You are on page 1of 1559

‫‪‬‬

‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة ‪] 1 [ ‬‬


‫‪‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة ‪] 2 [ ‬‬

‫دعوة‬
‫المقاومة السلمية العالمية‬

‫الجزء الول‪) :‬الجذور و التاريخ و‬


‫التجارب(‬
‫بقلم الفقير إلى رحمة‬
‫الله‪:‬‬
‫عمر عبد الحكيم‬

‫(‬ ‫) أبو مصعب السوري‬


‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 3 [ ‬‬

‫بسم الله الرحمن‬


‫الرحيم‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 4 [ ‬‬

‫قال تعالى ‪...‬‬


‫أعوذ بالله من الشيطان الرجيم‬

‫‪ ‬ربنا إننا سمعنا مناديا ً ينادي ل ِْليما َ‬


‫مُنوا ب َِرب ّك ُ ْ‬
‫م‬ ‫نآ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِ َ ِ‬ ‫َ َّ َِّ َ ِ ْ َ ُ َ ِ َُ ِ‬
‫ع‬
‫م َ‬‫سي َّئات َِنا وَت َوَفَّنا َ‬ ‫مّنا َرب َّنا َفاغ ِْفْر ل ََنا ذ ُُنوب ََنا وَك َّفْر ع َّنا َ‬ ‫َفآ َ‬
‫َ‬
‫م‬
‫خزَِنا ي َوْ َ‬ ‫ك َول ت ُ ْ‬ ‫سل ِ َ‬ ‫ما وَع َد ْت ََنا ع ََلى ُر ُ‬ ‫اْلب َْراِر‪َ‬رب َّنا َوآت َِنا َ‬
‫م‬
‫م َرب ّهُ ْ‬ ‫ب ل َهُ ْ‬ ‫جا َ‬ ‫ست َ َ‬‫ميَعاد‪َ‬فا ْ‬ ‫ف ال ْ ِ‬ ‫خل ِ ُ‬ ‫ك ل تُ ْ‬ ‫مةِ إ ِن ّ َ‬ ‫ال ِْقَيا َ‬
‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ضك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن ذ َك َرٍ أوْ أن َْثى ب َعْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫م ٍ‬
‫عا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬‫ضيعُ ع َ َ‬ ‫أّني ل أ ِ‬
‫م وَُأوُذوا‬ ‫ن د َِيارِه ِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫جوا ِ‬ ‫خر ِ ُ‬ ‫جُروا وَأ ُ ْ‬ ‫ها َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ض َفال ّ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ن ب َعْ‬ ‫م ْ‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫سِبيِلي وََقات َُلوا وَقُت ُِلوا َلك َّفَر ّ‬
‫سي َّئات ِهِ ْ‬
‫م‬ ‫م َ‬ ‫ن ع َن ْهُ ْ‬ ‫ِفي َ‬
‫وابا ً ِ‬ ‫َ‬ ‫وََل ُد ْ ِ‬
‫عن ْدِ‬‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫حت َِها اْلن َْهاُر ث َ َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫خل َن ّهُ ْ‬
‫روى أبو داود والترمذي من حديث أبي ثعلبة الخشني رضي‬
‫(‬ ‫‪1‬‬ ‫‪9‬‬‫‪5‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬‫‪9‬‬ ‫‪3‬‬ ‫ان‬
‫(‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫آل‬
‫‪‬‬ ‫ب‬ ‫ِ‬ ‫وا‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ث‬‫ال‬ ‫ن‬‫ُ‬ ‫س‬‫ْ‬ ‫ح‬‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫د‬‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ع‬
‫ِ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫الل ّهِ َوالل ّ‬
‫الله عنه قال‪ :‬سألت الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذه‬
‫الية ‪ ) :‬ياأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم ل يضركم من ضل إذا‬
‫اهتديتم ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ):‬بل ائتمروا‬
‫بالمعروف‪ .‬وتناهوا عن المنكر‪ .‬حتى إذا رأيت شحا ً مطاعًا‪.‬‬
‫وهوى متبعا ً ودنيا مؤثرة‪ .‬وإعجاب كل ذي رأي برأيه ‪ ,‬فعليك‬
‫بخاصة نفسك ودع عنك أمر العوام‪ .‬فإن ورائكم " أيام الصبر"‪.‬‬
‫الصبر فيهن مثل قبض على الجمر ‪ .‬للعامل فيهن أجر خمسين‬
‫‪ .‬قلت يارسول الله ‪ :‬أجر خمسين منهم‪ .‬قال ‪ :‬أجر خمسين‬
‫منكم ( ‪.‬‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪               ‬‬ ‫‪] 5 [ ‬‬

‫‪ ‬إهداء ‪‬‬
‫إلى رجال مؤمنين ‪ ,‬وشباب صادقين ‪ ,‬أراهم ينظرون إلى قوى الكفر الصليبية الصهيونية‬
‫الزاحفة ‪ ,‬وقد تداعت علينا بقيادة أمريكا تداعي الكلة إلى قصعتها ‪ ,‬تزهق الرواح ‪ ,‬وتنتهك‬
‫المحرمات ‪ ,‬وتحتل المقدسات و تدوس البلد وتنهب أقوات العباد‪..‬‬
‫فيمل الحزن قلوبهم ‪ ,‬ويخنق القهر حناجرهم ‪ ,‬ويحبس كبرياء الرجولة دموع اللم في عيونهم ‪.‬‬
‫ه‬‫ل الل ّ ِ‬
‫سِبي ِ‬
‫في َ‬ ‫قات ُِلو َ‬
‫ن ِ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬
‫م ل تُ َ‬ ‫و َ‬
‫وتدوي في خواطرهم آيات الله تناديهم ‪َ  :‬‬
‫ن ‪ ..‬‬
‫(النساء‪ :‬من الية ‪(75‬‬ ‫دا ِ‬‫ول ْ َ‬
‫وال ْ ِ‬ ‫ء َ‬ ‫سا ِ‬ ‫والن ّ َ‬ ‫ل َ‬ ‫جا ِ‬ ‫ن الّر َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫في َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ض َ‬
‫ست َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫وال ْ ُ‬ ‫َ‬
‫م إ َِلى‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫ل‬‫ق‬‫َ‬ ‫ّ‬
‫ثا‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫ل‬ ‫بي‬ ‫س‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫روا‬ ‫ف‬ ‫ن‬‫ا‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫قي‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫إ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ما‬ ‫نوا‬ ‫م‬ ‫آ‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ها‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫يا‬ ‫‪‬‬
‫ُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ ِ‬ ‫ُ ْ ِ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ َ َ ُ‬ ‫َ ّ َ‬
‫ة إ ِّل‬ ‫في اْل ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬
‫خَر ِ‬ ‫ة الدّن َْيا ِ‬ ‫ع ال ْ َ‬
‫حَيا ِ‬ ‫مَتا ُ‬‫َ َ‬‫ما‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫ة‬
‫ِ‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫خ‬
‫ِ‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫يا‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬‫ّ‬ ‫د‬ ‫ال‬ ‫ة‬
‫ِ‬ ‫يا‬
‫َ‬ ‫ح‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫با‬‫ْ ِ‬‫م‬ ‫ُ‬ ‫ت‬‫ضي‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫ضأ َ‬ ‫الْر ِ‬
‫ل ‪( ‬التوبة‪(38:‬‬ ‫قِلي ٌ‬ ‫َ‬
‫فيملأ السف والحسرة نفوسهم ‪ .‬ويتساءلون ! وماذا عسى أحدنا أن يفعل أمام هذا الطوفان‬
‫الزاحف من الصليبيين واليهود وحلفائهم من المرتدين والمنافقين بين أظهرنا‪..‬؟!‬
‫فيأتيهم الرد الحاسم من كتاب الله ‪:‬‬
‫سى الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ع َ‬ ‫ن َ‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫ض ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫حّر ِ‬ ‫و َ‬ ‫ك َ‬ ‫س َ‬ ‫ف َ‬ ‫ف إ ِّل ن َ ْ‬ ‫ه ل ت ُك َل ّ ُ‬ ‫ل الل ّ ِ‬‫سِبي ِ‬ ‫في َ‬ ‫ل ِ‬ ‫قات ِ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫كيل ً ‪‬‬ ‫شدّ ت َن ْ ِ‬ ‫وأ َ‬ ‫شدّ ب َأسا ً َ‬ ‫هأ َ‬ ‫والل ّ ُ‬ ‫فُروا َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫س ال ّ ِ‬ ‫ف ب َأ َ‬ ‫ن ي َك ُ ّ‬‫أ ْ‬
‫َ‬ ‫فسهم َ‬ ‫َ‬
‫قات ُِلو َ‬
‫ن‬ ‫ة يُ َ‬
‫جن ّ َ‬‫م ال ْ َ‬ ‫ن لَ ُ‬
‫ه ُ‬ ‫م ب ِأ ّ‬ ‫وال َ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫م َ‬ ‫وأ ْ‬ ‫ن أن ْ ُ َ ُ ْ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬‫شت ََرى ِ‬ ‫ها ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫‪ ‬إِ ّ‬
‫ل‬ ‫جي‬ ‫ْ‬ ‫ن‬‫ل‬
‫ْ َ ِ َ ِ ِ ِ‬ ‫ْ‬ ‫وا‬ ‫ة‬ ‫را‬ ‫و‬ ‫ّ‬ ‫ت‬‫ال‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫ّ‬
‫ق‬ ‫ح‬‫ْ ِ َ‬‫ه‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫ع‬‫َ‬ ‫ً‬ ‫ا‬‫عد‬ ‫ْ‬ ‫و‬‫َ َ‬ ‫ن‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫و‬
‫َ َ ُ‬ ‫ن‬ ‫ُ‬
‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ْ‬
‫ق‬ ‫ي‬
‫ِ َ‬‫ف‬‫َ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ل‬
‫سِبي ِ‬ ‫في َ‬ ‫ِ‬
‫ن ‪( ‬التوبة‪ :‬من الية ‪(111‬‬ ‫قْرآ ِ‬ ‫ْ‬
‫وال ُ‬ ‫َ‬
‫فيرفرف المل في أرواحهم ‪ ,‬ويشرق العزم في نفوسهم ‪ ,‬وتنعقد النية في قلوبهم ‪ .‬ويجأرون‬
‫إلى ربهم ‪ :‬لبيك اللهم لبيك‪ ,‬لبيك لشريك لك لبيك ‪ .‬بعنا يارب بعنا‪ , ..‬لنقيل ولنستقيل‪.‬‬
‫إلى هؤلء الرجال المتحفزين للدفاع عن دين الله والمستضعفين من المؤمنين في كل مكان‬
‫أهدي هذا الكتاب ‪..‬‬
‫معلما على طريق الجهاد في سبيل الله ‪ ,‬وزادا يعينهم على البلغ بعون الله ‪.‬‬ ‫ليكون دليل لهم وَ ْ‬
‫فرا يربطهم فكرا ومنهجا بأسلفهم من قافلة الغرباء الظاهرين على الحق الفرارين بدينهم ‪.‬‬ ‫س ْ‬
‫و ِ‬
‫وليعّرفهم بتاريخ من سبقهم في درب النور‪ ,‬ممن قضى نحبه وممن ينتظر‪ .‬من الذين هاجروا‬
‫وجاهدوا وآووا ونصروا‪ ,‬من رواد التيار الجهادي والصحوة السلمية المباركة في هذا الزمان ‪.‬‬
‫وليقدم لهم منهج جهاد ‪ ,‬وفكرة حركة ‪ ,‬وطريقة عمل ‪ .‬برنامج عمل متكامل يساعدهم على‬
‫التخلص من أوزار القعود ‪ ,‬وكربات الهم والحزن ‪ ,‬وأثقال العجز والكسل ‪ ,‬وحسرات قهر الرجال‪..‬‬
‫فإلى إلى هؤلء المجاهدين القادمين ‪ .‬الذين ألمح أطيافهم في الفق ‪ ,‬يحملون رايات لإله إل‬
‫الله محمد رسول الله ‪ .‬تخفق بالعز والنصر وتدحر قوى الكفر والطغيان‪ .‬وتحكم شريعة الله في‬
‫الرض‪.‬‬
‫إليهم وإلى سلفهم من مجاهدي هذا الزمان ‪ ,‬من الشهداء والسرى والمشردين الذين رسموا‬
‫لجيل الجهاد والمقاومة القادم‪ ,‬بدمائهم وآهاتهم وعناء نسائهم وأطفالهم معالم الطريق ‪.‬‬
‫إلى هؤلء وأولئك أهدي هذا الكتاب‪.‬‬
‫راجيا من الله الحليم الكريم‪ ,‬العلي العظيم ‪ ,‬الغفور الرحيم ‪ .‬الحنان المنان ‪ ,‬أن ليحرمني‬
‫صحبتهم في الرفيق العلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ‪ .‬أملي بالله كبير ‪ ,‬وببشرى‬
‫حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم ؛ أن الدال على الخير كفاعله‪ ,‬وأن العالم والمتعلم‬
‫شريكان ‪ ,‬وأن المرء يحشر مع من أحب‪.‬‬
‫عمر عبد الحكيم‬
‫( أبو مصعب‬
‫(‬ ‫السوري‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة ‪] 6 [ ‬‬

‫‪ ‬هذا الكتاب ‪‬‬


‫بفضل ما يسر الله بعونه ‪ ,‬ووفق إليه بفضله ‪ ,‬يحتوي هذا الكتاب‬
‫على مواد كثيرة ‪ .‬منها ماهو سرد لمسار التاريخ ‪ ,‬ل تخلو مادته من‬
‫إمتاع وعبرة ‪..‬‬
‫ومنها ماهو تحليلت سياسية‪ ,‬وفكرية لذلك التاريخ ومساره‪ ,‬ول تخلو‬
‫تلك الفصول من فائدة وفكرة‪..‬‬
‫ومنها ماهو سبحات فكرية و فلسفية ‪ ,‬ل تخلو أيضا من دروس‬
‫ونظرة ‪..‬‬
‫وفيه فصول نقدية لمسار الصحوة وتجارب الجهاد عبر العقود‬
‫المنصرمة ‪..‬‬
‫وفي الكتاب فصول تربوية ‪ ,‬وأحكام فقهية ‪ ,‬ودروس شرعية ‪..‬‬
‫وتوجيهات منهجية وأصولية ‪..‬‬
‫وفيه مواد تربوية ‪ ,‬ودروس في الخلق والرقائق ‪ ,‬ونصوص شرعية‬
‫في مسائل الجهاد والتحريض عليه‪ ,‬وفي غير ذلك‪ ..‬وفيه خلصة دروس‬
‫تجارب جهادية كثيرة‪ ,‬عسكرية وسياسية وحركية وأمنية ‪..‬إلخ‬
‫فقد لخصت فيه خلصة تجاربي و خبرة ربع قرن من مواكبة الصحوة‬
‫السلمية والعمل وسط التيار الجهادي وسط العاصير الداخلية‬
‫والخارجية التي عاشها ‪ ..‬خلل الفترة الواقعة بين ( ‪( 2004 -1980‬‬
‫عملت خللها ميدانيا في مختلف وجوه النشاط والمساهمة فكريا وأدبيا‬
‫وعسكريا وسياسيا وأمنيا ‪,..‬‬
‫في عدة ساحات وقضايا ساخنة وأسأل الله القبول ‪.‬‬
‫ولقد تطورت أفكار هذا الكتاب ونضجت عبر أربعة عشر عاما منذ‬
‫قيام النظام العالمي الجديد وغزو أمريكا للشرق الوسط إبان حرب‬
‫خطت مسوداته خلل في ( كابل ( في عهد‬ ‫الكويت سنة ‪ . 1990‬و ُ‬
‫ُ‬
‫الطالبان ( ‪ , ( 2001-1997‬وكتب بشكله النهائي خلل ثلث سنوات‬
‫عجاف قضيناها مطاردين من قبل المريكان وأعوانهم المرتدين ‪ ,‬نتنقل‬
‫بين المخابئ والملجئ خلل ( ‪ , ( 2004 -2001‬إلى أن صار إلى النص‬
‫الذي بين أيديكم ‪ .‬ولله وحده الحمد والشكر والفضل والمنة ‪.‬‬
‫وبهذا التنوع والسعة في مواد الكتاب ‪ ,‬أرجو أن يكون لمختلف‬
‫صنوف القراء ‪ ,‬ورواد الدعوة السلمية من مختلف التوجهات ‪ ,‬ولرجال‬
‫مختلف التنظيمات والجماعات السلمية ‪ ,‬وخصوصا شباب الصحوة‬
‫الجهادية ‪ ,‬ورجال المقاومة القادمة بإذن الله ‪ .‬أن يكون فيه مائدة‬
‫واسعة ومتنوعة من المواد المفيدة والممتعة‪..‬يأخذ كل منها ما يناسبه ‪.‬‬
‫ولكن حصول تلك الفائدة والمتعة لمن وجدها فيه ‪ -‬وإن كنت أرجو‬
‫نفعه وأجره عند الله والدعاء من إخواني بظهر الغيب ‪ -‬لم يكن الهدف‬
‫الول والساسي لكتابتي لهذا الكتاب الكبير الذي أعتبره كتاب العمر ‪,‬‬
‫وخلصة أمانة القلم والكلمة التي وددت أداءها قبل أن ألقى الله تعالى ‪,‬‬
‫وأرجوه الصفح والمغفرة ‪..‬‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 7 [ ‬‬

‫فالهدف من هذا الكتاب هو إرساء أصول دعوة عمل وجهاد ‪ ,‬أسميتها‬


‫‪:‬‬

‫‪.‬‬ ‫دعوة المقاومة السلمية العالمية (‬ ‫(‬


‫فهو كتاب كتب لدللة الباحثين عن العمل من أجل أداء الفريضة ‪,‬‬
‫والقيام بالواجب في جهاد أعدائنا من الكفار الغزاة وحلفائهم وأوليائهم‬
‫من المرتدين والمنافقين ‪.‬‬
‫وبإمكان من أقنعه هذا الكتاب بدعوتنا أن ينضم إليها ‪ .‬من دون حاجة‬
‫لن يلقينا ونلقيه ‪ .‬وفي ثنايا الكتاب ما يلزمه لكي يكون عضوا كامل‬
‫العضوية والفاعلية كما سيرى ‪ .‬فنحن في عالم اليوم وما يسره الله من‬
‫شبكات التصال ‪ ,‬وطرق إيصال الخطاب ‪ .‬لم نعد بحاجة حتمية للتواصل‬
‫واللقاء المباشر ‪ .‬وصار بالمكان التواصل والتخاطب وتوفير مواد‬
‫التربية والعداد من دون كبير عناء ‪ .‬هذا إذا توفر العزم والرادة ‪.‬‬
‫فليس القصد من هذا الكتاب المتعة والثقافة العامة ‪ ,‬كما هو هدف‬
‫أكثر قراء الكتب والصحف ‪ ,‬والمتابعين للفضائيات والنترنت من‬
‫المسلمين في هذا الزمان ‪ ...‬وللسف ‪.‬‬
‫وبهذا الفهم والروح واستشعار المسؤولية ‪ ,‬مسؤولية تلقي دعوة‬
‫جادة للجهاد في سبيل الله أرجو أن يتناول القراء هذا الكتاب ويقرؤوه ‪.‬‬
‫بكل روح الجد والمسؤولية أمام الله ‪ ,‬ثم أمام المة ‪ ,‬ثم أمام أجيال‬
‫عشرات آلف الشهداء الذين قضوا خلل هذه العقود الخيرة ‪ ,‬كي يحيا‬

‫تخفق بكلمة التوحيد ؛ شهادة أن ل‬ ‫هذا الدين ‪ ,‬و كي تستمر راية الجهاد‬

‫ولتكون كلمة الله هي العليا ‪ ,‬وكلمة‬ ‫إله إل ال إل ال ‪ ,‬محمد رسول ال‬


‫الذين كفروا ‪ ,‬كل الذين كفروا ‪ ,‬وفي كل زمان و مكان ‪ ..‬هي السفلى ‪.‬‬

‫ه‬‫سسسول ُ ُ‬
‫م وََر ُ‬‫مل َك ُس ْ‬
‫ه عَ َ‬‫س سي ََرى الل ّس ُ‬‫مل ُسسوا فَ َ‬ ‫ل اعْ َ‬ ‫‪ ‬وَقُ س ِ‬
‫ة‬
‫ش سَهاد َ ِ‬‫ب َوال ّ‬‫ن إ َِلى عَسسال ِم ِ ال ْغَي ْس ِ‬
‫ست َُرّدو َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫َوال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫ن ‪) ‬التوبة‪(105:‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م ت َعْ َ‬ ‫فَي ُن َب ّئ ُك ُ ْ‬
‫م بِ َ‬
‫ول غالب إل الله ‪ ..‬والله أكبر ولله الحمد ‪.‬‬
‫المؤلف‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 8 [ ‬‬

‫‪ ‬تنويه بشأن هذه النسخة وهي )) طبعة ذي القعدة ‪1425‬هـ ‪/‬‬


‫ديسمبر ‪2004‬م((‪‬‬
‫الحمد لله ‪ .‬والصلة على رسول الله ‪ .‬وآله وصحبه ومن واله ‪ ....‬وبعد ‪:‬‬
‫أكتب هذا التنويه ونحن في شهر ذو القعدة ‪ 1425‬الموافق لشهر ديسمبر‬
‫‪2004‬م ‪.‬‬
‫وقد كلفت بعض الخوة وأجزتهم بنشر هذا الكتاب ‪ ,‬وكتب أخرى ألفتها خلل‬
‫السنوات الثلث العجاف الماضية ‪ .‬بالضافة لنشر ما أعتزم إصداره من البيانات وغير‬
‫ذلك ‪ .‬إن يسر الله وأعان ‪.‬‬
‫فقد كانت المادة الرئيسية لهذا الكتاب ‪ ,‬مسجلة في بعض أشرطة الكاسيت‬
‫والفيديو ومحفوظة لدى بعض الخوة‪ .‬وقد كانت مسألة تحويلها إلى كتاب ‪ ,‬تشكل‬
‫حلما لدي لم أستطع تحقيقه رغم العزم مرارا لما كنا في أفغانستان لنشغالنا في‬
‫أمور العداد والجهاد مع المارة السلمية ‪ .‬ونسأل الله الخلص والقبول ‪.‬‬
‫حصر أو طورد من نجى منا من القتل والسر‪,‬‬ ‫فلما آل بنا الحال لما هو معروف ‪ ,‬و ُ‬
‫بعد أحداث سبتمبر ‪2001‬م ‪ .‬كان همي الكبر هو إنجاز هذا الكتاب الذي أعتبره كتاب‬
‫عمري ‪ ,‬وخلصة تجربتي وفكري ومعتقدي ‪ ,‬والذي لخصت فيه ما علينا فعله كي‬
‫نحافظ على راية الجهاد عالية ‪ ,‬ونحفظها بعون الله من السقوط أو الندثار أو‬
‫النحراف ‪ ..‬وخلصة المانة التي يثقل كاهلي الشعور بوجوب تسليمها للجيل الجهادي‬
‫الناشئ ‪ ,‬والذي وقعت عليه مهمة مواجهة هذا البلء النازل في المة على يد اليهود‬
‫والصليبيين وحلفائهم المرتدين والمنافقين من أبناء أمتنا ‪.‬‬
‫ورغم أننا مررنا – معشر من أسمونا بالمجاهدين الفغان العرب ‪ ,‬ثم عمموا علينا‬
‫مسمى القاعدة ‪ ,‬ثم وصفونا بالرهابيين ‪ -‬وما زلنا نمر بظروف بالغة الصعوبة‬
‫والتعقيد ليس هنا محل ذكرها ‪ .‬وهي أهوال ومحن من ظروف الحصار والمطاردة ‪ ,‬ل‬
‫يعلم ببأسائها وضرائها إل الله ‪..‬ثم من أنعم الله عليه بأن يقاسها من هؤلء الفرارين‬
‫بدينهم في هذا الزمان ‪ ..‬و والله إنه لفخر ل نقيل بيعه ول نستقيل ‪ .‬إن شاء الله ‪.‬‬
‫أقول رغم ذلك ‪ ,‬فقد استفدت من ظروف القامة الجبرية وقلة الحركة ‪ ,‬وما‬
‫وفرته لي من وقت ‪ ,‬وانهمكت في تأليف هذا الكتاب وعكفت على ذلك ليل ونهارا منذ‬
‫مطلع سنة ‪ . 2002‬أي منذ ثلث سنوات )رمضان ‪1423‬هس‪ /‬ديسمبر ‪) - (2002‬ذي‬
‫القعدة ‪1425‬هس ‪/‬ديسمبر ‪. (2004‬‬
‫ورغم أني تنقلت في أنحاء شتى ‪ ,‬وفي ظروف شتى ‪ .‬إل أني أحمد الله أن‬
‫ألبسني ثوب الهمة لنجازه ‪ ,‬وأسأله ضارعا أن يمنحني الخلص والسداد ‪ .‬ويتمم‬
‫فضله بالقبول ‪.‬‬
‫ونتيجة تعقد الوضاع المنية ‪ ,‬و خشيتي أن أتعرض لما يحول بيني وبين نشر هذا‬
‫الكتاب ‪ .‬قررت نشره الن رغم أني لم أنجز كافة التصحيحات والمراجعات التي أردتها‬
‫له ‪ .‬وآسف لعدد من المور التي حصلت لهذه النسخة ‪ ,‬رغم أني أعتقد أن فصوله‬
‫الرئيسية و أفكاري الساسية ‪ ,‬وما أعتبره أمانتي في جهاد الكلمة والقلم ‪ ,‬قد عرضت‬
‫ف‪.‬‬‫ف وكا ٍ‬
‫فيه بشكل وا ٍ‬
‫وسأذكر هنا ما أعتبره نقصا وخلل فيها كنت أتمنى تلفيه ‪ .‬وآمل أن أستطيع‬
‫تلفيه في الطبعة التالية )طبعة ‪1426‬هس‪2005 /‬م( التي سأحاول أن ل تتأخر إن شاء‬
‫الله ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 9 [ ‬‬

‫وقد زادني قناعة بهذا القرار ‪ ,‬قرار تعجيل نشر هذا الكتاب ‪ .‬ما‬
‫اطلعت عليه مؤخرًا‪ .‬وهو ما أعلنه وزير الخارجية المريكي ( كولن‬
‫ل ( ‪ .‬في العشرين من نوفمبر ‪2004‬م ‪ ,‬من أن حكومته المجرمة قد‬ ‫و ْ‬‫بَ ْ‬
‫رصدت لمن يدلي بمعلومات للقبض على شخصي الضعيف عدة مليين‬
‫من الدولرات !!‪ ..‬ول أدري لماذا أستحق هذا الكرم الجرامي حقيقة !!‬
‫وأسأل الله أن يعني هذا أنني في موطئ يغيظ الكفار ‪ ,‬وأرجو أن يكتب‬
‫لي به عمل صالحا ‪ .‬بعد أن قصرت همتي عن إدراك سعي الصالحين ‪,‬‬
‫فبقيت حثالة ‪ ,‬بعد أن اصطفى الله الشهداء ‪..‬وأرجو الله أن أدركهم‬
‫برحمة منه تدركني ‪ ..‬فهو الحليم الكريم وحق لنا الطمع ‪.‬‬
‫فخشيت أن يسبق لي ‪ -‬ل قدر الله – قدر يمنعني من نشر الكتاب وأداء المانة ‪.‬‬
‫فأخسر بلغه للمة بسبب الحرص على تصحيحه وإخراجه كما أحب له من التمام‬
‫والكمال إن استطعت ‪ .‬وكما قالوا فما ل يدرك جله ل يترك كله ‪ .‬وأما ما أعتبره خلل‬
‫أو نقصا في هذه النسخة ‪ ,‬أو فكرة في حسن إخراجه لم أحققها ‪ ,‬فأهم ذلك ما يلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬بعض الخطاء المطبعية ‪ ,‬وربما الملئية والنحوية ‪ .‬وأرجو أن ل‬
‫يكون قد وقع مثل ذلك في النصوص القرآنية و الحديثية ‪ .‬وقد‬
‫راجعتها على عجل ‪ .‬وكذلك ضبط علمات التنقيط والفواصل ‪ ..‬و‬
‫أجيز من يحصل على هذه النسخة من الكتاب ( طبعة ‪1425‬هـ ‪/‬‬
‫‪2004‬م( من أهل الكفاءة بذلك أن يصلح هذه الخطاء في نسخته قبل‬
‫أن ينشرها ‪.‬‬
‫‪ -2‬عدم إعطاء بعض الفكار حقها من التفكر الخير قبل إخراج الكتاب‬
‫‪.‬‬
‫‪ -3‬عدم تمكني من التعليق على الحاديث الواردة في مسك الختام ‪,‬‬
‫عن أحداث الملحم والفتن ‪ ,‬ولدي معلومات وأفكار كثيرة كنت أود‬
‫تسجيلها خلل النصوص ‪.‬‬
‫‪ -4‬عدم التعليق على الشواهد والنصوص التي جمعتها واستشهدت بها‬
‫في باب التربية السلوكية والخلق والعبادات ‪.‬‬
‫‪ -5‬عدم شرح فصل المحاذير والقتصار على ذكرها في الفصل‬
‫التاسع ‪.‬‬
‫‪ -6‬حذف فقرة ( ردود على شبهات ( يثيرها أعداء الجهاد‬
‫والمجاهدين ‪ ,‬ولسيما من علماء الستعمار والسلطين وفقهاء‬
‫البنتاغون ‪ .‬وقد جمعتها في خمسة عشر شبهة واهية هي كل‬
‫بضاعتهم الضالة ‪ .‬وسأفرد إن شاء الله لها كتابا ملحقا ‪.‬‬
‫‪ -7‬عدم وضع شواهد كثيرة لدي ‪ ,‬توفرت من النترنيت تقوي بعض‬
‫فصول الكتاب ‪.‬‬
‫‪ -8‬عدم التمكن من كتابة رسالة المدخل إلى دعوة المقاومة التي‬
‫تلخص أهم أفكار الكتاب و خلصة الدعوة ‪ .‬دعوة المقاومة السلمية‬
‫العالمية ‪ .‬التي أنشد إطلقها والتأسيس لها ‪ .‬إن شاء الله ‪.‬‬
‫‪ -9‬عدم تمكني من عادة لزمتها في أكثر ‪ ,‬أو كل كتاباتي ‪ ,‬وهي‬
‫إطلع بعض الكفاء ومن أثق بهم على ما كتبت ومشاورتهم فيه ‪.‬‬
‫فأكثر من عنيت من إخواننا قد قتل أو أسر ‪ .‬والباقي مختف يتعذر‬
‫التصال معه ‪ .‬وكم كنت أتمنى أن يطلع على هذا الكتاب قبل نشره ‪.‬‬
‫أخي و صديقي ؛ رمز جهادنا الشيخ المجاهد ‪ ,‬شمس المة أسامة بن‬
‫لدن حفظه الله ‪ ,‬ومتع المة بسلمته ‪ .‬ول شفى منه صدر عدو ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 10 [ ‬‬

‫وكذلك أخي وصديقي ‪ ,‬وشيخي ‪ ,‬المجاهد القدوة ‪ ,‬درة أرض الكنانة‬


‫مصر‪ ,‬الدكتور أيمن الظواهري حفظه الله ورعاه ‪ .‬ومتع المة ببقائه ‪.‬‬
‫وكذلك أخي وصديقي ‪ ,‬المجاهد القدوة ‪ ,‬بقية الصالحين من ليبيا كما‬
‫أحسبه ول أزكيه على الله ‪ ,‬الشيخ أبو الليث الليبي حفظه الله ونكأ‬
‫به أعداءه ‪ .‬وكذلك أخي وصديقي ‪ ,‬ورفيق دربي ومساري ‪ ,‬الصابر‬
‫المصابر ‪ ,‬المجاهد الشيخ أبو خالد السوري حفظه الله وأمتعنا والمة‬
‫به وبأمثاله ‪ .‬وما عدت أعرف لمثال هؤلء إل القليل ‪.‬‬
‫فهؤلء وبعض القليل الخرين ممن بقي لنا ‪ ,‬هم من الكفاء الذين‬
‫وددت لو حظي الكتاب بملحظاتهم قبل نشره ‪ .‬ولكن تفرقنا في‬
‫الدنيا وتقطع السبل حال دون ذلك ‪ .‬وأرى أن وقت نشره قد أزف ‪.‬‬
‫وأخشى فوات ذلك ‪,‬ل قدر الله ‪ ,‬وأسأله كل خير ‪.‬‬
‫ولذلك فإن ما جاء في كتابي هذا من أفكار ومبادئ هو مسؤوليتي‬
‫وحدي ‪ ,‬ويعبر عن آرائي الخاصة‪ ,‬وإن كنت أعتقد أن جلها ‪ ,‬وأكثرها ‪,‬‬
‫وغالبيتها الساحقة تشكل ‪ -‬والله أعلم ‪ -‬قاسما مشتركا لدى عموم‬
‫الجهاديين ‪ .‬كما علمت حالهم ‪ .‬وأنا بفضل الله منهم ‪ .‬وأرجو أن‬
‫يلقى الكتاب دعمهم وتأييدهم ورضاهم بعد رضا الله سبحانه‪.‬‬
‫وأخيرا أسف لعدم إخراجه إخراجا فنيا يناسب مستواه الذي‬ ‫‪-10‬‬
‫وفق الله إليه ‪ .‬وحسبنا الله على من ظلمنا ‪ ,‬ونعم الوكيل ‪.‬‬
‫وكما قلت ‪ ,‬فإني أعتذر عن الخلل والنقص ‪ .‬وأستغفر الله العظيم‬
‫وأتوب إليه عن كل زلل وخطأ ‪ .‬وأنا عائد عنه سلفا و متبرئ من كل‬
‫ما ل يرضي الله تبارك وتعالى ‪ ,‬ورسوله الكريم صلى الله عليه‬
‫وسلم مما قد يكون قد زل به القلم ‪ ,‬أو شطح به الفكر والخاطر‪.‬‬
‫وحسبي أني لم آل جهدا ‪ .‬والنقص في ابن آدم أصل وطبيعة ‪..‬‬
‫والمل في عفو الغفور الرحيم ‪.‬‬
‫وأسأل كل من يقرأ هذه السطور من المسلمين ‪ ,‬أن يدعو لي بظهر‬
‫الغيب ‪ ,‬وأن يسأل الله لي صلح ديني و دنياي وعاقبة أمري وحسن‬
‫الخاتمة ‪ .‬والثبات على الحق‪ .‬وأن يجمع لي شرف جهاد السيف‬
‫والقلم‪ ,‬ويتقبل مني ويغفر زللي ‪ .‬وأن ألقاه شهيدا في سبيله مقبل‬
‫غير مدبر‪ .‬فألقاه فيمن قال صلى الله عليه وسلم عنهم ‪ ( :‬أولئك‬
‫يضحك إليهم ربك ‪ .‬إن ربك إذا ضحك إلى عبد فل حساب عليه ( ‪ .‬فما‬
‫أهون وأسهل ما نلقي إن جعلنا فيهم ‪ ,‬وعافيته وسعت كل شيء‪.‬‬
‫وصلى الله وسلم وبارك على حبيبه المصطفى ‪ .‬وعلى آله وصحبه‬
‫وسلم ‪ .‬وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ‪.‬‬

‫الفقير لرحمة ربه وعفوه ‪:‬‬


‫) أبو مصعب السوري (‬
‫ذو القعدة ‪1425‬هـ ‪ /‬ديسمبر‬
‫‪2004‬‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 11 [ ‬‬

‫‪ ‬الفهرس ‪‬‬
‫إهداء ‪................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫مقدمة و تعريف بمراحل تبلور ونضوج أفكار هذا الكتاب‪..................‬‬ ‫‪‬‬
‫مع الفهرس ومنطق البحث ورسائل دعوة المقاومة السلمية‬ ‫‪‬‬
‫العالمية‪..........................................................................‬‬
‫فصل في الغربة والغرباء والظاهرين على الحق‪...........................‬‬ ‫‪‬‬

‫الجزء الول‪ ) :‬الجذور‪ -‬التاريخ – التجارب(‬


‫فصول تمهيدية في التاريخ والتحليل السياسي الشرعي والفقه‬ ‫‪‬‬
‫الجهادي الحركي‪...............................................................‬‬
‫• ‪..........................................................‬الفصل الول‪ :‬واقع المسلمين اليوم‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪.......................‬الفصل الثاني‪ :‬خلصة الحكام الشرعية في هذا الواقع‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫•‪..‬الفصل الثالث‪ :‬جذور النظام الدولي ومسار الصراع من قابيل إلى‬
‫بوش‪.............................................................................‬‬
‫•‪...‬الفصل الرابع‪ :‬الصراع مع الروم ومعادلت القوى فيه عبر التاريخ‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫•الفصل الخامس ‪ :‬خلصة مسار الصحوة السلمية (‪1349‬هـ‬
‫‪1930‬م – ‪1425‬هـ ‪2004‬م (‬
‫•‪.......‬الفصل السادس‪ :‬خلصة حصاد التيار الجهادي المسلح (‪1379‬هـ‬
‫‪1963‬م‪1425-‬هـ ‪2004‬م(‬
‫ُ‬
‫•‪....‬الفصل السابع ‪ :‬الحلول التي طرحت لدى الجهاديين للخروج من‬
‫الزمة‪.‬‬

‫الجزء الثاني‪ ):‬الدعوة ‪ -‬المنهج‪ -‬الطريقة(‬


‫• ‪.........................‬الفصل الثامن ‪ :‬نظريات المقاومة السلمية العالمية‪.‬‬
‫الول ‪ :‬نظرية المواجهة‪ :‬العقيدة الجهادية والفكر والمنهج ‪.‬‬
‫‪ -‬الباب‬
‫الثاني ‪ :‬النظرية السياسية لدعوة المقاومة السلمية العالمية ‪.‬‬
‫‪ -‬الباب‬
‫الثالث ‪ :‬نظرية التربية المتكاملة لدعوة المقاومة السلمية العالمية‬
‫‪ -‬الباب‬
‫الرابع ‪ :‬النظرية العسكرية لدعوة المقاومة السلمية العالمية‪.‬‬
‫‪ -‬الباب‬
‫الخامس‪ :‬نظرية التنظيم ونظام بناء سرايا المقاومة السلمية‬ ‫‪ -‬الباب‬
‫العالمية‪.‬‬
‫‪ -‬الباب السادس‪ :‬نظرية العداد والتدريب في سرايا المقاومة السلمية‬
‫العالمية‪..‬‬
‫‪ -‬الباب السابع‪ :‬نظرية تمويل سرايا المقاومة السلمية العالمية‬
‫‪ -‬الباب الثامن ‪ :‬نظرية العلم والتحريض لدعوة المقاومة السلمية‬
‫العالمية ‪.‬‬
‫• ‪..................................................................‬الفصل التاسع ‪ :‬وصايا و بشائر‪.‬‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة ‪] 12 [ ‬‬

‫مسك الختام ‪.‬‬ ‫‪‬‬


‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 13 [ ‬‬

‫صل لفقرات الكتاب ‪‬‬


‫ف ّ‬
‫م َ‬
‫‪ ‬الفهرس ال ُ‬
‫الفهرس التفصيلي للجزء الول‬

‫إهداء ‪................................................................................‬‬ ‫‪‬‬


‫مقدمة وتعريف ‪...................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪............................................................................................-‬محاور المقاومة‬
‫‪.............................................................................................‬‬
‫‪......................................................................................-‬مستويات المقاومة‬
‫‪.............................................................................................‬‬
‫‪.............................................................-‬من أجل الجيل الثالث من الجهاديين‬
‫‪.............................................................................................‬‬
‫‪................................................................-‬تعريف بمراحل تبلور أفكار الكتاب‬
‫‪.............................................................................................‬‬
‫مع الفهرس ‪.......................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫فصل في الغرباء والظاهرين على الحق‪.....................................‬‬ ‫‪‬‬

‫*********‬
‫الفصل الول ‪ :‬واقع المسلمين اليوم ‪........................................‬‬ ‫‪‬‬
‫• ‪..............................................................‬ذهاب الدين لدى أكثرية المسلمين‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫غياب الحكم بشرع الله‪................................................................‬‬ ‫‪-‬‬
‫احتلل المقدسات الثلثة عند المسلمين ‪..........................................‬‬ ‫‪-‬‬
‫فساد عقيدة التوحيد لدى الغالبية ‪...................................................‬‬ ‫‪-‬‬
‫انتشار الفسوق والعصيان والمنكرات‪..............................................‬‬ ‫‪-‬‬
‫غربة أهل الحق بين المسلمين‪.......................................................‬‬ ‫‪-‬‬
‫• ‪...........................................................................‬ذهاب دنيا أكثرية المسلمين‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫سرقة بيت مال المسلمين‪............................................................‬‬ ‫‪-‬‬
‫سوء توزيع الثروة بين المسلمين‪....................................................‬‬ ‫‪-‬‬
‫الظلم – القهر ‪ -‬الذل ‪ -‬الخوف ‪ -‬القتل الجماعي ‪.........................‬‬ ‫‪-‬‬
‫التهجير ‪ -‬انتهاك العراض القلق والضياع النفسي ‪...........................‬‬ ‫‪-‬‬
‫• ‪.....................................................................................................‬تسلط العداء‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫بلد المسلمين ميدان لنهب الثروات وسوق لتصريف المنتجات‪...............‬‬ ‫‪-‬‬
‫تسخير اليد العاملة السلمية لخدمة العداء‪......................................‬‬ ‫‪-‬‬
‫سلب الرادة لصالح العدو‪.............................................................‬‬ ‫‪-‬‬
‫الحتلل العسكري المباشر وغير المباشر‪.........................................‬‬ ‫‪-‬‬
‫التبعية الثقافية والفكرية للعدو‪.......................................................‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 14 [ ‬‬

‫• ‪..............................................‬واقع المسلمين بعد أحداث سبتمبر ‪2001‬م‬


‫‪....................................................................................‬‬
‫تدمير المارة السلمية في أفغانستان‪.............................................‬‬ ‫‪-‬‬
‫محاولة إبادة خلصة الصحوة السلمية‪.............................................‬‬ ‫‪-‬‬
‫العاصفة المنية المريكية على السلم والمسلمين ‪.............................‬‬ ‫‪-‬‬
‫انطلق الحملت الصليبية الثالثة بقيادة أمريكا‪....................................‬‬ ‫‪-‬‬
‫توسيع حلف الناتو على أسس صليبية‪..............................................‬‬ ‫‪-‬‬
‫توسيع التحاد الوربي على أسس صليبية‪..........................................‬‬ ‫‪-‬‬
‫انطلق البرنامج السرائيلي التلمودي‪...............................................‬‬ ‫‪-‬‬
‫انعدام أي معارضة دولية فاعلة لمريكا‪............................................‬‬ ‫‪-‬‬
‫• ‪...........................................‬أحوال العرب والمسلمين بعد أحداث سبتمبر‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫على صعيد الحكومات‪..................................................................‬‬ ‫‪-‬‬

‫على صعيد علماء المسلمين‪..........................................................‬‬ ‫‪-‬‬


‫على صعيد الصحوة السلمية‪........................................................‬‬ ‫‪-‬‬
‫على صعيد المة السلمية ‪...........................................................‬‬ ‫‪-‬‬
‫أحوال الجهاديين بعد سبتمبر ‪........................................................‬‬ ‫‪-‬‬

‫*********‬
‫الفصل الثاني ‪ :‬خلصة الحكام الشرعية في هذا الواقع ‪.................‬‬ ‫‪‬‬
‫• ‪ ....................................................................................................‬أحكام شرعية‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪ ......................................‬أدلة العقل والمنطق على أن الجهاد هو الحل‬
‫‪....................................................................................‬‬

‫*********‬
‫الفصل الثالث ‪ :‬النظام الدولي ومسار الصراع من قابيل إلى جورج‬ ‫‪‬‬
‫بوش‪..‬‬
‫• ‪.......................................................................‬بدايات الصراع ‪ :‬قال لقتلنك‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫•‪................................‬محطات في تاريخ الصراع من خلل قصص النبياء‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫عدم إمكانية عيش الحق والباطل في مكان واحد‪.............................‬‬ ‫‪-‬‬
‫الشر ل يندفع بالمواعظ وإنما بقطع دابره ‪........................................‬‬ ‫‪-‬‬
‫الصراع بين الحق والباطل أزلي ‪....................................................‬‬ ‫‪-‬‬
‫وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين‪.............................................‬‬ ‫‪-‬‬
‫إنك ل تهدي من أحببت ‪ ,‬ول رابطة بين مؤمن وكافر ‪...........................‬‬ ‫‪-‬‬
‫• ‪..........................‬نمو المجتمعات وقيام الممالك ونشوء مثلث السلطة‬
‫‪...................................................................................‬‬
‫• ‪...................................‬النموذج الفرعوني ( الحاكم والكاهن والعوان (‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫دور السحرة والكهنة وعلماء السلطان إلى جانب الفراعنة‪....................‬‬ ‫‪-‬‬
‫دور المل والعوان إلى جانب الفراعنة ‪............................................‬‬ ‫‪-‬‬
‫نشوء الممالك وزوالها ونظرية ابن خلدون ‪......................................‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 15 [ ‬‬

‫• ‪...................‬النظام الدولي زمن البعثة النبوية وصراع الفرس والروم‬


‫‪....................................................................................‬‬
‫• خلصة تاريخ الدول والممالك السلمية منذ لدولة النبوية إلى اليوم‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪....................................................................................................‬الدولة النبوية‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫•‪....................................................‬الدولة السلمية زمن الخلفاء الراشدين‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪.......................................................‬الدولة السلمية زمن الخلفة الموية‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪........................................................‬الدولة السلمية من الخلفة العباسية‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪..............................‬أهم الدول السلمية المستقلة منذ العصر العباسي‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪......................................................................‬الدولة السلمية في الندلس‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪...........................................‬أعمار الدول السلمية قبل الدولة العثمانية‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪..................................................................‬أسباب انهيار الخلفة السلمية‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪..................................‬من أسباب تتابع انهيار الدول والممالك السلمية‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪.................................................................‬الغزو الخارجي للعالم السلمي‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫•‪...........‬الحملت الصليبية على العالم السلمي في القرن (‪ 13-11‬م‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪..................................................‬اجتياح التتار ( المغول ( للعالم السلمي‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪...................................‬تعليقات وملحظات على مسار التاريخ السلمي‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪..............................................‬الدولة السلمية في عهد الخلفة العثمانية‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪............................................................‬أهم أسباب سقوط الدولة العثمانية‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪.......................................................................‬تقييم موجز للخلفة لعثمانية‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪..................‬استعراض سريع لحوال دول العالم السلمي منذ سقوط‬
‫العثمانيين ‪......................................................................‬‬
‫نبذة عن التاريخ الحديث للعالم العربي ‪............................................‬‬ ‫‪-‬‬
‫نبذة عن التاريخ الحديث لبعض دول العالم السلمي ‪...........................‬‬ ‫‪-‬‬
‫•‪..........................................................‬نبذة سريعة وموجزة عن تاريخ الروم‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 16 [ ‬‬

‫• ‪.......................‬أهم أسباب نهضة الروم المعاصرين ( الدول الوربية (‬


‫‪....................................................................................‬‬
‫• السيطرة اليهودية على الروم المعاصرين ( أوربا وأمريكا وروسيا(‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫اليهود والثورة الشيوعية البلشفية‪..................................................‬‬ ‫‪-‬‬
‫مؤتمر يالطة سنة ‪1945‬والحضور اليهودي فيه‪...................................‬‬ ‫‪-‬‬
‫تسلط اليهود على أوربا ‪...............................................................‬‬ ‫‪-‬‬
‫تسلط اليهود على أمريكا ‪.............................................................‬‬ ‫‪-‬‬
‫•‪..............‬تطور النظام الدولي وخلصة الصراع بين المسلمين والروم‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫•‪.......................‬قيام المبراطوريتين السوفيتية والمريكية وصراعهما‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪.......‬هزيمة السوفيت في أفغانستان‪ ,‬وقيام النظام العالمي الجديد‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪......................................‬أحداث سبتمبر ‪2001‬م واحتلل العراق ‪2003‬م‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪...........‬جدول بخلصة النظام الدولي والصراع بين المسلمين والروم‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫*********‬
‫الفصل الرابع‪ :‬الصراع مع والروم ومعادلت القوى فيه عبر التاريخ‪....‬‬ ‫‪‬‬
‫• ‪......................................................‬المرجعيات عند المسلمين عبر التاريخ‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪..................................................‬الحملت الصليبية الولى (‪(1291-1050‬‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪....................................................‬الحملت الصليبية الثانية(‪(1970-1798‬‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫الغزو الفكري للمسلمين ونتائجه في الواقع السياسي‪..........................‬‬ ‫‪-‬‬
‫بداية الحملت الصليبية الثانية‪........................................................‬‬ ‫‪-‬‬
‫حالة المرجعيات عند المسلمين إبان الحملة الصليبية الثانية‪...................‬‬ ‫‪-‬‬
‫• ‪...........................‬مرحلة الستقلل الشكلي‪ ,‬وبداية الستعمار الحديث‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫•‪.....‬مسار المأساة وأسبابها بين الحملتين الصليبيتين الولى والثالثة‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫•‪................................................‬خط التحول التاريخي في واقع المسلمين‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫أوربا وحرب الكلمة بدل حرب السيف ‪.............................................‬‬ ‫‪-‬‬
‫محمد علي باشا وريث نابليون ‪......................................................‬‬ ‫‪-‬‬
‫صالون الميرة نازلي في مصر ورجالته ‪..........................................‬‬ ‫‪-‬‬
‫كرومر حاكم مصر النكليزي والقس المبشر دنلوب‪.............................‬‬ ‫‪-‬‬
‫مؤتمر بال في سويسرا ‪1897‬م‪...................................................‬‬ ‫‪-‬‬
‫السلطان عبد الحميد يقطع الطريق على اليهود إلى فلسطين ‪...............‬‬ ‫‪-‬‬
‫مصطفى كمال أتاتورك يحطم تركيا ويلغي الخلفة ‪.............................‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 17 [ ‬‬

‫•‪ ........................‬حالة العالم السلمي بعد منتصف القرن التاسع عشر‬


‫‪....................................................................................‬‬
‫أحوال العالم السلمي العربي‪.......................................................‬‬ ‫‪-‬‬
‫أحوال بقية العالم السلمي‪..........................................................‬‬ ‫‪-‬‬
‫• ‪......................................................................‬مدرسة مد الجسور نحو الغرب‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫مدرسة السيخ محمد عبده في مصر ‪...............................................‬‬ ‫‪-‬‬
‫مدرسة أحمد خان بهادور في الهند ‪.................................................‬‬ ‫‪-‬‬
‫مدرسة وحيد الدين خان في الهند ‪..................................................‬‬ ‫‪-‬‬
‫• ‪...........‬المستشرق النكليزي (جب( يصف حال المسلمين سنة ‪1932‬‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪......................‬المبشر ( زويمر( يصف المسلمين الذين يريدهم الغرب‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪..............................‬الدعوة القومية وأسبابها الحقيقية ورجالها الوائل‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫محمد علي باشا والفرنسيون والقومية‪.......................................... ..‬‬ ‫‪-‬‬
‫البعثات التبشيرية البروتستانتية ) المريكية ( في مصر والشام‪...............‬‬ ‫‪-‬‬
‫الجمعيات القومية في مصر والشام ‪..............................................‬‬ ‫‪-‬‬
‫دور الكواكبي والفغاني ومحمد عبده ‪.............................................‬‬ ‫‪-‬‬
‫القومية بعد الحرب العالمية الولى ‪.................................................‬‬ ‫‪-‬‬
‫حزب البعث العربي الشتراكي ‪....................................................‬‬ ‫‪-‬‬
‫النقلبات العسكرية والقومية‪........................................................‬‬ ‫‪-‬‬
‫القومية التركية الطورانية‪.............................................................‬‬ ‫‪-‬‬
‫مقارنة بين فكرة القومية العربية والقومية الطورانية ‪..........................‬‬ ‫‪-‬‬
‫• ‪........................................................................‬الشيوعية في العالم العربي‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫الحزب الشيوعي في مصر ‪..........................................................‬‬ ‫‪-‬‬
‫الحزب الشيوعي في العراق‪.........................................................‬‬ ‫‪-‬‬
‫الحزب الشيوعي السوري اللبناني‪..................................................‬‬ ‫‪-‬‬
‫الحزب الشيوعي الفلسطيني الردني ‪.............................................‬‬ ‫‪-‬‬
‫الشيوعيون العرب وقضية فلسطين ‪...............................................‬‬ ‫‪-‬‬
‫•‪....‬هزائم العرب والمسلمين وانهيارهم منذ منتصف القرن العشرين‬
‫‪...................................................................................‬‬
‫• ‪ ........................................................................‬جذور البلء وأسباب الهزيمة‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫•‪.............‬النظام العالمي الجديد والحملت الصليبية الثالثة على العالم‬
‫السلمي ‪.......................................................................‬‬
‫الحملت الصليبية الثالثة‪......................................................‬‬ ‫أسباب‬ ‫‪-‬‬
‫متعلقة بالروم المعاصرين ‪..................................................‬‬ ‫أسباب‬ ‫‪-‬‬
‫متعلقة بالبرنامج اليهودي ‪...................................................‬‬ ‫أسباب‬ ‫‪-‬‬
‫متعلقة بأحوال العالم السلمي ‪............................................‬‬ ‫أسباب‬ ‫‪-‬‬
‫• ‪................................................................‬محطات الحملت الصليبية الثالثة‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫الحرب المريكية الولى على العراق )تحرير الكويت‪1990 -‬م( ‪.............‬‬ ‫‪-‬‬
‫المذابح الصليبية للمسلمين في البلقان والقفقاس ) ‪1994‬م ( ‪..............‬‬ ‫‪-‬‬
‫حصار أفغانستان والطالبان وتدمير المارة السلمية )‪2001‬م( ‪.............‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 18 [ ‬‬

‫حرب احتلل العراق )‪2003‬م( والزحف على الشرق الوسط ‪..............‬‬ ‫‪-‬‬
‫•‪........‬حالة المرجعيات في العالم السلمي ‪ ,‬ووقوف التيار الجهادي‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪..................‬وحيدا في مواجهة الحملت الصليبية الثالثة بقيادة أمريكا‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪.............‬وقفة تأملية مع معادلت الصراع بين المسلمين والصليبيين‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• دور المنافقين من علماء السلطان والفاسدين من قيادات الصحوة‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪......................................‬في هزيمة المة السلمية وطليعتها المجاهدة‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪...............‬المؤسسة الدينية الرسمية في السعودية ودورها إلى جانب‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪...................................................‬الحملت الصليبية في هزيمة المسلمين‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫•‪.......‬موقف علماء السلطان في العالم السلمي من احتلل العراق‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫*********‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 19 [ ‬‬

‫الفصل الخامس ‪ :‬مختصر مسار الصحوة السلمية (‪. . . . (2000-1930‬‬ ‫‪‬‬


‫• ‪................................‬الطوار الرئيسية التي مرت بها الصحوة السلمية‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫المرحلة الولى ‪ -‬مرحلة النشأة ‪(1965-1930 ) -‬م ‪...........................‬‬ ‫‪-‬‬
‫المرحلة الثانية – مرحلة التمايز‪(1990-1965 ) -‬م ‪............................‬‬ ‫‪-‬‬
‫المرحلة الثالثة – مرحلة الزمات – )‪(2000-1990‬م ‪..........................‬‬ ‫‪-‬‬
‫• ‪..........................‬الصحوة السلمية في عالم ما بعد سبتمبر (‪2001‬م(‬
‫‪...................................................................................‬‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪.......................‬الخلصة في مسار الصحوة السلمية (‪2001-1930‬م(‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫•‪....‬وقفة مع انتشار عقيدة الرجاء السياسي في الصحوة السلمية‬
‫‪....................................................................................‬‬

‫*********‬
‫الفصل السادس ‪ :‬مسار التيار الجهادي وتجاربه (‪2001 -1960‬م( ‪.....‬‬ ‫‪‬‬
‫• ‪....................................................................‬تعريف التيار الجهادي وتصنيفه‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪............................‬نشأة التيار الجهادي المعاصر وتطوره فكريا ً وحركيا ً‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪................................................‬أهم المحاولت الجهادية (‪2000-1960‬م(‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫•‪........‬المحطة الرئيسية في مسار التيار الجهادي ( الجهاد الفغاني(‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪...................................‬دور أمريكا المزعوم في انتصار الجهاد الفغاني‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫•‪....‬حقيقة شبهة علقة الفغان العرب بأمريكا خلل الجهاد الفغاني‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪.....................‬أثر مرحلة الجهاد الفغاني على التيار الجهادي المعاصر‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪..........‬التيار الجهادي في مرحلة الشتات والملذات (‪1996-1992‬م(‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫•‪.....‬الشوط الثاني للفغان العرب في ظل طالبان (‪2001 -1996‬م(‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪............‬أهم التجارب الجهادية المسلحة في النصف الثاني من القرن‬
‫العشرين ‪.......................................................................‬‬
‫تجربة حركة الشبيلة المغربية بقيادة عبد الكريم مطيع )‪........ (1963‬‬ ‫‪-1‬‬ ‫‪-‬‬
‫تجربة تنظيم الجهاد المصري )‪(2001-1965‬م ‪.............................‬‬ ‫‪-2‬‬ ‫‪-‬‬
‫التجربة الجهادية في سوريا )‪(1983-1965‬م ‪...............................‬‬ ‫‪-3‬‬ ‫‪-‬‬
‫تجربة حركة الدولة السلمية في الجزائر )‪(1976-1973‬م ‪..............‬‬ ‫‪-4‬‬ ‫‪-‬‬
‫تجربة الجماعة السلمية في مصر )‪(2001-1975‬م ‪......................‬‬ ‫‪-5‬‬ ‫‪-‬‬
‫التجربة الجهادية في تونس أوائل الثمانينات ‪.................................‬‬ ‫‪-6‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 20 [ ‬‬

‫‪ -7‬تجربة الجماعة السلمية المقاتلة في ليبيا )‪(2001-1990‬م ‪.............‬‬ ‫‪-‬‬


‫‪ -8‬التجارب الجهادية المعاصرة في الجزائر منذ )‪(1991‬م ‪...................‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -9‬التجارب الجهادية في اليمن منذ )‪(1990‬م ‪..................................‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -10‬المحاولت الجهادية في المغرب منذ )‪(1995‬م ‪...........................‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -11‬محاولة الفغان العرب اللبنانيون في جبال النبطية )‪(1999‬م ‪.........‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -12‬التجربة الجهادية في طاجيكستان )‪(2000-1992‬م ‪......................‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -13‬التجربة الجهادية في أوزبكستان )‪( 2001-1998‬م ‪......................‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -14‬التجربة الجهادية لمجاهدي تركستان الشرقية )‪(2001-1975‬م ‪......‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -15‬تجربة الشيخ أسامة وتنظيم القاعدة ضد أمريكا منذ )‪.......... (1996‬‬ ‫‪-‬‬
‫• ‪............................‬خلصة الساسيات العقدية والفكرية للتيار الجهادي‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪.............................‬التيار الجهادي وقعر الزمات نهاية القرن العشرين‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪.......‬الخطوط العامة للبرنامج الدولي لمكافحة الرهاب منذ (‪(1990‬‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫•‪.....‬الجهاديون والفرصة الضائعة في رحاب الطالبان (‪(2001-1996‬‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪...........‬الفكار التي طرحت لدى الجهاديين لحل الزمة منذ (‪( 1996‬‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪...............................‬منطلقات دعوة المقاومة وآلية استخراج نظرياتها‬
‫‪....................................................................................‬‬

‫*********‬
‫الفصل السابع ‪:‬حصاد التيار الجهادي (‪(2001-1960‬م ‪...................‬‬ ‫‪‬‬
‫• ‪................................................‬مبدأ المراجعة والتقييم ومعوقات تطبيقه‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪............................................‬الصحوة السلمية ومبدأ المراجعة والتقييم‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪ ..........‬تقييم المسار و حصاد الجهاديين (‪ - 1960‬سبتمبر ‪( 2001‬م‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪......................................‬أسباب فشل التيار الجهادي في تحقيق أهدافه‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪.................................................‬إنجازات التيار الجهادي خلل أربعين عاما‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫•‪......................‬الحصاد السلبي وأخطاء التيار الجهادي عبر أربعين عاما‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫في المنهج والتفكير‪............................................................‬‬ ‫أخطاء‬ ‫‪-‬‬
‫في البنية والهيكل‪..............................................................‬‬ ‫أخطاء‬ ‫‪-‬‬
‫في أسلوب العمل‪.............................................................‬‬ ‫أخطاء‬ ‫‪-‬‬
‫أخرى عامة‪......................................................................‬‬ ‫أخطاء‬ ‫‪-‬‬

‫*********‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 21 [ ‬‬

‫الفهرس التفصيلي للجزء الثاني‬

‫• ‪........................................................................................‬مقدمة الجزء الثاني‬


‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪.........................................................‬الثابت والمتحول في الفكر الجهادي‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪.....................................................‬نظريات دعوة المقاومة نظريات عملية‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫•‪......‬آلية توليد نظريات المقاومة و منهج الثبات والتصحيح والتطوير‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪.................................................‬خصائص وملمح نظريات دعوة المقاومة‬
‫‪....................................................................................‬‬

‫***********‬
‫الفصل الثامن ‪ :‬نظريات دعوة المقاومة السلمية العالمية ‪.............‬‬ ‫‪‬‬
‫• ‪ .....................................‬الباب الول ‪ :‬نظرية المنهج والعقيدة القتالية‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫العقيدة القتالية‬ ‫‪-‬‬

‫الفارق بين المقاتل والجندي العقائدي‬ ‫‪-‬‬

‫العقيدة الجهادية عند المسلمين‬ ‫‪-‬‬

‫أثر غياب العقيدة الجهادية لدى المسلمين‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -‬العقيدة الجهادية في الصحوة السلمية المعاصرة والتيار‬


‫الجهادي‬

‫حالة العقيدة الجهادية في المة اليوم‬ ‫‪-‬‬

‫من تكتيكات حرب الفكار المريكية‬ ‫‪-‬‬

‫•‪ ......‬مقومات العقيدة الجهادية والفكر والمنهج في دعوة المقاومة‬


‫‪....................................................................................‬‬
‫موجز في المناحي العامة لعقيدة أهل السنة والجماعة‬ ‫‪-‬‬

‫من آثار وجود العقيدة السلمية حية في قلب المسلم‬ ‫‪-‬‬

‫من آثار غياب العقيدة السلمية عند المسلمين‬ ‫‪-‬‬

‫المناحي العامة للعقيدة الجهادية لدعوة المقاومة‬ ‫‪-‬‬

‫• ‪ ............................................‬دستور دعوة المقاومة السلمية العالمية‬


‫‪....................................................................................‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 22 [ ‬‬

‫•‪ .‬الدلة الشرعية على النقاط الساسية للعقيدة الجهادية للمقاومة‬


‫‪....................................................................................‬‬
‫أدلة كفر الحكومات الموالية للكفار الحاكمة بغير ما أنزل الله‬ ‫‪-‬‬

‫عقيدة الولء والبراء وحكم موالة الكافرين‬ ‫‪-‬‬

‫الجماع على وجوب الخروج على الحاكم المرتد‬ ‫‪-‬‬

‫أحكام الديار‬ ‫‪-‬‬

‫بلد المسلمين محتلة اليوم والجهاد فرض عين على كل مسلم‬ ‫‪-‬‬

‫أدلة ردة كل من تعاون مع الكفار وأعانهم على المسلمين‬ ‫‪-‬‬

‫أعذار الجهل والكراه والتأويل وانتفاء القصد‬ ‫‪-‬‬

‫بحث عذر الجندي المقاتل للمسلمين مع الكافرين‬ ‫‪-‬‬

‫وجوب أو جواز قتال الصائل المسلم على المسلمين‬ ‫‪-‬‬

‫حرمة دماء المسلمين وحل دماء الكفار المعتدين‬ ‫‪-‬‬

‫وجوب نصرة المسلمين ‪ ,‬والغزو مع كل بر وفاجر منهم‬ ‫‪-‬‬

‫مسألة الحكم الشرعي في الديمقراطية ‪ .‬وتجارب السلميين فيها‬ ‫‪-‬‬

‫مسألة الخلف العقدي والمذهبي ضمن أهل السنة والجماعة‬ ‫‪-‬‬

‫مسألة التكفير‬ ‫‪-‬‬

‫الباب الثاني ‪ :‬أسس النظرية السياسية لدعوة المقاومة السلمية‬ ‫‪‬‬


‫العالمية‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪ .................................................................‬مفاهيم ومبادئ سياسية عامة‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫مكانة السياسة الشرعية‬ ‫‪-‬‬

‫العلقة بين الشريعة والسياسة‬ ‫‪-‬‬

‫أعمال المقاومة وبعدها السياسي‬ ‫‪-‬‬

‫المقاومة ونظرية التجنيد والتحييد والتفكيك‬ ‫‪-‬‬

‫نظرية الحشد ومفتاح الصراع والمناخ الثوري‬ ‫‪-‬‬

‫حدود دائرة الصراع‬ ‫‪-‬‬

‫مفهوم القواسم المشتركة في الصراعات السياسية‬ ‫‪-‬‬


‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 23 [ ‬‬

‫الستراتيجية والتكتيك وهوامش المناورة السياسية‬ ‫‪-‬‬

‫نظرية البناء والهدم في التحرك الستراتيجي‬ ‫‪-‬‬

‫المحاكمات الثلثة للقرار السياسي الشرعي التحرك‬ ‫‪-‬‬

‫استناد أحكام الجهاد لمعطيات الواقع‬ ‫‪-‬‬

‫•‪ ............‬خلصة واقع الحملت المريكية والواقع العربي و السلمي‬


‫إزاءها ‪...........................................................................‬‬
‫طبيعة الحملت المريكية ومحاورها وأهدافها ووسائلها‬ ‫‪-‬‬

‫واقع المة السلمية والعربية في مواجهة الحملت المريكية‬ ‫‪-‬‬

‫معسكر المقاومة ومعسكر الحياد ومعسكر العدو‬ ‫‪-‬‬

‫أمريكا وحلفاؤها في الخارج‬ ‫‪-‬‬

‫حلفاء أمريكا في الصف السلمي‬ ‫‪-‬‬

‫قوى المقاومة وأنصارها وحلفاؤها‬ ‫‪-‬‬

‫واقع معسكر الجهدبين المقاومة والحلف المريكي‬ ‫‪-‬‬

‫• ‪ .‬أركان الستراتيجية السياسية لدعوة المقاومة السلمية العالمية‬


‫‪....................................................................................‬‬
‫الباب الثالث ‪ :‬نظرية التربية المتكاملة لدعوة المقاومة السلمية‬ ‫‪‬‬
‫العالمية ‪.‬‬
‫• ‪ ..........................................................‬مناحي التربية عند مدارس الصحوة‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪ ...........................‬المجال الول في التربية ‪ :‬العقيدة والعلم الشرعي‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫منزلة العلم وفضله‬ ‫‪-‬‬

‫العقيدة‬ ‫‪-‬‬

‫العلم الشرعي‬ ‫‪-‬‬

‫أحكام شرعية ومسائل هامة لمجاهدي المقاومة‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -1‬جهاد العدو البعد‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -2‬حكم الستئذان في الجهاد‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -3‬الجهاد في غياب المير الواحد‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -4‬قتال الواحد إذا قعد الناس‬ ‫‪-‬‬


‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 24 [ ‬‬

‫‪ -5‬الجهاد مع الفساق والفجار‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -6‬قتل المدنيين من الكفار وإفساد أموالهم‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -7‬حكم العمليات الستشهادية‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -8‬حكم أسرى العدو‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -9‬حكم الجاسوس الكافر والذي ظاهره السلم‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -10‬حزمة بيع العدو ما يتقوى به على المسلمين‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -11‬تترس الكفار في الحرب بغير المحاربين منهم أو بالمسلمين‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -12‬لفتة هامة في مسألة التهاون في دماء المسلمين بدعوى التترس‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -13‬حكم السكن في ديار المشركين‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -14‬حكم منع التمثيل والتشويه ‪ ,‬والتعامل مع جيف المشركين‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -15‬البيعة في الحرب‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -16‬أحكام الشهيد‬ ‫‪-‬‬

‫•‪ ........‬المجال الثاني في التربية ‪ :‬الدب والعبادة والخلق والرقائق‬


‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪ ..................................................................................................‬الداب العامة‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫•‪ ......................................................................................‬أدب الصحبة والخوة‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪ .............................................................................................‬من آداب الجهاد‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫•‪ .........................................................................................‬العبادات والنوافل‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫الصلة‬ ‫‪-‬‬

‫الزكاة‬ ‫‪-‬‬

‫صوم رمضان‬ ‫‪-‬‬

‫الحج‬ ‫‪-‬‬

‫فضائل العمال والنوافل والذكار‬ ‫‪-‬‬

‫أذكار الصباح والمساء‬ ‫‪-‬‬

‫•‪ ..........................................................................‬الخلق والتربية السلوكية‬


‫‪....................................................................................‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 25 [ ‬‬

‫بيان فضل حسن الخلق ومذمة سوء الخلق‬ ‫‪-‬‬

‫الخلص‬ ‫‪-‬‬

‫الحسان‬ ‫‪-‬‬

‫الستقامة‬ ‫‪-‬‬

‫الصدق‬ ‫‪-‬‬

‫التوكل‬ ‫‪-‬‬

‫المانة‬ ‫‪-‬‬

‫الحياء‬ ‫‪-‬‬

‫حفظ اللسان‬ ‫‪-‬‬

‫اليقين‬ ‫‪-‬‬

‫الصبر‬ ‫‪-‬‬

‫الكرم‬ ‫‪-‬‬

‫اليثار‬ ‫‪-‬‬

‫الرفق والحلم‬ ‫‪-‬‬

‫الرحمة‬ ‫‪-‬‬

‫القوة‬ ‫‪-‬‬

‫العفو والعراض عن الجاهلين‬ ‫‪-‬‬

‫الذلة على المؤمنين والعزة على الكافرين‬ ‫‪-‬‬

‫التواضع‬ ‫‪-‬‬

‫السمع والطاعة للمير الشرعي‬ ‫‪-‬‬

‫التحذير من سوء الخلق‬ ‫‪-‬‬

‫الرياء والسمعة‬ ‫‪-‬‬

‫العجب والغرور‬ ‫‪-‬‬

‫البخل‬ ‫‪-‬‬

‫الظلم‬ ‫‪-‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 26 [ ‬‬

‫حب السلطان والمارة‬ ‫‪-‬‬

‫الكذب‬ ‫‪-‬‬

‫الغيبة‬ ‫‪-‬‬

‫النميمة‬ ‫‪-‬‬

‫ذو الوجهين‬ ‫‪-‬‬

‫إشاعة الفاحشة في اللذين آمنوا‬ ‫‪-‬‬

‫شهادة الزور‬ ‫‪-‬‬

‫الفحش والبذاءة‬ ‫‪-‬‬

‫لعن النسان والدواب‬ ‫‪-‬‬

‫سب المسلم بغير حق‬ ‫‪-‬‬

‫اليذاء‬ ‫‪-‬‬

‫الحسد‬ ‫‪-‬‬

‫التجسس والتسمع إلى كلم من يكره ذلك‬ ‫‪-‬‬

‫سوء الظن بالمسلمين‬ ‫‪-‬‬

‫احتقار المسلمين‬ ‫‪-‬‬

‫إظهار الشماتة بالمسلم‬ ‫‪-‬‬

‫الغش والخداع‬ ‫‪-‬‬

‫الغدر‬ ‫‪-‬‬

‫المن بالعطية‬ ‫‪-‬‬

‫الفتخار والبغي‬ ‫‪-‬‬

‫هجران المسلم فوق ثلث بغير سبب شرعي‬ ‫‪-‬‬

‫•‪ ..............................................................‬الرقائق والزهد وأمراض القلوب‬


‫‪....................................................................................‬‬
‫ذكر الموت وقصر المل‬ ‫‪-‬‬

‫ذكر الجنة والنار‬ ‫‪-‬‬

‫المراقبة والمحاسبة‬ ‫‪-‬‬


‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 27 [ ‬‬

‫الخوف‬ ‫‪-‬‬

‫الرجاء‬ ‫‪-‬‬

‫التوبة‬ ‫‪-‬‬

‫الورع‬ ‫‪-‬‬

‫الخشوع‬ ‫‪-‬‬

‫الزهد‬ ‫‪-‬‬

‫فضل الزهد في الدنيا‬ ‫‪-‬‬

‫فضل الجوع وخشونة العيش‬ ‫‪-‬‬

‫أمراض القلوب وعلجها‬ ‫‪-‬‬

‫• ‪ ................................................................‬برنامج تربوي ووصايا للمجاهد‬


‫‪....................................................................................‬‬
‫•‪ ...................................‬المجال الثالث ‪ :‬الفهم السياسي وفقه الواقع‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪ ............................................‬المجال الرابع ‪ :‬التربية العسكرية والعداد‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪ .......................‬المجال الخامس ‪ :‬التربية العملية بأداء فريضة الجهاد‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪ ..........‬مراتب الجهاد‪ :‬جهاد النفس والشيطان والكفار والمنافقين‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪ ...........................................................‬خصائص القاعدة الصلبة المجاهدة‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪..................‬أثر الذنوب والمعاصي في نزول البلء والهزيمة بالمسلم‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫الباب الرابع ‪ :‬النظرية العسكرية لدعوة المقاومة السلمية العالمية‬ ‫‪‬‬
‫• ‪........‬استعراض أساليب الجهاد في مسارنا الماضي(‪(2001-1960‬م‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪...............................‬مدرسة التنظيمات ( القطرية – السرية‪ -‬الهرمية (‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪......................................................‬مدرسة الجهاد في الجبهات المفتوحة‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪...................................................‬مدرسة الجهاد الفردي والخليا الصغيرة‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪..........................................................................................‬فكرة النتماء للمة‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪............................................................‬النظرية العسكرية لدعوة المقاومة‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 28 [ ‬‬

‫• ‪....................................................‬مقومات الجهاد في الجبهات المفتوحة‬


‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪....................................................‬جهاد الرهاب الفردي والخليا الصغيرة‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫مفهوم الرهاب‬ ‫‪-‬‬

‫إرهاب العداء فريضة شرعية واغتيال رؤسهم سنة نبوية‬ ‫‪-‬‬

‫الضرورات التي تحتم استخدام المقاومة لسلوب الجهاد الفردي‬ ‫‪-‬‬

‫السس العامة لنظرية الجهاد الفردي‬ ‫‪-‬‬

‫ساحات العمل الساسية في جهاد الرهاب الفردي‬ ‫‪-‬‬

‫أهم الهداف المعادية في جهاد الرهاب الفردي‬ ‫‪-‬‬

‫البعد القتصادي للحتلل المريكي‬ ‫‪-‬‬

‫ضرب حلفاء العدو الستراتيجيين في بلدنا‬ ‫‪-‬‬

‫•‪.....‬تنبيه هام ‪ :‬جهاد علماء الضللة المنافقين بالحجة وليس بالسلح‬


‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪....................................‬ضرب الغزاة في بلدهم وأهم الهداف في ذلك‬
‫‪..................................................................................‬‬
‫• ‪...........................................................................‬استراتيجية الردع بالرهاب‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪.............‬آلية عمل سرايا المقاومة ونظريتها العسكرية ونظام عملها‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪.............................................‬خصائص طريقة عمل سرايا دعوة المقاومة‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪...................................................‬أنواع سرايا المقاومة ومستوى عملياتها‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫•‪.......‬الثقافة الرهابية والملكة الرهابية والصفات المكتسبة للمقاتل‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫•‪.................................‬العلقة بين جهاد الجبهات وجهاد الرهاب الفردي‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫الباب الخامس‪ :‬نظرية التنظيم ونظام عمل سرايا المقاومة‬ ‫‪‬‬
‫السلمية العالمية‪.‬‬
‫• ‪...............................................‬أسس ومقومات بناء التنظيمات التقليدية‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪.............................................‬أسس ومقومات بناء سرايا دعوة المقاومة‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪................................................‬الدوائر التنظيمية الثلثة لدعوة المقاومة‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 29 [ ‬‬

‫•‪..................................................‬أنواع سرايا المقاومة السلمية العالمية‬


‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪...............................................‬إيضاحات على طريق بناء سرايا المقاومة‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫الباب السادس ‪ :‬نظرية العداد والتدريب في دعوة المقاومة‬ ‫‪‬‬
‫السلمية العالمية‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪.....................‬استعراض طرق التدريب في التجارب الجهادية الماضية‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪ ..........................................................................‬التدريب السري في البيوت‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪.................................................‬التدريب في المعسكرات السرية الصغيرة‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪...........................................‬التدريب في معسكرات دول الملذات المنة‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫•‪..................................‬التدريب العلني في معسكرات الجبهات المفتوحة‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪.................................................‬التدريب شبه العلني في مناطق الفوضى‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪......................................................................‬مفهوم العداد وسببه وهدفه‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪.......................................................‬ظاهرة معاصرة غريبة في دنيا العداد‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪........................................................‬أسلحة المقاومة والعصابات الجهادية‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪............................‬تدريب سرايا المقاومة اليوم ( السلوب والسلحة (‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪.................................................‬فكرة مختصرة عن برنامج تدريب السرية‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫الباب السابع ‪ :‬نظرية تمويل سرايا المقاومة السلمية العالمية ‪.......‬‬ ‫‪‬‬
‫• ‪.........................................‬طرق التمويل في التجارب الجهادية الماضية‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪................................................‬الطرق المقترحة لتمويل سرايا المقاومة‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪......................................................‬الموال التي يحل غنيمتها للمجاهدين‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪ ......................................................‬طريقة تقسيم غنائم سرايا المقاومة‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫الباب الثامن ‪ :‬نظرية العلم والتحريض في دعوة المقاومة ‪...........‬‬ ‫‪‬‬
‫• ‪..............................................................‬طرق التحريض على الجهاد قديما‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 30 [ ‬‬

‫• ‪.............................................‬خلصة نظرية التحريض في دعوة المقاومة‬


‫‪....................................................................................‬‬
‫•‪................................................................................‬سرايا التحريض والعلم‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫•‪......................‬أساليب وأفكار إعلمية تحريضية على الجهاد والمقاومة‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫•‪................................................................................‬شواهد مختارة للتحريض‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪.............................................‬فريضة المر بالمعروف والنهي عن المنكر‬
‫‪...................................................................................‬‬
‫• ‪...........................‬من تراث المام الشهيد عبد الله عزام في التحريض‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫•‪ ...................................................................................................‬الجهاد بالمال‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪.................................................................................‬القعود وطمس البصيرة‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪..................................................................................................‬مبررات الجهاد‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪......................................................................‬فضل الشهادة في سبيل الله‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪.....................................................................................................‬فضل الهجرة‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪........................................................................................‬ضل العداد والرمي‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪.....................................................................................................‬فضل الرباط‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪..........................................................‬نصوص في الجهاد والعداد والقتال‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪.................................................................‬رعاية أسر المجاهدين والشهداء‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫•‪.................................................................................................‬من أنواع الجهاد‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪..................................................................................‬مبررات القتال ودوافعه‬
‫‪....................................................................................‬‬

‫***********‬
‫الفصل التاسع ‪ :‬وصايا و مبشرات ‪............................................‬‬ ‫‪‬‬
‫• ‪..................................................................................................‬وصايا ومحاذير‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫•‪ .........................................................‬استشراف المستقبل وبشائر النصر‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 31 [ ‬‬

‫مسك الختام‬ ‫‪‬‬


‫‪....................................................................................‬‬

‫• ‪.......................................‬جولة مع مختارات من أحاديث الملحم والفتن‬


‫‪....................................................................................‬‬
‫•‪.........................................................‬وأحداث آخر الزمان وأشراط الساعة‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫)‪ - (1‬فساد الحوال في آخر الزمان ‪ ,‬وبلء المؤمنين فيه‬ ‫‪-‬‬

‫)‪ – (2‬العلماء في آخر الزمان‬ ‫‪-‬‬

‫)‪ - (3‬غربة الصالحين في آخر الزمان‬ ‫‪-‬‬

‫)‪ - (4‬علمات الساعة‬ ‫‪-‬‬

‫)‪ – (5‬المهدي وعلماته ‪ ,‬والرايات السود والسفياني والقحطاني‬ ‫‪-‬‬

‫)‪ – (6‬الملحم مع الروم‬ ‫‪-‬‬

‫)‪ – (7‬خروج الدجال ونزول عيسى عليه السلم‬ ‫‪-‬‬

‫)‪ – (8‬خروج يأجوج ومأجوج‬ ‫‪-‬‬

‫***********‬
‫وهذه وصيتي‬ ‫‪‬‬
‫‪....................................................................................‬‬

‫***********‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 32 [ ‬‬

‫‪ ‬تقديم ‪‬‬
‫تعيش المة السلمية مطلع القرن الحادي والعشرين الميلدي وقائع الغزو‬ ‫‪‬‬
‫المريكي الصهيوني الصليبي الغربي ‪ ,‬ووقائع التحالف الكامل الذي تبديه‬
‫النظمة الحاكمة وقوى النفاق في العالم العربي والسلمي في تعاونها مع‬
‫قوى الكفر الغازية ‪..‬‬
‫لقد تفانت كثير من كوادر التيار الجهادي وانقرضت شريحة كبيرة من قواعده ‪,‬‬ ‫‪‬‬
‫بفعل الهجمة العسكرية المنية لهذا الحلف ‪ ,..‬وأصبح التيار الجهادي مهددا في‬
‫استمراريته ‪ ,‬وفي الحفاظ على تراثه الفقهي والمنهجي الصيل ‪.‬‬
‫كما تعيش الصحوة السلمية ترديات فكرية وشرعية بفعل جهود المنافقين من‬ ‫‪‬‬
‫علماء السلطان وضللت المنهزمين من قيادات الصحوة السلمية ‪ ,‬ترديات‬
‫تهدد الصحوة في قواعدها وجمهورها ‪ ,‬وتهدد المة في عقيدتها وهويتها‬
‫ووجودها‪..‬‬
‫ربما لينصرم العقد الول من القرن العشرين إل وقد بدأت حرب الفكار‬ ‫‪‬‬
‫المريكية ‪ ,‬والهجمة على المناهج التعليمية والثوابت الساسية للمة تؤتي أكلها‬
‫إذا استمرت الحوال على ما تبدو عليه الن ‪ ..‬وهناك ضرورة لحفظ الهوية‬
‫العقدية والفكرية والثقافية للمة ‪ ,‬ولحفظ الفكر والمنهج في الصحوة‬
‫السلمية وطليعتها الجهادية ‪.‬‬
‫أعتقد أنه وبفعل هذه الظروف ‪ ,‬ستنبعث في هذه المة الحية نويات المقاومة‬ ‫‪‬‬
‫وستكون متبعثرة ل يجمعها شيء من فكر أو منهج أو هوية ‪ , ..‬إل هدف دحر‬
‫العدوان ‪..‬‬
‫وربما ستتولد ردود أفعال ناتجة عن الجهالة والضطراب في أوساط مختلف‬ ‫‪‬‬
‫أشكال المقاومة التي سيبديها المسلمون ‪ .‬وسيستغل حلف العداء تلك‬
‫الخطاء لتشويه الجهاد ‪ ,‬ولدق السفين بين المقاومة وجمهورها في المة‪,..‬‬
‫ومن ثم دفعها في طريق التبعثر والهزيمة ‪.‬‬
‫ُ‬
‫وبفعل تتابع سقوط الشهداء من القيادات والكوادر التي تربت وأعدت منهجيا‬ ‫‪‬‬
‫عبر وقت طويل ‪ ,‬ستبقى أكثر مجموعات المقاومة والجهاد مفتقرة إلى منهج‬
‫تربوي سياسي شرعي وفكري يكون مرجعا لها ‪ ,‬وسبيل لعداد كوادرها الجديدة‬
‫عبر المسار ‪ ,‬ودستورا ترجع إليه في اختلفها ‪ ,‬وهوية ثابتة تعرف به عن نفسها‬
‫للصدقاء والعداء على حد سواء ‪.‬‬

‫من أجل ذلك كتبت هذا الكتاب لكي يكون بإذن ال وعونه سفرا ‪..‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 33 [ ‬‬

‫يحتوي خلصة الساسيات السياسية الشرعية ‪ ,‬والفكرية المنهجية التي تربى‬ ‫‪‬‬
‫عليها التيار الجهادي منذ نشأته وعبر مساره الطويل ‪.‬‬
‫كما يضم تاريخ التجارب الجهادية وخلصة الدروس المستفادة منها كي يبني‬ ‫‪‬‬
‫الجيل الجهادي القادم عليها ويستفيد من دروس وتجارب دفعنا زكي الدم ‪,‬‬
‫وعناء الطريق ثمنا ً لها ‪.‬‬
‫كما يتضمن خلصة مسار الصراع بين المسلمين والروم عبر القرون ول سيما‬ ‫‪‬‬
‫الروم المعاصرين‬
‫– المريكان والوربيين ‪ -‬ومؤامراتهم في القرنين الماضيين لبعاد المسلمين عن‬
‫دينهم وأسباب قوتهم وانتصارهم ‪.‬‬
‫لتكون تلك المعلومات أرضية فكرية توفر للمجاهد أساسيات لفهم مسار هذا‬ ‫‪‬‬
‫الصراع الدائر اليوم وجذوره ‪ ,‬وطريقة العداء في إدارته‪.‬‬
‫كما يحتوي بعد ذلك دليل للمجاهدين والمقاومين لفضل السبل لمقاومة هذه‬ ‫‪‬‬
‫الحملت الغازية ‪ ,‬كما تصورتها من خلل ما فتحه الله علي من خلل الدراسة‬
‫والتفكير ‪ ,‬وتراكم التجارب ومواكبة المسار‪.‬‬
‫ويرسم للعازمين على السير في هذا الدرب المنير منهج التربية المتكاملة التي‬ ‫‪‬‬
‫تأهل المجاهد للعزم ثم السير ثم الثبات‪ ,‬وتزوده بما نرجو أن يعينه على عمل‬
‫مقبول عند الله في الخرة ‪ ,‬مؤهل للنصر والنجاح في الدنيا‪.‬‬
‫وبهذا أرجو أن يكون هذا الكتاب قد ضم بين دفتيه بمجموع فصوله و رسائله ‪,‬‬ ‫‪‬‬
‫منهجا متكامل وهوية فكرية سياسية شرعية تكون مرجعا بين قيادات الجهاد‬
‫والمقاومة وقواعدها ‪ ,‬ودستورا يضبط حركتها ‪ ,‬ومحورا للقاء بين مختلف‬
‫فصائل الجهاد والمقاومة التي أرى أطياف جموعها تتكون في رحم هذه المة‬
‫المعطاءة التي مازالت طائفة مجاهدة منها عبر الزمان تثبت أنها خير أمة‬
‫أخرجت للناس ‪ .‬وأسال الله تعالى أن يرزقني فيه الخلص والقبول ‪ ,‬ويجعله‬
‫موطئا يغيظ الكفار ‪ ,‬وينفع المؤمنين ‪ .‬وأن يكتب لي به عمل صالحا ‪ ,‬وعلما‬
‫نافعا ل ينقطع أجره ‪ ,‬وأساله أجر الدال على الخير ‪ ,‬وأن يرزقني الصدق‬
‫والثبات ويجمع لي أجر الجهاد بالسيف والقلم ‪ ,‬ويختم لي بالشهادة في سبيله‪,‬‬
‫إنه حليم كريم‪ .‬وأستغفر الله العظيم وأتوب إليه ‪ .‬وصلى الله على رسوله‬
‫المين ‪ ,‬وآله وصحبه الطيبين الطاهرين ‪ .‬والحمد لله رب العالمين ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 34 [ ‬‬

‫‪ ‬مقدمة ‪‬‬
‫الحمد لله وحده ‪,‬أهل الحمد والثناء‪ ..‬الحمد لله وحده ‪ ,‬رب الرض والسماء‪..‬‬
‫اللهم لك الحمد كله‪..‬‬
‫ولك الملك كله وإليك يرجع المر كله رب الطيبين وولي الصالحين لك الحمد يا من له‬
‫المر والخلق وحده ‪.‬‬
‫الحمد لله وحده‪ .‬صدق وعده ‪ .‬ونصر عبده ‪ .‬وأعز جنده‪ .‬وهزم الحزاب وحده‪.‬ل‬
‫شي قبله ول شي بعده‪ .‬مخلصين له الدين ولو كره الكافرون ‪.‬‬
‫والصلة والسلم على سيدنا وحبيبنا وقرة أعيننا‪ ,‬قائدنا وشفيعنا إلى ربنا‪ ,‬نبينا‬
‫محمد‪ ,‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪ .‬اللهم صل وسلم وبارك وأنعم عليه ‪ ,‬واجزه خير ما‬
‫جزيت نبيا عن أمته ‪ ..‬فقد أدى المانة وبلغ الرسالة ونصح المة ‪ ..‬وجاهد في الله حق‬
‫جهاده حتى أتاه اليقين ‪..‬‬
‫فصل اللهم وبارك عليه وعلى آله وأزواجه الطيبين الطاهرين‪ ..‬وعلى أصحابه‬
‫وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين‪ ..‬صلة تشملنا بها برحمتك وكرمك وعفوك وسترك ‪,‬‬
‫وترزقنا بها الشهادة في سبيلك يا أرحم الراحمين‪ ..‬وبعد‪:‬‬
‫فلقد أعلنت الحملت الصليبية اليهودية المعاصرة بقيادة أمريكا ‪ ,‬على العالم‬
‫العربي والسلمي أهدافها بكل جلء ‪ ,‬وهي أهداف تشمل كافة مقومات الوجود‬
‫الحضاري والديني والسياسي والقتصادي والجتماعي والثقافي للمسلمين‪ ..‬ولقد‬
‫أعلنت إدارة بوش بكل جلء أن أهدافهم تشمل خلل العشر سنين القادمة‪..‬‬
‫‪ .1‬تغيير الخارطة السياسية في الشرق الوسط والعالم العربي السلمي أي‬
‫تغير النظمة وإعادة تركيبها أو تبديلها أو صياغتها من جديد‪.‬‬
‫‪ .2‬تغيير الخارطة الجغرافية لبعض البلدان بما يخلق مزيدا من التشرذم‬
‫والنزاعات المحلية الدينية والعرقية والسياسية‪.‬‬
‫‪ .3‬تغيير مقومات الهوية الثقافية والتكوين الجتماعي بإزاحة السس الدينية‬
‫والفكرية والخلقية لشعوب المنطقة وإعادة صياغتها بحسب أسس الفكر‬
‫الغربي ول سيما المريكي والصهيوني‪..‬‬
‫‪ .4‬السيطرة على مصادر الثروة في المنطقة ول سيما النفط والغاز والثروات‬
‫المعدنية وسواها من المصادر الزراعية والحيوانية لضخها في شريان المحتل‬
‫الغازي القادم من وراء البحار‪ ,‬وفي شريان الكيان الصهيوني المزروع في‬
‫قلب المنطقة‪ ..‬وتحويل المنطقة إلى سوق لتصريف المنتجات الستعمارية‬
‫عبر ما يسمى باتفاقيات الشراكة والتجارة الحرة في الشرق الوسط‪..‬‬

‫ولقد كشفت وسائل العلم المختلفة عن أن أمريكا وحليفتها بريطانيا ومن ورائها‬
‫إسرائيل ‪ ,‬يعاونها كافة دول الناتو وأوروبا الدائرين في فلكها طوعا أو كرها‪ .‬كشفت‬
‫عن أنها استباحت كل الوسائل العسكرية والستخباراتية والقتصادية والعلمية وغيرها‬
‫لتحقيق هذه الغراض‪..‬‬
‫و باختصار‪ ..‬فإن العالم يشهد أعتا وأشرس هجمة استعمارية بربرية عرفها في‬
‫تاريخه على أيدي الحضارة الغربية التي آلت قيادتها لشرذمة من المتطرفين الصليبيين‬
‫المتصهينين في الدارة المريكية‪.‬‬
‫ويمكن القول أن هذه ( الحملت الصليبية الثالثة ( إن جاز التعبير هي‬
‫استمرار بشكل شرس ومنظم للحملتين السابقتين اللتين قامتا قبل ‪ ,‬الولى خلل‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 35 [ ‬‬

‫القرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلدي ‪ ,‬والثانية التي قامت منذ القرن السابع‬
‫عشر إلى منتصف القرن العشرين‪..‬‬
‫إننا أمام عدوان عسكري مسلح بأحدث اللت العسكرية والتكنولوجية العلمية‪..‬‬
‫ومجهز بأفتك المخططات الستخباراتية والمنية والجهزة البوليسية‪ .‬حيث تحمل إلينا‬
‫دباباتهم برامج تغير اجتماعي وديني وثقافي ‪ ,‬تشتمل على مناهج لتبديل مفاهيم الدين‬
‫السلمي وتفكيك المكونات القومية للعرب والمسلمين‪ .‬وبرامج إعادة صياغة‬
‫المجتمعات ‪ ,‬والمكونات الفكرية والثقافية ‪ ,‬والمناهج الدراسية والتعليمية وبرامج‬
‫وسائل العلم‪ ,‬وتعيد صياغة كل شيء حتى خطب الجمعة على منابر مساجد‬
‫المسلمين ‪ ,‬بما فيها أكبر مراكز الشعاع الديني والفكري كالمسجد الحرام في مكة ‪,‬‬
‫والمسجد النبوي في المدينة المنورة ‪ ,‬والجامع الزهر في القاهرة ‪ ,‬وما يعادلها في‬
‫التأثير من مساجد المسلمين ‪ ,‬في كل بلد ومدينة وقرية وزاوية من بلد المسلمين‪..‬‬
‫باختصار‪ ..‬لقد اتسع الخرق على الراقع ‪ .‬ونحن مطالبون بوقفة تفكر في أساليب‬
‫مواجهة هذه الحملة بعيدا عن تأثيرات العواطف السطحية الفارغة ‪ ,‬أو ردود الفعال‬
‫المتشنجة‪..‬‬
‫إن هذه المصيبة الطامة تبلغ ذروتها المأسوية إذا علمنا أنه ولول مرة في تاريخ‬
‫المسلمين وربما تاريخ الشعوب المستعمرة والمتعرضة للغزو‪ ..‬يرتكز فيها المستعمر‬
‫الهاجم بكل هذه القوة وأدواتها على طابور خامس هائل منزرع في مختلف مكونات‬
‫المجتمعات العربية والسلمية‪..‬‬
‫فالهجمة المريكية اليوم تعتمد بكل بساطة مهما تكن هذه الحقيقة مفجعة ‪ ,‬على‬
‫تعاون كامل من قبل الغالبية الساحقة إن لم تكن كافة النظمة الرسمية الحالية في‬
‫بلد العرب والمسلمين‪ .‬هذه النظمة التي التقت أسباب بقائها وحماية مصالحها‬
‫وعروش فراعنتها مع مخططات المستعمر المريكي وأعوانه‪ .‬فانضوت ‪ -‬بكل ما لهذه‬
‫الكلمة من معنى‪ -‬تحت قيادة الجيوش الغازية تنفذ أفكارها وتحارب دين شعوبها‬
‫ومقومات وجودهم وكافة مصالحهم‪ ..‬وقد جندت بالتالي هذه النظمة كافة أجهزتها‬
‫المنية والعلمية والسلطوية لسحق أي بذور مقاومة لهذا الغزو‪ ..‬بدءا من قمع أي‬
‫شكل من أشكال التغيير والتظاهر والرفض السلمي ‪ ,‬وانتهاء بقتل وسجن وتشريد كل‬
‫من تسول له نفسه أي شكل من أشكال المقاومة ول سيما بذور المقاومة المسلحة‬
‫والجهاد المشروع‪..‬‬

‫وتبلغ المصيبة بعدها المأسوي عندما ترى معظم علماء المسلمين قد استجرتهم‬
‫أبواب السلطين وسيفه وذهبه‪ ,‬للعب الدور البشع لصالح المستعمر الغازي بإصباغ‬
‫الشرعية عليه ونزعها عن المقاومة!‬
‫وجعل جنده وعسكره في حكم المعاهدين والمستأمنين وصون دمائهم وأموالهم‬
‫وعتادهم‪ ,‬والحكم على من جاهدهم واعتدى عليهم بأنهم مفسدون في الرض جزاؤهم‬
‫أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلف أو ينفوا من الرض!!‪.‬‬
‫وليت المصيبة انتهت بتحالف النظمة الحاكمة وأجهزتها الدينية والعلمية والمنية‬
‫مع العدو الغازي ‪ ,‬فالمصيبة أكبر‪ ..‬لن شرائح ل يستهان بها من مكونات المجتمعات‬
‫العربية والسلمية قد تم مسخها فكريا وثقافيا وسياسيا‪ ,‬لتكون في خندق المحتلين ‪,‬‬
‫حتى وإن كان بعضها في القطاع المعارض للنظمة الحاكمة المارقة‪ ,‬فإن هذه‬
‫المعارضات تقدم نفسها على أنها أكثر منها استعدادا لخدمة المستعمر الغازي‪.‬‬
‫حتى أن كثيرا منها يتحالف مع العدو لسقاط تلك النظمة‪ ,‬ل لنها عملية للمستعمر‬
‫خائنة لشعوبها‪ ,‬ولكن لعرض خدماته وكفاءاته المخلصة على المستعمر ذاته ‪ ,‬على أنه‬
‫سيكون أكثر إخلصا وخدمة لمريكا من الفراعنة الذين عبدوها عشرات السنين ‪,‬‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 36 [ ‬‬

‫وعّبدوا شعوبهم لها ولهم وللشيطان‪ ..‬حيث أصبح النموذج الفغاني و العراقي‬
‫للمعارضة العميلة مثل ناجحا ُيحتذى‪..‬‬
‫وهكذا تصطف الخيارات والبدائل العميلة أمام أمريكا في عقر دارنا ‪ ,‬من قبل‬
‫أبناء جلدتنا الذين يتسمون بأسمائنا ‪ ,‬ويلبسون لباسنا ويتكلمون بألسنتنا ‪ .‬تعرض‬
‫خدماتها على المستعمر لغتيال أمتها وهزيمة دينها ‪ ,‬وقتل أبنائها وإزالة كافة مكوناتها‬
‫الحضارية‪ ..‬ول تقتصر هذه الفئات العميلة على تيار فكري بعينه ‪ ,‬ول زمرة عرقية أو‬
‫دينية معينة‪ ..‬ففي هذا الطابور الخبيث من يرفع رايات من مختلف الشعارات‬
‫والهويات‪ ..‬بدءا ً من السلمية المزعومة ‪ ,‬ومرورا بكامل ألوان الطيف العلماني‬
‫والسياسي في بلدنا سواء من الشعوب العربية أو غيرها من الشعوب السلمية‪..‬‬
‫ومن بعض أبعاد الكارثة‪ ..‬أن كثيرا من الطيبين من علماء السلم ودعاته وقيادات‬
‫أحزابه وتجمعاته‪ ..‬قد سحقتهم الهجمة العلمية‪ ..‬فراحوا يروجون للنبطاح وعدم‬
‫إمكانية المقاومة ‪ ,‬وينساقون في طرق رسمها العدو ذاته ‪ .‬من طلب العيش السلمي‪,‬‬
‫والتبادل الحضاري ‪ ,‬والحوار الهادئ ‪ ,‬والتفاهم الفكري مع المستعمر الذي يدكنا صباح‬
‫مساء بقنابله وصواريخه الذكية‪ ,‬ويفتك بنا جنوده وعبيدهم من أبناءنا الغبياء‪..‬‬
‫كل ذلك بدعوى الوسيطة تارة ‪ ,‬والعتدال أخرى‪ ,‬والحكمة مرة ‪ ,‬وعدم المجازفة‬
‫والنتحار بل جدوى مرة أخرى‪..‬‬
‫وهكذا ُيهجر دين الله تعالى وما يأمر به بكل جلء ‪ ,‬من وجوب جهاد هذه الهجمة‬
‫وقتال أعداء الله بكل متيسر‪ ,‬والعداد لهم بكل ما استطعنا من قوة‪ ,‬ومقاومتهم حتى‬
‫الرمق الخير‪ ..‬وهكذا انقمعت الصيحات المخلصة المنبعثة هنا وهناك من الشرفاء‪,‬‬
‫من مختلف شرائح المجتمعات العربية والسلمية‪.‬‬
‫وتخامدت صيحات العتراض والتظاهرات في المسلمين ‪ ,‬تحت ضربات عصي ) قوى‬
‫الخوف (‬
‫المدعوة ) قوى المن ( ‪ ,‬وقنابلها المسيلة للدموع ‪ .‬وتحت وطأة اللة العلمية‬
‫المدججة في طليعتها بأخبث فتاوى وآراء علماء السلطان وفقهاء القعود ودعاة‬
‫النبطاح والخزي والعار‪.‬‬
‫ولم يبق في الميدان إل بعض القلوب الطاهرة ‪ ,‬والسواعد المجاهدة ‪ ,‬والعزائم‬
‫المؤمنة ‪ .‬تقاوم المستعمر هنا وهناك‪ .‬شراذم مستضعفة يسقط شهداؤها بل مردود‬
‫ول جدوى في أكثر الحيان ‪ ,‬اللهم إل فوزا شخصيا ونصرا ذاتيا يحمل صاحبه من بين‬
‫هذا النتن والعفن الطاغي على الرض ‪ ,‬وظلمات الظلم والقهر فيها ‪ ,‬إلى جنات الخلد‬
‫ورضوان الله رب العالمين بإذن الله‪..‬‬
‫ول شك أننا مهددون إن بقي الحال هكذا‪..‬‬
‫ل أقول مهددون بالزوال والندثار‪ ,‬لن الله تعالى ‪ ,‬وكذلك رسوله‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬بشر هذه المة بالبقاء والظفر والنصر‪.‬‬
‫ولكننا مهددون ل سمح الله بمزيد من القهر والعناء والعذاب ‪ .‬ولباس الجوع‬
‫والخوف والقتل والذل والعار‪..‬‬
‫ول بد أن تقدم الفئة المجاهدة والنخبة المثقفة المخلصة الشريفة في هذه المة ‪,‬‬
‫على التفكير في سبيل إنهاض المقاومة ‪ ,‬وتوسيع رقعتها ‪ ,‬كي تنهض المة وتنخرط‬
‫في مقاتلة أعداء الله ‪ ,‬وتحافظ على مكونات وجودها ودينها وحضارتها‪..‬‬

‫*************‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 37 [ ‬‬

‫‪ ‬محاور المقاومة‪‬‬
‫أعتقد ‪ -‬وهذا حال ل يخفى على أي متبصر‪ -‬أن حجم النخبة المقاومة للعداء‬
‫الغزاة ‪ ,‬المجاهدة في سبيل الله ‪ ,‬صغير ومحدود في المة بشكل مخيف ومرعب ‪ .‬ل‬
‫أقول بسبب شراسة هجمة العداء فقط ‪ .‬ولكن بسبب ما يبدو من الغثائية والنهيار‬
‫والقابلية الذاتية للستعمار والهزيمة في المة هذه اليام ‪ .‬ول أدل على ذلك من‬
‫متابعة نشرات الخبار ووسائل العلم التي تحمل صباح مساء ما يمل النفس حسرة‬
‫وألما ‪ ,‬وما يحطم العزائم ‪ ,‬ويحمل الخور إلى الهمم‪..‬‬
‫وأعتقد أنه ل بد من أجل خوض هذه الحرب طويلة المد كما تبدو ملمحها‪ ,‬من‬
‫برنامج متعدد المناحي لتوسيع القاعدة البشرية المولدة لبذور المقاومة في المة‪..‬‬
‫فحمل السلح والستعداد للجهاد في سبيل الله ومقاومة العداء ‪ ,‬هو في النهاية‬
‫ثمرة للمناخ العام ‪ ,‬الذي يجب أن ترتفع فيه حرارة الوعي والعاطفة ‪ ,‬وترسخ وتتضح‬
‫فيه مفاهيم العقيدة القتالية ‪ ,‬كي يصل إلى ما يمكن دعوته بس ( المناخ الجهادي‬
‫الثوري ( الذي ُيوّلد بشكل تلقائي آليات المقاومة‪..‬‬
‫وأظن أن المر أو سع بكثير من أن يقع على عاتق النخبة المجاهدة حاليا ‪ .‬ل سيما‬
‫وأنها تعرضت إلى ما يقارب النقراض في ظل هجمة مكافحة الرهاب العالمية التي‬
‫شنتها أمريكا بالتعاون مع حكام الدول العربية والسلمية ذاتها ‪ .‬فضل عن حلفائها في‬
‫الغرب وباقي دول العالم ‪ ,‬منذ عام ‪1990‬م وإطلق النظام العالمي الجديد ‪ .‬لتصل‬
‫ذروتها بعيد أحداث سبتمبر ‪2001‬م ‪ .‬حيث صارت حربا عالمية ضروسا بكل معنى‬
‫الكلمة تدور رحاها في كافة أنحاء المعمورة‪.‬‬
‫وقد أسفرت هذه الهجمة باستغلل أمريكا لحداث سبتمبر ‪ ,‬عن استهلك كثير من‬
‫كوادر وعناصر وجماعات الجهاد في العالم ‪ ,‬وكثير من شرائح الصحوة السلمية‬
‫المؤيدة للجهاد‪.‬‬
‫وأعتقد أن على النخبة المؤمنة والواعية والمثقفة ‪ ,‬من مختلف القوى الغيورة‬
‫الشريفة في المة أن تعمل الن في ثلثة مناحي‪:‬‬

‫أول ‪ :‬المنحى الديني والثقافي ‪:‬‬


‫بوضع برامج عمل وتوعية ومناهج ‪ ,‬للحفاظ على الهوية الدينية ‪ ,‬والمكونات‬
‫الفكرية والثقافية والجتماعية الصيلة ‪ ,‬للشعوب العربية والسلمية‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬المنحى السياسي والفكري ‪:‬‬
‫بوضع برامج عمل ومناهج فكرية لتنشيط الدعوات السياسية ‪ ,‬والمؤسسات‬
‫الهلية ‪,‬‬
‫والهيئات الجتماعية المدنية‪ ، ..‬والنشاط العلمي السلمي الذي يغذي الوجود‬
‫الفكري والثقافي‬
‫للمة العربية والسلمية‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 38 [ ‬‬

‫ثالثا ‪ :‬المنحى العسكري ‪:‬‬


‫بالعمل على وضع برامج ومناهج عمل دعوية ومنهجية ‪ ,‬في مجال العقيدة‬
‫الجهادية القتالية ‪ ,‬والعداد في مختلف مناحيه التربوية والنفسية ‪ ,‬وبرامج التدريب‬
‫والعلوم العسكرية اللزمة ‪ ,‬من أجل إطلق‬
‫) مقاومة إسلمية عالمية ( ووضعها موضع التنفيذ فورا ‪ ,‬لتواجه أمريكا‬
‫وحلفاءها في أرض بلدنا العربية والسلمية ‪ -‬أول‪ -‬وفي عقر دارها ودار حلفائها‬
‫وفي كل العالم س ثانيا ‪. -‬‬
‫إن هذه الطر الثلثة التي أضعها في هذه المقدمة جديرة بالتفصيل والشرح ‪.‬‬
‫ولكني ل أريد أن تخرج المقدمة وعموم الرسائل عن الختصار الممكن ‪ .‬رغم أنها‬
‫ستستغرق مئات الصفحات ‪ .‬وسأترك ذلك لمجال آخر خاص بهذه الفكرة‬
‫وتفصيلتها إن شاء الله‪ .‬ولكن ضمن ما تحتمله هذه المقدمة ألخص بعض‬
‫التفاصيل في نقاط موجزة ‪:‬‬

‫إن العمل العسكري والفعل الجهادي الثوري المسلح للمقاومة ‪ ,‬هو الذي‬ ‫‪.1‬‬
‫سيجبر العدو على التقهقر ‪ ,‬ويقود هذه المة إلى النصر إن شاء الله ‪.‬‬
‫وبدون المقاومة العسكرية ‪ ,‬فإن كل عمل سلمي مهما بلغ من الهمية في‬
‫مجالت الدعوة والخطابة والكتابة والتأليف ‪ ..‬أوفي أعمال التظاهر والعمل‬
‫السياسي والعلمي وسوى ذلك ‪ ..‬ستذهب آثاره أدراج الرياح ‪ ,‬ولن يغير‬
‫من واقع المر شيئا من دون عمل عسكري مقاوم ‪.‬‬
‫و مادام المستعمر الغازي الصليبي الصهيوني الكافر جاثم على صدورنا‬
‫وأرضنا ‪ ,‬ستبقى المة بكاملها آثمة ومسئولة أمام الله تعالى ‪ ,‬عن عدم‬
‫قيام الكفاية بدفع العدو ‪..‬‬
‫إننا أمام فرض عين ليس أوجب بعد توحيد الله منه ‪ ,‬كما نقل‬
‫العلماء الجماع على ذلك ‪ .‬ويزيد هذا الفرض تأكيدا وقد دخل الصائل علينا‬
‫في عقر دارنا ‪..‬‬

‫إن فعل الجهاد والمقاومة المسلحة ‪ ,‬ل يأتي من فراغ ول يتحول إلى‬ ‫‪.2‬‬
‫ظاهرة بالحجم المطلوب ما لم يولده مناخ جهادي ثوري ‪ ,‬يعمل على‬
‫إنشائه جهود كثيرة في مجالت العمل غير القتالي‪ ,‬من الدعوة والعلم‬
‫لسلمية وأحكام‬‫والتربية والحفاظ على مكونات الدين‪ ...‬ومن العقيدة ا ٍ‬
‫الشريعة التي تمل قلب المؤمن بالقناعة بواجبه القتالي كفرض شرعي‬
‫ديني‪..‬‬

‫ون الخلفية الفكرية والوعي السياسي والمنهجي والحركي ‪ ,‬أساس‬ ‫ن تك ّ‬


‫إ ّ‬ ‫‪.3‬‬
‫لزم إلى جانب المعتقد الديني في ذهنية الفرد المسلم وضميره ‪ ,‬كي‬
‫يتحول إلى الممارسة الفعلية للقتال والمقاومة ‪ ,‬كفرد مجاهد يحمل عقيدة‬
‫جهادية وإرادة قتالية وعاطفة دينية تحمله على مباشرة الفعل والصبر على‬
‫متابعته ونشره بين الناس ودعوتهم إليه على بصيرة‪..‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 39 [ ‬‬

‫إن القدام على الجهاد اليوم ‪ ,‬وحمل السلح في وجه أمريكا وحلفائها ‪ ,‬وما‬ ‫‪.4‬‬
‫يتبع ذلك من الصطدام بطليعتها في بلدنا والمكونة من السلطات الكافرة‬
‫العميلة الخائنة وأجهزة إعلمها وأمنها وعسكرها من المنافقين أولياء الكفار‬
‫‪ ,‬ل يقوم به في العادة إل نسبة من المة وصل لديها اليمان والعزيمة‬
‫والقناعة والرادة ‪ ,‬لحد مباشرة الفعل ‪ .‬في حين أن ثمة قطاع كبير من‬
‫المة مقتنع بحكم الواقع بالمواجهة ‪ ,‬ولكن عزيمته مازالت دون الوصول‬
‫إلى حد نقله إلى ذروة سنام السلم ‪ ,‬وقد يكون كثير من هؤلء من النساء‬
‫والشيوخ والمعذورين شرعا عن القيام بفريضة القتال ‪ ,‬أو العاجزين عنها‬
‫لسبب مشروع و حقيقي ‪ ,‬أو لسبب موهوم فظنون ‪ ,‬نتيجة الضعف في‬
‫اليقين أو المكانيات‪..‬‬
‫فما دور هؤلء في هذه المواجهة ؟!‬
‫ل شك أن لهم دورا مهما بالغ الهمية ‪ ,‬يؤدونه في مجالت الجهاد السلمي ‪,‬‬
‫وهو العمل في المجالت التي أشرت إليه في الفقرة ]‪ 1‬وَ ‪.[2‬‬

‫إذا لم تقم النخبة الفاهمة لدينها المدركة للواقع ‪ ,‬بعمل يحبط برامج العدو‬ ‫‪.5‬‬
‫في تحطيم البنية الدينية والحضارية ومكونات الوعي في المة ‪ ,‬والتي‬
‫وضعها العدو أصل لجتثاث مقومات المقاومة من جذورها‪ .‬فإن النخبة‬
‫الجهادية سستسنسقسرض – ل قدر الله ‪ -‬بفعل العمل العسكري والمني للعدو ‪.‬‬
‫ولن تولد المة مع الوقت عوضا عنها ‪ ,‬وستذوب في برامج العدو العلمية‬
‫والتربوية التي رسمها ‪ ,‬والتي طالت حتى مناهج الطفال التعليمية ‪,‬‬
‫وطالبت حتى بتعديل وتشويه نصوص القرآن والسنة التي تتحدث عن‬
‫الجهاد ومناحي العتقاد ‪ , ..‬وقد جرى أكثر ذلك بأيدي كثير من علمائنا‬
‫وللسف ‪ ,‬واشتملت الخطة الخبيثة للعدو ‪ ,‬على وضع مئات الخطباء‬
‫والوعاظ في كل بلد إسلمي ‪ ,‬في دورات للتأهيل ضد ) التطرف (! لحقنهم‬
‫بالمورثات الجينية ) للوسطية ( المصنعة في أمريكا‪ ..‬من أجل استنساخ‬
‫) مشايخ البنتاغون ( و ) فقهاء الستعمار ( المناسبين‪.‬‬

‫إن العمل في مجال الحفاظ على الدين والمكونات الحضارية في المة ‪,‬‬ ‫‪.6‬‬
‫يحتاج لبرامج عمل قد يضطر القائمون عليها في بعض البلد إلى النشر‬
‫والتربية السرية إن لزم المر‪.‬‬
‫كما حصل في نظام الحجرات السرية التي حافظ فيها المسلمون على دين‬
‫أبنائهم تحت الحتلل السوفيتي وبرامجه في محو الهوية في الجمهوريات‬
‫السلمية ‪ .‬وكذلك ما فعله المسلمون في الصين تحت الحكم الشيوعي‬
‫وثورته الثقافية‪..‬‬
‫كن أجواء )الديمقراطية المزعومة( التي تحملها أمريكا إلى بلدنا‬‫وقد ُتم ّ‬
‫على فوهات المدافع ‪ ..‬قد تمكن من تأسيس الجمعيات الهلية وغير‬
‫الحكومية وتمكنها من القيام بأعمال التربية والتعليم والتثقيف على غرار ما‬
‫فعله الشيخ ) ابن باديس ( وجمعية العلماء المسلمين في الجزائر ‪ ,‬عندما‬
‫قاوم بنجاح ) خطة الفرنسة ( ومسخ الهوية التي وضعتها فرنسا لمسح‬
‫العروبة والسلم من الجزائر‪ .‬وقد كانت خطة ناجحة عندما وجد الشيخ‬
‫المجاهد ابن باديس أن بذور المقاومة وجذورها قد وهنت ‪ ,‬فعمد إلى‬
‫الحفاظ على جذورها وأرضيتها وبذرها من جديد ‪ .‬وهكذا وفر هذا العمل‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 40 [ ‬‬

‫التربوي المجيد خلل الثلثينيات والربعينيات والخمسينيات ‪ ,‬بذور المقاومة‬


‫وأجيال قدمت وقود الثورة والمقاومة ضد فرنسا فيما بعد ‪.‬‬
‫ويجب أن يكون للمساجد والكتاتيب والزوايا الدينية دورا كبير في هذا‬
‫المجال‪ .‬كما أن لحلقات التدريس والتعليم الديني المنزلي دور هام ‪.‬‬
‫وللنساء والداعيات وسط السر ومن خلل البيوت‪ ,‬دورا كبير في الحفاظ‬
‫على دين ولغة وثقافة الجيال‪..‬‬
‫والعمل في هذا المجال عمل سلمي ل يحمل مخاطر القتال والمقاومة‬
‫المسلحة ‪,‬‬
‫التي يجب أن ينخرط فيها ‪ -‬منذ الساعة ‪ -‬المعتقدون العازمون على‬
‫التضحية‪..‬‬
‫لنها فرض عين على كل مسلم ‪.‬‬

‫أما مجالت العمل السياسي والعلمي والفكري والثقافي‪ ..‬فإنها كذلك‬ ‫‪.7‬‬
‫مجالت عمل سلمي ‪ ,‬يستطيع العاملون فيها نشر فكر المقاومة المدنية‬
‫ومبرراتها ‪ ,‬ويستطيعون أن يدافعوا عنها في داخل البلد وخارجها‪ ..‬كما أن‬
‫مجال التأليف والنشر والتظاهر والعتصام وغير ذلك من أعمال المقاومة‬
‫المدنية ‪ , ..‬عمل ربما سيكون مشروعا ممكنا ضمن ما تتيحه ) الديمقراطية‬
‫الزائفة ( للستعمار ونوابه الخونة في بلدنا من أجل خداع الناس ‪ .‬وسيكون‬
‫العاملون في هذه المجالت في مأمن من وضعهم تحت طائلة تهمة‬
‫) الرهاب ( لنهم في مجال العمل السياسي والعلمي والمدني‪..‬‬
‫وهناك ملحظتين هامتين جدا للعمل في مجال المقاومة السلمية المدنية‬
‫سواء في المجال الديني أو السياسي أو الفكري وهما‪:‬‬

‫أول‪ :‬ل يجوز بحال من الحوال ‪ ,‬ويحرم شرعا‪ ,‬النتساب‬


‫للجهزة السلطوية والحكومية تحت دعوى ( المقاومة السلمية‬
‫وخدمة الدين ( ‪ ,‬سواء كان ذلك تحت إدارة الستعمار مباشرة ‪-‬‬
‫كما يحصل في العراق وفلسطين ‪ -‬أو تحت حكم وإدارة الحكام‬
‫المرتدين الحاليين الحاكمين بغير ما أنزل الله الموالين لعداء‬
‫الله المستعمرين – كما يحصل من كثير من السلميين في‬
‫مختلف البلد ‪ -‬ول يجوز العمل في أي جهاز من أجهزتهم‬
‫السلطوية التشريعية والتنفيذية والقضائية ‪ .‬وهذا له تفصيل‬
‫ودلئل سيأتي بيانها في الباب الول من الفصل الثاني من‬
‫الجزء الثاني إن شاء الله‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 41 [ ‬‬

‫ثانيا‪ :‬ل يجوز بحال من الحوال أن يقع العامل في مجال‬


‫المقاومة المدنية والدعوة والسياسة والعلم ‪ ,‬في جريمة‬
‫التشنيع على الجهاد والمجاهدين والمقاومين المسلمين‪,‬‬
‫بدعوى دفع الشبهة عن نفسه ومؤسسته ‪ ,‬وبدعوى زعم‬
‫الوسطية والعتدال ‪ ,‬أو بدعوى الحفاظ على نشاطاته وأخذ‬
‫الجازة من المستعمر أو نوابه المرتدين من الحكام الخونة‬
‫لستمرار عمله‪.‬‬
‫لن الغرض من وجوده ومبرر عمله في ذاك المجال هو خلق‬
‫مناخ الجهاد ودعم المقاومة‪ .‬فكيف ستولد هذه المقاومة‬
‫وتستمر إذا تولى كبار الدعاة والمفكرون والقادة والمثقفون‬
‫في المة تشويه الجهاد والمجاهدين ؟! وتحطيم سمعة‬
‫المقاومة والمقاومين؟!‪ .‬كما يفعل المغفلون والفجرة‬
‫والتائهون اليوم ‪ ,‬من بعض علماء السلم ومثقفي المة‬
‫ومفكريها!‪.‬‬
‫وفي الوقت ذاته ‪ ,‬يجب على المجاهدين المقاومين وإعلمهم‬
‫الجهادي ‪ ,‬أن ل ينجر للتشنيع على العاملين في مجال الدعوة‬
‫والمقاومة السلمية وتهمتهم بالقعود وعدم الجهاد – ولو كان‬
‫هذا صحيحا في حق أكثرهم ‪ -‬طالما أنهم لم يدخلوا سياق دعم‬
‫المستعمر والعتراف به ‪ ,‬أو محاربة الجهاد والدعاية ضد‬
‫المقاومة‪ .‬لنهم يؤدون عمل مهما جدا لرضية المقاومة ‪,‬‬
‫ومكمل ً لجهودها ‪.‬‬

‫*************‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 42 [ ‬‬

‫‪ ‬مستويات المقاومة ‪‬‬


‫إن المشاركة في المقاومة والتدرج في ميدان الجهاد في سبيل الله ومواجهة‬
‫أعداء الله يمر لدى كل فرد في ثلث مستويات‪:‬‬

‫العاطفة الدينية السلمية‪:‬‬ ‫•‬


‫ونها المفهوم العام للدين ‪ ,‬والموروثات الطبيعية للنخوة و الشرف ‪,‬‬
‫وهذه يك ّ‬
‫والباء والحمية لدى الفرد‪ .‬كرد فعل طبيعي على حال الحتلل والظلم ‪ ,‬وكسر‬
‫الكبرياء وهتك أستار الكرامة الدينية والحضارية والوطنية من قبل المستعمر‬
‫وأعوانه‪ .‬وهذه العاطفة تحمل صاحبها على المشاركة في مجال المقاومة‬
‫المدنية أو ردود الفعال العاطفية تجاوبا مع جيشان هذه العواطف في قرارة‬
‫الضمير‪.‬‬

‫إرادة القتال‪:‬‬ ‫•‬


‫ون القدرة على فعل المقاومة والجهاد‪ .‬فالرادة هي عزم‬ ‫وهذه أساس تك ّ‬
‫يتكون في العقل والقلب والنفس للقدام على العمل‪ .‬وهي أول مراحل العمل‬
‫‪ ,‬وبدونها ل يقدم المرء على أي عمل‪..‬‬
‫قال تعالى عن المنافقين القاعدين عن الجهاد ‪:‬‬
‫َ‬
‫م فَث َب ّط َهُ ْ‬
‫م وَِقي َ‬
‫ل‬ ‫ن ك َرِهَ الل ّ ُ‬
‫ه ان ْب َِعاث َهُ ْ‬ ‫ه عُد ّةً وَل َك ِ ْ‬
‫دوا ل َ ُ‬‫ج َل َعَ ّ‬
‫خُرو َ‬ ‫دوا ال ْ ُ‬ ‫‪ ‬وَل َوْ أَرا ُ‬
‫ن‪) ‬التوبة‪(46 :‬‬ ‫دي َ‬
‫ع ِ‬
‫قا ِ‬ ‫م ع َ ال ْ َ‬
‫دوا َ‬‫اقْعُ ُ‬
‫فمراحل القدام على الجهاد والقتال هي ) إرادة – إعداد – انبعاث (‪ .‬وتتكون‬
‫إرادة القتال بعد نضوج العاطفة الدينية والقناعة بالقتال ‪ .‬ويساعد على‬
‫تشكيلها إذا كان الضمير حيا والقلب سليما ما يمارسه العدو من أعمال‬
‫العدوان والمظالم والقتل والدمار وما يلبسه للمة من القهر والذل والخوف‬
‫والجوع ‪ .‬فيحمل المرء السلح ويقاوم ‪.‬‬

‫العقيدة الجهادية‪:‬‬ ‫•‬


‫‪((1‬‬
‫وهذه ل تأتي إل عبر التربية والتلقي ‪ .‬وهي أساس في أمور غاية في‬
‫الهمية‪:‬‬
‫فبالعقيدة الجهادية وفهم أركانها واعتقادها ‪ ,‬يكون القتال جهادا في‬ ‫•‬
‫سبيل الله ‪ ,‬لنها توضح العزم والقصد‪ .‬وهو من قاتل لتكون كلمة الله‬
‫هي العليا فهو في سبيل الله ‪ ,‬حيث أن القتيل في ذلك هو الشهيد و إل‬
‫فل‪.‬‬
‫وبالعقيدة الجهادية يعرف المرء أحكام هذه الفريضة وآدابها‬ ‫•‬
‫َ‬
‫ومقتضياتها ويقدم على القتال على بينة وبصيرة من ربه ودينه‪َ ‬يا أي َّها‬
‫ل الل ّهِ فَت َب َي ّ ُ‬
‫نوا ‪) ‬النساء ‪. (94‬‬ ‫سِبي ِ‬
‫م ِفي َ‬
‫ضَرب ْت ُ ْ‬ ‫مُنوا إ ِ َ‬
‫ذا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫وبالعقيدة الجهادية وأركانها يرسخ في نفس المجاهد المنهج والفكر‬ ‫•‬
‫الجهادي ‪ ,‬والوعي الكامل بناء على معرفة أحكام الله الشرعية ‪ ,‬وبناء‬
‫على فهم مقتضيات هذه الحكام من فقه الواقع الذي يدور من حوله‪.‬‬
‫وبدون العقيدة الجهادية‪ .‬إما أن يحبط العمل ويسوء المصير ل‬ ‫•‬
‫سمح الله ول قدر‪ ,‬أو تنقطع السبل بالمقاتل على محن الطريق و‬
‫سيأتي مزيد من التفاصيل في الباب الول من الجزء الثاني من الكتاب إن شاء الله ‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 43 [ ‬‬

‫كاته من القتل والسر و التشريد‪ .‬فهي الضامن بعد الله تعالى ‪ ,‬في‬ ‫مح ّ‬
‫تثبيت المجاهد على نيته وعزيمته في وجه عواصف التضليل العلمي ‪,‬‬
‫والفتنة والزيغ الذي يحاوله أعداء السلم وآلتهم المنافقة ‪ ,‬وخاصة علماء‬
‫السوء وفقهاء الضللة ‪ ,‬الذين يحاولون تلبيس المر على المجاهدين ‪,‬‬
‫لصرفهم عن سبيل الله‪ .‬فل بد للعاملين في مجال المقاومة والجهاد‬
‫والعمل العسكري المباشر ضد أعداء الله ‪ ,‬أن يكون لهم علماؤهم‬
‫ومفكروهم ‪ ,‬ومثقفوهم وآلتهم الفكرية والمنهجية ‪ ,‬وأدوات إعلمهم‪.‬‬
‫لتوجيه العواطف الجياشة في نفوس المؤمنين ‪ ,‬وتحويلها عبر العلم‬
‫والدعاية الجهادية إلى إرادة قتال ‪ ,‬وصقلها وترسيخها كعقيدة جهادية‬
‫تمكن الجيال من استمرار المقاومة وتوارثها‪...‬‬
‫ولبد من ذكر الحقيقة المرة ؛ وهي أن عشرات المليين من شباب المسلمين‬
‫المخلصين ‪ ,‬ما زالوا إزاء هذه المدلهمات المظلمة المتتابعة من النوازل في هذه‬
‫المة ‪ ,‬تائهون متحيرون عجزة! يترددون في مجال العاطفة الدينية وحسب‪ ,‬يتجرعون‬
‫الحسرات والمرارات ويرتكبون بعض ردود الفعال غير المجدية‪ ..‬ولم تتحول هذه‬
‫العواطف إلى إرادة قتال ‪ ,‬إل عند النزر اليسير من المئات هنا وهناك ‪ ,‬وربما‬
‫العشرات أو الحاد في بعض البلدان العربية والسلمية‪..‬‬
‫وبنظرة إلى الظاهرة الجهادية وروادها ‪ ,‬منذ انطلقت خلل العقود الربعة الماضية‬
‫كما سيأتي تفصيله في الفصسسل السسسادس إن شسساء اللسسه ‪ ,‬نجسسد أن أعسسدادهم لسسم تجسساوز‬
‫المئات حسستى فسسي دول مليونيسسة كمصسسر وبلد الشسسام‪ ,‬ولسسم تجسساوز العشسسرات فسسي دول‬
‫أخرى ! في حين لم تقم أي بادرة جهادية في أكثر بلد المسلمين ‪ .‬رغم ما يعتريها من‬
‫حالت الحتلل المباشر وغير المباشر مسن قبسل مختلسف دول السستعمار‪ ,‬ومسا يظهسره‬
‫حكامها من الكفر والردة والخيانة‪ ,‬فضل عن المظالم والمفاسد التي أحالت حياة أكسسثر‬
‫الشعوب جحيما‪..‬‬
‫بل إن الحصائيات المؤسفة تشير ‪ ,‬إلى أنه ومنذ استعلن المريكان باحتلل‬
‫جزيرة العرب ‪ ,‬ونزلوا فيها جهارا سنة ‪1990‬م وما زالوا إلى يومنا هذا أي منذ نحو‬
‫‪ 13‬عاما‪ ,‬حيث يسرح ويمرح في أنحائها مئات آلف الجنود المريكان والنجليز‬
‫والوروبيين ويتسكع فيها مئات آلف المدنيين منهم بأسرهم ‪ , ..‬و يشرفون على‬
‫النهب والسلب القتصادي والفساد والفساد‪ ..‬ومع ذلك لم يجاوز عدد العمليات‬
‫الجهادية رغم بساطتها‪ ,‬لم يجاوز إل بعض العمليات لم يزد فيها مجموع خسارة‬
‫المريكان على بضع عشرات‪ ..‬هذا رغم أن واردات الستعمار المريكي منها ) مجموع‬
‫بلدان الجزيرة ( تجاوز يوميا المليار دولر من النفط فقط ‪ ,‬هذا المستعمر الذي يموت‬
‫في بلده من مواطنيه جراء حوادث السير أسبوعيا مئات الشخاص ‪ ,‬عدا اللف ممن‬
‫يقضون في باقي الجرائم وتناول الخمور والمخدرات ! وينشر المريكان في منطقتنا‬
‫العربية والسلمية التي يسمونها ) منطقة العمليات الوسطي ( زهاء مليون ونصف‬
‫المليون جندي أمريكي عدا جنود حلفائه ‪ ,‬فكيف يغادر مثل هذا المحتل مثل هذه‬
‫الدولة؟! التي تحوي أقدس مقدسات المسلمين وتشكل عقر دارهم ؟! وهذه ظاهرة‬
‫مرين على مر البشرية‪!!..‬‬ ‫نادرة في تاريخ الستعمار والمستع َ‬
‫أما الشد أسفا من ذلك فهو أن تقوم دار السلم في أفغانستان أيام طالبان ‪,‬‬
‫وتفتح على مصراعيها لمدة ستة سنوات ‪ ,‬وتسنشأ فيها المعسكرات وخطوط القتال ‪,‬‬
‫وتفتح فرصة الجهاد تحت رايات الشريعة‪ ,‬ولم يزيد عدد من دخلها للهجرة والجهاد‬
‫على ‪ 1500‬مجاهد ‪ ,‬منهم نحو ‪ 300‬مجاهد بأسرهم‪..‬أي نسبة واحد في المليون من‬
‫المة !! ولم يستفيد من فرصة العداد والتدريب وحضور ميدان الجهاد إل أعداد‬
‫محدودة ممن أنعم الله عليهم ! بل النكى من ذلك ‪ ,‬أنه لم يهاجر إليها عالم واحد‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 44 [ ‬‬

‫من علماء المسلمين ولسيما مشاهيرهم ‪ ,‬ول من ورموز الدعوة الذين ملوا الدنيا‬
‫زعقا فارغا عن الهجرة والجهاد ‪.‬‬
‫وإذا ما أخذنا بعين العتبار عدد الذين نفروا للجهاد لغوث إخوانهم الذين وقعوا‬
‫تحت بطش الحتلل الصارخ في أفغانستان سابقا أيام الروس ‪ ,‬أوفي البوسنة أو‬
‫الشيشان أو فلسطين أو غيرها من بلد المسلمين التي تعرضت للحتلل المعاصر‪..‬‬
‫نجد أن النسبة تبقى في خانة الحاد للمليون ‪ ,‬رغم ما طبل العلم وزمر من أجل‬
‫تضخيم ظاهرة الجهاد المسلح أو ما يسمونه بس ) الرهاب( من أجل تبرير أهدافهم‬
‫العدوانية‪ ]..‬ودع عنك الرقام الخيالية التي نشرتها استخبارات أمريكا عبر وسائل‬
‫إعلمها من أرقام أدخلتها تحت مسمى القاعدة من أجل تحقيق أهدافها ‪ .‬وأنا أؤكد ما‬
‫ذكرته من أرقام وبصفتي أحد الذين خبروا هذه المرحلة ميدانيا والحمد لله [‪.‬‬
‫فإذا ما قسنا هذا الحال مع حجم النفير للجهاد الذي قام به المسلمون عبر‬
‫تاريخهم القديم وحتى الحديث أيام الستعمار‪ ,‬نجد أن حال المة هذه اليام يدعو‬
‫للحباط ‪ ,‬لول المل بالله ‪ ,‬و ما تشير إليه بوادر المل والنبعاث في بعض شرائح‬
‫مرها وتطلقها وتأصل لها ‪ ,‬وصول إلى تحويلها إلى‬ ‫المة ‪ ,‬والتي تحتاج إلى جهود تث ّ‬
‫) مقاومة إسلمية عالمية( ناجعة تحمل عقيدة جهادية وإرادة قتال فعلية تغذيها عاطفة‬
‫مجدية‪..‬‬
‫ومن أجل هذه الغاية وعمل على بث بذور هذه المقاومة والدعوة لها والعمل على‬
‫قيامها‪ ..‬وضعت مواد هذا الكتاب وجعلت عنوانه معبرا عن محتواه ‪:‬‬
‫( المقاومة السلمية العالمية – الدعوة – المنهج – الطريقة(‪..‬‬
‫محاول أن أضع بحسب ما يسر الله لي ؛ وضع أسس نظريات عمل تسهم فيما‬
‫يحتاجه الجيل الجهادي القادم من بعدنا ‪ ,‬للجابة على سؤال هام في غاية الستراتيجية‬
‫والهمية الدينية والعملية‪ ..‬هذا السؤال هو‪:‬‬
‫كيف نواجه النظام العالمي الجديد؟ وكيف نجاهد أعداءنا في عالم ما‬
‫بعد سبتمبر؟ وكيف نقاوم الحملت الصليبية الثالثة بقيادة أمريكا؟‪..‬‬
‫لقد وضع هذا الكتاب وأسس هذه الدعوة من أجل الجابة على هذا السؤال‪..‬‬
‫والله المستعان ‪.‬‬

‫*************‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 45 [ ‬‬

‫من أجل الجيل الثالث من الجهاديين ‪:‬‬


‫‪ ‬جيل المقاومة السلمية العالمية ‪‬‬
‫أعتقد أن جيل جهاديا يولد اليوم مع وصول حدة الصراع إلى ما وصلت إليسسه ‪ ,‬بعيسسد‬
‫أحداث سبتمبر واحتلل العراق ‪ ,‬ووصول النتفاضة الفلسطينية إلى ذروتهسسا‪ .‬ووقوفهسسا‬
‫جعبتهسسم ‪ .‬فسسي‬ ‫على مفترق الطريق ‪ ,‬بعد أن أعطى أهلنا المؤمنون هناك كسسل مسسا فسسي ُ‬
‫حين تقف المة من تضحياتهم موقف المتفرج ‪ ,‬بفعل سكوت علمائها وقمع حكامها لها‬
‫وشلها عن الحركة‪.‬‬
‫فإذا أخذنا بعين العتبار التجارب الماضية ‪ ,‬منذ انطلق الجهاد أواسسسط السسستينيات‪,‬‬
‫أي قبل نحو ‪ 40‬عاما وإلى اليوم ‪ ,‬يمكنني أن أقول أن جيلن جهاديا ن قد مضسسيا حسستى‬
‫الن في هذه الصحوة ‪ .‬حيث سسسنعرض لتاريخهمسسا بشسسيء مسسن التفصسسيل فسسي الفصسسل‬
‫السادس إن شاء الله ‪ ..‬جيل المؤسسسين والدفعة الولى ‪ ,‬والذي أشعل مشعل الفكر‬
‫الجهسسادي وقسسدم أولسسى تجسساربه مطلسسع السسستينات إلسسى أواخسسر السسسبعينات مسسن القسسرن‬
‫المنصرم ‪ ,‬حيث لم تأت الثمانيات إل وقد قضى معظمهم على هذا الدرب المنيسر‪ ..‬ثسم‬
‫الجيل الثاني الذي قام بمتابعة المسيرة منسسذ مطلسسع الثمانينيسسات ‪ ,‬وإلسسى أواخسسر القسسرن‬
‫العشرين ‪ .‬حيث انتعش الجهاد في مصر والشام ثم شمال إفريقيا وغيرها ‪ ..‬ثم فتحت‬
‫بوابة الجهاد على مصراعيها لعشاق الفريضة الغائبة في أفغانستان ‪ ,‬حيث تكون علسسى‬
‫مدى الثمانينيات إلى مطلع التسعينيات الجيل الجهادي الثاني ‪ ,‬وكانت مدرسة الفغسسان‬
‫العرب تجربة متميزة انطلق الجهاد مسسع روادهسسا إلسسى مختلسسف بقسساع العسسالم السسسلمي ‪,‬‬
‫وسسساهمت سسساحات البوسسسنة و الشيشسسان ‪ ,‬ثسسم مرحلسسة أفغانسسستان الثانيسسة والمسسارة‬
‫السلمية بعطاء زاخر شهد أواخره لحاق طلئع الجيل الجهادي الثالث‪..‬‬
‫ثم جاءت أحداث سبتمبر ‪2001‬م ‪ ,‬ودخل الجيل الثاني في أتون المحنة ‪ ,‬لينصرم‬
‫القرن العشرون ‪ ,‬وتفتتح اللفية الثالثة بمذبحة مروعة وأخسسدود عظيسسم ‪ ,‬التهسسم معظسسم‬
‫كوادره وقياداته وأكثر قواعده ‪ ,‬ولم يسلم منهم من القتل أو السر إل النذر اليسير‪..‬‬
‫وأعتقسد جازمسا ‪ ,‬أن علسى الجيسل الثسالث أن يهضسم خلصسة تجربسة جسذوره ليطسور‬
‫نظريات عمله و يتابع حمل راية الجهسساد فسسي ظسسروف بالغسسة الصسسعوبة ‪ ,‬ومعركسسة بالغسسة‬
‫الختلل في موازين القوى‪..‬‬
‫وقد أحببت في هذا الكتاب س حيث أني من بعض من تبقى من الجيسسل الثسساني س س أن‬
‫م من يسير على خطانا جزءا من المانة في هذا الكتسساب ‪ ,‬وفسسي مسسا أعسستزم كتسسابته‬ ‫ُ‬
‫سل ُ‬‫أ َ‬
‫مما يتلوه من هذه السلسلة‪ .‬خلصة منهجية فكرية ‪ ,‬وحركيسسة تاريخيسسة ‪ ..‬تسسساعد مسسن‬
‫يستعد لحمل المانة على متابعسسة الطريسسق علسسى بصسسيرة ‪ .‬مسسن دون أن يخسسسر دروسسسا‬
‫عظيمة من مسار مجيد ‪ ,‬مخضب بدماء عشسسرات آلف الشسسهداء‪ ..‬ومعانسساة جيسسل كابسسد‬
‫في صراعه مع الطواغيت ومن ورائهم أشد المعاناة في هذا العصر الحديث ‪.‬‬
‫إذ ل بد لجيل الجهاد القادم من معرفة جذوره ‪ ,‬وهضم تجسسارب أسسسلفه ‪ ,‬والسسسير‬
‫على أنوار ما قدموا فكرا وتجربة وقدوة ‪ ,‬من خلل فهم جذور الصسسراع التاريخيسسة منسسذ‬
‫بدأ‪..‬‬
‫إن في تاريخ الصحوة السلمية المعاصرة المنطلقسة منسذ مطلسع القسرن العشسرين‬
‫وإلى اليوم ‪ ,‬وما تزخر به من تجسسارب رائعسسة ‪ ,‬بصسسرف النظسسر عسسن مصسسيبها ومخطئهسسا‪.‬‬
‫دروسا عظيمة‪ ..‬كما أن في تاريخ تجارب التيار الجهادي المعاصر المنطلق منسسذ مطلسسع‬
‫الستينيات في القرن المنصرم وإلى أيامنا هذه ‪ ,‬دروسا وعبرا ومنهاجا وفكرا ورايسسة ‪..‬‬
‫ول بد للجيل الجهادي القادم أن يبنى عليها‪ ,‬ل بد له أول أن يعرفها تاريخا ومنهجا ‪ ,‬وأن‬
‫يهضمها حتى يكون الجيل الجهادي القادم حلقة طبيعية في هذه السلسلة السستي ترسسسم‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة ‪] 46 [ ‬‬

‫مسار القافلة المجيدة نحو حلم السلم المنشود‪ ,‬في إعادة حكم اللسسه لهسسذه الرض ‪,‬‬
‫وإقامة خلفته الراشدة على منهاج النبوة إن شاء الله‪..‬‬
‫وقد حاولت أن أغطي ذلك في بعض فصول هذا الكتاب بإيجاز ‪ .‬كمسسا أن فسسي فهسسم‬
‫سياق تاريخ المة بعمومها وما حل بها ومسارها العام إجمال والسياسي خاصسسة قسسسط‬
‫أساسي من المعرفة ‪ ,‬لبسسد لجيسسل الجهسساد القسسادم والقسسائمين عليسسه مسسن معرفسسة وفهسسم‬
‫مجرياته ‪ ,‬وهسسو مسسا يمكسسن تسسسميته بالتاريسسخ الحسسديث للعسسرب والمسسسلمين خلل القسسرن‬
‫الماضي ‪ .‬منذ سقوط الخلفة عام ‪ ..1924‬كمسسا أن قسسسطا مسسن المعرفسسة حسسول تاريسسخ‬
‫صراعنا الحالي مع الروم المعاصسسرين أعسسداؤنا الزلييسسن ‪ ,‬أقصسسد معرفسسة خلصسسة تاريسسخ‬
‫صراعنا مع الروم وحملتهم التاريخية ‪ ,‬وكيفية أداء أجدادنا في ذلك الصسسراع ‪ ,‬وخلصسسة‬
‫دروس النتصارات والهزائم عبر تلك الملحم ‪ .‬أمر مهم جسسدا لتلمسسس خطسسى المسسسار‬
‫القادم‪..‬‬
‫إن فهم ذلك وربطه بتاريخ الصراع كله ‪ ,‬وبجذور هذا النظام الدولي القائم ونشسسأته‬
‫عبر العصور‪ ,‬واستخلص خلصة أسس الصسراع بيسن الحسق والباطسل منسذ وجسد البشسر‬
‫علسى هسذه البسسيطة ‪ ,‬يمهسد لهضسم وفهسم مكونسات إنشساء نظريسات العمسل المناسسبة‬
‫للمرحلة الحالية‪..‬‬
‫وإذا وسع الفرد المجاهد العادي أن يجهل كثيرا من ارتباطسسات هسسذه السلسسسلة مسسن‬
‫المعارف والدروس والتجارب ‪ ,‬فإنه ل يسع النخبة القادمة مسسن قيسسادات الجهسساد وجيلسسه‬
‫القادم أن تجهل الحكمة والعبرة من هذا السياق كله‪..‬‬
‫ولذلك حرصت على أن تشتمل الفصول الولى أو ما يربو على نصف هسسذا الكتسساب‬
‫خلصة ذلك بطريقة متسلسلة منطقية وموجزة‪ ..‬نعم موجزة رغم ضخامتها‪..‬‬
‫لقد أصــبحت المعرفــة أهــم أســلحة هــذا العصــر ‪ .‬ول يمكــن أن يقــود‬
‫الجهلة هذا الصراع مهما كان من إخلصهم المفترض ‪..‬‬
‫هذا ما خلصت إليه ‪ ,‬بعد تجربة ذاتية خاصة طويلة ‪ ,‬قضيتها سس أسسسأل اللسسه الخلص‬
‫والقبول س وسط معمعة تجارب الصحوة السلمية ‪ ,‬منذ ) ‪1980‬م( وإلى أيامنسسا هسسذه‬
‫أواخر )‪2004‬م( ‪.‬‬
‫ومن خلل المشاركة الميدانية في التيار الجهادي المعاصر خلل هذه الفترة بالغة‬
‫الهمية والعطاء‪ ..‬عشت خللها تجربة الجهاد في سسسوريا ميسسدانيا منسسذ ‪1980‬م ‪ ,‬وكنسست‬
‫عضوا في القيادة العسكرية للخوان المسلمين إبان أحداث حماة ‪ . 1982‬ثسسم تجربسسة‬
‫الجهاد العربي الفغاني ضد التحاد السوفيتي والشيوعية في أفغانستان ميدانيا أيضسسا )‬
‫‪1992-1988‬م( ‪ .‬ثم مواكبة التجربة الجهادية المريرة المؤسفة في الجزائر عن قرب‬
‫من خلل العمل العلمي مع أنصار الجهاد الجزائري في لندن )‪1997-1993‬م( ‪ ,‬إلسسى‬
‫أن اضطررنا إلى هجرها بفعل سيطرة المنحرفين على قيادتها – كما شرحت مجريسسات‬
‫ذلك فسسي كتسسابي ) شسسهادتي علسسى الجهسساد فسسي الجسسزائر ‪1996-1989‬م ( ‪ .‬ثسسم العمسسل‬
‫والمشاركة ميدانيا في آخر التجارب الجهادية وأهمها في العقد المنصرم ‪ .‬وهي تجربة‬
‫الطالبان والفغان العرب فسسي أفغانسسستان خلل ) ‪ 1996‬سس ‪ 2001‬م( ‪ .‬وقبسسل ذلسسك مسسا‬
‫أتسساحته لسسي المهسساجر العديسسدة ‪ ,‬ولسسسيما فسسي عسسدد مسسن السسدول العربيسسة والسسسلمية‬
‫والوروبية ‪ .‬وما وفره لي ذلك من التماس مع مختلف شرائح الصحوة السلمية عامة‬
‫‪ ,‬والتعرف على معظم حركسات وتنظيمسات وقيسادات التيسار الجهسادي المعاصسر بشسكل‬
‫خاص‪ ..‬وما اطلعت عليه من خلل ذلك علسسى عشسسرات التجسسارب الجهاديسسة والسسسلمية‬
‫عموما‪ .‬ومن خلل كوني أحد العاملين في التيسسار الجهسسادي فسسي مجسسال الفكسسر والكتابسسة‬
‫والتأريخ والنشاط العلمي ‪ ,‬بالضافة للمباشرة الميدانية‪..‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 47 [ ‬‬

‫ول أذكر هذا هنا للفخسسر ‪ ,‬وليسسس المقسسام مقسسامه – وأسسسأل اللسسه الخلص ‪ -‬وإنمسسا‬
‫ليعرف القارئ ‪ ,‬أن ما يستقبله من صسسفحات الكتسساب هسسو نتسساج تجربسسة ميدانيسسة طويلسسة‬
‫ومتنوعة ‪ ,‬فيعطيه حقه من الهتمام ‪.‬‬
‫ولقد جهدت أن ُأعمل الفكر وأقضي الساعات الكثيرة في المناقشات والحوار مسسع‬
‫كثير من العاملين في هذا التيار الجهسسادي ‪ ,‬وخاصسسة مسسن كسسوادره وقيسساداته المجربيسسن‪..‬‬
‫وفي التفكير في طبيعة هذه الطامة النازلة بنا وطرق مواجهتها‪ .‬وأن أضع خلصة ذلسسك‬
‫بين دفتي هذا الكتاب ‪ ,‬وعبر رسائله المتتاليسسة ‪ ,‬كسي أوجسسز فسي ذلسسك مسا يسساهم فسسي‬
‫خدمة الجيل الجهادي القادم ‪ ,‬ويعينه على استئناف المسار‪..‬‬
‫وكما قلت في كتابي وباكورة مؤلفاتي ‪:‬‬
‫( الثورة السلمية الجهادية في سوريا ‪ -‬آلم وآمال ‪ ( -‬الذي كتبتسسه عسسام‬
‫‪1987‬م ‪ ,‬أعيد القول هنا‪:‬‬
‫إن على كل جيل جهادي أن يولد نظريته العمليـة ‪ ,‬مـن خلل التجربـة‬
‫الذاتية ‪ ,‬وأن يطورها في ضوء حصاد التجارب السابقة‪.‬‬
‫إن النظريـــة الجهاديـــة العمليـــة ل تولـــد فـــي رؤوس المـــؤلفين‬
‫والمفكرين فوق المكاتب النيقة ‪ .‬ول من خلل حياة الدعة المريحة ‪ .‬ول‬
‫تنزل على أصحابها من قمة الهــرم التنظيمــي لحركتهــم‪ ..‬بــل تولــد فــي‬
‫خنادق القتال وساحات العداد ‪ ,‬ومســار المحنــة وأتونهــا‪ .‬نظريــة تكلــف‬
‫أصحابها العناء ‪ ,‬وتجعلهم يــدفعون ثمــن كــل خطــأ وتجربــة مــن دمــائهم‬
‫ومعاناتهم ‪ ,‬حتى يتلمــس اللحقــون مــا يناســب كــل مرحلــة قادمــة مــن‬
‫الخطوات الصائبة‪.‬‬
‫إن التجارب الفاشلة باهظة الثمــن ‪ ,‬ولكــن الفشــل فــي كــثير مــن‬
‫الحيان أكثر إثراء للمسار مــن النصــر‪ .‬إذ يجمــع التجربــة إلــى المجــرب ‪.‬‬
‫فإذا ما قيض لـه الثبـات والعـزم علـى المسـير ‪ ,‬فـإنه يشـكل لـه أرضـية‬
‫النتصار الحاسم القادم بإذن الله ‪.‬‬
‫لقسسد عايشسست بنفسسسي تجسسارب جهاديسسة مريسسرة ‪ ,‬واسسستطعت مسسن خلل صسسحبتي‬
‫واحتكاكي أن أطلع على كثير سواها من التجارب الرائعة ‪ ,‬من روايات أصسسحابها السسذين‬
‫قاموا بهسسا ‪ .‬ولقسسد درسسستها دراسسسة مقارنسسة مسع مسسا اطلعسست عليسسه مسسن تاريسسخ الحركسسات‬
‫والثسسورات المعاصسسرة‪ ..‬وحسساولت فسسي هسسذا الكتسساب أن أهضسسم كسسل ذلسسك ‪ ,‬وأقسسدمه فسسي‬
‫نظريات عمل قد تكون مساعدة على مسارنا القادم ‪ ,‬ومسار من سيسير على خطانسسا‬
‫بتوفيق الله‪..‬‬
‫لقد مثسلت أمريكا والحضارة الغربيسسة ‪ ,‬ومسسا أحلتسسه بنسسا وبغيرنسسا مسسن بنسسي آدم ‪ ,‬داءا ًَ‬
‫أصاب البشرية بكل ماتعنيه كلمسسة )داء( مسسن معسساني‪ ..‬ول شسسك أن بلء دائهسسا ودواءهسسا‬
‫داخل في ما روي عنه صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫( ما أنزل الله من داء إل وأنزل له دواء ‪ ,‬عرفــه مــن عرفــه ‪ ,‬وجهلــه‬
‫من جهله (‪..‬‬
‫وقد حاولت في هذا الكتاب أن أساهم في البحث عن مواصسفات هسسذا السسدواء لعسسل‬
‫الله يجعلنا و من سيسير على خطى من مضى؛ ممن عرفه‪..‬‬
‫لعلنا نستطيع أن نريح أمتنا ‪ ,‬وربما البشرية كلها من وراء ذلك ‪ ,‬من أعسسراض هسسذا‬
‫الداء – أمريكا وحلفائها ‪ -‬وما أحله في البرياء من بني البشر عامة والمسلمين خاصسسة‬
‫من ويلت ‪ .‬فيكون في ذلك الشفاء بأن الله ‪..‬‬

‫*************‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 48 [ ‬‬

‫‪ ‬تعريف بمراحل تبلور ونضوج أفكار هذا الكتاب‬


‫‪‬‬
‫لقد تأجلت كتابة هذا البحث رغم عزمي على ذلك مسسرات عديسسدة‪ .‬ولعسسل فسسي قسسدر‬
‫الله بذلك التأخير خيرًا‪ .‬ولعل من هذا الخيسسر‪ ,‬أن الهجمسسة العاتيسسة السستي تقودهسسا أمريكسسا‬
‫وحلفاءها ما يعين القارئ المسسسلم علسى فهسم أكسسبر ‪ ,‬وقناعسة أوضسسح بالفكسار وبرامسج‬
‫العمل ‪ ,‬ودعوة الجهاد و المقاومة التي ندعوه إليها في هذا الكتاب‪...‬‬
‫فقد أصبح ما لم يمكن إدراكه والقناعة به إل بقسسدر مسسن البصسسيرة ‪ ,‬قبسسل أكسسثر مسسن‬
‫اثني عشر عاما‪ ,‬يوم بدأت هذه الحملت الصليبية الجديدة بغزو أمريكا وحلفائها للخليج‬
‫تحت ستار تحرير الكويت عام ‪1990‬م ‪ .‬أصبح اليوم يدرك بشيء يسير من البصر‪ ,‬بل‬
‫بقدر بسيط من السمع لمن خانته البصيرة ونكبه العمى بعد أن فقد نعمة الحساس‪..‬‬
‫ولعل من آفاق الخير في تأخير إخراج هذا البحث أيضا ‪ ,‬أن تنضج تلك الفكسسار بعسسد‬
‫أن أدت شسسواهد حملت أمريكسسا وحلفائهسسا علسسى المسسسلمين قاطبسسة‪ ,‬وعلسسى الصسسحوة‬
‫السلمية خاصة ‪ ,‬وعلى المدافعين عن هسسذه المسسة مسسن أبنائهسسا المجاهسسدين علسسى وجسسه‬
‫الخصوص ‪ ,‬إلى ازدياد القناعة لدينا بضرورة شراسة المقاومة ‪ ,‬التي تفرضسسها وحشسسية‬
‫الهجمة البربرية العاتية‪.‬‬
‫ولعل من الخير أيضا في ذلك التأخير‪ ,‬أن يتم إخسسراج هسسذا الكتسساب مسسن خلل أتسسون‬
‫المحنة التي نعيش ذروتها هذه اليسسام ‪ ,‬ونحسسن نعيسسش مرحلسسة المطسساردات والمخسسابئ ‪,‬‬
‫وقمة المواجهة مع أمريكا وحلفائها‪.‬‬
‫وأرجو الله أن يكون قد قضى لي التيسير والتوفيق في إخراجه ‪ ,‬وأسأله تعالى أن‬
‫يلهمني الحق والصواب ويجنبني الزلل ويوفقني لسباب القبول ‪ ..‬إنه أهل ذلك والقادر‬
‫عليه‪.‬‬

‫أما عن مراحل تبلور أفكار هذا الكتاب ‪ ,‬فمن المفيد فــي فهمــه ذكــر‬
‫تسلسلها ‪.‬‬
‫فقد تم ذلك على مراحل متدرجة على مدى أربعة عشر عاما ‪ ,‬ما بين أواخسسر عسسام‬
‫‪1990‬م إلى أواخر عام ‪2004‬م‪.‬‬
‫وأما صياغته الخيرة فقد بدأتها مطلع سنة ‪2002‬م ‪ ,‬وأشارف الن – بفضل الله‬
‫‪ -‬على نهايته أواخر سنة ‪2004‬م ‪.‬‬
‫وقد كانت خلصة تلك المراحل الفكرية على الشكل التالي ‪:‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 49 [ ‬‬

‫المرحلة الولى ‪ :‬بيشاور ) ‪1990‬م ‪1991 -‬م (‬

‫• كان جمع المجاهدين العرب الذي حضرته ما بين ) ‪1992 -1987‬م ( في‬
‫أفغانستان والمناطق الحدودية الباكستانية ‪ ,‬ولسيما عاصسسمتها بيشسساور‪ ,‬قسسد بلسسغ‬
‫ذروته عام ‪1990‬م ‪ ,‬وحوى بكل تأكيد كامل طيف الصحوة السلمية ‪ ,‬ولسسسيما‬
‫العربيسسة بمدارسسسها المختلفسسة ‪ .‬وشسسهد ذلسسك الجمسسع مسسا يمكسسن وصسسفه بسسالزلزال‬
‫الفكري والنفسي على مستوى المجاهدين العرب خاصسسة ‪ .‬وذلسسك بنسسزول قسسوات‬
‫التحالف الدولي بزعامة أمريكا في جزيرة العرب تحت سسستار مسسا سسسمي بتحريسسر‬
‫الكويت ‪ .‬والذي بدا بكسسل وضسسوح أنسسه مجسسرد سسستار هسسش لحملت صسسليبية عاتيسسة‬
‫جديدة ‪ ,‬تقودهسسا أمريكسسا وأوروبسسا الغربيسسة واليهسسود ‪ ,‬علسسى عقسسر دار السسسلم فسي‬
‫الشام و العراق وجزيرة العرب‪ .‬لقد عصف ذلك الزلسسزال بكامسسل المسسة العربيسسة‬
‫والسلمية ‪ ,‬وبصحوتها الدينية السياسية التي كانت تعيش ذروتهسسا منسسذ انطلقسست‬
‫قبل أكثر من نصف قرن ‪ .‬فقد دخل النصارى هذه المرة بلد الحرمين‪ ,‬وأحاطوا‬
‫بجزيرة العرب ‪ -‬عقر دار السلم ‪ -‬برا وبحرا وجوا ‪ ,‬وأنزلسسوا فيهسسا زهسساء مليسسون‬
‫جندي ‪ .‬كان أكثر من نصفهم مسسن المريكسسان‪ .‬ونحسسو عشسسرين بسسالمئة منهسسم مسسن‬
‫النجليز‪ .‬وكان نحو عشرة في المئة مسن دول النساتو – أوربسا الغربيسسة ‪ -‬وتشسسكل‬
‫الباقون من نحو ‪ 31‬دولسسة ‪ .‬و كسسان لبعسسض الحكومسسات العربيسسة والسسسلمية مثسسل‬
‫السعودية ودول الخليج و الباكستان وتركيا وسوريا ومصسسر والمغسسرب ‪ ..‬وغيرهسسا‬
‫نصيبا ل بأس به من المشاركة أيضا ‪ .‬وليس هنسسا محسسل السسستطراد السسذي أطنسسب‬
‫فيه العلماء والكتاب والصحفيون ‪ ,‬مما لم يدع مجال للشك ‪ ,‬بأن المة السلمية‬
‫ومقدساتها وثرواتها ولسيما النفطية‪,‬هي المستهدفة فسسي موجسسة احتلل صسسليبي‬
‫يهودي عسكري مباشسسر‪ .‬احتلل يهسسدف فسسي النهايسسة إلسسى القضسساء علسسى الوجسسود‬
‫الحضاري للمسلمين بشكل كامل ‪..‬‬
‫• تبع ذلسسك الزلسسزال وخلل أشسسهر قلئل ‪ ,‬وفسسي مطلسسع عسسام ‪1991‬م موجسسة‬
‫زلزلة أخرى باستعلن مشاريع السلم مع اليهود ‪ ,‬لسسبيع مسسا تبقسسى مسسن فلسسسطين‬
‫وبيت المقسسدس تحسست مسسسميات باطلسسة أخسسرى ‪ .‬مسسن مشسساريع الصسسلح والتطسسبيع‬
‫والسلم بين العرب واليهود ‪ .‬تلك الموجة التي انطلقت من مسسؤتمر مدريسسد عسسام‬
‫‪1991‬م‪ ,‬وشسساركت فيسسه إسسسرائيل مسسع دول الطسسوق العربيسسة ) مصسسر – سسسوريا ‪-‬‬
‫الردن ‪ -‬لبنان ( بالضافة لمنظمة التحرير الفلسسسطينية ‪ ,‬وبحضسسور دول عربيسسة‬
‫أخرى على رأسها السسعودية ‪ .‬حيسث دعمست معظسم السدول العربيسة والسسلمية‬
‫تقريبا ذلك المسار الستسلمي الخياني ‪.‬‬
‫• كان من أهم أثار ما تمخض عنه ذلك الزلزال السياسي من أثار مسسدمرة ‪,‬‬
‫أن شعوب المة العربية والسلمية‪ ,‬وخاصسسة الصسسحوة السسسلمية ‪ ,‬صسسحت علسسى‬
‫الزلزال وقد كشف بشكل فاضح عن حقائق غاية في الخطورة ‪ ,‬يمكسسن إيجازهسسا‬
‫بما يلي‪:‬‬
‫أن المة السلمية تتعرض لهجمة احتلل عسكري مباشر من أجل السيطرة علسسى‬
‫مقدساتها ‪ ) :‬مكة – المدينة – القدس ( ‪ ,‬ومن أجل فسسرض احتلل اليهسسود لفلسسسطين ‪,‬‬
‫ومن أجل استلب النفط – بيت مال المسلمين – ومن أجل فرض احتلل غربي ثقسسافي‬
‫واجتمسساعي ‪ ,‬بعسسد أن رسسسخ الحتلل السياسسسي عسسبر النظمسسة والحكومسسات العربيسسة‬
‫والسلمية ‪ ,‬وتوج بالحتلل العسكري الذي انطلق مع حرب عاصفة الصحراء ) تحريسسر‬
‫الكويت(‪ .‬هجمة تقصد المة من أقصاها إلى أقصاها ‪ ,‬لخضاعها للشعار العريض السسذي‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 50 [ ‬‬

‫أطلق تحت مسمى ) النظام العالمي الجديد (‪ .‬والذي يعني باختصسسار‪ :‬إخضـاع المـة‬
‫للرادة اليهودية الصليبية بزعامة أمريكا ‪.‬‬
‫أن كافة حكومات الدول العربية والسلمية ‪ ,‬ودونما استثناء ‪ ,‬قد شاركت أو أيسسدت‬
‫تلك الحملة‪ .‬وقام الحكام المرتدون الذين رسخوا أنظمسسة الكفسسر فسسي بلدهسسم ‪ ,‬بتقسسديم‬
‫كافة أشكال السسدعم والعسسون والخسسدمات اللوجسسستية لقسسوى الحتلل بسسرا وبحسسرا وجسسوا ‪.‬‬
‫ودعموها عبر أجهزة إعلمهم‪ ,‬بل لقد قسام كسثير منهسم بالمشساركة العسسكرية فعليسا أو‬
‫رمزيا لثبات حضورهم وانتمائهم لهذه الحملة على السسسلم والمسسسلمين ‪ .‬لتثبسست تلسسك‬
‫الحكومات أنها جزء أساسسسي مسسن هسسذا النظسسام العسسالمي الجديسسد فسسي محاربسسة شسسعوبها‬
‫ودينهم الحنيف ‪ ,‬وفي خيانة قضاياها وبيع ثرواتها وتسليم مقدساتها ‪.‬‬
‫تبين أن عموم الهيكل الديني في بلد المسلمين ‪ ,‬ممثل بالعلماء المسسستقلين مسسن‬
‫جهة ‪ ,‬أو بقيادات الصحوة السلمية وأحزابها وجماعاتها من جهة أخرى ‪ ,‬عبــارة عــن‬
‫هيكل مفلس منهار‪ ,‬ل يصلح بحال لمواجهة هذه الهجمة ‪. .‬بل النكى مسسن هسسذا أنسسه‬
‫قد تبين أن معظسسم مسسن يسسسمون علمسساء أهسسل السسسنة وأعلمهسسم المتبسسوعين وفقهسساءهم‬
‫المرمسسوقين قسسد انضسسموا للحملسسة العلميسسة لهسسذه الحملت الصسسليبية ‪ .‬فأسسسبغوا عليهسسا‬
‫الشرعية وجوزوها ‪ ,‬بل اعتبر كبسسار المنسسافقين منهسسم أن قسسدوم المريكسسان إلسسى جزيسسرة‬
‫العرب من أكبر نعم الله على هذه المة وأنه يستأهل سجود الشسسكر‪ !!.‬كمسسا عسسبر عسسن‬
‫ذلسسسسسسسسك ) الشسسسسسسسسيخ أبسسسسسسسسو بكسسسسسسسسر الجسسسسسسسسزائري ( عضسسسسسسسسو هيئة كبسسسسسسسسار‬
‫) العملء ( في السسسعودية !‪ .‬فمسسسخوا حقيقسسة الصسسورة ‪ ,‬ليحولوهسسا مسسن صسسورة احتلل‬
‫صليبي يهودي للمسلمين ‪ ,‬إلى صورة نصرة مشروعة من دول صسسديقة إسسسلمية وغيسسر‬
‫إسلمية ‪ ,‬لدولة التوحيد) السعودية( ‪ ,‬وحكومسسة الكسسويت )الشسسرعية( ‪ ,‬السستي أطسساح بهسسا‬
‫عدو كافر غاشم ‪ ,‬باغ على الدماء والموال والعراض )العسسراق( ‪ .‬وبهسسذا صسسدر البيسسان‬
‫الختامي لما سمي مؤتمر مكة )‪1991‬م( والسسذي دعسست إليسسه الحكومسسة السسسعودية نحسسو‬
‫‪ 400‬عالما ‪ ,‬هم كبار علماء العالم السلمي ‪ ,‬وزعماء ما يسمى بالصحوة السسسلمية!!‬
‫وممن كان فيهم ووقع على هذا البيان الختامي ‪ :‬هيئة كبار العلماء بالسعودية ‪ ,‬وشيوخ‬
‫الزهسسر مسسن مصسسر ‪ ,‬ومسسا يعسسادلهم مسسن العلمسساء ووزراء الوقسساف والشسسؤون الدينيسسة‬
‫والجمعيات الدينيسسة الرسسسمية وغيسسر الرسسسمية لكافسسة دول العسالم العربسسي والسسلمي ‪.‬‬
‫وكذلك معظم رؤوس ورموز الحركات السلمية ‪ ,‬من الخوان المسلمين ‪ ,‬والجماعات‬
‫السلفية والصوفية و التبليغية والصلحية ‪ ...‬وقد صدر بذلك بيان وقسسع عليسسه مسسا يقسسرب‬
‫من ‪ 400‬عالم وقائد ورمز إسلمي! كما أصدرت معظم تلك الجماعات بيانسسات خاصسسة‬
‫بها دارت في فلك هذا الفقه الستعماري المريكي الخرق !! ولم يشذ عسسن هسسذا البلء‬
‫إل نوادر من رمسسوز الصسسحوة ممسسن عصسسمهم اللسسه‪ .‬وكسسان مسسن تبعسسات ذلسسك ؛ أن تصسسدر‬
‫الفتاوى من كثير من هؤلء العلماء بحرمة العتداء ! على هسسذه القسسوات الغازيسسة لنسسا ‪,‬‬
‫واعتبسسارهم مســتأمنين شسسرعا ً ‪ ,‬واعتبسسار كسسل مسسن يجاهسسدهم ‪ ,‬معتــدين علسسى ذمسسة‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ص ـل ُّبوا أ ْ‬
‫و‬ ‫قت ّل ُــوا أ ْ‬
‫و يُ َ‬ ‫ن يُ َ‬
‫المسلمين ‪ ,‬مفسدين في الرض ‪ ..‬عقابهم في السسدنيا ‪ ( :‬أ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫قطّع أ َي ـديهم َ‬
‫ض (! بسسل زعمسسوا أن‬ ‫ن الْر ِ‬ ‫مـ َ‬
‫وا ِ‬ ‫و ي ُن ْ َ‬
‫فـ ْ‬ ‫فأ ْ‬ ‫خل ٍ‬
‫ن ِ‬
‫مـ ْ‬
‫م ِ‬ ‫جل ُ ُ‬
‫هـ ْ‬ ‫وأْر ُ‬
‫َ ْ ِ ِ ْ َ‬ ‫تُ َ‬
‫ً‬
‫المعتدي على هسسؤلء المعصومين شسسرعا ) القسسوات المريكيسسة والصسسليبية ( ل يسسروح‬
‫رائحة الجنة‪ !!!.‬و بهذا صدر بيان بالجمسساع عسسن هيئة كبسسار العلمسساء فسسي السسسعودية إثسسر‬
‫انفجاري ) الرياض ( و) الخبر( الذين استهدفا جنودا أمريكان بعد حين ‪.‬‬
‫تبين وللسف ‪ ,‬أن الجماعات والتنظيمسسات الجهاديسسة المسسسلحة السستي رفضسست ذلسسك‬
‫الواقع ودعت إلى جهاد المريكسسان وحلفسسائهم ‪ ,‬كسسانت بحكسسم واقعهسسا الحركسسي وضسسعفها‬
‫وتشردها عن بلدها ‪..‬أعجز من أن تقدم حل لهذه الطامة الماحقة التي نزلسست فسسي بلد‬
‫المسلمين ‪ .‬واقتصرت مواجهاتهسسا للمريكسسان علسسى بيانسسات محسسدودة النتشسسار فسسي بلد‬
‫المهجر‪ ,‬بعيدا عن المة ‪ .‬فقد كان موقف قياداتهسسا ورموزهسسا واضسسحا‪ ,‬ويمثسسل الحسسق ‪..‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 51 [ ‬‬

