Professional Documents
Culture Documents
قال تعالى
سَنُه (
ح َ
ن َأ ْ
ن اْلَقوَْل َ ،فَيّتِبُعو َ
سَتِمُعو َ
ن َي ْ
عَباِد ،اّلِذي َ
شْر ِ
) َفَب ّ
) الزمر (
كتاب
1
الجزء الول
البداية
صلناه تفصيل
وكل شيء ف ّ
2
البداية
قبششل عششدة سششنوات ،كنششت قششد قششرأت كتششاب ) أحجششار علششى رقعششة الشششطرنج (
للدميرال الكندي ) وليام كار ( ،حيث يؤكد المؤلف في هششذا الكتششاب بالشششواهد
والدلة ،سششيطرة اليهششود علششى واقعنششا المعاصششر .بعششد قراءتششي لهششذا الكتششاب ،
وبالنظر لما يجششري علششى أرض الواقششع ،تملكتنششي حالششة مششن اليششأس والقنششوط .
ططششه وينفششذهفأحلمنا وأمانينا ،إذا ما سار الناس من حولنا ،على هششدي مششا ُيخ ّ
اليهود – وهم سائرون وما زالوا – أصبحت هباًء منثورا ،وستسير المور إلى
السوأ يوما بعد يوم ،حتى يرث ال الرض ومن عليها .
لم أكن أعلم آنذاك ،أن بعد كل هذا الكفششر والظلششم والفسششاد ،الششذي اسششتفحل فششي
الرض ،وأخذ ينتشر في أرض السلم والعروبة ،انتشار النار فششي الهشششيم ،
بعد أن ُمحيت آثار العيب والحرام ،من مفششردات قششاموس أهلهششا ،سششتظهر فششي
آخر الزمان ،خلفششة راشششدة علششى منهششاج النبششوة ُ ،تعيششد هششذه المششة للحيششاة مششن
ي الساعة ،لم تكن معروفششة للعامششة قبششل جديد ،فأحاديث الفتن وما يكون بين يد ّ
سنوات قليلة ،ولم تلق أي اهتمششام كششون السششاعة بعيششدة عنششا – حسششبما نحششب أن
تكون – كل البعششد .ومششؤخرا بششدأ كششثير مششن الدارسششين والبششاحثين ،يخوضششون
غمار ما جاء فيها من أحاديث ،منّبهين لظهور الكثير من أشراطها الصغرى ،
ومحّذرين من قرب أشراطها الكبرى .
معرفتي بوجود تلك الخلفة ،التي سشتقطع الطريشق ،علشى أصشحاب المشؤامرة
اليهودية العالمية ،وتلغي أحلمهم بسيادة العالم ،من القدس ،كانت لششي بمثابششة
الضوء في آخر النفق ،تلك المعرفة الجديدة أعادت لششي المششل ،بعششدما تملكنششي
الكششثير مششن اليششأس والقنششوط ،مششن أحششوال أمششتي العجيبششة .اعششترتني حالششة مششن
الفضول ،أردت معرفة المزيد ،حيث ساعدني حششبي القششديم للمطالعششة ،فعشّدت
ي ،من كتششب علششى مختلششف مواضششيعها ،مششن عقيششدة لمطالعة كل ما يقع بين يد ّ
وفقه وسيرة وتاريخ ،فضل عن القرآن العظيششم وتفسششيره ،فتششبين لششي أن العلششم
والمعرفة ،يهتكان الكششثير مششن أسششتار الجهششل بششأمور الحيششاة الخششرى ،ويششزداد
المرء بهما إيمانا ويقينا وصلة بربه ،وثباتا على دينششه ،فششازددت حبششا للمعرفششة
والمتابعة .
3
شملت مطالعاتي في تلك الثناء ،بعششض الكتششب الششتي تنششاولت سششيرة المهششدي ،
وأكثر ما حاز على اهتمامي من هذه الحاديث ،ما يتعلق بالمهششدي وظهششوره ،
والمعارك التي سيخوضها .وبعد تحليلي لتلك الحاديث ،ومحاولة الربشط فيمشا
بينها ،تبين لي بأن دولة إسرائيل الحالية ،لن تكون موجودة عند ظهور أمره ،
وأن المهدي سيدخل القشدس ،وبلد الششام ككشل بل حشرب ،فتبشادر إلشى ذهنشي
بعض التساؤلت ،التي كان ل بد لي مششن الجابششة عليهششا ،بششدافع الفضششول فششي
البداية ،وأهمها كيف اختفت إسرائيل قبل ظهور المهدي ؟ ومن الذي كان سببا
في اختفائها ؟
كنششت سششابقا أعتقششد – كمششا كششان ومششا زال – يعتقششد عامششة المسششلمين اليششوم ،أن
الطريق إلى تحرير القدس ،ستكون بالوحدة العربية ،وهذا بل شك ضرب من
الخيال .أو بالعودة إلى السلم وقيام الخلفة السلمية ،وهذا أيضا أمششر بعيششد
المنال ،والواقع ل ينبئ بذلك ،واليهود الن يسيطرون على مجريات المور ،
أكثر مما نسيطر على زوجاتنا وأولدنششا ،فهششم يراقبششون وُيحششاربون ،أي جسششم
مسششلم أو عربششي ،تحششول مششن حالششة السششكون إلششى الحركششة ،وكششل المحششاولت
السششلمية والقوميششة العربيششة النهضششوية ُ ،وئدت واش شُتريت وبيعششت فششي سششوق
النخاسة ،فل أمل في المنظور القريب ،حسب ما نراه على أرض الواقع .
وأما إسرائيل فعلى ما يبدو ،أنها ستبقى جاثمة فوق صدورنا ،تمتص دماءنا ،
وتعدّ علينا أنفاسنا ونبضات قلوبنا ،لتثبت للعالم أننا ما زلنا أحياء ؟! والعالم
يأتي وينظر ويهّز رأسه موافقا ،ويمضي مطمئنا ،نعم إنهم ما زالوا أحياء .
وكأن العالم ،ينتظر منا أن نموت أو نفنى ،فيستيقظ يوما ما ،فل فلسطين ول
فلسطينيون ،ليرتاح من تلك المهمة الثقيلة والمضنية ،التي ُرميت على كاهله
– وكأنه بل خطيئة اقترفتها يداه – كي يرتاح من مراقبة طويلة ،لعملية
احتضار شعب ُأدخل إلى قسم العناية الحثيثة ،منذ أكثر من 50عاما ،وما زال
حيا .
وبالنظر إلى الواقع – قبل ثلث سنوات – ولغاية هذه اللحظة ،فإنك تراه يقول
بأن إسرائيل ستبقى .ولكن الحاديث النبوية الشريفة ،ترفض ما يقوله الواقع
وتؤكد زوالها ،قبل ظهور المهدي والخلفة السلمية ،ولكن كيف ؟ ومن ؟
ومتى ؟ ،وللجابة على هذه السئلة كان ل بد من البحث .ومن هناك ،وقبل
ثلث سنوات تقريبا ،كانت البداية .
4
ما يملكه عاّمة المسلمين في بلدنا من معتقدات ،فيما يتعّلق بتحرير فلسطين ،
يتمحور حول ثلثة عبارات تقريبا ،هي :أول ؛ عبارة " شرقي النهر وهم
غربيه " المشهورة لدينا ،بين فلسطينيي الشتات ،وثانيا ؛ عبارة " عبادا لنا
" ،وثالثا ؛ عبارة " وليدخلوا المسجد " .والتفسيرات المعاصرة لهذه العبارات
في مجملها ،حصرت التحرير بقيام الخلفة السلمية ،حتى أصبحت من
المور العقائدية ،ويؤمن بصحتها الكثير من الناس ،إن لم يكن الغلبية
العظمى .
أما حديث ل تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود ،ويا مسلم يا عبد ال ،الذي غالبا
ما نتدواله ،فهو يتحدث عن مسلمين حقيقيين ،لن يتوفروا في ظل هذه
الجواء على المدى القريب ،أو يتحّدث عن خلفة إسلمية ،ومما أعلمه أن
الخلفة السلمية ،لن تكون إل بظهور المهدي ،وخلف ذلك لم أجد في
السنة النبوية ،من الحاديث ما يشير إلى هذه الفترة ،فهي مغيبة تقريبا ،إل
من حديث هنا ،أو هناك .
في النصف الثاني من عام 1998م ،ومن خلل البحث الولي في العديد من
المصادر ،أمسكت ببعض الخيوط ،التي قادتني بدورها إلى اليات ،التي
تحكي قصة العلو والفساد اليهودي في سورة السراء ،فطفقت أسبر معاني
ألفاظها وعباراتها وتركيباتها اللغوية ،فتحصّلت على فهم جديد ليات هذه
السورة ،يختلف تماما عن معظم ما تم طرحه سابقا ،ومن خلل هذا الفهم
استطعت الجابة على معظم تساؤلتي ،وتساؤلت أخرى كانت ترد في
ذهني ،بين حين وآخر ،أثناء كتابتي لهذا البحث .
عادة ما كنت أطرح ما توصلت إليه ،شفاها أمام الخرين ،وغالبا ما كانت
أفكاري ُ ،تجابه بالمعارضة أحيانا بعلم ،وأحيانا من غير علم ،وغالبا ما كان
النقاش يأخذ وقتا طويل ،وكان هناك الكثير ممن يرغبون بالمعرفة ،كل
حسب دوافعه وأسبابه الخاصة ،وكانت الغلبية تفاجأ بما أطرحه من أفكار ،
فالقناعات الراسخة لدى الغلبية ،مما سمعوه من الناس أو وجدوه في الكتب ،
والواقع الذي يرونه بأم أعينهم ،يخالف بصريح العبارة ما أذهب إليه .
والمشكلة أن المر جّد خطير ،فالواقع الجديد والمفاجئ ،الذي سيفرض نفسه
بعد عدة شهور ،عندما يأتي أمر ال ،ول ينطق الحجر والشجر بشيء ! كما
كانوا يعتقدون ،سيوقع الناس في الحيرة والرتباك .وتتلطم الفكار
5
والتساؤلت في الذهان تلطم الموج في يوم عاصف ؛ ما الذي جرى ؟ وما
الذي يجري ؟ وما الذي سيجري ؟
صلت عليه ،وعلى نطاق لذلك وجدت نفسي ملزما بإطلع الناس ،على ما تح ّ
أوسع من دائرة الزملء والقارب .وبالرغم من محدودية قدراتي وتواضعها ،
إل أني حاولت جاهدا ،أن أصهر كل ما توصلت إليه ،مما عّلمني ربي ،في
بوتقة واحدة .تمّثلت في هذا الكتاب ،الذي بين أيديكم ،في أول محاولة لي
للكتابة ،كمساهمة متواضعة ،في الدعوة إلى ال ،ونصرة لكتابه الكريم ،قبل
أن يوضع على المحك ،عندما يتحّقق أحد أعظم النباء المستقبلية ،بشكل
مخالف ،لما اعتادوا أن يسمعوه ويقرءوه ،من آراء وتفسيرات ،كثرت في
ي بني إسرائيل الونة الخيرة ،تتناول ما ُتخبر عنه سورة السراء ،من إفساد ّ
.
كما وحاولت جاهدا أن أقدم هذا الكتاب ،في أسرع وقت ممكن ،بعد أن
تأخرت سنتين وأكثر ،شغلتني فيها مشاكل الحياة الدنيا ومصائبها ،عن إخراج
هذا الكتاب إلى حّيز الوجود ،ومن ثم لسعى ليصاله ،إلى أكبر عدد من أمة
السلم ،لعله يجد فيهم من يلق السمع وهو شهيد ،فإن أصبت فمن ال ،وإن
أخطأت فمن نفسي ،ول حول ول قوة إل بال .
هذا الكتاب سيكون بإذن ال ،متوافرا باستمرار ،ضمن موقع خاص به ،على
شبكة النترنت ،وإن تعّذر الدخول إليه ،لسبب أو لخر ،فبالمكان الوصول
إليه ،عن طريق أحد محركات البحث ( www.google.com ) ،بكتابة
عنوان الكتاب كامل ،أو أحد العبارات الموجودة على صفحة الغلف ،حيث
تستطيع من خلل هذا الموقع :
.1الحصول على أحدث نسخة من الكتاب .
.2إبداء أي ملحظة أو استفسار ،من خلل سجل الزوار ،أو البريد
اللكتروني .
.3متابعة أطروحات جديدة ،قد تصدر للمؤلف مستقبل .
12
زوال إسرائيل قبل ظهور المهدي
استفاضت كثير من المؤلفات لكبار العلماء والئمة ،في ذكر المهدي وسيرته ،
وأكدت على حتمية خروجه آخر الزمان ،ومن هؤلء على سبيل المثال ل
الحصر ،ابن حجر والشوكاني والسيوطي والصابوني وغيرهم ،وهناك من
أفرد له بابا ،أو كان له مقال في كتاب ،كالذهبي وابن تيميه وابن القيم
والقرطبي والبرزنجي وغيرهم .وهناك الكثير من الكتب المتخصصة
الحديثة ،جمعت أقوال أولئك العلماء والئمة في المهدي وأحداث آخر
الزمان ،فمن رغب بالستزادة فليرجع إليها ،فهي متوافرة بكثرة في المكتبات
هذه اليام ،واللمام المسبق بالحاديث الواردة في المهدي ،سيساعد كثيرا في
فهم ما استخلصته من أفكار في هذا الفصل .
وأما من ينكر أحاديث المهدي ،فل التفات لقوله ،فالحاديث الصريحة وغير
الصريحة ،التي أتت على ذكر أخبار المهدي ،بلغت حد التواتر المعنوي ،
وقد ورد فيها ما ُيقارب الربعين حديثا .وما سنتناوله منها ،هو ما يخص
موضوع هذا الكتاب فقط .وأود أن أشير إلى أن ذكر المهدي قد جاء في
التوراة ،حيث أن الترجمة العربية للنص التوراتي ُ ،تسّميه ) بالقّدوس ( في
موضع ) وبالغصن ( في موضع آخر ،وهذا النص موجود مع التعليق ،في
سر النبوءات فصل النبوءات التوراتية .وقد تنبأ بظهوره ) نوستراداموس ( مف ّ
التوراتية ،وأشار إليه بألفاظ صريحة ،سنوردها في فصل لحق .
وللحقيقة ،ومن خلل اطلعي على الكثير ،من دراسات وأبحاث الغربيين ،
التي تتناول النبوءات التوراتية والنجيلية ،الخاصة بأحداث النهاية ،تبّين لي
بأن اليهود والنصارى ،أكثر إيمانا ويقينا ،من عامة المسلمين ،بحتمية ظهور
المهدي ،وانتصاره في كافة حروبه ،واتخاذه للقدس عاصمة لملكه ،وامتداده
لمساحات شاسعة من الراضي .ولنهم يعلمون بأن النهاية قد اقتربت ،
ويعتقدون بأنه سيقود تحالفا عسكريا ضد الغرب ،ينجم عنه دمار الحضارة
الغربية برمتها ،فهم يتوقعون ظهوره في أي لحظة ،ويخشون أن يظهر وأن
تقوى شوكته ،وهم في غفلة من أمرهم ،فلذلك تجدهم ُيحاولون تجنيد العالم
بأسره ،ضد ما ُيسّمونه بالرهاب السلمي ،خوفا من ذلك المصير المشؤوم
الذي ينتظرهم ،عند ظهور أمره .
13
غربة السلم :
ك اُْلَمُم َأنْ شُسّلَم ُ ) :يو ِ عَلْيِه َو َ ل َ صّلى ا ُّ ل َ ل ا ِّ
سو ُل َر ُ ل َ :قا َن َ ،قا َ ن َثْوَبا َ
عْ َ
ن َيْوَمِئٍذحُن ِقّلةٍ َن ْل َ :وِم ْ ل َقاِئ ٌ
صَعِتَها َ ،فَقا َ عى الََْكَلُة ِإَلى َق ْ عَلْيُكْم َ ،كَما َتَدا َ
عى َ َتَدا َ
ن
ل ِم ْ ن ا ُّعّ سْيِل َ ،وَلَيْنَز َ غَثاٌء َكُغَثاِء ال ّ ل َ :بْل َأْنُتْم َيْوَمِئٍذ َكِثيٌر َ ،وَلِكّنُكْم ُ َ ،قا َ
ل َ :يال َقاِئ ٌ
ن َ ،فَقا َ ل ِفي ُقُلوِبُكْم اْلَوْه َ ن ا ُّ عُدّوُكْم اْلَمَهاَبَة ِمْنُكْم َ ،وَلَيْقِذَف ّصُدوِر َ ُ
ت ( رواه أبو داود ب الّدْنَيا َوَكَراِهَيُة اْلَمْو ِ ح ّ لُ : ن ؟ َقا َ ل َوَما اْلَوْه ُل ا ِّ سو ََر ُ
ححه اللباني . وأخرجه أحمد ،وص ّ
غِريًبا ، لَم َبَدَأ َسَ ن اِْل ْ ل ِ ) :إ ّ سّلَم َقا َعَلْيِه َو َ
ل َ صّلى ا ُّي َ ن الّنِب ّ
عْ عَمَر َ ن ُ ن اْب ِعْ َ
حّيُة ِفين َكَما َتْأِرُز اْل َجَدْي ِسِ ن اْلَم ْ غِريًبا َكَما َبَدَأ َ ،وُهَو َيْأِرُز َبْي َ سيَُعوُد َ َو َ
حِرَها ( رواه مسلم ،وأخرجه الترمذي وابن ماجه وأحمد والدارمي ، جْ ُ
وصححه اللباني .
قبل ظهور المهدي ستشهد المة السلمية ،عصرا حالك السواد ،من كثرة
الظلم والجور والفساد ،يتميز بوجود قلة مؤمنة صابرة متمسكة بدينها ،ل
حول لها ول قوة ،تنتظر حتى يأتي ال بأمر من عنده ،وكثرة طاغية فاسدة
ومفسدة متمسكة بدنياها ،هم غثاء كغثاء السيل .
جيش يغزو الكعبة بداية ظهور أمر المهدي :
سّلَم :عَلْيِه َو َل َ صّلى ا ُّ ل َ ل ا ِّ سو ُ ل َر ُ ت َ :قا َ عْنَها َ ) ،قاَل ْ ل َ ي ا ُّضَشُة َر ِ عاِئ َ
ن َ عَْ
ف ِبَأّوِلِهْم َوآخِِرِهْم : ، س ُ خ َ ن اَْلْرضِ ُ ،ي ْ ش اْلَكْعَبَة َ ،فِإَذا َكاُنوا ِبَبْيَداَء ِم ْجْي ٌ َيْغُزو َ
ن َلْي َ
س سَواُقُهْم َ ،وَم ْ خِرِهْم َ ،وِفيِهْم َأ ْ ف ِبَأّوِلِهْم َوآ ِس ُ خَف ُي ْ
ل َكْي َ ل ا ِّسو َت َ :يا َر ُ ُقْل ُ
عَلى ِنّياِتِهْم ( رواه ن َخِرِهْم ُ ،ثّم ُيْبَعُثو َ ف ِبَأّوِلِهْم َوآ ِس ُ خ َل ُ :ي ْ ِمْنُهْم َ ،قا َ
البخاري ،وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد وصححه
اللباني .
سّلَم ِفي عَلْيِه َو َل َ صّلى ا ُّ ل َ ل ا ِّ سو ُ ث َر ُ عَب َتَ : عْنَها َ ،قاَل ْل َ يا ُ ضَشَة َر ِ عاِئ َ
ن َ عَْ
ل: ن َتْفَعُلُه َ ،فَقا َك َلْم َتُك ْ شْيًئا ِفي َمَناِم َ ت َ صَنْع َ ل َ ل ا ِّسو َ َمَناِمِه َ ) ،فُقْلَنا َ :يا َر ُ
ت، جَأ ِباْلَبْي ِ
ش َقْد َل َن ُقَرْي ٍ جلٍ ِم ْ ت ِ ،بَر ُ ن اْلَبْي ِن ُأّمِتي َيُؤّمو َ سا ِم ْ ن َنا ً ب ِإ ّ
ج ُاْلَع َ
جَمُعق َقْد َي ْ طِري َ ن ال ّ ل ِإ ّل ا ِّ سو َ ف ِبِهْم َ ،فُقْلَنا َ :يا َر ُ س َ خ ِحّتى ِإَذا َكاُنوا ِباْلَبْيَداِء ُ َ
ن َمْهَلًكا سِبيِل َ ،يْهِلُكو َ ن ال ّ جُبوُر َواْب ُ صُر َواْلَم ْ سَتْب ِل َ :نَعْم ِفيِهْم اْلُم ْ الّناسَ َ ،قا َ
14
عَلى ِنّياِتِهْم ( ،رواه مسلم ، ل َ شّتى َ ،يْبَعُثُهْم ا ُّ صاِدَر َ ن َم َ صُدُرو َ حًدا َ ،وَي ْ َوا ِ
وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد ،وصححه اللباني .
ن ُأّمِتيش ِم ْجْي ٌ
سّلَم َ ) : عَلْيِه َو َ
ل َ صّلى ا ُّ ل َ ل ا ِّسو ُ ل َر ُت َ :قا َ سَلَمَة َقاَل ْ
ن ُأّم َعْ َ
حّتى ِإَذا َكاُنوال ِمْنُهْم َ ،جٍل َيْمَنُعُه ا ُّ ت ِلَر ُ
ن اْلَبْي َ
شاِم َ ،يُؤّمو َ ن ِقَبِل ال ّ ن ِم ْ جيُئو ََي ِ
ل ا ِّ
ل سو َت َ :يا َر ُ
شّتى َ ،فُقل ُ صاِدُرُهْم َ ف ِبِهْم َ ،وَم َ س َ خ ِحَلْيَفِة ُن ِذي اْل ُ ِباْلَبْيَداِء ِم ْ
ن ِمْنُهْم
جِبَر ِإ ّ
ن ُ
ن ِمْنُهْم َم ْل ِ :إ ّشّتى َ ،فَقا َ صاِدُرُهْم َ جِميًعا َوَم َ ف ِبِهْم َس ُ خَ ف ُي ْ
َكْي َ
لًثا ( رواه أحمد بهذا النص ،ورواته ثقات ،إل واحدا وثقه البعض جِبَر َث َن َُم ْ
وضعفه آخرون .
بداية ظهور المهدي ستكون في مكة بإذن ال ،وفور معرفته تسارع قلة من
تلك القلة ،لمبايعته على المارة ،فيلجأ إلى الحرم تهّربا ويعتصم به .ويظهر
أمره شيئا فشيئا ،فُيبعث إليه بجيش يغزو الكعبة ،فيخسف به في الصحراء ما
بين المدينة ومكة .
هذه الحاديث الثلثة متوافقة من حيث النص والمضمون ،غير أن الحديث
ضح مخرج ذلك الجيش .ومع أن أحد الرواة ضعفه ، الثالث ،أضاف عبارة تو ّ
إل أن تلك الضافة ) من قبل الشام ( تتفق والتفسير المنطقي ،للحداث
الموصوفة في جملة أحاديث هذا الفصل .
لنخلص إلى ما يلي :
.1أن جيشا سيغزو مكة .
.2وهذا الجيش من أمة محمد عليه الصلة والسلم ،ويعجب رسول ال
ويحق له العجب ،فما آل إليه أمر أمة السلم هذه اليام ،يثير ما هو أكثر
من العجب والشفقة ،حتى في نفوس أعدائنا .
.3ومقصد هذا الجيش رجل من قريش يلجأ إلى الحرم ،وغايته وأد بؤرة
الخلفة السلمية في مهدها ،خوفا من أن تزلزل أركان عبدة الحياة الدنيا .
ُ .4يخسف بهذا الجيش في الصحراء قبل وصوله إلى مكة .
.5ومخرج هذا الجيش من قبل الشام ؟!
15
عمران بيت المقدس يعقبه خراب المدينة المنورة :
ت الَمْقِد ِ
س ن َبْي ِعْمَرا ُ سّلَم ُ ) :عَلْيِه َو َ
ل َ صّلى ا ُّ ل َ ل ا ِّسو ُ ل َر ُل َ :قا َ ن ُمَعاٍذ َقا َ
عْ َ
حَمِة َفْت ُ
ح ج اْلَمْل َ
خُرو ُحَمِة َ ،و ُ ج اْلَمْل َ خُرو ُ ب ُ ب َيْثِر َ خَرا ُ ب َ ،و َ خَرابُ َيْثِر َ َ
خِذ
ب ِبَيِدِه عََلى َف ِ ضَر َ جاِل ُ ،ثّم َ ج الّد ّ خُرو ُ طيِنّيِة ُ طْن ِ
سَح اْلُق ْ طيِنّيِة َ ،وَفْت ُ طْن ِ
سَاْلُق ْ
عٌد
ك َقا ِك َهاُهَنا َ ،أْو َكَما َأّن َق َكَما َأّن َ حّ ن َهَذا َل َ
ل ِإ ّحّدَثُه َأْو َمْنِكِبِه ُ ،ثّم َقا َ
اّلِذي َ
َيْعِني ُمَعاًذا ( .رواه أبو داود ،وأخرجه أحمد ،وصححه اللباني .
تعمر بيت المقدس في آخر الزمان ،برجوعها إلى الحكم العربي ،واتخاذها
عاصمة للحكم ،فيرسل حاكمها جيش إلى الكعبة ،عند ظهور أمر المهدي ،
فيخرب المدينة المنّورة في طريقه إلى مكة ،ومن ثم ُيخسف بجيشه ،قبل أن
يصلها بالقرب من ذي الحليفة ،وهي ميقات إحرام أهل المدينة ،بينها وبين
المدينة ستة أميال أو سبعة ،وبينها وبين مكة مسيرة عشرة أيام .
المهدي ل يغزو العراق وبلد الشام :
ن جَِزيَرةَ سّلَم َ ) :تْغُزو َ عَلْيِه َو َ
ل َصّلى ا ُّ
ل َ ل ا ِّ
سو ِ ل َر ُ
عْتَبَة ،قال َ :قا َ ن ُن َناِفِع ْب ِ
عَْ
ل ُ ،ثمّ
حَها ا ُّن الّروَم َفَيْفَت ُ ل ُ ،ثّم َتْغُزو َ
حَها ا ُّس َفَيْفَت ُ
ل ُ ،ثّم َفاِر َحَها ا ُّ اْلَعَربِ َفَيْفَت ُ
ج
جاَل َيخُْر ُجاِبُر َل َنَرى الّد ّ ل َ ،قاَل َ :فَقاَل َناِفٌع َ :يا َ حُه ا ُّ
جاَل َفَيْفَت ُ
ن الّد ّ َتْغُزو َ
ح الّروُم ( رواه مسلم وابن ماجه وأحمد ،وصححه اللباني . حّتى ُتْفَت َ
َ
وتجمع جزيرة العرب لقتال المهدي وصحبه ،فيغزونها فيفتحها ال فتدين لهم ،
ومن ثم يخرجون إلى إيران فيفتحها ال فتدين لهم ،ومن ثم يغزون الروم
فيفتحها ال ،ومن ثم يخرج الدجال ،فيغزونه بمعية عيسى عليه السلم ،
فيفتحه ال .
ولو تدبرت هذا الحديث ،ستجد أن البلدان التي سيغزوها المهدي ،عندما
س أي ب ثانيا َ :فاِر َ جِزيَرَة اْلَعَر ِيمسك بزمام المور ،هي بالترتيب ؛ أول َ :
جاَل ،والملحظ إيران ،ثالثا :الّروَم أي روسيا وأوروبا الشرقية ،رابعا :الّد ّ
في هذا الحديث ،عدم ورود ذكر فتح بلد الشام والعراق ،التي ل بد للمهدي
من المرور بها ،عند خروجه لفتح فارس ،ولفتح الروم الذين سُيلقونه
بالقرب من مدينة دمشق .
فلو كانت دولة إسرائيل قائمة في فلسطين ،أليس من الحرى بالمهدي ومن
معه تحريرها ،فور خروجه من جزيرة العرب ؟!
16
يظهر بوضوح في هذا الحديث ،أن كل واحد من هذه المور ،أمارة لوقوع ما
بعده ،كما هو الحال في الحديث السابق ،وكل منهما يتقاطع مع الخر في
نقطتين ،هما ؛ أول :غزو الروم ويقابلها خروج الملحمة ،وثانيا :غزو
الدجال ويقابلها خروج الدجال ،ويضيف الحديث الول ثلثة أحداث ،هي
عمران بيت المقدس ،وخراب يثرب ،وفتح القسطنطينية .
حتمية نزول الخلفة في بيت المقدس :
حَواَلَة ِإَذا
ن َل َ ) :يا اْب َ سّلَم َقا َ
عَلْيِه َو َ
ل َ
صّلى ا ُّ ل َ ل ا ِّسو ُ حَواَلَة عن َر ُ ن َعن اْب ُ
لَيا َواُْلُموُر ت الّزَلِزُل َواْلَب َ سَة َ ،فَقْد َدَن ْ ض اْلُمَقّد َ
ت اَْلْر َ لَفَة َقْد َنَزَل ْ
خَت اْل ِ
َرَأْي َ
ك ( رواه سَن َرْأ ِي َهِذِه ِم ْن َيَد ّ س ِ ،م ْ ب ِإَلى الّنا ِ عُة َيْوَمِئٍذ َأْقَر ُسا َظاُم َ ،وال ّ اْلِع َ
أحمد ،وأخرجه أبو داود والحاكم ،وصححه اللباني .
عند خروج المهدي إلى بلد الشام ،سيتخذ القدس عاصمة لخلفته ،تنعم المة
السلمية خلل سنوات حكمه ،بإقامة الحق والعدل ورفع الظلم والجور عن
أمة السلم .
نستخلص من هذا الحديث ما يلي :
.1ل بد للخلفة من النزول في بيت المقدس آخر الزمان .
.2ونزولها هناك يعني بدء ظهور الفتن والكوارث الطبيعية ،ومن ثم
علمات الساعة الكبرى ،بداية بظهور الدجال ،ونزول عيسى عليه
السلم ،في نهاية حكم المهدي .
.3وهنا ل بد لنا من أن نشير ،إلى أن عبارة ) نزول الخلفة ( ،ربما تشمل
الحكم العربي للقدس ،الذي تكثر فيه الفتن والحروب والقتتال ،
والموصوف بالظلم والجور ،قبل ظهور المهدي .
نطق الحجر والشجر :
عةُ
سا َ ل َ ) :ل َتُقوُم ال ّ سّلَم َ ،قا َ
عَلْيِه َو َ
ل َصّلى ا ُّ ل َ ل ا ِّ
سو َ ن َر ُ ن َأِبي ُهَرْيَرَة َ ،أ ّ عْ َ
ن
ي ِم ْ ئ اْلَيُهوِد ّخَتِب َ
حّتى َي ْنَ ، سِلُمو َن اْلَيُهوَد َ ،فَيْقُتُلُهْم اْلُم ْ سِلُمو َ حّتى ُيَقاِتَل اْلُم ْ َ
ل َ ،هَذاعْبَد ا ِّ
سِلُم َيا َجُر َ :يا ُم ْ شَ جُر َأْو ال ّ حَ جِر َ ،فَيُقوُل اْل َ شَ جِر َوال ّ حَ َوَراِء اْل َ
جِر اْلَيُهوِد ( .رواه مسلم شَ ن َ خْلِفي َفَتَعاَل َفاْقُتْلُه ِ ،إلّ اْلَغْرَقَد َفِإّنُه ِم ْ ي َ َيُهوِد ّ
17
وأحمد بنفس النص ،وصححه اللباني ،وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي
وأبو داود وابن ماجه ،بنصوص أخرى .
هذا الحديث روي بعدة نصوص ،وهذا النص أشهرها وأكثرها تداول بين
العامة ،أما نطق الحجر والشجر ،فهو أمر خارج عن المألوف والعادة ،ول
ُيعقل أن تحصل تلك المعجزة في آخر الزمان ،قبل بدء ظهور أشراط الساعة
الكبرى على القل ،حتى بظهور المهدي .فنطق الحجر والشجر ،أكثر
إعجازا من نطق عيسى عليه السلم في المهد صبيا .فمن المنطقي أل يحدث
هذا المر ،قبل ظهور الحداث غير المألوفة للناس ،كأشراط الساعة
الكبرى .ومن الرجح أن يتزامن هذا الحدث ،مع وجود عيسى عليه السلم ،
لكي يستقيم المر ،فالمعجزات غالبا ما تأتي على أيدي الرسل ،وهذا ما تؤيده
سورة السراء .
ي النهر وهم غربيه ( فل أساس لها من الصحة ،إذ لم أجد لهاأما عبارة ) شرق ّ
أصل ،في أي من كتب الحديث على اختلفها وكثرتها ،ل في صحيحها ول
في ضعيفها .ول تعدو أكثر من كونها ،عبارة أضيفت إلى الحديث من قبل
ي النهر .وبالرغم من ذلك ،العامة ،بعد قيام دولة إسرائيل المعاصرة غرب ّ
ُيصّر البعض على أنها موجودة في الحاديث الضعيفة .أما الزمن الفعلي
المتوقع لتحقق هذه النبوءة ،هو وقت نزول عيسى عليه السلم ،وهرب
الدجال ومن معه من اليهود إلى فلسطين ،حيث ُيقتل على أبواب القدس .
خلصة القول :
وبناءا على ما تقدم ،نقول أن زوال دولة إسرائيل أمر حتمي ،يتبعه زوال
حلفائها من الغرب بالضرورة ،قبل ظهور خلفة المهدي ،وأن من سيقوم
بتحريرها هو جيش عربي ،وأن صاحب هذا الجيش سيتخذ مدينة القدس
عاصمة لملكه ،ومن ثم تدين له بلد الشام والعراق ،وأن فترة حكمه أو حكم
من يخلفه ،ستكون حافلة بالظلم والجور ،وعند ظهور أمر المهدي في مكة ،
يبعث حاكم مدينة القدس جيشا إلى الجزيرة ،ل قبل للمهدي وجماعته به ،
فُيخرب المدينة المنورة ،لدى مروره بها متجها إلى مكة ،فيخسف ال بهم
الرض .
18
وآنذاك يظهر أمر المهدي ،فيهب إلى قتاله من رضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا
بها ،من أمة محمد عليه الصلة والسلم ،خوفا من عودة دين أكل الزمان
عليه وشرب ،يدعوا إلى إخراجهم من غّيهم وضللهم ،وحرمانهم مما
يتلّذذون به من الشهوات والحرمات ،التي استحّلوها واستباحوها في هذا
العصر ،فاستعبدتهم فل فكاك لهم منها ،ول يرضون عنها بديل .
فتكون أولى مواجهات المهدي ،مع جيش آخر ُ ،يجمع له من جزيرة العرب ،
فينتصر عليهم حربا ،وبعد أن يستتب له أمر الجزيرة يخرج إلى أهل الشام .
فيتسلم مقاليد الحكم فيها تسليما عن طيب خاطر ،أو استسلما خوفا ورهبة ،
خذ مدينة القدس عاصمة لخلفته ،ومن ثم يخرج إلى إيران فيفتحها ، ويت ّ
ويعود إلى بلد الشام .
ومن ثم تكون الروم ) نصارى الشرق ( قد جمعت جيشا عرمرما ،قوامه
قرابة المليون نفر ،فيخرج لملقاتهها ،فتقع الملحمة الكبرى الفاصلة بين
الحق والباطل ،بالقرب من دمشق ،فيكون النصر في النهاية ،حليف المهدي
ومن معه من المسلمين .ومن ثم يخرج إلى القسطنطينية ) استنبول ( ،فيفتحها
بالتهليل والتكبير من غير قتال ،وقريبا من نهاية حكمه يخرج الدجال ،فيعيث
في الرض فتنة وفسادا ،وُيحصر المهدي وصحبه في الشام ،فينزل عيسى
عليه السلم ،فيهرب الدجال ومن تبعه من اليهود إلى القدس ،وهناك يلحقون
به فيقتله عليه السلم ،ويتولى المسلمون أمر البقية الباقية من اليهود ،فينطق
الحجر والشجر ،فيبيدوهم عن بكرة أبيهم ،بإذن ال ،ول المر من قبل ومن
بعد ،وال أعلم .
هذا ما سيكون من أمر المهدي ،بإذن ال ،قّدمناه بشكل مختصر وموجز ،
تناولنا فيه بعضا من سيرة المهدي ،التي تعرضت لفتوحاته آخر الزمان ،
مستندين إلى ما أوردناه من أحاديث صحيحة ،آخذين بعين العتبار ،أحاديث
صحيحة أخرى ،لم يتسع المقام ليرادها .
أما موضوع هذا الكتاب ،فهو يبحث إجمال ،في حدثين عظيمين مفاجئين ،
قبل ظهور المهدي ،وفي وقت قريب جدا جدا ،وهما ؛ أول :نهاية الدولة
اليهودية واختفائها إلى البد ،ثانيا :انهيار الحضارة الغربية العملقة
ومظاهرها المختلفة واختفائها إلى البد .
ما ستجده في ثنايا هذا الكتاب :
19
ش الجابة على التساؤلت المطروحة على صفحة الغلف ،فيما يتعلق بالدولة
اليهودية ،ومصيرها ومصير اليهود .
ش الجابة على كثير من التساؤلت التي تدور في أذهان الناس ،وتوضيح كثير
من القضايا الخلفية التاريخية ،فيما يخص تاريخ وجغرافيا بني إسرائيل ،منذ
نشأتهم الولى حتى قيام الساعة ،وخاصة فيما يتعلق بتواجدهم في فلسطين .
ش استقراء وتحليل ما جرى ويجري على أرض الواقع ،في منطقتنا والعالم من
حولنا .
ش فهم حقيقة الصراع الدائر بين الغرب والشرق ،وحقيقة العداء الغربي للمة
العربية والسلمية ،والذي بلغ أشّده في العقود الخيرة .
عمة بالشواهد والدلة من القرآن ش تفسيرات منطقية للحداث المستقبلية ،مد ّ
والسنة والتوراة والنجيل والواقع ،ووضعها ضمن سياق زمني منطقي .
20
مختصر لمجمل أقوال المفسرين
قبل أن نبدأ في البحار ،في معاني ومقاصد آيات سورة السراء ،سنتجول
سرين ،لنستعرض مجمل تفسيراتهم ،لهذه قليل ،في بعض كتب قدماء المف ّ
اليات ،ومجمل ما أوروده من روايات وآثار ،عن الفساد والعلو في الرض
ي الولى والخرة ،ومن هؤلء المفسرين :القرطبي وابن كثير ،ووعد ّ
والطبري والبيضاوي ،والبغوي والنحاس والثعالبي ،وأبي السعود والشوكاني
وابن الجوزي ،والسيوطي والنسفي واللوسي .
تعريف بسورة السراء :
قال اللوسي في تفسيره " :سورة بني إسرائيل ) ،وهو السم التوقيفي لها (
وتسمى السراء وسبحان أيضا ،وهي كما أخرج ابن مردويه عن ابن عباس
وابن الزبير ،رضي ال تعالى عنهم مكية ،وكونها كذلك بتمامها قول
الجمهور .وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي ال تعالى عنهما ،أنه
قال )) :إن التوراة كلها في خمس عشرة آية ،من سورة بني إسرائيل ،وذكر
تعالى فيها عصيانهم وإفسادهم ،وتخريب مسجدهم واستفزازهم النبي ،
وإرادتهم إخراجه من المدينة ،وسؤالهم إياه عن الروح ،ثم ختمها جل شأنه ،
بآيات موسى عليه السلم التسع ،وخطابه مع فرعون ،وأخبر تعالى أن
فرعون أراد أن يستفزهم من الرض ،فأهلك وورث بنو إسرائيل من بعده ،
وفي ذلك تعريض بهم ،أنهم سينالهم ما نال فرعون ،حيث أرادوا بالنبي ،ما
أراد فرعون بموسى عليه السلم وأصحابه ،ولما كانت هذه السورة ،مصدرة
بقصة تخريب المسجد القصى ،افتتحت بذكر إسراء المصطفى تشريفا له –
أي المسجد القصى -بحلول ركابه الشريف فيه ،جبرا لما وقع من تخريبه ((
".
اليات :
ن ِفي اَْلْرضِ َمّرَتْينِ سُد ّب َلُتْف ِ
سراِئيَل ِفي اْلِكَتــا ِ ضْيَنا ِإَلى َبِني إ ْ قال تعالى ) َوَق َ
عَباًدا َلَنا ُأوِلي َبْأسٍ عَلْيُكْم ِ عُد ُأولَُهَما َبَعْثَنا َ
جاَء َو ْ عُلّوا َكِبيًرا )َ (4فِإَذا َ ن ُ َوَلَتْعُل ّ
عَلْيِهْم
عًدا َمْفُعوًل )ُ (5ثّم َرَدْدَنا َلُكْم اْلَكرَّة َ ن َو ْلَل الّدَياِر َوَكا َ خَسوا ِ جا ُشِديٍد َف َ َ
سُكْمسنتُْم َِلنُف ِ
ح َسنُتْم َأ ْح َ ن َأ ْ
جَعْلَناُكْم َأْكَثَر َنِفيًرا )ِ (6إ ْ
ن َو ََوَأْمَدْدَناُكْم ِبَأْمَواٍل َوَبِني َ
21
سجَِد َكَماخُلوا اْلَم ْ جوَهُكْم َوِلَيْد ُ سوُءوا ُو ُ خَرِة ِلَي ُ
لِعُد ا ْ جاَء َو ْ سْأُتْم َفَلَها َفِإَذا َن َأ َ
َوِإ ْ
حَمكُْم َوِإ ْ
ن ن َيْر َسى َرّبُكْم َأ ْ ع َعَلْوا َتْتِبيًرا )َ ( 7 خُلوُه َأّوَل َمّرٍة َوِلُيَتّبُروا َما َ َد َ
ن َيْهِدي ِلّلِتي ِه َ
ي ن َهَذا اْلُقْرآ َ صيًرا )ِ ( 8إ ّ ح ِ ن َ
جَهّنَم ِلْلَكاِفِري َجَعْلَنا َ عْدَنا َو َعْدُتْم ُُ
جًرا َكِبيًرا )َ (9وَأ ّ
ن ن َلُهْم َأ ْ
ت َأ ّحا ِ
صاِل َ
ن ال ّ ن َيْعَمُلو َن اّلِذي َشُر اْلُمْؤِمِني ََأْقَوُم َوُيَب ّ
شّر
ن ِبال ّسا ُ ع اِْلن َ عَذاًبا َأِليًما )َ (10وَيْد ُ عَتْدَنا َلُهْم َخَرِة َأ ْ
لِ ن ِبا ْن لَ ُيْؤِمُنو َ اّلِذي َ
سابَ ح َن َواْل ِسِني َعَدَد ال ّ جولً )َ … (11وِلَتْعَلُموا َ عُ ن َ سا ُن اِْلن َ خْيِر َوَكا َعاَءُه ِباْل َ
ُد َ
ل ) 12السراء ( صي ً صْلَناُه َتْف ِ
يٍء َف ّ ش ْ َوُكّل َ
عُلّوا
ن ُ
ن َوَلتَْعُل ّ
ض َمّرَتْي ِ
ن ِفي اَْلْر ِ
سُد ّ
ب َلُتْف ِ
سراِئيَل ِفي اْلِكَتا ِ
ضْيَنا ِإَلى َبِني إ ْ
َوَق َ
َكِبيًرا )(4
ب :وأوحينا إليهم في التوراة ،وحيا مقضيا
سراِئيَل ِفي اْلِكَتا ِ َوَقضَْيَنا ِإَلى َبِني إ ْ
مبتوتا .
ن :لتفسدن في الرض ،جواب قسم محذوف ، ض َمّرَتْي ِن ِفي الَْْر ِ سُد ّ َلُتْف ِ
والمراد بالرض الجنس ،أو أرض الشام وبيت المقدس ،ومرتين إفسادتين .
عُلّوا َكِبيًرا :ولتستكبرن عن طاعة ال ،من قوله أن فرعون عل في ن ُ َوَلَتْعُل ّ
الرض ،والمراد به البغي والظلم والغلبة ،لتستكبرن عن طاعة ال تعالى ،
أو لتغلبن الناس بالظلم والعدوان ،وتفرطن في ذلك إفراطا مجاوزا للحد ،
وأصل معنى العلو الرتفاع ،وهو ضد السفل وتجّوز به عن التكبر ،
والستيلء على وجه الظلم .
لَل
سوا خِ َ
جا ُ
شِديٍد َف َ
س َ
عَباًدا َلَنا ُأوِلي َبْأ ٍ
عَلْيُكْم ِ
عُد ُأولَُهَما َبَعْثَنا َ
جاَء َو َْفِإَذا َ
عًدا َمْفُعوًل )(5 ن َو ْ
الّدَياِر َوَكا َ
عُد ُأوَلُهَما :والوعد بمعنى الموعود ،مراد به العقاب ،وفي الكلم جاَء َو ْ َفِإَذا َ
تقدير ،أي فإذا حان وقت حلول العقاب الموعود ،وقيل الوعد بمعنى الوعيد ،
وفيه تقدير أيضا ،وقيل بمعنى الوعد الذي يراد به الوقت ،أي فإذا حان موعد
عقاب أولى الفسادتين .
عَباًدا َلَنا :البعث بالتخلية وعدم المنع ) البيضاوي ( ،وقال
عَلْيُكْم ِ
َبَعْثَنا َ
الزمخشري " :خلينا بينهم وبين ما فعلوا ولم نمنعهم وفيه دسيسة اعتزال " ،
22
وقال ابن عطية " :يحتمل أن يكون ال تعالى ،أرسل إلى ملك أولئك العباد
رسول ،يأمره بغزو بني إسرائيل ،فتكون البعثة بأمر منه تعالى " .
شِديٍد :ذوي قوة وبطش في الحروب ،والبأس والبأساء في س َ
ُأوِلي َبْأ ٍ
النكاية ،ومن هنا قيل ،إن وصف البأس بالشديد مبالغة .
لَل الّدَياِر :قال الجوهري " الجوس مصدر ،وقولك جاسوا خلل خَسوا ِ جا ُ
َف َ
الديار ،أى تخللوها كما يجوس الرجل للخبار أى يطلبها " ،أي عاثوا
وافسدوا وقتلوا وتخللوا الزقة بلغة جذام ،بمعنى الغلبة والدخول قهرا ،وقال
الزجاج " :طافوا خلل الديار ينظرون هل بقي احد لم يقتلوه " ،والجوس
طلب الشيء باستقصاء ،وقال اللوسي " :والجمهور على أن في هذه البعثة ،
خرب هؤلء العباد بيت المقدس ،ووقع القتل الذريع والجلء والسر في بني
إسرائيل ،وحرقت التوراة " .
عًدا َمْفُعوًل :قضاء كائنا ل خلف فيه ،وكان وعد عقابهم ل بد أن يفعلن َو ْ
َوَكا َ
،أي ل بد من كونه ،مقضيا أي مفروغ منه .
جَعْلَناُكْم َأْكَثَر َنِفيًرا )(6
ن َو َ
عَلْيِهْم َوَأْمَدْدَناُكْم ِبَأْمَواٍل َوَبِني َ
ُثّم َرَدْدَنا َلُكْم اْلَكّرَة َ
عَلْيِهْم :ثم للعطف ،وتفيد التراخي في الزمن ،يقول ُثّم َرَدْدَنا َلُكْم اْلَكّرَة َ
اللوسي " جعل َرَدَدنا ،موضع َنُرّد ،فعبر عن المستقبل بالماضي " ،
ن ( ،أي رددنا النسانساِفِلي َ
سَفَل َ
وُيضيف في تفسير قوله تعالى ) ُثّم َرَدْدَناُه َأ ْ
أسفل سافلين من النار ،إل الذين آمنوا وعملوا الصالحات ،فلهم أجر غير
ممنون بعد البعث والجزاء " ،وهذه الكرة بعد الجلوة الولى ،أي الرجعة
والدولة والغلبة ،على الذين ُبعثوا عليكم .
ن :أعطاهم ال الموال والولد . َوَأْمَدْدَناُكْم ِبَأْمَواٍل َوَبِني َ
جَعْلَناُكْم َأْكَثَر َنِفيًرا :والنفير أي القوم الذين يجتمعون ،ليصيروا إلى أعدائهم َو َ
فيحاربوهم ،وهم المجتمعون للذهاب إلى العدو ،أي أكثر رجال من عدوكم ،
والنفير من ينفر مع الرجل من عشيرته .
23
سوُءوا خَرِة ِلَي ُ
لِعُد ا ْ
جاَء َو ْ سْأُتْم َفَلَها َفِإَذا َ
ن َأ َ
سُكْم َوِإ ْ
سنُتْم َِلنُف ِ ح َسنُتْم َأ ْ
ح َ ن َأ ْ
ِإ ْ
علَْوا َتْتِبيًرا )خُلوُه َأّولَ َمّرٍة َوِلُيَتّبُروا َما َ جَد َكَما َد َسِ خُلوا اْلَم ْجوَهُكْم َوِلَيْد ُ ُو ُ
(7
سْأُتْم َفَلَها :وهذا الخطاب قيل أنه لبني
ن َأ َ
سُكْم َوِإ ْ
سنُتْم َِلنُف ِ
ح َسنُتْم َأ ْ
ح َن َأ ْ
ِإ ْ
إسرائيل الملبثين ،لما ذكر فى هذه اليات ،وقيل لبني إسرائيل الكائنين في
زمن محمد صلى ال عليه وآله وسلم ،ومعناه إعلمهم ما حل بسلفهم فليرتقبوا
مثل ذلك ،وأن إحسان العمال وإساءتها مختص بهم ،والية تضمنت ذلك ،
وفيها من الترغيب بالحسان ،والترهيب من الساءة ،ما ل يخفى فتأمل .
خَرِة :أى حضر وقت ما وعدوا من عقوبة المرة الخرة ، لِ عُد ا ْجاَء َو َْفِإَذا َ
وجواب إذا محذوف تقديره بعثناهم لدللة جواب إذا الولى عليه ،فالظاهر فإذا
جاء وإذا جاء للدللة ،على أن مجيء وعد عقاب المرة الخرة ،لم يتراخ عن
كثرتهم واجتماعهم ،دللة على شدة شكيمتهم في كفران النعم ،وأنهم كلما
ازدادوا عددا وعدة ،زادوا عدوانا وعزة ،إلى أن تكاملت أسباب الثروة
والكثرة ،فاجأهم ال عز وجل على الغّرة ،نعوذ بال سبحانه من مباغتة عذابه
.
حذف لدللة ما جوَهُكْم :اللم لم كي ،وليسوءوا متعلق بفعل ُ سوُءوا ُو ُ ِلَي ُ
سبق عليه ،وهو جواب إذا ،أي بعثناهم ليسوءوا وجوهكم ،أي ليجعل العباد
المبعوثون ،آثار المساءة والكآبة بادية في وجوهكم ،إشارة إلى أنه جمع عليهم
ألم النفس والبدن .
جَد :اللم لم كي ،والضمير للعباد أولى البأس الشديد ، سِخُلوا اْلَم َْوِلَيْد ُ
والمسجد مسجد بيت المقدس ،قال اللوسي " :فإن المراد به بيت المقدس ،
وداود عليه السلم ابتدأ بنيانه ،بعد قتل جالوت وإيتائه النبوة ،ولم يتّمه ،
وأتّمه سليمان عليه السلم ،فلم يكن قبل داود عليه السلم مسجد حتى يدخلوه
أول مرة ،ودفع بأن حقيقة المسجد الرض ل البناء ،أو يحمل قوله تعالى
دخلوه على الستخدام ،والحق أن المسجد كان موجودا ،قبل داود عليه السلم
كما قدمنا " .
خُلوُه َأّوَل َمّرٍة :كما دخلوه أي دخول كائنا ،كدخولهم إياه أول مرة ،قال َكَما َد َ
اللوسي " :والمراد من التشبيه أنهم يدخلونه بالسيف والقهر والغلبة والذلل ،
24
وفيه أيضا أن هذا يبعد قول ،من ذهب إلى أن أولى المرتين ،لم يكن فيها قتال
ول قتل ول نهب " .
عَلْوا َتْتِبيًرا :أي ليدمروا ويخربوا والتبار الهلك ،وليتبروا أي
َوِلُيَتّبُروا َما َ
يدّمروا ويهلكوا ما غلبوا عليه من بلدكم ،أو مدة علوهم ،أي ما علوا عليه
من القطار وملكوه من البلد ،وقيل ما ظرفية والمعنى مدة علوهم وغلبتهم
على البلد ،تتبيرا أي تدميرا ُ ،ذكَر المصدر إزالة للشك وتحقيقا للخبر ،ما
علوا مفعول لتبروا ،أي لُيهلكوا كل شيء غلبوه واستولوا عليه ،أو بمعنى مدة
علوهم .
صيًرا )(8
ح ِ
ن َ
جَهّنَم ِلْلَكاِفِري َ
جَعْلَنا َ
عْدَنا َو َ
عْدُتْم ُ
ن ُ
حَمُكْم َوِإ ْ
ن َيْر َ
سى َرّبُكْم َأ ْ
ع َ
َ
حَمُكْم :لبقية بني إسرائيل عسى ربكم ،إن أطعتم في أنفسكم ن َيْر َ سى َرّبُكْم َأ ْ ع ََ
واستقمتم أن يرحمكم ،وهذه العودة ليست برجوع دولة ،وإنما هي بأن يرحم
المطيع منهم ،وكان من الطاعة اتباعهم لعيسى ومحمد عليهما السلم .
صل المرتين ،كان قبل ) ذلك لن المتقدمين من المفسرين اعتبروا أن تح ّ
بعثهما عليهما السلم ( .
عْدَنا :وإن عدتم للفساد بعد الذي تقدم ،عدنا عليكم بالعقوبة عْدُتْم ُ ن َُوِإ ْ
فعاقبناكم في الدنيا ،بمثل ما عاقبناكم به في المرتين .
صيًرا :أي محبوسون في جهنم ل يتخلصون منها . ح ِ
ن َجَهّنَم ِلْلَكاِفِري َ
جَعْلَنا ََو َ
حا ِ
ت صاِل َ
ن ال ّ
ن َيْعَمُلو َ
ن اّلِذي َ
شُر اْلُمؤِْمِني َ
ي َأْقَوُم َوُيَب ّ
ن َيْهِدي ِلّلِتي ِه َ
ن هََذا اْلُقْرآ َ
ِإ ّ
جًرا َكِبيًرا )(9
ن َلُهْم َأ ْ
َأ ّ
ي َأْقَوُم :أي إلى الطريقة التي هي أصوب ،وقيل ن َيْهِدي ِلّلِتي ِه َ ن هََذا اْلُقْرآ َِإ ّ
الكلمة التي هي أعدل .
شر بما
جًرا َكِبيًرا :أي ُيب ّ
ن لَُهْم َأ ْ
ت َأ ّ
حا ِ
صاِل َ
ن ال ّ
ن َيْعَمُلو َ
ن اّلِذي َ
شُر اْلُمْؤِمِني ََوُيَب ّ
اشتمل عليه من الوعد بالخير ،آجل وعاجل للمؤمنين الذين يعملون الصالحات
،ويراد بالتبشير مطلق الخبار ،أو يكون المراد منه معناه الحقيقي ،ويكون
الكلم مشتمل على تبشير المؤمنين ببشارتين ،الولى ما لهم من الثواب ،
والثانية ما لعدائهم من العقاب .
25
عَذاًبا َأِليًما )(10
عَتْدَنا َلُهْم َ
خَرِة َأ ْ
لِن ِبا ْ
ن لَ ُيْؤِمُنو َ
ن اّلِذي َ
َوَأ ّ
وهو عذاب جهنم ،أي أعددنا وهيأنا لهم ،فيما كفروا به وأنكروا وجوده من
الخرة ،عذابا مؤلما وهو أبلغ من الزجر ،لما أن إتيان العذاب من حيث ل
يحتسب أفظع وأفجع ،ولعل أهل الكتاب داخلون في هذا الحكم ،لنهم ل
يقولون بالجزاء الجسماني ،ويعتقدون في الخرة أشياء ل أصل لها ،فلم
يؤمنوا بالخرة وأحكامها المشروحة ،في هذا القرآن حقيقة اليمان ،والعطف
على أن لهم أجرا كبيرا ،فيكون إعداد العذاب الليم ،للذين ل يؤمنون بالخرة
مبشرا به ،كثبوت الجر الكبير للمؤمنين الذين يعملون الصالحات ،ومصيبة
شر به ،فكأنه قيل يبشر المؤمنين بثوابهم وعقاب أعدائهم ،
العدو سرور ُيب ّ
ويجوز أن تكون البشارة مجازا مرسل ،بمعنى مطلق الخبار الشامل للخبار
بما فيه سرور للمؤمنين .
جوًل )(11
عُن َ
سا ُ
ن اِْلن َ
خْيِر َوَكا َ
عاَءُه ِباْل َ
شّر ُد َ
ن ِبال ّ
سا ُ
ع اِْلن َ
َوَيْد ُ
شّر :ويدعو النسان على ماله وولده ونفسه بالشر ،فيقول ن ِبال ّ
سا ُ
ع اِْلن َ َوَيْد ُ
عند الغضب :اللهم العنه وأهلكه ونحوهما .
خْيِر :أي كدعائه ربه بالخير ،أن يهب له النعمة والعافية ،ولوعاَءُه ِباْل َُد َ
استجاب ال دعاءه على نفسه لهلك ،ولكن ال ل يستجيب بفضله .
جوًل :بالدعاء على ما يكره أن ُيستجاب له فيه ،قاله جماعة
عُن َ سا ُ
ن اِْلن َ َوَكا َ
من أهل التفسير ،وقال ابن عباس :ضجرا ل صبر له على السراء والضراء .
ل ): (12
صي ً
صْلَناُه َتْف ِ
يٍء َف ّ
ش ْ
َوُكّل َ
أي كل ما تفتقرون إليه فى أمر دينكم ودنياكم ،فصلناه تفصيل :بيناه تبينا ل
يلتبس معه بغيره ،أي بيناه بيانا غير ملتبس ،فأزحنا عللكم وما تركنا لكم
حجة علينا .
26
أقوال المفسرين في المبعوثين أول وثانيا
29
وأعانه على خرابه الروم ،فلما خربه ذهب معه بوجوه بني إسرائيل وأشرافهم
،وذهب بدانيال وعليا وعزاريا وميشائيل ،وهؤلء كلهم من أولد النبياء .
وفيما روي عن سعيد بن جبير ،قال :بعث ال عليهم في المرة الولى
سنحاريب ،قال :فرّد ال لهم الكرة عليهم كما أخبر ،قال :ثم عصوا ربهم ،
وعادوا لما نهوا عنه ،فبعث عليهم في المرة الخرة بختنصر ،فقتل المقاتلة
وسبى الذرية ،وأخذ ما وجد من الموال ،ودخلوا بيت المقدس ،كما قال ال
عز وجل ،ودخلوه فتّبروه وخّربوه ،فرحمهم فرّد إليهم ملكهم ،وخّلص من
كان في أيديهم من ذرية بني إسرائيل ،وعن مجاهد قال :بعث ال ملك فارس
ببابل جيشا ،وأمر عليهم بختنصر ،فأتوا بني إسرائيل فدمروهم فكانت هذه
الخرة ووعدها .وعن قتادة قوله :فبعث ال عليهم في الخرة ،بختنصر
المجوسي البابلي ،أبغض خلق ال إليه ،فسبا وقتل وخّرب بيت المقدس ،
وسامهم سوء العذاب ،وفيما روي عن ابن عباس قال :فلما أفسدوا ،بعث ال
عليهم في المرة الخرة ،بختنصر فخرب المساجد " .
من تفسير البغوي :
قال قتادة :إفسادهم في المرة الولى ،ما خالفوا من أحكام التوراة وركبوا
المحارم ،وقال ابن إسحاق :إفسادهم في المرة الولى قتل إشعياء في الشجرة
وارتكابهم المعاصي ) ،بعثنا عليكم عبادا لنا ( ،قال قتادة :يعني جالوت
الجزري وجنوده ،وهو الذي قتله داود ،وقال سعيد بن جبير :يعني سنحاريب
من أهل نينوى ،وقال ابن إسحاق :بختنصر البابلي وأصحابه ،وهو الظهر ،
) فإذا جاء وعد الخرة ( وذلك قصدهم قتل عيسى عليه السلم ،حين رفع ،
وقتلهم يحيى بن زكريا عليهما السلم ،فسلط عليهم الفرس والروم خردوش
وطيطوس ،حتى قتلوهم وسبوهم ونفوهم عن ديارهم .
من تفسير الشوكاني :
والمرة الولى ،قتل شعياء ،أو حبس أرمياء ،أو مخالفة أحكام التوراة ،
والثانية قتل يحيى بن زكريا ،والعزم على قتل عيسى ) ،عبادا لنا ( قيل هو
بختنصر وجنوده ،وقيل جالوت ،وقيل جند من فارس ،وقيل جند من بابل ،
والمرة الخرة ،هى قتلهم يحيى ابن زكريا ) ،وإن عدتم ( قال أهل السير ،ثم
إنهم عادوا إلى ما ل ينبغي ،وهو تكذيب محمد صلى ال عليه وآله وسلم ،
30
وكتمان ما ورد من بعثه فى التوراة والنجيل ،فعاد ال إلى عقوبتهم على أيدي
العرب ،فجرى على بني قريظة والنضير وبني قينقاع وخيبر ،ما جرى من
القتل والسبي ،والجلء وضرب الجزية ،على من بقي منهم ،وضرب الذلة
والمسكنة .
من تفسير اللوسي :
واختلف في تعيين هؤلء العباد في إفسادهم الول ،فعن ابن عباس وقتادة ،هم
جالوت الجزري وجنوده ،وقال ابن جبير وابن إسحاق هم سنحاريب ملك بابل
وجنوده ،وقيل هم العمالقة ،وفي العلم للسهيلي ،هم بختنصر عامل
لهراسف ،أحد ملوك الفرس الكيانية ،على بابل والروم وجنوده ،بعثوا عليهم
حين كذبوا أرميا وجرحوه وحبسوه ،قيل وهو الحق .
واختلف في تعيين هؤلء العباد المبعوثين ،بعد أن ذكروا قتل يحيى عليه
السلم في إفسادهم الخير ،فقال غير واحد إنهم بختنصر وجنوده ،وتعقبه
السهيلي وقال بأنه ل يصح ،لن قتل يحيى بعد رفع عيسى عليهما السلم ،
وبختنصر كان قبل عيسى عليه السلم بزمن طويل ،وقيل السكندر وجنوده ،
وتعقبه أيضا وقال :بأن بين السكندر وعيسى عليه السلم نحوا من ثلثمائة
سنة ،ثم قال لكنه إذا قيل إن إفسادهم في المرة الخيرة بقتل شعيا ،جاز أن
يكون المبعوث عليهم بختنصر ومن معه ،لنه كان حينئذ حيا ،والذي ذهب
إليه اليهود ،أن المبعوث أول بختنصر ،وكان في زمن آرميا عليه السلم ،
وقد أنذرهم مجيئه صريحا ،بعد أن نهاهم عن الفساد وعبادة الصنام ،كما
نطق به كتابه ،فحبسوه في بئر وجرحوه ،وكان تخريبه لبيت المقدس ،في
السنة التاسعة عشر من حكمه ،وبين ذلك وهبوط آدم ثلثة آلف وثلثمائة
وثماني وثلثين سنة ،وبقي خرابا سبعين سنة ،ثم إن أسبيانوس قيصر
جه وزيره طيطوس إلى خرابه ،فخربه سنة ثلثة آلف وثمانمائة الروم ،و ّ
وثمانية وعشرين ،فيكون بين البعثين عندهم أربعمائة وتسعون سنة ،وتفصيل
الكلم في ذلك في كتبهم ،وال تعالى أعلم بحقيقة الحال .
وقال اللوسي " :ونعم ما قيل إن معرفة القوام المبعوثين ،بأعيانهم وتاريخ
البعث ونحوه ،مما ل يتعلق به كبير غرض ،إذ المقصود أنه لما كثرت
معاصيهم ،سلط ال تعالى عليهم من ينتقم منهم مرة بعد أخرى ،وظاهر
اليات يقتضي اتحاد المبعوثين أول وثانيا "
31
ونقول :نتفق مع اللوسي في بعض ما ذهب إليه ،ونختلف معه في التقليل من
ل لكبير غرض ، شأن المبعوثين ،التي ما أخبر بها سبحانه ،في كتابه العزيز إ ّ
لم الغيوب ،لمن هم في شك يلعبون من وهو إثبات أن هذا القران من لدن ع ّ
المسلمين وغيرهم ،فهذه النبوءة تحكي واقعا نعاصره الن ،بكل تفاصيله )
ل ( ومعرفة وتحديد المرتين ،أمر في غاية الهمية . صي ً
صْلَناُه َتْف ِ
يٍء َف ّ
ش ْ
َوُكّل َ
مع أن عبارته الخيرة – رحمه ال -في النص السابق ،التي أكد فيها " اتحاد
سر الوحيد من القدماء ،الذي أشار المبعوثين أول وثانيا " ،وهو المف ّ
صراحة إلى هذا المر ،أعطتني دفعة كبيرة للمضي قدما في هذا البحث ،
حيث كنت قد تتبعت الضمائر الواردة في اليات ،وتأكدت من هذا المر في
بداية البحث ،فقد أّيدت هذه العبارة ،جانبا من الفكار التي كنت أحملها ،فيما
يتعلق بهذه النبوءة ،بعدما تبّين لي من خلل الحاديث النبوية ،التي ذكرتها
ن فناء دولة إسرائيل ،سيكون قبل قيام الخلفة السلمية ، في بداية البحث ،أ ّ
التي ما زال عامة المسلمين ،ينتظرون ويأملون قيامها ،للقضاء عليهم وإنهاء
وجودهم .وبما أن المبعوثين عليهم أول وثانيا متحدين ،فذلك يعني أن معرفتنا
لمن ُبعث عليهم أول ،ستقودنا بالضرورة لمعرفة من سيبعث عليهم ثانيا ،
وثالثا للكشف عن الكثير مما أحاط هذه النبوءة من غموض ،كان سببا في كثير
من التفسيرات المغلوطة ،التي أوقعت ُأناس هذا العصر ،في الحيرة
والرتباك .
كان هذا عرضا لمجمل ما قاله المفسرين ،أجّلهم ال ورحمهم جميعا ،مع
الخذ بعين العتبار أن أحدا منهم ،لم يعاصر قيام دولة اليهود للمرة الثانية ،
وكان أكثرهم حداثة ،هو اللوسي الذي توفي سنة 1227هجري ،والملحظ
من أقوالهم ،أنهم أجمعوا على أن تحّقق المرتين ،كان قبل السلم ،ونسبة
إحدى المرتين ،إلى البابليين وبقيادة بختنصر ) نبوخذ نصر ( على الغلب ،
وهو الحدث المشهور تاريخيا بما ُيسّمى ) السبي البابلي ( .
ومعظم ما تقّدم من روايات هي أخبار موقوفة ،على أصحابها ،وأصلها أهل
التوراة ،حيث أنها المصدر الوحيد لمثل هذه الروايات ، ،فامتلت التفاسير
منها ،وهي ليست مما ُيرجع إليه من الحكام ،التي يجب بها العمل ،فُتتحرى
في صحتها أو كذبها ،لذلك تساهل كثير من المفسرون في نقلها ،وهي في
بعض منها أقرب إلى الخرافة .
32
سرين ،فقد أعاد أغلبهم نسخ أقوال القدماء بشكلأّما المعاصرين من المف ّ
مختصر ،وأضافوها إلى كتبهم ،ولم يأتوا بجديد إل واحدا ،هو الشيخ سعيد
حوى رحمه ال ،حيث أعلمني أحد الزملء بذلك ،عندما عرضت عليه بعض
نتائج هذا البحث ،فقال لي بأن إحدى النتائج التي خرجت بها ،كان الشيخ قد
طلعت على تفسيره لهذه اليات مؤخرا ،فوجدت بأن أوردها في تفسيره ،وقد ا ّ
الشيخ ،قّدمها كاحتمال موسوم بالشك ،ولكنا نطرحها على وجه اليقين ،الذي
ل ُيخالطه شك ،بإذن ال .
أما أناس هذه اليام ،ممن علم أو لم يعلم ،فقد جاءوا بتفسيرات وأقوال شتى
في هذه اليات ،منها ما وافق تفسيرات القدماء وأقوالهم من جانب ،وخالفها
في جوانب آخرى ،ومنها ما خالفها جملة وتفصيل .
بعض من أسباب الضطراب والرتباك ،في تفسير آيات سورة السراء ؟
هجر القرآن
القرآن في العادة ،ل ُيقرأ من قبل عاّمة المسلمين ،هذه اليام ،إل ما رحم
ربي ،وإن ُقرء ،فهي قراءة بل تفّكر أو تدّبر ،حتى أصبحنا إذا سمعناه ،
ي أو شارع قريب ،تساءلنا فيما إذا كان أحدهم يصدر من أحد البيوت ،في ح ّ
ت َمَع
خْذ ُ
عَلى َيَدْيِه َيُقوُل َياَلْيَتِني اّت َ ظاِلُم َ ض ال ّقد مات ،قال تعالى ) َوَيْوَم َيَع ّ
عْ
ن ضّلِني َل )َ (28لَقْد َأ َ خِلي ًلًنا َ خْذ ُف َ
ل )َ (27يَوْيَلِتي َلْيَتِني َلْم َأّت ِ سِبي ًسوِل َ الّر ُ
سوُل َيَر ّ
ب خُذوًل )َ (29وَقاَل الّر ُ ن َ سا ِ
لن َ ن ِل ِْ
طا ُ
شْي َن ال ّجاَءِني َوَكا َ الّذْكِر َبْعَد ِإْذ َ
جوًرا ) 30الفرقان ( .وهجر القرآن نبوءة ، ن َمْه ُ خُذوا َهَذا اْلُقْرآ َن َقْوِمي اّت َ ِإ ّ
وقد تحققت في زماننا هذا ،وأّنى لنا هذا ،فالتفكر والتدبر في أمور الحياة الدنيا
،أشغلنا وأغنانا عن الخرة ،التي ما خل من القرآن موضع ،إل وذّكرنا بها ،
وهذا أخشى ما نخشاه ،لننا ل نريد أن نتذّكر ،لكيل نتأّلم من المصير
المرعب ،الذي نسجناه بأيدينا ،والذي إن تذّكرناه ،لم يغمض لنا جفن ،ولم
ترقأ لنا عين .
تجميد القرآن وتعطيله وفصله عن الواقع ،ماضيا وحاضرا ومستقبل
يذهب كثير من الناس ،من علماء وعاّمة ،إلى أن فهم القرآن واكتشاف
مكنوناته ،مقصور على فئة معينة من الناس دون غيرهم ،أو في زمان أو
33
مكان دون آخر .بالرغم من أن هناك الكثير من التفسيرات الخاطئة ،
حح لغاية
والروايات المضّللة أحيانا ،في كتب التفسير القديمة ،والتي لم تص ّ
الن .ونحن باعتمادنا بشكل كّلي على تفسيرات القدماء ،حرمنا أنفسنا من فهم
كثير من اليات ،ذات الصلة بواقعنا المعاصر ،والتي ما كان لحد من
المفسرين قديما ،القدرة على تفسيرها ،في زمن يسبق زماننا هذا ،ول نقصد
هنا التعريض بأي حال من الحوال ،بأي من المفسرين أجّلهم ال ،فكل له
عذره وأسبابه ،ولكن نريد أن نؤكد من خلل هذا الكتاب أن القرآن ما زال حّيا
،وما زالت لديه القدرة ،على التيان بجديد حتى قيام الساعة ،ولم يكن فهم
القرآن يوما ،ولن يكون محصورا ،بزمان أو مكان ،أو أشخاص دون غيرهم
.
الغموض والبهام في نصوص النبوءات المستقبلية
عادة ل ُتستخدم النصوص الصريحة ،في الكتب السماوية ،وفي السنة
النبوية ،كأسلوب للخبار عن مضامين النبوءات ،فعادة ما ُيستعمل الوصف
والتشبيه والتمثيل .وهذا هو حال مجمل النبوءات المستقبلية ،تبقى بعض
نصوصها عصية على الفهم ،حتى تتمكن من تجسيد نفسها على أرض
سر نفسها بنفسها .فلكتمال معالمها ،أسباب ومسببات ،ل بد لها الواقع ،لتف ّ
من أخذ مجراها الطبيعي .وعادة ما تكون في جانب منها مبهمة ،خاصة
للطرف صاحب الدور الكبر ،بترجمة أحداثها على أرض الواقع .
وفي المقابل تبقى بعض نصوصها سهلة للهضم والفهم ،لمن جاءت في
كتبهم ،إذا عاصروها ،ولكن بالَقْدِر الذي ل يسمح لهم ،بالتدخل في
مجرياتها ،أو تعطيل السباب والمسببات المؤدية لتحّققها .ولتبقى قدرتهم على
التدخل مقّيدة ،بما لم يعرفوه يقينا ،مما ُأبهم عليهم من نصوص النبوءة .
شر بنبوة سيدنا ومثال ذلك ما جاء في كتب اليهود والنصارى ،من نصوص تب ّ
محمد عليه الصلة والسلم .وبالرغم من كثرة النصوص التي أخبرت عنه ،
لم يستطع اليهود الستدلل عليه يقينا ،قبل ظهور أمره ،وإل لقتلوه .
وصاحب النبوة لم يكن يعلم ،بأنه المقصود بنبوءات أهل الكتاب ،قبل أن
يتنّزل عليه الوحي ،وحتى اسمه ) محمد ( عليه الصلة والسلم ،جاء مغايرا
لسمه ) أحمد ( الموجود في كتبهم ،حيث جاء بالمعنى وليس باللفظ .وبعدما
سر جميع النصوص التي كانت ُبعث ،ومع مرور الزمن ،بدأ الواقع ُيف ّ
34
بحوزتهم شيئا فشيئا .أما قريش فما كانت ُتصّدق من نبوءات أهل الكتاب
شيئا .
وحتى لو ُكشفت مضامين النبوءات ،عند اكتمال معالم القدر ،وقبل تحقق
الفصل الخير منها ،كان من الصعب على ذوي العلقة ،إعادة عقارب
الساعة إلى الوراء ،من أجل التأثير على مجريات أحداثها ،أو منع تحّققها ،
وخاصة أن معظم النبوءات إذا ُفسّرت ،وكان واقع الحال ل يتطابق مع
التفسير ،وهذا أمر طبيعي جدا ،فعادة ما ُيجابه التفسير بالنكار والتكذيب ،أو
التشكيك حتى ممن يعنيهم المر ،أو الظن أن بالمكان منعها ،كما هو الحال
عند بني إسرائيل ،الذين يعلمون هذه النبوءة علم اليقين ،وُيحاولون جهدهم
منع تحّققها ،كما حاولوا جهدهم البحث ،عن نبينا عليه الصلة والسلم ،لمنع
بعثه وظهور أمره .وكما سيكون الحال مع كثير من الناس ،الذين سيقرأون
هذا الكتاب ،الذي نكشف فيه ملبسات تحّقق وعد الخرة ،كما لم تكن من قبل
،بعد أن تشابكت خيوطها ،واتصلت بإحكام منذ سنين عدة ،ولكن الناس كانوا
عنها غافلين .
فهم اللفاظ ومدلولتها
في كثير من الحيان نفهم ألفاظ القرآن ،بالمعنى الذي نستخدمه به في حياتنا
المعاصرة ،وربما يكون هذا الستخدام مختلف أو مخالف تماما ،لستخدام
العرب القدماء -الذين نزل القرآن بلغتهم -لنفس اللفظ ،مما يتسّبب في سوء
ل ( ،فنحن نستخدم هذاصَالتفسير أو الفهم .فعلى سبيل المثال ،لنأخذ كلمة ) َف َ
اللفظ تقريبا بمعنى واحد ؛ َقطَع التيار َ ،فّرق ما بين شيئين بشيء ثالث ،طرده
من الوظيفة .أما العرب القدماء فقد كانوا يستخدمونها بمعان شتى ،تفهم عادة
ج ،ومن هذه المعاني تستطيع تفسير قوله خَر َ
قو َمن السياق ،منها ؛ َقطَع وَفّر َ
جُنوِد ) 249البقرة ( ،على أن طالوت خرج ت ِباْل ُ
طاُلو ُ
صَل َ
تعالى ) َفَلّما َف َ
بالجنود .
وفي كثير من الحيان ،يحمل اللفظ الواحد في القرآن ،مفهوما عاما عريضا ،
صلها القرآن في مواضع عديدة . ويندرج تحته عدة مفاهيم خاصة ُ ،يعّرفها وُيف ّ
ومن هذه اللفاظ على سبيل المثال ؛ الفساد والعلو والفاحشة والظلم ،وهذه
كلها مفاهيم عامة ،يختلف تحديد مواصفاتها ومقاييسها ،باختلف فهم
35
ل حسب الشخص على سبيل المثال لماهّية اللفظ .وإذا تركنا الجابة للناس ،ك ٌ
رأيه ،ستجد أن هناك تعاريف عديدة ومتباينة ،أما القرآن فله تعريفه الخاص .
فلنأخذ لفظ الظلم ،يقول سبحانه وتعالى ) َوَما ُكّنا ُمْهِلِكي اْلُقَرى ِإّل َوَأْهُلَها
ن ) 59القصص ( ،فما هي ماهية هذا الظلم ،الذي يتحتم عليه إهلك ظاِلُمو َ
َ
القرى ؟ وكيف تستطيع القرى أن تسلم من الهلك ،بما أن الظلم هو المقياس
لذلك ،كما أخبر رب العزة ؟ ولفهم دللة هذا اللفظ ،يتحتم عليك أن ُتلّم بكل
ُمتعّلقاته ،في جميع اليات القرآنية ،التي ورد فيها ذكره ،لتخرج في النهاية
بما ُيشبه المقياس ،الذي من خلله تستطيع تعريف هذا المفهوم ،بالمقياس
اللهي له ،وليس بالمقاييس الشخصية للناس .
اليجاز الشديد
مثل قوله تعالى ) فجاسوا خلل الديار ( ،حيث وصف سبحانه ،كل ما فعله
أولئك العباد ،في المرة الولى بثلث كلمات فقط ،أو بالحرى كلمة واحدة
هي ) فجاسوا ( ،وبالرغم من ذلك ،فإن هذه الكلمة ،وعند الطلع معانيها
في المعجم ،ستجد أنها تصّور مشهدا سينمائيا كامل ،وبدون الطلع على
تلك المعاني ،لن تمتلك القدرة على تخّيل ذلك المشهد .
الحذف وتقدير المحذوف
حذف كلمة أو عبارة من السياق ،لسبق الدللة عليها فيما تقدم من نصوص ،
مثل حذف جواب شرط إذا الخاص بوعد الخرة ،وتقديره ) بعثناهم عليكم (
في الية ) ، (7لدللة قوله تعالى ) فإذا جاء وعد أولهما بعثنا عليكم ( في الية
) . (5
اللتفات
الحديث عن الغائب ،ومن ثم النتقال لتوجيه الخطاب إلى الحاضر ،والعكس
بالعكس ،بين حين وآخر ،مثل ) وقضينا إلى – الحديث هنا عن الغائب
ن في – الخطاب هنا إلى الحاضر ) السابقين من بني إسرائيل ( …لتفسد ّ
) المعاصرين من بني إسرائيل ( . ( ..عادة ما يستخدم هذا السلوب ،في
إخبار المستمع الحاضر عن حدث وقع في الماضي .والهدف من إنزال هذه
النبوءة في كتاب موسى ،وإعادة نسخها في القرآن ،هو كشف للغيب الذي ل
36
يعلمه إل من أخبر عنه ،فيما أنزله من كتب على ُرسله ،لعل الناس
المعاصرين بربهم يؤمنون ،عند تحقق هذه النبوءة بكل تفاصيلها ،كما جاءت
في الكتب السماوية .لذلك جاء الخبار في القرآن للناس كافة ،وجاء الخطاب
صة ،لن المر يعنيهم أكثر من غيرهم ،فلعّلهم إلى ربهم لبي إسرائيل خا ّ
يرجعون .
لقد أخبر سبحانه في الية ) (2أنه آتى موسى الكتاب ،وفي الية ) (4أخبر بأنه
أنزل في ذلك الكتاب نص هذه النبوءة ،التي سيشرع فيما يلي بالخبار عنها
بكل تفاصيلها ،كما جاءت في كتاب موسى ،حيث جاء النص آنذاك مخاطبا
لبني إسرائيل .وإتيان النص بأسلوب المخاطبة لبني إسرائيل في القرآن ،يفيد
أن هناك جزء من هذه النبوءة سيتحقق مستقبل بعد نزول هذه اليات ،وأعيد
النص لتذكير بني إسرائيل وتنبيههم وتحذيرهم ،من مغبة الفساد في الرض
في المرة لثانية ،مما يترتب عليه نفاذ الوعد الثاني ،كما نفذ الوعد الول .
طب في هذه اليات ،هم بنوا إسرائيل ) المعاصرين ( ،ولكن ومع أن المخا َ
يجب أل ننسى ،أن هناك من يقرأ ويسمع خطابه تعالى – لبني إسرائيل – من
خلل القرآن ،ممن هم من غير بني إسرائيل ،ول يعلمون من أمر هذه النبوءة
شيئا ،فيما إذا كانت قد أنزلت عليهم في كتابهم أم ل ،فابتدأ عز وجل القصة
بالخبار عن وجودها في كتابهم ،لمن ل يعلم من الجمهور بذلك ،من مستمع
وقارئ لهذه القصة .لُيعيد الجمهور إلى الجواء التي ُأنزلت فيها هذه النبوءة ،
ليسُهل فهمها من قبلهم .وليصبحوا مساوين لبني إسرائيل في معايشة تلك
الجواء ،التي يعرفونها كما يعرفون أبنائهم ،من خلل ما لديهم من كتب .
لذلك تجده سبحانه أحيانا يتوجه بالخطاب إلى الجمهور ،تاركا ) خطاب بني
إسرائيل ( ،ليضيف إليهم خبرا أو تعقيبا ،على جزء معين من هذه النبوءة ،
أو إيضاحا أو تفصيل ،لم يرد في النص الصلي للنبوءة ،التي سبق أن ُأنزلت
عليهم ،أو تحقق بعد نزولها ،لزم إخبار الجمهور عنه في هذه اليات .
صل اليمانفالحكمة من الخبار بهذه النبوءة والكشف عنها للبشر ،هي تح ّ
بالقرآن ومن أنزله ومن ُأرسل به ،كما عّقب سبحانه بقوله في نهاية السورة )
ُقْل َءاِمُنوا ِبِه َأْو لَ ُتْؤِمُنوا ) 107السراء ( .وسنبين إن شاء ال كل موضع ،
حصل فيه التفات ،لتصبح نصوص النبوءة أكثر وضوحا وأسهل للفهم .وعدم
معرفة ماهية اللتفات ومواضعه -أحد أوجه البلغة في لغة العرب – سيجعل
37
من الصعوبة بما كان ،أن يفهم الناس النصوص القرآنية بشكل صحيح ،
وربما يقلب المعنى بشكل مخالف تماما .
الضمائر
طب والغائب متابعة الضمائر في هذه اليات ،بأنواعها الثلثة ،المتكّلم والمخا َ
ن كل ،وتحديد على من يعود كل منها .وهنا ل بد أن نوضح ونؤكد ،على أ ّ
الضمائر الواردة في اليات ) ، ( 8-4ما عدا ضمائر المتكّلم التي تعود عليه
سبحانه ،تعود على أولئك العباد أولي البأس الشديد أنفسهم في مواضع ،وعلى
بني إسرائيل في مواضع أخرى ،وهي محصورة فيهم على الطلق ،إذ لم
يضف النص طرفا ثالثا .
العتراض
وهو إضافة جملة إلى السياق ،كتعقيب على خبر قد سبق ذكره ،زيادة في
اليضاح والبانة ،وهو أحد أوجه البلغة أيضا .وعدم وجود هذا التعقيب ،
ربما ُيثير التساؤل في ذهن المستمع ،فُيضيف الراوي من تلقاء نفسه خبرا
جديدا ،ليدفع الحيرة عنه ،ومنعا لتوارد الجتهادات والتفسيرات الخاطئة في
مخيلته ،ولُيغني المستمع الحاجة إلى السؤال .فعادة ما تأتي الجملة المعترضة
كإضافة ،لزالة الغموض واللبس ،الذي قد ينجم عن سوء تقدير المستمع ،
ولزوم هذا التعقيب يعود لتقدير الراوي .
وقد وقع العتراض في نصوص النبوءة في موضعين ،في قوله تعالى " وكان
وعدا مفعول " ،للتعقيب على الوعد الول ،لبيان أن هذا كان قد ُأنجز أم لم
ُينجز .وفي قوله تعالى " وليتّبروا ما علوا تتبيرا " للتعقيب على العلو الكبير
الخاص ببني إسرائيل ،لبيان وتأكيد أن هذا العلو ستتم إزالته مستقبل ل
محالة .
الهوى والعاطفة
نحن كمسلمين مرتبطون عاطفيا بالمسجد القصى ،ومرتبطون عاطفيا
بالبطولت السلمية وأبطالها ،ومرتبطون عاطفيا بالخلفة السلمية
وخلفائها ،لنها توّفر لنا شعورا بالعزة والكرامة طالما افتقدناه ،ونحن بأمس
الحاجة إليه هذه اليام .وفي المقابل نحن أبعد ما نكون عن السلم ،في حياتنا
38
العملية ،ولو نظرنا في أعماق أعماقنا ،لوجدنا أننا نرفض السلم كأسلوب
سك للحياة ،لن السلم بكل بساطة يرفض كل مظاهر الحياة الدنيا ،التي يتم ّ
بها الن معظم المسلمين ،ويسعون لبقائها ويحرصون على إدامتها
والستزادة منها ما أمكنهم ذلك .
نص هذه النبوءة موجود في كتب اليهود ،فما الذي قام به زعماؤهم العلمانيون
والمتدينون ،عندما أرادوا أن يقيموا لهم دولة ؟ أخذوا من النبوءة الجزء
سروها على أن ال أراد لهم ذلك ، الخاص بالعودة من الشتات ورد السبي ،وف ّ
بغض النظر عن فسادهم وإفسادهم ،وأخفوا النصوص التي ُتحّذر من العقوبة
التي تنتظرهم ،لُيضفوا على عودتهم إلى فلسطين ،بعدا دينيا توراتيا ،
وبالتالي استطاعوا كسب التأييد والدعم المادي والمعنوي ،سياسيا واقتصاديا
وعسكريا ،من اليهود والنصارى على حد سواء .
نحن أيضا نملك نص النبوءة نفسها ،وملزمون بتحرير القصى ،ولننا نشعر
بالعجز وقصر ذات اليد ،قمنا بإضفاء البعد الديني على عملية التحرير ،
بحصرها بخلفة إسلمية غير منظورة على المدى القريب ،واستبعدنا
احتمالية أن يتم هذا المر ،خارج هذا الطار العاطفي .وبعد أن تقوقعنا داخل
جه .حتى بلغ سر المعطيات حسب ما يتوافق مع هذا التو ّ هذا الطار ،بدأنا ُنف ّ
بنا المر ،إلى أن ُنحّمل النصوص القرآنية ما ل تحتمله ،لتوافق رغباتنا
وأهوائنا وتطّلعاتنا كمنتسبين للسلم .فأخذنا عبارة ) عبادا لنا ( ،وعبارة
) وليدخلوا المسجد ( وعبارة ) كما دخلوه أول مرة ( ،وسلخناها عن جلدها ،
وقمنا بالسهاب في تفسير وتفصيل هذه العبارات ،وأهملنا بعض العبارات
سرنا بعضها الخر بشكل ُيناقض فحواها ،فعزلنا العبارات عن الخرى ،وف ّ
آياتها ،وعزلنا اليات عن بعضها ،وعزلنا مجموعة اليات عن السورة ،
وعزلنا السورة عن القرآن ،وعزلنا القرآن عن كل شيء .فخرجنا باستنتاجات
وتحليلت وأصدرنا أحكام ،حرمت الكثير من الناس من المعرفة الحقيقة ،
التي تكتنفها نصوص هذه النبوءة ،التي تم تفسيرها ،بتغليب من الهوى
والعاطفة ،على النصوص القرآنية والسنة ،وعلى العقل والمنطق والواقع
والتاريخ والجغرافيا .
وبذلك أزاحت بعض التفسيرات ،التي حصرت تحرير القصى ،بالخلفة
السلمية عن غير قصد ،عن كاهل هذا الجيل عبء فكرة التحرير ،وأبعدت
39
عن أذهان الناس شبح حرب قادمة ،مما ساهم بشكل غير مباشر ،في تخدير
أمة السلم لسنين طويلة ،لينُعم الناس بحياة آمنة مطمئنة ،ولكن للسف بعيدا
عن الدين .فالخلفة السلمية على المدى القريب صعبة التحقق ،لن
مقومات قيامها ضمن الظروف الراهنة معدومة .والمة بحاجة لمن ُينّبهها ل
لمن ُيخّدرها … وقبل طرح هذه الفكرة الخطرة عن تحرير المسجد القصى
… ونسبها إلى كتاب ال … وأن ال أراد ذلك … كان على رّواد هذه الفكرة
… أن يتجّردوا من عواطفهم وأهوائهم كليا عند تفسير آيات ال … فالقرآن
يطلب العقل سبيل للفهم ل العاطفة والهوى … لدرجة أنه جعل ) القلب (
موطنا للعقل بدل من العاطفة … وأن ُيفّكروا ملّيا قبل أن ُيقّدموها للناس …
فنحن بحاجة لبناء مساجد في نفوس الناس … فإن استطعنا القيام بذلك … فلن
نحّرر المسجد القصى فقط … بل سنحّرر العالم بأسره … وإن لم نستطع
فالحرى بنا … أن نعتزل ونفّر إلى رؤوس الجبال … بأطلل المساجد
المتبقية في نفوسنا … حتى يأتي ال بأمره … !!!
طر والبعيد جدا ،عما جاء في النصوص القرآنية ،سيؤدي هذا الطرح الخ ِ
بالناس ل محالة ،إلى الوقوع في الحيرة والرتباك ،ونشوء كثير من علمات
الستفهام ،حول من قّدم هذه التفسيرات ،وحول مصداقية كتاب ال نفسه ،من
قبل ضعاف اليمان والعقل والقلب ،عندما تتحّقق النبوءة بشكل مغاير لتلك
التفسيرات .
ربما ُيصّر الكثير من الواقعيون ،على أن الواقع ُيناقض مما يطرحه هذا
الكتاب .غير أن هذا الواقع سيتغير بالتدريج ،أو بين عشية وضحاها ليتوافق
مع أمر ال .وإن لم يتوافق ،فأمر ال فوق الواقع ،وكثيرا ما يأتي بغتة .
وبالرغم من ذلك ،أعتقد بأن كثير من المتغيرات ،على المستوى القليمي
والعالمي ،ستلوح في الفق ،قبل مجيء أمر ال ،وسيلحظها كل ذي بصيرة .
40
صلناه تفصيل
وكل شيء ف ّ
سَراِئيَل َأْكَثَر اّلِذي ُهْم ِفيهِ ص عَلى َبِني ِإ ْ ن َيُق ّ ن َهَذا اْلُقْرآ َقال تعالى ) ِإ ّ
ن ) 76النمل ( ،هذه الية الكريمة تؤكد أن هذا القرآن ،فضل عن خَتِلُفو َ
َي ْ
ضح ص على بني إسرائيل ،أي لُيخاطبهم ويو ّ مخاطبته لكافة البشر ،جاء ليق ّ
لهم بشكل خاص ،كثيرا مما اختلفوا فيه ،من أمور الدين والدنيا والخرة .
فهو يحكي تاريخهم ،ويعرض مواقفهم من أنبيائهم ،ومشاهد من كفرهم
وعصيانهم وعدوانهم ،والعذابات التي أنزلها ال بهم ، ،ويكشف طبائعهم ،
ويفضح سرائرهم ،وُيفّند أقوالهم ،وُيحّذرهم وُيحّذر منهم ،وُيبّين لهم حقيقة ما
جاء به رسلهم وأنبيائهم من وحي ،بعد أن طمسته وشّوهت معالمه أقلم
أحبارهم .
صْلَناُه
يٍء َف ّش ْويقول سبحانه في الية ) (12من سورة السراء َ ) ،وُكّل َ
ي مما سبق هذا القول من آيات ،قّد بّينه سبحانه ،بيانا لش ّ ل ( ،أي أن ك ّ صي ً َتْف ِ
واضحا ل ُلبس فيه .وهذا القول البليغ ،عندما تقرأه مرارا وتكرارا ،تجد أن
له وقعا خاصا في نفسك ،واليات التي تسبق هذا القول ،تخبرنا عن أمر
يتعلق ببني إسرائيل ،من حيث إفسادهم وعلوهم وعقابهم .وقد جاء هذا القول
) بالفعل ومفعوله المطلق للمبالغة في التأكيد ( مرة واحدة في القرآن ،في هذا
ت عاّما الموضع بالذات ،تعقيبا على ما مجمل ما جاء قبله من آيات ،ولم يأ ِ
ن ) 3فصلت عَرِبّيا ِلَقْوٍم َيْعَلُمو َ
ت َءاَياُتُه ُقْرَءاًنا َصَل ْ
ب ُف ّكما في قوله تعالى ) ِكَتا ٌ
عْلٍم ُهًدى َوَرحَْمًة عَلى ِ صْلَناُه َ
ب َف ّجْئَناُهْم ِبِكَتا ٍ
( ،أو في قوله تعالى ) َوَلَقْد ِ
ن ) 52العراف ( . ِلَقْوٍم ُيْؤِمُنو َ
ل هذا على شيء ،فإنما يّدل على أن ما تتحّدث عنه هذه اليات ،أمر وإن د ّ
ك أو
صله سبحانه تفصيل ،وأبانه بيانا ل يختمره ش ّ غاية في الهمية ،ولذلك ف ّ
تقّول ،وأن هذا التفصيل جاء لِعظم هذا المر ،وأن معرفته بكل دقائقه
وتفاصيله ،ل بد إل أن يكون فيه الكثير ،من النفع والفائدة ،لمن ُيخاطبهم
القرآن ،وما كان بيانه وتفصيله عبثا .وما كان هذا الفصل ،إل للتعريف بهذه
الدقائق والتفاصيل ،وما جاء هذا الكتاب إل لتعميم الفائدة على الناس ،وال
من وراء القصد .
41
لو أمعنت النظر في مجمل سورة السراء ،لوجدت أنها تناوبت ما بين أسلوبي
الخبار والمخاطبة ،ولو أمعنت النظر في مقدمة السورة ،ستجد أنها جاءت
طبة لبني إسرائيل ، طبة للمسلمين ،بصفة عاّمة ،وإخبارية وُمخا ِ إخبارية وُمخا ِ
صة .بصفة خا ّ
والسؤال الول :لماذا ُأعيد نص النبوءة بأسلوب المخاطبة ،لبني إسرائيل في
عصر أمة السلم ؟
مقدمة السورة ) اليات ( 3-1جاءت كتمهيد ،فهي تذكر المسجد القصى ،
وتبين قدسّيته عند ال وبالتالي عند المسلمين ،وتذُكر كتاب موسى عليه
السلم ،وتّذكر بني إسرائيل بما جاء فيه ،وبالذات عدم الشرك بال ،واّتخاذ
ل عليهم ويذكرهم بنجاة أسلفهم من الطوفان ،وبنفس نا ّوكلء من دونه ،ويم ّ
الوقت يحّذرهم من الهلك ،من خلل ذكر نوح عليه السلم ،وأّنه ما كان
ل ،وقيامه بالعبادةلنوح ومن معه النجاة ،لول إقراره بالعبودية ل ) عبدًا ( أو ً
ل ) وشكورًا ثانيًا ( .
السؤال الثاني :لماذا التمهيد ،وبهذا الشكل المرعب لبني إسرائيل ؟
هناك قول بأن كلتا المرتين وقعتا قبل السلم ،فلو كان هذا المر صحيحا ،
لتوجب أن يكون نص النبوءة كامل بأسلوب الخبار ،ولما كان هناك داعي
لوجوده أصل ،فقد أخبرنا سبحانه في مواضع أخرى في القرآن ،بأنه غضب
عليهم ،ولعنهم وضرب عليهم الذلة والمسكنة ،وتوعدهم بأن يبعث عليهم ،
طعهم في الرض أمما . من يسومهم سوء العذاب إلى يوم القيامة ،وق ّ
السؤال الثالث :ما هو المر الذي خرج عن كل ما تقّدم ،فأراد سبحانه لفت
أنظارنا إليه ،مبينا أهميته ،ومنبها إليها ؟
بما أن المرتين متشابهتين تماما ،فلو فرضنا جدل أن القول السابق صحيح ،
لكان من الحرى ،أن يأتي النص في الحديث عن المرتين مجمل ،على سبيل
المثال ،على النحو التالي … ) ،لتفسدن … مرتين ولتعلن علوا كبيرا …
فإذا جاء وعد كل منهما ،بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد … فأساءوا
ل من الوعدين مفعول … وتّبروا ما علوا وجوهكم ودخلوا المسجد … وكان ك ّ
تتبيرا ( .
ل مرة على حدة ؟ صلت اليات ،ك ّ صلت وَف ّالسؤال الرابع :لماذا َف َ
42
الية الرابعة ،أجملت ثلثة شروط من شروط المرتين ،وهي الرض
) المقّدسة ( والعلو والفساد ،والية الخامسة أفردت وأوجزت الحديث عن
الوعد ) العقاب ( الول ،فذكرت البعث والجوس وصفة العباد ،وجاءت
صلت مظاهر العلو الثاني ،من
الفعال كلها بصيغة الماضي .والية السادسة ف ّ
لحظة النشوء حتى اكتمال مقوماته ،من حيث القدرة العسكرية والبشرية
والقتصادية ،وجاءت الفعال كلها بصيغة الماضي ،مع حملها لصفة
الستقبال .
السؤال الخامس :لماذا جاءت أفعال وعد الولى بصيغة الماضي ،ولماذا
جاءت أفعال وعد الخرة بصيغة الستقبال ؟
السؤال السادس :لماذا جاء التخيير ما بين الحسان أو الساءة ،بعد اكتمال
مظاهر العلو الثاني ،وقبل الحديث عن عقاب وعد الخرة ،ولم يأتِ عند
الحديث عن وعد الولى ؟
السؤال السابع :لماذا ُأخرجت كيفية مجيئهم ،عند مجيء وعد الخرة من نص
النبوءة ،ولماذا ُأفردت في نهاية السورة ؟
صتهم مع فرعون في نهاية السؤال الثامن :لماذا ُأعيد ذكر بني إسرائيل وق ّ
السورة ،اليات ) ( 104 – 101؟
صى اّلِذي
جِد اَْلْق َ
سِحَراِم ِإَلى اْلَم ْ
جِد الْ َ
سِن اْلَم ْ
ل ِم ْ
سَرى ِبَعْبِدِه َلْي ً ن اّلِذي َأ ْحا َسبْ َ
) ُ
صيُر )(1سِميُع اْلَب ِ ن آَياِتَنا ِإّنه ُهَو ال ّ
حْوَلُه ِلُنِرَيُه ِم ْ
َباَرْكَنا َ
ُتشير هذه الية ،بذكر المسجد الحرام ،إلى نقطة البداية ،لنتشار رسالة
السلم ،التي أنعم ال وأكرم بها نبيه ،محمد عليه الصلة والسلم .وبذكر
المسجد القصى ُ ،تشير من طرف خفي ،إلى ما ورد في الحديث الصحيح ،
إلى أن مسك الختام لهذه الرسالة ،آخر الزمان ،سيكون بنزول الخلفة
الراشدة ،وأميرها المهدي في بيت المقدس ،بإذن ال .وهذا مما يوحي بأن
قيام دولة إسرائيل ،هو أحد أشراط الساعة ،وأن نهايتها ،علمة لقرب ظهور
المهدي ونزول الخلفة فيها ،وال أعلم .وأهم ما جاءت به الية هو تعريف
المسجد ،بوصفه بالقصى أي البعد ،وبالذي باركنا حوله ،وهو المسجد
الذي سيكون موضوع ما يلي هذه الية من آيات .
43
ل
ن ُدوِني َوِكي ً
خُذوا ِم ْ
سَراِئيَل َأّل َتّت ِ
جَعْلَناُه ُهًدى ِلَبِني ِإ ْ
ب َو َ
سى اْلِكَتا َ
) َوآتْيَنا ُمو َ
)(2
في هذه الية ،يحّذر ال بني إسرائيل ،من الّتكال على غيره ) َل يَّتخِذْ
سُه ) 28آل ل َنْف َ
حّذُرُكْم ا ُّن َ ..وُي َ ن اْلُمْؤِمِني َ
ن ُدو ِ
ن َأْوِلَياَء ِم ْ
ن اْلَكاِفِري َاْلُمْؤِمُنو َ
ن الذّّل ( ..أي ي ِم ْن َلُه َوِل ّعمران ( ويختم سبحانه السورة ،بقوله ) َ ..ولَْم َيُك ْ
لم يتخذ له حليفا لضعف أو لذّلة ،وهذا تعريض بالعلو الحالي لبني إسرائيل ،
لء مضطهدين ،وبموالة الغرب أصبحوا سادة . حيث كانوا أذ ّ
ويذّكرهم فيها بما أنزله عليهم من الهدى ،ليكون لهم نورا يهتدون به ،ومن
ضمنه هذه النبوءة ،التي أعادها إلى أذهانهم مخاطبا إياهم بمضمونها ،وكما
وردت في الكتاب الذي ُأنزل على موسى عليه السلم ،ويحّذرهم من اّتخاذ
ن على حّد سواء . أولياء من دونه ،من النس والج ّ
فاختاروا الولء لغير ال ،وتمسكنوا ،وحّققوا مآربهم منذ البداية بالفساد
ططوا له بمكرهم ودهائهم ،ونفّذه غيرهم ،من فتن وحروب والفساد ،بما خ ّ
سبقت وهّيأت الظروف ،وتسّببت في قيام دولتهم في فلسطين .ولما تمكنوا
استعلوا واستكبروا فيها ،استمروا بالفساد والفساد ،وساموا أهلها سوء
العذاب ،فاستحّقوا غضب ال واستوجبوا العقاب ،فتوافق أمرهم مع ذهب إليه
النص القرآني ،بِذكر إفسادهم في الرض بمجملها أول ،ومن ثم جاء ِذكر
ن ِفي اَْلْر ِ
ض سُد ّ
علوهم الكبير الذي نشهده هذه اليام ،في قوله تعالى ) َلُتْف ِ
عُلّوا َكِبيًرا ( .ن ُ ن َوَلَتْعُل ّ
َمّرَتيْ ِ
شُكوًرا )(3
عْبًدا َ
ن َ
ح ِإّنُه َكا َ
حَمْلَنا َمَع ُنو ٍ
ن َ
) ُذّرّيَة َم ْ
يقول ابن كثير " :تقديره يا ذرّية من حملنا مع نوح ،فيه تهييج وتنبيه على
جه لبني إسرائيل ،وبالضافة لما قاله ابن كثير ،نلمس المنة " وهذا النداء مو ّ
تهديدا وتحذيرا خفيا لبني إسرائيل ،من وراء ذكر نوح عليه السلم ،فعادة ما
ن عليهم بتذكيرهم بنعمة النجاة من فرعون وقومه ) ، كان سبحانه وتعالى ،يم ّ
ن ) 50البقرة (ظُرو َ
ن َوَأْنُتْم َتن ُ
عْو َ
غَرْقَنا آَل ِفْر َ
جْيَناُكْم َوَأ ْ
حَر َفَأْن َ
َوِإْذ َفَرْقَنا ِبكْم اْلَب ْ
ن عليهم فيها ،
إل في هذا الموضع ،وهي المرة الوحيدة في القرآن التي يم ّ
بأنهم سللة من حمل مع نوح عليه السلم ،أي من الذين أنجاهم ال من
الطوفان ،حثا لهم على اليمان به ،والعبادة والشكر له كما كان يفعل نوح
44
ن ِفعل هؤلء هو الذي أنجاهم من الهلك ،فإن لم يفعلوا والذين حملهم معه ،وأ ّ
ل بقوم نوح .وِذْكُر نوح في هذا الموضع وتكرار ل بهم ما ح ّ كما فعلوا ،ح ّ
ح َوَكَفى ن َبْعِد ُنو ٍ ن ِم ْ ن اْلُقُرو ِ ذكره ،في الية ) 17السراء ( ) َوَكْم َأْهَلْكَنا ِم ْ
صيًرا ( دفعني إلى إلقاء نظرة على سورة نوح . خِبيًرا َب ِ عَباِدِه َ
ب ِ ك ِبُذُنو ِِبَرّب َ
ب َأِليٌم )ِ ... (1إ ّ
ن عَذا ٌ ن َيْأِتَيُهْم َن َقْبِل َأ ْ
ك ِم ْ ن َأنِذْر َقْوَم َ ومنها قوله تعالى ) َ ...أ ْ
جَعُلوا عاِئي ِإّل ِفَراًرا )َ … (6 خُر َ ... (4) ...فَلْم َيِزْدُهْم ُد َ جاَء َل ُيَؤ ّ ل ِإَذا َجَل ا َِّأ َ
سِتْكَباًرا )… (7 سَتْكَبُروا ا ْ صّروا َوا ْ شْوا ِثَياَبُهْم َوَأ َسَتْغ َ صابَِعُهْم ِفي آَذاِنِهْم َوا ْ َأ َ
جَعْل َلُكْم َأْنَهاًرا )َ (12ما َلُكْم َل ت َوَي ْ
جّنا ٍ جَعْل َلُكْم َ ن َوَي َْوُيْمِدْدُكْم ِبَأْمَواٍل َوَبِني َ
ن َلْم َيِزْدُهصْوِني َواّتَبُعوا َم ْ ع َ ب ِإّنُهْم َح َر ّ ل َوَقاًرا )َ … (13قاَل ُنو ٌ ن ِّ جو ََتْر ُ
ضّلوا َكِثيًرا ) ... ساًرا )َ (21وَمَكُروا َمْكًرا ُكّباًرا )َ .. (22وَقْد َأ َ خ ََماُلُه َوَوَلُدُه ِإّل َ
ن َدّياًرا )َ ... (26وَل َتزِْد ن اْلَكاِفِري َض ِم ْعَلى الَْْر ِ ب لَ َتَذْر َ َ … (24ر ّ
ن ِإلّ َتَباًرا ) 28نوح ( ظاِلِمي َال ّ
اقرأ هذه اليات وتفّكر وتدّبر ) ..أول إنذار ..ول تأخير ..فرار ..إصرار
واستكبار ..إمداد بأموال وأولد ..وجنات وأنهار ..استهزاء وسخرية ..
عصيان ..عبادة القوة والمال ..المكر الكبير ..الضلل ..الكفر ..وأخيرا
تبار ( ..
وهذا هو حال بني إسرائيل ..وهذا هو الفساد في الرض ..ورّد ال عليه
أوله إنذار ..فإن كان هناك استكبار وإصرار ..كان هناك تبار .يقول سبحانه
عَلْيَها َ ،ولَ َتِزُر ضّل َضّل َفإِّنَما َي ِ ن َ سِه َ ،وَم ْ ن اْهَتَدى َفِإّنَما َيْهَتِدي ِلَنْف ِ ) َم ْ
سوًل ) 15السراء ( . ث َر ُ حّتى َنْبَع َ ن َ خَرى َ ،وَما ُكّنا ُمَعّذِبي َ َواِزَرٌة ِوْزَر ُأ ْ
والرسول قد ُبعث ،منذ ألف وأربعمائة وإحدى وثلثون عاما ،وقد أتاهم
بالنذار في كتاب ربه ) ،وصحيفة النذار ( الموجهة لتلك الفاعي في الجحر
البيض ،وتلك الطفّيليات في منتجعات المال العالمية ،التي تمتص بنهم دماء
الكرة الرضية ،وتلك الفئران المستأسدة في قدس القداس ،هي ) سورة بني
إسرائيل ( ومن أول حرف فيها وحتى آخر حرف ،حيث قال فيها ) َوِإَذا َأَرْدَنا
ك َقْرَيًة َأَمْرَنا ُمْتَرِفيَها ( ..وقد ساد دولة الكفر ويسودها ،قطاع الطرق ن ُنْهِل َ
َأ ْ
سُقوا ِفيَها ( ..فاغتالوا أصالتها ، واللصوص والقتلة ،وأسافل مجرميها ) َ ..فَف َ
وقدسّية أرضها ،ووقار شيخوختها ،وسكينة عّبادها ،وحياء حرائرها ،
عَلْيَها اْلَقْوُل ، ( ..وهذا ق َ حّ وأحلم طفولتها ،وحتى طهارة مساجدها ) ..فَ َ
45
جوَهُكْم … ( ،وهذا هو ) فعله ( سوُءوا ُو ُ هو ) قول ( رب العزة ِ … ) ،لَي ُ
ك
) َ ..فَدّمْرَناَها َتْدِميًرا ) 16السراء ( وهذا هو ) تعقيبه ( ) … َوَكَفى ِبَرّب َ
صيًرا ) 17السراء ( وهذه هي ) خاتمته ( ) َوُقْل اْلحَْمُد خِبيًرا َب ِعَباِدِه َ ب ِِبُذُنو ِ
ن
ي ِم ْن َلُه َوِل ّ
ك َ ،وَلْم َيُك ْ
ك ِفي اْلُمْل ِشِري ٌ
ن َلُه َ
خْذ َوَلًدا َ ،وَلْم َيُك ْ
ل الِّذي َلْم َيّت ِ
ِّ
الّذّل َ ،وَكّبْرُه َتْكِبيًرا ) 111السراء ( .
اقتصرت مقدمة السورة على ثلث آيات فقط ،حملت من المعاني ما يشحذ
الفكر والوجدان ،ويعمل على تهييج العقل وتنبيهه من غفلته ،لستقبال
واستيعاب ما سيأتي من عرض ،لنبوءة ستغير مجرى التاريخ في يوم أو
سهم في بضعة أيام .وهذه النبوءة تعني كل من سمع برسالت السماء ،وتم ّ
صميم معتقداتهم ،وأكثرهم تأّثرا هم أصحاب الديانات الثلث ،والذي يمتلك
ص عودة اليهود إلى الرض المقدسة ، كل منهم مخزونا عقائديا ،فيما يخ ّ
يلتقي مع أحدها ويتعارض مع الخر في التفاصيل والحداث .
ن َوَلَتْعُل ّ
ن ض َمّرَتْي ِ
ن ِفي اَْلْر ِ
سُد ّ
ب َ ،لُتْف ِ
سراِئيَل ِفي اْلِكَتـا ِ
ضْيَنا ِإَلى َبِني إ ْ
) َوق َ
عُلّوا َكِبيًرا )(4 ُ
ب:
ل ِفي اْلِكَتشا ِ
سراِئي َ
ضْيَنا ِإَلى َبِني إ ْ
َوق َ
ورد جذر الفعل قضى في القرآن ) (63مرة ،ومشتقات هذا الفعل حملت عدة
معاني ،وعادة ما يأتي هذا الفعل ،ليفيد تمام العمل الوارد نصا في السياق ،أو
سَكُكْم ) 200البقرة ( ،ضْيُتْم َمَنا ِ
المفهوم ضمنا ،كما في قوله تعالى ) َفِإَذا َق َ
بمعنى أنجزتم مناسككم وانتهيتم منها ،وقوله تعالى في شأن لوط وقومه )
ن ) 66الحجر ( ،أي حي َ
صِب ِ
ع ُم ْ طو ٌن َداِبَر َهُؤلَِء َمْق ُك الَْْمَر َ ،أ ّ ضْيَنا ِإَلْيِه َذِل َ
َوَق َ
أخبرناه بالمر ،على وجه النتهاء منه ،إذ ل رجعة عنه ،فل نقاش ول جدال
حُيُه ) 114طه ( ،أي ك َو ْضى ِإَلْي َن ُيْق َن َقْبِل َأ ْ
ن ِ ،م ْجْل ِباْلُقْرَءا ِفيه َ ) ،ولَ َتْع َ
من قبل أن ُتخبر بوحيه ،على وجه التمام .
ب ( أي أّنا كّنا قد أخبرنا بني سراِئيَل ِفي اْلِكَتا ِ ضْيَنا ِإَلى َبِني إ ْوقوله تعالى ) َوق َ
إسرائيل في كتابهم -أي أن مضمون هذا الخبر موجود في كتابهم نصا حتى
هذه اللحظة -بما سيأتي تفصيله فيما يلي ،من شأن إفسادهم وعلوهم في
جه في الحقيقة لمن هم من غير الرض ،وهذا الخطاب ،في هذه العبارة ،مو ّ
بني إسرائيل ،ممن ليس لديهم ،علم أو اطلع على هذا المر ،ليطلعهم ال
46
على هذا المر ،وما كان ال لُيخبر عنه إل لعظيم شأن ،وذلك من سابق علم
علم الغيوب ،بما سيكون منهم مستقبل ،وليس ما قضاه عليهم بمعنى المر
أو الحكم ،فحاشا ل أن يأمر بالفساد في الرض أو أن يقضي به .
والكتاب المقصود هنا هو كتاب موسى عليه السلم ،المنصوص عليه في الية
الثانية أعله ،وليس التوراة ،فكتاب موسى شيء والتوراة شيء آخر .والذي
قادني إلى معرفة تلك الحقيقة ،هو تساؤلي ،أول :عن سبب عدم ذكر التوراة
بدل من الكتاب ،وثانيا :رغبتي بالطلع على نص النبوءة في التوراة
نفسها ،فيما لو وجد .وبعد أن استخرجت كافة اليات القرآنية ،التي ُذكر فيها
موسى ،والتي ُذكرت فيها التوراة ،تبين لي أن ذكر التوراة ،لم يرتبط بذكر
موسى على الطلق ،وعدم الربط بينهما ل بد له من سبب ،وبيان ذلك ،
والنص التوراتي للنبوءة في الترجمات العربية للتوراة اللتينية ،سيأتي في
فصل قادم ،إن شاء ال .
عُلّوا َكِبيًرا :
ن ُ
ن َوَلَتْعُل ّ
ض َمّرَتْي ِ
لْر ِ
ن ِفي ا َْ
سُد ّ
َلُتْف ِ
هنا حصل التفات من الحديث عن الغائب ،وهم بني إسرائيل ككل ،في قوله
ب ( ،ومن ثم عاد سبحانه ،لتوجيه سراِئيَل ِفي اْلِكَتــا ِ ضْيَنا ِإَلى َبِني إ ْ تعالى ) َوَق َ
طب ،وهم بني إسرائيل ) المعاصرين ( لرسالة الحديث إلى الحاضر الُمخا َ
السلم ،وذلك بسرد النبوءة ،بنفس السلوب والعبارات ،التي أنزلت عليهم
في كتابهم ،قبل 3آلف ،زمن موسى عليه السلم .فجاءت نصوصها
مخاطبة لبني إسرائيل ،ولكن بألفاظ عربية جزلة موجزة ،كما وأضيف إليها
تعقيبات ،لتبين وتؤكد بعض ما تحّقق منها ،قبل إنزالها في سورة السراء
مرة أخرى ،على محمد عليه الصلة والسلم .فبدأت بقوله تعالى
ن . ( ... ن َ ...وَلَتْعُل ّسُد ّ
) َلُتْف ِ
ن سبحانه ،ما بين الفساد والعلو في المرتين ،في قوله ) في هذا الموضع َقَر َ
عُلّوا َكِبيًرا ) 4السراء ( ولم يوضح ن ُن َوَلَتْعُل ّ ض َمّرَتْي ِن ِفي الَْْر ِ َلُتْفسُِد ّ
التفاصيل ،ولتكون لدينا القدرة ،على معرفة شكل هذا الفساد وهذا العلو ،
دعنا نمعن النظر في اليات التالية ،حيث اقترن فيها المرين معشا ،في
ل ِفي اَْلْرضِ عَن َ عْو َ
ن ِفْر َمواضع أخرى من القران الكريم ،كقوله تعالى ) ِإ ّ
سَتْيَقَنْتَها
حُدوا ِبَها َوا ْ
جَ ن ) 4القصص ( ،وقوله ) َو َ سِدي َن اْلُمْف ِ ن ِم ْ
… ِإّنُه َكا َ
ن ) 14النمل ( ،حيث سِدي َعاِقَبُة اْلمُْف ِ
ن َف َكا َ
ظْر َكْي َ عُلّوا َفان ُ ظْلًما َو َُأْنُفسُُهْم ُ
47
جاءت هذه الية ،تعقيبا على فرعون وقومه لما علو وأفسدوا ،وجحدوا بآيات
ال ،فكان جزاءهم الهلك غرقا .
ساًداض َوَل َف َ عُلّوا ِفي اَْلْر ِ ن ُ ن َل ُيِريُدو َ جَعُلَها ِلّلِذي َخَرُة َن ْلِ ك الّداُر ا ْ وقوله ) ِتْل َ
ن جزاء من لم ُيرد العلو ن ) 83القصص ( توضح هذه الية ،بأ ّ َواْلَعاِقَبُة ِلْلُمّتِقي َ
والفساد ،سواء كان قادرا على ذلك أم لم يكن ،هو أن يكون لهم حسن ثواب
الدنيا والخرة ،والعاقبة للمتقين بإذن ال ،وذلك تعقيبا على قارون وصنيعه
ن
ل به وبكنوزه ،حيث قال تعالى فيما آتاه ،من المال والقوة ) َوآَتْيَناُه ِم ْ وما ح ّ
صَبِة ُأوِلي اْلُقّوِة ) ، (76فجحد نعم ال ونسبها حُه َلَتُنوُء ِباْلُع ْ ن َمَفاِت َاْلُكُنوِز َما ِإ ّ
ن َقْبِلِهك ِم ْل َقْد َأْهَل َ
ن ا َّ عنِدي َأَولَْم َيْعَلْم َأ ّ عْلٍم ِ عَلى ِ إلى نفسه ) َقاَل ِإّنَما ُأوِتيُتُه َ
ج
خَر َ جْمًعا ) ، (78فعل واستكبر ) َف َ شّد ِمْنُه ُقّوًة َوَأْكَثُر َ ن ُهَو َأ َ ن َم ْ ن الُقُرو ِ ِم ْ
ض )81 سْفَنا ِبِه َوِبَداِرِه اَْلْر َ خ َعَلى َقْوِمِه ِفي ِزيَنِتِه ) ، (79فأهلكه ال )َف َ َ
القصص ( ،ليجعله عبرة لغيره .
والملفت للنظر ،أن اقتران العلو بالفساد ،جاء في أربع آيات فقط من مجمل
القرآن ،وكلها ذات علقة ببني إسرائيل ،وقد تقدم ذكرها أعله .
والقرآن كما نعلم ُأنزل للناس كافة ،منذ اليوم الول لبعثة نبينا ،عليه أفضل
الصلة وأتم التسليم ،وحتى يرث ال الرض ومن عليها ،ومن ضمن هؤلء
بني إسرائيل ،الذين عاصروا هذه الرسالة وهذا القرآن ،وقد ذّكرهم ال وما
زال ُيّذكرهم ،في معجزته الخالشدة بمشا حصل لفرعون وقارون ،وهم أشّد
الناس قربا لهم ،لما علوا وأفسدوا في الرض ،وأّنهم إن أصّروا على الفساد
ن َتجَِد ن َفَل ْ
سّنَة اَْلّوِلي َن ِإّل ُ ظُرو َ في الرض ،مضت فيهم سنة الولين ) َفَهْل َيْن ُ
ل ) 43فاطر ( ،وقال في سورة حِوي ً لت ْ سّنِة ا ِّ جَد ِل ُ
ن َت ِ ل َوَل ْل َتْبِدي ً سّنِة ا ِِّل ُ
ل )(77 حِوي ً سّنِتَنا َت ْ
جُد ِل ُ
سِلَنا َوَل َت ِ ن ُر ُ ك ِم ْ سْلَنا َقْبَل َ
ن َقْد َأْر َسّنَة َم ْالسراء ) ُ
ن ل مناص لهم لينالهم ما نال سابقيهم ،من العذاب في الدنيا والخرة ،وأ ّ
ل بالعودة إليه والنابة له ،ولكن هيهات لمن قيل للنجاة من سخطه وغضبة ،إ ّ
سَوًة … شّد َق ْ جاَرِة َأْو َأ َحَ ي َكاْل ِ ك َفِه َ ن َبْعِد َذِل َت ُقُلوُبُكْم ِم ْ س ْ في أسلفهم ) ُثّم َق َ
ن ) 74البقرة ( . عّما َتْعَمُلو َ ل ِبَغاِفٍل َ َوَما ا ُّ
علّو بني إسرائيل في المرة الولى ،لم تتضح تفاصيله في سورة السراء ،
لكنها جلّية واضحة في مواضع أخرى من القران ،وسيأتي الحديث عنها في
حينه ،أما ما نحن بصدده الن ،هو توضيح مفهوم العلّو ،ولدينا مثالين هما
48
ن العلّو المقصود هنا ،هو علّوهم كأّمة فرعون وقومه وقارون وكنوزه ،وبما أ ّ
وليس كأفراد ،فالخيار يقع على علّو فرعون وقومه ،وهذه آيات تعرضت
ن ِفي َقْوِمِه عْو ُلبعض من مظاهر هذا العلو ومقوماته ،قال تعالى ) َوَناَدى ِفْر َ
ن) صُرو َ ل تُْب ِ حِتي َأَف َ ن َت ْ
جِري ِم ْ صَر َوَهِذِه الَْْنَهاُر َت ْ ك ِم ْس ِلي ُمْل ُ َقاَل َيا َقْوِم َأَلْي َ
ن
ظاِهِري َ ك اْلَيْوَم َ 51الزخرف ( وعلى لسان مؤمن آل فرعون ) َيا َقْوِم َلُكْم اْلُمْل ُ
لُه
ن َوَم َ عْو َت ِفْر َ ك آَتْي َ سى َرّبَنا ِإّن َ ض ) 29غافر ( ،وقال ) َوَقاَل ُمو َ ِفي اَْلْر ِ
حَر رَْهًوا ِإّنُهْم ك اْلَب ْ حَياِة الّدْنَيا ) 88يونس ( ،وقال ) َواْتُر ْ ِزيَنةً َوَأْمَوالً ِفي اْل َ
ع َوَمَقامٍ َكِريٍم ) ن )َ (25وُزُرو ٍ عُيو ٍ ت َو ُ جّنا ٍن َ ن )َ(24كْم َتَرُكوا ِم ْ جنٌد ُمْغَرُقو َ ُ
ن ) 27الدخان ( وبالقليل من التدبر في اليات َ (26وَنْعَمٍة َكاُنوا ِفيَها َفاِكِهي َ
السابقة .
ن مقومات علو فرعون ومله ،وهم علية القوم ،ويمثلهم في زماننا ، نجد أ ّ
رجال الحكم والقضاء والدولة ،ورجال السياسة والمال والقتصاد ،والوجهاء
ورؤوس الناس ،تتمثل فيما يلي :ملك مصر والسيادة على أهلها ،والقوة
والمنعة والظهور في الرض ،وامتلك الزينة والموال ،والجنات والعيون ،
والنهار الجارية ،والزرع والمقام الكريم ،والنعم المختلفة .
ش مفهوم العلو :هو مظهر من مظاهر الحياة ،بمعنى الستعلء والرتفاع
والتكّبر والتجّبر ،من خلل امتلك مقومات مادية ،كالرض والمال والقوة ،
مما ُيمّكن الظلمة والمفسدون من سيادة الناس وسياستهم ،والتحكم في تصريف
شؤونهم ،على وجه من الظلم والبغي .
أما مفهوم الفساد ؛ فهو يتمّثل في بعض ،ما قيل من آيات في فرعون وقومه ،
ن ) 83يونس ( ، سِرِفي َ ن اْلُم ْ ض َوِإّنهُ َلِم ْ ن َلَعاٍل ِفي الَْْر ِ عْو َ ن ِفْر َ قال تعالى ) َوِإ ّ
طائَِفًة ِمْنُهْمف َ ضِع ُ سَت ْ شَيًعا َي ْجَعَل َأْهَلَها ِ ض َو َل ِفي الَْْر ِ عَ ن َ عْو َ ن ِفْر َوقال ) ِإ ّ
ن ) 4القصص ( ،وقال ) سِدي َ ن اْلمُْف ِ ن ِم ْ ساَءُهْم ِإّنُه َكا َي ِن َحِ سَت ْح َأْبَناَءُهْم َوَي ْ ُيَذّب ُ
ن ) 46المؤمنون ( ،وقال ) عاِلي َ سَتْكَبُروا َوَكاُنوا َقْوًما َ ن َوَمَلِئِه َفا ْ عْو َِإَلى ِفْر َ
لَيَة ن ) 12النمل ( ،وقال ) َفَأَراُه ا ْ سِقي َن َوَقْوِمِه ِإّنُهْم َكاُنوا َقْوًما َفا ِ عْو َِإَلى ِفْر َ
شَر َفَناَدى )(23 ح َ سَعى )َ (22ف َ صى )ُ (21ثّم َأْدَبَر َي ْ ع َ ب َو َ اْلُكْبَرى )َ (20فَكّذ َ
ل َمان َيا َأّيَها اْلَم َُ عْو ُ عَلى ) 24النازعات ( ،وقال ) َوَقاَل ِفْر َ َفَقاَل َأَنا َرّبُكْم الَْ ْ
عوهُ ِإّنُهْمطا ُ ف َقْوَمُه َفَأ َ خ ّ سَت َ غْيِري ) 38القصص ( ) َفا ْ ن ِإَلٍه َ عِلْمتُ َلُكْم ِم ْ َ
49
ن َقْوَمُه َوَما َهَدى )79
عْو ُ
ضّل ِفْر َ
ن ) 54الزخرف ( ) َوَأ َ سِقي َ
َكاُنوا َقْوًما َفا ِ
طه ( .
ل أهل مصر فرقا وطوائف متنابذة ، ومظاهر إفساده تتمثل فيما يلي :جْع ُ
واستضعاف طائفة منهم ) بني إسرائيل ( ،بذبح أبنائهم واستحياء نسائهم ،
والسراف في كل أمره ،والستكبار والفسق ،وتكذيب الرسل ،ومعصية ال
وجحود آياته ،واّدعاء الربوبية واللوهية ،واستخفاف الناس وإضللهم .
ش مفهوم الفساد :استضعاف الناس وتفريقهم وتصنيفهم ،وإثارة الفتن فيما
بينهم ،والقتل وسفك الدماء ،وتكذيب الرسل ،وتكذيب آيات ال وجحودها ،
ومعصية ال ورسله ،واستخفاف عقول الناس وتضليلهم وإضللهم ،وإنكار
ربوبية ال ،وإنكار أحقيته في العبادة دون غيره .
وخلصة القول :هذا هو مفهوم العلو ،وهذا هو مفهوم الفساد ،الذي تتحدث
ي من المرتين ،يجب أن عنهما سورة السراء ،لذلك عند أي محاولة لتعيين أ ّ
تكون الحالة موضوع البحث ،مطابقة تماما لما كان عليه فرعون وَمَلئه ،
ن علو وإفساد بني إسرائيل ،صورة في مرآة لعلو وإفساد فرعون وَمَلِئه ، وكأ ّ
ي حالة ل أن نبحث ،في ماضي بني إسرائيل وحاضرهم ،عن أ ّ وما علينا إ ّ
ترافق فيها مثل هذا العلو ومثل هذا الفساد ،كما هو الحال بالنسبة لفرعون
وقومه .ولن نذهب بعيدا ،فإحداهما موصوفة في القران الكريم وبالتفصيل
أيضا .والخرى نشاهدها بأم أعيننا على أرض الواقع ،منذ أكثر من خمسين
عاما .
ض:
لْر ِ
ِفي ا َْ
قرن سبحانه وتعالى ،بين الفساد والعلّو لكلتا المرتين بالرض ،ولفظ
الرض هنا اسم جنس ،وجاءت كذلك لتشمل الجزء والكل والخاص والعام ،
عُلّوا َكِبيًرا ( ولمن ُ ن َوَلَتْعُل ّ
ض مَّرَتْي ِن ِفي الَْْر ِ سُد ّ
حيث قال في الية )َ ) (4لُتْف ِ
يحّدد مكانا بعينه ،وعاد سبحانه وحّدد موقع العقاب في المرتين ،حين قال في
خُلوُه َأّوَل َمّرٍة (
جَد َ ،كَما َد َ سِ خُلوا اْلَم ْ
جوَهُكْم َ ،وِلَيْد ُ سوُءوا ُو ُ
الية )ِ ) (7لَي ُ
حيث ربط ما بين العقاب والمسجد ،لنفهم من ذلك أن العقاب الموعود به بنو
إسرائيل والمقصود هنا ،سينفذ فيهم في المرتين ،خلل تواجدهم في فلسطين
) الرض المقدسة ( ،وُذكر المسجد للشارة إلى المكان .وهذا المسجد تم
50
صى اّلِذي
جِد اَْلْق َ
سِ
تعريفه ،في بداية سورة السراء ،في قوله تعالى ) اْلَم ْ
حْوَلُه ) (1وقوله الذي باركنا حوله ،أي ما يليه من الرض ،ولم يقل َباَرْكَنا َ
باركنا فيه ،أي لم ُتحصر البركة في المسجد فقط ،بل شملت ما حوله من
الرض .
حصر في المرتين ،وأن ذكر الفساد سبق ذكر والملحظ أن ذكر الفساد ُ
العلّو ،وأن العلو لم ُيحصر في المرتين ،بل ُأفرد ووصف بالكبير .وبما أن
التركيز هنا على المرة الثانية ،فذلك يوحي بأن الفساد في المرتين متطابق ،
وبأن تحصيلهم للعلو ،على القل في المرة الثانية ،سيتأتى عن طريق
الفساد ،وأن العلو الثاني أكبر من الول ،لذلك تأخر ذكر العلو وصفته ،عن
كلمة مرتين للختلف .ذلك لن إفساد بني إسرائيل الُمتأّتي عن العلّو ،اقتصر
على حدود دولتهم ،في فلسطين في المرة الولى ،وهذا ما ُيثبته القرآن
والتوراة .وأّما إفسادهم وعلّوهم الخير في فلسطين ،والذي نعيشه الن ،
سبقه ورافقه إفساد وعلو ،شمل مشارق الرض ومغاربها .وال أعلم .
ن العقاب سيحل بهم في الرض المقدسة ،يترتب على ذلك ،حتمية سبق وبما أ ّ
وقوع الفساد والعلّو فيها ،حتى ولو سبق منهم ،الفساد والعلو في الرض
على عمومها ،أو تزامن مع إفسادهم وعلوهم ،في الرض المقدسة ،لذلك
جاء الحديث مجمل في الية ) ، (4وهي الية الولى من قصة الفسادتين ،
فُذكر الفساد والعلو ،لشتراط وقوعهما في المرتين ،ولم يأتي بأي تفاصيل
ي من المرتين فيها . ل ّ
وخلصة القول :أن الرض التي سيتم فيها ،علو بني إسرائيل وإفسادهم ،
هي الرض على عمومها في المرة الثانية ،وفلسطين بشكل خاص في المرتين
.وأن عقابهم في المرتين ،سيكون في الرض المقدسة خاصة ،وزوال
علوهم في المرة الثانية ،من الرض على عمومها ،وال أعلم .
ن:
َمّرَتْي ِ
المرة ،هي الفعلة الواحدة ،من شيء ُيمكن تكراره ،والجمع ِمرار ،واعتدنا
أن نجمعها على مّرات .وقد أوضح سبحانه بما ل يدع مجال للشك ،أنهما
ح أن ُنضيف ثالثة ،ومن أفتى بثالثة ،فقد أفتى
مّرتان بصريح اللفظ .ول يص ّ
بغير علم .
51
وعندما تقول :مرة ،ومرتان ،وثلث مرات ،فأنت في الواقع َ ،تعّد فعلة
واحدة تتكّرر ،ولها صفة الستمرار ،كالعمرة والحج مثل ،لتقول اعتمرت
مرة ،ومرتان ،وثلث ،والعمرة لها شروط ومناسك خاصة بها ،تمّيزها عن
ح أن َتعّد أفعال مختلفة على أنها مّرات ،كأنغيرها كالحج مثل ،ول يص ّ
ج مرة ،اعتمرت مرتين أو حججت مرتين تقول مثل ،عندما تعتمر مرة ،وتح ّ
ح أن ُتسّمي فعلة غير مكتملة الشروط والمواصفات ،على أنها مرة ، .ول يص ّ
كعمرة بل طواف أو سعي .
ن المرتين تكرار لفعلة واحدة ،تمتلك نفس الشروط وخلصة القول :أ ّ
والمواصفات ،وبما أن إفساد بني إسرائيل في الرض ،بدأ منذ نشأتهم ،قبل
حوالي ) (3آلف سنة ،واستمر لغاية هذه اللحظة ،كان من الضروري لنا ،
أن نستنبط من هذه اليات شروطا ومواصفات ،تجعل من السهولة بما كان ،
تحديد المرتين وبدقة متناهية ،وتحديد موقعهما من حيث الزمان والمكان ،
وأول شرط من الشروط هو الفساد المقترن بالعلو ،والشرط الثاني أن يكون
في الرض المقّدسة دون غيرها .
لَل
سوا خِ َ
جا ُ
شِديٍد َف َ
س َ
عَباًدا َلَنا ُأوِلي َبْأ ٍ
عَلْيُكْم ِ
عُد ُأوَلُهَما َبَعْثَنا َ
جاَء َو ْ) َفِإَذا َ
عًدا َمْفُعوًل )(5 ن َو ْ
الّدَياِر َوَكا َ
لُهَما :
عُد ُأو َ
جاَء َو ْ
َفِإَذا َ
جاء أي مجيء الوقت المعين أو الموعد المحّدد ،والوعد أي الموعودين به من
العقاب والهلك ،والمعنى إجمال هو مجيء زمن الستحقاق ،لنفاذ الوعد
بالعقاب والهلك ،ومجيء الوعد متعّلق بتحقق الشروط الثلثة في الية
عًدا )59
جَعْلَنا ِلَمْهِلِكِهْم َمْو ِ
ضح هذا المعنى ،في قوله تعالى ) َو َ السابقة ،ويتو ّ
الكهف ( ،أي ربط الهلك بموعد معين ،ل يتأخر ول يتقّدم ،كما في قوله
ن)34سَتْقِدُمو َ
عًة َوَل َي ْسا َ ن َ خُرو َسَتْأ ِ
جُلُهْم َل َي ْ
جاَء َأ َ جٌل َفِإَذا َ
تعالى ) َوِلُكّل ُأّمٍة َأ َ
العراف ( .وسرعة مجيء موعد الهلك وإبطاءه ،تعتمد على درجة الظلم ،
ظَلُموا … ) 59الكهف ( ك اْلُقَرى َأْهَلْكَناهُْم َلّما َ وتجد ذلك في قوله تعالى ) َوِتْل َ
ن ) 59القصص ( ، ظاِلُمو َ ،وقوله ) … َوَما ُكّنا ُمْهِلِكي اْلُقَرى ِإلّ َوَأْهُلَها َ
والظلم المقصود هنا هو الظلم الممي ،مع توافر الصرار .إذ كلما زادت
52
درجة الظلم ،وزادت وتيرة اقترافه ،كلما أسرع إلى المم قدرها المحتوم ،
لتمضي فيها سنن ال ،التي ل تتحول ول تتبدل .
عَلْيُكْم :
َبَعْثَنا َ
سولً مِْنُهْم ) 2الجمعة ( ،وقال ) ُثمّ ن َر ُث ِفي اُْلّمّيي َ قال تعالى ) ُهَو اّلِذي َبَع َ
غَراًبا
ل ُ ث ا ُّ ن ) 56البقرة ( ،وقال ) َفَبَع َ شُكُرو َ ن َبْعِد َمْوِتُكْم َلَعّلُكْم َت ْ
َبَعْثَناُكْم ِم ْ
عَباًدا
عَلْيُكْم ِ عُد ُأوَلُهَما َبَعْثَنا َجاَء وَ ْض ) 31المائدة ( َ ) ،فِإَذا َ ث ِفي الَْْر ِ ح ُ َيْب َ
َلَنا ) 5السراء ( ،ومن خلل التدبر في اليات السابقة ،نجد أن المبعوث من
قبله سبحانه ،ليس له القدرة على بعث نفسه ،وذلك على حالين :
الولى :هي وجود الرادة اللهية وانعدام الرادة البشرية ،فالرسل عليهم
السلم بتلقي الرسالة عن طريق الوحي ،ينتقلون من حال الغفلة والسكون إلى
حال الهداية والدعوة ،والموتى ينتقلون بنفخ الروح فيهم من حال الموت إلى
حال الحياة .وفي هذه الحالة يكون التدخل اللهي ظاهرا ،بإحداث البعث عن
طريق إرسال الروح والوحي ،سواء كانت وسيلة البعث مادية أو معنوية .
والثانية :هي وجود كلتا الرادتين ،مع تعليق الرادة الثانية بالولى ،فالحياء
يملكون الرادة في بعث أنفسهم ،لتصريف أمورهم الدنيوية ،ولكّنها إرادة
معلقة بالمشيئة أو الرادة اللهية ،فما شاء ال كان ،وما لم يشأ لم يكن ،فإن
توافقت الرادة البشرية للقيام بأمر ما ،مع الرادة اللهية ،وقع ذلك المر وإن
ل َكا َ
ن ن ا َّ ل ِ ،إ ّ شاَء ا ُّن َي َ
ن ِ ،إّل َأ ْ
شاُءو َ لم تتوافق لم يقع ،قال تعالى ) َوَما َت َ
حِكيًما ) 30النسان ( .وفي هذه الحالة يكون التدخل اللهي غير عِليًما َ َ
ظاهر ،حيث أنه يتم عن طريق التمكين ،بإزالة المعوقات والمثّبطات وإيجاد
التسهيلت والمحّفزات ،سواء كانت الوسائل مادية أو معنوية .
وفي كلتا الحالين يكون البعث من عند ال ،ولذلك نسب سبحانه بعث أولئك
العباد إلى نفسه ،لن ال سُيمّكن لهم السباب والسبل عند خروجهم ،لتحقيق
وعده في بني إسرائيل .وأما هؤلء العباد فسيخرجون من تلقاء أنفسهم ،
ورغبة منهم في ذلك ،بدفع من أسبابهم الخاصة .
ن َكِرَه ا ُّ
ل عّدًة َ ،وَلِك ْ عّدوا َلُه ُج َل َ خُرو َونجد ذلك في قوله تعالى ) َوَلْو َأَراُدوا ال ُ
ن ) 46التوبة ( عِدي َطُهْم َ ،وِقيَل اْقُعُدوا َمَع اْلَقا ِ اْنِبَعاَثُهْم َفَثّب َ
53
أي لو أرادوا الخروج ،لعّدوا عدة الخروج ،ولكنهم لم ُيعّدوا العّدة ،لن
رغبة الخروج لديهم معدومة أصل .وبما أن إرادتهم معدومة ،كره ال
انبعاثهم ،فثّبطهم كي ل يخرجوا مكرهين حياءً أو رياًء ،خشية تأثيرهم السلبي
ن من ُوجد لديه الرادة والرغبة في على الخارجين .وفي المقابل ،فإ ّ
الخروج ،كان الولى بإزالة الُمثّبطات ،وإحاطته بالُمحّفزات لتمكينه من
النبعاث والخروج .
ش مفهوم البعث :هو انتقال ،أو انقلب ،أو تحول ،أو تغير من حالة إلى
أخرى ،نتيجة ُمسّبب خارجي ،مادي أو معنوي .
ن عملية البعث هنا ،معّلقة بالمشيئة اللهية ،وموعد البعث وخلصة القول :أ ّ
منوط بهذه المشيئة ،وأن هؤلء المبعوثين ولو تولدت فيهم الرادة ،ومهما
حاولوا النقضاض ،مرارا وتكرارا على بني إسرائيل ،للقضاء عليهم
وإفنائهم ،فلن يتمكنوا من ذلك ،حتى مجيء ذلك الموعد .
عَباًدا َلَنا :
ِ
معظم الناس هذه اليام ،يعتقدون اعتقادا جازما ل شك فيه ،بأن هؤلء العباد
الُمشار إليهم ،في هذه العبارة ،هم عباد مؤمنين ،بل من أولياء ال المخلصين
.ولبيان خطأ هذا المعتقد ،سنناقش هذا المر من عدة وجوه ،وبما أن هذه
العبارة ،أحد أهم مرتكزات الفهم الخاطئ ،للنبوءة التي جاءت بها آيات سورة
السراء ،سنتاولها بالشرح والتفصيل ،بما يتناسب مع حجم المساحة ،التي
احتلتها في أذهان الناس :
أول :رأي المفسرين القدماء
هذه العبارة ،لم يكن فهم معناها ومغزاها ،مشكلة للمفسرين القدماء ،وهم
الكثر قربا وفهما ،للفاظ العربية وتركيباتها اللغوية ،ولو طالعت تفسيراتهم
للعبارة ،وآرائهم في أصحاب البعث الول والثاني ،التي أجملناها في الفصل
ن أّنهم ،
السابق ،لوجدت أّنهم بل استثناء ،لم يعيروها أدنى انتباه ،وبما أ ّ
ن تحقق الوعدين ،قد تّم قبل السلم ،فهم على القل ،لم يثبتوا لهم جزموا بأ ّ
صفة اليمان ،حيث أن بني إسرائيل آنذاك ،كانوا من أهل الكتاب ،وكل من
حولهم كانوا من عبدة الوثان .بل على العكس من ذلك ،نجد أنهم بل
استثناء ،كانوا قد أثبتوا لهم صفة الكفر .
54
ثانيا :كلمة عباد نكرة ،وإضافتها للجار والمجرور ،لم تعّرفها ،وبالتالي لم
توضح ماهية المعتقد
وردت هذه عبارة ) عبادا لنا ( في القرآن مرة واحدة فقط ،ولو أمعّنا النظر
في تركيبتها ،لوجدنا أّنه سبحانه نّكر هؤلء العباد ،ولم ينسبهم إلى نفسه حتى
بضمير متصل ،كأن يقول عبادنا ،وأضافها إلى الجاّر والمجرور ) لنا ( ،
ن تنكيرهم ،كان غاية بحّد ذاته ،والضافة للجاّر والمجرور ،جاءت لنفهم أ ّ
هنا لتفيد ملكية ال لهم فقط ،وليس لها علقة ببيان ماهية المعتقد .وذلك ليعلم
بني إسرائيل ،أن هذا البعث من عند ال ،وبتمكين منه سبحانه ،فكل ما
يجري على الرض بخيره وشّره ،ل يكون إل بمشيئة ال جل وعل وتقدير
منه .
ثالثا :الفرق بين العبودية والعبادة
لنعلم أن أصل العبودية الخضوع والذل ،كرها أكثر منها طواعية ،وأصل
العبادة الطاعة والولء ،طواعية ورغبة ل كراهية فيها .
وتجب العبودية ل على الخلئق ،بدافع الربوبية أي الُملكية ،بأحقية الخلق
واليجاد ،واقرأ سورة الملك إن شئت فهبي تفصل المر ،ونجدها في قوله
يٍء ) 164النعام ( أي صاحب ش ْب ُكّل َل َأْبِغي َرّبا َوُهَو َر ّ غْيَر ا ِّتعالى ) ُقْل َأ َ
ت َوالَْْرضِ َوَما َبْيَنُهَما ) 17المائدة ( أي سَمَوا ِ ك ال ّل ُمْل ُكل شيء ،وقوله ) َو ِّ
يٍء ) 102النعام ( مما يعقل ش ْق ُكّل َ
خاِل ُمالك للسموات والرض ،وقوله ) َ
ول يعقل ،والخلق هو الموجب لحقوق الربوبية والملكية ،ولذلك قال جل شأنه
عْبًدا ) 93مريم ( من ن َ ض ِإلّ آِتي الّرحَْم ِت َوالَْْر ِ سَمَوا ِ ن ِفي ال ّ ن ُكّل َم ْ
) ِإ ْ
الملئكة حتى الذّرة من التراب ،رغما عن أنوفهم ل خيار لهم ،بأحقية ما
سبق من خلقه إياهم .
ق بدافع الشراء أو ما شابه ،التي توجب ويندرج تحت العبودية ،عبودية الر ّ
الملكية وحق التصرف بكل شؤون العبد ،ومن هنا جاءت تسمية الرقيق
سوُل َقاَل جاَءُه الّر ُك اْئُتوِني ِبِه َفَلّما َ بالعبد ،كما في قوله تعالى ) َوَقاَل اْلَمِل ُ
ن َرّبي بَِكْيِدِه ّ
ن ن ِإ ّن َأْيِدَيُه ّ
لِتي َقطّْع َ
سَوِة ال ّ سَأْلُه َما َباُل الّن ْك َفا ْجْع ِإَلى َرّب َاْر ِ
ب الرسول أي صاحبه عِليٌم ) 50يوسف ( والملك هو ملك مصر ،وهو ر ّ َ
55
خْمًرا ( ، صُر َ ع ِ وسّيده ،والرسول هو نفس الفتى الذي ،قال ِ ) :إّني َأَراِني َأ ْ
وربوبية الَمِلك لهذا الفتى جاءت بدافع ملكية الملك للفتى .
أما العبادة ،فهي تقديم فروض الطاعة والتقديس والولء ،لله أو للهة ،ول
جبرية فيها فالخيار للمخلوق ،فهو يعبد ما يشاء ،واللهة التي اتخذها الناس
ن
ن ُدو ِحَباَرُهْم َوُرْهَباَنُهْم َأْرَباًبا ِم ْخُذوا َأ ْللعبادة كثيرة ومتنوعة ،قال تعالى ) اّت َ
حًدا َ ،ل ِإَلَه ِإّل ُهَو ، ن َمْرَيَم َوَما ُأِمُروا ِإّل ِ ،لَيْعُبُدوا ِإَلًها َوا ِ
ح اْب َ
سي َل َواْلَم ِا ِّ
ن والنس فهي ن ) 31التوبة ( ،أما الغاية من خلق الج ّ شِرُكو َعّما ُي ْحاَنُه َ سْب َ
ُ
ن ) 56الذاريات ( س ِإّل ِلَيْعُبُدو ِ
ن َواِْلن َ جّ ت اْل ِ
خَلْق ُ
عبادة ال ،لقوله تعالى ) َوَما َ
.
وكلّ الناس يمارسون طقوسا العبادة ،سواء كانوا من أهل الكتب السماوية أو
وثنيون أو ملحدون ،أما المؤمنون بال فهم من ُنسبت عبادتهم ل ،وليس من
حُ
ن صْبغًَة َوَن ْ
ل ِ ن ا ِّن ِم َسُ ح َن َأ ْ
ل َوَم ْصْبَغَة ا ُِّنسبوا بذواتهم فقط ،قال تعالى ) ِ
ن ) 138البقرة ( . عاِبُدو َ َلُه َ
ونجد أنه سبحانه ،يدعو إلى القرار بالربوبية ووحدانية اللوهية ،بأحقية
الخلق لكل شيء أول ،ومن ثم يأمر بالخضوع له ،وإفراده سبحانه بالعبادة
يٍء ،ش ْق ُكّل َ خاِل ُل َرّبُكْم ،لَ ِإَلَه ِإّل ُهَو َ ، والتكال عليه ،في قوله ) َذِلُكْم ا ُّ
يٍء َوِكيٌل ) 102النعام ( .فل تستقيم العبادة إل ش ْ عَلى ُكّل َ عُبُدوُه َ ،وُهَو َ َفا ْ
بإقرار الربوبية ل أول ،ول يستقيم الحال بإقرار الربوبية ل وحدها دون القيام
بمقتضيات العبادة .وهذا ما كان عليه كفار قريش ،حيث أنهم أقّروا بربوبية
ن
خَلقَُهْم َلَيُقوُل ّ
ن َ سَأْلَتُهْم َم ْ
ن َ ال لهم ،ولكنهم أشركوا بالعبادة ،قال تعالى ) َوَلِئ ْ
ن ) 87الزخرف ( ،بينما عبادتهم للصنام قالوا فيها ) … َما ل َفَأّنى ُيْؤَفُكو َ ا ُّ
ل ُزْلَفى … ) 3الزمر ( . َنْعُبُدهُْم ِإّل ِلُيَقّرُبوَنا ِإَلى ا ِّ
عاض ِاْئِتَيا طَْو ً
لْر ِ ن َفَقاَل َلَها َوِل َْخا ٌي ُد َ سَماِء َوِه َسَتَوى ِإَلى ال ّ قال تعالى ) ُثّم ا ْ
صلت ( ،طوعا من قبيل العبادة ،ولو لم تأتيا ن )ُ 11ف ّ طاِئِعي َ
َأْو َكْرًها َقاَلَتا َأَتْيَنا َ
ح َلُه
سّب ُطوعا ،لكان ذلك كرها من قبيل العبودية ،حيث قال تعالى ) ُت َ
ن
حْمِدِه َ ،وَلِك ْ ح ِب َ
سّب ُ
يٍء ِإّل ُي َش ْ ن َ ن ِم ْن َ ،وِإ ْن ِفيِه ّض َوَم ْ سْبُع َواَْلْر ُ ت ال ّ سمََوا ُال ّ
غُفوًرا ) 44السراء ( . حِليًما َن َ حُهْم ِ ،إّنُه َكا َسِبي َ ن َت َْل َتفَْقُهو َ
56
ومن ذلك ُيسّمى من يرزح تحت العبودية كرها عبدا ،فل خيار في أل يكون ،
فهو مرغم ،وُيسمى من يقوم بواجبات العبادة طواعية عابدا ،فالخيار في أن
يكون أو ل يكون ،عائد إليه ،وأشّد الكفر ،هو ما ُأنكر فيه العبودية والعبادة
عَبَد ( .
ل معا ،وشتان ما بين المسّميين ،مع أن أصليهما واحد ،وهو كلمة ) َ
رابعا :الفراد والجمع
عْبد ( ،والعبد لغة نقيض اُلحّر ، عباد وعبيد كلمتان مترادفتان ،ومفردهما ) َ
ي ) عباد ( و ) عبيد ( هي صيغة الجمع من كلمة ) عبد ( ،وذلك بدللة فكلمت ّ
عْنِدَنا
ن ِ حَمًة ِم ْ
عَباِدَنا َءاَتْيَناُه َر ْ
ن ِ
عْبًدا ِم ْجَدا َ
النص القرآني في قوله تعالى ) َفَو َ
عْلًما ) 65الكهف ( ،ولو قال ) عابدا من عبادا ( لختلف ن َلُدّنا ِ
عّلمَْناُه ِم ْ
َو َ
شُكوًرا )3 عْبًدا َ
ن َح ِإّنُه َكا َ حَمْلَنا َمعَ ُنو ٍ
ن َالمر ،وتدبّر قوله تعالى ) ُذّرّيَة َم ْ
السراء ( ،نجد أنه سبحانه ُيخبر أن نوح عليه السلم ،كان عبدا أول من
العبودية ،وعابدا بالشكر ل ثانيا من العبادة .
أما كلمة ) عابد ( ،وهو القائم بالعبادة ،فصيغة الجمع منها هي ) عابدون ( ،
عُبُد )ن َما َأ ْ
عاِبُدو َ
عَبْدُتْم )َ (4وَل َأْنُتْم َ عاِبٌد َما َوذلك بدللة قوله تعالى ) َوَل َأَنا َ
5الكافرون (
خامسا :ترادف كلمتي عباد وعبيد في المعنى والستخدام .
وقد أطلق سبحانه لفظ عباد على العبيد بمعنى رقيق ،ونجد ذلك في قوله تعالى
عَباِدُكْم َوِإَماِئُكْم ) 32النور ( ،نجد أن ن ِن ِم ْ حي َصاِل ِ
حوا الََْياَمى ِمْنُكْم َوال ّ ) َوَأنِك ُ
الضمير المتصل ) كم ( في كلمة ) عبادكم ( يعود على المؤمنين المخاطبين
بالنص ،ومما ل ُيعقل ،أو من المستحيل أن نقول بأن كلمة ) عباد ( جاءت
لغة من العبادة ،فهي ل تحمل هذا المعنى على الطلق ،ولو بدللة هذه الية
فقط .
ظْلًما ِلْلِعَباِد )31
ل ُيِريُد ُ
وأما الترادف في الستخدام ،فقد جاء في قوله ) َوَما ا ُّ
ن
لٍم ِلْلَعِبيِد ) 46فصلت ( وقوله ) َقاَل اّلِذي َ ظّ ك ِب َ
غافر ( وقوله ) َوَما َرّب َ
ن اْلِعَبادِ ) 48غافر ( ،نجد أن المعنى حَكَم َبْي َ
ل َقْد َن ا َّسَتْكَبُروا ِإّنا ُكّل ِفيَها ِإ ّ
ا ْ
المستفاد من عباد وعبيد ،هو جملة خلق ال ،مؤمنهم وكافرهم على السواء .
57
سادسا :كلمة عباد نكرة ،ول ُيعّرفها إل ما يأتي بعدها من سياق .
تشمل العبودية ،كل من في السماوات والرض ،وما بينهما من الخلئق ،
وتشمل العبادة ،كل من يملك العقل والرادة من خلقه ،ومنهم على سبيل
المثال الملئكة والنس والجن ،وهم المطالبون والمكلفون ،بإفراده جل وعل
باللوهية والعبادة ،والمحاسبون عليها ،فإن جاءت كلمتي عباد أو عبيد ،
معّرفة أو غير معّرفة بأل التعريف ،أو بالضافة ،فهي تفيد جملة الخلق ،
ن اْلِعَباِد ) 48غافر ( .ول تفيد أي معنى آخر حَكَم َبْي َ
ل َقْد َ ن ا َّكقوله تعالى ) ِإ ّ
ل إذا ُأضيف إليها ما يفيد ذلك : على الطلق ،إ ّ
ن ) 81الصافات ( لُيبرز فيهم سبحانه عَباِدَنا اْلُمْؤِمِني َ
ن ِ كقوله تعالى ) ِإّنُه ِم ْ
ث على اليمان به .أو دل السياق صفة اليمان ،فهم عباده المؤمنين ،وفيها ح ّ
على غير ذلك ،من نفي أو إثبات لصفة دون غيرها ،لتناسب الموقف ،كقوله
عَباِدِه اْلُعَلَماُء ) 28فاطر ( لُيبرز فيهم صفة العلم ، ن ِ ل ِم ْ شى ا َّ خ َتعالى ) ِإّنَما َي ْ
ث علىوحصر خشية ال بمن يتصف بالعلم ،فهم عباده العلماء ،وفيها ح ّ
سِبيَل )17
ضّلوا ال ّ
عَباِدي َهُؤَلِء َأْم ُهْم َضَلْلُتْم ِطلب العلم ،وقوله ) َأَأْنُتْم َأ ْ
الفرقان ( دل السياق على ضللهم ،فهم عباده الضالين ،وفيها تحذير من
سِهْم ) 53الزمر ( دل عَلى َأْنُف ِ
سَرُفوا َ
ن َأ ْ
عَباِدي اّلِذي َ الضلل ،وقوله ) ُقْل َيا ِ
السياق على إسرافهم ،فهم عباده المسرفين ،وفيها تنفير من السراف ،وكّلهم
نسبهم ال إلى نفسه ،بإضافة ضمير متصل يعود عليه سبحانه .
سابعا :التركيب اللغوي للعبارة ،جيء به لتخصيص جزء من كل بصفة معينة
،وهي المراد إبرازها أصل .
ت لنا ( ،يفهم
ولتوضيح ذلك ،لحظ الفرق بين أن تقول ) هذا بيتنا ( وذاك ) بي ٌ
ن هذا البيت ُملك لكم وخاصُتكم وأّنكم ُمقيمون المستمع من العبارة الولى ؛ أ ّ
ن ذلك البيت ُ ،ملك لكم ،وأّنكم غير فيه ،وأّما الثانية ؛ فيفهم منها المستمع أ ّ
جرا .ومن هنا نجد أن عبارة ) بيت لنا ( مقيمين فيه ،وربما يكون فارغا أو مؤ ّ
ن بيتكم هذا ،هو واحد من جملة بيوت تملكونها ،ول تعني شيئا أخر ،تعني أ ّ
على الطلق ،وأّنك زدته تنكيرا بمثل هذا اللفظ .وأنك لو قلت ) ذاك بيت لنا
ذو غرف كثيرة ( ،نفهم أنك أبرزت فيه صفة معينة ،اختص بها دون غيره ،
من البيوت التي تملكونها ،وهي احتوائه على غرف كثيرة ،ومّيزته عن باقي
58
بيوتكم ،التي في معظمها ذات غرف قليلة .وكذلك المر بالنسبة لعبارة
) عبادا لنا ( ،التي جاءت منّكرة أيضا لبراز صفتهم ) ،أولي بأس شديد ( ،
التي يتميزون بها عن غيرهم ،من جملة عباد ال مؤمنهم وكافرهم ،ولم يأتي
السياق بتصريح أو تلميح عن ماهية معتقدهم .
ولتوضيح ذلك أكثر فأكثر ،نطرح هذا المثال ،فيه أربعة أقوال لرجل ُ ،يجيب
رجل آخرا ،يريد عمال لمزرعته :
-1سأرسل لك ) أولدي ( غدا ،للعمل في مزرعتك .
-2سأرسل لك ) أولدا لي ( غدا ،للعمل في مزرعتك .
-3سأرسل لك ) أولدي ،أولي المهارة والخبرة في الفلحة ( غدا ،للعمل
في مزرعتك .
-4سأرسل لك ) أولدا لي ،أولي مهارة وخبرة في الفلحة ( غدا ،للعمل
في مزرعتك .
فما المعنى الذي أفادته كل عبارة أعله ؟
-1أنه سيرسل جميع أولده ،مع عدم توضيحه لصفتهم أو ماهيتهم .
-2أنه سيرسل بعضا من أولده ،مع عدم توضيحه لصفتهم أو ماهيتهم
أيضا .
-3أنه سيرسل جميع أولده ،وأن جميع أولده لديهم مهارة وخبرة في
الفلحة .
-4أنه سيرسل بعضا من أولده ،وأن هذا البعض من أولده فقط ،هو الذي
يملك المهارة والخبرة في الفلحة ،أما البقية فل .
وأخيرا تدبّر هذه اليات :
ضا ) 118النساء ( ) أي أن من جملة صيًبا َمْفُرو ً ك َن ِ
عَباِد َ
ن ِ ن ِم ْ
خَذ ّ
) َوَقاَل َلّت ِ
العباد المنسوبين إلى ال هناك نصيب لبليس (
ن ) 42الحجر ( ن اْلَغاِوي َ
ك ِم َ
ن اّتَبَع َ
ن ِإّل َم ِ
طا ٌ
سْل َ
عَلْيِهْم ُ
ك َ س َل َعَباِدي َلْي َن ِ ) ِإ ّ
) أي أن سلطان إبليس محصور فقط على أتباعه من الغاوين ،الذين هم من
جملة العباد المنسوبين إلى ال (
59
ن ُكْنُتمْجيُبوا لَُكْم ِإ ْ سَت ِعوُهْم َفْلَي ْ عَباٌد َأْمَثاُلُكْم َفاْد ُ
ل ِ ن ا ِّ ن ُدو ِ ن ِم ْ عو َ ن َتْد ُن اّلِذي َ ) ِإ ّ
ن ) 194العراف ( ) أي أنتم وهم ،أي العابد والمعبود ،سواء في صاِدِقي َ َ
كونكم عباد (
ن َءاَمُنوا ) 31إبراهيم ( ) أي أن الخطاب لعبادي الذين ي اّلِذي َ ) ُقْل ِلِعَباِد َ
آمنوا ،دون عبادي الذين كفروا (
ن َتِقّيا ) 63مريم ( ) أي وأن النار ن َكا َ عَباِدَنا َم ْ ن ِ ث ِم ْ جّنُة اّلِتي ُنوِر ُ ك اْل َ) ِتْل َ
لمن لم يكن تقيا من عبادنا (
خْيُر
ت َ حْمَنا َوَأْن َ غِفْر َلَنا َواْر َ ن َرّبَنا َءاَمّنا َفا ْ عَباِدي َيُقوُلو َ ن ِ ق ِم ْن َفِري ٌ ) ِإّنُه َكا َ
ن ) 109المؤمنون ( ) أي وكان هناك فريق من عبادي ،يقولون غير حِمي َ الّرا ِ
ذلك (
عَباِدِه
ت ِفي ِ خَل ْسّنَة اللِّه اّلِتي َقْد َ سَنا ُ ك َيْنَفُعُهْم ِإيَماُنُهْم َلّما َرَأْوا َبْأ َ ) َفَلْم َي ُ
ن ) 85غافر ( ) أي في مجمل عباده ،والخاسرون ك اْلَكاِفُرو َ سَر ُهَناِل َ خ َِو َ
منهم ،هم الكافرون دون المؤمنين (
سَتِقيٍم )52 ط ُم ْ صَرا ٍك َلَتْهِدي ِإَلى ِ عَباِدَنا َوِإّن َ ن ِ شاُء ِم ْ ن َن َ) َنْهِدي ِبِه َم ْ
الشورى ( ) أي وهناك من لم نهدي من عبادنا (
عْبًدا ) 93مريم ( ن َ حَم ِض ِإلّ َءاِتي الّر ْ ت َواَْلْر ِ سَمَوا ِ ن ِفي ال ّ ن ُكّل َم ْ ) ِإ ْ
) مؤمنهم وكافرهم بل استثناء (
وفي الحديث الصحيح الطويل ،الذي رواه مسلم وأخرجه الترمذي وأبو داود
سى ِ ،إّني َقْد عي َل ِإَلى ِ حى ا ُّ وابن ماجة وأحمد ،جاء ما جاء نصه " … ِإْذ َأْو َ
طوِر ) جبال عَباِدي ِإَلى ال ّ حّرْز ِ حٍد ِبِقَتاِلِهْم َ ،ف َ ن َِل َ عَباًدا ِلي َ ،ل َيَدا ِ ت ِ ج ُ خَر ْ َأ ْ
ن … " يرد سُلو َ ب َيْن ِحَد ٍ ن ُكّل َ ج َ ،وُهْم مِ ْ جو َ ج َوَمْأ ُ جو َ ل َيْأ ُث ا ُّ القدس ( َ ،وَيْبَع ُ
نفس التركيب اللغوي لعبارة ) عبادا لنا ( ،وهو )عبادا لي ( والمقصودين به
ن ِ ،إ ّ
ن هم قبيلتي يأجوج ومأجوج ،الذين قال فيهم سبحانه ) َقاُلوا َياَذا اْلَقْرَنْي ِ
جَعَل ن َت ْ
عَلى َأ ْ جا َ ، خْر ًك َ جَعُل َل َ
ض َ ،فَهْل َن ْ ن ِفي الَْْر ِ سُدو َ ج ُ ،مْف ِ جو َ ج َوَمْأ ُجو َ َيْأ ُ
سّدا ) 94الكهف ( . َبْيَنَنا َوَبْيَنُهْم َ
وخلصة القول :أن كلمة ) عبادا ( ،جاءت نكرة ،و كلمة ) لنا ( لم تعّرفها ،
وإنما جاءت هنا لتأكيد الملكية فقط ،وكل الخلق ملك ل ،ليؤكد سبحانه لبني
إسرائيل ،أن هذا البعث سيكون من عنده ،وبما أن هؤلء العباد ملكه ،فهم
60
رهن إشارته وطوع بنانه ،ويملك حق التصرف بشؤونهم ،فإن شاء بعث وإن
شاء أمسك .وأكثر المعاني دقة لهذه العبارة ) عبادا لنا ( ،هو أنهم ) طائفة
من خلقنا ( ل أكثر من ذلك ول أقل ،وأهم ما يمّيز هؤلء الخلق عن غيرهم ،
أنهم ) أولي بأس شديد ( فقط ل غير .
وأن ورود لفظ ) عباد ( في القرآن ،لم يقتصر على أولياء ال وأحباؤه ،وإنما
جاء هذا اللفظ في الخطاب القرآني ،مّنا على العباد بنعمة خلقه إياهم ،ورفقه
ولطفه بهم ،مطيعهم وعاصيهم ،والكلمات ) عبادي ،عبادنا ،وعباده ( عادة
ما تأتي كتهيئة ،لما سيأتي بعدها ،من صفة مميزة ،أو سياق يدل على صفة ،
وهي المراد إبرازها أصل ،فإن كانت صفة محمودة ،كاليمان والعلم فقد
ُأبرزت تحببا بها ،وإن كانت صفة مذمومة ،كالضلل والسراف ،فقد
ُأبرزت تنفيرا منها .
وأما صفة البأس الشديد ،فقد ُأبرزت تهديدا وتحذيرا وتخويفا لبني إسرائيل ،
من سوء عاقبتهم ،بوقوعهم بين أيدي مثل أولئك الخلق ،الذين لن يرقبوا فيهم
ل ول ذمة ،لعلهم ينتهون ويرجعون ويرتدعون ،عّما هم عليه من فساد إّ
وإفساد واستعلء في الرض .
شِديٍد :
س َ
ُأوِلي َبْأ ٍ
وصف ال هؤلء العباد ،بأولي البأس الشديد ،والبأس كما قدمه معظم
المفسرون ،هو القوة والبطش في الحروب ،والشّدة جاءت زيادة في المبالغة ،
س ) 25الحديد ( ، شِديٌد َوَمَناِفُع ِللّنا ِس َحِديَد ِفيِه َبْأ ٌقال تعالى ) َوَأْنَزْلَنا اْل َ
فانظر وتفكر في معدن الحديد ،فهو يحمل في جوهره صفتان ،قلما تجدهما
ل :أّنه يحافظ على طبيعته ،مهما عظم عليه الطرق في معدن أخر .وهما ؛ أو ّ
واشتّد ،ول يحترق أي يتحول إلى مادة أخرى ،مهما ازدادت شدة النيران
عليه ،وإن انصهر عاد إلى سابق عهده عند البرودة ،وهذه الصفة إن وجدت
في البشر ،فهي الجلد والصبر عند وقوع البلء .وثانيا :أّنه عند تشكيله
ل الحديد " ،وهذه وشحذه ،فهو قوي قاتل وقاطع ،لذلك قيل " ل يفل الحديد إ ّ
الصفة إن وجدت في البشر ،فهي القوة والبطش عند مواجهة العداء .
ل ) 84النساء ( نجد أّنه سبحانه قد شّد َتنِكي ً
سا َوَأ َ
شّد َبْأ ً
ل َأ َ
وفي قوله تعالى ) َوا ُّ
ن البأس الشديد تعني القوة والبطش ،فأين وصف نفسه بذات الصفة ،وبما أ ّ
61
تستعمل هذه القوة وهذا البطش من قبله سبحانه ؟ وفي أي المواقع والمواقف
يصف رب العزة نفسه بهاتين الصفتين ؛ القوة والبطش ؟ دعنا نتتبع هذه
شِديٌد )12ك َل َ
ش َرّب َ ط َ ن َب ْالصفات والعلقة ما بينها ،في اليات التالية ) ِإ ّ
ن ) 16الدخان ( نجد أ ّ
ن شَة اْلُكْبَرى ِإّنا ُمنَتِقُمو َ
ط َ
ش اْلَب ْ
ط ُ البروج ( ) َيْوَم َنْب ِ
الشدة ارتبطت بالبطش ،والبطش بالنتقام .
عِزيٌز ) 40الحج ( ) ي َ ل َلَقِو ّن ا َّب ) 52النفال ( ) ِإ ّ شِديُد اْلِعَقا ِ ي َ ل َقِو ّ ن ا َّ) ِإ ّ
خَذ اْلُقَرى َوِهيَك ِإَذا َأ َ
خُذ َرّب َ
ك َأ ْ
عِزيٍز ُمْقَتِدٍر ) 42القمر ( ) َوَكَذلِ َ خَذ َ خْذَناُهْم َأ ْ
َفَأ َ
عِزيٌز ُذو اْنِتَقاٍم
ل َشِديٌد َوا ُّ ب َ عَذا ٌشِديٌد ) 102هود ( ) َلُهْم َ خَذُه َأِليٌم َ ن َأ ْظاِلَمٌة ِإ ّ
َ
ن الشدة ارتبطت بالقوة ،والقوة بالعزة ،والعزة ) 4آل عمران ( ،ونجد أ ّ
بالخذ ،والخذ بالشدة ،والشدة بالعزة ،والعزة بالنتقام .
ومما تقدم نجد أن الموقف ،الذي يستدعيه جل وعل لظهار بأسه الشديد ،هو
موقف النتقام ،وأن النتقام ل يتأتى إل ممن هو قوي وعزيز .
ن هؤلء العباد ،المبعوثين من قبله سبحانه على بني وخلصة القول :أ ّ
إسرائيل ،اختارهم ال لتنفيذ مهمة ،وهي إنزال أبشع انتقام إلهي ممكن في بني
إسرائيل ،لذلك تطلب المر أن يكونوا أولي بأس شديد ،ويتمتعون بالقوة
والعزة ،ذوي صبر وجلد عند وقوع البلء ،وقوة وبطش عند اللقاء ،بغض
النظر عن إيمانهم أو كفرهم ،زيادة في التنكيل وإمعانا في الذلل لبني
إسرائيل ،وما عدا ذلك من صفات العباد ،ل تصلح لتنفيذ هذه المهمة .
والفتوحات التي اتخذت الطابع السلمي قديما وحديثا ،لم تحمل الطابع
النتقامي بإهلك الحرث والنسل ،الذي سيكون عليه المر الذي تصفة
اليات .
ل الّدَياِر :
لَ
خَسوا ِ
جا ُ
َف َ
لم ترد كلمة ) جاسوا ( ،أو أي من مشتقات مصدرها ) جوس ( في مجمل
ل مرة واحدة فقط في هذا الموضع ،لذلك لجأت إلى معجم لسان القرآن ،إ ّ
العرب ،وهذا مما قيل فيها " :الجوس هو مصدر جاس جوسا ،وجوسان
تردد ،فجاسوا خلل الديار :ترددوا بينها للغارة والجوسان ؛ أي قتلوكم بين
بيوتكم ؛ بمعنى يذهبون ويجيئون ؛ فطافوا خلل الديار ينظرون هل بقي أحد لم
يقتلوه ؛ تخللوها فطلبوا ما فيها ،والجوسان :الطوفان بالليل ،ورجل جّواس
62
أي يجوس كل شيء يدوسه ،والجوس :طلب الشيء باستقصاء ،وكل موضع
خالطته ووطئته ،فقد جسته " .
ولو جمعنا كل ما قيل فيها من معاني ،وأعدنا تشكيل هذه المعاني وصياغتها ،
لخرجنا بالمشهد التالي :
) أغاروا عليكم – ليل على الرجح – ودخلوا دياركم ،ووطئوا أرضكم
ليقتلوكم وينّكلوا بكم ،وترّددوا فيها ذهابا وإيابا ،وطافوا خللها شرقا وغربا ،
وتخّللوا أزقتكم واقتحموا بيوتكم ،بحثا وتقصّيا ،لعّلهم يجدوا منهم ،من بقي
حيا ليقتلوه ( .
ن ال جّلت قدرته ،أوجز في وصف فعل هؤلء العباد أّيما إيجاز ، نلحظ هنا أ ّ
ليصف كل ما فعلوه في كلمة واحدة فقط ،هي كلمة ) جاسوا ( لتصف مشهدا
ل لتوضيح ما كان قد جيس .وهذا كامل ،ولم تكن الضافة ) خلل الديار ( إ ّ
ججُيشبه مشهد الغارات الوحشية ،التي كان يقوم بها ،المريكي المد ّ
بالسلح الناري ،على قرى الهنود الحمر شبه الُعّزل ،وما ُيخلفه وراءه من
دمار ومآسي ،مشهد طالما حفلت به أفلم الغرب المريكي .
والعبارة جاءت لتصف ما قام به عباد البعث الول عند بعثهم ،قال تعالى
) فجاسوا ( بصيغة الماضي ،أي أن الجوس ،قد وقع في الماضي ،ولم يقل
) ليجوسوا ( بصيغة الستقبال ،كما هو الحال في أفعال البعث الثاني ،التي
ستقع في المستقبل .
وخلصة القول :أن هذا الجوس قد وقع في الماضي ،وكان غاية في
حُرماتهم جميعها ،من أرض ومال البشاعة ،واستباح فيه هؤلء العباد ُ
وعرض ،فوقع فيهم القتل والنهب والسبي .
ل:
عًدا َمْفُعو ً
ن َو ْ
َوَكا َ
هذا الخبر جاء كتعقيب على الوعد الول ،ليؤكد سبحانه تحقق المرة الولى ،
بعلوها وإفسادها وبعثها ،قبل نزول هذه اليات .حيث جاءت صيغة اسم
ل ( ،للدللة على تمام الفعل ،بمعنى وكان
المفعول ) َمْفُعول ( من الفعل ) َفَع َ
ل ( فيما مضى من الزمان .ولم تأتي بأي حال من الحوال بمعنى وعدا ) قد ُفِع ْ
) مقضيا ( ،كما قّدمه معظم المفسرين القدماء ،ومنهم القرطبي أجّله ال ،
63
حيث قال فيها " وكان وعدا مفعول ،أي قضاء كائنا ل خلف فيه " ،على
اعتبار أن نفاذ الوعدين كان قبل السلم .
وقد جاءت هذه العبارة ،كجملة معترضة ،بحيث لو قمت بإسقاطها من السياق
،ومن ثم قرأت اليتين ) 4و ، ( 5كما يلي … ) :بعثنا عليكم عبادا لنا أولي
بأس شديد ،فجاسوا خلل الديار .ثم رددنا لكم الكرة عليهم ،وأمددناكم … (
لوجدت أن السياق لم يتأثر بحذفها ،فخبر نفاذ الوعد الول ،انتهى عند ذكر
الجوس ،أي أن الجوس قد وقع بعد البعث .وجاء التعقيب على الوعد ،
بالجملة المعترضة ) وكان وعدا مفعول ( لبيان وتأكيد ،أن الوعد بالبعث الذي
تقّدم ِذكره ،قد تحّقق فعل ،وكانت نتيجته هي الجوس ،ومن ثم يبدأ النص
بالخبار عن الوعد الثاني .
ن ِفي حِر ِ ،إْذ َيْعُدو َضَرَة اْلَب ْ
حا ِ ت َن اْلَقْرَيِة اّلِتي َكاَن ْعْ سَأْلُهْم َقال تعالى ) َوا ْ
ن َل َتْأِتيِهْم َ ،كَذِل َ
ك سِبُتو َعا َ ،وَيْوَم َل َي ْ شّر ًسْبِتِهْم ُحيَتاُنُهْم َيْوَم َ ت ِإْذ َتْأِتيِهْم ِسبْ ِال ّ
عْنُه ُ ،قْلَنا َلُهْم
ن َما ُنُهوا َ عْ عَتْوا َ ن )َ … (163فَلّما َ سُقو َ َنْبُلوهُْم ِبَما َكاُنوا َيْف ُ
ن ) 166العراف ( وهذه الحادثة كما نعلم ،وقعت في بني سِئي َ
خا ِ ُكوُنوا ِقَرَدًة َ
ن ُأوُتوا اْلِكَتا َ
ب إسرائيل قبل مئات السنين ،والن انظر قوله تعالى ) َيَأّيَها اّلِذي َ
عَلىجوًها َفَنُرّدَها َ س ُو ُ طِم َ ن َن ْن َقْبِل َأ ْ
صّدًقا ِلَما َمَعُكْم ِم َْءاِمُنوا ِبَما َنّزْلَنا ُم َ
ن الَّ ل َمْفُعوًل )ِ (47إ ّ ن َأْمُر ا ِّ ت َ ،وَكا َ سْب ِ
ب ال ّ حا َصَ َأْدَباِرَها َأْو َنْلَعَنُهْم َكَما َلَعّنا َأ ْ
ك ِبِه 48) ..النساء ( شَر َن ُي ْ َل َيْغِفُر َأ ْ
جاءت الجملة المعترضة ) وكان أمر ال مفعول ( زيادة لليضاح ،ولتؤكد بما
ل يدع مجال للشك أو الظن ،لبني إسرائيل المعاصرين لرسالة السلم ،
والمتشّككين منهم والذين خانتهم ذاكرتهم ،وغير المصّدقين بصحة هذا المر ،
الذي كان ال قد أجراه في أسلفهم ،أن هذا المر وهو المسخ ،قد مضى في
أسلفهم حقيقة ،فجاء تعقيبه تعالى على ما تقدم ،من لعن ومسخ لسلفهم ،
ن ال قادر على تكرار بقوله ) وكان أمر ال مفعول ( لزالة الشك ،ولتأكيد أ ّ
ذلك المر ،إن لم يؤمنوا بما ُأنزل من القرآن على وجه التهديد والتحذير .
وخلصة القول :أن الوعد الول بالبعث ،كان قد مضى وانقضى قبل نزول
ن تعقيبه عز وجل بقوله ) وكان وعدا مفعول ( ،جاء لتذكير هذه اليات ،وأ ّ
اليهود الحاليين وتحذيرهم ،وإنباء المسلمين غير العالمين ،بوقوع ذلك في بني
إسرائيل ،بأنه قد وقع فعل ،وبشرى لهم بأن الوعد الثاني ،سيتحقق كما تحّقق
64
الوعد الول ،وأن ال ل يخلف الميعاد ،وما عليهم إل الصبر والستمرار في
كفاحهم ضد اليهود ،وحسن الظن بال وبوعده – وعد الخرة – قال تعالى )
ن َداِرِهْم ،
حّل َقِريًبا ِم ْ
عٌة َ ،أْو َت ُ
صَنُعوا َقاِر َ
صيُبُهْم ِبَما َن َكَفُروا ُت َِوَل َيَزاُل اّلِذي َ
ف اْلِميَعاَد ) 31الرعد ( . خِل ُ
ل لَ ُي ْ
ن ا َّل ِإ ّ
عُد ا ِّ
ي َو ْحّتى َيْأِت َ
َ
جَعْلَناُكْم َأْكَثَر َنِفيًرا )(6
ن َو َ
عَلْيِهْم َوَأْمَدْدَناُكْم ِبَأْمَواٍل َوَبِني َ
) ُثّم َرَدْدَنا َلُكْم اْلَكّرَة َ
عَلْيِهْم :
ُثّم َردَْدَنا َلُكْم اْلَكّرَة َ
ن ( أي ثم رددنا النسان أسفل سافلين من ساِفِلي َ
سَفَل َ قال تعالى ) ُثّم َرَدْدَناُه َأ ْ
النار ،وهذا ل يتحصل إل بعد البعث والحساب ،بدللة الستثناء في تكملة
غْيُر
جٌر َ ت َفَلُهْم َأ ْ
حا ِ
صاِل َ
عِمُلوا ال ّ
ن آَمُنوا َو َ
السياق ،في قوله تعالى ) ِإلّ اّلِذي َ
ن ) 6التين ( ،وبالتالي تكون ) ثم رددناه ( بالماضي ،جاءت بمعنى َمْمُنو ٍ
أيضا ) ثم نرّده ( بالمستقبل .
وجاءت كلمة ) رددنا ( بمعنى أعدنا من إعادة ) ،والَكّرة ( مصدرها َكَرَر
وفعلها َكّر ،والَكّر والفّر تقنية عسكرية ،ويقولون " الحرب كّر وفرّ " وهي
تعني الفعل المضاد للفعل السابق ،فالغلبة كانت للعباد والهزيمة لبني إسرائيل ،
ورّد الكرة لهم هو العكس تماما ،كالصورة في المرآة ،أي الغلبة والتفوق
العسكري لبني لسرائيل .وليس المقصود بالكّرة العودة إلى فلسطين ،
وانتصار اليهود في حروبهم ضد الدول العربية ،لقوله ) ،الكّرة عليهم ( أي
الغلبة العسكرية على العباد أنفسهم دون غيرهم .فالضمير المتصل ) هم ( في
)عليهم ( ،يعود على العباد المبعوثين عليهم ،الذين سبق ذكرهم ،وجميع
الضمائر المتصلة ) كم ( في هذه الية ،تعود على بني إسرائيل .
ن ِم ْ
ن ن ِلي َكّرًة َفَأُكو َقال تعالى ،على لسان الكافر حين يرى العذاب ) َلْو َأ ّ
ن ) 58الزمر ( ،فالفعل الذي سبق ،هو مجيئه من الدنيا إلى الخرة ، سِني َ
ح ِ
اْلُم ْ
فتمنى الكرة ،وهي العودة من الخرة إلى الحياة الدنيا ،ليكون من المحسنين .
وخلصة القول :أن المقصود هو أن ُيوقع اليهود بأولئك العباد ،ما كان أولئك
العباد قد ،أوقعوه في أسلفهم من قبل ،من استباحة للرض والمال
والعرض ،بعد استكمال مظاهر العلو الثاني ،بالستقواء على أولئك العباد
والعتداء عليهم .
65
جَعْلَناُكْم َأْكَثَر َنفيًرا :
ن َو َ
ل َوَبِني َ
َوَأْمَدْدَناُكْم ِبَأْمَوا ٍ
وأمددنا في ) لسان العرب ( " مصدرها مدد ؛ ومّده غيره وأمّده ؛ وأمددناهم
بغيرنا ؛ والمدد هم العساكر التي تلحق بالمغازي ،والمداد أن يرسل الرجل
سِة آَلفٍ للرجل مددا ،تقول أمددنا فلنا بجيش ،قال تعالى ) ُيْمِدْدُكْم َرّبُكْم ِبخَْم َ
) 125آل عمران ( " وفي المجمل تعني الزيادة والكثرة ،في المساعدة
العسكرية المقدمة من قبل الغير ،من مال وأفراد وعتاد أثناء الحرب .عندما
يكون الجيش أقرب للهزيمة منه إلى النصر .
والنفير هم القوم ينفرون معك ويتنافرون في القتال ،ومنه قوله تعالى ) انِفُروا
ن ُكنُتْمخْيٌر َلُكْم ِإ ْ
ل َذِلُكْم َ
سِبيِل ا ِّ
سُكْم ِفي َ
جاِهُدوا ِبَأْمَواِلُكْم َوَأنُف ِ
خَفاًفا َوِثَقاًل َو َ
ِ
ن ) 41التوبة ( . َتْعَلُمو َ
جاء في ) كتاب النبوءة والسياسة ( ،للكاتبة المريكية ) غريس هالسل ( " :
لقد أغرقنا إسرائيل بالسلحة :جعلنا من دولة الثلثة مليين يهودي ،ماردا
عسكريا أكبر من أي دولة منفردة ،مثل ألمانيا أو إنكلترا أو فرنسا ،وأقوى من
21دولة عربية مجتمعة ،عدد سكانها 150مليون نسمة "
" أن إسرائيل ..هي المستفيد الول بل منازع من برنامج مساعداتنا ..تحصل
على ثلث مجمل المساعدات المريكية الخارجية "
ط أحد أي وتقول الكاتبة تعقيبا على انتصار إسرائيل في حرب " ، 1967لم يع ِ
فضل للوليات المتحدة ،لنها زودت إسرائيل بالسلحة والتكنولوجيا
والدولرات ،وحتى بالعناصر العسكرية المريكية التي ساعدت
السرائيليين ،في تلك الحرب .لقد ربحت إسرائيل لن الوليات المتحدة كانت
تؤيدها بل حدود "
وتقول أيضا " أن نسبة العسكريين إلى المدنيين في إسرائيل ،هي ) 1
عسكري من كل 22مدني ( وهي أعلى نسبة في العالم "
وتقول أيضا على لسان الستاذ في الجامعة العبرية ) إسرائيل شاهاك ( " إن
دافع الضرائب المريكي أرسل إلى إسرائيل ،في عام 1985خمسة مليارات
دولر " واستمرت أمريكا بدفع هذه القيمة سنويا لغاية الن ،فضل عن
المساعدات المادية والعينية الخرى " ،انتهى .
66
وفي قوله تعالى ) ثم رددنا لكم الكرة عليهم ،وأمددناكم بأموال وبنين ،
وجعلناكم أكثر نفيرا ( ثلثة أفعال ،جاءت جميعها بصيغة الماضي ،وهي
حّملت جميعها أيضا صفة الستقبال ، ) رددنا لكم ،أمددناكم ،جعلناكم ( و ُ
بمعنى ) ونرّد لكم ،ونمّدكم ،ونجعلكم ( ولكن باختلف الزمان ،فهذه الفعال
جاءت لتأخذ صفة الستقبال ،قبل قيام دولة إسرائيل ،فتفيد معنى ) ونرّد لكم ،
ونمّدكم ،ونجعلكم ( ،ولتأخذ بعد قيام دولة إسرائيل صفة الماضي ) ،رددنا
لكم ،وأمددناكم ،وجعلناكم ( .
