميزان الدب ‪ :‬ضعيفة مهترئة ‪. " ..‬‬


‫الستاذ الدكتور جابر قميحة أستاذ الدب العربي‬
‫مقتطفات ‪ ،‬من مقالت د‪ .‬محمد عباس في رواية وليمة لعشاب البحر ‪:‬‬
‫صحيفة الشعب ‪ ، 28/4/2000 :‬عنوان المقال ‪:‬‬
‫ل إلـه إل ال ‪..‬‬

‫من يبايعني على الموت ‪..‬‬

‫تّبت أيديكم‪ ..‬لم يبق إل القرآن ‪..‬‬

‫ماذا لو قلنا أن رئيس الوزراء خـراء ؟!‬


‫" ل إلشه إل ال … بكيت …لم يكن طول الجرح بالمسافة بل بالزمن ‪ ..‬جرح‬
‫طوله ألف وخمسمائة عام ‪ ..‬صرخت ‪ :‬تبت أيديكم ‪ ..‬أيما كنتم ‪ ..‬وأينما كنتم ‪..‬‬
‫وأيما أنتم ‪ ..‬وأيا كان من وراءكم ‪ ..‬يا كلب النار يا حطب جهنم ‪...‬‬
‫أمسكت بالشهاتف واتصلت بصديق كي أبثه همي … استطعت بعد جهد جهيد ‪،‬‬
‫أن أقرأ للصديق بعض الجمل ‪ ،‬التي انصبت على جسدي كالنار ‪ ..‬كرصاص‬
‫‪499‬‬
‫منصهر‪ ..‬طفحت من كتاب داعر فاسق فاجر كافر ‪ ..‬طبعته لنا ونشرته‬
‫بيننا ‪ ،‬وزارة الثقافة المصرية ‪ ..‬وليس السرائيلية ول المريكية …‬
‫حرون هو القلم في يدي ‪ ..‬وقلبي ل يطاوعني ‪ ،‬أن أنقل لكم الكلمات الفاسقة‬
‫الداعرة الكافرة ‪ ،‬التي أوردها كتاب فاسق داعر كافر‪ ..‬نشرته هيئة ‪ ،‬لبد أن‬
‫تكون فاسقة داعرة كافرة ‪ ،‬تحت رئاسة مسئول ‪ ،‬لبد أن يكون داعرا فاسقا‬
‫كافرا ‪..‬‬
‫إليكم ما طبعته ونشرته وزارة الثقافة المصرية ‪ " :‬وهؤلء يهمشون التاريخ ‪،‬‬
‫ويعيدونه مليون عام إلى الوراء ‪ ،‬في عصر الذرة والفضاء والعقل المتفجر ‪،‬‬
‫يحكموننا بقوانين آلشهة البدو ‪ ،‬وتعاليم القرآن ‪ ..‬خشراء "‪..‬‬
‫ل إلشه إل ال‪ ..‬ل إلشه إل ال ‪ ..‬ل إلشه إل ال ‪...‬‬
‫صرخت في نفسي ‪ :‬كيف يا صفيق قرأتها فلم تمت الفور‪ ..‬كيف ؟! …‬
‫تراءى لي الرسول ‪ ،‬صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬يناظرني معاتبا ‪ ،‬يوم القيامة ‪،‬‬
‫فصرخت من الخجل …‬
‫تراءى لي الزبير بن العوام ‪ ،‬يهتف صارخا في حروب الردة ‪ :‬من يبايعني‬
‫على الموت ‪...‬‬
‫تراءى لي مليين وملين من الشهداء والصابرين ‪ ..‬بذلوا حياتهم واحتسبوا‬
‫صبرهم ‪ ،‬لتقديس اسم ال ‪ ،‬ورفع كلمته ‪ ..‬ثم أتى الشيطان ‪ ،‬ليكتب ما يسميه‬
‫كتابا ‪ ،‬تعتبره وزارة الثقافة المصرية – وهى الخرى شيطان ‪ -‬أدبا ‪ ،‬فتنشره‬
‫على الناس كي تنّورهم ‪...‬‬
‫وزارة الثقافة المصرية في بلد الزهر ‪ ،‬وصلح الدين وقطز وخالد‬
‫السلمبولي ‪ ،‬تنشر يا قراء كتابا ‪ ،‬يدعى أنه رواية ‪ ،‬يقول ‪ :‬أن القرآن خشراء‬
‫‪ ..‬ثم ل يلبث أن يقول ‪ :‬إخرأ بربك …‬
‫ل إلشه إل ال … أول مرة ألقى مثل هذا اللم في حياتي ‪..‬‬
‫ول حتى ‪ ،‬استدراجنا كقطيع من الخراف ‪ ،‬إلى مقتلة الخليج ‪ ..‬حين اندفع‬
‫بالشرك والغباوة والخيانة والجهل والنفاق ‪ ،‬نصفنا يقتل نصفنا ‪ ..‬كقطيع ‪..‬‬
‫قطيع من الخراف ‪ ،‬يندفع إلى المجزرة ‪ ،‬وهو فرح بها نشوان ‪..‬‬

‫‪500‬‬
‫ول حتى ‪ ،‬عندما حمل السادات ‪ ،‬كفننا وكرامتنا وتاريخنا ‪ ،‬ليذهب مذموما‬
‫مدحورا إلى القدس ‪..‬‬
‫ول حتى مع الذبح اليومي ‪ ،‬الذي نشارك فيه للعراق ‪ ..‬ول حتى يوم موت‬
‫أبى ‪ ..‬أبدا ‪ ..‬لم أشعر بمثل هذا اللم ‪...‬‬
‫القرآن ‪ ..‬خشراء …‬
‫ملذنا الخير ينتهك ويهان ‪...‬‬
‫كان صديقي ما يزال على الشهاتف … وكنت ما أزال أبكى ‪ ،‬وأنا أقرأ له ‪ ،‬مما‬
‫نشرته وزارة الثقافة المصرية ‪ ..‬رائدة التكفير ل التنوير ‪ " :‬ال قال انكحوا ما‬
‫طاب لكم ‪ .‬رسولنا المعظم كان مثالنا جميعا ‪ ،‬ونحن على سنته ‪ ..‬لقد تزوج‬
‫أكثر من عشرين امرأة ‪ ،‬بين شرعية وخليلة ومتعة ‪" ..‬‬
‫ثم يستطرد الكتاب الفاجر الكافر ‪ ،‬الذي يلبس عباءة رواية ‪ ،‬وليس برواية ‪ ،‬إل‬
‫في عقول مخصية شاذة مريضة ‪ ،‬سعت وتسعى إلى نشر الكفر والفاحشة ‪..‬‬
‫يستطرد مجترئا على الذات اللشهية ‪ ،‬ليقول ‪ " :‬إن رب هذه الرض ‪ ،‬كان‬
‫يزحف وهو يتسلل من عصور الرمل والشمس ‪ ،‬ببطيء السلحفاة " ‪.‬‬
‫ويسوق في حوار فاجر كافر ‪ " :‬هو من صنع ربى ‪ ..‬ل بد أن ربك فنان فاشل‬
‫إذن ‪" ..‬‬
‫ل إلشه إل ال …‬
‫ويقول الفاجر بن الفاجر ‪ ،‬الفاسق بن الفاسق ‪ ،‬الكافر بن الكافر ‪ :‬مؤلفا وطابعا‬
‫وناشرا ووزارة ‪ " :‬داخل هذه الهواز التي خلقها الرب ‪ ،‬في الزمنة الموغرة‬
‫في القدم ‪ ،‬ثم نسيها فيما بعد ‪ ،‬لتراكم مشاغله ‪ ،‬التي ل تحد في بلد العرب‬
‫وحدها ‪ ،‬حيث الزمن يدور على عقبيه منذ ألفي عام " ‪.‬‬
‫و " أقام ال مملكته الوهمية ‪ ،‬في فراغ السماوات " ‪..‬‬
‫و " وخلع الجلد المتخلف والبالي ‪ ،‬الذي خاطه السلم فوق جلودنا القديمة " ‪..‬‬
‫و " إن حبل السرة ‪ ،‬ما يزال موصول مع الزمنة الرعوية ‪ ،‬وأزمنة عبادة ال‬
‫الواحد القهار في السماء والرض ‪ ،‬وذلك الذي يقول للشيء ‪ ،‬كن فيكون " ‪.‬‬
‫آه ينصدع لها القلب ‪ ،‬وينحطم الفؤاد ‪ ،‬وتنكسر الروح ‪...‬‬
‫برح الخفاء يا ناس ‪ ،‬وهذا وقت المفاصلة ‪ ،‬إما إيمان ‪ ،‬وإما كفر ‪...‬‬
‫‪501‬‬
‫للوهلة الولى ‪ ..‬والدوار يكتنفني ‪ ،‬قلت لنفسي ‪ :‬اذهب إلى الزهر على‬
‫الفور ‪ ،‬واصعد منبره ‪ ،‬واصرخ ‪ :‬من يبايعني على الموت ‪ ..‬؟!‬
‫ثم آخذ الرهط الذي يجتمع حولي ‪ ،‬وأتوجه بهم إلى قصر الرئيس مبارك ‪..‬‬
‫عّزل أيدينا ‪ ..‬نسألشه ‪ ،‬والسؤال‬‫عراة صدورنا ‪ ،‬نازفة قلوبنا ‪ ،‬دامعة عيوننا ‪ُ ،‬‬
‫دم ‪ :‬ما هي الحدود بين السلم والكفر ‪ ..‬؟ ما هي التخوم بين التنوير‬
‫والتعهير ‪ ..‬؟ ما هى الطخوم بين تجفيف المنابع ‪ ،‬والخروج من الملة ‪ ..‬؟ ما‬
‫هى البيون ‪ ،‬بين أن تكون مصر قائدة للتنوير حقا ‪ ،‬يرتضيها العرب‬
‫والمسلمون ‪ ،‬وبين أن تكون قوادة ‪ ،‬للكفر والفسوق والعصيان ‪ ..‬؟‬
‫نهتف فيشه ‪ :‬أنت ولى المر … وليس لنا أن نقيم الحد على الفجرة الكفرة‬
‫الفسقة بأيدينشا …‬
‫تسلل إلى نفسي أمل ميت ‪ ..‬أن يكون ثمة لبس ‪ ،‬قد حدث أمام صحيفة السبوع‬
‫‪ ،‬عندما فجرت هذه الفضيحة منذ أسابيع قليلة ‪ ..‬لعل الكتاب طبع في إسرائيل‬
‫مثل ‪ ..‬وقلت لنفسي أن السلم يأمرني بالتثبت ‪ ..‬بحثت عن الكتاب ‪..‬‬
‫ووجدته ‪:‬‬
‫) وليمة لعشاب البحر ‪ ..‬حيدر حيدر ‪ ..‬سلسلة آفاق الكتابة ‪ ..‬العدد ‪-35‬‬
‫الشهيئة العامة لقصور الثقافة ‪ ..‬وعنوانها كما هو مثبت ‪ 16 :‬أ شارع أمين‬
‫سامي‪ -‬قصر العيني – القاهرة ت‪ – 3564842 – 3564841 :‬فاكس‬
‫‪ – 3564202‬أما الطابع فهو ‪ :‬شركة المل للطباعة والنشر ‪ ،‬أما قائمة العار‬
‫الدنشسة ‪ ،‬المكتوبة على صفحات الكتاب الولى ‪ ،‬فتجمع ‪ :‬رئيس مجلس‬
‫الدارة ‪ :‬على أبو شادي ‪ ،‬أمين عام النشر ‪ :‬محمد كشيك ‪ ،‬رئيس التحرير ‪:‬‬
‫إبراهيم أصلن ‪ ،‬الشراف الفني ‪ :‬د ‪.‬محمود عبد العاطي ‪ ،‬مدير التحرير ‪:‬‬
‫حمدي أبو جليشل ( ‪...‬‬
‫ل إلشه إل ال …‬
‫كنت أظن أني محتاج ‪ ،‬لقراءة الرموز بين السطور ‪ ،‬كي أكشف الشرك‬
‫الخفي ‪ ..‬حتى جاء هذا الكتاب ‪ ،‬وفجرت صحيفة السبوع قضيته …‬
‫ليس الشرك الخفي ‪ ،‬بل الكفر البواح ‪...‬‬
‫هو الخيانة ل ولرسوله ‪ ..‬هو الخيانة للمة وللوطن ‪ ..‬هي العمالة الصريحة‬
‫المباشرة ‪ ،‬لمريكا وإسرائيل ‪...‬‬
‫‪502‬‬
‫هو التسلل إلى عقول أبنائنا ‪ ،‬لخراجهم من السلم تماما ‪ ،‬كما قال‬
‫) زويمشر ( ‪ ..‬هو نشر الباحية والسفالة والشذوذ ‪ ،‬وقتل روح المة …‬
‫إن العار ل يلحق بوزارة الثقافة فقط ‪ ..‬فتضامن المسؤولية الوزارية ‪ ،‬يجعل‬
‫مجلس الوزراء كله مسئول ‪ ،‬وكل وزير مسئول ‪ ..‬ورئيس الوزراء مسئول ‪..‬‬
‫و‪..‬‬
‫لكن الفاجر يكتب والفاجر ينشر أن "القرآن خششراء " ‪ ..‬و " خرا بربك " ‪ ..‬ثم‬
‫يجد من يدافع عنه ‪ ..‬أما من وزير يستقيل … ؟!‬
‫ل إلشه إل ال ‪...‬‬
‫يا جللة ملوك وفخامة رؤساء الدول السلمية ‪ ..‬لطالما تعاونتم على الثم‬
‫والعدوان ‪ ..‬فتعاونوا ولو مرة للدفاع عن القرآن ‪ ..‬اطلبوا الرئيس مبارك‬
‫اليوم‪ ..‬قولوا له أن ما نشرته وزارة الثقافة المصرية ‪ ،‬لم يذبح المسلمين في‬
‫مصر فقط ‪ ،‬بل في العالم السلمي كله ‪ ..‬من لم يفعل منكم ذلك ‪ ،‬فليأت ال‬
‫يوم القيامة ‪ ،‬والقرآن خصمه … !‬
‫من كان منكم يحب ال والرسول ‪ ،‬فليدافع عن القرآن …‬
‫من كان منكم مذنبا ‪ ،‬فليكفر عن ذنوبه ‪ ،‬بالدفاع عن القرآن ‪..‬‬
‫يا شيخ الزهر ‪ ...‬ل إلشه إل ال … يا فضيلة المفتى … يا شيوخ الزهر ‪ ،‬ويا‬
‫طلبة جامعة الزهر … يا خطباء المساجد … ل إلشه إل ال ‪...‬‬
‫يا كل هيئة ومؤسسة وصحيفة في العالم السلمي … اكتبوا أنهم في بلد‬
‫الزهر ‪ ،‬ينشرون أن القرآن خشراء …‬
‫يا شيخ يوسف القرضاوي … دافع عن القرآن بما أنت له أهل … إن المة‬
‫تنتظر فتواك ‪ ،‬في كل مسئول عن نشر هذا الكتاب … أصرخ فيك … أهتف‬
‫فيك ‪ :‬مصر لم تعد بخير ‪ ..‬مصر لم تعد بخير ‪ ..‬مصر لم تعد بخيشر …‬
‫فالنجدة النجدة والغوث الغوث … فإنه القشرآن … ول إلشه إل ال …‬
‫يا سيادة الرئيس … أطفئ الفتنشة …‬
‫واعلم هدانا وهداك ال ‪ ،‬أن المر ليس أمر وزير فاسق ‪ ،‬أو وزارة فاجرة ‪ ،‬بل‬
‫هو منهج مشرك تسلل إلى النظام ‪ ،‬مسئوليتك أمام ال أن تزيله ‪ ،‬وأن تحاربه ‪،‬‬

‫‪503‬‬
‫حتى لو استشهدت دونه ‪ ..‬منهج مشرك ‪ ،‬ل يقتصر على وزارة ‪ ،‬ول يقوم به‬
‫مجرد أفراد ‪...‬‬
‫واعلم هدانا وهداك ال ‪ ،‬أن مثل هذا المنهج الفاجر ‪ ،‬هو الذي يغيب في‬
‫السجون والمعتقلت ‪ ،‬عشرات اللف من شباب ‪ ،‬لم يأخذوا عليهم ‪ ،‬سوى أن‬
‫السلم دينهم والقرآن كتابهم ‪ ..‬بينما يرى ذلك المنهج الخائن الفاجر الكافر‬
‫العميل ‪ ،‬أن القرآن خشراء … وذلك ما ينقمونه عليهم …‬
‫واعلم هدانا وهداك ال ‪ ،‬أن أسوأ ما تفعل أن تكتفي ‪ ،‬بإقالة وزير أو تنحية‬
‫مسئول ‪...‬‬
‫فالخطب أطم والمصيبة أعم ‪...‬‬
‫قل لي يا سيادة الرئيس ‪ :‬هل ترضى لعهدك – دون العهود جميعا – أن تصمه‬
‫هذه الوصمة ‪ ..‬فالقرآن لم يتعرض ‪ ،‬لمثل ما يتعرض له الن ‪ ..‬أبدا ‪ ..‬ول‬
‫حتى في عهد كرومر ‪ ..‬بل ‪ ،‬وحتى الفراعنة كانوا يقدسون كتب الدين ‪...‬‬
‫قل لي يا سيادة الرئيس ‪ :‬هل كانت الدولة تسكت ‪ ،‬لو أن من كتب هذا الكتاب ‪،‬‬
‫أو طبعه ‪ ،‬أو نشره ووزعه ‪ ،‬كان قد وضع النجيل ‪ ،‬أو التوراة ‪ ،‬مكان القرآن‬
‫؟!‪ ..‬ما كانت الدولة لتسكت ‪ ..‬وما كنا نحن أيضا سنسكت ‪..‬‬
‫يا سيادة الرئيس ‪ :‬إنك مسئول عن هذه الفئة المنحرفة الشاذة ‪ ..‬مسئول أمام‬
‫المة ‪ ،‬وأمام التاريخ ‪ ،‬وأمام ال ‪ ..‬إن القانون في بريطانيا ‪ ،‬يحمي النجيل‬
‫والتوراة ‪ ..‬وأخوتنا المسلمون هناك ‪ ،‬يجاهدون لمّد مظلة الحماية إلى القرآن ‪..‬‬
‫فهل ترضى لنفسك ‪ ،‬أن نجاهد أمامك ‪ ،‬لسن قانون يحمي القرآن ؟! …‬
‫يا سيادة الرئيس ‪ :‬إنك كادح إلى ربك كدحا فملقيه ‪ ..‬وإني وال لمشفق عليك ‪،‬‬
‫من أن تلقاه وهذه الفعلة الشنعاء في كتابك ‪ ..‬توضع في ميزانك ‪ ..‬وما أثقلها ‪..‬‬
‫ما أثقلها ‪ ..‬ما أثقلها ‪!..‬‬
‫وإنني أناشدك يا سيادة الرئيس ‪ -‬أبيت اللعن ‪ -‬أن تطفئ لهيب الفتنة ‪ ،‬ببيشان‬
‫يصدر عن الرئاسة اليوم ‪ ..‬بيان استغفار إلى ال ‪ ..‬واعتذار إلى المشة ‪..‬‬
‫فإن لم تفعل يا سيادة الرئيس … فإنني أرجوك ‪ :‬مر رجالك بقتلي … قتلة‬
‫غلم أهل الخدود " ‪.‬‬
‫* مقتطفات من مقال آخر ‪ ،‬د‪ .‬محمد عباس ‪ ،‬صحيفة الشعب ‪5/5/2000 :‬م ‪،‬‬
‫تصدير المقال ‪:‬‬
‫‪504‬‬
‫الجريمة مستمرة ‪..‬‬
‫ثلثية الثقافة في مصر ‪:‬‬

‫الكفر والعهر والتطبيع ‪..‬‬

‫هل ال جليسة أطفال ‪ ..‬ويعلمنا الحب ؟!‬

‫وهل النبياء آبقون ‪ ..‬؟!‬


‫الجريمة مستمرة … وسوف تخطئون خطأ مروعا ‪ ،‬إذا ظننتم أنه مجرد كتاب‬
‫داعر فاجر كافر أفلت ‪ ..‬وأن المر قد ل يتكرر مرة أخرى ‪...‬‬
‫ليس مجرد الكتاب ‪ ،‬بل إنه المنهج ‪ ..‬منهج متعمد مقصود ‪ ..‬منهج أخطبوطي ‪،‬‬
‫ينفذ بالضبط تعاليم المستشرقين والمبشرين ‪ ،‬والستعمار في صورته‬
‫الحديثة ‪ ..‬منهج يدرك ‪ ،‬أن أخطر ما في السلم والقرآن ‪ ،‬هو ذلك اليمان‬
‫اليقيني ‪ ،‬الذي يجعل من المسلمين بشرا ‪ ،‬يمكن أن يتفوقوا حتى على‬
‫الملئكة ‪ ،‬ويجعل من المنافقين ‪ ،‬أشبه بالخنازير والقردة ‪ ..‬وتلك هي النقطة ‪،‬‬
‫التي تثير عجب وحنق المنافقين ‪ ،‬عندما يلحظون استعلءنا عليهم ‪ ،‬مهما‬
‫أدبرت عنا الدنيا ‪ ،‬وأقبلت عليهم ‪ ..‬استعلء البشر على الخنازير ‪ ..‬ولقد أدرك‬
‫الغرب منذ قرون ‪ ،‬أنه هزم في المواجهة المسلحة مع الحضارة السلمية ‪..‬‬
‫وأنه ل سبيل أمامه ‪ ،‬إل إفراغ السلم من محتواه ‪ ..‬ولقد استعان على ذلك‬
‫حينا بالستعمار ‪ ،‬حتى اطمأن إلى أنه رّبى بيننا ‪ ،‬نخبة فاسدة مفسدة ‪ ،‬فتركها‬
‫لتنوب عنه ‪ ..‬وهم منا ‪ ،‬لكن قلوبهم قلوب ذئاب ‪...‬‬
‫ليس مجرد كتاب يا أمة ‪ ...‬الجريمة مستمرة ول إلشه إل ال …‬
‫الجريمة مستمرة … والثقافة في بلدنا تهدف إلى ثلثة أشياء ل تنسوها ‪:‬‬
‫أن تكون حرية التفكير مرادفة للكفر ‪...‬‬
‫وأن تكون حقوق المرأة مرادفة للعهر ‪...‬‬
‫وأنه بعد نشر الكفر والعهر ‪ ،‬سيكون المجتمع السلمي ‪ ،‬قد غرق في‬
‫غيبوبة ‪ ،‬فقد معها كل مناعة ‪ ..‬ليسهل التطبيع بعد ذلك مع إسرائيل ‪،‬‬
‫والنسحاق أمام الغرب ‪...‬‬
‫‪505‬‬
‫الجريمة مستمرة يا ناس ‪ ..‬وسأعرض عليكم على الفور ‪ ،‬نماذج ل تقل سفالة‬
‫وبشاعة ‪ ،‬عما عرضت عليكم في المقالة الماضية ‪ ...‬فلنتناول معا كتابا‬
‫أخرجته وزارة الثقافة أيضا ‪ ،‬الشهيئة العامة لقصور الثقافة ‪ ) ،‬كتابات نقدية ‪،‬‬
‫العدد ‪ ، 97‬ديسمبر ‪ ، 99‬والكتاب معروض ‪ ،‬عند باعة الصحف ‪ ،‬وإن كنت‬
‫أحسب أن السيد الوزير ‪ ،‬الذي يطلقون عليه ) زين الرجال ( ‪ ،‬سوف يأمر‬
‫بسحبه غدا ‪ ،‬قبل انتشار الفضيحة ‪ ..‬عنوان الكتاب ‪ :‬شعر الحداثة في مصر ‪،‬‬
‫وقائمة العار للهيئة المشرفة عليه ‪ ،‬هي ذات قائمة العار ‪ ،‬التي نشرناها في‬
‫السبوع الماضي ‪ ،‬وعلى رأسها أيضا ‪ :‬علي أبو شادي ( ‪...‬‬
‫ولقد وّفر علينا إدوارد الخراط ‪ ،‬مئونة البحث في عشرات ‪ ،‬من إصدارات‬
‫وزارة الثقافة المصرية ‪ ،‬لعشرات الشعراء المصريين ‪ -‬وأغلبهم وال ليسوا‬
‫شعراء ‪ ،‬وليسوا بشرا ‪ -‬حين استعرضها في هذا الكتاب ‪ 700 :‬صفحة‬
‫تقريبا ‪ ..‬وسعره خمسة جنيهات ‪ ..‬وتذكروا يا قراء ‪ ،‬أن هذه الكتب هي التي‬
‫يخرءونها – إذا صح التعبير‪ -‬لتشكيل وجدان المة ‪...‬‬
‫فلندلف معا ‪ ،‬إلى كلمات السفالة والشذوذ والكفر البواح ‪ ..‬فلندلف دامعين إلى‬
‫السخرية ‪ ،‬من الذات اللشهية والمرسلين ‪ ..‬فلندلف إلى محاكاة هازلة هازئة ‪،‬‬
‫كمحاكاة مسيلمة الكذاب ‪ ..‬فلندلف إلى خيوط الشبكة ‪ ،‬التي يصطادون بها‬
‫ي ‪ ،‬أن أنبه القراء ‪ ،‬أن ما سيقرؤونه على الفور ‪،‬‬ ‫المة ‪ ..‬إل أنني أجد لزاما عل ّ‬
‫بالغ الفحش ‪ ،‬وأن يبعدوه عن أيدي أبنائهم …‬
‫) لم نشأ أن نورد شيئا ‪ ،‬مما اقتبسه المؤلف من أمثلة ‪ ،‬على شعر الحداثة في‬
‫شعر منها جلود‬ ‫مصر … حيث أن ما يطرحونه من تصويرات وتشبيهات ‪ ،‬تق ّ‬
‫الذين كفروا ‪ ،‬وهي ل تقل سفالة وانحطاطا ‪ ،‬عن الرواية السابقة ‪ ،‬بل تفوقها‬
‫أحيانا ‪ .‬تستطيع الطلع على ما لم نقم بإيراده هنا ‪ ،‬مما اقتبسه كاتب المقال ‪،‬‬
‫وشيوخ الزهر في تقاريرهم ‪ ،‬من نصوص ‪ ،‬على موقع الملف على شبكة‬
‫النترنت ( ‪.‬‬
‫ويستطرد الكاتب قوله ‪:‬‬
‫لم ينته الشهزء بالقرآن ‪ ،‬ولكنني أكتفي – مؤقتا – بما ذكرت ‪ ،‬لننتقل إلى‬
‫السخرية ‪ ،‬من الحاديث النبوية الشريفة ‪:‬‬
‫" زمليني أنا العاشق المرتبك " ‪ ..‬و‪" :‬دثريني وخلي نهودك تحرث قلبي‬
‫بنصلين من وبر"‪ ..‬و‪ " :‬نمضي إلى الوادي المقدس ‪ ،‬أنبياء آبقين ‪ ،‬نأمر‬
‫‪506‬‬
‫بالمنكر ‪ ،‬وننهى عن المعروف ‪ ،‬دون أن نكظم الغيظ ‪ ،‬أو نعفو عن الناس " ‪.‬‬
‫) مرجعية هذا الشاعر هي التوراة ‪ ،‬حيث ُأتهم فيها النبياء بالفحش والكفر ( ‪.‬‬
‫"دثريني دثريني ‪ ..‬ورطبي لي جبيني ‪ ..‬النار في عيوني ‪ ..‬والريح في يقيني "‬
‫‪.‬‬
‫هذا هو تنوير وزارة الثقافة المصرية ‪ ،‬يا مسلمون ويا عرب ‪ ...‬هذا هو ما‬
‫يحاربون به السلم ‪...‬‬
‫وأكثر من عشرين ألف معتقل ‪ ،‬يسومونهم سوء العذاب ‪ ،‬لنهم يقرءون القرآن‬
‫…‬
‫ل إلشه إل ال …‬
‫عهر عاهر ‪ ،‬ل يرعاه‬ ‫يا عاطف عبيد ‪ ..‬هذا هو الفجر بعينه ‪ُ ..‬فجر فاجر ‪ ،‬و ُ‬
‫إل فاجر وعاهر ‪ ..‬وتذّكر ‪ ..‬أن من وّلى أمر المسلمين فاجرا ‪ ،‬فهو فاجر مثله‬
‫…‬
‫تصورت يا ناس أن نشر المقال ‪ ،‬سيسفر عن نسف ‪ ،‬كل مؤسسات وزارة‬
‫الثقافة على الفور ‪..‬‬
‫لكن تصّوري ‪ ،‬كان أمل جهيضا في القلب ‪ ..‬وعلى العكس ‪ ..‬وجدت من‬
‫المثقفين والنخبة ‪ ،‬من يدافع عن الكفر البواح ‪...‬‬
‫لقد احتفظت حضارتنا ‪ ،‬بتراث أوغل في الفحش بل والكفر ‪ ..‬ونذكر أبي نواس‬
‫والغاني ‪ ،‬والفرق المختلفة التي زاغت عن السلم ‪ ..‬كان المجرى الرئيسي‬
‫للنهر سليما ‪ ،‬ولم يكن يضره كثيرا ‪ ،‬أن يبول كلب أو خنزير فيه ‪ ..‬لكن عندما‬
‫يكون الماء راكدا ‪ ..‬وليس لدينا سوى كوب من الماء ‪ ،‬ونحن تائهون في البيداء‬
‫في الشهجير ‪ ،‬فكيف نسمح للكلب ‪ ،‬أن تبول في مائنا الخشير ‪..‬‬
‫* مقتطفات من مقال آخر ‪ ،‬د‪ .‬محمد عباس ‪ ،‬صحيفة الشعب ‪:‬‬
‫‪12/5/2000‬م ‪ ،‬تصدير المقال ‪:‬‬

‫‪507‬‬
‫ل إلـه إل ال ‪..‬‬
‫يا سيادة الرئيس ‪ :‬الفتنة تطل ‪ ..‬فأطفئها ‪..‬‬
‫يا شيخ الزهر ‪ :‬دافع عن دين ال ‪..‬‬
‫يا فضيلة المفتي ‪ :‬صمتك مذهل ‪..‬‬
‫إن وزيرة في الحكومة المصرية ‪ ،‬هي التي صرحت أن ‪ %17‬من طالبات‬
‫الجامعة ‪ ،‬قد تزوجن زواجا عرفيا ‪...‬‬
‫فكم يا ترى ؟! لم يحتجن إلى ورقة التوت المغشوشة ‪ ،‬يغطين بها سوءاتهن ‪...‬‬
‫ولماذا نندهش لذلك ‪ ،‬إذا كانت مطبوعات وزارة الثقافة ‪ ،‬تتدنى حتى تنشر‬
‫الفسق والفجور ‪ ،‬وتصف بعهر ‪ ،‬كل ما يهدم القيم والثوابت ‪...‬‬
‫لماذا نندهش ‪ ،‬عندما تتحدث بعض الدراسات ‪ ،‬إلى أن أكثر من ‪ %50‬من‬
‫طلب الجامعة ‪ ،‬يتعاطون البانجو ) مخدر ( ‪...‬‬
‫وبرغم ذلك كله ‪ ،‬فإن اعتراضنا على تشبيه القرآن بالخشراء ‪ ،‬لم يترّكز على‬
‫المؤلف ‪ ،‬ول على روايته ‪ ..‬فليذهب إلى الجحيم ‪ ،‬ما دام قد اختار الطريق‬
‫إليها ‪ ..‬لقد انصب اعتراضي ‪ ،‬على قيام وزارة الثقافة المصرية ‪ ،‬بإعادة نشر‬
‫الرواية في مصر‪ ..‬والرواية التي تباع في السواق ‪ ،‬بثلثين أو أربعين جنيها ‪،‬‬
‫دعمتها وزارة الثقافة ‪ ،‬حتى بيعت بأربعة جنيهات ‪ ..‬هل هذا هو الفكر ‪ ،‬الذي‬
‫ننقله ونعلمه لبنائنا …‬
‫نعم ‪ ..‬كذب المسؤولون في وزارة الثقافة ‪ ،‬وكانت مجلتهم وصحفهم تكذبهم ‪..‬‬
‫لقد صرحوا بأن الرواية مسموح بها ‪ ،‬في كل الدول العربية ‪...‬‬
‫لكن أخبار الدب ‪ :‬تذكر بالنص على لسان حيدر حيدر ‪ " :‬عشت في بيئة‬
‫تحاربني ‪ ،‬على المستوى الديني ‪ ،‬ول يقولون أنني علماني ول عقلني‬
‫وتنويري ‪ ،‬بل يقولون ملحدا "‬
‫ويسألونه ‪ :‬هل كنت تجد صعوبة في نشر أعمالك ؟ فيجيب ‪ " :‬صعوبة شديدة‬
‫جدا … فقد عشت أنا وكتبي ‪ ،‬في حالة منع مستمر ‪ ،‬من بلد عربية كثيرة "‬
‫…‬
‫اقرءوا أيضا في نفس العدد من أخبار الدب ‪ ،‬تعليق الستاذ محمود أمين العالم‬
‫‪ " :‬أخذت أقلب بين يدي رواية ‪ ،‬وليمة لعشاب البحر ‪ ،‬أو نشيد الموت ‪،‬‬
‫‪508‬‬
‫للستاذ حيدر حيدر ‪ .‬بحثا عن اسم ناشر أو مطبعة ‪ ،‬فلم أجد ‪ ،‬وأخيرا علمت ‪،‬‬
‫أن دور النشر العربية جميعا ‪ ،‬رفضت نشر هذه الرواية ‪ ،‬فقام هو بطبعها على‬
‫نفقته ‪ ،‬ولكن يبدو أن المطبعة التي قامت بطبع هذه الرواية ‪ ،‬قد آثرت هي‬
‫أيضا السلمة ‪ ،‬فاكتفت بالطبع ‪ ،‬وامتنعت عن ذكر اسمها ‪ .‬صدرت الرواية‬
‫مجّهلة ‪ ،‬إل من اسم مؤلفها ‪ .‬ولقد علمت كذلك ‪ ،‬أن الرواية ‪ ،‬تكاد تعتمد في‬
‫توزيعها على اليد ‪ .‬وعلى العلقات الشخصية ‪ ،‬كما توزع المخدرات أو‬
‫المنبهات المحظورة " ‪.‬‬
‫فلماذا كذبت أجهزة وزارة الثقافة ‪ ...‬؟!‬
‫لماذا ُيكذب الوزير نفسه كل يومين ‪ ..‬لقد صرح أول ‪ ،‬بأن الرواية مصادرة ‪،‬‬
‫شِر بيانه ‪ ،‬كان بيان علي أبو‬
‫منذ منتصف نوفمبر الماضي ‪ ..‬وفى نفس يوم َن ْ‬
‫شادي ‪ ،‬يقول ‪ :‬أن الرواية صدرت في منتصف نوفمبر ) أي بعد ظهور الدخان‬
‫بأسبوعين ( ‪...‬‬
‫لماذا حاول الوزير باستمرار ‪ ،‬أن يخلط بين طبعة مصرية ‪ ،‬هو الذي أصدرها‬
‫ورعاها ‪ ،‬وباعها بعشر ثمنها ‪ ،‬وبين طبعات لبنانية ‪ ،‬لم نسألشه ‪ ،‬ولم نطلب‬
‫حسابه عنها ‪ ،‬رغم أنه بحكم مسئوليته الوزارية ‪ ،‬مسئول عما يدخل إلى‬
‫البلد ‪ ،‬من عناصر الثقافة …‬
‫إنني أتهم وزير الثقافة ‪ ،‬أنه بسبب مواقفه المتناقضة ‪ ،‬قد أشعل غضب‬
‫الناس ‪ ..‬أشعل غضب الطلب ‪ ..‬يوم الخميس نشرت صحيفة الوفد بدهشة ‪،‬‬
‫تصريحا عن اللجنة التي شكلها ‪ ،‬وقوله أنها ليست لجنة تحقيق ‪ ،‬بل لجنة‬
‫ستشرح للناس ما خفي عليهم ‪ ،‬من إبداع في الرواية ‪ ..‬يوم الجمعة الماضي‬
‫نشرت صحيفة الهرام ‪ ،‬في مكان بارز خبر مصادرة الرواية ‪ ..‬ويوم الحد‬
‫نشرت صحيفة الخبار ‪ ،‬تصريح وزير الثقافة بأن الرواية لم تصادر ‪..‬‬
‫وانفجرت مظاهرات الطلب يوم الثنين ‪...‬‬
‫إن القانون النجليزي مثل ‪ُ ،‬يجّرم العتداء على التوراة والنجيل‪ ..‬وهم ل‬
‫ق للقرآن في‬
‫يعتبرون القرآن كتابا سماويا مقدسا ‪ ..‬هم وشأنهم ‪ ..‬لكن أل يح ّ‬
‫بلده أن يقّدس ‪ ..‬لقد منع فيلم العشاء الخير للمسيح في لندن ‪ ،‬وخرجت‬
‫المظاهرات تحطم دور السينما ‪ ،‬التي تعرضه في باريس ‪...‬‬
‫لماذا لجأ بعض مثقفينا ) المدافعين عن وزارة الثقافة ( إلى هذا الشهجوم‬
‫الضاري ؟ …‬
‫‪509‬‬
‫لماذا اعتبرتم فاروق حسني فرعونكم ‪َ ،‬فُرحتم كالكهنة القدامى ‪ ،‬تدعون لعبادته‬
‫من دون ال ؟ …‬
‫وأقول لكم على الرغم مني يا ناس ‪ ،‬أنهم حققوا بعض النجاح في خطتهم ‪ ..‬فقد‬
‫وعدتكم في السبوع الماضي ‪ ،‬أن أتناول اليوم كتابا من كتب وزارة الثقافة ‪،‬‬
‫تدعو فيه كاتبته ‪ ،‬إلى تعديل القرآن ‪ ،‬كي يتوافق مع النظام العالمي الجديد ‪،‬‬
‫ومواثيق حقوق النسان …‬
‫وأن هؤلء الناس ‪ ،‬ينظرون إلى السلم وإلينا ‪ ،‬كما ينظر مبدعهم حيدر حيدر‬
‫‪ ،‬الذي يقول في صفحة ‪ ، 510‬من كتابه الملعون ‪:‬‬
‫"ضحك الرجل وهو يرمم جثة البدوي فيه ‪ :‬لكنني ملحد كما تعرفين ‪ ..‬الشرف‬
‫والبكاة ) لعله يقصد البكارة( ‪ ،‬وأخلق المسلمين في مؤخرتي ‪ ،‬من عشرات‬
‫العوام " ‪.‬‬
‫ل تعترضوا يا قراء ‪ ..‬فنقادنا الجهابذة ‪ ،‬يرون أن هذا الكلم السافل البذيء‬
‫إبداعا ‪..‬‬
‫" في تلك الليلة تحدث عن تحطيم الوثان ‪ ،‬التي أقامها الباء والجداد ‪،‬‬
‫وضرورة النفصال عن الدين وال ‪ ،‬والخلق والتقاليد ‪ ،‬والزمنة الموحلة‬
‫والجنة والجحيم الخرافيين ‪ ،‬وطاعة أولى المر والوالدين ‪ ،‬والزواج المبارك‬
‫بالشرع ‪ ،‬وسائر الكاذيب والطقوس ‪ ،‬التي رسمتها دهور الكذب " ‪.‬‬