‫ولكنه كان موقفا عاجزا مقهورا ‪ .‬بعيدا كل البعد عسسن دائرة الفعسسل والتسسأثير‪ ,‬أو الهليسسة‬
‫لقيادة المواجهة ‪.‬‬
‫تبين أخيرا ً ونتيجة لهذه الحوال ‪ ,‬أن المة السلمية وشعوبها قاطبة ونتيجة لفساد‬
‫مقومي الصلح في المة ) العلماء ‪ ,‬والمراء( مغيبة عن الحدث‪ .‬تمامسسا كمسسا روي فسسي‬
‫الثسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسر‪:‬‬
‫) صسسنفان مسسن النسساس إذا صسسلحا صسسلح النسساس وإذا فسسسدا فسسسد النسساس ‪ :‬العلمــاء‬
‫والمراء ( ‪ .‬وأن المة وقسسد كفسسر معظسسم ملوكهسسا ورؤسسسائها وأمرائهسسا ‪ ,‬ونسسافق أكسسثر‬
‫علمائها‪ ..‬مدعوة لدخول تيه عظيم أكسسبر مسسن السسذي هسسي فيسسه‪ .‬ولن حكامهسسا المرتسسدين‬
‫صاروا في حلف العدو‪ .‬ولن أغلب علمائها وقادة حركاتها السسسلمية قسسد توزعسسوا ‪ ,‬إمسسا‬
‫في متاهات النفاق أو في جحور العجز‪ ..‬وأن العدو يقف في موقع مسسا وصسسفه الشسساعر‬
‫بقوله ‪:‬‬
‫إن يك الراعي عدو الغنم ِ‬ ‫ل يلم الذئب في عدوانه‬
‫فقد تبين أن شعوب المسلمين مغيبون تماما عن واقع ما يدور بهسسم ‪ ,‬ومسسا يخطسسط‬
‫لمتهم ‪ ,‬وأن عامتهم غارقون إلى آذانهم في سعيهم لسسدنياهم ‪ ,‬وتمرغهسسم فسسي مراغسسة‬
‫ملذاتها ‪ .‬وأن العسدو عسازم علسى اسستكمال سسلب مسا تبقسى لسديهم مسن دينهسم وفتسات‬
‫دنياهم ‪ .‬وعمومهم في غفلتهم معرضون ‪ .‬وأن الواعين منهم لما يدور ‪ ,‬يعضون أصسسابع‬
‫الغيظ والقهر والحزن على ما يحل بالمة ‪ ,‬ويشكون إلى الله أنهسسم مسسن المستضسسعفين‬
‫الذين ل يستطيعون حيلة ول يهتدون سبيل ‪.‬‬
‫وسط تلك الزلزل‪ ..‬وتتابع الخبار والتحليلت على ما جرى ويجري ‪ ,‬وما يتوقع لسسه‬
‫من نتائج في غضون السنين القادمة ‪ ..‬بدأت تتولد عندي بدايات هذه الفكار‪.‬‬
‫لقد كانت تلك الظروف دافعة لي على التفكير فيما يجري وأبعاده وطرق مواجهته‬
‫‪ ..‬وكان واضحا من استعراض طيف الصحوة والحركات السلمية و الجهادية والفكريسسة‬
‫وسواها التي تعّرفت على من لم أكن أعرفهسسا منهسسا فسسي مرحلسسة الجهسساد الفغسساني ‪ ,‬أن‬
‫جلها أو كلها قد اتخذ برامج ومناهج وأهدافا بعيدة كل البعد عن مواجهة الزمة القادمة‪.‬‬
‫فبرامج الخوان وأشكالهم تحوم حول فكرة البرلمانات وكسب المقاعد النتخابية ‪,‬‬
‫وإيجاد قاسم مشترك مع الحكومات ‪ ,‬والبحث عن مواقع ل تتصسسادم مسسع الغسسزاة الجسسدد‬
‫للمنطقة ‪ ..‬مخططات للصلح الجزئي المرحلي ‪ ,‬تدور كلها في فلك القطرية بحسسسب‬
‫انتماءات تلك الحزاب وبلدها ‪ .‬وقد تداخلت فيهسسا مصسسالحهم الشخصسسية والحزبيسسة مسسع‬
‫مصالح الدعوة والسلم تداخل يصعب على غير الله تبارك وتعالى تمييزه !! ‪.‬‬
‫والتيسسارات والجماعسسات والرمسسوز السسسلفية ومشسسايخها وحركاتهسسا ومجلتهسسا تصسسب‬
‫اهتماماتها على قطاع العقائد والجدليات العقدية والفقهية ‪ ,‬وتبدو وكأن مشسساكلها السستي‬
‫تعود لمعارك الحنابلة مع )الجبائي( و)المعتزلة( ‪ ,‬أقسسرب لهتماماتهسسا مسسن بحسسث قضسسية‬
‫الغزو القادم ‪ ,‬ومسائل كفر الحاكم ‪ ..‬وقسسد وجسسدت لنفسسسها بسسدورها مجسسال للنشسساطات‬
‫المختلفة ل تثير حفيظة الحكومات ‪ ,‬ووجدت لنفسسسها مسسوطئا بعيسسدا عسسن الصسسدام ولسسو‬
‫مرحليا‪ ..‬وقد اقتنع قطاع كبير منها بفكرة البرلمانات والمرحلية الدعويسسة بعسسد أن كسسان‬
‫فر الخوان على ذلك ‪..‬‬ ‫بعضهم قد ك ّ‬
‫أما أصحاب النتمسساء لمسسدارس أبعسسد عسسن السياسسسة كسسالتبليغ والصسسوفية والمسسدارس‬
‫التربوية والصلحية فأبعد بدورها بحسب بنيتهسسا الفكريسسة وطبيعسسة اهتماماتهسسا عسسن هسسذه‬
‫المعتركات‪ .‬فقد وجدت لنفسها طرقا للمسالمة مع حكوماتها ومن وراءهم ‪.‬‬
‫وأما الجماعات الجهادية وهي أقرب شرائح الصحوة وقطاعاتها للتصادم مسسع الغسسزو‬
‫القسسادم بحكسسم مسسا تربسست عليسسه مسسن الفكسسر والمنهسسج والتجربسسة والممارسسسات الجهاديسسة‬
‫المسلحة في بلدها ثم فسسي أفغانسسستان‪ ,‬فقسسد كسسانت معنيسسة أكسسثر مسسن غيرهسسا بالتصسسدي‬
‫للتفكير والتحرك تجاه ما يجري‪ .‬ولكسسن سسسرعان مسسا بسسدا واضسسحا أنهسسا تعيسسش فسسي تلسسك‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 52 [ ‬‬

‫الحقبسسة ازدهسسارا محليسسا فسسي أفغانسسستان جعسسل همسسوم أكثرهسسا منحصسسرا فسسي إنشسساء‬
‫المعسكرات وتوفير مصادر التمويل والتجاه للحشد والتجنيد لبناء نفسها علسسى أسسساس‬
‫تنظيمسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسات‬
‫)سرية – وقطرية –وهرمية ( هدفها التقليسدي مسا زال هسو ذاتسه ‪ ) :‬الطاحسة بحكومسات‬
‫طرحسست‬ ‫بلدها ‪..‬لقامة حكومات إسسسلمية علسسى أنقاضسسها ( وفسسق نفسسس السسسس السستي ُ‬
‫وانتشرت منذ السبعينيات وخلل الثمانينيات وإلى مطلع التسعينيات ‪ .‬وهي المحسساولت‬
‫التي قامت في دول عربية عديدة‪.‬‬
‫شعرت حينها أن الناس وتوجهاتها في واد ‪ ,‬وأن سير الحداث ومسا نسستقبل منهسا ‪,‬‬
‫يسير في واد آخر‪..‬‬
‫في تلك اليام بدرت في ذهني بدايات الفكار التي سأفصلها فسي هسذا البحسث بعسد‬
‫أن تبلورت وصارت إلى شكلها النهائي ‪.‬‬
‫وأذكر أني قد ناقشت في تلك اليام بعض هذه الفكار مع رهسسط ممسسن حسسولي مسسن‬
‫المجاهدين العرب في أفغانسستان ‪ ,‬ممسن كسان لهسم تجربسة فسي عسالم الفكسسر والبحسسث‬
‫والكتابة والتنظير ‪ ,‬و بدا لي أن أفكاري تلك مبكرة ‪ ,‬وبالغة البعد عن واقع الجهساديين ‪,‬‬
‫فضل عن باقي شرائح الصحوة غير الجهادية‪ .‬و لقد اتضح لي – في حينهسسا ‪ -‬جملسسة مسسن‬
‫القناعات المبدئية ‪ ..‬كونت أساس الفكرة‪ .‬ومن ذلك ‪:‬‬
‫أن حرب عاصفة الصحراء هي بداية التحولت الناشئة عن‬ ‫‪.1‬‬
‫قيام النظام العالمي الجديد ‪ ..‬وأن هذه الغزوة أبرزت العدو‬
‫الحقيقي الذي كان مختفيا وراء حكوماتنا ‪ ,‬وهم الصليبية الدولية‬
‫وطليعتها دول الناتو ومن ورائها إسرائيل ‪ ,‬وجعلتهم العدو الظاهر‬
‫والحقيقي والخطر الذي يجب التصدي له‪ .‬وأن الدوران في فلك‬
‫العداد والنخراط في معارك ومواجهات جهادية قطرية محدودة‬
‫مع أنظمتنا الحاكمة لن يكتب لها النجاح والله أعلم رغم مشروعيته‬
‫‪ .‬لنه يصب نهاية في مصلحة العداء الحقيقيين لنه يبدد الطاقات‬
‫في متاهات ل جدوى منها ‪ ,‬بحكم ما ثبت وما مر من تجارب‪ ..‬وأن‬
‫القاتل والمقتول في ثوراتنا الجهادية تلك كان فريسة للعدو‬
‫الحقيقي‪.‬الذي وزع الدوار‪.‬‬
‫أن الحرب العالمية الممية القائمة ‪ ,‬ونظام عولمة كل شيء ‪,‬‬ ‫‪.2‬‬
‫بما فيه المواجهة القادمة بين المسلمين وأعدائهم الذين ظهروا‬
‫من الخفاء للعلن ‪ ..‬تحتاج لنظام مواجهة عالمي من جهتنا ‪ .‬عالمي‬
‫في التفكير وأساليب المواجهة غير ذلك القائم آنذاك ‪.‬‬
‫أن بدايات نظام مكافحة الرهاب الذي طرحته أمريكا وأوروبا عبر‬ ‫‪.3‬‬
‫سلسلة المؤتمرات المنية التي تلت مؤتمر مدريد في مطلع ‪ .. 1991‬تبدي أن‬
‫المواجهات المنية مع الحركات الجهادية والصولية السلمية تنتقل إلى المجال‬
‫الممي والدولي ‪ ,‬بعد أن شهدت تطورا من القطرية إلى القليمية ‪ ,‬وأن هذا‬
‫سيؤدي إلى إجهاض كافة أساليب عمل الجهاديين من الحركات والتمويل‬
‫والتصالت والنشاط وأساليب التنظيم‪ .‬لنها تعتمد على الحركة في الفق‬
‫العالمي بعد مطاردتها في بلدها‪.‬‬
‫أن المؤسسة الدينية الرسمية وقطاعا كبيرا من علمائهم‬ ‫‪.4‬‬
‫ومؤسساتهم الدينية ‪ ,‬تتجهز تلقائيا لتكون جزءا من النظام‬
‫العالمي الجديد ‪ !..‬وبمعنى أوضح ؛ جزءا من العدو ‪ .‬بعد أن اختارت‬
‫الركوب رسميا في مركب أنظمتها الكافرة التي توظفت ضمن‬
‫الحملة الصليبية اليهودية الجديدة ‪ .‬حيث ستقوم هذه الجهزة‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 53 [ ‬‬

‫الدينية بمهمة الجهاض الفكري والشرعي لي مشروع مقاومة‬


‫جهادية ‪.‬‬
‫أن مدارس الصحوة السلمية السياسية الخرى ‪ ,‬ولسيما‬ ‫‪.5‬‬
‫الحزاب السياسية ‪ ,‬ببحثها عن المشاركات البرلمانية والحكومية ‪,‬‬
‫من خلل مواقع في منتصف الطريق مع الجاهلية العاتية الممثلة‬
‫بأنظمة الردة ‪ .‬سيؤول بها الحال لن تكون أيضا جزءا من النظام‬
‫الدولي ‪ .‬وجزءا من العدو من حيث قصدت أو لم تقصد ‪ .‬تحت ستار التدرج ‪,‬‬
‫و الشعارات التي ل تقنع العجماوات بجدواها ومبرراتها ‪ ,‬ل الشرعية ول‬
‫السياسية‪ .‬خصوصا بعد الصفعات التي تلقتها ) الديمقراطية السلمية( في‬
‫الجزائر وتركيا وتونس والكويت والردن ومصر وغيرها ‪ ,‬وأنها ستقف إلى جانب‬
‫حكوماتها التي أصبحت هذه الحزاب )السلمية !( جزءا من مؤسساتها‬
‫الدستورية) الشرعية !( ‪ ,‬ضد المجاهدين‪.‬‬
‫اعتقدت أن التنظيمات الجهادية المتبقية أو حطامها ‪ ,‬كتلك القادمة من‬ ‫‪.6‬‬
‫مصر وبلد الشام وسواها سواء القائمة أو التي تشرع ببناء نفسها كمعظم‬
‫التجمعات و النوبات الجهادية القادمة من شمال أفريقيا‪ ,‬تبني نفسها على‬
‫أسس متخلفة جدا عن مستجدات المعركة‪ .‬وسيلتهمها لهيب الترتيبات المنية‬
‫الجديدة لمكافحة الرهاب والله أعلم‪.‬‬
‫و إزاء كسسل هسسذا ‪ ,‬رأيسست أن المطلــوب غيــر ممكــن فــي تلــك المرحلــة (‬
‫‪ , (1990‬في ذلك المكان ( بيشاور ومعســكرات أفغانســتان ( وللســف ‪.‬‬
‫مع أنه بؤرة تجمع الجهاد و الجهاديين ‪.‬‬
‫وأذكر أني تبادلت الحوار مرة مع أحد أبرز المشاركين في مجال التأريخ والتنظيسسر‬
‫للفكر الجهادي ‪ ,‬فسي ليلسسة مقمسسرة علسسى سسسطح بيسست الشسسيخ جلل السسدين حقسساني فسسي‬
‫بيشاور‪ ,‬ولحظت بداية تولد قناعات مشسسابهة لسسديه‪ ..‬و قررنسسا السسدعوة لجلسسسات تقييسسم‬
‫لمسار وواقع الفكر والحركات الجهادية ‪ ,‬من أجل استخلص بعسسض السسدروس ‪ ,‬وتقييسسم‬
‫تجربتنسسا فسسي أفغانسسستان ‪ ,‬وتقسسدير مسسا يسسستقبلها فسسي المرحلسسة التاليسسة‪ ..‬وفعل عقسسدنا‬
‫جلستين ‪..‬على المستوى الممكن من النخبوية ‪ .‬وبدا أن الكل متفسسق علسسى أن عاصسسفة‬
‫أمنية تلوح بالفق ستهب رياحها أول ما تهب علسسى باكسسستان وأفغانسسستان لتصسسفية هسسذا‬
‫الجمع الذي يبدو أن دوره قد انتهسى ‪ .‬لسسيما بعسسد أن اغتيسسل الشسسيخ عبسد اللسه عسزام ‪,‬‬
‫وبسسدت نسسذر الحملسسة العلميسسة تحسسول اسسسم المجاهسسدين إلسسى ) متمرديسسن ( ثسسم إلسسى‬
‫) منشسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسقين ( ثسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسم إلسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسى‬
‫) إرهابيين ( ‪ ...‬تحت مسمى دراماتيكي جديد هو )الفغان العرب(‪.‬‬
‫وأذكر أني قلت ذات يوم لقرب أصدقائي فــي حينهــا ‪ ..‬أنــي أتلمــس‬
‫ميلد أفكار لتطوير نظريات عمل للجهاد أعتقد صحتها ‪ ,‬وتوقعات مخيفة‬
‫أنا متيقن من خطورتها واحتمال حصولها ‪ ,‬ويبدو لي أنها أفكار مبكرة ل‬
‫يمكن طرحها الن ‪ .‬وسستفهم – لسسو طرحسست ‪ -‬علسى أنهسا ش مسن البلبلسسة والربساك‬
‫الفكري للساحة العربية في أفغانستان ‪.‬‬
‫وكنت أود لو امتلكت الشجاعة مطلع ‪1991‬م لجمع بعض رموز وقيادات الحركسات‬
‫والتنظيمات الجهادية لقول لهم قناعاتي تلك باختصار‪:‬‬
‫أما الصحوة السلمية فقد أفلست ‪ ,‬وستكون قريبا بمعظم أحزابهسسا وقياداتهسسا فسسي‬
‫خندق العدو ‪ .‬إما قناعة بعد أن انحرفت ‪ ,‬وإما عمليا وإجبارا كي تجد لنفسها مكانا في‬
‫النظام العالمي الجديد ‪.‬لن الخيار الخر هو الجهاد والمواجهة وهم قاعدون عنه ‪ .‬وأمسسا‬
‫نحن ‪ -‬معشر الجهاديين ‪ -‬فأمامنا سنتين أو ثلثسسة لنصسسل إلسسى طريسسق مسسسدود حركيسسا‪,‬‬
‫وإلى التفكك المني عمليا‪ ,‬ول سبيل لتفادي هذا المستقبل ‪ -‬بحسب فهمي آنذاك ‪ -‬إل‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 54 [ ‬‬

‫بالتركيز على تغيير أساليب التفكير والعمل العسسسكري والعلمسسي والبنسسى التنظيميسسة ‪..‬‬
‫تغييرا جذريا شامل ‪ ,‬وما أظنكم بفاعلين ‪.‬‬
‫لم يكن ذلك بالطبع معقول ول ممكنا‪ ,‬ولم تكن قسسد تكسساملت عنسسدي أبعسساد نظريسسات‬
‫التغيير المطلوبة كما أعتقد ‪ .‬وأرجو ‪ -‬أن ذلسسك قسسد حصسسل الن ‪ .‬وبهسسذا سسسيكون مثسسل‬
‫ذلك الكلم مجرد تبشير بالندحار دون تقديم حلول واقعية ‪.‬‬
‫والحقيقة أن ملمح الكارثة كانت واضحة لبعض مــن رآهــا ‪ ,‬بحكــم مــا‬
‫فتح الله ويسر عليهم من البصيرة والتجربة والفكــرة ‪ .‬لقــد كــانوا أفــراد‬
‫قلئل ‪ ,‬وكان معظمهــم مــن غيــر المنهمكيــن فــي أطــر تنظيميــة تحكــم‬
‫طبيعة تفكيرهم ‪ .‬ولم تكن تلك الخواطر و الشراقات الفكرية كافية في‬
‫وضوحها لتقنع الخرين بالتفكير الجــدي وبضــرورة إحــداث ثــورة داخليــة‬
‫في أساليب التنظيم والعمل ‪ ..‬لقد كان أمر الله قدرا مقدورا ‪.‬‬
‫لقد ثبت مع الوقت ‪ ,‬أن التنظيمات الجهادية والحركات والمحاولت المسلحة التي‬
‫تقسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسوم علسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسى أسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسس‬
‫) القطرية‪ ,‬السرية‪,‬الهرمية التنظيمية ( تسير على طريق الندثار والفشسسل ‪ ,‬لنهسسا لسسم‬
‫تستوعب التحول العالمي الذي حصسسل بسسانطلق قطسسار النظسسام العسسالمي الجديسسد ‪ ,‬ولسسم‬
‫تفهم أبعاده السياسية والمنية وانعكاس ذلك عليها ‪ ,‬ولم تكسسن حسسرارة النسسدفاع وآفسساق‬
‫الخلص والتفاني لدى قياداتها وعناصرها وهم زبدة شباب المة في ذلك الوقت كافيسسة‬
‫لتفادي المصير الذي بدت مؤشراته لمن رآها ‪.‬‬
‫ولم أستطع في حينها أن أقدم كبير شيء ‪ ,‬اللهم إل بعض المحاضسسرات فسسي بعسض‬
‫المعسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسكرات وفسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسي‬
‫) مركز النور للعلم ( الذي أشرف عليه ) الشيخ أبسسو حذيفسسة ( أحسسد طلب العلسسم مسسن‬
‫تنظيم الجهاد المصري ‪ ,‬من أجل إعطاء دفعة فكرية في الساحة الجهادية العربية فسسي‬
‫بيشاور والتي تشكل الخط الخلفي للتواجد الجهادي العربي في أفغانستان ‪ ,‬والذي زاد‬
‫آنذاك على ‪ 40‬ألف مجاهد ‪ ,‬وكان من أهم المحاضرات مما له علقة بأفكار بحثنا هذا‪,‬‬
‫محاضسسرة ألقيتهسسا خلل صسسيف ‪1991‬م بعنسسوان ( المعادلــة السياســية للنظــام‬
‫العالمي الجديد( وكان خلصتها ‪ :‬أن الصراع المقبل سسستكون معسسادلته علسسى الشسسكل‬
‫التالي‪:‬‬

‫النظام العالمي الجديد × التيار الجهادي المسلح‬

‫أي‪ ] :‬الصليبية وزعيمتها أمريكا ‪ +‬الصهيونية اليهودية وزعيمتها‬


‫إسرائيل ‪ +‬الحكام المرتدون في بلد المسلمين ‪ +‬الطوائف المنحرفة‬
‫المعادية لهل السنة ‪ +‬الهيكل الديني الرسمي لهل السنة ‪+‬‬
‫الحركات السلمية الديمقراطية من الصحوة [‬
‫×‬
‫(في مواجهة ( ] التنظيمات الجهادية المسلحة ‪ .‬وهي طليعة المة في‬
‫المواجهة [‪.‬‬

‫لقد أثارت هذه الفكار جدل كبيرا في حينها ‪ ,‬ولكن وللسف أثبت العقد المنصرم )‬
‫‪2000 -1990‬م( صحتها بكل جلء ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 55 [ ‬‬

‫أتبعت ذلك بسلسلة من الدروس و الحوارات ‪ ,‬ركسسزت فيهسسا علسسى ضسسرورة الثسسورة‬
‫على الهيكل المنافق لعلماء أهل السنة عنسسدنا‪ .‬والسسذي كسسان يحظسسى وللسسسف بتقسسديس‬
‫عجيب حتى من القطاع الكبر من المنتمين للتيسسار الجهسسادي ممسسن يحملسسون السسسلح !‪,‬‬
‫ولسسم يغيسسر فسسي ذلسسك حسستى ول وقسسوف أولئك العلمسساء العلنسسي إلسسى جسسانب حملسسة‬
‫) شوارزكوف ( ‪ ,‬قائد عاصفة الصحراء ‪ .‬واعتبارهم أن المجاهدين له ولجنوده المارينز‬
‫مفسدون في الرض !!‪.‬‬
‫كما ألقيت عدة محاضرات فسسي مقومسسات التنظيسسم وفسسي تقييسسم ماضسسي الصسسحوة و‬
‫استشراف مستقبلها‪ .‬ومشروعية نقد العلماء ‪ ,‬وضوابط ذلك ‪ ...‬وغير ذلك من الفكسسار‬
‫الجديدة ‪..‬‬
‫كان واضحا أن شقة التغيير المطلوب في التفكير والعمل واسعة جدا‬
‫‪ ,‬وأن نتائج العدوان الجديــد علــى المــة وقســطا مــن البلء القــادم كــان‬
‫لزما للكثرية حتى يساعدهم على فهم واستيعاب ما يجري ‪..‬‬
‫ولقد بدأ تحقق أول ما أنذرنا به عنسسدما هبسست ريسساح عاصسسفة الصسسحراء علسسى شسسكل‬
‫إعصار أمني علسى الفغسان العسسرب فسي باكسسستان ‪ ,‬فسأخرجت معظمهسسم إلسى بلدهسسم ‪,‬‬
‫وشردت من ل يستطيع العودة إلى بلده في أقطار الدنيا ‪ ,‬وخفضسست ذلسسك الجمسسع مسسن‬
‫عشرات اللف إلى بضعة مئات من المطسساردين المختفيسسن فسسي باكسسستان ‪ .‬ثسسم تتسسالت‬
‫دفعات البلء حتى بلغت ذروتها اليوم على تسسردد أصسسداء دوي انفجسسارات الحسسادي عشسسر‬
‫من سبتمبر بعد عشر سسنين مسن بسدء ميلد الفكسار الستي سنعرضسها فسي هسذا الكتساب‬
‫ونسأل الله الهدى والرشاد ‪.‬‬

‫*************‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 56 [ ‬‬

‫المرحلة الثانية‪ :‬مدريد )‪1991‬م(‬

‫هبت العاصفة ونثرت آلف الذين قسسدموا للجهسساد فسسي أفغانسسستان فسسي كسسال أقطسسار‬
‫الرض ‪ .‬وعسسادت الشسسريحة الكسسبر لبلدهسسا لتسسواجه المطسساردات المنيسسة والتحقيقسسات‬
‫والسسجون ‪ ..‬وتقاسسمت بعسض الملذات المؤقتسة أولئك المطساردين أصسل فسي بلدهسم‬
‫بتهمة النتماء لجماعات جهادية مسلحة ‪ ,‬فصسساروا مطسساردين علسسى هويسسة جديسسدة تحسست‬
‫المصطلح الجديد الذي أطلقه عليهم الغرب باسم ) الفغـان العــرب (‪ .‬وقبيسسل ذلسسك‬
‫بفترة وجيزة كنت قد عدت أدراجي إلى مدريد في أسبانيا ‪ ,‬حيث كنت أقيم منذ سسسنين‬
‫‪ ,‬وهناك كتبت بحثا يعتبر الساس لجزء كبير من أفكار هذا الكتاب ‪ .‬وكان بعنوان ‪:‬‬
‫) بيان من أجل قيام المقاومة السلمية العالمية ( ‪ .‬كان بحثا موجزا يقع‬
‫في نحو ‪ 40‬صفحة‪ .‬وكنت أعتقد أن الساحة المناسبة لبث تلك الفكار آنذاك مسسا تسسزال‬
‫بيشاور‪ ,‬حيث يوجد الجمع الذي يوشك على النفراط ‪ .‬وكسسان غرضسسي أن يحملهسسا معسسه‬
‫أكبر كم ممكن من المجاهدين العرب ‪ ,‬الذين بدا لي أن مصيرهم النتشار‪ .‬وهم بحكسسم‬
‫تجربتهم الجهادية وإعدادهم العسكري أجدر وأقدر من غيرهم علسسى العمسسل وفسسق تلسسك‬
‫الفكسسار بحسسسب تقسسديري – الخسساطئ ‪ -‬آنسسذاك‪ .‬لنــي اكتشــفت فيمــا بعــد عــدم‬
‫أهليتهم لذلك ‪ .‬لنهم تلقوا تـدريبا عســكريا عاليــا ‪ ,‬ولــم يتلقــوا التــوجيه‬
‫العقائدي المنهجي الفكري والسياسي اللزم ‪.‬‬
‫كانت خلصة الفكار التي حملها ذلك البيان ) البحث ( ما يلي ‪:‬‬
‫عرض لواقسسع المسسسلمين ومسسا وصسسلوا إليسسه ولسسسيما إبسسان حسسرب الخليسسج ) عاصسسفة‬
‫الصسسحراء ( وتفنيسسد لمزاعسسم مسسن زعسسم بمشسسروعية نسسزول الصسسليبيين فسسي عقسسر دار‬
‫المسلمين ‪ .‬ودعوة لجهاد هذه الحملة ‪ .‬وتفنيد لزعم من زعم أن صدام حســين‬
‫هو معقد المل في مواجهة الصليبين ‪.‬‬
‫إثبسسات أن القسسوى والتنظيمسسات الجهاديسسة بسسل وقسسوى الصسسحوة السسسلمية ل تكفسسي‬
‫لمواجهة هذه الحملة اليهودية الصليبية العالميسة ‪ .‬وأنسه ل بسد مسن إعسادة مهمسة الجهساد‬
‫للمة كاملة ‪ ,‬وإحيائها وزجها في مقاومة إسسسلمية عالميسسة ‪ ,‬تكسسون فسسي مقابلسسة هجمسسة‬
‫صليبية يهودية عالمية ‪.‬‬
‫إثبسات أن دعسوة المسة قاطبسة ل بسد وأن يسستند إلسى عموميسات السسلم والسدعوة‬
‫العاطفيسسة للجهسساد ‪ ,‬وليسسس علسسى أسسساس التفاصسسيل العقديسسة والفكريسسة ‪ ,‬و الفقهيسسات‬
‫الجهادية المعقدة – وإن كانت صسسوابا فسسي عمومهسسا ول شسسك – وذلسسك باختيسسار مفتاح‬
‫صراع ‪ ,‬ودعوة جهاد ‪ ,‬تجمع عليها كافسسة التوجهسسات السسسلمية للصسسحوة ‪ .‬ويسسستوي‬
‫في فهمها كافة شرائح وطبقات المسلمين خاصتهم وعامتهم ‪ .‬واخترت لذلك ‪ ,‬الدعوة‬
‫لتحريسسر المقدسسسات شسسعارا لسسدعوة المقاومسسة ‪ .‬لنقسساذ الحرميسسن والقصسسى مسسن اليهسسود‬
‫والصليبيين ‪ .‬وطرح شعار جهاد عدو خارجي بسسدل مسن جهساد الحكسام السسذي لسسم تهضسمه‬
‫الشعوب – بفضل خدمات علماء أهل السنة الشاوس – واختيار جهاد اليهود ورأسهم‬
‫إسرائيل والصليبيين ورأسهم أمريكا ودول النساتو الوروبيسة كعسدو خسارجي غسساز أساسسا‬
‫لهذه الدعوة‪.‬‬
‫إبراز أهمية البعد القتصادي لهذا الجهاد ‪ ,‬وأن بيت مال المسلمين وثرواتهم وعلى‬
‫رأسها النفط قد ُنهب ‪ .‬وسسستنهب هسسذه الحملسسة مسسا تبقسسى منسسه‪ .‬وأن علسسى المسسسلم أن‬
‫يجاهد دون قوته وقوت عياله المسلوب ‪ .‬وإعطاء هذا النوع من الجهاد القتصادي بعده‬
‫الشرعي ‪ ,‬الذي غاب عن طرح الجهاديين الفكسسري ومسسا يسسزال غائبسسا‪ .‬لن بعسسض فقهسساء‬
‫الجهاد من الشباب الناشئين يعتبر ذلك خدشا في العقيد السمحة!‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 57 [ ‬‬

‫وبالمختصر اختيار مفتاح شعبي لدعوة الجهاد مكسسون مسسن ثلث أبعسساد ‪ :‬أول‪ :‬البعسسد‬
‫السسديني )المقدسسسات( – ثانيسسا ‪ :‬البعسسد السياسسسي ) الحتلل الخسسارجي ( – ثالثسسا ‪ :‬البعسسد‬
‫القتصادي ) الثروات ‪,‬النفط ( ‪.‬‬
‫دعوة الشباب وعموم المسلمين لممارسة المقاومة الفرديــة ‪ ,‬بحيــث‬
‫ل تعتمد المقاومة على هياكل ومنظومات شبكية وهرمية يــؤدي اعتقــال‬
‫بعض أفرادها لدمارها واعتقال جميع أفرادها‪ .‬وذلك باختيار أسلوب عمل‬
‫( نظام عمل ( ‪ ,‬وليس تنظيما بــالمفهوم المعــروف‪ .‬بحيــث ينتســب كــل‬
‫مشــارك فــي أعمــال المقاومــة الــتي يشــارك فيهــا عمــوم المســلمين ‪,‬‬
‫لمسمى واحد هو ( المقاومة السلمية العالمية ( ‪ .‬حيث يتكامل بالجدوى‬
‫عمــل الكــل ‪ ,‬ول يــؤدي اعتقــال الحــاد لعتقــال الكــل لنهــم ل رابطــة‬
‫بينهم ‪ .‬وكان هذا لب الفكرة الحركي العسكري ‪.‬‬
‫تحديسسد الهسسداف المعاديسسة السستي يجسسب اسسستهدافها بالضسسرب ‪ .‬وهسسي باختصسسار ‪:‬‬
‫كامل أشكال التواجد البشري للعدو في بلدنا أول ‪ ,‬وفي بلد العسسالم ثانيسسا ‪ ,‬وفسسي عقسسر‬
‫دارهم ثالثا ‪ .‬ولسيما أشكال تواجد العدو السياسي والعسكري والتبشيري والقتصادي‬
‫والثقافي والسياحي ‪..‬إلخ ‪ .‬في بلدنا ‪ ,‬وخاصة اليهسسود‪ ,‬ثسسم أمريكسسا ‪ ,‬ثسسم بريطانيسسا ‪ ,‬ثسسم‬
‫روسيا ‪ ,‬ثم كامل دول حلف الناتو‪ .‬ثم أي دولة تقف معهم فسسي العتسسداء علسسى السسسلم‬
‫والمسلمين‪.‬‬
‫مختصر بالدليل الشرعي يثبت حل أموال ودماء كافة أشكال رعايسسا ومصسسالح هسسذه‬
‫الدول والتقديم لذلك بفتوى جامعة للعلمة المحدث أحمد شاكر رحمه الله‪.‬‬
‫ندب الجماعات والتنظيمات الجهادية وأفراد المسلمين الذين سسسبق لهسسم التسسدريب‬
‫العسسسكري والممارسسسة القتاليسسة لبسسدء تسسدوير عجلسسة المقاومسسة ‪ .‬ودعسسوة عمسسوم النسساس‬
‫لساليب المقاومة المدنية من العمسسال الشسسبه عسسسكرية إلسسى أعمسسال الدعايسسة الدينيسسة‬
‫والسياسية إلى الخطب والكتابات والشعارات ‪ ...‬إلخ بحيث تشارك كافة شرائح المسسة‬
‫بهذا الجهاد وهذه المقاومة المفتوحة على شكل انتفاضة عامة ‪.‬‬
‫دعوة المجاهدين المقاوميين إلى تشكيل سرايا صغيرة تمسسول نفسسسها مسسن أسسسلب‬
‫العدو المالية‪ .‬ودعوة الغنياء من المسلمين لتمويل ودعم من يريد الجهاد وكفالة أسسسر‬
‫المتضررين منهم ‪.‬‬
‫دعوة المجاهدين العاملين في المقاومة إلى استهداف العدو الخارجي أساسسسا فسسي‬
‫بلدنا وبلدهم ‪ .‬بالضسافة إلسى اسستهداف كبسار المرتسدين مسن حكسام المسسلمين وكبسار‬
‫الطبقسسة الولسسى مسسن أعسسوانهم ‪ .‬لكسسونهم أسسساس ركيسسزة الحتلل ‪ .‬وعــدم تحويــل‬
‫المواجهة مع الحكومــات إلــى ثــورة مفتوحــة ‪ ,‬كمــا حصــل فــي التجــارب‬
‫السالفة ‪ .‬وإنما التصدي لقوى الجيش والمن المحلية في حالت الدفاع عسسن النفسسس‬
‫ضد القتل أو السر فقط ‪ .‬وتحريض هذه القسسوات بالحسسسنى للمشسساركة فسسي المقاومسسة‬
‫بصفتهم جزء من قوى المة ‪.‬‬
‫التنديد بالعلماء المنافقين ‪ ,‬وبرموز الحركات السـلمية الـتي سـارت‬
‫في ركاب النظام العالمي الجديد ‪ .‬ودعوة المسلمين للنصراف عنهم واللتفساف‬
‫حول العلماء المجاهسسدين ‪ ,‬ودعسسوة هسسذا الصسسنف النسسادر مسن العلمسساء لقيسسادة المقاومسسة‬
‫الشعبية ‪ .‬في كل بلدان المسلمين‪.‬‬
‫اختيار شعار يعبر عن المقاومة ودعوتهسسا وهسسو عبسسارة عسسن شسسكل يسسبرز المقدسسسات‬
‫الثلثسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسة‬
‫) الكعبة – المسجد النبوي – المسجد القصى ( خلف قضبان سجن تدل على الحتلل‪.‬‬
‫ض‬
‫حسّر ِ‬ ‫سس َ‬
‫ك وَ َ‬ ‫ف إ ِّل ن َ ْ‬
‫ف َ‬ ‫ل الّلسهِ ل ت ُك َّلس ُ‬
‫سسِبي ِ‬
‫ل ِفسي َ‬ ‫وقد كتب تحتهسا اليسة الكريمسة ‪ ‬فَ َ‬
‫قاِتس ْ‬
‫ن ‪) ‬وكتب فوقها‪ :‬بيان من أجل قيام المقاومة السلمية العالمية(‪..‬‬ ‫ال ْ ُ‬
‫مؤْ ِ‬
‫مِني َ‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 58 [ ‬‬

‫وعدت إلى بيشاور فسسي مطلسسع عسسام ‪1991‬م لنشسسر هسسذا الكتسساب سسسرا ً ‪ ,‬وبثسسه بيسسن‬
‫المجاهدين هناك ‪ .‬ولما كانت هذه الفكار من الخطورة بما ل يخفى ‪ ,‬لم يشرف على‬
‫عملية النشر التي شسسملت جميسسع السسبيوت والمضسسافات والمؤسسسسات العربيسسة إل أربعسسة‬
‫إخوة رحمهم الله تعالى ‪ .‬حيث وزعنا نحو ‪ 1000‬نسخة كانت قد طبعسست أيضسا سسسرا ً ‪.‬‬
‫وتم ذلك بنجاح مطلع شهر يونيو – ‪1991‬م فيما أذكر ‪.‬‬
‫ثم ما لبثت بوادر العاصفة المنية أن اشتدت ‪ .‬وشرعت تلك الجموع بالرحيل عسسن‬
‫ت بدوري ثانيسسة ‪ .‬حيسسث اسسستقر بسسي المقسسام فسسي غرناطسسة‪ ..‬آخسسر معاقسسل‬‫بيشاور‪ ,‬ورحل ُ‬
‫المسلمين في الندلس ‪.‬‬

‫*************‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 59 [ ‬‬

‫المرحلة الثالثة‪ :‬لندن )‪1996‬م(‬

‫وكانت أواخر ‪ . 1996‬حيث كنت قد انخرطت في دعم وتأييد الجهاد الذي نشسسب‬
‫في الجسسزائر‪ ,‬منسسذ ‪ . 1994‬وذلسسك مسسن خلل معرفسسة قديمسسة ببعسسض رواده السسذين كنسست‬
‫أعرفهسسم مسسن أفغانسسستان ‪ .‬وكسسانوا وقسسد اسسستقروا فسسي لنسسدن منشسسئين خليسسة للخسسدمات‬
‫العلمية للجماعة السلمية المسلحة في الجزائر‪ .‬وبسسسبب ذلسسك انتقلسست للقامسسة فسسي‬
‫لندن ‪ ..‬ومرت القضية الجهادية في الجزائر بمنعطفات متعددة ‪..‬أدت فــي‬
‫النهاية إلى أن تؤول قيادة الجماعــة الســلمية المســلحة بعــد استشــهاد‬
‫قياداتها المخلصة الواعية لبعض الجهلــة والشــاذين فكريـا ممــن اعتنقــوا‬
‫أفكارا تتراوح بين التكفير والجرام والجهل ممزوجة ببعــض الفكــار ذات‬
‫الصول الجهادية ‪ ,‬وذلك بترتيب استخباراتي محكم ‪ ,‬مما أودى بهــا إلــى‬
‫البوار والفشل والتحلل مع أوائل ‪1996‬م‪.‬‬
‫ولم يكن من بد أمامنا آنذاك – دينا وعقل ‪ -‬مسسن السسبراءة مسسن الجماعسسة المسسسلحة‬
‫وما آلت إلية المور بالجهاد في الجزائر ‪ .‬وسأشير في الفصل السادس إلى نبسسذة تلسسك‬
‫التجربة إن شاء الله ‪ ..‬وقد أعددت كتابا بعنوان ‪ ) :‬مختصر شسسهادتي فسسي الجهسساد فسسي‬
‫الجزائر ‪1996-1988‬م (‪ .‬وسأنشره قريبا إن شاء الله ‪.‬‬
‫والمر ذو العلقة بين تجربتي مع الجهاد الجزائري وأفكسسار هسسذا الكتسساب السسذي بيسسن‬
‫أيدينا‪ ,‬هي الصدمة التي واجهناهسسا فسسي لنسسدن بنجسساح المخطسسط السسدولي والقليمسسي فسي‬
‫إجهاض الجهاد فسي الجسزائر‪ ,‬بسإخراجه عسن مسساره والسسيطرة علسى قيسادته وتفكيكسه‬
‫أمنيا ‪ ,‬وعزله عن جماهير المسلمين في الجزائر وخارجها‪ ,‬بسبب ما ورطوهم بسسه مسسن‬
‫مجازر ضد الشعب‪ ,‬المسلم أو ما ارتكبته الستخبارات الجزائرية باسسسمهم مسسن مذابسسح‬
‫أيضا‪ .‬رغم نجاحاته العسكرية والجماهيرية الباهرة ‪ ,‬ورغم توفر أفضل ظسسروف النجسساح‬
‫التي توفرت لحركة جهادية في العصر الحديث‪ .‬لقسسد كسسانت تلسسك التجربسسة درسسسا قاسسسيا‬
‫‪.‬أكد عندي عدم جدوى المحاولت المحلية للجهاد فسسي ظسسل النظسسام العسسالمي الجديسسد ‪,‬‬
‫والمواجهة العالمية لما سمي إرهابا )أي الحركات الجهادية السلمية (‪.‬‬
‫ومنذ أواخر ‪1996‬م وإلى أواخر ‪1997‬م بذلت ساعات مطولة للتأمل والحوار‪ ,‬مع‬
‫بعض الخواص من نخبة الجهساديين المقيميسن مسن كسوادر الفغسان العسرب والتنظيمسات‬
‫الجهادية في لندن ‪ .‬لتقييم أسباب فشل المحاولت الجهاديسسة المسسسلحة المتكسسررة فسي‬
‫العصر الحديث‪:‬‬
‫] المغسسرب ‪1963‬م‪ -‬سسسوريا ‪1965‬م – مصسسر ‪1965‬م – تركيسسا ‪1970‬م – الجسسزائر‬
‫‪1976‬م –‬
‫سوريا ثانية والتجربة الطويلة ‪1975‬م – ‪1982‬م – مصر ثانية ‪1981‬م – ليبيا ‪1989‬م‬
‫– الجزائر ثانيسسة ‪1990‬م‪1996 -‬م – ليبيسسا ثانيسسة ‪1994‬م – ‪1996‬م ‪ [...‬عسسدا التجسسارب‬
‫المحدودة لغيرها من البلدان مثل ‪ :‬تونس والردن واليمن ولبنان وغيرها ‪.‬‬
‫وقد شكلنا لهذا الحوار والدراسة شبة ندوة غير منتظمة عقدنا لهسسا عسسدة لقسساءات ‪,‬‬
‫قارنا فيها بين الفشل في كل تلك المحسساولت التنظيميسسة ‪ ,‬وبيسسن النجاحسسات العسسسكرية‬
‫فسسي التجسسارب الجهاديسسة الجبهويسسة للمسسسلمين فسسي كسسل مسسن البوسسسنة – الشيشسسان –‬
‫أفغانستان ‪ .‬كما عرضنا لدراسة البسسوادر الجديسسدة لعمسسال الجهساد الفسسردي السستي بسسدأت‬
‫تحصل منذ حرب الخليج ‪ .‬والتي قام بها بعض شباب المسلمين هنا وهناك‪.‬‬
‫وأستطيع القول أن تأملي تلك اليام ومحاولت البحث والكتابة في بعض الخسسواطر‬
‫في تلك الفترة ‪ ,‬قد شكلت عندي بالضافة لما كنت قد توصلت إلية من أفكسسار ) بيسسان‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 60 [ ‬‬

‫المقاومة السلمية العالمية( أساسيات الفكار التفصيلية لهذا الكتاب السسذي بيسسن أيسسدينا‬
‫الن‪.‬‬
‫وقد حملت هذه الفكار في صسسدري وهسساجرت بهسسا بعسسد قسسراري بالرحيسسل كليسسا إلسسى‬
‫أفغانستان ‪ ,‬إثر استطلعي لها مرتين بعد تمكن حركة طالبان من دخول كابسسل وإعلن‬
‫المارة السلمية‪ .‬وبعد ما بدا لي واضحا أن بوادر هبسسوب عاصسسفة أمنيسسة شسسديدة علسسى‬
‫السلميين ولسيما الجهاديين في أوروبا تقترب ‪ ,‬وأثرت أل تنالني زوابعهسسا فسسي لنسسدن‬
‫التي فقدت عذرتها الديمقراطية الصلية عند ما عاشرت الكاوبوي المريكي ‪..‬‬

‫*************‬

‫المرحلة الرابعة‪ :‬أفغانستان ) ‪1997‬م ‪( 2001 -‬‬

‫بدأت هجرتي إلى أفغانستان في شهر أغسطس ‪1997‬م ‪ ,‬واستمرت إلى خروجنا‬
‫منها عنوة أواخر ديسمبر ‪2001‬م ‪.‬‬
‫ولقد كانت هجرتي إلى أفغانستان لسباب عديدة ‪ ,‬السبب ذي الصسسلة منهسسا بمسسادة‬
‫هذا الكتاب هو المشاركة في المواجهسسة السستي كسسانت مسا تسسزال تسسزداد حسسدة مسسع النظسسام‬
‫العالمي الجديد الذي تقوده أمريكا وإسرائيل ‪ ,‬وتشارك فيسسه حكومسسات السسردة فسسي بلد‬
‫ي استطلع قمسست‬ ‫العرب والمسلمين ‪ .‬وقد شجعني على ذلك أمور لمستها خلل رحلت ّ‬
‫بهما قبيل القرار بالهجرة نهائيا وذلك خلل العام الذي سسسبق ذلسسك القسسرار ‪ .‬ومسسن أهسسم‬
‫تلك المور‪:‬‬
‫انتقال الشيخ أسامة بن لدن ونخبة إدارته إلى أفغانستان ‪ ,‬وتبنيه أفكارا للمواجهسسة‬
‫مع أمريكا وقناعات أممية لتلك المواجهة ‪ ,‬ودعوته للمة السلمية لجهاد أمريكسسا تحسست‬
‫شعار ) إخراج المشركين من جزيرة العرب ( ‪ .‬وتبنيه ‪ -‬أخيرا ‪ -‬أفكارا قريبسسة جسسدا مسسن‬
‫تلك التي نضجت عندي على مراحل منذ حرب الخليج ‪1990‬م وقد تبين لي ذلسسك مسسن‬
‫خلل عدة حوارات معه ومع بعض القريبين منه خلل زيارتي لهم سنة ‪1996‬م ورأيسست‬
‫في تبنيه لفكار من هذا القبيل فرصة حقيقية لنقسسل المواجهسسة بالتجسساه الصسسحيح ‪ ,‬بمسسا‬
‫للشيخ أسامة من مكانة وتاريخ‪ .‬ولما حباه الله من الخصال والمكانيسسات والمواصسسفات‬
‫شخصية كرمز مكن لتلك المواجهة كما تصورت حينها‪ .‬ورغبت بأن أسسساهم وأن أكسسون‬
‫حاضرا في هذه المواجهة التي ستنطلق من أفغانستان ‪ .‬كما توقعت بعسسد لقسسائي بعسسدد‬
‫من كبار طالبان أيضًا‪.‬‬
‫بدا لي واضحا أن أفغانستان سوف تكون مرة ثانية محجــا للمجاهــدين‬
‫والمهــاجرين فــي ســبيل اللــه ‪ .‬وذلــك بســبب العواصــف المنيــة علــى‬
‫الجهاديين في مختلف دول العالم والتي بدأت تزداد شراسة منذ ‪. 1995‬‬
‫وكذلك بسبب نجاح طالبان في تكوين نواة دولــة تــوفر ملجــأ آمنــا لهــم ‪.‬‬
‫وتصورت أن مجتمعا جهاديا مناسبا سوف يتكون قريبا فــي أفغانســتان ‪,‬‬
‫وقد جذبني لن أكون حاضرا فيه كي أساهم بالــدعوة إلــى هــذه الفكــار‬
‫التي آمنت بها‪.‬‬
‫بدا من رسوخ قدم الطالبان وحكمهم ‪ ,‬والمعاملة الحسسسنة السستي لقسسوا بهسسا العسسرب‬
‫المهاجرين إليهم ‪ ,‬أن إمكانية تنفيذ برامج للعسسداد والتسسدريب والمشسساركة العمليسسة فسسي‬
‫القتال إلى جانب طالبان ‪ ,‬ستكون ممكنة من أجل إعداد نواة جيل المواجهسسة العالميسسة‬
‫القادمة‪ .‬إن يسر الله ذلك ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 61 [ ‬‬

‫هذه السباب بالضافة إلى أهداف خاصة و قناعات شرعية ذاتية بسسالهجرة إلسسى دار‬
‫السلم الوليدة وتقديم العون لها جعلتني أجد السسسير فسسي هسسذه الهجسسرة السستي أقسسدمت‬
‫عليها بكامل القناعة والعزم‪.‬‬
‫وفعل وكما توقعت ذلك ‪ ,‬فقد تقاطرت الجماعات الجهادية ورموز الفغسسان العسسرب‬
‫وتنظيمات الجهاد وكثير من الفراد إلى أفغانستان ‪ ,‬وازدهر ذلك خلل العوام )‪1998‬‬
‫‪ ( 2001‬وبسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسدا أن مسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسا أسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسميته‬ ‫–‬
‫) الشوط الثاني للفغان العرب ( قسد بسسدأ فسي أفغانسسستان‪ .‬ونشسط بشسكل أذهسسل‬
‫العسسداء وبعسسث المسسل مسسن جديسسد فسسي أوسسساط الجهسساد وأنصسساره فسسي العسسالم العربسسي‬
‫والسلمي ‪ ..‬بحيث أصبح هذا الجمع من جديد أمل من آمال المة السلمية ‪ ..‬بل أكبر‬
‫آمالها ‪.‬‬
‫وأضسسفت الشسسعارات الملتهبسسة والنشسساط العلمسسي السسذي أطلقسسه الشسسيخ أسسسامة‬
‫بشخصيته التاريخية في أفغانستان ‪ ,‬طابعا مميزا ‪ .‬ولعبسست حسسدة ردة الفعسسل المريكيسسة‬
‫عليها وتسليط إعلمها الضوء عليها من أجل تبرير تطلعاتها فسسي التواجسسد فسسي المنطقسسة‬
‫العربيسسة والسسسلمية ‪ ,‬والتجسساوب الجمسساهيري الواسسسع فسسي أوسسساط المسسة السسسلمية‬
‫المقهورة ‪ ,‬وكذلك حرارة المواجهات الجهاديسسة فسسي بعسسض البسسؤر الخسسرى إبسسان تصسساعد‬
‫الحداث في أفغانستان ‪ ,‬مثل ما حصل من اشتعال النتفاضة في فلسطين ‪ ,‬واشسستداد‬
‫حدة المعارك في الشيشان في نفس الوقت بالضافة إلسسى صسسفاقة الهجمسسة المريكيسسة‬
‫وعدائها المعلن ونواياها بتصفية المارة السلمية وإسسقاط حكومسة طالبسان ‪ ,‬والحشسد‬
‫السسدولي السسذي حشسسدته فسسي عمليسسة الحصسسار القتصسسادي والسياسسسي والعلمسسي ضسسد‬
‫أفغانستان وضد الجمع الجهادي الممي الذي تشكل في كنفها ‪ .‬أضفى كسسل ذلسسك علسسى‬
‫الوسط جوا ملئما عندي لنضوج أفكار من قبيل التي في هذا الكتسساب ‪ .‬وبسسدا أن بعسسض‬
‫الجهاديين من القدماء قد توصلوا لقناعات قريبة من ذلك ‪.‬‬
‫وليس هنا محل استعراض تاريخ وأحداث تلك المرحلــة ‪ ,‬وذلــك الجمـع‬
‫الهام جدا على مستوى تاريخ الجهاد في العصر الحديث ‪ .‬وأجــدني راغبــا‬
‫جدا في الكتابة عن تلك المرحلة الهامة العاصفة ‪ ,‬ولعــل اللــه ييســر لــي‬
‫ذلك من أجل تغطية أحداث ما مر معنــا علــى صــعيد الفغــان العــرب منــذ‬
‫نشأة طالبان وقدومنا إليهم ‪ , 1996‬وإلى مــا بعــد أحــداث الحــادي عشــر‬
‫من سبتمبر ‪ , 2001‬ودور ذلك التجمــع فــي تلــك المرحلــة ومــا بعــدها إن‬
‫يسر الله لي ذلك‪.‬‬
‫ولن أعرض هنا لتفاصسسيل كسسثيرة مسن ذلسسك وإن كسسانت هامسسة ‪ ,‬إل لمسا يتعلسسق منهسسا‬
‫بأفكار هذا البحث وتطورها وسط تلك التجربة ‪ .‬وما يهمني من ذلك هنا هو ما يلي ‪:‬‬
‫بدا لي واضحا من خلل عدد من اللقاءات والمناقشات التي شسسرحت فيهسسا معظسسم‬
‫أفكار هذا الكتاب لعدد من قيادات التيار الجهادي والمشسسرفين علسسى جماعسسات جهاديسسة‬
‫كانت موجودة في الساحة هناك ‪ .‬أو آخرين وفدوا أفغانستان من أجل إنشاء جماعسسات‬
‫جهادية على نموذج تلك القائمة بنفس السس والمفاهيم الفكريسسة والحركيسسة التقليديسسة‬
‫للجهسساديين ‪ .‬بسسدا أن عمسسومهم ممتلسسئ قناعسسة بالهسسداف السستي رسسسموها لنفسسسهم ‪,‬‬
‫والتنظيمات والسس التي أقاموا عليها أعمسسالهم !‪ .‬وأنهسسم غيسسر مسسستعدين لحسسداث أي‬
‫نقلة جوهرية للتفكير والعمل على أسس جديدة ‪ .‬وأن الفكرة التي فارقتهم عليها سنة‬
‫‪ , 1990‬ما تزال سائدة عندهم !! وهي ) إنشاء تنظيمات سرية قطرية ‪ ,‬تريسسد إحسسداث‬
‫ثورات شعبية ‪ ,‬أو أعمال عصابات من أجل الطاحة بحكومات بلدها ‪ ,‬وإقامة حكومات‬
‫إسلمية على أنقاضها !!( ‪ .‬وكل ما تبتغيه تلك التنظيمات من أفغانستان – من جديسسد ‪-‬‬
‫هو أنها محطة إنشساء وتسدريب وحشسد ‪ ,‬أو ملذ آمسن لكوادرهسا وعناصسرها‪ ,‬فسرارا مسن‬
‫الهجمة الدوليسسة لمكافحسسة الرهسساب ‪ ,‬مسسع قناعسسات تتفسساوت عنسسدهم مسسن حيسسث القناعسسة‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 62 [ ‬‬

‫بالمارة السلمية ودار السلم الناشئة فسسي أفغانسسستان ‪ ,‬وشسسرعية أميسسر المسسؤمنين ‪...‬‬
‫حيسسث تتسسدرج القناعسسات مسسن النعسسدام التسسام عنسسد بعسسض مسسن ينسسسبون أنفسسسهم إلسسى‬
‫) السسسلفية ( ! ‪ ,‬إلسسى القناعسسة التامسسة عنسسد البعسسض ‪ .‬أمسسا المعركسسة العامسسة مسسع الهجمسسة‬
‫الصسسليبية اليهوديسسة فلسسم يبسسد أنهسسا تشسسكل همسسا عمليسسا لتلسسك التنظيمسسات إل علسسى صسسعيد‬
‫التعاطف العام مع قضايا المسلمين ‪ .‬ولم يستطع الشــيخ أســامة والقاعــدة أن‬
‫يزحزحوا تلك التنظيمات ‪ ,‬ول معظم الشباب الــذي قــدم لهــذه الهــداف‬
‫عن قناعاتهم تلك من أجل تبنـي قناعـاته بـأن المعركـة قـد أصـبحت مـع‬
‫أمريكا فحسب‪ .‬إلى أن جاءت هجمة أمريكا على المارة وتداعيات أحداث‬
‫سبتمبر فأقنعت أمريكا الكل بترك أهدافهم والتفــرغ لحربهــا ‪ .‬مسسن ناحيسسة‬
‫أخرى رأيت تفهما وقناعة بالفكار التي سأفصلها في هذا الكتاب من قبل بعض قسسدماء‬
‫الخوة من المستقلين عن التنظيمات ذات الهداف القطرية‪.‬‬
‫بدا لي أن الجهة الوحيدة التي تقيم كثيرا من جوانب عملهسسا الحركيسسة علسسى أسسسس‬
‫شبيهة بالفكار التي اقتنعت بها ‪ ,‬هي تنظيم الشيخ أسامة بن لدن ) القاعدة ( فهم قد‬
‫أدركوا – ولسيما الشيخ أسامة ‪ ,‬ونائبه أبو حفسسص رحمسسه اللسسه – أن زمسسن التنظيمسسات‬
‫القطرية المحلية قد ولى ‪ ,‬وأنه ل يصسسلح للمرحلسسة القادمسسة ‪ .‬وأن السسواجب هسسو ‪ :‬حشسسد‬
‫المة على مواجهة العدو الخسارجي ممثل بأمريكسا والستركيز علسى شسعار إخراجهسم مسن‬
‫جزيرة العرب ودمج هذا ببعد الصراع مع اليهود حول فلسطين والقصسسى ‪ .‬وببعسسد دفسسع‬
‫عدوان أمريكا على عموم المسلمين ‪ .‬وهو ذات ما كنت قد توصلت إليه سنة ‪, 1990‬‬
‫وسجلت فيه عددا من المحاضرات والكتابات منذ ذلك الوقت ‪.‬‬
‫ثم و بعد دراسة كل المكانيسسات المتاحسسة لسسي للعمسسل والعطسساء ‪ ,‬أسسسست معسسسكرا‬
‫ومجموعة عملت بشكل مستقل مثل كافة التجمعات والتنظيمات العربية الربعة عشر‬
‫ت مباشرة مع أمير المؤمنين ‪ .‬و بدأت من خلل مركز‬ ‫التي اعترف بها طالبان ‪ .‬وتعامل ُ‬
‫اتخذته في معسكر أنشأته في إحدى القطعات العسكرية التابعة لطالبان ‪ ,‬ومسسن خلل‬
‫عشرات اللقاءات التي عقدتها في بيتي أو في بعسض المكنسة الخسرى ‪ ,‬فسي بسسث هسذه‬
‫الفكار وتطويرها‪ .‬وأظن أن الفكرة قد تبلورت عبر تلك النشاطات حتى وصسسلت إلسسى‬
‫الصورة التي سأعرضها في هذا الكتاب‪.‬‬
‫وكان من أهم تلك الدورات التي اشتملت على تفاصسيل هسذه الفكسسار مسن الناحيسسة‬
‫اليدلوجية والحركية ‪ ,‬تلك التي سجلتها ونشرتها في أوساط المجاهدين العرب وبعسسض‬
‫المجاهدين من وسط آسيا‪ ,‬وهي حسب تسلسلها الزمني كما يلي‪:‬‬
‫أول ً ‪ ( :‬واقع المسلمين الزمة والمخرج ( وهي في ‪ 7‬أشسسرطة ) ‪90‬‬
‫دقيقة ( ‪.‬‬
‫وهي في ‪ 21‬شريط‬ ‫ثانيًا‪ ( :‬الجهاد هو الحل‪ ,‬لماذا ؟ وكيف؟ (‬
‫) ‪ 90‬دقيقة(‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ ( :‬المقاومة السلمية العالميــة ( وهسسي فسسي ‪ 10‬أشسسرطة ) ‪90‬‬
‫دقيقة(‪.‬‬
‫رابعا ً ‪ ( :‬سرايا المقاومة السلمية العالمية ‪:‬الدعوة – الطريقة –‬
‫المنهـــــــــــــــــــــج ( وقسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسد سسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسجلت‬
‫على ‪ 6‬أشرطة فيديو )‪ 3‬ساعات ( أي نحو ‪ 16‬ساعة ‪.‬‬
‫وأهم هذه المحاضرات من حيث شرح الدعوة والطريقة هــي أشــرطة‬
‫الفيديو‪ ,‬وقــد ســجلت بتاريــخ ‪ 20‬أغســطس ‪2000‬م ‪ .‬وأمــا أوســعها مــن‬
‫حيث المقدمات الفكرية والسياسية الشرعية ‪ ,‬فهي مجموعة محاضــرات‬
‫( الجهاد هو الحل (‪ .‬وقد سجلت في سبتمبر ‪1999‬م في معسكرنا الــذي‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 63 [ ‬‬

‫دعوته ( معسكر الغربـاء ( والـذي أقيـم فـي قاعـدة ( قرغـة ( العسـكرية‬


‫التابعة لطالبان قرب كابل‪.‬‬
‫كما تبعثرت كثير من أفكار هذه المادة في نحو ‪ 60‬شريط كاسسسيت فسسي مختلسسف‬
‫المواضيع عبر دروس ألقيتها خلل تلك الفترة ‪ ,‬وكذلك في خمسة أبحاث تقع في نحسسو‬
‫‪ 500‬صفحة نشرتها آنذاك ‪ .‬وكذلك من خلل مجلة غير دورية أصدرتها بعنوان ) قضسسايا‬
‫الظاهرين على الحق (‪ ..‬حيث كان هذا مجمل النتاج الفكري الذي قدمته خلل الفسسترة‬
‫) ‪2001 - 1997‬م (‪.‬‬
‫ورغم الجهود التي بــذلناها – مجموعــة معســكر الغربــاء ‪ -‬فقــد حــالت‬
‫الظــروف العامــة المتعلقــة بوضــع المجاهــدين العــرب والطالبــان فــي‬
‫أفغانستان ‪ ,‬ثم ما تل مــن تــداعيات ســبتمبر وســقوط المــارة ‪ .‬دون أن‬
‫أضع هذه الفكار موضع التنفيذ ‪ ,‬وهو ما حاولته فعل منذ إنشاء المعسكر‬
‫‪.‬إل أني أعتقد أنه قد كان فــي هــذا النتــاج المفصــل عرضــا وافيــا لتلــك‬
‫الفكار التي اقتنعت بضرورتها لوضع منهــج وأســلوب عمــل جديــد ‪ ,‬مــن‬
‫أجل هذه المواجهة العالمية التي نخوضــها ‪ .‬ولعــل اللــه يتيــح لنــا فرصــة‬
‫فنستأنف المسير ‪,‬وهو ما أفعله الن ‪ ,‬وأول ذلك نشــر هــذا الكتــاب ‪ .‬أو‬
‫يعيننا على تسليم هذه الراية لمن يقيضهم لها من بعدنا مــن المجاهــدين‬
‫في سبيله على طريق الظــاهرين علــى الحــق فــي هــذا الزمــان إن شــاء‬
‫الله ‪ .‬فيكون في مثل هذه الكتابات أداء لجزء من أمانة‪..‬‬
‫وفيما كنت أحاول وضع كتاب يجمع هذه الفكار بصورتها النهائية في كابل ‪ ,‬جسساءت‬
‫أحداث سبتمبر ‪2001‬م وما تل من تسسداعياتها فسسي أفغانسسستان وباكسسستان‪ ..‬لنسسدخل فسسي‬
‫سياق الحدث‪ .‬ولينتهي بنا المطاف حاليا فسسي مرحلسسة الشسستات والتشسسريد والختفسساء ‪,..‬‬
‫حيث أضع اللمسات الخيرة لهذا الكتاب الن ‪ ,‬في مخبأنا الجبلي الجميل ‪.‬‬
‫*************‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 64 [ ‬‬

‫المرحلة الخامسة‪ :‬باكستان )‪2002‬م – ‪2003‬م (‬


‫تداعيات أحداث سبتمبر ‪2001‬م‬

‫زادتنسسي تسسداعيات أحسسداث الحسسادي عشسسر مسسن سسسبتمبر ‪ , 2001‬وزخسسم ردة الفعسسل‬
‫المريكية والهجمة الغربية الصليبية المبرمجة مع التوجه اليهودي العالمي المتعاون مسسع‬
‫قوى الردة وأجهزة النفاق في عالمنا العربي والسلمي ‪ ,‬زادتني بل ملتني قناعة بما‬
‫كنت قد توصلت إليه من أفكار حول أسلوب المواجهسسة اللزم لهسذه الحسرب العالميسة ‪.‬‬
‫التي بدأت بقيادة أمريكا للنظام العالمي الجديد وحملتها الصليبية مع التحسسالف السسدولي‬
‫فسسي مطلسسع ‪ 1991‬علسسى جزيسسرة العسسرب والعسسراق ‪ ,‬والسستي تسسدرجت حسستى انفجسسرت و‬
‫اسسستعلنت بعسسد أحسسداث ‪ 11‬سسسبتمبر بكسسل صسسفاقة ‪ ,‬لتشسسمل كافسسة العسسالم العربسسي‬
‫والسلمي ‪ ,‬بل كافة المعمورة كساحة حرب مع السسسلم والمسسسلمين حيثمسسا وجسسدوا ‪.‬‬
‫ضمن برنامج اجتثاث شامل قائم على المفهسسوم الصسسليبي اليهسسودي لصسسراع الحضسسارات‬
‫الذي تبنته أمريكا والغرب الذي يلهث وراءها ‪.‬‬
‫وقسسد أصسسبحت شسسواهد ذلسسك فسسي وسسسائل العلم مسسادة يوميسسة ‪ ,‬حسستى علسسى لسسسان‬
‫المريكيين أنفسهم ‪ .‬وكسم تعجبست مسن صسراحة ) جفريسسى سسستراينبرغ ( وهسو صسسحفي‬
‫ومحلل سياسي من الحزب الديمقراطي في أمريكسسا ‪ ,‬فسسي مقابلسسة خطيسسرة الفحسسوى ‪,‬‬
‫أجراها مع الفضائية السورية في ) شهر يوليو ‪2002‬م ( وكان من خلصة ماجاء فيها ‪:‬‬
‫) أن هناك كارثة مقبلة على أمريكا والبشرية بسبب السياسات التي يتبناها الحزب‬
‫الجمهسسوري بزعامسسة بسسوش ‪ ,‬والسستي تتضسسمن مبسسدأ صسسراع الحضسسارات السسذي ُبنسسي علسسى‬
‫فلسفات )كيسنجر( و)هينينغتون( و)نيكسسسون( وغيرهسسم‪ .‬وأنهسسم يبنسسون أفكسسارهم علسسى‬
‫مبدأ سيطرة العنصر البيض المسيحي على الملونين فسي الرض ‪ .‬و يعتقسدون أنسه قسد‬
‫حان الوقت لقيام إمبراطورية عالمية بزعامة أمريكا ‪ ,‬وأنهم يخططون في سبيل ذلسسك‬
‫لوقف التقدم الصسسناعي للسسدول الناميسسة ‪ ,‬ولنشسسر الوبئة والمسسراض مسسن أجسسل التطهيسسر‬
‫العرقي للقضاء على ‪ %80‬من السكان غير البيض في الرض !‬
‫وأن القضية أكبر من مسألة إزاحة الحكومسسة العراقيسسة ‪ ,‬أو زعسسم إحلل السسستقرار‬
‫في الشرق الوسط ‪ .‬وقال بأن الوليات المتحدة على أعتسساب انهيسسار مسالي واقتصسسادي‬
‫عالمي ‪ ,‬بسبب نشاطها العسكري العدواني في كثير من المناطق ‪ .‬وأن بسسوش يحسساول‬
‫أن يمنع إفلس الشركات المريكية الكبرى ‪ .‬فسن من أجل ذلسسك تشسسريعات اقتصسسادية‬
‫غير مدروسة العواقب ‪ ,‬ووضع الضسسرائب والرسسسوم علسسى السسستيراد حسستى مسسن السسدول‬
‫الحليفة لمريكا ‪ .‬فأوجد مشاعر هستيرية ضد أمريكا في الدول الخرى‪ , ...‬وختم قوله‬
‫بأن هناك كارثسة مقبلسة بسسسبب سياسسسات بسسوش سسستحل قريبسسا بأمريكسسا والعسالم ‪ ,‬خلل‬
‫أسبوع ‪ ..‬أو خلل سنة أو أكثر أو أقل ‪ ..‬المهم أنها قريبة ‪( .‬‬
‫إن شواهد ما يحدث اليوم تسسدعم إلسسى حسسد كسسبير التوصسسيف السسذي عرضسسناه لطبيعسسة‬
‫المواجهة بيننا وبين الروم المعاصرين بقيادة أمريكا ‪ ,‬بحيث لم تعد تحتاج السسدعوة إلسسى‬
‫المقاومة وفق هذه التصورات ‪ ,‬إلى أي عناء من أجل القناع ‪ .‬فقد قام العدو وحلفاؤه‬
‫بتقديم كل الشواهد والدوافع اللزمة لحسسداث القناعسسة بالمقاومسسة ‪ ,‬حيسسث قسسدمها بكسسل‬
‫شراسة وعدوانية‪ .‬بحيث تحمل أكثر الشرائح مسالمة وقعودا في المة السلمية علسى‬
‫التفكير في المواجهة‪ ,‬مما يسهل واللسسه أعلسسم مهمسسة السسداعين إلسسى الجهسساد والمقاومسسة‬
‫العالمية الشاملة ضد هذا العدو‪.‬‬
‫أثبت الواقع الجديد ‪ -‬الذي سأفصله فسسي هسسذا البحسسث ‪ -‬بسسل فسسرض اتجسساه المعركسسة‬
‫الوحيسسد‪ .‬وعسسدم جسسدوى بسسل عسسدم إمكانيسسة التجسساه بإحسسداث صسسراعات جهاديسسة قطريسسة‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 65 [ ‬‬

‫محدودة ‪ .‬لقد تدولت المعركة بعد سبتمبر ‪ 2001‬وغزو أفغانستان ثسسم العسسراق ‪2003‬‬
‫واستعداد العدو لما بعدها ‪ ,‬حيث فرض العسسدو نفسسسه علسسى كامسسل سسساحاتها دفاعسسا عسن‬
‫وصالحه وحلفسسائه ‪ .‬هسسذا ناهيسك عسن تحطسسم أو تفكسسك معظسسم إن لسسم يكسسن كافسسة البنسسى‬
‫والتنظيمات الجهادية المحلية بسبب هذه الحملة الطاغية ‪ ,‬والمكانيات غيسسر المتكسسافئة‬
‫نهائيا لطراف المعركة ‪ .‬وأظن أن في هذا الواقع الجهادي الجديد مسسا يغنسسي عسسن كسسثرة‬
‫النقاش لقناع من تبقى من الكوادر والكيانات الجهادية بضرورة تغيير طريقة التفكيسسر‬
‫والعمل وفق التجاه الجديد للمعركة ‪.‬‬
‫أحدث لديّ التفكير في إرهاصات وتداعيات أحداث سبتمبر تطويرا محسسدودا ومهمسسا‬
‫على بعض الفكار سأثبتها خلل البحث في مناسباتها مشيرا إلى ذلك إنشاء الله ‪.‬‬
‫أعتقد باختصار أن أحداث سبتمبر وما تلها من أحداث عالمية قد أدخلتنا ربما فسسي‬
‫تسلسلت أحداث الملحم والفتن التي أخبرنا عنها رسول الله صلى اللسسه عليسسه وسسسلم‬
‫والله أعلم ‪ .‬وهاهو العالم يسير نحو أن يمتلئ جورا ً وظلما ً بإشسسراف أمريكسسا وأسسسيادها‬
‫اليهسسسود وحلفسسسائهم مسسسن الصسسسليبيين والمرتسسسدين والمنسسسافقين‪ .‬وهــاهم المؤمنــون‬
‫المجاهدون غرباء مشردون في الرض ل يجدون ملجأ يؤون إليــه‪,‬يفــرون‬
‫بدينهم من قرية إلى أخرى ‪ ,‬تماما كما أخبر صلى الله عليه وسلم ‪ .‬وقد‬
‫تكون المور تسير نحو انحصار الثلة المؤمنة‪ .‬وفي كثير مما يجري شسسواهد قسسد‬
‫أخبرت بها آثار السنة بل وحتى بعض الثار الواردة في بعض كتب أهسسل الكتسساب ‪ ..‬وهسسا‬
‫هو ميزان القوى يختسل بشسكل صسارخ بيننسا وبيسن أعسدائنا ‪ ,‬ابتلء للثلسة المؤمنسة وفتنسة‬
‫للزائغين عن هدي شريعة الله من المنتسبين لهذا السسدين ‪ .‬بحيسسث تمتلسسئ الرض جسسورا‬
‫وظلما وتتداعى الحداث نحو ظهور المهدي عليه السلم ليقود مسيرة المواجهة وليمل‬
‫الرض قسطا وعدل بعسسد أن ملئت جسسورا وظلمسسا‪ .‬وقسسد تكسسون الخيسسارات أمسسام العصسسبة‬
‫المؤمنة الن محصورة بالصسسبر والصسسمود والتضسسحية والثبسسات والتقسسدم بإيمسسان ورسسسوخ‬
‫قدم نحو الخدود‪ .‬وأن علينا الثبات حتى نكون أو ذرارينا المصابرة تحسست رايسسة القسسسط‬
‫والعدل بعد ذلك وفي وقت ليس ببعيد إن شاء الله‪ .‬ولكن فريضة الجهاد الماضية إلسسى‬
‫قيسسام السسساعة ‪ .‬واسسستمرارية الطائفسسة الظسساهرة علسسى الحسسق تقاتسسل علسسى هسسذا السسدين‬
‫منصورين ل يضرهم من خذلهم ول من خالفهم حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال ‪ ,‬هو‬
‫أمر ثابت في ديننا‪ .‬فإذا كان علينا أن نسعى أن نكون مسسن هسسذه الطائفسسة ونتسسابع حمسسل‬
‫الراية وتسليمها من جيل إلى جيل‪ ,‬ومن طائفة إلى طائفة ‪ ,‬فإني أعتقسسد أن الخيسسارات‬
‫العملية قد أصبحت محصورة بحكم الوضع القائم لسسدينا ‪ ,‬بحيسسث أنسسه لسسم يعسسد أمامنسسا إل‬
‫المقاومة بحسب طرق من قبيل هذه التي سأطرحها في هذا الكتاب ‪ .‬سعيا إلى قيسسام‬
‫) مقاومة إسلمية عالمية ( شاملة لهذا العدوان ‪ .‬وأن المر أكبر من أن يقع علسسى‬
‫عاتق النخبة من هذه المة ‪.‬‬
‫لقد كان الهجسسوم المظفسسر للشسسهداء البسسرار التسسسعة عشسسر علسسى عقسسر دار الكفسسر‬
‫والطغيان أمريكا ‪ .‬وذلك بضربها في صميم منشآتها القتصادية والعسكرية ‪.‬عمل جبسسارا‬
‫وتاريخيا بكل المقاييس ‪ ..‬فرحمهم الله وأجزل مثوبتهم ومثوبسسة كسسل مسسن أعسسد وسسساعد‬
‫فسسسسسسسسسي إخسسسسسسسسسراج وتنفيسسسسسسسسسذ هسسسسسسسسسذا العمسسسسسسسسسل القسسسسسسسسسدري الفسسسسسسسسسذ‪.‬‬
‫وبصرف النظر عن بعــض الحيثيــات المتعلقــة بملبســات إطلق الحــدث ‪,‬‬
‫والظروف التي ســبقته خاصــة فــي أفغانســتان ‪ ,‬علــى صــعيد طالبــان ‪,‬‬
‫وعلى صـعيد التجمـع الجهـادي العربـي فـي أفغانسـتان‪ .‬وكـذلك بصـرف‬
‫النظر عــن تــداعيات الحــدث وطبيعــة المواجهــة الــتي حصــلت مــن بعــده‬
‫وطريقة إدارتها‪ ,‬لسيما في أفغانستان ومن ثم باكستان ‪ .‬وهي حيثيــات‬
‫جديرة بالبحث والتأريخ واستخلص العبر والدروس ‪ .‬وهــي أمــور ل محــل‬
‫لتفصيلها هنا لخروجها عن موضوع هذا الكتاب ‪ ,‬وسيأتي بعــض أطرافهــا‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 66 [ ‬‬

‫في ثنايا هذا الكتاب إن شاء الله‪ .‬بصرف النظر عن ذلك ‪ ...‬يمكن القــول‬
‫بأن تـوجه الشــيخ أســامة بــن لدن حفظــه اللــه قـد وضــع المعركــة بهــذا‬
‫الشكل في مسارها الصحيح ‪ .‬وذلك بفرض المواجهــة بيننــا وبيــن عــدونا‬
‫الحقيقــي الــداعم مــن وراء الســتار لكافــة أعــدائنا ‪ ,‬فــي كــل ســاحات‬
‫المواجهة التي نخوضها ‪ ,‬بــدءا مــن صــراعنا مــع اليهــود فــي فلســطين ‪,‬‬
‫ومرورا ً بكل مواجهاتنا مع حكامنا المرتدين المدعومين مــن قبــل أمريكــا‬
‫وحلفائها‪ .‬فجزاه الله خيرا ‪.‬‬
‫والمر ذو العلقة بين تداعيات سبتمبر وأفكار كتابنا هسسذا‪ ,‬هسسو أننسسا إذا سسسلمنا بهسسذه‬
‫المقدمة عن حرب واقعة ومفروضة من العدو علينا ‪ ,‬فسنسلم إذا وفق مقتضيات ديننا‬
‫الحنيف بأن علينا المواجهة‪ .‬وأن جهاد الدفع قد صار فرض عين على المسسسلمين ‪ ,‬كمسسا‬
‫ب‬‫حس ّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫ن الّلس َ‬ ‫دوا إ ِ ّ‬ ‫م َول ت َعَْتس ُ‬ ‫قسات ُِلون َك ُ ْ‬ ‫ن يُ َ‬‫ذي َ‬ ‫ل الّلسهِ اّلس ِ‬ ‫سسِبي ِ‬ ‫قسال تعسالى ‪  :‬وََقسات ُِلوا ِفسي َ‬
‫ن‬
‫مس ْ‬‫م ِ‬ ‫جسسوهُ ْ‬ ‫م وَأ َ ْ‬
‫خرِ ُ‬ ‫مسسوهُ ْ‬ ‫فت ُ ُ‬‫ق ْ‬ ‫ث ثَ ِ‬‫حي ْس ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ‪) ‬البقسسرة‪ ، (190:‬وقال تعالى ‪َ  :‬واقْت ُل ُسسوهُ ْ‬ ‫دي َ‬ ‫معْت َ ِ‬‫ال ْ ُ‬
‫ل ‪) ‬البقسسرة‪ .( 191 :‬فإذا كنسسا سسسنواجه ‪ ,‬فلبسسد مسسن‬ ‫قت ْ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫شد ّ ِ‬ ‫ة أَ َ‬ ‫م َوال ْ ِ‬
‫فت ْن َ ُ‬ ‫جوك ُ ْ‬ ‫خَر ُ‬ ‫ث أَ ْ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫َ‬
‫خسائر في هذه الحرب العالمية ‪ .‬ويجب أن يكون واضحا أمسام مسن يريسد الجهساد ‪ ,‬أن‬
‫من أهم ذلسسك مسسسألة ) اختيسسار أسسسلوب المواجهسسة ( ‪ .‬فإمسا أن نسسدخل المعركسسة وفسسق‬
‫تصورات العدو باستنزافنا جزئيسا هنسا وهنساك ‪ ,‬وتحطيسم طاقاتنسا بالصسراع مسع الحكسام‬
‫المرتسسدين ومسسن تبعهسسم مسسن المنسسافقين والمكرهيسسن والجسساهلين مسسن جيوشسسهم ورجسسال‬
‫أمنهم ‪ ..‬وهذا ما فعلناه عبر أكثر من ثلثيسسن سسسنة ‪ ,‬وعسسبر عشسسرات التجسسارب الفاشسسلة‬
‫جه المعركة نحو العدو الساسي والمحسسرك لكسسل أعسسدائنا‬ ‫الباهظة التكاليف ‪ .‬وإما أن نو ّ‬
‫المحليين ‪ ,‬وأعني الثالوث الخبيث ) إسرائيل – أمريكا – أوروبا النسساتو(‪ .‬ول شسسك الن ‪,‬‬
‫أن المنطق والواقسع يثبسست أن التسسوجه لهسسؤلء أجسسدى ‪ .‬ويتضسسمن تبعسا إقنساع المسسسلمين‬
‫بحرب الحكام المرتدين وطابور النفاق معهم المسسوالين لهسسؤلء الكفسسرة الغسسزاة ‪ ,‬لنهسسم‬
‫سيدخلون المعركة إلى جانب أمريكا واليهود بحكم واقعهم وحرصهم علسسى عروشسسهم ‪.‬‬
‫فالمعركة مع اليهود وأمريكا وأوروبا الناتو مفروضة ‪ ,‬ول بد من تحمل نتائجها كما قسسال‬
‫الشاعر ‪:‬‬
‫فمن العار أن تموت جبانا‬ ‫إذا لم يكن من الموت بد‬
‫فباختصار ‪:‬‬
‫إن حرب المسلمين اليوم مع اليهود وأمريكا وأوروبسسا النسساتو ‪ ,‬وحلفسسائهم المرتسسدين‬
‫والمنافقين في بلدنا‪ ,‬سيكون ثمنها فادحسا ‪ ,‬فسي أمسسة طسسال رقادهسا ‪ ,‬وطسال قعودهسا ‪,‬‬
‫وطال انغماس أكثرها في الدنيا ‪ ,‬وطال دبيب الوهن من حسسب السسدنيا وكراهيسسة المسسوت‬
‫في أوصال خاصتها وعامتها ‪ ,‬وطال ركون أكثر علمائها على موائد سلطينها ‪.‬‬
‫ولبد أن نبضة الحياة ‪ ,‬وميلد النهضة سيتبعه مخاض عسير‪ ,‬فل يهسسولن الثمسسن أمسسة‬
‫وشبابا قال الله تعالى لهم ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫سِبي ِ‬‫ن ِفي َ‬ ‫قات ِلو َ‬ ‫ة يُ َ‬ ‫جن ّ َ‬‫م ال َ‬ ‫ن لهُ ُ‬ ‫م ب ِأ ّ‬ ‫والهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫م وَأ ْ‬‫سه ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ن أن ْ ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫شت ََرى ِ‬ ‫ها ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫‪ ‬إِ ّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الل ّهِ فَي َ ْ‬
‫ن أوَْفى ب ِعَهْدِ ِ‬
‫ه‬ ‫م ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫قْرآ ِ‬ ‫ل َوال ُ‬ ‫جي ِ‬ ‫قا ِفي الت ّوَْراةِ َوال ِن ْ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫عدا عَلي ْهِ َ‬ ‫ن وَ ْ‬ ‫قت َلو َ‬ ‫ن وَي ُ ْ‬ ‫قت ُلو َ‬
‫م‪) ‬التوبة‪. (111:‬‬ ‫ظي ُ‬ ‫فوُْز ال ْعَ ِ‬ ‫ك هُوَ ال ْ َ‬ ‫م ب ِهِ وَذ َل ِ َ‬‫ذي َباي َعْت ُ ْ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫شُروا ب ِب َي ْعِك ُ ُ‬ ‫ست َب ْ ِ‬‫ن الل ّهِ َفا ْ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫ومع ذلك ل بد من القول تنبيها على واقع يحتاج إلى وضع أسسسس تفصسسيلية عقديسسة‬
‫وعسكرية وإعلمية وحركية لهذه المواجهة ‪ .‬كي تدخلها المة بأفضل الصور ‪:‬‬
‫لقد أحسن الشيخ أسامة اختيار طبيعة المعركة وتحديد العدو‪ .‬فقد ُوفق ‪ -‬بحسب‬
‫رأيي ‪ -‬لختيار مفتاح الصراع والمواجهسسة ‪ .‬كمسسا أحسسسن القسسائمون علسسى تنفيسسذ هجمسسات‬
‫سبتمبر صناعة صسساعق النفجسسار‪ ,‬وابتسسدءوا المعركسسة بهجسسوم ظسسافر كبسسد العسسدو خسسسائر‬
‫فادحة‪ ,‬وجعل المسلمين يبتدئون المبادرة المذهلة‪ .‬إل أنسسي أعتقسسد أن المسسة السسسلمية‬
‫بكامل طاقاتها ما تزال غائبة عن المعركة‪ ,‬رغم أنها هسسي المعنيسسة أساسسسا بهسسذا الجهسساد‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 67 [ ‬‬

‫ومسسادته ‪ ...‬وأن سسساحة المواجهسسة مسسا تسسزال معطلسسة ‪ ,‬إذ أن سسساحتها الحقيقيسسة هسسي بلد‬
‫المسلمين ‪ ,‬حيث نزلت مختلف أشكال صائل اليهود والنصارى وأعوانهم من المرتسسدين‬
‫والمنافقين ‪ .‬وأن على المشرفين على الصسسحوة الجهاديسسة لهسسذه المسسة مسسن الجهسساديين‬
‫ض‬
‫حّر ِ‬ ‫ك وَ َ‬‫س َ‬ ‫ف إ ِّل ن َ ْ‬
‫ف َ‬ ‫ل الل ّهِ ل ت ُك َل ّ ُ‬‫سِبي ِ‬‫ل ِفي َ‬ ‫جميعا أن يعملوا بقول الله تعالى ‪  :‬فَ َ‬
‫قات ِ ْ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ال ْمؤْمِنين عَسى الل ّ َ‬
‫كيل ً ‪) ‬النساء‪(84:‬‬ ‫شد ّ ت َن ْ ِ‬‫شد ّ ب َأسا وَأ َ‬ ‫هأ َ‬ ‫فُروا َوالل ُ‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫س ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ن ي َك ُ ّ‬
‫ف ب َأ َ‬ ‫هأ ْ‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ ِ َ‬
‫ليقوم المؤمنون – كل المؤمنين ‪ -‬بمهمة الدفع الساسية‪.‬‬
‫لقد ُأحسن اختيــار اتجــاه المعركــة‪ ,‬ولكــن ل يــزال أمامنــا الكــثير مــن‬
‫الجهد في مجــال الــدعوة والبيــان وتحريــض المــؤمنين ‪ ,‬لوضــع المعركــة‬
‫إدارة وتنفيذا في ميدانها ومجالها الصحيح‪ ,‬كــي نســتعيد زمــام المبــادرة‬
‫الذي استردته أمريكا بعد أحداث سبتمبر‪ .‬وما زال في يدها إلى الن ‪..‬‬
‫ومهما يكن من أمر المواقف والراء في الصف السسسلمي و الجهسسادي مسسن أحسسداث‬
‫سبتمبر‪ ,‬فإن مسسن المسسسلم بسسه أنهسسا قسسد أوجسسدت واقعسسا جديسسدا‪ ,‬يشسسكل بفعسسل الهجمسسة‬
‫المريكية حملة طاغية تحتاج منا إلى مواجهة ‪ .‬وصرف الهتمام لسسذلك ‪ .‬وهسسو خيسسر ول‬
‫شك من إضاعة الوقت ‪ ,‬في التلوم وتجاذب الراء حول الحداث وملبساتها وفاعليهسسا‪.‬‬
‫فقد وصلت المعركة لن تكون معركة مصير نكون معها أول نكون ‪.‬‬
‫*************‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 68 [ ‬‬

‫المرحلة السادسة‪ :‬؟؟؟؟؟؟؟ ) ‪2003‬م – ‪2004‬م (‬


‫احتلل أمريكا للعراق والحملة الصليبية الصهيونية على الشرق الوسط‪:‬‬

‫ثم حصل ما هو معروف مسسن زحسسف المريكسسان وحلفسسائهم النجليسسز علسسى العسسراق ‪.‬‬
‫حيث نفذوا فيها خطة شبيها بالذي فعلوه في أفغانستان ‪ .‬واستطاعوا في مدة قياسسسية‬
‫تدمير الجيش العراقي وتفكيك وحداته ‪ ,‬ودخول بغداد التي كان من قسسدرها أن تسسسقط‬
‫للمرة الثانية تحت سنابك المغول ‪ .‬المغسسول الجسسدد مسسن السسروم المعاصسسرين السسذين لسسم‬
‫يكونوا أقل بربرية من أسلفهم الذين قدموا مع )هولكو(‪.‬‬
‫وموضوع هذه الحملة واحتلل العراق وإرهاصسساته وتفاصسسيل يوميسساته والغسسوص فسسي‬
‫تحليل أحداثه ودروسه ‪ ,‬موضوع كبير ليس محله هذا الكتاب ‪ .‬ولكني ألفت النظر إلى‬
‫ماله علقة بتبلور أفكار كتابنا هذا وما سأطرحه فيه من نظريات عمل جهادية من أجل‬
‫قيام ) مقاومة إسلمية عالمية ( وأهم ذلك في نقاط موجزة‪:‬‬
‫أهم أسباب انتصار المريكان في ( أفغانستان ‪ /‬العراق (‪:‬‬
‫العتماد على قوى عميلة محلية تعمل بإمرتها على الرض ‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫العتماد على عزل البلد الفريسة عن جواره ‪ ,‬وتحييد ذلك الجوار ‪ ,‬أو‬ ‫‪.2‬‬
‫العتماد عليه كنقطة انطلق تقدم الخدمات اللوجستية لقواتها‪.‬‬
‫العتماد على التفوق الجوي والصاروخي الساحق في تدمير كل هدف‬ ‫‪.3‬‬
‫معادٍ على الرض ‪ .‬في ساحة الحدث‪..‬‬
‫الستعداد لرتكاب المجازر فسسي المسسدنيين مسسن أجسسل تحقيسسق الهسسداف‬ ‫‪.4‬‬
‫العسكرية والضرب بكل أشكال الرأي العام بعرض الحائط‪.‬‬
‫تجسساوز المجتمسسع السسدولي وكسسل رأي معسسارض وإخضسساعهم لبرنامجهسسا‬ ‫‪.5‬‬
‫بالترغيب أو الترهيب أو الهمال ‪ ,‬بعسسد أن أصسسبحت أمريكسسا فعل قطبسسا‬
‫أوحدا في الدنيا ‪ ,‬تتحكم في سياسات الدول وتخضعها لمصلحتها‪.‬‬
‫تحول الشعوب السلمية إلى مجرد مشاهدين للحسسداث عجسسزة ‪ ,‬بعسسد‬ ‫‪.6‬‬
‫أن أخرجهم حكامهم وعلماؤهم من دائرة الصراع والفعل ‪.‬‬

‫* تبسسع انتصسسار أمريكسسا فسسي أفغانسسستان وقضسسائها علسسى القسسوة العسسسكرية لطالبسسان‬
‫ولفصائل المجاهدين العرب والمسلمين من القاعدة وغيرها فسسي أفغانسسستان ‪ ,‬وكسسذلك‬
‫انتصارها في العراق ‪ ,‬مطاردة عسكرية وأمنية لكل بؤرة يتوقع منها المقاومسسة للوجسسود‬
‫المريكسي عساجل أم آجل ‪ .‬وكسان مسن أهسم ذلسك تسدمير مواقسع جماعسة أنصسار السسلم‬
‫الكردية في منطقة )خور مال( شمال شرق العراق على الحدود اليرانيسسة ‪ ,‬باسسستخدام‬
‫نفس الطريقة التي دمرت بها مواقع القاعدة والمجاهدين العسسرب فسسي ) طسسوره بسسوره(‬
‫فسسي أفغانسسستان ‪ .‬وذلسسك بالقصسسف الجسسوي والصسساروخي العنيسسف والمركسسز ‪ .‬وزحسسف‬
‫الميليشيات الكردية المحلية العميلة للقضاء على من تبقى من المجاهدين على الرض‬
‫‪ .‬ثم أسر من يمكن أسره مسسن النسساجين عسسبر الحسسدود فسسي الدولسسة المجسساورة مسسن خلل‬
‫التفاقات والمؤامرات الدولية‪.‬‬
‫وكذلك تم تدمير وتصفية مواقع تجمعات جهادية في ) جبسسال حطسساط ( فسسي اليمسسن‬
‫بالعتماد على الجيش والمن اليمني عسسن طريسسق القصسسف الجسسوي ‪ ,‬ثسسم الزحسسف علسسى‬
‫المواقع ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 69 [ ‬‬

‫ثم تابعت أمريكا هذه الطريقة في كل بؤرة علنية يجتمع فيها مجاهسسدون منسساوئون‬
‫لمريكا ‪ .‬و بالضافة لهذا اعتمدت أمريكا نهج المطاردات المنية التي صفت من خللها‬
‫تنظيمات وخليا سرية جهاديسسة أخسسرى فسسي أمسساكن كسسثيرة ‪ ,‬بالتعسساون مسسع أجهسسزة المسسن‬
‫المحلية كما حصل في السعودية والمغرب و إندونيسيا وبعض دول شرق آسيا‪.‬‬
‫وقد أكد لي تحليل هذه التجارب التي عايشتها ميدانيا في أفغانستان بعيسسد سسسبتمبر‬
‫‪2001‬م ‪ ,‬وتقصيت ماجرى بعد ذلك عبر المتابعة المركسسزة المسسستمرة ؛ مسسا كنسست قسسد‬
‫توصلت إليه من أفكار ونظريات المقاومة عبر السنوات العشر الماضية والتي ضسسمنتها‬
‫هذا الكتاب وخلصة ذلك ‪ -‬والله أعلم ‪: -‬‬
‫أول ً ‪ :‬ل يمكن المواجهة مع أمريكا أو أي من حلفائها عسكريا بصــورة‬
‫مكشوفة طالما توفر لــديها هــذه الســيطرة التامــة علــى الجــواء‬
‫بهذه القدرات التكنولوجيــة الســاحقة ‪ ,‬خصوص ـا ً مــع وجــود قــوى‬
‫عميلة تعمل بإدارتها على الرض ‪ ,‬وتحاصر تلك البــؤر الجهاديــة ‪,‬‬
‫وتشـــــــــــــارك فـــــــــــــي الزحـــــــــــــف عليهـــــــــــــا ‪.‬‬
‫وقسسد أثبتسست ) طسسوره بسسوره ‪ -‬أفغانسسستان ( ‪2001‬م و )خورمسسال ‪ -‬العسسراق (‬
‫‪2003‬م‬
‫و ) جبال حطاط ‪ -‬اليمن ( ‪2003‬م ‪ ...‬ثم ما يجري فسسي الفلوجسسة وأنسسا أصسسحح‬
‫هسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسذه السسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسطور‬
‫) نوفمبر ‪2004‬م ( ‪ ,‬ما كان قد ثبت ذلك فسسي تجسسارب المواجهسسة المكشسسوفة‬
‫للعصابات المجاهدة في ) حماة ‪ /‬سوريا ( ‪1982‬م ‪ ,‬و)طرابلس ‪ ,‬وتل الزعتر‬
‫– بيسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسروت ‪ -‬لبنسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسان( ‪1982‬م‬
‫و) النبطية ‪ -‬لبنان ( ‪2000‬م ‪ ..‬مع أن المجاهدين واجهسسوا فسسي تلسسك التجسسارب‬
‫جيوشا ً بقدرات محلية‪ ,‬فما بالك بالطاقة العسكرية المريكية؟ ومسسسألة عقسسم‬
‫المواجهة المكشوفة ‪ ,‬من قبل العصابات للجيوش النظامية المتفوقسسة ‪ ,‬أمسسر‬
‫معروف قد بحثته معظم كتب حروب العصابات الدراسية‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬ل يمكــن للتنظيمــات الســرية مواجهــة النظــم المنيــة المحليــة‬
‫للحكومــات العميلــة‪ ,‬بعــد قيــام التنســيق المنــي علــى مســتوى‬
‫إقليمي ودولي فــي ظــل مــا بــات يعــرف بـالحرب العالميــة علــى‬
‫الرهــاب ‪ ,‬وبــإدارة وإشــراف أمريكــا ‪ .‬خاصــة مــن خلل إتبــاع‬
‫الساليب الكلسيكية القديمــة للتنظيمــات الســرية القطريــة ذات‬
‫البناء الشبكي الهرمي‪.‬‬
‫ثالث ـا ً ‪ :‬وحيــث ل منــاص ول مندوحــة عــن المقاومــة ؛ فــإن الســلوب‬
‫الوحيد للمواجهة الذي يطــرح نفسـه فـي ظـل هـذا الواقـع ‪ ,‬هـو‬
‫أســلوب حــرب العصــابات الســرية ذات الخليــا غيــر المترابطــة ‪.‬‬
‫الخليا المتعددة الكثيرة ‪ .‬وهذا ما تبسسدو ملمسسح نمسسوذج عنسسه واضسسحة فسسي‬
‫أعمال المقاومة العراقية ‪ -‬متعددة الطراف ‪ -‬للقوات المريكيسسة‪ .‬ومسسا أثبتتسسه‬
‫النتفاضة المسلحة في فلسطين وغير ذلك من حروب العصابات المدنية فسسي‬
‫العالم‪ .‬وهذا ما حاولت الستفادة من خلصته وإضافتها في محلها فسسي سسسياق‬
‫فصول هذا الكتاب‪ .‬الذي يطرح نظريسسات لتفعيسسل دعسسوة للمقاومسسة السسسلمية‬
‫العالمية ‪.‬‬

‫*************‬

‫وفي نهاية هذا التقديم أقول‪:‬‬


‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 70 [ ‬‬

‫لقد دفع كثيرون من شباب الصحوة والجهاد ‪ ,‬ممن نعلمهم ومسسن ل نعلمهسسم الثمسسن‬
‫باهظا ً في كل مكان وطالهم القتل والسر والتشريد عبر نحو نصسسف قسسرن مسسن الزمسسن‬
‫قبل أحداث سبتمبر ‪ ,‬وهم خلصة أمة السلم في هذا العصر ‪.‬‬
‫وأما بعد هجمات سبتمبر ‪ ..‬فقد استشهد البطال التسعة عشر وافتتحسسوا المعركسسة‬
‫باتجاهها الجديد ‪ ,‬فرحمهم الله ورفع درجاتهم وجمعنا وإياهم في عليين ‪..‬‬
‫ولقد دفع أمير المؤمنين في أفغانستان المل محمد عمر والمخلصون من مجاهدي‬
‫الطالبان الثمن فادحا ً ‪ ,‬كي يحافظوا على أمانتهم ‪ ,‬ويقوموا بواجبهم في حفظ السلم‬
‫والمسسسلمين وعسسدم الرضسسوخ لتهديسسدات العسسدو‪ .‬وأخسسذوا بحظهسسم مسسن القتسسل والسسسجن‬
‫والتشريد ‪ .‬ودفعت أفغانستان وشعبها كامل ً الثمن معهم ‪ .‬فتقبل اللسسه منهسسم وغفسسر لنسسا‬
‫ولهم ‪..‬‬
‫ولقد قدمت القاعدة كثيرا من رجالها ثمنا لبدء الجولسسة الحاسسسمة ‪ ,‬ودفسسع الشسسيخ‬ ‫ً‬
‫أسامة وأعوانه الثمن باهظا ً وأخذوا بحظهم مسن القتسل والسسر والتشسريد ‪ .‬تقبسل اللسه‬
‫منهم وغفر لنا و لهم ‪ .‬وجمعنا وإياهم في مستقر رحمته ‪..‬‬
‫ولقد ُقتل كثير من كوادر وشباب الجماعات الجهادية العربيسسة فسسي أفغانسسستان فسسي‬
‫معركة الدفاع عسن المسارة السسلمية وفسي التصسسدي للهجمسسة المريكيسسة العميسساء علسى‬
‫أفغانستان ‪ ,‬ودفع ذلك الرهط المبارك الثمن باهظا ‪ ,‬وأخذوا بحظهم أيضسسا مسسن السسسر‬
‫والقتل والتشريد ‪ ,‬وهم نخبة التيار الجهادي وطليعته ‪ .‬تقبل الله منهم وغفر لنسسا ولهسسم‬
‫وجمعنا وإياهم مع الذين أنعم الله عليهم ‪..‬‬
‫فلي هدف ؟ ولي مقابل ؟ و لم كان هذا العناء كله‪..‬؟‬
‫لقد كان الهدف هو إيقاظ المة المخدرة النائمة ‪ ,‬المغيبسسة عسسن سسساحة المواجهسسة ‪,‬‬
‫لوضعها أمام هذه الفريضة وجها لوجه ‪.‬‬
‫وفي هذا البحث الذي قدمت له بهذا التقديم ‪ ,‬نحسساول أن نعطسسي دفعسسة‪ ,‬وأن نضسسع‬
‫خطوة على طريق المهمة الكبرى ؛ وهي وضع أسس تساهم في دفع المسسة كسسي تأخسسذ‬
‫بدورها في هذه المعركة القادمة ‪.‬‬
‫وإني مقتنع بأن النصر بيد الله ‪ .‬وان من أوائل أسبابه التي يجب أن نوفرها‪:‬‬
‫العمل على تحويل هذه المواجهة لتكون معركة امــة بعــد أن أشــعلتها‬
‫النخبة ‪.‬‬
‫لقد قام التيار الجهادي عبر عقود أربعة بالمتثال لمسسر اللسسه تعسسالى‪  :‬فقاتسسل فسسي‬
‫سبيل الله ل تكلف إل نفسك ‪ ‬ويجب على من وقعت عليهم مسؤولية الكلمة وأمانسسة‬
‫العلسسسسسسسسسسسسم والقلسسسسسسسسسسسسم أن يسسسسسسسسسسسسؤدوا أمسسسسسسسسسسسسر اليسسسسسسسسسسسسة الثسسسسسسسسسسسساني‬
‫‪ ‬وحرض المؤمنين ‪ , ‬كل ذلك ‪ ‬عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا ‪. ‬‬
‫نعسسم ‪ :‬نحسسن نمسسر الن بأصسسعب الظسسروف ‪ ,‬ونعيسسش قمسسة البلء… لقسسد قتسسل خيسسرة‬
‫إخواننا ‪ ,‬وأسر نخبة شبابنا‪ ,‬وتشسسردت بقيتنسسا تتخطفهسسا السسذئاب الخائنسسة المتربصسسة مسسن‬
‫حكومات الردة وأعوانها ومخابراتها وعملؤها المنافقين هنا وهناك ‪ .‬ولكننسسا نعلسسم علسسم‬
‫اليقين أن الله ناصر دينه وحزبه ل محالة ‪ ,‬وأن بشرى انتصارنا وصول إلسسى فتسسح رومسسا‬
‫حاصل كما بشر رسوله صلى الله عليه وسلم ل محالة ‪.‬‬
‫ولعل المنكوسين من أبنسساء أمتنسسا ل يصسسدقون هسسذه الحقسسائق الشسسرعية ‪ ,‬والبشسسائر‬
‫النبوية ‪ ,‬ولكن قيادات أعدائنا وكبار أحبارهم ورهبانهم يعرفونها كما يعرفسسون أبنسساءهم ‪.‬‬
‫وهم يجمعون الجموع الن محاولة منهسسم لتجنسسب هسسذا المصسسير‪ .‬محاولسسة الطفسسل السسذي‬
‫يحاول أن يحجب نور الشمس بكفه الصغيرة ‪.‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫إنه جهد الذين ‪ ‬يريدو َ‬
‫م ُنسسوَرهُ‬‫ن ي ُِتسس ّ‬
‫ه إ ِل أ ْ‬
‫م وَي َأَبى الل ُ‬‫واهِهِ ْ‬ ‫ن ي ُط ْ ِ‬
‫فُئوا ُنوَر اللهِ ب ِأفْ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ُ ِ ُ َ‬
‫ن ‪) ‬التوبة‪(32:‬‬ ‫وَل َوْ ك َرِهَ ال ْ َ‬
‫كافُِرو َ‬
‫إنهم يعرفون أن نجم حضارتهم قد أفل ‪ ,‬وأن شمس حضارتنا قد بزغ فجرها ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 71 [ ‬‬

‫فرحم الله شهداء المجاهدين في كل مكان فقد أعذروا ‪..‬‬


‫ورحم الله أسرى المسلمين وفرج عنهم فقد أعذروا ‪..‬‬
‫وأعان الله كل مشرد في سبيله ممن أبلوا وأعذروا ‪..‬‬
‫وتقبل الله من كل الذين ساعدوا وآووا ونصروا ‪..‬‬
‫وليسمعها منا كل محسسب مناصسسر يبهجسسه نكايسسة أعسسداء اللسسه ‪ ..‬وليسسسمعها أيضسسا كسسل‬
‫منكوس مرجف ل يؤمن بموعود الله‪..‬‬
‫وليسمعها القاعدون الجبناء السسذين ل يريسسدون للرجسسال مسسن هسسذه المسسة أن يتصسسدوا‬
‫لعداء الله حتى ل يتعكر صفو سكون المراغة التي يتلبطون فيهسسا بيسسن أوحسسال السسدنيا ‪.‬‬
‫وفي طليعتهم علماء النفاق وفقهاء البنتاغون ‪..‬‬
‫وليسمعها كل أعدائنا ومن خلفهم ومن أمامهم ومن معهم ‪:‬‬
‫فليس بيننا وبيسسن أعسسدائنا ‪ ..‬كسسل أعسسدائنا مسسن اليهسسود والنصسسارى وحلفسسائهم الكفسسار‪,‬‬
‫وأعوانهم من المرتدين والمنافقين في بلدنا إل قول الله تعالى ‪:‬‬
‫‪،‬‬ ‫دوا ال ْوََثا َ‬
‫ق ‪...‬‬ ‫م فَ ُ‬
‫ش ّ‬ ‫موهُ ْ‬ ‫ذا أ َث ْ َ‬
‫خن ْت ُ ُ‬ ‫حّتى إ ِ َ‬
‫ب َ‬ ‫ب الّرَقا ِ‬‫ضْر َ‬ ‫ن كَ َ‬
‫فُروا فَ َ‬ ‫م ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ذا ل َ ِ‬
‫قيت ُ ُ‬ ‫‪ ‬فَإ ِ َ‬

‫ن ب ِسهِ عَسد ُوّ الل ّسهِ‬‫ل ت ُْرهِب ُسسو َ‬


‫خي ْس ِ‬‫ط ال ْ َ‬ ‫ن رِب َسسا ِ‬ ‫مس ْ‬ ‫ن قُسوّةٍ وَ ِ‬ ‫مس ْ‬ ‫م ِ‬ ‫سست َط َعْت ُ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫م َ‬ ‫دوا ل َهُ ْ‬ ‫ع ّ‬ ‫‪ ‬وَأ َ ِ‬
‫ل‬‫س سِبي ِ‬
‫يٍء فِسسي َ‬ ‫شس ْ‬‫ن َ‬ ‫مس ْ‬ ‫قوا ِ‬ ‫ف ُ‬‫ما ت ُن ْ ِ‬
‫م وَ َ‬ ‫مه ُ ْ‬‫ه ي َعْل َ ُ‬
‫م الل ّ ُ‬ ‫م ل ت َعْل َ ُ‬
‫مون َهُ ُ‬ ‫دون ِهِ ْ‬
‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ري َ‬‫خ ِ‬ ‫م َوآ َ‬ ‫وَعَد ُوّك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ن‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ت ُظ ْل َ ُ‬ ‫م وَأن ْت ُ ْ‬‫ف إ ِل َي ْك ُ ْ‬
‫الل ّهِ ي ُوَ ّ‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 72 [ ‬‬

‫حلفها‪:‬‬ ‫فإلى كل مبلغ عنا أمريكا ومن في ِ‬


‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن‪‬‬ ‫صاِغُرو َ‬ ‫م َ‬ ‫من َْها أذِل ّ ً‬
‫ة وَهُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جن ّهُ ْ‬‫خرِ َ‬ ‫م ب َِها و ل َن ُ ْ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬‫جُنودٍ ل قِب َ َ‬ ‫م بِ ُ‬ ‫م فَل َن َأت ِي َن ّهُ ْ‬ ‫جعْ إ ِل َي ْهِ ْ‬‫‪ ‬اْر ِ‬
‫)النمل‪. (37:‬‬
‫ز ‪) ‬الحج‪ :‬من الية ‪. (40‬‬ ‫زي ٌ‬‫قوِيّ عَ ِ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫صُرهُ إ ِ ّ‬ ‫ن ي َن ْ ُ‬ ‫م ْ‬‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫صَر ّ‬ ‫‪ ‬وَل َي َن ْ ُ‬
‫ن ‪) ‬العنكبوت‪. (6:‬‬ ‫مي َ‬ ‫ن ال َْعال َ ِ‬ ‫ي عَ ِ‬ ‫ه ل َغَن ِ ّ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫سه ِ إ ِ ّ‬ ‫ف ِ‬ ‫جاهِد ُ ل ِن َ ْ‬ ‫ما ي ُ َ‬ ‫جاهَد َ فَإ ِن ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫‪ ‬وَ َ‬
‫فقد سبق القدر بقول الحق‪:‬‬
‫‪ ‬ك َتب الل ّه َل َغْل ِب َ‬
‫ز ‪) ‬المجادلة‪. (21:‬‬ ‫زي ٌ‬ ‫ه قَوِيّ عَ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫سِلي إ ِ ّ‬ ‫ن أَنا وَُر ُ‬ ‫َ ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫هاد ُ ‪) ‬غافر‪. (51:‬‬ ‫ش َ‬‫م ال ْ‬ ‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَي َوْ َ‬ ‫مُنوا ِفي ال َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫سلَنا َوال ِ‬ ‫صُر ُر ُ‬ ‫‪ ‬إ ِّنا ل َن َن ْ ُ‬

‫*************‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 73 [ ‬‬

‫مع الفهرس ومنطق فصول الكتاب وسلسلة‬


‫‪ ‬رسائل المقاومة السلمية العالمية‪‬‬
‫كما أسلفت فإن هذا الكتاب قد وضسسع لعطسساء تصسسور يسسساهم فسسي حسسل الشسسكالية‬
‫العظمى التي يعيشها المسلمون في هذا الزمان‪ .‬وهي الجابة على سؤال هام وهو ‪:‬‬
‫كيف نواجه أعــدائنا الصــليبيين المتهــودين الجــدد فيمــا نســتقبل مــن‬
‫أيام ؟‬
‫فإنه ل يشك عاقل مبصر أننا بصفتنا مسلمين نعيش في أزمة‪ ,‬بل أزمات مسسن كسسل‬
‫النواع والشكال ‪ ..‬وأن الصحوة السلمية التي نشأت لتتصسدى لحسل هسذه الشسكالت‬
‫انتهت جميع مدارسها إلى أزمة بل إلى أزمات ‪ ..‬وأن الشريحة الجهادية المسلحة مسسن‬
‫هذه الصحوة والتي اتخذت طريق الجهاد لحل تلسسك الشسسكاليات ‪ ,‬قسسد وصسسلت لسسسباب‬
‫تتعلق بها ولحصار العدو لها إلى أزمة ‪ ..‬بل إلى أزمات‪.‬‬
‫ونحن بصفتنا أصوليين ومجاهدين ‪ ,‬نمر هذه اليام في عنق زجاجة الزمسسات علسسى‬
‫كافة الصعدة ‪ .‬بل لقد أصبحنا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر‪ ,‬أصبحنا نقدم فسسي‬
‫وسائل العلم على أننا نمثل الزمة ‪ ..‬التي يتصدى لها كل العالم ‪.‬‬
‫لقد فرضتنا أجهزة إعلم العدو ‪ ,‬والجهزة التابعة لها في عالمنا العربي والسلمي‬
‫وقدمتنا للناس بصفتنا أزمة العالم التي يجب أن تزال ! بل لقد أصبح كسسثير مسسن علمسساء‬
‫المسسسلمين يتناولوننسسا علسسى منسسابر خطسسب الجمعسسة حسستى فسسي المسسسجد الحسسرام بصسسفتنا‬
‫) الزمة ( وصار الحبر السمين ‪ ,‬المام المنفوخ ( السديس ( ‪ ,‬يدعو في قنوت‬
‫ختم القرآن ) رمضان ‪2004‬م ( لدول العالم كافــة ‪ ,‬والسسسلمية خاصسسة بالسسسلمة‬
‫من الرهاب ‪ ,‬ويدعو على المجاهدين بالهلك والمحق والتشتت ‪ . !! ..‬وكسسذلك صسسحف‬
‫ووسائل خطاب كثير من أقطاب الصحوة السلمية وجماعاتهسسا ‪ ,‬تتناولنسسا اليسسوم بنفسسس‬
‫المنظور ‪ .‬ومبررهم في ذلك أننا بحملنا السلح على حكامنسا عسبر أربعسة عقسود أوجسدنا‬
‫الزمة ‪ ,‬وبتصدينا اليوم للمريكان وحلفسسائهم وضسسعناهم والمسسسلمين أمسسام صسسدام غيسسر‬
‫متكافئ وجعلناهم وسط الزمسسة ‪ .‬هسسذا ناهيسسك عسسن كسسثير مسسن عسسوام المسسسلمين السسذين‬
‫أقنعتهم آلة العلم العالمية والمحلية بأننا نمثل الشكال والزمة‪.‬‬
‫وهذا البحث تتقاسم فصوله الرئيسية مهمة إثبات حقيقة ‪ ,‬والجابة على سؤالين ‪.‬‬
‫أما الحقيقة فهي أن الجهاد المسلح المقاومة هو الحل لكافة أزماتنا هسسذه ‪ ,‬أزماتنسسا‬
‫كمجاهدين ‪ ,‬وكصحوة إسلمية ‪ ,‬وكشعوب مسلمة ‪.‬‬
‫وقد تولت الفصول من الول إلى الخامس إثبات هذه الحقيقة ‪ .‬وأما السؤال الول‬
‫فهو ‪ :‬لماذا فشلت مشاريع الجهساد الستي قمنسا بهسا علسى مسدى أربعسة عقسود ‪ ,‬رغسم أن‬
‫الجهاد هو الحل ؟ وقد تولى الفصلن السادس والسابع معالجة هذا السؤال‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 74 [ ‬‬

‫وأما السؤال الجوهري الثاني والذي عقد البحسث لجلسسه‪ ,‬فهسو كيسف نجاهسد أعسدائنا‬
‫فيما نستقبل من أيام ؟ كيف نجاهدهم بأساليب نرجوا فيها نصر الله تعالى ‪..‬‬
‫كيف نجاهد أعدائنا في عالم ما بعد سبتمبر؟‪.‬‬
‫وقد بني منطق البحث في الكتاب علسسى أن يقسسدم كسسل فصسسل للسسذي يليسسه ‪ ,‬ويكسسون‬
‫بمثابة تمهيد منطقي له وصول إلى الفصل الثامن الذي نفصل فيها الطريقة التي نعتقد‬
‫جدواها لمتابعة الجهسساد ونحسسن نسسستقبل القسسرن الحسسادي والعشسسرين ‪ ,‬السسذي زعمسسوا أنسسه‬
‫سيكون قرنا أمريكيا !‬
‫وقد مهدنا للبحث بنبذة عن الغربة والغرباء وطائفسسة الظسساهرين علسسى الحسسق السسذين‬
‫يقاتلون على هذا الدين إلى قيام الساعة ‪ .‬وهي في اعتقادنا حال من حمل هم الجهسساد‬
‫عبر هذه العقود المنصرمة‪ ,‬وكذلك جيل الجهاد القادم الذي نريد أن نسلمه راية الجهاد‬
‫وأمانته‪ .‬فقد شرحت هذه المقدمة خصائص الغربة وسمات أصحابها ومسسا يعسستريهم مسسن‬
‫البلء في الدنيا وما ينتظرهم من الجر عند الله في الخرة ‪ .‬وكذلك خصائص وسسسمات‬
‫الظاهرين على الحق ‪.‬‬
‫وأما الفصل الول ‪:‬‬
‫فهو مرتكز البحث كما هو مرتكز كل فتوى ودعوى ‪ :‬الواقع ‪ .‬واقع المسلمين اليوم‬
‫بعد ما سيطر أعداؤهم عليهم ‪ ,‬وأسلموا قيادهم للمنافقين من أبنائهم ‪ ,‬وبعد أن سكت‬
‫كنف النفاق ‪ .‬وبعد أن تسساهت عسسامتهم‬ ‫عن الحق علماؤهم ‪ ,‬وانغمس بعض كبارهم في ُ‬
‫في حال من ضياع الدين والدنيا ‪ .‬واقعنا عبر العقود المنصرمة منسسذ فسسترة السسستعمار‪,‬‬
‫ثم ما تلها من حكومات الستقلل المزعسسوم ‪ .‬ثسسم واقعهسسم الجديسسد فسسي عسسالم مسسا بعسسد‬
‫سبتمبر ومطلع هذا القرن المريكي المزعوم ‪.‬‬
‫وأما الفصل الثاني ‪:‬‬
‫فهو إثبات للحكم الشرعي في مثل هذا الواقع ‪ .‬ولنقول فيه أن البحث عسسن الحسسل‬
‫لزمات واقع المسلمين ليست قضية هسسوى وأراء عقليسسة ‪ .‬وأن الدلسسة الشسسرعية أوضسسح‬
‫من عين الشمس ‪ ,‬وأنها تشير إلى أن حل أزماتنسسا بصسسفتنا مسسسلمين وأزمسسات صسسحوتنا‬
‫وهي صفوتهم وأزمات التيار الجهادي وهم صفوة الصسسفوة‪ .‬هسسي فسسي اسسستئناف الجهسساد‬
‫المسلح الذي صار اليوم فرض عين كالصلة والصيام ‪ .‬ولكن بأساليب ومناهسسج تناسسسب‬
‫ما أستجد مسسن أحسسوال ‪ .‬وقسسد أوردت فيسسه خلصسسة الحكسسام الشسسرعية الهامسسة ‪ .‬وتركسست‬
‫تفاصيلها وأدلتها للباب الول من الجزء الثاني الخاص بالعقيدة الجهادية والمنهج لكونها‬
‫أهم أسسه ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 75 [ ‬‬

‫وأما الفصل الثالث ‪:‬‬


‫فهو عرض تاريخي لمسار صراع الحق والباطل منذ قابيل الذي قتل أخاه الصالح ‪,‬‬
‫وإلسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسى حفيسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسد سسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسللته‬
‫) بوش ( الذي يقتلنا تحت نفس الشسعار ) قسال لقتلنسك ( ‪ .‬فهسذا الفصسل اسستعراض‬
‫سريع لمسار صراع الحق والباطل على مدى الزمان وتغير أطرافه إلى أن قام النظام‬
‫العالمي الجديد واستقر‪ -‬كما أخبرنا صلى الله عليه وسلم – ليكسسون صسسراعا بيننسسا وبيسسن‬
‫الروم نقاتلهم إلى قيام الساعة ‪.‬‬
‫وأما الفصل الرابع ‪:‬‬
‫فهو فصل تاريخي سياسي بالغ الهمية ‪ .‬يسلط الضوء على ثلث محطات تاريخيسسة‬
‫من مسار صسسراعنا مسسع السسروم ‪ .‬لنسسستخرج مسسن خلل تحليسسل مسسسار الحملت الصسسليبية‬
‫الرئيسية على المسلمين ‪ ,‬في القرن الحادي عشسسر والثسساني عشسسر‪ ,‬ثسسم فسسي التاسسسع‬
‫عشسسر والعشسسرين ‪ ,‬ثسسم الثالثسسة الحاليسسة فسسي نهايسسة القسسرن العشسسرين ومطلسسع الحسسادي‬
‫والعشرين ‪ .‬لنستخرج معادلتها ونحاول اكتشاف مفاتيح النصر والهزيمة والفسسادة منهسسا‬
‫في جولتنا القادمة معهم ‪.‬‬
‫وأما الفصل الخامس ‪:‬‬
‫فهو استعراض لمسار الصحوة السلمية ومدارسها التي تصدت للحملت الصسسليبية‬
‫الخيرة عن طريق مواجهتها أو مواجهة نوابها حكام بلد المسلمين ‪.‬منسذ نشسأت عسام )‬
‫‪1930‬م ( تقريبا وإلى سنة )‪2000‬م( وماآلت إليه بعد أحداث سبتمبر ‪.‬‬
‫وأما الفصل السادس والسابع‪:‬‬
‫ففيه استعراض تفصيلي لمدرستنا الخاصة ‪ ,‬من بين مدارس الصسسحوة السسسلمية ‪,‬‬
‫وأعني التيار الجهادي ‪ ,‬حيث نستعرض تاريخه استعراضسسا تحليليسسا منسسذ نشسسأته )‪(1965‬‬
‫وإلى بلوغه قعر الزمة نهايات القرن العشرين ‪ .‬ودخسسوله أخسسدود المحنسسة بعيسسد أحسسداث‬
‫سبتمبر ‪ .‬لنستخلص من خلل محطات النجاح والفشل التي مر بها نظريسسات المواجهسسة‬
‫القادمة ‪ .‬وبذلك يشكل هذا الفصل عملية نقد ذاتي بّناء للتيار الجهادي المعاصر ‪ ,‬بحثسسا‬
‫عن الحلول والمخارج‪ .‬وذلك بغرض استقصاء الساليب المناسبة للجهاد والمقاومة في‬
‫عالم ما بعد سبتمبر ‪ .‬وهو مسألة البحث الساسية كما أسلفنا ‪.‬‬
‫وأما الفصل الثامن ‪:‬‬
‫فهو قلسسب الكتسساب ولبسسه ‪ ,‬حيسسث تعتسسبر كافسسة الفصسسول السسسابقة مقسسدمات منطقيسسة‬
‫ودراسات بحثية لستخراج نظرياته السبعة التي نفرد لكل واحدة منها بابا ً وهي ‪:‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 76 [ ‬‬

‫الباب الول ‪ :‬نظرية المواجهة ( المنهج والعقيــدة‬ ‫‪.1‬‬


‫الجهادية ( ‪:‬‬
‫وهي العقيدة القتالية اللزمة لتعبئة أمة السلم بها وتربية شسسباب المقاومسسة‬
‫عليها كي يتأهلوا عقديا وفكريا ونفسسسيا لحسسرب قادمسسة طويلسسة المسسدى واللسسه‬
‫أعلم‪.‬‬
‫الباب الثاني‪ :‬النظرية السياسية ‪:‬‬ ‫‪.2‬‬
‫وفيهسسا تصسسورات ونظريسسات الحركسسة السياسسسية للمقاومسسة ‪ .‬مسسن أجسسل حشسسد‬
‫المسسسلمين ‪ ,‬وتحييسسد مسسا أمكسسن مسسن الخصسسوم الفرعييسسن ‪ ,‬لمواجهسسة هسسذه‬
‫الحملت الطاغية‪..‬‬
‫الباب الثالث‪ : :‬نظرية التربية المتكاملة ‪:‬‬ ‫‪.3‬‬
‫وفيها شرح لساسيات التربية اللزمة لعنصر المقاومة والسستي تقسسوم علسسى ‪):‬‬
‫‪ (1‬العلم الشرعي )‪ (2‬الخلق والعبادات )‪ (3‬الفهسسم السياسسسي )‪ (4‬العسسداد‬
‫العسكري )‪ (5‬مباشرة الجهاد في دفع الصائل‪.‬‬
‫الباب الرابع النظرية العسكرية‪:‬‬ ‫‪.4‬‬
‫وفيها خلصة طرح الكتاب لسلوب المواجهة فسسي المرحلسسة القادمسسة ‪ .‬حيسسث‬
‫يستخلص الكساتب انتهساء مرحلسة العمسل مسن خلل التنظيمسات ) القطريسة –‬
‫السرية – الهرمية ( في عسسالم الهجمسسة الدوليسسة لمكافحسسة الرهسساب ‪ .‬وطسسرح‬
‫استمرار الجهاد من خلل أحد أسلوبين ‪ - :‬إما جبهسسات المواجهسسة المفتوحسسة‬
‫حيث توفرت شروطها ‪.‬‬
‫‪ -‬وأما جهاد الرهاب الفردي من خلل طريقة ‪ :‬سسسرايا المقاومسسة السسسلمية‬
‫العالمية ‪.‬‬
‫البــاب الخــامس‪ :‬نظريــة التنظيــم والبنــاء ونظــام‬ ‫‪.5‬‬
‫العمل‪:‬‬
‫وفيه شرح لكيفية تنظيم عمسسل خليسسا المقاومسسة ‪ ,‬بحسسسب مسسا تتصسسوره فسسي‬
‫حرب العصابات شاملة ‪ ,‬ل تعتمسسد التنظيمسسات المركزيسسة وإنمسسا نظسسام عمسسل‬
‫موجه ‪ .‬وفيها يشرح الكتاب مبدأ نظام بنية سرايا وخليا المقاومة السسسلمية‬
‫العالمية بحيث ل تعتمد السلوب الهرمي ول العنقودي الذي تمكن العدو من‬
‫مواجهته عبر الحملة الدوليسسة علسسى الرهسساب ‪ .‬وإنمسسا باعتمسساد نظسسام للعمسسل‬
‫الفردي يؤدي الغرض بمجموع الجهد غير المترابط ‪.‬‬
‫الباب السادس ‪ :‬نظرية التدريب ‪:‬‬ ‫‪.6‬‬
‫وذلك لعطاء تصسسور عسسن برامسسج إعسسداد سسسرايا المقاومسسة لنفسسسها عسسسكريا‬
‫بشكل ذاتي وسري ‪ .‬فسسي ضسسوء واقسسع يسسستبعد إمكانيسسة إنشسساء المعسسسكرات‬
‫العلنية على غرار الفرصة السستي سسسنحت وانتهسست فسسي البوسسسنة و الشيشسسان‬
‫وأفغانستان وأمثالها ‪.‬‬
‫الباب السابع ‪ :‬نظرية التمويل ‪:‬‬ ‫‪.7‬‬
‫حيث يوضح الكتاب بعض الحكام الشرعية وأساليب العمل كي يوفر الجهسساد‬
‫وعمليات المقاومة موارده الذاتية ‪ .‬مسسن خلل العسسدو والصسسديق ‪ .‬فسسي عسسالم‬
‫أصبح من أساسيات المواجهة الدولية للمجاهدين ما أسموه تجفيسسف المنسسابع‬
‫المالية للرهاب ‪.‬‬
‫الباب الثامن‪ :‬العلم والتحريض‪:‬‬ ‫‪.8‬‬
‫وهي أفكار في أفاق ) وحسسرض المسسؤمنين ( مسسن أجسسل تحويسسل المعركسسة مسسن‬
‫صراعات نخبوية إلى معركة أمة‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 77 [ ‬‬

‫وأما الفصل التاسع‪:‬‬


‫فهو مجموعة وصايا وتحسسذيرات موجهسسة لمسسن سسسيعمل فسسي المقاومسسة وذلسسك لرفسسع‬
‫فاعليتها وتجنيبها مطبات متوقعة ولقطع الطريق على العدو أن يجد سبيل لفشال هذه‬
‫الطريقة التي ندعو إليها ‪ .‬كما يحتوي على ردود على شبهات علماء السلطين وفقهسساء‬
‫الستعمار ‪ ,‬والمنبطحين من قيادات الصحوة السسسلمية ‪ .‬وهسسي نفسسس الشسسبهات السستي‬
‫طالما رددها هؤلء في وجه المجاهدين عسسبر العقسسود الماضسسية فسسوق مسسا يضسسيفون إليهسسا‬
‫اليوم بحسب رغبات أمريكا وعبيدها المنافقين ‪.‬‬
‫ثم مجموعة من الدلئل الواقعية والنصية على اقتراب النصر الكبر الموعسسود بسسإذن‬
‫الله ‪.‬‬
‫ثم نختم الكتاب بمسك الختام ‪:‬‬
‫لنتنسم عبير آفاق الكتاب والسنة وهدي سلفنا الصالح لنسير في آفاقها ونسسستعين‬
‫بها على أقدار البلء لنتحمل آلمها‪ ,‬ونستشف من أنوارها لنحلق فسسي آمالهسسا ونعيسسم مسسا‬
‫أعده الله لوليائه من النصر في الدنيا وجزيل الحسان في الخرة ‪.‬‬

‫*************‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 78 [ ‬‬

‫‪ ‬سلسلة رسائل المقاومة السلمية العالمية‬


‫‪‬‬
‫بعد اكتمال هذا الكتاب ‪ ,‬نظرت فيه وقد جاوز الس ‪ 1600‬صفحة من القطع الكبير )‬
‫‪ (A4‬فوجدته ضخما ً ‪ ,‬وربما صرف لضخامته بعض من تعوزه الهمة عن قراءته ‪.‬‬
‫ووجدت أن بعض الفصسول تاريخيسسة محضسة ‪ ,‬وبعضسها سياسسسية تحليليسسة ‪ ,‬وبعضسها‬
‫فكرية ‪ ,‬وبعضها تنظيرية حركية ‪ ,‬وأخرى في المنهسسج والسياسسسة الشسسرعية والحكسسام‬
‫والقواعد الدينية ‪ ,‬و كذلك باقي النظريات الثمانية ‪ .‬منها ما هو عسكري محض ‪ .‬ومنها‬
‫ما هو إعلمي ‪ .‬ومنها ما هو أمني ‪ ,‬ومنها ما هو في التربية والسلوك ‪..‬‬
‫ورأيت أن جعلها في كتاب واحد فيه فائدة عدم تشتتها بحيسث يقسع مسن يعسثر علسى‬
‫الكتاب على وجبة فكرية متكاملة ‪ ,‬تكون منهجا يشتمل على ) التاريــخ والتجــارب ‪,‬‬
‫وعلى الدعوة والطريقة والمنهج ( ‪ ,‬لمسسا آمسسل قيسسامه فسسي أمتنسسا مسسن ) مقاومسسة‬
‫إسلمية عالمية (‪.‬‬
‫ولكني رأيت أن لحجمه الكبير عدة سسسلبيات قسسد تعيسسق مسسا أهسسدف لسسه مسسن التوعيسسة‬
‫والفهم ‪ .‬من ذلك أن كثرة الفكار ربما تجعل مسسن لسسم يسسألف المطالعسسة والدراسسسة فسسي‬
‫الكتب ‪ ,‬ينسيه بعضها بعضا ‪ ,‬ويضعف لدى القارئ القدرة على التركيز ‪ .‬ومسسن ذلسسك أن‬
‫ضخامة الكتاب قد تكون وازعا لدى الكثيرين للكسل فسي قراءتسسه ‪ ,‬فسسي زمسسن صسسارت‬
‫فيسه الدشسوش والكمسبيوترات مصسادر المعرفسة‪ ,‬وصسار فيسه ) الشسبس و السسندوش (‬
‫الوجبة السريعة المفضلة لكثير من الناس‪.‬‬
‫ومن ذلك ما أخشاه من عدم تركيسسز القسسارئ علسسى لسسب الموضسسوع ‪ ,‬وهسسو الجسسانب‬
‫العملي من نظرية المقاومة العالمية‪ .‬ولسباب أخسسرى رأيسست أن ‪ ,‬أخسسرج الكتسساب أيضسسا‬
‫بصورة مجزأة في كتب منفصسسلة ‪ ,‬تكسسون سلسسسلة مسسن الرسسسائل ‪ .‬بحيسسث تشسستمل كسسل‬
‫واحدة على موضوع معيسسن ‪ .‬وتشسسمل مجموعهسسا علسسى مجمسسل أفكسساره ‪ .‬بحيسسث يمكسسن‬
‫جمعه في مطبوعة واحدة لمن أراد بعنوان هو اسسسم السلسسسلة ‪ ) :‬سلسلة رســائل‬
‫المقاومة السلمية العالمية ( ‪ .‬ويمكن لمن أراد موضوعا معينا أن يعود للرسسسالة‬
‫الخاصة بذلك من الرسائل ‪.‬‬
‫كما أن لذلك فائدة أخرى ‪ ,‬وهو أن هناك مواضيع أخسسرى لسسم أعسسرض لهسسا فسسي هسسذا‬
‫الكتاب ‪ ,‬وأعتقد أنها تشكل جزءا من فكر دعوة المقاومة السلمية العالمية التي أدعو‬
‫إليها وأعمل على تأسيسها ‪ .‬وبالمكان – إن يسر الله وأعان وكان في العمر بقية – أن‬
‫أكتبها فيما بعد وألحقها بسلسلة الرسائل برقمها في السلسلة ‪.‬‬
‫كما أن تقسيم البحث في كتب يساعد على ترجمتها إلى اللغات الخرى وهو هدف‬
‫مقصود لذاته إذ أن العرب في المسلمين ل يزيد نسبة عسسددهم علسسى ‪ %20‬فسسي حيسسن‬
‫أن الهدف من دعوة المقاومسسة عسالمي علسى مسسستوى أمسسة السسسلم فسي مواجهسة أمسم‬
‫الكفر‪ .‬ولهذا استقر عزمي على ما يلي ‪:‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 79 [ ‬‬

‫)‪ (1‬إنجــاز الكتــاب كــامل وإخــراج نســخته الولــى باســم ( دعــوة‬


‫المقاومـــــــــــــــة الســـــــــــــــلمية العالميـــــــــــــــة ( ‪,‬‬
‫وهذا الكتاب الجامع يحتوي جزئين ‪ .‬الول ‪ :‬ويحتــوي ( الجــذور‬
‫والتاريـــخ والتجـــارب (‪ .‬والجـــزء الثـــاني ويحتـــوي ( الـــدعوة‬
‫والطريقة والمنهج ( ‪.‬‬
‫)‪ (2‬إخراجه مقسما إلى أحد عشــر رســالة ‪ ,‬بالضــافة إلــى رســالة‬
‫مقدمــة ‪ .‬بحيــث تحــوي كــل رســالة موضــوعا واحــدا متجانســا‬
‫ومستقل ‪ ,‬وذلك كما يلي ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬إخراج الكتاب إنشاء اللسسه تعسسالى فسسي رسسسائل تحمسسل جميعهسسا عنوانسسا‬
‫جانبيا فسسي أعلهسسا باسسسم السلسسسلة ) سلسلة رســائل المقاومــة‬
‫السلمية العالمية ( وتحمسسل كسسل واحسسدة منهسسا رقسسم الرسسسالة مسسن‬
‫السلسلة‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬اختيار عنوان يناسب الموضوع لكل رسالة ككتاب مستقل ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬و سسستكون عنسساوين الرسسسائل والكتسسب مسسن السلسسسلة علسسى الشسسكل‬
‫التالي إن شاء الله ‪:‬‬

‫المقدمة والتعريف ‪.‬‬ ‫•‬


‫الرسالة الولى ‪ ( :‬المدخل إلى دعوة المقاومة السلمية العالمية‬ ‫•‬
‫(‪.‬‬
‫الرسالة الثانية ‪ ( :‬واقع المســلمين اليــوم وأحكــام لشــرعية فــي‬ ‫•‬
‫هذا الواقع (‪.‬‬
‫الرسالة الثالثة ‪ ( :‬جذور النظام الدولي ومسار الصراع من قابيل‬ ‫•‬
‫إلى بوش (‪.‬‬
‫الرســالة الرابعــة ‪ ( :‬فلســفة الصــراع ومعــادلته بيــن المســلمين‬ ‫•‬
‫والروم الصليبيين عبر التاريخ( ‪.‬‬
‫الرســالة الخامســة‪ ( :‬حصــاد الصــحوة الســلمية والتيــار الجهــادي‬ ‫•‬
‫‪.( 2002 -1930‬‬
‫الرســالة السادســة ‪ ( :‬نظريــة المنهــج و العقيــدة القتاليــة لــدعوة‬ ‫•‬
‫المقاومة السلمية العالمية (‪.‬‬
‫الرسالة السابعة ‪ ( :‬النظرية السياسية لدعوة المقاومة السلمية‬ ‫•‬
‫العالمية (‪.‬‬
‫الرســالة الثامنــة ‪ ( :‬نظريــة التربيــة المتكاملــة لــدعوة المقاومــة‬ ‫•‬
‫السلمية العالمية (‪.‬‬
‫الرسالة التاسعة ‪ ( :‬النظرية العسكرية والحركية لــدعوة المقاومــة‬ ‫•‬
‫الســـــــــــــــــــــــــــــــلمية العالميـــــــــــــــــــــــــــــــة (‪.‬‬
‫] وتشمل النظرية العسكرية ونظريات التنظيم والحركة ‪ ,‬و العداد‬
‫والتدريب‪ ,‬ونظرية التمويل[‬
‫الرســالة العاشــرة ‪ ( :‬نظريــة العلم والتحريــض لـدعوة المقاومــة‬ ‫•‬
‫السلمية العالمية (‪.‬‬
‫الرسالة الحاديــة عشــرة ‪(:‬وصــايا و محــاذير و بشــائر علــى طريــق‬ ‫•‬
‫المقاومة السلمية العالمية ( ‪.‬‬

‫وأسأل الله تعالى أن يعيننا‪ ,‬وأن يوفقنا للخلص وأسباب القبسسول‪ ,‬وأن يفتسسح علينسسا‬
‫بمسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسا ينصسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسر دينسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسه‪,‬‬
‫وأن يجعلنا هداة مهديين ل ضالين ول مضلين‪ ,‬وأن يجعلنا للمتقين إماما‪ ,‬وأن يجعل لنسسا‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 80 [ ‬‬

‫نصيبا من أجر من تبع دعسسوة الخيسسر والجهسساد ‪ ,‬فقسسد روي عنسسه صسسلى اللسسه عليسسه وسسسلم‬
‫) الدال على الخير كفاعله ( ‪ ,‬كما روي عنه صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬العسسالم والمتعلسسم‬
‫شريكان (‪.‬‬

‫*************‬

‫‪ ‬فصل في الغربة والغرباء والظاهرين على‬


‫الحق ‪‬‬

‫قال الله تعالى‪:‬‬


‫قرون من قَبل ِك ُ ُ‬
‫م أوُلو ب َ ِ‬
‫قي ّةٍ‬ ‫ن ال ْ ُ ُ ِ ِ ْ ْ ْ‬ ‫م َ‬‫ن ِ‬
‫كا َ‬‫ول َ‬ ‫‪ ‬فَل َ ْ‬
‫ض‪‬‬ ‫ر‬ ‫فساد ِ ِفي اْل َ‬‫َ‬ ‫ن ع َن ال ْ‬‫ي َن ْهَوْ َ‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫)هود‪ :‬من الية ‪(116‬‬

‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬


‫• ) بدأ السلم غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى‬
‫للغرباء (‬

‫) ل تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين‬ ‫•‬


‫على من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال (‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة ‪] 81 [ ‬‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 82 [ ‬‬

‫‪ ‬فصل في الغربة والغرباء والظاهرين على‬


‫الحق ‪‬‬
‫في هذا العصر اليهودي المريكي كما يزعمون ‪..‬أظلتنا أيام أصبح فيهسا المسسلمون‬
‫في أهل الرض الكفار غرباء ‪ ..‬وأصبح المصلون في مئات مليين المسسسلمين غربسساء ‪..‬‬
‫وأصبح الملتزمون بما أمر الله ونهى من دينهم في المصلين غرباء ‪ ..‬وأصسسبح السسداعون‬
‫لليمان والعتقاد الصحيح في الملتزمين غربساء ‪ ..‬وأصسبح السداعون إلسى اللسه المسرون‬
‫بالمعروف الناهون عن المنكر فسسي هسسؤلء المؤمنسسون غربسساء ‪ ..‬وأصسسبح السسداعون لجهسساد‬
‫أعداء الله ودفع صائل الكفار والمرتدين والمنافقين عنها أغرب الغرباء ‪..‬‬
‫وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وها نحن نسير إلى ما بشر بسسه بقسسوله‪) :‬‬
‫بدأ السلم غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء (‪..‬‬
‫والحمد لله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بشر بأنه ‪ ( :‬ل تزال طائفة‬
‫من أمتي يقــاتلون علــى الحــق ظــاهرين علــى مــن نــاوأهم حــتى يقاتــل‬
‫آخرهم المسيح الدجال (‪ .‬وأخبر عسسن ثبسساتهم صسسلى اللسسه عليسسه وسسسلم فقسسال ‪ ) :‬ل‬
‫تزال أمة من أمتي ظاهرين على الحق ل يضرهم من خالفهم حتى يــأتي‬
‫أمر الله وهم ظاهرون على الناس (‪..‬‬
‫ولننا نكتب هذا الكتاب لولئك الغرباء الظاهرين على الحسق السذين ل يضسرهم مسن‬
‫خذلهم ‪ ,‬يقاتلون على هذا الدين حتى يأتي أمر الله ‪..‬‬
‫ولننا نكتبه وقد أصبحت الثلسسة المؤمنسسة الثابتسسة فسسي وجسسه أعاصسسير أمريكسسا الهوجسساء‬
‫وحلفائها صابرة صامدة ل تعبأ باستكبار أمريكسسا ‪ ,‬ول كسسثرة حلفائهسسا ول تخسسذيل عبيسسدها‪,‬‬
‫أصبحت من أغرب الغرباء في الناس ‪ ..‬غرباء ظاهرون على الحق يقاتلون على الحسسق‬
‫هنا وهناك ‪ ...‬ولننا نكتب هذا الكتاب لهم ‪..‬‬
‫ولننا نكتبه ونحن نعيش بفضل الله الذي يؤتيه من يشاء س ونسأله الخلص والثبات‬
‫والقبول برحمته س نعيش وإخواننا المجاهدين والمهاجرين في سسسبيل اللسسه أشسسد حسسالت‬
‫الغربة والحصار والمطاردة والقتل والسر‪ .‬فإنا نورد هنا من الزاد ما نشسسد بسسه عضسسدنا‬
‫ونثبت به أنفسنا ‪ ..‬ونقسدمه بشسائر إلسى أولئك الصسابرين الثسابتين السذين نحسسب أنهسم‬
‫صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بسسدلوا تبسسديل ‪..‬‬
‫كما نقدمه إلى كل العازمين على النضمام لقافلة الغرباء وركب الظاهرين على الحسسق‬
‫من الجيال القادمة الذين سيرفع الله بهم إن شاء الله راية دينسسه ‪ .‬ويسسري كسل فرعسسون‬
‫وهامان من فراعنة الكفار والمرتدين ‪ ..‬وكل جنودهم منهم ما كانوا يحذرون‪.‬‬
‫فإن من خير الزاد ‪ ,‬و من بشارة عاجل الخير وآجله‪ ,‬أن نقدم لفصول هذا الكتاب‬
‫ببعض عبير السنة المطهرة ‪ ,‬وما جاء مسسن بعسسض الثسسار المباركسسة مسسن صسسفات وأحسسوال‬
‫الغربة والغرباء والظاهرين على الحق الذين يقاتلون على هذا الدين غيسسر عسسابئين بمسسن‬
‫خذلهم ول من خالفهم حتى يأتي أمر الله ‪ ,‬وما جاء مما أعده الله لهم من البشارة في‬
‫الدنيا والكرامة في الخرة ‪.‬‬
‫آملين أن يكون فيها ما يربط على قلوب الشباب المؤمن العازم علسسى المقاومسسة ‪.‬‬
‫مقاومة طغيان أمريكا وحلفائها‪ ,‬بقلب عامر باليمان ‪ ,‬و بيد تشد على الزناد ‪.‬‬
‫فإلى أولئك الذين أحبوا الموت في سبيل الله كما أحب عباد أمريكا الحياة ‪ ..‬إليهم‬
‫ومعهم نتنسم عبير هذه الثار النبوية العطرة وأنوارها ‪:‬‬
‫جاء في باب الغربة من كتاب مدارج السالكين للمام العامل ابن القيم رحمه اللسسه‬
‫تعالى ما نقتطف منه باختصار ما يلي ‪:‬‬
‫( باب الغربة (‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 83 [ ‬‬

‫ن ال ْ َ‬ ‫قرون من قَبل ِك ُ ُ‬
‫سسسادِ‬
‫ف َ‬ ‫عس ِ‬
‫ن َ‬ ‫م أوُلو ب َ ِ‬
‫قي ّسةٍ ي َن ْهَسوْ َ‬ ‫ن ال ْ ُ ُ ِ ِ ْ ْ ْ‬ ‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫ول َ‬
‫كا َ‬ ‫قال الله تعالى‪ :‬فَل َ ْ‬
‫ُ‬ ‫في اْل َرض إّل قَِليل ً مم َ‬
‫ن‬‫ميس َ‬‫جرِ ِ‬ ‫ما أت ْرُِفوا ِفيسهِ وَك َسساُنوا ُ‬
‫م ْ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬
‫موا َ‬ ‫م َوات ّب َعَ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫جي َْنا ِ‬
‫ن أن ْ َ‬ ‫ِ ّ ْ‬ ‫ْ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫‪) ‬هود‪(116:‬‬
‫استشهاده بهذه الية في هذا الباب يدل على رسوخه في العلم والمعرفة وفهسسم‬
‫القرآن ‪ ,‬فإن الغرباء في العالم هم أهل هذه الصفة المذكورة فسسي اليسسة ‪ ,‬وهسسم السسذين‬
‫أشسسسسسسار إليهسسسسسسم النسسسسسسبي صسسسسسسلى اللسسسسسسه عليسسسسسسه وسسسسسسسلم فسسسسسسي قسسسسسسوله‬
‫) بدأ السلم غريبا وســيعود غريبــا كمــا بــدأ فطــوبى للغربــاء قيــل ومــن‬
‫الغرباء يا رسول الله قال الذي يصلحون إذا فسد الناس‪ ، (...‬وعن عبد اللسسه‬
‫بسسن مسسسعود قسسال رسسسول اللسسه صسسلى اللسسه عليسسه وسسسلم ) إن السلم بــدأ غريبــا‬
‫وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء قيل ومــن الغربــاء يــا رســول اللــه‬
‫قال النزاع من القبائل ( وفي حديث عبد الله بن عمرو قال‪ :‬قال النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ذات يوم ونحن عنده ) طوبى للغرباء قيل ومن الغرباء يــا رســول‬
‫الله قال ناس صــالحون قليــل فــي نــاس كــثير مــن يعصــيهم أكــثر ممــن‬
‫يطيعهم ( ‪.‬‬
‫وقال أحمد عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى اللسسه عليسسه وسسسلم قسسال ‪ ) :‬إن‬
‫أحب شيء إلى اللــه الغربــاء قيــل ومــن الغربــاء قــال الفــرارون بــدينهم‬
‫يجتمعون إلى عيسى ابن مريم عليه السلم يوم القيامة ( ‪.‬‬
‫وفي حديث القاسم عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن اللسسه‬
‫تعالى‪ ) :‬إن أغبط أوليائي عندي لمؤمن خفيــف الحــاذ ذو حــظ مــن صــلته‬
‫أحسن عبادة ربه وكان رزقه كفافا وكان مع ذلــك غامضــا فــي النــاس ل‬
‫يشار إليه بالصابع وصبر على ذلك حتى لقي اللــه ثــم حلــت منيتــه وقــل‬
‫تراثه وقلت بواكيه ( ‪ ،‬وقال الحسن ‪ :‬المؤمن في الدنيا كالغريب ل يجزع من ذلها‪,‬‬
‫ول ينافس في عزها ‪ ,‬للناس حال وله حال‪ .‬الناس منه في راحة وهسسو مسسن نفسسسه فسسي‬
‫تعب ‪.‬‬
‫وهؤلء هم القابضون على الجمر حقا‪ ,‬وأكثر الناس بل كلهسسم لئم لهسسم ‪ .‬فلغربتهسسم‬
‫بين هذا الخلق يعدونهم أهل شذوذ وبدعة ومفارقسسة للسسسواد العظسسم‪ }.‬فانظر إلــى‬
‫هــذا الوصــف وقــارنه بحــال المجاهــدين للمريكــان واليهــود وأوليــائهم‬
‫اليوم ‪ ..‬وكيـف يتنـاولهم العلم حـتى أكـثر خطبـاء الجمعـة علـى منـابر‬
‫المساجد { ‪.‬‬
‫ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم هم النزاع من القبسائل‪ ,‬أن اللسه سسبحانه‬
‫بعث رسوله وأهل الرض على أديان مختلفة ‪ ,‬فهم بين عباد أوثان ونيران ‪ ,‬وعباد صور‬
‫وصلبان‪ ,‬ويهود وصابئة وفلسفة‪ ,‬وكان السلم في أول ظهوره غريبا‪ ,‬وكان من أسسسلم‬
‫منهم واستجاب لله ولرسوله غريبا في حيه وقبيلته وأهله وعشيرته‪.‬‬
‫فكان المستجيبون لدعوة السلم نزاعا من القبائل ‪ ,‬بل آحادا منهسسم ‪ ,‬تغربسسوا عسسن‬
‫قبائلهم وعشائرهم ودخلوا في السلم‪ ,‬فكسسانوا هسسم الغربسساء حقسسا‪ .‬حستى ظهسسر السسسلم‬
‫وانتشرت دعوته ودخل الناس فيسسه أفواجسسا‪ .‬فزالسست تلسسك الغربسسة عنهسسم ‪ .‬ثسسم أخسسذ فسسي‬
‫الغتراب و الترحل حتى عاد غريبا كما بدأ‪ ,‬بل السلم الحسسق السسذي كسسان عليسسه رسسسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه هو اليسسوم أشسسد غربسسة منسسه فسسي أول ظهسسوره وإن‬
‫كانت أعلمه ورسومه الظاهرة مشهورة معروفة‪ ,‬فالسلم الحقيقي غريب جدا وأهلسسه‬
‫غرباء أشد الغربة بين الناس‪ .‬وكيف ل تكون فرقة واحدة قليلسسة جسسدا غريبسسة ‪ ,‬وسسسبعين‬
‫فرقة ذات أتباع ورئاسات ‪ ,‬ومناصب ووليات ‪ ,‬ول يقوم لها سوق إل بمخالفسسة مسسا جسساء‬
‫به الرسول ‪ .‬فإن نفس ما جاء به يضاد أهواءهم ولذاتهم وما هسسم عليسسه مسسن الشسسبهات‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 84 [ ‬‬

‫والبدع ‪ ,‬التي هسسي نسسص فضسسيلتهم وعملهسسم والشسسهوات السستي هسسي غايسسات مقاصسسدهم و‬
‫إراداتهم‪.‬‬
‫} أنظر سبحان الله ما يقول ابن القيم في القرن الثامن الهجري أن السسسلم فسسي‬
‫زمانه أشد غربة من وقت ظهر ‪...‬فماذا نقول نحن اليوم والله المستعان !!{ ‪.‬‬
‫فكيف ل يكون المؤمن السائر إلى الله على طريق المتابعة غريبا بين هؤلء السسذين‬
‫قد اتبعوا أهواءهم وأطاعوا شحهم وأعجب كل منهم برأيه‪ ,‬كما قال النسسبي صسسلى اللسسه‬
‫عليه وسلم ‪ ):‬مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر حتى إذا رأيتم شحا مطاعا‬
‫وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه ‪ ,‬ورأيت أمرا ل يد لك‬
‫به فعليك بخاصة نفسك‪ ,‬وإياك و عوامهم فإن وراءكم أياما صــبر الصــابر‬
‫فيهن كالقابض على الجمر (‪ .‬ولهذا جعسسل للمسسسلم الصسسادق فسسي هسسذا السسوقت إذا‬
‫تمسك بدينه أجر خمسين من الصحابة ‪ .‬ففي سنن أبي داود والترمذي من حديث أبسسي‬
‫ثعلبة الخشني قال‪):‬سألت رســول اللــه صــلى اللــه عليــه وســلم عــن هــذه‬
‫اليـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة ‪:‬‬
‫‪ ‬يا أيها الذين آمنــوا عليكــم أنفســكم ل يضــركم مــن ضــل إذا اهتــديتم‪‬‬
‫فقال‪ :‬بل ائتمروا بالمعروف وتنــاهوا عــن المنكــر‪ ,‬حــتى إذا رأيــت شــحا‬
‫مطاعا وهــوى متبعــا ودنيــا مــؤثرة‪ ,‬وإعجــاب كــل ذي رأي برأيــه‪ ,‬فعليــك‬
‫بخاصة نفسك ودع عنك العوام فإن من ورائكم أيام الصــبر ‪ ,‬فيهــن مثــل‬
‫قبض على الجمر للعامل فيهــن أجــر خمســين رجل ً يعملــون مثــل عملــه‪.‬‬
‫قلت يارسول الله أجر خمسين منهم قال أجر خمسين منكم ( ‪ .‬وهذا الجر‬
‫العظيم إنما هو لغربته بين الناس والتمسك بالسنة بين ظلمات أهوائهم وآرائهم ‪.‬‬
‫فإذا أراد المؤمن الذي قد رزقه اللسسه بصسسيرة فسسي دينسسه ‪ ,‬وفقهسسا فسسي سسسنة رسسسوله‬
‫وفهما في كتسسابه ‪ ,‬وأراه مسا النسساس فيسسه مسن الهسسواء والبسدع والضسسللت وتنكبهسسم عسن‬
‫الصراط المستقيم الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسسسلم وأصسسحابه‪ ,‬فسسإذا‬
‫أراد أن يسلك هذا الصراط فليوطن نفسه على قدح الجهال وأهل البدع فيه ‪ ,‬وطعنهم‬
‫عليه وإزرائهم به وتنفير الناس عنه وتحذيرهم منه‪ .‬كما كان سلفهم من الكفار يفعلون‬
‫مع متبوعه وإمامه صلى الله عليه وسلم ‪ .‬فأما إن دعساهم إلسى ذلسك وقسدح فيمسا هسم‬
‫عليه‪ ,‬فهنالك تقوم قيامتهم ويبغون لسه الغسسوائل وينصسسبون لسسه الحبسائل‪ ,‬ويجلبسون عليسه‬
‫بخيل كبيرهم ورجله‪.‬‬
‫فهو غريب في دينه لفساد أديانهم‪ .‬غريب في تمسسسكه بالسسسنة لتمسسسكهم بالبسسدع ‪,‬‬
‫غريب في اعتقاده لفساد عقائدهم‪ ,‬غريب في صلته لسوء صلتهم‪ ,‬غريب في طريقه‬
‫لضلل وفساد طرقهم ‪ ,‬غريب في نسبته لهم لمخالفسسة نسسسبهم‪ ,‬غريسسب فسسي معاشسسرته‬
‫لهم لنه يعاشرهم على ما ل تهوى أنفسهم‪.‬‬
‫وبالجملة فهو غريب في أمور دنياه و آخرته‪ .‬ل يجد من العامة مسسساعدا ول معينسسا‪,‬‬
‫فهو‪ :‬عالم بين جهال ‪ ,‬صاحب سنة بين أهل بدع ‪ ,‬داع إلى الله ورسوله بين دعاة إلسسى‬
‫الهواء والبدع ‪ ,‬آمر بالمعروف ناه عن المنكر بين قوم المعروف لديهم منكر والمنكسسر‬
‫لديهم معروف [‪ .‬انتهى كلم ابن القيم رحمه الله‪.‬‬
‫ومن الثار النبوية التي جاءت في الغرباء وكرامتهم وفضل الغربة وأحوالها ‪:‬‬
‫جاء في ) مجمع الزوائد( عن عبد الله ابن عمرو بن العاص عن رسول اللسسه‬ ‫•‬
‫صلى الله عليه وسلم أنه قال‪ ) :‬هل تدرون أول من يدخل الجنة من‬
‫خلق الله عـز وجـل؟ قـالوا اللـه ورسـوله أعلـم‪ .‬قـال‪ :‬الفقـراء‬
‫المهاجرون الذين تسد بهم الثغور‪ ,‬وتتقى بهم المكاره ‪ ,‬ويموت‬
‫أحدهم وحاجته في صدره ل يستطيع لها قضاء‪ ,‬فيقول الله عــز‬
‫وجل لمن يشاء من ملئكته‪ :‬ائتوهم فحيوهم‪ .‬فتقــول الملئكــة‪:‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 85 [ ‬‬

‫نحن سكان سمائك‪ ,‬وخيرتك من خلقك‪ ,‬أفتأمرنا أن نأتي هــؤلء‬


‫فنسلم عليهم‪ .‬قال‪ :‬إنهم كانوا عبادا يعبــدوني ل يشــركون بــي‬
‫شيئا‪ ,‬وتسد بهم الثغور‪ ,‬وتتقــى بهــم المكــاره‪ ,‬ويمــوت أحــدهم‬
‫وحاجته في صدره ل يستطيع لها قضاء‪ .‬قـال فتـأتيهم الملئكـة‬
‫ثم ذلك‪ .‬فيدخلون عليهم من كل باب ســلم عليكــم بمــا صــبرتم‬
‫فنعم عقبى الدار (‪.‬‬
‫وفي مسند المام أحمد )‪ ( 7072‬عن عبد الله بن عمرو قسسال ثسسم كنسست ثسسم‬ ‫•‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلعسست الشسسمس فقسسال‪ ) :‬يأتي اللــه‬
‫قوم يوم القيامة نورهم كنور الشمس فقــال أبــوبكر أنحــن هــم‬
‫يارسول الله قال ل ولكم خير كثير‪ ,‬ولكنهــم فقــراء المهــاجرين‬
‫الذين يحشرون من أقطار الرض ( )مسند أحمد ‪. (222-2‬‬
‫وفي )فيسسض القسسدير ‪ ) : (274-4‬قسسال الثسسوري ‪ -‬رحمسسه اللسسه ‪ : -‬إذا رأيت‬ ‫•‬
‫العالم كثير الصــدقاء فــاعلم أنــه مخلــط‪ .‬لنــه لــو نطــق بــالحق‬
‫لبغضوه‪.‬‬
‫وقال الغزالي – رحمه الله ‪ -‬وقد صــار مــا ارتضــاه الســلف مــن‬ ‫•‬
‫العلوم غريبا بل اندرس وما أكب الناس عليه فأكثره مبتدع وقد‬
‫صارت علوم أولئك غريبة بحيث يمقت ذاكرها‪( .‬‬

‫هذا بعض ما جاء من الثار في الغربة والغرباء ‪ .‬جعلنا الله منهم ومعهم فسسي السسدنيا‬
‫والخرة ‪.‬‬
‫ومما جاء من الثار النبوية وأقوال أهسسل العلسسم فسسي الطائفسسة المنصسسورة الظسساهرين‬
‫على الحق يقاتلون على هذا الدين ما نقتطف منه ما يلي‪:‬‬
‫عن معاوية رضي الله عنه يرفعه ‪ " :‬ل يزال من أمتي أمة قائمة بأمر‬ ‫•‬
‫الله ل يضرهم من خذلهم و ل من خالفهم حتى يــأتي أمــر اللــه‬
‫وهم على ذلك" )البخاري ‪.(3641‬‬
‫عن جابر بن سمرة رضي الله عنه يرفعه ‪ " :‬لن يبرح هذا الدين قائمــا‬ ‫•‬
‫يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة " مسلم ) ‪( 13/66‬‬
‫‪.‬‬
‫عن جابر يرفعه ‪ " :‬ل تزال طائفة من أمــتي يقــاتلون علــى الحــق‬ ‫•‬
‫ظاهرين إلى يوم القيامة " رواه مسلم )‪.(13/66‬‬
‫و في رواية النسائي )‪ (3/214‬عن سلمة بن نفيل الكندي قال‪ :‬كنت جالسا‬ ‫•‬
‫عند رسسول اللسه فقسال رجسل يسا رسسسول اللسسه أذال النساس الخيسل ووضسعوا‬
‫السلح وقالوا ل جهاد قد وضعت الحرب أوزارها فأقبل رسول الله بوجهه و‬
‫قال‪ " :‬كذبوا الن جاء القتال ول يــزال مــن أمــتي أمــة يقــاتلون‬
‫على الحق و يزيغ الله لهم قلوب أقــوام و يرزقهــم منهــم حــتى‬
‫تقوم الساعة وحتى يأتي وعد الله والخيل معقود فــي نواصــيها‬
‫الخير إلى يوم القيامة وهو يوحى إلي أني مقبوض غير ملبث و‬
‫أنتــم تتبعــوني أفنــادا يضــرب بعضــكم رقــاب بعــض و عقــر دار‬
‫المؤمنين الشام "‪.‬‬
‫عن المغيرة يرفعه " ل يزال ناس من أمــتي يقــاتلون علــى الحــق‬ ‫•‬
‫ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله " أحمد )‪. (4/248‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 86 [ ‬‬

‫عن معاوية يرفعه ‪ " :‬من يرد الله به خيــرا يفقهــه فــي الــدين و ل‬ ‫•‬
‫تزال عصابة من المسلمين يقاتلون علــى الحــق ظــاهرين علــى‬
‫من ناوأهم إلى يوم القيامة " مسلم ‪. 67 /13‬‬
‫عن معاوية يرفعه‪ " :‬ل تقوم الساعة إل وطائفة من أمتي ظاهرون‬ ‫•‬
‫على الناس ‪ ،‬ل يبالون من خذلهم و ل من نصرهم " ابن ماجة ) ‪.( 9‬‬
‫جاء في كتاب العمدة فـي إعـداد العــدة‪ ،‬للشـيخ عبـد القـادر بـن عبـد‬
‫العزيز وفقـه اللـه لرضـاه وفـرج كربتـه وفـك أسـره ‪ .‬تحـت عنـوان هـل‬
‫الفرقة الناجية هي الطائفة المنصورة ؟ قال‪:‬‬
‫" ورد في معظم كتب العقيدة ‪ .‬أن الفرقة الناجية ) أهسسل السسسنة والجماعسسة ( هسسي‬
‫الطائفة المنصورة ) على سبيل المثال ‪ :‬انظر الباب الخير من العقيدة الواسطية لبن‬
‫تيمية ‪ ،‬وكذلك مقدمة كتاب معارج القبسسول لحسسافظ حكمسسي‪ ،‬وغيرهسسا ( ‪ ،‬والسسذي يترجسسح‬
‫عندي أن الفرقة و الطائفة ليستا مترادفتين ‪ ،‬وأن الطائفة جزء من الفرقة ‪ ،‬فالطائفة‬
‫المنصورة هي الجزء أو البعض القائم بنصرة الدين علما و جهادا ‪ ,‬من الفرقسسة الناجيسسة‬
‫التي هي على المنهج و العتقاد الصحيح ‪ .‬و تفريعا من ذلك نقول أيضا إن المجسسدد هسسو‬
‫أحد أفراد الطائفة المنصورة السسذي قسسام بسسأهم واجبسسات السسدين فسسي زمنسسه ‪ ،‬علسسى قسسول‬
‫الجمهور بأن المجدد فرد واحد و دليلي في هذا ما يلي‪:‬‬
‫قُهسسوا‬
‫ف ّ‬‫ة ل ِي َت َ َ‬
‫فسس ٌ‬ ‫م َ‬
‫طائ ِ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ن كُ ّ‬
‫ل فِْرقَةٍ ِ‬ ‫م ْ‬‫فَر ِ‬ ‫‪-1‬قول الله تعالى ‪  :‬فَل َ ْ‬
‫ول ن َ َ‬
‫ن ‪) ‬التوبسسة( فهذه الية فرقت بين الفرقسسة والطائفسسة ‪ ،‬و بينسست أن‬ ‫دي ِ‬
‫ِفي ال ّ‬
‫الطائفة جزء من الفرقة ‪ ،‬وأنهسسا هسسي الجسسزء القسسائم بسسالعلم و الجهسساد مسسن‬
‫الفرقة ‪ .‬كما في تفسير هذه الية ) راجع ابن كثير ( ‪.‬‬
‫‪-2‬العلسسم والجهسساد ‪ ،‬وهمسسا أهسسم صسسفات الطائفسسة المنصسسورة ‪ ،‬أصسسل‬
‫مشروعيتها أنهما من فروض الكفاية ‪ ،‬يجب علسسى البعسسض دون الكسسل مسسن‬
‫أبناء المة القيام بهما ‪ ،‬وهذا البعض القائم بالعلم والجهسساد مسسن المسسة هسسم‬
‫الطائفة المنصورة ‪.‬‬
‫و المقصد من هذا أن يسعى كسسل مسسسلم لن يكسسون مسسن هسسذه الطائفسسة المنصسسورة‬
‫القائمة بنصرة الدين بالعلم والدعوة و الجهسساد ‪ ،‬قسال تعسالى‪  :‬وَِفسي ذ َِلس َ ْ‬
‫ك فَلي َت ََنسافَ ِ‬
‫س‬
‫ن ‪) ‬المطففيسسن‪ :‬مسسن اليسسة ‪ (26‬قلت‪ :‬ومع ذلك فإن الطائفة قسسد تكسون هسي الفرقسسة‬ ‫سو َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫مت ََنافِ ُ‬
‫بأكملها ‪ ,‬وذلك في آخر الزمان حينما ينحاز المؤمنون إلى الشام وعليهم ينسسزل عيسسسى‬
‫بن مريم عليه السلم لقتال الدجال ‪ .‬كما في الحسساديث الصسسحيحة‪ ،‬وعلسسى هسسذا تنسسزل‬
‫الروايات التي ذكرت أن الطائفة تكون بالشام أو بيت المقدس ) حسسديث أبسسي أمامسسة (‬
‫وأن هذا يكون بالنسبة لخر هذه الطائفة بإطلق ‪ ،‬أما قبل ذلك من الزمنة ‪ ,‬فالطائفسسة‬
‫قد تكون بالشام أو بغيره ‪ ،‬وانظر كلم صاحب كتاب فتح المجيد شسسرح كتسساب التوحيسسد‬
‫في شرح الطائفة )ط أنصار السنة صس ‪ ،(278،279‬والله تعالى أعلم‪ .‬أهس)العمدةفي إعداد العدة‬

‫ص ‪(78‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 87 [ ‬‬

‫فأقول والله الموفق ‪:‬‬


‫أن المستفاد مما سبق ‪ ,‬أن العلماء اعتبروا القسام التالية للطائفة المنصورة ‪:‬‬
‫أهل العلم بالكتاب و السنة ‪.‬‬
‫أهل الدعوة والمر بالمعروف و النهي عن المنكر‪.‬‬
‫أهل الجهاد و القتال في سبيل الله ‪.‬‬
‫والذي يبدو لي جمعا بين هذه القوال ‪ -‬والله أعلم ‪ -‬ما يلي ‪:‬‬
‫‪ (1‬أن معظم السلف ممن جعلهم أهل الحديث وأهل العلم قسسالوا ذلسسك لنهسسم‬
‫كانوا أسبق الناس إلى الجهاد والقتال إذا تعينت الفريضة أو إذا لسسم تحقسسق‬
‫الكفاية في القتال ‪ ،‬بل قد ورد عن بعض السلف أنه دخل الثغور أكثر مسسن‬
‫مئة مرة ليس بقصد القتال و إنما لخذ الحديث لكثرة ) أهل الحديث ( في‬
‫مواقع الرباط ‪ ،‬وثغور الجهاد‪ .‬وهذا عندما كسسان أهسسل الحسسديث أهسسل الجهسساد‬
‫وليس عندما صار أكثرهم )أهل حديث(‪ .‬وأهل قيل وقال وكثرة سؤال‪..‬‬
‫أن الطائفة المنصورة هم الذين يتصدرون لهسسم الولويسسات و الفسسروض والواجبسسات‬
‫في زمانهم من هذه البواب الثلثة ‪ -‬العلم‪ -‬الدعوة والمر والنهي – القتسسال والجهسساد ‪.‬‬
‫ففسي زمسن مثسل زمسن البخساري والمسام أحمسد رحمهمسا اللسه تعسالى ‪ ،‬كسانت الخلفسة‬
‫السلمية قوية مهيمنة غازية لعدائها‪ ،‬واضعة للجزية والصسسغار علسسى مسسن جاورهسسا مسسن‬
‫الكفسسار‪ ،‬فكسسان حريسسا أن يكسسون رؤوس الطائفسسة المنصسسورة مسسن أمثسسال أولئك الئمسسة‬
‫متصسسدرين للولويسسة الولسسى‪ ،‬وهسسي العلسسم بالسسسنة وجهسساد البسسدع وهسسو جهسساد البيسسان‪ ،‬أو‬
‫متصدرين لجهاد أئمة الباطسسل وأمسسراء الجسسور ‪ ,‬مسسن السسذين ظلمسسوا أو ابتسسدعوا كموقسسف‬
‫المام أحمد رحمه الله من بني العباس وبدعة خلق القرآن‪ ،‬فكانت ثغسسرة شسساغرة فسسي‬
‫حين لم يكن هناك من صائل محارب على المة ‪ .‬بينمسسا نجسسد المسسام ابسسن تيميسسة جعسسل‬
‫جيش الشام ومصر ‪ -‬على ما كان فيهم مسسن البسسدع والجهسسل ‪ -‬مسسن أخسسص مسسن عمهسسم‬
‫النتماء للطائفة المنصورة ‪ ،‬لدفعهم العدو عن دين الله وبيضسسة المسسسلمين وحسسوزتهم ‪،‬‬
‫رغم عدم اتصافهم بالعلم‪ ،‬ولم يكن المماليك من أهسسل الحسسديث كمسسا هسسو معلسسوم‪ ..‬بسسل‬
‫كانوا للجهل والبدع أقرب منهم للعلم بعمومهم‪ .‬ولكنهسسم كسسانوا علسسى الثغسسرة الشسساغرة‬
‫وهي دفع الصائل‪..‬‬
‫‪ (2‬لشك أن القتال من غير علم بدين الله ‪ ،‬ودون انطلق من أصسسوله ‪ ,‬وإن‬
‫كان أصحابه مأجورين بنيتهم فسي دفسع أعسسداء اللسسه عسن السسدين والنفسسس و‬
‫العسسراض والمسسوال ‪ ،‬ل يجعسسل القسسائمين بهسسذا علسسى تمسسام صسسفة الطائفسسة‬
‫الظاهرة على الحق ‪ ,‬لنهم ل يكونون ظاهرين على الحق ول قائمين بسسأمر‬
‫الله تماما وكمال إل بالعلم مع الجهاد ‪.‬‬
‫‪ (3‬ليس بالضرورة أن يكون كل فرد في الطائفة المنصورة مسسن أهسسل العلسسم‪،‬‬
‫ولكسسن يكفسسي أن يكسسون ومسسن لهسسم المسسر والقيسسادة فيهسسا قسسد تسسوفرت فسسي‬
‫مجموعهم صفات العلم والدعوة مع الجهاد والقتال‪ ،‬ويحكم للطائفة بحكم‬
‫الراية العامة والقيادة‪ .‬والمنهج والمعتقد ‪.‬‬
‫‪ (4‬أخيسسرا ً ‪ -‬ول شسسك ‪ -‬ل بسسد مسسن البيسسان أن الكمسسال فسسي الطائفسسة المنصسسورة‬
‫ورؤوسها أن تجمع العلم إلى السدعوة والمسر والنهسي إلسى القتسال والثبسات‬
‫على ذلك‪ ،‬كما كان حال أئمة السلم العظام من أمثال المام ابن المبارك‬
‫رحمه الله‪ ،‬وهو من كبار علماء السسسلم و محسسدثيهم وفقهسسائهم ومسسن كبسسار‬
‫المجاهدين المرابطين في الجهاد ‪ ،‬وكذلك المام ابن تيمية رحمه الله وهو‬
‫كذلك من كبار العلمسساء وأهسسل الحسسديث‪ ،‬ومسسن كبسسار المجاهسسدين كلمسسا نسسزل‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 88 [ ‬‬

‫الصائل‪ ،‬ومن أولئك المام الجليل العز بن عبد السلم‪ ،‬وهو كذلك سلطان‬
‫العلماء ومن مجاهديهم أيام التتار‪.‬‬
‫‪ (5‬الخلصة أن الطائفة المنصورة هي الطائفة القائمسسة بسسأمر اللسسه ‪ ,‬الظسساهرة‬
‫على الحق الثابتة عليه‪ ،‬ل يضسسرهم مسسن خسسذلهم ول مسسن خسسالفهم‪ ،‬يقسساتلون‬
‫على هذا الدين ‪ .‬ول شك أن القتال و الجهاد هو من أبسسرز خصائصسسهم فسسي‬
‫النصوص )حتى يكاد يكون شرطا عليهم( ‪ ,‬لسيما إذا تعين أو لم تقسسم بسسه‬
‫الكفاية كما هو حالنا اليوم‪ ...‬فل يمكن للطائفسة المنصسورة الظساهرة علسى‬
‫الحق – وهم نخبسسة أهسسل السسسلم‪ -‬أن يسستركوا عنسسدئذ أوجسسب الواجبسسات بعسسد‬
‫اليمان‪ ،‬وهو دفع الصائل قتال ً !!‪.‬‬
‫إذن وحسب ما تقدم ؛ من هم الطائفة المنصورة في هذا الزمان ؟ وهنا يجب أن‬
‫نعلم مواصفات هذا الزمان ‪ ،‬تلك المواصفات التي أصبح العلسسم بهسسا مسسن المعلسسوم مسسن‬
‫العقل والفهم و النظر بالضرورة‪...‬‬
‫أول ً ‪ :‬بلد السلم من أقصساها إلسى أقصساها محتلسة بصسائل اليهسود أو النصسارى أو‬
‫الملحسسدين أو الشسسيوعيين أو المشسسركين السسوثنيين‪ ،‬مباشسسرة بسسالغزو والحتلل‬
‫الظسساهر كمسسا هسسو حسسال فلسسسطين والشسسام عمومسسا‪ ،‬والبوسسسنة و الشيشسسان‪،‬‬
‫وجمهوريات وسط آسيا وتركسسستان الشسسرقية السستي تحتلهسسا الصسسين‪ ،‬و كشسسمير‬
‫التي تحتلهسسا الهنسسد‪ ،‬وبلد كسسثيرة وخلسسق ل يعلمهسسم إل اللسسه تحسست حكسسم الكفسسار‬
‫الصليين ‪ .‬أو بصورة غير مباشرة عبر تولية الكفار الصسسليين للمرتسسدين ‪ .‬كمسسا‬
‫في عموم باقي بلد المسلمين ‪..‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬كافة بلد السلم من أقصاها إلى أقصاها‪ ،‬اسسستبعد فيهسسا الحكسسام المرتسسدون‬
‫شرع الله‪ ،‬وبارزوه العداء‪ ,‬وحكموا بغير ما أنزل الله ‪ ،‬وبدلوا شسسرائعه ووالسسوا‬
‫أعداءه ‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬كافة بلد السلم ‪ ,‬يسام فيها أهل السسسلم عمومسسا ‪ ,‬وأهسسل السسدين والسسدعوة‬
‫واللسستزام خصوصسسا ‪ ,‬الظلسسم والجسسور والعسسسف ‪ ,‬و القتسسل وهتسسك العسسراض و‬
‫السجون و العذاب‪ ،‬مما أصبح معلوما للقاصي والداني‪...‬‬
‫فهل يعقل في مثل هذه الحالت ‪ ...‬أن نقسسول أن الطائفسسة المنصسسورة اليسسوم‬ ‫•‬
‫هم الذين ل يعبؤون بكل هذا ‪ ،‬ويتفرغون لتنقيح السسسانيد‪ ،‬وتصسسنيف الكتسسب‪،‬‬
‫ورواية الحديث؟!‬
‫هل يعقل أنهم الذين ل يهمهم من أمر المسلمين شيئا‪ ،‬ويتفرغون للعبسسادة و‬ ‫•‬
‫النسك وترديد الوراد والعتزال في الزوايا؟!‬
‫هل يعقل أنهم الذين لم يتكلموا في كل هذه النوازل ببنت شفة‪ ،‬ثم ل يكون‬ ‫•‬
‫من شغلهم إل تنقيح العقيدة الصحيحة بزعمهم‪ ،‬ومحاربة الضرحة والقبور و‬
‫شرك الموات ؟! والكفر يحكمهم ويحيط بهم‪ ،‬ويدخل الفسسسوق و العصسسيان‬
‫والعهر عليهم و على ذراري المسلمين بكل وسسسائل العلم‪ ،‬وحسسالهم معهسسم‬
‫على أحسن ما يرام؟!‬
‫أم هل يكون من الطائفة المنصورة أولئك الذين يجلسون فسسي بلد الكفسسار و‬ ‫•‬
‫بين أحضانهم‪ ،‬وينادون ويفتون بأحكام الجهاد والهجرة ؟! ويفتتحون المراكز‬
‫السلمية على مقاييس السلم الغربي‪.‬‬
‫أم تراهم أولئك الذين يجلسون تحت أحكام المرتسسدين أو الكفسسار‪ ،‬يعافسسسون‬ ‫•‬
‫الموال والزواج والولد‪ ،‬وينهشون فسسي لحسسوم المجاهسسدين فسسي سسسبيل اللسسه‬
‫والمهاجرين إلى الله‪ ،‬بأي دعسسوى مسسن دعسساوى التسسسرع ‪ ,‬وهسسدم السسدعوة ‪ ,‬و‬
‫تعجل المراحل‪ ،‬وصحة الرايات‪ ،‬وفذلكات الكلم ؟!‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 89 [ ‬‬