كان المفسرين القدماء أكثر قربا منا ،وأكثر فهما لمفردات اللغة العربية ،ومع
ذلك لم يعطوا هذه اليات حقها من التفسير والتفصيل ،مما ساهم في إخفاء هذا
المر العظيم حتى هذه اليام ،ومرّد ذلك أنهم لم يعاصروا الدولة الحالية
سرت هذه اليات تفسيرا دقيقا كما الن ،لكشفت هذه النبوءة لليهود .ولو ُف ّ
للمسلمين ،الكثير من الوقائع ،ولكان ضّر هذا الكشف عنها للمسلمين أكثر من
نفعه ،ولكن لم يشأ ال ذلك رحمة بالمسلمين ،حتى ل يتملكهم اليأس والقنوط
ق.ق وقوله ح ّ ن ال قد أخبر بذلك ،وهو الح ّ والتسليم بالمر الواقع ،بما أ ّ
ولو حصل أن علم المسلمون بتفاصيل هذه النبوءة مسبقا ،فربما ترك معظم
الفلسطينيون بلدهم ،مع إطلق أول رصاصة من قبل برابرة هذا العصر ،إل
حِرَم المسلمون شرف الشهادة ،ونيل الذى حَم ربي ،وَل ُ من أوتي الحكمة وَر ِ
ح ِمْثُلُه ،س اْلَقْوَم َقْر ٌ ح َ ،فَقْد َم ّ سُكْم َقْر ٌس ْن َيْم َ في سبيل ال ،لقوله تعالى ) ِإ ْ
شَهَداَء ، خَذ ِمْنكُْم ُ ن آَمُنوا َ ،وَيّت ِ ل اّلِذي َ
س َ ،وِلَيْعَلَم ا ُّ ن الّنا ِ ك الَّْياُم ُنَداِوُلَها َبْي َ
َوِتْل َ
ن
ن َِلْهِل اْلَمِديَنِة َ ،وَم ْ ن )140آل عمران ( ولقوله ) َما َكا َ ظاِلِمي َ
ب ال ّ ح ّلُ لَ ُي ِ
َوا ّ
عْ
ن سِهْم َ غُبوا ِبَأنُف ِ ل َ ،وَل َيْر َ سوِل ا ِّ ن َر ُ عْ خّلُفوا َ ن َيَت َ ب َ ،أ ْعَرا ِ ن الَْ ْحْوَلُهْم ِم َ َ
سِبيِل
صٌة ِفي َ خَم َ ب َ ،وَل َم ْ ص ٌ ظَمٌأ َ ،ولَ َن َ صيُبُهْم َ ، ك ِبَأّنُهْم ،لَ ُي ِ سِه َ ،ذِل ََنْف ِ
ب َلُهْمل ِ ،إّل ُكِت َ عُدّو َنْي ً
ن َ ن ِم ْظ اْلُكّفاَر َ ،ولَ َيَناُلو َ طًئا َيِغي ُ ن َمْو ِطُئو َ ل َ ،ولَ َي َ ا ِّ
ن )120التوبة ( .ولكن عدم سِني َح ِجَر اْلُم ْضيُع َأ ْ ل َل ُي ِ ن ا َّ ح ِ ،إ ّصاِل ٌعَمٌل َ ِبِه َ ،
معرفة الفلسطينيون ،آنذاك بحتمية قيام الدولة اليهودية ،أبقى المل بإمكانية
منع إقامتها ،حّيا في نفوس أهلها ،فبقي الكثير منهم فيها ،واستمر باب الجهاد
في سبيل ال ،مشرعا على مصراعيه ،وبقي سجل شرف الشهادة في سبيل
ال ،مفتوحا إلى يوم القيامة ،لمن يرغب منهم في تدوين اسمه ،ولتكون منهم
بإذن ال تلك الطائفة ،التي أخبر عنها رسول الحق عليه الصلة والسلم .
67
أما بالنسبة لليهود ،فهل ُكشفت لهم هذه النبوءة ؟ أقول :نعم بل شك ،ألم يقل
ب ( وكشفت لهم أيضا نبوءات سراِئيَل ِفي اْلِكَتـا ِ ضْيَنا ِإَلى َبِني إ ْ سبحانه ) َوَق َ
سىأخرى ،ويعرفون تفاصيلها كما يعرفون أبناءهم ،قال تعالى ) ُثّم آتَْيَنا ُمو َ
حَمًة َ ،لَعّلُهْم يٍء َوُهًدى َوَر ْ ش ْ
ل ِلُكّل َ صي ًن َ ،وَتْف ِسَ ح َعَلى اّلِذي َأ ْ اْلِكَتابَ َتَماًما َ
يٍء ش ْن ُكّل َ ح ِم ْ ن ) 154النعام ( ) َوَكَتْبَنا َلُه ِفي اَْلْلَوا ِ ِبِلَقاِء َرّبِهْم ُيْؤِمُنو َ
سِنَها ،ح َ خُذوا ِبَأ ْ ك َيْأ ُخْذَها ِبُقّوٍة َوْأُمْر َقْوَم َيٍء َ ،ف ُ ش ْل ِلُكّل َ صي ً ظًة َ ،وَتْف ِ عَ َمْو ِ
ن ) 145العراف ( وقد كشفها ال لهم ليعلم ما سيكون سِقي َ سُأِريُكْم َداَر اْلَفا َِ
منهم ،فعلم العقلء يزيدهم تواضعا وخضوعا وامتثال ،وعلم الذين ل يعقلون
) اليهود ( زادهم جهل واستكبارا وطغيانا وعصيانا وعدوانا ،وسنوضح لحقا
ما كان منهم ،بناءا على معرفتهم لما جاء في كتبهم من نبوءات ،بإذن ال .
أما لماذا ُكشفت الن ،نقول :أن ل جدوى من إخفاءها الن ،فقد اكتملت معالم
سر الواقع جزءا كبيرا من نصوصها ،وكل القدر من ظروف وملبسات ،وف ّ
عْدًل ) 115النعام ( صْدًقا َو َك ِ ت َكِلَمُة َرّب َشيء أصبح واضحا للعيان َ ) ،وَتّم ْ
وعلم سبحانه ما أراد أن يعلم ؛ مما كان من المسلمين ،واتخذ وسيتخذ منهم ما
أراد أن يتخذ ،وما كان من اليهود وسيأخذ منهم ،ما شاء أن يأخذ حطبا لنار
صيًرا ) 8السراء ( . ح ِ ن َجَهّنَم ِلْلَكاِفِري َ
جَعْلَنا َجهنم ،وبئس المصير ) َو َ
والكشف عن أسئلة المتحان والبلء ،لن ُيغّير شيئا ،فقوائم النتائج والشهادات
ُ ،تعلن من على شاشات التلفاز ،فقد نجح الكثير من طلب الخرة في امتحان
ربهم ،على ) درجة شهيد بامتياز مع مرتبة الشرف ( ،ولكن أكثر الناس ل
يعلمون .
ونحن الن بانتظار أن ُيصدر رب العزة ،نتائج أولئك الوغاد السفلة ،بعد أن
يمهرها بتوقيعه المبارك ،وكأّني أتخّيل الملئكة ُيعّدونها ،في عجلة من أمر
ب َأْفئَِدَتُهْم
ربهم ،لتكون جاهزة عند موعد التسليم ،فتدّبر في قوله ) َوُنَقّل ُ
ن )110 طْغَياِنِهْم َيْعَمُهو َ صاَرُهْم َ ،كَما َلْم ُيْؤِمُنوا ِبِه َأّوَل َمّرٍة َ ،وَنَذُرُهْم ِفي ُ َوَأْب َ
ضْوُه َ ،وِلَيْقَتِرُفوا َما خَرِة َ ،وِلَيْر َ لِ ن ِبا ْن َل ُيْؤِمُنو َ صَغى ِإَلْيِه َأْفِئَدُة اّلِذي َ
… َوِلَت ْ
عْدًل َ ،ل ُمَبّدَل ِلَكِلَماِتِه َوُهَو صْدًقا َو َك ِ ت َكِلَمُة َرّب َ
ن َ … 113) ،وَتّم ْ ُهْم ُمْقَتِرُفو َ
سِميُع اْلَعِليُم ) 115النعام ( ،وموعدهم قريب ،وعند مجيئه سيكون الباب ال ّ
مشرعا لولئك العباد بأمر ربهم ،لينقضوا عليهم ويزلزلوا أركانهم ،ويكسروا
ط في سبات عميق ،ولن شوكتهم ويقتلعوها من جذورها ،والبعبع المريكي يغ ّ
يمنعهم من أمر ال أحد كان .
68
ق، ق ،فالذي أخبر عن ذلك هو الح ّ ن عودة اليهود إلى فلسطين ح ّ ونقول :أ ّ
ن ال عليهم بالستضعاف بالرض ،كما ق ،بعد أن م ّ ن إخراج أهلها منها ح ّ وأ ّ
استضعف الذين من قبلهم ،فُأورثوا الرض من بعد ،فقد َأخرج رسوله من
ن اْلُمْؤِمِني َ
ن ن َفِريًقا ِم ْ ق َوِإ ّ حّك ِباْل َ
ن َبْيِت َ
ك ِم ْ ك َرّب َجَ خَر َق َ ) ،كَما َأ ْ قبل بالح ّ
ن ) 5النفال ( وفي إحدى سننه الكونية لمن ُيخرج الناس من ديارهم َلَكاِرُهو َ
ن ِفي ضَنا َأْو َلَتُعوُد ّ ن َأْر ِجّنُكْم ِم ْ خِر َسِلِهْم َلُن ْ
ن َكَفُروا ِلُر ُ ق ) َوَقاَل اّلِذي َ قال الح ّ
ن ) 13إبراهيم ( . ظاِلِمي َن ال ّ حى ِإَلْيِهْم َرّبُهْم َلُنْهِلَك ّ ِمّلِتَنا َفَأْو َ
وهذه رسالة رب العزة ،إلى أمة محمد عليه الصلة والسلم ،ومن سورة
ل َمَعُكْم ، ن َ ،وا ُّ عَلْو َ
سْلِم ،وََأْنُتْم اَْل ْعوا ِإَلى ال ّ ل َتِهُنوا َ ،وَتْد ُ ) محمد ( َ ) :ف َ
غْيَرُكْم ُثّم َل َيُكوُنوا سَتْبِدْل َقْوًما َ ن َتَتَوّلْوا َي ْعَماَلُكْم )َ … (35وِإ ْ ن َيِتَرُكْم َأ ْ
َوَل ْ
َأْمَثاَلُكْم ) ، (38وإن لم نكن نستحق النتساب لّمة ) محمد ( عليه أفضل
الصلة والتسليم ،قول وعمل ،فسّنة الستبدال واقعة بنا ل محالة ،ومن
المؤسف أنها على وشك .
وخلصة القول :أنه وبعد نفاذ الوعد الول فيكم ،من قبل هؤلء العباد ،
وقتِلهم وقهِرهم لكم ،وزوال دولتكم ،وتشتتكم في الرض بمدة من الزمن ،
طالت أو قصرت -تفيدها ثّم -سنأذن لكم بالعودة إلى الرض المقدسة ،
وتهزموهم كما هزموا أسلفكم ،وتعود لكم السطوة عليهم ،وتلحقوا بهم ما
ألحقوه بأسلفكم ،وُنمّدكم بالفراد المدربين على القتال والمساعدات المالية
لّياُم ُنَداِوُلَهاك ا َْ
والعسكرية ،ونجعلكم أكثر عددا وعتادا .وهذا من قبيل ) َوِتْل َ
س ( بإجراء القضاء والقدر ،وليس من قبيل المكافأة ،لبني إسرائيل ن الّنا ِ بْي َ
على إحسانهم ونيلهم رضاه سبحانه ،كما يّدعون في توراتهم ،وكما ذهب إلى
سرين . ذلك بعض المف ّ
سوُءوا خَرةِ ِلَي ُ
لِعُد ا ْ
جاَء َو ْ سْأُتْم َفَلَها َفِإَذا َ
ن َأ َ
سُكْم َوِإ ْ
سنُتْم َِلنُف ِ
ح َ سنُتْم َأ ْ
ح َ
ن َأ ْ
) ِإ ْ
علَْوا َتْتِبيًرا )
خُلوُه َأّولَ َمّرٍة َوِلُيَتّبُروا َما َ جَد َكَما َد َسِ خُلوا اْلَم ْجوَهُكْم َوِلَيْد ُ ُو ُ
(7
70
خَرِة :
لِعُد ا ْ
جاَء َو ْ
َفِإَذا َ
فيما روي عنه عليه الصلة والسلم ،مما قال في دعاءه " أنت الول فليس
خرة نقيض المتقدمخر وال ِقبلك شيء ،وأنت الخر فليس بعدك شيء " ،وال ِ
خر بكسر الخاء بعد الول وهو والمتقدمة ،ومن معجم مختار الصحاح :ال ِ
خرة والجمعخرا أي أخيرا ،وتقديره فاعل ،والنثى آ ِ
صفة ،تقول جاء آ ِ
أواخر .
وخلصة القول :أنها المرة الثانية في الترتيب ،والخيرة في عدد المرات ،
ول ثالثة بعدها ،وإنما هناك أخرى ،ولكنها تختلف في أنها ليست مرة ،ول
يصحّ أن نسميها مرة ثالثة ،فهي ل تمتلك شروط المرتين السابقتين .
بعثناهم عليكم :
هذه العبارة ،غير موجودة أصل في نص الية ،وهي جواب شرط إذا
حذفت ،لدللة جواب شرط إذا الخاص بوعد الخاص بوعد الخرة ،وقد ُ
أولهما .ولتوضيح عمل ) إذا ( وما يعنيه شرطها وجوابها ،نقول نستعمل
) إذا ( عادة ،إذا أردنا تعليق فعل معين ) ويسمى جواب شرط إذا ( ،بفعل
آخر ) ويسمى شرط إذا ( ،كأن تقول لزوجتك على سبيل المثال " :إذا
حصلت على ترقية في نهاية الشهر ،اشتريت لك ذلك الخاتم " ،فالذي ذهبت
إليه في الواقع ،هو أنك عّلقت عملية شراء الخاتم ،الذي رغبت فيه زوجتك ،
بعملية حصولك على الترقية الموعود بها آخر الشهر ،فإن لم تكن هناك
ترقية ،فلن تحصل زوجتك المسكينة على الخاتم .فشرط ) إذا ( هو
) الحصول على الترقية ( ،وجواب الشرط هو ) شراء الخاتم ( .وبعبارة
أخرى نقول أن حصول زوجتك على الخاتم متعّلق بالحصول على الترقية .
جاَء
وبإعادة عبارة ) بعثناهم عليكم ( المحذوفة ،يصبح النص كما يلي ) َفِإَذا َ
سجَِد ( .خُلوا اْلَم ْ
جوَهُكْم َوِلَيْد ُ
سوُءوا ُو ُ
خَرِة – بعثناهم عليكم – ِلَي ُ
لِعُد ا ْ
َو ْ
وعبارة ) وليسوءوا وجوهكم ( ليست جوابا للشرط ،لرتباطها بلم كي ،
حيث جاءت العبارة لتعليل البعث وتوضيح الغاية منه .وضمير الغائب ) هم (
في ) بعثناهم ( يعود على العباد أنفسهم ،وضمير المخاطب ) كم ( في ) عليكم
( ،يعود على بني إسرائيل .
71
وخلصة القول :أن هذه المرة هي الخيرة من المرتين ،وأن تحّقق البعث
متعّلق بمجيء الموعد المحّدد ،وبما أن الضمير في كلمة ) بعثناهم ( يعود
على نفس العباد ،فإن عباد البعث الثاني ،هم نفس عباد البعث الول .
جوَهُكْم :
سوُءوا ُو ُ
ِلَي ُ
سّره .وفي الواقع أن ل ِبالنسان ما َيْكَره ،وأساءه نقيض َ إساءة الوجه ،أن ُيفِع َ
ِفعل الساءة ،لن يقع على الوجوه بشكل مباشر ،وإنما على المظاهر
والمقومات المادية ،التي مّكنتهم من العلو والستكبار والستعلء على الناس ،
لُيحرموا هذه الميزة بتبادل الدوار مع أولئك العباد .ويكسبوا ميزة جديدة ،هي
الستضعاف والذل والنخفاض ،بتبادل الدوار مع الفلسطينيين ،ومن ثم ليقع
فيهم ،ما أنزلوه بالفلسطينيين طيلة مدة علوهم ،من قتل وأسر وتعذيب وسلب
للراضي والممتلكات ،وإتلف وهدم ،على قاعدة الجزاء من جنس العمل ) ،
ن ) 14التوبة ( .وضمير الغائب ) واو الجماعة ( صُدوَر َقْوٍم ُمْؤِمِني َ ف ُ ش َِوَي ْ
في ) ليسوءوا ( ،يعود على نفس العباد ،وضمير المخاطب )كم ( في
) وجوهكم ( ،يعود على بني إسرائيل .
والذي سيظهر على الوجه ،هو تعابير الستياء ،التي تنتج في الغالب ،عن
مشاعر تجيش بها النفس البشرية ،كاللم والحسرة والغيظ والخزي والذل ،
عندما تتعرض للذى النفسي ،الذي غالبا ما يكون ناتج ،عن فقدان مادي لما
هو جيد ،أو كسب ما هو سيئ ،أو كلهما ،وتعتمد درجة الستياء على درجة
الفقد أو الكسب ،والذي سيفقده اليهود ،هو السيادة والغنى والقوة .
ونجد وصف لتعابير وجه ،يشعر صاحبه بسوء ألّم به ،لحرمانه من الذكر ،
شَر
بولدة النثى ،التي ستجلب له العار مستقبل ،في قوله تعالى ) َوِإَذا ُب ّ
سوِء ن ُ ن اْلَقْوِم ِم ْ
ظيٌم )َ (58يَتَواَرى ِم َ سَوّدا َوُهَو َك ِ جُهُه ُم ْ ظّل َو ْحُدهُْم ِبالُْْنَثى َ َأ َ
شَر ِبِه … ) 59النحل ( ،ونجد وصف آخر لتعابير وجوه الذين اقترفوا َما ُب ّ
السيئات ،عندما استيقنوا أن ل مفر ول عاصم من أمر ال ،وأنهم سينالون
جزاء سيئاتهم ،فتملّكتهم مشاعر اليأس والقنوط من النجاة ،في قوله تعالى )
ن
ل ِم ْ
ن ا ِّسّيَئٍة ِبِمْثِلَها َوَتْرَهُقُهْم ِذّلٌة َما َلُهْم ِم َ
جَزاُء َت َ سّيَئا ِ
سُبوا ال ّ ن َك َ َواّلِذي َ
ب الّناِر ُهْم
حا ُ صَك َأ ْ
ظِلًما ُأوَلِئ َ
ن الّلْيِل ُم ْطًعا ِم َجوُهُهْم ِق َ ت ُو ُ شَي ْ
غ ِصٍم َكَأّنَما ُأ ْ
عا ِ َ
ن ) 27يونس ( خاِلُدو َ ِفيَها َ
72
توحي عبارة ) ليسوءوا وجوهكم ( ،أن ما سينزل بهم من عقاب ،على أيدي
هؤلء العباد ،شديد الوقع ،وبالغ الثر والتأثير في نفوسهم ،مما سيعكس
بالضرورة آثار المساءة على وجوههم .لدرجة أنه سبحانه ،أورد نفس التعبير
،في وصفه لحال الكفار عند رؤيتهم لعذاب جهنم ،في قوله تعالى ) َفَلّما َرَأْوُه
ن ) 27الملك ( . عو َ ن َكَفُروا َوِقيَل َهَذا اّلِذي ُكْنُتْم ِبِه َتّد ُ جوُه اّلِذي َت ُو ُسيَئ ُْزْلَفةً ِ
ل باليهود قريبا ،ليس له نظير ،ول ُيمكن أن يتأتى هذا فالعقاب الذي سيح ّ
العقاب ،إل من قبل أناس يملؤهم الحقد والكراهية ،ولديهم رغبة شديدة وملحة
للنتقام ،من بني إسرائيل لسبب أو لخر .
سا ِبَغْيِر َنْف ٍ
س ن َقَتَل َنْف ً سَراِئيَل َأّنُه َم ْعَلى َبِني ِإ ْ ك َكَتْبَنا َ جِل َذِل َن َأ ْ
قال تعالى ) ِم ْ
حَيا الّنا َ
س حَياَها َفَكَأّنَما َأ ْن َأ ْجِميًعا وََم ْس َ ض َفَكَأّنَما َقَتَل الّنا َ ساٍد ِفي الَْْر ِ َأْو َف َ
ك ِفي اَْلْر ِ
ض ن َكِثيًرا ِمْنُهْم َبْعَد َذِل َت ُثّم ِإ ّسُلَنا ِباْلَبّيَنا ِ
جاَءْتُهْم ُر ُجِميًعا َوَلَقْد ََ
ن ِفيسَعْو َ سوَلُه َ ،وَي ْ ن الَّ َوَر ُ حاِرُبو َ ن ُي َ
جَزاُء اّلِذي َ ن )ِ (32إّنَما َ سِرُفو َ
َلُم ْ
ف، ل ٍ ن خِ َجُلُهْم ِم ْ صّلُبوا َ ،أْو ُتَقطَّع َأْيِديِهْم َوَأْر ُ ن ُيَقّتُلوا َ ،أْو ُي َ ساًدا َ ،أ ْض َف َ
اَْلْر ِ
ظيٌم ) عِب َ عَذا ٌ خَرِة َ لِ ي ِفي الّدنَيا وََلُهْم ِفي ا ْ خْز ٌك َلُهْم ِ ض َذِل َ
ن الَْْر ِ َأْو ُينَفْوا ِم ْ
33المائدة (
تبين الية الولى ،عظم مكانة النفس البشرية عند ال ،إذ ليس لحد كان ،
إزهاق أرواح الناس سوى خالقها ،فهو الذي يحيي ويميت ،ومن أزهق روحا
بغير نفس أي قصاصا ،أو لمنع الفساد في الرض ،كإقامة الحدود الموجبة
للقتل ،فكأنما قتل الناس جميعا ،ومن قام بهذا المر ،خارج نطاق ما تقّدم من
موجبات القتل ،فقد أعلن حربه على ال .وأن من أعلن حربه على ال ،في
حصر جزاءه من قبل رب العزة ،بأربعة خيارات ،تنّفذ فيه في الية الثانية ُ ،
الحياة الدنيا ،من قبل من أوكله ال بذلك ،حسبما يرتأيه منفذ الحكم ،إذ ل
جناح عليه فيما ُأنزل به من عقوبة .
والملحظ أن هذا البيان جاء عاّما ،ولكنه ارتبط ببني إسرائيل بشكل خاص ،
مما يوحي أن عقابهم في المرتين ،شمل وسيشمل على ما يبدو هذه الخيارات
مجتمعه ،بالقتل والصلب والتنكيل والسبي ،وبما أن النتيجة النهائية لهذا
العقاب ،هي زوال علوهم في فلسطين ،فهذا يعني رحيل من بقي حّيا فرارا ،
عن فلسطين نهائيا ،يجّر أذيال الخيبة والهزيمة .وستفيض قلوب كل اليهود
في كافة أرجاء العالم ،بمشاعر الذل والخزي والعار والهوان ، ،مما يدعو
73
القاصي والداني ،للشماتة بهم وبمن يشّد على أيديهم .وهذا ما تؤكده اليات
الكريمة ،بأن جزاءهم سيكون من جنس عملهم .
جَد :
سِخُلوا اْلَم ْ
َوِلَيْد ُ
يعتقد الكثير من المسلمين هذه اليام ،أن ذكر المسجد في هذا الموضع ،
يترتب عليه أن من سيدخله ،وأن تحريره مقصورا على حملة لواء السلم ،
أو بتعبير أدق أولياء ال وخاصته ،يوحدهم ويقودهم خليفة يفوقهم ولًء ل
ولدينه ،وفي الذهان صورة ابن الخطاب ،رضي ال وأرضاه عنه ،وصلح
الدين رحمه ال ،ومن منا ل يتمنى ذلك .
ولكن يحضرني هنا قول الشاعر " :ما كل ما يتمنى المرء يدركه تجري
ي عمر وصلح الرياح بما ل تشتهي السفن " ،فلو عدنا بالذاكرة ،إلى دخول ّ
الدين ،ستجد أنهما ل يتفّقان مع ما جاء في سورة السراء ،لسببين ،الول ؛
كان الدخول على النصارى في المرتين ،والثاني ؛ أن الجوس للديار لم يقع
فيهما ،وكذلك الساءة لوجوه اليهود .بالضافة إلى أن الدخول في المرتين ،
كان فتحا وليس عقابا لحد .
ن المسألة ،هي لفظ المسجد الذي أورده تعالى ،للتعريف والتأكيد ، ويبدو وكأ ّ
على أن الرض التي ُذكرت في الية ) ، (4هي الرض التي تحوي المسجد
أي مدينة القدس .
والسؤال هنا هل المساجد خاصة بالمسلمين فقط ؟ بكل تأكيد نعم ،ولكن لفظ
المسجد ل ! نحن نعلم أن حادثة السراء كانت في مكة ،وأن سورة السراء
ُأنزلت فيها أيضا ،وأن ال سبحانه وتعالى لّما سّماه بالمسجد القصى ،لم يكن
للمسلمين فيه ناقة ول بعير ،ولم يكن قائما أصل .وعبادة السجود ل كانت قد
ك اّلِذي َ
ن سبقت ،منذ آدم عليه السلم ،إلى يومنا هذا ،فاقرأ قوله تعالى ) ُأْوَلِئ َ
ن ُذّرّيِة ح َوِم ْ
حَمْلنا َمَع ُنو ٍ ن َن ُذّرّيِة آَدَم َوِمّم ْ ن ِم ْ ن الّنِبّيي َ
عَلْيِهْم ِم ْ
ل ََأْنَعَم ا ُّ
ن خَّروا حَما ِ ت الّر ْ
عَلْيِهْم آَيا ُ
جَتَبْيَنا ِإَذا ُتْتَلى َ
ن َهَدْيَنا َوا ْسَراِئيَل َوِمّم ْ ِإْبَراِهيَم َوِإ ْ
ن َأْهِل اْلِكَتابِ ُأّمٌة َقاِئَمٌة
سَواًء ِم ْ سوا َ جًدا َوُبِكّيا ) 58مريم ( وقوله تعالى ) َلْي ُ سّ ُ
ن ) 113آل عمران ( وكل مكان اتخذوه جُدو َ سُل آَناَء الّلْيِل َوُهْم َي ْ ت ا ِّن آَيا َِيْتُلو َ
للسجود ،سّماه ال في القرآن مسجدا ،والمقصود المكان وليس البناء .
74
غَلُبوا
ن َ
عَلُم ِبِهْم َقاَل اّلِذي َ
عَلْيِهْم ُبْنَياًنا َرّبهُْم َأ ْ
انظر قوله تعالى ) َفَقاُلوا اْبُنوا َ
جًدا ) 21الكهف ( .ومع أن أصحاب الكهف ، سِ
عَلْيِهْم َم ْ
ن َ خَذ ّ
عَلى َأْمِرِهْم َلَنّت ِ
َ
كانوا من أتباع عيسى عليه السلم ،فإن الذين غلبوا على أمرهم في الواقع ،
أقاموا عليهم مكانا للعبادة .وجاءت تسمية القرآن له بالمسجد ،على اعتبارهم
له ،والقصد من بنائه ،أما أنه مسجد خاص بالمسلمين فل ،والصلة بالنسبة
سماه القرآن ي عنها ،وبالرغم من ذلك ّ للمسلمين في هذا المسجد ،منه ٌ
خذوه مكانا للعبادة ،التي أحد أركانها السجود .وضمير مسجدا ،لنهم ات ّ
الغائب ) واو الجماعة ( في ) وليدخلوا ( ،يعود على المبعوثين .
وخلصة القول :أن هؤلء المبعوثين لم يتبين ،بنص صريح ول بتلميح بأنهم
من خاصة عباد ال .وأن ال نّكرهم وقصد تنكيرهم ،لمر اقتضته الحكمة
اللهية ،التي وضحنا جانبا منها فيما سبق .وأن معتقدهم غير واضح من حيث
اليمان أو الكفر ،وما زالت كل الحتمالت قائمة ،فربما يكونوا مؤمنين أو
مسلمين أو وثنيين أو ملحدين .ومن قال بعكس ذلك فقد جانبه الصواب ،بل
أدنى شك .والمر الكثر وضوحا ،هو اتحاد المبعوثين أول وثانيا ،أي
خروجهم من نفس الرض في المرتين ،مهما طال الزمن أو قصر وتعاقبت
عليها الجيال ،بمعنى أن أصحاب البعث الثاني ،هم ورثة الرض من
أصحاب البعث الول .وأنهم أولي قوة وبطش في الحروب .وأن عبارة
) وليدخلوا المسجد ( جاءت لتؤكد دخولهم ،لقلب الرض المقدسة ،
وسيطرتهم عليها بالكامل .
ل َمّرٍة :
خُلوُه َأّو َ
َكَما َد َ
خُلوُه َأّوَل َمّرٍة ( ،هو تشبيه للدخول الثاني بالول ،وفي قوله تعالى ) َكَما َد َ
ث يحتاج إلى وصف العادة عندما يروي شخص لخر ،قصة وقع فيها ِذكُر حد ٍ
،سواء كان هذا الحدث ،قد وقع ولم يشهده المستمع ،أو سيقع في المستقبل ،
فبدل من أن يستغرق الراوي ،في وصف هذا الحدث وسرد حيثياته ،على
حساب مجمل أحداث القصة ،يعمد الراوي إلى تشبيه الحدث المراد وصفه ،
بحدث آخر مألوف ومعروف من الماضي أو الحاضر ،لتقريب صفة الحدث
موضوع الخطاب لذهن المستمع ،ومن ثم يكمل سرد بقية الحداث .
طُه
خّب ُ
ن ِإّل َ ،كَما َ ،يُقوُم اّلِذي َيَت َ
ن الّرَبا لَ َيُقوُمو َ
ن َيْأُكُلو َ
قال تعالى ) اّلِذي َ
س ) 275البقرة ( حيث شبه سبحانه قيام آكل الربا يوم ن اْلَم ّ ن ِم ْ
طا ُ
شيْ َ
ال ّ
75
القيامة ،مجهول الصفة بالنسبة لنا ،وهو حدث سيقع مستقبل ،بقيام الممسوس
أي المجنون ،وهو حدث ومشهد قد رأيناه ونراه في الماضي والحاضر ،
مرارا وتكرارا ،ومعروف ومألوف لذهن المستمع ،ونستطيع استرجاع ذلك
المشهد من الذاكرة ،لنرى مشهدا مؤلما ومخزيا ،لكل الربا عند بعثه ،يتميز
به عن غيره ،فيقوم مفزوعا متحفزا مشوشا ،ل يهدأ له بال ،ول تستكين له
حال .
ولتوضيح المر أكثر ،فلو أن زوج مدح زوجته -على سبيل المثال ُ -مبديا
إعجابه بجمالها قائل ) :وجهك كالمريخ ( ،فهل ستكون الزوجة قادرة ،على
معرفة مدى حبه لها ،في حال ،لم تكن عالمة بماهية المريخ وصفته ،من
حيث الجمال والقبح .وهل أبان هذا التشبيه ،بغير المألوف والمعروف للزوجة
،وظيفته في تعبير الزوج عن مدى حبه لها ،أم أنه زادها حيرة واضطرابا
وشّكا .لذلك ُيشّبهون جمال النساء ،إذا أريد المدح ،بالقول ) :وجهك كالبدر
ليلة تمامه ( وهي صورة معروفة ومألوفة لكل البشر ،تستطيع النساء
استرجاعها من الذاكرة وتخّيلها واستيعابها ،ومعرفة مدى حب زوجها لها .
واستخدام التشبيه في الية ) (7أفاد أمرين :
ن دخول المسجد أي بيت المقدس حاصل في المرتين ،وهذا يدحض أول ؛ أ ّ
ي من المرتين ،كانت أو ستكون في غير بيت المقدس قول من ذهب ،إلى أن أ ّ
.
وثانيا ؛ تشابه صفة الدخول في المرتين الولى والخرة بالدخول عنوة .لقوله
تعالى في وصف الدخول الول ) فجاسوا خلل الديار ( وهذا يدحض قول من
ذهب ،إلى أن المرة الولى كانت للمسلمين ،كون دخولهم إليها ،لم يحمل
صفة الجوس .
ولكي يستقيم فهم هذه العبارة ،نود أن ُنشير إلى أن الخطاب لبني إسرائيل ،لم
طب في قوله تعالى ) كما دخلوه أول ينقطع ،بل ما زال مّوجها إليهم ،فالُمخا َ
لخَِرِة – عُد ا ْ
جاَء َو ْ مرة ( هم بنو إسرائيل .واقرأ هذه الصياغة للنص َ ) ،فِإَذا َ
جَد َ ،كَما سِ خُلوا – عليكم – اْلَم ْجوَهُكْم َ ،وِلَيْد ُ
سوُءوا ُو ُبعثناهم عليكم – ِلَي ُ
خُلوُه – عليكم – َأّوَل َمّرٍة /انقطاع الخطاب والعودة إلى الجمهور َ /وِلُيَتّبُروا َد َ
عَلْوا َتْتِبيًرا ( .
َما َ
76
وهذا يعني أن المعرفة ،بصفة الدخول الول ،محصورة ببني إسرائيل فقط ،
وهذا يقودنا إلى أن معرفة اليهود المعاصرين المخاطبين ،لصفة هذا الدخول
صلت لهم مما لديهم من كتب تحكي تاريخهم ،ومجمل بالضرورة ،تح ّ
تاريخهم القديم موثق في التوراة ،ويعلم سبحانه أن آباءهم القدماء ،قد وّثقوا
صفة الدخول في كتبهم ،فلذلك شبه الدخول الثاني لهم بما يعرفون .وإن أردت
معرفة صفته كمسلم ،ل بد لك من الرجوع إلى كتبهم ،وهذا الفهم يقودنا إلى
مراجعة تاريخهم كامل ،لنتعّرف على صفة الدخول الول ،كما وردت في
الية ) ، ( 5وهذا ما سنفعله في الفصول القادمة .
والحقيقة أن هذا الحدث المفجع والرهيب الذي نزل بهم ،كان له بالغ الثر في
نفوسهم ،حيث شّكل لهم الكثير من العقد ،فضل عما كان لديهم في السابق .
جعلت منهم شعبا مجرما حاقدا ،على البشرية جمعاء ،وعلى أولئك العباد ،
الذين ساموهم سوء العذاب في المرة الولى .وما جاء التشبيه هنا ،إل
لتذكيرهم بحدث يعرفونه كما يعرفون أبنائهم ،ومن لم يعرفه منهم ،أو خانته
ن آَتْيَناُهْم اْلِكَتا َ
ب ذاكرته ،يستطيع الرجوع إلى توراتهم ،قال تعالى ) اّلِذي َ
ن)ق َوُهْم يَْعَلُمو َ حّ ن اْل َ
ن َفِريًقا ِمْنُهْم َلَيْكُتُمو َ
ن َأْبَناَءُهْم َوِإ َّيْعِرُفوَنُه َكَما َيْعِرُفو َ
146البقرة ( ،وجاء هذا التشبيه والتذكير ،لنذارهم وتحذيرهم من مغبة
العودة إلى العلو والفساد ،وما ينتظرهم من خزي عذاب الدنيا ،وهول عذاب
الخرة .
ن الباحثين في هذا الموضوع حديثا من المسلمين ،كانوا والعجيب في المر ،أ ّ
قد أهملوا أكبر وأعظم موسوعة تاريخية سماوية ،موجودة بين أيدينا ،أقصد
ن حَِكيمٍخْلِفِه َتنِزيٌل ِم ْ ن َ ن َيدَْيِه َوَل ِم ْن بْي ِ
طُل ِم ْ القرآن الكريم الذي ) لَ َيْأِتيِه اْلَبا ِ
حِميٍد ) 42فصلت ( ،ولم يرجع إليها أحد ،مع أنه كاد أل يترك سورة من َ
سورِه ،إل وأّرخ فيها لبني إسرائيل ،فعلوهم الول ونشأته وإفسادهم في
الرض المقدسة ،ظاهر ماثل للعيان بما ل يترك مجال ،للتقّول أو الجتهاد .
وأما فيما يخص عقاب الوعد الول ،فقد وردت إشارات كافية في هذه
ل على تحّققه قبل السلم . اليات ،وفي مواضع أخرى في القرآن ،تد ّ
عَلْوا َتْتِبيًرا :
َوِلُيَتّبُروا َما َ
في الُمعجم " :قال ابن جني :ل يقال له ِتْبر ،حتى يكون في تراب معدنه ،أو
سره وأهلكه ،
جاج :والتبار الهلك ،وتّبره تتبيرا أي ك ّ
مكسورا ،قال الز ّ
77
ن ِإّل َتَباًرا )28
ظاِلِمي َ
سره وأذهبه ،وفي التنزيل العزيز ) َوَل َتِزْد ال ّ وتّبره أي ك ّ
سٍر ِتبرا ،وفي قوله نوح ( قال الزجاج :معناه إل هلكا ،ولذلك سمي كل ُمك ّ
ك َكِثيًرا )َ (38وُك ّ
ل ن َذِل َ
س َوُقُروًنا َبْي َ
ب الّر ّ
حا َ
صَعاًدا َوَثُموَد َوَأ ْ
عز وجل ) َو َ
ل َتّبْرَنا َتْتِبيًرا ) 39الفرقان ( قال :التتبير التدمير ،وكل ضَرْبَنا َلُه الَْْمَثاَل َوُك ّ
َ
سرته وفّتته فقد تّبرته " . شيء ك ّ
والمعنى العام للعبارة ،هو ) ولُيدّمروا ما علوا تدميرا ( .وقد جاءت صيغة
المفعول المطلق ) تتبيرا ( ،زيادة في المبالغة ،وتأكيدا للفعل ) وليتبروا ( .
وسواء كانت ) ما ( ظرفية ،أو اسم موصول ،بمعنى ) الذي ( ،لتشمل
المكان والزمان والكم .
وكما أشرنا في تفسير العبارة السابقة ،فقد حصل انقطاع في الخطاب الموجه
لبني إسرائيل ،ليصبح الحديث موجها للجمهور ،مضيفا تعقيبا حول مصير
علو بني إسرائيل ،بدللة ضمير الغائب المتصل ،واو الجماعة في كلمتي
) وليتبروا ( و ) علوا ( العائد على بني إسرائيل أنفسهم .والعبارة ) وليتّبروا
ما علوا تتبيرا ( جاءت للتعقيب على ما فعله بني إسرائيل أنفسهم ،بمقومات
هذا العلو ،مما كان سببا في زواله .لُيصبح المراد هو أن علو بني إسرائيل ،
حمل في أحشائه بذرة دماره منذ نشأته ،بعدم الولء ل ،وعدم اكتراثهم ِ ،بحّثه
لهم على الحسان وتحذيره لهم من الساءة .بل اعتمدوا على غير ال ،في
تحصيل هذا العلو ،وإدامته وحمايته من الزوال ،بالفساد والفساد والثم
والعدوان .
ليتبّين لنا أن الحديث عن الوعد الثاني ،انتهى بقوله ) كما دخلوه أول مرة ( .
وأن عبارة ) وليتّبروا ما علوا تتبيرا ( جاءت تعقيبا على قوله تعالى في بداية
القصة ) ولتعلن علوا كبيرا ( في الية ) ، (4ليؤكد بما ل يدع مجال للشك ،أن
صل عليه بني إسرائيل هذا العلو الموصوف بالكبير في الرض ،والذي تح ّ
ببعدهم عن ال ،سيصبح هباًء منثورا بما كسبته أيديهم .
ومن تعريفنا السابق لمفهوم العلو ،نجد أن العلو مظهر من مظاهر الحياة ،كما
صل بامتلك صل بامتلك المال الوفير ،وكما الفقر الذي يتح ّ الغنى الذي يتح ّ
المال القليل ،ويتم تحصيله من خلل امتلك مقومات مادية ،تتمّثل في السيادة
على الرض وأهلها ،وسياستهم والتحّكم في مختلف شؤونهم ،والقدرة
بامتلك القوة ،والغنى بامتلك المال والموارد المادية الخرى .والحقيقة أن
78
اليهود في هذا العصر ،لم يقتصر علوهم على فلسطين فحسب ،بل شمل
أمريكا وبريطانيا والكثير من الدول الغربية .فَُهما شكل من أشكال الفساد
اليهودي في الرض ،وأداة للعدوان على الشعوب ،بأيدي اليهودية العالمية .
وبما أن العلو مظهر ،والمظاهر ل ُتدّمر تدميرا ،وإنما تزول زوال بفقدان
أسبابها ومقوماتها ،كما ُأزيل علو فرعون ،بتدمير ما امتلك من مقومات علوه
ن)شو َن َوَقْوُمُه َوَما َكاُنوا َيْعِر ُ
عوْ ُ
صَنُع ِفْر َ
ن َي ْ
،في قوله تعالى ) َوَدّمْرَنا َما َكا َ
137العراف ( .ونلحظ أن ال تبارك وتعالى لم يأت بالمصدر ) علوهم ( ،
ليقول ) وليتبروا علوهم تتبيرا ( ،وإنما قال ) وليتبروا ما ( .لن المقصود
تدميره هنا ،ليس العلو بحّد ذاته ،وإنما تدمير ) ما ( عل عليه أو به أو فيه ،
بنوا إسرائيل بامتلكه والسيطرة عليه ،مما مّكنهم من الفساد في الرض ،
أي تدمير كل ما يقع تحت كلمة ) ما ( ،مما يمتلكونه من مقومات لعلوهم .
لتشمل المكان والزمان والكم لهذا العلو ،الموصوفة بالتفصيل في اليتين ) 4و
، (6والتي تتلخص فيما يلي :
• تدمير القوة العسكرية المتطورة ،والتي مكنتهم من العلو واستمراريته ،
ورد الكرة على أعدائهم .
• ذهاب الموال والبنين والمداد ،الذي كان يتوفر لهم في حروبهم
السابقة .
• استلب وتدمير المكنة ،التي يتمتعون فيها بالعلو ،في شتى بقاع
الرض .
لذلك جاء التعقيب ،بعد نهاية ذكر عقاب وعد الخرة بإساءة الوجه ،وبدخول
المسجد .وجاء هذا التعقيب ُمتأخرا عنهما ،لن زوال العلو بشكل نهائي ،
سيكون كعاقبة أو نتيجة ،لنفاذ وعد الخرة فيهم ،ويبدوا لي أن زوال العلو
اليهودي في العالم ،سيأتي على مراحل ،ليبدأ في فلسطين ،ومن ثم يمتد
لمريكا وبريطانيا وفرنسا والغرب إجمال ،بإذن ال .
وربما يذهب البعض إلى أن هذه العبارة ،جاءت للتعقيب على ما فعله هؤلء
العباد ،بعلو بني إسرائيل في وعد الخرة ،على اعتبار أن الضمير واو
الجماعة في ) وليتّبروا ( عائد على العباد .ولكن هذا غير صحيح ،لن ذلك
79
يعني استمرارية الخطاب ،فلو أن الخطاب لبني إسرائيل استمر ،لجاءت
العبارة على النحو التالي ) وليتّبروا ش ما علوتم ش تتبيرا ( ،هذا من جانب .
ومن جانب آخر ،لم ُيذكر في التعقيب شيء يخص وعد الخرة ،بذكر كلمة
وعد مثل ،كما جاء في التعقيب على الوعد الولى ،بقوله ) وكان وعدا
مفعول ( ،وإنما جاء التعقيب الخير ،على بني إسرائيل ،المذكورين بالسم
في الية الرابعة ،لعود ضمير الغائب واو الجماعة عليهم ،في كلمة
) وليتبروا ( ،وكذلك على علوهم الكبير ،الموصوف في الية الرابعة أيضا ،
لتصال ضمير الغائب العائد عليهم ) واو ( ،في كلمة ) علوا ( .
ولو فرضنا جدل استمرارية الخطاب ،فهل ُيعقل أن ُيدّمر المسلمون ،ما
صلوا عليه من مقومات العلو الصهيوني ،بعد أن يكونوا قد أوقعوا فيهم ، تح ّ
القتل والتنكيل والسبي والنفي ،وتّمت لهم السيطرة الكاملة على الرض
بدخول القدس ؟! طبعا ل .بل على العكس تماما ،سيكونون بأمس الحاجة ،
صلوا عليه سالما من مال وعتاد ،لستخدامه في المواجهة الحقيقة لما تح ّ
المقبلة مع الغرب .
وخلصة القول :أن كل ما عل بنو إسرائيل عليه أو به أو فيه ،سيصله الدمار
ل محالة ،لعموم لفظ العلو ،حتى علوهم في الغرب ،إذ أن الذي أبقى علوهم
قائما ومستمرا في فلسطين ،هو علوهم في الغرب .ولذلك يصبح دمار الدول
الغربية أمر محتما ،ليزول علو بني إسرائيل فيها أيضا بشكل نهائي ،وبذلك
تنتفي تماما قدرتهم على العلو مرة أخرى ،إذ أن هذا العلو ،هو علوهم الخير
في الرض وأن أفعالهم ستكون سببا في زوال علوهم هذا ،وستجد مزيد من
تفصيل هذه العبارة ،في الجزء الثالث من الكتاب .
خاتمة السورة :
والن لننتقل إلى خاتمة سورة السراء ،حيث ُذكر وعد الخرة مرة أخرى .
أما سبب مجيء هذه اليات في آخر السورة فهو لسببين :أول ؛ إظهار
العجاز العددي في القرآن ،الذي سنظهره بإذن ال لحقا ،ثانيا ؛ للتعقيب
على الوعد الثاني في بني إسرائيل بعد نفاذه ،وما سيكون ممن علموا بتفاصيل
هذا الوعد قبل نفاذه ،وما سيكون منهم بعد نفاذه ،تماما كما جاء به القرآن .
80
جْئَنا ِبكْم
خَرِة ِ
لِ عُد ا ْجاَء َو ْ ض َفِإَذا َسُكُنوا اَْلْر َ سَراِئيَل ا ْ ن َبْعِدِه ِلَبِني ِإ ْ ) َوُقْلَنا ِم ْ
شًرا َوَنِذيًرا )ك ِإّل ُمَب ّسْلَنا َ
ق َنَزَل َوَما َأْر َ حّ ق َأنَزْلَناُه َوِباْل َحَّلِفيًفا )َ (104وِباْل َ
ل )ُ (106قْل ث َوَنّزْلَناُه َتنِزي ً
عَلى مُْك ٍ س َ عَلى الّنا ِ َ (105وُقْرآًنا َفَرْقَناُه ِلَتْقَرَأُه َ
عَلْيِهْم َيخِّرو َ
ن ن َقبِلِه ِإَذا ُيْتَلى َ ن ُأوُتوا اْلِعْلَم ِم ْ ن اّلِذي َ آِمُنوا ِبِه َأْو َل ُتْؤِمُنوا ِإ ّ
عُد َرّبَنا َلَمْفُعوًل )(108 ن َو ْ ن َكا َن َرّبَنا ِإ ْحا َ
سْب َ
ن ُ جًدا )َ (107وَيُقوُلو َ سّن ُ لْذَقا ِ ِل َْ
عا )(109 شو ًخُن َوَيِزيُدُهْم ُ ن َيْبُكو َ لْذَقا ِن ِل َْ
خّرو َ َوَي ِ
مختصر ما قيل في هذه اليات ،في تفسير اللوسي :
" ) جئنا بكم لفيفا ( ؛ أي مختلطين ،وفسره ابن عباس ) جميعا ( ،وبكم ؛
جاءت لتغليب المخاطبين على الغائبين ) ،وبالحق أنزلناه وبالحق نزل ( ؛
عود إلى شرح حال القرآن الكريم ،فهو مرتبط بقوله تعالى ) ،لئن اجتمعت
النس والجن ( ،وهكذا طريقة العرب في كلمها تأخذ في شيء ،وتستطرد
منه إلى آخر ،ثم إلى آخر ثم إلى آخر ،ثم تعود إلى ما ذكرته أول ،والحديث
شجون ،فضمير الغائب للقرآن ،وقد حمله بعضهم على هذا ،أو للوعد
المذكور آنفا ،أي وعد الخرة الذي ُذكر في الية السابقة .
والمراد بالحق الول ؛ على ما قيل الحكمة اللهية المقتضية لنزاله ،وبالثاني
ما اشتمل عليه من العقائد والحكام ونحوها ،أي ما أنزلناه إل ملتبسا بالحق
المقتضى لنزاله ،وما نزل إل ملتبسا بالحق الذي اشتمل عليه ،وقيل الحق
في الموضعين المر المحفوظ الثابت ) ،وما أرسلناك إل مبشرا ( ؛ للمطيع
بالثواب ) ونذيرا ( ؛ وللعاصي من العقاب ،فل عليك إل التبشير والنذار ل
هداية الكفرة المقترحين .
ن،) وقرءانا فرقناه ( ؛ أي أنزلناه منجما مفّرقا ) على مكث ( ؛ أي تؤدة وتأ ّ
فإنه أيسر للحفظ وأعون على الفهم ) ،ونزلناه تنزيل ( ؛ على حسب الحوادث
والمصالح ،قل للذين كفروا ) آمنوا به ( أي بالقرآن ) ،أو ل تؤمنوا إن الذين
أوتوا العلم من قبله ( ؛ أي العلماء الذين قرءوا الكتب السالفة ،من قبل َتنّزل
القرآن وعرفوا حقيقة الوحي ،وأمارات النبوة ،وتمكنوا من تمييز الحق
ق والُمبطل ،أو رأوا نعتك ونعت ما أنزل إليك . والباطل ،واُلمح ّ
) إذا يتلى ( أي القرآن ) ،عليهم يخرون للذقان ( ؛ يسقطون بسرعة على
وجوههم ) سجدا ( تعظيما لمر ال تعالى ،أو شكرا لنجاز ما وعد به في تلك
81
الكتب من بعثتك ،وقال صاحب الفرائد ،المراد المبالغة في التحامل على
الجبهة والنف ،حتى كأنهم يلصقون الذقان بالرض ،وهو وجه حسن جدا ،
أي يقعون على الرض عند التحقيق ،والمراد تصوير تلك الحالة .
) ويقولون ( ؛ أي في سجودهم أو مطلقا ) :سبحان ربنا ( عن خلف وعده ،أو
عما يفعل الكفرة من التكذيب ) ،إن كان وعد ربنا لمفعول ( ) ،ويخرون
للذقان يبكون ( ؛ كّرَر الخرور للذقان لختلف السبب ،فإن الول لتعظيم
أمر ال تعالى أو الشكر لنجاز الوعد ،والثاني لما أّثر فيهم من مواعظ
القرآن ،أي ساجدين باكين من خشية ال تعالى ،ولما كان البكاء ناشئا ،من
الخشية الناشئة من التفّكر ،الذي يتجّدد ،جيء بالجملة الفعلية ) يبكون (
المفيدة للتجدد ) ،ويزيدهم ( ؛ القرآن بسماعهم له ) ،خشوعا ( لما يزيدهم
علما ويقينا بأمر ال تعالى ،على ما حصل عندهم من الدلة " .من تفسير
اللوسي .
جْئَنا ِبكْم َلِفيًفا :
ِ
هذا ما قيل في ) لسان العرب ( في كلمة لفيف ) ُمجَتِمع ملتف من كل مكان ( ،
و اللفيف ؛ ) القوم يجتمعون من قبائل شتى ليس أصلهم واحدا ( ،واللفيف ؛
جْمع العظيم من أخلط ) ما اجتمع من الناس من قبائل شتى ( ،واللفيف ؛ ) ال َ
شتى فيهم الشريف والدنيء والمطيع والعاصي والقوي والضعيف ( .
جْمع ل جميع ،والحقيقة أن الذي تم والملحظ أن معاني الكلمة جاءت بمعنى َ
على أرض الواقع ،هو المجيء والجمع من أماكن شتى .وأن مجيئهم جميعا
لن يتحقق ،لنهم يتمّتعون بصفات طفيلية ،ل تمّكنهم من ترك الدول الغربية
الغنية ،والعودة إلى فلسطين .
أما اليات ) ، (109-104وكما عقب سبحانه بعد ِذكره لوعد الخرة في بداية
السورة .جاءت بعد ِذكره تعالى لوعد الخرة ،في نهاية السورة ،تعقيبا على
إنزاله هذا الوعد بنصه في القران ،كما ُأنزل في كتاب موسى عليه السلم من
شًرا
ك ِإّل ُمَب ّ
سْلَنا َق َنَزَل َوَما َأْر َ
حّق َأنَزْلَناُه َوِباْل َ
حّقبل ،حيث قال سبحانه ) َوِباْل َ
ل) ث َوَنّزْلَناُه َتنِزي ً
عَلى ُمْك ٍ س َ
عَلى الّنا ِ َوَنِذيًرا )َ (105وُقْرآًنا َفَرْقَناُه ِلَتْقَرَأُه َ
(106أي وبالحق الذي أوجبته الحكمة اللهية ،أنزلنا خبر هذا الوعد في
القران ،الذي نّزله على عبده تنزيل ،وفّرقه لُيقرأ على الناس على مكث ،
ق والصدق والخبر اليقين جاء هذا القران ،بهذا الوعد -مما سيكون من وبالح ّ
82
شأن بني إسرائيل – بكل تفاصيله وملبساته ،بما ل يدع مجال للشك أو التقّول
.
والحكمة اللهية التي اقتضت إنزاله ،كما جاء من نص اليات ،هي :
ف البشرى للمؤمنين الصابرين المرابطين المتمسكين بدينهم أول :ز ّ
ن َلُهْم َأجًْرا َكِبيًرا ) ت َأ ّحا ِصاِل َ
ن ال ّ ن َيْعَمُلو َن اّلِذي َشُر اْلُمْؤِمِني َالمخلصين له ) َوُيب ّ
9السراء ( ،بأن ال لن يخلف وعده الذي وعد ،وأن ما وعدهم ال ،ل
محالة واقع ولو بعد حين ،ليحثهم على التمسك بدينهم والتحلي بالصبر ،وعدم
الستعجال لمر ال والركون لليأس ،فكلما ادلهمت الخطوب بالمؤمنين
وضاقت السبل – كما هذه اليام – كان الفرج ،قاب قوسين أو أدنى ) حَّتى ِإَذا
شاُء ، ن َن َي َم ْ جَصُرَنا َ ،فُن ّجاَءهُْم َن ْ ظّنوا َأّنُهْم َقْد ُكِذُبوا َ ، سُل َ ،و َ س الّر ُ سَتْيَئ َا ْ
ن ) 110يوسف ( . جِرِمي َ ن اْلَقْوِم اْلُم ْعْ سَنا َ َوَل ُيَرّد َبْأ ُ
وثانيا :إنذار لبني إسرائيل ) الذين ل يؤمنون بالخرة ( ،والمكذبين
والمتشّككين ممن غرتهم الحياة ،وآمنوا بما يقوله الواقع ،مع عدم قراءتهم له
بشكل صحيح ،أكثر من إيمانهم بال ،وما جاء في كتابه الذي أنزل ،من
ن َلن اّلِذي َ
غضب ال عليهم ،وتحذيرا لهم من عقابه في الدنيا والخرة ) َوَأ ّ
عَذاًبا َأِليًما ) 10السراء ( . عَتْدَنا َلُهْم َخَرِة َأ ْلِ ن ِبا ْ ُيْؤِمُنو َ
صل اليمان لمن لم يؤمن بعد ،وتجّدد إيمان المؤمنين ،وزيادًة في وثالثا :تح ّ
اطمئنان قلوبهم ،عند نفاذ هذا الوعد ،كما جاءت صفته في القرآن .حيث قال
سبحانه للناس كافة ،على وجه التبكيت والتهديد شديد اللهجة ُ ) ،قْل آِمُنوا ِبِه
ن هذا الوعد ل محالة َأْو َل ُتْؤِمُنوا … ( من أمر هذا الوعد وهذا القرآن ،أ ّ
واقع ،وإيمانكم به وبالقرآن وعدمه سواء .وأن من كانوا قد علموه ،وسبق
ن َقبِلِهن ُأوُتوا اْلِعْلَم ِم ْن اّلِذي َ
لهم اليمان به وتصديقهم له قبل تحققه ِ … ) ،إ ّ
صدق ما جاء في كتابه ،سيكون هذا حالهم ،عند … ( ،ليمانهم بمن أنزله و ِ
جًدا )َ (107ويَُقوُلو َ
ن سّ ن ُ لْذَقا ِ
ن ِل َْخّرو َعَلْيِهْم َي ِ
تحققه وبعد تحققه ) ِإَذا ُيْتَلى َ
ي عليهم ِذكر هذا عُد َرّبَنا َلَمْفُعوًل ) ، (108أي أنهم إذا ُتل َ ن َو ْن َكا َ ن َرّبَنا ِإ ْحا َسْب َ
ُ
الوعد ،عند وبعد تحققه ،خّروا للذقان سجدا ،قائلين ) :سبحان ربنا إن كان
وعد ربنا لمفعول ( ،وسيكون هذا حالهم مرة تلو مرة ،كلما ُتليت عليهم آيات
عا ) (109وما أن يقوموا ، شو ًخُ ن َوَيِزيُدُهْم ُ ن َيْبُكو َلْذَقا ِ
ن ِل َْ
خّرو َ هذا الوعد ) َوَي ِ
83
حتى ل تكاد تحملهم أرجلهم ،وتغلب عليهم مشاعرهم ،من شّدة التصديق
وشّدة اليمان ،فيعودوا ليقعوا ساجدين خاشعين ،لمن ل ُيخلف وعده .
صيًرا )( 8
ح ِ
ن َ
جَهّنَم ِلْلَكاِفِري َ
جَعلَْنا َ
عْدَنا َو َ
عْدُتْم ُ
ن ُ
حَمُكْم َوِإ ْ
ن َيْر َ
سى َرّبُكْم َأ ْ
ع َ
) َ
حَمُكْم :
ن َيْر َ
سى َرّبُكْم َأ ْ
عََ
بعد نفاذ الوعد الثاني ،يوجه سبحانه الخطاب ،للبقية الباقية من بني إسرائيل ،
الذين نجوا من هذا العذاب ،ولم يطلهم عقاب وعد الخرة ،لعّلهم يعتبرون مما
ل في بني قومهم ،لما علوا وأفسدوا في حصل ،بعد أن رأوا ما رأوا ،ما ح ّ
الرض .فلعلهم يعودون إلى ال ،ويصلحون أمورهم ،فيتوب ال عليهم
خْوًفا عوُه َ حَها َ ،واْد ُ لِصَ سُدوا ِفي الَْْرضِ َبْعَد ِإ ْ ويرحمهم .قال تعالى ) َوَل ُتْف ِ
ن ) 56العراف ( ،وعودتهم إلى سِني َح ِن اْلُم ْ
ب ِم ْ ل َقِري ٌحَمَة ا ِّن َر ْ طمًَعا ِ ،إ َّو َ
ن َلَما آَتْيُتُكمْق الّنِبّيي َل ِميَثا َ خَذ ا ُّال تعني إعتناقهم للسلم ،لقوله تعالى ) َوِإْذ َأ َ
صُرّنُه َقاَلن ِبِه َوَلَتْن ُ ق ِلَما َمَعُكْم َلُتْؤِمُن ّ صّد ٌسوٌل ُم َ جاَءُكْم َر ُ حْكَمٍة ُثّم َ ب َو ِ ن ِكَتا ٍ
ِم ْ
شَهُدوا َوَأَنا َمَعُكْم ِم ْ
ن صِري َقاُلوا َأْقَرْرَنا َقاَل َفا ْ عَلى َذِلُكْم ِإ ْ خْذُتْم ََأَأْقَرْرُتْم َوَأ َ
ن ُيْقَبَل ِمْنُه َوُهَو ِفي لِم ِديًنا َفَل ْسَ غْيَر اِْل ْن َيْبَتِغ َ
ن )َ ) … (81وَم ْ شاِهِدي َال ّ
ن
حوا َفِإ ّ صَل ُ
ك َوَأ ْ ن َبْعِد َذِل َن َتاُبوا ِم ْ ن )ِ ) … (85إّل اّلِذي َ سِري َخا ِ
ن اْل َ خَرِة ِم ْلِ اْ
حيٌم ) 89آل عمران ( .وهذا ما لم يفعلوه سابقا ،ولن يفعلوه غُفوٌر َر ِ ل َ ا َّ
مستقبل ،فهم أعلنوا حربهم على ال ،قبل أن يعلنوها على أي شئ آخر ،
سَوًة … ) 74البقرة ( شّد َق ْ وهيهات أن يتوبوا ،فقلوبهم كالحجارة ) … َأْو َأ َ
…
عْدَنا :
عْدُتْم ُ
ن ُ
َوِإ ْ
لذلك سيستمرون بالفساد ،وسيعودون إليه مرة تلو أخرى ،وهذا محمول على
الشرط ،فإن عادوا للفساد بعد تحقق الوعد الثاني ،عاد ال عليهم بالعقاب ،
وستكون هذه العودة باتباعهم للدجال ،أكبر المفسدين في الرض ،وهي
العودة النهائية لهم ،ول تتفق من حيث المواصفات والشروط مع كونها مرة
من المرتين ،وستكون نهايتهم على مشارف بيت المقدس بباب ) ُلّد ( ،على
ي عيسى عليه السلم ومن معه من المسلمين ،عند هروب الدجال إليها ، يد ّ
كما روي في نفس الحديث الصحيح الطويل ،الذي أوردنا بعضا منه في
84
ك ) أي الدجال ( ِإْذ شرحنا لعبارة عبادا لنا ،جاء ما نصه " … َفَبْيَنَما ُهَو َكَذِل َ
ب ُلّد َفَيْقُتُلُه … " .حّتى ُيْدِرَكُه ِبَبا ِطُلُبُه َ
ن َمْرَيَم … َفَي ْ
ح اْب َ
سي َ
ل اْلَم ِ
ث ا ُّ
َبَع َ
صيًرا ) (8ول
ح ِ ن َ جهَّنَم ِلْلَكاِفِري َ
جَعْلَنا َ
ليعّقب سبحانه على ذلك بقوله ) … َو َ
أسف ول رحمة …
س(:
ن الّنا ِ
حْبٍل ِم ْ
ل … َو َ
ن ا ِّ
حْبٍل ِم ْ
) ِإّل ِب َ
سَكَنُة َ ،وَباُءوا عَلْيهِْم الّذّلُة َواْلَم ْ
ت َ ضِرَب ْقال تعالى في سورة البقرة ) … َو ُ
ن ِبَغْيِرن الّنِبّيي َ
ل َ ،وَيْقُتُلو َ ت ا ِّ
ن ِبآَيا ِك ِبَأّنُهْم َكاُنوا َيْكُفُرو َ ل َ ،ذِل َن ا ِّ ب ِم ْ ِبَغضَ ٍ
ن ) ، (61هذه الية توضح حكما إلهيا صْوا َوَكاُنوا َيْعَتُدو َ ع َ ك ِبَما َ حقّ َ ،ذِل َ اْل َ
ُملزما ،كان فيما سبق ،قد صدر بحق بني لسرائيل ،عند كفرهم وقتلهم
عطفت على الذلة مباشرة ،وأنهما تلزما في النبياء ،ونلحظ أن المسكنة ُ
سَكَنُة ( . عَلْيِهْم الّذّلُة َواْلَم ْ
ت َ ضِرَب ْ
الوقوع تحت الضرب ،في قوله تعالى ) َو ُ
ضِرَب ْ
ت وفي سورة آل عمران ُ ،أعيد نفس النص السابق ،في قوله تعالى ) ُ
ض ٍ
ب س َ ،وَباُءوا ِبَغ َ ن الّنا ِ ل َوحَْبٍل ِم ْ ن ا ِّ
حْبٍل ِم ْ ن َما ُثِقُفوا ِ ،إلّ ِب َ عَلْيِهْم الّذّلُة َأْي َ َ
ل، ت ا ِّن ِبآَيا ِك ِبَأّنُهْم َكاُنوا َيْكُفُرو َسَكَنُة َ ،ذِل َعَلْيِهْم اْلَم ْ
ت َ ضِرَب ْل َ ،و ُ ن ا ِّ ِم ْ
ن ) ، (112ولكن صْوا َوَكاُنوا َيْعَتُدو َ ع َك ِبَما َ ق َ ،ذِل َحّ ن اَْلنِبَياَء ِبَغْيِر َ َوَيْقُتُلو َ
بفصل الذّلة عن المسكنة ،مع ضرب كل منهما على حدة أول ،ومن ثم إضافة
س ( ،من ضرب الذّلة دون ن الّنا ِ حْبٍل ِم ْ
ل َ ،و َ ن ا ِّ حْبٍل ِم ْ
الستثناء التالي ) ِإّل ِب َ
المسكنة ثانيا .ومن هنا نستطيع القول ،بأن الذّلة سُترفع عنهم في حالتين :
الحالة الولى بحبل من ال ،والحالة الثانية بحبل من الناس ،وأن المسكنة
ستبقى ملزمة لهم ،في حال رفعت الذّلة عنهم أم لم ُترفع .
طوُفَها ت ُق ُ جاء في معجم لسان العرب ،الّذل نقيض العّزة ،وقوله تعالى ) وُذّللَ ْ
ضع له ، خ َ ل له أي َ خّفضت ،وتذّل َ ل ( ،بمعنى سويت عناقيدها وُدّليت أي ُ َتْذِلي ًَ
وأن المعنى الُمستفاد من الّذل هو الصغار والخضوع والنخفاض ،والنقيض
لهذة الصفات ،هو الستكبار والسطوة والرتفاع .
عَلْيِهْم الّذّلُة :أي ُألزموا الّذلة والصغار ،فل منعة لهم ،بمعنى ل قوة ت َ ضِرَب ْ َو ُ
لهم لمنع الغير ،من استباحة دمائهم وأموالهم وأهليهم .وثبتت فيهم هذه
الصفة ،ولزمتهم على مّر العصور ،ول خلص لهم منها ،والسبب في
85
ضربها عليهم ،هو استحقاقهم لغضب ال عليهم ،لكفرهم بآياته وقتلهم النبياء
،بالضافة لما كان من عصيانهم لوامره ،واعتدائهم على حدوده .
جدوا .
ن َما ُثِقُفوا :أينما ُو ِ
َأْي َ
عَلْيِهْم
ت َضِرَب ْ
هنا ل بد لنا من وقفة مع هذه العبارة ،حيث يقول سبحانه ُ ) ،
س ( ،فالذلة ملزمة ن الّنا ِ
حْبٍل ِم ْ
ل َو َ
ن ا ِّ
حْبٍل ِم ْ
ن َما ُثِقُفوا ِ ،إلّ ِب َالّذّلُة َ ،أْي َ
لهم ،أينما أقاموا أو ارتحلوا ،وهذه الذلة سُترفع عنهم مرتين ،لُتستبدل
بالعلو ،أينما أقاموا أو ارتحلوا ،على امتداد سطح كوكب الرض ،فالعلو
اليهودي لمرتين ،حدث عارض في تاريخهم ومصيره إلى الزوال ،أو حالة
استثنائية ،سيعيشها عامة الشعب اليهودي لمرتين أينما ُوجدوا ،وستزول هذه
الحالة عن عامة الشعب اليهودي كذلك ،عندما يأذن رب العزة بزوال علوهم ،
في المرة الثانية ،وليعود كل يهود العالم أفرادا وجماعات ،في شتى بقاع
الرض ،إلى حالة الذلة ،التي هي في الصل ،الحالة التي يستحقون بمنظور
رب العزة .
والسؤال الن ،لماذا كان هذا الفصل ،وهذا الستثناء ؟
س :الستثناء هنا يفيد رفع حالة الّذلة ، ن الّنا ِ حْبٍل ِم ْل َ ،و َن ا ِّحْبٍل ِم ِْإّل ِب َ
لتصبح حالهم من ) الذل والصغار والخضوع والنخفاض ( ،إلى العكس تماما
،أي ) العز والستكبار والسطوة والرتفاع ( ،وهذا مما يفيد معنى العلو ،
وهذا الستثناء يوضح أن العلو سيكون على حالين ،وأن العلو الول ،كان
بحبل ال ،أي باتكالهم على ال ،في نشأته وتمكينه من خلل الوحي والنبوة ،
وأن العلو الثاني ،سيكون بحبل الناس ،أي باتكالهم على الناس ،في نشأته
وتمكينه من خلل المساعدات المالية والعسكرية .
ن في جمال ودقة التعبير القرآني ،واستخدام كلمة ) حبل ( في هذا وتمع ّ
المقام ،فالحبل ُيرفع به دلو الماء ،من قعر البئر إلى قمته ،فهو وسيلة لنتشال
الشيء ،من أدنى حالته وإيصاله إلى أعلها ،ومن قوله عليه الصلة والسلم
،لصاحب الناقة " اعقل وتوكل " ،نجد أنه وسيلة ربط لحكام الشيء وإبقاءه
على حاله .
وهذا ما تحقق في الواقع ،فقد استطاع اليهود بعد أن كانوا في القاع ،من تسلق
الحبل المريكي البريطاني ،ليصعدوا إلى قمة تمثال الحرية ،ومن ثم تناولوا
86
ي التمثال ،وأخذوا طرفه الخر ،ولّفوه سياجا منعيا الحبل ،وربطوه في قرن ّ
حول دولتهم في فلسطين .حتى أصبح عاّمة المريكيين عبيدا لليهود ،يقّدمون
لهم القرابين التي نعلمها ،خشية أن يسحب اليهود ،طرف الحبل الذي
يمسكونه بإحكام ،فيهوي رأس التمثال في البحر .وطرف الحبل الخر ليس
ببعيد عن أولئك العباد ،فما زال ينتظرهم ليسحبوه ،ليغرق التمثال وأهله .
ن ال قد حّذرهم من اتخاذ وكلء غيره ،في افتتاحية السورة قائل ) َأّل نعلم أ ّ
ل ) . (2في العلو الول لهم ،كانوا قد طلبوا العون من ن ُدوِني َوِكي ً خُذوا ِم ْ َتّت ِ
ال ،لقامة الدولة في الرض المقدسة ،وكان اتكالهم على ال لدامة وجودها
سِبيِل ) 246البقرة ( ،فآتاهم ال ث َلَنا َمِلًكا ُنَقاِتْل ِفي َ ي َلُهْم اْبَع ْ ِ ) ،إْذ َقاُلوا ِلَنِب ّ
حْكَم َوالّنُبّوَة َوَرَزْقَناُهمْ ِم ْ
ن ب َواْل ُسَراِئيَل اْلِكَتا َما طلبوا ) َوَلَقْد آَتْيَنا َبِني ِإ ْ
ن ) 16الجاثية ( فجمع لهم الملك والنبوة ،في عَلى اْلَعاَلِمي َ ضْلَناُهْم َت َوَف ّ طّيَبا ِ
ال ّ
داود وسليمان عليهما السلم .وأما في العلو الثاني ،كانوا قد طلبوا العون من
) بلفور ( لقامة الدولة ،والتكال على بريطانيا ليجادها ،وعلى أمريكا
عَلْيِهْم َوَأْمَدْدَناُكْم
لدامة وجودها ،فكان لهم ما أرادوا ُ ) ،ثّم َرَددَْنا َلُكْم اْلَكّرَة َ
جَعْلَناُكْم َأْكَثَر َنِفيًرا ) 6السراء ( . ن َو َ ِبَأْمَواٍل َوَبِني َ
ولو لم يأتي هذا الستثناء في سورة آل عمران ،وبقي على حاله كما هو في
ن ِفي سُد ّ سورة البقرة ،لتناقض ذلك مع قوله تعالى في سورة السراء َ ) ،لُتفْ ِ
عُلّوًا َكِبيَرًا ( ،سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا . ن ُ ن ،وَلَتْعُل ّ ض َ ،مّرَتْي ِ اَْلْر ِ
سَكَنُة :أي الحاجة للغير والتسول بل خجل ،فل كرامة ول عَلْيِهْم اْلَم ْ
ت َ ضِرَب َْو ُ
عزة ول إباء لهم ،فل يوجد يهودي -وإن كان غنيا -خاليا من زي الفقر
والخضوع والمهانة ) ،وهكذا تكون الطفيليات ( ،بارعون في التسلق على
ظهور غيرهم بمكرهم ودهائهم ،لقضاء حاجاتهم الدنيوية الدنيئة .
مجيء اليهود من الشتات :
ن البعض ،بناءا على عبارة جئنا بكم لفيفا ،أن وعد الخرة ما زال بعيدا
يظ ّ
عن التحقق ،كون تجّمع بني إسرائيل في فلسطين لم يكتمل بعد ،فالكثير منهم
ن في غير محّله ،وينمّ– تقريبا النصف – ما زال في الدول الغربية ،وهذا الظ ّ
عن عدم معرفة بحقيقة الشخصية اليهودية .فاليهود المنتشرون كالجراد ،في
شرق العالم وغربه ،لن يهاجروا إلى فلسطين ،إل في حالة واحدة إذا ُأجبروا
87
على ذلك ُمكرهين ،أو ُدّمر العالم بأسره ،ولم يبق إل فلسطين ليهاجروا إليها ،
وهذا غير وارد في المنظور القريب ،ودمار إسرائيل القادم ،سيكون سابقا ،
بل سببا لنهيار العالم الغربي ودماره .
فاليهود كائنات طفيلية ،ل تستطيع العيش بمعزل عن الخرين من غير
اليهود ،وحتى الدولة اليهودية تتصف بنفس الصفة ،فهي ل تستطيع البقاء
والمحافظة على وجودها وكيانها ،بدون المساعدة الخارجية من الدول
الغربية ،والتسّول الدائم والمستمر .وهذه هي المسكنة التي ضربها ال
عليهم ،ولزمتهم على مّر تاريخهم الطويل ،في غناهم وفقرهم وفي ذّلهم
ل والمخزي والمستمر ،للمحرقة ل على ذلك التسويق المذ ّوعلوهم .ول أد ّ
النازية المبالغ فيها ،والتي جعلوا منها ،ومن تهمة معاداة السامية ،مسمار
جحا في حلق الشعوب الغربية ،لبتزازها ونهب خيراتها وخاصة ألمانيا ،فهم
عالة على كل من آواهم ،وهذا ما يشهد به تاريخهم ،وكان سببا – بالضافة
إلى غدرهم ومكرهم ومؤامراتهم -في اضطهادهم ،من قتل ونهب ونفي
وتهجير .
واليهود هم أول من ابتكر الربا ويعيشون به وعليه ،والن هم يملكون معظم
بيوت المال العالمية إن لم تكن كلها ،حتى البنوك المركزية المريكية
والبريطانية ،وحق إصدار النقد فيها ،فهل من المعقول أن يتركوا العجل
الذهبي ،ويغادروا جّنة إلههم بمحض إرادتهم ؟! طبعا ل ،فهذا ضرب من
ن تجّمعهم في فلسطين بكّلهم الخيال .لذلك أستطيع الجزم – لما تقدم – بأ ّ
وكليلهم لن يكون ،وللعلم فإن معظم المهاجرين اليهود ،كانوا من بلدان أوروبا
الشرقية المعروفة بفقرها ،وأما الغربيون فأعدادهم قليلة جدا .
فضل عن ذلك ،لم يأتي في مجمل معاني لفيفا ما ُيفيد ،تجّمع كل اليهود في
فلسطين ،كشرط لتحّقق وعد الخرة ،والمعنى المستفاد منها هو الختلط في
صل ،فالدول التي هاجروا الصول ،والجمع من أماكن مختلفة ،وهذا قد تح ّ
منها ،شملت معظم أرجاء المعمورة ،وهي غنّية عن التعريف ،وهذا هو
المراد .
أما فيما يخص السنن اللهية في القرى الظالمة ،فقد وردت في هذا البحث
ضحها ،فل أسرع من النتقام اللهي ليحل بها . الكثير من اليات التي تو ّ
وظلم اليهود وعلوهم واستكبارهم ،وعنجهّيتهم وعنصرّيتهم ،ومحاربتهم ل
88
ورسوله وأولياؤه ،وقتل البرياء العّزل ،وهدم البيوت ،واستلب الراضي
واقتلع أشجارها واستيطانها ،ومنعهم مساجد ال أن ُيذكر فيها اسمه وتدنيسها
،فاق كل تصّور ،وأوجب عقابه سبحانه لهم منذ زمن بعيد .ولول أن الحكيم
ظم شأنه ،ضرب لهم موعد لن ُيخلفوه ،وأن أرضه عُالعليم جّلت قدرته و َ
المقدسة تزخر بأوليائه الصالحين ،لنزل الن عليهم رجزا من السماء ،كما
أنزله على أسلفهم ،لمجرد تبديلهم للقول والهيئة عند دخول القرية ،لعنهم ال
ن عقابهم سيكون مختلفا ،رحمة من ربك بعباده بكفرهم قليل ما يؤمنون .ولك ّ
الصالحين هناك ،لكيل يسوءهم العذاب ،فضل عّما أساء لهم أولئك الوغاد .
جاَء َل ُيَؤخُّر
ل ِإَذا َ
جَل ا ِّ
ن َأ َ
ت ( ،و ) ِإ ّ
ل ٍل َ
جَل ا ِّن َأ َ
فليرتقبوا إّنا مرتقبون ) َفِإ ّ
ن ) 4نوح ( . َلْو ُكنُتْم َتْعَلُمو َ
تعني عملية ربط نفاذ وعد الخرة ،بتجّمع كل اليهود في فلسطين ،أن وعد
الخرة ،لن يتحقق حتى قيام الساعة ،وهذا مخالف لما نراه على أرض
الواقع ،حيث وصل الظلم اليهودي أقصى مداه ،ومخالف أيضا لما تحكيه
النصوص ،إذ أن هناك عودة أخرى للفساد ،وهناك عقاب آخر ،سينطق فيه
الحجر والشجر ،قبل قيام الساعة ،التي أصبحت أشراطها الكبرى على
البواب ،والناس في غفلة من أمرهم .
ما ُتخبر عنه اليات في السورة ،ليس وعدا بنصر للمؤمنين ،وإنما وعد
استثنائي بعقاب بني إسرائيل :
سوءَ
سوُمُهْم ُ
ن َي ُ
عَلْيِهْم ِإَلى َيْوِم اْلِقَياَمِة َم ْ
ن َ
ك َلَيْبَعَث ّ
ن َرّب َ
قال تعالى ) َوِإْذ َتَأّذ َ
ب ) 167العراف ( تقّرر هذه الية الكريمة ،بأن ال سيبعث على بني اْلَعَذا ِ
إسرائيل ،من يسومهم سوء العذاب إلى قيام الساعة .إذًا هناك استمرارية
للبعث ،وهناك استمرارية للعذاب .وقد وقع العذاب فيهم ،على أيدي وثنيون
ونصارى ومسلمون ،على مّر تاريخهم الطويل .مما يؤكد أن العذاب الخاص
بوعدي المرتين ،هو حالة استثنائية خاصة مختلفة ،عّما تقّرره الية أعله ،
وأن الذين سُيوقعونه بهم أناس استثنائيون أيضا ،وهذا الستثناء جاء لما
يملكونه من صفات ،على رأسها صفة البأس الشديد ،لن إفساد بني إسرائيل
المقترن بالعلو في كلتا المرتين ،أعظم من أي إفساد سابق أو لحق ،مما
يتطّلب بعث أناس هم أهل ،لما يريده ال لبني إسرائيل ،من العذاب الشديد .
89
ُأنزلت نصوص هذه النبوءة على موسى عليه السلم ،قبل 3آلف سنة تقريبا
من الن ،وقبل 1600سنة من مجيء السلم تقريبا ،وُكشفت نصوصها لبني
إسرائيل ،بعد نكوصهم عن الدخول إلى فلسطين ،وقبل سنوات التحريم والتيه
صل .وهي في الواقع ،تحكي حالتين استثنائيتين من تاريخ بني إسرائيل ،يتح ّ
ي في فلسطين ،يشترط فيهما سبحانه ،الحسان وتجّنب لهم فيهما علو أمم ّ
الساءة ،فإن أحسنوا أحسن إليهم ،وإن أساءوا أزال علوهم ،وعّذبهم في
الدنيا والخرة .ووعدهم بإطالة أمد هذا العلو إليهم ،طالما هم محسنون ،
والساءة إليهم بعقابهم وبإزالة هذا العلو ،طالما هم ُيسيئون وُيصّرون على
الساءة .
ولعلمه المسبق بإفسادهم بعد التمكن من العلو فيها في المرتين ،أخبرهم
سم ،تستشعر من خلله سبحانه بما سيكون منهم مستقبل ،مؤكدا ذلك ِبَق َ
التحّدي اللهي لهم ،كونهم دائبون على تحّديه ،بمحاربة رسله وأولياءه
وشرائعه .وأنهم كلّما علوا في الرض ،سيفسدون فيها ،بالرغم من تحذيرهم
هذا ،معلنين حربهم عليه سبحانه .فينالون غضبه وسخطه عليهم ،مما
صل ذلك منهم ،وعدهم ربهم بأن يبعث عليهم يستوجب العقاب .وعندما يتح ّ
في كل مرة ،عبادا له أولي بأس شديد ،ليعيدونهم إلى موقعهم الحقيقي من
العراب بين المم .
لنؤكد هنا على أن ما ُتخبر عنه سورة السراء حصرا ،هو وعد بعقاب
وعذاب لليهود لفسادهم واستعلئهم في الرض ،بغض النظر عن أي
اعتبارات أخرى ،وفي التعقيب على هذا الخبر ،كانت إحدى الحكم اللهية
ف البشرى للمؤمنين .أما نصر المؤمنين ،من أهل للخبار عنه ،هي ز ّ
فلسطين ،الذين نصروا ال بصبرهم ورباطهم وثباتهم ،فالخبار عنه والوعد
به ،جاء في مواضع أخرى من القرآن ،فل نخلط بين المرين .
من هم هؤلء العباد ،ولماذا هم ،وما الذي يجري في الحقيقة ؟
يؤكد النص القرآني ،في اليات من ) ( 7-5من سورة السراء ،أن العقاب
خرهمل بهم على أيدي بشر .طائفة من خلقه ،س ّ اللهي لبني إسرائيل ،سيح ّ
ال جّلت قدرته ،من أجل القيام بهذه المهمة العظيمة ،واختارهم لهذه المهمة
لتصافهم بالبأس الشديد .وطبيعة هذه المهمة هي النتقام ،وهذا النتقام إلهي
الطابع ،وصفته شديد الوقع والتأثير .وبالتالي من الضرورة بما كان ،أن
90
جه
يمتلك أولئك العباد ،مخزونا هائل وكّما ضخما ،من الحقد والكراهية المو ّ
لبني إسرائيل لسبب أو لخر ،مما أوجد لديهم رغبة شديدة وملحة في النتقام
منهم ،حتى يتوافق ذلك مع مقتضى الرادة اللهية في النتقام ،وليتجلى ذلك
العذاب في أبشع صوره ،كما لو أنه ُأنزل عليهم من السماء .وتوحي اليات
بأن هناك علقة عدائية ،ما بين اليهود وأولئك العباد ،نشأت منذ نهاية علوهم
الول ،وتجّددت مع بداية علوهم الثاني ،واستمرت وتزايدت مع مرور الزمن
،وأن سبق العداء والعتداء اليهودي على أولئك العباد ،سيكون السبب في
خروج أولئك العباد عليهم .ولتوضيح ما خفي بين السطور ،في هذا النص
القرآني الكريم ،سنقوم بطرح مثال قريب إلى أذهاننا .
لنأخذ مثل ،الرادة أو الرغبة في الكل ،وهي عادة ل تأتي عبثا ،وفي
صل لسببين :الشعور بالجوع ،أو لوجود صفة الشراهة في النسان الغالب تتح ّ
شِره يأكل في العادة ،دون الحاجة للشعور بالجوع ،ذلك لنها .والنسان ال َ
طبع ملزم له ،فتخّيل أن إنسانا كهذا ،كان جائعا فضل عن شراهته ،وعند
نزوله من إلى الشارع ،مّر بمطعم ،فشاهد من خلل الواجهة الزجاجية
دجاجة مشوية ،فاستثارته بمنظرها وأسالت لعابه ،بالتأكيد ستتوّلد لديه رغبة
شديدة ،في التهام تلك الدجاجة الشهية على الفور ،للشعور باللذة والمتعة ،
أثناء التهامها .وعندما هّم بالدخول ،تبّين له أن المطعم مغلق للستراحة ،
وحسب اللفتة الموجودة على الباب ،تبين له أن المطعم لن ُيفتح قبل عشر
دقائق .والذي حصل مع صاحبنا ،أنه لم يترك المر ويمضي في حال سبيله ،
بل أخذ المر على أنه موضوع شخصي ،كونه ذو طبع شره ،وكأن الدجاجة
اعتدت عليه بتعّرضها له في الطريق ،وطعنته في مقتل ،فاتخذ قرارا بالنتقام
منها ،لكي ُيزيح عن كاهله ،ذلك الوضع وذلك الشعور المزري ،الذي
فرضته عليه تلك الدجاجة ،بما سّببته له من استثارة واستفزاز .ولكن هل
يستطيع تنفيذ رغبته في النتقام من الدجاجة ؟ كل ! … إذن ل مناص له إ ّ
ل
النتظار ،لحين مجيء الموعد المنتظر ،فقّرر النتظار ريثما يفتح المطعم
… والن تخيل سلوك ذلك النسان ،لحظة فتح الباب وحتى لحظة وقوع
الدجاجة بين يديه … ! وتخيل ما الذي سيفعله بتلك الدجاجة حتى ينتهي من
أمرها … ! وتخيل ما بقي من حطامها … ! وتخيل منظر الطاولة لحظة
النتهاء منها … ! وتخيل منظره لحظة تركه لساحة المعركة … وهو يشعر
بنشوة النتصار … الذي حققه وباقتدار … على تلك الدجاجة المزعجة … !
91
أخبر سبحانه بأن عقابه لبني إسرائيل ،سيكون من فعل البشر ،والسلوك
البشري في بعض من جوانبه ،هو مجموعة من الحوادث المتكررة .وما نحن
بصدده في هذا المقام ،هو القانون الفيزيائي ) لكل فعل رد فعل معاكس له
بالتجاه ( ،ولكن ليس مساو له بالمقدار ،فرد الفعل في السلوك البشري ،
تتدخل فيه عوامل كثيرة ،تغير من مقدار رد الفعل .ومن قراءتنا للنص
القرآني وفهمنا له ،نجد أن هذا العقاب اللهي ،سينفذ في بني إسرائيل على
أيدي بشر ،وسيكون غاية ،في البطش والتنكيل والذلل .
وهذا السلوك البشري ،ل يقوم به إل من كان يعتمل في صدورهم ،رغبة
شديدة في النتقام .ورغبة النتقام لدى البشر ،ل تنشأ عبثا ،فغالبا ما تكون
رّد فعل لفعل سابق .بمعنى أن الرغبة في النتقام لدى شخص ما ،تنتج عادة
لسبق العتداء من قبل شخص آخر ،فغالبا ما يتسبب الشخص المعتِدي ،في
إيقاع الذى ،بالشخص المعتَدى عليه ،سواء كان هذا العدوان جسديا أو
نفسيا ،مما ُيشكل خطرا وتهديدا ،على كيان المعتَدى عليه برّمته ،من حيث
المن والسلمة النفسية والجسدية ،فُيشّكل هذا العدوان استفزازا واستثارة ،
تجعل المعتدى عليه ،يعيش حالة من التوتر والقلق ،تؤدي به أخيرا إلى القيام
برد العدوان ،بعدوان أشد قسوة وأكثر إيلما وتنكيل ،حتى يتخّلص المعتَدى
عليه من تلك الحالة ،بالضافة إلى رد اعتباره أمام نفسه وأمام الخرين ،
ولدرء خطر تكرار العدوان من قبل المعتِدي نفسه أو من قبل غيره .
وفي كثير من الحيان ،يتكرر نفس السلوك البشري ،لشخص ما عند تعرضه
لنفس المثير ،في أوقات مختلفة .وفي أحيان كثيرة يتشابه سلوك شخص ما ،
لدرجة التطابق مع سلوك شخص آخر ،تعرض لنفس الموقف ،وإن اختلف ،
فالختلف إما أن يكون :
أول ؛ في درجة الشدة ،للفعل نفسه من ) شتم ،أو ضرب ،أو إيذاء بليغ أو
قتل ( .
ثانيا ؛ في درجة الشدة لرد الفعل من ) اكتئاب ،أو امتعاض ،أو شتم أو ضرب
أو إيذاء بليغ أو قتل ( .
ثالثا ؛ في طبيعة الشخص المعتدى عليه ) فإن كان ذليل ربما يكتئب ،وإن كان
جبانا ربما يمتعض ،وإن كان قويا فيه لين ربما يشتم أو يضرب ،وإن كان
عزيزا وقويا ربما يؤذي أو يقتل وينكل ( .
92
وبما أن السلوك البشري حدث متكرر ،فهو قابل للدراسة والمقارنة .وسورة
السراء أعطت صورة من صور هذا السلوك ،لولئك العباد في التعامل مع
بني إسرائيل .وتصوير السلوك البشري ،يظهر في مواضع كثيرة ،أثناء
السرد القرآني للقصة ،الذي يعتمد التصوير بإيجاز شديد ،ليلقي على كاهل
القارئ ،تخيل بقية تفاصيل القصة ،التي اختفت بسبب اليجاز ،وما كان
المثال السابق إل ليضاح الجانب الخفي ،مما تحكيه النصوص من أحداث
غير ظاهرة ،تغيب في العادة عن ذهن القارئ ،أثناء التلوة العادية لليات .
ما تحصل لدينا من ملمح لسلوك هؤلء العباد ،ومن أحداث من خلل
اليات ،هو ما يلي :
.1صفة البأس الشديد :اتصاف هؤلء العباد بالقوة والبطش في الحروب .
:قيام بنو إسرائيل بالعتداء على هؤلء العباد ،بعد .2رّد الكّرة
صلهم على العلو الكبير . تح ّ
ظم الظلم والفساد في الرض ،فكلما :متعّلق بِع َ .3مجيء الوعد
ازدادت وتيرته كلما اقترب .
:الخروج للغزو والغارة ،يقترب كلما ازدادت وتيرة .4البعث
الستفزاز والتهديد ،وتناقصت الُمعيقات والموانع .
.5دخول المسجد :سلب مقومات العلو اليهودي في فلسطين .
ظم النتقام وبشاعته ،باليذاء والقتل والتنكيل عَِ : .6إساءة الوجه
والتهجير والسبي .
تتبع وقارن ما بين معطيات السلوكين :
) (1صفة الشراهة ( (2سبق رؤية الدجاجة تسبب في الستفزاز
والثارة ( (3توّلد الرادة والرغبة في الكل ( (4انتظار مجيء
الموعد ) الذي حدده مدير المطعم ( (← (5مجيء الموعد ( (6
النبعاث :فتح الباب وتمكين الوصول ) موظفو المطعم ( (← (7دخول
المطعم ( (8التلذذ والستمتاع بالتهام الدجاجة ( .
) (1صفة البأس الشديد ( (2سبق اليذاء والعتداء تسبب في الستفزاز
والثارة ( (3توّلد الرادة والرغبة في النتقام ( (4انتظار مجيء
93
الموعد ) الذي حّدده سبحانه ( (← (5مجيء الوعد ( (6النبعاث :
إزالة المعوقات وتمكين الوصول ) العلي القدير ( (← (7دخول المسجد
( (8النتقام بالتلذذ والستمتاع بالتنكيل ببني إسرائيل ( .
الملمح الخفية التي ظهرت من خلل المقارنة هي :
.1ضرورة اعتداء بني إسرائيل على أولئك العباد ،بإضرارهم وإيذائهم
بشكل بالغ الثر .
.2توّلد حالة من التوتر والقلق والقهر ،لدى أولئك العباد ُيخّلفها ذلك العدوان
.
.3تولد الرادة والرغبة في النتقام ،لدى أولئك العباد ،برّد الصاع صاعين
،لدفع الذى والضرر ،ورّد العتبار .
.4العمل والستعداد والنتظار ،ريثما تأتي اللحظة المناسبة ،التي ُتمّكنهم
من النقضاض .
والن لنطرح السئلة التالية :
.1من الشعب الذي يمتلك صفة الصبر والجلد عند وقوع البلء ،
والقوة والبطش عند مواجهة العداء ؟
.2من الشعب الذي ُهزم من قبل اليهود عند نشوء دولتهم ،والوحيد
الذي استمر اليهود ،في إيذاءه والعتداء عليه ،بشكل مباشر وغير
مباشر ،وما زالوا حتى يومنا هذا ،وسيستمرون في إيذاءه حتى ُيجبروه
على الخروج عليهم ؟
.3من الشعب الذي ُيظهر رغبة شديدة وملحة في النتقام منهم ،
والقضاء عليهم وإنهاء وجودهم ،وما بقي عليه إل أن ُيهيئ ال له ،
أسباب الخروج والنبعاث ؟
.4من الشعب الذي ُبعث عليهم في المرة الولى ،ودّمر مملكتهم في
فلسطين بالذات ؟ وأين تقع الرض التي خرج منها الن ؟
.5من الشعب العزيز والقوي ،الذي ل يقبل الخضوع والذل
والهوان ،ولديه القوة والقدرة ،ليفاجئهم ويكيل لهم الصاع صاعين ،
ل واقتدار ؟
وينزل بهم أبشع انتقام إلهي ،وبتج ّ
94
شروط ومواصفات المرة :
والن لنحاول استنباط الشروط والمواصفات ،التي يجب توافرها في المرة
الواحدة ،ليصبح لدينا مقياس ينأى بنا ،عن التخبط والعشوائية والجتهاد
الخاطئ ،نستطيع من خلله ،تقييم كل حالة من الحالت المعروضة بين أيدينا
،لجل التحقق وبدقة متناهية ،من كونها إحدى المرتين أم ل -:
أوجه التشابه بين المرتين :
.1المكان :الرض المقدسة -فلسطين .
.2صفة الفساد :أممي جماعي -القتل وسفك الدماء ،إخراج الناس من
ديارهم ،محاربة ال وما جاء به رسله .
.3العلو :الستعلء -امتلك الرض والمال والقوة .
.4صفة المبعوثين :أقوياء وأعزاء -يفضلون الموت على الذل والمهانة ،
ول يقبلون بأقل من رّد الصاع صاعين ،ومخرجهم من نفس الرض ،في
المرتين .
.5صفة العقاب :انتقام إلهي -الدخول بالغلبة قسرا وقهرا ،وهدم مقومات
الدولة ،وإفناء شعبها ،والشتات لمن ينجو منهم .
علمات فارقة تميز كل مرة عن الخرى :
.1النشأة والستمرارية :تواكلية -إحداهما بالتواكل على ال ،
والخرى بالتواكل على الناس .
.2المجيء :مختلف -دخول فلسطين كأمة في الولى ،دخولها
كجماعات متفرقة من الشتات في الثانية .
.3الوعد :الول -تحقق قبل نزول سورة السراء ،والثاني -
سيتحقق في مستقبل المة السلمية .
هل من المكن أن يبعث ال الكفرة وُيسّلطهم على من شاء من عباده ؟
هذا السؤال كان قد أورده الزمخشري في الكشاف ،حيث قال ) " :عبادا لنا (
،وُقرئ عبيدا لنا ،وأكثر ما ُيقال عباد ال ،وعبيد الناس ،سنحاريب وجنوده
وقيل بختنصر … فإن قلت كيف جاز أن يبعث ال الكفرة وُيسّلطهم عليهم ؟
95
قلت :معناه خلينا بينهم وبين ما فعلوا ولم نمنعهم ،على أن ال أسند بعث
ضا ِ ،بَما ن َبعْ ً ظاِلِمي َ
ض ال ّ ك ُنوَّلي َبْع َ الكفرة إلى نفسه ،فهو كقوله تعالى ) َوَكَذِل َ
ن ) 129النعام ( " انتهى . سُبو ََكاُنوا َيْك ِ
أما المام أحمد فقد قال ردا على نفس السؤال " :هذا السؤال إنما يتوجه على
ي ُ ،يوجب على ال تعالى بزعمه ،رعاية ما يتوهمه بعقله مصلحة ،وأما قدر ّ
ن
سَأُلو َ عّما َيْفَعُل َوُهْم ُي ْ سَأُل َسئل هذا السؤال أجاب عنه بقوله َ ) :ل ُي ْ ي إذا ُ سن ّ ال ُ
) 23النبياء ( " انتهى .
صل قبل ول ننسى أن الكلم في المسألة أعله ،محمول على أن البعثين قد تح ّ
نزول اليات ،حيث أجمعت كل الروايات على كفر المبعوثين ،فجاء الكلم
رّدا ،على من قد ينكر على ال ،بعث الكفرة على فسقة أهل الكتاب ،ويحصر
ذلك بالمؤمنين وهما وظنا واتباعا للهوى ُ ،مقّدرا بأن في ذلك كل المصلحة
ب العزة برأيه . والمنفعة ُ ،ملزما ر ّ
وبالضافة لما تقّدم ،نسوق بعض الدلة من القرآن والسنة ،على تسليط ال
الناس بعضهم على البعض ،دون بيان ماهية المعتقد من حيث اليمان أو الكفر
،وحتى نصرة الدين بالفجار :
ل ُذو ن ا َّ ض َوَلِك ّ
ت اَْلْر ُ سَد ِض َلَف َضُهْم ِبَبْع ٍ س َبْع َل الّنا َ قال تعالى ) َوَلْوَل َدْفُع ا ِّ
ن ) 251البقرة ( عَلى اْلَعاَلِمي َضٍل َ َف ْ
صَواِمُع َوِبَيٌعت َ ضُهْم ِبَبْعضٍ َلُهّدَم ْ س َبْع َل الّنا َ وقال أيضا ) َوَلْوَل َدْفُع ا ِّ
ن ا َّ
ل صُرُه ِإ ّ ن َيْن ُ
ل َم ْن ا ُّ صَر ّل َكِثيًرا َوَلَيْن ُ سُم ا ِّجُد ُيْذَكُر ِفيَها ا ْسا ِت َوَم َصَلَوا ٌَو َ
عِزيٌز ) 40الحج ( ي َ َلَقِو ّ
صّلى ا ُّ
ل ل َ ل ا ِّ
سو ِ عْنُه ،عن َر ُ ل َ ي ا ُّضَ ومما روى البخاري عن َأِبي ُهَرْيَرَة َر ِ
ن ِبالّرجُِل ل َلُيَؤّيُد َهَذا الّدي َن ا َّل في معرض حديثه َ … ) :وِإ ّ سّلَم ،أنه َقا َعَلْيِه َو َ
َ
جِر ( ،وأخرجه مسلم وأحمد والدارمي . اْلَفا ِ
فإذا كان الحكيم العليم ينصر دينه بالفجار ،أفل ُيعّذب الكفار بالكفار ؟!!
أولم ُيسّلط ال التتار على فسقة المسلمين قديما ،وُيسّلط التراك والنصارى
واليهود على فسقة المسلمين حديثا ،أم أن هذا التسليط كان من عند غير
ال ؟!!
96
والسؤال هل هناك منفعة أو مصلحة ُ ،ترتجى من بعث الريح والحجارة ،أو
بعث الطير والضفادع ،على القوام السابقة ،طالما أن الغاية هي عقاب
الظلمة والمفسدين ؟!!
الخلصة :
.1أن إفساد بنو إسرائيل وعلوهم سيكون كأّمة ،وبقيام دولة لهم في فلسطين
لمرتين فقط ،ل ثالث لهما .
.2أن البعث من عند ال ،وأنه عقاب وعذاب لبني إسرائيل لفسادهم في
الرض ،في الدرجة الولى ،بالرغم من كونه نصرا للمستضعفين ،من
أهل فلسطين ،الذين انتصروا لربهم ودينهم .
.3أن هذا البعث متعّلق بموعد ،والمؤشر على قرب أجله ،هو ازدياد وتيرة
الظلم والفساد اليهودي .
.4أن غاية هذا البعث ،هي النتقام من بني إسرائيل في الدرجة الولى ،
وليس مكافأة لصلح المبعوثين .
.5أن الوعد الول كان قد ُأنجز فيما مضى ،وقبل مجيء السلم ،بل قبل
عيسى عليه السلم .
.6أن تحقق الوعد الثاني ،اشُترط فيه قبل تحقّقه :
أول :مجيئهم من الشتات ؛
ثانيا :هزيمة اليهود للمبعوثين وإلحاق الذى بهم ؛
ثالثا :اعتماد اليهود على المساعدات المادية والبشرية ؛
رابعا :تفّوق اليهود عسكريا على أعدائهم .
.7أن للبعث الثاني سبب ،وهو سبق العتداء اليهودي على المبعوثين ،وأن
خروج المبعوثين عليهم ،سيكون لرفع الضرر والنتقام لنفسهم .
.8أن المبعوثين عليهم في المرة الثانية ،هم نفس المبعوثين عليهم في المرة
الولى .
.9أن هذا البعث سيكون ُمفاجئا لهم ،وهم في قمة علوهم وتجبرهم ،
وسيأتيهم من حيث ل يحتسبوا ،وسيتم قتل اليهود والتنكيل بهم ،ومن ثم
97
دخول فلسطين والسيطرة عليها ،مع انعدام قدرة اليهود على صّد المبعوثين
.
.10أن الدخول الول يعرفه اليهود ،كمعرفتهم لولدهم ،وليس للمسلمين
معرفة بصفته ،كونهم لم ُيعاصرونه ،إل من خلل كتب اليهود .
.11أن تدمير مقومات علوهم في مشارق الرض ومغاربها ،أمر حتمي ،
ولو بعد حين .
.12أن ماهية المعتقد للمبعوثين ُمبهمة ،فمن الجائز أن يكونوا كفرة أو
مسلمين أو مؤمنين أو من أولياء ال المخلصين ،في كل المرتين ،أو في
مرة دون الخرى ،وأن أهّم ما ُيمّيزهم في كل المرتين ،هو اّتصافهم
بالبأس الشديد .
98
تاريخ وجغرافيا بني إسرائيل في القران
بعد مراجعتي لمعظم اليات القرآنية ،التي تحكي سيرة بني إسرائيل ،تبّين لي
الكثير من الوقائع المبهمة في تاريخهم ،والمفاهيم المغلوطة ،التي كنت أحملها
ويحملها عامة المسلمين ،والتي سيرد تفصيلها في هذا الفصل إن شاء ال .
كنت سأقتصر بحثي في تاريخ بني إسرائيل ،لثبات تحقق وعد المرة الولى
من علو وإفساد وعقاب ،ولكن تبين لي من خلل الحاديث العامة ،وعند
طرحي لموضوع هذا البحث ،أن كثيرا من الناس ،يجهلون تاريخ بني
إسرائيل ،وخاصة ماهّية الحداث التي حصلت معهم ،وموقعها من حيث
الزمان والمكان ،والتي ُذكرت متفرقة في القرآن ،وبل ترتيب في أغلب
الحيان ،ويجهلون أيضا حتى ترتيب أنبياء بني إسرائيل وتعاقبهم ،لذلك
اضطررت لتعقب تاريخهم منذ البداية ،لما فيه من فائدة .
إبراهيم عليه السلم
حسبما ورد عن أهل الكتاب ،أن إبراهيم عليه السلم ،كان مقيما في بلدة أور
حّرُقوُه
ن َقاُلوا اْقُتُلوُه َأْو َب َقْوِمِه ِإّل َأ ْ جَوا َن َ في جنوب العراق َ ) ،فَما َكا َ
ن
ن ) 24العنكبوت ( َ ) ،فآَم َ ت ِلَقْوٍم ُيْؤمُِنو َ لَيا ٍ
ك َ ن ِفي َذِل َ ن الّناِر ِإ ّ ل ِم ْ جاُه ا َُّفَأن َ
حِكيُم ) 26العنكبوت ( ) ، جٌر ِإَلى َرّبي ِإّنُه ُهَو اْلَعِزيُز اْل َ ط َوَقاَل ِإّني ُمَها ِ َلُه ُلو ٌ
ن ) 71النبياء ( ومن ثم ض اّلِتي َباَرْكَنا ِفيَها ِلْلَعاَلِمي َ طا ِإَلى اَْلْر ِ جْيَناُه َوُلو ًَوَن ّ
انتقل إبراهيم ولوط عليهما السلم ،وهو الوحيد الذي آمن له من قومه ،إلى
فلسطين .
وسكن لوط عليه السلم قرية ) سدوم وعمورة ( حسب تسمية التوراة ،في
موضع البحر الميت حاليا ،واستمر إبراهيم عليه السلم على الرجح ،إلى
المدينة المسّماة باسمه لغاية الن – وهي الخليل جنوبي القدس -وسكن فيها ،
وظاهر النص القرآني ،يفيد بأنهما لم يكونا متزوجين ،ولو كانا متزوجين ،
لُذِكَر أهلهما عند النجاة ،كما اقترن ِذْكر الهل مع النبياء ،في كل من حالت
ن
حا ِإْذ َناَدى ِم ْ
النجاة والهجرة ،التي وردت في القران ،كما في الية ) َوُنو ً
ظيِم ) 76النبياء ( ،والية ) َقاَل ب اْلَع ِ
ن اْلَكْر ِجْيَناُه َوَأْهَلُه ِم ْجْبَنا َلُه َفَن ّ
سَت ََقْبُل َفا ْ
ن ) 32العنكبوت ( ن اْلَغاِبِري َ
ت ِم ْ جَيّنُه َوَأْهَلُه ِإلّ اْمَرَأَتُه َكاَن ْ
طا … َلُنَن ّ ن ِفيَها ُلو ً ِإ ّ
ساَر ِبَأْهِلِه ) 29القصص ( ليفيد ذلك أنهما جَل َو َسى اَْل َ ضى ُمو َ ،والية ) َفَلّما َق َ
99
هاجرا منفردين وفي مقتبل العمر ،وأن الزواج حصل بعد القامة ،وعلى
الرجح ،من نفس القوام التي دخلوا عليها وعايشوهاكأفراد ،وال أعلم .
عيَل
سَما ِ
عَلى اْلِكَبِر ِ ،إ ْ
ب لي َ ل اّلِذي َوَه َ حْمُد ِّ قال تعالى على لسان إبراهيم ) اْل َ
عاِء ) 39إبراهيم ( ،ومرت سنون طويلة ،وبعد سِميُع الّد َن َرّبي َل َ ق ِ ،إ ّ حا َ سََوِإ ْ
ل وعل إسماعيل أول من أن تقدم إبراهيم عليه السلم في العمر ،وهبه ال ج ّ
ق بإسحاق في شيخوخته ،من سارة هاجر ،فأسكنه وأمه في مكة ،ومن ثم ُرِز َ
التي أصبحت عجوزا ،ومن ثم ُوِلَد يعقوب لسحاق عليهما السلم ،قال تعالى
ب )(71 ق َيْعُقو َحا َ سَ
ن َوَراِء ِإ ْ ق َوِم ْحا َسَشْرَناَها ِبِإ ْت َفَب ّ
حَك ْضِ) َواْمَرَأُتُه َقاِئَمٌة َف َ
ب ) 72هود ( جي ٌ عِ يٌء َش ْن َهَذا َل َ خا ِإ ّ
شْي ً
جوٌز َوَهَذا َبْعِلي َ عُ َقاَلتْ َيَوْيَلَتا َأَأِلُد َوَأَنا َ
.
مسألة بناء البيت الحرام والمسجد القصى :
ن )96 س َلّلِذي ِبَبّكَة ُمَباَرًكا َوُهًدى ِلْلَعاَلِمي َ ضَع ِللّنا ِ ت ُو ِن َأّوَل َبْي ٍ قال تعالى ) ِإ ّ
آل عمران ( .
ضَع َأّولَ
جٍد ُو ِ سِ ي َم ْل َأ ّل ا ِّسو َ ت َ :يا َر ُل ُ ) :قْل ُعْنُه َ ،قا َل َ ي ا ُّ ضَن َأِبي َذّر َر ِ عْ
وَ
صى ، جُد اَْلْق َ سِ ل ُ :ثّم اْلَم ْي ؟ َقا َت ُ :ثّم َأ ّ
حَراُم ُ ،قْل ُجُد اْل َ سِل :اْلَم ْ؟ َقا َ
لُة
صَك ال ّ حْيُثَما َأْدَرَكْت َ
لَ : ن ُ ،ثّم َقا َ
ل َ :أْرَبُعو َ ن َبْيَنُهَما ؟ َقا َ
ت َ :كْم َكا َُقْل ُ
جٌد ( رواه البخاري ،وأخرجه مسلم والنسائي سِك َم ْض َل َصّل َ ،واَْلْر ُ َف َ
وابن ماجة وأحمد .جاء في شرح السندي ،لنفس المتن عند ابن ماجة ،
ضَع أول ( بالبناء على الضمة ) ،قال أربعون عاما ما نصه " :قوله ) ُو ِ
( قالوا :ليس المراد بناء إبراهيم للمسجد الحرام ،وبناء سليمان للمسجد
القصى ،فإن بينهما مدة طويلة بل ريب ،بل المراد بناؤها قبل هذين
البناءين ،وال أعلم " .
ومن معاني ) الوضع ( ،في لسان العرب " والمواضع معروفة ،وواحدها
موضع ،والموضع هو اسم المكان ،وفي الحديث " :ينزل عيسى بن مريم
ضُع العلم " أي
ضُع الجزية " ،فتوضع الجزية وتسقط ،وفي الحديث " :و َي َ فَي َ
ضَعًا أي اختلقه وأوجده ،ووضع ضَع الشيء َو ْ
يهدمه ويلصقه بالرض ،وَو َ
الشيء في المكان ،أثبته فيه " .
100
ي ( ،وذلك يفيد بأن
ضَع ( بأي حال من الحوال بمعنى ) ُبِن َ ت ) ُو ِ
ولم تأ ِ
الوضع كان للقواعد فقط .وقد ُروي أن آدم عليه السلم ،هو أول من
بنى الكعبة ،واتخذت مكانًا لعبادة ال ،ومن ثم تحول الموضع لعبادة
الصنام ،وأزيلت معالم ذلك البناء ،بفعل الطوفان زمن نوح عليه
السلم ،واختفت هذه القواعد نتيجة تراكم التربة ،على مّر السنين .
ض مبني للمجهول ، ضَع ( في كل الموضعين ،هو فعل ما ٍ وإعراب ) ُو ِ
أي أن فاعل الوضع غير معلوم في النص ،وجاءت بمعنى تعيين وتحديد
مكان البيت ،وهناك روايات بأن الملئكة كشفت لدم عن موضعه ،
ساحي الراضي ،نستطيع القول أن عندما بناه لول مرة .وبلغة م ّ
) ُوضع ( ،جاءت بمعنى تحديد وإسقاط إحداثيات الموقع على الرض ،
وتثبيت حدوده .
ول يختلف اثنان ،على أن من أعاد بناء البيت الحرام ،هما إبراهيم وإسماعيل
ن َلت َأ ْن اْلَبْي ِ
عليهما السلم ،بدللة قوله تعالى ) َوِإْذ َبّوْأَنا ِلْبَراِهيَم َمَكا َ
جوِد )26 سُن َوالّرّكِع ال ّ ن َوالَْقاِئِمي َ طاِئِفي َ
طّهْر َبْيِتي ِلل ّشْيًئا َو َ
ك ِبي َ شِر ْ
ُت ْ
الحج ( ،بّوأنا أي كشفنا وأظهرنا له موضعه ومكّناه منه وأذنا له في
بنائه ،ومن ثم كان البناء برفعه فوق القواعد ،في قوله ) َوِإْذ َيْرَفُع
عيُل ) 127البقرة ( ،والغاية من بناءه سَما ِ ت َوِإ ْ
ن اْلَبْي ِ
عَد ِم ِْإْبَراِهيُم اْلَقَوا ِ
هو جعله مكانا للعبادة ،بما تشمله من طواف وقيام وركوع وسجود ،
لمن يستجيبوا لرسالة السلم ،كما ورد في الية أعله ،التي كان
يحملها إسماعيل عليه السلم ،المقيم في ذلك المكان ) َواْذُكْر ِفي اْلِكَتا ِ
ب
سوًل َنِبّيا ) 54مريم ( . ن َر ُ عِد َوَكا َق اْلَو ْ
صاِد َ ن َ عيَل ِإّنُه َكا َسَما ِ
ِإ ْ
106
فذهبوا ليستظلوا بها ،فنزل بهم العذاب ،وبقي في القرية من آمن لشعيب عليه
السلم من قومه وهم قلة .
مقام موسى في مدين :
سىع َ ن … ( ،خرج موسى من مصر وحيدا َ ) ،قاَل َ جَه ِتْلَقاَء َمْدَي َ
) َوَلّما َتَو ّ
سِبيِل ) 22القصص ( ،ولم يكن يملك من أمره ،إل سَواَء ال ّ ن َيْهِدَيِني َ َرّبي َأ ْ
حسن ظّنه بربه عز وجل ،حتى صار إلى مدين .فلبث موسى عليه السلم )
( 10-8سنين في أهلها ،لقوله تعالى على لسان شعيب عليه السلم ) َقاَل ِإّني
ن َأْتَمْم َ
ت ج َفِإ ْ
جٍحَ
ي ِجَرِني َثَماِن َن َتْأ ُ
عَلى َأ ْ
ن َ
ي َهاَتْي ِ
حَدى اْبَنَت ّ ك ِإ ْ
حَ ن ُأْنِك َ
ُأِريُد َأ ْ
ك … ) 27القصص ( وتزوج فيها ورعى الغنم ،وتعرف إلى عْنِد َ
ن ِ شًرا َفِم ْ ع ْ َ
ن ِفي َأْهِل
سِني َ
ت ِأهلها وعرفوه ،وعرف سهولها وجبالها ووديانها َ ) ،فَلِبْث َ
ن…(. َمْدَي َ
العودة إلى مصر :
ساَر ِبَأْهِلِه )
جَل َو َ
سى اَْل َ
ضى ُمو َ
وبعد أن قضى المدة المطلوبة منه َ ) ،فَلّما َق َ
صل عليه من أغنام ،تسّيره أقدار ربه . 29القصص ( غادرها مع أهله وما تح ّ
وكان خط مسيره ،وال أعلم ،باتجاه الجنوب ،شرقي البحر الميت باتجاه
مصر ،حيث انحدر بأهله إلى وادي عربة ،جنوب البحر الميت ،فض ّ
ل
عَلى َقَدٍر ت َ جْئ َ
الطريق ،وهناك أتاه هاتف السماء ،لذلك قال تعالى ) … ُثّم ِ
سى ) 40طه ( ،إلى موضع الوحي ،في الوقت المقّدر .فأوكله ال بحمل َيُمو َ
الرسالة إلى فرعون ،وأمره بالتوجه إلى مصر ،ومن هناك سار – بخط شبه
مستقيم -مجتازا صحراء النقب جنوب فلسطين ،وصحراء سيناء باتجاه بوابة
مصر البرية من الشرق ،ومن ثم سار جنوبا باتجاه القاهرة ،حيث إقامة
فرعون وقومه .
تحديد الموقع الجغرافي ،للمكان الذي أوحي فيه ،إلى موسى عليه السلم :
نزل الوحي إلى موسى مرتين ؛ الوحي الول :هو الذي ُكلف به موسى بحمل
الرسالة ،وما بعث به إلى فرعون وبني إسرائيل ،أثناء عودته إلى مصر ،
بعد خروجه من مدين ،والوحي الثاني :هو الشريعة الجديدة التي ُكتبت في
اللواح لبني إسرائيل ،بعد خروجهم من مصر ،في الطريق إلى الرض
107
المقدسة ،ويعتقد الكثيرون أن الوحي نزل على موسى ،على جبل سيناء
الواقع في صحراء سيناء المصرية ،وهذا غير صحيح ،حيث لم يوجد أي
نص في القرآن يفيد ذلك .والواقع أن هذه تسمية الصحراء المصرية بصحراء
سيناء ،استندت إلى ما جاء في التوراة ،مع أن التوراة لم ُتحّدد موقع
الصحراء أو الجبل .
وتذكر التوراة في سفر الخروج ،أن بني إسرائيل مروا على التوالي ،بثلثة
صحارى ،هي الواردة في النص التالي بالترتيب :22 :15 " :ثم ارتحل
جهوا نحو صحراء شور :27 ،ثم موسى بإسرائيل من البحر الحمر ،وتو ّ
بلغوا إيليم … :1 :16ثّم انتقلوا من إيليم حتى أقبلوا على صحراء سين ،
الواقعة بين إيليم وسيناء " .
وجاء في نص آخر :1 :17 " :وتنقل بنوا إسرائيل على مراحل ،من صحراء
سين … إلى أن خّيموا في رفيديم … :2 :19فقد ارتحل السرائيليون من
رفيديم إلى أن جاءوا إلى برية سيناء ،فنزلوا مقابل الجبل فصعد موسى للمثول
أمام ال ،فناداه الرب من الجبل … : 20ونزل الرب على قمة جبل سيناء …
"
وهذه النصوص ُتشير إلى أن جبل سيناء ،هو اسم الجبل الذي ُأوحي بجانبه
إلى موسى ،وأن برية سيناء هي تسمية ،للمكان الواقع مقابل جبل سيناء .وأن
برية سيناء هي البعد عن مصر ،كونها كانت آخر الصحارى التي مّروا بها ،
أثناء مسيرهم ،باتجاه بوابة الرض المقّدسة شرقي نهر الردن ،والترجمات
العربية للتوراة ،ل ُتمّيز بين القفر ،أي الخلء غير المأهول بالسّكان ،وبين
الصحارى الرملية القاحلة .
ن طوال أربعين سنة ، وجاء في التوراة " :35 :16واقتات السرائيليون بالم ّ
حتى جاءوا إلى تخوم أرض كنعان العامرة بالسكان " .وهذا النص الكاذب
ن والسلوى كانت تنّزل عليهم طيلة أربعين سنة ،قبل والمضّلل ،يقول أن الم ّ
وصولهم إلى مشارف فلسطين ،أي قبل أن ُيطلب منهم الدخول إلى الرض
المقدسة ،وقبل أن يحكم عليهم بسنوات التحريم والتيه الربعين .والصحيح أن
ن والسلوى كانت تنّزل عليهم خلل مسيرهم في الصحراء ،وهي مدة الم ّ
قصيرة ،أما سنوات التحريم والتيه الربعين – سنوات الغضب اللهي -فلم
يكن يتنّزل عليهم شيء .
108
وتسمية الصحراء المصرية بسيناء ،وذكر التوراة أن بني إسرائيل عاشوا فيها
أربعين سنة يأكلون المن والسلوى .ضّللت حتى اليهود أنفسهم ،الذين بحثوا
ونقبوا فيها طويل ،عن أي أثر لمقامهم فيها ،ولكن دون جدوى ،مما اضطر
بعض الباحثين اليهود مؤخرا ،إلى تكذيب معظم روايات التوراة ،ونشر
الكثير من آرائهم ونتائج أبحاثهم في الصحف .
أما كلمة الطور فقد وردت في القرآن ) (10مرات (8) ،منها بلفظ ) الطور (
جَرًةشَ معّرفة بأل التعريف ،بمعنى الجبل ،وواحدة بلفظ ) طور سيناء ( ) َو َ
ن ) 20المؤمنون ( ،وواحدة لِكِلي َ
صْبٍغ ِل ْ
ن َو ِت ِبالّدْه ِ
سْيَناَء َتْنُب ُ
طوِر َ ن ُخُرجُ ِم ْ َت ْ
طوِر ن )َ (1و ُ ن َوالّزْيُتو ِ بلفظ ) طور سينين ( بنفس المعنى السابق َ ) ،والّتي ِ
ن ) 2التين ( .وسيناء وسنين لغة ،إذا لم تمنع من الصرف ،أي لحقها سيِني َِ
التنوين جّرا ونصبًا ،فإنها تعني كثرة الشجر ،وإذا ُمنعت من الصرف ،كما
هو الحال هنا فهي اسم ،والكلمات ) طور وسيناء وسينين ( ألفاظ أعجمية ،
ومما تقدم نستطيع القول بأن ) طور سيناء ( اسم لجبل معروف لبني إسرائيل ،
ي بجانبه إلى بمعنى ) جبل الغابة ( ،وهو في الحقيقة ،اسم الجبل الذي أوح َ
عّرف هذا الجبل من خلل القرآن ،بأنه موسى ،حسب تسمية التوراة له ،وقد ُ
ُينبت التين والزيتون .والمقصود بكلمة ) الطور ( المعّرفة بألف ولم ،أينما
جاءت في القرآن ،هو طور سيناء أو سينين ،والطور هو سلسلة جبال
فلسطين ،التي تربض على تللها مدينة القدس ،والتي هي في الصل جبل
واحد ،يمتد من مدينة نابلس شمال إلى مدينة الخليل جنوبا .
طوِرب ال ّ
جاِن ِن َ س ِم ْ
ساَر ِبَأهِْلِه ،آَن َ جَل َو َ
سى اَْل َ ضى مو َ قال تعالى ) َفَلّما َق َ
جْذَوٍةخَبٍر َ ،أْو َت َناًرا َ ،لَعّلي آِتيُكْم ِمْنَها ِب َ
س َُناًرا َ ،قاَل َِلْهِلِه اْمُكُثوا ِ ،إّني آَن ْ
ن ) 29القصص ( قلنا أن موسى عليه السلم ،كان قد طُلو َ صَن الّناِر َ ،لَعّلُكْم َت ِْم ْ
ل طريقه بعد خروجه من مدين باتجاه مصر ، ،لقوله عليه السلم ) َلَعّلي ضّ
خَبٍر ( فوجد نفسه في أحد الودية .ودخوله إلى الوادي كان عن آِتيُكْم ِمْنَها ِب َ
طريق انحداره ،بواد فرعي جنوب البحر الميت ،وكان ذلك ليل ،وفي طقس
بارد جدا .وأثناء التخييم هناك ،كان يلتفت يمنة ويسرة ،بحثا عن الدفء
والهداية ،فآنس نارا من جانب الجبل ،فاتجه إليها بعد أن استأذن أهله ،ليأتيهم
بجذوة منها لجل الدفء ،أو يجد من يرشده إلى طريقه ،ولكنه لم يجد نارا ،
ولم يجد في المكان أحد .
109
نور ل نار :
شجََرِة ) ن ال ّ
) َفَلّما َأَتاَها … ( ،أي النار ،وقف تحتها ) ِفي اْلُبْقَعِة اْلُمَباَرَكِة ِم ْ
30القصص ( وفي الواقع لم تكن نارا ،بل كانت نور في شجرة ،وهي
شْرِقّيٍة َوَلجَرٍة ُ ،مَباَرَكٍة َ ،زْيُتوِنٍة َ ،ل َ شَ الشجرة الموصوفة في قوله سبحانه ) َ
سُه َناٌر ) 35النور ( ،وهي س ْ ضيُء َ ،وَلْو َلْم َتْم َ غْرِبّيٍة َ ،يَكاُد َزْيُتَها ُي ِ
َ
) شجرة ( ) ،وزيتونة ( ) ،ومباركة ( ،أي تقع في بقعة من الرض ،ينبت
فيها شجر الزيتون ،وهي أرض مباركة ،وقوله ) ل شرقية ول غربية ( ،
أي ل في الجانب الشرقي من وادي عربة ،ول في الجانب الغربي منه ،فهي
في منتصف الوادي تقريبا ،وقوله ) يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ( ،
أي لها وهج من نور ،وليس ذلك من اشتعال نار فيها ،فهي مضيئة من تلقاء
نفسها ،وقوله ) يكاد زيتها يضيء ( ،أي أن الضاءة ناتجة عن زيت
الشجرة ،فل يكون ذلك إل وهي مثمرة ،فالزيت يوجد في الثمر ،وتشكل
الزيت في الثمر ،ل يكون إل في بداية فصل الشتاء ،ويؤيد ذلك طلب موسى
عليه السلم للدفء ،ليتأكد لنا أن دخوله إلى بطن وادي عربة ،كان في فصل
ي من تحتها في الوادي المقدس ،هي نفس الشتاء ،وأن الشجرة التي نود َ
الشجرة الموصوفة في سورة النور ،ول أدري لماذا يتملكني شعور قوي ،بأن
هذه الشجرة قائمة في ذلك المكان إلى اليوم ،في منطقة موحشة ومقفرة وغير
مأهولة ،تضيء كلما أثمرت ،في فصل الشتاء .
) َفَلّما َأَتاَها ( وقف حائرا أمامها ،يتفّكر في أمرها ،حيث أنه لم يجد ما جاء
يسعى إليه ،فل نار ول ناس ُيشعلونها ،وأثناء شروده ،وفي سكون الليل ) ،
ن ) 30القصص ( ،أي من ئ اْلَواِدي اَْلْيَم ِ طِ شا ِ ن َ سى ) 11طه ( ) ِم ْ ُنوِدي َيُمو َ
ن ) 52مريم ( ،أي من طوِر اَْلْيَم ِ ب ال ّ جان ِ ن َ الجانب اليمن من الوادي ِ ) ،م ْ
ي ) 44القصص ( ،أي ب اْلَغْرِب ّ جاِن ِ
الجانب اليمن للجبل ،وليس اليسر ِ ) ،ب َ
ي ،وهذا تحديد جغرافي بالغ الدقة لمكان الوحي . الجبل الغرب ّ
أتاه النداء باسمه ممن يعرفه ،وذلك مما آنس موسى ،ليبّدد سكون ذلك الليل
الموحش ،ويقطع عليه شروده وتأمله ،ول أخاله إل قد أجفل عليه السلم ،
ك ( مطمئنا ولما التفت إلى مصدر النداء ،خاطبه رب العزة قائل ) ِإّني َأنا َرّب َ
طًوى )12طه ( فأمره س ُ ك ِباْلَواِدي اْلُمَقّد ِ ك ِإّن َ
خَلْع َنْعَلْي َ
إياه ومعّرفا بنفسه َ ) ،فا ْ
بخلع نعليه – إذ هو في حضرة ملك الملوك – ليتجه حافي القدمين ،سائرا في
110
جّيا)52الجانب المقدس من الوادي ،صوب الجبل ،قال تعالى ) َوَقّرْبَناُه َن ِ
مريم ( أي كان الكلم مناجاة ،والمناجاة عادة تستدعي القرب .
نحن نعلم أن الرض المباركة والمقّدسة هي أرض فلسطين ،وبما أن الوادي
الذي نزل فيه موسى واد مقّدس ،فل بد له من يكون واقعا في الرض المقّدسة
،وبما أن الشجرة نبتت في بقعة مباركة ،فل بد لها من أن تكون قائمة في
الرض المباركة ،وبما أن شجرة سورة النور زيتونة مباركة ومضيئة ،فلبد
لها من أن تكون هي الشجرة ،التي رآها موسى فظن نورها نارا ،في بطن
وادي عربة ،وال أعلم .
وعندما اقترب موسى ،بما فيه الكفاية لبدء المناجاة ،ناجاه ربه قائل ) َوَأنا
عُبْدِني َ ،وَأِقْم
ل َ ،ل ِإَلَه ِإّل َأَنا َفا ْحى )ِ (13إّنِني َأَنا ا ُّ سَتِمْع ِلَما ُيو َ
ك َ ،فا ْ
خَتْرُت َ
اْ
لَة ِلِذْكِري ) 14طه ( فأمره بتوحيده ،وإفراده بالعبادة ،وإقامة الصلة ، صَ ال ّ
ي العصا واليد وكّلفه بحمل الرسالة ،والذهاب لدعوة فرعون ومن ثم منحه آيت ّ
طَغى ) 24طه( .وفي ن ِإّنُه َ عْو َب ِإَلى ِفْر َ
ودعوة بني إسرائيل إلى ال ) ،اْذَه ْ
الصباح عاين موسى عليه السلم المكان ،وحفظه عن ظهر قلب ،فهو المكان
الذي تغّير فيه مجرى حياته عليه السلم ،ولم كان يعلم عليه السلم ،ما يدّبره
رب العزة من أقدار ،ستأتي به إلى هذا المكان في قادم اليام ،عند خروجه
بقومه من مصر ،متجها إلى بوابة الرض المقدسة ،حيث كان في أرض
مدين .
موسى في مصر :
كنت أعتقد وربما يشاركني كثيرون أيضا ،أن ُمقام موسى في مصر ،ل
يتجاوز عدة أيام أو عدة أشهر على أبعد تقدير ،ولكن تبين لي أني كنت مخطئا
،فالحداث والوقائع التي مرت مع موسى عليه السلم كثيرة ،وتحتاج إلى
سنوات عديدة ،وأظنه مكث هناك ما ل يقل عن 30عاما ،يدعوا فرعون
ن َتَبّوَأا ِلَقْوِمُكَما
خيِه َأ ْ
سى َوَأ ِحْيَنا ِإَلى ُمو َ
وقومه وبني إسرائيل أيضا َ ) ،وَأْو َ
ن )87 شْر اْلُمْؤِمِني َلَة َوَب ّ
صَ
جَعُلوا ُبُيوَتُكْم ِقْبَلًة َوَأِقيُموا ال ّ
ِبِمصَْر ُبُيوًتا َوا ْ
يونس ( فلو تفكرت في الية الكريمة ،لتبينت أن طلبه سبحانه ببناء البيوت ،
وجعلها باتجاه بيت المقدس ،وَأْمِره إياهم بإقامة الصلة فيها ،ما كان إل لطول
ُمقام ،ولو كان ُمقامهم قصيرا أو عارضا ،لما أمرهم بذلك .والجدل بين
موسى عليه السلم وفرعون ،أخذ زمنا طويل ،بدءا باللقاء الول الذي
111
عرض فيه موسى رسالته ،وما أّيدها به من آيات – العصا واليد – ولقاء يوم
ل
ن َياَأّيَها اْلَم َُ
عْو ُ
الزينة حيث التقى موسى بالسحرة ،وبناء الصرح ) َوَقاَل ِفْر َ
حاصْر ً
جَعل ِلي َ ن َفا ْ
طي ِعَلى ال ّ
ن َ غْيِري َفَأْوِقْد ِلي َياَهاَما ُ
ن ِإَلٍه َ
ت َلُكْم ِم ْ
عِلْم ُ
َما َ
ن ) 38القصص ( . ن اْلَكاذِِبي َ
ظّنُه ِم ْ
سى َوِإّني َل ُطِلُع ِإَلى ِإَلِه ُمو َ
َلَعّلي َأ ّ
بناء الهرامات :
الصرح هو البناء الضخم والمرتفع ،وأعتقد أن الهرامات الثلثة ،هي ما ُأمر
هامان ببنائها ،من قبل فرعون ،لينظر إلى إله موسى .وفيما بعد اّتخذت تلك
الصروح ،مقابر ومدافن .
حصت مادة بناء الهرامات ،لتبين أنها من الطين المشوي ،لدللة قوله إذ لو ُف ِ
ن ( ،إذ يخبر سبحانه – وما إعلمه لنا طي ِ
عَلى ال ّ
ن َتعالى ) َفَأْوِقْد ِلي َيَهاَما ُ
بذلك عبثا -بأنهم كانوا يستخدمون الطين في البناء ،وليس الحجارة كما يعتقد
علماء الثار ،الذين حاولوا جاهدين لتفسير اللية المعقدة والمستحيلة ،في رفع
تلك الصخور ذات القطع الكبير ،إلى قمة الهرم حيث لم يكن لديهم رافعات
عملقة .وهذا الخبر يكشف حقيقة ،ربما لم تخطر ببال علماء الثار من قبل ،
ويجعل كيفية البناء غاية السهولة ،حيث كان عبيد فرعون ومنهم بني
إسرائيل ،ينقلون الطين – وليس الصخور والحجارة -ويضعوه في قوالب
مثبتة على الهرم نفسه ،وكل لبنة في موقعها ،وينتظرون الَلِبن حتى يتماسك ،
لينزعوا القوالب ،وكلما أنجزوا مرحلة ،قاموا بتثبيت القوالب مرة أخرى ،
على ما تّم إنجازه ،وبدءوا بنقل الطين ليفرغوه فيها ،وهكذا دواليك ،حتى
يكتمل بناء الهرم .ومن الداخل ستجد أن قلب الهرم مفرغ ،وستجد أن هناك
سراديب طويلة غير نافذة ،تتوّزع بكافة التجاهات ،والغاية منها توزيع
ي الطين الجاف ،وهي عملية الحرارة ،عند إشعال النار في قلب الهرم لش ّ
تحتاج إلى وقت طويل نظريا ،ولكن مع كثرة العبيد فالمر مختلف ،واللية
بسيطة وليست معقّدة ،ول توحي بأن الفراعنة كانوا جبابرة وأشداء ،فبناة
ي الطين قد تم على الهرام هم العبيد وليس الفراعنة أنفسهم ،وربما يكون ش ّ
صين لنفيها أو إثباتها
مراحل ،وليس دفعة واحدة .وهذه الفكرة مطروحة للمخت ّ
،وبذلك تكون الهرامات ،رمزا من رموز الكفر والعصيان والتمرد والتحدي
الفرعوني ل ورسوله ،ويكون أبو الهول هو إله المصريين القدماء ،قبل أن
ُيعلن فرعون ربوبيته ،تحديا لموسى عليه السلم وربه .
112
وبالضافة إلى تلك الحداث ،التي وقعت أثناء تواجد موسى في مصر ،ما
وقع في قوم فرعون من البلء الذي أنزله ال ،وكلما كشف عنهم بلء أرسل
ع َوالّدَم
ضَفاِد َجَراَد َواْلُقّمَل َوال ّ ن َواْل َ طوَفا َ عَلْيِهُم ال ّ
سْلَنا َعليهم آخر َ ) ،فَأْر َ
ن ) 133العراف ( .وستجد جِرِمي َسَتْكَبُروا َوَكاُنوا َقْوًما ُم ْ ت َفا ْ ل ٍصَ ت ُمَف ّ َءاَيا ٍ
سردت ما مّر بقوم فرعون من وقائع ،أثناء تواجد موسى في مصر ،قد ُ
بإيجاز في اليات ) (136 – 103من سورة العراف ،واليات )(90 – 85
من سورة النمل ،ومواضع أخرى متفرقة في القرآن الكريم .
لُه ِزيَنًة َوَأْمَواًل ن َوَم َ عْو َت ِفْر َك آَتْي َ سى َرّبَنا ِإّن َ وفي نهاية المطاف ) َوَقاَل ُمو َ
عَلىشُدْد َ عَلى َأْمَواِلِهْم َوا ْ س َ طِم ْ ك َرّبَنا ا ْسِبيِل َ ن َ عْضّلوا َ حَياِة الّدْنَيا َرّبَنا ِلُي ِِفي اْل َ
ب الَِْليَم ) 88يونس ( أي الغرق ،فاستجيبت حّتى َيَرْوا اْلَعَذا َ ل ُيْؤِمُنوا َ ُقُلوِبِهْم َف َ
ق َقاَلحّتى ِإَذا َأْدَرَكُه اْلَغَر ُدعوة موسى ،وهذا بالضبط ما حصل مع فرعون ) َ
ن ) 90يونس ( سِلِمي َن اْلُم ْسَراِئيَل َوَأَنا ِم ْ ت ِبِه َبُنو ِإ ْ آَمْنتُ َأّنُه لَ ِإَلَه ِإلّ اّلِذي آَمَن ْ
ولو تمعنت في قوله ،لتبينت أنه لم يؤمن ،لقوله ) الذي آمنت به بنو إسرائيل (
،وأغلبية بني إسرائيل لم تكن تؤمن بال ،ولم يقل ال أو إله موسى تكبرا
وعلوا .
فمن أصّر على المعصية وانتهاك حدود ال بكافة أشكالها ،والكفر بكافة أشكاله
،وعن علم بها وبعقوبتها ،ومّنى النفس بقول ) ل إله إل ال ( عند الموت
معلنا التوبة ،أّنه لن يوفق بقولها آنذاك ،لن قولها ُيوجب الجنة ،وهي لم
تكتب لهؤلء .ووجوب الجنة يحتاج لدفع الثمن ،وتوفير الثمن اللزم لها ،
يحتاج إلى جّد واجتهاد وصبر ل محدود ،وأن من كانت تلك الكلمة آخر عهده
بالدنيا ُ ،كتبت له الجنة ،وما أصعب تذّكرها وقولها ،أما هؤلء فإن
تذّكروها ،تلعثموا بها فلم تؤد معناها ،فل توبة مع إصرار ،قال تعالى )
سَتْغَفُروا
ل َ ،فا ْ سُهْم َ ،ذَكُروا ا َّ ظَلُموا َأْنُف َ شًة َ ،أْو َ ح َن ِإَذا َفَعُلوا َفا ِ َواّلِذي َ
عَلى َما َفَعُلوا َ ،وُهْم َيْعَلُمو َ
ن صّروا َ ل َ ،وَلْم ُي ِ ب ِإّل ا ُّ
ن َيْغِفُر الّذُنو َ ِلُذُنوبِِهْم َ ،وَم ْ
ت، سّيَئا ِن ال ّن َيْعَمُلو َ ت الّتْوَبُة ِ ،لّلِذي َ س ْ) 135آل عمران ( ،وقال أيضا ) َوَلْي َ
ن َوُهْم ن َيُموُتو َ ن َ ،وَل اّلِذي َ لَ تا ْ ت َ ،قاَل ِإّني ُتْب ُ حَدُهْم اْلَمْو ُ ضَر َأ َ
ح َ حّتى ِإَذا َ َ
عَذاًبا َأِليًما ) 18النساء ( . عَتْدَنا َلُهْم َ ك َأ ْ
ُكّفاٌر ُ ،أْوَلِئ َ
ومعظم مسلمي هذا العصر ،إل ما رحم ربي ،وهم قلة ُيعّدون على أصابع
اليد الواحدة ،في بعض البلدان المسماة بالسلمية ،سلكوا هذا المنهج الذي
113
حّذر منه رب العزة ) ،جماعة كل شيء بحسابه ( ،والغلبية هم غثاء كغثاء
السيل ،فل فائدة فيهم أو ُترتجى منهم ،فإن لم يكفر أحدهم بال أشرك في
عبادته ،ومن لم يستجب ويطع ،تولى وعصى .والوثان كثيرة هذه اليام ،
ل عديدة .صحيح أنها ليست من الحجر أو التمر ،ولكنها أدهى واّتخذت أشكا ً
وأمّر ،فنحن حاشى ل أن نعبد الحجارة ،وكل ما نقّدسه فقط ،كرسي ورصيد
في البنك وعمارة ،وتلفزيون وستاليت وخلوي ،وشقراء أو سمراء في سّيارة
.وناهيك عن المعاصي من أكل ربا ،وسرقة وخيانة وتبرج وزنا ،وقطع
رحم ،وأكل لحم ،وشرب خمر ودم ،وشتم وسب وذم .
خروج موسى ببني إسرائيل من مصر :
طِريًقا ِفي ب َلُهْم َضِر ْ
سِر بِعَباِدي َ ،فا ْ ن َأ ْ
سى َأ ْحْيَنا ِإَلى ُمو َقال تعالى ) َوَلَقْد َأْو َ
شى ) 77طه ( ،نتبين من ذلك أن خروج خ َ
ف َدَرًكا َوَل َت ْ
خا ُ سا َ ،ل َت َ حِر َيَب ً
اْلَب ْ
موسى بقومه إلى البحر ،كان بوحي من ربه ،وإن لم يخب ظني فقد اتجه
صوب البحر الحمر مباشرة ،أقصى الشمال من خليج السويس ،وبعد أن
خرج بقومه من البحر ،اتجه شرقا وشمال بخط شبه مستقيم ،متجاوزا
صحراء سيناء وصحراء النقب ،حيث المدخل الجنوبي لوادي عربة ،وسار
شمال في بطن الوادي ،حتى الجبل المعهود جنوب البحر الميت ،ليستقبل
الوحي بناءا على الموعد المسبق ،الذي ضرب بينه وبين ربه ،بعد النجاة من
عْدَناُكْم
عُدّوُكْم َوَوا َ
ن َجْيَناُكْم ِم ْ
سَراِئيَل َقْد َأن َ
فرعون وقومه ،قال تعالى ) َيَبِني ِإ ْ
ن ) 80طه ( ،وهذه الية تدل على عدم مكوثهم لفترة طويلة طوِر الَْْيَم َجاِنبَ ال ّ َ
،في أي من صحراء سيناء أو النقب ،وأن وجهتهم كانت حيث المكان
الموعود ،وكان موسى يستعجل المسير وهم يبطئون ،وبعد تلقيه الوحي ،وما
كان منهم معاصي في بطن الوادي ،صعد بقومه إلى المرتفعات الشرقية ،
ودخل الردن عن طريق الوادي الذي نزل به في المرة السابقة ،ملتفا حول
مملكة الدوميين ومملكة الموآبيين شرقي البحر الميت ،ليصل إلى مكان إقامته
السابق ،حيث كان سفيرا لبني إسرائيل – ولم يكن يعلم بذلك آنذاك -في مدين
قرية شعيب عليه السلم ،لُيَمّهد لهم طيب القامة فيها مستقبل .
114
ترتيب الحداث التي مرت بموسى وبني إسرائيل خلل تلك الرحلة الطويلة
116
ومن ثم ،أخبره ربه بأن قومه ُفتنوا من بعده ،بعبادتهم للعجل الذهبي الذي
ي )85 ساِمرِ ّضّلُهْم ال ّ ك َوَأ َ ن َبْعِد َ
ك ِم ْ ابتدعه السامري َ ) ،قاَل َفِإّنا َقْد َفَتّنا َقْوَم َ
سى ِلَقْوِمِه ، طه ( ،وكانت عقوبة الشرك بال غاية في القسوة َ ) ،وِإْذ َقاَل ُمو َ
سُكْم ،
جَل َ ،فُتوُبوا ِإَلى َباِرِئُكْم َفاْقُتُلوا َأنُف َ خاِذُكْم اْلِع ْ سُكْم ِباّت َ
ظَلْمُتْم َأنُف َ
َيَقْوِم ِإّنُكْم َ
حيُم ) 54البقرة ( ، ب الّر ِ عَلْيُكْم ِ ،إّنُه هَُو الّتّوا ُ ب َ عْنَد َباِرِئُكْم َ ،فَتا َخْيٌر َلُكْم َِذِلُكْم َ
وتوحي هذه الية بأن المر كان ُملزما ،وقبول التوبة كان مشروطا بقتل
النفس ،فمن رغب في التوبة آنذاك ممن عبدوا العجل ،قتل نفسه حقيقة وُقبلت
خُذوا اْلعِجَْل ن اّت َ ن اّلِذي َتوبته ،ومن لم يقتل نفسه ،قال فيهم سبحانه ِ ) ،إ ّ
ن )152 جِزي اْلُمْفَتِري َ ك َن ْحَياِة الّدْنَيا َوَكَذِل َن َرّبِهْم َوِذّلٌة ِفي اْل َ ب ِم ْ ض ٌ غ َسَيَناُلُهْم ََ
العراف ( .
ظْر ِإَلى
ي ) َواْن ُ وبالنظر في قوله تعالى ،على لسان موسى مخاطبا السامر ّ
سًفا ) 97طه ( ، سَفّنُه ِفي اْلَيّم َن ْ حّرَقّنُه ُثّم َلَنْن ِعاِكًفا َلُن َعَلْيِه َ
ت َ ظْل َك اّلِذي َ ِإَلِه َ
حّرق وُرمي في البحر ،وأقرب بحر لمقام بني نجد أن العجل الذهبي ،قد ُ
إسرائيل في وادي عربة ،هو البحر الميت .
اللقاء الثاني والرجفة ونتق الجبل :
وبناءً على ما كان منهم ،اختار موسى ) (70رجل من أفضلهم ،للعتذار عما
ل ِلِميَقاِتَنا َ ،فَلّما
جًن َر ُ سْبِعي َ
سى َقْوَمُه َ خَتاَر ُمو َفعله السفهاء من قومه ) َوا ْ
ي َ ،أُتْهِلُكَنا ِبَما َفَعَل
ن َقْبُل َوِإّيا َ
ت َأْهَلْكَتُهْم ِم ْ
شْئ َ
ب َلْو ِ جَفُة َ ،قاَل َر ّ خَذتُْهْم الّر َْأ َ
شاُء َ ،أْن َ
ت ن َت َ شاُء َوَتْهِدي َم ْ ن َت َ
ضّل ِبَها َم ْ ك ُت ِ
ي ِإّل ِفْتَنُت َ
ن ِه َسفََهاُء ِمّنا ِ ،إ ْ ال ّ
ن ) 155العراف ( فشهدوا الوحي خْيُر اْلَغاِفِري َ
ت َحْمَنا َوَأْن َ غِفْر َلَنا َواْر َ
َوِلّيَنا َفا ْ
بمعية موسى عليه السلم دون سماعه ،وشعروا بوجود خالقهم وقدرته ،
ومقدار حنقه وغضبه عليهم ،بأن زلزل الرض من تحت أرجلهم .
ي عشر بالسهر على تطبيقه ،والحكم بما
أخذ الميثاق ،وإلزام النقباء الثن ّ
جاء فيه :
عرض عليهم الميثاق ليلتزموا به ،ويلزموا أتباعهم على القيام به ، وهناك ُ
ويتحملوا مسؤولية نقضه ،فترّددوا وأَبْوا ،فرفع سبحانه فوقهم الجبل ،
وأجبرهم على أخذه بالقوة ،ولو أصّروا على الرفض لطبقه عليهم ،فقبلوه
على مضض ،وكان ال أعلم بما يعتمل في صدورهم ،ولكنه غفور رحيم ،
117
خُذوا َما آَتْيَناُكْم ِبُقّوٍة طوَر ُ خْذَنا ميَثاَقُكْم َوَرَفْعَنا َفوَْقُكْم ال ّ حيث قال فيهم َ ) ،وِإْذ َأ َ
جَل ِبُكْفِرِهْم ُ ،قْل شِرُبوا ِفي ُقُلوِبِهْم اْلِع ْ صْيَنا َ ،وُأ ْ ع َ سِمْعَنا َو َ سمَُعوا َ ،قاُلوا َ َوا ْ
ن ) 93البقرة ( .فاختير من السبعين ن ُكنُتْم ُمْؤِمِني َ سَما َيْأُمُرُكْم ِبِه ِإيَماُنُكْم ِإ ِْبْئ َ
رجل ) (12نقيبا ،بعدد السباط ) أي قبائل بني إسرائيل ( وهم الذين ُتسميهم
التوراة بالقضاة .وهذا نص الميثاق الذي ُألزموا بالعمل على تطبيقه ،
ق َبِني ل ِميَثا َ خَذ ا ُّ بالضافة إلى الوصايا الواردة في سورة النعام ) َوَلَقْد َأ َ
ن َأَقْمُتْمل ِإّني َمَعُكْم َ ،لِئ ْ شَر َنِقيًبا َ ،وَقاَل ا ُّ ع َ ي َ سَراِئيَل َ ،وَبَعْثَنا ِمْنُهْم اْثَن ْ ِإ ْ
ضا
ل َقْر ً ضُتْم ا َّ عّزْرُتُموُهْم َ ،وَأْقَر ْ سِلي َو َ لَة َ ،وآَتْيُتْم الّزَكاَة َوآَمْنُتْم ِبُر ُ صَ
ال ّ
حِتَها اَْلْنَهاُر ، ن َت ْجِري ِم ْ ت َت ْجّنا ٍ
خَلّنُكْم َسّيَئاِتُكْم َ ،وَُلْد ِ عْنُكْم َ ن َ سًنا َُ ،لَكّفَر ّ ح ََ
سِبيلِ ) 12المائدة ( . سَواَء ال ّ ضّل َ ك ِمْنُكْم َ ،فَقْد َ ن َكَفَر َبْعَد َذِل َ
َفَم ْ
رفض المن والسلوى وطلب القثائيات ،والحكم عليهم بالنزول في موطن
زراعتها :
كانت مدة المكث بادئ المر في الصحراء بسيطة ،وذلك لتذّمرهم وعدم
ن والسلوى ،فحكم عليهم سبحانه بإكمال صبرهم على طعام واحد ،أي الم ّ
صِبَر
ن َن ْ سى َل ْ المسير ،المقّدر مسبقا ،بقوله على لسان موسى ) َوِإْذ ُقْلُتْم َيُمو َ
ن َبْقِلَها َوِقّثاِئَها
ض ِم ْ
ت اَْلْر ُ ج َلَنا ِمّما ُتْنِب ُ
خِر ْ ك ُي ْع َلَنا َرّب َ
حٍد َفاْد ُ
طَعاٍم َوا ِعَلى ََ
طوان اّلِذي ُهَو َأْدَنى ِباّلِذي ُهَو خَْيٌر اْهِب ُ سَتْبِدُلو َ
صِلَها َقاَل َأَت ْسَها َوَب َ عَد َِوُفوِمَها َو َ
صرًا ( منونًة ،ولم سَأْلُتْم ) 61البقرة ( ،وحيث أنه قال ) ِم ْ ن َلُكْم َما َ صًرا َ ،فِإ ّ
ِم ْ
صَر ( بدون تنوين ،فهي غير مصر التي خرجوا منها ،وإنما جاءت يقل ) ِم ْ
ن لكم ما سألتم ( تعني أن هذا هنا بمعنى ) بلدًا ( نكرة وغير معّرفة ،وقوله ) فإ ّ
البلد يتمّيز ،بأن فيه ما سأله بني إسرائيل من نبيهم ،من عدس وبصل
وغيره ،ولو تساءلنا عن موقع هذا البلد ،القريب من الرض المقدسة ،الذي
يتميز بخصوبة أراضيه ،ووفرة مياهه من ينابيع وآبار ،ويصلح لزراعة
القّثائيات ،بالتأكيد ستكون الجابة الرض الواقعة ،شرق نهر الردن ،وفي
السفوح الغربية للجبال المطلة على فلسطين ،وبالتحديد قرية مدين التي يعرفها
موسى ،ويعرف مّيزاتها وخصائصها ،وال أعلم ،والتي كان أهلها قد هلكوا
بعذاب يوم الظّلة ،قبل أو بعد خروج موسى منها ،ليرثها بنوا إسرائيل مع
القلة المؤمنة ،من قوم شعيب التي نجت من العذاب .
118
دخول مدين والُمقام فيها :
غًدا َواْدخُُلوا شْئُتْم َر َ
ث ِ حْي ُخُلوا َهِذِه اْلَقْرَيَة َفُكُلوا ِمْنَها َ قال تعالى ) َوِإْذ ُقْلَنا اْد ُ
ن ) 58البقرة ( ، سِني َح ِ
سَنِزيُد اْلُم ْ
طاَياُكْم َو َخَ طٌة َنْغِفْر َلُكْم َحّ جًدا َوُقوُلوا ِ سّ ب ُ اْلَبا َ
شْئُتْم
ث ِ حيْ ُسُكُنوا َهِذِه اْلَقْرَيَة َوُكُلوا ِمْنَها َ وقال في آية أخرى ) َوِإْذ ِقيَل َلُهْم ا ْ
ن) سِني َ
ح ِسَنِزيُد اْلُم ْ
طيَئاِتُكْم َ خِ جًدا َنْغِفْر َلُكْم َ
سّب ُ خُلوا اْلَبا َ طٌة َواْد ُ حَّوُقوُلوا ِ
جًزاعَلْيِهْم ِر ْ
سْلَنا َغْيَر اّلِذي ِقيَل َلُهْم َفَأْر َظَلُموا ِمْنُهْم َقْوًل َ ن َ َ (161فَبّدَل اّلِذي َ
ن ) 162العراف ( ،ولم يكن المقصود بهذه ظِلُمو َ سَماِء ِبَما َكاُنوا َي ْ ن ال ّ
ِم ْ
القرية ،الرض المقدسة ،كونهم دخلوها حربا ،بعد موسى عليه السلم
سكنت حقيقة ،بدخولها بل قتال بمعية بأربعين عاما على القل ،وهذه القرية ُ
موسى عليه السلم ،وقد بّدل الذين ظلموا منهم –أي الُعصاة – القول والهيئة
عند الدخول ،فأرسل عليهم سبحانه رجزا من السماء .
شْئُتْم ( و قوله لهم في النص الخر ) ث ِ حْي ُوقوله قبل الدخول ) َوُكُلوا ِمْنها َ
غًدا ( يوحي بأنها سكنى مؤقتة ،ولم يكن لديهم علم ، شْئُتْم َر َ
ث ِ حْي ُ َفُكُلوا ِمْنَها َ
بأنه سيكون هناك ما بعدها ،وهو الستعداد والتهيئة لدخول الرض المقدسة ،
فأفشلوا أنفسهم في الدخول الول لتلك القرية ،فاستحقوا غضب ال عليهم ،
وأفشلوا أنفسهم عندما ُأمروا بالدخول الثاني بل حرب ،فأفشلهم ال وأذهب
غًدال ِمْنَها َر َ ريحهم .وقد قيلت هذه العبارة ،لدم عليه السلم وزوجه ) َوُك َ
شْئُتَما ) 35البقرة ( ،قبل دخوله الجنة ،ولم يكن لديهما علم بأن القامة ث ِ حْي ُ
َ
فيها مؤقتة ،وأن هناك ما بعدها ،وسيحاطون به علما عند وقوعه ،وفي
موعده المقدر المضمر في علم ال ،ولكن بعد فوات الوان .وإن لم تكن مدين
،هي القرية التي دخلها بنوا إسرائيل وأقاموا فيها ،فهي قرية تقع في نفس
المنطقة ،وال أعلم .
الخسف بقارون ،ورحلة موسى والفتى ،وذبح البقرة :
أقام بنو إسرائيل في مدين بمعية موسى -على ما يبدو -سنين عديدة ،
واطمأنوا بها وإليها ،وطاب لهم المقام فيها ،حيث الزراعة وتربية المواشي
والتجارة ،وهذا هو ديدنهم ،ومن الحداث التي وقعت فيها ،قصة البقرة ) ،
خُذَنا ُهُزًوا َقاَل
حوا َبَقَرًة َقاُلوا َأَتّت ِ
ن َتْذَب ُ
ل َيْأُمُرُكْم َأ ْ
ن ا َّ سى ِلقْوِمِه ِإ َّوِإْذ َقاَل ُمو َ
ن ) 67البقرة ( ،وقصة سفر موسى حيث جاِهِلي َ ن اْل َن ِم ْن َأُكو َ
ل َأ ْ
عوُذ ِبا ِّ
َأ ُ
119
حّتى َأْبُلغَح َسى ِلَفَتاُه َل َأْبَر ُ مجمع البحرين ،لللتقاء بالعالم َ ) ،وِإْذ َقاَل ُمو َ
حقًبا ) 60الكهف ( وقصة قارون المعروفة ِ ) ،إ ّ
ن ي ُ ضَن َأْو َأْم ِ
حَرْي ِ
جمََع اْلَب ْ
َم ْ
حُهن َمَفاِت َ
ن اْلُكُنوِز َما ِإ ّ علْيِهْم َوآَتْيَناُه ِم ْ
سى َفَبَغى َ ن َقْوِم ُمو َن ِم ْن َكا ََقاُرو َ
ن)حي َ ب اْلَفِر ِح ّ
ل َل ُي ِ ن ا َّ
ح ِإ ّ صَبِة ُأوِلي اْلُقّوِة ِإْذ َقاَل َلُه َقْوُمُه لَ َتْفَر ْ
َلَتُنوُء ِباْلُع ْ
76القصص ( .
المر بدخول الرض المقّدسة وتحريمها عليهم وتيههم شرقي النهر :
وبعد مدة من مكثهم في مدين ،أمرهم موسى بدخول الرض المقدسة
) فلسطين ( ،ولم تكن هناك حاجة للقتال آنذاك ،فرفضوا وعصوا ،لقلة
وانعدام إيمانهم ،وأخلدوا إلى الرض ،وتذّرعوا بحجج واهية ليبّرروا
اتكاليتهم وعجزهم ،فدعا موسى ربه ليحكم بينه وبينهم ،فاستجاب له ربه ) ،
عَلى اْلَقْوِم
س َض َفل َتْأ َ
ن ِفي اَْلْر ِ
سَنًة َيِتيُهو َ
ن َ
عَلْيِهْم َأْرَبِعي َ
حّرَمٌة َ
َقاَل َفِإّنَها ُم َ
ن ) 26المائدة ( ،فكان تحريم الدخول لمدة أربعين سنة ومن ثم التيه سِقي َ اْلَفا ِ
في الرض .
والتيه لغة الحيرة والضلل ،ورجل تائه وتّياه ،إذا كان جسورا يركب رأسه
في المور ،وفي الحديث :إنك امرؤ تائه ،أي متكبر أو ضال متحّير .
حرموا من قيادة النبياء ،بأن ال والمراد من ذلك أنهم ُتركوا على رؤوسهم ،و ُ
تخلى عنهم وحرمهم من رعايته لهم ،ورفع عنهم الوحي وتركهم بل هداية ،
بعد موت موسى عليه السلم ،على مدى 40سنة ،ولم ُيقصد بالتيه الضياع
والتشّرد المكاني ،في صحراء سيناء ،كما كنا نعتقد سابقا .والصحيح أنهم
حافظوا على تواجدهم ،كأمة مكونة من 12جماعة شرقي نهر الردن ،
وُأوكلت قيادة كل جماعة إلى أحد النقباء الثني عشر ،كل حسب السبط الذي
ينتمي إليه ،بعد انقطاع قيادة الوحي ،وهذا مما ينفي نبوة فتى موسى المسمى
بيوشع بن نون .وهنا تتضح الحكمة من جراء إلقاء مسؤولية حفظ الميثاق
وإقامته ،على النقباء الثني عشر بعد وفاة موسى وانقطاع الوحي والعناية
اللهية .وهذا ما حاول مؤّلفو التوراة إخفاءه بتبديل مواضع الكلم ،فجعلوا
المن والسلوى ،تتنّزل عليهم لمدة أربعين سنة في الصحراء ،وهي عدد سنين
التحريم والتيه ،التي كانوا يأكلون فيها البصل والعدس .
ويّدعي كتبة التوراة أن بني إسرائيل ،أثناء قدومهم إلى الرض المقدسة ،
بمعية موسى عليه السلم ،قد قاتلوا أقواما كثيرة ،شرق نهر الردن
120
وانتصروا عليها ،ويّدعون أيضا أنهم هاجموا الكنعانيين بعد موسى ،وهدموا
أسوار مدينة أريحا بمعية يوشع بن نون ،وأنهم أقاموا زمن القضاة غرب النهر
.وهذا كله محض افتراء وتلفيق ،فكيف يقاتل من طلب منه مجرد الدخول ولم
يدخل ،ولفظ الدخول في القرآن يوحي بانتفاء القتال .والحوار الذي دار بين
موسى وقومه لدخولها ،تجد نصه كامل في اليات ) (27 – 20المائدة .
زمن الخبار بنص نبوءة الفساد والعلو في الرض :
وبعد مدة يسيره من الزمن من ذلك الحكم ،كشف موسى عليه السلم النقاب
عن النبوءة موضوع هذا الكتاب ،وأخبر عنها قبل أن ينتقل إلى جوار ربه .
وتركهم في غيهم وطغيانهم يعمهون ،كما حكم عليهم ربهم ،وُأوكل المر من
بعده إلى النقباء الثني عشر أصحاب الميثاق ،ليحفظوا التوراة ،وليحكموا
بين الناس بما جاء فيها ،ومن ذلك اليوم انتقلت مسؤولية حفظ التوراة
والشريعة إلى أناس عاديين ،فبدأ ظهور الحبار ،قال تعالى ) ِإّنا َأنَْزْلَنا
ن َهاُدوا ، سَلُموا ِ ،لّلِذي َ
ن َأ ْ
ن اّلِذي َ
حُكُم ِبَها الّنِبّيو َ
الّتْوَراَة ِفيَها ُهًدى َوُنوٌر َ ،ي ْ
شَهَداَء )44 عَلْيِه ُل َ ،وَكاُنوا َ ب ا ِّن ِكَتا ِ
ظوا ِم ْ حِف ُسُت ْ
حَباُر ِبَما ا ْ
ن َوالَْ ْ
َوالّرّباِنّيو َ
المائدة ( .
طلب الُملك لدخول الرض المقّدسة بعد نهاية سنوات التيه :
ن ُكِتبَ
سْيُتْم ِإ ْ
ع َل َقاَل َهْل َ سِبيِل ا ِّ ث َلَنا َمِلًكا ُنَقاِتْل ِفي َ ي َلُهُم اْبَع ْ ) ِإْذ َقاُلوا ِلَنِب ّ
جَنا ِم ْ
ن خِر ْ ل َوَقْد ُأ ْسِبيِل ا ِّ عَلْيُكُم اْلِقَتاُل َألّ ُتَقاِتُلوا َقاُلوا َوَما َلَنا َأّل ُنَقاِتَل ِفي َ َ
ن
ظاِلِمي َ
عِليٌم ِبال ّل َ ل ِمْنُهْم َوا ُّ عَلْيِهُم اْلِقَتاُل َتَوّلْوا ِإّل َقِلي ً
ب َ ِدَياِرَنا َوَأْبَناِئَنا َفَلّما ُكِت َ
)(246
وبعد انقضاء سنون التيه الربعون ،التي عاشوا خللها شرقي نهر الردن .
ُبعث فيهم نبيا ،يّدعون أن اسمه ) صمويل ( .وربما لتعرضهم لضيق العيش
والضطهاد والغزو ،من قبل الممالك المجاورة شرقي النهر ،طلبوا من هذا
سَراِئيَل ِم ْ
ن ن َبِني ِإ ْ ل ِم ْالنبي ،أن يبعث لهم ملكا ،قال تعالى ) َأَلْم َتَر ِإَلى اْلَم َِ
ل ) 246البقرة ( سِبيِل ا ِّ ث َلَنا َمِلًكا ُنَقاِتْل ِفي َ ي َلُهْم اْبَع ْ سى ِ ،إْذ َقاُلوا ِلَنِب ّ َبْعِد ُمو َ
بغية دخول الرض المقدسة التي كتب ال لهم ،فُبعث لهم طالوت ملكا ،وأنزل
ال لهم التابوت تحمله الملئكة ،آية لملكه ،كونهم ل يؤمنون إل بما هو
121
ظم صفوفهم ،واجتاز بهم نهر الردن ،فشربوا منه إل محسوس ،فأعّدهم ون ّ
قليل .
وكانت المواجهة مع الكنعانين – على الرجح في سهول أريحا – ) َفَهَزُموُهْم
ت ( وقتل داود -الذي كان من جنود طالوت - جاُلو َ
ل َوَقَتَل َداُووُد َ
ن ا ِّ
ِبِإْذ ِ
جالوت قائد الكنعانيين ،ودخلوا القدس .ومن ثم انتقل الُملك لداود عليه
عّلَمُه ِمّما
حْكَمَة َ ،و َ
ل اْلُمْلكَ َواْل ِ
السلم ،بغض النظر عن الكيفية َ ) ،وآَتاُه ا ُّ
شاُء ) 251البقرة ( ،ونص هذه الحداث كامل ،تجده في اليات )– 246 َي َ
(251البقرة ،وكانت هذه أول معركة يقاتل فيها بنو إسرائيل ،وكان جيشهم
يتألف من القلة المؤمنة ،التي لم تكن قد شربت من النهر ) نهر الردن ( ،
وكان هذا هو الدخول الول لبني إسرائيل إلى الرض المقدسة .
داود عليه السلم يؤسس أول دولة لليهود في القدس :
ن
ب َواْلحُْكَم َوالّنُبّوَة َوَرَزْقَناُهْم ِم ْ
سَراِئيَل اْلِكَتا َقال تعالى ) َوَلَقْد آَتيَنا َبِني ِإ ْ
ن ) 16الجاثية ( ،هذه الية تشير إلى أن هناك عَلى اْلَعاَلِمي َ
ضْلَناُهْم َ ت َوَف ّ
طّيَبا ِ
ال ّ
خمسة أمور اجتمعت لبني إسرائيل ،وهي الكتاب أي الشريعة التي تركها لهم
موسى عليه السلم ،والحكم أي الملك ،والنبوة أي الوحي ،والسعة في الرزق
،والتفضيل باختيارهم لحمل الرسالة السماوية في ذلك الزمان ،وقد اجتمعت
هذه المور الخمسة في زمن مملكتهم الولى في الرض المقدسة ،حيث كان
داود عليه السلم أول ملوكها .
ملك داود عليه السلم :
معظم اليات التي أخبرت عن داود وملكه ،كانت ترّكز على شخص داود ،
حيث اّتصف عليه السلم بالورع والتقوى وكثرة العبادة ،والعلم والقوة مع
شيء من اللين في المعاملة ،وتوحي بأن شغله الشاغل ،كان توطيد أركان
ب ) 20ص ( ، طا ِ
خَصَل اْل ِ
حْكَمَة َوَف ْ
شَدْدَنا ُمْلَكُه َوآَتْيَناُه اْل ِ
دولته الحديثة َ ) ،و َ
وإعداد ما استطاع من قوة للدفاع عن دولته الصغيرة ،التي كانت محصورة
في بيت المقدس وما حولها ،من هجمات القوام المجاورة لها من الكنعانيين ،
ولم يكن يسعى لتوسيع رقعة الدولة ،كون المة السرائيلية آنذاك كانت قليلة -
وهي لم تكثر إل في العصر الحديث ،وبالتحديد بعد الحرب العالمية الثانية ،
122
حيث ُرفع عنهم القتل -ولم تكن تستدعي امتلك مساحة كبيرة من أرض
فلسطين .
صفة الجبن الملزمة لليهود ومعالجتها بابتكار داود للدروع الحربية :
شاِكُرونَ سُكْم َفَهْل َأْنُتمْ َ ن َبْأ ِصَنُكْم ِم ْ ح ِس َلُكْم ِلُت ْصْنَعَة َلُبو ٍ
عّلْمَناُه َ قال تعالى ) َو َ
) 80النبياء ( ،والضمير ) كم ( في كلمتي ) لكم ( و ) بأسكم ( ،يعود على
المخاطبين بالقرآن ،وهذا خبر يفيد أن داود عليه السلم ،هو أول من ابتكر
الدروع الحربية الحديدية ،وأول من استعملها هم بنو إسرائيل ،وهذا يكشف
طبيعة الجبن فيهم ،والحرص على الحياة ،والخوف من الموت ،وكرههم
شَرُكوا ) 96البقرة ( ن َأ ْن اّلِذي َ حَياٍة وَِم ْعَلى َ س َ ص الّنا ِحَر َ جَدّنُهْم َأ ْ
للقتال َ ) ،وَلَت ِ
وصناعة داود لها يدل على معرفته بطبيعتهم تلك ،فقد قالوا لموسى من قبل )
ن) عُدو َ ل ِإّنا َهاُهَنا َقا ِ ك َفَقاِت َت َوَرّب َب َأْن َخَلَها َأَبًدا َما َداُموا ِفيَها َفاْذَه ْ ن َنْد ُ
ِإّنا َل ْ
صلة في نفوسهم ، 24المائدة ( ،فالجبن والتواكل على الغير ،طبيعة متأ ّ
وانظر إلى قولهم ) وربك ( وليس ) وربنا ( ،فهو رب موسى ،وليس بربهم ،
ن اْلَقْوِمق َبْيَنَنا َوَبْي َ
فما كانوا مؤمنين ،لذلك قال فيهم موسى عليه السلم ) َفاْفُر ْ
ن ) 25المائدة ( ،وكان أغلبهم فاسقين وعصاة ومعتدين ،حتى في سِقي َاْلَفا ِ
ن
ن اّلِذي َزمن طالوت وداود وسليمان وعلى مر العصور ،حيث قال تعالى ) ُلِع َ
صْواع َ ك ِبَما َ ن َمْرَيَم َذِل َسى اْب ِ عي َ ن َداُووَد َو ِ سا ِ
عَلى ِل َسَراِئيَل َ ن َبِني ِإ ْ َكَفُروا ِم ْ
ن ) 78المائدة ( ،فكما تأّذى موسى عليه السلم َ ) ،وِإْذ َقاَل َوَكاُنوا َيْعَتُدو َ
غوال ِإَلْيُكْم َفلَّما َزا ُسوُل ا ِّ ن َأّني َر ُ سى ِلَقْوِمِه َياَقْوِم ِلَم ُتْؤُذوَنِني َوَقْد َتْعَلُمو َ ُمو َ
ن ) 5الصف ( تأّذى منهم داود سِقي َل َل َيْهِدي اْلَقْوَم اْلَفا ِ ل ُقُلوَبُهْم َوا ُّ غ ا َُّأَزا َ
عليه السلم وهو أول ملوكهم ،وتأّذى منهم عيسى عليه السلم وهو آخر
أنبيائهم ،ومن وقع بينهما من النبياء .
شرب أغلبهم من النهر ،عند عبورهم مع طالوت إلى فلسطين ولم يكن ُ
عطشا ،وإنما ليستثنيهم طالوت من الخروج في الجيش للقتال ،وما زالوا
يفتعلون الحجج للتهرب من القتال حتى في دولتهم الحالية ،فهم يدفعون بأبنائهم
إلى المدارس الدينية ،لتجنيبهم الخدمة العسكرية .فابتكر عليه السلم الدروع
الحديدية ليلبسوها في حروبهم ،مع الشعوب المجاورة ،التي على ما يبدو
كانت تغزوهم باستمرار ،لعلها تدخل شيئا من الطمئنان إلى تلك القلوب
الوجلة ،وتدفعهم إلى الذود عن حمى مملكتهم .ولو نظرت إلى واقعهم
123
المعاصر ،لوجدتهم يلبسون الدروع الواقية من الرصاص ،حتى في مواجهة
صنون وراء السيارات المصفحة ،أو يقاتلون من وراء الحجارة ،وتجدهم يتح ّ
جدر من السمنت المسلح ،وهذا ما يفضحهم به القرآن في مواضع كثيرة ) ،
شِديٌد
سُهْم َبْينَُهْم َ
جُدٍر َبْأ ُ
ن َوَراِء ُ صَنٍة َأْو ِم ْ
ح ّ جِميًعا ِإلّ ِفي ُقًرى ُم َ َل ُيَقاِتُلوَنُكْم َ
ن ) 14الحشر ( . ك ِبَأّنُهْم َقْوٌم َل َيْعِقُلو َشّتى َذِل َ
جِميًعا َوُقُلوُبُهْم َ
حسَُبُهْم َ َت ْ
طد أركان الدولة :
سليمان عليه السلم يو ّ
125
سليمان هو أول من بنى المسجد القصى :
ن ْبنَ سلَْيَما َ
ن ُ سّلَم َ ) :أ ّعَلْيِه َو َ
ل َ صّلى ا ُّ
ل َ ل ا ِّ
سو ِ ن َر ُعْ عْمٍرو َ ن َ ل ْب ِ
عْبِد ا ِّ
ن َعَْ
لًل جّل خِ َ عّز َو َ ل َ سَأَل ا َّسَ ، ت اْلَمْقدِ ِسّلَم َ ،لّما َبَنى َبْي َ
عَلْيِه َو َ ل َ صّلى ا ُّ َداُوَد َ
عّز َوجَّل ل َ سَأَل ا َّحْكَمُه َفُأوِتَيُه َ ،و َف ُ صاِد ُ حْكًما ُي َجّل ُ عّز َو َ ل َ سَأَل ا َّلَثةً َ ، َث َ
ن ِبَناِءغ ِم ْ ن َفَر َحي َ جّل ِ عّز َو َ ل َسَأَل ا َّ
ن َبْعِدِه َفُأوِتَيُه َ ،و َ
حٍد ِم ْ ُمْلًكا لَ َيْنَبِغي لَِ َ
طيَئِتِه
خِن َ جُه ِم ْخِر َن ُي ْلُة ِفيِه َ ،أ ْ صَ
حٌد َل َيْنَهُزُه ِإّل ال ّن َل َيْأِتَيُه َأ َ جِد َ ،أ ْسِاْلَم ْ
َكَيْوِم َوَلَدْتُه ُأّمُه ( رواه النسائي وأحمد وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان
والحاكم بأسانيدهم ،وصححه اللباني .
هذا الحديث يؤكد :
.1أن مملكة داود وسليمان ،أي مملكة بني إسرائيل الولى ،كانت في
فلسطين .
.2أن سليمان عليه السلم ،بنى مدينة بيت المقدس .
.3أن سليمان عليه السلم ،هو أول من بنى المسجد القصى .
وأما التسمية بالمسجد فهي التسمية السلمية له ،وجاءت بعد حادثة السراء ،
وأما في عهد سليمان عليه السلم ،فقد جاءت تسميته في القرآن بالصرح ) ،
ح ( ،وأما الترجمة العربية للتوراة فأعطته اسم الهيكل ، صْر َخِلي ال ّ ِقيَل لََها اْد ُ
والمعنى لكلتا التسميتين واحد ،وهو البناء الضخم المرتفع .وعلى كل الحوال
فإن المسجد القصى القائم حاليا ،يجثم في نفس المكان الذي أقيم فيه صرح
سليمان ،والغريب أن الكثير من أئمة المسلمين وعامتهم ،ينكرون هذه الحقيقة
،ربما ظنا منهم أن اعترافهم بها ،يعطي الصهاينة حقا في هدم المسجد ،وبناء
هيكلهم مكانه ،وُيسقط أحقّية المسلمين فيه ،وُيضعف موقفهم في الدفاع عنه ،
حتى وصل المر ببعضهم إلى مخالفة النص القرآني ،وإنكار حتى تواجدهم
في الرض المقدسة جملة وتفصيل .
قبلة اليهود هي الصخرة المشّرفة :
صه " قال المام احمد ،حدثنا اسود بن
جاء في البداية والنهاية لبن كثير ،ما ن ّ
عامر ،ثنا حماد بن سلمة ،عن أبي سنان ،عن عبيد بن آدم ،وأبي مريم وأبي
شعيب :أن عمر بن الخطاب ،كان بالجابية فذكر فتح بيت المقدس ،قال :قال
126
ابن سلمة ،فحدثني أبو سنان ،عن عبيد بن آدم سمعت عمر يقول لكعب " :
أين ترى أن أصلي " ،قال " :إن أخذت عني صليت خلف الصخرة ،وكانت
القدس كلها بين يديك " ،فقال عمر " :ضاهيت اليهودية .ل ،ولكن أصلي
حيث صلى رسول ال صلى ال عليه وسلم " ،فتقدم إلى القبلة فصلى ،ثم جاء
فبسط ردائه ،وكنس الكناسة في ردائه ،وكنس الناس .وهذا إسناد جيد ،
اختاره الحافظ ضياء الدين المقدسي ،في كتابه المستخرج " .
وجاء في تاريخ الطبري في رواية أخرى ،أن عمر أجاب كعب بقوله " :فإنا
لم نؤمر بالصخرة ولكّنا ُأمرنا بالكعبة " .
ونقول أن مفاد الرواية أن كعب ،لما أشار على عمر بالصلة خلف الصخرة ،
أراد منه أن يجمع القبلتين في صلته ،فأبى عمر وصلى ،جاعل وجه تلقاء
الكعبة ،والصخرة من وراء ظهره .
الصلة في الشريعة الموسوية :
لنوضح المر ،نحتاج إلى معرفة طبيعة العبادة في شريعة موسى عليه
السلم ،فالصلة لديهم كانت تؤّدى بشكل فردي في البيت أو فيما ُيسّمى
خيِه ، سى َوَأ ِ حْيَنا ِإَلى ُمو َ
بالمحراب ،في المعبد المقدس ) أي الهيكل ( َ ) ،وَأْو َ
شرِ
لَة َ ،وَب ّ صَجَعُلوا ُبُيوَتُكْم ِقْبَلًة َ ،وَأِقيُموا ال ّصَر ُبُيوًتا َ ،وا ْ
ن َتَبّوآ ِلَقْوِمُكَما ِبِم ْ َأ ْ
ن ) 87يونس ( ،والمحراب عبارة عن غرفة صغيرة منعزلة ، اْلُمْؤِمِني َ
صصة للصلة والدعاء والذكر ،والغلب أنها كانت تقام مرتفعة عن مخ ّ
الرض ،وهي أشبه ما يكون بالعلّية أو السّدة ،وقد ارتبط ذكر المحراب في
القرآن ،بأنبياء بني إسرائيل الوائل في فلسطين داود وسليمان َ ) ،وَهْل َأَتا َ
ك
ب ) 21ص ( ،وبآخر أنبيائهم زكريا ويحيى ) حَرا َ
سّوُروا اْلِم ْ صِم ِإْذ َت َ
خ ْ َنَبُأ اْل َ
ب ) 39آل عمران ( . حَرا ِ صّلي ِفي اْلِم ْلِئَكُة َوُهَو َقاِئٌم ُي َ َفَناَدْتُه اْلَم َ
الصرح أو الهيكل ،كيفية بناءه وصفته وموقعه :
أما الصرح فعلى ما يبدو أنه كان أعجوبة من أعاجيب الزمان ،وأن من قام
ببنائه وصناعة محتوياته هم الجن والشياطين ،وأن مادة البناء كانت من
النحاس والزجاج ومواد أخرى ما عدا الحجارة ،وأنه اشتمل على المحاريب
والتماثيل والواني النحاسية الصغيرة ،والحواض أو البرك المائية الضخمة
المصنوعة من النحاس ،والجواهر والكنوز من لؤلؤ ومرجان وغيرها ،مما
127
غِفْر ِلي با ْ كانت تستخرجه الشياطين من أعماق البحار .قال تعالى ) َقاَل َر ّ
خْرَنا َلُه
سّ ب )َ (35ف َ ت اْلَوّها ُ
ك َأْن َ
ن َبْعِدي ِإّن َحٍد ِم ْب ِلي ُمْلًكا َل َيْنَبِغي لَِ َ َوَه ْ
ص)غّوا ٍ ن ُكّل َبّناٍء َو َطي َشَيا ِ
ب )َ (36وال ّ صا َث َأ َ حْي ُخاًء َ جِري ِبَأْمِرِه ُر َ الّريحَ َت ْ
ن َيَدْيِهن َيْعَمُل َبْي َ
ن َم ْجّ ن اْل ِ
طِر َ ،وِم ْن اْلِق ْعْي َ
سْلَنا َلُه َ
37ص ( وقال أيضا ) َوَأ َ
ن َلُهسِعيِر )َ (12يعَْمُلو َ ب ال ّعَذا ِ
ن َ ن َأْمِرَنا ُنِذْقُه ِم ْ
عْ غ ِمْنُهْم َن َيِز ْن َرّبِه َوَم ِْبِإْذ ِ
عَمُلوا ت،ا ْ سَيا ٍب َ ،وُقُدوٍر َرا ِ ن َكاْلجََوا ِ
جَفا ٍب َ ،وَتَماِثيَل َ ،و ِ حاِري َن َم َشاُء ِم ْ َما َي َ
شُكوُر ) 13سبأ ( . عَباِدي ال ّ ن ِ شْكًرا َوَقِليٌل ِم ْآَل َداُووَد ُ
وأستطيع وصف هذا الصرح بأنه بناء ضخم ومرتفع ،كانت الصخرة تقع في
مركزه ،تحيط بها ساحة واسعة ،أرضيتها من الزجاج المصقول ُ ،يرى من
خللها ماء يجري أسفل منها ،أو ماء راكد في أحواض مائية ،وضع فيها ما
استجلبه سليمان من المناظر والمشاهد البحرية ،مما استخرجته له الشياطين
من أعماق البحر ،وعلى أطراف تلك الساحة أقيمت المحاريب العديدة للعبادة
من كل جانب .وال أعلم .
وقد سمعت من زميل لي زار المسجد وتجّول فيه ،أن هناك آبارا وأحواضا
مائية ،تحت ساحة المسجد القصى مباشرة ،فإذا كان ذلك صحيحا ،ومع
علمنا بأن المسجد القصى ُبني في نفس موقع المسجد السابق ،وأن الصخرة
هي القبلة الفعلية لليهود ،فهذا المر ُيؤكد ،أن الصرح الذي كان قد ُبني في
عهد سليمان عليه السلم ،هو المسجد الذي دخله أولئك المبعوثين أول مرة ،
وخّربوه ونهبوا محتوياته ،فلم يبق له أثر ُيذكر ،وعدم وجود آثار له ُ ،يؤكد
أن هذا الصرح ،لم يتم بناءه بالطرق المألوفة ،سواء بهندسة البناء أو بالمواد
المستخدمة ،فُبناته هم الجن والشياطين ،وبالتأكيد طريقتهم في البناء تختلف
عن طريقة البشر ،وطبيعة المواد المستخدمة تختلف عما يستخدمه البشر ،
وربما يكون هذا الصرح الخرافي ،هو ما دفع نبوخذ نصر صاحب حدائق
بابل المعّلقة ،للغارة على بني إسرائيل في المرة الولى ،لنهب محتوياته .
حكمة سليمان عليه السلم وخرافات ألف ليلة وليلة :
الروايات الموجودة في كتب التفسير ،عن قصة سليمان وحبه لملكة سبأ ،
ورغبته في الزواج منها ،وإدخالها إلى الصرح لرؤية ساقيها ،فيما إذا كان
عليهما شعر ،أو أن قدميها كحوافر الحمار ،لن أبوها أو أمها من الجن …
إلى آخره .مما ليس له أصل حتى في التوراة ،جرّدت سليمان عليه السلم من
128
حكمته ،في الدعوة إلى ال ،وجعلت منه رجل مزواجا شهوانيا ،كما أراد له
أعداء ال وأعداء أنبياؤه أن يكون .
حكمة الهدهد :
ولكي نفهم ما جرى من حوار وأحداث ،بين سليمان وملكة سبأ ،دعنا نتمعن
ل َ ،وَزّينَ
ن ا ِّ
ن ُدو ِ
س ِم ْشْم ِ ن ِلل ّ
جُدو َ
سُ جْدُتَها َوَقْوَمَها َي ْ
قليل في قول الهدهد ) َو َ
ن ) 24النمل ( ، سِبيِل َ ،فُهْم َل َيْهَتُدو َ
ن ال ّعْ صّدُهْم َعَماَلُهْم َ ،ف َ
ن َأ ْ
طا ُ
شْي َ
َلُهْم ال ّ
يقول الهدهد أنه وجدها هي وقومها ،يعبدون الشمس من دون ال ،ويعّلل ذلك
بقوله أن الشيطان زّين لهم أعمالهم ،بمعنى أن الشيطان فتنهم وأوهمهم ،
طل عقولهم وزّين لهم الباطل على أنه الحق ،وعّمى سمعهم وأبصارهم ،فع ّ
عن تمييز الحقيقة من الوهم ،فحرمهم القدرة على الحكم على معتقداهم ،أهي
خطا أم صواب ،فعبدوا الشمس على أنها ربهم ،وبذلك صّدهم عن السبيل ،
أي منعهم من الوصول إلى الحقيقة ،وهي أن ال هو ربهم ،فما دامت
أبصارهم قد عميت ،ويعتقدون بصوابية عبادة الشمس ،فمن أين لهم الهداية ،
جهها الهدهد لسليمان ،من خلل هذا وهم على حالهم تلك .والرسالة التي و ّ
القول ،هي أنهم بحاجة لمن يهديهم ،وُيزيل الغشاوة عن أبصارهم .فتكّفل
سليمان عليه السلم بهدايتهم ،وبإزالة هذه الغشاوة ،لعلهم ُيبصرون ومن ثم
خصَ حالتهم ح الهدهد ،وش ّ يهتدون ،بما أوتي من علم وحكمة ،بعد أن شّر َ
المرضية ،وأعطى سليمان مفاتيح الحل ،والن دعنا نتعلم منه عليه السلم ،
هذا الدرس العملي في الدعوة إلى ال .
الدعوة إلى ال :
عَليّ
كان أول خطاب وجهه سليمان لملكة سبأ وقومها ،هو قوله ) َأّل َتْعُلوا َ
ن ) ، (31خطابا حازما واثقا قويا ومزلزل ،وكانت هذه هي سِلِمي َ
َوْأُتوِني ُم ْ
الضربة الولى ،في جدار معتقداتهم الوثنية المتأصلة في نفوسهم ،فقد كانت
هي وقومها يعبدون الشمس ،ولم يكن لديهم علم بوجود إله آخر ،أولى بالعبادة
من غيره ،ولكن هل أطاعت ؟ بالطبع ل ،فتغيير معتقدات البشر عملية صعبة
جدا ،وتحتاج إلى أكثر من ذلك ،وتحتاج إلى علم وحكمة وصبر – وانظر
في سيرة نبي الهدى عليه الصلة والسلم مع كفار قريش لتحويلهم من عبادة
إلى الصنام إلى عبادة ال -ولكن هل تأثرت بذلك العرض القوي ؟ بالطبع
129
نعم ،فردت بالهدية – وكان بإمكانها عدم الرد – وذلك لتتأكد من جدّية سليمان
عليه السلم ،ولَتعِرف مع من تتعامل ،فهي ذكية وحكيمة أيضا ،وتعي
موقعها وعظم المسؤولية الملقاة على عاتقها ،بعكس ملها ذوي القوة والبأس
عّزَةجَعُلوا َأ ِسُدوَها َو َ خُلوا َقْرَيًة َأْف َ ك ِإَذا َد َ
ن اْلُمُلو َت ِإ ّ
الشديد ،ودللة ذلك ) َقاَل ْ
جُعظَرٌة ِبَم َيْر ِ
سَلٌة ِإَلْيِهْم ِبَهِدّيٍة َفَنا ِ
ن )َ (34وِإّني ُمْر ِ ك َيْفَعُلو َ َأْهِلَها َأِذّلًة َوَكَذِل َ
ن ) (35فأعاد الهدية ،ووجه لها تهديدا صارما وحازما وأخيرا ) ، سُلو َ اْلُمْر َ
جّنُهْم ِمْنَها َأِذّلًة َوُهْمخِر َجُنوٍد َل ِقَبَل َلُهْم ِبَها َوَلُن ْجْع ِإَلْيِهْم َفَلَنْأِتَيّنُهْم ِب ُ
اْر ِ
ن ) ، (37فاستوعبت الرسالة ،وهي أن ما لدى سليمان ،خير مما غُرو َ صا ِ
َ
لديها ،وأن هذا التهديد ،ل يصدر إل عّمن يعلم حجم قوتها ،ولديه من القوة
أضعاف ما تملك ،وأن ما يريده لجلها شيئا آخر .
التيان بالعرش وتنكيره :
لذلك حملت قومها وأتته على جناح من السرعة ،وفي طريقها إليه ،كان عليه
السلم ُيعّد لها الضربة الثانية ،فطلب عرشها وأمر بتنكيره ،وعّلة ذلك كانت
ن ) ، (41لختبار مدى استعدادها ن لَ َيْهَتُدو َ
ن اّلِذي َ
ن ِم ْ ظْر َأَتْهَتِدي َأْم َتُكو ُ
) َنن ُ
للهداية للدين الجديد ،وليس المقصود هو اهتدائها إلى العرش .كان هّمه عليه
السلم هدايتها وقومها ،وليس الزواج منها ،كما صّورته بعض الروايات في
كتب التفسير .
وكان جلب العرش بحّد ذاته ،كفيل بتحطيم ذلك الجدار الذي تمترست خلفه .