‫‪510‬‬
‫بيان مجمع البحوث السلمية‬
‫بيان الزهر‬
‫الزهر ‪ /‬مكتب المام الكبر ‪ /‬شيخ الزهر ‪ ،‬بيان مجمع البحوث السلمية‬
‫بشأن ‪ ،‬رواية ) وليمة لعشاب البحر ( لمؤلفها السيد حيدر حيدر ‪ .‬طبع ونشر‬
‫الشهيئة العامة لقصور الثقافة ‪ ،‬التابعة لوزارة الثقافة بالقاهرة ‪.‬‬
‫تم عرض موضوع الرواية المشار إليها ‪ ،‬على لجنة البحوث الفقهية ‪ ،‬فكّلفت‬
‫اثنين من أعضائها المتخصصين ‪ ،‬بكتابة تقريرين منفصلين عن الرواية ‪،‬‬
‫حّدد لها يوم الربعاء‬ ‫لعرضها في جلسة استثنائية ‪ ،‬لمجمع البحوث السلمية ‪ُ ،‬‬
‫‪ 17‬مايو سنة ‪ ، 2000‬وقد تم عرض هذين التقريرين والرواية ‪ ،‬على المجمع‬
‫في جلسته الستثنائية ‪ ،‬وتبين ما يأتي ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬أن وزارة الثقافة التي نشرت هذه الرواية ‪ ،‬لم تستطلع رأي الزهر‬
‫الشريف ‪ ،‬أو مجمع البحوث السلمية ‪ ،‬مع ما ورد فيها من أمور كثيرة ‪،‬‬
‫تتصل بالسلم والعقيدة والشريعة ‪ ،‬وذلك على خلف ‪ ،‬ما يقضى به القانون‬
‫‪ 103‬لسنة ‪… 1961‬‬
‫ثانيا‪ :‬إن الرواية مليئة باللفاظ والعبارات ‪ ،‬التي تحّقر وتهين جميع المقدسات‬
‫الدينية ‪ ،‬بما في ذلك ‪ ،‬ذات ال سبحانه وتعالى ‪ ،‬والرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫‪ ،‬والقرآن الكريم ‪ ،‬واليوم الخر ‪ ،‬والقيم الدينية ‪.‬‬
‫ومن ذلك أنها تستهزئ بذات ال ‪ ،‬مثل وصفه بأنه فنان فاشل ) ص ‪، ( 219 :‬‬
‫وأنه نسي بعض مخلوقاته ‪ ،‬من تراكم مشاغله التي ل تحد ‪ ،‬في بلد العرب‬
‫وحدها ) ص ‪ ، ( 257 :‬وأنه أقام مملكته الوهمية في فراغ السماوات ‪ ،‬ليدخل‬
‫في خلود ذاته بذاته ) ص ‪. ( 426 :‬‬
‫كما يفتري على الرسول عليه الصلة والسلم ‪ ،‬بأنه تزوج أكثر من عشرين‬
‫امرأة ‪ ،‬ما بين شرعية ‪ ،‬وخليلة ‪ ،‬ومتعة ) ص ‪ ، ( 148 :‬وأنه كان يتزوج من‬
‫عذارى القبائل بغية توحيدها ) ص ‪. ( 427 ، 426 :‬‬
‫وأنه حّرف في آيات القرآن الكريم ‪ ،‬ونسب إليه ‪ ،‬ما ليس منه ‪ ،‬كقوله " وال‬
‫تعالى قال في كتابه العزيز‪ " :‬إذا بليتم بالمعاصي فاستتروا ( " ) ص ‪:‬‬
‫‪ ، ( 148‬كما أن الرواية تحّرض صراحة ‪ ،‬على الخروج على الشريعة‬
‫السلمية ‪ ،‬وعدم التمسك بأحكامها ‪ ،‬وذلك بالدعوة إلى ضرورة النفصال ‪،‬‬
‫‪511‬‬
‫عن الدين وال والخلق والتقاليد والزمنة الموحلة ‪ ،‬والجنة والجحيم‬
‫الخرافيين ‪ ،‬وطاعة أولى المر والوالدين ‪ ،‬والزواج المبارك بالشرع ‪ ،‬وسائر‬
‫الكاذيب والطقوس ‪ ،‬التي رسمتها دهور الكذب ) ص ‪. ( 348 :‬‬
‫ثالثا ‪ :‬إن الرواية خرجت على الداب العامة ‪ ،‬خروجا فاضحا ‪ ،‬وذلك بالدعوة‬
‫إلى الجنس غير المشروع ‪ ،‬واستعمال اللفاظ في الوقاع ‪ ،‬وأعضائه الجنسية‬
‫للذكر والنثى ‪ ،‬بل حياء مما يعف اللسان عن ذكرها ‪ ،‬وكتابة نصها حفظا‬
‫على الحياء العام ‪ ،‬الذي انتهكته الرواية ‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬إن الرواية لم تكتف بذلك ‪ ،‬بل حّرضت صراحة ‪ ،‬على إهانة جميع‬
‫الحكام العرب ‪ ،‬ووصفتهم بأقبح وأقذع الوصاف ‪ ،‬مما يعف المقام عن ذكرها‬
‫‪ ،‬وطالبت بالخروج عليهم ‪ ،‬والثورة ولو بإراقة الدماء ‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬اتضح لمجمع البحوث السلمية ‪ ،‬من كل ما سبق ‪ ،‬أن ما ورد برواية‬
‫" وليمة لعشاب البحر" ‪ ،‬لمؤلفها حيدر حيدر ‪ ،‬خروج عما هو معلوم من‬
‫الدين بالضرورة ‪ ،‬وينتهك المقدسات الدينية والشرائع السماوية ‪ ،‬والداب‬
‫العامة ‪ ،‬والقيم القومية ‪ ،‬ويثير الفتن ‪ ،‬ويزعزع تماسك وحدة المة ‪ ،‬التي هي‬
‫الركيزة الساسية لبناء الدولة ‪ ،‬ويضع على عاتق من نشروا هذه الرواية ‪،‬‬
‫دون استطلع رأي أهل الختصاص ‪ ،‬المسؤولية الكاملة ‪ ،‬عن هذا التجاوز‬
‫ضح تفصيل ‪،‬‬ ‫والثار المترتبة عليه دينيا واجتماعيا ‪ ،‬وذلك على النحو المو ّ‬
‫ي مجمع البحوث السلمية المشار إليهما ‪.‬‬ ‫بالتقريرين المقدمين ‪ ،‬من عضو ّ‬
‫وال ولى التوفيق ‪ ..‬تحريرا في ‪ 13‬من صفر سنة ‪ 1421‬هش ‪ ..‬الموافق ‪ 17‬من‬
‫مايو سنة ‪ 2000‬م ‪ ،‬شيخ الزهر ‪ :‬الدكتور محمد سيد طنطاوي‬
‫تقرير عن رواية ) وليمة لعشاب البحر (‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال وكونوا مع الصادقين‬
‫المؤلف ‪ :‬حيدر حيدر ‪ ،‬طبع ونشر الشهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة ‪.‬‬
‫تقع في ) ‪ ( 690‬صفحة ‪ ،‬من القطع المتوسط ‪ ،‬وهى القصة الخامسة والثلثون‬
‫‪ ،‬في سلسلة آفاق الكتابة ‪ ،‬وسعر البيع ‪ 4‬جنيهات ‪ ،‬بتكليف من لجنة البحوث‬
‫الفقهية بالمجمع ‪ ،‬في جلسة الربعاء ‪ ، 10/5/2000‬قرأت هذه الرواية ‪ ،‬قراءة‬
‫محايدة في خمس وعشرين ساعة ‪ ،‬وقد وجدت فيها ما يأتي ‪-:‬‬
‫‪512‬‬
‫أول ‪ :‬الدعوة إلى الشيوعية والكفاح المسلح والستيلء على السلطة بالعنف‬
‫والدماء ‪ :‬ويورد صاحب التقرير ‪ 12‬موضعا من الرواية للدللة ( ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬الستهزاء بثوابت العقيدة السلمية وإهانتها ‪ ) ،‬ل ‪ ،‬والرسول ‪،‬‬
‫والقرآن ‪ ،‬واليوم الخر ( ‪ ) :‬ويورد صاحب التقرير ‪ 19‬موضعا في الرواية‬
‫للدللة ( ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬إهانة حكام العرب ‪ ،‬ووصفهم بأقذع وأقبح الوصاف ‪ ) :‬ويورد صاحب‬
‫التقرير ‪ 3‬مواضع في الرواية للدللة ( ‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬عبارات فاضحة في الجنس ‪ ،‬ومنافية للداب العامة ‪ ) :‬ويورد صاحب‬
‫التقرير ‪ 14‬موضعا في الرواية للدللة ( ‪.‬‬
‫‪ .1‬وبعد ‪ :‬فإنه من غير المعقول ‪ ،‬أن تقوم وزارة مسؤولة ‪ ،‬في نظام حكم‬
‫لبلد مسلم ‪ ،‬بطبع ونشر هذه الرواية ) وليمة لعشاب البحر ( ‪ ،‬وأن تدعمها‬
‫ماليا ‪ ،‬لُتّيسر قراءتها للجميع ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬غير معقول أن تقوم هيئة مسؤولة ‪ ،‬في نظام الدولة ‪ ،‬بطبع ونشر‬
‫وتدعيم مثل هذه الرواية ‪ .‬ولعلها ل تدرى ما فيها ‪ ،‬وأن الذين اختاروها خدعوا‬
‫رئاستهم ‪ ،‬ولكن الشاعر يقول ‪ :‬إن كنت ل تدري فتلك مصيبة ‪ ..‬وإن كنت‬
‫تدري فالمصيبة أعظم ‪.‬‬
‫ولو أن أحدا ‪ ،‬أدخل هذه الرواية خلسة ‪ ،‬وضبطت عنده لحاكمته الدولة ‪ ،‬على‬
‫جلب هذه المفاسد ‪ ،‬التي تصيب وحدة هذه المة ‪ ،‬وتدعو إلى الفتنة والحرب‬
‫والدم بين أبنائها ‪ ...‬فهل صرنا في زمن اللمعقول !! نرجو أل يكون ‪.‬‬
‫أ‪.‬د‪ .‬عبد الرحمن العدوي ‪ :‬عضو مجمع البحوث السلمية‬
‫تقرير عن رواية ) وليمة لعشاب البحر (‬
‫بقلم ‪ :‬الدكتور محمد رأفت عثمان ‪ /‬عميد كلية الشريعة والقانون بالقاهرة ‪/‬‬
‫عضو مجمع البحوث السلمية‬
‫الرواية ‪ :‬من تأليف حيدر حيدر كاتب سوري ‪ ،‬طبع ونشر الشهيئة العامة‬
‫لقصور الثقافة بمصر ‪ ،‬سنة ‪ ، 1999‬وهي مكونة من ‪ 690‬صفحة ‪ ،‬عدا‬
‫الفهرست ‪ ،‬من القطع المتوسط ‪.‬‬

‫‪513‬‬
‫والنطباع العام عن هذه الرواية ‪ ،‬أنها مكتوبة بأسلوب ركيك ‪ ،‬غامض في‬
‫كثير من صفحاتها ‪ ،‬ل فكر فيها ‪ ،‬ول تنبئ عن ملكة فنية عند كتابتها ‪ ،‬مليئة‬
‫بالعبارات الفاحشة الخادشة للحياء ‪ ،‬والتي تحّقر وتهين المقدسات الدينية ‪ ،‬ما‬
‫بين الستهزاء بذات ال تبارك وتعالى ‪ ،‬والسخرية بأحكام شريعة السلم ‪،‬‬
‫وإهانة القرآن الكريم ‪ ،‬ويتبين ذلك مما يأتي ‪:‬‬
‫) ويورد صاحب التقرير ‪ 32‬موضعا في الرواية للدللة ( ‪.‬‬
‫ويستطرد قائل ‪ :‬وبعد ‪ ،‬فهذا قليل من كثير ‪ُ ،‬ملئت به هذه الرواية المنحطة ‪،‬‬
‫في التعبير والفكر والفن ‪ ،‬وأرى مصادرتها ‪ ،‬ومحاكمة مؤلفها ‪ ،‬وكل الذين‬
‫ساعدوه على نشرها ‪ ،‬بل أرى كفر مؤلفها ‪ ،‬لذكره العبارات الساخرة ‪ ،‬بذات‬
‫ال تبارك وتعالى ‪ ،‬وبرسوله ‪ ،‬وبالقرآن ‪ ،‬وبالسلم كله ‪.‬‬
‫وإذا كان بعض المدافعين عن هذا النوع ‪ ،‬من الكتابة الساقطة ‪ ،‬يقولون أنه‬
‫يحكي ذلك ‪ ،‬على لسان أبطال روايته ‪ ،‬فالرد ‪:‬‬
‫أول‪ :‬أن بعض العبارات ‪ ،‬التي تؤدي إلى السخرية ‪ ،‬من ال عز وجل ‪ ،‬ومن‬
‫رسوله ‪ ،‬ومن القرآن ‪ ،‬والسلم ‪ ،‬جاءت على لسان الكاتب نفسه ‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬العبارات التي قالشها المؤلف ‪ ،‬على لسان أشخاص روايته ‪ ،‬التي تؤدي‬
‫إلى كفر قائلها ‪ ،‬تؤدي أيضا إلى كفر المؤلف ‪ ،‬وذلك لن ذكر الكفريات ‪،‬‬
‫سواء أكانت أقوال أم أفعال ‪ ،‬إما أن تكون على سبيل الحكاية ‪ ،‬عن إنسان‬
‫قالشها ‪ ،‬أو صدرت منه فعل ‪ ،‬أو تكون على سبيل التخيل والختراع ‪ ،‬لقول أو‬
‫فعل ‪ ،‬لم يحدث في الواقع ‪.‬‬
‫فإن كان ذكر الكفريات حكاية عن إنسان قالشها ‪ ،‬أو صدرت منه فهذا جائز ‪،‬‬
‫فيما يأتي ‪:‬‬
‫أول‪ :‬إذا كان ذكر هذا ‪ ،‬في مقام بيان قبح ‪ ،‬هذا القول أو الفعل ‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬إذا ذكر هذا ‪ ،‬في مقام بيان حكمة ‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬إذا ذكر هذا ‪ ،‬في مقام بيان الرد عليه ‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬إذا ذكر هذا ‪ ،‬في مقام الشهادة ‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬إذا ذكر هذا ‪ ،‬في مقام بيان آراء الفرق والمذاهب ‪.‬‬

‫‪514‬‬
‫وإما إن كانت الكفريات ‪ ،‬قد عبر بها المؤلف ‪ ،‬على سبيل التخيل ‪ ،‬ولم ينطق‬
‫بها صاحبها ‪ ،‬أو يفعلها في الواقع ‪ ،‬وإنما هو فقط على لسان المؤلف ‪ ،‬فهذا‬
‫محّرم ‪ ،‬بل ويصل في رأيي إلى درجة الكفر ‪ ،‬بدليل أنه ل يجوز ‪ ،‬لمؤلف‬
‫رواية أو قصة مثل ‪ ،‬أن يتخيل إنسانا معينا حقيقيا ‪ ،‬موجود على قيد الحياة ‪،‬‬
‫أو توفاه ال ‪ ،‬في موقف مهين ‪ ،‬ويكتب عنه في الرواية أو القصة ‪ ،‬أنه كان‬
‫يزني مثل ‪ ،‬ويجري حوارا بينه ‪ ،‬وبين من يتخيل أنه يزنى بها ‪ ،‬فإن هذا يعد‬
‫جريمة قذف ‪ ،‬في الشريعة والقانون ‪ ،‬مع أنه أجراه في قالب روائي ‪.‬‬
‫ول يشفع له أنه يتخيل ذلك ‪ ،‬وليس على سبيل الحقيقة والواقع ‪ ،‬فإذا كان هذا ل‬
‫يجوز بالنسبة للنسان ‪ ،‬فهل من المعقول أو المقبول ‪ ،‬أن يكون ذلك جائزا‬
‫بالنسبة إلى ربنا تبارك وتعالى ؟! فأي عبارة تكتب تخيل ‪ ،‬ولو على لسان‬
‫شخصية وهمية ‪ ،‬من شخصيات الروايات أو القصص ‪ ،‬أو غير ذلك ‪ ،‬يصدر‬
‫عنها عبارة أو فعل ‪ ،‬فيه سخرية بال عز وجل ‪ ،‬أو برسوله صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬أو بالقرآن ‪ ،‬أو بأحكام السلم ‪ ،‬تؤدي إلى كفر مؤلفها ‪ ،‬وقد وجدنا‬
‫علماءنا رضى ال عنهم ‪ ،‬قد بينوا أنه ‪ ،‬إذا قال شخص عن عدوه ‪ " :‬لو كان‬
‫ربى ما عبدته " فإنه يكفر ‪ ،‬وكذا لو قال ‪ " :‬لو كان نبيا ما آمنت به " ‪ ،‬مع أن‬
‫هذه العبارة ‪ ،‬هي فرض لما قد يحدث ‪.‬‬
‫إن البداع في الكتابة ‪ ،‬ل يكون بالسخرية من ذات ال عز وجل ‪ ،‬أو بإهانة‬
‫المقدسات ‪ ،‬وإنما البداع تعبير سام راق ‪ ،‬عن فكر محترم دينيا ‪ ،‬يتفق وتقاليد‬
‫المجتمع وثقافته ومثله العليا ‪ ،‬وأما غير ذلك ‪ ،‬مما يريدوننا أن نوافقهم عليه ‪،‬‬
‫فهو ليس إبداعا ‪ ،‬ول ينتمي إلى الدب ‪ ،‬بل أحرى أن يوصف بقلة الدب ‪ ،‬بل‬
‫بانعدام الدب ‪.‬‬
‫القرضاوي يطالب مبارك بالتدخل لوقف الموجة الثقافية الفاجرة‬
‫ناشد فضيلة العلمة د‪ .‬يوسف القرضاوي ‪ ،‬الرئيس المصري حسني مبارك ‪،‬‬
‫أن يتدخل لوقف الموجة الثقافية الفاجرة ‪ -‬حسب وصفه‪ -‬عند حّدها ‪ ،‬وشّدد‬
‫فضيلته على أهمية الحرص ‪ ،‬على وحدة المة ‪ ،‬كما حّيا ششيخ الزهر ‪،‬‬
‫والزهر ‪ ،‬ورئيس جامعة الزهر ‪ ،‬والطلب والطالبات ‪ ،‬الذين وقفوا موقفا‬
‫موحدا ‪ ،‬ضد رواية الكاتب السوري ‪ ،‬وليمة لعشاب البحر ‪ ،‬التي طبعتها‬
‫وزارة الثقافة المصرية ‪ ،‬وتسببت في حالة الشهياج التي شهدها الشارع‬
‫المصري مؤخرًا ‪ ،‬واعتبر د‪ .‬القرضاوي في خطبة الجمعة أمس ‪ ،‬أن الرواية‬
‫‪515‬‬
‫تدخل في باب الكفر ‪ ،‬مستندًا في ذلك على بيان الزهر الشريف ‪ ،‬ورأي‬
‫فضيلته أن هذا العمل كفر ‪ ،‬بغض النظر عن الشخاص ‪ ،‬واعتبر من قالشه ‪،‬‬
‫ورضي به كششافرا ‪.‬‬
‫" ُكّل ما في وليمة لعشاب البحر ُمنكر "‬
‫العلمشة القشرضشاوي في خطبة الجمعة ) ‪ 15‬صفر ‪( 19/5/2000 – 1420‬‬
‫أنا وأنتم وشيخ جامع الزهر ‪ ،‬ومجمع البحوث السلمية ‪ ،‬ورئيس جامعة‬
‫الزهر ‪ ،‬وخطباء المساجد في العالم ظلميون ‪ ،‬ووزير الثقافة المصري وحده‬
‫يحمل النور !!!!!‬
‫ااا ‪:‬‬
‫ااااا اااااا ا اااا ا‪ .‬ااا ااا اا‬
‫ن فضيلة العلمة د‪ .‬يوسف القرضاوي ‪ ،‬هجوما شديدا على وزارة الثقافة‬ ‫شّ‬
‫المصرية ‪ ،‬على ما نشرته من رواية "وليمة لعشاب البحر" لكاتب سوري ‪،‬‬
‫واستنكر ما بها ‪ ،‬من منكر وتحقير وإهانة الذات اللشهية ‪ ،‬والقرآن والرسول‬
‫والقيم الدينية ‪ ،‬وتحريضها على الخروج على الشريعة السلمية ‪ ،‬وطالب‬
‫فضيلته المسؤول الول في مصر ‪ ،‬الرئيس حسني مبارك ‪ ،‬وناداه أن يوقف‬
‫هذه الموجة الثقافية الفاجرة عند حدها ‪ ،‬وأن يعيد الثقافة عند حقيقتها ‪ ،‬فل‬
‫يجوز أن نقسم المة ‪ ،‬بين الثقافة الغربية المستغربة الصادة عن سبيل ال ‪،‬‬
‫والسائرة في ركاب الشيطان ‪ ،‬والثقافة التي مع القيم الدينية ‪ ،‬مع ال ورسله‬
‫وكتابه ومع الربانيين ‪ ،‬وشّدد فضيلته على أهمية وحدة المة ‪ ،‬خاصة في هذا‬
‫الزمان التعيس – حسب وصفه – الذي استغلته إسرائيل ‪ ،‬وبغت فيه وطغت ‪،‬‬
‫فينبغي أن نضم صفوف المة بعضها إلى بعضها ‪.‬‬
‫ل ‪ :‬الكلمة الن للرئيس مبارك ‪ ،‬الذي أسأل ال‬ ‫ثّم تابع الدكتور القرضاوي ‪ ،‬قائ ً‬
‫أن يهديه سواء السبيل ‪ ،‬وأن يوّفقه لموقف الحق ‪ ،‬الذي ل يخاف في ال لومة‬
‫لئم ‪.‬‬
‫كما حيا د‪ .‬القرضاوي الزهر وشيخ الزهر ‪ ،‬ورغم اختلفه معه في قضية‬
‫الربا وغيرها ‪ ،‬وحّيا جامعة الزهر ‪ ،‬ورئيسها وطلب الزهر وطالباته ‪،‬‬
‫وجريدة الشعب والكاتب السلمي د‪ .‬محمد عباس ‪ ،‬الذي صرخ في المة قائلً‬
‫‪" :‬ل إلشه إل ال ‪ :‬من يبايعني علي الموت" ‪ .‬قال ‪ :‬غضب الرجل لدينه ‪،‬‬
‫لربه ‪ ،‬وربما في غمرة هذا الغضب ‪ ،‬خرجت منه بعض اللفاظ ‪ ،‬في بعض‬
‫‪516‬‬
‫الناس ‪ ،‬لكن النسان في حالة غضبه ‪ ،‬يقول ما قد ل يحمد في بعض الحالت ‪،‬‬
‫كما حيا الشاعر الكبير فاروق جويده ‪ ،‬في صحيفة الهرام ‪ ،‬والمثقفين الشرفاء‬
‫الذين وقفوا ضد هذا الباطل ‪ ،‬وهذا الفجور الدبي ‪ ،‬الذين يحترمون عقائد‬
‫المة ومقدساتها ‪ ،‬أقف مع كل هؤلء أشد أزرهم ‪ ،‬وأصلب ظهرهم ‪ ،‬بكل‬
‫قوتي ‪ ،‬وأقول الحق ‪ ،‬ل أخاف في ال لومة لئم ‪.‬‬
‫وكان فضيلته قد بدأ خطبته ‪ ،‬متحدثا عن انشغال المة بهّم جديد ‪ ،‬أضيف إلى‬
‫همومها ‪ ،‬هو الشهم الثقافي ‪ ،‬الذي بدأ بنششر وزارة الثقافة المصرية ‪ ،‬لرواية‬
‫تسمى وليمة لعشاب البحر – معبرًا عن استغرابه من العنوان – لكاتب‬
‫سوري مغمور ‪ ،‬أشهرته تلك الرواية شهرة كبيرة ‪ ،‬وقال ‪ :‬لم أشأ أن أتحدث‬
‫عن تلك الرواية ‪ ،‬حتى أراها و) الحكم على الشيء فرع عن تصوره ( ‪ ،‬كما‬
‫قال علماؤنا ‪ ،‬وقرأت ما يقارب نصفها ‪ ،‬أغالب نفسي ‪ ،‬فهي من أول صفحة ‪،‬‬
‫تقّزز نفس النسان المؤمن ‪ ،‬وهي رواية ‪ ،‬ل تعرف شيئا اسمه الحرام ‪ ،‬ول‬
‫العيب ‪ ،‬ول تعرف ال ‪ ،‬ول تقدره حق قدره ‪ ،‬ول عجب ‪ ،‬فقد كتبها إنسان‬
‫صشيري العقيدة ‪ ،‬ششيوعي الفكرة ‪.‬‬‫َن ِ‬
‫ثم ذكر فضيلته ‪ ،‬أن عقيدة النسان الدينية واليدلوجية ‪ ،‬تنضح على فكره ‪،‬‬
‫وعلى كتابته وعلى أسلوبه ‪ ،‬وكل إناء بالذي فيه ينضح ‪ ،‬وأضاف ‪ :‬لكني‬
‫سأتجاوز عن عقيدة الرجل الدينية واليدلوجية ‪ ،‬ونحاكم النص الذي كتبه ‪ :‬لم‬
‫أستطع أن أستمر في قراءة الرواية ‪ ،‬في أكثر من النصف‪ ،‬لقد بلغ الشمئزاز‬
‫مني مبلغه ‪ ،‬فاكتفيت بتصّفح الباقي ‪ ،‬وكلما تصّفحتها ‪ ،‬وجدت أشياء وأشياء‬
‫ينكرها الدين ‪ ،‬وينكرها الخلق ‪ ،‬والعقل والعراف ‪ ،‬كل ما فيها والعياذ بال‬
‫منكر ‪ ،‬فوجدت فيها أكثر مما انتقد عليها الناقدون ‪ ،‬في السطور وما بين‬
‫السطور ‪.‬‬
‫المؤلف يرسم شخصياته ‪:‬‬
‫وبدأ د‪ .‬القرضاوي ‪ ،‬يرد على أصحاب الرأي الخر ‪ ،‬الذين وقفوا مع الكاتب ‪،‬‬
‫فقال ‪ " :‬قالوا إن ما ذكره الكاتب جاء على ألسنة شخصيات الرواية " ‪ ،‬وأقول‬
‫نحن نعرف ‪ ،‬أن الرواية قصة يتخيلها الكاتب ‪ ،‬قد يكون لها أصل في الواقع ‪،‬‬
‫وقد ل يكون ‪ ،‬هو الذي يرسم صورتها ‪ ،‬مبدأها ونهايتها وعقدتها وحلها ‪ ،‬وهو‬
‫الذي ينشئ شخصياتها ‪ ،‬وُينطق هذه الشخصيات ‪ ،‬بما يريد أن تنطق به ‪ ،‬يعّبر‬
‫عن نفسه ‪ ،‬أو يعّبر عن هذه الشخاص ‪ ،‬ولو كان له فكرة معينة ‪ ،‬فهو يجريها‬
‫‪517‬‬
‫على لسان أحد الشخاص ‪ ،‬ويقوي هذه الفكرة ‪ ،‬ثم يأتي الرد عليها من الطرف‬
‫الخر ضعيفا ‪ ،‬أو ل يأتي رد عليها قط ‪ ،‬هذه حيلة نجدها عند القصاصين‬
‫والروائيين ‪.‬‬
‫وأضاف إذا كان من حق النسشان ‪ ،‬أل يعري جسده أمام الجمهور ‪ :‬فهل من‬
‫ي‬
‫عر ّ‬‫حقه أن ُيعري أدبه ‪ ،‬وفنه أمام الناس ؟ إن العري الذي في هذه الرواية ‪ُ ،‬‬
‫فضائحي بأهدافها وأسلوبها وكتابتها ‪ ،‬أشّد من العري الجسدي ‪ ،‬هل من حق‬
‫النسان المبدع ‪ ،‬أن يتجرأ على ال ‪ ،‬وعلى رسله ‪ ،‬وعلى كتبه ‪ ،‬وعلى اليوم‬
‫الخر ‪ ،‬وعلى القيم والدين والخلق‪ ،‬كما يفعل هذا الكاتب ؟ أيستطيع أن‬
‫يقول ذلك لرئيس دولته ‪ ،‬يتجرأ عليه ‪ ،‬ويقول كذا وكذا ‪ ،‬أم أن الدين وال‬
‫والكتب والرسل ‪ ،‬أصبحت الحائط الواطئ ‪ ،‬التي يتجرأ عليها كل الناس ‪.‬‬
‫ورجع بالذاكرة إلى ما مضى ‪ ،‬فقال‪ :‬لقد رأينا كثيرا من القصاصين الكبار ‪،‬‬
‫يذكرون النواحي الجنسية ‪ ،‬ويتحدثون عن الششواذ والجناة واللواطين وتجار‬
‫المخدرات ‪ ،‬لكنهم ل يذكرونها ‪ ،‬بمثل هذه اللفاظ المسفة العارية ‪ ،‬رأينا ذلك‬
‫في قصص محمود تيمور ‪ ،‬وتوفيق الحكيم ‪ ،‬ومحمد عبد الحليم عبد ال ‪،‬‬
‫والطيب صالح ونجيب الكيلني ‪ ،‬ويوسف السباعي وإحسان عبد القدوس ‪،‬‬
‫رغم أنهم ذكروا أشياء كثيرة ‪ ،‬تحدث في الفراش ‪ ،‬لكن لم يجرؤ أحدهم ‪ ،‬ولم‬
‫ينزل أحدهم إلى مثل هذا الدرك ‪.‬‬
‫واستمر د‪ .‬القرضاوي ‪ ،‬يرد ‪ :‬قالوا في أدبنا أشياء مكشوفة ‪ ،‬مثل ما قالشه امرؤ‬
‫القيس ‪ ،‬أو مثل ما ورد في خمريات أبي نواس ‪ ،‬أو في التغزل بالذكور ‪ ،‬وقال‬
‫‪ :‬بأن هذه الشياء في أدبنا ‪ ،‬ل تمثل التجاه العام ‪ ،‬وليس لها أثر في مجرى‬
‫الحياة ‪ ،‬وكانت أشياء خاصة يتداولها بعض الناس في مجالسهم ‪ ،‬أو يقرأها‬
‫بعض الناس في كتبهم ‪ ،‬وكانت هذه الكتب محدودة النتشار ‪.‬‬
‫وتناول مظاهرة شباب الزهر ‪ ،‬فقال ‪ :‬لقد عابوا على طالبات وطلب‬
‫الزهر ‪ ،‬أن غضبوا لهذا الدين ‪ :‬وهل يلم النسان ‪ ،‬إذا غضب لدينه ! وقال‬
‫ل ‪ :‬إذا مشيت في الشارع ‪ ،‬ومعك زوجتك أو ابنتك أو أختك ‪ ،‬ثم اجترأ‬ ‫مث ً‬
‫عليها أحد من أولئك الفاسقين ‪ ،‬فنبذها بكلمة نابية جارحة‪ :‬أل تغار لها ؟؟ أل‬
‫يثور الدم في عروقك ؟؟ أل تقف له بالمرصاد ؟؟ هذا ما يفعله النسان الحر ‪،‬‬
‫فالشريف ل يقبل أن يهان في عرضه ‪.‬‬

‫‪518‬‬
‫أكان الدين أهون على النسان من العرض ‪ ،‬أكان ال وقرآنه ونبيه محمد ‪،‬‬
‫أهون لدى النسان المسلم ‪ ،‬من الغيرة على ابنته وامرأته وأخته ؟‬
‫وقّرر ‪ :‬لقد كان طلبة الزهر وطلبه معذورين ‪ ،‬حينما سمعوا ما سمعوا ‪،‬‬
‫وقرؤوا ما قرؤوا ‪.‬‬
‫قالوا‪ " :‬إن طلبة الزهر لم يقرؤوا الرواية " ‪.‬‬
‫ورد ‪ :‬وهل يجب أن يقرأ جميع طلب الزهر وطالباته ‪ ،‬هذه القصة حتى‬
‫يغضبوا من أجلها ‪ ،‬لقد رأينا في صحيفة الهرام ‪ ،‬كاتبا يّدعي أنه تقدمي ‪،‬‬
‫يدافع عن الرواية ‪ ،‬وفي نفس الوقت يقول ‪ :‬أنا لم اقرأها ‪.‬‬
‫وزير الثقافة يدافع عن الخط التنويري ‪:‬‬
‫ورد فضيلة الدكتور القرضاوي ‪ ،‬على وزير الثقافة المصري ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫لقد قال وزير الثقافة ‪ :‬إننا منذ بضع عشرة سنة ‪ ،‬ونحن ننشر هذه الثقافة‬
‫المستنيرة ‪ ،‬لنقاوم بها ثقافة الظلميين الرجعيين ‪ ،‬وارتفع صوت د‪ .‬القرضاوي‬
‫يرد عليه ‪ :‬أنا وأنت وانتم أيها الخوة ظلميون ! كل من يتمسك بكتاب ال‬
‫وسنة رسوله ‪ ،‬وفهم القرون الولى لهذه المة خير القرون ‪ ،‬كل هؤلء‬
‫ظلميون ‍! أنا وأنت ظلمي ‪ ..‬الزهر ظلمي ‪..‬شيخ الزهر ظلمي ‪ ..‬مجمع‬
‫البحوث ظلمي ‪ ..‬ورئيس جامعة الزهر ‪ ..‬واللجنة الدينية في مجلس‬
‫الشعب ‪ ..‬وحزب العمل ‪ ،‬جريدة الشعب ‪ ،‬الجمعيات السلمية في مصر ‪،‬‬
‫وخطباء المساجد كلها ظلمي ‪ .‬هم إذن أهل النور … !! وزير الثقافة وحده ‪،‬‬
‫هو الذي يحمل النور … ! والثقافة المستنيرة … !! وهي هنا الثقافة التي‬
‫َتسشخر بالدين ‪ ،‬وتستهين بالقيم الدينية ‪ ،‬ومن ال ومن رسله ومن كتب ال ‪،‬‬
‫وقد سكت الناس ‪ ،‬على قصص وكتب وروايات دهر من الزمن ‪ ،‬ثم كان لبد‬
‫ضب ‪ ،‬ولم يغضب فهو حمار " ‪.‬‬ ‫أن يحدث النفجار ‪ " :‬ومن اسُتغ ِ‬
‫ل بأس بالمظاهرات ‪:‬‬
‫وأضاف ‪ :‬أنا ل أرى في تظاهرات الطلب شيئا منكرا ‪ ،‬إذا كان تظاهرا سلميا‬
‫‪ ،‬يجب أن نعّود أمتنا ‪ ،‬ما تعّودته أمم الحضارة من التظاهر السلمي ‪ ،‬وقد كنا‬
‫طلبا ‪ ،‬في المعاهد الدينية البتدائية والثانوية في كليات الزهشر ‪ ،‬وكنا نخرج‬
‫نحتج على كل أمر يخالف الدين ‪ ،‬كل أمر يهتم به المسلمون ‪ :‬خرجنا من أجل‬
‫‪519‬‬
‫فلسطين ‪ ،‬وتونس والجزائر ومراكش وسوريا ولبنان وكشمير ‪ ،‬الطلب هم‬
‫نبض المة ‪ ،‬ل يستطيعون العيش بعيدا عنها ‪ ،‬كل ما نمنعه هو التخريب ‪ ،‬أما‬
‫التظاهر السلمي ‪ ،‬فل مانع منه ) واستشهد في ذلك بتظاهرات سياتل ( ‪.‬‬
‫وتابع ‪ :‬إن من حق الناس أن تغضب لدينها ‪ ،‬ومن حق أبناء الشارع ‪،‬‬
‫خصوصا الطلبة في الجامعات ‪ ،‬فُهم أوعى الناس بهذه القضايا ‪ ،‬فهم الذين‬
‫يحملون الروح الثورية ‪ ،‬ويتأججون من داخلهم ‪ ،‬فمن حقهم أن يقولوا ‪ :‬ل ‪،‬‬
‫دون أن يدخلوا في تخريب ‪ ،‬أن يستغلوا من الخرين ‪.‬‬
‫وعلل عدم التغاضي عن الرواية ‪ ،‬بأنها نشرت من قبل مؤسسة ‪ ،‬من مؤسسات‬
‫الدولة ‪ ،‬ووزارة تطبع طبعة شعبية ‪ 690‬صفحة ‪ ،‬بأربعة جنيهات ‪ .‬ولو كان‬
‫المؤلف ‪ ،‬نشرها على نفقته ‪ ،‬أو على نفقة دار نشر خاصة ‪ ،‬فلها من المر ‪،‬‬
‫وكان يمكننا أن نسكت ‪ ،‬ويحكم في ذلك القارئ ‪.‬‬
‫وقال ‪ :‬كنت أتمنى أل أتحدث عن هذه الشياء ‪ ،‬حتى ل أجعلها تشتهر ‪ ،‬فكم‬
‫كنت أتمنى أل يقف المسلمون ‪ ،‬من رواية سلمان رشدي ‪ ،‬ذاك الموقف ‪ ،‬الذي‬
‫شهرها في الفاق ‪ .‬ثم قال ‪ :‬ل يجوز لوزارة تحترم نفسها ‪ ،‬وتعمل من أجل‬
‫الشعب ‪ ،‬أن تنشر أشياء ضد قيم الشعب ‪ ،‬وعقائد الشعب ومقدساته ‪ ،‬ومن هنا‬
‫كانت غضبة ‪ ،‬كل المثقفين المسلمين ‪ ،‬إل طائفة معينة للسف ‪ ،‬إما لنها‬
‫جهلت دينها وتراثها ‪ ،‬أن باعت نفسها ‪ ،‬لما تنتفع به ‪ ،‬من وراء هذه الوزارة ‪،‬‬
‫وإني أعجب كل العجب ‪ ،‬لبعض اللجان التي تشّكلها الوزارة ‪ ،‬تدافع عن هذه‬
‫الرواية الساقطة ‪ ،‬في مضمونها وأساليبها ‪.‬‬
‫السمة العاّمة في الرواية ‪:‬‬
‫ن ‪ :‬الشرب والخمر من أول الرواية حتى آخرها ‪،‬‬ ‫وعاد إلى الرواية فذكر أ ّ‬
‫فحين تزوج الرجل العراقي بفتاته الجزائرية احتفلوا بشرب الكونياك ‪ ..‬هذه‬
‫هي السمة العامة في الرواية ‪ :‬ليس منها خشية ل ‪ ،‬ول توقيرا له ‪ ،‬ول اعتبارا‬
‫لحسابه ‪ ،‬ول ليوم الجزاء ول الجنة والنار ‪ ،‬بل هي تسخر من هذا كله ‪..‬‬
‫ل‪:‬‬
‫واستشهد ببعض العبارات من الرواية ‪ ،‬منها مث ً‬
‫ما قالشه الرجل ‪ ،‬الذي قال للمرأة العاهرة ‪ ،‬التي كان يصف جسدها وصفا‬
‫ن الذي يقف بيني وبينك ‪ ،‬هو أنفك هذا ‪ ،‬قالت ‪ :‬له مشاذا أفعل ؟‬ ‫مكشوفا ‪ " ،‬إ ّ‬
‫هذا خلقة ربي ! قال لها ‪ :‬رّبك إذن فنان فاشل " ‪.‬‬
‫‪520‬‬
‫أي أنّ ربك ل يحسن التصوير !! ورد القرضاوي عليهم ‪ :‬إن ال تعالى‬
‫ن ِفي‬ ‫سا َ‬‫خَلْقَنا اِْلنْ َ‬‫صَوَرُكْم )‪ 64‬غافر ( … ) َلَقْد َ‬ ‫ن ُ‬ ‫سَ‬‫ح َ‬ ‫صّوَرُكْم َفَأ ْ‬‫يقول ‪َ ) :‬و َ‬
‫ن َتْقِويٍم )‪ 4‬التين ( ‪.‬‬ ‫سِ‬ ‫ح َ‬‫َأ ْ‬
‫وتابع ‪ :‬لقد قالت اللجنة ‪ ،‬التي شّكلها وزير الثقافة ‪ ،‬أنه قال ذلك في مقام‬
‫الدعابة والمزاح ‪ ،‬ورّد ‪ :‬يا عجبًا ‪ ،‬هل هنا مقام دعابة ومزاح ؟! الحديث عن‬
‫ن ِإّنَما‬
‫سَأْلَتُهْم لََيُقوُل ّ‬
‫ن َ‬ ‫ال جل جللشه ‪ ،‬يدخل فيه المزاح ؟! يقول تعالى ‪َ ) :‬وَلِئ ْ‬
‫ن )‪َ (65‬ل َتْعَتِذُروا‬ ‫سَتْهِزُئو َ‬ ‫سوِلِه ُكْنُتْم َت ْ‬
‫ل َوَءاَياِتِه َوَر ُ‬
‫ب ُقْل َأِبا ِّ‬‫ض َوَنْلَع ُ‬
‫خو ُ‬ ‫ُكّنا نَ ُ‬
‫َقْد َكَفْرُتْم َبْعَد ِإيَماِنُكْم … )‪ 66‬التوبة ( ‪ .‬وهذا في أمثال هؤلء ‪.‬‬
‫ل‪:‬‬ ‫ل آخر ‪ ،‬مما ورد في الرواية ‪ :‬إنه يتحدث في روايته ‪ ،‬قائ ً‬ ‫وأضاف مثا ً‬
‫" وهؤلء الناس ‪ ،‬يهّمشون التاريخ ‪ ،‬ويعيدونه مليون عام إلى الوراء ‪ ،‬في‬
‫عصر الذرة والفضاء والعقل المتفجر ‪ ،‬يحكموننا بقوانين آلشهة البدو ‪ ،‬وتعاليم‬
‫القرآن ‪ . .‬خشراء " ‪.‬‬
‫هكذا يذكر الكلمة خشراء !! وأنا أقولها مضطرًا ‪ .‬وتترّدد كلمة آلشهة كثيرا في‬
‫كلمه ‪ ،‬فهو ل يؤمن بإلشه واحد ‪ ،‬بل آلشهة ‪.‬‬
‫* بعد انتهاء الخطبة ‪ ،‬اتصلنا بفضيلة العلمة د‪ .‬يوسف القرضاوي ‪ ،‬وسألناه‬
‫عن مدى دخول هذا العمل الروائي ‪ ،‬في باب الكفر فأجاب ‪:‬‬
‫" إن بيان مجمع البحوث السلمية ‪ ،‬بالزهر الشريف ‪ ،‬يدل على أن هذا من‬
‫الكفر ‪ ،‬لنه خروج على ما هو معلوم من الدين بالضرورة ‪ ،‬وانتهاك‬
‫للمقدسات الدينية والشرائع السماوية ‪ ،‬وهذا واضح لكل من قرأ الرواية ‪ ،‬لما‬
‫فيه من ازدراء واستخفاف باللوهية والقرآن والرسول والقيم الدينية كلها في‬
‫مواضع شتى ‪ ،‬وأضاف ‪:‬‬
‫ونحن نقول ‪ :‬إن هذا العمل كفر ‪ ،‬بغض النظر عن الششخاص ‪ ،‬فمن قالشه‬
‫واعيا متعمدا ذاكرا ‪ ،‬فهو كافر ‪ ،‬ورضي به وهو يعلم هذا ‪ ،‬فهو كافر ‪ ،‬ومن‬
‫كان يجهل بما فيه ‪ ،‬ثم ُأعلم بمضمونه ورضيه ‪ ،‬فهو كافر ‪ ،‬هذا هو الحكم‬
‫الشرعي ‪ ،‬أما الحكم على الشخاص ‪ ،‬فل ندخل فيه ‪ ،‬فهو يحتاج إلى تحقيق‬
‫وقضاء " ‪.‬‬