‫ل نشك قيد لحظة بأن الطائفة المنصورة في هذا الزمان وفي مثسسل هسسذه الحسسوال‬
‫هم أهل الجهاد ‪..‬أهل القتال‪ ...‬أهل السلح المجاهدين تحت راية ل إلسسه إل اللسسه محمسسد‬
‫رسول الله ‪ ..‬يدفعون صائل الكفار والمرتدين‪.‬‬
‫يقول الدكتور عبد القادر بن عبد العزيز ‪-‬حفظه اللسسه‪ -‬صسساحب كتسساب )العمسسدة فسسي‬
‫إعداد العدة في ختام حديثه عن الطائفة المنصورة( ‪ ..‬مسسن هسسي و ومسسن تكسسون ‪ ,‬وكلم‬
‫أهل العلم فيها ‪ .‬فيقسسول فسسي صسسفحة )‪ (80‬تحسست عنسسوان " أهم واجبــات الطائفــة‬
‫المنصورة في هذا الزمان "‪.‬‬
‫" هذا و إن من أعظم واجبات الطائفة المنصورة في هذا الزمان هو جهسساد الحكسسام‬
‫المرتسسدين المبسسدلين لشسسرع اللسسه السسذين يحكمسسون المسسسلمين بسسالقوانين الوضسسعية‬
‫الكفريسسة‪ ،"...‬إلسسى أن قسسال‪ " :‬و إفسسساد هسسؤلء الحكسسام وتبسسديلهم للشسسرائع والمفسساهيم‪،‬‬
‫وإشاعتهم للفواحش في المسلمين‪ ،‬ولو كان الصحابة رضوان الله عليهم أحيسساء اليسسوم‬
‫لكان أعظم أعمالهم هسسو جهسساد هسسؤلء الحكسسام"‪ ،‬إلسسى أن قسسال ‪ " :‬ومسسا أرى أحسسدا مسسن‬
‫المنتسبين إلى العلسسم الشسسرعي فسسي زماننسسا هسسذا لسسم يتكلسسم فسسي هسسذه المسسسألة منكسسرا‬
‫ومحرضا المسلمين على الجهاد ما أرى مثسسل هسسذا يلقسسى اللسسه إل واللسسه تعسسالى سسساخط‬
‫َ‬
‫مسسا ب َي ّن ّسساهُ‬
‫ن ب َعْسدِ َ‬
‫مس ْ‬ ‫ت َوال ْهُس َ‬
‫دى ِ‬ ‫ن ال ْب َي َّنا ِ‬
‫م َ‬‫ما أن َْزل َْنا ِ‬‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫ن ي َك ْت ُ ُ‬
‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫عليه‪ ،‬قال تعالى‪  :‬إ ِ ّ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ن ‪) ‬البقرة‪(159:‬‬ ‫عُنو َ‬
‫م الل ِ‬ ‫ه وَي َلعَن ُهُ ُ‬
‫م الل ُ‬ ‫ب أول َئ ِك ي َلعَن ُهُ ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫س ِفي ال ْك َِتا ِ‬
‫ِللّنا ِ‬
‫إذن لقد دخل الصائل الكافر وانحاز إليه صائل المرتسسدين و المنسسافقين‪ ،‬فسسإذا كسسانت‬
‫الطائفة المنصورة هي صفوة أهل هذا الدين ‪ ,‬فل يعقل أن تفرط بأوجب الواجبات بعد‬
‫التوحيسسد ‪-‬وهسسو دفسسع الصسسائل ‪ -‬بسسدعوى القيسسام بالعمسسال السستي هسسي دون ذلسسك بإجمسساع‬
‫العلماء ‪،‬لن من فعل ذلك هو من الطائفة المدحورة وليس مسسن الطائفسسة المنصسسورة ‪,‬‬
‫إنه من الفئة القاعدة الفارة من الزحف ‪ ,‬هذا حكمه وقد فجأنا العدو في عقر دارنا‪.‬‬
‫فالطائفة المنصورة في هذا الزمان هسسم حملسسة السسسلح ورايسسات الجهسساد لسسدفع هسسذا‬
‫الصائل ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬دفع صائل الكفار الصليين من يهود ونصارى ومشركين وملحدين ومرتسسدين‬
‫وأعسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسوانهم ‪..‬‬
‫دفعهم بالسلح والسيف‪ ،‬وهذا جهاد السنان ‪ .‬فمن قام بذلك اليسسوم فهسسم مسسن‬
‫أرومة الطائفة المنصورة وأعيانها وأهلها ‪ ،‬أفرادا كانوا أم جماعات‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬دفع صائل المنافقين والمجسسادلين عسسن هسسؤلء العسسداء بالباطسسل مسسن علمسساء‬
‫السلطين و مبتدعة الدعاة والمرجفين والمخسسذلين ‪ ،‬دفعهسسم بالحجسسة و البينسسة‬
‫بقال الله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وهذا هو جهاد البيان السسذي‬
‫بينه العلماء ‪.‬‬
‫فمسسن قسسام بهسسذا اليسسوم و تحمسسل فسسي سسسبيل ذلسسك مشسساق المطسساردة و المحاربسسة‬
‫والتشويه فهو من أعوان الطائفة المنصورة ونرجو أن يلحق بهم‪ ،‬وهم دون أهل القتال‬
‫ما لم يكن من أهل العذر الشرعي‪ .‬ول شك عندي بذلك‪.‬‬
‫وأما من جمع السيف إلى القلــم ‪ ،‬و الرشــاش إلــى اليــراع‪ ،‬والقتــال‬
‫إلى العلم والدعوة والمر بالمعروف والنهي عن لمنكــر ‪ ،‬فل شــك أنهــم‬
‫مــن رؤوس الطائفــة المنصــورة و قادتهــا وأعلمهــا و علمائهــا و دعاتهــا‬
‫المجاهدين ‪ .‬وهم فوق سابقيهم بالمرتبة ول شك‪.‬‬
‫نسأل العلي القدير برحمته و فضله الذي يؤتيه من يشــاء‪ .‬أن يجعلنــا‬
‫منهم و معهم ‪ ،‬دنيا و آخرة ‪ ,‬تحت لواء حبيبه المصطفى صلى الله عليــه‬
‫وسلم ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 90 [ ‬‬

‫*************‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 91 [ ‬‬

‫المقاومة السلمية العالمية‬

‫الجزء الول‬
‫( الجذور‪ -‬التاريخ – التجارب (‬

‫( فصول تمهيدية في التاريخ و التحليل السياسي والفقه‬


‫الجهادي الحركي (‬

‫الفصل الول ‪ :‬واقع المسلمين اليوم‪.‬‬ ‫•‬


‫الفصل الثاني ‪ :‬أحكام شرعية في ضوء هذا الواقع‪.‬‬ ‫•‬
‫الفصل الثالث ‪ :‬جذور النظام الدولي ومسار الصراع من قابيل‬ ‫•‬
‫إلى جورج بوش‪.‬‬
‫الفصل الرابع ‪ :‬الصراع مع الروم ومعادلت القوى فيه عبر‬ ‫•‬
‫التاريخ‪.‬‬
‫الفصل الخامس ‪ :‬خلصة مسار الصحوة السلمية (‪-1930‬‬ ‫•‬
‫‪(2004‬م‪.‬‬
‫الفصل السادس ‪ :‬خلصة مسار التيار الجهادي المسلح (‬ ‫•‬
‫‪(2004-1965‬م‪.‬‬
‫الفصل السابع ‪ :‬الحلول التي طرحت لدى الجهاديين للخروج‬ ‫•‬
‫من الزمة‪.‬‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 92 [ ‬‬

‫الفصل الول‬
‫واقع المسلمين اليوم‬
‫قال الله تعالى‪  :‬وم َ‬
‫شُرهُ‬ ‫ضْنكا ً وَن َ ْ‬
‫ح ُ‬ ‫ة َ‬ ‫مِعي َ‬
‫ش ً‬ ‫ه َ‬‫ن لَ ُ‬
‫ري فَإ ِ ّ‬‫ن ذِكَ ْ ِ‬‫ض عَ ْ‬ ‫ن أعَْر َ‬ ‫َ َ ْ‬
‫مى ‪) ‬طسه‪(124:‬‬ ‫مةِ أعْ َ‬ ‫ْ‬
‫م الِقَيا َ‬‫ي َوْ َ‬
‫وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال‪:‬‬
‫) إن أشقى الشقياء من اجتمع عليه فقر الدنيا وعذاب الخرة (‪.‬‬

‫) يا معشر المهاجرين ‪ :‬خمس خصال أعوذ بالله أن تدركوهن ‪:‬‬


‫‪ -‬ما ظهرت الفاحشة فسسي قسسوم قسسط حسستى أعلنسسوا بهسسا إل ابتلسسوا بسسالطواعين‬
‫والوجاع التي لم تكن في أسلفهم الذين مضوا ‪.‬‬
‫‪ -‬وما نقص قوم المكيال إل ابتلوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان‪.‬‬

‫‪ -‬وما منع قوم زكاة أموالهم إل منعوا القطر من السماء ولول البهسسائم لسسم‬
‫يمطسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسروا‪.‬‬

‫‪ -‬ول خفر قوم العهد إل سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض مسسا‬
‫فسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسي أيسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسديهم‪.‬‬

‫‪ -‬وما لم تعمسسل أئمتهسسم بمسسا أنسسزل اللسسه فسسي كتسسابه إل جعسسل بأسسسهم بينهسسم‬
‫شسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسديدا ً ( ‪.‬‬

‫) ل تقوم الساعة حتى يظهر الفحسسش والبخسسل‪ ,‬ويخسسون الميسسن ويسسؤتمن الخسسائن ‪,‬‬
‫وتهلك الوعول ‪ ,‬وتظهر التحوت ‪ ,‬قالوا يا رسول الله وما التحوت والوعول ؟ قال‬
‫الوعول وجوه الناس وأشرافهم ‪ .‬والتحوت الذين كانوا تحسست أقسسدام النسساس ليسسس‬
‫يعلم بهم (‬

‫الفصل الول‪:‬‬

‫‪ ‬واقع المسلمين اليوم ‪‬‬


‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 93 [ ‬‬
‫يقول الله سبحانه وتعالى‪ ) :‬وم َ‬
‫شسُرهُ‬ ‫ضْنكا ً وَن َ ْ‬
‫ح ُ‬ ‫ة َ‬‫ش ً‬‫مِعي َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن لَ ُ‬‫ري فَإ ِ ّ‬ ‫ن ذِك ْ ِ‬
‫ض عَ ْ‬ ‫ن أعَْر َ‬ ‫َ َ ْ‬
‫صيرا ً * قال كذلك أتتسسك‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫ت‬
‫َ ْ ْ ُ َ ِ‬ ‫ن‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫و‬ ‫مى‬ ‫ْ َ‬ ‫ع‬ ‫أ‬ ‫ني‬
‫ح ْ َِ‬
‫ت‬ ‫ر‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫م َ‬‫ب لِ َ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫َقا َ‬ ‫مى *‬
‫مةِ أعْ َ‬ ‫م ال ْ ِ‬
‫قَيا َ‬ ‫ي َوْ َ‬
‫َ‬
‫سى (‬ ‫م ت ُن ْ َ‬‫ك ال ْي َوْ َ‬ ‫سيت ََها وَك َذ َل ِ َ‬ ‫ك آَيات َُنا فَن َ ِ‬‫ك أت َت ْ َ‬‫ل ك َذ َل ِ َ‬‫آياتنا فنسيتها وكذلك َقا َ‬
‫وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث السسذي صسسححه الحسساكم‬
‫من رواية أبي سعيد الخدري أنه قسسال ‪ ) :‬إن أشقى الشــقياء مــن اجتمــع عليــه‬
‫فقر الدنيا وعذاب الخرة (‪.‬‬
‫والحقيقة ليسسس أوجسسز لوصسسف واقسسع أكسسثر المسسسلمين اليسسوم مسسن هسسذه اليسسة وهسسذا‬
‫الحديث‪..‬‬
‫إذا يمكن تلخيص واقع المسلمين اليوم تحت عناوين رئيسية ثلثة ‪:‬‬
‫أول‪ :‬ذهاب الدين عند أكثرية المسلمين ‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬ذهاب الدنيا لدى الغاليين الساحقة من المسلمين ‪.‬‬
‫ثالثــا‪ :‬تســلط العــداء وتحكمهــم فــي كافــة منــاحي حيــاة‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫ولنقف على نبذة من التفصيل في هذه العناوين ‪.‬‬

‫*************‬

‫‪ ‬أول ً ‪ :‬ذهاب الدين ‪‬‬


‫فإن المة كادت تفقد معظم مقومات دينها‪ ,‬ويتجلى ذلك في مظاهر انهيسسار الحيسساة‬
‫الدينية وفسادها لدى معظم المسلمين ‪ ,‬وكذلك فساد أحوالها وضياع مقدساتها ‪ ,‬وأهم‬
‫ذلك غياب الحكم بشرع الله عنها ‪ .‬ويمكن إبراز أهم وجوه ذلك فيما يلي ‪:‬‬

‫‪ -1‬غياب الحكم بشرع الله عن كافة بلد المسلمين‪:‬‬


‫فكمسسا روي عسسن رسسسول اللسسه صسسلى اللسسه عليسسه وسسسلم قسسوله ‪ ):‬لتنقضـن عـرى‬
‫السلم عروة عــروة فكلمــا انتقضــت عــروة تشــبث النــاس بــالتي تليهــا‬
‫‪,‬فأولهن نقضا الحكم وآخرهن الصلة ( ) رواه أحمد ‪.(21139‬‬
‫وقد تحقق إخبار رسول الله صلى الله عليسسه وسسسلم بسسذلك‪ .‬ونقسسض الحكسسم بشسسكل‬
‫متدرج إلى أن اندثر بالكامل‪ .‬فقد كانت الثلمة الولى بانصرام الخلفسسة الراشسسدة السستي‬
‫سارت على هدي النبوة بعد ثلثين سنة من وفاته صلى الله عليه وسلم ‪ .‬وعقسسب ذلسسك‬
‫تحول الحكم إلى نظام الملك العضوض الو راثي على يد بنسسي أميسسة ‪ ,‬ثسسم اسسستمر ذلسسك‬
‫في ملك بني العباس ومن تلهم من الملوك الطوائف‪ .‬مع ما يتبع ذلك مما يلزم نظام‬
‫الملوك في الحكم حيث تدرجت القصور ‪-‬وهي مراكز الحكسسم المركسسزي‪ -‬فسسي الفسسساد‬
‫حتى بلغت من ذلك مبلغا عارما ‪..‬‬
‫وبتسلل الضعف إلى خلفة بني العباس نهايسسات القسسرن الثسسالث الهجسسري ‪ ,‬تفككسست‬
‫الممالك في أطراف الدولة السلمية لتقوم بذلك سلطنات ومملكات وإمسسارات تعتمسسد‬
‫القهر والجبروت ‪ ,‬وتتفاوت فيها وتختلط مظسساهر الصسسلح والفسسساد ‪ .‬وتحسسولت الخلفسسة‬
‫شيئا فشيئا إلى رمز شكلي أكثر منه نظام حكم وسلطة‪.‬‬
‫وكلما أوغل الحكم مع الوقت بعدا عن شريعة الله الكاملة ‪ ,‬بسسسبب تلعسسب أهسسواء‬
‫الملوك وتدليس علماء السلطان ‪ ,‬دبت بسبب ذلك مظاهر الفساد في كافسسة مرافسسق‬
‫حياة المسلمين ‪ .‬إلى أن وصلت الحوال إلى اجتياح التتار لمشسسرق بلد السسسلم وغسسزو‬
‫الخلفة في عقر دارها ‪ ,‬بعد أن نشطت الهجمات الصسسليبية علسسى يسسد السسروم والممالسسك‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 94 [ ‬‬

‫المسيحية الوروبية وتمكنت من إقامة مستعمرات صليبية على سسسواحل الشسسام ‪ ,‬إلسسى‬
‫أن تواصل التردي ليبلغ قمته في سقوط بغداد بيسسد التتسسار سسسنة ‪ 656‬هجريسسة ‪ ,‬وتقطسسع‬
‫أوصال الخلفة العباسية لتدخل كافة بلد السلم تحت وطأة سسسلطين الحكسسم الجسسبري‬
‫بالكامل ‪ .‬ولكن مع بقاء مبدأ الحكم بالشريعة كأساس في معظم تلك الممالك بشسسكل‬
‫عام ‪.‬‬
‫ثم حصلت نهضسسة اسسستثنائية ولفسسترة محسسدودة بقيسسام الدولسسة العثمانيسسة السستي نقلسست‬
‫الخلفة إليها ‪ ,‬وأعادت إليها هيبتها المركزية ردحا من الزمن ‪ .‬ثم ما لبثت أن دب إليهسسا‬
‫النحلل ‪ .‬وبدأ الفساد يطال مجال التشريعات والحكم بما أنزل الله ‪ .‬ثم تكالبت عليها‬
‫الدول الستعمارية الوربية ‪ ,‬وتآمر عليها اليهود كي يصلوا إلى فلسسسطين‪ ,‬حيسسث تمكسسن‬
‫حلف الخصوم من إسقاط الخلفة العثمانية سنة ‪ 1924‬ميلدية وتبع ذلك سقوط كافة‬
‫البلد السلمية تحت استعمار مختلف السسدول الوربيسسة الصسسليبية وعلسسى رأسسسها إنجلسسترا‬
‫وفرنسسسا وروسسسيا وغيرهسسا‪ .‬وخلل فسسترة السسستعمار نشسسأت مسسذاهب العلمانيسسة فسسي بلد‬
‫السلم وانتشرت في أوساط الطبقات المثقفة من أبناء المسلمين برعاية المسسستعمر‬
‫الذي أنشأ على عينه منها أحزابسسا سياسسسية وشخصسسيات وأسسسر مالكسسة مهسسد لهسسا اسسستلم‬
‫السلطة من بعده في مرحلة ما بعد الستعمار‪ ,‬أو ما أطلق عليسسه اسسسم ) السسستقلل (‪.‬‬
‫ليقوم بذلك حكم الطواغيت بغير ما أنزل الله في كافة بلد السسسلم برعايسسة وإشسسراف‬
‫الدول الستعمارية ‪.‬‬
‫وهكذا مر الحكم الذي نقض عروة عروة بالمراحسسل السستي أخسسبر عنهسسا رسسسول اللسسه‬
‫صلى الله عليه وسلم فيما روي عنه من حديث حذيفة ‪ ) :‬تكون النبوة فيكسسم مسسا شسساء‬
‫الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ‪.‬ثم تكون خلفة على منهاج النبسسوة ‪.‬فتكسسون‬
‫ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها ‪ .‬ثم تكون ملكا عاضا فيكون ما‬
‫شاء الله أن يكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ‪.‬ثم تكون ملكا جبريسسا فتكسسون مسسا شسساء‬
‫الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ‪ .‬ثم تكسسون خلفسسة علسسى منهسساج النبسسوة ‪.‬ثسسم‬
‫سكت ( رواه مسلم‪ .‬وفي رواية غاية في الهمية أوردها ابسسن حمسساد فسسي كتسساب الفتسسن مسسن‬
‫حديث أنس رضي الله عنه قال ‪ ) :‬إنها ثم ثم ملك عضوض ثم جبرية ثسسم طسسواغيت (‪.‬‬
‫وهذا الذي حصل في بلد المسلمين منذ رحيل السسستعمار وقيسسام حكومسسات الطسسواغيت‬
‫لترعى مصالحه وتحكسسم بشسسرائعه إلسسى يومنسسا هسسذا‪ .‬حيسسث تجسساهر معظسسم حكومسسات بلد‬
‫المسلمين بحكمهسسا بغيسسر مسسا أنسسزل اللسسه ‪ ,‬بسسل وتجسساهر أكثرهسسا بعسسدم صسسلحية الشسسريعة‬
‫السلمية للحكم في العصور الحديثة ! بل وتنسب تخلف المسلمين الحالي ومشاكلهم‬
‫إلى الشريعة ذاتها !‪.‬‬
‫وهكسسذا وضسسعت الدسسساتير ‪ ,‬وسسسنت فسسي ضسسوئها آلف القسسوانين السستي تحسسارب اللسسه‬
‫ورسوله ودين المسلمين ‪ ,‬وتعاكس شريعة ربهم بكل صفاقة ودون أي مواربة ول حياء‬
‫‪.‬‬
‫ففي كثير من بلد السلم أزيلت حاكمية الشريعة نصا من تلك الدسسساتير‪ ,‬وأبقيسست‬
‫في بعضها مجرد عنوان ممسسزوج بالشسسرك الصسسريح بقسسولهم ) الشسسريعة السسسلمية هسسي‬
‫المصدر الساسي للتشسريع ( جاعلينهسا مصسدرا إلسى جسانب مصسادر أخسرى ‪ .‬فسي حيسن‬
‫زعمسست بعسسض البلد كمسسا )السسسعودية ( )أن الشسسريعة السسسلمية هسسي المصسسدر الوحيسسد‬
‫للتشريع ( ولكنهسسا جعلسست إلسسى جسسانب المحسساكم الشسسرعية محسساكم مدنيسسة أو وضسسعية أو‬
‫مختصة بحسب ما أسموها وكلها تحكم بتشريعات وقوانين ولوائح تنظيمية مستمدة أو‬
‫مستوحاة من تشريعات أوروبا أو من تلك الستي ابتسدعها كفسار العلمسانيين والمشسسرعين‬
‫المنتسبين لهذه المسسة بالسسسماء والشسسكال‪ .‬فاسسستعلنت تلسسك التشسسريعات وصسسارت لهسسا‬
‫المحاكم والهياكل الدارية والقوانين التي تنفذ وتحكم في رقاب المسلمين إلسسى جسسانب‬
‫ما بقي في بعسسض البلد مسسن قسسوانين الشسسريعة السسسلمية فسسي بعسسض مجسسالت الحسسوال‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 95 [ ‬‬

‫الشخصية ‪ .‬حيث تتولى السلطات الكافرة الحاكمة بالحديد والنار إنفاذ قسسوانين الكفسسر‬
‫وإخضاع الناس لها ‪.‬‬
‫وهكذا اكتمل نقض الحكم في كافسسة بلد السسسلم بل اسسستثناء‪ .‬وهسسذا البلء هسسو أهسسم‬
‫مظاهر ذهاب الدين ‪ ,‬وأسسساس كافسسة أنسسواع البلء الخسسرى مسسن مظسساهر فسسساد السسدين و‬
‫ذهاب الدنيا وتسلط العداء ‪ .‬و ل جرم أن كل ما نحن فيه مما سنورد بعضسسه فسسي هسسذا‬
‫الفصل متفرع عن هذه الطامة العظمى وهي ) الحكم بغير ما أنز ل الله وتبــديل‬
‫شرائعه على يد حكامنا المرتدين الخونة ووليتهم لليهــود والنصـارى مـن‬
‫أسيادهم الكافرين (‪.‬‬

‫*************‬

‫‪ -2‬احتلل المقدسات الثلثة في ملة السلم ‪:‬‬


‫وهي مكة المكرمة وفيها الكعبة والمسجد الحرام ‪ .‬والمدينة المنورة وفيها مسسسجد‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ .‬والقسسدس الشسسريفة وفيهسسا المسسسجد القصسسى أولسسى‬
‫القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ‪.‬‬
‫فعلى عكس ما هو شسسائع ومعسسروف مسسن أن القسسدس كسسانت أول المقدسسسات ذهابسسا‬
‫وذلك سنة ‪1967‬م ‪ .‬وأن مكة والمدينة وجزيرة العسسرب عقسسر دار السسسلم قسسد وضسسعت‬
‫تحت نفوذ المريكان و قوات التحالف الصليبي التي أطبقت عليهسسا إبسسان حسسرب الخليسسج‬
‫الثانية سنة ‪1991‬م‪ .‬ثم الثالثة سنة ‪2003‬م‪.‬‬
‫فإن الحقيقة أن مكة والمدينة كانت قد ذهبت ووضعت تحت نفسسوذ الصسسليبيين قبسسل‬
‫ذلك بكثير ‪ .‬وأن ذهاب القسسدس كسان تبعسسا لسسذهاب مكسسة قبلسسه ‪ .‬وأن قسسوى السسردة السستي‬
‫سيطرت على مكة كانت صاحبة دور أساسي في ذهسساب القسسدس علسسى أربعسسة مراحسسل‬
‫رئيسية ‪ ,‬وهي ‪(2002 -1967- 1947 -1936) :‬م‪.‬‬
‫وذلك أن بريطانيا المبراطورية كانت قد احتلت منذ مطلع القسسرن السسسادس عشسسر‬
‫وعبر القرون الثلثة التي تلته كثيرا من أطراف العالم السسلمي ‪ ,‬وبسسطت سسيطرتها‬
‫المباشرة عليها ‪ ,‬ومنها أطراف جزيرة العرب ) سواحل اليمن وعمان وإمارات الخليسسج‬
‫والكويت(‬
‫وقد تنبهت بريطانيا لما تشكله بلد الحجاز من قدسية لدى المسلمين ومسسا تميسسزت‬
‫به بلد نجد من الستقلل الذاتي حتى عن مركزية الخلفة العثمانية ‪ .‬فعمدت إلى مكر‬
‫خبيث منذ مطلع القرن التاسع عشسسر مسسن أجسسل السسسيطرة عليهسسا‪ .‬وذلسسك بالتعسساون مسسع‬
‫عميلهم الكبر عبد العزيز آل سعود مؤسسس الدولسسة السسعودية الثالثسسة الحاليسة ‪ .‬حيسسث‬
‫كان والده عبد الرحمن وأسرته وأولده قد لجؤوا إلى الكويت فارين من نجد بعد انهيار‬
‫الدولة السعودية الثانية‪.‬‬
‫تلقفسست وزارت المسسستعمرات البريطانيسسة بإشسسراف منسسدوبها وعميلهسسا الجديسسد عبسسد‬
‫العزيز آل سعود سنة )‪1898‬م( وكسسان قسسد جسساوز العشسسرين مسسن عمسسره بقليسسل ‪ ,‬ورأت‬
‫صلحيته للمهمة التي نفذتها بحذاقة ‪ .‬فقدمت له الدعم العسكري والسسذهب البريطسساني‬
‫وأوحى إليه مستشسساروه باسسستغلل السسدعوة الوهابيسسة وحمسساس دعاتهسسا المجاهسسدين مسسن‬
‫)الخوان ( ‪.‬‬
‫وتمكن عبد العزيز من السسسيطرة علسسى الريسساض ثسسم نجسسد عسسبر عسسدة حملت منسسذ )‬
‫‪1902‬م( ثم وقع الخيار من قبل بريطانيا عليه لمشروعها في جزيرة العسسرب ‪ ,‬بعسسد أن‬
‫خدعت ) الشريف حسين ( عميلها الخر في الحجاز ‪ .‬وتمكنت بريطانيا من إعلن عبسسد‬
‫العزيز سلطانا على نجد والحجاز‪ ,‬بعد أن ضموا إليها منسساطق نجسسران اليمنيسسة ‪ ,‬سسسنة )‬
‫‪1932‬م( ‪ .‬حيث وعقدوا معه صك ضمان لملكه لتلك البلد تحت المسمى الجديد الذي‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 96 [ ‬‬

‫أقامته بريطانيا وهسسو )المملكسسة العربيسسة السسسعودية( ‪ .‬وضسسمنت بمسسوجب ذلسسك بريطانيسسا‬
‫العرش لعبد العزيز وأولده من بعده مقابل نفوذها علسسى تلسسك البلد ‪ ,‬وأخسسذت عليسسه أل‬
‫يعقد عقدا ول يبرم أمرا ولسسيما فسي علقساته الخارجيسة بغيسر إذنهسا ومشسورتها ‪ .‬وقسد‬
‫أصبحت هذه التفاقيات الن وثائق منشورة معروفة تناولتها الكتسسب السستي أرخسست لتلسسك‬
‫الفترة ‪ ,‬وهي مثبتة فيما نشر من وثائق وزارة الخارجية البريطانيسسة السستي تنشسسر بعسسض‬
‫أرشيفها كلما مر عليها ثلثين سنة‪.‬‬
‫وبقيام حكم عبد العزيز آل سعود وسسسيطرته علسسى بلد الحجسساز بعسسد المذابسسح السستي‬
‫أقامها جيشه بمساعدة الطيران النجليزي ) للخوان ( فسسي معركسسة )السسسبيلة( ‪ ,‬قضسسى‬
‫على قوى الخير التي أوصلته إلى الملك بعد أن خدعها بتبنيه المزعوم للدعوة الوهابيسسة‬
‫‪ .‬وهكسسذا صسسفا الجسسو لعبسسد العزيسسز وأولده مسسن بعسسده ‪ ,‬ليضسسعوا مقسسدرات المسسة الماليسسة‬
‫ومقدساتها الدينية تحت هيمنتهم وسلطانهم الذي تعهدوا أن ل يخرجوا فيه عن مشورة‬
‫التاج البريطاني‪.‬‬
‫منذ ذلك الحين ومكة والمدينة وجزيرة العسسرب تحسست سسسيطرة النجليسسز‪ .‬ومسسن ثسسم‬
‫المريكان الذين ورثوا العرش السعودي ونفسسط جزيسسرة العسسرب والشسسراف علسسى مكسسة‬
‫والمدينة ضمن ما ورثوه من ممتلكات التاج البريطسساني بعسسد الحسسرب العالميسسة الثانيسسة )‬
‫‪1945‬م( التي أزالت سيادة أوروبسسا السسستعمارية ‪ ,‬لتتقاسسسمها سسسيادة أمريكسسا وروسسسيا‪.‬‬
‫وكانت جزيرة العرب وأمسراء محمياتهسا البريطانيسة ومنهسم آل سسعود ضسمن مسا ورثست‬
‫أمريكا من بريطانيا ‪ .‬والتقى الرئيس المريكي ) روزفلت ( بالملك ) عبد العزيز( علسسى‬
‫ظهر سفينة حربية أمريكية بعد الحرب العالمية الثانية‪ .‬ونقلست فسي ذلسك اللقساء كفالسة‬
‫ذلسسك العسسرش السسسعودي الخسسائن إلسسى المريكسسان بعسسد البريطسسانيين مقابسسل سسسمعهم‬
‫وطاعتهم ‪ ,‬فصار يتلقى المدد من السياد الجدد )المريكسسان ( ‪ ,‬ويعطيهسسم السسولء كمسسا‬
‫كان الحال مع أسلفهم النجليز‪.‬‬
‫ومما نشر من وثائق تلك المرحلة موافقسسة عبسسد العزيسسز علسسى برامسسج النجليسسز فسسي‬
‫الهجرة الصهيونية إلى فلسطين وعدم العتراض على إعطائها لليهود ‪ .‬وموافقته علسسى‬
‫وعد بلفور‪.‬‬
‫وفي عام )‪1936‬م( قامت الثورة الكبرى التي أشسعلها الشسسيخ عسسز السسدين القسسام‬
‫رحمه الله في فلسطين ضد المستوطنين اليهود ‪ ,‬الذين بدؤوا يزحفون على فلسطين‬
‫بإشراف النجليز الذين كانوا قد تعهدوا بإعطاء فلسطين وطنا قوميا لليهسسود عسسبر وعسسد‬
‫بلفسسور رئيسسس وزراء بريطانيسسا سسسنة)‪1917‬م(‪ .‬وعجسسزت بريطانيسسا عسسن إخمسساد الثسسورة ‪,‬‬
‫فاستنجدت بعميلها ) الملك عبد العزيز(‪ ,‬الذي أرسل ولسسده ووزيسسر خسسارجيته ) فيصسسل (‬
‫ليتحايل على عرب فلسطين وزعماء ثورة )‪1936‬م( ‪ ,‬من أجسسل إيقافهسسا بعسسد أن كفسسل‬
‫لهم وفاء ) صديقتنا بريطانيا ( على حد وصفه ‪ ,‬فأوقفت الثورة ثم أخمدت ‪ ,‬وكان ذلك‬
‫أول خطوات ضياع القدس ‪.‬‬
‫ثم أشسسرفت الجيسسوش العربيسسة السسسبعة وحكسسام بلدهسسا علسسى النسسسحابات الشسسكلية‬
‫للجيسوش العربيسة بإشسراف بريطانيسا ‪ ,‬لتقسوم علسى إثسر تلسك الهسزائم المبرمجسة دولسة‬
‫إسسسرائيل سسنة )‪1947‬م( علسى أكسسثر أرض فلسسطين ‪ ,‬وليضسسيع معهسسا النصسف الغربسسي‬
‫للقدس ‪.‬‬
‫وعبر مؤامرة شبيهة سنة ) ‪1967‬م( تم لسرائيل احتلل القسسدس الشسسرقية وفيهسسا‬
‫مسجد الصخرة والمسجد القصى ضسمن مسا احتلسست مسن الضسسفة الغربيسة وأجسسزاء مسسن‬
‫سوريا ومصر والردن‪.‬‬
‫ثم تتالت فصول المسسؤامرة – وليسسس هسسذا الكتسساب محسسل تفصسسيلها ‪ -‬لتمسسر بمحطسسة‬
‫مؤتمر مدريد للسلم سنة )‪1991‬م( من أجل التطسسبيع مسسع اليهسسود حيسسث شسساركت فيسسه‬
‫السعودية وصدرت الفتاوى التاريخية بإباحة ذلك والتدليل عليه باليسسات والحسساديث مسسن‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 97 [ ‬‬

‫قبل هيئة كبار العلماء في السعودية ورئيسها – أبوهم الوالد ‪ -‬الشيخ )عبد العزيسسز بسسن‬
‫باز( ‪ .‬بعسسد أن كسسانوا قسسد أفتسسوا بإباحسسة دخسسول جيسسوش الصسسليبيين الوربييسسن والمريكسسان‬
‫لجزيرة العرب بدعوى ضرورة مواجهة خطر صدام حسين !‬
‫ثم تابع قطار المؤامرة والكوارث مسيره ليصل إلى ) مبادرة الميسسر عبسسد اللسسه بسسن‬
‫عبد العزيز( ولي العهسد السسعودي ‪ ,‬والحساكم الفعلسسي الحسالي للريسساض أواسسط عسام )‬
‫‪2002‬م( ليعرض التطبيع الكامل مع اليهود والعتراف بإسرائيل مقابل إعادة ما احتلته‬
‫سنة )‪1967‬م( متنازل عن باقي فلسطين ! ولينعقد مؤتمر القمسسة العربسسي السسذي حسول‬
‫مبادرته إلى مشروع عربي كان الغسرض منسسه إجهساض النتفاضسسة الستي انطلقسست بعنسف‬
‫وقوة في رجب ) ‪1423‬هسسس( أي قبسسل المبسسادرة بسسسنة ‪ .‬وقسسام )سسسعود الفيصسسل ( وزيسسر‬
‫خارجية السعودية بتسويق المبادرة عربيا وعالميا ليكمل ما قام بسسه أبسسوه وعمسسه وجسسده‬
‫مسسسسسسسسن قبسسسسسسسسل ‪ ..‬رغسسسسسسسسم أن إسسسسسسسسسرائيل قبلسسسسسسسست نصسسسسسسسسف المبسسسسسسسسادرة‬
‫) التطبيع و العسستراف بهسسا ( ورفضسست نصسسفها ) النسسسحابات ممسسا احتلتسسه سسسنة ‪(1967‬‬
‫وتوجت ذلك بالطاحة بالسلطة الفلسطينية وإعادة احتلل ما خولتهسسا إيسساه مسسن الضسسفة‬
‫الغربية وقطاع غزة‪ .‬وصعدت مجازرها للفلسطينيين منذ ذلك الحين‪.‬‬
‫وخلل تلسسك السسسنيين وفسسي أواخسسر )‪1990‬م( وأوائل )‪1991‬م( زحفسست جيسسوش‬
‫التحالف الدولي وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا لتنزل في جزيرة العسسرب مليسسون جنسسدي‬
‫بمعداتها وآلياتها العسكرية وبوارجها وطائراتها تحت ستار تحرير الكويت ليبسسدأ الحتلل‬
‫والتمركز المنظم للمريكان والهجمة الصليبية الحديثة على الشسسرق الوسسسط ) جزيسسرة‬
‫العرب والشام ومصسر والعسراق (‪ .‬وهكسذا وضسعت مقدسسات المسسلمين الثلثسة )مكسة‬
‫والمدينة وبيت المقدس ( تحت الحتلل الصليبي المباشسسر بإشسسراف حكسسام آل سسسعود‬
‫وأمراء جزيسرة العسرب الستي تسوفي رسسول اللسه صسلى اللسه عليسه وسسلم وهسو يوصسي‬
‫المسلمين وينشدهم بقوله ) أخرجوا المشركين من جزيرة العرب (‪ .‬وبوجود ) القدس‬
‫( تحت احتلل اليهود بمساعدة المريكان وتعهسسد النجليسسز تكسسون مقدسسسات المسسسلمين‬
‫الثلثة قد وضعت تحت احتلل اليهود والصليبيين وهذا من أظهسسر مظسساهر فسسساد السسدين‬
‫لدى المسلمين الذين خلوا بين أعدائهم وأقدس مقدساتهم وللسف‪.‬‬

‫*************‬

‫‪ -3‬فساد عقيدة التوحيد لدى معظم المسلمين وانتشــار البــدع وانــدثار‬


‫السنة‪:‬‬
‫فإن الناظر في أحوال المليار وربع المليار من المنسوبين لملة السلم اليسسوم يجسسد‬
‫أن أغلبهم لم يعد لديهم من الدين إل رسمه ‪ ,‬بل ربما إل اسمه ‪ .‬و يجسسد أن الملسستزمين‬
‫بالشعائر منهم وهم في أهل السلم قلسسة فسسي هسسذا الزمسسان ‪ ,‬قسسد تسسوفروا علسسى عقسسائد‬
‫مشوهة‪ ,‬ليس فيها مما كان عله سلف هذه المة ورعيلها الول إل النذر اليسير‪.‬‬
‫فقد درست معالم العقيدة السمحاء التي جاءنا بهسسا رسسسول اللسسه صسسلى اللسسه عليسسه‬
‫وسلم ووصف أصحابها خلصة بقوله ) ما أنا عليسسه اليسسوم وأصسحابي ( ‪ .‬قسد وهست هسسذه‬
‫العقيدة في نفوس أكثر من ينسبون إلى اللتزام بسسل إلسسى النتمسساء للصسسحوة السسسلمية‬
‫ومدارسها المختلفة ‪ .‬وحصل ما أخبر به صلى الله عليه وسلم من افسستراق هسسذه المسسة‬
‫على ثلث وسبعين شعبة كلها في النار إل واحدة ‪ ,‬كما تحقق مسسا أخسسبر عنسسه مسسن قيسسام‬
‫دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليه قذفوه فيها ‪ .‬وقد تسسدرج انسسدراس هسسذه العقيسسدة‬
‫لدى المسلمين منذ القرن الثاني الهجسسري ‪ ,‬ومسسا زال البلء والبسسدع والنحرافسسات تطسسرأ‬
‫تدريجيا عليها بما أفسد الملوك وفجار القراء من هسسذا السسدين ‪ .‬كمسسا قسسال ابسسن المبسسارك‬
‫رحمه الله ‪:‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 98 [ ‬‬

‫وأحبار سوء ورهبانها‪.‬‬ ‫وهل أفسد الدين إل الملوك‬


‫والناظر في أحوال العلماء اليسسوم وتلميسسذهم وأحسسوال المنسسسوبين لقيسسادة مسسدارس‬
‫الصحوة السلمية ‪..‬ل نجد ممن يدعوا إلى ما كان عليه الرعيسسل الول إل أحسساد الغربسساء‬
‫هنا وهناك ‪ .‬فمن نجسسا مسسن ) ترهسسات ( المبتدعسسة والضسسلل والمنحرفيسسن وأهسسل الهسسواء‬
‫والملل والنحل المختلفة ‪ ,‬لم ينج في الغالب من البلء العام في زماننا هذا وهو عقيدة‬
‫الرجاء‪ ,‬وهو دين الملوك في زماننا هذا وكل زمسسان ‪ .‬فل تجسسد فسسي أكسسثر قسسادة وعلمسساء‬
‫ورمسسوز مسسن ينسسسبون للصسسحوة السسسلمية والعمسسل السسسلمي والسسدعوة ‪ ,‬مسسن أقصسسى‬
‫المتصوفة إلى أقصى السلفية مرورا بمعظم رواد الحركسسات السسسلمية والدعويسسة ‪ ,‬إل‬
‫مسبحا بحمد السلطين ‪ ,‬مواظبا على موائد الحكام ومجالسهم ‪ ,‬مسسستجديا لرضسساهم ‪.‬‬
‫مما أضعف مكانة الدين كله في نفوس العامسسة ‪ .‬فقسسد مسسسخت عقيسسدة الرجسساء توحيسسد‬
‫اللوهية وتوحيد الحاكمية في ضمير أكثر المة ‪ .‬حتى أصسسبح الحكسسام المرتسسدون العملء‬
‫الحاكمون بغير ما أنزل الله ‪ ,‬الظالمون لرعيتهم وأهل ملتهم ‪ ,‬الفاسقون في سلوكهم‬
‫وأحوالهم ‪ ,‬الكافرون بشريعة ربهم أصبحوا لسسدى أغلسسب علمسساء اليسسوم وكسسأن القسسران –‬
‫حاشسساه – قسسد نسسزل فيهسسم ‪ :‬ومسسن لسسم يحكسسم بمسسا أنسسزل اللسسه فسسأولئك هسسم المؤمنسسون‬
‫الصالحون !! وليس كما نزل بالحق والعدل والصدق ‪ ‬فــأولئك هــم الكــافرون ‪‬‬
‫‪ ‬فأولئك هم الظالمون ‪  ‬فأولئك هم الفاسقون ‪]. ‬كما عسسبرعن ذلسسك‬
‫شهيد السلم سيد قطب رحمه الله [‪.‬‬
‫وهذا من أعظم مناحي فساد العقيدة لدى العامة والخاصة‪ .‬ناهيك عما انتشسسر بيسسن‬
‫مسن بقسي فسي أنفسسهم للسسدين مكانسسة ‪ ,‬مسسن أنسواع الخرافسسات والبسسدع و) الخسزعبلت (‬
‫والتعلق بالموات والقبور والمزارات و شعوذات المشعوذين ‪.‬هذا عند أكثر من ينسسسب‬
‫للتدين‪.‬‬
‫أما الدهماء والعوام ‪ ,‬فقد نسي معظمهم الله فأنساهم أنفسهم ‪ .‬وأصسسبح أكسسثرهم‬
‫يعبسسد الحكومسسات ‪ ,‬أو يعبسسد المسسال ‪ ,‬أو يعبسسد أهسسواء نفسسسه ‪ ,‬أو يعبسسد القنسسوات الفضسسائية‬
‫وشاشات التلفزيون يقوم عليها الليل ويعتقد بكل ما تدسه في رأسه من سموم ‪..‬‬
‫وصارت إله العصر) أمريكا والغرب( وثقافتهم وأفكارهم ‪ ,‬تعبد وتقدس وُيعتقد بهسسا‬
‫أكثر مما يتعبد الناس لله بعقيدتهم الصحيحة ‪ .‬وصار أكثر الناس يعتقدون في رؤسائهم‬
‫وكبرائهم وأغنيائهم أنهم ينفعون ويضسسرون ‪ ,‬ويرزقسسون ويحرمسسون ‪ ,‬ويعطسسون ويمنعسسون‬
‫ويرفعون ويخفضون ‪ ,‬بل يحيون ويميتون ‪ ...‬فأي معنى وأي إيمسان بقسي لسسماء اللسه‬
‫الحسنى وصفاته العلى في نفوس أئمة وعلماء هؤلء ناهيك عن عوامهم؟! ‪ ,‬وأي طعم‬
‫بقي لزعمهم تصحيح العقائد‪..‬‬
‫وأما أكثر من يسمون ) طلب علسم ( فقسد تفشسى فسي أكسثرهم داء عبسادة الحبسار‬
‫والرهبان الذين أحلوا لهم الحرام فتبعوهم ‪ ,‬وحرموا عليهم الحلل فصدقوهم ‪ ,‬ونافقوا‬
‫لملوكهم ورؤسائهم فاقتدوا بهم ‪ ..‬ونشروا فيهم بدعا وضللت مسسا أنسسزل اللسسه بهسسا مسسن‬
‫سلطان ‪ ...‬على أنها دين الله فتبعوهم ‪.‬‬
‫وأما ) دعسساة للسسسلم ( والعسساملون فسسي الحركسسات السسسلمية فقسسد أنزلسسوا أحزابهسسم‬
‫وقياداتهم ‪ ,‬مثل ما أنسسزل طلب العلسسم مشسسايخهم مسسن التبسساع والطاعسسة العميسساء‪ .‬رغسسم‬
‫علمهم بأن ذلك مناف لبسط مقومات عقائد السسولء و السسبراء ‪ ,‬وأن ل طاعسسة لمخلسسوق‬
‫في معصية الخالق ‪ .‬ثم ل تجد إل متمحكا لتبريرات ‪,‬ومتعسفا لتعليلت من أجل تسويغ‬
‫التباع العمى وعبادة الرجال ‪.‬إل من رحم الله وقليل ما هم ‪.‬‬
‫والمصيبة أن كثيرين منهم يظنون أن تصحيح العقيدة هو مجرد التوغل فسسي بحسسوث‬
‫السماء والصفات ‪ ,‬ومحاربة القبور والموتى والمزارات ‪ .‬ومسسا دروا أن صسسحة العتقسساد‬
‫تشمل كافة مناحي الحياة عقيدة وعبادة وسلوكا ً واتباعًا‪.‬‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 99 [ ‬‬

‫حتى صار الداعي إلى الله ‪ ,‬وإلى حقيقة العودة إلى دينه غريبا بين الناس ‪ ,‬قابضسسا‬
‫على جمرة الصبر‪ ,‬منطويا على حرقة المعاناة تماما كما وصف رسول الله صسسلى اللسسه‬
‫عليه وسلم ‪.‬فقد انتشرت البدع ‪ ,‬واندثرت كثير من السسسنن حسستى عنسسد الملسستزمين مسسن‬
‫المتدينين وهم القلة في المة ‪.‬وأما أكثر باقي المة ‪ ,‬فما هم في السنة ول في البدعة‬
‫لقد أصبح أكثرهم يستن بسنن المغنيين والمغنيات والراقصين والراقصات والرياضسسيين‬
‫والرياضيات ‪,‬الحيساء منهسم والمسوات ‪ ..‬وأصسبحت دور الزيساء ورمسوز الفسن والمجلت‬
‫‪,‬ونجوم الشاشات الصغيرة والكبيرة نموذجا للتقليد والتباع ‪.‬ولسسم يعسسد عنسسد هسسؤلء مسسن‬
‫النسبة لهسسل السسسلم إل التسسسمي بالسسسماء والتمسسسك ببعسسض العسسادات والتقاليسسد ذات‬
‫الصول الدينية مع بعض رسوم العبادات والمواسم الدينية‪.‬‬
‫*************‬
‫‪ -4‬انتشار الفسوق والعصيان والمجاهرة بالمنكرات ‪:‬‬
‫فقد صار هذا سمت أغلب المنسوبين للسلم ‪ .‬وماذا نسوق من المثلة وعن مسساذا‬
‫نعرض؟! فالبلء عام‪ ,‬والكوارث طامة ‪.‬‬
‫فإذا جئت لدنيا المال والعمال ومعايش الناس; لرأيت أكثر النسساس ل يبسسالون هسسل‬
‫حصلوا رزقهم من حلل أم ومن حرام ‪ ,‬و لرأيت التعامل بالربا قد حل في كل زاويسسة ‪,‬‬
‫و أن الناس يأكلون أموال بعضهم بالباطل‪ ,‬بالغش والخداع وبيع العينسسة ونظسسام البنسسوك‬
‫والتعاملت ‪ ,‬وأما معاملت السواق فقائمة أصل على الحرام‪ ,‬هسسذا ناهيسسك عسن تفشسي‬
‫الرشوة والفساد والسرقات والحتيال والنهب‪.‬‬
‫وإن جئت لوسسائل العلم مسن الفضسائيات و الدشسوش وشاشسات التلفزيسون إلسى‬
‫محطات الذاعة إلى شبكات النسسترنت والمعلومسسات الدوليسسة إلسسى الصسسحف والمجلت ‪,‬‬
‫إلى المنتديات والمراكز الثقافية‪ ...‬إلخ ‪ ,‬لرأيت غالبيتها مصدر البلء وبوابات الشياطين‬
‫على بني البشر‪ .‬فإن سمتها الساسية قائمة على أنسسواع المحرمسسات والموبقسسات ‪ .‬مسسن‬
‫الموسيقى والطرب إلى اللهو والعري وعروض الختلط وبرامج الزنا والدعارة ‪ ..‬إلسسى‬
‫نشر الرذيلة وأفكار الفساد وموديلت الزياء الغربية الفاضسسحة ‪ .‬هسسذا ناهيسسك عسسن نشسسر‬
‫فلسفات اللحاد وأفكار العلمانية والثقافات المحاربة للسسه ورسسسوله وديسسن المسسسلمين ‪.‬‬
‫هذا فضل عما ابتدعوه حديثا من عرض ما أسموه ) السسسلم المعتسسدل ( ونمسسوذج حيسساة‬
‫أصحابه وطرق تفكيرهم ‪ ,‬وقد صار لبوابات الضلل هذه فقهاء ومفتون وأسسسسا تسسؤطر‬
‫للكفر والمروق من السسدين باسسسم السسسلم ) المعتسسدل ( بسسدعوى مواكبسسة العصسسر وعسسدم‬
‫إعطسساء الحجسسة لعسسداء السسدين بتهمتنسسا بسسالتطرف والرهسساب ‪ .‬ويكفيسسك أن تتسسابع علسسى‬
‫الفضائيات برامج ) فتاوى على الهوا ( ولسو صسدقوا لكتبوهسا بساللف المقصسورة لتصسبح‬
‫) فتاوى على الهوى ( على هوى كفار الحكام و فساق المحكومين ‪.‬‬
‫وأما حياة أكثر المسلمين الجتماعية والخلقية ‪ ,‬فلم تعد تقوم على أصول السلم‬
‫من الحياء والحشمة والصدق والخلص والرحمة والتعاون على البر والتقسسوى ‪...‬فحيسساة‬
‫أكثر العامة قائمة على الرياء والنفاق والغيبة والنميمة ‪ ,‬وقطيعسسة الرحسسم ‪ ,‬و التسسدابر و‬
‫التنسساكر ‪ ,‬والتحاسسسد والكسسذب ‪ ,‬والغسسش والمكاسسسب الحسسرام ‪..‬هسسذا ناهيسسك عسسن انتشسسار‬
‫السفور حتى صار الحجاب نادرا ومحاربا على الصعيد الرسمي والجتماعي ‪ ,‬كمسسا أدت‬
‫حياة الختلط وعمل المرأة في أوساط الرجسسال فسسي كسسل مجسسال إلسسى انتشسسار الفسسساد‬
‫والرذيلة والخيانات الزوجية ‪ ,‬وتفشى الزنا ‪ ,‬وانتشار الطلق ‪ ..‬ممسسا أورث المجتمعسسات‬
‫أمراضا خطيرة لم تكن فيها من قبل ‪..‬هذا فضل عن مصائب السياحة وشواطئ العراة‬
‫‪ ,‬وأندية الرذيلة ومقاهي الفساد ‪ ,‬وصالت الفراح ‪ ,‬وملهي المجون‪ ,‬وانتشار الخمسسور‬
‫والمخدرات وصالت القمار ومختلف أنواع المحرمات‪..‬‬
‫وأمسسا عسسن الحيسساة الثقافيسسة والفكريسسة ! فثقافسسات مسسستوردة مسسن شسسرق وغسسرب ‪,‬‬
‫وفلسفات قائمة على اللحاد والعلمانية والتنكر لدين هذه المة وهويتهسسا وأصسسالتها فسسي‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 100 [ ‬‬

‫كافة مجالت الفكر والثقافة والدب والفنون‪ .‬وكأنه لم يكفنا ما حصل لنسسا عسسبر العقسسود‬
‫المتوالية منسذ الحتلل ومسا تله مسن بلء حكومسات السستقلل‪ ,‬فهسا هسي أمريكسا اليسوم‬
‫تطاردنا بمخططات تغير مناهج التعليسسم والعلم والتسسدريس السسديني علسسى كسسل صسسعيد ‪.‬‬
‫وتصنع لنا برامج التغيير الثقافي لتطال كل مجال ‪ ..‬في اللغة والتاريخ والدين والثقافسسة‬
‫وكل مكوماتنا الحضارية والدينية ‪..‬‬
‫وأما عسن الحيساة السياسسية ‪...‬فمجسال أخصسب للفسساد والبعسد عسن السدين ; فقسد‬
‫انتشسسرت الحسسزاب والتيسسارات والتجمعسسات السياسسسية القائمسسة علسسى معتقسسدات وأفكسسار‬
‫مناهضة لدين السلم ‪ .‬ويكفي أن تسسستعرض الشسسرائح السياسسسية فسسي بلد المسسسلمين‬
‫داخل ما يسمى ) البرلمانات (‪ .‬ويكفي أن تطلع على قوانين تشسسكيل الحسسزاب وسسسير‬
‫النتخابات ‪ ,‬حتى تعلم أي نوع من البشر صار هؤلء الذين يسمون )مسلمين(! ولتدرك‬
‫أن بينهم وبين كل أمة نسب إل مع أمتهم ودين آبائهم وأجدادهم! ‪.‬‬
‫فقد صارت )الديمقراطية( ونموذجها الغربي دينا يعتقد وتسسسيل فسسي سسسبيله السسدماء‬
‫في المظاهرات وعلسسى صسسناديق القسستراع ‪ ,..‬وأمسسا الحسسزاب السستي تسسسمى ) إسسسلمية (‬
‫فبرامجها السياسية قائمة على مزيج من الصول السلمية والديمقراطية الغربيسسة مسسع‬
‫كم مسسن الفكسسر المسسستورد ومنوعسسات مسسن النحرافسسات والبسسدع السستي اخترعهسسا أصسسحابها‬
‫ومزجوها ببعض أصول الدين ليسسسموها )برامسسج إسسسلمية ( و)أحسسزاب إسسسلمية( ‪ ...‬بسسل‬
‫ليطلقوا على ضللها مصطلح ) فقه برلماني (!‬
‫وهكذا دب الفساد في كافة مرافق الحياة ‪ ...‬السياسسسية ‪,‬والدينيسسة ‪ ,‬والقتصسسادية ‪,‬‬
‫والجتماعية ‪ ,‬والخلقية ‪ ,‬والفكرية ‪,‬والثقافية ‪...‬إلخ ‪.‬‬
‫وكيف ل ينتشر الفساد والرذيلة ومقومات الصلح في أمسسة السسسلم قسسد دب فيهمسسا‬
‫العطب ‪:‬فكما روي في الثر‪ ):‬صنفان من الناس إذا صــلحا صــلح النــاس وإذا‬
‫فسدا فسد الناس ‪ ,‬العلماء والمراء (‪.‬‬
‫كيسف ل ينتشسر الفسساد ويجساهر بسالمنكرات ؟ والحكومسات القائمسة فسي كافسة بلد‬
‫السلم مشسسجعة علسسى ذلسسك ؟! تنفسسق ميزانياتهسسا ومصسسادر ثرواتهسسا فسسي وجسسوه الفسسساد‬
‫والفساد ‪ ..‬كيف ل والقيادات السياسية والمسسراء مسسن الملسسوك والرؤسسساء والسسسلطين‬
‫وحاشيتهم ووزرائهم ومشرعيهم وقيسساداتهم العسسسكرية والمنيسسة والسياسسسية ‪,‬هسسم أئمسسة‬
‫فون بل حيسساء بشسسرائع‬ ‫الرذيلة والفساد ‪ ,‬وهم من أكابر رواد مراتع المنكر وهم المسسستخ ّ‬
‫الدين وشعائر السلم ؟! إنهم باختصار‪:‬أئمة الكفر والفساد‪.‬‬
‫وكيف ل وعلماء المسلمين ومشايخهم وقادتهم قد هجروا المر بالمعروف والنهسسي‬
‫عسسن المنكسسر وصسسار أكسسثرهم مجسسرد ) ديكسسور( يكمسسل بسسه الحكسسام مسسوائدهم ومنصسساتهم‬
‫وصالوناتهم ‪ .‬في الجتماعات والحفلت والمناسبات ! كيف ل والصالحون منهم اكتفسسوا‬
‫بالسكون في جحور العجز وأعذار الرخص والتقيسسة ! حسستى صسسغر شسسأنهم وهيبتهسسم فسسي‬
‫أعين العامة ولم يعودوا قدوة تحتذى بل زهدوا الناس في أمور الدين وصار كثيرا منهم‬
‫نموذجا للضعة والتخلف والعمالة والجهل‪.‬‬

‫*************‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 101 [ ‬‬

‫غربة أهل الحق ‪:‬‬

‫ومن جراء مظاهر فساد الدين واستعلء أهل الضللة ‪ ,‬وكون أكثر أكابر الناس فسسي‬
‫مجتمعسسات المسسسلمين هسسم أكسسابر المجرميسسن ممسسن قسسدمنا أحسسوالهم مسسن أعيسسان رجسسال‬
‫السياسة والتجارة والفنون والفساد ومن في حاشيتهم من المنحرفين‪.‬‬
‫فقد أصبحت الفئة المتمسكة بدينها ‪,‬المرة بالمعروف الناهية عن المنكر ‪,‬الداعيسسة‬
‫إلى تغييره ‪ ,‬صارت غريبة في المجتمع ‪ .‬وأصبحت الثلة المؤمنة المتمسسسكة بالعتقسساد‬
‫الصحيح والسلوك الملتزم بقواعد الدين غريبة في تلك الفئة الصالحة ‪ ,‬وصسسارت القلسسة‬
‫المجاهدة في سيبل الله ‪ ,‬المواجهة لعداء الله في الداخل والخارج مسسن أجسسل تصسسحيح‬
‫هذه الوضاع ودفع هذا البلء ‪ ,‬صارت هذه القلة غريبة في تلك الثلة ‪ .‬وصار حالها إلسسى‬
‫ما وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم مما قسسدمنا لسسه فسسي فصسسل الغربسسة والغربساء‬
‫والظاهرين على الحق ‪.‬‬
‫وعلى هذا الحال انصسسرم القسسرن الميلدي العشسسرون ودخلنسسا فسسي القسسرن الحسسادي‬
‫والعشرين‪ ,‬لتجد أن أكثر الناس وكأنهم يتهيئون لتباع المسيح السسدجال ‪,‬ل يحسسول بينهسسم‬
‫وبين ذلك إل خروجه ‪.‬والعياذ بالله ونسأل الله السلمة في ديننسسا وأعراضسسنا وأنفسسسنا و‬
‫ذرياتنا وكل أمرنا‪.‬‬

‫*************‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 102 [ ‬‬

‫‪ ‬ثانيا ‪ :‬ذهاب الدنيا ‪‬‬


‫وأما عن ذهاب دنيا أكثر المسلمين ‪ .‬فإن الكثريسسة السسساحقة للمليسسار وربسسع المليسسار‬
‫من المسلمين تعيش في هذا الزمان معيشسسة ضسسنكا ‪ ,‬مسسن سسسوء حسسال دنياهسسا ‪ ,‬وضسسيق‬
‫معايشها ‪ ,‬فضل عما قدمنا من فساد دينها وبعدها عن ربها ‪ .‬ويكاد يطابق حال أكسسثرهم‬
‫ما وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه ابن ماجسسة وصسسححه‬
‫الحسساكم مسسن روايسسة أبسسي سسسعيد الخسسدري رضسسي اللسسه عنسسه حيسسث قسسال ‪ ) :‬إن أشقى‬
‫الشقياء من اجتمع عليه فقر الدنيا وعذاب الخرة ( فكأن غالبهم يصير إلسسى‬
‫هذا الحال ما لم تتداركهم رحمة الله وعفوه‪.‬‬
‫وتتجلى مظاهر ذهاب دنيا المسلمين وأسبابها في أمور كثيرة لعل أهمها ما يلي ‪:‬‬
‫سرقة بيت مال المسلمين وثرواتهم الساسية‪:‬‬ ‫‪-1‬‬
‫فمسسن المعلسسوم للقاصسسي والسسداني أن منطقسسة الخليسسج العربسسي تحتسسوي علسسى أكسسبر‬
‫احتياطي للنفط المعروف في الكرة الرضية‪ .‬وهو خزان النفسسط الول فسي الرض كمسا‬
‫أن الكشوف الحديثة أثبتت أن الخزان الثاني في الهمية على مستوى العسسالم هسسو فسسي‬
‫منطقة جمهوريات وسط آسسسيا السسسلمية ‪ ,‬والمنطقسسة الممتسسدة مسسن بحسسر قزويسسن إلسسى‬
‫القفقاس ‪ .‬بالضافة إلى أن ثروات نفطية وغازية هامة أخسسرى تسستركز فسسي بلد العسسراق‬
‫والشام ‪ ,‬وهنالك بحيرة نفطية أخسسرى فسسي جنسسوب السسسودان والقسسرن الفريقسسي وثالثسسة‬
‫ممتدة من مصر إلى الجزائر‪..‬هذا على صعيد السسثروات الساسسسية فسسي العسسالم الحسسديث‬
‫وهي مصادر الطاقة التي تشكل الثقسسل الساسسسي اقتصسساديا وسياسسسيا بسسل واسسستراتيجيا‬
‫على كل المستويات ‪ ..‬فإذا ما أضفنا إليها أن العالم السلمي الممتد من أفغانسسستان و‬
‫الباكستان والفلبين شرقا إلى شواطئ المحيط الطلسي وسواحل المغرب وموريتانيسسا‬
‫والسنغال غربا ومن أوسط آسسسيا و القفقسساس والبلقسسان وشسسمال أفريقيسسا شسسمال وإلسسى‬
‫جنوب آسيا وجزر إندونيسيا وأواسط أفريقيا السسسوداء جنوبسسا إذا علمنسسا أن هسسذا العسسالم‬
‫السلمي يمتلك من الثروات المعدنية المختلفسسة مخزونسسا هسسائل اسسستراتيجيا ‪ ,‬بحيسسث أن‬
‫عددا من دوله تعتبر من الدول الولى المصدرة لمعادن صناعية هامسسة وإذا أضسسفنا إلسسى‬
‫ذلك الثروات الحيوانية والزراعية التي تتوفر عليها هذه المناطق‪ .‬بالضسسافة لمسسا تسسوفره‬
‫مصادر المواصلت البرية والبحرية والجوية وحقسسوق )السسترانزيت( لهسسذه المنطقسسة السستي‬
‫تحتوي على أهم أربع مضائق ومعابر مائية عالمية من أصل خمسة هي مضسسيق هرمسسز‪,‬‬
‫وباب المندب ‪ ,‬وقناة السويس ‪ ,‬ومضيق جبل طارق وتشكل أجواؤها عقدة مواصسسلت‬
‫بين الجهات الجغرافية الربع في العالم ; لعجبنا كيف أن هسسذه المنطقسسة تشسستمل علسسى‬
‫بلد قد تصدرت قوائم الدول الكثر فقرا وتخلفا وجهل وأمية في العالم !! وأن الكثرية‬
‫الساحقة لشعوب هذه المنطقة بما فيها شعوب دول نفطية ذات عضسسوية فسسي منظمسسة‬
‫الوبك تعيش تحت خط الفقر ‪ .‬رغم أن الحصائيات القتصادية المنشورة علنا من قبل‬
‫مراكز الدراسات العالمية ‪ ,‬تشير إلى ثروات خيالية ‪ ,‬تفوق الحصر وتذهل المطلع ‪.‬‬
‫ويكفي على سبيل المثال أن نعلم أن ‪ %65‬مسسن اسسستهلك أوروبسسا للغسساز الطسسبيعي‬
‫يأتي من الجزائر مرورا بالمغرب ‪ .‬وأن نعلم أن جزيرة العرب وهسسي عقسسر دار السسسلم‬
‫وبيت مالهم الساسي تحوي ‪ %75‬من احتياطي النفسسط المعسسروف فسسي الرض ‪ .‬وأنهسسا‬
‫تنتج نحو ‪ 16‬مليون برميل نفط يوميا !! وأن أحد حقول النفط في جنوب العراق قسسادر‬
‫على إنتاج ‪ 5‬مليون برميل نفط يوميا هذا عدى ما ينتج من الغاز فيها‪ ..‬هذا عدا ما هسسو‬
‫معلوم من احتياطي النفط والغاز في بلد مثسسل إيسسران والجسسزائر وسسسوريا والسسسودان ‪..‬‬
‫وعن ثاني أكبر احتياطي للنفط في العالم في محيط ببحر قزوين ‪..‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 103 [ ‬‬

‫فكيف اتفق هذا ؟! أن تكون شسعوب أغنسسى بقعسة فسي الرض ‪ ,‬هسي أفقسسر شسعوب‬
‫الرض !‪.‬‬
‫يزول العجب إذا اطلعنسسا علسسى آليسسة السسسرقة التاريخيسسة السسسطورية السستي يمارسسسها‬
‫الغرب بدوله المختلفة‪ ,‬وعلى رأسها أمريكا ودول أوروبسسا النسساتو وروسسسيا ‪..‬وهسسم العسسدو‬
‫الصليبي الزاحف علينا اليوم ‪ ..‬حيث يمول حروبسسه السستي تزهسسق أرواح أطفالنسسا بأموالنسسا‬
‫وثروات بيت مالنا ‪ ..‬إنهم ببساطة يأخذونها ويذبحوننا بها ! يأخذون بترولنا ليحركون بسسه‬
‫طسسائراتهم وأسسساطيلهم ودبابسساتهم التيسسة لقتسسل أطفالنسسا ونسسسائنا‪ ,‬ولتعسسود أربسساحه علسسى‬
‫شعوبهم لتعيش رفاه العيش ‪.‬‬
‫إن الثروات تسرق من مصادرها ‪,‬لنها تستخرج كلها عسسبر شسسركات أجنبيسسة تشسسرف‬
‫علسسى مراحسسل السسستخراج والتسسسويق والتجسسارة ‪ ,‬وتسسدير البنسسوك الدوليسسة حيسسث تسسستقر‬
‫الرصدة ‪ ,‬فتستكمل دائرة السرقة من البداية إلى النهاية!!‬
‫ذلك أن السسسرقة تبسسدأ مسسن عقسسد العقسسود مسسع الحكومسسات الخائنسسة عميلسسة اللصسسوص‬
‫المستعمرين الذين يمتلكون ويديرون تلك الشركات ‪ .‬حيسسث يسسذهب مسسا بيسسن ‪%60-40‬‬
‫إليهم عبر عقود الشراكة ‪ ,‬وهذه أول مراحل السرقة ! ثسسم تسسأتي المرحلسسة الثانيسسة مسسن‬
‫السرقة بسستزوير كميسسات المسسواد المسسستخرجة لنهسسم هسسم المشسسرفون علسسى اسسستخراجها‬
‫بواسطة مهندسيهم وخبرائهم ‪ ,‬فضل عن رشوتهم للمشرفين من حاشية حكامها علسسى‬
‫هذه الثروات من أجل تزوير الكميسسات فسسي العديسسد مسن البلد ‪ .‬ثسسم تسأتي ثسالث مراحسسل‬
‫السرقة ‪ ,‬في تحديد أسعار هذه المواد وتسويقها عالميسسا بسسأبخس الثمسسان ‪ .‬ويكفسسي أن‬
‫نعرف أن السعر الحقيقي المفترض أن يكون لبرميل النفط الخام إذا ما قيس بأسسسعار‬
‫المسسواد المصسسنعة ‪ ,‬ودوره فسسي تشسسغيل مصسسانعها هسسو بحسسسب بعسض مراكسسز الدراسسسات‬
‫القتصادية العالمية في بلد الغرب ذاته ‪26‬يجب أن يكون ‪ 260‬دولر للبرميل الواحسسد ‪.‬‬
‫في حين لم يتجاوز في الحقيقة سعره عالميا في تاريخه ‪ 45‬دولر!!‪ .‬وقسسد تسسراوح فسسي‬
‫معظم وقته حول ‪20‬دولر للبرميل ! وانخفض في بعض الحيسان عسن ‪ 10‬دولر!! كسسل‬
‫ذلك لن أسياد البورصة العالمية التي تلعب باسعار البضائع الساسية ‪ ,‬وقيمة العملت‬
‫الدولية ‪,‬هم من اليهود ومن كبار الرأسماليين الصليبيين ‪,‬أي نفسسس المحتسسل المسسستعمر‬
‫لبلدنسسا ! ثسسم نضسسيف للمأسسساة فصسسل جميل حيسسن نعلسسم أن حكومسسات بلدنسسا العميلسسة ‪,‬‬
‫واللصوص المحليين من حكامنا وملوكنا وأبنائهم وإخوانهم وكبار حاشسسيتهم ‪...‬يحصسسلون‬
‫من هذا البترول على هبات من خارج الحصص المقرر إنتاجهسسا عالميسسا فسسي تلسسك البلد ‪,‬‬
‫فيبيعوه بنحو ‪ 3‬دولر للبرميل الواحد فسسي الميسساه الدوليسسة وأعسسالي البحسسار ‪ ,‬فيخسسسفون‬
‫بسعر النفط عالميا ‪ ,‬ولكن ناقلسة صسغيرة مسن نصسسف مليسون برميسسل تكفسي عائداتهسا )‬
‫‪1.5‬مليون دولر( لتغطية مصاريف نزواتهم من الزنا والفجور والقمار لعدة أسابيع!!!‬
‫هذا مثال واحد من عالم النفط وقس عليه كافة الثروات وطرق سرقتها‪.....‬‬
‫ثم تأتي المرحلة الرابعة من السسسرقة ‪ ...‬حيسسن تنتقسسل حصسسة بلدنسسا مسسن ثمسسن هسسذه‬
‫المسسواد إلسسى بنسسوكهم ‪ ,‬لتتحسسول إلسسى أرقسسام و أصسسفار الكترونيسسة متراكمسسة عنسسدهم فسسي‬
‫الحسابات يشغلون بها اقتصادهم ول يسسسمحون لحكوماتنسسا أن تسسسحب منهسسا إل كميسسات‬
‫محدودة ومحسوبة‪ ,‬لتذهب معظمها في شراء المسسواد الصسسناعية والسسسلحة واحتياجاتنسسا‬
‫ممسسا نسسستورده مسسن عسسالمهم المصسسنع ‪,‬حيسسث يفرضسسون أسسسعار مسسوادهم كمسسا يحبسسون‬
‫ويشتهون ! بل يفرضون على بلدنسسا نسسوع وكميسسات السسسلح والسسذخائر السسذي نسسستورده !‬
‫وسعره طبعا ! يكفي مثال أن أحد نواب مجلس المة الكويسستي قسسد فجسسر فضسسيحة حيسن‬
‫كشف عن فاتورة بمليارات الدولرات السستي تحاسسسب بهسسا أمريكسسا الكسسويت عسسن نفقسات‬
‫قواتها هناك ‪ ,‬حيث سجل في مصاريف الطعام ثمن )الخسة( من الخضار المسسستخدمة‬
‫في السلطة ‪ 30‬دولر أمريكي !! ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 104 [ ‬‬

‫لتكتشف في نهاية المطاف أننا ل نحصل من ثرواتنا إل على نسب مئويسسة مضسسحكة‬
‫يذهب معظمها للحسابات السرية لحكامنا وجلدينا في البنسسوك السويسسسرية والوروبيسسة‬
‫والمريكيسسة ذات الدارة اليهوديسسة ‪ .‬ول يصسسل للشسسعوب إل مسسا يغطسسي نفقسسات تلسسك‬
‫الحكومات وبعسض مشساريعها الساسسية ‪ .‬أمسا معظسم السثروات المعدنيسة فهسي تسسرق‬
‫بنفس الطريقة وتنقل غالبا على شكل فلزات وأحجسسار ومسسواد خسسام للتصسسدير‪ ,‬بحيسسث ل‬
‫تصنع وتستخلص محليا حتى ل يكون في أكثر تلك البلد بنى تحتية صناعية ول تسسستعمل‬
‫اليد العاملة المحلية فيها إل على صفة حمالين من المناجم إلى موانئ التصدير ‪!!.‬‬
‫وهكسسذا تحسسولت تلسسك السسثروات والنعمسسة العظيمسسة السستي منحهسسا اللسسه بلد عبسساده‬
‫المسسسلمين ‪ ,‬إلسسى نقمسسة صسسارت سسسببا لتصسسارع الحكومسسات والنقلبسسات السياسسسية‬
‫والعسسسكرية محليسسا مسسن أجسسل تسسولي السسسلطة ‪ ,‬والشسسراف علسسى نهسسب هسسذه السسثروات‬
‫وتسليمها للسيد المستعمر مسسن قبسسل الحكسسام المرتسسدين المتعسساقبين علسسى حكسسم بلدنسسا‬
‫‪.‬وسببا في النهاية للغزو الجنبي والحروب والموت ولباس الخوف والجوع ‪.‬هسسذا ناهيسسك‬
‫عما تفرضه أمريكا على معظم حكومات بلدنا ولسيما فسسي عقسسر دارهسسم وبيسست مسالهم‬
‫)جزيرة العرب( من فواتير تكاليف غزواتها في بلدنا على شكل نفقسسات قسسوات )حفسسظ‬
‫السسسلم ( و )المسسساعدات العسسسكرية( المزعومسسة !! وهسسو السسسم الملطسسف للسسستعمار‬
‫العسسسكري الحسسديث ‪ .‬كمسسا فعلسست أمريكسسا بالسسسعودية عنسسدما قسسدرت تكسساليف )عاصسسفة‬
‫الصحراء‪ /‬تحرير الكويت ( بس س )‪ 560‬مليسسار دولر(! فاسسستولت علسسى ميزانيسسة السسسعودية‬
‫لديها وجعلت ما عجزت عنه على شكل ديسسون ربويسسة جعلسست السسسعودية – أكسسبر مصسسدر‬
‫للنفط في العالم – دولة مدينة ربويا لصندوق النقسسد السسدولي !! هسسذا بعسسض مسسا كشسسفته‬
‫وسائل العلم ‪ ,‬والمخفي عنا أدهى وأعظم وأمر ‪.‬‬

‫*************‬

‫سوء توزيع الثروة في بلدنا السلمية‪:‬‬ ‫‪-2‬‬


‫ل تنتهي مأساة سرقة بيت مال المسلمين وثرواتهم عنسد حسسد سسسرقتها ‪ ,‬فالمصسسيبة‬
‫العظم هي أن ما يسلم مسسن السسثروات المحليسسة ومسسا يصسسل منهسسا لبلدنسسا يتسسولى سسسرقة‬
‫معظمه حفنة من الحكام الفراعنسسة المسسسيطرين علسسى مقسسدرات البلد والعبسساد لينهبسسوا‬
‫معظمه‪ ,‬وليتقاسموا بعضسسه مسسع المقربيسسن مسسن حاشسسيتهم وشسسركائهم وعملئهسسم وكبسسار‬
‫التجار والقائمين على أجهزتهم السلطوية و الطاغوتية ! فيكفي أن تعلم أن ثروات بلد‬
‫الخليج النفطية والغازية التي تجاوز مواردها المليار دولر يوميا‪ ..‬يتقاسمها أسر حاكمسسة‬
‫ومالكة ل يتعدى تعداد أفرادها في بعض الدول العشرات من المراء‪ .‬وهم بمجمسسوعهم‬
‫في دول الخليج العربي ل يزيدون على بضعة مئات من الملوك والمراء وكبار أبنائهم‪..‬‬
‫يتقاسمون ثروة المة السلمية بكاملها‪ ..‬فيكفسسي أن تعلسسم مثل أن المصسسروف اليسسومي‬
‫للمير سلطان بسن عبسسد العزيسز النسائب الثساني لملسسك مسسا يسسمى بسس )المملكسة العربيسسة‬
‫السعودية( يبلغ ‪ 3‬مليون دولر يوميا بحسب بعض مراكز الدراسات الملمة بإحصسسائيات‬
‫دنيا المال والعمال وحياة الغنياء! حيث تغطي هذه المبالغ خسسدمات قصسسوره الممتسسدة‬
‫من سواحل أمريكا إلى أوروبا إلى شرق آسسسيا بمسسا فيهسسا مسسن خسسدمات اللهسسو والسسدعارة‬
‫والقمار والفساد‪.‬‬
‫وقس غيره عليه ‪ ,‬ومن الطريف المحزن أن تعلم أن الخبار قد نشرت أن فيصسسل‬
‫بن فهد ملك السعودية مات فجأة بسكة قلبية لنه خسر على موائد القمسسار فسسي بعسسض‬
‫معاركه على طاولة الميسر )‪ 10‬مليار دولر( يعني عشسسرة آلف مليسسون دولر‪ ..‬وقسسس‬
‫عليه حكام باقي بلد العالم السسلمي المنكسوب حيسث يتسولى أبنساء الملسوك والرؤسساء‬
‫وكبار أعوانهم وقواد جيوشهم وأجهزة استخباراتهم تقاسم ثروات البلد ‪ ,‬بحيث يعيسسش‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 105 [ ‬‬

‫معظم أفراد الشعوب السلمية عمليا تحت خسسط الفقسسر بمسسوجب إحصسسائيات دراسسسات‬
‫اقتصادية واجتماعية يتفطر لها القلب ويندى لها الجبين فسوء توزيع الثروة يتدرج على‬
‫كل المستويات‪..‬‬
‫فثمسسة سسسوء توزيسسع للسسثروة بيسسن البلد السسسلمية ذاتهسسا بحكسسم التقسسسيم السياسسسي‬
‫الستعماري لبلد العالم السلمي وتوزيعها بين دول غنية متخمة ودول فقيرة هالكسسة ‪..‬‬
‫ففسسي حيسسن يصسسل متوسسسط دخسسل الفسسرد فسسي بعسسض البلد السسسلمية مثسسل بنغلدش‬
‫وأفغانستان وبعض البلد الفريقية السلمية ليقل عسسن ‪ 100‬دولر فسسي السسسنة للفسسرد !‬
‫أي نحو ربع دولر يوميا يصل متوسط دخل الفرد في البلد الخليجية إلى عشرات آلف‬
‫الدولرات سنويا للفرد الواحد حيث تسجل بعضها –مثل الكسسويت وقطسسر‪ -‬أعلسسى معسسدل‬
‫لدخل الفرد في العالم ‪ .‬ثم هناك سوء توزيع ثروة داخل كل بلد‪..‬‬
‫ففي حين تصل ثروة بعض الفراد في بعض البلد السلمية حتى الفقيرة ولسسسيما‬
‫في طبقات السلطة العليا في كل بلد إلى مرتبسسة المليسسارديرات ‪ ..‬حيسسث يتصسسدر بعسسض‬
‫حكسسام بلد المسسسلمين وبعسسض أبنسسائهم وإخسسوانهم قسسوائم أغنسسى عشسسر مليسسارديرات فسسي‬
‫العالم ‪ ..‬تجد بعض أفراد رعيتهم يموتون جوعا وتسحق البطالة معظم أفراد شعوبهم ‪.‬‬
‫كل هذا علما أن من أساسيات ديننا أن أمة السلم واحدة ‪ ...‬وأن ذمتهسسم واحسسدة ‪,‬‬
‫وتكاملهم واحد ‪ .‬حتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪..‬أخبرنا بسسأنه مسسا آمسسن مسسن‬
‫بات شبعا وجاره جائع‪) .‬الحديث(‪.‬‬
‫فثروات المسلمين هي ملك المســلمين ‪ ,‬بمعنــى أن جميــع الــثروات‬
‫لجميع المسلمين ‪.‬‬
‫ولكن تقسيمات وزارات المسسستعمرات الغربيسسة لبلدنسسا قسسسمت السسثروات ووزعسست‬
‫الفقر والغنى ‪ .‬فأين حال المة مما كان عليه المر الول؟!‪.‬‬
‫فقد روت الثار أن الصحابة رضوان الله عليهم لمسسا فتحسسوا العسسراق وكسسثرة الغنسسائم‬
‫والمال ‪..‬نظر عمر في سعة الرض بعسد فتسوح العسراق ومسا أفساء اللسه علسى المسؤمنين‬
‫‪..‬فجمسسع الصسسحابة ونسساظرهم فسسي أنسسه يسسرى تسسرك أراضسسي سسسواد العسسراق لسسبيت مسسال‬
‫المسلمين‪ ,‬ثروة لمن يأتي من بعدهم رغم أن بعض الصحابة احتج وطالب بسسأن تقسسسم‬
‫على المجاهدين الذين غنموها‪ ,‬وكان لهم في ذلك أدلة ونصوص من كتاب وسنة‪.‬‬
‫ومما جاء من الثار في ذلك ‪:‬‬
‫( عن أسلم‪ :‬قال‪ :‬سمعت عمر يقــول‪ :‬اجمعــوا لهــذا المــال فــانظروا‬
‫لمن ترونه وإني قد قرأت آيات في كتاب الله‪ .‬سمعت الله يقــول‪  :‬مــا‬
‫أفاء الله على رسوله من أهل القرى ‪ - ‬إلى قــوله – ‪ ‬والــذين جــاؤوا‬
‫من بعدهم ‪ ‬والله ما من أحد من المسلمين إل وله حق في هــذا المــال‬
‫ُ‬
‫أعطي منه أو منع حتى راع بعدن (‪ .‬كنز العمال ص ‪. 561‬‬
‫كر رضي الله عنه في الذين جــاؤوا مــن بعــدهم ‪ ,‬وقــال رضــى‬ ‫فقد ف ّ‬
‫الله عنه ‪ ( :‬والله لئن بقيت لهم ليأتين الراعي بجبل من صنعاء حظه من‬
‫هذا المال وهو يرعى مكانه ( كنز العمال ص ‪. 524‬‬
‫وقال رضي الله عنه ( مـا علـى وجـه الرض مسـلم إل ولـه فـي هـذا‬
‫ُ‬
‫الفيء حق أعطيه أو منعه إل ما ملكت أيمانكم ( كنز العمال ص ‪.525‬‬
‫وقد ضرب عمر رضي الله عنه المثال بحق فقير يمني بما فتح اللسسه فسسي العسسراق ‪,‬‬
‫وهي من أبعد ما كان يصل إليسسه حكمسسه مسسن ديسسار السسسلم عسن مكسان السسثروة والمسال‬
‫الجديد ‪ .‬فجعل لهلها نصيبا مما دخل بيسست المسسال مسسن السسثروات حسستى الزراعيسسة وهسسي‬
‫أرضي سواد العراق ‪ ...‬فما بالسسك بسسثروات بساطن الرض الطائلسسة ؟! ولكسسن السياسسسات‬
‫الستعمارية قسمت البلد وأذلت العباد ‪ ,‬حتى تمكنت من سرقة الجزء الكبر ‪ ,‬وجعلت‬
‫المسلمين يتفاضلون فيما بقي منه في أسوء مثال لتوزيع الثروة في التاريخ والواقسسع ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 106 [ ‬‬

‫وبذهاب الثروة وضياعها وسوء توزيسع مسا تبقسسى منهسسا‪ ,‬نتجسست نتسسائج خطيسسرة جسسدا علسسى‬
‫الصعيد القتصادي والجتماعي والسياسي في بلد المسلمين ‪ ,‬وانعكست بالضافة لما‬
‫نتج عن غياب شرع الله والحكم به مما قدمنا‪ ,‬لتولسسد بسساقي أعسسراض ذهسساب السسدنيا نكسسد‬
‫العيش على كل صعيد ‪ .‬ومن بعض وجوه ضياع الدنيا ونكد العيش على سبيل السسذكر و‬
‫للشارة ‪..‬‬

‫*************‬
‫الظلم‪:‬‬ ‫‪-3‬‬
‫إن غياب عدالة الشريعة ‪ ,‬وغياب عدالة توزيع المال ‪ ,‬جعسسل أكسسثر النسساس وحوشسسا‬
‫ضارية يأكل بعضهم بعضا ويظلم بعضهم بعضا ‪ .‬والنسساظر فسسي تسلسسسل مراتسسب الظلسسم‬
‫والمظالم يجده طابعا أساسيا لعيش المسلمين ‪ ..‬فأمريكا والسسدول السسستعمارية تظلسسم‬
‫بلد المسلمين حكاما ً ومحكومين وتخضعهم لجبروتها‪ .‬والحكام الفراعنسسة يظلمسسون مسسن‬
‫تحتهم من أعوانهم وشسسعوبهم ويقهرونهسسم‪ .‬وكبسسار العسسوان يظلمسسون صسسغارهم بحسسسب‬
‫تفاوت قربهم وبعدهم من السلطان‪ ,‬وبحسب مناصسسبهم وصسسلحيات طغيسسانهم ‪ ,..‬وهسسم‬
‫بجملتهم يظلمون باقي الناس بحسب قدرتهم أيضا أغنياَءهم وفقراَءهم على حد سواء‬
‫‪ ,‬ويبتزون أموالهم و ينتهكون حرمسساتهم ‪ ..‬وحسستى داخسسل طبقسسات الشسسعب ؛ فإنسسك تجسسد‬
‫القوي يظلم الضعيف ‪ ,‬والغني يظلم الفقير ‪ ,‬وهكذا‪ , ..‬حتى أن الظلسسم كسساد أن يكسسون‬
‫عرفا مقبول ‪,‬ل تكاد تجد عليه اعتراضا من أحد‪ ,‬وكأنه قدر مقدور ل طاقة ول قبل لحد‬
‫بإزالته‪ ,‬حتى أصبحت المحاكم وهسسي مسسا تسسسمى ) بيسسوت العدالسسة ( أصسسبحت دورا لخسسذ‬
‫الرشوة وأكل الحقوق ‪ ..‬فأين ينتصف مظلوم من ظالم‪ ..‬؟!‬
‫*************‬
‫القهر والذل ‪:‬‬ ‫‪-4‬‬
‫وهكذا ألبس الناس ثياب الذل والنكسار‪ ,‬كل ضعيف تجاه من هو أقوى منه‪ ,‬وكل‬
‫فقير تجاه من هو أغنى منه‪ ,‬وكل محكوم تجاه من بيده شيء من السلطان أكثر منسسه‪.‬‬
‫وأصبحت الضغائن ومشاعر القهر تسيطر على معظسسم النسساس تجسساه حكسسامهم خاصسسة ‪,‬‬
‫وفيما بين أكثريتهم عامة ‪ ,‬وأورث هذا الناس أمراضا اجتماعيسسة مستعصسسية مسسن الريسساء‬
‫والنفاق والتحاسد والتباغض ‪..‬‬
‫*************‬
‫الخوف ‪:‬‬ ‫‪-5‬‬
‫وأما لباس الخوف فهو سربال يتسربل بسسه أكسسثر المسسسلمين منسسذ نعومسسة أظفسسارهم‬
‫بسبب ما تقدم من العوارض‪ .‬فالمسسسلمون حكامسسا ومحكسسومين يخسسافون مسسن سسسيطرة‬
‫وسلطان العداء وعدوانهم‪ ,‬والشعوب تخاف حكامها‪ ,‬وكل ضعيف يخاف من هو أقسسوى‬
‫منه‪.‬‬
‫ففي ظل النظمة البوليسية حيث تتعسسدد أجهسسزة السسستخبارات ‪ ,‬ويتفنسسن الجلدون‬
‫في صنوف التعذيب ‪ ,‬وتنفق الحكومات قسطا كبيرا من ميزانيتها فسسي بنسساء السسسجون ‪,‬‬
‫يسيطر الرعب على كافة طبقات الناس ‪ ,‬فالموظف يخسساف المسسدير ‪ ,‬والسسستاذ يخسساف‬
‫المخبر من التلميذ ‪ ,‬والسائق يخاف شرطي المسسرور ‪ ,‬والمسسواطن يخسساف المخسسابرات‪,‬‬
‫والمتظاهر يخاف القمع‪ ..‬وخطيب الجمعة يخاف الجاسوس بين المصلين ‪ ..‬والكتسساب‬
‫يخافون الرقابة‪ ..‬وهكذا‪ ..‬إلى الحاكم العميل الذي يخاف مسسن أمريكسسا ‪ ,‬ويواليهسسا خوفسسا‬
‫وطمعا كي ُتبقي عليه‪ ,‬وتضمن توريث ملكه لبنائه أو ذويه وأتباعه ‪..‬‬
‫*************‬
‫الجوع والمراض‪:‬‬ ‫‪-6‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 107 [ ‬‬

‫وبسبب سرقة بيت مال المسلمين الساسي ) نفطهم وثرواتهم ( ‪ ,‬وبسبب سسسوء‬
‫توزيع ما تبقي ونهبه من قبل الكبراء ‪ .‬ألبس النسساس لبسساس الجسسوع مسسع لبسساس الخسسوف‪.‬‬
‫فالكثريسسة السسساحقة للمسسسلمين تعيسسش تحسست خسسط الفقسسر‪ ,‬وتثبسست هسسذا إحصسسائيات‬
‫المنظمات المحلية والعالمية ذات العلقة بهذا الشأن‪ .‬كما أن كثيرا من بلد المسسسلمين‬
‫مثل بلد القرن الفريقي وبنغلدش وسواها تجتاحها المجاعات والمراض والكسسوارث ‪..‬‬
‫التي تحصد مئات آلف البشر كسسل سسسنة‪ .‬ومعظسسم بلد المسسسلمين نتيجسسة اختلل مسسوارد‬
‫الثروة تعيش حياة متدنية على مستوى الخدمات الصحية‪ .‬مما نشر المسسراض المزمنسسة‬
‫والوبئة وجعل إمكانيات الحكومة دون مستوى التصدي لها ‪ ,‬كمسسا جعسسل تكسساليف العلج‬
‫بعيدة عن متناول معظم العائلت الفقيرة‪.‬‬
‫وقد أودى الفقر بكثير من الشباب والرجال إلى الرحيل عسسن بلدهسسم طلبسسا لمسسوارد‬
‫الرزق ‪ ,‬حتى صارت كثير من بلد المسلمين كالباكسسستان ودول شسسمال أفريقيسسا وتركيسسا‬
‫وسواها‪ ..‬بل معظم بلد المسلمين مصدرا لتصسسدير العمالسسة الرخيصسسة المهسساجرة إلسسى‬
‫كافة أنحاء العالم ليضيع الرجال شبابهم بعيدا عن أسرهم ونسائهم وأطفالهم من أجسسل‬
‫كفاف العيش ‪.‬أما عن الجهل فحدث ول حرج ‪ ,‬ويكفي على سبيل المثسسال أن نعلسسم أن‬
‫الحصائيات تشير إلى وجود ) ‪ 65‬مليون( أمي في العالم العرب فقط ‪ ,‬علما أن تعداد‬
‫السكان فيه يناهز الس ‪ 300‬مليون نسمة !! ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 108 [ ‬‬

‫القتل الجماعي‪:‬‬ ‫‪-7‬‬


‫تتعسسرض كسسثير مسسن بلد المسسسلمين اليسسوم لحملت للبسسادة الجماعيسسة مسسن قبسسل‬
‫المستعمر الغربي في ظل النظام العالمي الجديد‪ .‬وتكاد ل تخلو نشرة أخبار يوميا من‬
‫خبر أو أكثر عن تلك المجازر‪ .‬فخلل العقدين الخيرين فقط ‪...‬حصسسدت المجسسازر مئات‬
‫آلف المسلمين في البوسنة‪ ,‬و الشيشسسان ‪ ,‬وكوسسسوفو‪ ,‬وكشسمير‪ ,‬والهنسد ‪ ,‬والفلسسبين ‪,‬‬
‫وأفغانسسستان ‪ ,‬والعسسراق ‪ ,‬وفلسسسطين ‪ ,‬ولبنسسان ‪ ,‬والصسسومال ‪ ,‬وإندونيسسسيا ‪ ,‬ونيجيريسسا ‪,‬‬
‫وبورما ‪ ,‬واريتريا ‪ ,‬و كردستان العراق ‪ ... ,‬وغيرها‪.‬‬
‫بل إن حملت القتل المنظم والتجويع نالت مليين الطفال كما في العراق ‪ ,‬حيسسث‬
‫لم تكتف أمريكا بقتل أكثر من ‪ 300‬ألسسف مسسدني وعسسسكري فسسي حسسرب الخليسسج الثانيسسة‬
‫) عاصفة الصحراء ( ‪ ..‬فقتلت عبر ‪ 10‬سنوات من الحصسسار أكسسثر مسسن مليسسون ونصسسف‬
‫طفل من سوء التغذيسسة وانعسسدام السسدواء ‪ .‬وملسسف المجسسازر الجماعيسسة وعمليسسات البسسادة‬
‫العرقية والتصفية الجسدية الحاصلة للمسلمين اليوم تحتاج إلى مجلدات قائمسسة بسسذاتها‬
‫ومؤرخين متفرغين يتابعون تفصيلها وإحصائياتها !!‪.‬‬
‫هذا ناهيك عن عمليات القتل والبادة عبر أنظمة وبرامج تحديسسد النسسسل ‪ ,‬والدويسسة‬
‫قمة والفاسدة والناشرة للمراض ‪,‬التي يرسسسل بهسسا الغسسرب عسسبر شسسحنات الغذيسسة‬ ‫المع ِ‬
‫والمساعدات التي تدخل بلد المسلمين المنكوبة تحت عناوين المساعدات الغذائية !!‪.‬‬
‫ناهيك عن عمليات التصفية والمجازر التي تقوم بها الحكومات وأنظمتها الطاغوتية‬
‫لشعوبها ‪ ,‬وخاصة للشباب المسلم فسسي حسسال شسسعورها بسسأي خطسسر ‪ .‬وقسسوائم جرائمهسسم‬
‫طويلة‪ ,‬فقد قتل صدام خلل حكمه في العراق أكثر من مليسسون إنسسان ‪ ,‬وقتسل الملسك‬
‫حسين في الردن في أيلول السود ‪ 1970‬عشرين ألف فلسطيني ‪ ,‬وقتل حافظ أسد‬
‫مطلع الثمانينات أكثر من ‪ 40.000‬من الشعب السوري وفي تل الزعتر فسسي بيسسروت ‪-‬‬
‫لبنان نحو ‪ 60.000‬من الفلسطينيين ‪ ,‬وفي طرابلس كذلك أكثر من ‪ 20.000‬لبناني ‪,‬‬
‫كما حصد النظام الجسسزائري بعسسد النقلب ب العسسسكري ‪ 1991‬وإلسسى اليسسوم أكسسثر مسسن‬
‫‪ 150.000‬إنسان ‪...‬وهلم جرا ‪.‬‬

‫*************‬
‫التهجير الجماعي ‪:‬‬ ‫‪-8‬‬
‫كذلك وفي كل مناطق الحروب والكوارث ‪ ,‬وفي مناطق المجازر آنفة الذكر ‪ ,‬نجد‬
‫أن كثيرا ممن سلموا من القتل ‪ ,‬خرجوا في أفواج هجرة جماعية فسسارين مسسن عمليسسات‬
‫الموت الزاحف ‪ .‬كما حصل في البوسسسنة و الشيشسسان وأفغانسسستان والصسسومال وإرتريسسا‬
‫وفلسطين وكشمير وكوسوفو ‪ ...‬ويكفي أن تطلع على إحصسسائيات المنظمسسات الدوليسسة‬
‫لرعاية اللجئين ‪ ,‬لتكتشف أن عشرات المليين من المسلمين يعيشسسون مهجريسسن عسسن‬
‫بلدهم في مخيمات تفتقر لدنى مقومات حقوق الحيوان فضل عن حقوق النسان‪.‬‬

‫*************‬
‫انتهاك العراض ‪:‬‬ ‫‪-9‬‬
‫وفي كل تلك المنسساطق المنكوبسسة بسسالحروب وعسسدوان السسدول والعصسسابات الصسسليبية‬
‫والهندوسية والملحدة وغيرها من أنواع الكافرين ‪ ,‬لسسم تسسسلم أعسسراض المسسسلمين مسسن‬
‫أبشع عمليات النتهاك والعتداء مسن قبسل الكفسرة‪ ,‬بسل بلغست مسدى مرعبسا فسي بعسض‬
‫مناطق البلء كما حصل في البوسنة حيث سجلت منظمات حقسسوق النسسسان أكسسثر مسسن‬
‫‪ 50.000‬حالة اغتصاب للمسلمات هناك ‪ .‬فضل عما ترصده الخبار هنا وهناك من هذه‬
‫الجرائم ‪.‬هسسذا مسسن قبسسل العسسداء الخسسارجيين ‪ ,‬فضسسل عمسسا تقسسوم بسسه أجهسسزة الحكومسسات‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 109 [ ‬‬

‫البوليسية الفاجرة ورجال استخباراتها في بلد المسلمين من العدوان علسسى أعراضسسهم‬


‫في سجونها بل حسيب ول رقيب‪...‬‬
‫هذا عن النتهاك الجباري للعراض ‪ ,‬ناهيك عما فشسسا فسسي المسسسلمين مسسن انتهسساك‬
‫طوعي للعراض بفضل سياسات الحكومات وأجهزة إعلمها الداعرة في نشر الرذيلسسة‬
‫والفساد وسوء الخلق ‪ ,‬حتى انتشر الزنا في المسلمين انتشار الوباء‪..‬‬

‫*************‬
‫‪ -10‬القلق والضياع النفسي ‪:‬‬
‫وهو النتيجة الطبيعية لكل ما سبق ‪ ,‬فإن أمة تعيش بعيسسدة عسسن ديسسن ربهسسا ‪ ,‬غريبسسة‬
‫عن معتقداتها ‪ ,‬محكومسة بشسرائع أعسدائها ‪ ,‬قسد هجسرت دينهسا ولسم تنسسجم فسي ديسن‬
‫أعدائها ‪ ,‬فبقيت مغربة ل هي تعيش السسسلم‪ ,‬ول هسسي تسسذوب فسسي ديسسن غيسسره ‪ .‬يعيسسش‬
‫أفرادهسسا انعكاسسسات كسسل مسسا قسسدمنا مسسن ألسسوان البلء ‪ ..‬مسسن الفقسسر والجسسوع ‪ ,‬والخسسوف‬
‫والمرض والقهر والذل والظلم والفساد ‪ ,‬وتسلط الفراعنة الحكسسام ‪ ,‬وطغيسسان العسسداء‬
‫وعسسدوانهم ‪ .‬بكسسل مسسا أورث ذلسسك مسسن الزمسسات السياسسسية والقتصسسادية والجتماعيسسة‬
‫والثقافية والفكرية والنفسية ‪ ..‬ل شك أن أمسسة كهسسذه سسسيعيش أفرادهسسا السستيه والضسسياع‬
‫والقلسسق ‪ .‬فل هسي فسي دنيسسا مريحسسة ‪ ,‬و ل هسسي تتسسسلح بسسدين يسسسعفها بالصسسبر والتوكسسل‬
‫والقدرة على مقارعة الخطوب ‪ .‬وهذا ما أثبتته دراسات مطلعة ‪ ,‬وإحصائيات مقلقسسة ‪,‬‬
‫من ازدياد معدلت النتحار‪ ,‬والطلق ‪ ,‬والمراض النفسية والجتماعيسسة ‪ ,‬وانتشسسار كسسثير‬
‫من مظاهر الهستيريا وأعراض الكتئاب ‪ .‬وبالخلصة ‪ ,‬وكما عبر القرآن عسن ذلسسك بكسسل‬
‫اختصسسسسسسسسسسسسسار وصسسسسسسسسسسسسسرامة ‪ , ..‬وصسسسسسسسسسسسسسدق اللسسسسسسسسسسسسسه تعسسسسسسسسسسسسسالى ‪:‬‬
‫َ‬ ‫‪ ‬وم َ‬
‫ب‬‫ل َر ّ‬ ‫مى* َقسسا َ‬ ‫مة ِ أ ع ْ َ‬ ‫م ال ْ ِ‬
‫قَيا َ‬ ‫شُرهُ ي َوْ َ‬‫ح ُ‬ ‫ضْنكا ً وَن َ ْ‬
‫ة َ‬ ‫ش ً‬‫مِعي َ‬ ‫ن لَ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ري فَإ ِ ّ‬ ‫ِ‬ ‫ن ذِك ْ‬
‫ض عَ ْ‬‫ن أعَْر َ‬ ‫َ َ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫سسسيت ََها وَكسذ َل ِك الي َسوْ َ‬
‫م‬ ‫ل كسذ َل ِك أت َت ْسك آَيات ُن َسسا فَن َ ِ‬ ‫صسسيرا * قَسسا َ‬ ‫ت بَ ِ‬ ‫مى وَقَد ْ كن ْ ُ‬ ‫شْرت َِني أعْ َ‬ ‫ح َ‬
‫م َ‬ ‫لِ َ‬
‫سى ‪) ‬طسه‪(124-126:‬‬ ‫ت ُن ْ َ‬
‫وما أوجز العبرة فيما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما روي عنه ‪) :‬‬
‫إن أشقى الشقياء من اجتمع عليه فقر الدنيا وعذاب الخرة (‪.‬‬

‫*************‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 110 [ ‬‬

‫‪ ‬ثالثا‪:‬تسلط العداء وتحكمهم في كافة مناحي‬


‫حياة المسلمين ‪‬‬
‫تماما ً وحرفيا ً ‪ ,‬وكواحدة من أنصع دلئل النبوة‪ ,‬حل بالمة مسسا أخسسبر بحصسسوله صسسل‬
‫الله عليه وسلم ‪ ,‬فقد روى أبو داود عن ثوبان أن رسول الله صسسلى اللسسه عليسسه وسسسلم‬
‫قال ‪ ) :‬ثم يوشك المم أن تداعى عليكم كما تداعى الكلــة إلــى قصــعتها‬
‫فقال قائل ومن قلة نحن يومئذ قال بل أنتــم يــومئذ كــثير ولكنكــم غثــاء‬
‫كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن اللــه‬
‫في قلوبكم الوهن فقال قائل يا رسول الله وما الوهن قــال حــب الــدنيا‬
‫وكراهية الموت (‪.‬‬
‫فالعسسالم السسسلمي اليسسوم يعيسسش حالسسة مسسن التسسسلط الكامسسل للعسسداء علسسى جميسسع‬
‫مقدراتهم وسبل حياتهم بشكل فظيسسع مسسا مسسر فسسي تسساريخهم مثلسسه ‪ .‬ويتجلسسى ذلسسك فسسي‬
‫مظاهر عدة من أهمها ‪:‬‬

‫تحويــل بلد المســلمين إلــى ميــدان لنهــب الــثروات وســوق‬ ‫‪-1‬‬


‫لتصريف منتجات العداء‪:‬‬
‫أما نهب الثروات فقد مرت نبذة عنه‪ ,‬وخلصة ذلك إشراف الستعمار وعلى رأسه‬
‫أمريكا وأوروبا الغربية على عمليات استخراج الثروات النفطية والمعدنيسسة وغيرهسسا مسسن‬
‫الموارد ‪ ,‬ثم الشراف على نقلها وتحديد أسعارها والتجارة بها والستيلء علسسى أثمانهسسا‬
‫في بنوكهم الصليبية اليهودية ‪.‬‬
‫وفي مقابل ذلك يقوم الغرب المستعمر في بلدنا السستي تضسسم نحسسو خمسسس سسسكان‬
‫الرض ‪ ,‬بتحويلها إلى سوق لتصريف منتجاته بدءا من السلحة والليات و الكمبيوترات‬
‫ومختلسسف منتجسسات التكنولوجيسسا ‪ ,‬وانتهسساء بالصسسناعات السسستهلكية العاديسسة مسسن أنسسواع‬
‫الطعمة والملبوسات والمواد الستهلكية المصنعة‪...‬‬
‫فالمسلمون يستوردون من الغرب حتى الملبس الداخلية و الشباشب ‪ ..‬بل حتى‬
‫الخبز والورق الناشف‪ ,‬وبالرغم من أن العدو المستعمر يفرض على الدول المستعمرة‬
‫ومنها العالم السلمي أسعار ثرواتهسسا المعدنيسسة و منتجاتهسسا الزراعيسسة والحيوانيسسة‪ .‬وهسسي‬
‫عصب صناعاته وموارد غذائه ‪ ,‬بسسل يفسسرض عليهسسا قيمسسة عملتهسسا الشسسرائية ; فسسإنه فسسي‬
‫الوقت ذاته يفرض أعلى السعار والرسسوم علسى منتجساته المصسدرة إلينسا ‪. ,‬بسل وتبلسغ‬
‫المأساة مداها إذا علمنا أن الغرب ذاته وعلى رأسه أمريكسسا يقسسوم بعمليسسة منسسع انتشسسار‬
‫التصنيع الحديث و التكنولوجيا ‪ ,‬بسسل وحسستى التصسسنيع المتوسسسط فسسي معظسسم بلد العسسالم‬
‫السسلمي ‪ ,‬كسي نبقسى سسوقا لتصسريف منتجسساته بسل إنهسسم يفرضسسون حستى السياسسات‬
‫القتصادية وبرامج التنمية وخطط الزراعة والنتاج الحيواني ‪ ,‬التي يتحكم بها بالتفصيل‬
‫صندوق النقد الدولي ‪ ,‬بحيث ل تصل بلدنا إلى الكتفاء السسذاتي مسسن الغذيسسة الساسسسية‬
‫كالقمح والسكر والرز وغيره‪ .‬وهناك أمثلة كثيرة صارخة على هذا‪ .‬فقسسد منسسع صسسندوق‬
‫النقد الدولي السسودان – مثل ‪ -‬مسن البسسدء بمشسروع اكتفساء ذاتسسي بالقمسسح بعسسد وصسسول‬
‫حكومة ) البشسسير ( إلسى السسسلطة ‪ ,‬ولمسسا أصسسرت هسسددها بوقسسف المسساعدات‪ .‬وأغرتهسسا‬
‫أمريكا بإمدادها بالقمح لمدة عشر سسسنوات بقسسروض غيسسر ربويسسة‪ .‬وبكميسسات مسسن المنسسح‬
‫الغذائية على شكل هبات بدون مقابسسل! وكسسان الغسسرض واضسسح ‪ .‬وهسسو تحويسسل الراضسسي‬
‫الخصبة إلى أراضي بور ل تصلح للزراعسسة‪ .‬وربسط رغيسف الخسبز فسي السسسودان بسالقرار‬
‫المريكسسي‪ ..‬ويكفسسي أن نعلسسم أن مصسسر السستي كسسانت فسسي العهسسد الرومسساني تكفسسي‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة ‪] 111 [ ‬‬

‫المبراطورية الرومانية من القمح ‪ ,‬تعيش اليوم علسسى احتيسساطي مسسن القمسسح المريكسسي‬
‫يكفي المصريين مسسن الخسسبز لمسسدة ثلثسسة أشسسهر ‪ ..‬وليسسس هنسا محسسل سسسرد الحصسسائيات‬
‫والتقارير‪ .‬فباختصار يمكن القول بأن الحسسال القتصسسادي والغسسذائي والصسسحي للشسسعوب‬
‫السلمية مرعب بسبب هذه السياسات ‪.‬‬
‫*************‬
‫تسخير اليد العاملة السلمية لخدمة صناعات العداء‪:‬‬ ‫‪-2‬‬
‫فبسبب سياسات التجويع والحصار وحكومات الظلم ‪ ...‬هسساجر مسسن بلد المسسسلمين‬
‫مليين العمسسال‪ .‬ومئات اللف العلمسساء والمثقفيسسن وحملسسة الشسسهادات إلسسى بلد الغسسرب‬
‫ولسيما أوروبا وأمريكا ‪ ,‬ليسدوا ثغرات ضخمة فسسي البنيسسة التحتيسسة لمصسسانعهم بسسأبخس‬
‫الثمان ‪...‬وفوق ذلك فسسإن السسدول الرأسسسمالية الغربيسسة جميعهسسا ولسسسيما الوروبيسسة قسسد‬
‫أنشأت مصانعها المتخصصة في لصناعات البسسسيطة والمتوسسسطة فسسي بلد المسسسلمين‪,‬‬
‫ولسيما في مجالت الغذية والملبوسات والمواد الستهلكية تحت مسمى )الماركات(‬
‫العالمية الشهيرة التابعة لها‪ .‬لتستفيد من رخص اليسسد العاملسسة فسسي بلدنسسا دون أن تخسسل‬
‫بالقاعدة الصارمة المفروضسسة مسسن قبلهسسم بسأن ل تكسسون تلسك الصسسناعات مسن مسسستوى‬
‫التكنولوجيا حتى ل تستفيد تلك البلد من الخبرات الصناعية ‪.‬‬
‫بل إن نظام التسخير للعمالة ‪ -‬شبة المجانية ‪ -‬من قبسسل الغسسرب لليسسد العاملسسة فسسي‬
‫البلد السلمية وبلدان العالم الثالث ولسيما غير المسيحي ‪ ,‬دخل المجسسال العسسسكري‬
‫منذ الحرب العالمية الولى والثانية ‪ ..‬ويكفي أن نعلم أن وقود المعارك الضسسخمة السستي‬
‫دارت رحاها في شمال أفريقيا وغيرها من سسساحات المواجهسسة بيسسن دول الحلفسساء ودول‬
‫المحور – كمعركة العلمين وغيرها ‪ -‬كانت من الجنود المجندين من دول المسسستعمرات‬
‫ومعظمها دول عربية وإسلمية ‪ ..‬وأن نعلم أن فرنسا خسرت فسسي فيتنسسام فسسي معركسسة‬
‫سقوط ) دان بيان فو(‪ ,‬أكثر من ‪16000‬من القسسوات الخاصسسة كسسان منهسسم اللف مسسن‬
‫الجزائريين والمغاربة وجنود المستعمرات الفريقية وكسسثير منهسسم مسسسلمون ‪ ...‬واليسسوم‬
‫تشكل قوات المم المتحدة و قوات حفظ السلم في مختلف منسساطق التسسوتر ولسسسيما‬
‫في البلد السلمية من جنود ومرتزقسة و متطسوعين مسن المسسلمين ‪ ,‬أو مسن قطعسات‬
‫عسكرية ساهمت بها حكومات نوابهم الطسسواغيت فسسي بلدنسسا ! وهسسا هسسي أمريكسسا اليسسوم‬
‫تقوم باستخدام جنود بعض بلدنا لغسسزو بلد أخسسرى ‪ ,‬ولمسسا تفتحهسسا ‪ ,‬تشسسكل مسسن أبنائهسسا‬
‫شرطة و عساكر ‪ ,‬تجعلهم درعا واقيا لعسسساكرها ‪ ,‬وتسسستخدمهم فسي ذبسسح أبنسساء بلسسدهم‬
‫مر ذاته !! كما يجري الن في العراق ‪.‬‬ ‫المستع َ‬
‫بل إن نظسسام السسستعباد والعمالسسة المسسسخرة لخسسدمتهم وصسسل إلسسى مجسسال السسدعارة‬
‫والترفيه في استيراد نساء المسلمين للترفيه عن جنود المستعمرين الغزاة لبلدنا كمسسا‬
‫حصل وذكرت بعض الصحف ووسائل العلم عن استخدام القوات المريكيسسة والغربيسسة‬
‫في حرب الخليج الثانية لما يسمى بعاصفة الصحراء أو تحرير الكويت لمئات العاهرات‬
‫من بعض الدول العربية استقدمن بالتفاق مع حكومات تلك البلد للترفيه عسسن القسسوات‬
‫المريكية والغربية في استراحات معارك عاصفة الصحراء ‪ ,‬وهم يحررون الكويت !‬
‫فهذا النظام الستعبادي الجديد هو اخسستراع جديسسد لعسسادة نظسسام العبوديسسة بأسسسلوب‬
‫معاصر يتناسسسب مسع العقليسسة العبقريسسة لحضسسارة مسسا يسسسمونه الجنسسس البيسسض الوربسسي‬
‫المريكي‪...‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 112 [ ‬‬

‫سلب الرادة لصالح العدو‪:‬‬ ‫‪-3‬‬


‫فسسي ظسسل أنظمسسة الفراعنسسة القائمسسة فسسي بلد المسسسلمين ‪ ,‬فسسإن المسسواطن العسسادي‬
‫مسلوب الرادة ‪ .‬مقهور من قبل السلطة ‪ .‬وحسستى رجسسال الفكسسر والثقافسسة والفعاليسسات‬
‫الجتماعيسسة والسياسسسية والقتصسسادية فسسإنهم مسسسلوبي الرادة لصسسالح أجهسسزة القمسسع‬
‫السلطوية المتشعبة ‪ .‬ول تنتهي هذه المصيبة هنا‪ .‬فإن حكوماتنا ذاتها مسسسلوبة الرادة‬
‫لصالح إرادة العدو المستعمر‪ ,‬ولسيما أمريكا وحلفاءهسسا الوروبييسسن فسسي ظسسل النظسسام‬
‫العالمي الجديد ‪.‬‬
‫فل عقسسود تجاريسسة ول نظسسام تسسسليح ‪ ,‬ول نظسسام تحسسول للسسسلطة ‪ ,‬ول انتخابسسات‬
‫ديمقراطية أو انقلبات عسكرية إل بإشراف السيد الخفي الظاهر )أمريكا وحلفائها (‪.‬‬
‫والمثلسسة كسسذلك تحتسساج لمجلسسدات متخصصسسة بالتاريسسخ السياسسسي للمنطقسسة العربيسسة‬
‫والسلمية ‪.‬ومن ذلك على سبيل النموذج ‪:‬‬
‫‪......................................................................................................................-‬‬
‫هلك حافظ أسد في سوريا سنة )‪2000‬م(‪ ,‬فحضرت ) أولبرايت‬
‫( وزيرة الخارجية المريكية ‪ -‬اليهودية ‪ -‬وأشرفت على نقل‬
‫السلطة ‪ ,‬وراحت تتنقل بين القاهرة وعمان ودمشق وتل‬
‫أبيب ‪ ,‬ولم تغادر المنطقة إل بعد أن صرحت في مؤتمر صحفي‬
‫بكل وقاحة بأن أمريكا مرتاحة لعملية انتقال السلطة في‬
‫سوريا! وذلك أن حافظ أسد كان قد رتب خلفته لولده الكبر‬
‫باسل ورتبت عقود النفط المستقبلية ‪ ,‬كما وقعت اتفاقية‬
‫التطبيع السرية مع إسرائيل وغير ذلك من المؤامرات باسمه ‪,‬‬
‫ولكن باسل اختطفه القدر وهلك في حادث تحطم سيارته فجأة‬
‫‪ ,‬وتطلع عمه ) رفعت السد( للستيلء على السلطة ودعمه‬
‫بعض رؤوس النصيرية ‪ ,‬وكذلك تطلع بعض ضباط السنة من‬
‫حزب البعث الحاكم للسلطة ‪ .‬ولكن حافظ أسد وبترتيب مع‬
‫أمريكا وحلفائها استدعى ولده الصغر بشار الذي كان يدرس‬
‫في بريطانيا‪ .‬حيث جرى تعديل الدستور لتخفيض عمر الرئيس‬
‫من ‪ 40‬سنة إلى عمر بشار ‪ 36‬سنة وصوت البرلمان السوري‬
‫في جلسة عاجلة استغرقت نصف ساعة فقط ليحصل الجماع‬
‫على ولية بشار لما مات أبوه! بإشراف أولبرايت رغم أنف‬
‫الكثرية من الطائفة السنية المحكومة‪ ,‬والقلية من الطائفة‬
‫النصيرية الحاكمة على حد سواء‪.‬‬
‫‪......................................................................................................................-‬‬
‫ومثل ذلك دون أن ندخل في التفاصيل الخارجة عن موضوع‬
‫الكتاب ‪ ,‬نذكر ما حصل من ولية عهد الملك حسين رغم أنف‬
‫السرة الهاشمية ‪ ,‬حيث استبعد أخاه وولي عهده لكثر من‬
‫أربعين عاما )المير حسن( وعين ابنه )عبد الله( وعدل الدستور‬
‫كذلك لزالة شروط تقف في وجه تعيينه ملكا ‪ ,‬وتم كل ذلك‬
‫خلل الدقائق الخيرة من حياة الملك حسين ‪..‬‬
‫‪......................................................................................................................-‬‬
‫ومن ذلك قتل الملك فيصل في السعودية لما لم يلتزم في‬
‫بعض مواقفه بما تعهد به أبوه من الولء فوق سطح البارجة‬
‫المريكية لروزفلت !‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 113 [ ‬‬

‫‪......................................................................................................................-‬‬
‫ومن ذلك اغتيال الرئيس الباكستاني ) ضياء الحق ( والشراف‬
‫على تعيين القيادات المتوالية في باكستان وصول إلى النقلب‬
‫المريكي الذي جاء بس ) برويز مشرف( ليشرف على الطاحة‬
‫بطالبان ‪ ,‬ثم أشرفت أمريكا على إعادة نموذج أمريكي‬
‫للديمقراطية في باكستان لمتابعة لعبة غزوها لباكستان ووسط‬
‫آسيا والشرق الوسط‪ .‬وكما قلنا فالمثلة كثيرة يضيق عنها‬
‫المجال‪ .‬و يكفي أن نعلم أن من المعلومات التي حصل عليها‬
‫الطلب اليرانيون عندما احتلوا السفارة المريكية بعيد ثورة‬
‫)خميني( سنة ‪1979‬م أن المخابرات المريكية )‪ (CIA‬كانت‬
‫تدفع أكثر من ‪ 250‬ألف مرتب شهري لعملء في منطقة‬
‫الشرق الوسط تتراوح مراكزهم من رؤساء دول ‪ ..‬إلى وزراء‬
‫وقيادات حزبية وسياسية حاكمة ومعارضة على حد سواء‬
‫‪..‬وتتسلسل المراتب من العملء ‪ ,‬لتصل إلى تجار و فنانين‬
‫وكناسين في الشوارع !!!‪.‬هذا من عالم السياسة‪.‬‬

‫ومن المثلة من عالم القتصاد بعد السياسة ‪:‬‬


‫‪......................................................................................................................-‬‬
‫فقد أرادت الحكومة السعودية سحب مبالغ كبيرة من ودائعها‬
‫لبعض مشاريعها الداخلية ‪ ,‬فاعترضت الحكومة المريكية بحجة‬
‫أن القتصاد المريكي ل يحتمل ذلك ‪ ,‬ولم يستطع ) فهد( خلل‬
‫زيارة قام بها لمريكا أن يحصل على موافقة من ) ريغان (‬
‫وعاد خائبا ‪ ,‬في حين أن إدارة ) ريغان( أرادت خفض عائدات‬
‫إيران من النفط إبان حرب الخليج الولى مع العراق ‪ ,‬فطلب‬
‫) ريغان ( من ) فهد( هاتفيا خفض سعر برميل النفط من )‪40‬‬
‫دولر ( إلى )‪ 15‬دولر( للبرميل ‪.‬ومن أجل أن تحافظ السعودية‬
‫على وارداتها ‪ -‬أو بالحرى أن تحافظ البنوك المريكية اليهودية‬
‫على مداخيلها من ودائع السعودية ‪ -‬فأمره بزيادة النتاج‬
‫اليومي من )‪ 5‬مليون ( إلى )‪ 10‬مليون( برميل ‪ .‬وهكذا خسرت‬
‫السعودية ‪ = 25 - × 10.000.000‬سس ‪ 250‬مليون دولر‪.‬‬
‫هذا عدا آلف المليين من الدولرات التي سببتها من الخسارة‬
‫لكل الدول السلمية المصدرة للنفط‪ ,‬كلما أشرقت الشمس‬
‫وغربت من أموال المسلمين الذين يموت المليين منهم جوعا ‪,‬‬
‫بل خسرت معها كل الدول المصدرة للنفط في العالم ‪ ,‬ولم‬
‫يكلف ذلك )ريغان( إل هاتفا فقط !!‬
‫‪.....................................................................................................-‬‬
‫وأما تدخل المؤسسات المالية الدولية في السياسات المالية‬
‫والقتصادية للدول العربية والسلمية فأشهر من أن ننقل‬
‫المثلة عليه ‪..‬‬
‫وقد وصل المر اليوم بفقدان المة السلمية لرادتها ‪ ,‬وسلب العدو لهذه الرادة ‪,‬‬
‫أن يصل ذلك لمجال أخص خصوصيات المة ‪ ,‬وهو مناهج التربية والتعليم السستي تتسسدخل‬
‫أمريكا والغرب اليوم فيها ‪ ,‬وتملك القسسدرة علسسى أن تحسسذف وتضسسيف فيهسسا ‪ !..‬ووصسسل‬
‫المر حتى للخطب في المساجد‪ !..‬والحبل على الجرار ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 114 [ ‬‬

‫فالمة السلمية مسلوبة الرادة أمام حكامها ‪,‬وحكامها ل إرادة لهم أمام أعدائها ‪.‬‬

‫*************‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 115 [ ‬‬

‫الحتلل العسكري المباشر وغيــر المباشــر لكافــة بلد العــالم‬ ‫‪-4‬‬


‫السلمي ‪:‬‬
‫العالم السلمي اليوم محتل من قبل مختلف أنواع الكفار ‪,‬من اليهود ‪ ,‬والصليبيين‬
‫‪ ,‬والهندوس ‪ ,‬والملحدين‪ ,‬والوثنيين ‪...‬إما مباشرة وإما بصورة غير مباشرة ‪.‬‬
‫فبقاع كثيرة ترزح تحت الحتلل المباشر كالفلبين‪ ,‬وأجزاء من إندونيسسسيا وبورمسسا ‪,‬‬
‫وأجزاء من الهند وكشمير ‪ ,‬وتركستان الشرقية ‪ ,‬والمقاطعات السلمية فسسي روسسسيا ‪,‬‬
‫و القفقاس و الشيشان ‪ ,‬والبلقسسان والبوسسسنة وكوسسسوفو‪ ,‬وفلسسسطين وأجسسزاء مسسن بلد‬
‫الشام ‪ ,‬وبقع من المغرب القصى ‪...‬والعراق أخيرا وليس آخرا‪ ,..‬والسودان التي يبدو‬
‫أنه قد حان دورها ‪ ,..‬والشارات بوضع سوريا ومصر ‪ ,‬وبقاع مسن جزيسرة العسرب علسى‬
‫القائمة أيضا‪..‬‬
‫وأما باقي بلد العالم السلمي قاطبة ‪ ,‬فهي تحت الحتلل غير المباشسسر مسسن قبسسل‬
‫دول الغسسرب الصسسليبية بنيابسسة الحكسسام المرتسسدين ‪ ,‬وباسسستحكام الحتلل القتصسسادي‬
‫للحتكارات الرأسمالية الكبرى ‪ .‬وبانتشار القواعد العسكرية البريسسة والبحريسسة والجويسسة‬
‫في جميع أجزائه ‪ ,‬وبشبكة مكاتب الستخبارات الجنبيسسة ولسسسيما )‪ (CIA‬و)‪ (FBI‬السستي‬
‫انتشرت فسسي جميسسع بلد المسسسلمين بشسسكل علنسسي أو بسسستار المنظمسسات والمؤسسسسات‬
‫المتنوعة ‪.‬‬

‫*************‬
‫التبعية الثقافية والفكرية للعدو‪:‬‬ ‫‪-5‬‬
‫بسبب مظساهر الحتلل العسسسكري والقتصسادي والسياسسسي والمنسسي الستي ربطسست‬
‫المة بعجلة العدو الصليبي اليهسسودي الكسسافر فسسي كافسسة المجسسالت‪ ,‬جسساء دور السسستعمار‬
‫الفكسسري والثقسسافي والجتمسساعي ‪ ..‬حيسسث تسسسن القسسوانين وتوضسسع المخططسسات وتعقسسد‬
‫المعاهدات وتبرمج وسائل العلم والتربية والتعليم والثقافة لتغريب مجتمعاتنا وإعسسادة‬
‫صياغتها وهيكلتها تبعا لهوى المستعمر‪ .‬فتارة باسم حقوق النسان‪ ,‬وتارة باسم تحريسسر‬
‫المسسرأة ‪ ,‬وتسسارة باسسسم التطسسبيع الثقسسافي ‪ ,‬وتسسارة باسسسم التطسسوير الجتمسساعي ‪ ,‬وأخسسرى‬
‫لتحديث المناهج التعليمية ‪ ,‬ولبرامج إعادة صياغة المجتمعات ‪ ..‬وهكذا‪..‬‬
‫حتى طال تدخل العدو برامج تدريس الطفال في المرحلسسة البتدائيسسة فمسسا فوقهسسا‪.‬‬
‫حيث تتدخل المم المتحدة وبرامج اليونسكو ‪ ,‬فضل عن سسسفارات السسدول الغربيسسة فسسي‬
‫تقرير ما يجوز ومال يجوز فسسي مسسواد الدراسسسة ‪ .‬بسسل بلسسغ تسسدخل الحكومسسات الطاغوتيسسة‬
‫بأوامر أسيادها في تحديد ما يقال وما ل يقال في خطب الجمعة حتى منعوا فيهسسا ذكسسر‬
‫اليهود والنصارى بالسوء ‪ ,‬حتى في السعودية ! بلد التوحيد المزعومة ‪.‬‬
‫ناهيك عن ما يسمح بنشسسره ومسسا ل يسسسمح فسسي الصسسحف والمجلت وجميسسع أوجسسه‬
‫النشاط الفكري والدبي ‪ .‬وقد أجبر الغرب حكومات بلدنا على توقيسسع معاهسسدات علسسى‬
‫برامج اجتماعية تتنافى مع أسس ديننا وأعرافنا وتقاليدنا‪ .‬ولم تعد أخبار حسسرب الفكسسار‬
‫التي أعلنها وزير الدفاع المريكي ) رامسفيلد ( بخافية علسسى أحسسد ‪ ,..‬هسسذا ناهيسسك عمسسا‬
‫استفحل في مجتمعاتنا من حمى تقليد الغرب اختيسسارا ‪ ,‬فسسي أسسساليب تفكيسسره وعيشسسه‬
‫وطرق طعامه ولباسه بل وحتى بناء حماماته ودور خلئه ! ‪.‬‬
‫*************‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 116 [ ‬‬

‫والخلصة‪:‬‬

‫باختصار‪ ,‬فإن ن هذا بعض من واقع المسلمين خلل العقسسود السسسبعة الخيسسرة مسسن‬
‫القرن العشرين ‪ ,‬والذي تدرج فيه البلء منسسذ سسسقوط الخلفسسة وتجسسزئة بلد المسسسلمين‬
‫على شكل مستعمرات تحت الحتلل الصليبي ‪ ,‬ثم مسا تل ذلسك مسن مرحلسة مسا سسمي‬
‫) حكومات السسستقلل ( إلسى أن بلسغ البلء قمتسه بعسد انهيسار لتحسساد السسوفييتي وتفسرد‬
‫أمريكا وحلفائها في أوروبا الناتو بإطلق ما سمي ) النظام العالمي الجديد ( منذ مطلع‬
‫التسعينات وإلى اليوم ‪.‬‬
‫وكان من المفروض أن يقسسف لكسسل هسسذه النهيسسارات حملسسة السسسلم وحراسسسه مسسن‬
‫العلماء والدعاة وما سمي بجماعات الصسسحوة السسلمية والحركسات الجهاديسة ‪ ..‬ولكسن‬
‫وكما سنفصل في الفصول القادمة ‪ ,‬فقد شهدت العقود الربعة الخيرة مخاضا صعبا ‪,‬‬
‫كانت خلصته أن معظم علمسساء الهيكسسل السسديني المعسروف لهسسل السسنة فسي كافسة بلد‬
‫العالم السلمي قد توزع إما في متاهات النفاق للحكام والدخول في تسسبريرات عرجسساء‬
‫من أجل تسويغ خياناتهم للدين وعمالتهم للمستعمرين الجدد ‪ ,‬وإما فسسي جحسسور العجسسز‬
‫والتسويغات المعتسفة ‪ ,‬مسسن أجسسل تفسسادي دفسسع ضسسريبة المسسر بسالمعروف والنهسسي عسسن‬
‫المنكر و قولة الحق عند سلطين جائرين فسقة ظلمة كافرين‪.‬‬
‫وأما ما سمي بالصحوة السلمية التي انطلقت بعيد سقوط الخلفسسة بقليسسل ‪ ,‬فقسسد‬
‫خرجت من مصادماتها مع حكومات بلدها مقلمة الظافر مدجنة ‪ ,‬تتقاسمها التشكيلت‬
‫السياسية والحزبية المسماة )إسسسلمية( ! لتجسسد لهسسا أمكنسسة فسسي منتصسسف الطريسسق مسسع‬
‫الجاهلية ‪ ,‬بعد أن انسلخت عن معظم مبادئها وشسسعاراتها وبرامجهسسا وأفكسسار مؤسسسسيها‬
‫الوائل رحمهم الله ‪ .‬ليتحول شعارها من كونه ) الله غايتنا والرسول قدوتنا ‪ ,‬والقسسرآن‬
‫دستورنا والجهاد سبيلنا والموت فسي سسبيل اللسه أسسمى أمانينسا ( ليتحسول وكسأنه صسار‬
‫) البرلمان غايتها ‪ ,‬والديمقراطية الغربية قدوتها ‪ ,‬والدستور العلمسساني دسسستورها وعليسسه‬
‫قسمها ‪ ,‬والنتخابات سبيلها ‪ ,‬والفوز بالمقاعد في حكومات الكفر أسمى أمانيها !! ( ‪.‬‬
‫وأما الصحوة العقدية لعادة المسلمين إلى ما كسسان عليسسه السسسلف الصسسالح ‪ ,‬فقسسد‬
‫توزعت جهودها في جدليات البحاث والنشغال بمكافحة أنواع البسسدع ومكافحسسة القبسسور‬
‫والموات‪ .‬وانتهت إلسسى الرجسساء وتقسسديس الملسسوك وأوليسساء المسسر ومكافحسسة منسساوئيهم ‪,‬‬
‫وأخذت بحظها من السعي للبرلمانات أيضا ‪.‬‬
‫وأما الجماعات الصلحية والصوفية و التبليغية ‪ ..‬فقد ازدادت عبثية وبعدا عن واقع‬
‫المسلمين ‪.‬‬
‫وأما التيار الجهادي المسلح وتنظيماته في بلد عربية وإسلمية كسسثيرة ‪ .‬فقسسد أبلسست‬
‫بلء حسنا وقدمت وسسعها منسذ مطلسع السستينات ‪ ,‬وضسحى أفرادهسا فسي أجسواء قعسود‬
‫الصحوة وخذلنها‪ ,‬وقعود عامة المة وضياعهم وتيههم ‪ ,‬فانفرد العدو بها وسجل روادها‬
‫ومجاهدوها أسمائهم فسسي سسسجلت الشسسهداء والسسسرى والمشسسردين فسسي سسسبيل اللسسه ‪,‬‬
‫ليكونوا شهود أخدود جديد على أمة مقهورة قاعدة مفككة ‪ .‬أمة نسي معظسسم شسسعوبها‬
‫الله فأنساهم أنفسهم وأعقبهم نكد العيسسش‪ ,‬وحكومسسات كسسافرة بسسالله محكمسسة لشسسرائع‬
‫أعدائه‪ ,‬وعلماء كانوا السبب الساسي في تخدير هذه المة من بيسسن منسسافق وعسساجز ‪..‬‬
‫ودعاة لما سمي صحوة إسلمية ‪ ,‬انتهى كثير منهسسم دعسساة علسسى أبسسواب جهنسسم ‪ .‬وهكسسذا‬
‫انفردت حكومات الفراعنة بشراذم الجهاديين ذبحا وسجنا وتعذيبا وتشريدا وقهرا‪.‬‬
‫وانهارت بؤر الجهاد واحدة تلو الخسسرى ولسسم ينصسسرم القسسرن العشسسرون إل ومعظسسم‬
‫المحاولت الجهادية مفككة مشتتة‪ ,‬تتقاسم مسن بقسي مسن روادهسا ثابتسسا علسى الطريسق‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 117 [ ‬‬

‫متاهات الهجرة والتشريد والغربة ‪ ,‬يعيشسسون أكسسبر مطسساردة لهسسل الحسسق عرفهسسا تاريسسخ‬
‫البشرية ‪.‬‬
‫وانصسسرم القسسرن العشسسرون ‪ ,‬وانصسسرمت اللسسف الثانيسسة للميلد ‪ ,‬لنسسستقبل القسسرن‬
‫الحسسادي والعشسسرين وألفيتسسه الثالثسسة ‪ ,‬ولتفتتحسسه أمريكسسا وحلفاؤهسسا مسسن أوروبسسا النسساتو‬
‫بمخططسسات جعلسست مسسن السسسلم والمسسسلمين عسسدوها السسستراتيجي والتسساريخي القسسائم‬
‫والقادم ‪ .‬ولتتبنى سياساتها على مبادئ صراع الحضارة الغربية النصسسرانية مسسع حضسسارة‬
‫السلم والمسلمين ‪ .‬ولتنطلق الحملت الصليبية الثالثة صراحة وعلنا ‪.‬‬
‫وصحا العالم على دوي انفجارات الحادي عشر من سبتمبر ‪ ,‬قبل أن ينصرم العسسام‬
‫الول من القرن الحادي والعشرين ‪ .‬وابتدأنا ما سمي )عالم ما بعد سبتمبر ( ‪.‬‬
‫فما هو واقع المسلمين اليوم في ضوء ظروف هذا العالم ؟؟‪.‬‬

‫*************‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 118 [ ‬‬

‫‪ ‬واقع المسلمين اليوم في عالم ما بعد ‪-11‬‬


‫سبتمبر‪2001-‬م ‪‬‬
‫كما أسلفت في التقديم فإن ما نعيشه اليوم من أوضاع في العسسالم السسسلمي بعسسد‬
‫أحداث الحادي عشر من سبتمبر ‪ ,‬ليسسس أبسسدا نتيجسسة لسسذلك الحسسدث المحسسدود وإن كسسان‬
‫عظيما ‪ .‬فما نحن فيه هو مرحلة جسساء دورهسسا وفسسق مخططسسات المريكسسان والوروبييسسن‬
‫وأسيادهم اليهود ‪ .‬وهي فصول مسسن مقتضسسيات النظسسام العسسالمي الجديسسد السسذي انطلسسق‬
‫مطلع التسعينات ‪ ,‬بعد تفكيك حلف وارسسسو وإدخسال مكونساته فسي حلسسف النساتو ‪ ,‬وبسدء‬
‫مرحلة القطب الواحد )المريكي اليهودي( الذي يريد إدارة شؤون العالم ‪.‬‬
‫ولذلك فإن قولنا )واقع المسلمين بعد سبتمبر( هو من باب التأريخ الزمنسسي وليسسس‬
‫قناعة بما تريد أمريكا إقناع العالم به من كون ما نحن فيه نتيجة لسبتمبر ‪.‬‬
‫ويكفي من الدلة على ذلك ما نشر من المخططسسات الصسسهيونية عسسن عسسزم اليهسسود‬
‫علسسى اسسستكمال احتلل فلسسسطين وهسسدم المسسسجد القصسسى ‪ ,‬وطسسرد مسسن تبقسسى مسسن‬
‫الفلسطينيين منها ‪ ,‬وفسرض سياسسة التطسبيع الشسامل مسع جيرانهسا مسن حكسام العسرب‬
‫والمسلمين ‪.‬هذا التطبيع الذي أعلنت خططه في مؤتمر مدريد ‪1991‬م‪.‬‬
‫ومن الدلة على ذلك أيضا مسسا نشسسر عسسن برامسسج المريكسسان لعسسادة احتلل الشسسرق‬
‫الوسط والسيطرة على منابع النفط فيه وفي وسسسط آسسسيا ‪ .‬وتشسسكيل قسسوات التسسدخل‬
‫السريع في أمريكا من أجسسل ذلسسك منسسذ أيسسام كسسارتر سسسنة ‪1973‬م‪ .‬ومسسا تبسسع ذلسسك مسسن‬
‫سياسات استعمارية أمريكية معلنة ‪.‬‬
‫وما العاصفة المنية الحالية التي تثير هياجها أمريكا وما أسسسمته ) الحسسرب العالميسسة‬
‫لمكافحة الرهاب ( إل تنفيذا لبرامسسج المسسؤتمرات المنيسسة الستي انطلقسست منسسذ ‪1990‬م‬
‫وتتابعت بمعدل مؤتمر عالمي أو إقليمسسي كسسل ثلثسسة أشسسهر; مثسسل مسسؤتمرات برشسسلونة‪,‬‬
‫وباريس‪ ,‬وميلنو‪ ,‬وشرم الشيخ‪ ..‬واجتماعات وزراء الداخلية العرب فسسي تسسونس وجسسدة‬
‫والقاهرة كل ستة أشسسهر ‪ .‬والمسسؤتمرات المنيسسة لسسدول المتوسسسط السستي شسساركت فيهسسا‬
‫أوروبا وحكام العرب وإسرائيل وأمريكا رغم بعدها عن المتوسط ! ثم تتابع المؤتمرات‬
‫المنية في آسيا وأفريقيا ‪..‬‬
‫ومن الدلة على هذه الحملة قبل سبتمبر‪ ,‬أن عدد مكاتب الس)‪ (FBI‬العلنية قسسد بلسسغ‬
‫في الشرق الوسسسط إلسسى مسسا قبسسل سسسنة ‪2001‬م‪ (23) ,‬مكتبسسا ‪ ,‬فسسي الريسساض وعمسسان‬
‫والخرطوم وتونس والمغرب‪ ..‬وغيرها‪ .‬هذا عدا مئات المكاتب السرية للس )‪. (CIA‬‬
‫وكمسسا قلسست‪ ,‬فنحسسن نعيسسش الن حالسسة اسسستغلل إعلمسسي أمريكسسي يهسسودي مبرمسسج ‪.‬‬
‫وتضخيم إعلمي لسبتمبر وتداعياته وأصحابه‪ ,‬من أجسسل تسسبرير عسسدوانهم وإقنسساع العسسالم‬
‫بعكس الحقيقة التي تدل علسسى أن سسسبتمبر وغيرهسسا مسسن العمليسسات‪ ,‬وكسسذلك النتفاضسسة‬
‫وسواها من أعمال المقاومسسة ‪ ..‬مسسا هسي إل ردود أفعسال علسسى عسسدوان وليسسست عسسدوانا‬
‫ابتدءا كما أقنعوا معظم العالم بذلك وحتى كثيرا من المسلمين ‪.‬‬
‫وإذا ما أردنا أن نجمل القول عن واقع المسلمين اليوم بعد سسسبتمبر ‪2001‬م فإننسسا‬
‫نقول بأن أحوالهم قد ازدادت سوءا وتماديا تحت كافة العناوين السستي أوردناهسسا سسسابقا ‪,‬‬
‫من ضياع دينهم ودنياهم وتسلط العداء عليهم ‪.‬‬
‫ففي ضياع دينهم ‪ ,‬ازداد إصرار الحكومات ومبرراتها لتبديل الشسسرائع ومحاربسسة‬
‫السلم ‪ .‬كما ازدادت حالة احتلل المقدسات صراحة ‪ .‬وتفاقمت موجة إفساد العقسسائد‬
‫ونشر البسسدع وسسسعار الفسسسوق والضسسلل ‪ ,‬بسسسبب شراسسسة الهجمسسة العلميسسة وانتشسسار‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 119 [ ‬‬

‫الفضسسائيات الهادفسسة إلسسى سياسسسات الفسسساد ‪ .‬وازدادت غربسسة المسسؤمنين والمجاهسسدين‬


‫والمرين بالمعروف والناهين عن المنكر بفعل شراسة الهجمة المنية ‪.‬‬
‫وأما تحت عنوان ذهاب الدنيا ‪ :‬فنحن اليوم لسنا أمام تمادي سسسرقة السسثروات‬
‫بالحيلة والنيابة‪ ,‬وإنمسسا أمسسام حالسسة إعسسادة احتلل لمصسسادر السسثروات ‪ .‬وأمسسا سسسوء توزيسسع‬
‫الثروة والظلم والقهسسر والسسذل والخسسوف والقتسسل و انتهسساك العسسراض فسازدادت معسسدلته‬
‫المخيفة ‪ ,‬وانتشرت حيث لم تكن قائمة قبل سبتمبر‪ .‬فسسي مجتمعسسات كسسانت أكسسثر أمنسسا‬
‫واستقرارا كمجتمعات الخليسج العربسي وبلسسدان المسسسلمين البعيسدة عسن مركسز الشسرق‬
‫الوسط كبلد آسيا وأفريقيا السلمية‪.‬‬
‫وأما تسلط العداء فهسسو سسسمة عسسالم مسسا بعسسد سسسبتمبر المعلنسسة الموغلسسة فسسي‬
‫العدوانية ‪..‬فلم يعد هناك إرادة حكومات وخصوصيات شعوب‪ ...‬والبرنامج اليوم عبسسارة‬
‫عن إعادة احتلل شامل ‪...‬هذا إذا أردنا الجمال ‪ .‬ولكن يجسسدر بنسسا تسسسليط الضسسوء مسسن‬
‫باب التأريخ الموجز‪ ,‬ومن باب التوصيف المفيد ‪ ,‬مسسن أجسسل تحريسسك دواعسسي المقاومسسة‬
‫لدى المة ‪ .‬وذلك بذكر بعض ما حل بالمسلمين بعد أحداث الحادي عشر مسسن سسسبتمبر‬
‫‪ . 2001‬ومن أهم ذلك باختصار ‪:‬‬

‫تدمير المارة السلمية في أفغانستان‪:‬‬ ‫‪-1‬‬


‫فقد كانت أمريكا وحلفائها قد أعلنت سياستها وإرادتهسسا بإسسسقاط حكومسسة طالبسسان‬
‫في أفغانستان منذ أواسط ‪1997‬م‪ .‬وتزايدت وتيرة نواياها ظهورا مع السسوقت واتخسسذت‬
‫لذلك إجراآت اقتصادية وسياسية من الحصسسار والعقوبسسات والتلويسسح بسسالغزو والحسسرب ‪.‬‬
‫إلى أن جاءت أحداث سبتمبر فوضعت نواياها موضع التنفيسسذ‪ .‬وبتعسساون غربسسي ولسسسيما‬
‫من بريطانيا وأوروبا الناتو‪ .‬ووسط سكوت دولي وخيانة صريحة من الحكومات العربية‬
‫والسلمية ‪ ,‬ولسيما حكومات باكستان والسعودية وإيران ‪ ,‬تم إسقاط حكومة طالبان‬
‫في ديسمبر ‪2001‬م عبر حملة عسكرية أمريكية‪ .‬تحركسست فسسي طليعتهسسا علسسى الرض‬
‫قوات المرتدين العملء في أفغانستان‪ ,‬الذين دخلوا كابل بحماية الطائرات المريكيسسة ‪.‬‬
‫وهكذا تم إجهاض التجربة الوحيدة الوليدة لقامة الدولة السلمية منذ سقوط الخلفسسة‬
‫العثمانية ‪ .‬ونصبت أمريكا حكومة عميلة في كابل لتحول أفغانستان إلى قلعة أمريكيسسة‬
‫تسيطر منها على كافة المنطقة في وسط آسيا ذات الهمية القتصادية والستراتجية ‪.‬‬

‫*************‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 120 [ ‬‬

‫محاولة إبادة خلصة الصحوة الجهادية في العالم السلمي ‪:‬‬ ‫‪-2‬‬


‫من المعلوم أن قيام المارة السسسلمية ورسسسوخ حكسسم طالبسسان ‪ ,‬فسسي ظسسل أوضسساع‬
‫دولية كانت تتصاعد فيها هجمسسة الغسسرب وحلفسسائه علسسى التيسسار الجهسسادي المسسسلح ‪ ,‬منسسذ‬
‫انفراط عقده في أفغانستان ‪1992‬م‪ ,‬وما تبع ذلك مسسن تصسسفية جيسسوبه فسسي البوسسسنة و‬
‫الشيشان‪ ,‬و إغلق ملذاتهم المنة مؤقتا في أوروبسسا والسسسودان واليمسن وتركيسسا وبعسض‬
‫البلد العربية ‪ ,‬جعل ما تبقى من خلصة التيار الجهادي تفيء طبيعيسسا إلسسى أفغانسسستان ‪,‬‬
‫التي لجأ إليها أيضا كثير من المجاهدين من وسط آسيا ‪.‬‬
‫وقد اتخذت أمريكا من أحداث سبتمبر ستارا‪ ,‬ومن دمار المارة السسلمية وسسيلة‪.‬‬
‫من أجل تحقيق هدفها في ذبح ما تبقى من خلصة هذا التيار المجاهد الذي يمثسسل آخسسر‬
‫خطوط دفاع أمة السلم عن نفسها في هذا الزمن المؤسف‪.‬‬
‫وعبر معسسارك القصسسف الجسسوي المتسسوحش‪ .‬والهجمسسات الضسسارية للمرتسسدين الفغسسان‬
‫السسذين أسسسقطوا الحكومسسة السسسلمية ‪ ,‬أنزلسست أمريكسسا وحلفاؤهسسا بالمجاهسسدين العسسرب‬
‫والمجاهدين مسن وسسسط آسسسيا و الباكسسستان خسسائر فادحسسة قتل وأسسسرا ‪ .‬وقسسد أضسسافت‬
‫الحكومة الباكستانية برئاسة ) مشرف ( فصل مروعا إلى المذبحسسة‪ .‬حيسسث قتلسست علسسى‬
‫أراضيها العشرات وأسرت عدة مئات من المجاهدين وسلمتهم لمريكا‪ .‬وسسسط صسسمت‬
‫وبلدة مخجلة من الشارع السلمي في باكستان ‪ ,‬رغم ما أبداه بعسسض الصسسالحين مسسن‬
‫الخسوة الباكسستانيين مسن تعساون أنقسذ مسا يمكسن إنقساذه ممسن تشسردوا عسبر باكسستان‬
‫وإيران ‪ ,‬وتمكنوا من إعادة النتشار في الدنيا يلتقطون أنفاسهم بعد المعارك الطاحنسسة‬
‫والمطاردة العمياء] راجع تفاصيل ذلك في كتاب‪:‬‬
‫) باكستان مشرف – المشكلة والحل والفريضة المتعينة (‪ .‬للمؤلف ‪.‬‬
‫وقد ترافقت هذه الهجمة علسسى أفغانسسستان ‪ ,‬مسسع هجمسسة شرسسسة وتعسساون أمريكسسي‬
‫روسي لتصفية المجاهدين في الشيشان ‪ .‬والتي نجحت إلسسى حسسد كسسبير‪ .‬بعسسد أن كسسانت‬
‫حملة غربية أمريكية أخرى قد نجحت في تصفية المجاهدين في البوسسسنة سسسنة ‪.1995‬‬
‫و تابعت أمريكا الحملسة فسي محاولسة لتصسفية الجيسوب المسسلحة فسي الفلسبين واليمسن‬
‫والقرن الفريقي وحيثما استطاعت بعد أن خضبت شوكتهم الرئيسية في أفغانسسستان ‪.‬‬
‫ومسسا تسسزال المواجهسسة مسسستمرة مسسع اليهسسود فسسي أكنسساف بيسست المقسسدس منسسذ نحسسو ثلث‬
‫سنوات ‪.‬‬

‫*************‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 121 [ ‬‬

‫العاصفة المريكية المنية على السلم والمسلمين في جميع‬ ‫‪-3‬‬


‫أنحاء العالم بدعوى مكافحة الرهاب بعد أحداث سبتمبر ‪:‬‬
‫وهذا عنوان يكتب تحته كتب بسسل مجلسسدات بكاملهسسا ‪ .‬لحصسساء تاريسسخ وأحسسداث هسسذه‬
‫الهجمة البربرية الظالمة علسسى السسسلم والمسسسلمين ‪ ,‬والسسذي برمجسسوا لسسه عسسبر العقسسود‬
‫الثلثة الماضية مستغلين أحداث سبتمبر ‪ ..‬ول يتسع المقام هنسسا للتفصسسيل ‪ ,‬وإنمسسا أورد‬
‫أهم ما حدث في عناوين‪:‬‬
‫تصفية معظم التيار الجهادي المسلح على مستوى الجماعسسات والقيسسادات والرمسسوز‬
‫والهيئات و السمؤيدين والسموالين ‪..‬عسسن طريسسق الغتيسسالت المعلنسسة والسسسرية وعمليسسات‬
‫الخطف والسر‪ ,‬ونقل المعتقلين إلى سجن غوانتانامو المريكي في كوبسسا‪ ,‬أو سسسجونها‬
‫المتناثرة في قواعدها المريكية في أفغانستان وفي مختلف أنحاء العسسالم‪ .‬أو بالتعسساون‬
‫مع حكومسات السردة وسسجونها الكسبرى المشسرعة البسواب للشسباب المسسلم فسي هسذا‬
‫الزمسسان ‪ .‬ولسسسيما الحكومسسات العريقسسة فسسي مكافحسسة الجهسساد والسسسلم والمسسسلمين‬
‫كحكومسسات السسسعودية ومصسسر والردن والمغسسرب وسسسوريا وتركيسسا وباكسسستان وتسسونس‬
‫والجسسزائر و ‪...‬إلسسخ ‪ .‬وقسسد طسسالت هسسذه الحملسسة كسسثيرا مسسن البريسساء حسستى مسسن )التهمسسة‬
‫الجهادية ( إن جاز التعبير‪.‬‬
‫محاولة تصفية كامل طيف الصحوة السسلمية السياسسسي و السسدعوي و الجتمسساعي‬
‫ون‬ ‫بإطاره العريض العام ‪ ,‬تحت دعوى مكافحة الرهاب‪ ,‬وقطع جذور الصولية التي تك ّ‬
‫محضنا له‪ .‬بل لقد طالت الحملة كل ما نسب للسلم والسلمية ‪ ..‬مؤسسات إغاثيسسة‬
‫إسسسلمية إنسسسانية ‪..‬هيئات اجتماعيسسة ‪..‬شسسركات تجاريسسة ‪ ..‬بنسسوك إسسسلمية ‪ ..‬جماعسسات‬
‫‪..‬أحزاب ‪ ..‬حتى بنوك إسلمية – نصف ربوية ! بل لقد نال البلء حتى شخصيات عادية‬
‫‪ ,‬نالها العتداء المريكي لنهم مسلمون أثرياء يشكلون صيدا للصوصية المريكية ‪ .‬كل‬
‫ذلك باستغلل مسمى الرهاب والحملة لمكافحته ‪..‬‬
‫البدء بخطة متدرجة لتصفية الجاليات السلمية والعربية ووجودها في الغرب‪ .‬فقسسد‬
‫سنت أمريكا وكافة الدول الوروبية قوانين لمكافحسسة الهجسسرة واللجسسوء السياسسسي‪ ,‬بسسل‬
‫وأحكاما عرفية تتيح لها اعتقال الجانب وتوقيفهم وسحب جنسياتهم إن كانوا مجّنسين‬
‫وإلغاء إقامتهم الرسمية إن كانوا مقيمين‪ .‬واعتقالهم لمدد مفتوحة دون توجيه أي تهمة‬
‫‪ ..‬قوانين عرفية أشرس بكثير من الحكسام العرفيسسة الستي تسسسنها الحكومسسات النقلبيسة‬
‫العسسسكرية فسسي العسسالم الثسسالث ‪ .‬ولسسم تسسسلم مسسن هسسذا حسستى أعسسرق بلد الديمقراطيسسة‬
‫كبريطانيا والدول السكندنافية و فرنسا ‪ .‬وفي ظل هذا السسسعار والكلسسب السسذي رافقسسه‬
‫موجة إعلمية موجهة من وسائل العلم السستي يسسسيطر عليهسسا اليهسسود والصسسليبيون عسسبر‬
‫التلفزيونسسات والصسسحف والفلم وكافسسة وسسسائل النشسسر والعلم‪ .‬كمسسا تزايسسدت أعمسسال‬
‫الجسسرائم العنصسسرية حسستى ذكسسرت إحسسدى الحصسسائيات فسسي أوروبسسا أن هسسذه العتسسداءات‬
‫العنصرية على المسلمين قد تزايدت بعد سبتمبر خلل سنة ‪2002‬م بمعدل ‪ %66‬عن‬
‫السنة السابقة ‪ .‬وخلل هذا السبوع الذي أجري فيه التصحيحات ‪ ,‬والضافات الخيسسرة‬
‫على الكتاب ‪ ,‬ونحن في ) نوفمبر ‪2004‬م ( أحرق في هولندا عشرين مسجدا ومركزا‬
‫إسلميا في غضون عشرة أيام !!‬
‫فقد أحرقت مسساجد ‪ ,‬وانفجسرت قنابسل علسى مراكسز إسسلمية ‪ ,‬وقتسل أفسراد مسن‬
‫الجاليسسات المسسسلمة وجسسرح آخسسرون ‪ ,‬واعتسسدي علسسى محجبسسات ‪ .‬حسستى أنسسه قتسسل بعسسض‬
‫الهندوس في أمريكا اعتقادا من الرعسساع هنسساك أنهسسم مسسسلمون لنهسسم يلبسسسون عمسسائم‬
‫هندوسية! هذا فضل عن انتشار ما دون ذلك من العدوان من السب والشسستم والضسسرب‬
‫في الطرقات وإرسال رسائل التهديد‪ ..‬إلخ ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 122 [ ‬‬

‫أجسسبرت أمريكسسا كافسسة دول العسسالم بسسالترغيب والسسترهيب بكافسسة الوسسسائل ‪ ,‬علسسى‬
‫الدخول في حملتها لمكافحة الرهاب وقام وزير خارجيتهم ) كسسولن بسسول ( وسسسفراؤهم‬
‫الدبلوماسسسيون و المنيسسون ‪ ,‬فجسسابوا العسسالم يعقسسدون المعاهسسدات المنيسسة والتفاقيسسات‬
‫البوليسية هنا وهناك في كافة أقطار الرض ‪ .‬وألزمت أمريكا حكومات السسدول العربيسسة‬
‫والسلمية بالتعاون الكامل في الحملة تحسست تهديسسد السسسطوة العسسسكرية‪ .‬حسستى صسسرح‬
‫بعض رؤساء الدول العربية بذلك كرئيس اليمن ومصر ‪...‬‬
‫كما ضربت أمريكا بعرض الحائط بكافة الصوات المعترضة عليهسسا مسسن منظمسسات‬
‫حقوق النسان أو الهيئات الدولية أو أعيان الشخصيات العامسة رغسم كسثرة المعترضسين‬
‫على تجاوزها لكافة القوانين الدولية ولوائح حقوق النسسسان‪ ,‬وسسسوء معاملتهسسا للسسسرى‬
‫والموقوفين‪ ,‬واستهتارها خلل عملياتها العسكرية بالمدنيين وقتلهسسم‪ ,‬وبفضسسائح سسسجنها‬
‫التاريخي في غوانتانامو ‪..‬فتجاهلت كل ذلك بصرف النظر عن مصدره سواء كسسان مسسن‬
‫بلد المسلمين أو أوروبا أو من الدول الحليفة لها أو حتى من داخل أمريكا ‪.‬‬

‫*************‬

‫انطلق الحملت الصليبية الثالثة نحو احتلل الشرق الوسط‪:‬‬ ‫‪-4‬‬


‫فقد صرح بوش بذلك علنا وأنه بصدد حرب صليبية ‪ ,‬ثسسم اعتسسذر ببلهسسة معلل ذلسسك‬
‫بأنه زلة لسان ‪ .‬ثم توالت زلت لسانه ‪ ,‬و ألسنة معسساونيه وكسسذلك تصسسريحات السسوزراء‬
‫والقيسسادات العسسسكرية لبعسسض دول النسساتو بسسذلك‪ ,‬ناهيسسك عسسن آلف المقسسالت الصسسحفية‬
‫والتصريحات من مختلسسف المصسسادر ‪ ..‬وهكسسذا بسسدت البغضسساء مسن أفسسواههم ومسا تخفسسي‬
‫صدورهم أكبر‪.‬‬
‫واتخذت أمريكسسا مسن مشسسروع احتلل العسسراق بدايسسة لبرنامسسج إعسسادة رسسسم خارطسسة‬
‫المنطقة سياسيا وجغرافيا ‪. .‬بل تكشفت معلومسسات عسسن مشسساريع لتقسسسيم بلد الشسسام‬
‫والعراق ومصر والسعودية وحتى تركيا ة إيران‪..‬واحتلل بعضها مباشرة ‪ .‬حيث يسستزامن‬
‫هسسذا مسسع برنامسسج أمريكسسي كسسبير للسسسيطرة علسسى وسسسط آسسسيا انطلقسسا مسسن أفغانسسستان‬
‫وباكستان ‪ .‬وقد تدرجت أمريكا بانتحال العذار الواهية من أجل احتلل العسسراق كبوابسسة‬
‫للزحف على الشرق الوسط ‪ ,‬بدءا من ضرورة إسقاط صدام‪ ,‬وانتهساء بتسدمير أسسلحة‬
‫العراق للدمار الشامل‪ ,‬التي لم يعسسثر عليهسسا‪ ..‬ولسسست هنسسا بصسسدد التأريسسخ لتفاصسسيل مسسا‬
‫يجري وهو معلوم ‪..‬‬
‫ويكفي أن أقول أن كل التفاصيل تشير بوضوح إلسسى حملسسة احتلل صسسليبية تقودهسسا‬
‫أمريكا وبريطانيا وإسرائيل ‪ ,‬ويتعاون فيها كافسسة دول النسساتو الوروبيسسة وروسسسيا وحلفسساء‬
‫أمريكا في المنطقة وعلى رأسها الهند وتركيا و الباكستان وحكام البلد السلمية ‪ .‬كل‬
‫هذا وسط صمت وبلدة دولية مخيفة ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 123 [ ‬‬

‫توسيع حلف الناتو ورفع شعارات الحملت الصليبية‪:‬‬ ‫‪-5‬‬


‫عقد حلف الناتو مؤتمره في شهر ‪2002- 11‬م برئاسسسة بسسوش ورؤسسساء ‪ 19‬دولسسة‬
‫أوروبية من أجل ضم عدة دول من أوروبسسا الشسسرقية‪ ,‬بعسسد أن عسسرض ضسسم روسسسيا فسسي‬
‫مؤتمر آخسسر قبيسسل بضسسعة أشسسهر‪ .‬حيسسث صسسرح )أثنسسار( رئيسسس وزراء أسسسبانيا ) اليمينسسي‬
‫الصليبي ( خلل الحفل بأن دخول روسسسيا فسسي الحلسسف يعسسزز الهويسسة والسسروح العقائديسسة‬
‫للحلف ‪ ,‬في إشارة واضحة إلى التوجه الصليبي ‪.‬‬
‫وهكذا يتجهز العالم الصليبي اليوم برئاسسسة أمريكسسا وعضسسوية أوروبسسا الغربيسسة ومسسن‬
‫لحق بهم من أوروبا الشرقية لبدء المرحلة الرئيسية من الحملت الصليبية الثالثة السستي‬
‫ابتدأت عام ‪1990‬م بحرب عاصسسفة الصسسحراء ‪ ,‬بعسسد تفكيسسك التحسساد السسسوفيتي ‪.‬حيسسث‬
‫يتحرك الناتو بزعامة أمريكا في هذه الحملة نحو الشرق الوسسسط بعسسد أن وصسسل عسسدد‬
‫أعضائه مطلع )‪2004‬م( ليصل أعضاؤه إلى ‪ 26‬دولة‪ ,‬معظمها أوربية ‪.‬‬

‫*************‬

‫توسيع التحاد الوروبي على أسس صليبية أيضا‪:‬‬ ‫‪-6‬‬


‫وذلك بإدخال باقي دول أوروبية الشرقية فيه تدريجيا ‪ .‬واللفت للنظر أيضا ‪ ,‬إبراز‬
‫الهوية المسيحية للتحاد الوروبي برفض عضوية تركيا في الحلف رغم استجدائها على‬
‫بابه لعدة سنوات‪ .‬ورغم علمانية حكومتها وذلك لن شعبها مسلم ‪ .‬فقد أرجأ الجتمسساع‬
‫الخير للتحاد خلل شهر ‪2002-12‬م برئاسة )الدانمرك( ‪ ,‬بحث عضسسويتها إلسسى أواخسسر‬
‫‪2004‬م‪ .‬وقد أوجز الرئيس الفرنسي السبق ) ديستان ( السبب بصراحة بقوله‪ ) :‬إن‬
‫التحاد الوروبي يضم دول مسيحية ‪ ,‬وإننا إن قبلنا تركيا فيجب أن نتسسساءل عسسن حسسدود‬
‫أوروبا (‪ .‬وقد أصبح تعداد سكان دول التحاد الوربي الن ‪ 450‬مليون نسمة !‬

‫*************‬

‫انطلق البرنامج اليهودي التلمودي الكبير‪:‬‬ ‫‪-7‬‬


‫برعاية شسسارون السسذي يتحسسرك فسسي حالسسة مسسن وحسسدة الصسسف السياسسسية والدينيسسة و‬
‫الجتماعية في إسرائيل حول هذا المشروع ‪ ,‬الذي يشتمل على هدم المسجد القصى‪,‬‬
‫وطرد ما تبقى من العرب الفلسطينيين بعد إحداث مجازر مروعة فيهم كما ينبئ بعض‬
‫ما يتسرب من أخبار‪.‬‬
‫فقسسد جسساء اليهسسود بشسسارون السسذي رئس حكومسسة وحسسدة وطنيسسة مسسن أجسسل مواجهسسة‬
‫النتفاضة التي انطلقت بشراسة وانتقلت إلى المواجهسسة المسسسلحة لليهسسود ‪ ,‬منسسذ عسسام‬
‫‪2000‬م ‪ ,‬وتبنت أسلوب العمليات الستشهادية التي أودت بأكثر من ‪ 400‬قتيل ومئات‬
‫الجرحى من اليهود عبر نحو سبعين عملية استشهادية حتى الن ‪.‬‬
‫وتجري هذه اليام سلسسسلة مسسن المجسسازر الرهيبسسة للفلسسسطينيين علسسى يسسد الجيسسش‬
‫اليهودي وسط دعم أمريكي علني ‪ ,‬وأوروبسسي مبطسسن ‪ ,‬وصسسمت دولسسي مخسسز ‪ .‬وتعسساون‬
‫عربي خياني ولسيما من حكومتي الردن ومصر ‪ .‬ويبدو التنسساغم كسسامل بيسسن المشسسروع‬
‫الصهيوني الذي يقتضي حضورا أمريكيا وصليبيا كبيرا من أجل دعم التحسسرك العسسسكري‬
‫للجيش السرائيلي قليل العدد ‪ .‬وبين المشروع الصليبي الذي يقتضي تعاونسا إسسرائيليا‬
‫علسسى الصسسعيد العسسسكري ‪ ,‬ودعمسسا يهوديسسا عالميسسا علسسى الصسسعيد المسسالي والسياسسسي‬
‫والعلمي‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 124 [ ‬‬

‫*************‬

‫انعدام أي معارضة دولية لهــذه الهجمــة والغطرســة المريكيــة‬ ‫‪-8‬‬


‫الصفيقة‪:‬‬
‫اللهم إل شذرات تنطلق على استحياء من بعض الدول مثل الصين وألمانيا وفرنسا‬
‫وبعسسض المواقسسف الروسسسية بيسسن الحيسسن والخسسر ‪ .‬مواقسسف يمكسسن اعتبارهسسا تمثيليسسات‬
‫دبلوماسية ‪ ,‬ومظاهر تململ وإثبات وجود ‪ ,‬وسعي لحصة أكسبر فسي قصسعة المسسسلمين‬
‫التي تشرف أمريكا على توزيع حصصها ‪ ,‬أكثر من حملهسسا علسسى محمسسل الجسسد ‪ .‬والدلسسة‬
‫كثيرة وليتسع المجال للستفاضة بمزيد من التحاليل السياسية هنا ‪.‬‬

‫*************‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 125 [ ‬‬

‫‪ ‬أحوال العرب والمسلمين في ظل هذا الوضع‬


‫الدولي‬
‫بعد أحداث سبتمبر ‪‬‬
‫على الصعيد الرسمي لحكومات الدول العربية والسلمية‬ ‫‪-1‬‬
‫فقد لخصت آخر مؤتمرات للقمة العربية والسلمية في ظل عالم ما بعد سسسبتمبر‬
‫الحال بكل وضوح ‪ .‬فقد انفض المؤتمرون من كل تلك الجتماعات المخجلة ‪,‬بعد طول‬
‫خلف ولسان حال المة يقول ‪:‬‬
‫إن يك الراعي عدو الغنم ِ‬ ‫ل يلم الذئب في عدوانه‬
‫فأما مؤتمر القمة العربية الشهير عام ‪ ,2002‬فكان أبرز ما فيه وفي أهدافه ‪:‬‬
‫تبنسسي السسدول العربيسسة لمبسسادرة ولسسي العهسسد السسسعودي ) الميسسر عبسسد اللسسه بسسن عبسسد‬
‫العزيز ( ‪ ,‬والتي عرض فيها على إسرائيل تطبيعسسا عربيسا كسامل ‪ ,‬مقابسسل انسسحابها مسن‬
‫الراضي التي احتلتها سنة ‪.1967‬‬
‫وقد جاء رد إسرائيل مبكرا حتى قبيسسل انفسسراط اجتماعسسات المسسؤتمر ‪ .‬فقسسد اقتحسسم‬
‫الجيش السرائيلي الضفة الغربية وأعاد احتللهسسا ! ونفسسذ مجسسازر واسسسعة طسسالت البنيسسة‬
‫الدارية والمنية للسلطة الوطنية الفلسطينية ‪,‬والبنية التحتيسسة للمنظمسسات الفلسسسطينية‬
‫مخلفة مئات الضحايا البرياء وآلف السرى ‪ .‬كما دمرت مخيمات بكاملها ‪.‬‬
‫وأما عن مبادرتهم فقد قبلت إسرائيل نصفها وهو التطسسبيع ‪ .‬ورفضسست نصسسفها وهسسو‬
‫النسحاب المطلوب مقابل ذلسسك ‪ .‬وأحرجسست صسساحبها عبسسد اللسسه ومملكتسسه السسسعودية ‪,‬‬
‫وذلك بطلبها منه أن يزور إسرائيل أو يسمح لرئيسها أن يزوره في السعودية لمناقشة‬
‫المبادرات إن كان جادا !!‪.‬‬
‫وأما مؤتمر قمة منظمة الدول السسلمية السسذي تله بعسسد وقسست قصسير ‪ ,‬فعسسدا عسن‬
‫ترحيبه بوفد أفغانستان الجديد من المرتدين والعملء الذين عينتهم أمريكا ‪ ,‬فقسسد خسسرج‬
‫المؤتمر بمقررات شبيهة ومن ذلك ‪:‬‬
‫‪......................................................................................................................-‬‬
‫تأييد المبادرة السعودية التي صارت عربية من أجل التطبيع مع‬
‫اليهود والتنديد الجوف بعدوان اليهود ‪ ,‬دون طرح أي مقابل‬
‫لذلك ‪.‬‬
‫‪.....................................................................................................-‬‬
‫خذلن فلسطين والقدس وعدم تقديم أي مشروع جدي لجلها ‪.‬‬
‫‪......................................................................................................................-‬‬
‫تأييد الحملة المريكية لمكافحة الرهاب والتأكيد على أن السلم‬
‫الذي يمثله الحكام المرتدون لكثر من ‪ 52‬دولة إسلمية ينبذ‬
‫) العنف والرهاب (‪ ,‬وهو المسمى العالمي الجديد للجهاد وحق‬
‫المقاومة!‪.‬‬
‫وما يزال الوضع العربي والسلمي في تدهور منذ سبتمبر ‪.. 2001‬‬
‫فقد وضعت السدول العربيسة والسسسلمية ولسسسيما تركيسسا و الباكسسستان ودول الخليسسج‬
‫والردن أراضيها وبحارها وسماءها وجيوشسسها فسي خدمسسة الحملسسة المريكيسة البريطانيسسة‬
‫لحتلل العراق ‪ .‬حيث تدفق مئات آلف الجنسسود ومئات الطسسائرات وحاملتهسسا والبسسوارج‬
‫والسفن والمعدات الحربية إلى المنطقة ‪ .‬وسط إعلنسسات أمريكيسسة عسسن ضسسرب إيسسران‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 126 [ ‬‬