طم بداخلها فعل عندما رأته وعرفته ،لكنها أضمرت ذلك وتمالكت وقد تح ّ
ف ،وكان بمقدورها أن تعترف بأّنه سئلت عنه ،لم ُتثِبت ولم َتن ِ نفسها .ولما ُ
جلت ذلك .والسبب هو ذلك الجدار عرشها ،وأن ُتسلم على الفور ولكنها أ ّ
ل ( ،أي الغشاوة التي أعمت بصرها ن ا ِّن ُدو ِت َتْعُبُد ِم ْ
صّدَها َما َكاَن ْ
نفسه ) َو َ
وبصيرتها ،وخوفها من قومها أيضا ،فقالت ) َكَأّنُه ُهَو ( ،وحتى لو ُأجر َ
ي
على متاعك ،الكثير من التعديلت ،فستبقى أشياء كثيرة تدلك عليه ،فكانت
إجابتها حكيمة وغاية في التعقل ،فلم تثبت وتسلم أسلحتها الواهية من الوهلة
الولى ،محافظة منها على كبريائها كملكة ،ولم تنف ،لنها تعلم وقومها
ويعلم سليمان وقومه علم اليقين ،أنه هو بعينه ،فتدل على كبرياء أجوف وعن
ك كانت هي السلم . بلهة وغباء ،فإجابتها الموسومة بالش ّ
130
كانت تعلم بحكمتها أن هناك شيئا آخر ينتظرها ،سيأتي أوانه بعد حين ،
فكشفت بهذه الجابة لسليمان عن استعدادها للهداية ،فيما لو عرض عليها
برهانا دامغا وقاطعا .ولكن ما الذي فعله سليمان حقيقة في هذا الموقف ؟ كان
إحضار عرشها ،لظهار مدى عظم ملكه الموهوب له من قبل ربه ،وكان
تنكير العرش ليقاظ حاسة البصر فيها ودقة الملحظة ،وتحفيزا لعقلها
وقلبها ،ولما اهتدت إلى إنه عرشها ،أخذتها العزة بالثم شيئا قليل ،فكابرت
حتى حين .
دخول الصرح :
فكانت الضربة الثالثة والخيرة ،أي القاضية التي سّوت ذلك الجدار
ح ( ،فما الذي كان في
صْر َ
خِلي ال ّ
بالرض ،ولم تترك له أثرا ِ ) ،قيَل َلَها اْد ُ
الصرح ؟ كانت أرضية الصرح من زجاج مصقول ،ومن تحت الزجاج ماء ،
وعندما شاهدت الماء ،رفعت ثوبها خوفا من البلل ،وهّمت بالمشي فيه ) ،
ساَقْيَها ( فتبسم سليمان وكأنه خاطبهان َ عْ ت َ
شَف ْ
جًة َوَك َ
سَبْتُه ُل ّ
ح ِ
َفَلّما َرَأْتُه َ
ضاحكا :لقد كنت واهمة ،فلن يصل الماء إلى ثوبك فأنزليه وتقدمي ،فهذا )
ن َقَواِريَر ( فأنزلته ودخلت ،ولما لمست قدميها الزجاج تبين ح ُمَمّرٌد ِم ْصْر ٌ
َ
لها بطلن ما اعتقدت .وهنا مربط الفرس ،فما كان منها إل أن خجلت ،من
وهمها وانعدام بصيرتها ،وذهاب عقلها وحكمتها وضللها في تلك اللحظة ،إذ
لم تستطع تمييز الزجاج من الماء ،فاستوعبت على الفور ،مضمون الرسالة
التي وجهها لها سليمان .
العبرة :
ق ،بينما يكون في الحقيقة على باطل ، ن النسان بجهله أنه على ح ّ فقد يظ ّ
وهذا هو حالها وقومها بعبادة الشمس من دون ال ،وأنه دعاها إلى الحق عن
سكت بالباطل عن جهل ،فتبينت بالتجربة والبرهان بطلن معتقدها ، علم ،فتم ّ
ق مع سليمان ،فاستجابت على الفور لدعوة سليمان الولى ،قائلة ) وأن الح ّ
ن لِّسَلْيَما َ
ت َمَع ُ
سَلْم ُ
سي ( باتباع الباطل عن غير علم َ ) ،وَأ ْت َنْف ِ
ظَلْم ُ
ب ِإّني َ َر ّ
ن ) 44النمل ( ،فما كان من قومها إل أن تبعوها ،وعادت إلى ب اْلَعاَلِمي َ
َر ّ
جح أن سليمان لم يتزوجها ،وال أعلم ،ودانت بعد مملكتها لهداية قومها ،وُأر ّ
ذلك مملكتها لسليمان دينيا ،وليس عسكريا ،وبقيت العلقات والمصالح
131
التجارية وغيرها قائمة بين الدولتين ،مرورا بجزيرة العرب ،لفترة طويلة ،
حسبما تثبته سورة سبأ ) ، (20 – 15وفيما بعد كفر قوم سبأ إل قليل منهم ،
ومع تقادم الزمن انقطعت تلك العلقة .
بنو إسرائيل في عصر سليمان :
أما بني إسرائيل في عصر سليمان ،فلم يختلفوا كثيرا عما كانوا عليه ،في
عصر موسى وداود ،حيث كانوا على الدوام فاسدين كأفراد ،إل من رحم
ال ،وما اختلف عليهم في عصر سليمان ،أن سليمان ساسهم بالقوة
والسلطان ،وكان يأخذهم إلى القتال ،وهم بطبيعتهم له كارهون ،قال تعالى )
ن ) 17النمل ( ،عو َ
س َوالطّْيِر َفُهْم ُيوَز ُ
ن َواِْلْن ِ
جّ
ن اْل ِ
جُنوُدُه ِم ْ
ن ُ
سَلْيَما َ
حشَِر ِل ُ
َو ُ
جمع ،ويوزعون أي يساقون بانضباط ،ول يتقدم آخرهم على وحشر أي ُ
أولهم .
هل تحّقق العلو الول لبني إسرائيل في فلسطين ؟
وأما سبق دخولهم للرض المقدسة ،فقد قال فيه سبحانه ،على لسان موسى
ل َلُكْم ) 21المائدة ( ب ا ُّسَة اّلِتي َكَت َض اْلُمَقّد َ
خُلوا الَْْر َ
عليه السلم َ ) ،يَقْوِم اْد ُ
ن َكاُنوا
أي ُكتب لبني إسرائيل دخولها ،وقال سبحانه ) َوَأْوَرْثَنا اْلَقْوَم اّلِذي َ
ض َوَمَغاِرَبَها اّلِتي َباَرْكَنا ِفيَها ) 137العراف ( أي ق الَْْر ِ شاِر َ ن َم َ
ضَعُفو َ
سَت ْ
ُي ْ
ملكوها وسكنوها ،وذلك بعد انقضاء سنوات التحريم والتيه الربعين .
والرض المبارك فيها هي فلسطين ،ومشارقها ومغاربها أي كلها ،من النهر
إلى البحر ،وهذه هي حدود الرض المقّدسة والمباركة ،وحدود مملكة اليهود
القديمة .لنخلص إلى أن الرض المقّدسة والمباركة هي فلسطين فقط ،وليس
بلد الشام عامة .إذ أن موسى عليه السلم ،كان يتواجد وقومه شرقي نهر
الردن ،ولو كان شرق النهر أرضا مقّدسة ،لما قال ادخلوا الرض المقدسة
وهو بداخلها أصل .وشرق النهر لم يوّرث لبني إسرائيل ،وإنما أقاموا فيه
فترة الغضب اللهي عليهم ،ومن ثم تركوها وارتحلوا إلى فلسطين .
وصلنا إلى مرحلة تحقق العلو ،بوحي من ال وقيادة أنبياؤه وملوكه ،وكان
هذا هو العلو الول لبني إسرائيل ،وأما الفساد فلم يكن قد وقع منهم بعد ،
كون الملك اقترن بالنبوة ،وما كان للنبياء عليهم السلم أن يفسدوا في الرض
،ونجد أن النبي التالي لسليمان في الذكر ،من أنبياء بني إسرائيل في القرآن ،
132
هو زكريا ومن بعده يحيى ،وكان آخرهم عيسى عليهم السلم جميعا .وقد
بعث الثلثة بالتتابع وعاصر بعضهم بعضا ،وكان ذلك بعد فترة طويلة من
وفاة سليمان ،وبعد عيسى لم ُيبعث فيهم أنبياء ،ويقّدر المؤرخون بأن المدة ما
بين سليمان وعيسى ،بأكثر من 900سنة .
وما كان بعث عيسى عليه السلم بالنجيل ،إل لتجديد الشريعة التي جاء بها
موسى ،بعد أن أضاع بنو إسرائيل التوراة واختلفوا في أمرها .قال تعالى )
ض الِّذي
ن َلُكْم َبْع َ
حْكمَِة َوُِلَبّي َ
جْئُتُكْم ِباْل ِ
ت َقاَل َقْد ِسى ِباْلَبّيَنا ِ
عي َ
جاَء َِوَلّما َ
ن ) 63الزخرف ( .وُيثبت التاريخ أن بعث طيُعو ِل َوَأ ِ
ن ِفيِه َفاّتُقوا ا َّ
خَتِلُفو َ
َت ْ
عيسى عليه السلم ،كان في زمن الحكم الروماني للمنطقة ،مما يعني أن هذا
صل عليه بنو إسرائيل قد زال واندثر .مما يترتب عليه أن العلو الذي تح ّ
الفساد قد وقع ،وأن البعث قد تحقق ،في الفترة الممتدة ما بين سليمان
وعيسى عليهما السلم ،في زمن أقرب إلى حكم سليمان منه إلى بعث عيسى .
المملكة اليهودية بعد سليمان :
وليس من المعقول أن نجزم بأن مملكة سليمان انهارت بموته .وبما أن نظام
الحكم ،كان ملكيا وراثيا كما أقّره القرآن ،فل بد أن يكون الملك ،قد انتقل إلى
أحد أبناء سليمان ،الذين لم يكونوا أنبياء في واقع الحال ،فالنبوة آنذاك خرجت
من الملك ،وأصبحت في عامة الشعب ،وهنا تحّرر العصاة والمعتدين من
اليهود ،من عبدة المال والسلطة تجارا ومرابين ،من حكم وملك النبياء ،
حيث كان الوحي يقف سّدا منيعا ،أمام طموحاتهم وأحلمهم ،في نهب ثروات
حَياَة الّدْنَيا
ن اْل َ
ن ُيِريُدو َ
البلد والعباد ،فهم أبناء الذين قال فيهم تعالى ) َقاَل اّلِذي َ
ظيٍم ) 79القصص ( . عِ
ظ َحّن ِإّنُه َلُذو َ
ي َقاُرو ُ
َيَلْيتَ َلَنا ِمْثَل َما ُأوِت َ
وعلى مر السنين تغّيرت الحوال ،وتغلغل المرابين والتجار في أوساط
الحكم ،وتبادلوا المصالح والمنافع ،وأصبحوا من علية القوم ،ليفرضوا على
الملوك ،ما شاءوا من سياسات تخدم مصالحهم .ولو راجعت التوراة المؤرخ
الوحيد لتلك الفترة ،لوجدت أن عدد الملوك الذين تعاقبوا على الحكم ،على
مدى 300سنة تقريبا ،هو 22ملكا ،وهو عدد كبير نسبيا ،بمعدل 14سنة
حكم لكل ملك .وذلك لكثرة الغتيالت ،التي كان يدّبرها ويوقعها فيهم علية
القوم ،ومن والهم من الكهنة والحبار ،سواء من صلح أو فسد ،من هؤلء
الملوك .والملحظ أيضا أن معظم ملوكهم ،كانوا صغارا في السن ،وربما
133
كان ذلك هو الغاية من قتل آبائهم ،فوجود ملك صغير السن ،يسهل عليهم
السيطرة على شؤون الحكم ،ليكونوا هم خبرائه ومستشاريه ،وهذه هي
سياستهم في العصر الحالي ،في شتى بقاع الرض .وعلى الجانب الخر كان
هناك النبياء ،الذين لم ينقطع بعثهم في بني إسرائيل ،ليعيدوا أولئك العصاة
إلى حظيرة اليمان ،بدعوتهم إلى العودة إلى شرع ال ،وتذكيرهم وتحذيرهم
بما قضاه ال عليهم إن أفسدوا في الرض .
تخبرنا كثير من اليات القرآنية عن إفساد بني إسرائيل ،حيث الشرك بال ،
وتكذيب فريق من النبياء ،وقتل فريق آخر ،وقتل أولياء ال من الناس ،
وسفك دماء فريقا من قومهم وإخراجهم من ديارهم ،وتحريف الكهنة والحبار
،لكتاب ال ليوافق أهواء علية القوم ،والعتداء على حدود ال ،وعصيان
أوامره ،وأكلهم الربا وأموال الناس بالباطل … إلى آخره .ومجمل هذه اليات
تخاطب بني إسرائيل كأمة .فأين ومتى وقع منهم هذا الفساد الممي … ؟!
وهل تحّقق الفساد الول ؟
سَتْكَبْرُتْم َفَفِريًقا َكّذْبُتمْ
سُكْم ا ْ
سوٌل ِبَما َل َتْهَوى َأنُف ُ جاَءُكْم َر ُ
قال تعالى ) َأَفُكّلَما َ
ن ) 87البقرة ( ،والخطاب هنا موجه لمن يملك سلطة القتل ،وهم َوَفِريًقا َتْقُتُلو َ
سادة الحكم وعلية القوم ،فتارة كانوا يكّذبون النبياء وأولياء ال ،الذين ُبعثوا
من قبله سبحانه للصلح ،وتارة يقتلونهم ،بدفع من الكهنة والحبار
ن ِبآَيا ِ
ت ن َيْكُفُرو َ ن اّلِذي َوالتجار ، ،لتعارض ذلك مع رغباتهم وأهوائهم ِ ) ،إ ّ
ن الّنا ِ
س ط ِم ْ سِ ن ِباْلِق ْ
ن َيْأُمُرو َ
ن اّلِذي َ
ق َوَيْقُتُلو َ
حّن ِبَغْيِر َ
ن الّنِبّيي َ
ل َوَيْقُتُلو َ ا ِّ
ب َأِليٍم ) 21آل عمران ( ،فل أشّد وأعظم إفسادا في الرض عند شْرُهْم ِبَعَذا ٍ َفَب ّ
ال ،من قتل الناس وسفك دمائهم بغير حق ،فما بالك إذا كان القتل في أنبياء
ال وأولياءه الصالحين ،فهذا قّمة في الجرام والسراف والعصيان والتمرد
ن أن هناك إفساد في الرض ُ ،يقارن بهذا الفساد ،فلم والعدوان ،ول أظ ّ
يسبق لقوم من القوام السابقين واللحقين ،أن قتلوا أنبياءهم سوى بني
إسرائيل ،وما إفسادهم الحالي في دولتهم الحالية ،إل صورة طبق الصل عن
الفساد الول في دولتهم الولى ،ولو ُبعث فيهم أنبياء في هذا العصر لقتلوهم
بل شك ،فقد قتلوا رئيس وزرائهم ) رابين ( ،بدفع وتحريض من
الحاخامات ،كونه لبس ثوب الصلح فقط ،بإظهاره شيئا من اللين مع
الفلسطينين ،ل لنه ُمصلح .
134
ن
سُكْم ِم ْ ن َأنُف َ
جو َ خِر ُن ِدَماَءُكْم َوَل ُت ْ سِفُكو َ
خْذَنا ِميَثاَقُكْم لَ َت ْ قال تعالى ) َوِإْذ َأ َ
سكُْم
ن َأنُف َ
ن )ُ (84ثّم َأْنُتْم َهُؤَلء َتْقُتُلو َ شَهُدو َِدَياِرُكْم ُثّم َأْقَرْرُتْم َوَأْنُتْم َت ْ
ن َيْأُتوُكْم
ن َوِإ ْعَلْيِهْم ِباِْلْثِم َواْلُعْدَوا ِ
ن َظَهُرو َن ِدَياِرِهْم َت َ
ن َفِريًقا ِمْنُكْم ِم ْ جو َ خِر ُ َوُت ْ
ض اْلِكَتا ِ
ب ن ِبَبْع ِ جُهْم َأَفُتْؤِمُنو َ
خَرا ُ
عَلْيُكْم ِإ ْ
حّرٌم َ
ساَرى ُتَفاُدوُهْم َوُهَو ُم َ ُأ َ
ض ) 85البقرة ( .توحي هاتين اليتين ،أن سادة الحكم كانوا ن ِبَبْع ٍ َوَتْكُفُرو َ
يستضعفون طائفة من قومهم ،ظلما وعلوا بغير وجه حق – وهذا نفس فعل
فرعون -فأوقعوا فيهم القتل ،والنهب والسلب ،وأخرجوهم من ديارهم
واستولوا عليها .فاضطروا إلى اللجوء إلى أرض أعدائهم ،وعلى ما يبدو أنهم
كانوا ُيجبرون على خوض المعارك ،إلى جانب أعداء مملكة بني إسرائيل ،
وعند وقوع المعركة ،كان هؤلء المستضعفين ُيحجمون عن قتال بني
جلدتهم ،ويقومون بتسليم أنفسهم ،ظّنا منهم بأن أبناء جلدتهم ،سيتركونهم
ليعودوا إلى أهليهم بعد انتهاء المعركة ،فما كان من أولئك الظلمة ،إل أن
عاملوهم كأسرى العدو ،فحبسوهم وطالبوا ذويهم بالفدية .
وأما مظاهر الفساد الخرى فمنها :
.1الشرك بال :
ت )51 غو ِ طا ُت َوال ّ جْب ِن ِباْل ِب ُيْؤِمُنو َ ن اْلِكَتا ِ صيًبا ِم َ ن ُأوُتوا َن ِ ) َأَلْم َتَر ِإَلى اّلِذي َ
النساء (
عَلْيِه َوجََعَلب َ ض َ غ ِ ل َو َن َلَعَنُه ا ُّل َم ْ عْنَد ا ِّك َمُثوَبًة ِ ن َذِل َشّر ِم ْ ) ُقْل َهْل ُأَنّبُئُكْم ِب َ
سَواِءن َ عْ ضّل َ شّر َمَكاًنا َوَأ َ ك َ ت ُأوَلِئ َغو َ طا ُ عَبَد ال ّ
خَناِزيَر َو َ ِمْنُهُم اْلِقَرَدَة َواْل َ
سِبيِل ) 60المائدة ( ال ّ
ن َمْرَيَم َوَما ُأِمُروا ح اْب َسي َ ل َواْلَم ِ ن ا ِّ ن ُدو ِ حَباَرُهْم َوُرْهَباَنُهْم َأْرَباًبا ِم ْ خُذوا َأ ْ) اّت َ
ن ) 31التوبة ( شِرُكو َ عّما ُي ْحاَنُه َ سْب َ
حًدا لَ ِإَلَه ِإلّ ُهَو ُ ِإّل ِلَيْعُبُدوا ِإَلًها َوا ِ
.2نقض الميثاق وكتمان كلم ال وإخفائه وتحريفه :
ن
عْ ن اْلَكِلَم َحّرُفو َ سَيًة ُي َجَعْلَنا ُقُلوَبُهْم َقا ِ ضِهْم ِميَثاَقُهْم َلَعّناُهْم َو َ ) َفِبَما َنْق ِ
ل
خاِئَنٍة ِمْنُهْم ِإّل َقِلي ً
عَلى َ ظا ِمّما ُذّكُروا ِبِه َوَل َتَزاُل َتطِّلُع َ حّ سوا َ َمَواضِِعِه َوَن ُ
ن ) 13المائدة ( سِني َح ِ
ب اْلُم ْ ح ّ ل ُي ِن ا َّح ِإ ّصَف ْعْنُهْم َوا ْ ف َ ع ُ ِمْنُهْم َفا ْ
س َوَل َتْكُتُموَنُه َفَنَبُذوُه ب َلُتَبّيُنّنهُ ِللّنا ِ
ن ُأوُتوا اْلِكَتا َ ق اّلِذي َل ِميَثا َ خَذ ا ُّ) َوِإْذ َأ َ
ن ) 187آل عمران ( شَتُرو َ س َما َي ْل َفِبْئ َ شَتَرْوا ِبِه َثَمًنا َقِلي ً ظُهوِرِهْم َوا ْ َوَراءَ ُ
135
.3عبادة الجن والشياطين وتعلم السحر وممارسته :
حاَنُهسْب َ
عْلٍم ُت ِبَغْيِر ِن َوَبَنا ٍ خَرُقوا َلُه َبِني َ
خَلَقُهْم َو َ ن َو َجّ شَرَكاَء اْل ِل ُ جَعُلوا ِّ ) َو َ
ن ) 100النعام ( صُفو َ عّما َي ِ َوَتَعاَلى َ
ن َوَلِك ّ
ن سَلْيَما ُ
ن َوَما َكَفَر ُ سَلْيَما َ
ك ُعَلى ُمْل ِ ن َ طي ُشَيا ِ) َواتَّبُعوا َما َتْتُلو ال ّ
حَر ) 102البقرة ( سْ س ال ّ ن الّنا َ ن َكَفُروا ُيَعّلُمو َ طي َشَيا ِ
ال ّ
.4الربا والسرقة والحتيال :
ن
عَتْدَنا ِلْلَكاِفِري َ
طِل َوَأ ْس ِباْلَبا ِعْنُه َوَأْكِلِهْم َأْمَواَل الّنا ِ خِذِهُم الّرَبا َوَقْد ُنُهوا َ ) َوَأ ْ
عَذاًبا َأِليًما ) 161النساء ( ِمْنُهْم َ
س َمات َلبِْئ َح َسْ ن َوَأْكِلِهُم ال ّن ِفي اِْلْثِم َواْلُعْدَوا ِ عو َ ساِر ُ ) َوَتَرى َكِثيًرا ِمْنُهْم ُي َ
ن ) 62المائدة ( َكاُنوا َيْعَمُلو َ
.5ترك المر بالمعروف والنهي عن المنكر :
ن ) 79المائدة ( س َما َكاُنوا َيْفَعُلو َ ن ُمْنَكٍر َفَعُلوُه َلِبْئ َ عْ ن َ ) َكاُنوا َل َيَتَناَهْو َ
.6نقض العهود والمواثيق :
ن )(100 ق ِمْنُهْم َبْل َأْكَثُرُهْم َل ُيْؤِمُنو َ عْهًدا َنَبَذُه َفِري ٌ عاَهُدوا َ ) َأَوُكّلَما َ
وهكذا نستطيع القول ،بأن العلو الول والفساد الول لبني إسرائيل ،قد تحّققا
في الرض المقّدسة .وكانت بداية علوهم بملك داود ،ووصل إلى أقصى
مداه ،في عصر سليمان عليه السلم .وأما الفساد فكانت بدايته بعد وفاة
خر هذا الملك وهذه المملكة في سليمان عليه السلم … والسؤال الن هل تب ّ
الهواء … ؟! وهل مّر ذلك الفساد دون عقاب … ؟!
وهل تحقق البعث الول ؟
سا ِبَغْيِر َنْفسٍ ن َقَتَل َنْف ًسَراِئيَل َ ،أّنُه َم ْ عَلى َبِني ِإ ْ ك َكَتْبَنا َ
جِل َذِل َ
ن َأ ْ
قال تعالى ) ِم ْ
حَياَها َفَكَأّنَما َأحَْيان َأ ْجِميًعا َوَم ْ س َ ض (( َ ،فَكَأّنَما َقَتَل الّنا َ ساٍد ِفي الَْْر ِ )) َأْو َف َ
ك ِفي ن َكِثيًرا ِمْنُهْم َبْعدَ َذِل َت ُ ،ثّم ِإ ّ سُلَنا ِباْلَبّيَنا ِ
جاَءْتُهْم ُر ُجِميًعا َ ،وَلَقْد َ س َ الّنا َ
سوَلُه ، ل َوَر ُ ن ا َّحاِرُبو َ ن ُي َ جَزاُء اّلِذي َ ن )ِ (32إّنَما َ سِرُفو َ ض َلُم ْ
اَْلْر ِ
طَع َأْيِديِهْمصّلُبوا َأْو ُتَق ّن ُيَقّتُلوا َأْو ُي َ ساًدا (( َ ،أ ْ ض َف َن ِفي الَْْر ِ سَعْو َ)) َوَي ْ
ي ِفي الّدنَيا َ ،وَلُهْم ِفي خْز ٌ ك َلُهْم ِ ض َذِل َن اَْلْر ِ ف َ ،أْو ُينَفْوا ِم ْ ل ٍخَ ن ِ جُلُهْم ِم ْ
َوَأْر ُ
ظيٌم ) 33المائدة ( عِ ب َ عَذا ٌخَرِة َ لِاْ
136
سَعْو َ
ن ل َمْغُلوَلٌة … )) َوَي ْ ت اْلَيُهوُد َيُد ا ِّوقال أيضا في نفس السورة ) َوَقاَل ِ
ن ) 64المائدة ( سِدي َب اْلُمْف ِ
ح ّل لَ ُي ِساًدا (( َ ،وا ُّ ض َف َِفي الَْْر ِ
وانظر ما كتبه ال عليهم ،في الية الولى ،وما عقب به في الية الثانية ،
حيث أعطى أربع خيارات ،لمجازاة من يحاربون ال ورسوله ،ويسعون في
الرض فسادا .والذين لهم دأب على محاربة ال ورسوله بأقوالهم وأفعالهم ،
والذين يسعون في الرض فسادا ،هم اليهود ل غيرهم ،وهذا ما ُتقّرره الية
الثالثة .وهذا هو الحكم الُمسبق الذي أصدره أحكم الحاكمين ،وأوكل أصحاب
البعث الول ،لتنفيذ خياراته الربعة مجتمعة فيهم ،بإذن ال .
ف ِفيصيِهْم َوَقَذ َصَيا ِن َ ب ِم ْ
ن َأْهِل الِْكَتا ِ
ظاَهُروُهْم ِم ْ ن َ
وقال تعالى ) َوَأْنَزَل اّلِذي َ
حكم
ن َفِريًقا ) 26الحزاب ( ،وهذا ما ُ سُرو َن َوَتْأ ِب َفِريًقا َتْقُتُلو َ
ع َ ُقُلوِبِهُم الّر ْ
به على يهود بني قريظة بعد هزيمة الحزاب ،بقتل الرجال وسبي النساء
والطفال .
صل ،ومن ثم زال ،فل بد أن يكون وبما أن الفساد المقترن بالعلو قد تح ّ
أولئك العباد قد ُبعثوا عليهم ،فجاسوا خلل ديارهم وخربوها ،وأوقعوا في
حكامهم ورؤسائهم وكهنتهم وأحبارهم القتل والتنكيل ،وهدموا المسجد
) الهيكل ( ونهبوا محتوياته من كنوز وأموال ،وسبوا نسائهم وأطفالهم ،
وأصبحت بيت المقدس أطلل تعوي فيها الثعالب ،فحل بهم الخزي والذ ّ
ل
والعار ،بعد أن رفعه ال عنهم بمّنه وكرمه ،فخانوا ميثاق ربهم ونقضوا عهده
،استكبارا وعلوا في الرض بغير الحق .حيث كان ذلك حكم ال الذي أنجزه
في أسلفهم ،على أيدي أولئك العباد ،فيما ُيسمى بالسبي البابلي الموصوف
بالتوراة بإسهاب ،والذي يؤكد نفاذ هذا الحكم فيهم ،كما جاء في الية الكريمة
عًدا َمْفُعوًل )ن َو ْأعله .لذلك عّقب سبحانه بعد ذكر الوعد الول ،بقوله ) َوَكا َ
5السراء ( .
بعض الحكام التي صدرت في حقهم فيما سبق نزول القرآن :
سوءَ سوُمُهْم ُ ن َي ُعَلْيِهْم ِإَلى َيْوِم اْلِقَياَمِة َم ْ ن َ ك َلَيْبَعَث ّن َرّب َ
قال تعالى ) َوِإْذ َتَأّذ َ
طْعَناُهْم ِفي اَْلْر ِ
ض حيٌم )َ (167وَق ّ ب َوِإّنُه َلَغُفوٌر َر ِ سِريُع اْلِعَقا ِ ك َل َ ن َرّب َ
ب ِإ ّ
اْلَعَذا ِ
ت َلَعّلُهْم
سّيَئا ِت َوال ّ سَنا ِ ح َ
ك َوَبَلْوَناُهْم ِباْل َ
ن َذِل َ
ن َوِمْنُهْم ُدو َ حو َ صاِل ُُأَمًما ِمْنُهْم ال ّ
عَرضَ َهَذا ن َ خُذو َ ب َيْأ ُ
ف َوِرُثوا اْلِكَتا َ خْل ٌ
ن َبْعِدِهْم َ ف ِم ْ خَل َ
ن )َ (168ف َ جُعو ََيْر ِ
137
عَلْيِهمْ
خذْ َخُذوُه َأَلْم ُيْؤ َ ض مِْثُلُه َيْأ ُ
عَر ٌ ن َيْأِتِهْم َسُيْغَفُر َلَنا َوِإ ْ
ن َ اَْلْدَنى َوَيُقوُلو َ
لخَِرُة سوا َما ِفيِه َوالّداُر ا ْ ق وََدَر ُ حّ ل ِإلّ اْل َ
عَلى ا ِّ ن لَ َيُقوُلوا َ ب َأ ِْميَثاقُ اْلِكَتا ِ
ن ) 169العراف ( . ل َتْعِقُلو َن َأَف َ
ن َيّتُقو َ خْيٌر ِلّلِذي َ
َ
ت َأْيِديِهْم َوُلِعُنوا ِبَما َقاُلوا َبْل َيَداُه غّل ْ
ل َمْغُلوَلٌة ُ ت اْلَيُهوُد َيُد ا ِّ وقال أيضا ) َوَقاَل ْ
ك طُْغَياًنا ن َرّب َك ِم ْن َكِثيًرا ِمْنُهْم َما ُأنِزَل ِإَلْي َ شاُء َوَلَيِزيَد ّ ف َي َق َكْي َ ن ُينِف ُطَتا ِ سو ََمب ُ
حْر ِ
ب ضاَء ِإَلى َيْوِم اْلِقَياَمِة ُكّلَما َأْوَقُدوا َناًرا ِلْل َ َوُكْفًرا َوَأْلَقْيَنا َبْيَنُهْم اْلَعَداَوَة َواْلَبْغ َ
ن ) 64المائدة ( . سِدي َ ب اْلُمْف ِح ّ ل َل ُي ِساًدا َوا ُّض َف َ ن ِفي اَْلْر ِ سَعْو َل َوَي ْطَفَأَها ا ُّ َأ ْ
وهذه الحكام هي :
.1استضعافهم واضطهادهم وتعذيبهم من قبل الخرين ،أينما حلوا وأينما
ارتحلوا إلى يوم القيامة .وهذا حكم عاّم ،وأما عقابهم عند مجيء الوعدين ،
فهو حكم خاص مستثنى من هذا الحكم .
.2نفيهم من فلسطين وشتاتهم في كافة أرجاء الرض .مما يؤكد زوال مملكتهم
الولى ،ويهيئ لقيام الدولة الثانية مستقبل .
.3إلقاء العداوة والبغضاء فيما بينهم إلى يوم القيامة .وإطفاء الحروب التي
ُيشعلوها ،وإفشال مخططاتهم الساعية إلى الفساد .
وهل دخلوا الرض المقّدسة ؟
لو عدنا إلى زمن موسى عليه السلم ،بعد أن وصل وقومه إلى مشارف
سَة اّلِتي َكَت َ
ب ض اْلُمَقّد َ
الرض والمقدسة ،حيث قال لقومه ) َيَقْوِم اْدخُُلوا اَْلْر َ
ن ) 21المائدة ( ،والرض سِري َخا ِعَلى َأْدَباِرُكْم َفَتْنَقِلُبوا َ
ل لَُكْم َولَ َتْرَتّدوا َ
ا ُّ
المقدسة هي فلسطين ،ولم تقّدس في القرآن أرض غيرها .وقد وردت هذه
العبارة في القرآن مرة واحدة فقط ،وكان بنو إسرائيل آنذاك أمة واحدة ،
حرموا من دخولها أربعين سنة ،ولم يكن التيه فامتنعوا عن الدخول إليها ،ف ُ
بضياعهم وتشرذمهم في الرض ،كما قد يتوهم البعض ،وإنما بحرمانهم من
الهداية والقيادة برفع النبوة والوحي ،وهذا يؤكد أن موسى عليه السلم ،انتقل
إلى جوار ربه قبل أو بداية سنوات التحريم ،ولذلك تجّلت الحكمة اللهية ،
باختيار النقباء الثني عشر وأخذ الميثاق منهم مسبقا ،لعلمه المسبق بما سيكون
ل حسب السبط الذي ينتمي منهم .وُترك أمر بني إسرائيل لولئك النقباء ،ك ٌ
إليه ،لقيادتهم والفصل بينهم في الحوال المدنية والشرعية .
138
وفي نهاية الربعين سنة ،وصل ال ما كان قد قطعه ،فبعث فيهم نبيا َ ) ،أَلمْ
ث َلَنا َمِلًكا
ي َلُهُم اْبَع ْ
سى ِإذْ َقاُلوا ِلَنِب ّ
ن َبْعِد ُمو َ
سَراِئيَل ِم ْ
ن َبِني ِإ ْ
ل ِم ْ
َتَر ِإَلى اْلَم َِ
ل ) 246البقرة ( ،وكلمة ) المل ( تعني علية القوم ،وطلب سِبيِل ا ُِّنَقاِتْل ِفي َ
القتال كان لدخول الرض المقدسة ،التي كان قد ُكتب لهم دخولها ،على لسان
موسى في الية السابقة ،وعندما أذن ال لهم بدخولها ،بعد قتال جالوت
وجنوده والنتصار عليهم ،بقتل داود عليه السلم لجالوت ،دخلوها مجتمعين
كأمة أيضا ،فأقام لهم داود وسليمان عليهما ،دولتهم الولى وعلوهم الول .
حصر الفترة الزمنية للفساد الُمذكور في القرآن :
ب َ )) ،وَقّفْيَنا سى اْلِكَتا َ والن لننتقل إلى الكريمة التي تقول ) َوَلَقْد َءاَتْيَنا ُمو َ
ح
ت َ ،وَأّيْدَناُه ِبُرو ِ
ن َمْرَيَم اْلَبّيَنا ِ
سى اْب َ
عي َ
سِل (( َ ،وَءاَتْيَنا ِ ن َبْعِدِه ِبالّر ُِم ْ
سَتْكَبْرُتْم َ ،فَفِريًقاسُكُم ،ا ْ
سوٌل ِ ،بَما َل َتْهَوى َأْنُف ُ جاَءُكْم َر ُ
س َ .أَفُكّلَما َ اْلُقُد ِ
ن ) 87البقرة ( ،قلنا أن قمة الفساد هي قتل النفس بغير َكّذْبُتْم َوَفِريًقا َتْقُتُلو َ
حق ،وأعظمها قتل الرسل والنبياء ،ولحظ قوله سبحانه ) تقتلون ( حيث
تفيد صيغة المضارع ،الستمرارية والكثرة في القتل ،وقد ُذكر قتلهم للرسل
حصر وقوع هذا والنبياء ) ( 7مرات ،في مواضع متفرقة من القرآن ،وقد ُ
القتل منهم في هذه الية ،بين موسى وعيسى عليهما السلم ،وإذا علمنا أن
بني إسرائيل ،كانوا بحاجة إلى النبياء ) حبل ال ( لدخول الرض المقدسة ،
لقامة دولتهم فيها ،ولم يكن فيهم أنبياء في سنوات التحريم ،غير ذلك النبي
الذي ُبعث عند انقضائها ،والذي توجهوا إليه لطلب المساعدة والنصرة من
صل منهم ،قبل بعث عيسى عليه السلم ، ال ،لتبين لنا أن قتل النبياء ،قد تح ّ
وهو آخر أنبيائهم ،وبعد وفاة سليمان عليه السلم ،آخر النبياء الملوك ،حيث
لم تعد بهم حاجة للنبياء ،ليذّكروهم بشرع ال واللتزام به ،بعد أن أمسى لهم
الملك والعلو في الرض ،فأهواء ورغبات وأطماع ،الذين ) أشربوا في
قلوبهم العجل بكفرهم ( ،والذين ) قست قلوبهم فهي كالحجارة أو شد قسوة ( ،
ل تتفق وشرع ال .
نهاية المملكة وخروجهم من فلسطين :
ض ُأَمًما ( ،أي فرّقناهم ،نجد
طْعَناُهْم ِفي اَْلْر ِ
ولو نظرنا في قوله تعالى ) َوَق ّ
أنه سبحانه أثبت خروجهم ونفيهم من الرض المقدسة ،وشتاتهم في الرض
139
على عمومها ،على القل قبل بعث محمد عليه الصلة والسلم بالقرآن ،فهل
ُيعقل أن أمة بأسرها ،تقوم بالتخلي عن ُملكها وترك أرضها من تلقاء نفسها
ورغبة عنها ؟!!! أم أن هناك أمر عظيم نزل بها ،فتركت أرضها قسرا وقهرا
،بعد أن ُأزيل ملكها وأفل نجمها ؟!!! وقد ورد ذكر هذا الحدث في القرآن
عًدا َمْفُعوًل )5
ن َو ْ
لَل الّدَياِر – َوَكا َ
خَ
سوا ِ
جا ُ
بصيغة الماضي ،بقوله تعالى ) َف َ
السراء ( .وبما أن تلك العبارة أثبتت شتاتهم بعد أن كانوا أمة واحدة ،
جْئَنا ِبُكْم َلِفيًفا )104السراء ( ،تشترط خَرِة ِ
لِعُد ا ْ
جاَء َو ْ
والعبارة ) َفِإَذا َ
مجيئهم من الشتات والتجّمع في فلسطين ،ولم يرد نص في القرآن ُ ،يثبت
مجيئهم وتجّمعهم من الشتات قبل السلم ،لقامة علوهم الثاني .نستطيع
الجزم بأن وعد الولى ،بقيام المملكة الولى وزوالها ،قد تحقق ،وأن المرة
الثانية قد تحّققت بمجيئهم وتجّمعهم من الشتات ،لقامة دولتهم الحالية .
إثبات تواجد اليهود في بابل :
ق ِلَما َمَعُهْم َ (1) ،نَبَذ َفِريقٌ صّد ٌل ُ ،م َ عْنِد ا ِّن ِ سوٌل ِم ْ جاَءُهْم َر ُ قال تعالى ) َوَلّما َ
)
ن )(101 ظُهوِرِهْم َ ،كَأّنُهْم َل َيْعَلُمو َ ل َوَراَء ُ ب ا ِّب ِ ،كَتا َ ن ُأوُتوا اْلِكَتا َ ن اّلِذي َِم َ
ن َوَلِك ّ
ن سَلْيَما ُن ـ ) َوَما َكَفَر ُ سَلْيَما َ
ك ُ عَلى ُمْل ِ ن َ طي ُشَيا َِ(2واّتَبُعوا َما َتْتُلو ال ّ
ن ) ِبَباِبَلعَلى اْلَمَلَكْي ِحَر َ ،وَما ُأْنِزَل َ سْ س ال ّ ن الّنا َ ن َكَفُروا ( ـ )ُ(3يَعّلُمو َ طي َشَيا ِال ّ
ن ِفْتَنٌة َ ،ف َ
ل حُ حٍد ،حَّتى َيُقوَل ِإّنَما َن ْ ن َأ َ
ن ِم ْ ت ـ ) َوَما ُيَعّلَما ِ ت َوَماُرو َ ( َهاُرو َ
ن
ضاّري َ جِه َ ،وَما ُهْم ِب َ ن اْلَمْرِء َوَزْو ِ ن ِبِه َبْي َن ِمْنُهَما َ ،ما ُيَفّرُقو َ َتْكُفْر َ ،فَيَتَعّلُمو َ
عِلُموا ضّرُهْم َ ،وَل َيْنَفُعُهْم َ ،وَلَقْد َ ن َما َي ُ ل ( ـ )َ(4وَيَتَعّلُمو َ ن ا ِّ حٍد ِإّل ِبِإْذ ِ
ن َأ َ
ِبِه مِ ْ
سُهْم َ ،لْو شَرْوا ِبِه َأْنُف َ س َما َ ق َ ،وَلِبْئ َ ل ٍخَن َ خَرِة ِم ْ لِشَتَراُه َ ،ما َلُه ِفي ا ْ نا ْ َلَم ِ
ن ) 102البقرة ( َكاُنوا َيْعَلُمو َ
موضوع الحديث ما قبل هاتين اليتين ،وما بعدهما ،هم اليهود إجمال .بينما
تتعرض اليتان أعله ،لموقف فئة من اليهود المعاصرين لرسالة السلم ،
من بعث نبينا محمد عليه الصلة والسلم ،حيث قام هؤلء وما زالوا يقومون
بثلثة أفعال :
.1عند مجيء رسول ال عليه الصلة والسلم ،بصفة مطابقة لما كان بين
يديهم من التوراة ،ومجيئه بما يتفق مع ما جاء به أنبياؤهم ،أزاحوا التوراة
من عقولهم وقلوبهم وأنكروا ما فيها ،وكتموا ما أخبرت عنه وجاءت به عن
140
الناس ،وأظهروا عدم معرفتهم وعلمهم بأمر هذا النبي ،وعوضا عن
اتباعهم لهذا النبي عليه الصلة والسلم ،كما تأمرهم التوراة :
.2قاموا باتباع ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان ،وحقيقة ما اتبعوه ُيبّينه
ن َكَفُروا ( أي طي َ شَيا ِ
ن ال ّ ن َوَلِك ّ
سَلْيَما ُ
سبحانه ،بالجملة المعترضة ) َوَما َكَفَر ُ
الكفرّيات التي ما زالت تتلوها الشياطين على ملك سليمان ،ومجيء الفعل )
تتلوا ( بصيغة المضارع ُ ،يفيد بأنهم على اّتصال دائم بالشياطين ،وأن
الشياطين ما زالت تتحّدث إليهم ،بكفرّيات تنسبها إلى سليمان عليه السلم ،
ُيبرأه سبحانه منها بقوله ) وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا ( ،
وعوضا عن تعليم الناس تعاليم التوراة :
.3كانوا وما زالوا ُ ،يعلمون الناس السحر ،ويعّلمونهم أيضا نوعا آخرا من
السحر ،كانوا قد تعّلموه أثناء تواجدهم في بابل ،هو ما ُأنزل على الملكين
ن
هاروت وماروت ،اللذان لم ُيعّلما أحدا من الناس ،إل وقال له ِ ) ،إّنَما َنحْ ُ
ل َتْكُفْر ( وحقيقة ما كان يتعّلمه الناس من الملكين في بابل ُ ،يبّينه ِفتَْنٌة َ ،ف َ
ن اْلَمْرِء
ن ِبِه َبْي َ
ن ِمْنُهَما َ ،ما ُيَفّرُقو َ سبحانه بالجملة المعترضة ) َفَيَتَعّلُمو َ
ل(. ن ا ِّ
حٍد ِإلّ ِبِإْذ ِ
ن َأ َ
ن ِبِه ِم ْ
ضاّري َ
جِه َ ،وَما ُهْم ِب ََوَزْو ِ
ضّرُهْم ، ن َما َي ُ .4وُيعّقب سبحانه على ما قامت به تلك الفئة بقوله ) َوَيَتَعّلُمو َ
َوَل َيْنَفُعُهْم … إلى آخر الية ( .وهذا ما يقومون به لغاية الن ،في
محافلهم الماسونية ومدارسهم الدينية ،حيث ُيمارسون وُيعّلمون منتسبيهم
وتلميذهم ،طقوس عبادة الشياطين ،وفنون السحر والشعوذة .
عقوبتهم في الجزيرة العربية كانت جلًء وليس عذابا :
وأما عند مجيء السلم ،كان جزء منهم متواجد في الجزيرة العربية ،
ج الِذي َ
ن خرَ َ
وأخرجوا منها زمن عمر رضي ال عنه ،قال تعالى ) ُهَو اّلِذي َأ ْ
شِر ) 2الحشر ( ،والحشر معناه ح ْ
ن ِدَياِرِهْم لَِّوِل اْل َ
ب ِم ْ
ن َأْهِل اْلِكَتا ِ
َكَفُروا ِم ْ
الجمع ،والجمع يختلف عن الجميع ،وقوله ) لول الحشر ( أي بداية الجمع ،
والجمع يكون عادة بعد التشّرد والشتات ،والمقصود هنا الجمع في الدنيا ،
وليس الحشر بعد الموت والبعث ،حيث كانت وجهتهم عند الخروج إلى بلد
الشام ،وأما الجلء الذي حكم ال به عليهم ،في زمن الرسول عليه السلم
وصحبه الكرام ،لم يكن عذابا كالموصوف في سورة السراء ،ل في الوعد
141
الول ،ول في الوعد الثاني ،فكيفية العقاب في المرتين متطابقة ،كما
ب ا ُّ
ل ن كََت َأوضحنا سابقا ،وهذا ما يقرره سبحانه في الية التالية ) َوَلْوَل َأ ْ
ب الّناِر ) 3الحشر ( ، عَذا ُلخَِرِة َلَء َ ،لَعّذَبُهْم ِفي الّدْنَيا َوَلُهْم ِفي ا ْجَ عَلْيِهُم اْل َ
َ
وقوله تعالى ) لعّذبهم ( ،يفيد بأن الجلء لم ُيعتبر عذابا بمعنى الكلمة ،أما قتل
وسبي يهود بني قريظة ،فهو استثناء حصل لخطورة ما قاموا به من خيانة ،
في أحرج لحظة ،في تاريخ المة السلمية .
وإن لم يكن ما تقّدم مقنعا بما فيه الكفاية ،فانظر إلى قوله تعالى ) َولَِيْدخُُلوا
عَلْوا َتْتِبيًرا ) 7السراء ( ،فأي خُلوُه َأّوَل َمّرٍة َوِلُيَتّبُروا َما َجَد َكَما َد َاْلَمسْ ِ
مسجد الذي دخله المسلمون على اليهود آنذاك ،وما هو المسجد المقصود أصل
في هذه الية ؟! وما صفة العلو الذي كان لهم آنذاك ؟! ،وأما فسادهم وإفسادهم
في الجزيرة وغيرها من الماكن ،فهو مشمول في الية الكريمة ) كُّلَما َأْوَقُدوا
ن) سِدي َ
ب اْلُمْف ِ
ح ّ ل َل ُي ِ
ساًدا َوا ُّ
ض َف َن ِفي اَْلْر ِ سَعْو َ ل َوَي ْ
طَفَأَها ا ُّب َأ ْ
حْر ِ َناًرا ِلْل َ
64المائدة ( ،ولحظ قوله تعالى ) ويسعون ( ،حيث تفيد الستمرارية
والمثابرة ،على الفساد في الرض على عمومها ،وهذا هو ديدنهم على مر
العصور ،لذلك كانوا عرضة للقتل والتنكيل ،أو النهب والسلب ،أو الطرد
والنفي ،أينما حلوا وأينما ارتحلوا ،فطافوا معظم أرجاء من المعمورة
وتواجدوا في كل قاراتها ،منذ 3آلف سنة واستمر حالهم هذا على مر
العصور ،وهذا ما لم يقع في أي شعب من شعوب الرض ،وكان الستثناء
الوحيد ،هو حصولهم على الدولة في القدس مرتين فقط .وبعد شتاتهم في
المرة الولى ،لم يكن لهم علو ،ولم يكن لهم جمع من الشتات ،الذي هو أحد
شروط ومواصفات تحقق الوعد الثاني ،إل ما ُنشاهده الن على أرض
الواقع ،من علوا ظاهر مقترن بالفساد والفساد ،في الرض الُمقّدسة
فلسطين .
142
تاريخ اليهود في التوراة والتلمود
146
سفر التثنية آخر السفار المنسوبة لموسى ،ويضم في ثناياه نصوص
النبوءة :
ملحظة :النص مأخوذ من نسخة ) كتاب الحياة ( حيث أن التركيب اللغوي
فيها ،أكثر قوة وتعبيرا ،إل في مواضع نادرة ،نلجأ فيها للخذ من النسخة
الخرى ) الكتاب المقدس ( وهو ما يرد بين ] … [ ،وما يرد بين ) … ( فهو
تعقيب من المؤلف .
ن ُدوِني
خُذوا ِم ْ
سَراِئيَل َأّل َتّت ِ
جَعْلَناُه ُهًدى ِلَبِني ِإ ْ
ب َو َ
سى اْلِكَتا َ
) َوَءاَتْيَنا ُمو َ
ل ) 2السراء ( َوِكي ً
" إصحاح :26آية :16لقد أمركم الرب إلهكم هذا اليوم ،أن تعملوا بهذه
الفرائض والحكام ،فأطيعوا واعملوا بها من كل قلوبكم ومن كل نفوسكم ،
… :17وأن عليكم طاعة جميع وصاياه :19،فيجعلكم أسمى من كل المم
] مستعليا على جميع القبائل [ التي خلقها في الثناء والشرف والمجد ،
) العلو ( . " … ،
إخبار موسى عليه السلم بنص النبوءة ،كان قبل دخولهم إلى الرض المقدسة
:
" :1-9 :27وأوصى موسى وشيوخ إسرائيل الشعب قائلين :أطيعوا جميع
الوصايا التي أنا أمركم بها اليوم .فعندما تجتازون نهر الردن ،إلى الرض
التي يهبها الرب إلهكم لكم ،تنصبوا لنفسكم حجارة كبيرة … ،وتكتبون
عليها جميع كلمات هذه الشريعة … ،ثم قال موسى والكهنة واللويون لجميع
شعب إسرائيل " :
سفر الخروج :2 : 20 " :أنا هو الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر
ديار عبوديتك :3 ،ل يكن لك آلهة أخرى سواي :4 ،ل تنحت لك تمثال ول
صورة :5 ، … ،ل تسجد لهن ول تعبدهن :7 ، … ،ل تنطق باسم الرب
باطل :12 ، … ،أكرم أباك وأمك :13 ، … ،ل تقتل :14 ،ل تزن :15 ،
ل تسرق :16 ،ل تشهد على قريبك شهادة زور :17 ،ل تشته بيت جارك ،
… ،ول شيئا مما له " .
147
وهذا ما ُيسّمونه بالوصايا العشر ،واخترت النص من سفر الخروج ،كونه
أكثر وضوحا ومطابقة للقرآن ،حيث ورد نص الميثاق والوصايا في ) البقرة
) ، ( 84 – 83والنعام ) ، ( 153 – 151والسراء . ( 39 – 22
عُلّوا
ن ُ
ن َوَلَتْعُل ّ
ض َمّرَتْي ِ
ن ِفي اَْلْر ِ
سُد ّ
ب َلُتْف ِ
سراِئيَل ِفي اْلِكَتا ِ
ضْيَنا ِإَلى َبِني إ ْ
) َوَق َ
َكِبيًرا ) 4السراء (
" :16-21 :31و قال الرب لموسى :ما إن تموت وتلحق بآبائك ) مستقبل (
… حالما أدخلهم إلى الرض التي تفيض لبنا وعسل ، … ،فيأكلون ويشبعون
ويسمنون ،فإنهم يسعون وراء آلهة أخرى ،ويعبدونها ويزدرون بي ،
وينكثون عهدي .فيحتدم غضبي عليهم في ذلك اليوم ،وأنبذهم وأحجب وجهي
عنهم ،فيكونوا فريسة :، … ،فمتى حّلت بهم شرور كثيرة ،ومصائب جّمة ،
يشهد هذا النشيد عليهم ،لنه سيظل يترّدد على أفواه ذرّيتهم ،إذ أنني عالم
بخواطرهم التي تدور بخلدهم الن ،قبل أن ُأدخلهم إلى الرض كما
] أقسمت [ " .
سُكْم ) 7السراء (
سْنُتْم َِلْنُف ِ
ح َ
سْنُتْم َأ ْ
ح َ
ن َأ ْ
) ِإ ْ
" :1-13 :28وإن أطعتم صوت الرب طاعة تامة ،حرصا منكم على تنفيذ
جميع وصاياه فإن الرب إلهكم يجعلكم أسمى من جميع أمم الرض .وإذا
سمعتم لصوت الرب إلهكم ،فإن جميع هذه البركات تنسكب عليكم وتلزمكم ،
لت أرضكم ،ونتاج بهائمكم ،ويهزم الرب … ،كما تتبارك ُذّرّيتكم ،وغ ّ
أمامكم أعدائكم القائمين عليكم ،فيقبلون عليكم في طريق واحدة ،ولكّنهم
طرق ،فيفتح الرب كنوز سمائه الصالحة ،فيمطر على ُيوّلون الدبار في سبع ُ
أرضكم في مواسمها ،وُيبارك كل ما تنتجه أيديكم ، … ،فإّنه يجعلكم رؤوسا
ل أذنابا ،متسامين دائما ) علو ( ،ول ُيدرككم انحطاط أبدا ) ذّلة ( … " .
سْأُتْم َفَلَها ) 7السراء (
ن َأ َ
) َوِإ ْ
" 15 :28ولكن إن عصيتم صوت الرب إلهكم ،ولم تحرصوا على العمل
بجميع وصاياه وفرائضه ،التي أنا آمركم اليوم بها ،فإن جميع هذه اللعنات
لت أرضكم ،ونتاج ل اللعنة بأبنائكم ،وغ ّ
تحل بكم وتلزمكم ، … ،وتح ّ
ب عليكم اللعنة والفوضى والفشل ،حتى تهلكوا وتفنوا ب الر ّ
بهائمكم ،ويص ّ
148
سريعا لسوء أفعالكم ،إذ تركتموني ،ويتفشى بينكم الوباء حتى ُيبيدكم ،
وتصبح السماء من فوقكم كالنحاس ،والرض من تحتكم كالحديد :25 ،
ب أمام أعدائكم ،فتقبلون عليهم في طريق واحدة ،وتولون ويهزمكم الر ّ
الدبار أمامهم متفرقين في سبع طرق ،وتصبحون عبرة لجميع ممالك الرض
:26 ،وتكون جثتكم طعاما ،لجميع طيور السماء ووحوش الرض ،ول
يطردها أحد ] وليس من يزعجها [ :28 ،ويبتليكم الرب بالجنون والعمى
سسون طرقكم في الظهر ،كما وارتباك الفكر ] وحيرة القلب [ :29 ،فتتح ّ
سس العمى في الظلم ،وتبوء طرقكم بالخفاق ،ول تكونون إل يتح ّ
مظلومين مغصوبين كل اليام :32 ،يساق أولدكم وبناتكم إلى أمة أخرى …
وما في أيديكم حيلة :36 ، … ،ينفيكم الرب أنتم وَمِلككم إلى أمة أخرى ،ل
تعرفونها أنتم ول آباؤكم :37 ، … ،وتصبحون مثار دهشة وسخرية وعبرة
في نظر جميع الشعوب ] :43 ، … ،الغريب الذي في وسطك ،يستعلي عليك
متصاعدا ،وأنت تنحط متنازل [ ) عودة الذل وزوال العلو ( ، … :44 ،وهم
يكونون رؤوسًا وأنتم تكونون ذنبا " .
النصوص الخاصة بالمرة الولى :
لَل
سوا خِ َ
جا ُ
شِديٍد َف َ
س َ
عَباًدا َلَنا ُأوِلي َبْأ ٍ
عَلْيُكْم ِ
عُد ُأوَلُهَما َبَعْثَنا َ
جاَء َو ْ
) َفِإَذا َ
الّدَياِر … ) 5السراء (
" 49 :28ويجلب الرب عليكم أمة من بعيد ،من أقصى الرض ،فتنقضّ
عليكم كالنسر :50 ،أّمة ] جافية الوجه [ يثير منظرها الرعب ،ل تهاب
الشيخ ول ترأف بالطفل :51 ،فتستولي على نتاج بهائمكم ،وتلتهم غلت
ق لك قمحا ول خمرا ول زيتا … ،حتى تفنيك ، أرضكم حتى تفنوا ،ول ُتب ِ
:52وتحاصركم في جميع مدنكم ،حتى تتهدم أسواركم الشامخة الحصينة ،
التي وثقتم بمناعتها :58 ، … ،فإن لم تحرصوا على العمل بجميع كلمات هذا
الشريعة المكتوبة في هذا الكتاب :59 ، … ،فإن الرب يجعل الضربات
النازلة بكم وبذّريتكم ،ضربات مخيفة وكوارث رهيبة دائمة :63 ، … ،وكما
سّر الرب بكم ،فأحسن إليكم وكّثركم ،فإنه سُيسّر بأن يفنيكم ويهلككم
ُ
فتنقرضون ] فتستأصلون [ من الرض ،التي أنتم ماضون إلى امتلكها ،
:64ويشّتتكم ] ويبددكم [ الرب بين جميع المم ،من أقصى الرض الى
149
أقصاها :65 ، … ،ول تجدون بين تلك المم اطمئنانا ،ول مقّرا لقدم ،بل
يعطيكم الرب قلبا هلعا ،وعيونا أوهنها الترقب ،ونفوسا يائسة ) الذلة
والمسكنة بين المم ( :66 ،و تعيشون حياة مفعمة بالتوتر ،مليئة بالرعب ليل
و نهارا .
سم ولمرتين ) تكرار للنص السابق مع السهاب ( :
النبوءة جاءت ِبَق َ
1 :29وهذه هي نصوص العهد ،الذي أمر الرب موسى ،أن يقطعه مع بني
إسرائيل في سهول موآب ،فضل عن العهد الذي قطعه معهم في حوريب :2 ،
ودعا موسى جميع إسرائيل 4 :29 ، … ،و لكن الرب لم يعطكم حتى الن ،
قلوبا لتعوا ] لتفهموا [ وعيونا لتبصروا و أذانا لتسمعوا :9 ، … ،فأطيعوا
نصوص هذا العهد واعملوا بها ] ،لكي تفلحوا في كل ما تفعلون [ ، … ،
:14ولست أقطع هذا العهد وهذا القسم معكم وحدكم :15 ،بل … ُأبرمه أيضا
مع الجيال القادمة ) حيث سيقع منهم الفساد مّرتين مستقبل ( :18 ، … ،
صل فيه الشّر ،فيحمل ثمرا علقما ساّما ،
فاحرصوا أن ل يكون بينكم ،من تأ ّ
:19فإن سمَع كلم هذا الَقسم يستمطر بركة على نفسه ) أي يزّكي نفسه ( قائل
:سأكون آمنا ،حتى ولو أصررت على الستمرار في سلوك طريقي
) الصرار على المعصية ( ،إن هذا ُيفضي إلى فناء الخضر واليابس ،على
حد سواء :20 ،إن الرب ل يشاء الرفق بمثل هذا النسان ،بل يحتدم غضبه
وغيرته عليه ،فتنزل به كل اللعنات المدّونة في هذا الكتاب ،ويمحو اسمه من
تحت السماء :22 ،فيشاهد أبناؤكم من الجيال القادمة ،والغرباء الوافدون من
أرض بعيدة ،بليا تلك الرض :23 ، … ،إذ تصبح جميع الرض كبريتا
محترقة ل زرع فيها ، … ،كانقلب سدوم ) قوم لوط ( ،التي قلبها الرب من
ب وسخ ٍ
ط جراء غضبه وسخطه :28 ، … ،واجتّثهم من أرضهم ،بغض ٍ
وغيظٍ عظيم ،وطّوح بهم إلى أرض أخرى ) السبي والشتات ( . " … ،
النصوص الخاصة بالمرة الثانية :
154
حيثيات نفاذ الوعد الول في السفار الخرى
157
وأما إفسادهم حسب ما يروونه هم عن أنفسهم ،فقد جاء في سفر الملوك الثاني
ق الرب ما نصه :9 :17 " ،وارتكب بنو إسرائيل في الخفاء المعاصي ،في ح ّ
إلههم :11 … ،واقترفوا الموبقات لغاظة الرب ،عابدين الصنام التي
ب عنها :13 … ،قائل :ارجعوا عن طرقكم الثيمة ، حّذرهم ونهاهم الر ّ
وأطيعوا وصاياي وفرائضي بمقتضى ،التي أوصيت آبائكم بتطبيقها … ،
على لسان عبيدي النبياء :14 ،لكنهم أصّموا آذانهم ،وأغلظوا قلوبهم
كآبائهم :16 … ،ونبذوا جميع وصايا الرب ، … :17 ،وتعاطوا العرافة
والفأل ) السحر والكهانة ( :22 … ،ولم يعدل السرائيليون عن ارتكاب جميع
خطايا يربعام ،بل أمعنوا في اقترافها :23 ،فنفى الرب إسرائيل من
حضرته ،كما نطق على لسان جميع النبياء ،فسبي السرائيليون إلى أشور ،
إلى هذا اليوم " ) أي اليوم الذي كتبوا فيه هذا النص بعد السبي بمدة طويلة ( .
وصف فساد المملكة الجنوبية :
وأما ما ُينسب من إفساد إلى ملوك المملكة الجنوبية ،فقد جاء في نفس السفر ما
ب ،مقترفا رجاسات المم الذين ي الر ّ
نصه :2 :21 " ،وارتكب الشّر في عين ّ
طردهم الرب من أمام بني إسرائيل ، … :3 ،وأقام مذابح البعل ،ونصب
تماثيل عشتاروت ) مدينة بابلية ( ،وسجد لكواكب السماء وعبدها :6 ،ولجأ
ن والعّرافين ،وأوغل في ارتكاب الشّر :10 … ،ثم قال إلى أصحاب الجا ّ
سى ملك يهوذا اقترف جميع هذه الرب على لسان عبيده النبياء :لن من ّ
ل يهوذا … ، … :12 ،ها أنا أجلب شرا على أورشليم الموبقات ،وأض ّ
ويهوذا ، … :13 ،وأمسح أورشليم كما ّيمسح الطبق من بقايا الطعام :14 ،
وأنبذ شعبي وأسلمهم إلى أيدي أعدائهم ،فيصبحون غنيمة وأسرى لهم :15 ،
سى فسفك دم أبرياء كثيرين ، لنهم ارتكبوا الشّر في عيني :16 … ،وزاد من ّ
حتى مل أورشليم من أقصاها إلى أقصاها ،فضل عن خطيئته التي استغوى
بها يهوذا . " … ،
وتخبر التوراة أن الحروب استمرت بين المملكتين ،واستعانة المغلوب بالقوام
المجاورة على الخر ،إلى أن جاء الغزو الشوري ،وسبى المملكة الشمالية
721ق.م .
ي الرب ) حسب قولهم ( ، وتتابَع الملوك الجنوبيون في ارتكاب الشّر في عين ّ
وفي عهد الملك يهوياقيم ،هاجم نبوخذ نصر ) بختنصر ( مملكة يهوذا
158
وخضعت له ثلث سنوات ،ثم تمرّد عليه ) يهوياقيم ( :2 :24 " ،فأرسل
الرب غزاة من كلدانيين وأراميين وموآبيين وعّمونيين ) سكان العراق والردن
القدماء ( ،للغارة على مملكة يهوذا وإبادتها ،بموجب ما قضى به الرب ،
سى ( ،إذ على لسان عبيده النبياء :4 ،وانتقاما للدم البريء الذي سفكه ) من ّ
أنه مل أورشليم بدم البرياء . " … ،
وفي عهد الملك ) يهوياكين ( " … :10 :24زحف قادة نبوخذ نصر ملك بابل
على أورشليم ،وحاصروا المدينة ،ثم جاء نبوخذ نصر بنفسه وتسّلم زمام
القيادة ،فاستسلم ) يهوياكين ( … واستولى على جميع ما في خزائن الهيكل
والقصر ، … ،تماما كما قضى الرب :14 ،وسبى نبوخذ نصر أهل
أورشليم ) " ،وكما يقولون أنه وّلى ابن عم الملك خلفا له ،وسّماه صدقّيا ،
وبعد سنوات ارتكب صدقّيا الشر في عيني الرب كالعادة ،وتمّرد على ملك
بابل ،وآنذاك ( :1 :25 " ،زحف نبوخذ نصر ملك بابل ،بكامل جيشه على
أورشليم وحاصرها :3 ، … ،تفاقمت المجاعة في المدينة ،حتى لم يجد أهلها
خبزا يأكلونه :6 ،فأسروا الملك ) الذي كان ينوي الهرب ( واقتادوه إلى ملك
بابل ، … ،ثّم قتلوا أبناء صدقّيا على مرأى منه ،وقلعوا عينيه ،وساقوه إلى
بابل :9 ، … ،وأحرق الهيكل وقصر الملك وسائر بيوت أورشليم ،وسبى
نبوزرادان ) قائد الحرس الملكي ( بقية الشعب … ، 121 ،ولكنه ترك فيها
فقراء الرض المساكين :13 .وحطم الكلدانيون أعمدة النحاس وبركة النحاس
… إلى آخره ) ،كل محتويات الهيكل ونقلوها إلى بابل ( :18 ،وسبى رئيس
الحرس الملكي ) سرايا رئيس الكهنة وأعوانه وقادة الجيش وندماء الملك ،
وفي المجمل هم علية القوم وزمرة الفساد والفساد في الرض ( فقتلهم ملك
سبي شعب بابل في المعسكر في أرض حماة ) المدينة السورية ( ،وهكذا ُ
يهوذا من أرضه " .
فما أطول باله هذا النبوخذ نصر ،حتى يزحف عليهم مرارا وتكرارا .
والحقيقة أنه زحف عليهم مرة واحدة ،وبشكل مفاجئ فأباد مملكتهم ،وما هذا
التطويل والتطويل والتكرار ،إل من صنع أيدي الكتبة ،وما ) يهوياقيم (
و) يهوياكين ( ،إل تسميتين لنفس الملك الذي حصل في عصره السبي
البابلي .
159
مملكة واحدة وبعث واحد :
ما تقدم من نصوص ،كان من السفار ،التي ُيسّمونها السفار التاريخية ،
خت لعصر الملوك ،ابتداًء من طالوت وداود وسليمان ،وانتهاًء التي أر ّ
بيهوياكين الذي وقع السبي البابلي في عصره .والحقيقة أنه لم يكن هناك
مملكتين ،ولم يكن هناك سبيين ،وإنما مملكة واحدة وسبي واحد .ولكن نتيجة
كتابة التوراة بتلك الطريقة المزدوجة ،أصبحت المملكة مملكتين ،وأصبح
الزحف البابلي زحفين ،ولحل الشكال قولبوه في زمانين مختلفين .
أما إّدعاء انقسام المملكة ،فالقرآن أثبت بطلنه في موضعين ،أول ؛ ُذكر
العلو مرتين كأمة في زمانين مختلفين ،ثانيا ؛ الية التي تتحدث عن سفكهم
دمائهم وإخراجهم أنفسهم ،تؤكد أن ذلك لم يكن انشقاق في الحقيقة ،بل كان
ذلك قتل وإخراج وسلب ،لطائفة مستضعفة من قومهم ،وفي الحقيقة ،وقع
هذا الفعل ،في سبط الخ الشقيق ليوسف عليه السلم ،الذي ُتسميه التوراة
) ببنيامين ( ،وما كان بإمكان هؤلء ،إقامة دولة في أراضي الكنعانيين
المجاورة ،التي لجأوا إليها ،وما كانت حروبهم مع المملكة الم ،إل ضمن
جيوش الكنعانيين وهو الرجح ،أو كثّوار لسترداد أسلبهم وديارهم .
وربما أن بعضهم استنجد بالبابليين ،كنوع من النتقام ) ،بأسهم بينهم شديد ،
تحسبهم جميعا وقلوبهم شّتى ( فاستجابوا لهم ،وربما كان ذلك طمعا في كنوز
هيكل سليمان ،وال أعلم .حيث لم يأتي أي ذكر في التاريخ للسبي الشوري ،
لعشرة أسباط ) قبائل ( من المملكة الشمالية ،حسب ما يّدعي مؤلفو التوراة ،
حتى أن بعض الباحثون الذين صّدقوا التوراة ،يتساءلون عن كيفية اختفاء تلك
جح أن اختراع قصة سبيت إلى مدينة أشور برمتها ،ومن المر ّالقبائل ،التي ُ
المملكة الثانية وسبيها ،هو أحد مظاهر السقاط النفسي ،لمن عوقبوا ،على
الذين لم ُيعاقبوا ،من الذين ُأخرجوا من ديارهم رغم أنوفهم ،تجنبا وتخفيفا
للشعور باللم ،كلما طرأ على مخيلتهم تلك الذكرى الليمة ،ويحصل هذا
عادة على المستوى الشخصي ،فور تعرض الشخص لحادثة مؤلمة ،فيعزو
الخطاء التي تسببت في الحادثة إلى الخرين .
160
تحذيرات النبياء من الفساد
جاء التحذير من الستهانة بنص النبوءة ،ومغبة الفساد عند العلو ،والتخويف
من العقاب ،التي كانت بدايتها نصا في كتاب موسى عليه السلم ،وعلى لسان
كل النبياء المتعاقبين ،داعين إلى اللتزام بشريعة موسى ،ومحّذرين من
تركها ومخالفتها على مدى عمر مملكتهم ،بدءا من سليمان عليه السلم ،
وانتهاًء بإشعياء وإرمياء عليهما السلم ،إن كانوا أنبياء .
وهذا هو التحذير الذي جاء على لسان سليمان ،بعد انتهاءه من بناء الهيكل ،
اليام الثاني :19 :7 " :ولكن إن انحرفتم ونبذتم فرائضي التي شرعتها لكم ،
وضللتم وراء آلهة أخرى وعبدتموها وسجدتم لها :20 ،فإني أستأصلكم من
أرضي التي وهبتها لكم ،وأنبذ هذا الهيكل الذي قّدسته لسمي ) جعلته قائما
لذكري ( ،وأجعله مثل ومثار ُهزٍء لجميع المم :21 ،ويغدو هذا الهيكل الذي
كان شامخا ،عبرة ُيثير عجب كل من يمّر به " .
وبالضافة إلى ما تقدم ،هذا عرض لجزء يسير ،من النصوص الكثيرة
والمطّولة والمكّررة ،لما جاء في أسفار بعض أنبيائهم ) الكبار ( ،اخترناها
لتكتمل معالم الصورة من الجانب الخر .
تحذيرات إشعياء :
إشعياء هو أول النبياء الكبار وهم أربعة ،وُيقال أنه ُبعث في فترة ،بلغ فيه
إفساد بني إسرائيل الذروة ،قبل وقوع السبي البابلي ،حيث أن سفره ،جاء
حافل بالتقريع والتوبيخ والتحذير والنذار ،والتذكير بنص النبوءة الذي جاء
به موسى ،ويروى أنه من النبياء الذين ُقتلوا ) التعريف بأصحاب السفار من
النبياء ،مستقاة من مقدمة المترجم لكل سفر ( :
:4 :1ويل للمة الخاطئة ،الشعب المثقل بالثم ،ذرية مرتكبي الشّر ،أبناء
الفساد :10 .اسمعوا كلمة الرب يا حكام سدوم ) قرية لوط ( :15 … ،عندما
تبسطون نحوي أيديكم أحجب وجهي عنكم ،وإن أكثرتم الصلة ل أستجيب ،
لن أيديكم مملوءة دما :16 ،اغتسلوا ،تطّهروا ،أزيلوا شّر أعمالكم من أمام
ق،عيني ،كفوا عن اقتراف الثم :17 ،وتعّلموا الحسان ،اْنشدوا الح ّ
انصفوا المظلوم ،اقضوا لليتيم ،ودافعوا عن الرملة :19 … ،إن شئتم
وأطعتم ،تتمتعون بخيرات الرض ،وإن أبيتم وتمّردتم فالسيف يلتهمكم ،ل ّ
ن
161
ب قد تكّلم " ) ويستطرد واصفا حال المدينة آنذاك ( … :21 " ،كانت فم الر ّ
تفيض حّقا ،ويأوي إليها العدل ،فأصبحت وكرا للمجرمين :22 ،صارت
ضتك مزّيفة ،وخمرك مغشوشة بماء :23 ،أصبح رؤساءك عصاة ، ف ّ
وشركاء لصوص ُ ،يولعون بالرشوة ويسعون وراء الهبات ،ل يدافعون عن
اليتيم ،ول ُترفع إليهم دعوى الرملة " .
" :8 :3قد َكَبت ) وقعت ( أورشليم ،انهارت يهوذا ) المملكة ( ،لنهما
أساءتا بالقول والفعل إلى الرب ،وتمّردتا على سلطانه :9 ،ملمح وجوههم
تشهد عليهم ،إذ يجاهرون بخطيئتهم كسدوم ول يسترونها ،فويل للذين جلبوا
شروا الصّديقين بالخير ،لنهم سيتمتعون بثواب على أنفسهم شّرا :10 ،ولكن ب ّ
أعمالهم :11 ،أّما الشّرير فويل له وبئس المصير … :12 ،إن قادتكم
ُيضّلونكم ويقتادونكم في مسالك منحرفة … " .
سِكر … :12 ،يتلّهون في مآدبهم " :11 :4ويل لمن … يسعون وراء الُم ْ
بالعود والرباب والدف والناي والخمر ،غير مكترثين بأعمال الربّ :13 … ،
عظماؤهم جوعا ،وتهلك العامة لذلك ُيسبى شعبي لنهم ل يعرفون ،ويموت ُ
ط كل متشامخ فيها ،ل النسان وُيخفض الناس وُيح ّ عطشا :15 … ،وُيذ ّ
) الذل بعد العلو ( … :18ويل لمن يجّرون الثم بحبال الباطل :19 … ،
جل بعقابه حتى نراه ) انظر اليات 92،99السراء و ويقولون لُيسرع وُيع ّ
58،59الكهف ( ،لُينفذ مقّدس إسرائيل مآربه فينا ،فندرك حقيقة ما يفعله بنا ،
:21ويل للحكماء في أعين أنفسهم ،والذكياء في نظر ذواتهم :25 … ،لذلك
احتدم غضب الرب ضّد شعبه ،فمّد يده عليهم وضربهم ،فارتعشت الجبال ،
وأصبحت جثث موتاهم كالقاذورات في الشوارع ،ومع ذلك لم يرتّد غضبه ،
ولم تبرح يده ممدودة بالعقاب :26 ،فيرفع راية لمم بعيدة ،ويصفر لمن في
أطراف الرض ،فيقبلون ُمسرعين :27 ،دون أن يكّلوا أو يتعثروا أو يعتريهم
ُنعاس أو نوم :28 … ،سهامهم مسنونة ،وقسّيهم مشدودة ،حوافر خيلهم
كأنها صّوان ،عجلت مركباتهم مندفعة كالعصار :29 ،زئيرهم كأنه زئير
أسد ،يزمجر وينقض على فريسته ،ويحملها وليس من منقذ ُ :30 ،يزمجرون
… كهدير البحر ،وإن جاس أحدهم في البلد متفرسا ،ل يرى سوى الظلمة
والضيق ،حتى الضوء قد احتجب وراء سحبه . " ..
162
جلون أحكام جور :2 ، :1 :10ويل للذين يسّنون شرائع ظلم ،وللكتبة الذين يس ّ
ليصّدوا البائسين عن العدل ،ويسلبوا مساكين شعبي حّقهم ،لتكون الرامل
مغنما لهم ،وينهبوا اليتامى :3 ،فماذا تصنعون في يوم العقاب ،عندما تقبل
الكارثة من بعيد ! إلى من تلجئون طلبا للعون ؟ وأين تودعون ثروتكم ؟ لم
يبقى شيء سوى أن تجثوا بين السرى ،وتسقطوا بين القتلى :21 … ،
وترجع بقية ذرية يعقوب إلى الرب القدير ،مع أن شعبك يا إسرائيل ،فإن بقية
فقط ترجع ،لن ال قضى بفنائهم ،وقضاؤه عادل " .
" :8 :46اذكروا هذا واتعظوا ،انقشوه في آذانكم أيها العصاة ،تذّكروا
المور الغابرة القديمة ،لني أنا ال وليس إله آخر :10 ،وقد أنبأت بالنهاية
منذ البداية ،وأخبرت منذ القدم ،بأمور لم تكن قد حدثت بعد ،قائل :مقاصدي
ل بد أن تتم ،ومشيئتي ل بد أن تتحقق :11 ،أدعوا من المشرق الطائر
الجارح ،ومن الرض البعيدة برجل مشورتي ،قد نطقت بقضائي ،ول بد أن
ي يا غلظ القلوب ،أيها البعيدون عن البّر :13 ، ُأجريه :12 … ،أصغوا إل ّ
لقد جعلت أوان بّري قريبا ،لم يعد بعيدا ،وخلصي ل ُيبطئ …
ن خلصكم مرهون :15-17 :30لنه هكذا قال الرب ،قّدوس إسرائيل :إ ّ
ي ،وقّوتكم في الطمأنينة والثقة بي ،لكنكم أبيتم ذلك ،وقلتم
بالتوبة والركون إل ّ
:ل بل نهرب على الخيل ،أنتم حّقا تهربون ،لهذا فإن مطارديكم ُيسرعون في
تعّقبكم ،يهرب منكم ألف من زجرة واحد ،وتتشّتتون جميعا من زجرة
خمسة ،حتى ُتتركوا كسارية على رأس جبل …
نلحظ أن إشعياء يدعوا إلى التوبة والصلح ،ويصف ما وصل ببني
إسرائيل من إفساد ،ويّذكرهم ويحّذرهم ،ويعيد إلى أذهانهم ،مضمون تلك
النبوءة ،التي جاءت في أسفار موسى ،ونصوص إشعياء لم تحمل في طياتها
تصريح عن ماهية المبعوثين ،سوى أن الفقرة الخيرة ،ذكرت جهة مخرج
البعث ،وربما يكون ذلك إضافة من مؤلفي التوراة .
تحذيرات ارميا :
ارميا هو ثاني النبياء الكبار ،وُيقال أن هذا النبي ،عاش في الفترة ما قبل وما
بعد ،التي وقع فيها السبي البابلي ،وكان فحوى رسالته :دعوة قومه إلى
ق قدره ،فل ملجأالتوبة والعودة إلى ال ،والتخلي عن الوهام ،وتقدير ال ح ّ
163
منه إل إليه ،ول يرّد غضبه قوة أو مال أو جاه .وقد ُوصف هذا النبي ) بالنبي
البّكاء ( ،من كثرة بكاءه على قومه ،بعد وقوع الكارثة التي طالما حّذرهم
منها ،فلم يستجيبوا له .
" :2 :7اسمعوا كلم الرب … :3قّوموا طرقكم وأعمالكم فُأسكنكم في هذا
الموضع :4 ،ل تتكّلوا على أقوال الكذب ) النفاق ( :5 ،لكن إن قّومتم حّقا
طرقكم وأعمالكم ،وأجريتم قضاًء عادل فيما بينكم :6 ،إن لم تجوروا على
الغريب واليتيم والرملة ،ولم تسفكوا دما بريئا … وإن لم تضّلوا وراء
الوثان :7 ،عندئذ ُأسكنكم في هذا الموضع … إلى البد :8ها أنتم قد اتكلتم
على أقوال الكذب ) نافقتم ( ،ولكن من غير جدوى :9 ،أتسرقون وتقتلون
خرون للبعل ) الصنم ( :10 ،ثم تمثلون في وتزنون ،وتحلفون زورا وتب ّ
حضرتي …هل أصبح هذا الهيكل ) الذي ُأقيم لذكري ( مغارة لصوص ؟! …
:20لذلك ُيعلن الرب :ها غضبي وسخطي ينصّبان على هذا الموضع …
" :7 :8إن اللقلق في السماء يعرف ميعاد هجرته ،وكذلك … ،أّما شعبي فل
يعرف قضاء الرب ! :8كيف تّدعون أنكم حكماء ،ولديكم شريعة الرب ،
بينما حولها قلم الكتبة المخادع إلى ُأكذوبة ؟! سيلحق الخزي بالحكماء ،
ويعتريهم الفزع والذهول ،لنهم رفضوا كلمة الرب ،إذ أي حكمة فيهم ؟!
لذلك ُأعطي نسائهم لخرين ،وحقولهم للوارثين القاهرين ،لنهم جميعهم من
صغيرهم إلى كبيرهم مولعون بالربح ،حتى النبي والكاهن يرتكبان الزور في
أعمالهما ،ويعالجون جراح شعبي باستخفاف ،قائلين :سلٌم ،سلٌم ،في حين
ط ،ولم ل ! لم يخزوا ق ّ
ل يوجد سلم ،هل خجلوا عندما ارتكبوا الرجس ؟! ك ّ
يعرفوا الخجل ،لذلك سيسقطون بين الساقطين ،وحين ُأعاقبهم ُيطّوح بهم ،
يقول الرب " .
" :22 :10اسمعوا ،ها أخبار تتواتر عن جيش عظيم ،مقبل من الشمال ،
ليحّول مدن يهوذا ،إلى خرائب ومأوى لبنات آوى " .
ب زاحف من الشمال ،وأّمة عظيمة تهبّ من " :22 :6انظروا ،ها شع ٌ
ت بالقوس والرمح ،وهي قاسية ل ترحم ،جلبتها أقاصي الرض ،تسّلح ْ
كهدير البحر ،وهي مقبلة على صهوات الخيل ،قد اصطّفت كإنسان واحد ،
ب الوهن في أيدينا ،وتّولنا لمحاربتك يا أورشليم ،سمعنا أخبارهم المرعبة فد ّ
كرب وألم ،كألم امرأة تعاني المخاض ،ل تخرجوا إلى الحقل ،ول تمشوا في
164
الطريق ،فللعدّو سيف ،والهول ُمحّدق من كل جهة ،فيا أورشليم ارتدي
المسوح ،وتمّرغي في الرماد ،ونوحي كمن ينوح على وحيده ،وانتحبي نحيبا
مرا ،لن الُمدّمر ينقض علينا فجأة ،إني أقمتك ُممَتحنا للمعدن ) إقامة مملكتهم
كان لمتحانهم ( ،وجعلت شعبي مادًة خام ،لكي تعرف طرقهم وتفحصها ،
فكّلهم عصاة متمّردون ساعون في النميمة ،هم نحاس وحديد ،كلهم فاسدون "
.
" :3 :23وأجمع شتات غنمي من جميع الراضي ،التي أجليتها إليها ،
وأرّدها إلى مراعيها ،فتنموا وتتكاثر ،وُأقيم عليها رعاة يتعّهدونها ،فل
يعتريها خوف من بعد ،ول ترتعد ول تضل ،ها أيام مقبلة ُأقيم فيها لداود
ذرّية ِبّر ،ملكا يسود بحكمة ،ويجري في الرض عدل وحّقا ،في عهده يتّم
خلص شعب يهوذا ،ويسكن شعب إسرائيل آمنا " .
" :3 :30ها أيام مقبلة أرّد فيها سبي شعبي … ،وأعيدهم إلى الرض التي
أعطيتها لبائهم فيرثونها ) ،ثم يقول ( :سمعنا صراخ رعب ،عم الفزع
وانقرض السلم ، … ،ما أرهب ذلك اليوم ،إذ ل مثيل له ،هو زمن ضيق
طم
على ذرية يعقوب ،ولكنها ستنجوا ،في ذلك اليوم ،يقول الرب القدير ُ :أح ّ
طهم ) أي أرفع قيود العبودية والذل عنهم ( فل أنيار أعناقهم وأقطع ُرب َ
يستعبدهم غريب فيما بعد ،بل يعبدون الرب إلههم ،وداود ملكهم الذي ُأقيمه
ن ويستريح ،من غير عليهم ) شرك بال ( … ،فيرجع نسل إسرائيل ،ويطمئ ّ
ك بينها ،أّم أنت فل ُأفنيك أن ُيضايقه أحد ، … ،فُأبيُد جميع المم التي شّتت َ
جه لورشليم ( إن ُأوّدبك بالحق ،ول ُأبّرئك تبرئة كاملة ) ، … ،الخطاب مو ّ
جرحك ل شفاء له ،وضربتك ل علج لها ،إذ ل يوجد من يدافع عن دعواك ،
… ،قد نسيك محّبوك ،وأهملوك إهمال ،لني ضربتك كما َيضربُ عدّو ،
س ،لن إثمك عظيٌم وخطاياك متكاثرة ، … ،لهذا ض قا ٍ ب مبغ ٍك عقا َ
وعاقبت ِ
أوقعتك بالمحن ،ولكن سيأتي يوم ُيفترس فيه جميع ُمفترسيك ،ويذهب جميع
مضايقيك إلى السبي ،ويصبح ناهبيك منهوبين ،لني أرّد لك عافيتك وُأبرئ
جراحك " .
النصوص الخيرة أعله ،من النصوص المضّللة ،التي شّكلت قناعات
ومعتقدات ،عاّمة اليهود حكماًء ومغفلين ،وملخصها أنهم في المرة الثانية ،
سيقيمون لهم دولة في أرض الميعاد ،وُيبعث لهم ملكا من نسل داود عليه
165
السلم ،يحكم الرض كلها بالحق والعدل ،وليس فلسطين فقط ،ففلسطين ل
تتسع لحلمهم وأوهامهم وهلوسهم وأمانّيهم ،وينعم اليهود تحت حكمه ،
بالسلم والمن إلى البد ) فل بعثا ول نشورا ( ،ويكون فيها اليهود أسيادا ،
وباقي خلق ال عبيدا تحت أقدامهم .
لقد أضاع كتبة التوراة الحقيقة ،وظلموا أجيالهم القادمة من حيث ل يعلمون ،
فكذبوا الكذبة وصّدقها أبنائهم ،وأصبحت من صميم معتقداتهم ،فالمعاصرين
من اليهود والنصارى ،يتعاملون مع كل نصوص التوراة ،بغثها وسمينها ،
على أنها من عند ال ،ول مجال لتكذيبها .
يقولون أن النص التالي ،هو رسالة من إرمياء إلى المسبيين في بابل ُ ،يخبرهم
فيها أن مقامهم هناك سيكون طويل ،وينصحهم فيها بأن ُيقيموا فيها ويبنوا
بيوتا ،ويتزوجوا ويتكاثروا ،وهذا جزء من نصها :
" :10 :29ولكن بعد انقضاء سبعين سنة عليكم في بابل ،ألتفت إليكم وأفي
لكم بوعودي الصالحة ،برّدكم إلى هذا الموضع ،لني عرفت ما رسمته لكم ،
إنها خطط سلم ل شّر ،لمنحكم مستقبل ورجاء ، … ،وحين تجدونني ،أردّ
سبيكم ،وأجمعكم من بين جميع المم ،ومن جميع الماكن التي شّتتكم إليها ،
…".
في الحقيقة أن كتبة التوراة ،كانوا يعتقدون أن عودتهم الجزئية ،من بابل إلى
أورشليم ،بعد ) (70سنة من السبي ،في عهد كورش الفارسي كما ُيروون ،
هي العودة الثانية التي سيتحقق فيها ،النصف الثاني من نبوءة موسى وإشعياء
وارميا ،ومنذ ذلك اليوم وهم ينتظرون ،أن ُيبعث فيهم ) الملك الله ( لُيقيم لهم
دولة في القدس ،فلم يكن لهم ذلك ،ويروى أن الذين رجعوا من بابل ،أعادوا
ي ) 37ق.م بناء الهيكل ،مع معارضة المقيمين .وطال انتظارهم ،وبين عام ّ
– 70م ( أي مائة سنة تقريبا ،حصلوا على حكم ذاتي محدود ) المملكة
الهيرودية ،وكان الملك من أصل يهودي آرامي ( ،تحت التاج الروماني ،
وفي زمانهم تواجد زكريا ويحيى ،وُبعث إليهم عيسى عليه السلم ،فتآمروا
عليه ودفعوه إلى الرومان ،لقتله وصلبه ،حيث كانت سلطة القتل في أيدي
الرومان الوثنيون .
وبعد زوال مملكتهم على يد ) نبوخذ نصر ( البابلي عام 586م ،وحتى تشّتتهم
النهائي على يد ) هادريان ( الروماني عام 135م ُ ،أخرج أغلبية اليهود منها ،
166
ولم تقم لليهود في فلسطين قائمة ،وأقصى ما استطاعوا الحصول عليه ،هو
ذلك الحكم الذاتي ،في بداية الحكم الروماني لبلد الشام ،حيث قضى هذا
المبراطور ،على أي أمل لهم ،في إعادة إقامة دولتهم الثانية ،فكان إنتشارهم
في كافة أرجاء العالم .
) ولنكمل النصوص من سفر ارميا ( :8 :31 " ،ها آتي بهم من بلد الشمال ،
وأجمعهم من أقصي أطراف الرض ،وفيهم العمى والعرج ،الحبلى
والماخض ،فيرجع حشد عظيم إلى هنا "
" :27 :31ها أيام مقبلة ،يقول الرب ُ ،أكّثر فيها ذرية إسرائيل ويهوذا ،
وُأضاعف نتاج بهائمهم أضعافا ،وكما ترّبصت بهم لستأصل ،وأهدم وأنُقض
وُأهلك وُأسيء ،كذلك أسهر عليكم لبنيكم وأغرسكم " .
" :33 :31سأجعل شريعتي في دواخلهم ، … ،وأكون لهم إلها ويكونون لي
شعبا ،لني سأصفح عن إثمهم ،ولن أذكر خطاياهم من بعد " .
) وهذا محض افتراء وتحريف ،وتتبع هذه الكذوبة عبارات مبهمة ،ومن ثم
ُتفاجأ بهذه العبارة التي تقول ( " :عندئذ َأنبذ ذرية إسرائبل من أجل كل ما
ارتكبوه " ) ،لتفهم أن العبارات المبهمة ،كانت بدل من عبارات حذفوها ،
وهي عبارات مفادها اشتراط الحسان للثواب والفساد للعقاب ( .
" :38 :31ها أيام مقبلة ُ ،يعاد فيها بناء هذه المدينة للرب ، … ،ولن تستأصل
أو ُتهدم إلى البد " .
بالنظر في قولهم هذا ،وخاصة العبارة الخيرة ،نجد أن مؤلفي التوراة ،
قضوا على أي أمل لليهود ،في الصلح الصلح في دولتهم الحالية ،حيث
ي في استمرار وجودهم ،فمؤّدى هذه العبارة ،أنهم سيقيمون أنه شرط أساس ّ
فيها إلى البد ،بغض النظر عن إصلحهم أو إفسادهم فيها ،لتصبح نهاية
دولتهم حتمية في الموعد المحّدد ،وقد لحظت من خلل تتبعي ،لما جاء في
المرة الثانية ،أنهم بعد كل عقاب مأساوي يحل بهم ،يبدءون بذكر العودة
والجمع من الشتات ،والبركة والكثرة ،ويفيضون فيها وصفا وشرحا ،
والنتيجة تكون على الدوام هي ،انتصار ربهم على أعدائهم ومحقهم عن بكرة
أبيهم ،وجعل أرضهم صحراء قاحلة ،أما هم فيعشون جنة ونعيما ،ويكون
ي عنهم ربهم ورضوا عنه . لهم الملك في الرض إلى البد ،بعد أن رض َ
167
) وانظر إلى هذه النبوءة في المرة الثانية على لسان الرب ( " :10 :42إن
أقمتم في هذه الرض ،فإني أبنيكم ول أهدمكم ،وأغرسكم ول أستأصلكم ،
لني أسفت على الشّر الذي ألحقته بكم ) ربهم يأسف ( ،ل تخشوا ملك بابل ،
الذي أنتم منه خائفون ،فإني معكم لخلصكم وأنجيكم من يده ) بل قيد أو شرط
ضهم
( ،وُأنعم عليكم ،فيرحمكم ويرّدكم إلى أرضكم " ) ،فربهم يأسف ،ويح ّ
على عدم الخشية من ملك بابل ( .
السبي البابلي :
هذا الحدث المشهور تاريخيا والمعروف ) بالسبي البابلي ( ،هو أول وأقسى
وأفظع حدث ،وقع في تاريخ اليهود كأمة ،أثناء تواجدهم في فلسطين ،من
حيث الذى الجسدي والنفسي ،وكان له أبلغ الثر ،في وجدان وفكر الشعب
اليهودي ،وليس أدل على ذلك ،من أن عدد الصفحات ،التي تتطّرق إلى ذكر
صله من جميع جوانبه ،هو ) (400 – 350صفحة ، متعّلقات هذا الحدث ،وتف ّ
أي ما ُيعادل ثلث التوراة .وقد جاء في كتاب ) الختراق الصهيوني
للمسيحية ( للقس إكرام لمعي ،ونقل عن كتاب ) تاريخ اليهود ( للكاتب ) بول
جونسون ( ما نصه " :وفي بابل لم يعامل اليهود معاملة سيئة ،فقد وجدت
مخطوطات بجوار عشتاروت – أقدم مدن بابل – وجد فيها قائمة بأسماء
المسبيين ،ونشاطهم في بابل ،وكان بها اسم ) يهوياكين ( ملك يهوذا ،وبعض
السماء الخرى ،وموضح بها أن اليهود عملوا بالتجارة ،واكتسبوا أموال
كثيرة ،وكانت لهم أوضاعهم المتميزة إلى حّد ما " .وأما أشور فيشير نفس
الكاتب ،إلى عدم وجود أي دليل من ذكر أو أثر ،يؤكد رواية سبيهم إليها .
رواية التلمود عن تدمير الهيكل :
نص منقول عن كتاب ) التلمود تاريخه وتعاليمه ( لظفر السلم خان :
" عندما بلغت ذنوب إسرائيل مبلغها ،وفاقت حدود ما ُيطيقه الله العظيم ،
وعندما رفضوا أن ُينصتوا لكلمات وتحذيرات ارميا ،ترك النبي أورشليم
وسافر إلى بلد بنيامين ،وطالما كان النبي ل يزال في المدينة المقّدسة ،كان
يدعو لها بالرحمة فنجت ،ولكنه عندما هجرها إلى بلد بنيامين ،دّمر نبوخذ
طم الهيكل المقّدس ،ونهب مجوهراته ،وتركه فريسة نصر بلد إسرائيل ،وح ّ
168
للنيران الملتهبة ،وكان نبورذدان الذي آثر البقاء في ريبله ) منطقة سورية
بالقرب من حماة ( ،قد أرسل نبوخذ نصر لتدمير أورشليم " .
" وقبل أن يبدأ نبوخذ نصر حملته العسكرية ،سعى لمعرفة نتائج الحملة ،
بواسطة الشارات نظرا لذهوله ،فرمى من قوسه نحو المغرب ،فسارت
باتجاه أورشليم ،ثم رمى مرة أخرى نحو الشرق ،لكن السهم اتجهت نحو
أورشليم ،ثم رمى مرة أخرى ،ليتأكد من محل وقوع المدينة الُمذنبة ،التي
وجب تطهيرها من الرض ،وللمرة الثالثة اتجهت سهمه نحو أورشليم ،وبعد
جه مع ُأمرائه وضباط جيشه ،إلى أن استولى نبوخذ نصر على المدينة ،تو ّ
داخل الهيكل ،وصاح ساخرا مخاطبا إله إسرائيل :وهل أنت الله العظيم
الذي يرتعد أمامه العالم ؟ ها نحن في مدينتك ومعبدك ! " .
" ووجد نبوخذ علمة لرأس سهم ،على أحد جدران الهيكل ،كأن أحدا ُقتل أو
ُأصيب بها ،فسأل :من ُقتل هنا ؟ فأجاب الشعب ) :زكريا بن يهوياداه ( كبير
الكهنة ،لقد كان ُيحّذرنا في كل ساعة من حساب اعتداءاتنا ،وقد سئمنا من
كلماته ،فانتهينا منه .فذبح جنود نبوخذ نصر سكان أورشليم ،كهنتها
وشعبها ،كهولها وشبابها ونسائها وأطفالها ،وعندما شاهد كبير الكهنة هذا
المنظر ،ألقى بنفسه بالنار ،التي أشعلها نبوخذ نصر في الهيكل ،وتبعه بقية
الكهنة مع عودهم وآلتهم الموسيقية الخرى ،ثم ضرب جنود نبوخذ نصر
السلسل الحديدية ،في أيدي باقي السرائيليين " .
" ورجع ارميا النبي إلى أورشليم ،وصحب إخوانه البؤساء ،الذين خرجوا
عرايا ،وعند وصولهم إلى مدينة ُ ،تسمى بيت كورو ،هّيأ لهم ملبس جيدة ،
وتكّلم مع نبوخذ نصر والكلدانيين ،قائل لهم :ل تظن ،أنك بقوتك وحدها ،
استطعت أن تتغّلب على شعب الرب الُمختار ،إنها ذنوبهم الفاجرة ،التي
ساقتهم إلى هذا العذاب " .
نجد أن رواية التلمود أكثر وضوحا من رواية التوراة ،حيث أنها لم تذكر
مملكتين ،وتؤكد أن اسم المملكة الجنوبية ،المقام فيها الهيكل هو إسرائيل ،
وليس يهوذا كما ُذكر في التوراة .وأن من أسقطوا عليهم اسم إسرائيل
والمملكة الشمالية ،هم الذين ُأخرجوا من ديارهم ،ولم يقع فيهم السبي
الشوري المزعوم ،وبقوا على حالهم خارج حدود المملكة ،حيث يذكر النص
التلمودي أن ارميا النبي لجأ إليهم " ترك النبي أورشليم وسافر إلى بلد بنيامين
169
" .وبنيامين حسب التوراة ،هو الخ الشقيق ليوسف عليه السلم ،وهذا يوحي
أن الحقد القديم بين الخوة الباء ،توارثه البناء على مّر العصور ،وبأن
السباط الخرى القوية ،أخرجت سبط بنيامين المستضعف ،عندما سيطرت
على مقاليد الحكم ،بعد سليمان عليه السلم .وبالتالي ُيثبت هذا النص وقوع
السبي البابلي ،وينفي وقوع السبي المسمى بالشوري .وأن أشور وبابل آنذاك
،تسميتان لمملكة واحدة ،عند كتبة التوراة ،وأن أحد مصادر التوراة ذكر
على أنه بابلي ،والخر ذكره على أنه آشوري ،وأما نبوخذ نصر ،فتجده
أحيانا ملكا ،وأحيانا وزيرا أو قائدا للجيش ،أو قائدا للحرس .
مقتطفات من رثاء ارميا لشعبه ولورشيلم بعد السبي البابلي :
) من كتاب مراثي ارميا في نهاية سفره ( :1 " :كيف أصبحت المدينة الهلة
بالسكان مهجورة وحيدة ؟! هذه التي كانت عظيمة بين المم ،صارت
كأرملة ! صارت السيدة بين المدن تحت الجزية ! تبكي في الليل بمرارة ،
لنهاوتنهمر دموعها على خّديها ،ل ُمعّزي لها بين ُمحبيها ،غدر بها جميع خ ّ
سبيت يهوذا إلى المنفى ، … ،فأقامت شقية بين ،وأصبحوا أعداًء لها ُ ،
المم ، … ،تهّدمت جميع أبوابها ، … ،ارتكبت أورشليم خطيئة نكراء
فأصبحت نجسة ، … ،لم تذكر آخرتها لهذا كان سقوطها رهيبا ، … ،بّدد
شّبانيي حشدا من أعدائي ليسحقوا ُ ب جميع جبابرتي في وسطي ،وأّلب عل ّ الر ّ
ب العذراء بنت صهيون ،كما ُيداس العنب في المعصرة ، … ، ،داس الر ّ
ب عادل حقا ،وقد تمّردت على أمره ،فاستمعوا يا جميع الشعوب ، الر ّ
ي كهنتيي وشّباني إلى السبي َ ، … ،فِن َ
واشهدوا وجعي ،قد ذهب عذارا َ
وشيوخي في المدينة ، … ،ها السيف يثكل في الخارج ،ويسود الموت في
البيت … " .
ب بل رحمة ،جميع مساكن يعقوب ، … ،وألحق العار " :2قد هدم الر ّ
بالمملكة وحّكامها ،إذ سّواها بالرض ، … ،وّتر قوسه كعدّو ،نصب يمينه
ل عزيز في عيوننا ، … ،وهدم جميع قصورها ودّمر كُمْبِغض ،ذبح بقسوة ك ّ
حصونها ، … ،جلس شيوخ ابنة صهيون على الرض صامتين ،عّفروا
رؤوسهم بالرماد ،وارتدوا المسوح ،وطأطأت عذارى أورشليم رؤوسهن إلى
الرض ،كّلت عيناي من البكاء ، … ،نّفذ الرب قضاءه ،وحقق وعيده الذي
ظم قوة حكم به منذ الحقب السالفة ،هدم ولم يرأف ،فأشمت بك الخصوم ،وع ّ
170
ب وتأّمل ، … ،قد انطرح الصبيان والشيوخ في عدوك ، … ،انظر يا ر ّ
شّباني بالسيف ،قد قتلتهم في يوم غضبك ، يوُ غبار الطرقات ،سقط عذارا َ
ونحرتهم من غير رحمة … "
" :3أنا هو الرجل الذي شهد البلية ،التي أنزلها قضيب سخطه ، … ،ولكن
هذا ما ُأناجي به نفسي ،لذلك يغمرني الرجاء ،من إحسانات الرب ،أننا لم
ن ،لن مراحمه ل تزول ، … ،فلماذا يشتكي النسان حين ُيعاقب على نف َ
خطاياه ؟ … ،لنفحص طرقنا ونختبرها ،ونرجع إلى الرب ،لنرفع أيدينا
وقلوبنا إلى ال في السماوات " … ،
" ، … :4لن عقاب إثم ابنة شعبي ،أعظم من عقاب خطيئة سدوم ،التي
انقلبت في لحظة ،من غير أن تمتّد إليها يد إنسان ،كان ُنبلؤها ،أنقى من
الثلج ،وأنصع من اللبن ،أجسادهم أكثر حمرة من المرجان ،وقاماتهم
كالياقوت الزرق ،فأصبحت صورتهم أكثر سوادا من الفحم ،فلم ُيعرفوا في
ب حمّو غضبه ،وأضرم نارا ب كامل سخطه ،وص ّ الشوارع ، … ،نفث الر ّ
في صهيون ،فالتهمت ُأسسها ، … ،عقابا لها على خطايا أنبيائها ،وآثام
كهنتها ،الذين سفكوا في وسطها دماء الصّديقين ، … ،آذنت نهايتنا ،وتّمت
أيامنا ،وأِزفت خاتمتنا ،كان ُمطاردونا أسرع من نسور السماء ،تعّقبونا على
الجبال ،وترّبصوا بنا في الصحراء " … ،
ب ما أصابنا ،انظر وعاين عارنا ،قد تحّول ميراثنا إلى " :5اذكر يا ر ّ
الغرباء ،وبيوتنا إلى الجانب ،أصبحنا أيتاما ل أب لنا ،وأمهاتنا كالرامل ،
… ،داس ُمضطهدونا أعناقنا ُ ،أعيينا ولم نجد راحة ،خضعنا باسطين أيدينا
إلى أشور ومصر ،لنشبع خبزا ، … ،تسّلط علينا عبيد ،وليس من ُينقذنا من
عّلق
أيديهم ، … ،اغتصبوا النساء في صهيون ،والعذارى في ُمدن يهوذا ُ ،
شّبان
خروا ال ُ
النبلء من أيديهم ،ولم يوّقروا الشيوخ ) كبار القوم ( .س ّ
للطحن ،وهوى الصبيان تحت الحطب ،هجر الشيوخ ) كبار السن ( بّوابات
ف الشّبان عن غنائهم ،انقطع فرح قلوبنا ،وتحّول رقصنا إلى المدينة ،وك ّ
شي على قلوبنا غِنوح ،تهاوت أكاليل رؤوسنا ،فويل لنا لننا قد أخطأنا ،لهذا ُ
،وأظلمت عيوننا ،لن جبل صهيون أصبح أطلل ،ترتع فيه الثعالب " .
171
فلسطين عبر التاريخ
172
تاريخ ما بعد الميلد :
تدمير الهيكل الثاني على يد المبراطور الروماني ) تيطس أو تايتوس ( .
70م
إخماد ثورة ) باركوبا ( اليهودي ضد الرومان ،وإبعاد بقية اليهود عن القدس ،
على يد المبراطور ) هادريان ( 135 -132 .م
فلسطين تحت الحكم البيزنطي ) نسبة إلى بيزنطة ( 638 – 313 .م
سس المبراطور قسطنطين ،الذي جعل المسيحية الدين ) في عام 330م أ ّ
عرفت الرسمي للمبراطورية ،عاصمة جديدة للنصف الشرقي في بيزنطة ُ
بالقسطنطينية .وفي عام 395م انقسمت المبراطورية الرومانية ،إلى قسمين
:شرقية عاصمتها بيزنطة ) القسطنطينية ( وغربية وعاصمتها روما ،ومع
اتخاذ المسيحية كديانة رسمية للمبراطورية الرومانية ،بدأ عصر الضطهاد
المسيحي لليهود ،واستمّر حتى منتصف القرن الماضي (
العرب المسلمون يفتحون فلسطين ،في عهد الخليفة عمر بن الخطاب .
638م
فلسطين تحت الحكم السلمي ) المويون ،العباسيون ،الفاطميون ،السلجقة
( 1099 - 638 .م
الصليبيون يقيمون المملكة اللتينية في القدس 1187 - 1099 .م
صلح الدين اليوبي يهزم الصليبيين في معركة حطين 1187 .م
فلسطين تحت حكم المماليك بعد هزيمة المغول فى موقعة عين جالوت .
1220م
فلسطين جزء من المبراطورية العثمانية وعاصمتها استنبول
) القسطنطينية ( 1917 - 1516 .م
تاريخ فلسطين الحديث :
إنشاء أول مستوطنة زراعية صهيونية ) بتاح تكفا ( في فلسطين 1878 .م
البارون ) ادموند دورتشلد ( ،يبدأ دعمه المالي للمستوطنات اليهودية .
1882م
173
أول موجة من 25ألف مهاجر صهيوني تدخل فلسطين ،وغالبيتهم من أوروبا
الشرقية 1903 – 1882 .م
ينعقد المؤتمر الصهيوني الول " في بال بسويسرا " ويصدر " برنامج بال "
الذي يدعو إلى إقامة وطن للشعب اليهودي في فلسطين ،ويقرر إنشاء
) المنظمة الصهيونية العالمية ، ( WZOللعمل من أجل هذا الهدف .
1897م
إنشاء أول كيبوتز على قاعدة العمل اليهودي ،إنشاء قاعدة تل أبيب شمالي يافا
1909 .م
بداية الحرب العالمية الولى 1914 .م
المراسلت بين الشريف حسين )شريف مكة وقائد الثورة العربية ضد
العثمانيون ( ،وبين سير هنري مكماهون ) المندوب السامي في مصر ( ،
تنتهي إلى اتفاق استقلل ووحدة البلد العربية ،تحت الحكم العربي بعد انتهاء
الحرب 3/1/1916 .م
اتفاقية ) سايكس بيكو ( السرية ،لتقسيم البلد العربية ،التي كانت تحت الحكم
العثماني بين بريطانيا وفرنسا 16/5/1916 .م
) وقد كشف البلشفة ) الروس ( النقاب عنها في تشرين أول 1917م (
الشريف حسين يعلن استقلل العرب ،عن الحكم العثماني ،وبداية الثورة
العربية 1916 .م
وزير الخارجية البريطاني ) بلفور ( ،يتعهد بالدعم البريطاني ،لوطن قومي
لليهود في فلسطين 2/11/1917 .م
قوات الحلفاء بقيادة الجنرال اللنبي البريطاني تحتل فلسطين 9/1917/- .م
نهاية الحرب العالمية الولى 30/10/1918 .م
المجلس العلى لمؤتمر السلم سان ريمو يعطي بريطانيا النتداب على
فلسطين 25/4/1920 .م
المندوب السامي سير هربرت صموئيل السياسي اليهودي النجليزي يدشن "
الدارة المدنية البريطانية " 1/7/1920 .م
عصبة المم تقّر النتداب على فلسطين 24/7/1921 .م
174
بداية الحرب العالمية الثانية 1/9/1938 .م
اللجنة المريكية – النجليزية لتقصي الحقائق ،تصل إلى فلسطين .
6/3/1946م
تقرير اللجنة المريكية النجليزية يقدر حجم القوات المسلحة اليهودية ) - 61
( 69ألف فرد ،ويوصي بقبول 100.000يهودي في فلسطين ،وفلسطين
تضرب احتجاجا ) .هنا تدخل العناية المريكية ( 5/1946/- .م
لجنة المم المتحدة الخاصة تقترح خطة للتقسيم ،والجامعة العربية ترفضها .
8/9/1947م
بريطانيا تعلن أنها ستغادر فلسطين خلل ستة شهور إذا لم يتم التوصل الى
تسوية 29/10/1947 .م
الجمعية العامة للمم المتحدة ،توصي بتقسيم فلسطين بنسبة %56.5لدولة
يهودية ،ونسبة %43للدولة الفلسطينية ،ومنطقة دولية حول القدس .
29/11/1947م
الجامعة العربية تنظم جيش النقاذ العربي ) قوة متطوعين بقيادة فوزي
القاوقجي ،لمساعدة الفلسطينيين في مقاومة التقسيم ( 12/1947/- .م
بريطانيا توصي المم المتحدة ،بإنشاء دولتين يهودية وفلسطينية ،بعد
أسبوعين من انتهاء النتداب 8/12/1947 .م
جيش النقاذ العربي يشن هجمات ناجحة على المستعمرات السرائيلية شمالي
بيسان 16/2/1948 .م
القاوقجي يدخل فلسطين ويقود وحدات جيش النقاذ في مثلث جنين – نابلس-
طولكرم 7/3/1948-5 .م
الرئيس المريكي ) ترومان ( يدعو الى هدنة فورية للقتال 25/3/1948 .م
عصابة شتيرن ترتكب مذبحة في دير ياسين بالقرب من القدس تسفر عن مقتل
اكثر من 250شخصًا 9/4/1948 .م
قرار لمجلس المن يدعو إلى هدنة 17/4/1948 .م
175
نهاية النتداب البريطاني ،وإعلن الدولة السرائيلية من تل أبيب .
15/5/1948م
القوات اللبنانية تعبر الحدود وتستعيد مؤقتا قرى المالكية وقدس من الهاجاناة .
17/5/1948 -15م
القوات الردنية تعبر نهر الردن ،وتتحرك صوب القدس ،وتسيطر على
الشيخ جراح والحي اليهودي ،في المدينة القديمة 28/5/1948 -15 .م
الوحدات العراقية تعبر نهر الردن ،وتتحرك نحو مثلث نابلس ،جنين ،
طولكرم 4/6/1948 – 15/5 .م
القوات المصرية تعبر الحدود ،وتتحرك عبر الساحل إلى اسدود – 15/5 .
7/6/19489م
تقدم الطوابير السورية عبر الشمال 10/6/1948 -16/5 .م
مجلس المن الدولي يعين الكونت ) فولك برنادوت ( كوسيط دولي في فلسطين
20/5/1948 .م
قرار مجلس المن الدولي ،بوقف إطلق النار 1948 /22/5 .م
الهدنة الولى 8/7/1948 -11/6 .م
الهدنة الثانية 15/10/1948 -18/7 .م
تقرير الوسيط الدولي ) برنادوت ( يقترح تقسيم فلسطين الى دولتين ؛ عربية
وإسرائيلية ،مع بقاء القدس منطقة دولية ،وُترفض من العرب وإسرائيل .
16/9/1948م
اغتيال الوسيط الدولي ) برنادوت ( في القدس ،بواسطة عصابة شتيرن ،
ويخلفه نائبه المريكي ) رالف باتش ( .
عام 1949م :
توقيع اتفاقيات الهدنة من قبل الدول العربية التي شاركت في حرب 48
باستثناء العراق :
24/2الهدنة المصرية – السرائيلية .
23/3الهدنة اللبنانية – السرائيلية .
176
3/4الهدنة الردنية -السرائيلية .
20/5الهدنة السورية – السرائيلية .
177
المراحل الزمنية في تاريخ اليهود حسب ما جاءت في سورة السراء
توضح اليات من ) ( 8 – 4من سورة السراء ،خمس مراحل زمنية ،من
تاريخ بني إسرائيل ،وهي :
ن ِفي
سُد ّ
ب َلُتْف ِ
سراِئيَل ِفي اْلِكَتــا ِ ضْيَنا ِإَلى َبِني إ ْ ♦ المرحلة الولى َ ) :وَق َ
عُلّوا َكِبيًرا )(4 ن ُ ن َوَلَتْعُل ّض َمّرَتْي ِ
الَْْر ِ
) زمن موسى عليه السلم ،حيث أوحى إليه ربه عز وجل ،فيما أنزل إليه من
الكتاب نص هذه النبوءة ،والرجح أنها أنزلت في بداية فترة التيه قبل أربعين
عاما ،من دخولهم الول للرض المقدسة ( .
عُد ُأولَُهَما ………………… …… جاَء َو ْ ♦ المرحلة الثانية َ ) :فِإَذا َ
عًدا َمْفُعوًل )(5 ن َو ْ…… َوَكا َ
) منذ نهاية فترة التيه … بدء حرب الملك طالوت ،لدخول الرض المقدسة
…ُملك ونبّوة داود وسليمان عليهما السلم … ُملك ُمتوارث بدون نبّوة :فساد
وإفساد … حتى السبي البابلي سنة 586قبل الميلد ( .
♦ المرحلة الثالثة ُ … ) :ثّم … )(6
) منذ السبي البابلي … بعث عيسى عليه السلم … نزول سورة السراء
بنص هذه النبوءة سنة 621م … إلى ما قبل حرب 1948م ( .
عَلْيهِْم … … … … … ♦ المرحلة الرابعة َ ) :رَدْدَنا َلُكْم اْلَكّرَة َ
عَلْوا َتْتِبيًرا )(7 َوِلُيَتّبُروا َما َ
) منذ قيام دولة إسرائيل ) 15/5/1948م ( … وانتصار الجيش إسرائيلي في
حروبه … ووصول الدولة إلى قمة مجدها … حتى نهايتها ( .
عْدَنا … ) (8 عْدُتْم ُ
ن ُ حمَُكْم َوِإ ْ
ن َيْر َ
سى َرّبُكْم َأ ْ ع َ♦ المرحلة الخامسة َ ) :
) منذ نهاية إسرائيل … قيام الدولة العربية المتحدة في بلد الشام والعراق …
الحرب العالمية النووية الثالثة … ظهور المهدي … معارك المهدي … قيام
المبراطورية السلمية وعاصمتها القدس … خروج الدجال … نزول
عيسى عليه السلم … هروب الدجال وأتباعه إلى فلسطين … قتل الدجال …
نطق الحجر والشجر … حتى الذبح النهائي لبني إسرائيل على أرض
فلسطين ( .
178
] نهاية الجزء الول [
179
الجزء الثاني
180
المؤامرة اليهودية على العالم
" ويل للُمتآمرين بالسوء ،الذين يحيكون الشّر ،وهم في مضاجعهم ،الذين
ططوا له ) في الليل ( ،لن ذلك في ُمتناول ُينّفذون عند طلوع الفجر ،ما خ ّ
أيديهم ،يشتهون حقول فيغتصبونها ،وبيوتا فيستولون عليها ،يجورون
على الرجل ،وعلى بيته ،وعلى النسان وميراثه " ) التوراة :سفر ميخا ،
. ( 2-1 :2
" قد باد الصالح من الرض ،واختفى الُمستقيم من الناس ،جميعهم يكمنون
جّد أيديهم في ارتكاب الشّر ، لسفك الدماء ،وكل واحد منهم يقتنص أخاه َ .ت ِ
ويسعى الرئيس والقاضي وراء الرشوة ،ويملي العظيم عليهم أهواء نفسه ،
ق .أفضلهم مثل العوسج ،وأكثرهم استقامة مثل فيتآمرون جميعا على الح ّ
سياج الشوك " ) التوراة :سفر ميخا . ( 3-2 :7 ،
طها قلم
هذه النصوص التي تكشف حقيقة اليهود والعقلية التي يفّكرون ،لم تخ ّ
كاتب عربي أو غربي حاقد ،على اليهود واليهودية ،من المعادين للسامية
اليهودية ،وإنما جاءت في التوراة ،كتاب اليهود والنصارى المقّدس .وبالرغم
من ذلك ما زال الكثير ،من مفكري وكتاب العرب في هذا العصر الغبر ،
ينكر أن هناك مؤامرة ُتحاك ضد كل ما هو مسلم ،وضد كل ما هو عربي ،بل
ضد كل ما هو غير يهودي ،ويتهمون كل من يقول بذلك ،بأنه من مؤيدي
نظرية المؤامرة ،التي ل أصل لها من الصحة .أما ما نقوله نحن في هؤلء
أحد أمرين ،إما أن يكونوا شركاء في المؤامرة ،ويعملون ما بوسعهم لتجهيل
الناس بعلم ،حتى ل يتنّبهوا لسلحتها ورموزها فُيقاوموها ،وإما أن يكونوا
ب ،غير الذي نعيش فيه ُ ،يدلون بدلوهم ُأناس ،يعيشون على سطح كوك ٍ
لُيضّلوا الناس بغير علم .
الديانة اليهودية :
لنعلم أن تسمية القرآن لبني إسرائيل باليهود ُ ،أطلقت عليهم لقولهم ) ِإّنا ُهْدَنا
ك ) 156العراف ( ،وذلك بعد اتخاذهم العجل ،بمعنى أنهم أعلنوا التوبة ِإَلْي َ
عن فعلهم والرجوع إلى ال ،وفي الحقيقة كان ذلك قولهم بألسنتهم ،وأما
سِمْعَنا
شغفت بعبادة العجل ،حيث قال سبحانه ) َقاُلوا َقلوبهم فُأشربت و ُ
181
سَما َيْأُمُرُكْم ِبِه ِإيَماُنُكْم ِإنْ
جَل ِبُكْفِرِهْم ُقْل ِبْئ َشِرُبوا ِفي ُقُلوِبِهُم اْلِع ْ صْيَنا َوُأ ْ
ع َ َو َ
ن ) 93البقرة ( ،وكان هذا حالهم بمعية نبيهم موسى عليه السلم . ُكْنُتْم ُمْؤِمِني َ
ولم يختلف حالهم مع نبينا محمد عليه الصلة والسلم ،حيث قال فيهم سبحانه
صْيَنا ،
ع َ سِمْعَنا َو َ ن َ ضِعِه َ ،وَيُقوُلو َ ن َمَوا ِ عْ ن اْلَكِلَم َ حّرُفو َن َهاُدوا ُي َ ن اّلِذي َ) ِم َ
ن َ ،وَلْو َأّنُهْم َقاُلوا طْعًنا ِفي الّدي ِ سَنِتِهْم َو َ
عَنا َلّيا ِبَأْل ِ
سَمٍع َ ،وَرا ِ غْيَر ُم ْ سمَْع َ َوا ْ
ل ِبُكْفِرِهْم
ن َلَعَنُهُم ا ُّخْيًرا َلُهْم َوَأْقَوَم َوَلِك ْ
ن َ ظْرَنا َ ،لَكا َ سَمْع َواْن ُطْعَنا َوا ْ سِمْعَنا َوَأ ََ
ل ) 46النساء ( . ن ِإلّ َقِلي ًل يُْؤِمُنو َ َف َ
وأما الديانة اليهودية :فهي معتقد ،اختلط فيه شيء ،من بقايا مشّوهة لكتب
أنبيائهم ،مع آراء وتفسيرات أحبارهم ،ومعتقدات وأساطير وخرافات
القوام ،التي عاشوا فيما بينها ،على مّر العصور ،ومصدر هذه العقيدة في
الصل هو التوراة ،والتي سبق أن قلنا أنها ُكتبت بشكلها النهائي ،في القرن
الول الميلدي ،قبل خروجهم النهائي من فلسطين ،وتشّتتهم في كافة أرجاء
الرض .
وفيما بعد السبي البابلي ،قام كهنتهم وأحبارهم ) حكمائهم ( ،بتأليف ُكتب
جمعوا فيها ،معتقداتهم وآرائهم وشروحهم للتوراة ،وقالوا أنها القانون الشفوي
ت به موسى عليه السلم مكتوبا ،والذي تناقلوه شفاها عبر الجيال ،الذي لم يأ ِ
سّمي بالتلمود ،والذي يعتبرونه أكثر ُقدسية من جمعت هذه المؤلفات فيما ُ ،وُ
سم َ
ي جمع في فلسطين عام 400م ،و ُ التوراة نفسها ،ولديهما تلمودان أحدهما ُ
ي تلمود بابل ،وهو سم َ جمع في بابل عام 500م ،و ُ تلمود أورشليم ،والخر ُ
الشهر ويقع في ُ 36مجّلدا .وقد كان التلمود ُيعامل بسرية ،فيما بين اليهود ،
وقد تم طبعه في أوروبا ،في القرون الوسطى ،وكّلما ُأكتشف أمره في الدول
الوربية ،كان ُيصادر وُيجمع وُيحرق ،وكان اكتشافه سببا ،في كثير من
حالت الضطهاد والتعذيب والقتل والنفي لليهود .ومن هذا نخلص إلى أن
الديانة اليهودية ،هي ما جاء من معتقدات في التلمود أول وثانيا وثالثا … ،
والتوراة على ما بقي فيها من وحي أخيرا .
ماهية التلمود ومعتقدات اليهود :
قال د ) .جوزيف باركلي ( أحد الباحثين في التلمود " :وبعض أقوال التلمود
ل ) ُمبالغ فيه ( ،وبعضها كريه ،وبعضها الخر كفر .ولكنها تشّكل في
مغا ٍ
182
صورتها المخلوطة ،أثرًا غير عادي ،للجهد النساني ،وللعقل النساني ،
وللحماقة النسانية " .
ي)ومما جاء في التلمود من تعاليم ،نعرض بعض المقتطفات التالية ،من كتاب ّ
تعاليم التلمود ( لظفر السلم خان ،و) بروتوكولت حكماء صهيون ( لعجاج
نويهض :
يقول عجاج نويهض " :هذه الكلمات للعلمة ) بولس حنا مسعد ( ،صاحب
كتاب ) همجية التعاليم الصهيونية ( ،ومما قاله المؤلف في مقدمته " :
شر به العالم ،وللمسلم قرآنه ينشره بين جميع الشعوب ،أما للمسيحي إنجيله يب ّ
السرائيلي فله كتابان ؛ كتاب معروف وهو التوراة ،ل يعمل به ،والخر
ضله على الول ويدرسه خفية ،وهو مجهول ل يعرفه العالم ) التلمود ( ،يف ّ
أساس كل مصيبة .والنصارى يؤمنون بأن ال هو أبو الجميع ،والمسلمين
يعترفون بأن ال رب العالمين .أما الصهيونيون يريدون أن يكون الله ،لهم
ص على أن جميع خيرات الرض ،ملك وحدهم ،زد على ذلك ،أن التلمود ين ّ
لبني إسرائيل ،وأن النصارى والمسلمين وعبدة الوثان ،خلقوا عبيدا لهم .هم
منحدرون من ال ،كما ينحدر البن من أبيه ،وشعوب الرض مشّتقة من
الرواح النجسة ،ولم ُيعطوا صورة النسانية ،إل إكراما لبني إسرائيل " .
نظرة التلمود لكافة البشر :
المخلوقات نوعان ؛ علوي وسفلي .العالم يسكنه سبعون شعبا بسبعين لغة .
إسرائيل صفوة المخلوقات ،واختاره ال ،لكي تكون له السيادة العليا ،على
جن " .إن نفوس اليهود بني البشر جميعا ،سيادة النسان على الحيوان الُمد ّ
منّعم عليها ،بأن تكون جزءا من ال ،فهي تنبثق من جوهر ال ،كما ينبثق
الولد من جوهر أبيه " ،و" هذا السبب يجعل نفس اليهودي ،أكثر قبول عند
ال ،وأعظم شأنا عند ال ،من نفوس سائر الشعوب ،لن هؤلء ُتشت ّ
ق
نفوسهم من الشيطان ،وهي مشابهة لنفوس الحيوانات والجماد " .
ولهذا يقول التلمود " :أن زرع ) نطفة ( الرجل غير اليهودي هي زرع
حيواني " .و" زرع الغراب كزرع الحصان " .و" إن غير اليهود كلب
عند اليهود " .و" إن غير اليهودي ،ل يختلف بشيء عن الخنزير البري " .
و" إن بيوت غير اليهود زرائب للحيوانات " ،و" قد ُكتب على شعوب
183
الرض :لحومكم من لحوم الحمير ،وزرعكم من زرع الحيوانات " .و" كما
أن ربة البيت تعيش من خيرات زوجها ،هكذا أبناء إسرائيل ،يجب أن يعيشوا
من خيرات المم ،دون أن يتحّملوا عناء العمل " .
نظرة التلمود إلى العرب ) القدماء ( :
أمة ُمحتقرة ،من العار الزواج بعربية ،يعبدون الصنام ،مرتكبو تسعة
أعشار الجرائم في العالم ،صفتهم الغدر وكراهية اليهود ،كانوا قادة تخريب
الهيكل مع نبوخذ نصر .
التعامل مع الملل الخرى :
" إن عبدة الوثان ،الذين ل يعتنقون الدين اليهودي ،والمسيحيين والمسلمين ،
هم في نظر اليهود أعداء ال وأعداء اليهود " .و" يسمح التلمود لصدقاء ال
ن"وأقاربه ،في أن ُيضّلوا الشرار " .و" ممنوع السلم على الكفار " ،ولك ّ
ش الغريب وتدينه بالربا الفاحش " .و" الرياء مسموح به " .و" ُيمكنك أن تغ ّ
يجب انتزاع قلب النصراني من جسده ،وإهلك علية القوم منهم " .و" إذا رّد
أحد اليهود إلى الغريب ما أضاعه ،فالرب ل يغفر له أبدا " .و" ُأقتل عبدة
الوثان ،ولو كان أكثر الناس كمال " .و" إذا وقع وثني في حفرة فاسددها
عليه بحجر " .و" من يسفك دم الكفار ) غير اليهود ( بيده ،يقّدم قربانا
ُمرضيا ل " .وإجمال يقول التلمود :أن من ينتهك الوصايا العشر مع غير
اليهود فهو جائز بل واجب .
التجديف على ال :
" اليهود يضعون التلمود فوق التوراة ،والحاخام فوق ال ،وال يقرأ وهو
واقف على قدميه ،وما يقوله الحاخام يفعله ال ،إن تعاليم اللهوتيين في
التلمود ،لهي أطيب من كلم الشريعة ) كلم ال ( ،والخطايا الُمقترفة ضد
التلمود ،لهي أعظم من المقترفة ضد التوراة " .و" إن الرباني مناحيم ُيطلعنا
بالتفاق مع كثير من العلماء ،على أن ال يأخذ رأي الربانيين على الرض ،
في المشاكل التي تنشأ في السماء " .و" إن كلمات الربانيين أشّد عذوبة من
كلمات النبياء … وذلك لن كلماتهم هي كلمات ال " .
184
و" إن ال قد تاب عن تركه بني إسرائيل ،يرتطمون في الشقاء ،كمن يتوب
عن إثم شخصي . " … ،و" أن ال عندما ُيقسم في كل مرة ،بدون ُمبّرر
ل قسمه بقسم آخر نظيره . " … ،و" أن ال قد معقول ،فمن اللزم أن يح ّ
أقسم بغير عدل ،وارتكب خطيئة الكذب ،لكي يلقي السلم والوئام ،بين سارة
ب إلى ال من الملئكة ،فالذي يصفع اليهودي ، وإبراهيم " .و" أن اليهود أح ّ
كمن يصفع العناية اللهية سواء بسواء ،وهذا ُيفسر لنا ،استحقاق الوثني
وغير اليهودي الموت ،إذا ضرب يهوديا " .و" وإذا أراد الرجل أن يقترف
ذنبا ،فعليه أن يذهب إلى مكان ،هو مجهول فيه ،لئل ُيهين ال علنية " .
الملئكة :
" إن عمل الملئكة الرئيسي ،سكب النوم على عيون البشر ،وحراستهم في
الليل ،أما في النهار فإنهم ُيصّلون عن البشر ،ولذلك ،يجب أن نلتجئ إليهم "
.
النبياء :
" أن إبراهيم أكل 74رجل ،وشرب دمائهم دفعة واحدة ،ولذلك كان له قوة
74رجل " .وصفوا عيسى عليه السلم بالحمق والمجذوم و" غشاش بني
إسرائيل " ،واتهموا أمه بالزنا ،وتلميذه بالملحدين ،والنجيل بالكتاب
المملوء بالثم .
التنجيم :
يعتقد التلمود اعتقادا جازما ،بأن التنجيم علم يتحكم بحياة الناس ،ومن
أقوالهم " :إن تأثير النجوم تجعل الرجل ذكيا ،وبنو إسرائيل تحت تأثير
النجوم " " ،إن كسوف الشمس آية سوء للشعوب ،وخسوف القمر آية سوء
لبني إسرائيل ،لن إسرائيل تعتمد في بقائها على القمر " .
السحر :
ن،والتلمود مليء بطقوس السحر والشعوذة والعرافة ،وطرق التصال بالج ّ
وفيه أن الرواح الشريرة والشياطين والجنيات ،من ذرية آدم .وأنهم يطيرون
في كل اتجاه ،وهم يعرفون أحوال المستقبل ،باستراق السمع ،وهم يأكلون
185
ويشربون ويتكاثرون مثل النسان ،ويجوز للناس استشارة الشيطان ،في آخر
أيام السبوع .
الروح والبعث والجزاء :
لهم فيها أقوال شتى " ،تنتقل نفس اليهودي بعد موته إلى جسد آخر ،وعندما
يلفظ المتقدم في السن أنفاسه ،تسرع نفسه إلى جنين في بطن أمه " .ومنها ؛
أن اليهودي الذين يقتل يهوديا " تدخل روحه في الحيوانات والنباتات ،ثم
ي عشر شهرا ،ثم تعود ثانية تذهب إلى الجحيم ،وتعّذب عذابا أليما ،مدة اثن ّ
لتدخل في الجمادات ،ثم في الحيوانات ،ثم في الوثنيين ،حتى ترجع إلى جسد
يهودي بعد تطهيرها " .ويقولون أن الجنة ،ليس فيها أكل أو شرب ،أو زواج
أو تناسل … ،وإنما يجلس الصالح فيها بوقار وسكينة ،ويقولون أن نار جهنم
ل سلطان لها ،على ُمذنبي بني إسرائيل ،ول سلطان لها على تلمذة
الحكماء .
ويقولون أنه ل حساب بعد انفصال الروح عن الجسد .ويقولون " المشروبات
السماوية هي الخمور الفاخرة ،المعّتقة المحفوظة من يوم الخليقة السادس ،
جون في وهذه الجّنة اللذيذة ،ل يدخلها إل اليهود الصالحون ،أما الباقون فُيز ّ
نار جهنم " .و" … ،ويأتي المسلمون بعد النصارى ،لنهم ل يغسلون ،
سوى أيديهم وأرجلهم وأفخاذهم وعوراتهم ،كل هؤلء ُ ،يحشرون حشرا في
جهنم ،ول يغادرونها أبدا " .
التطلع الدائم للملك :
" إن المسيح ) الذي ينتظرون ظهوره ( ُيعيد قضيب الُملك إلى إسرائيل ،
فتخدمه الشعوب وتخضع له الممالك " " ،ول يأتي ما لم ينقرض ُملك الشعوب
غير اليهودية " " ،ذلك أن إسرائيل إذا كان صالحا ،يجب عليه أن يعمل بغير
هوادة ،في العمل على أن ينبذ المتسّلطين ) الحكام ( على الشعوب نبذ النواة ،
لن السلطة على الشعوب غير اليهودية ،هي من نصيب اليهود فقط ،وفي كل
مكان يدخله اليهود ،يجب أن يكونوا هم المتسّلطين ،وطالما هم بعيدون ،عن
تحقيق هذه الفكرة ،فيعتبرون أنفسهم منفيين وغرباء " .
صل لدينا لما جاء في التلمود ،من أفكار
) وهذا المقتطفات جزء يسير ،مما تح ّ
وأقوال لحاخامات اليهود ( .
186
سِمْعَنان َ ضِعِه َوَيُقوُلو َ ن َمَوا ِ عْ ن اْلَكِلَم َ حّرُفو َ ن َهاُدوا ُي َ ن اّلِذي َقال تعالى ) ِم َ
ن َوَلْو َأّنُهْم طْعًنا ِفي الّدي ِ سَنِتِهْم َو َ عَنا َلّيا ِبَأْل ِسَمٍع َوَرا ِ غْيَر ُم ْ سَمْع َ صْيَنا َوا ْع َ َو َ
ن َلَعنَُهُم ا ُّ
ل خْيًرا َلُهْم َوَأْقَوَم َوَلِك ْ ن َ ظْرَنا َلَكا َ سَمْع َواْن ُ طْعَنا َوا ْ سِمْعَنا َوَأ َ َقاُلوا َ
ب َءاِمُنوا ِبَما َنّزْلَنا ن ُأوُتوا اْلِكَتا َ ل ) (46يَأّيَها اّلِذي َ ن ِإّل َقِلي ًل ُيْؤِمُنو َ ِبُكْفِرِهْم َف َ
عَلى َأْدَباِرَها َأْو َنْلَعَنُهْم َكَما جوًها َفَنُرّدَها َ س ُو ُ طِم َ ن َن ْن َقْبِل َأ ْصّدًقا ِلَما َمَعُكْم ِم ْ ُم َ
ك ِبِه شَر َ ن يُ ْ
ل َل َيْغِفُر َأ ْن ا َّ ل َمْفُعولً )ِ (47إ ّ ن َأْمُر ا ِّ ت َوَكا َ سْب ِب ال ّ حا َ صَ َلَعّنا َأ ْ
ظيًما )(48 عِل َفَقِد اْفَتَرى ِإْثًما َ ك ِبا ِّ شِر ْ ن ُي ْ شاُء َوَم ْ ن َي َك ِلَم ْن َذِل ََوَيْغِفُر َما ُدو َ
ل) ن َفِتي ً ظَلُمو َشاُء َوَل ُي ْ ن َي َل ُيَزّكي َم ْ سُهْم َبِل ا ُّ ن َأْنُف َ
ن ُيَزّكو َ َأَلْم تََر ِإَلى اّلِذي َ
ب َوَكَفى ِبِه ِإْثًما ُمِبيًنا )َ (50أَلْم َتَر ِإَلى ل اْلَكِذ َ عَلى ا ِّ ن َ ف َيْفَتُرو َ ظْر َكْي َ (49اْن ُ
ن
ن ِلّلِذي َت َوَيُقوُلو َ غو ِ طا ُ ت َوال ّ جْب ِ
ن ِباْل ِ ب ُيْؤِمُنو َ ن اْلِكَتا ِصيًبا ِم َ ن ُأوُتوا َن ِ اّلِذي َ
ن
ل َوَم ْ ن َلَعَنُهُم ا ُّك اّلِذي َ
ل )ُ (51أوَلِئ َ سِبي ً ن َءاَمُنوا َ ن اّلِذي ََكَفُروا َهُؤلَِء َأْهَدى ِم َ
صيًرا ) 52النساء ( . جَد َلُه َن ِن َت ِ ل َفَل ْ
ن ا َُّيْلَع ِ
المؤامرة اليهودية :
هي شجرة شيطانية ،ل تراها فوق أنفك ،ول ترى رسمها فوق السطور ،
بذورها التوراة ،وجذورها التلمود ،وجذعها بروتوكولت الحكماء ،
وفروعها الهيئات والمنظمات الدولية ،وأوراقها كل وسائل العلم المرئية
والمسموعة والمكتوبة ،وثمارها اللحاد والنحلل ُ .أنتجت بذورها في
سقيت بماء الذهب ،وأضيف إليها سماد ألمانيا ،ونقلت وُزرعت في بريطانيا و ُ
غرست في أمريكا ،ذات الراضي الشهوة ،ولما استقام عودها ُ ،نقلت و ُ
الخصبة ،لمثل هذا النوع من الشجار ،فاشتّد عودها وارتفع ،حتى بلغ عنان
السماء ،وامتدت جذورها إلى شتى بقاع الرض ،وبدأنا نقطف شيئا من
بواكير ثمارها ،وعندما ينضب ماء الذهب من الرض ،ستعلن حربها
المدّمرة على العالم ،لنقطف الفوج الثاني من ثمار الفقر والمجاعة والمرض ،
ول علج .آنذاك يأتي يوم الحصاد ،قيام مملكة داود الدكتاتورية العالمية
صب العجل الذهبي ،إله أوحدا لكل البشر ، البدية ،في قدس القداس ،لُين ّ
على أطلل المسجد القصى .
187
المؤامرة الولى في تاريخ بني إسرائيل
ن )(7
ساِئِلي َ
ت ِلل ّ
خَوِتِه َءاَيا ٌ
ف َوِإ ْ
س َ
ن ِفي ُيو ُ
قال تعالى ) َلَقْد َكا َ
سورة يوسف وبالرغم من تسميتها باسمه عليه السلم ،تحكي في الواقع ،
قصة ُأخوة يوسف ،وتروي تفاصيل أول مؤامرة ،حاكها ونفذها بنوا إسرائيل
) يعقوب ( بدم بارد ،ضد أبيهم وأخيهم يوسف عليهما السلم ،أحّبهم إلى قلب
أبيه ،وبوحشية منقطعة النظير ،وقوله تعالى ) في يوسف وأخوته آيات
للسائلين ( ،يؤكد أن موضوع السورة ،هو ما قام به أخوة يوسف من أفعال ،
ل على عدم إيمانهم بال وما جاء به أنبياءه ،من علم وموعظة وحكمة ،من تد ّ
آبائهم إبراهيم وإسحاق ويعقوب ،وأنهم لما كادوا ليوسف ما كادوه ،كانوا قد
أغفلوا كليا ،وجود ال سبحانه وتعالى ،وأنكروا قدرته على التدخل بمجريات
ططون له رأسا على عقب ،وأنكروا أيضا نبوة المور ،وقلب نتائج ما ُيخ ّ
أبيهم يعقوب عليه السلم .
أخوة يوسف ليسوا أنبياء :
صصْ ُرْؤَياكَ
ي َل َتْق ُ جاء في تفسير القرطبي رحمه ال للية التالية ) َقاَل َيُبَن ّ
ن ) (5ما نصه " : عُدّو ُمِبي ٌ ن َ سا ِ
لْن َ
ن ِل ِْ
طا َ
شْي َ
ن ال ّ
ك َكْيًدا ِإ ّ
ك َفَيِكيُدوا َل َ
خَوِت َ
عَلى ِإ ْ
َ
ودل أيضا على أن يعقوب عليه السلم ،كان أحس من بنيه حسد يوسف
ل بذلك صدورهم ، وبغضه ،فنهاه عن قصص الرؤيا عليهم ،خوف أن تغ ّ
فيعملوا الحيلة في هلكه ،ومن هذا ،ومن فعلهم بيوسف ،يدل على أنهم كانوا
غير أنبياء ،في ذلك الوقت ) ولم يكونوا أنبياء في غير ذلك الوقت أيضا ( ،
ووقع في كتاب الطبري لبن زيد ،أنهم كانوا أنبياء ،وهذا يرّده القطع بعصمة
النبياء عن الحسد الدنيوي ،وعن عقوق الباء ،وتعريض مؤمن للهلك ،
والتآمر في قتله ،ول التفات لقول من قال إنهم كانوا أنبياء ،ول يستحيل في
العقل زلة نبي ،إل أن هذه الزلة قد جمعت أنواعا من الكبائر ،وقد أجمع
المسلمون على عصمتهم منها ،وإنما اختلفوا في الصغائر " .
لفظ سبط ُيطلق على الحفاد وليس على البناء :
وفي لسان العرب " وقيل السبط واحد السباط ،وهو ولد الولد ،وقال ابن
سيده :السبط ولد البن والبنة ،وفي الحديث ،الحسن والحسين ،سبطا
188
رسول ال صلى ال عليه وسلم ،ورضي عنهما ،ومعناه طائفتان وقطعتان
منه ،ومنه حديث الضباب ،إن ال غضب على سبط من بني إسرائيل ،
فمسخهم دواب ،والسبط من اليهود كالقبيلة من العرب ،وهم الذين يرجعون
سّمي سبطا ،ليفرق بين ولد إسماعيل وولد إسحاق ،وجمعه إلى أب واحد ُ
أسباط .قالوا والصحيح أن السباط ،في ولد إسحاق بن إبراهيم ،بمنزلة
القبائل في ولد إسماعيل عليهم السلم ،وإنما سمي هؤلء بالسباط ،وهؤلء
بالقبائل ،ليفصل بين ولد إسماعيل ،وولد إسحاق عليهما السلم .وجاء أيضا
أن السبط لغة ،هو نبات ذو ساق طويلة مفردة عليها أوراق دقيقة ،تعلفه البل
".
وبالتالي نستطيع القول ،بأن لفظ السباط ُ ،أطلق على أحفاد يعقوب عليهم
السلم ،وليس على أبنائه الثني عشر ،بل يتعدى ذلك إلى كل نسل بني
عيَل سَما ِ إسرائيل ،حتى يومنا هذا ،وأّما قوله تعالى ) وََما ُأنِزَل ِإَلى ِإْبَراِهيَم َوِإ ْ
ط ) 136البقرة ( ،المقصود هنا النبياء من الحفاد سَبا ِ
ب َواَْل ْ ق َوَيْعُقو َ حا َسَ
َوِإ ْ
على مّر العصور ،ومنهم يوسف وموسى وداود وسليمان ،وزكريا ويحيى
وعيسى ،ومن ُكّذب وُقتل من أنبياء بني إسرائيل ،وهم كثير ،ممن لم ُتذكر
ص القرآن على نبّوته أسمائهم .والوحيد من أبناء يعقوب الثني عشر ،الذي ن ّ
ل
ب ُك ّق َوَيْعُقو َ حا َسَهو يوسف عليه السلم ،بدللة قوله تعالى ) َووََهْبَنا َلُه ِإ ْ
س َ
ف ب َوُيو ُ ن َوَأّيو َ
سَلْيَما َن ُذّرّيِتِه َداُوَد َو ُن َقْبُل َوِم ْ حا َهَدْيَنا ِم ْ َهَدْيَنا َوُنو ً
جاَءُكْمن ) 84النعام ( وقوله ) َوَلَقْد َ سِني َح ِجِزي اْلُم ْ ك َن ْن َوَكَذِل َسى َوَهاُرو َ َوُمو َ
ك ُقْلُتْم َل ْ
ن حّتى ِإَذا َهلَ َ
جاَءُكْم ِبِه َ ك ِمّما َ شّ ت َفَما ِزْلُتْم ِفي َ ن َقْبُل ِباْلَبّيَنا ِ
ف ِم ُْيوسُ ُ
سولً ) 34غافر ( ،بالضافة إلى ما جاء من آيات في ن َبْعِدِه َر ُ ل ِم َْيْبَعثَ ا ُّ
سورة يوسف .
طا ُأَمًما ) 160العراف ( سَبا ًشَرَة َأ ْ
ع ْي َ طْعَناُهُم اْثَنَت ْ
وانظر في قوله تعالى ) َوَق ّ
،وقوله تعالى ) أسباطا أمما ( أي تم فرزهم حسب انتساب كل فرد منهم ،إلى
أحد أبناء يعقوب عليه السلم ،فنتج بالتالي اثنتي عشرة أمة ،وكل أمة ُأطلق
سمي كل سبط باسم أحد أبناء يعقوب ،وعلى ذلك ُيطلق لفظ عليها لفظ سبط ،و ُ
سبط على مجموعة من الفراد ،يجمعهم انتسابهم إلى أب واحد ،فيقال سبط
يوسف أي قبيلة يوسف .
189
فصول المؤامرة الولى :
لٍ
لضَن َأَباَنا َلِفي َ
صَبٌة ِإ ّ
ع ْ
ن ُ
حُب ِإَلى َأِبيَنا ِمّنا َ ،وَن ْ
ح ّ
خوُه َأ َ
ف َوَأ ُ
س ُ) ِإْذ َقاُلوا َلُيو ُ
ن )(8 ُمِبي ٍ
.1قام أبناء يعقوب بعقد اجتماع سري ،بعيدا عن المعنيين بالمر
) يعقوب ويوسف وأخيه (
.2كانت المشكلة مدار البحث حب أبيهم ليوسف وأخيه ،والدافع هو
الحسد وحب التمّلك .
ل، ي ال ضا ّ
ن أبيهم يعقوب نب ّ
.3كان هناك إقرار بالجماع ،أ ّ
وضلله واضح ل ُلبس فيه .
صلة من الكثرة ) فهم عشرة أشّقاء كبار .4كانوا يؤمنون بالقوة المتح ّ
مقابل اثنان صغار ( .
.5جمعتهم وحدة الغاية والمصلحة .
ن َبْعِدِه
جُه َأِبيُكْم َ ،وَتُكوُنوا ِم ْ
ل َلُكْم َو ْ
خُ
ضا َ ،ي ْ
حوُه َأْر ً
طَر ُ
ف َ ،أِو ا ْس َ
) اْقُتُلوا ُيو ُ
ن )(9حي َصاِل ِ
َقْوًما َ
.1الطرح الول كان القتل أي حتمية الهلك .
.2الطرح الثاني كان النفي إلى أرض بعيدة مع احتمالية الهلك .
ب أبيهم .
.3كانت الغاية الستفراد بح ّ
.4القرار بعدم مشروعية عملهم وفساده ،وذلك قبل شروعهم
بالتنفيذ .
.5تبييت نية بالتوبة والصلح ،قبل ارتكاب الجريمة ،وهذا منطق
ب ول عبد .
أعوج ل يقبله ر ّ
.6إغفالهم للعناية اللهية الُمّدخرة في علم الغيب ،والتي تتدخل في
الوقت المناسب لتسيير المور .
190
طُه َبْع ُ
ض ب َ ،يْلَتِق ْ
ج ّ
غَياَبِة اْل ُ
ف َ ،وَأْلُقوُه ِفي َ
س َ
ل َتْقُتُلوا ُيو ُ ل ِمْنُهْم َ ،) َقالَ َقاِئ ٌ
ن )(10عِلي َ
ن ُكْنُتْم َفا ِسّياَرِة ِ ،إ ْ
ال ّ
.1كان أصلحهم فاسدا ،حيث وافقهم على فعل المنكر مع تخفيف الضرر .
.2كان هناك إصرار لدى الغلبية .
.3كان القرار النهائي أخف الضرر :إلقاء يوسف في بئر مع توافر احتمالية
الهلك ،فيما لو لم يلتقطه أحد .
.4عدم الكتراث بنبوة أبيهم ،وما كان يتنّزل عليه من الوحي .
.5غفلة وعمى بصر وبصيرة واتباع للهوى ،فليس فيهم ذو رأي سديد ،ول
حتى شيطان أخرس .
.6جهل بعواقب المور ،كالثر النفسي والمعنوي البالغ ،على من
يطمحون بالستفراد بحبه ،وبالتالي عدم تحقق مرادهم .
.7تبييت النية للقيام بالفعل عندما تحين الفرصة .
سْلُه َمَعَنا
ن )َ (11أرْ ِ حو َ صُ ف َ ،وِإّنا َلُه َلَنا ِ س َ عَلى ُيو ُ ل َتْأَمّنا َ ك َ ) َقاُلوا َيَأَباَنا َما َل َ
ن َتْذَهُبوا ِبِه حُزُنِني َأ ْ ل ِإّني َلَي ْ
ن )َ (12قا َ ظو َ حاِف ُ ب َ ،وِإّنا َلُه َل َ غًدا َيْرَتْع َوَيْلَع ْ َ
ن َأَكَلُه الّذْئ ُ
ب ن )َ (13قاُلوا َلِئ ْ غاِفُلو َ
عْنُه َ ب َ ،وَأْنُتْم َ ن َيْأُكَلُه الّذْئ ُ ف َأ ْ
خا ُ َ ،وَأ َ
جَمُعوا َأ ْ
ن ن )َ (14فَلّما َذَهُبوا ِبِه َ ،وَأ ْ سُرو َ خا ِصَبٌة ِ ،إّنا ِإًذا َل َع ْ ن ُحُ َوَن ْ
حْيَنا ِإَلْيِه َلُتَنّبَئّنُهْم ِبَأْمِرِهْم َهَذا َوُهْم َ
ل ب َ ،وَأْو َ ج ّ غَياَبِة اْل ُ
جَعُلوُه ِفي َ َي ْ
ن )(15 شُعُرو َ َي ْ
.1لم يكن يعقوب في العادة يأمنهم على يوسف وأخوه ،لمعرفته بعدم
صلحهم .
.2لم ينتظروا الفرصة للتنفيذ ،بل سعوا إلى خلقها وإيجادها ،باستخدام
الحيلة والمكر والدهاء .
.3تجاهلوا تأكيد أبيهم لهم ،بأن غيبة يوسف عن وجهه ،ولو لفترة بسيطة
تسبب له الحزن .فكيف إذا كان ذلك أبديا ؟! وكانت تلك محاولة منه عليه
السلم ،لحياء ضمائرهم لعّلهم يرجعون ،ولكنهم لم يشعروا بذلك فكان
كما أخبره سبحانه .
191
ططهم قبل التنفيذ ،وقد أخبرهم بما .4كان أبوهم عليه السلم على علم بمخ ّ
ططوه مسبقا بشأن الذئب ،لكن ذلك لم ُيثنهم عن عزمهم . كانوا قد خ ّ
.5قرار التنفيذ اُتخذ بالجماع .
.6تم إخفاء النوايا الجرامية اتجاه يوسف ،تحت غطاء من الحرص على
ترفيهه ،لقناع أبيهم بالستجابة لمطلبهم .
سفَ ق َ ،وَتَرْكَنا ُيو ُ
سَتِب ُ
ن )َ (16قاُلوا َيَأَباَنا ِإّنا َذَهْبَنا َن ْ شاًء َيْبُكو َ عَ جاُءوا َأَباُهْم ِ) َو َ
ن )(17 صاِدِقي َن َلَنا َ ،وَلْو ُكّنا َ ت ِبُمْؤِم ٍ ب َ ،وَما َأْن َعَنا َ ،فَأَكَلُه الّذْئ ُعْنَد َمَتا ِ
ِ
صْبٌر
سُكْم َأْمًرا َ ،ف َ
ت َلُكْم َأْنُف ُ
سّوَل ْل َ ل َب ْ ب َ ،قا َ صِه ِبَدٍم َكِذ ٍ
عَلى َقِمي ِ جاُءوا َ َو َ
ن )(18 صُفو َ عَلى َما َت ِ ن َ سَتَعا ُ
ل اْلُم ْل َ ،وا ُّ جِمي ٌَ
.1الستخفاف بأبيهم واستضعافه لكبر سّنه .
.2التضليل واختلق وفبركة الشواهد والدلة ،لتبرئة أنفسهم وإدانة الذئب .
ي ال مع علمهم بذلك . .3الجرأة في الكذب على نب ّ
.4يقين يعقوب عليه السلم من كذبهم وتجّنيهم على الذئب .
.5ومما أحزنه عليه السلم ،هو ما كان عليه أبناءه من قلة إيمانهم ،
وعقوقهم له ،وظلم لخيهم ،وفسادهم وإفسادهم ،وصفات وطبائع غاية في
السوء ،ل تليق بالنبياء أو بأبناء أنبياء يتنّزل الوحي بين ظهرانيهم ،وفي
المقابل لم يملك عليه السلم إل الصبر والرجاء ،وطلب العون من ال
لمجابهتم .
س ِبَمال َتْبَتِئ ْ
ك َ ،ف َ خو َ ل ِإّني َأَنا َأ ُ
خاُه َ ،قا َ
ف َ ،ءاَوى ِإَلْيِه َأ َ س َ
عَلى ُيو ُ خُلوا َ) َوَلّما َد َ
ل، ن َقْب ُ
خ َلُه ِم ْ
ق َأ ٌ
سَر َ ق َ ،فقْد َ سِر ْن َي ْن )َ ) … (69قاُلوا ِإ ْ َكاُنوا َيْعَمُلو َ
عَلمُ
ل َأ ْ
شّر َمَكاًنا َ ،وا ُّ ل َ :أْنُتْم َ
سِه َ ،وَلْم ُيْبِدَها َلُهْم َ ،قا َ
ف ِفي َنْف ِ
س ُسّرَها ُيو ُ َفَأ َ
ن )(77 صُفو َِبَما َت ِ
بعد أن مّرت سنين على تلك الحادثة ،وأصبح يوسف وزيرا لمالية فرعون ،
وقِدَم أخوته إليه في مصر ،احتال عليهم ليأمن منهم على أخيه ،ويرفع عنه ما
كان قد وقع عليه من ظلم وكيد .
192
.1كان يوسف عليه السلم على علم ،بما كانوا يكيدون لخيه ،عن طريق
الوحي أو القياس .
.2عدم توبتهم عما فعلوه سابقا ،وبقائهم على نفس الحال .
.3خيانة يوسف بالغيب ،بعد كل هذه السنين ،واتهامه زورا وبهتانا بالسرقة
،فيوسف من عباد ال المخلصين ،وما كان له أن يسرق .
.4تأكيد يوسف على فسادهم وإفسادهم ،بما حّدث به نفسه ،حيث لم يجهر
نبي ال بقوله ) أو بحكمه عليهم ( أنهم أسوء حال ممن يسرق َ ) ،قاَل َأْنُتْم
شَّر َمَكاًنا ( فما فعلوه معه ل ُيقارن بخطيئة السرقة ،التي اتهموه بها ،
عِلْمُتْم َما ل َلَقْد َ
والتي أقّروا بأنها أحد أشكال الفساد في الرض ) َقاُلوا َتا ِّ
ن ) 73يوسف ( . ساِرِقي َ
ض َوَما ُكّنا َ
سَد ِفي الَْْر ِ
جْئَنا ِلُنْف ِ
ِ
ظيٌم ) ن َفُهَو َك ِحْز ِن اْل ُعْيَناُه ِم َت َ ض ْ ف َواْبَي ّس َ عَلى ُيو ُ سَفى َ ل َيَأ َ عْنُهْم َوَقا َ ) َوَتَوّلى َ
ن اْلَهاِلِكي َ
ن ن ِم َ ضا َأْو َتُكو َ حَر ً ن َ حّتى َتُكو َ ف َ س َ ل َتْفَتُأ َتْذُكُر ُيو ُ َ (84قاُلوا َتا ِّ
ن) ل َتْعَلُمو َ
ل َما َ ن ا ِّ عَلُم ِم َ
ل َوَأ ْحْزِني ِإَلى ا ِّ شُكو َبّثي َو ُ ل ِإّنَما َأ ْ )َ (85قا َ
ل ِإّنُه
ن رَْوحِ ا ِّ سوا ِم ْ ل َتْيَئ ُ
خيِه َو َ ف َوَأ ِ
س َ ن ُيو ُسوا ِم ْ سُحّ ي اْذَهُبوا َفَت َ َ (86يَبِن ّ
ن )(87 ل اْلَقْوُم اْلَكاِفُرو َ
ل ِإ ّ
ح ا ِّ ن َرْو ِ س ِم ْ ل َيْيَئ ُ
َ
.1عدم اكتراثهم بسوء حال يعقوب عليه السلم ،ومدى ما نزل به من أذى
نفسي وجسدي .
.2قسوة قلوبهم باستنكارهم حزن أبيهم على يوسف .
.3يعقوب يقطع الرجاء من أبنائه ،ويشكو قسوة أبنائه ،وضعفه وقلة حيلته
في مواجهة أفعالهم إلى ال .
.4لم يعترفوا لبيهم بحقيقة فعلتهم مع يوسف ،مع علمهم ومعرفتهم
ومعايشتهم لحال أبيهم ،وما وصلت إليه من سوء .
.5كان يعقوب على يقين من نجاة يوسف ،وكذب أبنائه عليه .
هنا تتضح مفارقة عجيبة ،توضح الكثير من معالم الشخصية اليهودية
السرائيلية القديمة الحديثة ،فهم يعلمون علم اليقين ،أن يوسف ذهب إلى غير
رجعة ،وأنه ُقتل على الرجح ،ولم يعترفوا لبيهم بحقيقة ما فعلوا ،وظّلوا
مصّرين على حكاية الذئب ،فل ضمير يؤنبهم ،ول قلب يشعر مع أبيهم .
193
وأبيهم يعلم علم اليقين من ربه ،أن يوسف على قيد الحياة ،وأنه نبي وسيكون
له شأن كبير مستقبل ،إذ كان عالما بتأويل رؤيا يوسف السابقة ،وأن أخوته
سيسجدون له لعلو منزلته ،وهذا ما كان ُيصّبره عليه السلم حين قال ) فصبر
جميل ( ،أما ما كان يؤلمه عليه السلم ،هو إصرار أبنائه على ما هم عليه
واستمرارهم ،وعدم التوبة والرجوع إلى ال .
عَلْيُكمُ
ل َتْثِريبَ َ ل َ ن )َ (91قا َ طِئي َ
خا ِ ن ُكّنا َل َعَلْيَنا َوِإ ْل َك ا ُّل َلَقْد َءاَثَر َ ) َقاُلوا َتا ِّ
ل َيَأَبتِ َهَذا َتْأِويلُن )َ ) … (92وَقا َ حِمي َ حُم الّرا ِ ل َلُكْم َوُهَو َأْر َ اْلَيْوَم َيْغِفُر ا ُّ
جِ
ن سْ ن ال ّ جِني ِم َخَر َن ِبي ِإْذ َأ ْ سَحَحّقا َوَقْد َأ ْجَعَلَها َرّبي َ ل َقْد َ ن َقْب ُي ِم ْ ُرْؤَيا َ
ن َرّبي خَوِتي ِإ ّ
ن ِإ ْ
ن َبْيِني َوَبْي َ
طا ُ
شْي َغ ال ّ ن َنَز َن َبْعِد َأ ْ ن اْلَبْدِو ِم ْجاَء ِبُكْم ِم َ َو َ
ن َأْنَباِء اْلَغْي ِ
ب ك ِم ْحِكيُم )َ ) … (100ذِل َ شاُء ِإّنُه ُهَو اْلَعِليُم اْل َ ف ِلَما َي َ طي ٌ َل ِ
ن )َ (102وَما جَمُعوا َأْمَرُهْم َوُهْم َيْمُكُرو َ ت َلَدْيِهْم ِإْذ َأ ْ
ك َوَما ُكْن َ حيِه ِإَلْي َُنو ِ
ن )(103 ت ِبُمْؤِمِني َ ص َ حَر ْ س َوَلْو َ َأْكَثُر الّنا ِ
.1هنا يتضح خلق النبياء وأدبهم ،في يوسف عليه السلم ،حيث قاب َ
ل
السيئة بالحسنة ،ونسب خطيئة أخوته إلى الشيطان .
.2معطيات المعادلة كانت :جمع واجتماع في الخفاء +قرار بالجماع +
تنفيذ بمكر ودهاء = مؤامرة .
.3أخوة يوسف لم يكونوا أنبياء بأي حال من الحوال .
انظر إلى اليتين ) (103-102التي جاءت تعقيبا على قصة يوسف عليه السلم
وأخوته ،لتقول أن هذا هو حال نبي ال يوسف مع أخوته ،وحال نبي ال
يعقوب مع أبنائه ،الذين لم يكونوا على القل مؤمنين بنبوة أبيهم ،إن لم يكونوا
أصل غير مؤمنين بال ،فما بالك في عدم إيمان قومك بنبوتك ودعوتك ،وهم
ليسوا بأبنائك ،فل تكن شديد الحرص ،على من ل أمل في هدايته بعدما أضّله
ع الناس ،وفّوض أمر هدايتهم ل ،كما فّوض يعقوب ويوسف ال ،ولكن ُأد ُ
عليهما السلم ،أمرهما إلى ال فيما كان من شأن أبنائه .أما من يستنكر فكرة
أنهم غير أنبياء ،وال أعلم بحالهم ،فليرجع إلى القرآن وليقرأ قصة نوح عليه
السلم مع ابنه ،وقصة إبراهيم عليه السلم مع أبيه ،وقصة أبو لهب عم
رسول ال عليه الصلة والسلم ،ولحظ أنه سبحانه نسبهم بالخوة إلى يوسف
194
عليه السلم ،في قوله ) :لقد كان في يوسف وأخوته آيات للسائلين ( ،ولم
ينسبهم إلى يعقوب عليه السلم ،مع أنهم أبنائه .
ما تقّدم من أمر أخوة يوسف عليه السلم ،ليس بحاجة لزيادة أو توضيح أو
تعليق ،فهذا ما جاء به القرآن الكريم ،وكان هذا أول فسادهم وإفسادهم في
جها ضد أخيهم وأبيهم .ومنذ ذلك اليوم ،احترف بنو الرض ،الذي كان مو ّ
إسرائيل فنون التآمر ،ومارسوه أول فيما بينهم ،منذ نشأتهم وحتى نهاية
مملكتهم الولى في فلسطين .وبعد السبي البابلي ،وشتاتهم في شتى بقاع
الرض ،أصبح بعضا من تآمرهم ُ ،يحاك ضد الشعوب التي يقيمون فيما بينها
.وكان تطّلعهم دائما وأبدا إلى الملك والقوة والغنى والفضلية ،وكانت غايتهم
على الدوام ،جمع المال بطرق غير مشروعة ،من ربا ونصب واحتيال ،
والتقرب من أصحاب السلطة والنفوذ بالغواء والغراء ،للتلعب بهم
وتحريكهم من وراء الستار ،ليقاع الفتن والحروب بين الشعوب ،لضمان
ططون في السيطرة لتلبية مصالحهم واحتياجاتهم ،ولذلك تجدهم يجتمعون وُيخ ّ
السر والعلن ،ويعملون باستمرار بل كلل أو ملل ،وتاريخهم قديما وحديثا
غني بالمثلة والشواهد .
اليهود والُملك المادي
197
وكان اليهود يترّقبون أخباره ،ويحسبون لزمان مولده ومبعثه ،مع كرههم
وعدائهم المسبق له ،كونه من ولد إسماعيل وليس منهم ،وعندما ُبعث عليه
السلم ،عاينوا صفته ،وامتحنوه بأسئلتهم بما علموا وما لم يعلموا ،ولما
تبّينوا صدق نبوته ،حاولوا استمالته لجانبهم بالغواء والغراء ،مستغلين
رغبته عليه السلم في اتباعهم له ،كونهم أهل كتاب ،وهم القرب لتصديقه
ومؤازرته ومناصرته ،وكان مرادهم منه ،هو اتباع ملتهم لتحقيق رغباتهم
وأهوائهم ،لخراجه من الجزيرة إلى فلسطين ،لقامة ملكه عليهم هناك ،
ففضحهم رب العزة ،وحّذر رسوله الكريم من الوقوع في حبائلهم وشراكهم ،
ولّما تيّقنوا من عدم رضوخه لهم ،أنكروا نبوته وناصروا المشركين عليه ،
وكادوا له بكل ما ُأتوا من مكر ودهاء وحيلة ،فآذوه وآذوا أصحابه ،ولم
خروا في ذلك جهدا ،وحاولوا فتنته وقتله عدة مّرات ،إلى أن تّم جلئهم يد ّ
وإخراجهم من جزيرة العرب .
البحث عن الُملك القاروني ،وانتظار الَملك الله ،على النمط الفرعوني آخر
الزمان :
ومع ظهور السلم ،ومعرفتهم بما سيكون من أمره ،من سرعة انتشاره ،
واتساع دولته لتشمل مناطق شاسعة من العالم ،ومن ضمنها سيطرته على
الرض المقّدسة ،تلشت أحلمهم في عودتهم إليها ،لقامة ملكهم الممي
الثاني فيها على المستوى الفرعوني ،فتخّلوا عن ذلك الطموح مؤقتا ،وشرعوا
في تحقيق الملك الفردي على المستوى القاروني ،بجمع المال بالطرق
المشروعة وغير المشروعة ،من ربا واحتيال وسرقة والتهريب وتجارة
الرقيق والدعارة ،والتمتع بزينة الحياة الدنيا من جّراء هذا الكسب ،واستمروا
على تلك الحال ،إلى أن تمكّنوا من إقامة دولتهم الحالية في فلسطين ،
منتظرين حكم العالم أجمع ،من خلل النبوءة الخيرة ،بالذي يأتي من ربوات
القدس ) مسيحهم المنتظر ( .
وبعد ذلك اتجه أغلبهم إلى الشمال ،وتفرقوا في البلد العربية الخرى ،
فتواجدوا في العراق وبلد الشام ومصر والندلس ،وبالرغم من تعامل
السلم السمح مع أهل الكتاب ،إل أنهم كانوا مقّيدين ،بما وضعه السلم من
قيود ،على أهوائهم ومطامعهم المادية ،ووجود القرآن عدوهم اللدود وثيقة
أبدية ،تكشف طبائعهم وحقيقة نواياهم وتحذر منهم .ولكي يستطيع أحدهم من
198
العيش في ظل الحكم السلمي ،كان يعمد إلى إظهار إسلمه وإخفاء
يهوديته ،أو أن ُيرغم نفسه كارها على التخلي ،عن طبائعه وأهوائه في الفساد
والفساد ،وهذا مما ل يوافق طبعهم ،ول ما يأمرهم به تلمودهم ،ولذلك آثر
الكثير منهم الهجرة ،من كل البلد ،التي كانت تخضع للحكم السلمي تباعا ،
على مّر العصور ،ومن ثم استقر بهم المقام في القارة الوروبية ،حيث
وجدوا فيها متنفسا في البداية ،لجهل الوربيين بطبيعتهم البشعة .
الضطهاد الوروبي لليهود ،وفشلهم في تحصيل الُملك القاروني :
وعندما تبين للوربيين مع مرور الوقت ،أن الكثير من المشاكل والمصائب
والكوارث الجتماعية والقتصادية ،من فقر ومجاعات وانهيارات اقتصادية ،
وانتشار للفساد والرذيلة ،كان سببه اليهود ،وضعوا الكثير من الحلول
لمواجهة مشكلتهم ،مثل سن القوانين التي تقيد حركتهم وتعاملتهم ،فلم تكن
تجدي نفعا ،مع ما يملكون من مكر ودهاء .وتم عزلهم في أحياء سكنية
خاصة بهم ،فلم يجدي ذلك نفعا ،فكان ل بد من الحل الخير ،وهو طردهم
ونفيهم ،من معظم بلدان أوروبا الغربية ،وكان رجالت الكنيسة آنذاك ،
يعملون كمستشارين للملوك في العصور الوسطى ،وكانوا يؤيدون تلك
الجراءات ضد اليهود ،لتحريم المسيحية للزنا والربا ،بالضافة إلى ما
اكتشف من تجديف على المسيح والدته ،وكره وبغض وعداء للمسيحيين ،في
تلمودهم السري ،الذي جلب لهم المذابح الجماعية في بعض البلدان الوربية ،
كإسبانيا والبرتغال ،وفي النهاية تم طردهم بالتعاقب وعلى فترات متباعدة ،
من فرنسا وسكسونيا وهنغاريا ،وبلجيكا وسلوفاكيا والنمسا ،وهولندا وإسبانيا
وليتوانيا ،والبرتغال وإيطاليا وألمانيا ،بدءا من عام 1253م وحتى عام
1551م ،فاضطر اليهود للهجرة ،إلى روسيا وأوروبا الشرقية
والمبراطورية العثمانية .
إذن ل بّد من التآمر :
آنذاك أصبح لليهود كشعب مشتت هّما مشتركا ،من جّراء الضطهاد
والتعذيب والطرد ،من قبل الوروبيين .وأبواب الجّنة الوربية قد أغلقت من
دونهم ،حيث بدأ هناك بعد رحيل أغلب اليهود ،ما ُيسمى بالنهضة
الوروبية ،فحيل بينهم وبين تحقيق أحلمهم ،سواء على مستوى الملك
199
الممي ،أو مستوى الملك الفردي ،وهذا ما ل يستطيعون احتماله أو تقّبله ،
وهذه الجواء تذّكرنا بأجواء المؤامرة الولى في تاريخهم ،حيث واجه أخوة
يوسف هّما مشتركا ،تمّثل في شعورهم بالدونية ،بالمقارنة مع يوسف وأخيه ،
وكان دافعهم الحسد ،فاجتمعوا سرا وتآمروا ،وأجمعوا فنّفذوا .
ويحضرني في هذا المقام قول لبن القيم ،إذ يقول في كتاب الفوائد أن أصول
المعاصي ،ثلثة :الكبر والحرص والحسد ،فالكبر جعل إبليس يفسق عن أمر
ي آدم يقتل أخاه ، ربه ،والحرص أخرج آدم من الجنة ،والحسد جعل أحد ابن ّ
وبعد التدبر في هذا القول ،ستجد أن الطريق إلى الوقوع في المعصية ،هو
الوقوع فريسة للمقارنة والمفاضلة ،من خلل العتماد على الحواس فقط ،
وبتغييب العقل والفؤاد ،وبالتالي فقدان القدرة على الستبصار ،والحكم على
المور ،وقد نهى سبحانه في مواضع كثيرة من القرآن ،عن المقارنة
والمفاضلة ،وحسم المر بأن الفضل من لدنه ،يؤتيه من يشاء من عباده ،أما
اليهود وبعد إطلعي على ما جاء في توراتهم وتلمودهم ،فإنهم جمعوا فيها
أصول المعاصي كلها ،فالكبر جعلهم أفضل الناس على الطلق ،والحرص
ضلون الدنيا على الخرة ،والحسد جعلهم يستبيحون ممتلكات جعلهم يف ّ
الخرين ويستحّلونها لنفسهم .
) لوثر ( بإصلحاته الكنسية في القرن السادس عشر ُ ،يمّكن اليهود من احتلل
أوروبا اقتصاديا :
وعندما تم تدمير السلطة الكنسية ،التي قام بها الصلحيون في أوروبا ) بفعل
ضّمت التوراة إلى النجيل في كتب النصارى المقدسة ، اليهود أنفسهم ( ،و ُ
وجد اليهود بعض القبول في الدول الوروبية ،فعادوا إليها شيئا فشيئا ،
ونتيجة للضطهاد والطرد الجماعي ،الذي تعرض له اليهود في هذه الدول
فيما مضى ،وهم شعب ال المختار ،أجمع قارونات المال اليهود ،وبدءوا
يعقدون اجتماعاتهم السرية ،في نهايات القرن الثامن عشر ) قبل أكثر من
مائتي سنة ( ،للنتقام وتجنب ذلك المصير المرعب مرة أخرى .وبوجود
المال اليهودي ،تشكل لديهم مخططا شيطانيا ،للسيطرة على العالم كله وحكمه
،فوضعوا مخططا مبدئيا ،كان موجها في الدرجة الولى ،ضد ملوك أوروبا
ورجالت الدين المسيحي .
200
أكبر وأخطر مؤامرة في تاريخ اليهود
204
.12خلق قادة للشعوب ،من ضعاف الشخصية الذين يتميزون بالخضوع
والخنوع ) ،وذلك بإبرازهم وتلميع صورهم ،من خلل الترويج العلمي
لهم ،لترشيحهم للمناصب العامة في الحكومات الوطنية ،ومن ثم التلعب
صصين ،لتنفيذ سياساتنا ( . بهم ،من وراء الستار بواسطة عملء متخ ّ
.13امتلك وسائل العلم والسيطرة عليها ) .لترويج الكاذيب والشاعات
والفضائح الملّفقة ،التي تخدم المؤامرة ( .
.14قلب أنظمة الحكم الوطنية المستقلة بقراراتها ،والتي تعمل من أجل
شعوبها ،ول تستجيب لمتطلبات المؤامرة ) .من خلل إثارة الفتن ،وخلق
ثورات داخلية فيها ،لتؤدي إلى حالة من الفوضى ،وبالتالي سقوط هذه
النظمة الحاكمة ،وإلقاء اللوم عليها ،وتنصيب العملء قادة في نهاية كل
ثورة ،وإعدام من ُيلصق بهم تهمة الخيانة من النظام السابق ( .
.15استخدام الزمات القتصادية للسيطرة على توجهات الشعوب ) .التسبب
في خلق حالت من البطالة والفقر والجوع ،لتوجيه الشعوب إلى تقديس
المال وعبادة أصحابه ،لتصبح لهم الحقية والولوية في السيادة ،واتخاذهم
قدوة والسير على هديهم ،وبالتالي سقوط أحقية الدين وأنظمة الحكم الوطنية
،والتمرد على كل ما هو مقّدس ،من أجل لقمة العيش ( .
.16نشر العقائد اللحادية المادية ) .من خلل تنظيم محافل الشرق الكبرى ،
تحت ستار العمال الخيرية والنسانية ،كالماسونية ونوادي الروتاري
والليونز ،التي تحارب في الحقيقة كل ما تمثله الديان السماوية ،وتساهم
أيضا في تحقيق أهداف المخطط الخرى ،داخل البلدان التي تتواجد فيها ( .
.17خداع الجماهير المستمر ،باستعمال الشعارات والخطابات الرّنانة ،
والوعود بالحرية والتحرر ) .التي تلهب حماس ومشاعر الجماهير لدرجة
يمكن معها ،أن تتصرف بما يخالف حتى الوامر اللهية ،وقوانين الطبيعة
،وبالتالي بعد الحصول على السيطرة المطلقة على الشعوب ،سنمحو حتى
اسم " ال " من معجم الحياة ( .
.18ضرورة إظهار القوة لرهاب الجماهير ) .وذلك من خلل افتعال
حركات تمرد وهمية ،على أنظمة الحكم ،وقمع عناصرها بالقوة على علم
أو مرأى من الجماهير ،بالعتقال والسجن والتعذيب والقتل إذا لزم المر ،
205
لنشر الذعر في قلوب الجماهير ،وتجّنب أي عصيان مسلح قد ُيفّكرون
فيه ،عند مخالفة الحكام لمصالح أممهم ( .
.19استعمال الدبلوماسية السرّية من خلل العملء ) .للتدخل في أي اتفاقات
أو مفاوضات ،وخاصة بعد الحروب ،لتحوير بنودها بما يتفق مع
مخططات المؤامرة ( .
.20الهدف النهائي لهذا البرنامج هو الحكومة العالمية التي تسيطر على العالم
بأسره ) .لذلك سيكون من الضروري ،إنشاء احتكارات عالمية ضخمة ،
من جّراء اتحاد ثروات اليهود جميعها ،بحيث ل يمكن لي ثروة من
ظمت ،من الصمود أمامها ،مما يؤدي إلى انهيار ثروات الغرباء مهما ع ُ
جه اليهود العالميون ،ضربتهم الكبرى هذه الثروات والحكومات ،عندما يو ّ
في يوم ما ( .
.21الستيلء والسيطرة على الممتلكات العقارية والتجارية والصناعية
للغرباء ) .وذلك من خلل ؛ أول :فرض ضرائب مرتفعة ،ومنافسة غير
عادلة للتجار الوطنيين ،وبالتالي تحطيم الثروات والمدخرات الوطنية ،
وحصول النهيارات القتصادية بالمم .ثانيا :السيطرة على المواد الخام ،
وإثارة العمال ،للمطالبة بساعات عمل أقل وأجور أعلى ،وهكذا تضطر
الشركات الوطنية لرفع السعار ،فيؤدي ذلك إلى انهيارها وإفلسها ،
ويجب أل يتمكن العمال بأي حال من الحوال ،من الستفادة من زيادة
الجور ( .
.22إطالة أمد الحروب لستنزاف طاقات المم المتنازعة ماديا ومعنويا
وبشريا ) .لكي ل يبقى في النهاية سوى مجموعات من العمال ،تسيطر
عليها وتسوسها حفنة من أصحاب المليين العملء ،مع عدد قليل من أفراد
الشرطة والمن ،لحماية الستثمارات اليهودية المختلفة ،بمعنى آخر إلغاء
الجيوش النظامية الضخمة حربا أو سلما ،في كافة البلدان ( .
.23الحكومة العالمية المستقبلية ،تعتمد الدكتاتورية المطلقة كنظام للحكم .
) فرض النظام العالمي الجديد ،يقوم فيه الدكتاتور بتعيين أفراد الحكومة
العالمية ،من بين العلماء والقتصاديين وأصحاب المليين ( .
206
.24تسلل العملء إلى كافة المستويات الجتماعية والحكومية ) .من أجل
تضليل الشباب وإفساد عقولهم بالنظريات الخاطئة ،حتى تسهل عملية
السيطرة عليهم مستقبل ( .
.25ترك القوانين الداخلية والدولية التي سنتها الحكومات والدول كما هي ،
وإساءة استعمالها وتطبيقها ) .عن طريق تفسير القوانين ،بشكل مناقض
لروحها ،يستعمل أول قناعا لتغطيتها ،ومن ثم يتم طمسها بعد ذلك
نهائيا ( .
ثم يختم المتحّدث عرضه بالقول " :لعلكم تعتقدون أن الغرباء ) غير اليهود ( ،
لن يسكتوا بعد هذا ،وأنهم سيهّبون للقضاء علينا ،كل هذا اعتقاد خاطئ .
سيكون لنا في الغرب ،منظمة على درجة من القوة والرهاب ،تجعل أكثر
القلوب شجاعة ترتجف أمامها ،تلك هي منظمة الشبكات الخفية تحت
الرض ،وسنعمل على تأسيس منظمات من هذا النوع ،في كل عاصمة
ومدينة ،نتوّقع صدور الخطر منها " ،انتهى .
* بتصّرف من كتاب ) أحجار على رقعة الشطرنج ( .
ن هذا المخطط ُ ،وضع قبل أكثر من 200سنة تقريبا ،وأن نود أن ُنشير إلى أ ّ
العمل على تنفيذه بقي جاريا على قدم وساق ،وكان دائم التجّدد والتطّور من
حيث القائمين عليه ،ومن حيث برامجه وأدواته ،ليتوافق مع التطورات
المتسارعة التي ظهرت في القرنين الماضيين ،من ُمخترعات واكتشافات
سخّرت كلها لخدمة كوسائل التصال ووسائل الحروب على مختلف أنواعها ُ ،
طته أيدي أبالسة اليهود على مّر العصور ، طط الشيطاني ،الذي خ ّ هذا الُمخ ّ
وما كان لبشر من غير اليهود ،أن يجمعوا كل هذا الشّر في جعبتهم ،
ويصهروه بهذا الشكل الُمذهل المتعّمق ،في معرفته بدواخل النفس البشرية
وأهوائها ،ومكامن ضعفها وقوتها ،اتقانا ربما يعجز إبليس نفسه عن التيان
بمثله ،حتى استطاعوا من خلله ،التحكم بالبشر ،بدءا من الرئيس المريكي
بعظمته ،وحتى إنسان الغياهب الفريقية بفقره وقلة حيلته ،الذي ل يدري ما
الذي ُيحاربه أول ،الجوع أم اليدز .وها هم الن بدءوا ُيزيلون أقنعتهم شيئا
فشيئا ،فتصريحاتهم من مواقع السياسة المريكية ومواقفهم ،تكشف عن مدى
ق النسانية .قباحة وجوههم وأفعالهم في ح ّ
207
إسقاط جميع أنظمة الحكم الوراثية العريقة في أوروبا من خلل الثورات
التحررية :
وقد استطاع اليهود ،من خلل مواظبتهم على تنفيذ هذه البروتوكولت ،من
إسقاط نظام الحكم الملكي في بريطانيا ،لفترة ليست بالقصيرة ،ومن ثم عاد
النظام الملكي ،بشكل صوري ل يتمتع بأي سلطة ،كما هو الحال الن ،كما
وقاموا بإسقاط النظام الملكي في فرنسا ،ومن ثم تم تحويلها إلى النظام
الجمهوري .وبعد إثارتهم للحرب العالمية الولى ،استطاعوا إسقاط الحكم
القيصري في روسيا ،الذي عاملهم كما عوملوا في أوروبا ،ولكن بدون
طرد ،وإدخال الحكم الشيوعي إليها ،واستطاعوا إسقاط الحكم القيصري في
ألمانيا أيضا ،وأسقطوا المبراطورية العثمانية ،وكان آخر حصادها ،هو
وضع فلسطين تحت النتداب البريطاني .
المخطط في مراحله النهائية ،تحت حماية أمريكا :
ولو أنك نظرت إلى البروتوكول رقم ) ، (23ستجد أن النظام الذي كان ُينادي
به الرئيس المريكي ) بوش ( في بداية التسعينيات ،بعد انهيار التحاد
السوفييتي ،موجود تحت نفس السم ) النظام العالمي الجديد ( وهذه العبارة
نفسها مكتوبة أيضا ،على الدولر باللغة اللتينية ،وهذا مؤشر على أن
طط أصبح في مراحله الخيرة ،حيث أن هذا البرتوكول هو الثالث قبل المخ ّ
الخير ،وما بقي عليهم للوصول إلى هدفهم النهائي ،سوى تنفيذ البرتوكولين
) (24و ) ، (25وهما المتعلقّين بالعولمة بجانبيها الثقافي والقتصادي ،والتي
سنوضحها لحقا .
الرؤساء المريكيون الوائل ُيحّذرون من الخطر اليهودي
ترجمة النص الكامل للجزء الخاص باليهود من خطاب بنيامين فرانكلين أمام
الكونغرس :
" أيها السادة :هنالك خطر كبير يتهدد الوليات المتحدة المريكية … وهذا
ل بها اليهود … يعملون على تدني
الخطر هو اليهود … ففي أي أرض يح ّ
المستوى الخلقي والتجاري فيها … وعلى مدى تاريخهم الطويل …ظّلوا
متقوقعين على أنفسهم في معزل عن المم التي يعيشون فيها … ولم يندمجوا
208
في حضاراتها … بل كانوا يعملون دوما على إثارة الزمات المالية وخنق
اقتصادياتها … كما حصل في البرتغال وإسبانيا .
لكثر من 1700سنة … وهم يبكون على قدرهم ومصيرهم المحزن …
أعني طردهم ونفيهم من وطنهم الم ) فلسطين ( … ولو أن العالم المتحضر
) الغرب ( أعاد لهم فلسطين الن … فإنهم على الفور سيختلقون الكثير من
السباب والعذار والحجج الواهية … ليبرروا عدم رغبتهم في العودة إليها
… لماذا ؟ … لنهم كائنات طفيلية … والطفيليات ل تستطيع أن تتطفل على
طفيليات أخرى … فهم ل يستطيعون العيش مع بعضهم البعض … مما
يستدعي ضرورة تواجدهم بين المسيحيين … أو بين أناس من غير جنسهم .
وإن لم ُيطردوا من الوليات المتحدة بموجب الدستور … فإنهم وخلل مائة
عام على القل من الن … سيتوافدون إلى هذا البلد بأعداد كبيرة … وبتلك
العداد سوف يحكمونا ويدّمرونا … من خلل تغيير أنظمة الحكم لدينا …
والتي بذلنا نحن المريكيين من أجل توطيدها على مر السنين … الغالي
والنفيس من دمائنا وأرواحنا وممتلكاتنا وحرياتنا … وإن لم يتم طردهم …
وبعد مائتي سنة من الن …فإن أحفادنا سيعملون في الحقول ليل نهار … من
أجل إشباع بطونهم وجيوبهم … بينما يجلسون هم في قصورهم يفركون أيديهم
فرحا واغتباطا … بما حصدوه من غلل وأرباح .
وها أنا أحذركم أيها السادة … إن لم تطردوا اليهود من هذا البلد إلى البد …
فإن أولدكم وأحفادكم سيلعنونكم في قبوركم … ومع أنهم يعيشون بيننا منذ
أجيال … فإن ُمُثلهم العليا ما زالت تختلف كليا ،عما يتحلى به الشعب
المريكي من ُمُثل … فالفهد الرقط ل يمكنه تغيير لون جلده ) عبارة مقتبسة
من التوراة ( … سوف ُيعّرضون مؤسساتنا ومقوماتنا الجتماعية للخطر …
لذلك يجب طردهم بنص من الدستور " .
وكان فرانكلين من الرؤساء الوائل في أمريكا ،والذي استشعر الخطر
اليهودي قبل تغلغله في أمريكا ،من خلل دراسته لتوراتهم ولتاريخهم في
أوروبا ،وما أحدثوه من خراب فيها .
209
وهذا قسم من خطاب الرئيس المريكي ) لنكولن ( للمة ،في نهاية مدته
الرئاسية الولى :
" إنني أرى في الفق ُنذر أزمة تقترب شيئا فشيئا … وهي أزمة تثيرني
وتجعلني أرتجف على سلمة بلدي … فقد أصبحت السيادة للهيئات والشركات
الكبرى … وسيترتب على ذلك وصول الفساد إلى أعلى المناصب … إذ أن
أصحاب رؤوس الموال ،سيعملون على إبقاء سيطرتهم على الدولة …
مستخدمين في ذلك مشاعر الشعب وتحّزباته … وستصبح ثروة البلد
بأكملها ،تحت سيطرة فئة قليلة … المر الذي سيؤدي إلى تحطم الجمهورية "
.
وكان هذا الخطاب قبل أكثر من 130سنة ،بعد أن تغلغل اليهود في أمريكا ،
وقد اغتيل هذا الرئيس في بداية فترة الرئاسية الثانية ،نتيجة خطاباته لن كل
أصحاب رؤوس المال المريكي أصبحوا من اليهود .كما اغتيل الرئيس
) جون كندي ( ،عندما أعلن عن برامجه الصلحية ،وبناء أمريكا من
الداخل ،ونهج التعايش السلمي مع الخارج ،كروسيا والبلدان الخرى ،وهذا
مما يتعارض كليا ،مع بروتوكولت أرباب المال اليهود وحكمائهم .وتخيل لو
أن أرباب المال اليهود يسحبون أرصدتهم من أمريكا ،بالتأكيد سينهار
القتصاد المريكي برّمته على الفور ،وربما تصبح أمريكا من أفقر بلدان
العالم .
بعد اغتيال ) كندي ( استوعب رؤساء أمريكا الدرس ،وحفظوه عن ظهر
قلب ،فلم يجرؤ أحدهم على نهج أي سياسة ،تتعارض مع طموحات اليهود ،
وتطلعاتهم على كافة الصعدة ،بل كانوا فور انتخابهم ،يسارعون لتقديم
فروض الطاعة والولء لسيادهم اليهود .وخدماتهم لليهود خلل الربعين سنة
الماضية ظاهرة للعيان ،وأصبحت مهمة الرئيس المريكي ،ل تتعدى مهمة )
كلب الصيد المدّرب جيدا ( ،لصطياد الشعوب وثرواتها وجلبها ،لليهود في
الداخل والخارج ،وفي نهاية ولية كل كلب جيد منهم ُ ،يعّلق في رقبته وساما
رفيعا من المديح اليهودي ،فيهّز ذنبه فرحا ويمضي خارجا من البيت
البيض ،بعد حصوله على شرف عضوية ) نادي كلب الصيد ( اليهودي ،
وكلنا يذكر قصة ) كلينتون ( عندما نسي نفسه ،وحاول الضغط على نتنياهو ،
جروا في بيته البيض القنبلة ) لوينسكي ( ،التي كانت ُمعّدة منذ لحظةفف ّ
210
انتخابه ،فأعادته إلى صوابه ،وإلى موقعه الحقيقي ككلب صيد ل أكثر ،
فأصبح في نهاية مدة رئاسته صهيونيا ،أكثر من الصهاينة أنفسهم ،يمسح
بفروه البيض الناعم نعال أحذيتهم ،عسى أن يقتات هو وزوجته على فتات
موائدهم ،في قاعات مجلس الشيوخ المريكي ،بعد خروجهم من البيت
البيض .