‫‪521‬‬
‫مقتطفات من حاشية الملف ‪:‬‬
‫بقلم د‪ .‬محمد عباس ‪:‬‬
‫كانت صحيفة السبوع ‪ ،‬أول من تعّرض للموضوع ‪ ،‬تعرضت له بهدوء ‪ ،‬ولو‬
‫أن في أجهزة وزارة الثقافة ‪ ،‬من يرى ويحس ويسمع ‪ ،‬لستدركوا المر ‪،‬‬
‫ولدارْوا عورتهم ‪ ،‬وكان يمكن للمر أن ينتهي باعتذارهم ‪ ،‬واعترافهم‬
‫بالخطأ ‪ ،‬لكن ال شاء للمور ‪ ،‬أن تتخذ مجرى آخرا ‪ ،‬كي يفضحهم على‬
‫الشهاد ‪ .‬لقد استنكروا علينا حدة أسلوبنا ‪ ،‬فماذا فعلوا عندما نشرت السبوع ‪،‬‬
‫يوم ‪28/2/2000‬م ‪ ،‬مقال صغيرا ‪ ،‬بقلم حسن نور ‪ ،‬يعترض فيه ‪ ،‬على قيام‬
‫وزارة الثقافة بنشر الرواية …‬
‫لمدة شهر ونصف بعد ذلك ‪ ،‬لم تتدارك وزارة الثقافة المر ‪ ..‬وبدأت الشعب‬
‫تناول القضية ‪ ،‬يوم ‪28/4/2000‬م ‪ ،‬بعد بداية النشر في السبوع ‪ ،‬بشهرين‬
‫كاملين …‬
‫في البداية ‪ ،‬حاولت وزارة الثقافة ‪ ،‬التنصل من المر كله‪ .‬وقد أوردت أخبار‬
‫الدب ‪ :‬العدد ‪ 356‬ص ‪ 6‬ذلك بالتفصيل ‪ ،‬في مقال وائل عبد الفتاح ‪ ،‬عن‬
‫تصريح وزير الثقافة المنشور في الهرام ‪ ،‬في ‪30/4/2000‬م ‪ ،‬وهو أن‬
‫الهدف من اللجنة العلمية التي شكلها ‪ " ،‬التحقيق في ظهور طبعة لبنانية ‪ ،‬من‬
‫رواية وليمة لعشاب البحر للسوري ‪ ،‬حيدر حيدر منسوبة لوزارة الثقافة "‪..‬‬
‫ويستطرد الكاتب أنه يبدو أن الوزير وجدها " واسعة " ‪ ،‬فغير أقواله بعد ذلك ‪.‬‬
‫نفس الخبر نشرته بتفصيل أكثر ‪ ،‬صحيفة آفاق عربية ‪ ،‬في عدد ‪ 4‬مايو ص‬
‫‪ ، 11‬تحت عنوان ‪ :‬وزارة الثقافة تزعم ‪ ،‬أن جهة مجهولة نشرت الرواية‬
‫المجهولة ‪ ،‬ونسبتها إليها ‪.‬‬
‫كان التخبط هائل وشمل الجميع ‪ ،‬فرئيس الوزراء على سبيل المثال صرح ‪:‬‬
‫لست أدرى كيف؟! أنه استعان بخبير أجنبي لمواجهة الزمة ‪ ،‬كما نشرت‬
‫صحيفة الوفد ‪ ،‬و صرح الدكتور أحمد فتحي سرور ‪ ،‬بأنه طلب تقريرا عاجل‬
‫‪ ،‬لتخاذ الجراءات القانونية اللزمة ‪ ،‬ومحاكمة المؤلف طبقا للقانون الدولي ‪،‬‬
‫) أخبار الدب ‪ 14‬مايو ( ‪ ،‬كانت المة تغلي بالغضب ‪ ،‬وكان قلبها متمثل ‪،‬‬
‫في طلبة جامعة الزهر ‪ ،‬حيث تظاهر ‪ 25‬ألف طالب ‪ ،‬وكانت الدولة‬
‫مترددة ‪ ،‬حتى حسمت أمرها بإطلق الرصاص ‪ ،‬على قلب المة ‪ ،‬على طلبة‬
‫‪522‬‬
‫جامعة الزهر ‪ .‬وأصبح من المستحيل مواصلة استطلع الرأي ‪ ،‬تحت التهديد‬
‫بإطلق الرصاص مرة أخرى ‪ ،‬وبلغ النفاق ببعض التنويريين ومدعي‬
‫البداع ‪ ،‬الذين أجازوا الجتراء على ال ‪ ،‬أن وجهوا اللوم لصحيفة الشعب ‪،‬‬
‫ولحزب العمل ولشخصي الضعيف ‪ ،‬فنحن الذين حرضنا ‪ ،‬ونحن الذين‬
‫أخرجنا الطلبة ‪ ،‬فتسببنا فيما حدث لهم ‪ ،‬أكثر من مائة جريح ‪ ،‬منهم خمسة‬
‫فقئت عيونهم ‪ .‬وجهوا اللوم لنا ‪ ،‬ولم يجرؤ منهم أحد ‪ ،‬على توجيه اللوم على‬
‫المعالجة المنية الخاطئة‪ ،‬ل تعقيب على المن ‪ ،‬وكأنه القدر ‪ ،‬بل أكثر من‬
‫القدر ‪ ،‬لننا في القدر نسأل ال اللطف فيه ‪ ،‬هم لم يسألوا أجهزة المن اللطف ‪،‬‬
‫وهذه الواقعة وحدها ‪ ،‬كافية لفضحهم تماما ونهائيا ‪ ،‬أمام الجيال وأمام التاريخ‬
‫‪ ،‬لكن هذه الفضيحة ل تنفجر ‪ ،‬ول تأتي بالتأثير المتوقع ‪ ،‬بسبب تهديد جاثم‬
‫مستمر ‪ ،‬بإمكانية إطلق الرصاص في أي وقت ‪ ،‬بعد ما حدث لطلبة جامعة‬
‫الزهر ‪ ،‬خفتت أصوات معظم الغاضبين لدينهم ‪ ،‬وارتفعت أصوات الحيدريين‬
‫‪ ،‬وأصبح الكذب مجانيا ‪ ،‬خاصة عندما أقدمت السلطة ‪ ،‬على عقاب صحيفة‬
‫الشعب ‪ ،‬التي دافعت عن المقدسات ‪ ،‬وأصبح الجتراء على الذات اللشهية ‪،‬‬
‫إبداعا وتقدما واستنارة ‪ ،‬وفي نفس الوقت ‪ ،‬أصبحت إدانة وزير ثقافة النظام‬
‫الباقي ‪ ،‬في مكانه منذ أربعة عشر عاما ‪ ،‬رغم كل ما أثير حوله ‪ ،‬إرهابا‬
‫وظلمية وتخلفا ‪ ،‬ووقف الوزير الذي قلت تناقضات تصريحاته ‪ ،‬بعد أن‬
‫اطمأن إلى تدعيم الدولة له ‪ ،‬ليصرح أن مصر دولة علمانية ‪ ،‬وارتفعت‬
‫أصوات ‪ ،‬تنادى بإلغاء المادة الثانية في الدستور ‪ ،‬والتي تنص على إسلمية‬
‫مصر ‪ ،‬ونشرت صحيفة الحياة اللندنية ‪ ،‬مقال لكاتب ‪ ،‬ظن أنه يفحم‬
‫السلميين ‪ ،‬بقوله أنه إذا كان علينا أن نحترم التراث ‪ ،‬فليس علينا أن نحترم‬
‫التراث السلمي فقط ‪ ،‬بل علينا أن نعطي اهتماما مساويا ‪ ،‬لمصر المسيحية‬
‫والفرعونية ‪ ،‬كان السلم بالنسبة للمسكين تراثا ‪ ،‬مجرد تراث‪ ،‬لم يكن دينا ‪،‬‬
‫ول مطلقا من المطلقات ‪ ،‬وبدا أن هؤلء الناس وأقرانهم في مصر ‪ ،‬ينظرون‬
‫إلى السلم تماما ‪ ،‬كما ينظر له المتعصبون من المستشرقين ‪ ،‬فالقرآن من‬
‫تأليف محمد ‪ -‬صلى ال عليه وسلم – أما هو نفسه فكذاب – أستغفر ال‬
‫العظيم‪ -‬وأن أولئك التنويريين ‪ ،‬قد ابتلوا بمجموعة من المتخلفين أمثالنا ‪ ،‬وما‬
‫القابضون على الجمر ‪ ،‬سوى حزب متخلف ‪ ،‬ل يستحق من الحترام ما‬
‫يستحقه ‪ ،‬حزب كحزب المة ‪ ،‬بل ول ال نفسه ‪ ،‬يستحق من الدب في‬
‫الحديث معه ‪ ،‬ما يستحقه الشيخ الصباحي ‪ ،‬كان أسطورة قضت عليها‬
‫‪523‬‬
‫الستنارة ‪ ،‬وبقي المتخلفون يؤمنون به ‪ ،‬ولعل المؤمنين به ‪ ،‬يشفون من‬
‫تخلفهم ذات يوم ‪ .‬وإنهم يحتملون تخلفنا ووجودنا ذاته على مضض ‪ ،‬فنحن‬
‫ضيف ثقيل عليهم ‪ ،‬أل يضاعف من ثقله بأن يتكلم ‪ .‬نظر كلب جهنم ‪ ،‬إلى‬
‫الدين ‪ ،‬كما لو كان مرضا ‪ ،‬كّلفهم الشيطان بالقضاء عليه ‪ ،‬وبدا لهم ‪ ،‬أنهم كلما‬
‫أوشكوا على إنجاز مهمة الشيطان ‪ ،‬واجهناهم نحن ‪ ،‬لنصيب المة بنكسة‬
‫جديدة …‬
‫وانفجر اللم بصحيفة ) آفاق عربية ( ‪ ،‬فنشرت بمانشيت كبير ‪ ،‬أنها ل‬
‫تستبعد ‪ ،‬أن ينجح التنويريون ‪ ،‬في استبدال المادة الثانية في الدستور ‪ ،‬لكي‬
‫يصبح حيدر حيدر ‪ ،‬هو المصدر الرئيسي للتشريع … !! …‬
‫ي قضية تبدأ محكمة جنايات جنوب‬ ‫بدل من التوبة والعتذار ‪ ..‬رفعوا عل ّ‬
‫القاهرة نظرها يوم ‪16/9/2000‬م …‬
‫مذيعة للبرامج الدينية في التليفزيون المصري ‪ ،‬وفي كتابها ) ل يا زمري ( ‪،‬‬
‫نشرت ما ل يصدقه عقل ‪ ،‬من الجتراء على الدين ‪ ،‬ورفض المسؤولين‬
‫استمرار أي برنامج ناجح ‪ ،‬أو استضافة أي شخصية دينية لها شعبية ‪ ،‬فالشيخ‬
‫محمد الغزاي والدكتور يوسف القرضاوي ‪ ،‬على سبيل المثال إرهابيان ‪ ،‬أما‬
‫عندما حاولت ‪ ،‬تغطية أداء بعض كبار المسؤولين وزوجاتهم ‪ ،‬لداء العمرة ‪،‬‬
‫فقد رفض التليفزيون ذلك ‪ ،‬حتى مع السيدة سوزان مبارك ‪ ،‬وكانت حجتهم ‪،‬‬
‫أنه ل داعي لربط كبار المسؤولين بالدين ‪ ،‬بأي شكل ‪ ،‬وأنهم يطبقون‬
‫تعليمات ‪ ،‬تأتي من فوق بمحاصرة البرامج الدينية ‪ ،‬وتصرخ كاريمان حمزة‬
‫في النهاية ‪ ،‬أنها تنزه وزير العلم ‪ ،‬ورئيس الوزراء ورئيس الجمهورية ‪ ،‬أن‬
‫يكونوا مصدر هذه التعليمات ‪ ،‬ولكنها في نفس الوقت ‪ ،‬تؤكد أن هذه‬
‫التعليمات ‪ ،‬التي تأتي " من فوق " حقيقية ‪ ،‬لكن هذا الفوق ل يوجد داخل‬
‫مصر ‪ ،‬إنما خارجها ‪ .‬في أحد برامجها ‪ ،‬كانت تعد موضوعا ‪ ،‬عن العشرة‬
‫المبشرين بالجنة ‪ ،‬واحتج المسؤول الكبير على اقتصارها ‪ ،‬على شخصيات‬
‫من عهد الرسول ‪ ،‬صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وطلب منها أن تختار جزءا منهم ‪،‬‬
‫وأن تكملهم بالمعاصرين ‪ ) ،‬مثل عاطف صدقي ( ‪ ،‬لم تكن طرفة ‪ ،‬ول مأساة‬
‫جاهل ‪ ،‬بل كارثة أمة ‪...‬‬
‫صرح وزير الثقافة أنه لن يستقيل طول عهد الرئيس مبارك …‬

‫‪524‬‬
‫أما صحافته ) وزير الثقافة ( ‪ ،‬خاصة القاهرة وأخبار الدب ‪ ،‬فقد بلغ بها ‪ ،‬أن‬
‫اتهمت الزهر ‪ ،‬بأنه ينصب من نفسه محكمة من محاكم التفتيش ‪ ،‬وأنه ل‬
‫علقة له بالدب ‪ ،‬ول حق له ‪ ،‬أن يحكم فيما هو خارج الدين ‪ ،‬بل وشبهت هذه‬
‫الصحف ‪ ،‬رئيس جامعة الزهر بالنازيين ‪...‬‬
‫يلخص مأساوية الوضع كله ‪ ،‬ما قاله الدكتور أحمد عمر هاشم ‪ ،‬في حديث‬
‫نشرته مجلة المصور ‪ ،‬الصادرة في ‪25/5/2000‬م ‪ ،‬من أنه كرئيس للجنة‬
‫الدينية ‪ ،‬في مجلس الشعب ‪ُ ،‬مِنع من إلقاء بيان ‪ُ ،‬يدافع فيه عن ال والقرآن‬
‫سمح لفاروق حسني ‪ ،‬أن يلقي بيانه ‪،‬‬ ‫والرسول ‪ ،‬صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬بينما ُ‬
‫الذي ُيدافع فيه ‪ ،‬عمن يسبون ال والقرآن والرسول ‪ ،‬صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫وراح الرجل يردد في ألم ‪ :‬حسبنا ال ونعم الوكيل ‪...‬‬
‫كان موقف شيوخ الزهر وطلبته رائعا ‪ ،‬فقد أصدر ‪ 70‬عالما أزهريا بيانا ‪،‬‬
‫يطالبون فيه بوقف جرائم وزارة الثقافة ‪ ،‬وتطهيرها ممن أساءوا إلى الدين‬
‫والوطن ‪ ،‬كما دعا البيان الرئيس مبارك ‪ ،‬إلى رفع الحصار عن الدعاة‬
‫المخلصين ‪ .‬وأوضح البيان أن وزارة الثقافة ‪ ،‬قد دأبت منذ سنوات ‪ ،‬على‬
‫إصدار مطبوعات ‪ ،‬استهدفت أخص خصائص المة ‪ ،‬في العقائد والخلق‬
‫والسيرة النبوية ‪ .‬وندد البيان بسيطرة الماركسيين والشيوعيين ‪ ،‬على أبواب‬
‫الثقافة ‪ ،‬مؤكدين أن لها رموزها ‪ ،‬من اللوان الخرى ‪ ،‬ذات النتماء إلى‬
‫الثقافة العربية والسلمية ‪ ،‬الرافضة لرتداء عباءة الخر ‪ ،‬والذوبان في‬
‫بضاعته ‪ .‬إن تسليم إدارة دفة الثقافة ‪ ،‬لرموز تغريبية أمر غير معقول ‪ ،‬ول‬
‫مقبول ‪ ،‬وهو ل يمكن أن يصب في صالح الوطن ‪ ،‬في الدول التي تحترم‬
‫شعوبها وثقافتها ‪ ،‬يكون القائمون على الشأن الثقافي ‪ ،‬من أكثر المؤمنين بثقافة‬
‫أمتهم وحضارتهم ‪ ،‬أما في بعض دولنا العربية والسلمية ‪ ،‬فيؤتى بأعتى‬
‫المتغربين وُيسّلمون تلك المواقع ‪...‬‬
‫بمجهود فردي ‪ ،‬أحصيت حوالي ‪ 700‬مقال ‪ ،‬في الصحف المصرية ‪ ،‬خلل‬
‫شهر واحد ‪ ،‬ومثلها تقريبا في الصحف العربية ‪ ،‬كان ‪ %75‬تقريبا ‪ ،‬من هذه‬
‫المقالت ‪ ،‬يصب في اتجاه السلطة ‪ ،‬التي حددت اتجاهها مع أدعياء التنوير ‪.‬‬
‫المر قد يبدو محزنا ‪ ،‬لكننا من وجهة نظر أخرى ‪ ،‬نستطيع القول أن نسبة‬
‫‪ ، %25‬انتصرت لربها ولدينها وللحق ‪ ،‬في هذا الخضم من الرهاب والبطش‬
‫وتزييف الوعي ‪ ،‬هي نسبة مرتفعة ومبشرة ‪...‬‬
‫‪525‬‬
‫بدأت المظاهرات في الزهر ‪ ،‬مساء الحد ‪7/5/2000‬م ‪ ،‬اشترك فيها‬
‫‪ 25000‬طالب ‪ ،‬وأطلق المن الرصاص على الطلب ‪ ،‬كان القناصة ‪،‬‬
‫يصطادونهم داخل الحجرات في المدينة الجامعية ‪ ،‬وكانت رسائل البريد‬
‫الليكتروني من الطلب ‪ ،‬أقسى على من ذوب الرصاص المنصهر ‪ ،‬فكتبت‬
‫هذا النداء إلى الرئيس ونشرته صحيفة الشعب …‬
‫نداء ورجاء إلى سيادة الرئيس ‪..‬‬
‫أستحلفك بحق خالقك عليك ‪ ..‬أستحلفك بمن استرعاك علينا ‪ ،‬وجعل رعيتك‬
‫أمانة في عنقك ‪ ..‬أستحلفك بحق القرآن ‪ ..‬أستحلفك بحق رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ ..‬أستحلفك ‪ ..‬أن تصدر أوامرك الشخصية ‪ ،‬بمنع أي تعذيب عن‬
‫أبنائنا ‪ ،‬طلبة وطالبات جامعة الزهر ‪ ..‬وأن توصي بهم خيرا ‪ ،‬تماما كما لو‬
‫كانوا أبناءك ‪ ،‬فهم أبناؤك ‪ ..‬وهم رعيتك ‪ ،‬الذين يسألك ال عنهم يوم القيامة ‪...‬‬
‫تعرض الدكتور أحمد عمر هاشم ‪ ،‬لهانات بالغة بسبب تصريحاته عن الرواية‬
‫الكافرة ‪ .‬ونشرت بعض الصحف أخبارا ‪ ،‬عن استبعاده من عضوية مجلس‬
‫الشعب ‪ ،‬وعن فصله من منصبه ‪ ،‬كرئيس لجامعة الزهر ‪.‬‬
‫من أعجب ما حدث ‪ ،‬كانت الزمة ‪ ،‬في الظاهر ‪ ،‬تتكون من شقين ‪ ،‬شق مع‬
‫الدولة ‪ ،‬وشق مع أدعياء التنوير ‪ ،‬لذلك عندما بدأت التهديدات بقتلي ‪ ،‬تصلني‬
‫عبر الهاتف ‪ ،‬عجبت … كان معدل المكالمات ‪ ،‬يصل إلى خمس أو ست ‪،‬‬
‫مكالمات في اليوم ‪ ،‬بعد البلغ عنها ‪ ،‬لم يتكرر التهديد ولو لمرة واحدة ‪.‬‬
‫كان موقف التلفزيون المصري غريبا ‪ ،‬والحق أنه طلب مني ‪ ،‬أن أسجل معه ‪،‬‬
‫لكنني كنت قد لدغت من صحافة بلدي ‪ ،‬التي لم ترع إل ول ذمة ‪ ،‬فاعتذرت ‪،‬‬
‫لكن غيري لم يعتذر ‪ ،‬وأذاع التليفزيون الحلقات ‪ ،‬التي تؤيد الحيدريين ‪ ،‬ومنع‬
‫إذاعة الحلقات ‪ ،‬التي تنتصر للدين ‪.‬‬
‫في مواجهة على قناة الجزيرة الفضائية ‪ ،‬في يوم ‪7/8/2000‬م ‪ ،‬كان حيدر‬
‫حيدر ‪ ،‬يتكلم في برنامج التجاه المعاكس ‪ ،‬كان هو شخصيا ‪ ،‬ل أبطال الرواية‬
‫المتخيلين ول المؤلف ‪ ،‬بل هو بشحمه ولحمه ‪ ،‬وكان يكّرر ‪ :‬نعم ‪ ،‬كان‬
‫للرسول خليلت ‪ ،‬وكان يتزوج زواج متعة …!!‬
‫بعد إغلق صحيفة الشعب ‪ ،‬اطمأن الذين في قلوبهم مرض ‪ ،‬أننا لن نستطيع‬
‫الرد عليهم ‪ ،‬فتضاعفت مساحات ما ينشرونه من كذب ‪ ،‬وتشويه وقلب للحقائق‬
‫‪526‬‬
‫‪ ،‬وكان يجب على أن أبحث عن طريقة للرد ‪ .‬لكن الصحف المتوازنة كالوفد ‪،‬‬
‫اعتذرت ‪ ،‬والصحف السلمية اعتذرت أيضا ‪ ،‬بعد أن رأت أن الدولة ‪ ،‬قد‬
‫كشرت عن أنيابها ‪ ،‬ويمكن أن تغلق صحف التجاه السلمي جميعا … انتهى‬
‫القتباس ‪.‬‬

‫‪527‬‬
‫مصر الفساد والفساد‬
‫كانت مصر قد اضطلعت ‪ ،‬منذ استقللها السياسي ‪ ،‬بدور ريادي في الفساد‬
‫والفساد ‪ ،‬والضرار بالسلم والمسلمين ‪ ،‬على مستوى العالمين العربي‬
‫والسلمي ‪ ،‬والذي تمّثل في كثير من المجالت ‪ ،‬ونذكر منها على سبيل‬
‫المثال ‪:‬‬
‫‪ .1‬التخلي عن الحضارة السلمية وتراثها وقيمها ‪ ،‬والعتزاز بالنتساب‬
‫إلى حضارة الفراعنة ‪ ،‬الذين ظلموا أنفسهم ‪ ،‬فأخذهم ال بذنوبهم ‪،‬‬
‫وتقديس آثارهم وأوثانهم ‪ ،‬التي ما تركها ال إل عظة وعبرة ‪ .‬فها هم‬
‫ينفقون نصف مليون دولر ‪ ،‬تحت سفوح الهرامات ‪ ،‬على حفلت‬
‫غنائية غربية حتى الصباح ‪ ،‬بمناسبة حلول عام ألفين ميلدي ‪ ،‬في شهر‬
‫رمضان ‪ ،‬الذي أنزل فيه القرآن ‪ ،‬حيث قامت الحكومة المصرية‬
‫مشكورة ‪ ،‬بحظر شرب الخمور أثناء الحفل ‪ ،‬إكراما لحرمة الشهر‬
‫الفضيل ‪ .‬ويأبى عالم الكيمياء المصري ‪ ،‬إل أن يتسّلم جائزة نوبل ‪،‬‬
‫تحت سفوحها ‪ ،‬تعظيما منه لها ولبناتها ‪ ،‬واعتزازا بالنتماء لهم ‪.‬‬
‫‪ .2‬نشر رذائل الخلق ‪ ،‬وتعميمها كنموذج ُيحتذى بين أبناء المة‬
‫السلمية ‪ ،‬من خلل السينما والمسرح والغناء ‪ ،‬بالضافة إلى تشويه‬
‫صور أولياء ال ‪ ،‬من الرسل والئمة والعلماء ‪ ،‬في أفلمهم ومسلسلتهم‬
‫وبرامجهم الدينية ‪ ،‬لتجد ممثل يزني ويشرب الخمر ‪ ،‬في فيلم ‪ ،‬ومن ثم‬
‫تجده في أحد البرامج الدينية ‪ ،‬يدعوا ويبتهل إلى ال ‪ ،‬متوشحا ثوب‬
‫العفاف والتقى ‪ ،‬ممتهنا قدسية الدين وشعائره ‪ ،‬بالضافة إلى ما‬
‫يطرحونه في أفلمهم ومسلسلتهم وأغانيهم ‪ ،‬من أفكار ُيعّلمونها لبنائنا‬
‫وبناتنا ‪ ،‬تعجز الشياطين عن التيان بمثلها ؛ فتكلفة إعادة غشاء البكارة‬
‫إلى طبيعته ‪ ،‬كما أخبرني أحدهم ممن شاهد أحد الفلم المصرية ‪،‬‬
‫وعلى لسان إحدى بغايا مصر ‪ ،‬في الفيلم ‪ ،‬داعية أخرى لممارسة الرذيلة‬
‫مثلها ‪ ،‬ل تتجاوز المائة والخمسين جنيها ‪ " ،‬وكل شيء يرجع زي الول‬
‫ل … )‪119‬‬ ‫ق ا ِّ‬
‫خْل َ‬
‫ن َ‬
‫لُمَرّنُهْم َفَلُيَغّيُر ّ‬
‫" ‪ ،‬مصداقا لقول إبليس ) … َو َ‬
‫النساء ( ‪ ،‬لتتساوى البغي في الحصانة ‪ ،‬مع مريم ابنة عمران ‪ ،‬وشتان‬
‫ما بين الثرى والثريا ‪ ،‬وهذا مما ُتعّلمه السينما المصرية ‪ ،‬لفتيات أمة‬
‫محمد ‪ ،‬عليه الصلة والسلم ‪.‬‬
‫‪528‬‬
‫‪ .3‬تمجيد وتقديس سفلة الناس ‪ ،‬من الممثلين والممثلت والمطربين‬
‫والمطربات ‪ ،‬وإقامة الصنام والوثان ‪ ،‬وزرعها في الميادين العامة ‪،‬‬
‫جدونها وُيقّدسونها ‪ ،‬فحاول أن تشتم أحد عمالقة‬ ‫وإن لم تصّدق بأنهم ُيم ّ‬
‫الفن العربي ‪ ،‬في حضور أحد المصريين ‪.‬‬
‫‪ .4‬تأليه وعبادة أصحاب المال والسلطة من البشر ‪ ،‬كما عبد المصريون‬
‫القدماء ‪ ،‬ربهم العلى فرعون ‪.‬‬
‫‪ .5‬موالة أعداء ال ورسوله من اليهود والنصارى ‪ ،‬وبيع قضايا المة‬
‫العربية والسلمية المصيرية ‪ ،‬لقاء حفنة من الدولرات المريكية ‪.‬‬
‫‪ .6‬محاربة تعاليم السلم ورموزه ‪ ،‬في السّر والعلن ‪ ،‬والعمل على محو‬
‫أثارها من نفوس الناس ‪.‬‬
‫عرضت في ملف الجريمة ‪ ،‬لما كان يجري في مصر ‪ ،‬من حرب‬ ‫الصور التي ُ‬
‫شعواء مبرمجة ‪ ،‬شّنها الفراعنة الجدد على ال ورسوله ‪ ،‬منذ سنوات ‪،‬‬
‫رسمتها ريشة فنان مبدع من أبناء مصر ‪ ،‬ل من غيرها ‪ .‬أشهد ال على أن‬
‫قومه أصبحوا مجرمين ‪ ،‬بل وفاقوا الفراعنة القدماء في إجرامهم ‪ ،‬وكأنه أعذر‬
‫ال سبحانه وتعالى ‪ ،‬في إنزال العذاب ببني جلدته ‪ ،‬من حيث ل يدري ‪ ،‬وهذه‬
‫المر ُيذّكرني بقصة النبي ارميا ‪ ،‬عندما أعذر ربه في عذاب قومه ‪ ،‬بني‬
‫إسرائيل في المرة الولى ‪ .‬التي أوردها الطبري ‪ ،‬في تفسيره ج ‪ 3‬ص ) ‪– 32‬‬
‫‪ ، ( 33‬وهي قصة جميلة ‪ُ ،‬تبين بعضا من الحكمة اللهية في تصريف‬
‫سُفوَنا اْنَتَقْمَنا ِمْنُهْم‬
‫المور ‪ .‬وكما قال رب العزة في قوم فرعون ) َفَلّما َءا َ‬
‫ن )‪ 56‬الزخرف (‬ ‫خِري َ‬
‫لِ‬‫ل ِل ْ‬‫سَلًفا َوَمَث ً‬
‫جَعْلَناُهْم َ‬
‫ن )‪َ (55‬ف َ‬ ‫جَمِعي َ‬
‫غَرْقَناُهْم َأ ْ‬‫َفَأ ْ‬
‫حيث يؤكد د‪ .‬محمد عباس ‪ ،‬وبيان شيوخ وطلبة الزهر ‪ ،‬الوارد ذكره في‬
‫الحاشية ‪ ،‬أن هناك مخطط ‪ ،‬تنتهجه الحكومة المصرية ‪ ،‬منذ سنوات ‪ ،‬لتدمير‬
‫معالم السلم ورموزه ‪ ،‬معلما تلو الخر ‪.‬‬
‫واستنادا لبيان علي أبو شادي ‪ ،‬رئيس مجلس الهيئة المشرفة على النشر ‪،‬‬
‫والذي يقول ‪ " :‬بأن الرواية ) وليمة لعشاب البحر ( صدرت في منتصف‬
‫نوفمبر " ‪ ،‬أي ‪15/11/1999‬م ‪ ،‬نستطيع القول أن هذه الرواية المشؤومة ) أو‬
‫ش النحس الحقيقي ( ‪ ،‬على القل ‪ ،‬كانت في مخازن دار النشر ‪ ،‬عندما‬ ‫و ّ‬
‫ي الدخان سكان القاهرة ‪ ،‬في الفترة الواقعة بين ] ‪[ 30/10 – 20/10‬‬ ‫غش َ‬
‫‪1999‬م ‪ .‬ليأتي التحذير والنذير اللهي ‪ ،‬قبل نشرها وتوزيعها بين الناس مجانا‬
‫‪529‬‬
‫‪ ،‬من قبل الحكومة المصرية ‪ .‬لكنهم نشروها ‪ ،‬ونشروا كتابا آخر ‪ ،‬كتابات‬
‫نقدية ‪ ،‬العدد ‪ ، 97‬ديسمبر ‪1999‬م ‪ ،‬بعنوان ‪ :‬شعر الحداثة في مصر ‪ ،‬بعد‬
‫شهر واحد من نشر الكتاب الول ‪ ،‬بعد أن كشف ال الدخان عنهم ‪ ،‬واستمروا‬
‫في النشر ‪.‬‬
‫بعد هذا العرض ‪ ،‬نكون قد عايشنا على التوالي ‪ ،‬مشهدين من المشاهد التي‬
‫تعرضها اليات ‪ ،‬هما الشك واللعب ‪ ،‬وظهور الدخان في مصر ‪ ،‬والن إلى‬
‫المشهد الثالث ‪ ،‬عندما ُيتهم خير النام ‪ ،‬عليه الصلة والسلم ‪ ،‬بالتعّلم‬
‫والجنون والسحر ‪ ،‬في كتاب ) فترة التكوين في حياة الصادق المين ( ‪ ،‬الذي‬
‫صدر في النصف الول ‪ ،‬من العام الحالي ‪2001‬م ‪ ،‬وهو الكتاب السابع‬
‫للمجرم ‪ ،‬خليل عبد الكريم ‪.‬‬
‫قال تعالى‬
‫ن )‪(83‬‬ ‫عُدو َ‬
‫لُقوا َيْوَمُهُم اّلِذي ُيو َ‬‫حّتى ُي َ‬
‫ضوا َوَيْلَعُبوا ‪َ ،‬‬ ‫خو ُ‬‫) َفَذْرُهْم َي ُ‬
‫) الزخرف (‬
‫وقال‬
‫ن )‪(45‬‬ ‫صَعُقو َ‬ ‫لُقوا َيْوَمُهُم اّلِذي ِفيِه ُي ْ‬
‫حّتى ُي َ‬
‫) َفَذْرُهْم َ‬
‫) الطور (‬

‫‪530‬‬
‫ثم تولوا عنه وقالوا ُمعّلم مجنون‬

‫ملف خليل عبد الكريم‬


‫في هذا الملف يجد القارئ ‪ ،‬جزءا يسيرا من التغطية العلمية ‪ ،‬التي نشرت‬
‫مؤخرا ‪ ،‬عن خليل عبد الكريم وكتابه ‪ .‬ومنها صحيفة القدس العربي ‪،‬‬
‫والهرام القتصادي وصحيفة أخبار الدب ‪ ،‬والخيرة كرست نفسها ‪ ،‬للدفاع‬
‫عن كل اجتراء على الذات اللهية ‪ ،‬ويبدو أنها ذهبت في ذلك ‪ ،‬إلى أبعد مما‬
‫نتصور ‪ ،‬ويكفي دليل على ذلك ‪ ،‬أن محاميها في قضايا الرأي ‪ ،‬هو فريد‬
‫الديب ‪ ..‬محامي الجاسوس السرائيلي عزام عزام وسعد الدين إبراهيم ‪ ..‬كما‬
‫أنه محامي الشواذ عبدة الشيطان ‪..‬‬
‫نعم ‪..‬‬
‫جاسوسية ‪ ..‬وخيانة ‪ ..‬وشذوذ ‪..‬‬
‫فذلك هو الوجه الخر ‪ ،‬للدفاع عن الكفر ‪..‬‬
‫السلم الشيوعي‬
‫سبعة كتب مشبوهة للمفكر اليساري خليل عبد الكريم‬
‫موقع المقال على شبكة النترنت ‪:‬‬
‫‪http://www.lailatalqadr.com/stories/p6260501.shtml‬‬
‫أو ‪http://www.alshaab.com/GIF/31-08-2001/Khalil :‬‬
‫‪%20Abd%20Alkareem.htm‬‬
‫بقلم بدر الشبيب ‪:‬‬
‫" خليل عبد الكريم ‪ ،‬كاتب يساري أو شيوعي أو تقدمي ‪ ،‬يكتب في السلم ‪..‬‬
‫ول بأس أن يكتب ‪ ،‬كائن من كان ‪ ،‬عن الدين الحنيف ‪ ،‬ولكن السؤال هو ‪ :‬ماذا‬
‫يكتب ؟‬
‫وقد كان خليل عبد الكريم ‪ ،‬عضًوا في جماعة الخوان المسلمين ‪ ،‬منذ سنوات‬
‫طويلة خلت ‪ ،‬ولكنه ترك موقعه هذا ‪ ،‬وتحّول من أقصى اليمين ‪ ،‬إلى أقصى‬
‫اليسار ‪ ،‬فأصبح عضًوا في اللجنة المركزية ‪ ،‬لحزب التجمع الوطني التقدمي‬
‫الوحدوي ‪ ،‬وهو حزب يساري يقول عنه السلميون ‪ :‬إنه حزب شيوعي ‪.‬‬
‫‪531‬‬
‫ومنذ عشر سنوات أو أكثر ‪ ،‬يثير خليل عبد الكريم عاصفة في مصر وخارجها‬
‫‪ ،‬بكتبه التي يضعها عن السلم ‪ ..‬وتتعرض هذه الكتب ‪ ،‬للمنع والمصادرة‬
‫والهجوم العنيف ‪ ،‬ومع هذا ‪ ،‬فإن الرجل لم يتوقف عن الكتابة ‪ ،‬ولم يتوقف عن‬
‫تغيير خطه الفكري ‪ ،‬الذي يصدم الجميع ‪ .‬ورغم أن عدًدا من أساتذة الجامعات‬
‫الكبار ‪ ،‬قد حاولوا كشف ما في دراساته هذه ‪ ،‬من زيف وافتراءات على‬
‫السلم ‪ ،‬إل أن شيًئا ‪ ،‬ل يمنع الرجل من الستمرار ‪ ،‬بل إنه يزداد غلًوا ‪ ،‬مع‬
‫كل كتاب جديد ‪ ،‬غير عابئ بما تثيره كتبه ‪ ،‬من رفض عنيف ‪.‬‬
‫ويستخدم خليل عبد الكريم ‪ ،‬لغة جارحة في كتبه ‪ ،‬كما يطرح آراء وأفكار ‪ ،‬ل‬
‫يمكن أن توصف ‪ ،‬إل بأنها خروج على الملة ‪ ،‬وعلى رأي الجماعة ‪ ،‬وعلى‬
‫رأي الجمهور ‪.‬‬
‫وهو ينطلق في هذا من مقولة ‪ :‬إننا يجب أن نتمتع بالجرأة العقلية ‪ ،‬وأن نطرح‬
‫كل الفكار وكل الشخصيات ‪ ،‬على مائدة التشريح العقلي الموضوعي ‪ ،‬البعيد‬
‫عن الهوى ‪ ،‬وعن الفكار الجاهزة ‪ ،‬التي يكتب بها المؤرخون والدارسون‬
‫للسلم ‪ ،‬عن الدعوة والرسالة وسيدنا محمد ‪ ..‬يقول خليل عبد الكريم ‪ ،‬في‬
‫صدر كتاب أخير له ‪ " ..‬وآمل ‪ -‬وهذا أمر متوقع ‪ -‬أل يسيء البعض ‪ ،‬فهم هذه‬
‫الدراسة ‪ ،‬على نحو لم يرد على خاطرنا ‪ ،‬وكنا قد طالبنا بضرورة كتابة‬
‫التاريخ السلمي ‪ ،‬كتابة علمية موضوعية بداية بالحبيب المصطفى ‪ ،‬وكّررنا‬
‫أن الكتابة بطريقة مغايرة للكتابات التقليدية ‪ ،‬يتعين أن تقابل ‪ ،‬بأفق رحيب‬
‫وعقلنية بعيدة عن التشنج ‪ ،‬ونذكر هؤلء بأن المين نفسه ‪ ،‬أكد أن من اجتهد‬
‫واخطأ فله أجر ‪ ،‬ونحن نأمل في أن نحظى بالجرين ‪ ..‬أجر الجتهاد ‪ ،‬وأجر‬
‫الصابة "‪.‬‬
‫وفى ظل ما يدعيه من جرأة عقلية ‪ ،‬على هذا النحو ‪ ،‬فإن خليل عبد الكريم ‪،‬‬
‫ل في تاريخ السلم ‪ .‬ونحن ل‬ ‫يمضي في هذه الكتابات ‪ ،‬التي ل نجد لها مثي ً‬
‫ندعو بالطبع ‪ ،‬إلى مصادرة هذه الكتب ‪ ،‬أو الحجر على حرية الرجل ‪ ،‬ولكننا‬
‫ندعو المتخصصين وعلماء الدين وشيوخ المة ‪ ،‬إلى مناقشة أفكار الرجل ‪،‬‬
‫ودحض ما فيها من شبهات ‪ ،‬بشكل علمي هادئ بعيًدا ‪ ،‬عن الترويع والتخويف‬
‫والرهاب الفكري ‪.‬‬