‫وسوريا ولبنان وتقسيم السعودية والتجهيز لنزع سلح الباكستان ‪ ..‬ووصلت الصفاقة و‬
‫البتزاز‪ ,‬أن تسرب أمريكسا معلومسات عسن نيتهسا السستيلء علسى جميسع السودائع الماليسة‬
‫للحكومة و المواطنين السعوديين في البنوك المريكية ‪ .‬وهي مبالغ خرافية من مرتبسسة‬
‫مليارات المليارات من الدولرات ‪ ,‬وذلك بدعوى دعم الرهاب‪.‬‬
‫ولم تزد هذه الحوال الحكومات السسسلمية إل انبطاحسسا وارتمسساء علسسى أعتسساب بسساب‬
‫البيت البيض ‪ ..‬ثم استضافت قطر قيادة القسسوات المريكيسسة السستي نقلسست مسن فلوريسسدا‬
‫إليها ‪ ,‬وأدارت أمريكا غسسزو العسسراق مسسن أراضسسيها‪ ..‬وأمسسا الجيسسش الردنسسي فقسسد أجسسرى‬
‫مناورات عسكرية مع أربع آلف جندي أمريكي في المنطقة الممتدة من خليسسج العقبسسة‬
‫إلى حدود العراق قبيل الغزو بقليل ‪ .‬ثم تكشفت النبسساء عسسن عبسسور القسسوات المريكيسسة‬
‫للعراق من غربه عبر الردن !‪ ...‬وقد أيدت دول الخليج كاملسة الحسرب عمليسا سساعدت‬
‫فيها ‪ ,‬وتغيب معظم رؤسائها عن مؤتمر مجلس التعاون الخليجسي قبسل أيسام منهسا فسي‬
‫قطسسر‪ ,‬تهربسسا مسسن مسسسؤولية المواقسسف المعلنسسة ‪ .‬ووضسسعت الكسسويت ‪ % 60‬مسسساحتها‬
‫الشمالية كمنطقة عسكرية أمريكية للتدريب والخدمات اللوجيستية للجيسسش المريكسسي‬
‫البريطاني !!حيث عبر منها أكثر من ‪ 1400.000‬جندي أمريكي بالضافة إلى ‪45.000‬‬
‫جندي بريطاني‪ .‬وترك ثلثها الباقي لستراحة و استجمام الجنود ‪ ..‬وطسسار بشسسار السسسد‬
‫رئيس سوريا إلى لندن والعواصم الوروبيسسة ليطمئن علسسى حفسسظ عرشسسه مسسن الهسستزاز‬
‫وسط زلزل حرب العراق ونيران النتفاضة في فلسطين ‪ ..‬وحركت إيران المعارضسسة‬
‫الشيعية العراقية بين طهران ولندن وواشنطن ‪ ..‬و تابعت باكسسستان كسسسائر حكومسسات‬
‫البلد السلمية تصيد المجاهدين العرب والطالبان وتسليمهم لمريكا ‪..‬‬
‫ثم غزت أمريكا العراق ‪ ,‬ودخلت عاصمة الرشيد ‪ ,‬ودخسسل جنودهسسا فيهسسا وتسسبروا مسسا‬
‫علو تتبيرا ‪ ,..‬ثم أعلنت أمريكا وضع العراق تحت الحتلل بتأييسسد مسسن أوربسا ‪ ,‬وترخيسسص‬
‫دولي من مجلس المن ! ثم عينت فيه حكومة عميلة ‪ ,‬وفرضسست العسستراف بهسا قسسسرا‬
‫على الدول العربية ‪ ,‬والجامعة العربية !‬
‫ثم استدعى بوش رئيس تونس ) بن علي ( إليه فيل انعقاد القمة العربيسسة برئاسسسة‬
‫بلده بشهر ‪ ,‬وأملى عليه الوامر المريكية لينقلها لباقي أمثاله مسسن الرؤسسساء العسسرب !‬
‫ثم اجتمسسع وزراء الخارجيسسة العسسرب و تشسساجروا ‪ ,‬بسسسبب عسسدم تنسسسيق مسسواقفهم تجسساه‬
‫إملءات بوش ‪ ,‬ثم اجتمع مؤتمر القمة العربسسي ‪ , 2004‬تحسست ضسسغط الشسسارع العربسسي‬
‫ليتمخض عن الفراغ المنتظر ‪ ,‬فتمخضوا ولو يلدوا لنا حتى فأرا !!‬
‫وهكذا أعلن النظام العربي إفلسه ‪ ,‬ليتسسابع كسسل زعيسسم لهساثه علسسى حسسده وهرولتسسه‬
‫خلف إدارة بوش ! والعامل المشترك بين الجميسسع هسسو السسسباق فسسي مكافحسسة الرهسساب‬
‫إرضاء لمريكا وسيد البيت البيض‪.‬‬
‫وها نحن نشارف على نهايات ‪ , 2004‬وما تزال الستخبارات العربيسسة والسسسلمية‬
‫تعمل جنبا إلى جنب مع ضباط الس )‪ (FBI‬والس س )‪ (CIA‬المريكيسسة ‪ ,‬فسسي مكافحسسة إرهسساب‬
‫السلم والمسلمين ‪ ,‬من سوريا إلى مصر إلى المغرب إلى الجسسزائر إلسسى تسسونس إلسسى‬
‫السودان إلى جزيسسرة العسسرب ‪..‬إلسسى بسساقي بلد المسسسلمين ‪ ..‬الكسسل فسسي خدمسسة أمريكسسا‬
‫اليوم ‪ ..‬ويحتاج استقصاء تأريخ وتسجيل ما يجري إلى مجلدات كثيرة ‪...‬‬

‫*************‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 127 [ ‬‬

‫على صعيد العلماء‪( ..‬علماء المسلمين(!‪:‬‬ ‫‪-2‬‬


‫و يا حسرتاه على النسبة والمنسوب إليهم ) علماء ( ‪ ) ..‬المسلمين ( !!‬
‫فباختصار شديد لموضوع يقزز النفس ويملؤها ألما ‪:‬‬
‫لقد ازداد المنافقون منهم نفاقسسا بعسسد سسسبتمبر ‪ .‬وازداد السسساكتون الخسسائفون منهسسم‬
‫سكوتا ‪...‬‬
‫فاستعلن علماء السلطين المنافقون حتى على منابر خطب الجمعة فسسي المسسسجد‬
‫الحرام في مكة ‪ ,‬والمسجد النبوي في المدينة والمساجد الكبرى في العواصم العربية‬
‫والسلمية من القاهرة إلسسى دمشسسق إلسسى السسدار البيضسساء إلسى غيرهسسا يهسساجمون الجهسساد‬
‫والمجاهدين ‪ ,‬ويدافعون عن الحكام ‪ ,‬ويدعون لعصمة دماء الغزاة الكسسافرين ! ‪ ..‬حيسسث‬
‫نقلت شاشات التلفزيونات خطب أئمتهسسا وهسسم يسسدعون لمكافحسسة الرهسساب ‪ ,‬ويطسسالبون‬
‫بمطاردة أصحابه ‪ ,‬وتجفيف منابعهم المالية‪ ,‬ودعاء الله أن يكشفهم وينقسسذ المسسسلمين‬
‫من شرورهم ‪ ,‬وبثت خطبهم وهم يطالبون أولياء المور بمطسساردتهم وقطسسع دابرهسسم ‪,‬‬
‫وتحريض المسلمين على نبسسذهم ومحسساربتهم ‪ ..‬مسسن دون نسسسيان الحسسديث عسسن حقسسوق‬
‫الكفار التي حفظها السلم في بلد المسسسلمين ‪ ,‬وضسسرورة حسسسن معسساملتهم‪ ..‬وخلسسط‬
‫الحكام الشرعية لنواع الكفار والذميين والمستأمنين ‪ ...‬إلخ‬
‫حالة من الستخذاء و السسستجداء والنفسساق للعسسداء ‪ ,‬حملسسة دعائيسسة تسسوقر المسسسامع‬
‫وتدمي القلوب وتجمد الدموع في العيون حسرة وألما ‪ ..‬آيات الله تتخذ هزوا وتحسسرف‬
‫وتؤول ‪ ..‬وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬تفسسسر وتشسسوه وتوضسسع فسسي خدمسسة‬
‫بوش !‬
‫وتسسسابق أرتسسال العلمسساء العملء ‪ ,‬علسسى شاشسسات الفضسسائيات ليتبسساروا فسسي سسسباق‬
‫ماراتوني للنفاق والخيانة ‪ ,‬حتى خرج ‪ -‬علسسى سسسيبل المثسسال ليعلسسم إلسسى أي مسسدا وصسسل‬
‫البلء – أحد مشاهير علمسساء المسسسلمين فسسي بلد الحرميسسن ‪ ,‬وهسسو‪ ) :‬عسسايض القرنسسي (‬
‫ليستنكر ويصيح‪ :‬على شاشة )‪ ( MBC‬الفضائية معلقسسا علسسى أحسسداث سسسبتمبر ‪ ) :‬هسسل‬
‫أمرنا الدين بقتل الناس ؟‪..‬هل أمرنا بهدم العمارات ؟!‪ ..‬لمسساذا ل نركسسز علسسى دعسسوتهم‬
‫للسلم؟! لماذا ل ندعو أعضاء الكونغرس المريكي للسلم ؟ بضع سسسنيين ويسسدخلون‬
‫في دين الله (!! ‪.‬‬
‫ترى هل يدري هذا المسكين ) الذي كان قد طالب بضرورة محاكمة الشهيد البطل‬
‫خطاب وزميله المجاهد البطل ‪ -‬شامل باساييف‪ -‬أبطال الجهاد في الشيشان ‪ ,‬على ما‬
‫سسسببوا مسسن سسسفك دمسساء المسسسلمين !! لنهسسم يجاهسسدون السسروس!!( ‪ .‬هسسل يسسدري أن‬
‫الحصسسائيات تشسسير إلسسى أن ‪ % 85‬مسسن أعضسساء الكسسونغرس هسسم مسسن اليهسسود أو أزواج‬
‫ليهوديسسات ! وأن الخمسسسة عشسسر البسساقين ‪ ,‬أكسسثرهم مسسن الصسسليبيين المتهسسوكين وأتبسساع‬
‫الكنيسة النجيلية ‪ ,‬الذين يعتقدون بأن مسيحهم ل يخرج إل بعد مذبحسسة عظمسى تجتسسث‬
‫خضراء المسلمين ؟! أظنه ل يدري ‪ .‬فقد روى لنسسا إخسسوة مجاهسسدون مسسن الجزيسسرة أنسسه‬
‫لبس بزة عسسسكرية وصسسلى بسسالقوات السسسعودية المرابطسسة علسسى حسسدود العسسراق بقيسسادة‬
‫) شوارزكوف ( وتحت رايات أمريكا ‪ ,‬أيسسام عاصسسفة الصسسحراء ‪ .‬وخطسسب فيهسسم صسسائحًا‪:‬‬
‫) سر يا خادم الحرمين ونحن نبايعك على الجهاد! ( فكيسف يسدري أمثسال هسذا مسا عليسه‬
‫حال الكونغرس؟‬
‫وتتسسابعت لقسساءات نظيسسره‪ ,‬الشسسيخ ) سسسعد البريسسك ( السسذي بسسذل كسسل جهسسده علسسى‬
‫الفضائيات السعودية لقناع المسلمين أن اللسسه مسساخلق جزيسسرة العسسرب إل للمشسسركين!‬
‫وليثبت أن المجاهدين لهم ولسياده هم كلب أهل النار‪.‬‬
‫وأما الذي يستحق لقب ) شيطان العلماء ( بكل جدارة ‪ ,‬فهسسو المنسسافق الخسسبيث‬
‫المنكوس الشيخ )عبدالمحسن العبيكان( فقد وصلت فيه قلسسة الحيسساء ‪-‬قبحسسه اللسسه‪-‬‬
‫أن يتابع سلسلة من حلقات علسسى الفضسسائية السسسعودية ‪ ,‬وعلسسى قنسساة )‪ (MBC‬اللبنانيسسة‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 128 [ ‬‬

‫الدارة الممولة من السعودية‪ .‬حيث ذهب للقول دعما لحكومة العميل )علوي ( ‪ ,‬بعسسد‬
‫زيارة الخير للسعودية ‪ :‬فقسسال ‪ ,‬أنسسه ولسسي أمسسر شسسرعي تجسسب طسساعته ‪ ,‬فلمسسا قسسال لسسه‬
‫السائل )ولكن أمريكا هي التي عينته وفرضته !( ‪ ,‬فقسسال ‪ ) :‬ولوعّين الكفــار ولــي‬
‫أمر لبلد المسلمين ‪ ,‬فهم إمام شرعي تجب طاعته ( ‪ ,‬ول أدري حقيقة علسى‬
‫أي دين تخرج مثل هذه الفتاوى ‪ ,‬التي ل يقبلها ول دين المجوس ول عباد البقر‪ ...‬فكل‬
‫الشعوب والديان تنكر حاكما عينه العسسدو وتعتسسبره غيسسر شسسرعي ‪ ,‬وحسستى قسسوانين أوربسسا‬
‫والمم المتحدة ‪ .‬ولذلك يعتبروه مؤقتا وليس شرعيا ‪ .‬أما هذا الضال المضسسل فيعتسسبره‬
‫إماما شرعيا ! ثم لما سأله السائل عن جواز مقاومة جنود المريكسسان لعسسدوانهم ‪ ,‬قسسال‬
‫لسسه ‪ -‬وتأمسسل ‪ ) :‬هــم يــدافعون عــن أنفســهم ضــد مــن يعتــدي عليهــم فــي‬
‫العراق !! ول يضربون من ل يضربهم !!!!!!!!!!!!‪( .‬‬
‫فتخيلوا مشروعية دفاع أمريكي مدجج بالسلح عن نفسه في العراق ! ضد مسسدني‬
‫عراقي يعتدي عليه !! وليست هسسذه المثلسسة أقسسذر مسسا تصسسبحنا وتمسسسينا بسسه الفضسسائيات‬
‫والصحف ووسائل العلم من دور علماء السلطين اليوم في هذه الحملسسة الصسسليبية ‪..‬‬
‫فلشيخ الزهر ) طنطساوي ( إبسداعاته الستي زعسم فسي بعضسها أن منسع فرنسسا للحجساب‬
‫مسسألة داخليسة ‪ ,‬ليسس للمسسلمين أن يتسدخلوا فيهسا ! ‪ ,‬ولعلمساء الشسام كمسا المغسرب‬
‫العربي فنونهم أيضا ‪ ,‬وما كان كثير مسسن علمسساء العجسسم فسسي باكسسستان وغيرهسسا ‪ ..‬بأقسسل‬
‫براعسسة فسسي النفسساق والسسستخذاء مسسن أقرانهسسم علمسساء سسسلطين العسسرب ‪ ..‬قبحهسسم اللسسه‬
‫وأسكنهم مضائق سقره ‪ ,‬فهسسذا المسسدعو بسس ) المفسستي العظسسم ( فسسي باكسسستان الشسسيخ‬
‫) رفيع عثماني ( ‪ ,‬قال في خطبة حفل لختم البخاري ‪ :‬أن الذين يقتلون وهم يسسدافعون‬
‫عن أنفسهم في ) إقليم وزيرستان ( ضد غارات الجيش عليهم ‪ ,‬بأنهم ليسوا شهداء !‬
‫‪ ,‬ول أدري أين يذهب حمار البخاري هذا ‪ ,‬الذي حمله أسفارا ‪ ..‬أين يذهب بقوله صسسلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ :‬من قتل دون ماله ‪..‬دون عرضه ‪ ..‬دون دمه ‪ ..‬فهو شهيد ؟! وأضاف‬
‫أن الجهاد ل يكون إل بأمر ولي المر مشرف ‪ ,‬وأن المريكان وأشكالهم فسسي باكسسستان‬
‫) ذميين ل يجوز العدوان عليهم ( ‪ ,‬بسسل ل يجسسوز العسسدوان عليهسسم فسسي بلدهسسم !‪.‬وقسساس‬
‫فاعل ذلك على قول سيدنا موسى عليه السلم لما قتسسل نفسسسا ) قسسال هسسذا مسسن عمسسل‬
‫الشيطان (‪ -‬الية ! وقس على ذلك ‪ .‬والحبل على الجرار ‪.‬‬
‫وأما دعاة الصحوة ومشاهيرها‪ ,‬فأكثرهم منشغلون فسسي السسدعوة للعتسسدال ‪ ..‬فهسسذا‬
‫شيخ الصحوة سفر الحوالي ) هداه الله ( قد فتح بيتسسه لسسدعوة المجاهسسدين للستسسسلم‬
‫لفراعنة بلده والتوبة ! التوبة من جهاد المريكان في بلد الحرمين !!‬
‫و راح صنوه ) سلمان العودة ( يحدثنا على شاشة ) الجزيرة ( عن فقه ) المشروع‬
‫الخسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسساص (‪..‬‬
‫وأن ليس على كل أحد أن يفزع لجهاد المريكان في غزو العراق ‪ ..‬فقسسد يكسسون بقسساءه‬
‫على مشروعه الخاص أجدى ‪ ..‬ولسسو كسسان أطروحسسة ماجسسستير ‪ ..‬أو مشسسروع زواج ‪ ..‬أو‬
‫قراءة كتاب ‪ ..‬أو حتى جلسة تأمل ! ولم يخبرنا ‪ ,‬التأمل في ماذا ؟!‬
‫أما الخيار‪ ..‬أخيار العلماء في هذا الربع الول من القرن الخامس عشر الهجسسري ‪,‬‬
‫فهم السساكتون عسن الحسسق‪ ..‬الصسامتون الخسسرس‪ ..‬القاعسسدون عسن الجهساد وعسن المسر‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر في كل ما يثير حفيظة السلطين‪ ..‬حستى صسار مسن يريسد‬
‫مدح أحدهم يقول عنه‪ ) :‬جزاه الله خيرًا‪ ,‬ل ينافق للحكومة ساكت معتزل (!‬
‫أحوال تقطع القلوب كمدا ‪..‬هذه هي خلصة أحوال العلماء والمسسراء ‪ .‬وصسسدق ابسن‬
‫المبارك حين قال ‪:‬‬
‫وأحبار سوء ورهبانها‬ ‫وهل أفسد الدين إل الملوك‬
‫فنحن اليوم أمام هذه الهجمة ول صلح السسدين يسسواجه الصسسليبيين‪ ,‬ول قطسسز يسسواجه‬
‫التتار‪ ,‬ول العز بن عبد السلم ول ابن تيميسسة يجيشسسون المسسسلمين ويسسسيرون أمسسامهم‪..‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 129 [ ‬‬

‫فنحن أمام أحفاد ابن أبي دؤاد‪ ..‬ول أحفاد )لبسسن حنبسسل( وإنمسسا نحسسن أمسسام مثسسل السسذين‬
‫ملوا التوراة ثم لم يحملوها‪ ,..‬وأمام الذين أتتهم آيسسات اللسسه فانسسسلخوا منهسسا فسساتبعهم‬‫ح ّ‬
‫الشيطان فكانوا من الغاويين ‪ . .‬أمام حمير تحمل أسفار الحسسق ‪ ,‬ثسسم تجسسد سسسعيا فسسي‬
‫مكافحة الرهاب مع حكامها ! ‪ ..‬وكلب إن تحمسسل عليهسا تلهسسث أو تتركهسسا تلهسسث ‪ ..‬مسسا‬
‫فتئت تنبح تكافسسح الرهسساب مسسع أمريكسسا وتكافسسح المسسسلمين المجاهسسدين لصسسالح جسسورج‬
‫بوش !‪.‬‬
‫وأما من تتعلق بهم آمال بعض الملين ‪ ,‬من مظنة الخير في العلمسساء فسسي مختلسسف‬
‫بلد المسلمين‪..‬‬
‫فما زال أمل الملين في انتظار‪ ,‬وما أدري ما ذا ينتظرون ؟ ! فاسسسألوهم إن كسسانوا‬
‫ينطقون ‪ .‬ودعنا نأمل مع المليسسن لنقسسول ‪ :‬هسسذا هسسو حسسال عمسسوم عملء )عفسسوًا( أقصسسد‬
‫)علماء( المسلمين اليوم ‪ -‬إل من رحم الله ‪!-‬‬
‫و ليظن كل طالب علم أن شيخه الجليل ‪-‬ممن رحم اللسسه‪ -‬وليسسستريح البعسسض إلسسى‬
‫أن محبوبهم )أبو فلن( وشيخهم )ابن علن( ممن قصدنا بمن رحم الله ‪.‬‬
‫والحقيقة لبد أن يكون هناك من أهل الخير من العلمسساء مسسن لسسم نسسسمع بهسسم !‬
‫رغم متابعتنا لوسائل العلم ! فأمتنا أمة خير !‬
‫فالسلم على كل واحد من أولئك يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا ‪..‬‬
‫ونسأل الله تعالى الشهادة فسسي سسسبيله وأن يقبضسسنا وقسسد اكتحلسست عيوننسسا برؤيتهسسم‬
‫يقسسودون الجهساد‪ ,‬و تشسسنفت آذاننسا بسسماع نسداءاتهم للنفيسر أو نحتسسسبها حسسرة ضسسمن‬
‫حسرات كثيرة في ) زمن الصبر والقهر ( هذا ‪ .‬ونسسستريح مسسن عيسسش زمسسن صسسار فيسسه‬
‫بطن الرض خير من ظاهرها والحمد للسسه السسذي أحيانسسا لنشسسهد نبسسوءته – فسسدته نفوسسسنا‬
‫وآباؤنا وأمهاتنا وأبناؤنا‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ .‬فكما جاء في الثر الذي رواه ابن حماد‬
‫في كتابه ‪) :‬السنن الواردة في الفتن ‪:(371 -‬‬
‫( ل يزال الجهاد حلوا أخضر مــا قطــر القطــر مــن الســماء ‪ ,‬وســيأتي‬
‫على الناس زمان يقول فيه قراء منهم ليس هذا زمان جهاد ‪ ,‬فمن أدرك‬
‫ذلك الزمان فنعم زمان الجهاد ‪ ,‬قالوا ‪ :‬يا رسول الله وأحد يقــول ذلــك‬
‫فقال نعم ‪ :‬من عليه لعنة الله والملئكة والناس أجمعين ( ‪.‬‬
‫نعسسم‪ .‬صسسدق الصسسادق المصسسدوق ‪ :‬عليهــم لعنــة اللــه والملئكــة والنــاس‬
‫أجمعين ‪.‬‬
‫وربما لو طال بنا عمر ‪ ,‬أو بأولدنا ‪ ..‬لربمسسا شسسهدنا مسسا روي فسسي حسسديث آخسسر عنسسه‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬فقد أخرج ابن أبي الدنيا عن مالك بن دينار قال ‪:‬‬
‫ة فيفــزع النــاس إلــى‬ ‫) بلغني أن ريحا تكون في آخر الزمان وظلم ـ ِ‬
‫علمائهم فيجدونهم قد مسخوا ( ‪.‬‬
‫وأخرج الترمذي في نوادر الصول عن أبي أمامة قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ) :‬يكون فسي أمسستي فزعسسة فيصسسير النسساس إلسى علمسسائهم فسسإذا هسسم قسسردة‬
‫وخنازير ( !! ‪.‬‬
‫فو الله لست أعجب لو أصبح الناس فرأوا أمثال هذا ) العبيكان ( الذي يقول أن‬
‫العراقيين يعتدون على المريكان فــي بغــداد!!! لســت أعجــب أن يجــدوه‬
‫قردا ً ! ولست أعجب لسسو رأوا المسسام المنفسسوخ ) السديس ( ‪ ,‬إمسسام الحسسرم المكسسي‬
‫الذي ل يستحي من اللسسه أن يسسدعو بالسلمة مــن التفجيــرات الرهابيــة للــدول‬
‫الكافرة ‪ ,‬وعلى المجاهــدين بــالهلك ‪,‬علــى بــاب الكعبــة فــي دعــاء ختــم‬
‫القرآن في آخر ليلة من رمضــان ‪ !! 2004‬ثــم يفــرغ توســلته إلــى اللــه‬
‫بحفظ ولي المر والنائب الول ‪ ,‬والثاني ‪ !..‬لست أعجب لو أصبح الناس‬
‫فرأوه خنزيرا‪..‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 130 [ ‬‬

‫وكيف العجب ‪ ,‬وما أشبههما بذلك حتى قبل المسخ !‬

‫*************‬

‫وأما على صعيد الصحوة السلمية ‪:‬‬ ‫‪-3‬‬


‫فالمتسسابع لخبارهسسا وأخبسسار قادتهسسا وأحزابهسسا وشسسبابها وصسسحفها ‪ ..‬ل يكسساد يسسرى إل‬
‫الجسسدليات ‪ ,‬والقيسسل و القسسال فسسي مجالسسسهم ونسسدواتهم ومقسسابلتهم علسسى الفضسسائيات ‪.‬‬
‫واسسسمع عجبسسا مسسن تفسسسيرات نصسسوص السسدين فسسي نبسسذ الرهسساب ‪ ,‬مسسع شسسيء مسسن نقسسد‬
‫المريكان على استحياء ‪ ,‬والتنويه والتعريض بحكام المسلمين ‪ ,‬مع شيء من الطبطبة‬
‫على أكتافهم و مراعاة مشاعرهم ‪ .‬وفتش عن قيادات الصحوة في مقاعد البرلمانسسات‬
‫المشركة المشرعة من دون الله ‪ .‬وفي مناصب الوزارات في حكومات الكفر الحاكمة‬
‫بغير ما أنزل الله ‪ ,‬الخائنة لله ورسوله و المؤمنين ‪ .‬وتوقف أمام أعذار هؤلء الدعاة )‬
‫السلميين الديمقراطيين ! ( ‪ ,‬و دعاوى الصسسلح والتسسدرج والسستريث والتعقسسل ‪ .‬لتتسسذكر‬
‫قول المتنبي ‪:‬‬
‫وتلك خديعة الطبع اللئيم ِ‬ ‫يرى الجبناء أن العجز عق ٌ‬
‫ل‬
‫وتابع مقابلتهم على شاشات التلفزيون ‪ ,‬وفتش في ثناياها عن كلمسسة حسسق تتلجلسسج‬
‫وقد أذابوها في برميل من الكلم الفارغ والتسدليس والنفساق ‪ ..‬حستى ل تحسسب عليهسم‬
‫دعما للرهاب ‪ .‬فأمريكا بالمرصاد ‪ .‬وأجهزة الرقابة والسسستخبارات يحصسسون النفسساس ‪,‬‬
‫ويكشفون عن الخواطر وراء الكلمات ‪ ,‬وينبشون السرار من قعسسر الصسسدور ‪ .‬والتهمسسة‬
‫جاهزة ‪..‬أصولية ‪ ,‬فتشدد ‪ ,‬فتطرف ‪ ,‬فتأييد للرهاب ‪ .‬فانتماء للقاعدة!!‬
‫وهناك تقع الواقعة ! فتجمد الحسابات في البنوك ‪ .‬والدماء في الشرايين ‪ .‬وتسسذاب‬
‫الجسسساد تحسست سسسياط الجلديسسن ‪ .‬ويعسساد تجميعهسسا علسسى كهربسساء أجهسسزة التعسسذيب‬
‫المستوردة ‪..‬‬
‫وما لحد بهذا العصار المريكي الهائج لمكافحة الرهاب اليوم قبل ول طاقسسة ‪ .‬ول‬
‫تكفي لحية الداعية المقصوصة إلى ما قبسسل حسسد النتسسف بقليسسل ‪ ,‬ول قبتسسه البيضسساء ‪ ,‬ول‬
‫)الكرافتة( الوروبية و البدلة النيقة على الطراز الغربي الحديث ‪ ,‬ول المشسساركة فسسي‬
‫الديمقراطية والدعوة إليها ‪ ,‬لثبات العتدال !‬
‫فعملء أمريكا واستخباراتهم بالمرصاد على كل حال ‪ .‬والدين عند قيادات الصسسحوة‬
‫يسر ‪ ..‬إلى حد ما قاله الشاعر‪:‬‬
‫)وهذا الدين لفرط يسره ‪...‬قد احتوى مسيلمة ( ‪ .‬ويتسع عندهم لما يعرضون منسسه‬
‫ملفقسسسا تحسسست دعسسسوى العتسسسدال وأعسسسذار الحنكسسسة السياسسسسية وآخسسسر الختراعسسسات ‪..‬‬
‫) الشفافية ( !!‬
‫و) احترام الخر ( !!‪ .‬من غير أن يفهمونا من هو هذا الخر؟!‬

‫*************‬

‫وأما أحوال المة السلمية وشعوبها بعد سبتمبر‪:‬‬ ‫‪-4‬‬


‫فمن المفارقة أني سمعت فيما كنت أكتب بعض أوراق هذا الكتاب أصسسوات إطلق‬
‫الرصاص و انفجارات اللعاب النارية والموسيقى والصياح ‪ ..‬وتحيرت لنسسه ل يتوقسسع أن‬
‫تكون القسدس قسد تحسررت فجسأة!!‪ ..‬أو أن الهنسد قسد انسسحبت مسن كشسمير ! ونزلست‬
‫استطلع الخبر ‪ ..‬لقد كانت احتفالت ) المسلمين ( بسسدخول السسسنة النصسسرانية الجديسسدة‬
‫‪2003‬م! إنه عيد رأس السنة الميلدية ‪ .‬لقد دقت الساعة الثانيسسة عشسسر‪ ,‬وجسسن جنسسون‬
‫البقر !‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 131 [ ‬‬

‫ودخلت صبيحة السسسنة الجديسسدة ‪ .‬ول شسسك أنهسسا كسسانت ليلسسة حفلت ورقسسص وخمسسر‬
‫ودعارة لمليين )المسلمين( ! ول شك أن حكوماتهم وأجهزة إعلمهم قسسد قسسدمت لهسسم‬
‫كل وسائل الفساد ومستلزماته ‪.‬‬
‫وباختصار ‪ ..‬ل تشير وقائع المسلمين هذه اليام إل إلسسى مزيسسد مسسن السستيه والضسسياع‬
‫والهزيمة والبوار ‪..‬‬
‫ولول المل بالله تعالى ‪ ,‬وما وعد رسوله صلى الله عليه وسلم ومسسا بشسسر ‪ .‬وذلسسك‬
‫حق ول ريب ‪ .‬لنقطع الرجاء ‪ ,‬وانطفأ المل ‪ .‬ولكنها نعمة الله وأمل اليمان ‪.‬‬
‫فما أدري والله ما الذي يلزم هذه المة بعد حتى تتحرك للجهاد ؟!‬
‫فماذا أكثر من استغاثة القدس ونداء مسجدها القصى ؟! وماذا أكثر من انتفاضسسة‬
‫القصى وما قدمت ؟! وماذا أكثر من أفغانستان وما أعطت ؟! ومسساذا أكسسثر مسسن أخبسسار‬
‫الشيشان وما أبلت ؟! والبوسنة وكوسوفو وما عانت ؟ وما تضسسعه وسسسائل العلم فسسي‬
‫كل بيت من أخبار البلء في المسلمين في كل مكان؟!‬
‫وماذا يهز كيان المة ويحرك وجدانها أكثر من دوي انفجارات سبتمبر؟! ‪ ..‬ومشسسهد‬
‫صسسقور السسلم وشسهدائه يمزقسسون رمسز اسسستكبار أمريكسسا وجبروتهسسا ويقتحمسون نيسسران‬
‫النفجار بأجسادهم الطاهرة ؟ وماذا أكثر من مشهد خمسة وعشرين صسبية مسن نسساء‬
‫وأرامل الشيشان في عمر الورد ‪ ,‬وقد حزمن المتفجسسرات علسسى أجسسسادهن ‪.‬يجاهسسدن‬
‫في قلب موسكو ؟‬
‫فيا لخزي العمسسائم ‪ ,‬ويسسا لعسسار الشسسوارب واللحسسى ‪ ..‬لقسسد حمسسل صسسبايا المسسسلمين‬
‫الرشاش وخرجن لجهاد الروس في عقر دار الروس في موسكو !‬
‫وماذا يسسثير الوجسسدان أكسسثر مسسن صسسور أطفسسال فلسسسطين تقسسل أعمسسار بعضسسهم عسسن‬
‫السادسة من العمر ‪ ,‬يواجهون الدبابات ويجرون خلف جنود اليهسسود ؟ ومسساذا أكسسثر مسسن‬
‫مشسساهد النسسزالت المريكيسسة والبريطانيسسة العسسسكرية الحاشسسدة فسسي بلد المسسسلمين‬
‫والعلنات عن تدمير العراق وبرامج احتلل البلد والعباد؟ ! وماذا ؟! وماذا؟‬
‫مسساذا أكسسثر مسسن مشسساهد المسسوت والسسدمار والخسسزي والمصسسائب تضسسعها شاشسسات‬
‫التلفزيون في كل بيت من بيوت المسلمين ‪ .‬فيشاهدونها ويتنقلسسون بينهسسا وبيسسن الفلم‬
‫الخليعسة والرسسوم المتحركسة وعسروض الزيساء ومباريسات الرياضسة ‪...‬وحفلت الرقسص‬
‫والموسيقى ودورات مسابقات الس ) ستار أكاديمي ( ؟!‪..‬‬
‫لقد ماتت النفوس ‪ ..‬وتعفنت الضمائر‪ ..‬كل بل ران على قلوبهم ما كــانوا‬
‫يكسبون ‪.‬‬
‫فالشسسارع السسسلمي بليسسد ‪ ..‬سسساكن إل مسسن بعسسض المظسساهرات هنسسا وبعسسض صسسياح‬
‫الشجب هناك ‪ ,‬ولم تبد بعد بوادر الحركة ‪ ,‬والمل في موعود الله كبير ‪ ,‬ولعله يتحقسسق‬
‫ما يتخوف منه الفراعنة وينذرون منسسه أمريكسسا اليسسوم مسسن أن غزوهسسا للعسسراق وحملتهسسا‬
‫العسكرية والمنية ستخصب تربة الرهاب على حد زعمهم ‪.‬‬
‫فنسأل الله أن يصدق فألهم ويخيب مسعاهم ‪.‬‬
‫ومن باب الحاطة بتوصسيف واقسع المسسلمين ‪ ,‬يجسب أن نسذكر أن بسذور للمقاومسة‬
‫تنتعش هنا وهناك على شكل عمليات محدودة ومبادرات فردية شرقا وغربا ‪.‬‬
‫قليلة هسي المبسسادرات ! ولكسسن السسستياء عسسارم والجسسو مشسسحون ‪ ,‬والمنسساخ الثسسوري‬
‫يسخن ‪ ,‬ويبشر بوصسسوله لحسسرارة الجهسساد ‪ ,‬بفضسسل اللسسه ثسسم بفضسسل جسسبروت المريكسسان‬
‫وشراسة حقد اليهود ‪ ,‬وجشسسع الحملت الصسسليبية وبفضسسل انكشسساف عسسورات الفراعنسسة‬
‫وسقوط آخر أوراق التوت عنها ‪.‬‬
‫هذه المقاومة تبشر بميلد شمس المل ; شمس يكسساد لسسم يبسسق مسسن السسدليل علسسى‬
‫بزوغها الكيد إل أنوار فجر البشائر الصادقة ‪ .‬وبصيص لمعان المل في عمليسسات جهسساد‬
‫المجاهدين هذه‪ .‬فالوعد حق ول شك ‪:‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 132 [ ‬‬
‫َْ‬
‫مسسا‬ ‫ض كَ َ‬ ‫م فِسسي الْر ِ‬ ‫فن ّهُ ْ‬ ‫خل ِ َ‬ ‫سست َ ْ‬‫ت ل َي َ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صسسال ِ َ‬‫مل ُسسوا ال ّ‬ ‫م وَ ع َ ِ‬ ‫من ْك ُس ْ‬ ‫من ُسسوا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ه ال ّس ِ‬ ‫) وَعَد َ الل ّ ُ‬
‫ن ب َعْسدِ‬ ‫مس ْ‬ ‫م ِ‬ ‫م وَل َي ُب َسد ّل َن ّهُ ْ‬ ‫ضسسى ل َهُس ْ‬ ‫ذي اْرت َ َ‬ ‫م ال ّس ِ‬‫م ِدين َهُ ُ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫مك ّن َ ّ‬ ‫م وَ ل َي ُ َ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ف ال ّ ِ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ست َ ْ‬‫ا ْ‬
‫م ال ْ َ‬ ‫ُ‬
‫ك فَسأول َئ ِ َ‬ ‫َ‬
‫ن(‬ ‫قو َ‬ ‫سس ُ‬ ‫فا ِ‬ ‫ك هُ س ُ‬ ‫فَر ب َعْد َ ذ َل ِ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫م ْ‬‫شْيئا ً وَ َ‬ ‫ن ِبي َ‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫دون َِني ل ي ُ ْ‬ ‫منا ً ي َعْب ُ ُ‬‫مأ ْ‬ ‫خوْفِهِ ْ‬ ‫َ‬
‫ض‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فوا فِسسي الْر ِ‬ ‫ض سع ِ ُ‬ ‫ست ُ ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن عَلسسى الس ِ‬
‫َ‬
‫مس ّ‬‫ن نَ ُ‬ ‫ريسد ُ أ ْ‬ ‫)النسسور‪ َ ، (55:‬وصدق الله العظيسسم ‪ ) :‬وَن ُ ِ‬
‫ن وَ‬ ‫مسسا َ‬ ‫ها َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ض وَن ُسرِيَ فِْرعَسوْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫جعَل َهُ ُ‬ ‫جعَل َهُ ْ‬
‫م فِسسي الْر ِ‬ ‫ن لهُس ْ‬ ‫مك س َ‬ ‫ن * وَن ُ َ‬ ‫وارِِثي َ‬ ‫ة وَن َ ْ‬ ‫م ً‬‫م أئ ِ ّ‬ ‫وَن َ ْ‬
‫ن ( ) القصص‪. (5 :‬‬ ‫حذ َُرو َ‬ ‫ما كاُنوا ي َ ْ‬‫َ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ما ِ‬ ‫جُنود َهُ َ‬ ‫ُ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫س ُ‬ ‫َ‬ ‫حّتى إ ِ َ‬
‫ل وَظّنوا أن ّهُ س ْ‬ ‫س الّر ُ‬ ‫ست َي ْأ َ‬ ‫ذا ا ْ‬ ‫فقد قارب حال الصابرين ما يبشر بالفرج ‪َ ) :‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن ( ) يوسف‪.(110 :‬‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬‫قوْم ِ ال ُ‬ ‫ن ال َ‬ ‫سَنا عَ ِ‬ ‫شاُء َول ي َُرد ّ ب َأ ُ‬ ‫ن نَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ي َ‬ ‫ج َ‬ ‫صُرَنا فَن ُ ّ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫جاَءهُ ْ‬ ‫قَد ْ ك ُذُِبوا َ‬
‫فخلصة واقع المة اليوم هو ما قسسدمنا وسسسط دوامسسة فسسساد الصسسليبيين فسسي الرض‬
‫غال ِب عََلى أ َمره ول َك َ‬
‫ن ( )يوسسسف‪:‬‬ ‫مسسو َ‬ ‫س ل ي َعْل َ ُ‬ ‫ن أك ْث ََر الن ّسسا ِ‬ ‫ْ ِ ِ َ ِ ّ‬ ‫ه َ ٌ‬ ‫وعلو اليهود الكبير فيها ‪َ ) .‬والل ّ ُ‬
‫‪. (21‬‬

‫*************‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 133 [ ‬‬

‫أحوال الجهاديين بعد سبتمبر‪:‬‬ ‫‪-5‬‬


‫أما هذه فكان اللسسه فسي العسسون‪ ..‬ورحسم اللسسه الشسهداء ‪ ,‬وأسسسكنهم فسسيح جنساته ‪.‬‬
‫وصبر الله السرى وأحسن خلصهم من سجون غوانتانسسامو وفروعهسسا السسسوأ حسسال فسسي‬
‫سجون حكام المسلمين‪ .‬وحفظ الله المشردين ويسسسر أمرهسسم ‪ .‬وثبسست اللسسه العسسازمين‬
‫الثابتين علسسى الطريسسق‪ ,‬وأعسسانهم علسسى حمسسل الرايسسة خفاقسسة رغسسم الجسسراح ‪ ,‬وتسسسليمها‬
‫شامخة لجيل قادم يخلص في حملها ‪.‬‬
‫فالتيار الجهادي بكامل طيفه على صعيد الجماعات والقيسسادات والرمسسوز والفسسراد‪..‬‬
‫بل وكل مؤيد ومناصر‪ ,‬يمرون في هذه اليام بأشسسد محنسسة مسسرت علسسى التيسسار الجهسسادي‬
‫المعاصر منذ انطلقه قبسسل أربعيسسن عامسسا‪ ,‬وذلسسك بسسسبب الحملسسة الظالمسسة السستي تشسسنها‬
‫أمريكا تحت شعار ) مكافحة الرهاب (‪.‬‬
‫لقد مرت جماعات جهادية عديسسدة عسسبر مسسسيرها بأزمسسات وملحسسم ومصسسائب بالغسسة‬
‫الشدة ‪ ,‬من قبيل مسا حصسل بالمجاهسدين فسي سسوريا وتسسونس وليبيسسا والجسزائر ومصسسر‬
‫وغيرها ‪ ,‬ولكن محنة الحرب العالمية الحالية على الرهاب ‪ ,‬كما يسمونها ‪ ,‬تختلف مسن‬
‫حيث اتساعها وزخمها وحجم خسائرها‪ .‬فقد افتتحتها أمريكا ‪ ,‬و جيشت لها حلفاءها من‬
‫دول الناتو وغيرهم من الكفار‪ ,‬ومن قسسوى السسردة المتمثلسسة بحكسسام المسسسلمين وأجهسسزة‬
‫قمعهم‪ .‬لقد وصلت هذه الحملة إلى ذروتها بعد أحداث سسسبتمبر‪ .‬حيسسث دمسسرت أمريكسسا‬
‫المارة السلمية في أفغانستان‪ ,‬التي شكلت الملذ الخير لنخبة الجماعسسات الجهاديسسة‬
‫وكوادرها‪ .‬حيث قتل المئات من كوادر التيار الجهادي في معركسة السسدفاع عسن المسارة‪.‬‬
‫ثم أتبعت أمريكا ذلسسك بأسسسر أكسسثر مسسن ‪ 600‬مجاهسسد مسسن مختلسسف البلد العربيسسة ‪ ,‬فسسي‬
‫باكستان ونقلتهم إلسى سسسجونها‪ .‬كمسسا ألقست القبسسض بالتعساون مسع حلفائهسا مسسن الكفسار‬
‫والمرتدين في بلد المسلمين وغيرهسسا علسسى عسسدة مئات أخسسرى‪ ,‬وأدرجسست علسسى قائمسسة‬
‫الرهاب عشرات الجماعات الجهادية من مختلف بلد المسلمين‪ ,‬لتطارد عناصرها فسسي‬
‫كل بلد الدنيا‪ ,‬حيث دخل مسسن تبقسسى مسسن عناصسسر الجهسساديين ولسسسيما رمسسوزه وقيسساداته‬
‫وقدماء كوادره في حالة مسسن الشسستات والتشسسريد والمطسساردة بفعسسل أكسسبر حملسسة أمنيسسة‬
‫عالمية يشهدها التاريخ‪ ,‬حتى صاروا إلى حال يذكر بما وصسسف رسسسول اللسسه صسسلى اللسسه‬
‫عليه وسلم المؤمنين فسسي آخسسر الزمسسان بقسسوله ) ثم يفشــوا الظلــم حـتى ل يجــد‬
‫المؤمن ملجأ يؤوي إليه (‪ .‬واستقصاء تفاصيل ما حل من نكبات وعناء بالمجاهدين‬
‫الذين وقفوا لمريكا وحلفائها بالمرصاد يسسدافعون عسسن هسسذه المسسة ودينهسسا ‪ ,‬يحتسساج إلسسى‬
‫مجلد كبير يروي أروع قصسص الثبسات والتضسحيات والعنساء الستي نزلست بهسم وبنسسائهم‬
‫وأطفالهم و ذويهم وبكل من آواهم ومد يد العون إليهم ‪ .‬ول يسمح المجال هنا بالسرد‬
‫والطالة‪ .‬وعلى كل حال فلسان حال من تبقى يلهج بالثبات والعزم والتحدي‪..‬‬
‫فلله الحمد‪ ,‬ما زلنا عازمين‪..‬‬
‫) و والله ل نعطيهم إل السيف ( إن شسساء اللسسه ‪ ) ,‬ولو لــم نجــد إل الــذر‬
‫لنقاتلهم به ( ‪),‬أو تنفرد هذه السالفة( حتى يرضى الله تعالى ‪ ) .‬وليأخذ الله‬
‫من دمائنا ما شاء حتى يرضى (‪  ..‬إن الله اشترى ‪ , ‬وإنسسا فسسي طائفسسة قسسد‬
‫باعت‪ .‬ولقد وقع البيع ‪ ) ,‬ول نقيل ول نستقيل ( إنشاء الله ‪.‬‬
‫َ‬
‫م‬
‫ن أن َْعسس َ‬ ‫معَ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫فما عذرنا وقد قضى من مضى ‪ ..‬ولعلنا نلحق بالرفيق العلى ‪َ  :‬‬
‫فيقا ( )النساء‪.(69 :‬‬ ‫ن ُأول َئ ِ َ‬
‫ك َر ِ ً‬ ‫س َ‬
‫ح ُ‬
‫ن وَ َ‬
‫حي َ‬
‫صال ِ ِ‬
‫داِء َوال ّ‬
‫شهَ َ‬‫ن َوال ّ‬
‫قي َ‬
‫دي ِ‬
‫ص ّ‬
‫ن َوال ّ‬
‫ن الن ّب ِّيي َ‬
‫م َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ ْ‬
‫م ِ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫وكما قال الول ‪ ,‬عاصم رضي الله عنه ‪ ,‬وقد أحاط به الكفسسار يستأسسسروه فسسأبى ‪ .‬فإنسسا‬
‫ننشد كما أنشد‪:‬‬
‫والقوس فيها وتر عنابل‬ ‫ما علتي والقوس مني نابل‬
‫إن لم أقاتلكم فأمي هابل‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 134 [ ‬‬

‫فنسأل الله أن يمنعنا منهم أحياء وأمواتا كما منع عاصم رضي الله عنه ‪.‬‬
‫وهذا إن شاء الله حالنسسا وحسسال إخواننسسا المجاهسسدين ‪ .‬ولنبشسسر المسسؤمنين‪ ..‬ولنخسسزي‬
‫أمريكا ومن معها من المنافقتن ‪ :‬فقد أبقى الله رغم كل مسسا حسسدث مسسن النكبسسات مسسن‬
‫المجاهدين في كل مكان لمريكا وحلفائها ما يسوؤهم ‪ .‬ونسأل الله أن يؤهلنا لحسسوال‬
‫تصسسسسدق هسسسسذه القسسسسوال ‪ ..‬فليصسسسسيحوا مسسسسا شسسسساءوا فسسسسي مسسسسسيرة بسسسسوش ‪:‬‬
‫)أعلو هبل( فما زلنا نردد على أصسسداء صسسوت عمسسر رضسسي اللسسه عنسسه‪ ) :‬الله أعلــى‬
‫وأجل ( و ليعبدوا أمريكا وليقولوا ‪) :‬لنا في أمريكا العزى ول عزى لكم‪ (..‬فسسسإن‬
‫نقول لهم كما رد عمر على أسسسلفهم‪) :‬الله مولنــا ومــولكم (‪ ) ...‬قتلنــا فــي‬
‫الجنة وقتلكم في النار‪ ..‬ول سواء (‪.‬‬

‫*************‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 135 [ ‬‬

‫الفصل الثاني‬
‫أحكام شرعية في هذا الواقع‬
‫ن‪‬‬ ‫مي َ‬ ‫جر ِ ِ‬ ‫م ْ‬‫ل ال ْ ُ‬‫سِبي ُ‬
‫ن َ‬ ‫ست َِبي َ‬‫ت وَل ِت َ ْ‬ ‫ل اْليا ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ك ن َُف ّ‬ ‫قال الله تعالى‪ :‬وَك َذ َل ِ َ‬
‫)النعام‪(55:‬‬
‫ُ‬ ‫وقال الله تعالى‪  :‬وَإ ِذ ْ أ َ َ‬
‫ب ل َت ُب َي ّن ُن ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ن أوُتوا ال ْك َِتا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ميَثاقَ ال ّ ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫خذ َ الل ّ ُ‬
‫ه ‪) ‬آل عمران‪(187:‬‬ ‫مون َ ُ‬‫س َول ت َك ْت ُ ُ‬ ‫ِللّنا ِ‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 136 [ ‬‬

‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫‪ ‬أحكام شرعية في هذا الواقع ‪‬‬


‫نعتقد باختصار أن أحكام الشريعة تقرر أن الجهــاد يكــون فــرض عيــن‬
‫علــى كــل مســلم فــي مثــل هــذا الواقــع اليــوم ‪ .‬هــذا مــا تقــرره أحكــام‬
‫الشريعة‪.‬‬
‫كما أن العقل والمنطق والفهم السليم يدل على أن ( الجهاد المسلح‬
‫هو الحل ( من أجل وضع حد لزمات هذا الواقع ‪.‬‬

‫فأما الدلة الشرعية على ذلك فهي أوضح من عين الشسسمس كمسسا سسسنبين إن شسساء‬
‫الله‪ .‬فالجهاد فرض عين اليوم على كافة المسلمين من وجوه كسسثيرة ‪ .‬ول نسسورد الدلسسة‬
‫العقلية والمنطقية على ذلك إل من باب التأكيد‪ ,‬وإفحام من ل تكفيه الحكام الشسسرعية‬
‫للقناعة – والعياذ بالله – و إل فالمقرر من أساسيات العقيدة أن ل رأي مع رأي الشرع‬
‫من َسةٍ إ ِ َ‬
‫ذا‬ ‫مؤْ ِ‬
‫ن َول ُ‬ ‫م ٍ‬ ‫مسؤْ ِ‬ ‫مسسا ك َسسا َ‬
‫ن لِ ُ‬ ‫‪ ,‬ول اختيار مع اختيار الله ورسوله كما قال تعسسالى ‪ ) :‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫خيرةُ م َ‬ ‫َ‬ ‫قَضى الل ّه ورسول ُ َ‬
‫قسد ْ‬ ‫ه فَ َ‬‫سسسول ُ‬‫ه وََر ُ‬‫ص الل َ‬ ‫ن ي َعْ ِ‬‫م ْ‬ ‫م وَ َ‬‫مرِهِ ْ‬
‫نأ ْ‬‫م ال ْ ِ َ َ ِ ْ‬
‫ن ل َهُ ُ‬
‫كو َ‬ ‫مرا ً أ ْ‬
‫ن يَ ُ‬ ‫هأ ْ‬‫ُ ََ ُ ُ‬ ‫َ‬
‫ً‬
‫بينا ( )الحزاب‪(36:‬‬ ‫ضلل ً ُ‬
‫م ِ‬ ‫ض ّ‬
‫ل َ‬ ‫َ‬
‫هذه هي الحقيقة ‪ :‬فالمقاومة العامة لهسسذا الحتلل الجنسسبي الكسسافر‪ ,‬وهسسذه القسسوى‬
‫المرتدة المتعاونة معه والرازحسسة علسسى صسسدور المسسسلمين ‪ ,‬هسسي فسسرض واجسسب تقسسرره‬
‫الشريعة السلمية ‪ ,‬وحقيقة يقتضيها العقل السليم ‪ .‬كما هو الحال في كل أمسسر حيسسث‬
‫تتوافق أدلة الشرع القويم مع مقتضى العقل السليم في كل زمان ومكان‪.‬‬
‫فهناك أحكام شرعية هامة تتعلق بواقع المسلمين اليوم يجب على علمسساء السسسلم‬
‫وقيادات الصحوة والجهاد بيانها للناس‪ ,‬نذكر هنا أهمها بغية الختصسسار‪ ,‬تسساركين تفصسسيل‬
‫أداتها إلى الجزء الثاني من هذا الكتاب‪.‬‬

‫فإن من أهم ما تقرره الدلة الشرعية من أحكام في واقع المسلمين‬


‫اليوم ما يلي‪:‬‬

‫ل‪ :‬بلد السلم اليوم فـي حالـة احتلل مباشـر أو غيـر مباشــر مــن‬ ‫أو ً‬
‫قبل العداء ‪ .‬وجهادهم فرض عين على المسلمين بالجماع ‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬حكومات بلد المسلمين اليــوم مرتــدة كــافرة لتبــديلها الشــرائع‬
‫وحكمها بغير ما أنزل الله ‪ .‬وولئها للكفار و خيانتها لله ورسوله‬
‫والمؤمنين‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬الخروج على الحاكم إن ارتد عن الســلم أو كــان كــافرا فــرض‬
‫على المسلمين بالجماع ‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬أحكام الشريعة السلمية تقرر بالجماع كفــر وردة مــن تعــاون‬
‫مع الكفار وأعانهم على المسلمين وتوجب قتاله‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬أحكام الشريعة تقرر وجوب أو جواز قتال الصــائل علــى ديــن‬
‫المسلمين أو أنفسهم أو أعراضهم أو أمــوالهم ‪ .‬حــتى ولــو كــان‬
‫مسلما‪.‬‬
‫ولنتناول هذه الحكام بشيء من التفصيل في أدلتها ‪:‬‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 137 [ ‬‬

‫أول ً ‪ :‬بلد الســلم فـي حالــة احتلل وعـدوان وغــزو مــن قبــل العــداء‪,‬‬
‫وجهاد الغزاة اليوم فرض عين على المسلمين بالجماع ‪:‬‬
‫كما أثبتنا في الفصل الول تحت عنوان ) واقع المسلمين اليوم ( فإنه قد صار مسسن‬
‫المسلم به اليوم لدى كل عاقل مبصر‪,‬أن بلدنا كلها من أقصاها إلى أقصاها محتلة إمسسا‬
‫مباشرة من قبل العداء‪ .‬وإما بالنيابة من قبسسل نسسوابهم المرتسسدين‪,‬مسسع تواجسسد عسسسكري‬
‫كثيف للصليبيين بانتشار قواعدهم في جميسسع أرجائهسسا‪.‬مسسع احتلل اقتصسسادي كامسسل عسسبر‬
‫سيطرة الحتكارات القتصادية ‪.‬وبانتشار شبكات استخباراتهم ومراكزهم المنية‪.‬‬
‫وهاهي أمريكا اليوم تعيد احتلل العالم السلمي من جديد جهارا نهارا‪ .‬فقد احتلت‬
‫أفغانستان مباشرة ‪ .‬وبسطت سيطرتها على باكستان ووسط آسيا ‪ .‬وهاهي قد احتلت‬
‫العراق ‪ ,‬ووزعت مئات آلف الجنود في جزيرة العرب وتركيا وجنوب الشام فضل عن‬
‫ما تنشره في مصر والقرن الفريقسسي وشسسمال أفريقيسسا ومسسا حسسول هسسذه المنسساطق مسسن‬
‫بحار‪.‬وهاهو بوش يعلن أنه يقود على بلد المسسسلمين حملسة صسسليبية ومعسسه حلفسائه فسي‬
‫حلسسف النسساتو مسسن البلد الوروبيسسة بالضسسافة للحليسسف الرئيسسسي )إسسسرائيل( السستي تحتسسل‬
‫فلسطين‪ ,‬وتستعد لهدم المسجد القصى وطرد من تبقى فيها من المسلمين‪.‬‬
‫فما حكم الشريعة في مثل هسذه الحسوال؟ ومساذا تفسرض أحكسام السدين علسى كسل‬
‫مسلم تجاهها؟‬
‫الجهاد عبادة وفريضة‪ ,‬فرضها الله على المسلمين‪ .‬وهسسي ثابتسسة بتسسواتر اليسسات فسسي‬
‫كتاب الله والحاديث في سنة رسول الله صلى الله عليه وسسسلم بمسسا يغنسسي عسسن إيسسراد‬
‫الشواهد هنا‪ ,‬فهي أشهر من أن تذكر وأكثر من أن تحصر‪.‬‬
‫جسساء فسسي كتسساب ) السسدفاع عسسن أراضسسي المسسسلمين أهسسم فسسروض العيسسان ( للشسسيخ‬
‫المجاهد الشهيد عبد اللسسه عسسزام شسسيخ المجاهسسدين العسسرب فسسي أفغانسسستان أيسسام جهسساد‬
‫الروس – رحمه الله – ما نقتطف منه ما يلي‪:‬‬
‫وجهاد الكفار نوعان‪:‬‬
‫جهاد الطلب )طلب الكفار في بلدهسسم( بحيسسث يكسسون الكفسسار‪ ,‬ل يحتشسسدون لقتسسال‬
‫المسلمين‪ .‬فالقتال فرض كفاية‪.‬وأقسسل فسسرض الكفايسسة سسسد الثغسسور بسسالمؤمنين لرهسساب‬
‫أعداء الله‪...‬الخ‪ (.‬ثم قال رحمه الله وهو مكان الشاهد‪:‬‬
‫جهاد الدفع )دفع الكفار من بلدنا( وهذا يكون فرض عين‪ ,‬بل أهم فروض العيسسان‪,‬‬
‫ويتعين في حالت‪:‬‬
‫ل‪ :‬إذا دخل الكفار بلدة من بلد المسلمين‪.‬‬ ‫أو ً‬ ‫‪-‬‬
‫ثانيا‪ :‬إذا التقى الصفان وتقابل الزحفان‪.‬‬ ‫ً‬ ‫‪-‬‬
‫ثالثا‪ :‬إذ استنفر المام أفرادا أو قوما وجب‬ ‫ً‬ ‫‪-‬‬
‫عليهم النفير‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬إذا أسر الكفار مجموعة من المسلمين‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 138 [ ‬‬

‫ثم تحدث الشيخ عبد الله رحمه الله عن الحالة الولى وهي نزول الكفار في أرض من‬
‫أراضي المسلمين فقال‪:‬‬
‫( ففي هذه الحالة اتفق السلف والخلــف وفقهــاء المــذاهب الربعــة‪,‬‬
‫والمحدثون والمفسرون في جميع العصور السلمية إطلقــا‪ .‬أن الجهــاد‬
‫في هذه الحالة يصبح فــرض عيــن علــى أهــل هــذه البلــدة الــتي هاجمهــا‬
‫الكفار‪ ,‬وعلى من قرب منهم‪ .‬بحيث يخرج الولد دون إذن والده‪ ,‬والزوجة‬
‫دون إذن زوجها‪ ,‬والمدين دون إذن دائنه‪ .‬فإن لم يكف أهل تلك البلدة أو‬
‫قصروا‪ ,‬أو تكاســلوا‪ ,‬أو قعــدوا‪ .‬يتوســع فــرض العيــن علــى شــكل دوائر‪,‬‬
‫القرب فالقرب‪ .‬فإن لــم يكفــوا أو قصــروا‪ ,‬فعلــى مــن يليهــم ثــم مــن‬
‫يليهم‪ .‬حتى يعم فرض العين الرض كلها(‪.‬‬
‫ثم أوجز الشسسيخ رحمسسه اللسسه مختصسسر الدلسسة علسسى ذلسسك عنسسد مسسذاهب أهسسل السسسنة‬
‫وعلمائهم فقال‪:‬‬
‫ل‪ :‬فقهاء الحنفية‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫قال ابن عابدين فسسي حاشسسيته ج ‪ 3‬ص ‪ ]:238‬وفرض عيـن إذا هجـم العـدو‬
‫على ثغر من ثغور السلم‪ ,‬فيصير فـرض عيـن علـى مـن قـرب منـه‪.‬‬
‫فأما من ورائهم ببعد من العدو فهو فرض كفاية إذا لم يحتــج إليهــم‪.‬‬
‫فإن احتيج إليهم بأن عجز مــن كــان بقــرب العــدو عــن المقاومــة مــع‬
‫العدو‪ .‬أو لم يعجزوا ولكنهم تكاسلوا‪ ,‬ولم يجاهدوا‪ ,‬فإنه يفترض على‬
‫من يليهم‪ ,‬فرض عين كالصلة والصوم‪ ,‬ل يســعهم تركــه‪ ,‬وثــم وثــم ‪,‬‬
‫إلــى أن يفــترض علــى جميــع أهــل الســلم شــرقا وغربــا علــى هــذا‬
‫التدريج[ إهس‪.‬‬
‫‪.‬وبمثل هذا أفتى الكاساني في بدائع الصسسنائع ج ‪ 7‬ص ‪ .72‬وكسسذلك ابسسن نجيسسم فسسي‬
‫البحر الرائق ج ‪ 5‬ص ‪ .191‬وكذلك ابن الهمام في فتح القدير‪ .‬من أئمة الحناف‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬عند المالكية‪:‬‬
‫جاء في حاشسسية الدسسسوقي‪ .‬الجسسزء الثسساني ص ‪ ]:174‬ويتعين الجهــاد بفجــئ‬
‫العدو‪ :‬أي توجه الدفع بفجئ (أي مفاجأة( على كل واحد وإن امرأة أو‬
‫عبدا ً أو صبيًا‪ ,‬ويخرجون ولو منعهم الولي والزوج ورب الدين [‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬عند الشافعية‪:‬‬
‫جاء في نهاية المحتاج للرملي‪ .‬في الجزء الثامن الصفحة ‪ ] :58‬فإن دخلوا بلدة‬
‫لنا‪ ,‬وصار بينهم وبيننا دون مسافة القصر‪ ,‬فيلزم أهلها الــدفع‪ ,‬حــتى‬
‫من ل جهاد عليه‪ ,‬من فقير وولد وعبد ومدين وامرأة [‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬عند الحنابلة‪:‬‬
‫جاء في المغني لبن قدامة في الجزء الثامن الصفحة ‪ ] : 345‬ويتعين الجهاد‬
‫في ثلث مواضع‪:‬‬
‫‪ .1‬إذا التقى الزحفان وتقابل الصفان‪.‬‬
‫‪ .2‬إذا نزل الكفار ببلد يتعين على أهله قتالهم ودفعهم‪.‬‬
‫‪ .3‬إذا استنفر المام قوما لزمهم النفير‪. [ .‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 139 [ ‬‬

‫يقول شيخ السسسلم ابسسن تيميسسة‪ ) :‬وأما قتال الــدفع فهــو أشــد أنــواع دفــع‬
‫الصائل عن الحرمة والدين واجب إجماعا فالعدو الصائل الــذي يفســد‬
‫الدين والدنيا ل شيء أوجب بعــد اليمــان مــن دفعــه‪ ,‬فل يشــترط لــه‬
‫شرط ( كالزاد والراحلة (‪ ,‬بل يدفع بحسب المكــان ونــص علــى ذلــك‬
‫العلماء أصحابنا وغيرهم (‪.‬‬
‫ويقول ابن تيمية في الجزء الرابع من الفتاوى الصفحة ‪ ) :608‬إذا دخل العــدو‬
‫بلد السلم فل ريب أنـه يجــب دفعــه علــى القــرب فـالقرب‪ ,‬إذ بلد‬
‫السلم كلها بمنزلة البلدة الواحدة‪ ,‬وأنه يجب النفير أليه بل إذن والد‬
‫ول غريم ونصوص أحمد صريحة بهذا (‪.‬‬

‫ثم أضاف الشيخ عبد الله عزام إثر هذه الدلة قوله‪ ] :‬وهذا يعرف بالنفير العام ثم‬
‫قال وأدلة النفير العام‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫سك ُ ْ‬‫ف ِ‬ ‫وأن ْ ُ‬ ‫م َ‬‫وال ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬
‫دوا ب ِأ ْ‬ ‫ه ُ‬‫جا ِ‬ ‫و َ‬‫قال ً َ‬ ‫وث ِ َ‬‫فافا ً َ‬ ‫خ َ‬ ‫فُروا ِ‬ ‫قال الله عز وجل ‪ (:‬ان ْ ِ‬
‫ن ( (التوبة‪(41:‬‬ ‫مو َ‬ ‫عل َ ُ‬‫م تَ ْ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫خي ٌْر ل َك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ذَل ِك ُ ْ‬‫ل الل ّ ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫في َ‬ ‫ِ‬
‫وقد جاءت الية قبلها ترتب العذاب والستبدال جسسزاءا لسسترك النفيسسر‪ ,‬ول عسسذاب إل‬
‫فسُروا‬ ‫على ترك واجب أو فعل حرام‪ ,‬قال تعسسالى فسسي سسسورة التوبسسة اليسسة ‪ ) :39‬إ ِل ّ ت َن ْ ِ‬
‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫ديٌر (‬ ‫يٍء قَ س ِ‬ ‫ش ْ‬‫ل َ‬ ‫شْيئا ً َوالل ّ ُ‬‫ضّروهُ َ‬ ‫م َول ت َ ُ‬ ‫وما ً غَي َْرك ُ ْ‬ ‫ل قَ ْ‬
‫ست َب ْدِ ْ‬‫ذابا ً أِليما ً وَي َ ْ‬‫م عَ َ‬ ‫ي ُعَذ ّب ْك ُ ْ‬
‫‪.‬‬
‫قال ابن كثير رحمه الله ‪ :‬أمر الله تعالى بالنفير العام مع رسول اللسسه صسسلى اللسسه‬
‫عليه وسلم عام غزوة تبوك لقتال أعداء الله من الروم الكفرة مسسن أهسسل الكتسساب وقسسد‬
‫بوب البخاري رحمه الله‪):‬باب وجوب النفير وما يجسسب مسسن الجهسساد والنيسسة( وأورد هسسذه‬
‫الية‪ ,‬وكان النفير العام بسبب أنه ترامى إلى أسماع المسلمين أن الروم يعدون علسسى‬
‫تخوم الجزيرة لغزو المدينة‪ .‬فكيف إذا دخسسل الكفسسار بلد المسسسلمين‪ ,‬أفل يكسسون النفيسسر‬
‫أولى؟ قال أبو طلحة رضي اللسسه عنسسه فسسي معنسسى قسسوله تعسسالى}خفافسسا وثقسسال{‪ ,‬كهسسول‬
‫وشباب ما سمع الله عذر أحد( الجزء الثاني ص ‪ .144‬مسسن مختصسسر تفسسسير ابسسن كسسثير‪,‬‬
‫وقال الحسن البصري‪ :‬في العسر واليسر‪.‬‬
‫ويقول ابن تيمية في الجزء ‪ 28‬ص ‪ ) 358‬فأما إذا أراد العدو الهجوم على‬
‫المسلمين‪ ,‬فإنه يصير دفعه واجبا على المقصودين كمــا قــال تعــالى ‪:‬‬
‫صُر‪( ‬النفال‪ .(72 :‬كما أمر النبي صــلى اللــه‬ ‫م الن ّ ْ‬ ‫ن فَعَل َي ْك ُ ُ‬‫دي ِ‬‫م ِفي ال ّ‬ ‫صُروك ُ ْ‬ ‫ست َن ْ َ‬‫نا ْ‬ ‫وَإ ِ ِ‬
‫عليه وسلم بنصر المسلم سواء كان الرجل مـن المرتزقــة للقتــال أو لـم‬
‫يكن ‪ ,‬هذا يجب بحسب المكــان علــى كــل أحــد بنفســه ومــاله مــع القلــة‬
‫والكثرة و المشي و الركوب ‪ ,‬كما كان المسلمون لما قصدهم العدو عام‬
‫الخندق‪ .‬لم يأذن الله في تركه لحد ( وقال الزهري‪ :‬خسسرج سسسعيد بسسن المسسسيب‬
‫إلى الغزو وقد ذهبت إحدى عينيه‪ ,‬فقيل له إنك لعليسسل‪ ,‬فقسسال ) إسسستنفر اللسسه الخفيسسف‬
‫والثقيل‪ ,‬فإن لم يمكني الحرب كثرت السواد وحفظت المتاع ( رواه القرطسسسبي فسسسي الجسسسامع لحكسسسام‬

‫القرآن ج ‪ 8‬ص ‪.150‬‬


‫ثم يتابع الشيخ عبد الله عزام رحمه الله أدلة النفير العام فيقول‪:‬‬
‫مسسا‬ ‫َ‬
‫ةك َ‬ ‫َ‬
‫ن كافّ س ً‬ ‫كي َ‬
‫ش سرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ويقول الله عــز وجــل ‪ ‬وَقَسسات ُِلوا ال ْ ُ‬ ‫‪.1‬‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ‪( ‬التوبة‪ .(36 :‬قال ابن العربي ‪:‬‬ ‫قي َ‬
‫مت ّ ِ‬
‫معَ ال ُ‬
‫ه َ‬
‫ن الل َ‬
‫موا أ ّ‬ ‫كافّ ً‬
‫ة َواعْل ُ‬ ‫م َ‬ ‫قات ُِلون َك ُ ْ‬‫يُ َ‬
‫كافة يعنى محيطين بهم من كل جانب وحالة‪ .‬رواه القرطبي في الجامع‪.150 – 8.‬‬
‫ة وَي َك ُسسو َ‬
‫ن‬ ‫ن فِت ْن َس ٌ‬‫حت ّسسى ل ت َك ُسسو َ‬ ‫م َ‬ ‫ويقول عز وجل ‪ (:‬وََقات ُِلوهُ ْ‬ ‫‪.2‬‬
‫ه ( (النفــال‪ .( 39 :‬والفتنة هي الشرك‪ .‬كمسا قسال ابسن عبسساس و‬ ‫ه ل ِل ّ ِ‬
‫ن ك ُل ّ ُ‬
‫دي ُ‬ ‫ال ّ‬
‫السدي‪ .‬ذكره القرطبي الجزء ‪ .2-253‬وعند هجوم الكفار‪ ,‬واستيلئهم علسسى السسديار‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة ‪] 140 [ ‬‬

‫فالمة مهددة في دينها‪ .‬وعرضة للشك في عقيدتها‪ ,‬فيجب القتال لحمايسة‬


‫الدين والنفس والعرض والمال‪.‬‬
‫قال صلى الله عليه وسلم (ل هجرة بعد الفتح ولكــن جهــاد ونيــة وإذا‬
‫استنفرتم فانفروا( رواه البخسساري فيجب النفير إذا اسسستنفرت المسسة‪ .‬وفسسي حالسسة هجسسوم‬
‫الكفار فالمة مستنفرة لحماية دينها‪ .‬ومدار الواجب على حاجسسة المسسسلمين و اسسستنفار‬
‫المام‪ .‬كما قال ابن حجر في شرح هذا الحديث‪ ,‬جسساء فسسي فتسسح البسساري الجسسزء )‪ -6‬ص‬
‫‪ ,(20‬قال القرطبي )كل من علم بضسسعف المسسسلمين عسسن عسسدوهم وعلسسم أنسسه يسسدركهم‬
‫ويمكنه غياثهم لزمه أيضا الخروج إليهم(‪ .‬قال المام الجصاص في أحكسسام القسسرآن ج ‪1‬‬
‫ص ‪ ): 242‬ل نعلم خلفا أن رجل لو شهر سيفه على رجل ليقتله بغير حسسق‪ .‬أن علسسى‬
‫المسلمين قتله (‪ .‬وفي هذه الحالة – الصيال – إذا قتل الصائل فهو في النار ولسسو كسسان‬
‫مسلما‪ ,‬وإذا قتل العادل فهو شهيد‪ .‬هسسذا حكسسم الصسسائل‪ .‬فكيسسف إذا صسسال الكفسسار علسسى‬
‫أرض المسلمين‪ ,‬حيث يتعرض الدين والعرض والنفس والمسسال للسسذهاب والسسزوال؟! أل‬
‫يجب في هذه الحالة على المسلمين دفع الصائل الكافر والدولة الكافرة‪.‬‬
‫ن‬‫م َ‬
‫ن ِ‬ ‫فَتا ِ‬ ‫طائ ِ َ‬‫ن َ‬ ‫قتال الفئة الباغية‪ :‬يقول الله عز وجل‪ ‬وَإ ِ ْ‬ ‫‪.3‬‬
‫قات ُِلوا‬ ‫ُ‬
‫ما عََلى اْل ْ‬ ‫َ‬
‫خَرى فَ َ‬ ‫داهُ َ‬
‫َ‬
‫ح َ‬ ‫ت إِ ْ‬‫ن ب َغَ ْ‬ ‫ما فَإ ِ ْ‬ ‫حوا ب َي ْن َهُ َ‬ ‫ن اقْت َت َُلوا فَأ ْ‬
‫صل ِ ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤْ ِ‬‫ال ْ ُ‬
‫َ‬
‫ل‬‫ما ِبال ْعَد ْ ِ‬ ‫حوا ب َي ْن َهُ َ‬ ‫صل ِ ُ‬ ‫ت فَأ ْ‬ ‫ن َفاَء ْ‬ ‫مرِ الل ّهِ فَإ ِ ْ‬ ‫فيَء إ َِلى أ ْ‬ ‫حّتى ت َ ِ‬ ‫ال ِّتي ت َب ِْغي َ‬
‫َ‬
‫ن‪( ‬الحجرات‪ (9:‬فإذا فرض الله علينا قتال‬ ‫طي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫طوا إ ِ ّ‬ ‫س ُ‬ ‫وَأقْ ِ‬
‫الفئة الباغية المسلمة حفاظا على وحدة كلمة المسلمين وحماية دينها‬
‫وأعراضها وأموالها‪ .‬فكيف يكون الحكم في قتال الدول الكافرة الباغية؟‬
‫أليس هذا أولى وأجدر‪.‬‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫حارُِبو َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫جَزاُء ال ّ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫حد الحرابة‪ :‬قال تعالى‪ :‬إ ِن ّ َ‬ ‫‪.4‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ديهِ ْ‬‫قط ّسعَ أي ْس ِ‬ ‫ص سل ُّبوا أوْ ت ُ َ‬ ‫قت ُّلوا أوْ ي ُ َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫سادا ً أ ْ‬ ‫ض فَ َ‬ ‫في الْر ِ‬
‫ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫سعَوْ َ‬‫ه وَي َ ْ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫وََر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ِفسي‬ ‫خْزيٌ ِفي الد ّن َْيا وَل َهُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ك ل َهُ ْ‬ ‫ض ذ َل ِ َ‬ ‫ن الْر ِ‬
‫م َ ْ‬ ‫وا ِ‬ ‫ف ْ‬‫ف أوْ ي ُن ْ َ‬ ‫خل ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جل ُهُ ْ‬‫وَأْر ُ‬
‫م( (المائدة‪ (33:‬هذا حكم المحاربين من المسلمين الذين‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫خَرةِ عَ َ‬ ‫اْل ِ‬
‫يخيفون عامة المسسسلمين ويفسسسدون فسسى الرض ويعبثسسون بسسأموال النسساس‬
‫وأعراضهم‪ ,‬فكيف بالدول الكافرة التي تفسد على النسساس دينهسسم ومسسالهم‬
‫وعرضهم‪ ,‬أليس قتالها أوجب على المسلمين وأحرى؟!‪.‬‬
‫هذه بعض الدلة والمبررات للنفير العام‪ ,‬إذا دخل الكفار أرض المسلمين‪ ,‬أن دفسسع‬
‫العدو الكافر هو أوجب الواجبات بعد اليمان‪ [.‬انتهى النقل عن كتاب الدفاع عن‬
‫أراضي المسلمين‪ .‬باختصار طفيف‪.‬‬
‫وأقول ‪ :‬فإذا تأملنا أحوال المسلمين اليوم‪ .‬لوجدنا أن الجهاد قد تعيسسن عليهسسم مسسن‬
‫الوجوه الربعة‪ .‬في كل الرض‪ .‬وأوضسح وجسوه فرضسيته هسو البسساب الول ) وهسسو نسسزول‬
‫العداء في أكثر بلد المسلمين(‪.‬‬
‫فما من بلد من بلد المسلمين اليوم‪ ,‬إل وهو محتــل مــن قبــل أنــواع‬
‫الكفار‪ ,‬من اليهود كبلد فلســطين وأجــزاء مــن بلد الشــام‪ ,‬أو مــن قبــل‬
‫الصــــليبين‪ ,‬كبلد البوســــنة والبلقــــان‪ ,‬و الشيشــــان و القفقــــاس ‪,‬‬
‫والجمهوريات السلمية في وسط آسيا والفلبين‪ ...‬وغيرها ‪ .‬أو من قبل‬
‫الوثنيين مثل كشمير التي يحتلها الهندوس وتركســتان الشــرقية وأجــزاء‬
‫من جنوب شرق آسيا التي تحتلها الصين‪...‬وغير ذلك‪.‬‬
‫وكل هذه البلد قد عجز أهلهــا ومــن جــاورهم‪ ,‬ثــم مــن جــاورهم‪ .‬ثــم‬
‫جميع من تلهم وجاورهم‪ ,‬عجزوا أو تكاسلوا أو فرطوا‪ .‬فعمت الفريضــة‬
‫العينية بالجهاد كل أهل السلم‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 141 [ ‬‬

‫وأما بــاقي البلد الســلمية والعربيــة‪ .‬بمــا فيهــا عقــر دار الســلم و‬
‫كعبتهم ‪ ,‬ومســجد نــبيهم صــلى اللــه عليــه وســلم‪ .‬فمحتلــة بصــورة غيــر‬
‫مباشرة من قبل الصليبيين واليهود‪ ,‬بنيابة الحكــام المرتــدين‪ ,‬وأعــوانهم‬
‫المنـافقين الــذين وضــعوا جيوشــهم فـي خدمــة الكفــار‪ .‬بزعامــة أمريكــا‬
‫وســيدتها إســرائيل وحلفــائهم الصــليبيين‪ ,‬الــذين ملــؤوا البلد بالقواعــد‬
‫العسكرية البرية والبحرية والجوية‪ .‬واحتلوا البلد بهذه الطريقة الحديثــة‪,‬‬
‫بتجميع قــواتهم فيهــا فـي قواعــد مركــزة‪ ,‬بــدل نشــرها‪ ,‬واكتفــوا بنشــر‬
‫المرتدين لجيوشهم من المنــافقين و الجهــال والمكرهيــن والضــائعين‪...‬‬
‫الذين يقومون بدور المحتل بالنيابة‪ ,‬حيث يخرج الصــليبيون قــواتهم مــن‬
‫مراكزها وقت الحاجة‪ .‬ويكفى أن نعلم أن لمريكــا وحلفــائهم الصــليبيين‬
‫فوق أرض جزيرة العرب أكثر من مائتي ألف جندي‪.‬وسلحا وعتادا مخزنــا‬
‫يكفي لمليون جندي‪ ,‬يمكن نقلهم خلل أســابيع وقــت الحاجــة ‪ ...‬وبهــذه‬
‫الطريقة الخبيثة‪ .‬بتجميــع القـوات فـي قواعــد مركزيــة‪ ,‬والعتمــاد علــى‬
‫قــوات المرتــدين فــي الخــدمات التفصــيلية‪ .‬يتفــادى المحتلــون الجــدد‬
‫اســـتفزاز المســـلمين للجهـــاد‪ .‬ويســـمحون للحكـــام المرتـــدين بادعـــاء‬
‫الستقلل‪ .‬ولعلماء السلطين بصرف الناس عن الجهاد ودعوتهم لطاعة‬
‫أولياء المور المرتدين!‬
‫فالمآل واحد‪ ,‬فالبلد محتلة‪ ,‬والثروات منهوبة‪ ,‬والكــافرون يســومون‬
‫المؤمنين ألوان الذل والهوان على أيدي أعوان المرتــدين‪ ,‬وشــريعة اللــه‬
‫معطلــة‪ ,‬وكلمــة الكفــار هــي العليــا‪ ,‬والصـالحون نـزلء الســجون وأقبيــة‬
‫التعــذيب‪ .‬والنــاظر فــي أحــوال بلد الحرميــن والشــام ومصــر وشــمال‬
‫أفريقيا وتركيا و الباكستان وأفريقيا وأسبابها يرى ذلك بأوضح صوره‪.‬‬
‫وأما إذا جئنا للبند الثاني مـن فريضـة الجهـاد العينـي‪ .‬وهـي (التقـاء‬
‫صــف المــؤمنين بصــف الكــافرين(‪ .‬لوجــدناها متحققــة فــي كــل بلد‬
‫المسلمين بأشرس صورها‪ ,‬ولكن بصورة خبيثة أيضا‪ ,‬فقد نشر الكافرون‬
‫الصــليبيون‪ ,‬والكفــار المرتــدون‪ ,‬قــواتهم ورصــوا صــفوفهم وأكــدوا‬
‫حضورهم في كل شبر من بلد المسلمين‪ .‬عبر مئات اللف مــن الجيــش‬
‫والشرطة والستخبارات ورجال المن والجواســيس والمخــبرين‪...‬ناهيــك‬
‫عمــن ذكرنــا مــن آلف الجنــود الصــليبيين المجمعيــن فــي مراكزهــم‬
‫وقواعدهم العسكرية في كل بلد‪ .‬بحيث أنه ما مــن مســلم يقــف موقــف‬
‫الدفاع عن دينه واللتزام به والدفاع عن قضايا أمته‪ ,‬إل وتخطفتــه أيــدي‬
‫تلــك العســاكر و ترصــدته عيــون أولئك الجواســيس!! فهــل التقــى صــف‬
‫الكافرين بصف المؤمنين أم ليس بعد؟ أم يحتـاج مشـايخنا حـتى يبصـروا‬
‫ذلك ويفتون به‪ ,‬أن يتجمع كل أولئك العســاكر والمخــابرات والجواســيس‬
‫في صف واحد أمام المساجد وأمام أبوب بيوتهم؟!‬
‫وأما إذا جئنا إلى البند الثالث وهو ( استنفار المــام( فللــه المشــتكى‬
‫وله الحمد على كل حال‪ .‬فليس للمسلمين على وجه الرض اليــوم إمــام‬
‫شرعي واحد‪ ,‬وما فيهم اليوم إل محــارب للــه ورســوله ســاع فـي الرض‬
‫الفساد‪ .‬فكلهم معتمد على ألوان الكفار من اليهود الصليبيين والوثنيين‪,‬‬
‫ومن اشترى ذمتهم من المنافقين‪ .‬فليــس هنــاك إمــام شــرعي يســتنفر‬
‫للجهاد‪ .‬بل هناك أئمة الكفر والردة يستنفرون الراذل علــى المــؤمنين!!‬
‫فهل سقط الجهاد لغياب المام الشرعي؟! فمن يدفع الصائل اذن؟‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 142 [ ‬‬

‫والحقيقة أن حجة الله قد قامت على عباده المسلمين في أكثر بلد الدنيا‪ .‬فما من‬
‫بلد من بلد المسلمين إل وقام فيه دعاة للهدى‪ .‬من علماء عسساملين‪ ,‬أو دعسساة صسسادقين‬
‫أو أمراء جهاد مخلصين‪ .‬دعسسوا النساس للجهساد والمسر بسالمعروف والنهسي عسن المنكسسر‪,‬‬
‫واسسستنفروهم‪ .‬وحسستى لسسو خل بلسسد مسسن البلد عسسن مثسسل هسسؤلء الئمسسة‪ ,‬وأمسسراء الجهسساد‬
‫الصالحين‪ .‬على فرض ذلك‪ .‬فأمة السلم واحسسدة‪ .‬ول إعتبسسار مسسن وجهسسة نظسسر السسسلم‬
‫للحدود التي رسمها الصليبيون بين بلدنا‪ ,‬وما اخترعوه مسسن جنسسسيات وتابعيسسات وأعلم‬
‫وجوازات سفر‪ ...‬فأمة السلم واحدة وتبقى واحدة‪ .‬ولم تخسسل عسسن أمسسراء جهسساد دعسسوا‬
‫المسلمين واستنفروهم‪ .‬وعلى المسلمين إجابتهم والنفيسسر معهسسم لسسدفع الصسسائل‪ .‬ومسن‬
‫أمثال هؤلء وقت غزو الروس لفغانستان الشيخ عبد الله عزام رحمه الله‪ .‬ومن وقف‬
‫معه في الدعوة للنفير العام بالجهاد من علماء باكستان و أفغانستان وغيرهسسم‪ .‬ومنهسسم‬
‫كافة شيوخ وأمراء الجماعات و الدعوات الجهادية في مختلف البلد السسسلمية ‪ ..‬ومسسن‬
‫هسسؤلء اليسسوم الشسسيخ أسسسامة بسسن لدن حفظسسه اللسسه‪ ,‬السسذي يسسستنفر المسسسلمين لجهسساد‬
‫المريكان واليهود اليوم ‪ ,‬ومثله العديد من العلماء ودعاة الجهاد ضدهم من بلد العرب‬
‫والعجسسم فسسي العسسراق و الشيشسسان وفلسسسطين والفلسسبين وإندونيسسسيا وغيرهسسا‪ .‬وعلسسى‬
‫المسلمين إجابتهم للنفير‪.‬‬
‫وأما إذا جئنا للوجه الرابع مسن فريضسة الجهساد العينيسة وهسسو )إذا أسسر العسسدو بعسض‬
‫المسلمين(‪ ,‬فماذا نقول؟ وماذا نعيد؟ وأين نعد؟ وماذا نزيد؟‬
‫فأسسسرى الشسسباب المسسسلم المخطسسوف مسسن مختلسسف بلد السسدنيا إلسسى سسسجن‬ ‫•‬
‫غوانتانامو المريكي المخزي قد جاوز اليوم ‪ 700‬أسير من مختلف الجنسيات‬
‫بحسب المصادر المريكية ذاتها‪.‬ومثل هذا العدد فسسي السسسجون المريكيسسة فسي‬
‫أفغانستان وباكستان‪.‬‬
‫وأكثر مسسن هسسذا العسسدد مجمسسوع أسسسرى الشسسباب المسسسلم فسسي سسسجون أوروبسسا‬ ‫•‬
‫الغربية)بريطانيا‪-‬فرنسا‪ -‬أسبانيا‪ -‬ألمانيا‪ -‬بلجيكا‪-‬إيطاليا‪.(...-‬‬
‫)وأما في روسسسيا فبسساللف‪ .‬وقسسل مثلهسسا فسسي كشسسمير والفلسسبين و إرتريسسا وبلد‬ ‫•‬
‫إفريقيا‪ .‬وبلد وسط آسيا وبلد التركستان‪.(..‬‬
‫وأما سجون طغاة بلد العرب والمسلمين من أمثال حكسسام السسسعودية ومصسسر‬ ‫•‬
‫وبلد الشام وشسسمال أفريقيسسا وتركيسسا و الباكسسستان‪ ..‬فالرقسسام المنشسسورة عسسبر‬
‫منظمات حقوق النسان‪ ,‬وتقارير منظمة العفو الدوليسسة تسسذهب إلسسى عشسسرات‬
‫اللف فسسى البلسسد الواحسسد أحيانسسا!! فل شسسك أن الرقسسام عسسن أسسسرى الشسسباب‬
‫المسسسلم فسسي تلسسك البلد يجسساوز مئات اللف!! وهسسذه حقيقسسة موثقسسة وليسسست‬
‫مبالغات موهومة‪.‬‬
‫وأما عن فلسطين فالخبار العالميسسة تطالعنسسا فسسي كسسل يسسوم عسسن قتسسل المئات‬ ‫•‬
‫وأسر اللف‪ .‬فقد أسر اليهود في يوم واحد من أيام النتفاضة أكثر مسسن ألسسف‬
‫أسير‪ !.‬وقد طال السر في عموم تلك البلد النساء والفتيات وحتى الطفال‪.‬‬
‫وأما عن حوادث القتل والتعذيب والغتصاب وهتك أعسسراض الرجسسال والنسسساء‪.‬‬ ‫•‬
‫فل تكسساد تخلسسوا بلسسد منهسسا!! فهسسل وجسسب الجهسساد أم لسسم يجسسب بعسسد؟! وعلمسساء‬
‫المسلمين قد أفتوا بأنه إذا سبيت امرأة مسلمة في المشرق وجب على أهل‬
‫المغرب تخليصها‪ .‬وأن على المسلمين إنقاذ أسراهم ولو اسسستنفذوا فسسي ذلسسك‬
‫جميع أموالهم‪.‬‬

‫ولعل بعض المنافقين أو بعض الجهال‪ ,‬ينفي حالة الحتلل عن‬


‫بعض بلد المسلمين ‪ ,‬ويحرم مقاتلــة الغــزاة بــدعوى أنهــم قــدموا‬
‫بموجب اتفاقات مع حكام بلد المسلمين‪ .‬فينبغي أن نثبت لهــؤلء‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 143 [ ‬‬

‫أن هذا ل يجوز لحــاكم مســلم لــو كــان مســلما‪ .‬وأن نــبين لهــم أن‬
‫هؤلء الحكام قد فقدوا شرعيتهم بكفرهم وردتهم وخروجهــم مـن‬
‫ملتنا‪.‬‬

‫وهو ما ستبينه الفقرة التالية ‪:‬‬

‫*************‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 144 [ ‬‬

‫ثانيــا ‪ :‬حكومــات بلد المســلمين اليــوم مرتـدة كــافرة لتبــديلها الشــرائع‬


‫وحكمها بغير ما أنزل الله ‪ .‬وولئهــا للكفــار و خيانتهــا للــه ورســوله‬
‫والمؤمنين‪:‬‬

‫لقد تسرب العديد من أنواع الشرك بالله إلى معتقدات الكثير مسسن المسسسلمين مسسع‬
‫تتالي الزمان حتى وصلنا إلى هذه الزمنة التعيسة المتأخرة ‪.‬‬
‫ومن ذلك ما حصسل مسن الكسثيرين مسن عبسادة غيسره مسن دونسه‪ ,‬ومعصسيته وإنكسار‬
‫أحكامه مع طاعة غيره وطاعة أحكامهم‪ ,‬وترك وليته وولية أوليائه ‪ ,‬ثسسم وليسسة أعسسدائه‬
‫من دون أوليائه ‪.‬‬
‫فكل مسلم يعتقد و يعترف ويدعى اليمان بأن الله هو الخالق ‪ ,‬وأنه هو السسرزاق ‪,‬‬
‫وأنه هو المحيي ‪ ,‬وأنه هو المميت ‪ ,‬وأنه الضسسار النسسافع ‪ ,‬وأنسسه الخسسافض الرافسسع ‪ ,‬وأنسسه‬
‫الحكم العدل ‪ , ..‬إلى آخر أسماء الله وصفاته‪ .‬ولكن كثيرا من المسلمين فسسي واقعهسسم‬
‫يتوجهسسون فسسي جلسسب النفسسع ودفسسع الضسسر وطلسسب السسرزق‪ ,‬والخسسوف والرجسساء‪ ,‬والتحسساكم‬
‫والتشريع‪ ,‬والتحليل والتحريم‪ ..‬على غيسر مسا أمسر اللسه بسه‪ ,‬إلسى البشسر مسن أمثسالهم ‪.‬‬
‫وخاصة من الحكام والكبراء ‪ ,‬والحبسسار والرهبسسان والعلمسساء والمشسسايخ‪ ,‬ومسسن يعتقسسدون‬
‫فيهم من الرجال!‬
‫وهذه هي حقيقسسة العبسسادة وحقيقسسة الطاعسسة ‪ ,‬السستي تنقسسض زعمهسسم اليمسسان بسسالرب‬
‫الخالق كما يدعون ‪ .‬الرب الذي ل يتم اليمان به إل بملزمة عبادته إلها‪ ,‬وطاعته وحده‬
‫ل شريك له في أحكامه ‪ ,‬تماما كما يجب اليمان به ربا خالقا رازقا ‪...‬‬
‫إن من أعظم وجوه عبادة الله وطاعته‪ ,‬التزام أحكامه وأوامره ونسسواهيه وشسسرائعه‬
‫وهذا بسسديهي‪ ...‬فهسسل ثمسسة تكسسذيب أكسسبر مسسن أن يسسدعي رجسسل اليمسسان بسسالله ‪ ,‬ثسسم ينكسسر‬
‫دعي عدم صلحيتها للعصسسر! وأنهسسا سسسبب تخلسسف المسسسلمين!!‬ ‫تشريعاته و يتنقصها ! وي ّ‬
‫ويقدم غيرها من شرائع البشر عليها عمليا! ويحكم الناس بها ويقهرهسسم علسسى قوانينهسسا‬
‫بالقوة!‬
‫إن هذه الطاعة ل يتقبلها أحدهم من زوجتسسه‪ ,‬ول ولسسده‪ ,‬ول خسسادمه س س وللسسه المثسسل‬
‫العلى س فهل يقبل رب البيت من زوجته ادعاء حبه وهي تطيع غيره وتنفذ أوامر غيره‬
‫في بيته؟! وهل يقبل من ولده ادعاء طاعته ثم يطيع جاره و يعصيه ؟ وهل يقبسسل مسسن‬
‫خادمه وعامله الذي يأكل من رزقه ‪ ,‬أن يدعي سيادته ‪ ,‬ثم يتحرك وفق توجيهات غيره‬
‫! فهم ل يقبلون ذلك على أنفسسسهم وللسسه المثسسل العلسسى ‪ .‬ولهسسذا جسساءهم الخطسساب أفل‬
‫تتقون ؟! أفل تذكرون ؟! فهذا ادعاء باطل وعمل منكر‪.‬‬
‫إن كون الحاكمية لله وحده‪ .‬وأن التشريع منه وحسسده‪ .‬وأن الطاعسسة لسسه وحسسده‪ ,‬وأن‬
‫الحلل ما أحله الله‪ ,‬وأن الحرام ما حرمه‪ ,‬وأن ما أمر به نافذ‪ ,‬وأن ما نهى عنه ُيسسترك‪.‬‬
‫هي أمور من صميم توحيد اللوهية وعبادة الله وحده‪ .‬وقسسد أثبسست القسسرآن هسسذا‪ ,‬وأثبسست‬
‫الكفسر لمنكسره‪ .‬كمسا أثبتتسه السسسنة واسستقر عليسسه إجمساع هسسذه المسة‪ ,‬وسسادة علمائهسسا‬
‫وفقهائها عبر الزمان والعصور‪ .‬ول يكون الدين كله لله في الحقيقة إل هكسسذا‪ ,‬واليسسات‬
‫ح ُ‬ ‫َ‬
‫مسا‬‫م بِ َ‬‫م ب َي ْن َُهس ْ‬‫كس ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫متواترة على هذه المعاني متعاضدة‪ .‬ومسن ذلسك قسوله تعسالى‪ :‬وَأ ِ‬
‫ن ت َوَل ّس ْ‬
‫وا‬ ‫ك ف َ سإ ِ ْ‬‫ه إ ِل َي ْ َ‬ ‫ما أ َن َْز َ‬
‫ل الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬‫ِ‬ ‫ن ب َعْ‬
‫ك عَ ْ‬ ‫فت ُِنو َ‬ ‫ن يَ ْ‬‫مأ ْ‬
‫ل الل ّه ول تتبع أ َهْواَءهُم واحذ َرهُ َ‬
‫ْ َ ْ ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ َِّ ْ‬ ‫أ َن َْز َ‬
‫َ‬ ‫س لَ َ‬ ‫َفاعْل َم أ َنما يريد الل ّ َ‬
‫حك ْس َ‬
‫م‬ ‫ن * أف َ ُ‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫فا ِ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬‫ن ك َِثيرا ً ِ‬‫م وَإ ِ ّ‬‫ض ذ ُُنوب ِهِ ْ‬ ‫م ب ِب َعْ ِ‬‫صيب َهُ ْ‬‫ن يُ ِ‬‫هأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ ّ َ ُ ِ ُ‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن ‪) ‬المائدة ‪(50-49‬‬ ‫قوْم ٍ ُيوقُِنو َ‬ ‫كما ل ِ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن اللهِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬
‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬‫ن وَ َ‬‫جاهِل ِي ّةِ ي َب ُْغو َ‬‫ال ْ َ‬
‫قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره ‪ ) ]:‬وأن احكم بينهم بما أنزل الله ول‬
‫تتبــع أهــواءهم (‪ .‬أي فسساحكم يسسا محمسسد‪ ,‬بيسسن النسساس عربهسسم‪ ,‬وعجمهسسم ‪ ,‬وأميهسسم‪,‬‬
‫وكتسسابيهم‪ ,‬بمسسا أنسسزل اللسسه إليسسك فسسي هسسذا الكتسساب العظيسسم [ ثسسم قسسال ‪ ) ] :‬ول تتبـع‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 145 [ ‬‬

‫أهواءهم (‪ :‬أي آراءهم التي اصطلحوا عليها وتركوا بسببها ما أنزل الله علسسى رسسسله‪.‬‬
‫ولهذا قال تعالى ‪ ) :‬ول تتبع أهواءهم (‪ .‬أي ل تنصرف عن الحق الذي أمرك الله به‬
‫بأهواء هؤلء الجهلة الشقياء [‪ .‬ثم قال س وانتبه إلى هذا الثر العظيم الهام س س قسسال ابسسن‬
‫كثير رحمه الله‪ ] :‬وقوله تعالى ) أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن مــن اللــه‬
‫حكما لقوم يوقنون ( ينكر تعالى على من خرج عن حكم اللسسه المحكسسم‪ ,‬المشسستمل‬
‫علسسى كسسل خيسسر‪ ,‬النسساهي عسسن كسسل شسسر‪ ,‬وعسسدل إلسسى مسسا سسسواه مسسن الراء والهسسواء‪,‬‬
‫والصطلحات التي وضعها الرجال بل مستند من شريعة الله‪ .‬كمسسا كسسان أهسسل الجاهليسسة‬
‫يحكمون به من الضللت و الجهالت‪ ,‬مما يضعونها بآرائهم وأهسسوائهم وكمسسا يحكسسم بهسسا‬
‫التتار مسن السياسسات الملكيسة المسأخوذة مسن ملكهسم )جنكيسز خسان( السذي وضسع لهسم‬
‫)الياسق( وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قسسد اقتبسسسها مسسن شسسرائع شسستى مسسن‬
‫اليهودية والنصرانية والملة السلمية وغيرها‪ .‬ومنها كثير من الحكام أخذها مسسن مجسسرد‬
‫نظره وهواه‪ ,‬فصارت في بنيه شسسرعا متبعسا يقسدمونه علسى الحكسم بكتسساب اللسسه وسسسنة‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬فمن فعل ذلسسك منهسسم فهسسو كسسافر يجسسب قتسساله حسستى‬
‫يرجع إلى حكم الله ورسوله فل يحكم بسواه في قليل ول كسثير‪ .‬قسال تعسالى‪ ):‬أفحكسم‬
‫الجاهلية يبغون ( أي يبتغون ويريدون ‪ ,‬وعن حكسسم اللسسه يعسسدلون؟ وقسسوله تعسالى‪):‬ومسسن‬
‫أحسن من الله حكما لقوم يوقنون( أي‪ :‬ومن أعدل من الله في حكمه لمن عقسسل عسسن‬
‫الله شرعه وآمن به وأيقن وعلم أن الله أحكسسم الحسساكمين وأرحسسم بخلقسسه مسسن الوالسسدة‬
‫بولدها‪ ,‬فإنه تعالى هو العالم بكل شئ القادر على كل شئ‪ .‬العادل في كل شئ [ اهس‪.‬‬
‫ومما قاله ابن كثير عن )الياسسسق( فسسي تسساريخه )البدايسسة والنهايسسة(‪ ,‬قسسال‪ ]:‬ثسسم ذكسسر‬
‫الجويني نتفا من )الياسا(‪ ,‬من ذلك‪ :‬أنه منسسه زنسى قتسسل‪ ,‬محصسسنا كسسان أو غيسسر محصسسن‪,‬‬
‫وكذلك من لط‪ .‬قتل ومن تعمد الكذب قتل‪ ,‬ومن تجسس قتل ‪ ,‬ومسسن بسال فسسي المسساء‬
‫الواقف قتل ‪ ,‬ومن انغمس فيه قتل )‪ (...‬وفي ذلك كله مخالفسسة لشسسرائع اللسسه المنزلسسة‬
‫على عباده النبياء عليهم الصلة والسلم فمن ترك الشرع المحكم المنزل على‬
‫محمــد بــن عبــد اللــه خــاتم النبيــاء‪ ,‬وتحــاكم إلــى غيــره مــن الشــرائع‬
‫المنسوخة كفر‪ .‬فكيف بمن تحاكم إلى الياســا وقــدمها عليــه‪ .‬مــن فعــل‬
‫ذلك كفر بإجماع المسلمين [ اهـ‪.‬‬

‫قلت‪:‬‬
‫و(الياسا(‪ :‬هو دستور ومجموعة قوانين‪ ,‬وضعها جنكيز خان‪) ,‬الملك التسستري( لمسسا‬
‫اجتاح المشرق‪ ,‬ورأى تعدد الديان والفلسفات‪ ,‬فوضع بمشاورة المشرعين عنده هسسذا‬
‫الدستور‪ ,‬مما استحسنوه بعقولهم ومن وحي تجاربهم‪ ,‬وخلطوها بأحكام من السسسلم و‬
‫النصرانية وأديانهم الوثنية‪.‬‬
‫وهسو نفسس الفعسل السذي يقسوم بسه اليسوم حكسام المسسلمين بمسساعدة مشسرعيهم‬
‫وبرلمانسساتهم‪ ,‬حيسسث بنوهسسا أساسسسا علسسى القسسوانين الفرنسسسية والنجليزيسسة‪ ,‬ذات الصسسل‬
‫الروماني‪ ,‬وخلطوا فيها شيئا من الشريعة السلمية‪ ,‬ومسسا أملتسسه عليهسسم أهسسواؤهم ! ثسسم‬
‫كتبسسوا فسسي أعلهسسا كمسسا فسسي بعسسض البلد السسسلمية‪):‬الشسسريعة السسسلمية هسسي المصسسدر‬
‫الساسي للتشريع والتقنيين!!( وفسسي بعسسض البلد بخلسسوا حسستى بهسسذه العبسسارة الشسسركية‬
‫الكاذبة‪.‬‬
‫فإذا كان ابن كثير قد نقل إجماع المسلمين على كفر مسسن حكسسم بالياسسسا أو سسسواه‬
‫من جهالت البشر‪ ,‬فكيف بمن حكم بهذه الشرائع الوضسسعية فسسي المسسسلمين وأجسسبرهم‬
‫عليها بقوة وقهر السلح!!‬
‫ويكفي لكل من أراد أن يطلع على حجم الكفر والفسق والظلم‪ ,‬وتبديل الشسسرائع‪,‬‬
‫واتخاذ آيات الله هزوا‪ ,‬أن يطلع على نسخة من دستور بلده‪ ,‬والقسسوانين المعمسسول بهسسا‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 146 [ ‬‬

‫في المحاكم‪ ,‬والمراسيم التشريعية التي تصدر عن حكومة بلده كسسل يسسوم‪ .‬وهسسذه هسسي‬
‫الحالة في باكستان وكافة بلد المسلمين‪ .‬تماما كما أخبر صلى الله عليسسه وسسسلم فيمسسا‬
‫روى عنه المام أحمد‪ ):‬لينقضسسن عسسرى السسسلم عسسروة فكلمسسا انتقضسست عسسروة عسسروة‬
‫كسسم‬ ‫تشبث الناس بالتي تليها‪ .‬وأولهن نقضا الحكم وآخرهن الصلة (‪ .‬فل شك أن من ح ّ‬
‫هذه القوانين كافر يجب قتاله بإجماع المسلمين‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫ما أن ْزِ َ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫ل إ ِلي ْ َ‬ ‫ما أن ْزِ َ‬ ‫مُنوا ب ِ َ‬ ‫مآ َ‬ ‫ن أن ّهُ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ن ي َْزعُ ُ‬
‫ذي َ‬‫م ت ََر إ َِلى ال ّ ِ‬
‫وفي قوله تعالى‪ :‬أل َ ْ‬
‫شي ْ َ‬ ‫ن ي َك ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫موا إ َِلى ال ّ‬ ‫ك يريدو َ‬
‫ن‬
‫طا ُ‬ ‫ريد ُ ال ّ‬ ‫فُروا ب ِهِ وَي ُ ِ‬ ‫مُروا أ ْ‬ ‫ت وَقَد ْ أ ِ‬ ‫غو ِ‬‫طا ُ‬ ‫حاك َ ُ‬‫ن ي َت َ َ‬‫نأ ْ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ ُ ِ ُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ضلل ً ب َِعيدا ً‪) ‬النساء‪ (60:‬يقول ابن كثير رحمه الله ‪:‬‬ ‫َ‬
‫م َ‬ ‫ضل ّهُ ْ‬
‫ن يُ ِ‬ ‫أ ْ‬
‫] هذا إنكار من الله عز وجل‪ ,‬على من يدعي اليمان بما أنسسزل اللسسه علسسى رسسسوله‬
‫وعلى النبياء القدمين‪ .‬وهو مع ذلك يريد أن يتحاكم فسسي فصسسل الخصسسومات إلسسى غيسسر‬
‫كتاب الله وسنة رسوله [ ثم قال‪ ]:‬فانها‪-‬أي الية – ذامة لكل مسسن عسسدلوا عسسن الكتسساب‬
‫والسنة وتحاكموا إلى ما سواهما من الباطل وهسسو المسسراد هنسسا بالطسساغوت‪ .‬ولهسسذا قسسال‬
‫)يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت([ أي كما قال في نفسسس سسسورة النسسساء بعسسد بضسسع‬
‫آيات في قوله تعالى ] فل وربك ل يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم ل يجدون‬
‫في أنفسهم حرجسسا ممسسا قضسسيت ويسسسلموا تسسسليما [‪ ] :‬أي إذا حكمسسوك يطيعونسسك فسسي‬
‫بواطنهم فل يجدون في أنفسهم حرجا مما حكمت به وينقادون له في الظاهر والباطن‬
‫فيسلمون لذلك تسسسليما كليسسا مسسن غيسسر ممانعسسة ول مدافعسسة ول منازعسسة‪ .‬كمسسا ورد فسسي‬
‫الحديث‪ ):‬والذي نفسي بيده ل يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به([اهس‪.‬‬
‫ذا‬‫من َةٍ إ ِ َ‬‫مؤْ ِ‬
‫ن َول ُ‬ ‫مؤْ ِ‬
‫م ٍ‬ ‫ن لِ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫وفي قوله تعالى من سورة الحزاب الية ‪  : 36‬وَ َ‬
‫خيرةُ م َ‬ ‫َ‬ ‫قَضى الل ّه ورسول ُ َ‬
‫قد ْ‬‫ه فَ َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ص الل ّ َ‬ ‫ن ي َعْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫مرِهِ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ال ْ ِ َ َ ِ ْ‬ ‫ن ل َهُ ُ‬ ‫ن يَ ُ‬
‫كو َ‬ ‫مرا ً أ ْ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ُ ََ ُ ُ‬ ‫َ‬
‫ً‬
‫مِبينا ‪. ‬‬ ‫ً‬
‫ضلل ُ‬ ‫ضل َ‬‫ّ‬ ‫َ‬
‫قال ابن كثير رحمه الله‪ ] :‬فهذه الية عامة في جميع المور‪ .‬وذلك أنه‬
‫إذا حكم الله ورسوله بشيء فليس لحد مخالفته ول اختيار لحد هنا ول‬
‫شدد في خلف ذلك فقال‪ ]:‬ومن يعص الله‬ ‫رأي ول قول (‪ (.....‬ولهذا َ‬
‫ورسوله فقد ضل ضلل مبينا [ وكقوله تعالى ] فليحذر الذين يخالفون‬
‫عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم[ اهس‪.‬‬
‫• قال المام أبو بكر الجصاص في تفسير قوله تعالى‪  :‬فل وربك‬
‫ل يؤمنون‪ ...‬الية السابقة‪ ( :‬وفي هذه الية دللة على أن مــن‬
‫رد شيئا من أوامر الله تعالى أو رسوله صلى اللــه عليــه وســلم‪,‬‬
‫فهو خارج من ملة السلم‪ ,‬سواء رده مــن جهــة الشــك فيــه‪ ,‬أو‬
‫من جهة ترك القبول و النقياد و المتنــاع عــن التســليم‪ .‬وذلــك‬
‫يوجب صحة ما ذهب إليه الصحابة في حكمهم بارتداد من امتنــع‬
‫عن أداء الزكاة( أحكام القرآن ج ‪ 2‬س ص ‪.212‬‬
‫• وقال المسسام ابسسن تيميسسة رحمسسه اللسسه تعسسالى‪  :‬إنما كــان قــول‬
‫المؤمنين إذا دعوا إلــى اللــه ورســوله ليحكــم بينهــم أن يقولــوا‬
‫ســمعنا وأطعنــا وأولئك هــم المفلحــون ‪ ‬النـــور ‪ 51‬قــال‪ ]:‬فــبين‬
‫سبحانه أن من تولى عن طاعة الرسول وأعرض عن حكمه فهــو‬
‫مــن المنــافقين وليــس بمــؤمن‪ .‬وأن المــؤمن هــو الــذي يقــول‬
‫سمعنا وأطعنا‪ .‬فإذا كــان النفــاق يثبــت ويــزول اليمــان بمجــرد‬
‫العراض عن حكم الرسول وإرادة التحاكم إلى غيره مع أن هــذا‬
‫ترك محض‪ ,‬وقد يكون سببه قوة الشهوة فكيف بالتنقص ونحوه‬
‫[ اهـ‪) .‬الصارم المسلول‪ ,‬ص ‪.(38‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 147 [ ‬‬

‫• كذلك نقل شيخ السلم اتفسساق الفقهسساء فقسسال‪( :‬والنسان مــتى‬


‫حلل الحرام ـ المجمع عليه ـ أو حــرم الحلل المجمــع عليــه ـ ـ أو‬
‫بدل الشرع ـ المجمع عليه ـ كان كــافرا مرتــدا باتفــاق الفقهــاء(‬
‫الفتاوى ج ‪ 3‬ص ‪.267‬‬
‫• وقال رحمه الله فسسي الفتسساوى ج ‪ 35‬ص ‪( :406‬ومن حكــم بمــا‬
‫يخالف شرع الله ورسوله وهو يعلم ذلك فهــو مــن جنــس التتــار‬
‫الذين يقدمون حكم الياسق على حكم الله ورسوله(‪.‬‬
‫• ويقول أيضا في منهسساج السسسنة ج ‪ 3‬ص ‪ ( :22‬فمن اســتحل أن‬
‫يحكم بين الناس بما يراه عدل من غير إتباع لما أنزل اللــه فهــو‬
‫كافر(‪.‬‬
‫• وفي الفتاوى الكبرى ج ‪ 4‬ص ‪( :515‬ومعلوم بالضــطرار مــن‬
‫دين المسلمين وباتفاق جميع المسلمين أن من سوغ إتباع غيــر‬
‫دين السلم أو إتباع غير شريعة محمد صــلى اللــه عليــه وســلم‬
‫فهو كافر(‪.‬‬
‫ن‬‫• ويقول المسسام ابسن القيسسم رحمسسه اللسسه ‪ :‬عنسسد قسسوله تعسالى‪َ  :‬فسإ ِ ْ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ن ك ُن ْت ُس ْ‬
‫م ت ُؤْ ِ‬ ‫دوهُ إ َِلى الل ّهِ َوالّر ُ‬‫يٍء فَُر ّ‬ ‫م ِفي َ‬
‫ن ب ِسساللهِ َوالي َسوْم ِ‬ ‫من ُسسو َ‬ ‫ل إِ ْ‬
‫سو ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ش ْ‬ ‫ت ََناَزعْت ُ ْ‬
‫ن ت َأِويل ً ‪) ‬النساء‪ :‬من اليسسسة ‪ (59‬قال‪ ] :‬وهذا دليل قــاطع‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬‫خي ٌْر وَأ ْ‬
‫ك َ‬‫خرِ ذ َل ِ َ‬‫اْل ِ‬
‫على أنه يجب رد موارد النزاع في كل ما تنازع فيه النــاس‪ ,‬مــن‬
‫الدين كله‪ ،‬إلى الله ورسوله صلى الله عليه وســلم‪ .‬ل إلــى أحــد‬
‫غير الله ورسوله صلى الله عليه وســلم‪ ,‬فمــن أحــال الــرد إلــى‬
‫غيرهما‪ ,‬فقد ضاد أمر الله ‪ ,‬ومن دعا عند النزاع إلى حكــم غيــر‬
‫الله ورسوله‪ ,‬فقد دعــا بــدعوى الجاهليــة‪ ،‬فل يــدخل العبــد فــي‬
‫اليمان حتى يرد كل ما تنازع فيه المتنازعون إلى الله ورسوله‪,‬‬
‫ولهذا قال تعالى‪  :‬إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الخر ‪ ‬وهذا‬
‫مما ذكر آنفا‪ ,‬أنه شرط ينفي المشروط بانتفائه‪ ,‬فدل علــى أن‬
‫كم غير الله ورســوله فــي مــوارد النــزاع كــان خارجــا عــن‬ ‫من ح ّ‬
‫مقتضى اليمان بالله واليوم الخر‪.‬وحسبك بهذه اليــة العاصــمة‬
‫القاصــمة بيانــا وشــفاء فإنهــا قاصــمة لظهــور المخــالفين لهــا‪،‬‬
‫عاصمة للمستمسكين بها‪ ,‬المتمثلين ما أمرت به[ )الرسالة التبوكية(‪.‬‬
‫• وفي نفس هذه الية قال ابن كسسثير رحمسسه اللسسه‪ ]:‬فدل علــى أن‬
‫من لم يتحاكم في محل النزاع إلــى الكتــاب والســنة ولــم يرجــع‬
‫ـر[ اهـ ـ )تفسسسسير ابسسسن‬ ‫إليهما في ذلك فليس مؤمنا بالله ول باليوم الخـ‬
‫كثير(‪.‬‬
‫• ويقول ابن القيم رحمه الله‪ ) :‬ثم أخبر سبحانه أن من تحــاكم‬
‫إلــى غيــر مــا جــاء بــه الرســول فقــد حكــم الطــاغوت وتحــاكم‬
‫إليه‪.‬والطاغوت كل ما يتجاوز به العبد حده من معبــود أو متبــوع‬
‫أو مطــاع‪ ,‬فطــاغوت كــل قــوم مــن يتحــاكمون إليــه غيــر اللــه‬
‫ورسوله أو يعبدونه من دون الله أو يتبعونه على غير بصيرة من‬
‫الله(‪ .‬إعلم الموقعين ج ‪ 1‬ص ‪.5‬‬
‫• وقال رحمه الله في مسسدارج السسسالكين ‪1‬ص ‪ ( : 337‬إن اعتقــد‬
‫أن الحكم بما أنزل الله غير واجب وأنه مخير فيه مع تيقنه حكم‬
‫الله فهذا كفر أكبر(‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 148 [ ‬‬

‫• يقول القاضي أبو يعلي في أصول الدين ص ‪ ) :271‬ومن اعتقد‬


‫تحليــل مــا حــرم اللــه بــالنص الصــريح‪ ,‬أو مــن رســوله أو أجمــع‬
‫المسلمون على تحريمه‪ ,‬فهو كافر‪,‬كمن أباح شرب الخمر ومنــع‬
‫الصلة والصيام والزكاة‪ .‬وكذلك من اعتقد تحريم شئ حلله الله‬
‫أباحه بالنص الصريح أو أباحه الله عز وجل‪ .‬والوجه فيــه أن فــي‬
‫ذلك تكذيب لله تعالى ولرسوله فــي خــبره‪ ,‬وتكــذيب للمســلمين‬
‫في خبرهم‪ .‬ومن فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين (‪.‬‬
‫ن ن َك َث ُسسوا‬ ‫• قال المام القرطبي في تفسسسيره عنسسد قسسوله تعسسالى‪  :‬وَإ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫ة ال ْك ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مسسا َ‬ ‫م ل أي ْ َ‬ ‫فرِ إ ِن ُّهسس ْ‬ ‫قات ُِلوا أئ ِ ّ‬
‫م َ‬ ‫م وَط َعَُنوا ِفي ِدين ِك ُ ْ‬
‫م فَ َ‬ ‫ن ب َعْدِ عَهْدِهِ ْ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫مان َهُ ْ‬
‫أي ْ َ‬
‫ن ‪) ‬التوبة‪ (12:‬قال‪ ( :‬استدل بعض العلماء بهــذه اليــة‬ ‫م ي َن ْت َُهو َ‬‫م ل َعَل ّهُ ْ‬
‫ل َهُ ْ‬
‫على وجوب قتل من طعن في الــدين إذ هــو كــافر‪ ,‬والطعــن أن‬
‫ينسب إليه ما ل يليق به‪ ,‬أو يعترض بالستخفاف على ما هو من‬
‫الدين لما ثبت من الدليل القطعي على صحة أصــوله واســتقامة‬
‫فروعه ( ج ‪ 8‬ص ‪.82‬‬
‫فانظروا اليوم في خطابـات وتصـريحات هـؤلء الرؤسـاء وأعـوانهم‪,‬‬
‫وما فيها من طعن بالدين واستخفاف بشعائره‪.‬‬
‫• وقال رحمه الله ‪ ) :‬إن حكم بما عنده على من أنه مــن عنــد‬
‫الله فهو تبديل له يوجب الكفر ( ج ‪ 6‬ص ‪.191‬‬
‫• وقال‪ (:‬إن طلب غير حكم الله من حيث لم يرض بــه فهــو‬
‫كافر ( تفسير القرطبي‪.‬‬

‫ونكتفي بهذه الثار‪ .‬والشسسواهد كسسثيرة جسسدا‪ ,‬مسسن أقسسوال الئمسسة والعلمسساء ونصسسوص‬
‫الكتاب والسنة‪.‬‬
‫وقد تكلم في هذه المسألة جمع من علمساء المسسلمين المعاصسرين السسذين عاشسوا‬
‫واقع كفر حكامنا في هذا العصر‪ ,‬وبينوا أن ما يصدر عنهسسم مسسن تشسسريع وتبسسديل لشسسرع‬
‫الله وحكم بغير ما أنزل الله هو كفر أكبر‪ .‬وننقل ههنا طائفة من أقوالهم‪:‬‬
‫• قال الشيخ محمود اللوسسسي فسسي تفسسسيره ‪ ) :‬ل شك فــي كفــر‬
‫من يستحسن القانون ويفضله على الشــرع‪ ,‬ويقــول هــو أوفــق‬
‫بالحكمة‪ ,‬وأصلح للمة‪ ,‬ويتميز غيظا ً ويتعصب غضـبا إذا قيــل لـه‬
‫في أمر الشرع فيه كذا ‪ .‬كما شهدنا ذلك في بعــض مــن خــذلهم‬
‫الله فأصمهم وأعمى أبصارهم‪ .‬فل ينبغــي التوقــف فــي تكفيــر‬
‫من يستحسن ما هو بين المخالفــة للشــرع منهــا‪ ,‬ويقــدمه علــى‬
‫الحكام الشرعية منتقصا للحق ( ] روح المعاني ج ‪28‬ص ‪.[20‬‬
‫• وقال الشيخ محمد أمين الشنقيطي رحمه الله ‪ ):‬ومن لم يحكــم‬
‫بمــا أنــزل اللــه معارضــة للرســل وإبطــال لحكــام اللــه فظلمــه‬
‫وفسقه وكفره كله مخرج من الملة ( أضواء البيان ج ‪2‬ص ‪.104‬‬
‫• وقال في تعليقه على حديث عدي بن حاتم وقول النبي صسسلى اللسسه‬
‫عليه وسلم‪ ) :‬ألم يحرموا عليكم ما أحل الله ويحلوا لكــم مـا حــرم‬
‫الله فتبعتموهم ؟ قال بلى‪ ,‬قال فتلك عبادتهم (‪ .‬قال رحمه الله ‪:‬‬
‫)وهذا التفسير النبوي‪:‬أن كل من يتبع مشرعا بمــا أحــل وحــرم‬
‫مخالفا لتشريع الله أنه عابد له‪ ,‬متخذه ربا‪,‬مشرك به كافر بالله‪.‬‬
‫هو تفسير صحيح ل شك فــي صــحته‪ ,‬واعلمــوا أيهــا الخــوان أن‬
‫الشراك بالله في حكمه‪ ,‬والشراك به في عبــادته كلهــا بمعنــى‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 149 [ ‬‬

‫واحد ول فرق بينهما البتة‪ ,‬فالذي يتبــع نظامـا غيــر نظـام اللـه‪,‬‬
‫وتشريعا غير تشريع الله‪ ,‬وقانونا مخالفا لشرع اللــه‪ ,‬مــن صــنع‬
‫البشر‪ .‬معرضــا عــن نــور الســماء الــذي أنزلــه اللــه علــى لســان‬
‫رسوله صلى الله عليه وسلم من كان يفعل هــذا هــو ومــن كــان‬
‫يعبد الصنم ويسجد للوثن‪ ,‬ل فرق بينهم البتة بوجه مــن الوجــوه‬
‫فهما واحد كلهما مشــرك بــالله هــذا أشــرك فــي عبــادته وهــذا‬
‫أشرك في حكمه( أضواء البيان‪.‬‬
‫• ويقول في نفس التفسير‪) :‬وبهذه النصــوص الســماوية الــتي‬
‫ذكرنا يظهر غاية الظهـور أن الـذين يتبعـون القـوانين الوضـعية‬
‫التي شرعها الشيطان على لســان أوليــائه مخالفــة لمــا شــرعه‬
‫الله جل وعل على ألسنة رسله‪ ,‬أنه ل يشك في كفرهــم إل مــن‬
‫طمس الله على بصيرته وأعماه عن نور الوحي مثلهم(‪.‬‬
‫• ويقول رحمه الله ) وأما النظام الوضعي المخــالف لتشــريع‬
‫خالق السموات والرض فتحكيمه كفر بخالق السموات والرض‪.‬‬
‫كــدعوى أن تفضــيل الــذكر علــى النــثى فــي الميــراث ليــس‬
‫بإنصاف‪ ,‬و أنهما يلزم إستواؤهما فى الميراث‪,‬ودعــوى أن تعــدد‬
‫الزوجات ظلــم وأن الطلق ظلــم للمــرأة ‪ ,‬وأن الرجــم والقطــع‬
‫ونحوهما‪,‬أعمال وحشــية ل يســوغ فعلهــا بالنســان ونحــو ذلــك‪,‬‬
‫فتحكيم هذا النوع مــن النظــام فــي أنفــس المجتمــع وأمــوالهم‬
‫وأنسابهم وعقودهم وأديانهم‪ ,‬كفــر بخــالق الســموات والرض (‬
‫أضواء البيان ج ‪4‬ص ‪. 84‬‬
‫• قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله ‪ ,‬وهو إمام محدث معاصر تسسوفى‬
‫سنة ‪ ,1958‬وكان قد عمل في مجال القضاء الشرعي في مصر ثم اعتزله‪,‬‬
‫قال في تعليقه وتحقيقه لمسند المسسام أحمسسد عنسسد الحسسديث رقسسم ‪) :7747‬‬
‫ومن حكم بغير ما أنزل الله عامدا عارفا فهو كافر‪ .‬ومــن رضــي‬
‫عن ذلك وأقره فهو كافر‪ ,‬سواء أحكم بمــا يســميه شــريعة أهــل‬
‫الكتاب أم بمـا يسـميه تشـريعا وضـعيا‪ .‬فكلـه كفـر وخـروج مـن‬
‫الملة‪ ,‬أعاذنا الله من ذلك(‪.‬‬
‫• ومما جاء عنه رحمه الله‪ ) :‬أفيجوز مع هذا في شرع اللــه أن‬
‫يحكم المســلمون فــي بلدهــم بتشــريع مقتبــس عــن تشــريعات‬
‫أوربــا الوثنيــة الملحــدة‪ ,‬بــل بتشــريع تــدخله الراء والهــواء‬
‫الباطلة‪.‬يغيرونه ويبلونه كما يشاؤون ‪ .‬ول يبالي واضــعه أوافــق‬
‫شرع السلم أم خالفه‪ ,‬إن المسلمين لم يبتلوا بهذا قط إل في‬
‫عهد التتار( إلى أن قال )ما أظن رجل يعرف دينه ويؤمن به جملــة‬
‫وتفصيل(‪ (...‬ما أظنه يستطيع إل أن يجزم غير متردد ول متأول‬
‫‪ ,‬بأن ولية القضاء في هذه الحالة باطلة بطلنا أصــليا ل يلحقــه‬
‫التصحيح ول الجازة‪.‬إن المر في هذه القوانين الوضـعية واضـح‬
‫وضوح الشمس هي كفر بواح ل خفــاء فيــه ول مــداراة ول عــذر‬
‫لحد ينتســب لهــل الســلم كائنــا مــن كــان فــي العمــل بهــا أو‬
‫إقرارها( عمدة التفاسير ج ‪4‬ص ‪.171‬‬
‫ومن الدلة الناصعة في القرآن والسنة‪ ,‬على كفر من أعطى نفسسسه حسسق التشسسريع‬
‫من التحليل والتحريم‪ ,‬وتبديل الشرائع والعدوان على حاكمية الله‪ ,‬وجعل نفسسسه بسسذلك‬
‫م‬ ‫خس ُ َ‬‫ربا يعبد‪ ,‬ما أخبر به سبحانه عن كفر اليهود والنصسسارى‪ ,‬فسسي قسسوله‪ :‬ات ّ َ‬
‫حب َسساَرهُ ْ‬
‫ذوا أ ْ‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 150 [ ‬‬
‫ُ‬ ‫ورهْبانه َ‬
‫حسسدا ً ل إ ِل َس َ‬
‫ه‬ ‫دوا إ َِلها ً َوا ِ‬‫مُروا إ ِّل ل ِي َعْب ُ ُ‬
‫ما أ ِ‬
‫م وَ َ‬
‫مْري َ َ‬
‫ن َ‬
‫ح اب ْ َ‬
‫سي َ‬ ‫ن الل ّهِ َوال ْ َ‬
‫م ِ‬ ‫دو ِ‬‫ن ُ‬‫م ْ‬‫م أْرَبابا ً ِ‬‫َُ َ َُ ْ‬
‫ن ‪( ‬التوبة‪. (31:‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫كو‬ ‫ْ‬
‫س ْ َ َ ُ َ ّ ُ ِ‬
‫ر‬ ‫ش‬ ‫ي‬ ‫ما‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫حا‬ ‫ب‬ ‫إ ِّل هُوَ ُ‬
‫فقد روى المام أحمد والترمذي وابن جرير عن طريق عدي ابن حسساتم رضسسي اللسسه‬
‫عنه‪ ,‬كما نقل ذلك ابن كثير في تفسيره‪ ,‬أن عديا لما جاء رسول الله صسسلى اللسسه عليسسه‬
‫وسلم‪ ,‬ليسلم وكان نصرانيا‪ ,‬وجده يقرأ هذه الية‪.‬فقال لرسول اللسسه صسسلى اللسسه عليسسه‬
‫وسلم‪ :‬إنهم لم يعبدوهم‪ .‬فقال صلى الله عليه وسسسلم‪ ):‬بلى إنهــم حرمــوا عليهــم‬
‫الحلل وأحلوا لهم الحرام‪ .‬فاتبعوهم‪ .‬فذلك عبادتهم إياهم (‪.‬‬
‫ومعلسسوم أن تفسسسير القسسرآن بالسسسنة الثابتسسة هسسو مسسن أصسسح التفاسسسير‪ .‬ودللسسة اليسسة‬
‫والحديث واضحة تماما‪,‬تدل على أن من شرع فحلل وحرم‪ ,‬فقد جعل نفسه ربا‪ .‬وعلى‬
‫أن من أطاعه فقد عبده‪ ,‬وهذه هي عبادة قوم فرعون لفرعون‪ .‬فهو لمسسا قسسال لهسسم ‪‬‬
‫ما علمت لكم من إله غيري‪ ‬القصص – ‪  .38‬فقال أنا ربكم العلـى‪ ‬النازعسسات –‬
‫‪ .24‬لم يطلب منهم أن يعتقدوا أنه هو الذي خلقهم ورزقهم وخلسسق الكسسون ودبسسره‪ ,‬فقسسد‬
‫كان للمصريين في عهده آلهة يعبدونها بهذه الصفة‪ ,‬وإنما عبدوه إلها مشرعا بالطاعسسة‪.‬‬
‫وهو نفس الدور الذي يقوم به حكام المسلمين اليوم ومشرعوهم‪ ,‬وبرلماناتها الكسافرة‬
‫الظالمة الفاسقة‪ .‬وقد قسسال تعسسالى‪  :‬فاستخف قــومه فأطــاعوه إنهــم كــانوا‬
‫قوما فاسقين ‪ ‬الزخرف‪.54-‬‬
‫كيف ل وهم في مراسيمهم وبرلماناتهم يحلون الخمور‪ ,‬تصنيعا وبيعا‬
‫وترخيصا‪ ,‬ويقبضون عليها الرسوم والمكــوس‪ ,‬وكــذلك دور الزنــا وبنــوك‬
‫الربا‪ ,‬ويساوون في حق التصويت علـى التشــريع‪,‬بيــن المـؤمن والكــافر‪,‬‬
‫وبيــن الــبر والفــاجر‪ ,‬وبيــن الرجــل و المــرأة‪ ,‬وبيــن العــالم والجاهــل‪...‬‬
‫ويعقــدون الحلف المحرمــة‪ ,‬ويــبرمون المعاهــدات الباطلــة‪ ,‬ويمنعــون‬
‫مساجد الله أن يذكر فيها اســمه‪ ,‬ويســعون فــي خرابهــا‪ ,‬ويحرمــون فــي‬
‫مقابل ذلك مما أحلوا‪ .‬المــر بــالمعروف‪ ,‬والنهــي عــن المنكــر‪ ,‬والجهــاد‪,‬‬
‫والجزية ‪ ,‬والحتساب‪ ,‬وأنواعا من الــبيع الحلل‪ ...‬ناهيــك عــن القــوانين‬
‫التي تبيح المكوس الظالمة‪ ,‬وتقنن لقتل وســجن وتشــريد النــاس ظلمــا‬
‫وعدوانا‪...‬إلى آخر ما شــرعوا وقننــوا وأحلــوا وحرمــوا‪ ,‬قــاتلهم اللــه أنــا‬
‫يؤفكون‪.‬‬
‫ويجدر بنا لفت النظر إلى أمر هام‪ .‬وهو أن بقاء رسوم من أثار الشريعة‪ .‬ونتفا من‬
‫أحكامها طي سجلت القوانين الوضسسعية‪ ,‬كبعسسض أحكسسام الحسسوال الشخصسسية‪ ,‬والسسزواج‬
‫والطلق والميسسراث‪ ,‬فسسي بعسسض البلد السسسلمية‪ ,‬ل يجعسسل الحكسسم يوصسسف بسسأنه حكسسم‬
‫الشسسريعة‪ .‬كمسسا أن السستزوير والضسسحك علسسى عقسسول البسسسطاء بعنونسسة الدسسستور بالكلمسسة‬
‫الفارغة الخادعة‪ ,‬وهي قولهم)الشسسريعة السسسلمية هسسي مصسسدر التشسسريع والتقنييسسن( أو‬
‫)الشريعة السلمية هسسي المصسسدر الساسسسي للتشسسريع( كمسسا فسسي بعسسض البلد‪ ,‬أو حسستى‬
‫بالمبالغة بالدجل بالقول )الشريعة السلمية هي المصدر الوحيسسد للتشسسريع والتقنييسسن(‪.‬‬
‫ثم التشريع والتقنيين من دون الله تحت هذا العنوان‪.‬كمسسا فسسي بعسسض البلد كالسسسعودية‬
‫والسودان واليمن‪...‬فهذا ل يجعل الحكم شرعيا‪ ,‬ولله المشتكى كسم يسستخفون بعقسول‬
‫شعوبهم‪ ,‬باستخدام بعض العلماء من عملء السلطان‪ .‬فمن يقبسسل أن يشسستري قسسارورة‬
‫خمر‪ ,‬كتسسب عليهسا )حليسسب( علسسى أنهسسا حليسسب‪ ,‬أو زيسست!!! وهسسل يطهسسر الخمسسر بالكتابسسة‬
‫علية؟!‪ .‬هذا من جهة‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ,‬فإن من المعلوم فسسي ديننسسا أن النجاسسسة تلغسسى‬
‫الطهارة‪ ,‬والله أغنى الغنياء عن الشرك‪ ,‬كما أخبر عسسن نفسسسه جسسل جللسسه‪ ,‬وقسسال فسسي‬
‫الحديث القدسي‪):‬من عمل عمل أشرك فيه معي غيري تركتسسه وشسسركه( رواه مسسسلم‪.‬‬
‫والله ل يقبل إل أن يكون الدين كله لله‪ ,‬قال تعالى‪  :‬وقسساتلوهم حسستى ل تكسسون فتنسسة‬
‫ويكسسسسسسسسسسسسون السسسسسسسسسسسسدين كلسسسسسسسسسسسسه للسسسسسسسسسسسسه ‪) ‬النفسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسال‪.(39/‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 151 [ ‬‬

‫وقال تعالى‪ :‬إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين* أل لله السسدين‬
‫الخالص ‪ ‬الزمر‪.3-‬‬
‫والعبرة ليست في كبر وعظم هذا الشسسرك بالتشسسريع‪ ,‬أو بحجسسم مسسا خلسسط بسسالحكم‬
‫بغير ما أنزل الله‪ .‬وإنما باستحلل هذا الفعل والقدام عليه‪ ,‬والعدوان على حاكمية الله‬
‫الذي قال ‪ :‬إن الحكم إل لله أمر أل تعبدوا إل إياه‪ ‬يوسسسسف‪ .67-‬والفتنة التي نحن فيهسسا‬
‫هي أن الدين في بلدنا لم يعد كله لله‪ .‬قال ابن كثير في قوله تعالى‪ ]:‬وقسساتلوهم حسستى‬
‫ل تكون فتنة ويكون الدين كله لله [ النفسسال‪ .39-‬عن ابن عباس‪] :‬يعنسسي ل يكسسون شسسرك[‪,‬‬
‫وعن عروة وغيره من علمائنا ]حتى ل تكون فتنسسة[‪] :‬حسستى ل يفتسسن مسسسلم عسسن دينسسه[‪,‬‬
‫]وعن محمد بن اسحق‪ :‬ويكون التوحيد خالصا لله ليس فيه شرك‪ .‬ويخلع ما دونسسه مسسن‬
‫النداد[‪.‬‬
‫قسسال المسسام الشسساطبي رحمسسه اللسسه‪ ) :‬كل بدعــة وإن قلــت بتشــريع زائد أو‬
‫ناقص أو تفير للصل الصحيح‪ ,‬كل ذلك قد يكون ملحقا بما هــو مشــروع‪,‬‬
‫فيكون قادحا في المشروع‪ .‬لو فعل أحـد مثـل هـذا فـي نفـس الشـريعة‬
‫عامدا لكفر‪.‬‬
‫إذ الزيادة و النقصان فيها أو التغير قل أو كثر كفر فل فرق بيــن مــا‬
‫قل أو كثر( العتصام ‪.‬‬
‫وقال المام ابن تيمية‪ ( :‬فإذا كان بعض الدين لله وبعضه لغير اللــه وجــب‬
‫َ‬
‫من ُسسوا‬
‫نآ َ‬ ‫القتال حتى يكون الدين كله لله‪ .‬ولهذا قال تعالى ‪  :‬ي َسسا أي ّهَسسا ال ّس ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ْ‬
‫ب‬‫حْر ٍ‬ ‫فعَُلوا فَأذ َُنوا ب ِ َ‬ ‫م تَ ْ‬‫ن لَ ْ‬
‫ن فإن لم (فَإ ِ ْ‬ ‫مؤْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫ن الّربا إ ِ ْ‬‫م َ‬
‫ي ِ‬‫ق َ‬ ‫ه وَذ َُروا َ‬
‫ما ب َ ِ‬ ‫قوا الل ّ َ‬‫ات ّ ُ‬
‫ه ( )البقرة‪. (279:‬‬ ‫ن الل ّهِ وََر ُ‬
‫سول ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫وهذه الية نزلت في أهل الطائف لما دخلــوا فــي الســلم‪ ,‬والــتزموا‬
‫الصلة والصيام‪ ,‬ولكنهم إمتنعوا عـن تـرك الربـا وبيـن اللـه تعـالى أنهــم‬
‫محــاربون لــه ولرســوله‪ .‬فــإذا كــان هــؤلء محــاربين للــه ورســوله يجــب‬
‫جهادهم‪ ,‬فكيف بمن يترك كثيرا مــن شــرائع الســلم وأكثرهــا كالتتــار؟!‬
‫وقد اتفق علماء السلم على أن الطائفة الممتنعة‪ ,‬إذا امتنعت عن بعض‬
‫الواجبات السلمية‪ ,‬فإنه يجب قتالهم‪ ,‬إذا تكلمــوا بالشــهادتين وامتنعــوا‬
‫عن الصلة والزكاة‪ ,‬أو صيام رمضان أو حج الــبيت العــتيق أو عــن الحكــم‬
‫بينهم بالكتاب والسنة أو عــن تحريــم الفــواحش أو الخمــر أو نكــاح ذوات‬
‫المحــارم‪ ,‬أو اســتحلل ذوات النفــوس والمــوال بغيــر الحــق‪ ,‬أو الربــا أو‬
‫الميسر‪ ,‬أو الجهاد للكفار‪ ,‬أو عن ضربهم الجزية على أهل الكتاب‪...‬ونحو‬
‫ذلك من شرائع السلم‪ ,‬بأنهم يقاتلون عليها حتى يكون الدين كله للــه(ج‬

‫‪ 28‬مسألة ‪.217‬‬

‫فالخلصة ‪:‬‬
‫أنه اذا ما اختلط دين الله بدين غيره‪ ,‬وتشريعه بتشريع غيره‪ ,‬وحكمه بحكم غيره‪,‬‬
‫كانت الفتنة عن دين الله‪ ,‬ووجب القتال حتى ل تكون فتنة‪ .‬وهذا هو الحاصل اليوم وما‬
‫جناه حكامنا علينا من فساد في الداخل‪ .‬وعدوان من الخارج وضنك في الحياة العامسسة‪.‬‬
‫وذل على يد العداء‪.‬‬
‫ولقسسد سسسمى ربنسسا سسسبحانه وتعسسالى أمثسسال هسسؤلء الحكسسام )الكسسافرون‪ ,‬الفاسسسقون‪,‬‬
‫الظالمون(‪ ,‬فجاء من عملء السلطين من يسمى هسسؤلء الحكسسام مسسسلمون صسسالحون‪,‬‬
‫وأولياء أمور شرعيون‪ .‬وكأن عندهم قرآنا خاصا بهم كتبوا فيه‪ :‬ومن لم يحكم بما أنزل‬
‫الله فأولئك هم المسلمون المؤمنون الصالحون !!!‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 152 [ ‬‬

‫سسسبحان اللسسه!! كيسسف وقسسد أوجسسدوا مختصسسين بالقسسانون الوضسسعي‪ ,‬درسسسوا فسسي بلد‬
‫الصليب الكافرة في الغرب‪ ,‬وأسموا واحدهم)مشسسرع( هكسسذا بسساللفظ الصسسريح‪ ..‬ناهيسسك‬
‫عن ما يفعله هؤلء الملوك والرؤساء والمراء من سن القوانين وتشريع المراسيم‪ ,‬بما‬
‫في ذلك حل أجهزة التشريع ذاتها )البرلمان( اذا خطر لهم ذلسسك!‪ .‬فالحسساكم تسسارة يعبسسد‬
‫المشرع ويطلب من الناس عبادته‪ ,‬وتارة يسجنه‪ ,‬وإذا أراد أن يقتله قتلسسه!!! كمسسا كسسان‬
‫عباد الصنام يصنع واحدهم إلها من تمر ثم يأكله! أو إلها من خشب ثسسم يحرقسسه ليطبسسخ‬
‫عليسسه! ناهيسسك عسسن وجسسوه الكفسسر الخسسرى السستي تلبسسسوا بهسسا مسسن ولء الكسسافرين‪ ,‬وقتسسل‬
‫المؤمنين ‪ ,‬وأوجه نواقض اليمان من القوال والفعال‪.‬‬

‫هذا عن كفر حكام بلد السلم في هذا الزمان من باب التشــريع مــن‬
‫دون الله والحكم بغير ما أنزل الله‪.‬‬
‫ولكــن هــؤلء المحــاربين للــه ورســوله لــم يكتفــوا بكفرهــم مــن هــذا‬
‫الوجه ‪ ,‬فأضافوا إليه كفــرا أشــد وضــوحا‪ ,‬وأســهل إثباتــا ‪ .‬وهــو ولؤهــم‬
‫لعداء المسلمين ومعاونتهم ومظاهرتهم علــى شــعوبهم وأهــل ملتهــم ‪.‬‬
‫فلنتأمل في بعض التفصيل الموجز فـي الحكــم الشــرعي فـي جريمتهــم‬
‫الخرى هذه ‪.‬‬

‫*************‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 153 [ ‬‬

‫عقيدة الولء و البراء‪ .‬وحكم موالة الكافرين‬


‫وأنواعها‬
‫وحكم قتال المسلمين إلى جانب الكفرة‬
‫والمرتدين‬
‫بصرف النظر عن أجناس البشسسر وألسسوانهم ‪ ,‬واختلف لغسساتهم وشسسعوبهم ‪ ,‬وغنسساهم‬
‫وفقرهم ‪ ,‬أو أي اعتبار آخر‪ .‬فقد اعتبرت الشريعة لهم نسبتان فقط هما‪:‬‬
‫)مؤمن( و )كافر(‪ .‬وقسسررت بالنصسسوص الواضسسحات مسسن الكتسساب والسسسنة ‪ ,‬أن أهسسل‬
‫اليمان إخوة‪ ,‬ويشكلون أمة واحدة‪ .‬فقد قال تعالى‪  :‬إنما المؤمنون إخسسوة ‪ ‬الحجسسرات‬

‫‪.10‬‬
‫كما قررت أن الكفار على اختلف مذاهب كفرهم‪ ,‬وأجناسهم‪ ,‬وشعوبهم‪ ,‬ولغاتهم‬
‫)ملة واحدة(‪ .‬وبهذا الوضوح تقرر أن أهل التكليف إنسهم وجنهم في هذه الرض أمتان‬
‫)أهل اليمان( و )أهل الكفر(‪.‬‬
‫وقد أمر الله سبحانه وتعالى بكل وضوح المؤمنين بموالة بعضهم بعضسسا‪ ,‬والسسبراءة‬
‫من الكافرين‪ ,‬وعلى هذا بنيت )عقيدة السسولء و السسبراء(‪ .‬وليسسست هسسذه القضسسية‪ ,‬قضسسية‬
‫فرعية من قضايا اليمان‪ .‬بل هي قضسسية أساسسسية‪ ,‬مرتبطسسة بأسسساس التوحيسسد‪ ,‬إذ يبنسسى‬
‫عليها اليمان أو الكفر‪ ,‬ونسبة النسان لحدى هاتين المتين‪.‬‬
‫ه‬‫حساد ّ الّلس َ‬ ‫ن َ‬ ‫مس ْ‬‫ن َ‬ ‫دو َ‬ ‫وا ّ‬ ‫خسرِ ُيس َ‬ ‫ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ اْل ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫وما ً ي ُؤْ ِ‬ ‫جد ُ قَ ْ‬ ‫وقد قال تعالى ‪  :‬ل ت َ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫كانوا آباَءهُ َ َ‬
‫م‬ ‫ب ِفسي قُلسسوب ِهِ ُ‬ ‫ك ك َت َس َ‬ ‫م أولئ ِ َ‬ ‫شسسيَرت َهُ ْ‬‫م أو ْ ع َ ِ‬ ‫وان َهُ ْ‬ ‫خس َ‬ ‫م أوْ إ ِ ْ‬ ‫م أوْ أب َْناَءهُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ه وَل َوْ َ ُ‬ ‫سول َ ُ‬‫وََر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ي الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ض َ‬ ‫ن ِفيَها َر ِ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬‫حت َِها الن َْهاُر َ‬ ‫ن تَ ْ‬
‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫خل ُهُ ْ‬‫ه وَي ُد ْ ِ‬
‫من ْ ُ‬ ‫م ب ُِروٍح ِ‬ ‫ن وَأي ّد َهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫الي َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن ‪) ‬المجادلة‪(22 :‬‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ب الل ّهِ هُ ُ‬ ‫حْز َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ب الل ّهِ أل إ ِ ّ‬ ‫حْز ُ‬‫ك ِ‬ ‫ه أول َئ ِ َ‬‫ضوا عَن ْ ُ‬ ‫م وََر ُ‬ ‫عَن ْهُ ْ‬
‫وأخبر بقوله‪ ]:‬والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض[ التوبسسة – ‪] .81‬والسسذين‬
‫كفروا بعضهم أولياء بعض[ النفال – ‪ ].73‬والمنافقون والمنافقات بعضهم من بعض [‬
‫التوبة – ‪.67‬‬
‫َ‬
‫ن ‪ ‬الجاثسية‪. 19 :‬‬ ‫قي َ‬ ‫ي ال ْ ُ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫ه وَل ِ ّ‬ ‫ض َوالل ّ ُ‬ ‫م أوْل َِياُء ب َعْ ٍ‬ ‫ضه ُ ْ‬ ‫ن ب َعْ ُ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫وقال تعالى‪  :‬وَإ ِ ّ‬
‫ً‬
‫فهما نسبتان وجنسيتان ‪ ,‬وآصرتان ورابطتان فقط‪) ,‬مسسسلم يسسوالي مسسسلما(‪ ...‬و)كسسافر‬
‫ومنافق يوالون بعضهم بعضًا(‪.‬‬
‫وقد أمر الله باعتقاد هذه العقيدة‪ ,‬وأخبر أننا إن لم نفعلها ‪ ‬تكن فتنة فسسي الرض‬
‫وفساد كبير ‪ ‬النفال ‪ .73‬والناظر في آيات القرآن الكريم‪ ,‬يجد أنها غطت مسسسألة المسسر‬
‫بولية المؤمنين وما يترتب عليها‪ ,‬والنهي عن ولية الكافرين والمر بالبراءة منهسسم ومسسا‬
‫يترتب عليها‪ ,‬بكل التركيز والوضوح‪ .‬ويمكن أن نورد طرفا من ذلك باليجسساز مسسن خلل‬
‫استخلص الحكام و التقريرات القرآنية كما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 154 [ ‬‬

‫‪ .1‬المؤمن ولي المؤمن‪:‬‬


‫ْ‬ ‫قال تعسسالى‪  :‬وال ْمؤْمنسسون وال ْمؤْمنسسات بعضسه َ‬
‫ف‬
‫معُْرو ِ‬ ‫ن ب ِسسال ْ َ‬
‫مُرو َ‬ ‫ض ي َسأ ُ‬
‫م أوْل ِي َسساُء ب َعْس ٍ‬
‫َ ُ ِ ُ َ َ ُ ِ َ ُ َْ ُ ُ ْ‬
‫‪‬‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫سو‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫ن‬
‫كاةَ وَ ُ ِ ُ َ‬
‫عو‬ ‫طي‬ ‫ي‬ ‫ن الّز َ‬
‫صلةَ وَي ُؤُْتو َ‬
‫ن ال ّ‬
‫مو َ‬
‫قي ُ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫من ْك َرِ وَي ُ ِ‬
‫)التوبة‪. (71 :‬‬ ‫َ ََ ُ ُ‬ ‫ن عَ ِ‬
‫وَي َن ْهَوْ َ‬

‫‪ .2‬الكافر ولي الكافر‪:‬‬


‫قال تعالى‪  :‬والذين كفروا بعضهم أولياء بعض ‪ ‬النفال – ‪  .72‬المنافقون‬
‫والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ‪ ‬التوبة – ‪.67‬‬

‫‪ .3‬النهي عن ولية الكافرين‪:‬‬


‫قال تعالى ‪  :‬ل يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء مسسن دون المسسؤمنين ومسسن يفعسسل‬
‫ذلك فليس من الله في شيء ‪ ‬آل عمران ‪28‬‬

‫وقال تعالى ‪  :‬يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين ‪‬‬
‫النساء‪.144-‬‬

‫‪ .4‬ولية المؤمن للمؤمن هي ولية لله ورسوله وهي نصر وغلبة‪:‬‬


‫قال تعالى‪  :‬إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ‪ ‬المائدة – ‪.55‬‬

‫‪ ‬ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون ‪ ‬المائدة – ‪.56‬‬

‫‪ .5‬ولية المسلم للكافرين هي ولية للشيطان‪,‬ودخول في حزبه‪:‬‬


‫َ‬
‫م‬ ‫وهي خسارة وسخط من الله تعالى يوجب الخلود في النار ‪ :‬قال تعسسالى ‪  :‬أَلسس ْ‬
‫ب‬ ‫ن عََلى ال ْك َسذِ ِ‬ ‫فو َ‬ ‫حل ِ ُ‬
‫م وَي َ ْ‬‫من ْهُ ْ‬
‫م َول ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫م ِ‬ ‫ما هُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫وما ً غَ ِ‬ ‫وا قَ ْ‬ ‫ن ت َوَل ّ ْ‬
‫ذي َ‬ ‫ت ََر إ َِلى ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫شي ْ َ‬
‫م ذِك ْسَر‬ ‫سسساهُ ْ‬ ‫ن فَأن ْ َ‬ ‫طا ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫حوَذ َ عَل َي ْهِ ُ‬ ‫ن ‪) ‬المجادلة‪ (14:‬إلى قوله تعالى‪  :‬ا ْ‬
‫ست َ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫م ي َعْل َ ُ‬
‫وَهُ ْ‬
‫ن ‪) ‬المجادلة‪. (19:‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫الل ّهِ أولئ ِك ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫سُرو َ‬ ‫خا ِ‬ ‫م ال َ‬ ‫ن هُ ُ‬ ‫شي ْطا ِ‬ ‫حْز َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن أل إ ِ ّ‬ ‫شي ْطا ِ‬ ‫حْز ُ‬
‫م‬‫ت ل َهُس ْ‬ ‫م ْ‬‫مسسا قَسد ّ َ‬ ‫س َ‬ ‫فسُروا ل َب ِئ ْ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّس ِ‬ ‫م ي َت َوَل ّسوْ َ‬ ‫من ْهُس ْ‬ ‫كما قال تعالى‪  :‬ت ََرى ك َِثيرا ً ِ‬
‫فسه َ‬ ‫َ‬
‫ي‬ ‫ن ِبالل ّهِ َوالن ّب ِ ّ‬ ‫مُنو َ‬ ‫كاُنوا ي ُؤْ ِ‬ ‫ن * وَل َوْ َ‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ب هُ ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م وَِفي ال ْعَ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ط الل ّ ُ‬ ‫خ َ‬ ‫س ِ‬‫ن َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫أن ْ ُ ُ ُ ْ‬
‫ذوهُ َ‬ ‫ما أ ُن ْزِ َ‬
‫ن ‪) ‬المائدة‪.(80:‬‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫م َفا ِ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ن ك َِثيرا ً ِ‬ ‫م أوْل َِياَء وَل َك ِ ّ‬ ‫ْ‬ ‫خ ُ‬‫ما ات ّ َ‬ ‫ل إ ِل َي ْهِ َ‬ ‫وَ َ‬
‫مِبين سا ً ‪‬‬ ‫سَرانا ً ُ‬ ‫خ ْ‬ ‫سَر ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ن الل ّهِ فَ َ‬ ‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن وَل ِي ّا ً ِ‬ ‫طا َ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫خذِ ال ّ‬ ‫ن ي َت ّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وقال تعالى‪  :‬وَ َ‬
‫)النساء‪(119 :‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 155 [ ‬‬

‫‪ .6‬ولية المسلم للكافرين واهية وسيتبرأ الشيطان من وليتهم بعد أن‬


‫ورطهم في الكفر‪:‬‬
‫ت ب َْيت سا ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫خ سذ َ ْ‬‫ت ات ّ َ‬ ‫َ‬
‫ل العَن ْكب ُسسو ِ‬ ‫َ‬
‫مث س ِ‬ ‫َ‬
‫ن اللهِ أوْل ِي َسساَء ك َ‬ ‫دو ِ‬‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ذوا ِ‬ ‫خ ُ‬‫ن ات ّ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫مث َ ُ‬ ‫قال تعالى‪َ ) :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫وإ َ‬
‫ن ( )العنكبوت‪(41:‬‬ ‫مو َ‬ ‫َ‬
‫ت لوْ كاُنوا ي َعْل ُ‬ ‫َ‬
‫ت العَن ْكُبو ِ‬ ‫ت ل َب َي ْ ُ‬ ‫ن ال ْب ُُيو ِ‬ ‫ن أوْهَ َ‬ ‫َِ ّ‬
‫َ‬
‫حَياةِ السسد ّن َْيا‬ ‫م ِفي ال ْ َ‬ ‫موَد ّةَ ب َي ْن ِك ُ ْ‬ ‫ن الل ّهِ أوَْثانا ً َ‬ ‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫خذ ْت ُ ْ‬ ‫ما ات ّ َ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬‫وقال تعالى‪  :‬وََقا َ‬
‫ْ‬
‫ن‬‫مس ْ‬ ‫م ِ‬ ‫مسسا ل َك ُس ْ‬ ‫م الن ّسساُر وَ َ‬ ‫م سأَواك ُ ُ‬ ‫م ب َْعض سا ً وَ َ‬ ‫ضك ُ ْ‬ ‫ن ب َعْ ُ‬ ‫ض وَي َل ْعَ ُ‬ ‫م ب ِب َعْ ٍ‬ ‫ضك ُ ْ‬ ‫فُر ب َعْ ُ‬ ‫مةِ ي َك ْ ُ‬
‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬‫م ي َوْ َ‬ ‫ثُ ّ‬
‫ن ‪) ‬العنكبوت‪(25 :‬‬ ‫ري َ‬ ‫ص ِ‬ ‫َنا ِ‬
‫ريسءٌ‬ ‫ل إ ِن ّسسي ب َ ِ‬ ‫فسَر قَسسا َ‬ ‫مسسا ك َ َ‬ ‫فسْر فَل َ ّ‬ ‫ن اك ْ ُ‬ ‫سا ِ‬ ‫ل ل ِل ِن ْ َ‬ ‫ن إ ِذ ْ َقا َ‬ ‫طا ِ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫مث َ ِ‬ ‫وقال تعالى‪  :‬ك َ َ‬
‫ن ‪) ‬الحشر‪. (16:‬‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫ه َر ّ‬ ‫ف الل ّ َ‬ ‫خا ُ‬ ‫ك إ ِّني أ َ َ‬ ‫من ْ َ‬‫ِ‬

‫‪ .7‬ولية المسلم للكافرين تجعله منهم وتحبط عملــه وتفضــي بــه إلــى‬
‫الردة‪:‬‬
‫َ‬
‫صسساَرى‬ ‫ذوا ال ْي َُهود َ َوالن ّ َ‬ ‫خ ُ‬‫مُنوا ل ت َت ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫قال تعالى‪ :‬في سورة المائدة ‪َ  :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫م ال ّ‬ ‫دي ال ْ َ‬ ‫أ َول ِياَء بعضه َ‬
‫ن‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫قوْ َ‬ ‫ه ل ي َهْ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫م فَإ ِن ّ ُ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫م ِ‬ ‫ن ي َت َوَل ّهُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫م أوْل َِياُء ب َعْ ٍ‬ ‫ْ َ َْ ُ ُ ْ‬
‫‪) ‬المائدة‪. (51 :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫م إ ِن ّهُس ْ‬ ‫مان ِهِ ْ‬ ‫جهْد َ أي ْ َ‬ ‫موا ِبالل ّهِ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ن أق ْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ؤلِء ال ّ ِ‬ ‫مُنوا أهَ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫قو ُ‬ ‫ثم قال بعدها‪  :‬وَي َ ُ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ن ِدين ِس ِ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ن ي َْرت َد ّ ِ‬ ‫م ْ‬‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن * َيا أي َّها ال ِ‬ ‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫س‬‫خا ِ‬ ‫حوا َ‬ ‫صب َ ُ‬ ‫م فَأ ْ‬ ‫مال ُهُ ْ‬ ‫ت أعْ َ‬ ‫حب ِط َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫لَ َ‬
‫ْ‬
‫ن‬ ‫ري َ‬ ‫عسّزةٍ عَل َسسى ال ْك َسسافِ ِ‬ ‫ن أَ ِ‬ ‫مِني َ‬ ‫مسؤْ ِ‬ ‫ه أذِل ّسةٍ عَل َسسى ال ْ ُ‬
‫حبسسون َ‬
‫م وَي ُ ِ ّ َ ُ‬ ‫حب ّهُس ْ‬ ‫قسوْم ٍ ي ُ ِ‬ ‫ه بِ َ‬‫ف ي َسأِتي الل ّس ُ‬ ‫سوْ َ‬ ‫فَ َ‬
‫ه‬ ‫ّ‬
‫شسساُء َواللس ُ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫مس ْ‬ ‫ل اللسهِ ي ُسؤِْتيهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫ضس ُ‬ ‫ك فَ ْ‬ ‫ة لئ ِم ٍ ذ َل ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن لوْ َ‬ ‫َ‬ ‫خاُفو َ‬ ‫ل اللهِ َول ي َ َ‬‫ّ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫دو َ‬ ‫جاهِ ُ‬ ‫يُ َ‬
‫م ‪ ‬المائدة – ‪.51-54‬‬ ‫سعٌ عَِلي ٌ‬ ‫َوا ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫مِني َ‬ ‫مسؤْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫مس ْ‬ ‫ن أوْل َِيساَء ِ‬ ‫ري َ‬ ‫كسافِ ِ‬ ‫ذوا ال ْ َ‬ ‫خس ُ‬‫مُنوا ل ت َت ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وبعد أن قال‪َ  :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫أ َتريدو َ‬
‫ن‬ ‫قي َ‬ ‫من َسسافِ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫مِبينا ً ‪) ‬النساء‪ . (144:‬قال بعدها‪  :‬إ ِ ّ‬ ‫طانا ً ُ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫جعَُلوا ل ِل ّهِ عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ُ ِ ُ َ‬
‫صيرا ‪ ‬النساء – ‪.145‬‬
‫ً‬ ‫م نَ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫جد َ لهُ ْ‬ ‫ن تَ ِ‬ ‫ن الّنارِ وَل ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ف ِ‬‫س َ‬ ‫ك ال ْ‬ ‫ِفي الد ّْر ِ‬

‫‪ .8‬النهي عن اتخاذ القرباء والقوم والعشيرة أولياء إن كانوا كافرين‪:‬‬


‫َ‬
‫ن‬ ‫وأن ودهم مع كفرهم بسبب القرابة مناقض لليمان‪ :‬قال تعالى‪ :‬ي َسسا أي ّهَسسا ال ّس ِ‬
‫ذي َ‬
‫خسوانك ُ َ‬
‫ن‬ ‫مس ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫مسسا ِ‬ ‫لي َ‬ ‫فسَر ع َل َسسى ا ْ ِ‬ ‫حّبوا ال ْك ُ ْ‬ ‫سست َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫م أوْل ِي َسساَء إ ِ ِ‬ ‫م وَإ ِ ْ َ َ ْ‬ ‫ذوا آب َسساَءك ُ ْ‬ ‫خس ُ‬ ‫مُنوا ل ت َت ّ ِ‬ ‫آ َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫م‬ ‫وان ُك ُ ْ‬ ‫خس َ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫م وَأب ْن َسساؤ ُك ُ ْ‬ ‫ن آب َسساؤ ُك ُ ْ‬ ‫ن ك َسسا َ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫ن * قُ س ْ‬ ‫مو َ‬ ‫م الظسسال ِ ُ‬ ‫ك هُ س ُ‬ ‫م فَسأولئ ِ َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ي َت َوَلهُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫سسساك ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ها وَ َ‬ ‫سسساد َ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫شسوْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫جسساَرة ٌ ت َ ْ‬ ‫موهَسسا وَت ِ َ‬ ‫ل اقْت ََرفْت ُ ُ‬ ‫وا ٌ‬ ‫َ‬ ‫مس‬
‫م وَأ ْ‬ ‫شسسيَرت ُك ُ ْ‬ ‫م وَع َ ِ‬ ‫جك ُس ْ‬ ‫وَأْزَوا ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ي الل ّس ُ‬
‫ه‬ ‫حت ّسسى ي َسأت ِ َ‬ ‫صوا َ‬ ‫سِبيل ِهِ فَت ََرب ّ ُ‬ ‫جَهاد ٍ ِفي َ‬ ‫سول ِهِ وَ ِ‬ ‫ن الل ّهِ وََر ُ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ب إ ِل َي ْك ُ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ضوْن ََها أ َ‬ ‫ت َْر َ‬
‫م ال ْ َ‬ ‫دي ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن ‪) ‬التوبة – ‪.( 23-24‬‬ ‫قي َ‬ ‫س ِ‬ ‫فا ِ‬ ‫قوْ َ‬ ‫ه ل ي َهْ ِ‬ ‫مرِهِ َوالل ّ ُ‬ ‫ب ِأ ْ‬
‫ه‬‫حسساد ّ الل ّس َ‬ ‫ن َ‬ ‫مس ْ‬ ‫ن َ‬ ‫واّدو َ‬ ‫خر ِ ي ُ َ‬ ‫ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ اْل ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫وما ً ي ُؤ ْ ِ‬ ‫جد ُ قَ ْ‬ ‫وقال تعالى‪  :‬ل ت َ ِ‬
‫ُ‬
‫م أول َئ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب فِسسي‬ ‫ك ك َت َس َ‬ ‫شسسيَرت َهُ ْ‬ ‫م أوْ ع َ ِ‬ ‫وان َهُ ْ‬
‫خس َ‬ ‫م أوْ إ ِ ْ‬ ‫م أوْ أب ْن َسساَءهُ ْ‬ ‫ه وَل َوْ ك َسساُنوا آب َسساَءهُ ْ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫وََر ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬ ‫دي َ‬ ‫خاِلسس ِ‬ ‫حت َِها الن َْهسساُر َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫جَ ِ‬‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫خلهُ ْ‬ ‫ه وَي ُد ْ ِ‬ ‫من ْ ُ‬‫م ب ُِروٍح ِ‬ ‫ن وَأي ّد َهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫لي َ‬ ‫ما ِ‬ ‫قُُلوب ِهِ ُ‬
‫ن‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ب الل ّهِ هُ ُ‬ ‫حْز َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ب الل ّهِ أل إ ِ ّ‬ ‫حْز ُ‬ ‫ك ِ‬ ‫ه ُأول َئ ِ َ‬ ‫ضوا ع َن ْ ُ‬ ‫م وََر ُ‬ ‫ه ع َن ْهُ ْ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ِفيَها َر ِ‬
‫)المجادلة‪.(22 :‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ .9‬النهــي عــن اتخــاذ الكفــرة بطانــة وأعوانــا وقــد بــدت البغضــاء مــن‬
‫أفواههم‪:‬‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 156 [ ‬‬

‫ْ‬ ‫َ‬
‫دوا‬‫خَبال ً وَ ّ‬ ‫م ل ي َأُلون َك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫دون ِك ُ ْ‬
‫ن ُ‬ ‫م ْ‬‫ة ِ‬ ‫ذوا ب ِ َ‬
‫طان َ ً‬ ‫خ ُ‬‫مُنوا ل ت َت ّ ِ‬‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫قال تعالى‪َ  :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن‬
‫ت إِ ْ‬ ‫م اْليسسا ِ‬‫كسس ُ‬‫م أ َك ْب َُر قَد ْ ب َي ّّنا ل َ ُ‬‫دوُرهُ ْ‬ ‫ص ُ‬‫في ُ‬ ‫خ ِ‬‫ما ت ُ ْ‬‫م وَ َ‬
‫واهِهِ ْ‬
‫ما عَن ِتم قَد بدت ال ْبغْضاُء م َ‬
‫ن أف ْ َ‬ ‫ِ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ّ ْ ْ َ َ ِ‬ ‫َ‬
‫)آل عمران‪(118:‬‬ ‫‪‬‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫لو‬ ‫ق‬ ‫ت‬ ‫م‬‫ت‬ ‫ن‬‫ُ‬
‫ك ُْ ْ َْ ِ‬
‫ع‬

‫‪ .10‬النهي عن ولية من قاتلنا وأخرجنا من ديارنا‪:‬‬


‫َ‬
‫ن‬
‫مس ْ‬‫م ِ‬ ‫جسسوك ُ ْ‬
‫خَر ُ‬
‫ن وَأ ْ‬ ‫دي ِ‬
‫م فِسسي ال س ّ‬ ‫ن قَسسات َُلوك ُ ْ‬ ‫ن ال ّس ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ه عَس ِ‬ ‫م الل ّس ُ‬‫ما ي َن ْهَسساك ُ ُ‬ ‫قال تعالى‪  :‬إ ِن ّ َ‬
‫م ال ّ‬ ‫ُ‬
‫م فَأول َئ ِ َ‬ ‫َ‬
‫ن ‪) ‬الممتحنة‪:‬‬ ‫مو َ‬‫ظال ِ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ن ي َت َوَل ّهُ ْ‬
‫م ْ‬‫م وَ َ‬‫ن ت َوَل ّوْهُ ْ‬
‫مأ ْ‬ ‫جك ُ ْ‬‫خَرا ِ‬ ‫ظاهَُروا عََلى إ ِ ْ‬‫م وَ َ‬
‫دَِيارِك ُ ْ‬
‫‪. (9‬‬

‫‪ .11‬النهي عن ولية من اتخذ ديننا هزوا ولعبا‪:‬‬


‫َ‬
‫ن‬ ‫م هُسُزوا ً وَل َِعبسا ً ِ‬
‫مس َ‬ ‫ذوا ِدين َك ُس ْ‬ ‫خس ُ‬
‫ن ات ّ َ‬ ‫ذي َ‬‫ذوا ال ّس ِ‬ ‫خس ُ‬
‫مُنوا ل ت َت ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫قال تعالى‪َ  :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن ‪) ‬المائدة‪. (57 :‬‬ ‫مؤْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬‫ه إِ ْ‬‫قوا الل ّ َ‬ ‫فاَر أ َوْل َِياَء َوات ّ ُ‬
‫م َوال ْك ُ ّ‬
‫ن قَب ْل ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬
‫ب ِ‬
‫ال ّذي ُ‬
‫ن أوُتوا ال ْك َِتا َ‬
‫ِ َ‬

‫‪ .12‬التشــديد فــي النهــي عــن وليــة اليهــود والنصــارى خاصــة مــن بيــن‬
‫الكافرين‪:‬‬
‫إن الناظر في أسباب نزول معظم آيات النهي عن ولية الكافرين‪ ,‬يجد أنهسسا نزلسست‬
‫في النهي عن ولية اليهود و النصارى‪ .‬ومع ذلك فقد سمتهم آيات القرآن صسسراحة مسسن‬
‫بين الكافرين المنهي عن وليتهم جميعا قال تعالى‪  :‬يسسا أيهسسا السسذين آمنسسوا ل تتخسسذوا‬
‫اليهود والنصارى أولياء ‪ ‬المائدة – ‪ . 51‬وقال تعالى‪ :‬يا أيها الذين آمنوا ل تتخسسذوا السسذين‬
‫اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء ‪ ‬المائدة‪.57 -‬‬

‫‪ .13‬المر بالخذ بملة إبراهيم بــالبراءة الكاملــة مــن الكــافرين وبغضــهم‬


‫ومعاداتهم‪:‬‬
‫ه إ ِذ ْ َقاُلوا ل ِ َ‬ ‫كانت ل َك ُ ُ‬
‫م‬‫مه ِ ْ‬
‫قوْ ِ‬ ‫مع َ ُ‬‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م َوال ّ ِ‬ ‫هي َ‬ ‫ة ِفي إ ِب َْرا ِ‬ ‫سن َ ٌ‬
‫ح َ‬ ‫سوَةٌ َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫قال تعالى‪  :‬قَد ْ َ َ ْ‬
‫ضسساءُ‬ ‫داوَةُ َوال ْب َغْ َ‬
‫م ال ْعَ س َ‬ ‫دا ب َي ْن ََنا وَب َي ْن َك ُ ُ‬‫م وَب َ َ‬ ‫فْرَنا ب ِك ُ ْ‬ ‫ن الل ّهِ ك َ َ‬ ‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬‫دو َ‬ ‫ما ت َعْب ُ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫م وَ ِ‬‫من ْك ُ ْ‬‫إ ِّنا ب َُرآُء ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن الل ّس ِ‬
‫ه‬ ‫مس َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ك لَ َ‬
‫مل ِ ُ‬‫ما أ ْ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫ن لَ َ‬ ‫فَر ّ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫م ِلِبيهِ ل ْ‬ ‫هي َ‬‫ل إ ِب َْرا ِ‬ ‫حد َهُ إ ِّل قَوْ َ‬ ‫مُنوا ِبالل ّهِ وَ ْ‬ ‫حّتى ت ُؤْ ِ‬ ‫أَبدا ً َ‬
‫ر ‪) ‬الممتحنة‪(4 :‬‬ ‫صي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫ك أ َن َب َْنا وَإ ِل َي ْ َ‬ ‫ك ت َوَك ّل َْنا وَإ ِل َي ْ َ‬ ‫يٍء َرب َّنا عَل َي ْ َ‬ ‫ش ْ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬

‫‪ .14‬حــددت اليــات القرآنيــة أعــذار مــن يتــولى الكفــار مــن المســلمين‬


‫ويقعون في النفاق أنها إمــا مــن أجــل طلــب العــزة أو للخــوف مــن‬
‫الذى والدوائر‪:‬‬
‫وقد رد القرآن على هذه العسسذار وأبطلهسسا‪ ,‬وحكسسم علسسى أصسسحابها بالنفسساق والسسردة‬
‫والنتساب للكفار‪ ,‬وذلك بسبب مرض قلوبهم وأن عسساقبتهم النسسدم فسسي السسدنيا والخسسرة‬
‫وأن مصيرهم إلى النار‪ .‬قال تعالى‪  :‬بشر المنافقين بسسأن لهسسم عسسذابا أليمسسا * السسذين‬
‫يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة للسسه جميع سا ً‬
‫صساَرى أ َوْل َِيساَء‬ ‫ذوا ال ْي َُهسود َ َوالن ّ َ‬ ‫خس ُ‬‫مُنسوا ل ت َت ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬
‫َ‬
‫‪‬النسسساء‪ .139-138-‬وقال تعالى‪َ  :‬يا أي َّهسا اّلس ِ‬
‫بعضه َ‬
‫ن*‬ ‫مي َ‬ ‫م الظ ّسسال ِ ِ‬ ‫ق سوْ َ‬‫دي ال ْ َ‬ ‫ه ل ي َهْ س ِ‬‫ن الل ّس َ‬ ‫م إِ ّ‬‫من ْهُ س ْ‬‫ه ِ‬ ‫م فَإ ِن ّ ُ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫م ِ‬‫ن ي َت َوَل ّهُ ْ‬‫م ْ‬ ‫ض وَ َ‬‫ٍ‬ ‫م أوْل َِياُء ب َعْ‬ ‫َْ ُ ُ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫سسسى‬ ‫دائ َِرةٌ فَعَ َ‬ ‫صسسيب ََنا َ‬ ‫ن تُ ِ‬‫شى أ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫قولو َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ن ِفيهِ ْ‬ ‫عو َ‬ ‫سارِ ُ‬ ‫ض يُ َ‬‫مَر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِفي قُلوب ِهِ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫فَت ََرى ال ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ن‪‬‬ ‫مي َ‬ ‫م ن َسسادِ ِ‬‫س سه ِ ْ‬
‫ف ِ‬ ‫س سّروا فِسسي أن ْ ُ‬ ‫ما أ َ‬ ‫حوا عَلى َ‬ ‫صب ِ ُ‬ ‫عن ْدِهِ فَي ُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مرٍ ِ‬ ‫فت ِْح أوْ أ ْ‬ ‫ي ِبال َ‬ ‫ن ي َأت ِ َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ُ‬
‫المائدة‪. 52-51 -‬‬