الحرب العالمية الثانية درس من دروس التآمر اليهودي العالمي
الظروف التي سبقت الحرب ،من كتاب ) أحجار على رقعة الشطرنج (
بتصّرف :
ش معاهدة فرساي المجحفة بحق ألمانيا :التي كان لليهود وعملئهم اليد الطولى
في صياغتها ،من وراء الستار ،لتكون بؤرة لتوريط ألمانيا في حرب أخرى ،
إذا تطلب المر مستقبل .حيث أن بنود هذه المعاهدة ،اقتطعت جزءا من
الراضي اللمانية ،وضمتها إلى بولندا ،وأرغمت ألمانيا على دفع
التعويضات ،للخسائر الناجمة عن الحرب العالمية الولى ،وأبقت ألمانيا تحت
طائلة الديون إلى ما ل نهاية .
ش وجود الحركة النازية في ألمانيا :والسبب في بلورة أفكارها ،هو معرفة
اللمان بفصول المؤامرة اليهودية ،حيث أن الصيغة النهائية لبرتوكولت
حكماء المؤامرة ،التي تدعو لتفوق العرق اليهودي ،والتي ُكشفت أصل فيما
سبق في ألمانيا نفسها ،مما دفع اللماني ) كارل ريتر ( إلى طرح أفكار ،
تدعو إلى تفوق العرق الجرماني ،ردا على ما طرحته برتوكولت حكماء
اليهود .ومن أقوال مؤسس الفكر النازي ) كارل ريتر ( الذي نشر أفكاره عام
1849م " :لكي يعود السلم والحرية القتصادية إلى العالم ،يجب أول
القضاء على الممولين اليهود ،وعلى جميع أعضاء الحركة الثورية العالمية ،
جهون الشيوعية ويسيطرون عليها " .ومضمون المعتقدات النازية الذين ُيو ّ
يقضي بتفوق العرق الجرماني ،والذي يتوجب عليه إخضاع العالم بالقوة
العسكرية ،ويجب أن تكون الطاعة فيه لرئيس الدولة الجرمانية ،طاعة عمياء
وبدون نقاش .وعلى ما يبدو أن رجالت الحرب اللمان ،بعد الحرب العالمية
الولى ،وما لحق بألمانيا من إجحاف ،من خلل المؤامرات اليهودية قبل
وبعد الحرب ،اقتنعوا بالمذهب النازي واعتنقوا مبادئه ،التي تتقاطع مع
المخطط اليهودي ،للسيطرة على العالم اقتصاديا ،ومن ثم السيطرة على
211
الحكم سلميا ،فوضعوا مخططهم العسكري لكتساح أوروبا وأمريكا ،للقضاء
على الممولين اليهود ،واليهود بشكل عام في أماكن تواجدهم ،والستيلء
على ثرواتهم الطائلة .
ش مرتكزات السياسة اللمانية :كانت تقوم على وجوب تحرير ألمانيا ،من
التفاقيات القتصادية المفروضة عليها ،من قبل الممولين والمرابين
الدوليين ،بعد أن أدرك الزعماء اللمان ،خطر هذه التفاقيات على استقلل
البلد ،لن الفوائد المفروضة على القروض المالية ،بموجب هذه التفاقيات ،
ستؤدي حتما إلى وقوع البلد في براثن دائنيها ) ،بمعنى ارتهان القرار
والموقف ،السياسي والقتصادي بمصلحة الدائنين ،بغض النظر عن مصلحة
المة ( ،تماما كما وقعت بريطانيا عام 1694م ،وفرنسا عام 1790م ،
وأمريكا عام 1791م .وبالتالي ستكون هذه القروض ،دينا واستعبادا لكل فرد
من أفراد الشعب ،لن تسديدها لن يكون إل بفرض مزيد من الضرائب ،
يدفعها المواطنون جميعا ،ويكون المستفيد الذي ل يخسر أبدا هو الدائن ،أي
الممول المرابي العالمي .عندئذ صمم القادة اللمان ،على خلق عملة ألمانية ،
ل تستند إلى القروض ،بل تعتمد على الدخل القومي ،والممتلكات الوطنية ،
وعلى موارد الصناعة والزراعة ،والثروات الطبيعية ،وعلى الطاقة النتاجية
للمة .
ش وصول هتلر إلى سدة الحكم :شخصية هذا الرجل ،اعتراها الكثير من
التشويه العلمي اليهودي الغربي ،وفي الحقيقة لم يكن هتلر داعية حرب ،
ولم يكن معتنقا للمذهب النازي ،بل كان رجل قوميا ،يسعى لرفع الظلم
والجحاف الذي لحق بأمته ،من جراء معاهدة فرساي ،وكان عدًوا لدودا
للنازيين ،والممولين اليهود على حد سواء ،وقد جاء في الصفحة الخيرة من
كتابه ) كفاحي ( الذي كتبه في السجن عام 1934م ،قبل أن يتسّلم الزعامة ،
ما نصه " وبهذا يقف الحزب الشتراكي الوطني ،موقفا إيجابيا من المسيحية ،
ولكنه ل يترك أمور العقيدة لجماعة من المنحرفين ) النازيين ( ،ومن جهة
أخرى يحارب ،الروح المادية اليهودية ،المتغلغلة في نفوسنا وفي نفوس
الخرين " .أما عن معاهدة فرساي فقد كتب يقول " :إنها لم تكن لمصلحة
بريطانيا ،ولكنها كانت أول وأخيرا ،في صالح اليهود لتدمير ألمانيا " .ونود
أن نضيف أن السبب الرئيسي ،في هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الولى ،
وهي في قمة انتصاراتها العسكرية ،هو الثورات والفتن التي أحدثها الممولون
212
اليهود ،بإحياء الثورات الشيوعية داخل ألمانيا ،والتي أضعفت الجبهة الداخلية
،وأضعفت الروح المعنوية لدى الجيش اللماني ،والتي تسببت في تنازل
القيصر عن عرشه ،وتوقيع الهدنة لللتفات إلى الشأن الداخلي ،خوفا من
سيطرة الشيوعية على ألمانيا ،كما حصل في روسيا .
ش نشوء دول المحور :وجد الشعب اللماني بصورة عامة ،أنه يشارك شعوب
اليابان وإيطاليا وإسبانيا ،آمالهم وأمانيهم في المستقبل السياسي والقتصادي ،
فظهر حلف المحور ،ونظرا لديناميكية زعماء تلك الدول ،وما بذلوه من
جهود ضخمة ،تمكّنوا من إعادة بناء بلدانهم على كافة المستويات ،الصناعية
والزراعية والعسكرية ،بما يشبه المعجزات .
كان هتلر يحمل على كاهله أربعة هموم قومية :
.1إعادة بناء الدولة اللمانية .
.2استرجاع الجزاء المقتطعة من ألمانيا .
.3محاربة أرباب المال اليهود ،والقضاء على الثورة الشيوعية اليهودية في
روسيا ،والتي كانت تمّول الحركات الثورية في بلده .
.4كبت رغبات لوردات الحرب النازيون ،في احتلل العالم عسكريا .
سيناريو الحرب :
بدأ هتلر عام 1936م ،محاولت التحالف مع بريطانيا ،وجرت عدة محادثات
غير رسمية بين دبلوماسيي البلدين ،وكانت الغاية من هذا التحالف ،هو رغبة
اللمان في احتلل جميع الدول الشيوعية ،وتحرير شعوبها ،وإعدام جميع
الخونة فيها ،وذلك لقناعة اللمان بارتباط الشيوعية ،بكبار أغنياء اليهود ،
جهون حركتها ويمّولونها ،كما يوجهون ويمولون في نفس الوقت الذين يو ّ
الحركة الصهيونية السياسية ،وكان الرد البريطاني على مقترحات اللمان
سلبيا ،معبرا عن عدم موافقته على هذه المقترحات ،فاقتنع هتلر بأنه يستحيل
على أي أمة بمفردها ،أن تحطم نفوذ المرابين العالميين ،وخاصة في الدول
المسّماة بالديموقراطية ،وذلك لتحّكمهم المالي بهذه الدول ،وإيقاعهم إياها
تحت طائلة الديون .
213
ولّما رفض هتلر ،أوامر لوردات الحرب النازيين ،لردع الشيوعية وستالين
منفردا ،حاولوا اغتياله ،ولما فشلوا ،حاولوا إضعاف شعبيته التي حققها بين
اللمان ،فبدأ النازيون بنشر الفكار النازية اللحادية بين الشعب اللماني ،
واستغلت الصحافة المعادية ذلك ،وألصقت هذه التهمة بهتلر ،وبدأت وسائل
العلم حملتها ضد هتلر ،وانقسم الشعب اللماني إلى قسمين ،ووقع هتلر
بين فكي كماشة ،رجال الكنيسة من جهة ،ورجال النازية من جهة أخرى ،
أما في بريطانيا فكانت وسائل العلم اليهودية ،ماضية في تشويه صورة
هتلر وألمانيا ،لتمنع أي فرصة لي تقارب ألماني بريطاني .
وعندما عرضت ألمانيا مشروعا مقبول ،لمشكلة الممر البولندي ودانزنغ
المدينة اللمانية ،التي سببتها معاهدة فرساي الجائرة ،سارع أقطاب
المؤامرة ،ليجاد تحالف بريطاني بولندي ،من خلل فبركتهم لنذار مزّور ،
خض عن تنذر فيه ألمانيا البولنديين ،بالستسلم خلل 48ساعة فقط ،تم ّ
معاهدة بريطانية ،لحماية البولنديين من أي عدوان ألماني ،عام 1939م .
ومن ثم عملوا على إقناع البولنديين ،بصلحية معاهدة الحماية البريطانية ،
وهكذا أهمل البولنديون المذكرة اللمانية أشهرا عديدة ،في حين كانت
ن عليه الحملت العنيفة المضادة ،وذلك لسبب الصحافة المعادية لهتلر ،تش ّ
واحد هو معاداته لصحاب المؤامرة العالمية ،واعتماده سياسة مستقلة داخل
المبراطورية اللمانية ،بعيدا عن قروضهم وخططهم القتصادية المدمرة ،
وبشكل عام كانت الصحافة الغربية ،قد هّيأت الشعوب هناك لتقف موقفا
سر وتحّلل أقواله معاديا لللمان ،ولجميع الدول التي تؤيد سياستهم ،وبدأت تف ّ
وأفعاله ،وتقلب الحقائق وتفبرك الخبار ،وتحذر من أطماعه التوسعية .
وهكذا بعد التعنت البولندي وتجاهله للمذكرة اللمانية ،ضجر هتلر من انتظار
الرد ،ومن الحرب المشينة ،التي وجهتها ضده صحافة الحلفاء ،فأمر جيوشه
بالتحرك نحو بولندا ،لسترجاع ما استقطع من أراضي ألمانيا بالقوة ،ولم
يتعّد إلى ما وراءها ،بل توقف عند ذلك الحّد .عندئذ أعلنت بريطانيا الحرب
على ألمانيا ،بموجب التفاقية السابقة ،مع علم الذين أوجدوا هذه التفاقية عدم
قدرة بريطانيا ،على حماية نفسها في مواجهة القدرات العسكرية اللمانية .
وعندما تأكد لهم أن رئيس الوزراء البريطاني ) تشامبرلين ( ،غير ُمتحمس
للدخول في حرب فعلية مع ألمانيا ،أسقطوه وجاءوا ) بتشرشل ( الذي قام
بقصف المدن اللمانية بالطائرات .وهكذا اضطر هتلر مرغما لتكملة تلك
214
الحرب المدمرة ُ ،مستجيبا للوردات الحرب النازيون ،التي دامت قرابة
الخمس سنوات ،وانتهت بخروج معظم الدول التي شاركت فيها ،مثقلة
بالديون والخسائر المادية والبشرية .وكان المستفيد الوحيد هم المرابون اليهود
،الذين مّولوا هذه الحرب في سنواتها الخمس ،ومّولوا عمليات العمار
بعدها ،بقروض لم تستطع البلدان الوربية ،تسديدها إلى يومنا هذا .
وأما ألمانيا ومن أجل عدائها المعلن لليهود ،سواء من هتلر أو من قبل
النازيون ،فقد لقت مصيرها المحتوم ،من تقسيم أراضيها وتحجيمها
قدراتها ،ونهب مقّدراتها وثرواتها ،حيث استطاع اليهود العالميون ،بما
يملكونه من أموال ،ومن خلل سيطرتهم على اقتصاديات الدول الغربية
برمتها ،ومصادرة قرارها السياسي ،وتجييره لخدمة مخططاتهم الشيطانية ،
وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا ،من التخلص من الخطر اللماني ،الذي كان
ططاتهم لتدمير البشرية . ض مضجعهم ويتقاطع مع مخ ّ ُيهّدد وجودهم ،ويق ّ
ويخلص صاحب كتاب ) أحجار على رقعة الشطرنج ( المسيحي الكندي ،في
نهاية حديثه عن الحرب العالمية الثانية ،يوجهه لمن انساق وساهم من ساسة
الغرب ،في نجاح المخطط الجهنمي للمرابين اليهود ،طمعا بما يلقونه لهم من
فتات وحطام هذه الدنيا الزائلة ،إلى القول :
" أما الحقيقة الولى :فهي أن النسان ،لن يصحب معه إلى القبر ،شيئا من
كنوز الدنيا ،أو شيئا من أكاليل المجد والثناء …
والحقيقة الثانية :هي أن القبر ،ليس النهاية ،بل إنه الطريق الذي ل مناص
منه ول مفّر ،بعد القبر ،من تقديم الحساب أخيرا ،حيث ليس للمرابين
العالميين ،من حول ول قوة " .
تأخر موسم الحصاد اليهودي للمحصول العالمي :
كان مخطط المؤامرة ،يقتضي تنفيذ ما جاء في البروتوكولت بحرفتيه ،
والغاية من ذلك السيطرة على اقتصاديات دول العالم بأسرها ،وحصر رؤوس
الموال العالمية كلها في أيدي اليهود ،وعندما يحين الموعد المناسب ،يعمد
اليهود إلى شراء الذهب من السواق العالمية وتكديسه ،ومن ثم ُيشعلون نيران
الحرب العالمية الثالثة ،والتي حسب تصورهم ،ستكون كارثية بكل معنى
الكلمة على العالم بأسره ،وتخلف وراءها قطعانا بشرية جائعة ،ملحدة ل
215
تؤمن إل بما هو مادي ،ومنحلة ل تبحث إل عن كل ما ُيشبع غرائزها الجسدية
،آنذاك ُيعلن ملوك الذهب عن أنفسهم ،ويشترطون لنقاذ تلك القطعان البشرية
من الموت جوعا ،بما أنهم يملكون الذهب ،تنصيبهم ملوكا على الرض ،
لُيقيموا دولتهم العالمية الدكتاتورية وعاصمتها القدس ،فل تملك تلك القطعان ،
إل أن تدين بالعبودية المطلقة لليهود ،بعد أن جاءها نور الذهب لُيبدد ظلمة
الديان الموحشة .
إذ كان من المفروض أن تقوم الحرب العالمية الثالثة ،حسب ُمخططاتهم ،بعد
) ( 25 – 20عاما من الحرب العالمية الثانية ،ولكن ما لم يكن في الحسبان ،
ططاتها هو موت لينين نتاج المؤامرة اليهودية ،وانقلب ) ستالين ( على مخ ّ
ططيها ،وتخّلصه من جميع القادة اليهود في الحزب الشيوعي ،وإقامته ومخ ّ
لتحاد سوفييتي قوي ،وامتلكه للسلح النووي ،ومقاسمته لمريكا حكم العالم
جم اليهود وطموحاتهم ،بوقوفه نّدا ،ودخول عصر الحرب الباردة ،الذي ح ّ
قويا في وجه أمريكا وطموحاتها ،فكان ل بد من تدميره وتفكيكه أول ،عن
طريق الغزو السلمي التسلي ،المطروح في البروتوكول رقم ) . ( 9
فوجدوا في ) غورباتشوف ( ضالتهم ،الذي أدخل إصلحاته الهّدامة .ولما
أوشك التحاد على النهيار ،أجهزوا عليه بعمليهم الخر ) يلتسين ( ،فسيطر
على مقاليد الحكم بالقوة ،وأنهى ما ُيسمى بحلف وارسو ،وأزاح الحكم
الشيوعي المناهض لمريكا عن روسيا ،وأخذ بنصائح صندوق النقد الدولي ،
للصلح القتصادي من خصخصة وغيرها ،فاستطاع المليارديرات اليهود
ك ) بيريزوفسكي ( من شراء معظم المشاريع الستثمارية الروسية ،وشراء
القرار السياسي والقتصادي الروسي ،وبالضافة إلى ما كانت تواجهه روسيا
من أوضاع اقتصادية مترّدية ،أدخلوها في حرب استنزافية مع الشيشان في
أوساط التسعينيات ،وكل ذلك حتى يتسنى لليهود أن يصولوا ويجولوا ،في
كافة أرجاء العالم لُيحققوا طموحاتهم ،وخاصة في منطقة الشرق الوسط ،
وعندما خلت لهم الساحة بانهيار التحاد السوفييتي ،وتجيير قرارات روسيا
بالموال اليهودية ،أشعلوا حرب الخليج الثانية ،باستخدام نفس السيناريو
المستخدم في الحرب العالمية الثانية ،والخروج بنفس النتائج ،وشاركت
روسيا في الحملة الثلثينية على العراق ،على استحياء من حليفها السابق ،
غير أن الحصار العراقي ،شمل كل مناحي الحياة ،ولم يقتصر على التصنيع
العسكري كما هو الحال مع ألمانيا واليابان .
216
ططي ومفكري وكان مؤتمر مدريد للسلم ،الذي كان في الصل ،غاية لمخ ّ
اليهود التوراتيون في الغرب ،والذي لم يكن يوافق عليه حكام إسرائيل
العلمانيون ،وذلك لخلق درع من معاهدات السلم ،لحماية إسرائيل من
الخطار الخارجية ،من دول ما وراء دول الطوق ،ولتحييد طول الطوق
نفسها ،ودفعها لخوض الحروب نيابة عن الدولة اليهودية ،في حال فكرت أي
دولة بعيدة ،كروسيا والعراق ،العدوين اللدودين حسب النبوءات التوراتية ،
بالضافة إلى مصر والسودان وليبيا ،والردن وسوريا وإيران وأفغانستان ،
وكل هذه الدول مذكورة في التوراة بأسمائها القديمة .ولذلك كانت هناك
معاهدة السلم المصرية ،لقطع الطريق على مصر نفسها والسودان وليبيا ،
وكانت المعاهدة الردنية لقطع الطريق على الدول الشرقية ،ولم تتحقق
معاهدة السلم السورية ،نتيجة التعنت السوري لسترجاع هضبة الجولن ،
التي ل تستطيع إسرائيل التخلي عنها ،بأي حال من الحوال ،فكانت هناك
معاهدة أمنية بين إسرائيل وتركيا ،بديل عن المعاهدة السورية مؤقتا ،لقطع
الطريق على روسيا ،أما هذه اليام فالموقف من سوريا قد اختلف ،باختلف
الموقف السوري من إسرائيل ومن العراق ،مما يستدعي أفكارا جديدة ،
وأسلوبا جديدا للتعامل مع سوريا .
ميكانيكيات وأدوات العمل المستخدمة لتنفيذ برامج المخطط الشيطاني
218
ولنأخذ على سبيل المثال ،القرارات الخاصة بالعراق ،حيث اُتخذت
بالجماع ،بحجة مخالفة العراق للقانون الدولي آنذاك ،وطريقة تأمين الجماع
،تمت كما هي العادة بطريقة آلية ،بالنشاط الملحوظ للديبلوماسية اليهودية
المريكية من وراء الستار ،ومن أمام الستار أحيانا بجولت مكوكية .فمعظم
دول مجلس المن ،إّما أن تكون حليفة أو صديقة أو مديونة أو منهارة
اقتصاديا .وعندما ُوضع أول قرار بدأت الماكينة اليهودية ،بالدوران بأقصى
سرعتها وطاقتها ،مدفوعة بأحقادها ومخاوفها التوراتية ،لفرض قرارات
جديدة ،ولتأمين تطبيق القرارات وتنفيذها ،والعالم كله ل يعلم لغاية الن ،
حقيقة النوايا اليهودية المريكية البريطانية الفرنسية ،من وراء تلك الحرب
وهذا الحصار .وفي الحقيقة ما ُوضع بقرار ل ُيرفع إل بقرار ،وهذا ينطبق
على الحصار ،ولن ُيرفع هذا الحصار اليهودي التوراتي ،ما دامت أمريكا
تملك حق النقض ،إل أن يتم خرق هذا الحصار بدون قرار رفع ،من جانب
دولة عظمى كروسيا أو الصين ،ل يستطيع القانون الدولي اليهودي المريكي
معاقبتها ،كونها تمتلك سلحا نوويا ،قادرا على أن يمحو أمريكا وحلفائها عن
الوجود ،بما فيها من يهود ،وهذا الحتمال ُيعدّ نوع من الُمغامرة في الظروف
الراهنة ،ومع ذلك بدأ التمرد الروسي على أوامر أسياد العالم يلوح في الفق .
المنظمات النسانية في المم المتحدة :
ما الذي تنادي به هذه المنظمات ؟ تنادي بحرية المرأة ،وحقوق النسان ،
وحقوق الطفل ،وتنظيم النسل وتحديده ،وغيرها ،وكل هذه الحريات
والحقوق ،عند المناداة بها ،غالبا ما تأخذ الطابع السياسي ،فانظر إلى الدول
المتهمة ،بانتهاك هذه الحريات وهذه الحقوق ،هي الدول العربية السلمية
أول ،والدول السلمية غير العربية ثانيا ،والدول الشيوعية ،وما عدا ذلك
إذا كان موجودا ،فهو لذّر الرماد في العيون ،فما الذي يريدون من وراء
ذلك ؟ انظر إلى الحياة الجتماعية في الغرب ،الذي سمح ويسمح بهذه
الحريات والحقوق ،تجد أن الجابة هي ما يلي :
تحّرر الفكر ،فنتج الكفر واللحاد وعبادة المادة وتقديسها ،تحررت النساء
فتنازلن عن دورهن الفطري في المومة والتربية ،فنتجت كافة أنواع الباحية
والفجور والدعارة ،وأصبحت لحوم النساء عرضة للكلب الضاّلة .وتحّررت
الطفولة ،فتطاولت على الباء والمهات والمعّلمين والمعّلمات ،وتمّردت عند
219
البلوغ لتترك السرة ،وطفقت تبحث عن إشباع الغرائز والشهوات .لنخلص
من ذلك إلى أن المطالبة بحماية هذه الحقوق والحريات ،هي في الصل دعوة
للتمرد على الطبيعة البشرية وأبجدياتها ،وعلى القيم الروحية والخلقية ،
التي قّدمتها الديان السماوية كمنهج للحياة .تهدف إلى ضرب السرة ،اللبنة
الساسية في بناء المجتمعات ،بحرمان الب من دوره القيادي ،مما يؤدي إلى
تفكيك العلقات ما بين أفرادها ،وضياع الرؤى المشتركة للبقاء والستمرار .
ولو قمت بإحصائية لعدد الغربيون ذوي الولدات الشرعية ! ربما لوجدت أن
معظمهم أولد زنا ،شّر الخلق عند ال !! أما نحن … فماضون على الدرب
لنواكب ُمتطلبات العصر اليهودي … بجهود الجهابذة من مفكرين وخبراء
واختصاصيين … من دعاة التحّرر والتحرير والصلح القتصادي والثقافي
… وسنصل … عّما قريب … إن لم يّداركنا ال برحمته .
البنك الدولي وصندوق النقد الدولي :
مهمة هذه المؤسسة تقديم النصائح ،بما ُيسمى ببرامج التصحيح القتصادي ،
ومن ثم تقديم القروض ،والحصول على ضمانات للسداد ،ولكن هل تكترث
هذه المؤسسة بمصير الموال المقّدمة ،وهل تتابع تنفيذ برامجها التصحيحية ؟
وما هي طبيعة هذه البرامج وماذا تحمل في طياتها ؟ في الحقيقة تذهب معظم
الموال المقّدمة إلى جيوب ،المتنّفذين في الحكم ،وكنفقات للجهزة
الحكومية ،ول تظهر المتابعة ،إل عندما تقع الدول المديونة ،في أزمات
اقتصادية يكون سببها في الصل برامج الصندوق نفسها ،تعجز بسببها من
سداد استحقاقات الدين ،فيأتي الصندوق بحزمة اقتراحات جديدة ،بديون
جديدة وفوائد جديدة ،ومن ثم يتم إعادة جدولة الديون .ومن ضمن القتراحات
رفع الضرائب والرسوم على كل شيء .وربما يضعوا في بيتك مستقبل موظفا
حكوميا ،ليحصي عليك عدد لقمات الطعام ،التي تأكلها أنت وأبناءك ،أو ما
تحرقه عضلتك من سّكر أثناء الحركة ،بما أنها نوع من الوقود ،ولُتجبى
سّكر ،مما يؤدي إلى رفع منك نسبة الضريبة على كل لقمة أو غرام من ال ُ
السعار باستمرار ،ويكون ضحيتها أول وأخيرا المواطن المسحوق .وُيضاف
دين جديد للخروج من الزمة القتصادية ،وُتعاد جدولته مع الديون القديمة
مرة أخرى ،ومن ثم تقع أزمة جديدة ،نتيجة النسياب المستمر لرأس المال
الوطني ،في المجتمعات الستهلكية وغير المنتجة ،فضل عن السرقات
220
والختلسات ،ومن ثم ديون جديدة ،وهكذا دواليك … ،فيتضخم أصل الدين
القومي ليصل إلى أرقام فلكية ،ل تستطيع الشعوب حتى تسديد قيمة فوائدها
السنوية …
وبالتالي تصادر أو بالحرى ُتشترى القرارات السياسية ،كما اشُتريت قرارات
التحاد السوفييتي ،في حرب الخليج وما بعدها ،بعد أن اختلس
) غورباتشوف ( وحاشيته ،ما مجموعه أربعة مليارات دولر ،ثمنا لتدمير
التحاد السوفييتي ،لكي يتمكن اليهود من التفّرد بحكم العالم ،من خلل
نظامهم العالمي الجديد .وبعد أن أزاح الرئيس الروسي ) يلتسين ( غريمه من
الكرملين بقوة المدرعات ،أكمل صفقة البيع ،فاختلس على مدى سنين حكمه ،
ما مجموعه سبعة مليارات دولر ،من مساعدات صندوق النقد لدولي .ولما
اُكتشف المر من قبل الروس ،وصار ) يلتسين ( قاب قوسين أو أدنى من
الملحقة القضائية ،اشتعلت بقدرة قادر أحداث داغستان ،والتفجيرات الوهمية
شّنت حرب غير مبررة للقضاء على جل أي ضحية ،و ُ في موسكو ،التي لم ُتس ّ
الرهاب في الشيشان ،وانشغل الشعب الروسي فيها ،ونسي اختلسات
) يلتسين ( ،الذي قّدم استقالته ،واشترط علنا على خليفته ) بوتين ( ،عدم
ملحقته قضائيا عند تسلمه للسلطة ،فمن الذي مّكن ) يلتسين ( من ذلك ؟
وكيف صعد ) بوتين ( من المجهول ،ليصبح رئيسا لروسيا ؟!
ُيصّرح الملياردير اليهودي ) سوروس ( ،بأن المسؤول عن تدبير ذلك ،هو
الملياردير اليهودي الخر ) بيريزوفسكي ( ،الذي قّدم التمويل لثوار داغستان
السلميين ،وبعد اشتعال النيران وغزو الشيشان ،انقطع التمويل .ويصرح
طاب ( صحفيا ،بعد أن شرب المقلب اليهودي ، زعيم السلميين ) خ ّ
وتبخّرت أحلمه في إقامة دولة إسلمية في داغستان ،بأن التفاق مع
) بيريزوفسكي ( ،لم يتطّرق إلى تدخل الطيران الروسي لقصف الثوار .
وبالتالي ذهبت الشعب الشيشاني المسلم ،ضحية لمؤامرة ) يلتسين ،
طاب ،بوتين ( ،كما حصل مع الشريف حسين في الثورة بيريزوفسكي ،خ ّ
غدر به ،فكانت نتيجتها الستعمار العربية في الحرب العالمية بعد أن ُ
والنتداب وضياع فلسطين وتشرذم المة العربية ،وكما حصل مع هتلر في
الحرب العالمية الثانية ،ومع صدام حسين في حربي العراق الُمدّمرتين .هل
المشكلة في أن العرب ،ل يقرءون التاريخ أو القرآن أو التوراة أو النجيل ؟!
أم أن العرب ل يقرءون شيئا ،وإن قرءوا ل يفهمون ،وإن فهموا ل يعملون .
221
في الحقيقة هذا ليس من قولي ،وإنما سمعته يوما من أحدهم ،منسوبا إلى أحد
زعماء اليهود ربما يكون ) بيغن ( ،والغريب أن سيناريو المؤامرة هو نفسه
بكل حيثياته ،يتكّرر في كل مرة !!!
والسؤال هنا ،من هم أصحاب صندوق النقد الدولي والبنك الدولي
الحقيقيون ؟! وإن كانت تملكهما الدول ،فما معنى أن تكون بلدان كأمريكا
وبريطانيا وفرنسا واليابان مثل ،من أكثر دول العالم أرقاما للدين القومي ؟!
فالدين القومي المريكي المعلن لعام ، 2000كما ُنشر في إحدى الصحف ،
يصل إلى 300ألف مليار دولر ،والدين القومي الياباني يصل إلى 280ألف
مليار دولر ،وهما أكبر اقتصادان في العالم .ولم يكفهم كل ذلك ،وكما أخوة
يوسف ،لم ينتظروا الفرصة ولم يتقاعسوا ،بل سارعوا لخلق الفرصة بالمكر
والحيلة ،للظفر بأخيهم ،لم تستكن أبالسة الشر ،ولم يهدأ لهم بال ،فهم دائمو
الحركة والبحث ،في مطابخ السياسة والقتصاد هناك في الغرب ،وكل جيل
ُيكمل ما بدأه الخر ،ويضيف عليه تعديلته ،ويستعجل تنفيذ خطوات
المخطط الشيطاني ،ويحلم كل جيل بأن يكون مجيء مليكهم المنتظر في زمانه
خر التنفيذ يعني تأخر المجيء ،وآخر ما تفّتقت عنه أذهانهم ،في حلقات ،وتأ ّ
هذا المسلسل الطويل ،هو فكرة العولمة ،التي ل تعدو أكثر من كونها ،وحيا
شيطانيا ،لنشر المذهب الشيطاني وفرضه على شعوب العالم .
العولمة :
العولمة :كلفظ ُمجّرد مصطلح ُمبهم ،ويصبح مفهوما وتضح ماهيته ،عندما
ُتضاف إليه كلمة أخرى ،كأن نقول عولمة الثقافة وعولمة القتصاد .وبما أننا
نعلم أن من ُينادي بالعولمة ويدعوا إليها هي أمريكا ،فذلك يعني أول :تعميم
الثقافة المريكية ،وثانيا :تعميم النظام القتصادي المريكي الرأسمالي .
وبشكل شمولي هو فرض الحضارة المريكية الغربية بكافة جوانبها ،كأسلوب
جديد للحياة على كافة شعوب العالم ،ولو قمنا بتقييم بسيط للحضارة
المريكية ،لوجدنا أن من رسم وشّكل معالم وأبعاد هذه الحضارة ،منذ بدايات
القرن الماضي ،هم السياد الجدد لمريكا ،أعني أرباب المال اليهود ،من
خلل سيطرتهم المطلقة ،على كافة أدوات النتاج المريكي القتصادي
والثقافي .
222
أما ملمح الحضارة المريكية ،فهي في الواقع ترجمة حّية لما يحمله اليهود ،
من عقائد كفرية إلحادية ،ل تؤمن إل بكل ما هو محسوس ،تدعوا إلى تأليه
رأس المال والقتصاد وعبادة أصحابه .وتدعوا إلى أخلقيات اجتماعية
سمتها النحلل والباحية ،والدعوة لممارسة كل رذيلة ،والتحلل تلمودية ِ ،
من كل فضيلة .لنخلص إلى القول إلى أن الغاية من العولمة ،هو نشر العقيدة
اليهودية المادية الدنيوية ،الخاصة بأصحاب البروتوكولت اليهود تمهيدا
لضربتهم النهائية .
في أواخر القرن الماضي ،تمكن اليهود من نشر هذه العقيدة في أمريكا والدول
الغربية ،وبعد أن استحكمت قبضتهم على مواقع صنع القرار فيها ،من خلل
امتلكهم لرؤوس الموال المحّركة لقتصاديات هذه الدول .ومع انتهاء
الحرب الباردة وتفّرد أمريكا بحكم العالم ،امتلك هؤلء القوة العظمى والوحيدة
في العالم ،التي أصبحت كالمعّلم الشرس بعصاه الطويلة ،الذي يسعى كل
التلميذ لنيل رضاه ،بالنصياع لوامره وترك نواهيه ،وينفذون ما يفرضه
عليهم رغبة ورهبة ،حتى لو أوردهم موارد الهلك .فأصبح لدى هؤلء
القدرة أكثر من أي وقت مضى – حسب تصورهم -على تنفيذ ما تبقى من
خطوات مخططهم الشيطاني .
في الجانب الخر من العالم ،تقف بشموخ المجتمعات الشرقية ،من المؤمنين
بال وحتى الملحدين والوثنيون ،ذوي المعتقدات والقيم الراسخة ،والتي
غرسها وحافظ عليها النبياء والمفّكرين ورجال الدين ،قديما وحديثا ،فشّكلت
حواجز منيعة أمام طموحات اليهودية العالمية ،وكانت آخر القلع التي
يتطّلعون إلى تحطيمها ،وما تبقى من أسوارها في طريقه للنهيار .
ولما أصبحت الرياح مواتية لهم ،جلس أسياد العالم وائتمروا فتفّتقت أذهانهم ،
عن هذه الفكار الجهنمية الخاصة بمنظمة التجارة العالمية وقوانينها ،
ومتطلبات النتساب إليها ،لختراق جميع الحواجز القتصادية ،التي أقامتها
الحكومات لحماية ثرواتها الوطنية ،من النسياب التلقائي إلى جيوب أرباب
المال اليهود .والتي سيكون بمقدورهم من خللها ،إصابة عدة عصافير بحجر
واحد .
وسائلها الثقافية :بالترتيب هي ،المطبوعات والراديو والسينما والتلفاز
والفيديو والطباق اللقطة وأخيرا النترنت .وكان ابتكار النترنت بُمشاركة
223
الطباق اللقطة ،التي ُأجبرت الدول العربية ،على السماح بدخولها واقتناها ،
قبل 4إلى 5سنوات ،أكبر ضربة لما أقامه هؤلء من حواجز ،لحماية
شعوبهم من الغزو الثقافي الغربي .وجاءت العولمة القتصادية لترفع الرسوم
الجمركية عنها ،لتصبح في متناول من ل يملك ثمن رغيف الخبز ،ولتكون
بمثابة حصان طروادة ولكن بحّلة جديدة ،لتصل إلى البدوي في خيمته ،
والمشّرد في كهفه ،والموظف في مكان عمله ،والطالب في جامعته ومدرسته
،وحتى الطفل في مهده .
التحذير من خطر العقائد والخلقيات اليهودية ،والتي يسعون الن لنشرها
تحت ُمسميات عولمة الثقافة وعولمة القتصاد ،جاء في بعض أقوال رؤساء
الغرب :
) لنكولن ( … " :فقد أصبحت السيادة للهيئات والشركات الكبرى … إذ أن
أصحاب رؤوس الموال ،سيعملون على إبقاء سيطرتهم على الدولة …
وستصبح ثروة البلد بأكملها ،تحت سيطرة فئة قليلة … المر الذي سيؤدي
إلى تحطم الجمهورية " .
) فرانكلين ( " :ومع أنهم يعيشون بيننا منذ أجيال … فإن ُمُثلهم العليا ما زالت
تختلف كليا ،عما يتحلى به الشعب المريكي من ُمُثل … فالفهد الرقط ل
يمكنه تغيير لون جلده ) عبارة مقتبسة من التوراة ( " .
) هتلر ( " :ومن جهة أخرى يحارب ،الروح المادية اليهودية ،المتغلغلة في
نفوسنا وفي نفوس الخرين " .
بعد هذا العرض نستطيع تعريف لفظ العولمة على أنها :
مصطلح مضلل استعمل كغطاء ،للتعبير عن برنامج يهودي أمريكي لتهويد
العالم بأسره .أدواته الثقافية هي وسائل التصال والعلم المختلفة ،وأدواته
القتصادية صندوق النقد والبنك الدولي والخصخصة ومنظمة التجارة
العالمية .وغايته أول :خلق ديانة مادية جديدة ،تحت عنوان الثقافة
ضر ،وثانيا :نهب ثروات الشعوب ،تحت عنوان تحرير التجارة . والتح ّ
وذلك لتهيئة الجواء ،لظهور اليهود كأسياد للعالم بأسره ،عندما يحين الوقت
المناسب لذلك .
224
أخطار العولمة على أرض الواقع :
الخطر الجتماعي ؛ يتمّثل في ضرب منظومة العقائد والقيم والخلق ،لدى
الشعوب المختلفة في العالم ،والتي بدورها تشكل الضمير النساني للفرد ،
الذي ُيحاول السمو بالنسان إلى مرتبة الملئكة .وأما الهدف النهائي المرتجى
من بعدها الجتماعي ،هو تشكيل أجيال جديدة تبحث بشتى الوسائل والسبل ،
عما ُيشبع غرائزها ورغباتها ونزواتها ،لتهبط بالنسان إلى ما دون مرتبة
الحيوان ،وبذلك يسهل على مخططي المؤامرة اليهود سياسة هذه الجيال
حكموا منوتذليلها .وبالتالي لن تكون هناك معارضة ،لمثل هؤلء فيما لو ُ
قبل سادة العالم الجدد ،ملوك اللحاد والباحية ،وهذا ما تصبوا إليه الجيال
التي هي في طور التشّكل الن .
وقد بدأنا في السنوات الخيرة ،نرى نماذج من المسوخ البشرية ،في العديد
من بيوت المسلمين .فتيان وفتيات ل يرغبون في التعلم أو العمل ،والفشل هو
السمة البارزة في أعمالهم وتوجهاتهم ونتائجهم .يجوبون الشوارع ويرتادون
الماكن العامة ويذهبون إلى الجامعات ،بحثا عن الحب والمجون والخلعة ،
بعد أن أصبحت جامعاتنا وشوارعنا معارض لدور الزياء العالمية ،ول أحد
يريد العفاف والطهر ،لذلك تجدهم يعزفون عن الزواج ،وكما قال أحد
المتعولمين " :ما دام الحليب موجود في السوق ،فما الداعي لشراء البقر ؟ " .
وأكبر الثر في تشكيل هذه النماذج ،هي القنوات الفضائية العربية – فضل
عن قنوات الباحة الجنبية – وخاصة التي تضم في طاقمها مقّدمي ومقّدمات
البرامج اللبنانيون ،بعرض الكاسيات العاريات المائلت المميلت ،اللواتي
يتحدثن بلسان عربي مبين ،مما أعطى المبرر لفتياتنا ،وكسر الحاجز النفسي
لديهن ،ليّتخذن منهن قدوة ُتحتذى ،بمباركة من الب الذي ُيرّبت على كتف
ابنته ،أثناء مشاهدته لتلك الغواني وأولئك المخّنثين ،بعين الرضا والقبول
والعجاب والستحسان والستمتاع .
حرماته ،عن سبق ما تراه اليوم أن رجال أمة السلم ،يتحّدون ال وحدوده و ُ
صد ،وهم يدفعون فتياتهم بشكل مباشر لممارسة مهنة عرض إصرار وتر ّ
الزياء ،في الشوارع والماكن العامة والجامعات وأماكن العمل .هدفهن دائما
وأبدا الغواء والفتنة بحركات وأصوات ،ل تقوم بها إل إناث القطط في شهر
شباط ،ولمرة واحدة في السنة ،أّما رجال بلد العرب أوطاني ،شيوخا وشبابا
225
،أصبحوا كذكورها ،ولكن على مدار السنة .لينتهي بهن المطاف في أحضان
الرذيلة ،فل أحد معصوم ،والذباب البشري الجائع يمل الجواء ،بحثا عن
قطة الحلوى أو كيس للقمامة ،فل فرق عنده .وأما النترنت فحّدث ول
حرج ،والنساء تتهافت عليها أكثر من الرجال …
أما أطفال أمة السلم ،فهم بين أيدي أمهات صفتهن قد تقّدمت أعله ،ل
يفقهن من الزواج شيئا ،ول يملكن من عاطفة المومة واحد بالمليون ،مما
تمتلكه وحوش القفر .وتربية الطفال لديهن ،تقوم على مبادئ تربية الدواجن
وتسمين الخراف .أطفال مهملون في زوايا الغرف ،يحملقون في برامج
المسوخ المتحركة ،وأغاني ومسلسلت وأفلم الدعارة العربية والجنبية .أما
عِمَد إلى تغيير المناهج المدرسية ،لسلخ الطفل عن هويته في المدرسة فقد ُ
حذفت أمجاد البطال والبطولت السلمية ،وبدل منها السلمية العربية ،ف ُ
تم تصميم بطولت وهمية لبطال من ورق .وربما يضيفون غدا مناهج
التربية الجنسية لتثقيف الجيال الناشئة ،فالغرائز تحتاج إلى تعلم .وتم تغيير
أساليب التربية والتدريس ،بإلغاء عقوبة الضرب ،وإلغاء عقوبة الرسوب ،
وإدخال لغة العولمة ،كمبحث أساسي في المناهج الدراسية .
ب)وخلصة القول بأنهم سُيهّودون العالم ،تحت غطاء أمريكي مدموغ ِ
، ( made in USAلدرجة أنهم ربما ُ ،يجبروك على الذهاب لصلة
الجمعة ،في يوم السبت أو الحد ،بعد إحدى ندوات حوار الديان .
أما الخطر القتصادي ؛ فيتمّثل في ضرب قوانين الحماية ،التي ُوضعت
للمحافظة على الثروة الوطنية .لتسهيل عملية سلب ثروات الشعوب ،
وتكديسها في المصارف العالمية وإفقارها وتجويعها .إذ لم يكفهم ما يقوم به
البنك الدولي وصندوق النقد والخصخصة ،من نهب لثروات الشعوب ،من
خلل تغلغل الستثمارات اليهودية ،في شتى أقطار العالم ،بعد كل هزة أو
أزمة اقتصادية مفتعلة ،بشكل مباشر أو غير مباشر .فموجة الخصخصة التي
هي أحد برامج صندوق النقد الدولي ،أتاحت لرؤوس الموال اليهودية ،
لدخول الدول العربية ،تحت ُمسميات شركات أجنبية عالمية كبرى ،أو عن
طريق شركات محلية بأسماء عربية صورية ،مقابل حفنة من الدولرات .
بل ابتكروا ما هو أخطر بكثير ،الشق الخر الذي كان ) كلينتون ( ُيرّوج
للنضمام له ،أل وهو ) منظمة التجارة العالمية ( ،والتي تدعو لتحرير
226
التجارة وتحرير رأس المال .والملحظ أن كل مبادئهم الهداّمة ،عادة ما تحمل
صفة التحرير أو التحرر ،وانظر إلى هذا القول العرج العوج ،فالشعوب
عندما تحمي سلعتها وصنعتها ،تصبح ُمستعِمرة لتجارتها ،لذلك فهي بحاجة
إلى التحرير .أما المراد من وراء ذلك في الحقيقة ،فهو السطو على مكتسبات
طاة بأوراق التغليف البراّقة
الدول الغنية والفقيرة ،بطرق شرعية ملتوية ،مغ ّ
الملّونة ،لتسحر أعين الشعوب المسحوقة ،بما ُيشبه عملية التنويم المغناطيسي
.ولنوضح ما نقصده بذلك ،بأنك تستطيع في البداية على سبيل المثال ،
الحصول على سيارة جيدة بثمن زهيد ،نتيجة تخفيض الجمارك والرسوم ،
ولكن هذا التخفيض سيترتب عليه ،عجز كبير في الموازنة العامة للدولة ،
فمن أين ستغطي الدولة هذا العجز برأيك ،إن لم تعتمد على فرض رسوم
وضرائب بديلة تحت مسميات أخرى ،لتصل في النهاية إلى عدم القدرة ،على
شراء الوقود لتلك السيارة ،لعدم قدرة الراتب على تأمين متطلبات الحياة
الساسية .
فبعد أن تمّكنوا من خلق قطعان من المستهلكين ،تنظر بعين القداسة لكل ما هو
غربي ومستورد ،من منتجات ثقافية وتكنولوجية استهلكية الطابع ،جاءوا
باتفاقيات هذه المنظمة ،لرفع القيود ،من قوانين جمركية وضريبية على السلع
المستوردة ،وذلك بغية فتح السواق الوطنية للسلع الجنبية ،وبالتالي تتهافت
المجتمعات الستهلكية ،على تلك السلع ،فتتسّرب العملة الوطنية إلى الخارج
بل توقف ،ويترّتب على ذلك عجز كبير ،في ميزانيات دول العالم الثالث ،
التي ل تملك صناعات منافسة ،تعّوض وتعيد جزء من العملة المفقودة .لذلك
ستضطر الحكومات ،إلى اتخاذ إجراءات علجية عديدة ،لسّد عجز
الموازنة ،التي غالبا ما يتكفل بها صندوق النقد الدولي ،بزيادة الضرائب
بكافة الشكال والُمسّميات ،بمبررات ومن غير مبررات أحيانا ،بالضافة إلى
تراكم ديون جديدة ،وزيادة الضرائب تعني رفع السعار تلقائيا ،وهكذا دواليك
… ،وسيظهر التأثير المدّمر على شعوب الدول التي انضّمت لهذه المنظمة ،
خلل فترة ربما ل تزيد عن سنة أو سنتان .وذلك عندما تبدأ المؤسسات
والشركات الوطنية ،بالفلس والنهيار تباعا ،ومن ثم انتشار البطالة والفقر
والجوع بين مواطنيها ،انتشار النار في الهشيم .
هناك فرق شاسع ،بين فلسفة القتصاد وفلسفة الدمار والخراب .تقضي فلسفة
القتصاد بأن تنفق أقل مما ُتنتج ،وتّدخر الفائض لتقلبات الزمن ،وأما فلسفة
227
الدمار والخراب ،تقضي بأن تنفق أضعاف أضعاف ما تنتج ،لتنتهي في
أحضان صندوق النقد الدولي ،ول أظن من قال " :على قّد لحافك مّد رجليك
" كان حاصل على دكتوراه في القتصاد ،ليصل إلى هذه النتيجة .وأتساءل
كيف عاشت البشرية ما ُيقارب الستة آلف سنة ،بدون صندوق النقد الدولي
وبرامجه الصلحية .
أما الن … فأمعن النظر والفكر والوجدان ،في كل ما يدور من حولك ،في
بيتك ،في الشارع ،في المدرسة ،في الجامعة ،في وطنك ،بل في العالم
ي هدي ،يسير هذا الواقع الذي
أجمع … وأجب هن هذا التساؤل … على أ ّ
نحن عليه الن … ؟! على هدي القرآن … أم على هدي أسياد هذا الزمان !
نبذة بسيطة عن يهود العالم
من حيث المنشأ ،ينقسم الشعب اليهودي إلى ثلثة أقسام :
ش اليهود الغربيون :وأغلبهم أثرياء ،استطاعوا التغلغل في أوروبا الغربية في
نهاية القرون الوسطى ،وبدايات عصر النهضة ) ، (17-16فازدادوا ثراء
فوق ثراء ،بما لديهم من وسائل وإمكانيات وأخلقيات ،لجمع المال بطرق
مشروعة وغالبا غير مشروعة ،لم يكن الوروبيون والمريكيون ُيمارسونها
أو يتنّبهوا إليها ،رغم كل تحذيرات الرؤساء والساسة والخبراء المخلصين
لممهم ،حتى " وقع الفأس في الرأس " ،فتربعوا على عرش القتصاد
العالمي حاليا .
ش اليهود الشرقيون الشكناز :وأغلبهم فقراء ،وقد بقي حالهم كذلك ،في بلدان
أوروبا الشرقية وروسيا الفقيرة ،وكانوا مضطهدين ومنبوذين ،في أغلب
الحيان ،ويعيشون فيما ُيسّمى بالغيتوهات أو الكيبوتس .
ش اليهود الشرقيون العرب :وهم الذين عاشوا في البلدان العربية ،كأفراد
وجماعات ،يتمتعون بحق المواطنة مثلهم مثل غيرهم ،وكثير منهم ُأجبر على
الهجرة إسرائيل ،من خلل دّبره الموساد السرائيلي ،من أزمات لرغامهم
على المغادرة ،وبقي جزء منهم في البلدان العربية لغاية الن .
228
أما من حيث التوجه فينقسموا إلى ثلث أقسام :
ش المتحّررون :وأغلبهم من يهود الغرب ،ومهمتهم تنفيذ ما جاء في
بروتوكولت الحكماء ،وحكم العالم اقتصاديا وسياسيا ،يكونون فيه شيوخ
صبون َمِلكا من أنفسهم ،المة ،ويضعون الدستور ،ويرسمون السياسية ،وُين ّ
دكتاتورا ُمطلقا على العالم ،يؤمر فُيطاع ،ويكون بمثابة الله على الرض ،
ول إله في السماء ،فُيصبح اليهود أسيادا وبقية خلق ال ،بل استثناء عبيدا لهم
.
ش العلمانيون :وأغلبهم من يهود الشرق الوروبي ،ومهمتهم هي تنفيذ أهداف
الحركة الصهيونية السياسية ،التي تلّفعت بالدين اليهودي ،من أجل تحقيق
أهدافها السياسية ،بإيجاد " غيتو " قومي لليهود في فلسطين ،لرفع الضطهاد
والذل الذي لزمهم طيلة ،وليجاد موطئ قدم لهم ،فنوائب الدهر الغربية غير
مضمونه ،فربما ينقلبون عليهم يوما ما ويطردونهم ،وهم الذين يشّكلون
الحزاب العلمانية في الدولة اليهودية .
ش المتدينون :وأغلبهم من يهود الشرق بما فيهم يهود البلد العربية ،وظهرت
منهم حركات دينية متطرفة كثيرة ،ومهمتهم هي تنفيذ الوصايا التوراتية ،التي
طها أحبارهم القدماء على شكل نبوءات ،وتتلخص في استلب الراضي ، خّ
وتهجير السكان الوثنيين ،والستيطان ،وهدم المسجد القصى وبناء الهيكل ،
تمهيدا للملك اليهودي الداودي القادم ،الذي سيأتي من ربوات القدس ،ليحكم
العالم إلى البد ،فينتشر الحق والعدل والسلم اليهودي في الرض ،وهم
الذين يشّكلون الحزاب الدينية المتطّرفة .
وكل هذه الصناف اليهودية ،في المحصلة وجوه عديدة لعملة واحدة ،هي
التوراة والتلمود ،أخطر وثيقتين على مستقبل البشرية والعالم ،لذلك احتل
التحذير من اليهود واليهودية ،مساحة شاسعة من قرآننا العظيم .بينما احتل
الفكر اليهودي المادي ،مساحة شاسعة ،من عقول أمة السلم ،فنسيت
إلهها ،وعبدت العجول الذهبية المادية للسامرّيون الجدد .
آخر ما نود قوله ،أن اليهود قطعوا شوطا كبيرا ،في تنفيذ مخططهم الشيطاني
للسيطرة على العالم ،حتى صاروا ) نظريا ( قاب قوسين أو أدنى ،من
الوصول إلى هدفهم النهائي في ظرف سنين قليلة ،ونجاحهم اعتمد في الدرجة
الولى ،ليس على ذكائهم ومكرهم ودهائهم فحسب ،بل في العزف على وتر
229
يطرب له جميع الناس ،بل استثناء إل من رحم وهدى ربي ،أل وهو سهولة
وقوع النفس البشرية أسيرة لهوائها وأطماعها ،ومن ثم إرغامها على الخلود
ن بها ،عندما تنعدم لديها القيم إلى الرض ،لترضى بالحياة الدنيا وتطمئ ّ
صلة من فهم حقيقة العلقة ما بين السماء والرض ، الروحية اليمانية ،الُمتح ّ
والتي توضحها سورة السراء بكل فصولها ،فاقرأها إن رغبت في الفهم ،
فهي تحكي واقعنا المعاصر بكل فصوله ،ومن أجل أن تفهم فصولها ،كان هذا
الفصل في هذا الكتاب .
ن َقْبِلِهْم ،ن ِم ْ
وقد يسأل سائل :ثم ماذا ؟ ُنجيب بقوله تعالى َ ) :وَقْد َمَكَر اّلِذي َ
عقَْبى الّداِر ) ن ُسَيْعَلُم اْلُكّفاُر ِلَم ْ
س ،وَ َب ُكّل َنْف ٍ س ُ
جِميًعا َ ،يْعَلُم َما َتْك ِ
َفِلّلِه اْلَمْكُر َ
عِد ،
ن اْلَقَوا ِ ل ُبْنَياَنُهْم ِم َ
ن َقْبِلِهْم َ ،فَأَتى ا ُّ
ن ِم ْ 42الرعد ( وقوله َ ) :قْد َمَكَر اّلِذي َ
ن )26 شُعُرو َث َل َي ْ حْي ُ
ن َ ب ِم ْن َفْوِقِهْم َ ،وَأَتاُهُم اْلَعَذا ُف ِم ْ سْق ُعَلْيِهُم ال ّ
خّر َ
َف َ
النحل ( .
والعلو اليهودي قائم على قاعدتين ،هما إسرائيل كموطن بما فيها القدس ،
كعاصمة مستقبلية للدولة اليهودية العالمية البدية ،وأمريكا كقوة اقتصادية
عسكرية ،لتمكين هذا الحلم اليهودي .فل غرابة ول عجب ،إن أتى ال هذا
البنيان من القواعد ،فخّر على رؤوسهم وعلى رؤوس من يشّد على أيديهم ،
سقف أحلمهم وطموحاتهم ،فأتاهم العذاب من حيث ل يشعرون .
ونختم هذا الفصل بنص من التوراة ،يؤكد لليهود أن عاقبة أفعالهم ،ستكون
مدمرة ل محالة ،وأن الكأس التي جّرعوها للشعوب ،ل بد أن يتجّرعوها في
النهاية ،حتى لو تخندقوا في الحصن المريكي البريطاني المنيع ،فذلك لن
ُيجدي نفعا ،ومهما ُكبرت أمريكا وعظمت وتعالت ،فال أكبر وأعظم وأعلى ،
وليت عبدة أمريكا من أمتي يفقهون ذلك ،لعلهم يرجعون ،قبل فوات الوان .
" ويل لمن يكّوم لنفسه السلب ،ويثرى على حساب ما نهب ،إنما إلى
متى ؟ أل يقوم عليك دائنوك بغتة ،أول يثورون عليك وُيملونك ُرعبا .
فتصبح لهم غنيمة لنك سلبت أمما كثيرة ،فإن بقية الشعوب ينهبونك ثأرا ،
لما سفكت من دماء ،وارتكبت من جور في الرض ،فدّمرت ُمدنا ،وأهلكت
الساكنين فيها .ويل لمن يّدخر لبنيه مكسب ظلم ،وُيشيد مسكنه في مقام
ت مؤامرتك بيتك بالعار ،حين طخ ْحصين ،ليكون في مأمن من الخطر .لقد ل ّ
استأصلت أمما عديدة ،وجلبت الدمار على نفسك ،حتى حجارة الجدران
230
تصرخ من شّرك ،فترّدد الدعائم الخشبية أصداءها .ويل لمن يبني مدينة
بالدماء ،وُيؤسس قرية بالثم " ) .التوراة :سفر حبقوق ( 12-6 :2
قال تعالى
ت َأْيِديِهْم َ ،وُلِعُنوا ِبَما َقاُلوا َ ،بْل َيَداُه غّل ْ ل َمْغُلوَلٌة ُ ، ت اْلَيُهوُد َيُد ا ِّ ) َوَقاَل ِ
ك،ن َرّب َك ِم ْ ن َكِثيًرا ِمْنُهْم َ ،ما ُأْنِزَل ِإَلْي َ
شاُء َ ،وَلَيِزيَد ّ ف َي َ ق َكْي َ ن ُ ،يْنِف ُطَتا ِسو َ َمْب ُ
ضاءَ ِإَلى َيْوِم اْلِقَياَمِة ُ ،كلَّما َأْوَقُدوا طْغَياًنا َوُكْفًرا َ ،وَأْلَقْيَنا َبْيَنُهُم اْلَعَداَوَة َواْلَبْغ َ ُ
سِدي َ
ن ب اْلُمْف ِح ّ ل َل ُي ِ ساًدا َ ،وا ُّ ض َف َن ِفي اَْلْر ِ سَعْو َ
ل َ ،وَي ْ طَفَأَها ا ُّ ب َأ ْ
حْر ِ َناًرا ِلْل َ
) 64المائدة (
231
النبوءات التوراتية بين الماضي والمستقبل
232
ق ِلَما َمَعُهْم َ ،وَكاُنوا ِمنْصّد ٌ ل ،مُ َ عْنِد ا ِّ ن ِب ِم ْ جاَءُهْم ِكَتا ٌوقال أيضا ) َوَلّما َ
عَرُفوا َكَفُروا ِبِه َ ،فَلْعَنُة ا ِّ
ل جاَءُهْم َما َ ن َكَفُروا َفَلّما َ عَلى اّلِذي َ ن َ حو َ سَتْفِت ُ
َقْبُل َي ْ
ن ) 89البقرة ( عَلى اْلَكاِفِري َ َ
ن اْلِكَتابِ
سُبوُه ِم َح َب ِ ،لَت ْ
سَنَتهُْم ِباْلِكَتا ِن َأْل ِ
ن ِمْنُهْم َلَفِريًقا َ ،يْلُوو َ وقال أيضا ) َوِإ ّ
ل، عْنِد ا ِّ
ن ِعْنِد الِّ َ ،وَما ُهَو ِم ْ ن ِ ن ُهَو ِم ْب َ ،وَيُقوُلو َ ن اْلِكَتا ِ َ ،وَما ُهَو ِم َ
ن ) 78آل عمران ( ب َوُهْم َيْعَلُمو َل اْلَكِذ َ
عَلى ا ِّ ن َ َوَيُقوُلو َ
خبر إبراهيم وإسماعيل عليهما السلم في سفر التكوين
237
يسودان عرش داود ومملكته ،لُيثبتها بالحق والبّر ،من الن وإلى البد ،إن
غيرة الرب ُتتم هذا " .
" إشعياء :13 :9 :إن الشعب لم يرجع تائبا إلى من عاقبه ،ول طلب الرب
القدير .لذلك سيقطع الرب من إسرائيل ،في يوم واحد الرأس والذنب ،النخل
والسل " .
طم الغصان بعنفوان ،فكل " إشعياء :34-33 :10 :لكن الرب القدير ُيح ّ
ل". ُمتطاول ُيقطع ،وكل ُمتشامخ ُيذ ّ
ش علم اليهود من خلل النص الول :
.1أن نجما عظيما سيظهر عند مولد أحمد ،
.2ومن النص الثاني أن علمة النبوة ستكون على كتفه ،
.3أما اسمه العجيب في هذا الموضع فوصفته أقلم الكهنة ،بمشير وإله
وأب ورئيس سلم .
.4أما رسالته فتشمل مشارق الرض ومغاربها ،حتى قيام الساعة ،
.5أما إضافة عرش داود ومملكته فهي من أمانيهم وأحلمهم .
.6أما النص الثالث والرابع يؤكد انقطاع النبوة وخروجها من بني إسرائيل
بمولد هذا النبي ومبعثه .
ش ويعود الكهنة ويسّمون هذا الله بأحمد ،في النص التالي :
" إشعياء :3-1 :25 :يا رب أنت إلهي ُ ،أعظّمك وأحمد اسمك ،لنك صنعت
جدكعجائب كنت قد قضيت بها منذ القدم ،وهي حق وصدق … لذلك ُيم ّ
شعب قوي ،وتخشاك مدن آهلة بأمم فظة لنك كنت حصنا للبائس ،وملذا
ل تقيه وهج الحّر … " منيعا للمسكين في ضيقه ،وملجأ له من العاصفة ،وظ ّ
هو ملك البّر ورؤساءه يحكمون بالعدل :
" إشعياء :1 :32 :ها إن ملكا يملك بالبّر ) محمد ( ،ورؤساء يحكمون بالعدل
) الخلفاء ( ] :2 ،ويكون إنسان [ ) أي ليس إلها كما صّوره النص السابق (
كملذ من الريح ،وكملجأ من العاصفة ،أو كجداول مياه في صحراء ،أو
كظل صخرة عظيمة في أرض جدباء :3 ،عندئذ تنفتح عيون الناظرين
238
وتصغي آذان السامعين :4 ،فتفهم وتعلم العقول المتهّورة ،وتنطق بطلقة
لمّيون ( ، … .حتى تنسكب علينا روح من السماء ،فتتحّول اللسنة الثقيلة ) ا ُ
البرية ) الصحراء ( إلى مرج خصيب ،وُيحسب المرج غابة ،عندئذ يسكن
العدل في الصحراء ،وٌيقيم البّر في المرج الخصيب ،فيكون ثمر البّر سلما ،
وفعل البّر سكينة وطمأنينة إلى البد " .
نص آخر " إشعياء :1 :35 :ستفرح الصحراء والقفر الجرد ) جزيرة العرب
( ،و تبتهج البرية وتزهر كالورد ،تزهر ازدهارا ،وتبتهج أشّد بهجة ،
ويضفي عليها مجد لبنان وجلل الكرمل ،ويشهدون مجد الرب وبهاء إلهنا ،
… :5 ،عندئذ تبصر عيون العمي ،وتنفتح آذان الصّم ] :6 ،ويقفز [ العرج
كالظبي ،ويترنم لسان البكم فرحا ،إذ تنفجر المياه في البرية ،وتتدفق
الجداول في الصحراء :7 ،و يتحّول السراب إلى واحة ،والرض الظمأى
إلى جداول ، … ،حيث كانت تأوي بنات أوى ،ينمو العشب القصب و
ي"…، البرد ّ
صفة المصطفى عليه الصلة والسلم :
" إشعياء :1 :42 :هو ذا عبدي الذي أعضده ،مختاري الذي ابتهجت به نفسي
،وضعت روحي عليه ليسوس المم بالعدل :2 ،ل يصيح ول يصرخ ،ول
يرفع صوته في الطريق :3 ،ل يكسر قصبة مرضوضة ) أي ُيقيمها ( ،ول
يطفئ فتيلة ] خامدة [ ) أي ُيشعلها ( ،إنما بأمانة ُيجري عدل ) ،أي أنه ل
سخ
يسيء إلى الناس ،بل ُيحسن إليهم ( 4 ،ل يكلّ ول ُتثّبط له هّمة ،حتى ير ّ
العدل في الرض ،وتنتظر الجزائر شريعته :6 ،أنا الرب قد دعوتك بالّبر ،
أمسكت بيدك وحافظت عليك ،وجعلتك عهدا للشعب ونورا للمم :7 ،لتفتح
عيون العمي ،وتطلق سراح المأسورين في السجن ،وتحّرر الجالسين في
ن عنها ،ظلمة الحبس :9 ،ها النبّوات السالفة تتحقق ،وأخرى جديدة ُأعل ُ
ئ بها قبل أن تحدث " … ، وُأنب ُ
نبي الهدى ُيعّرف بنفسه من خلل التوراة :
ي أّيتها الجزائر ،وأصغوا يا شعوب الرض البعيدة" " :1-13 :49أنصتي إل ّ
ب وأنا ما زلت جنينا ،وذكر اسمي وأنا ما برحت
:قد دعاني ) سّماني ( الر ّ
في رحم ُأّمي ،جعل فمي كسيف قاطع ،وواراني في ظل يديه ،فصنع مني
239
سهما مسنونا ،وأخفاني في جعبته ،وقال لي :أنت عبدي إسرائيل الذي به
أتّمجد ،ولكنني أجبت :لقد تعبت باطل ،وأفنيت قّوتي سدى وعبثا ،غير أ ّ
ن
حقي محفوظ عند الرب ،وُمكافأتي عند إلهي " .
ش وحتى يستقيم النص ضع أحمد بدل من إسرائيل ،واحذف الكلمات ،التي
تحتها خط ،وأقرأ النص من جديد ،فهي ليست من قول رسولنا الكريم ( ،
ل … ) 47سبأ عَلى ا ِّ
ي ِإّل َ
جِر َ
ن َأ ْ
جٍر َفُهَو َلُكْم ِإ ْ
ن َأ ْ
سَأْلُتُكْم ِم ْ
وهذا قوله ) ُقْل َما َ
(.
الجزيرة العربية ُتشرق بنور رّبها :
"إشعياء :1 :60 :قومي استضيئي ) صهيون ،والصل الجزيرة العربية ( ،
فإن نورك قد جاء ،ومجد الرب أشرق عليك :3 … ،فتقبل المم إلى نورك ،
وتتوافد الملوك في إشراق ضياءك ) الحج ( :15 … ،وبعد أن كنت مهجورة
وممقوتة ،ل يعبر بك أحد ،سأجعلك بهّية إلى البد ،وفرح كل الجيال … ،
:18ول يسمع بظلم في أرضك :21 … ،وشعبك كلهم أبرار ،ويرثون
جد :22 ،ويضحي أقّلهم الرض إلى البد ،فهم غصن غرسي وعمل يدي لتم ّ
ألفا ،وأصغرهم أمة قوية ،أنا الرب ُأسرع في تحقيق ذلك في حينه . "… ،
رسالة السلم وصفة حملتها :
شر
لب ّ ي ) الوحي ( لن الرب مسحني ُ " إشعياء :1 :61 :روح السيد الرب عل ّ
المساكين ،أرسلني لضّمد جراح منكسري القلوب ،لنادي للمسبيين بالعتق
عْندَ ا ِّ
ل ن ِ ن الّدي َوللمأسورين بالحرية :2 ،لعلن سّنة الرب المقبولة ) ِإ ّ
جاَءُهُم اْلِعْلُم َبغًْيا َبْيَنُهْم ن َبْعِد َما َ
ب ِإّل ِم ْن ُأوُتوا اْلِكَتا َ ف اّلِذي َ خَتَل َ
لُم َوَما ا ْسَ اِْل ْ
) 19آل عمران ( :7 ، … ،وعوضا عن عاركم تنالون ضعفين من الميراث )
ن … )54 جَرُهْم َمّرَتْي ِ
ن َأ ْ
ك ُيْؤَتْو َن )ُ (53أوَلِئ َ سِلِمي َن َقْبِلِه ُم ْ
ِإّنا ُكّنا ِم ْ
ب العدل ،وأمقت الختلس والظلم ، القصص ( :8 ،لني أنا الرب ُأح ّ
ن ) 97النحل ( ، ن َما َكاُنوا َيْعَمُلو َ سِح َجَرُهْم ِبَأ ْجِزَيّنُهْم َأ ْ
وُأكافئهم بأمانة ) َوَلَن ْ
وأقطع معهم عهدا أبديا :9 ،وتشتهر ذريتهم بين المم ،ونسلهم وسط الشعوب
ك َمَثُلُهْم
جوِد َذلِ َ سُن َأَثِر ال ّجوِهِهْم ِم ْ سيَماُهْم ِفي ُو ُ ،وكل من يراهم يعرفهم ) ِ
ِفي الّتْوَراِة ( ،وُيقّر أنهم شعب باركه الرب :11 ، … ،كما تنبت الرض
مزروعاتها ،والحديقة تخرج نباتاتها ،هكذا السيد الرب ينبت البّر والتسبيح ،
240
سوِقِهعَلى ُ
سَتَوى َ
ظ َفا ْ
سَتْغَل َ
طَأُه َفآَزَرُه َفا ْ
شْج َخَر َ
ع َأ ْ
ينبتان أمام كل المم ) َكَزْر ٍ
ظ ِبِهُم اْلُكّفاَر ( :1 :62 ،إكراما لصهيون ) هذه إحدى ع ِلَيِغي َ
ب الّزّرا َج ُُيْع ِ
تحريفاتهم ،والصل إكراما لخير أمة ُأخرجت للناس ( ،ل أصمت ،و… ل
أستكين ] ،حتى يخرج بّرها كضياء ،وخلصها كمصباح ُمتقد [ :2 ،فترى
ل الملوك مجدك ،وتدعين باسم جديد يطلقه عليك فم الرب ) ُهَو ك وك ّ المم ِبّر ِ
ن َقْبُل ) 78الحج ( . ن ِم ْ
سِلِمي َسّماُكُم اْلُم ْ
َ
جاج بيت ال الحرام :
انتشار رسالة السلم بين المم ،وصفة مجيء ح ّ
" إشعياء :20-18 :66 :ولني عالم بأعمالهم وأفكارهم ،فأنا ُمزمع أن آتي
لجمع كل المم واللسنة ،فيتوافدون ويرون مجدي ،وأجعل بينهم آية ،
وأبعث بعض الناجين منهم إلى المم ،إلى ترشيش وفول ولود ،المهرة في
رمي السهام ،وإلى توبال وياوان ،وإلى الجزائر البعيدة ،ممن لم يسمعوا
بشهرتي ،أو يروا مجدي ،فيذيعون مجدي بين المم .وُيحضرون جميع
أخوتكم من سائر المم ،تقدمة للرب ،على متون الجياد ،وفي المركبات
والهوادج ،وعلى ظهور البغال وأسنمة الجمال ،إلى أورشليم جبل قدسي " .
طّهْر
شْيًئا َ ،و َ
ك ِبي َشِر ْ
ن َل ُت ْ ت َ ،أ ْ
ن اْلَبْي ِ
قال تعالى ) َوِإْذ َبّوْأَنا لِْبَراِهيَم َمَكا َ
ج،س ِباْلحَ ّ
ن ِفي الّنا ِجوِد )َ (26وَأّذ ْ سُ ن َوالّرّكِع ال ّن َواْلَقاِئِمي َ طاِئِفي َ
ي ِلل َّبْيِت َ
ق ) 27الحج ( عِمي ٍج َ ن ُكّل َف ّ
ن ِم ْضاِمٍر َ ،يْأِتي َ
عَلى ُكّل َ جالً َ ،و َ ك ِر ََيْأُتو َ
وهب بن منبه ُيجمل ما تفّرق من نصوص التوراة :
وقارن كل ما تقّدم مع ما قاله وهب بن منبه أحد ُمسلمي اليهود ،حيث أجمل
كل هذه النبوءات في هذا النص من كتاب ) المنتظم ( لبي الفرج " قال وهب
بن منبه :أوحى ال تعالى إلى إشعياء ،إني ُمبعث نبيا أمّيا ،أفتح به آذانا
صما ،وقلوبا غلفا ،وأعينا عميا ،مولده بمكة ومهاجره طيبة ) المدينة
المنورة ( ،وملكه بالشام ،عبدي المتوكل المرفوع الحبيب المجيب ،ل يجزي
بالسيئة السيئة ،ولكن يعفو ويصفح ،ويغفر بالمؤمنين ،وليس بفظ ول غليظ ،
ول صخاب في السواق ،ول متزّين بالفحش ول قّوال ُ ،أسّدده لكل جميل ،
وأهب له كل خلق كريم ،وأجعل السكينة لباسه ،والبّر شعاره ،والتقوى
والحكمة مقولته ،والصدق والوفاء طبيعته ،والعفو والمغفرة والمعروف
خلقه ،والعدل والحق شريعته ،والهدى إمامه ،والسلم ملته ،وأحمد اسمه ،
241
أهدي به بعد الضللة … ،به بعد الجهالة ،وُأكثر به بعد القلة ،وأغني به بعد
العيلة ،وأجمع به بعد الفرقة بين قلوب مختلفة ،وأهواء متشتتة ،وأمم
متفرقة ،أجعل أمته خير أمة أخرجت للناس ،تأمر بالمعروف وتنهى عن
المنكر ،توحيدا لي ،وإيمانا بي ،وإخلصا لي ،وتصديقا لما جاء به رسلي ،
وهم دعاة الشمس ) النور ( ،طوبى لتلك القلوب " .
اليهود ينكرون نبّوة أحمد عليه الصلة والسلم حسدا وبغيا :
من كتاب ) المنتظم ( " عن عاصم بن عمر عن قتادة عن رجل من قومه ،قال
:إن مما دعانا إلى السلم ،مع رحمة ال إيانا وهداه ،لما كنا نسمع من
يهود ،كنا أصحاب أوثان ،وكانوا أهل كتاب ،عندهم علم ليس عندنا ،وكانت
ل تزال بيننا وبينهم ،فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون ،قالوا لنا :إنه قد تقارب
زمان نبي يبعث الن ،فنقتلكم معه قتل عاد وإرم ،وكنا كثيرا ما نسمع ذلك
منهم ،فلما بعثه ال عز وجل ،أجبناه حين دعانا إلى ال ،وعرفنا ما كانوا
يتّوعدونا به ،فبادرناهم إليه ،وآمنا وكفروا ،ففينا وفيهم ،نزلت هذه اليات )
حو َ
ن سَتْفِت ُ
ن َقْبُل َي ْق ِلَما َمَعهُْم َوَكاُنوا ِم ْصّد ٌ
ل ُم َعْنِد ا ِّ
ن ِ
ب ِم ْ جاَءُهْم ِكَتا ٌَوَلّما َ
ن)عَلى اْلَكاِفِري َل َ عَرُفوا َكَفُروا ِبِه َفَلْعَنُة ا ِّ
جاَءُهْم َما َ ن َكَفُروا َفَلّما َعَلى اّلِذي َ
َ
89البقرة ( " .
من كتاب ) المنتظم ( " وعن عاصم عن شيخ من بني قريظة ،قال :قال لي :
هل تدرون عّما كان إسلم ثعلبة بن سعيد وأسد بن عبيد ،نفر من بني ذهل
أخوة بني قريظة ،كانوا معهم في جاهليتهم ،كانوا ساداتهم في السلم ،قال :
قلت :ل أدري ،قال :فإن رجل من يهود من أهل الشام ُ ،يقال له ابن الهيبان ،
ل بين أظهرنا ،ل وال ما رجل قط ،كان قدم علينا قبل السلم بسنين ،فح ّ
يصلي الخمس أفضل منه ،فأقام عندنا ،فكّنا إذا قحط عنا المطر ،قلنا اخرج
يا ابن الهيبان فاستسق لنا ،فيقول ل وال ،حتى تقدموا بين يدي مخرجكم
صدقة له ،فنقول :كم ؟ فيقول :صاعا من تمر أو ُمّدين من شعير ،قال :
فُيخرج ذلك ،ثم يخرج بنا إلى حّرتنا ،فيستسقي لنا ،فوال ما يبرح مجلسه ،
حتى يمر السحاب ويسقي ،قد فعل ذلك غير مرة ول مرتين ول ثلثا ،قال :
ثم حضرته الوفاة عندنا ،فلما عرف أنه ميت ،قال :يا معشر يهود ،ما ترونه
أخرجني من أرض الخمر والخمير ،إلى أرض الجوع والبؤس ،قالوا :قل لنا
أنت ،قال :فإني إنما جئت هذه البلدة ،أتّوكف خروج نبي قد أظّلكم زمانه ،
242
هذه البلدة مهاجره ،فكنت أرجو أن ُأدركه فأتبعه ،وقد أظّلكم زمانه ،فل
يسبقّنكم أحد إليه ،يا معشر اليهود ،فإنه ُيبعث يسفك ويسبي الذراري والنساء
ممن خالفه ،فل يمنعّنكم ذلك منه ،فلما بعث ال رسوله … بني قريظة ،قال
هؤلء الفتية ،وكانوا شبابا أحداثا ،يا بني قريظة ،وال إنه الذي عهد إليكم فيه
ابن الهيبان ،قالوا :ليس به ،قالوا :بلى وال ،إنه لهو بصفته ،فأسلموا
فأحرزوا دماءهم وأموالهم وأهاليهم " .
من كتاب ) المنتظم ( " عن ابن عباس قال :كانت يهود قريظة والنضير وفدك
وخيبر ،يجدون صفة النبي قبيل أن ُيبعث ،وأن دار مهاجره المدينة ،فلما ُولد
رسول ال ،قالت أحبار اليهود ولد أحمد الليلة ،هذا الكوكب طلع ،فلما تنّبأ ،
قالوا تنبأ أحمد ،قد طلع الكوكب ،كانوا يعرفون ذلك ،وُيقّرون به ،وما منعهم
من اّتباعه ،إل الحسد والبغي " .
كان هذا عرضا لبعض من نبوءات التوراة ،التي تحّققت في الماضي ،
وعرضا لكيفية فهمهم لشاراتها ورموزها وتفسيرهم لها .وفيما يلي سنبدأ
بعرض أغلب نبوءاتهم المستقبلية ،والتفسيرات المعاصرة لها ،من الرواد
الغربيون من اليهود والنصارى ،مع التعقيب عليها أحيانا .
نبوءات المرة الولى والثانية في سفر ارميا
245
مسلول ،وهكذا ُأنّفس عن غضبي ،ويخمد سخطي ،إذ أكون قد انتقمت …
وأجعلك خرابا وعارا بين المم … أنا الرب قد قضيت " .
ش هذا النص يؤكد مقتل ثلثي اليهود ،وشتات ثلث سيكون عرضة للقتل والتنكيل
والضطهاد .
نزول العقاب ببني إسرائيل في جميع مواطن إقامتهم :
" حزقيال :3 :6 :ها أنا أجلب عليكم سيفا وأهدم مرتفعاتكم ،فتصبح مذابحكم
أطلل ، … ،وأطرح قتلكم أمام أصنامكم ،وُألقي جثث أبناء إسرائيل أمام
أوثانهم ،وأذري عظامهم حوا مذابحكم ،وحيثما ُتقيمون تتحول ُمدنكم إلى
أطلل … ،يموت البعيد بالوبأ ،والقريب يصرعه السيف ،والباقي منهم
والُمحاصر تقضي عليهم المجاعة ، … ،وأمدّ يدي عليهم في جميع مواطن
إقامتهم " .
ش هنا يؤكد نزول العقاب بهم على اختلف أمكنة إقامتهم ،ويؤكد بأن مدنهم
التي يتواجدون فيها ستصبح خرابا .
شدة العقاب وآثاره النفسية على البقية الناجية :
" حزقيال :15 :7 :السيف ُمسّلط من الخارج ،والوبأ والجوع من الداخل …
أما الناجون منهم ،فيلوذون بالجبال كحمام الودية ،يبكي كل واحد منهم على
ل الركب مائعة كالمياه ،يتلفعون بالمسوح )
إثمه ،جميع اليدي مسترخية ،وك ّ
الملبس الخشنة ( ،ويغشاهم الرعب ،ويكسو العار وجوههم جميعا ،ويطغى
ضتهم في الشوارع ،ويضحي القَرع ) الصلع ( على رؤوسهم .ويطرحون ف ّ
ذهبهم نجاسة ،وتعجز فضتهم وذهبهم عن إنقاذهم في يوم غضب الرب " .
الوعد بالعودة إلى فلسطين من الشتات :
ي بكلمته ،قائل :يا ابن آدم ،قل
" حزقيال 14 :11 :ثم أوحى الرب إل ّ
لخوتك وأقربائك وسائر شعب إسرائيل ،في الشتات معك ،الذين قال لهم
سكان أورشليم :ابتعدوا عن الرب ،لنا قد وهبت هذه الرض ميراثا .ولكن إن
كنت ،قد فّرقتهم بين المم ،وشّتتهم بين البلد ،فإني أكون لهم َمقِدسا
صغيرا ،في الراضي التي تبّددوا فيها .لذلك قل لهم :سأجمعكم من بين
الشعوب ،وأحشدكم من الراضي التي شّتتكم فيها ،وأهبكم أرض إسرائيل .
246
وعندما ُيقبلون إليها ينتزعون منها جميع أوثانها الممقوتة ورجاساتها ) أي
الحسان والصلح بترك أوثانهم وأرجاسهم ،ولكنهم عملوا ويعملون على
انتزاع الفلسطينيين وهدم أوثانهم المقدسة ( ،أعطيهم جميعا قلبا واحدا ،
وأجعل في دواخلهم روحا جديدا ،وأنزع قلب الحجر من لحمهم ،وأستبدله
بقلب من لحم ،لكي يسلكوا في فرائضي ،ويطيعوا أحكامي ويعملوا بها ،
ويكونون لي شعبا وأنا أكون لهم إلها .يقول السّيد الرب :أّما الذين ضّلت
طُرقهم علىقلوبهم وراء أوثانهم ورجاساتهم ،فإني أجعلهم يلَقْون عقاب ُ
رؤوسهم ) فإن أحسنوا فلها وإن أساءوا فعليها ( " .
الحث على الحسان والتوبة والرجوع إلى ال ،لنها السبيل الوحيد للنجاة :
" حزقيال :32-29 :18 :يقول السيد الرب :ومع ذلك يقول بيت إسرائيل إنّ
طريق الرب غير عادلة ،أطرقي غير عادلة يا بيت إسرائيل ؟! أليست طرقكم
طُرقه .
جة ؟! لذلك ُأدينكم يا شعب إسرائيل ،كل واحد بُمقتضى ُ هي المعو ّ
يقول السيد الرب :توبوا وارجعوا عن ذنوبكم كّلها ،فل يكون لكم الثم معثرة
هلك .اطرحوا عنكم كل ذنوبكم ،واحصلوا لنفسكم على قلب جديد وروح
جديدة ،فلماذا تموتون يا شعب إسرائيل ؟! إذ ل ُأسّر بموت أحد ،فتوبوا
واحيوا " .
ش يؤكد النص على فسادهم على الدوام ،وأنهم ل يعترفون بذلك ،بل يّدعون
ضهم النص على التوبة بأن الرب غير عادل بعقابهم على فسادهم ،كما ويح ّ
والعودة ،وُيحّذرهم من الهلك إن لم يفعلوا .
ذكر المرتين وعقابهما بشكل رمزي :
ل مرثاة على رؤساء إسرائيل ،وقل :ماذا " حزقيال :9-1 :19 :أما أنت فات ُ
كانت أمك ؟! لبؤة ربضت بين السود ،ورّبت جراءها بين الشبال ،حتى إذا
كُبر أحد جرائها وصار شبل ) الولى ( ،وتعّلم الصيد ،أكل الناس .وعندما
بلغ أمره المم وقع في حفرتهم ،فأخذوه مسوقا بخزائمه إلى أرض مصر ،
وعندما أدركت أثناء انتظارها أن رجاءها قد هلك ،أخذت جروا آخر وجعلته
شبل ) الثانية ( ،فتمشى بين السود وتعّلم الصيد ،أكل الناس ،وهدم
قصورهم وخّرب مدنهم ،فارتعبت الرض ومن فيها صوت زمجرته ،
فاجتمعت عليه المم من كل صوب ،وألقوا عليه شبكتهم فوقع في حفرتهم ،
247
جوه في قفص وأحضروه إلى ملك بابل ،واعتقلوه في فساقوه بخزائم وز ّ
القلع لكيل تترّدد أصداء صوته بعد ،فوق جبال إسرائيل " .
التحذير الُمسبق من الغترار بالقوة ،ومن الستهانة بما أنذرهم ال به :
" حزقيال :16-6 :21 :يقول السيد الرب :أّما أنت يا ابن آدم ،فتنّهد بقلب
ُمنكسر وحزن ومرارة ،فإن سألوك على ماذا تتنّهد ؟ تجيبهم :على الخبار
الواردة التي ُتذيب كل قلب ،فتسترخي اليدي ويعتري القنوط كل روح ،
وتصبح الركب كالماء ،ها هي الخبار واردة ول بد أن تتم .وأوحى إل ّ
ي
ف قد تم
ف ،سي ٌ بكلمته قائل :يا ابن آدم ،تنّبأ وقل :هذا ما ُيعلنه الرب :سي ٌ
ن للذبح الُمبرم ،وصقل ليومض بالبريق ،فهل نبتهج قائلين سّسّنه وصقله ،قد ٌ
:عصا ابني ) البن إسرائيل الدولة ،والعصا كناية عن القوة ( تحتقر كل
قضيب ؟! ) بمعنى فهل نسخر من هذا السيف ونستهزئ بجبروته مغتّرين
بقوتنا ( ،وقد ُأعطي السيف ليصقل ويجّرد بالكف ،وها هو بعد سّنه وصقله
ُيسّلم ليد القاتل ،اصرخ واعول يا ابن آدم ،لنه يتسّلط على شعبي ،وعلى كل
رؤساء إسرائيل ،يتعّرض شعبي لهوال من جراء هذا السيف ،لذلك اضرب
على صدرك فزعا ) ندبا ( .يقول السيد الرب :لنه امتحان ) وجود إسرائيل
في فلسطين ( ،وماذا يحدث إن لم ُتقبل العصا الُمحتقِرة ) اُلمزدِرية ،غير
البهة بالعقاب ( ؟! ) بمعنى ماذا ستكون عاقبتها ،إذا رسبت بالمتحان اللهي
( .أنا الرب قد تكّلمت ) قضيت ( :فتنبأ يا ابن آدم ،واصفق كفا على كف ،
وليضرب السيف مرتّين ،بل ثلث مّرات ،إنه سيف القتلى ،سيف المجزرة
العظيمة الُمحّدقة بهم ،لكي تذوب القلوب ،ليتهاوى كثيرون عند كل بواباتهم ،
لهذا جّردت سيفا متقلبا بّراقا مصقول للذبح .فيا سيف اجرح يمينا ،اجرح
جه حّدك ،وأنا أيضا ُأصّفق بكفي ،وُأسكن غضبي " . شمال ،اجرح حيثما تو ّ
ش هذا النص يصف الجبن اليهودي وحالة الرعب التي ستصيبهم ،عندما يدخل
عليهم هذا السيف الذي يعرفونه جيدا ،والذي مّزق أجسادهم شّر ُممزق ذات
مّرة .ويحّذر النص من الستهزاء بهذا السيف ،والغترار بالقوة ،لنه سيف
من صنع ال ،وسيسّلم ليد القاتل في الموعد الُمحّدد ،ويؤكد أن الرسوب في
المتحان أي الفساد ،معناه نفاذ القضاء بوقوع المجزرة .
248
من أرض واحدة يخرج البعثان :
ب بكلمته قائل :أّما أنت يا ابن آدم ،
ي الر ّ" حزقيال :19 :21 :وأوحى إل ّ
طط طريقين لزحف ملك بابل .من أرض واحدة تخرج الطريقان ] وأنت يا فخ ّ
ابن آدم ،عّين لنفسك طريقين ،لمجيء سيف ملك بابل ،من أرض واحدة
تخرج الثنتان [ ) النص الثاني من النسخة الخرى ( ، ... ،لنكم ذّكرتم
بإثمكم ،إذ انكشف تمردكم ،فتجّلت خطاياكم في كل ما ارتكبتموه من أعمال ،
لهذا إذ ذّكرتم بأنفسكم ُ ،يقبض عليكم باليد ،وأنت أّيها المطعون الثيم ،ملك
إسرائيل ،يا من أِزف يومه في ساعة العقاب النهائي ،اخلع العمامة وانزع
التاج ،فلن يبقى الحال كسالف العهد به ،ارفع الوضيع ،وضع الرفيع ) اجعل
الوضيع عاليا ،والعالي وضيعا ( ،ها أنا أقلبه ،أقلبه ،أقلبه ،حتى ل يبقى
منه أثر ) تاج الملك ( إلى أن يأتي صاحب الحكم ،فأعطيه إياه ) للذي يأتي من
ربوات القدس ( " .
ش هذه النبوءة توضح لهم ،أن أرض الخروج الثاني هي بابل ،بما ل يدع
مجال للشك ،وأن البعث عقاب لهم لفسادهم ،وأن ملكهم سيزول ل محالة ،
وأن تاج الُملك سُيعطى لصاحبه ،عندما يأتي من ربوات القدس ،وهي النبوءة
الرابعة والخيرة ،التي أخبر عنها موسى عليه السلم قبل موته .وبما أنهم ل
يفقهون ول يعلمون ،وعقولهم وقلوبهم كالحجارة أو أشّد قسوة ،فهم ل يتقّبلون
فكرة زوال ملكهم ،وذهاب الملك لغير شعب ال الُمختار وأبناء ال وأحبائه ،
حسب ما عّلمهم كهنتهم وأحبارهم ،لذلك فهم سيعملون المستحيل ،للمحافظة
على بقائهم في فلسطين ،بغض النظر عن إفسادهم فيها ،ليخرج هذا الملك
التوراتي الُمنتظر فيهم ،ليحكموا العالم من خلله إلى البد .
وصف الفساد والعقاب في المرة الثانية :
ب بكلمته قائل :وأنت يا ابن آدم ،ي الر ّ
" حزقيال :17-2 :22 :وأوحى إل ّ
أُتدين المدينة السافكة الدماء ؟! إذًا عرّفها بكل رجاساتها ) أي بّين صفة
إفسادها ( ،وقل :هذا ما ُيعلنه السيد الرب :أّيتها المدينة التي تسفك الدماء في
وسطها ،لتستجلب العقاب على نفسها ، … ،قد أثمت بما سفكت من دماء ،
ت منتهى أيامكجست بما عملت من أصنامك .قد قّربت يوم دينونتك ،وبلغ ِ وتن ّ
،لذلك جعلتك عارا عند المم ،ومثار سخرية لجميع البلدان ، … ،أنت يا
249
نجسة ،يا كثيرة الشغب ،هو ذا كل واحد من رؤساء إسرائيل ،ممن كانوا فيك
،انهمك في سفك الدماء على قدر طاقته .فيك استخّفوا بأب وأم ،واضطهدوا
جست أيام سبوتي .أقام فيك وشاة عملوا ت ُمقّدساتي ون ّ
اليتيم والرملة ،احتقر ِ
على سفك الدم ،وأكلوا أمام الصنام على الجبال ،وارتكبوا في وسطك
ظلما ونسيتني " . الموبقات ، … ،أخذت الربا ومال الحرام ،وسلبت أقربائك ُ
" حزقيال :16-13 :22 :ها أنا قد صّفقت بكفي من جّراء ،ما حصلت عليه
سفك من دم في وسطك .فهل يصمد قلبك أو تحتفظ يداك من ربح حرام ،وما ُ
بقوتهما ،في اليام التي أتعامل معك فيها ؟! أنا الرب قد تكّلمت ،وُأتمم ما
أنطق به .سُأشتتك بين المم وُأبعثرك بين البلدان ،وأزيل نجاستك منك ،
وتتدّنسين بنفسك على مرأى من المم ،وتدركين أّني أنا الرب " .
ي الرب بكلمته قائل :يا ابن آدم ،تنبأ وقل " حزقيال :31-23 :22 :وأوحى إل ّ
لها أنت أرض ،لم تتطّهري ولم ُيمطر عليها في يوم الغضب ، ... ،خالف
جسوا مقادسي ،لم ُيمّيزوا بين الُمقّدس والرجس ،ولم كهنتها شريعتي ،ون ّ
يعلموا الفرق بين الطاهر والّنجس ،رؤساؤها فيها كذئاب خاطفة ُ ،تمّزق
فرائسها ،إذ يسفكون دماء الناس ،في سبيل الربح الحرام ،وأنبياؤها ) أي
المتنبئون الجدد كعوفاديا يوسف ( يَرْون لها رؤى باطلة ، … ،قائلين :هذا ما
يعلنه الرب -مع أن الرب لم يعلن شيئا َ : -أِفرطوا في ظلم شعب الرض ،
فاغتصبوا سالبين ،واضطهدوا الفقير والمسكين ،وظلموا الغريب جورا .
فالتمست من بينهم رجل واحدا ،يبني جدارا ) رجل ُمصلحًا ( ،ويقف في
الثغرة أمامي ،حتى ل ُأخربها فلم أجد .فصببت سخطي عليهم ،والتهمتهم
بنار غضبي ،جازيتهم بحسب طرقهم ،يقول السيد الرب " .
جلش هذه النصوص تصف إفساد دولة اليهود الحالية ،بدقة متناهية ،وكأنها ُتس ّ
وقائع عاينها الراوي ،وتؤكد أن الهلك والخراب واقع بهم ل محالة ،عندما
تبلغ هذه الدولة منتهى أيامها .
التعقيب على المرتين وعقابهما بشكل رمزي :
ي الرب بكلمته قائل :يا ابن آدم ،كانت
" حزقيال :35-1 :23 :وأوحى إل ّ
هناك امرأتان ،ابنتا أم واحدة ، … ،اسم الكبرى ) ُأهولة أي السامرة ( واسم
أختها ) ُأهوليبة أي أورشليم ( ،وكانتا لي وأنجبتا أبناء وبنات ،وزنت أهولة )
250
جست بكل من المملكة الولى ( ) أي فسدت وأفسدت ( مع أنها كانت لي ،وتن ّ
عشقتهم ،وبكل أصنامهم ،ولم تتخل عن زناها منذ أيام مصر ) فساد الباء
شاقها أبناء أشور ،ففضحوا عورتها ، عّ وعصيانهم ( ،لذلك سلّمتها ليد ُ
وأسروا أبنائها وبناتها ،وذبحوها بالسيف ،فصارت عبرة للنساء ،ونّفذوا فيها
قضاًء .ومع أن أختها ُأهوليبة ) المملكة الثانية ( شهدت هذا ،فإّنها أوغلت
أكثر منها في عشقها وزناها ، … ،فرأيت أنها قد تنجست ،وسلكتا كلتاهما في
عرّيها ،
ذات الطريق ، … ،وإذ واظبت على زناها علنية ،وتباهت بعرض ُ
شاقك ، … ، كرهتها كما كرهت أختها .لذلك يا أهوليبة :ها أنا ُأثير عليك ع ّ
وآتي بهم عليك من كل ناحية ،أبناء البابليين ،وسائر الكلدانيين ،ومعهم جميع
أبناء أشور ،من ولة وقادة ورؤساء ،وكلهم فرسان خيل ،فُيهاجمونك بأسلحة
ب سخطي عليك ،فيعاملونك بغيظ ،يجدعون ومركبات وعربات ، … ،وأص ّ
أنفك وأذنيك ،وُتقتل بقّيتك بالسيف .يأسرون أبناءك وبناتك ،وتلتهم النار
حلّيك .وهكذا أضع حّدا لعهرك بقّيتك ،وُيجّردونك من ثيابك ،ويستولون على ُ
وزناك . … ،وهذا ما ُيعلنه السيد الرب :ستشربين كأس عقاب أختك العميقة
) في الِقدم ( ،وتكونين مثار ضحك واستهزاء ،لن الكأس تسع كثيرا ،
سكرا وحزنا ،فكأس أختك السامرة ،كأس الرعب والخراب ،تشربينها تمتلئين ُ
وتمتصينها ، … ،لنك نسيتني ونبذتني وراء ظهرك " .
خراب أمريكا بعد زوال إسرائيل :
في الصحاحات ) ، ( 28 ، 27 ، 26تجد وصفا تفصيليا لمدينة سّماها كتبة
صه بما يلي :
التوراة ) صور :مدينة ساحلية لبنانية ( نلخ ّ
سّكانها على البحر . ُ .1مسيطرة هي و ُ
ُ .2ترعب جميع جيرانها .
.3تاجرة الشعوب وكاملة الجمال .
.4تقبع في قلب البحار .
.5تأتيها السفن التجارية من كل مكان .
.6شعبها وجيشها خليط من أمم أخرى .
.7تتمتع بكونها مركز للتجارة العالمية .
251
ش وهذه الوصاف ل تنطبق إل على أمريكا كدولة ،أو ) نيويورك ( كمدينة ،
وأما صفة عقابها فهي كما يلي :
.1دمارها سيتحصل بريح شرقية ) أي من الشرق ( .
.2اندلع النيران في وسطها .
.3تحّولها إلى رماد .
.4مصيرها الغرق ولن يبقى منها أثر .
.5القائمون على خرابها غرباء من أعتى المم .
ش وأما أسباب الغضب اللهي عليها وعلى ملكها فهي :
.1تنصيب ملكها لنفسه كإله للبشر .
.2تربعه في مجلس اللهة في قلب البحار .
.3الدعاء بامتلكه حكمة اللهة .
.4الستحواذ على الذهب والفضة واّدخارها .
.5مضاعفة الثروة بمهارتها في التجارة .
.6التجارة الظالمة .
.7البهاء والجلل والتكبر والستعلء لفرط الغنى .
ش وفي النص التالي تسمية أخرى لها ،هي مصر :
" حزقيال :16-3 :29 :ها أن أنقلب عليك يا فرعون ملك مصر ،أيها
التمساح الكامن في وسط أنهاره … ،وُأخرجك قسرا من أنهارك ،وأسماكها
ما برحت عالقة بحراشفك ،وأهجرك في البرية ،مع جميع سمك أنهارك ،
فتتهاوى على سطح أرض الصحراء ،فل ُتجمع ول ُتلّم ،بل تكون قوتا
لوحوش البّر وطيور السماء .فُيدرك كل أهل مصر أني أنا الرب ،لّنهم كانوا
ب هشًة لبني إسرائيل ،ما أن اعتمدوا عليك بأكفهم ،حتى انكسرت عّكاز قص ٍُ
ل متونهم .لذلكطمت وقصفت ك ّ ومّزقت أكتافهم ،وعندما توّكأوا عليك ،تح ّ
ها أنا أجلب سيفا ،وأستأصل منك النسان والحيوان ،وأجعل ديار مصر ،
ل مدنها الكثر خرابا بين المدن الكثر وحشة بين الراضي المقفرة ،وتظ ّ
252
الخربة … وأجعلهم أقلية لئل يتسلطوا على الشعوب ،فل تكون بعد ،موضع
اعتماد لبني إسرائيل ،بل ُتذّكرهم بإثمهم حين ضّلوا وراءهم … "
ش قد يظن القارئ للوهلة الولى أن هذا النص ،يتنبأ بخراب مصر ،ولكن بعد
ضحة بما تحته إمعان النظر في العلقة ما بين هذا الفرعون وبين اليهود ،المو ّ
خط ،ستجد أن المقصود بهذا النص ،هم فراعنة هذا العصر ،أمريكا ومن
شايعها ،وعلى ما يبدو أن المقصود بالتمساح هو السطول ،والمقصود
بالسماك هو السفن الحربية ،والمقصود بالنهار هي البحار التي تنشر فيها
القوات البحرية المريكية ،وعلى ما يبدو أن الساطيل المريكية ،ستخرج
وتجتمع في مكان ما ) البحر المتوسط ( ،بعد إنهاء الوجود اليهودي في
فلسطين ،لتلقي مصيرها المحتوم الذي ُيخبر عنه هذا النص .
ش وفي نصوص أخرى ،ربما نوردها لحقا ،ستجد أن هناك تسميات أخرى ،
استخدمها كتبة التوراة والنجيل ،لنفس المدينة كبابل الجديدة ،وبابل
الُعظمى .كناية عن دولة عظمى ،سيتزامن وجودها مع ظهور الدولة اليهودية
في فلسطين .
تحالف أعداء ال ضد اليهود والنصارى :
خر جيشاصر ملك بابل ،قد س ّ ن نبوخذ ن ّ
" حزقيال : -18 :29 :يا ابن آدم :إ ّ
أشّد تسخير ،ضّد صور فأصبحت كل رأس من رؤوس جنوده صلعاء ،وكل
كتف ُمجّردة من الثياب ،ولكن لم يغنم هو ول جيشه شيئا من صور ،رغم ما
كابده من جهد للستيلء عليها .لذلك … ،ها أنا أبذل ديار مصر لنبوخذ نصر
ملك بابل ،فيستولي على ثروتها ،ويسلبها غنائمها وينهبها ،فتكون هذه ُأجرًة
لجيشه " .
ي الرب بكلمته قائل :يا ابن آدم ،تنّبأ ،وقل" حزقيال :13-1 :30 :وأوحى إل ّ
ب بات وشيكا ، … ،إّنه يوم ُمكفهّر بالغيوم ،ساعة دينونة ن يوم الر ّ
،…:إّ
) نهاية ( للمم ،إذ ُيجّرد سيف على مصر ،فيُعّم الذعر الشديد إثيوبيا ،عندما
يتهاوى قتلى مصر ،ويستولي على ثروتها ،وُتنقض ُأسسها .ثم تسقط معهم
بالسيف ،إثيوبيا وفوط ولود ،وشبه الجزيرة العربية وليبيا ،وشعوب الرض
سّكانها من مجدل إلى أسوان ...فُتصبح أكثر الُمتحالفة معهم … فيتهاوى ُ
253
الراضي الُمقفرة وحشة ،وُتضحي ُمدنها أكثر الُمدن خرابا … في يوم هلك
مصر ،الذي ل بد أن يتحّقق .
صر ملك بابل ،إذ ُيقبل بجيشه ،أعتى لني سأفني جماهير مصر بيد نبوخذ ن ّ
جيوش المم لخراب ديار مصر ،فُيجّردون عليها سيوفهم ،ويملئون أرضها
بالقتلى ،وُأجّفف مجاري نهر النيل ،وأبيع الرض لقوم أشرار ،وُأخّرب
طم الصنام ،وُأزيل الوثان ب قد قضيت .ثمّ ُأح ّ
البلد فيها بيد الغرباء ،أنا الر ّ
من ممفيس ،ول يبقى بعد ،رئيس في ديار مصر ،وُألقي فيها الرعب " .
ي الرب بكلمته قائل :يا ابن آدم ،ولول على جند " :18-30 :32وأوحى إل ّ
مصر ، … ،يسقطون صرعى وسط قتلى السيف .قد أسلمت مصر للسيف ،
وأسروها مع كل حلفائها ،وهناك أشور ) سوريا ( وقومه … ،وحلفاؤه .… ،
وهناك أيضا أيلم ) أفغانستان ( وحلفاؤها … وهناك أيضا ماشك وتوبال
ل حلفائهما … ،وهناك أيضا أدوم ) الردن ( وملوكها ) مدن روسية ( ،وك ّ
ورؤسائها … ،وهناك ُأمراء الشمال ،وكل الصيدونيين ) اللبنانيين ( … ،
أولئك الذين أشاعوا الرعب في أرض الحياء ، … ،كلهم قتلى ،وصرعى
السيف " .
ش هذه الفقرات الثلثة ،مقتطعة من الصحاحات ) ، ( 32 ، 31 ، 30التي
كّررت بإسهاب ما جاء في الصحاح ) ، ( 29وعلى ما يبدو أن محتوى هذه
الصحاحات الثلثة ،قد تناولته أقلم الكتبة ،بكثير من التبديل والتحوير
والضافة ،وقد أوردنا هذه الفقرات لتعيينها بعض الشعوب والدول ،التي
يعتبرها الغرب أعداًء ل ،الذي هو المسيح عند النصارى .ويفترض الكثير
سرين الجدد للتوراة ،أن الدول المذكورة في هذه النصوص ،ستقوم من المف ّ
بالتحالف مستقبل ،ومن ثم ستغزو إسرائيل وتنهي وجودها ،بقيادة مصر أو
العراق أو روسيا ،منفردة أو مجتمعة ،مما يتسبب في مواجهة مصيرية كبرى
بين الشرق والغرب ،يطلقون عليها تسمية ،الحرب العالمية الثالثة ،
ويجزمون بأن النصر ،سيكون فيها حليف أحباء ال من اليهود والنصارى ،
على أعداءه من المسلمين وغيرهم ،وحتمية وقوع هذه الحرب المستقبلية ،
أصبحت في السنوات الخيرة ،حقيقة وعقيدة راسخة ،لدى عامة نصارى
الغرب وساستهم ،المهووسون بالنبوءات التوراتية ،وهذا مما ساهم فيه
واستغلته اليهود في أمريكا ،لدفع أمريكا لخوض هذه الحرب الوهمية ،التي
254
فيها كل المصلحة ليهود الشرق والغرب ،ضد العرب والمسلمين ،من قبل أن
تبدأ .
وقد تكون هذه النصوص ،في الحقيقة ُ ،تخبر عن الستعمار الغربي ،لكل
البلدان العربية والبلدان الخرى المذكورة فيها ،أو ُتخبر عن توحيد البلدان
المذكورة بالقوة ،من قبل ورثة نبوخذ نصر الجدد ،بعد قيامهم بإنهاء الوجود
اليهودي في فلسطين .
خراب الرض بعد خراب إسرائيل :
ي الرب بكلمته قائل :يا ابن آدم ،إن " حزقيال :29-24 :33 :فأوحى إل ّ
المقيمين في خرائب أرض إسرائيل ،يقولون :إن إبراهيم كان فردا واحدا ،
ومع ذلك ورث الرض ،وهكذا نحن كثيرون ،وقد ُوهبت لنا الرض ميراثا .
لذلك قل لهم أتأكلون اللحم بالدم ،وتتعّلق عيونكم بأصنامكم ،وتسفكون الّدم ،
فهل ترثون الرض ؟! اعتمدتم على سيوفكم ،وارتكبتم الموبقات ، … ،فهل
ترثون الرض ؟! قل لهم :هذا ما ُيعلنه الرب :إن الذين ُيقيمون في الخرائب ،
ُيقتلون بالسيف .والذين يسكنون في العراء ،أبذلهم قوتا للوحوش .والمتمّنعون
سرونه على أنه السلح النووي في الحصون والمغاور يموتون بالوبأ ) ُيف ّ
ل كبريائها وعّزتها … والكيماوي ( .فأجعل الرض أطلل ُمقفرة ،وُيذ ّ
فُيدركون أّني أنا الرب ،حين أجعل الرض خربة ُمقفرة ) وهذا ما سُتحدثه
أسلحة الدمار الشامل التي يرتعبون منها لتوافقها مع ما جاءت به التوراة ( ،
من جّراء ما ارتكبوه من رجاسات " .
ش وهذه النبوءة تؤكد زوال الدولة اليهودية بعد قيامها ،وذبح اليهود وتشريدهم
وفنائهم ) بالنووي والكيماوي كما يعتقدون ( ،وبالضافة إلى ذلك تؤكد خراب
الرض إجمال ؟ ولكنهم يرفضون هذه النبوءة جملة وتفصيل ،ويصّرون على
مخالفة ما جاء فيها ،ويبذلون قصارى جهدهم لمنع تحّققها .ولو طالعت
نصوص التوراة بمجملها ،ستجد أنه بعد كل مرة ُ ،تخبر التوراة بحتمية نفاذ
قضاء ) الرب ( ،في إسرائيل وشعبها عند الفساد ُ ،يضيف ) كتبة التوراة (
نصوصا تفيد بأن ربهم دائما وأبدا ،يعود ويعفوا عنهم ،فيجمعهم من الرض
شتتوا فيها ،من جميع الشعوب ،ويعيدهم إلى أرض الميعاد التي ُوهبت التي ُ
لهم ،فّيفسدون فيها ،فُيعّذبون وُيشتتون ،فيجمعهم ويعيدهم إليها ،وهكذا
دواليك ) … ،حسب ما يشتهيه كتبة التوراة ( ،واليهود حتى بعد زوال دولتهم
255
صل لهم فيها الملك البدي ،الذي
الحالية لن يستكينوا أو يهدءوا ،إلى أن يتح ّ
يحلمون به ،وهو ما رسم معالمه أقلمهم الكهنة والحبار ،في النص التالي :
َمِلك القدس المنتظر من نسل محمد ،ل من نسل داود :
ي الرب بكلمته قائل :يا ابن آدم ، … ، " حزقيال :28-21 :37 :وأوحى إل ّ
وها أنا أحشد أبناء إسرائيل من بين المم ،التي تفّرقوا فيها ،وأجمعهم من كل
جهة ،وُأحضرهم إلى أرضهم ،وأجعلهم أمة واحدة ، … ،تحت رئاسة ملك
واحد ، … ،ول ينقسمون إلى مملكتين .ول يتدّنسون بعد بأصنامهم
ي من معاصيهم ،بل ُأخّلصهم من مواطن إثمهم ، ورجاساتهم ،ول بأ ّ
وُأطّهرهم فيكونون لي شعبا ،وأكون لهم إلها .وُيصبح داود عبدي ملكا
عليهم ، … ،فيمارسون أحكامي وُيطيعون فرائضي ويعملون بمقتضاها .
وُيقيمون في الرض التي وهبتها لعبدي يعقوب ،التي سكن فيها آباؤهم ،
فيستوطنون فيها ،هم وأبناؤهم وأحفادهم إلى البد ،ويكون عبدي داود رئيسا
عليهم مدى الدهر .وُأبرم معهم ميثاق سلم ،فيكون معهم عهدا أبديا ، … ،
فتدرك المم أّني أنا الرب ُمقّدس إسرائيل ،حين يكون مقِدسي قائما فيهم ) أي
سرونها بإقامة الهيكل ( إلى البد " .
العبادة ل ،ولكنهم ُيف ّ
ش هذه النبوءة الُمحّرفة ،هي ما يسير عليه اليهود ،منذ أجيال وما زالوا ،حيث
أن كتبة هذا النص ،استخلصوا ما ُيوافق أهوائهم وأطماعهم ،من ُمجمل
النبوءات السابقة واللحقة ،وصهروها في بوتقة واحدة ،وبات من جاء بعدهم
من اليهود ،يحملها ويعتقد بها كحقيقة ،غير قابلة للنقض أو المناقشة ،فهي
ُنسبت إلى الرب .ومؤدى هذه النبوءة يقول :عند مجيئهم من الشتات ) نبوءة
العلو والفساد الثاني مع استثناء العقاب ،الذي طالما تحّدثت عنه النصوص
السابقة ( ،سيبعث ال لهم ملكا ) وجاءت شخصية هذا الملك من خلل تجميع
جال ( ،وجعلوه من نسل داود النبوءات الخاصة برسولنا ،وعيسى ،والد ّ
) َمِلَكهم الول ( ،ويكون ُملكه البدي هذا ،في فلسطين ) يأتي من ربوات
ق والعدل ) اليهودي طبعا ( ،في أرجاء القدس ( ،وفي زمانه ينتشر الح ّ
المعمورة .وعلى هذا يعتقد عامة اليهود أن عودتهم الحالية ،هي العودة
الخيرة والنهائية ،والتي ورد ذكرها في سورة السراء ،تحت عبارة ) وإن
عّدتم عدنا ( ،وليست المرة الثانية ،التي سيتحّقق فيها وعد الخرة ،ولكن هذا ُ
ك توّلد نتيجة التناقض
العتقاد ليس يقينا ،بل هناك نسبة من الشك ،وهذا الش ّ
256
في النصوص التوراتية ،فهم يعملون على الحتمال الول ،مع عدم إغفالهم
للحتمال الثاني .وحقيقة النص أعله ُتخبر عن ُملك المهدي ،في القدس ،
وهو من نسل محمد عليه الصلة والسلم ،مؤسس دولة السلم الولى .
روسيا وحلفاؤها من نصارى الشرق ُيهاجمون دولة السلم في زمن المهدي
:
ي الرب بكلمته قائل :يا ابن آدم ،التفت" حزقيال :12-1 :38 :وأوحى إل ّ
بوجهك نحو جوج أرض ماجوج ،رئيس روش ) روسيا ( ماشك ) موسكو (
وتوبال ،وتنّبأ عليه ،وقل :هذا ما ُيعلنه السّيد الرب :ها أنا أنقلب عليك ،يا
جوج رئيس روش وماشك وتوبال ،وأقهرك … ،وأطردك أنت وكل جيشك
خيل وفرسانا ،وجميعهم ُمرتدون أفخر ثياب ،جمهورا غفيرا ،كلهم قابض
ن .ومن جملتهم ،رجال فارس ) إيران ( ، سيف ،وحامل أتراس ومجا ّ
وإثيوبيا ) السودان ( وفوط ، … ،وأيضا جومر ) اليمن /أوروبا الشرقية (
وكل جيوشه ،وبيت توجرمة ) بلد القوقاز الروسية /الشيشان ( من أقاصي
الشمال مع كل جيوشه ،جيوش غفيرة اجتمعت إليك ) أي لرئيس روش ( .إذ
بعد أيام كثيرة ُتستدعى للقتال ،فتقبل في السنين الخيرة ) آخر الزمان ( ،إلى
الرض الناجية من السيف ) فلسطين ( ،التي تم جمع أهلها من بين شعوب
كثيرة ،فتأتي ُمندفعا كزوبعة … ،أفكار سوء تراودك ، … ،للستيلء على
السلب ،ونهب الغنائم ،ومهاجمة الخرائب التي أصبحت آهلة ،ولمحاربة
الشعب المجتمع من بين المم ، … ،الُمستوطن في مركز الرض " .
ش هذا النص النبوي ،وقع فيه خلط كبير ،بين نبوءتين ،وحقيقة هذا النص
تحكي وقائع الملحمة الكبرى ،التي ستقع مستقبل بين الروس والعرب ،والتي
سنتطرق لذكرها لحقا ،ولنكمل النص …
خروج يأجوج ومأجوج ،ونهايتهم عند وصولهم لمشارف مدينة القدس :
"حزقيال :23-14 :38 :لذلك تنّبأ يا ابن آدم وقل لجوج ،هذا ما ُيعلنه الرب :
في ذلك اليوم عندما يسكن شعبي إسرائيل آمنا … وُتقبل أنت من مقّرك في
أقاصي الشمال ،مع جيوش غفيرة ،تغشى الرض ،كّلهم راكبو خيل … ،
وتزحف على شعبي إسرائيل ،كسحابة تغطي الرض ،في اليام الخيرة ،
أني آتي بك إلى أرضي ،لكي تعرفني الشعوب ،عندما تتجّلى قداستي ،حين
257
ُأدّمرك يا جوج أمام عيونهم .هذا ما يقوله السيد الرب :ألست أنت الذي ،
تحّدثت عنه في اليام الغابرة ،على ألسنة عبيدي أنبياء إسرائيل ،الذين تنّبأوا
في تلك اليام لسنين كثيرة ؟! … ،وُأسّلط عليه السيف في كل جبالي ،فيكون
ل رجل ضّد أخيه .وُأدينه بالوباء وبالدم ،وُأمطر عليه وجيوشه ، سيف ك ّ
وعلى جموع حلفائه الغفيرة ،مطرا جارفا ،وبردا عظيما ،ونارا وكبريتا ،
… فيدركون أني أنا الرب … فيخرج سكان ُمدن إسرائيل ) بعد أن يكونوا قد
ن ،والترسة اعتصموا منهم في جبال القدس ( ،ويحرقون السلحة والمجا ّ
ي والسهام ،والحراب والرماح ،ويوقدون بها النار سبع سنين ،وينهبون والقس ّ
ناهبيهم ،ويسلبون سالبيهم " .
سره وُيأوّله الباحثون الجدد حديثا ،ش مفاد هذه النبوءة ،والنبوءة السابقة ،كما ُيف ّ
من اليهود والنصارى ،أن روسيا ) جوج وماجوج ( وحلفائها ،ستقوم بغزو
أرض إسرائيل ،آنذاك سيقف الرب بجانب إسرائيل وحلفائها ،فيكون النصر
حليفهم .والخلط الذي أوجده مؤلفو التوارة ،بتكرار ذكر يأجوج ومأجوج ،في
سري التوراة للعتقاد ،بأن الروس هم يأجوج نصين مختلفين ،دفع مف ّ
ومأجوج ،والحقيقة التي نعلمها نحن كمسلمون أن خروج يأجوج ومأجوج ،
سيقع بعد زوال دولة إسرائيل ،بل بعد ذبح اليهود النهائي ،وبعد خروج
الدجال ،ونزول عيسى عليه السلم ،وأما غزو الروس لبلد الشام ،فسيكون
لقتال المسلمين ،في زمن المهدي وقبل خروج الدجال .
مواصفات الهيكل الهندسية :
وعلى مدى 16صفحة تقريبا ُ ،يفردها سفر حزقيال ،لتحديد المواصفات
الهندسية للهيكل الجديد ،بلغة الكلمات ،من بوابات وساحات ،وحجرات
لعداد الذبائح ،وحجرات للكهنة ،ودعائم الهيكل وجدرانه وغرفه ،ومخادع
الكهنة ،ومقاييس المنطقة التي سيقام فيها الهيكل ،ومقاييس المذبح .ويصف
مراسيم تقديم القرابين الُمقّدسة ،ويوضح شرائع لستخدام الهيكل .وُيحّدد
الرض الممنوحة للكهنة ،والممنوحة للشعب ،والممنوحة للملك .ومن ثم
يصف طريقة تقديم الملك للقربان الُمقّدس ،إلى آخره .وبناًء على هذه
المواصفات ،قام كثير من اليهود بعمل مخططات ونماذج ،للهيكل الذي
يسعون لتشييده مكان المسجد القصى ،كما تأمرهم التوراة .
258
الطار العام للحداث المستقبلية حسب الترتيب الزمني لحزقيال :
.1غزو الجيش العراقي لسرائيل وإنهاء وجود اليهود فيها .
.2توحيد البلدان العربية تحت لواء واحد .
.3خراب الرض في حرب عالمية نووية ُمدّمرة .
.4نزول الخلفة السلمية في القدس .
.5روسيا وحلفاؤها من نصارى الشرق يغزون دولة السلم في زمن
المهدي .
.6خروج يأجوج ومأجوج ،ونهايتهم عند وصولهم لمشارف مدينة القدس .
ش هذه هي قراءتنا لنبوءات حزقيال ،من خلل معرفتنا بأحداث آخر الزمان ،
مما ورد في القرآن والسنة ،أما فهم النصارى واليهود لهذه النبوءات ،هو فهم
مرتبك ومضطرب ،إذ أنهم عند تفسيرها ،ل ُيعيرون انتباها لترتيبها الزمني ،
كما جاءت في سفر حزقيال ،فمعظم تفسيراتهم على اختلفها ،تذهب إلى أن
كل هذه الحداث ،ستتحقق في زمن واحد ،متمثلة في حرب عالمية ثالثة .
رؤى دانيال ونبوءاته
سبوا إلى بابل طفل ،وكتابه في
دانيال هو آخر النبياء الكبار ،وأحد الذين ُ
ُمعظمه يشتمل على رؤى نبوية ،تصف ما سيقع من أحداث في آخر الزمان ،
صة فيما يتعّلق بقيام دولة اليهود الثانية وزوالها ،وعودة المسيح عليه
وخا ّ
السلم .
غزو العراق لسرائيل سُيشعل الحرب العالمية الثالثة :
تفسير جبريل لحدى رؤى النبي دانيال " :دانيال :19 :8 :وقال :ها أن
ن الرؤيا ترتبط بميعاد
ُأطلعك على ما سيحدث ،في آخر حقبة الغضب ،ل ّ
النتهاء ] وقت الُمنتهى [ ،أن الكبش ذو القرنين الذي رأيته هو ملوك مادي
وفارس ) إيران والعراق ( ،والتيس الشعر هو ملك اليونان ) الغرب ( ،
والقرن العظيم النابت بين عينيه ،هو الملك الول وما أن انكسر ،حتى خلفه
أربعة عوضا عنه ،تقاسموا مملكته ،ولكن لم ُيماثلوه في قوته .وفي أواخر
ملكهم ،عندما تبلغ المعاصي أقصى مداها ) عند اكتمال الظلم ( ،يقوم ملك فظ
259
سرون يرون بأنه حاذق وداهية ] جافي الوجه وفاهم الحيل [ ) بعض المف ّ
الرئيس العراقي ( ،فُيعظم شأنه ،إنما ليس بفضل قّوته ) أي بقدرة ال ( .
وُيسّبب دمارا رهيبا ) نتيجة استخدام أسلحة الدمار الشامل ( ،ويفلح في
القضاء على القوياء ) أمريكا والغرب ( ،ويقهر شعب ال ) اليهود ( .
وبدهائه ومكره ُيحّقق مآربه ،ويتكّبر في قلبه ،وُيهلك الكثيرين وهم في
طم بغير يد النسان ) أي طمأنينة ،ويتمّرد على رئيس الرؤساء ،لكنه يتح ّ
يموت موتا طبيعيا ( " .
ش يرى نوستراداموس قديما ،من خلل هذا النص ،أن نقطة البداية
) الشرارة ( للحرب العالمية النهائية المدّمرة ،ستكون محصورة في ثلثة
بلدان هي ) إيران والعراق وفلسطين ( ،أما أتباعه الجدد ،فيرون أن هذه
النبوءة تتحدث عن صدام حسين ،وغزوه لسرائيل وتدميرها ،وإشعاله لنار
الحرب العالمية الثالثة ،فتارة يصفونه بنبوخذ نصر جديد ،وتارة يصفونه
بصلح الدين الجديد ،وتارة بدجال آخر الزمان ،الذي يظهر في إيران أو
العراق ،وهذه النبوءة وتفسيراتها الحديثة ،مما ُيفسر جانبا من العداء الغربي
ي المزمن ،للعراق وللعراقيين ولشخص الرئيس العراقي . المرض ّ
فساد إسرائيل وإفسادها يؤكد حتمية زوالها :
ل شعب إسرائيل على شريعتك ،وانحرفوا فلم " دانيال :11 :9 :قد تعّدى ك ّ
صت يسمعوا صوتك ،فسكبت علينا اللعنة وما أقسمت أن توقعه بنا ،كما ن ّ
عليه شريعة موسى عبد ال ،لننا أخطأنا إليك .وقد نفّذت قضاءك الذي
قضيت به علينا ،وعلى قضاتنا الذين توّلوا أمرنا ،جالبا علينا على أورشليم
شرا عظيما ،لم يحدث له مثيل تحت السماء ، … .ولم ] نتضّرع إلى [
وجهك أيها الرب إلهنا ،تائبين عن آثامنا وُمتنّبهين لحقك ،فأضمرت لنا
العقاب ،وأوقعته بنا لنك إلهنا الباّر في كل أعمالك ،التي صنعتها لننا لم
نستمع إليك ".
ش هنا ُيخبر دانيال عن العقاب على اعتبار ما سيكون ،وبأنه قضاء كان موسى
عليه السلم قد أخبر عنه في كتابه ،وموضحا السباب التي أوجبت العقاب ،
وأن العقاب سُيرفع ،لو سبقته التوبة ،ويقّرر أن ال عادل في عقابه لشعبه
المختار .
260
قيام دولة اليهود الثانية :
ص متداخل ،على ما يبدو أنه تكرار لنفس نص ش النص التالي هو تكملة لن ّ
الرؤيا الولى أعله ،لم أستطع تتّبع بداياته بدقة ،يتحّدث عن حروب وعن
ملك ما ،لم أستطع تحديد ماهيته أو مخرجه ،ولكن من قراءة النص اللحق ،
يتبين أنه الذي تسبب في زوال الحكم السلمي وقيام دولة إسرائيل في فلسطين
.ويصف هذا النص بدقة ،الواقع الحالي لهل فلسطين وللعرب والمسلمين
إجمال ،ويحمل بشرى لهم ،بالنصر والفرج من عند ال ،عندما يحين موعد
نهاية الدولة اليهودية ،وما كان عودة اليهود لفلسطين إل امتحانا ،ليميز
الطيب من الخبيث ،والمؤمن من المنافق .
جسه ،وتزيل " دانيال :31 :11 :فُتهاجم بعض قّواته حصن الهيكل وتن ّ
المحرقة الدائمة ) أي الحكم السلمي ( ،وتنصب الرجس الُمخّرب ) أي دولة
إسرائيل ( .وُيغوي بالُمداهنة المعتدين على عهد الرب ) اليهود ( ،أّما الشعب
) الفلسطينيون ( الذين يعرفون إلههم فإّنهم يصمدون وُيقاومون .والعارفون
منهم ُيعّلمون كثيرين ،مع أّنهم ُيقتلون بالسيف والنار ،ويتعّرضون للسر
والنهب أّياما ) سنين معدودة ( ،ول يتلقون عند سقوطهم ) قتلى وجرحى ( ،
إل عونا قليل ،وينضّم إليهم كثيرون نفاقا ) حال العرب ( ،ويعثر بعض
الحكماء تمحيصا لهم وتنقية ،حتى يأزف وقت النهاية ) نهاية إسرائيل ( ،في
ميقات ال المعّين ) أي عند مجيء وعد الخرة ( " .
حتمية نهاية إسرائيل على يد العراقيين :
ظم على" دانيال :36 :11 :ويصنع الملك ) ملك إسرائيل ( ما يطيب له ،ويتع ّ
كل إله وُيجّدف بالعظائم على إله اللهة ،وُيفلح إلى أن يحين اكتمال الغضب ،
إذ ل بّد أن يتم ما قضى ال به ،ولن يبالي هذا الملك بآلهة آبائه ، … ،إّنما
يكرم إله الحصون بدل منهم ) أي يّتكل على القوة ( . … ،وعندما تأزف
ض عليه ملك الشمال ،كالزوبعة بمركبات النهاية ُ ،يحاربه ملك الجنوب ،فينق ّ
وفرسان وسفن كثيرة ،ويقتحم دياره كالطوفان الجارف .ويغزو أرض
إسرائيل ،فيسقط عشرات اللوف صرعى ،ول ينجو منه سوى ،أرض أدوم
وأرض موآب ،والجزء الكبر من أرض عمون ) ممالك الردن القديمة ( ،
يبسط يده على الراضي ،فل تفلت منه حتى أرض مصر .ويستولي على
261
كنوز الذهب والفضة ،وعلى كل ذخائر مصر ،ويسير الليبيون والثيوبيون
في ركابه ) ليبيا والسودان ( ،وتبلغه أخبار من الشرق ومن الشمال ،فيرجع
بغضب شديد ،لُيدّمر ويقضي على كثيرين ،وينصب خيمته الملكية ،بين
البحر وأورشليم ،ويبلغ نهاية مصيره ) الوفاة ( ،وليس له من نصير " .
ش يبدو أن هذا النص يتحّدث عن آخر رئيس لسرائيل ،وهو ملك ل يؤمن إل
ل إل عليها ،والنص يصف الغزو العراقي القادم لسرائيل ، بالقوة ول يتك ّ
وسيطرة رئيس العراق على معظم بلدان المنطقة وحكمه لها ،واتخاذه القدس
عاصمة لملكه ،ومن ثم موته موتا ،ل قتل .وأما ذكر ملكين من الشمال
والجنوب ،فهو ناتج عن ارتباك كتبة التوراة ،في تحديد هوية هذا الملك ،
والذي تبين لدينا من النبوءات السابقة ،أن هناك ملكين سيقومان بغزو إسرائيل
،الول هو ملك بابل ،وكان مخرجه حسب إشعياء من الشرق ،وكان غزوه
لسرائيل حسب ارميا من الشمال ،وهذا يفيد بأنه خرج من الشرق ،وغزاهم
من الشمال عن طريق سوريا حيث كان ُمعسكرا ،في منطقة حماة .والملك
الثاني هو جوج رئيس ماجوج أي الرئيس الروسي ،الذي سيغزوهم من أقصى
الشمال ،ومع أن كل منهما ،حادث منفصل عن الخر ،إل أنهم جمعوهما في
نص واحد ،بطريقة مربكة للقارئ ،وهذا أدى إلى حيرة الدارسين والباحثين
الجدد لهذه النصوص ،في محاولتهم لمعرفة ظروف الحرب العالمية الثالثة ،
ي النزاع فيها وأحلف كل منهم ،وهذا النص تكرار لنص تفسير ولتحديد شق ّ
جبريل للرؤيا الذي تقّدم أعله .
" :9 :12اذهب يا دانيال ،لن الكلمات مكتومة ومختومة إلى وقت النهاية .
حصون بالتجارب ) ُيمتحنون ( ،أما الشرار كثيرون يتطّهرون ويتنّقون وُيم ّ
فيرتكبون شرا ول يفهمون ،ولكن ذوو الفطنة ُيدركون ] يفهمون [ " .
ش يؤكد هذا النص ،أن الحداث التي أخبر عنها ،ستأخذ مكانها في زمان
النهاية ،وسُيمتحن من خللها أناس كثيرون ،فمنهم من يقع بشّر أعماله ،
ومنهم من ينجو بجميل صنعه وفهمه ،واختياره للطريق الصوب ،بناًء على
ما جاء في هذه النبوءات .
262
بعض رؤى ونبوءات النبياء الصغار
وهم اثنا عشر نبيا ،وعلى ما يبدو أنهم ُبعثوا في الفترة ،التي كان لليهود فيها
تواجد في جزئي في القدس ،وتمتعوا فيها بحكم شبه ذاتي ،للقلة التي بقيت
فيها ولمن عادوا من السبي البابلي ،وامتدت هذه الفترة ،ما بعد السبي
سّموا بالنبياء الصغار ،كون البابلي ،إلى ما قبل بعث عيسى عليه السلم ،و ُ
أسفارهم صغيرة الحجم ،حيث يتراوح عدد صفحات كل منها ،ما بين ) -2
( 12صفحة ،ومعظم رؤاهم ونبوءاتهم تتحدث عن أحداث آخر الزمان ،
المرتبطة بعودتهم الثانية إلى فلسطين :
سفر يوئيل
265
البدية ،وانهارت التلل القديمة ،أما مسالكه فهي منذ الزل ،لقد رأيت خيام
شقق أخبية ديار مديان ترجف رعبا " .كوشان تنوء بالبلية ،و ُ
ش هذا النص مشابه للنص النبوي الذي ورد في سفر التثنية ،بداية هذا الفصل ،
فعبارة ) جاء القّدوس ( ُ ،تشير إلى عودة الدين ،وعبارة ) من جبل فاران ( ،
ُتحّدد مكان ظهور القائم على أمره ،وهي جبال الجزيرة العربية ،أما عبارة
) قد أقبل ال ( ،فتعني قدوم شيء من أمر ال ،كالبعث أو الملك المنتظر ،
وعبارة ) من أدوم ( أي من الردن ُ ،تشير إلى الجهة التي سيأتي منها البعث ،
أو التي سيأتي منها المهدي لدخول القدس ،وعلى ما يبدو أن هذا النص ،جاء
صل النبوءة ،التي جاءت على لسان موسى عليه السلم ) وأتى من سر وُيف ّ
لُيف ّ
ربوات القدس ،وعن يمينه نار شريعة لهم ( ،وتؤكد أن المهدي ،سيظهر في
مكة ،ومن ثم سينتقل إلى القدس ،لُيعيد للسلم مجده وبهاءه ،ولُييدد بنوره ،
عصورا من ظلم القلوب والعقول .
رؤيا صفنيا
267
" :14-15 :2هذا هو حال الشعب ، … ،فكلّ أعمال أيديهم ،وما ُيقّدمونه
نجس .والن تأملوا فيما صنعتم اليوم ،وفيما صنعتم في اليام السالفة ،قبل
أن تضعوا حجرا فوق حجر ،لبناء هيكل الرب !!! " .
سفر زكريا
تحذير يهود هذا الزمان على لسان زكريا عليه السلم :
ب أشّد الغضب على آبائكم ،ولكن ُقل لهم هذا ما ُيعلنه :2-6 :1لقد غضب الر ّ
ي فأرجع إليكم .ول تكونوا كآبائكم ،الذين حّذرهم الرب القدير :ارجعوا إل ّ
طرقكم الباطلة ،وأعمالكم الشّريرة ، النبياء السابقون ،قائلين :ارجعوا عن ُ
ي … ،ألم تدركوا أقوالي وفرائضي ،التي ولكّنهم لم يسمعوا ولم ُيصغوا إل ّ
أمر بها عبيدي النبياء آباءكم ،قائلين :لقد نّفذ الرب القدير ،ما عزم أن
ُيعاقبنا به ) في المرة الولى ( ،بمقتضى ما ارتكبناه ،من أعمال باطلة " .
" :8 :7هذا ما يقوله الرب القدير :اقضوا بالعدل ،ولُيبِد كل منكم إحسانا
ورحمة لخيه .ول تجوروا على الرملة واليتيم ،والغريب والمسكين .
ولكنهم أَبْوا أن ُيصغوا ،واعتصموا بعنادهم غير عابئين ،وأصموا آذانهم لئل
ب غضب عظيم سوا قلوبهم كالصّوان لئل يسمعوا ، … ،فانص ّ يسمعوا .وق ّ
من لدن الرب القدير … ،وأضحت الرض المبهجة قفرا " .
مصير الشعب اليهودي في إسرائيل :
ي ورجل " :7-9 :13ويقول الرب القدير :استيقظ أيها السيف ،وهاجم راع ّ
صغار ) أيرفقتي ،اضرب الراعي فتتبّدد الخراف ،ولكّني أرّد يدي عن ال ّ
المستضعفين ( .يقول الرب :فيفنى ُثلثا شعب أرضي ،ويبقى ُثلثهم حيا فقط .
حص الذهب " حصه كما ُيم ّلنقيه تنقية الفضة ،وأُم ّ
فُأجيز هذا الثلث في النار ُ ،
.
ش هذا النص ُيشير إلى الوعد الثاني وعقابه ،حيث يفنى ثلثان وينجو ثلث ،
وهذا الثلث ُيمتحن بمجيء الدجال ،فيفنى من تبعه منهم ،وينجو منهم من
يعتنق السلم .
سلب منكم في وسطكم . " :1 :14انظروا ها يوم ُمقبل للرب ُ ،يقسم فيه ما ُ
لني أجمع المم على أورشليم لتحاربها ،فُتؤخذ المدينة وُتنهب البيوت ،
268
وُتغتصب النساء ،وُيسبى نصف أهلها إلى المنفى ،إّنما ل ينقرض بقية الشعب
من المدينة " .
الحرب العالمية النووية الثالثة :
سري النصوص ش يعتقد ُمجمل الغربيون من يهود ومسيحيين ،من مف ّ
التوراتية ،أن حربا نووية ستقع في المستقبل القريب ،تبدأ بهجوم على
إسرائيل ،من قبل روسيا وحلفائها من الشرقيين ،المذكورين في النصوص
السابقة .وستكون نتيجة هذه الحرب ،هي انتصار إسرائيل وحلفائها
الغربّيون ،وفيما بعض النصوص ،التي ُتخبر عن ظروف هذه الحرب .
" :1-6 :12ها أنا ُمزمع ،أن أجعل أورشليم كأس خمر ،تترّنح منها جميع
الشعوب الُمحيطة بها ، … ،في ذلك اليوم أجعل أورشليم كصخرة ثقيلة ،
ق شّقا ،ويتأّلبتعجز عن حملها جميع الشعوب .وكل من ُيحاول حملها ينش ّ
عليها جميع شعوب الرض ،في ذلك اليوم ،يقول الرب ُ :أصيب كل فرس
من جيوش العداء بالرعب ،وفارسه بالجنون ، … ،أجعل عشائر يهوذا ،
ب بين أكداس الحنطة ،فيلتهمون الشعوب من حولهم ،ممن ل ملته ٍ
… ،كمشع ٍ
ل أورشليم ،آمنة آهلة في موضعها " . عن يمينهم وعن يسارهم ،بينما تظ ّ
ن هذا النص ُيشير إلى أن إسرائيل ،سُتهاجم من قبل أمم كثيرة ،فينتصر ش مع أ ّ
الرب لورشليم وعشائرها ،وتبقى آمنة مطمئنة ،لكن في النصوص التي تلي
هذا النص ،تجد نواحا ونحيبا من قبل ذرية داود ،والنواح والنحيب ل يكون
عادة من شدة الفرح ،وإنما من شدة اللم ،لوقوع فاجعة ما حّلت بهم ،وفي
النص التالي ،وصفا لهذا النواح :
" :11 :12في ذلك اليوم يكون النواح في أورشليم ،مماثل للنواح في هدد
رّمون في سهل مجّدو ،فيشيع النحيب بين أهل البلد " .
ش وحسب ما يعتقد اليهود والنصارى ،فإن هذا النص ُيحّدد ساحة المعركة
البرية ،في الحرب القادمة الُمسّماة ) هرمجدون ( ،بين إسرائيل وأعدائها ،
في سهل مجّدو شمال فلسطين .
" :12 :14وهذا هو البلء الذي ُيعاقب به الرب ،جميع الشعوب الذين
اجتمعوا على أورشليم :تتهّرأ لحومهم وهم واقفون على أرجلهم ،وتتآكل
عيونهم في أوقابها ،وتتلف ألسنتهم في أفواههم :13 .في ذلك اليوم ُيلقي الرب
269
،الرعب في قلوبهم ،حتى ترتفع يد الرجل ضد رفيقه فيهلكان معا :14 .
وُيحارب أبناء يهوذا أيضا دفاعا عن أورشليم ،ويغنمون ثروات من المم
الُمحيطة " .
ش ُيشّكل هذا النص توليفة غريبة ،من صنع الكتبة .فالفقرة ) (12تصف ما
ُيشبه تأثير تعّرض الجسم لحرارة شديدة جدا .والية ) (13تصف ما ُيشبه قيام
الساعة .والفقرة ) (14وكأنها نص مأخوذ ،مما يلي الفقرة ) (16في النص
اللحق ،إذ كيف يقوم أبناء يهوذا بمحاربة الجثث المحترقة !!!
" :13 :9ها أنا ُأتر يهوذا كقوس ،وأجعل أفرايم كسهم ،وُأثير رجال صهيون
على أبناء اليونان ،فتكونين كسيف جّبار :15 ، … .يقيهم الرب القدير
حجارة المقلع ،بل تقصر عنهم ويطئونها ،ويشربون ويصخبون كالسكارى
ب إلههممن الخمر ) من نشوة النصر ( :16 .في ذلك اليوم ُ ،يخّلصهم الر ّ
صعة في تاج ، لنهم شعبه وقطيعه ،ويتألقون في أرضه كحجارة كريمة مر ّ
فما أجملهم وأبهاهم ! " .
ش هذا النص يصف رجال ُ ،يقاتلون أبناء اليونان ،أي ليس آباءهم ،واليونان
هم الغرب ،وُيمّثلهم الن أمريكا وبريطانيا وحلف الناتو ،وهم كما نعلم حلفاء
حلفائهم من أبناء اليونان ؟
لسرائيل ،فكيف سيقاتل رجال صهيون ُ ،
ش ملخص ما ُتفصح عنه هذه النصوص :
بربط هذه النصوص مع النصوص السابقة ،نجد أن النصوص السابقة ُ ،تحّذر
اليهود من الفساد في الرض ،ومن ثم ُتخبر بأن الفساد سيقع منهم ل
محالة ،مما ُيحتم انسكاب الغضب اللهي عليهم ،والنتيجة هي وفاة ثلثيهم ،
ونجاة ثلث ،وخراب أرضهم ،بمعنى نهاية دولتهم في فلسطين ،وهذا يعني
أن القدس ،ستكون في أيدي أناس من غير اليهود ،وهم الذين أنهوا الوجود
اليهودي فيها .
ومن ثم تبدأ بالخبار بأن أورشليم أي القدس ،ستكون محط أنظار جميع
شعوب العالم ،وبأن شعوبا كثيرة ،ستأتي لقتال أهلها والستيلء عليها ،
فيهلكوا جميعا ،وتبقى القدس آمنة عامرة بسكانها .وهلك هذه الشعوب
سيكون باحتراقها بالسلحة النووية ،وُيحارب أهل فلسطين آنذاك في معركة
برية ،فُينصرون ويغنمون ويسلمون .
270
والخصم ُيحّدده النص الخير ،بأبناء اليونان ،أي حلف الناتو بقيادة أمريكا ،
وُيخبر النص بأن ال سيقي شعبه المتواجد في فلسطين ،من صورايخ أعداءهم
وقنابلهم ،ويكون النصر حليفهم ،ومن ثم ُيخبر عن صفة القوم ،الذين
ُيحاربون أبناء اليونان ،وهي صفة ل تليق إل بالمسلمين .
بناء الهيكل تعبير مجازي والمراد منه إقامة الدين وليس إقامة البناء :
" :14-17 :1هذا ما يقوله الرب القدير :إّني قد غرت على أورشليم ،وعلى
صهيون ) جبل المسجد ( غيرة عظيمة ) ،من أجل ما فعلوه فيها ( ،ولك ّ
ن
غضبي ُمتأجج على المم المتنعمة ) وهم على رأسها ( .لقد اغتظت قليل
ح كثيرا ( من شعبي ،إل أّنهم زادوا من فواجعهم .لذلك يقول الرب : ) والص ّ
سأرجع إلى أورشليم بفيض من المراحم ) بعودتها إلى أهلها ( ،فُيبنى هيكلي )
فُيقام الدين ( ،وتعمر أورشليم ) ُتّتخذ عاصمة للحكم السلمي ( ،واهتف
قائل :هذا ما يقوله الرب القدير :ستفيض ُمدني خيرا ثانية ويرجع الرب ،
فُيعّزي صهيون ويصطفي أورشليم " .
ش وفيما يلي تكرار لنفس النص ،ولكن بدون التشويهات التي أضافها الكهنة إلى
النص أعله :
" :2-3 :8هذا ما يقوله الرب القدير :إّنني أغار على صهيون غيرة عظيمة ،
ُمفعمة بغضب شديد على أعدائها ) وأعداءها هم اليهود أنفسهم ( .لهذا يقول
لقيم في أورشليم ،فُتدعى آنئذ مدينة الرب القدير :ها أنا عائد إلى صهيون ُ
ق ،كما ُيدعى جبل الرب القدير بالجبل الُمقّدس " .
الح ّ
ش وهذا سيكون عند ظهور ملك القدس المنتظر ،الذي تتحّدث عنه النصوص
التالية :
المهدي ومسّماه وصفة ملكه :
" :8 :3فأصغ يا يهوشع رئيس الكهنة ،أنت وسائر رفاقك الكهنة الجالسين
أمامك ،أنتم رجال آية ) أي شهود ( :وها أنا آتي بعبدي الذي ُيدعى الغصن "
.
" :12-15 :6هكذا يقول الرب القدير :ها هو الرجل الذي اسمه الغصن ،
ينبت من ذاته ] وفي الترجمة الثانية /ومن مكانه ينبت [ ،ويبني هيكل الرب )
271
أي يقيم الدين ( .هو الذي يبني هيكل الرب ويتجّلل بالمجد ،ويكون ملكا
وكاهنا في آن واحد ) أي خليفة قائم بأمر الدين والدنيا ( ،فيجلس ويحكم على
عرشه ،فيعمل بفضل مشورة رتبتيه ) أي الملك والكهانة ( ،على إشاعة
السلم بين قومه .ويتوافد قوم من بعيد ليبنوا هيكل الرب .
ش وهذا الرجل ،غصن من شجرة محمد عليه الصلة والسلم ،وينبت في نفس
المكان أي من جزيرة العرب ،التي ُيسّمونها في التوراة ،جبال فاران .
" :19-22 :8ستكون مواسم ابتهاج وفرح وأعياد سعيدة ،يتمتع بها شعب
ق والسلم . … ،فتتوافد أمم كثيرة وشعوب قوّية ، يهوذا ،لهذا أحّبوا الح ّ
ليلتمسوا وجه الرب القدير ،في ُأورشليم وليحظوا برضاه .
ش قارن ما بين النصين لتكتشف التحريف والتبديل ،حيث وضعوا شعب يهوذا
في النص ) (22-19بدل من قومه في النص ) (15-12أعله ،وأضافوا
إلى النص الثاني ،ابنة صهيون وابنة أورشليم .
ملك القدس المنتظر ،الذي ُتخبر عنه توراة اليهود ،هو المهدي :
" :9-10 :9ابتهجي جدا يا ابنة صهيون ،واهتفي يا ابنة أورشليم ،لن هو ذا
ملكك ُمقبل إليك .هو عادل ظافر ،ولكّنه وديع راكب على أتان .وأستأصل
المركبات الحربية من أفرايم ،والخيل من أورشليم ،وتبيد أقواس القتال ،
ويشيع السلم بين المم ،ويمتّد ملكه من البحر إلى البحر ،ومن نهر الفرات
إلى أقاصي الرض " .
ش يقول اليهود أنه الملك الرب ،ويقول النصارى أنه عيسى عليه السلم وقد
تحقق ذلك ،والحقيقة أن هذه النبوءة مستقبلية ،ولم تتحقق لغاية الن ،
فصاحبها هو المهدي ،الذي سيقهر كل خصومه ،ومن ثم يشيع السلم والمن
،على امتداد ملكه الموصوف بالنص ،وهذا مما يجعل أي صحوة إسلمية ،
ب الرعب في قلوبهم الفزعة . تد ّ
الدجال وصفته في التوراة :
" :16 :11فها أنا مزمع ،أن ُأقيم في الرض راعيا ،ل يعبأ بالغنم الشاردة ،
ول يفتقد الحملن أو يجبر المكسورين ،ول ُيغذي الصحيح ،ولكنه يفترس
سمان منهم ،وينزع أظلفهم ،ويل للراعي الحمق الذي يهجر القطيع .ليبتر ال ِ
272
ف عينه اليمنى عن السيف ذراعه ويفقأ عينه اليمنى ،فُتيّبس ذراعه ،فتك ّ
البصر " .
ب إلهي في موكب ،من جميع قّديسيه .في ذلك " ، … :5 :14ويأتي الر ّ
اليوم ،يتلشى نور الكواكب ،ول يكون برد ول صقيع .ويكون يوم متواصل
ب ،ل نهار فيه ول ليل ،إذ يغمر النهار ساعات المساء .في معروف عند الر ّ
ي،ب نصفها في البحر الشرق ّ ذلك اليوم تجري مياه حية من أورشليم ،يص ّ
ب على الرض كلها ،فيكون في ذلك ونصفها في البحر الغربي ،ويملك الر ّ
ب واحد ل ُيذكر سوى اسمه " . اليوم ،ر ّ
" :16 :14فيصعد الناجون من المم ،التي تأّلبت على أورشليم ،سنة بعد
لت " .وإن تقاعست أّية سنة ليعبدوا الملك الرب القدير ،ويحتفلوا بعيد المظ ّ
عشيرة من عشائر أمم الرض ،عن الصعود إلى أورشليم ،لتسجد للملك
الرب القدير ،يمتنع المطر عن الهطول على ديارهم ،وإن أبى أهل مصر
ل البلء الذي ُيعاقب به الرب المم ، الصعود ،للشتراك في الحتفال ،يح ّ
لت … ،ول يبقى في هيكل الرب القدير التي ل تجيء للحتفال بعيد المظ ّ
جار في ذلك اليوم " . تّ
ش من يملك دراية بالحاديث النبوية الخاصة بآخر الزمان ،ل يشك بأن هذه
النصوص بالرغم من تلعب الكتبة بها وتشويهها ،تصف حال الدجال ،وما
يملك من خوارق ،في الفقرتين الولى والثالثة ،فهو يأتي لُيفسد في الرض ،
وهو أعور العين الُيمنى .يومه الول كسنة ليس فيه تعاقب لليل والنهار ،وبين
يديه نهران ،نهر من ماء ونهر من نار ،ويّدعي الربوبية ويجوب الرض
كلها ،وإن امتنع قوم من الستجابة له ،أمر السماء فأمسكت ،وأصبحت سمان
مواشيهم هزيلة ،والعكس بالعكس .والنص الخير يدعوهم لعبادة هذا الملك
الرب القدير ،فلذلك فهم ينتظرون ظهوره ،ويريدون استعجال المر ،
ليحارب أعدائهم ،كما كان ُيحارب عنهم في اليام الغابرة ،وأما الفقرة
غْيَر
ض َ
الثانية ،فكأنها تصف يوم القيامة في قوله تعالى ) َيْوَم ُتَبّدُل اَْلْر ُ
حِد اْلَقّهاِر ) 48إبراهيم ( ،وقوله ) َهْل ل اْلَوا ِ
ت َوَبَرُزوا ِّ سَمَوا ُ اَْلْرضِ َوال ّ
ي اَْلْمُر َوِإَلى ا ِّ
ل ضَ
لِئَكُة َوُق ِ ن اْلَغَماِم َواْلَم َ
ظَلٍل ِم َ
ل ِفي ُ ن َيْأِتَيُهُم ا ُّ
ن ِإلّ َأ ْ
ظُرو ََيْن ُ
جُع اُْلُموُر ) 210البقرة ( . ُتْر َ
273
النبوءات التوراتية وأثرها في تشكيل القناعات والعقائد اليهودية المشّوهة :
هذه النبوءات التوراتية الواعدة ،شكّلت أحد أبرز العقد في الشخصية
اليهودية ،وهي التطلع الدائم إلى الملك والسيادة ،في أرض الميعاد .وهذه
النبوءات ،كانت ُتسّير اليهود ،على مدى تاريخهم الطويل ،وما زالت ،في
حّلهم وترحالهم في أرجاء الرض ،بحثا عن هذا الُملك التوراتي الموعود ،
الذي نسجته أقلم الكهنة ،فظلموا أنفسهم وظلموا من جاء بعدهم ،ممن آمن
عميان البصر والبصيرة ،من أبنائهم هذه اليام ،بأن هذا من عند ال ،لُيلقي ُ
مصيرهم المظلم والمحتوم ،والذي تقشعّر من وصفه في التوراة ،أبدان الذين
يعقلون من الناس .ولكن اليهود … ل يسمعون … ول ُيبصرون … ول
يعقلون … ول يفقهون … إل أكاذيب أربابهم من الكهنة والحبار .ولذلك
جال عندسيكون من ينجو منهم ،من عقاب وعد الخرة ،صيدا سهل للد ّ
ظهوره بملكه المادي ،الذي هو القرب للوصف الذي خطه الكهنة ،وهو
القرب لهوائهم وأطماعهم ،التي لم تختلف قيد أنملة عن أهواء وأطماع
أسلفهم .
قراءة في العقائد اليهودية :
اليهود أقرب إلى القرار بوجود ال من إنكاره ،ولكن معرفة الُمِقّر منهم بال
محصورة ،في إطار ما جاء في التوراة والتلمود ،التي تصف ال بصفات ،
أقرب ما يكون إلى صفات الب البشري ،الذي يعطي ويعطف ويعفو
ويصفح ،ول يغضب على أبنائه ،مهما بلغوا من السوء ،وُيخطئ ولكنه يعود
ويعترف بخطئه في حق أبنائه ،ويرجع عنه ،وهم يعتبرون أنفسهم البن البكر
،صاحب الحظوة عند الب كما هي العادة ،ويتعاملون مع ال على هذا
الساس ،لفهمهم الخاطئ لمسألة التفضيل ،باختيارهم لحمل الرسالة
السماوية ،ورعاية ال لهم فيما مضى من الزمان ،وتستطيع تصّور العقلية
التي يتعاملون بها مع ال ،بعقلية البن الُمدّلل الناني الفاسد والمفسد ،عديم
البصر والبصيرة ،والذي ل يتوقع من أبيه الذى ،مهما ارتكب من أخطاء .
حتى ولو حّذره والده مرارا وتكرارا ،من استمراره على نفس الحال ،فهو ل
يريد أن ُيصّدق أن هذا الب المعطاء الحاني ،من الممكن يوما من اليام ،أن
ُيعاقب ابنه المدّلل ،مهما كانت السباب .وتستطيع تصّور الكيفية التي يتعامل
274
بها اليهود ،مع باقي البشر ،من خلل الكيفية التي يتعامل بها ذلك البن مع
باقي أخوته ،وهذه الكيفية هي ما تجده في تعاليم التلمود .
خر ،فمؤدى نكران اليوم وأخطر معتقدات اليهود ،هو عدم اليمان باليوم ال ِ
خر ،هو نكران للبعث بعد الموت ،ونكران للحساب ،ونكران للجزاء ال ِ
الخروي ،والبديل إن ُوجد فهو الجزاء الدنيوي .وهذا مما يؤدي إلى العتقاد
بعبثية الخلق ،وعبثية اليمان بال أصل ،فل جدوى من الصلح والصلح ،
إن لم يكن هناك ثواب ،ول ضير من الفساد والفساد ،إن لم يكن هناك
عاقبة ،وبعض من هذه الفكار اللحادية ،تجدها في التوراة في سفر
الجامعة ،سفر العبث والعبثية .ولذلك أخذ اليهود على عاتقهم ،مسؤولية
الفساد في الرض دونما وازع أو رادع ،بما أخفاه مؤلفو التوراة من ذكر
لليوم الخر ومتعّلقاته ،فالثواب حسب اعتقادهم ،هو مقدار ما ينالونه من
كسب دنيوي بشتى الوسائل والسبل ،والعقاب هو مقدار ما يخسرونه من هذا
الكسب .وحتى ُيجّنب رب العزة أّمة السلم خطر هذا العتقاد ،اقترن ذكر
اليمان بال بذكر اليمان باليوم الخر والخرة ،بصريح اللفظ 26مرة في
القرآن ،وتكاد ل تخلو سورة من ذكر متعّلقاته أو التذكير بها ،من بعث
وحساب وجزاء ،وما يليه من عقاب وثواب .وانعدام إيمانهم باليوم الخر ،
أوجد لديهم الصفات السلبية ،التي تمتعوا بها على مّر العصور ،مثل الحرص
على الحياة ،والجبن ،والبخل ،والسعي وراء الكسب المادي ،وانعدام
المبادئ والقيم والصفات البشرية المحمودة .
وللتعويض عما حذفوه من الصول العقائدية الصحيحة ،وللتوفيق ما بين
المعتقدين السابقين ،طرح مؤلفو التوراة والتلمود ،الكثير من الفكار اللحادية
،كفكرة الملك الله الرب من نسل داود ،الذي سيظهر بلحمه ودمه ،ليسكن
جبل صهيون في القدس ،ويحكم العالم إلى البد ،لينفوا بعبارة ) إلى البد (
أي أمل لليهود ليعتقدوا بنهاية الحياة الدنيا ،وبوجود حياة أخرى هي التي
تتصف بالبدية ،مما أبهم على العامة مصير الروح بعد الموت ،فطرحوا
حول مصيرها أفكار متضاربة ،هي أقرب إلى المعتقدات الوثنية ،منها إلى
أي شيء آخر .
275
أثر هذه المعتقدات في الشخصية اليهودية :
كان السبي البابلي بما أحدثه من دمار وتنكيل وأسر ،أكبر صدمة يتعرض لها
الشعب اليهودي ،حيث قلبت كيانهم رأسا على عقب ،ولم تقم لهم قائمة منذ
ذلك اليوم ،حتى تمكنوا من تحقيق علوهم الثاني في فلسطين ،ولول مشيئة ال
التي ينكرونها ما كان .والذي لم يكن يتخيله أو يتصوره اليهود آنذاك وهم في
قمة علوهم الول ،أن يتخلى عنهم رب الجنود ،وأن يبعث عليهم أمة جافية
ل وخزيا ،بعد عزة الوجه ،لتعمل فيهم سيف انتقامه ،وأن ُينزل بهم ضعة وذ ّ
وقوة وعلو ،بالرغم من كل ذلك الدلل -الموّثق في التوراة -الذي أحاطهم
به ،منذ خروجهم من مصر ،وما أجراه لهم من معجزات ،وعفوه سبحانه
عنهم رغم كفرهم وعصيانهم وعدوانهم ،مرارا وتكرارا ،حتى أدخلهم إلى
الرض المقّدسة ،وأقام لهم مملكة بل جهد أو عناء .
وبالرغم من وضع نبوءة الفسادين وما يليهما من عقاب ،سيفا إلهيا مسلطا
على رقابهم ،لم ولن يرجعوا عن غيهم وطغيانهم ،فهم مسكونون بما تقّوله
كهنتهم وأحبارهم وحاخاماتهم ) الحكماء ( ،على ال وعلى رسله ،وعلى كل
ما هو مقّدس ،مما أدى إلى إصابتهم كأّمة ،بحالة معقّدة من الفصام العقلي ،
من جراء اعتناقهم لمعتقدات خاطئة ،نتيجة ما زرعه حكماؤهم في التوراة
والتلمود ،من خرافات وأساطير وآراء وتفسيرات ،هي أقرب ما يكون إلى
الوهام والهلوس ،فأنبتت تلك المسوخ الشيطانية ،عديمة البصر والبصيرة ،
التي اّتحدت وآمنت بشكل جماعي بمعتقدات خاصة بها ،تتنافى مع الطبيعة
البشرية السليمة ،فُرفضت واضطهدت من كل المجتمعات البشرية ،التي
ساءها ذلك السلوك الجماعي الشاذ والمنحرف لتلك المسوخ ،وبالتالي لم تجد
الشعوب ،حل لمشكلتهم ،إل الطرد والنفي ،أو إجبارها بمراسيم ملكية ،على
التقوقع والعيش كالبهائم في حظائر المواشي ،المسماة بالغيتوهات أو الكيبوتس
ن الغرب أنهم بإيجاد غيتو كبير لهم فلسطين ،ومع ذلك لم ينجح هذا الحل ،وظ ّ
،ونفيهم إليه وحشرهم فيه ،سيتخلصون من مشكلتهم إلى البد ،ولكن تبين
لهم بعد فوات الوان ،أنهم كانوا على خطأ ،إذ أنهم بعد تمّكنهم من إقامة وطن
قومي لهم ،أصّر معظمهم وخاصة الغنياء منهم على البقاء في الغرب ،
فأصيب نصارى الغرب مؤخرا بعدوى الفصام اليهودي ،لنهم يملكون
استعدادا وراثيا توراتيا لذلك ،لما يحملونه بدورهم من معتقدات خاطئة ،بناًء
276
على ما جاء في النجيل ،من أوهام وهلوس مشابهة .لذلك من الطبيعي
جدا ،أن ترى زعماء اليهود يصافحون العرب ،راسمين على شفاهم تلك
البتسامة العريضة ،بينما أيديهم تقطر من دم أبنائهم وأخوانهم ،وكأن شيئا لم
يكن .
ما يعتقده اليهود بالنسبة لوجودهم الحالي في فلسطين :
خلصة ما يعتقده اليهود هذه اليام ،وهم القرب والكثر فهما لنبوءات التوراة
،لمعرفتهم بالطرق السرية التي ُكتبت فيها نصوص التوراة ،وما تضمنته من
أسرار ورموز ،مفاتيح حلها موجودة ،في كتب خاصة لديهم ،بناًء على ما
تقّدم :
ُ .1تخبرهم بعض نصوص التوراة بأنهم ،بعد العودة من الشتات ،ل
محالة سُيفسدون ،وأن ال سيبعث عليهم من ُيعاقبهم ،من العراق أو
إيران أو كليهما .
ن ُملكهم بعد العودة من الشتات ، .2وُتخبرهم نصوص أخرى ،أ ّ
سينضوي مستقبل ،تحت لواء ملك من نسل داود أو الملك الرب القدير ،
يظهر آخر الزمان ،يقود اليهود وينتصر على أعداء إسرائيل ،في
الحرب القادمة ،ويحكم العالم أجمع من القدس ،ملكا أبديا ،يتصف
بالحق والعدل والسلم ،وأن أوانه قد اقترب ،ولتعجيل ظهوره ،ل بد
لهم من الستيلء على أرض فلسطين كاملة ،وتفريغ شعبها منها .وهدم
المسجد القصى ،وبناء الهيكل ،لكي يتسنى لهذا الملك تقديم القربان
الُمقّدس على مذبح الهيكل ،وهو أول عمل سيقوم به فور ظهوره ،
جل بظهور هذا الملك . ويعتقدون بأن سرعة إنجاز هذه المور ،سُتع ّ
.3وُتخبرهم نصوص أخرى ،أن هناك كم هائل من العداء ،الذين
سُيهاجمون إسرائيل مستقبل ،وسيكون النصر حليف إسرائيل وحلفائها .
لذلك فهم يعملون بل كلل أو ملل ،من وراء الستار الغربي المريكي
البريطاني ،لتأمين هذا النصر الموعود .
ش لذلك ل بد لهم من أجل مخالفة النبوءة التي تخبر عن دمار دولتهم ،ومن أجل
تحقق النبوءة ،التي تنسب إليهم الملك البدي ،الذي سيقوم في القدس في نهاية
المر ،أن يعملوا :
277
.1على تقوية إسرائيل بإمدادها بالموال والتكنولوجيا العسكرية الُمتطّورة
التقليدية والنووية .
.2على إجبار دول هؤلء العداء التوراتيون على الموالة للغرب ،ومن
ثم الموالة لسرائيل عن طريق الترغيب والترهيب .
.3على حرمان الدول المعادية لسرائيل من هذه القدرات ،وإضعاف هذه
القدرات حين امتلكها وتدميرها .
.4على تدمير الستقرار الداخلي لتلك الدول ،سياسيا واقتصاديا
واجتماعيا ،إن تعّذر ذلك عسكريا .
ش ويعتقدون أن الخطر القادم يتمّثل بشكل أساسي في :
.1البلدان العربية والسلمية وعلى رأسها العراق .
.2البلدان الشيوعية المناهضة للديموقراطية الرأسمالية ،وعلى رأسها
روسيا .
.3شخص المير الُمسلم الذي أخبرت عنه التوراة ،بأنه سيخرج من
جزيرة العرب ،ليملك مشارق الرض ومغاربها .
وللسباب الثلثة مجتمعة ،عمل اليهود وما زالوا يعملون ،على تواجد
الساطيل والقواعد العسكرية المريكية البريطانية ،بشكل مكثف في منطقة
الخليج العربي والجزيرة العربية ،وتركيا والبحر الحمر والبحر البيض
المتوسط سابقا ولحقا ،لكي تمنع العراق من مهاجمة إسرائيل ،ولكي تمنع
هذا المير المسلم من الخروج من أرض الجزيرة ،وظهور أمره وأمر السلم
من جديد .فكما أنهم أي اليهود ،سكنوا جزيرة العرب ،ليحاربوا جّده عليه
الصلة والسلم .فهم الن متواجدون فيها تحت القناع المريكي ،في انتظار
خروجه ،ليحاربونه بل أدنى شك .ولقطع الطريق على الجيش الروسي عند
هجومه على إسرائيل ،أما اّدعائهم بالتواجد في منطقة الخليج ،للحفاظ على
مصالح الوليات الُمتحدة ،فذلك لذّر الرماد في العيون ،فمصالحهم محمّية
بسواعد عربية ،وأوامرهم مطاعة حتى في غرف النوم .
وغزو العراق لسرائيل ،الذي هو أول مشهد في الحلقة الخيرة ،من مسلسل
اليهود التاريخي الطويل ،قد اقترب أوانه وأشرف زمانه ،وهم يعلمون ذلك
278
من خلل الحساب ،ومن خلل الظواهر الفلكية ،كما علموا قديما عن طريق
الفلك ،بموعد مولده عليه السلم وموعد بعثه .
أعداء دولة إسرائيل التوراتيون بمسّمياتها القديمة والحديثة حسب
تفسيرهم :
.1بابل وآشور وبلد الكلدانيين ورجال فارس ش العراق ) .درجة أولى
في العداء التوراتي لسرائيل ،وبامتياز مع مرتبة الشرف ( .تم توريطه
ي الخليج الولى والثانية ،وضرب المفاعل النووي ،وفرض في حرب ّ
حصار أبدي ،ويطمحون إلى إبادة شعبه بالسلحة النووية ،في أقرب
فرصة ممكنة .ومشمول في قائمة الدول الراعية للرهاب .
ل حلفائهما ،وبيت توجرمة من أقاصي .2روش وماشك وتوبال وك ّ
الشمال ش دول التحاد السوفييتي السابق ) .درجة ثانية ( .تم تفكيك
التحاد السوفييتي ،وإضعاف الحزب الشيوعي المناهض للغرب ،
وتدمير اقتصاد روسيا وتوريطها مع صندوق النقد الدولي .وتوريطها
في حربين استنزافيتين في جمهورية الشيشان .
.3مادي ،ملوك الشرق ش إيران ) .درجة ثانية ( .تم توريطها في حرب
الخليج الولى ،ومقاطعة اقتصادية أمريكية وعداء ُمعلن ،تشجيع
الحركات الصلحية الهدامة ،وإثارة الفتن والثورات الداخلية ،لشعال
حروب أهلية ،طمعا في قلب نظام الحكم السلمي فيها ،وهي مشمولة
في القائمة المريكية للدول الراعية للرهاب .
.4إثيوبيا ش السودان ) .درجة ثالثة ( .ما زالت الحروب الهلية التي
يدعمها الغرب مشتعلة فيها ،ومقاطعة اقتصادية أمريكية وعداء ُمعلن ،
ُوقصفت بالصواريخ المريكية في زمن ) كلينتون ( ،لتهامها بالتعاون
مع ابن لدن ،وهي مشمولة في القائمة المريكية للدول الراعية
للرهاب .
.5ليبيا ) .درجة ثالثة ( ٌقصفت من قبل الطائرات المريكية في زمن
الرئيس المريكي ) ريغان ( ،تم فبركة حادثة تفجير الطائرة ) لوكربي (
،واُتهمت بتدبيرها ،ومن ثم ُفرض عليها ،حظر دولي من مجلس المن
279
،ومقاطعة اقتصادية أمريكية ،وهي مشمولة في القائمة المريكية للدول
الراعية للرهاب .
.6أشور وحلفائها ش سوريا ) .درجة ثالثة ( .موضوعة على جدول
مؤامراتهم القادمة ،وهي مشمولة في القائمة المريكية للدول الراعية
للرهاب .
.7عيلم وحلفاؤها ،ملوك الشرق ش أفغانستان وباكستان ) .درجة
ثالثة ( .حظر ومقاطعة اقتصادية على كلتا الدولتين ،تم قصف
معسكرات تنظيم القاعدة في أفغانستان .وأفغانستان غير مشمولة في
القائمة المريكية للدول الراعية للرهاب ،كونهم ل يعترفون بنظام
الحكم فيها .
280
النبوءات النجيلية بين الماضي والمستقبل
النجيل في الصل كتاب سماوي ُ ،أنزل على عيسى عليه السلم ،بنص واحد
مصدقا لما جاء في التوراة ،ويحمل في طياته شريعة جديدة لليهود ،وناسخة
لبعض ما جاء في شريعة موسى ،لتخّفف عنهم الكثير من العباء ،والكثير
من القيود والغلل ،التي كانوا قد ألزموا بها في التوراة ،نتيجة فسقهم
وعصيانهم وظلمهم .
ومن أهم ما جاء به عيسى عليه السلم ،هي البشرى بنبي الهدى ) أحمد (
عليه الصلة والسلم .وكلمة النجيل في اليونانية تعني البشرى أو البشارة ،
ويّدعي النصارى أن هذه البشرى هي بشرى الخلص .أّما فيمن كانت البشارة
سَراِئيَل ِإّني
ن َمْرَيَم َيَبِني ِإ ْسى اْب ُعي َحقيقة ،فنجده في قوله تعالى ) َوِإْذ َقاَل ِ
ن
سوٍل َيْأِتي ِم ْ شًرا ِبَر ُن الّتْوَراِة َوُمَب ّ
ي ِم َ
ن َيَد ّ صّدًقا ِلَما َبْي َ
ل ِإَلْيُكْم ُم َ
سوُل ا ِّ
َر ُ
ن ) 6الصف ( . حٌر ُمِبي ٌ سْت َقاُلوا َهَذا ِ جاَءُهْم ِباْلَبّيَنا ِ حَمُد َفَلّما َ
سُمُه َأ َْبْعِدي ا ْ
ونص البشارة بنبينا محمد عليه الصلة والسلم ،موجود في النجيل الرابع
المنسوب ليحيى ) يوحّنا ( عليه السلم ،في الصحاحات ) ، ( 16-14
وُمسّمياته هي " المؤّيد" و " المؤّيد الروح الُقدس " و " روح الحق " و" سّيد
هذا العالم " ،في الترجمة التي اقتبست منها هذا النص .وفي ترجمات
أخرى " :الروح الُقدس الُمِعين " " ،الُمَعّزي " .
أما ما هو موجود هذه اليام في الناجيل ،هو ُمجّرد بقايا من الوحي اللهي ،
الُمنزل على الرسل .وهذا ما يؤكّده حتى المؤمنين به من النصارى أنفسهم .
فقد جاء في مقّدمة نسخة العهد الجديد من الكتاب الُمقّدس ،دار المشرق ط
، 13ما نصه " إن القارئ في عصرنا ،وهو حريص على الّدقة ،ل ينف ّ
ك
يبحث عن الحداث ،التي تم إثباتها والتحّقق منها ،يقع في حيرة أمام تلك
المؤلفات ) الناجيل الربعة وملحقاتها ( ،التي تبدو له مفّككة ،يخلو تصميمها
من التنسيق ،ويستحيل التغلب على تناقضاتها ،ول ُيمكنها أن ترّد على
السئلة التي ُتطرح عليها " .
وهكذا يعترف رجالت الدين المسيحي ،أن محتويات كتابهم المقّدس
ُمتناقضة ،وأنها مؤلفات ُكتبت بأيدي بشر ،بعد المسيح بما يزيد على 300
سنة ،وأقدم النسخ المتوافرة ذات أصل يوناني ،تعود إلى القرن الرابع
281
الميلدي .وأما النصوص الصلية للنجيل بلغته العبرية أو الرامية ،فهي
غير موجودة .وللحقيقة يستحيل أن يكون ذلك صحيحا .فقد سمعت يوما ،أن
الكثير من المخطوطات الصلية ،موجود على شكل لفائف وقراطيس ،في
قوارير زجاجية على رفوف ،في أقبية الكنائس الكبرى .ول ُيسمح لي كان
من الوصول إليها ،إل كبار رجالت الكنيسة ،الحريصون على إضلل الناس
،بكتم ما في تلك المخطوطات من حقائق ،تنفي ألوهية عيسى ،وتدعوا إلى
وحدانية ال .
ي النصارى ،فهو ل يعدو أكثر من كونه كتاب أما الكتاب الموجود حاليا بين يد ّ
،يحكي سيرة المسيح عليه السلم -كما التوراة تحكي سيرة موسى -بشكل
حائر وُمضطرب ،تغلب عليه ِذكر أفعاله أكثر من أقواله ،حتى أنك تشعر عند
قراءته ،أن المسيح شخصية خيالية أسطورية ساذجة غبية وبليدة ،خالية من
الحكمة والمنطق ،وحاشا ل أو لبنه كما يّدعون ،أو حتى لرسول أن يكون
كذلك .غير أن إنجيل يوحّنا ) يحيى ( ،وسفر الرؤيا المنسوب ليوحّنا ،يبدو
أنهما أكثر قربا ،إلى السفار الُمتأخرة من التوراة ،حيث أنهما يتفقان مع
أسلوب كتابة النصوص التوراتية ،إلى درجة التطابق ،من حيث النشاء
واللفاظ الُمستخدمة والُمسمّيات ،وحتى تكرار وازدواجية النصوص ،التي
جمعا ونسخا من مصدرين ُمختلفين . تؤكد أنهما ُ
وقد جاء في مقّدمة سفر الرؤيا ،من نسخة العهد الجديد من الكتاب الُمقّدس ،
دار المشرق ط ، 13ما نصه " :ل يأتينا سفر رؤيا يوحّنا ،بشيء من
اليضاح عن كاتبه .لقد أطلق على نفسه اسم يوحّنا ،واسم نبي ،ولم يذكر
ي عشر ) التلميذ ( .هناك تقليد على شيء من الثبوت ،وقد قط ،أنه أحد الثن ّ
عثر على بعض آثاره منذ القرن الثاني ) الميلدي ( ،وورد فيه أن كاتب ُ
الرؤيا هو الرسول يوحّنا ،وقد ُنسب إليه أيضا النجيل الرابع .بيد أنه ليس في
التقليد القديم إجماع على هذا الموضوع .وقد بقي المصدر الرسولي لسفر
الرؤيا ،عرضة للشك مّدة طويلة ،في بعض الجماعات المسيحية .إن آراء
سرين في عصرنا ُمتشعبة كثيرا ،ففيهم من يؤكد أن الختلف في النشاء الُمف ّ
والبيئة والتفكير اللهوتي ،يجعل نسبة سفر الرؤيا والنجيل الرابع ،إلى كاتب
سرون يرون أن ظروف إنشاء سفر الرؤيا ،أشّد واحد أمرا عسيرا .وهناك ُمف ّ
تشعبا من ذلك بكثير ،فهو ليس ُمؤّلفا ُمتجانسا ،بل محاولة غير ُمحكمة لجمع
أجزاء ُمختلفة ُ ،أنشئت ،ثم ُنّقحت في العقود الخيرة من القرن الول " .
282
وللحق نستطيع الجزم ،بأن التوراة تم تنقيحها وجمعها بشكل نهائي ،في هذه
الحقبة من الزمن ،بعد وفاة عيسى ويحيى عليهما السلم .
نجد من خلل ما تقّدم أن النصارى أنفسهم ،كان لديهم الكثير من الشكوك حول
سفر الرؤيا ،وبعد قراءتي لمحتوى هذا السفر تبين لي ،أن أسلوب إنشاءه هو
نفس السلوب ،الذي ُأنشئت به أسفار التوراة ،من حيث اللفاظ والعبارات ،
وحتى تكرار الفكار والنصوص وتحويرها وتحريفها ،وتبديل مواضعها من
تقديم وتأخير ،لتشويه الرؤى النبوية التي تأتي عادة في غير صالح اليهود .
والسفر يحتوي على نبوءات ُمشابه ،لما جاء في السفار الُمتأخرة من التوراة .
حيث أن سفر زكريا في التوراة ،ينتهي عند ذكر الدجال ،وُيغفل ما سيأتي
بعده من أحداث .وتجد أن سفر الرؤيا ُيعيد بعض ما جاء في السفار الُمتأخرة
من التوراة ومن ضمنها سفر زكريا ،ويكمل الحداث حتى دخول أهل الجنة
الجنة ،ودخول أهل النار النار .
وما تقّدم يدفعني إلى العتقاد ،أن كتبة هذين السفرين ،هم كهنة اليهود الذين
ألفوا التوراة ،إذ أن آثار أقلمهم واضحة للعيان ،مما فيه من تناقض أحيانا
وتكرار أحيانا أخرى ،لمحاولتهم فهم هذه النبوءات وتفسيرها ،حسبما يتناسب
مع زمانهم ،أي مع بداية التقويم الميلدي ،حيث كانت مقومات ذلك العصر
ورموزه ،تختلف كليا عّما لدينا في العصر الحالي ،حيث بدأت هذه النبوءات
هذه اليام ،تأخذ مكانها على أرض الواقع .
ويبدو أن الُمتأخرين من الكهنة اليهود ،كانوا عاقدي العزم ،على ضّم سفر
الرؤيا والنجيل المنسوب إلى يوحّنا إلى التوراة ،فشأعملوا أقلمهم فيهما ،
ويبدوا أنهم تراجعوا عن ذلك في اللحظة الخيرة ،فقّرروا إسقاطهما ،بعد أن
تنكّروا لنبوة يحيى وعيسى عليهما السلم .فسفر الرؤيا كما الحال بالنسبة
جمعات كهنتهم ) الُمسّماةلنجيل يوحنا ُ ،يهاجم اليهود أنفسهم ،ويهاجم م ّ
بالسنهدرين ( التي كانوا يتدارسون فيها التوراة ) والحقيقة أنهم كانوا يدرسون
التوراة كما ندرس الزيتون ( ،والتي وصفها هذا السفر بُمجمعات الشيطان .
حيث جاء فيه " رؤيا :9 :2وأعلم افتراء الذين يقولون أنهم يهود وليسوا بيهود
،بل هم َمجَمع للشياطين " .رؤيا :9 :3ها إني أعطيك ُأناسا من َمجَمع
للشيطان ،يقولون أنهم يهود ،وما هم إل كّذابون " ،وهاتين العبارتين مثال
على التكرار لنفس المعنى وبنفس اللفاظ تقريبا .
283
بالضافة إلى ذلك جاء سفر الرؤيا ،بنبوءات ُتخالف أهواء الكهنة ،وتتناقض
طه الكهنة الُمتقّدمين .ومنها أّنه ُيثبت البعث والحساب والجزاء
مع ما كان قد خ ّ
،وهذا مما ُينكره اليهود ويجحدونه .فالتوراة على امتدادها الشاسع ،ل تجد
ضح مصير الروح بعد الموت .وما يملكونه من معتقدات ، فيها حتى كلمة ،تو ّ
فيا يتعلق بالروح والبعث والجزاء ،تعتمد في الدرجة الولى على أقوال
متناقضة ومرتبكة لحكمائهم ،وهذه القوال مثبتة في التلمود ،وهي أقرب ما
تكون إلى معتقدات الوثنيين ،كتناسخ الرواح والحلولية .
وربما تكون نسبة هذا السفر إلى ) يوحّنا ( ،وهو يحيى بن زكريا عليهما
السلم صحيحه ،حيث أن يحيى كان قد سبق عيسى عليه السلم في البعث
لليهود ،وحال سفر الرؤيا يشبه حال السفار المتأخرة من التوراة ،التي
امتازت بالطابع الدعوي النبوي في معظمها .وبعد أن أسقط اليهود النجيل
وسفر الرؤيا ،المنسوبين إلى يوحنا من التوراة ،تلّقفته كهنة النصارى ،ومن
ثم قاموا بتحريفه بالحذف والضافة والتبديل ،لثبات ُألوهية عيسى عليه
السلم ،وأضافوه إلى كتابهم الُمقّدس ،على ما هو عليه من ازدواجية
وتكرار ،في اللفاظ والفكار .
أّما الكلم في النجيل المنسوب إلى يوحّنا ،هو أقرب ما يكون إلى كلم عيسى
عليه السلم ،حيث جاءت على لسانه البشارة بنبّينا عليه الصلة والسلم ،كما
نص عليها القرآن الكريم ،وهذا النجيل يتمّيز عن باقي الناجيل ،بأنه ُيرّكز
على القوال التي جاء بها عيسى عليه السلم ،أكثر من طابع السرد القصصي
للفعال التي قام بها ،الذي غلب على الناجيل الخرى .
إنجيل يوحنا
284
أّما أنتم فتعلمون ،أّنه ُيقيم عندكم ويكون فيكم ،لن أدعكم يتامى ،فإني أرجع
إليكم " .
ش ُيخبر عيسى أتباعه في هذا النص أن الب سيرسل لهم مؤيدا آخر ،غير
عيسى عليه السلم ،فإن كان عيسى هو ال ،فإن ال سيبعث للنصارى إلها
غير عيسى ،وإن كان ابن ال ،فإن ال سيبعث لهم ابنا له غير عيسى ،وإن
كان عيسى رسول ال ،فإن ال سيبعث لهم رسول آخر غيره .وُيخبر أيضا أن
ق ويعدل به ، رسالته ،ستكون خاتمة الرسالت السماوية ،ويأتي بالح ّ
وُيخبرهم بأنهم امتازوا على الخرين من سكان العالم ،بأن لديهم علم بهذا
الرسول ،وبإخبارهم أيضا أن الوحي من بعده لن ينقطع .
" : 24-25 :14ومن ل ُيحبني ل يحفظ كلمي ،والكلمة التي تسمعونها ليست
كلمتي ،بل كلمة الب الذي أرسلني .قلت لكم هذه الشياء وأنا ُمقيم عندكم " .
" :26-31 :14ولكن المؤّيد الروح القدس ،الذي ُيرسله الب باسمي ،هو
ُيعلمكم جميع الشياء ،وُيذّكركم بجميع ما قلته … .لقد أنبأتكم ُمنذ الن بالمر
قبل حدوثه ،حتى إذا حدث تؤمنون .لن ُأطيل عليكم الكلم بعد ذلك ،لن سيد
ي .وما ذلك إل ليعرف العالم أّني ُأحبّ الب ، هذا العالم آت ،وليس له يد عل ّ
وأّني أعمل كما أوصاني " .
ش يخبرهم بأن هذا المؤّيد ،سُيذّكرهم من خلل الوحي بما سبقه ،وُيعّلمهم أشياء
جديدة ،وسبب إخباره لهم بذلك ،هو وجوب اليمان به واّتباعه عند ظهوره .
يصفه عيسى بأنه سّيد هذا العالم ،ويؤكد مجيئه ،وأنه ذو أفضلية على من قبله
،وُيخبرهم في نهاية النص أّنه بّلغهم البشارة بأمانة ،كما أخبره ربه .
ق الُمنبثق من
" :26-27 :15ومتى جاء الُمؤّيد ،الذي أرسله لكم روح الح ّ
الب ،فهو يشهد لي ،وأنتم أيضا تشهدون ،لنكم معي منذ البدء " .
ش هذا النص تكرار لجزاء مما تقدم من نصوص .
ُ :1-14 :16قلت لكم هذه الشياء لئل تعثروا .سيفصلونكم عن المجامع ،بل
ل من يقتلكم ،بأنه يؤدي عبادة ل … .وقد قلت هذه ن فيها ك ّ
تأتي ساعة ،يظ ّ
الشياء لكم لتذكروا إذا أتت الساعة ،أّني ُقلتها لكم .ولم أقلها منذ البدء ،لّني
كنت معكم .أّما الن ،فإّني ذاهب إلى الذي أرسلني ،وما من أحد يسألني إلى
285
أين أذهب ؟ ل بل مل الحزن قلوبكم ،لّني قلت لكم هذه الشياء .فإن لم أم ِ
ض
،ل يأتكم المؤّيد .أّما إذا ذهبت فأرسله إليكم " .
_ ُيثبت هذا النص بما ل يدع مجال للشك ،أن هذا المؤّيد سُيرسل ل محالة ،
وأن بعثه مرتبط بذهاب عيسى عليه السلم .
" :8-11 :16وهو ،متى جاء ،أخزى العالم ،على الخطيئة والبّر والدينونة :
أما على الخطيئة ،فلنهم ل يؤمنون بي .وأّما على البّر ،فلني ذاهب إلى
أبي ،وأما على الدينونة ،فلن سّيد هذا العالم قد ِدين . ".
ش هذا النص فيه فلسفة تفسيرية من الكاتب ،محاول ترميم ما أفسده من تغيير
لللفاظ والعبارات ومواضعها ،والمعنى المراد من وراء هذا النص ،أنه يأتي
شرا بالثواب وُمنذرا شرا ونذيرا ،يدعوا إلى البّر وُيدين الخطيئة ُ ،مب ّ شاهدا وُمب ّ
بالعقاب وشاهد على الخلق يوم الدينونة أي يوم القيامة ،وال أعلم ،قال تعالى
شًرا َوَنِذيًرا ) 45الحزاب ( . شاِهًدا َوُمَب ّ
ك َ سْلَنا َ
ي ِإّنا َأْر َ
) َيَأّيَها الّنِب ّ
ق كله ،لّنه" :13-14 :16فمتى جاء هو ،أي روح الحقّ ،أرشدكم إلى الح ّ
جدني لنه لن يتكّلم من عنده ،بل يتكّلم بما يسمع ،ويخبركم بما سيحدث ،سُيم ّ
يأخذ مما لي وُيخبركم " .
ق ،وُيبّلغ رسالة ربهق " ،سيرشدهم إلى الح ّ ش هذا النص ُيخبر بأن " روح الح ّ
حى ) 4النجم ي ُيو َ
حٌ
ن ُهَو ِإّل َو ْ
ن اْلَهَوى )ِ (3إ ْعِق َ ط ُ
على أكمل وجه َ ) ،وَما َيْن ِ
( .وُينبئهم بأمور غيبية ستحدث لحقا .
ولو أمعنت النظر أخي القارئ ،في النصوص أعله أو رجعت إلى الكتاب
نفسه ،ستكتشف بسهولة محاولت التضليل والتمويه ،من خلل تتّبع
النصوص ومقارنتها مع بعضها البعض ،فاللفاظ والُمسّميات تتكّرر بصورة
ُمزدوجة ،وتتقّدم أحيانا وتتأخر أحيانا أخرى ) ُيحّرفون الكلم عن
مواضعه ( ،كما هو الحال في النصوص التوراتية تماما .وغالبا ما يكشف أحد
النصوص المزدوجة كذب ،وتضليل النص الخر .
286
إنجيل متى
289
ظواهر فلكية تسبق بداية النهاية :
" :29 :24وعلى أثر الشّدة في تلك اليام ُ ،تظلم الشمس ) كسوف ( ،والقمر
ل ُيرسل ضوءه )خسوف ( ،وتتساقط النجوم من السماء ) الصواريخ ( ،
وتتزعزع قوات السماء ) دوي النفجارات ( .وتظهر عندئذ في السماء آية ابن
النسان .فتنتحب جميع قلئل الرض ،وترى ابن النسان آتيا على غمام
السماء ،في تمام العزة والجلل " .
ش وهذا النص جعل الصوليون النجيليون ،يعتقدون بأن مجيء عيسى عليه
السلم ،يسبقه حرب كونية نووية شاملة ،تحرق الخضر واليابس ،وهم
يعملون على دفع القادة السياسيين في أمريكا ،إلى التحضير لها ،بغية
النتصار فيها ،والنجاة من أهوالها ،فهي ل محالة قادمة ،ومن ضمن
التحضيرات -فضل عن التسلح النووي -إصرار أمريكا مؤخرا ،على إنشاء
الدرع المضاّد للصورايخ البالستية .
أحداث النهاية ستكون مباغتة :
" :32 :24من التينة خذوا العبرة ،فمتى لنت أغصانها ونبتت أوراقها ،
ل هذه المور ،فاعلموا أنعلمتم أن الصيف قريب ،وكذلك أنتم ،إذا رأيتم ك ّ
ابن النسان قريب ،بل على البواب … السماء والرض تزولن ،وكلمي
ل يزول … " .
" :37 :24وكما كانت الحال في زمن نوح ،كذلك ستكون عند رجوع ابن
النسان ،فقد كان الناس قبل الطوفان ،يأكلون ويشربون ويتزّوجون
وُيزّوجون ،وما كانوا يتوقعون شيئا ،حتى جاء الطوفان فجرفهم أجمعين " .
رؤيا يوحّنا
292
ش ل أجد تفسيرا لهذه النبوءة ،إل أنها ُتخبر عن المهدي ) الحمل ( وعروسه
) القدس ( ،وجيوشه ) الجناد ( ،وانتصاراته في حروبه التي سيخوضها .