‫‪532‬‬
‫وهناك الن ‪ ،‬ما ل يقل عن سبعة كتب هامة ‪ ،‬أصدرها الرجل في السنوات‬
‫الخيرة ‪ ،‬وهي تستحق المناقشة والتحليل ‪ ،‬لعرض ما فيها من آراء والرد‬
‫عليها ‪.‬‬
‫ولسنا هنا بالطبع ‪ ،‬في معرض تحليل هذه الكتب أو مناقشتها ‪ ،‬فليس هنا ‪ ،‬ول‬
‫صا أنها‬
‫الن ‪ ،‬يتم هذا المر ‪ ،‬ولكننا قد نكتفي بالتعريف السريع بها ‪ ،‬خصو ً‬
‫عا فكرًيا ‪ ،‬لهذا الرجل ‪ .‬والكتب السبعة التي سنعرض لها هنا‬
‫تكّون الن مشرو ً‬
‫‪ ،‬هي ‪:‬‬
‫ل ‪ :‬كتاب ) للشريعة ل لتطبيق الحكم ( ‪:‬‬
‫أو ً‬
‫وهذا الكتاب يقوم على فكرة واحدة أساسية ‪ ،‬هي أن تطبيق الشريعة‬
‫حا في هذا العصر ‪ ،‬لن هذا التطبيق سوف يجر علينا ‪،‬‬ ‫السلمية ‪ ،‬لم يعد صال ً‬
‫من المشاكل ما ل حصر لها ‪ .‬ومع أن السلم ‪ ،‬وكما جاء في القرآن العظيم ‪،‬‬
‫هو الدين الخالد ‪ ،‬الذي يصلح للبشر كافة ‪ ،‬ويصلح في كل زمان ومكان ‪ ،‬إل‬
‫أن خليل عبد الكريم ‪ ،‬له رأي آخر ‪ ،‬فهو يقول بالحرف ‪ " :‬إن السلم ليس‬
‫ضا تشريعات وعقوبات ونظام سياسي " ‪ ،‬وهنا‬ ‫عبادات فقط ‪ ،‬بل هو أي ً‬
‫الخطورة من وجهة نظره ‪ ،‬إذ يرى أن تطبيق الشريعة ‪ ،‬سوف يؤدي بنا إلى‬
‫أضرار ‪ ،‬تفوق بمراحل الضرار ‪ ،‬التي تترتب على إهمالنا لتطبيقها ‪ .‬وتلك‬
‫هي دعوة العلمانيين واللدينيين ‪ ،‬الذين يفضلون القانون الوضعي على‬
‫الشريعة السلمية ‪.‬‬
‫ثانيًا ‪ :‬كتاب ) الجذور التاريخية للشريعة السلمية ( ‪:‬‬
‫ل للكتاب الول ‪ ،‬إذ أنه ينطلق من نفس‬ ‫ل وتأصي ً‬
‫وهذا الكتاب ‪ ،‬يعتبر استكما ً‬
‫الفكرة ‪ ،‬التي ترفض الشريعة السلمية ‪ ،‬وترفض تطبيقها ‪ ،‬وهنا يقول خليل‬
‫عبد الكريم ‪ " :‬إن هذه الشريعة التي ينادون بها ‪ ،‬هي مجرد تعاليم ‪ ،‬كان يقول‬
‫ويأخذ بها عرب الجاهلية ‪ ،‬ثم جاء محمد ‪ ،‬فأخذ هذه التعاليم ‪ ،‬وأعمل فيها عقله‬
‫وفكره ‪ ،‬حتى بدت وأنها شيء جديد " ‪ .‬ولهذا فإن السؤال الذي يطرحه خليل‬
‫عبد الكريم ‪ ،‬هو ‪ :‬هل تصلح هذه التعاليم ‪ ،‬التي كان يطبقها بدو الصحراء ‪،‬‬
‫قبل أكثر من أربعة عشر قرًنا ‪ ،‬لكي تحكمنا اليوم ؟! على أن ما هو أخطر من‬
‫هذا السؤال ‪ ،‬ما معناه وخلصته ‪ ،‬أنه ليس ثمة شيء منزل من السماء ‪ ،‬بل إن‬
‫الشياء كلها من صنع سيدنا محمد … !!‬
‫‪533‬‬
‫ثالثًا ‪ :‬كتاب ) السس الفكرية لليسار السلمي ( ‪:‬‬
‫وفى هذا الكتاب ‪ ،‬يقول خليل عبد الكريم صراحة ‪ " ،‬إن السلم ليس شيًئا‬
‫غير العبادات " ‪ ،‬مع أن طلبة المراحل التعليمية الولى ‪ ،‬يعرفون أن السلم‬
‫يقوم على دعامتين ‪ ،‬هما ‪ :‬العبادات ‪ ،‬والمعاملت ‪ .‬ولكنه يحصر السلم في‬
‫العبادات فقط ‪ ،‬ولهذا فإن ميدانه الصلي ‪ ،‬هو المساجد والجوامع والتكايا‬
‫والحسينيات ‪ ،‬أو الخلوي والخانقاهات والزوايا والمصلّيات ‪ ،‬وحضرات‬
‫الصوفية وحلقات الذكر ‪ ،‬ومجالس دلئل الخيرات ‪ .‬ومعنى هذا أن السلم‬
‫دين للعبادة ‪ ،‬وليس ديًنا للحياة ‪ .‬أنه يحصر وظيفته في دور العبادة ‪ ،‬أما شؤون‬
‫الناس وتصريف حياتهم ‪ ،‬فليس للسلم شأن بها ‪ .‬وهنا نعود إلى مقولت‬
‫المغرضين ‪ ،‬الذين يقولون إن السلم ‪ ،‬ليس ديًنا ودولة ‪ ،‬بل هو دين فقط ‪.‬‬
‫رابًعا ‪ :‬كتاب ) مجتمع يثرب ‪ ..‬العلقة بين الرجل والمرأة في العهدين‬
‫المحمدي والخليفي ( ‪:‬‬
‫وهذا كتاب َمْعَيبة ‪ ،‬لنه يشوه السلم في أعظم عصوره ‪ ،‬أي في مرحلة النبوة‬
‫‪ ،‬وصدر السلم ‪ ،‬والخلفاء الراشدين ‪ .‬وسوف يلحظ القارئ ‪ ،‬في اللحظة‬
‫الولى ‪ ،‬أن الكاتب يستخدم ‪ ،‬كلمة ) يثرب ( ول يستخدم اسم ) المدينة المنورة‬
‫( علًما بأن السم الول ‪ ،‬قد نسخه السلم ‪ ،‬وألغاه النبي ‪ ،‬وأطلق عليها هذا‬
‫السم الجديد الجميل ‪ .‬ولكن ليست هذه هي المشكلة في هذا الكتاب ‪ ،‬ولكن‬
‫المشكلة ‪ ،‬هي في الدراسة الجتماعية المزعومة ‪ ،‬التي قّدمها ‪ ،‬والتي شوه‬
‫بها ‪ ،‬ومن خللها ‪ ،‬أعظم المجتمعات وأعظم العصور وأعظم الشخصيات ‪،‬‬
‫حين نكتشف ‪ ،‬أن المجتمع في مدينة رسول ال ‪ ،‬وهو المجتمع الذي أقام‬
‫دولة ‪ ،‬ونشر ديًنا ‪ ،‬هذا المجتمع ورجاله ‪ ،‬لم يكونوا مشغولين بشيء ‪ ،‬قدر‬
‫…!‬
‫انشغالهم بالمرأة والجنس مًعا ‍‬
‫خامسًا‪ :‬كتاب ) قريش من القبيلة إلى الدولة المركزية ( ‪:‬‬
‫وهذا الكتاب ‪ ،‬ينزع عن النبي محمد ‪ ،‬صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬صفات الرسالة‬
‫والنبوة والوحي جميًعا ‪ ،‬إذ يحاول المؤلف أن يثبت ‪ ،‬أنه ليس هناك شيء من‬
‫هذا كله ‪ ،‬ولكن المر كان ينحصر في رغبة قريش ‪ ،‬في أن تقيم دولة ‪ ،‬وأن‬
‫تسود على القبائل العربية ‪ ،‬في شبه الجزيرة وما حولها ‪ .‬وقد تم هذا وفق‬
‫تخطيط محكم قام به ‪ ،‬رجل داهية ‪ ،‬هو جّد النبي ‪ ،‬صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وهو‬
‫‪534‬‬
‫عبد المطلب الذي جاء بحفيده " محمد " ‪ ،‬ولم يكن أقل منه ذكاًء ‪ ،‬وصنع منه‬
‫سا لهذه الدولة ‪ .‬لقد أراد عبد المطلب ‪ ،‬أن " يصنع " ملًكا فصنع‬
‫حاكًما ومؤس ً‬
‫نبًيا ‪ ،‬أي أن الحكاية كلها هي الحكم ‪ ،‬وهي السيطرة ‪ ،‬وهي السيادة إلى جوار‬
‫ملوك وأباطرة ‪ ،‬يحيطون بقبائل العرب ‪ ،‬ابتداء من كسرى حتى هرقل ‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬كتاب ) شدو الربابة بأحوال الصحابة ( ‪:‬‬
‫ضا يأتي‬
‫وهذا كتاب ل يقل سوًءا ‪ ،‬إن لم يزد عن الكتب السابقة ‪ ،‬وهو أي ً‬
‫ل لكتابي مجتمع يثرب ‪ ،‬وقريش القبيلة والدولة ‪ .‬وفي هذا الكتاب الجديد‬ ‫استكما ً‬
‫‪ ،‬يعرض المؤلف لحوال صحابة رسول ال ‪ ،‬فيقول فيهم كلًما ‪ ،‬لم يرد في‬
‫كتب السيرة ‪ ،‬ول في كتب التاريخ ‪ ،‬ومنه أن رسول ال ‪ ،‬صلى ال عليه وسلم‬
‫‪ ،‬كان يختلي بالصحابي الجليل سلمان الفارسي ‪ ،‬ليام طويلة لكي يأخذ منه ‪،‬‬
‫ويتعلم على يديه ‪ ،‬لن سلمان ‪ ،‬فيما يقال كان من كبار مثقفي عصره ‪ ،‬وكان‬
‫عالًما بالعقائد والديان ‪ ،‬وكان يحيط بالمذاهب المختلفة ‪ .‬وقد جلس النبي بين‬
‫يديه ‪ ،‬كما يجلس تلميذ بين يدي أستاذه ‪ ،‬ليتعلم منه كل السس والقواعد‬
‫والتجارب والتواريخ والسير ‪ ،‬التي استفاد منها النبي ‪ ،‬بعد ذلك في رسالته‬
‫السلمية المحمدية ‪.‬‬
‫سابًعا‪ :‬كتاب ) فترة التكوين في حياة الصادق المين ( ‪:‬‬
‫وهذا هو آخر كتب ‪ ،‬خليل عبد الكريم ‪ ،‬ولعله من أخطرها جميًعا ‪ .‬ويقوم هذا‬
‫الكتاب على فكرة واحدة أساسية ‪ ،‬هي أن سيدنا محمد ليس نبًيا ‪ ،‬ولكنه تلميذ‬
‫عبقري ‪ ،‬لمجموعة من الساتذة هم ‪ :‬السيدة خديجة ‪ ،‬وابن عمها ورقة بن نوفل‬
‫‪ ،‬وبقية أفراد السرة وهم ‪ :‬ميسرة ‪ ،‬والراهب بحيرا ‪ ،‬والراهب عداس ‪،‬‬
‫والبطرك عثمان بن الحويرت ‪ ..‬وكلهم مسيحيون ‪ ..‬ولقد قامت هذه المجموعة‬
‫النصرانية ‪ ،‬على " صناعة" هذا النبي ‪ ،‬بعد أن عكفوا على تعليمه ‪ ،‬لكثر من‬
‫خمسة عشر عاًما ‪ ،‬حفظ فيها كتب الولين والخرين ‪ ،‬وعرف التوراة‬
‫والنجيل ‪ ،‬والمذاهب والعقائد ‪ ،‬وانتهى هذا كله بنجاح " التجربة " أي الرسالة‬
‫‪ ،‬وصنع هذا العبقري ‪ ،‬الذي أصبح نبًيا ‪ ،‬ووضع كتاب حّير العاملين ‪ ،‬على‬
‫امتداد القرون هو القرآن الكريم ‪.‬‬
‫ويقول خليل عبد الكريم بالحرف الواحد ‪ " :‬وهذا الكتاب ‪ ،‬يقدم رؤية جديدة ‪،‬‬
‫نزعم أنها غير مسبوقة ‪ ،‬لحل هذا اللغز الذي مل الدنيا ‪ ،‬وشغل الناس ‪ ،‬وقد‬
‫‪535‬‬
‫بدأنا بمحمد ‪ ،‬قبل أن يلتقي أبوه بأمه ‪ ،‬حتى التقطته سيدة قريش ‪ ،‬بعد أن‬
‫توسمت فيه ‪ ،‬بفراسة يعز مثلها ‪ ،‬أنه هو القادم المنتظر ‪ ،‬ثم قيامها بمعونة‬
‫سخية ‪ ،‬من ابن عمها القس ‪ ،‬بدور ل نجد له في تاريخ الديان مجرد شبيه ‪،‬‬
‫أنها ملحمة خالدة ‪ ،‬سلخت من عمر الطاهرة والقس ‪ ،‬عقًدا ونصف العقد من‬
‫الزمان ‪ ،‬في العداد والتصنيع والتهيئة والتأهيل ‪ ،‬حتى طرح ذلك العمل ‪،‬‬
‫الصبور الدءوب المتأني المخطط ‪ ،‬والمرسوم بدقة متناهية ثمرته الناجحة ‪،‬‬
‫وحدثت واقعة غار حراء ‪ ،‬بصورة فذة معجبة ‪ ،‬أدهشت حتى فاعليها ‪ ،‬وهما‬
‫سيدة نساء قريش ‪ ،‬وورقة بن نوفل ‪ ،‬لنها جاءت بصورة ‪ ،‬لم تخطر لهما على‬
‫بال ‪ ،‬ول شك أن هذا النجاح ‪ ،‬يؤوب بنسبة كبيرة إلى موضوع التجربة ‪ ،‬وهو‬
‫" محمد " فقد كان عبقرًيا ‪ ،‬ل يفري فرية أحد ‪ ،‬ذلك أن سيرته الذاتية ‪،‬‬
‫وخبراته الشخصية وملكاته العقلية والنفسية واللسانية ‪ ،‬كانت ركائز أساسية في‬
‫فلح التجربة " ‪.‬‬
‫ش ل يفري فرية أحد ‪ ) :‬أي ل يكذب كذبة أحد ‪ ،‬بمعنى جاء بكذبة لم يسبقه إليها‬
‫أحد من قبله ‪ ،‬حيث كان ُيسمى الصادق المين في مكة ‪ ،‬وبذلك ينفي عنه‬
‫الكاتب هاتين الصفتين ‪ ،‬فيكون إيرادهما في عنوان الكتاب ‪ ،‬من قبيل‬
‫الستهزاء والستخفاف ‪ ،‬به وبمن صّدقوه على مدى ‪ 1400‬سنة ‪ ،‬وهذا مما‬
‫مل قلب مسيلمة الكذاب هذا ‪ ،‬وأمثاله ‪ ،‬غيظا وحسدا على خير الخلق وأكرمهم‬
‫‪ ،‬محمد عليه الصلة والسلم (‬
‫ضا في نفس الكتاب ‪ " ...‬أما في المساء ‪ ،‬وفي ليل مكة الطويل شتاًء ‪،‬‬ ‫ويقول أي ً‬
‫فكان مع الطاهرة ‪ -‬أي خديجة ‪ -‬بمفردها أحياناً ‪ ،‬وبحضور القس أحياًنا أخرى‬
‫‪ ،‬حيث تتم في تلك القعدات ‪ ،‬مذاكرة الصحاحات مباشرة ) التوراة والنجيل (‬
‫‪ ،‬ثم إدارة الحوار بشأنها ‪ ،‬وأما بتلّقيها من الم الرءوم والزوجة الحنون خديجة‬
‫‪ ،‬التي ل شك أنها أجادت القراءة والكتابة ‪ ،‬وقد قرأت تلك الصحاحات ‪،‬‬
‫وخزنّتها في ذاكرتها ‪ ،‬أو أنها طفقت تقرأها له مباشرة ‪ .‬وكل هذا يدور‬
‫بالنهار ‪ ،‬في السواق والحوانيت والعياد ‪ ،‬وما يتم سماعه من القس ورقة ‪،‬‬
‫وخديجة من الصحاحات ‪ ،‬التي عّربها القس في الليالي الطوال ‪ ) ،‬لتخرج في‬
‫شكل سور القرآن ( ‪ ،‬وما يعقبها من شروح وإيضاحات ) السنة النبوية ( ‪،‬‬
‫وحوارات بالجلسات ‪ ،‬التي قد تستمر حتى بزوغ الفجر ‪ .‬نقول أن كل هذا ‪،‬‬
‫كان يجري تخزينه ‪ ،‬وبرمجته في ذاكرة العبقري ‪ ،‬الذي لم تر جزيرة العرب‬
‫صة وقد آمنا أنه‬ ‫ل ‪ ،‬ولم تشهد له ضريًبا ‪ ،‬ولم تعاين له شبيًها أو نًدا ‪ ،‬خا ّ‬
‫له مثي ً‬
‫‪536‬‬
‫ي ‪ -‬يتمتع بذاكرة حديدية ‪ ،‬وحافظة‬ ‫ي ُأم ّ‬
‫أمي ل يقرأ ول يكتب ‪ ،‬والمي ‪ -‬أ ّ‬
‫واعية أشد الوعي ‪ ،‬فما بالك إذا اجتمعت المية والعبقرية الفذة ‪ ،‬في شخص‬
‫واحد ‪.‬‬
‫ويقول في موضع آخر ‪ " ..‬ومهما كانت الجهود التي بذلتها الطاهرة ‪،‬‬
‫وعاضدها فيها ابن عمها القس ‪ ،‬فأنها ل تنفي عن التجربة ‪ ،‬وفى مقدمتها‬
‫حادث الغار ‪ ،‬جانبها الغيبي وناحيتها الميتافيزيقية ) المتافيزيقية ‪ :‬لفظ توصف‬
‫به الظواهر الخارقة الطبيعية ‪ ،‬التي عادة ما تتأتى ‪ ،‬على أيدي الكهان والسحرة‬
‫ضري الرواح ‪ ،‬وذلك لنفي الوحي ( ‪ ،‬إذ ل‬ ‫والمشعوذين والدراويش ومح ّ‬
‫ضا ‪..‬‬
‫تعارض بين المرين ‪ ،‬بل إن كل منهما يكمل الخر ويدعمه ‪ .‬ويقول أي ً‬
‫" حتٌم علينا ‪ ،‬أن نقّر ونعترف بمهارة خديجة ‪ ،‬في المزج بين المومة الفياضة‬
‫‪ ،‬بالحب والحنان ‪ ،‬وبين العداد الكريم الدقيق ‪ ،‬لتلقى التجربة ) النجاح ( ‪،‬‬
‫ولول هذا الخلط البارع ‪ ،‬لما ُقّدر للتجربة الفلح والنجاح ‪ ،‬الذي مل الدنيا ‪،‬‬
‫وشغل الناس منذ أربعة عشر قرًنا ‪ ،‬ومازال يشغلهم حتى الن ‪ ،‬وربما لمد‬
‫بعيد ‪ ،‬ما لم تتبدل جذرًيا ‪ ،‬أحوالهم الجتماعية والقتصادية والثقافية ‪ ،‬وما لم‬
‫لس التراث المبارك ‪ ،‬عن أماكنهم الميمونة ‪،‬‬ ‫يتحّلل حراس الساطير ‪ ،‬وج ّ‬
‫) بمعنى ما لم يعمل جهابذة المفّكرين من أمثال الكاتب ‪ ،‬على رفع هالة القداسة‬
‫عن محمد ورسالته ‪ ،‬فتعالى ال عما ُيشرك به المجرمون ( " ‪.‬‬
‫ثم يقول خليل عبد الكريم في موضع آخر وأخير ‪ " ..‬كان أسى محمد المرير ‪،‬‬
‫على فقد خديجة أمًرا بديهًيا ‪ ،‬لنها الم الرءوم والزوجة الحبيبة ‪ ،‬ولولها ما‬
‫أكمل التجربة حتى نهايتها ‪ ،‬وهي التي أتاحت له الّتماس ‪ ،‬مع ورقة وعداس‬
‫وبحيرا ‪ ،‬وقضاء الليالي الطوال مع ابن نوفل ‪ ،‬في المدارسة والمذاكرة‬
‫والمحاورة ‪ ،‬وهي التي كانت تقرأ له الصحف ‪ ،‬التي عّربها القس نوفل ‪ ،‬وهي‬
‫التي هيأت له الختلط ‪ ،‬بأصحاب جميع الملل والنحل والعقائد والديان ‪،‬‬
‫ظت بهم مكة ‪ ،‬ولول التفرغ الدائم ‪ ،‬وهو أحد عطايا أم هند ‪ ،‬لما‬ ‫الذين اكت ّ‬
‫انفسحت له الفرصة الثمينة ‪ .‬ول شك أن الخلطة بأصحاب الديانات ‪ ،‬شّكلت‬
‫جزًءا من الخطة المرسومة ‪ .‬لما انضوت عليه الخطة ‪ ،‬من تمّرس واستماع ‪،‬‬
‫وحفظ وحوار ومدارسة وتخزين معلومات ‪ .‬لقد أدركت خديجة ‪ ،‬منذ فجر‬
‫التجربة ‪ ،‬أن احترامه التجارة ل يدع له فسحة من الوقت ‪ ،‬في حين أن التجربة‬
‫‪ ،‬تحّتم ضرورة التفرغ الكامل ‪ ،‬وطلق كل ما يشغله عنها ‪ ،‬طلًقا بائًنا بينونة‬
‫كبرى " ‪.‬‬
‫‪537‬‬
‫وبعد ‪ ..‬فهذه مجرد وقفة سريعة ‪ ،‬عند كتب خليل عبد الكريم ‪ ..‬وليس منها‬
‫كتاًبا أقل خطورة من الخر ‪ ..‬ولكن ربما كان هذا الكتاب الخير هو‬
‫أخطرها ‪ ..‬فسوف نلحظ هنا ‪ ،‬أن سيدنا محمد ‪ ،‬صلى ال عليهم وسلم ‪ ،‬ليس‬
‫نبًيا يوحى إليه ‪ ،‬بل هو رجل عبقري ‪ ،‬تمت صناعته على يد السيدة خديجة‬
‫وجماعتها ‪ ،‬وهم مجموعة من أقباط مكة ‪ ،‬وأنه تم تحفيظه الكتب السماوية ‪،‬‬
‫التي سبقته كلها ‪ ،‬فكان النتاج هو هذا الرسول ‪ .‬وأغرب من هذا ‪ ،‬أن الكتاب‬
‫كله ‪ ،‬ل ترد فيه كلمة " الرسالة " ‪ ،‬للدللة على الدين الحنيف ‪ ،‬بل هو يسميها‬
‫" التجربة " ‪ ..‬فلقد نجحت " تجربة " خديجة ومن معها ‪ ،‬بما يعني أنها شيء‬
‫ل ‪ ،‬من فوق سبع سماوات ‪ .‬وفي هذا السياق ‪،‬‬ ‫أرضي ‪ ،‬وليست شيًئا علوًيا منز ً‬
‫فهو يسمي السيدة خديجة باسم " الطاهرة " تيمًنا باسم مريم العذراء ‪ ،‬التي‬
‫طّهرها رب العزة والجلل واصطفاها على نساء العالمين ‪ ،‬ودللة السم هو‬
‫أن السيدة خديجة كانت نصرانية ‪ ،‬وبعد هذا ‪ ،‬فهو ل يتورع ‪ ،‬عن وصف‬
‫الوحي ‪ ،‬الذي نزل على رسول ال ‪ ،‬صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬في غار حراء بأنه‬
‫حادث غيبي ميتافيزيقي !‬
‫بين البداع والحرية‬
‫بقلم ‪ :‬الستاذ بدر الشبيب ‪.‬‬
‫البداع أمر ل يختلف على أهميته اثنان ‪ ،‬والحتفاء بالمبدعين ‪ ،‬دأب‬
‫المجتمعات الحضارية ‪ ،‬التي تنشد الرقي والتقدم دائما وأبدا ‪.‬‬
‫ولكن كيف يكتسب عمل ما ‪ ،‬صفة البداع ؟ هذا سؤال جوهري ‪ ،‬ينبغي على‬
‫المهتمين ‪ ،‬بالشأن الثقافي والفلسفي الجابة عليه ‪ ،‬لنه أصبح أكثر إلحاحا من‬
‫ذي قبل ‪ ،‬بخاصة مع ظهور موجة في العالم العربي ‪ ،‬ترى البداع في‬
‫الخروج على المألوف ‪ ،‬والحديث في المسكوت عنه ‪ ،‬وذلك في مجالين اثنين‬
‫ل ثالث لهما ) الدين والجنس ( ‪.‬‬
‫فباسم البداع وحرية النشر والتعبير ‪ ،‬تقذف لنا دور النشر كتابا هنا ‪ ،‬ورواية‬
‫هناك ‪ ،‬يكون هذان المجالن محورهما ‪ ،‬مع كثير من التطاول ‪ ،‬على حرمة‬
‫المقدسات والرموز الدينية ‪ ،‬وكثير من السفاف والبتذال ‪ ،‬والخروج على‬
‫الداب العامة ‪.‬‬

‫‪538‬‬
‫وقائمة السماء طويلة ‪ ،‬تبدأ من المشرق ‪ ،‬ول تنتهي في المغرب ‪ ،‬ويأتي على‬
‫رأس القائمة ‪ ،‬جمع من الروائيين أمثال حيدر حيدر ) وليمة لعشاب البحر ( ‪،‬‬
‫محمد شكري ) الخبز الحافي ( ‪ ،‬منى فياض ) فخ الجسد ( ‪ ،‬إلهام منصور‬
‫ت ( ‪ ... ،‬الخ ‪.‬‬
‫) أنا هي أن ِ‬
‫وأما الُكّتاب فهم كثر أيضا ) نوال السعداوي ‪ ،‬ليلى العثمان ‪ ،‬نصر حامد أبو‬
‫زيد ‪ ،‬خليل عبد الكريم ‪ ... ،‬الخ (‬
‫ولعل هذا الخير ‪ ،‬أعني خليل عبد الكريم ‪ ،‬هو آخر المتطاولين في كتابه‬
‫) فترة التكوين في حياة الصادق المين ( ‪ ،‬حيث يتناول مرحلة ما قبل النبوة‬
‫في حياة النبي ) ص ( محاول النيل من قدسية الرسول ) ص ( ‪ ،‬والتشكيك في‬
‫كونه مرسل من عند ال ‪.‬‬
‫والملحظ أن هؤلء الكتاب والروائيين يؤسسون لكتاباتهم بمصطلحات تبدو‬
‫للوهلة الولى حضارية وتقدمية ‪ ،‬من مثل البداع وحرية النشر والتعبير ‪،‬‬
‫وإعادة قراءة النصوص التراثية ‪ ،‬بما فيها القرآن ‪ ،‬بالستفادة من المناهج‬
‫التاريخية ‪ ،‬والمدارس اللسنية الحديثة ‪.‬‬
‫ولكننا حين نتأمل في مجمل إنتاجاتهم ‪ ،‬نجدها تهدف أول وآخرا ‪ ،‬إلى المس‬
‫من المقّدس السلمي ‪ ،‬وجعله غير مقّدس ‪ ،‬وإلى هدم قلع الحياء والعفة ‪ ،‬في‬
‫المجتمع المسلم ‪ ،‬وإل فأي معنى لحصر البداع ‪ ،‬في كل ما من شأنه الحط ‪،‬‬
‫من الذوق الجمالي الرفيع ‪ ،‬بدل من أن يكون البداع أساسا ‪ ،‬لتدريب الذائقة‬
‫وتنميتها ؟‬
‫وسؤال آخر يطرح نفسه ‪ :‬هل يحق لكل أحد ‪ ،‬أن يكتب في الدين ‪ ،‬ويناقش‬
‫مسائله ‪ ،‬ولماذا يصبح النص الديني مباحا لكل أحد ؟ ألسنا نعيش عصر‬
‫التخصص ؟‬
‫وأخيرا ‪ ،‬لماذا يغضب هؤلء الكتاب ‪ ،‬عند رفع دعوى حسبية ضدهم أمام‬
‫القضاء ‪ ،‬إذا كانوا متحضرين فعل ؟ أليس التقاضي أسلوبا حضاريا ؟‬
‫ونقطة أخرى هامة ‪ ،‬ينبغي الشارة إليها هنا ‪ ،‬فنحن ل نستطيع أن نعمم على‬
‫جميع الكتاب ‪ ،‬تهمة التآمر ضد السلم والمجتمع المسلم ‪ ،‬فهناك طائفة من‬
‫الكتاب ‪ ،‬تنشد الحق ‪ ،‬ولكنها تخطئ الوسيلة والمنهج ‪ ،‬و ) ليس من طلب الحق‬
‫فأخطأه ‪ ،‬كمن طلب الباطل فأدركه ( ‪.‬‬
‫‪539‬‬
‫نحن لسنا ضد البداع ‪ ،‬ولسنا ضد الستفادة من المنتجات الثقافية للخرين ‪،‬‬
‫ول نريد هنا أن نؤسس لفقه المصادرة ‪ ،‬ولكننا نريد أن نؤسس منهجا منطلقا ‪،‬‬
‫ي البداع والحرية‬ ‫من ثقافتنا السلمية الصيلة ‪ ،‬في تعريف مصطلح ّ‬
‫وحدودهما ‪ ،‬في نفس الوقت الذي ندعو فيه ‪ ،‬لعادة صياغة فقه الحسبة ‪ ،‬بلغة‬
‫عصرية ‪ ،‬وبثه في أوساط المجتمع ‪.‬‬
‫وهذا التأصيل ضروري ‪ ،‬لكي نتعرف على قيمة المنفعة والمتعة وغيرهما ‪،‬‬
‫في تحديد إبداعية العمل ‪ ،‬وكذلك للتعرف على الطر ‪ ،‬التي تعمل الحرية في‬
‫حدودها ‪ ،‬إذ ل يمكننا العتماد على المنهج الغربي ‪ ،‬الذي يكيل بألف مكيال ‪،‬‬
‫فيحتفي بسلمان رشدي ‪ ،‬باعتباره مبدعا ‪ ،‬ويضيق صدرا بروجيه جارودي ‪،‬‬
‫فيسن قانون ) جيسو – فابيو ( ليقدمه للمحاكمة ‪ ،‬لنه كتب ) الساطير‬
‫المؤسسة للسياسة السرائيلية ( ‪ ،‬كما لم يتسع صدره لش ) دافيد ايرفنج ( ‪،‬‬
‫المؤرخ البريطاني ‪ ،‬الذي شكك في أرقام الهولوكوست " ‪.‬‬
‫جولة الصحافة ‪ :‬الجزيرة نت ‪ ،‬ثورة المشايخ‬
‫" الكلم الوارد ‪ ،‬في كتاب فترة التكوين في حياة الصادق المين ‪ ،‬ل يحتمل‬
‫حكمًا آخر ‪ ،‬غير الكفر " د‪ .‬يحيى إسماعيل ‪ ،‬الهرام العربي ‪.‬‬
‫ونشرت المجلة ملفًا عن الثورة ‪ ،‬التي أحدثها كتاب "فترة التكوين في حياة‬
‫الصادق المين" ‪ ،‬لخليل عبد الكريم ‪ ،‬الكاتب اليساري ‪ ،‬الذي ينسب نفسه إلى‬
‫ما يسمى بش " اليسار السلمي " ‪ ،‬أو " السلم المستنير " ‪.‬‬
‫وأصدر مجمع البحوث السلمية من جهته ‪ ،‬تقريرًا عن الكتاب ‪ ،‬أوضح فيه‬
‫أن الكتاب ‪ ،‬يعتبر إنكارا لرسالت النبياء ‪ .‬ويعرض الكتاب لحياة الرسول‬
‫الكريم بشكل مزر ‪ ،‬حيث صار فاقد الرادة أمام زوجته السيدة خديجة ‪ ،‬ثم‬
‫خضع خضوعًا تامًا ‪ ،‬لما أرادته هي وابن عمها ورقة بن نوفل ‪ ،‬من تصييره‬
‫نبيًا ‪ ،‬تدين له جزيرة العرب وغيرها ‪.‬‬
‫ل عدوانيًا ‪،‬‬‫وانتهى التقرير ‪ ،‬إلى التوصية بمصادرة الكتاب ‪ ،‬الذي يمثل عم ً‬
‫على عقيدة المة السلمية ‪ ،‬ينكر مبدأ الرسالت السماوية إنكارًا قاطعًا ‪،‬‬
‫ويزعم أن جميع النبياء ‪ ،‬صناعة أرضية بشرية ‪ .‬من الجدير بالذكر ‪ ،‬أن‬
‫التوصية بالمصادرة ‪ ،‬صدرت بإجماع آراء علماء مجمع البحوث ‪.‬‬