‫*************‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 157 [ ‬‬

‫ومن أخطر مظاهر موالة الكافرين ‪:‬‬


‫الجلوس مع الكفسرة والمرتسدين والمنسافقين وهسم يسستهزئون بآيسات اللسه‬ ‫‪-1‬‬
‫َ‬
‫ذا‬ ‫ن إِ َ‬ ‫بأ ْ‬ ‫م فِسسي ال ْك ِت َسسا ِ‬ ‫ل عَل َي ْك ُس ْ‬ ‫وشعائر دينيه وعباده المؤمنين‪ :‬قال تعالى‪  :‬وَقَد ْ ن َّز َ‬
‫ث‬ ‫دي ٍ‬ ‫حس ِ‬ ‫ضسسوا فِسسي َ‬ ‫خو ُ‬ ‫حت ّسسى ي َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫دوا َ‬ ‫قع ُ ُ‬ ‫ست َهَْزأ ُ ب َِها َفل ت َ ْ‬ ‫فُر ب َِها وَي ُ ْ‬ ‫ت الل ّهِ ي ُك ْ َ‬ ‫م آَيا ِ‬ ‫معْت ُ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫ميع سا ‪) ‬النسسساء‪:‬‬
‫ً‬ ‫ج ِ‬ ‫م َ‬ ‫َ َ‬‫س‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ه‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫سي‬ ‫س‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫ن‬
‫ِ َ‬‫ري‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫وا‬
‫َ َ‬ ‫ن‬ ‫قي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫نا‬‫َ‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ُ‬ ‫ع‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫جا‬ ‫َ‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫إ‬
‫ُ ْ ِ‬ ‫م‬‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ث‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫إذ‬ ‫م‬ ‫ُ‬
‫غَ ِ ِ ْ ِ‬‫ك‬‫ّ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫ي‬
‫‪ . (140‬طاعة الكفار فيما نهى الله عنه ولو بشيء قليل‪ :‬قال تعالى في سورة محمد‬
‫َ‬
‫دى‬ ‫م ال ُْهسس َ‬ ‫ن ل َهُ ُ‬ ‫ما ت َب َي ّ َ‬‫ن ب َعْدِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫دوا عََلى أد َْبارِهِ ْ‬ ‫ن اْرت َ ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪  :‬إ ِ ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫َ‬
‫مسسا ن َسّزل اللس ُ‬ ‫ن كرِهُسسوا َ‬ ‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م قسسالوا ل ِلس ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م * ذ َل ِسك ب ِسأن ّهُ ْ‬ ‫مل َسسى لهُس ْ‬
‫َ‬ ‫م وَأ ْ‬ ‫ل ل َهُس ْ‬ ‫سسوّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ال ّ‬
‫م ‪) ‬محمد‪ . ( 26/25:‬فطاعة الذين كرهوا‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫سَراَرهُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ه ي َعْل ُ‬ ‫مرِ َوالل ُ‬ ‫ض ال ْ‬ ‫م ِفي ب َعْ ِ‬ ‫طيعُك ْ‬ ‫سن ُ ِ‬ ‫َ‬
‫شريعة الله‪ ,‬في أمرهم ولو بشيء قليل طريق للردة‪.‬‬
‫اتخاذ الكفرة بطانة و مستشارين‪ ,‬وناصحين و معاونين‪ ,‬ووضع المسسسلمين‬ ‫‪-2‬‬
‫تحت أمرهم ونهيهم‪ ,‬فهذا شكل من أشكال وليتهم التي نهى الله عنها‪.‬‬
‫النصسسيحة للكفسسار ودللتهسسم علسسى مسسا يقسسويهم ونصسسرتهم بسسالرأي علسسى‬ ‫‪-3‬‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫التحاكم إلى قوانينهم وشرائعهم‪ ,‬هو من أكبر أشكال وليتهم‪ ,‬قال المسسام‬ ‫‪-4‬‬
‫ابن تيمية رحمه اللسسه فسسي مجمسسوع الفتسساوى ج ‪ ] :28/199‬ومن جنـس مـوالة‬
‫الكفار التي ذم الله بها أهل الكتاب والمنافقين‪ ,‬اليمان ببعض ما هم‬
‫َ‬
‫م‬‫عليه من الكفر‪ ,‬أو التحاكم إليهم دون كتاب الله‪ .‬كما قال تعسسالى‪  :‬أَلسس ْ‬
‫تر إَلى ال ّذي ُ‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ل ِل ّس ِ‬ ‫قول ُسسو َ‬ ‫ت وَي َ ُ‬ ‫غو ِ‬ ‫ت َوالط ّسسا ُ‬ ‫جب ْ ِ‬ ‫ن ب ِسسال ْ ِ‬ ‫من ُسسو َ‬ ‫ب ي ُؤْ ِ‬ ‫ن ال ْك ِت َسسا ِ‬ ‫م َ‬ ‫صيبا ً ِ‬ ‫ن أوُتوا ن َ ِ‬ ‫ِ َ‬ ‫ََ ِ‬
‫سِبيل ‪ ‬النساء ‪.51‬‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫فُروا هَ ُ‬ ‫كَ َ‬
‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫دى ِ‬ ‫ؤلِء أهْ َ‬
‫إل أن أخطر ذلك وأوضحه ردة هو ‪:‬‬
‫القتال معهم وتحت رايتهم وفسسي خدمسسة مصسسالحهم‪ ,‬وهسسذه أعظسسم أشسسكال الوليسسة‪,‬‬
‫حيث يضحي المرء بروحه في سبيل الكفار‪ ,‬وهو كفر مخرج من ملة السسسلم‪ ,‬وانتمسساء‬
‫إليهم بنص القرآن‪  :‬ومن يتولهم منكم فإنه منهم ‪ ‬المسسائدة‪ .51-‬وقد برئ اللسسه منسسه ‪:‬‬
‫‪ ‬فليس من الله في شيء ‪ ‬البقرة‪ .28-‬وقد قال تعالى‪  :‬الذين آمنوا يقاتلون في‬
‫سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت ‪ ‬البقسسرة‪ .76-‬وقال تعسسالى‪ :‬‬
‫فسروا مس َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ب ل َئ ِ ْ‬
‫ل ال ْك ِت َسسا ِ‬
‫ن أهْس ِ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ن كَ َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّس ِ‬ ‫وان ِهِ ُ‬
‫خس َ‬‫ن ِل ِ ْ‬‫قول ُسسو َ‬ ‫ن َنسافَ ُ‬
‫قوا ي َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ت ََر إ َِلى اّلس ِ‬ ‫أل َ ْ‬
‫َ‬ ‫خرجن معك ُم ول نطيع فيك ُس َ‬ ‫أُ ْ‬
‫م َوالل ّس ُ‬
‫ه‬ ‫ص سَرن ّك ُ ْ‬‫م ل َن َن ْ ُ‬‫ن قُسسوت ِل ْت ُ ْ‬
‫حسسدا ً أب َسسدا ً وَإ ِ ْ‬
‫مأ َ‬ ‫ْ‬ ‫م ل َن َ ْ ُ َ ّ َ َ ْ َ ُ ِ ُ ِ‬ ‫جت ُ ْ‬ ‫خرِ ْ‬
‫ن ‪) ‬الحشر‪. (11:‬‬ ‫م لَ َ‬
‫كاذ ُِبو َ‬ ‫شهَد ُ إ ِن ّهُ ْ‬‫يَ ْ‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 158 [ ‬‬

‫ومن الثار التي وردت في تفسير بعض النصوص القرآنية السابقة‪:‬‬


‫قال ابن حزم رحمه الله ينقل الجماع ‪) :‬صح أن قول الله تعالى ‪ ‬ومسسن يتسسولهم‬
‫منكم فإنه منهم ‪ ‬إنما هو على ظاهره‪ ,‬بأنه كافر من جملة الكفار ‪ ,‬وهذا حق‬
‫ل يختلف فيه اثنان من المسلمين ( المحلى ج ‪ 13‬ص ‪.25‬‬
‫قال الطسسبري فسسي تفسسسيره ج ‪ 1‬ص ‪) :277‬مسسن تسسولى اليهسسود والنصسسارى مسسن دون‬
‫المؤمنين فإنه منهم‪ ,‬أي من أهل دينهم وملتهم ‪ ,‬فإنه ل يتولى متول أحد إل وهسسو‬
‫به وبدينه وما هو عليه راض وإذا رضيه ورضي دينه فقد عادى ما خالفه وسخط وصار‬
‫حكمه حكمه(‪.‬‬
‫وقال ابن جرير في تفسير}من اتخذ الكفار أعوانا وأنصسسارا وظهسسورا يسسواليهم علسسى‬
‫دينهم ويظاهرهم علسسى المسسسلمين فليسسس مسسن اللسسه فسسي شسسيء أي قسسد بسسرء اللسسه منسسه‬
‫بارتداده عن دنه ودخوله في الكفر(‪.‬ج ‪ 3‬ص ‪.228‬‬
‫وقال ابن القيم في كتابه أحكام أهل الذمسة ج ‪1‬ص ‪ ):67‬إن اللسه حكسم ول أحسسن‬
‫من حكمه أنه من تولى اليهود والنصارى فهو منهم}ومسسن يتسسولهم منكسسم فسسإنه منهسسم {‬
‫فإذا كان أولياؤهم منهم بنص القرآن كان لهم حكمهم (‪.‬‬
‫قال ابن كثير في تفسير سورة المائدة اليسسة ‪ ] : 50-53‬أي نهسسي تبسسارك وتعسسالى‬
‫عباده المؤمنين عن موالة اليهود والنصارى الذين هم أعداء السلم وأهله قاتلهم الله‪.‬‬
‫ثم أخبر أن بعضهم أولياء بعض‪ .‬ثم تهدد وتوعد من يتعاطى ذلك فقال‪ :‬ومن يتولهم‬
‫منكم فإنه منهم ‪ ‬المائدة‪ .51-‬قال ابن أبي حاتم])‪(...‬إن عمر أمر أبسسا موسسسى الشسسعري‬
‫أن يرفع إليه ما أخذ وأعطى في أديم واحد‪ ,‬وكان له كسساتب نصسسراني فرفسسع إليسسه ذلسسك‪,‬‬
‫فعجب عمر وقال‪ :‬إن هذا لحفيظ‪ ,‬هل أنت قارئ لنا كتابا في المسجد جاء من الشام؟‬
‫فقال‪ :‬إنه ل يستطيع‪ ,‬فقسسال عمسسر أجنسسب هسسو؟ قسسال ل‪ ,‬بسسل نصسسراني‪ :‬قسسال‪ :‬فسسانتهرني‪,‬‬
‫وضسسرب فخسسذي وقسسال ‪ :‬أخرجسسوه ثسسم قسسرأ‪ ] :‬يسسا أيهسسا السسذين آمنسسوا ل تتخسسذوا اليهسسود‬
‫والنصارى أولياء [‪ .‬حدثنا محمد بــن الحســن(‪ (...‬قــال عبــد اللــه بــن عتبــة‪:‬‬
‫] ليتق أحدكم أن يكون يهوديا أو نصــرانيا وهــو ل يشــعر ‪ ,‬قــال‪ :‬فظننــاه‬
‫يريد هذه الية [‪.‬‬
‫قال ابن كثير ‪ ]:‬وقوله تعالى‪  :‬فترى السسذين فسسي قلسسوبهم مسسرض ‪ .‬أي شسسك‬
‫وريب ونفاق‪  .‬يسارعون فيهم ‪ ‬أي يبادرون إلى موالتهم‪ ,‬ومسسودتهم فسسي البسساطن‬
‫والظسساهر]يقولسسون نخشسسى أن تصسسيبنا دائرة[ أي‪ :‬يتسسأولون مسسودتهم ومسسوالتهم‪ ,‬لنهسسم‬
‫يخشسسون أن يقسسع أمسسر مسسن ظفسسر الكسسافرين بالمسسسلمين‪ ,‬فتكسسون لسسه أيسساد عنسسد اليهسسود‬
‫والنصارى فينفعهم ذلك‪ .‬عند ذلك قال تعالى ‪ ‬فعسى الله أن يأتي بالفتسسح ‪ ‬قسسال‬
‫السدي‪ :‬يعني فتح مكة‪ .‬قال غيره يعنى القضاء والفصل ‪ ‬أو أمر من عنده ‪ ‬قال‪:‬‬
‫السدي‪ :‬يعنى ضرب الجزيسسة علسسى اليهسسود والنصسسارى ‪ ‬فيصبحوا ‪ ‬أي السسذين والسسوا‬
‫اليهود والنصارى مسسن المنسسافقين‪ .‬علسى مسا أسسروا فسي أنفسسهم ‪ ‬مسسن المسسوالة‬
‫‪‬نادمين‪ ‬أي على ما كان منهم مما لم يجد عنهم شيئا‪ ,‬ول دفع عنهسسم محسسذورا‪ .‬بسسل‬
‫كان عين المفسدة‪ .‬فإنهم فضحوا وأظهر الله أمرهم في الدنيا لعبسساده المسسؤمنين‪ ,‬بعسسد‬
‫أن كانوا مستورين ل يدر كيف حالهم‪ .‬فلما انعقدت السباب الفاضحة لهم تبين أمرهسسم‬
‫لعباد الله المؤمنين [‪-‬‬
‫(ســبحان اللــه كأنمــا تحكــى هــذه اليــة وتفســيرها حالــة حكــام بلد‬
‫المسلمين الذين يعاونونها كمشرف وحكومته الباكستانية فــي مــوالتهم‬
‫لمريكا لنهم يظنون أنها ستنتصر على المســلمين فيكــون لهــم عنــدهم‬
‫مكانة‪ .‬و اعتذارهم عن ذلك بخوف الدائرة والمصيبة منهــا‪ ,‬والرغبــة فــي‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 159 [ ‬‬

‫طلب العـز منهـا‪ ,‬ومـا سـيندمون عليـه مـن افتضـاح أمرهــم وخســارتهم‬
‫وعقوبتهم على أيدي المؤمنين لما يأتي نصر الله (‪.‬‬
‫وفي قوله تعالى ‪ :‬ل يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن‬
‫يفعل ذلك فليس من الله في شيء ‪ ‬آل عمسسران ‪ 28‬قال ابسسن كسسثير رحمسسه اللسسه تعسسالى‪:‬‬
‫] نهى تبارك وتعالى عباده المؤمنين أن يوالوا الكافرين‪ ,‬وأن يتخسسذوهم أوليسساء يسسسرون‬
‫إليهسسسم بسسسالمودة مسسسن دون المسسسؤمنين‪ .‬ثسسسم توعسسسد علسسسى ذلسسسك فقسسسال تعسسسالى‪:‬‬
‫‪ ‬ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء ‪ ‬أي‪ :‬ومن يرتكب نهي الله هذا فقد‬
‫بسسرئ اللسسه منسسه)‪  (...‬ويحسسذركم اللسسه نفسسسه ‪ ‬أي‪ :‬يحسسذركم نقمتسسه فسسي مخسسالفته‬
‫وسطوته وعذابه لمن والى أعدائه وعادى أوليائه[‪.‬‬
‫وفي قوله تعالى من سورة آل عمران ‪ ‬يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا بطانة من‬
‫دونكم ‪) ‬اليسسة(‪ .‬قال ابن كثير‪] :‬يقول تبارك وتعسسالى ناهيسسا عبسساده المسسؤمنين عسسن اتخسساذ‬
‫المنافقين بطانة‪ ,‬أي يطلونهم علسسى سسسرائرهم‪ .‬ومسسا يضسسمرونه لعسسدائهم والمنسسافقون‪.‬‬
‫بجهدهم وطاقتهم ل يألون المؤمنين خبال أي يسعون في مخالفتهم ومسسا يضسسرهم بكسسل‬
‫ممكن وبما يستطيعون من المكسسر والخديعسسة‪ .‬ويسسودون مسسا يعنسست المسسؤمنين ويحرجهسسم‬
‫ويشق عليهم‪.‬‬
‫وكما ذكرنا فاليات والحاديث والثار وأقوال العلماء متضافرة بهذه المعاني‪.‬‬
‫وهذه الحقائق هي من أولويات السسسلم وأساسسسيات العقيسسدة‪ ,‬السستي يلخصسسها بكسسل‬
‫إيجاز ووضوح‪ ,‬خطاب القرآن الصريح لكل مسلم‪:‬‬
‫‪ ‬من يتولهم منكم فإنه منهم ‪  ‬ومن يفعسسل ذلسسك فليسسس مسسن اللسسه فسسي‬
‫شيء ‪ ‬وهذا واضح‪ .‬فمن يتولى الكفار فهو كافر مرتد مثلهــم قــد بــرئ‬
‫الله منه‪.‬‬
‫وقد عد الشيخ محمد بن عبد الوهاب مظاهرو الكفار على المســلمين‬
‫في نواقض السلم العشرة التي ذكرها وهي ‪:‬‬
‫الشرك بالله ‪ ,‬الذبح لغير الله وللقبر‪.‬‬
‫من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة ويتوكل عليهم‪.‬‬
‫من لم يكفر المشركين أو يشك في كفرهم أو صحح مذهبهم ‪ ..‬كفر‪.‬‬
‫من اعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمسسل مسسن هسسديه ‪ ,‬أو أن حكسسم‬
‫غيره أحسن من حكمه ‪ ,‬كالذي يفضل حكم الطواغيت على حكمه فهو كافر‪.‬‬
‫من أبغض شيئا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسسسلم – ولسو عمسسل بسسه – فهسسو‬
‫كافر‪.‬‬
‫من استهزأ بشيء من دين الرسول أو ثوابه أو عاقبه كفر ‪ ,‬والدليل‪  :‬قل أبالله‬
‫وآياته ورسوله كنت تستهزئون ‪) ‬التوبة‪.(65 :‬‬

‫السحر‪ ,‬فمن فعله أو رضي به كفر‪  .‬وما يعلمان من أحد حتى يقول إنما نحن‬
‫فتنة فل تكفر ‪) ‬البقرة‪.(102:‬‬
‫مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين‪  :‬ومسسن يتسسولهم منكسسم‬
‫فإنه منهم ‪( ‬المائدة‪ (51:‬وهي محل الشاهد ‪.‬‬
‫من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسسسلم‪,‬‬
‫كما خرج الخضر عن شريعة موسى عليه السلم فهو كافر‪.‬‬
‫من أعرض عن دين الله – ل يتعلمه ول يعمل به ‪  .-‬والذين كفروا عمسسا أنسسذروا‬
‫معرضون ‪) ‬الحقاف ‪.(3:‬‬
‫قال سليمان بن عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب‪ ) :‬اعلم رحمسسك اللسسه أن‬
‫النسان إذا أظهر للمشركين الموافقة على دينهم خوفسسا منهسسم ومسسداراة لهسسم ومداهنسسة‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 160 [ ‬‬

‫لدفع شسسرهم – فسسإنه كسسافر مثلهسسم ‪ ,‬وإن كسسان يكسسره دينهسسم ويبغضسسهم و يحسسب السسسلم‬
‫والمسلمين ‪ ,‬هذا إذا لم يقع منه إل ذلك‪ .‬فكيف إذا كان في دار منعة واسسستدعى بهسسم ‪,‬‬
‫ودخل في طاعتهم ‪ ,‬وأظهر الموافقة علسسى دينهسسم الباطسسل ‪ .‬وأعسسانهم عليسسه بالنصسسرة ‪,‬‬
‫ووالهم ‪ ,‬وقطع الموالة بينه وبين المسلمين ‪ ,‬فإن هذا ل شسسك مسسسلم أنسسه كسسافر مسسن‬
‫أشد الناس عداوة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم ول يستثنى من ذلك إل المكسسره ‪.‬‬
‫و قد أجمع العلماء على أن من تكلم بالكفر هازل فإنه يكفر ‪ ,‬فكيف بمن أظهسسر الكفسسر‬
‫خوفا وطمعا (‪ ....‬وساق الشيخ عشرين دليل على قسسوله منهسسا‪  :‬ولسن ترضسى عنسك‬
‫‪ ‬ول يزالون يقاتلونكم ‪) ‬البقسسرة‪:‬‬ ‫اليهود ول النصارى حتى تتبع ملتهم ‪) ‬البقرة‪(120:‬‬

‫‪.(217‬‬

‫‪‬ل يتخذ المؤمن الكافرين أولياء من دون المؤمنين ‪) ‬آل عمسسران‪  (28:‬وَقَد ْ ن َّز َ‬
‫ل‬
‫ُ‬ ‫ت الل ّهِ ي ُك ْ َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫معَهُ ْ‬ ‫دوا َ‬‫ست َهَْزأ ب َِها َفل ت َقْعُ ُ‬ ‫فُر ب َِها وَي ُ ْ‬ ‫م آَيا ِ‬ ‫معْت ُ ْ‬ ‫س ِ‬‫ن إ َِذا َ‬ ‫بأ ْ‬ ‫م ِفي ال ْك َِتا ِ‬ ‫ع َل َي ْك ُ ْ‬
‫م ‪) ‬النساء‪(140:‬‬ ‫مث ْل ُهُ ْ‬‫م ِإذا ً ِ‬ ‫ث غ َي ْرِهِ إ ِن ّك ُ ْ‬ ‫دي ٍ‬ ‫ح ِ‬ ‫ضوا ِفي َ‬ ‫خو ُ‬ ‫حّتى ي َ ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫مأ ْ‬ ‫سسهُ ْ‬
‫ف ُ‬ ‫ت ل َهُس ْ‬
‫م أن ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫مسسا َقسد ّ َ‬ ‫س َ‬‫فسُروا ل َب ِئ ْ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬‫ن اّلس ِ‬ ‫م ي َت َوَل ّوْ َ‬‫من ْهُ ْ‬‫‪ ‬ت ََرى ك َِثيرا ً ِ‬
‫مسسا‬ ‫ي وَ َ‬‫ن ِبالل ّهِ َوالن ِّبسس ّ‬‫مُنو َ‬ ‫كاُنوا ي ُؤ ْ ِ‬‫ن * وَل َوْ َ‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬‫م َ‬ ‫ب هُ ْ‬ ‫ذا ِ‬‫م وَِفي ال ْعَ َ‬ ‫ه ع َل َي ْهِ ْ‬‫ط الل ّ ُ‬ ‫خ َ‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أ ُن ْزِ َ‬
‫ن ‪) ‬المسسسائدة‪ .(81-80:‬الحسسديث‬ ‫قو َ‬ ‫سس ُ‬‫م َفا ِ‬ ‫من ْهُ س ْ‬‫ن ك َِثيسسرا ِ‬ ‫م أوْل َِياَء وَلك ِس ّ‬ ‫ذوهُ ْ‬ ‫خ ُ‬‫ما ات ّ َ‬ ‫ل إ ِلي ْهِ َ‬
‫( من جامع المشرك وسكن معه فهو مثله (‪ .‬قال الشيخ سليمان عبسسد اللسسه بسن‬
‫محمد بن عبد الوهاب إن السسذي يسسدعي السسسلم ويكسسون مسسع المشسسركين فسسي الجتمسساع‬
‫والنصرة والمنزل معهم يعده المشركين منهم فهسسو كسسافر مثلهسسم‪ ،‬إن ادعسسى السسسلم ‪,‬‬
‫كالناس الذين أقاموا في مكة و ادعوا السلم بعسسد الهجسسرة ‪ ,‬وخرجسسوا فسسي بسسدر فظسسن‬
‫بعض الصحابة إنهم مسلمون وقالوا‪ :‬قتلنا إخواننسسا ‪ ,‬فسسأنزل اللسسه تعسسالى‪ :‬إن السسذين‬
‫توفاهم الملئكة ظالمي أنفسهم‪) ‬النساء‪ ) .(67:‬من ظهرت منه علمات النفاق الدالسسة‬
‫عليه كارتداده عند التحزيب على المؤمنين وخذلنهم عند اجتماع العسسدو ‪ ,‬يجسسوز إطلق‬
‫اسم منافق عليه ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 161 [ ‬‬

‫إذن‪ ,‬وللشهادة لله نقول‪:‬‬


‫إن من أعظــم التلــبيس والظلــم والفــتراء علــى اللــه الكــذب‪ ..‬ومــن‬
‫أعظم تبديل آيات الله واتخاذها هــزوا‪ .‬ومــن بيــع الــدين بالــدنيا والشــراء‬
‫بآيات الله ثمنا قليل‪ ,‬أن يحاول المدلسون أن يصوروا هذا الــولء الكامــل‬
‫الحاصل من حكام المسلمين‪ ,‬وهــذا الحلــف المــتين القــائم بينهــم وبيــن‬
‫اليهود والنصارى‪ ,‬من أمريكان و أوروبيين وسواهم من الكفار علــى أنــه‬
‫قضية ضرورات ومصالح مشروعة‪ .‬أو حالت إكراه‪ ,‬بعــد أن تبــدى النفــاق‬
‫منهم‪ ,‬وتنوعت أشكال ولئهم للكفار‪ .‬بل بلغت أعلها‪ ,‬من القتال معهــم‬
‫والدفاع عنهم‪ .‬وبنصرتهم على المسلمين مهما كلف ذلك من خراب ديار‬
‫المسلمين‪ ,‬وزهق أنفسهم وسفك دمائهم وبيع أراضيهم ونهب ثرواتهم‪.‬‬
‫مما ل يمكن تسميته إل أنه خيانة وعمالة لهم وولء للكافرين وبــراء مــن‬
‫المؤمنين‪.‬‬
‫والحقيقة التي لغباش فيها‪ ,‬هي أن الــردة المتأتيــة عــن هــذا الــولء‬
‫للكفار‪ ,‬التي تلبس بها أكثر حكام المسلمين اليوم‪ ,‬وجروا إليها أنظمتهم‬
‫وحكومــاتهم‪ ,‬وجــروا إليهــا‪ ,‬جــودهم ورجــال أمنهــم والعــاملين فــي‬
‫حكوماتهم‪ .‬هي من أوضح وجوه كفرهم ونفاقهم‪.‬‬
‫وهي بالضافة لمــا تلبســوا بــه مــن الكفــر الصــريح لتبــديلهم شــرائع‬
‫السلم واســتبدالها بشــرائع الكفــر والطــاغوت‪ ,‬مــن فلســفات وشــرائع‬
‫أعداء هذا الدين‪ ,‬الــذين والــوهم‪ .‬تكـون شـاهدين يــدمغان هــؤلء الحكــام‬
‫بالردة والكفر والخروج من ملة السلم‪.‬‬
‫ول يدفع هذا الحكم عنهم تدليس المدلسين الذين نصبوا من أنفسهم‬
‫خصيما ‪.‬‬
‫ً‬ ‫خصماء عن هؤلء الخونة رغم قوله تعالى‪  :‬ول تكن للخائنين‬
‫فقد قال تعالى‪  :‬إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك‬
‫خصيما ‪ ‬إلى قوله تعالى‪  :‬ها أنتم جادلتم عنهسسم فسسي‬ ‫ً‬ ‫الله ول تكن للخائنين‬
‫الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم كفيل ‪( ‬النساء‬

‫‪.(109-105‬‬

‫فسبحان الله! ‪ ‬أفل يتسسدبرون القسسرآن أم علسسى قلسسوب أقفالهسسا ‪ ‬؟ وما‬
‫أظنها إل الثنتين معًا‪..‬‬
‫قلوب مقفلة ولتتدبر القرآن ‪ .‬بسبب ما ران علـى تلـك القلـوب مـن‬
‫السحت وأكل أموال السلطين‪ .‬مصداقا ً لقـوله صـلى اللـه عليـه وسـلم‪:‬‬
‫(من أتى أبواب السلطين افتتن‪ .‬وما زاد عبسسد مسسن السسسلطان قربسسا إل ازداد مسسن‬
‫الله بعدا ً(‬
‫أبعدهم الله ‪..‬‬
‫*************‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 162 [ ‬‬

‫ثالثا ‪ :‬الخروج على الحاكم إن ارتد عن السلم أو كان كافرا واجب على‬
‫المســــــــــــــــــــــــــــــــــلمين بالجمــــــــــــــــــــــــــــــــــاع‪:‬‬
‫مــاذا يــترتب شــرعا علــى كفــر الحــاكم للمســلمين أو ردتــه عــن‬
‫السلم‪..‬؟ ‪:‬‬
‫كما ذكرنا آنفا‪ ,‬فان كافة مصائب المسلمين وما نزل بهم من كوارث داخلية مردها‬
‫في الحقيقة إلى غياب شرع الله عنهم‪ ,‬وحكمهم بغير مسسا أنسسزل اللسسه‪ ,‬وكفسسر حكسسامهم‪,‬‬
‫جن ّسسة( يقاتسسل مسسن ورائه ويسسدفع بسسه‬
‫وولئهم للكفار‪ .‬فالصسسل فسسى الشسسريعة أن ) المسسام ُ‬
‫العدوان‪ ,‬ويقوم به العدل والقسط‪ ,‬وتقضى به الحقوق‪ ,‬فتتسسوازن المسسة داخليسسا‪ ,‬وتسسدفع‬
‫عدوها خارجيا‪ .‬وبقدر فساد الحاكم تفسد أحوال الرعية‪ ,‬والعلماء هسسم ضسسابط الحكسسام‪.‬‬
‫وبقدر فسادهم يفسد الحكام‪ .‬فكما جاء في الثر ‪ ) :‬صنفان من الناس إذا صــلحا‬
‫صلح الناس‪ ,‬وإذا فسدا فسد الناس‪ ,‬العلماء والمــراء (‪ .‬والحقيقسسة أن بحسسث‬
‫مسألة إسلم حكامنا أو كفرهم وردتهم‪ ,‬بعدما آلت الحسسوال إلسسى مسسا نسسراه اليسسوم‪ ,‬هسسي‬
‫مسألة فى غاية العظمة والخطورة‪.‬لنها بوابة البحث عسسن مخسسرج لمشسساكل المسسسلمين‬
‫اليوم‪ .‬فهي مسألة ديننا ودنيانا‪ .‬وبالختصار‪ .‬فسسإن الحكسسم الشسسرعي بإسسسلم الحسساكم‪ ,‬أو‬
‫كفر الحاكم‪ ,‬يترتب عليه من اللوازم والنتائج‪ ,‬أحد فقهين متناقضين تمامًا‪.‬‬
‫وقبل الخوض في مترتبات إسلم الحاكم أو كفره‪ ,‬نذكر بأمر هام جدا‪ ,‬وهو مفصل‬
‫الهدى والضلل في هذه المسألة‪ ,‬هسسذا المسسر هسسو‪ :‬أن إسسسلم الحسساكم أو كفسسره مرتبسسط‬
‫تماما بقضية حكمه بالشريعة التي يحكم بها‪ ,‬بمعنى‪:‬‬
‫‪ .‬إذا كان الحكم لله‪ ,‬والشريعة قائمة‪ ,‬فالحاكم مسلم‪,‬‬ ‫•‬
‫ما لم ينقض إسلمه‪.‬‬
‫‪ .‬وإذا كان الحاكم مسلما‪ ,‬فمن لوازم ذلك أن يحكم‬ ‫•‬
‫بما أنزل الله‪.‬‬
‫فليس هناك حكم بما أنزل الله إن كان الحاكم كافرًا‪ ,‬ول يكون الحسساكم مسسسلما ً إذا‬
‫حاكم مسلم = حكم بما أنزل‬ ‫حكم بغير ما أنزل الله‪ .‬فهما مترادفتان‪:‬‬
‫الله ‪.‬‬
‫حكم بغير ما أنزل الله = حاكم كافر‪.‬‬ ‫وعكسها بعكسها ‪:‬‬
‫وهذا أوضحناه في الفقرة السالفة‪ ,‬عندما تكلمنا عن الحاكمية والولء‪.‬‬

‫من لوازم ونتائج كون الحسساكم مسسسلما يحكسسم بشسسريعة اللسسه ويسسوالي المسسؤمنين ويعسسادي‬
‫الكافرين‪:‬‬
‫وجوب السمع والطاعة له في كل ما يأمر به‪ ,‬مسسا لسم يكسن معصسسية‪ ,‬فسي المنشسط‬
‫َ‬
‫من ُسسوا‬
‫نآ َ‬ ‫والمكره‪ ,‬والصبر على الثرة‪ ,‬وأن ل ينازعه أمره قال تعالى‪َ  :‬يا أي ّهَسسا ال ّس ِ‬
‫ذي َ‬
‫َ‬ ‫أ َطيعوا الل ّه وأ َطيعوا الرسو َ ُ‬
‫من ْك ُ ْ‬
‫م‪) ‬النساء‪ :‬من الية ‪.(59‬‬ ‫ل وَأوِلي اْل ْ‬
‫مر ِ ِ‬ ‫ّ ُ‬ ‫َ َ ِ ُ‬ ‫ِ ُ‬
‫وجوب احسسترام المسسسلمين لعهسسوده‪ ,‬وعقسسوده ومعاهسسداته واتفاقسساته وأمسسانه وذمتسسه‪,‬‬
‫مادامت فى حدود الشريعة‪.‬‬
‫وجوب النفير معه إن اسسستنفر المسسسلمين للجهسساد فسسى سسسبيل اللسسه‪ ,‬ضسسد الكفسسار او‬
‫المرتدين‪ ,‬أو البغاة أو المفسدين فى الرض‪.‬‬
‫وجوب نصيحته‪ ,‬والتعاون معه على البر والتقوى والمعروف قدر الستطاعة‪ ,‬وعدم‬
‫الفتئات عليه ما لم يفرط بالمر بالمعروف والنهى عن المنكر‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 163 [ ‬‬

‫وجوب الصبر عليه‪ ,‬وطاعته‪ ,‬وإن أخذ مالك‪ ,‬وجلد ظهرك‪ ,‬وإن تلبس بالفسق فسسى‬
‫نفسه‪ ,‬والجور في حكمه‪ .‬ما لم يتلبس بكفر فيسسه مسسن اللسسه برهسسان‪ .‬والحسساديث الدالسسة‬
‫على هذه المور كثيرة‪.‬‬
‫هذا كله مادام الحاكم مسلما لم يتلبس بناقض من نواقض اليمان‪ ,‬أو كفر فيه من‬
‫الله برهان كما في الحديث الصحيح المتفق عليه‪ ,‬عن عبادة بسسن الصسسامت رضسسي اللسسه‬
‫عنه قال‪ ]:‬دعانا رسول صلى اللــه عليــه وســلم فبايعنــاه فكــان ممــا أخــذ‬
‫علينا‪ :‬أن بايعنا علــى الســمع والطاعــة فــى منشــطنا ومكرهنــا وعســرنا‬
‫ويسرنا وأثرة علينا وأل ننازع المر أهله‪ ,‬قال صلى الله عليه وسلم ( إل‬
‫أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان( [ وهذه رواية مسلم‪.‬‬

‫وجوب جهاد الحاكم الكافر أو المرتد‪:‬‬


‫نقل المام النووي في شرحه لصحيح مسلم عند شرح هسذا الحسديث عسن القاضسي‬
‫عياض الجماع على الخروج على الحاكم إن كفسسر‪ .‬فقسسال ‪] :‬قال القاضــي عيــاض‪:‬‬
‫أجمع العلماء على أن المامة ل تنعقــد لكــافر‪ .‬وعلــى أنــه لــو طــرأ عليــه‬
‫الكفر انعزل‪ .‬وقال وكــذا لــو تــرك إقامــة الصــلوات والــدعاء إليهــا‪ .‬قــال‬
‫القاضي عياض‪ :‬فلو طرأ عليه كفر وتغيير للشرع أو بدعة‪ ,‬خرج عن حكم‬
‫الوليــة وســقطت طــاعته ووجــب علــى المســلمين القيــام عليــه وخلعــه‬
‫ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك‪ .‬فــإن لــم يقــع ذلــك إل لطائفــة وجــب‬
‫عليهم القيام بخلع الكافر ول يجب فى المبتدع إل إذا ظنوا القدرة عليــه‬
‫فإن تحقق العجز لم يجب القيام ويهاجر المسلم عن أرضه ويفــر بــدينه[‬
‫)صحيح مسلم بشرح النووي ج ‪-12‬ص ‪(229‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري شرح صحيح البخاري ‪ ( :‬إنه ‪-‬أي المــام‪-‬‬
‫ينعزل بالكفر إجماعا فيجب على كل مسلم القيام فــي ذلــك فمــن قــوي‬
‫على ذلك فله الثواب‪ ,‬ومن داهــن فعليــه الثــم‪ ,‬ومــن عجــز وجبــت عليــه‬
‫الهجرة من تلك الرض (ج ‪13‬ص ‪.154‬‬
‫قال أبو يعلى‪ ) :‬إن حدث منه ما يقـدح فـي دينـه نظـرت فـإن كفـر بعـد‬
‫إيمانه فقد خرج عن المامــة وهــذا ل إشــكال فيــه لنــه خــرج عــن الملــة‬
‫ووجب قتله(‪.‬‬
‫قال الستاذ عبد القادر عودة رحمه الله في كتابه) السلم بين جهسسل أبنسسائه وعجسسز‬
‫علمائه ( ‪) :‬وأن إباحة المجمع على تحريمه كالزنا والسكر واستباحة إبطال‬
‫الحدود وتعطيل أحكام الشريعة وشرع ما لم يأذن به اللــه إنمــا هــو كفــر‬
‫وردة وأن الخروج على الحاكم المســلم إذا ارتــد واجــب علــى المســلمين‬
‫وأقل درجات الخروج على أولــي المــر هــو عصــيان أوامرهــم ونــواهيهم‬
‫المخالفة للشريعة(‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 164 [ ‬‬

‫وقد استنبط العلماء والمفسرون من قوله تعالى لسيدنا إبراهيسسم صسسلى اللسسه عليسسه‬
‫مام سا ً‬ ‫ع ل ُس َ‬ ‫َ‬
‫س إِ َ‬‫ك ِللن ّسسا ِ‬ ‫جا ِ‬ ‫ن َقا َ‬
‫ل إ ِّني َ‬ ‫ت فَأت َ ّ‬
‫مه ُ ّ‬ ‫ما ٍ‬‫ه ب ِك َل ِ َ‬‫م َرب ّ ُ‬ ‫وسلم ‪  :‬وَإ ِذ ِ اب ْت ََلى إ ِب َْرا ِ‬
‫هي َ‬
‫ن ‪) ‬البقرة‪. (124:‬‬ ‫مي َ‬ ‫دي ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫ل ع َهْ ِ‬ ‫ل ل ي ََنا ُ‬ ‫ن ذ ُّري ِّتي َقا َ‬ ‫م ْ‬ ‫َقا َ‬
‫ل وَ ِ‬
‫أن المامة ل تنعقد لكافر بل ول لفاسسسق أو ظسسالم ابتسسداء‪ .‬وكسسذلك اسسستنبطوا مسسن‬
‫سسِبيل ً ‪) ‬النسسساء‪ :‬مسسن اليسسة ‪.(141‬‬‫ن َ‬ ‫ن ع ََلى ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ري َ‬‫كافِ ِ‬ ‫ه ل ِل ْ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬‫جعَ َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫قوله تعالى‪ :‬وَل َ ْ‬
‫أي ل يجعل الله للكافرين على المؤمنين سلطة وقهرا وتحكمسسا‪ .‬ومسسن أعظسسم السسسلطة‬
‫ولية الحاكم‪ ,‬فهي المامة العظمى‪ ,‬وأعظم سبيل للطاعة والقهر بل لقد منسع العلمساء‬
‫بيع الرقيق المسلم لكافر‪ ,‬وكذلك منعوا المناصب والوليات التي يكسسون فيهسسا المسسسلم‬
‫تحت الكافر‪ ,‬ومن هذا السسوجه حسسرم زواج المسسسلمة بالكسسافر‪ ,‬لن وليسسة السسبيت للسسزوج‪.‬‬
‫وستكون المسلمة في أمر كافر‪ .‬في حين أبسساح العكسسس‪ .‬فالخلصسسة كمسسا نقسسل النسسووي‬
‫الجماع على بطلن ولية الحاكم الكافر أو من ارتد وطرأ عليه الكفر ووجوب الخسسروج‬
‫عليه وخلعه‪.‬‬
‫جاء في كتاب المامة العظمى عند أهسسل السسسنة )تسسأليف عبسسد اللسسه السسدميجي( فسسي‬
‫الفصل الثالث تحت عنوان )عزل المام والخروج على الئمسسة( ص ‪ 465‬مسسا ننقسسل منسسه‬
‫باختصار مايلي‪:‬‬
‫]من المتفق عليه بين العلماء أن المام ما دام قائما بواجباته الملقسساة علسسى عسساتقه‬
‫في تدبير شؤون رعيته‪ ,‬عادل بينهم فل يجوز عزله ول الخروج عليه‪ ,‬بل ذلك ممسسا حسسذر‬
‫منه السلم وتوعد الغادر بعذاب أليم‪ .‬لكن هنسساك أمسسورا ً عظيمسسة لهسسا تسسأثير علسسى حيسساة‬
‫المسلمين الدينية والدنيوية منها ما يؤدي إلى ضرورة عزل المام المرتكب لهسسا‪ .‬وهسسذه‬
‫المور منها ما هو متفق عليه بين العلماء ومنهسسا مسسا هسسو مختلسسف فيسسه‪ .‬والن نسسستعرض‬
‫هذه السباب لنرى آراء العلماء فيها‪:‬‬

‫الول ‪ :‬الكفر والردة بعد السلم‪:‬‬


‫أول المور وأعظم السباب الموجبة لعزل الوالي هو السسردة والكفسسر بعسسد اليمسسان‪,‬‬
‫فإذا ما ارتكب المام جرما ً عظيما ً يؤدي إلى الكفر و الرتسسداد عسسن السسدين فسسإنه ينعسسزل‬
‫بذلك ول يكون له ولية على مسلم بحال‪.‬‬
‫بيل ً ‪ ‬النسسساء ‪.141‬‬
‫س ِ‬
‫ن َ‬ ‫ن ع ََلى ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ري َ‬ ‫ه ل ِل ْ َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫جعَ َ‬ ‫قال تعالى‪ :  :‬وَل َ ْ‬
‫ن يَ ْ‬
‫وأي سبيل أعظم من سبيل المامة؟ وفى الحديث الذي رواه عبادة بن الصامت رضي‬
‫الله عنه قال‪ ) :‬بايعنا – أي رسول الله صلى الله عليسه وسسلم علسى السسمع والطاعسة‬
‫في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثره علينا وأل ننازع المر أهله إل أن تروا كفرا‬
‫بواحا عندكم من الله فيه برهان ( متفق عليه‪ .‬قال الخطابي‪) :‬معنى – بواحا ً – يريد ظسساهرا ً‬
‫)باديا( )وعندكم من الله برهان( قال الحافظ بن حجر فسسي شسسرح البخسساري ) أي نقسسص‬
‫آية وخبر صسسحيح ل يحتمسسل‪ (...‬التأويسسل( وقسسال النسسووي فسسي شسسرحه لمسسسلم ‪ ) :‬المسسراد‬
‫بالكفر هنا المعصية‪ ,‬ومعنى الحسسديث ل تنسسازعوا ولة المسسور فسسي وليتهسسم ول تعترضسسوا‬
‫عليهم إل أن تروا منهم منكرا محققا تعلمونه من قواعد السسسلم (‪ .‬ومسسن مفهسسوم هسسذا‬
‫الحديث أنه ل يشترط أن يعلسن هسذا الحساكم السردة عسن السسلم أو الكفسر‪ ,‬بسل يكفسى‬
‫إظهاره لبعض المظاهر الموجبة للكفسسر‪ .‬قسسال الشسسيخ أنسسور شسساه كشسسميري فسسي كتسساب‬
‫)إكفار الملحدين( ص ‪ 22‬في نسخة )المجلس العلمي في كراتشسسي (‪):‬ودل – أي هسسذا‬
‫الحديث‪ -‬أيضا ً على أن أهل القبلة يجوز تكفيرهم وإن لم يخرجوا عن القبلسسة‪ ,‬وأنسسه قسسد‬
‫يلزم الكفر بل التزام وبدون أن يريد تبديل الملة‪ ,‬و إل لم يحتج الرائي إلى برهان(‪.‬‬
‫فظاهر الحدث أن من طرأ عليه الكفر فإنه يجب عزله وهذا أهسسون مسسا يجسسب علسى‬
‫المة نحوه‪ ,‬إذ الواجب أن يقاتل ويباح دمه بسبب ردته لقسسوله صسلى اللسسه عليسسه وسسلم‬
‫)مسسن بسسدل دينسسه فقتلسسوه(‪ -.‬ثسسم نقسسل السسدميجي كلم القاضسسي عيسساض وكلم ابسسن حجسسر‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 165 [ ‬‬

‫والقاضي أبو يعلى الذي أسلفناه‪ -‬ثم قال‪ :‬قال السفاقسي‪ ) :‬أجمعوا على أن الخليفسسة‬
‫إذا دعي إلى كفر أو بدعة يثار عليه ( إرشاد الساري بشرح صحيح البخاري‪ .‬ج ‪ 10‬ص ‪.217‬‬

‫الثاني‪ :‬ترك الصلة والدعوة إليها‪.(...( .‬‬

‫الثالث‪ :‬ترك الحكم بما أنزل الله ‪:‬‬


‫والسسذي يسسدل علسسى أن هسسذا السسسبب مسسوجب لعسسزل المسسام بجميسسع صسسوره المكفسسرة‬
‫والمفسقة هو ورودها مطلقة فى الحاديث النبوية الصحيحة التية‪:‬‬
‫عن أنس بن مالك رضي اللسه عنسه أن رسسول اللسه صسلى اللسه عليسه وسسلم قسال‪:‬‬
‫( إسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كــأن رأســه زبيبــة مــا‬
‫أقام فيكم كتاب الله ( رواه البخاري‪.‬‬
‫عن أم الحصين الحمسية رضي الله عنها قالت‪ ) :‬حججت مسسع رسسسول اللسسه صسسلى‬
‫الله عليه وسلم حجة الوداع‪...‬إلى أن قالت ثم سمعته يقسسول ) إن أمر عليكــم عبــد‬
‫مجدع – حسبتها قالت أسود – يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعــوا (‬
‫وفى رواية الترمذي والنسائي سمعته يقول ) يا أيها الناس اتقــوا اللــه وإن أمــر‬
‫عليكم عبد حبشي مجدع فاسمعوا له وأطيعوا ما أقام فيكم كتاب الله (‪.‬‬

‫فهذه الحاديث واضحة الدللة على أنه يشسسترط للسسسمع والطاعسسة أن يقسسود المسسام‬
‫رعيته بكتاب الله‪ ,‬أما إذا لم يحكم فيهم شسسرع اللسسه فهسسذا ل سسسمع لسسه ول طاعسسة وهسسذا‬
‫يقتضي عزله‪ ,‬وهذا في صور الحكم بغير ما أنسسزل اللسسه المفسسسقة‪ ,‬أمسسا المكفسسرة فهسسي‬
‫توجب عزله ولو بالمقاتلة كما سبق بيانه في السبب الول‪ .‬والله أعلم [‪.‬أهس‪.‬‬

‫وقد وقفت على كلم في غاية الهمية كشاهد معاصر في موضــوعنا‬


‫هذا‪:‬‬
‫فقد جاء في كتاب ) تكملة فتح الملِهم – في شرح صحيح مسلم ( لشيخ السلم‬
‫في باكستان ) الشيخ محمد تقي العثماني ( ‪ :‬عند شرح هذا الحديث الشريف ‪:‬‬
‫] عن جنادة بن أبي أمية ‪ ,‬قال‪ :‬دخلنا على عبــادة بــن الصــامت وهــو‬
‫مريض فقلنا ‪ :‬حدثنا أصلحك الله بحديث ينفع الله به سمعته مــن رســول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬فقــال ‪ :‬دعانــا رســول اللــه صــلى اللــه عليــه‬
‫وسلم فبايعناه ‪ ,‬فكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في‬
‫منشطنا ومكرهنا ‪ ,‬وعسرنا ويسرنا‪ ,‬وأثرة علينا ‪ ,‬وأن ل ننازع المر أهله‬
‫‪ .‬قال ‪ :‬إل أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان‪.‬‬
‫( قال الشيخ تقي عثماني (‪ ] :‬قوله‪ " :‬وأن ل ننازع المــر أهلــه" أي ل‬
‫ننازع المير في إمارته ‪ ,‬وزاد أحمد من طريق عمير بن هسسانئ عسسن جنسسادة‪ ) :‬وإن‬
‫رأيت أن لك في المر حقا فل تعمل بذلك الظن ‪ ,‬بل اسمع وأطــع ‪ ,‬إلــى‬
‫أن يصل إليك بغير خروج عن الطاعة ( وزاد في رواية حبان أبي النضر عند ابسسن‬
‫حبان وأحمد‪ ) :‬وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك( كما في فتح الباري )‪.(13/8‬‬
‫قوله‪ ) :‬إل أن تروا كفرا بواحا ( بفتح الباء الواو ‪ ,‬يعني ظاهرا باديا ‪ ,‬من‬
‫قولهم‪ :‬باح بالشيء يبوح به بوحا و بواحا‪ :‬إذا أذعه وأظهره ‪ ,‬و وقع في بعض‬
‫الروايات‪ " :‬براحا" بالراء بدل الواو ‪ ,‬وهو قريب من هذا المعنى ‪ ,‬وأصل البراح‪:‬‬
‫الرض القفراء التي ل أنيس فيها ول بناء ‪ ,‬وقيل ‪ :‬البراح‪ :‬البيان ‪ ,‬يقال برح الخفاء إذا‬
‫ظهر ‪ .‬ووقع عند الطبراني في الحديث‪ " :‬كفرا صراحا " بصاد مضمومة ثم راء ‪ .‬هذا‬
‫ملخص ما في فتح الباري )‪.(13/8‬‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 166 [ ‬‬

‫مسألة الخروج على أئمة الجور‪:‬‬


‫وبهذا الحديث استدل جمهور العلماء على أنه ل يجوز الخروج على السلطان‬
‫الجائر أو الفاسق إل أن يظهر منه كفر صريح ‪ .‬قال الحافظ في الفتح )‪ ) (13/7‬قال‬
‫ابن بطال‪ :‬في الحديث حجة في ترك الخروج على السلطان ولو جار ‪ .‬وقد أجمع‬
‫الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه ‪ ,‬وأن طاعته خير من‬
‫الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء ‪ ,‬وحجتهم هذا الخبر‬
‫وغيره مما يساعده‪ ,‬ولم يستثنوا من ذلك إل إذا وقع من السلطان الكفر‬
‫الصريح ‪ ,‬فل تجوز طاعته في ذلك ‪ ,‬بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها (‪.‬‬
‫وربما يفهم منه بعض الناس أن المام الجائر ل يجوز الخروج عليه في حال من‬
‫الحوال مادام متسميا باسم السلم ‪ .‬وليس المر على هذا الطلق ‪ ,‬ولسيما على‬
‫مذهب المام أبي حنيفة رحمه الله تعالى ‪.‬‬
‫يقول المام أبو بكر الجصاص رحمه الله في أحكام القرآن )‪ (1/70‬تحت قوله‬
‫تعالى ‪  :‬ول ينال عهدي الظالمين ‪ ‬وكان مذهبه ) يعني أبا حنيفة ( مشهورا‬
‫في قتال الظلمة ‪ ,‬وأئمة الجور ‪ ,‬ولذلك قال الوزاعي‪ " :‬احتملنا أبا حنيفة على كل‬
‫شيء حتى جاءنا بالسيف " يعني قتال الظلمة ‪ ,‬فلم نحتمله ‪ ....‬وقضيته في أمر زيد‬
‫بن على مشهورة ‪ ,‬وفي حمله المال إليه ‪ ,‬وفتياه الناس سرا في وجوب نصرته‬
‫والقتال معه ‪ ,‬وكذلك أمره مع محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن حسن (‪.‬‬
‫أما الذي أشار إليه الجصاص من قضية زيد بن علي ‪ ,‬فما ذكره أصحاب التواريخ‬
‫أن زيد بن علي لما خرج على بني أمية أيده المام أبو حنيفة بماله ‪ ,‬وقد أخرج‬
‫الموفق بسنده‪ ) :‬كان زيد بن علي أرسل إلى أبي حنيفة يدعوه إلى نفسه ‪ ,‬فقال أبو‬
‫حنيفة لرسوله‪ :‬لو عرفت أن الناس ل يخذلونه ويقومون معه قيام صدق ‪ ,‬لكنت أتبعه‬
‫وأجاهد معه من خالفه ‪ ,‬لنه إمام حق ‪ ,‬ولكني أخاف أن يخذلوه كما خذلوا أباه ‪,‬‬
‫لكني أعينه بمالي فيتقوى به على من خالفه ‪ ,‬وقال لرسوله ‪ ) :‬ابسط عذري عنده ‪,‬‬
‫وبعث إليه بعشرة آلف درهم ( ‪ .‬ثم قال الموفق ) وفي غير هذه الرواية اعتذر بمرض‬
‫يعتريه في اليام حتى تخلف عنه ‪ ,‬وفي رواية أخرى ‪ :‬سئل عن الجهاد معه ‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫خروجه يضاهي خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر ‪ ,‬فقيل‬
‫له‪ :‬فلم تخلفت عنه ؟ قال‪ :‬لجل ودائع كانت عندي للناس عرضتها على ابن أبي ليلى‬
‫‪ ,‬فما قبلها ‪ ,‬فخفت أن أقتل مجهل للودائع ‪ ,‬وكان يبكي كلما ذكر مقتله ( راجع‬
‫مناقب المام العظم للموفق المكي)‪ 1/260‬و ‪.(261‬‬
‫وأما قصته مع محمد النفس الزكية وأخيه إبراهيم بن عبد الله ‪ ,‬فإنهما خرجا على‬
‫المنصور ‪ ,‬وذكر المكي في المناقب )‪ (2/84‬أن أبا حنيفة كان يحض الناس على‬
‫إبراهيم ويأمرهم بإتباعه ‪ ,‬وذكر قبل ذلك أنه كان يفضل الغزوة معه على‬
‫خمسين حجة ‪ ,‬وذكر الكردي في مناقبه )‪ (2/22‬أن المام أبا حنيفة منع الحسن بن‬
‫قحطبة أحد قواد المنصور من الخروج إلى إبراهيم بن عبد الله ‪ ,‬ويقال‪ :‬إن المنصور‬
‫سم أبا حنيفة من أجل هذا ‪ ,‬حتى توفى رحمه الله ‪.‬‬
‫وكذلك قصة سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنه مع يزيد بن معاوية معروفة ‪,‬‬
‫وخرجت جماعة من المتقين على الحجاج بن يوسف ‪.‬‬
‫فالذي يظهر لهذا العبد الضعيف عفا الله عنه بعد مراجعة النصوص‬
‫الشرعية وكلم الفقهاء والمحدثين في هذا الباب – والله أعلم – أن‬
‫فسق المام على قسمين‪:‬‬
‫• الول ما كان مقتصرا على نفسه ‪ ,‬فهذا ل يبيح الخروج عليه ‪,‬‬
‫وعليه يحمل قول من قال ‪ :‬إن المام الفاسق أو الجائر ل يجوز‬
‫الخروج عليه ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 167 [ ‬‬

‫• والثاني‪ :‬ما كان متعديا وذلك بترويج مظاهر الكفر ‪ ,‬و إقامة‬
‫شعائره ‪ ,‬وتحكيم قوانينه ‪ ,‬واستخفاف أحكام الدين ‪ ,‬والمتناع‬
‫من تحكيم شرع الله مع القدرة على ذلك لستقباحه ‪ ,‬وتفضيل‬
‫شرع غيرالله عليه ‪ .‬فهذا ما يلحق بالكفر البواح ‪ .‬ويجوز حينئذ‬
‫الخروج بشروطه‪.‬‬
‫وأحسن ما رأيت في هذا الموضوع كلم نفيس لشيخ مشايخنا حكيم المة أشرف‬
‫علي التهانوي رحمه الله رسالته " جزل الكلم في عزل المام " وإنما مطبوعة في‬
‫المجلد الخامس من إمداد الفتاوى )ص ‪ 119‬إلى ‪.(131‬‬
‫وإن خلصة ما ذكره رحمه الله في تلك الرسالة أن المور المخلة بالمامة على‬
‫سبعة أقسام‪:‬‬
‫القسم الول‪ :‬أن يعزل المام نفسه بل سبب ‪ ,‬وهذا فيه خلف ‪ ,‬كما في شرح‬
‫المقاصد )‪.(2/282‬‬
‫والقسم الثاني‪ :‬أن يطرأ عليه ما يمنعه من أداء وظائف المامة ‪ ,‬كالجنون ‪ ,‬أو‬
‫العمى ‪ ,‬أو الصمم أو البكم ‪ ,‬أي صيرورته أسيرا ل يرجى خلصه ‪ ,‬وهذا‬
‫ما ينحل به عقد المامة ‪ ,‬فينعزل المام في هذه الصور جميعا‪.‬‬
‫والقسم الثالث‪ :‬أن يطرأ عليه الكفر ‪ ,‬سواء كان كفر تكذيب وجحود ‪ ,‬أو‬
‫كفر عناد ومخالفة ‪ ,‬أو كفر استخفاف أو استقباح لمور‬
‫الدين ‪ .‬وفي هذه الصورة ينعزل المام ‪ ,‬وينحل عقد‬
‫المامة ‪ ,‬فإن أصر على بقائه إماما ‪ ,‬وجب على المسلمين‬
‫عزله بشرط القدرة ولكن يشترط في ذلك أن يكون الكفر‬
‫متفقا عليه ‪ ,‬بدليل قوله عليه السلم ) في حديث الباب( ‪ " :‬إل أن‬
‫تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان " وكما يشترط قطعية‬
‫الكفر ‪ ,‬يشترط أيضا أن يكون صدوره منه قطعيا كرؤية العين ‪ ,‬ول‬
‫يكتفى في ذلك بالروايات الظنية ‪ ,‬بدليل قوله عليه السلم‪ " :‬إل أن تروا‬
‫" المراد به رؤية العين بدليل تعديته إلى مفعول واحد‪ .‬ثم قد تختلف‬
‫الراء في كون الصادر من السلطان كفرا ‪ ,‬أو في دللته على الكفر ‪ ,‬أو‬
‫في ثبوته بالقرائن الحالية و المقالية‪ ,‬أو في قطعية الكفر الصادر منه ‪.‬‬
‫فكل من عمل عند وقوع مثل هذا الخلف برأيه الذي يراه فيما بينه وبين‬
‫الله يعتبر مجتهدا معذورا ‪ ,‬فل يجوز تفويق سهام الملمة إليه‪ .‬على أن‬
‫وجوب الخروج في هذه الصورة مشروط بشرط القدرة ‪ ,‬وبأن لتحدث‬
‫به مضرة أكبر من مضرة بقاء مثل هذا المام ‪ .‬يقول الشريف الجرجاني‬
‫في شرح المواقف )‪ ) : (8/353‬وللمة خلع المام وعزله بسبب‬
‫يوجبه ‪ ,‬مثل أن يوجد منه ما يوجب اختلل أحوال‬
‫المسلمين ‪ ,‬وانتكاس أمور الدين ‪ .... ,‬وإن أدى خلعه إلى‬
‫فتنة احتمل أدنى المضرتين (‪ .‬فيمكن أيضا أن يقع الخلف في‬
‫تعيين أدنى المضرتين ‪ ,‬فكل يعمل بما يراه فيما بينه وبين الله ‪ .‬فل‬
‫يجوز لواحد أن يلوم الخر ‪ .‬وعلى مثل هذه المور الجتهادية يحمل‬
‫اختلف الصحابة والتابعين ومن بعدهم في الخروج على بعض الئمة في‬
‫زمنهم ‪.‬‬
‫القسم رابع‪ :‬أن يرتكب السلطان فسقا مقتصرا على نفسه ‪ ,‬كالزنا ‪ ,‬وشرب‬
‫الخمر وما إلى ذلك ‪ .‬وحكمه أنه ل ينعزل به بنفسه ‪ ,‬ولكنه يستحق‬
‫العزل ‪ ,‬فعلى المة أن تعزله إل أن تترتب على العزل فتنة ‪ .‬قال في‬
‫الدر المختار ‪ ,‬باب المامة ) يكره تقليد الفاسق ويعزل به إل لفتنة (‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 168 [ ‬‬

‫وقال ابن عابدين تحته‪ ) :‬قوله‪ :‬ويعزل به ‪ ,‬أي بالفسق لو طرأ على ‪,‬‬
‫المراد أنه يستحق العزل كما علمت آنفا ‪ ,‬ولذا لم يقل ينعزل ( ‪ .‬وقال‬
‫ابن الهمام في المسايرة‪ ) :‬وإذا قلد عدل ثم جار وفسق ل ينعزل‪ ,‬وإن‬
‫لم يستلزم‪ ,‬ولكن يستحق العزل‪ ,‬وإن لم يستلزم فتنة( و حاصله أنه ل‬
‫يجوز الخروج عليه في هذه الصورة بما فيه سفك الدماء وإثارة الفتنة‬
‫)‪(...‬‬
‫والقسم الخامس‪ :‬أن يرتكب فسقا يتعدى أثره إلى أموال غيره ‪ ,‬بأن يظلم الناس‬
‫في أموالهم ‪ ,‬ولكن يتأول في ذلك بما فيه شبهة الجواز ‪ ,‬مثل‬
‫أن يحمل الناس الجبايات متأول فيها بمصالح العامة ‪ .‬وحكمه أنه ل‬
‫ينعزل به ‪ ,‬وتجب إطاعته ‪ ,‬ول يجوز به الخروج عليه ‪ .‬كما سيأتي في‬
‫عبارة ابن عابدين‪.‬‬
‫والقسم السادس‪ :‬أن يظلم الناس أموالهم ‪ ,‬وليس له في ذلك تأويل ‪,‬‬
‫ول شبهة جواز ‪ .‬وحكمه أنه يجوز للمظلوم أن يدفع عنه‬
‫الظلم ‪ ,‬ولو بقتال ويجوز الصبر أيضا بل يؤجر عليه ‪ ,‬وأن‬
‫هذا القتال ليس للخروج عليه ‪ ,‬بل للدفاع عن المال ‪ ,‬فلو‬
‫أمسك المام عن الظلم وجب المساك عن القتال ‪ .‬قال ابن‬
‫عابدين ناقل عن فتح القدير‪ ) :‬ويجب على كل من أطاق الدفع أن يقاتل‬
‫مع المام إل إن أبدوا ما يجوز لهم القتال ‪ ,‬كأن ظلمهم ‪ ,‬أو ظلم غيرهم‬
‫ظلما ل شبهة فيه‪ .... ,‬بخلف ما إذا كان الحال مشتبها أنه ظلم ‪ ,‬مثل‬
‫تحميل بعض الجبايات التي للمام أخذها وإلحاق الضرر بها لدفع ضرر‬
‫أعم منه(‪ .‬وهذا حكم المظلوم الذي يقاتل دفعا للظلم عن‬
‫نفسه ‪ .‬أما غيره فهل يجوز له أن ينصر هذا المظلوم ضد‬
‫المام ؟ اختلفت فيه عبارات القوم ‪ ,‬فذكر في فتح القدير‬
‫أنه يجب على غير الظلوم أن يعين هذا المظلم و المقاتل‬
‫حتى ينصفه المام ويرجع عن جوره ‪ ,‬وذكر في جامع‬
‫الفصولين والمبتغي والسراج أنه ل ينبغي للناس معاونة‬
‫السلطان ول معاونتهم ‪ .‬ووفق ابن عابدين بين القولين بأن‬
‫وجوب إعانتهم إذا أمكن امتناعه عن بغيه ‪ ,‬و إل فل ‪ .‬راجع رد‬
‫المحتار ‪ ,‬باب البغاة )‪ .(3/341‬وأما كون الصبر أولى في هذه الحالة ‪,‬‬
‫فلما سيأتي عند المصنف من حديث حذيفة ابن اليمان رضي الله عنهما‬
‫أخبر فيه عن أئمة الجور ‪ ,‬وفيه‪) :‬قلت‪ :‬كيف أصنع يا رسول الله إن‬
‫أدركت ذلك؟ قال‪ :‬تسمع وتطيع ‪ ,‬وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك ‪,‬‬
‫فاسمع وأطع( فالمراد من قوله عليه السلم‪) :‬فاسمع وأطع( نهيه عن‬
‫الخروج‪ .‬وأما القتال لدفع الظلم فجوازه مبني على الحاديث‬
‫التي تبيح عن القتال عن النفس وعن المال ‪ ,‬وبما أن هذا‬
‫القتال يشابه الخروج صورة ‪ ,‬فتركه أولى استبراءا للدين‪.‬‬
‫والقسم السابع‪ :‬أن يرتكب فسقا متعديا إلى دين الناس ‪ ,‬فيكرههم‬
‫على المعاصي ‪ ,‬وحكمه حكم الكراه المبسوط في محله ‪,‬‬
‫ويدخل هذا الكراه في بعض الحوال في الكفر حقيقة أو‬
‫حكما ‪ ,‬وذلك بأن يصر على تطبيق القوانين المصادمة‬
‫للشريعة السلمية ‪ ,‬إما تفضيل لها على شرع الله ‪ ,‬وذلك‬
‫كفر صريح ‪ ,‬أو توانيا ‪ ,‬وتكاسل عن تطبيق شريعة الله ؛ بما‬
‫يغلب منه الظن أن العمل المستمر على خلف الشريعة‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 169 [ ‬‬

‫يحدث استخفاف لها في القلوب ‪ ,‬فإن مثل هذا التواني‬


‫والتكاسل ‪ ,‬وإن لم يكن كفرا صريحا يحيث يكفر به مرتكبه ‪,‬‬
‫ولكنه في حكم الكفر ‪ .‬بدليل ما ذكره الفقهاء من أنه لو‬
‫ترك أهل بلدة الذان حل قتالهم ‪ ,‬لنه من أعلم الدين ‪,‬‬
‫وفي تركه استخفاف ظاهر به ‪ ,‬راجع باب الذان من رد‬
‫المحتار(‪ .(1/384‬وحينئذ يلحق هذا القسم السابع بالقسم‬
‫الثالث ‪ ,‬وهو الكفر البواح ‪ ,‬فيجوز الخروج على التفصيل‬
‫الذي سبق في حكمه‪.‬‬
‫ثم إن وجوب الخروج في القسم الثالث والسابع مشروط بالقدرة والمنعة ‪,‬‬
‫وجواز الخروج فيهما مشروط بأن يرجى عقد المامة لرجل صالح فيه شروط تواجد‬
‫فيه شروط المامة ‪ ,‬وأما إذا صار المر من جائر إلى جائر ‪ ,‬أو استلزم ‪ ,‬مثل استيلء‬
‫الكفار على المسلمين ‪ ,‬فل يجوز الخروج في هاتين الصورتين أيضا‪.‬‬
‫وما روى من خروج سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنهما على يزيد بن‬
‫معاوية ‪ ,‬وتأييد المام أبي حنيفة زيد بن علي ‪ ,‬ومحمد النفس الزكية وإبراهيم بن عبد‬
‫الله في خروجهم على أئمة زمنهم محمول على القسم الثالث أو السادس أو السابع ‪.‬‬
‫وقد ذكرنا أن الراء يمكن أن تختلف في تعيين ما يبيح الخروج ‪ ,‬والله سبحانه وتعالى‬
‫أعلم‪ [.‬أهس‪ ) .‬تكملة فتح الملهم ج ‪ /3‬ص ‪. (331-326‬‬

‫فكما أسلفنا فإننا أمام حالة كفر حكامنا بواحا من بابين عظيمين من‬
‫أبواب الردة وهما‪:‬‬
‫التشريع من دون الله واستبدال شرع الله بشرائع البشر والحكم بها بغير ما أنسسزل‬
‫الله‪.‬‬
‫ولية الكفار من اليهسسود والنصسسارى وغيرهسسم وقتسسال المسسسلمين معهسم وفسى سسبيل‬
‫مصالحهم‪.‬‬
‫هذا غير ما تلبسوا به من أشكال مكفرات القوال والفعال وما أتوا به من أسباب‬
‫الخروج من ملة المسلمين‪ .‬مما يوجب الخروج عليهم ومقاتلتهم وقتلهم إجماعا كما‬
‫تقدم من الدلة‪.‬‬
‫*************‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 170 [ ‬‬

‫من لوازم و مترتبات كفر الحاكم‪ .‬أصل أو ردة‪:‬‬


‫‪ -1‬سقوط وليته وبطلن إمامته‪.‬‬
‫‪ -2‬وجوب الخروج عليه بالسلح وخلعه‪.‬‬
‫‪ -3‬وجوب قتله لردته‪ .‬قال صلى الله عليه وسلم‪(:‬من بدل دينه‬
‫فاقتلوه(‪ .‬رواه أحمد‪.‬‬
‫‪ -4‬وجوب أو جواز مقاتلة طائفته إن منعوه بالسلح‪.‬‬
‫‪ -5‬وجوب عدم السمع والطاعة وجباية الموال له‪.‬‬
‫‪ -6‬وجوب عدم معاونته‪ ,‬ول العمل لديه ول مشاركته جريمة‬
‫الحكم بغير ما أنزل الله‬
‫‪ -7‬بأى منصب أو أي شكل‪.‬‬
‫‪ -8‬بطلن جميع عهوده ومواثيقه‪ ,‬ومعاهداته وأمانه‪ ...‬لنه ل‬
‫يمثل المسلمين‪.‬‬
‫‪ -9‬وجوب العمل فورًا‪ ,‬على نصب إمام مسلم بدل عنه وطاعته‬
‫بما تقدم من الحقوق‬
‫‪ -10‬والواجبات‪.‬‬

‫فمسألة ارتداد الحاكم ومسا يسترتب علسى ذلسسك مسن ضسياع الحقسوق وفسسساد أنظمسسة‬
‫الحكم في الدماء والمسسوال والعسسراض ومسسا يسسترتب علسسى ذلسسك مسسن طغيسسان الكسسافرين‬
‫واستعلء الظسسالمين وسسسيادة المفسسسدين والفاسسسقين‪ .‬وتسسسلط العسسداء الخسسارجين مسسن‬
‫الكفار والملحدين وتعسساون المنسسافقين معهسسم‪ .‬ومسسا يسسترتب علسسى ذلسسك مسسن ضسسياع البلد‬
‫والعبسساد‪ .‬ليسسست مسسسألة فرعيسسة ثانويسسة ليسسس للشسسريعة فيهسسا أحكسسام وواجبسسات وأوامسسر‬
‫ونواهي؟ كيف والله تعالى يقول‪ :‬ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء ‪‬النحل‪.89-‬‬
‫فهي مسألة رئيسية وإن أهملها أكثر الناس اليوم عامتهم و خاصتهم‪.‬‬
‫كما يجب لفت النظر إلى حالة خطيرة متفشية بين كثير من أهل العلسسم وأتبسساعهم‪.‬‬
‫وهي أنهم لو اهتدوا وفسق الدلسة الشسرعية إلسى كفسر الحساكم اليسوم‪ .‬وهسو حسال أصسبح‬
‫العميان يبصسسرونه بحواسسسهم وجسسوعهم وأحسسوالهم‪ .‬فسسإن هسسؤلء ل ينتقلسسون إلسسى القسسرار‬
‫بالمترتبات السالفة على كفر الحاكم‪ .‬فستراهم يقسرون بكفسر الحساكم‪ ,‬ولكنهسم يعملسون‬
‫عنسسده‪ ,‬ويتسسسلمون المناصسسب‪ ,‬ويسسدخلون مؤسسسساته الكسسافرة‪ ,‬التشسسريعية والقضسسائية‬
‫والتنفيذية‪ .‬بل قد يقسساتلون فسسي صسسفه وتحسست رايتسسه ولسسو ذبسسح المسسسلمين وقتسسل السسذين‬
‫يأمرون بالقسط من الناس!‪.‬‬
‫وهذا من البلء الذي عم و طم في أكثر بلد المسلمين‪ .‬ولسباب مردها في النهاية‬
‫لدى عامة المسلمين و خاصسستهم إلسسى الجهسسل أو العجسسز‪ .‬فهسسم ل يخرجسسون علسسى هسسؤلء‬
‫الحكام الكفرة المناصرين لعداء الله ول يقاتلونهم‪ ,‬فهم إما جهلة بوجوب هذا القتسسال‪,‬‬
‫وإما أنهم يقرون بالوجوب ويدعون العجز‪.‬‬
‫وفى التحقيق في أسباب ذلك وما يدعونه من العجز تجد أن الحقيقة عكسسس ذلسسك‪,‬‬
‫وأن السبب الذي يظهر بكل جلء هو ما أوجزه صلى الله عليه وسلم في كلمتين‪ ,‬لقسسد‬
‫أصاب المة‪) :‬الوهن( الذي أخبر عنه صلى الله عليه وسسسلم ففسسي الحسسديث السسذي رواه‬
‫أبو داوود في سننه ‪ ) :‬ثم يوشك المم أن تداعى عليكــم كمــا تــداعى الكلــة‬
‫إلى قصعتها فقال قائل ومن قلة نحن يومئذ قــال بــل أنتــم يــومئذ كــثير‬
‫ولكنكم كغثــاء الســيل ولينزعــن اللــه مــن صــدور عــدوكم المهابــة منكــم‬
‫وليقذفن الله في قلوبكم الوهن فقال قائل يا رســول اللــه ومــا الــوهن‬
‫قال حب الدنيا وكراهية الموت(‪ .‬لقد أحب الناس الدنيا عامتهم و خاصتهم إل من‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 171 [ ‬‬

‫رحم الله‪ .‬وكرهوا الموت فتداعت عليهم المم‪ ..‬وأعقبهم ذلك عيشا ضنكا علسسى أيسسدي‬
‫حكامهم‪ ,‬عيش الموت أرحم منه كما قال تعالى‪ :‬وم َ‬
‫ن ل َس ُ‬
‫ه‬ ‫ن ذ ِك ْ ِ‬
‫ري فَ سإ ِ ّ‬ ‫ض عَ ْ‬
‫ن أع َْر َ‬
‫َ َ ْ‬
‫ضْنكا ً ‪) ‬طسه‪ :‬من الية ‪. (124‬‬
‫ة َ‬ ‫مِعي َ‬
‫ش ً‬ ‫َ‬

‫*************‬

‫رابعا‪:‬أحكام الشريعة تقرر بالجماع كفر وردة من تعاون من المســلمين‬


‫مع الكفار وأعانهم على المسلمين‪,‬وتوجب قتاله ‪:‬‬
‫لكل جمع ورابطة تقوم بين فئة من الناس مقومات تربط بينهم من أهمهسسا‪ .‬فكسسرة‬
‫يعتقدونها وصفة اجتمعوا عليهسسا ومصسسلحة توحسسد بينهسسم‪ .‬وقيسسادة أو رأس اجتمعسسوا عليسسه‬
‫يأتمرون بأمره‪ .‬ويصدرون عن مشورته‪ .‬وراية يقاتلون تحتها‪ .‬وهدف مشسسترك يسسسعون‬
‫لتحقيقه‪ ..‬فإذا ما توفرت مثل هذه المواصفات لجمسسع مسسن النسساس أطلسسق عليهسسم اسسسم‬
‫جماعة‪ .‬أو اصطلح عليهم شرعا باسسسم )طائفسسة(‪ .‬فسسإن كسسان لهسسم منعسسة وشسسوكة وقسسوة‬
‫يدافعون بهسا سسموا )طائفسة ممتنعسة ذات شسوكة(‪ .‬فسإن اجتمعست هسسذه الطائفسة علسى‬
‫السلم واليمان سميت )طائفة إيمان وإسسسلم(‪ .‬وإن التقسسوا علسسى نساقض مسن نسواقض‬
‫السلم‪ ,‬سموا )طائفة ردة( كما كان حال المرتدين أيام أبي بكر رضي الله عنسسه ‪ .‬وإن‬
‫كانوا كفارا ً أصل سسسموا )طائفسسة كفسسر(‪ .‬وإن خرجسسوا علسسى إمسسام شسسرعي مسسع تمسسسكهم‬
‫بالسلم‪ ,‬وبغوا عليه سموا )طائفة باغية(‪ .‬وإن خرجوا للسسسلب والنهسسب والقتسسل سسسموا‬
‫)طائفة فساد( وهكذا‪..‬‬
‫ومن البديهي أن هذه الطائفة تسمى بصفة الغالب عليها‪ .‬مع وجسسود مسسن ل تنطبسسق‬
‫عليه صفاتها معهم‪.‬كسسأن يكسسون أحسسدهم جسساهل بهسسم‪ ,‬أو مكرهسسا علسسى الوجسسود معهسسم‪ ,‬أو‬
‫جمعته إليهم مصلحة ذاتية أو عصبية قرابة أو غير ذلك‪...‬فل شك أنه يوجد منافقون في‬
‫طائفة السلم ليسوا منهم‪ .‬وقد حصل هذا في غالب تاريخ المسلمين ولسم يسسلم منسسه‬
‫حتى جيش رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬وكذلك قد يوجسسد فسسي صسسف المسسسلمين‪,‬‬
‫المنتفعون والمنتسبون للسلم لجل الدنيا‪..‬وكذلك قد يوجد في طائفسسة الكفسسر مسسسلم‬
‫أكره على الوجود معهم‪ .‬أو جاهل بحالهم تلبس أمره عليهم‪ .‬وينطبق هذا الستثناء في‬
‫وجسسود مسسن ليسسس مسسن الطائفسسة فيهسسا علسسى طسسوائف البغسساة والمفسسسدين والمرتسسدين‬
‫والكافرين‪..‬ووجود هؤلء الشواذ عن الطائفة ل يكون له حكم الغالب‪ ,‬أو حكم الراية أو‬
‫الرابطة التي اجتمعت عليها‪ .‬ول يتغير اسمها ول حكمها الشرعي بسبب هؤلء الشواذ‪.‬‬
‫وفي حكم الشريعة‪ ,‬فلكل طائفة من هذه الطوائف حكمهسسا الشسسرعي‪ .‬فسسالواجب تجسساه‬
‫طسسسوائف أهسسسل اليمسسسان السسسولء والنصسسسرة‪ .‬وتجسسساه طسسسوائف السسسردة والكفسسسر السسسبراءة‬
‫والمعاداة‪.‬وتجاه أهل الشر والفساد الدفع والقتال ضدهم إن صالوا على دين أو عسسرض‬
‫أو مال أو نفس لهل السلم‪..‬وهكذا‪..‬‬
‫فإذا ما اتضح لنا مفهوم الطائفة‪ ,‬وحكمها الغالب على من فيها مسسن الشسسواذ عنهسسا‪,‬‬
‫إنتقلنا إلى الحديث عن مشكلة أعسوان الكسافرين والمرتسدين مسن المنتسسبين للسسلم‪,‬‬
‫والذين يقاتلون المسلمين مسسع طسسوائف الكفسسر أو السسردة أو سسسوى ذلسسك‪ ..‬خاصسسة أولئك‬
‫العاملين في مجال السلطة والدفاع عنها‪ .‬يقاتلون المسلمين بأوامر الحكام المرتسسدين‪,‬‬
‫مثل العاملين في أجهزتهسسم العسسسكرية والمنيسسة كسسالجيش والسسدرك والشسسرطة وأجهسسزة‬
‫المن وما يتبعها من القوات المسلحة وشبه المسلحة وما يخدمها من أجهزة تابعة‪..‬‬
‫فما الحكم الشرعي الواجب اعتقاده في هؤلء المنتسبين أصل لملــة‬
‫السلم؟ ويدينون بدينهم ويتسمون بأسمائهم وقد يــؤدي بعضــهم بعــض‬
‫شــعائر الســلم‪ ,‬ثــم يــأتي المســلمين فيقــاتلهم ويطــاردهم ويحــاربهم‪,‬‬
‫تنفيذا لوامر أسياده من الحكام المرتــدين‪ .‬ول يمنعــه إســلمه أن يقاتــل‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 172 [ ‬‬

‫حــتى إلــى جــانب الكفــار الصــليين بــأوامر أولئك الحكــام الــذين أعلنــوا‬
‫موالتهم ونصرتهم للكفار‪ ,‬والدفاع عن مصالحهم و قبول أوامرهم؟‬
‫فنقول والله المستعان وهو يهدي السبيل‪:‬‬
‫إن هذا الجندي أو رجل المن أو الشرطة‪ ,‬المدافع عسسن الطسساغوت‪ ,‬العامسسل عنسسده‪,‬‬
‫المحارب للمسلمين معه ومع أوليائه الكفار‪ ,‬له إحدى حالت‪:‬‬
‫أول ً‪ :‬أن يكون هذا التابع موافقـا لسـيده الحـاكم الكـافر‪ ,‬فيمـا ذهـب‬
‫إليه من عــداء الســلم ومــوالة الكــافرين والعــدوان علــى شــريعة اللــه‪,‬‬
‫عارفا بأحوال رئيسه متفقا معه مقتنعا بما هو عليــه مــن حــرب الســلم‬
‫والمسلمين‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أن يكون هذا التابع يعمل ويقاتــل مــع ســيده وهــو غيــر موافــق‬
‫لسيده في محاربة السلم والمسلمين ‪ .‬وهذا له إحدى ثلث حالت‪:‬‬
‫أن يكسسون جسساهل بسسالمر كلسسه ل يسسدرك مسسا يقسسوم بسسه ول يفهسسم أنسسه حسسرب للسسدين‬
‫وللمسلمين‪ ,‬جاهل بردة سيده وكفره ونفاقه للكافرين‪ ,‬فهو )جاهل(‪.‬‬
‫أن يكون مكرها على تنفيذ أوامر سيده‪ ,‬بتهديده بالعقساب أو السسجن أو القتسل‪ ,‬إن‬
‫هو لم ينفذ الوامر‪ ,‬تهديدا فعليا ل يستطيع الفكاك أو الهرب منه‪ .‬فهو )مكره(‪.‬‬
‫أن يكون عارفا بأحوال سيده‪ ,‬وليس جاهل ول مجسسبرا مكرهسسا‪ ,‬وإنمسسا اتخسسذ مسسوقعه‬
‫معهم لمصسلحة دنيويسة مسن الكسسب والوظيفسة‪ ,‬أو لعصسبية قرابسة عائليسة أو حزبيسة أو‬
‫مذهبية‪ ,‬أو أي سبب دنيوي فهو )مرتزق أو متعصب(‪.‬‬

‫أما من الناحية العملية‪ :‬فإن هؤلء الصناف الربعة ‪:‬‬


‫‪ -1‬العارف القاصد‪.‬‬
‫‪ -2‬المكره‪.‬‬
‫‪ -3‬الجاهل‪.‬‬
‫‪ -4‬المرتزق بالباطل‪.‬‬
‫ل يختلفون عمليسا فيمسا يقومسون بسه مسن محاربسة اللسه ورسسوله والمسؤمنين وقتسل‬
‫وسجن ومطاردة وأذى السسذين يسسأمرون بالقسسسط مسسن النسساس‪ ...‬فهسسم َيقت ُل ُسسون ويقَتلسسون‬
‫بأوامر أسيادهم وأمرائهم ورؤسائهم‪ ,‬ويحاربون شعوبهم أو غيرها‪.‬‬

‫وخلصة الحكم الشرعي في هؤلء نوجزه في نقاط مختصرة ل تخرج‬


‫عن إيجاز هذا الكتاب‪ ,‬وينقسم الحكم الشرعي إلى مسألتين وهما‪:‬‬
‫الول‪ :‬هل ما زال هسسؤلء علسسى حكسسم السسسلم؟ أم أنهسسم كفسسروا وخرجسسوا مسسن ملسسة‬
‫السلم؟‬
‫والثاني‪ :‬هل يجوز قتالهم وقتلهم أم ل يجوز؟‬

‫فأما المسألة الولى ‪ :‬وهسسو المقتنسسع بمسسا عليسسه أسسسياده مسسن محاربسسة السسسلم‬
‫والمسلمين وولئهم للكافرين‪ .‬فهو مثلهسسم فسسي الحكسسم الشسسرعي‪ .‬منسسافق مرتسسد كسسافر‪,‬‬
‫أصالة وقناعة بالكفر وليس تبعا لسياده‪ .‬ولنفس الدلة السالفة الذكر في حقهسسم‪ .‬أمسسا‬
‫النوع الثاني‪ :‬وهم السسذين ل يوافقسسون أسسسيادهم‪ ,‬ولكسسن يقسساتلون معهسسم‪ ,‬وهسسم الجاهسسل‪,‬‬
‫والمكره والمقاتل للدنيا ومكاسبها وروابطها‪ .‬فهسسؤلء يرتكبسسون بفعلهسسم هسسذا‪ ,‬عمل مسسن‬
‫أعمال الكفر‪ .‬وهو قتال المسلمين مع الكافرين‪ ,‬فهم بهذا ينتمسسون إلسسى طائفسسة السسردة‪,‬‬
‫إن قاتلوا بقيادة مرتد‪ ,‬وإلى طائفة الكفر‪ ,‬إن قاتلوا تحت راية كافر أصلي‪ .‬وهسسذا ثسسابت‬
‫ل‬
‫سسِبي ِ‬
‫ن ِفسي َ‬‫قات ُِلو َ‬ ‫ن كَ َ‬
‫فُروا ي ُ َ‬ ‫ل الل ّهِ َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫سِبي ِ‬
‫ن ِفي َ‬ ‫قات ُِلو َ‬
‫مُنوا ي ُ َ‬
‫نآ َ‬
‫ذي َ‬ ‫لقوله تعالى ‪  :‬ال ّ ِ‬
‫ضسِعيفا ً ‪) ‬النسسساء‪ . (76:‬وهسسذه‬ ‫ن َ‬‫ن ك َسسا َ‬‫طا ِ‬ ‫ش سي ْ َ‬
‫ن ك َي ْسد َ ال ّ‬‫ن إِ ّ‬‫طا ِ‬‫شسي ْ َ‬‫قات ُِلوا أ َوْل َِياَء ال ّ‬
‫ت فَ َ‬ ‫ال ّ‬
‫طا ُ‬
‫غو ِ‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 173 [ ‬‬

‫اليات تثبت أن المؤمن يقاتل في سبيل اللسسه‪ ,‬والقتسسال فسسي سسسبيل اللسسه علمسسة انتمسساء‬
‫لطائفة اليمان‪ .‬وأن الكافر يقاتل في سبيل الطاغوت وأن القتال في سبيل الطسساغوت‬
‫علمة انتماء لطائفة الطاغوت‪ .‬وأن فاعل هذا ولسسي للشسسيطان أمسسر اللسسه بقتسساله وبشسسر‬
‫بالنصر عليه‪ ,‬والية صريحة واضحة‪.‬‬
‫وفي آية أخرى أخبر سبحانه عن فرعون وطائفته‪ ,‬وما هم عليه من الكفسسر وحسسرب‬
‫ن ‪) ‬القصص‪ .(8 :‬فجمع‬ ‫خاط ِِئي َ‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا َ‬ ‫جُنود َهُ َ‬
‫ن وَ ُ‬
‫ما َ‬
‫ها َ‬
‫ن وَ َ‬ ‫المؤمنين‪ .‬فقال‪  :‬إ ِ ّ‬
‫ن فِْرع َوْ َ‬
‫لفرعون ووزيره ومعاونه ونائبه هامان ولجنوده نفس الصفة‪  :‬خسساطئين ‪ ‬ومعلسسوم‬
‫أن خطيئة فرعون هي الكفر بالله وحرب المؤمنين‪ .‬فهو‪-‬أي فرعون‪ -‬جعسسل نفسسسه ربسسا‬
‫يشرع ويعبد واستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين‪ ,‬فشملتم الصفة‪:‬‬

‫وأما الحكم التفصيلي لهؤلء الجنود الذين يقاتلون اليوم‪ ( :‬الجاهــل ‪،‬‬
‫المكره‪ ،‬المقاتل للدنيا عن علم ( فهو ما يلي والله تعالى أعلم‪:‬‬
‫الجاهل جهل حقيقيا يمنعه من إدراك ما هو عليه من الحال‪ ,‬وما عليه‬
‫حال رؤسائه ]هذا علسسى افسستراض وجسسود مثسسل هسسذا الجهسسل[‪ .‬وكسسذلك المكسسره إكراهسسا‬
‫حقيقيا فعليا‪ ,‬مهددا بالقتل والذى‪ ,‬ل يستطيع فسسرارا مسن عملسسه‪ ,‬ول هجسسرة مسن مكسسان‬
‫إجباره‪ .‬فهؤلء قد نص علماء أهل السنة والجماعة‪ ,‬على أن جهلهم وإكراههم )إن كسسان‬
‫حقيقيا( يعتبر لهم عذرا شرعيا و فيبقى لهم حكم السلم على ظاهره مع بقاء حكمهم‬
‫العام‪) ,‬أنهم من طائفة الكفر( لنهم معهم‪ .‬ول يعنسسى هسسذا كفسسرا عينيسسا لكسسل واحسسد مسسن‬
‫طائفة الكفر‪.‬‬
‫وأما المقاتل للدنيا للكسب والوظيفة أو الرتزاق ‪ ,‬أو لعصبية للقــوم‬
‫أو الوطن أو الحزب أو القبيلة أوأي رابطــة عصــبية‪ .‬وهسسو يعسسرف أنسسه يقاتسسل‬
‫المسلمين‪ ,‬مع حاكم كافر ظالم يوالي الكفار ويعاونهم‪ .‬فهذا الجندي ليس جاهل بالمر‬
‫ول مكرها بالتهديد‪ ,‬بل هو مختار يستطيع ترك عمله‪ ,‬أو الفسسرار منسسه‪ ,‬أو عسسدم السسدخول‬
‫فيه أصل لو أراد‪ .‬وقد دخله للسباب الدنيوية‪ ,‬فهذا منافق اشترى الدنيا بالخرة‪ ,‬وقاتل‬
‫المسلمين من أجل الدنيا‪ ,‬فهو كافر يقاتل تحت راية الكافرين‪ .‬ل عذر له مسسن جهسسل أو‬
‫إكراه ‪ ،‬وأما قصد الدنيا والمكاسب فليس من العذار الشرعية في فعل الكفسسر‪ .‬فهسسذه‬
‫العذار معروفة عند أهل السسسنة والجماعسسة وهسسي )الجهسسل‪ ,‬والكسسراه‪ ,‬والتأويسسل‪ ,‬وعسسدم‬
‫القصد للفعل(‪ ,‬وهذه سيأتي شرحها إن شاء الله‪ ...‬ففسسي أمثسسال هسسؤلء السسذين اشسستروا‬
‫ن‬
‫جسو َ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫م َول ت ُ ْ‬ ‫مساَءك ُ ْ‬ ‫ن دِ َ‬ ‫كو َ‬ ‫ف ُ‬ ‫سس ِ‬‫م ل تَ ْ‬ ‫ميَثساقَك ُ ْ‬ ‫خسذ َْنا ِ‬ ‫الدنيا بسالخرة يقسول تعسالى‪  :‬وَإ ِذ ْ أ َ َ‬
‫م‬‫سسك ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ن أ َن ْ ُ‬ ‫قت ُُلسو َ‬ ‫ؤلِء ت َ ْ‬ ‫هس ُ‬ ‫م َ‬‫م أن ُْتس ْ‬
‫شسهدون * ُثس َ‬
‫ّ‬ ‫م تَ ْ َ ُ َ‬ ‫م وَأن ُْتس ْ‬
‫َ‬
‫م أقَْرْرُتس ْ‬
‫فسسك ُم مسن ديسارك ُم ُثس َ‬
‫ّ‬ ‫ْ ِ ْ َِ ِ ْ‬ ‫أن ْ ُ َ‬
‫َ‬
‫ظاهَرون عَل َيهم بالث ْم وال ْعدوان وإن يأ ْتوك ُ ُ‬
‫سسساَرى‬ ‫مأ َ‬ ‫ِْ ْ ِ ِ ِ َ ُ ْ َ ِ َِ ْ َ ُ ْ‬ ‫م تَ َ ُ َ‬ ‫ن دَِيارِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ريقا ً ِ‬ ‫ن فَ ِ‬ ‫جو َ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫وَت ُ ْ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫جَزاُء‬ ‫ما َ‬ ‫ض فَ َ‬ ‫ن ب ِب َعْ َ ٍ‬ ‫فُرو َ‬ ‫ب وَت َك ُ‬ ‫ض الك َِتا ِ‬ ‫ن ب ِب َعْ ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫م أفَت ُؤْ ِ‬ ‫جهُ ْ‬ ‫خَرا ُ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫م عَلي ْك ْ‬ ‫حّر ٌ‬ ‫م َ‬‫م وَهُوَ ُ‬ ‫دوهُ ْ‬ ‫فا ُ‬ ‫تُ َ‬
‫ب‬ ‫ذا ِ‬ ‫ْ‬
‫شسد ّ العَس َ‬ ‫ن إ ِلسسى أ َ‬ ‫َ‬ ‫دو َ‬ ‫مسةِ ي ُسَر ّ‬ ‫قَيا َ‬ ‫ْ‬
‫م ال ِ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَي َوْ َ‬ ‫ْ‬
‫خْزيٌ ِفي ال َ‬ ‫م إل ِ‬ ‫ُ‬
‫من ْك ْ‬ ‫َ‬
‫ل ذ َل ِك ِ‬ ‫فع َ ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫ّ‬ ‫خ‬ ‫ي‬ ‫فل‬‫َ‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫خ‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫با‬ ‫يا‬ ‫ن‬ ‫د‬ ‫ال‬ ‫ة‬ ‫يا‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫وا‬ ‫ر‬ ‫ت‬‫ش‬‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ئ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬
‫أو‬ ‫*‬ ‫ن‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫ما‬ ‫ع‬ ‫ل‬ ‫ف‬ ‫غا‬ ‫ب‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ما‬
‫ُ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ ِ‬ ‫وَ َ‬
‫ن ‪ ‬البقرة‪ ، 84-86:‬وقد روى المام مسلم رحمه الله من حديث أبي‬ ‫صُرو َ‬ ‫م ي ُن ْ َ‬ ‫ب َول هُ ْ‬ ‫ذا ُ‬ ‫ال ْعَ َ‬
‫هريرة رضي الله عنه عن النسسبي صسسلى اللسسه عليسسه وسسسلم أنسسه قسسال‪( :‬من خرج مــن‬
‫الطاعة وفارق الجماعة فمات‪ ,‬مات ميتة جاهلية‪ .‬ومن خــرج علــى أمــتي‬
‫يضرب برها و فاجرها ول يتحاشى من مؤمنها ول يفي لــذي عهــد عهــده‬
‫فليس مني ولست منه(‪.‬‬
‫هذا من حيث حكمهم الشرعي النظري‪ ,‬هل يحكم لهم بالكفر أم بالسلم‪.‬‬

‫وأما المسألة الثانية‪ :‬وهسسي حكسسم قتسسال هسسؤلء المنتسسسبين للسسسلم المقسساتلين‬
‫للمسلمين مع الكافرين‪ ,‬فهو إيجازا كما يلي والله تعالى أعلم‪:‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 174 [ ‬‬

‫كل من قاتل المسلمين مع الكافرين فقتاله واجب على المسلمين‪ ,‬ول يجب علسسى‬
‫المسلم‪ ,‬ولم يكلفه الله ما ل يستطيع‪ ,‬من تمييز الجاهل من القاصد‪ ,‬ول المكره مسسن‬
‫العامد‪.‬‬
‫بل قال تعالى‪ :‬وقاتلوا في سبيل اللسسه السسذين يقسساتلونكم ول تعتسسدوا‪ ‬البقسسرة – ‪.190‬‬
‫وقد استدل العلماء بحديث عائشة رضي الله عنها الذي جاء فيه أن رسول اللسسه صسسلى‬
‫الله عليه وسلم أخبر عن جيش يغزو الكعبة‪ ,‬حتى إذا كسسانوا ببيسسداء مسسن الرض خسسسف‬
‫بأولهم و آخرهم‪ ,‬فقالت عائشة‪ :‬يا رسول الله كيسسف يخسسسف بسسأولهم و آخرهسسم وفيهسسم‬
‫عبيدهم وأسواقهم ومن ليس منهم‪ ,‬فأخبرها رسول الله صسسلى اللسسه عليسسه وسسسلم بسسأنه‬
‫يخسف بأولهم و آخرهم ويحشسسرون يسسوم القيامسسة علسسى نيسساتهم‪ .‬وفسسي روايسسة أم سسسلمة‬
‫رضي الله عنها كما جاء في صحيح مسلم قال رسسسول اللسسه صسسلى اللسسه عليسسه وسسسلم ‪:‬‬
‫( يعوذ عائذ بالبيت فيبعث إليه بعث فإذا كــانوا ببيــداء مــن الرض خســف‬
‫بهم( فقلت‪ :‬فكيف بمن كان كارها؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪(:‬يخســف‬
‫به معهم ولكنه يبعث يوم القيامة على نيتــه(‪ .‬فاسسستدل العلمسساء بهسسذا الحسسديث‬
‫على قتل الجاهل والمكره وغير القاصد‪ ,‬ممن قصد المسلمين بسسالحرب مسسع الكسسافرين‪,‬‬
‫ويبعثه الله على نيته معذورا إن كان له عذر‪.‬‬
‫فقال العلماء‪ :‬إذا كان الله‪-‬وهو القادر لو شاء علسسى تمييسسز المكسسره والجاهسسل – لسسم‬
‫يميزه من الخسف‪ ,‬فكيف لعبيد الله أن يميزوه من الكافرين وهو يقاتل معهم؟!‬
‫فهذا الخسف به أو قتله معهم‪ ,‬هو من العقوبة القدريسسة علسسى وجسسود المسسسلم فسسي‬
‫سواد الكافرين أو الظلمة‪ ,‬فيأخذه العقاب معهم‪ ,‬ول يظلمه الله فيبعث علسسى نيتسسه‪ ,‬إن‬
‫كانت صالحة نفعته في الخرة‪.‬‬
‫وعلى كل حال‪ ,‬فالهاجم على المسلمين يريد بهسسم الذى‪ ,‬هسسو فسسى أحسسسن أحسسواله‬
‫)مسلم صائل( وقد تكلم العلماء في حكمه الذي سنشير إليه في آخر هذه الفقرة‪.‬‬

‫فالخلصة ‪:‬‬
‫نحن لنا الظاهر والله يتولى السرائر‪ .‬فظاهره مقاتــل مــع الكــافرين‪,‬‬
‫فيجب قتاله أو يجوز‪ .‬وسريرته إلى الله ‪ ,‬إن كانت صالحة نفعته يوم القيامة‪ .‬فقسسد‬
‫روى البخاري رحمه الله تعالى فى كتاب الشهادات من صحيحه عن عمر بسسن الخطسساب‬
‫رضي الله عنه أنه قال‪ ( :‬إن أناسا كانوا يؤخـذون بـالوحي فـي عهــد رسـول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬وإن الوحي قد انقطع‪ ,‬وإنما نأخذكم الن بما‬
‫ظهر لنا من أعمالكم‪ ,‬فمن أظهر لنا خيرا‪ ,‬أمناه وقربناه‪ .‬وليس إلينا من‬
‫سريرته شيء‪ ,‬الله يحاسب في سريرته‪ .‬ومن أظهر لنا ســوءا لــم نــأمنه‬
‫ولم نصدقه‪ ,‬وإن قال أن سريرته حسنة(‪.‬‬
‫فالحكم العام له أنه من )طائفة الكفر( إن كان مع الكفار‪ .‬وأنه من )طائفة الردة(‬
‫إن كان مع المرتدين‪ .‬وأنه من )طائفة البغاة( إن كان معهم وهكذا‪ .‬وسسسيأتي التفصسسيل‬
‫عن أعذار المكرهين والجاهلين في الفقرة التالية إن شاء الله‪.‬‬

‫ولمزيد من الوضوح نقول والله المستعان ‪:‬‬


‫إن هؤلء الذين يزعمون أنهسسم مسسسلمين‪ ,‬ويتسسسمون بأسسسمائهم ويلبسسسون لباسسسهم‪,‬‬
‫وربما صلوا أو صاموا‪ ,‬من الذين يعملون في جيوش حكسسام المسسسلمين أو شسسرطتهم أو‬
‫اسسستخباراتهم‪..‬ثسسم ينفسسذون أي أمسسر صسسدر إليهسسم مسسن رؤسسسائهم‪ ,‬حلل كسسان أم حرامسسا‪,‬‬
‫ويطيعونهم عن قناعة أو جهل أو إكراه ‪ ,‬وقد رباهم أسيادهم على ذلك وأخسسذوا عليهسسم‬
‫العهود والمواثيق‪ .‬فإنهم كمسسا هسسو معلسسوم‪ ,‬يسسدافعون عسسن حكسسام كفسسرة ظلمسسة فسسسقة‪,‬‬
‫ويقاتلون إلى جانب جيوش الكافرين‪ ,‬كما هو حاصل اليوم من جيوش تركيا وباكسسستان‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 175 [ ‬‬

‫وبعض البلد العربية والسلمية‪ ,‬ويعملون إلى جسانب أجهسزة أمسن واسسستخبارات اليهسود‬
‫والنصسسارى مسسن المريكسسان و الوروبييسسن وغيرهسسم مسسن الكفسسار‪ ,‬ويحرسسسون قواعسسدهم‬
‫العسكرية‪ .‬ومراكزهم الدبلوماسية‪ ,‬والتجارية‪ ,‬بل ومراكسز تنصسير المسسلمين‪ ,‬ومراكسز‬
‫نشر الدعارة والفساد والمجون‪...‬ول يبالون في سبيل تنفيذ أوامر أسيادهم‪ ,‬هل قتلسسوا‬
‫مسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسلما‪,‬‬
‫أو روعوا مؤمنسسا‪ ,‬أو شسسردوا امسسرأة مسسسلمة‪ ,‬أو يتمسسوا طفل‪ ,‬أو انتهكسسوا حرمسسات بيسسوت‬
‫وأعراض المستضعفين‪..‬‬
‫بل تراهم مستعدين لن يحارب بعضهم بعضا‪ ,‬وأن يضرب بعضهم رقاب بعض‪ ,‬في‬
‫النقلبات الداخلية‪ ,‬أو في الحروب الهلية الناشبة بين حكامهم الطواغيت في البلسسدان‬
‫المتجاورة! حيث كثيرا ما تتحارب دول إسلمية أو عربية مع بعضها‪ .‬فترى هؤلء الجنود‬
‫دعون‬ ‫)المسلمين!( يخلصون في سفك دماء بعضهم‪ ,‬وفى أسر وإفناء بعضهم! وهسسم ي س ّ‬
‫السلم! وعموم قتسالهم هسسو علسى سسسلطان ملسسوكهم‪ ,‬أو علسسى الصسسراع علسسى الراضسي‬
‫واختلف السياسات‪ ,‬لتكون العزة لفلن أو فلن‪ .‬وليس لستعلء حق‪ ,‬أو اندحار باطل‪.‬‬
‫لنهم تربوا على طاعة الملوك والرؤساء والولء للوطن أو القوم أو الحزب‪.‬‬
‫فالحقيقة الشرعية الناصعة – والله تعالى أعلم – أن هسسؤلء المقسساتلين إجمسسال لهسسم‬
‫حكم راياتهم وطائفتهم‪ .‬كما أسلفنا‪ ,‬فمن قاتلنا تحت راية حاكم مرتد‪ ,‬نقاتلهم بصفتهم‬
‫طائفة ردة‪ ,‬ومن قاتلنا تحت راية المريكان والكفار نقاتلهم بصفتهم طائفة كفر‪..‬‬
‫وعلى هذا فل يجوز أن يصلى على قتلهم‪ ,‬ول يدفنون مسسع المسسسلمين‪ ,‬مسسع التنسسبيه‬
‫المهم جدا ً على أننا ل نحكم بالكفر العيني على كل فرد منهم‪ ,‬كما تقسسدم إل إذا علمسست‬
‫منه بينة بأنه ليس جسساهل ول مكرهسسا وإنمسسا عامسسد قاصسسد ‪ .‬ومسسن علسسم منسسه أنسسه موافسسق‬
‫لسياده المرتدين‪ ,‬موال لسسيادهم الكفسار مسن أمريكسان وغيرهسم فهسذا نحكسم بكفسره‬
‫وردته حيا وميتا‪ ,‬ويأخذ أحكام ذلك‪ ,‬فزواجسسه مسسن مسسسلمة باطسسل‪ ,‬ول يسسرث مسسسلما ول‬
‫يورثه‪ ...‬إلى آخر أحكام المرتدين‪.‬‬
‫يقول الشيخ أحمد شاكر محدث الديار المصرية‪ ,‬المتسسوفى سسسنة ‪.1958‬فسسي فتسسواه‬
‫الشهيرة بقتال النجليز والفرنسيين ومن شسسابههم ممسسن اعتسسدى علسسى بلد المسسسلمين‪,‬‬
‫وحكم من أعانهم من المسلمين والتي نشرها في مجلة الهدي النبوي‪:‬‬

‫]أما التعاون مع النجليز‪ ,‬بأي نوع من أنواع التعاون‪ ,‬قل أو كــثر‪.‬فهــو‬


‫الردة الجامحة‪ ,‬والكفر الصراح‪ .‬ل يقبل فيه اعتذار‪ ,‬ول ينفع معــه تــأول‪,‬‬
‫ول ينجي من حكمه عصبية حمقـاء‪ ,‬ول سياســة خرقـاء‪ ,‬ول مجاملـة هـي‬
‫النفاق‪ .‬سواء أكان ذلك من أفراد‪ ,‬أو حكومات أو زعماء‪ .‬كلهم في الكفر‬
‫والردة سواء‪.‬إل من جهل أو أخطأ ثم استدرك أمــره وتــاب‪ ,‬وأخــذ ســبيل‬
‫المؤمنين‪ ,‬فأولئك عسى الله أن يتوب عليهم‪ ,‬إن أخلصوا من قلوبهم لله‬
‫ل للسياسة ول للناس (‪ (...‬أل فليعلم كل مسلم‪ ,‬في أي بقعة مــن بقــاع‬
‫الرض إذا تعاون مع أعداء الســلم‪ ,‬مســتعبدي المســلمين‪ ,‬مــن النجليــز‬
‫والفرنســيين وأحلفهــم وأشــباههم‪ ,‬بــأي نــوع مــن أنــواع التعــاون‪ ,‬أو‬
‫سالمهم فلم يحـاربهم بمـا اســتطاع‪ ,‬فضــل عــن أن ينصــرهم بــالقول أو‬
‫العمل على إخوانهم في الدين إن فعل شيئا من ذلــك ثــم صــلى فصــلته‬
‫باطلة‪ ,‬أو تطهر بوضوء أو غسل أو تيمم فطهوره باطل‪ ,‬أو صــام فرضــا‬
‫أو نفل فصومه باطل‪ ,‬أو حج فحجه باطل‪ ,‬أو أدى الزكــاة المفروضــة‪ ,‬أو‬
‫أخرج صدقة تطوعا‪ ,‬فزكاته باطلة مردودة عليه‪ ,‬أو تعبد لربه بــأي عبــادة‬
‫فعبادته باطلة مردودة عليه‪ ,‬ليس له فى شيء مــن ذلــك أجــر‪ ,‬بــل عليــه‬
‫الثم والوزر‪ .‬أل فليعلم كل مسلم أنه إذا ركب هذا المركب الــدنيء فقــد‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 176 [ ‬‬

‫حبط عمله‪ ,‬من كل عبادة تعبد بها لربه قبل أن يرتكس‪ ,‬فــي حمــأة هــذه‬
‫الردة رضي لنفسه‪ .‬ومعاذ الله أن يرضى بها مسلم حقيـق بهـذا الوصـف‬
‫العظيم‪ .‬ذلك بأن اليمان شرط في صحة كل عبادة‪ .‬وفى قبولها كما هو‬
‫بديهي‪ ,‬معلوم من الدين بالضرورة‪ ,‬ل يخــالف فيــه أحــد مــن المســلمين‪.‬‬
‫مل ُس ُ‬
‫ه وَهُ سوَ فِسسي‬ ‫حب ِ َ‬
‫ط عَ َ‬ ‫ن فَ َ‬
‫قد ْ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ن ي َك ْ ُ‬
‫فْر ِبالي َ‬ ‫م ْ‬
‫وذلك بأن الله سبحانه يقول ‪ (:‬وَ َ‬
‫ن ( (المــائدة‪ (5 :‬وهو فــي الخــرة مــن الخاســرين (‪ (...‬أل‬ ‫ري َ‬
‫سس ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫خا ِ‬ ‫مس َ‬ ‫اْل ِ‬
‫خَرةِ ِ‬
‫فليعلم كـل مسـلم كـل مسـلمة‪ ,‬أن هــؤلء الـذين يخرجـون علــى دينهـم‬
‫ويناصــرون أعــداءهم‪ .‬مــن تــزوج منهــم فزواجــه باطــل بطلنـا أصــليا‪ ,‬ل‬
‫يلحقه تصحيح‪ ,‬ول يترتب عليه أي أثر مــن آثــار النكــاح‪ ,‬مــن ثبــوت نســب‬
‫وميراث وغير ذلك‪ .‬وأن من كان منهم متزوجــا بطــل زواجــه كــذلك‪ ,‬وأن‬
‫من تاب منهم ورجع إلى ربه وإلى دينــه‪ ,‬وحـارب عـدوه ونصـر أمتـه‪ ,‬لـم‬
‫تكن المرأة التي تزوج بها حال الردة‪ ,‬ولم تكــن المــرأة الــتي ارتــد وهــي‬
‫فى عقد نكاحه زوجا له‪ ,‬ول هي في عصمته‪ .‬وأنه يجب عليه بعــد التوبــة‬
‫أن يستأنف زواجه بها‪ .‬فيعقد عليها عقدا صحيحا شرعيا كما هــو بــديهي‬
‫واضح‪ .‬أل فليحتط النساء المسلمات اللتي ابتلهن الله بأزواج ارتكســوا‬
‫في حمأة هذه الردة أن قد بطــل نكــاحهن‪,‬وصــرن محرمــات علــى هــؤلء‬
‫الرجال‪,‬ليسوا لهن بأزواج حتى يتوبوا توبة صحيحة عملية‪,‬ثم يــتزوجوهن‬
‫زواجا صحيحا‪.‬أل فليعلم النساء المسلمات أن من رضــيت منهــن بــالزواج‬
‫من رجل هذا حاله وهي تعلم حاله‪,‬أو رضيت بالبقاء مــع زوج تعــرف فيــه‬
‫الردة فإن حكمها وحكمه في الردة سواء‪ .‬ومعــاذ اللــه أن ترضــى النســاء‬
‫المسلمات لنفسهن ولعراضهن‪ ,‬ولنساب أولدهن شيئا من هذا‪ .‬أل إن‬
‫المر جد (‪ (...‬فلينظر كل امرئ لنفسه ‪ ,‬وليكــن ســياجا لــدينه مــن عبــث‬
‫العابثين وخيانة الخائنين‪ [.‬انتهى الشاهد من كلم المام المحدث رحمه الله‪ .‬نقل ً‬
‫عن كتابه )كلمة الحق – أحمد شاكر(‪.‬‬
‫فهذه الحكام الشرعية‪ ,‬ذات الصلة بالعقيدة وأصول السسدين‪ .‬مسسن قواعسسد الحاكميسسة‬
‫لله‪,‬والولء و البراء في ذات الله‪ ,‬ليست مسائل فرعية‪.‬وإن المانة كمسسا كررنسسا متعلقسسة‬
‫فى أعناق علماء كل بلد أن يبينوها للناس ول يكتمونها‪ ,‬رغبة فى ما عنسسد السسسلطين أو‬
‫رهبة مما لديهم‪ .‬ذلك أنها مسألة إيمان وكفر قد تطال مئات اللف مسسن البشسسر السسذين‬
‫يقاتلون فى سبيل الطاغوت ويحسبون أنهم مسلمين‪.‬‬
‫ويجب الجابة على أسئلة هامة وبصدق وصراحة ورجولة خاصة من قبل كسسل عسسالم‬
‫وقائد وداعية مسلم‪:‬‬
‫هل نريد أن ننهض بأمتنا؟ هل نريد أن نتحرر من مسسستعمرينا؟ هسسل نريسسد أن نرقسسى‬
‫باقتصادنا ونستثمر ثرواتنا ونسترد حقوقنا؟ هل نريد أن ندافع عن أنفسنا ضسسد مختلسسف‬
‫أنواع الكافرين؟‬
‫وقبل ذلك هل نريد أن نحكم بشريعة الله؟ ونتخلص من شرائع النصارى و قسسوانين‬
‫الكفار التي تحكمنا؟‬
‫فإذا كان جسسواب أحسسدهم علسسى هسسذه السسسئلة بسسالنفي! فهسسو ليسسس معنسسي بمسسا يهسسم‬
‫المسلمين من مسائل هذا الكتاب‪ .‬بل ل يكون مدرجا على قائمة المسلمين‪.‬‬
‫وأما إذا كان الجواب كما هو مفترض من كل مسلم بنعم‪ ,‬فسسإن المسسسائل السسسابقة‬
‫وعلى رأسها مسألة كفر وردة الحكام المواليين للكفار‪ ,‬ومسألة قتسسالهم مسسع أوليسسائهم‪,‬‬
‫وبالتالي قتال جنودهم تأتى على رأس تلسسك المسسسائل وفسسى مقسسدمتها‪ ,‬ول شسسك شسسرعا‬
‫وعقل ومنطقا فى ذلك‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 177 [ ‬‬

‫وإن من نافلة القول‪ ,‬ومن المعلوم من العقل والبصر بالضــرورة‪ ,‬أن‬


‫نعلم أن المريكان اليوم ل يحاربوننا مباشرة‪ ,‬ول يواجهوننـا علـى الرض‬
‫بجنودهم إل قليل ! وهم يــدفعون بــاللف مــن المنتســبين للســلم مــن‬
‫هؤلء الضلل و الجهال والمكرهين والمرتزقة والمنافقين‪ ,‬يقاتلون مــن‬
‫بين أيديهم ومن خلفهم‪ ,‬عن أيمانهم وعن شمائلهم‪ ,‬بأمر مــن أســيادهم‬
‫المرتدين‪ ,‬كما حصل معنا في أفغانستان ‪ ,‬ويحصل اليوم معنا أيضــا فــي‬
‫باكستان‪ .‬وكما حصل في حــرب الكــويت‪ ,‬حيــث دخلــت الجيــوش العربيــة‬
‫والسلمية تفتح الطريق للمريكان‪ .‬وكما تفعل أمريكا اليوم في العــراق‬
‫بــالجيش والعملء العراقييــن‪ ,‬وبخــدمات جيــوش دول الخليــج العربــي‪,‬‬
‫والردن وباكستان وسواها ‪.‬‬
‫وأما على صعيد مطاردة المريكان‪ ,‬للعلماء والشباب المسلم‪ ,‬فيعرف‬
‫كل عالم‪ ,‬وداعية إلى الله‪ ,‬وكل شاب مجاهد‪ ,‬أن الذي يضرب عليه الباب‬
‫ليل ويجره بثياب النوم إلــى الســجن‪ ,‬ويكشــف ســوأة بيتــه وأهلــه‪ ,‬ليــس‬
‫أمريكيا وإنما من بني جلدته! فهل الجلد الذي يستقبله بالضرب والركــل‬
‫والشتم في السجن؟وهل القاضي الذي يحكم عليـه بغيـر مـا أنـزل اللـه‪,‬‬
‫بالعدام أو السجن؟وهل الذين ينفذون هذه الحكام؟؟ هل كل من ســبق‬
‫مـن هــؤلء هـم مـن اليهـود والمريكـان؟؟ أم مـن الـذين يزعمـون أنهـم‬
‫مسلمين؟! إنهم من المرتدين والضلل من بني قومنا‪ .‬فهل ســنقاتلهم‪,‬‬
‫أم سنسلم إليهم ديننا وأعراضنا‪ ,‬ونبيــح لهــم أموالنــا ودمائنــا؟ وبالتــالي‬
‫يضرب اليهود والمريكان والصليبيون جذورهم في بلدنا ويفعلون بنا مــا‬
‫يشاؤون‪.‬‬

‫يجب أن نقاتلهم دفاعا عن دين الله والمستضعفين‪ .‬وأمر الله واضح‪:‬‬


‫‪ ‬وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ول تعتدوا ‪ ‬البقرة – ‪.190‬‬

‫سسساءِ‬ ‫ل َوالن ّ َ‬ ‫جسسا ِ‬


‫ن الّر َ‬ ‫مس َ‬‫ن ِ‬ ‫في َ‬
‫ضسعَ ِ‬ ‫ست َ ْ‬
‫م ْ‬ ‫ل الل ّسهِ َوال ْ ُ‬ ‫سِبي ِ‬‫ن ِفي َ‬ ‫قات ُِلو َ‬
‫م ل تُ َ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬ ‫‪ ‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫مس ْ‬ ‫ل ل َن َسسا ِ‬
‫جعَ س ْ‬‫ظال ِم ِ أهْل َُها َوا ْ‬‫قْري َةِ ال ّ‬ ‫ن هَذ ِهِ ال ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫جَنا ِ‬ ‫خر ِ ْ‬‫ن َرب َّنا أ ْ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫دا ِ‬ ‫َوال ْوِل ْ َ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫ل الل ّهِ َوال ّ ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫قات ُِلو َ‬
‫مُنوا ي ُ َ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫صيرا ً * ال ّ ِ‬ ‫ك نَ ِ‬ ‫ن ل َد ُن ْ َ‬
‫م ْ‬‫ل ل ََنا ِ‬‫جعَ ْ‬ ‫ك وَل ِي ّا ً َوا ْ‬ ‫ل َد ُن ْ َ‬
‫شي ْ َ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫َ‬
‫قات ُِلوا أوْل َِياءَ ال ّ‬ ‫ل ال ّ‬
‫ن‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫طا ِ‬ ‫ن ك َي ْد َ ال ّ‬‫ن إِ ّ‬‫طا ِ‬ ‫ت فَ َ‬ ‫غو ِ‬ ‫طا ُ‬ ‫سِبي ِ‬‫ن ِفي َ‬ ‫قات ُِلو َ‬ ‫فُروا ي ُ َ‬ ‫كَ َ‬
‫عيفا ً ‪)‬النساء‪.(75 /76:‬‬ ‫ض ِ‬ ‫َ‬
‫ونلفت النظر إلى أننا هنا بصدد معرفة الحكم الشرعي لقتال هؤلء ‪ ,‬ولسنا بصسسدد‬
‫قضايا الرأي والحرب والمكيدة‪ ,‬من قتالهم هجوما أم دفاعا‪ ,‬وتقديم ذلك أو تأخيره عن‬
‫قتال المريكان والكفار فسذلك مستروك لقسادة الجهساد وأمسسراء الحسرب مسن المسسسلمين‪,‬‬
‫بحسب مقتضيات الضرورة والمصلحة‪.‬‬

‫*************‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 178 [ ‬‬

‫هل يعذر الجندي المقاتل للمسلمين مع الكافرين بالجهل ؟ ‪:‬‬


‫أما العذر بالجهل‪ ,‬فهو كما قلنا أن يقدم المسلم على فعل الكفر‪ ,‬جاهل بسسأنه فعسسل‬
‫محرما يترتب عليه الكفر‪ .‬أي في حالة مثالنا أن يقدم هذا الجندي المسلم علسسى قتسسال‬
‫المسلمين‪ ,‬معتقسسدا أن رئيسسسه ولسسي أمسسر مسسسلم‪ ,‬وأنسسه يقاتسسل ناسسسا غيسسر مسسسلمين‪ ,‬أو‬
‫مسلمين مستحقين للقتال )بغاة ‪ ,‬مفسسسدين(‪ .‬بحيسسث يكسسون جهلسسه هسسذا حقيقيسسا‪ .‬وكسسأن‬
‫يجهل أنه يقاتل مع الكفار ‪ ,‬أو يظن أنهم كفار جاؤوا لمساعدة رئيسه المسلم ضد مسسن‬
‫يجوز قتالهم شرعا‪.‬‬
‫فان توفر مثل هذا الجهل المفترض لهذا الجندي ‪ ,‬فقاتل المسسلمين مسع الكسافرين‬
‫وهو ل يدري حال رئيسه ومن معه ول حسسال المسسسلمين المظلسسومين السسذين يقسساتلهم ‪...‬‬
‫فهذا قد يعذر بجهله عند الله‪ ,‬ل نحكم بكفره عينا ‪ .‬لو ثبت لدينا له مثل هذا الجهل‪.‬‬
‫فهل يتوفر مثل هذا الجهل اليوم‪ ,‬لهؤلء الجنود والضباط والشرطة والسسستخبارات‬
‫المقاتلين للمسلمين والمجاهدين‪ ,‬بأوامر هؤلء المرتسسدين إلسسى جسسانب وبقيسسادة جيسسوش‬
‫اليهود والنصارى؟! هل يعقل هذا مع انتشار وسائل العلم المختلفسسة‪ ,‬مسسن الذاعسسات ‪,‬‬
‫والتلفزيونسسات‪ ,‬و الدشسسوش ‪ ,‬والصسسحف والمجلت؟! بالضسسافة إلسسى قيسسام المسسسلمين‬
‫بالمظاهرات في الشوارع‪ ,‬والخطباء في المساجد ‪ ,‬وحديث الناس في كل مكسسان عسسن‬
‫هذه القضايا! حتى يمكن القول اليوم بأن طبيعة المعركسسة بيسسن المسسسلمين والكسسافرين‪,‬‬
‫وفسسساد الحكسسام وكفرهسسم وفجسسورهم‪ ,‬وسسسفور نسسسائهم وفضسسائح أبنسسائهم وأقربسسائهم ‪,‬‬
‫وحكمهم بغير شريعة السلم وولئهم للكفار‪ ,‬ومحاربتهم للمساجد والعلمسساء والشسسباب‬
‫المسلمين المجاهدين‪...‬الخ‪ .‬قد صارت معلومة لكل أحد‪ ,‬في كل بلد المسلمين ومنهسسا‬
‫باكستان‪ .‬فإن كان فى هؤلء الجنود من بلغت به البلهة أن يجهسسل هسسذه المسسور!! فهسسو‬
‫معذور بجهله والله تعالى أعلم‪ .‬نقاتله وجوبا أو جسسوازا ‪ ,‬وقسسد ينفعسسه عسسذره عنسسد اللسسه ‪,‬‬
‫ويبعث على نيته‪.‬‬

‫هل يعذر الجندي المقاتل للمسلمين مع الكافرين بالكراه ؟ ‪:‬‬


‫سنتوقف مع هذا العذر‪ ,‬بشيء من التفصيل‪ -‬رغم رغبتنا باليجاز – لنه الهم‪ ,‬ولنه‬
‫العذر الشائع‪ .‬فمعظم هؤلء الجنود والضباط العسساملين فسسي الجيسسش والشسسرطة وقسسوى‬
‫المن‪ ,‬يعترفون بإدراكهم للواقع‪ .‬ولكن يعتذرون أو يعتذر من يسسدفع عنهسسم صسسفة السسردة‬
‫والكفر‪ ,‬بأنهم مكرهون ومجبرون على قتال المسسسلمين بسسأوامر أسسسيادهم المرتسسدين أو‬
‫الظسسالمين‪ ,‬إلسسى جسسانب وبقيسسادة الكسسافرين ‪ .‬كمسسا حصسسل فسسي بعسسض السسدول العربيسسة‬
‫والسلمية‪ ,‬حيث سسساقت أمريكسسا عبيسسدها الحكسسام لقتسسال المسسسلمين‪ ,‬فسسساقوا عبيسسدهم‬
‫الجنود لذلك‪.‬‬
‫فهل يمكن قبول عذر هؤلء بالكراه ؟! فلنر ذلك‪:‬‬
‫الكراه شرعا‪:‬‬
‫مكره هو المجبور على فعل أو قسسول شسسيء ليريسسده‪ ,‬ول يفعلسسه فسسي‬ ‫هو الجبار‪ ,‬وال ُ‬
‫حال زوال الكراه عنه‪ .‬يقول المام ابن حجر في كتابه الجليل‪ ,‬فتح البسساري فسسي شسسرح‬
‫صحيح البخاري‪ ,‬فى باب الكسسراه‪ ,‬ج ‪ 12‬ص ‪ ] : 385‬الكسسراه‪ :‬هسسو إلسسزام الغيسسر بمسسا ل‬
‫يريده‪ .‬وشروط الكراه أربعة‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن يكون فاعله قادرا على إيقاع ما يهدد به‪ .‬والمأمور عــاجزا‬
‫عن الدفع ولو بالفرار‪.‬‬
‫الثانى‪ :‬أن يغلب على ظنه أنه إذا امتنع أوقع به ذلك‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 179 [ ‬‬

‫الثالث‪ :‬أن يكون ما هدده به فوريا‪ ,‬فلو قــال لــه‪ :‬إن لــم تفعــل كــذا‬
‫ضربتك غدا‪ ,‬ل يعد مكرها‪ .‬ويستثنى ما إذا ذكر زمنا قريبا جدا‪,‬‬
‫أو جرت العادة بأنه ل يخلف‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬أل يظهر من المأمور ما يدل على اختياره‪ .‬كمــن أكــره علــى‬
‫الزنا فأولج وأمكنه أن ينزع ‪ ,‬ويقــول‪ :‬أنزلــت ‪ ,‬فيتمــادى حــتى‬
‫ينزل‪ [.‬أهـ‪.‬‬

‫فالمستخلص من كلمه رحمه الله‪ ,‬أن المكره هو ‪ :‬من أجبر على فعل مسسال يريسسد‪,‬‬
‫بحيث‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬أنه ل يريد هذا الفعل باختياره وإنما بالجبار الحقيقي‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬أنه ل يستطيع عدم الستجابة‪ ,‬عاجز عن دفع الكراه‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬أنه ل يستطيع التخلص ممن أكرهه بفرار أو بهجرة أو نحوها‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬أنه يتيقن وقوع التهديد قريبا وبالتأكيد‪..‬‬
‫خامسًا‪ :‬أن ل يتمادى بالفعل إن زال عنه الكراه‪ ,‬لمصلحة أو شهوة‪.‬‬

‫فهسل تنطبسق هسذه الشسروط علسى هسذا السذي يزعسسم أنسه مسسلم‪ ,‬ثسم يقصسد قتسسال‬
‫المسسسلمين‪ ,‬فيسسسفك دمسساءهم‪ ,‬ويهتسسك أعراضسسهم‪ ,‬وينهسسب أمسسوالهم‪ ,‬بسسأوامر المرتسسدين‬
‫وصحبة المريكان والكافرين؟! يجب أن يسأل هذا الجندي أو الشرطي أو رجل المن‪,‬‬
‫بضع أسئلة‪ .‬ليعلم هل هو مكره أم غيسسر مكسسره‪ ,‬أسسسئلة تحسسدد إجاباتهسسا‪ ,‬تسسبرأته إن كسسان‬
‫معذورا في فعلته المكفرة هذه أو الحكم عليه بعدم العذر‪.‬‬
‫هل دخل هذا الجندي الجيش أو الشرطة أو الستخبارات‪ ,‬باختياره أم مجبرا؟ وهذا‬
‫يختلف من دولة إلى أخرى فهناك دول تجند الشباب إجباريا في هسسذه القسسوات‪ ,‬وهنسساك‬
‫دول يكون دخول هذه القوات اختيارا‪ ,‬بل يحتاج إلى الواسطة والرشوة! لما فيهسسا مسسن‬
‫المكاسب وفرص الرشوة والنهب والغصب لموال الناس‪.‬‬
‫هل يستطيع هذا الجندي الستقالة و النسحاب من عمله هذا‪ ,‬بعد أن رأى ما يكره‬
‫عليه‪ ,‬أم ل يستطيع؟‬
‫هل يستطيع الفرار من عمله إذا لم تمكنه الستقالة‪ ,‬بالختفاء في بلده‪ ,‬أو الهجرة‬
‫عنها إن لزم المر أم ل يستطيع ؟‬
‫هل هو مهدد فعل‪ ,‬إن لم ينفذ الوامر‪ ,‬ومتيقن بوقوع العقاب به أم ل ؟‬
‫هل يتمادى بالقتل والنهب وهتك العراض! تحقيقا لرغباته ومصالحه أم للكراه‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 180 [ ‬‬

‫أمور أخرى يجب بيانها في قضية الكراه‪:‬‬


‫ل‪ :‬عندما قسسام مسسدعي الكسسراه بهسسذا العمسسل مختسسارا متطوعسسا‪ -‬أي دخسسل الجيسسش‬‫أو ً‬
‫والشرطة باختياره‪ -‬وليس عبر التجنيد الجباري‪-‬هل كان يعلم أن عمله يقتضي إكراهسسه‬
‫على فعل ما حرم الله أم ل؟ فإذا كسان يعلسسم أنسسه سسسيكره علسسى تنفيسسذ الوامسسر! حللهسسا‬
‫وحرامها بحكم نظام الجيش والشرطة والمن‪ .‬ثم أكره من بعد‪ ,‬لم يكن إكراهه عسسذرا‬
‫له‪ ,‬لنه أقدم مختارا على ما يعلم أنه سيكره فيه على الكفر أو الظلم أو ما حرم الله‪,‬‬
‫وذلك من اشتهار حال هذه المؤسسات وأعمالها! وقد ضرب العلماء مثل لهذه الحالسسة‪,‬‬
‫بمن دخل أرض قوم يكرهون من ساكنهم على الكفر‪ ,‬وهو يعلم قبسسل أن يسدخل بسذلك‪,‬‬
‫ثم دخل فأكرهوه‪ ..‬لم يكن الكراه عذرا له ‪ .‬فهل يعلم مسسن يتطسسوع فسسي هسسذه القسسوات‬
‫مختارا‪ ,‬أنه سيقدم على هذه العمال أم ل يعلم؟ فإذا كان يعلم ما سيكلف به‪ ,‬قبل أن‬
‫يكره‪ ,‬لم يكن عذره بالكراه مقبول‪ ,‬ولو أكره فعل على عمل يكرهه‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬المكره نوعان‪:‬‬


‫من يكره على قول أو عمل كفري ل يؤذي به غيره من‬ ‫‪.1‬‬
‫المسلمين‪:‬‬
‫وإنما يقدم على ما ينتقض الدين بفعله أو قوله‪ ,‬وهو كاره كما أكره سيدنا عمار بن‬
‫ياسر تحت التعذيب على النيل من رسول الله صلى الله عليسسه وسسسلم مجسسبرا‪ ,‬بعسسد أن‬
‫قتلوا أباه وأمه و غطوه في البئر حتى كاد يهلك من التعذيب‪ .‬فقال كلمة الكفر‪ ,‬فعذره‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجازه‪ .‬وجعلها رخصه للمسلمين‪ ,‬فقال‪ ) :‬إن عادوا‬
‫فعد(‪ .‬وبين أن العزيمة والصبر أولى في حالسسة الكسسراه وأكسسثر أجسسرا‪ ,‬وأن الكسسراه عسسذر‬
‫لمن فعله وقلبه مطمئن باليمان‪ .‬في حين لم يقبل العلماء العذر ممسن هسسدد بالعسذاب‪,‬‬
‫ولم يتيقن وقوعه‪ .‬وهكذا لم يقبل المسسام أحمسسد بسسن حنبسسل عسسذر العلمسساء السسذين أجسسابوا‬
‫الحاكم للقول بخلق القرآن لما هددهم واعتذروا بقسسول اللسسه تعسسالى‪ :‬إل مسسن أكسسره‬
‫وقلبه مطمئن باليمان ‪ ‬وبحديث عمسار رضسسي اللسه عنسه‪ ,‬قسال المسسام أحمسسد ‪ ) :‬إن‬
‫عمارا ضربوه وأنتم قيل لكم سنضربكم (ولما احتج يحيى بسسن معيسسن‪ ,‬وهسسو إمسسام جليسسل‬
‫من المحدثين‪ ,‬كان قد ضعف للتهديد‪ ,‬واستجاب واعتذر بهذا العذر‪ ..‬رفض المام أحمد‬
‫حجته وقال‪) :‬يقول لي أكره ولم يضرب سوطا واحدا(‪ .‬ولم يكلمه بقية حياته‪ ,‬ولم يرد‬
‫عليه السلم لما سلم عليه ابن معين‪ ,‬والمام أحمد على فراش المسسوت!! رحمسسه اللسسه‬
‫وأكثر في أمتنا من أمثاله! وقد روي‪:‬عنه قوله )ل إكسسراه إل بالسسسيف( وعسسن غيسسره مسسن‬
‫العلماء أن الكراه هو بالتهديد بالقتل‪ ,‬أو ببتر عضو‪ ,‬وذهب بعضهم بأنه مطلسسق العسسذاب‬
‫الذي ل يطيقه‪ ,‬ول يستطيع الفرار منه‪.‬‬
‫وقد يقول البعض ويعتذر عن فعل حكومة الباكستان أو الكويت والسعودية والردن‬
‫‪ ..‬مثل بمعاونة المريكان‪ ,‬بأن الله قد أباح التقيسة مسن الكسافر‪ ,‬ويقولسون ‪ :‬نحسن نقاتسل‬
‫معهم اتقاء لشرهم علينا وعلى بلدنا ‪ .‬فهسسذا زعسسم مسسردود‪ .‬فسسان اللسسه تعسسالى قسسال فسسي‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫مؤْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫دو ِ‬‫ن ُ‬ ‫م ْ‬
‫ن أوْل َِياَء ِ‬‫ري َ‬‫كافِ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫مُنو َ‬ ‫مؤْ ِ‬‫خذِ ال ْ ُ‬‫سورة آل عمران الية )‪  :(28‬ل ي َت ّ ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ن الل ّهِ ِفي َ‬
‫ه‬
‫سس ُ‬‫ف َ‬ ‫ه نَ ْ‬ ‫م الل س ُ‬ ‫ُ‬
‫ح سذ ُّرك ُ‬
‫قاةً وَي ُ َ‬
‫م تُ َ‬‫من ْهُ ْ‬
‫قوا ِ‬ ‫ن ت َت ّ ُ‬‫يٍء إ ِل أ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫م َ‬ ‫ك فَل َي ْ َ‬
‫س ِ‬ ‫ل ذ َل ِ َ‬‫فعَ ْ‬‫ن يَ ْ‬
‫م ْ‬ ‫وَ َ‬
‫صيُر ‪.‬‬ ‫م ِ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫وَإ ِلى اللهِ ال َ‬‫َ‬
‫قال ابن كثير في تفسيرها ]أي إل من خاف في بعض البلدان والوقات من شرهم‬
‫فله أن يتقيهم بظاهره ل بباطنه ونيته‪.‬‬
‫كما قال البخاري عن أبى الدرداء إنه قال‪ ) :‬إنا لنكشسسر فسسي وجسسوه أقسسوام وقلوبنسسا‬
‫تلعنهم ( وقال الثوري‪) :‬قال ابن عباس‪ :‬ليس التقية بالعمل‪ ,‬إنما التقية باللسان[ ا هس‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 181 [ ‬‬

‫هو المكره على فعل يؤذي به غيره من المسلمين ‪:‬‬ ‫‪.2‬‬


‫كمن يأمر بقتل مسلم أو هتك عرضه أو نهب ماله‪ ,‬أو أذيته‪ ,‬وقد نص العلماء علسسى‬
‫أن المسلم ل يعذر أن يوقع بغيره الذى إن هدد هو به‪ ,‬فل يجوز له إن هدد بأخسسذ مسساله‬
‫إن لم ينهب غيره من المسلمين‪ ,‬أن يدفع عن ماله بنهب مال مسلم آخر‪ ,‬ثم يقول أنسسا‬
‫مكره‪.‬‬
‫وأخطر من ذلك ‪ ,‬ل يجوز له أن يقتل مسلما‪ ,‬إن هدد بالقتسسل إذا لسسم يقتلسسه‪ ,‬فقسسال‬
‫العلماء‪ :‬ليس حفظ نفسه مقدم علسسى إزهسساق نفسسس مسسسلم‪ ,‬بسسل يجسسب عليسسه أل يقتسسل‬
‫مسلما ولو قتلوه‪ ,‬فيقتل صابرا محتسبا‪ ,‬وبهذه النية يكون شهيدا إن شاء الله‪.‬‬
‫فهل يفعل هؤلء الجند )المكرهون بزعمهم( هذا؟! هل لو رفض هسسذا الجنسسدي قتسسل‬
‫المسلمين‪ ,‬يقتل؟ أم يسسسجن؟ أم يقطسسع مرتبسسه ومعاشسسه؟ أم يطسسرد مسسن وظيفتسسه فسسي‬
‫الجيش أو الشرطة فقط؟‪.‬‬
‫فيقدم على قتل المسلمين‪ ,‬وقد جعل الله زوال الكعبة أهون عنده من قتل امسسرئ‬
‫منسا ً‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ل ُ‬ ‫قت ُس ْ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫مس ْ‬ ‫مسلم! كما أخبر صلى الله عليه وسسسلم وقسسد قسال اللسسه تعسسالى‪  :‬وَ َ‬
‫ذابا ً عَ ِ ً‬ ‫َ‬
‫ظيما ‪) ‬النسسساء‪:‬‬ ‫ه عَ َ‬ ‫ه وَأعَد ّ ل َ ُ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَل َعَن َ ُ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫خاِلدا ً ِفيَها وَغَ ِ‬ ‫م َ‬ ‫جهَن ّ ُ‬ ‫جَزاؤُهُ َ‬ ‫مدا ً فَ َ‬ ‫مت َعَ ّ‬ ‫ُ‬
‫‪ . (93‬هذا إن قتله في شجار على الدنيا‪ ,‬أو نزغة شيطان‪ ,‬فكيف بمن قتله لنه مسسؤمن‬
‫مهاجر مجاهد في سبيل الله‪ ,‬إرضاء لمريكا ؟!‪.‬‬
‫فهؤلء الجنود الذين يظنون أنفسسهم مكرهيسن‪ ,‬يقتلسون المسسلمين‪ ,‬حستى ل يطسرد‬
‫واحدهم من وظيفته‪ ,‬أويناله بعض العذاب‪ .‬فهذا ليس حساله حسال المكسسره‪ ,‬وإنمسا كمسن‬
‫قال الله تعالى عنهم‪  :‬ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا عن الخرة وأن الله ل يهسسدي‬
‫القوم الكافرين ‪ .‬فهنسساك فسسرق بيسسن مسسن أكسسره فنطسسق بكلمسسة الكفسسر وقلبسسه مطمئن‬
‫باليمان‪ .‬وبين من شرح بالكفر صدرا‪ ,‬فقال كلمة الكفسسر‪ ,‬وفعسسل فعسسل الكفسسر‪ ,‬حفاظسسا‬
‫على حظه من الدنيا‪ .‬وقد بين القرآن الكريم هذا صراحة‪ :‬إذ قال الله تعالى في سورة‬
‫ن‬‫مس ْ‬ ‫ن* َ‬ ‫م ال ْك َسساذُِبو َ‬ ‫ك ه ُس ُ‬ ‫ت الل ّسهِ وَُأول َئ ِ َ‬ ‫ن ِبآيسسا ِ‬ ‫من ُسسو َ‬ ‫ن ل ي ُؤْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬ ‫ري ال ْك َذِ َ‬ ‫فت َ ِ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫النحل‪  :‬إ ِن ّ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ر‬
‫ف ِ‬ ‫ُ‬
‫ح ِبسالك ْ‬ ‫شسَر َ‬ ‫ن َ‬ ‫مس ْ‬ ‫ن َ‬ ‫كس ْ‬ ‫ن وَل ِ‬ ‫مسا ِ‬ ‫لي َ‬ ‫ن ِبا ِ‬ ‫مئ ِ ّ‬ ‫مط َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن أكرِهَ وَقَلُبس ُ‬ ‫ْ‬ ‫م ْ‬ ‫مان ِهِ ِإل َ‬ ‫ن ب َعْدِ ِإي َ‬ ‫م ْ‬ ‫فَر ِبالل ّهِ ِ‬ ‫كَ َ‬
‫حَياةَ الد ّن َْيا عََلى‬ ‫َ‬
‫حّبوا ال ْ َ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ما ْ‬ ‫ك ب ِأن ّهُ ُ‬ ‫م* ذ َل ِ َ‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ن الل ّهِ وَل َهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ب ِ‬ ‫ض ٌ‬ ‫م غَ َ‬ ‫درا ً فَعَل َي ْهِ ْ‬ ‫ص ْ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ع‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ط‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫أو‬‫ُ‬ ‫*‬ ‫ن‬ ‫ري‬ ‫ف‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫دي‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫خ‬‫ِ‬ ‫ال‬
‫ِِ ْ َ ْ ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ َ‬ ‫ِ‬
‫ك‬ ‫ن َرب ّس َ‬ ‫ن * ث ُّ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫جرم أ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وأ َبصارهم و ُ‬
‫م إِ ّ‬ ‫سُرو َ‬ ‫خا ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ة‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫خ‬
‫ِ‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫م‬‫ُ ْ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫*‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫لو‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫غا‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫ل‬ ‫أو‬ ‫َ ْ َ ِ ِ ْ َ‬
‫م‪‬‬ ‫حي س ٌ‬ ‫فسسوٌر َر ِ‬ ‫ها لغَ ُ‬ ‫َ‬ ‫ن ب َعْسدِ َ‬ ‫مس ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫صب َُروا إ ِ ّ‬ ‫دوا وَ َ‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ما فُت ُِنوا ث ُ ّ‬ ‫ن ب َعْدِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫جُروا ِ‬ ‫ها َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ِل ّ ِ‬
‫)النحل‪. (105/110:‬‬
‫فهسسل هسسؤلء الجنسسود فسسي الجيسسش والشسسرطة والمسسن والسسستخبارات‪ ,‬والسسسجانين‬
‫والجلدين الذين يعذبون الناس حتى الموت‪ ..‬مكرهسسون؟! نعسسوذ بسالله مسسن قسسول السسزور‬
‫وشهادة الزور!! هل هؤلء المجرمون مكرهون؟! أنظر فسسي حسسالهم وسسسلوكهم واحكسسم‬
‫عليه بمقياس السلم ‪ ,‬أنظر في صلتهم‪ ,‬وصيامهم‪ ,‬وأدائهم لشعائر السلم؟ ثم أنظر‬
‫في كسبهم السسحت مسن الرشساوى ومسا يظلمسون النساس ‪ ,‬ويقبضسون المكسوس علسى‬
‫الطرقات ‪ ,‬وفى السواق وعلى أبواب البيوت! ثم انظر فسسي تسسسابقهم علسسى الوظيفسسة‬
‫فسسي هسسذه المؤسسسسات الظالمسسة النجسسسة مسسن الشسسرطة والسسستخبارات والقيسسام علسسى‬
‫السجون والمعتقلت!!‪.‬‬
‫نعم‪ ..‬قد يكون هناك من ل يتلبسس بسذلك ممسن التحسق بسالجيش للسدفاع عسن البلد‬
‫وقتال أعداءها ولم يكن بعلمه ولم يدر بخلده أن يزج به أسسسياده فسسي قتسسال المسسسلمين‬
‫إلسسى جسسانب الكسسافرين‪ ,‬ولكسسن هسسل يعسسذر هسسذا بالقتسسال تحسست قيسسادة ورايسسة الكسسافرين‪,‬‬
‫والمريكان والنجليز‪ ,‬لسفك دم المؤمنين‪ .‬ثم يقول‪ :‬أنا مجبور مكره!‬
‫فهل تطوع بالجيش وهو يعلم حال قيادته ورئاسته وما هم عليه من السسردة‪ ,‬بتبسسديل‬
‫الشرائع والعمالة للكفار والفساد والرشوة و البغي والظلم‪ ,‬أو ل‪.‬؟؟‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 182 [ ‬‬

‫وهل دخل الجيش دفاعا عن الوطن والرض والقوم؟ هذه كلها ليسسست مسسن سسسبيل‬
‫الله فى شيء ما لم تكن لتكون كلمة الله هي العليا بل هي نوايا عصبية جاهلية!‬
‫فإن كان قد دخل بنية الجهاد في سسسبيل اللسسه‪ ,‬لنسسه قسسد دلسسس عليسسه بعسسض العلمسساء‬
‫المدلسسسين‪ ,‬بسسأن هسسذه الحكومسسة ورؤسسساءها مسسسلمون وأوليسساء أمسسور شسسرعيون‪ .‬وأن‬
‫مفاسدهم ل تخرجهم عن السلم!‪ .‬وانطلت عليه هذه الخديعة الضالة‪ ,‬ثم وجسسد نفسسسه‬
‫أمام الحال الجديد ‪ ..‬فهذا قد يعذر بجهله لوجوده في مثل هسسذا الجيسسش‪ ,‬وقتسساله تحسست‬
‫رايته بقصد الدفاع عن المسلمين‪ ,‬ولكن هل يعذر بجهله‪ ,‬وبالكراه فى قتل المسسسلمين‬
‫إرضاء للكافرين‪ ,‬وتحت رايتهم وقيادتهم؟! اللهم ل‪.‬‬
‫هذا واجبه الستقالة من هذا الجيش‪ ,‬أو على القل رفض الوامسسر مسسن هسسذا النسسوع‪,‬‬
‫والفرار من القتال ولو سجن أو عذب أو طرد من وظيفة‪ .‬وهذا العقاب في حقه نعمسسة‬
‫خّير و ُأجبر علسسى قتسسل مسسسلم‬ ‫من الله يخرجه من الضللة ومن غضب الله عليه – فإن ُ‬
‫أو يقتل‪ ,‬فواجبه أن يختار القتل صسابرا محتسسسبا علسى أن يقتسسل مسسسلما‪ ,‬وليسسس لسسه أن‬
‫يقتل مسلما ثم يقول أنا مكره‪ ,‬هذا ليس بعذر إكسسراه شسسرعي‪ ,‬فليسسس مسسن الكسسراه أن‬
‫يقدم على قتل المسلمين وهتك حرماتهم ثم يقول ‪ :‬إذا لم أفعل طردت من عملي‪ ,‬أو‬
‫قطع راتبي أو وضعت على عقوبات مالية! إن واجب هذا الجندي إن وجد نفسه مكرها‬
‫على قتسسال المسسسلمين مسسن قبسسل أسسسياده المرتسسدين‪ ,‬أو أسسسيادهم المريكسسان والنجليسسز‬
‫والكافرين‪ ...‬أن يستدير بسلحه لقتال من يكرهه على فعل الكفسسر‪ ,‬ويجاهسسده بسسسلحه‬
‫ويقتل شهيدا صابرا مجاهدا وليس أن يتلطخ بدم المسسلمين وأعراضسهم ويظسن نفسسسه‬
‫مكرها‪ ..‬فإن لم يمكنه الخلص إل بالفرار من الجيش وعجز عن قتالهم لضعفه أو لقلة‬
‫من معه‪ ,‬وجب عليه الفرار والهجرة عن بلده‪ .‬وأرض الله واسعة وعندها يكون مهاجرا ً‬
‫في سبيل الله صابرا فارا من الفتنة بدينه‪ .‬والهجرة والفرار من حكومة كهسسذه القائمسسة‬
‫في باكستان‪ ,‬فرض على من وجد نفسه أمام الفتنة في دينه والضطرار لفعسسل الكفسسر‬
‫بالقتال تحت قيادة وراية المريكان إن عجز عن قتال هذه الحكومة وقسسد أخسسبر القسسرآن‬
‫الكريم‪ ,‬وبينت السيرة النبوية الشريفة‪ ,‬ونصوص السنة عسسن قسسوم مسسسلمين بقسسوا فسسي‬
‫مكة بعد أن هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ولم يهسساجروا لن لهسسم‬
‫في مكة مصالح‪ ,‬من أهسسل ومسسساكن وتجسسارة‪ .‬فلمسسا كسسانت غسسزوة بسسدر بيسسن المسسسلمين‬
‫ومشركي مكة ‪ ,‬أكرهوا على الخروج مع كفار مكة إجبسسار أو حيسساء مسسن قسسومهم‪ .‬فقتسسل‬
‫بعضهم فى المعركة فتأسف المسلمون على قتلهم وقسسالوا قتلنسسا إخواننسسا! فسسأنزل اللسسه‬
‫م قَسساُلوا‬ ‫م ك ُن ْت ُس ْ‬ ‫م َقاُلوا ِفي س َ‬ ‫سه ِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫مي أ َن ْ ُ‬ ‫ة َ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ن ت َوَّفاهُ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫تعالى فيهم قوله‪  :‬إ ِ ّ‬
‫ُ‬
‫جُروا ِفيهَسسا فَسأول َئ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫ك‬ ‫ة فَت ُهَسسا ِ‬ ‫س سع َ ً‬ ‫ض الل ّسهِ َوا ِ‬ ‫ن أْر ُ‬ ‫م ت َك ُس ْ‬ ‫ض قَسساُلوا أل َس ْ‬ ‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫في َ‬ ‫ضع َ ِ‬‫ست َ ْ‬‫م ْ‬ ‫ك ُّنا ُ‬
‫ْ‬
‫نل‬ ‫دا ِ‬ ‫سسساِء َوال ْوِل ْس َ‬ ‫ل َوالن ّ َ‬ ‫جسسا ِ‬ ‫ن الّر َ‬ ‫مس َ‬ ‫ن ِ‬ ‫في َ‬ ‫ض سع َ ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫صسسيرا ً * إ ِّل ال ْ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ت َ‬ ‫سسساَء ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫جهَن ّس ُ‬ ‫م َ‬ ‫مأَواهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ف سوّا ً‬ ‫ه عَ ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫ن الل س ُ‬ ‫م وَكا َ‬ ‫فوَ عَن ْهُ ْ‬ ‫ن ي َعْ ُ‬ ‫هأ ْ‬ ‫سى الل ُ‬ ‫سِبيل * فأولئ ِك عَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫دو َ‬ ‫ة َول ي َهْت َ ُ‬ ‫حيل ً‬ ‫ن ِ‬ ‫طيُعو َ‬ ‫ست َ ِ‬
‫يَ ْ‬
‫ن‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫غَ ُ‬
‫مس ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫خُر ْ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫سع َ ً‬‫مَراغما كِثيرا وَ َ‬ ‫ض ُ‬ ‫جد ْ ِفي الْر ِ‬ ‫ل اللهِ ي َ ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫جْر ِفي َ‬ ‫ن ي َُها ِ‬‫م ْ‬ ‫فورا * وَ َ‬
‫َ‬
‫ن الل ّس ُ‬
‫ه‬ ‫ج سُرهُ عَل َسسى الل ّسهِ وَك َسسا َ‬ ‫ق سد ْ وَقَسعَ أ ْ‬ ‫ت فَ َ‬ ‫موْ ُ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫م ي ُد ْرِك ْ ُ‬ ‫سول ِهِ ث ُ ّ‬ ‫جرا ً إ َِلى الل ّهِ وََر ُ‬ ‫مَها ِ‬ ‫ب َي ْت ِهِ ُ‬
‫حيما ‪ ‬النساء )‪. (100-97‬‬
‫ً‬ ‫فورا َر ِ‬‫ً‬ ‫غَ ُ‬
‫ً‬
‫وقد بينت هذه اليات بصراحة كما شرحها المفسرون أحكاما هامة منها‪:‬‬
‫• وجوب الهجرة من ديار الكفر والفرار من فتنها‪ .‬خاصة لمن يتعرض‬
‫للفتنة إلى حيث ل يفتن فى دينه‪.‬‬
‫• أن من أكره وخرج للقتال مع الكافرين‪ .‬لم يتقبسسل عسسذره لنسسه كسسان‬
‫عليه أن يهاجر بدل البقاء حتى يكره للخروج لقتال المسلمين مع الكسسافرين‪.‬‬
‫وأن من قتل منهم كان مصيره إلى جهنم ولم يقبل عذره‪.‬‬
‫• أن الله عذر المستضعفين الذين لم يهسساجروا لنسسه ل حيلسسة لهسسم‪ ,‬ول‬
‫يهتدون إلى طريق للهجرة‪ ,‬ول سبيل لسسديهم إليهسسا‪ .‬فهسسؤلء معسسذورون بعسسدم‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 183 [ ‬‬

‫الهجرة‪),‬وليس العذر للقتال مع الكفار( ووعدتهم الية بالعفو والمغفرة عسسن‬


‫تقصيرهم بعدم الهجرة‪.‬‬
‫• ثم بشر القرآن المهاجر فى سبيل الله بكفالة الله له بسعة السسرزق‬
‫فى الدنيا‪ ,‬وأنه إن مان فإن الله ضامن لجره في الخرة‪.‬‬

‫فأين هذه الحوال‪ ,‬من هؤلء المنتسبين لهذه الجيوش الظالمة‪.‬‬


‫هل هم مكرهون مهددون بالقتل إن لم يقتلوا المسلمين؟ ل‪ .‬وحتى لسسو كسسان ذلسسك‪,‬‬
‫فليس هذا بعذر وعليهم حينها الهجرة والفرار ممن أكرههم‪.‬‬
‫ولكن الحقيقة المرة‪ ,‬هي أن أكثرهم يقدم على فعل الكفر هسسذا بقتسسال المسسسلمين‬
‫مع الكافرين حرصا على ما توفره له الوظيفة فى الجيش أو الشرطة أو الستخبارات‪,‬‬
‫مسسن السسبيوت الفارهسسة‪ ,‬والسسسيارات الفخمسسة‪ ,‬والمرتبسسات العاليسسة المنهوبسسة مسسن ثسسروات‬
‫المسسسلمين‪ ,‬والمكسسوس الموضسسوعة علسسى ضسسعفائهم‪..‬ثسسم يعتسسذرون بسسأنهم فسسى الجيسسش‬
‫والشرطة للدفاع عن الوطن‪ ,‬وأنهم مكرهون على قتال المسلمين بحكم الوظيفة‪.‬‬
‫فهذا ليس بإكراه ل شرعا ول عقل‪..‬أيقبل عذر واحدهم بالكراه على قتسسل مسسسلم؟‬
‫ول يقبل عذر المسلم المهاجر المجاهد فى سبيل الله بقتل هسسؤلء دفاعسسا عسسن نفسسسه؟‬
‫وهم الذين قصدوه بالعدوان و جاءوه بصحبة الجنود المريكان ودهموا بيته عليه وعلسسى‬
‫زوجته وأولده‪.‬‬
‫فكما أسلفنا هذا ليس بإكراه وإنما هو حال وصفه الله سسسبحانه وتعسسالى بقسسوله‪ :‬‬
‫ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الخرة وأن الله ل يهدي القوم الكافرين ‪.‬‬
‫وأما حال المكره المعذور شرعا ً من الذين يقاتلون المسلمين فهو كما يلي‪:‬‬
‫• أنه أكره على التجنيد إجباريسسا فسسى جيسسش يقاتسسل المسسسلمين وليسسس‬
‫باختياره‪.‬‬
‫• أنه عجز فعل عن الفرار أو الهجرة‪.‬‬
‫• يجب عليه أن يورى فى القتال ول يمد سلحه لذى المسسسلمين بسسل‬
‫يعطل سلحه ولو قتل بيد الكفسسار أو المسسسلمين‪ ,‬وهسسو بهسسذه النيسسة شسسهيد‪.‬إن‬
‫شسساء اللسسه‪ .‬فسسإن كسسان فسسى جيسسوش الطسسواغيت و شسسرطتهم ممسسن قسساتلوا‬
‫المسلمين‪ ,‬أو فيمن فعل فعلتهم‪ ,‬جندي تنطبق عليه مواصفات هذا المكسسره‬
‫فهو معذور‪ .‬و إل فل عذر له‪.‬‬

‫*************‬

‫خامسا ‪ :‬أحكام الشريعة تقرر وجوب أو جــواز قتــال الصــائل علــى ديــن‬
‫المسلمين أو أنفسهم أو أعراضهم أوأموالهم ولو كان مسلما‪.‬‬
‫قد يصر مكابر‪ ,‬رغم الدلة الواضحة‪ ,‬بسسأن هسسؤلء الجنسسود المقسساتلين للمسسسلمين مسسع‬
‫الكافرين والمرتسسدين ‪ ,‬هسسم مسسسلمون‪ ,‬يصسسلون ويصسسومون‪ ,‬ويشسسهدون أل إلسسه إل اللسسه‪,‬‬
‫محمدا رسول الله‪ ,‬ول يكفرون بقتسسالهم للمسسسلمين‪ .‬فلمثسسل هسسذا حسستى نكسسون عملييسسن‬
‫وحسما لجدل فارغ ل يقسسوم بالدلسسة وإنمسا بسالعواطف والهسسواء نقسسول‪ :‬هسسب ذلسسك‪,‬فسسإن‬
‫للمسلم الذي يحمل السلح على المسلمين‪ ,‬بغيا‪ ,‬أو فسسسادا فسسى الرض‪ ,‬أحكامسسا بينهسسا‬
‫العلماء تحت عنوان (دفع الصائل المسلم( ‪ .‬فقد بين العلماء أن كل دين نسسزل مسسن‬
‫عند الله‪ ,‬جاء للحفاظ على الضرورات الخمسسسة )السسدين – النفسسس – العسسرض‪ -‬العقسسل‪-‬‬
‫المال( ولذا فيجب المحافظة على هسسذه الضسسرورات بسسأي وسسسيلة مشسسروعة‪ ,‬ومسسن هنسسا‬
‫شرع السلم دفع الصائل‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 184 [ ‬‬

‫والصيال شرعًا‪ :‬كما عرفه العلماء هو الوثوب على الشيء المعصوم بغير حسسق‪,‬‬
‫والمعصوم هو النفس أو العرض أو المال‪.‬‬
‫والصائل كما عرفه العلماء‪ :‬هو كل معتد على ما كان معصسسوما شسسرعا سسسواء‬
‫كان مسلما عصم بحق السلم أو عصمته ذمة المسلمين‪ .‬فالقتال لدفع هسسذا المعتسسدي‬
‫مشروع شرعا بالدفع عن الحرمات بل يصير واجبا فى كثير من الحالت‪ .‬قسال تعسسالى ‪:‬‬
‫‪ ‬فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 185 [ ‬‬

‫أما الصائل على الدين‪:‬‬


‫فواجب بقوله صلى الله عليه وسلم (من قتل دون دينه فهو شهيد( قال ابن‬
‫تيميسسة رحمسسه اللسسه ‪ ( :‬وأما قتال الــدفع فهــو أشــد أنــواع دفــع الصــائل عــن‬
‫الحرمة والدين واجب إجماعا فالعدو الصــائل الــذي يفســد الــدين والــدنيا‬
‫لشيء أوجب بعد اليمان من دفعه(‪ .‬الفتاوى الكبرى ج ‪5‬ص ‪.530‬‬

‫وأما الصائل على العرض‪:‬‬


‫فيجب دفعه باتفاق الفقهاء ولو أدى إلى قتله وإن كان مسلما‪ .‬قال النسسووي‪) :‬وأمسسا‬
‫المدافعة عن الحريم فواجبة بل خلف(‪ .‬وقال الشيخ عبد الله عسسزام رحمسسه اللسسه‪) :‬قسسد‬
‫يسأل سائل ‪ :‬أو يجوز لنا أن نقتل شرطيا يصلي ويصوم‪ ,‬من أجل أنه يريد أن يأخسسذني‬
‫إلى قسم البوليس؟ فقال‪) :‬وأما رأي الفقهاء بالجماع أنسسه ل يجسسوز لحسسد أن يستسسسلم‬
‫لنسان يريد أن ينتهك عرضه)‪ (...‬إتفق الفقهاء جميعا ً على أن دفع الصائل عن العرض‬
‫واجب بالجماع‪ .‬فإذا أنت تركت الشرطة يقتحمون بيتك فى وهن من الليسسل‪ ,‬وزوجتسسك‬
‫عارية فى ثياب النوم يكشفون عنها غطائها ليبحثسسوا أنسسك نسسائم عنسسدها فعرضسسك منتهسسك‬
‫وأنت آثم عند رب العالمين فهنا الظلم‪ .‬والصسسلة والصسسيام مسسن مثسسل هسسذا الشسسرطي ل‬
‫تمنع عنه قضية القتل( الجهاد فقه وإجتهادج ‪ 3‬ص ‪.139‬‬

‫وأما الصائل على النفس‪:‬‬


‫فيجب دفعه عند جمهور العلماء‪ .‬وقد ذهب البعض للجواز دون الوجسسوب‪ ,‬ولسسو كسسان‬
‫مسلما وفى الحديث الصحيح ‪) :‬من قتل دون ماله فهو شهيد‪ ,‬ومن قتل دون دمه فهسسو‬
‫شهيد‪,‬ومن قتل دون دينه فهو شهيد‪ ,‬ومسسن قتسسل دون أهلسسه فهسسو شسسهيد( رواه أحمسسد وأبسسو داود‪.‬‬
‫وروى عنه صلى الله عليه وسلم ‪) :‬من قتل دون مظلمته فهو شهيد( رواه النسائي‪.‬‬
‫قال المام الجصاص بعد هذا الحديث فى أحكام القرآن ج ‪1‬ة ص ‪( : 242‬ل نعلم‬
‫خلفــا أن رجل لــو شــهر ســيفه علــى رجــل ليقتلــه بغيــر حــق أن علــى‬
‫المسلمين قتله(‪.‬‬
‫قال الشيخ الشهيد عبد الله عزام رحمه الله‪):‬وفى هذه الحالة– الصيال – إذا قتسسل‬
‫الصائل فهو فى النار ولو كان مسلما وإذا قتل العادل فهو شهيد‪.‬‬

‫وأما الصائل على المال‪:‬‬


‫فقد ذهب جمهور علماء المسسلمين إلسى جسوازه واعتسبره البعسض واجبسا‪ .‬عسن أبسي‬
‫هريرة رضي الله عنه أن رجل قال‪ :‬يا رسول الله‪ :‬أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مسسالي‪.‬‬
‫قال صلى الله عليه وسلم (ل تعطه( قسسال أرأيسست إن قسساتلني‪ ,‬قسسال صسسلى اللسسه عليسسه‬
‫وسلم (فقاتله( قال‪ :‬أرأيت إن قتلني‪ .‬قال صلى الله عليسسه وسسسلم (فـأنت شـهيد(‬
‫قال أرأيت إن قتلته‪ ,‬قال صلى الله عليه وسلم (هو فى النار( رواه مسلم‪.‬‬
‫ويقول المام ابسسن تيميسسه فسسى مجمسسوع الفتسساوى ج ‪ 28‬ص ‪) ]:45‬والسسسنة والجمسساع‬
‫متفقان على أن الصائل المسلم إذا لسسم ينسسدفع صسسوله إل بالقتسسل قتسسل وإن كسسان المسسال‬
‫الذي يأخذه قيراطا من دينار‪ .‬ففي الصحيح )من قتل دون ماله فهو شهيد( [‪.‬‬
‫قال الشافعي رحمه الله‪) :‬إذا دخل الرجل منزل الرجل ليل أو نهارا بسسسلح فسسأمره‬
‫بالخروج فلم يخرج‪ ,‬فله أن يضربه وإن أتى على نفسه ‪ ,‬أي إذا قتل المسسدفوع( الم ج ‪ 6‬ص‬
‫‪.33‬‬
‫قال ابن تيمية رحمه الله ) السنة والجماع متفقين على أن الصائل المسلم إذا لم‬
‫يندفع صوله إل بالقتل قتل(‪ .‬الفتاوى الكبرى ج ‪.28‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 186 [ ‬‬

‫هذا مختصر أحكام دفع الصائل المسلم على أحسساد المسسسلمين‪ .‬فكيسسف بسسه لسسو جسساء‬
‫يريد الدين أو النفس أو العرض أو المسسال‪ ..‬أو كسسل ذلسسك‪,‬تحسست رايسسة وقيسسادة المريكسسان‬
‫والمرتدين‪.‬؟!‬

‫وســنعيد إيــراد هــذه الدلــة الشــرعية بمزيــد مــن التفصــيل بالضــافة‬


‫لسواها من الحكام الشــرعية الساســية فــي مثــل جهادنــا لعــدائنا هــذه‬
‫اليام ‪ ,‬في الباب الول من الفصل الثــامن فــي الجــزء الثــاني مــن هــذا‬
‫الكتــاب ‪ ,‬وهــو بعنــوان ( الفكــر والمنهــج و العقيــدة الجهاديــة لــدعوة‬
‫المقاومــة الســلمية العالميــة ( حيــث نعــرض لتفاصــيل الدلــة الشــرعية‬
‫لبعض المسائل المنهجية إن شاء الله ‪.‬‬

‫*************‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 187 [ ‬‬

‫‪ ‬أدلة العقل والمنطق على أن الجهاد المسلح‬


‫هو الحل ‪‬‬
‫نحن نسأل من يريد جدالنا في حقيقة أن الجهاد المسسسلح اليسسوم هسسو الحسسل الوحيسسد‬
‫حقيقة !‬
‫إذا لم يكن الحسسل لمشسساكلنا هسسذه وقسسد دهمنسسا العسسدو‪ ,‬بالمقاومسسة المسسسلحة ‪ ,‬فبسسم‬
‫يكون ؟!‬
‫‪.......................................................o‬‬
‫هل بطقطقة المسابح في أركان الزوايا ؟!‬
‫‪.......................................................o‬‬
‫أم بتنقيح السانيد وتأليف البحاث الشرعية ؟!‬
‫‪.......................................................o‬‬
‫أم تراه بالسهر على أزرار الكمبيوتر في معارك النترنت ومناقشاتها‬
‫الحامية ‪ -‬الوطيس؟! أم تراه بالمداخلت التلفونية الثائرة مع مقابلت‬
‫الفضائيات؟!‬
‫‪.......................................................o‬‬
‫أم تراها بالتصفية والتربية وتزكية النفوس ؟! وها هو العدو يصفي‬
‫مقومات وجودنا‪ ,‬ويربي أجيالنا حسبما يريد على مر الساعات والدقائق!‬
‫‪.......................................................o‬‬
‫أم تراها بالصياح في المظاهرات ‪ ,‬وما تجود به الحكومات من إجازة‬
‫الحتجاجات الصامتة أو الصاخبة في الشوارع؟!‬
‫‪.......................................................o‬‬
‫أم تراها بالختراع العظيم الذي توصلت إليه الصحوة ‪ ,‬وما جاءنا به الفقه‬
‫البرلماني؟ بالعتراض على الحتلل وعلى إزهاق النفس وعلى نهب‬
‫الثروات وعلى نهك العراض ‪ ,‬تحت قبة البرلمان ؟!‬
‫‪.......................................................o‬‬
‫أم بس ) الحملة العالمية لمكافحة العدوان ( ‪ .‬ببيان أجوف يرسل بالفاكس‬
‫للفضائيات لستنكار ما يجري من طامات في بلد المسلمين !!‬

‫الحقيقسسة أن حالنسسا مسسع هسسذه الراء كأهسسل بيسست كسانوا ينسسامون مطمئنيسسن ‪ ,‬فسسدهمهم‬
‫اللصوص ليل‪ ,‬فبعضهم ذبح الب ‪ ,‬وبعضهم أثخسسن الم بسسالجراح ‪ ,‬وثسسالث يقصسسد الخسست‬
‫لينهك العرض‪ ,‬ورابع منشغل بنبش الخزائن لسرقة المسسال ‪ ,‬وخسسامس دهسسس الطفسسال‬
‫في عتمة الليل ‪ ,‬وسادس ينهب أثاث البيت ويضرم النار في أنحائه‪...‬‬
‫والرجال من أفراد السرة موزعون في بعض الغسسرف قسسد شسسغل كل منهسسم أمسسره ‪,‬‬
‫وقد هب أخوهم الصغر يناديهم ليهبوا للدفاع عسسن السسدم المسسسفوك والعسسرض المنهسسوك‬
‫والمال المنهوب والبيت الذي تنهدم أركانه‪ ..‬ولمجيب‪..‬‬
‫فأحدهم منهمك في قيام الليل يؤدي ورده ‪ ,‬ومن شدة خشوعه لم يسمع ما يجري‬
‫!‬
‫والثاني منكب على كتب العلم يفتش عن تحقيق سند لم يتأكد من صحته منذ أيسسام‬
‫!! والثالث منهمك في نقاش دعوى مع أحد الجيران يدعوه للصلح !!!‬
‫والرابع يتابع حوارا دينيا مفتوحا عبر النترنت أمام شاشة الكمبيوتر!!!!‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة ‪] 188 [ ‬‬

‫والخامس يطبع بعسض السدعايات النتخابيسة لسسدعم ترشسيح بعسض العلمسساء والسسدعاة‬
‫لنتخابات البرلمان المقبلة‪...‬‬
‫والشاب الصغير يصسسيح ‪ ,‬وأختسسه تلطسسم الخسسد وتسسستغيث ‪ ,‬وبعسسض الطفسسال يرمسسون‬
‫اللصوص المسلحين بالحجارة ‪ ,‬وقد شغل إخوانهم بالدعوة وأنواع العمل السلمي!!‬
‫هذا عن إخوانهم الملتزمين‪ ..‬فلهم إخوة آخرون مشغولون بأمور أخرى‪! ..‬‬
‫فبعضهم يسهر أمام التلفزيون يتابع برنامج ستار أكاديمي ‪ ..‬على قناة فضائية ‪..‬‬
‫وآخر يرتمي ثمل من السكر في إحدى زوايا البيت ‪!..‬‬
‫وثالث منغمس في حديث عاطفي على الموبيل‪ ..‬يرسل رسائل غرامية عبر قنسساة‬
‫روتانا !‬
‫أما أولد العمومة والجيران من حولهم ‪ ,‬فبعضهم في السهرات والسمر‪ ,‬وآخرون‬
‫يقومسسون الليسسل علسى الفسواتير والحسسابات التجاريسسة لمبيعسات ذلسك اليسسوم ‪.‬ز وبعضسسهم‬
‫يحتسي الشاي على ناصية المقهى حتى ساعة متأخرة من الليل ‪!..‬‬
‫ويهسسب الشسساب اليسسافع ليسسدفع اللصسسوص المسسسلحين بسسسكينه ‪ ,‬والطفسسال يسسدفعون‬
‫بالحجسسارة‪ ,‬والخسست تحسساول جهسسدها بكفهسسا العسسزلء‪ ..‬فهسسذا مبلسسغ الجهسسد أمسام اللصسسوص‬
‫المدججين بالسلح ‪ .‬فالدفع والموت والشهادة أرحم من العيش فسسي مثسسل هسسذا السسبيت‬
‫الذي تشهد جدرانه على هذا الخزي والعار والصغار‪ ..‬هذا نموذج أحوال أمتنا اليوم‪..‬‬
‫فهل يظن الطيبون جزاهم الله خيرا على جهودهم في دعوة الفساق إلى الهسسدى ‪,‬‬
‫أنهم قد سقطت عنهم الفريضة المتعينة بالدفع؟! أم يظنسسون أن دعسسوتهم تلسسك سسستدفع‬
‫عدوا غاشما‪ ,‬أو تقيم شرعا مغيبا‪ ,‬أو تغير حكومة خائنة كافرة فاجرة ؟‬
‫أم هل يظنون بأن الحملت الصليبية إن ضربت بجرانها في بلدنا ‪ ,‬وساقت عبيدها‬
‫من الحكام إلى مزيد من محاربسسة السدين وإضسلل أهلسسه ‪ ,‬أنهسسم سسسيبقى أمسامهم مجسال‬
‫للتبليغ والدعوة وعمارة المساجد ؟!‪.‬‬
‫أم هل يظن الدعاة إلى تصحيح عقائد المسلمين ‪ ..‬أنه ستبقى لنا عقسسائد مسسع غسسزو‬
‫الصليبين لديارنا‪ ..‬ومع استعلء عملئهم من العلمانيين والمرتدين؟!‬
‫وأي عقائد ستبقى لنا بعد أن صارت أمريكا إلها يعبد طوعا وكرهسا فسي بلدنسا مسن‬
‫قبل كثير من المسلمين؟! أي عقائد ستبقى لطفالنا وشبابنا بعد أن صارت المنظمات‬
‫الدولية تفرض على بلدنا مناهج التدريس في كافة المراحسسل ‪ ,‬بسسل وتتسسدخل حسستى فسسي‬
‫نصوص خطب الجمعة في مساجدنا؟! أي عقائد بعسسد أن صسساروا يضسسعون لنسسا سياسسسات‬
‫التعامسسل مسسع نسسسائنا مسسن خلل إلسسزام حكوماتنسسا بمعاهسسدات ) حقسسوق المسسرأة ( بحسسسب‬
‫ثقافاتهم اللحادية الباحية؟!‬
‫أي عقسسائد سسستبقى مسسع برامسسج ) إعسسادة صسسياغة المجتمعسسات ( الخليجيسسة والعربيسسة‬
‫والسلمية كما أعلنها المريكان ؟! ‪.‬‬
‫أم هل يظن الصالحون المواظبون على تزكية أنفسهم ‪ ,‬أن الدشوش والفضسسائيات‬
‫ستترك من ذريتهم وأبنائهم من يلتفت إلى السسسلوك والصسسلح فسسي ظسسل هسسذه الحسسوال‬
‫الفاجرة؟!‬
‫أم هل يعتقسسد )السسديمقراطيون السسسلميون ( ‪ ,‬أن فسسي مزيسسد مسسن التجسسارب جسسدوى‬
‫بعدما حصل في الجزائر وتركيا وتونس ؟! ‪ ..‬وبعدما حصل من إنجازات السلميين في‬
‫برلمانات مصر والردن وباكستان ودول الخليج والمغرب وغيرها؟!‪.‬‬
‫وهسسل يظنسسون أن وجسسودهم كأقليسسات إسسسلمية مسسسحوقة بيسسن الحسسزاب العلمانيسسة‬
‫المعارضة والحاكمة في البرلمان ‪ ,‬سيغير مجرى التاريخ الذي تكتبسسه حسسراب الصسسليبيين‬
‫اليوم ؟!‬
‫أم يعتقسسدون بعسسدما انتشسسرت مكسساتب )‪ (CIA‬و)‪ (FBI‬وتسسدفق مئات آلف الجنسسود‬
‫والجيوش الصليبية في البلد ‪ ,‬وراحت أمريكا تعين من تشسساء مسسن الحكسسام وتعسسزل مسسن‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 189 [ ‬‬