عودة المسيح :
" :4 :20ثّم رأيت عروشا ُمنح الجالسون عليها حق القضاء .ورأيت نفوس
الذين ُقتلوا في سبيل الشهادة ليسوع ،وفي سبيل كلمة ال ،والذين … ،وقد
عادوا إلى الحياة ،وملكوا مع المسيح ألف سنة .هذه هي القيامة الولى .أما
بقية الموات فل يعودون إلى الحياة حتى تنقضي اللف سنة " .
ش ظاهر هذا النص ُيبشر بعودة المسيح ،وبأنه سيحكم من انتسب إلى الديانة
المسيحية ،بعد بعثهم من الموت ،بغض النظر عن فساد من انتسب إليه أو
صلحه ،مدة ألف عام يعيشون فيها بسلم ،أما بقية البشر من غير
المسيحين ،فسيقومون بعد ألف سنة ،فيما ُيسّمونه بالقيامة الثانية .وسُيخّلدون
في نار جهنم ،ول في خلقه شؤون .
جال ويأجوج ومأجوج :
الد ّ
" :7-10 :20فحين تنقضي اللف سنة ُ ،يطلق الشيطان من سجنه ،فيخرج
لُيضّلل المم في زوايا الرض الربع ،جوج وماجوج ،ويجمعهم للقتال ،
وعددهم كثير جّدا كرمل البحر .فيصعدون على سهول الرض العريضة ،
ويحاصرون من كل جانب ُمعسكر القّديسين ) عيسى ومن معه من المسلمين (
والمدينة المحبوبة ) القدس ( ،ولكن نارا من السماء تنزل عليهم وتلتهمهم .ثم
ُيطرح إبليس الذي كان ُيضّللهم ،في ُبحيرة النار والكبريت ،حيث الوحش
) أمريكا ( والنبي الدجال ) إسرائيل ( ،هناك سوف ُيعّذبون نهارا وليل ،إلى
أبد البدين " .
) في هذا النص ُيذكر الشيطان ) الدجال ( الذي سُيطلق ،بعد أن كان مقيدا مدة
ألف سنة .وهو في الصل سابق لمجيء عيسى عليه السلم ،ويذكر خروج
يأجوج ومأجوج ،حيث أنهم يحصرون عيسى ومن معه من المؤمنين ،في
جبال القدس ،هربا منهم حيث ل ِقبل لحد بهم ،فيتم القضاء عليهم والتخّلص
سرون هذا النص ،على من جثثهم ،بأمر من عند ال ،أّما النصارى ،فُهم ُيف ّ
سره العهد القديم أي التوراة ،حيث أخبرت أن جوج وماجوج هم الروس . ما ف ّ
293
البعث والحساب :
" :11-12 :20ثم رأيت عرشا عظيما أبيض ،هربت السماء والرض من
أمام الجالس عليه ،فلم يبق لهما مكان .ورأيت الموات كبارا وصغارا ،
ل الحياة ،وِدين
واقفين أمام العرش .وُفتحت الكتب ،ثم ُفتح كتاب آخر هو سج ّ
الموات بحسب ما هو ُمدّون في تلك الكتب ،كل واحد حسب أعماله … .
طرح في ُبحيرة طرح الموت … وكل من لم ُيوجد اسمه في سجل الحياة ُ ، وُ
النار " .
السماء الجديدة والرض الجديدة
" :1 :12ثم رأيت سماء جديدة ،وأرضا جديدة ،ل بحر فيها ،لن السماء
والرض القديمتين قد زالتا .ورأيت المدينة الُمقّدسة أورشليم الجديدة ،نازلة
من السماء من عند ال . … ،وسمعت صوتا هاتفا من العرش " :الن صار
مسكن ال مع الناس ،هو يسكن بينهم .وال نفسه يكون معهم إلها لهم ،
وسيمسح كل دمعة عن عيونهم .إذ يزول الموت والحزن … ،لن المور
القديمة كلها زالت " .
ش في الحقيقة يصف هذا النص يوم الحشر والحساب ،حيث أن أورشليم هي
أرض المحشر ،وهذا الموقف العظيم الوارد في هذا النص ،موصوف
بالتفصيل في مواضع كثيرة من القرآن .ولكن النصارى يفهمون النص على
أن إلههم ) المسيح ( سينزل ليسكن معهم ،في أورشليم الجديدة ،التي يصفونها
في نهاية السفر ،وهو في الحقيقة وصف ُيشبه وصف الجّنة في القرآن ،
والموت ل يزول ،إل عندما يدخل أهل الجنة إلى الجنة ،وأهل النار إلى
النار .
ش يفهم عامة النصارى وخاصتهم من ُمجمل النصوص أعله ،أنه عندما تبدأ
الحداث الُمدّمرة التي سيتعّرض لها كوكب الرض ،بأن المسيح سيعود
وسيرتفع بهم فوق السحاب ،وبعد نهاية الحداث التي لن تستمّر طويل ،
سينزل بهم ويحكمهم مدة ألف عام ،تحت أرض وسماء جديدتين .وهنا وقع
خلط ما بين ،استعادة الرض لبركتها بعد الخراب ،وبين تبّدل السماء
غْيَر اَْلْر ِ
ض ض َ
والرض يوم القيامة ،كما جاء في قوله تعالى ) َيْوَم ُتَبّدُل اَْلْر ُ
حِد اْلَقّهاِر ) 48إبراهيم ( .
ل اْلَوا ِ
ت َوَبَرُزوا ِّ
َوالسَّمَوا ُ
294
ولذلك ظهرت جماعة التدبيريين ،التي تدعوا إلى تدمير كوكب الرض
بالسلحة النووية ،لقناعاتهم الجديدة نتيجة تفسيرهم الجديد ،بأن هناك أرض
جديدة وسماء جديدة ستأتي بعد الدمار .والمصيبة الكبرى أن رؤساء وساسة ،
أكبر دولة عظمى في العالم يؤمنون بذلك ،ويسيرون بالعالم نحو الهاوية ،
) فجورج بوش البن ( ل يكترث بظاهرة النحباس الحراري ،وارتفاع درجة
حرارة الرض ،وهو غير معني بتوقيع اتفاقية ) كيوتو ( للحد من هذه
الظاهرة ،بما أن هذه الرض ستؤول إلى الزوال ،وما يعنيه في الدرجة
الولى ،هو الستعداد للحرب النووية القادمة هجوما ودفاعا .
295
الغربيون وهوس النبوءات التوراتية والنجيلية
يعتقد اليهود ونصارى الغرب ،أن قيام دولة إسرائيل للمرة الثانية في
فلسطين ،هو علمة لقرب ظهور الملك المنتظر بالنسبة لليهود ،وللمجيء
الثاني للمسيح بالنسبة للنصارى ،ولذلك يعكف الكثير من النصارى واليهود ،
على اختلف تخصصاتهم العلمية والمهنية ،في السنوات الخيرة ،على
دراسة وتحليل وتفسير النبوءات التوراتية والنجيلية ،التي ُتخبر عن أحداث
آخر الزمان .وخاصة فيما يتعّلق بنهاية إسرائيل ،ودمار العالم الغربي ،
وعودة السلم ،في نهاية المطاف ،لواجهة الصدارة .ونطاق هذه البحوث
في الغالب ،يدور حول ما جاء في التوراة والنجيل من نصوص نبوية ،وما
سر هذه النصوص ،والكتاب الكثر ُقّدم فيها من كتب ومؤلفات مؤخرا ،تف ّ
شهرة في هذا المجال ،هو كتاب ) نبوءات نوستراداموس ( الغامض ،
والسوق الرائجة لطروحاتهم في هذا المجال ،هي شبكة النترنت .
وإذا أردت أن تعرف مقدار ما تشغله هذه النبوءات المستقبلية ،من فكر كبار
رجالت السياسة والدين والعلم ،وعامة الشعوب الغربية ،وفي مقّدمتها
المريكية والبريطانية والفرنسية ،وحتى عامة النصارى واليهود في شتى
بقاع الرض ،فما عليك إل أن تزور شبكة النترنت ،وأن تقوم بالبحث –
على سبيل المثال – عن إحدى الكلمات التالية World War III ) ، ) :
( (WW III ) ، (WW3 ) ، ( Armegeddon ) ( Nostradamus ) ،
، ( Prophecy ) ، ( Miracle) ، ( Piple ) ، ( Torahلتجد أن هناك
عشرات اللف ،من المواقع التي تعرض البحاث والكتب والدراسات ،التي
تبحث في تفسير النصوص التوراتية والنجيلية .
ش وفيما يلي ،غيض من فيض هذه المواقع :
•NOSTRADAMUS, CATHOLIC PROPHECY ON
(WORLD WAR III (1999-2030
A Catholic Prophecy Nostradamus prophesied that ...
World War III would be initiated
by Russia and Iran on July 4th of 1999 with nuclear and
... .chemical weapons
296
http://web.tusco.net/newone/nostradamus.htm [More
[Results From: web.tusco.net
( م2030 – م1999 ) نبوءة الكاثوليكي نوستراداموس بالحرب العالمية الثالثة
ستبدأ، بأن الحرب العالمية الثالثة، كان قد تنبأ، … الكاثوليكي نوستراداموس
في الرابع، للسلحة النووية … والكيميائية، ل من روسيا وإيران ٍ باستخدام ك
… م1999 من حزيران عام
Armageddon, World War III, Antichrist, and the second•
... coming
Armageddon, World War III, Antichrist, and the second
... coming of Jesus
العودة الثانية، ( عدو المسيح ) الدجال، الحرب العالمية الثالثة، هرمجدون
… للمسيح
Web Directory: Resources for Nostradamus Research
. مصادر لبحاث نوستراداموس
.Nostradamus Society of America
. مجتمع نوستراداموس في أمريكا
International Center for Nostradamian Studies – description
of Nostradamus, his prophecies, and Prof. Vlaicu Ionescu’s
.interpertations
… المركز العالمي لدارسات نوستراداموس
Vlaicu ) وتفسيرات البروفيسور، نبوءاته، وصف لنوستراداموس
. ( Ionescu
Nostradamus, Saddam Hussein, Armegeddon – by Storm
.Ministries
هرمجدون، صدام حسين، نوستراداموس
297
كتاب لكاتب البريطاني ) ستورم مينيستريز ( ،يبحث في النصوص النبوية
التوراتية ،يجيب فيه عن عّدة تساؤلت يطرحها في بداية كتابه ،وأحد هذه
جال آخر الزمان الذي تنبأ به
التساؤلت :هل صدام حسين هو د ّ
) نوستراداموس ( ؟! .
من هو ) نوستراداموس ( ...؟
ش من كتاب ) نبوءات نوستراداموس ( للطبيب الفرنسي د ) .دو فونبرون ( ،
ترجمة أسامة الحاج ،دار مكتبة التربية ،بيروت ،طبعة 1996م .
هو مسيحي كاثوليكي فرنسي ،ذو أصل يهودي ،عاش في الفترة ) – 1503
1566م ( ،أّلف أحد أشهر كتب النبوءات التوراتية والنجيلية .يقول هذا
المتنبئ في مقدمة كتابه ،أن مصدر نبوءاته ،هو مجموعة من الكتب
والمجلدات القديمة ،التي كان قد ورثها عن أجداده اليهود ،كانت مخبأة منذ
قرون عديدة ،وعلى ما يبدو أنه استطاع من خللها ،الكشف عن الرموز
التوراتية اللفظية والعددية ،التي استخدمها مؤلفو التوراة من الكهنة والحبار ،
ومن ثم قام بقراءة الحداث الواردة في النبوءات .ووضعها في كتاب ،على
شكل رسائل نثرية ،وأبيات شعرية سّماها الرباعيات ،استخدم فيها الكثير من
الستعارات والرموز ،الواضحة الدللة أحيانا ،والمضّللة والُمحّيرة أغلب
الحيان .
وقد اجتهد كثير من الباحثين الغربيين ،وخاصة في العصر الحديث ،وأجهدوا
أنفسهم ،بمحاولت مضنية لحل رموزه وطلسمه ،ومحاولت مضنية
لمطابقتها ،لما جرى ويجري وسيجري على أرض الواقع ،لدرجة أنك لو
بحثت عن لفظ ) ( Nostradamusفي أحد محّركات البحث على شبكة
النترنت ،ستجد أكثر من ) ( 57ألف موقع ،لمراكز وجمعيات وكتب
ودراسات ،تبحث في أمر نبوءاته وتجتهد في مطابقتها مع الواقع ،في محاولة
لستقراء المستقبل ،وخاصة فيما يتعلق بأحداث النهاية ،وخاصة الحرب
العالمية الثالثة ،ونهاية الحضارة الغربية ،المرتبطة بعودة الخلفة السلمية .
ومن أشهر الكتب في تفسير نبوءاته ،وفك رموزه وطلسمه ،هو كتاب
) نبوءات نوستراداموس ( ،الذي أّلفه الطبيب الفرنسي ) دو فونبرون ( ،
طبع هذا الكتاب عدة مرات ،أعوام 38و 39و المتوفى عام 1959م ،وقد ُ
298
1940م ،ومن ثم ُأعيد طبعه بعد عدة سنوات من خلل ابن المؤلف ،ومما
أضافه البن إلى الطبعة الجديدة من الكتاب ،نص مخطوط بقلم أبيه الطبيب ،
كتبه قبل وفاته بأربعة أشهر ،بعنوان ) :بحث في الحداث القادمة (
وهذا نصه :
" يجب النظر بصورة منفصلة إلى الحداث وتتابعها الزمني ،إن ترتيبها من
حيث الزمان ل يمكن تصّوره ،إل ضمن عملية افتراضية ،إذ أن المعطيات
المتعلقة بها شديدة التشذر ،بحيث ل يمكن أن تؤدي إلى استنتاجات أكيدة كليا
…
إن جميع النبوءات القّيمة ،مترّكزة على الحقبة ،التي ستغدو فيها الحضارة
الغربية ،مهّددة بالدمار .والوقائع الساسية لهذه الزمة العالمية ،هي
كالتالي :الحرب والثورة العامتان ،تدمير باريس الكلي بالنار ،وتدمير جزء
من مرسيليا ،بتلطم لمواج البحر ،هزات أرضية مخيفة ،وباء طاعون
يقضي على ثلثي البشرية ،البابا المطرود من روما ،انشقاق كنسي …
يبدو أن هذه الحداث ستبدأ بالحرب بين الشرق والغرب ،أما ذريعتها فستكون
في الشرق الوسط ) العراق ،إيران ،أو فلسطين ( ،ومن المرجح أن تجري
على مرحلتين ،على غرار حرب 1945– 39م …
في تلك اللحظة يظهر نجم مذّنب سوف يمّر على مقربة من الرض ،لدرجة
أنها ستجتاز شعره الُمحّمل بالحصى ،هذه النيازك الجوية التي ستكون بمثابة
انتقام السماء العجائبي ،سوف تسقط على أمكنة محّددة ،حيث ستكون محتشدة
قوات الثورة الحمراء ،والسطول الروسي في البحر المتوسط …
من المرجح أن تدمير باريس ،سيتم في المرحلة الثانية من النزاع ،قبل وقت
قصير من طرد البابا من روما … " ،انتهى .
وجاء في نفس المقدمة ما مفاده أن المحنة الكبرى ،التي ستشهد بداية تدمير
الحضارة اليهودية المسيحية ،كان ) نوستراداموس ( قد حّدد نقطة انطلقها في
الشهر السابع من عام 1999م .
نصوص من نبوءات ) نوستراداموس ( من كتاب الطبيب الفرنسي :
صه :
في الرسالة إلى هنري الثاني ورد ما ن ّ
299
" وسوف تتم حملة جديدة ،ما وراء البحر المتوسط لنقاذ الندلس ،التي
ُيهّددها النهوض الول للمحمديين ) .إشارة للستعمار الغربي للبلد
العربية ( .
والمكان الذي كان به مسكن إبراهيم في الماضي البعيد ) أي العراق ( سوف
ُتهاجمه رسل المسيح ) إشارة للعدوان الثلثيني النصراني على العراق ( .
ومدينة ) سيشم ( أي فلسطين ،سوف ُتحيط بها وتهاجمها من كل الجهات ،
جيوش غربية قوية جدا ،ستحد من قوة أساطيلهم .وفي هذا الملك سوف
يحدث حزن عظيم ،تقفر مدنه الكبرى ) .إشارة لستلب فلسطين (
والذين يعودون إليها ،أولئك الذين سُيمارس ال غضبه ضدهم ) أي اليهود في
فلسطين ( ،والمكان الُمقّدس لن يؤوي بعد ذلك ،سوى عدد صغير جدا من
الكفار ) يقصد المسلمين ( ،أوه ! في أي حزن فاجع ،ستكون عندئذ النساء
الحبالى ،اللواتي ستمنعهن ثمرة أحشائهن من الهرب …
وخلل كل هذا التقدير الكرونولوجي ) الممتد طوليا عبر الزمن ( ،الُمعاد إلى
الكتابات المقّدسة ،سيتولد اضطهاد رجال الكنيسة ،من خلل تحالف قادة
الشمال العسكريين )من قبل دول التحاد السوفييتي السابق ،يأجوج ومأجوج (
،وهذا الضطهاد سيدوم 11عاما غير مكتملة ،وستسقط خللها الدولة
الشمالية الرئيسية ) روسيا ( ،بعد أن ُتنجز تلك السنوات من الضطهاد ،
سيأتي حليفها الجنوبي ) العرب ( ،الذي سيضطهد رجال الكنيسة على مدى
ثلثة أعوام وبقسوة أشّد … إلى حّد أن دم رجال الدين الحقيقيين سيسبح في كل
مكان …
وللمرة الخيرة أيضا سترتجف كل الممالك المسيحية ،وكذلك ممالك الكفار
خلل 25عاما ،ستكون الحروب والمعارك أكثر دموية من أي وقت مضى ،
وسوف ُتحرق المدن والقصور وكل المباني الخرى ،وسيتم هجرها وتدميرها
،مع إهراق عظيم لدماء العذارى والمهات والرامل المغتصبات ،والطفال
طم عظامهم ) وصف لعقاب الُرضع الذين سُيرمى بهم على جدران المدن وتح ّ
اليهود في فلسطين ( ،الكثير من الشرور سيتم ارتكابها بفعل الشيطان ،المير
الجهنمي ،بحيث كل العالم الكاثوليكي تقريبا ،سيتعّرض للخراب للبادة ،
وقبل أن تتم هذه الحداث ،ستدوي في الفضاء طيور غريبة ) هي الطائرات (
… ،وستختفي بعد قليل ،بفعل الكارثة النهائية للعالم ) الحرب العالمية النووية
300
الثالثة ( … ومن ثم ستقوم حقبة جديدة ،عهد ذهبي سيأمر به الخالق .وعندئذ
سيبدأ بين ال والبشر سلم شامل ) زمن عيسى عليه السلم ( … "
وفي نهاية الفصل ) (11من الكتاب يخلص المؤلف إلى القول " :كل الشرق
إذن ،سينتفض من جديد ضد الغرب ،وحبره العظم الخير بطرس الروماني
) أمريكا ( … "
ش نجد أن المؤلف من خلل فهمه لمجمل نصوص ) نوستراداموس ( ،يخلص
إلى أن الشعوب الشرقية بما فيها من إثنيات متنوعة ،ستتحد ضد الغرب في
مواجهة مصيرية نهائية .
وفي بدايات الفصل ) (14على لسان المتنبئ :
" 1-9من الشرق سيأتي العمل الغادر .الذي سُيصيب إيطاليا وورثة
رومولوس .بصحبة السطول الليبي .ارتجفوا يا سكان مالطا والجزر القريبة
المقفرة " .
ش نجد أن المتنبئ يصف انتفاضة الشرق ،بالعمل الغادر ،الذي سيطيح بإيطاليا
وورثة المبراطورية الرومانية ،ونجده يذكر ليبيا بالسم مؤكدا انضمامها
للتحالف الشرقي ،مثيرا رعب الغربيين من هذا العمل الغادر .
وفي الفصل ) ، (27يقول المؤلف :
" بمقدار ما نبتعد في المستقبل ،يغدو من الصعوبة بما كان ،أن نربط بين
الحداث ،التي ستعيشها البشرية في انحدارها القصى .إل أن التكرار
المتواصل للتاريخ متشابه ،وعلى شبكته الُمتجّددة باستمرار ُ ،يمكن أن ُتطّرز
سلفا المعركة الخيرة والُمخيفة ،التي سيظفر بها الشرق البربري على الغرب
المسيحي .
ش هنا يلصق المؤلف صفة البربرية بالشرق ،ويؤكد انتصار هذا الشرق
المتوحش ،على الغرب المسيحي المسالم والمتحضر .
مستفيدين من النقسامات التي سُيثيرها المسيح الدجال ،ومن الضعف
والفوضى الناتجة عن مذاهبه ،ينجح العرب والسيوّيون والمغول في اجتياح
أوروبا ،بعضهم عبر إيطاليا وإسبانيا ،كما هي العادة ،والخرون عبر القارة
والجو ،في حين تنهار فرنسا والكنيسة ،ويتعرض البابا بالذات إلى الغتيال
وسط الفساد العام ،تظهر ظواهر مرعبة في السماء .
301
ش نجد أن المتنبئ ُ ،يحّدد في هذا النص ماهية الشعوب الشرقية التي يقصدها ،
ويضع العرب على رأس القائمة ،ويؤكد نجاحهم في اجتياح معظم دول أوروبا
،برا وبحرا وجوا .
في عام الكسوفين الكاملين ،من طرف لخر طرف في العالم القديم ،تحصل
أمور غريبة :تظلم الشمس ويفقد القمر نوره ،وضجيج البحر والموج ،
سيجعل الناس ييبسون رعبا ،لنه سيصل الطوفان التكفيري الجديد ) عودة
الخلفة السلمية ( ،ليختم فجأة العصر الذي بدأ مع زمن نوح " .
ش في هذا النص ُ ،يحّدد المتنبئ فلكيا ،نقطة البداية ،لحداث مسلسل الرعب
الخير ،الذي يصفه في كتابه ،بكسوف كلي كبير للشمس ) 1999م ( ،
متبوعا بخسوف كلي للقمر .
يؤكد المؤلف على حتمية وقوع مواجهة أخيرة ،بين الغرب والشرق ،وعلى
حتمية ظفر الشرق بها ،وكنتيجة لهذه المواجهة ،ستنهار فرنسا ) التي كانت
ُتمثل الدولة الصليبية العظمى آنذاك ،في العصر الذي عاش فيه المتنبئ ،أما
الن فأمريكا هي الدولة العظمى ،وراعية الحملت الصليبية الجديدة على
الشرق ( ،وستنهار الكنيسة ) بمعنى انهيار الدين ،بظهور الدين السلمي من
جديد ( .ويعزو المؤلف نجاح الشرق في غزوه أوروبا ،إلى ما أثاره المسيح
الدجال ،من ضعف وفوضى وانقسام ،وليس غضبا إلهيا لكفرهم وضللهم ،
ورغبة إلهية في إظهار الحق وزهق الباطل ،والحقيقة أن الذي سيتسبب في
ظهور الضعف والنقسام الوروبي ،بين مؤيد ومعارض هو إسرائيل
) المسيح الدجال الحقيقي ( ،والشعب اليهودي بشكل عام .
سرو النبوءات التوراتية على شخص مفسد والمسيح الدجال هو لفظ ،يطلقه مف ّ
ومخّرب ،سيظهر في المكان المقّدس ،معاٍد لليهود وللمسيح وأتباعه ،سيقود
الشرق في معركته الخيرة مع إسرائيل الغرب ،وينسبون إليه كل ما ُيوصف
في التوراة من إفساد ،حتى إفساد الدولة اليهودية الحالية الموصوف بالتوراة ،
وبذلك أصبح الفساد اليهودي السرائيلي ،الذي حّذرت منه التوراة ووصفته
بدقة متناهية ،منسوبا إلى شخص المسيح الدجال الذي لم يظهر بعد ،لتكون
إسرائيل وحلفائها ،بمنأى عن الغضب والعقاب اللهي ،الذي سينسكب على
الدجال وأتباعه ،وأتباعه هم من العرب والروس والمغول ،حسب اعتقادهم .
وفيما يلي بعض النصوص ،التي استقى منها المؤلف هذه الفكار :
302
مشاهد من الحرب العالمية الثالثة :
" 2-70سيف السماء يمتد فوق العالم … يجري إعدام عظيم لمن سيموتون
وهم يتخاطبون "
" 2-18مطر جديد مفاجئ وعنيف … تتساقط من السماء على البحر ،
الحجارة والنار … تموت بغتة الجيوش السبعة البرية والبحرية " .
" 2-56من لم ينجح الطاعون والسلح في الجهاز عليهم … سُيضربون من
أعالي السماء " ..
" 2-86خلل الغرق الذي سيتم قرب البحر الدرياتيكي … ستهتز الرض
لُتميت من كانوا يحومون في الهواء … "
" 3-83الجو والسماء والرض سُتظلم وتضطرب … حينئذ سيتضرع الكافر
ل وقّديسيه "
أمريكا :
" 9-44اهربوا ،اهربوا يا سكان جنيف أجمعين … عهدكم الذهبي سيغدو
عهدا حديديا … "
ش هذه الدعوة للهرب من جنيف ،هي في الصل دعوة للهرب من بابل في
النصوص التوراتية ،ليتبين لنا أن لفظ بابل استخدمه كتبة التوراة ،للتعبير عن
دولة أو مدينة ذات مال وجمال وسطوة ،ستظهر مستقبل ،كما كانت جنيف
في عصر نوستراداموس ،الذي لم ُيعاصر العصر الذهبي لمريكا وعاصمتها
التجارية ) نيويورك ( .
" 1-26الصاعقة العظيمة ستسقط في وضح النهار "
" 1-87النار المركزية التي تجعل الرض تهتز … ستتجلى حول المدينة
الجديدة ) نيويورك ( "
طس في البحيرة " 10-49بستان العالم قرب المدينة الجديدة … سُيؤخذ وُيغ ّ
الغالية "
" 6-97سماء خط التوازي ، 45ستحترق تقترب النار من المدينة الجديدة
العظيمة … "
303
بريطانيا وفرنسا وبقية دول أوروبا :
" 9-55أية حرب مخيفة ستتهيأ في الغرب … وفي العام التالي سيأتي
شّبان والعجزة والقطعان … سيكون للدم الطاعون … رهيبا إلى حّد أنه على ال ُ
والنار سلطة في فرنسا …
" 4-67في العام الذي سيشتعل فيه الزمن والحرب معا … سيكون ثمة مسار
كبير للمقذوف في الهواء الجاف ) الصواريخ النووية ( … يحترق المكان
الكبير بنيران آتية من بعيد … يرى الناس القحط والعاصفة ،تحصل حروب
وغزوات " .
" 8-16في روما ،حيث كلي القدرة بنى هيكله … سيكون طوفان كبير
ومفاجئ … بحيث ما من مكان ،وما من أرض ستسمح باتقائه … ستمر
المياه من فوق الولمب فيزول " .
" 3-32القبر الكبير للشعب البريطاني … سيكون على وشك النفتاح …
حين تزمجر الحرب قرب حدود ألمانيا … وفي بلد مانتو ) إيطاليا ( " .
" 3-70بريطانيا العظمى ،أي إنكلترا … تتعرض لثورة عنيفة ) تغمرها
المياه ( … " .
" 8-15نحو الشمال تعزيزات كبرى من الحشود البشرية ) روسيا ( …
تضرب أوروبا والعالم أجمع تقريبا … خلل الكسوفين ،تقوم بمطاردة مهمة
… وتدخل هنغاريا في الحياة والموت " .
خلصة ما يتنبأ به ) نوستراداموس ( ،هو دمار الدول الغربية ) أمريكا
وبريطانيا وفرنسا ( ،بهجوم صاروخي نووي مفاجئ ،يصفه بكل دقة ) مطر
جديد مفاجئ وعنيف …( وُيعّرف هذا المطر الجديد ) تتساقط من السماء على
البحر ،الحجارة والنار ( وُيعّرفه أكثر بقوله ) للمقذوف في الهواء الجاف (
وُيحّدد مصدره ) بنيران آتية من بعيد ( ويصف تأثيره ) يرى الناس القحط
والعاصفة ( ويصف ما يعقبه ) سيكون طوفان كبير ومفاجئ ( نتيجة ارتفاع
خر مياه درجة حرارة الرض ،التي ستعمل على ذوبان الكتل الجليدية ،وتب ّ
البحار والمحيطات ،ومن ثم لتعود وتسقط على شكل مطر غزير ،مسببة
طوفانا ،تغرق في مياهه أمريكا وبريطانيا إلى غير رجعة .
304
وما يعطي مصداقية ،لنبوءات هذا المتنبئ ،واهتماما منقطع النظير بها لدى
الغربيين ،هو تحّقق الكثير منها حسب اعتقادهم ،بالرغم من إبهامها
وعموميتها ،ووصفه الدقيق -قبل ) (450سنة تقريبا -للسلحة ووسائل
النقل ،التي استخدمت في الحروب العالمية ،والتي لم تكن موجودة أصل في
عصره .وهذا مما ُيعّزز مخاوف هؤلء من صدق نبوءاته ،بشأن دمار
الحضارة الغربية برمتها ،من قبل الشرقيين ،كما ُيعلن عن ذلك بصراحة .
من خلل هذه النصوص والنصوص التوراتية الصلية ،تبين للكثير من
الباحثين المريكيين والبريطانيين والفرنسيين ،المشغولين بنبوءات
) نوستراداموس ( ،أن المقصود بالمدينة الجديدة ،التي سيلحقها الدمار
والخراب ،هي ) نيويورك ( بشكل خاص ،وأمريكا بشكل عام .وخوفا من
صدق هذه النبوءات المرعبة ُ ،تجهد أمريكا نفسها – بقيادة الحزب الجمهوري
ث الخطى ،سعيا لمتلك الدرع النووي المضاد ، التوراتي النجيلي -وتح ّ
للنبوءات التوراتية بصواريخها النووية الروسية والصينية ،ل الصواريخ
النووية العراقية أو اليرانية أو الكورية الشمالية كما تّدعي .
في تقرير لوكالة ) أ ف ب ( من واشنطن ،نقل عن صحيفة الدستور
الردنية ،الصادرة بتاريخ 2001 - 7 - 12م ،جاء ما نصه " :أعلنت وزارة
الدفاع المريكية أمس ،تسريع برنامجها للدرع المضاد للصواريخ ،الذي قد
يصطدم بالقيود التي تفرضها معاهدة ) إيه بي أم ( " :وذلك في غضون بضعة
أشهر عوضا عن بضع سنين " .وصّرح مساعد وزير الدفاع المريكي ) بول
فولفوفيتس ( في كلمة أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ " :لقد
بدأنا متأخرين سباقا ضد الزمن " .وبحسب المسؤول المريكي ،فإن عمليات
التجارب وتطوير نظام الدرع المضاد للصواريخ ،سيصطدم بل شك ،بقيود
نصت عليها معاهدة ) إيه بي أم ( ،وأشار إلى " أن هناك فرصا عديدة ليتم
ذلك في غضون بضعة أشهر بدل من بضع سنين " ،وأكد أنه " ينبغي أن
نتجاوز قيودا تفرضها علينا معاهدة ) إيه بي أم ( ،وقال أن الوليات المتحدة ،
ستحاول العمل على إبرام اتفاق مع روسيا ،يتضّمن ترتيبات جديدة ،بهدف
تجاوز معاهدة ) إيه بي أم ( ،وأشار مع ذلك إلى أنه " :سيكون من الصعب
ضل التوصل التأكد من تأمين ذلك خلل السنة المقبلة " .وأضاف " :كنا ُنف ّ
لذلك من خلل التعاون ) مع روسيا ( ،ول نزال متفائلين بأن مثل هذا الخيار
أمر ممكن " .وذكرت صحيفة واشنطن بوست ( في عددها أمس أن وزارة
305
الخارجية ،أن وزارة الخارجية المريكية أمرت السبوع الماضي ،سفارات
الوليات المتحدة في العالم ،باطلع الحكومات الجنبية ،على النية
المريكية ،بتطوير مشروع الدرع المضادة للصواريخ " انتهى .
لماذا بدءوا هذا السباق المحموم مع الزمن لنتاج هذا الدرع ؟
الذريعة المريكية بتخّوفها من مهاجمتها بصواريخ باليستية ،من قبل العراق
وإيران وكوريا الشمالية ،غير مقنعة لكل دول العالم ،وحتى حلفاء أمريكا من
الوروبيين ،أما السباب الحقيقية لنتاج هذا الدرع ،فمرّدها هو مخاوف
توراتية وإنجيلية بحتة ،وهي على أربعة احتمالت :
.1وقاية نفسها من أي هجوم روسي ،أثناء المواجهة القادمة بين الشرق
والغرب ،فيما لو فكرت روسيا ببدء هجوم مباغت ،بعد تحالفها مع الدول
العربية والسلمية ،وهو الحتمال الضعف .
.2التفكير بالمبادرة بالهجوم على روسيا ،استعجال للمواجهة الحتمية التي
جه
فرضتها عليهم النبوءات ،فكسب المعركة سيكون من نصيب ،من ُيو ّ
شرين الضربة الولى للطرف الخر ،وقد يكون استجابة لدعوات الُمب ّ
النجيلين ،استعجال للمجيء الثاني للمسيح .
.3تنفيذ نواياها المعلنة اتجاه العراق ،بالقيام بعمل إجرامي جديد ُ ،يريح
أعصاب اليهود في الشرق والغرب إلى البد ،من خطر زوال إسرائيل
على أيدي العراقيين ،بشن حرب أو بتوجيه ضربة نووية واسعة النطاق أو
محدودة ،وهو الحتمال القوى .
.4منع إمكانية ظهور ذلك القائد المسلم ،الذي سيتسبب في دمار الحضارة
الغربية ،بضرب بؤر القيادات السلمية الحالية .
وعلى ما يبدو أن صفة الستعجال ،جاءت من فهم حاخامات اليهود للنصوص
النبوية ،ومعرفتهم من خلل الشارات الفلكية ،والحسابات الموجودة في
التوراة ،بقرب تحقق هذه الحداث على أرض الواقع .
العدوان على العراق :
" 10-86سيأتي ملك أوروبا مثل غريفون … ُترافقه جماعة الشمال …
سيقود حشدا كبيرا من الحمر والبيض … ويسيرون ضد ملك بابل " .
306
" 1-55في ظل المناخ الذي سيواجه بابل … سيكون الدم المراق غزيرا …
والرض والبحر والجو والسماء جائرات … بفعل البدع والمجاعة
والحكومات والطاعون والفوضى " .
خروج المهدي من مكة ،وحتمية ظهور الدين السلمي من جديد :
ض مضاجعهم ،وهو وهو المر الذي ُيرعب نصارى ويهود الغرب ويق ّ
المبّرر الوحيد لحربهم الشعواء ،التي يشّنوها ضد السلم ومن ُيمّثله ،دون
كلل أو ملل ،بدفع من أحبار اليهود وكهنتهم ،في كواليس ودهاليز السياسة
الغربية ،كما كانوا ُيزّينون لكفار قريش سوء أفعالهم ،في كواليس ودهاليز
السياسة في مكة ،خوفا من ظهور أمر الدولة المحمدية الولى ،وكنا قد أشرنا
سابقا إلى بعض النصوص التوراتية الصلية ،التي استطاع ) نوستراداموس (
من خللها التنبؤ بهذا المر بنصوص صريحة ل ُلبس فيها :
" 5-55من الجزيرة العربية السعيدة … سيولد قائد مسلم كبير … يهزم
إسبانيا ويحتل غرناطة … يصد المسلمون الصليب … يخون البلد واحد من
قرطبة " .
" 5-25أمام المير العربي ،بعد الحرب الملكية الفرنسية … تسقط مملكة
الكنيسة في البحر … يأتون من جهة فارس مليونا … حين يستولي الشيطان
على مصر واستنبول .
" 2-29سُيغادر الشرقي مقّره … يجتاز جبال البينين ويدخل فرنسا … يعبر
الثلوج الخالدة ) جبال اللب ( … ويضرب كل واحد بعصاه " .
" 9-100سيجري كسب المعركة البحرية ليل … يكون ذلك خراب الغرب
… سيكون ثمة ميثاق أحمر ،تتلطخ الكنيسة بالدم … يشهد المهزوم إفلت
النصر منه ويستشيط غضبا " .
" 2-93قريبا من نهر التيبر ُ ،تهّدد آلهة الموت … بعد فيضان عظيم بقليل
… يقع البابا في السر … يحرقون القصر والفاتيكان " .
ش إذن يعلم الغربيون يهودا ونصارى ،مما جاء في كتبهم ،أن هناك قائد مسلم
كبير ،هو نفس المير العربي والشرقي ،الذي سيولد في الجزيرة العربية ،
وأن هذا القائد سينتصر في حروبه ،موحدا بذلك جميع دول العالم السلمي ،
ومن ثم سيجتاح أوروبا كاملة ،بجيوشه الجرارة البالغة في نص ) ( 1
307
مليون ،وفي نص آخر ) ( 200مليون مقاتل ،مسببا سقوط الحضارة
المسيحية اليهودية واندثارها .لذلك تجد الغرب يسعى حثيثا ،لوأد أية بادرة
تلوح في الفق ،لحياء الخلفة السلمية .
الصحوة السلمية :
يقول مؤلف الكتاب :إذا كانت أوروبا ،وفرنسا بوجه خاص ،بقيت بمنأى عن
أي غزو من جانب العالم العربي ،منذ أيام ) شارلمان ( ،فالحرب الكبرى
ستشهد عودتهم المؤذية ،هذا ما سماه ) نوستراداموس ( في الرسالة إلى هنري
الثاني " ،العودة المحمدية الولى " .حيث يقول ) نوستراداموس ( :
" 3-4حين سيقترب تمّرد المسلمين ،لن نكون بعيدين جدا عن هذا وذاك …
البرد والقحط والخطر على الحدود … حتى حيث بدأ الوحي اللهي " .
… " 4-39لن إمبراطورية الهلل ستخرج من سباتها … "
" 6-42سيجري التخلي عن السلطة للكلم الفتان … لمبراطورية الهلل
التي ستفرض نفسها … وتمّد رايتها إلى ما فوق اليطاليين … ستكون في يد
شخص يتظاهر بالحكمة " .
" 5-73سيتم اضطهاد كنيسة ال … وتصادر البنية الدينية … سُيعري الولد
أمه … وسيتفق العرب مع البولنديين " .
" 10-33الجماعة القاسية ذات الرداء الطويل ) المسلمون ( … ستأتي مخبئة
خناجرها … يستولي قائدها على فلورنسا ومكان اللهبة المزدوجة ) روما (
… قائما بفتحه مع القتلة والحالمين " .
ش تؤكد هذه النصوص ،أن المة السلمية ستنهض من سباتها ،وستفرض
نفسها كدولة عظمى ،وعلى مساحة واسعة من الرض ،تشمل أجزاء من
أوروبا الغربية ،وُيخبر ) نوستراداموس ( بخبث ودهاء يهوديين ،بأنهم أي
المسلمون الغادرون القساة القتلة ،سيضطهدون كنيسة ال ،ويستولون على
إيطاليا كلها .وهذه إحدى الصور التي شكلتها النبوءات التوراتية والنجيلية ،
عن السلم والمسلمين بشكل عام ،وبدون استثناء لي عربي أو مسلم ،حتى
صر .وهذه الصور أجاد في تشويهها والتخويف منها ،والتحريض على لو تن ّ
سرو هذه النبوءات قديما وحديثا ،حتى أصبحت من المسلمات محاربتها ،مف ّ
العقدية لدى عامة الغربيين ،فل عجب ول غرابة ،من حمل الغربيين لهذا
308
سرو
العداء العقائدي المزمن للعرب والمسلمين ،فهذا ما ُيخبرونهم به مف ّ
الكتاب المقدس ،الذي ل يأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه ،حسب
اعتقادهم .
نزول عيسى عليه السلم وتسّلمه لمقاليد الحكم :
" 4-77إمبراطورية الهلل ) المسلمون ( ،وإيطاليا المسالمة ) النصارى (
حكمان ،على يد ملك العالم المسيحي ) المسيح عليه السلم ( … يتحّد فيهما ال ُ
…".
ش هذا النص ،يؤكد عملية تسّلم عيسى عليه السلم للحكم من المهدي ،أما
النصارى فليس لديهم استعداد ،لطرح أي تساؤل عن سبب اتحاد المسلمين
) الكفار غير المؤمنين بألوهية المسيح ( والنصارى ؟ ولماذا يتنازل خليفة
المسلمين ،عن مقاليد الحكم للمسيح عليه السلم ،بعد أن يكون قد فرض
سيطرته على العالم بأسره ؟ ولماذا ل يصلبه المسلمون ،وهم المتوحشون
والغادرون والقتلة والقساة والرهابيون ،كما صلبه اليهود المساكين
الضعفاء ؟
نحن نعلم أن الناس قديما وحديثا ،كانوا وما زالوا ،يلجئون للعرافين والكهان ،
لكشف الطالع ومعرفة أنباء الغيب ،كل حسب مآربه وغاياته ،ومنها الفضول
وحب المعرفة ،ومنهم العوام وأكثرهم الملوك والرؤساء ،ول غرابة عندما
أقرأ يوما ،أن زوجة أحد رؤساء أمريكا المعاصرين ،وأظنه بوش الب كانت
تلجأ إليهم .
إن أخطر ما فعلته هذه الكتب ،هو أنها خلقت لدى نصارى الغرب ،عقائد
جديدة مرتبكة ومشوهة ،فيما يتعّلق بشكل خاص بالمسلمين والعرب ،
ودورهم القادم في دمار الحضارة الغربية المسيحية ،التي صنعتها اليهودية
العالمية ،حتى أنستهم تعاليم المسيح نفسه ،التي ما زالت تدعوا إلى التسامح
والتعايش السلمي ،بالرغم من إعادة صيغتها من قبل اليهوديين بولس وبطرس
.مما خلق لديهم حالة من الرعب والقلق ،من كل ما هو إسلمي وعربي ،
بمساعدة حثيثة من خبثاء اليهود ،الذين يؤمنون بأن استمرارية وجودهم
وبقائهم ،ونجاح مخططاتهم الشيطانية ،تعتمد في الساس على القضاء على
الديان ،التي ُيحاربهم ال بها ،ويعلمون أن ألّد أعدائهم هو القرآن العظيم ،
309
الذي ل بد له في يوم من اليام ،إن بقي المر على حاله ،ولم يتم مسحه من
قلوب وعقول حملته ،ومسخ تعاليمه وتشويها كما شّوه آباءهم وأجدادهم
التوراة والنجيل ،سيبعث فيهم الحياة من جديد .
الحرب الشاملة 2006
هو عنوان لكتاب صدر في بريطانيا ،عام 1999م ،وعنوانه بالنجليزية هو )
، ( Total War 2006للكاتب البريطاني ) سيمون بيرسون ( ،الذي شغل
منصب ،مساعد رئيس أركان الحرب البريطاني لشؤون السياسة ،وهذا
الكتاب واحد من آلف الكتب والبحاث ،التي كادت أن ُتصيب كبد الحقيقة ،
لول تضليل مؤلفي نصوص التوراة ،بتحريف الكلم عن مواضعه ،وتضليل
الواقع ،مما أدى إلى الخلط بين الحداث ،من حيث شخوصها وزمانها
ومكانها .
* من مقال للكاتب محمد عارف ،من صحيفة الحياة اللندنية ،في النصف
الثاني من عام 1999م .
" كل فصل من فصول الكتاب تقريبا ُ ،يستهل بقول للنبي ارميا ،ويسته ّ
ل
الفصل الخير منه ،بأربع فقرات من سفر ارميا ،أخفها وقعًا " :أرضهم
أضحت قفرا يبابا ،شارة للزدراء السرمدي ،ويُهّز كل عابر فيها رأسه فزعا
" .هذا ما سُتخّلفه الحرب الشاملة عام ، 2006بين التحالف السلمي العظيم
وروسيا من جانب ،والوليات المتحّدة من جانب آخر ،حيث تبدأ الحداث
بنشوب حرب البلقان ُمجّددا عام ، 2002واندلع الحرب الكورية الثانية ،
حدها عام ، 2004تحت راية وثورات إسلمية تكتسح البلدان العربية ،وتو ّ
صلح دين جديد ،نصفه كردي ونصفه الخر ألماني .
ويبلغ الباحث الستراتيجي البريطاني الذروة ،عندما يتوقع الحداث
السياسية ،التي ستشمل قيام مملكة فلسطين السلمية ،وتضم الردن ويقودها
العاهل الردني ،وثورة جديدة في روسيا ،تأتي بحكومة عسكرية ُ ،يسيطر
عليها صلح الدين ،من مقّره في مدينة قم اليرانية ،وانتفاضات ُمتعاطفة مع
شّنها متطرفون في مدن فرنسا وإيطاليا وبريطانيا .ول الحلف السلمي ،ي ُ
يخلو الكتاب ،من صور فوتوغرافية لحرب عام ، 2006بينها صورة لخر
البطال السرائيليين الحياء ،يقف تحت ُملصق جداري لحركة حماس .
310
وعندما ُتقّرر السيدة رئيسة الوليات المتحّدة المريكية ،اللجوء إلى السلح
النووي الشامل ،تجد أن صلح الدين ،استبق تفكيرها مرة أخرى ،إّنه انفجار
السلح الكهرومغناطيسي ،الذي طّوره ألمع " علماء المسلمين " ،لُيضيء
السماء ليل على امتداد المسافة ،من قبرص والسكندرية ،حتى حدود الردن
والحدود السورية العراقية ،حيث ُيطلق هذا السلح السلمي ،نبضا إلكترونيا
جبارا ينفذ من خلل كل شيء معدني ،في البنايات والجهزة والعربات
والدبابات والسلحة ،وتكمن قوته في قدرته على تدمير ،الدارات الكهربائية
المستخدمة في كل شيء ،من الترانزيستور والكمبيوتر والتلفزيون ،إلى
أجهزة الهاتف والتصالت ،وأنظمة المصانع والمختبرات ،وحتى الطائرات
جهة .خلل لحظة تحّولت دولة والقمار الصطناعية والصواريخ المو ّ
التكنولوجيا الرفيعة ) إسرائيل ( ،إلى مجتمع العصر الحجري ،من دون
معدات حرارة وإنارة وضخ مياه ونقل ُ ،محاطة بجبل من الدوات المعدنية
واللكترونية ،لعصر أصبح فجأة غابرا " .
ن الحرب النووية الشاملة ُ ،يجيبها صلح وعندما ُتهّدد الرئيسة المريكية ،بش ّ
سّكانها قد
الدين " :بأن كّل شيء قد انتهى ،إسرائيل انتهت كشعب ،معظم ُ
ماتوا ،مخزونها النووي قد ُدّمر ،ولن يشكر التاريخ الرئيسة ،لتسّببها في
قتل مئات اللوف ،وربما المليين لجل بلد خاٍو " .كما ويبدي صلح الدين
استعداده ،في حال تراجع قوات حلف الناتو ،التي تستعد للتحرك ضّده من
تركيا ،لوقف العمليات العسكرية ،لمشاهدة إسرائيل وهي تموت " .
تعقيب على الكتاب :
الملفت للنظر أن كثير من الباحثين ،في نصوص النبوءات التوراتية والنجيلية
،هم ممن يشغلون مراكز حساسة ومرموقة ،في السلك السياسي والعسكري
والديني ،وهذا الكاتب هو أحدهم ،ول ُيعقل أل تتأثر القرارات السياسية
والعسكرية لهؤلء ،بما يحملونه من أفكار ومعتقدات ُ ،تشّكل خطرا على
المن والستقرار العالمي ،ول ُيعقل أل تؤثر أفكارهم ومعتقداتهم في قرارات
رؤساء دولهم ،هذا إن لم يكن رؤساء الدول أنفسهم ) كريغان وبوش ( يحملون
هذه الفكار والمعتقدات .
311
ش تفصيل الحداث بشخوصها ومكانها وزمانها ،سنعرضه لحقا في الفصول
حح بعضا من الخيرة ،ولكن سنتوقف قليل مع هذا الكتاب ،لنوضح ونص ّ
أحداثه وشخوصه :
.1صلح الدين الجديد ش كناية عن القائد الذي سُينهي الوجود اليهودي في
فلسطين .
.2مملكة فلسطين السلمية ش كناية عن الخلفة السلمية في القدس .
.3العاهل الردني ش كناية عن ملك القدس المنتظر ،أي المهدي الذي يعود
بنسبه ،إلى الرسول عليه الصلة والسلم .
.4ثورات إسلمية تكتسح البلدان العربية ش حروب المهدي لتوحيد البلدان
العربية والسلمية .
.5السلح الكهرومغناطيسي ،لُيضيء السماء ليل ش شريعة السلم التي
ستبعث من جديد بخلفة المهدي .
.6من قبرص والسكندرية ،حتى حدود الردن والحدود السورية العراقية ش
امتداد الدولة السلمية .
.7إنتاج السلح الكهرومغناطيسي ش ربما تكون صحيحة ،ولكن من الرجح
أنها فكرة ابتدعها الكتاب ،لتفسير النتصار المقبل للعرب على إسرائيل
وتدميرها ،رغم امتلكها للتكنولوجيا العسكرية ،وأسلحة الدمار الشامل ،
وتحالفها مع الغرب ،حسب رأيه .والحقيقة أن فلسطين لن يتم تدميرها ،
لتصبح قفرا ل تصلح للسكن للبد ،كما ُتخبر النصوص التوراتية .
.8الدمار الموصوف -هو دمار لمريكا ل فلسطين ،أما فلسطين فسيتم
استعادتها بدون تدمير ،وهي التي ستكون أكثر البلدان ،أمانا وطمأنينة
خلل الحداث القادمة ،وستكون بمنأى ،عن ضربات أسلحة الدمار
الشامل ،بإذن ال ،حيث ُقسم لها بعد تلك الحداث ،أن تكون عاصمة
الخلفة السلمية .
حقيقة ما وقع فيه هذا الكاتب ،أنه قام ببناء هرم نبوءاته على أساس ،صحة
النصوص التوراتية ،إذ أنه ل يعلم أن كتبة التوراة ،قاموا ببعثرة وجمع ،
ن
ثلثة أخبار نبوية ،متباعدة ومتتابعة ،في نصوص مرتبكة ومضطربة ،ليظ ّ
الكاتب أنها تحكي حدثا نبويا واحدا .وهذه الخبار النبوية الثلثة بالترتيب
312
هي ؛ أول :الغزو العراقي لسرائيل ،وثانيا :تحالف الروس والعرب ضد
الغرب في الحرب العالمية الثالثة ،بعد سقوط الدولة اليهودية ،وثالثا :خروج
المهدي من مكة ،واتخاذ القدس عاصمة لخلفته الممتدة ،من النيل إلى الفرات
،ومن تركيا إلى اليمن .
ولحظ هنا ،أن مؤلف هذا الكتاب ،كان قد شغل منصب ،مساعد رئيس
أركان الحرب البريطاني ،ولشؤون السياسة أيضا ،ونحن هنا ل نطرح
تكهنات أو تخّرصات ،حول معتقداتهم بالنسبة لنا كمسلمين وعرب ،فهذا ما
يعتقدون ويؤمنون به ،ويطرحونه في كتبهم ،والتي هي من أكثر الكتب مبيعا
في بلدانهم ،وأن هذا المؤلف وغيره الكثير ،من الذين يحملون هذه الفكار ،
كانوا في المس القريب جدا ،يشتركون في صنع القرارات الخاصة
ك أنكبالمنطقة ،ولو اطلعت على غزارة إنتاجهم في هذا المجال ،ل ش ّ
ستصاب بالذهول ،مما يطرحونه من أفكار وقناعات جنونية ومرعبة ،
ُيقّدمونها لشعوبهم على أنها مسلمات ،وستصاب بالذهول لغفلة أمتنا عما
يحملونه من عقائد وقناعات ،وما يقترفونه بناءً عليها من سياسات ُ ،يحيكونها
تحت ستر الظلم ،في كواليس السياسة الغربية ،وينفذونها على أرض واقع
أمتنا ،ونشاركهم نحن أيضا في تنفيذها ،بعد أن ُيقّدموها لنا ،في غلف من
ورق السولفان الملون ،الذي يكشف من خلل شفافيته وسخافته ،حقيقة
أهدافهم البشعة ،والمشبعة بالحقد على أمة القرآن ،التي تخّلت عنه طوعا ل
كرها ،منذ أمد ليس بالقصير ،ولكن ذلك ل ولن يرضيهم ،حتى ُيحّققوا كامل
أحلمهم وأمانيهم ،وُيتخّلصوا من كامل مخاوفهم وهواجسهم ،التي لن تزول ،
إل بزوال هذه المة عن وجه الرض ،التي وعدها ربها بالبقاء حتى تقوم
الساعة ،ولذلك عاجل أم آجل ،ستقودهم أوهامهم وهواجسهم ،إلى تدمير
أنفسهم ،بكسب مزيد من العداء والحقاد ،من جراء تخبطهم العمى ،
وسيرحلوا قريبا جدا ،إلى غير رجعة ،وسيرث الصالحون من هذه المة
عَباِدِه
ن ِشاُء ِم ْ
ن َي َ
ل ُيوِرُثَها َم ْ
ض ِّ
ن الَْْر َ
الرض بأسرها ،بإذن ال ِ … ) ،إ ّ
ن ) 128العراف ( . َواْلَعاِقَبُة ِلْلُمّتِقي َ
قال تعالى
313
ن ُهَدى الِّ حّتى َتّتِبَع ِمّلَتُهْم ُ ،قْل ِإ ّ
صاَرى َ ، ك اْلَيُهوُد َوَل الّن َ عْن َ
ضى َ ن َتْر َ
) َوَل ْ
ن ا ِّ
ل ك ِم َ
ن اْلِعْلِم َ ،ما لَ َ
ك ِم َ جاَء َ ت َأْهَواَءُهْم َ ،بْعَد اّلِذي َ
ن اّتَبْع َ
ُهَو اْلُهَدى َ ،وَلِئ ِ
صيٍر )(120 ي َوَل َن ِ
ن َوِل ِّم ْ
) البقرة (
314
السياسة المريكية ونبوءات التوراة والنجيل
ستناول في هذا الفصل ،مسألة تأثير نبوءات التوراة والنجيل ،على القرارات
السياسة المريكية ،وخاصة ما يتعلق بمنطقة الشرق الوسط ،لنفهم أبجديات
هذه السياسة المنحازة لسرائيل ،والمعادية للعرب والمسلمين بشكل عام ،
والتي اجتهد الكثير من المحللين في تفسيرها وتحليل دوافعها .وخير من
تعّرض لهذه المسألة ،وأفاض في بحثها هي الكاتبة المريكية ) غريس
هالسل ( في كتاب ) النبوءة والسياسة ( ،وهو من منشورات ) الناشر
للطباعة ( ،ط 1990 3م ،ترجمة محمد السّماك .
ملخص مقّدمة المترجم ) بتصرف ( :
يمثل العالم العربي موقعا متميزا وفريدا من نوعه ،في عملية صنع القرار
السياسي المريكي ،فبالضافة إلى أهمية موقعه الجغرافي ،وكونه سوقا
تجارية استهلكية ،ويملك أكبر احتياطي من النفط ،فإن هناك عامل آخر ،
يتقدم على كل هذه العوامل ،وهو تأثير الفكر المسيحي الديني ،على صياغة
القرار المريكي ،المتعلق بالصراع العربي السرائيلي .حيث نشأ في نهاية
القرن التاسع عشر ،وبداية القرن الماضي ،ما يسمى بالصهيونية المسيحية
النجيلية القائمة على اعتناق ثلثة مبادئ :
أول :اليمان بعودة المسيح ،
ثانيا :أن عودته مشروطة بقيام دولة إسرائيل ،
ثالثا :وبالتالي تجّمع اليهود في فلسطين .
وقد لعب هذا المر دورا أساسيا ،في صناعة القرار الخاص بقيام إسرائيل ،
وتهجير اليهود إليها ومن ثم دعمها ومساعدتها ،وإعفاءها من النصياع
للقوانين والمواثيق الدولية .وأن شريعة ال وحدها -التوراة – التي يجب أن
تطبق على اليهود في فلسطين ،بما أنهم شعب ال المختار .
ونتيجة لهذه المعتقدات ،ظهر الكثير من الحركات الدينية المسيحية النجيلية
الصولية ،في بريطانيا والوليات المتحدة ،وأهم وأخطر هذه الحركات هي )
الحركة التدبيرية ( ،التي نشأت في الوليات المتحدة ،بعد قيام دولة إسرائيل .
وتضّم في عضويتها أكثر من أربعين مليون أمريكي ،لحظة تأليف هذا الكتاب
315
في أواسط الثمانينيات ،ومن بين أعضائها الرئيس المريكي آنذاك ) رونالد
ريغان ( وهي تسيطر على قطاع واسع من المنابر العلمية المريكية ،
وتمتلك محطات تلفزة خاصة بها ،ويشارك قادتها ،كبار المسؤولين في البيت
البيض ،ومجلس المن القومي المريكي ،ووزارة الخارجية في صناعة
القرارات السياسية والعسكرية ،المتعلقة بالصراع العربي السرائيلي .
ن ال قد وضع في الكتاب المقدس ،نبوءات واضحة ، ش وتعتقد هذه الحركة أ ّ
حول كيفية تدبيره لشؤون الكون ونهايته ،كما يلي :
.1قيام إسرائيل وعودة اليهود إليها .
.2هجوم أعداء ال على إسرائيل ووقوع محرقة هرمجدون النووية ) وأعداء
إسرائيل هم الروس والعرب ،وعلى مدى أوسع هم الشيوعيون والمسلمون
بشكل عام ( .
.3انتشار الخراب والدمار ومقتل المليين .
.4ظهور المسيح المخلص وتخليصه لتباعه ) أي المؤمنين به ( من هذه
المحرقة .
.5إيمان من بقي من اليهود بالمسيح بعد المحرقة .
.6انتشار السلم في مملكة المسيح في أرض جديدة وتحت سماء جديدة مدة
ألف عام .
ن ال قدش وأن مهمة أعضاء هذه الحركة وأتباعها ،هي تدبير وتهيئة -وكأ ّ
جل في عودة المسيح إلى أوصاهم بذلك -كل المور التي من الممكن ،أن تع ّ
الرض ،ومن ضمن تلك المور :
أول :ضرورة إضعاف العرب عسكريا ،
وثانيا :تلبية جميع مطالب إسرائيل بالدعم المالي والسياسي والعسكري ،
وثالثا :تعزيز ترسانتها النووية .
مقتطفات من مقدمة الكاتبة :
تؤكد الكاتبة المريكية ) غريس هالسل ( ،أن بذور هذه الُمعتقدات الُمدّمرة ،
نشأت في نهاية القرن التاسع عشر .وكان رائد هذا التجاه ،في تفسير الكتاب
316
طبع أول مرجع إنجيلي له عام الُمقّدس ،هو ) سايروس سكوفيلد ( ،وقد ُ
1909م ،زرع فيه آراءه الشخصية في النجيل ،وصار أكثر الكتب المتداولة
حول المسيحية .وبدأت هذه الُمعتقدات في الظهور وتعّززت ،عندما تتابعت
انتصارات إسرائيل ،على دول الجوار العربية ،وبلغت ذروتها بعد الجتياح
السرائيلي لجنوب لبنان .
تقول ،وفي إحدى المناسبات كان ) سكوفيلد ( يذّكر ُمستمعيه بأنه " :عام بعد
عام ،كان ُيرّدد التحذير بأن عالمنا ،سيصل إلى نهايته بكارثة ودمار ومأساة
عالمية نهائية " .ولكنه يقول أيضا " :أن المسيحيين الُمخّلصين ،يجب أن
حبوا بهذه الحادثة ،لنه ُمجّرد ما أن تبدأ المعركة النهائية ،فإن المسيح
ُير ّ
سوف يرفعهم فوق السحاب ،وسُينقذون ،وأنهم لن ُيواجهوا شيئا من المعاناة ،
التي تجري تحتهم " .
وتقول " بالرغم من أن بعض الصوليين ،لم يتقّبلوا هذه الفكرة ،إل أنها
تسّببت في انقسام كبير .فهناك مؤشر إلى أن أعداد المسيحيين الذين يتعّلقون
بنظرية ) هرمجدون ( في تزايد ُمضطرد .فُهم مثل سكوفيلد ،يعتقدون أن
المسيح ،وعد المسيحيين الُمخّلصين ،بسماء جديدة وأرض جديدة .وبما أن
المر كذلك ،فليس عليهم أن يقلقوا حول مصير الرض ،فليذهب العالم كّله
إلى الجحيم ،لُيحّقق المسيح للقّلة الُمختارة ،سماًء وأرضا جديدتين " .
" إن استقصاء عام 1984م ،الذي أجرته مؤسسة ) باتكيلو فيتش ( أظهر أن
39بالمائة من الشعب المريكي ،يقولون ،أنه عندما يتحّدث عن تدمير
الرض بالنار ،فإن ذلك يعني ،أننا نحن أنفسنا سوف ُندّمر الرض ب
) هرمجدون ( نووية .وأظهرت دراسة لمؤسسة ) نلسن ( ُنشرت في ُأكتوبر
شرين ،يقولون أننا ل 1985م ،أن 61مليون أمريكي يستمعون بانتظام إلى ُمب ّ
نستطيع أن نفعل شيئا ،لمنع حرب نووية تتفجر في حياتنا " .
ش ومن أكثر الصوليين النجيليين شهرة ،من الذين ُيبشرون على شاشة
التلفزيون بنظرية ) هرمجدون ( :
.1بات روبرتسون :يملك شبكة تلفزيونية مسيحية ،مكونة من ثلث
محطات ،عائداته السنوية تصل إلى 200مليون دولر ،ومساهم في
محطة تلفزيون الشرق الوسط في جنوب لبنان ،يشاهد برامجه أكثر من
16مليون عائلة أمريكية .
317
.2جيمي سواغرت :يملك ثاني أكبر المحطات النجيلية شهرة ُ ،يشاهد
برامجه ما مجموعه 9,25مليون منزل .
.3جيم بيكر :يملك ثالث أشهر محطة تبشيرية ،عائداته السنوية تصل إلى
100-50مليون دولر ُ ،يشاهد برامجه حوالي 6مليين منزل ،يعتقد أن
علينا أن نخوض حربا رهيبة ،لفتح الطريق أمام المجيء الثاني للمسيح .
.4أورال روبرتس :تصل برامجه التلفزيونية إلى 5,77مليون منزل .
.5جيري فولويل :تصل دروسه التبشيرية إلى 5,6مليون منزل ،يملك
محطة الحرية للبث بالكابل ،أقام بعد شرائها بأسبوع ،حفل عشاء على
شرف جورج بوش نائب الرئيس ريغان آنذاك .وقد أخبر فولويل يومها بأن
جورج بوش ،سيكون أفضل رئيس في عام 1988م .
.6كينين كوبلند ُ :يشاهد برامجه 4,9مليون منزل .يقول " :أن ال أقام
إسرائيل .إّننا ُنشاهد ال يتحرك من أجل إسرائيل … إنه لوقت رائع أن نبدأ
في دعم حكومتنا ،طالما أّنها تدعم إسرائيل … إنه لوقت رائع أن ُنشعر ال
،مدى تقديرنا لجذور إبراهيم " .
.7ريتشارد دي هان :يصل في برنامجه إلى 4,75مليون منزل .
شر بتعاليم سكوفيلد .8ريكس همبرد :يصل إلى 3,7مليون منزل ،وهو ُيب ّ
التي تقول " :أن ال كان يعرف منذ البداية الولى ،أننا نحن الذين نعيش
اليوم ،سوف ُندّمر الكرة الرضية " .
وتعّقب الكاتبة بقولها " :لقد ذكرت ثمانية من الذين ٌيقّدمون البرامج الدينية ،
شرون بنظرية هرمجدون نووية في الذاعة والتلفزيون ،ومن بين 4آلف وُيب ّ
أصولي إنجيلي … ،هناك 3آلف من التدبيريين ،يعتقدون أن كارثة نووية
فقط ،يمكن أن ُتعيد المسيح إلى الرض .إن هذه الرسالة ُتبث عبر 1400
سيس إنجيلي ،يذيعون يوميا برامج محطة دينية في أمريكا .ومن بين ألف ق ّ
من خلل 400محطة راديو ،فإن الكثرية الساحقة منهم من التدبيريين " .
وتقول " :أن بعض هؤلء القساوسة ،ورؤساء الكنائس ،هم من القوة بحيث
يظهرون كالملوك في مناطقهم " .
والرسالة التي ُيرسلها هؤلء على الدوام هي " :لن يكون هناك سلم حتى
يعود المسيح ،وأن أي تبشير بالسلم ،قبل هذه العودة هو هرطقة ) تخريف
318
وكفر ( ،إنه ضد كلمة ال ) ضد ما جاء في الُكتب المقدسة ( ،إنه ضد المسيح
" .وهذا ما يقوله أيضا ) جيم روبرتسون ( التلفزيوني النجيلي الذي دعاه
الرئيس ) ريغان ( ،للقاء صلة افتتاح المؤتمر الحزب الجمهوري عام
1984م .
كتاب ) آخر أعظم كرة أرضية ( ومؤلفه ) هال لندسي ( :
تقول الكاتبة أن هذا الكتاب ،أصبح الكثر مبيعا خلل السبعينات ،حيث بيع
منه حوالي 18مليون نسخة ،وفي تعليقها على هذا الكتاب ومؤلفه ،تقول "
سر كل التاريخ ،قائل أن دولة إسرائيل ،هي الخط التاريخي أن المؤلف يف ّ
لمعظم أحداث الحاضر والمستقبل " .
) ومن هنا يأتي تقديس النصارى المريكان لسرائيل ،فضل عن اليهود ،
ولحظ أن هذا الكتاب ،قرأه ما ل يقل عن 18مليون أمريكي ،في بداية
صدوره ،أما الن فربما قد قرأه معظم الشعب المريكي ،وخطورة هذا
الكتاب تنبع من كون الفكار والمعتقدات التي أوردها المؤلف ،منسوبة إلى ال
،كما أوضح في كتابه المقّدس لديهم ( .
" ويقول لندسي :أن الجيل الذي ُولد عام 1948م ،سوف يشهد العودة الثانية
للمسيح .ولكن قبل هذا الحدث ،علينا أن نخوض حربين ،الولى ضد يأجوح
ومأجوج ) أي الروس ( ،والثانية في هرمجدون .والمأساة ستبدأ هكذا :كل
العرب بالتحالف مع السوفييت ) الروس ( ،سوف ُيهاجمون إسرائيل " .
) وهذا تحذير من ،وتحريض للغرب النصراني ،لمعاداة العرب المسلمين
والروس الشيوعيين (
وتقول الكاتبة بعد مقابلتها للمؤلف " :أن لندسي ل يبدو عليه الحزن ،عندما
ُيعلن :أن كل مدينة في العالم ،سيتم تدميرها في الحرب النووية الخيرة ،
وتعّقب الكاتبة :تصّوروا أن ُمدنا مثل لندن وباريس وطوكيو ،ونيويورك
ولوس أنجلوس وشيكاغو وقد ُأبيدت " .
ويقول لندسي " :إن القوة الشرقية سوف ُتزيل ثلث العالم … عندما تصل
الحرب الكبرى إلى هذا المستوى ،بحيث يكون كل شخص تقريبا قد ُقتل ،
ستحين ساعة اللحظة العظيمة ،فُينقذ المسيح النسانية من الندثار الكامل
) الفناء ( " .
319
وُيتابع لندسي " :وفي هذه الساعة سيتحول اليهود ،الذين نجوا من الذبح إلى
المسيحية … سيبقى 144ألف يهودي فقط ،على قيد الحياة بعد معركة
هرمجدون " .
) إذن يجب أل يكترث نصارى الغرب ،بنشوب حرب عالمية نووية ثالثة
مدمرة ،ما دامت مجمل ضحايا هذه الحرب ،ستكون من المسلمين واليهود
وبقية الوثنيين في الشرق ،غير المؤمنين بألوهية المسيح ،بل عليهم أن
يستعجلوا نشوبها ،بالعمل على تسريع المواجهة بين الشرق والغرب ،حتى
يعود للرض مرة لُينقذ البشرية النصرانية فقط ،من الندثار الكامل " .
شر النجيلي ) جيري فولويل ( :
وقفة مع الُمب ّ
بعد عرضه لنظرية هرمجدون مستخدما الدلة التوراتية والنجيلية .تقول
الكاتبة بعد حضورها للعرض " :رسم فولويل صورة ُمرعبة عن نهاية
العالم ،ولكنه لم يبُد حزينا أو حتى مهتّما .في الواقع أنهى عظته بابتسامه
كبيرة ،قائل :ما أعظم أن نكون مسيحيين ! إن أمامنا ُمستقبل رائعا " .
وفي إحدى تسجيلته يقول :
" وهكذا ترون أن هرمجدون حقيقة ،إنها حقيقة ُمرّكبة .ولكن نشكر ال لنها
ستكون نهاية العامة ،لنه بعد ذلك سيكون المسرح ُمعّدا ،لتقديم الملك الرب
شرين بالكتاب الُمقّدس ،يتوّقعون العودةن كل الُمب ّ
المسيح ،بقوة وعظمة … إ ّ
الحتمية للله … وأنا نفسي ُأصّدق ،بأننا جزء من جيل النهاية ،الذي لن
ُيغادر قبل أن يأتي المسيح " .
" ومنذ 2600سنة تنبأ النبي العبراني حزقيال ،أن أمة ستقوم إلى الشمال من
فلسطين ،قبل وقت قصير من العودة الثانية للمسيح … في الفصلين 38و
39من حزقيال ،نقرأ أن اسم هذه الرض هو روش .ويذكر أيضا اسم
مدينتين هما ماشك وتوبال … إن هذه السماء تبدو ُمشابهة بشكل ُمثير ،
لموسكو وتيبولسك ،العاصمتين الحاكمتين اليوم في روسيا … وكذلك كتب
حزقيال ،أن هذه الرض ستكون ُمعادية لسرائيل ،وأنه من أجل ذلك سيكون
حلفاء
ضدها .وقال أيضا أن روسيا ،سوف تغزوا إسرائيل بمساعدة ُ
ُمختلفين ،في اليام الخيرة … وقد سّمى هؤلء الحلفاء :إيران ) التي كنا
320
ُنسميها فارس ( ،وجنوب إفريقيا أو إثيوبيا ،وشمال إفريقيا أو ليبيا ،وأوروبا
الشرقية ) جومر ( ،والقوقاز جنوب روسيا ) توجرمة ( " .
" بالرغم من المال الوردية وغير الواقعية تماما ،التي أبدتها حكومتنا ،حول
اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل ،إل أن هذه التفاقية لن تدوم .إننا
ي حكومت ّ
ي نصلي بالفعل من أجل السلم في القدس … إننا نحترم كثيرا رئيس ّ
إسرائيل ومصر … ولكن أنت وأنا نعرف أنه ،لن يكون هناك سلم حقيقي في
الشرق الوسط ،إلى أن يأتي يوم ،يجلس فيه الله المسيح ،على عرش داود
في القدس " .
وفي كتابه ) الحرب النووية والمجيء الثاني … ( ،في فصل الحرب القادمة
مع روسيا ،يتنبأ ) فولويل ( بغزو سوفييتي لسرائيل ...وفي نهاية المعركة
سيسقط خمس أسداس الجنود السوفييت ،وبذلك يبدأ أول احتفال للرب .
ويجري احتفال آخر بعد معركة هرمجدون … وسيتوقف التهديد الشيوعي إلى
البد ،وسيستغرق دفن الموتى مدة 7أشهر .
الرئيس المريكي ) ريغان ( كان أحد فرسان هرمجدون النووية :
تقول الكاتبة " :كان ) رونالد ريغان ( واحدا ،من الذين قرءوا كتاب ) آخر
أعظم كرة أرضية ( … في وقت مبكر من عام 1986م ،أصبحت ليبيا العدو
الول ) لريغان ( … واستنادا إلى ) جيمس ميلز ( ،الرئيس السابق لمجلس
الشيوخ في ولية كاليفورنيا ،فإن ) ريغان ( كره ليبيا ،لنه رأى أنها واحدة
من أعداء إسرائيل ،الذين ذكرتهم النبوءات ،وبالتالي فإنها عدو ال " .
" وعندما كان ) ريغان ( مرشحا للرئاسة عام 1980م ،كان ُيواصل الحديث
عن هرمجدون ،ومن أقواله " :إن نهاية العالم قد تكون في متناول أيدينا …
إن هذا الجيل بالتحديد هو الجيل الذي سيشهد هرمجدون " .
" إن معظم المؤمنين ) بالتدبيرية ( ،ينظرون إلى روسيا على أنها شيطانية ،
وأنها ُتمّثل إمبراطورية الشيطان .ولقد جاهر ) ريغان ( بذلك في / 3 / 8
1983م ،عندما قال " :إن التحاد السوفييتي هو حجر الزاوية في العالم
المعاصر " " .إنني أؤمن أن الشيوعية ،فصل حزين وسيئ في التاريخ
النساني ،الذي يكتب الن صفحاته الخيرة " .
321
وتقول الكاتبة :يقول )جيمس ميلز ( في مقال صحفي " :إن استعمال ) ريغان
( لعبارة إمبراطورية الشيطان … كان إعلنا انطلق من اليمان الذي أعرب
لي عنه ،في تلك الليلة عام 1971م … إن ) ريغان ( كرئيس أظهر بصورة
دائمة ،التزامه القيام بواجباته ،تمشيا مع ارادة ال … إن ) ريغان ( كان
صيصا ،وهو يعمل على بناء ،القدرة العسكرية للوليات يشعر بهذا اللتزام خ ّ
المتحدة وحلفائها …
… صحيح أن حزقيال تنبأ بانتصار إسرائيل وحلفائها ،في المعركة الرهيبة
ضد قوى الظلم ،إل أن المسيحيين المحافظين مثل رئيسنا ،ل يسمح لهم
التطرف الروحي ،بأن يأخذوا هذا النتصار كُمسّلمات .إن تقوية قوى الح ّ
ق
لتربح هذا الصراع المهم ،هو في عيون مثل هؤلء الرجال ،عمل ُيحّقق
نبوءة ال انسجاما مع إرادته السامية ،وذلك حتى يعود المسيح مّرة ثانية …
… وبالتأكيد فإن توجهه بالنسبة للنفاق العسكري ،وبرودته اتجاه ُمقترحات
نزع السلح النووي ،متفقة مع وجهة نظره هذه ،التي يستمّدها من سفر
الرؤيا … إن هرمجدون التي تنبأ بها حزقيال ،ل ُيمكن أن تحدث في عالم
منزوع السلح .إن كل من يؤمن بحتمية وقوعها ،ل ُيمكن توقع تحقيقه لنزع
السلح .إن ذلك ُيناقض مشيئة ال كما وردت على لسانه …
… إن سياسات الرئيس ) ريغان ( الداخلية والمالية ُ ،منسجمة مع التفسير
اللفظي ،للنبوءات التوراتية والنجيلية .فل يوجد أي سبب للغضب من مسألة
الَدْين القومي المريكي ،إذا كان ال سيطوي العالم كّله قريبا " .
وتقول الكاتبة " :وبناء على ذلك ،فإن جميع البرامج المحلية ،التي تتطلب
إنفاقا كبيرا ،يمكن بل يجب أن ُتعّلق من أجل توفير المال ،لتمويل برامج
تطوير السلحة النووية ،من أجل إطلق الحمم الُمدّمرة على الشياطين ،أعداء
ال وأعداء شعبه ،وأضاف ميلز :
" لقد كان ) ريغان ( على حق عندما اعتقد أن أمامه فرصة أكبر ،لينفق
المليارات من الدولرات ،استعدادا لحرب نووية مع يأجوج ومأجوج ،لو كان
معظم الشعب الذي أعاد انتخابه ،يؤمن كما أخبرني ،بما يؤمن هو به ،
بالنسبة ) لهرمجدون ( والعودة الثانية للمسيح " .
وتقول نقل عن كتاب ) ساحات المعارك النووية ( " :أن أمريكا تملك في
الداخل 14500رأس نووي ،موزعة على 40ولية ،وتملك 3396 :في
322
ألمانيا ،و 1268في بريطانيا ،و 549في إيطاليا ،و 489في تركيا ،و
164في اليونان ،و 151في كوريا الجنوبية ،و 81في هولندا ،و 25في
بلجيكا " .
ونقل عن صحيفة واشنطن بوست ،تقول " :أن الدارة المريكية ،اقترحت
مواصلة البناء العسكري في السنوات الخمس الُمقبلة .وأن النفاق على
مشاريع وزارة الدفاع ُ ،يشير إلى ارتفاع من 258.4مليار دولر عام
1986م ،إلى 356.6مليار عام 1991م " .
النجيليون الصوليون يؤمنون بأكاذيب التوراة أكثر من اليهود أنفسهم :
في لقاء للكاتبة مع محام فلسطيني مسيحي بروتستنتي إنجيلي ،يعمل في القدس
،بعد أن عاد من أمريكا ليعيش في فلسطين ،في معرض رّده على سؤال ،
شر ) فولويل ( لزيارةظمهم الُمب ّجاج المريكيين ،الذين ُين ّ
عن رأيه في الح ّ
أرض المسيح ،قال :
" بالنسبة للنجيليين الصوليين مثل ) فولويل ( ،فإن اليمان بإسرائيل يتقدم
على تعاليم المسيح .إن الصهاينة ُيفسدون تعاليم المسيح .إن صهيونية
) فولويل ( سياسية ل علقة لها ،بالقيم أو الخلق أو بمواجهة المشاكل
الحقيقية .إنه يدعو أتباعه إلى تأييد إسرائيل ،ويطلب من دافع الضرائب
المريكي ،أن ُيقّدم لسرائيل 5مليار دولر كل سنة .إذ أنه يؤكد لتباعه وبما
أنهم مؤيدون للصهيونية ،فهم على الطريق الصحيح ،وفي الجانب الرابح
دوما …
وفي الواقع فإن مسيحيين مثل ) فولويل ( ُ ،يوّفرون للسرائيليين الدافع للتوسع
ومصادرة المزيد من الراضي ،ولضطهاد مزيد من الشعوب ،لنهم يّدعون
أن ال إلى جانب إسرائيل ،وأن العم سام راغب في التوقيع على الفاتورة …
إن السرائيليين ،يعرفون أن مسيحيين جيدين ومؤثرين مثل ) فولويل ( ،
يقفون معهم على الدوام ،بغض النظر عما يفعلون أخلقيا ومعنويا .ومهما
بلغوا من القمع ،فإن السرائيليين يعرفون أن الصهيونيين المسيحيين
المريكيين معهم ،ويرغبون في إعطائهم السلحة ومليارات الدولرات ،
وسُيصّوتون إلى جانبهم في المم المتحّدة " .
323
الُمبشر ) فولويل ( والترويج لسرائيل سياسيا :
في بحث قام به اثنان من الساتذة الجامعيين عن حياة ) فولويل ( ،يؤكد د.
) غودمان ( أن ) فولويل ( تحّول من الوعظ الديني ،إلى الوعظ السياسي
المؤيد للدولة الصهيونية ،بعد النتصار العسكري السرائيلي في عام
1967م .حيث أن هذا النتصار الُمذهل ،كان له تأثير كبير على العديد من
المريكيين ،في الوقت الذي كان فيه شعور الهزيمة والخيبة ُ ،يخّيم على
الكثير من المريكيين من جّراء الحرب الفيتنامية ،ومن هؤلء كان
) فولويل ( الذي نظر إلى المر بطريقة مختلفة ،حيث قال :أن السرائيليين ،
خل من ال .
ما كانوا لينتصروا لو لم يكن هناك تد ّ
ونتيجة لذلك بدأ السرائيليون باستخدام ) فولويل ( في السبعينيات ،لتحقيق
أغراضهم ومطالبهم ،وتأييد سياساتهم لدي الشعب والساسة المريكان ،وفي
خطاب له عام 1978م في إسرائيل ،قال " :إن ال ُيحب أمريكا ،لن أمريكا
ُتحب اليهود " .وفي مناسبات عديدة كان يقول للمريكيين " :إن قدر المة
يتوقف على التجاه ،الذي يتخذونه من إسرائيل … وإذا لم ُيظهر
المريكيون ،رغبة جازمة في تزويد إسرائيل بالمال والسلح ،فإن أمريكا
ستخسر الكثير " .وقد قامت وسائل العلم الصهيونية بإبرازه وتلميع صورته
،ليصبح شخصية سياسية وإعلمية مرموقة على الساحة المريكية ،لدرجة
أن الرئيس ) ريغان ( رتب له حضور اجتماع مجلس المن القومي
) البنتاغون ( ،ليستمع وُيناقش كبار المسؤولين فيه ،حول احتمال نشوب
حرب نووية مع روسيا .
ُيتابع د ) .غودمان ( " :في عام 1981م ،عندما قصفت إسرائيل المفاعل
يء في الوليات الُمتحّدة . النووي قرب بغداد ،تخّوف ) بيغن ( من رد فعل س ّ
ومن أجل الحصول على الدعم ،لم يتصل بسيناتور أو كاهن يهودي ،إنما
اتصل ) بفولويل ( … وقبل أن ُيغلق سماعة الهاتف ،قال ) فولويل (
) لبيغن ( " :السيد رئيس الوزراء ،أريد أن أهنئك على المهمة ،التي جعلتنا
فخورين جدا بإنتاج طائرات ف . " 16
وقال د ) .برايس ( " :إن أي عمل عسكري قامت أو ستقوم به إسرائيل ،
تستطيع أن تعتمد فيه على دعم اليمين المسيحي " .
324
هدم المسجد القصى وبناء الهيكل ،مطلب إلهي منصوص عليه فيه التوراة ،
كما يعتقد مسيحيو الغرب ،فضل عن يهود الشرق والغرب :
أثناء رحلة الحج الثانية للكاتبة ،وفي لقاء مع أحد مستوطني ُمستعمرة ) غوش
أمونيم ( ُ -معقبة على قوله -قالت له :إن بناء هيكل للعبادة شيء ،وتدمير
المسجد شيء آخر ،فمن الممكن ،أن ُيؤدي ذلك إلى حرب بين إسرائيل
والعرب ،فرّد قائل " :تماما ،هذا ما ُنريده أن يحدث ،لننا سوف نربحها ،
ومن ثم سنقوم بطرد العرب من أرض إسرائيل ،وسُنعيد بناء الهيكل ،وننتظر
مسيحنا " .
تقول الكاتبة " :لقد زرت قبة الصخرة ،وهي واحدة من أجمل الصروح في
العالم – والتي ُتقارن بجمال تاج محل – وقد تم بناؤها عام 685م ،بأمر من
الخليفة الموي عبد الملك بن مروان ،وهو البناء الجمل في القدس " .وتقول
" :على الرغم من أن المسيح ،دعا إلى إقامة المعابد في النفس ،فإن
الصوليين المسيحيين ُ ،يصّرون على أن ال ُ ،يريد أكثر من بناء معبد
روحي ،إنه ُيريد معبدا حقيقيا من السمنت والحجارة ُ ،يقام تماما في الموقع
الذي توجد فيه الصروح السلمية " .
وتقول الكاتبة " :قال زميل لي في الجولة " :إنني أعتقد أن الرهابيين
اليهود ،سوف ينسفون الماكن السلمية الُمقّدسة .وأن ذلك سيتسّبب في إثارة
ن حرب ُمقّدسة على إسرائيل ،مما يحمل العالم السلمي ،ودفعه إلى ش ّ
المسيح على التدخل .يعتقد اليهود أن المسيح سيأتي للمرة الولى ،ونحن
كمسيحيين نعلم أن عودته ستكون الثانية ،وأنا واثق من أنه سيكون هناك هيكل
يهودي ثالث " .
ويقول ) لندسي ( في كتاب ) آخر أعظم كرة أرضية ( " :لم يبق سوى حدث
واحد ،ليكتمل المسرح تماما أمام إسرائيل ،لتقوم بدورها في المشهد العظيم
الخير ،من مأساتها التاريخية ،وهو إعادة بناء الهيكل القديم ،في موقعه
القديم .ول يوجد سوى مكان واحد ،يمكن بناء الهيكل عليه ،استنادا إلى
قانون موسى ،في جبل موريا حيث الهيكلن السابقان " .
325
نشأة المسيحية الصهيونية :
تقول الكاتبة " :أواخر أغسطس 1985م ،سافرت من واشنطن إلى سويسرا ،
لحضور المؤتمر المسيحي الصهيوني الول في بازل ،برعاية السفارة
المسيحية العالمية في القدس ،لتعّرف على خلفية الصهيونية السياسية … في
ث المسيحيون إسرائيل ،على ضم الضفة الغربية ، أحد مقررات المؤتمر ح ّ
بسكانها المليون فلسطيني … فاعترض يهودي إسرائيلي :بأن ثلث
السرائيليين ُ ،يفضلون مقايضة الراضي المحتلة ،بالسلم مع الفلسطينيين
… فرّد عليه مقرر المؤتمر " :إننا ل نهتم بما ُيصّوت عليه السرائيليون ،
وإنما بما يقوله ال .وال أعطى هذه الرض لليهود " .
وتقول " :كان تقديري أنه من بين 36ساعة … فإن المسيحيين الذين أشرفوا
على المؤتمر ،خصصوا %1من الوقت لرسالة المسيح وتعاليمه ،وأكثر من
%99من الوقت للسياسة .ول ُيوجد في المر ما ُيثير الستغراب ،ذلك أن
المشرفين على المؤتمر ،برغم أنهم مسيحيون فهم أول وقبل كل شيء صهاينة
،وبالتالي فإن اهتمامهم الول هو الهداف الصهيونية السياسية " .
وفي بحثها عن أصل الصهيونية السياسية ،الداعية إلى عودة اليهود إلى
فلسطين ،تؤكد الكاتبة أن ) ثيودور هرتزل ( لم يكن أصل صاحب هذه
الفكرة ،وإنما كان ُدعاتها هم المسيحيون البروتستانت ) ذوي الغلبية في
أمريكا وبريطانيا الن ( ،قبل ثلث قرون من المؤتمر الصهيوني الول .
حيث ضّم لوثر زعيم حركة الصلح الكنسي ،في القرن السادس عشر ،
توراة اليهود إلى الكتاب المقّدس ،تحت اسم العهد القديم .فأصبح المسيحيون
الوربيون ُيبدون اهتماما أكبر باليهود ،وبتغيير التجاه السائد الُمعادي لهم في
أوروبا .
وتقول الكاتبة " :توجه البروتستانت إلى العهد القديم ،ليس فقط لنه أكثر
الكتب شهرة ،ولكن لنه المرجع الوحيد لمعرفة التاريخ العام .وبذلك قّلصوا
تاريخ فلسطين ما قبل المسيحية ،إلى تلك المراحل التي تتضّمن فقط الوجود
ضعوا في إطار العتقاد ، العبراني فيها .إن أعدادا ضخمة من المسيحيين ُو ِ
أنه لم يحدث شيء في فلسطين القديمة ،سوى تلك الخرافات غير الموثقة من
الروايات التاريخية المدّونة في العهد القديم " .
326
وتقول " :في منتصف عام 1600م ،بدأ البروتستانت بكتابة معاهدات ُ ،تعلن
بأن على جميع اليهود ُ ،مغادرة أوروبا إلى فلسطين .حيث أعلن ) أوليفر
كرمويل ( ،بصفته راعي الكومنولث البريطاني الذي ُأنشئ حديثا ،أن الوجود
اليهودي في فلسطين ،هو الذي سُيمّهد للمجيء الثاني للمسيح " .ومن هناك
في بريطانيا ،بدأت بذرة الدولة الصهيونية الحديثة في التخّلق .
وفي خطاب لمندوب إسرائيل في المم المتحّدة ) بنيامين نتنياهو ( عام 1985م
-الذي أصبح فيما بعد رئيسا لسرائيل -أمام المسيحيين الصهاينة ،قال " :إن
كتابات المسيحيين الصهاينة ،من النجليز والمريكان ،أّثرت بصورة ُمباشرة
على تفكير قادة تاريخيين ،مثل ) لويد جورج ( و ) آرثر بلفور ( و ) ودرو
ويلسون ( ،في مطلع هذا القرن … الذين لعبوا دورا أساسيا ،في إرساء
القواعد السياسية والدولية ،لحياء الدولة اليهودية " .
حلما بالرض وتقول " :لم يكن حلم هرتزل روحانيا ،بل كان جغرافيا ،كان ُ
والقوة .وعلى ذلك فإن السياسة الصهيونية ضّللت الكثير من اليهود … وقد
اّدعى الصهاينة السياسيون ،أنه لم يكن هناك فلسطينيون ،يعيشون في
فلسطين … ويقول ) موش مانوحين ( :أنه انتقل إلى الدولة اليهودية الجديدة ،
على أمل أن يجد جّنة روحية ،ولكّنه اكتشف أن الصهاينة " ل يعبدون ال ،
ولكنهم يعبدون قوتهم " .
وتقول " :لن يهود أمريكا – مثل ) آندي غرين ( – يعرفون أنه يمكنهم
العتماد ،على دعم 40مليون مسيحي إنجيلي أصولي ،فهم ُيصادرون
الرض من الفلسطينيين بقوة السلح .ويقول غرين الذي انتقل إلى إسرائيل
عام 1975م ،ول يزال يحتفظ بجواز سفره المريكي " :ليس للعرب أي حق
في الرض ،إنها أرضنا على الطلق ،هكذا يقول الكتاب المقّدس ،إنه أمر
ل نقاش فيه .من أجل ذلك ،ل أجد أي ُمبرر للتحّدث مع العرب ،حول
ادعاءاتهم المنافسة لنا .إن القوى هو الذي يحصل على الرض " .
الحصول على الدعم السياسي والعسكري والقتصادي ،هو غاية إسرائيل من
التحالف مع اليمين المسيحي :
يوضح ) ناتان بيرلمتر ( يهودي أمريكي ،من حركة ) بناي برث ( – منظمة
يهودية -في أمريكا ،أسباب تحالف يهود الوليات المتحدة مع الصوليين
327
سرون نصوص الكتاب المسيحيين ،بقوله " :أن الصوليين النجيليين ُ ،يف ّ
الُمقّدس بالقول " :أن على جميع اليهود ،أن يؤمنوا بالمسيح أو أن ُيقتلوا في
معركة هرمجدون .ولكنه يقول في الوقت نفسه " :نحن نحتاج إلى كل
الصدقاء لدعم إسرائيل … وعندما يأتي المسيح فسوف نفكر في خياراتنا
آنذاك .أما الن دعونا ُنصّلي ونرسل السلحة " .
تشير الكاتبة إلى كتاب ) مصير اليهود ( للمؤلفة اليهودية ) فيورليخت ( ،الذي
تصفه بالرائع ،حيث تقول فيه الكاتبة اليهودية " :أن أول مساهمة لليهودية
كانت القانون الخلقي ،وأن عظمة اليهودية ،لم تكن في ملوكها وإنما في
أنبيائها .وأن ال لم يأمر اليهود بالموت ،ولكّنه أمرهم بالحياة .وُتدّلل على
قولها بنص من التوراة " لقد وضعت أمامكم الحياة والموت … ولذلك عليكم
أن تختاروا الحياة " .وُتضيف :مع ذلك فإن السرائيليين بوضع مصيرهم بيد
الجيوش والسلحة ،وبتشريفهم الجنرالت أكثر من النبياء .ل يختارون
ن أولئك الذين يجعلون من الحياة وإنما يختارون الموت " .وُتحّذر ،من أ ّ
إسرائيل إلها ُيعبد ،يدفعوننا في هذا التجاه " .
ش وتلخص الكاتبة أهداف إسرائيل من التحالف ،مع اليمين المسيحي في
الوليات المتحدة :
• الحصول على المال .
• أن يكون الكونغرس مجرد خاتم مطاطي للموافقة على أهدافها السياسية .
• تمكينها من السيطرة الكاملة والمنفردة على القدس .
وتقول على لسان ) إسرائيل شاهاك ( " :إن طبيعة الصهيونية هي البحث
جه الصهاينة السياسيون إلى إنجلترا ،
الدائم ،عن حاٍم ومعيل .في البداية تو ّ
جهون ويعتمدون كلّيا على الوليات المتحدة .وقد أقاموا هذا الحلف والن يتو ّ
مع اليمين المسيحي الجديد ،لكي ُيبّرر أي عمل عسكري أو إجرامي ،تقوم به
إسرائيل " .
وتقول الكاتبة " :إن للقادة الصوليين النجيليين اليوم ،قوة سياسية ضخمة .
إن اليمين المسيحي الجديد ،هو النجم الصاعد في الحزب الجمهوري ،
وتحصد إسرائيل مكاسب سياسية جمة ،داخل البيت البيض من خلل تحالفها
معه " .
328
وتنقل الكاتبة :إن ) مارفن ( – أحد زملئها في رحلة الحج -كغيره من اليمين
المسيحي الجديد ،يشعر بالنشوة لنه مع الحليف الرابح .وقد نقل إلي مرة
المقطع 110الذي يتحّدث عن يهوه وهو يسحق الرؤوس ،ويمل الرض
بجثث غير المؤمنين ،والمقطع 137الذي ُيعرب فيه عن الرغبة من النتقام ،
من أطفال بابليين وإلقائهم فوق الصخور .ثم قال ) مارفن ( :وهكذا يتوجب
على السرائيليين أن ُيعاملوا العرب بهذه الطريقة .ورغم أن ) مارفن ( كان
معجبا ومطلعا على نصوص التاريخ التوراتي ،إل أنه كان جاهل فيما يتعلق
بالصراع العربي السرائيلي .لنه يعرف مسبقا ،كل ما يعتقد أن ال يريد منه
أن يعرفه .وقال لي " :إن على المريكيين أن يتعلموا من السرائيليين كيف
ُيحاربون " .ويشارك ) مارفن ( كذلك ،هؤلء بالعتقاد " بأننا نحن
المسيحيين نؤخر وصول المسيح ،من خلل عدم مساعدة اليهود ،على
مصادرة مزيد من الرض من الفلسطينيين " .
وتخُلص الكاتبة إلى القول أن عدة مليين ،من المسيحيين المريكيين ،
يعتقدون أن القوانين الوضعية ،يجب أل ُتطبق على مصادرة اليهود
واسترجاعهم لكل أرض فلسطين .وإذا تسّبب ذلك في حرب عالمية نووية ثالثة
،فإنهم يعتقدون بأنهم تصّرفوا بمشيئة ال " .
وتذكر الكاتبة أن هناك قائمة ،بأسماء 250منظمة إنجيلية أصولية موالية
لسرائيل ،من مختلف الحجام والعمق في أمريكا ،ومعظم هذه المنظمات نما
خلل السنوات الخمس الخيرة ،أي منذ عام 1980م .
وتقول الكاتبة في فصل مزج الدين بالسياسة " :أن السرائيليون ُيطالبون
بفرض سيادتهم وحدهم ،على المدينة التي ُيقّدسها مليار مسيحي ومليار مسلم ،
وحوالي 14مليون يهودي .وللدفاع عن اّدعائهم هذا ،فإن السرائيليين –
ومعظمهم ل يؤمن بال – يقولون :بأن ال أراد للعبرانيون ،أن يأخذوا القدس
جه السرائيليون إلى ) مايك ايفنز إلى البد .ومن أجل ترويج هذه الرسالة ،تو ّ
صر ليساعد ( اليهودي المريكي ،الذي ُقّدم في أحد المعابد ،على أنه قسّ تن ّ
شعبه ،وأنه صديق لجورج بوش ،ويحتل مكانة مرموقة في الحزب
الجمهوري ،ومن حديثه في هذا المعبد قوله " :إن ال يريد من المريكيين ،
نقل سفارتهم من تل أبيب إلى القدس ،لن القدس هي عاصمة داود .ويحاول
الشيطان أن يمنع اليهود ،من أن يكون لليهود حق اختيار عاصمتهم .إذا لم
329
تعترفوا بالقدس ملكية يهودية ،فإننا سندفع ثمن ذلك من حياة أبنائنا وآبائنا .إن
ال ،سُيبارك الذين ُيباركون إسرائيل ،وسيلعن لعنيها " .
الخاتمة :
وفي الخاتمة تقول الكاتبة " :فكرت في خيارنا للحياة أو الموت ،طوال السنين
العديدة الماضية ،مستمعة إلى ) جيري فولويل ( وغيره من النجيليين ،الذين
يطّلون علينا عبر الهاتف ،والكتاب المقّدس باليد الخرى ،ناقلين عن كتاب
دانيال من العهد القديم ،وعن كتاب سفر الرؤيا من العهد الجديد ،قائلين :أن
ال قد قضى علينا أن نخوض حربا نووية مع روسيا ...
اقتناعا منهم بأن هرمجدون نووية ل مفر منها ،بمقتضى الخطة اللهية .فإن
العديد من النجيليين المؤمنين بالتدبيرية ،ألزموا أنفسهم سلوك طريق مع
إسرائيل ،يؤدي بشكل مباشر – باعترافهم أنفسهم – إلى محرقة أشّد وحشية ،
وأوسع انتشارا ،من أي مجزرة ُ ،يمكن أن يتصورها عقل ) أدولف هتلر (
الجرامي …
لقد وجدت فكرهم الوعظي ،تحريضيا تصادميا ،في حّثهم على الستعداد
لنهاية العالم ،إنهم يدفعونني إلى العتقاد ،بأننا قطعنا مسافة طويلة بعيدا عن
بداياتنا كبشر .إن معظمنا يتمسك باعتبار حسن الجوار ،كعلقة رائعة في
حياتنا المتحضرة ؛ معاملة الخرين كما نحب أن ُيعاملونا ،وفوق ذلك عاش
الكثيرين بهدف أكثر نبل ؛ وهو مغادرة هذه الدنيا في حاله ،أفضل من تلك
التي وجدوها عليها " .
بعد هذا العرض لبعض ما جاء في هذا الكتاب ،نستطيع القول أن الحلف
المنعقد بين إسرائيل والوليات المتحّدة ،هو حلف عقائدي عسكري ُ ،تغذيه
النبوءات التوراتية والنجيلية .لدرجة أن الكثير من أفراد الشعب المريكي
ل ،يتمنى لو أنه ولد يهوديا ،لينعم بالنتساب إلى شعب ال المختار ، الضا ّ
الذي يقاتل ال عنهم في جميع حروبهم ضد الكفرة من المسلمين والشيوعيين .
ونحن كمسلمين بتواجدنا على أرض اليهود ،وبمقاومتنا للحتلل الصهيوني ،
نمنع ال من تحقيق إرادته ،بإعطاء أرض فلسطين لليهود .فالشعب المريكي
ينظر على أن اليهود هم جنود ال ،وأن الفلسطينيون هم إرهابيون وجنود
شرفاء أمريكا ،يعتقدون بعكس ذلك ،من الذين الشيطان ،وأن قلة قليلة من ُ
330
سبروا أغوار الحقيقة ،ودرسوا التاريخ والجغرافيا والواقع ،بعين العدالة
والنصاف ،حتى أن بعضهم طعن في مصداقية كتبهم الُمقّدسة ،ولكن كل
جهود الشرفاء ،من مواقف ومحاضرات وبرامج ومؤلفات ،ذهبت أدراج
الرياح ،لنهم قلة ول يملكون ،ما يملكه اليهود وأتباعهم من القوة والمال ،
فكانوا كمن ُيجّدف بالرمال .
ش ونستطيع تلخيص العلقة ما بين إسرائيل وأمريكا ) اليهود والنصارى ( كما
يلي :
• أن التحالف بين الدولتين ،فضل عن كل شيء ،هو حلف ديني عقائدي ،
أقوى من أي معاهدة أو اتفاقية مكتوبة على الورق .
• كل من المريكان والسرائيليون ينتظرون المسيح الخاص بهم .
• يتفق الطرفان على أن قيام الدولة اليهودية في فلسطين إشارة لقرب مجيئه
.
• ويتفق الطرفان على وجوب سيطرة اليهود ،على فلسطين كاملة ،واتخاذ
القدس عاصمة لهم ،ومن ثم يتوجب عليهم إقامة الهيكل مكان المسجد
القصى ،وأن هذه المور ،ما لم تأخذ مجراها على أرض الواقع ،فإنها
ستعطل مجيء المسيح بالنسبة للطرفين .
• وأن ظهور المسيح سيكون مسبوقا ،بحرب ُمدمرة ستقع بين إسرائيل
وأعدائها ،تحصد ما ل ُيعّد ول ُيحصى من أرواح البشر ،وتنتهي بخراب
الرض ،ورّواد المؤامرة اليهودية العالمية ،يبذلون قصارى جهدهم
لشعالها ،لقطف ثمار مخططهم الشيطاني ،بإثارة الفتن وافتعال الزمات .
• وبناء على ذلك ،تجد أمريكا نفسها ملزمة عقائديا ،بتسليح إسرائيل ما
أمكنها ذلك ،وبدعمها في كل مخططاتها داخل فلسطين وخارجها .استعدادا
لوقوع هذه الحرب المدمرة ،لضمان انتصار إسرائيل وحلفائها ضد أعداء
ال .
هكذا هي المعادلة بكل بساطة ،فساسة الشعب المريكي جملة وتفصيل ،
صهاينة أكثر من ساسة إسرائيل أنفسهم ،وما عبادة المريكيين ،لسرائيل إل
لتقّربهم إلى ال زلفى ،ولذلك يسعى المريكيون قبل السرائيليون ،لتلبية
331
متطلبات مجيء المسيح ،وأعجب من العرب عندما يطلبون من صهاينة
الغرب ،رفع ظلم صهاينة الشرق .
ولو عدنا بالذاكرة إلى الوراء ،وبدأنا بتتّبع الرؤساء المريكيين المتأخرين ،
لتبين لنا أن الرؤساء من الحزب الديموقراطي ،كانوا أكثر اعتدال وأكثر ميل
إلى السلم مع العرب وروسيا ،بغض النظر عن مفهومهم له ،وأقل تجاوبا
مع متطلبات الصهيونية اليهودية ،والصهيونية المسيحية الُمتطّرفة ،كما هو
حال الرئيس ) كارتر ( – الذي انتهت وليته عام 1980م – حيث ُأنجزت في
عهده اتفاقية ) كامب ديفيد ( بين مصر وإسرائيل ،والرئيس ) كلينتون ( ،
200-1992م ،الذي ُأنجزت في عهده اتفاقية وادي عربة بين الردن
وإسرائيل ،وحاول جاهدا صنع ) كامب ديفيد ( أخرى مع الفلسطينيين ،رغم
محاولته الخجولة لرضاء هؤلء بقصف مصانع الدوية السودانية ،وقصف
العراق بين حين وأخر .
ولتبين لنا أيضا ،أن الرؤساء من الحزب الجمهوري اليميني المسيحي
النجيلي التوراتي الصولي المتطّرف ،كانوا أكثر تطرفا وعدوانية ،وأقل
اهتماما بالسلم ،ويتجاوبون مع متطلبات اليهود ،بل ُينّفذونها بحذافيرها .
ن الحرب على ليبيا ،وتم في عصره فالرئيس ) ريغان ( 1988-1980م ،ش ّ
ضرب المفاعل العراقي ،واجتياح بيروت ،واشتعلت الحرب اليرانية ،وتم
إطالة أمدها ،وانتهت بنهاية وليته .والرئيس ) بوش الب ( -1988 ،
ن الحرب على العراق ،وفرض عليه الحصار ،وتم إسقاط 1992م ،ش ّ
الشيوعية وتفكيك التحاد السوفييتي ،وأعلن عن النظام العالمي الجديد ،
المذكور في بروتوكولت اليهود .
ومؤخرا جاء دور ) بوش البن ( ،لُيكمل سلسلة جرائم أسلفه من
الجمهوريين ،وُينفذ ما ُأعّد له هؤلء من برامج مسبقة ،كان أبالسة اليهود قد
ط أجدادهم أسفار التوراة والنجيل ، طوها ،قبل وصوله لسدة الحكم ،كما خ ّ خّ
وبروتوكولت الحكماء ،فيما ُيسّمى ) بتقرير معهد واشنطن لسياسات الشرق
الدنى ، ( 2001حيث بدأ بتنفيذ ما جاء فيه من أوامر ،فور تسّلمه للسلطة :
.1فضرب بغداد دون سابق إنذار ،وبدأت إدارته بالترويج " للعقوبات
الذكية " ،التي طالب بها خبثاء معهد واشنطن .
.2وأظهر عداءه لروسيا والصين .
332
.3وطلب الرئيس المصري لمعاقبة مصر ،على موقفها المتشّدد مع إسرائيل
في قمة القاهرة ،بخفض المساعدات وتأخير إنشاء منطقة التجارة الحرة ،
فيما لو أصّرت على ذلك .
.4وصّرح عن رغبته في نقل السفارة المريكية إلى القدس .
.5ودعم إسرائيل في قمعها لنتفاضة الرهابيين الفلسطينيين ،وبّرر وما
زال ُيبّرر جرائمها .
.6وظهر هناك من يدعو إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان ،من
اللبنانيين المدعومين بالموال اليهودية تحت غطاء الدين .
.7وقام وزير الخارجية بجولة في دول المنطقة ،لشرح السياسة الجديدة
التي جاء بها هذا التقرير ،الذي تمت صياغته بذكاء ودهاء يهودي صرف ،
بناء على المخاوف النبوية التوراتية .
تقرير معهد واشنطن لسياسة الشرق الدنى لعام 2001م
ُيؤكد هذا التقرير أن مصير هذه المنطقة ،مرهون بما جاء من نبوءات في
طلعت الكتب المقّدسة ،ومرهون أيضا بكيفية تفسيرهم لهذه النبوءات .وإذا ا ّ
على هذا التقرير ،الذي يوضح السياسات ،التي يتوجب على الرئيس
المريكي نهجها ،للسيطرة على هذه المنطقة واستعباد شعوبها ،ستجد أنها قد
س السم في العسل ،بناًء على المخاوف ُرسمت بدهاء ومكر ،على طريقة د ّ
اليهودية ،المنبثقة من النبوءات التوراتية .حيث أن ُمجمل بنود هذا التقرير ،
جاءت لدرء المخاطر عن الدولة اليهودية فقط ل غير .وفيما يلي سنعرض من
فصول هذا التقرير الخمسة ،بعض المقتطفات شديدة التعلق بموضوع هذا
الكتاب .وقد ُنشر هذا التقرير مترجما على حلقات ،في جريدة العرب اليوم
الردنية ،في النصف الول من شهر 3/2001م .
تأسس معهد واشنطن عام 1985م ،وهو يعمل كوحدة للبحوث ،تابعة للجنة
ب ) ايباك ( ،وهي الُمنظّمةللعلقات العاّمة المريكية السرائيلية ،المسماة ِ
الصهيونية الولى في الوليات الُمتحدة ،التي ُتعتبر " خط الدفاع الول عن
إسرائيل " ،ويضم في عضويته مفكرون وسياسيون وخبراء أمريكيون يهودا
ومسيحيين ،صهاينة في الفكر والمعتقد .وقد تطّور هذا المعهد ليصبح مصدر
التأثير العظم ،في صنع القرارات السياسية الخاصة بالمنطقة ،التي تتخذها
333
الدارات المريكية المتعاقبة .ويصدر هذا التقرير في بداية كل ولية رئاسية
جديدة ،ليكون نورا يهتدي به الرئيس المريكي الجديد ،ونجاح هذا الرئيس
وفشله لدى سادته اليهود ،يعتمد على مدى التزامه ،ومقدار ما أنجزه من
ظمة على علقة وثيقة مع الرؤساء الهداف الواردة في التقرير ،وهذه المن ّ
والساسة المريكان ،وفي العادة ،تقيم مأدبة عشاء على شرف الرئيس
المريكي ،بين الحين والخر ،لُيعلن في خطابه الفتتاحي -كما جرت العادة
-عن ولئه المطلق لسرائيل ،وعبوديته لليهود العالميون .
الفصل الول :
دبلوماسية عربية إسرائيلية -اردع الحرب القليمية ،بين إسرائيل والدول
العربية ،واستطلع مسالك جديدة .
تقويم دروس تجربة أوسلو ،واستطلع مسارات بديلة للسلم :
التأكيد على أن الوليات المتحدة حليفة لسرائيل ،وأنها ل ترتبط معها بأحكام
ومعاهدات مكتوبة ،وإنما بروابط أقوى من القيم والمصالح المشتركة .
المضي قدما في نقل سفارة الوليات المتحدة إلى الموقع المقرر في القدس
الغربية .
تشجيع الجهود الدولية للمساعدة في تخفيف التوتر القليمي :
التركيز على الدول الموالية للغرب :تحتاج الوليات المتحدة إلى التواصل مع
الزعماء العرب والمسلمين ،ومع شعوبهم ،في السعي إلى إشراكهم ،في
ن دور الدولحوار صادق وصريح ،حول آراء ومصالح كل منهم .إذ أ ّ
الموالية للغرب في المنطقة مهم جدا ،في وضع الجندة السياسية الجتماعية
الثقافية للشرق الوسط ،ويصدق ذلك بشكل خاص على مصر وتركيا ،
والعربية السعودية والمغرب والردن .وقد اتضح ذلك أثناء قمة كامب ديفيد
2000وبعدها ،عندما أدى غياب التشاور ،مع الدول العربية الرئيسية ،حول
قضية القدس خصوصا ،إلى تقليص فرصة قبول عرفات ،بأي من الحلول
طرحت في الجتماع . المختلفة ،التي ُ
تتحمل مصر من بين جميع الدول ،المسؤولية الكبر ،بصفتها الدولة العربية
القوى ،والدولة التي تحمل إجراءاتها الثر الكثر أهمية في المنطقة .إذ
334
ُتعتبر تصريحات الرئيس المصري حسني مبارك ،ضد أي توسيع للنزاع
الفلسطيني السرائيلي ،وضد تحويله إلى حرب عربية إسرائيلية ،جدارا واقيا
،بوجه انتشار المزيد من الراديكالية ) أي التوجه المعادي لسرائيل والغرب (
.
المثلث السرائيلي اللبناني السوري :ينبغي على الدارة المريكية الجديدة ،
أن ُتعّزز قوة الردع السرائيلية ضد احتمالت تعرضها ،لهجمات برية أو
صاروخية ،تقوم بها قوات حزب ال ،المدعوم من سوريا وإيران .على
الدارة المريكية أن تدعم الحركة الناشئة في لبنان ،والداعية إلى الضغط من
أجل المزيد من الحرية في الداخل ،وتخفيف قبضة سوريا المطبقة على
الشؤون اللبنانية .
الفصل الثاني :
أسلحة الدمار الشامل -امنع النتشار ،واردع الستخدام .
من الممكن أن تشهد السنوات الربع المقبلة ،تحقق تقديرات الستخبارات
المريكية ،بأن إيران سوف تطور نظاما صاروخيا متعدد المراحل ُ ،يمّكنها
من تطوير صاروخ عابر للقارات .ومن الممكن خلل الفترة نفسها أن ُيطور
العراق أو إيران سلحا نوويا ،خصوصا في حالة حصولها على الوقود
النووي ،بصورة سرية من التحاد السوفييتي السابق مثل .والحصول عليها
من قبل جماعات إرهابية بمساعدة بعض الحكومات .
الكثيرون في المنطقة يتهمون الوليات المتحدة بازدواجية المواقف ،فيما
يتعّلق بقدرة العراق النووية .فعلى الرغم من القلق الذي توّلده السلحة
النووية ،من وجهة النظر الداعية إلى عدم النتشار .فإن هذه السلحة توفر
لسرائيل هامشا من المن ،يمكنها من المجازفة بعقد السلم مع جارات
معينة .في الوقت الذي تطور فيه دول أخرى في المنطقة -ما زالت تهدد
بتدمير إسرائيل ) أي العراق ( -الوسائل الكفيلة بتنفيذ تلك التهديدات .
الفصل الثالث :
الرهاب -اعمل على تقوية الرد على التهديدات الجديدة .
335
اعزل جهود مكافحة الرهاب عن ديناميكيات العملية السلمية ،وعزز الرد
على التحديات المستمرة :
ينبغي على الوليات المتحدة ،أن تتبع سياسة ل تسامح فيها :ففي الوقت الذي
يحق للسلطة الفلسطينية ،أن تختلف مع إسرائيل حول القضايا الدبلوماسية ،
فإن العلقة المريكية الفلسطينية ،يجب أن تدفع ثمن التهاون ،الذي ُتبديه
السلطة الفلسطينية بشأن التزامها بمكافحة الرهاب .
ينبغي على الوليات المتحدة ،أن ُتعزز جهودها الرامية للرتقاء بالتعاون
الدولي ،ضد شبكات العنف السلمية الُمتطّرفة .وينبغي أن تعمل مع دول
أوروبا والشرق الوسط ،لممارسة ضغط جماعي على تلك الدول القليلة ،
التي ما زالت تقدم الملذ للرهابيين ،أو تغض النظر عنهم ،وهي إيران
وباكستان واليمن وأفغانستان .
* وقفة قصيرة مع مقال ،في جريدة الدستور الردنية الصادرة ،بتاريخ – 5
2001 – 7م ،نقل عن رويترز :
) تصدير المقال :في حال هاجم ابن لدن مصالح أمريكية -واشنطن ُتهّدد
طالبان بانتقام عسكري (
" واشنطن – رويترز ؛ قال نائب وزير الخارجية المريكية ) ريتشارد
ن انتقاما عسكريا ،علىأرميتاج ( :أن الوليات المتحّدة قد تش ّ
ن أسامة بن لدن ،على هجمات مصالح حركة طالبان ،إذا ش ّ
أمريكية .وكان ) أرميتاج ( ُيعّقب على تحذير قّدمه إلى طالبان ،
سفير الوليات المتحدة لدى باكستان ) ويليام ملم ( ،في اجتماع
عقد في إسلم أباد ،يوم الجمعة الماضي .وقال مسؤول في طالبان ُ
لرويترز ،أن طالبان التي توفر المأوى لبن لدن ،تم إبلغها بأنها
ستتحمل المسؤولية ،عن أي هجمات على مصالح أمريكية … " ،
انتهى .
طور الستخدام الفّعال لدوات السياسة المريكية المتوفرة :
لخضاع الرهابيين للدانة الجنائية ،يتحتم على الوليات المتحدة ،متابعة
اللتزام بملحقة أولئك المجرمين ،حتى وإن واجه المر عقبات دبلوماسية .
على الحكومة التحادية ،العمل على إيقاف المناصرين المحليين المؤيدين
336
للجماعات الرهابية ) ،المقصود هنا هو الجاليات العربية الداعمة للحركات
الجهادية في فلسطين ( .
لقد تقلص عدد الدول الداعمة للرهاب ،إلى سبع دول .وآخر الدول ،التي
ُرفع اسمها هي العراق عام 1982م وأعيد عام 1991م ،أما آخر اسم ُأضيف
للقائمة هو السودان عام 1993م .على الرئيس كجزء من عملية إعادة النظر ،
أن ُيفكر بتحديد الطرق ،التي تستطيع من خللها تلك الدول من رفع اسمها من
القائمة ) أي وضع متطلبات جديدة لشهادات حسن السيرة والسلوك المريكية (
.وخصوصا تلك التي أظهرت اهتماما بذلك مثل ليبيا والسودان وسوريا .بعد
ذلك يجب ربط درجة الدعم المقّدم للرهاب ،بدرجة العقوبات التي تفرضها
الوليات المتحدة ،وكذلك بمستوى التعامل ،الذي يقوم بين الحكومة المعنية ،
وحكومة الوليات المتحدة .
الفصل الرابع :
العراق وإيران -اعمل من أجل التغيير .
إن الموقف من العراق وإيران ُ ،يعتبر من أهم القضايا السياسية التي تواجه
ل من الدولتين ُيعتبر لعبا ُمهّما في الخطرينالدارة المريكية الجديدة .فك ٌ
الرئيسين ،اللذين يتهددان مصالح الوليات المتحدة في المنطقة ) والمصالح
هي وجود إسرائيل فقط ( .واللذين حّددهما هذا التقرير بزعزعة العملية
السلمية – لدرجة النزلق نحو الحرب – وبامتلك أسلحة الدمار الشامل .
في إيران يبدو التغيير يلوح في الفق ،وأنه سيكون ثمرة للديناميكيات السياسية
الداخلية .أما بالنسبة للعراق فإن القصة مختلفة ،ومن المور الُمحزنة ،كوننا
مقتنعين بأن التغيير في العراق يكاد يكون مرتبطا بصورة حتمية بالعنف ،أي
بانقلب أو بانتفاضة داخلية ، … ،ينبغي على الرئيس المريكي ،أن ُيطور
استراتيجية شاملة ،تنطوي على خطوات فّعالة ،تهدف إلى الضغط على
صدام حسين في عدة جبهات .
وحتى يحين موعد التغيير في العراق وإيران ،فإن على الوليات المتحدة أن
تواجه التحدي لحتواء الضرر الذي تسببه هاتان الدولتان ،بالضافة للعقوبات
والقيود المفروضة على الصادرات من أجل تقليص الموارد ،التي يمكن أن
337
صصها الدولتان للتحديث العسكري ونشر السلحة ،والحصول على
ُتخ ّ
التكنولوجيا اللزمة لذلك .
ضح التهديد الذي ُيمّثله صدام حسين لمصالح الوليات المتحدة :
و ّ
نعتقد أن من المهم تحديد تلك المصالح المريكية الحيوية ،التي يمكن لصدام
أن ُيهّددها ،ووضع خطوط حمراء ُتشّكل عند تجاوزها ،تحّديا غير مقبول ،
يستدعي ردا عسكريا أمريكيا واسع النطاق .
ما أن يتم النتهاء من هذه المراجعة ،يتوجب على الرئيس ،أن يطرح
مقرراتها على الشعب ،كتهيئة لحتمال وقوع مواجهة عسكرية ،واسعة
النطاق مع صدام ،إذا ما اقتضى المر … في حالة العدوان خارج أراضيه ،
أو استخدامه لسلحة الدمار الشامل ،أو حتى نشرها في حالت معينة ،أو
عدوانه على الكراد .
ش ُيقصد بالقوة واسعة النطاق :
أول ؛ حملت القصف المتواصلة ،ضد الهداف التي تحمي النظام ،
ثانيا ؛ إذا كانت النتهاكات العراقية خطيرة بما يكفي ،يعني إرسال قوات
أرضية ،بقدرات كافية بمشاركة الحلفاء ،لغرض إحلل التغيير في النظام
العراقي ،
ثالثا ؛ في حالة استخدام أسلحة الدمار الشامل ،يتوجب استخدام جميع الوسائل
الُمتاحة ،ضد نظام صدام حسين ) أي استخدام السلح النووي ( .
على الوليات المتحدة ،أن تكون مستعدة ،للعمل بالتنسيق مع الحلفاء
الرئيسيين ،وبالخص السعودية والكويت وبريطانيا .وبذل مزيد من الجهد
لقناع تركيا ،بلعب دور أكثر فاعلية ،في الرد على التحّدي الذي ُيمّثله صدام
حسين .
أحد الخطوط الصفراء التي تجاوزها صدام بالفعل ،هو التوقف عن التعاون
مع مفتشي السلحة .أظهرت دروس التاريخ الليمة ،أن صدام ل يسمح
بعمليات تفتيش ،تكشف ما تبقى من برامجه ،لنتاج الصواريخ وأسلحة الدمار
الشامل ،كما أن السرة الدولية غير مستعدة ،لتأييد استخدام القوة لرغام
صدام على التعاون .
338
إلى جانب التفتيش المهني الدقيق الذي يجب أن تصّر الوليات المتحدة عليه .
يوجد عنصر مهم آخر ،هو الدعم الذي يجب أن توفره واشنطن ،لجماعات
المعارضة العراقية ،كعنصر إضافي لحتواء صدام .
ضمن عملها مع المعارضة العراقية ،ينبغي للوليات المتحدة أن تضع رؤية
أوضح لعراق ما بعد صدام ،على واشنطن أن توضح ،انه كلما ازداد العراق
مسالمة وانفتاحا وديموقراطية ،كلما ازداد دعمها له .
حّول العقوبات إلى أداٍة لنفتاح العراق :
نعتقد بأن على الوليات المتحدة ،أن تقوم بمجهود عاجل ،لتركيز العقوبات
على نحو أكثر حّدة ،على صدام ونظامه العسكري .من أجل ذلك ينبغي
لواشنطن ،أن تأخذ زمام المبادرة في إعادة صياغة العقوبات ،بدل من أن
توافق مرغمة ،على خطوات يفرضها الخرون .
في الوقت نفسه ،ينبغي للوليات المتحدة التوجه للمنظمات النسانية ،لتحسين
طرق إيصال المساعدات للشعب العراقي .بدل من أن تكّرس هذه المنظمات ،
الكثير من جهدها لنتقاد السياسة المريكية إزاء العراق .وأن ُتظهر لهذه
المنظمات ،أنها تشاركها همومها النسانية ،مؤكدة بأن السبب في معاناة
الشعب العراقي هو حكومة العراق الستبدادية ) أي استخدام النفاق
السياسي ( .
ينبغي للقيود التي ُفرضت على السفر ،من تلك الدولة ،أن ُتعكس بشكل تام .
سيكون من الفضل تشجيع التبادل الفردي ،وسفر العراقيين العاديين ،ومنع
سفر المسؤولين العراقيين وأفراد أسرهم ،من الذين ُيعيقون تنفيذ قرارات
مجلس المن ،أو الذين ُيشتبه بارتكابهم جرائم حرب ،أو انتهاكات فظيعة
لحقوق النسان .لقد حصل هذا النوع من " العقوبات الذكية " ،على التأييد في
طبق على يوغسلفيا . المم المتحدة عندما ُ
الفصل الخامس :
الستراتيجية القليمية :استثمر في العلقات الحاسمة .
على الدارة المريكية الجديدة أن تأخذ زمام المبادرة ،في توسيع التواصل
الثقافي والتربوي مع الدول العربية والمسلمة ،لغرض تطوير المعرفة
339
المحلية ،بثقافة ومجتمع وسياسة الوليات المتحدة وتفّهمها .وإيجاد وسائل
شي في الشرق الوسط ،حول معاداة أمريكا لمحاربة النطباع الخاطئ ،المتف ّ
للسلم والمسلمين .
في الطرف الخر من الطيف ،ينبغي للدبلوماسية المريكية ،أن ُتبرز العيوب
الفاضحة لدول المنطقة ،التي تمارس أقصى حد من انتهاكات حقوق النسان ،
وبالخص العراق والسودان وليبيا وسوريا .
تقوية العلقات الثنائية المهمة :
إسرائيل :أكد على التحالف غير المكتوب ،فهو يعكس عمق ينابيع الدعم
والتآخي ،الذي يشعر به الشعب المريكي إزاء إسرائيل ،والذي يشمل كافة
الطياف السياسية المريكية .ينبغي على الدارة أن تأخذ زمام المبادرة ،في
الرتقاء بشراكتها لسرائيل ،إلى مستوى مواجهة التهديدات الستراتيجية
المشتركة … وسط جو التهديدات الجديدة ،ومع اضطراد تقّدم السلحة
الحديثة .فإن على الدارة أن تواجه التحدي السياسي المتمثل في التوضيح
لجارات إسرائيل ،بأن أمريكا سوف تعارض أي مجهود ،للتوصل إلى
مستوى الندية الستراتيجية مع إسرائيل .
دول مجلس التعاون الخليجي :تقوية المن النفطي والعسكري والقتصادي ،
لضمان استمرار تدفق النفط بأسعار مناسبة .على الوليات المتحّدة تعميق
دعمها ،للصلحات القتصادية في تلك الدول ،بسبب مصلحتها في استقرار
النظمة الملكية الخليجية .
مصر :لدى مصر قدرة على لعب دور إيجابي ،في تعزيز العتدال
والستقرار في المنطقة ،أو لعب دور سلبي في تعقيد وإعاقة مبادرات
الوليات المتحدة القليمية .ولو حافظت مصر على وضعها المقبول فإن على
الوليات المتحدة ،أن تكون مستعدة للمضي قدما ،في مبادراتها القتصادية .
الردن :ادعم السلم مع إسرائيل ،واحذر من العودة إلى احتضان عراق صدام
.أما على الجانب العسكري ،فينبغي له المساعدة في عملية التعامل مع المن
الحدودي ،ومكافحة الرهاب ،والخطر العراقي المحتمل .أحد السباب
المبررة لتقديم معونة أمريكية كبيرة هو المسعى الذي يبذله العراق ،لجذب
الردن بتقديم مساعدة نفطية 900-600مليون دولر .ولحباط الغراء
340
العراقي ،بوسع دول الخليج تقديم النفط بشروط ملئمة ،وتوسيع دائرة
التجارة ،واستخدام العمالة الردنية .
تركيا ُ :يعتبر بقاؤها ،كدولة ديموقراطية علمانية موالية للغرب ،مصلحة
حيوية للوليات المتحدة .حيث تلعب تركيا دورا مركزيا في عملية احتواء
العراق .
ادعم التعاون ما بين شركاء أمريكا القليميين ،ومن ضمنها إسرائيل وتركيا
ن التعاون بين تركيا
ودول مجلس التعاون الخليجي والردن ومصر .إ ّ
وإسرائيل ُ ،يعتبر الفضل بين جميع حالت التعاون المني القليمي في
المنطقة .
الطار الستراتيجي :
لدى الوليات المتحدة مصالح دائمة في الشرق الوسط ،من بينها ؛ منع وقوع
الحرب ،وتسهيل التقدم باتجاه سلم عربي إسرائيلي ،وضمان أمن وسلمة
إسرائيل ،وتوطيد الستقرار والمن والرفاهية والتنمية ،في تركيا والدول
العربية المعتدلة ،والمحافظة على حرية تدفق النفط وبأسعار معقولة .بعد
النتصار في الحرب الباردة ،وحرب الخليج في مطلع التسعينيات ،تمكنت
الوليات المتحدة ،من ممارسة الزعامة في مجالين مهمين ،هما ؛ بناء السلم
العربي السرائيلي ،وتعزيز المن في الخليج .
العولمة :
على مدى العقد الخير ،كان سجل المنطقة مشوشا بالنسبة للعولمة ،فمن
جانب ،لم تستطع الحواجز الوطنية القوية ،أن تمنع انتشار وسائل العلم
الحديثة ،مثل القنوات الفضائية العربية ،التي أنهت – بمصاحبة النترنت –
سيطرة الدولة على المعلومات ،كما تم العتراف ،على مستوى المنطقة
باقتصاد السوق ،والنفتاح على التجارة والستثمار الدوليين ،بصفتها أفضل
الطرق لتحقيق التنمية … إل أن الشرق الوسط ُ ،يعتبر خاسرا نسبيا في سباق
صته في التجارة العالمية في تدهور مستمر .
العولمة ،فح ّ
341
طات الفضائية والنترنت ،وأخيرا وليس آخرا . بفضل أجهزة الفيديو والمح ّ
فمن المحتمل جدا ،أن يرتدي المتظاهرون في رام ال أو طهران ،بنطلونات
وأحذية من إنتاج أمريكي .
* بقولهم هذا ،يكشف رواد العولمة ودعاتها ،عن الوجه القذر لها ولغاياتها ،
بشقّيها الثقافي والقتصادي ،فغايات العولمة هي :
أول :مسخ الهوية العربية والسلمية بشكل خاص ،والشرقية بشكل عام ،
باستهلك الثقافة المريكية ،عن طريق وسائل العلم المختلفة .
ثانيا :ومن ثم جعل جميع دول العالم سوقا مفتوحة ،للمنتجات المريكية
بمختلف أنواعها ،بإجبار الحكومات على رفع القيود ،التي ُوضعت لحماية
ودعم الصناعات الوطنية .
إذ ليس هناك أي أهمية ُتذكر لدى رواد العولمة ،بالنسبة لتظاهرك ضد
إسرائيل وأمريكا ،وحرق أعلمها وصور زعمائها ،بما أنك تدعم في نفس
الوقت ،اقتصاد الدولتين ،باستهلك منتجاتهما ،مما ُيساهم بزيادة النمو
القتصادي فيهما ،وأمريكا سيطرت على العالم اقتصاديا ،وبذلك تمّكنت من
السيطرة عليه عسكريا .
انهيار تحالف حرب الخليج :
على المستوى الدولي ،ما زالت هيمنة أمريكا القليمية على ما كانت عليه ،
إل أن هناك تصاعدا ،في عزم القوى الخرى وقدرتها ،على التأثير في
مجرى الحداث في الشرق الوسط ،خصوصا باتجاه إعاقة السياسة المريكية
في المنطقة .ويبرز في هذا المجال ثلثة لعبين مهمين :
روسيا :أصبحت روسيا أكثر قومية خلل العقد الماضي ،وازدادت شكوكها
فيما يتعلق بعلقاتها مع الوليات المتحدة … لكنها أصبحت من جديد ،لعبا
ُمثيرا للمشاكل … دأبت روسيا على تقويض جهود المم المتحدة ،الرامية إلى
السيطرة على التسلح وفرض العقوبات ،حتى أن الرئيس الروسي مؤخرا ،
أثنى بنفسه على التعاون التام بين موسكو وبغداد .لم ُتبِد روسيا تعاونا ُيذكر ،
مع مساعي الوليات المتحدة المدعومة بدولرات المساعدات ،للحيلولة دون
انتشار أسلحة الدمار الشامل ،وتكنولوجيا الصواريخ ،من روسيا إلى الشرق
الوسط وخصوصا إلى إيران .
342
الصين :فالصين ،تمتلك القدرة على تغيير ميزان القوى القليمية ،بتزويد
دول في المنطقة ،بتكنولوجيا الصواريخ وأسلحة الدمار الشامل .في الوقت
الذي تستطيع الصين فيه ،أن تصبح قوة إيجابية بالنسبة لنمو اقتصاد العولمة ،
إذا ما واصلت فتح أسواقها ،وخصخصة اقتصادها .
أوروبا :على سبيل المثال لعبت الدول الوروبية ،دورا مهما في تسهيل
الدبلوماسية الهادئة ،بين إسرائيل والفلسطينيين .وفي تأمين التمويل السخي
للسلطة الفلسطينية بعد عام 1993م .وفي فرض مناطق حظر الطيران ،شمال
وجنوب العراق .إن مما ُيؤسف له ،أن فرنسا قد أصبحت العقبة الكبرى ،في
طريق تحقيق التنسيق المريكي الوروبي ،حول الكثير من قضايا الشرق
الوسط ،خصوصا تلك المتعلقة بالعملية السلمية ،والسياسة الُمتبعة إزاء
العراق .
على خلفية هذا الطار الستراتيجي ،نعتقد بأن الشرق الوسط ،مرشح لن
يكون منطقة مضطربة ،خلل فترة ولية الرئيس المريكي الجديد .سيتغذى
بعض ذلك الضطراب ،على مشاعر عدم الرضا والرغبة في تحقيق الوحدة ،
والمور غير المنجزة في النزاع العربي السرائيلي .كما أن بعضا منه ،
سوف يتولد نتيجة التغييرات البركانية التي تنتظر إيران .وسوف ينتج بعضه
الخر عن ردود الفعل المترتبة ،على عودة انبعاث صدام حسين .
يحتاج الرئيس المريكي الجديد وكبار مساعديه ،لدراك أن الشرق الوسط
يدخل القرن الواحد والعشرين ،بقيادة زعماء جدد بل خبرة ،يتولون الزعامة
من المحيط الطلسي إلى الخليج الفارسي ،باقتصاديات راكدة وبأسلحة مرعبة
عالية التقنية ،لها القدرة على نقل النزاعات ،إلى شواطئ أمريكا .إن لجنة
الدراسة الرئيسية ،في معهد واشنطن لسياسة الشرق الوسط الدنى ،قد
وضعت هذا التقرير ،من أجل تقديم النصح للرئيس المريكي الجديد ،حول
الطرق الكفيلة بإدارة هذه اللحظة العاصفة ،على نحو يحمي مصالح الوليات
المتحدة وحلفائها … انتهى القتباس .
بنود هذا التقرير اليهودي المقّدم للرئيس المريكي واضحة ،وربما ل تحتاج
لتعليق ،فالمخاوف والهداف التوراتية واضحة ،خلف ما يّدعي اليهود ،بأنه
مصالح للوليات المتحّدة ،تقضي بتحجيم وتدمير ثلثة قوى ،ذات الخطر
الكبر على مستقبل الدولة اليهودية في المنطقة ،حسبما أوضحته التفسيرات
343
الجديدة للنبوءات التوراتية ،وهي روسيا ) يأجوج ومأجوج ( ،والعراق
وإيران ) مادي وفارس وبابل وأشور ( ،كافة الدول ذات التوجه السلمي ،
التي يسمونها بالراعية للرهاب ) خوفا من إحياء الخلفة السلمية ( .
والسؤال المطروح بعد الطلع على هذا التقرير :لماذا يشغل العراق المساحة
الكبر ،في مفردات صحيفة برتوكولت حكماء صهيون الجديدة ،المسّماة
بتقرير معهد واشنطن ؟!
ونختم هذا الفصل ،بقول لظفر السلم خان ،صاحب كتاب ) تعاليم
التلمود ( " :وقد ساعدت كراهية بريطانيا العمياء ،وغدرها بالعرب
والمسلمين ،ووجود النزعة الصليبية الخاطئة ،لدى البلدان الوربية وأمريكا ،
على نجاح المخططات الصهيونية ،وغزو البلدان العربية في الحرب العالمية
الولى ،فنرى القائد الفرنسي ) غورو ( الذي فتح دمشق يقول ،وقد وضع
عدنا يا صلح الدين ! " ، قدمه على قبر صلح الدين " :ها نحن قد ُ
والجنرال النجليزي ) اللنبي ( عند دخوله القدس ،يقول أمام كنيسة القيامة " :
اليوم ،انتهت الحروب الصليبية " .
قال تعالى
جَد ّ
ن شَرُكوا َ ،وَلَت ِ ن َأ ْن َءاَمُنوا ،اْلَيُهوَد َ ،واّلِذي َعَداَوًة ِلّلِذي َ
س َشّد الّنا ِ ن َأ َجَد ّ
) َلَت ِ
سي َ
ن سي ِن ِمْنُهْم ِق ّك ِبَأ ّ
صاَرى َذِل َ
ن َقاُلوا ِإّنا َن َ
ن َءاَمُنوا اّلِذي ََأْقَرَبُهْم َمَوّدًة ِلّلِذي َ
ن ) 82المائدة ( سَتْكِبُرو َ
َوُرهَْباًنا َوَأّنُهْم لَ َي ْ
344
الكتب المقّدسة تأمر اليهود بتدمير أصحاب البعث
احتل العراق مساحة شاسعة في التقرير السابق ،لن التوراة ُتخبر اليهود
صراحة ،بأن العراقيون هم أصحاب البعث الثاني .وتوصيهم وتأمرهم
كذلك ،بتدمير العراق ،بعد عودتهم من الشتات لفلسطين في المرة القادمة ،
ل يّدخروا جهدا ،من أجل إعادته لقامة دولتهم الثانية ،وُتحّرضهم وتحّثهم بأ ّ
إلى العصر الحجري ،حتى ل يتمّكن أهل بابل ،من النبعاث عليهم مرة
أخرى ،عندما يأذن ال لهم بذلك .
صر البعث بالعراقيين :
بعض مقتطفات من النصوص التوراتية ،التي تح ُ
موسى :
سفر التثنية " 49 :28ويجلب الرب عليكم أمة من بعيد ،من أقصى الرض ،
ض عليكم كالنسر :50 ،أّمة ] جافية الوجه [ يثير منظرها الرعب ،ل فتنق ّ
تهاب الشيخ ول ترأف بالطفل ) أولي بأس شديد ( :51 ،فتستولي على نتاج
ق لك قمحا ول خمرا ول بهائمكم ،وتلتهم غلت أرضكم حتى تفنوا ،ول ُتب ِ
زيتا … ،حتى تفنيك :52 ،وتحاصركم في جميع مدنكم ،حتى تتهدم
أسواركم الشامخة الحصينة ،التي وثقتم بمناعتها " … ،
:29 :31لنني واثق أنكم بعد موتي ،تفسدون وتضلون عن الطريق الذي
أوصيتكم بها ،فيصيبكم الشّر في آخر اليام ) المرة الثانية تكون في آخر اليام
( ،لنكم تقترفون الشر أمام الرب ،حتى تثيروا غيظه بما تجنيه أيديكم … " .
:19 :32فرأى الرب ذلك ورذلهم ،إذ أثار أبناؤه وبناته غيظه :20 ،وقال :
سأحجب وجهي عنهم فأرى ماذا سيكون مصيرهم ؟ إنهم جيل متقلب وأولُد
خونة ، … :21 ،لذلك سأثير غيرتهم بشعب متوحش ) أولي بأس شديد ( ،
وأغيظهم بأمة حمقاء ] أمة ل تفهمون لغتها [ .
إشعياء :
:3 :10فماذا تصنعون في يوم العقاب ،عندما تقبل الكارثة من بعيد !
345
ل فلسطين ) إسرائيل ( ،لن القضيب الذي ضربك " :29 :14ل تفرحي يا ك ّ
قد انكسر .فانه من أصل تلك الفعى يخرج ُأفعوان ،وذرّيته تكون ثعبانا ساّما
طّيارا … ولول أّيها الباب ،ونوحي أّيتها المدينة ،ذوبي خوفا يا فلسطين
قاطبة ،لن جيشا ُمدّربا قد زحف نحوك من الشمال … " .
:11 :46أدعو من المشرق الطائر الجارح ،ومن الرض البعيدة برجل
مشورتي ،قد نطقت بقضائي ،ول بد أن ُأجريه .
ارميا :
:9 :25فها أنا ُأجّند جميع قبائل الشمال ،بقيادة نبوخذ نصر عبدي* ،وآتي بها
إلى هذه الرض ،فيجتاحونها ويهلكون جميع سّكانها ،مع سائر المم المحيطة
بها ،وأجعلهم مثار دهشة وصفير ،وخرائب أبدية .
* ) عبدي ( جاءت صفة لنبوخذ نصر في التوراة .
:22 :10اسمعوا ،ها أخبار تتواتر عن جيش عظيم ،مقبل من الشمال ،
ليحّول مدن يهوذا ،إلى خرائب ومأوى لبنات آوى .
ب من أقاصيب زاحف من الشمال ،وأّمة عظيمة ته ّ :22 :6انظروا ،ها شع ٌ
الرض ، … ،لمحاربتك يا أورشليم .
حزقيال :
طط طريقين ب بكلمته قائل :أّما أنت يا ابن آدم ،فخ ّ
ي الر ّ
:19 :21وأوحى إل ّ
لزحف ملك بابل .من أرض واحدة تخرج الطريقان ،وفي ترجمة أخرى
] وأنت يا ابن آدم ،عّين لنفسك طريقين ،لمجيء سيف ملك بابل ،من أرض
واحدة تخرج الثنتان [
:22-23 :23وآتي بهم عليك من كل ناحية ،أبناء البابليين ،وسائر
الكلدانيين ،ومعهم جميع أبناء أشور .
ش يعلم اليهود علم اليقين ،أن المبعوثين عليهم في المرة الثانية ،سيخرجون من
أرض بابل وأشور ،فالكلدانيون بابليين وآشوريون هم سكان العراق القدماء .
وبابل مدينة عراقية ،تقع في وسط العراق إلى الجنوب من بغداد ،وأشور تقع
في شماله .ورغم معرفتهم هذه فهم مستمّرون في غيهم وطغيانهم ،ذلك لنهم
لم يؤمنوا بال ول بأنبيائه سابقا ولحقا ،فمعرفتهم به سبحانه جاءت من خلل
346
آراء كهنتهم وأحبارهم .فهم يأخذون من التوراة ما يوافق أهوائهم ،ويتركون
ما سواه .أما ما يؤمنون به حقا فهو المال والقوة .وبما أنهم يملكون القوة
والمال ،وبما أن ال قد كشف لهم عن ُمخططاته ،بالنسبة لحتمية القضاء على
وجودهم في فلسطين ،فالحل لديهم ليس التوبة والرجوع إلى ال ) الذي ل
يقيمون له وزنًا ،نتيجة افتراءات زنادقة التلمود عليه ،سبحانه وتعالى عّما
ططات ال وإبطالها ،معتمدين على ما أّلفه الكهنة يصفون ( ،وإنما بمخالفة ُمخ ّ
من نبوءات خاطئة عن الملك الموعود .وذلك بكل بساطة ،من خلل تنفيذ
ل لمعضلتهم ططات الكهنة والحبار القديمة الجديدة ،التي ُوضعت كح ّ مخ ّ
المستعصية مع ال ،وهي إبادة الكلدانيين ،ومحو بابل الجديدة عن الوجود ،
وتحويلها إلى صحراء قاحلة ،ل تسكنها إل الثعالب ،وما كان تصريح أحد
كلبهم ) بوش الب ( ،عندما قال ) :بأنه سُيعيد العراق إلى العصر
الحجري ( ،إل من خلفية توراتية حاقدة .
نبوءة عن دمار بابل في سفر إشعياء
" :1-8 :13رؤيا إشعياء بن آموص بشأن بابل " :انصبوا راية فوق جبل
أجرد ،اصرخوا فيهم لوحوا بأيديكم ،ليدخلوا أبواب ] العتاة [ … لن الرب
القدير يستعرض جنود القتال .يقبلون من أرض ] بعيدة [ من أقصى السماوات
،هم جنود الرب وأسلحة سخطه لتدمير الرض كلها ] .ولولوا [ ،فإن يوم
الرب بات وشيكا ،قادما من عند الرب ُمحّمل بالدمار .لذلك ترتخي كل يد ،
ويذوب قلب كل إنسان .ينتابهم الفزع ،وتأخذهم أوجاع ،يتلوون كوالدة ُتقاسي
من الم المخاض …
" :9-16 :13ها هو يوم الرب قادم ،مفعما بالقسوة والسخط والغضب
الشديد ،ليجعل الرض خرابا ويبيد منها الخطاة … والشمس تظلم عند
بزوغها ) كسوف ( ،والقمر ل يلمع بضوئه ) خسوف ( .وأعاقب العالم على
ل كبرياءشّره والمنافقين على آثامهم ،وأضع حّدا لصلف الُمتغطرسين وُأذ ّ
العتاة … وُأزلزل السماوات فتتزعزع الرض في موضعها ،من غضب
الرب القدير في يوم احتدام سخطه .وتوّلي جيوش بابل ) عبارة جيوش بابل ،
غير موجودة في الترجمة الخرى ( حتى ُينهكها التعب ،عائدين إلى أرضهم
كأنهم غزال ُمطارد أو غنم ل راعي لها .كل من ُيؤسر ُيطعن ،وكل من
347
ُيقبض عليه ُيصرع بالسيف ،وُيمّزق أطفالهم على مرأى منهم ،وُتنهب بيوتهم
وُتغتصب نسائهم " .
" :17-22 :13ها أنا ُأثير عليهم الماديين ) اليرانيين ( ،الذين ل يكترثون
للفضة ول ُيسّرون بالذهب ] ،فتحطم [ قسّيهم الفتيان ،ول يرحمون الولد أو
الرضع … أما بابل مجد الممالك وبهاء وفخر الكلدانيين ،فُتصبح كسدوم
وعمورة اللتين قلبهما ال .ل ُيسكن فيها ،ول تعمر من جيل إلى جيل ،ول
ينصب فيها بدوي خيمته ،ول ُيربض فيها راع ُقطعانه .إنما تأوي إليها
ج البوم خرائبها ،وتلجأ إليها بنات النعام ،وتتواثب فيها وحوش القفر وتع ّ
ضباع بين أبراجها ،وبنات آوى في قصورها ] معز الوحش [ ،وتعوي ال ّ
الفخمة .إن وقت عقابها بات وشيكا ،وأيامها لن تطول " .
ن الرب ] سيرحم [ ذرّية يعقوب ،ويصطفي شعب إسرائيل " 1 :14ولك ّ
ثانية ُ ،ويحّلهم في أرضهم ،فينضم الغرباء إليهم ويلحقون ببيت يعقوب .وتُمدّ
شعوب الرض إليهم يد العون ،ويصيرون عبيدا لبني إسرائيل ،في أرض
الرب ،ويتسّلطون على آسريهم وظالميهم .في ذلك اليوم ُيريحكم الرب ،من
عنائكم وشقائكم وعبوديتكم القاسية " .
" :4-23 :14فتسخرون من ملك بابل قائلين " :كيف استكان الظالم وكيف
طم الرب عصا المنافق وصولجان الُمتسلطين خمدت غضبته الُمتعجرفة ؟ قد ح ّ
… حتى شجر السرو وأرز لبنان عّمها الفرح ،فقالت " :منذ أن انكسرت
شوكتك ،لم يصعد إلينا قاطع حطب " … والذين يرونك ،يحملقون فيك
ويتساءلون " :أهذا هو النسان الذي زعزع الرض وهّز الممالك ،الذي
حّول المسكونة إلى مثل القفر ،وقلب ُمدنها ،ولم ُيطلق أسراه ليرجعوا إلى
طرحت بعيدا عن قبرك ،كغصن مكسور … لنك بيوتهم ؟ " … أما أنت فقد ُ
خّربت أرضك ،وذبحت شعبك ،فذرّية فاعلي الثم ،يبيد ذكرها إلى البد .
أعّدوا مذبحة لبنائه جزاء إثم آبائهم ،لئل يقوموا ويرثوا الرض فيملئوا وجه
ب ضدهم ،وأمحو من بابل ،اسمًا البسيطة ُمدنًا .يقول الرب القدير " :إني أه ّ
ت للمياه ،وأكنسهال وذريًة ،وأجعلها ميراثًا للقنافذ ،ومستنقعا ٍوبقيًة ونس ً
بمكنسة الدمار " .
348
ش دعوة للشماتة والسخرية من بابل بعد سقوطها .ودعوة لعداد مذبحة
لبنائها ؛ أول :للنتقام منهم لما فعله آبائهم سابقا ،وثانيا :لمنع البناء من
تكرار فعل الباء لحقا ،وتلك هي ُمبّرراتهم لتدمير العراق .
ل فلسطين ) إسرائيل ( ،لن القضيب الذي ضربك " :29 :14ل تفرحي يا ك ّ
قد انكسر .فانه من أصل تلك الفعى يخرج ُأفعوان ،وذرّيته تكون ثعبانا ساّما
طّيارا … ولول أّيها الباب ،ونوحي أّيتها المدينة ،ذوبي خوفا يا فلسطين
قاطبة ،لن جيشا ُمدّربا قد زحف نحوك من الشمال … " .
ش وهذا النص ُيحذر اليهود من الفرح ،بانكسار قضيب بابل ) أي بانكسار
العراق في بادئ المر ( ،لنه في النهاية سينهض من جديد ،لُينجز ما قضاه
لفعوان ل محالة خارج ،من أصل تلك الفعى ،طال الزمان أو ال عليهم .فا ُ
قصر ،وسينفث سّمه في أجسادهم عند مجيء الموعد ،وذريته ستكون أشد
بأسا وأشد تنكيل .
نبوءة عن دمار بابل من سفر ارميا
جاء هذا النص ،تحت ) ُمسمى النبوءة التي قضى بها الرب ( ،والحقيقة أنه
وثيقة للثأر وتسديد للحساب القديم لمملكة بابل ،كتبه كهنتهم وأحبارهم ،بعد أن
سامهم أهل بابل في المرة الولى ،أشكال وألوانا من الذل والهوان والعذاب ،
ولم يستطع أولئك الكهنة ،تقّبل فكرة أن إلههم -الذي أرادوه حسب أهوائهم ،
فجعلوه كالعجينة بين أيديهم ُ ،يشّكلونها كما شاءوا -يتخلى عنهم ويسمح
لولئك البابلّيون الوثنيون ،بالقضاء على حبيبته أورشليم ،وأبناؤه وأحباؤه
وشعب ال الُمختار .فكان وقع الصدمة شديد عليهم ،حيث أتاهم العذاب من
حيث لم يحتسبوا ،وكان غاية في البشاعة ،حتى أّنهم شّبهوه في توراتهم ،
بعذاب قوم لوط ،مما أشعل نيران الحقد والكراهية اتجاه البابليين ،التي ما
زالت مشتعلة في قلوبهم إلى الن ،بعد أن توارثوها ،جيل بعد جيل .
حفظة التوراة من الحبار والكهنة ،هم أنفسهم من كان سببا ،في دمار دولتهم
الولى ،بفسادهم وإفسادهم ،وحثهم الناس على الفساد والفساد ،من حّكام
وُمترفين وعامة ،وهم الذين كذبوا وحاربوا أنبياء ال والصالحين من الناس ،
وتآمروا عليهم وأمروا بقتلهم ،لّما كانوا يأتونهم من عند ال بما ُيخالف
حسبانهم ،أنكروا ذلك وأنكروا أنه جاء أهواءهم .وعندما وقع ما لم يكن في ُ
349
في ُكتبهم ،وأنكروا أنه جاء من عند ال ،وأنكروا أنه عقابا لهم على إفسادهم )
ن )14 ك ِبأَّنُهْم َقْوٌم َل َيْعِقُلو َ
ن )َ … (13ذِل َ ك ِبَأّنُهْم َقْوٌم لَ َيْفَقُهو َ
… َذِل َ
الحشر ( .فخروج البابليين كان حسدا من عند أنفسهم ،ورغبة منهم للستيلء
على كنوزهم ،لذلك كان ل بد لهم من النتقام منهم ،عندما ُترّد لهم الكّرة مرة
طوا بأقلمهم ما ستقرأه لحقا . أخرى ،فخ ّ
أخبر سبحانه بأنه سيكون لليهود ،كّرة على أولئك العباد ) الكلدانيين ( ،وذلك
صل ذلك في كافة حروبها مع بهزيمتهم عسكريا في حروبهم معها ،وقد تح ّ
العرب ،ومن ضمنها العراق ،في بدايات نشوء الدولة اليهودية ،ونسب
ن ما تّم لهم ذلك ،إل بإذنه سبحانه رّد الكرة إلى نفسه ،لُيذّكرهم وُيؤكّد لهم أ ّ
ومشيئته ،مّنا وكرمًا ،وعقابا للعرب على نكوصهم عن دينهم ،وتخليهم عن
حمل رسالتهم ،فما من مصيبة تقع في الناس ،إل من كسب أيديهم ،كما أخبر
سبحانه في غير موضع من كتابه العزيز ،بالضافة إلى ما أوردناه سابقا من
حكم إلهية ،لعودة اليهود إلى فلسطين .
أّما أن ال قد أمرهم ،بتدمير العراق وإبادة أهله ،وتحويل العراق إلى صحراء
قاحلة ،تسكنها الثعالب ،فحاشا ل ،أن يأمر أو ُيحّرض الناس على الفساد في
الرض ،وهو الذي سيمحو ذكرهم عن فلسطين ،على أيدي العراقيين
أنفسهم ،لعظم ما أفسدوه في أرضه ،ولجل الفساد ذاته ،ولجل سفك دماء
البرياء الذي هو أعظم الفساد في الرض .إذ أنهم فور امتلكهم للقوة
والسلطة ،أسرفوا في القتل والتنكيل ،أّيما إسراف ،في الرض على
عمومها ،فأصابعهم ملوثة بدماء ضحايا كافة الحروب على مّر العصور .ففي
مملكتهم الولى أوقعوا القتل والنهب والنفي في أبناء جلدتهم ،وفي دولتهم
الثانية كّرروا فعلتهم في شعب فلسطين .
ول يغب عن البال أن هذه النص التحريضي ،بما يحفل به من مبالغة
وتهويل ،وتكرار وتطويل ُ ،كتب بعد السبي البابلي ،قبل 2500عام تقريبا ،
كدعوة للنتقام من بابل القديمة ،عند عودتهم من السبي والشتات إلى
فلسطين ،وإن كانت بابل قد وقعت في أيدي الفرس قديما كما جاء في التوراة ،
فمملكة فارس تقع إلى الشرق من بابل وأشور ،والنبوءة تقول أن من سُيدّمرها
جمع من الملوك يجتمعون عليها من الشمال .حتى جاءت دولتهم الحالية ،
وأخذ يهود هذا العصر ،بكل ما لديهم من طاقات وإمكانيات ووسائل ،على
350
عاتقهم تنفيذ هذا البرنامج ،الذي وضعه لهم أربابهم من الحبار والكهنة
) الحكماء ( .ولو أنك أمعنت النظر في الواقع ،وما مّر بالعراق من أحداث ،
خلل عشرين سنة ماضية ،تجد أن مرجعية كل تلك الحداث ،موجودة في
هذا النص التوراتي وبالتفصيل .
ش وفي ما يلي النص الكامل لوثيقة الثأر ،والدعوة لتسديد الحساب القديم لبابل
الجديدة ،كما جاء في الصحاح ) ( 51 – 50من سفر ارميا ،بما فيها من
تكرار وتطويل :
التحريض العلمي :
" النبوءة التي قضى بها الرب ،على بابل وعلى بلد الكلدانيين ،على لسان
ارميا النبي :أخِبروا في الشعوب وأسِمعوا وارفعوا راية ،أسِمعوا ل تخفوا ،
طم مردوخ ) أسماء قولوا :قد تم الستيلء على بابل ،ولحق ببيل العار وتح ّ
لصنام بابل ( ،خربت أصنامها وانسحقت أوثانها ،لن أمة من الشمال ،قد
زحفت عليها ،لتجعل أرضها مهجورة ،شرد منها الناس والبهائم جميعا " .
التنفيذ مرتبط بعودتهم إلى فلسطين :
" وفي تلك اليام ،يقول الرب ،يتوافد بنو إسرائيل وبنو يهوذا معا ،يبكون في
جهون إليها سيرهم ويلتمسون الرب إلههم ،يسألون عن الطريق صهيون ويتو ّ
ن شعبي كغنم ضاّلة قد قائلين :هلم ننضّم إلى الرب ،بعهد أبدي ل ُينسى ،إ ّ
أضّلهم رعاتهم ،وشّردوهم على الجبال ،فتاهوا ما بين الجبل والتل ،ونسوا
مربضهم ،كل من وجدهم افترسهم ،وقال أعدائهم :ل ذنب علينا لنهم ،هم
ق ،ورجاء آبائهم "
ق الرب ،الذي هو ملذهم الح ّالذين أخطأوا في ح ّ
دعوة لخروج الغرباء من بابل :
" اهربوا من وسط بابل ،واخرجوا من ديار الكلدانيين ،وكونوا كالتيوس أمام
قطيع الغنم ) ،الطلب من جميع الغربيين ُمغادرة العراق قبل القصف ( فها أنا
ُأثير وأجلب على بابل ،حشود ُأمم عظيمة ) 30دولة ( ،من أرض الشمال ،
فيتأّلبون عليها ،ويستولون عليها من الشمال ،وتكون سهامهم كجّبار متمّرس
ل يرجع فارغا ) من الصيد ( ،فتصبح أرض الكلدانيين غنيمة ،وكل من
يسلبها ُيتخم ) عوائد النفط ( ،يقول الرب .لنكم تبتهجون وتطفرون غبطة يا
351
ن أّمكم قد
ناهبي شعبي ،وتمرحون كِعجلٍة فوق العشب وتصهلون كالخيل ،فإ ّ
ل الشعوب ،وأرضها لحقها الخزي الشديد ،وانتابها الخجل ،ها هي ُتضحي أق ّ
ل بأسرها مهجورة وخربة ،كل من يمّر ببابل تصير قفرا جافا وصحراء ،وتظ ّ
ُ ،يصيبه الذعر ويصفر دهشة ،لما ابتليت به من نكبات " .
تحريض على تدمير بابل :
" اصطّفوا على بابل من كل ناحية ،يا جميع موتري القواس ،ارموا السهام
ق الرب ) لنها أنزلت بهم ول تبقوا سهما واحدا ،لنها قد أخطأت في ح ّ
العقاب اللهي في المرة الولى ( ،أطلقوا هتاف الحرب عليها من كل جانب
) طبل وزمر العلم الغربي قبل بدء الحرب ( ،فقد استسلمت ) لقرارات
مجلس المن ( وانهارت أسسها وتقوضت أسوارها ) البنية التحتية ( ،لن هذا
هو انتقام الرب ) بل هو انتقامهم ( ،فاثأروا منها ) تحريض ( ،وعاملوها
بمثل ما عاملتكم ،استأصلوا الّزارع من بابل ،والحاصد بالمنجل في يوم
الحصاد ،إذ يرجع كل واحد إلى قومه ،ويهرب إلى أرضه فرارا من سيف
العاتي " .
دوافع النتقام :
ل من" إسرائيل قطيع غنم مشّتت ،طردته السود ،كان ملك أشور أو ّ
شم عظامه ) كان هذا واقع حال الكهنة ،عند خر من ه ّ افترسه ،ونبوخذ نصر آ ِ
كتابة هذه الوثيقة ،موضحين دوافع هذا التحريض ( ،لذلك هذا ما ُيعلنه الرب
القدير إله إسرائيل :ها أنا ُأعاقب ملك بابل وأرضه ،كما عاقبت ملك أشور
من قبل ،وأرّد إسرائيل إلى مرتعه ،فيرعى في الكرمل وباشان ،وتشبع نفسه
في جبل أفرايم وجلعاد .وفي ذلك الزمان والوان ) المستقبل ( ،يقول الرب
) وما هو بقوله ( ُ :يلتمس إثم إسرائيل فل يوجد ،وخطيئة يهوذا فل تكون ،
لني أعفو عمن أبقيته منهما ) في المرة الثانية بعد السبي البابلي ( " .
تحريض مستمر:
" ازحف على أرض ميراثايم ) الجّبار المتمّرد ،أي ملك بابل ( ،وعلى
خّرب ودّمر وراءهم ) أثناء فرارهم المقيمين في فقود ) أرض العقاب ،بابل ( َ
ت جلبة القتال في
عَل ْ
( ،يقول الرب ،وافعل حسب كل ما آمرك به .قد َ
352
ي وُمباشر ( ،صوت تحطيم عظيم الرض ) على مرآى من العالم في بث ح ّ
طمت بابل ،مطرقة الرض كلها ؟ قد ) دوي القنابل ( ،كيف تكسّرت وتح ّ
ت فيه يا بابل ) تورطت في الحرب نتيجة مؤامرة ( ،من ت الشرك فوقع ِ
نصب ُ
ب، ض عليك ،لّنك خاصمت الر ّ ت ( وُقب َغير أن تشعري ،قد ُوجّدت ) ُأخذ ِ
قد فتح الرب ) أمريكا التي يعبدون ( مخزن سلحه ،وأخرج آلت سخطه
) التعبير هنا أكثر دقة وبمصطلحات حديثة ( ،لنه ما برح للسيد الرب
القدير ،عمل ُينجزه في ديار الكلدانيين ) حربين مدّمرتين وحصار وما زال
في جعبتهم أكثر ،لحقا ( ،ازحفوا عليها من أقاصي الرض ،وافتحوا
أهراءها ،وكّوموها أعراما واقضوا عليها قاطبة ،ول تتركوا منها بقية ،
) نهب ثرواتها وخيراتها ( ،اذبحوا جميع ثيرانها ،أحضروها للذبح ،ويل لهم
لن يوم موعد عقابهم قد حان " .
استخدام وسائل العلم في الطبل والزمر ) تكرار ( :
" اسمعوا ها جلبة الفاّرين الناجين ،من ديار بابل ليذيعوا في صهيون ،أنباء
انتقام الرب إلهنا والثأر لهيكله ،استدعوا إلى بابل رماة السهام ،جميع موتري
خري السلح ( ،عسكروا حولها فل ُيفلت منها أحد ) الحصار ( ، القسي )ُمذ ّ
جازوها بُمقتضى أعمالها ،واصنعوا بها كما صنعت بكم ،لنها بغت على
الرب قّدوس إسرائيل ،لذلك ُيصرع شّبانها في ساحاتها ،ويبيد في ذلك اليوم
ك أيتها المتغطرسة ،يقول الرب جميع جنودها ،يقول الرب .ها أنا ُأقاوم ِ
القدير ،لن يوم إدانتك ،وتنفيذ العقاب فيك قد حان ،فيتعّثر الُمتغطرس ويكبو
،ول يجد من ُينهضه ،وُأضرم نارا في ُمدنه فتلتهم ما حوله " .
دوافع النتقام ) تكرار ( :
" وهذا ما يعلنه الرب القدير :قد وقع الظلم على شعب إسرائيل ) عقابهم من
قبل بابل كان ظلمًا لهم ( ،وعلى شعب يهوذا ،وجميع الذين سبوهم وتشّبثوا
بهم ولم يطلقوهم ،غير أن فاديهم قوي ،الرب القدير اسمه ،وهو حتما ُيدافع
عن قضيتهم ،لكي ُيشيع راحة في الرض ،وُيقلق أهل بابل .ها سيف على
الكلدانيين ،يقول الرب وعلى أهل بابل ،وعلى أشرافها وعلى حكامها " .
353
طبيعة العقاب الذي يأمل اليهود أن يوقعوه في بابل وأهلها :
" ها سيف على عّرافيها فيصبحون حمقى ،وها سيف على ُمحاربيها فيمتلئون
رعبا .ها سيف على خيلها وعلى مركباتها ،وعلى ِفرق ُمرتزقتها فيصيرون
حّر على مياهها فُيصيبها الجفاف كالنساء ،ها سيف على كنوزها فُتنهب ،ها ال َ
) بسبب ضربة نووية قادمة ( لنها أرض أصنام ،وقد ُأولع أهلها بالوثان .
لذلك يسكنها وحش القفر مع بنات آوى ،وتأوي إليها رعال النعام ،وتظ ّ
ل
مهجورة إلى البد .غير آهلة بالسكان إلى مدى الدهر .وكما قلب ال سدوم
وعمورة وما جاورهما ،هكذا لن يسكن فيها أحد ،أو يقيم فيها إنسان ) وهذا ما
يصبون إليه ،ولن يهدأ لهم بال حتى يحققوه ( " .
العدوان الثلثيني لتدمير بابل وإسقاط نظام الحكم فيها :
ف من الملوك ) العدوان " ها شعب ُمقبل من الشمال ،أّمة عظيمٌة ولفي ٌ
ي ويتقّلدون بالرماح ،
الثلثيني ( ،قد هّبوا من أقاصي الرض ،يمسكون بالقس ّ
ُقساة ل يعرفون الرحمة ،جلبتهم كهدير البحر ،يمتطون الخيل وقد اصطفوا
كرجل واحد ،لمحاربتك يا بنت بابل ) بابل الجديدة هي بنت بابل القديمة ،أي
العراق ( ،قد بلغ خبرهم ملك بابل ،فاسترخت يده وانتابته الضيقة ،ووجع
ض أسد من أجمات ض عليها ،كما ينق ّ
امرأة في مخاضها .انظر ،ها هو ينق ّ
نهر الردن ،هكذا وفي لحظة أطردهم منها ،وُأولي عليها من أختاره ) قلب
نظام الحكم ،وإسقاط الرئيس ،وتولية من يرضون عنه ( .لنه من هو
نظيري ؟ ومن ُيحاكمني ؟ وأي راع يقوى على مواجهتي ؟ " ) من منطلق
العنجهية والقوة العمياء ( .
قصف بابل بالقنابل التوراتية :
ططه ودّبره عميان القلب ب ضّد بابل ) بل ما خ ّ ططه الر ّ " لذلك اسمعوا ما خ ّ
والبصيرة ،من كهنتهم وأحبارهم الحاقدين ( ،وما دّبره ضد ديار الكلدانيين ،
سقوطها صغارهم ُيجّرون جّرا ،وُيخّرب مساكنهم عليهم .من دوي أصداء ُ
) القنابل التوراتية على ( بابل ترجف الرض ،ويترّدد صراخها بين المم " .
" وهذا ما ُيعلنه الرب ) أربابهم ( :ها أنا ُأثير على بابل ،وعلى الُمقيمين في
ديار الكلدانيين ريحا ُمهلكة ،وأبعث إلى بابل ُمذّرين ُيذّرونها ،ويجعلون
354
خر (أرضها قفرا ،وُيهاجمونها من كل جانب في يوم بلّيتها .ليوتر ) ُيذ ّ
جج بسلحه ) لتلقي طائراتهم كل حمولتها فوق بابل ( ،ل الرامي قوسه وليتد ّ
شّبانها ،بل أبيدوا كل جيشها إبادة كاملة ،يتساقط القتلى في أرض تعفوا عن ُ
الكلدانيين ،والجرحى في شوارعها ) من المدنيين طبعا ( ،لن إسرائيل
ض بالثم ضّد قّدوس ب القدير ،وإن تكن أرضهما تفي ُ ويهوذا لم ُيهملهما الر ّ
إسرائيل ) ربهم معهم دائما حتى لو وصل إفسادهم عنان السماء ( " .
دعوة لخروج الغرباء من بابل ) تكرار ( :
ج كل واحد بحياته ،ل تبيدوا من جراء إثمها" اهربوا من وسط بابل ،ولين ُ
) دعوة للجاليات الغربية لمغادرة العراق ( ،لن هذا هو وقت انتقام الرب
) الوقت الذي حدده جورج بوش ( ،وموعد ُمجازاتها ) تصفية الحساب القديم
قبل 2500عام تقريبا ( ،كانت بابل كأس ذهب في يد ال ) الثروة والقوة ( ،
جّنت الشعوب . فسكرت الرض قاطبة ،تجّرعت المم من خمرها ،لذلك ُ
طمت ،فولولوا عليها ،خذوا بلسما لجرحها لعلها تبرأ . فجأة سقطت بابل وتح ّ
ُقمنا بمداواة بابل ) حرب الخليج الولى ،وضرب المفاعل النووي ( ،ولكن لم
ينجع فيها علج ) إذ قامت بالتهديد بحرق نصفها حال اعتدائها على أي بلد
ض كل واحد منا إلى أرضه ،لن قضاءها قد بلغ عربي ( .اهجروها وليم ِ
عنان السماء ،وتصاعد حتى ارتفع إلى الغيوم ) تهديدها لدولة الفاعي مرارا
وتكرارا ( " .
تحريض اليرانيين على تدمير بابل :
" قد أظهر الرب بّرنا ،فتعالوا لُنذيع في صهيون ،ما صنعه الرب إلهنا .سّنوا
السهام وتقّلدوا التروس ،لن الرب قد أثار روح ملوك الماديين
طد العزم على إهلك بابل ،لن هذا هو انتقام الرب ، ) اليرانيين ( ،إذ و ّ
والثأر لهيكله .انصبوا راية على أسوار بابل ،شّددوا الحراسة ،أقيموا
الرصاد ) الجواسيس والعملء ( أعدوا الكمائن ) المؤامرات ( ،لن الرب قد
طط وأنجز ما قضى به على أهل بابل ،أيتها الساكنة إلى جوار المياه خّ
الغزيرة ،ذات الكنوز الوفيرة ،إن نهايتك قد أزفت ،وحان موعد اقتلعك ،
قد أقسم الرب القدير بذاته ،قائل :لملّنك ُأناسا كالغوغاء فتعلوا جلبتهم عليك
".
355
بقدرة الرب القدير سيتم تدمير بابل :
سس الدنيا بحكمته ،ومّد السماوات بفطنته " هو الذي صنع الرض بقدرته ،وأ ّ
،ما إن ينطق بصوته ،حتى تتجمع غمار المياه في السماوات ،وتصعد
السحب من أقاصي الرض ،ويجعل للمطر بروقا ،وُيطلق الريح من
ي من تمثاله ،لن ئ خامل وعديم المعرفة ،وكل صائغ خز َ خزائنه ،كل امر ٍ
صنمه المسبوك كاذب ول حياة فيه ،جميع الصنام باطلة وصنعة ضلل ،
وفي زمن عقابها تبيد .أما نصيب يعقوب فليس مثل هذه الوثان ،بل جابل كل
الشياء .وشعب إسرائيل ميراثه ،واسمه الرب القدير ،أنت فأس معركتي
طم ممالك ،بك أجعل الفرس وفارسها وآلة حربي ،بك ُأمّزق المم إربا وُأح ّ
طم الرجل والمرأة ،والشيخ والفتى شم المركبة وراكبها ،بك ُأح ّأشلء ،وأه ّ
والشاب والعذراء ،بك أسحق الراعي وقطيعه ،والحارث وفّدانه والحّكام
والولة " .
خطيئة بابل في حق صهيون :
" سُأجازي بابل وسائر الكلدانيين على شّرهم ،الذي ارتكبوه في حق
صهيون ،على مرأى منكم ،يقول الرب .ها أنا أنقلب عليك أيها الجبل
المخّرب ،أنت ُتفسد كل الرض ،لذلك أمّد يدي عليك ،وأدحرجك من بين
الصخور ،وأجعلك جبل محترقا ،فل ُيقطع منك حجر لزاوية ،ول حجر
ُيوضع لساس ،بل تكون خرابا أبديا ،يقول الرب " .
تحريض المم والممالك على تدمير بابل ) تكرار ( :
" انصبوا رايًة في الرض ،انفخوا في البوق بين المم ) وسائل العلم
ك أراراط ومّني الغربية ( ،أثيروا عليها المَم لقتالها ،وأّلبوا عليها ممال َ
وأشكناز ) تركيا وما حولها ( ،أقيموا عليها قائدًا ،اجعلوا الخيل تزحف
ك الماديين
ب الشرسة .أثيروا عليها المَم وملو َ ل الجناد ِعليها ،كجحاف ِ
) اليرانيين ( ،وكل حّكامهم وولتهم وسائر الديار التي يحكمونها
ض ترتجف وتقشعّر ،لن قضاء الرب ) إمبراطورية فارس القديمة ( .الر ُ
على بابل يتّم ،ليجعل أرض بابل خرابا وقفرا " .
356
أهل بابل بيدر ،أزف موعد حصاده في 1991 – 1 – 16م :
" قد أحجم ُمحاربو بابل الجبابرة عن القتال ،واعتصموا في معاقلهم ،خارت
طمت مزاليجها ، شجاعتهم وصاروا كالنساء ،احترقت مساكن بابل وتح ّ
يركض عّداء لملقاة عّداء آخر ،وُيسرع ُمخبر للقاء ُمخبر ،لُيبلغ ملك بابل أن
مدينته ،قد تم الستيلء عليها ،من كل جانب ،قد سقطت المعابر ،وُأحرقت
أجمات القصب بالنار ،واعترى المحاربين الذعر ،لن هذا ما ُيعلنه الرب
ن أهل بابل كالبيدر ،وقد حان أوان درس حنطته ،وبعد القدير إله إسرائيل :أ ّ
قليل يأزف موعد حصادهم " .
دوافع النتقام ) تكرار ( :
" يقول المسبيون " :قد افترسنا نبوخذ نصر ملك بابل ،وسحقنا وجعلنا إناءً
فارغا ،ابتلعنا كتّنين ،ومل جوفه من أطايبنا ،ثم لفظنا من فمه " .يقول أهل
ل ببابل ما أصابنا ،وما أصاب لحومنا من ظلم " ،وتقولحّأورشليم " :لي ُ
أورشليم " :دمي على أهل أرض الكلدانيين " ) مطالبة بالثأر مستقبل من
الجيال القادمة ( .
الكيفية التي تم بها إشعال حرب الخليج الثانية :
" لذلك هذا ما ُيعلنه الرب :ها أنا ُأدافع عن دعواك وانتقم لك ،فأجفف بحر
بابل وينابيعها ،فتصير بابل ركاما ،ومأوى لبنات آوى ،ومثار دهشة وصفير
صل لهم ذلك في حال ضرب العراق نوويا ،وهو ما وأرضا موحشة ) سيتح ّ
ُيفّكرون به حاليا ( ،إنهم يزأرون كالسود ،وُيزمجرون كالشبال ) ،أي
العراقيون ،وهذا ما ُيغيظ تلك الفئران ،التي ترتعد فرائسها ،وتصطك أسنانها
هلعا وجزعا ،عند سماعها للتهديدات العراقية ( ،عند شبعهم ُ ،أعّد لهم مأدبة
) دولة الكويت ،وحكامها باستجابتهم لبالسة المكر والدهاء جعلوا منها
مأدبة ( ،وُأسكرهم حتى تأخذهم نشوة ) الغراء والمديح لحكام العراق ،
باستجابتهم للفريق الثاني من البالسة ( ،فيناموا نوما أبديا ل يقظة منه ،يقول
الرب .وُأحضرهم ) العراقيين ( كالحملن للذبح ،وكالكباش والتيوس " .
ش وكل الفريقين وبقية الدول العربية ،بعلم ومن غير علم ،وقعوا في الفخ الذي
ُنصب لهم ،وكلهم ملومين بل استثناء ،ومن يضع اللوم على فريق دون الخر
357
،فقد جانبه الصواب ،فكل عربي كان له دور في المؤامرة ،ونفّذه على أكمل
ل أخذ نصيبه في تأجيج نار الفتنة .وفي المحصلة ُنهبت ثروات وجه ،وك ٌ
المة ،واستخدمت لشباع بعضا من الرغبة اليهودية في النتقام من بابل ،
ل يتركوا العراق ،حتى يعود إلى " العصر ولديهم مزيد ،فتوراتهم تأمرهم بأ ّ
الحجري " ،كما صرح الرئيس المريكي آنذاك ،وأقصى أمانّيهم ،هي
اختفاء أي مظهر من مظاهر الحياة في العراق ،خوفا من تكرار كابوس السبي
ض مضاجعهم ،ما دام هناك عراق البابلي ،الذي ما زال يؤرق أجفانهم ،ويق ّ
قوي ُ ،يهّدد وجودهم ،وقادر على الوصول إليهم .
المصير المرعب الذي كان اليهود يتمنونه لبابل بعد حرب الخليج وما زالوا :
ي على بابل ! كيف سقطت فخر كل الرض ! كيف صارت بابل " كيف اسُتول َ
مثار دهشة بين المم ! قد طغى البحر على بابل ،فغمرها بأمواجه الهائجة ،
وأصبحت ُمدنها موحشة ،وأرض قفر وصحراء ،أرض ل يأوي إليها أحد ،
ب الصنم بيل في بابل ،وأستخرج من فمه ما ول يجتاز بها إنسان ،وأعاق ُ
ف المم من ابتلعه ) ،نهب ثروات العراق تعويضا عن كنوز الهيكل ( ،فتك ّ
التوافد إليه ،وينهدم أيضا سور بابل " .
ش ل بد لهم ،من ضرب العراق بالنووي ،عاجل أم آجل ،حتى يتمكنوا من
تحقيق هذا الحلم التوراتي ،فالسلحة التقليدية لم ُتجدي نفعا ،والرعب
ي اليهودي من اسم بابل وأشور ،كما هو واضح من هذه النصوص ، ضّالمَر ِ
ليس له علج إل محو هذا البلد بأهله ،عن الوجود وإلى البد ،وهذا ما
ُيصّرحون به ،في هذه النصوص ،ومن معرفتك بطبيعة العلج الذي يصفونه
لنفسهم ،تستطيع التعرف على خطورة الحالة المرضّية المستعصية ،التي
ُيعانون منها ،وخطورة ما قد ُيقدمون عليه مستقبل في حق العراق .
دعوة أخرى لخروج الغرباء من بابل ) تكرار ( :
" اخرجوا من وسطها يا شعبي )لذلك لم يبدأ العدوان إل بعد خروج رعايا
الدول المعتدية ،والنية كانت تدمير العراق عن بكرة أبيه ،لو ُأتيح لهم ذلك ( ،
ج كل واحد بحياته ،هربا من احتدام غضب الرب ،ل تخّر قلوبكم ول ولين ُ
تفزعوا ،مما يشيع في الديار من أنباء ،إذ تروج شائعة في هذه السنة ،
وُأخرى في السنة التالية ،ويسود العنف الرض ،ويقوم ُمتسّلط على ُمتسّلط .
358
لذلك ها أيام ُمقبلة ُ ،أعاقب فيها أصنام بابل ،ويلحق العار بأرضها كلها ،
ويتساقط قتلها في وسطها ،عندئذ تتغنى بسقوط بابل ،السماوات والرض
وكل ما فيها ،لن الُمدّمرين يتقاطرون عليها من الشمال ،يقول الرب " .
المستهدف هو شعب بابل :
" كما صرعت بابل قتلى إسرائيل ،هكذا ُيصرع قتلى بابل في كل الرض
) السن بالسن والعين بالعين ( ،يا أّيها الناجون من السيف ،اهربوا ل تقفوا ،
اذكروا الرب في مكانكم البعيد ،ول تبرح أورشليم من خواطركم .قد لحقنا
ي لننا استمعنا للهانة ،فكسا الخجل وجوهنا ) إساءة الوجه ( ،إذ انتهك الخز َ
الغرباء ) أي البابليون ( مقادس هيكل الرب ) بعدما حّوله الكهنة إلى بورصة ،
للتبادلت التجارية الربوّية ،حسبما ذكر أنبياؤهم ( " .
" لذلك ها أيام ُمقبلة ،يقول الرب ُ ،أنّفذ فيها قضائي على أصنام بابل ،ويئ ّ
ن
جرحاها في كل ديارها ،وحتى لو ارتفعت بابل فبلغت عنان السماء ،وحتى لو
ن الُمدّمرين ينقضون عليها من عندي ،يقول صنت معاقلها الشامخة ،فإ ّ ح ّ
الرب " .
المصير المرعب الذي كان اليهود يتمنونه لبابل بعد حرب الخليج وما زالوا
) تكرار ( :
" ها صوت صراخ يترّدد في بابل ،صوت جلبة دمار عظيم ،من أرض
الكلدانيين ،لن الرب قد خّرب بابل ،وأخرس جلبتها العظيمة ،إذ طغت عليها
جاجة ،وعل ضجيج أصواتهم ،لن الُمدّمر قد انقض جحافل أعدائها ،كمياه ع ّ
على بابل ،وأسَر ُمحاربيها ،وتكسرت كل قسّيها ) أسلحتها ( ،لن الرب إله
ُمجازاة ،وهو حتما ُيحاسبها ،إني ُأسكُر رؤساءها وحكماءها ومحاربيها ،
فينامون نوما أبديا ل يقظة منه ، … ،وهذا ما ُيعلنه الرب القدير :إن سور
بابل العريض ُ ،يقّوض وُيسّوى بالرض ،وبّواباتها العالية تحترق بالنار ،
ويذهب تعب الشعوب باطل ،ويكون مصير جهد المم للنار " .
" وكان ارميا قد دّون في كتاب واحد ،جميع الكوارث التي سُتبتلى بها بابل ،
أي جميع النبوءات المدّونة عن بابل ) ،وأرسله ارميا إلى بابل وقال لحامله ( :
" حالما تصل إلى بابل ،اعمل على تلوة جميع هذه النبوءات ،وقل :أيها
الرب ،قد قضيت على هذا الموضع بالنقراض ،فل يسكن فيه أحد من الناس
359
والبهائم ،بل ُيصبح خرابا أبديا " ،ومتى فرغت من تلوة هذا الكتاب ،اربط
به حجرا واطرحه في وسط الفرات ،وقل " :كذلك تغرق بابل ،ول تطفو بعد
،لما ُأوقعه عليها من عقاب ،فيعيا كل أهلها " .
طها مؤلفو التوراة ،على أنها عقوبة ال لبابل ،ماش هذه الوثيقة المرعبة التي خ ّ
هي إل العقوبة التي تنتظر إسرائيل وأمريكا مستقبل ،ولكنهم أرادوها لبابل ،
ونفّذوا فصولها في العراق ،فصل تلو الخر ،وهم يسعون الن من وراء
الكواليس لتنفيذ بقية فصولها .
صفة العقاب اللهي لمريكا :
سبب العقاب اللهي هو استعلئها وإضللها لشعوب الرض ،وما أوقعته من
ظلم بهم .ودمارها سيأتي من الشمال .من خلل تحالف عدة دول ،وبضربات
نووية كثيفة ومفاجئة .تتسبب بدمار عظيم وحرائق وجفاف ،ومن ثم طوفان
عظيم يجتاح أراضيها ،ليتركها قفرا أجرد ل يصلح للسكن أبد الدهر .
وجيوشها التي كانت قد خرجت منها ،سيتم ذبحها كالحملن والتيوس .
نبوءة عن سقوط بابل من سفر الرؤيا ليوحنا
قلنا في السابق أن إنجيل يوحنا ورؤياه ،ل بد أن تكون أسفار توراتية ،وكان
من المفروض أن تكون ُملحقة بالتوراة ،ولكّنها ُأسقطت في وقت ُمتأخر ،بعد
أن تمّ التلعب فيها من قبل اليهود ،فتلقفها النصارى وضّموها إلى النجيل ،
أثناء جمعه وتحريفه ونسخه ،وليس أدل على ذلك -بالضافة لما تقّدم وأشرنا
إليه -من تكرار نصوص الوثيقة السابقة من سفر ارميا في التوراة ،بنفس
الفكار والعبارات تقريبا ،ولكن بدرجة أقل من المبالغة والتهويل والتطويل ،
في سفر الرؤيا الملحق بأناجيل النصارى .
" : -1 :18بعد هذا رأيت ملكا آخر ،نازل من السماء ، … ،وصاح بأعلى
صوته " :سقطت بابل ،سقطت بابل العظمى ،وصارت وكرا للشياطين ،
ومأوى لكل روح نجس ، … ،ثم سمعت صوتا آخر ُ ،ينادي من السماء " :
اخرجوا منها يا شعبي ،لئل تشتركوا في خطاياها ،فتصابوا ببلياها ،فقد
تراكمت خطاياها حتى بلغت عنان السماء ،وتذّكر ال ما ارتكبته من آثام .
ض عليها افعلوا بها كما فعلت بكم ،وضاعفوا لها جزاء ما اقترفت . … ،ستنق ّ
360
البليا في يوم واحد ،من موت وحزن وجوع ،وستحترق بالنار فإن ال الذي
ب قدير " .
ُيدينها ،هو ر ّ
" :9-10 :18وسيبكي عليها ملوك الرض ،الذين زنوا وترّفهوا معها ،
وسينوحون وهم ينظرون إلى دخان حريقها ،فيقفون على ُبعد منها ،خوفا من
عذابها ،وهم يصرخون :الويل ،الويل ،أيتها المدينة العظمى ،بابل القوية !
في ساعة واحدة حل بك العقاب ! " .
" :12-17 :18وسيبكي ُتجار الرض ويحزنون عليها ، … ،هؤلء التجار
الذين اغتنوا من التجارة معها ،يقفون على بعد منها ،خوفا من عذابها ،يبكون
عليها وينتحبون ،قائلين :الويل ،الويل ،على المدينة العظمى ، … ،وقد
زال هذا كله في ساعة واحدة ! " .
لحوها على بعد منها ،ينظرون " :18-19 :18ويقف قادة السفن ورّكابها وم ّ
إلى ُدخان حريقها ،أية مدينة مثل هذه المدينة العظمى ؟! ويذرون التراب على
رؤوسهم ،وهم يصرخون باكين منتحبين :الويل ،الويل ،على المدينة
العظمى ،التي اغتنى أصحاب سفن البحر جميعا بفضل ثروتها ! ها هي في
ساعة واحدة قد زالت ! " .
" :20 :18اشمتي بها أيتها السماء ! واشمتوا بها أيها القّديسون والرسل
حكمه عليها بعد أن أصدرت أحكامها عليكم " . والنبياء ،فقد أصدر ال ُ
" :21-24 :18وتناول ملك قوي ،حجرا كأّنه حجر طاحونة عظيم ،وألقاه
في البحر ،قائل " :هكذا ُتدفع وُتطرح بابل الدينة الُعظمى ،فتختفي إلى
البد ! لن ُيسمع فيك عزف موسيقى بعد ، … ،ولن تقوم فيك صناعة بعد الن
،ولن ُيسمع فيك صوت رحى ،ولن ُيضيء فيك نور مصباح … فقد كان
جارك سادة الرض ،وبسحرك ضّللت جميع أمم الرض .وفيها ُوجدت دماء ُت ّ
أنبياء وقّديسين وجميع الذين ُقتلوا على الرض " .
" :1-2 :19وبعد هذا سمعت صوتا عاليا … ،يقول " :هّللويا ! الخلص
ب إلهنا ! فإن أحكامه حق وعدل ،لّنه عاقب والمجد والكرامة والقدرة للر ّ
الزانية الكبرى ،التي أفسدت الرض ،وانتقم لدم عبيده منها " .
ش الحقيقة أن هذه النبوءة ،تتحدث عن دولة عظمى في العصر الحديث ،
ُتضاهي عظمة بابل القديمة وقوتها ،وهذه النصوص في الواقع ،تصف حال
361
أمريكا بقوتها القتصادية والعسكرية ،وما أحدثته في هذا العصر من فساد
وإفساد ،وسفك للدماء في مشارق الرض ومغاربها ،فهي تحكم الكرة
صبت نفسها كإله ُيعبد وُيقّدس ،فهي تحّدد في الرضية بأسرها من خلل ،ون ّ
تقارير وزارة خارجّيتها ،من أصلح ومن أفسد ،ومن حافظ على الحقوق ومن
هضمها ،ومن أرهب ومن لم يرهب .وعلى قائمة مقاطعاتها القتصادية
ل يخطب ضل على خلق ال ،والك ّ حوالي 46دولة ،فهي الُمنِعم والُمكِرم والُمتف ّ
وّد ورضا هذه اللهة الجديدة ،وهي تسعى الن لعولمة اقتصادها وثقافتها ،
وفرضها على شعوب تارة بالترهيب وتارة بالترغيب ،وأما كلمة بابل في هذه
النص إما أن تكون ُأضيفت عن قصد من قبل الكهنة ،بسبب الحقد والكراهية
والرغبة في النتقام من بابل ،وإما أن تكون قد استخدمت لترمز إلى الدولة
الُعظمى في هذا العصر .ولو حذفت كلمة بابل ووضعت كلمة أمريكا ،لوجدت
أن النص سُيصبح أكثر صدقا وتطابقا مع الواقع .
سرين الجدد من النصارى بوجه خاص ،كما تشير الكاتبة ولكن أغلب المف ّ
المريكية في الفصل السابق ،يأخذون بالتفسير اللفظي للمسميات ،التي جاءت
في النصوص التوراتية والنجيلية ،ويقّدمون شروحاتهم وتفسيراتهم ،
لنصارى الغرب من ساسة وعامة ،على نحو مغاير لما ُتخبر عنه النصوص
حقيقة ،فبابل القديمة أينما جاءت في النصوص ،تعني بالنسبة لهم بابل الجديدة
أي العراق ،بالرغم من أن النصوص تصف دولة عظمى ،هي أقرب إلى
أمريكا منها إلى العراق ،وتوحي بأن لفظ بابل استخدام كاستعارة لفظية .