‫‪540‬‬
‫من ناحيته ‪ ،‬أكد د‪ .‬يحيى إسماعيل المين العام ‪ ،‬لجبهة علماء الزهر ‪ ،‬أن‬
‫ل‪:‬‬‫الكلم الوارد في الكتاب ‪ ،‬ل يحتمل حكمًا آخر غير الكفر ‪ .‬وأضاف قائ ً‬
‫لسنا أمام ثقافة أو فكر ‪ ،‬ول يمكن أن تكون الوقاحة إبداعًا ‪.‬‬
‫وليمة جديدة ‪ :‬وفي نفس الطار ‪ ،‬نشرت صحيفة الوفد ‪ ،‬تقريرا تحت عنوان "‬
‫وزارة الثقافة تطبع كتابًا يهاجم السلم " ‪ ،‬ويقول التقرير ‪ :‬أن مجمع البحوث‬
‫السلمية ‪ ،‬طلب مصادرة كتاب " المرأة والجنوسة في السلم " ‪ ،‬والذي‬
‫قامت بتأليفه ‪ ،‬ليلى أحمد باللغة النجليزية ‪ ،‬وطبعته وزارة الثقافة ‪ ،‬على نفقتها‬
‫بعد ترجمته ‪.‬‬
‫وكشف التقرير ‪ ،‬أن الكتاب يزعم ‪ ،‬أن القرآن اقتبس مادته التاريخية من‬
‫التوارة ‪ ،‬وأن السلم سلب حقوق المرأة ‪ .‬واتهم التقرير المؤلفة بالتشكيك ‪ ،‬في‬
‫سماوية القرآن ‪ ،‬وبالتحريف المتعمد لوقائع السيرة النبوية ‪ .‬وطلب التقرير ‪،‬‬
‫مساءلة المجلس العلى للثقافة ‪ ،‬عن إضاعة أموال الدولة ‪ ،‬في عمل يدعو‬
‫لهدم السلم " ‪.‬‬
‫معارك السلميين‬
‫* جزء من مقال في صحيفة القدس العربي ‪:‬‬
‫" وإلى جماعة الخوان المسلمين ‪ ،‬في جريدتهم آفاق عربية ‪ ،‬واندهاش‬
‫الدكتور عبد العظيم المطعني ‪ ،‬الستاذ بجامعة الزهر ‪ ،‬من الحملة العنيفة ضد‬
‫صحيفة النبأ ‪ ،‬بسبب نشرها موضوع الراهب برسوم المحرقي ‪ ،‬وغلقها‬
‫وإسقاط عضوية ‪ ،‬صاحبها ممدوح مهران من نقابة الصحافيين ‪ ،‬وتقديمه‬
‫للمحاكمة ‪ ،‬والحملة التي تعرضت لها الدكتورة نوال السعداوي ‪ ،‬بينما لم‬
‫يحدث تحرك ضد خليل عبد الكريم ‪ ،‬بسبب كتابه فترة التكوين في حياة‬
‫الصادق المين ‪.‬‬
‫المهم أن الدكتور المطعني ‪ ،‬قال ‪ :‬د‪ .‬نوال ‪ ،‬اخترقت جانبًا من حصن العقيدة‬
‫والتشريع ‪ ،‬وجريدة النبأ ‪ ،‬اخترقت جانبًا من الطار الخلقي ‪ ،‬بما يعد‬
‫تحريضا علي الفسق والفجور ‪ ،‬وخدشًا للحياء وإساءة إلى مشاعر الشعب‬
‫المصري كله ‪ ،‬مسلمين وأقباطا ‪ ،‬أما خليل عبد الكريم عبد الناصر‬
‫) الكاتب ( ‪ ،‬ومحمد هاشم ) الناشر ( ‪ ،‬فإن جريمتهما أفظع جريمة يشهدها‬
‫المجتمع المصري ‪ ،‬جريمة تدعو إلى تقويض وهدم حقائق اليمان ‪ ،‬ومحوها‬
‫من الوجود ‪ ،‬حيث تصور كل أنبياء ال ورسله ‪ ،‬على مدى التاريخ النبوي‬
‫‪541‬‬
‫كله ‪ ،‬بأنهم صناعة أرضية بشرية مفبركة !! وليست لهم صلة بوحي ال ‪ ،‬بل‬
‫صنفرون والمقلوظون في ورش بشرية ‪ ،‬تخصصت في إنتاج النبياء‬ ‫هم الُم َ‬
‫والرسل المخدوعين !!‬
‫هذه الجريمة الفظيعة ‪ ،‬لم تتجاوز مواجهتها ش حتى الن ش سوى الرفض‬
‫العلمي القولي ‪ ،‬ولم يتخذ ضد أطرافها أي موقف رسمي حاسم ‪ ،‬لوقف هذه‬
‫المهاترات المشبوهة ‪ ،‬التي تمس نظام المجتمع من الجذور ‪ ،‬والواجب أن‬
‫ُيحاسب قانونًا ‪ ،‬كل من المؤلف والناشر ‪ ،‬وأن تحذو نقابة المحامين ‪ ،‬حذو‬
‫نقابة الصحافيين ‪ ،‬بشطب اسم خليل عبد الكريم من جدول المحامين ‪ ،‬وأن‬
‫يتخذ اتحاد الناشرين قرارا ‪ ،‬برفع دعوى لسحب ترخيص ‪ ،‬مكتبة ميريت‬
‫للنشر والمعلومات ‪ ،‬من مزاولة مهنة النشر ‪ .‬أجل ‪ ،‬إن خليل أولى بالمحاكمة ‪،‬‬
‫من نوال وإن ميريت أولى بالغلق من النبأ ‪ ،‬وإل فان نجاة خليل ومحمد‬
‫هاشم من المساءلة الرادعة ‪ ،‬سوف يفسح المجال للعشرات من أمثال خليل ‪،‬‬
‫في مجال التأليف المخّرب ‪ ،‬وللعشرات من أمثال محمد هاشم ‪ ،‬من الناشرين‬
‫المخربين ‪ .‬وحسبنا ال ونعم الوكيل " ‪.‬‬
‫شَيًة (‬
‫خ ْ‬
‫شّد َ‬
‫ل َأْو َأ َ‬
‫شَيِة ا ِّ‬
‫خ ْ‬
‫س َك َ‬
‫ن الّنا َ‬
‫شْو َ‬
‫خ َ‬
‫) َي ْ‬
‫في نيجيريا تخرج المليين من الناس ‪ ،‬لتجتمع في صعيد واحد مطالبة بتطبيق‬
‫الشريعة ‪ ،‬فتبدأ ولية تلو أخرى بتطبيقها ‪ ،‬بالرغم من معارضة الغرب‬
‫النصراني ‪ ،‬أما في مصر أم الدنيا ‪ ،‬بلد الزهر ‪ ،‬كما ُيسّميها الشقاء‬
‫المصريون ‪ ،‬وفي أرض الكنانة كما ُيسميها الشقاء العرب ‪ ،‬فالشريعة‬
‫السلمية لديهم انتهت مدة صلحيتها ‪ ،‬لذلك يتوجب علينا أن ُنلقيها في سلة‬
‫المهملت ‪ ،‬ليكون مصيرها الحرق في مقالب قمامة القاهرة ‪.‬‬
‫هي نفسها ‪ ،‬حرب فرعون وملئه ‪ ،‬على موسى ومن معه من المؤمنين ‪ ،‬تتجّدد‬
‫على نفس الرض ‪ ،‬وعلى نفس الشاكلة ‪ ،‬ول وازع ول رادع ‪ ،‬بالرغم من‬
‫سكنهم ‪ ،‬في مساكن الذين ظلموا أنفسهم ‪ ،‬فأخذهم وأبقى أثرهم ‪ ،‬لتذكير من‬
‫يأتي بعدهم ‪ ،‬ببطشه وجبروته ‪.‬‬
‫في مصر ُتصدر المحكمة الدارية في القاهرة ‪ ،‬في مطلع شهر ‪7/2001‬م ‪،‬‬
‫قرارا بإغلق صحيفتي ) النبأ ( و ) آخر نبأ ( ‪ ،‬لنها أساءت لمشاعر‬
‫القباط ‪ ،‬بنشر صور فاضحة ‪ ،‬انحرافات جنسية لراهب مطرود من الدير ‪،‬‬
‫‪542‬‬
‫مما أثار تظاهرات غاضبة للقباط في حزيران الماضي ‪ .‬وهذا القرار عادل‬
‫بل أدنى شك ‪ ،‬فديننا ل يقبل هذا الفعل ‪.‬‬
‫ولكن ماذا عن إساءة مشاعر المسلمين ‪ ،‬وماذا عن الساءة لكتاب ال ‪ ،‬وماذا‬
‫عن الساءة لرسول ال ‪ ،‬وماذا عن الجتراء على ال ‪ ،‬لقد ُرفعت قضايا ضد‬
‫من قاموا بذلك ‪ ،‬ولكن هل اتخذت تلك المحكمة قرارا مشابها ‪‍‍ ...‬؟! نعم ‪ ..‬لقد‬
‫أخذت الحكومة المصرية قرارا ‪ ،‬ولكن بإغلق الصحف التي دافعت عن‬
‫مقدسات المة ‪ ،‬بدعوى الرهاب الفكري للمبدعين ‪ ،‬الذين انهالوا على السلم‬
‫ليحطموا أوثانه وأصنامه ‪ ،‬التي ألفوا آباءهم وأجدادهم عليها عاكفين ‪ ،‬منذ‬
‫أربعة عشر قرنا من الزمان … !!‬
‫ما يلفت النتباه إلى أن أقباط مصر ‪ ،‬غضبوا لدينهم بشكل جماعي ‪ ،‬وهم أقلية‬
‫في مصر ‪ ،‬ومن حق النسان ‪ ،‬بل واجب عليه أن يغضب ‪ ،‬ول يكون الغضب‬
‫محمودا إل في هذا الموقف ‪ ،‬ولكن هل غضب المسلمون في مصر ‪ ،‬عندما‬
‫انتهكت ‪ ،‬وما زالت ‪ ،‬مقّدساتهم الدينية جمل وتفصيل ‪.‬‬
‫يقول د‪ .‬محمد عباس ‪ " :‬كانت المة تغلي بالغضب ‪ ،‬وكان قلبها متمثل ‪ ،‬في‬
‫طلبة جامعة الزهر ‪ ،‬حيث تظاهر ‪ 25‬ألف طالب ‪ ،‬وكانت الدولة مترددة ‪،‬‬
‫حتى حسمت أمرها بإطلق الرصاص ‪ ،‬على قلب المة ‪ ،‬على طلبة جامعة‬
‫الزهر " ‪ .‬ويقول ‪ " :‬كان موقف شيوخ الزهر وطلبته رائعا ‪ ،‬فقد أصدر ‪70‬‬
‫عالما أزهريا بيانا " ‪.‬‬
‫رائعا ‪ ،‬لكونهم أصدروا بيانا ‪ ،‬ولكن ما شاهدناه على شاشة التلفزيون هو‬
‫مظاهرة ‪ ،‬تضم بضعة عشرات من فتيات الزهر ‪ ،‬وأدتها الشرطة المصرية ‪،‬‬
‫من قبل أن تبدأ ‪ ،‬حسبما جاء في النشرات الخبارية ‪ ،‬وما نود أن ُنشير إليه هنا‬
‫‪ ،‬أن المة المصرية ‪ ،‬لم ُتحرك ساكنا ‪ ،‬فهي منشغلة بدنياها ‪ ،‬من رأسها حتى‬
‫أخمص قدمها ‪ ،‬لتستمر المعركة على صفحات الصحف من قبل القلة ‪ ،‬من‬
‫أبناء الذين انتصروا لدينهم ‪ ،‬وخذلتهم أمتهم وخذلت دينها ‪ ،‬قبل أن تخذلهم‬
‫حكومتهم ‪ ،‬وما نسبة ‪ 25‬ألف طالب ‪ ،‬مما يزيد عن ‪ 50‬مليون مسلم في مصر‬
‫… ؟!‬
‫وهذا الوضع المؤسف والمأسوي في مصر ‪ ،‬الذي حاول د‪ .‬محمد عباس‬
‫تجميله ‪ ،‬والذي يبعث السى والحزن في قلب كل مسلم ‪ ،‬هو ما تستشعره في‬
‫ثنايا مقالت وبيانات ‪ ،‬د‪ .‬محمد عباس نفسه ‪ ،‬وهو ينادي في أمته ‪ ،‬فل سامع‬
‫‪543‬‬
‫ول مجيب ‪ ،‬مما اضطره للستنجاد بالزهر وطلبته والمفتي والقرضاوي ‪،‬‬
‫ي كماشة إعلم الكفر والضللة ‪،‬‬ ‫بعد أن وجد نفسه وحيدا محاصرا ‪ ،‬بين فك ّ‬
‫وجبروت فرعون وسطوته ‪ ،‬فاستجابوا له بعد حين ‪.‬‬
‫فلماذا انتصرت الحكومة ‪ ،‬لنصارى مصر وحاربت مسلميها ؟! أليس لنهم‬
‫يخشون الناس ‪ ،‬من نصارى الغرب ‪ ،‬كخشية ال أو أشد خشية ‪ ،‬نعم ‪ ..‬هذا هو‬
‫سرون القدماء ‪ ،‬أن المقصود في اليات‬ ‫الشرك بعينه ‪ ،‬لذلك اعتقد بعض المف ّ‬
‫هم مشركي قريش ‪ ،‬ظنا منهم أن الشرك ‪ ،‬وّلى من غير رجعة ‪.‬‬
‫نعم ‪ ..‬إنهم يشّكون بربوبية ال وألوهيته ‪ ،‬ول يدينون له بالعبادة ‪ ،‬ويشّكون في‬
‫قدرته على نصر أوليائه ‪ ،‬والنتقام من خصومه ‪ ،‬وُيضاف إلى شركهم صفة‬
‫أخرى ‪ ،‬هي النفاق ‪ ،‬وهو ما لم ينتبه إليه ‪ ،‬من ذهبوا إلى ذلك القول من‬
‫سرين ‪ ،‬فمشركو قريش أخذتهم العزة بالثم ‪ ،‬فل حاجة بهم لُينافقوا رسول‬ ‫الُمف ّ‬
‫ال وصحبه ‪ ،‬ولم ُيعطوا الدنية في معتقدهم بالرغم من بطلنه ‪ ،‬حتى ُفتحت‬
‫مكة ودخلوا في السلم ‪ ،‬وما ظهر النفاق إل في المدينة ‪.‬‬
‫وفي خضم هذه الموجة ‪ ،‬ومع ضعف نور السلم ‪ ،‬وأفول شمسه ‪ ،‬سيتحول‬
‫النفاق قريبا ‪ ،‬إلى كفر بواح ‪ ،‬فلن يكون هناك داعيا للخجل ‪ .‬حينها ستكون‬
‫بطشة ربك الكبرى ‪ ،‬على البواب ‪ ،‬ويكون أهل مصر قد أعذروا ال في‬
‫أنفسهم ‪ ،‬بما كسبت أيديهم ‪ ،‬وبما سكتوا عن الحق ‪ ،‬فالساكت عن الحق شيطان‬
‫ث ِفي ُأّمَها‬
‫حّتى َيْبَع َ‬
‫ك اْلُقَرى َ‬ ‫ك ُمْهِل َ‬
‫ن َرّب َ‬
‫أخرس ‪ ،‬لنعود إلى قوله تعالى ) َوَما َكا َ‬
‫ن )‪59‬‬ ‫ظاِلُمو َ‬
‫عَلْيِهْم َءاَياِتَنا َوَما ُكّنا ُمْهِلِكي اْلُقَرى ِإّل َوَأْهُلَها َ‬
‫سولً َيْتُلو َ‬ ‫َر ُ‬
‫القصص ( ‪ ،‬ورحمة من ربك ‪ ،‬بعث رسله الكرام ‪ ،‬مبشرين بعظم ثواب الدنيا‬
‫والخرة ‪ ،‬ومنذرين من بأسه الشديد في الدنيا والخرة ‪ ،‬ورحمة بأهل مصر ‪،‬‬
‫ها قد أنذرهم بالدخان ‪ ،‬حتى يوقظهم من غفلتهم لعلهم يرجعون ‪ ،‬مصداقا لقوله‬
‫ن )‪ 131‬النعام ( ‪،‬‬ ‫غاِفُلو َ‬‫ظْلٍم ‪َ ،‬وَأْهُلَها َ‬‫ك اْلُقَرى ِب ُ‬
‫ك ‪ُ ،‬مْهِل َ‬ ‫ن َرّب َ‬
‫ن َلْم َيُك ْ‬
‫ك َأ ْ‬
‫) َذِل َ‬
‫ن )‪ 117‬هود ( ‪.‬‬ ‫حو َ‬‫صِل ُ‬
‫ظْلٍم ‪َ ،‬وَأْهُلَها ُم ْ‬ ‫ك اْلُقَرى ِب ُ‬
‫ك ِلُيْهِل َ‬
‫ن َرّب َ‬
‫وقوله ) َوَما َكا َ‬

‫) َقْد َكَفْرُتْم َبْعَد ِإيَماِنُكْم (‬

‫‪544‬‬
‫خْيٍر َلُكْم ‪،‬‬ ‫ن َ‬ ‫ن ‪ُ ،‬قْل ُأُذ ُ‬ ‫ن ُهَو ُأُذ ٌ‬ ‫ي ‪َ ،‬وَيُقوُلو َ‬ ‫ن الّنِب ّ‬ ‫ن ُيْؤُذو َ‬ ‫قال تعالى ) َوِمْنُهُم اّلِذي َ‬
‫ن‬
‫ن ُيْؤُذو َ‬ ‫ن َءاَمُنوا ِمْنُكْم ‪َ ،‬واّلِذي َ‬ ‫حَمٌة ِلّلِذي َ‬ ‫ن ‪َ ،‬وَر ْ‬ ‫ن ِلْلُمْؤِمِني َ‬ ‫ل َوُيْؤِم ُ‬ ‫ن ِبا ِّ‬ ‫ُيْؤِم ُ‬
‫سوُلُه‬ ‫ل َوَر ُ‬ ‫ضوُكْم ‪َ ،‬وا ُّ‬ ‫ل لَُكْم ِلُيْر ُ‬ ‫ن ِبا ِّ‬ ‫حِلُفو َ‬ ‫ب َأِليٌم )‪َ (61‬ي ْ‬ ‫عَذا ٌ‬ ‫ل َلُهْم َ‬ ‫سوَل ا ِّ‬ ‫َر ُ‬
‫حاِدِد ا َّ‬
‫ل‬ ‫ن ُي َ‬‫ن )‪َ (62‬أَلْم َيْعَلُموا َأّنُه َم ْ‬ ‫ن َكاُنوا ُمْؤِمِني َ‬ ‫ضوُه ‪ِ ،‬إ ْ‬ ‫ن ُيْر ُ‬ ‫حقّ َأ ْ‬ ‫َأ َ‬
‫حَذُر‬ ‫ظيُم )‪ (63‬يَ ْ‬ ‫ي اْلَع ِ‬‫خْز ُ‬ ‫ك اْل ِ‬‫خاِلًدا ِفيَها ‪َ ،‬ذِل َ‬ ‫جَهّنَم َ‬ ‫ن َلُه َناَر َ‬ ‫سوَلُه ‪َ ،‬فَأ ّ‬ ‫َوَر ُ‬
‫سَتْهِزُئوا ‪ِ ،‬إ ّ‬
‫ن‬ ‫سوَرٌة ُتَنّبُئُهْم ِبَما ِفي ُقُلوِبِهْم ‪ُ ،‬قِل ا ْ‬ ‫عَلْيِهْم ُ‬ ‫ن ُتَنّزَل َ‬ ‫ن ‪َ ،‬أ ْ‬ ‫اْلُمَناِفُقو َ‬
‫ب‪،‬‬ ‫خوضُ َوَنْلَع ُ‬ ‫ن ِإّنَما ُكّنا َن ُ‬ ‫سَأْلَتُهْم ‪َ ،‬لَيُقوُل ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ن )‪َ (64‬وَلِئ ْ‬ ‫حَذُرو َ‬ ‫ج َما َت ْ‬ ‫خِر ٌ‬ ‫ل ُم ْ‬ ‫ا َّ‬
‫ن )‪َ (65‬ل َتْعَتِذُروا َقْد َكَفْرُتْم َبْعَد‬ ‫سَتْهِزُئو َ‬ ‫سوِلِه ُكْنُتْم َت ْ‬ ‫ل َوَءاَياِتِه َوَر ُ‬ ‫ُقْل َأِبا ِّ‬
‫ن )‪(66‬‬ ‫جرِِمي َ‬ ‫طاِئَفًة ‪ِ ،‬بَأّنُهْم َكاُنوا ُم ْ‬ ‫ب َ‬ ‫طاِئَفٍة ِمْنُكْم ‪ُ ،‬نَعّذ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫عْ‬ ‫ف َ‬ ‫ن َنْع ُ‬ ‫ِإيَمانُِكْم ‪ِ ،‬إ ْ‬
‫عِ‬
‫ن‬ ‫ن َ‬ ‫ن ِباْلُمْنَكِر َوَيْنَهْو َ‬ ‫ض ‪َ ،‬يْأُمُرو َ‬ ‫ن َبْع ٍ‬ ‫ضُهْم ِم ْ‬ ‫ت َبْع ُ‬ ‫ن َواْلُمَناِفَقا ُ‬ ‫اْلُمَناِفُقو َ‬
‫سُقو َ‬
‫ن‬ ‫ن ُهُم اْلَفا ِ‬ ‫ن اْلُمَناِفِقي َ‬ ‫سَيُهْم ‪ِ ،‬إ ّ‬ ‫ل َفَن ِ‬ ‫سوا ا َّ‬ ‫ن َأْيِدَيُهْم ‪َ ،‬ن ُ‬ ‫ضو َ‬ ‫ف ‪َ ،‬وَيْقِب ُ‬ ‫اْلَمْعُرو ِ‬
‫ن ِفيَها ‪ِ ،‬ه َ‬
‫ي‬ ‫خاِلِدي َ‬‫جَهّنَم َ‬ ‫ت َواْلُكّفاَر ‪َ ،‬ناَر َ‬ ‫ن َواْلُمَناِفَقا ِ‬ ‫ل اْلُمَناِفِقي َ‬ ‫عَد ا ُّ‬ ‫)‪َ (67‬و َ‬
‫شّد ِمْنُكْم‬ ‫ن َقْبِلُكْم ‪َ ،‬كاُنوا َأ َ‬ ‫ن ِم ْ‬ ‫ب ُمِقيٌم )‪َ (68‬كاّلِذي َ‬ ‫عَذا ٌ‬ ‫ل َوَلُهْم َ‬ ‫سبُُهْم َوَلَعَنُهُم ا ُّ‬ ‫ح ْ‬ ‫َ‬
‫لِقُكْم َكَما‬ ‫خَ‬ ‫سَتْمَتْعُتْم ِب َ‬
‫لِقِهْم ‪َ ،‬فا ْ‬ ‫خَ‬ ‫سَتْمَتُعوا ِب َ‬ ‫ُقّوًة َوَأْكَثَر َأْمَوالً َوَأْولًَدا ‪َ ،‬فا ْ‬
‫ك حَِبطَ ْ‬
‫ت‬ ‫ضوا ‪ُ ،‬أوَلِئ َ‬ ‫خا ُ‬ ‫ضُتْم َكاّلِذي َ‬ ‫خ ْ‬ ‫لِقِهْم ‪َ ،‬و ُ‬ ‫خَ‬ ‫ن َقْبِلُكْم ِب َ‬ ‫ن ِم ْ‬ ‫سَتمَْتَع اّلِذي َ‬ ‫ا ْ‬
‫ن‬
‫ن )‪َ (69‬أَلْم َيْأِتِهْم َنَبُأ اّلِذي َ‬ ‫سُرو َ‬ ‫خا ِ‬ ‫ك ُهُم اْل َ‬ ‫خَرِة ‪َ ،‬وُأوَلِئ َ‬ ‫لِ‬ ‫عَماُلُهْم ِفي الّدْنَيا َوا ْ‬ ‫َأ ْ‬
‫ت‪،‬‬ ‫ن َواْلُمْؤَتِفَكا ِ‬ ‫ب َمْدَي َ‬ ‫حا ِ‬ ‫صَ‬‫عاٍد َوَثُموَد َوَقْوِم ِإْبَراِهيَم َوَأ ْ‬ ‫ح َو َ‬ ‫ن َقْبِلِهْم ‪َ ،‬قْوِم ُنو ٍ‬ ‫ِم ْ‬
‫ن)‬ ‫ظِلُمو َ‬ ‫سُهْم َي ْ‬ ‫ن َكاُنوا َأْنُف َ‬ ‫ظِلَمُهْم ‪َ ،‬وَلِك ْ‬ ‫ل ِلَي ْ‬‫ن ا ُّ‬ ‫ت ‪َ ،‬فَما َكا َ‬ ‫سُلُهْم ِباْلَبّيَنا ِ‬ ‫َأَتْتُهْم ُر ُ‬
‫ن ِباْلَمْعُرو ِ‬
‫ف‬ ‫ض ‪َ ،‬يْأُمُرو َ‬ ‫ضُهْم َأْوِلَياُء َبْع ٍ‬ ‫ت َبْع ُ‬ ‫ن َواْلُمْؤِمَنا ُ‬ ‫‪َ (70‬واْلُمْؤِمُنو َ‬
‫ن ا َّ‬
‫ل‬ ‫طيُعو َ‬ ‫ن الّزَكاَة َوُي ِ‬ ‫لَة َوُيْؤُتو َ‬ ‫صَ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ن اْلُمْنَكِر ‪َ ،‬وُيِقيُمو َ‬ ‫عِ‬ ‫ن َ‬ ‫َوَيْنَهْو َ‬
‫عَد الُّ اْلُمْؤِمِني َ‬
‫ن‬ ‫حِكيٌم )‪َ (71‬و َ‬ ‫عِزيٌز َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن ا َّ‬ ‫ل ‪ِ ،‬إ ّ‬ ‫حُمُهُم ا ُّ‬ ‫سَيْر َ‬ ‫ك َ‬ ‫سوَلُه ‪ُ ،‬أوَلِئ َ‬ ‫َوَر ُ‬
‫ن طَّيَبًة ِفي‬ ‫ساِك َ‬ ‫ن ِفيَها ‪َ ،‬وَم َ‬ ‫خاِلِدي َ‬ ‫حِتَها اَْلْنَهاُر َ‬ ‫ن َت ْ‬ ‫جِري ِم ْ‬ ‫ت َت ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫ت‪َ ،‬‬ ‫َواْلُمْؤِمَنا ِ‬
‫ظيُم )‪ (72‬يََأّيَها‬ ‫ك ُهَو اْلَفْوُز اْلَع ِ‬ ‫ل َأْكَبُر ‪َ ،‬ذِل َ‬ ‫ن ا ِّ‬ ‫ن ِم َ‬ ‫ضَوا ٌ‬ ‫ن ‪َ ،‬وِر ْ‬ ‫عْد ٍ‬ ‫ت َ‬ ‫جّنا ِ‬ ‫َ‬
‫صيُر‬ ‫س اْلَم ِ‬ ‫جَهّنُم َوِبْئ َ‬ ‫عَلْيِهْم ‪َ ،‬وَمْأَواُهْم َ‬ ‫ظ َ‬ ‫غُل ْ‬‫ن َوا ْ‬ ‫جاِهِد اْلُكّفاَر َواْلُمَناِفِقي َ‬ ‫ي‪َ ،‬‬ ‫الّنِب ّ‬
‫لِمِهْم ‪،‬‬ ‫سَ‬ ‫ل َما َقاُلوا ‪َ ،‬وَلَقْد َقاُلوا َكِلَمَة اْلُكْفِر ‪َ ،‬وَكَفُروا َبْعَد ِإ ْ‬ ‫ن ِبا ِّ‬ ‫حِلُفو َ‬ ‫)‪َ (73‬ي ْ‬
‫ن‬
‫ضِلِه ‪َ ،‬فِإ ْ‬ ‫ن َف ْ‬ ‫سوُلُه ِم ْ‬ ‫ل َوَر ُ‬ ‫غَناُهُم ا ُّ‬ ‫ن َأ ْ‬ ‫َوَهّموا ِبَما َلْم َيَناُلوا ‪َ ،‬وَما َنَقُموا ِإلّ َأ ْ‬
‫خَرِة ‪،‬‬ ‫لِ‬ ‫عَذاًبا َأِليًما ِفي الّدْنَيا َوا ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ن َيَتَوّلْوا ُيَعّذْبُهُم ا ُّ‬ ‫خْيًرا َلُهْم ‪َ ،‬وِإ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫َيُتوُبوا َي ُ‬
‫ن َءاَتاَنا‬ ‫ل ‪َ ،‬لِئ ْ‬ ‫عاَهَد ا َّ‬ ‫ن َ‬ ‫صيٍر )‪َ (74‬وِمْنُهْم َم ْ‬ ‫ي َوَل َن ِ‬ ‫ن َوِل ّ‬ ‫ض ِم ْ‬ ‫َوَما َلُهْم ِفي الَْْر ِ‬
‫ضِلِه ‪،‬‬ ‫ن َف ْ‬ ‫ن )‪َ (75‬فَلّما َءاَتاُهْم ِم ْ‬ ‫حي َ‬‫صاِل ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ن ِم َ‬ ‫ن َوَلَنُكوَن ّ‬ ‫صّدَق ّ‬ ‫ضِلِه ‪َ ،‬لَن ّ‬ ‫ن َف ْ‬ ‫ِم ْ‬
‫عَقَبُهْم ِنَفاًقا ِفي ُقُلوِبِهْم ِإَلى َيْوِم‬ ‫ن )‪َ (76‬فَأ ْ‬ ‫ضو َ‬ ‫خُلوا ِبِه َوَتَوّلْوا َوُهْم ُمْعِر ُ‬ ‫َب ِ‬
‫‪545‬‬
‫ن‬
‫ن )‪َ (77‬أَلْم َيْعَلُموا َأ ّ‬ ‫عُدوُه ‪َ ،‬وِبَما َكاُنوا َيْكِذُبو َ‬ ‫ل َما َو َ‬ ‫خَلُفوا ا َّ‬ ‫َيْلَقْونَُه ‪ِ ،‬بَما َأ ْ‬
‫ب )‪ 78‬التوبة ( ‪.‬‬ ‫لُم اْلُغُيو ِ‬
‫عّ‬ ‫ل َ‬‫ن ا َّ‬‫جَواُهْم ‪َ ،‬وَأ ّ‬ ‫سّرُهْم َوَن ْ‬ ‫ل َيْعَلُم ِ‬‫ا َّ‬
‫قال تعالى‬
‫عّد َلُهْم‬
‫خَرِة ‪َ ،‬وَأ َ‬‫لِ‬ ‫ل ِفي الّدْنَيا َوا ْ‬‫سوَلُه ‪َ ،‬لَعَنُهُم ا ُّ‬ ‫ل َوَر ُ‬ ‫ن ا َّ‬
‫ن ُيْؤُذو َ‬ ‫ن اّلِذي َ‬‫) ِإ ّ‬
‫عَذاًبا ُمِهيًنا )‪ 57‬الحزاب (‬ ‫َ‬
‫وقال‬
‫عَرِبّيا ‪،‬‬
‫ساًنا َ‬ ‫ق ِل َ‬
‫صّد ٌ‬
‫ب ُم َ‬ ‫حَمًة ‪َ ،‬وَهَذا ِكَتا ٌ‬ ‫سى ِإَماًما َوَر ْ‬ ‫ب ُمو َ‬ ‫ن َقْبِلِه ِكَتا ُ‬
‫) َومِ ْ‬
‫ن )‪ 12‬الحقاف (‬ ‫سِني َ‬‫ح ِ‬‫شَرى ِلْلُم ْ‬ ‫ظَلُموا ‪َ ،‬وُب ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ِلُيْنِذَر اّلِذي َ‬

‫‪546‬‬
‫يوم نبطش البطشة الكبرى‬

‫وهكذا نكون قد عايشنا أجواء المشهد الثالث ‪ ،‬قبل الخير ‪ ،‬من فصول سورة‬
‫الدخان ‪ ،‬وبقي المشهد الرابع والخير ‪ ،‬المشهد الكثر رعبا ‪ ،‬إنها البطشة‬
‫الكبرى ‪ ،‬التي سينتقم فيها رب العزة ممن آذوا رسوله ‪ ،‬وهو وعد خاص‬
‫صُر‬‫لمحمد عليه الصلة والسلم ‪ ،‬ول يخلف ال وعده ‪ ،‬قال تعالى ) ِإّنا َلَنْن ُ‬
‫شَهاُد )‪ ، (51‬وقال )‬ ‫حَياِة الّدْنَيا ‪َ ،‬وَيوَْم َيُقوُم اَْل ْ‬ ‫ن َءاَمُنوا ‪ِ ،‬في اْل َ‬ ‫سَلَنا ‪َ ،‬واّلِذي َ‬ ‫ُر ُ‬
‫عِزيٌز ُذو اْنِتَقاٍم )‪ 47‬إبراهيم ( ‪.‬‬ ‫ل َ‬ ‫ن ا َّ‬ ‫سَلُه ‪ِ ،‬إ ّ‬‫عِدِه ُر ُ‬‫ف َو ْ‬ ‫خِل َ‬ ‫ل ُم ْ‬ ‫ن ا َّ‬‫سَب ّ‬‫ح َ‬‫ل تَ ْ‬ ‫َف َ‬
‫أما المؤمنون من أهل مصر ‪ ،‬فربهم أعلم بهم ‪ ،‬وهو كفيل بأن يقيهم العذاب ‪،‬‬
‫ل ‪ِ ،‬إَلى‬ ‫سً‬ ‫ك ُر ُ‬‫ن َقْبِل َ‬‫سْلَنا ِم ْ‬‫حيث وعدهم بالنصر كما وعد رسله ‪َ ) ،‬وَلَقْد َأْر َ‬
‫صُر‬‫عَلْيَنا َن ْ‬ ‫حّقا َ‬ ‫ن َ‬‫جَرُموا ‪َ ،‬وَكا َ‬ ‫ن َأ ْ‬ ‫ن اّلِذي َ‬
‫ت ‪َ ،‬فاْنَتَقْمَنا ِم َ‬‫جاُءوُهْم ِباْلَبّيَنا ِ‬ ‫َقْوِمِهْم َف َ‬
‫ن )‪ 47‬الروم ( ‪ ،‬ووعدهم بالنجاة كما وعد رسله ‪ ،‬قال تعالى ) َفَهْل‬ ‫اْلُمْؤِمِني َ‬
‫ظُروا ‪ِ ،‬إّني َمَعُكْم ِم َ‬
‫ن‬ ‫ن َقْبِلِهْم ‪ُ ،‬قْل َفاْنَت ِ‬ ‫خَلْوا ِم ْ‬‫ن َ‬ ‫ن ‪ِ ،‬إّل ِمْثَل َأّياِم اّلِذي َ‬ ‫ظُرو َ‬ ‫َيْنَت ِ‬
‫عَلْيَنا ُنْن ِ‬
‫ج‬ ‫حّقا َ‬‫ك َ‬ ‫ن َءاَمُنوا ‪َ ،‬كَذِل َ‬ ‫سَلَنا ‪َ ،‬واّلِذي َ‬‫جي ُر ُ‬ ‫ن )‪ُ (102‬ثّم ُنَن ّ‬ ‫ظِري َ‬ ‫اْلُمْنتَ ِ‬
‫ن )‪ 103‬يونس ( ‪.‬‬ ‫اْلُمْؤِمِني َ‬
‫وبعد جدال طويل ‪ ،‬لمؤمن آل فرعون ‪ ،‬مع أئمة الكفر من قومه ‪ ،‬في حوار‬
‫سَتْذُكُرونَ‬ ‫يمتد من الية ‪ 28‬في سورة غافر وحتى الية ‪ ، 44‬يقول لقومه ‪َ ) :‬ف َ‬
‫صيٌر ِباْلِعَباِد )‪َ (44‬فَوَقاُه ا ُّ‬
‫ل‬ ‫ل َب ِ‬ ‫ن ا َّ‬‫ل ‪ِ ،‬إ ّ‬ ‫ض َأْمِري ِإَلى ا ِّ‬ ‫َما َأُقوُل َلُكْم ‪َ ،‬وُأَفّو ُ‬
‫ضو َ‬
‫ن‬ ‫ب )‪ (45‬الّناُر ُيْعَر ُ‬ ‫سوُء اْلَعَذا ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫عْو َ‬‫ق ِبآِل ِفْر َ‬ ‫حا َ‬ ‫ت َما َمَكُروا ‪َ ،‬و َ‬ ‫سّيَئا ِ‬ ‫َ‬
‫ب)‬ ‫شدّ اْلَعَذا ِ‬ ‫ن َأ َ‬
‫عْو َ‬ ‫عُة ‪َ ،‬أْدخُِلوا َءاَل ِفْر َ‬ ‫سا َ‬ ‫شّيا ‪َ ،‬وَيْوَم َتُقوُم ال ّ‬ ‫ع ِ‬ ‫غُدّوا َو َ‬ ‫عَلْيَها ُ‬ ‫َ‬
‫‪ ، (46‬وكذلك سيفعل الذين من بعدهم ‪ ،‬عندما يسمعون بأمر هذا الكتاب ‪،‬‬
‫فسُيمارون وُيكثرون من الجدل الجدال ‪ ،‬لُيثبتوا أن هذه السورة ‪ ،‬لم تكن بأي‬
‫حال من الحوال بشأن مصر ‪ ،‬وما يجري في مصر ‪ ،‬وما ذلك بمنجيهم من‬
‫العذاب ‪ ،‬فالولى بهم أن ُيصلحوا ما فسد من أمرهم ‪ ،‬ويعودوا إلى ربهم ‪.‬‬
‫ماهية هذه البطشة ‪:‬‬
‫المكان هو القاهرة ‪ ،‬بشكل خاص حيث ظهر الدخان ‪ ،‬ومن المرجح أل يمتد‬
‫إلى غيرها من المدن المصرية الكبرى ‪ ،‬وربما يمتد ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬

‫‪547‬‬
‫النتيجة هي دمار القاهرة وخرابها ‪ ،‬وهلك أهلها ‪ ،‬دمارا وهلكا عاما ‪ ،‬غاية‬
‫في البشاعة ‪ ،‬وهذا مستفاد من قوله تعالى ) بطشتنا ( عند حديثه عن عذاب قوم‬
‫لوط ‪ ،‬التي أوضحنا صفتها ‪ ،‬في فصل سابق ‪ ،‬فتلك بطشة ‪ ،‬وهذه بطشة كبرى‬
‫‪.‬‬
‫ي خاص وظاهر ‪،‬‬ ‫ومن المرجح ‪ ،‬وال أعلم ‪ ،‬أل تكون هذه البطشة ‪ ،‬بفعل إله ّ‬
‫كعذابات القوام السابقة ‪ ،‬مع بقاء الحتمالية قائمة ‪ ،‬كالخسف والزلزل ‪ .‬ومن‬
‫المحتمل أن تكون ضربة أو ضربات نووية ‪ ،‬تترافق وتتزامن مع أحداث‬
‫الحرب القادمة ‪ ،‬في ظرف ثلثة سنوات على الكثر ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ومما يدعم احتمال ضرب القاهرة نوويا ‪ ،‬هو ما جاء في أسفار التوراة ‪ ،‬من‬
‫أخبار بخراب مصر وحريقها بالنار ‪ ،‬وهلك أهلها ‪ ،‬وجفاف النيل وروافده ‪،‬‬
‫فربما تصدق إن كانت هي المقصودة فعل ‪ ،‬في النصوص التالية ‪:‬‬
‫ش نص من سفر إشعياء ‪ ،‬وهو السفر القل تشويها وتحريفا ‪ ،‬وهو السفر الذي‬
‫مازال يحتفظ بنصوص البشرى ‪ ،‬بمحمد عليه الصلة والسلم ‪ ،‬وإليك نصه ‪:‬‬
‫" إشعياء ‪ :16-1 :19 :‬نبوءة بشأن مصر ‪ ،‬ها هو الرب قادم إلى يركب‬
‫سحابة سريعة ‪ ،‬فترتجف أوثان مصر في حضرته ‪ ،‬وتذوب قلوب المصريين‬
‫في داخلهم ‪ ،‬وُأثير مصريين على مصريين فيتحاربون ‪ ،‬ويقوم الواحد على‬
‫أخيه ‪ ،‬والمدينة على المدينة ‪ ،‬والمملكة على المملكة ‪ ،‬فتذوب أرواح‬
‫المصريين في داخلهم ‪ ،‬وُأبطل مشورتهم ‪ ،‬فيسألون الوثان والسحرة‬
‫ى قاس ‪ ،‬فيسود ملك‬ ‫وأصحاب التوابع والعّرافين ‪ ،‬وُأسّلط على المصريين مول ً‬
‫عنيف عليهم ‪ ،‬هذا ما يقوله الرب القدير ‪.‬‬
‫وتنضب مياه النيل ‪ ،‬وتجف الحواض وتيبس ‪ُ ،‬تنتن القنوات ‪ ،‬وتتناقص‬
‫تفّرعات النيل وتجف ‪ ،‬ويتلف القصب والسل ‪ ،‬وتذبل النباتات على ضفاف‬
‫نهر النيل ‪ ،‬والحقول والمزروعات كلها تجف ‪ ،‬وكأنها لم تكن مخضّرة ‪ .‬فيئن‬
‫سر الذين يلقون‬ ‫الصيادون وطارحو الشصوص في النيل وينوحون ‪ ،‬ويتح ّ‬
‫شط ‪ ،‬ويفقد‬ ‫شباكهم في المياه ‪ ،‬ويتوّلى اليأس قلوب الذين يصنعون الكتان المم ّ‬
‫حائكو الكتان الفاخر كل أمل ‪ ،‬وُيسحق الرجال ‪ ،‬أعمدة الرض ‪ ،‬ويكتئب كل‬
‫عامل أجير ‪.‬‬
‫رؤساء صوعن حمقى ‪ ،‬ومشورات أحكم حكماء فرعون غبية ‪ ,‬كيف تقولون‬
‫لفرعون ‪ ،‬نحن من نسل حكماء ‪ ،‬وأبناء ملوك قدامى ؟! أين حكماؤك يا‬
‫‪548‬‬
‫حمق‬‫فرعون ‪ ،‬ليطلعوك على ما قضى به الرب القدير على مصر ؟! قد َ‬
‫رؤساء صوعن ‪ ،‬وانخدع أمراء نوف ‪ ،‬وأضلّ مصر شرفاء قبائلها ‪ .‬جعل‬
‫الرب فيها روح فوضى ‪ ،‬فأضّلوا مصر في كل تصّرفاتها ‪ ،‬حتى ترّنحت‬
‫كترّنح السكران في قيئه ‪ ،‬فلم يبق لُعظمائها أو أدنيائها ما يفعلونه فيها ‪ .‬في ذلك‬
‫اليوم ‪ ،‬يرتعد المصريون كالنساء ‪ ،‬خوفا من يد الرب القدير التي يهّزها فوقهم‬
‫"‪.‬‬
‫ش ومقتطفات من نص آخر لرميا ‪ُ ،‬ينّبئ بخراب مصر ‪:‬‬
‫" ارميا ‪ : -13 :46 :‬النبوءة التي أوحى بها الرب إلى ارميا النبي ‪ ،‬عن زحف‬
‫نبوخذ نصر لمهاجمة مصر ‪ :‬أذيعوا في مصر ‪ ،‬وأعلنوا في مجدل ‪ ،‬خّبروا في‬
‫ممفيس ‪ ،‬وفي تحفنحيس ‪ ،‬قولوا ‪ :‬قف متأهبا لن السيف يلتهم ِمن حولك ‪… .‬‬
‫فتقول بقية اليهود آنذاك ‪ " :‬قوموا لنرجع إلى قومنا ‪ ،‬وإلى أرض موطننا ‪،‬‬
‫هربا من السيف الطاغي " ‪ .‬ويهتفون هناك ‪ " :‬إن فرعون ملك مصر ‪ ،‬ليس‬
‫سوى طبل أجوف ‪ ،‬أضاع فرصته " ‪ … .‬تأهبوا للجلء يأهل مصر ‪ ،‬لن‬
‫ممفيس ستصبح أطلل ‪ ،‬وخربا مهجورا ‪ .‬مصر عجلة فاتنة هاجمها الهلك‬
‫من الشمال ‪ ،‬حتى مرتزقتها في وسطها كعجول مسّمنة ‪ ،‬قد نكصوا على‬
‫أعقابهم هاربين معا ‪ ،‬ولم يصمدوا لن يوم بلئهم ‪ ،‬قد حل بهم في وقت عقابهم‬
‫…"‪.‬‬
‫ش ومقتطفات من نص آخر لحزقيال ‪ُ ،‬ينّبئ بخراب مصر ‪:‬‬
‫ي الرب بكلمته قائل ‪ :‬يا ابن آدم ‪ ،‬تنّبأ ‪ ،‬وقل‬
‫" حزقيال ‪ :13-1 :30 :‬وأوحى إل ّ‬
‫ب بات وشيكا ‪ ، … ،‬إّنه يوم ُمكفهّر بالغيوم ‪ ،‬ساعة دينونة‬ ‫ن يوم الر ّ‬
‫‪،…:‬إّ‬
‫) نهاية ( للمم ‪ ،‬إذ ُيجّرد سيف على مصر ‪ ،‬فيُعّم الذعر الشديد إثيوبيا ‪ ،‬عندما‬
‫يتهاوى قتلى مصر ‪ ،‬ويستولي على ثروتها ‪ ،‬وُتنقض ُأسسها ‪ .‬ثم تسقط معهم‬
‫بالسيف ‪ ،‬إثيوبيا وفوط ولود ‪ ،‬وشبه الجزيرة العربية وليبيا ‪ ،‬وشعوب الرض‬
‫سّكانها من مجدل إلى أسوان ‪ ...‬فُتصبح أكثر‬ ‫الُمتحالفة معهم … فيتهاوى ُ‬
‫الراضي الُمقفرة وحشة ‪ ،‬وُتضحي ُمدنها أكثر الُمدن خرابا … في يوم هلك‬
‫مصر ‪ ،‬الذي ل بد أن يتحّقق ‪.‬‬
‫صر ملك بابل ‪،‬إذ ُيقبل بجيشه ‪ ،‬أعتى‬ ‫لني سأفني جماهير مصر بيد نبوخذ ن ّ‬
‫جيوش المم لخراب ديار مصر ‪ ،‬فُيجّردون عليها سيوفهم ‪ ،‬ويملئون أرضها‬
‫بالقتلى ‪ ،‬وُأجّفف مجاري نهر النيل ‪ ،‬وأبيع الرض لقوم أشرار ‪ ،‬وُأخّرب‬
‫‪549‬‬
‫طم الصنام ‪ ،‬وُأزيل الوثان‬‫ب قد قضيت ‪ .‬ثمّ ُأح ّ‬
‫البلد فيها بيد الغرباء ‪ ،‬أنا الر ّ‬
‫من ممفيس ‪ ،‬ول يبقى بعد ‪ ،‬رئيس في ديار مصر ‪ ،‬وُألقي فيها الرعب " ‪.‬‬
‫شَتَنا َفَتَماَرْوا ِبالّنُذِر (‬
‫ط َ‬
‫) َوَلَقْد َأْنَذَرُهْم َب ْ‬
‫عَلْيِهمْ‬
‫سْلَنا َ‬
‫ط ِبالّنُذِر )‪ِ (33‬إّنا َأْر َ‬ ‫ت َقْوُم ُلو ٍ‬ ‫قال تعالى في سورة القمر ) َكّذَب ْ‬
‫شَكَر‬
‫ن َ‬ ‫جِزي َم ْ‬ ‫ك َن ْ‬ ‫عْنِدَنا َكَذِل َ‬
‫ن ِ‬ ‫حٍر )‪ِ (34‬نْعَمةً ِم ْ‬ ‫سَ‬ ‫جْيَناُهْم ِب َ‬
‫ط َن ّ‬
‫صًبا ِإلّ َءاَل ُلو ٍ‬ ‫حا ِ‬ ‫َ‬
‫ن ضَْيِفِه‬‫عْ‬ ‫شَتَنا َفَتَماَرْوا ِبالّنُذِر )‪َ (36‬وَلَقْد َراَوُدوُه َ‬ ‫ط َ‬‫)‪َ (35‬وَلَقْد َأْنَذَرُهْم َب ْ‬
‫سَتِقّر )‬‫عَذابٌ ُم ْ‬ ‫حُهْم ُبْكَرًة َ‬ ‫صّب َ‬
‫عَذاِبي َوُنُذِر )‪َ (37‬وَلَقْد َ‬ ‫عُيَنُهْم َفُذوُقوا َ‬ ‫سَنا َأ ْ‬‫طَم ْ‬‫َف َ‬
‫ن ُمّدِكٍر )‪40‬‬ ‫ن ِللّذْكِر َفَهْل ِم ْ‬ ‫سْرَنا اْلُقْرَءا َ‬
‫عَذاِبي َوُنُذِر )‪َ (39‬وَلَقْد َي ّ‬ ‫‪َ (38‬فُذوُقوا َ‬
‫القمر ( ‪.‬‬
‫فتماروا بالُنذر ‪ :‬جماع معنى كلمة مراء ‪ ،‬هو الكثار في الجدال بل طائل ‪،‬‬
‫بغية إلباس الحق بالباطل ‪ ،‬والصورة التي تشّكلت لدينا ‪ ،‬مما جاء من معاني‬
‫في لسان العرب ‪ ،‬هو أن قوم لوط ‪ ،‬عندما أنذرهم وحّذرهم عليه السلم من‬
‫العذاب ‪ ،‬استهزءوا به وبتحذيره ‪ ،‬بل وطفقوا في مجالسهم ‪ ،‬يتبارون فيما بينهم‬
‫أيهم أقوى حجة ‪ ،‬بكل ما ُأتوا من ملكات وبيان ‪ ،‬لستخراج واستنباط‬
‫البراهين ‪ ،‬لتفنيد ما يّدعيه لوط ‪ ،‬من قدرة ربه على إهلكهم ‪ ،‬دون أن يألوا‬
‫جهدا في التشكيك بذلك ‪ ،‬مظهرين أكبر قدر من الصلبة والثبات ‪ ،‬في مواقفهم‬
‫المخالف للوط ‪ ،‬وأكبر قدر من الخصومة ‪ ،‬كل من بما يدعيه من الحق ‪ ،‬فيما‬
‫يقول ‪ .‬وهذا ما يقوم به عادة ‪ ،‬المدافعين عن الباطل ‪ ،‬لضلل الناس ‪ ،‬وهذه‬
‫الصورة كثيرا ‪ ،‬ما نراها هذه اليام ‪ ،‬في حوارات أهل الباطل ومناقشاتهم ‪،‬‬
‫حتى من بعض رجال الدين ‪ ،‬عندما يجتمعون فيما بينهم ‪ ،‬على منابر العلم‬
‫ن‬
‫شِري َ‬ ‫ن ِإّل ُمَب ّ‬‫سِلي َ‬‫سُل اْلُمْر َ‬ ‫المرئية والمسموعة والمكتوبة ‪ .‬قال تعالى ) َوَما ُنْر ِ‬
‫خُذوا َءاَياِتي َوَما‬ ‫ق َواّت َ‬ ‫حّ‬ ‫ضوا ِبِه اْل َ‬ ‫ح ُ‬‫طِل ِلُيْد ِ‬
‫ن َكَفُروا ِباْلَبا ِ‬ ‫جاِدُل اّلِذي َ‬
‫ن َوُي َ‬ ‫َوُمْنِذِري َ‬
‫ُأْنِذُروا ُهُزًوا )‪ 56‬الكهف (‬
‫والسؤال الن ‪ :‬هل سيتمارى أهل مصر بهذا الكتاب ‪ ،‬فيما لو وقع تحت أيديهم‬
‫‪ ،‬كما تمارى الذين من قبلهم ؟ نقول ‪ :‬نعم بل أدنى ! ألم يقل سبحانه ) أّنى لهم‬
‫الذكرى ( ‪ ،‬وقد كّذبوا برسالة محمد عليه الصلة والسلم ‪ ،‬فالحرى بهم أن‬
‫ُيكذبوا من هو دونه من البشر ‪ ،‬أيا كانت درجتهم أو صفتهم ‪ ،‬وألم يقل سبحانه‬
‫) يوم نبطش … ( وعقب على هذا اليوم ‪ ،‬بقوله ‪ ) ،‬فارتقب إنهم مرتقبون ( ‪،‬‬
‫فالمسألة باتت مسألة وقت ‪ ،‬ل أكثر … فلنرتقب … ونرى … !‬
‫‪550‬‬
‫ولكن هل يفيد هذا النذار ‪ ،‬السابق للعذاب ؟ نقول ‪ :‬نعم ‪ ،‬لو لم يكن فيه فائدة ‪،‬‬
‫لما أنزله ال في كتابه ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬إذ لو عاد أهل مصر عامة ‪ ،‬عّما هم عليه ‪ ،‬لُرفع عنهم العذاب ‪ ،‬كما‬
‫ُرفع عن قوم يونس عليه الصلة والسلم ‪ ،‬وأما التأكيد على أنهم سينزل بهم ‪،‬‬
‫كان لسبق علم ال ‪ ،‬بما سيكون من إصرارهم على ما هم عليه ‪ ،‬بعد كشف‬
‫الدخان ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬وربما سيكون هناك عودة ‪ ،‬لبعض أهل مصر على المستوى الفردي ‪،‬‬
‫فيما لو انتبه أحدهم ‪ ،‬لهذا المر ‪ ،‬من خلل قراءته لسورة الدخان ‪ ،‬أو تم‬
‫تنبيهه لهذا النذير اللهي ‪ .‬وكون الناس منشغلون بدنياهم عن قراءة القرآن ‪،‬‬
‫فذلك حجة إضافية عليهم ‪ ،‬يوم القيامة فيما لو تذّرعوا بأن لم يأتهم نذير ‪ ،‬في‬
‫أنهم كانوا حقا معرضين عن كتابه ‪ ،‬كما أخبر سبحانه بحالهم ‪ ،‬من سابق علمه‬
‫‪ ،‬في كتابه العزيز ‪ ،‬ليكون النذير في متناول أيديهم وهم ل يشعرون ‪ .‬وربما‬
‫يكون أحدهم قد انتبه ‪ .‬ولما لم ُيكّلف نفسه بالبحث ‪ ،‬إذ ل يرى نفسه ملزما ‪،‬‬
‫بفهم كتاب ال ‪ ،‬فتساءل … ؟! فضّلله عاّمي أو عالم أو فقيه ‪ ،‬بغير علم … !‬
‫ثالثا ‪ :‬ليكون في كل هذا عبرة ‪ ،‬لمن يعتبر من المصريين ‪ ،‬وغيرهم من‬
‫ن )‪ 56‬الزخرف (‬ ‫خِري َ‬
‫لِ‬‫ل ِل ْ‬
‫سَلًفا َوَمَث ً‬
‫جَعْلَناُهْم َ‬
‫المم ‪ .‬قال تعالى ) َف َ‬
‫مسألة إهلك العامة والخاصة ‪:‬‬
‫قد يستنكر البعض إهلك ال للعامة ‪ ،‬كونهم مسلمين … ! نقول أن ربهم أعلم‬
‫بهم ‪ ،‬وهو القدر على كيفية التعامل معهم ‪ ،‬وحكمه في خلقه عدل ‪ ،‬وقضاؤه‬
‫ق‪.‬‬‫فيهم ح ّ‬
‫ش ومما قاله رب العزة في سنن إهلك القرى ‪ ،‬موضحا أسباب استحقاق أهلها‬
‫للعقاب بفعل ساداتها ‪:‬‬
‫جِرِميَها ِلَيْمُكُروا ِفيَها ‪َ ،‬وَما‬ ‫جَعْلَنا ِفي ُكّل َقْرَيٍة ‪َ ،‬أَكاِبَر ُم ْ‬‫ك َ‬‫قال تعالى ) َوَكَذِل َ‬
‫ن )‪ 123‬النعام ( ‪ ،‬وقال ) َوِإَذا َأَرْدَنا َأ ْ‬
‫ن‬ ‫شُعُرو َ‬‫سِهْم َوَما َي ْ‬‫ن ِإّل ِبَأْنُف ِ‬
‫َيْمُكُرو َ‬
‫عَلْيَها اْلَقْوُل ‪َ ،‬فَدّمْرَناَها‬
‫ق َ‬
‫حّ‬ ‫سُقوا ِفيَها ‪َ ،‬ف َ‬ ‫ك َقْرَيًة ‪َ ،‬أَمْرَنا ُمْتَرِفيَها ‪َ ،‬فَف َ‬
‫ُنْهِل َ‬
‫َتْدِميًرا )‪ 16‬السراء (‬
‫‪ -‬وأما أسباب استحقاق العامة للعقاب ‪ ،‬كما ُيبّينوها هم بأنفسهم ‪:‬‬

‫‪551‬‬
‫ن ِفيَها َأَبًدا لَ‬ ‫خاِلِدي َ‬
‫سِعيًرا )‪َ (64‬‬ ‫عّد َلُهْم َ‬ ‫ن َوَأ َ‬ ‫ن اْلَكاِفِري َ‬‫ل َلَع َ‬‫ن ا َّ‬ ‫قال تعالى ) ِإ ّ‬
‫طْعَنا‬‫ن َيَلْيَتَنا َأ َ‬
‫جوُههُْم ِفي الّناِر َيُقوُلو َ‬ ‫ب ُو ُ‬ ‫صيًرا )‪َ (65‬يْوَم ُتَقّل ُ‬ ‫ن َوِلّيا َوَل َن ِ‬ ‫جُدو َ‬ ‫َي ِ‬
‫ضّلوَنا‬‫ساَدَتَنا َوُكَبَراَءَنا َفَأ َ‬ ‫طْعَنا َ‬‫سوَل )‪َ (66‬وَقاُلوا َرّبَنا ِإّنا َأ َ‬ ‫طْعَنا الّر ُ‬‫ل َوَأ َ‬ ‫ا َّ‬
‫ب َواْلَعْنُهْم َلْعًنا َكِبيًرا )‪َ (68‬يَأّيَها‬ ‫ن اْلَعَذا ِ‬ ‫ن ِم َ‬ ‫ضْعَفْي ِ‬
‫ل )‪َ (67‬رّبَنا َءاِتِهْم ِ‬ ‫سِبي َ‬
‫ال ّ‬
‫ل ِمّما َقاُلوا ‪َ ،‬وَكا َ‬
‫ن‬ ‫سى ‪َ ،‬فَبّرَأُه ا ُّ‬ ‫ن َءاَذْوا ُمو َ‬ ‫ن َءاَمُنوا ‪ ،‬لَ َتُكوُنوا َكاّلِذي َ‬ ‫اّلِذي َ‬
‫سِديًدا )‪70‬‬ ‫ل َوُقوُلوا َقْوًل َ‬ ‫ن َءاَمُنوا اّتُقوا ا َّ‬ ‫جيًها )‪َ (69‬يَأّيَها اّلِذي َ‬ ‫ل َو ِ‬‫عْنَد ا ِّ‬ ‫ِ‬
‫الحزاب (‬
‫ن )‪(95‬‬ ‫جَمُعو َ‬ ‫س َأ ْ‬
‫جُنوُد ِإْبِلي َ‬ ‫ن )‪َ (94‬و ُ‬ ‫وقال تعالى ) َفُكْبِكُبوا ِفيَها ُهْم َواْلَغاُوو َ‬
‫سّويُكْم‬ ‫ن )‪ِ (97‬إْذ ُن َ‬ ‫لٍل ُمِبي ٍ‬ ‫ضَ‬ ‫ن ُكّنا َلِفي َ‬ ‫ل ِإ ْ‬‫ن )‪َ (96‬تا ِّ‬ ‫صُمو َ‬ ‫خَت ِ‬ ‫َقاُلوا َوُهْم ِفيَها َي ْ‬
‫ن)‬ ‫شاِفِعي َ‬ ‫ن َ‬‫ن )‪َ (99‬فَما َلَنا ِم ْ‬ ‫جِرُمو َ‬ ‫ضّلَنا ِإلّ اْلُم ْ‬ ‫ن )‪َ (98‬وَما َأ َ‬ ‫ب اْلَعاَلِمي َ‬‫ِبَر ّ‬
‫حِميٍم )‪ 101‬الشعراء ( ‪.‬‬ ‫ق َ‬ ‫صِدي ٍ‬‫‪َ (100‬وَل َ‬
‫ن َيَدْيِه‬ ‫ن ‪َ ،‬وَل ِباّلِذي َبْي َ‬ ‫ن ِبَهَذا اْلُقْرَءا ِ‬ ‫ن ُنْؤِم َ‬ ‫ن َكَفُروا ‪َ ،‬ل ْ‬ ‫وقال تعالى ) َوَقاَل اّلِذي َ‬
‫ضُهْم ِإَلى َبْع ٍ‬
‫ض‬ ‫جُع َبْع ُ‬ ‫عْنَد َرّبِهْم ‪َ ،‬يْر ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن َمْوُقوُفو َ‬ ‫ظاِلُمو َ‬ ‫‪َ ،‬وَلْو َتَرى ‪ِ ،‬إِذ ال ّ‬
‫ن )‪31‬‬ ‫سَتْكَبُروا ‪َ ،‬لْوَل َأْنُتْم َلُكّنا ُمْؤِمِني َ‬ ‫نا ْ‬ ‫ضِعُفوا ‪ِ ،‬لّلِذي َ‬ ‫سُت ْ‬‫نا ْ‬ ‫اْلَقْوَل ‪َ ،‬يُقوُل اّلِذي َ‬
‫سبأ (‬
‫وذلك بسبب طاعتهم وتأليههم لسادتهم وكبرائهم من المجرمين ‪ ،‬ورضاهم‬
‫واتباعهم لمنهج كبرائهم ‪ ،‬سواء كان ذلك كرها أم طوعا ‪ ،‬وممارستهم للفساد‬
‫والفساد كل حسب طاقته ‪ .‬وفساد الحكام عادة ما يكون مسبوقا ‪ ،‬بفساد‬
‫ظرين ‪،‬‬ ‫الشعوب وانحرافها ‪ ،‬وليس العكس كما يتصور الكثير من المن ّ‬
‫الطامعين في السلطة ‪ ،‬صابين جام غضبهم على الحكام ‪ ،‬والجدى بهؤلء‬
‫والجدر ‪ .‬بأن يشعروا بالرثاء لحال الملوك ‪ ،‬والشفاق عليهم من حسابهم‬
‫العسير ‪ ،‬بين يدي ملك الملوك ‪ ،‬إن كانوا من الظالمين ‪ ،‬وليصلحوا أنفسهم أول‬
‫‪ ،‬ورب العزة كفيل ‪ ،‬بأن يوّلي عليهم من هو خير منهم ‪ ،‬ول أذكر بالضبط من‬
‫القائل ‪ " :‬لو يعلم الملوك ‪ ،‬ما نشعر به من حلوة اليمان ‪ ،‬لقاتلونا عليها‬
‫بالسيوف " ‪ .‬وهل يضمن هؤلء أل ُيفتنوا ببريق المال والسلطة ‪ ،‬كما افُتتن‬
‫ن‬
‫صلوا عليهما ‪ .‬قال تعالى ) ِإ ّ‬ ‫الملوك والحكام ‪ ،‬على مّر العصور ‪ ،‬فيما لو تح ّ‬
‫سِهْم )‪ 11‬الرعد ( ‪.‬‬ ‫حّتى ُيَغّيُروا َما ِبَأْنُف ِ‬ ‫ل لَ ُيَغّيُر َما ِبَقْوٍم َ‬ ‫ا َّ‬
‫وتدّبر دعاء نوح عليه السلم على قومه ‪ ،‬حيث شملت دعوته من هم في ظهور‬
‫جًرا َكّفاًرا )‪ 27‬نوح (‬ ‫ك َولَ َيِلُدوا ِإّل َفا ِ‬ ‫عَباَد َ‬‫ضّلوا ِ‬ ‫ن َتَذْرُهْم ُي ِ‬ ‫ك ِإ ْ‬
‫آبائهم ‪ِ ) :‬إّن َ‬
‫‪552‬‬
‫وتفّكر وتدّبر في قصة أصحاب السبت ‪ ،‬فيما يلي من آيات ‪:‬‬
‫ت ِإْذ َتْأِتيِهْم‬ ‫سْب ِ‬ ‫ن ِفي ال ّ‬ ‫حِر ِإْذ َيْعُدو َ‬ ‫ضَرَة اْلَب ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ن اْلَقْرَيِة اّلِتي َكاَن ْ‬ ‫عِ‬ ‫سَأْلُهْم َ‬ ‫) َوا ْ‬
‫ك َنْبُلوُهْم بَِما َكاُنوا‬ ‫ن َل َتْأِتيِهْم َكَذِل َ‬ ‫سِبُتو َ‬ ‫عا َوَيْوَم لَ َي ْ‬ ‫شّر ً‬ ‫سْبِتِهْم ُ‬ ‫حيَتانُُهْم َيْوَم َ‬ ‫ِ‬
‫ل ُمْهِلُكُهْم َأْو ُمَعّذُبُهْم‬ ‫ن َقْوًما ا ُّ‬ ‫ظو َ‬ ‫ت ُأّمٌة ِمْنُهْم ِلَم َتِع ُ‬ ‫ن )‪َ (163‬وِإْذ َقاَل ْ‬ ‫سُقو َ‬ ‫َيْف ُ‬
‫سوا َما ُذّكُروا‬ ‫ن )‪َ (164‬فَلّما َن ُ‬ ‫شِديًدا َقاُلوا َمْعِذَرًة ِإَلى َرّبُكْم َوَلَعّلُهْم َيّتُقو َ‬ ‫عَذاًبا َ‬ ‫َ‬
‫س ِبَما َكاُنوا‬ ‫ب َبِئي ٍ‬ ‫ظَلُموا ِبَعَذا ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫خْذَنا اّلِذي َ‬ ‫سوِء َوَأ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫عِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن َيْنَهْو َ‬‫جْيَنا اّلِذي َ‬ ‫ِبِه َأنْ َ‬
‫ن)‬ ‫سِئي َ‬ ‫خا ِ‬ ‫عْنُه ُقْلَنا َلُهْم ُكوُنوا ِقَرَدًة َ‬ ‫ن َما ُنُهوا َ‬ ‫عْ‬ ‫عَتْوا َ‬ ‫ن )‪َ (165‬فَلّما َ‬ ‫سُقو َ‬ ‫َيْف ُ‬
‫‪ 166‬العراف ( ‪.‬‬
‫إذن ‪ ،‬هناك نجاة لمن ينهون عن السوء أول ‪ ،‬ومن ثم هناك عذاب للذين ظلموا‬
‫ثانيا ‪ ،‬بما كانوا يفسقون ‪ ،‬والفسق اصطلحا هو الخروج من الدين ‪ ،‬ولحظ‬
‫هنا أن النجاة ‪ُ ،‬كتبت لمن أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ‪ ،‬فهل نجرؤ أو‬
‫نقوى هذه اليام على فعل ذلك ‪ ،‬وإيمان الواحد منا على حرف ‪ ،‬وخوفنا على‬
‫فقدان متاع الحياة الدنيا ‪ ،‬أشد من خوفنا من أمر ال … ؟!‬
‫ن ِبِه ‪،‬‬ ‫خْيٌر اطَْمَأ ّ‬ ‫صاَبُه َ‬ ‫ن َأ َ‬ ‫ف ‪َ ،‬فِإ ْ‬ ‫حْر ٍ‬ ‫عَلى َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن َيْعُبُد ا َّ‬‫س َم ْ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫قال تعالى ) َوِم َ‬
‫ن‬
‫سَرا ُ‬ ‫ك ُهَو اْلخُ ْ‬ ‫خَرَة َذِل َ‬ ‫لِ‬ ‫سَر الّدْنَيا َوا ْ‬ ‫خ ِ‬ ‫جِهِه ‪َ ،‬‬ ‫عَلى َو ْ‬ ‫ب َ‬ ‫صاَبْتُه ِفْتَنٌة ‪ ،‬اْنَقَل َ‬ ‫ن َأ َ‬ ‫َوِإ ْ‬
‫ن )‪ 11‬الحج (‬ ‫اْلُمِبي ُ‬
‫عَلْيِه‬‫ل َ‬ ‫صّلى ا ُّ‬ ‫ل َ‬ ‫ل ا ِّ‬ ‫سو َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫سَأُلو َ‬ ‫س ‪َ ،‬ي ْ‬ ‫ن الّنا ُ‬ ‫ن ‪ ،‬قال ‪َ :‬كا َ‬ ‫ن اْلَيَما ِ‬‫حَذْيَفَة ْب َ‬‫وعن ُ‬
‫سو َ‬
‫ل‬ ‫ن ُيْدِرَكِني ‪َ ،‬فُقْلتُ ‪َ :‬يا َر ُ‬ ‫خافََة َأ ْ‬‫شّر ‪َ ،‬م َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫عْ‬ ‫سَأُلُه َ‬‫ت َأ ْ‬ ‫خْيِر ‪َ ،‬وُكْن ُ‬ ‫ن اْل َ‬‫عْ‬ ‫سّلمَ َ‬ ‫َو َ‬
‫شّر‬ ‫ن َ‬ ‫خْيِر ِم ْ‬ ‫ل َبْعَد َهَذا اْل َ‬ ‫ل ِبَهَذا اْلخَْيِر ‪َ ،‬فَه ْ‬ ‫جاَءَنا ا ُّ‬ ‫شّر ‪َ ،‬ف َ‬ ‫جاِهِلّيٍة َو َ‬‫ل ِإّنا ُكّنا ِفي َ‬ ‫ا ِّ‬
‫ن‪،‬‬ ‫ل ‪َ :‬نَعْم ‪َ ،‬وِفيِه َدخَ ٌ‬ ‫خْيٍر ؟ َقا َ‬ ‫ن َ‬ ‫شّر ِم ْ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫ل َبْعَد َذِل َ‬ ‫ت ‪َ :‬وَه ْ‬ ‫؟ َقالَ ‪َ :‬نَعْم ‪ُ ،‬قْل ُ‬
‫ت‪:‬‬ ‫ف ِمْنُهْم َوُتْنِكُر ‪ُ ،‬قْل ُ‬ ‫ن ِبَغْيِر َهْدِيي ‪َ ،‬تْعِر ُ‬ ‫ل ‪َ :‬قْوٌم َيْهُدو َ‬ ‫خُنُه ؟ َقا َ‬ ‫ت ‪َ :‬وَما َد َ‬ ‫ُقْل ُ‬
‫جاَبُهْم‬ ‫ن َأ َ‬‫جَهّنَم ‪َ ،‬م ْ‬ ‫ب َ‬ ‫عاٌة ِإَلى َأْبَوا ِ‬ ‫ل ‪َ :‬نَعْم ُد َ‬ ‫شّر ؟ َقا َ‬ ‫ن َ‬ ‫خْيِر ِم ْ‬ ‫ك اْل َ‬‫ل َبْعَد َذِل َ‬‫َفَه ْ‬
‫جلَْدِتَنا‬‫ن ِ‬ ‫ل ‪ُ :‬هْم ِم ْ‬ ‫صْفُهْم َلَنا ؟! َفَقا َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ل ا ِّ‬ ‫سو َ‬ ‫ت ‪َ :‬يا َر ُ‬ ‫ِإَلْيَها َقَذُفوُه ِفيَها ‪ُ ،‬قْل ُ‬
‫عَة‬ ‫جَما َ‬ ‫ل ‪َ :‬تْلَزمُ َ‬ ‫ك ؟ َقا َ‬ ‫ن َأْدَرَكِني َذِل َ‬ ‫ت ‪َ :‬فَما َتْأُمُرِني ِإ ْ‬ ‫سَنِتَنا ‪ُ ،‬قْل ُ‬‫ن ِبَأْل ِ‬
‫َوَيَتَكّلُمو َ‬
‫عَتِزْل ِتْل َ‬
‫ك‬ ‫ل ‪َ :‬فا ْ‬ ‫ل ِإَماٌم ؟ َقا َ‬ ‫عٌة َو َ‬ ‫جَما َ‬ ‫ن َلُهْم َ‬ ‫ن َلْم َيُك ْ‬‫ت ‪َ :‬فِإ ْ‬ ‫ن َوِإَماَمُهْم ‪ُ ،‬قْل ُ‬ ‫اْلُمسِْلِمي َ‬
‫عَلى‬ ‫ت َ‬ ‫ت ‪َ ،‬وَأْن َ‬ ‫ك اْلَمْو ُ‬ ‫حّتى ُيْدِرَك َ‬ ‫جَرٍة ‪َ ،‬‬ ‫شَ‬ ‫صِل َ‬ ‫ض ِبَأ ْ‬‫ن َتَع ّ‬ ‫ق ُكّلَها ‪َ ،‬وَلْو َأ ْ‬ ‫اْلِفَر َ‬
‫ك " ‪ .‬رواه البخاري ومسلم ‪ ،‬وأخرجه الترمذي والنسائي وأبو داود وابن‬ ‫َذِل َ‬
‫وأحمد ‪.‬‬

‫‪553‬‬
‫ي الّناسِ‬
‫ل ‪َ ،‬أ ّ‬‫ل ا ِّ‬‫سو َ‬‫ل َيا َر ُ‬‫ل ‪ِ " :‬قي َ‬ ‫عْنُه ‪َ ،‬قا َ‬
‫ل َ‬‫ي ا ُّ‬
‫ضَ‬ ‫ي َر ِ‬ ‫خْدِر ّ‬ ‫سِعيٍد اْل ُ‬
‫ن َ‬‫عْ‬‫وَ‬
‫سِبيِل ا ِّ‬
‫ل‬ ‫جاِهُد ِفي َ‬ ‫ن ُي َ‬‫سّلَم ‪:‬مُْؤِم ٌ‬
‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬‫صّلى ا ُّ‬‫ل َ‬ ‫ل ا ِّ‬
‫سو ُ‬‫ل َر ُ‬ ‫ضلُ ؟ َفَقا َ‬‫َأْف َ‬
‫ل‪،‬‬ ‫ب َيّتِقي ا َّ‬‫شَعا ِ‬ ‫ن ال ّ‬
‫ب ِم ْ‬‫شْع ٍ‬‫ن ِفي ِ‬ ‫ل ‪ُ :‬مْؤِم ٌ‬ ‫ن ؟ َقا َ‬‫سِه َوَماِلِه ‪َ ،‬قاُلوا ‪ُ :‬ثّم َم ْ‬‫ِبَنْف ِ‬
‫شّرِه " ‪ .‬رواه البخاري ومسلم ‪ ،‬وأخرجه وأبو داود وابن‬ ‫ن َ‬ ‫س ِم ْ‬ ‫ع الّنا َ‬‫َوَيَد ُ‬
‫ماجه وأحمد ‪.‬‬
‫عَلُموا َأ ّ‬
‫ن‬ ‫صًة ‪َ ،‬وا ْ‬ ‫خا ّ‬‫ظلَُموا ِمْنُكْم َ‬ ‫ن َ‬‫ن ‪ ،‬اّلِذي َ‬ ‫صيَب ّ‬
‫وقال تعالى ) َواّتُقوا ِفْتَنًة َل ُت ِ‬
‫ب )‪ 25‬النفال (‬ ‫ل شَِديُد اْلِعَقا ِ‬‫ا َّ‬
‫ن(‬
‫ظاِلُمو َ‬
‫عّما َيْعَمُل ال ّ‬
‫ل‪َ ،‬‬
‫غاِف ً‬
‫ل َ‬
‫ن ا َّ‬
‫سَب ّ‬
‫ح َ‬
‫) َولَ َت ْ‬
‫ن ‪ِ ،‬إّنَما ُيَؤخُّرُهْم ِلَيْومٍ‬ ‫ظاِلُمو َ‬‫عّما َيْعَملُ ال ّ‬ ‫ل‪َ ،‬‬ ‫غاِف ً‬‫ل َ‬ ‫ن ا َّ‬ ‫سَب ّ‬
‫ح َ‬ ‫قال تعالى ‪َ ) :‬وَل َت ْ‬
‫طْرُفُهْم‬ ‫سِهْم َل َيْرَتّد ِإَلْيِهْم َ‬‫ن ُمْقِنِعي ُرُءو ِ‬ ‫طِعي َ‬‫صاُر )‪ُ (42‬مْه ِ‬ ‫ص ِفيِه اَْلْب َ‬ ‫خ ُ‬ ‫شَ‬‫‪َ ،‬ت ْ‬
‫ن ظََلُموا ‪:‬‬ ‫ب ‪َ ،‬فَيُقوُل اّلِذي َ‬ ‫س ‪َ ،‬يْوَم َيْأِتيهُِم اْلَعَذا ُ‬‫َوَأْفِئَدُتُهْم َهَواٌء )‪َ (43‬وَأْنِذِر الّنا َ‬
‫سْمُتْم‬ ‫سَل ‪َ ،‬أَوَلْم َتُكوُنوا َأْق َ‬ ‫ك ‪َ ،‬وَنّتِبِع الّر ُ‬ ‫عَوَت َ‬
‫ب َد ْ‬‫ج ْ‬ ‫ب ‪ُ ،‬ن ِ‬‫جٍل َقِري ٍ‬ ‫خْرَنا ِإَلى َأ َ‬‫َرّبَنا َأ ّ‬
‫سُهْم ‪،‬‬ ‫ظَلُموا َأنُْف َ‬‫ن َ‬ ‫ن اّلِذي َ‬‫ساِك ِ‬‫سَكْنُتْم ِفي َم َ‬ ‫ن َزَواٍل )‪َ (44‬و َ‬ ‫ن َقْبُل ‪َ ،‬ما َلُكْم ِم ْ‬ ‫ِم ْ‬
‫ضَرْبَنا َلُكُم اَْلْمَثالَ )‪َ (45‬وَقْد َمَكُروا َمْكَرُهْم ‪،‬‬ ‫ف َفَعْلَنا ِبِهْم ‪َ ،‬و َ‬ ‫ن َلُكْم َكْي َ‬ ‫َوَتَبّي َ‬
‫ل‪،‬‬ ‫ن ا َّ‬ ‫سَب ّ‬
‫ح َ‬ ‫ل َت ْ‬
‫جَباُل )‪َ (46‬ف َ‬ ‫ن َمْكُرُهْم ِلَتُزوَل ِمْنُه اْل ِ‬ ‫ن َكا َ‬‫ل َمْكُرُهْم ‪َ ،‬وِإ ْ‬ ‫عْنَد ا ِّ‬ ‫َو ِ‬
‫عِزيٌز ُذو اْنِتَقاٍم )‪ 47‬إبراهيم ( …‬ ‫ل َ‬ ‫ن ا َّ‬‫سَلُه ‪ِ ،‬إ ّ‬ ‫عِدِه ُر ُ‬ ‫ف َو ْ‬ ‫خِل َ‬ ‫ُم ْ‬
‫حٌد ‪َ ،‬وِلَيّذّكَر ُأوُلو‬ ‫س ‪َ ،‬وِلُيْنَذُروا ِبِه ‪َ ،‬وِلَيْعَلُموا َأّنَما ُهَو ِإَلٌه َوا ِ‬ ‫غ ِللّنا ِ‬‫لٌ‬ ‫… هََذا َب َ‬
‫ب )‪ 52‬إبراهيم (‬ ‫اَْلْلَبا ِ‬
‫من هم الظالمون ومن هي القرى الظالمة ؟!‬
‫جاء في إهلك القرى الظالمة ‪:‬‬
‫صيُر )‪ 48‬الحج (‬ ‫ي اْلَم ِ‬
‫ظاِلَمٌة ُثّم َأخَْذُتَها َوِإَل ّ‬‫ي َ‬ ‫ت َلَها َوِه َ‬ ‫ن َقْرَيٍة َأْمَلْي ُ‬‫ن ِم ْ‬‫) َوَكَأّي ْ‬
‫شِديٌد )‪ 102‬هود (‬ ‫خَذُه َأِليٌم َ‬‫ن َأ ْ‬‫ظاِلَمٌة ِإ ّ‬‫ي َ‬‫خَذ اْلُقَرى َوِه َ‬ ‫ك ِإَذا َأ َ‬
‫خُذ َرّب َ‬ ‫ك َأ ْ‬
‫) َوَكَذِل َ‬
‫ن )‪ 52‬النمل (‬ ‫لَيًة ِلَقْوٍم َيْعَلُمو َ‬‫ك َ‬ ‫ن ِفي َذِل َ‬ ‫ظَلُموا ِإ ّ‬
‫خاِوَيًة ِبَما َ‬ ‫ك ُبُيوُتُهْم َ‬ ‫) َفِتْل َ‬
‫ن )‪ 11‬النبياء (‬ ‫خِري َ‬
‫شْأَنا َبْعَدَها َقْوًما آ َ‬ ‫ظاِلَمًة َوَأن َ‬
‫ت َ‬ ‫ن َقْرَيٍة َكاَن ْ‬ ‫صْمَنا ِم ْ‬ ‫) َوَكْم َق َ‬
‫ن َلْم‬
‫ك َأ ْ‬
‫ن )‪َ … (129‬ذِل َ‬ ‫سُبو َ‬ ‫ضا ِبَما َكاُنوا َيْك ِ‬ ‫ن َبْع ً‬‫ظاِلِمي َ‬‫ض ال ّ‬ ‫ك ُنَوّلي َبْع َ‬ ‫) َوَكَذِل َ‬
‫ن )‪ 131‬النعام ( ‪.‬‬ ‫غاِفُلو َ‬ ‫ظْلٍم َوَأْهُلَها َ‬
‫ك اْلُقَرى ِب ُ‬ ‫ك ُمْهِل َ‬‫ن َرّب َ‬ ‫َيُك ْ‬
‫‪554‬‬
‫ظاِلُمو َ‬
‫ن‬ ‫ك ِإّل اْلَقْوُم ال ّ‬
‫جْهَرًة ‪َ ،‬هْل ُيْهَل ُ‬
‫ل ‪َ ،‬بْغَتًة َأْو َ‬
‫ب ا ِّ‬
‫عَذا ُ‬
‫ن َأَتاُكْم َ‬
‫) ُقْل َأَرَأْيَتُكْم ِإ ْ‬
‫)‪ 47‬المائدة (‬
‫مفهوم الظلم بالمنظور اللهي ‪ ،‬على المستوى الفردي والجماعي ‪:‬‬
‫ك‬
‫ن ُدوِنِه ‪َ ،‬فَذِل َ‬ ‫ن َيُقْل ِمْنُهْم ‪ِ ،‬إّني ِإَلٌه ِم ْ‬ ‫‪ .1‬إدعاء البشر لللوهية ‪َ ) :‬وَم ْ‬
‫ن )‪ 29‬النبياء (‬ ‫ظاِلِمي َ‬ ‫جِزي ال ّ‬ ‫ك َن ْ‬ ‫جَهّنَم ‪َ ،‬كَذِل َ‬ ‫جِزيِه َ‬ ‫َن ْ‬
‫ك ِبا ِّ‬
‫ل‬ ‫شِر ْ‬ ‫ي َل ُت ْ‬ ‫ظُه َيُبَن ّ‬
‫ن لِْبِنِه َوُهَو َيِع ُ‬ ‫‪ .2‬الشرك بال ‪َ ) :‬وِإْذ َقاَل ُلْقَما ُ‬
‫ظيٌم )‪ 13‬لقمان (‬ ‫عِ‬ ‫ظْلٌم َ‬ ‫ك َل ُ‬
‫شْر َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ِإ ّ‬
‫ك َوَل‬ ‫ل َما َل َيْنَفُع َ‬ ‫ن ا ِّ‬‫ن ُدو ِ‬ ‫ع ِم ْ‬ ‫‪ .3‬الشرك في الدعاء والولء ‪َ ) :‬وَل َتْد ُ‬
‫ن )‪ 106‬يونس (‬ ‫ظاِلِمي َ‬ ‫ن ال ّ‬‫ك ِإًذا ِم َ‬ ‫ت َفِإّن َ‬ ‫ن َفَعْل َ‬‫ك َفِإ ْ‬
‫َيضُّر َ‬
‫عَلى ا ِّ‬
‫ل‬ ‫ن اْفَتَرى َ‬ ‫ظَلُم ِمّم ْ‬ ‫ن َأ ْ‬‫‪ .4‬الكذب على ال أو التكذيب بآياته ‪َ ) :‬وَم ْ‬
‫ن )‪ 21‬النعام (‬ ‫ظاِلُمو َ‬ ‫ح ال ّ‬ ‫ب ِبآَياِتِه ِإّنُه لَ ُيْفِل ُ‬ ‫َكِذًبا َأْو َكّذ َ‬
‫ت َرّبِه ُثّم‬ ‫ن ُذّكَر ِبآَيا ِ‬ ‫ظَلُم ِممّ ْ‬ ‫ن َأ ْ‬
‫‪ .5‬العراض عن آيات ال ‪َ ) :‬وَم ْ‬
‫ن )‪ 22‬السجدة (‬ ‫ن ُمْنَتِقُمو َ‬ ‫جِرِمي َ‬ ‫ن اْلُم ْ‬‫عْنَها ِإّنا ِم َ‬ ‫ض َ‬ ‫عَر َ‬ ‫َأ ْ‬
‫ل َقْوًما َكَفُروا َبْعَد ِإيَماِنِهْم‬ ‫ف َيْهِدي ا ُّ‬ ‫‪ .6‬الكفر بعد اليمان ‪َ ) :‬كْي َ‬
‫ل َل َيْهِدي اْلَقْوَم‬ ‫ت َوا ُّ‬ ‫جاَءُهُم اْلَبّيَنا ُ‬ ‫ق َو َ‬ ‫حّ‬‫سوَل َ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫شِهُدوا َأ ّ‬ ‫َو َ‬
‫ن )‪ 86‬آل عمران (‬ ‫ظاِلِمي َ‬‫ال ّ‬
‫خَل َ‬
‫ق‬ ‫ل اّلِذي َ‬ ‫ن ا َّ‬ ‫‪ .7‬إنكار البعث وقدرة ال على الخلق ‪َ ) :‬أَولَْم َيَرْوا َأ ّ‬
‫ل َل رَْي َ‬
‫ب‬ ‫جً‬ ‫جَعَل َلُهْم َأ َ‬ ‫ق ِمْثَلُهْم َو َ‬ ‫خُل َ‬‫ن َي ْ‬‫عَلى َأ ْ‬ ‫ض َقاِدٌر َ‬ ‫ت َوالَْْر َ‬ ‫سَمَوا ِ‬ ‫ال ّ‬
‫ن ِإلّ ُكُفوًرا )‪ 99‬السراء (‬ ‫ظاِلُمو َ‬ ‫ِفيِه َفَأَبى ال ّ‬
‫‪ .8‬التكذيب المسبق بدون علم ‪ ،‬ممن أخذتهم العزة بالثم ‪َ ) :‬بْل َكّذُبوا‬
‫ن َقْبِلِهْم‬ ‫ن ِم ْ‬ ‫ب اّلِذي َ‬ ‫ك َكّذ َ‬ ‫طوا ِبِعْلِمِه َوَلّما َيْأِتِهْم َتْأِويُلُه َكَذِل َ‬ ‫حي ُ‬‫ِبَما َلْم ُي ِ‬
‫ن )‪ 39‬يونس (‬ ‫ظاِلِمي َ‬‫عاِقَبُة ال ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ف َكا َ‬ ‫ظْر َكْي َ‬ ‫َفاْن ُ‬
‫ن ِفي َءاَياِتَنا‬ ‫ضو َ‬ ‫خو ُ‬ ‫ن َي ُ‬‫ت اّلِذي َ‬ ‫‪ .9‬الخوض في آيات ال ‪َ ) :‬وِإَذا َرَأْي َ‬
‫طا ُ‬
‫ن‬ ‫شْي َ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫سَيّن َ‬‫غْيِرِه َوِإّما ُيْن ِ‬ ‫ث َ‬ ‫حِدي ٍ‬ ‫ضوا ِفي َ‬ ‫خو ُ‬ ‫حّتى َي ُ‬ ‫عْنُهْم َ‬ ‫ض َ‬ ‫عِر ْ‬ ‫َفَأ ْ‬
‫ن )‪ 68‬النعام (‬ ‫ظاِلِمي َ‬ ‫ل َتْقُعْد َبْعَد الّذْكَرى َمَع اْلَقْوِم ال ّ‬ ‫َف َ‬
‫خَذُهْم اْلعََذا ُ‬
‫ب‬ ‫سوٌل ِمْنهُْم َفَكّذُبوُه َفَأ َ‬ ‫جاَءُهْم َر ُ‬ ‫‪ .10‬تكذيب الرسل ‪َ ) :‬وَلَقْد َ‬
‫ن )‪ 113‬النحل (‬ ‫ظاِلُمو َ‬ ‫َوُهْم َ‬
‫‪555‬‬
‫ن ِإ ْ‬
‫ن‬ ‫ظاِلُمو َ‬ ‫‪ .11‬اتهام الرسل بالمس ‪ ،‬إنكارا للوحي ‪ِ ) :‬إْذ َيُقوُل ال ّ‬
‫حوًرا )‪ 47‬السراء (‬ ‫سُ‬‫ل َم ْ‬ ‫جً‬ ‫ن ِإلّ َر ُ‬ ‫َتتِّبُعو َ‬
‫‪ .12‬اللهو والتجني على الرسل في السر والعلن ‪َ ) :‬لِهَيًة ُقُلوُبُهْم ‪،‬‬
‫حَر‬ ‫سْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫شٌر ِمْثُلُكْم َأَفَتْأُتو َ‬ ‫ظَلُموا َهْل َهَذا ِإّل َب َ‬ ‫ن َ‬ ‫جَوى اّلِذي َ‬ ‫سّروا الّن ْ‬ ‫َوَأ َ‬
‫ن )‪ 3‬النبياء (‬ ‫صُرو َ‬ ‫َوَأْنُتْم ُتْب ِ‬
‫ن َكَفُروا ِإ ْ‬
‫ن‬ ‫‪ .13‬اتهام الرسول بالكذب والتعّلم من البشر ‪َ ) :‬وَقاَل اّلِذي َ‬
‫ظْلًما َوُزوًرا‬ ‫جاُءوا ُ‬ ‫ن َفَقْد َ‬ ‫خُرو َ‬ ‫عَلْيِه َقْوٌم َءا َ‬ ‫عاَنُه َ‬ ‫ك اْفَتَراُه َوَأ َ‬ ‫هََذا ِإلّ ِإْف ٌ‬
‫)‪ 4‬الفرقان (‬
‫ظاِلُم‬‫ض ال ّ‬‫‪ .14‬العراض عن هدي الرسل واتباع سبلهم ‪َ ) :‬وَيْوَم َيَع ّ‬
‫ل )‪ 27‬الفرقان (‬ ‫سِبي ً‬ ‫سوِل َ‬ ‫ت َمَع الّر ُ‬ ‫خْذ ُ‬ ‫عَلى َيَدْيِه َيُقوُل َيَلْيَتِني اّت َ‬ ‫َ‬
‫ظَلُم ِمّم ْ‬
‫ن‬ ‫ن َأ ْ‬‫‪ .15‬منع ذكر ال في المساجد والسعي في خرابها ‪َ ) :‬وَم ْ‬
‫خَراِبَها )‪ 114‬البقرة (‬ ‫سَعى ِفي َ‬ ‫سُمُه َو َ‬ ‫ن ُيْذَكَر ِفيَها ا ْ‬ ‫ل َأ ْ‬
‫جَد ا ِّ‬ ‫سا ِ‬‫َمنََع َم َ‬
‫ل‪،‬‬ ‫عَلُم َأِم ا ُّ‬ ‫‪ .16‬كتم ما ُأوتي الناس من علم من عند ربهم ‪ُ) :‬قْل َءَأْنُتْم َأ ْ‬
‫ل )‪ 140‬البقرة (‬ ‫ن ا ِّ‬ ‫عْنَدُه ِم ْ‬ ‫شَهاَدًة ِ‬ ‫ن َكَتَم َ‬ ‫ظَلُم ِمّم ْ‬ ‫ن َأ ْ‬‫َوَم ْ‬
‫شَهاَدِتِهَما‬ ‫ن َ‬ ‫ق ِم ْ‬ ‫حّ‬ ‫شَهادَُتَنا َأ َ‬‫ل َل َ‬ ‫ن ِبا ِّ‬‫سَما ِ‬ ‫‪ .17‬شهادة الزور ‪َ … ) :‬فُيْق ِ‬
‫ن )‪ 107‬المائدة (‬ ‫ظاِلِمي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫عَتَدْيَنا ِإّنا ِإًذا َلِم َ‬
‫َوَما ا ْ‬
‫ن َيْهِدي‬ ‫عْلٍم َفَم ْ‬
‫ظَلُموا َأْهَواَءُهْم ِبَغْيِر ِ‬ ‫ن َ‬ ‫‪ .18‬اتباع الهوى ‪َ ) :‬بْل اّتَبَع اّلِذي َ‬
‫ن )‪ 29‬الروم (‬ ‫صِري َ‬ ‫ن َنا ِ‬ ‫ل َوَما َلُهْم ِم ْ‬ ‫ضّل ا ُّ‬ ‫ن َأ َ‬ ‫َم ْ‬
‫جاَء َ‬
‫ك‬ ‫ن َبْعِد َما َ‬ ‫ت َأْهَواَءُهْم ِم ْ‬ ‫ن اّتَبْع َ‬ ‫‪ .19‬اتباع أهواء أهل الكتاب ‪َ ) :‬وَلِئ ْ‬
‫ن )‪145‬البقرة (‬ ‫ظاِلِمي َ‬ ‫ن ال ّ‬‫ك ِإًذا َلِم ْ‬‫ن اْلِعْلِم ِإّن َ‬‫ِم ْ‬
‫ن ِّ‬
‫ل‬ ‫ن الّدي ُ‬ ‫ن ِفْتَنٌة َوَيُكو َ‬ ‫حّتى َل َتُكو َ‬ ‫‪ .20‬السعي في الفتنة ‪َ ) :‬وَقاِتُلوُهْم َ‬
‫ن )‪ 193‬البقرة (‬ ‫ظاِلِمي َ‬ ‫عَلى ال ّ‬ ‫ن ِإلّ َ‬ ‫عْدَوا َ‬‫ل ُ‬ ‫ن انَتَهْوا َف َ‬ ‫َفإِ ْ‬
‫ن )‪35‬‬ ‫ظاِلِمي َ‬‫ن ال ّ‬ ‫جَرةَ َفَتُكوَنا ِم ْ‬ ‫شَ‬ ‫‪ .21‬معصية أمر ال ‪َ ) :‬ولَ َتْقَرَبا َهِذِه ال ّ‬
‫البقرة (‬
‫ن َيَتَعّد‬
‫ل َتْعَتُدوَها َوَم ْ‬ ‫ل َف َ‬‫حُدوُد ا ِّ‬ ‫ك ُ‬ ‫‪ .22‬العتداء على حدود ال ‪ِ ) :‬تْل َ‬
‫ن )‪ 229‬البقرة (‬ ‫ظاِلُمو َ‬ ‫ك ُهْم ال ّ‬ ‫ل َفُأْوَلِئ َ‬‫حُدوَد ا ِّ‬ ‫ُ‬