‫تشاء ‪ ,‬أن بإمكانهم تحقيق الغلبية وإقامة حكم السلم ‪ , ..‬بعسسدما رأوه مسسن العاصسسفة‬
‫التي اجتثت حكومة طالبان و حكومة العراق ‪ ,‬وراحت تعلن أنها ستعيد رسم الخريطة‬
‫السياسية بل والجغرافية في الشرق الوسط؟!‬
‫كون ل َه سم قُل ُسسوب يعقل ُسسون بهسسا أوَ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫َ َِ‬ ‫ٌ َْ ِ‬ ‫ض فَت َ ُ َ ُ ْ‬ ‫سيُروا ِفي الْر ِ‬ ‫م يَ ِ‬‫وصدق الله العظيم‪  :‬أفَل َ ْ‬
‫َ‬
‫ر ‪) ‬الحسسج‪:‬‬ ‫دو ِ‬
‫صس ُ‬‫ب ال ِّتي فِسسي ال ّ‬
‫قُلو ُ‬
‫مى ال ْ ُ‬ ‫صاُر وَل َك ِ ْ‬
‫ن ت َعْ َ‬ ‫مى اْلب ْ َ‬ ‫ن ب َِها فَإ ِن َّها ل ت َعْ َ‬
‫مُعو َ‬
‫س َ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫آ َ‬
‫ذا ٌ‬
‫‪. (46‬‬

‫سبحان الله ‪ ..‬حقيقة صار حالنا كما قال الشاعر‪:‬‬


‫إذا احتاج النهار إلى دليل‬ ‫وليس يصح في الذهان شيء‬

‫نحن نعتقد أن تلك الحلول – جزى الله أصحابها خيرا كل بنيتسسه – لسسن تحسسل مشسسكلنا‬
‫اليوم ‪ .‬ونعتقسسد أن المقاومسسة السسسلمية العالميسسة المسسسلحة الشسساملة هسسي الحسسل ‪ ,‬وأن‬
‫بإمكانها – بإذن الله – دحر العدو‪.‬‬
‫ونقول بملء أفواهنا نعم إن المر كذلك ‪ .‬نعم ‪ ..‬مدعومة بالدلة الشرعية ‪ .‬ونعم‬
‫كما تقتضي أدلة العقل والمنطق والواقع ‪ .‬فإن هناك حقائق واضسسحة تسسدعم مسسا نسسذهب‬
‫إليه‪:‬‬
‫ل‪ :‬إن شعوب المة العربية‪ ,‬ومثلها جميع الشعوب السلمية ‪ ,‬قد غسلت أيديها‬ ‫أو ً‬
‫وانقطع رجاؤها من كافة المذاهب والتيسسارات والفلسسسفات والفكسسار الوافسسدة والمحليسسة‬
‫التي ل تنطلق من السلم كحسسل ممكسسن لمواجهسسة هسسذا الصسسائل‪ .‬ومسسن يتسسابع مسسا تكتبسسه‬
‫الصحف ‪ ,‬وما يكتبه الناس العاديون في زوايا القراء ‪ ,‬أو ما يقولونه في مداخلتهم عبر‬
‫الفضائيات‪ ,‬أو ما يصيحون به في مظاهراتهم‪ ..‬يجسسد أن الجميسسع ‪ ,‬وحسستى الفسسساق مسسن‬
‫المسلمين ومن أسسرفوا علسسى أنفسسهم ‪ ,‬ناهيسك عسن الملستزمين والمتسدينين‪ ..‬الجميسع‬
‫يصرحون بجلء بأنهم مع الجهاد ‪ ,‬وأنهم يعتقدون بأنه لسسن يقسسوم لهسسذا العسسدو الغسسازي إل‬
‫رايات الجهاد تحت شعار )ل إله إل الله محمد رسول الله(‪ .‬وحتى التنظيمات العلمانيسسة‬
‫والشخصيات الوطنيسة والتيسارات القوميسة فسي فلسسطين كمسا فسي كسل مكسان ‪ ,‬بسدأت‬
‫تتأسلم حقيقة ‪ ,‬أو زعما ‪ ,‬وصارت تتأقلم في إعلمها وشعاراتها مع السلم ‪ .‬إما بعودة‬
‫صادقة إلى جذورها‪ ,‬وإما مجاراة للشارع السلمي الذي بسسدأ يشسسهد عسسودة نحسسو السسدين‬
‫كرد طبيعي على الهجمة الصليبية على أمة السلم واستهدافها في عقيدتها ومكوناتها‪.‬‬
‫وهكذا كان حال أمتنا أيام النوازل عبر تاريخنا كله‪ .‬بسل هسذه طبيعسة النسسان أمسام‬
‫الكوارث الكبرى ‪ ..‬أن يعود إلى ربه ومعتقده راجيا النصر والنجاة ‪.‬‬
‫بل إن المل في السلم ‪ ,‬والجهاد تحت شعارات السسسلم كحسسل لمواجهسسة طغيسسان‬
‫أمريكا‪ ,‬قد صار أمل لدى كل أعداء أمريكا من الشعوب المستضعفة‪ ,‬حسستى الجماعسسات‬
‫اليسارية وجماعات السلم في العالم الصسسليبي ذاتسسه‪ .‬والمتسسابع لكتابسسات بعسسض الكتسساب‬
‫الغربيين يجد أن بعضهم قد بدأ يصرح في سياق ما يكتب عن طغيان أمريكا ‪ ,‬بسسأنه لسسم‬
‫يعد هناك أمل لمواجهسسة أمريكسسا إل بالمسسسلحين المسسسلمين ‪ ..‬بسسل وصسسل المسسر بإحسسدى‬
‫المظاهرات المضادة للعولمة والحرب التي خرج فيها مئات اللف في إيطاليا أن ترفع‬
‫ضمن شعاراتها صورة لس )ابن لدن ( وقسد ألبسسوه قبعسة ) جيفسارا ( ورسسموه بطريقسة‬
‫تشبهه ‪ !..‬وكتبوا تحت صورته شسعارات مضسادة لمريكسا! و عسبروا بسذلك عسن أن رمسز‬
‫الجهاد السلمي المسلح اليوم هو الحل في مواجهة أمريكا!‪.‬‬
‫فالكل يعلم ويؤمن اليوم أن الحل يجب أن يخسسرج مسسن جعبسسة السسسلميين بالجهسساد‬
‫لمواجهة طغيان النظام العالمي الجديد ‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬إن جماهير الصحوة السلمية وكوادرهسسا و النشسسطاء فيهسسا ‪ ,‬يشسسكلون اليسسوم‬
‫كتلة هائلة على الصعيد العددي في بلد المسلمين قاطبة وفسسي كسسل منهسسا علسسى حسسدة ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 190 [ ‬‬

‫ففي كل مؤتمر للتبليغ يجتمع في مساجدهم أحيانا ما يربسسو علسسى عشسسرات اللف فسسي‬
‫المدينة الواحدة ‪ ,‬بل يبلغ حشدهم السنوي من مختلسسف دول العسسالم فسسي باكسسستان مسسا‬
‫يزيد على ما يجتمع في مكة للحج ‪ ,‬أكثر من مليوني مسلم ‪.‬‬
‫وأمسسا السسسلفيون وأتبسساع مدرسسسة أهسسل الحسسديث وجماعسساتهم وتلميسسذ مدرسسستهم ‪,‬‬
‫فالمتابع لمواقعم على النترنت وصحفهم ونشاطاتهم في البلد العربية والسلمية يجد‬
‫أنهم اليوم ‪ -‬تبارك الله – يعدون بمئات اللف إن لم يكسسن بسسالمليين ‪ ,‬ناهيسسك عسسن مسسن‬
‫يرتاد مساجدهم من العامة‪.‬‬
‫وأما الخوان المسلمون وفروعهم والجماعات السلمية المنبثقة عنهسسم والحاملسسة‬
‫لفكرهم تحت مختلف المسسسميات فمسسا تسسزال الشسسريحة الساسسسية عسسددا وحضسسورا فسسي‬
‫الصحوة في أكثر بلد العالم العربي والسلمي ‪ ,‬فهم ُيعدون بالمليين أيضا‪ ,‬فضل عسسن‬
‫عشرات المليين من أنصارهم والمصوتون لهم في النتخابات ‪.‬‬
‫هذا ناهيك عن الجماعات الصوفية وأتباعها ومشايخها ومريديها ‪ .‬فضسسل عسسن مئات‬
‫الجماعات والحزاب والكتل السلمية المختلفة الستي تسدخل بمجموعهسا تحست مسسمى‬
‫) الصحوة السلمية ( والتي تشكل بل مبالغسسة علسسى كتلسسة بشسسرية ضسسخمة فسسي العسسالم‬
‫السلمي‪ .‬فإذا ما أضفنا إليهم المتعاطفون معهم ومع عموميات شعار السلم لوجدنا‬
‫أننا أمام جموع غفيرة هائلة قد نما في قلبها اليوم التطلع إلى مواجهة أمريكسسا واليهسسود‬
‫وحلفائهم الصليبيين تحت شعار الجهاد والسلم ‪ .‬ولكنها ما تسسزال كتلسسة غثائيسسة ل قيمسسة‬
‫لها لنها تفتقر إلى ثلثة أشياء ‪:‬‬
‫‪ -‬منهج العتقاد والعقيدة القتالية الجهادية ‪.‬‬
‫‪ -‬برامج العمل الجاد المباشر ‪.‬‬
‫‪ -‬القدوة الميدانية من قيادات تلك الصحوة و ورموزها الجهاديـة فـي‬
‫كل بلد إسلمي ‪.‬‬
‫وكل متبصر يدرك اليوم ‪ .‬أن مشسسكلة هسسذه المسسة ‪ ,‬هسسي فسسي أن أكسسثر علمائهسسا قسسد‬
‫نكصوا على أعقابهم بين خائن وعسساجز‪ .‬وأن عمسسوم قيسسادات الصسسحوة فيهسسا قسسد اختسساروا‬
‫الستراحة وقد انعقدت غبار الحرب يبحثون عن حلول وسط مع الجاهلية على قارعسسة‬
‫منتصف الطريق‪ ..‬إنه الوهن ‪ ) :‬حب الــدنيا وكراهيــة المــوت ( ‪ .‬وصسسدق الصسسادق‬
‫المين ‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬لقد أثبتت تجارب الشعوب السلمية وغير السلمية منذ مرحلة السسستعمار‪,‬‬
‫وخاصة بعد الحرب العالمية الثانيسسة وإلسسى اليسسوم ‪ ,‬قسسدرة الشسسعوب السستي أخسسذت بمنهسسج‬
‫المقاومة الشعبية على إرهاق المستعمرين وإجبارهم على الرحيل‪.‬‬
‫هسسذا فسسي وقسست كسسان الزخسسم الحضسساري لسسذلك السسستعمار الوروبسسي و المريكسسي‬
‫والروسسسي هسسائل ‪ ,‬وفسسي أوج عنفسسوانه ‪ .‬وكسسان بمقسسدوره السسستمرار وتحمسسل ضسسربات‬
‫المقاومة‪ .‬ومع ذلك أسفرت كل تلك المقاومات عن دحر المستعمرين وهزيمتهم‪ ..‬في‬
‫كل مكان ‪.‬‬
‫وفي عالمنسا العربسي والسسلمي مسسن ذلسسك الملسف تجسارب رائدة ‪ ,‬فسي المغسرب ‪,‬‬
‫والجسسزائر واليمسسن ‪ ,‬والعسسراق ‪ ,‬ومصسسر ‪ ,‬والشسسام ‪ ,‬وأفغانسسستان و القفقسساس والهنسسد‬
‫وإندونيسيا وغيرها‪...‬‬
‫وفي تجاربنسسا المعاصسسرة كسسذلك ‪ ,‬نجسسد فسسي ملفنسسا انتصسسارات الجهسساد المجيسسدة فسسي‬
‫البوسنة و الشيشان وأفغانستان‪ ..‬ما يثبسست القسسدرة علسسى النتصسسار ودحسسر العسسدو‪ .‬وأمسسا‬
‫اليوم ونحسسن نخسسوض الحسسرب ضسسد أمريكسسا ‪ ,‬فيكفسسي للمتسسابع أن يلمسسس بسسوادر التصسسدع‬
‫والنهيار والسقوط فيها من جراء عملية واحدة فقسسط فسسي أحسسداث الحسسادي عشسسر مسسن‬
‫سبتمبر‪ .‬وقد أثبتت المواجهات مع المريكان في العراق وأفغانستان أخيرا ‪ .‬ومن قبلها‬
‫فسسي الصسسومال وفسسي حسسرب عاصسسفة الصسسحراء ‪ ,‬أن المريكسسان عسساجزون عسسن الحضسسور‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 191 [ ‬‬

‫والمواجهسسة علسسى الرض ‪ ,‬إل باسسستخدام عملئهسسم المرتسسدين مسسن أبنسساء جلسسدتنا‪ .‬وأن‬
‫أمجادهم محصورة في نشر الخراب والموت والدمار فوق رؤوس المسسدنيين مسسن الجسسو‬
‫فقسسط ‪ .‬فكيسسف لسسو واجهسست أمريكسسا مقاومسسة إسسسلمية عالميسسة شسساملة فسسي كافسسة بلد‬
‫المسلمين‪ .‬بسسل وفسسي كافسسة بلد السسدنيا ‪ ..‬وفسسي عقسسر دارهسسا ؟ مسساذا لسسديها مسسن حيلسسة إل‬
‫النسحاب والفرار‪.‬؟‬
‫وأما عن حلفائها الوروبيين في الناتو فهم أضعف منها وأهزل عسسسكريا واقتصسساديا‬
‫واجتماعيا‪ .‬والحلف بينهم متصدع أصل ‪.‬‬
‫فالحضسسارة الغربيسسة عامسسة والمريكيسسة خاصسسة‪ ,‬حضسسارة هشسسة عجسسوز‪ ,‬تعصسسف بهسسا‬
‫المراض السياسية والجتماعية والقتصادية والنفسية‪ ,‬إلى حد يعجب معه المرء كيسسف‬
‫استطاعت أن تحيط بنسا وتسسعى لعسادة اسستعمارنا‪ .‬ومسا ذلسك إل لن أمتنسا قسد بلغست‬
‫بسبب بعدها عن شريعة الله ‪ ,‬حسسدا مسسن السسوهن جعلهسسا قصسسعة لولئك الطسسامعين رغسسم‬
‫هزالهم !‪.‬‬
‫فالمقاومة المسلحة مفروضة شرعا وواقعا ‪ ,‬وهي ممكنة ومضسسمونة النتسسائج بسسإذن‬
‫الله ‪ ,‬بأدلة الشريعة وشواهد الواقسع والتاريسخ ‪ .‬ولكنهسا تحتساج أن تشسارك بهسا جمساهير‬
‫المسلمين عامة‪ ,‬وأن تقودها صحوة إسلمية يقودها علماء وقادة قسدوة رواد ‪ .‬مقاومسة‬
‫تنهض بها أمة بكاملها ‪ ,‬وليس عشرات الفدائيين المخلصين‪.‬‬
‫نحتاج مقاومة تكون نهج ومعركة أمة ‪ ,‬وليست طريق وتضحيات نخبــة‬
‫فقط ‪.‬‬
‫وأما انتظار الحلول لزمات هذا الواقسع ‪ ,‬مسن خلل الطسرق المطروحسة اليسوم فسي‬
‫سوق الصحوة ‪ ,‬عبر مدارسها كلها‪ ,‬من أقصسسى الصسسوفية إلسسى أقصسسى السسسلفية مسسرروا‬
‫بتجسسارب الحسسزاب السياسسسية السسسلمية وبطروحسسات الصسسلح والتربيسسة‪ ..‬فيكفسسي فسسي‬
‫استعراض نتيجسسة تجاربهسا‪ ,‬وحصساد عطائهسسا عسبر أكسثر مسن سسبعين سسنة حسستى الن أن‬
‫نستنتج أنها طرق وحلول قد بلغت حد الفلس‪ .‬ولم تقسسدم حل لمسسا نحسسن فيسسه‪ .‬بسسل لسسم‬
‫تصل إلى نتائجها وأهدافها الذاتية‪.‬‬
‫فل مدارس التربية والتصفية والصلح والسلوك ‪ ,‬ل الصوفية منهسسا ول السسسلفية ول‬
‫التبليغية‪ ,‬تمكنت من إصلح أفراد المجتمعات ‪ .‬والفساد اليوم عارم‪ ,‬والفسوق منتشر‪,‬‬
‫والعقائد مهزوزة ‪ ,‬والحوال أسوأ اليوم من حالها يوم انطلقت تلك المدارس بكثير‪.‬‬
‫ولم تستطع الحزاب السلمية السياسية التي قصدت الوصول إلى السسسلطة مسسن‬
‫أجل إقامة حكم الشريعة أن تصل إل إلى السجون والمعتقلت ‪ ,‬ثم إلى نقض المناهج‬
‫التي أرساها المؤسسون الوائل رحمهم اللسسه ‪ .‬ثسسم وصسسلت إلسسى الرتمسساء علسسى أعتسساب‬
‫السلطات الغاشمة في أدوار سياسية هامشية مخجلة‪ .‬هسسذا ناهيسسك عسسن المتاهسسة السستي‬
‫أضاعت فيها أسس عقيدة التوحيد بدعوى المصلحة والتدرج ‪.‬‬
‫والحل واضح عقل ومنطقا كما هو ثابت دينا وشرعا‪:‬‬
‫يجب أن يقام شرع الله على أنقاض الجاهلية والردة الحاكمة ‪ ,‬وعلى‬
‫فلول جحافل المستعمرين الغزاة‪.‬‬
‫وعندما يقوم حكم الله ‪ ..‬يزع الله بالسلطان مـا ل يــزع بـالقرآن كمــا‬
‫قال سيدنا عثمان رضي الله عنه‪.‬‬
‫ولم يقم فــي تاريــخ البشــرية حكــم ‪ ,‬ولــم تؤســس دولــة‪ ,‬ول نهضــت‬
‫حضارة قديمة ول حديثة ‪ ,‬إل على أسنة الحـراب‪ ,‬وتحــت ظلل السـيوف‪.‬‬
‫وفي تجارب المؤمنين والكافرين على حد سواء عبر التاريخ أكبر برهــان‪.‬‬
‫ومن هــالته هــذه الحقيقــة فليقــرأ التاريــخ ‪ ,‬فــإن لــم يبصــرها ويفهمهــا‬
‫فليراجع عقله‪ .‬وهذه دولة إســرائيل وحضــارة أوروبــا الغربيــة المعاصــرة‬
‫وأمجاد أمريكا اليوم آخر الدلة على قيام الدول ونشوء الحضارات‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 192 [ ‬‬

‫والخلصة‪:‬‬
‫إن حكم الشريعة ومقتضى أحكام ديسسن اللسسه فسسي واقسسع المسسسلمين اليسسوم وأزمسساته‬
‫الشرعية والدنيوية‪ ,‬تفيد أن الجهاد هو الحسسل‪ ,‬وأن سسسبيله الوحيسسد فسسي قيسسام المقاومسسة‬
‫السلمية العالمية المسلحة‪ ,‬وفي المواجهة الشسساملة مسسع أعسسدائنا المحتليسسن وحلفسسائهم‬
‫المرتدين والمنافقين‪.‬‬
‫ليس من حل إل في دروب الشهادة‪ .‬في أن يطلب شباب هسذه المسسة المسوت كسي‬
‫َ‬
‫م‬
‫خزِهِس ْ‬
‫م وَي ُ ْ‬‫ديك ُ ْ‬‫ه ب ِأي ْس ِ‬ ‫م الل ّس ُ‬
‫م ي ُعَسذ ّب ْهُ ُ‬ ‫توهب لهم ولمتهم الحياة‪ .‬كما قال تعسسالى‪ :‬قَسسات ُِلوهُ ْ‬
‫ن ‪) ‬التوبة‪. (14:‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤْ ِ‬‫دوَر قَوْم ٍ ُ‬ ‫ص ُ‬‫ف ُ‬ ‫ش ِ‬ ‫م وَي َ ْ‬‫م عَل َي ْهِ ْ‬‫صْرك ُ ْ‬
‫وَي َن ْ ُ‬
‫ه ‪) ‬الروم‪. (5/4 :‬‬ ‫صرِ الل ّ ِ‬ ‫ن * ب ِن َ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ح ال ْ ُ‬
‫مؤْ ِ‬ ‫فَر ُ‬ ‫مئ ِذٍ ي َ ْ‬‫وعندها فقط ‪ ‬وَي َوْ َ‬
‫واجا ً ‪) ‬النصر‪. (2:‬‬ ‫َ‬
‫ن الل ّهِ أفْ َ‬ ‫ن ِفي ِدي ِ‬ ‫خُلو َ‬ ‫س ي َد ْ ُ‬ ‫وعندها ترى ‪ ‬الّنا َ‬
‫وعندها تقام الصلة ويحكم العسدل ويسؤمر بسالمعروف وينهسى عسن المنكسر‪ ,‬وتصسح‬
‫العقائد ويتهذب السلوك‪ .‬لن أولياء الله قد مكنوا في الرض وأقاموا شسسرعه كمسسا قسسال‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫ف‬‫معُْرو ِ‬‫م سُروا ب ِسسال ْ َ‬ ‫وا الّزك َسساةَ وَأ َ‬ ‫صلةَ َوآت َ ُ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫ض أَقا ُ‬ ‫في الْر ِ‬ ‫م ِ‬ ‫مك ّّناهُ ْ‬‫ن َ‬ ‫ن إِ ْ‬‫ذي َ‬ ‫تعالى‪  :‬ال ّ ِ‬
‫ُ‬
‫ر ‪) ‬الحج‪.(41:‬‬ ‫مو ِ‬‫ة اْل ُ‬ ‫عاقِب َ ُ‬‫من ْك َرِ وَل ِل ّهِ َ‬‫ن ال ْ ُ‬
‫وا عَ ِ‬ ‫وَن َهَ ْ‬
‫وقبل أن نخوض في لب هذا الكتاب لنعرض وجهسسة نظرنسسا فسسي كيفيسسة هسسذا الجهسساد‬
‫وطرق المقاومة ومنهجها‪ ,‬وهو ما نعتقد أنه مقدمة الحل بإذن اللسسه ‪ ,‬سسسنمر بعسسدد مسسن‬
‫الفصول التمهيدية وصول إلى الفصل الثامن الذي يشتمل على ذلك إن شاء الله‪.‬‬
‫ونستهل ذلك باستعراض تاريخ صراعنا الزلي مع الروم وجذوره منسذ قسام الصسراع‬
‫بين الحق والباطل على هذه الرض وذلك هو الفصل التالي وقصة مسار ذلك الصسسراع‬
‫من أيسسام قابيسسل إلسسى أيسسام بسسوش ‪ ,‬حيسسث مسسا زال الباطسسل يصسسرخ فسسي وجسسه الحسسق‪ :‬‬
‫لقتلنك ‪.‬‬
‫لن فهم التاريخ يشكل أساس فهم الواقسسع السسذي يشسسكل إدراكسسه أسسساس اسسستلهام‬
‫خطى المستقبل‪.‬‬

‫*************‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 193 [ ‬‬

‫الفصل الثالث‬
‫جذور النظام الدولي ومسار الصراع‬
‫من ( قابيل ( إلى ( جورج بوش (‬
‫قال الله تعالى‪:‬‬
‫حقّ إ ِذ ْ قَّرَبا قُْرَبانا ً فَت ُُقب ّ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬
‫ل ِ‬ ‫م ِبال ْ َ‬‫ي آد َ َ‬ ‫ل ع َل َي ْهِ ْ‬
‫م ن َب َأ اب ْن َ ْ‬ ‫‪َ ‬وات ْ ُ‬
‫ل َل َقْت ُل َن ّ َ‬ ‫ن اْل َ‬ ‫َ‬
‫ك ‪‬‬ ‫خرِ َقا َ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ما وَل َ ْ‬
‫م ي ُت ََقب ّ ْ‬ ‫حد ِه ِ َ‬ ‫أ َ‬
‫)المائدة‪(27:‬‬
‫روى أبو داود عن ثوبسسان أن رسسسول اللسسه صسسلى اللسسه عليسسه وسسسلم قسسال‪ ( :‬ثم‬
‫يوشك المم أن تداعى عليكم كما تداعى الكلة إلى قصــعتها فقــال‬
‫قائل ومن قلة نحن يومئذ قال بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء‬
‫السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكــم وليقــذفن اللــه‬
‫في قلوبكم الوهن فقال قائل يا رسول الله وما الــوهن قــال‪ :‬حــب‬
‫الدنيا وكراهية الموت (‪.‬‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 194 [ ‬‬

‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫‪ ‬جذور النظام الدولي ومسار الصراع‬


‫‪(1‬‬
‫من قابيل إلى جورج بوش (‪‬‬
‫يشكل الستعراض الموجز لمسار الصراع منذ تقاتل ولدا آدم عليسسه السسسلم وقتسسل‬
‫الشرير منهما )قابيل( أخاه الصالح )هابيل(‪ ,‬وإلى قيام النظام العسسالمي الجديسسد بقيسسادة‬
‫الوليات المتحدة المريكيسسة علسسى مبسسادئ )صسسراع الحضسسارات( وحتميسسة تصسسفية بعضسسها‬
‫لبعض‪ ,‬يشكل ملخصا لجذور النظسام العسالمي الجديسد‪ ,‬وبمعنسى أدق استعراضسا لتاريسخ‬
‫النظام الدولي وصراع أطرافه إلسسى أن اسسستقر صسسراعا بيسسن المسسسلمين والسسروم كسسأبرز‬
‫أوجه الصراع الدائم في تاريخ البشرية الوسيط والحديث‪.‬‬
‫وسأوجز في هذه النبذة تحت هذا العنوان ما يؤدي الغرض كتوطئة تاريخيسسة لفكسسار‬
‫هذا الكتاب الذي يشتمل على دعوة المقاومة السلمية العالمية ومنهجها وطريقتها ‪.‬‬

‫بدايات الصراع ) قال‪ :‬لقتلنك ( * ‪:‬‬


‫لقد قص علينا القرآن الكريم خبر اعتداء ولد آدم الول على أخيسسه وقتلسسه إيسساه بعسسد‬
‫ل‬‫وعيده الصريح وإقدامه بذلك على سن سنة القتل في بني البشر‪ .‬قال تعالى‪َ  :‬وات ْ ُ‬
‫لم َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫خسرِ قَسسا َ‬ ‫ن اْل َ‬ ‫مس َ‬ ‫قب ّس ْ‬
‫ل ِ‬ ‫م ي ُت َ َ‬‫ما وَل َس ْ‬ ‫حدِهِ َ‬ ‫نأ َ‬ ‫قب ّ َ ِ ْ‬ ‫حقّ إ ِذ ْ قَّرَبا قُْرَبانا ً فَت ُ ُ‬ ‫م ِبال ْ َ‬ ‫ي آد َ َ‬ ‫م ن َب َأ اب ْن َ ْ‬ ‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫َ‬ ‫َل َقْت ُل َن ّ َ‬
‫ط‬
‫سسس ٍ‬ ‫ما أَنا ب َِبا ِ‬ ‫قت ُل َِني َ‬ ‫ك ل ِت َ ْ‬ ‫ي ي َد َ َ‬ ‫ت إ ِل َ ّ‬ ‫سط ْ َ‬ ‫ن * ل َئ ِ ْ‬
‫ن بَ َ‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬‫ن ال ْ ُ‬‫م َ‬ ‫ه ِ‬‫ل الل ّ ُ‬ ‫قب ّ ُ‬‫ما ي َت َ َ‬‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫ك َقا َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ك إ ِّني أ َ َ‬ ‫ك ِل َقْت ُل َ َ‬
‫ن‬ ‫ك فَت َك ُسسو َ‬ ‫م َ‬ ‫مي وَإ ِث ْ ِ‬ ‫ن ت َُبوَء بإ ِث ْ ِ‬ ‫ن * إ ِّني أِريد ُ أ ْ‬ ‫َ‬ ‫مي‬‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫ه َر ّ‬ ‫ف الل ّ َ‬
‫خا ُ‬ ‫ي َدِيَ إ ِل َي ْ َ‬
‫َ‬
‫ح‬ ‫ه فَأ ْ‬
‫ص سب َ َ‬ ‫قت َل َس ُ‬‫خي سهِ فَ َ‬ ‫ل أَ ِ‬ ‫ه قَت ْس َ‬ ‫س ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫ه نَ ْ‬ ‫ت لَ ُ‬
‫ن * فَط َوّعَ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬‫جَزاُء ال ّ‬ ‫ك َ‬ ‫ب الّنارِ وَذ َل ِ َ‬ ‫حا ِ‬ ‫ص َ‬ ‫نأ ْ‬
‫م َ‬
‫ِ ْ‬
‫) المائدة‪.(30 - 27 :‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫ن‬ ‫ري‬
‫ِ ِ َ‬ ‫س‬ ‫خا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬‫م َ‬ ‫ِ‬
‫وبصرف النظر هنا عما خاضت فيه بعض روايات التفاسسسير مسسن أسسسباب القتسسل ‪ ,‬و‬
‫الكتفاء بالسبب الظاهر الذي ذكرته اليات حيث اتقدت نسسار الحقسسد فسي صسسدر الشسسرير‬
‫فصرخ متوعدا أخاه بقوله )لقتلنك(! فإنا نجد أن تلسسك النسسار المتأججسسة فسسي صسسدره لسسم‬
‫يخمدها رد الخ الصالح بما احتواه من الوعظ واللين والتذكير بالله والتخويف من النار‪,‬‬
‫فطوعت له نفسه فعل أن يقدم على أول جريمة على سطح الرض‪.‬‬
‫وهكذا سارت مسيرة الشر مسسع قسسسم مسسن أولد آدم فحملسسوا مهمسسة سسسفك السسدماء‬
‫والعدوان والظلم عبر مسار البشرية إلى أن وصلت تلك الراية المضمخة بالسسدماء إلسسى‬
‫أيدي الحضارة الغربية ووريثتها المتجبرة أمريكا لتتبنى نظرية صسراع الحضسارات ‪ ,‬تلسك‬
‫النظرية السستي مفادهسسا أن الرض ل تتسسسع لحضسسارات متناقضسسة‪ ,‬ولبسسد مسسن أن الصسسراع‬
‫الحتمي سيجعلها تصفي بعضها بعضًا‪ ,‬وأنه إن كان بإمكان الحضارة الغربية ذات الطابع‬
‫النصراني الصليبي والنظرية القتصادية الرأسمالية والفلسفة العلمانية الباحية والنهسسج‬
‫السياسي القائم علسسى الديمقراطيسسة‪ ,‬بإمكانهسسا أن تتعسسايش مسسع بعسسض الحضسسارات فسسإن‬
‫صدامها مع الحضارة السلمية عدوها الذي افترضته بعد قضائها على حضسسارة الشسسرق‬
‫السوفيتية هو صدام حتمي‪ .‬حيث اعتقدت أمريكا وراحسست تجسسر وراءهسسا أوروبسسا الغربيسسة‬
‫وروسيا المنهارة ودول ) حلف وارسو ( اللهثة من أجل دخول الناتو للعتقاد بأن عليها‬
‫فكرة الربط بين قابيل وجورج بوش ‪ ,‬ووحدة شعارهما ) لقتلنك ( ‪ .‬سمعتها في درس للشيخ ) أبو الوليد المصري (‬
‫)‪(1‬‬

‫– مصطفى حامد –‪ .‬ومن المانة أن أذكر له هذا هنا ‪ ,‬وقد استعرت الفكرة لعنوان هذا الفصل ‪ .‬والرجل من عباقرة‬
‫الكتاب والمفكرين ومن الدرر التي ضاع قدرها وقيمتها في بحر المواج المتلطمة لمسار الجهاد العربي قي‬
‫أفغانستان ‪ .‬وهو صحفي محترف وكاتب ومؤرخ ‪ .‬ومفكر استراتيجي على مستوى عال ‪ .‬ول أدري ما مصيره بعد الحداث‬
‫‪ . .‬وأسأل الله أن يكون في عافية ‪ ,‬ويبلغه مني السلم ‪ ,‬وأن يدعو لي بظهر الغيب‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 195 [ ‬‬

‫إزالة حضارة السلم والمسلمين وفرض سياستها وهيمنتها وثقافتها وفلسفتها الكافرة‬
‫على شعوبهم‪.‬‬
‫ة مقدرة له من قبل السسرب السسذي اختسساره‬ ‫وهكذا استعلن بوش بأنه يقود حربا ً صليبي ً‬
‫لها بعد أن شفاه من الدمان على الخمر!! كما استعلن معاونوه الصليبيون المتصهينين‬
‫بالقول بأنهم ورثة الحضسسارة الرومانيسسة المسسسيحية وأن أعسسداءها فسسي التاريسسخ سس يقصسسد‬
‫المسلمين س هم أعداؤها في الحاضر والمستقبل‪.‬‬
‫ومن هنا تحركت أمريكا على كافة الصعد لتفرض على العالم مسسا أسسسموه )النظسسام‬
‫العالمي الجديد( منذ انفراط عقسد التحساد السسوفيتي مطلسع العقسد الخيسر مسن القسرن‬
‫العشرين‪.‬‬
‫ليسسسير وفسسق أحلم المنظريسسن المتصسسهينين المريكسسان مسسن أمثسسال )كيسسسنجر(‬
‫و)هينينغتون( و)ولف( وغيره‪ ..‬الذين صرحوا بأن على أمريكسسا أن تعمسسل ليكسسون القسسرن‬
‫الحسسادي والعشسسرين مطلسسع اللفيسسة الثالثسسة قرنسسا أمريكيسسا‪ ..‬وهكسسذا‪ ..‬عسساد شسسعار الشسسر‬
‫)لقتلنك( ليرتفع مع رايات الجسسرام المريكيسسة مهسسددا كسسل مسسن يقسسف فسسي وجسسه هجمسسة‬
‫الطمع والطغيان المريكية المعاصرة وخاصة كل قوى المقاومسسة والمواجهسسة فسسي ديسسار‬
‫السلم والمسلمين‪..‬‬

‫*************‬

‫محطات من تاريخ الصراع وجذوره من خلل قصص النبياء وأتباعهم‪:‬‬


‫انتشر أبناء آدم‪ ..‬وعبدوا الله على دين التوحيد كما علمهم أبوهم عليه السلم‪ ..‬ثم‬
‫تطساول العهسد و اجتسالتهم الشسياطين يمينسا وشسمال عسن الصسراط السسوي ودب فيهسم‬
‫الشرك والظلم والطغيان‪..‬‬
‫فأرسل الله الرسل تباعا‪ ..‬مبشرين ومنذرين في كل أمة كما أخسسبر تعسسالى‪  :‬إ ِن ّسسا‬
‫مةٍ إ ِّل َ‬ ‫ك بال ْحق بشيرا ً ونذيرا ً وإن م ُ‬ ‫َ‬
‫ر ‪) ‬فاطر‪.(24/‬‬ ‫ذي ٌ‬‫خل ِفيَها ن َ ِ‬ ‫نأ ّ‬‫َِ ْ ِ ْ‬ ‫ََ ِ‬ ‫سل َْنا َ ِ َ ّ َ ِ‬
‫أْر َ‬
‫لقد كان من أكبر أسباب تمسك المشركين بشركهم‪ :‬تقليد الباء‪ ,‬وطاعة الكسسبراء‪,‬‬
‫والتزام العادات وما ألفته النفوس‪ ,‬و إتباع الشهوات‪ ,‬وأساس كسل ذلسك جسري السسادة‬
‫والمل من الكبراء ورجال الدين الفاسسسدين وراء المصسسالح‪ .‬وتعطيسل العامسة لعقسولهم و‬
‫سل ََنا ت َت َْرا ك ُ ّ‬ ‫إتباعهم لكبرائهم رهبا ورغبا‪ ..‬وهكذا أخبرنا تعالى‪  :‬ث ُ َ‬
‫جسساَء‬ ‫ما َ‬
‫ل َ‬ ‫سل َْنا ُر ُ‬ ‫م أْر َ‬ ‫ّ‬
‫من ُسسون ‪‬‬ ‫ً‬
‫ث فَب ُعْسسدا ل ِ َ‬ ‫ة رسول ُها ك َذ ّبوه فَأ َتبعنا بعضهم بعضسا ً وجعل ْنسساهُ َ‬ ‫ُ‬
‫قسوْم ٍ ل ي ُؤْ ِ‬ ‫حسساِدي َ‬ ‫مأ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫ُ ُ َْْ َ َْ َ ُ ْ َْ‬ ‫م ً َ ُ َ‬ ‫أ ّ‬
‫)المؤمنون‪. (44:‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 196 [ ‬‬

‫لقد كانت خلصة دعوة النبياء وأساس عقيدتهم واحدة ‪:‬‬


‫جت َن ُِبوا ال ّ‬ ‫َ‬ ‫قد بعث ْنا في ك ُ ّ ُ‬
‫دى‬ ‫ن هَ َ‬‫م ْ‬‫م َ‬ ‫ت فَ ِ‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫غو َ‬‫طا ُ‬ ‫دوا الل ّ َ‬
‫ه َوا ْ‬ ‫سول ً أ ِ‬
‫ن اعْب ُ ُ‬ ‫مةٍ َر ُ‬‫لأ ّ‬ ‫‪ ‬وَل َ َ ْ َ َ َ ِ‬
‫ض فَسسان ْظ ُُروا ك َي ْس َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ضسسلل َ ُ‬
‫ت عَل َي ْسهِ ال ّ‬
‫ة‬
‫عاقِب َس ُ‬
‫ن َ‬‫ف ك َسسا َ‬ ‫سسسيُروا فِسسي الْر ِ‬ ‫ة فَ ِ‬ ‫قس ْ‬‫ح ّ‬
‫ن َ‬‫مس ْ‬
‫م َ‬‫من ْهُ ْ‬
‫ه وَ ِ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ن ‪) ‬النحسسل‪ .. (36:‬وكذلك كانت ردود الكفرة والملحسسدين علسسى رسسسلهم متشسسابهة‬ ‫مك َذ ِّبي َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫واحدة‪ ..‬وتنسسوعت أشسسكال الصسسراع وقصسسص تلسسك المواجهسسات الداميسسة‪ ..‬ولكسسن أسسساس‬
‫صورتها كانت شديدة التشابه‪ ,‬فأهل الحسسق يعبسسدون اللسسه ويوحسسدونه و ويريسسدون تعبيسسد‬
‫الخلق له‪ ..‬والكفار بزعامسسة سسسادتهم وكسسبرائهم وكهسسانهم وعلمسساء سسسلطينهم وأصسسحاب‬
‫المصالح فهم يعبدون الطواغيت والهواء ويريدون صرف الناس عن الحسسق‪ ..‬فيعسسذبون‬
‫أهله ويطاردونهم‪.‬‬
‫وتكررت شعارات الشر ووعيده‪ ..‬لنخرجنكم‪ ..‬لنرجمنكم‪ ..‬لنقتلنكسسم‪ ..‬لنسسسجننكم‪..‬‬
‫وهكذا كان منذ قالها الخ الشرير لخيه الصالح‪) :‬لقتلنك(‪..‬‬

‫فأما نوح عليه السلم أول الرسل فقسسد صسسبر علسسى قسسومه قرابسسة ألسسف سسسنة وكسسان‬
‫جسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسزاؤه وعيسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسدهم السسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسدائم‬
‫ن ‪) ‬الشعراء‪.(116:‬‬‫مي َ‬
‫جو ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫مْر ُ‬ ‫م َ‬
‫ن ِ‬ ‫ح ل َت َ ُ‬
‫كون َ ّ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫م ت َن ْت َهِ َيا ُنو ُ‬ ‫‪َ ‬قاُلوا ل َئ ِ ْ‬
‫وهؤلء قوم إبراهيم عليه السلم يقولون لبي النبياء كما قص علينا تبارك وتعسالى‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬
‫ن الّنارِ إ ِ ّ‬
‫م َ‬
‫ه ِ‬ ‫جاهُ الل ّ ُ‬ ‫حّرُقوهُ فَأن ْ َ‬ ‫ن َقاُلوا اقْت ُُلوهُ أوْ َ‬ ‫مهِ إ ِل ّ أ ْ‬‫ب قَوْ ِ‬ ‫وا َ‬ ‫ج َ‬‫ن َ‬
‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫‪ ‬فَ َ‬
‫حسسسستى أبسسسسوه قسسسسال لسسسسه‪:‬‬ ‫‪،‬سسسس‬ ‫‪.‬‬ ‫ن ‪) ‬العنكبسسسسسسسوت‪(24 :‬‬ ‫مُنسسسسو َ‬ ‫قسسسسوْم ٍ ي ُؤْ ِ‬‫ت لِ َ‬‫َليسسسسا ٍ‬
‫َ‬ ‫‪َ ‬قا َ َ‬
‫جْرِني َ ً‬
‫مل ِي ّا ‪) ‬مريم‪(46:‬‬ ‫ك َواهْ ُ‬ ‫من ّ َ‬‫ج َ‬‫م ت َن ْت َهِ َل َْر ُ‬
‫ن لَ ْ‬‫م ل َئ ِ ْ‬
‫هي ُ‬
‫ن آل ِهَِتي َيا إ ِب َْرا ِ‬ ‫ت عَ ْ‬ ‫ب أن ْ َ‬ ‫ل أَراِغ ٌ‬
‫‪.‬‬

‫س ست َك ْب َُروا‬
‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫مل ال ّس ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬‫وهؤلء قوم شعيب عليه السلم يتهددونه وأتباعه ‪  :‬قَسسا َ‬
‫مل ّت ِن َسسا َقسا َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ن ِفسي ِ‬ ‫ن قَْري َت ِن َسسا أوْ ل َت َعُسسود ُ ّ‬
‫مس ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫معَ َ‬ ‫مُنوا َ‬
‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫ب َوال ّ ِ‬ ‫ك َيا ُ‬
‫شعَي ْ ُ‬ ‫جن ّ َ‬
‫خرِ َ‬ ‫مهِ ل َن ُ ْ‬
‫ن قَوْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ه ك َِثيسسرا ً‬‫قس ُ‬ ‫ف َ‬
‫ما ن َ ْ‬‫ب َ‬ ‫شعَي ْ ُ‬ ‫ُ‬
‫ن ‪) ‬لعراف‪ ... (88:‬و زادوه من الوعيد ‪َ  :‬قالوا َيا ُ‬ ‫هي َ‬‫كارِ ِ‬ ‫أ َوَلوْ ك ُّنا َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ز ‪) ‬هود‪. (91:‬‬ ‫زي ٍ‬‫ت عَل َي َْنا ب ِعَ ِ‬‫ما أن ْ َ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫مَنا َ‬
‫ج ْ‬‫ك ل ََر َ‬
‫ول َرهْط ُ َ‬‫ضِعيفا ً وَل َ ْ‬
‫ك ِفيَنا َ‬ ‫ل وَإ ِّنا ل َن ََرا َ‬‫قو ُ‬ ‫ما ت َ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ِ‬

‫ن قَسساُلوا‬ ‫َ‬
‫مهِ إ ِّل أ ْ‬
‫ب قَسوْ ِ‬
‫وا َ‬
‫جس َ‬
‫ن َ‬ ‫وأما قوم لوط عليه السلم فكذلك قولهم‪ :‬فَ َ‬
‫مسسا ك َسسا َ‬
‫ل ُلوط من قَريت ِك ُم إنه ُ‬ ‫أَ ْ‬
‫ن‪) ‬النمل‪. (56:‬‬ ‫س ي َت َط َهُّرو َ‬
‫م أَنا ٌ‬
‫ٍ ِ ْ ْ َ ْ ِّ ُ ْ‬ ‫جوا آ َ‬
‫خرِ ُ‬
‫إلى أن جاء موسى عليه السسسلم وقسسص القسسرآن علينسسا قصسسة صسسراعه الطويسسل مسسع‬
‫ت إ َِلهسا ً‬ ‫خ سذ ْ َ‬
‫ن ات ّ َ‬ ‫فرعون وقومه حيث أعلن الفرعسسون عسسن أصسسل المشسسكلة ‪  :‬قَسسا َ َ‬
‫ل لئ ِ ِ‬
‫‪.‬‬ ‫ن ‪) ‬الشسسسسسسسسسسسسعراء‪(29:‬‬ ‫جوِني َ‬ ‫سسسسسسسس ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫مسسسسسسس َ‬‫ك ِ‬ ‫جعَل َّنسسسسسسس َ‬‫ري ل ْ‬ ‫غَْيسسسسسسس ِ‬
‫ك َوآل ِهَت َ َ‬ ‫ض وَي َذ ََر َ‬ ‫َْ‬ ‫ل ال ْمَل ُ من قَوم فرعَو َ‬ ‫‪ ‬وََقا َ‬
‫ك‬ ‫دوا ِفي الْر ِ‬ ‫س ُ‬
‫ف ِ‬‫ه ل ِي ُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫سى وَقَوْ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ن أت َذ َُر ُ‬‫َ ِ ْ ْ ِ ِ ْ ْ َ‬
‫َ‬
‫ن ‪) ‬لعراف‪. (127:‬‬ ‫م َقاهُِرو َ‬ ‫م وَإ ِّنا فَوْقَهُ ْ‬‫ساَءهُ ْ‬ ‫حِيي ن ِ َ‬
‫ست َ ْ‬
‫م وَ ن َ ْ‬ ‫قت ّ ُ‬
‫ل أب َْناَءهُ ْ‬ ‫سن ُ َ‬
‫ل َ‬ ‫َقا َ‬

‫ثم أخبرنا القرآن الكريسسم بمسسا كسسان مسسن سسسلوك بنسسي إسسسرائيل وكسسبرائهم وكهسسانهم‬
‫ل‬
‫سس ِ‬‫ن ب َعْ سدِهِ ِبالّر ُ‬
‫مس ْ‬ ‫ب وَقَ ّ‬
‫في َْنا ِ‬ ‫سى ال ْك َِتا َ‬ ‫مو َ‬ ‫قد ْ آت َي َْنا ُ‬‫الفسقة الفاسدين مع أنبيائهم ‪  :‬وَل َ َ‬
‫َ‬ ‫ت وَأ َي ّد َْناهُ ب ُِروِح ال ْ ُ‬
‫وى‬‫مسسا ل ت َهْ س َ‬
‫ل بِ َ‬‫سو ٌ‬‫م َر ُ‬‫جاَءك ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫س أفَك ُل ّ َ‬
‫قد ُ ِ‬ ‫م ال ْب َي َّنا ِ‬‫مْري َ َ‬
‫ن َ‬ ‫سى اب ْ َ‬ ‫عي َ‬‫َوآت َي َْنا ِ‬
‫ن ‪) ‬البقرة‪. (87:‬‬
‫ُ‬
‫قت ُلو َ‬ ‫ً‬
‫ريقا ت َ ْ‬ ‫َ‬
‫م وَف ِ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ريقا كذ ّب ْت ُ ْ‬ ‫ف ِ‬‫مف َ‬‫َ‬ ‫ْ‬
‫ست َكب َْرت ُ ْ‬
‫ما ْ‬‫سك ُ ُ‬
‫ف ُ‬ ‫أ َن ْ ُ‬

‫إلى أن جاء نبي الله عيسى عليه السسسلم فمكسسر بسسه الحبسسار والرهبسسان مسسن اليهسسود‬
‫وسعوا إلى الحاكم الروماني لقتله وصلبه فنجاه الله منهم ) وما قتلوه وما صــلبوه‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة ‪] 197 [ ‬‬

‫( فطاردوا أتباعه على مدى قرنين من الزمان قتل وتشريدا حيسسث ذكسسر القسسرآن إحسسدى‬
‫ت‬ ‫دوِد* الن ّسسارِ َ‬ ‫ب اْل ُ ْ‬ ‫صور تلك المعاناة في قصة أصسسحاب الخسسدود ‪  :‬قُت ِس َ َ‬
‫ذا ِ‬ ‫خس ُ‬ ‫حا ُ‬ ‫صس َ‬ ‫لأ ْ‬
‫مسوا‬ ‫ق ُ‬ ‫مسا ن َ َ‬‫شسُهود ٌ * وَ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ن ِبسال ْ ُ‬
‫فعَُلسو َ‬ ‫م عََلى َ‬
‫مسا ي َ ْ‬ ‫م عَل َي َْها قُُعود ٌ * وَهُ ْ‬ ‫ال ْوَُقودِ * إ ِذ ْ هُ ْ‬
‫َ‬
‫ميد ِ ‪ )‬البروج ‪(8 / 4‬‬ ‫ح ِ‬ ‫زيزِ ال ْ َ‬
‫مُنوا ِبالل ّهِ ال ْعَ ِ‬ ‫ن ي ُؤْ ِ‬‫م إ ِل ّ أ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ِ‬
‫إلى أن جاءت الرسالة الخاتمة فكان من أمر كفار قريش مسسع نسسبي الرحمسسة صسسلى‬
‫الله عليه وسلم ومع أتباعه ما غطته روايسسات السسسيرة وخلسسدته آيسسات القسسرآن ونصسسوص‬
‫السنة ليتلخص التهديد بإخباره تعالى بخلصة مكر أعداء الله بالمؤمنين في كسسل زمسسان‬
‫م ُ‬
‫كسسُر‬ ‫ن وَي َ ْ‬‫مك ُُرو َ‬
‫ك وَي َ ْ‬ ‫جو َ‬ ‫خرِ ُ‬‫ك أ َوْ ي ُ ْ‬ ‫ك أ َوْ ي َ ْ‬
‫قت ُُلو َ‬ ‫فُروا ل ِي ُث ْب ُِتو َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫مك ُُر ب ِ َ‬‫ومكان ‪  :‬وَإ ِذ ْ ي َ ْ‬
‫ن ‪) ‬لنفال‪ (30:‬سجن أو قتل أو تشريد وهذا ما يحصل اليسسوم مسسن‬ ‫ري َ‬‫ماك ِ ِ‬ ‫خي ُْر ال ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ه َوالل ّ ُ‬‫الل ّ ُ‬
‫قبل أمريكا وحلفائها من الكفار والمرتدين في كل من يفكر بمقاومتهم والوقسسوف فسسي‬
‫وجه طغيانهم‪..‬‬

‫*************‬

‫عبر وملحظات‪:‬‬
‫إن الدارس لقصص النبيسساء بسسدءا مسسن دعسسوة نسسوح عليسسه السسسلم و انتهسساء بالسسسيرة‬
‫العطرة لسيدنا المصطفى عليه الصلة والسسسلم كمسسا غطتهسسا نصسسوص القسسرآن والسسسنة‬
‫النبوية على صاحبها أفضل الصسسلة والسسسلم يخسسرج بعسسبر ودروس ل تنتهسسي عسسن مسسسير‬
‫الصراع مع الباطل‪ .‬كما أن دراسة التاريخ البشري عموما والسسسلمي خصوصسسا تعطسسي‬
‫أفضل الدروس وأوضحها عن مسيرة هذا الصراع عبر التاريخ وفي حدود اليجسساز السسذي‬
‫نحن بصدده نذكر من ذلك‪:‬‬

‫عدم إمكانية عيش قوى الخير والشر في مكان واحد‪:‬‬ ‫‪.1‬‬


‫فرغم أن أسرة آدم عليه السلم كانت صغيرة جدا بل السرة الوحيدة فسسي الرض‬
‫لم تتسع الرض بكاملها لذلك الخ الشرير كي يتحمل وجود أخ صسسالح يتقبسسل اللسسه منسسه‬
‫معه فيها‪ ..‬فلقد كان بإمكانه أن يقول لخيه ل أريدك بقربسسي أخسسرج إلسسى أرض أخسسرى‪..‬‬
‫إلى جبل آخر‪ ..‬إلى إقليم آخر‪ ..‬إلى قارة أخرى‪ ..‬ولكن لسسم يجسسد إل مقالسسة‪):‬لقتلنسسك(‪..‬‬
‫فالشر ل يتحمل وجود الخير على ظهر الرض كلها إن استطاع‪ ..‬وهذه لفتسسة تفيسسدنا أن‬
‫من العبث حقيقة‪ ..‬ومن مصادمة السنن الكونية ومنطق التاريخ أن يتخيسسل بعسسض أهسسل‬
‫الحق أن أهل الباطل وقوى الشر تتحمل جوارهم بل مجرد وجودهم‪..‬‬
‫ومن هنا تسقط كل نظريات التعايش بينهما على كافة الصعدة‪..‬‬
‫فلم يمكن لحاكم طاغية عبر التاريخ أن يتحمل وجود من يوحد اللسسه فسسي شسسعبه ول‬
‫يعبده‪ ,‬حتى ولو تركه وشأنه وطغيانه‪ ..‬كما ل يمكن لدولة جرثومية في بنيتهسسا وفكرتهسسا‬
‫مثل إسرائيل أن تتحمل قيام دويلة فلسطينية في خاصرتها ولو بمواصسسفات ممسسسوخة‬
‫على جزء من أرض فلسطين ‪ ,‬حتى ولو سلمت هذه الدويلة لسرائيل بكسسل مسسا سسسلبته‬
‫منها واعترفت بشرعيتها الغير مشروعة أصل‪ .‬وهذا ما أثبته المسار السخيف لتفاقيات‬
‫السلم بدءا من )أوسلو( ومرورا بس )مدريد( وغيرها وانتهساء بسس )خارطسسة الطريسسق( إلسى‬
‫الهاوية‪..‬‬
‫كما أثبتت التجارب السياسية في كافة الدول السلمية أن قسسوى الكفسسر والعلمنسسة‬
‫واللحاد والتغريب لم تتحمسسل وجسسود قسسوى أصسسولية وأحسسزاب إسسسلمية معهسسا تحسست قبسسة‬
‫جنة مسّيرة‪ .‬وقد رفضتها حتى مسسع حالتهسسا هسسذه فسسي الغالبيسسة‬
‫البرلمان‪ ,‬إل ممسوخة مد ّ‬
‫السسساحقة مسسن التجسسارب‪ ..‬فمسسن السسسذاجة أن يتصسسور بعسسض السسسلميين تلسسك الرقعسسة‬
‫المحدودة تحت قبة البرلمان تتسع لقوى اليمان والكفر بالله فسسي ألسسوهيته و ربسسوبيته‪,‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 198 [ ‬‬

‫وهي تتعايش بسلم‪ .‬حيث لم تتسع الرض كاملة لجوار الحق والباطل‪ .‬حيسسث مسسا لبسسث‬
‫الباطل أن صرخ بالحق )لقتلنك(‪..‬‬

‫*************‬

‫إن الشر ل يندفع بالمواعظ وتحريك الضمير وإنما بمقاومته‬ ‫‪.2‬‬


‫وقطع دابره‪:‬‬
‫فلم ينفع قابيل أن ذكره أخاه بأنه مسالم له‪ ,‬وأنه لم يحسسرك يسسده ضسسده ‪ ,‬وتسسذكيره‬ ‫ّ‬
‫بالخوف من‬
‫عده بالنار جزاء للظالمين‪..‬‬ ‫الله ‪ ,‬وتو ّ‬
‫َ‬
‫ن ‪) ‬المسسائدة‪:‬‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬ ‫خا ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫م َ‬‫ح ِ‬ ‫صب َ َ‬ ‫ه فَأ ْ‬ ‫قت َل َ ُ‬ ‫خيهِ فَ َ‬ ‫ل أَ ِ‬
‫ه قَت ْ َ‬‫س ُ‬
‫ف ُ‬ ‫ه نَ ْ‬‫ت لَ ُ‬ ‫فقال تعالى‪  :‬فَط َوّعَ ْ‬
‫ك ك َتبنا عََلى بِني إسرائي َ َ‬ ‫ثم قال تعالى‪ :‬م َ‬
‫فس سا ً ب ِغَي ْس ِ‬
‫ر‬ ‫ل نَ ْ‬
‫َ‬
‫ن قَت َس َ‬
‫َ‬ ‫م ْ‬‫ه َ‬‫ل أن ّ ُ‬
‫َ‬
‫ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ل ذ َل ِ َ َ ْ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫نأ ْ‬
‫َ‬ ‫ِ ْ‬
‫َ‬
‫‪. (30‬‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫س‬‫حي َسسا الن ّسسا َ‬ ‫مسسا أ ْ‬ ‫حَياهَسسا فَك َأن ّ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫مس ْ‬ ‫ميعسا وَ َ‬ ‫ج ِ‬‫س َ‬ ‫ل الن ّسسا َ‬ ‫ما قَت َ َ‬ ‫ض فَك َأن ّ َ‬ ‫سادٍ ِفي الْر ِ‬ ‫س أو ْ ف َ َ‬ ‫ف ٍ‬ ‫نَ ْ‬
‫ن‪‬‬ ‫سرُِفو َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م ب َعْد َ ذ َل ِ َ‬ ‫ً‬
‫ن ك َِثيرا ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫م ْ‬ ‫ضل ُ‬ ‫ك ِفي الْر ِ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫م إِ ّ‬‫ت ثُ ّ‬ ‫سلَنا ِبالب َي َّنا ِ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫جاَءت ْهُ ْ‬
‫قد ْ َ‬‫ميعا وَل َ‬ ‫ج ِ‬ ‫َ‬
‫)المائدة‪..(32:‬‬
‫ولن العبرة في الجرأة على القتل ل بكمية القتل‪ ..‬فمن قتسسل نفسسسا زورا وطغيانسسا‬
‫وظلما فهو مستعد لقتل غيرها لنفس الدوافع‪ .‬وهسسذا مسسا أثبتتسسه هسسذه الحضسسارة الغربيسسة‬
‫البربرية الهمجية التي تسود صفحات تاريخها بقصص مروعة من الجرائم‪.‬‬
‫فمنذ انطلقت حملة الكشوف الجغرافية بتفويض ومباركة من بابا الفاتيكان مطلسسع‬
‫القرن السادس عشسسر‪ ,‬تركسست السسدول النصسسرانية الوروبيسسة وراءهسسا قصصسسا مسسن القتسسل‬
‫والفتك بالبشر في القارات الخمسة الخرى تشيب لها الولدان‪.‬‬
‫لقد أباد الغسسرب أعراقسسا وأممسسا بكاملهسسا فسسي المريكيسستين وأسسستراليا‪ ,‬وارتكسسب عسسبر‬
‫التاريخ منذ ذلك الوقت وإلسى يومنسا هسذا فضسائع جساوزت ضسحاياها مئات الملييسن مسن‬
‫البشر‪ ..‬بل لقد أباد الوروبيون بعضسسهم بعضسسا فسسي صسسراعهم علسسى عسسائدات السسستعمار‬
‫وعلى المصالح والسياسات المختلفة فقتل في الحرب العالمية الولسسى نحسسو ‪ 8‬مليسسون‬
‫نسمة‪ .‬وأفنى الوروبيون فيمسسا بينهسسم بالضسسافة للسسروس والمريكسسان واليابسسان نحسسو ‪82‬‬
‫مليون إنسان في الحرب العالمية الثانية ‪ .‬حيث قصسسفوا المسسدن علسسى رؤوس المسسدنيين‬
‫وجعلوهم حقل تجارب لمخترعاتهم العسسسكرية الفاتكسسة وانفسسردت أمريكسسا بتجريسسب أول‬
‫قنبلتين نوويتين في التاريخ الحديث فقتلت زهاء ربع مليون نفس في لحظات ! ‪..‬‬
‫ولعلم الله بأن في بني النسان أمثال هؤلء‪ ..‬شرع الجهسساد والسسدفع فقسسال تعسسالى‪:‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫مسس ْ‬ ‫جسسوا ِ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ن أُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ديٌر * ال ّ ِ‬ ‫م لَ َ‬
‫ق ِ‬ ‫صرِهِ ْ‬ ‫ه عََلى ن َ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫موا وَإ ِ ّ‬ ‫م ظ ُل ِ ُ‬ ‫ن ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫قات َُلو َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ل ِل ّ ِ‬‫‪ ‬أذِ َ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫م ْ‬‫ض ل َُهسد ّ َ‬ ‫م ب ِب َْعس ٍ‬ ‫ض سه ُ ْ‬‫س ب َعْ َ‬ ‫ول د َْفسعُ الل ّسهِ الّنسا َ‬ ‫ه وََلس ْ‬ ‫قوُلوا َرب َّنا الل ّ ُ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫حقّ إل أ ْ‬ ‫م ب ِغَي ْرِ َ‬ ‫دَِيارِهِ ْ‬
‫ن‬‫صسُرهُ إ ِ ّ‬ ‫ن ي َن ْ ُ‬ ‫مس ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الّلس ُ‬ ‫صَر ّ‬ ‫م الل ّهِ ك َِثيرا ً وَل َي َن ْ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫جد ُ ي ُذ ْك َُر ِفيَها ا ْ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫وا ٌ‬ ‫صل َ َ‬‫معُ وَب ِي َعٌ وَ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ص َ‬ ‫َ‬
‫ز ‪)‬الحج‪. (40 /39:‬‬ ‫زي ٌ‬ ‫قوِيّ عَ ِ‬ ‫َ‬
‫هل َ‬ ‫ّ‬
‫الل َ‬
‫ُ‬
‫ن ‪.‬‬ ‫دو َ‬ ‫معْت َس ُ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ك هُ س ُ‬ ‫ة وَأول َئ ِ َ‬ ‫مس ً‬ ‫ن إ ِّل َول ذِ ّ‬ ‫م ٍ‬‫مؤْ ِ‬ ‫ن ِفي ُ‬ ‫وقال تعالى عنهم‪  :‬ل ي َْرقُُبو َ‬
‫قوا‬ ‫م َوات ّ ُ‬ ‫دى عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ما اعْت َ َ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ ِ‬ ‫دوا عَل َي ْهِ ب ِ ِ‬ ‫م َفاعْت َ ُ‬ ‫دى عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ن اعْت َ َ‬ ‫م ِ‬ ‫)التوبة‪ .(10:‬ولذلك قال‪  :‬فَ َ‬
‫َ‬
‫ن ‪) ‬البقرة‪(194/‬‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫معَ ال ْ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫موا أ ّ‬ ‫ه َواعْل َ ُ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ولهذا شرع الجهاد وفرض العداد‪ ,‬إعداد القوة بهدف )الرهاب( ‪ ,‬نعم إرهاب هسسذا‬
‫الجنس النكد المعتدي من أبناء آدم حيث ما وجدوا ‪ .‬ولذلك أمر تعالى بوضوح وصراحة‬
‫ل‪:‬‬‫ل ‪ ‬وحدد الهدف بصراحة مكم ً‬ ‫خي ْ ِ‬‫ط ال ْ َ‬ ‫ن رَِبا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ة وَ ِ‬ ‫ن قُوّ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ست َط َعْت ُ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫م َ‬ ‫دوا ل َهُ ْ‬ ‫ع ّ‬ ‫‪ ‬وَأ َ ِ‬
‫م ‪) ‬النفسسال‪:‬‬ ‫مه ُ س ْ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬ ‫م الل ّس ُ‬ ‫مون َهُ ُ‬ ‫م ل ت َعْل َ ُ‬ ‫دون ِهِ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ري َ‬ ‫خ ِ‬‫م َوآ َ‬ ‫ن ب ِهِ عَد ُوّ الل ّهِ وَعَد ُوّك ُ ْ‬ ‫‪ ‬ت ُْرهُِبو َ‬
‫‪(60‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 199 [ ‬‬

‫واليات بهذا المعنى كثيرة‪ ..‬لقد علم الله أن هذا الجنس الشرير القاتل مسسن بنسسي‬
‫البشر يجب أن يردعوا ‪ .‬وأن تستأصل شأفتهم إن لم يردعوا‪ ,‬وأل يسمح لهسسم بسسالعيش‬
‫إل تحت الذلة والصغار يدفعون الجزية عن يد وهم صاغرون ‪ ,‬وأن أكثره ل يسسستقيم إل‬
‫مسسسسا دمسسسست عليسسسسه قائمسسسسا‪ ..‬وهكسسسسذا أثبسسسست التاريسسسسخ وصسسسسدق اللسسسسه العظيسسسسم‪:‬‬
‫ف ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ر ‪ ) ‬الملك‪. (14:‬‬
‫خِبي ُ‬ ‫خل َقَ وَهُوَ الل ّ ِ‬
‫طي ُ‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬ ‫‪ ‬أل ي َعْل َ ُ‬
‫م َ‬

‫*************‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 200 [ ‬‬

‫‪ .3‬الصراع بين الحق والباطل أزلي‪ .‬كان وسيستمر‪ .‬وأعداء الحق على‬
‫مر التاريخ هم المل المستكبرون من الحاشية والعوان وكهنة‬
‫السلطان‪:‬‬
‫منذ نشأ الشرك‪ ..‬وقامت نواة السلطة وتكون الطغيان ارتبطت مصالح السلطان‬
‫والطاغوت بمصالح أهل الموال والدنيا بزيف سسسدنة الضسسلل مسسن الكهسسان‪ ,‬فصسسار لهسسم‬
‫المل‪ ,‬وحرسهم العوان‪ ..‬وكثيرا ما أطلق القرآن الكريم على هذه الثلة أداة الشسسيطان‬
‫في وجه أهل الحق لفظ )المل( أو لفظ )الذين استكبروا( أو لفظ )الذين أترفوا(‪..‬‬
‫نعم بدأ هذا الصراع منذ قابيل واستمر مع المتكبرين من قوم نوح ثسسم مسسا تله مسسن‬
‫النبياء عليهم السلم ممن قص علينسسا القسسرآن ذكرهسسم إلسسى تفصسسيلت ذلسسك فسسي قصسسة‬
‫موسى عليه السلم مع عد واللسه فرعسون إلسسى قسسوى الكفسر وأصسسحاب المصسالح ممسن‬
‫سسعوا في قتل المسيح فأنجاه الله‪ ,‬وصول لدعوة خاتم النبياء عليه الصسسلة والسسسلم‪..‬‬
‫واستمر بعد ذلك كما سنبين عبر التاريخ السلمي بين دول الكفر ودولة السلم‪ ..‬وبين‬
‫قوى الحق والصلح وقوى الستكبار والظلم والجور داخل دولة السسلم ذاتهسا‪ ,‬منسذ أن‬
‫افترق السلطان والقرآن‪ ..‬كما أخبر سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم‪..‬‬
‫قال الله تعالى‪  :‬ل َ َ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫دوا الل ّ َ‬‫ل َيا قَوْم ِ اعْب ُ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫مه ِ ف َ َ‬ ‫سل َْنا ُنوحا ً إ َِلى قَوْ ِ‬ ‫قد ْ أْر َ‬
‫ل‬‫ضل ٍ‬ ‫ك ِفي َ‬ ‫مهِ إ ِّنا ل َن ََرا َ‬ ‫ن قَوْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مَل ُ ِ‬‫ل ال ْ َ‬ ‫ظيم ٍ * َقا َ‬ ‫ب ي َوْم ٍ عَ ِ‬ ‫ذا َ‬‫م عَ َ‬‫ف عَل َي ْك ُ ْ‬‫خا ُ‬ ‫إ ِل َهٍ غَي ُْرهُ إ ِّني أ َ َ‬
‫ن ‪ ‬العراف ‪ 59‬س ‪.60‬‬ ‫مِبي ٍ‬
‫ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن إ ِلهٍ غَي ُْرهُ أَفل ت َت ّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫‪ ‬وَإ ِلى َ‬
‫ن*‬ ‫قو َ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ما لك ْ‬ ‫ه َ‬ ‫دوا الل َ‬ ‫ل َيا قَوْم ِ اعْب ُ ُ‬ ‫هودا َقا َ‬ ‫م ُ‬ ‫خاهُ ْ‬ ‫عادٍ أ َ‬
‫ن ‪ ‬العسسراف‬ ‫كاذِِبي َ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫فاهَةٍ وَإ ِّنا لن َظن ّ َ‬ ‫س َ‬ ‫ك ِفي َ‬ ‫َ‬
‫مهِ إ ِّنا لن ََرا َ‬
‫ن قَوْ ِ‬ ‫م ْ‬‫فُروا ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫مَل ُ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ل ال ْ َ‬‫َقا َ‬
‫‪ 65‬س ‪.66‬‬

‫ن إ ِل َسهٍ غَي ْسُرهُ قَسد ْ‬ ‫مس ْ‬ ‫م ِ‬ ‫كس ْ‬ ‫مسا ل َ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫دوا الّلس َ‬ ‫ل َيا َقسوْم ِ اعُْبس ُ‬ ‫صاِلحا ً َقا َ‬ ‫م َ‬ ‫خاهُ ْ‬ ‫مود َ أ َ َ‬ ‫‪ ‬وَإ َِلى ث َ ُ‬
‫م ‪ ‬العراف ‪.73‬‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫م ب َي ّن َ ٌ‬ ‫جاَءت ْك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫‪َ ‬قا َ‬
‫ن‬‫مسسو َ‬ ‫م أت َعْل ُ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م َ‬ ‫نآ َ‬ ‫م ْ‬ ‫فوا ل ِ َ‬ ‫ضع ِ ُ‬ ‫ست ُ ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫مهِ ل ِل ِ‬ ‫ن قَوْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ست َك ْب َُروا ِ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ل ال ِ‬ ‫ل ال َ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫سست َك ْب َُروا إ ِّنسا‬‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال س ِ‬ ‫ن * قَسسا َ‬ ‫من ُسسو َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ل ب ِسهِ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ما أْر ِ‬ ‫ن َرب ّهِ َقالوا إ ِّنا ب ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫س ٌ‬ ‫مْر َ‬ ‫صاِلحا ً ُ‬ ‫ن َ‬ ‫أ ّ‬
‫ن ‪) ‬العراف‪(76-75 :‬‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫م ب ِهِ َ‬ ‫من ْت ُ ْ‬ ‫ذي آ َ‬ ‫ِبال ّ ِ‬
‫ره ُ ‪) ‬لعسسراف‪:‬‬ ‫ن إ ِل َهٍ غَي ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫دوا الل ّ َ‬ ‫ل َيا قَوْم ِ اعْب ُ ُ‬ ‫شعَْيبا ً َقا َ‬ ‫م ُ‬ ‫خاهُ ْ‬ ‫ن أَ َ‬ ‫مد ْي َ َ‬ ‫‪ ‬وَإ َِلى َ‬
‫ن‬ ‫م ْ‬‫ك ِ‬ ‫مع َ َ‬‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب َوال ّ ِ‬ ‫شعَي ْ ُ‬ ‫ك َيا ُ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫خرِ َ‬ ‫مهِ ل َن ُ ْ‬ ‫ن قَوْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ست َك ْب َُروا ِ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫مَل ُ ال ّ ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫‪َ  . (85‬قا َ‬
‫ل أوَل َوْ ك ُّنا َ‬ ‫َ‬ ‫مل ّت َِنا َقا َ‬ ‫َ‬
‫ن ‪) ‬العراف‪.(88/‬‬ ‫هي َ‬ ‫كارِ ِ‬ ‫ن ِفي ِ‬ ‫قَْري َت َِنا أوْ ل َت َُعود ُ ّ‬
‫ثم إلى قصة فرعون وملئه وموقفهم من سيدنا موسى عليسسه السسسلم إلسسى قريسسش‬
‫والسادة المل الذين استكبروا وتجبروا حتى قذفوا بالقليب وهكسسذا‪ ..‬كمسسا قسسال تعسسالى ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن ‪) ‬سسبأ‪. (34:‬‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫م ب ِهِ َ‬ ‫سل ْت ُ ْ‬
‫ما أْر ِ‬ ‫ها إ ِّنا ب ِ َ‬ ‫مت َْرُفو َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ذيرٍ إ ِّل َقا َ‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫سل َْنا ِفي قَْري َةٍ ِ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫‪ ‬وَ َ‬
‫*************‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 201 [ ‬‬

‫‪ .4‬وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ‪:‬‬


‫هكذا أخبر ربنا تبارك وتعالى عن أهل الحق بأنهم الثلة والقلسسة فسسي كسسل قسسوم عسسبر‬
‫التاريخ على مستوى الرض وعلى مستوى كل قوم وإزاء كل دعوة حق‪ ..‬وهكذا أثبتسست‬
‫عبر تاريخ كل الدعوات المؤمنة وكل دعسسوة حسق‪ ..‬فقسسد دعسسا نسسوح قسسومه ألسسف سسسنة إل‬
‫خمسين عاما‪ ,‬فما آمن معه إل قليل‪..‬‬
‫وقد ذكر المفسرون أرقامسسا أقلهسسا أولده الثلثسسة‪ ,‬وأعلهسسا ثمسسانون‪ ..‬وأقواهسسا اثسسسني‬
‫عشر مؤمنا!!‪ .‬فالمسلمون في الكفار قليل‪ ..‬والمؤمنون في المسلمين قليل‪ ..‬وقليسسل‬
‫من عباد الله الشسكور‪ ..‬والمقربسون ثلسة مسن الوليسن وقليسل مسن الخريسن‪ ..‬وأصسحاب‬
‫اليمين في أهل السلم ثلة من الولين وثلة من الخرين‪..‬‬

‫*************‬

‫إنك ل تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ول رابطة‬ ‫‪.5‬‬


‫بين مؤمن وكافر‪:‬‬
‫أخبر الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بأنه يهسسدي مسسن يشسساء وأنسسه‬
‫ك ل تهدي مس َ‬
‫ن‬ ‫مس ْ‬ ‫دي َ‬ ‫ه ي َهْس ِ‬ ‫ن الل ّس َ‬ ‫ت وَل َك ِس ّ‬ ‫حب َب ْس َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َْ ِ‬ ‫ليس له من المر شيء وقال له ‪  :‬إ ِن ّ َ‬
‫َ‬
‫ن ‪) ‬القصص‪. (56:‬‬ ‫دي َ‬ ‫مهْت َ ِ‬ ‫م ِبال ْ ُ‬ ‫شاُء وَهُوَ أعْل َ ُ‬ ‫يَ َ‬
‫واليات في هذا المعنى كثيرة جدا والله أعلم بمن هسسو أهسسل للرحمسسة والهسسدى‪ ..‬‬
‫ه‬ ‫ن الّلس َ‬ ‫ت إِ ّ‬ ‫سسَرا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫م َ‬ ‫ك عَل َي ْهِس ْ‬ ‫سس َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ب نَ ْ‬ ‫شساُء َفل ت َسذ ْهَ ْ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫مس ْ‬ ‫دي َ‬ ‫شاُء وَي َهْ ِ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫فَإ ِ ّ‬
‫ن ‪) ‬فاطر‪. ( 8 :‬‬ ‫صن َُعو َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫عَِلي ٌ‬
‫كما قررت العقيدة بصرامة أن ل رابطة بين مؤمن وكافر فقال تعالى ‪:‬‬
‫ت‬ ‫من َسسا ُ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬ ‫من ُسسو َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫خوَةٌ ‪) ‬الحجسسرات‪ (10 :‬وقسسال تعسسالى ‪َ  :‬وال ْ ُ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ما ال ْ ُ‬ ‫‪ ‬إ ِن ّ َ‬
‫فسروا بعضسه َ‬ ‫بعضه َ‬
‫ض‪‬‬ ‫م أوْل َِيساُء ب َْعس ٍ‬ ‫َْ ُ ُ ْ‬ ‫ن كَ َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ض ‪) ‬التوبسسة‪ .(71 :‬وكذلك ‪َ  :‬وال ّس ِ‬ ‫م أوْل َِياُء ب َعْ ٍ‬ ‫َْ ُ ُ ْ‬
‫)النفال‪ .(73 :‬وهكذا انفصلت علقة البوة على أساس الكفسر واليمسان فقسال تعسالى يقطسع‬
‫ل‬ ‫مس ٌ‬ ‫ه عَ َ‬ ‫ك إ ِن ّس ُ‬ ‫ن أ َهْل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ه ل َي ْ َ‬ ‫ح إ ِن ّ ُ‬ ‫ل َيا ُنو ُ‬ ‫العلقة بين نوح عليه السلم وابنه الكافر‪َ  :‬قا َ‬
‫ح ‪) ‬هود‪. (46 :‬‬ ‫صال ِ ٍ‬ ‫غَي ُْر َ‬
‫فاُر‬ ‫سست ِغْ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫كسا َ‬ ‫مسا َ‬ ‫كما انفصلت علقة البنوة بين إبراهيم وأبيسسه فقسال تعسسالى‪  :‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫ها إياه فَل َما تبين ل َ َ‬
‫م‬ ‫هي س َ‬ ‫ن إ ِب َْرا ِ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫من ْس ُ‬ ‫ه عَد ُوّ ل ِل ّسهِ ت َب َسّرأ ِ‬ ‫ه أن ّ ُ‬ ‫ّ ََّ َ ُ‬ ‫عد َةٍ وَعَد َ َ ِ ّ ُ‬ ‫موْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ِلِبيهِ إ ِّل عَ ْ‬ ‫هي َ‬ ‫إ ِب َْرا ِ‬
‫م ‪) ‬التوبة‪. (114:‬‬ ‫حِلي ٌ‬ ‫َل َّواهٌ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫م سَرأ َ‬ ‫ت ن ُسسوٍح وَ ا ْ‬ ‫م سَرأ َ‬ ‫ف سُروا ا ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫مث َل ً ل ِل ّس ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ب الل ّس ُ‬ ‫ضَر َ‬ ‫وكذلك بين الزوج وزوجه ‪َ ‬‬
‫شسْيئا ً‬ ‫ن الل ّسهِ َ‬ ‫مس َ‬ ‫مسا ِ‬ ‫م ي ُغْن ِي َسسا عَن ْهُ َ‬ ‫مسسا فَل َس ْ‬ ‫خان ََتاهُ َ‬ ‫ن فَ َ‬ ‫ط َ‬ ‫ُلو ٍ‬
‫حي ْ ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫عَبادَِنا َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ت عَب ْد َي ْ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫كان ََتا ت َ ْ‬
‫ن ‪) ‬التحريسسم‪ . (10:‬وبين سسسبحانه وتعسسالى أن هسسذا هسسو سسسبيل‬ ‫خِلي َ‬ ‫دا ِ‬ ‫معَ ال ّ‬ ‫خل الّناَر َ‬ ‫ل اد ْ ُ‬ ‫وَِقي َ‬
‫ه إ ِذ ْ قَسساُلوا‬ ‫كانت ل َك ُ ُ‬
‫معَ س ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م َوال ّ ِ‬ ‫هي َ‬ ‫ة ِفي إ ِب َْرا ِ‬ ‫سن َ ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫سوَةٌ َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫السوة الحسنة فقال‪  :‬قَد ْ َ َ ْ‬
‫داوَةُ‬ ‫م ال ْعَس َ‬ ‫دا ب َي ْن َن َسسا وَب َي ْن َك ُس ُ‬ ‫م وَب َس َ‬ ‫فْرَنا ب ِك ُ ْ‬ ‫ن الل ّهِ ك َ َ‬ ‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ت َعْب ُ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫م إ ِّنا ب َُرآُء ِ‬ ‫مه ِ ْ‬ ‫قوْ ِ‬ ‫لِ َ‬
‫ك ل َسكَ‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حد َهُ إ ِل قوْ َ‬‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ما أ ْ‬ ‫ن لك و َ َ‬ ‫فَر ّ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫م ِلِبيهِ ل ْ‬ ‫هي َ‬ ‫ل إ ِب َْرا ِ‬ ‫مُنوا ِباللهِ وَ ْ‬ ‫حّتى ت ُؤْ ِ‬ ‫ضاُء أَبدا َ‬ ‫َوالب َغْ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ر ‪) ‬الممتحنة‪. (4 :‬‬ ‫صي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يٍء َرب َّنا عَلي ْك ت َوَكلَنا وَإ ِلي ْك أن َب َْنا وَإ ِلي ْك ال َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن الل ّهِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫وكذلك أثسنى الله تعالى علسسى صسسحابة رسسسوله عنسسدما تمثلسسوا ذلسسك وأنسسزل القاعسسدة‬
‫ه وَل َس ْ‬
‫و‬ ‫سسسول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫حسساد ّ الل ّس َ‬ ‫ن َ‬ ‫مس ْ‬ ‫ن َ‬ ‫دو َ‬ ‫وا ّ‬ ‫خسرِ ي ُس َ‬ ‫ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ اْل ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫وما ً ي ُؤْ ِ‬ ‫جد ُ قَ ْ‬ ‫فقال‪  :‬ل ت َ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫كانوا آباَءهُ َ‬
‫م‬ ‫ن وَأّيسسد َهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫لي َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ب ِفي قُلوب ِهِ ُ‬ ‫م أولئ ِك كت َ َ‬ ‫َ‬ ‫شيَرت َهُ ْ‬ ‫م أو ْ ع َ ِ‬ ‫وان َهُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫م أو ْ إ ِ ْ‬ ‫م أوْ أب َْناَءهُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 202 [ ‬‬

‫ضسسوا‬ ‫م وََر ُ‬ ‫ه عَن ْهُس ْ‬ ‫ي الل ّس ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ن ِفيَها َر ِ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫حت َِها اْل َن َْهاُر َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫خل ُهُ ْ‬ ‫ه وَي ُد ْ ِ‬ ‫من ْ ُ‬‫ب ُِروٍح ِ‬
‫َ‬ ‫ه ُأول َئ ِ َ‬
‫ن ‪) ‬المجادلة‪. (22:‬‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ب الل ّهِ هُ ُ‬ ‫حْز َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ب الل ّهِ أل إ ِ ّ‬ ‫حْز ُ‬ ‫ك ِ‬ ‫عَن ْ ُ‬
‫هذه نقطة أساسية لفهم الصراع بين الحق والباطل من منظور أهل اليمان‪..‬‬
‫حّبوا ال ْك ُ ْ‬ ‫خوانك ُ َ‬ ‫َ‬
‫ف سَر‬ ‫س ست َ َ‬‫نا ْ‬ ‫م أوْل ِي َسساَء إ ِ ِ‬ ‫م وَإ ِ ْ َ َ ْ‬ ‫ذوا آَباَءك ُ ْ‬ ‫خ ُ‬‫مُنوا ل ت َت ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫َ‬ ‫وقال‪َ :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي‬
‫م‬ ‫َ‬
‫م وَأب ْن َسساؤُك ُ ْ‬ ‫ن آب َسساؤُك ُ ْ‬ ‫ن ك َسسا َ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫ن * قُ س ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬‫م ال ّ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫م فَُأول َئ ِ َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ي َت َوَل ّهُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫لي َ‬ ‫عََلى ا ْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫سس َساك ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ها وَ َ‬ ‫سسساد َ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫شوْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫جاَرةٌ ت َ ْ‬ ‫ها وَت ِ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ل اقْت ََرفْت ُ ُ‬ ‫وا ٌ‬ ‫م َ‬ ‫م وَأ ْ‬ ‫شيَرت ُك ُ ْ‬ ‫م وَعَ ِ‬ ‫جك ُ ْ‬ ‫م وَأْزَوا ُ‬ ‫وان ُك ُ ْ‬‫خ َ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫مرِ ِ‬ ‫ه ِبسسأ ْ‬ ‫ي اللسس ُ‬ ‫حّتى ي َأت ِ َ‬ ‫صوا َ‬ ‫سِبيل ِهِ فَت ََرب ّ ُ‬ ‫جَهادٍ ِفي َ‬ ‫سول ِهِ وَ ِ‬ ‫ن اللهِ وََر ُ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬‫ب إ ِلي ْك ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ضوْن ََها أ َ‬ ‫ت َْر َ‬
‫ن ‪) ‬التوبة‪. (24 / 23 :‬‬ ‫قي َ‬ ‫س ِ‬ ‫فا ِ‬ ‫ْ‬
‫م ال َ‬ ‫قوْ َ‬ ‫ْ‬
‫دي ال َ‬ ‫ه ل ي َهْ ِ‬ ‫َوالل ّ ُ‬

‫*************‬

‫نمو التجمعات البشرية وقيسسام الممالسسك‪ ..‬ونشسسوء السسسلطة وقيسسام النمسسوذج الفرعسسوني‬
‫المتكرر عبر التاريخ )حاكم س كاهن س أعوان(‪:‬‬
‫في بؤر التجمع البشري الولي بدأت تتكون نويسسات العشسسائر مسسن السسسر المتقاربسسة‬
‫نسبا ومسكنا‪ ,‬من أولد الب الواحد وأولدهم‪ ..‬ومع تناميهسا بسدأت تتكسسون القبسسائل مسن‬
‫تجمع العشائر أولد الجد الواحد‪..‬‬
‫وبشكل فطري وطبيعي قامت الحاجة لنشوء السلطة ‪ ,‬التي تكونت بشكل تلقائي‬
‫مسسن كسسبير السسسرة أو جسسدها أو شسسيخها المطسساع السسذي ترجسسع إليسسه القبيلسسة فسسي شسسؤونها‬
‫وحاجتها‪..‬‬
‫ولما كان اجتماع القبائل على موارد الغذاء والرزق من المياه والمراعسسي ومسسواطن‬
‫الصيد‪ ,‬سرعان ما ضاقت المواقع بأهلها فتباعد الناس في المساكن بحثسسا عسسن مسسوارد‬
‫الرزق نتيجة الحاجة والصراع على تلك الموارد‪..‬‬
‫فكانت السلطة في تلك المرحلة مكونة مسسن شسسيخ القبيلسسة وكسسبير رجسسال السسدين أو‬
‫الكهان فيها وكبار رؤوس العشائر أو السر وأهل المال أو القوة والبأس‪..‬‬
‫ومع تفاوت القبائل في حجمها سيطرت القوية منهسسا علسسى مسسن حولهسسا مسسن السسسر‬
‫والقبائل الضسسعيفة إمسسا بسسالتزاوج أو التحسسالف أو بسسالبطش والسسسيطرة‪ ..‬وبسسدأت القبسسائل‬
‫المتضخمة تأخذ شسسكل الممالسسك الصسسغيرة‪ ..‬وسسسرعان مسسا بسسرزت الحاجسسة لمسسستلزمات‬
‫مْلك من العوان والسلح والحصون ‪ .‬ونشأت طبقة المل والعوان‪ .‬وأدوات الملسسك و‬ ‫ال ُ‬
‫نويات مؤسسساته‪..‬‬
‫وكما حصل في تضخم بعض القبائل‪ .‬تضخمت بعض الممالسسك لتبتلسسع مسسن حولهسسا أو‬
‫جرها وتسيطر على أرضها‪ ..‬ومكنت كثرة العدد والموارد بعضها مسسن أن تتحسسول إلسسى‬ ‫ته ّ‬
‫ممالك قوية تقوم على نظام إقطاعي يسود فيه كبسسار القسسادة والملك السسذين يشسسكلون‬
‫كبار أعوان الملوك‪ ,‬الذين اتسع مع اتساع الموارد والسسسلطان مسسدى نفسسوذهم وبالتسسالي‬
‫مظاهر سلطانهم مسن كسسثرة الجنسسد والسسلح وإنشساء القلع والحصسسون والسسوار علسى‬
‫مدنهم وممالكهم‪ ..‬ونشأ ت أنظمسة اجتماعيسة واقتصسادية وسياسسسية بحسسب حسال كسل‬
‫مملكة‪ ,‬وبالطبع كان لكل مملكة دينها ومعتسقداتها وبالتالي نشسسأت طبقسة رجسال السدين‬
‫والكهان الذين يديرون الحياة الدينية لكل مملكة‪..‬‬
‫وكما توسعت القبائل توسعت الممالك ‪ .‬وقام الصسسراع علسسى النفسسوذ والسسسلطان أو‬
‫الموارد والراضي وسوى ذلك من متاع الدنيا‪ ..‬فقسسامت الحسسروب بيسسن الممالسسك وابتلسسع‬
‫القوياء الضعفاء فبدأت تتكون الممالك الكبرى التي ازدهسسرت فيهسسا حضسسارات عظيمسسة‬
‫فسسي مختلسسف منسساطق الرض علسسى يسسد أولئك الملسسوك القويسساء‪ ..‬واضسسطرت الممالسسك‬
‫الصغرى إلى الدخول في حمايتها أو الذوبان فيها أو الرحيسل مسن جوارهسا إلسى منساطق‬
‫أخرى‪ ..‬فتوسعت تلك الممالك لتصل إلى حجم المبراطوريات في بعض الحيان‪..‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 203 [ ‬‬

‫ونتيجة الظلم ‪ ,‬والتسنوع العرقي والديني في مكونات المبراطوريات ‪ ,‬أو الممالسسك‬


‫الكبرى ‪ ,‬ونتيجة الصراع فيما بينها ‪ ,‬تفككت في كثير من الحيسسان تلسسك المبراطوريسسات‬
‫والممالك الكبيرة إلى مكونات أخسسرى مسسن الممالسسك الصسسغيرة ‪ ,‬وعسسادت إلسسى مسسستوى‬
‫المملكة أو المارة أو حتى القبيلة لتعسساود دورة التاريسسخ سسسيرها معهسسا بأشسسكال مختلفسسة‬
‫فتتسع وتمتد ثم تتفكك وتتحلل‪ ..‬وهكذا دواليك‪..‬‬

‫* قيام النموذج الفرعوني ومثلث السلطة‪( :‬الحاكم ـ الكاهن ـ العوان(‪:‬‬


‫حكسسم الملسسوك والزعمسساء شسسعوبهم ورعايسساهم بسسالترغيب والسسترهيب‪ ..‬فالعطايسسا‬
‫والمناصب والمكاسب لمن يطيع السلطان‪ ,‬والبطش والقتسسل و النكسسال لمسسن يخسسالفه‪..‬‬
‫ومع الوقت أدرك الملوك والطغاة ما للسيف والذهب س أو العصسسا والجسسزرة س س مسسن أثسسر‬
‫ناجع في سياسة الناس‪..‬‬
‫إل أن دهاة الساسة والملسسوك الطسسواغيت ‪ ,‬لفسست نظرهسسم طاعسسة النسساس لرجسسال ل‬
‫يملكون سيفا ول ذهبا‪ ,‬ول حراسا ول أعوانا‪ ,‬ول شيئا من هيلمان السلطان! إنهم رجال‬
‫الدين والكهان الذين يقبعون في معابدهم ‪ ,‬حيث يسأتيهم النسساس طواعيسة ليسسدفعوا لهسم‬
‫الصدقات ويقربوا بين أيديهم القرابين بل إجبار‪ ,‬ويقضون لهم المهسسام و الخسسدمات‪ ,‬بسسل‬
‫ويهبون لهم حياتهم بكل اختيار‪ .‬حيث ل يحصل الملوك على ذلك من الناس إل بالسيف‬
‫والسوط‪..‬‬
‫فالناس يطيعون الكهان بسسسبب دواعسسي الفطسسرة الكاملسسة السستي فطرهسسا اللسسه فسسي‬
‫قلوب الناس من السعي لعبادة خالقهم وإرضائه‪..‬‬
‫فإما يعبد الناس ربهم وفق هدي النبياء ‪ ,‬ثم ورثتهم من العلماء ‪ ,‬فيوصلونهم إلسسى‬
‫الله على الطريق المسسستقيم ل يريسدون منهسم جسزاءا ول شسسكورا‪ ,‬وإنمسا هسداة ربسانيين‬
‫يبتغون الجسسر مسسن اللسسه تعسسالى‪ ..‬وإمسسا أن تجتسسال الشسسياطين النسساس ذات اليميسسن وذات‬
‫الشمال فيعبدون الطسساغوت ويشسسركون بربهسسم ‪ ,‬وتقسسودهم فسسي هسسذا الضسسلل شسسياطين‬
‫النس والجن من السسسحرة والكهسسان ورجسسال السسدين المنحرفيسسن‪ .‬فينحسسرف النسساس فسسي‬
‫دروب الضللة كل أمة بحسب شيطانها وضللها‪ ,‬ذلك منذ عبد الناس حجسسارة الطسسوطم‬
‫والكواكب والظواهر الطبيعية والحيوانات والنار والصنام ‪ ,‬أو عبدوا البشر والطسسواغيت‬
‫إلى آخر أشكال الشرك المتطورة بحسب تطور المجتمعات‪..‬‬
‫إن الناس يطيعون كهانهم ورجال الدين فيهم ظنا منهم أنهسم يوصسلون إلسى طاعسة‬
‫خالقهم ‪ .‬فتستريح فطرتهم في عبادة ذلك الخالق ‪ ,‬حيث ل تستريح فطسسرة ول تسسستقر‬
‫نفس إل بالركون إلى معبودها بالحق أو بالضللة‪..‬‬
‫ولذلك ترى النسان مهما سما في مراتب العلسسم والمعرفسسة والسسذكاء ‪ ,‬يخلسسع عقلسسه‬
‫وتفكيره مع حذائه على باب المعبد ‪ ,‬ويستعد في غالب الحيسان نفسسيا ‪ ,‬لطاعسة رجسل‬
‫الدين القابع في داخله ‪ ,‬ليدله على رضا معبوده ويعلمه كيف يعبده ويطيعه‪ .‬وهو علسسى‬
‫استعداد لبذل كل غال ونفيس في سبيل هذه الراحة‪ ..‬وهكذا مازلت ترى اليوم حامسسل‬
‫شهادة دكتوراة في أرقى العلوم ‪ ,‬يثني ركبتيه ويبسط راحتيه ساجدا لبقرة أو فسسأرة أو‬
‫نار‪ ,‬أو تمثسسال أصسسم مزركسسش ! فيمسسا يسسرش عليسسه الكسساهن بعسسض رذاذ المسساء مسسن يسسده‬
‫المتعفنة ‪ ,‬ويطلسسق دخسسان البخسسور لتغطسسي علسسى نتنسسه ونتسسن معبسسده‪ ..‬أو ربمسسا يتبسسع هسسذا‬
‫الحصيف فتوىً عوجاء من رجل دين منافق لسسسلطانه ‪ ,‬حسستى ولسسو كسسانت ل تسسدخل فسسي‬
‫عقسسل عنسسزة‪ .‬مسسن قبيسسل إضسسفاء الشسسرعية علسسى احتلل النصسسارى لبلد الحسسرم بسسدعوى‬
‫الستعانة ‪ ,‬وجعل من جاهدهم مفسدا في الرض!! وهكذا كان وما زال ديدن البشر‪..‬‬
‫وحتى لما ثار الناس مؤخرا على رجال الدين وانخلعسسوا مسسن أديسسانهم ‪ ,‬وفسسروا إلسسى‬
‫ظلمات اللحاد ‪ .‬لم تستقر نفوسهم ومسا زالسسوا يسستيهون فسسي ظلمسسات السسسحر والكهانسسة‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 204 [ ‬‬

‫والبحث في المغيبات ‪ ,‬والعتقاد في الوهام والشباح والطباق الطائرة! حستى يسسسكن‬


‫هذا العطش الفطري لعبادة رب قادر مهيمن يلجؤون إليه في المهمات!‪.‬‬
‫أدرك الساسسسة و دهسساة الطسسواغيت هسسذه الظسساهرة ‪ ,‬وأدركسسوا أن اسسستيعاب هسسؤلء‬
‫المستحوذين على الطاعة بل سلطان ول أعوان أفضل من مواجهتهم ‪ .‬وعلموا أنهم إن‬
‫خضعوا إليهم خضع لهم القطاع الكبر من الناس الذين لم يتمكن السيف والسسسوط ول‬
‫الذهب من إخضاع أكثرهم إل مؤقتا‪ ,‬حيث يكون الصل في الناس هو التفلسست والبغسسض‬
‫للسلطان وسيفه وذهبه لول الخوف والحاجة‪..‬‬
‫ل الدين‪ ,‬وأغدقوا عليهسسم السسذهب والعطايسسا‪ ,‬و أوعسسدوا مسسن‬ ‫ل المْلك رجا َ‬
‫فقّرب رجا ُ‬
‫أبى منهم السيف والعذاب ‪ .‬فطوعوا أكثرهم ‪ .‬فأنشؤوا لهم هيلمانا كهيلمسسان الملسسك‪,‬‬
‫فارتفعت قبساب المعابسسد كمسا ارتفعست أبسسراج القصسسور‪ .‬وصسسار لهسم الحسراس والعسوان‬
‫والتباع والخدم‪ .‬وهكذا انضم رجال الدين إلى المل من كبار القسسواد والمسسراء والعسسوان‬
‫وشكلوا الحاشية‪ .‬وقام التزاوج النكد بين الملوك والكهان ورجال الدين ‪ ,‬هسسذا السستزاوج‬
‫الذي دمر مستقبل البشرية في معظم تاريخها ‪ .‬وعّبد الناس للطاغوت بسدل أن يعبسدوا‬
‫ربهم‪..‬‬
‫وبهذا اكتمل مثلث السسسلطة السسذي قسسام علسسى ) الحاكم والكـاهن والعـوان (‪,‬‬
‫وشكل كبار الكهان وكبار العوان وجنودهم الظلمسسة مسسا اصسسطلح عليسسه القسسرآن بلفظسسة‬
‫) المل ( أو ) الذين استكبروا ( أو )الذين أترفوا(‪ ..‬وحساز هسؤلء مسا شساؤوا ‪ ,‬واسستولوا‬
‫على ما أرادوا من دنيا الناس والشعوب المسحوقة طوعا أو كرها‪.‬‬
‫وتنسسوعت أشسسكال مثلسسث السسسلطة بحسسسب تنسسوع وتطسسور المجتمعسسات والممالسسك‬
‫والحضارات‪ ..‬ولكن التاريخ وآثاره ومسسا تركتسسه تلسسك الحضسسارات مسسن شسسواهد مكتوبسسة أو‬
‫ملموسة ‪ ,‬وكذلك ما أخبرتنا به الكتب الدينية السابقة ثم القرآن الكريم ‪ ,‬دلت جميعهسسا‬
‫على أن مثلث السلطة كان مكونا من هذا الحلسسف‪):‬الحــاكم والكــاهن والعــوان(‪.‬‬
‫حيسسث كسسان صسسلح المل والحاشسسية دائمسسا بصسسلح ذلسسك السسسلطان ‪ .‬والعكسسس بسسالعكس‪.‬‬
‫فالملوك العادلون قربوا العلمساء الصسالحين ورجسال السدين المخلصسين ‪ .‬واسستقام تبعسا‬
‫لذلك مسلك الجند والعسسوان‪ .‬وأمسسا الطغسساة فقسسد قربسسوا المجسسبرين والفاسسسدين‪ .‬وكسسان‬
‫الناس دائما على دين ملوكهم‪..‬‬
‫وهكذا قام الساحر المشعوذ يهيج النار إلى جانب رئيس القبيلسسة‪ ,‬ويسسدير الطقسسوس‬
‫في المجتمعات البدائية‪ .‬ثم تطورت الحضارات فقسام النمسوذج الفرعسوني السذي فصسل‬
‫القرآن وأفاض في تركيبته وأحواله‪ ..‬فوقسسف النمسسرود وكهسان الصسسنام لسسسيدنا إبراهيسسم‬
‫جروه بعد نجاته‪ ,‬ولما جاء موسسسى عليسسه السسسلم‬ ‫عليه السلم حتى رموه في النار ثم ه ّ‬
‫إلى فرعون وقف في وجهه حلف السحرة والعوان من المل إلى جانب الفرعون‪ ..‬ثم‬
‫وقف الحبار والرهبان من اليهود إلى جانب الملوك الطغاة ضد الصالحين في كثير من‬
‫تاريخهم‪ .‬فجاء نموذج )بلعام بن باعوراء( السسذي قسسص اللسسه قصسسته مسسع القسسوم الجبسسارين‬
‫وملكهم ضد نبي الله والمؤمنين من بني إسرائيل‪ ..‬ثم جاء اليونسسان وقسسامت حضسسارتهم‬
‫الوثسنية‪ ,‬فكان لها أباطرتها وكهانها وآلهتها وجندهم وملوكهم ‪ ,‬ثم جاء الرومسسان فورثسسوا‬
‫حضارة اليونان بحذافيرها‪ ..‬وقامت حضسارات كسثيرة فسي المشسرق والمغسرب ‪ .‬وكلهسا‬
‫تدل آثارها على نفس المسالك والبنية في مثلث السلطة‪) .‬حاكم وكاهن وأعوان(‪.‬‬
‫ولما جاء سيدنا عيسى عليه السلم وقف الحبسسار والرهبسسان والمل مسسن بنسسي إسسسرائيل‬
‫وأرباب الدنيا والمصالح مع الحاكم الروماني وسعوا في قتلسسه فأنجسساه اللسسه منهسسم‪ ..‬ثسسم‬
‫طارد القياصرة والملوك أتباعه وقتلوهم حتى حفروا لهم الخدود الذي ذكسسره القسسرآن ‪,‬‬
‫وطسساردوا أصسسحاب الكهسسف وأمثسسالهم‪ ,‬حسستى سسسمي القسسرن الول والثسساني الميلدي فسسي‬
‫التاريخ المسيحي بعصر الشهداء‪..‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 205 [ ‬‬

‫ثم غزت النصرانية المبراطورية الرومانية ‪ ,‬بعد أن شوهها الرهبان والحبار اليهسسود‬
‫ومزجوها بالوثنية وبعض تعاليم اليهودية‪..‬‬
‫وتكررت السّنة فكان البابا كبير الرهبان والحبار النصارى إلسسى جسسانب المسسبراطور‬
‫القيصر‪ ..‬ونشأ له ما هو معروف من المؤسسة الدينيسسة وسسسلطانها‪ ..‬واكتمسسل علسسى يسسد‬
‫النصارى الهيكل الديني الذي صسسار البابسسا الكسسبر فيسسه إمسسبراطورا دينيسسا متوجسسا يضسساهي‬
‫المبراطور الروماني وملوك أوروبا في ملكهم وذهبهم وحراسهم وحشمهم‪ ..‬وشسسهدت‬
‫أوروبا كثيرا من الحروب والنزاعات بين الملوك والبسساطرة العظسسام وبيسسن البابسسا وكبسسار‬
‫كرادلته ورهبانه وكانت الغلبة دائما للباباوات‪ ..‬حتى ثار بعض الملوك واتخذوا لنفسسسهم‬
‫باباوات فرعيين غير البابا المركزي‪.‬‬
‫والتاريخ الوروبي و الكنسي يقص الفظائع من أفعال مثلث السلطة هذا )الحسساكم‬
‫والكاهن والعوان( وما فعلوا بالشعوب مما يشسسيب لسسه الولسسدان ‪ ,‬ويشسسابه السسساطير‪.‬‬
‫فقد استلبوا الموال ‪ ,‬و سفكوا الدماء ‪ ,‬واستحلوا من العسسراض مسسا شسساؤوا‪ .‬حسستى بلسسغ‬
‫بهم أن يبيعوا الناس إقطاعات في الجنات من عالم الخسسرة!‪ ..‬حسستى ثسسار النسساس علسسى‬
‫دين البابا ‪ ,‬وإله البابا ‪ ,‬وكفروا وألحدوا ورموا الدين جانبا‪ .‬لتقوم الحضارة الغربية على‬
‫مزيج من اللحاد والعلمانية والنصرانية المتهودة الملوثة‪ .‬كما يشهدها العالم منسسذ أكسسثر‬
‫من قرنين من الزمن‪..‬‬
‫فلما جاء دين الله الخاتم وشريعته المحمدية‪ ,‬ركزت العقيدة على ربط العبد بربسسه‬
‫وأزالت وألغت دور الكاهن في حياة المسلم اليمانية‪ .‬فكان للدين علماء بمنزلسسة ورثسسة‬
‫أنبياء يهدون الناس إلى ربهم بل جزاء ول أجسسر ول إلسسزام‪ .‬حيسسث يسسستطيع أي أحسسد مسسن‬
‫الناس أن يسسسلك سسسبيل طلسسب العلسسم ليكسسون مسسن أهسسل العلسسم‪ ..‬كمسسا قسسسننت الشسسريعة‬
‫للسلطان دوره وحقوقه وصلحياته ‪ .‬وكانت الشريعة فوق الحاكم والمحكوم‪..‬‬
‫ولكن الذي حصل في أرض الواقع هو ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫من أن أهل السلم سيتبعون سنن من كان قبلهم حذو القذة بالقذة‪ ..‬قسالوا يسا رسسسول‬
‫الله اليهود والنصارى؟ قال فمن؟ )أي فمن إل هم؟!( لقد تبعهم أهل السلم في كسسثير‬
‫من المور وكان شر ذلك ؛ التباع في النظسام السياسسي وهيكلسه ‪ ,‬مسن قيسام الملسوك‬
‫والسلطين ونظامهم الوراثي‪ ..‬ونشأ هيكل شبيه بهيكل الحبار والرهبان إلى جانب كل‬
‫سلطان‪ ..‬وتماما كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحد أحاديث معجسسزات‬
‫النبوة فيما روي عنه من حديث حذيفسسة ‪) :‬تكون النبـوة فيكـم مـا شـاء اللــه أن‬
‫تكــون ثــم يرفعهــا إذا شــاء أن يرفعهــا ‪ .‬ثــم تكــون خلفــة علــى منهــاج‬
‫النبوة ‪.‬فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء اللــه أن يرفعهــا ‪.‬‬
‫ثم تكون ملكا عاضا فيكون ما شاء الله أن يكــون ثــم يرفعهــا إذا شــاء أن‬
‫يرفعها ‪ .‬ثم تكون ملكا جبريا فتكون ما شاء الله أن تكون ثــم يرفعهــا إذا‬
‫شاء أن يرفعها ‪ .‬ثم تكون خلفة على منهاج النبوة ‪.‬ثم سكت( رواه مسلم‪.‬‬
‫وفي رواية غاية في الهمية أوردها ابن حمسساد فسسي كتسساب الفتسسن مسسن حسسديث أنسسس‬
‫رضي الله عنه قال) إنها ثم ثم ملك عضوض ثم جبرية ثم طواغيت(‪.‬‬
‫وفي رواية ‪ :‬عن أنس بن مالك قال ‪ ) :‬إنها ســتكون ملــوك ثــم جبــابرة ثــم‬
‫الطواغيت ( ‪.‬‬
‫وهذا الذي حصل في المسلمين منذ رحيل السسستعمار وقيسسام حكومسسات الطسسواغيت‬
‫لترعى مصالحه وتحكم بشرائعه إلى يومنا هذا‪ ...‬وهكذا سن بنو أمية سسسنة الملسسك فسسي‬
‫المسسة المحمديسسة وتبعهسسم بعسسدهم سسسلطين المسسسلمين وخلفسساؤهم )كمسسا اصسسطلح علسسى‬
‫تسميتهم اصطلحًا(‪ ..‬وكذلك كان دأب الملوك والمراء المسلمين لمسا تفرقست ممالسك‬
‫بلد السلم إلى دول وممالك شتى‪..‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 206 [ ‬‬

‫فكانت النبوة فينا كما حفظت قصتها لنا كتسسب السسسيرة العطسسرة ونصسسوص السسسنة‪..‬‬
‫وكان النسسبي صسسلى اللسه عليسسه وسسسلم هسو الحساكم السياسسي كمسسا أنسه مصسسدر التشسسريع‬
‫والتلقي‪..‬‬
‫فلما قامت الخلفة الراشدة على منهاج النبوة ‪ ,‬قام خليفة رسول الله صسسلى اللسسه‬
‫عليه وسلم بأعباء الحكم والسياسسسة والريسسادة الدينيسسة‪ ,‬يعساونه أهسسل الحسسل والعقسسد مسن‬
‫علماء الصحابة والتابعين‪.‬‬
‫فلما انقلب المر كسروية قيصرية ‪ ,‬وانتقل إلى الملك العضوض‪ ,‬فالملسسك الجسسبري‬
‫استلزم الملك والسلطان مقومات مثلث السلطة من الكهان والعوان‪..‬‬
‫فسلك أهل السلم في ذلك سنة من كان قبلهم‪ ..‬فما بالك عند ما تحقسسق مسسا ورد‬
‫به رسول الله صلى الله عليه وسلم من قيام الطواغيت؟‪..‬‬
‫وهكذا كان إلى جانب كل ملك صالح علماء صالحون وأعوان مقسطون ‪ .‬ونادرا ما‬
‫مر هسسذا فسسي التاريسسخ السسسلمي‪ ..‬وكسسذلك قسسام إلسسى جسسانب ملسسوك الجسسور مسسن الخلفسساء‬
‫والسلطين والمراء المسلمين ‪ ,‬علماء سلطان منحرفون على قدر جور أمرائهم‪..‬‬
‫إلى أن قسسام الطسسواغيت يحكمسسون المسسسلمين ‪ ,‬فطغسسى علمسساؤهم وابتسسدعوا وزادوا‬
‫ونقصوا في دين الله قدر ما اسسستطاعوا ‪ .‬ولسسم يسسسلم مسسن عبثهسسم إل القسسرآن الكريسسم ‪,‬‬
‫الذي تكفل الله بحفظه ‪ .‬وما حفظ من سنته صلى الله عليسسه وسسسلم‪ .‬ومسسع ذلسسك لعسسب‬
‫علمسساء السسسوء دورهسسم فسسي تحريسسف الكلسسم عسسن مواضسسعه وسسسوء التأويسسل ولسسي أعنسساق‬
‫النصوص‪ ,‬لتوافق أهواء الملوك‪ ..‬وكان الجند والعسسوان مسسن أعسسوان الظلمسسة وأصسسحاب‬
‫السيطرة رهن إشارة الملوك الذين انتهبوا من دين أولئك العلماء وفتسساويهم مسسا شسساؤوا‬
‫قدر ما استطاعوا‪..‬‬
‫وهكذا حصل ما أخبر به رسول اللسسه صسسلى اللسسه عليسسه وسسسلم مسسن افسستراق القسسرآن‬
‫والسلطان‪ ..‬ومن نعمة الله على أهل مكة السلم أن حفظ لهم القرآن بحفظه وقيض‬
‫لهم من حفظ السنة ونقحها‪ ..‬وأنعم عليهم ببعض العلماء والعاملين المخلصين في كل‬
‫ظروف من تقوم بهم حجة الله على خلقه ‪ .‬فوقفوا بالمرصاد لذلك النحراف وتحملسسوا‬
‫في سبيل اللسسه جسسبروت الملسسوك وضسسريبة مواجهسسة فقهسساء السسسلطين وعلمسساء الضسسللة‬
‫وجهالت وطغيان الجنود والعوان من أتباع السادة والكبراء‪.‬‬
‫وهكذا كان إلى جانب كل سلطان من أمثال المأمون والمعتصسسم أمثسسال أحمسسد بسسن‬
‫أبي دؤاد وأصحابه ممن يقول للمعتصم محرضا له على قتل أحمد بن حمبل‪ ) :‬اقتله يا‬
‫إمام ودمه في عنقي ( حتى كان في خلفهم من شيوخ الزهر في مصر من يفتي بقتل‬
‫سيد قطب وإخوانه ‪ .‬ومن هيئة كبار العلماء في السعودية ومن يفتي بقتل المجاهسسدين‬
‫للمريكان ويحكم بأنهم ل يروحون رائحة الجنة!!‪..‬‬
‫س هام جدا لفهم طبيعة صراع الحق والباطل عسسبر‬ ‫إن فهم هذه السنة الكونية أسا ٌ‬
‫التاريخ عامة ‪ ,‬وفي زماننا هذا خاصة‪ ,‬حيث ترزح كافة بلدنا تحسست احتلل قسسوى الكفسسر‬
‫مباشرة وبصورة غير مباشرة ‪ .‬كمسسا مسسر معنسسا فسسي الفصسسل الول ‪ .‬حيسسث ينسسوب عنهسسم‬
‫ويقوم على حراسسسة مصسسالحهم ويشسساطرهم المكاسسسب حكسسام مرتسسدون تترسسسوا خلسسف‬
‫علماء ضللة ‪ ,‬فأسبغوا الشرعية عليهم وعلى الحتلل الصليبي بسسل واليهسسودي‪ .‬وأفتسوا‬
‫بقتل المجاهدين وحرمة التعاون معهم ‪ ,‬ليصبحوا جزءا من الحملة المريكيسسة لمكافحسسة‬
‫الرهسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسساب‪..‬‬
‫وهكذا تكرر عبر الزمان وعلسسى مسسر الحضسسارات والممالسسك النمسسوذج الفرعسسوني لمثلسسث‬
‫السلطة الذي فصل فيه القرآن وبين وأفاض بطريقة تبعث على الدهشة والعجب‪..‬‬

‫* النموذج الفرعوني من خلل نصوص القرآن‪:‬‬


‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 207 [ ‬‬

‫لقد قص الله سبحانه وتعالى قصة فرعون من خلل مسسساحة واسسسعة فسسي القسسرآن‬
‫بصورة تختلف من حيث الشرح والختصار في ‪ 27‬سورة من سور القرآن‪ ..‬حيسسث ورد‬
‫ذكر فرعسسون زهساء ‪ 76‬مسسرة ‪ .‬وغالبسسا مسسا جساء مقترنسسا بسسذكر السسسحرة أو المل أو الجنسسد‬
‫والعوان‪ ..‬ولعل أكثرها تفصيل ما جاء في سور )العراف ‪ /‬يونس ‪ /‬طسسه ‪ /‬الشسسعراء ‪/‬‬
‫القصسسص ‪ /‬الزخسسرف(‪..‬وانظسسر إلسسى العجسساز المسسذهل فسسي تصسسوير السسسلطة الفرعونيسسة‬
‫وأركانها في كل زمان ومكان‪ ,‬وأساليبها في الصسراع مسع الحسق وأدوار أركانهسا الثلثسة‬
‫)الحاكم ‪ /‬الكسساهن ‪ /‬الجنسسد والعسسوان(‪ ,‬وحيثيسسات المواجهسسة ودور الجهسسزة السسسلطوية ‪,‬‬
‫وأداء أهل الحق والباطل على مسرح الحدث من خلل مشاهد الصراع ونختار من تلك‬
‫النصوص وقفة سريعة مع ما جاء في سورة الشعراء اليات )‪: (68 -23‬‬
‫أعوذ بالله من الشيطان الرجيم‬
‫م‬ ‫ن ك ُن ْت ُس ْ‬ ‫مسسا إ ِ ْ‬ ‫مسسا ب َي ْن َهُ َ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ت َواْل َْر‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫سس َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫ن * َقا َ‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫ما َر ّ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ل فِْرعَوْ ُ‬ ‫‪َ ‬قا َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫ن * قَسسا َ‬ ‫م الوِّليس َ‬ ‫ب آب َسسائ ِك ُ ُ‬ ‫م وََر ّ‬ ‫ل َرب ّك ُس ْ‬ ‫ن * قَسسا َ‬ ‫مُعو َ‬ ‫سست َ ِ‬ ‫ه أل ت َ ْ‬ ‫حسوْل ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل لِ َ‬ ‫ن * َقا َ‬ ‫موقِِني َ‬ ‫ُ‬
‫م‬ ‫س‬ ‫ت‬ ‫ن‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫سا‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ما‬ ‫و‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫غ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫ق‬ ‫ر‬ ‫ش‬ ‫ْ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫*‬ ‫ن‬ ‫نو‬ ‫ج‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫أ‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫سو‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ ِ ِ َ َ ِ ِ َ َ َْ ُ َ ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ِ ْ ْ َ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫يءٍ‬ ‫شسس ْ‬ ‫ك بِ َ‬ ‫جئ ْت ُ َ‬ ‫ل أوَل َوْ ِ‬ ‫ن * َقا َ‬ ‫جوِني َ‬ ‫س ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫مََ‬ ‫ك ِ‬ ‫جعَل َن ّ َ‬ ‫ري َل ْ‬ ‫ت إ َِلها ً غَي ْ ِ‬ ‫خذ ْ َ‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫ل ْلئ ِ ِ‬
‫ن * َقا َ َ‬ ‫قُلو َ‬ ‫ت َعْ ِ‬
‫ن * وَن ََزعَ‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ن ُ‬ ‫ي ث ُعَْبا ٌ‬ ‫ذا هِ َ‬ ‫صاهُ فَإ ِ َ‬ ‫قى عَ َ‬ ‫ن * فَأل ْ َ‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ن ك ُن ْ َ‬ ‫ت ب ِهِ إ ِ ْ‬ ‫ل فَأ ِ‬ ‫ن * َقا َ‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ُ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫د‬ ‫س‬ ‫ري‬ ‫ي‬ ‫(‬ ‫*‬ ‫م‬ ‫س‬ ‫لي‬ ‫ع‬ ‫ر‬ ‫ح‬ ‫سا‬ ‫س‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫س‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫س‬ ‫ح‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫سا‬‫س‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫*‬ ‫ن‬ ‫ري‬ ‫ظ‬ ‫سا‬ ‫س‬ ‫ن‬ ‫لل‬ ‫ُ‬ ‫ء‬ ‫سا‬ ‫س‬ ‫ض‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ُ ِ ُ ْ‬ ‫َ ِ ٌ ِ ٌ‬ ‫َ‬ ‫ِ َ ِ َ ْ ُ ِ ّ َ‬ ‫ِ ّ ِ ِ َ‬ ‫يَ َ ُ ِ ِ َ َ ْ َ‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫س‬ ‫ه‬ ‫ذا‬ ‫إ‬ ‫س‬ ‫ف‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫خرجك ُم م َ‬
‫ن‬ ‫دائ ِ ِ‬ ‫مس َ‬ ‫ث فِسسي ال ْ َ‬ ‫خسساهُ َواب ْعَس ْ‬ ‫ه وَأ َ‬ ‫جس ْ‬ ‫ن * قَسساُلوا أْر ِ‬ ‫مُرو َ‬ ‫ذا ت َأ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫حرِهِ فَ َ‬ ‫س ْ‬ ‫م بِ ِ‬ ‫ضك ُ ْ‬ ‫ن أْر ِ‬ ‫يُ ْ ِ َ ْ ِ ْ‬
‫معُْلوم ٍ * وَِقي َ‬ ‫ك ب ِك ُ ّ‬ ‫ن * ي َأُتو َ‬ ‫ْ‬
‫س‬‫ل ِللّنسسا ِ‬ ‫ت ي َوْم ٍ َ‬ ‫قا ِ‬ ‫مي َ‬ ‫حَرةُ ل ِ ِ‬ ‫س َ‬ ‫معَ ال ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫حارٍ عَِليم ٍ * فَ ُ‬ ‫س ّ‬ ‫ل َ‬ ‫ري َ‬ ‫شَ ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫َ‬
‫حَرةُ قسسالوا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫س َ‬ ‫جاَء ال ّ‬ ‫ما َ‬ ‫ن * فل ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م الَغال ِِبي َ‬ ‫ْ‬ ‫ن كاُنوا هُ ُ‬ ‫َ‬ ‫حَرةَ إ ِ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ن * لعَلَنا ن َت ّب ِعُ ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫مُعو َ‬ ‫جت َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫هَل أن ْت ُ ْ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ن * قسا َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ن * قا َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قّرِبيس َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫مس َ‬ ‫م ِإذا ل ِ‬ ‫م وَإ ِن ّكس ْ‬ ‫ل ن َعَ ْ‬ ‫غال ِِبي َ‬ ‫َ‬
‫ن ال َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن كّنا ن َ ْ‬ ‫جرا إ ِ ْ‬ ‫ن لَنا ل ْ‬ ‫ن أإ ِ ّ‬ ‫فْرعَوْ َ‬ ‫لِ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ح ُ‬ ‫ن إ ِّنا لن َ ْ‬ ‫م وََقالوا ب ِعِّزةِ فِْرعَوْ َ‬ ‫صي ّهُ ْ‬ ‫ع ِ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫حَبالهُ ْ‬ ‫وا ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن * فَأل َ‬ ‫قو َ‬ ‫مل ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ما أن ْت ُ ْ‬ ‫قوا َ‬ ‫سى أل ُ‬ ‫مو َ‬ ‫م ُ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن*‬ ‫دي َ‬ ‫ج ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫حَرةُ َ‬ ‫س َ‬ ‫ي ال ّ‬ ‫ق َ‬ ‫ن * فَأل ْ ِ‬ ‫كو َ‬ ‫ما ي َأفِ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫ق ُ‬ ‫ي ت َل ْ َ‬ ‫ذا هِ َ‬ ‫صاهُ فَإ ِ َ‬ ‫سى عَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫قى ُ‬ ‫ن * فَأل ْ َ‬ ‫ال َْغال ُِبو َ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫م إ ِن ّس ُ‬ ‫ن ل َك ُس ْ‬ ‫ن آذ َ َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ه قَب ْس َ‬ ‫م ل َس ُ‬ ‫من ْت ُس ْ‬ ‫لآ َ‬ ‫ن * َقا َ‬ ‫هاُرو َ‬ ‫سى وَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ب ُ‬ ‫ن * َر ّ‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫مّنا ب َِر ّ‬ ‫َقاُلوا آ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف ت َعْل َمسسو َ ُ‬
‫ف‬ ‫خل ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫مس ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جل َك ُس ْ‬ ‫م وَأْر ُ‬ ‫ن أي ْسدِي َك ُ ْ‬ ‫ن َلقَط ّعَس ّ‬ ‫ُ‬ ‫س سوْ َ‬ ‫حَر فَل َ َ‬ ‫س ْ‬ ‫م ال ّ‬ ‫مك ُ ُ‬ ‫ذي عَل ّ َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫ل َك َِبيُرك ُ ُ‬
‫فسَر ل ََنسا َرب َّنسا‬ ‫َ‬ ‫وَل ُصل ّبنك ُ َ‬
‫ن ي َغْ ِ‬ ‫مسعُ أ ْ‬ ‫ن * إ ِّنسا ن َط ْ َ‬ ‫قل ُِبسو َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫ضي َْر إ ِّنا إ َِلى َرب َّنسا ُ‬ ‫ن * َقاُلوا ل َ‬ ‫مِعي َ‬ ‫ج َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫َ َ َّ ْ‬
‫سسرِ ب ِعَِبساِدي إ ِن ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن ك ُّنا أوّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫خ َ‬
‫ن*‬ ‫مت ّب َُعسو َ‬ ‫م ُ‬ ‫كس ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫سسى أ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫حي َْنسا إ ِلسى ُ‬ ‫ن * وَأوْ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ل ال ُ‬ ‫طاَياَنا أ ْ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫م لَنا لغَسسائ ِظو َ‬ ‫ن * وَإ ِن ّهُ ْ‬ ‫ة قَِليلو َ‬ ‫م ٌ‬ ‫شْرذِ َ‬ ‫ؤلِء ل ِ‬ ‫ن هَ ُ‬ ‫ن * إِ ّ‬ ‫ري َ‬ ‫ش ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫دائَ ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِفي ال َ‬ ‫ل فِْرعَوْ ُ‬ ‫س َ‬ ‫فَأْر َ‬
‫ك‬ ‫ريسم ٍ * ك َسذ َل ِ َ‬ ‫قسسام ٍ ك َ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن * وَك ُن ُسسوزٍ وَ َ‬ ‫ت وَعُي ُسسو ٍ‬ ‫جن ّسسا ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جَناهُ ْ‬ ‫خَر ْ‬ ‫ن * فَأ ْ‬ ‫حاذُِرو َ‬ ‫ميعٌ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫* وَإ ِّنا ل َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫حا ُ‬ ‫صس َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ن قَسسا َ‬ ‫معَسسا ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫مسسا ت َسَراَءى ال ْ َ‬ ‫ن * فَل َ ّ‬ ‫َ‬ ‫شسرِِقي‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ل * فَسأت ْب َُعوهُ ْ‬ ‫سسسرائي َ‬ ‫ها ب َن ِسسي إ ِ ْ‬ ‫وَأ َوَْرث َْنا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫ض سرِ ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫سسسى أ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫حي َْنا إ َِلى ُ‬ ‫ن * فَأوْ َ‬ ‫دي ِ‬ ‫سي َهْ ِ‬ ‫ي َرّبي َ‬ ‫مع ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ل ك َّل إ ِ ّ‬ ‫ن * َقا َ‬ ‫كو َ‬ ‫مد َْر ُ‬ ‫سى إ ِّنا ل َ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ُ‬
‫جي ْن َسسا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن * وَأن ْ َ‬ ‫ري س َ‬ ‫خ ِ‬ ‫م ال َ‬ ‫فن َسسا ث س ّ‬ ‫ظي سم ِ * وَأْزل ْ‬ ‫ق كالطوْدِ العَ ِ‬ ‫ن كل َفِْر ٍ‬ ‫فلقَ فكا َ‬ ‫حَر فان ْ َ‬ ‫صاك الب َ ْ‬ ‫ب ِعَ َ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن فِسسي ذ َل ِسك لي َس ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن أكثُرهُس ْ‬ ‫مسسا كسسا َ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫ن * إِ ّ‬ ‫ري َ‬ ‫خ ِ‬ ‫م أغَرقَنا ال َ‬ ‫ن*ث ّ‬ ‫مِعي َ‬ ‫ج َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫سى وَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ُ‬
‫م ‪) ‬الشعراء‪.( 68 / 23:‬‬ ‫حي ُ‬ ‫زيُز الّر ِ‬ ‫ْ‬
‫ن َرب ّك لهُوَ العَ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫مِنين * وَإ ِ ّ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ُ‬

‫*************‬

‫* وهكذا جاء دور السحرة وعلماء الفرعون ‪:‬‬


‫ابتدأ الحوار بين موسى عليه السلم وفرعسسون عقسسديا‪ ..‬فلمسسا بيسسن موسسسى أن لهسسم‬
‫ولبائهم ربسسا هسسو مالسسك الملسسك ورب المشسسارق والمغسسارب‪ ..‬دب فسسي فرعسسون شسسيطان‬
‫سجن إن هو اتخذ ربا يطيعه ويدين لسسه بسسدل عسسن‬ ‫الطغيان فاتهمه بالجنون ‪ ,‬ثم هدده بال ّ‬
‫طاعة الملك ودينه‪ ..‬ثم عرض موسى عليه السلم المعجزات والدلئل المفحمة‪ ..‬وهنا‬
‫أسقط في يد الفرعون‪ ..‬فهذه معجزات ل تناقش ‪ ,‬ول توضسسع فسسي السسسجن‪ ,‬عنسسدها ‪‬‬
‫قال للمل حوله إن هذا لسسساحر عليسسم * يريسسد أن يخرجكسسم مسسن أرضسسكم بسسسحره‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 208 [ ‬‬

‫فماذا تأمرون‪ ‬اتهمه بقسدرة السسحر‪ ..‬واسستنجد بسالمل يسستفز فيهسم حرصسهم علسى‬
‫الملك ‪ ‬يريد أن يخرجكم من أرضكم ‪ ‬ويظهر الديمقراطيسسة الن رغسسم أنسسه المسسر‬
‫الناهي الذي قال لهم يوميا ‪ ‬ما أريكم إل ما أرى وما أهديكم إل سسسبيل الرشسساد‪‬‬
‫حتى بلغ أن يقول لهم ‪ ‬أنا ربكم العلى ‪ .!!‬الن يخسساطب أعسسوانه بسساللين ومنطسسق‬
‫المشسساركة ‪‬مسساذا تسسأمرون‪‬؟ وهكسسذا هسسم فسسي كسسل زمسسان كمسسا يفعلسسون اليسسوم فسسي‬
‫مسرحيات الصلح السياسي بعد زلزل العراق‪..‬‬
‫وهكذا أدرك المل أن المسألة مسألة خوارق وعقائد تحتاج أهلها‪ ,‬فاستنجدوا بعكسساز‬
‫الفراعنة في كل زمان المشسسايخ و ) رجسسال السسدين (‪,‬قالوا أرجسسه وأخسساه ‪‬أي أجسسل‬
‫حواره الن ‪ ‬وابعث فسي المسدائن حاشسرين * يسأتوك بكسل سسحار عليسم ‪ ‬بكسسل‬
‫مقتدر من الكهان‪ ,‬سحار كثير السحر عليم به‪ .‬وهنا تسأتي لفتسة هامسة ومسا أشسبهها بمسا‬
‫يحصل اليوم ‪ ‬فجمع السحرة لميقسات يسوم معلسوم ‪ ..‬وكسسم تسسذكرت هسسذه اليسسة‬
‫عندما قرأت ذات مرة بيانا لهيئة كبار العلماء بعد أن فجر المجاهدون مواقع للمريكان‬
‫في )الخبر والرياض( في السعودية‪ ..‬فجاء في مطلع بيان هيئة كبار العلماء ‪ ) :‬بناءا‬
‫على دعوة من وزير الداخلية سمو المير نسايف بسن عبسد العزيسز‪ ...‬اجتمعست هيئة كبسار‬
‫العلماء في دورتها الطارئة بتاريخ ‪ . (..‬فسبحان الله كيف تشابهت المور‪.‬‬
‫لقد أرسل فرعون وزارة الداخلية إلى هيئة كبار العلماء حاشسسرين‪ ..‬فسساجتمعوا فسسي‬
‫دورتهم الطارئة لميقسسات يسسوم معلسسوم! وقيسسل للنسساس يومهسسا ‪ :‬إن هسسؤلء السسذين ضسسربوا‬
‫المريكان فسسي السسسعودية شسسرذمة قليلسسون ‪ ,‬وأنسسه لسسولي المسسر غسسائظون‪ ..‬وأن الجميسسع‬
‫حاذرون‪ ..‬وأن على كل مواطن أن يكون رجل أمن‪..‬‬
‫فلماذا يجتمع السحرة؟! إنهم يجتمعون لتطويع الناس للفرعون ]وقيل للناس هسسل‬
‫أنتم مجتمعون[ لماذا؟ ‪‬لعلنا نتبع السسسحرة إن كسسانوا هسسم الغسسالبين‪ ‬وهنسسا لفتتسسان‬
‫هامتان‪:‬‬
‫أولهما‪ :‬أن المل يتبعون فرعون في العادة‪ .‬فكيف رضي لهسسم الفرعسسون وللنسساس أن‬
‫يتبعوا السحرة ؟ !مسسا كسسان ذاك إل لعلمسسه أن إتبسساعهم للسسسحرة هسسو فسسي نهسسايته‬
‫طاعة للفرعون لنهم سيأمرونهم بهذا‪.‬‬
‫ثانيهمــا‪ :‬أن شــرط طاعــة النــاس للســحرة ] إن كــانوا هــم الغــالبين [‪..‬‬
‫فالناس تتبع الحجة والبرهان الشــرعي منهــم إن غلبــوا أو أوهمــوا‬
‫الناس بغلبتهم‪.‬‬
‫] فلما جاء السحرة قالوا لفرعسسون ‪ :‬أئن لنسسا لجسسرا إن كنسسا نحسسن الغسسالبين [ فهسسم‬
‫يعملون للدنيا والجر‪ ..‬فما أجرهم؟ لقد اختار لهسسم الفرعسسون أعلسسى الجسسر وأحبسسه إلسسى‬
‫النفوس المتعلقة بالدنيا‪ ,‬فقال‪ ]:‬نعم وإنكم إذا لمن المقربين [ الجسسر هسسو القسسرب مسسن‬
‫السلطان‪ ..‬لن بالقرب منه تقضى الحوائج‪ ,‬ويتقرب بعدها الناس لهم بمسسا شسساؤوا مسسن‬
‫النساء و البنين والقناطير المقنطرة مسسن السسذهب والفضسسة والخيسسل المسسسومة والنعسسام‬
‫والحرث‪ ..‬أما الفرعون فهو يضمن بقربهم فسادهم لنه كمسسا جسساء فسسي الثسسر )مسسا ازداد‬
‫عبد من السلطان قربا إل ازداد من الله بعدا(‪ .‬وهو يعلم هذا وكل السسسلطين والحكسسام‬
‫يعرفونه‪..‬‬
‫فلما اتفقوا على أن يلقوا‪ ..‬استعلنوا بالشعار كمسسا يسسستعلن عبسساد السسسلطين اليسسوم‬
‫غلبوا وتبين العجاز اللهسسي لهسسم‪ ,‬وعرفسسوا‬ ‫]قالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون[‪ ,‬فلما ُ‬
‫لن الله كان قد كتب لهم السعادة ]قالوا آمنا برب العالمين[‪.‬‬
‫أدرك الفرعون أن عكاز السلطان الول قد انصدع وتكسسسر وتخلسسى عنسسه‪ ..‬فأشسسهر‬
‫عكازه الثاني وهم )الجند والعوان( وأخذ بالتهديد والوعيد ] لقطعن أيسسديكم وأرجلكسسم‬
‫من خلف و لصلبنكم أجمعين [‪..‬‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 209 [ ‬‬

‫فلما آمن من آمن وشرعوا بالهجرة والختفاء‪ ,‬جسساء دور اللسسة العلميسسة ‪ ‬فأرسل‬
‫فرعون في المدائن حاشرين * إن هؤلء لشرذمة قليلون * وإنهم لنا لغسسائظون *‬
‫وإنا لجميع حاذرون‪ .‬وما أشبه تلك البارحة بهذه الليالي ‪ ,‬وما تديره آلة العلم اليوم‬
‫فيما يسمونه )مكافحة الرهاب( ‪.‬‬
‫فسسسبحان اللسسه‪ ..‬وكمسسا تشسسابه المسسسار ستتشسسابه النتيجسسة بسسإذن اللسسه ‪ .‬فالعاقبسسة‬
‫للمتقين‪..‬وقعر اليم لكل جبار عنيد‪.‬‬

‫* أما المل‪:‬‬
‫من المستشارين والعوان والحاشية والجند ‪ .‬فهم كمسسا جسساؤوا فسسي سسسياق القسسرآن‬
‫شركاء في كل شيء ‪ ,‬شركاء في التسلط والطغيان ‪ ,‬شركاء فسسي الجسسرم ‪ ,‬كمسسا أنهسسم‬
‫شركاء في حكمهم الشرعي ‪ ,‬وكذلك شركاء في العاقبة والمصير‪..‬‬
‫فقد وردت هذه اللفظة في القرآن الكريم ثلثين مرة‪ ..‬وكلها للتعبير بحسب سياق‬
‫اليات عن كبار أعوان الملك ومستشاريه وقادته والمقربين منه‪ ..‬وقد مرت فسسي أكسسثر‬
‫آيات قصص النبياء كما سبق في بعض الشواهد بصفتهم العوان الواقفين دفاعسسا عسسن‬
‫الطاغوت دائما في وجه النبياء وأتباعهم ‪ .‬فهم كما وصفهم تعالى ‪:‬‬
‫ست َك ْب َُروا إ ِن ّسسا‬
‫نا ْ‬
‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫ست َك ْب َُروا ‪) ‬لعسسسراف‪َ . (75:‬قا َ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬‫مَل ُ ال ّ ِ‬ ‫المتكبرين ‪  :‬ال ْ َ‬
‫ن ‪) ‬لعراف‪.(76:‬‬ ‫م ب ِهِ َ‬
‫كافُِرو َ‬ ‫من ْت ُ ْ‬ ‫ِبال ّ ِ‬
‫ذي آ َ‬
‫ن ‪) ‬هود‪. (116:‬‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫كاُنوا ُ‬ ‫ما أ ُت ْرُِفوا ِفيهِ وَ َ‬
‫موا َ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ذي َ‬‫والمترفين ‪َ  :‬وات ّب َعَ ال ّ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن ‪‬‬ ‫م ب ِهِ ك َسسافُِرو َ‬‫سل ْت ُ ْ‬‫ما أْر ِ‬ ‫مت َْرُفو َ‬
‫ها إ ِّنا ب ِ َ‬ ‫ذيرٍ إ ِّل َقا َ‬
‫ل ُ‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫م ْ‬‫سل َْنا ِفي قَْري َةٍ ِ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫‪ ‬وَ َ‬
‫)سسبأ‪. (34:‬‬

‫حسقّ عَل َي َْهسا ال ْ َ‬ ‫ك قَريس ً َ‬ ‫َ‬ ‫‪ ‬وإ َ َ‬


‫قسوْ ُ‬
‫ل‬ ‫قوا ِفيهَسسا فَ َ‬ ‫سس ُ‬‫مت َْرِفيهَسسا فَفَ َ‬ ‫مْرن َسسا ُ‬
‫ةأ َ‬ ‫ن ن ُهْل ِ َ ْ َ‬ ‫ذا أَرد َْنا أ ْ‬‫َِ‬
‫ميرا ‪) ‬السراء‪. (16:‬‬
‫ها ت َد ْ ِ ً‬ ‫فَد َ ّ‬
‫مْرَنا َ‬
‫والمتتبع لمرهم في اليات لسسسيما فسسي قصسسص فرعسسون المتكسسررة يلحسسظ أمسسورا‬
‫ثلثة‪:‬‬
‫‪ .1‬أن السلطان يرتكز إليهم وأنهم يرتكزون إليه‪.‬‬
‫‪ .2‬أن دورهم مباشر في تثبيت أركان الفرعون‪ ,‬وفي التخطيط‬
‫والتآمر ‪ ,‬وبتنفيذ الحرب ضد حزب اليمان‪.‬‬
‫‪ .3‬أن القرآن الكريم قد قرنهم إلى الفرعون في الحكم الشرعي‬
‫وكذلك العقاب والمصير‪..‬‬
‫ل مس َ‬
‫سسَعى‬ ‫دين َسةِ ي َ ْ‬ ‫صسسى ال ْ َ‬
‫م ِ‬ ‫ن أق ْ َ‬ ‫جس ٌ ِ ْ‬ ‫جاَء َر ُ‬‫‪ -‬فهم يباشرون المؤامرة‪ ,‬قال تعالى ‪ :‬وَ َ‬
‫ْ‬
‫ن ‪‬‬ ‫حي َ‬ ‫صس ِ‬
‫ن الّنا ِ‬ ‫مس َ‬
‫ك ِ‬ ‫ج إ ِّني ل َس َ‬ ‫ك َفا ْ‬
‫خُر ْ‬ ‫قت ُُلو َ‬ ‫ن بِ َ‬
‫ك ل ِي َ ْ‬ ‫مُرو َ‬‫مَل َ ي َأت َ ِ‬‫ن ال ْ َ‬
‫سى إ ِ ّ‬ ‫مو َ‬ ‫َقا َ‬
‫ل َيا ُ‬
‫)القصص‪. (20:‬‬
‫ن ي َسسا أ َي ّهسسا ال ْ ُ‬
‫مسسا‬ ‫مَل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل فِْرعَسوْ ُ‬ ‫‪ -‬وهم أركان ألوهية الفراعنة وعباد طسساغيتهم ‪  :‬وَقَسسا َ‬
‫ري‪)‬القصص‪.. (38 :‬‬ ‫ن إ ِل َهٍ غَي ْ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ت ل َك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫م ُ‬‫عَل ِ ْ‬
‫سى َرب َّنا إ ِّنسس َ‬
‫ك‬ ‫مو َ‬ ‫ل ُ‬‫‪ -‬ولذلك شملهم موسى بدعائه على الفرعون لما قال ‪  :‬وََقا َ‬
‫آتيت فرعَون ومَل َه زين ً َ‬
‫ك َرب ّن َسسا‬ ‫سسِبيل ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ضسّلوا عَس ْ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا َرب ّن َسسا ل ِي ُ ِ‬‫وال ً ِفي ال ْ َ‬
‫م َ‬
‫ة وَأ ْ‬ ‫َْ َ ِ ْ ْ َ َ َ ُ ِ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ‪‬‬ ‫ب الِليس َ‬ ‫ذا َ‬ ‫حّتى ي ََرُوا العَس َ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫َ‬
‫م فل ي ُؤْ ِ‬ ‫ُ‬
‫شد ُد ْ عَلى قلوب ِهِ ْ‬ ‫م َوا ْ‬ ‫وال ِهِ ْ‬ ‫س عََلى أ ْ‬
‫م َ‬ ‫م ْ‬‫اط ْ ِ‬
‫)يونس ‪. (88:‬‬

‫سسسى‬
‫مو َ‬ ‫م ُ‬‫ن ب َعْ سدِهِ ْ‬‫مس ْ‬ ‫م ب َعَث َْنا ِ‬‫‪ -‬كيف ل وهم شركاء في الظلم كما قال تعالى‪  :‬ث ُ ّ‬
‫ن‪‬‬ ‫دي َ‬
‫سس ِ‬
‫ف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ة ال ُ‬ ‫عاقِب َس ُ‬
‫ن َ‬ ‫َ‬
‫ف كسسا َ‬ ‫مسسوا ب ِهَسسا فَسسان ْظ ُْر ك َي ْس َ‬
‫مَل ِهِ فَظ َل َ ُ‬ ‫ِبآيات َِنا إ َِلى فِْرعَوْ َ‬
‫ن وَ َ‬
‫)لعراف‪. (103:‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 210 [ ‬‬

‫ومسسا ً‬ ‫كاُنوا قَ ْ‬ ‫ست َك ْب َُروا وَ َ‬ ‫مَل ِهِ َفا ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫‪ -‬وهم المتكبرون معه‪ ,‬قال تعالى‪  :‬إ َِلى فِْرعَوْ َ‬
‫ن ‪) ‬المؤمنون‪. (46 :‬‬ ‫عاِلي َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ن َرّبس َ‬ ‫مس ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫هاَنسا ِ‬ ‫ك ب ُْر َ‬ ‫ذان ِ َ‬ ‫‪ -‬وقد كانت الدعوة إلى فرعون ولهم سواء بسسواء‪َ  :‬فس َ‬
‫ن ‪) ‬القصص‪. ( 32 :‬‬ ‫قي َ‬ ‫س ِ‬ ‫وما ً َفا ِ‬ ‫كاُنوا قَ ْ‬ ‫م َ‬ ‫مَل ِهِ إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫إ َِلى فِْرعَوْ َ‬
‫ن‬ ‫مس َ‬ ‫ما آ َ‬ ‫ولكنهم استكبروا وتولوا مهمة فتنة المؤمنين ومطاردتهم‪..‬قال تعالى‪  :‬فَ َ‬
‫خوف من فرعَون ومَله َ‬
‫ل‬ ‫ن ل َعَسسا ٍ‬ ‫ن فِْرعَوْ َ‬ ‫م وَإ ِ ّ‬ ‫فت ِن َهُ ْ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫مهِ عََلى َ ْ ٍ ِ ْ ِ ْ ْ َ َ َ ِ ِ ْ‬ ‫ن قَوْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫سى إ ِّل ذ ُّري ّ ٌ‬ ‫مو َ‬ ‫لِ ُ‬
‫َ‬
‫ن ‪) ‬يونس‪(83:‬‬ ‫سرِِفي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه لَ ِ‬ ‫ض وَإ ِن ّ ُ‬ ‫ِفي الْر ِ‬
‫ْ‬
‫فلما استجاب الله دعاء موسى‪ ,‬أخسسذهم العسذاب الليسسم وغرقسوا معسه ‪ ..‬وسسسبحان‬
‫المنتقم العادل والجزاء من جنس العمل‪..‬‬
‫َ‬ ‫‪ ‬ول َ َ َ‬
‫مسَر‬ ‫مَل ِهِ َفسات ّب َُعوا أ ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫عسوْ َ‬ ‫ن * إ َِلسى فِْر َ‬ ‫ٍ‬ ‫مِبيس‬ ‫ن ُ‬ ‫ٍ‬ ‫سسل ْ َ‬
‫طا‬ ‫سى ِبآيات َِنسا وَ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫سل َْنا ُ‬ ‫قد ْ أْر َ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س السوِْرد ُ‬ ‫م الّنساَر وَ ب ِئ َ‬ ‫مةِ فسأوَْرد َهُ ُ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫ه ي َوْ َ‬ ‫م ُ‬‫م قوْ َ‬ ‫قد ُ ُ‬ ‫شيدٍ * ي َ ْ‬ ‫ن ب َِر ِ‬ ‫مُر فِْرعَوْ َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫فِْرعَوْ َ‬
‫رود ُ ‪) ‬هود‪. (96 / 98:‬‬ ‫موْ ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫* وأما الجند وصغار العوان‪:‬‬
‫فحالهم حال المل وهم جزء منهم ‪ ,‬والطبقة السفلى من تكوينهم‪ ,‬وينسحب عليهم‬
‫ما سبق من الملحظات‪ .‬فهم السند الحقيقي عددا وعدة‪ ,‬في تثسبيت أركسسان الفرعسسون‬
‫والمل‪ .‬وهم المباشرون لعذاب المسسؤمنين و نكسسالهم ‪ ,‬وهسسم السسذين بسساعوا آخرتهسسم بسسدنيا‬
‫غيرهم من أجل بعض الفتات‪ ..‬ولذلك أشارت اليات أيضا إلسسى اشسستراكهم فسسي الجسسرم‬
‫وقصدهم بالدعوة واشتمالهم على عقاب طاغوتهم معه‪ ..‬في الدنيا والخسسرة‪ ..‬واليسسات‬
‫واضحة ل تحتاج إلى تعليق‪..‬‬
‫ن فِسسي‬ ‫قسسات ُِلو َ‬ ‫ف سُروا ي ُ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل الل ّسهِ َوال ّس ِ‬ ‫س سِبي ِ‬ ‫ن فِسسي َ‬ ‫قات ُِلو َ‬ ‫مُنوا ي ُ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫قال تعالى‪  :‬ال ّ ِ‬
‫عيفا ‪) ‬النساء‪(76:‬‬
‫ض ِ ً‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫طا ِ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ن ك َي ْد َ ال ّ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫طا ِ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫قات ُِلوا أ َوْل َِياَء ال ّ‬ ‫ت فَ َ‬ ‫غو ِ‬ ‫طا ُ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫َ‬
‫فالقتال مسع المسؤمنين فسي سسبيل اللسه علمسة علسى اليمسان‪ .‬والقتسال فسي سسبيل‬
‫الطاغوت علمة على الكفر‪.‬‬
‫ن ‪) ‬القصسسسص‪. (8/‬‬ ‫خسساط ِِئي َ‬ ‫كسساُنوا َ‬ ‫مسسا َ‬ ‫جُنود َهُ َ‬ ‫ن وَ ُ‬ ‫مسسا َ‬ ‫ها َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫عسسوْ َ‬ ‫ن فِْر َ‬ ‫وقسسال تعسسالى‪ :‬إ ِ ّ‬
‫فخطيأتهم واحدة جملة وهل كانت خطيئة الفرعون إل الكفر بالله ومحاربة أوليائه‪.‬‬
‫َ‬ ‫َْ‬
‫ن ‪‬‬ ‫جعُسسو َ‬ ‫م إ ِل َي ْن َسسا ل ي ُْر َ‬ ‫ح سقّ وَظ َن ّسسوا أن ّهُس ْ‬ ‫ض ب ِغَي ْسرِ ال ْ َ‬ ‫جُنود ُهُ ِفي الْر ِ‬ ‫ست َك ْب ََر هُوَ وَ ُ‬ ‫‪َ ‬وا ْ‬
‫ل‬ ‫سسسرائي َ‬ ‫جاوَْزَنا ب ِب َِني إ ِ ْ‬ ‫)العنكبوت‪ . (39:‬فهم شركاء في الستكبار‪ ,‬شركاء في الجحود‪  ..‬وَ َ‬
‫دوا ً ‪) ‬يونس‪. (90/‬‬ ‫َ‬
‫جُنود ُهُ ب َْغيا ً وَعَ ْ‬ ‫ن وَ ُ‬ ‫م فِْرعَوْ ُ‬ ‫حَر فَأت ْب َعَهُ ْ‬ ‫ال ْب َ ْ‬
‫َ‬
‫مسسود َ ‪‬‬ ‫ن وَث َ ُ‬ ‫جن ُسسودِ * فِْرعَسوْ َ‬ ‫ث ال ْ ُ‬ ‫دي ُ‬ ‫حس ِ‬ ‫ك َ‬ ‫ل أَتا َ‬ ‫فهم الداة‪..‬أداة جريمة الفرعون ‪ ‬هَ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫شي َهُ ْ‬ ‫جُنودِهِ فَغَ ِ‬ ‫ن بِ ُ‬ ‫م فِْرعَوْ ُ‬ ‫)البروج‪ . ( 17 / 18:‬فما فرعون وثمود لول الجنود؟‪  .‬فَأت ْب َعَهُ ْ‬
‫جن ُسسود َهُ‬ ‫خ سذ َْناهُ وَ ُ‬ ‫م ‪) ‬طه‪ (78/‬شراكة العقاب في الدنيا ومثلها قسسوله‪  ..‬فَأ َ َ‬ ‫شي َهُ ْ‬ ‫ما غَ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ال ْي َ ّ‬
‫ن ‪) ‬القصسسص‪ .. (40/‬تأكيسسد لسسسابقتها‪..‬‬ ‫مي َ‬ ‫ة الظ ّسسال ِ ِ‬ ‫عاقِب َس ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ف ك َسسا َ‬ ‫م َفان ْظ ُْر ك َي ْ َ‬ ‫م ِفي ال ْي َ ّ‬ ‫فَن َب َذ َْناهُ ْ‬
‫فوا فسي اْل َرض ونجعل َهس َ‬ ‫َ‬
‫ة‬ ‫مس ً‬ ‫م أئ ِ ّ‬ ‫ْ ِ ََ ْ َ ُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ض سع ِ ُ‬ ‫ست ُ ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن عَل َسسى ال ّس ِ‬ ‫مس ّ‬ ‫ن نَ ُ‬ ‫ريسد ُ أ ْ‬ ‫وكذلك قسسوله ‪  :‬وَن ُ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫مسا‬ ‫م َ‬ ‫من ُْهس ْ‬ ‫مسا ِ‬ ‫جُنود َهُ َ‬ ‫ن وَ ُ‬ ‫مسا َ‬ ‫ها َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ض وَن ُرِيَ فِْرعَوْ َ‬ ‫م ِفي الْر ِ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫مك ّ َ‬ ‫ن * وَن ُ َ‬ ‫وارِِثي َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫جعَل َهُ ُ‬ ‫وَن َ ْ‬
‫ن ‪) ‬القصص ‪. (5/6‬‬ ‫حذ َُرو َ‬ ‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫َ‬
‫وهكذا رأى الجند والعوان من العقاب مع فرعون وهامان ما كانوا‬
‫يحذرون‪..‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬‫م ُ‬ ‫م قَسوْ َ‬ ‫ق سد ُ ُ‬ ‫شسسيدٍ * ي َ ْ‬ ‫ن ب َِر ِ‬ ‫مُر فِْرعَوْ َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫مَر فِْرعَوْ َ‬ ‫مَل ِهِ َفات ّب َُعوا أ ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫‪ ‬إ َِلى فِْرعَوْ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫مس ِ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ة وَي َسوْ َ‬ ‫د* وَأت ْب ُِعوا فِسسي هَسذِهِ ل َعْن َس ً‬ ‫موُْرو ُ‬ ‫س ال ْوِْرد ُ ال ْ َ‬ ‫م الّناَر وَب ِئ ْ َ‬ ‫مةِ فَأوَْرد َهُ ُ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ي َوْ َ‬
‫مْرُفود ُ ‪) ‬هود‪97 :‬س ‪ . (99‬وهذه أسوأ ما ينتظرهم مسسن شسسراكة المصسسير فسسي‬ ‫ْ‬
‫س الّرفْد ُ ال َ‬ ‫ب ِئ ْ َ‬
‫الخرة‪..‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 211 [ ‬‬

‫م ِريحا ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫سل َْنا عَل َي ْهِ ْ‬ ‫جُنود ٌ فَأْر َ‬ ‫م ُ‬‫جاَءت ْك ُ ْ‬‫م إ ِذ ْ َ‬ ‫ة الل ّهِ عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫م َ‬‫مُنوا اذ ْك ُُروا ن ِعْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪َ ‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫صيرا ً ‪) ‬الحزاب‪ ..(90/‬فجند الطاغوت في مقابلة‬ ‫ن بَ ِ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬‫ها وَ َ‬ ‫م ت ََروْ َ‬ ‫جُنودا ً ل َ ْ‬ ‫وَ ُ‬
‫جند الله وملئكته ‪ ,‬ومصيرهم هو مصير زعيمهم إبليس وكل جنسسده‪  ..‬فَك ُب ْك ِب ُسسوا ِفيهَسسا‬
‫َ‬
‫ن ‪) ‬الشعراء‪ . (95 / 94 :‬فهكذا اشتركوا في المصير إلى‬ ‫مُعو َ‬ ‫ج َ‬ ‫سأ ْ‬ ‫جُنود ُ إ ِب ِْلي َ‬ ‫ن* وَ ُ‬ ‫م َوال َْغاُوو َ‬ ‫هُ ْ‬
‫النار‪..‬‬
‫حدهم العقاب فسسي‬ ‫حدهم الجرم وو ّ‬ ‫وهكذا فهم عسكر إبليس مع كل طاغية جبار‪ ,‬و ّ‬
‫الدنيا والمصير في الخرة إل ما شاء ربك‪ ..‬وهكذا أعود لؤكد‪..‬‬
‫من أني أعتقد كما اعتقدت دائما ‪ ,‬أن مشــكلة أهــل اليمــان والجهــاد‬
‫في هذا الزمان كما كانت في معظم الزمان‪ ,‬وهي اليــوم أوضــح وأكــبر‪,‬‬
‫في كهنة هذا الزمان علماء السلطان المجرمين الذين لبسوا على الناس‬
‫دينهم ‪ ,‬وشّرعوا للكفر وجوده ‪ ,‬وحاربوا من وقــف فـي وجههـم‪ ,‬وكـانوا‬
‫نكال ووبال على أمة السلم ودعاتها إلى الله ومجاهديها المستضــعفين‪,‬‬
‫ول عجب أن يخصهم القرآن بأشد آيات الوعيد والعقاب كما قــال تعــالى‪:‬‬
‫َ‬
‫ب‬ ‫س فِسسي ال ْك ِت َسسا ِ‬ ‫ما ب َي ّّناهُ ِللن ّسسا ِ‬ ‫ن ب َعْدِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫دى ِ‬ ‫ت َوال ْهُ َ‬ ‫ن ال ْب َي َّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ما أن َْزل َْنا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫ن ي َك ْت ُ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫‪ ‬إِ ّ‬
‫مسسا‬‫ن َ‬ ‫مسسو َ‬ ‫ن ي َك ْت ُ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن اّلسس ِ‬ ‫ن ‪) ‬البقسسسرة‪ (159:‬وقوله ‪ :‬إ ِ ّ‬ ‫عُنو َ‬ ‫م الّل ِ‬ ‫ه وَي َل ْعَن ُهُ ُ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ك ي َل ْعَن ُهُ ُ‬ ‫ُأول َئ ِ َ‬
‫م إ ِّل الن ّسساَر َول‬ ‫ْ‬ ‫منا ً قَِليل ً ُأول َئ ِ َ‬ ‫أ َن َْز َ‬
‫ن فِسسي ب ُط ُسسون ِهِ ْ‬ ‫ما ي َأك ُُلو َ‬ ‫ك َ‬ ‫ن ب ِهِ ث َ َ‬ ‫شت َُرو َ‬ ‫ب وَي َ ْ‬ ‫ن ال ْك َِتا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫َ‬
‫م ‪) ‬البقرة‪.(174:‬‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫م وَل َهُ ْ‬ ‫كيهِ ْ‬ ‫مةِ َول ي َُز ّ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ه ي َوْ َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫مه ُ ُ‬ ‫ي ُك َل ّ ُ‬
‫دعون أنهم أتباع مستضعفون ‪ ,‬عبيد مــأمورون ‪,‬‬ ‫وكذلك هؤلء الذين ي ّ‬
‫ل ذنب لهم ‪ ,‬من الجند والشرطة وصغار العوان والســتخبارات‪ .‬فكــذلك‬
‫ل عجــب أن يجمعهــم اللــه تبــارك وتعــالى فــي جهنــم إلــى أســيادهم و‬
‫كبرائهم الذين اجتمعوا إليهم فــي الــدنيا ‪ ,‬ول تنفعهــم إذ ذاك براءتهــم ‪,‬‬
‫م‬‫ت ب ِهِس ُ‬ ‫قط ّعَس ْ‬ ‫ب وَت َ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن ات ّب َعُسسوا وََرأ َُوا ال ْعَس َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّس ِ‬ ‫مس َ‬ ‫ن ات ّب ِعُسسوا ِ‬ ‫ذي َ‬
‫َ‬
‫قال تعالى‪  :‬إ ِذ ْ ت َب َّرأ ال ّ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م الل ّس ُ‬
‫ه‬ ‫ريهِ ُ‬ ‫ك يُ ِ‬ ‫مّنا ك َذ َل ِ َ‬ ‫ما ت َب َّرأوا ِ‬ ‫م كَ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ن ل ََنا ك َّرةً فَن َت َب َّرأ ِ‬ ‫ن ات ّب َُعوا ل َوْ أ ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫ب * وََقا َ‬ ‫سَبا ُ‬ ‫اْل ْ‬
‫َ‬
‫ر ‪) ‬البقرة ‪.(166 / 167‬‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫جي َ‬ ‫خارِ ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ما هُ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ْ‬ ‫سَرا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫م َ‬ ‫مال َهُ ْ‬ ‫أع ْ َ‬

‫*************‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 212 [ ‬‬

‫نشوء الممالك وزوالها ونظرية ابن خلدون في قيسسام الحضسسارات ‪ .‬ونظريسسة تسسويني فسسي‬
‫تنقلها بين المشرق والمغرب‪:‬‬
‫تدل الدراسات التاريخية والثسسار فسسي مختلسسف أنحسساء المعمسسورة علسسى أن حضسسارات‬
‫كثيرة وممالك ل حصر لهسا قسد قسامت وبسادت هنسا وهنساك‪ .‬و المجهسول منهسا أكسثر مسن‬
‫المعروف‪ .‬ولم يبق لنا منها إل ما تدل عليه بعض الحفريات الثرية‪ ,‬وما دّون في بعسسض‬
‫الدبيات القديمة وما أشارت إليه بعض الكتب المقدسة‪..‬‬
‫وقسسد قسسامت ممالسسك وتوسسسعت حسستى وصسسلت حسسد الممالسسك العظيمسسة والتسسساع‬
‫المبراطوري‪ .‬ثم دبت فيها عوامل الضعف والفناء‪ ,‬واجتاحتها ممالك أقوى منها‪ ,‬فسسأدى‬
‫ذلك إلى تحللها إلى مكوناتها وقيام ممالك أصغر أو أكبر منها بحسب أمسسواج وتفسساعلت‬
‫التاريخ البشري‪ ..‬وقد تقصى العلمة الباحث العبقري ابسسن خلسسدون رحمسسه اللسسه‪ ..‬نشسسأة‬
‫تلك الممالك وزوالها‪ ,‬وقيام الحضارات والعمسسران وانسسدثاره‪ ,‬وأسسسباب ذلسسك وعسسوامله و‬
‫أطوراه ومراحله‪ ,‬فتوصل إلى نظريات أساسية في علم التاريخ والجتماع والسياسة‪..‬‬
‫وقد ضمن نظريته تلك كتابه المشهور بس ) مقدمة ابسسن خلسسدون ( ‪ .‬وبمقتضسسى تلسسك‬
‫النظريات أو الملحظات ‪ .‬فإنه أثبسست أن الممالسسك والحضسسارات تولسسد وتتطسسور‪ ,‬وتشسسب‬
‫وتهرم وتموت بأطوار شبيهة جدا بالطوار التي يمر بها النسان‪..‬‬
‫ويجدر بالشارة أن فهم منطق التاريسسخ وسسسياقه فسسي ذلسسك ‪ ,‬يهمنسسا جسسدا فسسي فهسسم‬
‫أسباب ومراحل قيام النظام الدولي والصراع التاريخي بين الممالسسك والحضسسارات‪ ,‬لن‬
‫هسسذا يسسساعدنا علسسى فهسسم أسسسباب النهضسسة والهزيمسسة فسسي تاريسسخ المسسسلمين‪ ,‬ماضسسيهم‬
‫وحاضرهم‪ ..‬ولنفهم ونستنبط ما يشير من الدلة إلى أن الحضسسارة الغربيسسة المعاصسسرة‪,‬‬
‫وآخر مراحلهسسا الحاليسسة بقيسسادة أمريكسسا آيلسسة إلسسى زوال ل محالسسة‪ ,‬وأن حضسسارة السسسلم‬
‫ماضية إلى بزوغ شمسها وقيام نهضتها بإذن الله ‪ .‬ممسسا يسسدفعنا للمسسل والجسسد والعمسسل‪.‬‬
‫فالمستخلص من كلم ابن خلدون – رحمه الله ‪ -‬أنه كما أن النسان يولد ضعيفا مرميا‬
‫على الرض ل يستطيع حراكا ول سعيا ويحتاج غيره في كل حاجاته ‪ ,‬ثم يتطسسور فيحبسسو‬
‫على أربع ‪ ,‬ثم ينمو فيشب على قدميه ويسير متعسسثرا‪ ,‬حسستى يسسستقيم لسسه المسسسير‪ .‬ثسسم‬
‫يصير غلما يرتع ويلعب‪ ,‬ثم شابا جلدا صلب العود‪ ,‬فرجل تاما المدارك والقوى‪ .‬فإذا ما‬
‫بلغ الربعين بلغ أشده وذروة قواه البدنية والعقلية‪ ..‬ثم يبسسدأ بسسه الهبسسوط والسستراجع فسي‬
‫كافة القوى‪ ,‬فيكتهل ثم يصبح شيخا‪ ,‬ثم شيخا فانيا‪ .‬كما قال تعالى ‪:‬‬
‫م ب َعْد َ ِ ْ‬ ‫َ‬
‫علم ٍ‬ ‫ي ل ي َعْل َ َ‬
‫مرِ ل ِك َ ْ‬‫ل ال ْعُ ُ‬
‫ن ي َُرد ّ إ َِلى أْرذ َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫م وَ ِ‬‫م ي َت َوَّفاك ُ ْ‬
‫م ثُ ّ‬ ‫خل َ َ‬
‫قك ُ ْ‬ ‫ه َ‬‫‪َ ‬والل ّ ُ‬
‫ر ‪) ‬النحل‪. (70:‬‬ ‫م قَ ِ‬
‫دي ٌ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫شْيئا ً إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫وهكذا يشيب الشعر‪ ,‬ويرق العظم‪ ,‬وينحني الظهر‪ ,‬وهي رسل ملسك المسوت تسؤذن‬
‫بالرحيل‪ .‬ثم يسير على ثلث ؛ رجليه وعكازه‪ ,‬وقد يحبو على أربع ليقضسسي حسساجته كمسسا‬
‫بدأ‪ ,‬ثم ينطرح في فراشه أرضا ل حراك به حتى يدركه الموت‪ ,‬فيعود مسسن حيسسث أتسسى‪,‬‬
‫ونسأل الله حسن الختام‪.‬‬
‫وقد رأى ابن خلدون س وأثبتت حوادث اليام مسسا رأى سس أن السسدول كسسذلك تمسسر بهسسذه‬
‫الطوار‪ ..‬فهي تنشأ وتشب وتستوي قواها ثم تذبل وتضعف‪ ,‬وتنهار قواهسسا ‪ ,‬ثسسم تمسسوت‬
‫ليتقاسم إرثهسسا وحضسسارتها وأراضسسي شسسعوبها دول أخسسرى‪ ,‬وهكسسذا وكمسسا تتفسساوت أعمسسار‬
‫النسان‪ ,‬تتفاوت أعمار الدول‪ .‬وكمسسا يمسسوت البعسسض بسسسبب أمسسراض داخليسسة أو عسسدوى‬
‫أمراض خارجية‪ ,‬فكذلك الدول في الغالب‪ .‬وكما يختطف موت الفجسأة أو القتسل بعسض‬
‫البشر‪ ,‬فربما هلكت دول بمفاجأة قوى أكبر منها ‪ ,‬أو بالعوارض الطبيعية‪ ..‬وقسسد تعمسسر‬
‫بعض الدول أشهرا أو سنوات‪ ,‬وقسسد مسسر فسسي التاريسسخ دول وحضسسارات قسسد عمسسرت آلف‬
‫السسسسسسسسسسسسسسنين أو مئاتهسسسسسسسسسسسسسا‪ ..‬وصسسسسسسسسسسسسسدق اللسسسسسسسسسسسسسه العظيسسسسسسسسسسسسسم ‪:‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 213 [ ‬‬

‫ن‬
‫مس ْ‬ ‫ن تَ َ‬
‫شسساُء وَت ُعِسّز َ‬ ‫مس ْ‬
‫م ّ‬
‫ك ِ‬‫مل ْس َ‬
‫شسساُء وَت َن ْسزِعُ ال ْ ُ‬‫ن تَ َ‬
‫م ْ‬
‫ك َ‬‫مل ْ َ‬‫ك ت ُؤِْتي ال ْ ُ‬ ‫مل ْ ِ‬‫ك ال ْ ُ‬
‫مال ِ َ‬
‫م َ‬ ‫ل الل ّهُ ّ‬ ‫‪ ‬قُ ِ‬
‫ر ‪) ‬آل عمران‪. (26:‬‬ ‫يٍء قَ ِ‬
‫دي ٌ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ك عََلى ك ُ ّ‬ ‫ك ال ْ َ‬
‫خي ُْر إ ِن ّ َ‬ ‫شاُء ب ِي َدِ َ‬ ‫ن تَ َ‬‫م ْ‬
‫ل َ‬ ‫شاُء وَت ُذِ ّ‬
‫تَ َ‬
‫ومن المهم الذي أشار إليه ابن خلسسدون أن السسدول تنشسسأ لجتمسساع مؤسسسسيها علسسى‬
‫عصبية مسا )يقصسد رابطسة(‪ ,‬قسد تكسون مِلكسا ‪ ,‬أو قرابسة ‪ ,‬أو دينسا ‪ ,‬أو عرقسا قوميسا ‪ ,‬أو‬
‫مْلك‪ .‬وتبدأ أمرها بقيامهم على العصبية فيما بينهم ‪,‬‬ ‫مصالح مشتركة‪ ...‬فتنشأ عصبية ال ُ‬
‫وعلى الخشونة والبأس والتضحية في سعيهم‪.‬‬
‫وغالبا ما يكون المؤسسون الوائل زاهدون فسسي المتسساع ‪ ,‬منصسسرفون إلسسى الحسسرب‬
‫والجد والبناء‪ ..‬ثم يتلوهم جيل يولد في القوة والنعيم فيكتسب صفات من قبلسسه لقربسسه‬
‫منها ويحافظ على الملك ويطوره‪ ,‬ولكن بشسسيء مسسن السسترف والمتعسسة فسسي الملسسك‪ .‬ثسسم‬
‫يتلوه جيل أقل صلبة وأكثر ترفا وبعدا عن الكد والتعب ‪ ,‬وهكذا حتى تقسسوم أجيسسال قسسد‬
‫انحلت لديها العصبية‪ ,‬وأرخت قواهسسا ومفاصسسلها أثسسار السسترف والنعيسسم ‪ ,‬فيسسدب الضسسعف‬
‫للدولة‪ ,‬فتطمع بها دول أو عصبيات أخرى فتعدوا عليها وتستلب ملكها لتبدأ الدورة مسسع‬
‫الجسسدد مسسن جديسسد‪ ..‬وقسسد تكسسون أسسسباب السسسقوط داخليسسة أو خارجيسسة وقسسد تجتمسسع كسسل‬
‫العوامل‪..‬‬
‫وهكذا وباستعراض تاريخ المم والملوك القريب المعروف لدينا منسسذ دون النسسسان‬
‫آثاره أي منذ نحو ‪ 7000- 6000‬عام تقريبا نجسد أن حضسارات الصسين والهنسد والسسند‬
‫واليونان والرومان والفراعنة وسواها ‪ .‬وما تخلل ذلك من ممالك ثانوية‪ ,‬قد مرت كلهسسا‬
‫في هذه الطوار وصدقت ما ذهب إليه ذلك العلمة العظيم رحمه الله‪.‬‬
‫ويجب أن نعلم أن هذه السنة ما تزال سسسائرة فسسي النظسسم والسسدول الحديثسسة ‪ .‬وقسسد‬
‫مرت بها الحضارة السلمية إلى أن دب بها الضعف‪ ,‬وتنسساهبت إرثهسسا ممالسسك الحضسسارة‬
‫الوربية‪ .‬التي انفسسردت بالسسسيادة منسسذ نحسسو ‪ 200‬سسسنة ‪ ,‬إلسسى أن قسسام النظسسام العسسالمي‬
‫الحسسديث بعسسد الحسسرب العالميسسة الثانيسسة فنشسسأت أمريكسسا وروسسسيا كوريثسسستين لرث‬
‫المستعمرات الوروبية‪ ..‬إلى أن أزالسست أمريكسسا وحلفائهسسا حضسسارة الشسسرق السسسوفيتية‪,‬‬
‫ليقوم )النظام العالمي الجديد( على أساس القطب الوحد المنفسسرد بالسسسلطة والقسسوة‬
‫لول مرة في تاريخ البشر المعروف‪.‬‬
‫وقد قام المؤرخ النجليزي المعروف ) أرنولد توينبي( المتوفى سنة ‪ 1963‬بإضافة‬
‫ملحظة على منطق سير التاريخ ‪.‬‬
‫إذ لحظ وتنبأ بناء على ملحظته أن الحضارة قد تداولت بين الشرق والغرب أربع‬
‫مرات وهي سائرة للخامسة بل شك‪ ..‬فقال أن الحضارة ولدت في الشرق في ممالك‬
‫السند والهند والصين وفارس القديمسسة وحضسسارات العسسراق ومصسسر واليمسسن ثسسم انتقلسست‬
‫للغرب إلى اليونان ثم الرومان‪ ,‬ثم انتقلت للشرق على يد المسلمين وقامت الحضارة‬
‫السلمية‪ ,‬ثم انتقلت للغرب على يد الحضارة الغربية الوروبية فالمريكية‪ ..‬وقال أنهسسا‬
‫تسير ول شك للعودة للشرق والمسلمين بناء على نذر النهيار والتحلسسل فسسي الحضسسارة‬
‫الغربية وبذور النهضة والشراق في الشرق السلمي‪..‬‬
‫وهذا ثابت لدينا في البشائر النبوية وحتى في نبوءات كتسسب أهسل الكتسساب القديمسة‪,‬‬
‫وقد أوضح كتاب و فلسفة غربيسسون معاصسسرون ذلسسك بصسسورة أصسسرح ‪ .‬بسسل كتسسب بعسسض‬
‫الكتاب الوروبيين والمريكان مؤخرا كتبا تسنبؤوا فيها بسقوط أمريكا والحضارة الغربية‬
‫في خلل عشسسرين سسسنة‪ .‬وقسسد مضسسى علسسى بعسسض تلسسك الكتابسسات نحسسو عشسسر سسسنين‪..‬‬
‫فسقوطهم ل شك قادم ‪ ,‬ونهوضنا ل شك قائم ‪ .‬وهو غيب في علم الله‪ .‬نسأل الله أن‬
‫يشهدنا إياه ‪ .‬أو أن يجعلنا ممن عمل له عمل ينفعه يوم ل ينفع مال ول بنسسون‪ ..‬إل مسسن‬
‫أتى الله بقلب سليم‬