أما اليهود فهم يعلمون حقيقة ما ُتخبر عنه النصوص ،وبأن الدمار القادم
والذي ُتخبر عنه النصوص ،سيكون لسرائيل وأمريكا وحلفائهما ،ولكنهم
يستغلون الفهم الخاطئ والمضطرب للنصارى ،لخدمة أغراضهم ومخططاتهم
الشيطانية ،ولحماية دولتهم من الخطار المحّدقة بها .فهم مّتفقون على أن هذه
النبوءات تتحدث عن تدمير العراق ،وبما أنها جاءت تحريضية بصيغة
المر ،فقد اّتحدوا لتنفيذ ما قضى به الرب على بابل ،ولن تستكين لهم حال أو
تلين لهم عزيمة ،حتى يتحقق ما جاء في هذه النصوص ،بجعل العراق أرضا
قفرا صحراء قاحلة خاوية على عروشها ،لذلك هم ل يكترثون بالشرعية
الدولية ول بالقانون الدولي ،إذ ل يمتثل لهما إل الضعفاء والغبياء ،فالقوانين
اللهية بشأن العراق ،هي ما ينصاعون إليه ويلتزمون بتطبيقه ،فالحرب على
362
العراق حرب ُمقّدسة ،لنهم موقنون تماما :بأنّ بقاء العراق يعني حتمية زوال
ن بقاء إسرائيل يعني حتمية زوال العراق … إسرائيل … وأ ّ
وما داموا يمتلكون مقّدرات الكاوبوي المريكي البريطاني ،الُمشترى بالرشوة
والشهوة والرعب ،والمأخوذ بجنون القوة .فلن ُيثنيهم عن عزمهم ،إل أن
ُيبادوا قبل أن ُيبيدوا الحرث والنسل .وبالتالي فإن بقاء العراق ،يتحّتم عليه
محو إسرائيل ،من قلب الوطن العربي ،وسحق تلك الفئران ،المتلّفعة بريش
النسر المريكي القرع .
وإن لم تكن الحرب العراقية اليرانية من صنع أيديهم ،فهم ساهموا فيها بشكل
أو بآخر ،فإيران تأتي في الدرجة الثانية في العداء التوراتي لسرائيل ،وكلنا
سمع بفضيحة ) إيران غيت ( في الثمانينيات ،التي كان بطلها الرئيس
المريكي ) ريغان ( حيث كانوا ُيؤيدون العراق علنا ،وُيزّودون إيران -التي
كانت تنظر إلى أمريكا على أنها الشيطان الكبر -بالسلحة سرا ،لطالة أمد
هذه الحرب ،ولبقاء العراق وإيران منشغلين فيها .
والسبب الهم لشعالها ،هو الرعب الذي دب في قلوبهم من المارد العراقي ،
الذي أعاد إلى أذهانهم النبوءات التوراتية ،وأيقظ في مخيلتهم شبح نبوخذ
نصر ،وكابوس السبي البابلي ،ليقض مضاجعهم فلم ترقأ لهم عين ،ولم
يغمض لهم جفن ،والذي بدأ يستيقظ من غفوته بامتلكه المفاعل النووي .
وسيكون بعد سنوات قليلة ،قاب قوسين أو أدنى من إنتاج القنابل النووية .وما
أن انشغل العراق في الحرب ،وأصبح ظهره مكشوفا ،حتى انسلت
ب حممها التوراتية الحاقدة ،على ذلك خفافيشهم ،تحت جنح الظلم ،لتص ّ
المفاعل ،في سنين صباه الولى ،لُتبيده عن بكرة أبيه .
وبعد أن خرج العراق من تلك الحرب ،محتفظا بقوته وجبروته ،ومع أول
تصريح وتهديد له " ،بحرق نصف إسرائيل ،حال اعتدائها على أي قطر
عربي " ،على لسان الرئيس العراقي ،جهارا نهارا في مؤتمر قمة بغداد ،
عام 1989م ،أقامت وسائل العلم المرئية والمسموعة والمقروءة -التي
جه
تمتلك معظمها تلك الفاعي -الدنيا ولم تقعدها ،حتى استطاعت ز ّ
وتوريطه ،في الدخول إلى الكويت ،بالتآمر والتواطؤ وبمكرهم ودهائهم
ضت عليه من بأقطارها ،بحجة رفع الظلم عن دولة المعهودين ،ومن ثم حر ّ
طواالكويت ،وتأمين منابع النفط ،التي سيسطر عليها العراقيون .وكما خ ّ
363
بأقلمهم سيناريو الحرب العالمية الثانية ،أعادوا نفس السيناريو ،في حرب
الخليج ،من ألفه إلى يائه .
فها قد تحّررت الكويت ،وتأّمنت منابع النفط ،فلماذا هذا الحصار الظالم على
أطفال العراق ؟! يّدعون أن العراق يهدد جيرانه ،فانظر من يّدعي ! وانظر
إلى جيرانه ! وما علقة المّدعي بالجيران ؟! المّدعون هم ) مادلين ُألبرايت
وزيرة الخارجية المريكية ،ووليام كوهين وزير الدفاع المريكي ،وساندي
بيرغر مسؤول المن القومي المريكي ،وهلم جرا … ( وكلهم يهود .فما
عليك إل استبدال كلمة المريكي في مناصبهم ومسؤولياتهم ،بكلمة السرائيلي
،لتعرف من هم الجيران الذين سيهددهم وجود عراق قوي .
أما الحصار ،فقد ُوجد ليبقى ،وغايته منع المارد العراقي من الصحوة .
واستمّر الحصار ليبقى المارد محصورا في القمقم ،وعندما تّم لهم ذلك ،
عمدوا إلى تقليم مخالبه واقتلع أنيابه ،فمنظرها ُيرعب تلك الفئران المسكينة ،
ويجعل فرائصها ترتعد هلعا وجزعا .واستمّر الحصار لمنع أطفال العراق ،
طرمن الوصول إلى مرحلة الرجولة ،كي ل يكونوا مستقبل أفراد جيش ُ ،يس ّ
على أجساد تلك الفئران أساطير البطولة ،فهم وحسب رؤاهم التوراتية ،
يعرفون ويعلمون أن دولتهم ستزول ،وسيكون فيهم القتل والنهب والنفي ،وأن
المرشح الول والوحيد للقضاء عليهم هو غريمهم الزلي ،وأن دولتهم سيعيش
فيها ،ل أكثر من جيل واحد .لذلك بما أنهم موقنون تماما ،بأن زوال دولتهم
أمر حتمي ،كان ل بد لهم من أن يعملوا بكل طاقاتهم ،من أجل حماية هذا
المسخ الخداج ،الذي حملت به عروس المدائن غصبا واغتصابا ،من مرتزقة
الغرب المأجورين ،في غفلة من الزمان .
لذلك … فالحصار لن ُيرفع … ما دامت تلك الفئران … في القدس ترتع
الفعوان العراقي في سفر إشعياء
خطورة هذا الفعوان المرعب ،تتمثل في ما يحمله في أحشائه من سموم
ُمميتة ،كان أسلفهم قد تجّرعوها من قبل ،ووصفوا تأثيرها المؤلم على امتداد
التوراة الشاسع ،فشغلت حّيزا كبيرا من فكرهم ووجدانهم ،فمجّرد التفكير
ل بأسلفهم ،من جّراء تلك الفعى التي بتكرار ذلك المصير المرعب ،الذي ح ّ
364
أنجبت هذا الفعوان ُ ،يصيبهم بحالة من الذعر والهلع ،لذلك كان وسيكون لهم
،محاولت عديدة للتخّلص من خطر هذا الفعوان على وجودهم :
• الُمحاولة الولى :هي الحرب اليرانية العراقية ،لصابته بالشلل وقد
ُأصيب ،فتسّنى لهم ضرب مفاعله النووي ،واجتياح بيروت ،وترحيل
منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان .
• الُمحاولة الثانية :هي الحرب المريكية العراقية ،لتغيير رأس هذا
الفعوان ،وزرع رأس جديد له ،وتقطيع أوصاله وتفريق شملها ،وتوزيع
دمه على جميع القبائل التي اجتمعت عليه ،ولم ُيكتب لها النجاح .
• الُمحاولة الثالثة :هي الحصار الممي ولجان التفتيش ،لنزع النياب التي
تنفث السّم ،بتدمير أسلحة الدمار الشامل ،وحرمانه من امتلك أسلحة
جديدة ،فاقتلعوا النياب واستخرجوا السّم ،ولكن النياب نبتت من جديد ،
والسم يتجّدد ول ينقطع .
• الُمحاولة الرابعة :هي الحرب المريكية الشاملة ،مع احتمالية توجيه
ضربات نووية محدودة إن أمكن ،لقطع الرأس والوصال معا ،حيث لم
يُعد هناك أهمية لتوزيع دمه على القبائل .وستصبح احتمالية الضربات
النووية ،قائمة وحتمية فور امتلك أمريكا ،للدرع الُمضاد للصواريخ
الُمحّملة بالرؤوس النووية ،وهذه الحرب قائمة بل أدنى شك ،إن لم يقع ،
ططون لها ويستعجلونها ، حسبان أمريكا وإسرائيل ،فهم ُيخ ّما لم يكن في ُ
ويطلبون من الرئيس المريكي ،تهيئة الشعب المريكي لتقّبلها ،وسيعملون
جهدهم لشعالها في أقرب فرصة ممكنة ،ظنا من الذين ل يعقلون ول
يفقهون ،بأنهم قادرين على منع رب العزة ،من إنجاز وعده فيهم ،بإبادة
العراقيين وتقسيم العراق وإسقاط قيادته .
365
الجزء الثالث
366
الفصل الول :
بل هم في شك يلعبون
367
الطوفان الخير وطوق النجاة
368
وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة
تبين لنا من خلل هذه القراءة الجديدة ،في تاريخ بني إسرائيل ،في القرآن
والسّنة والتوراة والتلمود ،أن البابلّيون هم أصحاب البعث الول ،وبناًء على
ذلك ،يكون العراقيون حصرا ،بل أدنى شك ،هم أصحاب البعث الثاني .
وسيتبين لنا في هذا الفصل ،من خلل قراءة جديدة للواقع ،بأن اليهود على
علم بهذا البعث وأصحابه ،وظّنا منهم بأنهم قادرون على مخالفة أمر ال ،
بمنع تحقق البعث الثاني ،خططوا ونّفذوا وما زالوا يخططون ،لدرء خطر
هذا البعث الموعودين به ،بإبادة أصحابه بشتى الوسائل والسبل ،لقناعتهم بأن
بقاء دولتهم ،يتحتم عليه محو العراق وشعبه عن خريطة العالم .
حقيقة ما ُيضمره الغرب للعراق :
دأبت أمريكا ومن سار في ركبها ،على إعلن عدائها لقيادة العراق الحالية ،
والرغبة في إسقاطها ،وجعلت من بقاء القيادة العراقية ،على سدة الحكم في
بغداد ،وسابقتها في غزو الكويت ،مثال لعدوانية هذه الحكومة وخطورتها
على جيرانها ،وذريعة لدامة الحصار ،لتجريد العراق من مقومات وجوده .
ليصل العالم والشعب العراقي إلى قناعة ،بأن المستهدف حقيقة من وراء
الصرار المريكي ،على إبقاء الحصار مفروضا على العراق ،هي القيادة
العراقية الحالية ،بتوجهاتها العدوانية ضد جيرانها ،مما ُيهدد أمن منطقة
الخليج الحيوية للعالم ،وبإسقاط هذه القيادة ،ستنعم منطقة الخليج بالمن مجّددا
،حسب الرؤى المريكية .
ومع أن أمريكا ل ُتبِد أدنى اهتمام بمصير الشعب العراقي ،بل على العكس من
ذلك ،كان وما زال بعض مسؤوليها من اليهود ُ ،يبدون سعادة عارمة ،بل
خجل أو مواربة ،بوقوع المزيد من الضحايا في العراق ،حيث الغالبية
العظمى من الطفال ،الذين سقطوا ،من جراء نقص الدوية والغذاء ،حين
تصرح وزيرة الخارجية المريكية ) أولبرايت ( ،في حوار صحفي في محطة
) : ( CBSبأن تسّبب أمريكا بموت نصف مليون طفل عراقي " أمر يستحق
العناء " ،إل أن العالم أجمع ،والشعب العربي وحتى الشعب العراقي ،لم
يبحث عن الدوافع الحقيقية ،لهذا العداء المريكي للعراق .
369
" إشعياء :16 :13 :كل من ُيؤسر ُيطعن ،وكل من ُيقبض عليه ُيصرع
بالسيف ،وُيمّزق أطفالهم على مرأى منهم ،وُتنهب بيوتهم وُتغتصب نسائهم "
.
" إشعياء :23-20 :14 :فذرّية فاعلي الثم ،يبيد ذكرها إلى البد .أعّدوا
مذبحة لبنائه جزاء إثم آبائهم ،لئل يقوموا ويرثوا الرض فيملئوا وجه
ب ضدهم ،وأمحو من بابل ،اسمًا البسيطة ُمدنًا .يقول الرب القدير " :إني أه ّ
ت للمياه ،وأكنسها ل وذريًة ،وأجعلها ميراثًا للقنافذ ،ومستنقعا ٍوبقيًة ونس ً
بمكنسة الدمار " .
" وهذا ما ُيعلنه الرب :ها أنا ُأثير على بابل ،وعلى الُمقيمين في ديار
الكلدانيين ريحا ُمهلكة ،وأبعث إلى بابل ُمذّرين ُيذّرونها ،ويجعلون أرضها
خر ( الرامي قوسه قفرا ،وُيهاجمونها من كل جانب في يوم بلّيتها .ليوتر ) ُيذ ّ
شّبانها ،بل أبيدوا كل جيشها إبادة كاملة ، جج بسلحه ،ل تعفوا عن ُ وليتد ّ
يتساقط القتلى في أرض الكلدانيين ،والجرحى في شوارعها ) من المدنيين
طبعا ( " .
وباستجابة ) أولبرايت ( ،وكافة الجوقة اليهودية ،في الدارات المريكية
المتعاقبة ،لوامر الرب القدير ،الواردة في التوراة ،استطاع بنوا إسرائيل ،
من رّد الصاع صاعين لهل بابل ،وهكذا يكون العراقيون حصرا ،من ُرّدت
لبني إسرائيل الكرة عليهم ،إذ أنهم أنزلوا بالعراقيين أضعاف أضعاف ،ما
أنزله البابليون بهم في المرة الولى .
ولو عدنا إلى كامل النصوص التوراتية ،ونظرنا إلى ما يجري حقيقة على
أرض الواقع ،لتبين لنا أن المستهدف الحقيقي ،هو العراق لنه أرض البعث ،
والشعب العراقي لنه يحمل صفة أهل البعث ،والقيادة العراقية لرسالها
البعوث في كل الحروب العربية السرائيلية ،وعدم قبولها وتوقيعها على
اتفاقيات الهدنة ،ولعلنها المتجّدد عن نية البعث ،بمناسبة وبدون مناسبة ،
في السنوات الخيرة ،منذ انتهاء حرب الخليج الولى ،ورفضها لمعاهدات
السلم والتطبيع ،ولصرارها على مقولة ،فلسطين عربية من البحر إلى
النهر ،والدعوة إلى تحرير فلسطين بالقوة .
وفي حال استطاع الغرب اليهودي إسقاط القيادة العراقية ،فسيكون البديل ،
كما هي العادة ،قيادة موالية للغرب ،ومعادية للشعب العراقي وللمة
370
العربية ،المتخمة أصل بالعداء من أبناء جلدتنا ،لتزيد المة ذل وهوانا
أضعافا مضاعفة ،أما مصير العراق بين يدي هكذا قيادة ،فسيكون بل شك
كما يتمّنى يهود الغرب والشرق ويشتهون ،ليتحّقق لهم ،ما لم يحلموا
ججة بالسلحة المتطورة .وانظر إلى حال ألمانيا بعد بتحقيقه ،بجيوشهم المد ّ
الحرب ،وانظر إلى حال التحاد السوفييتي ،العدو الثاني للوجود اليهودي في
فلسطين ،كما ُتخبر التوراة ،عندما استطاعوا إيصال الخونة – من شعبه –
إلى سدة الحكم ،وما فعلوه به .لنقول بأن مهمة القيادة المستقبلية للعراق ،فيما
لو ُأسقطت القيادة الحالية ،هي :
• تفكيك العراق وتقسيمه إلى دويلت صغيرة ،كردية وسنية وشيعية ،في
الشمال والوسط والجنوب .
• إثارة الحروب والفتن بين هذه الدويلت ،لشغالها عن المهمة الساسية ،
التي ُأنيطت بأصحاب البعث .
• تدمير القتصاد وإفقار الشعب العراقي ،ليركض لهثا وراء قروض
صندوق النقد الدولي .
• حظر امتلك وتصنيع السلحة .
• تقديم فروض الطاعة والولء ليهود الغرب والشرق ،وإنهاء حالة الحرب
مع إسرائيل ،ومباركة عملية السلم .
فالمعضلة الساسية لدى الغرب ،المملوك من قبل اليهود ،هي وجود عراق
قوي وقادر ،فكما صدقت نبوءات التوراة ،في عودتهم من الشتات إلى
فلسطين .فهم يخشون أيضا ،صدق النبوءات الخرى ،فيما تصفه في
نصوص عديدة ،من عقاب حتمي ،غاية في البشاعة ،سينزل بهم بعد العودة
إليها ،من قبل أصحاب البعث الول ،بالرغم مما ُأضيف إليها من نصوص
قليلة مضللة ،ل ُتسمن ول تغني من جوع ُ ،تخبر عن ملكهم البدي ،تبعث
في تخّبطها وعدم منطقيتها ،في نفوسهم القلق ،أكثر مما تبعث على
الطمأنينة .ليجد اليهود أنفسهم ملزمون ،بتسخير كل إمكانياتهم ،دون كلل أم
ملل ،لدفع قادة الغرب إلى القضاء المبرم على العراق ،كما هي عادتهم دائما
وأبدا ،يدفعون الخرين لخوض حروبهم نيابة عنهم ،مذ طلبوا من موسى
وربه الذهاب للقتال عنهم ،وحتى حربهم الخيرة على العراق ،التي خاضتها
371
ومازالت تخوضها ،أمريكا وبريطانيا في العلن ،وفرنسا المنافقة في الخفاء ،
والحرب الوحيدة ،التي كسبها اليهود منفردين في مواجهة جيش ،هي عند
دخولهم فلسطين مع طالوت في المرة الولى ،وكان ذلك بتأييد من ال للقلة
المؤمنة ،وبشجاعة نبي ال داود عليه السلم ،فالمسألة لديهم مسألة حياة أو
موت ،وبقاء العراق ،يعني تبخر أحلم الشعب اليهودي بسيادة العالم من
القدس .
ومما يؤذي الذان اليهودية في الشرق والغرب هو سماعها ،لتصريحات هذه
القيادة المتكررة ،بضرورة تحرير فلسطين من البحر إلى النهر ،وطرد اليهود
ض مضطجعهم في فلسطين ،وُيعيد إلى أذهانهم تلك الذكريات منها ،مما يق ّ
الليمة للبعث الول ،التي أشبعتها أسفار التوراة وصفا وتفصيل ،لتتراءى
لهم ،صورة نبوخذ نصر وهتلر وصلح الدين ،دفعة واحدة ،في شخص
الرئيس العراقي .
الخيارات القائمة أمام اليهود ،لدرء الخطر العراقي :
.1العمل على بقاء الحصار على ما هو عليه ،ما أمكنهم ذلك ،ومنع أي
محاولة لتفكيكه أو إضعافه .والستمرار في نهب ثروات العراق ،وحرمانه
من تطوير أسلحته وتجديدها .
.2محاولة إسقاط القيادة العراقية ،عن طريق إحداث فتن وثورات داخلية ،
أو عن طريق مواجهة عسكرية واسعة النطاق ،بعد خلق المبررات لها ،
باستفزاز جديد للعراق للقيام بعمل عدواني داخلي ،ضد الكراد في الشمال
أو الشيعة في الجنوب ،أو القيام بعمل عدواني خارجي ،ضد إحدى دول
الجوار .
.3ضرب العراق نوويا كخيار أخير ،وهذا الحتمال غير قائم حاليا ،حيث
أنه مرفوض عالميا ،فمثل هذا المر ،سيؤلب العالم بأسره ضد أمريكا
ومؤيديها .ولكن هذا الحتمال سيقوى ،في حال فشلت الخيارات السابقة ،
وخاصة عند امتلك أمريكا للدرع المضاد للصورايخ البالستية .
ش والسؤال الن :هل من الممكن أن يكون هناك ضربة نووية للعراق ؟
جاء في سفر الرؤيا ما نصه " :وسكب الملك السادس ،كأسه على نهر
ف ماؤه ،ليصير ممرا لملوك القادمين من الشرق " .الفرات الكبير فج ّ
372
ل
ل ا ِّ
سو ُ ل َر ُ
ل َ :قا َ ن َأِبي ُهَرْيَرَة َ ،قا َ
عْأما في السنة النبوية فقد جاء ما نصه َ :
ن
ب َفَم ْ
ن َذَه ٍ ن َكْنٍز ِم ْ
عْ سَر َ ح ِ
ن َي ْ
ت َأ ْ
ك اْلُفَرا ُ
شُسّلَم ُ " :يو ِ
عَلْيِه َو َ
ل َصّلى ا ُّ
َ
شْيًئا " .رواه البخاري ،وأخرجه مسلم والترمذي ،وأبو خْذ ِمْنُه َل َيْأ ُ
ضَرُه َف َ
ح ََ
عُة
سا َداود وابن ماجه وأحمد .وفي نص آخر من رواية مسلم َ " :ل َتُقوُم ال ّ
ب " ،يحسر أي ينكشف عن . ن َذَه ٍجَبٍل ِم ْ
ن َ
عْ
ت َ سَر اْلُفَرا ُ ح ِحّتى َي ْ
َ
ُيخبر النص في سفر الرؤيا ،أن شيئا ما سيسكب على نهر الفرات فيجف
ماؤه ،وُيخبر الحديث الصحيح ،عن انحسار الفرات عن كنز من ذهب ،قبل
قيام الساعة ،وانحسار الفرات يعني ذهاب ماءه ،فهل سيكون جفافه نتيجة ،
لما تنتجه السلحة النووية ،من حرارة شديدة عند انفجارها .
وبالضافة إلى ما ورد من مخططات ،لتدمير العراق والطاحة بقيادته ،كما
جاءت في تقرير واشنطن السابق ،يقول الصحفي فتحي خطاب من القاهرة ،
في مقال له في جريدة العرب اليوم الردنية ) لم أنتبه لتوثيق تاريخ صدورها ،
ولكنه على الرجح كان في بداية شهر : ( 2001/ 3
" حّذر خبراء عسكريون من ُمخطط عسكري أمريكي إسرائيلي ،يستهدف
فرض السيطرة الُمطلقة على المنطقة ،وتطبيق ما ُيعرف في ) البنتاغون (
جه ) شارون ( لستحداث بخطة إعادة دمج المنطقة عسكريا وأمنيا … وأن تو ّ
وزارة تعنى بتطوير السلحة النووية ،وأسلحة الدمار الشامل ،واستحداث
وزارة للشؤون الستخباراتية ،في سابقة هي الولى من نوعها ،يأتي في
إطار ما تفرضه ضرورات نظام الحماية المنية الجديد … وكشف الخبراء
العسكريون في مصر ،عن الترتيبات المريكية لنشاء أكبر شبكة صاروخية
في منطقة الخليج العربي ،تتمتع بمدى قتالي واسع ،يشمل العراق وإيران
ودول أخرى ،بالضافة إلى مناطق شمال إفريقيا والبحر الحمر .لضمان
أمن منطقة الخليج ،وملحقة الطائرات الُمغيرة ،والتدمير السريع لية أهداف
ُمعادية .
وأكد الخبراء أن وزير الخارجية المريكي ) كولن باول ( ،حصل على موافقة
دول خليجية … على إنشاء الشبكة ،التي سيتم تزويدها بأحدث أجهزة
التصالت الحديثة والنذار المبّكر ،التي ستكون لها القدرة على التعامل
السريع ،مع العمليات الطارئة ،وقادرة على منع إصابة الشبكة ،بأي خلل
أثناء العمليات العسكرية .وسوف تتحمل دول الخليج النصيب الكبر ،من
373
تكلفة مشروع هذه الشبكة الصاروخية ،وأن هناك مشاورات واتصالت
عسكرية ،للترتيب لنشاء هذه الشبكة ،ولعداد التفصيلت الفنية المتعّلقة بها
… وحّذر الخبراء من الُمخطط العسكري السرائيلي ،لضرب العراق بالقنابل
النيترونية ،والتي سيتم إطلقها على منطقة غرب العراق ،وفق إعلن
) شارون ( .التي تعتبر نقلة نوعية في التسلح بالمنطقة …
وأوضح العالم الفيزيائي الدكتور طارق النمر ،بقوله " :أن القنابل النيوترونية
النووية ،هي قنابل إشعاعية ،ذات أحجام مختلفة ،منها أسطوانات إبرية في
حجم القلم ،وتستطيع قتل جميع الكائنات الحية ،في مساحة قطرها ُمحّدد
سلفا ،وتأثير كل قنبلة منها يتحدد حسب حجمها ،بحيث يتم زراعتها داخل
الراضي العراقية ،وفي الوقت المحدد ،سيتم تفجير هذه القنابل بواسطة أشعة
الليزر … وأن إسرائيل مهتمة بتجربة أسلحتها الجديدة على أرض العراق ،
بعدما نفذت عدة تجارب أسفل مياه خليج العقبة … ول أستبعد أن تعمل أمريكا
وبريطانيا ،على زرع قنابل نيوترونية في مناطق من العراق ،بحيث تبقى
بغداد تحت التهديد الدائم ،بتدمير حقول القنابل النيوترونية بواسطة أشعة
الليزر ،في نطاق العقوبات الذكية " .
ما لفت انتباهي في هذا التقرير الصحفي ،هو انسجامه مع المخاوف اليهودية
التوراتية ،حيث ُيسّمي الدول والمناطق التي تضم الدول المعادية لسرائيل
توراتيا ،ومنها إيران والعراق ،وليبيا في شمال إفريقيا ،والسودان وإثيوبيا
بمحاذاة البحر الحمر ،واللتان كانتا قديما دولة واحدة ،وُيشير أيضا إلى
ضرورة ضرب العراق ،حسب ما تدعو وُتحّرض عليه النصوص التوراتية .
ولفت انتباهي أيضا التركيز على منطقة غرب العراق ،التي من المتوقع ،أن
يتواجد فيها الجيش العراقي ،قبل تحّركه لغزو لسرائيل .
وفي تقرير آخر من واشنطن ،للصفحي محمد دلبح ُ ،نشر في جريدة الدستور
الردنية ) التاريخ غير مّوثق ( ،يقول فيه :
" تبحث وزارة الدفاع المريكية ) البنتاغون ( ،إنتاج قنابل نووية من نوع
جديد ،قادرة على اختراق مراكز القيادة ،والتحصينات التي يستخدمها
الزعماء والقادة .ونقلت صحيفة ) واشنطن بوست ( عن مصادر في الحكومة
المريكية والكونغرس قولها :أن الهدف من إنتاج هذه القنابل ،هو تجّنب ما
ُتسّميه الحكومة المريكية الضرار الجانبية ،التي ُتحدثها السلحة التدميرية
374
بأنواعها .ويقول المدافعون عن هذا النوع من القنابل النووية الصغيرة –
مقارنة بغيرها – أنها قد تعمل على قيام الوليات المتحدة ،بتخفيض مخزونها
الحالي من القنابل النووية ،دون أن تتعّرض مفاهيمها المنية لخطار أو
ي وزير الدفاع المريكي ) دونالد تعديلت .ونسبت الصحيفة إلى مستشار ّ
رامسفيلد ( قوله :أن السلحة النووية المريكية الحالية ،لن تردع الرئيس
العراقي صدام حسين ،لنه يعلم بأن الرئيس المريكي ،لن يقوم بإلقاء قنبلة
نووية – بقوة مائة كيلو طن -على بغداد ،لُيدّمر المدينة بأكملها ،ويقضي
سّكانها ،بهدف القضاء على أسلحة الدمار الشامل … ومن ناحية أخرى على ُ
،يعتزم اتحاد العلماء المريكيين ،إصدار تقرير هذا السبوع يقول فيه " أن
إضافة هذا النوع من القنابل النووية ،إلى المخزون النووي في العالم ،سيجعل
استخدام هذا النوع من السلح أكثر احتمال " .
أستطيع القول بأن التفكير المريكي السرائيلي العسكري على المدى القريب ،
بعد المعارضة والدانة العالمية لضربهم بغداد مؤخرا ،سيكون محصورا في
الردع وليس في الهجوم ،لعدم وجود ذريعة للهجوم مقبولة دوليا ) ،كذريعة
القضاء على أسلحة الدمار الشامل العراقية ( ،منتظرين فبركة مؤامرة جديدة ،
أو تحّرك عراقي خاطئ ،وأعتقد أنهم سُيحاولون استفزازه في المستقبل
القريب ،بشتى الوسائل والسبل ،ليعلنوا عليه حربهم الشاملة .أما على المدى
ن تلك الحرب – أستطيع القول ،أنهم البعيد – إن لم ُيعطهم العراق الذريعة لش ّ
وفور امتلكهم للدرع النووي – الذي سيكون جاهزا بعد خمس سنوات حسب
تقديرهم – والذي سُيوفر لهم الحماية من أي ردود فعل نووية ،سيشّنون
حربهم الُمقّدسة على العراق ،وسيقومون بضربه بوابل من القنابل النووية ،
حتى يغدو صحراء قاحلة خاوية على عروشها .لكي يتخلص يهود العالم ،من
هذا الرعب التوراتي الُمسّلط على رقابهم ،لينتظروا بسلم ملكهم الذي سيظهر
في القدس ،والذي سيعيشون معه أحلمهم الوردية إلى البد ،ومن المحتمل
جدا أن تكون الضربة النووية للعراق ،كرد فعل أمريكي على الدخول العراقي
لفلسطين ،لتبدأ بذلك الحرب العالمية الثالثة .
الموقف العالمي إزاء العراق :
كانت غاية الغرب في السنوات الخيرة وما زالت ،هي تدمير العراق تحقيقا
لرغبات اليهود في حماية إسرائيل .وما كان للغرب أن ُيحّقق هذا الهدف ،
375
بالخروج على العراف والمواثيق الدولية ،بأي شكل من الشكال ،كالقيام
بعدوان مباشر ومكشوف على العراق ،وما كان لمريكا بعظمتها ،أن تقوم
منفردة بعمل عدواني ضد العراق ،لنها في هذه الحالة ستجابه العالم بأسره .
وبما أن مآرب اليهود ،من خلل إشعال حرب الخليج الولى ،لم تتحّقق .بل
على العكس من ذلك تماما ،خرج العراق من هذه الحرب محتفظا بقوته ،
وقامت قيادته بتهديد إسرائيل جهارا نهارا ،بحرق نصف إسرائيل حال
ك لليهود على جرب " اعتدائها على أي بلد عربي ،فكانت هذه القيادة " كمن ح ّ
.
آنذاك قامت الدنيا ولم تقعد ،طبل وزمر في الشرق والغرب ،لتأكيد عدوانية
ي ،وكان ذلك لتهيئة الرأيي ناز ّ
العراق ونازيته ،فحرق اليهود هو فعل هتلر ّ
الغربي والعالمي ،لستقبال هتلر جديد يسعى لحرق اليهود .وفي الخفاء كانت
خضت عن غزو العراق للكويت ،وبذلك استطاعت ُتطبخ مؤامرة جديدة ،تم ّ
أمريكا ،أن ُتوجد مبّررا قانونيا لتدمير العراق ،فغزو العراق للكويت ،كان
مخالفا للقوانين والعراف والمواثيق الدولية ،وبذلك استطاعوا إضفاء
الشرعية على عدوانيتهم ،لتحقيق مآربهم الحقيقية تحت غطاء الشرعية الدولية
،وبدل من أن تواجه أمريكا المعتدية العالم بأسره ،أصبحت الضحية العراقية
تواجه العالم ،بعد أن أصبحت معتدية ،كما حصل مع ألمانيا ،بنفس السيناريو
ما قبل الحرب العالمية الثانية ،وبكل حيثياته ،والسبب هو عداء قيادة البلدين
لسياد العالم ،وبذلك ُأجبرت دول العالم المختلفة ،على اتخاذ موقف معادي
للعراق ،حتى من قبل حلفاءه التقليديين ،في ذلك الوقت .
أما في الوقت الحالي ،فقد بدأت دول العالم مؤخرا ،تصحو من أكاذيب
الدارات المريكية المتعاقبة ،لتبرير ما تنتهجه من سياسات إزاء العراق ،
فكل المبّررات السابقة لم تعد موجودة ،وأصبحت العمال المريكية
العدوانية ُ ،تجابه بالمعارضة الشديدة من قبل أغلب دول العالم .وحتى قرارات
الشرعية الدولية ،تميل كثير من الدول ومنها روسيا والصين ،إلى التغاضي
عن البحث ،في مسألة التزام العراق بها من عدمه ،ومنها مسألة فرق التفتيش
عن السلحة .بل تعمد هذه الدول أحيانا ،إلى خرق هذه القرارات سرا ،حتى
وصل المر بمجلس الدوما الروسي ،إلى المطالبة بالتصويت ،على عملية
رفع الحصار عن العراق من جانب واحد .أما الكثر تمسكا بقرارات الشرعية
الدولية ،فهم الذين يذرفون دموع التماسيح ،على الشعب العراقي ،بدعوى
376
أنهم حريصون على مصلحة هذا الشعب ،وأن قيادة هذا الشعب ليست حريصة
عليه ،بما أنها عصت وتمّردت على قرارات الشرعية الدولية ،التي جعلوا
من يعصيها ،بمنزلة من عصى ال ،إن لم تكن أعظم .
وأما دعوى المريكان ،بأن العراق ُيشكل تهديدا للمصالح المريكية ،في
منطقة الشرق الوسط ،وأهم هذه المصالح ،هي تدفق النفط بأسعار معقولة ،
واستمرارية فتح السواق الخليجية للبضائع المريكية ،فهي دعوى باطلة ،
فهذان المران هما تحصيل حاصل ،منذ اغتيال الزعيم العربي الوحيد ،الذي
ل بذلك العالم الغربي بأسره .وأما
عارض الله المريكي بقطع النفط ،ليش ّ
التذّرع بعدوانية العراق على جيرانه بغزوه للكويت ،فهو محض افتراء ،لن
من أجبر العراق على غزو الكويت ،هم المريكان بعلم ،وحلفائهم الكويتيون
بغير علم ،وبتخطيط وتدبير وتشجيع من المريكان أنفسهم لكل الطرفين ،
وبمساعدة من العرب أنفسهم .لنخلص إلى القول أن العداء المريكي للعراق ،
أصبح غير مبّرر ،في نظر شعوب العالم كافة ،حتى من قبل الشعب
المريكي نفسه ،الذي أصبح ُيحرج قادته ،بتفنيد كافة الحجج والذرائع ،التي
ُيبّررون فيها مواقفهم المتناقضة من العراق وإسرائيل .
ولنخلص إلى القول ،أول ؛ بأن الموقف العالمي إزاء الصراع المريكي
العراقي ،أصبح مختلفا بل مغايرا لما كان عليه في السابق ،فهناك بعض
الدول العظمى وحتى الصغرى منها ،باتت تتخذ موقفا مناهضا لمريكا
ولسرائيل ،ومتعاطفا مع العراق وفلسطين ،وخير مثال على ذلك موقف
كولومبيا في مجلس المن المؤيد ،لرسال قوة حماية دولية للفلسطينيين ،
مبدية عدم اكتراثها بمقاطعات أمريكا القتصادية ،وموقفي كل من روسيا
والصين .وثانيا ؛ بأن الموقف المريكي المعادي للعراق ،عند عدم عزوه
للمخاوف التوراتية اليهودية ُ ،يصبح أمرا ل ُيمكن فهمه من قبل الخرين .
الموقف العربي من العراق :
دأبت أمريكا على دفع المور ،باتجاه جعل الرأي العالمي والعربي والعراقي ،
يعتقد بأن السبب في معاناة الشعب العراقي ،هو القيادة العراقية بتوجهاتها
العدوانية ،حتى بات كثير من العرب ،يعتقدون بأن هذه القيادة هي السبب
الحقيقي ،فيما وصل إليه العرب من ذل وهوان وفرقة ،وضياع لثرواتهم
النفطية ،فضل عما كانوا عليه في السابق .بل مضى الكثير منهم إلى أبعد من
377
ذلك ،فاتهموا هذه القيادة بالتآمر والتواطؤ مع الغرب نفسه ،ضد العرب وضد
الشعب العراقي ،ليصبح إسقاط القيادة العراقية مطلبا عالميا وعربيا وعراقيا ،
وليبقى رفع المعاناة عن الشعب العراقي مرتبطا ،بإسقاط القيادة العراقية
الحالية .وهذا مما جعل البعض يذهب إلى القول أيضا ،أن الغرب مستفيد من
وجود القيادة العراقية على رأس السلطة ،لذلك ل يرغب بإسقاطها ،وأن
الرئيس العراقي متآمر ومتواطئ مع أمريكا ،للضرار بشعبه وأمته ،وحتى
ضربه لسرائيل كان فقط ،لذر الرماد في العيون .ولو أن أمريكا لم تكن
مستفيدة من وجوده ،لعملت على إزاحته ،تأليها من أولئك لمريكا بغير علم ،
وكأّنها القادر على كل شيء .
وكما أخطأ الشريف حسين بوضع ثقته في النكليز ،في الحرب العالمية
الولى ،وساهم بتنفيذ مخططات اليهود ،من حيث ل يدري ،أخطأت القيادة
العراقية مرتين ،عندما وثقت بأمريكا وبعض مواليها من العرب ،المتآمرين
في ظهر الغيب ،فانطلى عليها معسول الكلم ،فسيق العراق كما ُيساق الفهد
إلى قفص الصياد ،فدخل حربين مدمرتين ،كان الهدف منهما تحطيم قدراته .
وعلى ما يبدو أن هذه القيادة استيقظت من غفوتها ،فور دخولها للكويت ،
وانكشاف الوجه الحقيقي لمريكا ،ولكن بعد فوات الوان ،فانسحبت من
حرب الخليج الثانية ،لنقاذ ما يمكن إنقاذه ،ولكن المتآمرون على العراق من
عرب وعجم ،لم ُيعطوها الفرصة للتقاط أنفاسها ،فتوالت قرارات مجلس
المن تباعا ،وكان الحصار الذي لم يكن في الحسبان ،وكانت لجان التفتيش ،
حصر المارد العراقي ،في قمقم قرارات مجلس المن وكانت التعويضات ،ف ُ
الدولي ،ريثما يجد المتآمرون عليه طريقة للجهاز عليه تماما .
كان مقتل القيادة العراقية الول ،الذي استغله المتآمرون خير استغلل ،هي
ما يتمتع به العراقيون إجمال ،من صفات العزة والنفة وامتلكهم للقوة ،
وعدم قبولهم للذل والهوان ،والتطاول عليهم من قبل الخرين .فعندما ُأغري
الكويتيون بالتطاول على العراق ،كانت الحرب النتقامية .وكان المقتل الثاني
وما زال ،هو أن العراقيين رجال حرب ،وليسوا برجال مكر وكذب ومراء .
لذلك كان من السهولة بما كان ،أن تنطلي عليهم دسائس المكرة الفجرة من
الغرب والشرق .وأما رجم القيادة العراقية بالخيانة والتواطؤ مع الغرب ،من
بعض المحبطين العرب ،فذلك أول :لجهلهم بما يدور في مطابخ الغرب
والشرق ،ضد هذه المة بشكل عام ،وضد العراق بشكل خاص ،وثانيا :
378
لخيبة أملهم فيما عقدوه من آمال ،على القيادة العراقية ،لرفع حالة الذل
والهوان المزمنة التي ُيعانون منها ،وخاصة بعد أن توقفت الصواريخ العراقية
،التي كانت تضيء سماء العروبة ،لتدك معاقل الصهاينة ،قبل أن تتحّقق
أحلم الشعب العربي في العزة والكرامة .
دوافع ومبررات العراق لمحو إسرائيل عن الوجود :
.1التخّلص من الشعور بعقدة الذنب ،حيث أن أفعال القيادة العراقية ،
أضّرت حقيقة بالشعب العراقي والمة العربية ،حتى لو كانت عن غير
قصد .
.2تبيض الصفحة ونفي تهمة الخيانة والتواطؤ ،حيث أن القيادة العراقية ،
أصبحت متهمة من قبل الخرين .
.3ضرورة التعويض عما لحق الشعب العراقي والمة العربية ،من ذل
وهوان نتيجة النكسار العراقي .
.4إثبات القدرة العراقية على النهوض بالمة العربية ،وقيادتها لما تصبو
إليه من منازل العز والكرامة ،والتي طالما كانت تتحدث عنها فيما مضى ،
ولكنها لم تفلح لغاية الن ،مما شّكك في مصداقية القيادة العراقية ،في
تصديها لهموم المة العربية ،كما تّدعي .
.5إثبات صدق تبني القيادة العراقية ،لمقولة " عاشت فلسطين حرة عربية
من البحر إلى النهر " ،والتي ُتعتبر من أولويات الحزب الحاكم .
.6الخروج من الوضع المأساوي والُمهين ،الذي نجم عن الحصار البدي ،
المفروض على العراق منذ أحد عشر عاما .
.7قطع الطريق على المخططات اليهودية المريكية لتدمير العراق ،التي
أصبح العراقيون يعونها تماما .
.8النتقام من التطاول السرائيلي الجبان ،بضرب المفاعل النووي العراقي
،أثناء انشغاله في الحرب مع إيران .
.9النتقام من التطاول المريكي ،بتكنولوجيته الجبانة ،أثناء وما بعد حرب
الخليج الثانية .
379
.10إظهار عدم مقدرة أمريكا ،على حماية مسخها الخداج في المنطقة ،في
أي مواجهة عسكرية حقيقية .
.11سلبية مواقف القيادات العربية غير المبّررة من العراق ،ويأس القيادة
العراقية وقنوطها من هذه القيادات ،خاصة بعد مؤتمري القمة الخيرين ،
في القاهرة وعمان .
.12تعّلق آمال الشعب الفلسطيني اليائس ،بصحوة المارد العراقي المحاصر ،
وخروجه من القامة الجبرية في القمقم .وهذا ما ُيظهره الفلسطينيون أثناء
مسيراتهم ،من خلل رفع صور الرئيس العراقي ،والعلم العراقية .
.13حاجة الشعوب العربية إلى بطل حقيقي يعيد لها أمجادها ،في زمن عّزت
فيه البطولة ،إل من بطولت ،على نمط بطولت الدون كيشوت ،في
معاركه مع طواحين الهواء ،التي ما فتئت تتغنى بها وبأبطالها شاشات
التلفزة العربية ،ليل ونهارا .
.14العراق ،غريق لن يخشى البلل ،وعلى ما يبدو ،أنه سيعمل على مبدأ "
أنا والطوفان من بعدي " ،وإن لم يكسب ،فل شيء يخسره .
.15الستفزاز أو العدوان المريكي القادم ،بناًء على التحريض اليهودي ،
كما ورد في تقرير واشنطن ،بإثارة مسألة المفتشين ،مع نهاية شهر
11/2001م ،أو بإثارة فتنة جديدة ،تدفع العراق للقيام بعمل عدواني ،
داخل أو خارج أراضيه .
النص القرآني يتحّدث عن علقة ثأرية بين طرفين ،ول اعتبار لي طرف
آخر :
يتحّدث النص القرآني عن نزاع بين طرفين ،في سورة السراء ،تربط ما
بينهما علقة ثأرية متأصلة في النفس اليهودية ،منذ آلف السنين ،ول يضع
ظم شأنه أو صُغر ،وكأنه ل يوجد على في حسبانه أي طرف آخر ،مهما ع ُ
الكرة الرضية ،سوى اليهود وأولئك العباد .وهذا ما نجده في الية السادسة
ن
ل َيْمِلُكو َ
ن ُدوِنِه َ ،ف َ
عْمُتْم ِم ْ
ن َز َ
عوا اّلِذي َ
والخمسين من سورة السراء ) ُقِل اْد ُ
ضّر ( ورد في القرآن ) ، ل ) ، (56ولفظ ) ال ّ حِوي ً
عْنُكْم َ ،ولَ َت ْ
ضّر َ
ف ال ّ
ش َ
َك ْ
(29مرة فقط ،وبمعنى واحد هو الذى أو العذاب في الحياة الدنيا ،والمعنى
الجمالي للية ،بأن ال سبحانه وتعالى ُ ،يخاطب ُأناسا أثناء نزول العذاب بهم
380
متحديا إّياهم ،بدعوة من اّتكلوا عليهم من دونه ،لرفع عذاب ال عنهم .ووعد
الخرة هو وعد إلهي لليهود بالعذاب – وليس للمسلمين بالنصر -سيقع ل
محالة ،والذين نهاهم ال في نفس السورة ،عن اتخاذ وكلء من دونه ،هم
بنوا إسرائيل أنفسهم ،ولن يملك أحد من الجن والنس ،رفعه أو حتى تحويله
عنهم ،ولكن كيف ؟
لنتفق أول على أن تحقق هذا الوعد ،بغزو العراق لسرائيل ،يعتمد أساسا
على انفراد العراق بإسرائيل ،ويمكن لهذا المر أن يتحّقق في حالتين :
الحتمال الول :أن يكون هذا الغزو مسبوقا ،بدمار جميع القوى العسكرية
التي يمتلكها الغرب وإسرائيل ،كنتيجة لتدخل بشري بقيام حرب نووية
عالمية ،بين الغرب والشرق ،أو كنتيجة لتدخل إلهي ،بإحداث كوارث
طبيعية هائلة في الغرب ،شبيهة بأحداث يوم القيامة .
الحتمال الثاني :أن يكون هذا الغزو ضمن معطيات الواقع الحالي ،مع بقاء
جميع القوى العسكرية التي يمتلكها الغرب وإسرائيل .باستخدام العراق لتقنيات
وخطط عسكرية بسيطة ،تحمل في طياتها منطق عسكري جديد ،لم تألفه
الشعوب ول تتوقعه ضمن المعطيات الحالية ،يكون من شأنه أثناء الغزو ،
إلغاء أو تهميش القدرات العسكرية السرائيلية والغربية كليا .
والحتمال الول ضعيف جدا ،حيث أنه يتطلب أن تقوم القوى الغربية ،بفعل
عدواني ُيهّدد الستقرار العالمي ،مما ُيجبر القوى الشرقية المتمثلة بروسيا
والصين مثل ،على الرد بشكل عنيف ومدّمر ،لعادة المور إلى نصابها .
وضمن المنظور القريب ل يوجد من السباب ،ما يدفع القوى الغربية للقيام
بمثل هذا الفعل العدواني .أما الفعل اللهي بتدمير القوى الغربية ،فهو أمر
مستبعد كليا ،لن الحاديث النبوية ،فيما ُيخص الفترة الزمنية التي يظهر فيها
المهدي ُ ،تشير إلى فناء التكنولوجيا العسكرية وغير العسكرية بمجملها ،سواء
ما يمتلكه الشرق أو ما يمتلكه الغرب ،ول ُتشير إلى فناء جميع الدول
والشعوب ،التي تمتلك هذه التكنولوجيا ،فكيف فنيت التكنولوجيا بكليتها ،ولم
تفنى الشعوب … ؟!
وهذا مما يؤكد أمرين ،أول :بقاء بعض الدول وفناء البعض الخر ،وثانيا :
فناء جميع السلحة المتطورة وعلى رأسها السلحة النووية من كل الطرفين .
صل ل محالة ،وعلى ما يبدو ، فالدمار القادم للحضارة الغربية برمتها ،سيتح ّ
381
من جّراء حرب عالمية نووية مدمرة ،تستنفذ فيها كافة السلحة المتطورة من
على وجه البسيطة ،مع بقاء بعض الشعوب المنتصرة ،بعد أن تكون ألقت ما
في جعبتها من أسلحة ،على خصومها المنكسرة ،وبذلك يغدو من الممكن قيام
الخلفة السلمية ،في ظل غياب تلك القوى ،ليحكم الكون بأسره ،إذ ل بد
للنصر من أسباب ومسببات مادية ،فضل عن العقائد الروحية .
أما الحتمال الثاني فهو القوى ،إذ أن المؤشرات على الساحة العالمية
والمحلية ،تؤكد على أن العراق ،لن يستطيع الصمود حتى وقت متأخر جدا ،
فصبر القيادة العراقية بدأ ينفذ ،والتحركات السياسية المتعددة للخلص من
الحصار ،على المستوى القليمي والدولي باتت غير مجدية ،ورغم كل ذلك ،
ل يبدو أن هناك ضوء في آخر النفق ،والضغوط والتهديدات المريكية في
تزايد مستمر ،فل بد لها من القيام بعمل ما لتحريك المور ،أو قلبها رأسا
على عقب .وكذلك المر بالنسبة للشعب الفلسطيني في فلسطين ،إذا ما استمر
الحال ،على ما هو عليه من الخذلن العربي والعالمي ،فهو أقرب إلى
النهيار منه إلى الستمرار ،وستكون النتيجة مأساوية على المدى البعيد ،
وعلى عكس ما يتوقعه الناس منهم ،فللنسان طاقة محدودة على الصبر ،
وسيبدأ الفلسطينيون مجّددا بالنسياب إلى الخارج شيئا فشيئا .
معطيات الواقع الحالي تؤكد حتمية نفاذ هذا الوعد في وقت قريب :
وسّر قابلية نفاذ هذا الوعد في الوقت الراهن ،يكمن أول :في القيادة الحالية
للعراق ،التي إن زالت لن تتكّرر ،فهي التي تملك إرادة الغزو ،بعدما تولدت
لديها نتيجة عملية مخاض عسيرة ،تمثلت بما لحق بالعراق ،من ظلم
وإجحاف وإذلل في السنوات الخيرة ،على عهد هذه القيادة ،وهي الُمطالَبة
بإزالة هذا الظلم والهوان ،والثأر ممن تسّبب فيه ،وبعث أولئك العباد المشار
حنا سابقا ،قائم على علقة ثأرية إليهم في النص القرآني أساسا ،وكما وض ّ
بينهم وبين اليهود ،غايته النتقام ليس إل .
ويكمن ثانيا :في القيادة الحالية لسرائيل ،بقيادة أكثر اليهود إجراما
ووحشية ،ودورها في ازدياد حّدة ودموية النتفاضة الجديدة ،التي ساهمت
وستساهم ،في استمرارية انغماس يهود إسرائيل في شأنهم الداخلي ،وإهمالهم
وعدم التفاتهم لمن يترّبص بهم الدوائر من الخارج ،مما يعطي فرصة أكبر
لنجاح الغزو العراقي .
382
ويكمن ثالثا :في حالة المجتمع السرائيلي الراهنة ،وخاصة بعد اختياره لقيادة
هي الكثر دموية بين سابقاتها ،وبأغلبية ساحقة مما ُيشير إلى أن الشعب
بكليته ،أصبح أيضا شعبا دمويا فاسدا ومفسدا ،وعندما تصبح المة بأسرها
تملك هذه الصفة ،وحسب السنن اللهية ،نجد أن هلكها بات وشيكا جدا .
وإذا علمنا أن السفاح ) شارون ( يحمل على عاتقه ،تنفيذ مجمل أحلم اليهود
التوراتية ،الواردة في الفصول السابقة ،قبل نهاية وليته ،وعلى رأسها هدم
المسجد القصى ،نستطيع القول بأن هلك هذه المة ،لن يتجاوز الربع
سنوات على أبعد الحتمالت .
ويكمن رابعا :في القيادة الحالية المريكية غير المتزنة ،التي أعلنت عدائيتها
غير المبررة للعراق ،وقامت بضربه فور تسلمها للسلطة ،دون سابق إنذار ،
بالرغم من سياساته التصالحية ،وتجاوبه الكامل مع قرارات الشرعية الدولية ،
وانتهاجه لسلوب الحوار مع مجلس المن _ وكل ذلك لم ولن ُيجدي نفعا ،إذ
أن المطلوب من العراق ،هو عبادة إسرائيل التي يعبدون ،وتقديم فروض
الطاعة والولء للسامرّيون الجدد في الغرب المتصهين _ والتي أظهرت أيضا
في المقابل تغاضيا وصمتا ،على ما تقترفه القيادة السرائيلية ،بشكل غير
مسبوق ،مما أثار حفيظة حتى المنافقين من حلفاء أمريكا ،فتعاقبت التنديدات
والنتقادات لهذا التصرف الهوج ،من قبل الُمهّرج المريكي بوش .
هذا ،فضل عما أثارته القيادة المريكية من استياء عالمي ودولي ،لسياستها
المعادية لدول الشرق القصى والدنى من روسيا شمال وحتى اليمن جنوبا ،
ومن الصين شرقا وحتى ليبيا غربا ،ولحلفائها الغربيين من الدول غير
المنحازة لسياساتها ،وللبشرية جمعاء بعدم توقيعها على اتفاقية الحد من
النبعاث الحراري ،حتى انعكس ذلك ،على مشاركة أمريكا ،في اللجان
المنبثقة عن هيئة المم المتحدة ،فُأسقطت من لجنتي حقوق النسان ومكافحة
المخدرات ،خلل فترة قصيرة ،مما يعكس السخط الدولي على أمريكا
وسياساتها .
فضل عن ذلك ،يأتي مشروع الدرع المضاد للصواريخ المثير للجدل ،والذي
ترّوج له أمريكا على أنه مشروع دفاعي بحت ،تسعى لمتلكه ،متذّرعة
بمخاوف غير منطقية ،من هجوم نووي ،ربما تقوم به إحدى الدول المارقة ،
كإيران وكوريا الشمالية ،أو جماعات إرهابية ،من الممكن أن تحصل يوما ما
383
على السلح النووي ،لضمان تأييد حلفائها لهذا المشروع ،الذين أبدوا حوله
الكثير من التحفظات ،لعدم قناعتهم بالمسوغات المريكية لهذا المشروع .
والذي ُيجابه أيضا بمعارضة شديدة من قبل روسيا والصين ،كون هذا
المشروع سيلغي قوة الردع النووية ،لي دولة تمتلك السلح النووي .
فالسلح النووي في الصل هو قوة ردع كفيلة ،بمنع أي دولة مارقة أو غير
مارقة ،من مجرد التفكير بضرب أمريكا نوويا ،ليتبين لنا أن دوافع أمريكا
المعلنة لمتلك هذا الدرع ،غير مبررة وغير منطقية .
أما دوافعها غير المعلنة لمتلك هذا الدرع ،فهي نابعة من المخاوف التوراتية
والنجيلية ،فيما يتعّلق بالمواجهة المقبلة بين الشرق والغرب ،والتي تناولناها
في فصل سابق ،ومحركاتها الرئيسية هي العراق وروسيا والمهدي .
وبامتلك أمريكا لهذا الدرع ،تتحول صواريخها النووية إلى أسلحة هجومية ،
قادرة على ضرب أي جماعة ،أو دولة نوويا أو غير نووية من المذكورة آنفا ،
في حالة قيامها بتهديد المصالح أو أمن أمريكا وحلفائها ،دون أن تكترث بأي
هجوم نووي مضاد ،حتى من قبل روسيا والصين ،وبذلك تستطيع أمريكا ،
فرض إرادتها على أي دولة بالقوة إن لم تمتثل لسياساتها طواعية ،ضاربة
عرض الحائط . بهيئة المم ومجالسها وقراراتها ومواثيقها ُ
ولو بحثت عمن يسعى بحماس لترويج فكرة هذا الدرع ،في الدارة المريكية
ومجلسي الشيوخ والنواب ،لوجدت أنهم في معظمهم ،من اليهود ومن
المتصهينين النصارى من عبدة إسرائيل ،المسكونين بالمخاوف التوراتية
والنجيلية .وأن الهدف المنشود من إقامة هذا الدرع ،هو تمكين النبوءات
التوراتية المستقبلية التي توافق أهوائهم وأمانيهم من التحقق ،وتعطيل جميع
النبوءات التي تخالفها ،وبذلك تصبح قابلية نفاذ هذا الوعد ،بالشكل الذي
نتحدث عنه شبه معدومة بل مستحيلة ،ففور شعور أمريكا بأي بوادر تحركات
عراقي باتجاه إسرائيل ،لن تتردد الدارة المريكية التوراتية ،في أن تجعل
أرض العراق صعيدا جرزا ،دون خوف أو وجل ،وليصبح اسم العراق نسيا
منسيا .هذا إن لم تستبق المور كما هي العادة ،بضرب العراق والخلص من
أمره ،حتى قبل أن ُيفكر بالتحرك ،فور امتلكها لهذا الدرع ،بعد خمس
سنوات من البدء في تنفيذه ،حسب تقديراتها ،ليصبح أمر نفاذ هذا الوعد ،بعد
هذه المدة الزمنية ضربا من الخيال .فل بد من تحقق هذا الوعد قبل مضي هذه
المدة .
384
وقد يقول قائل أن أمريكا ل تخشى أحدا ،ولو أرادت بالعراق السوء لفعلت ،
ونقول بأن هذا القول غير صحيح ،فلتدمير القدرة العسكرية التقليدية وأسلحة
الدمار الشامل العراقية ،احتاجت أمريكا أول :مبررا وهو غزو الكويت ،
وثانيا :لجماع أممي لستصدار قرار باستخدام القوة ،وثالثا :لمشاركة 30
دولة لتنفيذ الهجوم ،لتوزيع دمه على القبائل ،ومن ثم ُفتح المجال لجراءاتها
العدائية المستمرة اتجاه العراق .فلو كانت قادرة ،فما الداعي لما قامت به من
خطوات سبقت الضرب الفعلي للعراق ! ونقول بأن أمريكا ،لن تجرؤ على
ضرب العراق نوويا ،بداعي الخوف على مصالحها أو أمنها ،في ظل امتلك
نفس السلح ،من قبل دول مناهضة لها ولسياساتها كروسيا والصين ،لنها
بالمقابل ،ستعطي لهما مبررا لضربها نوويا دون سابق إنذار ،في حال قيام
أمريكا بتهديد مصالحهما وأمنهما .فالمخاوف المريكية من أسلحة الدمار
الشامل تأتي من العراق ،وكما نعلم فإن العراق كان على علقة طيبة مع
أمريكا ،قبل حرب الخليج الثانية ،ولم ُيهّدد يوما ل أمن الوليات المتحدة ول
مصالحها ،وحتى بعد احتلله للكويت ،لم يكن ذلك لُيغّير من طبيعة تلك
العلقة ،والذين هّدد العراق أمنهم قبل جّره لغزو الكويت وما زال ،وتستطيع
صواريخه الكيماوية والبيولوجية أن تصلهم ،هم يهود إسرائيل ،وهو ما كان
قد أيقظ المخاوف التوراتية لسياد أمريكا من اليهود ،فكان ما كان ،ووقع ما
لم يكن في الحسبان .
الجواء الن مغايرة تماما ،للجواء التي قامت في ظلها الدولة اليهودية :
منذ أكثر من مائتي سنة ،قام اليهود بوضع مخطط طويل المد ،جمعوا فيه ،
ما بين مطامع أرباب المال اليهود في السيطرة القتصادية ،وأحلم الحاخامات
التوراتية في فلسطين .وكان الهدف النهائي للعمل الجماعي اليهودي ،وما
زال ،هو السيادة الكاملة على كوكب الرض ،من خلل حكم ملكي
ديكتاتوري ،يتخذ من القدس عاصمة له ،لتحقيق مطلب الطرفين معا .نظريا
وبإغفال القدرة اللهية ،التي ل يؤمن اليهود بوجودها ،فإن مخططهم
الفسادي قابل للتحقق على أرض الواقع .أما عمليا ،وبإدخال القدرة اللهية ،
ُيصبح أمر تحقق مخططهم هذا ،ضربا من الخيال .
وقد تمكن اليهود من خلل هذا المخطط ،من تحقيق السيطرة القتصادية ،
على العالم الغربي ،بامتلك الصناعة المصرفية ،وشراء الستثمارات بكافة
385
أشكالها ،وأهمها الصناعات العسكرية والعلمية .مما مّكنهم من السيطرة
على مجمل سياسيات تلك الدول الداخلية والخارجية ،ومن ثم تم تسخيرها ،
لخدمة أهداف المخطط اليهودي آنف الذكر .
ولو أمعنت النظر في ظروف المنطقة ،التي سبقت الحربين العالميتين الولى
والثانية ،لوجدت أنها تتقاطع كليا مع المخططات اليهودية ،بإقامة وطن قومي
لهم في فلسطين ،في ظل موقف السلطان عبد الحميد ،الرافض حتى لقامة
اليهود فيها كأفراد ،حتى استيئست رسل اليهود من المر .ولو أمعنت النظر
في نتائج الحربين ،ستجد أنها خدمت المخطط اليهودي بشكل ملفت للنظر ،
حيث تمخضت الحرب الولى عن انهيار الدولة العثمانية ،ومن ثم إصدار
وعد بلفور ،ووضع فلسطين تحت النتداب البريطاني ،ومن ثم فتح باب
خض عنها إنشاء المم الهجرة اليهودية .ومن ثم قامت الحرب الثانية ،فتم ّ
المتحدة من خمس دول حليفة ومنتصرة ،وفي تلك الجواء تم استصدار قرار
أممي بتقسيم فلسطين ،من خلل دعم غربي أمريكي بريطاني فرنسي ،وعدم
معارضة شرقية روسية صينية ،حيث كان لكل دولة ،من تلك الدول
والمأخوذة بنشوة النتصار ،أطماع لنيل جزء من الكعكة العالمية بعد الحرب ،
وكان أحد المطالب الغربية ،هو تقديم فلسطين لليهود على طبق من ذهب .
وفي المقابل ،ستجد أن نتائج هذه الحرب ،كانت مأساوية على مجمل الدول ،
التي شاركت فيها ،حتى المنتصرة منها ،بما أنها تكّبلت بالديون اليهودية إلى
جار الحروب من سادات اليهود ما ل نهاية ،والمستفيد الوحيد دائما وأبدا ،هم ت ّ
،أثرياء وحاخامات ،ممن يحكمون العالم الغربي في الخفاء .
ش لنخلص إلى أن قيام إسرائيل واستمرارها ،اعتمد على عدة أمور :
.1تمكين بريطانيا من السيطرة على فلسطين ،لستصدار وعد بلفور ،الذي
لم يكن كافيا لتحقيق الحلم اليهودي ،بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين .
ومن ثم وضع فلسطين تحت النتداب البريطاني ،لتمكين بريطانيا من تنفيذ
الوعد ،بفتح أبواب الهجرة ،وخلق واقع جديد ،يسمح لليهود بإقامة الدولة .
.2التضليل العلمي المستمر للرأي العالمي ،بترويج مقولة " أرض بل
شعب ،وشعب بل أرض " .بالضافة إلى التضخيم العلمي لمسألة
الضطهاد الممي لليهود ،وخاصة ترويج حكاية ضحايا المحرقة النازية
الستة مليين .لكسب تعاطف وتأييد الرأي العالمي الغربي .ومن ثم
386
استغلل الحلفاء الخمسة المنتصرين ،والمؤسسين للمم المتحدة ،
لستصدار قرار أممي بتقسيم فلسطين ،تمخض عنه قيام دولة إسرائيل .
بطلب وتأييد من الدول الغربية ،وقبول من الدول الشرقية ،حيث كانت
حسبة المصالح للدول الخمسة الكبرى آنذاك ،تسير في مركب واحد ،بينما
كانت الدول العربية بأسرها ،مملوكة من قبل الغرب .
.3الرعاية القتصادية والسياسية والعسكرية المريكية والوربية المستمرة
لسرائيل ،في حالتي السلم والحرب .
ش والسؤال الن هل الظروف ،التي أوجدت دولة إسرائيل ،وحافظت على
بقائها واستمراريتها ،ما زالت قائمة ؟
.1فور خروج الجيش البريطاني ،وفور العلن عن قيام الدولة اليهودية ،
استطاعت الجيوش العربية قهر الجيش السرائيلي ،والوصول إلى مشارف
تل أبيب ،ولول استجابة العرب للوامر المريكية بوقف القتال ،لما
استطاع الغرب من إمداد إسرائيل بالعدة والعتاد ،مما مّكنها لحقا من
النتصار ،ولما كان هناك ما ُيسمى بدولة إسرائيل ،ولكن قّدر ال وما شاء
فعل .
.2بعد النفتاح العلمي ،وعالمية وسائل التصال ،وتعّدد مصادر
المعلومات ُ ،أتيح للرأي العالمي ،وخاصة المناهض لمريكا وسياساتها ،
رؤية الجانب الخر من الصورة ،الذي عملت وسائل العلم الغربية على
التعتيم عليه ،فيما مضى ،فبات الكل يعلم ،أن فلسطين لم تكن يوما من
اليام ،أرضا بل شعب ،بل فيها شعب ،ل مثيل له بين الشعوب ،له إرادة
تفل الحديد ،ويستحق التقدير والحترام .وبات الكل يعلم ،أن الشعب الذي
كان يتباكى من الضطهاد النازي له ،تبين أنه أكثر نازية ووحشية من
ط عليه ،واستياٍء وخج ٍ
ل النازيين أنفسهم ،فتبّدل التعاطف معه إلى سخ ٍ
ي من أفعاله ،ولول الفيتو المريكي والدعم البريطاني والفرنسي عالم ّ
والتخاذل العربي ،المسّلط على رقاب الفلسطينيين ،واُلمحِبط حتى لنصار
القضية الفلسطينية ،من الشعوب غير العربية ،لما استمرت هذه الدولة
النازية الجديدة في الوجود .
.3لو تتبعنا كافة الحروب العربية السرائيلية ،لوجدنا أن إسرائيل لم تكن
قادرة ،بأي حال من الحوال ،على مجابهة الجيوش العربية ،بل لم تكن
387
قادرة على حماية نفسها ،لول الدعم العسكري المريكي البريطاني
الفرنسي ،المعلن والخفي بالسلح والفراد ،من خلل الجسور الجوية التي
كانت توصل هذا الدعم .فالمواجهة في كل الحروب ،لم تكن بين العرب
وإسرائيل ،وإنما كانت بين العرب والغرب .ولوجدنا أن مجمل نوايا
القيادات العربية ،كانت معروفة باليوم والساعة ،وأن تحركات الجيوش
العربية وإمداداتها ،كانت معلنة ومكشوفة وبطيئة ،وغير منسقة لتعدد
القيادات ،ولوجدنا أن عامل الوقت كان حاسما في مجمل تلك الحروب ،
مما كان ُيمّكن إسرائيل من الستعداد ،وطلب النصرة من الغرب .
كانت هذه قراءتنا للواقع .أما معطيات الواقع المنظور ،كما يقرأها عامة
الناس ،والتي ل توحي باقتراب تحّقق وعد الخرة ،بإساءة وجوه الصهاينة ،
والدخول العراقي لفلسطين .سنحاول تصحيح هذه القراءة ما أمكن ،من خلل
رسم صورة ،للدخول القادم من خلل صور ومشاهد ،من القرآن والتاريخ
والواقع ،لتقريب صفة هذا الدخول لذهن القارئ ،وذلك أول :لتأكيد مصداقية
ما جاء به كتاب ال ،من أمر هذا الوعد قبل تحّققه ،وعلى النحو الذي أراده
رب العزة ،ل كما أرادته أهواء البشر ،وثانيا :بيان مدى قابلية تحّقق هذا
البعث ،في زمن قريب جدا ،وضمن معطيات الواقع الحالي ،الذي قد يراه
الناس مخالفا ،لما نذهب إليه جملة وتفصيل .
من صور الدخول في القرآن :
نطرح فيما يلي بعضا من صور الدخول ،مما ورد ذكره في القرآن الكريم :
غًدا َ ،واْدخُُلوا شْئُتْم َر َ
ث ِحْي ُ
خُلوا َهِذِه اْلَقْرَيَة َ ،فُكُلوا ِمْنَها َ
• ) َوِإْذ ُقْلَنا اْد ُ
ن )58 سِني َح ِ
سَنِزيُد اْلُم ْ
طاَياُكْم َ ،و َ
خَطٌة َ ،نْغِفْر َلُكْم َحّ جًدا َ ،وُقوُلوا ِ سّ ب ُ الَْبا َ
البقرة (
كان هذا وصف لكيفية الدخول ،التي ُأمر بها بنو إسرائيل على قرية مدين شبه
الخاوية ،بعد هلك أغلبية أهلها بالعذاب ،وتركهم لرضهم ومساكنهم
وممتلكاتهم من الزروع والمواشي ،وهذا ما ُيشير إليه قوله تعالى ) فكلوا منها
حيث شئتم رغدا ( ،أي أن ما فيها من خيرات وأنعام ،أصبح في متناول
أيديهم بمجرد الدخول ،وهذه العبارة قيلت لدم وزوجه عند أمرهم بدخول
طلب منهم عند الجنة ،وكان هذا من لطف ال بهم ومّنه وكرمه عليهم ،ولذلك ُ
388
دخول باب القرية ،التعبير بالقول والهيئة ،عن شكرهم وطاعتهم ل على هذه
صلوا عليها دون جهد أو عناء ،إذ لم النعمة ،التي كانوا قد طلبوها سابقا ،وتح ّ
ُيجابهوا بأية ممانعة أو مقاومة ،بل على العكس ،قوبلوا بالترحيب ،من قبل
شعيب والقلة المؤمنة ممن بقي من قومه ،لمصاهرة موسى عليه السلم لهم ،
وإقامته عندهم فيما مضى ،وال أعلم .
عَلْيِهُم اْلَبابَخُلوا َ عَلْيِهَما ،اْد ُ
ل َن َ ،أْنَعَم ا ُّخاُفو َ
ن َي َن اّلِذي َ
ن ِ ،م َ لِجَ • ) َقاَل َر ُ
ن ) 23المائدة ( غاِلُبو َخْلُتُموُه َفِإّنُكْم َ
َ ،فِإَذا َد َ
كان هذا وصف لكيفية الدخول ،الذي ُأمر به بنو إسرائيل ،لدخول الرض
المقّدسة المأهولة بالسكان ،في محاولة من رجلين مؤمنين عالمين بواقع
الحال ،لتشجيعهم وطمأنتهم ،لعلهم يرجعون عن موقفهم الرافض ،لدخولها
وطرد سكانها الوثنيون ،والستيطان فيها بدل منهم ،حيث يؤكد لهما الرجلن
،بأنهم لن يتعرضوا للذى عند الدخول ،وفي حال كانت هناك مواجهة ،فلن
ُيكّلفهم ذلك سوى كسر الباب ،بقتل الحراس المتواجدين عليه ومباغتة أهلها
في الداخل .وعلى ما يبدو أن موسى عليه السلم ،قبل أن يأمر بني إسرائيل
بالدخول ،كان قد بعث هذين الرجلين ،للتجسس على أهل المدينة المقّدسة ،
فوجدا أن أهلها على غير استعداد للحرب ،وأنهم ل يملكون جيشا ،ولم يكونوا
جبارين حقيقة ،كما ادعى بنوا إسرائيل لحقا ،وأنهم ل يملكون سوى بضعة
حّراس ،على باب المدينة فقط .وعندما أمر موسى قومه بالدخول ،رفضوا
ُمتذرعين بجبروت أهلها تقاعسا وخذلنا وجبنا ،فعّقب هذين الرجلين على
قول موسى ،بقولهم ذلك تفنيدا لّدعائهم ،وتوضيحا لحقيقة المر ،كما رأوها
بُأّم أعينهم ،ومع ذلك أصّر بنو إسرائيل على موقفهم ،بقلة إيمانهم وفسقهم
وجبنهم .ودخول كهذا يحتاج للمباغتة كعنصر أساسي ،لمنع الخصم من
الستعداد والجاهزية للقتال ،مما ُيقّلل أو يمنع الخسائر في المواجهات
المكشوفة ،ويدفع الخصم إلى الستسلم والرضوخ للمر الواقع ،ومن ثم
الرحيل عن الرض .
عّزَة َأْهِلَها َأِذّلًة ،
جَعُلوا َأ ِ
سُدوَها َ ،و َ خُلوا َقْرَيًة َأْف َ
ك ِ ،إَذا َد َ
ن اْلُمُلو َت ِإ ّ• ) َقاَل ْ
ن ) 34النمل ( ك َيْفَعُلو َ
َوَكَذِل َ
وكان هذا وصفا لكيفية دخول الملوك ،على القرى المتمّردة والمتطاولة ،على
أمرهم ومكانتهم ،على لسان ملكة سبأ ،تحذيرا لقومها من عصيان أمر الملك
389
سليمان عليه السلم ،وهذا الدخول هو السوأ على الطلق .وانظر في قول
سليمان عليه السلم ،عندما تمّردوا على أمره ،ولم يأتوه مسلمين كما طلب ،
جنُّهْم ِمْنَها خِر َ
جُنوٍد لَ ِقَبَل َلُهْم ِبَها َ ،وَلُن ْجْع ِإَلْيِهْم َ ،فَلَنْأِتَيّنُهْم ِب ُ
حيث قال ) اْر ِ
ن ) 37النمل ( ،فعصيان أمر الملوك ،ذوي القوة والعزة غُرو َ صا َِأِذّلًة َوُهْم َ
والنفة والتطاول عليهم ،بأي شكل من الشكال ُ ،يحمل على أنه تحقير وتقليل
من شأنهم ،وُيعتبر إهانة ل يستطيعون غفرانها .والرد عليها عادة ما يكون ،
كما هو ظاهر في رد سليمان عليهم ،بإرسال جيش ل قبل للخصم به ،ل من
حيث العدد ول من حيث العدة ،ونتيجة فعلهم ،هي كما وصفته ملكة سبأ في
الية الولى ،وما أكّد عليه سليمان في الية الثانية أعله .
وغاية هذا الدخول في العادة ،تكون للنتقام ورد العتبار ،باستباحة الرض
والمال والعرض ،بتخريب الممتلكات والقتل والتنكيل في العامة ،وأسر علية
القوم وإذللهم ،ومن ثم قتلهم والتنكيل بهم ،وسبي نسائهم وأطفالهم ،
وتسخيرهم للعمل كجواري وخدام في القصور إمعانا في إذللهم .ودخول كهذا
،عادة ما ُتعلن فيه الرغبة في النتقام ،ويتم فيه تهديد الخصم مسبقا ،لذلله
وإدخال الرعب في قلبه ،مما يكون أدعى لنهياره ،وسرعة تداعيه عند
المواجهة ،في حال تجّرأ على ذلك .
شاَء
ن َ حَراَم ِ ،إ ْ جَد اْل َسِن اْلَم ْ
خُل ّق َ ،لَتْد ُحّ
سوَلُه الّرْؤَيا ِباْل َ ل َر ُق ا ُّ صَد َ• ) َلَقْد َ
ن َ ،فَعِلَم َما َلْم
خاُفو َ ن َل َت َ صِري َسُكْم َ ،وُمَق ّ ن ُرُءو َ حّلِقي َ
ن ُ ،م َ ل َءاِمِني َ
ا ُّ
حا َقِريًبا ) 27الفتح ( ك َفْت ًن َذِل َ ن ُدو ِجَعَل ِم ْ َتْعَلُموا َ ،ف َ
هذه هي المرة الخرى ،والوحيدة في القرآن ،التي يرتبط فيها ذكر الدخول
بالمسجد ،وهو دخول المسجد الحرام في مكة ،ولو أمعنت النظر في نص
الية ،ستجد أنها تصف المسلمين أثناء تأدية العمرة ،وقد جاء في كتب
سّمي لحقا بعمرة القضاء ،في العام التفسير ،أن هذه الرؤيا قد تحّققت ،فيما ُ
التالي لصلح الحديبية ،فأنزلت هذه الية تصديقا للرؤيا ووعدا بالفتح .وأما
سّمي في القرآن فتحا وليس دخول . الدخول العسكري لمكة والمسجد الحرام ،ف ُ
والمعروف أن المسلمين عندما خرجوا لغزو مكة ،كانوا قد أعدوا عدة
الحرب .وقد روى المام مسلم عن جابر " :أن رسول ال دخل مكة ،وعليه
عمامة سوداء ،من غير إحرام " ،وقال ابن كثير في تفسيره للية ) (24من
نفس السورة ،والتي سيرد نصها في الحديث عن فتح مكة ،أن الرسول عليه
390
الصلة والسلم " :لم يسق عام الفتح هديا ،وإنما جاء محاربا مقاتل في جيش
عرمرم " .
المقصود بدخول المسجد :
الدخول القادم للمسجد القصى ،لن يكون لتخريبه كما وقع في المرة الولى ،
ولن يكون بقصد الزيارة فقط ،لداء عبادة من العبادات ،كما هو الحال عند
دخول المسجد الحرام ،الموصوف في الية أعله .فالمقصود بقوله تعالى
) وليدخلوا المسجد ( هو الدخول إلى الرض المباركة ،التي تحوي هذا
المسجد ،أي فلسطين ككل والسيطرة عليها .وِذكر المسجد ،الذي هو بمثابة
القلب من الجسد ،بالنسبة للرض المباركة والمقّدسة ،جاء للشارة وللتأكيد
على أن نفاذ الوعد بشكل كامل ،سيتحصل أخيرا بدخول القدس ،بعد إزالة
العلو اليهودي من فلسطين ،وإنهاء الوجود اليهودي فيها ،الذي يفيده تقّدم ذكر
الساءة عن ِذكر الدخول .
جوَهُكْم ،
سوُءوا ُو ُ
خَرِة ِ ،لَي ُ
لِعُد ا ْ
جاَء َو ْ
ولو تمعّنت في قوله تعالى ) َفِإَذا َ
جَد ) ، (7ستجد أن الغاية من البعث في الصل ،هي إساءة سِخُلوا اْلَم ْ
َوِلَيْد ُ
صل هذه الساءة ،من جّراء ما وقع فيهم ،من قتل وجوه اليهود ،وستتح ّ
وتنكيل وسبي وفرار .ومن ثم جاء ذكر المسجد ،ليكون دخول القدس
واستعادتها ،نتيجة تأّتى من جّراء ما وقع في اليهود من إساءة .والنكى
والكثر إيلما لليهود ،هو أن ُتّتخذ القدس عاصمة لدولة عربية كبرى ،
لتصبح أحلم يهود الشرق والغرب المتعلقة بها هباًء منثورا ،بعد أن كانت
قاب قوسين أو أدنى من التحقق .وبالتالي يكون مجيء لفظ الدخول في هذه
الحالة ،تأكيدا لتحرير فلسطين واستعادة المسجد والستيلء عليه من قبل
المبعوثين ،وأن البعث لم يقتصر على إساءة الوجوه فقط .والتشبيه هنا كان
لصفة الدخول ،منذ اجتيازهم لحدود الرض المقّدسة ،بما تخلله من قتل
وتنكيل وأسر وإذلل ،حتى وصولهم إلى قلب مدينة القدس ،ليتأكد لنا زوال
علوهم منها بشكل كامل قهرا وقسرا ،بالضبط كما حصل في المرة الولى ،
صر . عند دخول البابليين بقيادة نبوخذ ن ّ
وعلى ما يبدو أن الدخول القادم ،سيجمع بين صفتي الدخول الثاني والثالث ،
المشار إليهما أعله ،لن غاية الدخول القادم ،تجمع ما بين غايتيهما ،وهما
391
أول :طرد اليهود وإعادة الرض لصحابها الصليين ،وثانيا :إشباع الرغبة
العراقية في النتقام من اليهود وإذللهم .
ومن جانب آخر ،نجد أن قوله تعالى ) ليسوءوا … وليدخلوا … كما دخلوه
… ( يصف ما سيجري على أرض فلسطين لحظة الوصول إليها ،وحتى
استعادة كامل أرضها .والذي سيجري حقيقة على أرض الواقع ،حسب
الوصف القرآني ،ليس بمعركة ،وإنما غزو من قبل أمة ل تعرف الرحمة ،
لمة ضعيفة وجبانة مستباحة الرض والمال والعرض .ولو أنك فّكرت بهذا
الحدث نظريا ،كما جاء به النص القرآني ،وحاولت مطابقته مع معطيات
الواقع الحالي ،ستجد بأن عملية تحققه ضرب من الخيال ،ضمن الظروف
الراهنة ،التي تؤكد رجحان كفة موازين القوى العالمية ،لصالح اليهود
وحلفائهم الغربيين .
صور من الواقع :
ش حال إسرائيل في المنطقة ،كحال ثري يملك منزل ،في منطقة معزولة عن
ل من الكنوز والمقتنيات الثمينة ،ويقتني عتادالمدينة ،يحتوي على كّم هائ ٍ
جيش كامل من السلحة ،من مسدسات وأسلحة رشاشة وقنابل يدوية
وصواريخ ،لحماية هذه الممتلكات من هجمات اللصوص .
فلو أن مجموعة كبيرة من اللصوص ،ل تملك سوى السلح البيض ،فّكرت
بالسطو على مثل هذا المنزل ، ،فهل ستنجح ؟!
للجابة فّكر مليا بالحالت التالية :
• إذا وقع السطو ،وشعر صاحب المنزل باللصوص ،وهم خارج
السوار ،سيكون بمقدوره التصال برجال المن ،ومشاغلتهم بما لديه من
السلحة متنوعة وفتاكة ،حتى يتمكن من الحصول على المساعدة ،هذا إن
لم يكن قد فرق شملهم ،وأبادهم عن بكرة أبيهم ،قبل وصول المساعدة ،
وستكون إمكانية صدهم في هذه الحالة كبيرة جدا .
• إذا وقع السطو ،ولم يشعر صاحب المنزل باللصوص ،إل بعد دخولهم
إلى المنزل والنتشار في أرجاءه ،فهو خاسر ل محالة ،ولكن أمامه عدة
خيارات ،أول :التصال بالمساعدة التي لن تصل في الوقت المناسب ،
وسيكون ضررها أكثر من نفعها ،في حال أحس اللصوص بذلك ،فقد
392
ُيصبح قتله أمرا محتما ،وكذلك الحال فيما لو حوصر اللصوص ،من قبل
رجال المن ،داخل المنزل الُمتخم بالسلحة ،ثانيا :المواجهة المسلحة ،
فيما لو لم يتمكن من التصال ،والنتيجة مع كثرتهم ،محسومة لصالحهم ،
بقتله ونهب محتويات المنزل ،وثالثا :الفرار أو الختفاء ،والتسليم بالمر
الواقع ،لتنهب محتويات المنزل .
• إذا وقع السطو ،ولم يشعر صاحب المنزل باللصوص ،إل وسكين
أحدهم تضغط على حنجرته ،منبهين إياه من النوم .هنا ستكون النتيجة
محسومة ،فنهب المنزل أصبح تحصيل حاصل ،وأما أمر نجاته من عدمها
،فمرهون بأيدي اللصوص .
ولغزو إسرائيل ،يتطلب المر تجّنب الحالة الولى ،وهي ما جرت عليه
العادة ،في كافة الحروب العربية السرائيلية ،والعمل على ما أمكن على
تحقيق الحالة الثالثة ،أو الحالة الثانية على القل ،بهجوم كبير وشامل
ق والمحافظة على ومباغت وسريع ،تكفله وحدة القيادة من خلل العمل المنس ّ
السرية التامة ،مما يحرم إسرائيل من الستعداد ،ويلغي جميع قدراتها
الدفاعية والهجومية ،ويحرمها حتى من القدرة على طلب المساعدة كذلك .
ولنخلص إلى القول بأن نجاح هذه المهمة ،يتطّلب عدة عوامل :
أول :إعداد جيش كبير العدد ،يفوق تعداد الجيش السرائيلي أضعافا مضاعفة
،يتم تدريبه على كافة الساليب القتالية الحديثة ،ويكون لفراده القدرة على
تحمل الجهد والجوع والعطش ،والقدرة على البقاء والستمرارية في أقسى
الظروف ،تملؤهم رغبة جامحة بالنتقام ،وُيسّيرهم حقد جارف .
ثانيا :المحافظة على السرية التامة ،منذ لحظة النطلق حتى الوصول ،
لتوفير عنصر المباغتة .
ثالثا :سرعة الوصول ،باستخدام كافة الوسائل والتقنيات العصرية المتاحة .
رابعا :شمولية الهجوم ،من خلل تعدد الجبهات .
خامسا :سرعة النتشار .
ش ولو نظرنا إلى واقع إسرائيل ،ستجد أنها أشبه بالطفل الخداج ،الذي يعيش
في بيئة مصطنعة ،ويحتاج فيها إلى من ٌيقّدم له الحماية والرعاية والعناية
المستمرة والحثيثة ،والمداد بالغذاء والهواء في الظروف الطبيعية ،وإلى
393
العلج المكثف في الزمات الصحية بسبب نقص المناعة ،وعدم القدرة على
المقاومة .
ومشكلة إسرائيل ،أن حاضنتها تقع في بيئة معادية ،وهي عرضة لن ُيفتك
بها ،في أي لحظة ،وأن أمريكا القائمة على رعايتها والعناية بها ،تبعد عنها
آلف الميال .وتحتاج إلى وقت ليس بالقصير ،لتقديم العون لها ،كلما ألّم بها
عارض مفاجئ ،وغالبا ما كانت أمريكا تلجأ إلى الحيلة والمماطلة ،في كل
مّرة لكسب الوقت ،كي تؤمن لها العلج المناسب ،وتنقذها من الهلك .
وللتخلص من هذا المسخ ،يتطلب المر ،المباغتة بالهجوم وسرعة النجاز
وعدم التأخير ،أثناء عملية القتل ،والستمرارية حتى مفارقة الروح الجسد ،
لحرمان القائمة على الرعاية ،من كسب الوقت ،الذي تحتاجه لتعطيل عملية
قتل المسخ ،ومن ثم لتقوم بإنعاشه ،كما جرت العادة في كافة الحروب العربية
السرائيلية .ولنخلص إلى القول بأن نجاح هذه المهمة ،يعتمد على ثلثة
عوامل :
أول :المباغتة بالهجوم .
وثانيا :سرعة النجاز .
وثالثا :الستمرارية حتى مفارقة الروح الجسد ،إذ ليس بإمكان أمريكا أن
تحيي الموتى ،ولو فّكرت بذلك فلن تجد من ُيؤّيدها .
صور من التاريخ السلمي :
في السنة السادسة للهجرة ،كان الرسول عليه الصلة السلم ،وألف
وأربعمائة رجل من المسلمين ،قد أحرموا بالعمرة متوجهين إلى مكة ،فعلم
مشركي قريش بذلك ،فخرجوا بخيلهم ،لصّدهم عن دخول المسجد الحرام .
فسلك عليه الصلة والسلم طريقا ،غير التي كان عليها ،حتى وصل إلى
الحديبية ،بركت الناقة على غير عادتها ،فعلم عليه الصلة والسلم ،أنها لن
تعدو مكانها ،وبأن العمرة لم ُتكتب لهم ذلك العام ،فأقام ومن معه فيها .فكان
فيها الصلح الذي كان من بنوده ،حرمان المسلمين من أداء العمرة في ذلك
ق ذلك على المسلمين ، شّالعام ،على أن يعودوا لدائها في العام المقبل ،ف ُ
ومنهم عمر بن الخطاب رضي ال عنه ،الذي أراد قتالهم والدخول قسرا ،ولم
سْورة غضبه ،إل بعض أن ُأنزلت آيات سورة الفتح ُ ،مبّينة الحكمة تهدأ َ
394
اللهية ،التي غفل عنها بعض من أّيد قتال أهل مكة ،من الصحابة رضوان
ال عليهم .
ن َبْعِدن َمّكَة ِ ،م ْ طِ عْنُهْم ِبَب ْ
عْنُكْم َ ،وَأْيِدَيُكْم َف َأْيِدَيُهْم َقال تعالى ) َوُهَو اّلِذي َك ّ
ن َكَفُروا ، صيًرا )ُ (24هُم اّلِذي َ ن َب ِ ل ِبَما َتْعَمُلو َ
ن ا ُّ عَلْيِهْم َ ،وَكا َظَفَرُكْم َ
ن َأ ْ
َأ ْ
جاٌل حّلُه َ ،وَلْوَل ِر َ ن َيْبُلَغ َم ِ
ي َمْعُكوًفا َأ ْ حَراِم َ ،واْلَهْد َ جِد اْل َسِ
ن اْلَم ْعِ صّدوُكْم َ َو َ
صيَبُكْم ِمْنُهْم َمَعّرٌةن َتطَُئوُهْم َ ،فُت ِ ت َ ،لْم َتْعَلُموُهْم َ ،أ ْ ساٌء ُمْؤِمَنا ٌ ن َوِن َُمْؤِمُنو َ
ن َكَفُروا شاُء َ ،لوْ َتَزّيُلوا َ ،لَعّذْبَنا اّلِذي َ ن َي َ
حَمِتِه َم ْ ل ِفي َر ْ خَل ا ُّ
عْلٍم ِ ،لُيْد ِ
ِبَغْيِر ِ
عَذاًبا َأِليًما ) 25الفتح ( ،فبالرغم من توافر الرغبة اللهية في تعذيب ِمْنُهْم َ
الكفار ،وتوافر التأييد اللهي للمسلمين في مواجهاتهم للمشركين ،وأسر
المسلمين لمن خرج لصّدهم عن المسجد من مشركي قريش ُ ،منع المسلمين من
الدخول لمكة قسرا ،لئل ُيلحقوا الذى بالمؤمنين ،غير المعلومين من أهل مكة
سمح للمسلمين بقتال المشركين ، ،وأنه لو كان هؤلء ظاهرين ومعلومين ،ل ُ
ودخول مكة قسرا .
قلنا في فصل سابق أن صفة دخول المسجد القصى ،في المرة الثانية مشابهة
لصفة دخوله في المرة الولى ،والدخول الول كما علمنا ،كان من قبل
البابليين .ولكن ما نود أن نؤكد عليه هنا ،أن ظروف الدخول الول مختلفة ،
عن ظروف الدخول الثاني ،فالدخول الول ،وقع على كفرة اليهود وفسقتهم ،
بعد أن قاموا بإخراج المؤمنين المستضعفين من ديارهم ،وإبعادهم إلى خارج
حدود المملكة .وما نراه أمامنا على أرض الواقع في فلسطين ككل ،هو تداخل
المدن الفلسطينية بالمدن اليهودية والمستوطنات ،واختلط السكان من عرب
ويهود ،في بعض المدن وخاصة في مدينة القدس .وهذا الواقع مشابه إلى حد
ما ،ظروف مكة قبل الفتح ،حيث اختلط المؤمنين سّرا بالكفار .وهذا مما
ينفي ،وال أعلم ،استخدام القوة بشكل مفرط ،أثناء الدخول العراقي
لفلسطين ،ومما ينفي وقوع مواجهة شاملة ،في حرب معلنة ومكشوفة ،
ولنتعرف على الفكر العسكري ،لرسول ال عليه الصلة والسلم ،في كيفية
التعامل مع هذا الواقع ،وكيفية التدبير اللهي في تنفيذ وعده ،سنعرض بعض
الملمح من فتح مكة .
لما كان صلح الحديبية ،دخل بنو بكر في عقد قريش ،ودخلت خزاعة في عقد
رسول ال عليه الصلة والسلم ،وكانت الهدنة .فاغتنمها جماعة من بني بكر
395
،في السنة الثامنة للهجرة ،فأصابوا من خزاعة ثأرا قديما لهم ،وكانت قريش
قد رفدت بني بكر بالسلح والرجال .فخرج نفر من خزاعة ،حتى قدموا على
رسول ال عليه الصلة والسلم ،فأخبروه بما أصيب منهم ،ومظاهرة قريش
لبني بكر عليهم ،فوعدوا بالنصر ،ثم انصرفوا راجعين .فخرج أبو سفيان
حتى قدم المدينة ،ليطلب الشفاعة ،ويشّد في العقد ،ويزيد في المدة ،فرجع
خائبا .
في تلك الثناء ُ ،أمر المسلمون بالجهاد ،وُأخفيت جهة الخروج عن الناس في
بادئ المر ،كما ُأخفي موعد الخروج ،ثم إن رسول ال أخبر الناس ،قبيل
خروجه بفترة قصيرة ،أنه سائر إلى مكة ،وأمرهم بالجّد والتهيؤ ،وقال " :
خذ العيون والخبار عن قريش ،حتى نبغتها في بلدها " .وكلنا يعلم اللهم ُ
قصة حاطب بن أبي بلتعه ،عندما حاول إعلم قريش بما كان من أمر
المسلمين ،فكشف ال أمره عن طريق الوحي .وشاء ال ،فُعّميت الخبار عن
قريش ،ونزل جيش الفتح بالقرب من مكة .
كان العباس عم الرسول عليه الصلة والسلم ،قد أعلن إسلمه عند مقدم جيش
المسلمين لغزو مكة ،ومما قاله حين نزل رسول ال مّر الظهران " :واصباح
قريش ،وال لئن دخل رسول ال مكة عنوة ،قبل أن يأتوه فيستأمنوه ،إنه
لهلك قريش إلى آخر الدهر " .فخرج العباس رضي ال عنه ،ليبحث عن
رجل من قريش ،ليطلب لها المان ،من رسول ال عليه الصلة والسلم ،
خوفا من أن ُيهلكها جيش المسلمين ،القادم للنتقام منها لنقض العهد ،فوجد
صاحبه أبي سفيان ،فاستجلبه ليطلب المان .ولول ما ُأعطي أبو سفيان ،من
المان لهل مكة ،وإطلق سراحه صباحا ،لُيخبرهم قبل دخول جيش
المسلمين ،لهلكت قريش .
كانت قريش – بعد أن نقضت العهد – تتوقع خروج الرسول عليه الصلة
ن معرفتها لوقت خروجه على وجه الدقة ،لم تكن والسلم عليها ،ولك ّ
صلة ،لذلك لم تقم بالستعداد للمواجهة ،وكانت تعتمد على خبر يأتيها من متح ّ
عمليات التجسس ،التي دأبت على القيام بها ،منذ نقضها للعهد ،للبدء في
الستعداد .ولكن ذلك الخبر لم يأت ،بمشيئة ال ،حتى كان صباح يوم الفتح ،
على لسان أبي سفيان ،الذي كان قد أسلم ،داعيا أهل مكة إلى الستسلم ،ل
داعيا إياهم إلى النفير .
396
مقومات وظروف فتح مكة :
كان ُمحّرك الخروج على قريش ،هو الرغبة في النتقام منها لنقضها العهد ،
والثأر لبني خزاعة ،بالضافة لدوافع أخرى ،أما رسول ال عليه السلم ،
فكان أرحم بأهل قريش من أنفسهم .
.1توافر الوعد اللهي لرسوله وللمؤمنين بالفتح .
.2إحاطة عملية الخروج بالسرية التامة ،لتوفير عنصر المباغتة ،مما حرم
قريش من الستعداد للمواجهة ،سواء بإعداد العدد والعدة ،أو بالستعانة
بما حولها من القبائل ،ممن كانوا على عداء مع المسلمين .مع العلم بأن
المسافة ما بين المدينة ومكة ،تزيد على 400كم ،وأن وسائل النتقال
كانت بدائية وبطيئة جدا ،ومع ذلك تمّكن المسلمون ،من الوصول ومباغتة
أهل مكة ،من خلل الخذ بالسباب ،ومن ثم العتماد على التأييد اللهي .
.3تأمين الكثرة ،لدب الرعب في قلوب المشركين ،وإجبارهم على
الستسلم لنعدام القدرة على المواجهة ،ولسحق أي مقاومة محتملة ،مهما
كان حجمها ،حيث بلغ تعداد الجيش قرابة عشرة آلف رجل ،وهو نفس
العدد الذي استطاعت قريش ،وحلفائها من القبائل ،جمعه في غزوة الخندق
حرمت قريش من فعله عند فتح مكة . ،وهو ما ُ
.4علم المسلمين التام ،بجغرافية مكة ومحيطها ،مما أفاد المسلمين قبل
وأثناء الدخول .
.5والهم من كل ما تقّدم ،هو التأييد والتمكين والتدبير اللهي ،من البداية
إلى النهاية ،لنجاز ذلك الوعد .
ش والن لو طرحنا التساؤل التالي ،أليس من الممكن أن تتوفر ذات المقومات
للعراقيين ،لُينجز ال وعده لبني إسرائيل ؟!
.1توافر نفس الُمحّرك للخروج ،وتوافر دوافع ومبررات أخرى طرحناها
أعله .
.2توافر الوعد اللهي بعقاب بني إسرائيل على أيدي العراقيين ،حتى لو لم
ُيذكروا بالسم في النص القرآني .
397
.3توافر وحدة القيادة ،وقدرتها في هذه الحالة ،على إخفاء أمر الخروج ،
من حيث توقيته وكيفّيته ،مما يضمن عنصر المباغتة .
.4القرب المكاني ،وتوافر آليات النقل الحديثة ،مما يضمن سرعة الوصول
.
.5توافر الكثرة والستعداد والتدريب المكثف ،فهذا هو ما ُيشاهده القاصي
والداني ،على شاشة التلفزيون العراقي مؤخرا .ول يأخذ هذا المر على
محمل الجّد ،إل يهود أمريكا وإسرائيل من المؤمنين بالنبوءات التوراتية ،
لدرجة أن ) شارون ( سافر مؤخرا لمريكا فقط ،لبحث أمر جيش القصى
الذي ُيعّده الرئيس العراقي ،حيث وعَده المريكان بالتكفل بأمره ،وطلبوا
منه الهتمام بالشأن الداخلي ،والعمل على تهدئة المور ظاهريا .ومربط
الفرس ،أن العالم ل ُيعير أدنى اهتمام للستعدادات العراقية الجارية حاليا
على قدم وساق ،وحتى أمريكا نفسها على ما يبدو تقلل من شأن هذا
الجيش ،ول تتوقع أن يقوم العراق بغزو إسرائيل برا .
.6توافر التجربة والخبرة الميدانية للقيادات العسكرية العراقية ،بمشاركتها
في كافة الحروب العربية السرائيلية ،والحرب اليرانية ،ودخولها
المفاجئ للكويت .
.7توافر التأييد والتمكين اللهي ،بتذليل السبل أمام العراقيين ،والتي من
شأنها تحقيق هذا الوعد ،بالكيفية التي جاءت بها النصوص القرآنية .
صفة جيش البعث في التوراة :
ش سفر يوئيل :1 :1 " :هذا ما أوحى به الرب إلى يوئيل بن فثوئيل :اسمعوا
هذا أّيها الشيوخ ،وأصغوا يا جميع أهل الرض … ،
:15 :1يا له من يوم رهيب ،لن يوم الرب قريب ،حامل معه الدمار من عند
القدير … ،اصحوا أيها السكارى ،وابكوا يا جميع مدمني الخمر … فإن أمًة
قوية قد زحفت على أرضي ُ ،أمة قوية ل ُتحصى لكثرتها ،لها أسنان ليث
وأنياب لبؤة … ،
:2 :2هو يوم ظلمة وتجّهم ،يوم غيوم ُمكفهّرة وقتام دامس ،فيه تزحف أمة
قوية وعظيمة ،كما يزحف الظلم على الجبال ،أّمة لم يكن لها شبيه في سالف
الزمان ،تلتهم النار ما أمامها ،وُيحرق اللهيب ما خلفها ،الرض أمامها جنة
398
عدن ،وخلفها صحراء موحشة ،يثبون على رؤوس الجبال ،في جلبة كجلبة
ف للقتال .
ش ،وكجيش عات ُمصط ّ المركبات ،كفرقعة لهيب نار يلتهم الق ّ
تنتاب الرعدة منهم كل الشعوب ،وتشحب كل الوجوه ،يندفعون كالجبابرة
ضون وكرجال الحرب ، … ،ينسّلون بين السلحة من غير أن يتوقفوا ،ينق ّ
على المدينة ،ويتواثبون فوق السوار ،يتسّلقون البيوت ،ويتسّللون من
الكوى كاللصوص ،ترتعد الرض أمامهم وترجف السماء ، … ،يجهر الرب
جنده ل ُيحصى لهم عدد ،ومن ُينّفذ أمره يكون بصوته في ُمقّدمة جيشه ،لن ُ
ُمقتدرا ،لن يوم الرب عظيم ومخيف ،فمن يحتمله ؟! " .
ش سفر حبقوق :3 :1 " :أينما تلّفت أشهد أمامي جورا واغتصابا ،ويثور
حولي خصام ونزاع ،لذلك بطلت الشريعة ) تعطّلت ( وباد العدل ،لن
ق.
الشرار ُيحاصرون الصّديق ،فيصدر الحكم ُمنحرفا عن الح ّ
جبوا وتحّيروا ،لني ُمقبل على إنجاز " :5 :1تأّملوا المم وأبصروا ،تع ّ
أعمال ،في عهدكم ،إذا ُأخبرتم بها ل تصّدقونها .فها أنا ُأثير الكلدانيين ،هذه
المة الحانقة الُمندفعة ،الزاحفة في رحاب الرض ،لتستولي على مساكن
حكمها وعظمتها من ذاتها .خيولها ليست لها ،أّمة ُمخيفة ُمرعبة ،تستمّد ُ
أسرع من النمور ،وأكثر ضراوة من ذئاب المساء ،فرسانها يندفعون
بكبرياء ،قادمين من أماكن بعيدة ُ ،متسابقين كالنسر الُمسرع ،للنقضاض
على فريسته ُ ،يقبلون جميعهم ليعيثوا فسادا ،ويطغى الرعب منهم على قلوب
الناس قبل وصولهم ،فيجمعون أسرى كالرمل .يهزءون بالملوك ويعبثون
بالحكام ،ويسخرون من الحصون ،يجعلون حولها تلل من التراب ،
ويستولون عليها .ثم يجتاحون كالريح ويرحلون ،فقوة هؤلء الرجال هي
إلههم " .
" 3 :2لن الرؤيا ل تتحّقق إل في ميعادها ،وتسرع إلى نهايتها ،إنها ل
تكذب ،وإن توانت فانتظرها ،لنها ل بّد أن تتحّقق ،ولن تتأخر طويل " .
اليهودي وصفة الجبن الملزمة له عبر العصور :
كلنا يعلم أن وجود إسرائيل وبقائها ،ل يعتمد في الدرجة الولى على مقّوماتها
الذاتية ،مهما بلغت قوتها العسكرية من عدة وعتاد ،فحصنهم المنيع هو
أمريكا بقوتها وعظمتها ،والحصن الخر هو الطوق المني من معاهدات
399
السلم والحلف العسكرية ،التي سعوا جاهدين للتوقيع عليها مع دول الجوار
.وهذين الحصنين هما ما يتكل عليه اليهود ،كضمانة لستمرار وجودهم ،
وشعورهم نسبيا بالمان ،الذي ُيمّكنهم من البدء ،في تنفيذ مشاريعهم التوراتية
على أرض فلسطين .
أما اليهود في الحقيقة ،فليس لديهم عقيدة أو مبدأ ،ليبذلوا أرواحهم في سبيل
الدفاع عنها ،كما هي الحال عند غيرهم من شعوب الرض .لذلك تجدهم أشدّ
الناس حرصا على الحياة ،فل ُيقاتلون إل مجبرين ،وفي قرى محصنة أو من
وراء جدر ،فعادة الخروج للقتال ليست من شأنهم ،أما الخروج للقتل وسفك
دماء غير المقاتلين ،فهذا أكثر ما يستطيعون القيام به ،وعلى تخّوف من
إصابتهم ،من قبل خصمهم العزل ،وهذا ما نشاهده على أرض الواقع هذه
اليام .
أما في حال المواجهة المعلنة المكشوفة ،فأول ما ُيفّكر به الجندي السرائيلي
صن خلفه ،هذا إن تجرأ على القتال جج بالسلح ،هو البحث عن ملجأ يتح ّ المد ّ
.وإن لم يجرؤ ،فأول ما ُيفّكر به ،هو أن يولي الدبار مطلقا لساقيه العنان ،
هاربا إلى حيث ل يدري .فكيف إذا لم يكن هناك مواجهة ،بل غزو مفاجئ ،
أتخّيل هذا الجندي وفور سماعه ،بأمر خروج أحفاد نبوخذ نصر ،من بابل
وقبل اجتيازهم للحدود العراقية ،باتجاه إسرائيل ،وقد تسّمر في مكانه ،
وتجّمد الدم في عروقه ،وشّلت أطرافه ،فلم يقو على حمل سلحه .وخلصة
القول أن دولتهم محكوم عليها بالفناء ،منذ لحظة قيامها ،وهم يعلمون ذلك علم
اليقين ،وأن الجندي السرائيلي ،مهزوم بالرعب من قبل أن تبدأ المعركة .
الكيفية المتوقعة لهذا الدخول :
على ما يبدو ،وبعد هذه القراءة المطّولة ،أنه لن تكون هناك معركة معلنة
ومكشوفة وطويلة المد ،تستخدم فيها الليات الحربية ،من مدافع ودبابات
وصواريخ وطائرات .وإنما غزو سريع ومباغت ،لجيش عرمرم ،بعدد هائل
من الجند ُ ،مدّربين على سرعة النتقال والنتشار ،ومزودين بأسلحة خفيفة ،
هم أشبه – كما تصورهم التوراة – باللصوص في خفة حركتهم وانسيابهم
وتسّللهم ،وبالنسور بسرعة انقضاضها ،وبالسود في قوتها وجبروتها
وبطشها .وقد ل يخلو المر ،من مواجهات ولكنها ستكون محدودة وقصيرة ،
400
ربما ل تتعدى كسر الباب ،بمعنى أن العقبة الوحيدة التي ربما تواجه
المهاجمين ،ل تعدو عن كونها ،مقاومة بسيطة على الحدود .
وكون هذا الهجوم مباغتا ُ ،يفهم من تحذير النجيل لليهود ،بأن من سمع
بمحاصرة أورشليم بالجيوش ،إذا كان في الحقل ،فل يرجع إلى المدينة ،وإذا
كان على سقف المنزل ،فل ينزل إلى أسفل ،ليجلب متاعا أو ما شابه ،أي أن
هناك من سيسمع بهذا الغزو بعد خروجه إلى الحقل ،وأن هناك من سيسمع
بالغزو ،بعد صعوده إلى سطح منزله ،والخروج من المدينة إلى الحقل
والعودة ،ربما ل يتجاوز سويعات معدودة ،وأما الصعود إلى سطح المنزل
والنزول عنه ،فربما ل يتجاوز دقائق معدودة .فالفارق الزمني قصير جدا ،
ما بين الحالتين ،فالذي خرج إلى الحقل ،لم يكن يعلم بالغزو قبل خروجه ،
والذي صعد إلى سطح المنزل ،لم يكن قد سمع بالغزو قبل صعوده .
ومن المحتمل أن يكون هذا الغزو ليل ،ومن المحتمل أن يبدأ الهجوم ليل
الجمعة ،لينتهي يوم السبت قبل الظهيرة ،استغلل لنقطاع أغلب اليهود عن
العمل ،بحجة التزامهم بشريعة حرمة السبت ،التي ما ألزم ال بها ،إل
أصحاب تلك القرية ،وال أعلم .وسينجم عن هذا الغزو ،تفريغ كامل لليهود
من فلسطين ،سواء بالقتل أو الفرار ،وسيطرة كاملة ،على مساحة فلسطين
كلها ،وبالتالي فرض واقع جديد ُ ،يعيد المور إلى نقطة الصفر ،أي ما قبل
قيام إسرائيل بخمسين عاما ،أيام خلو فلسطين من اليهود ،وال أعلم .
ردود الفعل العالمية المتوقعة :
هذا الحدث ،السريع والمباغت ،المرعب والعجيب ،عندما يقع ،سُيصاب
العالم بأسره بالذهول والشلل ،ربما لشهر أو لعدة أشهر ،وأول ما ُيجابه به
سماع خبره ،هو عدم التصديق ،وسيحتاج الغرب اليهودي الحليف
لسرائيل ،إلى وقت طويل ليفيق من هول الصدمة ،وليجد الغرب نفسه
عاجزا ،عن القيام بأي رد فعل سريع ومؤثر للمساعدة ،فل إسرائيل ول يهود
.أما من هم في الصف المناهض لسرائيل وأمريكا من الشرق ،فسيصابون
بنفس الشعور ،ولكن شعور ل يخلو من الشماتة باليهود إجمال ،وبأمريكا
بشكل خاص .أما اليهود إجمال ،ويهود أمريكا بشكل خاص ،فسيصابون
بخيبة أمل كبيرة ،وهم يرون أحلهم التوراتية ،تتحول إلى سراب .
401
وبعد امتصاص الصدمة الولى ،ستبدأ المواقف العالمية من هذا الحدث في
التبلور ،لتجد أمريكا نفسها عندما تبدأ بالتحرك ،لعادة إحياء الدولة
اليهودية ،بدفع من سادتها اليهود المتربعين على عروشها ،أنها تغني منفردة
خارج السرب العالمي ،الذي أضحى مؤيدا ومعجبا بما قّدمه العراقيون ،من
حل سحري لتلك المشكلة المستعصية ،التي أّرقت جفون العالم طوال قرن من
الزمان .
طلعة على أدق تفاصيل القضية فالعرب من وجهة النظر العالمية ،التي باتت م ّ
الفلسطينية ،قد استعادوا أرضهم وحقوقهم ،وإسرائيل بما قّدمته من أعمال
وحشية وهمجية ،خلل سنين عمرها ،ضد أرض فلسطين وشعبها ،وعدم
استجابتها لقرارات الجهة التي أوجدتها ،ل تستحق الوجود والبقاء .فالحق هو
عودة فلسطين إلى أهلها العرب ،والباطل هو وجود إسرائيل على أرض
العرب ،فإذا جاء الحق وزهق الباطل ،فليس هناك مشكلة بالنسبة لمجمل دول
العالم ،التي ل تقع تحت النتداب المريكي اليهودي المعاصر ،فالمشكلة
ُوجدت بإقامة إسرائيل ،في قلب الوطن العربي ،وزالت هذه المشكلة بزوالها .
الوعد والموعد والواقع :
وبالعودة إلى الوراء قليل ،نجد أن المسلمون استاءوا كثيرا ،عندما ُمنعوا من
أداء العمرة ،بصحبة رسول ال عليه الصلة السلم ،في السنة السادسة
للهجرة ،وما زاد في قهرهم هو ذلك الصلح ،الذي منع دماء المشركين منهم ،
وأبقى المسجد الحرام في أيديهم ،لمدة عشر سنوات قادمة ،فعّقب سبحانه
وتعالى على ذلك قائل ) َفَعِلَم َما َلْم َتْعَلُموا … ( ،والذي كان يعلمه رب العزة
مسبقا ،هو أنهم سيؤدون العمرة في العام التالي ،وأن هذا الصلح ،الذي
استاءوا من عقده مع مشركي قريش ،وأضفى عليهم شعورا باليأس
والحباط ،سيكون هو نفسه ،سببا ومبررا لفتح مكة ،عند نقضه من قبل
حا َقِريًبا
ك َفْت ً
ن َذِل َ
ن ُدو ِ
جَعَل ِم ْ
قريش بعد سنتين من إبرامه ،فعّقب بقوله ) … َف َ
) 27الفتح ( .
حتى أكثر المسلمين إيمانا ويقينا وتفاؤل ،لم يكن يتصور ،لحظة منعهم من
أداء العمرة وإبرام الصلح ،بأن فتح مكة سيكون بعد سنتين فقط ،من تاريخ
تلك اللحظة ،وبتلك الصورة الحتفالية والمشّرفة ،لتكون تأدية فريضتي الحج
والعمرة ،متاحة لهم في أي وقت شاءوا .
402
وبالنظر لواقع المسلمين في غزوة الحزاب ،وهم قلة ،وقريش وقبائل
الجزيرة بمشركيها ويهودها ،يتربصون بهم ريب المنون ،من الداخل
والخارج ،هل كان ممن المكن أن يتصور أن هذه الحال ،ستنقلب رأسا على
عقب ،بعد ثلث سنوات ،فيغزو المسلمين مكة بعشرة آلف مقاتل ؟
وبالرغم من اختلف طبيعة الوعود اللهية ،من حيث الثواب والعقاب ،إل
أننا نتحّدث هنا عن الوعد بحد ذاته ،لنقول بأن الوعد اللهي ،ل يحّده زمان
ول مكان ول واقع ،ول ننسى بأن وعد الخرة ،هو وعد بعقاب اليهود في
المقام الول ،ولكن هناك أسباب ومسببات ل بد أن تأخذ مجراها ،قبل إتيان
أمر ال .
قال تعالى
ب َ ،وَلَيْأِتَيّنُهْم َبْغَتًة جاَءُهُم اْلَعَذا ُ سّمى َ ،ل َجٌل ُم َ ب َ ،وَلْوَل َأ َ ك ِباْلَعَذا ِ
جُلوَن َ
) َوَيسَْتْع ِ
ن َكَفُروا ، ج اّلِذي َ خَر َ
ن ) 53العنكبوت ( ،وقال ) ُهَو اّلِذي َأ ْ شُعُرو َ َ ،وُهْم لَ َي ْ
جوا َ ،وظَّنوا َأّنُهْم خُر ُن َي ْظَنْنُتْم َأ ْ
شِر َ ،ما َ ح ْ ن ِدَياِرِهْم َِ ،لّوِل اْل َب ِم ْ ن َأْهِل اْلِكَتا ِ
ِم ْ
ف ِفي سُبوا َ ،وَقَذ َ حَت ِث َلْم َي ْحْي ُن َ
ل ِم ْل َ ،فَأَتاُهُم ا ُّ ن ا ِّصوُنُهْم ِم َ ح ُ َماِنَعُتُهْم ُ
عَتِبُروا َيُأوِلي ن َ ،فا ْن ُبُيوَتُهْم ِبَأْيِديِهْم َوَأْيِدي اْلُمْؤِمِني َ خِرُبو َ
ب ُ ،ي ْ ع َُقُلوِبِهُم الّر ْ
صاِر ) 2الحشر ( اَْلْب َ
403
وليتبروا ما علوا تتبيرا
404
تستشعره من خلل مجمل آيات سورة السراء ،ولكن لم يتبّقى إل أن تحين
ساعة الصفر ،ليروا من ال ما لم يكونوا يحتسبون .
وفي الصل كما أوضحنا سابقا ،أن علوهم غير المسبوق في الغرب ،هو
الذي أوجد علوهم في فلسطين لحقا ،وإذا كانت النتيجة ،أي علوهم في
فلسطين ،تستحق الزوال ،فالولى أن ُيزال المتسّبب فيها ،أي علوهم في
الغرب ،حتى تنتفي فرصة ظهور تلك النتيجة ) أي العلو اليهودي ( مرة
أخرى ،فكما أن زوال دولة إسرائيل أمر حتمي ،فزوال أمريكا أمر أكثر
حتمية .
فاليهود لهم من حيث المكان إفسادين :
أول :في فلسطين ،إفساد بسفك الدماء ،وإخراج الناس من ديارها ،
والستيلء على ممتلكاتهم ،وإتلف الخضر واليابس ،ومنع مساجد ال أن
ُيذكر فيها اسمه ،والسعي في خرابها … إلى آخره .
وثانيا :في أمريكا والدول الغربية ،إفساد بنشر العقائد المادية اللحادية ،
وإشاعة الرذيلة والنحلل الخلقي والخلقي ،في شتى مناحي الحياة ،
بالضافة إلى تفريق الناس وتصنيفهم واستضعاف طوائف منهم ،وسومهم
سوء العذاب ،لدرجة حرقهم وإبادتهم ،بالسلحة التقليدية والنووية ،وعلى
قاعدة الجزاء من جنس العمل ،ل شك لدي من أن كبرى المدن المريكية ،
سُتضرب من السماء بصواريخ نووية ،أو بشهب من السماء ،مسببة دمارا
كالدمار ،الذي أحدثته قنابلها المدن اليابانية ،ولكن على مدى أوسع بكثير .
زوال العلو اليهودي في أمريكا ،لن يتوانى كثيرا ،عن زوال العلو اليهودي
في فلسطين :
ن
حْبٍل ِم ْ
ل َو َ
ن ا ِّ
حْبٍل ِم ْ
ن َما ُثِقُفوا ـ ِإّل ِب َ
عَلْيِهْم الّذّلُة ـ َأْي َ
ت َضِرَب ْ
قال تعالى ) ُ
ل 112) … ،آل عمران ( ،الذلة هي الضعة ن ا ِّب ِم ْض ٍ س َ ،وَباُءوا ِبَغ َ
الّنا ِ
والنخفاض ،وهي نقيض العزة والعلو ،وأين ما ثقفوا ،أينما وجدوا ،في
الرض على امتداد رقعتها ،وخلصة ما تقوله هذه الية ،أن الشعب اليهودي
كأمة وأفراد ،سيمّر بخمسة مراحل ،هي ذات المراحل التي أشرنا إليها ،في
نهاية الجزء الول ،وهي على التوالي ) :ذل ،علو ،ذل ،علو ،ذل ( .ومن
ذلك نفهم أن صفة العلو ،وهي المرحلة الرابعة ،ستزول عنهم في شتى بقاع
405
الرض ،سواء في إسرائيل أو في أمريكا ،أو فيما سواها من دول العالم ،
ليدخل الشعب اليهودي بأسره ،في المرحلة التي تليها ،ولتعود إليه صفة الذل
التي هي القاعدة ،أينما وجد أيضا ،وعلى مستوى الفراد والجماعات ،حيث
صل ذلك إل بانكسار وزوال كل الدول كان العلو استثناًء لمرتين فقط .ولن يتح ّ
،التي يوجد بها علو يهودي ظاهر ،وفي مقّدمتها أمريكا .
صة وشاملة ، ولو أننا نظرنا إلى أمريكا كدولة ،وما تقوم به حاليا ،نظرة ُمتفح ّ
سنجد أنها فاقت فرعون ،في علوه واستعلئه وفساده وإفساده ،باحتضانها
للعقائد اليهودية الشيطانية ،والسهر على تطبيقها وترويجها ،في الرض على
عمومها ،بالترغيب تارة وبالترهيب تارة أخرى .
والعقاب اللهي الموعود به بنو إسرائيل ،كان للفساد الناجم عن العلو ،
وعلوهم الن يتمثل في مكانين تحديدا ،هما فلسطين وأمريكا ،وفضل عن
ذلك ،فإن أمريكا المتعالية على شعوب الرض ،وبصرف النظر عن كونها
مكانا للعلو اليهودي ،ستكون هدفا مؤكدا لنسكاب الغضب اللهي عليها ،بما
يفوق الغضب اللهي على إسرائيل ،وذلك لن أمريكا ،تجمع ما بين علوين
وإفسادين ،هما :العلو والفساد اليهودي ،والعلو والفساد الذاتي لها ،ليتأكد
لنا أنها أولى من إسرائيل بالعقاب ،وبما هو أشد بأسا وأشد تنكيل ،وهذا بإذن
ال ،ما سنشهده في السنوات القليلة القادمة ،وما ذلك على ال بعزيز .
وقد يستغرب ويستنكر كثير ،من أمة السلم ،والصح من المؤمنين بالله
) أمريكا ( ،مجرد التفكير بأن أمريكا ستزول ،وكأنهم ل يقرءون قوله تعالى
ن َقْبِلِهْم َ ،وَكاُنوا
ن ِم ْعاِقَبُة اّلِذي َ
ن َف َكا َظُروا َكْي َ ض َ ،فَيْن ُ سيُروا ِفي الَْْر ِ ) َأَولَْم َي ِ
ت َوَل ِفي سَمَوا ِ يٍء ِ ،في ال ّ ش ْن َ جَزُه ِم ْل ِلُيْع ِن ا ُّ
شّد ِمْنُهْم ُقّوًة َ ،وَما َكا َ َأ َ
عِليًما َقِديًرا ) 44فاطر ( . ن َ ض ِ ،إّنُه َكا َ اَْلْر ِ
ن
ن َكاُنوا ِم ْ عاِقَبُة اّلِذي َ
ن َ ف َكا َظُروا َكْي َض َ ،فَيْن ُ
سيُروا ِفي الَْْر ِ وقوله ) َأَوَلْم َي ِ
ل ِبُذُنوِبِهْم ،
خَذُهُم ا ُّض َ ،فَأ َشّد ِمْنُهْم ُقّوًة َوَءاَثاًرا ِفي الَْْر ِ َقْبِلِهْم َ ،كاُنوا ُهْم َأ َ
ق ) 21غافر ( ن َوا ٍل ِم ْ
ن ا ِّ ن َلُهْم ِم ََوَما َكا َ
ما بعد الغزو العراقي لسرائيل :
بعد امتصاص يهود أمريكا والغرب للصدمة ،من جّراء الكارثة التي حّلت
ببني جلدتهم في فلسطين ،ستبدأ الماكينة اليهودية في الغرب ،في بذل أقصى
406
طاقاتها ،وعمل ما بوسعها لعادة عقارب الساعة ،قبل فوات الوان ،من
خلل الدبلوماسية في مجلس المن ،لشن حرب دولية تحت غطاء الشرعية
الدولية ،لتحرير إسرائيل من العرب ،كما كان المر عند مطالبتهم بتحرير
الكويت ،وسُتفاجأ هذه الماكينة اليهودية ،ببرود وجمود شديدين ،لم يسبق لها
أن واجهتهما ،من قبل معظم دول العالم ،لُتثبت عدم نجاعتها هذه المرة ،
طرحت ، وستجد مشاريع القرارات المريكية والبريطانية والفرنسية ،فيما لو ُ
معارضة شديدة من قبل روسيا والصين ،حتى لو تطّلب المر استخدام حق
النقض من قبلهما ،خوفا من الدخول في مواجهة ،ل ُتحمد عقباها مع العالم ،
بين الغرب المسيحي والشرق المسلم .
وربما يأخذ المر قرابة السنتين بين مّد وجزر ،حتى يستطيع اليهود تحريض
أمريكا ،وبعض دول الغرب من حلف الناتو ،وحملها على تحريك أساطيلها ،
ن حرب مصيرية على العرب ،ضاربة باتجاه شواطئ البحر المتوسط ،لش ّ
عرض بمجلس المن وغطاءه الشرعي -بعد اليأس من الحصول عليه ُ -
الحائط .
وعلى الجانب الخر ،سيضطر العرب والمسلمون ،لتوحيد صفوفهم كرها من
البعض ،وطواعية من البعض الخر ،والنضواء تحت لواء واحد ،للدفاع
عن القصى بعد عودته إلى حظيرة السلم ،وسيبدأ التقارب العربي الروسي
الصيني ،على ما يبدو في التشكل ،إلى ما ُيشبه الحلف العسكري ،وربما
يكون باتفاقيات مكتوبة ،وال أعلم .
الحرب العالمية الثالثة ،والسيناريو المحتمل :
بوجود القيادة الحالية غير المتزنة لمريكا ،وبتأييد من صهاينة الحزب
الجمهوري ،سيتمكن اليهود أخيرا من جّر أمريكا ،للدخول في مواجهة غير
محسوبة ،مع العالمين العربي والسلمي ،بدفع من العقائد الدينية المشّوهة ،
فيما يخص وجود اليهود في فلسطين ،وعودة المسيح الثانية للنصارى والولى
لليهود ،بالضافة إلى الرغبة في النتقام للمكانة المريكية ،التي ُمّرغت في
التراب أمام العالم أجمع ،بزوال مسخها الخداج بطرفة عين ،دون أن ُيعير
العرب عظمة أمريكا وجبروتها أدنى انتباه .
407
في ظرف سنتين من استعادة العرب لفلسطين ،سُتعلن أمريكا ،حربها اليهودية
الصليبية المقّدسة على العرب والمسلمين ،مما ُيثير حالة من عدم الستقرار
في سائر أرجاء العالم ،وستبدأ المواقف العالمية من هذا العلن شيئا فشيئا ،
بالتباين والتمايز ،بشكل لم يسبق له مثيل ،لينقسم إلى العالم معسكرين شرقي
وغربي .يقف إلى جانب العرب معظم الدول المناهضة لمريكا في الشرق
وفي مقدمتها روسيا ،ويقف إلى جانب أمريكا دول حلف الناتو وملحقاته .
وعندما تبدأ أمريكا بحشد قواتها وأساطيلها في البحر البيض ،وتبوء كل
المحاولت والتحذيرات والتهديدات العالمية ،لثني أمريكا عن عزمها بالفشل ،
وتصبح المواجهة أمر ل مفر منه ،ستتطور المواقف الدولية فجأة ،وتتحول
إلى أحلف عسكرية ،بحيث تضطر وتنجّر الكثير من الدول ،للمشاركة
الفعلية في الحرب الدائرة ،وعلى ما يبدو أن أمريكا نتيجة لذلك ،ستفقد زمام
السيطرة مبكرا ،وربما تلجأ إلى استخدام السلح النووي ،في وقت ما بضرب
بعض العواصم العربية ،كبغداد والقاهرة على سبيل المثال ،وربما يكون ذلك
قبل الحرب البرية ،ظنا منها أن ذلك ،سيحسم المعركة لصالحها ،في وقت
مبكر .
ولكن ما لن يكون في حساب أمريكا ،هو رّد الفعل الروسي والصيني العنيف ،
على استخدام أمريكا لهذا السلح ،لتبدأ الصواريخ النووية الروسية وربما
الصينية ،تنهال على أمريكا تباعا ،دون سابق إنذار ،لتبيدها عن بكرة أبيها ،
هذا إن لم ُيسقط عليها رب العزة ،كسفا من السماء .ومن ثم تبدأ الحروب
البينية ،بين دول العالم المختلفة المتخاصمة ،فيختلط الحابل بالنابل ،لتشمل
هذه الحرب معظم بقاع العالم .ولدخول السلحة النووية دائرة الصراع ،
ستكون هذه الحرب سريعة وقصيرة وحاسمة ،ولكن حجم الدمار فيها سيكون
هائل جدا ،وستنتهي بالمواجهة البرية البحرية على سواحل فلسطين ،بين
الغرب والشرق ،بانتصار العرب والروس نصرا مؤزرا ،بإذن ال .
تحالف الروس والعرب ونصرهم على عدو مشترك :
غْزَوِة َتُبوكَسّلَم ِ ،في َعَلْيِه َو َ
ل َصّلى ا ُّ ي َ ت الّنِب ّل َ :أَتْي ُك َ ،قا َن َماِل ٍ ف ْب َ
عْو َ ن َعَْ
عِة ؛ َمْوِتي ُ ،ثّم َفْت ُ
ح سا َ
ي ال ّ ن َيدَ ْسّتا َبْي َ
عُدْد ِ ل":ا ْ ن َأَدٍم َ ،فَقا َ
َوُهَو ِفي ُقّبٍة ِم ْ
حّتى
ضُة اْلَماِل َ ، سِتَفا َ
ص اْلَغَنِم ُ ،ثّم ا ْ خُذ ِفيُكْم َكُقَعا ِ ن َيْأ ُ
س ُ ،ثّم ُمْوَتا ٌ ت اْلَمْقِد ِ
َبْي ِ
ب ِإّل
ن اْلَعَر ِ
ت ِم ْ
طا ُ ،ثّم ِفْتَنةٌ َل َيْبَقى َبْي ٌخً سا ِظّل َ جُل ِماَئَة ِديَناٍر َفَي َ طى الّر ُُيْع َ
408
حتَ ن َفَيْأُتوَنُكْم َت ْ صَفِر َ ،فَيْغِدُرو َ ن َبِني اَْل ْ ن َبْيَنُكْم َوَبْي َخَلتُْه ُ ،ثّم ُهْدَنٌة َتُكو ُ َد َ
شَر َأْلًفا ( رواه البخاري ،وأخرجه أبو ع َغاَيٍة اْثَنا َ ت ُكّل َ ح َ غاَيًة َ ،ت ْ ن ََثَماِني َ
داود وابن ماجه وأحمد .
جاء في شرح هذا الحديث في فتح الباري " :قوله هدنة ،هي الصلح على
ترك القتال بعد التحرك فيه ،قوله بني الصفر ،هم الروم ،قوله غاية أي راية
".
يخبر هذا الحديث عن هدنة تكون بين المسلمين والروم ،والهدنة كما جاء في
الشرح ،هي صلح على إيقاف القتال قبل اشتعال فتيله أو في بداياته ،ومن ثم
يغدر الروم فيغزون ديار المسلمين ،بجيش قوامه ما ُيقارب المليون جندي .
أما الهدنة وما يسبقها ،فيوضحه الحديث التالي :
ن َمْعَدا َ
ن خاِلِد ْب ِ
ن َأِبي َزَكِرّيا ِ ،إَلى َ ل َواْب ُ حو ٌ ل َمْك ُ ل َ :ما َ طّيَة َ ،قا َعِ ن َ ن ْب ِسا َحّن َ عَْ
جَبْيٌر :ل ُ ل َ :قا َ ن اْلُهْدَنِة َ ،قا َعْ ن ُنَفْيٍر َ ، جَبْيِر ْب ِ
ن ُ عْ حّدَثَنا َت َمَعُهْم َ ،ف َ َ ،وِمْل ُ
سّلَم َ ،فَأَتْيَناُهعَلْيِه َو َ
ل َ صّلى ا ُّ ي َ ب الّنِب ّحا ِ صَ ن َأ ْ ل ِم ْجٍ خَبٍر َ ،ر ُ طِلقْ ِبَنا ِإَلى ِذي ِم ْ اْن َ
سّلَم َ ،يُقولُ عَلْيِه َو َ
ل َ صّلى ا ُّ ل َ سولَ ا ِّ ت َر ُ سِمْع ُ لَ : ن اْلُهْدَنِة َ ،فَقا َعْجَبْيٌر َ َ ،فسََأَلُه ُ
ن َوَراِئُكْم ، عُدّوا ِم ْ ن َأْنُتْم َوُهْم َ حا آِمًنا َ ،فَتْغُزو َ صْل ًن الّروَم ُ حو َ صاِل ُ " :سَُت َ
ج ِذي حّتى َتْنِزُلوا ِبَمْر ٍ نَ ، جُعو َ ن ُ ،ثّم َتْر ِ سَلُمو َ ن َ ،وَت ْ ن َ ،وَتْغَنُمو َ َفُتْنصَُرو َ
ب، صِلي ُ ب ال ّ غَل َ ب َ ،فَيُقوُل َ : صِلي َصَراِنّيِة ال ّ ن َأْهِل الّن ْ جٌل ِم ْ ُتُلوٍل َ ،فَيْرَفُع َر ُ
ك َ ،تْغِدُر الّروُم َ ،وَتجَْمُع ن َ ،فَيُدّقُه َ ،فِعْنَد َذِل َ سِلِمي َن اْلُم ْ جٌل ِم ْب َر ُ ض َُفَيْغ َ
ححه اللباني وأخرجه ابن ماجه وأحمد حَمِة " ،رواه أبو داود ،وص ّ ِلْلَمْل َ
والحاكم والبيهقي .
حَمِة ، ن ِلْلَمْل َ
جَتِمُعو َ وتكملة للحديث ،في رواية أخرى بسند آخر لبن ماجه " َفَي ْ
شَر َأْلًفا " . ع َغاَيٍة اْثَنا َ ت ُكّل َ ح َ غاَيٍة َ ،ت ْ ن َ ت َثَماِني َ ح َحيَنِئٍذ َ ،ت ْ ن َِفَيْأُتو َ
جاء في شرح هذا الحديث في ) عون المعبود ( " :الروم جيل معروف ،في
بلد واسعة تضاف إليهم ،فيقال بلد الروم ،ومشارق بلدهم وشمالهم الترك
والروس والخزر ،وجنوبهم الشام والسكندرية ،ومغاربهم البحر والندلس ،
وكانت الرقة والشامات كلها ،تعد في حدودهم أيام الكاسرة ،وكانت أنطاكية
دار ملكهم ،إلى أن نفاهم المسلمون إلى أقصى بلدهم انتهى ...فسأله جبير
عن الهدنة ،أي الهدنة التي تكون بين المسلمين وبين الروم ،آمنا أي ذا أمن ،
فتغزون أنتم ،أي فتقاتلون أيها المسلمون ،وهم أي الروم المصالحون معكم ،
409
عدوا من ورائكم أي من خلفكم ،وقال السندي في حاشية ابن ماجه ،أي عدوا
آخرين بالمشاركة والجتماع ،بسبب الصلح الذي بينكم وبينهم ،فُتنصرون
بصيغة المجهول ،وتغنمون بصيغة المعلوم أي الموال ،وتسلمون من
السلمة ،أي تسلمون من القتل والجرح في القتال ،ثم ترجعون أي من عدوكم
،حتى تنزلوا ،أي أنتم وأهل الروم بمرج ،أي الموضع الذي ترعى فيه
الدواب قاله السندي ،وفي النهاية أرض واسعة ذات نبات كثيرة ،ذي تلول
بضم التاء جمع تل ،وهو موضع مرتفع ،قاله القاري ،وقال السندي :كل ما
اجتمع على الرض ،من تراب أو رمل انتهى .فيقول أي الرجل منهم ،غلب
الصليب أي دين النصارى ،فيدّقه ،أي فيكسر المسلم الصليب ،تغدر الروم
أي تنقض العهد ،وتجمع أي رجالهم ويجتمعون للملحمة أي للحرب " .
هذا الحديث ُيخبر بأن هناك صلحا آمنا ،أي ل قتال فيه ،سيكون بين المسلمين
والنصارى ،لمدة من الزمن ،ثم ُيقاتلون جنبا إلى جنب عدوا مشتركا ،
فينتصرون بل خسائر ،وبعد النصر يقع الخلف بين المنتصَرْين ،بسبب
إدعاء أحد النصارى ،أن النصر كان للصليب دون السلم ،فيقتتل الطرفان ،
ومن ثم ُيفض الشتباك ،وتعلن الهدنة ،ومن ثم يعود النصارى إلى ديارهم
مضمرين الغدر ،ليعودوا في قادم في اليام ،في جيش عرمرم ،لغزو
المسلمين في زمن المهدي .
الروم قديما وحديثا :
نعلم أن المبراطورية الرومانية القديمة ،كانت قد انقسمت إلى قسمين شرقي
وغربي ،واّتخذت القسطنطينية عاصمة للجزء الشرقي ،وروما عاصمة
للجزء الغربي ،وذلك قبل ظهور السلم بحوالي مائتي سنة ،وبقيت
القسطنطينية عاصمة ،لمملكة الروم الشرقية منذ ذلك الوقت ،حتى تم فتحها ،
على يد محمد الفاتح ،سابع السلطين العثمانيين ،وبذلك اختفت مملكة الروم
الشرقية إلى البد ،وأما سكان تركيا الحاليين فمعظهم من التراك
المتأسلمون ،الذين يعودون في أصولهم إلى غرب الصين ،مع بقاء نسبة قليلة
من النصارى فيها ،ذوي الصول الرومية ،أما النسبة الكبر من الروم ،فقد
هاجرت وانتشرت ،فيما حولها من بلدان أوروبا الشرقية .
ولنذكر هنا أن المسلمين ،حاصروا القسطنطينية إحدى عشرة مرة ،ولم
يتمكنوا من فتحها ،إل بعد أن بدأت شمس العثمانيون الترك ،بالظهور فيما
410
ُيسمى بآسيا الصغرى ،بعد ضعف الدولة السلجوقية وانحللها عام 1300م
تقريبا ،فبدأت دولتهم بالتساع غربا ،على حساب مملكة الروم الشرقية ،شيئا
فشيئا ،حتى اقتصرت مملكة الروم الشرقية ،على القسطنطينية وضواحيها ،
عندما تسّلم محمد الفاتح لمقاليد الحكم ،وهو الذي لم يتوانى عن فتحها سنة
1453م .ومن ثم استمرت فتوحات العثمانيين ،حتى شملت معظم بلدان منطقة
البلقان ،في أوروبا الشرقية .
والمتتبع للتاريخ الحديث ،سيجد أن روسيا القيصرية بعد بزوغ شمسها ،
أصبحت الوريث الكبر ،لمملكة الروم الشرقية بعد زوالها ،حيث كانت وما
زالت في القرون الخيرة ،تحاول تنصيب نفسها كراعية وحامية ،لمصالح
نصارى الشرق ذوي المذهب الرثوذكسي ،وأخذت على عاتقها ،بعد أن اشتد
عودها ،مهمة استعادة القسطنطينية من التراك ،ومن ثم إعادتها كعاصمة
دينية للكنيسة الرثوذكسية ،كما كانت في السابق ،وهو ما تحاول الستئثار به
حاليا ،الكنيسة اليونانية الموالية للغرب .وفيما يلي بعض البنود التي جاءت
في وصية بطرس الكبر ،المؤسس الحقيقي للملكة الروسية ،في أواخر القرن
السابع عشر ،من كتاب ) تاريخ الدولة العثمانية ( لفريد بك المحامي :
" البند التاسع :ينبغي التقرب بقدر المكان ،من استنبول والهند ،وحيث انه
من القضايا المسلمة ،أن من يحكم على استنبول ،يمكنه حقيقة أن يحكم على
الدنيا بأسرها … ،
البند الحادي عشر ، … :وحينما نستولي على استنبول ،علينا أن نسلط دول
أوروبا القديمة ،على دولة النمسا حربا ،أو ُنسكن حسدها ومراقبتها لنا ،
بإعطائها حصة صغيرة من الماكن ،التي نكون قد أخذناها من قبل ،وبعدها ،
نسعى إلى نزع هذه الحصة منها .
البند الثاني عشر :ينبغي أن نستميل لجهتنا جميع المسيحيين ،الذين هم من
مذهب الروم ،المنكرين لرياسة البابا الروحية ،والمنتشرين في بلد المجر
والممالك العثمانية ،ونجعلهم أن يتخذوا دولة روسيا مرجعا ومعينا لهم ،ومن
اللزم قبل كل شيء ،إحداث رياسة مذهبية ،حتى نتمكن من إجراء نوع من
السلطة الدينية عليهم … " .
411
المذاهب النصرانية :
كل النصارى بل استثناء أعداء للسلم والمسلمين ،ولكن بالنظر إلى
الطوائف الثلثة الكبرى ،المهيمنة على العالم المسيحي ،نجد أن معتنقي
المذهب البروتستانتي ،والذي ُتمّثله أمريكا وبريطانيا وهولندا ،هم الشّد
عدواة وكراهية للمسلمين والعرب بشكل خاص ،والمعروفين بميلهم وتأييدهم
لليهود .ويليهم في ذلك معتنقي المذهب الكاثوليكي ،والذي ُتمّثله فرنسا
وإيطاليا وألمانيا وإسبانيا وباقي الدول الغربية ،وأقّلهم عدواة وكراهية هم
معتنقي المذهب الرثوذكسي ،والذي ُتمّثله روسيا ودول أوروبا الشرقية .
والمتتبع للتاريخ القديم والحديث ،سيجد أن الطوائف المسيحية الثلثة على
خلف دائم ،وأن العداوة والبغضاء ،مستفحلة وذات جذور عميقة ،فنصارى
الشرق الرثوذكس ،لم ينسوا ولم يغفروا ،لنصارى الغرب من الكاثوليك ،ما
أوقعوه بهم من مذابح في حملت الغرب الصليبية ،ولم يقبلوا مؤخرا اعتذار
البابا عنها .والعداوة والبغضاء مستفحلة ،حتى بين الكاثوليك والبروتستنت
من جهة أخرى ،كما هو الحال في أيرلندا الشمالية ،وهذا ما أخبر عنه سبحانه
ظا
حّ سوا َ خْذَنا ِميَثاَقُهْم َ ،فَن ُ
صاَرى َ ،أ َن َقاُلوا ِإّنا َن َ ن اّلِذي َوتعالى في قوله ) َوِم ْ
سْو َ
ف ضاَء ِ ،إَلى َيْوِم اْلِقَياَمِة َ ،و َغَرْيَنا َبْيَنُهْم اْلَعَداَوَة َواْلَبْغ َ
ِمّما ُذّكُروا ِبِه َ ،فَأ ْ
ن ) 14المائدة ( ،وهذه العداوة والبغضاء ل صَنُعو َ ل ِبَما َكاُنوا َي ْ ُيَنّبُئُهْم ا ُّ
انقطاع لها ،مستمرة إلى يوم القيامة ،وهذا ما أكّده التاريخ الوروبي القديم
والحديث .
والمتتبع للتاريخ السلمي والعربي ،سيجد أن ما ُتخبر عنه هذا الحاديث
النبوية أعله ،من شأن مصالحة المسلمين أو العرب للنصارى ،والتحالف
صلهم معا على النصر والغنيمة والسلمة ،ومن معهم ضد عدو مشترك ،وتح ّ
ثم الختلف ،وإضمار الغدر ،وعودة الروم لمقاتلة المسلمين ،لم يكن قد
صل قديما أو حديثا .وبما أن الدنيا تعّد سنواتها الخيرة ،وأشراط الساعة تح ّ
الكبرى باتت على البواب ،فل شك أن هذه الحرب ،التي سيخوضها
المسلمين والنصارى جنبا إلى جنبا ،ضد عدوهم المشترك ،للمرة الولى
والخيرة ،ستقع في وقت قريب .والحاديث النبوية ُ ،تخبر أن هناك ثلثة
أطراف ؛ المسلمون ،والروم ،وعدو مشترك للمسلمين والروم .
412
وبما أن هذا الحدث سيقع ضمن معطيات الواقع الحالي ،ومن خلل قراءة
الواقع ،في ضوء ما أخبرت عنه الحاديث ،سنجد أن الروم ما زالوا ينقسمون
إلى قسمين :
• نصارى الشرق من معتنقي المذهب الرثوذكسي ،وهم الُمقيمون إجمال
في أوروبا الشرقية ،أو دول حلف وارسو القديم ،الذي كانت فيه الزعامة ،
وما زالت للدولة الروسية .
• نصارى الغرب من معتنقي المذهب البروتستانتي والمذهب الكاثوليكي ،
وهم المقيمون إجمال في أمريكا وأوروبا الغربية ،أو دول حلف الناتو
بزعامة أمريكا .
ن عداوة مذهبية ،قل نظيرها ،للفريق الخر .ولو نظرنا إلى وكل الفريقين ُيك ّ
الواقع الحالي ،لوجدنا أن أمريكا وبريطانيا وفرنسا ،هي الدول الشّد عداًء
للعرب والمسلمين ،منذ حروبهم الصليبية الولى ،التي كانت تقودها فرنسا
بصفتها الراعية للمذهب الكاثوليكي ،منضويا تحت لوائها كل من ألمانيا
وإيطاليا وإنكلترا ،وحتى حروبهم الستعمارية في العصر الحديث بقيادة
أمريكا ،وما موالة هذه الدول لبعض الدول العربية إل مداهنة ،من قبيل
الحرص على مصالحها فقط ،بل هي أكثر مقتا واحتقارا وامتهانا ،لتلك الدول
نفسها من غيرها .ولوجدنا أيضا أن الروس ،ونصارى الشرق إجمال ،ممن
ل عداًء للعرب والمسلمين من مجموع يعتنقون المذهب الرثوذكسي ،هم الق ّ
المذاهب النصرانية .
لنخلص إلى القول ،بأن الفريق الذي سيكون حليفنا في المعركة القادمة هم
الروس ،ضد عدونا وعدوهم المشترك ،أمريكا ومن شايعها من دول حلف
الناتو .وأن هذا التحالف بين الروس والعرب ،سيحصل بدافع المصالح أول ،
وعلى قاعدة عدو عدوي صديقي ثانيا ،وليس حبا بالعرب أو بالمسلمين ،
ولكن لتعارض مصالحهم مع مصالح المريكان ،ولكراهية الروس المذهبية
لمريكا واليهود .
هذه الحرب البشع في تاريخ البشرية ،أجد أحداثها ونتائجها موصوفة في
كثير من اليات ،في مطالع سور كثيرة من سور القرآن ،والتي يعتقد معظم
الناس ،أنها ُتخبر عن أحداث يوم القيامة ،ومنها اشتعال البحار ،واضطراب
السماء ،وزلزلة الجبال وانهيار بعضها ،وحتى السلحة المستخدمة في
413
الحروب الحديثة ،كان سبحانه قد أخبر عنها ،أيضا في مطالع السور ،
فالطارق هو الصاروخ ،والعاديات هي الدبابات ،وربما نفرد لهذا المر بحثا
خاصا ،إن شاء ال ،في وقت لحق ،وسيكون متوافرا على نفس موقع
الكتاب ،هذا إن أسعفنا الوقت ،وكان في العمر بقية .
النتائج المتوقعة للحرب العالمية الثالثة :
.1تدمير عدد كبير من المدن الكبرى ،وخاصة في أمريكا ومن شايعها من
الدول في الشرق والغرب .
.2ارتفاع هائل ومفاجئ ،في درجة حرارة الرض نتيجة التفجيرات النووية
،ذوبان الكتل الجليدية القريبة من القطب الشمالي للكرة الرضية ،وتبخر
مياه المحيطات والبحار ،وعودتها على شكل أمطار غزيرة ،مما يتسبب
في طوفان كبير ،أشبه ما يكون بطوفان نوح عليه السلم ،وبالتالي اختفاء
بعض البلدان والجزر غرقا .
.3اختفاء معالم الحضارة الغربية ومظاهرها ،من خلل الموت البطيء
للتكنولوجيا المتبقية ،لعدم القدرة على تجديدها ،بكسر حلقة أو أكثر من
حلقات سلسلة إنتاجها ) ،نفط _ كهرباء _ تقنية _ كهرباء _ نفط ( .
.4عودة منطقة الشرق الوسط كبؤرة للنشاط والصراع العالمي ،كما كانت
في العصور القديمة .
.5عودة عصور الجاهلية الولى ،في أبشع صورها ،بما فيها من ظلم
وجور وفساد وإفساد ،وال أعلم .
قال تعالى
ل َوَلًدا )(4 خَذ ا ُّ ن َقاُلوا اّت َ
) َوُيْنِذَر اّلِذي َ
ن ِإّل
ن َيُقوُلو َ
ن َأْفَواِهِهْم ِإ ْ
ج ِم ْخُر ُت َكِلَمًة َت ْ لَباِئِهْم َكُبَر ْ عْلٍم َولَ ِن ِ َما َلُهْم ِبِه ِم ْ
َكِذًبا )(5
سًفا )(6 ث َأ َ
حِدي ِن َلْم ُيْؤِمُنوا ِبَهَذا اْل َ عَلى َءاَثاِرِهْم ِإ ْ ك َسَخٌع َنْف َك َبا َِفَلَعّل َ
ل )(7 عَم ً
ن َ سُ ح َ
ض ِزيَنًة َلَها ِلَنْبُلَوُهْم َأّيُهْم َأ ْ عَلى الَْْر ِ جَعْلَنا َما َِإّنا َ
جُرًزا )(8 صِعيًدا ُ عَلْيَها َ ن َما َ عُلو َ
جا َِوِإّنا َل َ
414
) الكهف (
415
وجعلنا لمهلكهم موعدا
ل اهتمامي في البداية محصورا ،لثبات نظرية زوال دولة إسرائيل قبل كان ج ّ
ظهور المهدي ،ومن ثم معرفة هؤلء العباد ،الذين سيكونون سببا في
زوالها ،والكيفية التي ستزول بها ،ولم أكن قد فّكرت في بحث مسألة معرفة
طلعت على كتاب ) زوال إسرائيل عام 2022م ( موعد زوالها ،إل بعد أن ا ّ
للكاتب بسام جرار ،والذي كان قد بحث هذا المر من قبل .وجدت أن الكاتب
توغل في حسابات كثيرة ومعّقدة ،كانت أحيانا عصّية على الفهم والمتابعة ،
ن محاولته لتحديد موعد زوال إسرائيل ،من خلل تلك الحسابات غير مقنعة وأ ّ
ن طرحه لفكرة استخراج الموعد ،من سورة السراء ،أمر لفت .ولك ّ
انتباهي ،وأوجد لدي الدافع للبحث في أمر العدد والحساب ،لستخراج موعد
زوال الدولة اليهودية .
مسألة العّد في القرآن :
أغلب رجال الدين إل من رحم ربي ُ ،ينّفرون من مسألة العّد في القرآن ،
ومنهم من ُينكر ذلك جملة وتفصيل ،وربما يذهب البعض إلى اتهام من يبحث
في هذا المر ،بالسحر والشعوذة والتنجيم .بالرغم من ذلك فإن هذا النوع من
العجاز ،الذي ُيظهر ما يكتنفه القرآن ،من توافق وترابط عددي لغوي ،بدأ
مؤخرا يفرض نفسه بشكل ظاهر ،وصدرت فيه بعض الكتب والمؤلفات حديثا
.
ويتذّرع البعض في معرض إنكاره واستنكاره ،لمسألة العّد في القرآن ،بعدم
وجود ،خبر صريح وصحيح ،عن رسول ال عليه الصلة والسلم ،أتى من
قريب أو بعيد على ذكر هذه المسألة ،ولكن في المقابل ،هل يوجد خبر أو
حتى أثر ُ ،ينكر وجود العجاز العددي في القرآن ،أو ينهى عن البحث في
أمر إثباته وبيانه ،وهل وضع رسول ال عليه الصلة والسلم ،تفسيرا للقرآن
أو كتابا بّين فيها أوجه العجاز كلها ،فلم يترك المجال لباحث أو مجتهد ؟!
وهل نجعل من استغلل أشخاص أو طوائف ،للعداد الواردة في القرآن ،
بشكل غير سوي ،عقبة في طريق بحث هذه المسألة .
416
وأما الفترة الزمنية التي سينفذ فيها وعد الخرة ،والتي سنكشف عنها في هذا
الفصل ،فنحن لم نقم بتحديدها ،فهي محددة أصل من قبله سبحانه وتعالى ،
في سورة السراء ،وكل ما قمنا به ،هو الكشف عن هذه الفترة الزمنية ،
وقراءتها بشكل صحيح ودقيق .وبما أن القرآن جاء بكل هذه التفاصيل ،من
حيث ماهية العباد وكيفية الدخول وموعده ،وبالرغم من كونه حدثا مستقبليا ،
فإن حيثيات هذا الوعد ،لم تعد بوجودها في القرآن غيبا على الطلق ،
وقراءة وفهم ما هو معلوم ،إذا اعترى النسان قصور في القراءة أو الفهم ،ل
ٌيقال عنه كشفا للغيب ،إل إذا كان ذلك من قبيل تعزية النسان لنفسه ،فذلك
شأن آخر .
ورد في القرآن والسنة ،الكثير من النبوءات المستقبلية ،وفيما يلي سنطرح
مثال ،ربما يجعل هذا الفصل قابل للهضم والفهم ،فلنأخذ على سبيل المثال ،
النبوءة المستقبلية ،بانتصار الروم على الفرس ،في سورة الروم ،حيث قال
ن )(3 سيَْغِلُبو َغَلِبِهْم َن َبْعِد َ ض َ ،وُهْم ِم ْ ت الّروُم )ِ (2في َأْدَنى الَْْر ِ غِلَب ِتعالى ) ُ
ن )(4 ح اْلُمْؤِمُنو َ ن َبْعُد َ ،وَيْوَمِئٍذ َيْفَر ُ
ن َقْبُل َوِم ْل اَْلْمُر ِم ْن ِّ ،سِني َضِع ِ ِفي بِ ْ
ل
ف ا ُّخِل ُل َ ،ل ُي ْ عَد ا ِّ
حيُم )َ (5و ْ شاُء َ ،وُهَو اْلَعِزيُز الّر ِ ن َي َصُر َم ْ
ل َ ،يْن ُ صِر ا ِّ
ِبَن ْ
حَياِة الّدْنَيا ،
ن اْل َ
ظاِهًرا ِم َ ن َ ن )َ (6يْعَلُمو َ س لَ َيْعَلُمو َ
ن َأْكَثَر الّنا ِعَدُه َ ،وَلِك ّ
َو ْ
ن )(7 غاِفُلو َخَرِة ُهْم َ
لِ نا ْ عَِوُهْم َ
.1جاء النص القرآني ،بفعل ماض مبني للمجهول ،فأظهر المغلوب ولم
يظهر الغالب .
.2وأضاف نبأ جديدا ،وهو غلبة الروم مستقبل ،لمن غلبهم في الماضي .
.3وحّدد فترة زمنية لتحّقق ذلك ببضع سنين .
.4وأفاد بأن المؤمنين سيفرحون عند تحّقق هذا المر .
.5وأكّد على أنه وعد من ال ،وأن ال ل ُيخلف وعده .
ن أكثر الناس ل يعلمون ( ،مما يكون من أمر ال . .6وعّقب بقوله ) ولك ّ
.7وأما ما يعلمه الناس ،فهو ظاهر الحياة الدنيا ،أي الواقع الذي
يستشعرونه بحواسهم فقط .
.8أما أمر الغيبيات ،التي أخبر عنها سبحانه في كتابه ،ومنها الحياة الخرة
فهم عنها غافلون .
417
فلو قلنا بأن هذه النبوءة تقول :بأن الروم سيهزمون الفرس في فترة زمنية ،
تتراوح ما بين ] [ 9 – 3سنوات ،سيقول من لم يعلم بظروف هذه النبوءة ،
ولم يعلم التاريخ ،ولم يعلم أن البضع في لغة العرب يساوي ) ، ( 9 – 3أن
هذا النص غير مكتوب في القرآن ،فكيف عرفت أن الذين سُيهزمون هم
الفرس ؟ وأن ذلك سيتم في فترة ،ل تقل عن 3سنوات ،ول تزيد عن 9
سنوات ؟
نلحظ أن هذه النبوءة كانت واضحة بالنسبة للمسلمين ،من حيث من سيغلب
من ،ولكن زمن التحّقق جاء فضفاضا ،إذ لم يشأ سبحانه مع علمه ،الكشف
عن الزمن بشكل دقيق ،ولكنه أعطى فترة زمنية على مدى 6سنوات تقريبا ،
ليترك المجال لجريان السباب والمسّببات ،التي من شأنها أن تترجم النبوءة
على أرض الواقع ،دون تعطيل من البشر ،من جّراء العلم المسبق بحيثياتها .
ولو تمعّنا في التعقيب الخير في الية ) ، (7الذي جاء فيها على مجمل ،ما
أخبر عنه سبحانه في اليات السابقة لها ،ستجد أن هناك حكمة إلهية ،من
ف البشرى للمؤمنين ، الخبار عن شأن هذا الحدث المستقبلي .أل وهي ز ّ
بحتمية النصر مستقبل ،فكما تحّققت هذه النبوءة وهذا الوعد ،على أرض
الواقع ،فسُينجز ال كل ما وعد به في كتابه الكريم ،ليزداد المؤمنون إيمانا
ويقينا ،بصدق كل ما حواه هذا الكتاب ،من شأن الدنيا والخرة ،ماضيا
وحاضرا ومستقبل ،وصدق من أنزله ،وصدق وأمانة من ُأرسل به ،هدى
ورحمة للعالمين .
وتراوحت غايات الخبار عن أنباء المستقبل ،ما بين البشارة والنذارة ،وأهم
النباء المستقبلية ،التي يريد رب العزة أن يتيقن منها الناس ،هي اليوم
الخر ،بما فيه من بعث وحساب وثواب وعقاب ،وهذه الحقيقة تكاد ل تخلو
أي من سور القرآن ،من ذكرها والتذكير بها ،إذ أن مؤدى إنكار اليوم
الخر ،حتى ولو ُقرن مع اليمان بال ،هو عبث وعبثية ،لُيصبح إحسان
صل عليه من مكاسب دنيوية فقط ،وبذلك يفسد الناس النسان ،مرتبط بما يتح ّ
وتفسد الرض ،فيحل بهم الهلك ،ولذلك عّقب سبحانه ،بعد الخبار عن هذه
ن اْلحََياِة
ظاِهًرا ِم َ
ن َ
ن )َ (6يْعَلُمو َس لَ َيْعَلُمو َ
ن َأْكَثَر الّنا ِ
النبوءة بقوله ) … َوَلِك ّ
ن ) 7الروم ( . غاِفُلو َ
خَرِة ُهْم َ لِ نا ْ
عِالّدْنَيا َ ،وُهْم َ
418
وقد جاءت أخبار النبوءات المستقبلية في القرآن والسّنة مسبقا ،لتتحّقق في
أزمان يكون المؤمنين فيها ،بأمس الحاجة لما يقوي إيمانهم ،وُيثّبتهم على
دينهم ،ويشّد من أزرهم ،في مواجهة أهل الكفر والفسوق والعصيان ،كما هو
الحال مع النبوءة السابقة .وجاءت أيضا لتتحّقق في أزمان يكاد فيها اليمان ،
أن يلفظ أنفاسه الخيرة ،لُتعيد له الحياة في قلوب أصحابه ،ولينفضوا ما علق
بأرواحهم ،وما أغشى أبصارهم وبصائرهم ،من رماد هذه الدنيا ،التي
أوشكت على الفناء .فإذا ما عاصر الناس ،تحّقق نبوءة على أرض الواقع ،
مما أخبر به القرآن ،أثبت هذا القرآن للناس ،بشكل قاطع وملموس محسوس ،
بأنه من لدن حكيم عليم ،عالم للغيب والشهادة ،وأن ل بد للناس من المثول
بين يديه ،فالموت ليس نهاية المطاف ،بل هو بداية رحلة ل نهاية لها ،من
الشقاء أو من السعادة .
سورة الكهف :
كنت قد قرأت فيما سبق ،بعضا من كتب العجاز العددي في القرآن ،ومن
ضمنها كتاب بسام جرار بعنوان ) إعجاز الرقم ، ( 19حيث قال بسام جرار
فيه :
)) كنت أقرأ سورة الكهف ،فخطر ببالي أن أحصي الكلمات ،من بداية قصة
ف َوالّرِقيِم ( ،وعندما وصلت إلى الية ) ب اْلَكْه ِ
حا َ
صَن َأ ْ
ت َأ ّ
سْب َ
ح ِ
الكهف ) َأْم َ
َ ) : (25وَلِبُثوا ِفي َكْهِفِهْم ( ،وإذا بالكلمة ،التي تأتي بعد هذه العبارة
مباشرة ،هي الكلمة رقم ) ، (309ونحن نعلم أنهم لبثوا في كهفهم )(309
سنوات ،كما نص القرآن الكريم (( .كان هذا نقل حرفيا ،لما جاء في
الكتاب ،وكان هذا الكتاب ،سابقا لكتاب ) زوال إسرائيل ( بعدة سنوات .
عندما قرأت هذه المعلومة ،أحببت أن أتأكد من صحتها ،فقمت بإجراء نفس
عملية الحصاء آنذاك ،فتبّين لي صحة الخبر .ظننت في بادئ المر ،أن
المقصود هو إظهار التوافق العددي اللغوي ،ما بين عدد السنين التي لبثها
هؤلء الفتية في الكهف ،وعدد كلمات القصة التي تروي خبرهم ،وهو بحّد
ذاته شيء جميل وعجيب .ولكن عندما رغبت في البحث ،في مسألة زوال
إسرائيل فيما بعد ،حيث لم أقتنع بحسابات بسام جرار ،أصبح لهذا المثال
ى أخرا .
المطروح في سورة الكهف ،معن ً
419
تصّفحت سورة السراء مرارا وتكرارا ،ولفت انتباهي أن موضوع السورة
بشكل عام ،هم بني إسرائيل أنفسهم " ،وبني إسرائيل " هو السم التوقيفي
للسورة ،كما ورد في جميع الحاديث والروايات ،التي جاءت على ذكرها ،
وأما ما ُترّكز عليه السورة بشكل خاص ،هو قصة المرتين ،وما فيهما من
إفساد وعلو ووعد كل منهما ،والملحظ أن القصة لها بداية ولها نهاية .قمت
بالمقارنة بين القصتين ،وفي مخيلتي تساؤل مفاده ،أليس من الممكن أن يكون
سبحانه ،قد طرح هذا المثال الموجود في سورة الكهف ،لكي نقوم بتطبيقه في
سورة السراء ،لستخراج موعد هلك بني إسرائيل في المرة الثانية .
وجعلنا لمهلكهم موعدا :
ُترّكز سورة السراء بشكل كبير ،على ذكر وعد الخرة ،وهو وعد بهلك
بني إسرائيل وزوال دولتهم ،وهذا الوعد له موعد ،ويقول سبحانه وتعالى في
جَعَلن َن ْعْمُتْم َألّ ْ
سورة الكهف ،التي تلي سورة السراء مباشرة ) … َ ،بْل َز َ
ك اْلُقَرى َأْهَلْكَناُهْم َلّماعٌد َ (58) … ،وِتْل َ
عًدا )َ ، … (48بْل َلُهْم َمْو ِ َلُكْم مَْو ِ
عًدا ) ، (59هذا التكرار لكلمة موعد ،والتأكيد جَعْلَنا ِلَمْهِلِكِهْم َمْو ِ
ظَلُموا َ ،و َ َ
على أن هناك موعد ،أمر ملفت للنظر .حاولت في البداية إيجاد أوجه الشبه
عّدت إلى سورة الكهف ،وقمت بدارسة وتحليل المثال بين السورتين ،ومن ثم ُ
المطروح فيها ،فوجدت نفسي أمام درس إلهي ،في رياضات من نوع آخر .
خرجت منه بعدة قواعد رياضية ،فتملكني شعور آنذاك ،أن هذا المثال ،إنما
ُوضع ليكون بمثابة مفتاح ،للكشف عن موعد هلك بني إسرائيل ،في سورة
السراء .
قصة أصحاب الكهف :
بعد إطلعي على قصة أصحاب الكهف ،من خلل كتاب ) أهل الكهف ( ،
لحدى دور النشر الردنية – ل أذكر اسم المؤلف -الذي يؤكد فيه المؤلف ،
أن الكهف المعني ،هو الكهف الموجود ،بالقرب من مدينة مادبا الردنية ،
وأن أحداث القصة ،وقعت بعد وفاة عيسى عليه السلم ،وقبل بعث محمد
عليه الصلة والسلم ،حيث كانت المبراطورية الرومانية الوثنية آنذاك ،
مسيطرة على المنطقة ،وأن القضية التي كانت مطروحة آنذاك ،هي مسألة
420
البعث بعد الموت ،التي كان ينكرها الوثنّيون الرومانيون ،واليهود الخاضعين
لسيطرتهم كذلك .
والحكمة من جّراء تنويمهم ،ومن ثم بعثهم ،ومن ثم العثور عليهم من قبل أهل
المدينة ،كانت لثبات البعث بعد الموت ،لدى ُأناس ذلك العصر ،من وثنيون
عَثْرَنا ك َأ ْ
ويهود ،وهذا ما ُيخبر عنه سبحانه وتعالى صراحة ،في قوله ) َوَكَذِل َ
عو َ
ن ب ِفيَها ِ ،إْذ َيَتَناَز ُعَة َل َرْي َ
سا َ
ن ال ّ ق َ ،وَأ ّحّل َ عَد ا ِّن َو ْ عَلْيِهْم ِ ،لَيْعَلُموا َأ ّ
َ
َبْيَنُهْم َأْمَرُهْم … ) (21أي أن ال أعثر ُأناس تلك المدينة المجاورة للكهف ،
ن
ق _ بالبعث بعد الموت _ َوَأ ّ حّ ل َ عَد ا ِّن َو ْ
لكي يعلم أولئك الناس ،بش ) َأ ّ
ب ِفيَها ( .ومجيء قصة أصحاب الكهف في القرآن ،لم يكن في عَة َل َرْي َ سا َ
ال ّ
الصل ،لطرح التساؤلت عن عددهم وعن مدة لبثهم ،فهذا أمر ل طائل منه
ظاِهرًَا ل ُتَماِر ِفيِهْم ِإّل ِمَراًء َ ول فائدة فيه ،فهو سبحانه ينهى عن ذلك بقوله ) َف َ
حَدًا ) 22الكهف ( ،وقد قّرر سبحانه عددهم ،بقوله ) ت ِفيِهْم ِمْنُهْم َأ َسَتْف ِ
َوَل َت ْ
عَلُم ِبِعّدِتِهْم َما َيْعَلُمُهْم ِإّل َقِليٌل ) 22
سْبَعٌة َوَثاِمُنُهْم َكْلُبُهْم ُقْل َرّبي َأ ْن َ َوَيُقوُلو َ
الكهف ( ،إذ استثنى هذه العبارة من قوله ) رجما بالغيب ( ،واقتصرها على
القوال السابقة فقط .وأما مدة لبثهم فقد قّررها في قوله ) َوَلِبُثوا ِفي َكْهِفِهْم
عَلُم ِبَما َلِبُثوا َ ،لُهل َأ ْ
سًعا ) ، (25وقوله ) ُقِل ا ُ ن َواْزَداُدوا ِت ْ سِني َ
ث ِماَئٍة ِ ل ََث َ
ض ) 26الكهف ( ،تأكيد على أن ما أخبر عنه ،من مدة ت َوالَْْر ِ سَمَوا ِ غْيبُ ال ّ َ
لبثهم هو الحق ،فهو أعلم بغيب الماضي والمستقبل ،كما أكّد على إخباره عن
عّدتهم فيما سبق .
ل ُيمكن إحصاء عدد السنين :
نخلص من ذلك ،إلى أن المسألة المراد التركيز عليها ،هي شيء آخر غير
إحصاء عددهم أو مدة لبثهم ،هي إشارات لدرس رائع في الرياضيات اللهية ،
خص سبحانه القصة ولتوضيح هذا الدرس ،سنبدأ مع بداية القصة ،حيث ل ّ
ف َوالّرِقيِم َكاُنوا ب اْلَكْه ِحا َ
صَ ن َأ ْت َأ ّ
سْب َ
ح ِ كاملة في أربع آيات ،في قوله ) َأْم َ
ن َلُدْن َ
ك ف َفَقاُلوا َرّبَنا َءاِتَنا ِم ْ
جًبا )ِ (9إْذ َأَوى اْلِفْتَيُة ِإَلى اْلَكْه ِ عَ ن َءاَياِتَنا َِم ْ
ن
سِني َ
ف ِ عَلى َءاَذاِنِهْم ِفي اْلَكْه ِ ضَرْبَنا َشًدا )َ (10ف َ ن َأْمِرَنا َر َ ئ َلَنا ِم ْ حَمًة َوَهّي َْر ْ
صى ِلَما َلِبُثوا َأَمًدا ) ، (12هذا ح َ ن َأ ْ
حْزَبْي ِ
ي اْل ِ
عَدًدا )ُ (11ثّم َبَعْثَناُهْم ِلَنْعَلَم َأ ّ َ
خص يقول :أن أصحاب الكهف فتية ،لجئوا إلى الكهف ،وطلبوا من ربهم المل ّ
أن يرحمهم ،وأن ُيهيئ لهم سبيل للنجاة من قومهم ،فأسلمهم سبحانه للنوم في
421
الكهف ،عددا من السنين ،ثم بعثهم ،ثم عّلل أمر نومهم ثم بعثهم ،بأنه يريد
ص مدة لبثهم في الكهف ،من عدد السنين . أن يعلم ،من أحصى ممن لم ُيح ِ
وتعليل النوم والبعث حقيقة ،كنا قد أوضحناه سابقا ،ولكن الملفت للنظر هنا
هو تعليل البعث ،في بداية القصة على غير الوجه الحقيقي له ،بقوله تعالى
) لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا ( ،إذ ل ُيعقل أن يكون المقصد
صها .وفي الواقع ،فإنالحقيقي ،هو معرفة من أحصى مدة اللبث ممن لم ُيح ِ
صل بالحساب .ولو المد ) أي الفترة الزمنية ( ل ُيحصى إحصاًء ،وإنما يتح ّ
فّكرت في معنى الحصاء رياضيا ،لوجدت أن هذا الذي جاء في اليتين ،
غير منطقي من الناحية الرياضية العملية ،فعملية الحصاء والعّد ل يمكن
القيام بها ،إل إذا كان المراد إحصاءه أو عّده ،ماثل أمامك عيانا ،كأن
تحصي مجموعة من الشياء .أما أن تحصي شيئا ،ل تلمسه بيديك أو تراه
بعينيك ،فهذا أمر مستحيل .وأما بالنسبة للسنين ،فل ُيمكن بأي حال من
الحوال إحصائها أيضا ،لنها ليست أشياء قابلة للعّد ،وإنما تتحصل معرفتها
بالحساب ،فهي نتيجة لجمع عدد من الشهور ،والشهور نتيجة لعدد من اليام ،
وعلى سبيل المثال ،إذا أردت معرفة عمر شخص ما ،أو عمر ُأّمة ما ،فما
ستقوم به هو عملية طرح للتواريخ ،لتحصيل عدد السنين ،التي ُتمّثل عمر
ذلك الشخص ،أو عمر تلك المة .
الحصاء لمدة اللبث :
وبالتالي نستطيع القول بأن هذا التركيب اللغوي ،جاء ليلفت انتباهنا إلى ما
جاء في هذه القصة ،من إعجاز عددي لغوي ،ولحصاء أشياء ماثلة أمام
أعيننا ،أل وهي كلمات القصة ،التي توافق عدد السنين ،التي لبثها أصحاب
الكهف في كهفهم ،والتي إن قمت بإحصاءها ،ستكون في الحقيقة قمت بعّد
مدة اللبث بالسنين ،لن عدد الكلمات يوافق عدد السنين ،ويقول سبحانه تعقيبا
ض(، ت َواَْلْر ِ سَمَوا ِب اْل ّ
غْي ُ
على هذا العجاز ،فيما يلي القصة من آيات ) َلُه َ
سِمْع ) صْر ِبِه َوَأ ْ
أي ما كشفه من شأن هؤلء الفتية من غيب الماضي َ ) ،أْب ِ
ث على إمعان النظر ،فيما بين يديك من إعجاز ،وكشفه (26وكأنه ح ّ
والخبار عنه ،ويؤكد سبحانه من خلل هذا التوافق العددي أن ) ل ُمَبّدَل
ِلَكِلَماِته ) 27الكهف ( ،كما أكّد أيضا في سورتي النعام ويونس بقوله ) َوَل
ل ) (64ليتبين لك أن ل تبديل ت ا ِّ
ل ) ) ، (34لَ َتْبِديَل ِلَكِلَما ِ
ت ا ِّ
ُمَبّدَل ِلَكِلَما ِ
422
لمواقع الكلمات فيه ،ول زيادة فيه ول نقص ،وهذا ما تثبته هذه السورة ،
ن َنّزْلَنا اْلّذْكَر َوِإّنا َلُه
حُ
وسورة السراء أيضا ،مصداقا لقوله تعالى ) ِإّنا َن ْ
لًفا
خِت َ
جُدوا ِفيِه ا ْ ل َلَو َغْيِر ا ِّ
عْنِد َن ِ ن ِم ْ
ن ) 9الحجر ( ،وقوله ) َوَلْو َكا َ ظو َحاِف ُ
َل َ
َكِثيًرا ) 82النساء ( .
يقول سبحانه ) أحصى لما لبثوا أمدا ( ،نتبين من ذلك ،أن المراد هو إجراء
عملية إحصاء أو عّد ،وأن المراد إحصاؤه _ حسب ظاهر النص القرآني -هو
مدة اللبث ،وبما أن إحصاء مدة اللبث ُمتعّذر ،فالحصاء سيكون لشياء ُتمّثل
هذه المّدة ،أل وهي الكلمات الماثلة أمامنا ،والتي ُتشكل أحداث القصة ،
لنستطيع من خلل إحصائها ،معرفة عدد سنين مدة اللبث ،وكأنه سبحانه أراد
أن ُيعلمنا درسا رياضيا ،نستطيع من خلل القواعد التي سنستنبطها منه ،من
استخراج عدد السنين لمدة لبث ُأناس ،قد سبق ذكرهم في السورة التي سبقت
سورة الكهف ،وهذا يعني أن مدة لبثهم لها نهاية بهلكهم ،والمشار إليها بوعد
الخرة .
طريقة العّد في سورة الكهف :
ف … … 5وََلِبُثوا ِ 306فـي َ 307كْهِفـِهْم) 308 ب 4اْلَكْه ِ
حا َ
صَ نَ 3أ ْتَ 2أ ّ
سْب َ ) َأْمَ 1
ح ِ
سًعا ((25)309ن َواْزَداُدوا ِت ْ
سِني َ
ث ِماَئٍة ِ
ل َ
َث َ
تبدأ القصة من الية ) ، (9بعبارة ) أم حسبت ( وتنتهي في الية ) ، (25بعبارة
) ثلثمائة سنين وازدادوا تسعا ( .نلحظ أن كلمة ) كهفهم ( تحمل العدد )
، ( 308وأن العدد الذي يلي العدد ) ، (308هو ) ، (309وبدل من أن ينتهي
العّد عند الكلمة ،التي تلي كلمة ) كهفهم ( مباشرة ،بقولنا :ثلثمائة وتسعة ،
جاء سبحانه بعبارة ،تحكي العدد نفسه بالكلمات ) ،ثلثمائة سنين وازدادوا
تسعا ( ،لتحمل العبارة كاملة ،العدد ) . ( 309
وقوله سبحانه ) ثلثمائة سنين وازدادوا تسعا ( ،وعدم قوله ) تسع وثلثمائة (
،جاءت لُيعّلمنا قاعدة حسابية ،لحساب الفرق بين السنين الشمسية والسنين
القمرية ،بإضافة 3سنوات لكل 100شمسية ،لنحصل على ما ُيعادلها
بالقمرية ،حيث أن كل ) (100سنة شمسية ،تعادل ) (103سنوات قمرية
تقريبا .ومفاد هذه العبارة أنهم لبثوا ) (300سنة شمسية ،و ) (309سنة قمرية
،والهم من ذلك أن عدد الكلمات جاء متفقا ،مع مدة لبثهم بالسنين القمرية ،
423
أي أن كل كلمة مّثلت سنة قمرية ل شمسية .وبناء على ذلك ،وعند استخدام
هذه الطريقة ،في سورة السراء سنتعامل ،مع السنين القمرية .
قواعد الحصاء في سورة الكهف :
.1الحصاء للكلمات ،إذ ل ُيمكن إحصاء السنين .
.2الكلمة لغة ،هي التي تتكون من حرفين فما فوق .
.3بداية العّد كانت من بداية قصة أصحاب الكهف .
.4قصة أصحاب الكهف سبقتها مقدمة ،تكّونت من 8آيات .وعملية العّد لم
تشملها .
.5أن بعض اليات التي وردت ضمن القصة ،دخلت كلماتها في العّد ،مع
أن علقتها بالقصة ليست ظاهرة ،كاليات ) . ( 24 ، 23
.6أن نهاية العّد كان بانتهاء القصة .
.7أن عدد الكلمات ،توافق مع عدد السنين ،التي لبثوها في الكهف ،إذ أن
كل كلمة تمثل سنة .
.8أن كل كلمة ،تمّثل سنة قمرية ،ذلك لن نتيجة العّد كانت 309كلمات ،
قد توافقت مع مدة لبثهم بالسنين القمرية .
قابلية هذا المثال للتطبيق على سورة السراء :
عَدًدا )ُ (11ثّم َبَعْثَناُهمْ
ن َ
سِني َ
ف ِ
عَلى َءاَذاِنِهْم ِفي اْلَكْه ِ
ضَرْبَنا َ
قال تعالى ) َف َ
صى ِلَما َلِبُثوا َأَمًدا ) (12لو أمعنت النظر فيما تحته ، ح َن َأ ْ
حْزَبْي ِ
ي اْل ِ
ِلَنْعَلَم َأ ّ
لوجدت أن الظاهر يقول ،أن بعثهم كان لن ال سبحانه وتعالى ،أراد أن يعلم
أي الحزبين أحصى ! أحصى ماذا ؟ أحصى مدة ما لبثوا في الكهف من عدد
السنين .أي أن المراد من الحصاء هو معرفة عدد السنين .في المقابل نجد
في الية ) (12من سورة السراء عبارة تقول ) ولتعلموا عدد السنين والحساب
( ،للشارة إلى أن السورة ،تحمل بين ثناياها معرفة لعدد سنين ،تتحصل
ص ُأناس سبق ذكرهم فيما ورد من آيات ،سبقت هذه بالعّد والحساب ،تخ ّ
العبارة .
424
وللفت النتباه إلى أن الحصاء متعلق بمدة اللبث ،تكّرر ِذكر مشتقات هذه
الكلمة ) (6مرات في سورة الكهف ،وهي ) َلِبُثوا َ ،لِبْثُتْم َ ،لِبْثَنا َ ،لِبْثُتْم ،
َوَلِبُثوا َ ،لِبُثوا ( في اليات ) . ( 12،19،25،26وفي المقابل نجد أن مشتقات
ن ِإ ْ
ن هذه الكلمة ،تكّررت مرتين في سورة السراء ،في قوله سبحانه ) َوَتظُّنو َ
ل )ُ ، (76يقال أن ك ِإّل َقِلي ً لَف َخَ ن ِل ) (52وقوله ) َوِإًذا لَ َيْلَبُثو َ َلِبْثُتْم ِإّل َقِلي ً
المقصودين في هاتين اليتين هم مشركي قريش حصرا ،وهذا القول غير
صريح .ولو أنك تتبعت النص منذ البداية ،لوجدت أن القول الول قيل
لمنكري البعث ،وعلى رأس القائمة في إنكار البعث هم اليهود .
حْيَنا
ن اّلِذي َأْو َ عِ ك َ ن َكاُدوا َلَيْفِتُنوَن َ ولو أنك تتبعت النص من قوله تعالى ) َوِإ ْ
ك ِمْنَها َ ،وِإًذا َل َيْلَبُثو َ
ن جو َ خِر ُض ،لُِي ْ
ن الَْْر ِ ك ِم َسَتِفّزوَن َ
ن َكاُدوا َلَي ْك … َوِإ ْ ِإَلْي َ
ل ) ، (76لوجدت أن القول الثاني قيل في اليهود حصرا ،حيث ك ِإّل َقِلي ً
لَف َ
خَ ِ
تؤكد معظم الروايات أن هذه اليات مدنية ،ولو تمعّنت في قوله تعالى ) وإن
كادوا ليفتنونك ( وتساءلت عمن له القدرة ،على فتنة الرسول عليه الصلة
والسلم ،أهم أهل الكتاب أم عبدة الصنام ! ولو تمعّنت في قوله تعالى ) وإن
كادوا ليستفّزونك من الرض لُيخرجوك منها ( وتساءلت عمن حاولوا استفزاز
الرسول عليه الصلة والسلم ،لخراجه ولم ُيكتب لهم النجاح ! لو قلت أنهم
اليهود ،عندما أرادوا منه أن يخرج معهم ،من أرض الجزيرة ككل إلى
الرض المقّدسة ،لُيعيد لهم ملكهم المنقرض ،لكان ذلك أقرب إلى العقل
والمنطق ،وهناك روايات تؤكد ذلك .ولو قلت أنهم مشركي قريش ،فقد
جانبت الصواب ،لنهم قد استفّزوه بالفعل ،وأخرجوه من بلدته حقيقة .
أوجه التشابه :
أول :ذكر أحد مشتقات لفظ اللبث في السورتين ،وهو لفظ يأتي أينما ورد في
عاٍم ) 259البقرة ( ) ، ت ِماَئَة َ القرآن ،للشارة إلى مدة زمنية َ ) ،قاَل َبْل َلِبْث َ
ن )40 ن ِفي َأْهِل َمْدَي َسِني َ
ت ِن ) 42يوسف ( َ ) ،فَلِبْث َ سِني َضَع ِ ن ِب ْ جِ سْ ث ِفي ال َّفَلِب َ
سِني َ
ن عَدَد ِ ض َشًرا ) 103طه ( ) َقاَل َكْم َلِبْثُتْم ِفي اَْلْر ِ ع ْ ن َلِبْثُتْم ِإلّ َ
طه ( ِ ) ،إ ْ
عاًما ) 14العنكبوت ( . ن َسي َخْم ِ سَنٍة ِإّل َ ف َث ِفيِهْم َأْل َ
) 112المؤمنون ( َ ) ،فَلِب َ
عَدًدا … ن َسِني َ
ثانيا :ذكر لفظ ُيشير إلى الحصاء أو العّد في السورتين ِ ) ،
ب ( في سا َح َن َواْل ِ
سِني َ
عَدَد ال ّ
صى ِلَما َلِبُثوا َأَمًدا ( في الكهف َ ) ،وِلَتْعَلُموا َ ح ََأ ْ
السراء ،بإضافة لفظ الحساب .
425
سورة السراء :
ما سنقوم بإحصائه هو الكلمات ،في قصة المرتين ووعديهما ،والتركيز في
المجمل -كما سبق وأشرنا في فصل التفسير -كان على المرة الثانية ووعدها .
وهذه الكلمات التي سنقوم بعّدها أو بإحصائها ،تمثل مدة ُلبث اليهود بالسنين
القمرية .
جاء في بداية سورة السراء ،مقّدمة تمهيدية مكونة من ثلث آيات ،ومن ثم
سراِئيَل ِفي ضْيَنا ِإَلى َبِني إ ْ
تبدأ رواية القصة من الية ) ، ( 4بقوله تعالى ) َوَق َ
عُلّوا َكِبيًرا ) ، (4وتنتهي في الية ) ن ُن َوَلَتْعُل ّض َمّرَتْي ِ
ن ِفي اَْلْر ِ سُد ّ
ب َلُتْف ِاْلِكَتا ِ
جاَء سُكُنوا اَْلْرضَ َفِإَذا َ سَراِئيَل ا ْ
ن َبْعِدِه ِلَبِني ِإ ْ
، ( 104بقوله تعالى ) َوُقْلَنا ِم ْ
جْئَنا ِبُكْم َلِفيًفا ) . (104وإذا قمت بإحصاء الكلمات من عبارة ) خَرِة ِلِ عُد ا ْ
َو ْ
سراِئيَل ، (4) …4حتى تصل إلى عبارة ) ِ
جْئـَنا ِبكُـْم ضْيَنا ِ 1إَلى َ 2بِني 3إ َْوَق َ
َلِفيًفا ) ، (104ستجد أن كلمة ) لفيفا ( تحمل العدد ، 1422وهو عدد كلمات
القصة ،وهو مما خالفنا به الخ بسام جّرار ،الذي اعتبر بداية القصة من الية
الثانية .
) ملحظة :لو قمت بعّد كلمات السورة ،من خلل العّد التسلسلي العادي ،
ستخطئ مرارا وتكرارا ،فالصوب والسهل هو استخدام الحساب التراكمي ،
بحيث تعّد كلمات كل آية بشكل منفرد ،ومن ثم تقوم بجمع كل عشر مع بعضها
،ومن ثم تقوم بجمع الناتج الكلي .وإن كنت تملك جهاز حاسوب ،ستكون
عملية غاية في السهولة ،فما عليك إل أن تنقل نص سورة السراء ،من أحد
برامج القرآن ،كما هو مرسوم بالمصحف ،واستثناء أرقام اليات ،أو
إلصاقها بالكلمة التي تسبقها ،ومن ثم تظليل نقطة البداية حتى نقطة النهاية ،
ومن ثم طلب أمر ) عدد الكلمات ( من قائمة ) أدوات ( ،لتظهر لك النتيجة
على الفور ( .
صلنا عليه ،هو عدد من السنين القمرية ،التي ربما ُتشير هذا العدد الذي تح ّ
إلى نهاية مدة لبث بني إسرائيل ،في الرض المذكورة بداية السورة ،أي أن
نهاية هذا اللبث ،ستكون بعد 1422سنة قمرية ،ومن هنا تكون نقطة النهاية
معلومة ،بينما نقطة البداية مجهولة .
426
فهل ستكون نقطة البداية هي حادثة السراء والمعراج ،أم هو وقت نزول
سورة السراء ،أم حادثة الهجرة النبوية نفسها ،التي اّتخذت اصطلحا كنقطة
بداية للتقويم الهجري ،ال أعلم ؟!
حيث ورد في كتاب ) الكامل في التاريخ ( للشيباني ،ما نصه " :والصحيح
المشهور أن عمر بن الخطاب رضي ال عنه ،أمر بوضع التاريخ ،وسبب
ذلك أن أبا موسى الشعري ،كتب إلى عمر ،أنه يأتينا منك ،كتب ليس لها
تاريخ ،فجمع عمر الناس للمشورة ،فقال بعضهم َ :أّرخ بمبعث النبي صلى
ال عليه وسلم ،وقال بعضهم :بمهاجرة رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فقال
عمر :بل نؤرخ بمهاجرة رسول ال ،فإن مهاجرته فرق بين الحق والباطل ،
قاله الشعبي " .
اختبار العدد ، 1422على فرض أنه يمّثل السنة الهجرية : 1422
جة هو الشهر جة ،وذو الح ّ
آخر أيام السنة الهجرية ، 1422هو - 29ذو الح ّ
الثاني عشر من السنة الهجرية .وقامت دولة إسرائيل بتاريخ / 5 / 15
1948م ،ويقابل هذا التاريخ بالهجري / 6رجب 1367 /هش ،ورجب هو
الشهر السابع من السنة الهجرية .ولحساب أطول مدة ممكنة ،لبقاء دولة
إسرائيل على قيد الحياة ،سنقوم بطرح التاريخ الثاني من الول :
1422 / 12 / 29هش 1367 / 7 / 6 -هش = 23يوم ،و 5أشهر و 55سنة
قمرية
أي ستكون نهاية الدولة اليهودية في بحر السنة ) السادسة والخمسين ( من
عمرها .