‫‪556‬‬
‫ن‬
‫ن ِم ْ‬ ‫ك َفَتُكو َ‬ ‫ن َتُبوَء ِبِإْثِمي َوِإْثِم َ‬ ‫‪ .23‬القتل وسفك الدماء ‪ِ ) :‬إّني ُأِريُد َأ ْ‬
‫ن )‪ 29‬المائدة (‬ ‫ظاِلِمي َ‬‫جَزاُء ال ّ‬ ‫ك َ‬ ‫ب الّناِر َوَذِل َ‬ ‫حا ِ‬ ‫َأصْ َ‬
‫ك ُهْم‬ ‫ل َفُأْوَلِئ َ‬
‫حُكْم ِبَما َأنَزَل ا ُّ‬ ‫ن َلْم َي ْ‬ ‫‪ .24‬الحكم بغير ما أنزل ال ‪َ ) :‬وَم ْ‬
‫ن )‪ 45‬المائدة (‬ ‫ظاِلُمو َ‬ ‫ال ّ‬
‫عَلْيِهْم اْلِقَتاُل تََوّلْوا‬ ‫ب َ‬ ‫‪ .25‬الستنكاف عن القتال في سبيل ال ‪َ ) :‬فَلّما ُكِت َ‬
‫ن )‪ 246‬البقرة (‬ ‫ظاِلِمي َ‬‫عِليٌم ِبال ّ‬ ‫ل َ‬ ‫ل ِمْنُهْم َوا ُّ‬ ‫ِإّل َقِلي ً‬
‫عْ‬
‫ن‬ ‫‪ .26‬خيانة العهد ونكران المعروف ‪َ ) :‬وَراَوَدْتُه اّلِتي ُهَو ِفي َبْيِتَها َ‬
‫ن‬
‫سَ‬ ‫ح َ‬ ‫ل ِإّنُه َرّبي َأ ْ‬ ‫ك َقاَل َمَعاَذ ا ِّ‬ ‫ت َل َ‬‫ت َهْي َ‬‫ب َوَقاَل ْ‬ ‫ت الَْْبَوا َ‬ ‫غّلَق ْ‬
‫سِه َو َ‬ ‫َنفْ ِ‬
‫ن )‪ 23‬يوسف (‬ ‫ظاِلُمو َ‬ ‫ح ال ّ‬ ‫ي ِإّنُه َل ُيْفِل ُ‬‫َمْثَوا َ‬
‫‪ .27‬موالة الذين يقاتلون المسلمين ‪ ،‬وُيخرجونهم من ديارهم ‪ ،‬وموالة‬
‫ن اّلِذي َ‬
‫ن‬ ‫عِ‬ ‫ل َ‬ ‫الذين ُيؤيدونهم وُيساندونهم في فعلهم ‪ِ ) :‬إّنَما َيْنَهاُكُم ا ُّ‬
‫جُكْم َأ ْ‬
‫ن‬ ‫خَرا ِ‬‫عَلى ِإ ْ‬ ‫ظاَهُروا َ‬ ‫ن ِدَياِرُكْم َو َ‬ ‫جوُكْم ِم ْ‬ ‫خَر ُ‬ ‫ن َوَأ ْ‬ ‫َقاَتُلوُكْم ِفي الّدي ِ‬
‫ن )‪ 9‬الممتحنة (‬ ‫ظاِلُمو َ‬ ‫ك ُهُم ال ّ‬ ‫ن َيَتَوّلُهْم َفُأوَلِئ َ‬ ‫َتَوّلْوُهْم َوَم ْ‬
‫خُذوا اْلَيُهوَد‬ ‫ن آَمُنوا َل َتّت ِ‬ ‫‪ .28‬موالة اليهود والنصارى ‪َ ) :‬يَأّيَها اّلِذي َ‬
‫ن َيَتَوّلُهْم ِمْنُكْم َفِإّنُه ِمْنُهْم‬ ‫ض َوَم ْ‬ ‫ضُهْم َأْوِلَياُء َبْع ٍ‬ ‫صاَرى َأْوِلَياَء َبْع ُ‬ ‫َوالّن َ‬
‫ن )‪ 51‬المائدة (‬ ‫ظاِلِمي َ‬ ‫ل لَ َيْهِدي اْلَقْوَم ال ّ‬ ‫ن ا َّ‬ ‫ِإ ّ‬
‫ن آَمُنوا َل‬ ‫‪ .29‬موالة الكافرين ولو كانوا أولي قربى ‪َ ) :‬يَأّيَها اّلِذي َ‬
‫ن َوَم ْ‬
‫ن‬ ‫عَلى اِْليَما ِ‬ ‫حّبوا اْلُكْفَر َ‬ ‫سَت َ‬ ‫نا ْ‬ ‫خَواَنُكْم َأْوِلَياَء ِإ ْ‬ ‫خُذوا آَباَءُكْم َوِإ ْ‬ ‫َتتّ ِ‬
‫ن )‪ 23‬التوبة (‬ ‫ظاِلُمو َ‬ ‫ك ُهْم ال ّ‬ ‫َيَتَوّلُهْم ِمْنُكْم َفُأْوَلِئ َ‬
‫سِلِهْم‬ ‫ن َكَفُروا ِلُر ُ‬ ‫‪ .30‬إخراج الناس من ديارهم وتشريدهم ‪ ) :‬وََقاَل اّلِذي َ‬
‫ن‬
‫حى ِإَلْيِهْم َرّبُهْم َلُنْهِلَك ّ‬ ‫ن ِفي ِمّلِتَنا َفَأْو َ‬ ‫ضَنا َأْو َلَتُعوُد ّ‬ ‫ن َأْر ِ‬ ‫جّنُكْم ِم ْ‬‫خِر َ‬ ‫َلُن ْ‬
‫ن )‪13‬إبراهيم (‬ ‫ظاِلِمي َ‬ ‫ال ّ‬
‫للً )‪24‬‬ ‫ضَ‬ ‫ن ِإّل َ‬ ‫ظاِلِمي َ‬ ‫ضّلوا َكِثيًرا َوَل َتِزِد ال ّ‬ ‫‪ .31‬إضلل الناس ‪َ ) :‬وَقْد َأ َ‬
‫نوح (‬
‫جّنَتُه‬ ‫خَل َ‬ ‫‪ .32‬الشعور بالفوقية ‪ ،‬والتكبر والستعلء على الناس ‪َ ) :‬وَد َ‬
‫ن َتِبيَد َهِذِه َأَبًدا )‪ 35‬الكهف (‬ ‫ن َأ ْ‬
‫ظّ‬ ‫سِه َقاَل َما َأ ُ‬ ‫ظاِلٌم ِلَنْف ِ‬
‫َوُهَو َ‬
‫طُرِد اّلِذي َ‬
‫ن‬ ‫‪ .33‬ازدراء فقراء المؤمنين والعراض عنهم ‪َ ) :‬وَل َت ْ‬
‫ن‬
‫ساِبِهْم ِم ْ‬ ‫ح َ‬‫ن ِ‬ ‫ك ِم ْ‬ ‫عَلْي َ‬‫جَهُه َما َ‬ ‫ن َو ْ‬ ‫ي ُيِريُدو َ‬ ‫شّ‬ ‫ن َرّبُهْم ِباْلَغَداِة َواْلَع ِ‬ ‫عو َ‬ ‫َيْد ُ‬
‫‪557‬‬
‫ظاِلِمي َ‬
‫ن‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ن ِم َ‬ ‫طُرَدُهْم َفَتُكو َ‬ ‫يٍء َفَت ْ‬ ‫ش ْ‬‫ن َ‬ ‫عَلْيِهْم ِم ْ‬
‫ك َ‬ ‫ساِب َ‬‫ح َ‬‫ن ِ‬ ‫يٍء َوَما ِم ْ‬ ‫شَ ْ‬
‫)‪ 52‬النعام (‬
‫ن َءاَمُنوا َل‬ ‫‪ .34‬الستهزاء بالخرين والتقليل من شأنهم ‪َ ) :‬يَأّيَها اّلِذي َ‬
‫ساٍء‬ ‫ن ِن َ‬
‫ساٌء ِم ْ‬ ‫خْيًرا ِمْنُهْم َوَل ِن َ‬ ‫ن َيُكوُنوا َ‬ ‫سى َأ ْ‬ ‫ع َ‬‫ن َقْوٍم َ‬ ‫خْر َقوٌم ِم ْ‬ ‫سَ‬ ‫َي ْ‬
‫سُكْم َوَل َتَناَبُزوا ِباَْلْلَقابِ‬ ‫ن َوَل َتْلِمُزوا َأْنُف َ‬ ‫خْيًرا ِمْنُه ّ‬‫ن َ‬ ‫ن َيُك ّ‬ ‫سى َأ ْ‬ ‫ع َ‬‫َ‬
‫ن)‬ ‫ظاِلُمو َ‬ ‫ك ُهُم ال ّ‬ ‫ب َفُأوَلِئ َ‬ ‫ن َلْم َيُت ْ‬‫ن َوَم ْ‬‫ق َبْعَد اِْليَما ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫سُم اْلُف ُ‬ ‫س الِ ْ‬ ‫ِبئْ َ‬
‫‪ 11‬الحجرات (‬
‫‪ .35‬الستعاضة عن اليمان بال واليوم الخر ‪ ،‬والجهاد في سبيله ‪،‬‬
‫ن‬
‫حَراِم كََم ْ‬ ‫جِد اْل َ‬‫سِ‬‫عَماَرَة اْلَم ْ‬ ‫ج َو ِ‬ ‫حا ّ‬‫سَقاَيَة اْل َ‬‫جَعْلُتْم ِ‬‫بخدمة الحجاج ‪َ ) :‬أ َ‬
‫عْنَد ا ِّ‬
‫ل‬ ‫ن ِ‬ ‫سَتُوو َ‬ ‫ل َل َي ْ‬ ‫سِبيِل ا ِّ‬ ‫جاَهَد ِفي َ‬ ‫خِر َو َ‬‫لِ‬ ‫ل َواْلَيْوِم ا ْ‬ ‫ن ِبا ِّ‬ ‫َءاَم َ‬
‫ن )‪ 19‬التوبة (‬ ‫ظاِلِمي َ‬‫ل َل َيْهِدي اْلَقْوَم ال ّ‬ ‫َوا ُّ‬
‫حّمُلوا الّتْوَراَة‬ ‫ن ُ‬ ‫‪ .36‬حمل القرآن والعمل بنقيض ما جاء به ‪َ ) :‬مَثُل اّلِذي َ‬
‫ن كَّذُبوا‬ ‫س َمَثُل اْلَقْوِم اّلِذي َ‬ ‫سَفاًرا ِبْئ َ‬ ‫حِمُل َأ ْ‬
‫حَماِر َي ْ‬ ‫حِمُلوَها َكَمَثِل اْل ِ‬ ‫ُثّم َلْم َي ْ‬
‫ن )‪ 5‬الجمعة (‬ ‫ظاِلِمي َ‬ ‫ل َل َيْهِدي اْلَقْوَم ال ّ‬ ‫ل َوا ُّ‬ ‫ت ا ِّ‬ ‫ِبآَيا ِ‬
‫هذا الكتاب يؤكد على أن زمن النهاية قد اقترب ‪ ،‬وأن الحلقة الولى من‬
‫مسلسل أحداثها ‪ ،‬ستبدأ على أبعد الحتمالت ‪ ،‬خلل فترة زمنية ‪ ،‬ل تزيد عن‬
‫أشهر معدودة ‪ .‬وأن أحداث النهاية ‪ ،‬سيهلك فيها الكثير من الناس ‪ ،‬وتنهار فيها‬
‫الكثير من المم ‪ ،‬وقد يستنكر الكثيرون هذا المر ‪.‬‬
‫ح )‪ 17‬السراء ( ولو رجعنا‬ ‫ن َبْعِد ُنو ٍ‬ ‫ن ِم ْ‬‫ن اْلُقُرو ِ‬ ‫قال تعالى ) َوَكْم َأْهَلْكَنا ِم َ‬
‫ن َأْمِر َرّبَها‬ ‫عْ‬ ‫ت َ‬‫عَت ْ‬ ‫إلى الوراء قليل ‪ ،‬واستذكرنا تلك القوام التي ُأهلكت لّما ) َ‬
‫َوُرسُِلِه )‪ 8‬الطلق ( ‪ ،‬لوجدنا أن أشكال الظلم التي مارستها تلك القوام ‪ ،‬ل‬
‫ُتقارن مع ما تمارسه القوام المعاصرة ‪ .‬أفل تستحق القوام المعاصرة‬
‫الهلك ؟ وإن كانت كذلك أليس هلكها بقريب ؟!‬
‫ولو استذكرنا تاريخ المة السلمية ‪ ،‬سنجد أنها ُمنيت بكثير من النكبات‬
‫والمصائب ‪ ،‬كلما كانت تبتعد عن الخرة وتلتصق بالحياة الدنيا ‪ .‬والحالة التي‬
‫نعيشها الن ‪ ،‬هي السوأ على مر التاريخ ‪ ،‬فنحن منغمسون في الحياة الدنيا ‪،‬‬
‫من الرأس حتى أخمص القدم ‪ ،‬وأما السلم ‪ ،‬فهو مجرد شعار تسويقي ‪،‬‬
‫نلَبسه كلما اقتضت الحاجة لذلك ‪ .‬أفل نستحق الهلك ‪ ،‬أو الستبدال ‪ ،‬أو‬
‫التأديب على القل ‪:‬‬
‫‪558‬‬
‫ت)‬ ‫س َوالّثَمَرا ِ‬ ‫ن اَْلْمَواِل َواَْلْنُف ِ‬‫ص ِم َ‬
‫ع َوَنْق ٍ‬ ‫جو ِ‬ ‫ف َواْل ُ‬
‫خْو ِ‬‫ن اْل َ‬‫يٍء ِم َ‬‫ش ْ‬‫ولو ) ِب َ‬
‫‪ 155‬البقرة ( ؟!‬
‫شَيًعا ‪،‬‬
‫سُكْم ِ‬‫جِلُكْم ‪َ ،‬أْو َيْلِب َ‬
‫ت َأْر ُ‬
‫ح ِ‬
‫ن َت ْ‬
‫ن َفْوِقُكْم ‪َ ،‬أْو ِم ْ‬
‫عَذاًبا ِم ْ‬
‫عَلْيُكْم َ‬
‫ث َ‬ ‫ن َيْبَع َ‬
‫أو ) َأ ْ‬
‫ن )‪65‬‬ ‫ت َلَعّلُهْم َيْفَقُهو َ‬‫لَيا ِ‬‫فا ْ‬‫صّر ُ‬ ‫ف ُن َ‬
‫ظْر َكْي َ‬ ‫ض ‪ ،‬اْن ُ‬‫س َبْع ٍ‬‫ضُكْم َبْأ َ‬‫ق َبْع َ‬ ‫أَو ُيِذي َ‬
‫النعام ( ؟‬
‫وعلى ما يبدو أن إهلك القرى ‪ ،‬سيبدأ بثلثية الفساد والظلم في الرض ‪،‬‬
‫على مستوى الديانات الثلث ‪ ،‬اليهودية والنصرانية والسلم ‪ ،‬متمثلة في‬
‫إسرائيل وأمريكا ومصر ‪ ،‬ومن ثم بقية القرى المفسدة والظالمة تباعا ‪ ،‬على‬
‫قاعدة الجزاء من جنس العمل ‪ ،‬بإذن ال ‪ ،‬وما ذلك على ال بعزيز ‪.‬‬
‫ن(‬
‫سَنٍة ِمّما َتُعّدو َ‬
‫ف َ‬
‫ك َكَأْل ِ‬
‫عْنَد َرّب َ‬
‫ن َيْوًما ِ‬
‫) َوِإ ّ‬
‫صاُر ‪،‬‬
‫ت الَْْب َ‬
‫غ ِ‬
‫سَفلَ ِمْنُكْم ‪َ ،‬وِإْذ َزا َ‬
‫ن َأ ْ‬
‫ن َفْوِقُكْم ‪َ ،‬وِم ْ‬ ‫جاُءوُكْم ِم ْ‬ ‫قال تعالى ) ِإْذ َ‬
‫ظُنوَنا )‪ 10‬الحزاب ( ‪ ،‬كان هذا حال‬ ‫ل ال ّ‬‫ن ِبا ِّ‬
‫ظّنو َ‬‫جَر ‪َ ،‬وَت ُ‬ ‫حَنا ِ‬
‫ب اْل َ‬
‫َوَبَلَغتِ اْلُقُلو ُ‬
‫صحابة رسول ال عليه الصلة والسلم ‪ ،‬أكثر الناس إيمانا وعزيمة وصبرا‬
‫وثباتا على دينهم ‪ ،‬لقد بلغ منهم الخوف مبلغا عظيما ‪ ،‬حتى ساورتهم الشكوك‬
‫ب عليهم من بأقطارها ‪ ،‬من ملل‬ ‫والظنون ‪ ،‬في غزوة الحزاب ‪ ،‬عندما تأل ّ‬
‫الكفر والشرك ‪ ،‬جمعتها الصهيونية اليهودية الحاقدة قديما ‪ ،‬لوأد دولة السلم‬
‫الحديثة ‪ ،‬خوفا من ضياع السيطرة اليهودية ‪ ،‬على مجريات المور في‬
‫الجزيرة العربية ‪ ،‬بإثارة الفتن والحروب بين القبائل ‪ ،‬حيث كان اليهود‬
‫المرجعية الستشارية ‪ ،‬لمشركي قريش وغيرهم من القبائل ‪ ،‬فيما يتعّلق‬
‫بأساطير الولين ‪.‬‬
‫وفي العالم العربي والسلمي شرقا وغربا ‪ ،‬يشعر الناس بالحباط واليأس‬
‫والخوف ‪ ،‬من الوضع الُمتأزم الذي يعيشونه في السنوات الخيرة إجمال ‪،‬‬
‫وفي هذه اليام على وجه الخصوص ‪ ،‬وهم يشاهدون ما يجري على أرض‬
‫السراء والمعراج وغيرها ‪ ،‬من هجمة شرسة شنها أوغاد الصهانية في الشرق‬
‫‪ ،‬مدعومين بأوغاد الصهانية من يهود ومسيحيين في الغرب ‪ ،‬حتى بدأ اليأس‬
‫والقنوط من رحمة ال ‪ ،‬يتسّرب إلى قلوب الكثير منهم ‪ ،‬لدرجة أن منهم من‬
‫ن السوء ‪ ،‬بل ومنهم من كفر بال رّبا ‪ ،‬وبالسلم دينا في لحظة من‬ ‫ن بال ظ ّ‬ ‫ظّ‬

‫‪559‬‬
‫اللحظات ‪ ،‬ومنهم من دعا على أهله وولده ‪ ،‬وعلى الشعوب العربية وحّكامها‬
‫بالهلكة والخراب ‪.‬‬
‫لمثل أولئك في هذا الزمان ‪ ،‬يقول سبحانه وتعالى ‪ ،‬قبل ما يزيد على ‪1400‬‬
‫سنة ‪ ،‬في كتابه المجيد ‪ ،‬في نهاية سورة النحل ‪ ،‬قبل أن يبدأ في الخبار ‪ ،‬عن‬
‫وعد الخرة في السورة التي تليها ‪:‬‬
‫ن)‬ ‫صاِبِري َ‬‫خْيٌر ِلل ّ‬ ‫صَبْرُتْم َلُهَو َ‬‫ن َ‬ ‫عوِقْبُتْم ِبِه َوَلِئ ْ‬ ‫عاَقْبُتْم َفَعاِقُبوا ِبِمْثِل َما ُ‬ ‫ن َ‬ ‫) َوِإ ْ‬
‫ق ِمّما‬‫ك ِفي ضَْي ٍ‬ ‫عَلْيِهْم ‪َ ،‬وَل َت ُ‬ ‫ن َ‬ ‫حَز ْ‬ ‫ل ‪َ ،‬ولَ َت ْ‬ ‫ك ِإّل ِبا ِّ‬ ‫صْبُر َ‬‫صِبْر َوَما َ‬ ‫‪َ (126‬وا ْ‬
‫ن )‪(128‬‬ ‫سُنو َ‬‫ح ِ‬‫ن ُهْم ُم ْ‬ ‫ن اّتَقْوا ‪َ ،‬واّلِذي َ‬ ‫ل َمَع اّلِذي َ‬ ‫ن ا َّ‬‫ن )‪ِ (127‬إ ّ‬ ‫َيْمُكُرو َ‬
‫وفي معرض تعقيبه على وعد الخرة ‪ ،‬الذي نعيشه الن بكل حيثّياته ‪ ،‬يقول ‪:‬‬
‫جوًل )‪ 11‬السراء (‬ ‫عُ‬ ‫ن َ‬‫سا ُ‬ ‫ن اِْلْن َ‬ ‫خْيِر ‪َ ،‬وَكا َ‬ ‫عاَءُه ِباْل َ‬‫شّر ُد َ‬ ‫ن ِبال ّ‬‫سا ُ‬‫ع اِْلْن َ‬
‫) َوَيْد ُ‬
‫ض َوَنَأى‬ ‫عَر َ‬ ‫ن َأ ْ‬
‫سا ِ‬‫عَلى اِْلْن َ‬ ‫ويقول أيضا في نفس السورة ‪َ ) :‬وِإَذا َأْنَعْمَنا َ‬
‫سا )‪(83‬‬ ‫ن َيُئو ً‬ ‫شّر َكا َ‬ ‫سُه ال ّ‬ ‫جاِنبِِه ‪َ ،‬وِإَذا َم ّ‬ ‫ِب َ‬
‫شرّ‬
‫سُه ال ّ‬ ‫ن َم ّ‬ ‫خْيِر ‪َ ،‬وِإ ْ‬‫عاِء اْل َ‬ ‫ن ُد َ‬ ‫ن ِم ْ‬ ‫سا ُ‬ ‫سَأُم اِْلْن َ‬‫صلت ‪ ) :‬لَ َي ْ‬ ‫ويقول في سورة ُف ّ‬
‫ط )‪(49‬‬ ‫س َقُنو ٌ‬‫َفَيُئو ٌ‬
‫ن‬
‫ن ‪ِ ،‬إ ّ‬ ‫جًبا َِلْمِر اْلُمْؤِم ِ‬ ‫عَ‬‫سّلَم ‪َ " :‬‬ ‫عَلْيِه َو َ‬ ‫ل َ‬ ‫صّلى ا ُّ‬ ‫ل َ‬ ‫ل ا ِّ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬‫ب ‪َ ،‬قا َ‬‫صَهْي ٍ‬‫عنْ ُ‬ ‫وَ‬
‫شَكرَ ‪َ ،‬فَكا َ‬
‫ن‬ ‫سّراُء َ‬ ‫صاَبْتُه َ‬‫ن َأ َ‬ ‫ن ‪ِ ،‬إ ْ‬ ‫حٍد ِإّل ِلْلُمْؤِم ِ‬ ‫ك َِل َ‬‫س َذا َ‬ ‫خْيٌر ‪َ ،‬وَلْي َ‬ ‫َأْمَرُه ُكّلُه َ‬
‫خْيًرا َلُه " ‪ .‬رواه مسلم ‪.‬‬ ‫ن َ‬ ‫صَبَر َفَكا َ‬‫ضّراُء ‪َ ،‬‬ ‫صاَبْتُه َ‬ ‫ن َأ َ‬‫خْيًرا َلُه ‪َ ،‬وِإ ْ‬ ‫َ‬
‫كثير من الناس ‪ ،‬ببعدهم عن القرآن والسنة ‪ ،‬ل يفهمون الكثير من الغايات‬
‫والمقاصد اللهية ‪ ،‬من تصريف أمور الناس بالشكل المنظور والمحسوس ‪،‬‬
‫خْيِر‬
‫شّر َواْل َ‬
‫وخاصة فيما يتعّلق بالبتلء ‪ ،‬سواء بالخير أو الشّر ‪َ ) ،‬وَنْبُلوُكْم ِبال ّ‬
‫ضح وبّين في‬ ‫ن )‪ 35‬النبياء ( مع أن ال سبحانه وتعالى ‪ ،‬و ّ‬ ‫جُعو َ‬
‫ِفْتَنًة َوِإَلْيَنا ُتْر َ‬
‫كتابه العزيز للمؤمنين ‪ ،‬أن عاقبة المور ‪ ،‬هي ما يجب أن ُنرّكز عليه أنظارنا‬
‫وعقولنا وقلوبنا ‪ .‬وأن نعّلق آمالنا دائما وأبدا على العاقبة ‪ ،‬أي المنتهى الذي‬
‫ستؤول إليه المور فيما بعد ‪ ،‬سواًء في الدنيا أو الخرة ‪ ،‬مهما طال الزمن أو‬
‫قصر ‪ ،‬وأل نعّلق آمالنا على الواقع الذي نعيش فيه ‪ ،‬فبعد غزوة الحزاب ‪،‬‬
‫التي زاغت فيها أبصار المؤمنين ‪ ،‬وبلغت قلوبهم الحناجر ‪ ،‬وظنوا بال‬
‫الظنون ‪ُ ،‬فتحت مكة ‪ ،‬وكانت تلك الفئة المؤمنة الصابرة والثابتة ‪ ،‬هي نفسها‬

‫‪560‬‬
‫التي قادت جيوشا ‪ ،‬زلزلت عروش أكبر دول الكفر والطغيان ‪ ،‬في ذلك الزمان‬
‫‪.‬‬
‫كان يوسف عليه السلم قد ُأبعد عن أبويه طفل ‪ ،‬وُرمي في البئر ‪ ،‬وُأخذ من‬
‫قبل ُأناس غرباء إلى أرض غريبة ‪ ،‬وبيع عبدا بدارهم قليلة ‪ ،‬وعاش غريبا‬
‫حتى بلغ أشّده ‪ ،‬واُتهم بمراودة زوجة سيده ‪ ،‬وألقي في السجن سنينا طويلة ‪.‬‬
‫ولكن بعد كل تلك المعاناة ‪ ،‬وفي نهاية المطاف ‪ ،‬كان المر مختلفا كليا )‬
‫حَمِتَنا َم ْ‬
‫ن‬ ‫ب ِبَر ْ‬
‫صي ُ‬
‫شاُء ُن ِ‬
‫ث َي َ‬
‫حْي ُ‬
‫ض َيَتَبّوُأ ِمْنَها َ‬‫ف ِفي الَْْر ِ‬ ‫س َ‬‫ك َمّكّنا ِلُيو ُ‬
‫َوَكَذِل َ‬
‫خَرةِ‬
‫لِ‬‫ن )‪ 56‬يوسف ( وأما في الخرة ) َوَلجُْر ا ْ‬ ‫سِني َ‬
‫ح ِ‬‫جَر اْلُم ْ‬
‫ضيُع َأ ْ‬
‫شاءُ َولَ ُن ِ‬ ‫َن َ‬
‫ن )‪ 57‬يوسف (‬ ‫ن َءاَمُنوا َوَكاُنوا َيّتُقو َ‬‫خْيٌر ِلّلِذي َ‬
‫َ‬
‫ويؤكد سبحانه بأن بداية التمكين ليوسف ‪ ،‬كانت منذ دخوله لبيت العزيز ‪ ،‬مع‬
‫سى َأنْ‬ ‫ع َ‬ ‫صَر ِلْمَرَأِتِه َأْكِرِمي َمْثَواهُ َ‬‫ن ِم ْ‬‫شَتَراُه ِم ْ‬
‫كونه دخله عبدا ) َوَقاَل اّلِذي ا ْ‬
‫ن َتْأِويِل‬
‫ض َوِلُنَعّلَمُه ِم ْ‬
‫ف ِفي الَْْر ِ‬ ‫س َ‬‫ك َمّكّنا ِلُيو ُ‬‫خَذُه َوَلًدا َوَكَذِل َ‬
‫َيْنَفَعَنا َأْو َنّت ِ‬
‫ن الناظر إلى يوسف عبدا سجينا ‪ ،‬قابعا في زوايا النسيان‬ ‫ث … ( ‪ ،‬ولك ّ‬ ‫حاِدي ِ‬ ‫اَْل َ‬
‫والهمال ‪ ،‬ولو كان أكثر الناس تفاؤل ‪ ،‬لم يكن يخطر بباله ‪ ،‬أن حال هذا العبد‬
‫السجين ‪ ،‬المتهم بالخيانة ‪ ،‬سينقلب رأسا على عقب ‪ ،‬لُيصبح وزير مالية مصر‬
‫‪ ،‬أكبر دول العالم القديم ؟! ولكن حكمة ال اقتضت ‪ ،‬عكس ما قد يتصّوره ‪،‬‬
‫أغلب الواقعيون من ُأناس ذلك العصر ‪ ،‬وعلى رأسهم العزيز وامرأته ‪ .‬لذلك‬
‫أكد سبحانه ‪ ،‬على أن الناس – خاصة غير المؤمنين بال وصفاته ‪ ،‬جّلت قدرته‬
‫– ُيعانون في الغالب ‪ ،‬من قصر النظر والفكر ‪ ،‬بأنه قادر على تنفيذ مشيئته ‪،‬‬
‫في أقسى الظروف وأحلكها واستحالتها ‪ ،‬مخالفا كل معطيات الواقع ‪ ،‬الذي‬
‫عَلى‬‫ب َ‬ ‫غالِ ٌ‬‫ل َ‬ ‫يتذّرع به الناس هذه اليام ‪ ،‬لذلك قال في تكملة الية ) … َوا ُّ‬
‫ضح سبحانه‬ ‫ن )‪ ، (21‬وفي سورة الروم ‪ُ ،‬يو ّ‬ ‫س لَ َيْعَلُمو َ‬ ‫ن َأْكَثَر الّنا ِ‬ ‫َأْمِرِه ‪َ ،‬وَلِك ّ‬
‫ن اْلحََياِة‬
‫ظاِهًرا ِم َ‬ ‫ن َ‬ ‫‪ ،‬حقيقة ما يعلمه الناس ويؤمنون به ‪ ،‬في قوله ) َيْعَلُمو َ‬
‫ن )‪ ، (7‬وظاهر الحياة الدنيا ‪ ،‬هو الواقع‬ ‫غاِفُلو َ‬
‫خَرِة ُهْم َ‬ ‫لِ‬‫نا ْ‬ ‫عِ‬ ‫الّدْنَيا ‪َ ،‬وُهْم َ‬
‫المشاهد ‪.‬‬
‫أما بالنسبة لواقع المة السلمية الحالي ‪ ،‬وما يواجهه الشعب الفلسطيني ‪ ،‬من‬
‫معاناة ‪ ،‬من قبل المفسدون الصهاينة في الغرب والشرق ‪ ،‬فإن ال وعد‬
‫المؤمنين بالنصر من عنده ‪ ،‬ووعد عدوهم قبل ثلثة آلف سنة ‪ ،‬بالعذاب إن‬
‫أفسدوا في الرض ‪ ،‬وقد أفسدوا فيها ما يزيد على خمسين سنة ‪ ،‬وبلغ إفسادهم‬
‫‪561‬‬
‫هذه اليام عنان السماء ‪ ،‬فهذان وعدان ‪ ،‬صدرا ممن ل يخلف الميعاد ‪ ،‬ولكن‬
‫المر يحتاج إلى اليمان بال ‪ ،‬والصبر والثبات على الدين ‪ ،‬وعلى مواجهة‬
‫عدوهم ‪ ،‬وحسن ظنهم بال ‪.‬‬
‫يقول سبحانه في شأن المفسدين في الرض مخاطبا رسوله وأمته )‬
‫ك ‪َ ،‬كَأْل ِ‬
‫ف‬ ‫عْنَد َرّب َ‬
‫ن َيْوًما ِ‬ ‫عَدُه ‪َ ،‬وِإ ّ‬‫ل َو ْ‬
‫ف ا ُّ‬‫خِل َ‬
‫ن ُي ْ‬‫ب ‪َ ،‬وَل ْ‬‫ك ِباْلَعَذا ِ‬‫جُلوَن َ‬‫سَتْع ِ‬
‫َوَي ْ‬
‫سِل ‪،‬‬
‫ن الّر ُ‬ ‫صَبَر ُأوُلو اْلَعْزِم ِم َ‬‫صِبْر َكَما َ‬ ‫ن )‪ 47‬الحج ( وقال ) َفا ْ‬ ‫سَنٍة ِمّما َتُعّدو َ‬‫َ‬
‫ن َنَهاٍر‬
‫عًة ِم ْ‬‫سا َ‬‫ن َلْم َيْلَبُثوا ِإّل َ‬‫عُدو َ‬‫ن َما ُيو َ‬‫جْل َلُهْم ‪َ ،‬كَأّنُهْم َيْوَم َيَرْو َ‬‫سَتْع ِ‬
‫َوَل َت ْ‬
‫ن )‪ 35‬الحقاف ( ‪.‬‬ ‫سُقو َ‬‫ك ِإّل اْلَقْوُم اْلَفا ِ‬
‫غ َفَهْل ُيْهَل ُ‬‫لٌ‬‫َب َ‬
‫هذه اليام ‪ ،‬يأس الناس من الشّر ‪ ،‬فهم يستعجلون زواله ‪ ،‬ورغبوا في الخير ‪،‬‬
‫وهم يستعجلون إطلله ‪ ،‬فقد استقوى الباطل وزادت سطوته ‪ ،‬وغاب الح ّ‬
‫ق‬
‫سِبيٍل )‪ 11‬غافر ( ؟ !‬
‫ن َ‬
‫ج ِم ْ‬
‫خُرو ٍ‬
‫وطالت غيبته ‪َ ) .‬فَهْل ِإَلى ُ‬