‫*************‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 214 [ ‬‬

‫الحضارات والنظام الدولي القديم إلى ظهور السلم‪:‬‬


‫رغم أن الدراسات الثرية تشسسير إلسسى أن حضسسارات قديمسسة موغلسسة فسسي القسسدم قسسد‬
‫قامت وازدهرت في كل أنحساء الرض وكافسة قاراتهسا‪ .‬إل أنسه لسم يمكسسن معرفسة تاريسسخ‬
‫النسان بشئ من تفاصيله إل عندما بدأت الكتابة ويرجع ذلك إلى نحو ‪ 6000‬أو ‪7000‬‬
‫عام‪ .‬ومن أشهر الحضارات القديمة المعروفة‪ ,‬تلك التي قامت في بلد الصسسين والهنسسد‬
‫وفسسارس‪ ,‬وحضسسارات العسسراق القديمسسة مسسن الشسسورية و الكلدانيسسة والبابليسسة وغيرهسسا ‪.‬‬
‫وحضارات بلد الشام كالفنيقية و السومرية و الكنعانية‪ ,‬وحضارات جزيرة العرب‪ ,‬كعاد‬
‫وثمود ‪ ,‬وحضارات اليمن كسبأ وحمير وقسسوم تبسسع ‪ .‬وكسسذلك حضسسارات مصسسر الفرعونيسسة‬
‫ووادي النيسسل‪ .‬وحضسسارات شسسمال إفريقيسسا و قرطاجسسة‪ ,‬وكسسذلك حضسسارة اليونانيسسة‪ .‬ثسسم‬
‫الحضارة الرومانية‪ .‬وكذلك حضارات الهنود الحمر وقدماءهم فسسي المريكسستين ولسسسيما‬
‫الجنوبية فيها حيث قامت حضارات متطورة وراقية ‪..‬‬
‫ومع تطور الحضارات وقيام التواصل بينها عسسبر عل قسسات السسسلم والحسسرب‪ ,‬بسسدأ مسسا‬
‫يمكن تسميته بـ النظام الدولي ‪ .‬حيث تمكنت حضارات وممالك عظمى من بسسسط‬
‫سيطرتها على ما جاورها‪ ,‬وكان لها نظما سياسية واقتصادية واجتماعيسسة وثقافيسسة‪ ,‬كمسسا‬
‫كسسان لهسسا سياسسسات عسسسكرية داخلهسسا وفسسي جوارهسسا‪ ,‬ومنازعسسات مسسع مسسن جاورهسسا مسسن‬
‫المبراطوريات القوية‪.‬‬
‫ومن أشهر ذلك ما قام في العسسالم القسسديم آسسسيا وأفريقيسسا وأوروبسسا سس وهسسو العسسالم‬
‫المتواصل جغرافيا وحضاريا مثل ما كان بين حضارة فارس القديمة التي عمسسرت عسسدة‬
‫آلف من السنين ‪ .‬وحضارة اليونان وصراعها على خط التماس في الشرق الوسسسط ‪.‬‬
‫وهسي منسساطق بلد الشسام والعسسراق وتركيسا ) أو مسا يعسرف بهضسبة الناضسول أو آسسيا‬
‫الصغرى (‪ ..‬وقد شهدت تلك المرحلة انتصار فارس وتفكك حضارات اليونسسان وضسسعفها‬
‫وتمزقها‪ ,‬ثم نهوضها مرة أخرى وتوحدها على يد القائد التاريخي السسسكندر المقسسدوني‪,‬‬
‫الذي جمع اليونان ثم غزا بهم المشرق ودحر الفرس ووصل إلسسى تخسسوم الصسسين ‪ .‬كمسسا‬
‫دخل مصر الفرعونية ومعظم بلد المشرق‪.‬‬
‫ثم نهضت فارس ثانيسسة وأقسسامت إمبراطوريسسة امتسسد ملكهسسا مسسن بلد الرافسسدين فسسي‬
‫العراق إلى بلد فارس )إيران( والسند )باكستان( وأفغانستان وأجزاء من وسط آسسسيا‪.‬‬
‫وفي ذلك الحين نهضت المبراطوريسة الرومانيسة فسي شسبه الجزيسرة اليطاليسة وورثست‬
‫حضارة اليونان وتمددت لتشمل كل البلد المحيطسسة بسسالبحر المتوسسسط‪ :‬الشسسام ومصسسر‬
‫وشمال إفريقيا وأجزاء من النضول وكافة القارة الوروبية‪.‬‬
‫وهكذا آل النظام الدولي القديم إلى وجسسود حضسسارتين متنافسسستين‪ ,‬تتحاربسسان أيضسسا‬
‫على خطوط التماس في الشرق الوسط‪ ,‬في الشام والعراق! ‪.‬‬
‫وكان لذلك النظام الدولي كثيرا من صفاته في الوقت الحاضر ‪ ,‬من نفوذ الدولتين‬
‫العظميين على جيرانهم‪ ,‬وتدخلهم في شؤونهم الداخلية‪ .‬وقيام نظام الحروب بالوكالسسة‬
‫بين أتباع المبراطورية الفارسية من أعراب العراق وبلد الرافدين وهم ملوك المناذرة‬
‫الذين كسسانوا علسسى ديسن أسسسيادهم الفسسرس مجوسسسا يعبسسدون النسسار مثسسسلهم ‪ .‬وبيسسن أتبساع‬
‫المبراطورية الرومانية البيزنطية التي آلسست عاصسسمتها إلسسى القسسسطنطينية وهسسم عسسرب‬
‫الشام الغساسنة وكانوا على دين أسيادهم الرومان نصارى مثلهم‪..‬‬
‫وقد تبادل الروم والفرس النصر والهزيمة مرات عدة في حروب طاحنة أيضا‪ ,‬كما‬
‫قامت بينهم في أيام السلم علقات التبادل الحضاري والقتصادي‪..‬‬
‫و في ذلك الوقت كان عرب جزيرة العرب يعيشون في عزلسسة سياسسسية تامسسة عسسن‬
‫الجوار‪ ,‬في نظام بدائي متفكك مستقل عما حوله يقوم على تجمعات قبلية وعشائرية‬
‫متحاربة فيما بينها متفرقة سياسيا ل يجمعها ملك ول نظام ‪ .‬فقسسد كسسانت متفرقسسة دينيسسا‬
‫تعبد كل قبيلة آلهتها وأوثانها‪ .‬وكان للعرب في الجزيرة نظام اقتصادي بدائي يقوم في‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 215 [ ‬‬

‫معظمه على الرعي‪ ,‬وشئ من الزراعة حسسول واحسسات ميسساه الصسسحراء‪ ,‬وعلسسى التجسسارة‬
‫وخطها القديم الذي يعبر مكة والمدينة والعقبة من اليمن إلى الشام ويربط بين تجارة‬
‫المشرق القادمة من الصين والهند بحرا إلى اليمن ‪ ,‬وتجسسارة الغسسرب القادمسسة مسسن بلد‬
‫الرومسان مسن الناضسسول وشسسمال الشسسام‪ .‬ولسسم يكسسن فسي جزيسسرة العسسرب نظسسام موحسسد‬
‫ومستقل إل في اليمن‪ .‬حيث قامت ممالك وطيدة الركسسان ‪ ,‬إلسسى أن غزاهسسا الحبسساش‬
‫النصارى حلفاء الرومان ‪ ,‬ثم غلب عليهسسا ملسسوك ارتبطسسوا بفسسارس السسذين عينسسوا عليهسسم‬
‫حكاما تابعين لهم‪..‬‬
‫هذه هي الحوال السياسية وما يمكن أن نسميه اصطلحا بس) النظام الدولي( فسسي‬
‫قلب العالم القديم‪ ,‬أوروبا وشمال أفريقيا ونصف آسيا الغربي‪..‬‬
‫وفي هذه الجواء في بدايات القرن السابع الميلدي )‪ 610‬ميلدي(‪ ..‬بسسزغ شسمس‬
‫السلم‪ ,‬وبعث سيد ولد آدم‪ ,‬وخير الولين والخرين‪ ,‬سيدنا محمد صلوات الله وسلمه‬
‫عليه‪ .‬وبزغت شسسمس الحضسسارة السسسلمية حيسسث قسسامت نسسواة دولسسة السسسلم وتوحسسدت‬
‫جزيرة العرب خلل باقي حياته وبعثته صلى الله عليه وسلم التي امتدت ‪ 23‬سنة‪.‬‬
‫لتدخل دولة السلم بذلك معسسترك النظسسام السسدولي السسذي صسسار يتسسسشكل مسسن ثلثسسة‬
‫أقطاب هم‪ :‬الروم والفرس ودولة السلم ‪ .‬منذ القرن السابع الميلدي‪.‬‬

‫*************‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 216 [ ‬‬

‫أهمية معرفة التاريخ ‪:‬‬


‫من الضروري جدا من أجل فهم أحداث الحاضر ‪ ,‬واستقراء المستقبل ‪ ,‬وفهم‬
‫جدلية صراع الحق والباطل ‪ ,‬سواء على الصعيد الداخلي ) بين المسلمين ( ‪ ,‬أو على‬
‫الصعيد الخارجي ‪ ),‬مع أعدائهم وخاصة الروم ( ‪ .‬اللمام ولو بشكل عام ‪ ,‬بالمحطات‬
‫التاريخية التي مررنا بها نحن المسلمين ‪ .‬وكذلك تاريخ أعدائنا بشكل عام ‪.‬‬
‫والمحطات المشتركة بيننا وبينهم ‪ .‬كما أن لهذا فائدة كبرى في فهم سنن النصر‬
‫والهزيمة ‪ ,‬وأسباب القوة والضعف ‪ ,‬مما يساعد المسلم عامة والمجاهد خاصة ‪,‬‬
‫وقياداتهم الواعية – كما يفترض ‪ -‬على وجه الخصوص ‪ .‬على التحرك في صراعاتنا‬
‫القائمة والقادمة على بصيرة ‪.‬‬
‫كما أن معرفتنا بتاريخنا المجيد ‪ ,‬تزودنا بدافع قوي ‪ ,‬على المضي‬
‫قدما على آثار خطى أجداد أماجد طاولوا الثريا رفعة وعزا ‪ ,‬عندما‬
‫فهموا أننا قوم أعزنا الله بالسلم ‪ ,‬ومهما ابتغينا الغز في سواه أذلنا‬
‫الله‪ ,‬كما قال سيدنا عمر رضي الله عنه ‪ ( .‬ومن يهن الله فما له من‬
‫مكرم ( ‪.‬‬
‫ولذلك نعرض في الصفحات المقبلة لنبذة مختصرة من محطات تاريخنا المجيد‬
‫وما فيه من دروس وعبر ل تحصى ‪.‬‬
‫ونلي ذلك بلمحة عابرة عن تاريخ أعدائنا الزليين ‪..‬الروم ) بني الصفر ( ‪ .‬قاتلهم‬
‫الله ‪.‬‬

‫*************‬

‫النظام الدولي زمن البعثة النبوية ) صراع الفرس والروم (‪:‬‬


‫ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة ‪570‬م ‪ .‬وأوحي إليه كمسسا هسسو معسسروف‬
‫سنة ‪ 610‬ميلدية ‪ .‬وكان الروم والفسسرس يقتسسسمان سسسيادة العسسالم المحيسسط بسسالجزيرة‬
‫العربية‪ ,‬وكان كل منهما يطمع في الستيلء على منطقة النفسسوذ الممتسسدة مسسن شسساطئ‬
‫الفرات إلى سواحل البحر المتوسط ‪ ,‬ويعمل على تحطيم قوة خصمه العسكرية‪ .‬ومن‬
‫أجل ذلك كانت الحروب متصلة بينهما‪ ,‬وكانت سجال تقطعهسسا مهادنسسات ل تطسسول‪ .‬وقسسد‬
‫اتسمت تلك الحروب بضروب القسوة‪ ,‬من تقتيل وتدمير وتخريب‪.‬‬
‫وقد اشتد ذلك الصراع بين الدولتين في عهد الملكين‪:‬‬
‫جوستنيان الول الذي نصب إمبراطورا على الروم عام )‪527‬م(‪.‬‬
‫كسرى الول )أنوشروان( الذي نصب ملكا ً على فارس عام )‪531‬م(‪ .‬ففي عام‬
‫)‪546‬م( شسسن كسسسرى أنوشسسروان حربسسا علسسى السسروم وانقسسض علسسى سسسورية الشسسمالية‬
‫فاستولى على أنطاكية عاصمة الشرق آنئذ‪ ,‬واستولى على الرها )أوذيسا ( و قنسسسرين‬
‫وحلب ومدن أخرى ‪ ,‬ونقل آلف السرى مسن أنطاكيسسة إلسسى مدينسسة بناهسا علسى غرارهسا‬
‫بالقرب من المدائن دعاها )أنطاكية( وعرفت باسم )الروميسسة(‪ ,‬وولسسي عليهسسا رجل مسسن‬
‫نصارى الهواز ‪.‬‬
‫لم يستطع جوستنيان صد كسرى عن بلده لشتغاله بحروبسسه مسسع قبسسائل )الفسسار( و‬
‫)السلف( الذين كانوا يغيرون على حدود مملكته من جهة أوروبا‪ ,‬وقد اضطر أن يعقسسد‬
‫صلحا مع كسرى‪ .‬وفي عام )‪563‬م(‪ ,‬تم هذا الصلح على أن ينسحب كسرى مسسن البلد‬
‫التي احتلها لقاء فدية كبيرة وجزية سنوية يدفعها الروم‪.‬‬
‫وفي عام )‪565‬م( مات جوستنيان الول وخلفسسه جوسسستنيان الثسساني فنقسسض الصسسلح‬
‫الذي أبرمه سلفه مع كسرى‪ ,‬فارتد كسرى على سورية فسسدمرها‪ .‬ويمسسوت جوسسستنيان‬
‫الثاني عام )‪578‬م( فيخلفه المبراطور )تيبريوس( فيصالح كسرى على مال وجزية‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 217 [ ‬‬

‫وفي عام )‪579‬م( يموت كسرى أنوشروان فيخلفسسه ابنسسه )هرمسسز(‪ ,‬ويمسسوت كسسذلك‬
‫)تيبريوس( فيخلفه المبراطور )موريس( وتتألب قبسسائل السسترك فسسي الشسسمال الشسسرقي‬
‫لفارس بعد موت كسرى‪ ,‬فيرسسسل هرمسسز لحربهسسم جيشسسا بقيسسادة قسسائد يسسدعى )بهسسرام(‬
‫فيهزمهم ويغنم أموالهم‪ ,‬ويغريه النصر فينقلب علسسى مليكسسه هرمسسز ويخلعسسه و يسسسمله‪,‬‬
‫ويستولي على الملك‪.‬‬
‫ويحاول كسرى الثاني )أبرويز( ابن هرمز أن يسترد عسرش أبيسسه فلسم يفلسح‪ ,‬فيلجسسأ‬
‫إلى إمبراطور الروم )موريس( يستنصره على )بهرام(‪ ,‬فيكرمه المبراطور ويسسستجيب‬
‫لنصرته ويزوجه ابنته ويمده بجيش عظيم يتغلب به على )بهسسرام( ويسسسترد عسسرش أبيسسه‬
‫ويخلفه في الملك‪.‬‬
‫وفسسي عسسام ) ‪ 602‬م( يغتسسال القسسائد السسبيزنطي )فوكسساس( المسسبراطور )مسسوريس(‪,‬‬
‫ويستولي على الحكم وينصب نفسه إمسسبراطورا ويقتسسل أبنسساء مسسوريس إل واحسسدا منهسسم‬
‫استطاع النجاة والهرب‪ ,‬فلجأ إلى كسرى أبرويز يستنصره على )فوكسساس( كمسسا نصسسره‬
‫أبوه على )بهرام( من قبل‪ ,‬فيطلب كسرى من الروم تنصيبه ملكا خلفا لبيه ويهسسددهم‬
‫بحرب إذا لم يفعلوا فيرفضون‪.‬‬
‫ويشن كسرى إبرويز حربا ضروسسسا علسسى السسروم ويسسستولي فيهسسا علسسى بلد الشسسام‬
‫ومصر والنوبة‪ ,‬ويحمل خشبة الصسسليب ) المزعسوم ( مسن بيست المقسدس إلسى المسسدائن‬
‫عاصمة الفرس ‪ ,‬ثم يوجه جيشا كثيفسسا إلسسى القسسسطنطينية فيحاصسسرها ويسسستعين علسسى‬
‫حصارها بقبائل )الفار( و )السلف(‪ ,‬أعداء البيزنطيين‪ ,‬فيحاصسسرونها مسسن جهسسة أوروبسسا‪,‬‬
‫ويتمكن )هرقل( قائد الجيسسش السبيزنطي مسن فسك الحصسسار عسن القسسطنطينية ‪ .‬حيسسث‬
‫استطاع بمحالفة الترك‪ ,‬أعداء الفرس‪ ,‬طرد جيش كسرى من بلد الروم‪.‬‬
‫وفي عام )‪ 610‬م( وهو عام البعثة النبوية ‪ ,‬يخلع )هرقسسل( المسسبراطور )فوكسساس(‪,‬‬
‫لما شاع من فساد حكمه‪ ,‬ويدفعه إلى الشعب فيقتله وينصب الجيش هرقل لتغلبه عن‬
‫الفرس وخلعه ملكا ضال‪ .‬ويشن هرقسسل حربسسا علسسى الفسسرس يسسسترد بهسسا مسسا كسسانوا قسسد‬
‫استولوا عليه مسسن بلد السسروم‪ ,‬ثسسم يهسساجمهم فسسي بلدهسسم ويكسسسر جيوشسسهم فسسي وقعسسة‬
‫)نينوى( عام )‪ 627‬م( ويحمل كثيرا من أموالهم ويفرض عليهم جزية سنوية‪.‬‬
‫وقد كانت هذه الوقعة آخر الحروب بيسسن الفسسرس والسسروم‪ ,‬وهسسي السستي أشسسار إليهسسا‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‪‬‬ ‫سي َغْل ُِبو َ‬
‫م َ‬‫ن ب َعْدِ غَل َب ِهِ ْ‬
‫م ْ‬
‫م ِ‬
‫ض وَهُ ْ‬
‫م ِفي أد َْنى الْر ِ‬ ‫القرآن الكريم بقوله‪ :‬غُل ِب َ ِ‬
‫ت الّرو ُ‬
‫و بعد هذه الوقعة جاء دور المسلمين فاكتسحوا السدولتين فسي آن واحسد بقسوة الواحسد‬
‫الحد ‪.‬‬

‫*************‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 218 [ ‬‬

‫‪ ‬خلصة تاريخ الدول والممالك في التاريخ‬


‫العربي والسلمي ‪‬‬
‫منذ قيام الدولة النبوية وإلى أيامنا هذه‬
‫‪((1‬‬
‫‪ 1425/‬هـ ‪2004 -‬م ( ‪.‬‬ ‫( ‪1‬هـ‪622-‬م‬

‫الدولة النبوية )‪11-1‬هس (‬


‫في اليوم الثاني عشر مسسن ربيسسع الول ) ‪ 24‬أيلسسول‪ -‬سسسبتمبر ‪ 622‬م ( مسسن السسسنة‬
‫الثالثة عشرة للبعثة‪ ,‬وصل رسول الله صلى الله عليه وسسسلم إلسسى يسسثرب لتكسسون أول‬
‫عاصمة لدولة السلم وتسمى المدينسة المنسورة ‪ ,‬وتصسبح منطلقسا لجيسوش المسسلمين‬
‫الفاتحة‪ .‬حيث اعتبرت سنة الهجرة في عهد عمر رضي الله عنه بداية لتاريخ السلم‪.‬‬

‫أهم أحداث العصر النبوي من هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى وفاته‪:‬‬
‫و يمكن تلخيص أهم المحطات في تلك الفترة بالنقاط التالية ‪:‬‬

‫وقعة بدر (‪ 2‬هـ ( ‪:‬‬ ‫•‬


‫في رمضان من السنة الثانية للهجرة ‪ ,‬علم النبي صلى الله عليه وسسسلم أن قافلسسة‬
‫كبيرة قادمة من الشام عليها أبو سفيان ابن حرب‪ ,‬وأنها ستمر ببدر تستقي مسسن مائهسسا‬
‫وتريح فيها‪.‬‬
‫)‪ (1‬اعتمدت في كتابة هذا الفصل ) الفصل الثالث ( الذي يحوي الملخص التاريخي ‪ ,‬على عدد من القراص اللكترونية‬
‫التي تحوي برامج في التاريخ السلمي ‪ ,‬بالضافة لعدد من المراجع التاريخية ‪ .‬وقد قمت بإعادة صياغة ما نقلته عن تلك‬
‫البرامج والمراجع بتصرف كبير جدا ‪ ,‬لن غالبها كتب بأيد غير إسلمية ‪ ,‬أو ربما معادية للسلم حاقدة على تاريخ‬
‫المسلمين أو بعض صناعه ‪ .‬و قد افتقرت للمانة أحيانا ‪ ,‬وقد تخلل مادتها شيء من التزوير أحيانا ‪ ,‬و لم تحترم قداسة‬
‫بعض الشخصيات ذات المكانة الدينية ) كالصحابة ( رضوان الله عليهم ‪ .‬ول مكانة بعض الخلفاء والملوك والصالحين‬
‫المشهود لهم بحسن السيرة والمكانة ‪ .‬وأكثرها كتب بنفس قومي علماني ‪ ,‬وليس إسلمي ول محايد ‪.‬‬
‫وقد استفدت من تلك المراجع في المعلومات العامة والتواريخ ‪ ,‬ونقل بعض النصوص التي لم يتخللها ما يشين في‬
‫التاريخ السلمي ‪ .‬وقمت بتعديل كل ما استوقفني من تشويه أو صيغة غير مناسبة ‪ .‬بما يشبه عمليات التجميل الجراحية‬
‫الدقيقة ‪ .‬وقد ساعدني على ذلك ما قد يسر الله لي من دراسة التاريخ دراسة أكاديمية ‪ ,‬ثم تعمقي فيه بجهود دراسية‬
‫ذاتية وخاصة في التاريخ السلمي ‪ ,‬وكتب التاريخ السياسي المعاصر ‪ ..‬وعملي في مجال الصحافة والعلم‪.‬‬
‫وعموما وللمانة العلمية ‪ ,‬فإني أذكر هنا أهم مراجع هذا الفصل هي ‪:‬‬

‫‪ -1‬برنامج تاريخ السلم –إنتاج مؤسسة حرف – بتصريح من الزهر ) الذي كان شريفا (‪ - .‬كما وصفه الشيخ ابراهيم‬
‫عزت رحمه الله ‪ -‬وهو مصدر أساس النص ‪ ,‬وعليه تمت التعديلت والتصحيح بتصرف واسع جدا ‪.‬‬
‫‪ -2‬برنامج التاريخ السلمي – إنتاج مؤسسة صخر ‪.‬‬
‫‪ -3‬كتاب تاريخ الدولة العثمانية – لفريد بك المحامي ‪ .‬وهو فيما يبدو مصري من أصل تركي كتب كتابه سنة ‪ .1909‬و‬
‫يتضح فيه نفسه الماسوني ‪ ,‬وحقده على السلطان عبد الحميد رحمه الله ‪ ,‬ونفسه الشعوبي التركي ‪ ,‬وتأييده لجمعية‬
‫التحاد والترقي اليهودية الماسونية ‪ .‬وكتابه منشور في برنامج اللفية المعروف ‪.‬‬
‫‪ -4‬كتاب البداية والنهاية لبن كثير – رحمه الله ‪ -‬وهو المرجع الذي اعتمدته في تصحيح كثير مما مر من أخطاء في ما‬
‫سبق من مراجع ‪.‬‬
‫‪ -5‬مؤلفات شهيد السلم الشيخ عبد الله عزام ‪ ,‬ولسيما كتبه ) خط التحول التاريخي ‪ ,‬أضواء على القومية العربية ‪,‬‬
‫السرطان الحمر ‪(.‬‬
‫‪ -6‬مراجع أخرى ‪ ,‬ومعلومات خاصة جمعتها من وسائل العلم ومن مصادر معلوماتية أخرى ‪ (....‬المؤلف ( ‪.‬‬
‫‪ [ ‬‬
‫‪         ] 219‬‬ ‫ةةةةةةةة‪ ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة‬

‫فجهز النبي صلى الله عليه وسلم حملة من ثلثمائة رجل ونيف ‪,‬واتجه بها إلى بدر‬
‫ليفجأ القافلة‪ ,‬وراع قريشا ما سمعوا وتنادوا إلى حرب المسلمين‪ .‬ومع أن أبسسا سسسفيان‬
‫أرسل بعد ذلك يخسسبرهم أنسسه تحسسول إلسسى السسساحل ونجسسا مسسن المسسسلمين ودعسساهم إلسسى‬
‫الرجوع إلى مكة إل أن كبراء قريش عزموا على قتال المسلمين‪.‬‬
‫وفي ‪ 17‬رمضان من تلك السنة التقى الجمعان في أول معركة تفجرت فيها طاقة‬
‫اليمان وانتصر فيها المسلمون على قلة عددهم وقتلوا نحو سبعين من أبطسسال قريسسش‬
‫ورءوسهم‪ ,‬وأسروا مثل ذلك ‪.‬‬
‫لقد كانت وقعة بدر فاتحة التاريخ السسسلمي ‪ ,‬فلسسم تكسسن حربسسا بيسسن متكسسافئين فسسي‬
‫العدد والعدة‪ ,‬وإنما كانت حربا بين حب العقيدة التي تطلب من أجلهسسا الشسسهادة‪ ,‬وبيسسن‬
‫حب المال الذي تطلب من أجله الحياة‪ ,‬ول يمكن لطالب الحياة أن يقهر طالب‬
‫الشهادة‪.‬‬
‫وهذا هو العامل الساسي الذي جعسسل العسسرب بعسد إسسلمهم يغلبسسون بأعسسداد قليلسة‬
‫جيوش الدول العظمى من حولهم ‪ -‬بفضل الله ‪ -‬في حروب الفتوح‪.‬‬

‫نقض اليهود عهد النبي‪:‬‬ ‫•‬


‫عاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فوجد اليهود قد تغيسسرت قلسسوبهم‪ ,‬فقسسد‬
‫آلمهم نصر المسلمين ببدر‪ ,‬ولم يحتسبوه ولم يصبروا على كتمان ما في نفوسهم‪.‬‬
‫وكان بنو قينقاع أكثر اليهود سخطا لهذا النصر وتهوينا من شسأنه‪ ,‬فأخسذوا ينفسسون‬
‫على المسلمين ما نالوا من فوز ويتحدونهم ويتحرشون بهسسم ‪ ,‬فحاصسسرهم رسسسول اللسسه‬
‫صلى الله عليه وسلم في حصسسونهم‪ ,‬فاستسسسلموا لسسه واكتفسسى النسسبي صسسلى اللسسه عليسسه‬
‫وسلم بإجلئهم عن المدينة وإبعادهم إلى بلد الشام‪.‬‬

‫وقعة أحد (‪ 3‬هـ ( ‪:‬‬ ‫•‬


‫ثارت ثائرة اليهود لما حسسل ببنسسي قينقسساع ‪ ,‬فأخسسذوا يغسسرون العسسراب بالغسسارة علسسى‬
‫المدينة والعتداء على المسلمين‪ .‬كذلك أخذوا يحرضون قريشا على حرب المسسسلمين‬
‫ليثأروا لقتلهم في وقعة بدر ووعدوهم بمظاهرتهم في الحرب‪ ,‬وكان أشد المحرضسسين‬
‫اثنان من رؤساء يهود بني النضير وهما‪ :‬كعب الشرف ‪ ,‬وسلم ابن أبي الحقيق ‪.‬‬
‫فتطوع فريسسق مسسن النصسسار لغتيالهمسسا بسسأمر رسسسول اللسسه صسسلى اللسسه عليسسه وسسسلم‬
‫فقتلوهما‪.‬‬
‫تأثرت قريش بتحريض اليهود‪ ,‬فجهزت جموعها لحرب المسلمين‪ ,‬وتوجهت قريش‬
‫بمن حشدت نحو المدينة يقود حشدها أبو سفيان ابن حرب‪.‬‬
‫ولما علم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك جهز جيشا وخسسرج بهسسم إلسسى جبسسل أحسسد‬
‫القريب من المدينة ووضع خيرة الرماة في أعلى الجبل لحماية ظهور المسلمين‪.‬‬
‫وظهرت طلئع النصر وتراجعسست قريسسش يتبعهسسم المسسسلمون ويجمعسسون مسسا غنمسسوه‬
‫منهم‪ .‬وظن رماة المسلمين أن المعركة قسسد انتهسست فسسأخلوا أمسساكنهم وسسسارعوا لينسسالوا‬
‫نصسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسيبهم مسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسن الغنسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسائم‪.‬‬
‫واهتبل خالد بن الوليد الفرصة‪ ,‬وكان يقود رماة المشركين‪ ,‬فصعد الجبسسل مسسن الخلسسف‬
‫وأخذ يمطر المسلمين بوابل من السهام‪ ,‬وارتدت جموع قريش عليهسسم‪ ,‬فأصسسبحوا بيسسن‬
‫نارين واضطربت صفوفهم وعم الذعر فيهم حتى قتل بعضهم بعضا وانهزم من نجا من‬
‫القتل‪.‬‬
‫وقد قتل في هذه الوقعة أكثر من سبعين رجل من المسلمين بينهم بطسسل السسسلم‬
‫حمزة بن عبد المطلب عم النبي ‪ ,‬قتله ) وحشي ( أحد رماة الحبسساش‪ ,‬وأصسسيب النسسبي‬
‫صلى الله عليه وسلم بجرح في وجنته وشج رأسه الشريف ‪ .‬وصسساح صسسائح قريسسش أن‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 220 [ ‬‬

‫محمدا قد قتل‪ ,‬وصدق المشركون وكفوا عن القتال وانسحبوا‪ ,‬فقد نالوا ‪ -‬بظنهسسم‪ -‬مسا‬
‫كانوا يبتغون‪.‬‬

‫اليهود يحاولون اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬ ‫•‬
‫لم يهنأ يهود بني النضير بنجاة النبي صلى اللسسه عليسسه وسسسلم‪ ,‬فعقسسدوا العسسزم علسسى‬
‫اغتياله أخذا بثأر ابن الشرف وابن أبي الحقيق‪ ,‬ففشلوا وانكشسسف أمرهسسم وعلمسسوا أن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم سيعاقبهم فآووا إلى حصونهم‪.‬‬
‫فحمل عليهم النبي صلى الله عليسسه وسسسلم وحاصسسرهم‪ ,‬ولمسسا استيأسسسوا طلبسسوا أن‬
‫يأذن لهم بالخروج من المدينة كما خرج بنو قينقاع‪ ,‬فاستجاب لهسسم وخرجسسوا بسسأموالهم‪,‬‬
‫ونزل فريق منهم في خيبر وانضسسموا إلسسى يهودهسسا‪ ,‬وتسسابع الخسسرون مسسسيرتهم إلسسى بلد‬
‫الشام‪.‬‬

‫وقعة الخندق ( ‪5‬هـ (‪:‬‬ ‫•‬


‫لم يبق من يهود المدينة سوى بني قريظة‪ ,‬وقد آلمهم ما حل بإخوانهم بني قينقسساع‬
‫وبني النضير‪ ,‬ورأوا أن يؤلبوا قريشا وأحلفهم من قبائل العرب على حسسرب المسسسلمين‬
‫والقضاء على دولتهم‪ ,‬وتعهدوا بمظاهرتهم في هذه الحرب‪.‬‬
‫وحشدت قريش ونسسادت أحلفهسسا وأحزابهسسا فجاءوهسسا برجسسالهم يلبسسون نسسداءها‪ ,‬وبلسسغ‬
‫الحشد عشرة آلف مقاتل‪.‬‬
‫وعلم النبي صلى الله عليه وسلم بخسسبر هسسذه الحملسسة العظيمسسة فاستشسسار أصسسحابه‬
‫فأشسساروا عليسسه أن يقسسف المسسسلمون موقسسف المسسدافع عسسن مسسدينتهم‪ ,‬وأشسسار سسسلمان‬
‫الفارسي رضي الله عنه بحفر خندق حسسول المدينسسة يقسسف الرمسساة دونسسه‪ ,‬يمنعسسون مسسن‬
‫يحاول اجتيازه من المشركين‪.‬‬
‫وجاء من يخبر النبي صلى الله عليسسه وسسسلم بمسسا فعسسل بنسسو قريظسسة فأرسسسل إليهسسم‬
‫سيدين من سادة النصار هما سعد بن معاذ سيد الوس‪ ,‬وسعد بن عبادة سيد الخسسزرج‬
‫لتذكيرهم بعهد النبي صلى الله عليه وسلم ونهيهسسم عسسن الغسسدر بالمسسسلمين وتحسسذيرهم‬
‫عاقبته‪ ,‬فسخروا منهما وأظهروا عزمهم على مظاهرة قريش‪.‬‬
‫ولما وصل جيش المشركين وقف دون الخندق ولم يسسستطع السسدخول إلسسى المدينسسة‬
‫وأخذ رماة المسلمين يصرعون من يحاول اجتياز الخندق‪ ,‬ودام الحصار شهرا حتى برم‬
‫حلفاء قريش )الحزاب( بطسسول النتظسار وفسوت مسا كسانوا يسأملون مسن الغنسائم‪ ,‬ووقسع‬
‫الخلف والشقاق بينهم وبين قريش‪.‬‬
‫وهنا يسر الله إسلم زعيم من زعمسساء العسسرب هسسو نعيسسم بسسن مسسسعود الشسسجعي ‪.‬‬
‫وكان قد قدم مع قومه بني الشجع لقتال المسلمين مع من قسسدم مسسن أحلف قريسسش‪,‬‬
‫فأعلن إسلمه وطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يشسسترك مسسع المسسسلمين فسسي‬
‫الدفاع عن المدينة فطلسسب منسسه الرسسسول أن يخفسسي إسسسلمه وأن يخسسذل قريشسسا وبنسسي‬
‫قريظة ويوقع بينهما الشقاق‪ ,‬ففعل ونجحت الخطة‪.‬‬
‫ثم أرسل الله ريحا عاتية علسسى جيسسش قريسسش والحلف فسسانتزعت الخيسسام وكفسسأت‬
‫القدور وملت الفواه والعيون بالرماد‪ ,‬وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا العون اللهسسي‬
‫سسل َْنا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جن ُسسود ٌ فَأْر َ‬ ‫م ُ‬‫جسساَءت ْك ُ ْ‬ ‫م إ ِذ ْ َ‬‫ة الل ّسهِ عَل َي ْك ُس ْ‬
‫مس َ‬‫مُنوا اذ ْك ُُروا ن ِعْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫بقوله تعالى‪َ :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫صسسسسيًرا ‪‬‬ ‫ن بَ ِ‬ ‫مُلسسسسو َ‬ ‫مسسسسا ت َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬‫ن الّلسسسس ُ‬ ‫هسسسسا وَ َ‬
‫كسسسسا َ‬ ‫م ت ََروْ َ‬ ‫دا َلسسسس ْ‬‫جُنسسسسو ً‬ ‫حسسسسا وَ ُ‬ ‫عَل َي ِْهسسسس ْ‬
‫م ِري ً‬
‫وكان الحزاب قد سئموا النتظار وطول الحصار‪ ,‬فأخسسذوا يسستراجعون‪ ,‬وارتسسدت قريسسش‬
‫م َلس ْ‬
‫م‬ ‫فسُروا ب ِغَي ْظ ِِهس ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬
‫وهي تتجرع غيظها‪ ,‬وفي ذلك يقول الله تعالى‪  :‬وََرد ّ الل ّ ُ‬
‫ل ‪.‬‬ ‫قَتا َ‬ ‫ن ال ْ ِ‬‫مِني َ‬‫مؤْ ِ‬‫ه ال ْ ُ‬‫فى الل ّ ُ‬ ‫ي ََناُلوا َ‬
‫خي ًْرا وَك َ َ‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 221 [ ‬‬

‫تحكيم سعد بن معاذ بما فعل يهود بني قريظة‪ :‬فور انتهاء غزوة الخندق‬
‫جهز النبي صلى الله عليه وسلم سرية وتوجه إلى بني قريظة ليعسساقبهم علسسى نقضسسهم‬
‫العهد‪ ,‬فتحصنوا في حصونهم‪ ,‬ولما اشتد عليهم الحصار طلبسسوا تحكيسسم سسسعد بسسن معسساذ‬
‫وكانوا حلفاءه‪ ,‬واستجاب النسسبي صسسلى اللسسه عليسسه وسسسلم لطلبهسسم‪ ,‬فحكسسم سسسعد بقتسسل‬
‫رجالهم وسبي نسائهم وأطفالهم‪ ,‬ونفذ النبي صلى الله عليه وسلم حكم سعد فيهم‪.‬‬
‫تحول المسلمين من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم ‪:‬‬
‫بعد أن خلسست المدينسسة مسن اليهسسود‪ ,‬وسسسلم السسلم مسن منافسسسة اليهوديسسة‪ ,‬وسسسلم‬
‫المسلمون من مكر اليهود وخسسداعهم‪ ,‬تحسسول المسسسلمون مسسن حالسسة السسدفاع إلسسى حالسسة‬
‫الهجوم‪.‬‬
‫وبدأ النبي بغزو القبائل المشركة الموالية لقريش ليثبت أن بالمسسسلمين قسسوة وأنسسه‬
‫لم يصبهم وهن بعد وقعة أحسد ووقعسة الخنسدق‪ ,‬فانتصسر وعساد بمغسانم كسبيرة‪ ,‬وعلمست‬
‫القبائل أن ل طاقة لها بقتال المسلمين ‪.‬‬

‫صلح الحديبية (‪6‬هـ ( ‪:‬‬ ‫•‬


‫في أواخر شهر شوال من السنة السادسة للهجرة‪ ,‬أعلسسن النسسبي صسسلى اللسسه عليسسه‬
‫وسلم أنه يريد المسير إلى مكة لداء العمرة‪ ,‬وأذن في أصسسحابه بالرحيسسل إليهسسا لدائهسسا‬
‫معه‪ ,‬ففرحوا وطابت نفوسهم بزيارة الكعبة وقسسد حرمسسوا منهسسا‪ ,‬وكسسان المهسساجرون قسسد‬
‫اشتد شوقهم إلى ديارهم ومن خلفوا فيها من أهلهم ‪.‬‬
‫وسار النبي صلى الله عليه وسسسلم بسسألف وخمسسسمائة مسسن المهسساجرين والنصسسار‪ ,‬ل‬
‫يحملسون مسن آلت الحسرب إل السسيوف فسي القسرب‪ ,‬ولبسسوا لبساس الحسرام ليؤكسدوا‬
‫لقريش أنهم يريدون العمرة ول يقصسدون الحسرب‪ ,‬ومسا حملسوا مسن سسيوف إنمسا كسان‬
‫للحماية مما قد يعترضهم في الطريق‪.‬‬
‫ووصلت قافلة المسسلمين إلسى الحديبيسة القريبسة مسن مكسسة ‪ .‬ولمسا علمسست قريسش‬
‫بقدوم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه رفضت السماح لهم بدخول مكة وكان‬
‫شهر ذي القعدة قد حل‪ ,‬وهو من الشهر الحرم التي يمتنع فيها القتال‪.‬‬
‫وأرسل النبي صلى الله عليه وسسلم عثمسان بسسن عفسان ليفساوض قريشسا‪ ,‬وتسأخرت‬
‫عودته وأشيع أنه قتل‪ .‬وهنا عزم النبي صلى الله عليه وسلم على دخول مكة ‪.‬‬
‫واستجاب المسلمون لما عزم عليسه النسبي صسلى اللسه عليسه وسسلم وبسايعوه علسى‬
‫الموت وهو جالس في ظل شجرة‪ ,‬وقد أثنى الله على المبايعين ورضي عنهم في آيسسة‬
‫نزلت بهذه المناسبة‪:‬‬
‫مسسا فِسسي قُل ُسسوب ِهِ ْ‬
‫م‬ ‫جَرةِ فَعَل ِس َ‬
‫م َ‬ ‫ت ال ّ‬
‫شس َ‬ ‫حس َ‬ ‫ن إ ِذ ْ ي َُباي ُِعون َس َ‬
‫ك تَ ْ‬ ‫مسؤْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫ه عَ ِ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫‪‬ل َ َ‬
‫قد ْ َر ِ‬
‫ريب ًسسا‪ ‬ومسسن ثسسم دعيسست هسسذه المبايعسسة ببيعسسة‬ ‫حسسا قَ ِ‬ ‫م فَت ْ ً‬
‫َ‬
‫ة عَل َي ْهِ س ْ‬
‫م وَأث َسساب َهُ ْ‬ ‫كين َ َ‬
‫سس ِ‬
‫ل ال ّ‬ ‫فَ سأ َن َْز َ‬
‫الرضوان‪.‬‬
‫لم يقتل عثمان رضي الله عنه ‪ ,‬كما كان أشيع وعاد إلى الحديبية ) وكان قسسد تسسأخر‬
‫في مفاوضة قريش وفي إزالة مخاوفهسسا‪ ,‬وكسسان المطلسسب الساسسسي لقريسسش أن يعسسود‬
‫المسلمون ذلك العام على أن يدخلوا مكة معتمرين في العسسام المقبسسل‪ ,‬لكسسي ل يقسسول‬
‫العرب أن قريشا استذلت للمسلمين فيصيبها من ذلك معرة‪.‬‬
‫ووافق النبي صلى الله عليه وسلم على مطلب قريش‪ ,‬وعلى أساسه عقسسد اتفاقسسا‬
‫بينه وبين قريش عرف بصلح الحديبية وبمقتضاه عقدت هدنة بين الطرفين مدتها عشر‬
‫سنوات‪.‬‬
‫وقد تضمن عقد الصلح شسسروطا منهسسا أن يسسرد المسسسلمون مسسن يسسأتيهم مسسن قريسسش‬
‫مسلما بدون إذن وليه‪ ,‬وأل ترد قريش من يعود إليها من المسسسلمين‪ ,‬وأن مسسن أراد أن‬
‫يدخل في عهد قريش دخل فيه‪ ,‬ومن أراد أن يدخل في عهسسد محمسسد مسسن غيسسر قريسسش‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 222 [ ‬‬

‫دخل فيه‪ ,‬والدخول في العهد محالفة توجب مناصرة الحليف إذا ما استنصره واستنجد‬
‫به‪ ,‬فدخلت خزاعة في عهد رسول الله ودخلت بنو بكر في عهد قريش‪.‬‬

‫غزو المدن اليهودية ‪:‬‬ ‫•‬


‫أتاحت الهدنة بين النبي صلى الله عليه وسلم‪ ,‬وبين قريش‪ ,‬أن يفرغ النبي لحسسرب‬
‫من تبقى من اليهود في جزيرة العرب‪ ,‬فقد كان إلى جانب يهود المدينة جاليات يهودية‬
‫تقطن في خيبر ووادي القرى وفي فدك و تيماء‪ ,‬وهي مدن تقع على الحسسدود الفاصسسلة‬
‫بين شمال بلد العرب وبلد الروم‪.‬‬
‫وقد كان يهود تلك المدن يثيرون العراب على المسلمين‪ ,‬فجهز النبي صسسلى اللسسه‬
‫عليه وسلم حملة على أولئك العراب فأخضعهم‪ ,‬وتوجه بعد ذلسسك إلسسى خيسسبر فافتتحهسسا‬
‫واستسلم يهود المدن الخرى دون حرب‪.‬‬
‫وكان النبي صلى اللسسه عليسسه وسسسلم متسسسامحا مسسع اليهسسود‪ ,‬فأبقسساهم فسسي أراضسسيهم‬
‫واستعملهم في الزراعة على أن يجليهم متى شاء‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 223 [ ‬‬

‫عمرة القضاء (‪ 7‬هـ( ‪:‬‬ ‫•‬


‫ومضت السنة الولى من الهدنة‪ ,‬فتوجه النسسبي صسسلى اللسسه عليسسه وسسسلم مسسع جميسسع‬
‫المسلمين إلى مكة لقضاء العمرة‪ ,‬وأمضوا فيها ثلثة أيام‪ ,‬ثم خرجوا منهسسا كمسسا قضسسى‬
‫بذلك صلح الحديبية‪.‬‬
‫وقد عاين رجال قريش سلوك المسلمين عن كثسسب‪ ,‬فوجسسدوا فيهسسم قومسسا آخريسسن‪,‬‬
‫صاغهم السسلم صسوغا جديسدا‪ ,‬وأخسذ كسسثير منهسسم يفكسسرون ويتسسدبرون مبسسادئ السسلم‪,‬‬
‫وسرعان ما أقبل جماعات منهم إلى المدينسسة مسسسلمين‪ ,‬ومسسن هسسؤلء خالسسد بسسن الوليسسد‬
‫وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة‪ ,‬وهم من سادة قريش وأبطالها‪ ,‬ممن شاركوا في‬
‫قتال المسلمين من قبل‪.‬‬

‫الرسول يوجه رسائل إلى ملوك وأمراء الدول المجاورة‪:‬‬ ‫•‬


‫أخذ السلم ينتشر في جزيرة العرب بعد النتصارات التي حققها النبي صسسلى اللسسه‬
‫عليه وسلم في أعقاب صلح الحديبية ورأى النبي صلى الله عليه وسلم أن تبلغ دعسسوته‬
‫مسامع ملوك وأمراء الدول المجسساورة‪ ,‬فأرسسسل إليهسسم كتبسسا مسسع سسسفراء يسسدعوهم إلسسى‬
‫السسسلم‪ ,‬فاسسستجاب البعسسض لسسدعوته كالمنسسذر بسن سسساوى أميسسر البحريسسن ورد الخسسرون‬
‫السفراء‪.‬‬
‫فمنهم من كان رده جميل كملك الروم والمقوقس صاحب مصر‪ ,‬ومنهسسم مسسن كسسان‬
‫رده قبيحا ككسرى أبرويز ملك فارس فقد مزق كتاب النبي صسسلى اللسسه عليسسه وسسسلم ‪.‬‬
‫وكذلك شرحبيل أمير غسان الذي سخر من الدعوة للسلم ‪ ,‬وقتل سفير رسول اللسسه‬
‫صلى الله عليه وسلم ) الحارث بن عمير الردي ( رضي الله عنه ‪.‬‬

‫الرسول يجهز حملة انتقام لقتل سفيره الحارث بن عمرو ‪:‬‬ ‫•‬
‫وقعة مؤتة ‪:‬‬
‫كان قتل هذا السفير شديد الوقع على رسول الله صلى الله عليسسه وسسسلم ‪ ,‬فجهسسز‬
‫حملة عدتها ثلثة آلف رجل لحرب الغساسنة‪ ,‬وجعل قيادتها لزيد بن حارثة‪ .‬ولما علسسم‬
‫الغساسنة بأمرها استنجدوا بحلفائهم الروم فانجدوهم بجيش عظيم‪ .‬وكان اللقسساء فسسي‬
‫)مؤتة(‪.‬‬
‫وفي تلك المعركة قتل زيد بن حارثة قائد الجيسش‪ ,‬وقتسل مسن بعسده عبسد اللسه بسن‬
‫رواحة ثم جعفر ابن أبي طالب رضي الله عنهسسم ‪ ,‬ثسم انتسدب النساس خالسسد بسن الوليسد‬
‫لتولي قيادته‪ ,‬وأدرك أن في استمرار المعركة فناء جيش المسلمين‪ ,‬فانسسسحب بخطسسة‬
‫عسكرية باهرة‪ ,‬إذ أثار الغبار خلف جيشه المنسحب‪ ,‬فأوهم الروم أن مددا ضخما جاء‬
‫من المدينة وأرهبتهم حيلة خالد فتوقفوا عن تتبع الجيش المنسحب‪.‬‬
‫وبهذا النسحاب ظهرت مهارة خالد الحربية وارتقى إلى صف القادة السسذين رفعسسوا‬
‫راية السلم‪ .‬وكانت وقعة مؤتسة فاتحسة النضسال للفتوحسات السسلمية خسارج الجزيسرة‪.‬‬
‫وبداية الصراع بين المسلمين و الروم ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 224 [ ‬‬

‫فتح مكة (‪ 8‬هـ ( ‪:‬‬ ‫•‬


‫وجاءت السنة الثامنة للهجرة وقد كثر عدد المسلمين بدخول كثير من القبائل فسسي‬
‫السلم‪ .‬ويشاء الله أن تنقض قريش عهدها مع المسلمين‪ ,‬فقد عدت قبيلسسة بنسسي بكسسر‬
‫على قبيلة خزاعة‪ ,‬وكان بنو بكر قد دخلوا في عهد قريش ودخل بنو خزاعسسة فسسي عهسسد‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪ ,‬فانتصرت قريش لحلفائها واستنجدت خزاعة بالنبي صسسلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ,‬وحانت بذلك فرصة لفتح مكة‪.‬‬
‫فقد أصبحت قريش في عزلة بعد أن أسلمت أكثر القبائل العربية وفقسسدت قريسسش‬
‫في حروبهسسا مسسع المسسسلمين كسسثيرا مسسن رجالهسسا‪ ,‬ولحسسق بالمسسسلمين جمسسع مسسن أبطالهسسا‬
‫المغاوير‪.‬‬
‫أعد النبي صلى الله عليه وسلم جيشا عظيما مسسن المهسساجرين والنصسسار وانضسسمت‬
‫إليه القبائل التي أسلمت‪ ,‬وأعلن النبي صلى اللسسه عليسسه وسسسلم أنسسه يريسسد مكسسة لحسسرب‬
‫قريش التي نقضت عهدها‪.‬‬
‫وسار الجيش يتبع قائده العظيم عليه الصلة والسلم ‪ .‬وعسسسكر خسسارج مكسسة ورأت‬
‫قريش أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء ومعه جمع كبير من العرب وأنه ل طاقة لها‬
‫بحربهم‪ ,‬فاستسلمت ‪ .‬وجاء العباس‪ ,‬عم النسسبي ومعسسه أبسسو سسسفيان فأسسسلما وفتحسسا لسسه‬
‫أبواب البلد الحسرام‪ ,‬وقبسل أن يسدخلها اسستعرض الجيسش بحضسورهما‪ ,‬فمسرت سسراياه‬
‫هوًقا ‪. ‬‬
‫ن َز ُ‬‫كا َ‬ ‫ن ال َْباط ِ َ‬
‫ل َ‬ ‫حقّ وََزهَقَ ال َْباط ِ ُ‬
‫ل إِ ّ‬ ‫جاَء ال ْ َ‬ ‫أمامهما وهي تهتف‪  :‬وَقُ ْ‬
‫ل َ‬
‫ودخل النبي صلى الله عليه وسلم مع الجيش إلى مكسسة وتسسوجه إلسسى الكعبسسة راكبسسا‬
‫ناقته بتواضع جم ‪ ,‬فأخذ بتحطيم الصنام ومحو الصور من جدران الكعبة‪ ,‬ثسسم أمسسر بلل‬
‫الحبشي أن يصعد إلى سطح الكعبة فأذن بالناس معلنا هزيمة الشرك ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 225 [ ‬‬

‫غزو ثقيف و هوازن ( ‪ 8‬هـ ( ‪:‬‬ ‫•‬


‫انضمت قريش إلى صفوف المسلمين وانتظمت معهم فسي جيشسه لحسرب قبيلستي‬
‫هوازن و ثقيف ‪ ,‬وقد رفضوا الدخول في السلم ‪ .‬والتقى المسلمون مسسع هسسوازن فسسي‬
‫) وادي حنين( وانتصروا عليهم بعد حرب ضروس‪ ,‬كاد أن يغلسسب فيهسسا المسسسلمون لسسول‬
‫ثبات النبي صلى الله عليه وسلم‪ ,‬ثم حاصر المسلمون ثقيفا فسسي مسسدينتهم ) الطسسائف(‬
‫فاضطروا للستسلم‪ ,‬ودخلت هوازن و ثقيف في السلم‪.‬‬

‫المسيرة النبوية لقتال الروم ‪ :‬غزو تبوك و دومة الجندل ( ‪9‬‬ ‫•‬
‫هـ ( ‪:‬‬
‫عاد النبي إلى المدينة بعد فتح مكة وكانت السنة التاسعة للهجرة قد حلسست‪ ,‬فجهسسز‬
‫جيشا كبيرا عدته أربعون ألف رجل‪ ,‬وسار به نحو )مؤتة( يريد أن يثأر لمسسا حسسل بجيسسش‬
‫المسلمين فيها‪ .‬ولما وصل إلى مدينة تبسسوك عسسسكر فيهسسا‪ ,‬وعلسسم السسروم بقسسدومه فلسسم‬
‫يتقدموا لحربه‪ ,‬فقد راعهم لقاء هذا الجيش الكبير‪ ,‬يقسسوده رجسسال ل يعرفسسون الهزيمسسة‪,‬‬
‫واتخذ جيش الروم مكانه داخل بلده مدافعا بعد أن كان يريد الهجوم‪.‬‬
‫واكتفى النبي صلى الله عليه وسلم بما أحدثه من رهبة فسسي قلسسوب السسروم‪ ,‬وعقسسد‬
‫بعض المعاهدات مع مدن الحدود وكانوا على النصرانية مقابسسل تعهسسدهم بسسدفع الجزيسسة‪,‬‬
‫واستعصت )دومة الجندل(‪ ,‬فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم خالسسد بسسن الوليسسد علسسى‬
‫رأس سرية فأخضعها وأسر صاحبها أكيدر بن عبد الملك فقدم به المدينة فأسلم وعقد‬
‫معه النبي صلى الله عليه وسسسلم معاهسسدة ورده إلسسى قسسومه‪ ,‬وكسسانت غسسزوة تبسسوك آخسسر‬
‫غزوات النبي صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬

‫إقبال وفود القبائل العربية إلى المدينة وإعلن إسلمها ‪:‬‬ ‫•‬
‫وبلغت مسامع العرب انتصارات النبي صلى اللسسه عليسسه وسسسلم بفتسسح مكسسة وإسسسلم‬
‫قريش وإسلم ثقيف و هوازن ‪ ,‬وإخضاع صساحب دومسسة الجنسدل ودخسول مسدن الحسدود‬
‫الشمالية في عهد النبي وتعهدها بدفع الجزية إليه‪ .‬فأقبلت وفسسود القبسسائل العربيسسة مسسن‬
‫كل فج تعلن إسلمها‪ ,‬فكان النبي يعرفها بعقيسسدة السسسلم ومبسسادئه ويرسسسل معهسسا مسسن‬
‫يختاره لها من صحابته ليعلمها شعائر الدين ويبين لها أحكامه‪.‬‬

‫إنذار من بقي على الشرك من العرب ( ‪ 9‬هـ ( ‪:‬‬ ‫•‬


‫أما من بقي على الشرك من العرب فقد أمهلوا أربعسسة أشسسهر‪ ,‬فسسإذا انقضسست ولسسم‬
‫يسلموا فقد أمر النبي بقتالهم حتى ينتزع الشرك من جزيرة العرب‪.‬‬
‫وقد نزل بهذا النذار نص قرآني في مطلع سورة التوبة المعروفة بسسسورة )بسسراءة(‬
‫َْ‬
‫ض‬
‫حوا ِفسسي الْر ِ‬ ‫ن فَ ِ‬
‫سي ُ‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫م َ‬‫م ِ‬ ‫عاهَد ْت ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬‫سول ِهِ إ َِلى ال ّ ِ‬ ‫ن الل ّهِ وََر ُ‬ ‫م َ‬ ‫وهو‪  :‬ب ََراَءةٌ ِ‬
‫ن‪‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ة أَ ْ‬
‫أ َْرب َعَ َ‬
‫ري َ‬‫زي الكافِ ِ‬ ‫خ ِ‬‫م ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن الل َ‬ ‫زي اللهِ وَأ ّ‬ ‫ج ِ‬‫معْ ِ‬‫م غي ُْر ُ‬ ‫موا أن ّك ْ‬ ‫شهُرٍ َواعْل ُ‬
‫م ‪ . ‬وقد تل هذا‬ ‫موهُ ْ‬ ‫جد ْت ُ ُ‬ ‫ث وَ َ‬ ‫حي ْ ُ‬‫ن َ‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م َفاقْت ُُلوا ال ْ ُ‬ ‫حُر ُ‬ ‫شهُُر ال ْ ُ‬ ‫خ ال َ ْ‬
‫سل َ َ‬ ‫‪ ‬فَإ ِ َ‬
‫ذا ان ْ َ‬
‫النذار علي ابسسن أبسسي طسسالب علسسى مسسسامع المسسسلمين فسسي موسسسم الحسسج مسسن السسسنة‬
‫التاسعة‪.‬‬
‫ولم تمض تلك السنة حتى دانت جزيرة العرب بسسدين السسسلم وتوحسسدت فسسي دولسسة‬
‫واحدة وفرضت الزكاة على المسلمين‪ ,‬وعين النبي صلى الله عليسسه وسسسلم مطارحهسسا‬
‫ومقاديرها وأرسل عمال لجبايتها‪.‬‬

‫حجة الوداع ( ‪ 10‬هـ ( ‪:‬‬ ‫•‬


‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 226 [ ‬‬

‫وهلت السنة العاشرة للهجرة وقد دخل العرب في السسدين الجديسسد وانتظمسسوا تحسست‬
‫راية السلم‪ ,‬وأقبل موسم الحج فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فسسي أكسسثر مسسن مئة‬
‫ألف مسلم حاجا‪ ,‬وخطسسب فسسي عرفسسات فسسي هسسذه الجمسسوع مودعسسا‪ ,‬وفيهسسا بيسسن أركسسان‬
‫السلم وأعلن المساواة بين المسلمين وجعل تقسسوى اللسسه معيسسار التفاضسسل بينهسسم‪ ,‬وتل‬
‫ت عَل َي ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫آخر آية من آيات التنزيل الحكيم‪  :‬ال ْيو َ‬
‫مت ِسسي‬
‫م ن ِعْ َ‬
‫كسس ْ‬ ‫م ُ‬
‫م ْ‬
‫م وَأت ْ َ‬ ‫ت ل َك ُ ْ‬
‫م ِدين َك ُ ْ‬ ‫مل ْ ُ‬
‫م أك ْ َ‬
‫َ ْ َ‬
‫م السسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسلم ِديًنسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسا ‪‬‬ ‫ت لَ ُ‬
‫كسسسسسسسسسسسسسسسسسسسس ُ‬ ‫ضسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسي ُ‬
‫وََر ِ‬
‫وبهذه الخطبة اختتم النبي العظيم صلى الله عليه وسلم مهمته في أداء رسسسالته وفسسي‬
‫تجهيز العرب بالطاقة اليمانية ليكونوا رسلها إلى العالم‪.‬‬

‫ظهور حركة الردة ‪:‬‬ ‫•‬


‫لم يكد النبي صلى الله عليه وسلم يفرغ من حجة الوداع حتى ظهسسرت فسسي اليمسسن‬
‫حركة الرتداد عن السلم وقد تزعمها مشعوذ يدعى )عيهلة بن كعب العنسي( ويعرف‬
‫بالسود العنسي‪ ,‬وقد استهوى قومه بما أراهم من ضللت سحره فاتبعوه‪.‬‬
‫وسرت حركة الردة إلى اليمامة وظهر فيها رجل من بني حنيفة يدعى مسيلمة بن‬
‫ثمامة‪ ,‬وأرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلب منه أن يشركه في أمره‪ ,‬ودعاه‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬مسيلمة الكذاب‪.‬‬
‫واتسع خطر السود العنسي في السنة الحادية عشرة للهجرة‪ ,‬فأرسل النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم إلى من بقي في اليمن من المسسسلمين يحضسسهم علسسى قتلسسه فاغتسسالوه‪,‬‬
‫وقضي على حركة الردة في اليمن بعد مقتله‪ ,‬ولكنها ظلسست قائمسسة فسسي اليمامسسة حسستى‬
‫خلفة أبي بكر رضي الله عنه فقضى عليها في عهده ‪.‬‬

‫مرض الرسول ووفاته ( ‪ 11‬هـ ( ‪:‬‬ ‫•‬


‫وفي مطلع ربيع الول من السنة الحادية عشرة للهجرة‪ ,‬مرض رسسول اللسه صسلى‬
‫الله عليه وسلم وقبضه الله إلى جواره في يوم الثنين الثاني عشسسر مسسن ذلسسك الشسسهر‪.‬‬
‫وبانتقاله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق العلى ‪ .‬ختمت حياة خساتم النبيسساء وأعظسسم‬
‫العظماء في تاريخ النسانية‪.‬‬

‫*************‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 227 [ ‬‬

‫الدولة السلمية في عهد الخلفاء الراشدين) ‪ 41-11‬هس (‬


‫مدة خلفة الخلفاء الراشدين وأعمارهـم‪:‬‬ ‫•‬

‫أبو بكر الصديق ‪ :‬رضي الله عنه ‪ :‬سنتان وثلثة أشهسسسر تسسوفي فسسي جمسادى‬ ‫‪-‬‬
‫الخرة سنة ‪13‬هس عن ‪63‬عاما ‪.‬‬
‫عمر بن الخطاب ‪ :‬رضي الله عنه ‪10 :‬سنوات وستة أشهسسسر تسسوفي فسسي ذي‬ ‫‪-‬‬
‫الحجة سنة ‪23‬هس عن ‪63‬عاما ‪.‬‬
‫عثمان بن عفان ‪ :‬رضي الله عنه ‪ :‬اثنتا عشر سنة توفي في ذي الحجة سنة‬ ‫‪-‬‬
‫‪36‬هس عن ‪ 82‬عاما‪.‬‬
‫علي بن أبي طالب‪ :‬رضي الله عنه ‪ 4 :‬سسسنوات وتسسسعة أشهسسسر تسسوفي فسسي‬ ‫‪-‬‬
‫رمضان سنة ‪40‬هس عن ‪60‬عاما‪.‬‬

‫خلفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه ( ‪ 13 -11‬هـ (‪:‬‬ ‫•‬
‫بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم‪ .‬أسفرت الشورى بين المسلمين عن بيعة‬
‫أبي بكر الصديق رضي الله عنه ‪.‬‬
‫وكسسان مسسن أهسسم إنجسسازات أبسسي بكسسر رضسسي اللسسه عنسسه خلل مسسدته القصسسيرة ‪ ,‬قمسسع‬
‫المرتدين ‪ ,‬و إنفاذ جيش إسامة الذي جهزه رسول الله صسسلى اللسسه عليسسه وسسسلم لغسسزو‬
‫الروم في الشام ‪ ,‬وكذلك إطلقه رضي الله عنه حركة الفتح السلمي نحو العراق ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 228 [ ‬‬

‫خلفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( ‪ 23 -13‬هـ (‪:‬‬ ‫•‬


‫عهد سيدنا أبو بكر أثناء مرضه بالخلفة إلى سسيدنا عمسر بسن الخطساب رضسي اللسه‬
‫عنهما ‪ ,‬وكان قد استشار فيه عبد الرحمن بن عوف وعثمان بسسن عفسسان‪ ,‬فسسذكرا فضسسله‬
‫وحمدا رأي أبي بكر‪ .‬ثم ظهر أبو بكر للناس في المسجد وقال لهم‪ :‬هل ترضسسون بمسسن‬
‫أستخلف عليكم‪ ,‬فما ألوت من جهد الرأي‪ ,‬ول وليت ذا قرابة‪.‬‬
‫ويروي المام السيوطي عن ابسن عسساكر أن عليسسا ابسن أبسي طسسالب قسسام فقسسال‪ :‬ل‬
‫نرضى إل أن يكون عمر‪ ,‬فقال أبو بكر‪ :‬هو عمر فاسمعوا لسه وأطيعسوا‪ ,‬ثسم أحضسر أبسو‬
‫بكر عمر وقال له‪ :‬إني قد استخلفتك على أصحاب رسول الله صلى اللسسه عليسسه وسسسلم‬
‫وأوصاه بتقوى الله‪ .‬ولما توفي أبو بكر بايع الناس عمر بمن فيهم علي ابن أبي طالب‪,‬‬
‫ي القضسساء لعمسسر مسسدة خلفتسسه ‪.‬‬
‫ومعه بنو هاشم رضي الله عنهم أجمعيسسن ‪ .‬وتسسولى عل س ّ‬
‫وزوجه ابنته أم كلثوم ‪ ,‬وهي بنت فاطمسة الزهسراء بنست رسسول اللسه صسلى اللسه عليسه‬
‫وسلم ‪ .‬وولدت له ابنه زيدا وابنته رقية‪ .‬وقد رتب الفقهسساء علسسى الطريقسسة السستي جسسرى‬
‫فيها استخلف عمر قاعدة في أصول الحكم ‪ .‬وهي جواز انعقاد الخلفة بعهد مسسن قبسسل‬
‫الخليفة السابق‪.‬‬
‫امتدت ولية عمر عشر سنين وخمسة أشهر وإحدى وعشرين ليلة‪ ,‬وانتهسست حيسساته‬
‫بيد أبي لؤلؤة المجوسي الذي اغتاله في فجر يسسوم الربعسساء لثلث ليسسال بقيسسن مسسن ذي‬
‫الحجسة سسنة ‪ 23‬للهجسسرة ‪ .‬وقسد تسسولى اغتيسال عمسسر بمسؤامرة دبرهسسا الهرمسزان القسائد‬
‫الفارسي‪ ,‬الذي أسره المسلمون سنة ‪17‬هس في وقعة ) تستر( وأرسسسل إلسسى عمسسر بسسن‬
‫الخطاب بطلب منه‪ ,‬فأراد عمر قتله ولكنه نجا من القتسسل بسسإعلن إسسسلمه ‪ .‬ولمسسا قتسسل‬
‫عمر أقدم ابنه عبيد الله فقتل الهرمزان ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 229 [ ‬‬

‫كان عدل عمر رضي الله عنه أشهر من أن يشار إليه ‪ ,‬وكسان مسن أهسم النجسازات‬
‫في عهده ‪ ,‬فتح الشام والعراق ومصر‪ ,‬وأكثر بلد فارس حيث وصلت جيوش‬
‫المسلمين إلى أذربيجان ‪.‬‬

‫خلفة عثمان بن عفان رضي الله عنه ( ‪ 36 -23‬هـ (‪:‬‬ ‫•‬


‫ُ‬
‫لما اغتيل عمر رضي الله عنه ‪ ,‬طلب إليه أن يولي ابنه عبد الله بن عمسسر فأجسساب‪:‬‬
‫ما حمدتها فأرغب فيها لحد من أهل بيتي بحسب آل عمر أن يحاسب واحد منهم ‪.‬‬
‫وقد رأى أن يختار ستة من أجل صحابة رسول الله صلى الله عليسسه وسسسلم ‪ ,‬ممسسن‬
‫بشرهم بالجنة ليتشاوروا فيما بينهم ويختاروا للخلفة واحدا منهم‪ ,‬وهم‪:‬‬
‫عثمان ابن عفان وعلي ابن أبي طالب وعبد الرحمن بن عوف والزبيسر بسن العسوام‬
‫وطلحة بن عبيد الله وسعد ابن أبي وقاص رضي الله عنهم ‪ ,‬وأوصى أن يحضسسر معهسسم‬
‫ابنه عبد الله بن عمر على أن ل يكون له من المر شيء‪ ,‬بل ليحكم بينهم إذا اختلفوا‪.‬‬
‫دعا عمر أصحاب الشورى وأمرهم أن يجتمعوا بعد وفسساته‪ ,‬وحسسدد لهسسم مهلسسة ثلثسسة‬
‫أيام تلي وفاته ليختاروا في خللها خليفة منهم‪ ,‬وعين المقداد بن السسسود حاجبسسا لهسسم ‪,‬‬
‫وقال له‪ :‬إن أجمع خمسة على رجل منهم وأبى الخر فاضرب عنقسسه‪ ,‬وإن أجمسسع ثلثسسة‬
‫على واحد‪ ,‬وثلثة على واحسسد‪ ,‬فليحكمسسوا عبسسد اللسسه بسسن عمسسر فسسأي الفريقيسسن حكسسم لسسه‬
‫فليختاروا خليفة منهم‪ ,‬فإن لم يرضوا بحكم عبد اللسسه فليكونسسوا مسسع السسذين فيهسسم عبسسد‬
‫الرحمن بن عوف ثم بين عمر فضل كل واحد منهم وامتدح مزاياه‪ ,‬وقال‪ :‬ما أظسسن أن‬
‫يلي الخلفة إل أحد رجلين‪ :‬علي أو عثمان‪.‬‬
‫وفعل أسسسفرت الشسورى عسن اختيسسار عثمسسان رضسسي اللسه عنسه وبسايعه الصسسحابة ‪ .‬و‬
‫تميزت فترة عثمان رضي الله عنه باتساع الفتوحات ‪ ,‬حيث سقط آخر الكاسرة وقتل‬
‫‪ ,‬ودخلت بلد فارس فسسي السسسلم ‪ .‬كمسسا توغسسل جيسسش الصسسحابة الفسساتحين فسسي شسسمال‬
‫إفريقيا ‪ ,‬وعبر إلى الندلس ‪ ,‬ولكنه لم يمكث فيها ‪ .‬وفتحت منطقة بلد السسري وأعسسالي‬
‫الجزيرة حول بحر قزوين إلى تخوم الناضول ‪ .‬وهكسسذا أقبلسست السسدنيا علسسى المسسسلمين‬
‫تماما كما بشرهم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫ثم نزغ الشيطان وتسلل الخلف ‪ ,‬واستغل رؤوس الفتنسة بعسض الملحظسات الستي‬
‫أثيرت حول سياسات ذي النورين عثمان رضي الله عنسسه وحصسسلت الفتنسسة المشسسهورة ‪,‬‬
‫التي تولى كبرها أوباش من الناس ‪ ,‬والتي أسفرت عن حصاره وقتله فسسي بيتسسه رضسسي‬
‫الله عنه وأرضاه ‪ .‬لتفتح على المة فتنة لم ترتق بعد آثاها إلى يومنا هذا ‪.‬‬
‫ولله المر من قبل ومن بعد ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 230 [ ‬‬

‫خلفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه ( ‪ 40 -36‬هـ (‪:‬‬ ‫•‬
‫بعد مقتل عثمان بايع أهل المدينة عليا ابن أبي طالب رضي اللسسه عنهمسسا وقسسام بنسسو‬
‫أمية يطالبون بدم عثمان المظلوم ‪ ,‬متهمين عليا بحماية قاتليه‪ ,‬وانضمت إليهم السيدة‬
‫عائشة بنست أبسي بكسر الصسديق وزوج النسبي صسلى اللسه عليسه وسسلم ‪ .‬ووقعست الفتسن‬
‫المشهورة التي كان فيها موقعة الجمل ‪ ,‬ثم انحاز معاوية بن أبي سفيان بأهل الشسسام‪,‬‬
‫حيث تمركز علي رضي الله عنه فسسي العسسراق ‪ ,‬ووقعسست الفتنسسة الكسسبرى ‪ ..‬ثسسم حصسسلت‬
‫واقعسسة التحكيسسم المشسهورة بيسسن علسسي ومعاويسسة ‪ ,‬وفشسسلت وأسسسفرت عسسن ميلد فرقسسة‬
‫الخوارج ‪.‬‬
‫و صمم الخوارج على قتل علي ابن أبي طالب ومعاويسسة ابسسن أبسسي سسسفيان وعمسسرو‬
‫ابن العاص ‪ ,‬وتطوع ثلثة لهذه المهمة‪ ,‬وهم‪ :‬عبد الرحمن بسسن ملجسسم وقسسد ضسسمن قتسسل‬
‫علي ‪ ,‬والحجاج بن عبد الله البرك التميمي وقد ضمن قتسسل معاويسسة ‪ .‬وعمسسرو بسسن بكسسر‬
‫التميمي وقد ضمن قتل عمرو بن العاص ‪ .‬وقد نفذ الملعون ابن ملجم ما ضمنه فقتسسل‬
‫عليا رضي الله عنه ‪ .‬و أخفق الخران ‪ ,‬فنجا معاويسة وعمسرو بسن العساص ‪ .‬رضسي اللسه‬
‫عنهم أجمعين ‪.‬‬

‫خلفة الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما ( ‪-40‬‬ ‫•‬
‫‪ 41‬هـ (‪:‬‬
‫بويع الحسن بالخلفة بعد اغتيال أبيه‪ ,‬وبلغه أن معاوية ابن أبي سفيان قد سار إلى‬
‫حربه وإسقاط الخلفة عنه وأنه نزل ) مسكن(‪ ,‬فجهز الحسن جيشا مسسن أهسسل الكوفسسة‬
‫وتوجه به إلى لقاء معاوية‪ .‬ولكنهم انخذلوا عنه كما تفرقوا عن أخيه وأبيسسه مسسن قبسسل ‪-‬‬
‫وما يزال هذا دأب الشيعة إلى يومنا هذا ‪ -‬وكرهوا القتال وتفرقوا عن الحسن ونهبسسوه‪,‬‬
‫وقيل إنه أصابته منهم طعنة حربة‪ ,‬فلم يجد الحسن جسسدوى فسسي متابعسسة الحسسرب بمثسسل‬
‫أولئك ‪ ,‬وأرسل إلى معاوية كتابا يعلن فيه رغبته في مصالحته والتنازل له عن الخلفسسة‬
‫لقاء شروط ‪ ,‬فأرسل معاوية إليه صحيفة بيضاء مختومة بخاتمه ليملسسي فيهسسا مسسا يشسساء‬
‫من شروط‪ ,‬فأملى فيها الحسن رضي الله عنه شروطه‪ ,‬وقسسدمها إلسسى معاويسسة فتقبلهسسا‬
‫وعاد مع الحسن إلسسى الكوفسسة ‪ .‬وفسسي مسسسجدها أعلسسن الحسسسن تنسسازله لمعاويسسة وبسسايعه‬
‫الناس‪ ,‬وسمي ذلك العام عام الجماعة لجتمسساع المسسسلمين علسسى خليفسسة واحسسد‪ .‬وعسساد‬
‫الحسن بعد ذلك إلى المدينة‪ ,‬ثم توفي رضي الله عنه في المدينة سسسنة ‪50‬هس س ‪ .‬بعسسد‬
‫أن تحققت فيه نبوءة جده صلى الله عليه وسلم عندما قسسال ‪ ) :‬إن ابني هــذا ســيد‬
‫ولعل الله يصلح به بين طائفتين من المسلمين ( ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 231 [ ‬‬

‫الفتوحات السلمية في عهد الخلفاء الراشدين ‪:‬‬ ‫•‬


‫بعد أن أخمد أبو بكر عصيان المرتدين وعم السلم الجزيرة العربيسسة ‪ ,‬قسسام بتنفيسسذ‬
‫السياسة التي قررها الرسول صلى الله عليه وسلم في نشر السسلم خسارج الجزيسرة‪,‬‬
‫فوجه القوى السلمية إلى الجهاد في جبهسستين‪ :‬جبهسسة العسسراق بقيسسادة خالسسد بسسن الوليسسد‬
‫وجبهة الشام بقيادة أبي عبيدة ابن الجراح ومعه يزيد ابن أبي سفيان وأخوه معاويسسة و‬
‫شرحبيل بن حسنة وعمرو بن العاص‪ .‬وفي العراق تم فتسسح القسسسم الجنسسوبي منسسه‪ ,‬ثسسم‬
‫أمر أبو بكر خالد بن الوليد أن يتوجه إلى الشام مع قسم من جيش العراق مسسددا لبسسي‬
‫عبيدة ابن الجراح وتم فتح الشام بعد وقعة اليرموك سنة ‪13‬هس وقبيسسل وفسساة أبسسي بكسسر‬
‫رضي الله عنهم أجمعين ‪.‬‬
‫وفي عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ‪23 - 13 ),‬هس( غزا معاوية الروم حتى‬
‫بلغ )عمورية( وسط ) تركيسسا الحاليسسة ( وفتحسست الجزيسسرة وأرمينيسسة وأذربيجسسان‪ ,‬وطسسرق‬
‫المسلمون باب البواب على بحر الخزر ) قزوين( علسسى يسسد عيسساض بسسن غنسسم ‪ .‬وفتحسست‬
‫مصر على يد عمرو بن العاص ‪ .‬وامتد الفتح السلمي علسسى القسساليم السسساحلية الليبيسسة‬
‫)طرابلس وبرقة(‪.‬‬
‫وفي العراق تولى قيادة الجيش السلمي سعد بن أبي وقاص ‪ ,‬وتم على يده فتسسح‬
‫ما تبقى من العراق بعد وقعة القادسية ) سنة ‪14‬هس( وفيها هزم جيسسش الفسسرس وقتسسل‬
‫قادته‪ ,‬واجتاز المسلمون حدود بلد إيران ففتحوا خراسان والهواز وإقليم فارس وامتد‬
‫الفتسسح جنوبسسا حسستى مكسسران ) بلوشسسستان (إلسسى حسسدود السسسند وشسسرقا إلسسى سجسسستان‬
‫) أفغانستان (‪.‬‬
‫‪35 -‬هس( أعيد فتح خراسسان وأرمينيسسة وأذربيجسان بعسسد‬ ‫وفي خلفة عثمان ) ‪23‬‬
‫انتقاضها‪ ,‬وفتحت الري و همذان و طبرستان و جرجان واكتمسسل فتسسح إيسسران‪ .‬وفسسي بلد‬
‫الشسسام لسسم يبسسق بعسسد وقعسسة اليرمسسوك إل حاميسسات بيزنطيسسة فسسي بعسسض مسسدن فلسسسطين‬
‫والساحل ‪ ,‬فأتم فتحها معاوية ابن أبي سفيان‪ ,‬وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ‪,‬‬
‫وله على الشام بعد وفاة أخيه زيد بطاعون عمواس سنة ‪18‬هس‪.‬‬
‫وعلى جبهة الروم أنشأ معاوية نظام الصوائف و الشواتي لمتابعة غزو الروم‪ .‬وفي‬
‫سنة ‪27‬هس بلغ القسطنطينية وحاصرها‪ ,‬وأنشأ في عكا دارا لصناعة السسسفن‪ ,‬وفيهسسا تسسم‬
‫أول أسطول إسلمي وكان باكورة عمله الستيلء علسسى جزيرتسسي قسسبرص و أرواد‪ ,‬وبسسه‬
‫أبيد السطول البيزنطي في وقعة ) ذات السواري ( سنة ‪34‬هسسس‪ ,‬وأصسسبح شسسرق البحسسر‬
‫المتوسط بعدها بحرا إسلميا‪ .‬وفي مصر امتد الفتح السلمي نحو إفريقية بقيادة عبسسد‬
‫الله بن سعد بسن أبسي سسسرح السسذي وله عثمسسان بعسسد عزلسسه عمسسرو بسن العساص وانتصسسر‬
‫المسلمون على جيش الروم‪ ,‬وكان بقيادة )جرجيسسر ‪ (gregarious‬وتسسم السسستيلء علسسى‬
‫) سبيطلة ( التي اتخذها عاصمة له‪ ,‬وفتحت بعد هذه المعركة أبواب المغرب‪.‬‬
‫وفي عهد علي ابن أبي طالب تسسوقفت الفتوحسسات‪ ,‬مسسا خل توغسسل جسسرى فسسي جبهسسة‬
‫السند ‪ ,‬وذلك بسبب الفتن التي ثارت في عهده وانتهت بقتله رضي الله عنه ‪.‬‬

‫*************‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 232 [ ‬‬

‫الدولة السلمية في عهد الخلفة الموية) ‪132-41‬هس (‬


‫بتنازل الحسن بن علي رضي الله عنه عن الخلفة إلى معاويسسة ابسسن أبسسي سسسفيان ‪,‬‬
‫انتقلت الخلفة إلى بني أميسسة‪ .‬وانتهسست بسسذلك الخلفسسة الراشسسدة ‪ ,‬وابتسسدأ عصسسر الملسسك‬
‫العضوض في تاريخ السلم والمسلمين ‪.‬‬
‫وقد انطوى العهد الموي على فترتين‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الفترة السفيانية ‪ :‬وهي الفترة التي تولى الخلفسسة فيهسسا معاويسسة ابسسن أبسسي‬
‫سفيان وابنه يزيد بن معاويسسة وحفيسسده معاويسسة بسسن يزيسسد وقسسد امتسسدت ‪ 23‬سسسنة )‪- 41‬‬
‫‪46‬هس(‪.‬‬
‫ب‪ -‬الفترة المروانية ‪ :‬وهسسي الفسسترة السستي انتقلسست فيهسسا الخلفسسة إلسسى الفسسرع‬
‫المرواني من بني أمية بتولي ‪ .‬مروان بن الحكم حتى عهد حفيده مروان بن محمد بسسن‬
‫الحكم ‪ ,‬آخر خلفاء بني أمية‪ ,‬ومدتها ‪ 68‬سنة ) ‪132 - 64‬هس(‪.‬‬
‫وفي خلل الفترتين ومدتهما ‪ 91‬سنة وتسعة أشهر توالى أربعة عشسسر خليفسسة كسسان‬
‫أعظمهم شأنا معاوية ابن أبي سفيان رضي الله عنه‪ ,‬وعمر بن عبد العزيز رضسسي اللسسه‬
‫عنه ‪ .‬واتسعت الدولة وتوطدت أركانها في عهد وعبد الملك بسسن مسسروان ‪ ,‬والوليسسد بسسن‬
‫عبد الملك ‪ ,‬وأخوه هشام بن عبد الملك ‪ .‬وكانت مدة خلفتهم )‪ 71‬سنة( مسسن أصسسل )‬
‫‪ 91‬سنة( فالدولة المويسسة كسسانت دولتهسسم‪ ,‬وفسسي عهسسدهم امتسسدت رقعتهسسا مسسن المحيسسط‬
‫الطلسي إلى حدود الصين‪ ,‬ثم أخذت شمس الخلفة الموية بالغروب‪ ,‬بما شسسب فيهسسا‬
‫من ثورات أضرمها الصراع على الخلفة والنقضاض على الحكسم ‪ ,‬وثسورات الخسوارج ‪,‬‬
‫وحروب أهلية أثارتها العصبية القبلية بين المضرية واليمنية‪.‬‬
‫وقد ترتب على انتقال الخلفة إلى بني أمية النتائج التالية ‪:‬‬
‫‪ -‬في المجال السياسي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬تحول الخلفة إلى ملك موروث ‪ ,‬ينتقل بعهد مسسن الخليفسسة السسسابق إلسسى‬
‫ابنه أو إلى اثنين أو أكثر من أولده بالترتيب ‪ ,‬كما فعل عبد الملك بن مروان حين عهد‬
‫بالخلفة إلى ولسسديه الوليسسد وسسسليمان ‪ ,‬إذ تبسسدلت صسسيغة البيعسسة ‪ ,‬فبعسسد أن كسسانت بيعسسة‬
‫الخليفة في عهد الخلفاء الراشدين تقوم على مبايعته على الشسسورى ‪ ,‬والعمسسل بكتسساب‬
‫الله وسنة رسوله ‪ ,‬وتؤخذ ممن حضر المبايعة من أهل الحل والعقد من كبار الصسسحابة‬
‫وأولى الحلم والنهى في المدينسسة ‪ .‬أصسسبحت تؤخسسذ مسسن الرعيسسة بحضسسور الخليفسسة فسسي‬
‫عاصمة الدولة ) دمشق ( وبحضور كبار عماله في الوليات‪ .‬وكان الخليفة يأخذ البيعة‬
‫لمن يعهد بالخلفة من أولده من بعده ‪ ,‬وإذا ما رفض أحد البيعة‪ ,‬فكانت تؤخسسذ بسسالقهر‬
‫والغلبة‪.‬‬
‫ب – إنتقال عاصمة الدولة السلمية إلى دمشق بعد أن كانت في العسسراق‬
‫– الكوفة – زمن علي رضي الله عنه ‪ ,‬وفي المدينة المنورة قبل ذلك ‪.‬‬
‫ج‪ -‬انتقال سلطة الحكم إلى بني أمية ‪ ,‬وقد تجمعت عصسسبيتهم فسسي الشسسام‬
‫منذ الفتح السلمي والتقست مسع قبيلسسة كلسب اليمانيسة المتوطنسة هنساك قبسسل السسلم ‪,‬‬
‫وبذلك ارتبطت القبائل الكلبية مع بني أمية برابطة المصاهرة وشكلت الثقل السياسي‬
‫الذي دعم الدولة الموية حتى أواخر عهدها‪.‬‬
‫د‪ -‬نشوء عهد من الستقرار السياسي في الدولة الســلمية أتسساح لهسسا‬
‫هضم الفتوحات التي تمت في عهد الخلفاء الراشدين‪ .‬والضافة عليها ‪ ,‬واتساع الدولة‬
‫السلمية إلى أوج مساحتها التي امتدت من حدود الصين شرقا إلى الندلس ومراكش‬
‫غربا ‪ ,‬ومن بلد القفقاس شمال إلى بحر العرب وبلد النوبة جنوبا ‪ ..‬وانتظام كسسل هسسذه‬
‫الرقعة في إطار الحكم السلمي ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 233 [ ‬‬

‫هـ ‪ -‬أصبح نظام الخلفة أشــبه شــيء بالنظــام الملكــي أو القيصــري‪,‬‬


‫ومن ثم زادت الصفة الزمنية في الخلفة على الصفة الدينية وابتدأ ما أخبر بسسه رسسسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم من أن السلطان والقرآن سسسيفترقان ‪ ..‬كمسسا أخسسذت الدولسسة‬
‫بالنظام الداري والمالي الذي كان متبعا في الدولتين الفارسية والبيزنطية‪.‬‬

‫‪ -‬في المجال القتصادي ‪:‬‬


‫تحسسولت طسسرق التجسسارة إلسسى مسسواني الشسسام ومصسسر‪ ,‬وخاصسسة بعسسد معركسسة )ذات‬
‫الصواري( سنة ‪34‬هس وتدمير السطول البيزنطي‪.‬‬
‫وأصبحت عواصم بلد السلم الكبرى وفي طليعتهسسا مسسدن الشسسام ومصسسر والعسسراق‬
‫وخراسان وشمال إفريقيا ‪ ,‬والندلس‪ ..‬عواصم الدنيا وزهرتها ‪ ,‬وفسي طليعتهسا عاصسمة‬
‫الخلفة الموية دمشق ‪ .‬حيث ازدهرت التجسسارة ‪ ,‬وسسسارت الركبسسان آمنسسة تربسسط شسسرق‬
‫العالم القديم بغربه من تخوم الصسين وبلد الهنسد والسسند ‪ ,‬إلسى بلد السروم وممسالكهم‬
‫على الشاطئ الخر للبحر البيض المتوسط ‪.‬‬

‫‪ -‬في المجال العلمي ‪:‬‬


‫ازدهرت الحضارة والعلوم في عهسسد الدولسسة المويسسة وبلغسست مسسستوى رفيعسسا ‪ .‬فقسسد‬
‫انتشسسر صسسحابة رسسسول اللسسه صسسلى اللسسه عليسسه وسسسلم فسسي مختلسسف البلد المفتوحسسة‬
‫واستوطنوها ولسيما بلد الشام والعراق ومصسر‪ ,‬وقسد حمسل التسابعون علسوم الصسحابة‬
‫وفقهم وسمتهم ‪ ,‬بعد ذلك إلى فارس وخراسان وإفريقيا الشمالية ‪.‬‬
‫ودون الحديث الشريف في زمن عمر بن عبد العزيسسز رضسسي اللسسه عنسسه ‪ ,‬ونبسسغ فسسي‬
‫طبقة التابعين وتابعي التابعين خلل تلك الفسسترة علمسساء أفسسذاذ حفظسسوا علسسوم الشسسريعة‬
‫ووضعوا الساس العلمي الذي شمخت عليه مناراتها فيما بعد ‪.‬‬
‫ولكن وإلى جانب ذلك شهد تحسسول نظسسام الحكسسم إلسسى الشسسكل الملكسسي الكسسسروي‬
‫القيصري ‪ ,‬أن تظهر ظاهرة علماء السلطين ‪ ,‬وفقهاء القصور ‪ ,‬حتى وجدنا في وثائق‬
‫تاريخ تلك المرحلسة بعسض الئمسة العلم كسأبي حسازم والحسسسن البصسري و الوزاعسي ‪,‬‬
‫يزرون بتلك الظاهرة وأربابها‪ .‬وفي مجسسالت الحضسسارة الخسسرى مسسن العمسسران والعلسسوم‬
‫والفنون ‪ ..‬أدى دخول العرب بلد الحضارات القديمة ‪ ,‬كبلد فارس ‪ ,‬والسسروم ‪ ,‬والسسسند‬
‫والهند ‪..‬وبلد الترك إلى جوار الصين ‪ ,‬إلى هضمهم لخلصة تلك الحضسسارات ومزجهسسا ‪,‬‬
‫وإنتاج نموذج فريد للحضارة ‪ ,‬بقيت إشعاعاته منارة للنسسانية إلسى قسسرون طويلسسة بعسسد‬
‫ذلك ‪..‬‬
‫مدة خلفة الخلفاء المويون وأعمارهم ‪ 750- 661‬م‪:‬‬ ‫•‬

‫معاوية بن أبـي سـفيان رضسسي اللسسه عنسسه ‪ 680 - 661:‬م ‪ ,‬تسسسعة‬ ‫‪.1‬‬
‫عشرة سنة وثمانية أشهسر توفي في رجب سنة ‪60‬هس عن ‪78‬عاما ‪.‬‬
‫يزيد بن معاوية‪ 683 - 680 :‬م‪ ,‬ثلثة سنين وثمانية أشهسر تسسوفي فسسي‬ ‫‪.2‬‬
‫ربيع الول سنة ‪64‬هس عن ‪38‬عاما ‪.‬‬
‫معاوية بن يزيد ‪ 683 -683 :‬م أربعون يوما توفي في سنة ‪64‬هس عن‬ ‫‪.3‬‬
‫‪23‬عاما ‪.‬‬
‫مروان بن الحكم ‪ 685 -683 :‬م سسسنة وعشسسرة أشسسهر و تسسوفي فسسي‬ ‫‪.4‬‬
‫رمضان سنة ‪65‬هس عن ‪71‬عاما ‪.‬‬
‫عبد الملك بن مروان ‪ 705- 685 :‬م إحسسدى وعشسسرون سسسنة تسسوفي‬ ‫‪.5‬‬
‫سنة ‪ 86‬هس عن ‪60‬عاما‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 234 [ ‬‬

‫الوليد بن عبد الملــك ‪ 715 -705 :‬م تسسسع سسسنين وثمانيسسة أشهسسسر‬ ‫‪.6‬‬
‫توفي في جمادى الخرة سنة ‪ 96‬هس عن ‪ 48‬عاما ‪.‬‬
‫سليمان بن عبد الملك ‪ 718 -715 :‬م سنتان وثمانيسسة أشهسسسر تسسوفي‬ ‫‪.7‬‬
‫في سنة ‪99‬هس عن ‪ 45‬عاما‪.‬‬
‫عمرو بن عبد العزيز رضي الله عنه ‪ :‬سنتان وخمسسسة أشهسسسر تسسوفي‬ ‫‪.8‬‬
‫في رجب سنة ‪ 720 718‬م ‪ 101‬هس عن ‪40‬عاما ‪.‬‬
‫يزيد بن عبد الملك بن مروان‪ 724- 720 :‬م ‪ :‬أربع سسسنين وشهسسسر‬ ‫‪.9‬‬
‫توفي في شعبان سنة ‪105‬هس عن ‪ 38‬عاما ‪.‬‬
‫هـشام بن عبد الملك بــن مــروان ‪ 743 -724‬م ‪ :‬تسسسعة عشسسرة‬ ‫‪.10‬‬
‫سنة وسبعة أشهسر توفي في ربيع الخر سنة ‪125‬هس عن ‪ 54‬عاما ‪.‬‬
‫الوليد بن يزيد بن عبد الملك ‪ 744 - 743‬م ‪ :‬سنة وشهسران توفي‬ ‫‪.11‬‬
‫في جمادى الخرة سنة ‪126‬هس عن ‪38‬عاما ‪.‬‬
‫يزيد بن الوليد بن عبد الملك ‪ 744 -744‬م ‪ :‬خمسسسة أشهسسسر تسسوفي‬ ‫‪.12‬‬
‫في ذي الحجة سنة ‪126‬هس عن ‪ 40‬عاما‬
‫‪ :‬سسسبعون يومسسا‬ ‫إبراهـيم بن الوليد بن عبد الملك‪ 744 -744 :‬م‬ ‫‪.13‬‬
‫خلع سنة ‪127‬هسوتوفي في ربيع الخر سنة ‪132‬هس عن ‪60‬عاما ‪.‬‬
‫مروان بن محمد بن مروان بن الحكم ‪ 750 - 744‬م ‪ :‬خمس سنين‬ ‫‪.14‬‬
‫توفي في ذي الحجة سنة ‪132‬هس عن ‪60‬عاما ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 235 [ ‬‬

‫الفتوحات في عهد بني أمية ‪:‬‬ ‫•‬


‫في عهد معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه )‪60 - 41‬هس ( استمرت الفتوحات‬
‫في صعود ‪ ,‬فقد امتدت شرقا إلى ما وراء النهر وفتحت بخسسارى وبلد الصسسغد ‪ .‬وتوغسسل‬
‫المسلمون في إفريقية واستولوا على )قابس( و )بنزرت( و )سوسة( على يسسد معاويسسة‬
‫ابن حديج‪ ,‬أمير إفريقية‪ ,‬ثم فتحت )قفصة( و )قسنطينة( على يد عقبة بن نسسافع‪ .‬وفسسي‬
‫المشرق تم فتح خراسان و سجستان بعد انتقاضهما واستمرت غسسارات الصسسوائف فسسي‬
‫جبهة الروم‪ ,‬وتوالت الغارات البحرية على جزيرتي )صقلية( و )رودوس( تلك الغسسارات‬
‫التي مهدت للستيلء عليهما‪.‬‬
‫وفي عام ‪48‬هس أرسل معاوية حملة استطلعية إلى ضواحي القسسسطنطينية ليختسسبر‬
‫خط الدفاع البيزنطي عن العاصسمة ) القسسطنطينية( ‪ .‬وفسي عسام ‪53‬هسس وجسه معاويسة‬
‫حملة لغزو هذه المدينة بقيادة ابنه يزيد ومعسسه قسسائد البحسسر سسسفيان بسسن عسسوف الزدي ‪,‬‬
‫وضم إليه الصحابي الجليل أبا أيسسوب النصسساري‪ ,‬وعسسادت الحملسسة بعسسد حصسسار دام سسسبع‬
‫سنوات‪ ,‬وفيها توفي أبو أيوب ودفن قرب أسوار القسطنطينية‪.‬‬
‫وفي عهد يزيد بن معاوية )‪64 - 60‬هس( اقتصرت الفتوحات على توغسل عقبسة بسن‬
‫نافع في إفريقية وبلوغه ساحل البحر الطلسي‪ ,‬وغزا المسلمون خسسوارزم مسسن بلد مسسا‬
‫وراء النهر‪ .‬وقد مضى أكثر أيام خلفته في صراع مع الحسين بن علي بسسن أبسسي طسسالب‬
‫رضي الله عنهما والذي انتهى بقتل الحسين‪ ,‬وفي صراع مع عبد اللسسه بسسن الزبيسسر وقسسد‬
‫طلب الخلفة بعد استشهاد الحسين‪.‬‬
‫وفي عهد عبد الملك بسسن مسسروان )‪86 - 64‬هسسس( تسسوقفت الفتوحسسات عنسسد حسسدودها‬
‫السابقة‪ ,‬ما عدا بعض التوسع في بلد ما وراء النهسر ‪ ,‬وكسان سسبب ذلسك اشستغال عبسد‬
‫الملك في صراعه مع ابن الزبير واشتغاله بقمع الثسسورات والفتسسن السستي أثارهسسا الشسسيعة‬
‫والخوارج‪ ,‬وقد أرهقت عبسد الملسك واضسطرته إلسى مصسالحة السروم علسى مسال لوقسف‬
‫هجومهم على الثغور السلمية‪.‬‬
‫وفي عهد الوليد بن عبد الملك )‪96 - 86‬هس( أخذت مسيرة الفتوح في صعود‪ ,‬فقد‬
‫توغل أخوه مسلمة بسن عبسد الملسك فسي أذربيجسان وفتسح عسددا مسن القلع والحصسون‪,‬‬
‫واتسع الفتح فيما وراء النهر على يد قتيبة بن مسلم ففتحسست )بخسسارى( و )سسسمرقند( و‬
‫)بلد الشاش( و )فرغانة( و )كاشان( وامتدت فتوحات قتيبة إلى دلتا نهر جيحون‪.‬‬
‫وفي إفريقية أكمل موسى بن نصير أمير إفريقية‪ ,‬فتح المغسسرب وفسسي سسسنة ‪86‬هس س‬
‫وجه حملة بحرية بقيادة عياش بن آشيل فغزا صقلية وعاد منها بغنسسائم‪ ,‬وجهسسز موسسسى‬
‫جيشا بقيادة موله طارق بن زياد فاجتاز البحر إلى الندلس سسسنة ‪93‬هسس وانتصسسر علسسى‬
‫ملك القوط )رودريق( في معركة جرت في )شذونة(‪ ,‬ثسسم لحسسق بسسه موسسسى بسسن نصسسير‬
‫واشترك معه في فتح بعض القاليم السسسبانية‪ .,‬وفسسي الهنسسد توغسسل محمسسد بسسن القاسسسم‬
‫الثقفي فيها وفتح كثيرا من قلعها ومدنها‪.‬‬
‫وفي عهد سليمان بن عبد الملك )‪99 - 96‬هس( اجتاز قتيبة بن مسلم حدود الصين‬
‫وفتح مدينة )كاشغر(‪ .‬وفي الندلس توغل عبد العزيز بن موسى‪- ,‬وكان قد خلسسف أبسساه‬
‫في إمارة الندلس‪ -‬في أسبانيا‪ ,‬وفتح عددا من أقاليمها‪ ,‬وفتسح يزيسد بسن المهلسب أميسر‬
‫خراسان جرجان و قهستان و طبرستان‪ .‬وجهز سليمان حملسسة بحريسة بقيسسادة عمسسر بسسن‬
‫هبيرة‪ ,‬وأخرى برية بقيادة أخيسسه مسسسلمة‪ ,‬فحاصسسرت القسسسطنطينية مسسن السسبر والبحسسر‪,‬‬
‫وعادت بأمر من عمر بن عبد العزيز بعد توليه الخلفة‪.‬‬
‫وفي عهد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ‪101 - 99) ,‬هسسس( اجتسساز المسسسلمون‬
‫جبال )البرتسسات ‪ -‬السسبيرينيه( إلسسى بلد الغسسال )فرنسسسا( بقيسسادة السسسمح بسسن مالسسك‪ ،‬أميسسر‬
‫الندلس‪ ,‬واستولوا على )أربونة ‪ -‬ناربون( و )طولوشة ‪ -‬تولوز(‪ ,‬ولسسم تتسسع الفتوحسسات‬
‫في عهد عمر إلى أبعد من ذلك لقصر مدة خلفته‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 236 [ ‬‬

‫وفي عهد يزيد بن عبد الملك )‪105 - 101‬هس( توغسسل المسسسلمون فسسي بلد الغسسال‬
‫) فرنسا ( بقيادة عنبسة بن سحيم أمير النسسدلس‪ ,‬حسستى بلسسغ أعلسسى نهسسر السسرون وقسسام‬
‫السطول السلمي في المغرب بغارات على جزيرة صقلية وجزيرة سردينية‪.‬‬
‫وفي خلفة هشسام بسن عبسسد الملسسك )‪125 - 105‬هسس( صسعدت مسسيرة الفتوحسات‬
‫السلمية إلى أبعد غاياتها وبلغت الوج‪ .‬فقسسد غسسزا أسسسد بسسن عبسسد اللسسه القسسسري‪ ,‬أميسسر‬
‫خراسان ما وراء النهر بلد الصغد والترك‪ .‬وغزا الحجاج بن عبد الملسسك بسسن مسسروان بلد‬
‫الخزر وأرمينية وبلد اللن وفرض عليها الجزية‪ ,‬وتابع الجراح الحكمي أمير أرمينية غزو‬
‫بلد الخزر‪ ,‬ولما استشهد سنة ‪112‬هس خلفه في المارة مروان بن محمسسد فغسسزا أقسساليم‬
‫بحر الخزر ) قزوين ( ووطد الحكم السلمي فيها‪.‬‬
‫وفي بلد السند توغل الجنيد بن عبد الرحمن المري فيها وفتح عددا من بلدانها‪ ,‬ثم‬
‫توقف الفتح حتى أيام الغزنويين في أواخسسر القسسرن الرابسسع والقسسرن الخسسامس الهجسسري‪.‬‬
‫وفي بلد الغال غزا عبد الرحمن الغافقي‪ ،‬أمير الندلس‪ ,‬جنوبها الغربي واستولى على‬
‫مدينة )بوردو( ثم صعد شمال والتقى مع )شار مارتل( بين مدينتي )تور( و )بواتيه( في‬
‫معركة ضارية جرت سنة )‪114‬هس ‪732 -‬م( استشهد فيها عبسد الرحمسن وهسزم جيشسه‪,‬‬
‫بسبب انشسسغال الجنسسد بحمايسسة الغنسسائم السستي كسسانوا غنموهسسا‪ ,‬واستشسسهد معسسه فسسي تلسسك‬
‫المعركة كثير من المسلمين‪ ,‬حتى أطلق على تلك المعركة ) بلط الشهداء (‪.‬‬
‫وخلف عبد الرحمن في إمارة الندلس عبد الملك بن قطن ‪ ,‬فغزا بلد )البشسسكنس‬
‫‪ -‬الباسك(‪ .‬وفي إفريقية وجه عبيد الله بن الحبحاب أمير إفريقية‪ ,‬جيشا بقيسسادة حسسبيب‬
‫بن أبي عبيدة الفهري ففتح بلد السوس وغزا أرض السودان )السنيغال(‪ ,‬وفسسي البحسسر‬
‫المتوسط غزا السطول السسسلمي‪ ,‬بقيسسادة حسسسان بسسن محمسسد بسسن أبسسي بكسسر جزيرتسسي‬
‫)ساردينية( و )كورسيكا(‪ ,‬وتوجه أسطول آخر بقيادة حبيب بن أبي عبيدة الفهري ومعه‬
‫ابنه عبد الرحمن‪ ,‬فغزا جزيرة )صقلية( سنة ‪122‬هسس والتحسسم مسسع السسسطول السسبيزنطي‬
‫في معركة هزم فيها هذا السطول‪ ,‬وكان فسسي نيسسة حسسبيب أن يمضسسي فسسي الفتسسح حسستى‬
‫يستولي على الجزيرة كلها‪ ,‬غير أن ثورة البربر بزعامة ميسرة المدغري اضطرته إلسسى‬
‫العودة‪ .‬وفي جبهة السسروم اسسستمرت غسسزوات الصسسوائف و الشسسواتي‪ ,‬كشسسأنها فسسي عهسسد‬
‫الخلفاء السابقين‪.‬‬
‫وبوفاة هشام بن عبد الملك تنتهي المرحلة المروانية الولسسى‪ ,‬وفيهسسا امتسسدت رقعسسة‬
‫الدولة السلمية من أسبانيا والبحر الطلسي والمغرب القصسسى إلسسى حسسدود بلد الهنسسد‬
‫والصين‪ ,‬ومن بحر الخزر وأرمينية إلى المحيط الهنسسدي‪ .‬وقسسد اعتسسبر الخلفسساء المويسسون‬
‫حدود البلد المفتوحة بدايات لفتوحسسات مسسستمرة ل تنتهسسي عنسسد حسسدود‪ ,‬مسسا دام الجهسساد‬
‫مفروضا على المسلمين لنشر رسسسالة السسسلم‪ ,‬ومسسا دامسست الغنسسائم تسسدفع المجاهسسدين‬
‫لمتابعة الجهاد‪.‬‬
‫وبعد هشام بن عبد الملك تبدأ المرحلة الثانية والخيرة من الفترة المروانية‪ ,‬وفيها‬
‫توقفت الفتوحات‪ .‬وقد تولى الحكم أربعسسة خلفسساء‪ ,‬كسسانت مسسدة خلفتهسسم سسست سسسنوات‬
‫وهم‪ :‬الوليد بن يزيد بن عبد الملك ويزيد بن الوليد بن عبسسد الملسسك‪ ,‬وأخسسوه إبراهيسسم‪ ,‬و‬
‫مروان بن محمد بن مسروان بسن الحكسم‪ .‬ولسسم تتجسساوز مسدة خلفسة الثلثسة الول بضسعة‬
‫أشهر‪ ,‬وشغلت خلفة الخير المدة الباقية )‪132 - 127‬هس(‪ ,‬وقد أمضاها في قمع الفتن‬
‫والثورات الداخلية التي أحاطت به من كل جانب‪ ,‬ولم يتمكن‪ ,‬على ما أوتسسي مسسن صسسبر‬
‫وشجاعة وإقدام من كبحها‪ ,‬وانتهى مصيره بقتله بيد العباسيين‪ ,‬وبه ختمت حياة الدولة‬
‫الموية‪ ,‬وانطوت رايتها التي انتشرت في ظلها راية السلم‪ ,‬في تلك الرقعة الواسسسعة‬
‫من الرض ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 237 [ ‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 238 [ ‬‬

‫أسباب سقوط الدولة الموية ‪:‬‬ ‫•‬


‫أول ‪ :‬صراعات القصور على السلطة و جعل ولية العهد لكثر من واحد ومسسا‬
‫ولد هذا المر من صراع على الملك ‪ ,‬أضعف الحكومة المركزية ‪ ,‬وأطمع فيها الثائرين‬
‫عليها ‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أثر العصبية القبلية في الصراع على الملك ‪.‬‬
‫ظهر أثر هذه العصبية بعد وفاة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان وتخلي ابنسسه معاويسسة‬
‫)الثاني( عن الخلفة ‪ ,‬فقد نصرت قبيلة كلب اليمانيسسة مسسروان بسسن الحكسسم حيسسن رشسسح‬
‫نفسه للخلفة‪ ,‬وقاتلت معه الضحاك بسن قيسس الفهسري‪ ,‬زعيسم القيسسية فسي الشسام ‪,‬‬
‫وكان يدعو لعبد الله بن الزبير‪ .‬وانتصر مسسروان فسسي وقعسسة )مسسرج راهسسط( سسسنة ‪64‬هسس‬
‫بسواعد الكلبيين‪ ,‬وقتل الضحاك بن قيس فسسي الموقعسسة وهسسزم القيسسسية‪ ,‬ومسسن بعسسدها‬
‫تأصلت العداوة بين اليمانية و القيسية )المضرية(‪ ,‬وظل اليمانية حلفاء بني أميسسة حسستى‬
‫خلفة الوليد بن يزيد بن عبد الملك حين ثار عليه يزيد بن المهلب بن أبي صفرة زعيسسم‬
‫اليمانية‪.‬‬
‫وقد سرت العصبية القبلية بين اليمانية و القيسسسية إلسسى النسسدلس وخراسسسان‪ .‬وقسسد‬
‫انضم اليمانية إلى المعارضة في النهاية ‪ ,‬ومالوا مع أبي مسسسلم الخراسسساني ضسسد نصسسر‬
‫بسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسن سسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسيار ‪.‬‬
‫وقد أفاد أبو مسلم‪ ,‬القائم بالدعوة العباسية‪ ,‬مسسن هسسذا الصسسراع القبلسسي‪ ,‬السسذي أضسسعف‬
‫الحكم الموي في مقاومة الدعوة العباسية وكان من أسباب انتصارها‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬بذخ الخلفاء والمراء وإسرافهم ‪:‬‬
‫لما آلت الخلفة إلى بني أمية وتحولت إلى ملك موروث‪ ,‬برزت مظاهر الملك فسسي‬
‫البذخ لدعم ملكهم واكتسسساب السسولء‪ .‬وقسسد أفاضسسوا عطايسساهم علسسى الشسسعراء‪ ,‬لتنطلسسق‬
‫لهواتهم بمدحهم ونشر مآثرهم والدفاع عنهم‪ ,‬والشعراء يومئذ وسيلة الدعاية والعلم‪.‬‬
‫واتبعوا سياسة البذخ والنفاق‪ ,‬واتخذوا أبهة الملك في مظهرهم وملبسهم ومجالسهم‪.‬‬
‫وقد مال بعضهم إلى حياة اللهو والمجسسون‪ ,‬ومنهسسم مسسن أسسسرف ورويسست عنسسه حكايسسات‬
‫وأخبار تخرج عن نطاق الدين والخلق‪.‬‬
‫ومن المؤرخين من يطعن في صحة هذه الحكايات ‪ ,‬لما فسسي بعضسسها مسسن الغسسراق‬
‫في المبالغة‪ ,‬ويرى أنها وضعت في العصسسر العباسسسي الول للتشسسهير ببنسسي أميسسة‪ ,‬تتمسسة‬
‫لحملة التنكيل بأحيائهم وأمواتهم بعد سقوط دولتهم‪ .‬ولكسسن الثسسابت أن تحسسول الخلفسسة‬
‫إلى ملك منذ ذلك العهد ‪ ,‬أدخل على نظام الحكم كل لوازم فساد الملوك ومسسا تحتسسويه‬
‫قصورهم ‪.‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬جور العمال وظلمهم ‪:‬‬
‫واجه المويون ثورات وفتن كثيرة ‪ .‬وقد كلفت الدولة نفقات باهظة‪ ,‬وقضي فيهسسا‬
‫آلف القتلى والشهداء‪ .‬وكان موطن هذه الفتن والثورات العراق والجزيسسرة وخراسسسان‬
‫ثم انتقلت إلى أفريقية‪ .‬وقد اختار خلفاء بني أمية ولة لهذه القاليم مسن أشسد الرجسال‬
‫قسوة ‪ .‬وكان منهم زياد بسسن أبيسسه ‪ ,‬وابنسسه عبيسسد اللسسه بسسن زيسساد ‪ ,‬والحجسساج ابسسن يوسسسف‬
‫الثقفي‪ ,‬وابن أخيه عمر بن يوسف الثقفي ‪..‬‬
‫وقد منحهم الخلفاء السلطة المطلقة لقمع هذه الثسسورات والفتسسن وفسسرض الطاعسسة‬
‫بالقوة‪ ,‬فكانوا هم ومن كانوا يولونه من العمسسال فسسي وليسساتهم ينكلسسون بمسسن يقسسع فسسي‬
‫قبضستهم مسن الثسائرين و العصساة‪ .‬وكسان مسن وجسوه الظلسم القتسل بالشسبهة ومصسادرة‬
‫الموال‪.‬‬
‫خامسا ‪ :‬الخلل بمبدأ المساواة بين العرب والموالي ‪:‬‬ ‫ً‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 239 [ ‬‬

‫كان مبدأ المساواة الذي أعلنه السلم الدافع القوي لقبال شعوب البلد المفتوحة‬
‫على الدخول في الدين الجديد‪ ,‬وقد قسسام بينهسسم وبيسسن المسسسلمين ولء متبسسادل فعرفسسوا‬
‫باسم ) الموالي (‪ ,‬وقد ضمن لهم مبدأ التساوي مع العرب‪ ,‬ما ورد في القرآن الكريم‪,‬‬
‫وما روي من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬وقد طبق هسسذا المبسسدأ فسسي عهسسد‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم وعهسسد الخلفسساء الراشسسدين‪ ,‬فلسسم يكسسن هنسساك تمييسسز بيسسن‬
‫صهيب الرومي وسلمان الفارسي و بلل الحبشسسي‪ ,‬وبيسسن أي مسسسلم عربسسي‪ ,‬مهمسسا عل‬
‫نسبه‪.‬‬
‫‪ .‬ولما تولى الخلفة بنو أمية‪ ,‬نقضوا هذا المبدأ وتعصبوا للعسسرب ووضسسعوا المسسوالي‬
‫في درجة أدنى في الحقوق والواجبسسات وكسسان يعهسسد إليهسسم بالعمسسال السسدنيا‪ ,‬أمسسا العليسسا‬
‫فللعرب‪.‬‬
‫ولما كثرت نفقات الدولسسة بسسسبب الحسسروب وقمسسع الثسسورات والفتسسن‪ ,‬فسسرض عمسسال‬
‫القاليم الجزية على من أسلم من الموالي‪ ,‬كما فرضوا الخراج علسسى أراضسسيهم‪ ,‬خلفسسا‬
‫لحكام السلم‪ ,‬التي قضت بإعفاء من أسلم من الموالي مسسن الجزيسسة‪ ,‬وألزمتسسه بسسدفع‬
‫العشر بدل من الخراج‪.‬‬
‫وقد أدى التمييز بين العرب والموالي إلى التحاق الموالي بسسأحزاب المعارضسسة مسسن‬
‫علويسسة وخسسوارج‪ ,‬ودعسسم ثسسوراتهم علسسى الحكسسم المسسوي ‪ ,‬كمسسا أدى إلسسى ظهسسور فكسسرة‬
‫الشعوبية‪ ,‬وهي إحيسساء المسسوالي‪ ,‬وخاصسسة الفسسرس‪ ,‬لقسسوميتهم وتقاليسسدهم والتفسساخر بهسسا‬
‫والحط من شأن العرب‪.‬‬
‫تلك هي السباب التي أدت إلى سقوط دولة بني أمية‪ ,‬يضاف إليها الدعوة السرية‬
‫التي اختطها بنو العباس ووجهوا دعاتهم لنشرها في العسسراق وخراسسسان‪ ,‬وانضسسم إليهسسم‬
‫العلويون وشيعتهم ومعهم الموالي وتوحدت صفوفهم في مقاومة الحكم الموي ‪.‬‬
‫وقد أورد المسعودي ما قاله شيخ من شيوخ بني أمية في أسباب سقوط دولتهم‪:‬‬
‫) لقد شغلنا بلذاتنا عن تفقد ما كسان تفقسسده يلزمنسسا‪ ,‬فظلمنسا رعيتنسسا‪ ,‬فيئسسسوا مسن‬
‫إنصافنا وتمنوا الراحة منا‪ ,‬و تحومسسل علسسى أهسسل خراجنسسا فتخلسسوا عنسسا وخربسست ضسسياعنا‪,‬‬
‫فخلت بيوت أموالنا‪ ,‬ووثقنا بوزرائنا فآثروا مرافقهم على مرافقنا‪ ,‬وأمضوا أمورا دوننا‪,‬‬
‫وأخفوا علمها عنا‪ ,‬وتأخر عطاء جندنا‪ ,‬فزالت طاعتهم لنا واستدعاهم أعادينا فتضافروا‬
‫معهم على حربنا‪ ,‬وطلبنا أعداؤنا فعجزنا عنهم لقلة أنصارنا‪ ,‬وكسسان اسسستتار الخبسسار عنسسا‬
‫من أوكد أسباب زوال ملكنا (‪.‬‬
‫ويضيف المسسسعودي علسسى هسسذه السسسباب إثسسارة روح العصسسبية القبليسسة بيسسن اليمنيسسة‬
‫والقيسية )عرب الشمال والجنوب(‪ ,‬وافتخار كل منهما على الخرى وادعاؤهسسا بمسسا لهسسا‬
‫من المناقب‪ ,‬فنتج عن ذلك تعصب القيسية لمروان بسن محمسسد وانحسسراف اليمنيسسة عنسسه‬
‫إلى الدعوة العباسية‪ ,‬وانتهى المر إلى انتقال الدولة عن بني أمية إلى بني هاشم‪.‬‬
‫وقد تخلل دولة بنـي أميـة محاولـة للصـلح قـام بهـا أميـر المـؤمنين‬
‫وم في خلفته ما‬ ‫الراشد عمر بن عبد العزيز ؛ فقد أراد عمر بن عبد العزيز أن يق ّ‬
‫اختل من سياسة أسلفه‪ ,‬وما ساء من سلوكهم‪ ,‬وأن يتأسسسى بسياسسسة جسسده عمسسر بسسن‬
‫الخطاب رضي الله عنهما ‪ ,‬فألزم رجال الدولسسة بالتقشسسف واسسستبدل بعمسسال الوليسسات‬
‫عمال اختارهم من أهل التقوى والمانة والعلم و الشرع‪ ,‬ورد جميسسع مسسا اغتصسسبه السسولة‬
‫وأصحاب النفوذ من أموال إلى بيت المال إن كانت من أمسوال الدولسة‪ ,‬وإلسى أصسحابها‬
‫إن كانت من أموال الفراد‪,‬‬
‫وتألف قلوب العلويين ومنع سسسب علسسي بسسن أبسسي طسسالب رضسسي اللسسه عنسسه ‪ .‬وأخسسذ‬
‫الخوارج بالمناظرة وحجهم فيها ‪ .‬وأصلح السياسة الضسسرائبية فمنسسع أخسسذ الجزيسسة السستي‬
‫كان يأخذها عمال الوليات من أهلها بعد إسلمهم‪ ,‬ومنع فرض الخراج على أراضي من‬
‫أسلم منهم‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 240 [ ‬‬

‫ولما قيل لعمر إن هذا الصلح يضر بموارد الدولة‪ ,‬أجاب ‪ ) :‬إن الله أرسل محمسسدا‬
‫صلى الله عليه وسلم هاديا ولم يرسسسله جابيسسا (‪ .‬وقسسد أجسسرى إصسسلحات إداريسسة وماليسسة‬
‫أخرى لم يكتمل تنفيذها لقصر مدة خلفته وهي سنتان ونيف ‪ ,‬وقد رفعته تقواه وورعه‬
‫إلى مرتبة سامية‪ ,‬وعده كثير من السسسلف ‪ ,‬خسامس الخلفساء الراشسدين وقيسل إن بنسسي‬
‫أمية دسوا له السم لنتزاعه منهم كثيرا مما اغتصبوه ‪ ,‬وأنه هم أن يعيسسد المسسر شسسورى‬
‫بين المسلمين‪.‬‬

‫‪.‬تقييم عهد بني أمية ‪:‬‬ ‫•‬


‫مهما قيل في السباب التي أدت إلى سقوط الدولسسة المويسسة‪ ,‬فل ينكسسر أنهسسا كسسانت‬
‫أول دولة عالمية للسلم‪ ,‬وأنها هي التي نشرته في الرقعة الواسسعة مسن العسالم الستي‬
‫تمتد من ساحل البحر الطلسي إلى حسسدود الهنسسد والصسسين‪ ,‬ومسسن البحسسر السسسود وبحسسر‬
‫الخزر )قزوين( إلى المحيط الهندي‪ ,‬وأنهسسا كسسانت أقسسوى‪ ,‬دول السسسلم‪ ,‬وكسسان عصسسرها‬
‫بفضل العرب والمسلمين‪ ,‬أكثر العصور السلمية قدرة على الجهاد‪ ,‬وقوة في الكفاح‪,‬‬
‫وأشدها نشاطا وحيوية‪.‬‬
‫وفي عهدها تلقى العرب‪ ,‬في البلد المفتوحة‪ ,‬مع شسسعوب أخسسرى كسسانت تتقسسدمهم‬
‫في الحضارة وتفوقهم في المعرفة‪ ,‬فتأثروا بثقافاتهم وتقاليدهم ونظمهم‪ ,‬واسسستطاعوا‬
‫أن يتمثلوها وأن يضفوا عليها روحا إسلمية‪.‬‬
‫واتسمت الحياة العلمية بتدوين الحديث والتفسير و المغازي والخبار‪ ,‬كما اتسمت‬
‫بنمو الفقه واستيعاب تطبيقاته لحاجسسات الحيسساة المتطسسورة‪ .‬واتسسسمت الحيسساة الثقافيسسة‬
‫بدراسة المذاهب الفلسفية واللهوتية ومناظرة أصحابها‪.‬‬
‫كذلك اتسمت الحياة الثقافية بالخذ بعلوم اليونان في الطب والكيمياء‪ ,‬وكان خالد‬
‫بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان أول من اهتم بنقل تلك العلسسوم إلسسى اللغسسة العربيسسة‪.‬‬
‫واتسمت الحياة القتصادية بنشاط التجارة واتساعها‪ ,‬وخاصة بعد أن سيطر السسسطول‬
‫الحربي على شرقي البحر المتوسط‪ ,‬فسسي أعقسساب المعركسسة الحربيسسة المعروفسسة بسسذات‬
‫السواري سنة ‪34‬هس وبسط سيادة الدولة السلمية عليها‪ ,‬واتسسسع نشسساط التجسسارة بعسسد‬
‫فتح إفريقية والندلس‪ ,‬فكانت السفن التجارية تمخسسر فسسي البحسسر وتسسسعى بيسسن مسسواني‬
‫بيزنطسسة وإيطاليسسا وصسسقلية وكريسست و رودوس وقسسبرص‪ ,‬تتجسسر معهسسا‪ ,‬علسسى الرغسسم مسسن‬
‫استمرار الغزوات البحرية التي كانت تشنها على تلك البلد‪.‬‬
‫كسسذلك نشسسطت التجسسارة البريسسة‪ ,‬فكسسانت القوافسسل تعسسبر الطسسرق البريسسة إلسسى الهنسسد‬
‫والصين‪ ,‬وتسلك بلد إيران ومسسا وراء النهسسر إلسى سسسمرقند بخسسارى وبلد الخسسزر وتحمسسل‬
‫تجارتها من تلك البلد وإليها‪ .‬واتسمت الحياة الزراعية بتوفير اليدي العاملسسة المجلوبسسة‬
‫من إفريقية لستصلح أراضي السواد جنوبي العراق‪.‬‬
‫واتسمت الحياة العمرانية ببناء المساجد الفخمة والقصور الشاهقة والمستشفيات‬
‫)البيمارستانات( وببناء المدن ودور الصناعة المعسسدة لبنسساء السسسفن التجاريسسة والحربيسسة‪.‬‬
‫ففي عهد معاوية بن أبي سفيان بنيت مدينة القيروان بناها عقبة بسسن نسسافع سسسنة ‪50‬هس س‬
‫وفي عهده بنيت دار الصناعة في عكا ‪.‬‬
‫وفي عهد عبد الملك بن مروان بنيت قبة الصخرة في القدس وبدئ ببناء المسسسجد‬
‫القصى‪ ,‬وأعيد بناء الكعبة والحسسرم المكسسي سسسنة ‪74‬هسسس‪ ,‬وبنيسست مدينسسة ) القيسسروان ( ‪-‬‬
‫تونس ‪ -‬وأقيمت فيها دار لصناعة السفن‪ ,‬تولى بناءها حسان بن النعمان أمير إفريقيسسة‬
‫سنة ‪82‬هس وبنيت مدينة واسط بناها الحجاج بن يوسف الثقفي أمير العراق‪ ,‬سنة ‪- 82‬‬
‫‪83‬هس لتكون وسطا بين الكوفة والبصرة‪ ,‬وفي عهد الوليد بسسن عبسسد الملسسك اكتمسسل بنسساء‬
‫الجامع الموي بدمشق سنة ‪96 - 87‬هس‪ ,‬وجدد بناء الحرم النبوي مع توسيعه وتزيينسسه‬
‫بالفسيفساء‪ ,‬وبنيت القصور الصحراوية‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 241 [ ‬‬

‫واهتم الوليد بالمرافق العامسة مسن إصسلح الطسرق وحفسر البسار فسي طريسق الحسج‬
‫وإنشسساء البيمارسسستانات للمرضسسى وبنسساء دور خصصسست للمجسسذومين وأخسسرى للعميسسان‬
‫والمقعدين‪ ,‬وأجرى الخليفة عليها أرزاقا‪.‬‬
‫وفي عهد سليمان بن عبد الملك بني الجامع الموي فسي حلسب سسنة ‪97‬هسس‪ ,‬وبنسى‬
‫سليمان وهو ولي للعهد مدينة الرملة بفلسطين‪ ,‬وفيها بنى القصور والجامع‪ .‬وفي سنة‬
‫‪109‬هس بنى هشام بن عبد الملك قصر الرصافة بالقرب من الرقة وبنى عبيسسد اللسسه بسسن‬
‫الحبحاب أمير إفريقية‪ ,‬جامع الزيتونة‪ ,‬وفي عام ‪127‬هس بنى مسسروان بسسن محمسسد مدينسسة‬
‫حران قرب الموصل لتكون عاصمة مؤقتة له بين الشسسام والعسسراق‪ ,‬لكسسي يسسسهل عليسسه‬
‫مراقبة ما يجري فيهما‪.‬‬
‫وإلى جانب النشاط العمراني تمت إصلحات مالية وإدارية‪ ,‬فقد عرب عبسسد الملسسك‬
‫بن مروان القراطيس‪ ,‬وهي ورق البردي‪ ,‬وكان القباط فسسي مصسسر يصسسنعونه ويتوجسسونه‬
‫ل هُو الل ّ َ‬
‫حد ٌ (‬
‫هأ َ‬‫ُ‬ ‫باسم المسيح‪ ,‬فأمر عبد الملك أن يستبدل اسم المسيح بس ) قُ ْ َ‬
‫كذلك ضرب عبد الملك السسسكة وضسسرب السسدنانير الذهبيسسة لول مسسرة فسسي السسسلم‪,‬‬
‫وضرب الحجاج الثقفي أمير العراق‪ ,‬الدراهم الفضية المنقوشة ووضع لها الوزن‪ .‬وفسسي‬
‫سنة ‪81‬هس نقل عبد الملسسك السسديوان مسن الروميسة إلسى العربيسسة‪ ,‬وكسذلك فعسسل الحجسساج‬
‫الثقفي فقد نقل الديوان من الفارسية إلى العربية‪ ,‬ومثله فعل عبد الله بن عبد الملسسك‬
‫بن مروان أمير مصر سنة ‪86‬هس فقد نقل الديوان من القبطية إلى العربية‪ ,‬وتأسسسى بسسه‬
‫حسان بن النعمان أمير إفريقية‪ ,‬فنقل ديوان إفريقية إلى العربية‪ .‬ويعتبر ضرب السكة‬
‫وتعريب الدواوين تأكيدا لكيان الدولة المالي والقتصادي‪.‬‬
‫وإذا كان يؤخذ على دولة بني أميسة الظلسسم والجسسور‪ ,‬فلعسل ذلسك مسا كسانت تقتضسيه‬
‫الظروف الحرجة‪ ,‬وخاصة أن الخارجين عليها‪ ,‬كسسانوا مسسن الشسسداء فسسي نضسسالهم‪ ,‬ومسسن‬
‫المتعصبين لعقائدهم‪..‬‬
‫وقد رأينا أن الثورات والفتن قد أحاطت بدولة بني أمية‪ ,‬واندلعت في عدة جبهات‪,‬‬
‫وخاصة في العراق‪ ,‬ثم أضحى مقرا للشيعة‪ ,‬وفيه ظهر الخوارج الثسسائرون علسسى نظسسام‬
‫الحكم‪.‬‬

‫ظاهرة علماء السلطان في العصر الموي ‪:‬‬ ‫•‬


‫كما ذكرنا سالفا ‪ ,‬فقد استتبع تحول نظام الحكم السلمي من الخلفة للى الملك‬
‫على يد بني أمية ‪ ,‬أن تظهر توابسسع النظسسام الملكسسي وأركسسانه ‪ ,‬مسسن مثسسل مسسا ألسسف عسسبر‬
‫التاريخ من فساد القصور ‪ ,‬وقيام نظام السلطة على أسسها الثلثة ) الحاكم – الكاهن‬
‫– العوان ( ‪ .‬وهكذا ظهرت طائفة علمسساء السسسلطان لول مسسرة فسسي تاريسسخ المسسسلمين‬
‫لتزين مجالس المراء وأبواب السلطين ‪ ,‬وتلحق بالمل ‪..‬‬
‫ولقرب العهد بخير القسسرون ‪ ,‬فقسسد انسسبرى مسسن أئمسسة الهسسدى مسسن وقسسف لهسسذه الفئة‬
‫بالمرصاد واستعصى على ملوك الجور الذين تدرجوا في الفساد ‪ .‬وقد حفسسظ لنسسا كتسسب‬
‫التاريخ السلمي منذ ذلك العهد تراثا رائعا من مواقف علماء الحق وأئمة الهدى ‪..‬‬
‫ومن ذلسسك مسسا قساله المسام الحسسن البصسري يوبسسخ أولئك المسستزلفين علسى أبسسواب‬
‫المراء ‪) :‬جاء في كتاب سير أعلم النبلء ‪ :‬روى أبو نعيم فسسي الحليسسة حسسدثنا ‪ ...‬حسسدثنا‬
‫فضيل بن جعفر قال خرج الحسن من عند ابن هبيرة فإذا هو بالقراء على الباب فقال‬
‫‪ :‬ما يجلسكم ها هنا ؟! تريدون الدخول على هؤلء الخبثاء ‪ .‬أمسسا واللسسه مسسا مجالسسستهم‬
‫مجالسة البرار ‪ .‬تفرقوا ‪ ..‬فرق الله بين أرواحكم وأجسادكم ‪ .‬قد فرطحتم نعالكم ‪ ,‬و‬
‫شمرتم ثيابكم ‪ ,‬وجززتم شعوركم ‪ .‬فضحتم القراء فضحكم الله ‪ .‬والله لو زهدتم فيما‬
‫عندهم لرغبوا فيما عندكم ‪ .‬ولكنكم رغبتم فيما عندهم ‪ .‬أبعد الله من أبعد (‪.‬‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 242 [ ‬‬

‫كان هذا سرد لبعض أخبار بني أمية وعهدهم ‪ ,‬وصدق الله العظيم ‪:‬‬
‫خل َت ل َها ما ك َسبت ول َك ُم ما ك َسبتم ول ت َ‬ ‫‪ ‬ت ِل ْ َ ُ‬
‫مُلو َ‬
‫ن‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ن عَ ّ‬
‫سألو َ‬
‫َ ُْ ْ َ ُ ْ‬ ‫َ َ ْ َ ْ َ‬ ‫ة قَد ْ َ ْ َ َ‬
‫م ٌ‬
‫كأ ّ‬
‫)البقرة‪.(134:‬‬ ‫‪‬‬

‫*************‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 243 [ ‬‬

‫الدولة السلمية أيام الخلفة العباسية) ‪656-132‬هس (‬


‫انتقال الخلفة إلى بني العباس ‪:‬‬ ‫•‬
‫انتقلت الخلفة إلى بني العباس بعد نجاح الدعوة السرية التي أطلقها دعاتهم منسسذ‬
‫بداية السنة المئة للهجرة في خراسان حتى سنة ‪132‬هس ‪ ,‬وفيها انكشسسف سسسر السسدعوة‬
‫التي كان ظاهرها الدعوة لختيار خليفة من بيت آل النبي صلى الله عليه وسلم يرضى‬
‫عنه المسلمون‪ ,‬وكان يطلق عليها ) الرضا من آل محمسسد (‪ ,‬إمعانسسا فسسي الكتمسسان ‪ .‬ثسسم‬
‫تبين أنها كانت تخفي الدعوة لبني العباس‪.‬‬
‫وفي يوم الجمعة الثاني عشر من ربيع الول سنة ‪132‬هس دخل الكوفة أبو العبسساس‬
‫عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس وبويع في مسجدها‪ ,‬وألقى في أهسسل‬
‫الكوفة خطابا‪ ,‬بين فيه حق بني العباس في الخلفة ولقب بالسفاح‪.‬‬
‫ومن ذلك اليوم طوي علم بني أمية البيض وارتفع علم بني العباس السود‪ .‬وأخسسذ‬
‫عما السفاح عبد الله وصالح ولدا علي بن عبد الله العباسسسي يطسساردون بنسسي أميسسة بعسسد‬
‫هزيمة مروان بن محمد آخر خلفائهم والقبض عليه في )بوصير( بمصر وقتله ‪ .‬فنبشسسوا‬
‫قبور بني أمية في دمشق وأحرقوا ما تبقى من رفاتها ‪ .‬وأثخنسسوا بجمسسع كسسبير مسسن بنسسي‬
‫أمية في فلسطين فقتلوهم على شاطئ نهر ) فطرس ( وتشسستت مسسن نجسسا منهسسم فسسي‬
‫الفاق ‪ .‬وسبحان الذي يؤت الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ‪ ,‬ويعسسز ون يشسساء‬
‫ويذل من يشاء ‪.‬‬

‫النتائج التي ترتبت على انتقال الحكم إلى بني العباس ‪:‬‬
‫ترتب على انتقال الحكم إلى بني العباس النتائج التالية‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬نقل العاصمة من الشام إلى العراق ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬انتقال النشاط التجاري إلى العراق‪ ,‬وربط التجارة البريسسة ببغسسداد والبحريسسة‬
‫بالبصرة‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬قيام صراع بين أشراف العرب وأشراف الموالي مسسن الفسسرس ‪ ,‬ثسسم السسترك‬
‫على نيل مناصب الدولة‪ ,‬وإيثار الموالي بهذه المناصب ‪ ,‬مما أدى لسقوط الدولسسة فسسي‬
‫نصفها الثاني تحت إدارتهم كليا ‪.‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬اشتداد مقاومسسة النسساقمين مسسن العلسسويين والخسسوارج وتسسوالي ثسسوراتهم علسسى‬
‫الحكم العباسي‪ ,‬وانشغال الدولة بقمعها مما أدى إلى ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬توقف الفتوحات وتحسسول الدولسسة العباسسسية مسسن موقسسف الهجسسوم ‪ -‬وهسسو موقسسف‬
‫الدولة الموية ‪ -‬إلى موقف السدفاع ‪ ,‬واعتبسار الحسدود الستي وصسل إليهسا المويسون فسي‬
‫فتوحاتهم‪ ,‬حدودا نهائية والوقوف عندها والكتفاء بالدفاع عنها على الحسسدود مسسع السسروم‬
‫غربا أو الترك شرقا ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬عجز الدولة عسسن ضسسبط الحكسسم فسسي الوليسسات الفريقيسسة‪ ,‬ممسسا اضسسطرها إلسسى‬
‫السكوت والعتراف بحالة راهنة قضت بانتزاع بعض القساليم مسن سسيادة الدولسة‪ ,‬ممسا‬
‫أظهر الدول المستقلة ‪ .‬كما فعل عبد الرحمن بن معاويسة بسن هشسام بسن عبسد الملسك‬
‫الموي الملقب بالداخل‪ ,‬حين انتزع الندلس سنة ‪138‬هس س وأقسسام فيهسسا إمسسارة مسسستقلة‬
‫تحولت إلى خلفة سنة ‪300‬هس في عهد عبد الرحمن الناصر‪ ,‬وكما فعل إدريسسس الول‪,‬‬
‫بعد نجاته في وقعة )فخ( سنة ‪169‬هس‪ ,‬وإقامته في المغرب دولة علوية مستقلة‪ ,‬كذلك‬
‫أدى اختلل المور في المغرب الدنسسى )تسسونس( إلسسى توليسسة إبراهيسسم بسسن الغلسسب عليسسه‬
‫ومنحه الستقلل الذاتي سنة ‪184‬هس‪ ,‬وإنشائه دولسسة بنسسي الغلسسب‪ ,‬لتحسسول دون امتسسداد‬
‫دولة الدارسة نحو المشرق‪ .‬وإلى جانب هذه الدول المستقلة السستي انفصسسلت سياسسسيا‬
‫وإداريا عن دولة بني العباس‪ ,‬نشأت في إفريقية إمارات مسسستقلة كإمسسارة بنسسي مسسدرار‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 244 [ ‬‬

‫التي أنشأها في )سجلماسة( أبو القاسم سمغو سنة ‪155‬هس‪ ,‬والمارة الرسسستمية السستي‬
‫أنشأها عبد الرحمن بن رستم في )تاهرت( سنة ‪160‬هسسس‪ ,‬وكسسانت كل المسسارتين تسسدينان‬
‫بمذهب الخوارج‪.‬‬
‫خامسا ً ‪ :‬تخصيص بعض الولة بسسإقليم مسسن أقسساليم الدولسسة اسسستقلل‪ ,‬مكافسسأة لهسسم‬
‫لقيامهم بخدمة الدولة‪ ,‬كما فعل المأمون بتخصيص طاهر بن الحسين بإقليم خراسسسان‬
‫إمارة مستقلة يتوارثها أبناؤه من بعده‪ ,‬وذلك مكافأة له للتغلب على أخيه المين‪.‬‬

‫ويمكن تقسيم مرحلة الخلفة العباسية إلى ثلثة أطوار‪,‬‬ ‫•‬


‫بحسب القوة والضعف وهي ‪:‬‬
‫الطور الول ‪ :‬طور القوة والعصر الذهبي ‪:‬‬ ‫•‬
‫(‪ 247 -132‬هـ ‪ 861-750 /‬م( ‪.‬‬
‫الطور الثاني ‪ :‬طور الضعف والتفتت وتسلط‬ ‫•‬
‫القادة العاجم من الفرس والترك ‪:‬‬
‫(‪487 -247‬هـ ‪1094 - 861 /‬م(‬
‫• الطور الثالث ‪ :‬طور النهيار والغزو الخارجي مــن‬
‫الصـــــــــــــــــــــــــليبيين والتتـــــــــــــــــــــــــار ‪:‬‬
‫(‪487-656‬هـ ‪1258 - 1094 /‬م (‬

‫الخلفاء العباسيون في بغداد ‪:‬‬


‫الطور الول ‪:‬‬
‫‪ -1‬أبو العباس السفاح ‪ 754 - 750 :‬م ‪ 136 - 132 /‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -2‬أبو جعفر المنصور‪ 775 -754 :‬م ‪ 158 - 136 /‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -3‬محمد المهدي بــن أبــي جعفــر المنصــور ‪ 785 - 775 :‬م ‪-158 /‬‬
‫‪ 169‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -4‬موسى الهادي بن محمد المهدي‪ 786 - 785 :‬م‪ 170 - 169 /‬هـ‬
‫‪.‬‬
‫‪ -5‬هارون الرشيد بن محمد المهدي ‪ 809 - 786 :‬م ‪ -193 170 /‬هـ‬
‫‪.‬‬
‫‪ -6‬المين بن هارون الرشيد ‪( :‬قتل ( ‪ 813 -809 .‬م ‪198 - 193 /‬‬
‫هـ ‪.‬‬
‫‪ -7‬المأمون بن هارون الرشيد‪ 833 -813 :‬م ‪ 218 -198 /‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -8‬محمد المعتصم بالله بن هارون الرشيد ‪ 842 833 - :‬م‪- 218 /‬‬
‫‪ 227‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -9‬هارون الواثق بالله بن المعتصم بالله‪ 847 - 842 :‬م‪232- 227 /‬‬
‫هـ ‪.‬‬
‫‪ -10‬جعفر المتوكل على الله بن المعتصم بــالله ‪( :‬قتــل( ‪861- 847‬‬
‫م‪ 247- 232 /‬هـ‬

‫الطور الثاني ‪:‬‬


‫‪ -11‬المستنصر بالله بـن المتوكــل علـى اللــه ‪ ( :‬قتـل( ‪ 862 -861‬م‪/‬‬
‫‪ 248 - 247‬هـ ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 245 [ ‬‬

‫احمد المستعين بالله بـن المعتصـم بـالله‪ ( :‬قتـل( ‪ 866- 862‬م‪/‬‬ ‫‪-12‬‬
‫‪ 252 248‬هـ ‪.‬‬
‫المعتز بالله بن المتوكل على الله ‪ ( :‬قتل( ‪ 870- 866‬م ‪- 252/‬‬ ‫‪-13‬‬
‫‪ 255‬هـ ‪.‬‬
‫محمد المهتــدي بــن الواثــق بــالله ‪ ( :‬قتــل( ‪ 870- 870‬م ‪-255/‬‬ ‫‪-14‬‬
‫‪ 256‬هـ ‪.‬‬
‫احمد أبو العباس المعتمد على اللــه بــن المتوكــل‪ 892- 870 :‬م‪/‬‬ ‫‪-15‬‬
‫‪ 279 256‬هـ‪.‬‬
‫احمد أبو العباس المعتضد بالله بن الموفق بن المتوكل على اللــه‬ ‫‪-16‬‬
‫‪ 902- 892 :‬م ‪ 289- 279/‬هـ ‪.‬‬
‫علي المكتفي بــالله بــن المعتضــد بــالله‪ 908- 902 :‬م ‪- 289 /‬‬ ‫‪-17‬‬
‫‪ 295‬هـ ‪.‬‬
‫جعفر أبو الفضل المقتدر بالله بن المعتضد بالله ‪ ( :‬خلــع مرتيــن‬ ‫‪-18‬‬
‫ثم قتل ( ‪ 932 - 908‬م ‪ 320 - 295/‬هـ ‪.‬‬
‫عبد الله بن المعتز الراضي بالله ‪ ( :‬ولـي الخلفـة يومـا واحـدا( !‬ ‫‪-19‬‬
‫‪ 909‬م ‪ 296/‬هـ ‪.‬‬
‫محمد القاهر بالله بن المعتضد بالله ‪ 934 -932 :‬م ‪322 - 320/‬‬ ‫‪-20‬‬
‫هـ ‪.‬‬
‫احمد أبو العباس الراضي بالله بن المقتدر‪ 940- 934 :‬م ‪- 322/‬‬ ‫‪-21‬‬
‫‪ 329‬هـ ‪.‬‬
‫ابراهيم المتقي بالله بـن المقتــدر بـالله ‪ 945- 940 :‬م ‪- 329/‬‬ ‫‪-22‬‬
‫‪ 333‬هـ ‪.‬‬
‫عبد الله أبو القاسـم المسـتكفي بـالله بـن المكتفـي ‪ ( :‬سـملت‬ ‫‪-23‬‬
‫عيناه وسجن حتى مات( ! ‪ 946 - 945‬م‪ 334 - 333 /‬هـ ‪.‬‬
‫المطيع لله ابن المقتدر ‪ ( :‬خلع نفسه ( ! ‪ 974 - 946‬م ‪- 334/‬‬ ‫‪-24‬‬
‫‪ 363‬هـ ‪.‬‬
‫عبد الكريم أبو بكر الطائع لله بن المطيع ‪ 991- 974 :‬م ‪- 363/‬‬ ‫‪-25‬‬
‫‪ 381‬هـ ‪.‬‬
‫احمد أبو العباس القادر بالله بن المير اسحق بن المقتــدر بــالله‪:‬‬ ‫‪-26‬‬
‫‪ 1031- 991‬م ‪422 - 381 /‬هـ ‪.‬‬
‫عبد الله أبو جعفر القائم بــأمر اللــه بــن القــادر بــالله ‪- 1031 :‬‬ ‫‪-27‬‬
‫‪ 1075‬م‪ 467 - 422 /‬هـ ‪.‬‬
‫عبد الله المقتدي بأمر اللــه حفيــد القــائم بــأمر اللــه ‪ ( :‬لن أبــاه‬ ‫‪-28‬‬
‫‪ 1094 - 1075‬م ‪ 487 - 467/‬هـ ‪.‬‬ ‫مات قبله (‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 246 [ ‬‬

‫الطور الثالث ‪:‬‬


‫‪ -29‬احمد أبو العباس المستظهر بالله بن المقتدي بأمر الله ‪- 1094 :‬‬
‫‪ 1118‬م ‪ 512 - 487/‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -30‬أبو منصور فضل المسترشد بـالله بـن المسـتظهر بـالله ‪ ( :‬قتلـه‬
‫الباطنيون ( ‪ 1135 - 1118‬م ‪ 529 -512 /‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -31‬أبو جعفر المنصــور الراشــد بــالله بــن المســتظهر بــالله ‪( :‬خلعــه‬
‫‪ 1136 - 1135‬م ‪- 529/‬‬ ‫الســلطان مســعود(‬
‫‪ 530‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -32‬محمد المقتفي لمر الله بن المستظهر بالله ‪ 1160- 1136 :‬م ‪/‬‬
‫‪ 555 - 530‬هـ‪.‬‬
‫‪ -33‬يوسف المستنجد بالله بن المســتظهر بــالله ‪ 1170- 1160 :‬م ‪/‬‬
‫‪ 566 -555‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -34‬أبــو محمــد الحســن المستضــيء بــأمر اللــه بــن المســتنجد بــالله‪:‬‬
‫‪ 1180 - 1170‬م ‪ 575 - 566/‬هـ‪.‬‬
‫‪ -35‬الناصر لدين الله بن المستضــيء بــأمر اللــه‪ 1225 - 1180 :‬م ‪/‬‬
‫‪ 622 575‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -36‬أبو النصر محمد الظاهر بأمر الله بن الناصر لدين اللــه‪- 1225 :‬‬
‫‪ 1226‬م ‪ 623 - 622 /‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -37‬أبو جعفر المنصور المستنصر بالله بن الظاهر بأمر الله ‪1226 :‬‬
‫‪ 1242 -‬م ‪ 640 - 623/‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -38‬أبو احمد عبد الله المستعصم بالله بن المستنصر بالله ‪ ( :‬قتله‬
‫التتر( ‪ 1258 - 1242‬م ‪ 656 640/‬هـ ‪.‬‬

‫الفتوحات في عهد الدولة العباسية ‪:‬‬ ‫•‬


‫وقفت الدولة العباسية عند الحدود التي انتهت إليها الدولة الموية قبسسل سسسقوطها‪,‬‬
‫وما جرى فسسي عهسسد الدولسسة العباسسسية إنمسسا كسسان إخضسساعا لقسساليم انتقضسست عليهسسا وتسسم‬
‫إخضاعها‪ ,‬فكأنما فتحت من جديد‪ ,‬كانتقاض بعض نواح فيما وراء النهسسر سسسنة ‪134‬هس س ‪,‬‬
‫وانتقاض طبرستان سنة ‪142‬هس ‪ ,‬وانتقاض سجستان سنة ‪152‬هس س ‪ ,‬وانتقسساض جرجسسان‬
‫سنة ‪167‬هس ‪ ,‬وقد كانت هذه النتفاضات ثورات على الحكسسم العباسسسي أو تمسسردا عليسسه‬
‫قمعت بشدة وعنف‪.‬‬
‫وقد استمرت غزوات الصسسوائف فسسي جبهسسة السسروم واقتصسسرت علسسى حمايسسة الثغسسور‬
‫السلمية‪ ,‬الجزرية والشامية‪ ,‬وتتابعت من عام ‪142‬هس حتى عام ‪191‬هس وتسسوقفت بعسسد‬
‫ذلك إلى عام ‪ ,215‬بسبب الحرب الهلية بين المين والمأمون‪ ,‬من أجل الخلفة‪ ,‬ومسسا‬
‫تبعها من أحداث‪ .‬ولما استقر الملك للمأمون استأنف حملت الصسسوائف‪ ,‬وكسسان آخرهسسا‬
‫الحملة التي قادها بنفسه سنة ‪218‬هس وتوقف بها عند مدينة طرسسسوس ‪ ,‬وفيهسسا تسسوفي‬
‫تلك السنة ‪ ,‬بعد أن أمر أن يحمل إليه المام أحمد بن حنبل ليمتحنه فسسي مسسسألة خلسسق‬
‫القرآن ‪ ,‬فحمل إليه في أغلل ثقيلة ‪ ,‬وقد اشتهر أن المام دعا ربه فسسي الطريسسق ‪ ,‬أن‬
‫ل يجمعه الله بالمأمون ‪ ,‬فجاء خبر وفاته وهم في الطريق ‪ ,‬وأعيد المام إلى بغداد !‪.‬‬
‫توقفت حملت الصوائف بعد ذلك‪ ,‬وأصبحت الثغور السلمية هدفا لغسسارات السسروم‪.‬‬
‫ففي سنة ‪243‬هس أغار الروم على الثغور الجزرية وبلغوا مدينة )شمشاط( واقتربوا من‬
‫مدينة )آمد ‪ -‬ديار بكر( كما أغاروا سنة ‪245‬هس على الثغور الشامية من جهة )أنطاكيسسة(‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 247 [ ‬‬

‫ولم تفلح حملت الصوائف التي قادها قائدان شهيران وهما‪ :‬علي بن يحيى الرمينسسي ‪,‬‬
‫وعمر بن عبد الله القطع ‪ .‬في صد غارات الروم واستشهد الثنان في عراك معهم‪.‬‬
‫على أننا ل بد أن نشير إلى ثلث حملت عسكرية ضسخمة تسوجهت إلسسى بلد السروم‬
‫وكانت حملت تأديبية ‪:‬‬
‫الولى‪ :‬وجهها الخليفة المهدي سنة ‪165‬هس بقيادة ابنه هارون الرشسسيد وفيهسسا بلسسغ‬
‫القسطنطينية فهادنته الملكة )إيرين( وعقدت معه صلحا مع جزية سنوية مجزية‪.‬‬
‫والثانيــة‪ :‬قادهسسا الرشسسيد بنفسسسه وهسسو خليفسسة سسسنة ‪187‬هسسس عنسسدما نقسسض‬
‫المبراطور) نقفور( السسذي خلسسف) إيريسن ( الهدنسسة ‪ ,‬وأرسسسل رسسسالة حسسادة للرشسسيد ‪,‬‬
‫فكتب له الرشيد على ظهرها مجيبا ‪ ) :‬من أمير المؤمنين هسسارون الرشسسيد إلسسى نقفسسور‬
‫كلسسب السسروم ؛ أتسساني كتابسسك يسسا ابسسن الفسساجرة ! والجسسواب مسسا تسسرى ل مسسا تسسسمع !! ( ‪.‬‬
‫ثم غزاه وانتصر عليه ‪ ,‬فصالحه المبراطور ) نقفور( وعقد معه هدنة جديدة ‪.‬‬
‫والثالثة‪ :‬الحملة التي قادها الخليفة المعتصم بالله بنفسسسه سسسنة ‪223‬هس س انتقامسسا‬
‫من الروم الذين أغاروا علسسى ثغسسور الجزيسسرة ودخلسسوا مدينسسة ) زبطسسرة ( فنهبسسوا وسسسبوا‬
‫النساء وهدموا المدينة ‪ .‬وكانت غارة الروم هذه بطلب من الثائر بابسسك الخرمسسي السسذي‬
‫كانت جيوش الخليفة تلحقه‪ ,‬فلما ضيقت عليه الخناق طلب من المبراطور السسبيزنطي‬
‫)تيئوفيل( أن يشن الغارات على الثغور السلمية ليضطر الخليفة إلسسى سسسحب جيوشسسه‬
‫عنه‪ .‬وقد استجاب المبراطور لمطلبه وزحف على الثغور‪ ,‬ولكن بعد أن كان بابسسك قسسد‬
‫وقع في قبضة جيش الخليفة حيث أسره ) الفشين ( قائد المعتصم ‪.‬‬
‫فقد روت كتب التاريخ أن امرأة من نساء المسلمين كانت مأسسسورة فسي عموريسة‬
‫فاستغاثت بالمعتصم‪ ,‬ونادت ‪ ) :‬وا معتصماه ( ! فقال لهسسا الرومسسي ‪ :‬ليأتسسك المعتصسسم‬
‫على حصان أبلق ‪ ,‬فبلغ ذلك المعتصم ‪ ,‬فسأمر بتجييسسش جيسش حمسل فيسه ثمسانين ألسف‬
‫حصان أبلق ! وقد نفسسذ المعتصسسم حملتسسه المشسسهورة السستي خلسسدها ‪ ,‬الشسساعر أبسسو تمسسام‬
‫بقصيدة عصماء‪ ,‬وذلك عندما زعم المنجمون وقالوا لسسه ‪ :‬أن النجسسوم والنبسسوءات تشسسير‬
‫لعدم إمكانية النصر في ذلك الوقت ‪ ,‬فأصر المعتصم علسسى الغسسزو وخسسرج ‪ ,‬وكسسان فسسي‬
‫جيشه جم غفير من العلماء والصالحين المشاهير منهسسم محمسسد بسسن واسسسع رحمسسه اللسسه‬
‫والتقى المعتصم مع جيش المبراطور في معركة جرت في )عموريسسة( انتهسست بهزيمسسة‬
‫الروم وأسر المبراطور‪ .‬وتخريب عمورية وتحريقها ‪ .‬وقد قال في ذلك أبو تمام شسسعرا‬
‫جاء في مطلعه ‪:‬‬
‫في حده الحد بين الجد‬ ‫السيف أصدق أنباء من الكتب‬
‫ب‪.‬‬ ‫واللع ِ‬
‫وإذا كان من فتح في هذا العصر من دولة بني العباس‪ ,‬فهو فتح صقلية الذي تسسوله‬
‫المراء الغالبة‪ ,‬أمراء إفريقية‪ .‬ففي سنة ‪212‬هس جهز الميسسر زيسسادة الول بسسن إبراهيسسم‬
‫بن الغلب حملة بحرية بقيادة القاضي العالم المجاهد ‪ :‬أسد بن الفرات رحمه الله ‪.‬‬
‫ومنها أغاروا على جزيرة مالطة وافتتحوها أيام محمسسد بسسن الغلسسب سسسنة ‪261‬هس س ‪,‬‬
‫وعبروا مضيق مسينا وغسسزوا قلوريسسة )كالبريسسا ‪ (calabria‬وهسسي المنطقسسة الواقعسسة فسسي‬
‫أقصى الجنوب من شبه جزيرة إيطاليا‪.‬‬

‫تقييم العصر العباسي الول ‪:‬‬ ‫•‬


‫يمكن القول أنه إذا كان العصسسر المسسوي عصسسر الفتوحسسات السسسلمية‪ ,‬فسسإن العصسسر‬
‫العباسي كان عصر الحضارة السلمية‪ .‬وقد ظهسسر أثرهسسا فسسي تطسسور علسسوم الشسسريعة ‪,‬‬
‫ومختلف مناحي الحياة العمرانية والدبية والفكرية والعلمية والجتماعية‪....‬‬
‫فقد تطورت علوم الدين المختلفة ‪ ,‬كعلوم القرآن ‪ ,‬وعلوم الحسسديث ‪ ,‬كمسسا نشسسأت‬
‫في هذه المرحلة المذاهب الربعسسة ‪ ,‬وهسي مسدارس الئمسسة الجلء ) المسام أبسسو حنيفسة‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 248 [ ‬‬

‫النعمان ‪ ,‬والمام مالك ‪ ,‬والمام الشافعي ‪ ,‬والمام أحمسسد بسسن حنبسسل ( ‪ ,‬وغيرهسسم مسسن‬
‫الئمة العلم الذين كان لهم مذاهب ومسسدارس فقهيسسة ‪ ,‬كسسانت أقسسل انتشسسارا ‪ ,‬كالمسسام‬
‫سفيان الثوري ‪ ,‬والمام الوزاعي ‪ ,‬وغيرهم ‪ ..‬وقد ظهر تدوين السيرة النبوية ‪ ,‬وتاريخ‬
‫الخلفاء الراشدين من بعده وسيرهم وما بعد ذلسسك مسسن أحسسداث‪,‬فوضسسعت أسسسس علسسم‬
‫التاريخ السلمي ‪ ,‬وظهر تدوين الحديث وتمحيص الصسسحيح منسه مسن غيسر ذلسسك ‪ ,‬وبسسرز‬
‫أئمة الحديث العلم ‪ ,‬كالبخاري ومسلم ‪ ,‬وعبد الله بن المبارك ‪ ,‬وابن عيينسسة ‪ ,‬وأحمسسد‬
‫ابن حنبل وغيرهم كثير رحمهم الله تعالى ‪..‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 249 [ ‬‬

‫وتبعا لذلك تطورت علوم العربية‪ .‬وظهرت علوم قواعد اللغة لضبط لفظهسسا علسسى‬
‫نحسسو كلم العسسراب وعسسرف بعلسسم النحسسو وكسسذلك علسسم الصسسرف ‪ ,‬و ظهسسر رجسسال عنسسوا‬
‫بمفردات اللغة ومعانيها المختلفة واستعمالتها معتمدين في ذلك على شواهد من كلم‬
‫العرب وأشعارهم وأمثالهم‪ ,‬فكان من كل هذا الذي صنعوه عمدة فسسي تفسسسير القسسرآن‬
‫والحديث‪ ,‬أعان الفقهاء في استنباط الحكام مسسن مصسسدريها الساسسسيين وهمسسا القسسرآن‬
‫والسنة‪ .‬وغير ذلك من العلوم اللزمة للفقه الذي تأسست مدارسه في تلك الفترة ‪..‬‬
‫وأما في المناحي الحضارية الخرى ‪ ,‬فقد تطورت الحياة العمرانية ونجسسد مسسن آثسسار‬
‫ذلك في تجديد أبي العباس السفاح لمدينسسة النبسار ‪ ,‬واتخاذهسا عاصسمة لسه وفسي بنسائه‬
‫مدينة الهاشمية ‪ ,‬وفي بناء المنصور مدينسة بغسداد ‪ ,‬ونقسل العاصسمة إليهسا ‪ ,‬وفسي بنسائه‬
‫سَر‬‫مدينة الرافقة ‪ ,‬إلى جانب مدينة الرقة ‪ ,‬وفي بناء مدينة سامراء التي كان اسمها ) ُ‬
‫ّ‬
‫من رأى( في عهد المعتصم‪ ,‬وفي بناء مدينة المتوكلية أيام المتوكسسل‪ ,‬وفيمسسا شسسيد فسسي‬
‫هذه المدن من قصور‪ ,‬أثار بهاؤها قرائح الشعراء‪.‬‬
‫وقد تجلت الحياة الدبية في شعر الشعراء ‪ ,‬فقسد أضسفت نعومسة الحيساة رقسة فسي‬
‫الشعر‪ ,‬وابتداعا لمعان جديدة‪ ,‬وألهمت خيسسال الشسسعراء بصسسور فنيسسة لسسم يكسسن لشسسعراء‬
‫العصر الموي عهد بها‪ .‬وكان عطاء الخلفاء وسخاؤهم‪ ,‬ومن كان يجاريهم فسسي العطسساء‬
‫من الوزراء والكبراء يشحذ إلهام الشعراء ويطلق لهواتهم بجيسسد الشسسعر‪ ,‬وكسسان الشسسعر‬
‫وسيلة إطرائهم والتغني بفضائلهم‪ .‬وإلى جانب الشعراء ظهر الكّتاب‪ ,‬فابتدعوا أسسسلوبا‬
‫جديدا يقوم على سلسة التعبير‪ ,‬ودقة المعاني وإشراق البيان‪ ,‬ومن هؤلء من رقا إلى‬
‫الوزارة ‪.‬‬
‫وفي الحياة الفكرية نجد أثسسر الثقافسات الجنبيسة السستي حملهسسا المسوالي معهسسم‪ ,‬مسن‬
‫حكمة الهند وأدب الفرس وفلسفة اليونان والعلسوم التطبيقيسة الخسرى ‪ .‬وقسد تسأثر بهسا‬
‫الفكر السلمي‪ ,‬وتلقاها بما نقل منها إلى العربية ‪ ,‬فانعكست عليه خيرا وشرا ‪.‬‬
‫وكان الخليفة المنصور أول من عني بهذا النقل وتبعه حفيده الرشسسيد ثسسم المسسأمون‬
‫الذي أنشأ دارا للترجمسسة أسسسماها )دار الحكمسسة( واشسستهرت بمسسا جلسسب إليهسسا مسسن كتسسب‬
‫الوائل ‪ ,‬وخاصة ما كتب منها باليونانية والسريانية والقبطية‪ ,‬ووكل بهسسا مسسترجمين مسسن‬
‫كل الختصاصات ‪ :‬في الطب والهندسة والفلك ) التنجيم ( والصيدلة ‪ ..‬وقد كسسان لتلسسك‬
‫الظاهرة أثرا إيجابيا تجلى في ازدهار العلوم البحتة والتطبيقية ‪ ,‬كالطب والرياضسسيات ‪,‬‬
‫والهندسة‪ ,‬والفلك ‪ ,‬والكيمياء‪ , ..‬ولكنه لم يخلو من أثر سسسلبي بسسالغ الضسسرر بسسسبب مسا‬
‫دخل من علوم الفلسفة والمنطق على أبحاث الشريعة ‪ ,‬مما أوجد ما عرف بس س ) علسسم‬
‫الكلم ( الذي دخل في علم العقائد والتوحيد ‪ ,‬وأوجد مسسذاهب عقديسسة منحرفسسة وضسسالة‬
‫كالجهمية ‪ ,‬والقدرية ‪ ,‬وغيرها ‪ ...‬وكان فسسي طليعتهسسا مسسذهب المعتزلسسة ‪ ,‬السسذي يتلخسسص‬
‫باعتماد تحكيم العقل على نصوص الشرع كتابا وسنة ‪ ..‬والذي فجر مسألة فتنسسة خلسسق‬
‫القرآن التي طحنت العلماء والرعية أيام المأمون والمعتصم والواثق ‪ ,‬وبقيت آثار هذا‬
‫المذهب المنحرف إلى يومنا هذا‪ ,‬حيث ينتمي أكسثر مسن يسسمون مفكريسن إسسلميين ‪,‬‬
‫ورموز صحوة إسلمية إليه ‪.‬وبعضهم ل يدري !‬
‫وكان من مظاهر الحضارة التي تميز بها العصر العباسي تطور الحيسساة الجتماعيسسة‪.‬‬
‫فقسسد أدى امسستزاج العسسرب بسسالموالي‪ ,‬وأكسسثرهم مسسن الفسسرس‪ ,‬إلسسى ظهسسور طبقسسة مسسن‬
‫الموّلدين‪ ,‬أحدثت تطورا في حياة السرة والمجتمع‪.‬‬
‫ففي السرة الحاكمة تقدمت زوجات الخلفسساء ‪ ,‬وزوجسسات كبسسار السسوزراء والمسسراء ‪,‬‬
‫اللواتي دعين بأمهات الولد ‪ -‬وهن الجواري المستوَلدات بالزواج بعد تحريرهن ‪ -‬علسسى‬
‫الحرائر العربيات في كثير من الحيان ‪ ,‬ونلن الحظوة عند الزواج‪ ,‬وحظي أبناؤهن عند‬
‫آبائهم بما لم يحظ به أبناء الحرائر‪ .‬وقد ضرب الخلفاء العباسيون في ذلك المثل‪.‬‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 250 [ ‬‬

‫وإذا نحن استثنينا أبا العباس السفاح ومحمد المهدي بن المنصسسور‪ ,‬ومحمسسد الميسسن‬
‫بن الرشيد‪ ,‬فكل خلفاء بني العباس ولدن من إماء وجواري محظيات !!! ‪.‬‬
‫وكان لمهاتهم الفارسيات والتركيات والروميات والبربريات ‪ ...‬الكلمسسة العليسسا فسسي‬
‫اختيار أولياء العهد‪ ,‬فكانت صاحبة الدل على الخليفة تفرض ابنهسسا ليخلسسف أبسساه وتلزمسسه‬
‫بالعهد إليه‪ ,‬فيقوم بين البناء نزاع كان يؤدي إلى صراع دموي‪ ,‬كما حسسدث بيسسن الميسسن‬
‫والمأمون‪ ,‬وكما جرى مع المتوكل‪ ,‬فقد عهد بالخلفة إلى ابنسسه محمسسد )المنتصسسر( وهسسو‬
‫ابن أمة تدعي )حبشية(‪ ,‬فزاحمتها أم محمد )المعتز( وهي مثلها أمة تسسدعى )صسسبيحة(‪,‬‬
‫فلقبوها )قبيحة( وجعلت المتوكل يعزم على تقسسديم ابنهسسا فسسي وليسسة العهسسد علسسى أخيسسه‬
‫محمد )المنتصر(‪ ,‬ولما علم هذا ما عزم عليه أبوه‪ ,‬ائتمر مع القادة التراك علسسى قتلسسه‪,‬‬
‫فقتلوه‪.‬‬
‫وقد أدى تغلب العنصر الفارسي منذ أيام المأمون الذي كان أخواله مسسن الفسسرس ‪,‬‬
‫ثم التركي منذ أيان المعتصم الذي كان أخواله مسسن التسسراك ‪ .‬كسسذلك تسسسربت التقاليسسد‬
‫الفارسية إلى الحياة الجتماعية‪ ,‬فظهرت الزياء الفارسية في البلط وتقرر في قصسسور‬
‫الخلفاء ما كان متبعسسا مسسن المراسسسم فسسي قصسسور الفسسرس‪ ,‬واحتفسسل بالعيسساد الفارسسسية‬
‫كالمهرجان والنيروز ورام ‪ ,‬وغيرها من العياد الخرى ‪.!..‬‬
‫وهكذا سيطر الموّلدون وبرز إمساكهم بزمام الدولة إلى انحسار العنصسسر العربسسي‬
‫الخالص وارتداده إلى البادية السستي خسسرج منهسسا‪ ,‬وتسسوقفت فريضسسة جهسساد الطلسسب ‪ ,‬وبهسسا‬
‫توقفت حدود الدولة السلمية عند النهايات التي بلغتها الدولة الموية ‪ .‬ولسسم تعسسد تلسسك‬
‫النخبة كما وصفها الله تعالى بقوله ‪:‬‬
‫ْ‬
‫ن‬
‫مُنو َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫من ْك َرِ وَت ُؤْ ِ‬ ‫ن عَ ِ‬
‫ف وَت َن ْهَوْ َ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬
‫معُْرو ِ‬ ‫مُرو َ‬
‫س ت َأ ُ‬
‫ت ِللّنا ِ‬
‫ج ْ‬ ‫مة ٍ أ ُ ْ‬
‫خرِ َ‬
‫ُ‬
‫خي َْر أ ّ‬
‫م َ‬ ‫‪ ‬ك ُن ْت ُ ْ‬
‫ه ‪) ‬آل عمران‪.(110 :‬‬ ‫ِبالل ّ ِ‬

‫ظاهرة علماء السلطان في العصر العباسي الول ‪:‬‬ ‫•‬


‫حاول الخلفاء العباسيون – كما كان ذلك دأب خلفاء بنسسي أميسسة ‪ -‬اسسستمالة الفقهسساء‬
‫ورجال الدين ليدعموا سلطانهم عند العامة‪ ,‬فازدادت ظاهرة علماء السسسلطان بسسروزا ‪,‬‬
‫حتى ظهر ابن أبي دؤاد أيام المأمون والمعتصم‪ ,‬وبلغ بأحد أتبسساعه أن ينصسسح المعتصسسم‬
‫بقتل أحمد بن حنبل ‪ ,‬قائل له ‪ :‬اقتله يا إمام ودمه في عنقي!‬
‫ولكن تلك اليام كان فيها من علماء الحق ‪ ,‬من يقف لجور أولئك الملوك ‪ ,‬ويسسأبون‬
‫أن يكونوا )ديكورا( في حاشيتهم ‪ ,‬كما كان مسسن الئمسسة الربعسسة ‪ ,‬وغيرهسسم مسسن العلم‬
‫كسفيان الثوري ‪ ,‬و الوزاعي ‪ ,‬وغيرهم كثير ‪ .‬كما وقف أولئك العلمسساء للمنسسافقين مسسن‬
‫علماء القصور ‪.‬‬
‫وكان جل العلماء يتعففون عن أبواب السسسلطين ‪ ,‬ويعتبرونهسسا أبسسواب الفتنسسة فسسي‬
‫الدين وبوابة البوار في الخرة ‪ .‬وقد سجلت سيرهم أنصع صور الثبات في تلك الونة ‪.‬‬

‫أهم القضايا والمشكلت التي اعترضت دولة بني العباس في‬ ‫•‬
‫ذلك الطور ‪:‬‬
‫اعترضسست دولسسة بنسسي العبسساس فسسي نصسسفها الول )‪250 - 132‬هسسس( عسسدة قضسسايا‬
‫ومشكلت كان أهمها‪:‬‬
‫‪ -‬ولية العهد ‪:‬‬
‫أدت الطريقة التي اتبعت في اختيار ولة العهد إلى انقسام البيت العباسسسي وإلقسساء‬
‫العداوة والبغضاء بين أفراده‪ .‬فالمنصور انتزع وليسسة العهسسد مسسن ابسسن أخيسسه عيسسسى بسسن‬
‫موسى ونقلها إلى ابنه المهدي‪ .‬وكان المهدي هدد بقتل أبيه إذا قدم عليه أخاه جعفرا‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 251 [ ‬‬