اختبار العدد ) : ( 56
ضْيَنا ِإَلى َبِني
• بما أن قصة وعدي الولى والخرة ،بدأت بعبارة ) َوَق َ
سراِئيَل … ) (4وإذا فرضنا أنها ،تمّثل بداية قيام دولة إسرائيل ،فما هي إ ْ
العبارة التي ُتشير إلى نهايتها ،ونفاذ وعد الخرة فيها ؟ بل شك ستكون
جَد … ) ، (7إذ أن ما جاء بعدها ، سِخُلوا اْلَم ْ
الجابة هي عبارة ) … َوِلَيْد ُ
ضْيَنا
هي عبارات للتعقيب فقط .وإذا قمت بإحصاء الكلمات من عبارة ) َوَق َ
سجَِد سراِئيَل ، (4) …4حتى تصل إلى عبارة ) َوِلَيْد ُ
خُلوا اْلَم ْ ِ 1إَلى َ 2بِني 3إ ْ
427
… ) (7ستجد أن كلمة ) المسجد ( تحمل العدد ) ، ( 56وهو نفس العدد
صلنا عليه في الحسبة السابقة . الذي تح ّ
• ُيعاد ِذكر بني إسرائيل مرة أخرى ،في نهاية السورة ،في قوله تعالى )
سَراِئيَل … )، (101 سَئْل َبِني ِإ ْ
ت َف ْت َبّيَنا ٍ
سَع َءاَيا ٍ
سى ِت ْ
َوَلَقْد َءاَتْيَنا ُمو َ
وينتهي ذكرهم بالمر الخر الذي سيتحّقق بمجيء وعد الخرة ،وهو
جْئَنا ِبُكْم َلِفيًفا )
خَرِة ِ
لِعُد ا ْجاَء َو ْمجيئهم من الشتات ،في قوله تعالى ) َفِإَذا َ
. (104وإذا قمت بإحصاء الكلمات ،منذ بداية ذكرهم وذكر وعد الخرة
للمرة الثانية بعبارة ) َوَلَقْد 1آَتْيَنا ُ 2موسى (101) … 3حتى تصل إلى
جْئَنا ِبُكْم َلِفيًفا ) ، (104ستجد أن كلمة ) لفيفا ( أيضا ،تحمل عبارة ) … ِ
العدد ) . ( 56
اختبار العدد 56من خلل العّد والحساب :
ل ) ، (52وقوله ) َوِإًذا لَ ن َلِبْثُتْم ِإّل َقِلي ً
ن ِإ ْ
ظّنو َ والن نعود إلى قوله تعالى ) َوَت ُ
ل ) ، (76حيث ُذكر لفظ اللبث .وكما قلنا فيما سبق ،أن ك ِإلّ َقِلي ً
لَف َ
خَن ِ َيْلَبُثو َ
المقصود باللبث ،في العبارتين هو لبث اليهود .وهذا اللبث منذ بداية دولتهم
وحتى نهايتها ،تبين لنا أنه ل يتجاوز 56سنة ،وهو موصوف بالقليل :
• إذا قمت بإحصاء 56كلمة ،من حيث الكلمة التي تلي كلمة قليل مباشرة ،
ل )َ (52وُقْلِ 1لِعَباِدي (53) … 2 ن َلِبْثُتْم ِإلّ َقِلي ً
ن ِإ ْ
ظّنو َ
في قوله تعالى ) َوَت ُ
وتوقفت عند الكلمة التي تحمل العدد ) ، (56ستجد أنك توقفت في نهاية
عوا اّلِذي َ
ن العبارة ) فل يملكون كشف الضّر عنكم ( ،في الية ) ُقِل اْد ُ
ل) حِوي ًعنُكْمَ ، 56وَل َت ْ
ضّرَ 55 ف 54ال ّ ش َ ن َك ْل َيْمِلُكو َ
ن ُدوِنِه َ ،ف َ عْمُتْم ِم َْز َ
ضّر أي الذى والعذاب الدنيوي ،عند مجيء ، (56والذين سيقع بهم ال ُ
وعد الخرة هم اليهود .ولو نظرت إلى نهاية الية ،التي تسبق هذه الية
مباشرة ،ستجد قوله تعالى ) َوآَتْيَنا َداُووَد َزُبوًرا ) (55وداود عليه السلم
سس مملكتهم الولى ،وكأن ذكره جاء للشارة إليهم .ولو قرأت هو مؤ ّ
نص الية كامل ،ستجد المخاطبين ،كانوا قد اّتخذوا أولياء ووكلء من
دون ال ،ويؤكد سبحانه أن هؤلء الولياء والوكلء ،ل يملكون إزالة
الذى أو تحويله عنهم ،حال وقوعه بهم .
428
ولو كنت دقيق الملحظة ،ستكتشف أن الية التي توقف العّد فيها عند العدد
، 56على عبارة ) فل يملكون كشف الضّر عنكم ( ،هي الية التي تحمل
العدد ) ( 56أيضا ،وهذه الية تقع في منتصف السورة تمامًا .إذ لو أنك
قمت بقسمة عدد آيات السورة ) (111على ) (2ستحصل على ) ، ( 55.5
وهي تقريبا نفس الحسبة التي خرجنا بها سابقا ،لُتشير إلى أن زوال
دولتهم ،سيكون في بحر السنة السادسة والخمسين من عمر دولتهم .
• وإذا قمت بإحصاء 56كلمة ،من حيث الكلمة التي تلي كلمة قليل مباشرة
3
نَ 2قْد
سّنَةَ 1م ْ
ل )ُ (76 ك ِإّل َقِلي ً
لَف َ
خَ ن ِ ،في قوله تعالى ) َوِإًذا لَ َيْلَبُثو َ
سْلَنا ، (77) … 4وتوقفت عند الكلمة التي تحمل العدد ) ، (56ستجد أنك َأْر َ
جاَء
ق وزهق الباطل ( ،في الية ) َوُقْل َ توقفت في نهاية العبارة ) جاء الح ّ
ن َزُهوًقا ) ، (81ومجيء الح ّ
ق طَل َكا َ طُلِ ، 56إ ّ
ن اْلَبا ِ ق 55اْلَبا ِقَ 54وَزَه َ 53اْل َ
حّ
حّقا )98 عُد َرّبي َ ن َو ْ
جَعَلُه َدّكاَء َوَكا َ
عُد َرّبي َ جاَء َو ْ هو مجيء الوعد ) َفِإَذا َ
ق الباطل هو بل شك نفاذ وعد الخرة ،بزوال دولة الفساد الكهف ( ،وَزه ِ
وهلك أهلها .
التأريخ لقيام دولة إسرائيل :
سُكُنواسَراِئيَل ا ْخَرِة َ … ( 7 ) … :وُقْلَنا … ِلَبِني ِإ ْ لِ عُد ا ْ
جاَء َو ْ) … َفِإَذا َ
جْئَنا ِبُكْم َلِفيًفا ). (104
خَرِة ِ :
لِعُد ا ْ
جاَء َو ْض … َفِإَذا َ اَْلْر َ
تكرار ذكر بني إسرائيل في بداية السورة ونهايتها ،هو أمر ملفت للنظر ،
وتكرار ذكر وعد الخرة في بدايتها ونهايتها كذلك ،هو أمر آخر ملفت للنظر
أيضا ،وأثناء محاولتي المتكّررة للربط العددي ،بين عبارتي ) فإذا جاء وعد
الخرة ( في الية ) ( 7والية ) . ( 104
خَرِة (7) … 4في بداية لِ عُد 3ا ْ
جاَءَ 2و ْ
قمت بعّد الكلمات من قوله تعالى ) َفِإَذا َ 1
السورة ،إلى ما قبل عبارة ) فإذا جاء وعد الخرة ) (104في نهاية السورة ،
سَراِئيَل
وتوقفت عند عبارة ) اسكنوا الرض ( ،في قوله ) َوُقْلَنا … ِلَبِني ِإ ْ
ض . (104) … 1367فوجدت أنني قد توقفت على العدد ) سُكُنوا 1366الَْْر َا ْ
، (1367وهذا العدد ،هو موعد قيام دولة إسرائيل بالتقويم الهجري ،وهو
موعد استيلئهم الفعلي على أرض فلسطين ،وبدء استيطانهم فيها ،وتجّمعهم
من شتى بقاع الرض .
429
وكأن واقع الحال ُ ،يخبر بأنه في عام 1367هش ،سيأذن ال لهم بالسكن في
الرض المقّدسة واستيطانها ،وإقامة علوهم الثاني والخير فيها .
مجموع كلمات السورة يحمل في ثناياه العددين 56و : 1422
عدد كلمات القصة من بدايتها حتى نهايتها هو ) (1422كلمة .
سَرى … ) (1إلى ن اّلِذي َأ ْحا َسْب َعدد كلمات المقدمة بدءا من قوله تعالى ) ُ
شُكوًرا )، (3
عْبًدا َن َقوله تعالى ) … َكا َ
هو ) (42كلمة .
ق َأنَزْلَناُه … ) (105إلى حّ عدد كلمات الخاتمة ،بدءا من قوله تعالى ) َوِباْل َ
قوله تعالى ) … َوَكّبْرُه َتْكِبيًرا )، (111
هو ) (92كلمة .
وبجمع النواتج الثلثة ،نحصل على عدد كلمات السورة كاملة :
1556 = 92 + 1422 + 42كلمة
والن تمّعن في العدد الكلي لكلمات السورة ،فما الذي يقوله هذا العدد ؟ لو
ي المئات واللوف ،ستحصل على ي الحاد والعشرات ،عن خانت ّ فصلت خانت ّ
العددين ) (56و ) ، (15والعدد الول معلوم ،والعدد الثاني ُيعّبر عن القرن
الخامس عشر الهجري ،الذي نعيشه الن .
كما أن مجموع أرقام هذا العدد ُ ،يمّثل ترتيب سورة السراء في القرآن + 6 :
17 = 1 + 5 + 5
سوُءوا خَرِة ِلَي ُ
لِعُد ا ْ
جاَء َو ْ
والملفت للنظر أيضا أن عدد كلمات عبارة ) َفِإَذا َ
جَد ( هو ثمانية كلمات ،وأن عدد كلمات عبارة ) َفِإَذا سِ خُلوا اْلَم ْجوَهُكْم َوِلَيْد ُُو ُ
جْئَنا ِبُكْم َلِفيًفا ( هو سبعة كلمات . خَرِة ِ
لِ عُد ا ْ جاَء َو َْ
حاصل ضرب العددين هو 56 = 7 × 8 :
وحاصل جمع العددين هو 15 = 7 + 8 :
ومجموع الناتجين ،هو ، 71 = 15 + 56 :وهذا العدد سنوضح أمره فيما
يلي .
430
تحديد الفترة الزمنية :
بعد انقضاء الموعد ،الذي كنا قد رجحناه في الصدارات السابقة ،وبعد العودة
لسورة السراء ،والتفكير مليا في أمر العدد ، 1442تبين لنا أن هذا العدد
جْئَنا ِبُكْم َلِفيفًا ) ، (104مما يدفعنا
خَرِة ِ
لِعُد ا ْ
جاَء َو ْ
ارتبط بعبارة ) َفِإَذا َ
للعتقاد بأن ارتباط هذه العبارة بهذا العدد ،يشير إلى اكتمال مجيء بني
إسرائيل من الشتات ،بانقضاء سنة 1422هش ،وليس موعدا لنهايتها ،وأن
الموعد الكثر احتمال ،هو بحر السنة 56من عمرها ،والتي بقي منها الن
هو النصف الثاني فقط .
وبعد التدقيق في أمر العدد ، 56تبين لنا أن سورة السراء ُ ،تظهر هذا العدد
أكثر من العدد ،1422وبصورة ملفتة للنظر ،وهو ما لم نعتمد عليه بشكل
كلي ،لتحديد أقصى موعد محتمل لنهاية إسرائيل .
وبذلك تكون الفترة الزمنية المحتملة لنهاية الدولة اليهودية ،هي الفترة التي
تمتد ما بين ،أول يوم حتى آخر يوم ،من السنة 56من عمرها :
] / 6رجب 1422 /هـ – / 5رجب 1423 /هـ [
ويقابلها بالميلدي :
] 2001 / 9 / 23م 2002 / 9 / 12 -م [
وإذا ثبت خطأ هذا الحتمال ،ولم يتحقق وعد الخرة في بني إسرائيل في
الموعد المحدد ،فلن يكون هناك احتمالت جديدة ،لعدم وجود أية دلئل أخرى
صلنا عليها سابقا ،ونود أن ننبه الخوة القّراء ، ،توحي بأرقام غير التي تح ّ
بأن إصابتنا في هذا الموعد ،فيما لو حصلت ،فذلك ل يعني بالضرورة
إصابتنا ،في المواعيد التي تليها ...والتصديق بهذه مسألة من عدمها ،يعود
لقناعة القارئ الشخصية .
ونكّرر ما ختمنا به مقدمة كتابنا ،وإن أخطأنا فمن أنفسنا ،وإن أصبنا فمن
ال ،ول حول ول قوة إل بال ،وال ولي التوفيق .
الموعد المتوقع لنهاية الوليات المتحّدة المريكية :
عْنُكْم َوَل
ف الضّّر َ ش َ ن َك ْل َيْمِلُكو َن ُدوِنِه َف َ
عْمُتْم ِم ْ
ن َز َعوا اّلِذي َقال تعالى ) ُقِل اْد ُ
سيَلَة َأّيُهْم َأْقَر ُ
ب ن ِإَلى َرّبِهُم اْلَو ِن َيْبَتُغو َ
عو َن َيْد ُ
ك اّلِذي َ
ل )ُ (56أوَلِئ َ
حِوي ً
َت ْ
431
ن
ن ِم ْحُذوًرا )َ (57وِإ ْ ن َم ْ
ك َكا َ
ب َرّب َعَذا َ
ن َ عَذاَبُه ِإ ّن َ خاُفو َحَمَتُه َوَي َ
ن َر ْجو َ َوَيْر ُ
ن َذِل َ
ك شِديًدا َ ،كا َ
عَذاًبا َ
ن ُمْهِلُكوَها َ ،قْبَل َيْوِم اْلِقَياَمِة َ ،أْو ُمَعّذُبوَها َ حَُقْرَيةٍ ِإلّ َن ْ
طوًرا ) 58السراء ( سُ ب َم ِْفي اْلِكَتا ِ
إذا كانت الية ) ، ( 56تتحدث عن نهاية دولة إسرائيل ،فالية ) ( 58تتحدث
عن قرى -ظالمة بل شك -سيتم إهلكها ،أو إنزال العذاب الشديد بها ،قبل
يوم القيامة ،ولم يبق الكثير من الوقت ،فُدول هذا العصر ،هي القرى الخيرة
قبل يوم القيامة ،وتكاد ل تجد فيها قرية غير ظالمة ،وأكثر القرى المعاصرة
ظلما هي أمريكا .
وإذا كان رقم الية ) ُ ، ( 56يعّبر عن موعد هلك إسرائيل ،فمن المحتمل أن
رقم الية ) ُ ( 58يشير إلى موعد هلك أمريكا ،أي بعد زوال إسرائيل بسنتين
قمريتين ،في السنة الثامنة والخمسون ،من قيام دولة إسرائيل ،وهي ُتقابل ،
سنة 1424هش تقريبا .
لقد بدأ يوم القيامة ،بقيام دولة إسرائيل ،بل منذ عل اليهود في الرض ،
والناس في غفلة من أمرهم :
ن وترّوي ،وتوقف عند كل مقطع ،وكل إن لم ُتصّدق ذلك ،فتفّكر معي ،بتأ ٍ
ي، ك ِإَل ّ
ك َ ،وَراِفُع َ سى ِإّني ُمَتَوّفي َ ل َ ،يِعي َ عبارة ،في قوله تعالى ) ِإْذ َقاَل ا ُّ
ن َكَفُروا ِ ،إَلى ق اّلِذي َ
ك َ ،فْو َ ن اّتَبُعو َ
عُل اّلِذي َ جا ِن َكَفُروا َ ،و َ ن اّلِذي َك ِم َطّهُر َ َوُم َ
ن ) 55آل خَتِلُفو َ
حُكُم َبْيَنُكْم ِ ،فيَما ُكْنُتْم ِفيِه َت ْ
جُعُكْم َ ،فَأ ْ
ي َمْر ِ
َيْوِم اْلِقَياَمِة ُ ،ثّم ِإَل ّ
عمران ( .
ك ِم َ
ن يقول سبحانه وتعالى ،في معرض خطابه لعيسى عليه السلم َ ) ،وُمطَّهُر َ
ن َكَفُروا ( ،والذين كفروا بعيسى وطّهره ال من أقوالهم وأفعالهم ،هم اّلِذي َ
ك ( والذين اتبعوه هم النصارى إجمال ،بغض ن اّتَبُعو َ
عُل اّلِذي َجا ِاليهود َ ) ،و َ
ن َكَفُروا ( ق اّلِذي َ
النظر عن صحة معتقدهم وصدق التزامهم بتعاليمه َ ) ،فْو َ
والفوقية تعني العلو والستعلء ،والذين كفروا هم اليهود ِ ) ،إَلى َيْوِم اْلِقَياَمِة (
واليوم في الميقات السماوي ،يساوي ألف سنة بالميقات الرضي ،وهذا
اليوم ،هو الذي سيقوم الناس فيه من قبورهم ،ول ندري فيما كانت الناس ،
ستقوم في أوله ،أم في وسطه ،أم في آخره .
432
ومفاد الية أعله ،أن الفوقية ستكون للنصارى على اليهود ،إلى يوم القيامة ،
بمعنى أن فوقية النصارى على اليهود ،لها منتهى ،وقد حّددته هذه الية
بمجيء يوم القيامة ،وأن تحّول هذه الحالة إلى العكس تماما ،أي أصبحت
الفوقية لليهود على النصارى ،فهي إيذان ببدء يوم القيامة بالميقات السماوي .
ولو تتبعنا التاريخ اليهودي ،لوجدنا أن الضطهاد النصراني لليهود ،بدأ منذ
اعتناق الرومان للنصرانية ،واتخاذها كدين رسمي للمبراطورية الرومانية ،
واستمر حتى بدايات القرن الماضي ،وزال كلية بعد الحرب العالمية الثانية ،
وبعد قيام الدولة اليهودية في فلسطين ،حيث انقلب الحال ،فأصبحت الفوقية
لليهود على النصارى ،وبدأ عصر الضطهاد اليهودي للنصارى وغيرهم ،
فرئيس الوليات المتحدة بعظمته ،ل يملك من أمره ،إل السمع والطاعة
لسياده اليهود .
الموعد المتوقع لعودة عيسى عليه السلم ،والقضاء على الدجال وأتباعه
اليهود :
سراِئيَل، (4) …4 ضْيَنا ِ 1إَلى َ 2بِني 3إ ْ
عندما قمنا بعّد الكلمات ،من عبارة ) َوَق َ
جَد … ) (7وجدنا أن كلمة ) المسجد ( سِ خُلوا اْلَم ْ
حتى تصل إلى عبارة ) َوِلَيْد ُ
تحمل العدد ) ، ( 56وهي السنة التي ستكون فيها نهاية إسرائيل .فلنكمل العدّ
عْدَنا ( ،التي ُتخبر عن عودتهم للفساد ، عْدُتْم ُ
ن ُ حتى نصل لعبارة ) … َوِإ ْ
وعودة ال عليهم بالعقاب ،على يد عيسى عليه السلم ،ومن معه من المؤمنين
،ستجد أن كلمة ) عدنا ( تحمل العدد ) ، ( 71وهي ُتمّثل السنة الواحدة
والسبعون ،من قيام دولتهم ،وهي تقابل سنة 1437هش تقريبا .
ومجموع العدد ) ، ( 71ومقلوبه ) ( 17الذي ُيمثل ترتيب السورة هو + 71 :
88 = 17
والناتج ) ( 88هو رقم الية ،التي تحدى سبحانه فيها الجن والنس ،على أن
يأتوا بمثل هذا القرآن .
الموعد المتوقع لظهور المهدي :
ج ِفي آخِِر
خرُ ُ
ل ُ ) :ثّم َي ْ
سّلَم َقا َ
عَلْيِه َو َ
ل َ
صّلى ا ُّي َ ن الّنِب ّ
ي َأ ّ
خْدِر ّ
سِعيٍد اْل ُ
ن َأِبي َعْ َ
جًا ( رواه الحاكم جَ حَ سْبًعا َأْو َثَماِنَيًا َ ،يْعِني ِ
ش َ ي َ ، … ،يِعي ُ ُأّمِتي اْلَمْهِد ّ
433
سٌع ( ، سْبٌع َوِإّل َفِت ْ
صَر َف َن ُق ِ
ححه اللباني ،وأخرجه الترمذي ) … ِإ ْ وص ّ
سًعا ( ، سْبًعا َأْو ِت ْ
سا َأْو َ خْم ًسًعا … ( و ) … َ سْبًعا َأْو ِت ْك َ وأحمد ) … َيْمِل ُ
سٌع
سْبٌع َوِإّل َفِت ْ
صَر َف َن ُق ِ ن ( ،وابن ماجه ) ِإ ْ
سِني َ
سْبَع ِ ك َ وأبو داود ) … َيْمِل ُ
ي.
خْدِر ّسِعيٍد اْل ُ
ن َأِبي َ عْ … ( كّلهم َ
جح لدي أن خروج المهدي ،سيكون قبل خروج الدجال ،وستنتهي ومن المر ّ
خلفته ،بنزول عيسى عليه السلم وتسليمها له ،ومتوسط مدة خلفته ،إذا
ح هذا أخذنا بعين العتبار ،اختلف الروايات ،هو سبع سنوات ،فإن ص ّ
التقدير ،نستطيع حساب موعد خروجه بطرح ) ( 7سنوات ،من الموعد
المتوقع لنزول عيسى عليه السلم ) : ( 1437
1430 = 7 – 1437
الموعد المتوقع لخروجه هو عام 1430هش ،بتقديم سنتين أو تأخير سنتين ،
وال أعلم .
المواعيد المتوقعة للحداث الكبرى :
قال تعالى
ن َ ،ل َيْأُتو َ
ن ن َيْأُتوا ِبِمْثِل َهَذا اْلُقْرَءا ِ
عَلى َأ ْ
نَ ، جّس َواْل ِ
ت اِْلْن ُ جَتَمَع ِ
نا ْ ) ُقْل َلِئ ِ
ظِهيًرا )(88 ض َ ضُهْم ِلَبْع ٍ
ن َبْع ُِبِمْثِلِه َ ،وَلْو َكا َ
434
س ِإّل
ن ُكّل َمَثٍل َ ،فَأَبى َأْكَثُر الّنا ِ
ن ِ ،م ْ
س ِ ،في َهَذا اْلُقْرَءا ِ
صّرْفَنا ِللّنا ِ
) َولََقْد َ
ُكُفوًرا )(89
) السراء (
435
سرناه بلسانك لعّلهم يتذّكرون
فإنما ي ّ
تبدأ سورة الدخان بتعظيم شأن القرآن الكريم ،وتعظيم شأن الليلة التي ُأنزل
فيها ،وترّكز السورة ،على النذار دون البشرى ،حيث قال سبحانه في
شًرا
شاِهًدا َوُمَب ّ
ك َسْلَنا َ
ي ِإّنا َأْر َ
إرسال محمد عليه الصلة والسلم ) َيَأّيَها الّنِب ّ
َوَنِذيًرا ) 45الحزاب ( .ويؤكد سبحانه أنه أرسله ،منذرا للبشر من قبل أن
يحل بهم العقاب ،رحمة منه بعباده .والعقاب الذي تأتي على خبره اليات
وتحّذر منه ،هو البطشة الكبرى ،التي لم ُتحّدد ماهيتها هنا ،ونذير هذه
البطشة ،الذي سيسبقها بقليل ،هو الدخان ،فليرتقبه الناس ،فإن ظهر وعاينوه
فليعتبروا ،وليحذروا ،وليعودوا عما هم عليهم من الشك والتشكيك في أمر
ربهم ،واللعب في أمر دينهم ،والطعن في رسولهم الكريم ،الذي ُبعث إليهم
بشيرا ونذيرا ،فإن لم يفعلوا ولن يفعلوا ،فليرتقبوا البطشة الكبرى .وقد ظهر
الدخان الموصوف في هذه السورة ،في عاصمة أحد القطار العربية ،فاقرأ
سرت هذه النبوءة على معنا هذا الفصل والفصول التي تليه ،لتعرف كيف ُف ّ
أرض الواقع ،ولتعرف من هم الموعودين بالبطشة الكبرى قريبا ،بعد
إصرارهم على ما هم عليه ،من الكفر والفسوق والعصيان ،بالرغم من
غشيان الدخان لهم ،بنفس الصفة ،التي أخبرت عنها اليات .
تعريف بسورة الدخان :
" مكية ،كما روي عن ابن عباس ،وابن الزبير رضي ال تعالى عنهم ،
ووجه مناسبتها لما قبلها أنه عز وجل ،ختم ما قبلها ) الزخرف ( بالوعيد
والتهديد ،وافتتح هذه بشيء من النذار الشديد ،وذكر سبحانه هنا ،كقول
الرسول صلى ال تعالى عليه وسلم ،يا رب إن هؤلء قوم ل يؤمنون ) في
نهاية سورة الزخرف ( ،وهنا نظيره ،فيما حكى عن أخيه موسى عليهم
الصلة والسلم ،بقوله تعالى فدعا ربه ،أن هؤلء قوم مجرمون ،وورد
بفضلها أخبار " ،اللوسي .
436
سرين في آيات سورة الدخان :
أقوال بعض المف ّ
ن )(3 ن )ِ (2إّنا َأْنَزْلَناُه ِفي َلْيَلٍة ُمَباَرَكٍة ِإّنا ُكّنا ُمْنذِِري َ
ب اْلُمِبي ِ
) حم )َ (1واْلِكَتا ِ
ن )َ (5رحَْمًة سِلي َعْنِدَنا ِإّنا ُكّنا ُمْر ِن ِحِكيٍم )َ (4أْمًرا ِم ْ ق ُكّل َأْمٍر َِفيَها ُيْفَر ُ
سِميُع الَعِليُم )(6 ك ِإّنُه ُهَو ال ّ ن َرّب َ
ِم ْ
" يقول تعالى مخبرا عن القرآن العظيم ،أنه أنزله في ليلة مباركة ،وهي ليلة
القدر ،أمر حكيم ،أي محكم ل ُيبّدل ول ُيغّير ،ولهذا قال جل جلله ) ،أمرا
من عندنا ( ،أي جميع ما يكون وُيقّدره ال تعالى وما يوحيه ،فبأمره وإذنه
وعلمه ) ،إنا كنا مرسلين ( أي إلى الناس رسول يتلوا عليهم آيات ال مبينات
" ،ابن كثير .
حِيي
ن )َ (7ل ِإَلَه ِإّل ُهَو ُي ْ
ن ُكْنُتْم ُموِقِني َ
ض َوَما َبْيَنُهَما ِإ ْت َوالَْْر ِسَمَوا ِ) َربّ ال ّ
ن )(8 ب َءاَباِئُكُم اَْلّوِلي َ
ت َرّبُكْم َوَر ّ
َوُيِمي ُ
" أي إن كنتم من أهل اليقان ،علمتم كونه سبحانه رب السماوات والرض ،
لنه من أظهر اليقينيات دليل ،وفي هذا الشرك تنزيل إيقانهم ،منزلة عدمه ،
لظهور خلفه عليهم ،وهو مراد من قال :إنه من باب تنزيل العالم منزلة
الجاهل ،لعدم جريه على موجب العلم ،قيل :ول يصح أن يقال :إنهم نزلوا
منزلة الشاكين ،لما كان قوله سبحانه بعد :بل هم في شك ،ول أدري بأسا في
جل عليهم بالشك ،لنهم وأن أقّروا بأنه أن يقال :إنهم نزلوا أول كذلك ،ثم س ّ
ك للحادهم فيعز وجل ،رب السماوات والرض ،لم ينفّكوا عن الش ّ
صفاته ،وإشراكهم به تعالى شأنه " ،اللوسي .
ن )(9
ك َيْلَعُبو َ
شّ
) َبْل ُهْم ِفي َ
" بل هؤلء المشركون ) ،في شك يلعبون ( أي قد جاءهم الحق اليقين ،وهم
يشّكون فيه ،ويمترون ول يصدقون به ،ثم قال عز وجل متوعدا لهم ومهّددا ،
) فارتقب يوم تأتي السماء ( " ،ابن كثير .
" ) بل هم في شك يلعبون ( أي ليسوا على يقين ،فيما يظهرونه من اليمان
والقرار ،في قولهم إن ال خالقهم ،وإنما يقولونه لتقليد آبائهم ،من غير علم ،
ك ،وإن توهموا أنهم مؤمنون ،فهم يلعبون في دينهم ،وقيل فهم في ش ّ
يلعبون ،يضيفون إلى النبي صلى ال عليه وسلم الفتراء والستهزاء ،ويقال
437
أعرض عن المواعظ لعب ،وهو كالصبي الذي يلعب ،فيفعل ما ل يدري
عاقبته " القرطبي .
" ل يقولون ما يقولون ،مما هو مطابق لنفي المر عن جدر وإذعان ،بل
يقولونه مخلوطا بهزء ولعب ،وهذه الجملة خبر بعد خبر لهم ،واللتفات عن
خطابهم ،لفرط عنادهم وعدم التفاتهم ،والفاء في قوله تعالى :فارتقب لترتيب
الرتقاب ،أو المر به على ما قبلها ،فإن كونهم في شك يلعبون ،مما يوجب
ذلك ،أي فانتظر لهم ،يوم تأتي السماء بدخان مبين " ،اللوسي .
ب َأِليٌم )
عَذا ٌ
س َهَذا َ
شى الّنا َ
ن )َ (10يْغ َ
ن ُمِبي ٍ
خا ٍ
سَماُء ِبُد َ
ب َيْوَم َتْأِتي ال ّ
) َفاْرَتِق ْ
(11
" ارتقب معناه انتظر ،يا محمد بهؤلء الكفار ،يوم تأتي السماء بدخان مبين ،
قاله قتادة .وقيل معناه احفظ قولهم هذا ،لتشهد عليهم " ،القرطبي .
" يعني تعالى ذكره بقوله ) فارتقب ( ،فانتظر ،يا محمد بهؤلء المشركين من
قومك ،الذين ) هم في شك يلعبون ( ) ،يغشى الناس ( يقول يغشى أبصارهم ،
من الجهد الذي يصيبهم ) ،هذا عذاب أليم ( يعني أنهم يقولون ،مما نالهم من
ذلك الكرب والجهد ،هذا عذاب أليم ( " الطبري .
سرين في الدخان :
أقوال المف ّ
ل: ث ِفي ِكْنَدَة َ ،فَقا َ حّد ُ ل ُي َجٌ ل َ " :بْيَنَما َر ُ ق َ ،قا َ سُرو ٍ ن َم ْ عْتفسير ابن مسعود َ :
خُذ اْلُمْؤِم َ
ن صاِرِهْم َ ،يْأ ُ ن َوَأْب َ ع اْلُمَناِفِقي َسَما ِ خُذ ِبَأ ْن َيْوَم اْلِقَياَمِة َ ،فَيْأ ُ خا ٌ جيُء ُد َ َي ِ
س، جَل َ ب َ ،ف َ ض َ ن ُمّتِكًئا َ ،فَغ ِ سُعوٍد َ ،وَكا َ ن َم ْ ت اْب َ عَنا َ .فَأَتْي ُ َكَهْيَئةِ الّزَكاِم َ ،فَفِز ْ
ن َيُقو َ
ل ن اْلِعْلِم َ ،أ ْ ن ِم ْعَلُم َ ،فِإ ّ ل َأ ْل ا ُّن َلْم َيْعَلْم َ ،فْلَيُق ْ ل َ ،وَم ْ عِلَم َفْلَيُق ْ
ن َ ل َ :م ْ َفَقا َ
عَلْيِه
سَأُلُكْم َسّلَم ) ُقْل َما َأ ْ عَلْيِه َو َ ل َ صّلى ا ُّ ل ِلَنِبّيِه َ ل َقا َ ن ا َّ عَلُم َ ،فِإ ّ ل َأ ِْلَما لَ َيْعَلُم َ
عَلْيِهْم
عا َ لِم َ ،فَد َ سَ لْ ن ا ِْعْ طُئوا َ شا َأْب َ
ن ُقَرْي ً ن ( َوِإ ّ ن اْلُمَتَكّلِفي َ جٍر َوَما َأَنا ِم ْ ن َأ ْ
ِم ْ
ف، س َ سْبِع ُيو ُ سْبٍع َك َ عَلْيِهْم ِب َعّني َ ل :الّلُهّم َأ ِ سّلَم َ ،فَقا َ عَلْيِه َو َل َ صّلى ا ُّ ي َ الّنِب ّ
جلُ َما َبْي َ
ن ظاَم َ ،وَيَرى الّر ُ حّتى َهَلُكوا ِفيَها َ ،وَأَكُلوا اْلَمْيَتَة َواْلِع َ سَنٌة َ خذَْتُهْم ََفَأ َ
جْئ َ
ت حّمُد ِ ل َ :يا ُم َ ن َ ،فَقا َ سْفَيا َ
جاَءُه َأُبو ُ ن َ ،ف َ خا ِض َ ،كَهْيَئِة الّد َ لْر ِ سَماِء َوا َْ ال ّ
ب َيْوَم َتْأِتي ل ) َفَقَرَأ َفاْرَتِق ْ ع ا َّ ك َقْد َهَلُكوا َ ،فاْد ُ ن َقْوَم َ حِم َ ،وِإ ّ صَلِة الّر ِ َتْأُمُرَنا ِب ِ
خَرِة ِ ،إَذا لِ با ْ عَذا ُ عْنُهْم َ ف َ ش ُ ن ( َأَفُيْك َعاِئُدو َ ن ِ -إَلى َقْوِلِه َ - ن ُمِبي ٍ خا ٍسَماُء ِبُد َ ال ّ
شَة اْلُكْبَرى ( ط َ ش اْلَب ْط ُ ك َقْوُلُه َتَعاَلى َ ) :يْوَم َنْب ِ عاُدوا ِإَلى ُكْفِرِهْم َ ،فَذِل َ جاَء ُثّم َ َ
438
ن ( َوالّروُم َقْد سَيْغِلُبو َ
ت الّروُم ( ِإَلى ) َ غِلَب ْ
َيْوَم َبْدٍر َو ) ِلَزاًما ( َيْوَم َبْدٍر ) الم ُ
ضى " .رواه البخاري وأخرجه مسلم والترمذي وأحمد . َم َ
ضى ل َ " :م َ سُعوٍد َ ،قا َ ن َم ْلبَ عْبِد ا ِّ
ن َ عْ ق َ سُرو ٍ ن َم ْ عْ رواية لبن مسعود َ :
شُة َوالّلَزاُم " .رواه البخاري وأخرجه مسلم طَ ن َوالّروُم َواْلَقَمُر َواْلَب ْ خا ُس الّد َخْم ٌ َ
والترمذي وأحمد .
عَلْيِهل َ صّلى ا ُّي َ طَلَع الّنِب ّ
ل:ا ّ ي َ ،قا َ سيٍد اْلِغَفاِر ّ ن َأ ِ
حَذْيَفَة ْب ِن ُعْ حديث حذيفة َ :
عَة َ ،قالَ سا َن ؟ ( َقاُلوا َ :نْذُكُر ال ّ ل َ ) :ما َتَذاَكُرو َ ن َنَتَذاَكُر َ ،فَقا َ حُعَلْيَنا َ ،وَن ْسّلمَ َ َو َ
جاَل ،ن َ ،والّد ّ خا َت َ ،فَذَكَر الّد َ شَر آَيا ٍع ْن َقْبَلَها َ حّتى َتَرْو َ ن َتُقوَم َ ِ ) :إنَّها َل ْ
ن َمْرَيَم صَّلى ا ُّ
ل سى اْب ِ عي َن َمْغِرِبَها َ ،وُنُزولَ ِ س ِم ْ شْم ِ ع ال ّطُلو َ َوالّداّبَة َ ،و ُ
س ٌ
ف خ ْ ق َ ،و َ شِر ِ ف ِباْلَم ْس ٌ خ ْف َ سو ٍ خُلَثَة ُ ج َ ،وَث َ جو َ ج َوَمْأ ُ جو َسّلَم َ ،وَيَأ ُعَلْيِه َو َ َ
ن َ ،تطُْرُد ن اْلَيَم ِج ِم ْ خُر ُك َناٌر َت ْ
خُر َذِل َ ب َ ،وآ ِ جِزيَرِة اْلَعَر ِ ف ِب َ
س ٌ خ ْ ب َ ،و َ ِباْلَمْغِر ِ
شِرِهْم ( رواه مسلم وأخرجه الترمذي وأبو داود وابن ماجه ح َس ِإَلى َم ْ الّنا َ
وأحمد .
قال ابن كثير " وقد وافق ابن مسعود ،رضي ال عنه ،على تفسير الية
بهذا ،وأن الدخان مضى ،جماعة من السلف ،كمجاهد وأبي العالية وإبراهيم
النخعي ،والضحاك وعطية العوفي وهو اختيار ابن جرير .وروى ابن
جرير ،عن ربعي بن حراش قال سمعت حذيفة بن اليمان ،رضي ال عنه ،
يقول ،قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ) :إن أول اليات الدجال ،ونزول
عيسى بن مريم عليهما الصلة والسلم ،ونار تخرج من قعر عدن أبين ،
تسوق الناس إلى المحشر ،تقيل معهم إذا قالوا ،والدخان ،قال :حذيفة رضي
ال عنه يا رسول ال :وما الدخان ؟ فتل رسول ال صلى ال عليه وسلم هذه
الية ) :فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين ،يغشى الناس هذا عذاب أليم (
يمل ما بين المشرق والمغرب ،يمكث أربعين يوما وليلة ،أما المؤمن فيصيبه
منه كهيئة الزكمة ،وأما الكافر فيكون بمنزلة السكران ،يخرج من منخريه
ح هذا الحديث لكان فاصل ،وإنما لم وأذنيه ودبره ( ،قال ابن جرير لو ص ّ
أشهد له بالصحة .
وقال ابن جرير أيضا :عن أبي مالك الشعري ،رضي ال عنه ،قال :قال
رسول ال صلى ال عليه وسلم ) :إن ربكم أنذركم ثلثا ؛ الدخان ،يأخذ
المؤمن كالزكمة ،ويأخذ الكافر ،فينفخ حتى يخرج من كل مسمع منه ،
439
والثانية الدابة ،والثالثة الدجال ( ورواه الطبراني ،عن هاشم بن مرثد عن
محمد بن إسماعيل بن عياش به ،وهذا إسناد جيد .
وروى ابن جرير :عن عبد ال بن أبي مليكة ،قال :غدوت على ابن عباس
رضي ال عنهما ،ذات يوم ،فقال :ما نمت الليلة حتى أصبحت ! قلت ِ :لَم ؟
قال :قالوا طلع الكوكب ذو الذنب ،فخشيت أن يكون الدخان قد طرق ،فما
نمت حتى أصبحت ( وهكذا رواه ابن أبي حاتم فذكره وهذا إسناد صحيح إلى
ابن عباس رضي ال عنهما ،حبر المة وترجمان القرآن ،وهكذا قول من
وافقه من الصحابة والتابعين ،رضي ال عنهم ،مع الحاديث المرفوعة من
الصحاح والحسان وغيرهما ،التي أوردوها ،مما فيه مقنع ،ودللة ظاهرة ،
على أن الدخان ،من اليات المنتظرة ،مع أنه ظاهر القرآن ،قال ال تبارك
ح ،يراه كل
وتعالى ) فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين ( أي بّين واض ٌ
سر به ابن مسعود ،رضي ال عنه ،إنما هو خيال ،رأوه في أحد ،وعلى ما ف ّ
أعينهم من شدة الجوع والجهد ،وهكذا قوله تعالى ) يغشى الناس ( ،أي
ص أهل مكة المشركين ،لما قيل يتغشاهم ويعميهم ،ولو كان أمرا خياليا ،يخ ّ
فيه يغشى الناس ،وقوله تعالى ) هذا عذاب أليم ( ،أي يقال لهم ذلك تقريعا
وتوبيخا " .
وقال القرطبي " :وفي الدخان أقوال ثلثة ؛ الول :أنه من أشراط الساعة ،
لم يجئ بعد ،وأنه يمكث في الرض أربعين يوما ،يمل ما بين السماء
والرض ،فأما المؤمن فيصيبه مثل الزكام ،وأما الكافر والفاجر فيدخل في
أنوفهم ،فيثقب مسامعهم ،ويضيق أنفاسهم ،وهو من آثار جهنم يوم القيامة ،
وممن قال إن الدخان لم يأت بعد ،علي وابن عباس وابن عمر وأبو هريرة
وزيد بن علي والحسن وابن أبي ملكية وغيرهم ؛ والثاني :أن الدخان ،هو ما
أصاب قريشا من الجوع ،بدعاء النبي صلى ال عليه وسلم ،حتى كان الرجل
يرى بين السماء والرض دخانا ،قاله ابن مسعود ؛ والثالث :إنه يوم فتح مكة
لما حجبت السماء الغبرة ،قاله عبد الرحمن العرج " .
وقال اللوسي " :أي يوم تأتي بجدب ومجاعة ،فإن الجائع جدا ،يرَ بينه وبين
سر أبو عبيدة الدخان به ،والمراد باليوم مطلق السماء ،كهيئة الدخان ،وقد ف ّ
الزمان ،أي ارتقب وعد ال ذلك اليوم ،وبالسماء جهة العلو ،وإسناد التيان
بذلك إليهما ،من قبيل السناد إلى السبب ،لنه يحصل بعدم إمطاره ،وتفسير
440
الدخان بما فسرناه به ،مروي عن قتادة وأبي العالية والنخعي ،والضحاك
جاج ،وقد روي بطرق كثيرة عن ومجاهد ومقاتل ،وهو اختيار الفّراء والز ّ
ابن مسعود رضي ال تعالى ،وظاهره ،يدّلك ما في تاريخ ابن كثير ،على أن
القصة ،كانت بمكة ،فالية مكية ،وفي بعض الروايات ،أن قصة أبي
سفيان ،كانت بعد الهجرة ،فلعلها وقعت مرتين ،وقد تقّدم ما يتعلق بذلك في
سورة المؤمنين ،وقال علي كّرم ال تعالى وجهه ،وابن عمر وابن عباس وأبو
سعيد الخدري ،وزيد بن علي والحسن ،أنه دخان يأتي من السماء ،قبل يوم
القيامة ،يدخل في أسماع الكفرة ،حتى يكون رأس الواحد ،كالرأس الحنيذ ،
ويعتري المؤمن كهيئة الزكام ،فالدخان على ظاهره ،والمعنى فارتقب يوم
ظهور الدخان .
وحمل ما في الية ،على ما يعم الدخانين ،ل يخفى حاله .هذا والظهر ،
حمل الدخان على ما روي عن ابن مسعود أولى ،لنه أنسب بالسياق ،لما أنه
في كفار قريش ،وبيان سوء حالهم ) .يغشى الناس ( أي يحيط بهم ،والمراد
بهم كفار قريش ،ومن جعل الدخان ،ما هو من أشراط الساعة ،حمل ) الناس
( ،على من أدركه ذلك الوقت ،ومن جعل ذلك يوم القيامة ،حمل الناس على
العموم ،والجملة ) يغشى الناس ( صفة أخرى للدخان ،وقوله تعالى هذا
عذاب أليم ،وقيل :يجوز أن يكون هذا عذاب أليم ،إخبارا منه عز وجل ،
تهويل للمر ،كما قال سبحانه وتعالى ،في قصة الذبيح ،إن هذا لهو البلء
المبين " .
ن )(12
ب ِإّنا ُمْؤِمُنو َ
عّنا اْلَعَذا َ
ف َ
ش ْ
) َرّبَنا اْك ِ
" أي يقول الكافرون ،إذا عاينوا عذاب ال وعقابه ،سائلين رفعه وكشفه عنهم
) ،ربنا اكشف عنا العذاب ( " ابن كثير .
" وقوله ) ربنا اكشف عنا العذاب ( يعني أن الكافرين الذين يصيبهم ذلك الجهد
ضرعون إلى ربهم ،بمسألتهم إياه كشف ذلك الجهد " ،الطبري . ،ي ّ
فجّ
ل " كما صرح به غير واحد من المفسرين ،وعدُ منهم باليمان ،إن كش َ
وعل عنهم العذاب ،فكأنهم قالوا :ربنا إن كشفت عنا العذاب آمنا ،لكن عدلوا
عنه " ،اللوسي .
441
عْنُه َوَقاُلوا ُمَعّلٌم
ن )ُ (13ثّم َتَوّلْوا َ
سوٌل ُمِبي ٌ
جاَءُهْم َر ُ
) َأّنى َلُهُم الّذْكَرى َوَقْد َ
ن )(14 جُنو ٌَم ْ
" يقول كيف لهم بالتذكر ،وقد أرسلنا إليهم رسول ،بين الرسالة والنذارة ،
ومع هذا توّلوا عنه ،وما وافقوه بل كّذبوه ،وقالوا ُمعّلم مجنون " ابن كثير .
" قال ابن عباس :أي يتعظون ،وال أبعدهم من التعاظ والتذكر ،بعد توليهم
عن محمد صلى ال عليه وسلم ،وتكذيبهم إياه ) ،وقالوا ُمعّلم مجنون ( أي
عّلمه بشر ،أو عّلمه الكهنة والشياطين ،ثم هو مجنون وليس برسول " ،
القرطبي .
" يقول تعالى ِذكره ،من أي وجه لهؤلء المشركين التذّكر ،من بعد نزول
البلء بهم ،وقد تولوا عن رسولنا ،حين جاءهم مدبرين عنه ،ل يتذكرون بما
حججنا ،ويقولون إنمايتلى عليهم من كتابنا ،ول يتعظون بما يعظهم به من ُ
عّلم هذا الكلم " الطبري .
هو مجنون ُ
" ) أنى لهم الذكرى ( نفي صدقهم في الوعد ،وأن غرضهم إنما هو كشف
العذاب والخلص ،أي كيف يتذكرون ،أو من أين يتذكرون بذلك ،ويفون بما
وعدوه من اليمان ،عند كشف العذاب عنهم ،وقد جاءهم رسول مبين ،أي
والحال ،أنهم شاهدوا من دواعي التذكر وموجبات التعاظ ،ما هو أعظم من
ذلك في إيجابهم ،حيث جاءهم رسول عظيم الشأن ،ظاهر أمر رسالته باليات
والمعجزات ،التي تخز لها صم الجبال ،أو مظهرا لهم مناهج الحق ) ،ثم
تولوا عنه ( أي عن ذلك الرسول عليه الصلة والسلم ،ولم يقل ومجنون
بالعطف لن المقصود تعديد قبائحهم " ،اللوسي .
شَة اْلُكْبَرى ِإّنا
ط َ
ش اْلَب ْ
ط ُ
ن )َ (15يْوَم َنْب ِ
عاِئُدو َ
ل ِإّنُكْم َ
ب َقِلي ً
شُفوا اْلَعَذا ِ
) ِإّنا َكا ِ
ن )(16 ُمْنَتِقُمو َ
" والحتمال الثاني أن يكون المراد ،إنا مؤخرو العذاب عنكم قليل ،بعد انعقاد
أسبابه ،ووصوله إليكم ،وأنتم مستمرون ،فيما أنتم فيه من الطغيان
والضلل ،ول يلزم من الكشف عنهم أن يكون باشرهم " ابن كثير .
" ) إنا كاشفوا العذاب ( يعني الضّر النازل بهم ،يقول تعالى ذكره ،إنكم أيها
ل بكم ،ثم عّدتم
المشركون ،إن كشفت عنكم العذاب النازل بكم ،والضّر الحا ّ
442
في كفركم ونقضتم عهدكم ،الذي عاهدتم ربكم ،انتقمت منكم ،يوم أبطش
بكم ،بطشتي الكبرى ،في عاجل الدنيا ،فأهلككم " ،الطبري .
" إنا كاشفوا العذاب قليل ،وعد أن يكشف عنهم ذلك العذاب قليل ،أي في
زمان قليل ،ليعلم أنهم ل يفون بقولهم ،بل يعودون إلى الكفر ،بعد كشفه ،
قاله ابن مسعود .ومن قال ،إن الدخان منتظر ،قال ،أشار بهذا إلى ما
يكون ،من الفرجة بين آية وآية ،من آيات قيام الساعة ،ثم من قضى عليه
بالكفر ،يستمر على كفره .ومن قال هذا في القيامة ،قال أي لو كشفنا عنكم
العذاب لعدتهم إلى الكفر ،وقيل ،معنى إنكم عائدون إلينا ،أي مبعوثون بعد
الموت " ،القرطبي .
" وقيل :المعنى وارتقب الدخان ،وارتقب يوم نبطش ،فحذف واو العطف ،
كما تقول :اتق النار ،اتق العذاب ،والبطشة الكبرى في قول ابن مسعود ،
يوم بدر ،وهو قول ابن عباس ،وأبي بن كعب ،ومجاهد والضحاك ،وقيل :
عذاب جهنم يوم القيامة ،قاله الحسن وعكرمة وابن عباس أيضا ،واختاره
الزجاج " ،القرطبي .
" أي إن كشفنا عنكم العذاب ،كشفا قليل ،أو زمانا قليل عدتم ،والمراد على
ما قيل ،عائدون إلى الكفر ،وأنت تعلم أن عودهم إليه ،يقتضي إيمانهم ،وقد
عُدهم ُمنزل َ ،منزلةمر أنهم لم يؤمنوا ،وإنما وعدوا اليمان ،فإما أن يكون و ْ
إيمانهم ،أو المراد عائدون إلى الثبات ،على الكفر أو على القرار والتصريح
به ) .يوم نبطش ( يوم نسّلط القتل عليهم ونوسع الخذ منهم ،وفي القاموس ،
بطش به ،أخذه بالعنف والسطوة ،كأبطشه ،والبطش ،الخذ الشديد في كل
شيء " ،اللوسي .
" فسر ذلك ابن مسعود رضي ال عنه ،بيوم بدر ،وهذا قول جماعة ،ممن
وافق ابن مسعود رضي ال عنه ،على تفسيره الدخان بما تقدم ،وروي
أيضا ،عن ابن عباس رضي ال عنهما ،من رواية العوفي عنه ،وعن أبي بن
كعب رضي ال عنه ،وهو محتمل .والظاهر أن ذلك يوم القيامة ،وإن كان
يوم بدر يوم بطشة .وروى ابن جرير عن عكرمة ،قال :قال ابن عباس
رضي ال عنهما ) :قال ابن مسعود رضي ال عنه ،البطشة الكبرى يوم
بدر ،وأنا أقول هي يوم القيامة ( ،وهذا إسناد صحيح عنه ،وبه يقول الحسن
ح الروايتين عنه ،وال أعلم " ،ابن كثير .البصري وعكرمة ،في أص ّ
443
عَباَد ا ِّ
ل ي ِ ن َأّدوا ِإَل ّ
سوٌل َكِريٌم )َ (17أ ْ جاَءُهْم َر ُ ن َو َ عْو ََوَلَقْد َفَتّنا َقْبَلُهْم َقْوَم ِفْر َ
ن
طا ٍ سْل َ
ل ِإّني َءاِتيُكْم ِب ُ
عَلى ا ِّن لَ َتْعُلوا َ ن )َ (18وَأ ْ سوٌل َأِمي ٌ ِإّني َلُكْم َر ُ
ن َلْم ُتْؤِمُنوا ِلين )َ (20وِإ ْ جُمو ِ
ن َتْر ُ
ت ِبَرّبي َوَرّبُكْم َأ ْ عْذ ُن )َ (19وِإّني ُ ُمِبي ٍ
ن )(22 جِرُمو َ
ن َهُؤَلِء َقْوٌم ُم ْ عا َرّبُه َأ ّن )َ (21فَد َ عَتِزُلو ِ َفا ْ
" يقول تعالى ،ولقد اختبرنا قبل هؤلء المشركين ،قوم فرعون ،وهم قبط
مصر ،وجاءهم رسول كريم ،يعني موسى كليمه ،عليه الصلة والسلم " ،
ابن كثير .
ظم عند ال عز وجل ،أو عند المؤمنين ،أو " ) رسول كريم ( أي ُمكرم مع ّ
عنده تعالى وعندهم ،أو كريم في نفسه متصف بالخصال الحميدة والصفات
الجليلة حسبا ونسبا ،وقال الراغب :الكرم إذا وصف به النسان ،فهو اسم
للخلق والفعال المحمودة ،التي تظهر منه ،ول يقال هو كريم ،حتى يظهر
ذلك منه " ،اللوسي .
" ) وإني عذت بربي وربكم ( أي التجأت إليه تعالى ،وتوكلت عليه جل شأنه
) أن ترجمون ( ،من أن ترجموني ،أن تؤذوني ضربا أو شتما ،أو أن
تقتلوني ،وروي هذا عن قتادة وجماعة ،قيل :لما قال :أن ل تعلوا على ال ،
عدوه بالقتل ،فقال ذلك ،وفي البحر أن هذا ،كان قبل أن يخبره عز وجل تو ّ
بعجزهم عن رجمه بقوله ) ،وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون ( ،فكونوا بمعزل
مني ل علي ول لي ،ول تتعرضوا لي بسوء ،فليس ذلك جزاء ،من يدعوكم
إلى ما فيه فلحكم ،فدعا ربه بعد أن أصّروا على تكذيبه عليه السلم ) ،أن
هؤلء قوم مجرمون ( " ،اللوسي .
" وفيه اختصار كأنه قيل :أن هؤلء مجرمون ،تناهى أمرهم في الكفر ،
وأنت أعلم بهم ،فافعل بهم ما يستحقونه ،قيل :كان دعاؤه عليه السلم ،اللهم
جل لهم ما يستحقون بإجرامهم ،وقيل :قوله ربنا ل تجعلنا فتنة للقوم عّ
الظالمين ،إلى قوله ،فل يؤمنوا حتى يروا العذاب الليم ،وإنما ذكر ال
سبحانه السبب ،الذي استوجبوا به الهلك ،لُيعلم منه دعاؤه والجابة معا ،
وإن دعاءه على يأس من أيمانهم ،وهذا من بليغ اختصارات الكتاب المعجز
" ،اللوسي .
444
ن
عُيو ٍ
ت َو ُ
جّنا ٍن َ ن )َ (24كْم َتَرُكوا ِم ْ
جْنٌد ُمْغَرُقو َحَر َرْهًوا ِإّنُهْم ُ ك اْلَب ْ
) … َواْتُر ِ
سَماُء
عَلْيِهُم ال ّت َن )َ (28فَما َبَك ْ
خِري َ
ك َوَأْوَرْثَناَها َقْوًما َءا َ)َ … (25كَذِل َ
ن )(29 ظِري َ
ض َوَما َكاُنوا ُمْن َ َوالَْْر ُ
" يقول تعالى ذكره ،كم ترك فرعون وقومه من القبط ،بعد مهلكهم ،وتغريق
ال إياهم ،من بساتين وأشجار وعيون ومقام كريم ،يقول وموضع كانوا
يقومونه شريف كريم .وقوله ) كذلك وأورثناها قوما آخرين ( يقول تعالى
ذكره ،وأورثنا جناتهم وعيونهم وزروعهم ومقاماتهم ،وما كانوا فيه من
ي بالقوم الخرين بنو إسرائيل " ،الطبري . عن َ
النعمة قوما آخرين ،وقيل ُ
" ) كذلك وأورثناها قوما آخرين ( وهم بنو إسرائيل ،كما تقدم ،وقوله سبحانه
وتعالى ) فما بكت عليهم السماء والرض ( أي لم تكن لهم أعمال صالحة ،
تصعد في أبواب السماء ،فتبكي على فقدهم ،ول لهم في الرض ،بقاع عبدوا
ال تعالى فيها ،فقدتهم ،فلهذا استحقوا أن ل ُينظروا ،ول ُيؤخروا ،لكفرهم
وإجرامهم وعتوهم وعنادهم " ،ابن كثير .
" قال الزجاج :أي المر كذلك ،فيوقف على كذلك ،وقيل :إن الكاف في
موضع نصب ،على تقدير نفعل فعل كذلك ،بمن نريد إهلكه ،وقال الكلبي :
كذلك أفعل بمن عصاني ،وقيل :كذلك كان أمرهم ،فأهلكوا ،وأورثناها قوما
آخرين ،يعني بني إسرائيل ،مّلكهم ال تعالى أرض مصر ،بعد أن كانوا فيها
مستعبدين ،فصاروا لها وارثين لوصول ذلك إليهم ،كوصول الميراث ونظيره
،وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الرض ومغاربها ،الية " ،
القرطبي .
ن ِإّنُه َكانَ
عْو َ
ن ِفْر َ
ن )ِ (30م ْ ب اْلُمِهي ِ
ن اْلَعَذا ِسَراِئيَل ِم َ
جْيَنا َبِني ِإ ْ
) … َوَلَقْد َن ّ
ن )(32 عَلى اْلَعاَلِمي َ
عْلٍم َ
عَلى ِ
خَتْرَناُهْم َن )َ (31وَلَقِد ا ْ سِرِفي َ
ن اْلُم ْعاِلًيا ِم َ َ
ن )… (33 لٌء ُمِبي ٌت َما ِفيِه َب َلَيا ِ
نا َْوَءاَتْيَناُهْم ِم َ
" يعني ما كانت القبط ،تفعل بهم بأمر فرعون ،من قتل البناء ،واستخدام
النساء ،واستعبادهم إياهم ،وتكلفهم العمال الشاقة ،وقيل :أي أنجيناهم من
العذاب ،ومن فرعون ،إنه كان عاليا من المسرفين ،ولقد اخترناهم يعني بني
إسرائيل " ،القرطبي .
445
" واختلف أهل التأويل ،في ذلك البلء ،فقال بعضهم ابتلهم بنَعِمه عندهم ،
وقال آخرون ،بل ابتلهم بالرخاء والشدة ،وأولى القوال في ذلك بالصواب ،
أن يقال إن ال أخبر ،أنه آتى بني إسرائيل من اليات ،ما فيه ابتلؤهم
واختبارهم ،وقد يكون البتلء والختبار بالرخاء ،ويكون بالشدة ،ولم يضع
لنا دليل ،من خبر ول عقل ،أنه عنى بعض ذلك دون بعض ،وقد كان ال
اختبرهم ،بالمعنيين كليهما جميعا " ،الطبري .
ن) شِري َن ِبُمْن َ
حُ ي ِإلّ َمْوَتُتَنا اُْلوَلى َوَما َن ْن ِه َن )ِ (34إ ْ ن َهُؤَلِء َلَيُقوُلو َ ) … ِإ ّ
ن
ن ِم ْخْيٌر َ ،أْم َقْوُم ُتّبٍع َواّلِذي َ
ن )َ (36أُهْم َ صاِدِقي َ
ن ُكْنُتْم ََ (35فْأُتوا ِبآَباِئَنا ِإ ْ
ن )… (37 جِرِمي ََقْبِلِهْم َ ،أْهَلْكَناُهْم ِ ،إّنُهْم َكاُنوا ُم ْ
" ) إن هؤلء ( ،كفار قريش ،لن الكلم فيهم ،وذكر قصة فرعون وقومه ،
استطرادي للدللة على أنهم مثلهم ،في الصرار على الضللة ،والنذار على
ل بهم ،وفي اسم الشارة )هؤلء ( تحقير لهم ) ليقولون ( ) :إن هي مثل ما ح ّ
إل موتتنا الولى ( أي ما العاقبة ونهاية المر ،إل الموتة الولى المزيلة للحياة
الولى ) ،وما نحن بمنشرين ( أي بمبعوثين بعدها " ،اللوسي .
" ) إن هؤلء ليقولون ،إن هي إل موتتنا الولى ،وما نحن بمنشرين ،فأتوا
بآبآئنا ،إن كنتم صادقين ( ،يقول تعالى ذكره ،مخبرا عن قيل مشركي قريش
،لنبي ال صلى ال عليه وسلم ،إن هؤلء المشركين من قومك ،يا محمد ،
ليقولون إن هي إل موتتنا الولى ،التي نموتها ،وهي الموتة الولى ،وما
نحن بمنشرين بعد مماتنا ،ول بمبعوثين ،تكذيبا منهم بالبعث والثواب والعقاب
" ،الطبري .
" ) أهم خير أم قوم تبع ،والذين من قبلهم أهلكناهم ،إنهم كانوا مجرمين ( ،
يقول تعالى ذكره ،لنبيه محمد صلى ال عليه وسلم ،أهؤلء المشركون يا
محمد من قومك خير ،أم قوم تبع يعني تبعا الحميري ،وكانت عائشة تقول :
ل تسبوا تبعا فإنه كان رجل صالحا .وقوله ) والذين من قبلهم ( ،من المم
الكافرة بربها ،يقول فليس هؤلء بخير من أولئك ،فنصفح عنهم ول نهلكهم ،
وهم بال كافرون ،كما كان الذين أهلكناهم ،من المم من قبلهم كفارا ،وقوله
) إنهم كانوا مجرمين ( ،إنما أهلكناهم لجرامهم وكفرهم بربهم " ،الطبري .
446
" عن عائشة قالت :كان تبع رجل صالحا ،أل ترى أن ال تعالى ذم قومه ولم
يذمه " ،اللوسي .
" ) أهم خير أم قوم تبع ( هذا استفهام إنكار ،أي إنهم مستحقون في هذا القول
العذاب ،إذ ليسوا خيرا من قوم تبع ،والمم المهلكة ،وإذا أهلكنا أولئك فكذا
هؤلء " ،القرطبي .
" ) والذين من قبلهم ( أي قبل قوم تبع كعاد وثمود ،أو قبل قريش فهو تعميم ،
بعد تخصيص ) ،أهلكناهم ( ،استئناف لبيان عاقبة أمرهم هّدد به كفار قريش
) ،إنهم كانوا مجرمين ( ،تعليل لهلكهم ،أي أهلكناهم ،بسبب كونهم
مجرمين ،فليحذر كفار قريشا " ،اللوسي .
ن )(59
ب ِإّنُهْم ُمْرَتِقُبو َ
ن )َ (58فاْرَتِق ْ
ك َلَعّلُهْم َيَتَذّكُرو َ
ساِن َ
سْرَناُه ِبِل َ
) َفِإنَّما َي ّ
" أي أنزلناه سهل واضحا بينا جليا ،بلسانك الذي هو أفصح اللغات ،وأجلها
وأحلها وأعلها ) ،لعلهم يتذكرون ( أي يتفّهمون ويعلمون ،ثم لما كان مع
ف وعانَد ،قال ال تعالى هذا الوضوح والبيان ،من الناس ،من َكفَر وخال َ
لرسوله صلى ال عليه وسلم ،مسليا له وواعدا له بالنصر ،ومتوعدا لمن كّذبه
بالعطب والهلك ) ،فارتقب ( أي انتظر ) ،إنهم مرتقبون ( أي فسيعلمون لمن
ستكون النصرة ،والظفر وعلو الكلمة في الدنيا والخرة " ابن كثير .
" ) فإنما يسرناه بلسانك ،لعلهم يتذكرون ،فارتقب إنهم مرتقبون ( يقول تعالى
ذكره ،لنبيه محمد صلى ال عليه وسلم ،فإنما سّهلنا قراءة هذا القرآن ،الذي
أنزلناه إليك بلسانك ،ليتذكر هؤلء المشركون ،الذين أرسلناك إليهم ،بِعبِره
حججه ،ويتعظوا بعظاته ،ويتفكروا في آياته ،إذا أنت تتلوه عليهم ،فُينيبوا
وُ
إلى طاعة ربهم ،ويذعنوا للحق عندما تبينهموه .وقوله ) فارتقب إنهم
مرتقبون ( يقول تعالى ذكره ،لنبيه محمد صلى ال عليه وسلم ،فانتظر أنت يا
محمد الفتح من ربك ،والنصر على هؤلء المشركين بال ،من قومك من
قريش ،إنهم منتظرون ،عند أنفسهم قهرك وغلبتك ،بصدهم عما أتيتهم به من
الحق ،من أراد قبوله واتباعك عليه " ،الطبري .
" ) فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون ( أي كي يفهموه ،ويتذكروا به ويعملوا
ل بهم ،وهو تعميم بعدبموجبه ) ،فارتقب ( ،أي وأن لم يتذكروا بما يح ّ
تخصيص ،بقوله تعالى ) فارتقب يوم تأتي السماء …حتى قوله … إنهم
447
مرتقبون ( وقيل :معناه مرتقبون ما يحل بهم تهكما ،وفي الية من الوعد له ،
صلى ال تعالى عليه وسلم ،ما ل يخفى " ،اللوسي .
سورة الدخان ُتنذر قوما من أمة السلم كفروا بعد إيمانهم
ن )(9
ك َيْلَعُبو َ
شّ
َبْل هُْم ِفي َ
هذا الوصف لم يكن بحال من الحوال ،لمشركي قريش ،فهؤلء كّذبوا
ك في وكفروا بما جاء به ،محمد عليه الصلة والسلم ،جملة وتفصيل .والش ّ
ن والهوى ، المعتقد عادة ،يتأّتى بعد اليمان ،بوحي من شياطين النس والج ّ
مما يدفع النسان في النهاية إلى الكفر .وأما اللعب ،جاء بمعنى العراض
عما ينفع والستهزاء به ،والنشغال بما ل ينفع ،بل وبما يضّر ،وهي صفة
يمتاز بها الصبية والولد الصغار ،لصغر عقولهم ،وقلة مداركهم ،وضيق
أفقهم ،وعدم مقدرتهم ،على أخذ العبرة والعظة .
أما هؤلء القوم من أمة محمد ،فهم في شك من أمر ال ،والشك هو انعدام
اليقين ،بمعنى أنهم غير موقنين ،مما أخبر عنه في كتابه المبين ،الذي جاء به
الرسول المبين ،بلسان عربي مبين ،من أمور الغيب ،وعلى رأسها انعدام
اليقين بربوبية وألوهية ال ووحدانيته وإنكار البعث ،أي الشك بملكية ال
للسماوات والرض وما بينهما ،وقدرته على تصريف المور ،والشك بأمر
البعث بعد الموت .لذلك فهم ل يتورعون ،عن اتخاذ دينهم هزوا ولعبا ،إذ ل
بعث ول حساب ول عقاب يردعهم .
خُذوا ِديَنُكْم ُهُزًوا َوَلِعًبا ، ن اّت َخُذوا اّلِذي َن َءاَمُنوا ،لَ َتّت ِ قال تعالى ) َيَأّيَها اّلِذي َ
ن كُْنُتْمل ِ ،إ ْن َقْبِلُكْم َواْلُكّفاَر َأْوِلَياءَ َ ،واّتُقوا ا َّ ب ِم ْن ُأوُتوا اْلِكَتا َن اّلِذي َِم َ
ن ) 57المائدة ( ،فالذين يوالون الذين اتخذوا دين ال هزوا ولعبا ،من ُمْؤِمِني َ
اليهود والنصارى والكفار إجمال ،وهم ُيظهرون اليمان ليسوا بمؤمنين ،فما
بالك بمن يتخذ دين السلم ،هزوا ولعبا ويحاربه ،وهو ينتسب إليه .
حَياُة الدّْنَيا َوَذّكْر غّرْتُهُم اْل َخُذوا ِديَنُهْم َلِعًبا َوَلهًْوا َو َ ن اّت َ
وقال تعالى ) َوَذِر اّلِذي َ
ن َتْعِدْلشِفيٌع َوِإ ْ ي َوَل َ ل َوِل ّن ا ِّن ُدو ِس َلَها ِم ْ ت َلْي َسَب ْس ِبَما َك َسَل َنْف ٌ ن ُتْب َ
ِبِه َأ ْ
ن حَِميٍم ب ِم ْ شَرا ٌ سُبوا َلُهْم َ سُلوا ِبَما َك َن ُأْب ِك اّلِذي َ
خْذ ِمْنَها ُأوَلِئ َ
عْدٍل لَ ُيْؤ َ ُكّل َ
خُذوا ِديَنُهْم َلْهًوا ن اّت َن ) 70النعام ( ،وقال ) اّلِذي َ ب َأِليٌم ِبَما َكاُنوا َيْكُفُرو َعَذا ٌَو َ
448
سوا ِلَقاَء َيْوِمِهْم َهَذا َوَما َكاُنوا
ساُهْم َكَما َن ُ
حَياُة الّدْنَيا َفاْلَيْوَم َنْن َ
غّرْتُهُم اْل َ
َوَلِعًبا َو َ
ن ) 51العراف ( . حُدو َ جَ ِبآَياِتَنا َي ْ
فهؤلء القوم يتصفون بأمرين :
الول :أنهم ل يؤمنون بال واليوم الخر .
الثاني :أن شغلهم الشاغل هو الحياة الدنيا ،وأنهم يتخذون أمور دينهم ،مادة
للهزء والسخرية واللهو .
ب َأِليٌم )
عَذا ٌ
س َهَذا َ
شى الّنا َ
ن )َ (10يْغ َ
ن ُمِبي ٍ
خا ٍ
سَماُء ِبُد َ
ب َيْوَم َتْأِتي ال ّ
َفاْرَتِق ْ
(11
نلحظ أن المفسرين اختلفوا على ثلثة مواقف ،فمنهم من وافق تفسير ابن
مسعود ،ومنهم من وافق تفسير ابن عباس ،ومنهم من أخذ بالحتمالين .وكلّ
منهم أكمل تفسير السورة ،على ما ارتأى من صوابية اعتقاده ،بالنسبة لهذا
الدخان .وأما من حيث زمن الوقوع ،فالحتمال الول ،يقول بأن الدخان
والبطشة ،قد مضيا في مشركي قريش ،والحتمال الثاني يقول بأنه قبل يوم
القيامة ،والحتمال الثالث يقول بأنه من أحداث يوم القيامة ،وللفصل في هذه
القوال والمواقف ،سنستنبط صفات هذا الدخان من اليات نفسها ،وصفات
هؤلء القوم وأفعالهم ،في نهاية الفصل ،بمعزل عن الروايات والتفسيرات
السابقة ،فظاهر اليات الكريمة ،يدل على أن ما ورد في اليات ،هو نبأ
دخان سيظهر في المستقبل ،والقدر على بيان أمره ،هو من يعاصر
ظهوره ،بعد اكتمال معالمه ،كما هي العادة ،في فهم وتفسير النبوءات
المستقبلية .
ن )(12
ب ِإّنا ُمْؤِمُنو َ
عّنا اْلَعَذا َ
ف َ
ش ْ
َرّبَنا اْك ِ
وهذا هو دعاء المُعرضين عن ذكر ال ،كما هي العادة ،من المسرفين
ستهم الضراء والبأساء ،سواء والمشركين والكفار ،من الناس إجمال ،كلما م ّ
ضّر
ن ال ّ
سا َس اِْلْن َمن أمة السلم أو من غيرها ،كما في قوله تعالى ) َوِإَذا َم ّ
ضّرعَنا ِإَلى ُ
ن َلْم َيْد ُ
ضّرُه َمّر َكَأ ْ
عْنُه ُ
شْفَنا َعًدا َأْو َقاِئًما َفَلّما َك َ
جْنِبِه َأْو َقا ِ
عاَنا ِل َ
َد َ
ن ) 12يونس ( . ن َما َكاُنوا َيْعَمُلو َ سِرِفي َن ِلْلُم ْ
ك ُزّي َسُه َكَذِل َ
َم ّ
449
ولحظ ضمير المخاطب ) كم ( ،والذي يعود على المخاطبين بالقرآن ،في
ن) جَأُرو َ ضّر َ ،فِإَلْيِه َت ْسُكُم ال ّ ل ُ ،ثّم ِإَذا َم ّ ن ا ِّ ن ِنْعَمٍة َفِم َ
قوله تعالى ) َوَما ِبُكْم ِم ْ
ن ) 54النحل ( ، شِرُكو َ ق ِمْنُكْم ِبَرّبِهْم ُي ْ عْنُكْم ِإَذا َفِري ٌ ضّر َ ف ال ّ ش َ ُ (53ثّم ِإَذا َك َ
جاُكْم ِإَلى ن ِإّل ِإّياُه َفَلّما َن ّعو َ ن َتدْ ُضّل َم ْ حِر َ ضّر ِفي اْلَب ْ سُكُم ال ّ وقوله ) َوِإَذا َم ّ
ن َكُفوًرا ) 67السراء ( . سا ُ
ن اِْلْن َ ضُتْم َوَكا َعَر ْ اْلَبّر َأ ْ
والقرب والظهر ،بالنظر في دعواهم تلك ،وإقرارهم بألسنتهم ما ليس في
قلوبهم من اليمان ،عند غشيان الدخان لهم ،أن يكون هؤلء من أمة محمد
عليه الصلة والسلم ،فسقوا عن دينهم مع كونهم مسلمين ،نفاقا على
الغلب ،وشركهم في ال جاء بعد اليمان به .أما قريش فلم يكن هذا حالهم ،
وما كان ليصدر منها هذا الدعاء ،فمنهم من أسلم ،ومنهم أصّر على كفره ،
أما النفاق فلم يعرفوه ،ولم يكن لهم فيه مصلحة ،ومن المعروف أن النفاق ،
ظهر بعد انتشار السلم ،وهو ما حصل في المدينة المنورة ،لعدة غايات
وأهمها وأخطرها ،هو سعيهم لمحاربة تعاليم الدين وهدم معالمه ،داخل
المجتمعات السلمية ،وسورة الدخان مكية ،وحال هؤلء ،كحال من قال
فيهم سبحانه ،في مطلع سورة البقرة :
ن )(8 خِر َ ،وَما ُهْم ِبُمْؤِمِني َ لِ ل َ ،وِباْلَيْوِم ا ْ ن َيُقوُل َ :ءاَمّنا ِبا ِّ س َم ْن الّنا ِ ) َوِم َ
ن )(9 شُعُرو َ سُهْم َوَما َي ْ ن ِإّل َأْنُف َعو َ خَد ُن َءاَمُنوا َ ،وَما َي ْ ل َ ،واّلِذي َ ن ا َّ عو َ خاِد ُُي َ
ن )(10 ب َأِليٌم ِبَما َكاُنوا َيْكِذُبو َ عَذا ٌضا َوَلُهْم َ ل َمَر ً ض َفَزاَدُهُم ا ُّ ِفي ُقُلوِبِهْم َمَر ٌ
ن )َ (11أَل ِإّنُهْم ُهمُ حو َ صِل ُ
ن ُم ْ حُ ض َقاُلوا ِإّنَما َن ْ سُدوا ِفي الَْْر ِ َوِإَذا ِقيَل َلُهْم لَ ُتْف ِ
س َقاُلوا ن الّنا ُ ن )َ (12وِإَذا ِقيَل َلهُْم َءاِمُنوا َكَما َءاَم َ شُعُرو َن لَ َي ْ ن َوَلِك ْاْلُمْفسُِدو َ
ن )َ (13وِإَذا ن َل َيْعَلُمو َسَفَهاءُ َوَلِك ْ سَفَهاُء َألَ ِإّنُهْم ُهُم ال ّ ن ال ّن َكَما َءاَم َ َأُنْؤِم ُ
طيِنِهْم َقاُلوا ِإّنا َمَعكُْم ِإّنَما َنحْ ُ
ن شَيا ِخَلْوا ِإَلى َ ن َءاَمُنوا َقاُلوا َءاَمّنا َوِإَذا َ َلُقوا اّلِذي َ
ك
ن )ُ (15أوَلِئ َ طْغَياِنِهْم َيْعَمُهو َ ئ ِبِهْم َوَيُمّدُهْم ِفي ُ سَتْهِز ُل َي ْ ن ) (14ا ُّ سَتْهِزُئو َ ُم ْ
ن )16 جاَرُتُهْم َوَما َكاُنوا ُمْهَتِدي َ ت ِت َح ْ لَلَة ِباْلُهَدى َفَما َرِب َ ضَشَتَرُوا ال ّ نا ْ اّلِذي َ
البقرة ( .
حيث قال سبحانه ) ومن الناس ( ،ولم يحصر هذا السلوك بطائفة من الناس ،
أو بزمن معين ،وهذا السلوك بدأ بالظهور ،بعدما قويت شوكة السلم في
المدينة المنورة ،واستمر على مّر العصور ،حتى يومنا هذا .
450
عْنُه َوَقاُلوا ُمَعّلٌم
ن )ُ (13ثّم َتَوّلْوا َ
سوٌل ُمِبي ٌ
جاَءُهْم َر ُ
َأّنى لَُهُم الّذْكَرى َوَقْد َ
ن )(14 جُنو ٌَم ْ
من أين لهؤلء القوم الذكرى ؟! أي التوبة والنابة إلى ال ،وقد سبق منهم
العراض ،عما جاء به الرسول الكريم ،الذي ل ُيشّكك في كرم أخلقه ،أو
حسبه أو نسبه أو لسانه العربي ،محمد عليه الصلة والسلم ،بعد مجيئه
واليمان به ،والنتساب إلى دينه .وفضل عن سبق العراض عن رسالته ،
بعد احتضانها لمدة من الزمن ،توّلوا عنه وأعرضوا عما جاء به ،واتهموه
بالتعّلم من الكّهان والشياطين ،بحوادث ميتافيزيقية ،وأضافوا إليه صفة
الجنون ،إمعانا منهم ،في الجرام والفتراء والستهزاء ،فإن سلم من الكهانة
،لم يسلم من الجنون .فيرّد عليهم ربهم قولهم هذا ،بقوله لرسوله ) َفَذّكْر َ ،فَما
ظيٍم )4 عِق َ خُل ٍ
ك َلَعلى ُ
ن ) 29الطور ( َ ) ،وِإّن َجُنو ٍ
ن َولَ َم ْ
ك ِبَكاِه ٍ
ت ِبِنْعَمِة َرّب َ
َأْن َ
سوٍل َكِريٍم ) 40الحاقة (القلم ( ِ ) ،إّنُه َلَقْوُل َر ُ
ستفاجأ أخي المسلم ،أن المقصود بهذا القول ليسوا مشركي قريش ،بل وُ
مشركي ومنافقي هذا العصر من أمة السلم ،وأنهم قالوا هذا القول وأكثر ،
في رسول ال عليه الصلة والسلم ،تحت رعاية ودعم حكومي مادي
ومعنوي ،وأن هذا الفتراء ذاته ،هو الذي أخبر عنه سبحانه ،وهو من أكبر
السباب الموجبة لعقابهم .
ن )(15
عاِئُدو َ
ل ِإّنُكْم َ
ب َقِلي ً
شُفوا اْلَعَذا ِ
ِإّنا َكا ِ
وُيخبر سبحانه بأنه سيرفع العذاب عنهم قليل ،بعد انعقاد أسبابه ،بكشف
الدخان ،بعد نيلهم قسطا من أذاه ،نزول عند رغبتهم السابقة ،وإقرارهم
باليمان عند غشيانه لهم ،فالدخان مجرد تحذير ،ولفت انتباه لهم ،بأن ال هو
رب السموات والرض ،وبأنه قادر على إماتتهم وإهلكهم ،كما أمات
جة ،بأنه لم يعطهم الفرصة للتوبة والنابة .،ومن ثم
آبائهم ،ولئل تكن لهم ح ّ
ٌيقّرر سبحانه بأنهم سيعودون ،لما كانوا عليه ،من الشك واللعب ،وسيضيفون
إليها التولي والعراض والعصيان والتهام لرسوله الكريم ،ليستوجبوا عن
جدارة واستحقاق ،أن يبطش بهم رب العزة بطشته الكبرى .
451
ب َأِليم ) 61التوبة ( ،وقال ) عَذا ٌ
ل َلُهْم َسوَل ا ِّن َر ُ ن ُيْؤُذو َقال تعالى َ ) :واّلِذي َ
عَذاًبا ُمِهيًنا
عّد َلُهْم َ
خَرِة َوَأ َ
لِل ِفي الّدْنَيا َوا ْ
سوَلُه َلَعَنُهُم ا ُّ
ل َوَر ُن ا َّ
ن ُيْؤُذو َ
اّلِذي َ
) 57الحزاب ( .
ن )(16
شَة اْلُكْبَرى ِإّنا ُمْنَتِقُمو َ
ط َ
ش اْلَب ْ
ط ُ
َيْوَم َنْب ِ
شِديٌد ) 12البروج ( . ك َل َ ش َرّب َ
ط َ ن َب ْأما بطش رب العزة ،فهذا وصفه ) ِإ ّ
ونستطيع تصّور طبيعة هذه البطشة ،من قوله تعالى في سورة القمر ) َكّذَب ْ
ت
حٍر ) سَجْيَناُهْم ِب َ
ط َن ّ
صًبا ِإّل َءاَل ُلو ٍ حا ِ عَلْيِهْم َ سْلَنا َ
ط ِبالّنُذِر )ِ (33إّنا َأْر َ َقْوُم ُلو ٍ
شتََنا َفَتَماَرْوا ط َ
شَكَر )َ (35وَلَقْد َأْنَذَرُهْم َب ْ ن َ جِزي َم ْ ك َن ْعْنِدَنا َكَذِل َ
ن ِِ (34نْعَمًة ِم ْ
عَذاِبي َوُنُذِر ) عُيَنُهْم َفُذوُقوا َ سَنا َأ ْ
طَم ْضْيِفِه َف َن َ عْ ِبالّنُذِر )َ (36وَلَقْد َراَوُدوُه َ
عَذاِبي َوُنُذِر )َ (39وَلَقْد سَتِقّر )َ (38فُذوُقوا َ ب ُم ْعَذا ٌ حُهْم ُبْكَرًة َ صّب َ
َ (37وَلَقْد َ
ن ُمّدِكٍر ) 40القمر ( ،وتماروا بالُنذر ،أي كّذبوا ن ِللّذْكِر َفَهْل ِم ْ سْرَنا اْلُقْرَءا َ
َي ّ
إنذارات لوط عليه الصلة والسلم ،وتحذيراته لهم ،وأكثروا الجدال
والستهزاء بها ومنها ،فبطش بهم ربهم ،وما وقع من قوم لوط ،هو ما وقع
من هؤلء ،بعد أن جاءهم هذا رسولهم الكريم ،نذيرا من غضب ال ،فغشيهم
الدخان ،وستبغتهم البطشة الكبرى ،وهم ما زالوا ُيمارون ويتمارون ،في ش ٍ
ك
يلعبون ،من أمر هذا الرسول المبين ،وأمر هذا الكتاب المبين ،وأمر هذا
الدخان المبين .
ش وما نزل بقوم لوط نستخلصه من اليات التالية :
جاَء َأْمُرَنا ،جََعْلَنا ب )َ (81فَلّما َ ح ِبَقِري ٍصْب ُس ال ّ ح َأَلْي َصْب ُعَدُهُم ال ّ ن َمْو ِ) … ِإ ّ
سّوَمًةضوٍد )ُ (82م َ جيٍل َمْن ُ سّن ِ جاَرًة ِم ْ حَ عَلْيَها ِ ، طْرَنا َ ساِفَلَها َ ،وَأْم َ
عاِلَيَها َ َ
ن ِبَبِعيٍد ) 83هود ( . ظاِلِمي َن ال ّ ي ِم َك َ ،وَما ِه َ عْنَد َرّب َ
ِ
كان ذلك في الصباح الباكر ،حيث ُرفعت قرية لوط عليه الصلة والسلم بمن
فيها ،إلى السماء ،وتقول بعض الروايات أن الملئكة في السماء الولى
سمعت نباح كلبهم ،ومن ثم ُقلبت ،وُرميت من ذلك الرتفاع الشاهق إلى
الرض ،فأحدثت ذلك الجرف الجغرافي ،الممتد من على طول نهر الردن
ووادي عربة ،ومن ثم ُأمطرت بالحجارة ،التي ل تزال ظاهرة ،إلى يومنا
جر ،في تلك المنطقة على سواحل البحر هذا ،بانغراسها في الطين المتح ّ
الميت ،وفي سفوح الجبال حوله .وخلصة القول ،أن البطشة تعني خراب
452
الديار وهلك أهلها ،بغض النظر عن الوسيلة ،مشهد يحمل في ثناياه أبشع
صور للنتقام اللهي ،حين يوغل الناس بإصرار في الجرام ،بحق ال وحق
عرض الحائط ، رسله الكرام ،دون وازع أو رادع ،ضاربين بإنذارات ربهم ُ
مستحّقين بذلك غضبا إلهيا عارما ،سيسكبه على رؤوسهم عاجل أم آجل .
ن َهُؤَلِء َقْومٌ
عا َرّبُه َأ ّ
سوٌل َكِريٌم … َفَد َ
جاَءُهْم َر ُ
ن َو َ
عْو َ
َوَلَقْد َفَتّنا َقْبَلُهْم َقْوَم ِفْر َ
ن )(22 جِرُمو َ ُم ْ
ومفاد اليات أعله ،هو أن حال هؤلء القوم ،مع محمد الكريم المين
المبين ،عليه الصلة والسلم ،كحال فرعون وقومه مع موسى الكريم المين
المبين ،عليه الصلة والسلم ،وذلك نفيا لما قاله هؤلء عنهما ،سواء من
فرعون وقومه ،أو ممن أشرك وكفر من أمة محمد .ومن تشبيه الحال
بالحال ،نستطيع التعرف على موقف هؤلء القوم من محمد ،من خلل معرفة
موقف فرعون وقومه من موسى ،الذي ورد بالتفصيل في القرآن الكريم ،
حيث أن اليات ،التي تصف موقف فرعون وقومه من موسى ورسالته ،تكاد
تبين ما تحويه سورة الدخان ،من مقاصد إلهية ،تكتنفها اليات الكريمة .
حال فرعون وقومه مع موسى :
ش دعا موسى عليه الصلة والسلم فرعون وقومه ،إلى تقوى ال ،فجادلوه
واستهزءوا به ،وبما جاء به ،وأنكروا ربوبية ال ،واتهمه فرعون بالجنون ،
وهّدده بالسجن ،إن اّتخذ إلها غيره ،فأراه موسى آيات ربه الكبرى ،فاتهمه
بالسحر ،وببلوغه مرتبة عالية في علمه ،ليصبح كبيرا السحرة ،ونّفذ تهديده
فيمن اتبعه وآمن به من السحرة .
ن) ن َأَل َيّتُقو َعْو َ ن )َ (10قْوَم ِفْر َ ظاِلِمي َت اْلَقْوَم ال ّن اْئ ِ سى َأ ِ ك ُمو َ ) َوِإْذ َناَدى َرّب َ
سوُل ن َفُقوَل ِإّنا َر ُ عْو َ ن )َ … (12فْأِتَيا ِفْر َ ن ُيَكّذُبو ِ ف َأ ْخا ُ ب ِإّني َأ ََ (11قاَل َر ّ
ن َوَما َر ّ
ب عْو ُسَراِئيَل )َ … (17قاَل ِفْر َ سْل َمَعَنا َبِني ِإ ْ ن َأْر ِ ن )َ (16أ ْ ب اْلَعاَلِمي َ
َر ّ
ن )(24 ن ُكْنُتْم ُموِقِني َ ض َوَما َبْيَنُهَما ِإ ْ ت َوالَْْر ِ سَمَوا ِ ب ال ّ ن )َ (23قاَل َر ّ اْلَعاَلِمي َ
ن )َ (26قاَل ِإ ّ
ن ب َءاَباِئُكُم اَْلّوِلي َ ن )َ (25قاَل َرّبُكْم َوَر ّ سَتِمُعو َ حْوَلُه َأَل َت ْ
ن َ َقاَل ِلَم ْ
ب َوَماق َواْلَمْغِر ِ شِر ِب اْلَم ْن )َ (27قاَل َر ّ جُنو ٌ سَل ِإَلْيُكْم َلَم ْسوَلُكُم اّلِذي ُأْر ِ َر ُ
ك ِم َ
ن جَعَلّن َ
غْيِري َل ْ ت ِإلًَها َ خْذ َ ن اّت َ
ن )َ (28قاَل َلِئ ِ ن ُكْنُتْم َتْعِقُلو َ
َبْيَنُهَما ِإ ْ
ت ِم َ
ن ن ُكْن َت ِبِه ِإ ْ ن )َ (30قاَل َفْأ ِ يٍء ُمِبي ٍ ش ْ
ك ِب َ جْئُت َ
ن )َ (29قاَل َأَوَلْو ِ جوِني َسُ اْلَم ْ
453
ع َيَدُه َفِإَذا ِهيَ ن )َ (32وَنَز َ ن ُمِبي ٌ ي ُثْعَبا ٌ صاُه َفِإَذا ِه َ ع َ ن )َ (31فَأْلَقى َ صاِدِقي َ ال ّ
عِليٌم )َ … (34قاَل حٌر َ سا ِ ن َهَذا َل َ حْوَلُه ِإ ّل َ ن )َ (33قاَل ِلْلَم َِ ظِري َ ضاُء ِللّنا ِ َبْي َ
ن
ف َتْعَلُمو َ سْو َ حَر َفَل َسْ عّلَمُكُم ال ّ ن َلُكْم ِإّنُه َلَكِبيُرُكُم اّلِذي َ ن َءاَذ َ َءاَمنُْتْم َلُه َقْبَل َأ ْ
ن ) ) … (49الشعراء ( . جَمِعي َ صّلَبّنُكْم َأ ْ
ف َولَُ َ ل ٍ خَ ن ِ جَلُكْم ِم ْن َأْيِدَيُكْم َوَأْر ُ طَع َُّلَق ّ
ولهذا تشابهت لغة الخطاب وتشابهت الحجة في قول الرسولين الكريمين :
ن )… (24 ن ُكْنُتْم ُموِقِني َ ض َوَما َبْيَنُهَما ِإ ْ ت َوالَْْر ِ سَمَوا ِ ب ال ّ موسى َ ) :قاَل َر ّ
ن ) 26الشعراء ( ب َءاَباِئُكُم اَْلّوِلي َ َقاَل َرّبُكْم َوَر ّ
ن )… (7 ن ُكْنُتْم ُموِقِني َض َوَما َبْيَنهَُما ِإ ْ ت َوالَْْر ِ سَمَوا ِ ب ال ّ محمد َ … ) :ر ّ
ن ) 8الدخان ( ب َءاَباِئُكُم الَّْوِلي َ َرّبُكْم َوَر ّ
ش فأنذرهم ال بعذابات ،من المألوفة للناس ،كالقحط والجوع ،مشعرا إياهم
بقدرته على أخذهم ،لعلهم يرجعون ،ولكنهم رّدوا هذه البتلءات ،إلى "
ش النحس " ) باللهجة المصرية ( ،لموسى ومن معه ،ولم ينسبوها إلى ال الو ّ
.وأصّروا على كفرهم ،فأرسل عليهم ما لم يألفوه ،كالطوفان والجراد والقمل
والضفادع والدم ،فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين .ولكنهم لما وقع بهم العذاب
وعاينوه ،وعدوا موسى باليمان ،في حال ُكشف عنهم .وُرفع العذاب عنهم
لجل مسمى ،هم بالغوه ،وفور شعورهم بالرخاء ،نكثوا عهدهم وعادوا لما
سبق ،فانتقم ال منهم ،لتكذيبهم ليات ال وغفلتهم عنها .
ن) ت َ ،لَعّلُهْم َيّذّكُرو َ ن الّثَمَرا ِ ص ِم َ ن َوَنْق ٍ سِني َ ن ِبال ّ عْو َ خْذَنا َءاَل ِفْر َ ) َوَلَقْد َأ َ
سّيَئٌة َ ،يطّّيُروا صْبُهْم َ ن ُت ِ سَنُة َ ،قاُلوا َلَنا َهِذِه َ ،وِإ ْ ح َجاَءْتُهُم اْل َ َ (130فِإَذا َ
ن )(131 ن َأْكَثَرُهْم َل َيْعَلُمو َ ل َ ،وَلِك ّ عْنَد ا ِّ طاِئُرُهْم ِ ن َمَعُه َ ،ألَ ِإّنَما َ سى َوَم ْ ِبُمو َ
ن )(132 ك ِبُمْؤِمِني َ ن َل َحُحَرَنا ِبَها َ ،فَما َن ْ سَ ن َءاَيٍة ِ ،لَت ْ َوَقاُلوا َمْهَما َتْأِتَنا ِبِه ِم ْ
ت، ل ٍ صَ ت ُمَف ّ ع َوالّدَم َ ،ءاَيا ٍ ضَفاِد َ جَراَد َواْلُقّمَل َوال ّ ن َواْل َ طوَفا َ عَلْيِهُم ال ّ َفَأْرسَْلَنا َ
جُز َ ،قاُلوا : عَلْيِهُم الّر ْ
ن )َ (133وَلّما َوَقَع َ جِرِمي َ ستَْكَبُروا َ ،وَكاُنوا َقْوًما ُم ْ َفا ْ
ك، ن َل َجَز َلُنْؤِمَن ّ
عّنا الّر ْ ت َ شْف َ ن َك َ ك َ ،لِئ ْ عْنَد َعِهَد ِ ك ِبَما َ ع َلَنا َرّب َ سى اْد ُ َيُمو َ
جٍل ُهْم جَز ِإَلى َأ َعْنُهُم الّر ْ شْفَنا َ سَراِئيَل )َ (134فَلّما َك َ ك َبِني ِإ ْ ن َمَع َ سَل ّ
َوَلُنْر ِ
غَرْقَناُهْم ِفي اْلَيّم ِ ،بَأّنُهْم ن )َ (135فاْنَتَقْمَنا ِمْنُهْم َ ،فَأ ْ َباِلُغوُه ِ ،إَذا ُهْم َيْنُكُثو َ
ن َكاُنوا ن )َ (136وَأْوَرْثَنا اْلَقْوَم اّلِذي َ غاِفِلي َ عْنَها َ َكّذُبوا ِبآَياِتَنا َ ،وَكاُنوا َ
ك
ت كَِلَمُة َرّب َ ض َوَمَغاِرَبَها اّلِتي َباَرْكَنا ِفيَها َ ،وَتّم ْ ق اَْلْر ِ شاِر َ ن َ ،م َ ضَعُفو َ سَت ْ ُي ْ
454
ن
عْو ُ
صَنُع ِفْر َ ن َي ْ صَبُروا َ ،وَدّمْرَنا َما َكا َ سَراِئيَل ِبَما َ عَلى َبِني ِإ ْ حسَْنى َ اْل ُ
ن ) 137العراف ( . شو َ َوَقْومُُه َ ،وَما َكاُنوا َيْعِر ُ
ش فما آمن لموسى ،سوى فئة قليلة من مجموع بني إسرائيل ،وتبعهم فرعون
إلى البحر ،وعندما أدركه الغرق ،ندم الله فرعون ،فخان قومه ،وأعلن
توبته وإيمانه بإله آخر ،هو الله ،الذي آمنت به بنوا إسرائيل ،حسب قوله .
سَتْكَبُروا
ن َوَمَلِئِه ِبآَياِتَنا َفا ْعوْ َن ِإَلى ِفْر َ سى َوَهاُرو َ ن َبْعِدِهْم ُمو َ ) ُثّم َبَعْثَنا ِم ْ
عَلى ن َقْوِمِه َ ، سى ِإّل ُذّرّيٌة ِم ْ ن ِلُمو َ ن )َ … (75فَما َءاَم َ جِرِمي َ َوَكاُنوا َقْوًما ُم ْ
ن َلَعاٍل ِفي اَْلْرضِ َوِإّنُه عْو َن ِفْر َن َيْفِتَنُهْم َ ،وِإ ّ ن َوَمَلِئِهْم َ ،أ ْ عْو َ ن ِفْر َف ِم ْخْو ٍ َ
عْو ُ
ن حَر َ ،فَأْتَبَعُهْم ِفْر َسَراِئيَل اْلَب ْجاَوْزَنا ِبَبِني ِإ ْ ن )َ … (83و َ سِرِفي َن اْلُم ْ َلِم َ
ت َأّنُه َل ِإَلَه ِإّل اّلِذي ق َ ،قاَل َءاَمْن ُ حّتى ِإَذا َأْدَرَكُه اْلَغَر ُ عْدًوا َ ، جُنوُدُه َبْغًيا َو َ َو ُ
ن ) 90يونس ( . سِلِمي َ ن اْلُم ْسَراِئيَل َ ،وَأَنا ِم َ ت ِبِه َبُنو ِإ ْ َءاَمنَ ْ
ش وأما عامة المصريين ،فقد اتبعوا إلههم وربهم العلى فرعون ،بعد أن
ف عقولهم فأطاعوه ،وأضّلهم عن السبيل ،فكانوا قوما فاسقين كإلههم ، استخ ّ
ومن الغريب أن صفة خفة العقل ،صفة متوارثة لغاية الن في عامة الشعب
المصري ،إل من رحم ربي ،كما ورث أهل العراق صفة البأس الشديد من
أجدادهم البابليين .
غْيِري َ ،فَأْوِقْد ِلي َياَهاَما ُ
ن ن ِإَلهٍ َت َلُكْم ِم ْ عِلْم ُ
ل َما َ ن َيَأّيَها اْلَم َُ
عْو ُ) َوَقاَل ِفْر َ
ن
ظّنُه ِم َسى َوِإّني َل ُ طِلُع ِإَلى ِإَلِه ُمو َ حا َ ،لَعّلي َأ ّ صْر ًجَعْل ِلي َ ن َ ،فا ْ طي ِعَلى ال ّ َ
صى )ُ (21ثّم ع َ ب َو َ لَيَة اْلُكْبَرى )َ (20فَكّذ َ ن ) 38القصص ( َ ) .فَأَراُه ا ْ اْلَكاِذِبي َ
عَلى ) 24النازعات ( . شَر َفَناَدى )َ (23فَقاَل َأَنا َرّبُكْم اَْل ْ ح َسَعى )َ (22ف َ َأْدَبَر َي ْ
ضّلن ) 54الزخرف ( َ ) .وَأ َ سِقي َعوُه ِإّنُهْم َكاُنوا َقْوًما َفا ِ طا ُ
ف َقْوَمُه َفَأ َ خ ّ سَت َ) َفا ْ
ن َقْوَمُه َوَما َهَدى ) 79طه ( . عْو ُِفْر َ
ش أما علية القوم ،حاشية السوء فكان رأيهم أنهم هم المصلحون ،وأن موسى
ومن معه من المؤمنين بال ،هم الُمفسدون في الرض ،وكذلك رأي فراعنة
هذا العصر ،في المصلحين من الناس ،بمعنى أنهم سيدفعون الناس إلى عبادة
ال ،فيتركوا عبادة آلهة فرعون ،مما يجعلهم يستنكفوا عن طاعته ،فُتقوض
بذلك أركان ملكه ،مما يؤول به إلى الزوال ،فتفسد الرض ،لذلك يجب
التخلص من شرورهم ،بقتل أبنائهم واستحياء نسائهم وقهرهم ،وقتل الرأس
المحّركة للفتنة .
455
ك
سُدوا ِفي اَْلْرضِ َوَيَذَر َ سى َوَقْوَمُه ِلُيْف ِ ن َأَتَذُر ُمو َ عْو َن َقْوِم ِفْر َل ِم ْ ) َوَقاَل اْلَم َُ
ن )127 ساَءُهْم َوِإّنا َفْوَقُهْم َقاِهُرو َ حِيي ِن َ سَت ْسُنَقّتُل َأْبَناَءُهْم َوَن ْ
ك َقاَل َ َوَءالَِهَت َ
ف َأ ْ
ن خا ُ ع َرّبُه ِ ،إّني َأ َ سى َ ،وْلَيْد ُ ن َذُروِني َأْقُتْل ُمو َ عْو ُالعراف ( َ ) .وَقاَل ِفْر َ
ساَد )(26 ض اْلَف َ
ظِهَر ِفي الَْْر ِ ن ُي ْ
ُيَبّدَل ِديَنُكْم َ ،أْو َأ ْ
ش وأما مؤمن آل فرعون ،كان له رأي آخر ،إذ قال لقومه ،فمن ينصرنا من
بأس ال إن جاءنا ؟!
ن
ل ِإ ْ س ا ِّ ن َبْأ ِ صُرَنا ِم ْ ن َيْن ُ ض ،فََم ْ ن ِفي الَْْر ِ ظاِهِري َ ك اْلَيْوَم َ) َيَقْوِم َلُكُم اْلُمْل ُ
شاِد ) سِبيَل الّر َ ن َ :ما ُأِريُكْم ِإّل َما َأَرى َ ،وَما َأْهِديُكْم ِإّل َ عْو ُجاَءَنا َ … ،قاَل ِفْر َ َ
29غافر ( .وعلى هذا ،فليحذر فراعنة أمة السلم الجدد ،الذين يهدون
الناس إلى سبيل الرشاد الخاص بهم ،من بأس ال !!
ش وجاء نصر ال لرسوله الكريم ،فأنجاه من مكر فرعون وملئه ،وأنزل بهم ما
استجلبوه على أنفسهم ،من عذاب الدنيا والخرة .
ب ) (45الّناُر سوُء اْلَعَذا ِ ن ُ عْو َ ق ِبآِل ِفْر َحا َ ت َما َمَكُروا َو َ سّيَئا ِل َ ) َفَوَقاُه ا ُّ
شّد
ن َأ َ عْو َخُلوا َءاَل ِفْر َ عُة َأْد ِ سا َشّيا َوَيْوَم َتُقوُم ال ّ ع ِغُدّوا َو َعَلْيَها ُ ن َ ضو َ ُيْعَر ُ
ب ) 46غافر ( اْلَعَذا ِ
ش وأخيرا ،تهديد وتحذير شديد اللهجة ،لمن كفر بالنذير محمد ،من ملقاة
نفس المصير ،فليس هناك استثناء لحد ،حتى ولو انتسب لمته وادعى
السلم ،فملة الكفر عند رب العزة واحدة ،ومصيرها واحد ،إذ ل خيرية في
الكفر .
عِزيٍز خذَ َ خْذَناُهْم َأ ْ
ن الّنُذُر )َ (41كّذُبوا ِبآَياِتَنا ُكّلَها َفَأ َ عْو َجاَء َءاَل ِفْر َ ) َوَلَقْد َ
ن ُأوَلِئُكْم َأْم َلُكْم َبَراَءٌة ِفي الّزُبِر ) 43القمر ( ِ ) .إّنا خْيٌر ِم ُْمْقَتِدٍر )َ (42أُكّفاُرُكْم َ
سوًل )(15 ن َر ُ عْو َسْلَنا ِإَلى ِفْر َعَلْيُكْم َ ،كَما َ ،أْر َ شاِهًدا َ سولً َ ، سْلَنا ِإَلْيُكْم َر ُ
َأْر َ
ل ) 16المزمل ( . خًذا َوِبي ًخْذَناُه َأ ْ
سوَل َ ،فَأ َ ن الّر ُ عْو ُ صى ِفْر َ َفَع َ
ن ،بأن الذين ورثوا أرض مصر ،هم بني وقد جانب الصواب من ظ ّ
إسرائيل ،فتاريخ مصر القديم والحديث ،ل يدل على ذلك ،وكذلك تاريخ بني
إسرائيل ،في القرآن والسنة والتوراة والتلمود ،كما بيّناه سابقا ،وأما
المقصودين بوراثتها ها هنا ،هم أهل مصر ،من أبناء من بقي ،من قوم
فرعون وعبيده ،الذين لم ُيهلك منهم في اليم غرقا ،سوى من تبع بني إسرائيل
456
،أثناء خروجهم من مصر ،أما الرض التي ورثها بنو إسرائيل ،بعد
خروجهم من مصر ،فهي الرض المقّدسة والمباركة أي فلسطين .
لَياتِ َما ِفيِه
نا ْ
ن … َوَءاَتْيَناُهْم ِم َ
ب اْلُمِهي ِ
ن اْلَعَذا ِ
سَراِئيَل ِم َ
جْيَنا َبِني ِإ ْ
َوَلَقْد َن ّ
ن )(33 لٌء ُمِبي ٌ َب َ
وُيذّكر سبحانه بإنجائه بني إسرائيل ،من فرعون وقومه ،وبما آتى نبيهم
موسى عليه الصلة والسلم ،من معجزات بّينات ،في مصر وأثناء خروجهم
منها ،شاهدوها بأم أعينهم ،ويذّكر سبحانه بأنه وبالرغم من تفضيلهم ،
وابتلئهم بالسّراء والضّراء ،فما كان من أكثرهم إل الكفر والفسوق والعصيان
،وإيذاء نبيهم موسى عليه الصلة والسلم ،فأنزل بهم وعليهم ربهم العذاب
تلو العذاب ،مما فصلناه في فصل سابق .وكما حاول فرعون إيذاء موسى
ومن منعه من المؤمنين ،كذلك فعل بنو إسرائيل أنفسهم ،بموسى بعد النجاة ،
سوُل ا ِّ
ل ن َأّني َر ُ سى ِلَقْوِمِه َ :يَقْوِم ِلَم ُتْؤُذوَنِني ؟! َوَقْد َتْعَلُمو َ
) َوِإْذ َقاَل ُمو َ
ن )5سِقي َل َل َيْهِدي اْلَقْوَم اْلَفا ِل ُقُلوَبُهْم َ ،وا ُّغ ا ُّغوا َ ،أَزا َِإَلْيُكْم َ ،فَلّما َزا ُ
الصف ( ،ومجمل من تقّدم ذكرهم في سورة الدخان ،يقول فيهم سبحانه :
ي ِإّل َمْوَتُتَنا اُْلوَلى … َأْهَلْكَناُهْم ِ ،إّنُهْم َكاُنوا
ن ِه َ
ن ِ :إ ْ
ن هَُؤَلِء َلَيُقوُلو َ
ِإ ّ
ن )(37 جِرِمي َ ُم ْ
ُيقّرر سبحانه وتعالى بأن ) َهُؤلَِء ( أي أصحاب الدخان ُ ،ينكرون البعث
والنشور ،كما ُيقّرر سبحانه وتعالى ،أنهم ليسوا بخير من قوم تبع ،والذين من
قبلهم ،حيث أهلكهم ال بإجرامهم .ومن المفهوم ضمنا ،بأن في هذا وعيد ،
لمن ُيجرمون في حق ال ورسله وكتبه ،وينكرون البعث .حيث أنهم لو
آمنوا ،بحقيقة رجعتهم إلى ال في اليوم الخر لتقديم الحساب ،ونيل ما ترتب
صل لديهم اليقين بذلك ،لما على أقوالهم وأفعالهم تلك ،من ثواب وعقاب ،وتح ّ
تجّرأوا على الجرام ،كما أجرم الذين من قبلهم .فهم في شك يلعبون ،
ومصيرهم الهلك ل محالة ،وانظر قوله تعالى موضحا حقيقة حالهم ،وهو
أعلم بما يعتمل في صدورهم ،وحقيقة موقفه منهم ،ومن أمثالهم ماضيا
ومستقبل :
صُدوِر ) ت ال ّ عِليٌم ِبَذا ِ
ض ِ ،إّنُه َ ت َواَْلْر ِ سَمَوا ِ
ب ال ّ
غْي ِ
عاِلُم َ
ل َن ا َّ
قال تعالى ) ِإ ّ
ن َكَفَر َفَعَلْيِه ُكْفُرُه َ ،وَل َيِزيُد
ض َ ،فَم ْ
ف ِفي الَْْر ِلِئ َخَجَعَلُكْم َ
ُ (38هَو اّلِذي َ
457
ساًرا ) ن ُكْفُرُهْم ِ ،إّل خَ َ عْنَد َرّبِهْم ِ ،إلّ َمْقًتا َ ،وَل َيِزيدُ اْلَكاِفِري َ ن ُكْفُرُهْم ِ اْلَكاِفِري َ
ن َأْهَدى ِم ْ
ن جاَءُهْم َنِذيٌر َ ،لَيُكوُن ّ ن َ جْهَد َأْيَماِنِهْم َ ،لِئ ْ ل َ سُموا ِبا ِّ َ … (39وَأْق َ
سِتْكَباًرا ِفيجاَءُهْم َنِذيٌر َ ،ما َزاَدُهْم ِإّل ُنُفوًرا ) (42ا ْ حَدى اُْلَمِم َ ،فَلّما َ ِإ ْ
ن ِإّل
ئ ِإّل ِبَأْهِلِه َ ،فَهْل َيْنظُُرو َ سّي ُق اْلَمْكُر ال ّ حي ُ ئ َ ،ولَ َي ِ سّي ِاَْلْرضِ َ ،وَمْكَر ال ّ
ل )َ (43أَوَلمْ حِوي ً ل َت ْسّنِة ا ِّجَد ِل ُ
ن َت ِ
ل َ ،وَل ْ ل َتْبِدي ً
سّنِة ا ِّجَد ِل ُ ن َت ِن َ ،فَل ْسّنَة الَّْوِلي َُ
شّدن َقْبِلِهْم َ ،وَكاُنوا َأ َ ن ِم ْعاِقَبُة اّلِذي َ
ن َ ف َكا َ ظُروا َكْي َ ض َ ،فَيْن ُ سيُروا ِفي الَْْر ِ َي ِ
ت َوَل ِفي اَْلْرضِ ِ ،إّنُه سَمَوا ِ يٍء ِ ،في ال ّ ش ْ ن َ جَزُه ِم ْ ل ِلُيْع ِ
ن ا ُّ ِمْنُهْم ُقّوًة َ ،وَما َكا َ
عَلى ك َسُبوا َ ،ما َتَر َ س ِ ،بَما َك َ ل الّنا َ خُذ ا ُّ عِليًما َقِديًرا )َ (44وَلْو ُيَؤا ِ ن َ َكا َ
ن ا َّ
ل جُلُهْم َ ،فِإ ّ
جاَء َأ َسّمى َ ،فِإَذا َ جٍل ُم َ خُرُهْم ِإَلى َأ َ ن ُيَؤ ّ ن َداّبٍة َ ،وَلِك ْ ظْهِرَها ِم ْ َ
صيًرا ) 45فاطر ( . ن ِبِعَباِدِه َب َِكا َ
ت ِفي خَل ْ
ل اّلِتي َقْد َ سّنَة ا ِّسَنا ُ ، ك َيْنَفُعُهْم ِإيَماُنُهْم َ ،لّما َرَأْوا َبْأ َ وقال ) َفَلْم َي ُ
ن ) 85غافر ( . ك اْلَكاِفُرو َ سَر ُهَناِل َخ ِ عَباِدِه َ ،و َِ
-إذن ل أحد ممن أجرم في حق ال ،بمفازة من العذاب ،وما ترِكهم في
طغيانهم يعمهون ،إل لحين مجيء أجلهم الُمعلوم سلفا ،وتأخير العذاب عنهم ،
ما كان لعجز ،أو لقصر ذات يد .إذ أنهم كلما أمعنوا في الكفر ،كلما ازدادوا
مقتا وغضبا وخسارة ،وكلما اقترب إليهم أجلهم ،وهم ل يشعرون ،ولن يقبل
إيمانهم ،عند معاينة العذاب ،بعد أن حق القول عليهم ،وصدر الحكم
بكفرهم ،ونفذ قضاء ال فيهم .
ن )(59
ب ِإّنُهْم ُمْرَتِقُبو َ
ن َ ،فاْرَتِق ْ
ك َلَعّلُهْم َيَتَذّكُرو َ
ساِن َ
سْرَناُه ِبِل َ
َفِإّنَما َي ّ
أي أن ال سبحانه سّهل هذا القرآن ،بلسان عربي مبين ،وجعله قابل للفهم
والهضم ،لمن أراد فهمه ،رغبة في الذكرى والتذّكر ،ومن لم ُيرد الذكرى
حجب عنه الفهم ،ووجده طلسم ورموز ل منه ،وارتاده لمر ما غير ذلك ُ ،
يفقه منها شيئا ،فكّذب وجادل وكفر ،ونسب إلى كتاب ال ،ما ليس فيه ،
وأعرض عن اتباعه ،ونهى عن العمل به ،وحاربه بشتى الوسائل والسبل :
ب ِبآَياِتِه ِإّنُه َل ُيْفِل ُ
ح ل َكذًِبا َأْو َكّذ َ
عَلى ا ِّ ن اْفَتَرى َ ظَلُم ِمّم ِ
ن َأ ْ
قال تعالى ) َوَم ْ
عَلى ُقُلوِبِهْم َأكِّنًة َأ ْ
ن جَعْلَنا َك ،وَ َ سَتِمُع ِإَلْي َ
ن َي ْن )َ … (21وِمْنُهْم َم ْ ظاِلُمو َ
ال ّ
حّتى ِإَذان َيَرْوا ُكّل َءاَيٍة َل ُيْؤِمُنوا ِبَها َ ، َيْفَقُهوُه َ ،وِفي َءاَذاِنِهْم َوْقًرا َ ،وِإ ْ
ن )َ (25وُهْم طيُر اَْلّوِلي َسا ِ
ن َهَذا ِإّل َأ َ ن َكَفُروا ِ ،إ ْ ك َ ،يُقوُل اّلِذي َجاِدُلوَن َ
ك ُي َ
جاُءو ََ
458
ن )(26 شُعُرو َ سُهْم َ ،وَما َي ْ ن ِإلّ َأْنُف َن ُيْهِلُكو َ عْنُه َ ،وِإ ْ
ن َعْنُه َ ،وَيْنَأْو َن َ َيْنَهْو َ
ت َرّبَنا ، ب ِبآَيا ِ
عَلى الّناِر َ ،فَقاُلوا َ :يَلْيَتَنا ُنَرّد َوَل ُنَكّذ َ َوَلْو َتَرى ِإْذ ُوِقُفوا َ
ن َقْبُل َ ،وَلْو ُرّدوا ن ِم ْخُفو َن )َ (27بْل َبَدا َلُهْم َ ،ما َكاُنوا ُي ْ ن اْلُمْؤِمِني َ ن ِم َ
َوَنُكو َ
حَياُتَنا الّدْنَيا َوَما
ي ِإّل َ ن ِه َن )َ (28وَقاُلوا ِإ ْ عْنُه َ ،وِإّنُهْم َلَكاِذُبو ََلَعاُدوا ِلَما ُنُهوا َ
ن ) 29النعام ( . ن ِبَمْبُعوِثي َ
حُ َن ْ
) فارتقب ( خاص برسوله عليه الصلة والسلم ،وفيه وعد بنصرته ونصرة
أتباعه ،بإهلك خصومه ،وعام لمن ُيخاطبهم القرآن ) ،إنهم مرتقبون ( أي
مرتقبين هلكهم ،غير مصّدقين ،مستهزئين غير عابئين ،بما وعدهم ال من
أمر البطشة الكبرى ،وفيه تهّكم من ال بهم وتحقيرا لشأنهم .وقوله ) فارتقب (
ث على الترّقب والنتظار ،كقوله ) فارتقب يفيد أن ذلك سيقع مستقبل ،وفيه ح ّ
يوم تأتي السماء ( لمعاينة الحدث الول ) ،أي الدخان ( الذي بّين رب العزة
خبره ،وبّين ما سيكون قولهم عند نزوله بهم ،وما سيكون موقفهم بعد كشفه
عنهم ،ومن ثم ) فارتقب ( في آخر السورة ،لمعاينة الحدث الثاني ) أي
البطشة الكبرى ( ،لتعلم وليعلم المؤمنون ،بأن ما أخبر عنه هذا القرآن الكريم
المبين هو الحق ،وأن من أنزله هو الحق ،وأن ما ُينكره هؤلء بكفرهم ،هو
الحق فل ُيضيرك وُيضير المؤمنين به ،كفرهم وفسوقهم وعصيانهم ،فلن
تأسف عليهم السماء ول الرض ،كما لم تأسف على من أهلكناهم من قبل ،
ضّل ِإَذا
ن َ ضّرُكْم َم ْسُكْم َ ،ل َي ُ عَلْيُكْم َأْنُف َن َءاَمُنوا َ قال تعالى ) َيَأّيَها اّلِذي َ
ن )105المائدة ( . جِميًعا َفُيَنّبُئُكْم ِبَما ُكْنُتْم َتْعَمُلو َجُعُكْم َ
ل َمْر ِاْهَتَديُْتْم ِ ،إَلى ا ِّ
صفات الدخان :
.1بّين واضح ل ُلبس فيه ،ل يختلف عليه اثنان ،وهو المعروف المألوف
بين الناس ،وهو الذي ينجم عن عملية الحرق في العادة ،ذو طبيعة
غازية ،ولون أسود ،ورائحة كريهة نّفاثة مؤذية ،بدللة قوله تعالى )
ن(. ن ُمِبي ٍ
خا ٍ
ِبُد َ
.2هو من المور المنتظرة والمرتقبة ،قادم ل محالة في يوم من اليام ،
بدللة تنكير كلمة ) َيْوَم ( .
459
سَماُء ( ،
.3مصدره من السماء ،ل الرض ،بدللة قوله تعالى ) َتْأِتي ال ّ
أي أن السماء ستأتي به ،وبذلك ستكون الغازات المؤلفة لهذا الدخان ،غير
تلك الغازات ،التي تؤلف الدخان الناجم ،عن الحرائق على الرض .
.4ظهوره مفاجئ ومباغت ،وغير مسبوق بما ُينبئ عن قدومه ،لكي يتعذر
على الناس ،إيجاد تبريرات وأسباب مادية ومنطقية لظهوره ،ليؤكد
سبحانه ،بأن مصدره هو السماء ،وأنه عذاب من عنده ،وأنه نذير سوء ،
وأن هناك ما هو أفظع منه وأقسى ،أل وهو البطشة الكبرى ،بدللة قوله
ب ( ،وهو خطاب بلفظ المفرد خاص برسول ال عليه تعالى ) َفاْرَتِق ْ
السلم ،ومراد به العموم ،ممن يسوءهم ما يسوء ال ورسوله ،أي
فارتقبوه لتعرفوه إذا ظهر ،وليرتقبه المعنيين به ليحذروا ،ما يكون من أمر
ال بعده .
.5إحاطته بالناس من كل الجوانب .بمعنى أنه ينزل من السماء ،ويمكث
قريبا من الرض ،ملزما للناس ،يمل عليهم معايشهم ومساكنهم ،بدللة
س ( ،والناس هنا ،هم الذين سُيظهرون الشك شى الّنا َقوله تعالى ) َيْغ َ
واللعب في أمر دينهم ،دون غيرهم ،لن اليات السابقة لها حّددت حقيقة
معتقدهم ) في شك ( ووصفت فعلهم ) يلعبون ( .وفي العادة فإن الدخان ،
يتصاعد إلى أعلى بعيدا عن الناس ومساكنهم ،ومن ثم ينتشر في السماء
ويختفي تدريجيا ،ومن ثم تمتزج ذراته مع ذرات الماء والغبار ،وتترسب
وتعود إلى سطح الرض ،خلل سويعات قليلة .ولكن هذا مخالف لكل ما
سبق ،يهبط من أعلى إلى أسفل ،ويبقى ملزما للرض وللناس ،ول
صل الغاية من إرساله ،بتعذيب أولئك القوم . ينتشر ول يترسب ،حتى تتح ّ
ُ .6يصاب الناس منه بالذى والضرر ،وعادة ما ُيحدث الدخان ضررا ،في
النف والعين والحنجرة ،وقد يتسّبب بحالت اختناق نتيجة نقص
الوكسجين ،في أسوأ الحوال ،من جراء غشيانه وإحاطته بهم ،ولكن
ب َأِليٌم ( ،وهذا تقرير عَذا ٌ
دون الموت والهلك ،بدللة قوله تعالى ) هََذا َ
من رب العزة بأنه عذاب ،لمن قد ُيشّكك في ذلك ،أي أن المقصود
ضحها بإنزاله ،تعذيب من ينزل بهم ،وليس موتهم ،لمور اقترفوها ،تو ّ
اليات فيما يليها .
460
.7هذا الدخان حدث عارض ،وغشيانه للناس مؤقت ،وانكشاف هذا الدخان
ل ( ،إذ أن الهدف منه
ب َقِلي ً
شُفوا اْلَعَذا ِ
،سيكون بأمر من ال ،لقوله ) ِإّنا َكا ِ
هو النذار فقط ،بالرغم من انعقاد السباب الموجبة للعذاب ،ولكن يلزم
الصرار من قبل القوم ،على ما هم فيه من العتو والكبر ،قبل نزول
البطشة الكبرى بهم ،وهذا رحمة من ال ،حتى بمن يؤذيه ،ويؤذي ُرسله
من عباده .
حقيقة معتقد هؤلء القوم وصفة أقوالهم وأفعالهم :
.1انعدام اليقين بال ،وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر ،وكل ما أخبرت
ك(. شّ عنه الكتب السماوية َ ) ،بْل ُهْم ِفي َ
.2العراض عن آيات ال ،والستهزاء بها ،واتخاذها هزوا ولعبا ،كمادة
ن(. للتسلية والفكاهة والتندر ) َيْلَعُبو َ
.3النفاق حتى مع ال ،فحقيقة أفعالهم ،تتنافى مع ما ُيظهرونه ،من إيمان
ن(، ب ِإّنا ُمْؤِمُنو َ
عّنا اْلَعَذا َ
ف َ ش ْأو انتساب للسلم ،فقولهم هو ) َرّبَنا اْك ِ
وشهادة رب العزة ُتكّذب قولهم ) َأّنى َلُهُم الّذْكَرى ( .
.4الكفر بعد اليمان ،بالعراض عن هدي رسول ال ،عليه الصلة
عْنُه ( .والسلم ُ ) ،ثّم َتَوّلْوا َ
.5الطعن في خلقه الكريم ،واتهامه بالجنون أي المس ،وبالتعّلم من البشر
ن(. جُنو ٌوالكهان والسحرة َ ) ،وَقاُلوا ُمَعّلٌم َم ْ
.6محاربة ال وإيذاء رسوله وأوليائه من الناس ،من تضييق وتعذيب
وقتل ،ومحاربة السلم ،والطعن في تعاليمه ،وإضلل الناس وإبعادهم
عن الحقيقة ،وهدي الناس بغير هدي محمد ،عليه الصلة والسلم ،واتهام
الُمصلحين من الناس ،بالمفسدين في الرض ،خشية أن ُيبّدل هؤلء
المصلحون دينهم الجديد الذي يدينون ،بإحياء الدين السلمي من جديد ، ،
وهذه هي أقوال وأفعال فرعون وقومه ،ومستفادة من تشبيه حال هؤلء
القوم ،بحال فرعون وقومه ،وكذلك بحال بني إسرائيل .
ن َهُؤَلِء .7إنكار البعث والنشور وما يليه من حساب ،وثواب وعقاب ِ ) ،إ ّ
ن(. شِري َ ن ِبُمْن َحُ
ي ِإّل َمْوَتُتَنا اُْلوَلى َوَما َن ْن ِه َ ن ِ :إ ْ
َلَيُقوُلو َ
461
عّباد الدنيا .8مادّيون منشغلون ومتفانون في الحياة الدنيا ،فهم من ُ
ومظاهرها الخادعة ،ل يؤمنون إل بما هو محسوس ،من الدلئل الدافعة
ن ُكْنُتْمللشك والموجبة لليقين ،لطلبهم الدليل المادي بقولهم ) َفْأُتوا ِبآَباِئَنا ِإ ْ
ن ( ،للتأكد من حقيقة القدرة على البعث ،وما هم بموقنين ،فعقولهم صاِدِقي ََ
صل قاصرة عن فهم الدلئل العقلية ،المطروحة في القرآن ،والتي ل تتح ّ
إل بالتفّكر والتدّبر .
.9مجرمون ومصّرون على إجرامهم ،فل وازع ول رادع ،يثنيهم عن
خْيٌر َأْم َقْوُم ُتّبٍع
غيهم وطغيانهم ،ول تعنيهم التحذيرات والنذر َ ) ،أُهْم َ
ن(. جِرِمي َ
ن َقْبِلِهْم َأْهَلْكَناُهْم ِإّنُهْم َكاُنوا ُم ْ
ن ِم َْواّلِذي َ
صل في حياته عليه الصلة ظهور هذا الدخان بصفته الموضحة أعله ،لم يتح ّ
والسلم ،حيث لو عاينه في حياته لخبر عنه ،أو أخبر عنه أصحابه ،ولورد
خبره في كتب السيرة والتاريخ ،وليس من المنطقي أن يكون من أحداث يوم
القيامة ،أو من أشراطها الكبرى ،فصفته وصفة هؤلء القوم ،والغاية من
غشيانه لهم ،كما ُتبينها اليات ،ل تتفق مع كونها أحد أشراط الساعة
الكبرى ،والتي سُيعاينها مجمل البشر ،بينما هذا الدخان ،خاص بأناس من
أمة السلم ،وسبب غشيانه لهم ،هو أنهم كفروا بعد أن كانوا مسلمين ،وأما
السبب الموجب للبطشة الكبرى ،هو إيذاءهم لرسوله الكريم ،بالرغم من
تحذيرهم بالدخان .
سوٌل َكِريٌم (
جاَءُهْم َر ُ
ن َو َ
عْو َ
) َوَلَقْد َفَتّنا َقْبَلُهْم َقْوَم ِفْر َ
جاء في لسان العرب أن " جماع معنى الفتنة ،البتلء والمتحان والختبار ،
وأصلها ،مأخوذ من قولك فتنت الفضة والذهب ،إذا أذبتهما بالنار ،لتميز
شّر َواْلخَْيِر الرديء من الجيد " .ويتضح معناها من قوله تعالى ) َوَنْبُلوُكْم ِبال ّ
ن
ن ُيْتَرُكوا َ ،أ ْ س َ ،أ ْب الّنا ُ س َ ِفْتَنًة ) 35النبياء ( ،وقوله تعالى ) الم )َ (1أحَ ِ
ن ا ُّ
ل ن َقْبِلِهْم َ ،فَلَيْعَلَم ّن ِم ْن )َ (2وَلَقْد َفَتّنا اّلِذي َ َيُقوُلوا َءاَمّنا َ ،وُهْم لَ ُيْفَتُنو َ
ن
ن َءاَمُنوا َوَلَيْعَلَم ّ ل اّلِذي َن ا ُّن )َ … ( 3وَلَيْعَلَم ّ ن اْلَكاِذِبي َ
صَدُقوا َ ،وَلَيْعَلَم ّ
ن َ اّلِذي َ
ن ) 11العنكبوت ( ،ليكون معنى الفتنة ،هو المتحان والختبار ، اْلُمَناِفِقي َ
ويكون ذلك بالبتلء بالشر أو بالخير ،ليعلم ال الصادق من الكاذب ،وليعلم
المؤمن من المنافق .
462
والملحظ في اليات أعله ،أن المخاطب في الية ) ( 35من النبياء ،هم
المعاصرين لرسالة السلم ،وأن الحديث في الية ) ( 2من العنكبوت ،كان
عن الناس إجمال وبشكل عام .أما قوله ) ولقد فتنا الذين من قبلهم ( فالضمير )
هم ( يعود على المعاصرين لرسالة السلم ،والذين فتنوا من قبلهم ،هم كل
من سبقت فتنتهم ،قبل مجي السلم ،إذ لم يكن في هذه العبارة ،تحديد لقوام
بعينها سبقت فتنتها ،فهي أسبقية زمانية ل مكانية .
وأما في سورة الدخان ،فيقول سبحانه وتعالى ) ،ولقد فتنا قبلهم ( ،وضمير
الغائب ) هم ( في كلمة ) قبلهم ( ،يعود حصرا على أصحاب الدخان ،
الموعودين بالبطشة الكبرى ،وبمجيء التحديد لقوم بعينهم ،بقوله تعالى ) قوم
فرعون ( ،تصبح أسبقية ) قوم فرعون ( لهؤلء الناس ،مكانية وزمانية في
آن واحد ،ونلحظ هنا ،أن الفتنة كانت للقوم بشكل عام ،إذ لم يقل سبحانه
) فرعون ( أو ) فرعون وقومه ( أو ) فرعون وملئه ( ،وإنما قال ) قوم
فرعون ( .
ليصبح المعنى ،بأننا قمنا بامتحان واختبار ،هؤلء القوم ) أصحاب
الدخان ( ،فكان منهم ما كان ،من أمر رسولهم ،ورسبوا في المتحان الذي
ُقّدم إليهم ،بمجيء محمد عليه الصلة والسلم ،الرسول الكريم ،وتبّين لنا
وتأّكد أنهم كاذبون ،فاستحقوا بطشتنا الكبرى ،فبطشنا بهم ،كما كنا قد فتنا
قبلهم في نفس الرض ،قوم فرعون ،ببعث رسولنا الكريم موسى إليهم ،
فكذبوه وحاربوه واتهموه بالسحر والجنون ،فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر .
وهنا نفهم من قوله تعالى ) ،يغشى الناس ( ،بأن المقصودين هنا ،أناس
بعينهم ل جملة البشر ،وحقيقة هؤلء الناس موضحة ،في اليات بشكل ل
لبس فيه ،وأهم ما يتمّيزون به هو الكفر والنفاق ،وأن هذا الدخان سيغشاهم
كعذاب وليس كابتلء ،وذلك لكفرهم ونفاقهم ،مما ينفي أن هذا الدخان سُيبتلى
به عامة البشر ،من مؤمنين وكفار ومنافقين ،وُيفهم من قوله ) الناس ( ،أنه
سيغشى عامة الناس المقيمين في المكان ،الذي أحدث الناس فيه ،ما وصفته
اليات أعله ،دون سائر البشر .
سَراِئيَل ِم َ
ن جْيَنا َبِني ِإ ْ
أما الشارة الثانية للمكان فجاءت في قوله تعالى ) َوَلَقْد َن ّ
ن … ( ،ونجاتهم كانت بخروجهم من مصر ، عْو َ
ن ِفْر َ
ن )ِ (30م ْ
ب اْلُمِهي ِ
اْلَعَذا ِ
وذكر بني إسرائيل أيضا جاء هنا ،لشتراكهم مع الفراعنة بالفساد والفساد في
463
الرض ،وانعدام اليمان بال واليوم الخر ،ومحاربتهم ل ولرسله وأنبيائه
والصالحين من الناس ،قبل العلو وبعده ،فأنزل ال بهم العذاب تلو العذاب .
ن َهُؤلَِء … ( أصحاب الدخان َ … ) ،أْهَلْكَناُهْم ِ ،إّنُهْم
وقوله تعالى ) … ِإ ّ
ن ) (37وفيه تهديد ضمني ،للمخاطبين بالقرآن ،من كفرة أمة جِرِمي َ
َكاُنوا ُم ْ
محمد عليه الصلة والسلم ،بالهلك كما ُأهلك الذين من قبلهم ،لما فعلوا
مثل فعلهم .
ترتيب المشاهد حسبما وردت في سورة الدخان :
المشهد الول :الشك واللعب .
المشهد الثاني :غشيان الدخان للناس ،ومن ثم زواله .
المشهد الثالث :العودة لما كانوا عليه ،بل والمعان في التولي والعراض ،
وأخيرا الساءة لرسول ال .
المشهد الرابع :البطشة الكبرى .
تساؤلت :
والسؤال الول :هل ظهر الدخان في مصر ،حيث مكان إقامة فرعون
وقومه ؟
ن ( ،قبل ظهور الدخان ك َيْلَعُبو َ
شّ
والسؤال الثاني :هل كان أهل مصر ِ ) ،في َ
؟
والسؤال الثالث :هل أمعن أهل مصر ،في التولي والعراض ،عما جاء به
رسول ال عليه الصلة والسلم ،بعد ظهور الدخان َ ) ،وَقاُلوا _ عنه _ ُمَعّلٌم
ن ( أيضا ؟ جُنو ٌ
َم ْ
464
فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين
466
سحابة الدخان تتلشى نهائيا من فوق القاهرة خلل 48ساعة
الصفحة الولى /الثنين 16 /من رجب 1420هش 25 ،أكتوبر 1999م ،
السنة -124العدد 41230
موقع الصفحة على شبكة النترنت هو :
www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/25/FRON13.HT
M
صورة نهارية :واختفت القاهرة خلف دخان حريق قش الرز
توقع خبراء الرصاد الجوية ،أن تتلشى نهائيا ،سحابة الدخان الكثيف ،التي
خّيمت ليلة أمس الول على القاهرة وضواحيها ،خلل الساعات الثماني
والربعين المقبلة ،وأضافوا أن الكتلة الهوائية التي حملت هذه السحابة ،
الناتجة عن إحراق مخلفات محصولي الرز والقطن ،في المحافظات
المجاورة ،آخذة في التحرك شرقا ،لتحل محلها كتلة هوائية نظيفة ،مقبلة من
الشمال الغربي ،وأوضحوا أن نسبة الرطوبة ،سوف تنخفض أيضا ،بفعل
هذه التغيرات في حالة الطقس .
وقد قامت الدكتورة نادية مكرم عبيد ،وزيرة الدولة لشئون البيئة ،أمس بجولة
في محافظتي الشرقية والقليوبية ،بوصفهما المصدر الرئيسي للدخان ،الناتج
عن إحراق مخلفات الرز والقطن ،وصّرحت بأنه سيتّم تدريب المزارعين ،
على استخدام غاز المونيا ،لتحويل قش الرز ،إلى أعلف حيوانية ،بحيث
467
تنتفي الحاجة تماما ،إلى إحراقه ،كما أعلنت الجهات المسؤولة في
المحافظتين ،عن اتخاذ إجراءات حاسمة ،لوقف عمليات إحراق المخلفات
الزراعية في الحقول .
468
سر اختناق القاهرة !
تحقيقات /الثنين 16 /من رجب 1420هش 25 ،أكتوبر 1999م ،السنة
-124العدد 41230
موقع الصفحة على شبكة النترنت هو :
www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/25/INVE1.HTM
حرق حطب القطن وقش الرز ،مع خليط الغازات المركبة ،سبب سحابة
الدخان .المواطنون :إصابات بالنف والحلق ،وصعوبة في التنفس ،نتيجة
للتلوث .مصدر أمني 5 :بلغات فقط حول حرائق المخلفات وتم إخمادها .
475
موقع الصفحة على شبكة النترنت هو :
www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/25/INVE4.HTM
صورة لحرق القش
كتبت أهداف البنداري :في قرية الناي بمحافظة القليوبية ،إحدى المحافظات
التي تزرع الرز ،قال عبد ال إبراهيم فلح ،أنه يتم حرق 5أطنان قش في
كل فدان أرز ،وتستغرق كل كمية يتم حرقها ربع ساعة ،ول يصل دخان هذا
الحريق ،إلى مدينة قليوب التي تبعد خمسة كيلو مترات ،عن قرية الناي .
ويضيف عادل عطا أن مواعيد حرق القش ،تختلف في القرية الواحدة ،من
مكان لخر ،ومازالت أماكن لم تبدأ الحرق بعد .وتساءل فلح آخر ،بأن
رماد حريق القش يترسب ،ثم يتبخر ،فكيف يصل إلى القاهرة ،التي تبعد عن
قليوب 30كيلو مترا ؟! ) تساؤل وجيه ( ،وأضاف أن ميعاد حرق القش ،يبدأ
من 15أكتوبر ،ويستمر 20يوما ،وما يصل ارتفاع الدخان إلى حوالي عشرة
أمتار .وفي مركز شبين القناطر ،أرجع فلح سبب الدخان الغامق اللون ،
الذي ظهر اليام الماضية ،إلى طبقة مفتوحة في الوزون ،وقال انه شاهد
شبورة مع دخان أزرق ) أي أنها أتت من السماء ( ،ل يعرف سببها وإدارات
المرور ،هي المفترض أن تشرح أسبابها !
476
سر اختناق القاهرة ) ( 2
تحقيقات /الثلثاء 17 /من رجب 1420هش 26 ،أكتوبر 1999م ،السنة
-124العدد 41231
موقع الصفحة على شبكة النترنت هو :
www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/26/INVE1.HTM
تحقيق أهداف البنداري :كشف اختناق القاهرة ،الذي استمر لثلثة أيام
متتالية ،عن وجود العديد من الملوثات ،في سماء العاصمة .ففي الوقت الذي
تقوم فيه الدولة ،بالحفاظ على سلمة المواطنين ،والهتمام بتجميل القاهرة
الكبرى ،تنتشر مقالب القمامة بين الشوارع والميادين ،وعلى أسطح
المنازل ،حسب ما شاهدته وزيرة البيئة ،في جولتها بالطائرة ،فوق القاهرة ،
ويؤدي حرقها بل أية ضوابط ،إلى تلوث هوائي ُ ،يصيب العديد من
المواطنين بالمراض .
وعلى الرغم من أن مقالب القمامة الرسمية ،قد أوقفت حرق القمامة ،منذ
أكثر من عام ،بقرار صادر من وزيرة البيئة ،إل أن مقالب القمامة الخاصة ،
مازالت تعمل بل ضوابط .والسؤال الن ..متى تختفي مقالب القمامة من
شوارع العاصمة ؟! في البداية ،تقول د .نادية مكرم عبيد وزيرة البيئة ،إنها
رصدت سحابة الدخان ،وشعرت بها مثل كل المواطنين ،وأدركت أن هناك
شيئا غير طبيعي ،في الهواء منذ عشرة أيام ،فبحثت مع كل الجهات المعنية ،
لتعرف حقيقة هذا الدخان ..
وتضيف :قمت بجولة جوية بالطائرة ،لمدة ثلث ساعات بعد استجابة
فورية ،من المشير محمد طنطاوي وزير الدفاع ،شملت القاهرة الكبرى ،في
محافظات القاهرة والجيزة والقليوبية .وشاهدت حالت اشتعال ذاتي في حوالي
7أو 8مواقع للقمامة ،في مناطق عشوائية ،وتلوث في جنوب القاهرة ،من
بعض المصانع .كما شاهدت حرق قش الرز ،ولفت نظري انتشار القمامة ،
على أسطح المنازل .
من هنا أرجعت هذه السحابة الدخانية ،إلى تزامن عدة عوامل ،في آن واحد .
فالنبعاثات التي تصدر من الشتعال الذاتي للقمامة ،التي يلقيها الهالي
بطريقة عشوائية ،نتيجة سلوك غير سوي ،مع استقرار الهواء بدون رياح ،
477
أدى إلى تعّلق دخان القمامة المشتعلة والقش المحترق ،والذي يقوم الفلحون ،
بحرقه منذ سنوات ،لكننا شعرنا بدخان هذا الحتراق ،نتيجة اتحاد العوامل
السابقة معا .فالدخنة المعّلقة سبب شعورنا ،بأن هناك شيئا يحرق في
الهواء .
وأضافت د .نادية مكرم عبيد ،أنه سيتم إعداد برنامج تنفيذي ،للتعامل مع
الحرق المكشوف .فقانون البيئة يعطي للمواطن ،الحق في البلغ ،عن أية
مخالفة بيئية في القسم ،وعلى ملّوث البيئة أن يدفع الثمن .وعلى الرغم أن
الوزارة ،ليست لديها شرطة بيئية ،إل أننا نعتمد في المحافظة على البيئة ،
على 60مليون مصريا ،فبعد تصريحات الرئيس حسني مبارك ،أن الحفاظ
على البيئة أصبحت ضرورة ،وليست ضربا من الرفاهية .وجهود السيدة
سوزان مبارك ،في توعية المواطنين بذلك خاصة الطفال ،أصبحت البيئة
على الجندة السياسية ،وقد لمست صحوة بيئية ،في آلف الشكاوي ،التي
تتلقاها الوزارة من المواطنين .
وأوضحت أن قانون البيئة ،ينص على عقوبات لملوثي البيئة ،منها غرامة
مالية ألف جنيه لحارق القمامة ،وهذا المبلغ من وجهة نظر وزيرة البيئة ،
مناسب لكن المشكلة في تنفيذ العقوبات ،وهي مهمة منوط بها الوزارة
والمحافظات ،والهم سلوك المواطنين ،والجمعيات الهلية ،وأجهزة العلم
عليهم دور كبير لتحقيق الستجابة المطلوبة ،من الموطنين ،للحفاظ علي
بيئتهم .
وكما يقول د .أحمد نعيم البنداق ،المشرف على المجالس النوعية بأكاديمية
البحث العلمي ،أن المحاور الرئيسية ،التي يجب أن تنتهجها الدولة ،لمعالجة
مشكلة القمامة ،وكيفية الستفادة منها ،عن طريق دراسة مكونات القمامة ،
… ويؤكد د .أحمد نعيم على أن كل هذا ل يتم دون وضع التشريعات الخاصة
بالنفايات ،بشكل عام ،والتطبيق الذي تم إصداره بالفعل منها ،في قانون
البيئة ،الذي صدر عام ، 94وعمل حصر للمؤسسات المختلفة ،لمتابعة
تشريعات حماية البيئة من التلوث ،وكيفية الستفادة منها بشكل نافع .
أما الدكتور فوزي عبد القادر الرفاعي ،المشرف على قطاع تنمية التكنولوجيا
والخدمات ،بأكاديمية البحث العلمي ،فقد طرح نموذجا عمليا ،بوحدات تحول
478
القمامة إلى سماد ،ثم بنائها ،وتعميمها بأيد مصرية ،وبتكلفة أقل بكثير من
مثيلها المستوردة … ،
ويقول د .شريف عيسى ،رئيس المركز القومي للبحوث ،أن هناك خطة قادمة
لتطوير التكنولوجيا المصرية ،في مجال تصنيع القمامة . … ،
ويوضح المهندس مدحت حسين ،مدير مصنع ) شبرامنت ( أحد المصانع
الخاصة ،بتحويل القمامة إلى سماد عضوي ،بمدينة شبرامنت أن هذا المصنع
ُأنشئ بسعة كلية 10أطنان قمامة يوميا . … ،
ومن جانبه أكد د .عبد الرحيم شحاته ،محافظ القاهرة ،أن سحابة الدخان ،
التي غطت القاهرة ،ليست بسبب القمامة ،فالمحافظة خصصت 18مليون
جنيه سنويا ،لميزانية شركات القمامة ،وأن الدولة تقوم بدورها ،من حيث
توفير جهاز بمسئوليه ومعداته ،لنظافة القاهرة ،ولم تعد لدى إدارات مقالب
القاهرة الرسمية أية محارق ،إل أن المحافظة ،وكل الجهزة المعنية ،لن
تستطيع أن تقضي علي القمامة في الشوارع ،فذلك يتوقف بنسبة 100%على
سلوك المواطنين ،واستشهد محافظ القاهرة بسلوك المواطنين ،الذي يساعد
على استمرار تلل القمامة في الشوارع ،حيث إن 50%فقط من سكان
القاهرة ،يتعاملون مع جامعي القمامة ،والباقي يرفض دفع 3جنيهات ،
مفضل إلقاء مخلفاته على الجزيرة الوسطية في الشارع . ...
رئيس هيئة النظافة وتجميل القاهرة ُيبّرئ مقالب القمامة ويتهم القش
تحقيقات /الثلثاء 17 /من رجب 1420هش 26 ،أكتوبر 1999م ،السنة
-124العدد 41231
موقع الصفحة على شبكة النترنت هو :
www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/26/INVE2.HTM
كتب عبد العظيم الباسل :أثارت سحابة الدخان الخانق ،التي غطت القاهرة ،
أول أمس ،تساؤلت عديدة حول أسبابها ..البعض أرجعها لحرق ،مقالب
القمامة المنتشرة حول القاهرة ،وعّللها البعض الخر ،بحرق بقايا جذور نبات
الرز ،في الحقول المنتشرة حول القاهرة الكبرى .
479
وأيًا كانت أسبابها الحقيقية ،فقد انزعج العديد من الهالي ،التي أصابها
احمرار بالعين ،وضيق بالتنفس الصدري ،نتيجة لهذا الدخان الخانق ،الذي
لف القاهرة .
من جانبه يؤكد اللواء مجدي البسيوني ،رئيس هيئة التجميل والنظافة
بالقاهرة :إن هذه السحابة العالقة بسماء القاهرة ،ل ترجع إلى حرق القمامة ،
خاصة أن لدينا ثلث مقالب كبرى ،بالوفاء والمل والقطامية ودار السلم ،
ل منها 15فدانا ،ولم يتم حرق قمامة إحداها ،طوال اليام الثلثة مساحة ك ٍ
الماضية ..فضل عن أننا ،قمنا بالتفتيش على مقالب قمامة القطاع الخاص ،
ووجدناها ل تعمل أيضا ،وقبل هذا وذاك ،فان رائحة حرق القمامة مميزة ،
وهي تختلف عن رائحة الدخان ،التي انبعث فوق القاهرة .
ومن هنا فقد تأكدنا ،وفقا لشكاوي المواطنين القادمين من الطرق السريعة ،
والذين أكّدوا انهم فقدوا الرؤية على الطرق السريعة ،نتيجة لنبعاث الدخنة
من الحقول المجاورة ،على جانبي الطريق ،على غرار ما حدث في العام
الماضي ،خلل نفس التوقيت .وأضاف :من المعاينة ،تأكدنا من اشتعال 9
مواقع في المساحة المحصورة ،من مزارع الرز ،بين الطريق الدائري
والطريق الزراعي ،عند مدينة قليوب ،بالضافة لمساحات أخرى ،كانت
ظاهرة من طريق بلبيس الصحراوي ،باتجاه الخانكة . ...
480
عودة سحابة الدخان إلى سماء القاهرة
الصفحة الولى /الربعاء 18 /من رجب 1420هش 27 ،أكتوبر 1999م ،
السنة -124العدد 41232
موقع الصفحة على شبكة النترنت هو :
www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/27/FRON1.HTM
صورة ليلية :سحابة الدخان حجبت مباني القاهرة مرة أخرى مساء أمس
تجدد انتشار الدخان ،في سماء القاهرة الكبرى ،مساء أمس ،وتلقت الهرام
اتصالت هاتفية ،من قاطني الساحل وشبرا مصر ومصر الجديدة ،ومدينة
السلم والعجوزة والمنيل والهرم ،بإحساسهم بتكاثر الدخان ،وأنهم أغلقوا
نوافذ مساكنهم .وصرحت الدكتورة نادية مكرم عبيد ،وزيرة شئون البيئة ،
بأن كثافة سحابة الدخان ،التي عادت إلى سماء القاهرة ،أقل مما كانت عليه
مساء السبت الماضي ،حين بلغت ذروتها .وقالت لمندوبي الهرام ،أنها في
اجتماع دائم مع خبراء البيئة المصريين ،وبعض الخبراء من الدنمارك ،
لرصد وتحليل الدخنة الموجودة ،في سماء القاهرة الكبرى .وأكّدت وجود
مرتفع جوي ،قادم من شمال الجمهورية ،وأنه أدى إلى عدم تشتت الملوثات
العالقة في الجو ،وزيادة شعور المواطنين بها ،في بعض مناطق القاهرة
الكبرى .وحذر الدكتور طارق صفوت ،رئيس قسم المراض الصدرية
بجامعة عين شمس ،من أن هذه السحابة ،تزيد مخاطر التهاب الشعب الهوائية
للمواطنين ،وحدوث النزلت الربوية ،وحساسية جهاز التنفس .ونفى مدير
481
أمن القليوبية ،ما ترّدد عن احتراق ،مخلفات أحد المصانع الكبرى بش
) بنها ( .
482
عودة الدخان الخانق ! طوارئ في وزارة البيئة لفك لغز السحابة السوداء
تحقيقات /الربعاء 18 /من رجب 1420هش 27 ،أكتوبر 1999م ،السنة
-124العدد 41232
موقع الصفحة على شبكة النترنت هو :
www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/27/INVE1.HTM
متابعة :عبد العظيم الباسل وناجي الجرجاوي وسالي وفائي وأشرف أمين
صورة ليلية
في حوالي الساعة السابعة والنصف مساء أمس 26 ،أكتوبر ،تلقت الهرام
العديد من المكالمات التليفونية ،تؤكد عودة سحابة الدخان مرة أخرى ،في
مناطق الساحل وشبرا ومصر الجديدة ،ومدينة السلم والعجوزة والمنيل
والهرم .وقد أغلق المواطنون النوافذ لشعورهم بالختناق .وصرحت الدكتور
نادية مكرم عبيد ،وزيرة شؤون البيئة ،بأن سحابة الدخان الخانق ،عادت إلى
سماء القاهرة بالمس ،ولكن ليست بكثافة السحابة ،التي غطت القاهرة منذ
ثلثة أيام .وقالت :أنها في اجتماع دائم ،مع خبراء البيئة المصريين وبعض
الخبراء الدانماركيين ،لرصد وتحليل الدخنة المنبثقة والمنتشرة ،في سماء
القاهرة الكبرى .
وأشارت إلى أن التحليل المبدئي للدخنة ،أكد وجود نسبة عالية ،من
الجسيمات العالقة والتربة الرفيعة ،ساعد على انتشارها سكون الجو ،وعدم
483
تحريكها بواسطة الرياح ،ومازالت أبحاثنا مستمرة للوصول إلى حقيقة هذه
الدخنة ،خلل الش 48ساعة المقبلة .وعّللت عودة الدخنة إلى تضافر
مجموعة من العوامل ،أهمها المسابك والصناعات الملوثة للبيئة ،وحرق بقايا
محصولي الرز والقطن ،في الحقول المجاورة للقاهرة .
أكّدت السيدة نادية مكرم عبيد ،أن استمرار ظهور الدخان المنتشر ،في سماء
القاهرة الكبرى ،هو نتيجة وجود مرتفع جوي ،قادم من شمال الجمهورية ،
أدى إلى عدم تشتت الملوثات العالقة في الجو ،والتي شعر بها المواطنون ،في
بعض مناطق القاهرة الكبرى .وقالت الوزيرة إن الوزارة تقوم حاليا ،
بالتعاون مع الجهزة المعنية ،بمتابعة الموقف للتخفيف من تركيز تلك
الملوثات ،حيث أشارت مصادر الرصاد الجوية ،إلى توقع استمرار هذه
الظاهرة لمدة 3أيام على القل .
ومن جانبه ،قال الدكتور محمود نصر ال ،مدير معمل تلوث الهواء بالمركز
القومي للبحوث :إن حرائق القمامة ،والملوثات الناتجة من العربات
والصناعات الصغيرة ،ليست السبب الوحد في هذه الحالة المناخية ،فهناك
نوع من الركود للحركة الرئيسية والفقية للهواء ،هذا بالضافة إلى انخفاض
سرعة الرياح ،وتغير العوامل الجوية ،مما يؤدي إلى حالة من الحتباس
الحراري ،لذلك يجب أن تشكل غرفة عمليات ،في مثل هذه الحالت ليقاف
الملوثات المنبعثة ) .تبريرات وتكهنات جديدة ( .
وشرح الدكتور محمود نصر ال مدير معمل تلوث الهواء ،أنه من المتوقع أن
تكون الدخنة ) وليس من المؤكد ( ،ناتجة عن احتراق وقود البترول أو
القمامة ! هذه الدخنة عبارة عن جسيمات عالقة ،من الدخان السود ،ثاني
أكسد الكربون ،وثاني أكسيد الكبريت ،أول أكسيد الكربون ،وأكاسيد
النيتروجين ،لذلك يجب أن يكون هناك حل سريع وفوري ،وتشكيل غرفة
عمليات ،لرصد مصادر التلوث ،وكل منطقة سكنية ،بها محرقة أو مقلب
زبالة ،يجب أن تبلغ الجهات المسؤولة ،مثل وزارة البيئة وجهاز شؤون البيئة
،حتى تخمد هذه الحرائق فورا .
ويضيف الدكتور محمود نصر ال :إننا الن أمام احتمالين ،إما أن تنشط
حركة الهواء مرة أخرى ،ويعود المناخ لوضعه الطبيعي ،أو يستمر الوضع
على ما هو عليه ،مما يؤدي إلى تركز الهواء ،وبالتالي تراكم الملوثات ،
484
والتي سُيضاّر منها ،مرضى الصدر والدورة الدموية والقلب .ويضيف
الدكتور محمود نصر ال ،أنه للسف ل توجد خريطة ،توضح مراكز التلوث
بالقاهرة ،مثل المحارق وبعض الورش والمصانع ،والتي من الممكن التحكم
بها ،في مثل هذه الحالت بإيقاف مصادر التلوث ،بشكل تدريجي ومؤقت ،
لحين عودة الرياح لنشاطها .
ويضيف الدكتور محمود نصر ال :أن حادثا مشابها ،وقع في لندن عام 56
) المسؤول السابق قال أنه وقع عام ، ( 49حيث ازدادت كثافة السحب المعبأة
بالملوثات ،مما أدى إلى إصابة العديد باللتهابات الشعبية ،وتطور المر إلى
مرحلة الختناق والوفاة .لذلك يطالب الدكتور محمود نصر ال ،بأن تتابع
محطات الرصد ،التابعة لجهاز شؤون البيئة ،تغيرات مكونات الهواء ،في
كل منطقة ،وتحدد مصادر التلوث سواء كانت محارق أو مصانع .ووقفها
بشكل مؤقت ،لحين تحسن الحالة الجوية ،وعودة الرياح لسرعتها الطبيعية .
ومن جانبه أكد مجدي البسيوني ،رئيس هيئة النظافة وتجميل القاهرة :أنه قام
بجولة ميدانية ،للوقوف على مصادر انبعاث الدخنة ،من جديد ،فوجد أن
المقالب الرسمية ،لم يحدث بها أي اشتعال للقمامة ،بينما لحظ وجود
الدخنة ،بكثافة في المناطق المتاخمة للراضي الزراعية ،على امتداد
المشروع البلبيسي .وأجمعت المصادر على أن الحرائق ،ل تزال مشتعلة في
الحقول ،بمنطقة الخانكة والطريق الدائري .وطالب البسيوني :بضرورة
تحرك الرصاد والبيئة ،للكشف عن سر هذه الظاهرة ،التي تفاجئ القاهرة
بين الحين والخر .
ومن جانبه أكد المستشار صبري البيلي ،محافظ القليوبية أنه بالمس فقط ،تم
تحرير 35محضرا ،بش ) قها وطوخ ( لحرق قش الرز المخالف ،والحملت
مازالت مستمرة من الزراعة ،ومجالس المدن لمتابعة المخالفين .مؤكدا أن
سبب الدخان ،يرجع للرز المحترق ،من بعض المزارعين ،بمنطقة اللج
والخانكة بجوار الطريق الدائري .ونفى المستشار البيلي ،عدم حرق أي
كاوتش كما ترّدد عن أحد المصانع الكبرى .
ومن جانبه صرح د .محمد عطية الفيومي ،رئيس مجلس محلي محافظة
القليوبية :بأنه ل توجد حرائق في المنشآت الموجودة ،على أرض المحافظة ،
حتى الساعة التاسعة ،مساء الثلثاء 26أكتوبر ،ولم تتلق النجدة أو المطافئ ،
485
أية بلغات في هذا الخصوص ،إل أنه قد توجد بعض حرائق ،يشعلها بعض
المزارعين للمحاصيل المنتهية ،لكنها ل تخرج عن كونها ،حرائق محدودة
الثر ،وغير ذات تأثير .وعلى الجانب الخر ،لم يشعر سكان القليوبية
بالدخان ،الذي شعر به سكان القاهرة ،ولم تتغير طبيعة المناخ ،ول رائحة
الجو ،عن المور المعتادة ) بالرغم من أن الحرق يتم في القليوبية ،وهي تبعد
عن القاهرة 25كم ( .ونفى مدير أمن القليوبية ،ما ترّدد عن احتراق مخلفات
طى سماء القاهرة .أحد المصانع الكبرى بش ) بنها ( مسببة الدخان ،الذي غ ّ
مرضى الصدر ضحايا التلوث !
تحقيقات /الربعاء 18 /من رجب 1420هش 27 ،أكتوبر 1999م ،السنة
-124العدد 41232
موقع الصفحة على شبكة النترنت هو :
www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/27/INVE2.HTM
تحقيق :عبد المحسن سلمة ونادية يوسف
أدى الدخان الكثيف ،الذي تعرضت له القاهرة مؤخرا ،إلى ازدياد معاناة
مرضى الحساسية الصدرية ،وزيادة أعداد المترددين على أقسام الصدر
بالمستشفيات ،بعد أن شعر المرضى بالختناق ،وضيق التنفس ،الناتج عن
تهيج الغشية المخاطية للعين والنف .ويقول د .محمد عوض تاج الدين ،
أستاذ المراض الصدرية ،ونائب رئيس جامعة عين شمس … :وبالنسبة
لدخان السحابة الخيرة ،فقد اتسم بالكثافة ،ووجود رائحة نفاذه مصاحبة له ،
مما أحدث تهيجا في الغشية المخاطية ،للعين والنف ،لمن تعرضوا له ،
وأدى ذلك إلى إصابتهم ،بضيق في التنفس ،نتيجة تهيج هذه الغشية ،فارتفع
عدد الحالت المصابة ،وزاد عدد المترّددين على أقسام الصدر ،بالمستشفيات
العامة والخاصة .وقد تلقى هؤلء المرضى العلج ،وخرجوا على الفور ،
لن معظمها حالت مؤقتة كان الدخان السبب الرئيسي لها ،وتركز علجهم ،
في موسعات الشعب الهوائية ،وعلج للغشية المخاطية .
وأكد د .طارق صفوت ،رئيس قسم المراض الصدرية ،بجامعة عين شمس :
أن هذه السحابة ،مبعث للتلوث ،وانتقال أمراض التهابات الشعب الهوائية
والنزلت الربوية ،وتشكل حساسية شديدة ،في الجهاز التنفسي لمرضى
486
المراض الصدرية ،ومرضى النف والذن ،لنها تسبب التهابات في
الجيوب النفية ،والعيون ،أي جميع الغشية المخاطية .وينصح د .صفوت :
بوضع ماسكات واقية للذين لديهم حساسية ربوية ،لتجنب استنشاق هذه
الدخنة .وقد استقبل قسم المراض الصدرية ،أكثر من ضعف العداد التي
يستقبلها القسم في اليام العادية .ولبد من اللتزام بعلج مرضى الصدر ،مع
طبيبهم الستشاري واستخدام بخاخات .وأضاف أنه ل يشترط أن تكون الزمة
حادة ،لكن تزيد أعراض المرض في فترة انتشار الدخان .
ويقول الدكتور هشام قاسم أخصائي الصدر بمستشفى الصدر بالعباسية :أنه لم
ترد أي حالت اختناق أو إعياء للمستشفى ،بسبب التلوث ،ويوصي الدكتور
هشام مرضى الحساسية :بإغلق النوافذ والبتعاد عن الملوثات بقدر
المكان ،كما يجب وضع منديل مبلل ،على النف والفم والتنفس من خلله .
كما من الممكن ،أن يصاب الناس ،في حالة كثافة الدخنة ،باحتقان الحلق
والتهاب شديد ،في الشعب الهوائية والعينين ) .يغشى الناس هذا عذاب أليم ( .
تقرير لرئيس مجلس الوزراء حول ظاهرة الدخان
الصفحة الولى /الخميس 19 /من رجب 1420هش 28 ،أكتوبر 1999م ،
السنة -124العدد 41233
موقع الصفحة على شبكة النترنت هو :
www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/28/FRON.HTM
مرتفع جوي فوق القاهرة ،تسبب في تكوين طبقة عازلة ،منعت انسياب
الدخان والملوثات ،إلى طبقات الجو العليا .
تلقى الدكتور عاطف عبيد ،رئيس مجلس الوزراء ،تقريرا شامل ،مساء
أمس ،من الدكتورة نادية مكرم عبيد ،وزيرة الدولة لشؤون البيئة ،حول
ظاهرة الدخان الكثيف ،الذي غطى سماء القاهرة ،منذ يوم السبت الماضي ،
وعاد إلى الظهور ،يومي أمس وأمس الول .وقال عبيد :أنه سيتم بحث هذا
التقرير ،بشكل تفصيلي ،لمعرفة أسباب تلك الظاهرة ،وكانت الهرام ،قد
تلقت طوال ليلة أمس ،سيل من الشكاوي حولها ،من عشرات المواطنين ،
الذين يشكون من الختناق ،وعودة الدخان إلى الظهور بشكل كثيف ،في
أنحاء متفرقة من القاهرة .
487
كما أكدت وزيرة البيئة :أن السبب وراء زيادة نسبة الدخان في الجو ،هو
ظهور المرتفع الجوي ،الذي ساد منطقة شمال الجمهورية ،وأدى إلى تحرك
كتلة من الهواء المشبع ،ببخار الماء ،باتجاه الدلتا والقاهرة ،وقالت :إن هذه
الكتلة ،كونت طبقة عازلة فوق الهواء ،تمنع انسياب الملوثات ،إلى طبقات
الجو العليا .وأضافت في مؤتمر صحفي ،عقدته بعد ظهر أمس :أن ذلك
تزامن مع انخفاض سرعة الرياح ،وحرق المخلفات الزراعية داخل الحقول ،
في محافظات الدلتا القريبة ،وهي :القليوبية والشرقية ،بالضافة إلى مصادر
التلوث الموجودة ،على مدار العام ،مما أدى إلى تكّون سحابة من الدخان ،
طت أجواء القاهرة الكبرى ،وشعر بها المواطنون ،نتيجة لتركيز تلك غّ
الملوثات ،وعدم تشتتها أو انسيابها ،إلى طبقات الجو العليا .
وكان بيان لهيئة الرصاد ،قد أعلن :أن العاصمة تأثرت أمس ،بمرتفع جوي
أدى إلى تباطؤ سرعة الرياح .كذلك أكدت الوزيرة :ضرورة اتخاذ إجراءات
عاجلة ،حتى يمكن التخفيف من حدة تلك الظاهرة ،بما في ذلك التنبيه على
المصانع الكبرى ،حول القاهرة الكبرى ،للعمل على التقليل من حدة
النبعاثات الملوثة ،خلل اليام القليلة المقبلة ،وقيام الجهزة المعنية ،
باليقاف الفوري للنشطة العشوائية الملوثة ،مثل الجيارات والفواخير ،
والمسابك ومصانع الطوب والحرق المكشوف ،أيا كان مصدره ،وقيام أجهزة
الشرطة ،بمنع سير السيارات ،التي ينتج عنها عادم كثيف ،تطبيقا لحكام
قانون المرور .
والي يطلب سرعة وقف حرق مخلفات الزراعة
الصفحة الولى /الجمعة 20 /من رجب 1420هش 29 ،أكتوبر 1999م ،
السنة – 124العدد 41234
موقع الصفحة على شبكة النترنت هو :
www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/29/FRON10.HT
M
الرصاد :المرتفع الجوي مستمر اليوم
أصدر الدكتور يوسف والي ،نائب رئيس مجلس الوزراء ،ووزير الزراعة
واستصلح الراضي ،تعليمات بسرعة وقف حرق قش الرز وحطب
488
القطن ،للحد من ظاهرة تراكم الدخنة ،في سماء القاهرة الكبرى .وصرحت
الدكتورة نادية مكرم عبيد ،وزيرة الدولة لشؤون البيئة ،بأن معدلت تلوث
الهواء ،وصلت أخيرا إلى 300ميكروجرام في المتر المكعب ،بما يتجاوز
أربعة أضعاف نسب التلوث المنية ) إحدى الحقائق المرعبة ( .ومن ناحية
أخرى ،قال خبراء الرصاد الجوية ،أن القاهرة الكبرى ،ستتأثر اليوم بامتداد
مرتفع جوي ،قريب من سطح الرض ،يؤدي إلى استمرار الستقرار في
الحوال الجوية ،وهدوء في سرعة الرياح ليل ،مما يساعد على ظهور
الدخنة ،في سماء القاهرة الكبرى ،في حالة استمرار ،عملية حرق مخلفات
المحاصيل الزراعية ،في الرض المحيطة بإقليم القاهرة الكبرى .
وزيرة البيئة :استمرار متابعة ظاهرة الدخان للحد من أثارها
الصفحة الولى /الجمعة 20 /من رجب 1420هش 29 ،أكتوبر 1999م ،
السنة -124العدد 41234
موقع الصفحة على شبكة النترنت هو :
www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/29/FRON11.HT
M
كتبت سالي وفائي :صرحت السيدة نادية مكرم عبيد ،وزيرة الدولة لشؤون
البيئة ،بأن غرفة العمليات المشكلة في الوزارة ،في حالة عمل مستمر
لمواجهة ظاهرة الدخان ،والحد من آثارها .وقالت أنها تلّقت تقريرا ،من
الدكتور حسين رمزي كاظم محافظ الشرقية ،أكّد خلله ،أنه تم إيقاف عمليات
،حرق قش الرز وأعواد القطن ،وإخماد النيران عن طريق رشها بالماء .
وأشارت الوزيرة إلى أنه يتم التصال بصورة دائمة ،بالسادة الوزراء
والمحافظين ،ومتابعة المصانع ،للتأكد من خفض نسب النبعاثات الملوثة ،
خلل اليام القليلة القادمة ،وحتى ينتهي المرتفع الجوي المشبع ببخار الماء ،
والذي يسود البلد حاليا ،مع استمرار الجولت المفاجئة للوزيرة ،بالشتراك
مع قوات الشرطة ،لوقف الممارسات البيئية الخاطئة .
وقالت السيدة نادية مكرم عبيد ،أن القياسات المسجلة لنسب تلوث الهواء ،
والصادرة عن ثماني محطات ،منتشرة في نطاق القاهرة الكبرى ،وصلت
أخيرا إلى 300ميكروجرام في المتر المكعب ،من الجسيمات العالقة ،في
489
حين أن الحدود التي نص عليها قانون البيئة ،هي 70ميكروجرام ،حيث
تسبب المنخفض الجوي ،في عدم انسياب تلك الجسيمات ،والتي تنتج عن
النشطة الصناعية الكبرى ،وكذلك الصناعات التقليدية ،مثل المسابك
والفواخير وقمائن الطوب ،بالضافة إلى عوادم السيارات ،والرمال القادمة
من الصحراء ،وكذلك النشطة الموسمية للزراعات .
مشكلة الدخان وتطوير مطار القاهرة
الصفحة الولى /السبت 21 /من رجب 1420هش 30 ،أكتوبر 1999م ،
السنة -124العدد 41235
موقع الصفحة على شبكة النترنت هو :
www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/29/FRON10.HT
M
يعقد الدكتور عاطف عبيد ،رئيس مجلس الوزراء ،اجتماعين متتاليين اليوم
وغدا ،لبحث عدد من المشكلت ،التي تهم الجماهير .يخصص اجتماع اليوم
للمجموعة الوزارية ،لبحث مشكلة الدخان ،الذي غطى سماء القاهرة في
السبوع الماضي ،والتعرف على أسبابها ،واتخاذ الجراءات الحازمة ،التي
تقلل من حدوث مثل هذه الظاهرة ،مرة أخرى ،ويخصص الجتماع الثاني ،
لدراسة ارتفاعات المباني ،حول مطار القاهرة الدولي ،واتخاذ الجراءات
الخاصة لتطوير المطارات … انتهى .
صحيفة الشعب
* فيما يلي سنعرض تعليقا ،للكاتب عادل حسين من صحيفة ) الشعب (
المصرية ،في عددها الذي صدر يوم الجمعة 1999 / 11 / 5م .عنوان
المقال على شبكة النترنت www. elshaab.com/05-11- ) :
، ( 1999/2.htmتصدير المقال :
• السحابة وسقوط الطائرة وتهديد السودان :حلقات متكاملة لرهابنا .
• بيرجر :المخاطر الصاروخية في الشرق الوسط ،تتطلب التحرك
المريكي القوي .
• إخضاع مصر بالكامل هو الهدف الول :ما المطلوب ؟ وكيف نقاوم ؟
490
• السقوط المفاجئ للطائرة ،يضع دولتنا تحت رحمة أمريكا ،هل هذا
مصادفة ؟
• التحرك المجنون لفصل جنوب السودان قد يورط مصر في مواجهة
عسكرية حتى ل نموت عطشا .
جع غيرها على جع موريتانيا ،وُيش ّ
• استمرار ) والي ( في مناصبه ،ش ّ
العتراف بإسرائيل .
• بقاء مجدي حسين وصحبه في السجن مرفوض … وتقديم الخوان
للمحاكمة ،مرفوض … مرفوض .
الجزء الخاص بالدخان من نص المقال :
لحظ المواطنون ،أن المصائب توالت علينا ،منذ إعلن النقلب الوزاري
الخير ،بدءا من اختطاف طائرة بسكين ،وانهيار بعض المدارس ،ثم انتهاًء
بالسحابة السوداء الغامضة ،والسقوط المروع للطائرة المصرية ،في المياه
المريكية ،وهذه الملحظة عن تتابع المصائب ،صحيحة بالقطع ،وقد استنتج
شها نحس ( .الناس أن الوزارة ) و ّ
إل أننا ل نتفق طبعا ،مع هذا التفسير ،ومن واجبنا أن ننتبه ،إلى ما جرى ،
أخطر كثيرا من كونه مجرد أحداث متفرقة ،تتابعت بسبب النحس .
ونحن في تحليلنا ُنفّرق بين نمطين من الحداث ،الول له أسبابه المحلية
الظاهرة ،ومثل ذلك اختطاف الطائرة بالسكين ،وسقوط المدارس ،وما سبقه
من تصادم القطارات ،وتهاوي ركابها فوق القضبان ،فمثل هذه الحداث ،
كوارث داخلية في أسبابها ومغازيها ،فهي تكشف عن مدى النحطاط ،الذي
بلغه جهازنا الداري ،الذي ل يعرف كيف ُينظم العمل ، ،ول كيف تتم
الصيانة والمتابعة ،والذي أصبح ل يعرف العقاب الفوري ،للمهمل والفاسد .
ويتفّرع عن هذا ،كل ما ُيعانيه المواطن ،من ظلم وإذلل ،لدى تعامله مع أية
مصلحة حكومية .
إل أنني ُأرّكز هنا على النمط الثاني ،من المصائب التي اجتاحتنا ،والذي
يتمّثل في السحابة السوداء ،وفي سقوط الطائرة في المياه المريكية ،
وسأضيف أيضا ،التهديد باستقلل جنوب السودان .
491
لغز السحابة السوداء :
بالنسبة للسحابة السوداء ،مؤكد أن هناك إجماعا ،على رفض التفسير الرسمي
المعلن ،بحكاية مقالب الزبالة ،وحرق قش الرز وما شابه … طبعا لو ص ّ
ح
التفسير ،لكان سببا إضافيا لعزل ) يوسف والي ( !! ولكننا ل نصّدق مثل
غيرنا هذا التفسير ،المتهافت والمهين للعقول ،ونحن ل نتسّقط أسبابا ،لعزل
) والي ( ،فوالي مش ناقص ،والتهامات الخرى الثابتة في حقه ،تكفي
وزيادة ،للطاحة به ومحاكمته .
ولكن مع الرفض الجماعي ،لعلن الحكومة عن حكاية قش الرز ،حاول
الناس أن يتوصلوا بمعرفتهم ،للسباب الكثر احتمال ومنطقية ،لحكاية
السحابة السوداء ،وفي سعيهم هذا ،حاولوا أن يرصدوا أي تغّير جديد ،
يربطونه بنشوء هذه الظاهرة ،المفاجئة وغير المألوفة ،فلم يجدوا أمامهم إل
مناورات النجم الساطع ،وانتشر بين الناس أنها السبب ،وهذا التفسير للظاهرة
العجيبة والمؤذية ُ ،يعّبر في تقديري عن اتجاه سليم في التحليل ،فهو من ناحية
يعكس وعيا شعبيا عميقا ،في التعامل مع الحلف الصهيوني المريكي ،على
أمننا ووجودنا … ومن جهة أخرى ،فقد خّمن الناس ،أن لجوء الحكومة إلى
كذبة مفضوحة وسخيفة ُ ،يخفي حرجها من إعلن السبب الحقيقي ،لمأساة
السحابة السوداء ،فتأكد عندهم ،أن مناورات النجم الساطع ،قد تكون السبب ،
الُمثير للحرج .
وقد ذكرت ،أن ما وصل إليه جمهور الناس وخاصتهم ُ ،يعتبر تحليل في
التجاه الصحيح ،ولكن قد ل تكون مناورات النجم الساطع ،بالذات مسؤولة ،
وبشكل مباشر عن هذه الظاهرة ،إذن كيف حدثت ؟ ل أستبعد أن تكون
الحكومة عاجزة مثلنا ،عن المساك وبالدليل ،بالسبب الحقيقي لمصيبة
السحابة السوداء ،ول غرابة في قولي هذا ،فمن الثابت الن ،أن ترسانة
العداء ،في مجال الحرب البيولوجية والكيمائية ،فيها الكثير من الطلسم
والسرار ،التي يصعب فهم كنهها ،وفيها تنويع هائل ،فبعضها ُيمكن أن يقتل
،والبعض الخر ُيمكنه اليذاء ،دون القتل ،وحسب الدرجة المطلوبة … ،
وفي كل الحوال ،فإن الميزة العظمى لهذه السلحة السرية ،أنها ُتحدث فعلها
المدمر ،دون أن تتمكن الضحية ،من معرفة السبب أو من التثبت ،من نوع
الوسائل ،التي حملت إليها أسلحة القتل واليذاء .
492
) ويسهب الكاتب قليل ،في الحديث عن السلحة السرية ،ويضرب قصة
المحاولة السرائيلية الفاشلة ،لغتيال خالد مشغل ،واستخدام اليورانيوم
المستنفذ في العراق ويوغسلفيا ،ومنتجات الهندسة الوراثية في الغذية ،
ومن ثم يختم كل ذلك بقوله ( :
في إطار ما سبق ،لم ل تكون سحابتنا الغامضة ،ضمن وسائل الحرب السرية
؟! ول يعني هذا ،أن ما جرى كان بالضرورة ،في إطار أسلحة البادة
الشاملة ،فقد ذكرت أن أسلحتهم ،أصبح فيها درجات متصاعدة من اليذاء ،
الذي قد ل يصل في كل الحالت إلى القتل .
ن البتلء الذي مّثلته السحابة السوداء الغامضة ،قد يكون مجّرد إشارة تحذير إّ
) لقد أصاب الكاتب هنا كبد الحقيقة ،وهي كذلك ( ،وشّد للذن ،فالدولة قد
تتوصل إلى نفس الستنتاج الذي وصلناه ،وهذا في ظنهم يكفي – مع ضغوط
أخرى -لكي تخضع الدولة ،وُتنّفذ ما ُيطلب منها ،خوفا من تكرار الظاهرة
وتصاعدها ،إن الدولة قد ل تتمكن من تقديم ،أدلة قاطعة ،تثبت وقوع
الجريمة ،وإن كانت ترجح قيامها ،ولكن هذا الغموض ،هو ما ُيمّيز الشكال
الجديدة ،للحروب الكيماوية والبيولوجية ،والتي ُيمكن أن تحقق ما يستهدفه
القصف النووي بالصواريخ ،ولكن دون ضجيج ودليل … انتهى .
* صحيفة الشعب ،والتي ُأخذ منها هذا المقال ،موقوفة عن العمل ،من قبل
الحكومة المصرية .
قراءة سريعة في مقالت الهرام والشعب
صحيفة الهرام
496
اهتمام على مستوى رئاسة مجلس الوزراء :
تلقى الدكتور عاطف عبيد ،رئيس مجلس الوزراء ،تقريرا شامل ،مساء
أمس ،من الدكتورة نادية مكرم عبيد ،وزيرة الدولة لشؤون البيئة ،حول
ظاهرة الدخان الكثيف ،الذي غطى سماء القاهرة ،منذ يوم السبت الماضي ،
وعاد إلى الظهور ،يومي أمس وأمس الول .وقال عبيد :أنه سيتم بحث هذا
التقرير ،بشكل تفصيلي ،لمعرفة أسباب تلك الظاهرة ،وكانت الهرام ،قد
تلقت طوال ليلة أمس ،سيل من الشكاوي حولها ،من عشرات المواطنين ،
الذين يشكون من الختناق ،وعودة الدخان إلى الظهور بشكل كثيف ،في
أنحاء متفرقة من القاهرة .
إحدى الحقائق المرعبة ،على لسان وزيرة الدولة لشؤون البيئة :
وصرحت الدكتورة نادية مكرم عبيد ،وزيرة الدولة لشؤون البيئة ،بأن
معدلت تلوث الهواء ،وصلت أخيرا إلى 300ميكروغرام في المتر المكعب ،
بما يتجاوز أربعة أضعاف نسب التلوث المنية .
ش فكيف وصلت نسبة التلوث بالدخان ،إلى هذه الدرجة بين عشية وضحاها …
؟! ولماذا لم ُتطلع الوزيرة وخبراء الرصد الشعب المصري ،على تقارير
التحليلت المخبرية ،أثناء حدوث الظاهرة أو بعد انتهائها ،واقتصرت على
تبريرات وتفسيرات ،أشبه ما يكون بحكايا جدتي .
صحيفة الشعب :
تؤكد الصحيفة ،أن هناك إجماعا ،على رفض التفسير الرسمي المعلن ،
بحكاية مقالب الزبالة ،وحرق قش الرز وما شابه …!! وتصف التفسير
الحكومي للظاهرة ،بالمتهافت والمهين للعقول .ولذلك ،حاول الناس أن
يتوصلوا بمعرفتهم ،للسباب الكثر احتمال ومنطقية ،لحكاية السحابة
السوداء ،وفي سعيهم هذا ،حاولوا أن يرصدوا أي تغّير جديد ،يربطونه
بنشوء هذه الظاهرة ،المفاجئة وغير المألوفة .
497
التطّير من الناس والشياء من عادات أهل مصر قديما وحديثا :
وكما تطّير فرعون وقومه بموسى ومن معه ،لما كان ينزل بهم العذاب ،تطّير
ش النحس ( للوزارة الجديدة ،وكان جواب رب العزة لهل أهل مصر ) بالو ّ
ن(.ن َأْكَثَرُهْم َل َيْعَلُمو َ
ل َ ،وَلِك ّ
عْنَد ا ِّ
طاِئُرُهْم ِ
مصر القدماء ) َألَ ِإّنَما َ
الوصاف التي أطلقتها الصحيفة على ظاهرة الدخان :
الظاهرة العجيبة والمؤذية ،المفاجئة وغير المألوفة ،مأساة السحابة السوداء ،
مصيبة السحابة السوداء ،سحابتنا الغامضة ،السحابة السوداء الغامضة .
هي ابتلء ونذير شؤم لهل مصر ؟!
ن البتلء الذي ،مّثلته السحابة السوداء
وتخلص الصحيفة إلى القول :إ ّ
الغامضة ،قد يكون مجّرد إشارة تحذير ،وشّد للذن .
ش وهنا أصاب كاتب المقال كبد الحقيقة ،نعم هو تحذير وإنذار نهائي ،ولكن
من قبل من … ؟!
498
بل هم في شك يلعبون
* النصوص الكاملة لمادة هذا الفصل ،تجدها على موقع باسم ) ملف وليمة
لعشاب البحر ( ،على شبكة النترنت على العنوان :
، www.mohammadabbas.com/books/alwaai/alwaai8.htm
أو العنوان :
www.alshaab.com/GIF/31-08-2001/Walima.htm
" الرواية في ميزان السلم :ساقطة داعرة ..
500
ول حتى ،عندما حمل السادات ،كفننا وكرامتنا وتاريخنا ،ليذهب مذموما
مدحورا إلى القدس ..
ول حتى مع الذبح اليومي ،الذي نشارك فيه للعراق ..ول حتى يوم موت
أبى ..أبدا ..لم أشعر بمثل هذا اللم ...
القرآن ..خشراء …
ملذنا الخير ينتهك ويهان ...
كان صديقي ما يزال على الشهاتف … وكنت ما أزال أبكى ،وأنا أقرأ له ،مما
نشرته وزارة الثقافة المصرية ..رائدة التكفير ل التنوير " :ال قال انكحوا ما
طاب لكم .رسولنا المعظم كان مثالنا جميعا ،ونحن على سنته ..لقد تزوج
أكثر من عشرين امرأة ،بين شرعية وخليلة ومتعة " ..
ثم يستطرد الكتاب الفاجر الكافر ،الذي يلبس عباءة رواية ،وليس برواية ،إل
في عقول مخصية شاذة مريضة ،سعت وتسعى إلى نشر الكفر والفاحشة ..
يستطرد مجترئا على الذات اللشهية ،ليقول " :إن رب هذه الرض ،كان
يزحف وهو يتسلل من عصور الرمل والشمس ،ببطيء السلحفاة " .
ويسوق في حوار فاجر كافر " :هو من صنع ربى ..ل بد أن ربك فنان فاشل
إذن " ..
ل إلشه إل ال …
ويقول الفاجر بن الفاجر ،الفاسق بن الفاسق ،الكافر بن الكافر :مؤلفا وطابعا
وناشرا ووزارة " :داخل هذه الهواز التي خلقها الرب ،في الزمنة الموغرة
في القدم ،ثم نسيها فيما بعد ،لتراكم مشاغله ،التي ل تحد في بلد العرب
وحدها ،حيث الزمن يدور على عقبيه منذ ألفي عام " .
و " أقام ال مملكته الوهمية ،في فراغ السماوات " ..
و " وخلع الجلد المتخلف والبالي ،الذي خاطه السلم فوق جلودنا القديمة " ..
و " إن حبل السرة ،ما يزال موصول مع الزمنة الرعوية ،وأزمنة عبادة ال
الواحد القهار في السماء والرض ،وذلك الذي يقول للشيء ،كن فيكون " .
آه ينصدع لها القلب ،وينحطم الفؤاد ،وتنكسر الروح ...
برح الخفاء يا ناس ،وهذا وقت المفاصلة ،إما إيمان ،وإما كفر ...
501
للوهلة الولى ..والدوار يكتنفني ،قلت لنفسي :اذهب إلى الزهر على
الفور ،واصعد منبره ،واصرخ :من يبايعني على الموت ..؟!
ثم آخذ الرهط الذي يجتمع حولي ،وأتوجه بهم إلى قصر الرئيس مبارك ..
عّزل أيدينا ..نسألشه ،والسؤالعراة صدورنا ،نازفة قلوبنا ،دامعة عيوننا ُ ،
دم :ما هي الحدود بين السلم والكفر ..؟ ما هي التخوم بين التنوير
والتعهير ..؟ ما هى الطخوم بين تجفيف المنابع ،والخروج من الملة ..؟ ما
هى البيون ،بين أن تكون مصر قائدة للتنوير حقا ،يرتضيها العرب
والمسلمون ،وبين أن تكون قوادة ،للكفر والفسوق والعصيان ..؟
نهتف فيشه :أنت ولى المر … وليس لنا أن نقيم الحد على الفجرة الكفرة
الفسقة بأيدينشا …
تسلل إلى نفسي أمل ميت ..أن يكون ثمة لبس ،قد حدث أمام صحيفة السبوع
،عندما فجرت هذه الفضيحة منذ أسابيع قليلة ..لعل الكتاب طبع في إسرائيل
مثل ..وقلت لنفسي أن السلم يأمرني بالتثبت ..بحثت عن الكتاب ..
ووجدته :
) وليمة لعشاب البحر ..حيدر حيدر ..سلسلة آفاق الكتابة ..العدد -35
الشهيئة العامة لقصور الثقافة ..وعنوانها كما هو مثبت 16 :أ شارع أمين
سامي -قصر العيني – القاهرة ت – 3564842 – 3564841 :فاكس
– 3564202أما الطابع فهو :شركة المل للطباعة والنشر ،أما قائمة العار
الدنشسة ،المكتوبة على صفحات الكتاب الولى ،فتجمع :رئيس مجلس
الدارة :على أبو شادي ،أمين عام النشر :محمد كشيك ،رئيس التحرير :
إبراهيم أصلن ،الشراف الفني :د .محمود عبد العاطي ،مدير التحرير :
حمدي أبو جليشل ( ...
ل إلشه إل ال …
كنت أظن أني محتاج ،لقراءة الرموز بين السطور ،كي أكشف الشرك
الخفي ..حتى جاء هذا الكتاب ،وفجرت صحيفة السبوع قضيته …
ليس الشرك الخفي ،بل الكفر البواح ...
هو الخيانة ل ولرسوله ..هو الخيانة للمة وللوطن ..هي العمالة الصريحة
المباشرة ،لمريكا وإسرائيل ...
502
هو التسلل إلى عقول أبنائنا ،لخراجهم من السلم تماما ،كما قال
) زويمشر ( ..هو نشر الباحية والسفالة والشذوذ ،وقتل روح المة …
إن العار ل يلحق بوزارة الثقافة فقط ..فتضامن المسؤولية الوزارية ،يجعل
مجلس الوزراء كله مسئول ،وكل وزير مسئول ..ورئيس الوزراء مسئول ..
و..
لكن الفاجر يكتب والفاجر ينشر أن "القرآن خششراء " ..و " خرا بربك " ..ثم
يجد من يدافع عنه ..أما من وزير يستقيل … ؟!
ل إلشه إل ال ...
يا جللة ملوك وفخامة رؤساء الدول السلمية ..لطالما تعاونتم على الثم
والعدوان ..فتعاونوا ولو مرة للدفاع عن القرآن ..اطلبوا الرئيس مبارك
اليوم ..قولوا له أن ما نشرته وزارة الثقافة المصرية ،لم يذبح المسلمين في
مصر فقط ،بل في العالم السلمي كله ..من لم يفعل منكم ذلك ،فليأت ال
يوم القيامة ،والقرآن خصمه … !
من كان منكم يحب ال والرسول ،فليدافع عن القرآن …
من كان منكم مذنبا ،فليكفر عن ذنوبه ،بالدفاع عن القرآن ..
يا شيخ الزهر ...ل إلشه إل ال … يا فضيلة المفتى … يا شيوخ الزهر ،ويا
طلبة جامعة الزهر … يا خطباء المساجد … ل إلشه إل ال ...
يا كل هيئة ومؤسسة وصحيفة في العالم السلمي … اكتبوا أنهم في بلد
الزهر ،ينشرون أن القرآن خشراء …
يا شيخ يوسف القرضاوي … دافع عن القرآن بما أنت له أهل … إن المة
تنتظر فتواك ،في كل مسئول عن نشر هذا الكتاب … أصرخ فيك … أهتف
فيك :مصر لم تعد بخير ..مصر لم تعد بخير ..مصر لم تعد بخيشر …
فالنجدة النجدة والغوث الغوث … فإنه القشرآن … ول إلشه إل ال …
يا سيادة الرئيس … أطفئ الفتنشة …
واعلم هدانا وهداك ال ،أن المر ليس أمر وزير فاسق ،أو وزارة فاجرة ،بل
هو منهج مشرك تسلل إلى النظام ،مسئوليتك أمام ال أن تزيله ،وأن تحاربه ،
503
حتى لو استشهدت دونه ..منهج مشرك ،ل يقتصر على وزارة ،ول يقوم به
مجرد أفراد ...
واعلم هدانا وهداك ال ،أن مثل هذا المنهج الفاجر ،هو الذي يغيب في
السجون والمعتقلت ،عشرات اللف من شباب ،لم يأخذوا عليهم ،سوى أن
السلم دينهم والقرآن كتابهم ..بينما يرى ذلك المنهج الخائن الفاجر الكافر
العميل ،أن القرآن خشراء … وذلك ما ينقمونه عليهم …
واعلم هدانا وهداك ال ،أن أسوأ ما تفعل أن تكتفي ،بإقالة وزير أو تنحية
مسئول ...
فالخطب أطم والمصيبة أعم ...