‫الفرق بين المواقيت بين التقدير السماوي والتقدير الرضي ‪:‬‬


‫عادة ما يشعر النسان ‪ ،‬في حالت الفرح ‪ ،‬بأن الزمن ينقضي كلمح البرق ‪،‬‬
‫فالسبوع يمّر وكأنه يوم ‪ ،‬واليوم وكأنه ساعة ‪ ،‬والساعة وكأنها دقيقة ‪ ،‬أما في‬
‫حالت الفراغ أو الحزن ‪ ،‬فيشعر بأن الزمن يسير ببطئ شديد ‪ ،‬ويكاد أن‬
‫يتوقف ‪ ،‬فالدقيقة تمّر وكأنها ساعة ‪ ،‬والساعة وكأنها يوم ‪ ،‬واليوم كأنه شهر ‪،‬‬
‫فالحساس بالزمن أمر نسبي ‪ ،‬يعتمد على الحالة النفسية التي تعتري النسان‬
‫بين حين وآخر ‪.‬‬
‫وحتى ل يتخّبط النسان ‪ ،‬في تقديراته للزمن تبعا لحالته النفسية ‪ ،‬اُتخذت اليام‬
‫والشهور والسنون ‪ ،‬وهي مقاييس ثابتة ومنتظمة ‪ ،‬لعتمادها على الحركة‬
‫المنتظمة ‪ ،‬والثابتة للجرام السماوية ‪ ،‬التي أبدعها رب هذا الكون ‪ .‬وبقيت‬
‫مسألة كيفية تقدير الزمن ‪ ،‬بالنسبة لليوم الواحد ‪ ،‬فاصطلح على تقسيم اليوم ‪،‬‬
‫إلى ‪ 24‬ساعة ‪ ،‬والساعة إلى ‪ 60‬دقيقة ‪ ،‬والدقيقة ‪ 60‬ثانية ‪.‬‬
‫ويرى كثير من المسلمين ‪ ،‬أن فترة الظلم والفساد على الرض ‪ ،‬طالت جدا ‪،‬‬
‫وربما ستطول أكثر عند البعض ‪ .‬ونقول هي في الميقات السماوي قصيرة‬
‫جدا ‪ ،‬ولتوضيح الفكرة وتقريبها إلى الذهان ليس إل ‪ ،‬سنقوم بعملية حسابية‬
‫بسيطة ‪.‬‬
‫‪562‬‬
‫اليوم في الميقات السماوي = ‪ 1000‬سنة ‪ ،‬واليوم في الميقات الرضي = ‪24‬‬
‫ساعة‬
‫فإذا قمنا بقسمة ‪ 1000‬سنة ‪ ،‬على ‪ 24‬ساعة ‪ ،‬سنكون قادرين ‪ ،‬على التوصل‬
‫لمعرفة نسبية لمقدار الساعة الواحدة ‪ ،‬في الميقات السماوي ‪= 24 ÷ 1000 :‬‬
‫‪ 41,6‬سنة‬
‫إذن الساعة الواحدة في الميقات السماوي تقابل ‪ 41,6‬سنة أرضية‬
‫أي أن الساعة في الميقات السماوي ‪ُ ،‬تقابل ‪ 42‬سنة تقريبا ‪ ،‬بالمقارنة مع‬
‫الميقات الرضي‬
‫ولحساب عمر الدولة اليهودية ‪ ،‬على سبيل المثال ‪ ،‬بالميقات السماوي ‪ ،‬وبما‬
‫أن العمر المتوقع لها ‪ ،‬لن يتجاوز ‪ 56‬سنة ‪ ،‬نجد أن‬
‫) ‪ ( 1‬ساعة سماوية ‪ 41,6 :‬سنة أرضية‬
‫) س ( ساعة سماوية ‪ 56 :‬سنة أرضية‬
‫ومن خلل الضرب التبادلي ‪:‬‬
‫نجد أن ) س ( = ) ‪ 1,344 = 41,6 ÷ ( 1 × 41,6‬ساعة سماوية‬
‫أي أن عمرها ‪ ،‬هو ساعة واحدة و ‪ 0,344‬من الساعة ‪ .‬وبما أن الساعة لدينا ‪،‬‬
‫تتكون من ) ‪ ( 60‬دقيقة ‪.‬‬
‫فإن ‪ 0,344‬من الساعة = ‪ 20 = 60 × 0,344‬دقيقة ‪.‬‬
‫ليتبين لنا ‪ ،‬أن إحساس أهل السماء ‪ ،‬بانقضاء ‪ 56‬سنة أرضية ‪ُ ،‬يماثل إحساسنا‬
‫بانقضاء ‪ ،‬ساعة واحدة وعشرين دقيقة فقط على الرض ‪ ،‬وهو زمن قصير‬
‫جدا بالنسبة لهل السماء ‪ ،‬وطويل جدا بالنسبة لهل الرض ‪.‬‬
‫لذلك يشعر الناس على الرض ‪ ،‬بطول الزمن وامتداده ‪ ،‬فتجدهم يستعجلون‬
‫الوعود اللهية ‪ ،‬بإهلك القرى الظالمة وبنصر المؤمنين ‪ ،‬ويعجبون من‬
‫خرها ‪ ،‬وأما أهل السماء ‪ ،‬فهم على العكس تماما ‪ ،‬يرون أن العذاب أو‬
‫تأ ّ‬
‫النصر ‪ ،‬يتنزل على الناس بسرعة كبيرة جدا ‪ ،‬وأن الحداث تجري كلمح‬
‫البصر ‪ ،‬وهذا ما يؤكده الخبار اللهي ‪ ،‬عن الساعة في القرآن ‪ ،‬حتى ظ ّ‬
‫ن‬
‫صحابة رسول ال ‪ ،‬من كثرة ما أّكد سبحانه وتعالى على قربها ‪ ،‬أن ستقع في‬
‫‪563‬‬
‫زمانهم ‪ ،‬لذلك كان الناس آنذاك يكثرون السؤال عنها ‪ ،‬إشفاقا من أمرها ‪ ،‬وها‬
‫قد مّر أكثر من ‪ 1400‬سنة ‪ ،‬ولم تقم بعد ‪ ،‬وهذه الحقيقة هي ما ُيقّرره سبحانه‬
‫ب َواِقٍع )‪(1‬‬‫ساِئٌل ِبَعَذا ٍ‬
‫وتعالى ‪ ،‬في مطلع سورة المعارج ‪ ،‬حيث قال ‪َ ) :‬‬
‫ح‬
‫لِئَكُة َوالّرو ُ‬‫ج اْلَم َ‬
‫ج )‪َ (3‬تْعُر ُ‬ ‫ل ِذي اْلَمَعاِر ِ‬
‫ن ا ِّ‬‫س َلُه َداِفٌع )‪ِ (2‬م َ‬
‫ن َلْي َ‬ ‫ِلْلَكاِفري َ‬
‫ل )‪ِ (5‬إّنُهْم‬‫جِمي ً‬ ‫صْبًرا َ‬‫صِبْر َ‬ ‫سَنٍة )‪َ (4‬فا ْ‬ ‫ف َ‬‫ن َأْل َ‬
‫سي َ‬
‫خْم ِ‬
‫ن ِمْقَداُرُه َ‬
‫ِإَلْيِه ِفي َيْوٍم َكا َ‬
‫َيَرْونَُه َبِعيًدا )‪َ (6‬وَنَراُه َقِريًبا )‪ 7‬المعارج ( ‪ ،‬وقال تعالى ‪:‬‬
‫ن(‬
‫ب ِإّنُهْم ُمْرَتِقُبو َ‬
‫) َفاْرَتِق ْ‬

‫‪564‬‬
‫الطوفان الخير وطوق النجاة‬
‫الرض حبلى بالفساد ‪:‬‬
‫س ِلُيِذيَقُهْم َبْع َ‬
‫ض‬ ‫ت َأْيِدي الّنا ِ‬
‫سَب ْ‬
‫حِر ِبَما َك َ‬
‫ساُد ِفي اْلَبّر َواْلَب ْ‬
‫ظَهَر اْلَف َ‬‫قال تعالى ) َ‬
‫ن )‪ 41‬الروم (‬ ‫جُعو َ‬‫عِمُلوا َلَعّلُهْم َيْر ِ‬
‫اّلِذي َ‬
‫لم تحمل الرض ‪ ،‬حمل فاسدا ومفسدا ‪ ،‬في تاريخها الطويل ‪ ،‬كهذا الحمل ‪،‬‬
‫الذي حملته في المائة سنة الخيرة ‪ .‬فقد حوت في رحمها ‪ ،‬جميع خطايا‬
‫ومعاصي المم السابقة ‪ ،‬التي كانت فيما مضى ‪ُ ،‬تهلك لمجرد خطيئة أو‬
‫معصية واحدة ُتصّر عليها ‪ ،‬كعبادة الصنام ‪ ،‬أو إتيان الفواحش ‪ ،‬أو تطفيف‬
‫الكيل ‪ ،‬وذلك بالرغم من وجود ‪ ،‬تعاليم موسى وعيسى ومحمد ‪ ،‬عليهم الصلة‬
‫والسلم ‪ ،‬حية مسطورة بين دفات الكتب ‪ .‬فالرض حبلى بالفساد ‪ ،‬ول بد لهذا‬
‫الحمل ‪ ،‬الذي عظم شأنه وكبر حجمه ‪ ،‬من جراحة قيصرية مؤلمة جدا ‪ ،‬لنقاذ‬
‫رحم الرض ‪ ،‬قبل أن تتسّرب لبقيته العفونة ‪ ،‬فل ُيسمح له بحمل آخر ‪.‬‬
‫خَتَلطَ ِبِه َنَبا ُ‬
‫ت‬ ‫سَماِء ‪َ ،‬فا ْ‬‫ن ال ّ‬‫حَياِة الّدْنَيا ‪َ ،‬كَماٍء َأْنَزْلَناُه ِم ْ‬‫قال تعالى ) ِإّنَما َمَثُل اْل َ‬
‫ت‪،‬‬ ‫خُرَفَها َواّزّيَن ْ‬‫ض ُز ْ‬
‫ت اَْلْر ُ‬ ‫حّتى ِإَذا َأخََذ ْ‬ ‫س َواَْلْنَعاُم ‪َ ،‬‬ ‫اَْلْرضِ ‪ِ ،‬مّما َيْأُكُل الّنا ُ‬
‫صيًدا ‪،‬‬‫جَعْلَناَها حَ ِ‬ ‫ل َأْو َنَهاًرا ‪َ ،‬ف َ‬
‫عَلْيَها ‪َ ،‬أَتاَها َأْمُرَنا َلْي ً‬
‫ن َ‬ ‫ن َأْهُلَها َأّنُهْم َقاِدُرو َ‬‫ظّ‬‫َو َ‬
‫ن )‪ 24‬يونس (‬ ‫ت ِلَقْوٍم َيَتَفّكُرو َ‬‫لَيا ِ‬‫صُل ا ْ‬‫ك ُنَف ّ‬ ‫س ‪َ ،‬كَذِل َ‬‫ن ِبالَْْم ِ‬ ‫ن َلْم َتْغ َ‬
‫َكَأ ْ‬
‫هذه الية تحمل في ثناياها سنة إلهية ‪ ،‬جاءت على شكل شرط وجواب‬
‫ن َأْهُلَها َأّنُهْم‬
‫ظّ‬
‫ت ‪َ ،‬و َ‬
‫خُرَفَها َواّزّيَن ْ‬
‫ض ُز ْ‬
‫ت اَْلْر ُ‬
‫خَذ ْ‬
‫للشرط ‪ ،‬والشرط ‪َ ) ،‬أ َ‬
‫عَلْيَها ( ‪ ،‬هو أن تأخذ الرض أبهى صورها ‪ ،‬وأن ُيصبح أهلها‬ ‫ن َ‬‫َقاِدُرو َ‬
‫منشغلون بمظاهرها ‪ ،‬مفتونون بجمالها ‪ ،‬يبذلون قصارى جهدهم في تحصيل‬
‫متاعها ‪ ،‬غافلين عن شكر خالقها وبارئها ‪ ،‬ظانين أنهم قادرين ‪ ،‬وبل منازع ‪،‬‬
‫على تصريف شؤونها ‪ ،‬وشؤون من على ظهرها من المخلوقات ‪ ،‬منتقصين‬
‫قدر وقدرة ‪ ،‬خالقهم وخالقها ‪.‬‬
‫ل َأْو َنَهاًرا ( ‪ ،‬وماهية‬ ‫أما جواب الشرط ‪ ،‬فهو مجيء أمر ال ‪َ ) ،‬أَتاَها َأْمُرَنا َلْي ً‬
‫ن‬
‫صيًدا ‪َ ،‬كَأ ْ‬
‫ح ِ‬
‫جَعْلَناَها َ‬
‫أمر ال تتبين من النتيجة ‪ ،‬في تعقيبه سبحانه وتعالى ‪َ) ،‬ف َ‬
‫س ( ‪ ،‬وهي خراب الرض ‪ ،‬بزوال زينتها وزخرفها ‪ ،‬التي‬ ‫ن ِباَْلْم ِ‬
‫َلْم َتْغ َ‬
‫أشغلت الناس عن عبادة ال ‪ ،‬وهي تشمل كل ما تراه من حولك ‪ ،‬من مفاتن‬
‫‪565‬‬
‫الحياة ‪ ،‬التي اغتر بها الناس ‪ ،‬إل من رحم ربي وهم قليل ‪ ،‬وذلك يعني هلك‬
‫الكثير من الناس ‪ .‬وإن لم تستخدم السلحة النووية ‪ ،‬في جعل الرض صحراء‬
‫قاحلة ‪ ،‬أينما وقع من أهلها ‪ ،‬ما أخبرت عنه اليات ‪ ،‬فما الذي سيجعلها كذلك ‪،‬‬
‫مع حتمية زوال هذه السلحة ‪ ،‬كما كنا قد أوضحنا في فصول سابقة ‪.‬‬
‫وهذه السنة اللهية ‪ ،‬ستمضي في عصرنا ‪ ،‬وقريبا جدا ‪ ،‬كما مضت مرارا‬
‫وتكرارا في القوام ‪ ،‬كلما ابتعد الناس عن الغاية اللهية ‪ ،‬من جعل النسان‬
‫صل‬‫صل اليات ‪ ،‬وأن هذا المر المف ّ‬
‫خليفة في الرض ‪ ،‬وُيعّقب سبحانه ‪ ،‬أنه ف ّ‬
‫في الية ‪ ،‬مطروح للتفّكر فيه ‪ ،‬بمعنى أنك متى عاينت ما أخبرت عنه اليات ‪،‬‬
‫متمّثل على أرض الواقع ‪ ،‬فتوقع أمر ال في أي لحظة ‪ ،‬هذا إن كنت ممن‬
‫يتفّكرون ‪.‬‬

‫المة السلمية فسقت عن أمر ربها وموعودة بالعقاب أيضا ‪:‬‬


‫جُكْم ‪،‬‬
‫خَواُنُكْم ‪َ ،‬وَأْزَوا ُ‬
‫ن َءاَباُؤُكْم ‪َ ،‬وَأْبَناُؤُكْم ‪َ ،‬وِإ ْ‬‫ن َكا َ‬ ‫قال تعالى ) ُقْل ِإ ْ‬
‫ن‬
‫ساِك ُ‬
‫ساَدَها ‪َ ،‬وَم َ‬ ‫ن َك َ‬‫شْو َ‬
‫خ َ‬ ‫جاَرٌة َت ْ‬
‫شيَرُتُكْم ‪َ ،‬وَأْمَواٌل اْقَتَرْفُتُموَها ‪َ ،‬وِت َ‬ ‫ع ِ‬‫َو َ‬
‫حّتى‬
‫صوا َ‬‫سِبيِلِه ‪َ ،‬فَتَرّب ُ‬
‫جَهاٍد ِفي َ‬ ‫سوِلِه ‪َ ،‬و ِ‬ ‫ل َوَر ُ‬‫ن ا ِّ‬
‫ب ِإَلْيُكْم ِم َ‬
‫ح ّ‬ ‫ضْوَنَها ‪َ ،‬أ َ‬‫َتْر َ‬
‫ن )‪ 24‬التوبة ( ‪.‬‬ ‫سِقي َ‬‫ل لَ َيْهِدي اْلَقْوَم اْلَفا ِ‬‫ل ِبَأْمِرِه ‪َ ،‬وا ُّ‬ ‫ي ا ُّ‬ ‫َيْأِت َ‬
‫وهنا شرط آخر خاص بأمة السلم ‪ ،‬فإن تحّقق منها ما ُتخبر عنه اليات ‪ ،‬وقد‬
‫تحّقق هذه اليام ‪ ،‬بل حالنا أسوأ من ذلك بكثير ‪ ،‬إذ لمن نكتفي بحب الحياة‬
‫الدنيا ومفرداتها ‪ ،‬فقد بدأنا مؤخرا ‪ ،‬نمارس الفساد والظلم والعصيان ‪ ،‬والتعدي‬
‫على حدود ال في وضح النهار ‪ ،‬وفي الماكن العامة ‪ ،‬في الشارع ‪ ،‬في‬
‫الجامعة ‪ ،‬في التلفاز ‪ ،‬في الصحف ‪ ،‬في الكتب ‪ ،‬ولكن الرحمن الرحيم ‪ ،‬لم‬
‫ك أنه على وشك … !‬ ‫ُينزل بنا غضبه حتى هذه اللحظة ‪ ،‬ول ش ّ‬
‫أمر ال سيحيق بنا قريبا ‪ ،‬وأقّله شيء من الخوف والجوع ‪ ،‬ونقص من الموال‬
‫والنفس والثمرات ‪ ،‬وأكثره الهلك العاجل في الدنيا ‪ ،‬ونار جهنم في الخرة ‪،‬‬
‫هذا لمن فسق عن أمر ربه ‪ ،‬من أمة محمد عليه الصلة والسلم ‪ ،‬أما من‬
‫ضرب بمظاهر الحياة الدنيا عرض الحائط ‪ ،‬وتاجر بما عند ربه ‪ ،‬فآمن وصبر‬
‫وعمل صالحا ‪ ،‬فأولئك لهم البشرى من ربهم ‪ ،‬في الدنيا والخرة ‪.‬‬

‫‪566‬‬
‫حَياِة الّدْنَيا ‪َ ،‬واطَْمَأّنوا‬
‫ضوا ِباْل َ‬
‫ن ِلَقاَءَنا ‪َ ،‬وَر ُ‬
‫جو َ‬ ‫ن لَ َيْر ُ‬‫ن اّلِذي َ‬
‫قال تعالى ) ِإ ّ‬
‫ن‬
‫سُبو َ‬
‫ك َمْأَواُهْم الّناُر ِبَما َكاُنوا َيْك ِ‬‫ن )‪ُ (7‬أْوَلِئ َ‬
‫غاِفُلو َ‬
‫ن آَياِتَنا َ‬‫عْ‬
‫ن ُهْم َ‬ ‫ِبَها ‪َ ،‬واّلِذي َ‬
‫)‪ 8‬يونس (‬

‫صراع بين مذهبين ‪:‬‬


‫ي يدعو‬
‫مرت البشرية بعدة محطات ‪ ،‬بدأت بهبوط آدم عليه السلم ‪ ،‬بمذهب إله ّ‬
‫إلى الصلح والصلح ‪ ،‬وهبوط إبليس بمذهب شيطاني يدعو إلى الفساد‬
‫والفساد ‪ .‬ومنذ ذلك اليوم بدأ الصراع الحقيقي بين مذهبين ‪ ،‬بين مذهب إبليس‬
‫ومذهب رب العزة ‪ ،‬وكل له جنده ‪ ،‬وُتركت للبشر حرية الختيار ‪ ،‬في تجنيد‬
‫أنفسهم لنصرة أحد المذهبين ‪ ،‬وكل من الفريقين سيتحّمل تبعة اختياره ‪.‬‬
‫حين بدأت الحياة البشرية على الرض ‪ ،‬كان مقام آدم عليه السلم ‪ ،‬في أرض‬
‫الجزيرة العربية ‪ ،‬حيث كانت جنة ال في الرض ‪ ،‬فقام ببناء أول بيت وضع‬
‫لعبادة ال ‪ ،‬في مكة المكرمة ‪ .‬وتناسل فيها وكثر أولده وأحفاده ‪ .‬ومع مرور‬
‫الزمن ‪ ،‬بدأ المذهب الشيطاني ينتشر في نسله ‪ ،‬والمذهب اللهي يضمحل شيئا‬
‫فشيئا ‪ .‬وبعد وفاة آدم عليه السلم ‪ ،‬استفحل المذهب الشيطاني ‪ ،‬حتى عّم‬
‫أرجاء المعمورة ‪ ،‬التي لم تتجاوز حدود الجزيرة العربية آنذاك ‪.‬‬
‫في هذه الجواء ‪ُ ،‬بعث سبحانه نوح عليه السلم ‪ ،‬لدعوة قومه ‪ ،‬فلم يستجب له‬
‫‪ ،‬إل قلة من المستضعفين ‪ ،‬ولما واجهوه بإصرارهم على الكفر ‪ ،‬واستمرارهم‬
‫بالفساد في الرض ‪ ،‬ولما انقطع رجاءه في هدايتهم ‪ .‬هنالك دعا ربه ليقطع‬
‫دابر الكافرين ‪ ،‬فُأمر بصناعة الفلك ‪ .‬وبدأ بإقامته وسط اليابسة ‪ ،‬حيث أقرب‬
‫بحر يبعد آلف الميال ‪ ،‬وإقامة الفلك في ذلك المكان هو الجنون بعينه ‪ ،‬فما‬
‫كان من قومه إل أن سخروا منه وممن معه ‪ ،‬وهم ل يعلمون ‪ ،‬وعن عاقبتهم‬
‫غافلون ‪ .‬وفجأة … انقلب كل شيء رأسا على عقب ‪ ،‬كان الطوفان الذي رافقه‬
‫انقلب كوني هائل ‪ ،‬في جغرافية الرض ‪ ،‬جعلت من الجزيرة العربية‬
‫صحراء قاحلة ‪.‬‬
‫ورست سفينته على جبل الجودي ‪ ،‬في الموصل شمالي العراق ‪ ،‬فنزل الذين‬
‫انتصروا للمذهب اللهي ‪ ،‬واستوطنوا العراق في بادئ المر ‪ ،‬ومع مرور‬
‫الزمن ‪ ،‬ومن هناك بدءوا بالنتشار ‪ ،‬شيئا فشيئا ‪ ،‬في شتى بقاع الرض ‪.‬‬
‫‪567‬‬
‫وعادت المور بعد الطوفان ‪ ،‬كما كانت في بداية عهد آدم عليه السلم ‪ ،‬وبدأ‬
‫الناس في التناسل والتكاثر ‪.‬‬
‫وبعد نوح عليه السلم ‪ ،‬ومع مرور الزمن ‪ ،‬بدأ المذهب الشيطاني دورته‬
‫الثانية ‪ ،‬أخذ سبحانه يبعث الرسل تباعا ‪ ،‬إلى تلك القوام التي كانت‬
‫محصورة ‪ ،‬في هذه منطقة الهلل الخصيب والجزيرة العربية ‪ ،‬حيث أن‬
‫المناطق البعد ‪ ،‬لم تكن مأهولة آنذاك ‪ ،‬وُأخذت معظم أقوام الرسل السابقين‬
‫بالعذاب ‪ ،‬ومن ثم بدأ الناس منذ تلك اللحظة ‪ ،‬في النتشار إلى البلدان البعد‬
‫شيئا فشيئا ‪ -‬حتى عمروا الرض كلها في عصرنا الحالي – ومع ذلك بقيت‬
‫الكثافة السكانية آنذاك ‪ ،‬متمركزة في هذه المنطقة ‪ ،‬ولذلك اختصت بالرسالت‬
‫السماوية دون غيرها ‪ .‬ومن ثم ُبعث إبراهيم عليه السلم ‪ ،‬إلى قومه في بلدة‬
‫أور جنوب العراق ‪ ،‬فلم يؤمنوا له ‪ ،‬فتركهم وهاجر إلى الرض المقّدسة ‪،‬‬
‫لُيسلم الراية إلى نسله من بعده ‪.‬‬
‫وبعد مرور الزمن ‪ ،‬وبعد ضلل بني إسرائيل ‪ ،‬أثناء تواجدهم في مصر ‪ ،‬عن‬
‫شريعة آبائهم إبراهيم واسحق ويعقوب عليه السلم ‪ُ ،‬بعث فيهم موسى عليه‬
‫السلم ‪ ،‬فلم يؤمنوا له ول لمن بعده إل قليل ‪ .‬وبعد سنين طويلة ‪ ،‬من انتصار‬
‫بني إسرائيل للمذهب الشيطاني ‪ُ ،‬بعث فيهم عيسى عليه السلم رسول مجّددا ‪،‬‬
‫فلم يؤمنوا له ‪ ،‬بل حاولوا قتله ‪ ،‬فتوفاه ال ورفعه إلى السماء ‪ ،‬ليعود آخر‬
‫الزمان ‪ ،‬وينهي آخر حلقات مسلسل الطوفان الخير ‪ ،‬والذي ستبدأ حلقاته‬
‫بالتتابع ‪ ،‬بعد شهور قليلة ‪ ،‬والناس لهية قلوبهم ‪ ،‬وهم عنه غافلون ‪.‬‬
‫ويكمل المذهب الششيطاني مششواره ‪ ،‬ومشع مشرور الزمشن ‪ ،‬وفجشأة يتعطشل هشذا‬
‫المذهب ‪ ،‬في هذه البقعششة مششن العششالم ‪ ،‬لفششترة دامششت مششا يقششارب )‪ (1350‬عششام ‪،‬‬
‫ِببعث نبي الهدى عليه أفضل الصششلة والسششلم ‪ ،‬بخاتمششة الرسششالت السششماوية ‪،‬‬
‫ومن ثم يتوفاه ال ‪ ،‬ليترك لنا هشذا القشرآن العظيشم ‪ ،‬حبل متينشا ممشدودا مشا بيشن‬
‫السماء والرض ‪ ،‬لمن ابتغى الهداية ‪ ،‬ووجششد فششي نفسششه العششزم والقششوة ‪ .‬فشُدحر‬
‫ذلك المذهب اللعين وولى هاربا ‪ .‬وفي السنوات الخيششرة ‪ ،‬عششادت أمششة السششلم‬
‫لتحذوا حذو سابقيها من المم ‪ ،‬وتحتضن ذلك المذهب ‪ ،‬لينُبششت فششي هششذه البقعششة‬
‫جة التقدم والحضارة‬ ‫من العالم ‪ ،‬وينموا ويزدهر مشمول بالعناية والرعاية ‪ ،‬بح ّ‬
‫‪ ،‬فعششاد ذلششك المششذهب وشششمل كافششة أرجششاء الششدنيا ‪ ،‬بمششا فيهششا مهششد الرسششالت‬

‫‪568‬‬
‫السماوية ‪ ،‬بلد الشام والعراق وجزيرة العششرب ‪ ،‬فأصششبح العششالم أجمششع ‪ ،‬أسششوأ‬
‫مما كان عليه قبل طوفان نوح عليه السلم ‪.‬‬
‫وفي نهاية الطوفان ‪ُ ،‬يبعث عيسى بن مريم عليه السلم ‪ ،‬ليعيد المور إلى‬
‫نصابها ‪ ،‬وتستعيد الرض بركتها ‪ ،‬ويمضي المهدي ‪ ،‬ويمضي عيسى عليه‬
‫السلم ‪ ،‬بعد أن يبلغ سن الكهولة ‪ ،‬وتبقى القلة المؤمنة ‪ ،‬فيبدأ المذهب‬
‫الشيطاني من جديد ‪ ،‬انتشار النار في الهشيم في نسل تلك القلة ‪ ،‬وتخطف ريح‬
‫لينة أرواح البقية المؤمنة ‪ ،‬وتبقى الغلبية الكافرة ‪ ،‬وتجري الزمنة مسرعة‬
‫إلى حيث الساعة ‪.‬‬
‫مراحل الطوفان القادم‬
‫هذا الطوفان الذي نتحدث عنه ‪ ،‬هو ما سُيعيد البشرية إلى ما كانت عليه ‪ ،‬بعد‬
‫الطوفان الول زمن نوح عليه السلم ‪ ،‬ليعيد التاريخ نفسه مرة أخرى ‪ .‬وهو‬
‫يختلف بعض الشيء عن سابقه ‪ ،‬حيث ستكون بدايته من صنع البشر ‪ ،‬وسيأتي‬
‫على عدة مراحل ‪- :‬‬
‫المرحلة الولى ‪ :‬أكبر وأبشع مذبحة ‪ ،‬في تاريخ الشعب اليهودي ‪ ،‬على يد‬
‫العراقيين في فلسطين ‪.‬‬
‫المرحلة الثانية ‪ :‬تحالف العرب مع الروس ‪ ،‬في حرب عالمية نووية ثالثة ‪،‬‬
‫تنتهي فناء الحضارة الغربية ومظاهرها ‪.‬‬
‫المرحلة الثالثة ‪ :‬احتمالية عودة أجواء داحس والغبراء ‪ ،‬في المنطقة العربية ‪،‬‬
‫فيما بعد الحرب العالمية الثالثة ‪.‬‬
‫المرحلة الرابعة ‪ :‬خروج المهدي من مكة ‪ ،‬وحروبه لضم الجزيرة العربية ‪،‬‬
‫وإيران وتركيا ‪ ،‬والملحمة الكبرى مع الروس ‪.‬‬
‫جال ‪،‬‬
‫المرحلة الخامسة ‪ :‬سقوط عبدة المادة وظاهر الحياة الدنيا بين براثن الد ّ‬
‫في حرب الجوع والعطش ‪.‬‬
‫المرحلة السادسة ‪ :‬نزول عيسى عليه السلم ‪ ،‬والذبح النهائي للدجال وأتباعه‬
‫من اليهود ‪ ،‬على مشارف القدس ‪.‬‬

‫‪569‬‬
‫المرحلة السابعة ‪ :‬فناء من بقي من الشعوب الشرقية ‪ ،‬في حرب يأجوج‬
‫ومأجوج ‪ ،‬وحصر الصفوة من عباد ال ‪ ،‬مع عيسى عليه السلم ‪ ،‬في جبال‬
‫فلسطين ‪.‬‬
‫المرحلة الثامنة ‪ :‬فناء يأجوج ومأجوج ‪ ،‬وتغّير في جغرافية الرض ‪ ،‬وعودة‬
‫مناخها الفردوسي ) جنة آخر الزمان ( ‪ ،‬كما كانت على عهد آدم عليه السلم ‪.‬‬
‫المرحلة التاسعة ‪ :‬عصر المن والسلم ‪ ،‬تحت حكم عيسى عليه السلم ‪،‬‬
‫مكمل سنين عمره ‪ ،‬حتى يبلغ سن الكهولة ‪.‬‬
‫* ملحظة ‪ :‬المراحل تحمل ترتيبا زمنيا ‪ ،‬وقد يكون هناك اندماج بين المراحل‬
‫‪ ،‬أو تقديم أو تأخير ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫إذا بقي البصر حيث موطئ القدم … فلن تَر النجوم في بطن السماء … ول‬
‫القمر في ليل تمامه … ول الشمس في عّز الظهيرة … فمنذ هذه اللحظة …‬
‫ابدأ هدانا وهداك ال بصناعة الُفلك‬
‫وابذل قصارى جهدك في إتقان صنعته ‪ ..‬فلعلك تنجو من الغرق ‪ ..‬كلفته ليست‬
‫باهظة جدا ‪ ..‬أو ل ُتقّدر بثمن ‪ ..‬أو ل ُتشترى بمال ‪ ..‬وحتى لو كانت كذلك ‪..‬‬
‫فالنجاة أغلى وأثمن … هذا الفلك … خشبه صفحات من ذهب ‪ ..‬محصورة‬
‫بين دفتي كتاب ‪ ..‬يقبع في إحدى زوايا المنزل ‪ ..‬ومساميره كلمات من نور ‪..‬‬
‫إذا عرفت ما هو ‪ ..‬ستجد فيه رسالة ُأنزلت من أجلك ‪ ..‬واجتهد كثير من‬
‫الناس ‪ ..‬في حملها وبيانها … على مدى أربعة عشر قرنا من الزمان ‪..‬‬
‫ليصالها إليك ‪ ..‬فل ُتذهب جهدهم أدراج الرياح ‪..‬‬
‫ن‬
‫ل ‪َ ،‬وَما َنَزَل ِم َ‬ ‫شَع ُقُلوُبُهْم ِلِذْكِر ا ِّ‬‫خ َ‬‫ن َت ْ‬ ‫ن َءاَمُنوا ‪َ ،‬أ ْ‬ ‫ن ِلّلِذي َ‬
‫قال تعالى ) َأَلْم َيْأ ِ‬
‫س ْ‬
‫ت‬ ‫عَلْيِهُم اَْلَمُد ‪َ ،‬فَق َ‬
‫طاَل َ‬ ‫ن َقْبلُ ‪َ ،‬ف َ‬ ‫ب ِم ْ‬‫ن ُأوُتوا اْلِكَتا َ‬ ‫ق ‪َ ،‬ولَ َيُكوُنوا َكاّلِذي َ‬ ‫حّ‬‫اْل َ‬
‫ن )‪ 16‬الحديد (‬ ‫سُقو َ‬ ‫ُقُلوُبُهْم ‪َ ،‬وَكِثيٌر ِمْنُهْم َفا ِ‬
‫ن‬
‫ل ‪ِ ،‬إ ّ‬‫حَمِة ا ِّ‬
‫ن َر ْ‬ ‫طوا ِم ْ‬‫سِهْم ‪َ ،‬ل َتْقَن ُ‬ ‫عَلى َأْنُف ِ‬‫سَرُفوا َ‬ ‫ن َأ ْ‬
‫ي اّلِذي َ‬‫وقال ) ُقْل َيِعَباِد َ‬
‫حيُم )‪ 53‬الزمر (‬ ‫جِميًعا ‪ِ ،‬إّنُه ُهَو اْلَغُفوُر الّر ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ل َيْغِفُر الّذُنو َ‬‫ا َّ‬
‫شِر‬ ‫ن )‪َ … (38‬وَب ّ‬ ‫حَزُنو َ‬ ‫عَلْيِهْم َولَ ُهْم َي ْ‬ ‫ف َ‬‫خْو ٌ‬‫ل َ‬ ‫ي َف َ‬‫ن َتِبَع ُهَدا َ‬ ‫وقال ) َفَم ْ‬
‫ن )‪ 155‬البقرة (‬ ‫صاِبِري َ‬
‫ال ّ‬

‫‪570‬‬
‫أخي القارئ … ساهم معنا في نشر هذا الكتاب … بتوزيع نسخة على قرص‬
‫مرن … أو مطبوعة على الورق … أو عبر البريد اللكتروني …‬
‫قال تعالى‬
‫ن(‬‫عّما َتعَْمُلو َ‬
‫ل ِبَغاِفٍل َ‬
‫ل ‪َ ،‬وَما ا ُّ‬
‫ن ا ِّ‬
‫عْنَدُه ِم َ‬
‫شَهاَدًة ِ‬
‫ن َكَتَم َ‬
‫ظَلُم ‪ِ ،‬مّم ْ‬
‫ن َأ ْ‬
‫) َوَم ْ‬
‫)‪ 140‬البقرة (‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد ل رب العالمين ‪ ،‬والصلة والسلم على سيد المرسلين‬

‫] نهاية الكتاب [‬

‫‪571‬‬
‫كتاب‬
‫نهاية إسرائيل والوليات المتحدة المريكية‬
‫متوفر على شبكة النترنت ضمن موقع وعد الخرة‬
‫موقع شخصي للمؤلف يتم من خلله تقديم فكرة عن الكتاب ‪ ،‬وتقديم خدمة‬
‫تحميل الكتاب مجانا‬
‫هذا الكتاب لم ُيعط حق نشره ‪ ،‬لي من دور النشر ‪ ،‬حتى يتسنى لنا عرضه‬
‫من خلل شبكة النترنت ‪ ،‬وليتسنى للجميع الطلع على ما يحويه هذا الكتاب‬
‫من أفكار وطروحات‬
‫الكتاب غير متوفر مطبوعا في السواق ‪ ،‬ومن رغب بطباعته ونشره فله الحق‬
‫بذلك ‪ ،‬ودون داع للرجوع إلى المؤلف‬
‫إذ ل نبتغ من وراءه منفعة مادية أو معنوية ‪ ،‬قل شأنها أو كبر‬
‫حق النشر متاح للجميع‬

‫احصل على أحدث نسخة من الكتاب مجانا من خلل أحد مواقعنا‬


‫عناوين الموقع‬
‫‪http://kalwid.freeservers.com/index.htm‬‬
‫‪http://kalwid.jeeran.com/index.htm‬‬
‫‪http://www.home4arab.com/members//islam/kalwid/index.‬‬
‫‪htm‬‬
‫‪http://mypage.ayna.com/kalwid/index.htm‬‬
‫‪http://www.geocities.com/kalwid/ketab.htm‬‬
‫أو من خلل محرك بحث ) جوجل (‬
‫‪http://www.google.com‬‬
‫بريد المؤلف اللكتروني‬
‫‪kalwid@yahoo.com‬‬
‫‪572‬‬
kalwid@hotmail.com

573

You might also like