قل لي يا سيادة الرئيس :هل ترضى لعهدك – دون العهود جميعا – أن تصمه
هذه الوصمة ..فالقرآن لم يتعرض ،لمثل ما يتعرض له الن ..أبدا ..ول
حتى في عهد كرومر ..بل ،وحتى الفراعنة كانوا يقدسون كتب الدين ...
قل لي يا سيادة الرئيس :هل كانت الدولة تسكت ،لو أن من كتب هذا الكتاب ،
أو طبعه ،أو نشره ووزعه ،كان قد وضع النجيل ،أو التوراة ،مكان القرآن
؟! ..ما كانت الدولة لتسكت ..وما كنا نحن أيضا سنسكت ..
يا سيادة الرئيس :إنك مسئول عن هذه الفئة المنحرفة الشاذة ..مسئول أمام
المة ،وأمام التاريخ ،وأمام ال ..إن القانون في بريطانيا ،يحمي النجيل
والتوراة ..وأخوتنا المسلمون هناك ،يجاهدون لمّد مظلة الحماية إلى القرآن ..
فهل ترضى لنفسك ،أن نجاهد أمامك ،لسن قانون يحمي القرآن ؟! …
يا سيادة الرئيس :إنك كادح إلى ربك كدحا فملقيه ..وإني وال لمشفق عليك ،
من أن تلقاه وهذه الفعلة الشنعاء في كتابك ..توضع في ميزانك ..وما أثقلها ..
ما أثقلها ..ما أثقلها !..
وإنني أناشدك يا سيادة الرئيس -أبيت اللعن -أن تطفئ لهيب الفتنة ،ببيشان
يصدر عن الرئاسة اليوم ..بيان استغفار إلى ال ..واعتذار إلى المشة ..
فإن لم تفعل يا سيادة الرئيس … فإنني أرجوك :مر رجالك بقتلي … قتلة
غلم أهل الخدود " .
* مقتطفات من مقال آخر ،د .محمد عباس ،صحيفة الشعب 5/5/2000 :م ،
تصدير المقال :
504
الجريمة مستمرة ..
ثلثية الثقافة في مصر :
507
ل إلـه إل ال ..
يا سيادة الرئيس :الفتنة تطل ..فأطفئها ..
يا شيخ الزهر :دافع عن دين ال ..
يا فضيلة المفتي :صمتك مذهل ..
إن وزيرة في الحكومة المصرية ،هي التي صرحت أن %17من طالبات
الجامعة ،قد تزوجن زواجا عرفيا ...
فكم يا ترى ؟! لم يحتجن إلى ورقة التوت المغشوشة ،يغطين بها سوءاتهن ...
ولماذا نندهش لذلك ،إذا كانت مطبوعات وزارة الثقافة ،تتدنى حتى تنشر
الفسق والفجور ،وتصف بعهر ،كل ما يهدم القيم والثوابت ...
لماذا نندهش ،عندما تتحدث بعض الدراسات ،إلى أن أكثر من %50من
طلب الجامعة ،يتعاطون البانجو ) مخدر ( ...
وبرغم ذلك كله ،فإن اعتراضنا على تشبيه القرآن بالخشراء ،لم يترّكز على
المؤلف ،ول على روايته ..فليذهب إلى الجحيم ،ما دام قد اختار الطريق
إليها ..لقد انصب اعتراضي ،على قيام وزارة الثقافة المصرية ،بإعادة نشر
الرواية في مصر ..والرواية التي تباع في السواق ،بثلثين أو أربعين جنيها ،
دعمتها وزارة الثقافة ،حتى بيعت بأربعة جنيهات ..هل هذا هو الفكر ،الذي
ننقله ونعلمه لبنائنا …
نعم ..كذب المسؤولون في وزارة الثقافة ،وكانت مجلتهم وصحفهم تكذبهم ..
لقد صرحوا بأن الرواية مسموح بها ،في كل الدول العربية ...
لكن أخبار الدب :تذكر بالنص على لسان حيدر حيدر " :عشت في بيئة
تحاربني ،على المستوى الديني ،ول يقولون أنني علماني ول عقلني
وتنويري ،بل يقولون ملحدا "
ويسألونه :هل كنت تجد صعوبة في نشر أعمالك ؟ فيجيب " :صعوبة شديدة
جدا … فقد عشت أنا وكتبي ،في حالة منع مستمر ،من بلد عربية كثيرة "
…
اقرءوا أيضا في نفس العدد من أخبار الدب ،تعليق الستاذ محمود أمين العالم
" :أخذت أقلب بين يدي رواية ،وليمة لعشاب البحر ،أو نشيد الموت ،
508
للستاذ حيدر حيدر .بحثا عن اسم ناشر أو مطبعة ،فلم أجد ،وأخيرا علمت ،
أن دور النشر العربية جميعا ،رفضت نشر هذه الرواية ،فقام هو بطبعها على
نفقته ،ولكن يبدو أن المطبعة التي قامت بطبع هذه الرواية ،قد آثرت هي
أيضا السلمة ،فاكتفت بالطبع ،وامتنعت عن ذكر اسمها .صدرت الرواية
مجّهلة ،إل من اسم مؤلفها .ولقد علمت كذلك ،أن الرواية ،تكاد تعتمد في
توزيعها على اليد .وعلى العلقات الشخصية ،كما توزع المخدرات أو
المنبهات المحظورة " .
فلماذا كذبت أجهزة وزارة الثقافة ...؟!
لماذا ُيكذب الوزير نفسه كل يومين ..لقد صرح أول ،بأن الرواية مصادرة ،
شِر بيانه ،كان بيان علي أبو
منذ منتصف نوفمبر الماضي ..وفى نفس يوم َن ْ
شادي ،يقول :أن الرواية صدرت في منتصف نوفمبر ) أي بعد ظهور الدخان
بأسبوعين ( ...
لماذا حاول الوزير باستمرار ،أن يخلط بين طبعة مصرية ،هو الذي أصدرها
ورعاها ،وباعها بعشر ثمنها ،وبين طبعات لبنانية ،لم نسألشه ،ولم نطلب
حسابه عنها ،رغم أنه بحكم مسئوليته الوزارية ،مسئول عما يدخل إلى
البلد ،من عناصر الثقافة …
إنني أتهم وزير الثقافة ،أنه بسبب مواقفه المتناقضة ،قد أشعل غضب
الناس ..أشعل غضب الطلب ..يوم الخميس نشرت صحيفة الوفد بدهشة ،
تصريحا عن اللجنة التي شكلها ،وقوله أنها ليست لجنة تحقيق ،بل لجنة
ستشرح للناس ما خفي عليهم ،من إبداع في الرواية ..يوم الجمعة الماضي
نشرت صحيفة الهرام ،في مكان بارز خبر مصادرة الرواية ..ويوم الحد
نشرت صحيفة الخبار ،تصريح وزير الثقافة بأن الرواية لم تصادر ..
وانفجرت مظاهرات الطلب يوم الثنين ...
إن القانون النجليزي مثل ُ ،يجّرم العتداء على التوراة والنجيل ..وهم ل
ق للقرآن في
يعتبرون القرآن كتابا سماويا مقدسا ..هم وشأنهم ..لكن أل يح ّ
بلده أن يقّدس ..لقد منع فيلم العشاء الخير للمسيح في لندن ،وخرجت
المظاهرات تحطم دور السينما ،التي تعرضه في باريس ...
لماذا لجأ بعض مثقفينا ) المدافعين عن وزارة الثقافة ( إلى هذا الشهجوم
الضاري ؟ …
509
لماذا اعتبرتم فاروق حسني فرعونكم َ ،فُرحتم كالكهنة القدامى ،تدعون لعبادته
من دون ال ؟ …
وأقول لكم على الرغم مني يا ناس ،أنهم حققوا بعض النجاح في خطتهم ..فقد
وعدتكم في السبوع الماضي ،أن أتناول اليوم كتابا من كتب وزارة الثقافة ،
تدعو فيه كاتبته ،إلى تعديل القرآن ،كي يتوافق مع النظام العالمي الجديد ،
ومواثيق حقوق النسان …
وأن هؤلء الناس ،ينظرون إلى السلم وإلينا ،كما ينظر مبدعهم حيدر حيدر
،الذي يقول في صفحة ، 510من كتابه الملعون :
"ضحك الرجل وهو يرمم جثة البدوي فيه :لكنني ملحد كما تعرفين ..الشرف
والبكاة ) لعله يقصد البكارة( ،وأخلق المسلمين في مؤخرتي ،من عشرات
العوام " .
ل تعترضوا يا قراء ..فنقادنا الجهابذة ،يرون أن هذا الكلم السافل البذيء
إبداعا ..
" في تلك الليلة تحدث عن تحطيم الوثان ،التي أقامها الباء والجداد ،
وضرورة النفصال عن الدين وال ،والخلق والتقاليد ،والزمنة الموحلة
والجنة والجحيم الخرافيين ،وطاعة أولى المر والوالدين ،والزواج المبارك
بالشرع ،وسائر الكاذيب والطقوس ،التي رسمتها دهور الكذب " .
510
بيان مجمع البحوث السلمية
بيان الزهر
الزهر /مكتب المام الكبر /شيخ الزهر ،بيان مجمع البحوث السلمية
بشأن ،رواية ) وليمة لعشاب البحر ( لمؤلفها السيد حيدر حيدر .طبع ونشر
الشهيئة العامة لقصور الثقافة ،التابعة لوزارة الثقافة بالقاهرة .
تم عرض موضوع الرواية المشار إليها ،على لجنة البحوث الفقهية ،فكّلفت
اثنين من أعضائها المتخصصين ،بكتابة تقريرين منفصلين عن الرواية ،
حّدد لها يوم الربعاء لعرضها في جلسة استثنائية ،لمجمع البحوث السلمية ُ ،
17مايو سنة ، 2000وقد تم عرض هذين التقريرين والرواية ،على المجمع
في جلسته الستثنائية ،وتبين ما يأتي :
أول :أن وزارة الثقافة التي نشرت هذه الرواية ،لم تستطلع رأي الزهر
الشريف ،أو مجمع البحوث السلمية ،مع ما ورد فيها من أمور كثيرة ،
تتصل بالسلم والعقيدة والشريعة ،وذلك على خلف ،ما يقضى به القانون
103لسنة … 1961
ثانيا :إن الرواية مليئة باللفاظ والعبارات ،التي تحّقر وتهين جميع المقدسات
الدينية ،بما في ذلك ،ذات ال سبحانه وتعالى ،والرسول صلى ال عليه وسلم
،والقرآن الكريم ،واليوم الخر ،والقيم الدينية .
ومن ذلك أنها تستهزئ بذات ال ،مثل وصفه بأنه فنان فاشل ) ص ، ( 219 :
وأنه نسي بعض مخلوقاته ،من تراكم مشاغله التي ل تحد ،في بلد العرب
وحدها ) ص ، ( 257 :وأنه أقام مملكته الوهمية في فراغ السماوات ،ليدخل
في خلود ذاته بذاته ) ص . ( 426 :
كما يفتري على الرسول عليه الصلة والسلم ،بأنه تزوج أكثر من عشرين
امرأة ،ما بين شرعية ،وخليلة ،ومتعة ) ص ، ( 148 :وأنه كان يتزوج من
عذارى القبائل بغية توحيدها ) ص . ( 427 ، 426 :
وأنه حّرف في آيات القرآن الكريم ،ونسب إليه ،ما ليس منه ،كقوله " وال
تعالى قال في كتابه العزيز " :إذا بليتم بالمعاصي فاستتروا ( " ) ص :
، ( 148كما أن الرواية تحّرض صراحة ،على الخروج على الشريعة
السلمية ،وعدم التمسك بأحكامها ،وذلك بالدعوة إلى ضرورة النفصال ،
511
عن الدين وال والخلق والتقاليد والزمنة الموحلة ،والجنة والجحيم
الخرافيين ،وطاعة أولى المر والوالدين ،والزواج المبارك بالشرع ،وسائر
الكاذيب والطقوس ،التي رسمتها دهور الكذب ) ص . ( 348 :
ثالثا :إن الرواية خرجت على الداب العامة ،خروجا فاضحا ،وذلك بالدعوة
إلى الجنس غير المشروع ،واستعمال اللفاظ في الوقاع ،وأعضائه الجنسية
للذكر والنثى ،بل حياء مما يعف اللسان عن ذكرها ،وكتابة نصها حفظا
على الحياء العام ،الذي انتهكته الرواية .
رابعا :إن الرواية لم تكتف بذلك ،بل حّرضت صراحة ،على إهانة جميع
الحكام العرب ،ووصفتهم بأقبح وأقذع الوصاف ،مما يعف المقام عن ذكرها
،وطالبت بالخروج عليهم ،والثورة ولو بإراقة الدماء .
خامسا :اتضح لمجمع البحوث السلمية ،من كل ما سبق ،أن ما ورد برواية
" وليمة لعشاب البحر" ،لمؤلفها حيدر حيدر ،خروج عما هو معلوم من
الدين بالضرورة ،وينتهك المقدسات الدينية والشرائع السماوية ،والداب
العامة ،والقيم القومية ،ويثير الفتن ،ويزعزع تماسك وحدة المة ،التي هي
الركيزة الساسية لبناء الدولة ،ويضع على عاتق من نشروا هذه الرواية ،
دون استطلع رأي أهل الختصاص ،المسؤولية الكاملة ،عن هذا التجاوز
ضح تفصيل ، والثار المترتبة عليه دينيا واجتماعيا ،وذلك على النحو المو ّ
ي مجمع البحوث السلمية المشار إليهما . بالتقريرين المقدمين ،من عضو ّ
وال ولى التوفيق ..تحريرا في 13من صفر سنة 1421هش ..الموافق 17من
مايو سنة 2000م ،شيخ الزهر :الدكتور محمد سيد طنطاوي
تقرير عن رواية ) وليمة لعشاب البحر (
بسم ال الرحمن الرحيم
يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال وكونوا مع الصادقين
المؤلف :حيدر حيدر ،طبع ونشر الشهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة .
تقع في ) ( 690صفحة ،من القطع المتوسط ،وهى القصة الخامسة والثلثون
،في سلسلة آفاق الكتابة ،وسعر البيع 4جنيهات ،بتكليف من لجنة البحوث
الفقهية بالمجمع ،في جلسة الربعاء ، 10/5/2000قرأت هذه الرواية ،قراءة
محايدة في خمس وعشرين ساعة ،وقد وجدت فيها ما يأتي -:
512
أول :الدعوة إلى الشيوعية والكفاح المسلح والستيلء على السلطة بالعنف
والدماء :ويورد صاحب التقرير 12موضعا من الرواية للدللة ( .
ثانيا :الستهزاء بثوابت العقيدة السلمية وإهانتها ) ،ل ،والرسول ،
والقرآن ،واليوم الخر ( ) :ويورد صاحب التقرير 19موضعا في الرواية
للدللة ( .
ثالثا :إهانة حكام العرب ،ووصفهم بأقذع وأقبح الوصاف ) :ويورد صاحب
التقرير 3مواضع في الرواية للدللة ( .
رابعا :عبارات فاضحة في الجنس ،ومنافية للداب العامة ) :ويورد صاحب
التقرير 14موضعا في الرواية للدللة ( .
.1وبعد :فإنه من غير المعقول ،أن تقوم وزارة مسؤولة ،في نظام حكم
لبلد مسلم ،بطبع ونشر هذه الرواية ) وليمة لعشاب البحر ( ،وأن تدعمها
ماليا ،لُتّيسر قراءتها للجميع .
قلت :غير معقول أن تقوم هيئة مسؤولة ،في نظام الدولة ،بطبع ونشر
وتدعيم مثل هذه الرواية .ولعلها ل تدرى ما فيها ،وأن الذين اختاروها خدعوا
رئاستهم ،ولكن الشاعر يقول :إن كنت ل تدري فتلك مصيبة ..وإن كنت
تدري فالمصيبة أعظم .
ولو أن أحدا ،أدخل هذه الرواية خلسة ،وضبطت عنده لحاكمته الدولة ،على
جلب هذه المفاسد ،التي تصيب وحدة هذه المة ،وتدعو إلى الفتنة والحرب
والدم بين أبنائها ...فهل صرنا في زمن اللمعقول !! نرجو أل يكون .
أ.د .عبد الرحمن العدوي :عضو مجمع البحوث السلمية
تقرير عن رواية ) وليمة لعشاب البحر (
بقلم :الدكتور محمد رأفت عثمان /عميد كلية الشريعة والقانون بالقاهرة /
عضو مجمع البحوث السلمية
الرواية :من تأليف حيدر حيدر كاتب سوري ،طبع ونشر الشهيئة العامة
لقصور الثقافة بمصر ،سنة ، 1999وهي مكونة من 690صفحة ،عدا
الفهرست ،من القطع المتوسط .
513
والنطباع العام عن هذه الرواية ،أنها مكتوبة بأسلوب ركيك ،غامض في
كثير من صفحاتها ،ل فكر فيها ،ول تنبئ عن ملكة فنية عند كتابتها ،مليئة
بالعبارات الفاحشة الخادشة للحياء ،والتي تحّقر وتهين المقدسات الدينية ،ما
بين الستهزاء بذات ال تبارك وتعالى ،والسخرية بأحكام شريعة السلم ،
وإهانة القرآن الكريم ،ويتبين ذلك مما يأتي :
) ويورد صاحب التقرير 32موضعا في الرواية للدللة ( .
ويستطرد قائل :وبعد ،فهذا قليل من كثير ُ ،ملئت به هذه الرواية المنحطة ،
في التعبير والفكر والفن ،وأرى مصادرتها ،ومحاكمة مؤلفها ،وكل الذين
ساعدوه على نشرها ،بل أرى كفر مؤلفها ،لذكره العبارات الساخرة ،بذات
ال تبارك وتعالى ،وبرسوله ،وبالقرآن ،وبالسلم كله .
وإذا كان بعض المدافعين عن هذا النوع ،من الكتابة الساقطة ،يقولون أنه
يحكي ذلك ،على لسان أبطال روايته ،فالرد :
أول :أن بعض العبارات ،التي تؤدي إلى السخرية ،من ال عز وجل ،ومن
رسوله ،ومن القرآن ،والسلم ،جاءت على لسان الكاتب نفسه .
ثانيا :العبارات التي قالشها المؤلف ،على لسان أشخاص روايته ،التي تؤدي
إلى كفر قائلها ،تؤدي أيضا إلى كفر المؤلف ،وذلك لن ذكر الكفريات ،
سواء أكانت أقوال أم أفعال ،إما أن تكون على سبيل الحكاية ،عن إنسان
قالشها ،أو صدرت منه فعل ،أو تكون على سبيل التخيل والختراع ،لقول أو
فعل ،لم يحدث في الواقع .
فإن كان ذكر الكفريات حكاية عن إنسان قالشها ،أو صدرت منه فهذا جائز ،
فيما يأتي :
أول :إذا كان ذكر هذا ،في مقام بيان قبح ،هذا القول أو الفعل .
ثانيا :إذا ذكر هذا ،في مقام بيان حكمة .
ثالثا :إذا ذكر هذا ،في مقام بيان الرد عليه .
رابعا :إذا ذكر هذا ،في مقام الشهادة .
خامسا :إذا ذكر هذا ،في مقام بيان آراء الفرق والمذاهب .
514
وإما إن كانت الكفريات ،قد عبر بها المؤلف ،على سبيل التخيل ،ولم ينطق
بها صاحبها ،أو يفعلها في الواقع ،وإنما هو فقط على لسان المؤلف ،فهذا
محّرم ،بل ويصل في رأيي إلى درجة الكفر ،بدليل أنه ل يجوز ،لمؤلف
رواية أو قصة مثل ،أن يتخيل إنسانا معينا حقيقيا ،موجود على قيد الحياة ،
أو توفاه ال ،في موقف مهين ،ويكتب عنه في الرواية أو القصة ،أنه كان
يزني مثل ،ويجري حوارا بينه ،وبين من يتخيل أنه يزنى بها ،فإن هذا يعد
جريمة قذف ،في الشريعة والقانون ،مع أنه أجراه في قالب روائي .
ول يشفع له أنه يتخيل ذلك ،وليس على سبيل الحقيقة والواقع ،فإذا كان هذا ل
يجوز بالنسبة للنسان ،فهل من المعقول أو المقبول ،أن يكون ذلك جائزا
بالنسبة إلى ربنا تبارك وتعالى ؟! فأي عبارة تكتب تخيل ،ولو على لسان
شخصية وهمية ،من شخصيات الروايات أو القصص ،أو غير ذلك ،يصدر
عنها عبارة أو فعل ،فيه سخرية بال عز وجل ،أو برسوله صلى ال عليه
وسلم ،أو بالقرآن ،أو بأحكام السلم ،تؤدي إلى كفر مؤلفها ،وقد وجدنا
علماءنا رضى ال عنهم ،قد بينوا أنه ،إذا قال شخص عن عدوه " :لو كان
ربى ما عبدته " فإنه يكفر ،وكذا لو قال " :لو كان نبيا ما آمنت به " ،مع أن
هذه العبارة ،هي فرض لما قد يحدث .
إن البداع في الكتابة ،ل يكون بالسخرية من ذات ال عز وجل ،أو بإهانة
المقدسات ،وإنما البداع تعبير سام راق ،عن فكر محترم دينيا ،يتفق وتقاليد
المجتمع وثقافته ومثله العليا ،وأما غير ذلك ،مما يريدوننا أن نوافقهم عليه ،
فهو ليس إبداعا ،ول ينتمي إلى الدب ،بل أحرى أن يوصف بقلة الدب ،بل
بانعدام الدب .
القرضاوي يطالب مبارك بالتدخل لوقف الموجة الثقافية الفاجرة
ناشد فضيلة العلمة د .يوسف القرضاوي ،الرئيس المصري حسني مبارك ،
أن يتدخل لوقف الموجة الثقافية الفاجرة -حسب وصفه -عند حّدها ،وشّدد
فضيلته على أهمية الحرص ،على وحدة المة ،كما حّيا ششيخ الزهر ،
والزهر ،ورئيس جامعة الزهر ،والطلب والطالبات ،الذين وقفوا موقفا
موحدا ،ضد رواية الكاتب السوري ،وليمة لعشاب البحر ،التي طبعتها
وزارة الثقافة المصرية ،وتسببت في حالة الشهياج التي شهدها الشارع
المصري مؤخرًا ،واعتبر د .القرضاوي في خطبة الجمعة أمس ،أن الرواية
515
تدخل في باب الكفر ،مستندًا في ذلك على بيان الزهر الشريف ،ورأي
فضيلته أن هذا العمل كفر ،بغض النظر عن الشخاص ،واعتبر من قالشه ،
ورضي به كششافرا .
" ُكّل ما في وليمة لعشاب البحر ُمنكر "
العلمشة القشرضشاوي في خطبة الجمعة ) 15صفر ( 19/5/2000 – 1420
أنا وأنتم وشيخ جامع الزهر ،ومجمع البحوث السلمية ،ورئيس جامعة
الزهر ،وخطباء المساجد في العالم ظلميون ،ووزير الثقافة المصري وحده
يحمل النور !!!!!
ااا :
ااااا اااااا ا اااا ا .ااا ااا اا
ن فضيلة العلمة د .يوسف القرضاوي ،هجوما شديدا على وزارة الثقافة شّ
المصرية ،على ما نشرته من رواية "وليمة لعشاب البحر" لكاتب سوري ،
واستنكر ما بها ،من منكر وتحقير وإهانة الذات اللشهية ،والقرآن والرسول
والقيم الدينية ،وتحريضها على الخروج على الشريعة السلمية ،وطالب
فضيلته المسؤول الول في مصر ،الرئيس حسني مبارك ،وناداه أن يوقف
هذه الموجة الثقافية الفاجرة عند حدها ،وأن يعيد الثقافة عند حقيقتها ،فل
يجوز أن نقسم المة ،بين الثقافة الغربية المستغربة الصادة عن سبيل ال ،
والسائرة في ركاب الشيطان ،والثقافة التي مع القيم الدينية ،مع ال ورسله
وكتابه ومع الربانيين ،وشّدد فضيلته على أهمية وحدة المة ،خاصة في هذا
الزمان التعيس – حسب وصفه – الذي استغلته إسرائيل ،وبغت فيه وطغت ،
فينبغي أن نضم صفوف المة بعضها إلى بعضها .
ل :الكلمة الن للرئيس مبارك ،الذي أسأل ال ثّم تابع الدكتور القرضاوي ،قائ ً
أن يهديه سواء السبيل ،وأن يوّفقه لموقف الحق ،الذي ل يخاف في ال لومة
لئم .
كما حيا د .القرضاوي الزهر وشيخ الزهر ،ورغم اختلفه معه في قضية
الربا وغيرها ،وحّيا جامعة الزهر ،ورئيسها وطلب الزهر وطالباته ،
وجريدة الشعب والكاتب السلمي د .محمد عباس ،الذي صرخ في المة قائلً
" :ل إلشه إل ال :من يبايعني علي الموت" .قال :غضب الرجل لدينه ،
لربه ،وربما في غمرة هذا الغضب ،خرجت منه بعض اللفاظ ،في بعض
516
الناس ،لكن النسان في حالة غضبه ،يقول ما قد ل يحمد في بعض الحالت ،
كما حيا الشاعر الكبير فاروق جويده ،في صحيفة الهرام ،والمثقفين الشرفاء
الذين وقفوا ضد هذا الباطل ،وهذا الفجور الدبي ،الذين يحترمون عقائد
المة ومقدساتها ،أقف مع كل هؤلء أشد أزرهم ،وأصلب ظهرهم ،بكل
قوتي ،وأقول الحق ،ل أخاف في ال لومة لئم .
وكان فضيلته قد بدأ خطبته ،متحدثا عن انشغال المة بهّم جديد ،أضيف إلى
همومها ،هو الشهم الثقافي ،الذي بدأ بنششر وزارة الثقافة المصرية ،لرواية
تسمى وليمة لعشاب البحر – معبرًا عن استغرابه من العنوان – لكاتب
سوري مغمور ،أشهرته تلك الرواية شهرة كبيرة ،وقال :لم أشأ أن أتحدث
عن تلك الرواية ،حتى أراها و) الحكم على الشيء فرع عن تصوره ( ،كما
قال علماؤنا ،وقرأت ما يقارب نصفها ،أغالب نفسي ،فهي من أول صفحة ،
تقّزز نفس النسان المؤمن ،وهي رواية ،ل تعرف شيئا اسمه الحرام ،ول
العيب ،ول تعرف ال ،ول تقدره حق قدره ،ول عجب ،فقد كتبها إنسان
صشيري العقيدة ،ششيوعي الفكرة .َن ِ
ثم ذكر فضيلته ،أن عقيدة النسان الدينية واليدلوجية ،تنضح على فكره ،
وعلى كتابته وعلى أسلوبه ،وكل إناء بالذي فيه ينضح ،وأضاف :لكني
سأتجاوز عن عقيدة الرجل الدينية واليدلوجية ،ونحاكم النص الذي كتبه :لم
أستطع أن أستمر في قراءة الرواية ،في أكثر من النصف ،لقد بلغ الشمئزاز
مني مبلغه ،فاكتفيت بتصّفح الباقي ،وكلما تصّفحتها ،وجدت أشياء وأشياء
ينكرها الدين ،وينكرها الخلق ،والعقل والعراف ،كل ما فيها والعياذ بال
منكر ،فوجدت فيها أكثر مما انتقد عليها الناقدون ،في السطور وما بين
السطور .
المؤلف يرسم شخصياته :
وبدأ د .القرضاوي ،يرد على أصحاب الرأي الخر ،الذين وقفوا مع الكاتب ،
فقال " :قالوا إن ما ذكره الكاتب جاء على ألسنة شخصيات الرواية " ،وأقول
نحن نعرف ،أن الرواية قصة يتخيلها الكاتب ،قد يكون لها أصل في الواقع ،
وقد ل يكون ،هو الذي يرسم صورتها ،مبدأها ونهايتها وعقدتها وحلها ،وهو
الذي ينشئ شخصياتها ،وُينطق هذه الشخصيات ،بما يريد أن تنطق به ،يعّبر
عن نفسه ،أو يعّبر عن هذه الشخاص ،ولو كان له فكرة معينة ،فهو يجريها
517
على لسان أحد الشخاص ،ويقوي هذه الفكرة ،ثم يأتي الرد عليها من الطرف
الخر ضعيفا ،أو ل يأتي رد عليها قط ،هذه حيلة نجدها عند القصاصين
والروائيين .
وأضاف إذا كان من حق النسشان ،أل يعري جسده أمام الجمهور :فهل من
ي
عر ّحقه أن ُيعري أدبه ،وفنه أمام الناس ؟ إن العري الذي في هذه الرواية ُ ،
فضائحي بأهدافها وأسلوبها وكتابتها ،أشّد من العري الجسدي ،هل من حق
النسان المبدع ،أن يتجرأ على ال ،وعلى رسله ،وعلى كتبه ،وعلى اليوم
الخر ،وعلى القيم والدين والخلق ،كما يفعل هذا الكاتب ؟ أيستطيع أن
يقول ذلك لرئيس دولته ،يتجرأ عليه ،ويقول كذا وكذا ،أم أن الدين وال
والكتب والرسل ،أصبحت الحائط الواطئ ،التي يتجرأ عليها كل الناس .
ورجع بالذاكرة إلى ما مضى ،فقال :لقد رأينا كثيرا من القصاصين الكبار ،
يذكرون النواحي الجنسية ،ويتحدثون عن الششواذ والجناة واللواطين وتجار
المخدرات ،لكنهم ل يذكرونها ،بمثل هذه اللفاظ المسفة العارية ،رأينا ذلك
في قصص محمود تيمور ،وتوفيق الحكيم ،ومحمد عبد الحليم عبد ال ،
والطيب صالح ونجيب الكيلني ،ويوسف السباعي وإحسان عبد القدوس ،
رغم أنهم ذكروا أشياء كثيرة ،تحدث في الفراش ،لكن لم يجرؤ أحدهم ،ولم
ينزل أحدهم إلى مثل هذا الدرك .
واستمر د .القرضاوي ،يرد :قالوا في أدبنا أشياء مكشوفة ،مثل ما قالشه امرؤ
القيس ،أو مثل ما ورد في خمريات أبي نواس ،أو في التغزل بالذكور ،وقال
:بأن هذه الشياء في أدبنا ،ل تمثل التجاه العام ،وليس لها أثر في مجرى
الحياة ،وكانت أشياء خاصة يتداولها بعض الناس في مجالسهم ،أو يقرأها
بعض الناس في كتبهم ،وكانت هذه الكتب محدودة النتشار .
وتناول مظاهرة شباب الزهر ،فقال :لقد عابوا على طالبات وطلب
الزهر ،أن غضبوا لهذا الدين :وهل يلم النسان ،إذا غضب لدينه ! وقال
ل :إذا مشيت في الشارع ،ومعك زوجتك أو ابنتك أو أختك ،ثم اجترأ مث ً
عليها أحد من أولئك الفاسقين ،فنبذها بكلمة نابية جارحة :أل تغار لها ؟؟ أل
يثور الدم في عروقك ؟؟ أل تقف له بالمرصاد ؟؟ هذا ما يفعله النسان الحر ،
فالشريف ل يقبل أن يهان في عرضه .
518
أكان الدين أهون على النسان من العرض ،أكان ال وقرآنه ونبيه محمد ،
أهون لدى النسان المسلم ،من الغيرة على ابنته وامرأته وأخته ؟
وقّرر :لقد كان طلبة الزهر وطلبه معذورين ،حينما سمعوا ما سمعوا ،
وقرؤوا ما قرؤوا .
قالوا " :إن طلبة الزهر لم يقرؤوا الرواية " .
ورد :وهل يجب أن يقرأ جميع طلب الزهر وطالباته ،هذه القصة حتى
يغضبوا من أجلها ،لقد رأينا في صحيفة الهرام ،كاتبا يّدعي أنه تقدمي ،
يدافع عن الرواية ،وفي نفس الوقت يقول :أنا لم اقرأها .
وزير الثقافة يدافع عن الخط التنويري :
ورد فضيلة الدكتور القرضاوي ،على وزير الثقافة المصري ،فقال :
لقد قال وزير الثقافة :إننا منذ بضع عشرة سنة ،ونحن ننشر هذه الثقافة
المستنيرة ،لنقاوم بها ثقافة الظلميين الرجعيين ،وارتفع صوت د .القرضاوي
يرد عليه :أنا وأنت وانتم أيها الخوة ظلميون ! كل من يتمسك بكتاب ال
وسنة رسوله ،وفهم القرون الولى لهذه المة خير القرون ،كل هؤلء
ظلميون ! أنا وأنت ظلمي ..الزهر ظلمي ..شيخ الزهر ظلمي ..مجمع
البحوث ظلمي ..ورئيس جامعة الزهر ..واللجنة الدينية في مجلس
الشعب ..وحزب العمل ،جريدة الشعب ،الجمعيات السلمية في مصر ،
وخطباء المساجد كلها ظلمي .هم إذن أهل النور … !! وزير الثقافة وحده ،
هو الذي يحمل النور … ! والثقافة المستنيرة … !! وهي هنا الثقافة التي
َتسشخر بالدين ،وتستهين بالقيم الدينية ،ومن ال ومن رسله ومن كتب ال ،
وقد سكت الناس ،على قصص وكتب وروايات دهر من الزمن ،ثم كان لبد
ضب ،ولم يغضب فهو حمار " . أن يحدث النفجار " :ومن اسُتغ ِ
ل بأس بالمظاهرات :
وأضاف :أنا ل أرى في تظاهرات الطلب شيئا منكرا ،إذا كان تظاهرا سلميا
،يجب أن نعّود أمتنا ،ما تعّودته أمم الحضارة من التظاهر السلمي ،وقد كنا
طلبا ،في المعاهد الدينية البتدائية والثانوية في كليات الزهشر ،وكنا نخرج
نحتج على كل أمر يخالف الدين ،كل أمر يهتم به المسلمون :خرجنا من أجل
519
فلسطين ،وتونس والجزائر ومراكش وسوريا ولبنان وكشمير ،الطلب هم
نبض المة ،ل يستطيعون العيش بعيدا عنها ،كل ما نمنعه هو التخريب ،أما
التظاهر السلمي ،فل مانع منه ) واستشهد في ذلك بتظاهرات سياتل ( .
وتابع :إن من حق الناس أن تغضب لدينها ،ومن حق أبناء الشارع ،
خصوصا الطلبة في الجامعات ،فُهم أوعى الناس بهذه القضايا ،فهم الذين
يحملون الروح الثورية ،ويتأججون من داخلهم ،فمن حقهم أن يقولوا :ل ،
دون أن يدخلوا في تخريب ،أن يستغلوا من الخرين .
وعلل عدم التغاضي عن الرواية ،بأنها نشرت من قبل مؤسسة ،من مؤسسات
الدولة ،ووزارة تطبع طبعة شعبية 690صفحة ،بأربعة جنيهات .ولو كان
المؤلف ،نشرها على نفقته ،أو على نفقة دار نشر خاصة ،فلها من المر ،
وكان يمكننا أن نسكت ،ويحكم في ذلك القارئ .
وقال :كنت أتمنى أل أتحدث عن هذه الشياء ،حتى ل أجعلها تشتهر ،فكم
كنت أتمنى أل يقف المسلمون ،من رواية سلمان رشدي ،ذاك الموقف ،الذي
شهرها في الفاق .ثم قال :ل يجوز لوزارة تحترم نفسها ،وتعمل من أجل
الشعب ،أن تنشر أشياء ضد قيم الشعب ،وعقائد الشعب ومقدساته ،ومن هنا
كانت غضبة ،كل المثقفين المسلمين ،إل طائفة معينة للسف ،إما لنها
جهلت دينها وتراثها ،أن باعت نفسها ،لما تنتفع به ،من وراء هذه الوزارة ،
وإني أعجب كل العجب ،لبعض اللجان التي تشّكلها الوزارة ،تدافع عن هذه
الرواية الساقطة ،في مضمونها وأساليبها .
السمة العاّمة في الرواية :
ن :الشرب والخمر من أول الرواية حتى آخرها ، وعاد إلى الرواية فذكر أ ّ
فحين تزوج الرجل العراقي بفتاته الجزائرية احتفلوا بشرب الكونياك ..هذه
هي السمة العامة في الرواية :ليس منها خشية ل ،ول توقيرا له ،ول اعتبارا
لحسابه ،ول ليوم الجزاء ول الجنة والنار ،بل هي تسخر من هذا كله ..
ل:
واستشهد ببعض العبارات من الرواية ،منها مث ً
ما قالشه الرجل ،الذي قال للمرأة العاهرة ،التي كان يصف جسدها وصفا
ن الذي يقف بيني وبينك ،هو أنفك هذا ،قالت :له مشاذا أفعل ؟ مكشوفا " ،إ ّ
هذا خلقة ربي ! قال لها :رّبك إذن فنان فاشل " .
520
أي أنّ ربك ل يحسن التصوير !! ورد القرضاوي عليهم :إن ال تعالى
ن ِفي سا َخَلْقَنا اِْلنْ َصَوَرُكْم ) 64غافر ( … ) َلَقْد َ ن ُ سَح َ صّوَرُكْم َفَأ ْيقول َ ) :و َ
ن َتْقِويٍم ) 4التين ( . سِ ح ََأ ْ
وتابع :لقد قالت اللجنة ،التي شّكلها وزير الثقافة ،أنه قال ذلك في مقام
الدعابة والمزاح ،ورّد :يا عجبًا ،هل هنا مقام دعابة ومزاح ؟! الحديث عن
ن ِإّنَما
سَأْلَتُهْم لََيُقوُل ّ
ن َ ال جل جللشه ،يدخل فيه المزاح ؟! يقول تعالى َ ) :وَلِئ ْ
ن )َ (65ل َتْعَتِذُروا سَتْهِزُئو َ سوِلِه ُكْنُتْم َت ْ
ل َوَءاَياِتِه َوَر ُ
ب ُقْل َأِبا ِّض َوَنْلَع ُ
خو ُ ُكّنا نَ ُ
َقْد َكَفْرُتْم َبْعَد ِإيَماِنُكْم … ) 66التوبة ( .وهذا في أمثال هؤلء .
ل: ل آخر ،مما ورد في الرواية :إنه يتحدث في روايته ،قائ ً وأضاف مثا ً
" وهؤلء الناس ،يهّمشون التاريخ ،ويعيدونه مليون عام إلى الوراء ،في
عصر الذرة والفضاء والعقل المتفجر ،يحكموننا بقوانين آلشهة البدو ،وتعاليم
القرآن . .خشراء " .
هكذا يذكر الكلمة خشراء !! وأنا أقولها مضطرًا .وتترّدد كلمة آلشهة كثيرا في
كلمه ،فهو ل يؤمن بإلشه واحد ،بل آلشهة .
* بعد انتهاء الخطبة ،اتصلنا بفضيلة العلمة د .يوسف القرضاوي ،وسألناه
عن مدى دخول هذا العمل الروائي ،في باب الكفر فأجاب :
" إن بيان مجمع البحوث السلمية ،بالزهر الشريف ،يدل على أن هذا من
الكفر ،لنه خروج على ما هو معلوم من الدين بالضرورة ،وانتهاك
للمقدسات الدينية والشرائع السماوية ،وهذا واضح لكل من قرأ الرواية ،لما
فيه من ازدراء واستخفاف باللوهية والقرآن والرسول والقيم الدينية كلها في
مواضع شتى ،وأضاف :
ونحن نقول :إن هذا العمل كفر ،بغض النظر عن الششخاص ،فمن قالشه
واعيا متعمدا ذاكرا ،فهو كافر ،ورضي به وهو يعلم هذا ،فهو كافر ،ومن
كان يجهل بما فيه ،ثم ُأعلم بمضمونه ورضيه ،فهو كافر ،هذا هو الحكم
الشرعي ،أما الحكم على الشخاص ،فل ندخل فيه ،فهو يحتاج إلى تحقيق
وقضاء " .
521
مقتطفات من حاشية الملف :
بقلم د .محمد عباس :
كانت صحيفة السبوع ،أول من تعّرض للموضوع ،تعرضت له بهدوء ،ولو
أن في أجهزة وزارة الثقافة ،من يرى ويحس ويسمع ،لستدركوا المر ،
ولدارْوا عورتهم ،وكان يمكن للمر أن ينتهي باعتذارهم ،واعترافهم
بالخطأ ،لكن ال شاء للمور ،أن تتخذ مجرى آخرا ،كي يفضحهم على
الشهاد .لقد استنكروا علينا حدة أسلوبنا ،فماذا فعلوا عندما نشرت السبوع ،
يوم 28/2/2000م ،مقال صغيرا ،بقلم حسن نور ،يعترض فيه ،على قيام
وزارة الثقافة بنشر الرواية …
لمدة شهر ونصف بعد ذلك ،لم تتدارك وزارة الثقافة المر ..وبدأت الشعب
تناول القضية ،يوم 28/4/2000م ،بعد بداية النشر في السبوع ،بشهرين
كاملين …
في البداية ،حاولت وزارة الثقافة ،التنصل من المر كله .وقد أوردت أخبار
الدب :العدد 356ص 6ذلك بالتفصيل ،في مقال وائل عبد الفتاح ،عن
تصريح وزير الثقافة المنشور في الهرام ،في 30/4/2000م ،وهو أن
الهدف من اللجنة العلمية التي شكلها " ،التحقيق في ظهور طبعة لبنانية ،من
رواية وليمة لعشاب البحر للسوري ،حيدر حيدر منسوبة لوزارة الثقافة "..
ويستطرد الكاتب أنه يبدو أن الوزير وجدها " واسعة " ،فغير أقواله بعد ذلك .
نفس الخبر نشرته بتفصيل أكثر ،صحيفة آفاق عربية ،في عدد 4مايو ص
، 11تحت عنوان :وزارة الثقافة تزعم ،أن جهة مجهولة نشرت الرواية
المجهولة ،ونسبتها إليها .
كان التخبط هائل وشمل الجميع ،فرئيس الوزراء على سبيل المثال صرح :
لست أدرى كيف؟! أنه استعان بخبير أجنبي لمواجهة الزمة ،كما نشرت
صحيفة الوفد ،و صرح الدكتور أحمد فتحي سرور ،بأنه طلب تقريرا عاجل
،لتخاذ الجراءات القانونية اللزمة ،ومحاكمة المؤلف طبقا للقانون الدولي ،
) أخبار الدب 14مايو ( ،كانت المة تغلي بالغضب ،وكان قلبها متمثل ،
في طلبة جامعة الزهر ،حيث تظاهر 25ألف طالب ،وكانت الدولة
مترددة ،حتى حسمت أمرها بإطلق الرصاص ،على قلب المة ،على طلبة
522
جامعة الزهر .وأصبح من المستحيل مواصلة استطلع الرأي ،تحت التهديد
بإطلق الرصاص مرة أخرى ،وبلغ النفاق ببعض التنويريين ومدعي
البداع ،الذين أجازوا الجتراء على ال ،أن وجهوا اللوم لصحيفة الشعب ،
ولحزب العمل ولشخصي الضعيف ،فنحن الذين حرضنا ،ونحن الذين
أخرجنا الطلبة ،فتسببنا فيما حدث لهم ،أكثر من مائة جريح ،منهم خمسة
فقئت عيونهم .وجهوا اللوم لنا ،ولم يجرؤ منهم أحد ،على توجيه اللوم على
المعالجة المنية الخاطئة ،ل تعقيب على المن ،وكأنه القدر ،بل أكثر من
القدر ،لننا في القدر نسأل ال اللطف فيه ،هم لم يسألوا أجهزة المن اللطف ،
وهذه الواقعة وحدها ،كافية لفضحهم تماما ونهائيا ،أمام الجيال وأمام التاريخ
،لكن هذه الفضيحة ل تنفجر ،ول تأتي بالتأثير المتوقع ،بسبب تهديد جاثم
مستمر ،بإمكانية إطلق الرصاص في أي وقت ،بعد ما حدث لطلبة جامعة
الزهر ،خفتت أصوات معظم الغاضبين لدينهم ،وارتفعت أصوات الحيدريين
،وأصبح الكذب مجانيا ،خاصة عندما أقدمت السلطة ،على عقاب صحيفة
الشعب ،التي دافعت عن المقدسات ،وأصبح الجتراء على الذات اللشهية ،
إبداعا وتقدما واستنارة ،وفي نفس الوقت ،أصبحت إدانة وزير ثقافة النظام
الباقي ،في مكانه منذ أربعة عشر عاما ،رغم كل ما أثير حوله ،إرهابا
وظلمية وتخلفا ،ووقف الوزير الذي قلت تناقضات تصريحاته ،بعد أن
اطمأن إلى تدعيم الدولة له ،ليصرح أن مصر دولة علمانية ،وارتفعت
أصوات ،تنادى بإلغاء المادة الثانية في الدستور ،والتي تنص على إسلمية
مصر ،ونشرت صحيفة الحياة اللندنية ،مقال لكاتب ،ظن أنه يفحم
السلميين ،بقوله أنه إذا كان علينا أن نحترم التراث ،فليس علينا أن نحترم
التراث السلمي فقط ،بل علينا أن نعطي اهتماما مساويا ،لمصر المسيحية
والفرعونية ،كان السلم بالنسبة للمسكين تراثا ،مجرد تراث ،لم يكن دينا ،
ول مطلقا من المطلقات ،وبدا أن هؤلء الناس وأقرانهم في مصر ،ينظرون
إلى السلم تماما ،كما ينظر له المتعصبون من المستشرقين ،فالقرآن من
تأليف محمد -صلى ال عليه وسلم – أما هو نفسه فكذاب – أستغفر ال
العظيم -وأن أولئك التنويريين ،قد ابتلوا بمجموعة من المتخلفين أمثالنا ،وما
القابضون على الجمر ،سوى حزب متخلف ،ل يستحق من الحترام ما
يستحقه ،حزب كحزب المة ،بل ول ال نفسه ،يستحق من الدب في
الحديث معه ،ما يستحقه الشيخ الصباحي ،كان أسطورة قضت عليها
523
الستنارة ،وبقي المتخلفون يؤمنون به ،ولعل المؤمنين به ،يشفون من
تخلفهم ذات يوم .وإنهم يحتملون تخلفنا ووجودنا ذاته على مضض ،فنحن
ضيف ثقيل عليهم ،أل يضاعف من ثقله بأن يتكلم .نظر كلب جهنم ،إلى
الدين ،كما لو كان مرضا ،كّلفهم الشيطان بالقضاء عليه ،وبدا لهم ،أنهم كلما
أوشكوا على إنجاز مهمة الشيطان ،واجهناهم نحن ،لنصيب المة بنكسة
جديدة …
وانفجر اللم بصحيفة ) آفاق عربية ( ،فنشرت بمانشيت كبير ،أنها ل
تستبعد ،أن ينجح التنويريون ،في استبدال المادة الثانية في الدستور ،لكي
يصبح حيدر حيدر ،هو المصدر الرئيسي للتشريع … !! …
ي قضية تبدأ محكمة جنايات جنوب بدل من التوبة والعتذار ..رفعوا عل ّ
القاهرة نظرها يوم 16/9/2000م …
مذيعة للبرامج الدينية في التليفزيون المصري ،وفي كتابها ) ل يا زمري ( ،
نشرت ما ل يصدقه عقل ،من الجتراء على الدين ،ورفض المسؤولين
استمرار أي برنامج ناجح ،أو استضافة أي شخصية دينية لها شعبية ،فالشيخ
محمد الغزاي والدكتور يوسف القرضاوي ،على سبيل المثال إرهابيان ،أما
عندما حاولت ،تغطية أداء بعض كبار المسؤولين وزوجاتهم ،لداء العمرة ،
فقد رفض التليفزيون ذلك ،حتى مع السيدة سوزان مبارك ،وكانت حجتهم ،
أنه ل داعي لربط كبار المسؤولين بالدين ،بأي شكل ،وأنهم يطبقون
تعليمات ،تأتي من فوق بمحاصرة البرامج الدينية ،وتصرخ كاريمان حمزة
في النهاية ،أنها تنزه وزير العلم ،ورئيس الوزراء ورئيس الجمهورية ،أن
يكونوا مصدر هذه التعليمات ،ولكنها في نفس الوقت ،تؤكد أن هذه
التعليمات ،التي تأتي " من فوق " حقيقية ،لكن هذا الفوق ل يوجد داخل
مصر ،إنما خارجها .في أحد برامجها ،كانت تعد موضوعا ،عن العشرة
المبشرين بالجنة ،واحتج المسؤول الكبير على اقتصارها ،على شخصيات
من عهد الرسول ،صلى ال عليه وسلم ،وطلب منها أن تختار جزءا منهم ،
وأن تكملهم بالمعاصرين ) ،مثل عاطف صدقي ( ،لم تكن طرفة ،ول مأساة
جاهل ،بل كارثة أمة ...
صرح وزير الثقافة أنه لن يستقيل طول عهد الرئيس مبارك …
524
أما صحافته ) وزير الثقافة ( ،خاصة القاهرة وأخبار الدب ،فقد بلغ بها ،أن
اتهمت الزهر ،بأنه ينصب من نفسه محكمة من محاكم التفتيش ،وأنه ل
علقة له بالدب ،ول حق له ،أن يحكم فيما هو خارج الدين ،بل وشبهت هذه
الصحف ،رئيس جامعة الزهر بالنازيين ...
يلخص مأساوية الوضع كله ،ما قاله الدكتور أحمد عمر هاشم ،في حديث
نشرته مجلة المصور ،الصادرة في 25/5/2000م ،من أنه كرئيس للجنة
الدينية ،في مجلس الشعب ُ ،مِنع من إلقاء بيان ُ ،يدافع فيه عن ال والقرآن
سمح لفاروق حسني ،أن يلقي بيانه ، والرسول ،صلى ال عليه وسلم ،بينما ُ
الذي ُيدافع فيه ،عمن يسبون ال والقرآن والرسول ،صلى ال عليه وسلم ،
وراح الرجل يردد في ألم :حسبنا ال ونعم الوكيل ...
كان موقف شيوخ الزهر وطلبته رائعا ،فقد أصدر 70عالما أزهريا بيانا ،
يطالبون فيه بوقف جرائم وزارة الثقافة ،وتطهيرها ممن أساءوا إلى الدين
والوطن ،كما دعا البيان الرئيس مبارك ،إلى رفع الحصار عن الدعاة
المخلصين .وأوضح البيان أن وزارة الثقافة ،قد دأبت منذ سنوات ،على
إصدار مطبوعات ،استهدفت أخص خصائص المة ،في العقائد والخلق
والسيرة النبوية .وندد البيان بسيطرة الماركسيين والشيوعيين ،على أبواب
الثقافة ،مؤكدين أن لها رموزها ،من اللوان الخرى ،ذات النتماء إلى
الثقافة العربية والسلمية ،الرافضة لرتداء عباءة الخر ،والذوبان في
بضاعته .إن تسليم إدارة دفة الثقافة ،لرموز تغريبية أمر غير معقول ،ول
مقبول ،وهو ل يمكن أن يصب في صالح الوطن ،في الدول التي تحترم
شعوبها وثقافتها ،يكون القائمون على الشأن الثقافي ،من أكثر المؤمنين بثقافة
أمتهم وحضارتهم ،أما في بعض دولنا العربية والسلمية ،فيؤتى بأعتى
المتغربين وُيسّلمون تلك المواقع ...
بمجهود فردي ،أحصيت حوالي 700مقال ،في الصحف المصرية ،خلل
شهر واحد ،ومثلها تقريبا في الصحف العربية ،كان %75تقريبا ،من هذه
المقالت ،يصب في اتجاه السلطة ،التي حددت اتجاهها مع أدعياء التنوير .
المر قد يبدو محزنا ،لكننا من وجهة نظر أخرى ،نستطيع القول أن نسبة
، %25انتصرت لربها ولدينها وللحق ،في هذا الخضم من الرهاب والبطش
وتزييف الوعي ،هي نسبة مرتفعة ومبشرة ...
525
بدأت المظاهرات في الزهر ،مساء الحد 7/5/2000م ،اشترك فيها
25000طالب ،وأطلق المن الرصاص على الطلب ،كان القناصة ،
يصطادونهم داخل الحجرات في المدينة الجامعية ،وكانت رسائل البريد
الليكتروني من الطلب ،أقسى على من ذوب الرصاص المنصهر ،فكتبت
هذا النداء إلى الرئيس ونشرته صحيفة الشعب …
نداء ورجاء إلى سيادة الرئيس ..
أستحلفك بحق خالقك عليك ..أستحلفك بمن استرعاك علينا ،وجعل رعيتك
أمانة في عنقك ..أستحلفك بحق القرآن ..أستحلفك بحق رسول ال صلى ال
عليه وسلم ..أستحلفك ..أن تصدر أوامرك الشخصية ،بمنع أي تعذيب عن
أبنائنا ،طلبة وطالبات جامعة الزهر ..وأن توصي بهم خيرا ،تماما كما لو
كانوا أبناءك ،فهم أبناؤك ..وهم رعيتك ،الذين يسألك ال عنهم يوم القيامة ...
تعرض الدكتور أحمد عمر هاشم ،لهانات بالغة بسبب تصريحاته عن الرواية
الكافرة .ونشرت بعض الصحف أخبارا ،عن استبعاده من عضوية مجلس
الشعب ،وعن فصله من منصبه ،كرئيس لجامعة الزهر .
من أعجب ما حدث ،كانت الزمة ،في الظاهر ،تتكون من شقين ،شق مع
الدولة ،وشق مع أدعياء التنوير ،لذلك عندما بدأت التهديدات بقتلي ،تصلني
عبر الهاتف ،عجبت … كان معدل المكالمات ،يصل إلى خمس أو ست ،
مكالمات في اليوم ،بعد البلغ عنها ،لم يتكرر التهديد ولو لمرة واحدة .
كان موقف التلفزيون المصري غريبا ،والحق أنه طلب مني ،أن أسجل معه ،
لكنني كنت قد لدغت من صحافة بلدي ،التي لم ترع إل ول ذمة ،فاعتذرت ،
لكن غيري لم يعتذر ،وأذاع التليفزيون الحلقات ،التي تؤيد الحيدريين ،ومنع
إذاعة الحلقات ،التي تنتصر للدين .
في مواجهة على قناة الجزيرة الفضائية ،في يوم 7/8/2000م ،كان حيدر
حيدر ،يتكلم في برنامج التجاه المعاكس ،كان هو شخصيا ،ل أبطال الرواية
المتخيلين ول المؤلف ،بل هو بشحمه ولحمه ،وكان يكّرر :نعم ،كان
للرسول خليلت ،وكان يتزوج زواج متعة …!!
بعد إغلق صحيفة الشعب ،اطمأن الذين في قلوبهم مرض ،أننا لن نستطيع
الرد عليهم ،فتضاعفت مساحات ما ينشرونه من كذب ،وتشويه وقلب للحقائق
526
،وكان يجب على أن أبحث عن طريقة للرد .لكن الصحف المتوازنة كالوفد ،
اعتذرت ،والصحف السلمية اعتذرت أيضا ،بعد أن رأت أن الدولة ،قد
كشرت عن أنيابها ،ويمكن أن تغلق صحف التجاه السلمي جميعا … انتهى
القتباس .
527
مصر الفساد والفساد
كانت مصر قد اضطلعت ،منذ استقللها السياسي ،بدور ريادي في الفساد
والفساد ،والضرار بالسلم والمسلمين ،على مستوى العالمين العربي
والسلمي ،والذي تمّثل في كثير من المجالت ،ونذكر منها على سبيل
المثال :
.1التخلي عن الحضارة السلمية وتراثها وقيمها ،والعتزاز بالنتساب
إلى حضارة الفراعنة ،الذين ظلموا أنفسهم ،فأخذهم ال بذنوبهم ،
وتقديس آثارهم وأوثانهم ،التي ما تركها ال إل عظة وعبرة .فها هم
ينفقون نصف مليون دولر ،تحت سفوح الهرامات ،على حفلت
غنائية غربية حتى الصباح ،بمناسبة حلول عام ألفين ميلدي ،في شهر
رمضان ،الذي أنزل فيه القرآن ،حيث قامت الحكومة المصرية
مشكورة ،بحظر شرب الخمور أثناء الحفل ،إكراما لحرمة الشهر
الفضيل .ويأبى عالم الكيمياء المصري ،إل أن يتسّلم جائزة نوبل ،
تحت سفوحها ،تعظيما منه لها ولبناتها ،واعتزازا بالنتماء لهم .
.2نشر رذائل الخلق ،وتعميمها كنموذج ُيحتذى بين أبناء المة
السلمية ،من خلل السينما والمسرح والغناء ،بالضافة إلى تشويه
صور أولياء ال ،من الرسل والئمة والعلماء ،في أفلمهم ومسلسلتهم
وبرامجهم الدينية ،لتجد ممثل يزني ويشرب الخمر ،في فيلم ،ومن ثم
تجده في أحد البرامج الدينية ،يدعوا ويبتهل إلى ال ،متوشحا ثوب
العفاف والتقى ،ممتهنا قدسية الدين وشعائره ،بالضافة إلى ما
يطرحونه في أفلمهم ومسلسلتهم وأغانيهم ،من أفكار ُيعّلمونها لبنائنا
وبناتنا ،تعجز الشياطين عن التيان بمثلها ؛ فتكلفة إعادة غشاء البكارة
إلى طبيعته ،كما أخبرني أحدهم ممن شاهد أحد الفلم المصرية ،
وعلى لسان إحدى بغايا مصر ،في الفيلم ،داعية أخرى لممارسة الرذيلة
مثلها ،ل تتجاوز المائة والخمسين جنيها " ،وكل شيء يرجع زي الول
ل … )119 ق ا ِّ
خْل َ
ن َ
لُمَرّنُهْم َفَلُيَغّيُر ّ
" ،مصداقا لقول إبليس ) … َو َ
النساء ( ،لتتساوى البغي في الحصانة ،مع مريم ابنة عمران ،وشتان
ما بين الثرى والثريا ،وهذا مما ُتعّلمه السينما المصرية ،لفتيات أمة
محمد ،عليه الصلة والسلم .
528
.3تمجيد وتقديس سفلة الناس ،من الممثلين والممثلت والمطربين
والمطربات ،وإقامة الصنام والوثان ،وزرعها في الميادين العامة ،
جدونها وُيقّدسونها ،فحاول أن تشتم أحد عمالقة وإن لم تصّدق بأنهم ُيم ّ
الفن العربي ،في حضور أحد المصريين .
.4تأليه وعبادة أصحاب المال والسلطة من البشر ،كما عبد المصريون
القدماء ،ربهم العلى فرعون .
.5موالة أعداء ال ورسوله من اليهود والنصارى ،وبيع قضايا المة
العربية والسلمية المصيرية ،لقاء حفنة من الدولرات المريكية .
.6محاربة تعاليم السلم ورموزه ،في السّر والعلن ،والعمل على محو
أثارها من نفوس الناس .
عرضت في ملف الجريمة ،لما كان يجري في مصر ،من حرب الصور التي ُ
شعواء مبرمجة ،شّنها الفراعنة الجدد على ال ورسوله ،منذ سنوات ،
رسمتها ريشة فنان مبدع من أبناء مصر ،ل من غيرها .أشهد ال على أن
قومه أصبحوا مجرمين ،بل وفاقوا الفراعنة القدماء في إجرامهم ،وكأنه أعذر
ال سبحانه وتعالى ،في إنزال العذاب ببني جلدته ،من حيث ل يدري ،وهذه
المر ُيذّكرني بقصة النبي ارميا ،عندما أعذر ربه في عذاب قومه ،بني
إسرائيل في المرة الولى .التي أوردها الطبري ،في تفسيره ج 3ص ) – 32
، ( 33وهي قصة جميلة ُ ،تبين بعضا من الحكمة اللهية في تصريف
سُفوَنا اْنَتَقْمَنا ِمْنُهْم
المور .وكما قال رب العزة في قوم فرعون ) َفَلّما َءا َ
ن ) 56الزخرف ( خِري َ
لِل ِل ْسَلًفا َوَمَث ً
جَعْلَناُهْم َ
ن )َ (55ف َ جَمِعي َ
غَرْقَناُهْم َأ َْفَأ ْ
حيث يؤكد د .محمد عباس ،وبيان شيوخ وطلبة الزهر ،الوارد ذكره في
الحاشية ،أن هناك مخطط ،تنتهجه الحكومة المصرية ،منذ سنوات ،لتدمير
معالم السلم ورموزه ،معلما تلو الخر .
واستنادا لبيان علي أبو شادي ،رئيس مجلس الهيئة المشرفة على النشر ،
والذي يقول " :بأن الرواية ) وليمة لعشاب البحر ( صدرت في منتصف
نوفمبر " ،أي 15/11/1999م ،نستطيع القول أن هذه الرواية المشؤومة ) أو
ش النحس الحقيقي ( ،على القل ،كانت في مخازن دار النشر ،عندما و ّ
ي الدخان سكان القاهرة ،في الفترة الواقعة بين ] [ 30/10 – 20/10 غش َ
1999م .ليأتي التحذير والنذير اللهي ،قبل نشرها وتوزيعها بين الناس مجانا
529
،من قبل الحكومة المصرية .لكنهم نشروها ،ونشروا كتابا آخر ،كتابات
نقدية ،العدد ، 97ديسمبر 1999م ،بعنوان :شعر الحداثة في مصر ،بعد
شهر واحد من نشر الكتاب الول ،بعد أن كشف ال الدخان عنهم ،واستمروا
في النشر .
بعد هذا العرض ،نكون قد عايشنا على التوالي ،مشهدين من المشاهد التي
تعرضها اليات ،هما الشك واللعب ،وظهور الدخان في مصر ،والن إلى
المشهد الثالث ،عندما ُيتهم خير النام ،عليه الصلة والسلم ،بالتعّلم
والجنون والسحر ،في كتاب ) فترة التكوين في حياة الصادق المين ( ،الذي
صدر في النصف الول ،من العام الحالي 2001م ،وهو الكتاب السابع
للمجرم ،خليل عبد الكريم .
قال تعالى
ن )(83 عُدو َ
لُقوا َيْوَمُهُم اّلِذي ُيو َحّتى ُي َ
ضوا َوَيْلَعُبوا َ ، خو ُ) َفَذْرُهْم َي ُ
) الزخرف (
وقال
ن )(45 صَعُقو َ لُقوا َيْوَمُهُم اّلِذي ِفيِه ُي ْ
حّتى ُي َ
) َفَذْرُهْم َ
) الطور (
530
ثم تولوا عنه وقالوا ُمعّلم مجنون
532
وهناك الن ،ما ل يقل عن سبعة كتب هامة ،أصدرها الرجل في السنوات
الخيرة ،وهي تستحق المناقشة والتحليل ،لعرض ما فيها من آراء والرد
عليها .
ولسنا هنا بالطبع ،في معرض تحليل هذه الكتب أو مناقشتها ،فليس هنا ،ول
صا أنها
الن ،يتم هذا المر ،ولكننا قد نكتفي بالتعريف السريع بها ،خصو ً
عا فكرًيا ،لهذا الرجل .والكتب السبعة التي سنعرض لها هنا
تكّون الن مشرو ً
،هي :
ل :كتاب ) للشريعة ل لتطبيق الحكم ( :
أو ً
وهذا الكتاب يقوم على فكرة واحدة أساسية ،هي أن تطبيق الشريعة
حا في هذا العصر ،لن هذا التطبيق سوف يجر علينا ، السلمية ،لم يعد صال ً
من المشاكل ما ل حصر لها .ومع أن السلم ،وكما جاء في القرآن العظيم ،
هو الدين الخالد ،الذي يصلح للبشر كافة ،ويصلح في كل زمان ومكان ،إل
أن خليل عبد الكريم ،له رأي آخر ،فهو يقول بالحرف " :إن السلم ليس
ضا تشريعات وعقوبات ونظام سياسي " ،وهنا عبادات فقط ،بل هو أي ً
الخطورة من وجهة نظره ،إذ يرى أن تطبيق الشريعة ،سوف يؤدي بنا إلى
أضرار ،تفوق بمراحل الضرار ،التي تترتب على إهمالنا لتطبيقها .وتلك
هي دعوة العلمانيين واللدينيين ،الذين يفضلون القانون الوضعي على
الشريعة السلمية .
ثانيًا :كتاب ) الجذور التاريخية للشريعة السلمية ( :
ل للكتاب الول ،إذ أنه ينطلق من نفس ل وتأصي ً
وهذا الكتاب ،يعتبر استكما ً
الفكرة ،التي ترفض الشريعة السلمية ،وترفض تطبيقها ،وهنا يقول خليل
عبد الكريم " :إن هذه الشريعة التي ينادون بها ،هي مجرد تعاليم ،كان يقول
ويأخذ بها عرب الجاهلية ،ثم جاء محمد ،فأخذ هذه التعاليم ،وأعمل فيها عقله
وفكره ،حتى بدت وأنها شيء جديد " .ولهذا فإن السؤال الذي يطرحه خليل
عبد الكريم ،هو :هل تصلح هذه التعاليم ،التي كان يطبقها بدو الصحراء ،
قبل أكثر من أربعة عشر قرًنا ،لكي تحكمنا اليوم ؟! على أن ما هو أخطر من
هذا السؤال ،ما معناه وخلصته ،أنه ليس ثمة شيء منزل من السماء ،بل إن
الشياء كلها من صنع سيدنا محمد … !!
533
ثالثًا :كتاب ) السس الفكرية لليسار السلمي ( :
وفى هذا الكتاب ،يقول خليل عبد الكريم صراحة " ،إن السلم ليس شيًئا
غير العبادات " ،مع أن طلبة المراحل التعليمية الولى ،يعرفون أن السلم
يقوم على دعامتين ،هما :العبادات ،والمعاملت .ولكنه يحصر السلم في
العبادات فقط ،ولهذا فإن ميدانه الصلي ،هو المساجد والجوامع والتكايا
والحسينيات ،أو الخلوي والخانقاهات والزوايا والمصلّيات ،وحضرات
الصوفية وحلقات الذكر ،ومجالس دلئل الخيرات .ومعنى هذا أن السلم
دين للعبادة ،وليس ديًنا للحياة .أنه يحصر وظيفته في دور العبادة ،أما شؤون
الناس وتصريف حياتهم ،فليس للسلم شأن بها .وهنا نعود إلى مقولت
المغرضين ،الذين يقولون إن السلم ،ليس ديًنا ودولة ،بل هو دين فقط .
رابًعا :كتاب ) مجتمع يثرب ..العلقة بين الرجل والمرأة في العهدين
المحمدي والخليفي ( :
وهذا كتاب َمْعَيبة ،لنه يشوه السلم في أعظم عصوره ،أي في مرحلة النبوة
،وصدر السلم ،والخلفاء الراشدين .وسوف يلحظ القارئ ،في اللحظة
الولى ،أن الكاتب يستخدم ،كلمة ) يثرب ( ول يستخدم اسم ) المدينة المنورة
( علًما بأن السم الول ،قد نسخه السلم ،وألغاه النبي ،وأطلق عليها هذا
السم الجديد الجميل .ولكن ليست هذه هي المشكلة في هذا الكتاب ،ولكن
المشكلة ،هي في الدراسة الجتماعية المزعومة ،التي قّدمها ،والتي شوه
بها ،ومن خللها ،أعظم المجتمعات وأعظم العصور وأعظم الشخصيات ،
حين نكتشف ،أن المجتمع في مدينة رسول ال ،وهو المجتمع الذي أقام
دولة ،ونشر ديًنا ،هذا المجتمع ورجاله ،لم يكونوا مشغولين بشيء ،قدر
…!
انشغالهم بالمرأة والجنس مًعا
خامسًا :كتاب ) قريش من القبيلة إلى الدولة المركزية ( :
وهذا الكتاب ،ينزع عن النبي محمد ،صلى ال عليه وسلم ،صفات الرسالة
والنبوة والوحي جميًعا ،إذ يحاول المؤلف أن يثبت ،أنه ليس هناك شيء من
هذا كله ،ولكن المر كان ينحصر في رغبة قريش ،في أن تقيم دولة ،وأن
تسود على القبائل العربية ،في شبه الجزيرة وما حولها .وقد تم هذا وفق
تخطيط محكم قام به ،رجل داهية ،هو جّد النبي ،صلى ال عليه وسلم ،وهو
534
عبد المطلب الذي جاء بحفيده " محمد " ،ولم يكن أقل منه ذكاًء ،وصنع منه
سا لهذه الدولة .لقد أراد عبد المطلب ،أن " يصنع " ملًكا فصنع
حاكًما ومؤس ً
نبًيا ،أي أن الحكاية كلها هي الحكم ،وهي السيطرة ،وهي السيادة إلى جوار
ملوك وأباطرة ،يحيطون بقبائل العرب ،ابتداء من كسرى حتى هرقل .
سادسًا :كتاب ) شدو الربابة بأحوال الصحابة ( :
ضا يأتي
وهذا كتاب ل يقل سوًءا ،إن لم يزد عن الكتب السابقة ،وهو أي ً
ل لكتابي مجتمع يثرب ،وقريش القبيلة والدولة .وفي هذا الكتاب الجديد استكما ً
،يعرض المؤلف لحوال صحابة رسول ال ،فيقول فيهم كلًما ،لم يرد في
كتب السيرة ،ول في كتب التاريخ ،ومنه أن رسول ال ،صلى ال عليه وسلم
،كان يختلي بالصحابي الجليل سلمان الفارسي ،ليام طويلة لكي يأخذ منه ،
ويتعلم على يديه ،لن سلمان ،فيما يقال كان من كبار مثقفي عصره ،وكان
عالًما بالعقائد والديان ،وكان يحيط بالمذاهب المختلفة .وقد جلس النبي بين
يديه ،كما يجلس تلميذ بين يدي أستاذه ،ليتعلم منه كل السس والقواعد
والتجارب والتواريخ والسير ،التي استفاد منها النبي ،بعد ذلك في رسالته
السلمية المحمدية .
سابًعا :كتاب ) فترة التكوين في حياة الصادق المين ( :
وهذا هو آخر كتب ،خليل عبد الكريم ،ولعله من أخطرها جميًعا .ويقوم هذا
الكتاب على فكرة واحدة أساسية ،هي أن سيدنا محمد ليس نبًيا ،ولكنه تلميذ
عبقري ،لمجموعة من الساتذة هم :السيدة خديجة ،وابن عمها ورقة بن نوفل
،وبقية أفراد السرة وهم :ميسرة ،والراهب بحيرا ،والراهب عداس ،
والبطرك عثمان بن الحويرت ..وكلهم مسيحيون ..ولقد قامت هذه المجموعة
النصرانية ،على " صناعة" هذا النبي ،بعد أن عكفوا على تعليمه ،لكثر من
خمسة عشر عاًما ،حفظ فيها كتب الولين والخرين ،وعرف التوراة
والنجيل ،والمذاهب والعقائد ،وانتهى هذا كله بنجاح " التجربة " أي الرسالة
،وصنع هذا العبقري ،الذي أصبح نبًيا ،ووضع كتاب حّير العاملين ،على
امتداد القرون هو القرآن الكريم .
ويقول خليل عبد الكريم بالحرف الواحد " :وهذا الكتاب ،يقدم رؤية جديدة ،
نزعم أنها غير مسبوقة ،لحل هذا اللغز الذي مل الدنيا ،وشغل الناس ،وقد
535
بدأنا بمحمد ،قبل أن يلتقي أبوه بأمه ،حتى التقطته سيدة قريش ،بعد أن
توسمت فيه ،بفراسة يعز مثلها ،أنه هو القادم المنتظر ،ثم قيامها بمعونة
سخية ،من ابن عمها القس ،بدور ل نجد له في تاريخ الديان مجرد شبيه ،
أنها ملحمة خالدة ،سلخت من عمر الطاهرة والقس ،عقًدا ونصف العقد من
الزمان ،في العداد والتصنيع والتهيئة والتأهيل ،حتى طرح ذلك العمل ،
الصبور الدءوب المتأني المخطط ،والمرسوم بدقة متناهية ثمرته الناجحة ،
وحدثت واقعة غار حراء ،بصورة فذة معجبة ،أدهشت حتى فاعليها ،وهما
سيدة نساء قريش ،وورقة بن نوفل ،لنها جاءت بصورة ،لم تخطر لهما على
بال ،ول شك أن هذا النجاح ،يؤوب بنسبة كبيرة إلى موضوع التجربة ،وهو
" محمد " فقد كان عبقرًيا ،ل يفري فرية أحد ،ذلك أن سيرته الذاتية ،
وخبراته الشخصية وملكاته العقلية والنفسية واللسانية ،كانت ركائز أساسية في
فلح التجربة " .
ش ل يفري فرية أحد ) :أي ل يكذب كذبة أحد ،بمعنى جاء بكذبة لم يسبقه إليها
أحد من قبله ،حيث كان ُيسمى الصادق المين في مكة ،وبذلك ينفي عنه
الكاتب هاتين الصفتين ،فيكون إيرادهما في عنوان الكتاب ،من قبيل
الستهزاء والستخفاف ،به وبمن صّدقوه على مدى 1400سنة ،وهذا مما
مل قلب مسيلمة الكذاب هذا ،وأمثاله ،غيظا وحسدا على خير الخلق وأكرمهم
،محمد عليه الصلة والسلم (
ضا في نفس الكتاب " ...أما في المساء ،وفي ليل مكة الطويل شتاًء ، ويقول أي ً
فكان مع الطاهرة -أي خديجة -بمفردها أحياناً ،وبحضور القس أحياًنا أخرى
،حيث تتم في تلك القعدات ،مذاكرة الصحاحات مباشرة ) التوراة والنجيل (
،ثم إدارة الحوار بشأنها ،وأما بتلّقيها من الم الرءوم والزوجة الحنون خديجة
،التي ل شك أنها أجادت القراءة والكتابة ،وقد قرأت تلك الصحاحات ،
وخزنّتها في ذاكرتها ،أو أنها طفقت تقرأها له مباشرة .وكل هذا يدور
بالنهار ،في السواق والحوانيت والعياد ،وما يتم سماعه من القس ورقة ،
وخديجة من الصحاحات ،التي عّربها القس في الليالي الطوال ) ،لتخرج في
شكل سور القرآن ( ،وما يعقبها من شروح وإيضاحات ) السنة النبوية ( ،
وحوارات بالجلسات ،التي قد تستمر حتى بزوغ الفجر .نقول أن كل هذا ،
كان يجري تخزينه ،وبرمجته في ذاكرة العبقري ،الذي لم تر جزيرة العرب
صة وقد آمنا أنه ل ،ولم تشهد له ضريًبا ،ولم تعاين له شبيًها أو نًدا ،خا ّ
له مثي ً
536
ي -يتمتع بذاكرة حديدية ،وحافظة ي ُأم ّ
أمي ل يقرأ ول يكتب ،والمي -أ ّ
واعية أشد الوعي ،فما بالك إذا اجتمعت المية والعبقرية الفذة ،في شخص
واحد .
ويقول في موضع آخر " ..ومهما كانت الجهود التي بذلتها الطاهرة ،
وعاضدها فيها ابن عمها القس ،فأنها ل تنفي عن التجربة ،وفى مقدمتها
حادث الغار ،جانبها الغيبي وناحيتها الميتافيزيقية ) المتافيزيقية :لفظ توصف
به الظواهر الخارقة الطبيعية ،التي عادة ما تتأتى ،على أيدي الكهان والسحرة
ضري الرواح ،وذلك لنفي الوحي ( ،إذ ل والمشعوذين والدراويش ومح ّ
ضا ..
تعارض بين المرين ،بل إن كل منهما يكمل الخر ويدعمه .ويقول أي ً
" حتٌم علينا ،أن نقّر ونعترف بمهارة خديجة ،في المزج بين المومة الفياضة
،بالحب والحنان ،وبين العداد الكريم الدقيق ،لتلقى التجربة ) النجاح ( ،
ولول هذا الخلط البارع ،لما ُقّدر للتجربة الفلح والنجاح ،الذي مل الدنيا ،
وشغل الناس منذ أربعة عشر قرًنا ،ومازال يشغلهم حتى الن ،وربما لمد
بعيد ،ما لم تتبدل جذرًيا ،أحوالهم الجتماعية والقتصادية والثقافية ،وما لم
لس التراث المبارك ،عن أماكنهم الميمونة ، يتحّلل حراس الساطير ،وج ّ
) بمعنى ما لم يعمل جهابذة المفّكرين من أمثال الكاتب ،على رفع هالة القداسة
عن محمد ورسالته ،فتعالى ال عما ُيشرك به المجرمون ( " .
ثم يقول خليل عبد الكريم في موضع آخر وأخير " ..كان أسى محمد المرير ،
على فقد خديجة أمًرا بديهًيا ،لنها الم الرءوم والزوجة الحبيبة ،ولولها ما
أكمل التجربة حتى نهايتها ،وهي التي أتاحت له الّتماس ،مع ورقة وعداس
وبحيرا ،وقضاء الليالي الطوال مع ابن نوفل ،في المدارسة والمذاكرة
والمحاورة ،وهي التي كانت تقرأ له الصحف ،التي عّربها القس نوفل ،وهي
التي هيأت له الختلط ،بأصحاب جميع الملل والنحل والعقائد والديان ،
ظت بهم مكة ،ولول التفرغ الدائم ،وهو أحد عطايا أم هند ،لما الذين اكت ّ
انفسحت له الفرصة الثمينة .ول شك أن الخلطة بأصحاب الديانات ،شّكلت
جزًءا من الخطة المرسومة .لما انضوت عليه الخطة ،من تمّرس واستماع ،
وحفظ وحوار ومدارسة وتخزين معلومات .لقد أدركت خديجة ،منذ فجر
التجربة ،أن احترامه التجارة ل يدع له فسحة من الوقت ،في حين أن التجربة
،تحّتم ضرورة التفرغ الكامل ،وطلق كل ما يشغله عنها ،طلًقا بائًنا بينونة
كبرى " .
537
وبعد ..فهذه مجرد وقفة سريعة ،عند كتب خليل عبد الكريم ..وليس منها
كتاًبا أقل خطورة من الخر ..ولكن ربما كان هذا الكتاب الخير هو
أخطرها ..فسوف نلحظ هنا ،أن سيدنا محمد ،صلى ال عليهم وسلم ،ليس
نبًيا يوحى إليه ،بل هو رجل عبقري ،تمت صناعته على يد السيدة خديجة
وجماعتها ،وهم مجموعة من أقباط مكة ،وأنه تم تحفيظه الكتب السماوية ،
التي سبقته كلها ،فكان النتاج هو هذا الرسول .وأغرب من هذا ،أن الكتاب
كله ،ل ترد فيه كلمة " الرسالة " ،للدللة على الدين الحنيف ،بل هو يسميها
" التجربة " ..فلقد نجحت " تجربة " خديجة ومن معها ،بما يعني أنها شيء
ل ،من فوق سبع سماوات .وفي هذا السياق ، أرضي ،وليست شيًئا علوًيا منز ً
فهو يسمي السيدة خديجة باسم " الطاهرة " تيمًنا باسم مريم العذراء ،التي
طّهرها رب العزة والجلل واصطفاها على نساء العالمين ،ودللة السم هو
أن السيدة خديجة كانت نصرانية ،وبعد هذا ،فهو ل يتورع ،عن وصف
الوحي ،الذي نزل على رسول ال ،صلى ال عليه وسلم ،في غار حراء بأنه
حادث غيبي ميتافيزيقي !
بين البداع والحرية
بقلم :الستاذ بدر الشبيب .
البداع أمر ل يختلف على أهميته اثنان ،والحتفاء بالمبدعين ،دأب
المجتمعات الحضارية ،التي تنشد الرقي والتقدم دائما وأبدا .
ولكن كيف يكتسب عمل ما ،صفة البداع ؟ هذا سؤال جوهري ،ينبغي على
المهتمين ،بالشأن الثقافي والفلسفي الجابة عليه ،لنه أصبح أكثر إلحاحا من
ذي قبل ،بخاصة مع ظهور موجة في العالم العربي ،ترى البداع في
الخروج على المألوف ،والحديث في المسكوت عنه ،وذلك في مجالين اثنين
ل ثالث لهما ) الدين والجنس ( .
فباسم البداع وحرية النشر والتعبير ،تقذف لنا دور النشر كتابا هنا ،ورواية
هناك ،يكون هذان المجالن محورهما ،مع كثير من التطاول ،على حرمة
المقدسات والرموز الدينية ،وكثير من السفاف والبتذال ،والخروج على
الداب العامة .
538
وقائمة السماء طويلة ،تبدأ من المشرق ،ول تنتهي في المغرب ،ويأتي على
رأس القائمة ،جمع من الروائيين أمثال حيدر حيدر ) وليمة لعشاب البحر ( ،
محمد شكري ) الخبز الحافي ( ،منى فياض ) فخ الجسد ( ،إلهام منصور
ت ( ... ،الخ .
) أنا هي أن ِ
وأما الُكّتاب فهم كثر أيضا ) نوال السعداوي ،ليلى العثمان ،نصر حامد أبو
زيد ،خليل عبد الكريم ... ،الخ (
ولعل هذا الخير ،أعني خليل عبد الكريم ،هو آخر المتطاولين في كتابه
) فترة التكوين في حياة الصادق المين ( ،حيث يتناول مرحلة ما قبل النبوة
في حياة النبي ) ص ( محاول النيل من قدسية الرسول ) ص ( ،والتشكيك في
كونه مرسل من عند ال .
والملحظ أن هؤلء الكتاب والروائيين يؤسسون لكتاباتهم بمصطلحات تبدو
للوهلة الولى حضارية وتقدمية ،من مثل البداع وحرية النشر والتعبير ،
وإعادة قراءة النصوص التراثية ،بما فيها القرآن ،بالستفادة من المناهج
التاريخية ،والمدارس اللسنية الحديثة .
ولكننا حين نتأمل في مجمل إنتاجاتهم ،نجدها تهدف أول وآخرا ،إلى المس
من المقّدس السلمي ،وجعله غير مقّدس ،وإلى هدم قلع الحياء والعفة ،في
المجتمع المسلم ،وإل فأي معنى لحصر البداع ،في كل ما من شأنه الحط ،
من الذوق الجمالي الرفيع ،بدل من أن يكون البداع أساسا ،لتدريب الذائقة
وتنميتها ؟
وسؤال آخر يطرح نفسه :هل يحق لكل أحد ،أن يكتب في الدين ،ويناقش
مسائله ،ولماذا يصبح النص الديني مباحا لكل أحد ؟ ألسنا نعيش عصر
التخصص ؟
وأخيرا ،لماذا يغضب هؤلء الكتاب ،عند رفع دعوى حسبية ضدهم أمام
القضاء ،إذا كانوا متحضرين فعل ؟ أليس التقاضي أسلوبا حضاريا ؟
ونقطة أخرى هامة ،ينبغي الشارة إليها هنا ،فنحن ل نستطيع أن نعمم على
جميع الكتاب ،تهمة التآمر ضد السلم والمجتمع المسلم ،فهناك طائفة من
الكتاب ،تنشد الحق ،ولكنها تخطئ الوسيلة والمنهج ،و ) ليس من طلب الحق
فأخطأه ،كمن طلب الباطل فأدركه ( .
539
نحن لسنا ضد البداع ،ولسنا ضد الستفادة من المنتجات الثقافية للخرين ،
ول نريد هنا أن نؤسس لفقه المصادرة ،ولكننا نريد أن نؤسس منهجا منطلقا ،
ي البداع والحرية من ثقافتنا السلمية الصيلة ،في تعريف مصطلح ّ
وحدودهما ،في نفس الوقت الذي ندعو فيه ،لعادة صياغة فقه الحسبة ،بلغة
عصرية ،وبثه في أوساط المجتمع .
وهذا التأصيل ضروري ،لكي نتعرف على قيمة المنفعة والمتعة وغيرهما ،
في تحديد إبداعية العمل ،وكذلك للتعرف على الطر ،التي تعمل الحرية في
حدودها ،إذ ل يمكننا العتماد على المنهج الغربي ،الذي يكيل بألف مكيال ،
فيحتفي بسلمان رشدي ،باعتباره مبدعا ،ويضيق صدرا بروجيه جارودي ،
فيسن قانون ) جيسو – فابيو ( ليقدمه للمحاكمة ،لنه كتب ) الساطير
المؤسسة للسياسة السرائيلية ( ،كما لم يتسع صدره لش ) دافيد ايرفنج ( ،
المؤرخ البريطاني ،الذي شكك في أرقام الهولوكوست " .
جولة الصحافة :الجزيرة نت ،ثورة المشايخ
" الكلم الوارد ،في كتاب فترة التكوين في حياة الصادق المين ،ل يحتمل
حكمًا آخر ،غير الكفر " د .يحيى إسماعيل ،الهرام العربي .
ونشرت المجلة ملفًا عن الثورة ،التي أحدثها كتاب "فترة التكوين في حياة
الصادق المين" ،لخليل عبد الكريم ،الكاتب اليساري ،الذي ينسب نفسه إلى
ما يسمى بش " اليسار السلمي " ،أو " السلم المستنير " .
وأصدر مجمع البحوث السلمية من جهته ،تقريرًا عن الكتاب ،أوضح فيه
أن الكتاب ،يعتبر إنكارا لرسالت النبياء .ويعرض الكتاب لحياة الرسول
الكريم بشكل مزر ،حيث صار فاقد الرادة أمام زوجته السيدة خديجة ،ثم
خضع خضوعًا تامًا ،لما أرادته هي وابن عمها ورقة بن نوفل ،من تصييره
نبيًا ،تدين له جزيرة العرب وغيرها .
ل عدوانيًا ،وانتهى التقرير ،إلى التوصية بمصادرة الكتاب ،الذي يمثل عم ً
على عقيدة المة السلمية ،ينكر مبدأ الرسالت السماوية إنكارًا قاطعًا ،
ويزعم أن جميع النبياء ،صناعة أرضية بشرية .من الجدير بالذكر ،أن
التوصية بالمصادرة ،صدرت بإجماع آراء علماء مجمع البحوث .
540
من ناحيته ،أكد د .يحيى إسماعيل المين العام ،لجبهة علماء الزهر ،أن
ل:الكلم الوارد في الكتاب ،ل يحتمل حكمًا آخر غير الكفر .وأضاف قائ ً
لسنا أمام ثقافة أو فكر ،ول يمكن أن تكون الوقاحة إبداعًا .
وليمة جديدة :وفي نفس الطار ،نشرت صحيفة الوفد ،تقريرا تحت عنوان "
وزارة الثقافة تطبع كتابًا يهاجم السلم " ،ويقول التقرير :أن مجمع البحوث
السلمية ،طلب مصادرة كتاب " المرأة والجنوسة في السلم " ،والذي
قامت بتأليفه ،ليلى أحمد باللغة النجليزية ،وطبعته وزارة الثقافة ،على نفقتها
بعد ترجمته .
وكشف التقرير ،أن الكتاب يزعم ،أن القرآن اقتبس مادته التاريخية من
التوارة ،وأن السلم سلب حقوق المرأة .واتهم التقرير المؤلفة بالتشكيك ،في
سماوية القرآن ،وبالتحريف المتعمد لوقائع السيرة النبوية .وطلب التقرير ،
مساءلة المجلس العلى للثقافة ،عن إضاعة أموال الدولة ،في عمل يدعو
لهدم السلم " .
معارك السلميين
* جزء من مقال في صحيفة القدس العربي :
" وإلى جماعة الخوان المسلمين ،في جريدتهم آفاق عربية ،واندهاش
الدكتور عبد العظيم المطعني ،الستاذ بجامعة الزهر ،من الحملة العنيفة ضد
صحيفة النبأ ،بسبب نشرها موضوع الراهب برسوم المحرقي ،وغلقها
وإسقاط عضوية ،صاحبها ممدوح مهران من نقابة الصحافيين ،وتقديمه
للمحاكمة ،والحملة التي تعرضت لها الدكتورة نوال السعداوي ،بينما لم
يحدث تحرك ضد خليل عبد الكريم ،بسبب كتابه فترة التكوين في حياة
الصادق المين .
المهم أن الدكتور المطعني ،قال :د .نوال ،اخترقت جانبًا من حصن العقيدة
والتشريع ،وجريدة النبأ ،اخترقت جانبًا من الطار الخلقي ،بما يعد
تحريضا علي الفسق والفجور ،وخدشًا للحياء وإساءة إلى مشاعر الشعب
المصري كله ،مسلمين وأقباطا ،أما خليل عبد الكريم عبد الناصر
) الكاتب ( ،ومحمد هاشم ) الناشر ( ،فإن جريمتهما أفظع جريمة يشهدها
المجتمع المصري ،جريمة تدعو إلى تقويض وهدم حقائق اليمان ،ومحوها
من الوجود ،حيث تصور كل أنبياء ال ورسله ،على مدى التاريخ النبوي
541
كله ،بأنهم صناعة أرضية بشرية مفبركة !! وليست لهم صلة بوحي ال ،بل
صنفرون والمقلوظون في ورش بشرية ،تخصصت في إنتاج النبياء هم الُم َ
والرسل المخدوعين !!
هذه الجريمة الفظيعة ،لم تتجاوز مواجهتها ش حتى الن ش سوى الرفض
العلمي القولي ،ولم يتخذ ضد أطرافها أي موقف رسمي حاسم ،لوقف هذه
المهاترات المشبوهة ،التي تمس نظام المجتمع من الجذور ،والواجب أن
ُيحاسب قانونًا ،كل من المؤلف والناشر ،وأن تحذو نقابة المحامين ،حذو
نقابة الصحافيين ،بشطب اسم خليل عبد الكريم من جدول المحامين ،وأن
يتخذ اتحاد الناشرين قرارا ،برفع دعوى لسحب ترخيص ،مكتبة ميريت
للنشر والمعلومات ،من مزاولة مهنة النشر .أجل ،إن خليل أولى بالمحاكمة ،
من نوال وإن ميريت أولى بالغلق من النبأ ،وإل فان نجاة خليل ومحمد
هاشم من المساءلة الرادعة ،سوف يفسح المجال للعشرات من أمثال خليل ،
في مجال التأليف المخّرب ،وللعشرات من أمثال محمد هاشم ،من الناشرين
المخربين .وحسبنا ال ونعم الوكيل " .
شَيًة (
خ ْ
شّد َ
ل َأْو َأ َ
شَيِة ا ِّ
خ ْ
س َك َ
ن الّنا َ
شْو َ
خ َ
) َي ْ
في نيجيريا تخرج المليين من الناس ،لتجتمع في صعيد واحد مطالبة بتطبيق
الشريعة ،فتبدأ ولية تلو أخرى بتطبيقها ،بالرغم من معارضة الغرب
النصراني ،أما في مصر أم الدنيا ،بلد الزهر ،كما ُيسّميها الشقاء
المصريون ،وفي أرض الكنانة كما ُيسميها الشقاء العرب ،فالشريعة
السلمية لديهم انتهت مدة صلحيتها ،لذلك يتوجب علينا أن ُنلقيها في سلة
المهملت ،ليكون مصيرها الحرق في مقالب قمامة القاهرة .
هي نفسها ،حرب فرعون وملئه ،على موسى ومن معه من المؤمنين ،تتجّدد
على نفس الرض ،وعلى نفس الشاكلة ،ول وازع ول رادع ،بالرغم من
سكنهم ،في مساكن الذين ظلموا أنفسهم ،فأخذهم وأبقى أثرهم ،لتذكير من
يأتي بعدهم ،ببطشه وجبروته .
في مصر ُتصدر المحكمة الدارية في القاهرة ،في مطلع شهر 7/2001م ،
قرارا بإغلق صحيفتي ) النبأ ( و ) آخر نبأ ( ،لنها أساءت لمشاعر
القباط ،بنشر صور فاضحة ،انحرافات جنسية لراهب مطرود من الدير ،
542
مما أثار تظاهرات غاضبة للقباط في حزيران الماضي .وهذا القرار عادل
بل أدنى شك ،فديننا ل يقبل هذا الفعل .
ولكن ماذا عن إساءة مشاعر المسلمين ،وماذا عن الساءة لكتاب ال ،وماذا
عن الساءة لرسول ال ،وماذا عن الجتراء على ال ،لقد ُرفعت قضايا ضد
من قاموا بذلك ،ولكن هل اتخذت تلك المحكمة قرارا مشابها ...؟! نعم ..لقد
أخذت الحكومة المصرية قرارا ،ولكن بإغلق الصحف التي دافعت عن
مقدسات المة ،بدعوى الرهاب الفكري للمبدعين ،الذين انهالوا على السلم
ليحطموا أوثانه وأصنامه ،التي ألفوا آباءهم وأجدادهم عليها عاكفين ،منذ
أربعة عشر قرنا من الزمان … !!
ما يلفت النتباه إلى أن أقباط مصر ،غضبوا لدينهم بشكل جماعي ،وهم أقلية
في مصر ،ومن حق النسان ،بل واجب عليه أن يغضب ،ول يكون الغضب
محمودا إل في هذا الموقف ،ولكن هل غضب المسلمون في مصر ،عندما
انتهكت ،وما زالت ،مقّدساتهم الدينية جمل وتفصيل .
يقول د .محمد عباس " :كانت المة تغلي بالغضب ،وكان قلبها متمثل ،في
طلبة جامعة الزهر ،حيث تظاهر 25ألف طالب ،وكانت الدولة مترددة ،
حتى حسمت أمرها بإطلق الرصاص ،على قلب المة ،على طلبة جامعة
الزهر " .ويقول " :كان موقف شيوخ الزهر وطلبته رائعا ،فقد أصدر 70
عالما أزهريا بيانا " .
رائعا ،لكونهم أصدروا بيانا ،ولكن ما شاهدناه على شاشة التلفزيون هو
مظاهرة ،تضم بضعة عشرات من فتيات الزهر ،وأدتها الشرطة المصرية ،
من قبل أن تبدأ ،حسبما جاء في النشرات الخبارية ،وما نود أن ُنشير إليه هنا
،أن المة المصرية ،لم ُتحرك ساكنا ،فهي منشغلة بدنياها ،من رأسها حتى
أخمص قدمها ،لتستمر المعركة على صفحات الصحف من قبل القلة ،من
أبناء الذين انتصروا لدينهم ،وخذلتهم أمتهم وخذلت دينها ،قبل أن تخذلهم
حكومتهم ،وما نسبة 25ألف طالب ،مما يزيد عن 50مليون مسلم في مصر
… ؟!
وهذا الوضع المؤسف والمأسوي في مصر ،الذي حاول د .محمد عباس
تجميله ،والذي يبعث السى والحزن في قلب كل مسلم ،هو ما تستشعره في
ثنايا مقالت وبيانات ،د .محمد عباس نفسه ،وهو ينادي في أمته ،فل سامع
543
ول مجيب ،مما اضطره للستنجاد بالزهر وطلبته والمفتي والقرضاوي ،
ي كماشة إعلم الكفر والضللة ، بعد أن وجد نفسه وحيدا محاصرا ،بين فك ّ
وجبروت فرعون وسطوته ،فاستجابوا له بعد حين .
فلماذا انتصرت الحكومة ،لنصارى مصر وحاربت مسلميها ؟! أليس لنهم
يخشون الناس ،من نصارى الغرب ،كخشية ال أو أشد خشية ،نعم ..هذا هو
سرون القدماء ،أن المقصود في اليات الشرك بعينه ،لذلك اعتقد بعض المف ّ
هم مشركي قريش ،ظنا منهم أن الشرك ،وّلى من غير رجعة .
نعم ..إنهم يشّكون بربوبية ال وألوهيته ،ول يدينون له بالعبادة ،ويشّكون في
قدرته على نصر أوليائه ،والنتقام من خصومه ،وُيضاف إلى شركهم صفة
أخرى ،هي النفاق ،وهو ما لم ينتبه إليه ،من ذهبوا إلى ذلك القول من
سرين ،فمشركو قريش أخذتهم العزة بالثم ،فل حاجة بهم لُينافقوا رسول الُمف ّ
ال وصحبه ،ولم ُيعطوا الدنية في معتقدهم بالرغم من بطلنه ،حتى ُفتحت
مكة ودخلوا في السلم ،وما ظهر النفاق إل في المدينة .
وفي خضم هذه الموجة ،ومع ضعف نور السلم ،وأفول شمسه ،سيتحول
النفاق قريبا ،إلى كفر بواح ،فلن يكون هناك داعيا للخجل .حينها ستكون
بطشة ربك الكبرى ،على البواب ،ويكون أهل مصر قد أعذروا ال في
أنفسهم ،بما كسبت أيديهم ،وبما سكتوا عن الحق ،فالساكت عن الحق شيطان
ث ِفي ُأّمَها
حّتى َيْبَع َ
ك اْلُقَرى َ ك ُمْهِل َ
ن َرّب َ
أخرس ،لنعود إلى قوله تعالى ) َوَما َكا َ
ن )59 ظاِلُمو َ
عَلْيِهْم َءاَياِتَنا َوَما ُكّنا ُمْهِلِكي اْلُقَرى ِإّل َوَأْهُلَها َ
سولً َيْتُلو َ َر ُ
القصص ( ،ورحمة من ربك ،بعث رسله الكرام ،مبشرين بعظم ثواب الدنيا
والخرة ،ومنذرين من بأسه الشديد في الدنيا والخرة ،ورحمة بأهل مصر ،
ها قد أنذرهم بالدخان ،حتى يوقظهم من غفلتهم لعلهم يرجعون ،مصداقا لقوله
ن ) 131النعام ( ، غاِفُلو َظْلٍم َ ،وَأْهُلَها َك اْلُقَرى ِب ُ
ك ُ ،مْهِل َ ن َرّب َ
ن َلْم َيُك ْ
ك َأ ْ
) َذِل َ
ن ) 117هود ( . حو َصِل ُ
ظْلٍم َ ،وَأْهُلَها ُم ْ ك اْلُقَرى ِب ُ
ك ِلُيْهِل َ
ن َرّب َ
وقوله ) َوَما َكا َ
544
خْيٍر َلُكْم ، ن َ ن ُ ،قْل ُأُذ ُ ن ُهَو ُأُذ ٌ ي َ ،وَيُقوُلو َ ن الّنِب ّ ن ُيْؤُذو َ قال تعالى ) َوِمْنُهُم اّلِذي َ
ن
ن ُيْؤُذو َ ن َءاَمُنوا ِمْنُكْم َ ،واّلِذي َ حَمٌة ِلّلِذي َ ن َ ،وَر ْ ن ِلْلُمْؤِمِني َ ل َوُيْؤِم ُ ن ِبا ِّ ُيْؤِم ُ
سوُلُه ل َوَر ُ ضوُكْم َ ،وا ُّ ل لَُكْم ِلُيْر ُ ن ِبا ِّ حِلُفو َ ب َأِليٌم )َ (61ي ْ عَذا ٌ ل َلُهْم َ سوَل ا ِّ َر ُ
حاِدِد ا َّ
ل ن ُي َن )َ (62أَلْم َيْعَلُموا َأّنُه َم ْ ن َكاُنوا ُمْؤِمِني َ ضوُه ِ ،إ ْ ن ُيْر ُ حقّ َأ ْ َأ َ
حَذُر ظيُم ) (63يَ ْ ي اْلَع ِخْز ُ ك اْل ِخاِلًدا ِفيَها َ ،ذِل َ جَهّنَم َ ن َلُه َناَر َ سوَلُه َ ،فَأ ّ َوَر ُ
سَتْهِزُئوا ِ ،إ ّ
ن سوَرٌة ُتَنّبُئُهْم ِبَما ِفي ُقُلوِبِهْم ُ ،قِل ا ْ عَلْيِهْم ُ ن ُتَنّزَل َ ن َ ،أ ْ اْلُمَناِفُقو َ
ب، خوضُ َوَنْلَع ُ ن ِإّنَما ُكّنا َن ُ سَأْلَتُهْم َ ،لَيُقوُل ّ ن َ ن )َ (64وَلِئ ْ حَذُرو َ ج َما َت ْ خِر ٌ ل ُم ْ ا َّ
ن )َ (65ل َتْعَتِذُروا َقْد َكَفْرُتْم َبْعَد سَتْهِزُئو َ سوِلِه ُكْنُتْم َت ْ ل َوَءاَياِتِه َوَر ُ ُقْل َأِبا ِّ
ن )(66 جرِِمي َ طاِئَفًة ِ ،بَأّنُهْم َكاُنوا ُم ْ ب َ طاِئَفٍة ِمْنُكْم ُ ،نَعّذ ْ ن َ عْ ف َ ن َنْع ُ ِإيَمانُِكْم ِ ،إ ْ
عِ
ن ن َ ن ِباْلُمْنَكِر َوَيْنَهْو َ ض َ ،يْأُمُرو َ ن َبْع ٍ ضُهْم ِم ْ ت َبْع ُ ن َواْلُمَناِفَقا ُ اْلُمَناِفُقو َ
سُقو َ
ن ن ُهُم اْلَفا ِ ن اْلُمَناِفِقي َ سَيُهْم ِ ،إ ّ ل َفَن ِ سوا ا َّ ن َأْيِدَيُهْم َ ،ن ُ ضو َ ف َ ،وَيْقِب ُ اْلَمْعُرو ِ
ن ِفيَها ِ ،ه َ
ي خاِلِدي َجَهّنَم َ ت َواْلُكّفاَر َ ،ناَر َ ن َواْلُمَناِفَقا ِ ل اْلُمَناِفِقي َ عَد ا ُّ )َ (67و َ
شّد ِمْنُكْم ن َقْبِلُكْم َ ،كاُنوا َأ َ ن ِم ْ ب ُمِقيٌم )َ (68كاّلِذي َ عَذا ٌ ل َوَلُهْم َ سبُُهْم َوَلَعَنُهُم ا ُّ ح ْ َ
لِقُكْم َكَما خَ سَتْمَتْعُتْم ِب َ
لِقِهْم َ ،فا ْ خَ سَتْمَتُعوا ِب َ ُقّوًة َوَأْكَثَر َأْمَوالً َوَأْولًَدا َ ،فا ْ
ك حَِبطَ ْ
ت ضوا ُ ،أوَلِئ َ خا ُ ضُتْم َكاّلِذي َ خ ْ لِقِهْم َ ،و ُ خَ ن َقْبِلُكْم ِب َ ن ِم ْ سَتمَْتَع اّلِذي َ ا ْ
ن
ن )َ (69أَلْم َيْأِتِهْم َنَبُأ اّلِذي َ سُرو َ خا ِ ك ُهُم اْل َ خَرِة َ ،وُأوَلِئ َ لِ عَماُلُهْم ِفي الّدْنَيا َوا ْ َأ ْ
ت، ن َواْلُمْؤَتِفَكا ِ ب َمْدَي َ حا ِ صَعاٍد َوَثُموَد َوَقْوِم ِإْبَراِهيَم َوَأ ْ ح َو َ ن َقْبِلِهْم َ ،قْوِم ُنو ٍ ِم ْ
ن) ظِلُمو َ سُهْم َي ْ ن َكاُنوا َأْنُف َ ظِلَمُهْم َ ،وَلِك ْ ل ِلَي ْن ا ُّ ت َ ،فَما َكا َ سُلُهْم ِباْلَبّيَنا ِ َأَتْتُهْم ُر ُ
ن ِباْلَمْعُرو ِ
ف ض َ ،يْأُمُرو َ ضُهْم َأْوِلَياُء َبْع ٍ ت َبْع ُ ن َواْلُمْؤِمَنا ُ َ (70واْلُمْؤِمُنو َ
ن ا َّ
ل طيُعو َ ن الّزَكاَة َوُي ِ لَة َوُيْؤُتو َ صَ ن ال ّ ن اْلُمْنَكِر َ ،وُيِقيُمو َ عِ ن َ َوَيْنَهْو َ
عَد الُّ اْلُمْؤِمِني َ
ن حِكيٌم )َ (71و َ عِزيٌز َ ل َ ن ا َّ ل ِ ،إ ّ حُمُهُم ا ُّ سَيْر َ ك َ سوَلُه ُ ،أوَلِئ َ َوَر ُ
ن طَّيَبًة ِفي ساِك َ ن ِفيَها َ ،وَم َ خاِلِدي َ حِتَها اَْلْنَهاُر َ ن َت ْ جِري ِم ْ ت َت ْ جّنا ٍ تَ ، َواْلُمْؤِمَنا ِ
ظيُم ) (72يََأّيَها ك ُهَو اْلَفْوُز اْلَع ِ ل َأْكَبُر َ ،ذِل َ ن ا ِّ ن ِم َ ضَوا ٌ ن َ ،وِر ْ عْد ٍ ت َ جّنا ِ َ
صيُر س اْلَم ِ جَهّنُم َوِبْئ َ عَلْيِهْم َ ،وَمْأَواُهْم َ ظ َ غُل ْن َوا ْ جاِهِد اْلُكّفاَر َواْلُمَناِفِقي َ يَ ، الّنِب ّ
لِمِهْم ، سَ ل َما َقاُلوا َ ،وَلَقْد َقاُلوا َكِلَمَة اْلُكْفِر َ ،وَكَفُروا َبْعَد ِإ ْ ن ِبا ِّ حِلُفو َ )َ (73ي ْ
ن
ضِلِه َ ،فِإ ْ ن َف ْ سوُلُه ِم ْ ل َوَر ُ غَناُهُم ا ُّ ن َأ ْ َوَهّموا ِبَما َلْم َيَناُلوا َ ،وَما َنَقُموا ِإلّ َأ ْ
خَرِة ، لِ عَذاًبا َأِليًما ِفي الّدْنَيا َوا ْ ل َ ن َيَتَوّلْوا ُيَعّذْبُهُم ا ُّ خْيًرا َلُهْم َ ،وِإ ْ ك َ َيُتوُبوا َي ُ
ن َءاَتاَنا ل َ ،لِئ ْ عاَهَد ا َّ ن َ صيٍر )َ (74وِمْنُهْم َم ْ ي َوَل َن ِ ن َوِل ّ ض ِم ْ َوَما َلُهْم ِفي الَْْر ِ
ضِلِه ، ن َف ْ ن )َ (75فَلّما َءاَتاُهْم ِم ْ حي َصاِل ِ ن ال ّ ن ِم َ ن َوَلَنُكوَن ّ صّدَق ّ ضِلِه َ ،لَن ّ ن َف ْ ِم ْ
عَقَبُهْم ِنَفاًقا ِفي ُقُلوِبِهْم ِإَلى َيْوِم ن )َ (76فَأ ْ ضو َ خُلوا ِبِه َوَتَوّلْوا َوُهْم ُمْعِر ُ َب ِ
545
ن
ن )َ (77أَلْم َيْعَلُموا َأ ّ عُدوُه َ ،وِبَما َكاُنوا َيْكِذُبو َ ل َما َو َ خَلُفوا ا َّ َيْلَقْونَُه ِ ،بَما َأ ْ
ب ) 78التوبة ( . لُم اْلُغُيو ِ
عّ ل َن ا َّجَواُهْم َ ،وَأ ّ سّرُهْم َوَن ْ ل َيْعَلُم ِا َّ
قال تعالى
عّد َلُهْم
خَرِة َ ،وَأ َلِ ل ِفي الّدْنَيا َوا ْسوَلُه َ ،لَعَنُهُم ا ُّ ل َوَر ُ ن ا َّ
ن ُيْؤُذو َ ن اّلِذي َ) ِإ ّ
عَذاًبا ُمِهيًنا ) 57الحزاب ( َ
وقال
عَرِبّيا ،
ساًنا َ ق ِل َ
صّد ٌ
ب ُم َ حَمًة َ ،وَهَذا ِكَتا ٌ سى ِإَماًما َوَر ْ ب ُمو َ ن َقْبِلِه ِكَتا ُ
) َومِ ْ
ن ) 12الحقاف ( سِني َح ِشَرى ِلْلُم ْ ظَلُموا َ ،وُب ْ ن َ ِلُيْنِذَر اّلِذي َ
546
يوم نبطش البطشة الكبرى
وهكذا نكون قد عايشنا أجواء المشهد الثالث ،قبل الخير ،من فصول سورة
الدخان ،وبقي المشهد الرابع والخير ،المشهد الكثر رعبا ،إنها البطشة
الكبرى ،التي سينتقم فيها رب العزة ممن آذوا رسوله ،وهو وعد خاص
صُرلمحمد عليه الصلة والسلم ،ول يخلف ال وعده ،قال تعالى ) ِإّنا َلَنْن ُ
شَهاُد ) ، (51وقال ) حَياِة الّدْنَيا َ ،وَيوَْم َيُقوُم اَْل ْ ن َءاَمُنوا ِ ،في اْل َ سَلَنا َ ،واّلِذي َ ُر ُ
عِزيٌز ُذو اْنِتَقاٍم ) 47إبراهيم ( . ل َ ن ا َّ سَلُه ِ ،إ ّعِدِه ُر ُف َو ْ خِل َ ل ُم ْ ن ا َّسَب ّح َل تَ ْ َف َ
أما المؤمنون من أهل مصر ،فربهم أعلم بهم ،وهو كفيل بأن يقيهم العذاب ،
ل ِ ،إَلى سً ك ُر ُن َقْبِل َسْلَنا ِم ْحيث وعدهم بالنصر كما وعد رسله َ ) ،وَلَقْد َأْر َ
صُرعَلْيَنا َن ْ حّقا َ ن َجَرُموا َ ،وَكا َ ن َأ ْ ن اّلِذي َ
ت َ ،فاْنَتَقْمَنا ِم َجاُءوُهْم ِباْلَبّيَنا ِ َقْوِمِهْم َف َ
ن ) 47الروم ( ،ووعدهم بالنجاة كما وعد رسله ،قال تعالى ) َفَهْل اْلُمْؤِمِني َ
ظُروا ِ ،إّني َمَعُكْم ِم َ
ن ن َقْبِلِهْم ُ ،قْل َفاْنَت ِ خَلْوا ِم ْن َ ن ِ ،إّل ِمْثَل َأّياِم اّلِذي َ ظُرو َ َيْنَت ِ
عَلْيَنا ُنْن ِ
ج حّقا َك َ ن َءاَمُنوا َ ،كَذِل َ سَلَنا َ ،واّلِذي َجي ُر ُ ن )ُ (102ثّم ُنَن ّ ظِري َ اْلُمْنتَ ِ
ن ) 103يونس ( . اْلُمْؤِمِني َ
وبعد جدال طويل ،لمؤمن آل فرعون ،مع أئمة الكفر من قومه ،في حوار
سَتْذُكُرونَ يمتد من الية 28في سورة غافر وحتى الية ، 44يقول لقومه َ ) :ف َ
صيٌر ِباْلِعَباِد )َ (44فَوَقاُه ا ُّ
ل ل َب ِ ن ا َّل ِ ،إ ّ ض َأْمِري ِإَلى ا ِّ َما َأُقوُل َلُكْم َ ،وُأَفّو ُ
ضو َ
ن ب ) (45الّناُر ُيْعَر ُ سوُء اْلَعَذا ِ ن ُ عْو َق ِبآِل ِفْر َ حا َ ت َما َمَكُروا َ ،و َ سّيَئا ِ َ
ب) شدّ اْلَعَذا ِ ن َأ َ
عْو َ عُة َ ،أْدخُِلوا َءاَل ِفْر َ سا َ شّيا َ ،وَيْوَم َتُقوُم ال ّ ع ِ غُدّوا َو َ عَلْيَها ُ َ
، (46وكذلك سيفعل الذين من بعدهم ،عندما يسمعون بأمر هذا الكتاب ،
فسُيمارون وُيكثرون من الجدل الجدال ،لُيثبتوا أن هذه السورة ،لم تكن بأي
حال من الحوال بشأن مصر ،وما يجري في مصر ،وما ذلك بمنجيهم من
العذاب ،فالولى بهم أن ُيصلحوا ما فسد من أمرهم ،ويعودوا إلى ربهم .
ماهية هذه البطشة :
المكان هو القاهرة ،بشكل خاص حيث ظهر الدخان ،ومن المرجح أل يمتد
إلى غيرها من المدن المصرية الكبرى ،وربما يمتد ،وال أعلم .
547
النتيجة هي دمار القاهرة وخرابها ،وهلك أهلها ،دمارا وهلكا عاما ،غاية
في البشاعة ،وهذا مستفاد من قوله تعالى ) بطشتنا ( عند حديثه عن عذاب قوم
لوط ،التي أوضحنا صفتها ،في فصل سابق ،فتلك بطشة ،وهذه بطشة كبرى
.
ي خاص وظاهر ، ومن المرجح ،وال أعلم ،أل تكون هذه البطشة ،بفعل إله ّ
كعذابات القوام السابقة ،مع بقاء الحتمالية قائمة ،كالخسف والزلزل .ومن
المحتمل أن تكون ضربة أو ضربات نووية ،تترافق وتتزامن مع أحداث
الحرب القادمة ،في ظرف ثلثة سنوات على الكثر ،وال أعلم .
ومما يدعم احتمال ضرب القاهرة نوويا ،هو ما جاء في أسفار التوراة ،من
أخبار بخراب مصر وحريقها بالنار ،وهلك أهلها ،وجفاف النيل وروافده ،
فربما تصدق إن كانت هي المقصودة فعل ،في النصوص التالية :
ش نص من سفر إشعياء ،وهو السفر القل تشويها وتحريفا ،وهو السفر الذي
مازال يحتفظ بنصوص البشرى ،بمحمد عليه الصلة والسلم ،وإليك نصه :
" إشعياء :16-1 :19 :نبوءة بشأن مصر ،ها هو الرب قادم إلى يركب
سحابة سريعة ،فترتجف أوثان مصر في حضرته ،وتذوب قلوب المصريين
في داخلهم ،وُأثير مصريين على مصريين فيتحاربون ،ويقوم الواحد على
أخيه ،والمدينة على المدينة ،والمملكة على المملكة ،فتذوب أرواح
المصريين في داخلهم ،وُأبطل مشورتهم ،فيسألون الوثان والسحرة
ى قاس ،فيسود ملك وأصحاب التوابع والعّرافين ،وُأسّلط على المصريين مول ً
عنيف عليهم ،هذا ما يقوله الرب القدير .
وتنضب مياه النيل ،وتجف الحواض وتيبس ُ ،تنتن القنوات ،وتتناقص
تفّرعات النيل وتجف ،ويتلف القصب والسل ،وتذبل النباتات على ضفاف
نهر النيل ،والحقول والمزروعات كلها تجف ،وكأنها لم تكن مخضّرة .فيئن
سر الذين يلقون الصيادون وطارحو الشصوص في النيل وينوحون ،ويتح ّ
شط ،ويفقد شباكهم في المياه ،ويتوّلى اليأس قلوب الذين يصنعون الكتان المم ّ
حائكو الكتان الفاخر كل أمل ،وُيسحق الرجال ،أعمدة الرض ،ويكتئب كل
عامل أجير .
رؤساء صوعن حمقى ،ومشورات أحكم حكماء فرعون غبية ,كيف تقولون
لفرعون ،نحن من نسل حكماء ،وأبناء ملوك قدامى ؟! أين حكماؤك يا
548
حمقفرعون ،ليطلعوك على ما قضى به الرب القدير على مصر ؟! قد َ
رؤساء صوعن ،وانخدع أمراء نوف ،وأضلّ مصر شرفاء قبائلها .جعل
الرب فيها روح فوضى ،فأضّلوا مصر في كل تصّرفاتها ،حتى ترّنحت
كترّنح السكران في قيئه ،فلم يبق لُعظمائها أو أدنيائها ما يفعلونه فيها .في ذلك
اليوم ،يرتعد المصريون كالنساء ،خوفا من يد الرب القدير التي يهّزها فوقهم
".
ش ومقتطفات من نص آخر لرميا ُ ،ينّبئ بخراب مصر :
" ارميا : -13 :46 :النبوءة التي أوحى بها الرب إلى ارميا النبي ،عن زحف
نبوخذ نصر لمهاجمة مصر :أذيعوا في مصر ،وأعلنوا في مجدل ،خّبروا في
ممفيس ،وفي تحفنحيس ،قولوا :قف متأهبا لن السيف يلتهم ِمن حولك … .
فتقول بقية اليهود آنذاك " :قوموا لنرجع إلى قومنا ،وإلى أرض موطننا ،
هربا من السيف الطاغي " .ويهتفون هناك " :إن فرعون ملك مصر ،ليس
سوى طبل أجوف ،أضاع فرصته " … .تأهبوا للجلء يأهل مصر ،لن
ممفيس ستصبح أطلل ،وخربا مهجورا .مصر عجلة فاتنة هاجمها الهلك
من الشمال ،حتى مرتزقتها في وسطها كعجول مسّمنة ،قد نكصوا على
أعقابهم هاربين معا ،ولم يصمدوا لن يوم بلئهم ،قد حل بهم في وقت عقابهم
…".
ش ومقتطفات من نص آخر لحزقيال ُ ،ينّبئ بخراب مصر :
ي الرب بكلمته قائل :يا ابن آدم ،تنّبأ ،وقل
" حزقيال :13-1 :30 :وأوحى إل ّ
ب بات وشيكا ، … ،إّنه يوم ُمكفهّر بالغيوم ،ساعة دينونة ن يوم الر ّ
،…:إّ
) نهاية ( للمم ،إذ ُيجّرد سيف على مصر ،فيُعّم الذعر الشديد إثيوبيا ،عندما
يتهاوى قتلى مصر ،ويستولي على ثروتها ،وُتنقض ُأسسها .ثم تسقط معهم
بالسيف ،إثيوبيا وفوط ولود ،وشبه الجزيرة العربية وليبيا ،وشعوب الرض
سّكانها من مجدل إلى أسوان ...فُتصبح أكثر الُمتحالفة معهم … فيتهاوى ُ
الراضي الُمقفرة وحشة ،وُتضحي ُمدنها أكثر الُمدن خرابا … في يوم هلك
مصر ،الذي ل بد أن يتحّقق .
صر ملك بابل ،إذ ُيقبل بجيشه ،أعتى لني سأفني جماهير مصر بيد نبوخذ ن ّ
جيوش المم لخراب ديار مصر ،فُيجّردون عليها سيوفهم ،ويملئون أرضها
بالقتلى ،وُأجّفف مجاري نهر النيل ،وأبيع الرض لقوم أشرار ،وُأخّرب
549
طم الصنام ،وُأزيل الوثانب قد قضيت .ثمّ ُأح ّ
البلد فيها بيد الغرباء ،أنا الر ّ
من ممفيس ،ول يبقى بعد ،رئيس في ديار مصر ،وُألقي فيها الرعب " .
شَتَنا َفَتَماَرْوا ِبالّنُذِر (
ط َ
) َوَلَقْد َأْنَذَرُهْم َب ْ
عَلْيِهمْ
سْلَنا َ
ط ِبالّنُذِر )ِ (33إّنا َأْر َ ت َقْوُم ُلو ٍ قال تعالى في سورة القمر ) َكّذَب ْ
شَكَر
ن َ جِزي َم ْ ك َن ْ عْنِدَنا َكَذِل َ
ن ِ حٍر )ِ (34نْعَمةً ِم ْ سَ جْيَناُهْم ِب َ
ط َن ّ
صًبا ِإلّ َءاَل ُلو ٍ حا ِ َ
ن ضَْيِفِهعْ شَتَنا َفَتَماَرْوا ِبالّنُذِر )َ (36وَلَقْد َراَوُدوُه َ ط َ)َ (35وَلَقْد َأْنَذَرُهْم َب ْ
سَتِقّر )عَذابٌ ُم ْ حُهْم ُبْكَرًة َ صّب َ
عَذاِبي َوُنُذِر )َ (37وَلَقْد َ عُيَنُهْم َفُذوُقوا َ سَنا َأ ْطَم َْف َ
ن ُمّدِكٍر )40 ن ِللّذْكِر َفَهْل ِم ْ سْرَنا اْلُقْرَءا َ
عَذاِبي َوُنُذِر )َ (39وَلَقْد َي ّ َ (38فُذوُقوا َ
القمر ( .
فتماروا بالُنذر :جماع معنى كلمة مراء ،هو الكثار في الجدال بل طائل ،
بغية إلباس الحق بالباطل ،والصورة التي تشّكلت لدينا ،مما جاء من معاني
في لسان العرب ،هو أن قوم لوط ،عندما أنذرهم وحّذرهم عليه السلم من
العذاب ،استهزءوا به وبتحذيره ،بل وطفقوا في مجالسهم ،يتبارون فيما بينهم
أيهم أقوى حجة ،بكل ما ُأتوا من ملكات وبيان ،لستخراج واستنباط
البراهين ،لتفنيد ما يّدعيه لوط ،من قدرة ربه على إهلكهم ،دون أن يألوا
جهدا في التشكيك بذلك ،مظهرين أكبر قدر من الصلبة والثبات ،في مواقفهم
المخالف للوط ،وأكبر قدر من الخصومة ،كل من بما يدعيه من الحق ،فيما
يقول .وهذا ما يقوم به عادة ،المدافعين عن الباطل ،لضلل الناس ،وهذه
الصورة كثيرا ،ما نراها هذه اليام ،في حوارات أهل الباطل ومناقشاتهم ،
حتى من بعض رجال الدين ،عندما يجتمعون فيما بينهم ،على منابر العلم
ن
شِري َ ن ِإّل ُمَب ّسِلي َسُل اْلُمْر َ المرئية والمسموعة والمكتوبة .قال تعالى ) َوَما ُنْر ِ
خُذوا َءاَياِتي َوَما ق َواّت َ حّ ضوا ِبِه اْل َ ح ُطِل ِلُيْد ِ
ن َكَفُروا ِباْلَبا ِ جاِدُل اّلِذي َ
ن َوُي َ َوُمْنِذِري َ
ُأْنِذُروا ُهُزًوا ) 56الكهف (
والسؤال الن :هل سيتمارى أهل مصر بهذا الكتاب ،فيما لو وقع تحت أيديهم
،كما تمارى الذين من قبلهم ؟ نقول :نعم بل أدنى ! ألم يقل سبحانه ) أّنى لهم
الذكرى ( ،وقد كّذبوا برسالة محمد عليه الصلة والسلم ،فالحرى بهم أن
ُيكذبوا من هو دونه من البشر ،أيا كانت درجتهم أو صفتهم ،وألم يقل سبحانه
) يوم نبطش … ( وعقب على هذا اليوم ،بقوله ) ،فارتقب إنهم مرتقبون ( ،
فالمسألة باتت مسألة وقت ،ل أكثر … فلنرتقب … ونرى … !
550
ولكن هل يفيد هذا النذار ،السابق للعذاب ؟ نقول :نعم ،لو لم يكن فيه فائدة ،
لما أنزله ال في كتابه :
أول :إذ لو عاد أهل مصر عامة ،عّما هم عليه ،لُرفع عنهم العذاب ،كما
ُرفع عن قوم يونس عليه الصلة والسلم ،وأما التأكيد على أنهم سينزل بهم ،
كان لسبق علم ال ،بما سيكون من إصرارهم على ما هم عليه ،بعد كشف
الدخان .
ثانيا :وربما سيكون هناك عودة ،لبعض أهل مصر على المستوى الفردي ،
فيما لو انتبه أحدهم ،لهذا المر ،من خلل قراءته لسورة الدخان ،أو تم
تنبيهه لهذا النذير اللهي .وكون الناس منشغلون بدنياهم عن قراءة القرآن ،
فذلك حجة إضافية عليهم ،يوم القيامة فيما لو تذّرعوا بأن لم يأتهم نذير ،في
أنهم كانوا حقا معرضين عن كتابه ،كما أخبر سبحانه بحالهم ،من سابق علمه
،في كتابه العزيز ،ليكون النذير في متناول أيديهم وهم ل يشعرون .وربما
يكون أحدهم قد انتبه .ولما لم ُيكّلف نفسه بالبحث ،إذ ل يرى نفسه ملزما ،
بفهم كتاب ال ،فتساءل … ؟! فضّلله عاّمي أو عالم أو فقيه ،بغير علم … !
ثالثا :ليكون في كل هذا عبرة ،لمن يعتبر من المصريين ،وغيرهم من
ن ) 56الزخرف ( خِري َ
لِل ِل ْ
سَلًفا َوَمَث ً
جَعْلَناُهْم َ
المم .قال تعالى ) َف َ
مسألة إهلك العامة والخاصة :
قد يستنكر البعض إهلك ال للعامة ،كونهم مسلمين … ! نقول أن ربهم أعلم
بهم ،وهو القدر على كيفية التعامل معهم ،وحكمه في خلقه عدل ،وقضاؤه
ق.فيهم ح ّ
ش ومما قاله رب العزة في سنن إهلك القرى ،موضحا أسباب استحقاق أهلها
للعقاب بفعل ساداتها :
جِرِميَها ِلَيْمُكُروا ِفيَها َ ،وَما جَعْلَنا ِفي ُكّل َقْرَيٍة َ ،أَكاِبَر ُم ْك َقال تعالى ) َوَكَذِل َ
ن ) 123النعام ( ،وقال ) َوِإَذا َأَرْدَنا َأ ْ
ن شُعُرو َسِهْم َوَما َي ْن ِإّل ِبَأْنُف ِ
َيْمُكُرو َ
عَلْيَها اْلَقْوُل َ ،فَدّمْرَناَها
ق َ
حّ سُقوا ِفيَها َ ،ف َ ك َقْرَيًة َ ،أَمْرَنا ُمْتَرِفيَها َ ،فَف َ
ُنْهِل َ
َتْدِميًرا ) 16السراء (
-وأما أسباب استحقاق العامة للعقاب ،كما ُيبّينوها هم بأنفسهم :
551
ن ِفيَها َأَبًدا لَ خاِلِدي َ
سِعيًرا )َ (64 عّد َلُهْم َ ن َوَأ َ ن اْلَكاِفِري َل َلَع َن ا َّ قال تعالى ) ِإ ّ
طْعَنان َيَلْيَتَنا َأ َ
جوُههُْم ِفي الّناِر َيُقوُلو َ ب ُو ُ صيًرا )َ (65يْوَم ُتَقّل ُ ن َوِلّيا َوَل َن ِ جُدو َ َي ِ
ضّلوَناساَدَتَنا َوُكَبَراَءَنا َفَأ َ طْعَنا َسوَل )َ (66وَقاُلوا َرّبَنا ِإّنا َأ َ طْعَنا الّر ُل َوَأ َ ا َّ
ب َواْلَعْنُهْم َلْعًنا َكِبيًرا )َ (68يَأّيَها ن اْلَعَذا ِ ن ِم َ ضْعَفْي ِ
ل )َ (67رّبَنا َءاِتِهْم ِ سِبي َ
ال ّ
ل ِمّما َقاُلوا َ ،وَكا َ
ن سى َ ،فَبّرَأُه ا ُّ ن َءاَذْوا ُمو َ ن َءاَمُنوا ،لَ َتُكوُنوا َكاّلِذي َ اّلِذي َ
سِديًدا )70 ل َوُقوُلوا َقْوًل َ ن َءاَمُنوا اّتُقوا ا َّ جيًها )َ (69يَأّيَها اّلِذي َ ل َو ِعْنَد ا ِّ ِ
الحزاب (
ن )(95 جَمُعو َ س َأ ْ
جُنوُد ِإْبِلي َ ن )َ (94و ُ وقال تعالى ) َفُكْبِكُبوا ِفيَها ُهْم َواْلَغاُوو َ
سّويُكْم ن )ِ (97إْذ ُن َ لٍل ُمِبي ٍ ضَ ن ُكّنا َلِفي َ ل ِإ ْن )َ (96تا ِّ صُمو َ خَت ِ َقاُلوا َوُهْم ِفيَها َي ْ
ن) شاِفِعي َ ن َن )َ (99فَما َلَنا ِم ْ جِرُمو َ ضّلَنا ِإلّ اْلُم ْ ن )َ (98وَما َأ َ ب اْلَعاَلِمي َِبَر ّ
حِميٍم ) 101الشعراء ( . ق َ صِدي ٍَ (100وَل َ
ن َيَدْيِه ن َ ،وَل ِباّلِذي َبْي َ ن ِبَهَذا اْلُقْرَءا ِ ن ُنْؤِم َ ن َكَفُروا َ ،ل ْ وقال تعالى ) َوَقاَل اّلِذي َ
ضُهْم ِإَلى َبْع ٍ
ض جُع َبْع ُ عْنَد َرّبِهْم َ ،يْر ِ ن ِ ن َمْوُقوُفو َ ظاِلُمو َ َ ،وَلْو َتَرى ِ ،إِذ ال ّ
ن )31 سَتْكَبُروا َ ،لْوَل َأْنُتْم َلُكّنا ُمْؤِمِني َ نا ْ ضِعُفوا ِ ،لّلِذي َ سُت ْنا ْ اْلَقْوَل َ ،يُقوُل اّلِذي َ
سبأ (
وذلك بسبب طاعتهم وتأليههم لسادتهم وكبرائهم من المجرمين ،ورضاهم
واتباعهم لمنهج كبرائهم ،سواء كان ذلك كرها أم طوعا ،وممارستهم للفساد
والفساد كل حسب طاقته .وفساد الحكام عادة ما يكون مسبوقا ،بفساد
ظرين ، الشعوب وانحرافها ،وليس العكس كما يتصور الكثير من المن ّ
الطامعين في السلطة ،صابين جام غضبهم على الحكام ،والجدى بهؤلء
والجدر .بأن يشعروا بالرثاء لحال الملوك ،والشفاق عليهم من حسابهم
العسير ،بين يدي ملك الملوك ،إن كانوا من الظالمين ،وليصلحوا أنفسهم أول
،ورب العزة كفيل ،بأن يوّلي عليهم من هو خير منهم ،ول أذكر بالضبط من
القائل " :لو يعلم الملوك ،ما نشعر به من حلوة اليمان ،لقاتلونا عليها
بالسيوف " .وهل يضمن هؤلء أل ُيفتنوا ببريق المال والسلطة ،كما افُتتن
ن
صلوا عليهما .قال تعالى ) ِإ ّ الملوك والحكام ،على مّر العصور ،فيما لو تح ّ
سِهْم ) 11الرعد ( . حّتى ُيَغّيُروا َما ِبَأْنُف ِ ل لَ ُيَغّيُر َما ِبَقْوٍم َ ا َّ
وتدّبر دعاء نوح عليه السلم على قومه ،حيث شملت دعوته من هم في ظهور
جًرا َكّفاًرا ) 27نوح ( ك َولَ َيِلُدوا ِإّل َفا ِ عَباَد َضّلوا ِ ن َتَذْرُهْم ُي ِ ك ِإ ْ
آبائهم ِ ) :إّن َ
552
وتفّكر وتدّبر في قصة أصحاب السبت ،فيما يلي من آيات :
ت ِإْذ َتْأِتيِهْم سْب ِ ن ِفي ال ّ حِر ِإْذ َيْعُدو َ ضَرَة اْلَب ْ حا ِ ت َ ن اْلَقْرَيِة اّلِتي َكاَن ْ عِ سَأْلُهْم َ ) َوا ْ
ك َنْبُلوُهْم بَِما َكاُنوا ن َل َتْأِتيِهْم َكَذِل َ سِبُتو َ عا َوَيْوَم لَ َي ْ شّر ً سْبِتِهْم ُ حيَتانُُهْم َيْوَم َ ِ
ل ُمْهِلُكُهْم َأْو ُمَعّذُبُهْم ن َقْوًما ا ُّ ظو َ ت ُأّمٌة ِمْنُهْم ِلَم َتِع ُ ن )َ (163وِإْذ َقاَل ْ سُقو َ َيْف ُ
سوا َما ُذّكُروا ن )َ (164فَلّما َن ُ شِديًدا َقاُلوا َمْعِذَرًة ِإَلى َرّبُكْم َوَلَعّلُهْم َيّتُقو َ عَذاًبا َ َ
س ِبَما َكاُنوا ب َبِئي ٍ ظَلُموا ِبَعَذا ٍ ن َ خْذَنا اّلِذي َ سوِء َوَأ َ ن ال ّ عِ ن َ ن َيْنَهْو َجْيَنا اّلِذي َ ِبِه َأنْ َ
ن) سِئي َ خا ِ عْنُه ُقْلَنا َلُهْم ُكوُنوا ِقَرَدًة َ ن َما ُنُهوا َ عْ عَتْوا َ ن )َ (165فَلّما َ سُقو َ َيْف ُ
166العراف ( .
إذن ،هناك نجاة لمن ينهون عن السوء أول ،ومن ثم هناك عذاب للذين ظلموا
ثانيا ،بما كانوا يفسقون ،والفسق اصطلحا هو الخروج من الدين ،ولحظ
هنا أن النجاة ُ ،كتبت لمن أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ،فهل نجرؤ أو
نقوى هذه اليام على فعل ذلك ،وإيمان الواحد منا على حرف ،وخوفنا على
فقدان متاع الحياة الدنيا ،أشد من خوفنا من أمر ال … ؟!
ن ِبِه ، خْيٌر اطَْمَأ ّ صاَبُه َ ن َأ َ ف َ ،فِإ ْ حْر ٍ عَلى َ ل َ ن َيْعُبُد ا َّس َم ْ ن الّنا ِ قال تعالى ) َوِم َ
ن
سَرا ُ ك ُهَو اْلخُ ْ خَرَة َذِل َ لِ سَر الّدْنَيا َوا ْ خ ِ جِهِه َ ، عَلى َو ْ ب َ صاَبْتُه ِفْتَنٌة ،اْنَقَل َ ن َأ َ َوِإ ْ
ن ) 11الحج ( اْلُمِبي ُ
عَلْيِهل َ صّلى ا ُّ ل َ ل ا ِّ سو َ ن َر ُ سَأُلو َ س َ ،ي ْ ن الّنا ُ ن ،قال َ :كا َ ن اْلَيَما ِحَذْيَفَة ْب َوعن ُ
سو َ
ل ن ُيْدِرَكِني َ ،فُقْلتُ َ :يا َر ُ خافََة َأ ْشّر َ ،م َ ن ال ّ عْ سَأُلُه َت َأ ْ خْيِر َ ،وُكْن ُ ن اْل َعْ سّلمَ َ َو َ
شّر ن َ خْيِر ِم ْ ل َبْعَد َهَذا اْل َ ل ِبَهَذا اْلخَْيِر َ ،فَه ْ جاَءَنا ا ُّ شّر َ ،ف َ جاِهِلّيٍة َو َل ِإّنا ُكّنا ِفي َ ا ِّ
ن، ل َ :نَعْم َ ،وِفيِه َدخَ ٌ خْيٍر ؟ َقا َ ن َ شّر ِم ْ ك ال ّ ل َبْعَد َذِل َ ت َ :وَه ْ ؟ َقالَ َ :نَعْم ُ ،قْل ُ
ت: ف ِمْنُهْم َوُتْنِكُر ُ ،قْل ُ ن ِبَغْيِر َهْدِيي َ ،تْعِر ُ ل َ :قْوٌم َيْهُدو َ خُنُه ؟ َقا َ ت َ :وَما َد َ ُقْل ُ
جاَبُهْم ن َأ َجَهّنَم َ ،م ْ ب َ عاٌة ِإَلى َأْبَوا ِ ل َ :نَعْم ُد َ شّر ؟ َقا َ ن َ خْيِر ِم ْ ك اْل َل َبْعَد َذِل ََفَه ْ
جلَْدِتَنان ِ ل ُ :هْم ِم ْ صْفُهْم َلَنا ؟! َفَقا َ ل ِ ل ا ِّ سو َ ت َ :يا َر ُ ِإَلْيَها َقَذُفوُه ِفيَها ُ ،قْل ُ
عَة جَما َ ل َ :تْلَزمُ َ ك ؟ َقا َ ن َأْدَرَكِني َذِل َ ت َ :فَما َتْأُمُرِني ِإ ْ سَنِتَنا ُ ،قْل ُن ِبَأْل ِ
َوَيَتَكّلُمو َ
عَتِزْل ِتْل َ
ك ل َ :فا ْ ل ِإَماٌم ؟ َقا َ عٌة َو َ جَما َ ن َلُهْم َ ن َلْم َيُك ْت َ :فِإ ْ ن َوِإَماَمُهْم ُ ،قْل ُ اْلُمسِْلِمي َ
عَلى ت َ ت َ ،وَأْن َ ك اْلَمْو ُ حّتى ُيْدِرَك َ جَرٍة َ ، شَ صِل َ ض ِبَأ ْن َتَع ّ ق ُكّلَها َ ،وَلْو َأ ْ اْلِفَر َ
ك " .رواه البخاري ومسلم ،وأخرجه الترمذي والنسائي وأبو داود وابن َذِل َ
وأحمد .
553
ي الّناسِ
ل َ ،أ ّل ا ِّسو َل َيا َر ُل ِ " :قي َ عْنُه َ ،قا َ
ل َي ا ُّ
ضَ ي َر ِ خْدِر ّ سِعيٍد اْل ُ
ن َعْوَ
سِبيِل ا ِّ
ل جاِهُد ِفي َ ن ُي َسّلَم :مُْؤِم ٌ
عَلْيِه َو َ
ل َصّلى ا ُّل َ ل ا ِّ
سو ُل َر ُ ضلُ ؟ َفَقا ََأْف َ
ل، ب َيّتِقي ا َّشَعا ِ ن ال ّ
ب ِم ْشْع ٍن ِفي ِ ل ُ :مْؤِم ٌ ن ؟ َقا َسِه َوَماِلِه َ ،قاُلوا ُ :ثّم َم ِْبَنْف ِ
شّرِه " .رواه البخاري ومسلم ،وأخرجه وأبو داود وابن ن َ س ِم ْ ع الّنا ََوَيَد ُ
ماجه وأحمد .
عَلُموا َأ ّ
ن صًة َ ،وا ْ خا ّظلَُموا ِمْنُكْم َ ن َن ،اّلِذي َ صيَب ّ
وقال تعالى ) َواّتُقوا ِفْتَنًة َل ُت ِ
ب ) 25النفال ( ل شَِديُد اْلِعَقا ِا َّ
ن(
ظاِلُمو َ
عّما َيْعَمُل ال ّ
لَ ،
غاِف ً
ل َ
ن ا َّ
سَب ّ
ح َ
) َولَ َت ْ
ن ِ ،إّنَما ُيَؤخُّرُهْم ِلَيْومٍ ظاِلُمو َعّما َيْعَملُ ال ّ لَ ، غاِف ًل َ ن ا َّ سَب ّ
ح َ قال تعالى َ ) :وَل َت ْ
طْرُفُهْم سِهْم َل َيْرَتّد ِإَلْيِهْم َن ُمْقِنِعي ُرُءو ِ طِعي َصاُر )ُ (42مْه ِ ص ِفيِه اَْلْب َ خ ُ شََ ،ت ْ
ن ظََلُموا : ب َ ،فَيُقوُل اّلِذي َ س َ ،يْوَم َيْأِتيهُِم اْلَعَذا َُوَأْفِئَدُتُهْم َهَواٌء )َ (43وَأْنِذِر الّنا َ
سْمُتْم سَل َ ،أَوَلْم َتُكوُنوا َأْق َ ك َ ،وَنّتِبِع الّر ُ عَوَت َ
ب َد ْج ْ ب ُ ،ن ِجٍل َقِري ٍ خْرَنا ِإَلى َأ ََرّبَنا َأ ّ
سُهْم ، ظَلُموا َأنُْف َن َ ن اّلِذي َساِك ِسَكْنُتْم ِفي َم َ ن َزَواٍل )َ (44و َ ن َقْبُل َ ،ما َلُكْم ِم ْ ِم ْ
ضَرْبَنا َلُكُم اَْلْمَثالَ )َ (45وَقْد َمَكُروا َمْكَرُهْم ، ف َفَعْلَنا ِبِهْم َ ،و َ ن َلُكْم َكْي َ َوَتَبّي َ
ل، ن ا َّ سَب ّ
ح َ ل َت ْ
جَباُل )َ (46ف َ ن َمْكُرُهْم ِلَتُزوَل ِمْنُه اْل ِ ن َكا َل َمْكُرُهْم َ ،وِإ ْ عْنَد ا ِّ َو ِ
عِزيٌز ُذو اْنِتَقاٍم ) 47إبراهيم ( … ل َ ن ا َّسَلُه ِ ،إ ّ عِدِه ُر ُ ف َو ْ خِل َ ُم ْ
حٌد َ ،وِلَيّذّكَر ُأوُلو س َ ،وِلُيْنَذُروا ِبِه َ ،وِلَيْعَلُموا َأّنَما ُهَو ِإَلٌه َوا ِ غ ِللّنا ِلٌ … هََذا َب َ
ب ) 52إبراهيم ( اَْلْلَبا ِ
من هم الظالمون ومن هي القرى الظالمة ؟!
جاء في إهلك القرى الظالمة :
صيُر ) 48الحج ( ي اْلَم ِ
ظاِلَمٌة ُثّم َأخَْذُتَها َوِإَل ّي َ ت َلَها َوِه َ ن َقْرَيٍة َأْمَلْي ُن ِم ْ) َوَكَأّي ْ
شِديٌد ) 102هود ( خَذُه َأِليٌم َن َأ ْظاِلَمٌة ِإ ّي َخَذ اْلُقَرى َوِه َ ك ِإَذا َأ َ
خُذ َرّب َ ك َأ ْ
) َوَكَذِل َ
ن ) 52النمل ( لَيًة ِلَقْوٍم َيْعَلُمو َك َ ن ِفي َذِل َ ظَلُموا ِإ ّ
خاِوَيًة ِبَما َ ك ُبُيوُتُهْم َ ) َفِتْل َ
ن ) 11النبياء ( خِري َ
شْأَنا َبْعَدَها َقْوًما آ َ ظاِلَمًة َوَأن َ
ت َ ن َقْرَيٍة َكاَن ْ صْمَنا ِم ْ ) َوَكْم َق َ
ن َلْم
ك َأ ْ
ن )َ … (129ذِل َ سُبو َ ضا ِبَما َكاُنوا َيْك ِ ن َبْع ًظاِلِمي َض ال ّ ك ُنَوّلي َبْع َ ) َوَكَذِل َ
ن ) 131النعام ( . غاِفُلو َ ظْلٍم َوَأْهُلَها َ
ك اْلُقَرى ِب ُ ك ُمْهِل َن َرّب َ َيُك ْ
554
ظاِلُمو َ
ن ك ِإّل اْلَقْوُم ال ّ
جْهَرًة َ ،هْل ُيْهَل ُ
ل َ ،بْغَتًة َأْو َ
ب ا ِّ
عَذا ُ
ن َأَتاُكْم َ
) ُقْل َأَرَأْيَتُكْم ِإ ْ
) 47المائدة (
مفهوم الظلم بالمنظور اللهي ،على المستوى الفردي والجماعي :
ك
ن ُدوِنِه َ ،فَذِل َ ن َيُقْل ِمْنُهْم ِ ،إّني ِإَلٌه ِم ْ .1إدعاء البشر لللوهية َ ) :وَم ْ
ن ) 29النبياء ( ظاِلِمي َ جِزي ال ّ ك َن ْ جَهّنَم َ ،كَذِل َ جِزيِه َ َن ْ
ك ِبا ِّ
ل شِر ْ ي َل ُت ْ ظُه َيُبَن ّ
ن لِْبِنِه َوُهَو َيِع ُ .2الشرك بال َ ) :وِإْذ َقاَل ُلْقَما ُ
ظيٌم ) 13لقمان ( عِ ظْلٌم َ ك َل ُ
شْر َ ن ال ّ ِإ ّ
ك َوَل ل َما َل َيْنَفُع َ ن ا ِّن ُدو ِ ع ِم ْ .3الشرك في الدعاء والولء َ ) :وَل َتْد ُ
ن ) 106يونس ( ظاِلِمي َ ن ال ّك ِإًذا ِم َ ت َفِإّن َ ن َفَعْل َك َفِإ ْ
َيضُّر َ
عَلى ا ِّ
ل ن اْفَتَرى َ ظَلُم ِمّم ْ ن َأ ْ .4الكذب على ال أو التكذيب بآياته َ ) :وَم ْ
ن ) 21النعام ( ظاِلُمو َ ح ال ّ ب ِبآَياِتِه ِإّنُه لَ ُيْفِل ُ َكِذًبا َأْو َكّذ َ
ت َرّبِه ُثّم ن ُذّكَر ِبآَيا ِ ظَلُم ِممّ ْ ن َأ ْ
.5العراض عن آيات ال َ ) :وَم ْ
ن ) 22السجدة ( ن ُمْنَتِقُمو َ جِرِمي َ ن اْلُم ْعْنَها ِإّنا ِم َ ض َ عَر َ َأ ْ
ل َقْوًما َكَفُروا َبْعَد ِإيَماِنِهْم ف َيْهِدي ا ُّ .6الكفر بعد اليمان َ ) :كْي َ
ل َل َيْهِدي اْلَقْوَم ت َوا ُّ جاَءُهُم اْلَبّيَنا ُ ق َو َ حّسوَل َ ن الّر ُ شِهُدوا َأ ّ َو َ
ن ) 86آل عمران ( ظاِلِمي َال ّ
خَل َ
ق ل اّلِذي َ ن ا َّ .7إنكار البعث وقدرة ال على الخلق َ ) :أَولَْم َيَرْوا َأ ّ
ل َل رَْي َ
ب جً جَعَل َلُهْم َأ َ ق ِمْثَلُهْم َو َ خُل َن َي ْعَلى َأ ْ ض َقاِدٌر َ ت َوالَْْر َ سَمَوا ِ ال ّ
ن ِإلّ ُكُفوًرا ) 99السراء ( ظاِلُمو َ ِفيِه َفَأَبى ال ّ
.8التكذيب المسبق بدون علم ،ممن أخذتهم العزة بالثم َ ) :بْل َكّذُبوا
ن َقْبِلِهْم ن ِم ْ ب اّلِذي َ ك َكّذ َ طوا ِبِعْلِمِه َوَلّما َيْأِتِهْم َتْأِويُلُه َكَذِل َ حي ُِبَما َلْم ُي ِ
ن ) 39يونس ( ظاِلِمي َعاِقَبُة ال ّ ن َ ف َكا َ ظْر َكْي َ َفاْن ُ
ن ِفي َءاَياِتَنا ضو َ خو ُ ن َي ُت اّلِذي َ .9الخوض في آيات ال َ ) :وِإَذا َرَأْي َ
طا ُ
ن شْي َ ك ال ّ سَيّن َغْيِرِه َوِإّما ُيْن ِ ث َ حِدي ٍ ضوا ِفي َ خو ُ حّتى َي ُ عْنُهْم َ ض َ عِر ْ َفَأ ْ
ن ) 68النعام ( ظاِلِمي َ ل َتْقُعْد َبْعَد الّذْكَرى َمَع اْلَقْوِم ال ّ َف َ
خَذُهْم اْلعََذا ُ
ب سوٌل ِمْنهُْم َفَكّذُبوُه َفَأ َ جاَءُهْم َر ُ .10تكذيب الرسل َ ) :وَلَقْد َ
ن ) 113النحل ( ظاِلُمو َ َوُهْم َ
555
ن ِإ ْ
ن ظاِلُمو َ .11اتهام الرسل بالمس ،إنكارا للوحي ِ ) :إْذ َيُقوُل ال ّ
حوًرا ) 47السراء ( سُل َم ْ جً ن ِإلّ َر ُ َتتِّبُعو َ
.12اللهو والتجني على الرسل في السر والعلن َ ) :لِهَيًة ُقُلوُبُهْم ،
حَر سْ ن ال ّ شٌر ِمْثُلُكْم َأَفَتْأُتو َ ظَلُموا َهْل َهَذا ِإّل َب َ ن َ جَوى اّلِذي َ سّروا الّن ْ َوَأ َ
ن ) 3النبياء ( صُرو َ َوَأْنُتْم ُتْب ِ
ن َكَفُروا ِإ ْ
ن .13اتهام الرسول بالكذب والتعّلم من البشر َ ) :وَقاَل اّلِذي َ
ظْلًما َوُزوًرا جاُءوا ُ ن َفَقْد َ خُرو َ عَلْيِه َقْوٌم َءا َ عاَنُه َ ك اْفَتَراُه َوَأ َ هََذا ِإلّ ِإْف ٌ
) 4الفرقان (
ظاِلُمض ال ّ .14العراض عن هدي الرسل واتباع سبلهم َ ) :وَيْوَم َيَع ّ
ل ) 27الفرقان ( سِبي ً سوِل َ ت َمَع الّر ُ خْذ ُ عَلى َيَدْيِه َيُقوُل َيَلْيَتِني اّت َ َ
ظَلُم ِمّم ْ
ن ن َأ ْ .15منع ذكر ال في المساجد والسعي في خرابها َ ) :وَم ْ
خَراِبَها ) 114البقرة ( سَعى ِفي َ سُمُه َو َ ن ُيْذَكَر ِفيَها ا ْ ل َأ ْ
جَد ا ِّ سا َِمنََع َم َ
ل، عَلُم َأِم ا ُّ .16كتم ما ُأوتي الناس من علم من عند ربهم ُ) :قْل َءَأْنُتْم َأ ْ
ل ) 140البقرة ( ن ا ِّ عْنَدُه ِم ْ شَهاَدًة ِ ن َكَتَم َ ظَلُم ِمّم ْ ن َأ َْوَم ْ
شَهاَدِتِهَما ن َ ق ِم ْ حّ شَهادَُتَنا َأ َل َل َ ن ِبا ِّسَما ِ .17شهادة الزور َ … ) :فُيْق ِ
ن ) 107المائدة ( ظاِلِمي َ ن ال ّ عَتَدْيَنا ِإّنا ِإًذا َلِم َ
َوَما ا ْ
ن َيْهِدي عْلٍم َفَم ْ
ظَلُموا َأْهَواَءُهْم ِبَغْيِر ِ ن َ .18اتباع الهوى َ ) :بْل اّتَبَع اّلِذي َ
ن ) 29الروم ( صِري َ ن َنا ِ ل َوَما َلُهْم ِم ْ ضّل ا ُّ ن َأ َ َم ْ
جاَء َ
ك ن َبْعِد َما َ ت َأْهَواَءُهْم ِم ْ ن اّتَبْع َ .19اتباع أهواء أهل الكتاب َ ) :وَلِئ ْ
ن )145البقرة ( ظاِلِمي َ ن ال ّك ِإًذا َلِم ْن اْلِعْلِم ِإّن َِم ْ
ن ِّ
ل ن الّدي ُ ن ِفْتَنٌة َوَيُكو َ حّتى َل َتُكو َ .20السعي في الفتنة َ ) :وَقاِتُلوُهْم َ
ن ) 193البقرة ( ظاِلِمي َ عَلى ال ّ ن ِإلّ َ عْدَوا َل ُ ن انَتَهْوا َف َ َفإِ ْ
ن )35 ظاِلِمي َن ال ّ جَرةَ َفَتُكوَنا ِم ْ شَ .21معصية أمر ال َ ) :ولَ َتْقَرَبا َهِذِه ال ّ
البقرة (
ن َيَتَعّد
ل َتْعَتُدوَها َوَم ْ ل َف َحُدوُد ا ِّ ك ُ .22العتداء على حدود ال ِ ) :تْل َ
ن ) 229البقرة ( ظاِلُمو َ ك ُهْم ال ّ ل َفُأْوَلِئ َحُدوَد ا ِّ ُ
556
ن
ن ِم ْ ك َفَتُكو َ ن َتُبوَء ِبِإْثِمي َوِإْثِم َ .23القتل وسفك الدماء ِ ) :إّني ُأِريُد َأ ْ
ن ) 29المائدة ( ظاِلِمي َجَزاُء ال ّ ك َ ب الّناِر َوَذِل َ حا ِ َأصْ َ
ك ُهْم ل َفُأْوَلِئ َ
حُكْم ِبَما َأنَزَل ا ُّ ن َلْم َي ْ .24الحكم بغير ما أنزل ال َ ) :وَم ْ
ن ) 45المائدة ( ظاِلُمو َ ال ّ
عَلْيِهْم اْلِقَتاُل تََوّلْوا ب َ .25الستنكاف عن القتال في سبيل ال َ ) :فَلّما ُكِت َ
ن ) 246البقرة ( ظاِلِمي َعِليٌم ِبال ّ ل َ ل ِمْنُهْم َوا ُّ ِإّل َقِلي ً
عْ
ن .26خيانة العهد ونكران المعروف َ ) :وَراَوَدْتُه اّلِتي ُهَو ِفي َبْيِتَها َ
ن
سَ ح َ ل ِإّنُه َرّبي َأ ْ ك َقاَل َمَعاَذ ا ِّ ت َل َت َهْي َب َوَقاَل ْ ت الَْْبَوا َ غّلَق ْ
سِه َو َ َنفْ ِ
ن ) 23يوسف ( ظاِلُمو َ ح ال ّ ي ِإّنُه َل ُيْفِل َُمْثَوا َ
.27موالة الذين يقاتلون المسلمين ،وُيخرجونهم من ديارهم ،وموالة
ن اّلِذي َ
ن عِ ل َ الذين ُيؤيدونهم وُيساندونهم في فعلهم ِ ) :إّنَما َيْنَهاُكُم ا ُّ
جُكْم َأ ْ
ن خَرا ِعَلى ِإ ْ ظاَهُروا َ ن ِدَياِرُكْم َو َ جوُكْم ِم ْ خَر ُ ن َوَأ ْ َقاَتُلوُكْم ِفي الّدي ِ
ن ) 9الممتحنة ( ظاِلُمو َ ك ُهُم ال ّ ن َيَتَوّلُهْم َفُأوَلِئ َ َتَوّلْوُهْم َوَم ْ
خُذوا اْلَيُهوَد ن آَمُنوا َل َتّت ِ .28موالة اليهود والنصارى َ ) :يَأّيَها اّلِذي َ
ن َيَتَوّلُهْم ِمْنُكْم َفِإّنُه ِمْنُهْم ض َوَم ْ ضُهْم َأْوِلَياُء َبْع ٍ صاَرى َأْوِلَياَء َبْع ُ َوالّن َ
ن ) 51المائدة ( ظاِلِمي َ ل لَ َيْهِدي اْلَقْوَم ال ّ ن ا َّ ِإ ّ
ن آَمُنوا َل .29موالة الكافرين ولو كانوا أولي قربى َ ) :يَأّيَها اّلِذي َ
ن َوَم ْ
ن عَلى اِْليَما ِ حّبوا اْلُكْفَر َ سَت َ نا ْ خَواَنُكْم َأْوِلَياَء ِإ ْ خُذوا آَباَءُكْم َوِإ ْ َتتّ ِ
ن ) 23التوبة ( ظاِلُمو َ ك ُهْم ال ّ َيَتَوّلُهْم ِمْنُكْم َفُأْوَلِئ َ
سِلِهْم ن َكَفُروا ِلُر ُ .30إخراج الناس من ديارهم وتشريدهم ) :وََقاَل اّلِذي َ
ن
حى ِإَلْيِهْم َرّبُهْم َلُنْهِلَك ّ ن ِفي ِمّلِتَنا َفَأْو َ ضَنا َأْو َلَتُعوُد ّ ن َأْر ِ جّنُكْم ِم ْخِر َ َلُن ْ
ن )13إبراهيم ( ظاِلِمي َ ال ّ
للً )24 ضَ ن ِإّل َ ظاِلِمي َ ضّلوا َكِثيًرا َوَل َتِزِد ال ّ .31إضلل الناس َ ) :وَقْد َأ َ
نوح (
جّنَتُه خَل َ .32الشعور بالفوقية ،والتكبر والستعلء على الناس َ ) :وَد َ
ن َتِبيَد َهِذِه َأَبًدا ) 35الكهف ( ن َأ ْ
ظّ سِه َقاَل َما َأ ُ ظاِلٌم ِلَنْف ِ
َوُهَو َ
طُرِد اّلِذي َ
ن .33ازدراء فقراء المؤمنين والعراض عنهم َ ) :وَل َت ْ
ن
ساِبِهْم ِم ْ ح َن ِ ك ِم ْ عَلْي َجَهُه َما َ ن َو ْ ي ُيِريُدو َ شّ ن َرّبُهْم ِباْلَغَداِة َواْلَع ِ عو َ َيْد ُ
557
ظاِلِمي َ
ن ن ال ّ ن ِم َ طُرَدُهْم َفَتُكو َ يٍء َفَت ْ ش ْن َ عَلْيِهْم ِم ْ
ك َ ساِب َح َن ِ يٍء َوَما ِم ْ شَ ْ
) 52النعام (
ن َءاَمُنوا َل .34الستهزاء بالخرين والتقليل من شأنهم َ ) :يَأّيَها اّلِذي َ
ساٍء ن ِن َ
ساٌء ِم ْ خْيًرا ِمْنُهْم َوَل ِن َ ن َيُكوُنوا َ سى َأ ْ ع َن َقْوٍم َ خْر َقوٌم ِم ْ سَ َي ْ
سُكْم َوَل َتَناَبُزوا ِباَْلْلَقابِ ن َوَل َتْلِمُزوا َأْنُف َ خْيًرا ِمْنُه ّن َ ن َيُك ّ سى َأ ْ ع ََ
ن) ظاِلُمو َ ك ُهُم ال ّ ب َفُأوَلِئ َ ن َلْم َيُت ْن َوَم ْق َبْعَد اِْليَما ِ سو ُ سُم اْلُف ُ س الِ ْ ِبئْ َ
11الحجرات (
.35الستعاضة عن اليمان بال واليوم الخر ،والجهاد في سبيله ،
ن
حَراِم كََم ْ جِد اْل َسِعَماَرَة اْلَم ْ ج َو ِ حا ّسَقاَيَة اْل َجَعْلُتْم ِبخدمة الحجاج َ ) :أ َ
عْنَد ا ِّ
ل ن ِ سَتُوو َ ل َل َي ْ سِبيِل ا ِّ جاَهَد ِفي َ خِر َو َلِ ل َواْلَيْوِم ا ْ ن ِبا ِّ َءاَم َ
ن ) 19التوبة ( ظاِلِمي َل َل َيْهِدي اْلَقْوَم ال ّ َوا ُّ
حّمُلوا الّتْوَراَة ن ُ .36حمل القرآن والعمل بنقيض ما جاء به َ ) :مَثُل اّلِذي َ
ن كَّذُبوا س َمَثُل اْلَقْوِم اّلِذي َ سَفاًرا ِبْئ َ حِمُل َأ ْ
حَماِر َي ْ حِمُلوَها َكَمَثِل اْل ِ ُثّم َلْم َي ْ
ن ) 5الجمعة ( ظاِلِمي َ ل َل َيْهِدي اْلَقْوَم ال ّ ل َوا ُّ ت ا ِّ ِبآَيا ِ
هذا الكتاب يؤكد على أن زمن النهاية قد اقترب ،وأن الحلقة الولى من
مسلسل أحداثها ،ستبدأ على أبعد الحتمالت ،خلل فترة زمنية ،ل تزيد عن
أشهر معدودة .وأن أحداث النهاية ،سيهلك فيها الكثير من الناس ،وتنهار فيها
الكثير من المم ،وقد يستنكر الكثيرون هذا المر .
ح ) 17السراء ( ولو رجعنا ن َبْعِد ُنو ٍ ن ِم ْن اْلُقُرو ِ قال تعالى ) َوَكْم َأْهَلْكَنا ِم َ
ن َأْمِر َرّبَها عْ ت َعَت ْ إلى الوراء قليل ،واستذكرنا تلك القوام التي ُأهلكت لّما ) َ
َوُرسُِلِه ) 8الطلق ( ،لوجدنا أن أشكال الظلم التي مارستها تلك القوام ،ل
ُتقارن مع ما تمارسه القوام المعاصرة .أفل تستحق القوام المعاصرة
الهلك ؟ وإن كانت كذلك أليس هلكها بقريب ؟!
ولو استذكرنا تاريخ المة السلمية ،سنجد أنها ُمنيت بكثير من النكبات
والمصائب ،كلما كانت تبتعد عن الخرة وتلتصق بالحياة الدنيا .والحالة التي
نعيشها الن ،هي السوأ على مر التاريخ ،فنحن منغمسون في الحياة الدنيا ،
من الرأس حتى أخمص القدم ،وأما السلم ،فهو مجرد شعار تسويقي ،
نلَبسه كلما اقتضت الحاجة لذلك .أفل نستحق الهلك ،أو الستبدال ،أو
التأديب على القل :
558
ت) س َوالّثَمَرا ِ ن اَْلْمَواِل َواَْلْنُف ِص ِم َ
ع َوَنْق ٍ جو ِ ف َواْل ُ
خْو ِن اْل َيٍء ِم َش ْولو ) ِب َ
155البقرة ( ؟!
شَيًعا ،
سُكْم ِجِلُكْم َ ،أْو َيْلِب َ
ت َأْر ُ
ح ِ
ن َت ْ
ن َفْوِقُكْم َ ،أْو ِم ْ
عَذاًبا ِم ْ
عَلْيُكْم َ
ث َ ن َيْبَع َ
أو ) َأ ْ
ن )65 ت َلَعّلُهْم َيْفَقُهو َلَيا ِفا ْصّر ُ ف ُن َ
ظْر َكْي َ ض ،اْن ُس َبْع ٍضُكْم َبْأ َق َبْع َ أَو ُيِذي َ
النعام ( ؟
وعلى ما يبدو أن إهلك القرى ،سيبدأ بثلثية الفساد والظلم في الرض ،
على مستوى الديانات الثلث ،اليهودية والنصرانية والسلم ،متمثلة في
إسرائيل وأمريكا ومصر ،ومن ثم بقية القرى المفسدة والظالمة تباعا ،على
قاعدة الجزاء من جنس العمل ،بإذن ال ،وما ذلك على ال بعزيز .
ن(
سَنٍة ِمّما َتُعّدو َ
ف َ
ك َكَأْل ِ
عْنَد َرّب َ
ن َيْوًما ِ
) َوِإ ّ
صاُر ،
ت الَْْب َ
غ ِ
سَفلَ ِمْنُكْم َ ،وِإْذ َزا َ
ن َأ ْ
ن َفْوِقُكْم َ ،وِم ْ جاُءوُكْم ِم ْ قال تعالى ) ِإْذ َ
ظُنوَنا ) 10الحزاب ( ،كان هذا حال ل ال ّن ِبا ِّ
ظّنو َجَر َ ،وَت ُ حَنا ِ
ب اْل َ
َوَبَلَغتِ اْلُقُلو ُ
صحابة رسول ال عليه الصلة والسلم ،أكثر الناس إيمانا وعزيمة وصبرا
وثباتا على دينهم ،لقد بلغ منهم الخوف مبلغا عظيما ،حتى ساورتهم الشكوك
ب عليهم من بأقطارها ،من ملل والظنون ،في غزوة الحزاب ،عندما تأل ّ
الكفر والشرك ،جمعتها الصهيونية اليهودية الحاقدة قديما ،لوأد دولة السلم
الحديثة ،خوفا من ضياع السيطرة اليهودية ،على مجريات المور في
الجزيرة العربية ،بإثارة الفتن والحروب بين القبائل ،حيث كان اليهود
المرجعية الستشارية ،لمشركي قريش وغيرهم من القبائل ،فيما يتعّلق
بأساطير الولين .
وفي العالم العربي والسلمي شرقا وغربا ،يشعر الناس بالحباط واليأس
والخوف ،من الوضع الُمتأزم الذي يعيشونه في السنوات الخيرة إجمال ،
وفي هذه اليام على وجه الخصوص ،وهم يشاهدون ما يجري على أرض
السراء والمعراج وغيرها ،من هجمة شرسة شنها أوغاد الصهانية في الشرق
،مدعومين بأوغاد الصهانية من يهود ومسيحيين في الغرب ،حتى بدأ اليأس
والقنوط من رحمة ال ،يتسّرب إلى قلوب الكثير منهم ،لدرجة أن منهم من
ن السوء ،بل ومنهم من كفر بال رّبا ،وبالسلم دينا في لحظة من ن بال ظ ّ ظّ
559
اللحظات ،ومنهم من دعا على أهله وولده ،وعلى الشعوب العربية وحّكامها
بالهلكة والخراب .
لمثل أولئك في هذا الزمان ،يقول سبحانه وتعالى ،قبل ما يزيد على 1400
سنة ،في كتابه المجيد ،في نهاية سورة النحل ،قبل أن يبدأ في الخبار ،عن
وعد الخرة في السورة التي تليها :
ن) صاِبِري َخْيٌر ِلل ّ صَبْرُتْم َلُهَو َن َ عوِقْبُتْم ِبِه َوَلِئ ْ عاَقْبُتْم َفَعاِقُبوا ِبِمْثِل َما ُ ن َ ) َوِإ ْ
ق ِمّماك ِفي ضَْي ٍ عَلْيِهْم َ ،وَل َت ُ ن َ حَز ْ ل َ ،ولَ َت ْ ك ِإّل ِبا ِّ صْبُر َصِبْر َوَما َ َ (126وا ْ
ن )(128 سُنو َح ِن ُهْم ُم ْ ن اّتَقْوا َ ،واّلِذي َ ل َمَع اّلِذي َ ن ا َّن )ِ (127إ ّ َيْمُكُرو َ
وفي معرض تعقيبه على وعد الخرة ،الذي نعيشه الن بكل حيثّياته ،يقول :
جوًل ) 11السراء ( عُ ن َسا ُ ن اِْلْن َ خْيِر َ ،وَكا َ عاَءُه ِباْل َشّر ُد َ ن ِبال ّسا ُع اِْلْن َ
) َوَيْد ُ
ض َوَنَأى عَر َ ن َأ ْ
سا ِعَلى اِْلْن َ ويقول أيضا في نفس السورة َ ) :وِإَذا َأْنَعْمَنا َ
سا )(83 ن َيُئو ً شّر َكا َ سُه ال ّ جاِنبِِه َ ،وِإَذا َم ّ ِب َ
شرّ
سُه ال ّ ن َم ّ خْيِر َ ،وِإ ْعاِء اْل َ ن ُد َ ن ِم ْ سا ُ سَأُم اِْلْن َصلت ) :لَ َي ْ ويقول في سورة ُف ّ
ط )(49 س َقُنو ٌَفَيُئو ٌ
ن
ن ِ ،إ ّ جًبا َِلْمِر اْلُمْؤِم ِ عَسّلَم َ " : عَلْيِه َو َ ل َ صّلى ا ُّ ل َ ل ا ِّ سو ُ ل َر ُب َ ،قا َصَهْي ٍعنْ ُ وَ
شَكرَ َ ،فَكا َ
ن سّراُء َ صاَبْتُه َن َأ َ ن ِ ،إ ْ حٍد ِإّل ِلْلُمْؤِم ِ ك َِل َس َذا َ خْيٌر َ ،وَلْي َ َأْمَرُه ُكّلُه َ
خْيًرا َلُه " .رواه مسلم . ن َ صَبَر َفَكا َضّراُء َ ، صاَبْتُه َ ن َأ َخْيًرا َلُه َ ،وِإ ْ َ
كثير من الناس ،ببعدهم عن القرآن والسنة ،ل يفهمون الكثير من الغايات
والمقاصد اللهية ،من تصريف أمور الناس بالشكل المنظور والمحسوس ،
خْيِر
شّر َواْل َ
وخاصة فيما يتعّلق بالبتلء ،سواء بالخير أو الشّر َ ) ،وَنْبُلوُكْم ِبال ّ
ضح وبّين في ن ) 35النبياء ( مع أن ال سبحانه وتعالى ،و ّ جُعو َ
ِفْتَنًة َوِإَلْيَنا ُتْر َ
كتابه العزيز للمؤمنين ،أن عاقبة المور ،هي ما يجب أن ُنرّكز عليه أنظارنا
وعقولنا وقلوبنا .وأن نعّلق آمالنا دائما وأبدا على العاقبة ،أي المنتهى الذي
ستؤول إليه المور فيما بعد ،سواًء في الدنيا أو الخرة ،مهما طال الزمن أو
قصر ،وأل نعّلق آمالنا على الواقع الذي نعيش فيه ،فبعد غزوة الحزاب ،
التي زاغت فيها أبصار المؤمنين ،وبلغت قلوبهم الحناجر ،وظنوا بال
الظنون ُ ،فتحت مكة ،وكانت تلك الفئة المؤمنة الصابرة والثابتة ،هي نفسها
560
التي قادت جيوشا ،زلزلت عروش أكبر دول الكفر والطغيان ،في ذلك الزمان
.
كان يوسف عليه السلم قد ُأبعد عن أبويه طفل ،وُرمي في البئر ،وُأخذ من
قبل ُأناس غرباء إلى أرض غريبة ،وبيع عبدا بدارهم قليلة ،وعاش غريبا
حتى بلغ أشّده ،واُتهم بمراودة زوجة سيده ،وألقي في السجن سنينا طويلة .
ولكن بعد كل تلك المعاناة ،وفي نهاية المطاف ،كان المر مختلفا كليا )
حَمِتَنا َم ْ
ن ب ِبَر ْ
صي ُ
شاُء ُن ِ
ث َي َ
حْي ُ
ض َيَتَبّوُأ ِمْنَها َف ِفي الَْْر ِ س َك َمّكّنا ِلُيو ُ
َوَكَذِل َ
خَرةِ
لِن ) 56يوسف ( وأما في الخرة ) َوَلجُْر ا ْ سِني َ
ح ِجَر اْلُم ْ
ضيُع َأ ْ
شاءُ َولَ ُن ِ َن َ
ن ) 57يوسف ( ن َءاَمُنوا َوَكاُنوا َيّتُقو َخْيٌر ِلّلِذي َ
َ
ويؤكد سبحانه بأن بداية التمكين ليوسف ،كانت منذ دخوله لبيت العزيز ،مع
سى َأنْ ع َ صَر ِلْمَرَأِتِه َأْكِرِمي َمْثَواهُ َن ِم ْشَتَراُه ِم ْ
كونه دخله عبدا ) َوَقاَل اّلِذي ا ْ
ن َتْأِويِل
ض َوِلُنَعّلَمُه ِم ْ
ف ِفي الَْْر ِ س َك َمّكّنا ِلُيو ُخَذُه َوَلًدا َوَكَذِل َ
َيْنَفَعَنا َأْو َنّت ِ
ن الناظر إلى يوسف عبدا سجينا ،قابعا في زوايا النسيان ث … ( ،ولك ّ حاِدي ِ اَْل َ
والهمال ،ولو كان أكثر الناس تفاؤل ،لم يكن يخطر بباله ،أن حال هذا العبد
السجين ،المتهم بالخيانة ،سينقلب رأسا على عقب ،لُيصبح وزير مالية مصر
،أكبر دول العالم القديم ؟! ولكن حكمة ال اقتضت ،عكس ما قد يتصّوره ،
أغلب الواقعيون من ُأناس ذلك العصر ،وعلى رأسهم العزيز وامرأته .لذلك
أكد سبحانه ،على أن الناس – خاصة غير المؤمنين بال وصفاته ،جّلت قدرته
– ُيعانون في الغالب ،من قصر النظر والفكر ،بأنه قادر على تنفيذ مشيئته ،
في أقسى الظروف وأحلكها واستحالتها ،مخالفا كل معطيات الواقع ،الذي
عَلىب َ غالِ ٌل َ يتذّرع به الناس هذه اليام ،لذلك قال في تكملة الية ) … َوا ُّ
ضح سبحانه ن ) ، (21وفي سورة الروم ُ ،يو ّ س لَ َيْعَلُمو َ ن َأْكَثَر الّنا ِ َأْمِرِه َ ،وَلِك ّ
ن اْلحََياِة
ظاِهًرا ِم َ ن َ ،حقيقة ما يعلمه الناس ويؤمنون به ،في قوله ) َيْعَلُمو َ
ن ) ، (7وظاهر الحياة الدنيا ،هو الواقع غاِفُلو َ
خَرِة ُهْم َ لِنا ْ عِ الّدْنَيا َ ،وُهْم َ
المشاهد .
أما بالنسبة لواقع المة السلمية الحالي ،وما يواجهه الشعب الفلسطيني ،من
معاناة ،من قبل المفسدون الصهاينة في الغرب والشرق ،فإن ال وعد
المؤمنين بالنصر من عنده ،ووعد عدوهم قبل ثلثة آلف سنة ،بالعذاب إن
أفسدوا في الرض ،وقد أفسدوا فيها ما يزيد على خمسين سنة ،وبلغ إفسادهم
561
هذه اليام عنان السماء ،فهذان وعدان ،صدرا ممن ل يخلف الميعاد ،ولكن
المر يحتاج إلى اليمان بال ،والصبر والثبات على الدين ،وعلى مواجهة
عدوهم ،وحسن ظنهم بال .
يقول سبحانه في شأن المفسدين في الرض مخاطبا رسوله وأمته )
ك َ ،كَأْل ِ
ف عْنَد َرّب َ
ن َيْوًما ِ عَدُه َ ،وِإ ّل َو ْ
ف ا ُّخِل َ
ن ُي ْب َ ،وَل ْك ِباْلَعَذا ِجُلوَن َسَتْع ِ
َوَي ْ
سِل ،
ن الّر ُ صَبَر ُأوُلو اْلَعْزِم ِم َصِبْر َكَما َ ن ) 47الحج ( وقال ) َفا ْ سَنٍة ِمّما َتُعّدو ََ
ن َنَهاٍر
عًة ِم ْسا َن َلْم َيْلَبُثوا ِإّل َعُدو َن َما ُيو َجْل َلُهْم َ ،كَأّنُهْم َيْوَم َيَرْو َسَتْع ِ
َوَل َت ْ
ن ) 35الحقاف ( . سُقو َك ِإّل اْلَقْوُم اْلَفا ِ
غ َفَهْل ُيْهَل ُلٌَب َ
هذه اليام ،يأس الناس من الشّر ،فهم يستعجلون زواله ،ورغبوا في الخير ،
وهم يستعجلون إطلله ،فقد استقوى الباطل وزادت سطوته ،وغاب الح ّ
ق
سِبيٍل ) 11غافر ( ؟ !
ن َ
ج ِم ْ
خُرو ٍ
وطالت غيبته َ ) .فَهْل ِإَلى ُ
564
الطوفان الخير وطوق النجاة
الرض حبلى بالفساد :
س ِلُيِذيَقُهْم َبْع َ
ض ت َأْيِدي الّنا ِ
سَب ْ
حِر ِبَما َك َ
ساُد ِفي اْلَبّر َواْلَب ْ
ظَهَر اْلَف َقال تعالى ) َ
ن ) 41الروم ( جُعو َعِمُلوا َلَعّلُهْم َيْر ِ
اّلِذي َ
لم تحمل الرض ،حمل فاسدا ومفسدا ،في تاريخها الطويل ،كهذا الحمل ،
الذي حملته في المائة سنة الخيرة .فقد حوت في رحمها ،جميع خطايا
ومعاصي المم السابقة ،التي كانت فيما مضى ُ ،تهلك لمجرد خطيئة أو
معصية واحدة ُتصّر عليها ،كعبادة الصنام ،أو إتيان الفواحش ،أو تطفيف
الكيل ،وذلك بالرغم من وجود ،تعاليم موسى وعيسى ومحمد ،عليهم الصلة
والسلم ،حية مسطورة بين دفات الكتب .فالرض حبلى بالفساد ،ول بد لهذا
الحمل ،الذي عظم شأنه وكبر حجمه ،من جراحة قيصرية مؤلمة جدا ،لنقاذ
رحم الرض ،قبل أن تتسّرب لبقيته العفونة ،فل ُيسمح له بحمل آخر .
خَتَلطَ ِبِه َنَبا ُ
ت سَماِء َ ،فا ْن ال ّحَياِة الّدْنَيا َ ،كَماٍء َأْنَزْلَناُه ِم ْقال تعالى ) ِإّنَما َمَثُل اْل َ
ت، خُرَفَها َواّزّيَن ْض ُز ْ
ت اَْلْر ُ حّتى ِإَذا َأخََذ ْ س َواَْلْنَعاُم َ ، اَْلْرضِ ِ ،مّما َيْأُكُل الّنا ُ
صيًدا ،جَعْلَناَها حَ ِ ل َأْو َنَهاًرا َ ،ف َ
عَلْيَها َ ،أَتاَها َأْمُرَنا َلْي ً
ن َ ن َأْهُلَها َأّنُهْم َقاِدُرو َظَّو َ
ن ) 24يونس ( ت ِلَقْوٍم َيَتَفّكُرو َلَيا ِصُل ا ْك ُنَف ّ س َ ،كَذِل َن ِبالَْْم ِ ن َلْم َتْغ َ
َكَأ ْ
هذه الية تحمل في ثناياها سنة إلهية ،جاءت على شكل شرط وجواب
ن َأْهُلَها َأّنُهْم
ظّ
ت َ ،و َ
خُرَفَها َواّزّيَن ْ
ض ُز ْ
ت اَْلْر ُ
خَذ ْ
للشرط ،والشرط َ ) ،أ َ
عَلْيَها ( ،هو أن تأخذ الرض أبهى صورها ،وأن ُيصبح أهلها ن ََقاِدُرو َ
منشغلون بمظاهرها ،مفتونون بجمالها ،يبذلون قصارى جهدهم في تحصيل
متاعها ،غافلين عن شكر خالقها وبارئها ،ظانين أنهم قادرين ،وبل منازع ،
على تصريف شؤونها ،وشؤون من على ظهرها من المخلوقات ،منتقصين
قدر وقدرة ،خالقهم وخالقها .
ل َأْو َنَهاًرا ( ،وماهية أما جواب الشرط ،فهو مجيء أمر ال َ ) ،أَتاَها َأْمُرَنا َلْي ً
ن
صيًدا َ ،كَأ ْ
ح ِ
جَعْلَناَها َ
أمر ال تتبين من النتيجة ،في تعقيبه سبحانه وتعالى َ) ،ف َ
س ( ،وهي خراب الرض ،بزوال زينتها وزخرفها ،التي ن ِباَْلْم ِ
َلْم َتْغ َ
أشغلت الناس عن عبادة ال ،وهي تشمل كل ما تراه من حولك ،من مفاتن
565
الحياة ،التي اغتر بها الناس ،إل من رحم ربي وهم قليل ،وذلك يعني هلك
الكثير من الناس .وإن لم تستخدم السلحة النووية ،في جعل الرض صحراء
قاحلة ،أينما وقع من أهلها ،ما أخبرت عنه اليات ،فما الذي سيجعلها كذلك ،
مع حتمية زوال هذه السلحة ،كما كنا قد أوضحنا في فصول سابقة .
وهذه السنة اللهية ،ستمضي في عصرنا ،وقريبا جدا ،كما مضت مرارا
وتكرارا في القوام ،كلما ابتعد الناس عن الغاية اللهية ،من جعل النسان
صلصل اليات ،وأن هذا المر المف ّ
خليفة في الرض ،وُيعّقب سبحانه ،أنه ف ّ
في الية ،مطروح للتفّكر فيه ،بمعنى أنك متى عاينت ما أخبرت عنه اليات ،
متمّثل على أرض الواقع ،فتوقع أمر ال في أي لحظة ،هذا إن كنت ممن
يتفّكرون .
566
حَياِة الّدْنَيا َ ،واطَْمَأّنوا
ضوا ِباْل َ
ن ِلَقاَءَنا َ ،وَر ُ
جو َ ن لَ َيْر ُن اّلِذي َ
قال تعالى ) ِإ ّ
ن
سُبو َ
ك َمْأَواُهْم الّناُر ِبَما َكاُنوا َيْك ِن )ُ (7أْوَلِئ َ
غاِفُلو َ
ن آَياِتَنا َعْ
ن ُهْم َ ِبَها َ ،واّلِذي َ
) 8يونس (
568
السماوية ،بلد الشام والعراق وجزيرة العششرب ،فأصششبح العششالم أجمششع ،أسششوأ
مما كان عليه قبل طوفان نوح عليه السلم .
وفي نهاية الطوفان ُ ،يبعث عيسى بن مريم عليه السلم ،ليعيد المور إلى
نصابها ،وتستعيد الرض بركتها ،ويمضي المهدي ،ويمضي عيسى عليه
السلم ،بعد أن يبلغ سن الكهولة ،وتبقى القلة المؤمنة ،فيبدأ المذهب
الشيطاني من جديد ،انتشار النار في الهشيم في نسل تلك القلة ،وتخطف ريح
لينة أرواح البقية المؤمنة ،وتبقى الغلبية الكافرة ،وتجري الزمنة مسرعة
إلى حيث الساعة .
مراحل الطوفان القادم
هذا الطوفان الذي نتحدث عنه ،هو ما سُيعيد البشرية إلى ما كانت عليه ،بعد
الطوفان الول زمن نوح عليه السلم ،ليعيد التاريخ نفسه مرة أخرى .وهو
يختلف بعض الشيء عن سابقه ،حيث ستكون بدايته من صنع البشر ،وسيأتي
على عدة مراحل - :
المرحلة الولى :أكبر وأبشع مذبحة ،في تاريخ الشعب اليهودي ،على يد
العراقيين في فلسطين .
المرحلة الثانية :تحالف العرب مع الروس ،في حرب عالمية نووية ثالثة ،
تنتهي فناء الحضارة الغربية ومظاهرها .
المرحلة الثالثة :احتمالية عودة أجواء داحس والغبراء ،في المنطقة العربية ،
فيما بعد الحرب العالمية الثالثة .
المرحلة الرابعة :خروج المهدي من مكة ،وحروبه لضم الجزيرة العربية ،
وإيران وتركيا ،والملحمة الكبرى مع الروس .
جال ،
المرحلة الخامسة :سقوط عبدة المادة وظاهر الحياة الدنيا بين براثن الد ّ
في حرب الجوع والعطش .
المرحلة السادسة :نزول عيسى عليه السلم ،والذبح النهائي للدجال وأتباعه
من اليهود ،على مشارف القدس .
569
المرحلة السابعة :فناء من بقي من الشعوب الشرقية ،في حرب يأجوج
ومأجوج ،وحصر الصفوة من عباد ال ،مع عيسى عليه السلم ،في جبال
فلسطين .
المرحلة الثامنة :فناء يأجوج ومأجوج ،وتغّير في جغرافية الرض ،وعودة
مناخها الفردوسي ) جنة آخر الزمان ( ،كما كانت على عهد آدم عليه السلم .
المرحلة التاسعة :عصر المن والسلم ،تحت حكم عيسى عليه السلم ،
مكمل سنين عمره ،حتى يبلغ سن الكهولة .
* ملحظة :المراحل تحمل ترتيبا زمنيا ،وقد يكون هناك اندماج بين المراحل
،أو تقديم أو تأخير ،وال أعلم .
إذا بقي البصر حيث موطئ القدم … فلن تَر النجوم في بطن السماء … ول
القمر في ليل تمامه … ول الشمس في عّز الظهيرة … فمنذ هذه اللحظة …
ابدأ هدانا وهداك ال بصناعة الُفلك
وابذل قصارى جهدك في إتقان صنعته ..فلعلك تنجو من الغرق ..كلفته ليست
باهظة جدا ..أو ل ُتقّدر بثمن ..أو ل ُتشترى بمال ..وحتى لو كانت كذلك ..
فالنجاة أغلى وأثمن … هذا الفلك … خشبه صفحات من ذهب ..محصورة
بين دفتي كتاب ..يقبع في إحدى زوايا المنزل ..ومساميره كلمات من نور ..
إذا عرفت ما هو ..ستجد فيه رسالة ُأنزلت من أجلك ..واجتهد كثير من
الناس ..في حملها وبيانها … على مدى أربعة عشر قرنا من الزمان ..
ليصالها إليك ..فل ُتذهب جهدهم أدراج الرياح ..
ن
ل َ ،وَما َنَزَل ِم َ شَع ُقُلوُبُهْم ِلِذْكِر ا ِّخ َن َت ْ ن َءاَمُنوا َ ،أ ْ ن ِلّلِذي َ
قال تعالى ) َأَلْم َيْأ ِ
س ْ
ت عَلْيِهُم اَْلَمُد َ ،فَق َ
طاَل َ ن َقْبلُ َ ،ف َ ب ِم ْن ُأوُتوا اْلِكَتا َ ق َ ،ولَ َيُكوُنوا َكاّلِذي َ حّاْل َ
ن ) 16الحديد ( سُقو َ ُقُلوُبُهْم َ ،وَكِثيٌر ِمْنُهْم َفا ِ
ن
ل ِ ،إ ّحَمِة ا ِّ
ن َر ْ طوا ِم ْسِهْم َ ،ل َتْقَن ُ عَلى َأْنُف ِسَرُفوا َ ن َأ ْ
ي اّلِذي َوقال ) ُقْل َيِعَباِد َ
حيُم ) 53الزمر ( جِميًعا ِ ،إّنُه ُهَو اْلَغُفوُر الّر ِ ب َ ل َيْغِفُر الّذُنو َا َّ
شِر ن )َ … (38وَب ّ حَزُنو َ عَلْيِهْم َولَ ُهْم َي ْ ف َخْو ٌل َ ي َف َن َتِبَع ُهَدا َ وقال ) َفَم ْ
ن ) 155البقرة ( صاِبِري َ
ال ّ
570
أخي القارئ … ساهم معنا في نشر هذا الكتاب … بتوزيع نسخة على قرص
مرن … أو مطبوعة على الورق … أو عبر البريد اللكتروني …
قال تعالى
ن(عّما َتعَْمُلو َ
ل ِبَغاِفٍل َ
ل َ ،وَما ا ُّ
ن ا ِّ
عْنَدُه ِم َ
شَهاَدًة ِ
ن َكَتَم َ
ظَلُم ِ ،مّم ْ
ن َأ ْ
) َوَم ْ
) 140البقرة (
وآخر دعوانا أن الحمد ل رب العالمين ،والصلة والسلم على سيد المرسلين
] نهاية الكتاب [
571
كتاب
نهاية إسرائيل والوليات المتحدة المريكية
متوفر على شبكة النترنت ضمن موقع وعد الخرة
موقع شخصي للمؤلف يتم من خلله تقديم فكرة عن الكتاب ،وتقديم خدمة
تحميل الكتاب مجانا
هذا الكتاب لم ُيعط حق نشره ،لي من دور النشر ،حتى يتسنى لنا عرضه
من خلل شبكة النترنت ،وليتسنى للجميع الطلع على ما يحويه هذا الكتاب
من أفكار وطروحات
الكتاب غير متوفر مطبوعا في السواق ،ومن رغب بطباعته ونشره فله الحق
بذلك ،ودون داع للرجوع إلى المؤلف
إذ ل نبتغ من وراءه منفعة مادية أو معنوية ،قل شأنها أو كبر
حق النشر متاح للجميع
573