‫والهادي أراد خلع أخيه الرشيد من ولية العهد ونقلها إلى ابنه جعفر فقتسسل قبسسل أن‬
‫يتمكن من ذلك‪.‬‬
‫والمين خلع أخاه المأمون وعهد بوليسسة العهسسد إلسسى ابنسسه القاصسسر موسسسى ‪ ,‬فخلعسسه‬
‫المأمون وقاتله وانتهت حياة المين بقتله‪.‬‬
‫والعباس بن المأمون تآمر علسسى قتسسل عمسسه المعتصسسم لنسستزاع الخلفسسة منسسه فقتلسسه‬
‫المعتصم‪.‬‬
‫والمنتصر تآمر على قتل أبيه المتوكل لنه أراد أن يقدم عليه أخاه المعتز‪.‬‬
‫فكانت ولية العهد من أسباب تفكك البيت العباسي كما كانت من قبل من أسباب‬
‫تفكك البيت الموي‪.‬‬
‫‪ -‬ظاهرة النعرة الشعوبية ‪:‬‬
‫الشعوبية نسبة إلى ) الشعوب ( وهم القوام الذين فتح العرب المسلمون بلدهسسم‬
‫ودخلوا في السلم وعرفوا باسسسم ) المسسوالي (‪ ,‬أي أنهسسم ارتبطسسوا مسسع العسسرب برابطسسة‬
‫الولء‪.‬‬
‫وقد محا السلم الفوارق الطبقيسسة والقوميسسة وجعلهسسم إخسسوة‪ ,‬تقسسوم أخسسوتهم علسسى‬
‫خسوَةٌ ‪ . ‬وقسسد سسسوى‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫مسسا ال ْ ُ‬
‫مؤْ ِ‬
‫من ُسسو َ‬ ‫رابطة اليمان‪ ,‬وفي ذلك يقول الله تعسسالى‪  :‬إ ِن ّ َ‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم بين الموالي وبين العرب بقوله‪ ) :‬ل فضل لعربي على‬
‫أعجمي إل بالتقوى (‬
‫ولمسسا تسسولى الخلفسسة بنسسو أميسسة‪ ,‬أحيسسوا العصسسبية العربيسسة‪ ,‬السستي كسسانت سسسائدة زمسسن‬
‫الجاهلية‪ ,‬وميزوا بين العربي والعجمسسي‪ ,‬فكسسان المسسولى أدنسسى مرتبسسة مسسن العربسسي فسسي‬
‫المرتبة الجتماعية‪ ,‬وكانوا دون العربي في الفيء والعطاء‪ ,‬بل كسسان عمسسالهم يفرضسسون‬
‫الجزية على رءوسهم والخراج على أراضيهم بعد إسلمهم‪!...‬‬
‫وقد أدى هذا الخلل بمبدأ المساواة إلى تذمرهم ‪ ,‬وأيدوا الدعوة العباسية‪ ,‬وكسسانوا‬
‫أعوان العباسيين في إقامة دولتهم‪.‬‬
‫وقد اعترف لهم الخلفاء العباسيون بالفضل وحفظوا لهم يدهم فولسسوهم الوظسسائف‬
‫الكبرى‪ .‬وكانت أسرة البرامكة أول من تقدم في دولة بني العباس‪ ,‬منسسذ أبسسي العبسساس‬
‫السفاح‪ ,‬فكان منهم الوزراء والولة وكان منهم الكتاب‪.‬‬
‫وفي عهد الرشيد لمع نجمهم ‪ ,‬وتولوا مقاليد الحكم في الدولة ‪ .‬وفي زمنهم نشط‬
‫الشعوبيون‪ ,‬يستظلون بحمايتهم‪ ,‬وأخذ الكتاب والشعراء منهسسم يمتسسدحون فيهسسم أمجسساد‬
‫الفرس‪ .‬وفي عهد المسأمون حسل بنسو سسسهل و بنسسو طساهر ‪ -‬وكسانوا قبسسل إسسسلمهم مسن‬
‫أشراف الفرس و مجوسهم ‪ -‬محل البرامكة بعد نكبتهم ‪ ,‬فكان الفضل بن سهل ومسسن‬
‫بعده أخوه الحسن بن سهل وزراء المسأمون والقسائمين علسى تسدبير أمسوره ومخططسسي‬
‫سياسته‪ ,‬وكان طاهر بن الحسين وأولده قادة جيوشه وبقوتهم ارتفع إلى سدة الخلفة‬
‫بعد قتلهم أخاه المين‪ ,‬فانتعشت الشعوبية‪ ,‬ولم تعد تقتصر على مديح الفرس وتمجيسسد‬
‫ماضيهم‪ ,‬بل تجاوزته إلى القدح بالعرب ونشر مثالبهم والسخرية من تقاليدهم‪.‬‬
‫وفي عهد المأمون خاض الكتسساب والشسسعراء الشسسعوبيون فسسي امتسسداح الفسسرس وذم‬
‫العرب‪.‬‬
‫ولم يكتف الشعوبيون بالقدح في طبسسائع العسسرب وحيسساتهم الجتماعيسسة بسسل تجسساوزوا‬
‫ذلك إلى النتقاص من ثقافتهم ومقامهم‪ ,‬وامتدحوا الثقافسسات العجميسسة‪ ,‬وتغسسافلوا عسسن‬
‫التطور الكبير الذي حدث في تاريخ العرب فسسي النسسواحي الجتماعيسسة والفكريسسة‪ ,‬حسستى‬
‫فسروا بعض آيات القرآن بما يفيد تفضيل العجم على العرب ‪.‬‬
‫وقد رد كتاب العرب وشعراؤهم على الشعوبيين ودفعوا ما قيل في مثالب العسسرب‬
‫ببيان ما لهم من المزايا والفضائل‪ ,‬من كرم وشسسجاعة ونجسسدة ومسسروءة‪ ,‬ومسسن فصسساحة‬
‫وبيان‪ ,‬ومن تكريم عند الله تعالى باختيار النبي صسسلى اللسسه عليسسه وسسسلم منهسسم وإنسسزال‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 252 [ ‬‬

‫القرآن الكريم بلغتهم‪ ,‬وبدينهم اهتدى الناس وخرجسسوا مسسن الظلمسسة إلسسى النسسور‪ ..‬وكسسان‬
‫ذلك الصراع أح أوجه التركيب الجتماعي ‪.‬‬
‫‪ -‬حركات الزندقة ‪:‬‬
‫يطلق اسم زنديق ‪ -‬بالفارسية )زند كراي( ‪ -‬على الملحد السسذي ل يسسؤمن بوحدانيسسة‬
‫الله ول باليوم الخر‪ .‬وقد شاعت الزندقة في فارس وأطلقسست علسسى مسسن ظسسل معتنقسسا‬
‫تعاليم )مزدك( و )ماني( التي تدعو إلى عبادة إلهين إله النور‪ ,‬وإله الظلمة وأباحت مسسا‬
‫حرم السلم من حرمات‪ ,‬وتأثرت بعقائد الهند التي تقول بالتناسخ والحلول‪ ,‬ثم تدثرت‬
‫بدثار التشيع وأخذت تقاوم السلم‪ ,‬وكانت ترمي بذلك إلى تحقيق هدفين‪:‬‬
‫‪ -‬وإفساد عقيدة المسلمين ‪.‬‬ ‫‪ -‬النتقاض على الحكم العربي‬
‫أما النتقاض فقد جرى على أسلوبين‪ ,‬أحدهما سياسي ساعد عليه تقريب العناصر‬
‫الفارسية ومشاركة الخليفة العباسسسي فسسي السسسلطة‪ ,‬وأحيانسسا السسستقلل بهسسا مسسن دونسسه‬
‫بتفويض منه‪ .‬فقد كانت هذه العناصسسر تحلسسم بإعسسادة مجسسدها المفقسسود وتشسسجع حركسسات‬
‫الزندقة والشعوبية‪ ,‬وكسسانت تخفسسي أحلمهسسا بمطاوعسسة الخلفسساء فيمسسا يشسستهون وإشسسباع‬
‫شهواتهم وإظهار الوفاء لهم‪ .‬وكان من هؤلء أبو مسلم الخراساني ثم البرامكة‪ ,‬ثم آل‬
‫سهل وآل طاهر‪.‬‬
‫أما السلوب الثاني‪ ,‬فكان في خلع طاعة الخليفة وإعلن الثورة عليه‪ ,‬ومنهسسا ثسسورة‬
‫الراوندية و الخرمية و البابكية وغيرها‪.‬‬
‫وكان الهدف الثاني الذي ترمي إليسه الزندقسة هسسو إفسساد عقيسدة المسسسلمين تحسست‬
‫شعار التشيع‪ ,‬ومن خلله تسربت عقائد وديانات الفرس السابقة للسلم‪ ,‬فكانت تغرر‬
‫بالشبان بما كان ماني يدعو إليه من طلب اللذة بإباحة شرب الخمر ووطء المحرمسسات‬
‫ومنهم الخوات والبنات‪.‬‬
‫وقد بدأ الخليفسسة المنصسسور بتتبسسع الزنادقسسة وقتسسل مسسن قسسامت عليسسه الحجسسة‪ ,‬واشسستد‬
‫المهدي في تتبعهم‪ ,‬وكان يستتيبهم‪ ,‬فمن تاب أطلقه ومن أبى قتله‪ ,‬وبذلك أوصى ابنه‬
‫موسى )الهادي( ‪ .‬وقد سار الرشيد بسيرة أبيه وأخيسسه فتعقسسب الزنادقسسة وبطسسش بمسسن‬
‫ثبتت عليه الزندقة‪ .‬أما المأمون فكان إذا سمع بزنديق أمر بحملسسه إلسسى مجلسسسه وفيسسه‬
‫جماعة من المتكلمين ‪ -‬المعتزلة ‪ -‬فناظروه لعلهم يقنعونه ويردونه إلى السلم‪ ,‬وكسسان‬
‫المأمون يشترك في مناظرته‪ ,‬فإذا لم يكف عن غوايته‪ ,‬أمر بقتله‪.‬‬
‫كذلك فعل المعتصم فقتل قائده )الفشين( بعد محاكمته وثبوت الزندقة عليه ‪.‬‬
‫‪ -‬مسألة خلق القرآن ‪:‬‬
‫كما ذكرنا آنفا ‪ ,‬فقد أدى الحتكاك بفلسفات اليونان ‪ ,‬والنفتاح على ثقافات الدول‬
‫المفتوحة الفارسية والشرقية الخرى إلى دخول أفكار شاذة لدى بعض من مسسزج ذلسسك‬
‫بعلوم الشريعة ولسيما في مجال العقائد ‪ ,‬مما ولد مذاهب منحرفسسة كسسان مسسن أبرزهسسا‬
‫تأثيرا في تلك الفترة ‪ ,‬ما سمي بمذهب المعتزلة ‪ ,‬الذين جعلوا العقل – بحسسسب فهسسم‬
‫عقولهم السقيمة – حكما على النصسوص الشسرعية المحكمسسة كتابسا وسسسنة ! وقسد صسار‬
‫بعض أئمة ذلك المذهب مقربيسسن مسسن الخليفسسة المسسأمون ‪ ,‬وأقنعسسوه بمسسذهبهم ! ‪ ,‬وفسسي‬
‫أواخر خلفته ابتدع المعتزلة و زعيمهم مسالة القول بخلق القرآن التي تصدى لضسسللها‬
‫أئمة أهل السنة وفي طليعتهم المام أحمد بن حنبل ‪.‬‬
‫وفي أواخر عهد خلفته ألزم المأمون الفقهاء بالخذ بها‪ ,‬ففي سنة ‪218‬هسسس تسسوجه‬
‫المأمون لحرب الروم فأناب عنه في بغداد إسحاق بن إبراهيم المصعبي‪ ,‬وهو ابن عسسم‬
‫طاهر بن الحسين ولما وصل إلى مدينة )طرسوس( كتب لنائبه يأمره أن يدعو الفقهاء‬
‫ويسألهم عن رأيهم في خلق القرآن‪ ,‬فمن قال إنه مخلوق أطلقه‪ ,‬ومن قال بغير ذلسسك‬
‫فقد أمره أل يستعين به في عمل وأن يسقط شهادته وأن يمنعه من التحسسديث بحسسديث‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ .‬ومن الفتوى‪ ,‬فإن أصر بعسسد ذلسسك فليشسسده بالحديسسد‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 253 [ ‬‬

‫ويرسله إليه بس)طرسوس( ‪ ..‬وقد حمل إليه المام ابن حنبل مصفدا بالسلسل ‪ ,‬و دعسسا‬
‫ربه في الطريق أن ل يجمعه بالمأمون ‪ ,‬فجاءهم خبر وفاته في الطريق ورد ابن حنبل‬
‫إلى بغداد ‪.‬‬
‫وكان المأمون قد عهد بالخلفسسة مسسن بعسسده إلسسى أخيسسه المعتصسسم بسسالله وأوصسساه أن‬
‫يستمر بامتحسسان الفقهسساء‪ ,‬فسسسلك مسسسلك المسسأمون وكتسسب إلسسى الوليسات بسسذلك‪ ,‬وأمسسر‬
‫المعلمين أن يعلموا الصبيان أن القسرآن مخلسوق ‪ ,‬وقاسسى النساس منسه مشسقة وجسورا‬
‫عظيما‪ ,‬وقتل كثيرا من العلماء‪ ,‬وضرب المام أحمد بن حنبل بين يديه وعذب ‪.‬‬
‫ثم أوصى المعتصم ابنسسه الواثسسق بامتحسسان العلمسساء‪ ,‬فتبسسع أبسساه وسسسلك مسسسلكه فسي‬
‫امتحانهم وقتل المحدث أحمد بن نصسر الخزاعسي لنسه لسم يقسل بخلسق القسرآن وسسعى‬
‫بالخروج على الواثق ‪ .‬ولما جرى الفداء بين المسلمين والروم سنة ‪231‬هس س أمسسر أن ل‬
‫يفتدى من أسرى المسلمين إل من قال بخلسسق القسسرآن ‪ ,‬فمسسن رفسسض تسسرك فسسي أيسسدي‬
‫الروم‪.‬‬
‫وأمر الواثق بامتحان أهل الثغور فقالوا بخلقه جميعسسا إل أربعسسة نفسسر‪ ,‬فسسأمر الواثسسق‬
‫بضرب أعناقهم إن لم يقولوا بخلق القرآن‪ ,‬فأبوا فضرب أعناقهم‪ .‬ولما تولى المتوكسسل‬
‫الخلفة أبطل القول بخلق القرآن وخرج أحمد بن حنبل مسسن بيتسسه بعسسد أن لزمسسه طيلسسة‬
‫عهد المعتصم والواثسسق ‪ ,‬فسسأكرمه المتوكسسل‪ ,‬وغضسسب علسسى أحمسسد بسسن أبسسي دؤاد فعزلسسه‬
‫وصادر أمواله وحبسه مع أبنائه وإخوته وأصابه الفالج فمات ‪.‬‬
‫‪ -‬حياة الترف وبداية التحلل من القيم الدينية ‪:‬‬
‫فقسد أحسدثت هسذه الحيساة الطسارئة‪ ,‬تراخيسا فسي الخلق السسلمية‪ ,‬وأصسبح اللهسو‬
‫والمجون والعبث من سمات كثير من أهل ذلك العصر‪ ,‬وتطنب كتب التاريخ بأخبسسار مسسا‬
‫عجت به قصور الخلفاء والكبراء من قصص تكاد تقرب من الخيال مما يطسسول ذكسسره ‪,‬‬
‫ول داعي للفاضة فيه هنا ‪ .‬وأظن أن كثيرا من تلك القاصسسيص كسانت مسسن نسسسج خيسسال‬
‫الوضاعين والدباء و القصاصين ‪..‬ولكن الحقيقة أن لكل تلك التهويلت أصل‪..‬‬
‫وكان ذلك الترف وما ذكرنا من أسباب التقهقر المعسسول السسذي قسسد جسسذور الخلفسسة‬
‫السلمية ‪ ,‬لتصبح في العصر العباسي التالي منصبا يعبث به القادة والمماليك‪.‬‬
‫*************‬

‫العصر العباسي الثاني ‪:‬‬ ‫•‬


‫ويمتد من خلفة المستنصر الذي قتل أباه المتوكل بالتآمر مع القادة التراك ‪ ,‬إلى‬
‫خلفة المقتدي بالله الذي شهدت خلفته بداية الحملت الصليبية على سواحل الشام ‪,‬‬
‫وبداية تحرك التتار في شرق الخلفة على تخوم بلد ما وراء النهر ‪.‬‬

‫السمات التي يتميز بها العصر العباسي الثاني ‪:‬‬ ‫•‬


‫أول ‪ -‬تغلب القادة المتغلبين على الخلفة ‪:‬‬
‫يعتبر إقدام القادة التراك على قتل الخليفة المتوكل على الله في الخامس عشسسر‬
‫مسسن شسسهر شسسوال سسسنة ‪247‬هسسس‪ ,‬بدايسسة العصسسر العباسسسي الثسساني‪ ,‬وفيسسه اسسستبد القسسادة‬
‫بالسلطة‪ ,‬وأصبح الخليفة طوع إرادتهم وأسير هواهم‪ .‬وقسسد أصسسبح مصسسير الخلفسسة فسسي‬
‫أيديهم‪ ,‬فمن شاءوا خلعوه ثم قتلوه‪ ,‬ومن شاءوا ألزموه خلع نفسه و سملوه وصادروا‬
‫أمواله‪ .‬وحين خلع الخليفة أحمد المستعين بالله‪ ,‬وهو أول خليفة خلع‪ ,‬لم يلبث أن قتل‬
‫بعد خلعه‪.‬‬
‫ولما استولى البويهيون علسسى السسسلطة بعسسد التسسراك‪ ,‬اتبعسسوا نهجهسسم‪ ,‬فكسسان الميسسر‬
‫البويهي يولي الخلفسة مسن يشساء ويخلسسع مسسن يشساء وكسان الخلسع كسثيرا مسا يتسم بالسذل‬
‫والهوان‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 254 [ ‬‬

‫وكان خلع الخليفة يوم ابتهاج عند الجند‪ ,‬ففيه يجري نهب دار الخلفة وفيه يطسسالب‬
‫الجند الخليفة الجديد برسم )بيعته(‪ .‬وكسسان يجسسري علسسى الخليفسسة المخلسسوع نفقسسة قسسد ل‬
‫تكفيه‪ ,‬فيضطر إلى التكفف واستعطاف الناس‪ ,‬كمسسا جسسرى للخليفسسة القسساهر بسسالله بعسسد‬
‫خلعه ومصادرة أمواله و سمله‪ ,‬فكان يخسسرج إلسسى جسسامع المنصسسور و يتكفسسف المصسسلين‬
‫ويقول‪ :‬تصدقوا علي فأنا من قد عرفتسسم ‪ .‬وذلسسك بعسسد أن كسسان قسسد حفسسر الخاديسسد فسسي‬
‫قصره وملها ذهبا وفضة ‪ !!..‬وسبحان مالك الملك !‬
‫وقسسد تسسوالى علسسى الخلفسسة منسسذ خلفسسة المنتصسسر بسسالله سسسنة ‪248‬هس س إلسسى خلفسسة‬
‫المستظهر بالله سنة ‪487‬هسسس‪ ,‬أي خلل ‪ 239‬سسسنة‪ ,‬سسسبعة عشسسر خليفسسة‪ ,‬منهسسم أربعسسة‬
‫قتلوا وهم‪ :‬المستعين بالله والمعتز بالله والمهتدي بسالله والمقتسدر بسالله‪ ,‬ومنهسم ثلثسة‬
‫خلعوا وسملوا ) قلعت عيونهم ( وهم‪ :‬القسساهر بسسالله والمتقسسي للسسه والمسسستكفي بسسالله‪,‬‬
‫ومنهم اثنان أجبرا على خلع نفسيهما وهم‪ :‬المطيع و الطائع ‪ ,‬وهناك خليفتان قيل فسسي‬
‫بعض الروايات أنهما قتل بالسسسم وهمسسا‪ :‬المعتمسسد علسسى اللسسه و المعتضسسد بسسالله‪ ,‬فيكسسون‬
‫مجموع من قتل وخلع ومات بالسم عشر خلفاء‪.‬من أصل سبعة عشر !!‬

‫ثانيا ‪ -‬عزل الوزراء ومصادرتهم ‪:‬‬


‫لم يكن حال الوزراء بأفضل من حال الخلفاء‪ ,‬فكان الوزير يسسأتمر بسسأمر المتغلسسبين‪,‬‬
‫فإذا غضبوا عليه عزلوه وصسسادروا أمسسواله‪ ,‬وقسسد يقتلسسونه‪ ,‬كمسسا جسسرى للسسوزير أحمسسد بسسن‬
‫إسرائيل ولكاتبه عيسى بن نوح‪ .‬فقد صادرهما القائد التركي صالح بن وصسسيف وقتلهسسم‬
‫ضربا بالسياط ‪ .‬ومثل ذلك بل أشد ما جرى لكثير من الوزراء‪.‬‬
‫وكثيرا ما كان الوزير ُينصب ثم ُيعزل‪ ,‬ويتكرر نصسسبه وعزلسسه عسسدة مسسرات ل يفصسسل‬
‫بينهما إل أمد قصير‪ ,‬وغالبا ما كان ينتهي عزله بمصادرته وقتله‪ ,‬ومع ذلك فإن الكثيرين‬
‫كانوا يطمعون في تولي الوزارة‪ ,‬ويبذلون المال في سبيل توزيرهم !!‪.‬‬
‫ذلك أن الوزارة كانت موردا للثراء الفاحش عسسن طريسسق الرشسساوى‪ ,‬ومسسن ذلسسك أن‬
‫محمد بن عبيد الله بن خاقان وزير المعتضد بالله كسسان يأخسسذ الرشسسوة مسسن كسسل طسسالب‬
‫وظيفة‪ ,‬وربما عين للوظيفة الواحدة عددا من الموظفين‪ ,‬وقيل إنه عين في يوم واحسسد‬
‫تسعة عشر ناظرا للكوفة وأخذ من كل واحد رشوة وكان أهمها ضمان الخراج وتعييسسن‬
‫الولة والعمال والقضاة والكتاب‪ ,‬فيكون للوزير على من يوليه جبايات يجني منها ربحسسا‬
‫وفيرا‪ ,‬ويثري به ثراء فاحشا‪.‬‬
‫من أجل ذلك كانت الوزارة هدفا للدسسسائس مسسن حاسسسدي السسوزير‪ ,‬الطسسامعين فسسي‬
‫منصبه‪ ,‬فإذا أفلح الدس على الوزير عزل وصودرت أمواله‪ ,‬وكان ما يصادر يعسسد بسسآلف‬
‫اللف من الدنانير‪ ,‬ومع ذلك فقد يسلم له الكثير مما يكون قسسد طمسسره فسسي حفسسرة‪ ,‬أو‬
‫أخفاه في مكان بعيد ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ -‬ابتداع اللقاب و الكنى ‪:‬‬


‫لما انتقلت الخلفة إلى بني العباس أضافوا إلى هذا اللقب ألقابسسا تسسدل علسسى صسسفة‬
‫يتميز بها الخليفة‪ .‬فقد عرف عبد الله أبو العباس أول خليفة عباسي‪ ,‬بلقسسب )السسسفاح(‬
‫وتلقب أخوه عبد الله أبو جعفر بلقب )المنصور( وتلقسسب ابنسسه محمسسد مسسن بعسسده بلقسسب‬
‫)المهدي( وتلقب من بعسسده ولسسداه‪ ,‬موسسسى وهسسارون بلقسسب موسسسى )الهسسادي( وهسسارون‬
‫)الرشيد(‪ .‬ولقب الرشيد أولده الثلثة‪ :‬محمد وعبد الله والقاسم بلقب محمد )الميسسن(‬
‫وعبد الله )المأمون( والقاسم )المؤتمن(‪.‬‬
‫ولما تولى الخلفة محمد بن الرشيد خلفا لخيسه المسأمون ابتسدع لقبسسا‪ ,‬أضسافه إلسى‬
‫اسم الله تعالى فتلقب بمحمد )المعتصم بالله(‪ ,‬وجرى الخلفاء من بعده علسسى تقليسسده‪,‬‬
‫وأصبح الخليفة يعرف بلقبه‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 255 [ ‬‬

‫ولما استبد القادة التراك بالسلطة منح الخليفة إلى من بيده السلطة منهسسم لقسسب‬
‫)أمير المراء( ولقب )معسسز الدولسسة( و)عمسساد الدولسسة( )ركسسن الدولسسة(‪ ,‬و)عضسسد الدولسسة(‬
‫و) جلل الدولة( و) بهاء الدولة( و) فخر الدولة (‪.‬‬
‫ولم يكتف بنو بويه بهذه اللقاب‪ ,‬بل أضسسافوا إليهسسا لقسسب )السسسلطان(‪ ,‬ومنهسسم مسسن‬
‫تلقب بلقب )شاهنشاه( أي ملك الملوك الذي أفتى العلمساء بحرمتسه ‪ .‬ثسم سسرت هسذه‬
‫اللقاب بعد ذلك إلى أمراء القاليم المسسستقلين‪ ,‬فكسسان مسسن الحمسسدانيين فسسي الموصسسل‬
‫وحلب‪) :‬ناصر الدولة( و)سيف الدولة( و)شسسبل الدولسسة(‪ ,‬وتبعهسسم بعسسد ذلسسك أمسسراء بنسسي‬
‫عقيل في الجزيرة وملوك الخشسسيد فسسي مصسسر‪ ,‬وسسسلطين غزنسسة وكسسان منهسسم‪) :‬ناصسسر‬
‫الدولة( سبكتكين و)يمين الدولة( محمود ‪ .‬و)شهاب الدولة( و)جمسسال الدولسسة( و)كمسسال‬
‫الدولة(‪ ,‬وإلى هذه اللقاب أضيفت أيضسسا كنسسى )كسسأبي الفضسسائل( و)أبسسي المعسسالي( ومسسا‬
‫شابه ذلك‪.‬‬
‫وقد أصبحت الكنى واللقاب في العصر العباسي الثاني موردا للخلفاء‪ ,‬وخاصة بعد‬
‫أن رفعت عن أيديهم أمسوال بيست المسال فسي عهسسد معسز الدولسسة البسسويهي فكسان بعسض‬
‫الخلفاء يبيع اللقاب لمن يطلبها‪!...‬‬

‫رابعا ‪ -‬مظالم عمال الخراج ‪:‬‬


‫يشمل الخراج ضريبة ما تخرجه الرض من ثمرات ومحاصيل‪ ,‬وكان يتسسولى جبايتهسسا‬
‫مع جباية موارد الدولة الخرى عمال يدعون )عمال الخسسراج( وكسسانوا يتمتعسسون بسسسلطة‬
‫كبيرة‪ .‬وقد عرفوا بسسالظلم والعسسسف فكسسانوا يجبسسون أضسسعاف مسسا كسسانوا يضسسمنون أداءه‬
‫للدولة‪.‬‬
‫وقد روى المؤرخون مسسا كسسان يجسسري علسسى أيسسديهم مسسن المظسسالم‪ ,‬ومسسا كسسان يلقسسى‬
‫المكلفون من صنوف العذاب‪.‬‬
‫ومثل ذلك يفعلون مع من يرث ميراثا ضخما‪ ,‬فكانوا يعملون علسسى السسستيلء علسسى‬
‫ميراثه‪ ,‬أو يشركونه فيه‪ ,‬فإذا رفض سجنوه وأخذوا في تعذيبه حتى ينالوا ما يريدون ‪.‬‬
‫وقد جمع عمال الخراج مما جنسسوه ثسسروات كسسبيرة‪ ,‬ملكسسوا بهسسا الضسسياع وبنسسوا السسدور‬
‫والقصور وعقدوا فيها مجالس الطرب والسمر والشراب‪ ,‬وقصدهم الشعراء يتكسبون‬
‫بمدحهم ‪.‬‬
‫وقد يتولى الوزير مع وزارتسسه ضسسمان الخسسراج‪ ,‬فيجسسبي بسسلطانه مسال كسسثيرا‪ ,‬يسسؤدي‬
‫بعضه إلى بيت المال ويوفر لنفسه ما تبقى‪.‬‬

‫خامسا ‪ -‬مصادرة الموال ‪:‬‬


‫لم تقتصسسر المصسسادرة علسسى أمسسوال مسسن يخلسسع مسسن الخلفسساء أو يعسسزل مسسن السسوزراء‬
‫والعمال‪ ,‬بل شملت أمسسوال النسساس وخاصسسة التجسسار منهسسم‪ ,‬فكسسان الخليفسسة العباسسسي أو‬
‫السلطان البويهي‪ ,‬إذا أعوزه المال أمر بمصادرة التجار‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 256 [ ‬‬

‫سادسا ‪ -‬فساد القضاء ‪:‬‬


‫كان القضاء هو الداة التي تضمن سلمة المجتمع وأمنه بإشاعة العدل والمسسساواة‬
‫بين أفراده‪ .‬ويشترط في القاضسسي أن يكسسون عالمسسا بأحكسسام الشسسرع‪ ,‬مراعيسسا مقاصسسده‬
‫ومجتهدا فيه‪ ,‬وأن يكون عفيفا‪ ,‬غير طامع في مال ول مغسستر بجسساه ول مطيسسع لسسسلطان‬
‫في غير ما أمر الله‪.‬‬
‫وكان القاضي يرتزق من بيت المال في حدود حاجته وقد يتورع فيقضي بغير أجسسر‪.‬‬
‫ومن الفقهاء من كسان يعتسسبر القضساء محنسة وابتلء فيسأبى تسسوليه مخافسة أن يصسدر فسي‬
‫قضائه عن جور أو يلحق ظلما بأحد‪ ,‬فيبوء بخسسسران يقاضسسيه اللسسه عليسسه‪ .‬ففسسي حسسديث‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم‪ ) :‬قاض في الجنة وقاضيان في النار ( فهسسو يخشسسى أن‬
‫يكون أحد القاضيين‪.‬‬
‫وهسذا أبسو حنيفسة يريسده الخليفسة المنصسور العباسسي علسى القضساء فيمتنسع‪ ,‬فيسأمر‬
‫المنصور بضربه بالسياط‪ ,‬ثم يأمر بحبسه‪ ,‬وقيل إنه مات فسسي الحبسسس ‪ .‬وهسسذا سسسفيان‬
‫الثوري يكتب إليه الخليفة المهدي بولية قضاء الكوفسسة علسسى أن ل يتعسسرض أحسسد لحكسسم‬
‫من أحكامه‪ ,‬فيأخذ العهد ويرميه في دجلة ثسسم يتسسوارى ‪ .‬ومثلسسه إسسسماعيل بسسن إبراهيسسم‬
‫السدي المعروف بابن علية ‪ .‬وعبد الله بن وهب وكثيرون غيرهم ممن تحرج من تولي‬
‫القضاء فامتنع عن قبوله‪.‬‬
‫هكذا كان شأن القضاء فيما مضى حتى جاء العصر العباسي الثاني‪ ,‬فتسسأثر القضسساء‬
‫بفساد العصر وأصبح وسيلة للرتزاق !! وارتقى إليه مسن ليسس مسن أهلسسه‪ .‬ففسي عهسسد‬
‫الخليفة المقتدر‪ ,‬ولى وزيره أبو الحسسسن بسسن الفسسرات القضسساء تسساجرا كسسان أسسسدى إليسسه‬
‫معروفا‪.‬‬
‫ومضت فترة جرى فيها تضمين القضاء لقاء رشاوى ومبالغ ضسسخمة !! ‪ .‬ففسسي عسسام‬
‫‪350‬هسس ضسسمن السسسلطان معسسز الدولسسة البسسويهي قضسساء بغسسداد لبسسي عبسسد اللسسه بسن أبسي‬
‫الشوارب ومعه قضاء القضاة ‪ ,‬لقساء مسائتي ألسف درهسم يسدفعها كسل سسنة إلسى خزانسة‬
‫السلطان‪.‬‬
‫وكان تضمين القضاء وسيلة للرشوة‪ ,‬ويبدو أنها كانت مألوفة عند بعسسض أبنسساء أبسسي‬
‫الشوارب‪ ,‬وأكثرهم ممن تولى القضاء فقد روى ابن كثير أن محمد بن الحسن بن عبد‬
‫اللسسه بسسن أبسسي الشسسوارب‪ ,‬قاضسسي بغسسداد كسسان ينسسسب إلسسى أخسسذ الرشسسوة فسسي الحكسسام‬
‫والوليات‪ .‬على أن هذه السرة قد تولى أكثر أبنائها القضساء‪ ,‬وكسانوا علسى جسانب كسبير‬
‫من العلم والورع‪ ,‬غير أن الفساد سرى إلى بعضسسهم‪ ,‬وكسسان فسسساد القضسساء كمسسا يقسسول‬
‫صاحب المنتظم‪ ,‬أول ما انحل من سياسة الملك‪.‬‬
‫وقد أورد محمد بن سعد الزهري المتسسوفى عسام ‪230‬هسس مقارنسة بيسن قضساة صسدر‬
‫السلم وقضاة زمانه فقال‪ :‬كان الرجلن يتقسساولن بالمدينسسة فسسي أول الزمسسان فيقسسول‬
‫أحدنا للخر‪ :‬لنت أفلس من القاضي‪ ,‬فصار قضاة اليوم ولة وجبابرة وملوكا وأصحاب‬
‫غلت وضياع و تجارات وأموال !!‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 257 [ ‬‬

‫سابعا ً ‪ -‬الفتن و الصراعات الداخلية‪:‬‬


‫أ ‪ -‬الفتن المذهبية ‪:‬‬
‫ثارت فتن بين الشيعة وبين أهل السنة‪ ,‬وخاصة الحنابلة منهم‪ ,‬فتن كسسان مسسسرحها‬
‫بغداد‪ .‬وقد بدأت في أوائل القرن الرابع الهجري وامتدت إلسسى أواخسسر القسسرن الخسسامس‬
‫الهجري‪ ,‬وكانت تتوالى الفتن عاما بعد عام‪ ,‬وكثيرا ما كانت تشتد‪ ,‬فينشسسب فيهسسا قتسسال‬
‫مرير يرافقه حرائق وتدمير‪.‬‬
‫وقسسد شسسد آل بسسويه أزر الشسسيعة لتشسسيعهم‪ ,‬وشسسد التسسراك أزر أهسسل السسسنة لخسسذهم‬
‫قصاص من الجانبين يثيرون شعور الطرفين بالعداء و يحرشون فيمسسا‬ ‫بمذهبهم‪ ,‬وكان ال ُ‬
‫بينهم‪ .‬حتى بلغ السفاف في إحدى السنين – كما جاء في تاريخ ابسسن كسسثير ‪ -‬أن يخسسرج‬
‫الجهال والرعاع من المنسوبين للسنة جمل رمزوا به إلى جمل موقعة الجمسسل وسسساروا‬
‫خلفه ‪ ,‬ورفع الشيعة راياتهم و استعلنوا بسب الصحابة‪ ! ..‬واقتتل الناس حستى تعطلست‬
‫السواق والحياة وانتشر الشر في بغداد !!‬
‫وكذلك كانت تثور الفتن أحيانا حستى بيسن أهسل السسسنة ‪ .‬بيسسن الحنابلسة و الشسساعرة‪,‬‬
‫وبين الحنفية والشافعية‪ ,..‬فكان أهل كل مذهب يتعصبون لمذهبهم‪ ,‬ويدفعهم التعصسسب‬
‫إلى أن يقتتلوا‪ .‬ففي عام ‪469‬هس قدم أبو نصر القشيري إلى بغسسداد فسسوعظ بالمدرسسسة‬
‫النظامية ونصر الشاعرة وحط على الحنابلة‪ ,‬فهاج عوام أهل السنة وأحداثهم وقصدوا‬
‫المدرسة النظامية‪ ,‬وحميت الفتنة وقتل جماعة منهم‪ .‬وثارت الفتنسسة فسسي عسسام ‪476‬هسس‬
‫بين الفريقين وتلتها فتن أخرى كسانت تثسور بيسن حيسن وآخسر وامتسدت إلسى آخسر القسرن‬
‫السادس الهجري‪.‬‬
‫كذلك ثارت الفتن بين الحنفيسسة والشسسافعية‪ ,‬وكلهمسسا مسسن أهسسل السسسنة‪ ,‬ففسسي عسسام‬
‫‪468‬هس نشبت فتنة كبرى بينهسسم بسسسبب تحسسول إمسسام مسسن أئمسسة الحنفيسسة إلسسى المسسذهب‬
‫الشافعي ‪ .‬فقد روى السبكي أن المام أبو المظفر منصور بسسن أحمسسد بسسن عبسسد الجبسسار‬
‫المعروف بابن السمعاني الخراساني‪ .‬تحول من المذهب الحنفي الذي ناظر فيه ثلثين‬
‫سنة‪ ,‬إلى المذهب الشافعي‪ ,‬فقامت الحرب بين جماعة المذهبين‪ ,‬واضسسطرمت الفتنسسة‬
‫بينهم‪ ,‬حتى كادت أن تمل ما بين خراسان والعراق ‪.‬‬
‫ويصف لنا ياقوت في معجمه ‪ ,‬آثار الخراب الذي أصاب بعسسض المسسدن فسسي أعقساب‬
‫الفتن التي كانت تنشب بين أصحاب المذهبين‪ ,‬فحين يذكر مدينة أصفهان يقول‪ " :‬وقد‬
‫فشا الخراب في نواحيها لكسسثرة الفتسسن والتعصسسب بيسسن الحنفيسسة والشسسافعية‪ ,‬والحسسروب‬
‫المتصلة بين الحزبين‪ ,‬فكلما ظهرت طائفة نهبسست الخسسرى‪ ,"...‬وجسسرى مثسسل ذلسسك فسسي‬
‫مدن أخرى كالري و ساوة‪.‬‬
‫وروى المام السبكي أن مسعود بن علي وزير خسسوارزم شسساه‪ ,‬أميسسر خسسوارزم كسسان‬
‫متعصبا للشافعية‪ ,‬وقد بنى في مدينة )مرو( جامعا‪ ,‬فتعصسسب عليسسه أهسسل المدينسسة وهسسم‬
‫أحناف‪ ,‬فأحرقوا الجامع‪ ,‬وقامت فتنة هائلة‪ ,‬كادت الجماجم فيها تطير عن الغلصم‪..‬‬
‫ب ‪ -‬فتن الجند ‪:‬‬
‫كان الجيش في أغلبه يتألف من التراك و الديلم‪ ,‬وكثيرا مسسا شسسغبوا علسسى الخليفسسة‬
‫لتأخر أعطياتهم‪ ,‬وكثيرا مسا أدى شسغبهم إلسى خلسع الخليفسة طمعسا برسسم البيعسة ممسن‬
‫يخلفه‪ .‬وقد يرتد شغبهم على الناس‪ ,‬فتندلع فتنة يكثر ضحاياها‪.‬‬
‫ففي عام ‪421‬هس برم الناس من اعتداء الجند التراك‪ ,‬وعجزت الدولة عن ردعهسسم‬
‫لضعفها وهوانها‪ ,‬فاجتمع الهاشميون و العلويون ومعهم الفقهاء‪ ,‬فاستنفروا الناس لصد‬
‫التراك‪ .‬فعمد التراك إلى رفع الصليب علسسى رمسسح !! يتحسسدون بسسذلك الدولسسة‪ ,‬وترامسسى‬
‫الفريقان بالنشاب والجر‪ ,‬وقتل طائفة من الناس‪.‬‬
‫وفي عسام ‪429‬هسس تظلسم النساس مسن اعتسداء السديلم واقتحسامهم السدور وتعرضسهم‬
‫للنساء‪ ,‬فلم يستمع السلطان البويهي لتظلمهم‪ ,‬فالتحموا مع السسديلم فسسي قتسسال مريسسر‪,‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 258 [ ‬‬

‫واهتبسسل العيسسارون انشسسغال النسساس فسسي القتسسال‪ ,‬فسسداهموا السسبيوت والمخسسازن‪ ,‬واقتحسسم‬
‫اللصوص بغداد فأخذوا ما وجدوا من الخيول‪.‬‬
‫ج ‪ -‬فتن العيارين والشطار( السراق و الحرامية والصعاليك (‪:‬‬
‫كان للعيارين والشطار نصيب كبير في الفتن ‪ ,‬فقد تألف منهم فرق منظمة‪ ,‬كانت‬
‫تخضسسع لزعيسسم يسسدعى )مقسسدم العيسسارين( وهسسو السسذي يزودهسسا بالسسسلح ويتسسولى تسسدريبها‬
‫وتوجيهها‪ .‬وكان ينتظم في هسذه الفسرق أوزاع مسن النساس وأخلط مسن الفقسراء‪ ,‬فيهسم‬
‫السني والشيعي‪ ,‬وفيهم الهاشمي والعلوي وفيهم العرابي والكردي والعجمسسي‪ .‬كسسانت‬
‫فرقهم تنتهز انشغال الناس في الفتن التي تثار‪ ,‬فيغيرون على منسسازل الغنيسساء‪ ,‬وكسسثيرا‬
‫ما تغلبوا على الشرطة وهزموها‪ .‬وقد بلغ من قوتهم أن فرضوا الخطبة لزعيمهسسم فسسي‬
‫صلة الجمعة في إحدى المرات !‪.‬‬
‫ففي عام ‪424‬هس اجتمسسع فسسي الرصسسافة ببغسسداد فريسسق منهسسم وألزمسسوا الخطيسسب أن‬
‫يخطب للبرجمي ) زعيم العيارين ( مع خطبته للخليفة والسسسلطان !‪ .‬وكسسانوا يفرضسسون‬
‫التاوات على أصحاب العمسال‪ ,‬وربمسا تولسوا حفسظ المسن !‪ ,‬وتلقسب زعمساؤهم بلقسب‬
‫القواد‪ .‬وكانت أفعالهم فيها ظاهرة الثورة على فساد الحكم‪ .‬وقسسد السستزم ) السسبرجمي (‬
‫ومن بعسسده ) الطقطقسسي ( بمعسساني الثسسورة ‪ ,‬وطريقسسة الصسسعاليك ‪ .‬فسسي مقاومسسة حكسسم‬
‫تسوده الفوضى ويطغى عليسسه نهسسب المسسوال‪ ,‬واختسسل فيسسه ميسسزان العسسدل وسسسرت فيسسه‬
‫الرشاوي‪.‬‬
‫وكان سلوك هؤلء الحرامية مطبوعا بالمروءة ! فلم يكن يسمح لحد من أعوانهم‬
‫العتداء على امرأة أو أخذ شيء منها‪ ,‬ول التعرض لوساط الناس وفقرائهم ‪.‬‬
‫على أن جماعات اتخذوا اسم العيارين كانوا أقرب إلى اللصوص و السراق‪ ,‬وفيهم‬
‫فجار وقوادون‪ ,‬فكانوا يمارسون عدوانهم على الناس فل ينكرها عليهم أحد ‪ .‬لن قائدا‬
‫من قواد الديلم يدعى أبا جعفسسر بسسن شسسيرزاد ‪ .‬ضسسمن لهسسم مسسا كسسانوا يمارسسسونه بمبلسسغ‬
‫خمسة وعشرين ألفا دينار يدفعونها إليه في كل شهر !‪.‬‬

‫ثامنا ‪ -‬الثورات ‪:‬‬


‫نشبت الثورات في العصر العباسي الثاني بين عامي ‪ 255‬و ‪366‬هس ما يزيسسد علسسى‬
‫خمسين ثورة‪ ,‬منها ما كان ثورة على الحكم‪ ,‬ومنها ما كان انتقاضا على الحاكمين‪ ,‬من‬
‫خليفة وسلطان‪.‬‬
‫وكان أهم الثورات خطرا في أسبابها ونتائجها ثورتان هما‪ :‬ثورة عرفت باسم ثسسورة‬
‫الزنج وثورة القرامطة‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 259 [ ‬‬

‫أ ‪ -‬ثورة الزنج ‪:‬‬


‫سبق للزنج أن ثاروا سنة ‪71‬هس ثم ثاروا سنة ‪76‬هس لمسسا فشسسا فيهسسم مسسن الفكسسار‬
‫الشاذة ‪ ,‬والزعماء الدعياء ‪ ,‬ونتيجة لما كسسان ينسسالهم مسسن ظلسسم ملك الراضسسي السسذين‬
‫جلبوهم من شرق إفريقيا لستصلح أراضيهم‪ .‬وقد قمع الحجاج أمير العراق الثورتين‪.‬‬
‫ثم قامت لهم ثورة عارمة في عهد الخليفة المعتز بالله‪ .‬قادها رجسسل فارسسسي دعسسا‬
‫نفسه محمد بن علي وزعم أنه علوي النسب وتروي الروايسسات‪ ,‬أنسسه قسسدم مسسن الهسسواز‬
‫سنة ‪255‬هس ونزل في منطقة تقسسع فسسي جنسسوب العسسراق حيسسث كسسان يقسسوم باستصسسلحها‬
‫الزنوج الفريقيون ‪ ,‬وكانوا يلقون ظلما مريرا مسسن أصسسحاب الراضسسي ‪ .‬فانسسدس فيهسسم‬
‫ذلك الرجل وادعى أنه من آل البيت‪ ,‬ودعاهم لتباعه ليحررهم من الرق‪ ,‬وينجيهسسم مسسن‬
‫عذاب أسيادهم‪ ,‬وأخذ يظهر لهم‪ ,‬بما أوتي من ذكاء وسعة حيلة‪ ,‬أعمال فيهسسا كسسثير مسسن‬
‫الشعوذة وينبئهم بأخبار يزعم أنها من الغيب‪.‬‬
‫وقد أقام دعوته على دعوة الخوارج وهي المساواة بين المسلمين‪ .‬وقسسد اسسستجاب‬
‫له العراب الذين كانوا يسكنون في بوادي البصسرة ‪ ,‬ويعملسسون لشسسظف العيسسش بشسن‬
‫الغارات على القرى واعسستراض قوافسسل الحجسساج‪ ,‬ينهبسسون ويسسسلبون ‪ ,‬وقسسد أغراهسسم بمسسا‬
‫يطمع فيه الفقراء الذين ضمر في قلوبهم الشسعور باليمسان وتراخست عقيسدتهم‪ ,‬فأبساح‬
‫لهم شيوعية الموال والنساء‪ ,‬وهي عقيدة مسسزدك الفارسسسي‪ ,‬فسساجتمعوا عليسسه مسسؤمنين‬
‫بدعوته‪.‬‬
‫وقد عرف القائم بتلك الدعوة‪ ,‬الناظم لتلك الجمسسوع الغفيسسرة بصسساحب الزنسسج‪ ,‬لن‬
‫العدد الغالب من أتباعه كان منهم‪ ,‬ولنهم أول مسسن اسسستجاب لسسدعوته‪ ,‬فاسسستولى علسسى‬
‫البحرين و الحساء‪ ,‬ثم توجه صعدا إلى البصرة‪ .‬وفي شسسوال سسسنة ‪257‬هس س أغسسار علسسى‬
‫تلك المدينة وهي غافلة‪ ,‬فداهمها بجموعه وأمعن أتباعه فيها نهبا وسلبا وقتل وتحريقسسا‪,‬‬
‫فلم يسلم من أهلها إل من هرب وهام على وجهه يلتمس النجاة‪.‬‬
‫وأوى من ظل في المدينة إلى المسجد الجامع ظنا منهسسم أنهسسم يسسأمنون فيسسه علسسى‬
‫أرواحهم‪ ,‬لكن الثائرين ما لبثوا أن داهموا المسجد وقتلسسوا مسسن أوى إليسسه‪ ,‬ثسسم اقتحمسسوا‬
‫البيوت وقتلوا الطفال وسسسبوا النسسساء‪ ,‬وفيهسسم كسسثير مسسن شسسرائف النسسساء‪ ,‬فتقاسسسمهم‬
‫السرون‪ ,‬ومن دخلت في سهمه استخدمها وفجر بها ثم باعها‪.‬‬
‫ثم أحرقوا البصرة فأضحت معالمها أطلل‪ .‬وبعد خراب البصرة توجه صاحب الزنج‬
‫بأتباعه إلى الهواز وهزم الحملت التي كان يرسلها الخليفة المعتمد على الله لقتاله‪.‬‬
‫وبعد ذلك قصد )واسط( وهم بالتوجه إلسسى بغسسداد لسسول أن الخليفسسة جمسسع لسسه جيشسسا‬
‫كثيفا قاده أخوه الموفق بالله‪ ,‬فتغلب على صاحب الزنج بعسسد قتسسال مريسسر وتمكسسن مسسن‬
‫قتله والقضاء على الفتنة التي أثارها والتي دامت خمس عشرة سنة )‪270 - 255‬هس(‪.‬‬
‫ب ‪ -‬ثورة القرامطة ‪:‬‬
‫لم تكد تنتهي ثورة الزنج حتى نشبت ثورة أخرى كانت امتدادا لها ومنادية بشعارها‬
‫وهو مقاومة الظلم ‪ ,‬معلنة مبدأ المساواة بين الناس لتتستر وراءه عن حقيقة الزندقة‬
‫التي تحتويها ‪ .‬وقد عرفت بثورة القرامطة‪ ,‬وتنسب هسسذه التسسسمية إلسسى رجسسل فارسسسي‬
‫عرف بلقب )قرمط(‪ ,‬وقيل أن اسمه )حمدان الشعث( ‪ ,‬وقسسد كسسان أحسسد دعسساة المسسام‬
‫السماعيلي )المنتظر( الذين بثهم في القطار عبد الله بن ميمون القداح ‪.‬‬
‫فلما تم القضاء على ثورة الزنج سنة ‪270‬هس اجتمع حوله فلولهسسا وبسسدأ بمسسا بسسدأ بسسه‬
‫صاحب الزنج من إظهار الزهد والتقشسسف والسسورع ‪ ,‬فجسسذب إليسسه قلسسوب النسساس‪ ,‬وكسسان‬
‫يخفي وراء هذا السلوك هدفا سياسيا‪ ,‬وقد دعا إلسسى مسسذهب فيسسه مزيسسج مسسن المزدكيسسة‬
‫الفارسية واليهودية والنصرانية والسلم‪ ,‬جعل الصلة أربع ركعات‪ ,‬ركعتان قبسسل طلسسوع‬
‫الشمس وركعتان بعد غروبها‪ ,‬وجعل القبلة والحسسج إلسسى بيسست المقسسدس وجعسسل الصسسوم‬
‫يومين في السنة‪ ,‬وهما يوم المهرجان ويوم النيروز ‪ .‬وعدل فسسي الذان‪ ,‬وفسسرض جزيسسة‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 260 [ ‬‬

‫على من خالفه وأباح قتله إن أمكن ذلك‪ ,‬وأخذ يفسر آيات القسسرآن بتأويسسل‪ ,‬بسسدعوى أن‬
‫لياته وأحكامه تأويل باطنيا يفسر به ظاهرها‪ ,‬ومن ثم عرف مذهبهم بالباطنية‪.‬‬
‫وقد كثر أتباع قرمط وكثر‪ ,‬وقد أقام هؤلء دولة لهم في القطيف والبحرين واليمن‬
‫وقادوا حروبا في العراق أرادوا بها انتزاع الخلفة‪ ,‬ونسسازعوا الفسساطميين زعامسسة السسدعوة‬
‫الشيعية ‪ ,‬فهاجموا قواعدهم في الشام وهموا بمهاجمة القاهرة وقد تمكن الفاطميون‬
‫من صدهم‪.‬‬
‫وفي سنة ‪317‬هس أغاروا على مكة فقلعوا الحجر السسسود وقتلسسوا الحجسساج‪ ,‬وحملسسوا‬
‫الحجر السود إلى القطيف عاصمة ملكهسسم وأعسسادوه سسسنة ‪239‬هسس لقسساء السسسماح لهسسم‬
‫بفرض ضريبة على الحجاج‪.‬‬
‫ومن تتبع السباب الستي انطلقست منهسا ثسورة الزنسج‪ ,‬ثسم ثسورة القرامطسة والتأمسل‬
‫بنتائجها نجد أنها ترجع إلى سببين مفترقين ومتوازيين‪.‬‬
‫فالول ‪:‬هسسو اسسستغلل دعسساة الثسسورة جهسسل العامسسة مسسن أجسسل سسسلخهم مسسن العقيسسدة‬
‫السلمية من دعاة يحملون حطام دياناتهم السابقة التي ما زالوا متأثرين بها‪.‬‬
‫والسبب الثاني ‪:‬هو استغلل الضجر والضيق من استبداد الولة ومن إرهسساق عمسسال‬
‫الخراج‪ ,‬يضاف إلى بؤس الفقراء الذين يعانون ألم الجوع والعطالسسة والحرمسسان‪ .‬وكسسان‬
‫هؤلء مع كل دعوة للتحرر من الظلم الذي يحل بهم والضيق الذي يكابدونه‪.‬‬
‫وقد اختار دعاة الثورة جنسوب العسراق والمنساطق المجساورة لسه لبعسدها عسن بغسداد‬
‫وعجز الدولة عن تتبع الثائرين‪.‬‬

‫تاسعا ً ‪ -‬تقسيم الدولة العباسية بين الخلفة المركزية والمتغلبين‪:‬‬


‫كانت الدولة في أيام بني أمية وحدة شاملة من شسسرقها الممتسسد مسسن بلد مسسا بيسسن‬
‫النهرين وحدود الصين والهند إلى مغربها في المغرب القصى والنسدلس‪ .‬وكسان يحكسم‬
‫أقاليمها ولة يوليهم خليفة دمشق وإليه يرجعون في أمورهم الهامة‪ ,‬ينفسسذون سياسسسته‬
‫ويحكمون بسلطانه‪ .‬ولمسا انتقلست الخلفسة إلسى بنسي العبساس اسستقلت بعسض القساليم‬
‫بتفويض منهم واستقل البعض الخر بالغلبة عليهم‪.‬‬
‫ففي عهد أبي جعفر المنصور استولى عبد الرحمن بن معاوية بسسن هشسسام بسسن عبسسد‬
‫الملك سنة ‪138‬هس على الندلس واستقل بها وأنهى الحكم العباسي وأعاد الحكم إلسسى‬
‫بني أمية‪.‬‬
‫وفي عهد المنصور أيضا أنشأ إدريس بن محمد )النفسسس الزكيسسة(‪ ,‬وهسسو مسسن أحفساد‬
‫الحسن بن علي بن أبي طالب دولة الدارسة في المغرب القصى سنة ‪172‬هس‪.‬‬
‫وفسسي ‪140‬هسس قسسامت الدولسسة المداريسسة فسسي المغسسرب القصسسى وهسسم مسسن الخسسوارج‬
‫الصفرية ‪.‬‬
‫وفي ‪162‬هس قامت في تسساهرت ) الجسسزائر ( الدولسسة الرسسستمية وهسسم مسسن الخسسوارج‬
‫الباضية ‪.‬‬
‫وفي عام ‪184‬هس أنشأ إبراهيم بن الغلب بتفويض من الخليفة هارون الرشيد دولة‬
‫الغالبة في المغرب الدنى )تونس(‪.‬‬
‫وفي عام ‪205‬هس أنشأ طاهر بن الحسين بتفويض من المأمون دولة بني طاهر في‬
‫خراسان مكافأة له لنصرته على المين‪.‬‬
‫فهذه القساليم الربعسسة انفصسسلت عسن الدولسة العباسسية‪ ,‬واسستقلت عنهسا‪ ,‬وتسداولت‬
‫الحكم بطريق الرث‪ .‬غير أن انفصال بعضها كان يختلسسف عسسن انفصسسال البعسسض الخسسر‪.‬‬
‫ففي دولة بني أمية في الندلس وفي دولة الدارسة فسسي المغسسرب القصسسى‪ ,‬انقطعسست‬
‫الصلة بدولة الخلفة العباسية‪ .‬أما فسسي دولسسة بنسسي طسساهر ودولسسة الغالبسسة‪ ,‬فلسسم تنقطسسع‬
‫الصلة بها‪ ,‬بل ظلت على ولئها وتبعيتها‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 261 [ ‬‬

‫وفي العصر العباسي الثاني ازدادت الظسساهرة وانفصسسلت عسسن دولسسة الخلفسسة‬
‫القاليم التية‪:‬‬
‫ففي سنة ‪254‬هس انفصلت مصر والشام وقامت فيهما الدولة الطولونيسسة ‪ ,‬أسسسسها‬
‫أحمد بن طولون ‪.‬‬
‫وفي سنة ‪254‬هس قامت دولة بني الصفار في سجستان بزعامة الليث بسسن الصسسفار‬
‫واستولت على خراسان وقضت على دولة بني طاهر‪.‬‬
‫وفي سنة ‪261‬هس قامت دولة بني سامان في خراسان بزعامة نصر بن أحمسسد ابسسن‬
‫أسد بن سامان وقضت على الدولة الصفارية‪.‬‬
‫وفي سنة ‪332‬هس قامت الدولة الخشيدية‪ .‬وحكمت مصر والشام وامتدت لليمن ‪.‬‬
‫وفي سنة ‪297‬هس قامت في إفريقية دولة العبيديين بزعامة أبي عبيد اللسسه المهسسدي‬
‫وقضت على دولة الغالبة‪ ,‬ثم على دولة بني الخشيد وامتد حكمها إلى مصسسر والشسسام‬
‫والحجاز‪.‬‬
‫وفي سنة ‪320‬هس قامت دولسسة بنسسي بسسويه فسسي فسسارس و أصسسبهان و همسسذان والسسري‬
‫بزعامة أبناء بويه وهم‪ :‬الحسن وعلي وأحمد وأبناؤهم من بعدهم‪.‬‬
‫وقامت في الموصل والجزيرة وحلب دولة بني حمدان بزعامسسة أبنسساء حمسسدان بسسن‬
‫حمدون التغلبي ‪292‬هس‪.‬‬
‫وفي سنة ‪321‬هس قامت دولة الغزنويين فيمسسا وراء النهسسر بزعامسسة سسسبكتكين‪ ,‬أميسسر‬
‫غزنة ومن بعده ابنه محمود المعروف باسم محمود الغزنسسوي فقضسسى علسسى دولسسة بنسسي‬
‫سامان وامتدت دولته إلى الهند‪.‬‬
‫وفي عام ‪328‬هس لم يبق في يسسد الخليفسسة سسسوى بغسسداد وسسسواد العسسراق‪ ,‬وقسسد جسسرد‬
‫منهما حين استولى معز الدولة البويهي على بغداد سنة ‪334‬هس فلسم يبسق مسن الخلفسة‬
‫غير لقبها‪.‬‬
‫وفي عام ‪421‬هس قامت دولة الترك )الغز( السلجقة ‪.‬‬
‫القسسادمين مسسن بلد تركتسسسان‪ ,‬فسسأزالت دولسسة الغزنسسويين و البسسويهيين والسسدويلت‬
‫الخرى‪ ,‬بزعامة طغرلبك السلجوقي‪,‬‬
‫ولما مات طغرلبك خلفه ابن أخيه ألب أرسسسلن فقسسامت فسسي عهسسده وحسسدة الدولسسة‬
‫السلمية الممتدة من بلد ما بين النهرين إلى بلد الشام ‪ .‬غير أن الخلف مسسا لبسسث أن‬
‫ثار بينه وبين وبين أولد عمه ‪ ,‬وقامت سنة ‪470‬هس دولة عرفت بدولة سسسلجقة السسروم‬
‫) يقصد بها سكنهم في بلد الروم (‬
‫وقسسد أحسسدث النشسسقاق بيسسن السسسلجقة بينهسسم أحقسسادا‪ ,‬فواجهسسوا الغسسزو الصسسليبي‬
‫متفرقين‪ ,‬ولو أنهم واجهوه متحدين‪ ,‬لتحولت مسيرة الحسسداث وجهسسة أخسسرى ولسسسلمت‬
‫بلد السلم من غزو ما زالت تتجرع مرارته‪.‬‬

‫عاشرا ‪ :‬انتشار الترف و النحلل والفســاد الجتمــاعي فــي كــثير مــن‬


‫العامة والخاصة ‪:‬‬
‫فقد أدى فساد القصور ‪ ,‬وما تلطخت به مسسن الصسسراعات والمفاسسسد ‪ ,‬إلسسى تفشسسي‬
‫ذلك في أوساط مختلف طبقات العامة ‪ ,‬ولسيما الموسرة منها ‪ ,‬نتيجة ازدهار التجارة‬
‫‪ ,‬وانفتاح الدنيا على الناس ‪ .‬ونلحظ هذا في كثير من كتابات الوعاظ والعلماء في تلك‬
‫الفسسترة ‪ .‬والسسذين لسسم يسسألوا جهسسدا فسسي المسسر بسسالمعروف والنهسسي عسسن المنكسسر للحكسسام‬
‫والمحكومين ‪ .‬ولكن عجلة النهيار كانت دائرة بقسسوة ‪ ,‬ومقتضسسى السسسنن فسسي الممالسسك‬
‫والدول كانت تسير بدولة العباسيين إلى أجلها المحتوم ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 262 [ ‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 263 [ ‬‬

‫الطور الثالث من الخلفة العباسية ‪:‬‬ ‫•‬


‫ويمتد من خلفة المستظهر ‪ .‬حيث بدأت القسسوى الخارجيسسة تسستربص بدولسسة السسسلم‬
‫وتعد العدة للنقضسساض عليهسسا ‪ ,‬وينتهسسي بانتهسساء دولسسة بنسسي العبسساس تحسست سسسنابك خيسسل‬
‫المغول ‪.‬‬
‫ديد ٌ ‪) ‬هسسود‪, (102:‬‬ ‫م َ‬ ‫َ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫ي َ‬ ‫ذا أ َ َ‬
‫خذ َ ال ْ ُ‬ ‫ك أَ ْ‬
‫خذ ُ َرب ّ َ‬ ‫‪ ‬وَك َذ َل ِ َ‬
‫ش ِ‬ ‫خذ َهُ أِلي ٌ‬ ‫ة إِ ّ‬
‫م ٌ‬
‫ظال ِ َ‬ ‫قَرى وَهِ َ‬ ‫ك إِ َ‬
‫وكان أمر الله قدرا مقدورا ‪.‬‬

‫السمات المميزة للعصر العباسي الثالث ‪:‬‬ ‫•‬


‫هذا العصر هو امتداد للعصر العباسي الثسساني وقسسد تميسسز هسسذا العصسسر بكسسل سسسمات‬
‫العصر الذي تقدمه من النحلل وأسباب الضعف وفساد الحكم ‪ ,‬وضياع العسسوام وتسسرف‬
‫الخواص ‪ ....‬وزاد عليها ما لقي العالم السلمي مسسن غسسزو مغسسولي أتسساه مسسن المشسسرق‬
‫وغزو صليبي أتاه من الغرب‪ ,‬وكان من قبل مستشريا في الندلس‪ ,‬وما أصاب السلم‬
‫من محن ما زال يئن تحت وطأتها إلى الن ‪.‬‬

‫*************‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 264 [ ‬‬

‫أهم الدول المستقلة منذ قيام العصر العباسي وإلى قيام الدولة‬
‫العثمانية ‪:‬‬
‫(أ( – في المشرق والعراق والشام ومصر ‪:‬‬

‫‪ -1‬الدولة الصفارية (‪298-254‬هـ ‪911-868/‬م (‪:‬‬


‫أسسها يعقوب بن ليث الصفار في سجستان ) إيران ( وتوسع على حساب الدولة‬
‫الطاهرية في خراسان التي أسسها طاهر بن الحسين سنة )‪198‬هس‪ 813/‬م( ‪ ,‬والدولة‬
‫العلوية في طبرستان التي أسسها الحسن بن زيد سنة ) ‪250‬هس‪863/‬م( ‪ .‬ولعجز دولة‬
‫الخلفة العباسية ‪ ,‬اعترفت بشرعية حكم الصسسفار ‪ ,‬السسذي أسسسس جيشسسا قويسسا قمسسع بسسه‬
‫الخوارج وسيطر على طرق التجسسارة بيسسن الهنسسد ووسسسط آسسسيا ‪ .‬ثسسم فكسسر بغسسزو بغسسداد‪,‬‬
‫فاستنجد الخليفة بأحمد بن اسماعيل أمير الدولة السامانية ‪ ,‬فهزم الصسسفاريين وقضسسى‬
‫على دولتهم سنة )‪298‬هس‪911/‬م( ‪.‬‬

‫‪ -2‬الدولة الطولونية (‪ 292 -256‬هـ ‪ 905-870/‬م(‪:‬‬


‫أسسها أحمد بن طولسسون فسي مصسسر وهسسو قسسائد تركسي اسسستفاد مسن ضسعف الدولسسة‬
‫العباسية التي كانت ترسل من ينوب عنها في حكم الوليات البعيسسدة عسسن مركسسز دولسسة‬
‫الخلفة ‪ ,‬وقد جاء أحمد بن طولون مصر نائبا عن ) باكباك التركي ( ثسم قلسسده الخليفسة‬
‫ولية مصر ‪ ,‬فاستقل بها ‪ ,‬ووسع دولته ‪ .‬ولما كلفه الخليفسسة بحمايسسة الثغسسور الشسسامية ‪,‬‬
‫ضم الشام إلى مصر ‪ ,‬ثم مد دولته إلى ليبيا ‪ ,‬والحجاز‪ ,‬وبلد النوبة جنوب مصر ‪ .‬وقسسد‬
‫عسسم الرخسساء عصسسره ‪ ,‬وكسسان عسسادل حازمسسا و كسسون جيشسسا قويسسا ‪ .‬ثسسم تسسولى بعسسده ابنسسه‬
‫) خمسارويه( فحفسسظ أملك أبيسه ‪ ,‬وضسسم إليهسا الموصسسل ‪ ,‬وتوطسدت العلقسة بينسه وبيسن‬
‫الخليفة ‪ ,‬فسسزوج ابنتسسه ) قطسسر النسسدى ( للخليفسسة المعتضسسد ثسسم ضسسعفت الدولسسة ‪ ,‬وأعسساد‬
‫الخليفة العباسي ضم تلك البلد للخلفة المركزية سنة ) ‪292‬هس( ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 265 [ ‬‬

‫‪-3‬الدولة السامانية ( ‪389-261‬هـ ‪998-874 /‬م (‪:‬‬


‫وتنسب لسرة فارسية اعتنقت السلم فسسي العصسسر المسسوي ‪ ,‬وأسسسسها نصسسر بسسن‬
‫أحمد الساماني في بلد ما وراء النهر ‪ ,‬وتوسعت في عهد اسماعيل بن أحمسسد وضسسمت‬
‫طبرسسستان وبلد السسري ‪ ,‬وقسسد تصسسدت الدولسسة السسسامانية للخطسسر الصسسيني علسسى آسسسيا‬
‫الوسسسطى ‪ ,‬واسسستفادوا مسسن طسسرق التجسسارة ‪ ,‬وازدهسسر فسسي عهسسدهم العمسسران ‪ ,‬وكلسسن‬
‫معظمهم على مذهب السنة ‪ ,‬وقد ازدهرت حاضرات السلم ‪ ,‬فسسي عهسسدهم ‪ ,‬وحفلسست‬
‫بالحركة العلمية والشعراء والدباء ‪ .‬وأصبحت بخارى و سمرقند ومسسدن تركسسستان مسن‬
‫ألمع حضارات السلم ‪.‬‬

‫‪ -4‬الدولة الحمدانية ( ‪392-292‬هـ ‪1002-904/‬م (‪:‬‬


‫وهسسم مسسن أسسسرة عربيسسة اعتنقسست المسسذهب الشسسيعي المسسامي الثناعشسسري ‪ ,‬وقسسد‬
‫تأسست في الموصل سنة ‪292‬هس ‪ ,‬في عهسسد الخليفسسة المكتفسسي بسسالله ‪ ,‬وسسساندته فسسي‬
‫مواجهة الخوارج والقادة التراك ‪ .‬واشسستهرت بجهسساد السسروم السسبيزنطيين ‪ , .‬وقسسد قضسسى‬
‫البويهيون الشيعة عليهم سنة ‪368‬هس ‪ ,‬وبقي نفسسوذهم فسسي حلسسب ‪ ,‬وامتسسد ملكهسسم إلسسى‬
‫دمشق ‪ ,‬واصطدموا بالخشيديين ‪ ,‬وبعد وفاة سيف الدولة سنة ‪356‬هس ضعفت حسسالهم‬
‫وقضى الفاطميون الشيعة عليهم سنة ‪392‬هس ‪ .‬وقد اشتهر بلط سيف الدولسسة بالدبسساء‬
‫والشعراء ‪ ,‬من أمثال المتنبي الذي أذاع صيتهم ‪ ,‬وشاهرهم أبسسو فسسراس الحمسسداني ‪ ,‬و‬
‫الصفهاني ) الزنديق ( صاحب كتاب الغاني الشهير ‪ ..‬المليء بالكاذيب و الطرائف‪.‬‬

‫‪ - 5‬الدولة الفاطمية (‪567 -298‬هـ ‪1171-909 /‬م( ‪:‬‬


‫قامت الدولة الفاطمية في إفريقية سنة ‪298‬هس بزعامة عبيد اللسسه المهسسدي مسسدعيا‬
‫أنه صاحب الحق في الخلفة وأنه حفيد محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق وقد مهد‬
‫لقيامها داعية إسماعيلي يدعى أبو عبد اللسسه الشسسيعي وحشسسد لنصسسرتها قبيلسسة )كتامسسة(‪,‬‬
‫وعرفت بس ) الدولة العبيدية( ‪.‬‬
‫ولما رسخت قواعدها قضت على دولة الغالبة في القيروان ثم قضسست علسسى دولسسة‬
‫الخشيد في مصر‪ ,‬وبنت فيها مدينة القاهرة ثم انتقلت إليها في عهد المعز لسسدين اللسسه‬
‫ودعيت بالدولة الفاطمية‪ .‬ولم يستطع الخليفة العباسي المقتدر بالله أن يدفع قيامها‪.‬‬
‫ثم حدثت بها أحداث سياسية واقتصادية واجتماعية تراخت فيها قوتها وانتهت إلسسى‬
‫الزوال‪ .‬وقد بدأ هذا التراخي في عهد الحاكم بأمر الله لفاطمي السسذي بلسسغ مسسن الكفسسر‬
‫والظلم شأوا عظيما ‪ .‬وازداد الضعف والتراخي فسسي عهسسد المستنصسسر بسسالله الفسساطمي‪,‬‬
‫فقد ولد من جارية تربت في بيت يهودي يدعى أبا سسسعيد التسسستري وتسسولت أمسسه تسسدبير‬
‫أمسور الدولسة واسستوزرت وزراء يهسود‪ ,‬منهسم صسدقة بسن يوسسف الفلحسي وأبسو سسعيد‬
‫التستري‪ ,‬وقد أسند هؤلء مناصب الدولسسة إلسسى أبنسساء جلسسدتهم مسسن اليهسسود‪ ,‬فاضسسطهدوا‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 266 [ ‬‬

‫وفي عهد المستنصسسر بسسالله انحسسسر سسسلطان الفسساطميين عسن بلد الشسسام باسسستيلء‬
‫السلجقة عليها وزالت دولتهم في جزيرة صقلية باستيلء النورمان عليها سنة ‪461‬هس ‪.‬‬
‫وعم الوباء الذي يعتبر أطول وباء عرفته مصر في العصسسور الوسسسطى ‪ ,‬إذ امتسسد ثمسساني‬
‫سنين )‪454 - 446‬هس( واقترنت هذه الشدة التي اصطلح المؤرخون تسميتها بسسسنين‬
‫الشدة العظمسسى بقيسسام الحسسروب الهليسسة الداخليسسة ‪ .‬حسستى تسسدارك المسسر وزيرهسسم بسسدر‬
‫الجمالي‪ ,‬والي عكا وقد استدعاه المستنصر سنة ‪466‬هس فأعاد النظام ووجه همه إلسسى‬
‫إصلح البلد‪ ,‬وتزوج المستنصر ابنته وولدت له ابنه )المستعلي(‪.‬‬
‫ولما توفي المستنصر سنة ‪487‬هس بعد حكسسم دام سسستين سسسنة ادعسسى الخلفسسة ابنسسه‬
‫)نزار( وكان أبوه قد عهد بها إليه‪ ,‬ولكن الفضل بن بدر الجمالي‪ ,‬الذي خلف أبسساه فسسي‬
‫قيادة الجيش‪ ,‬قدم عليه أخاه )المستعلي( وهو ابن أخته‪ ,‬وتم ذلك بقتل )نزار(‪ ,‬وبقتلسسه‬
‫افترقت السماعيلية إلى فرقتين‪ :‬فرقة المستعلية‪ ,‬وفرقة النزارية‪.‬‬
‫وفي عهد المستعلي بدأت الحروب الصليبية على بلد الشام واحتل الصليبيون بيت‬
‫المقدس سنة ‪493‬هس‪ ,‬وقد أعقب المستعلي خلفاء منهم المخلوع ومنهم المقتول إلسسى‬
‫أن انقضى عهد الدولة الفاطمية – غير مأسسوف عليهسا ‪ -‬سسنة ‪567‬هسس علسى يسد صسلح‬
‫الدين اليوبي وقيام الدولة اليوبية‪.‬‬
‫وكان الفاطميون من الباطنية الشيعة الغلة ‪ ,‬وقد حكم علماء أهل السسسنة الثبسسات‬
‫ممن عاصروهم بكفرهم وخروجهم عن السلم ‪ .‬وقد طبعت الدولة الفاطميسسة بسسالظلم‬
‫والعنت فوق الكفر ‪ .‬وراسل كبار وزرائهم الصليبيين والروم مسسرارا واسسستدعوهم لغسسزو‬
‫مصر ووعدوهم العون ضسسد جيسسش الشسسام السسذي حمسسل فسسي ذلسسك الزمسسان مهمسسة جهسساد‬
‫الصليبيين على عاتقه ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 267 [ ‬‬

‫‪ - 6‬الدولة الخشيدية ( ‪358 -323‬هـ ‪ 969-935 /‬م( ‪:‬‬


‫وتنسب إلى محمد بن طغج الخشيد وهو تركسسي ‪ ,‬وكسسان فسسي خدمسسة والسسي مصسسر ‪,‬‬
‫وأبلى في صد غارات الفاطميين عن مصر ‪ ,‬فأسند إليه الخليفة ولية مصسسر ‪ ,‬ثسسم ضسسم‬
‫إليها الشام واليمن ‪ ,‬فنظم البلد وقوي مركزه ‪ .‬ثسسم فسسسدت علقتسسه بالخلفسسة وقسسامت‬
‫الحرب بينهم ‪ .‬وبعد موت الخشيد خلفسسه ابنسسه أبسو القاسسسم أنجسور وكسان طفل‪ ,‬فتسسولى‬
‫الوصاية عليه معلمه كسسافور الخشسسيدي وكسسان عبسسدا أسسسودا يخسسدمهم ‪ ,‬فاسسستولى علسسى‬
‫البلد ‪ .‬وبعد موت كافور سيطر الفاطميون على مصر بقيسسادة جسسوهر الصسسقلي وضسسمها‬
‫للفاطميين ‪.‬‬

‫‪ -7‬الدولة البويهية (‪ 447-334‬هـ ‪1055-945/‬م (‪:‬‬


‫البويهيون أسرة فارسية شيعية سكنت شمال فسسارس عنسسد قزويسسن ‪ .‬وتمكسسن علسسي‬
‫والحسن وأحمد أولد أبي شجاع ‪ ,‬مستغلين الفوضى في فارس فقضت على الكيانسسات‬
‫السياسية ‪ ,‬وقد حاول الخليفة المستكفي بالله أن يتخلص من سلطة القسسادة التسسراك ‪,‬‬
‫فاستعان بالبويهيين فدخلوا بغداد سنة ‪334‬هس ‪945/‬م ‪ .‬فرحب الخليفة بهسسم وأعطسساهم‬
‫ألقاب سامية ‪ .‬فسسسمي أحمسسد )معسز الدولسة ( وحسسن ) عمساد الدولسسة ( وعلسي ) ركسن‬
‫الدولسسة ( ‪ .‬ولكسسونهم مسسن الشسسيعة انسستزعوا السسسلطة مسسن الخلفسساء ‪ ,‬واتخسسذوا لقسسب‬
‫)السلطان ( وأحيوا لقسسب الملسسك الفارسسسي ) شاهنشسساه( ‪ .‬اسسستمال البويهيسسون الرعيسسة‬
‫بتخفيف الضرائب ‪ ,‬وقاموا بإصلحات ‪ .‬ثسسم دب الصسسراع بينهسسم ‪ .‬وأسسسقطهم السسسلجقة‬
‫التراك سنة ‪447‬هس‪ .‬وقد شجع البويهيون الحركة العلمية ولسيما الفلسفة ‪ ,‬والزنادقة‬
‫من أمثال الفارابي وابن سينا وأمثالهم ‪.‬‬

‫‪ -8‬الدولة الغزنوية (‪555-366‬هـ ‪1160-976 /‬م ( ‪:‬‬


‫قامت هذه الدولة بزعامة القائد التركي )ألب تكين( وكان مسسوله منصسسور بسسن نسسوح‬
‫الساماني ملسسك خراسسسان قسسد وله سسسنة ‪351‬هس س أميسسرا علسسى سجسسستان )أفغانسسستان(‪,‬‬
‫فاستقل بها وأقسسام فيهسسا دولسسة اتخسسذ مسسن مدينسسة )غزنسسة( عاصسسمة لهسسا فعرفسست بالدولسسة‬
‫الغزنوية‪,‬‬
‫وقسسد تعسساقب عليهسسا واحسسد وعشسسرون ملكسسا كسسان أشسسهرهم محمسسود بسسن سسسبكتكين‬
‫المعروف بمحمود الغزنوي‪ .‬الملك الصالح المعروف ‪ ,‬الذي فتح الهند ‪ ,‬وحطسسم أصسسنام‬
‫الوثنيين وأدخل السلم إليها ‪ ,‬واتسعت دولتسسه وشسسملت بلد أفغانيتسسان ومسسا وراء النهسسر‬
‫وشرق إيران وبلد السند ) باكستان ( وأجزاء شاسعة من الهند ‪.‬‬
‫ثم انقضى عهدها باستيلء الدولة الغورية عليها سنة ‪582‬هس في عهد آخسسر ملوكهسسا‬
‫تاج الدولة خسرو ملك‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 268 [ ‬‬

‫‪ -9‬دولة السلجقة ( ‪590-431‬هـ ‪ 1194-1040 /‬م(‪:‬‬


‫تنتسب هذه الدولة إلى سسلجوق بسن دقساق‪ ,‬وهسو زعيسم دولسة تركيسة كسبيرة كسانت‬
‫تقطن فيما وراء النهرين )سيحون و جيحون( في منطقة واسعة تعسسرف بتركسسستان‪ ,‬أي‬
‫بلد الترك‪ .‬وفي عام ‪429‬هس آلت زعامة هذه القبيلة إلسى )طغرلبسك( حفيسسد )سسلجوق(‬
‫فاجتاز بقبيلته منطقة ما بين النهرين متوجها نحو المشسسرق وانتهسسز انشسسغال الغزنسسويين‬
‫بحروب أنهكتهم‪ ,‬فاستولى على خراسان والري و همذان وأزال الحكسسم الغزنسسوي عنهسسا‬
‫وأقام فيها دولة لقومه عرفت بدولة السلجقة‪.‬‬
‫وفي عام ‪432‬هس استولى على جرجسسان و طبرسسستان وامتسسدت دولتسسه إلسسى قزويسسن‪.‬‬
‫وفي عام ‪446‬هس استنصره الخليفة العباسي القائم بأمر الله ودعاه إلسسى بغسسداد لينقسسذه‬
‫من وزيره أرسلن البساسيري‪ ,‬وكان قد استولى على السلطة واستبد بها وملسسك أمسسر‬
‫العراق وخطب للمستنصر الفاطمي صاحب مصر‪ ,‬فاستجاب طغرلبك لسسدعوته وزحسسف‬
‫إلى بغداد وقضسسى علسسى البساسسسيري وأنهسسى الحكسسم البسسويهي فيهسسا‪ ,‬ثسسم اسسستولى علسسى‬
‫الموصل وأذربيجان وسنجار وتمت له السيطرة علسسى البلد اليرانيسسة مسسن شسساطئ نهسسر‬
‫سيحون إلى ساحل البحر السود ومن شواطئ بحيرة خوارزم إلى بحر عمان‪.‬‬
‫وفي عام ‪455‬هس توفي طغرلبك وآلت خلفتسسه إلسسى ابسسن أخيسسه ألسسب أرسسسلن فتسسابع‬
‫مسيرة عمه ووجه عام ‪463‬هس جيشا بقيادة قسسائده )أتسسسز( إلسسى بلد الشسسام فاسسستولى‬
‫على دمشسسق وتسسوجه سسسنة ‪464‬هسس علسسى رأس جيسسش لفتسسح الناضسسول فاسسستولى علسسى‬
‫أرمينية بعد معركة ضارية مشهورة مع الروم جرت في )ملذ كرت( وفيها هسسزم جيسسش‬
‫الروم وأسر ملكه ) رومانوس الرابع (‪.‬الذي كان قد رفض الصلح مع السلطان ألسسب‬
‫أرسلن ‪ ,‬وكانت تلك المعركة واحدة من مشاهد السلم العظيمة مع الروم ‪ .‬ولم يكن‬
‫في جيش السلطان الذي طلب من جنوده أن ل يخرج معسسه مسسن ارتبسسط بالسسدنيا بحاجسسة‬
‫ينتظر قضاءها ‪ ,‬إل خمسة عشر ألسسف مقاتسسل وقسسد ذكسسرت الروايسسات أن السسروم نسساهزوا‬
‫مأتي ألف مقاتل ‪ .‬وقد نصح شيخ السلطان له أن يوقت المعركة وقسست صسسلة الجمعسسة‬
‫حيث تكون المنابر داعية للمجاهدين ‪ .‬وفي أول المعركة ألقى السسسلطان خسسوذته علسسى‬
‫الرض وتذلل إلى الله ‪ ,‬وصاح بالجند قائل ‪ ) :‬ما هاهنا ملسسك يسسأمر فيطسساع ‪ ,‬مسسن شسساء‬
‫النصراف فلينصرف (‪ ,‬وأمر الجند أن يخلصوا في طلب النصسسر أو الشسسهادة ‪ ,‬ثسسم كسسبر‬
‫وهجم ‪ ,‬فحملوا كرأس الحربة على خيمة المبراطور رومسسانوس ‪ ,‬السسذي سسسقط أسسسيرا‬
‫بيسسد السسسلطان وانهسسزم جيشسسه السسذي هلسسك جلسسه فسسي طريسسق الفسسرار والعسسودة إلسسى‬
‫القسطنطينية ‪.‬‬
‫وفي عام ‪465‬هس أقدم باطني إسماعيلي على اغتيال )ألسسب أرسسسلن( فخلفسسه ابنسسه‬
‫)ملك شاه( وفي عهده أخذت الدولة السلجوقية في التقلص بعد انقسامها إلى دولسسة‬
‫موزعة بين أبناء البيت السلجوقي‪ ,‬فدولة في خراسان ودولة في الشام ودولة في بلد‬
‫الروم‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 269 [ ‬‬

‫أما دولة السلجقة في خراسان فقسسد آلسست إلسسى سسسنجر بسسن ألسسب أرسسسلن وانتهسست‬
‫بوفاته سنة ‪552‬هس باستيلء دولة خوارزم عليها‪.‬‬
‫وأما دولة السلجقة في العراق فقد آلت إلى محمد بسسن ملكشسساه ومسسن بعسسده إلسسى‬
‫ابنه محمود وتوارثها من بعده أبناؤه ثم زالت باستيلء دولة خوارزم عليها سنة ‪573‬هسسس‬
‫في عهد آخر ملوكها ركن الدين طغرل )الثاني(‪.‬‬
‫وأما دولة السلجقة في الشام فقد آلت إلى )تتسسش( بسسن ملكشسساه وانقسسسمت بعسسد‬
‫مقتله سنة ‪488‬هس بين ولديه‪ :‬دقاق ورضوان‪ ,‬فاختص دقاق بدمشسسق واختسسص رضسسوان‬
‫بحلب‪ ,‬وانقضت دولة حلب بعد وفاة آخر ملوكها سلطان شاه بن رضوان باستيلء نجم‬
‫الدين إيلغازي صاحب ماردين عليها سنة ‪511‬هس بدعوة من أهلها‪ ,‬ثم بقيام عماد الدين‬
‫زنكي صاحب الموصل بالستيلء عليها سنة ‪521‬هس‪ ,‬وبعد اغتياله سنة ‪541‬هس قيام ابنه‬
‫نور الدين محمود خلفا له فيها‪.‬‬
‫وانقضت دولة دمشق وصاحبها دقاق بن تتش سنة ‪497‬هس باسسستيلء أتسسابكه )نسسائبه(‬
‫القائد طغتكين على السلطة‪ ,‬وبوفاته سنة ‪522‬هس قيام ابنه تاج الدولة بوري خلفسسا لسسه‪,‬‬
‫وقد نسبت الدولة إليه فعرفت بالدولة البورية وامتدت أيامها حتى اسسستولى عليهسسا نسسور‬
‫الدين محمود بن عماد الدين زنكسسي سسسنة ‪549‬هسس وضسسمها إلسسى حلسسب وجعلهسسا عاصسسمة‬
‫الدولة التابكية في بلد الشام‪.‬‬
‫وأما دولة السلجقة في بلد الروم فقد قامت بزعامسسة سسسليمان بسسن قتلمسسش‪ ,‬مسسن‬
‫أحفاد سلجوق ومن أبناء عمومة ألب أرسلن فقد تزعم سسسليمان عصسسابات تركيسسة فسسي‬
‫أعقاب وقعة )ملذ كرت( وأخذ يطارد فلول جيش الروم ويستولي علسسى القسساليم السستي‬
‫يجتاحها حتى إذا اقترب من سواحل بحر مرمرة سنة ‪470‬هس استقر في مدينة )نيقيسسة(‬
‫‪ -‬أزنيك الحالية ‪ -‬وأقام فيها دولة سلجوقية‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 270 [ ‬‬

‫وفي عام ‪477‬هس حاول سليمان الستيلء على بلد الشام واستخلصها من )تتسسش(‬
‫بن ملكشاه في معركة جرت بينهما فلم يتمكن من الفرار وقتل فيها فخلفسسه ابنسسه داود‬
‫وتلقب بلقب )قليج أرسلن(‪.‬‬
‫ولما قسسدمت الحملسسة الصسسليبية الولسسى واقتحمسست القسسسطنطينية سسسنة ‪490‬هسس ثسسم‬
‫اجتازتها إلى آسية‪ ,‬اضطر قليج أرسلن إلى التخلي عن )نيقية( وانسحب مع قومه إلى‬
‫الجنوب الشرقي من الناضول واتخذ من مدينة )قونية( عاصمة لملكه‪.‬‬
‫وفي عام ‪500‬هس تسوفى قليسج أرسسلن فتسوزعت أقساليم دولتسه بيسن أبنسائه وإخسوته‬
‫واستحالت إلى مجموعة دويلت اتصلت بينها الحروب‪ .‬إلى أن قامت الدولسسة العثمانيسسة‬
‫على أنقاضها سنة ‪699‬هس ‪ -‬وهم من سللتهم ‪ -‬فانطوت تحت جناحها‪.‬‬

‫‪ - 10‬الدولة الغورية (‪612-439‬هـ ‪ 1215-1048 /‬م ( ‪:‬‬


‫تأسست هذه الدولة في بلد الغسسور سسسنة ‪439‬هس س بزعامسسة عسسز السسدين حسسسين ابسسن‬
‫حسن بن محمد وأخذت تزاحم الدولة الغزنوية حتى قضت عليها سنة ‪582‬هس س وضسسمتها‬
‫إليها‪ ,‬وقد امتدت فتوحاتها إلى بلد الهند ومنهسسا انبثقسست دولسسة المماليسسك التسسراك وكسسان‬
‫قطب الدين أيبك أول ملوكهم في الهند‪.‬‬
‫وفي عام ‪612‬هس خضعت الدولة الغورية للسيادة الخوارزمية وزالسست معهسسا بسسالغزو‬
‫المغولي سنة ‪628‬هس‪.‬‬

‫‪ -11‬الدولة الخوارزمية ( ‪628 -470‬هـ ‪1258 -1048 /‬م (‪:‬‬


‫قامت هذه الدولة في بلد خوارزم جنسسوب بحيسسرة )أورال( ومصسسب نهسسر )جيحسسون(‪,‬‬
‫بزعامة القائد الستركي )أنوشسستكين(‪ ,‬وكسان السسلطان السسلجوقي قسسد وله عليهسا سسسنة‬
‫‪470‬هس‪,‬‬
‫وقد اتسعت في عهد ملكها سلطان شاه محمود بن إيسسل أرسسسلن باسسستيلئها علسسى‬
‫خراسان وإزالة الحكم السلجوقي عنها بعد وفسساة السسسلطان سسسنجر بسسن ملكشسساه سسسنة‬
‫‪552‬هس ثم باستيلئها على الدولة الغورية سنة ‪612‬هس‪.‬‬
‫وفي عام ‪628‬هس استولى عليها المغول وأزالوا دولتها في عهسسد آخسسر ملوكهسسا جلل‬
‫الدين منكبرتي‪.‬‬

‫‪ -12‬الدولة الرتقية (‪ 521 -499‬هـ ‪ 1121 -1077 /‬م (‪:‬‬


‫تنتسب هذه الدولة إلى زعيم عشيرة من التركمان يدعى )أرتق بن أكسب(‪ ,‬وكان‬
‫قد التحق عام ‪449‬هس بخدمة السلطان السلجوقي تتش بن ألسسب أرسسسلن صسساحب بلد‬
‫الشسسام فسسأقطعه القسسدس ومسسا حولهسسا‪ .‬ولمسسا تسسوفي )أرتسسق( خلفسسه ولسسداه‪ :‬معيسسن السسدين‬
‫سقمان ‪ ,‬ونجم الدين إيلغازي‪.‬‬
‫وفي سنة ‪491‬هس استرد الفاطميون القدس فأخرجوهما منها‪ ,‬فتوجها بقومهما من‬
‫التركمان إلى الجزيرة الفراتية فتملك معين الدين سقمان ديار بكر )آمد( وتملسسك نجسسم‬
‫الدين إيلغازي )ماردين( وأقام كل منهما فيما تملك دولة أرتقية‪.‬‬
‫وفي عام ‪511‬هس حاصر الصليبيون مدينة حلب فاستنجد أهلها بنجم السدين إيلغسسازي‬
‫فأنجدهم وقاتسل الصسليبيين فسي معركسة جسرت فسي )سسهل بلط( سسنة ‪513‬هسس وأسسر‬
‫زعيمهم )روجيه ده سالرنو( أمير أنطاكية وتملك حلب وأقام فيها دولسسة أرتقيسسة تعسساقب‬
‫أبناؤه عليها إلى أن استولى عليهسا عمساد السسدين زنكسي عسام ‪521‬هسس وأقسام فيهسا دولسسة‬
‫أتابكية‪.‬‬

‫‪ -13‬الدولة التابكية( ‪579 -516‬هـ ‪1171 - 1122 /‬م ( ‪:‬‬


‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 271 [ ‬‬

‫تنتسب هذه الدولة إلى عماد الدين زنكي بسن آقسسسنقر وكسان )أتابسسك( ‪ -‬أي نسسائب ‪-‬‬
‫السلطان السلجوقي محمود بن محمد بن ملكشاه سلطان العراق‪ ,‬وفي عسسام ‪516‬هس س‬
‫وله السلطان على الموصل فأقام فيها دولة عرفت بالدولة التابكية‪.‬‬
‫وفي عام ‪521‬هس استولى عماد الدين على حلب وأزال الدولة الرتقية‪ .‬وقد اشتهر‬
‫عماد الدين رحمه الله بجهاد الصليبيين ‪ ,‬وإسقاطه أولى المارات الصليبية في سواحل‬
‫الشام‬
‫وفي عام ‪541‬هس اغتال الحشاشون الباطنية ) أجسسداد النصسسيرية العلويسسة الحسساكمين‬
‫لسوريا ولبنان في زماننا هذا ( – اغتالوا المير المجاهد عماد السسدين زنكسسي رحمسسه اللسسه‬
‫فانقسمت الدولة التابكية إلى دولتين ‪ :‬دولة في الموصل ودولة في حلب‪.‬‬
‫أما دولة الموصل فخلفه فيها ابنه سيف الدين غازي الول وتعاقب عليها من بعسسده‬
‫أبناؤه حتى انقضى عهدها باستيلء المغول عليها سنة ‪660‬هس‪.‬‬
‫وأما دولة حلب فخلفه فيها ابنه الملك الصالح المجاهد نسسور السسدين محمسسود وحمسسل‬
‫بعده لواء جهاد الصليبيين ‪ .‬وفي عام ‪549‬هس استولى نور الدين علسسى دمشسسق وضسسمت‬
‫إليه بلد الشام‪.‬‬
‫ولما توفي نور الدين سنة ‪569‬هسس خلفسسه فيهسسا ابنسسه الصسسالح إسسسماعيل وكسسان طفل‬
‫صغيرا ‪ .‬وفي عام ‪579‬هس تولى صلح الدين اليسسوبي ضسسمها إلسسى الدولسسة اليوبيسسة السستي‬
‫أقامها في مصر فأضحت معها دولة واحدة‪.‬بشورى علماء الشام ومصسسر ‪ ,‬ليوحسسد البلد‬
‫في مواجهة الصليبيين ‪.‬‬

‫‪ -13‬الدولة اليوبية ( ‪648 – 567‬هـ ‪ 1250 - 1171 /‬م( ‪:‬‬


‫وقد أسس هذه الدولة الميمونة الملك الناصر صلح الدين يوسف بن نجسسم السسدين‬
‫أيوب‪ ,‬وكان قد توجه إلى مصسسر كقسسائد مسسن قسسواد خسساله ) أسسسد السسدين شسسيركوه ( قسسائد‬
‫الجيش الذي أرسله الملك الصالح نور الدين زنكي سلطان الشام المجاهد لصد حملة‬
‫الصليبيين على مصر ‪.‬‬
‫وقد استعان الخليفة الفاطمي العاضد بأسد الدين وأسند إليه الوزارة ‪ ,‬ليتقوى به‬
‫على أمراء الفاطميين المتنافسين و كبيرهم ) شاور ( ‪ .‬ولما تسسوفي ) أسسسد السسدين فسسي‬
‫مصر وهو يعد العدة لصد الحملة الصليبية ‪ ,‬عين الخليفة الفاطمي صسسلح السسدين مكسسان‬
‫خاله ‪ .‬وبعد انتصار صلح الدين وجيسش الشسام ومصسر علسى الصسليبيين بقليسل ‪ ,‬تسوفي‬
‫الخليفة الفاطمي سنة ‪567‬هس بعسسد قتسسل وزيسسره شسساور بسن مجيسسر السسعدي السسذي كسان‬
‫يكاتب الصليبيين ‪ .‬واستولى صلح الدين على حكم مصر ‪ ,‬وقطسسع الخطبسسة للفسساطميين‬
‫وجعلها للخليفة العباسي ببغداد ‪ ,‬وألغى المذهب الفاطمي العبيدي السماعيلي القسسائم‬
‫على الزندقة ‪ ,‬وأعاد المذهب الشافعي السني لمصر‪ ,‬ثم تصدى لعسسدد مسسن المحسساولت‬
‫الصليبية مع فلول الفاطميين ودعم السطول الرومساني وانتصسر عليهسسم ‪ ,‬واسستتب لسه‬
‫المر في مصر ‪ .‬و بعد وفاة نور الدين محمود ‪ ,‬حضر صلح الدين إلى الشام وعقد له‬
‫علماء الشام ومصر البيعة سلطانا عل بر مصسسر والشسسام ‪ ,‬ثسسم توسسسعت مملكتسسه وضسسم‬
‫إليها الحجاز واليمن وبعض أنحاء الجزيرة ‪ .‬وقد سجل صلح الدين رحمه الله انتصارات‬
‫مشهودة على الصسسليبيين أدت لسسسترجاع بيسست المقسسدس سسسنة ‪583‬هسس ‪ .‬محققسسا حلسسم‬
‫الملك الصالح نور الدين زنكي رحمه الله ‪ .‬وقد تقسسسمت أقسساليم الدولسسة‪ ,‬بعسسد وفسساته‪,‬‬
‫بين أبنائه وإخوته وتحولت تلك الدولة الكبرى بعد وفاته سنة ‪589‬هس إلى دويلت ثسسارت‬
‫فيها الحروب ‪ .‬وقد استقرت أحوالها لبعض الوقت في زمن الملسسك العسسادل أخسسو صسسلح‬
‫الدين ‪ ,‬ثم آلت الشام للملك الصالح إسماعيل الذي ناصسر الصسليبيين علسى عمسة نجسم‬
‫الدين أيوب الذي استقل بملك مصر ‪ .‬ثم توفي نجم الدين وهو يصسسد الحملسسة الصسسليبية‬
‫السابعة ‪ ,‬فتابعها قائده معز الدين إيبك ‪ ,‬الذي تزوج زوجته )شجرة الدر ( ‪ ,‬وآلت إليسسه‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 272 [ ‬‬

‫السلطنة لتنتهي الدولة اليوبية وتقوم فسسي مصسسر دولسسة المماليسسك ‪ .‬وقسسد تتسسابع سسسقوط‬
‫الدويلت اليوبية الخرى فسي بلد الشسام فسي عهسد الملسك المملسوكي الظساهر بيسبرس‬
‫البندقداري وضمت إلى دولة المماليك‪.‬‬

‫‪ -15‬دولة المماليك ( ‪922 - 648‬هـ ‪ 1517 -1250 /‬م( ‪:‬‬


‫تنتسب هذه الدولة إلى الملوك التسسراك السذين كسانوا مسن مماليسسك السسلطان نجسسم‬
‫الدين أيوب ابن الملك الكامل اليوبي وكان الملسسك الكامسسل قسسد بنسسى لهسسم فسسي جزيسسرة‬
‫الروضة بنهر النيل ‪ -‬وكان يعرف ببحر النيل ‪ -‬قلعة فعرفوا بالمماليسسك البحريسسة وأولهسسم‬
‫الملك المعز عز الدين إيبك‪ ,‬وقد انتقل إليه الملك عن طريق شجرة الدر زوجة الملسسك‬
‫الصالح نجم الدين وكسسانت تسسولت الملسسك بعسسد وفسساته ثسسم تزوجسست مسسن عسسز السسدين إيبسسك‬
‫وتنازلت له عن الملك فانتقل الملك عن طريقها إلى المماليك‪.‬‬
‫وقد اتسعت دولة المماليك في عهد الملك الظاهر بيبرس البندقداري فقضى على‬
‫الدويلت اليوبية في بلد الشام وضمها إلى دولة المماليك في مصر‪.‬‬
‫و حمل المماليك لواء الجهساد ضسد الصسليبيين بعسسد اليسوبيين ‪ ,‬فقسد أزال السسسلطان‬
‫بيبرس معظم تلك المارات ‪ .‬ليزول آخرها ) إمارة عكا ‪1291‬هس( في عهد السسسلطان‬
‫خليل بن قلوون ‪.‬‬
‫ودامت دولة المماليك حتى استولى العثمانيون على مصر والشام سنة ‪922‬هس بعد‬
‫هزيمة المماليك في معركة مرج دابق ‪.‬‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 273 [ ‬‬

‫ملوك دولة المماليك ‪:‬‬


‫‪ -1‬المماليك البحرية ‪:‬‬
‫مدته‬ ‫نهايته‬ ‫الملك‬ ‫م‬
‫‪ 1257 - 1250‬م‬ ‫قتل‬ ‫عز الدين إيبك‬ ‫‪1‬‬
‫‪-‬‬

‫‪ 1258 - 1257‬م‬ ‫خلع‬ ‫نور الدين علي بن عز الدين‬ ‫‪2‬‬


‫‪-‬‬

‫‪ 1260 - 1258‬م‬ ‫قتل‬ ‫المظفر سيف الدين قطز‬ ‫‪3‬‬


‫‪-‬‬

‫‪ 1277 – 1260‬م‬ ‫الظاهر ركن الدين بيبرس‬ ‫‪4‬‬


‫البندقداري‬
‫‪-‬‬

‫‪ 1279 - 1277‬م‬ ‫خلع‬ ‫‪ 5‬الملك السعيد أبو المعالي محمد‬


‫‪-‬‬

‫‪ 1279 - 1279‬م‬ ‫خلع‬ ‫الملك العادل سيف الدين بن‬ ‫‪6‬‬


‫الظاهر‬
‫‪-‬‬

‫‪ -2‬المماليك البرجية ‪:‬‬


‫مدته‬ ‫نهايته‬ ‫الملك‬ ‫م‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 274 [ ‬‬

‫‪ 1290- 1279‬م‬ ‫قلوون اللفي المنصور سيف‬ ‫‪7‬‬


‫الدين‬
‫‪-‬‬

‫‪ 1293 -1290‬م‬ ‫صلح الدين خليل الشرف بن‬ ‫‪8‬‬


‫قلوون‬
‫‪-‬‬

‫‪ 1294 - 1293‬م‬ ‫خلع‬ ‫‪ 9‬الملك الناصر محمد بن قلوون‬


‫‪-‬‬

‫‪ 1296 - 1294‬م‬ ‫خلع‬ ‫الملك العادل كتبغا‬ ‫‪1‬‬


‫‪0‬‬
‫‪-‬‬

‫‪ 1298 -1296‬م‬ ‫خلع‬ ‫المنصور حسام الدين لجين‬ ‫‪1‬‬


‫‪1‬‬
‫‪-‬‬

‫‪ 1308 - 1298‬م‬ ‫خلع ثانية‬ ‫الناصر محمد بن قلوون ثانية‬ ‫‪1‬‬


‫‪2‬‬
‫‪-‬‬

‫‪ 1308 -1308‬م‬ ‫خلع‬ ‫المظفر ركن الدين بيبرس‬ ‫‪1‬‬


‫‪3‬‬
‫‪-‬‬

‫‪ 1341 -1308‬م‬ ‫الناصر محمد بن قلوون ثالثة‬ ‫‪1‬‬


‫‪4‬‬
‫‪-‬‬

‫‪ 1342 - 1341‬م‬ ‫قتل‬ ‫المنصور أبو بكر بن قلوون‬ ‫‪1‬‬


‫‪5‬‬
‫‪-‬‬

‫‪ 1342 -1342‬م‬ ‫خلع‬ ‫الشرف علء الدين كجك‬ ‫‪1‬‬


‫‪6‬‬
‫‪-‬‬

‫‪ 1342 - 1342‬م‬ ‫خلع‬ ‫‪ 1‬الناصر شهاب الدين احمد الملك‬


‫الصالح‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 275 [ ‬‬

‫‪ 1345 - 1342‬م‬ ‫الملك الصالح علء الدين ابو‬ ‫‪1‬‬


‫الفداء اسماعيل‬
‫‪8‬‬
‫‪-‬‬

‫‪ 1346 - 1345‬م‬ ‫خلع ثم‬ ‫الملك الكامل شعبان‬ ‫‪1‬‬


‫قتل‬
‫‪9‬‬
‫‪-‬‬

‫‪ 1347 -1346‬م‬ ‫قتل‬ ‫المظفر حاجي‬ ‫‪2‬‬


‫‪0‬‬
‫‪-‬‬

‫‪ 1351 - 1347‬م‬ ‫خلع‬ ‫الملك الناصر أبو المحاسن‬ ‫‪2‬‬


‫حسن‬
‫‪1‬‬
‫‪-‬‬

‫‪1354 - 1351‬م‬ ‫الملك صلح الدين صالح‬ ‫‪2‬‬


‫خلع وسجن‬ ‫‪2‬‬
‫حتى مات‬
‫‪-‬‬

‫‪ 1361 -1354‬م‬ ‫ثانية‬ ‫‪ 2‬الملك الناصر أبو المحاسن حسن‬


‫‪3‬‬
‫‪-‬‬

‫‪ 1363 -1361‬م‬ ‫خلع‬ ‫الملك صلح الدين محمد بن‬ ‫‪2‬‬


‫المظفر حاجي‬
‫‪4‬‬
‫‪-‬‬

‫‪ 1377 - 1363‬م‬ ‫قتل‬ ‫الملك الشرف أبو المعالي زين‬ ‫‪2‬‬


‫الدين شعبان‬
‫‪5‬‬
‫‪-‬‬

‫‪ 1381 -1377‬م‬ ‫الملك المنصور علء الدين علي‬ ‫‪2‬‬


‫بن الشرف‬
‫‪6‬‬
‫‪-‬‬

‫‪ 1382 - 1381‬م‬ ‫خلع‬ ‫الملك الصالح أمير حاج بن‬ ‫‪2‬‬


‫الشرف‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 276 [ ‬‬

‫وهو آخر سلطين المماليك التراك‪.‬‬

‫‪ - 3‬المماليك الشراكسة ‪:‬‬


‫مدته‬ ‫نهايته‬ ‫الملك‬ ‫م‬
‫‪ 1389- 1382‬م‬ ‫خلع‬ ‫برقوق الظاهر سيف الدين‬ ‫‪2‬‬
‫‪8‬‬
‫‪-‬‬
‫تولى و خلع ثانية‬
‫‪ 1389 -1389‬م‬ ‫وسجن حتى مات‬ ‫الملك الصالح أمير حاج‬ ‫‪2‬‬
‫‪9‬‬
‫‪-‬‬

‫‪ 1399 -1389‬م‬ ‫ثانية‬ ‫الملك الظاهر برقوق‬ ‫‪3‬‬


‫‪0‬‬
‫‪-‬‬

‫‪ 1405 - 1399‬م‬ ‫اختفى ثم‬ ‫الملك الناصر زين الدين أبو‬ ‫‪3‬‬
‫ظهر‬ ‫السعادات‬
‫‪1‬‬
‫‪-‬‬

‫‪ 1405 - 1405‬م‬ ‫خلع و‬ ‫الملك المنصور عز الدين أبو‬ ‫‪3‬‬


‫سجن‬ ‫العز عبد العزيز‬
‫‪2‬‬
‫‪-‬‬

‫‪ 1412 - 1405‬م‬ ‫ثانية‬ ‫‪ 3‬الناصر زين الدين أبو السعادات‬


‫قتل‬
‫‪3‬‬
‫‪-‬‬

‫‪ 1412 -1412‬م‬ ‫الخليفة المستعين بالله جمع بين‬ ‫‪3‬‬


‫الخلفة والسلطنة‬
‫‪4‬‬
‫‪-‬‬

‫‪ 1421- 1412‬م‬ ‫المير شيخ المؤيد أبو النصر‬ ‫‪3‬‬


‫‪5‬‬
‫‪-‬‬

‫‪ 1421 -1421‬م‬ ‫خلع‬ ‫الملك المظفر أبو السعادات‬ ‫‪3‬‬


‫‪‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة ‪] 277 [ ‬‬

‫احمد‬
‫‪ 1421 - 1421‬م‬ ‫الظاهر سيف الدين أبو سعيد ططر‬ ‫‪3‬‬
‫‪7‬‬
‫‪-‬‬

‫‪ 1422 -1421‬م‪.‬‬ ‫خلع‬ ‫محمد بن ططر الملك الصالح‬ ‫‪3‬‬


‫وسجن‬ ‫ناصر الدين‬
‫‪8‬‬
‫‪-‬‬

‫‪ 1438 - 1422‬م‬ ‫المير برسباي الدقماقي الملك‬ ‫‪3‬‬


‫الشرف أبو النصر‬
‫‪9‬‬
‫‪-‬‬

‫‪ 1438 -1438‬م‬ ‫خلع‬ ‫‪ 4‬الملك العزيز أبو المحاسن جمال‬


‫الدين‬
‫‪0‬‬
‫‪-‬‬

‫‪ 1452 -1438‬م‬ ‫استقال‬ ‫الملك الظاهر أبو سعيد جقمق‬ ‫‪4‬‬


‫‪1‬‬
‫‪-‬‬

‫‪ 1453 - 1452‬م‬ ‫خلع‬ ‫الملك المنصور أبو السعادات‬ ‫‪4‬‬


‫فخر الدين عثمان‬
‫‪2‬‬
‫‪-‬‬

‫‪ 1453-1461‬م‬ ‫اينال العلئي الملك الشرف أبو‬ ‫‪4‬‬


‫النصر سيف الدين‬
‫‪3‬‬
‫‪-‬‬

‫‪ 1461-1461‬م‬ ‫خلع‬ ‫الملك المؤيد احمد أبو الفتح‬ ‫‪4‬‬


‫شهاب الدين‬
‫‪4‬‬
‫‪-‬‬

‫‪ 1461-1467‬م‬ ‫خوشقدم الملك الظاهر أبو‬ ‫‪4‬‬


‫سعيد سيف الدين‬
‫‪5‬‬
‫‪-‬‬

‫‪ 1467 - 1467‬م‬ ‫خلع‬ ‫بلباي الملك الظاهر أبو النصر‬ ‫‪4‬‬


‫سيف الدين‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 278 [ ‬‬

‫‪ 1496 -1467‬م‬ ‫خلع‬ ‫تمر بغا الملك الظاهر أبو سعيد‬ ‫‪4‬‬
‫‪7‬‬
‫‪-‬‬

‫‪ 1498 -1496‬م‬ ‫خلع‬ ‫‪ 4‬الملك الناصر أبو السعادات ناصر‬


‫الدين‬
‫‪8‬‬
‫‪-‬‬

‫‪ 1500 - 1498‬م‪.‬‬ ‫‪ 4‬قانصوه الملك الظاهر أبو سعيد‬


‫‪9‬‬
‫‪-‬‬

‫‪ 1501 -1500‬م‬ ‫المير جان بلط الملك الشرف‬ ‫‪5‬‬


‫أبو النصر‬
‫خلع وسجن‬ ‫‪0‬‬
‫وخنق‬
‫‪-‬‬

‫‪ 1502 - 1501‬م‬ ‫طومان باي الملك العادل‬ ‫‪5‬‬


‫‪1‬‬
‫‪-‬‬

‫قتل في الحرب‬
‫‪ 1516 -1502‬م‬ ‫مع العثمانيين‬ ‫قنصوه الغوري الملك الشرف‬ ‫‪5‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-‬‬

‫‪ 1517 -1516‬م‬ ‫طومان باي الثاني‬ ‫‪5‬‬


‫شنقه‬ ‫‪3‬‬
‫العثمانيون‬
‫‪-‬‬

‫‪ -16‬الخلفة العباسية ( الرمزية ( في مصر (‪ 922-656‬هـ ‪-1258 /‬‬


‫‪1517‬م( ‪:‬‬
‫ادعى الخلفة بعد مقتل الخليفة المستعصم سنة ‪656‬هس اثنسسان مسسن بنسسي العبسساس‪,‬‬
‫أحدهما يدعى أبا العباس أحمد بن علي ) وجده العلى المسترشد بالله بن المستظهر‬
‫بالله (‪ ,‬والخر يدعى أبا القاسم أحمد بن الظاهر بأمر الله وهسسو أخسسو المستنصسسر بسسالله‬
‫ويلتقي مع الول بالخليفة المستظهر بالله‪.‬‬
‫وقد توجه الول إلى حلب وأثبت فيها نسبه بشهادة جماعة من عرب خفاجة فبايعه‬
‫أمير حلب حسام الدين بن أبي الفوارس وبايعه معه جماعة من العلماء وفيهسسم الشسسيخ‬
‫عبد الحليم بن تيمية‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 279 [ ‬‬

‫وتوجه الخر إلى القاهرة وأثبت نسبه بشسهادة جماعسسة مسن عسرب مهسارش فبسايعه‬
‫الملك الظاهر بيبرس وبايعه معه جماعة من العيان والعلماء وتلقب بالمستنصر بسسالله‬
‫عام ‪659‬هس‪ .‬وقد طلب من الملك الظاهر أن يجهزه بقوة ليقاتل المغول فسسزوده بقسسوة‬
‫قليلة هزمها المغول وفيها قتل الخليفة المستنصر‪ ,‬وقدم أبو العباس أحمد إلى القاهرة‬
‫فبويع فيها خلفا للمستنصر وتلقب بالحاكم بأمر الله‪.‬‬
‫واستمرت خلفة بني العباس في مصر حتى استولى العثمانيون عليها سنة ‪922‬هس‬
‫بقيسسادة السسسلطان سسسليم الول وقسسد تنسسازل الخليفسسة العباسسسي عسسن الخلفسسة للسسسلطان‬
‫العثماني فنقلها إلى القسطنطينية وظلت قائمة في أعقابه إلى أن زالت بزوال الدولة‬
‫العثمانية سنة ‪1342 :‬هس ‪1923 /‬م‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 280 [ ‬‬

‫(ب( – الدول التي استقلت في جزيرة العرب زمن العباسيين ‪:‬‬


‫‪ –17‬الدولة الباضية في عمان (‪176‬هـ ‪792 /‬م ( ‪:‬‬
‫الباضية هم من الخوارج المعتدلين القريبين من مذهب السنة ‪ .‬يعود مذهبهم لعبد‬
‫الله بن إباض التميمي وقد حاربهم المويون والعباسيون وطردوهم من الشام والحجاز‬
‫واليمن وإفريقيا ‪ ,‬ولكن أقلية منهم بقوا في عمان إلى أيامنا هذه ‪.‬‬
‫وقد تأسست الدولة الباضية في عمان سنة ‪176‬هس‪ .‬أسسها الجلندي بسسن مسسسعود‬
‫الباضي ‪ .‬وقد كان من أبرز دعاتهم غسان بن عبد الله الحميدي‪ ,‬و الصلت بن مالسسك ‪.‬‬
‫وقد عملوا في التجارة وازدهرت دولتهم بذلك‪.‬‬
‫‪ -18‬دولة القرامطة ‪ -‬البحرين ‪ 398 -296 ( -‬هـ ‪1008 -909 /‬م ( ‪:‬‬
‫وقد مر نبذة عنها لما ذكرنا الثورات ‪ .‬وقد ابتدأت على يسد داعيسة فساطمي متخفسي‬
‫هو )الحسين الهوازي( الذي حمل الدعوة السماعيلية إلى جنوب العسسراق والبحريسسن ‪.‬‬
‫ولما مات خلفه ‪ .‬رجل فارسي عرف بلقب )قرمط(‪ ,‬قيل أن اسمه )حمدان الشسسعث(‬
‫وقد كان أحد دعاة المام السماعيلي )المنتظر( الذين بثهم في القطار عبسسد اللسسه بسسن‬
‫ميمون القداح‪ ,‬منظم الدعوة السماعيلية‪.‬‬
‫وقسسد دعسسا إلسسى مسسذهب فيسسه مزيسسج مسسن المزدكيسسة الفارسسسية واليهوديسسة والنصسسرانية‬
‫والسلم‪,‬‬
‫وقد أقام هؤلء دولة سنة ‪ 296‬هس في القطيف والبحرين واليمن وقادوا حروبا في‬
‫العراق أرادوا بها انتزاع الخلفة‪ ,‬ونازعوا الفاطميين زعامة الدعوة‪ ,‬فهاجموا قواعسسدهم‬
‫في الشام وهموا بمهاجمة القاهرة وقد تمكن الفاطميون من صدهم‪.‬‬
‫وفي سنة ‪317‬هس أغاروا على مكة فقلعوا الحجر السسسود وقتلسسوا الحجسساج‪ ,‬وحملسسوا‬
‫الحجر السود إلى القطيف عاصمة ملكهسسم وأعسسادوه سسسنة ‪239‬هسس لقسساء السسسماح لهسسم‬
‫بفرض ضريبة على الحجاج‪.‬‬
‫وبقيت هذه الدولة قائمة إلى أن زالت سنة ‪ 398‬هس ‪.‬‬
‫‪ -19‬دولة بني نجاح في ( زبيد – اليمن ( ( ‪ 554-421‬هـ ‪1160 1030 /‬‬
‫م(‪:‬‬
‫أسس هذه الدولة عبد حبشي تمكن مسسن التحسسرر ‪ .‬وأقسسام دولسسة فسسي زبيسسد ‪ .‬ولكسسن‬
‫أفراد السرة تصارعوا ‪ .‬مما مكن والي تهامة ) علي بسسن محمسسد( القضسساء عليهسسم سسسنة‬
‫‪554‬هس ‪.‬‬

‫‪ – 20‬الدولة الصليحية ( صنعاء – اليمن ( ( ‪647 -450‬هـ ‪ - 1058 /‬م ( ‪:‬‬


‫دانت هذه الدولة بالمذهب السماعيلي ‪ .‬وقد أسسها محمد الصسسليحي السسذي تلقسسى‬
‫الدعوة على يد الدعاة السسسماعيلية فسسي اليمسسن ‪ ,‬وكسسانت عاصسسمتهم صسسنعاء وارتبطسست‬
‫بصلت ودية مع الفاطميين في مصر ‪ ,‬حيث أسبل عليهم اللقاب السامية مثسسل ) أميسسر‬
‫المراء( و) المكرم (‪..‬وقد مدوا نفوذهم للحجاز ثم سقطت الدولة على يد توران شسساه‬
‫آخر سلطين اليوبيين ‪ .‬ومن أبرز شخصياتهم السيدة الحرة ) أروى بنسست أحمسسد( السستي‬
‫قامت بدور هام بنشر المذهب السماعيلي في الهند وعمان ‪ .‬وبقي من آثارها مسسسجد‬
‫في صنعاء ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 281 [ ‬‬

‫‪ -21‬دولة بني رسول ( اليمن ( ( ‪ 826 -626‬هـ ‪ 1423- 1229 /‬م( ‪:‬‬
‫أسسها علي بن رسول وهو من نسل الغساسنة ) ملوك الشام قبل الفتسسح( ‪ .‬وقسسد‬
‫عينه اليوبيون واليا على مكة سنة ‪652‬هس ثم أسندوا إليه حكم اليمن ‪ ,‬فمد نفوذه مسسن‬
‫حضرموت إلى مكة ‪ .‬وبقيت دولته في سللته قرابسة قرنيسن وكسانوا تجسارا ‪ ,‬أثسروا مسن‬
‫التجارة البحرية ولسيما مع الهند ‪ ,‬وتقدمت في عهده الصناعة والزراعسسة ‪ .‬وقسسد كسسانوا‬
‫على المذهب الشافعي ‪ .‬وشجعوا العلماء وجمعوا المكتبات ‪.‬‬

‫( ج (‪ -‬الدول التي استقلت في إفريقية ‪:‬‬

‫‪ -22‬الدولة المدارية (‪297 -140‬هـ ‪ 909-757/‬م ( ‪:‬‬


‫قامت هذه الدولة في المغرب القصى ‪ ,‬وقد أسسها )عبد ( يدعى عيسى بن يزيد‬
‫السود ‪ ,‬وكان أحد الخوارج الصفرية ‪ .‬ولكن قبيلة ) مكناسسسة ( البربريسسة ثسسارت عليسسه و‬
‫واستولت على المارة التي رئسها أبو القاسم ) سسسمكو بسن واسسسول ( وكسانت عاصسسمة‬
‫الدولة مدينة ) سلجماسة ( في واحة في الصحراء ‪ .‬وقد اهتموا بالتجارة مع إفريقيسسا‬
‫السوداء جنوب الصحراء الكبرى ‪ .‬وحازوا ثروة كبيرة ‪ .‬ثم تنازع أفراد السرة ‪ ,‬إلى أن‬
‫دهمهسسم جيسسش أبسسي عبسسد اللسسه الشسسيعي داعيسسة الفسساطميين ‪ ,‬وأسسسقط دولتهسسم سسسنة )‬
‫‪297‬هس( ‪.‬‬

‫‪ -23‬الدولة الرستمية ( ‪296 -162‬هـ ‪ 908 -779 /‬م ( ‪:‬‬


‫أسسسسها عبسسد الرحمسسن بسسن سسسستم وهسسم مسسن الخسسوارج الباضسسية المعسسادين للدولسسة‬
‫العباسية ‪ ,‬وقد تأسست في تاهرت ) الجسسزائر ( ‪ .‬وتميسسز حكمسسه بالعسسدل فسسي الرعيسسة ‪,‬‬
‫واشتهر بالتجارة مع إفريقيا السوداء وجلبوا السسذهب والرقيسسق ‪ .‬ممسسا أعطسسى )تسساهرت (‬
‫مركسسزا حضسساريا وعمرانيسسا‪ .‬ثسسم تصسسارعت داخسسل دولتهسسم العناصسسر العربيسسة والبربريسسة‬
‫والفارسسسية علسسى الملسسك ‪ ,‬ونشسسأت بينهسسم صسسراعات مذهبيسسة بيسسن الباضسسية والصسسفرية‬
‫والمعتزلة والشيعة والسنة ‪ .‬ثم سسسقطت بيسسد أبسسي عبسسد اللسسه الشسسيعي الفسساطمي سسسنة‬
‫‪296‬هس‪.‬‬

‫‪ - 24‬دولة الدارسة ( ‪375-172‬هـ ‪ 985-788 /‬م ( ‪:‬‬


‫في عهسد الخليفسة أبسي جعفسر المنصسور‪ ,‬قسام ضسد العباسسيين فسي المدينسة محمسد‬
‫)النفس الزكية( ‪ ,‬وأرسل المنصور إليه جيشا ‪ ,‬واشتبك معه في معركسسة انتهسست بقتسسل‬
‫محمد سنة ‪145‬هس‪.‬‬
‫وفي عام ‪169‬هس ثار على المنصور علوي آخر هو الحسين بن علي بن الحسن ابن‬
‫الحسن بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب ومعه عماه إدريس ويحيى ابني عبسسد‬
‫الله‪ .‬فأرسل المنصور جيشسسا لقتسساله‪ ,‬وجسسرت بيسسن الفريقيسسن معركسسة فسسي موقسسع قسسرب‬
‫المدينة يعرف بس )فخ(‪ ,‬وفيها قتسسل الحسسسين وتمكسسن عمسسه إدريسسس بسن محمسسد )النفسسس‬
‫الزكية( من الهرب‪ .‬وتوجه إدريس إلى المغرب القصى ونسسزل علسسى قبيلسسة مسسن السسبربر‬
‫تدعى )أوربة( فعرفها بنفسه‪ ,‬فبايعته ودخلت في طساعته قبسائل أخسرى‪ ,‬وخلسع إدريسسس‬
‫طاعة بني العباس وأنشأ مدينة )فاس( واتخذها عاصسسمة لسسه وفيهسسا أقسسام سسسنة ‪172‬هس س‬
‫دولة علوية مستقلة عرفت بدولة الدارسة ‪.‬‬
‫ولما استقر إدريس في ملكه جند من قبائل السسبربر جيشسا فغسسزا المغسسرب الوسسسط‬
‫وضمه إلى مملكته‪ .‬واستمرت تلك الدولة إلى أن قضت عليهسسا الدولسسة الفاطميسسة سسسنة‬
‫‪375‬هس‪.‬‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 282 [ ‬‬

‫‪ –25‬الدولة الغلبية ( ‪ 296-184‬هـ ‪ 909-800 /‬م ( ‪:‬‬


‫خشي هارون الرشيد أن تمتد أطماع الدارسسسة فيسسستولوا علسسى المغسسرب الدنسسى‬
‫)تونس( ‪ ,‬وكان يعرف باسم )إفريقية( فأراد أن يقيم حكما ثابتا يناط برجل يستقل بسسه‬
‫ليدفع عنه خطر الدارسة‪ ,‬فوقع اختياره على إبراهيم ابن الغلب‪ ,‬فوله علسسى إفريقيسسة‬
‫سنة ‪184‬هس‪ ,‬على أن تكون وليته وراثية في مقابل مبلغ من المال يدفعه إلى الخليفة‪,‬‬
‫وكانت )القيروان( عاصمة للولية‪ ,‬فبنى إبراهيسم بسن الغلسب مدينسة دعاهسا )العباسسية(‬
‫اتخذها عاصمة لدولته التي عرفت بدولة الغالبة ‪.‬‬
‫وفي عهد حفيده زيادة الله الول تم الستيلء على جزيرة )صسقلية( بقيسادة الفقيسه‬
‫الكبير )أسد بن الفرات( وضمت إلى دولة الغالبة‪ .‬وقد امتد حكم الدولة الغلبية حسستى‬
‫قيام الدولة الفاطمية التي قضت عليها ‪.‬‬

‫‪ -26‬دولة المرابطين ( ‪541 – 453‬هـ ‪ 1147 -1062 /‬م (‪:‬‬


‫تأسست هذه الدولة في المغرب القصى سنة ‪453‬هس بزعامة يوسف بسسن تاشسسفين‬
‫اللمتوني )نسبة إلى قبيلة لمتونة البربرية( وكان رجالها يشدون اللثسسام )النقسساب( علسسى‬
‫وجوههم فعرفوا بالملثمين‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 283 [ ‬‬

‫وقد لبى الملك المجاهد يوسف بن تاشفين دعوة المعتمد بن عبسساد ملسسك أشسسبيلية‪,‬‬
‫ليصد عنه عدوان ألفونسسسو السسادس ملسسك قشسستالة فاجتسساز البحسسر إلسسى النسسدلس سسسنة‬
‫‪479‬هس على رأس جيوش من البربر وتمكن من هزم الملك السباني في وقعة شهيرة‬
‫جرت في سهل )الزلقة(‪ .‬وخضعت بعدها دويلت طوائف الملوك لسلطان المرابطين‪.‬‬
‫وبعد وفاة يوسف بن تاشفين سنة )‪500‬هس( خلفه ملوك من أبنائه فيهم المنصرف‬
‫إلى لهوه وفيهم الفتى الماجن وفيهم الحدث القاصر‪ ,‬ولم يخل المسسر مسسن نسسزاع بينهسسم‬
‫فأخذت الدولة في النهيار وطمع بها الموحدون فاستولوا عليها سنة ‪541‬هس س فسسي عهسسد‬
‫آخر ملوكها إسحاق بن علي بن تاشفين حفيد يوسف بن تاشفين ‪.‬‬

‫‪ -27‬الموحدون (‪668 -541‬هـ ‪ 1270 -1147 /‬م ( ‪:‬‬


‫تنتسب هذه الدولة إلى محمد بن تومرت‪ ,‬من قبيلة )زناتة البربرية( وموطنهسسا فسسي‬
‫الجنوب الشرقي من المغرب القصى‪ .‬وكان ابن تومرت قد دعسا إلسى مسذهب التوحيسد‬
‫فعرف أصحابه بالموحدين وتلقب بالمهدي‪ ,‬ولما توفي سنة ‪524‬هس س خلفسسه فسسي دعسسوته‬
‫تلميذه المقرب إليه عبد المؤمن بن علي‪ ,‬فأخذ يغير على المرابطين وتمكن فسسي عسسام‬
‫‪541‬هس من الستيلء على مدينة مراكش وأزال دولة المرابطين في المغسسرب القصسسى‬
‫وأقام دولة للموحدين‪.‬‬
‫وقد اشتدت قوة الموحدين فسسي عهسسد ابنسسه أبسسي يعقسسوب يوسسسف الول‪ .‬ففسسي عسسام‬
‫‪567‬هس اجتاز البحر إلى الندلس وأخضع بها من ظل مواليا للمرابطين كسسابن مردنيسسش‬
‫وابن غانية‪.‬‬
‫ولما توفي سنة ‪580‬هس خلفه ابنه أبو يوسف يعقسسوب المنصسسور وفسسي عهسسده بلغسست‬
‫دولة الموحدين أوجها في العز والمنعة‪ ,‬فقد اجتاز البحر إلى الندلس عدة مسسرات صسسد‬
‫فيها عدوان السبان وكان آخرهسسا عسسام ‪591‬هسس فسسي الوقعسسة السستي هسسزم فيهسسا ألفونسسسو‬
‫الثامن هزيمة منكرة وعرفت بوقعة )الراك( و أحيا فيها وقعة الزلقة السستي جسسرت مسسن‬
‫قبل عام ‪479‬هس‪.‬‬
‫ولما توفي أبو يوسف يعقوب المنصور سنة ‪595‬هس خلفسسه ابنسسه الناصسسر لسسدين اللسسه‬
‫محمد وفي عهده أخذت دولسة الموحسدين فسي النهيسار‪ ,‬فقسد اشستبك مسع السسبان فسي‬
‫معارك هزم فيها وكان أشدها وقعا تلك التي جرت سنة ‪609‬هس س والسستي عرفسست بوقعسسة‬
‫)العقاب( وتتابعت هزائم الموحسسدين بعسسدها فسسي عهسسد أخلفسسه منهسسا هزيمسسة وقعسسة )أبسسي‬
‫دانس( سنة ‪614‬هس‪.‬‬
‫ولم يطل عهد الموحدين بعد ذلك فقد استولى بنو مرين على دولتهم سنة ‪668‬هس س‬
‫في عهد آخر ملوكهم إدريس الملقب بأبي دبوس‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 284 [ ‬‬

‫‪ -28‬دولة بني مرين ( ‪875 -668‬هـ ‪ 1470 -1270 /‬م( ‪:‬‬


‫تنتسب هذه الدولة إلى مؤسسسسها عبسسد الحسسق المرينسسي مسن قبيلسسة زناتسسة البربريسسة‪,‬‬
‫المقيمة في منطقة )سلجماسة( بالمغرب القصى‪ .‬ففي عام ‪610‬هس تحول عبد الحسسق‬
‫بقبيلته إلى بلد الريف منتجعا وأخذ يغير علسسى منسساطق الموحسسدين والتقسسى معهسسم سسسنة‬
‫‪612‬هس في معركة هزمهم فيها وتوالت بعد ذلك هزائم الموحدين حتى تسسم لبنسسي مريسسن‬
‫إزالة دولتهم سنة ‪668‬هس وقد امتدت دولة بني مرين في المغسسرب القصسسى إلسسى سسسنة‬
‫‪875‬هس‪.‬‬

‫‪ -29‬دولة بني زيان من بني عبد الواد ( ‪962-633‬هـ ‪ 1555 - 1235 /‬م (‬
‫‪:‬‬
‫تنتسب هذه الدولة إلى مؤسسها أبي يحيى يغمراسن بن زيان العبدوادي‪ ,‬من بني‬
‫زيان بتلمسان‪ .‬ففي عام ‪633‬هسس اسسستقل يغمراسسسن بتلمسسسان واشسستملت دولتسسه علسسى‬
‫إفريقية الوسطى )الجزائر( وخضعت بضع سنين للسيادة المرينية وامتسسد عمرهسسا حسستى‬
‫استولى عليها العثمانيون سنة ‪962‬هس‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 285 [ ‬‬

‫‪ -30‬دولة الحفصيين ( ‪941 -625‬هـ ‪1534 - 1227 /‬م (‪:‬‬


‫تنتسب هذه الدولة إلى أبي حفص عمر بن أبسسي زكريسسا يحيسسى الهنتسساتي‪ ,‬وكسسان أبسسو‬
‫زكريا من عمال دولة الموحدين بتسسونس ثسسم اسسستقل عنهسسا سسسنة ‪625‬هسسس‪ ,‬وقسسامت بيسسن‬
‫أخلفه خصومات انقسمت بسببها الدولة سنة ‪681‬هس س إلسسى دولسستين‪ :‬دولسسة فسسي تسسونس‬
‫ودولة في )بجاية( بالمغرب الوسط‪ ,‬وامتدت إلى أن اسسستولى عليهسسا العثمسسانيون سسسنة‬
‫‪941‬هس‪.‬‬

‫( د ( الدولة السلمية في الندلس‪:‬‬

‫‪ -31‬دولة المويين في الندلس ( ‪897 -92‬هـ ‪1452 -713 /‬م ( ‪:‬‬


‫اجتاز المسلمون البحر من المغرب القصى إلى الندلس عام ‪92‬هس بقيادة طسسارق‬
‫بن زياد وموسى بن نصير وخضعت مع ما فتح من بلد شسمال إفريقيسسة إلسسى دولسة بنسي‬
‫أمية بدمشق‪.‬‬
‫‪ -1‬عبد الرحمن الداخل (‪172 -138‬هـ ( ‪:‬‬
‫ولما انقضى عهد المويين بقتل مروان الثاني آخر ملوكهم ‪ ,‬تمكن عبد الرحمن بن‬
‫معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان أن يفلت من قبضتهم وأن ينجو مسسن القتسسل‪,‬‬
‫وتوجه متخفيا إلى المغرب لجئا إلسسى قبيلسسة )نفسسزة( وفيهسسا أخسسواله‪ .‬فلمسسا اطمسسأن إلسسى‬
‫نفسه‪ ,‬أخذ يكاتب من ظل مسن أهسل النسدلس علسى ولئه لبنسي أميسة‪ ,‬فجساءه تأييسدهم‬
‫لقدومه‪.‬‬
‫وفي شهر ذي الحجة من عام ‪138‬هس اجتاز عبد الرحمسسن البحسسر‪ ,‬ومعسسه جمسسع مسسن‬
‫العرب والبربر‪ ,‬ونزل الندلس‪ ,‬وانضم إليه من كان يرقب قدومه‪ ,‬وتسسوجه إلسسى قرطبسسة‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 286 [ ‬‬

‫فدخلها بعد أن قضى على أميرها يوسف بن عبد الرحمسسن الفهسسري‪ ,‬المعتمسسد مسسن قبسسل‬
‫الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور‪ ,‬ومن ثم دعي عبد الرحمن بلقب )الداخل(‪.‬‬
‫تمكن عبد الرحمن من القضاء على الثورات التي أثارها المؤيسسدون لبنسسي العبسساس‪,‬‬
‫وفيهم الطامعون بالستقلل بما فسي أيسديهم مسن أقساليم ومسدن‪ ,‬ومنهسم مسن استنصسر‬
‫بشارلمان‪ ,‬ملك الفرنجة‪ ,‬فجاء بجيوشه سسنة )‪161‬هسس ‪ 771 -‬م(‪ ,‬ولكنسسه لسسم يلبسسث أن‬
‫عاد بعد أن فشل في حملته‪ .‬ولم يصرف عبد الرحمن انشغاله بقمع تلك الثورات التي‬
‫توالت طيلة حكمه عن الدارة والعمران ‪ ,‬فقد أنشأ جامع قرطبسسة السسذي أصسسبح جامعسسة‬
‫اجتذبت إليها مشاهير علماء المشرق ‪.‬‬
‫‪ – 2‬هشام بن عبد الرحمن الداخل (‪ 180 -172‬هـ ( ‪:‬‬
‫توفي عبد الرحمن سنة ‪172‬هس فخلفه ابنه هشام الول بعهد من أبيه ‪ ,‬فثسسار عليسسه‬
‫أخواه سليمان وعبد الله‪ ,‬ينازعانه المارة ‪ ,‬وامتدت ثورتهما إلى عهد ابنه الحكم الول‪.‬‬
‫وقسسد تمكسسن هشسسام مسسن صسسد هجمسسات ملسسوك الفرنجسسة واسسستولى علسسى بعسسض قلعهسسم‬
‫وحصونهم‪ ,‬وأضاف إلى جامع قرطبة المئذنسسة‪ ,‬وجسسدد بنسساء القنطسسرة علسسى نهسسر قرطبسسة‬
‫المعروف باسم )الوادي الكبير(‪ ,‬وكان السمح بن مالسسك أميسسر النسسدلس قسسد بناهسا سسنة‬
‫‪100‬هس‪.‬‬
‫‪ – 3‬الحكم بن هشام (‪ 206 -180‬هـ ( ‪:‬‬
‫توفي هشام الول سنة ‪180‬هس وخلفه ابنه الحكم الول بعهد من أبيسسه فقمسسع ثسسورة‬
‫عميه سليمان وعبد الله بقتل الول واستسلم الثاني‪ ,‬وقضى على ما نشب مسسن فتسسن‪,‬‬
‫وغزا بلد الفرنجة وصد عدوانهم على الثغور‪.‬‬
‫‪– 4‬عبد الرحمن ( الثاني ( بن الحكم ( ‪238 -206‬هـ ( ‪:‬‬
‫توفي الحكم الول سنة ‪206‬هس فخلفه ابنه عبد الرحمن الثاني بعهد من أبيه‪ .‬فسسي‬
‫عهده ثارت فتنة بين اليمينية و المضرية علسسى منطقسسة )تسسدمير(‪ ,‬فقمعهسسا الحكسسم وأمسسر‬
‫بهدم )تدمير( وأقام مكانها مرسى للسسسفن‪ ,‬فسسسميت )مرسسسية(‪ ,‬وأخمسسد عصسسيان أهسسل‬
‫طليطلة وتابع غزو الممالك النصرانية‪.‬‬
‫‪ – 5‬محمد (الول( بن عبد الرحمن (‪ 273-238‬هـ ( ‪:‬‬
‫توفي عبد الرحمن الثاني سنة ‪238‬هس‪ ,‬فخلفه ابنه محمد الول بعهد من أبيه‪ .‬فسسي‬
‫عهده ثار المولدون بزعامة عمر بن حفصون‪ ,‬وثار عليه أهل طليطلة وتحالفوا مع ملك‬
‫)جليقة(‪ .‬وأثار الراهب )ايلوخيو( فتنة انتهست بقتلسه ‪ .‬ونشسبت بيسن محمسد وبيسن ملسوك‬
‫النصارى حروب انتهت بغلبته عليهم والستيلء على كثير مسسن قلعهسسم وحصسسونهم‪ .‬فسسي‬
‫عهده هاجم )النورمان ‪ -‬الفايكونج( السواحل الندلسية وتولى قائد البحريسسة الندلسسسية‬
‫)خشخاش بن سعيد( طردهم‪.‬‬
‫‪ – 6‬المنذر بن محمد ( ‪ 275-273‬هـ ( ‪:‬‬
‫توفي محمد الول سنة ‪273‬هس وخلفه ابنه المنسسذر الول‪ ,‬ولسسم يطسسل حكمسسه سسسوى‬
‫سنتين‪.‬‬
‫‪ – 7‬عبد الله بن محمد ( ‪300 -275‬هـ( ‪:‬‬
‫توفي المنذر سنة ‪275‬هس وخلفه أخوه عبد الله بن محمد‪ .‬ثار عليسسه أمسسراء أشسسبيلية‬
‫وتتابعت في عهده ثورات المولدين وطال حكمه خمسا وعشرين سنة‪.‬‬
‫‪ – 8‬خليفة الندلس عبد الرحمن الناصر (‪:(350-300‬‬
‫توفي عبد الله بن محمسسد فخلفسسه حفيسسده عبسسد الرحمسسن )الثسسالث(‪ ,‬وتلقسسب بلقسسب‬
‫الخلفة‪ ,‬حين انهارت سلطة الخليفة في بغداد وهو أول من تلقسسب بلقسسب الخلفسسة فسسي‬
‫دولة المويين بالندلس‪ ,‬وكان أسلفه يتلقبون بلقسسب )المسسارة(‪ .‬امتسسد حكمسسه خمسسسون‬
‫سنة أمضاها في قمع الثورات وفي حروبه مع الفرنجة‪ .‬وقد بلغت الدولسسة المويسسة فسسي‬
‫عهده منتهى رفعتها في القوة والعلم والعمران‪ .‬ففي القوة كان لها السيطرة الكاملسسة‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 287 [ ‬‬

‫على بلد الثغور المتاخمة لبلد العدو‪ ,‬وفي العلم أصبحت قرطبة محجة العلمسساء‪ ,‬وكسسثر‬
‫قصادها من أعلم المشرق‪ ,‬ونفست بهم على بغداد‪ .‬وفي العمران بنسسي عبسسد الرحمسسن‬
‫مدينة الزهسراء وصسب فيهسا عبقريسة العسرب فسي الهندسسة والبنساء والزخرفسة العجيبسة‪,‬‬
‫فجاءت أعجوبة الزمان وآية من آيات الفن الرفيع‪ .‬وقد أضاف إلى لقب الخلفسسة لقسسب‬
‫)الناصر لدين الله(‪ ,‬فكان يعرف به‪.‬‬
‫‪ – 9‬المستنصر بالله الحكم بن عبد الرحمن الناصر (‪366 -350‬هـ ( ‪:‬‬
‫توفي عبد الرحمن الناصر سنة ‪350‬هس فخلفه ابنه الحكسسم )الثسساني( بعهسد مسن أبيسه‬
‫وتلقب بلقب )المستنصر بالله(‪ ,‬وقد سار سيرة أبيه‪ ,‬فحارب ملوك )قشتالة( و )ليون(‬
‫و )نافار( وقهرهم وصد هجماتهم‪ .‬في عهده أغار )النورمان ‪ -‬الفايكونج( على السواحل‬
‫الندلسية للمسسرة الثانيسسة فصسسدهم‪ .‬ازدحسسم العلمسساء علسسى بسسابه‪ ,‬وغصسست بهسسم مجالسسسه‪,‬‬
‫وترجمت إلى العربية كتب كانت تهدى إليه من أباطرة الروم‪ ,‬وقسسد أنشسسأ مكتبسسة حسسوت‬
‫أربعمائة ألف مجلسسد‪ ,‬ولسسم يكسسن مسسن أهسسل النسسدلس فسسي عهسسده مسسن ل يعسسرف القسسراءة‬
‫والكتابة‪ ,‬بينما كان الجهل يسود أوروبا‪ ,‬ولم يكن فيها مسسن يعسسرف الكتابسسة والقسسراءة إل‬
‫القليل‪.‬‬
‫‪ – 10‬هشام بن الحكم ( ‪366‬هـ ( ‪:‬‬
‫‪ -‬توفي الحكم )الثاني( المستنصر بالله سسنة ‪366‬هسس وخلفسه ابنسه هشسام )الثساني(‬
‫بعهد من أبيه وتلقب بلقب )المؤيد بالله(‪ ,‬ولم يكن قد تجاوز الحادية عشرة من عمره‪.‬‬
‫وكان العهد إليه بإصرار أمه )صبح( البشكنسية عن زوجها الحكم وبتأييد حاجب القصسسر‬
‫محمد بن أبي عامر‪ .‬وقد استطاع هذا الحاجب أن ينتزع السلطة مسسن الخليفسسة القاصسسر‬
‫وأن يستقل بها وأن يقيم الدولة العامرية بزعامته‪.‬‬
‫• الدولة العامرية ‪:‬‬
‫‪ - 11‬قضى ابن أبي عامر على نفوذ )صبح( أم الخليفة ‪ ,‬كما قضى على نفسسوذ‬
‫الوزير عثمان المصحفي وحجب الخليفة عن الناس‪ ,‬وألزمه القامة في القصر وأعد له‬
‫ما يلهي طفل في مثل سنة ويصرفه عن التفكيسر فسي غيسر مسا أريسد لسه وفسرض عليسه‪.‬‬
‫خاض ابن أبي عامر حروبا بلغت ‪ -‬كما يقول المؤرخون ‪ -‬خمسين وقعة‪ ,‬كتب له النصر‬
‫في أكثرها‪ ,‬ومسن أجسل ذلسك تلقسب بالمنصسور‪ ,‬ومسات متسأثرا بجسراح أصسابته فسي آخسر‬
‫ن صنعهما مما جمسسع علسسى وجهسسه مسسن غبسسار‬ ‫حروبه ‪ .‬وأمر أن يوسد في القبر على لب ِن َت َي ْ ِ‬
‫جهاد النصارى ‪.‬‬
‫ثم تحالف ملوك الفرنجة لقتسال المسسلمين بعسد وفساة ابسن أبسي عسامر وقيسام دول‬
‫الطوائف‪ ,‬وذلك بإثسارة الضسغائن بيسن ملسوك تلسك السدول واسستنجادهم بملسوك وأمسراء‬
‫الفرنجة‪ ,‬الذين كانوا يفرضون على من أعانوه مبالغ كسسبيرة‪ ,‬كسسثيرا مسسا كسسان يعجسسز عسسن‬
‫أدائها‪ ,‬وينتهي المر بالستيلء على مملكته وطرده منها‪.‬‬
‫‪ - 12‬توفي ابن أبي عامر )المنصور( بعد سبع وعشرين عاما مسسن تغلبسسه علسسى‬
‫الحكم‪ ,‬فخلفه في الحجابة ابنه عبد الملك‪ ,‬وتلقب بلقسسب )المظفسسر بسسالله(‪ ,‬وسسسار فسسي‬
‫تدبير الملك سيرة أبيه‪ .‬وظل الخليفة هشام محجوبا عسسن النسساس وقسسد بلسسغ مسسن العمسسر‬
‫سبعا وثلثين عاما‪.‬‬
‫‪ - 13‬توفي عبد الملك سنة ‪399‬هس س فخلفسسه فسسي الحجابسسة أخسسوه عبسسد الرحمسسن‬
‫الملقب بلقب )شنجول( فأخرج هشاما من معتقله وأكرهه أن يوليه الخلفة من بعسسده‪,‬‬
‫فكتب له بذلك عهدا‪ .‬ولما علم أهل قرطبة بالمر ثسساروا علسسى عبسسد الرحمسسن واجتمعسسوا‬
‫على أموي يدعى محمد بسسن هشسسام مسسن أحفسساد عبسسد الرحمسسن الناصسسر وبسسايعوه وتلقسسب‬
‫بمحمد المهدي وتمكن من قتل )شنجول( وبه انتهت دولة بني عامر‪.‬‬
‫عودة الخلفة إلى بني أمية (محمد المهدي وسليمان المستعين( ‪:‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 288 [ ‬‬

‫‪ - 14‬حجز محمد المهدي هشاما المؤيد وادعى أنه مات وأعلن للناس وفاته‬
‫وأخرج لهم جثة شخص شبيه به وصلى عليها ودفنها باحتفال ‪ .‬ولسم يلبسث أن ثسار علسى‬
‫محمد المهدي ابن عم له يسسدعى سسسليمان بسسن الحكسسم ابسسن سسسليمان بسسن عبسسد الرحمسسن‬
‫الناصر ونازعه الخلفة‪ ,‬والتف حوله البربر‪ .‬وقد اسسستعان كسسل منهمسسا بملسسك مسسن ملسسوك‬
‫الفرنجة‪ ,‬وفي الحرب تمت الغلبة لسليمان بن الحكسسم وقتسسل محمسسد )المهسسدي( ودخسسل‬
‫سليمان إلى قرطبة وكان ذلك سنة )‪402 - 400‬هس( وأحضسر هشساما )المؤيسد( وكسان‬
‫حيا‪ ,‬فتنازل لسليمان عن الخلفة وبايعه وتلقب بلقب )المستعين بالله( ‪.‬‬
‫واختفى بعد ذلك المؤيد وقيسل أن المسستعين قتلسسه‪ .‬وقسسد أقطسع المسسستعين زعمساء‬
‫السسبربر السسذين نصسسروه إقطاعسسات فسسي جنسسوب النسسدلس وشسسرقه‪ ,‬فسسأعلن بقيسسة السسولة‬
‫استقللهم وانفصالهم عن قرطبسسة وبسسذلك انفسسرط عقسسد الدولسسة المويسسة‪ ,‬وقسسامت علسسى‬
‫أنقاضها دويلت مستقلة لطوائف من العرب والبربر و الصقالبة‪ ,‬يحكم كل طائفة منهسسا‬
‫حكام سلكوا مسلك الملوك وعرفوا بملوك الطوائف وفقدت قرطبة مكانتهسسا كعاصسسمة‬
‫واستوت مع دول الطوائف‪ ,‬وتعاقب عليها حكام من أصسسول عربيسسة منهسسم أدارسسسة مسسن‬
‫بني حمود ومنهم من بني جهور ومنهم بقايا من بني أمية‪.‬‬
‫قيام دولة بني حمود في قرطبة ‪:‬‬
‫)علي بن حمود الدريسي والقاسم بن حمود ويحيى بن علي بن حمود( ‪:‬‬
‫‪ - 15‬ساءت سيرة المستعين بالله فثار أهل قرطبة عليه واستنجدوا بالمير علسسي‬
‫بن حمود الدريسي الهاشمي‪ ,‬أمير )سسسبتة(‪ ,‬فاسسستجاب لهسسم وتسسوجه سسسنة ‪407‬هسس مسسع‬
‫جيش من البربر‪ ,‬فدخل قرطبسسة وقتسسل المسسستعين ولقسسب نفسسسه )المتوكسسل علسسى اللسسه‬
‫الناصر لدين الله(‪ ,‬وكان شسسديدا علسسى ممسساليكه فاغتسسالوه سسسنة ‪408‬هسسس‪ ,‬فخلفسسه أخسسوه‬
‫القاسم ابن حمود‪ ,‬وتلقب بلقب )المأمون(‪.‬‬
‫وفي سنة ‪413‬هس ثار عليه البربر وخلعوه وولوا ابن أخيه يحيى بن علسسي الدريسسسي‬
‫وتلقب بلقب )المعتلي بالله(‪ .‬ولم يلبث أن خلعه البربر وأعادوا عمه القاسم بن حمسسود‬
‫فبايعوه وتلقب بلقب )أمير المؤمنين( ثم إنهم خلعوا القاسم وأعسسادوا ابسسن أخيسسه يحيسسى‬
‫للمرة الثانية‪.‬‬
‫• عودة الحكم إلى بني أمية‪:‬‬
‫)المستظهر‪ ,‬المستكفي‪ ,‬المعتد(‬
‫‪ - 16‬خلع أهل قرطبة يحيى بن علي وبويع أموي يدعى عبسد الرحمسن )الخسامس(‬
‫ابن هشام بن عبد الجبار بسسن عبسسد الرحمسسن الناصسسر خليفسسة وتلقسسب بلقسسب )المسسستظهر‬
‫بالله(‪ ,‬ولم يلبث سوى شهر ونصف من عام ‪413‬هس حتى خلع وبويع أموي يدعى محمد‬
‫)الثسسالث( ابسسن عبسسد الرحمسسن بسسن عبيسسد اللسسه بسسن عبسسد الرحمسسن الناصسسر وتلقسسب بلقسسب‬
‫)المستكفي بالله(‪ ,‬وبعد أربع سنوات من وليته خلسسع وبويسسع أمسسوي آخسسر يسسدعى هشسساما‬
‫)الثالث( ابن محمد بن عبد الملك بن عبد الرحمن الناصر وتلقب بلقب )المعتسسد بسسالله(‬
‫وقد ضاق أهل قرطبة بسوء تصرفه فخلعوه وأخرجسسوه مسسن قرطبسسة سسسنة ‪422‬هسس وبسسه‬
‫انقرضت دولة بني أمية في الندلس‪.‬‬
‫قيام دولة بني جهور في قرطبة‪:‬‬
‫بعد خلع المعتد بالله ولى أهل قرطبسسة عليهسسم السسوزير أبسسا الحسسزم بسسن جهسسور‪ ,‬فقسسام‬
‫بتدبير المور إلى أن مات سنة ‪435‬هس وخلفه ابنه أبو الوليد محمد بن جهسسور‪ ,‬ومسسا زال‬
‫على قرطبة حتى خلعه أهلهسسا سسسنة ‪462‬هسس فسأعقبه ابنسسه عبسسد الملسسك‪ ,‬فأسسساء السسسيرة‬
‫فأخرجوه عنها‪.‬‬
‫ضم قرطبة إلى أشبيلية‪:‬‬
‫بعد خلع عبد الملك بن جهور سنة ‪468‬هس زحف المعتمد بن عباد أمير أشبيلية على‬
‫قرطبة فملكها وزالت دولة بني جهور ومعها دولة قرطبة‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 289 [ ‬‬

‫• دولة المرابطين في الندلس ‪:‬‬


‫في عام ‪477‬هس استولى ألفونسو السادس ملك )ليون( على طليطلة واستخلصسسها‬
‫من بني ذي النون وعقد حلفا مسسع ملسسوك القسساليم المسسسيحية للسسستيلء علسسى أشسسبيلية‪,‬‬
‫فاستنجد أميرها المعتمد بسسن عبسساد بيوسسسف بسسن تاشسسفين ‪ ,‬أميسسر دولسسة المرابطيسسن فسسي‬
‫المغرب القصسسى‪ ,‬فأنجسسده وقسسدم إلسسى النسسدلس علسسى رأس جيسسش مسسن السسبربر وقاتسسل‬
‫ألفونسو ومحالفيه في معركة شهيرة جسرت فسي موقسع يعسسرف بالزلقسسة‪ ,‬بسالقرب مسن‬
‫بطليوس وذلك في ‪ 12‬رجب سنة ‪479‬هسس وانتهست بنصسر المرابطيسن وسسحق الجيسش‬
‫السباني في موقعة مشهودة من أيام السلم ‪.‬‬
‫وبعد هذه الموقعة أخذ المرابطون يستولون على دول الطوائف واحدة بعسسد أخسسرى‬
‫وينفون ملوكها إلى المغرب القصى وأقاموا في النسسدلس دولسسة للمرابطيسسن عاصسسمتها‬
‫قرطبة‪ .‬وقد دامت دولتهم حتى قضى عليها الموحدون بزعامة عبد الله بن تومرت‪.‬‬
‫دولة الموحدين في الندلس‬
‫اضمحلت دول المرابطين في الندلس بعد وفسساة يوسسسف بسسن تاشسسفين وقسسد أطمسسع‬
‫اضمحللها ملوك النصسسارى‪ ,‬فتحسسالفوا للقضسساء عليهسسا‪ ,‬فسسسارع الموحسسدون إلسسى صسسدهم‬
‫ودخلت جيوشهم الندلس سنة ‪543‬هس والتحموا مع السبان في معركة ضسسارية عرفسست‬
‫بمعركة )الرك( وانتصروا عليهم نصرا مبينا‪.‬‬
‫وقد أخذ السبان بعدها يعدون العدة لمعركسسة أخسسرى‪ ,‬جمعسسوا لهسسا قسسواهم وحشسسدوا‬
‫جيوشهم‪ ,‬والتقوا مع جيش الموحدين سنة ‪609‬هس في معركة عرفت بمعركة )العقاب(‬
‫وكانت معركة فاصلة تم فيها النصر للسبان‪.‬‬
‫نهاية دولة الموحدين في الندلس ‪:‬‬
‫بعد معركة العقاب بدأ مصير الندلس يهتز‪ ,‬وأخذت قواعد الندلس تسقط فسي يسسد‬
‫السبان ولم تأت سنة ‪644‬هس حتى سقطت دولة قرطبة و بلنسية ودانية و مرسية في‬
‫أيديهم‪ .‬أما غرناطة فقد ثبتت خلف حصونها‪ .‬ثم انهارت مقاومتها وسقطت بيد السبان‬
‫سنة ‪897‬هس )‪ 1492‬م( وبسقوطها انتهى حكم المسلمين فسسي أسسسبانيا ودالسست دولتهسسم‬
‫بعد حكم دام ثمانمائة عام‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 290 [ ‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 291 [ ‬‬

‫• تاريخ سقوط أهم المدن الندلسية ‪:‬‬


‫‪Pmpalone‬‬ ‫‪ 130‬هس ‪ 748 /‬م‪ :‬بمبلونة‬
‫‪Barcelona‬‬ ‫‪ 374‬هس ‪ 985 /‬م‪ :‬برشلونة‬
‫‪Santiago‬‬ ‫‪ 387‬هس ‪ 997 /‬م‪ :‬سانتياغو‬
‫‪Leon‬‬ ‫‪ 392‬هس ‪ 1002 /‬م‪ :‬ليون‬
‫‪Salamanca‬‬ ‫‪ 446‬هس ‪ 1055 /‬م‪ :‬سلمنقة‬
‫‪Colambra‬‬ ‫‪ 456‬هس ‪ 1064 /‬م‪ :‬قلمربة‬
‫‪Barbastro‬‬ ‫‪ 457‬هس ‪ 1065 /‬م‪ :‬بربشتر‬
‫‪Madrid‬‬ ‫‪ 476‬هس ‪ 1084 /‬م‪ :‬مجريط‬
‫‪Toledo‬‬ ‫‪ 477‬هس ‪ 1085 /‬م‪ :‬طليطلة‬
‫‪Huesca‬‬ ‫‪ 489‬هس ‪ 1096 /‬م‪ :‬وشقة‬
‫‪Tudela‬‬ ‫‪ 507‬هس ‪ 1114 /‬م‪ :‬تطيلة‬
‫‪Zaragoza‬‬ ‫‪ 512‬هس ‪ 1119 /‬م‪ :‬سرقسطة‬
‫‪Cuonca‬‬ ‫‪ 543‬هس ‪ 1177 /‬م‪ :‬قونقة‬
‫‪Silves‬‬ ‫‪ 585‬هس ‪ 1179 /‬م‪ :‬شلب‬
‫‪Merida‬‬ ‫‪ 619‬هس ‪ 1222 /‬م‪ :‬ماردة‬
‫‪Badajos‬‬ ‫‪ 627‬هس ‪ 1229 /‬م‪ :‬بطليوس‬
‫‪Mallorca‬‬ ‫‪ 628‬هس ‪ 1230 /‬م‪ :‬ميورقة )من جزر الباليار(‬
‫‪Ibza‬‬ ‫‪ 632‬هس ‪ 1235 /‬م‪ :‬يابسة‬
‫‪Cordoba‬‬ ‫‪ 633‬هس ‪ 1236 /‬م‪ :‬قرطبة‬
‫‪Tolavera‬‬ ‫‪ 633‬هس ‪ 1236 /‬م‪ :‬طلبيرة‬
‫‪Denia‬‬ ‫‪ 636‬هس ‪ 1238 /‬م‪ :‬دانية‬
‫‪Cartagena‬‬ ‫‪ 640‬هس ‪ 1242 /‬م‪ :‬قرطاجنة‬
‫‪Denia‬‬ ‫‪ 641‬هس ‪ 1243 /‬م‪ :‬دانية‬
‫‪Murcia‬‬ ‫‪ 641‬هس ‪ 1443 /‬م‪ :‬مرسية‬
‫‪Jaen‬‬ ‫‪ 644‬هس ‪ 1246 /‬م‪ :‬جيان‬
‫‪Lisbaana‬‬ ‫‪ 645‬هس ‪ 1247 /‬م‪ :‬لشبونة‬
‫‪Jativa‬‬ ‫‪ 645‬هس ‪ 1247 /‬م‪ :‬شاطبة‬
‫‪Sevilla‬‬ ‫‪ 1248 / 646‬م‪ :‬إشبيلية‬
‫‪Lerida‬‬ ‫‪ 647‬هس ‪ 1249 /‬م‪ :‬لردة‬
‫‪Huelva‬‬ ‫‪ 661‬هس ‪ 1262 /‬م‪ :‬ولبة‬
‫‪Nibela‬‬ ‫‪ 661‬هس ‪ 1262 /‬م‪ :‬لبلة‬
‫‪Cadis‬‬ ‫‪ 661‬هس ‪ 1262 /‬م‪ :‬قادس‬
‫‪Menorca‬‬ ‫‪ 686‬هس ‪ 1287 /‬م‪ :‬منورقة )بقية جزر الباليار(‬
‫‪Giraltar‬‬ ‫‪ 702‬هس ‪ 1310 /‬م‪ :‬جبل طارق‬
‫‪Ceuta‬‬ ‫‪ 818‬هس ‪ 1415 /‬م‪ :‬سبتة‬
‫‪Ronda‬‬ ‫‪ 890‬هس ‪ 1485 /‬م‪ :‬رندة‬
‫‪Malaga‬‬ ‫‪ 893‬هس ‪ 1487 /‬م‪ :‬مالقة‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 292 [ ‬‬

‫‪Cudix‬‬ ‫‪ 894‬هس ‪ 1488 /‬م‪ :‬وادي آش‬


‫‪Almeria‬‬ ‫‪ 894‬هس ‪ 1488 /‬م‪ :‬المرية‬
‫‪Granada‬‬ ‫‪ 898‬هس ‪ 1492 /‬م‪ :‬غرناطة‬

‫*************‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 293 [ ‬‬

‫أعمار الدول السلمية‬


‫قال تعالى ‪:‬‬
‫ه ال ّ ِ‬ ‫‪ ‬وت ِل ْ َ َ‬
‫داَء‬
‫شهَ َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫خذ َ ِ‬
‫مُنوا وَي َت ّ ِ‬
‫نآ َ‬
‫ذي َ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫س وَل ِي َعْل َ َ‬
‫ن الّنا ِ‬ ‫داوِل َُها ب َي ْ َ‬
‫م نُ َ‬ ‫ك اْلّيا ُ‬ ‫َ‬
‫ن ‪) ‬آل عمران ‪(140.‬‬ ‫مي َ‬ ‫ّ‬
‫ب الظال ِ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫ه ل يُ ِ‬

‫وعن حذيفة رضي الله عنه ‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسسسلم قسسال‪ ( :‬تكون‬
‫النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعهــا‪ .‬ثــم‬
‫تكون خلفة على منهج النبوة ‪ ,‬فتكون ما شاء الله أن تكون‪ ,‬ثم يرفعهــا‬
‫الله إذا شاء أن يرفعها‪ .‬ثم تكون ملكا عاضا فتكون ما شاء الله أن تكــون‬
‫ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ‪ .‬ثم تكون ملكا جبريا فتكون ما شــاء‬
‫الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ‪ .‬ثم تكون خلفة على منهــاج‬
‫النبوة ثم سكت ‪ ( .‬رواه مسلم‪.‬‬

‫وفي رواية لبن حماد ‪ :‬من حديث أنس رضي اللسسه عنسسه قسسال ‪ ( :‬إنها ثــم ثــم‪..‬‬
‫ملك عضوض‪ ..‬ثم جبرية‪ ,‬ثم طواغيت !!(‪.‬‬
‫وفي رواية عن شهر بن عطية عن أنس بن مالك قسسال ‪ ( :‬إنها ســتكون ملــوك‬
‫ثم جبابرة ثم الطواغيت (‪.‬‬

‫الدولة النبوية ‪11 -1...........:‬هس ‪ 11 )..........................‬عاما (‪.‬‬


‫‪30‬‬ ‫)‬ ‫دولة الخلفاء الراشدين ‪41-11....................................:‬هس‬
‫عاما (‪.‬‬
‫دولة الخلفة الموية ‪132 -42..:‬هس‪90 ).......................‬عاما (‪.‬‬
‫دولة الخلفة العباسية ‪656 -132.....................................:‬هس )‪524‬‬
‫عاما(‪.‬‬

‫أعمار الدول السلمية المستقلة ‪ ..‬بحسب تسلسل تاريخ قيامها ‪:‬‬


‫‪..................................................-1‬دولة بني أمية في النسسدلس مسسع دول‬
‫الطوائف‪897 –138............................................ :‬هس‪ 805).......‬أعوام(‪.‬‬
‫‪..................................................-2‬الدولة المدارية ‪ -‬المغرب القصى ‪:‬‬
‫‪ 297 -140‬هس‪ 157)....................................‬أعوام(‬
‫‪..................................................-3‬الدولة الرستمية – تاهرت‪ /‬الجسسزائر‪:‬‬
‫‪ 296 – 162‬هس‪ 143)..................................‬أعوام(‬
‫‪..................................................-4‬دولة الدارسة – المغرب القصسسى ‪: -‬‬
‫‪ 375 – 172‬هس‪ 203)..................................‬أعوام(‬
‫عمان‪-176 : -‬‬ ‫‪..................................................-5‬الدولة الباضية – ُ‬
‫‪ 792‬هس‪ 612)...............................................‬أعوام(‬
‫‪..................................................-6‬الدولة الغلبية – تونس‪– 184 : -‬‬
‫‪ 296‬هس‪ 112)...............................................‬أعوام(‬
‫‪..................................................-7‬الدولة الصفارية – سجستان ‪/‬إيران ‪-‬‬
‫‪ 298 -254 :‬هس‪)....................................‬أعوام ‪( 44‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 294 [ ‬‬

‫‪..................................................-8‬الدولة الطولونية – مصر والشام ‪: -‬‬


‫‪ 298 -256‬هس‪)....................................‬أعوام ‪( 42‬‬
‫‪..................................................-9‬الدولسسة السسسامانية‪ -‬مسسا وراء النهسسر و‬
‫طبرستان ‪389 -261........................................ : -‬هس‪)......‬أعوام ‪(128‬‬
‫‪.................................................-10‬الدولة الحمدانية – الموصل والشام ‪-‬‬
‫‪ 392 -292 :‬هس‪ 100)....................................‬أعوام(‬
‫‪.................................................-11‬الدولة القرامطة – الخليج العربي ‪: -‬‬
‫‪398 -296‬هس‪ 102).....................................‬أعوام(‬
‫‪.................................................-12‬الدولة الفاطميسسة‪ -‬مصسسر والشسسام ‪: -‬‬
‫‪ 567 – 298‬هس‪ 279)..................................‬أعوام(‬
‫‪.................................................-13‬الدولة الخشيدية – مصر ‪– 323 : -‬‬
‫‪ 358‬هس‪ 35) ...............................................‬أعوام(‬
‫‪.................................................-14‬دولة بني بويه – بلد فارس ‪: -‬‬
‫‪ 447 - 334‬هس‪ 113)......................................‬عاما(‬
‫‪.................................................-15‬الدولة الغزنوية – أفغانستان والهند ‪-‬‬
‫‪555 -366 :‬هس‪ 179).....................................‬أعوام(‬
‫‪.................................................-16‬دولة بني نجاح – زبيد ‪ /‬اليمن ‪: -‬‬
‫‪554 -421‬هس‪ 132)........................................‬أعوام(‬
‫‪.................................................-17‬دولسسة السسسلجقة – بلد السسري فسسي‬
‫المشرق‪ 583 – 429...........................................: -‬هس‪ 154).....‬عاما(‪.‬‬
‫‪ -‬دولة السلجقة في الشام ‪ 508 - 470.....................:‬هس‪ 38).....‬عاما(‪.‬‬
‫‪ -‬دولة السلجقة في الناضول ‪ 707 - 470.................:‬هس‪ 237).....‬عاما(‪.‬‬
‫‪.................................................-18‬الغورية – أفغانستان والهند ‪: -‬‬
‫‪612-439‬هس‪ 173).........................................‬أعوام(‬
‫‪.................................................-19‬الصليحية‪ -‬صنعاء‪ /‬اليمن ‪-450 : -‬‬
‫‪647‬هس‪)................................................‬أعوام ‪(197‬‬
‫‪.................................................-20‬دولة المرابطين – المغرب القصى ‪-‬‬
‫‪ 540 – 448 :‬هس‪ 92).................................‬عاما(‪.‬‬
‫‪.................................................-21‬الدولسسسسسة الخوارزميسسسسسة – مسسسسسا وراء‬
‫النهر‪/‬خوارزم‪ 617– 470........................................‬هس ‪ 147).....‬عاما(‪.‬‬
‫‪.................................................-22‬الدولة الرتقية )في آمسسد ومسساردين( ‪:‬‬
‫‪ 809 – 500‬هس‪ 309) .................................‬أعوام(‪.‬‬
‫‪.................................................-23‬الدولة التابكية )في الموصل( ‪:‬‬
‫‪ 660 - 516‬هس ‪ 144).....................................‬عاما(‪.‬‬
‫‪ -‬الدولة التابكية )في الشام( ‪ 579 - 541..................:‬هس ‪ 38)....‬عاما(‪.‬‬
‫‪.................................................-24‬دولة الموحسدين – المغسرب القصسى‪/‬‬
‫بفاس‪ 668 - 515 ..............................................: -‬هس ‪ 153)...‬عاما(‪.‬‬
‫‪- 564‬‬ ‫‪.................................................-25‬الدولة اليوبية في مصر‪:‬‬
‫‪ 648‬هس‪ 82)..............................................‬عاما(‪.‬‬
‫‪ -‬الدولة اليوبية في الشام ‪661 – 579.....................:‬هس‪ 82)......‬عاما(‪.‬‬
‫‪.................................................-26‬دولة بني حفص بتونس ‪– 625 :‬‬
‫‪ 977‬هس‪ 352)...............................................‬عاما(‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 295 [ ‬‬

‫‪.................................................-27‬دولة بني رسول في اليمن ‪:‬‬


‫‪826-626‬هس‪ 200).........................................‬أعوام(‬
‫‪.................................................-28‬دولة بني زّيان بن عبد الواد بتلمسان‬
‫‪ 962 – 633 :‬هس‪ 329)....................................‬عاما(‪.‬‬
‫‪- 648‬‬ ‫‪.................................................-29‬دولة المماليك ‪ -‬مصر ‪: -‬‬
‫‪ 792‬هس‪ 144)..............................................‬عاما(‪.‬‬
‫‪.................................................-30‬الخلفة العباسية في مصر ‪– 659 :‬‬
‫‪ 923‬هس ‪ 264)..............................................‬عاما(‪.‬‬
‫‪.................................................-31‬دولسسة بنسسي مريسسن المغسسرب القصسسى‬
‫‪/‬فاس ‪ 831 – 668 .............................................: -‬هس‪ 239)...‬عاما(‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 296 [ ‬‬

‫أسباب انهيار الخلفة السلمية ‪:‬‬


‫يعود انهيار الخلفة السلمية إلى عدة أسباب ‪ .‬لعل من أهمها‪:‬‬
‫أول – تحول نظام الخلفة إلى النظام الملكي الوراثي ‪:‬‬
‫لما انتقلت الخلفة إلى بني أمية بسسدلوا نظسسام الشسسورى بنظسسام الرث فسسي السسسرة‬
‫‪.‬وبدات مرحلة الملك العضوض ‪ .‬فقد عهد معاوية بالخلفة من بعده لبنه يزيسسد وانسستزع‬
‫البيعة له بالمال لمن يخضع للمال‪ ,‬وبالقوة لمن يخضع بالقوة‪ ,‬ثم انتقلت الخلفة ‪ ,‬إلى‬
‫بني مروان ابن الحكم من بني أمية ‪ .‬ثم اتسع بعد ذلك نطاق الخلفية‪ ,‬فأصبح الخليفسسة‬
‫يعهد إلى ابنين أو أكثر من أبنائه يتوارثونها واحدا بعد آخر بسسالترتيب السسذي يقسسرره‪ ,‬كمسسا‬
‫فعل عبد الملك بن مروان بن الحكم فقد عهد بالخلفة من بعده إلى أبنائه ‪ :‬الوليد ثسسم‬
‫سليمان ثم يزيد ثم هشام‪ .‬وقد توسط عمر بن عبد العزيز بين سليمان ويزيد بعهد من‬
‫سليمان‪.‬‬
‫واستقر نظام الخلفة في الدولة السلمية بعسسد ذلسسك علسسى نظسسام الرث وأصسسبحت‬
‫البيعة رسما شكليا يقبل عليها الناس‪ ,‬يتقدمهم المراء والكبراء والعلماء‪ ,‬وتؤخذ عليهم‬
‫اليمسان المغلظسسة مسع الحلسف بسسالطلق و العتساق لكسي ل يتحللسسون منهسسا‪ .‬وفسي العصسر‬
‫العباسي الثاني لم يعد أحد يبالي بالبيعة بعد أن أصبح مصير الخلفة بيد المتغلسسبين مسسن‬
‫القادة العاجم من فرس وترك ‪ .‬وقد ترتب على وراثسسة الخلفسسة مفسسسدتان أساسسسيتان‬
‫وهما ‪:‬‬
‫الصراع من أجل الملك ‪ .‬وظاهرة الستبداد والظلم‪.‬‬
‫‪ - 1‬الصراع من أجل الملك‪:‬‬
‫وقد امتلت كتب التاريخ المختلفة بصور كثيرة من صراعات السر المتعسسددة علسسى‬
‫الملك ‪ ,‬ومن صراعات القصور داخل السرة الواحدة على ولية العهد ‪..‬‬
‫وقد وقف الفقهاء من نظام الرث في الخلفة موقف المسلم بالمر الواقسسع ‪ ,‬مسسن‬
‫باب سد باب مزيد من الفتن ‪ ,‬فأجازوا للخليفة أن يعهد بالخلفة إلى ابنه أو إلسسى ابسسن‬
‫أخيه‪ ,‬ثم أجازوا أن يعهد بالخلفة لعدد من أبنائه يتوارثونها على السسترتيب السسذي يقسسرره‪,‬‬
‫كذلك قبلوا خلفة من ينال الخلفة بالغصب والسيف ‪ ,‬حتى لو كان فاجرا‪ ,‬لكيل يسسبيت‬
‫المسلمون بل خليفة‪ .‬وبذلك يدخل في باب الجسسازة جميسسع الخلفسساء والملسسوك والمسسراء‬
‫الذين شملتهم قاعدة الرث ‪,‬أو التغلب ‪ .‬البر منهم والفاجر‪.‬‬
‫‪ - 2‬ظاهرة الستبداد والظلم ‪:‬‬
‫لما انتقل نظام الخلفسة مسن قاعسدة الشسورى إلسى نظسام الرث‪ ,‬وأصسبحت البيعسة‬
‫رسما شكليا‪ ,‬تؤخذ بالرغبة أو الرهبة ‪.‬‬
‫صار سلطان الملوك مطلقا ل رقيب عليه‪ ,‬يتصرف على هواه‪ .‬وقد نشسأ عسن ذلسك‬
‫انحراف عن خطة السلم وتعطيل لجدوى فريضة المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪.‬‬
‫فلم يعد المر كما جاء في خطاب أبي بكر حين تولى الخلفة فقال‪ " :‬أيها النسساس‪,‬‬
‫إني قد وليت عليكم ولست بخيركم‪ ,‬فإن رأيتموني على حق فأعينوني‪ ,‬وإن رأيتمسسوني‬
‫على باطل فسددوني‪ .‬أطيعوني ما أطعت الله فيكم‪ ,‬فإن عصيته فل طاعة لي عليكم‪.‬‬
‫أل إن أقواكم عندي الضعيف حتى أخذ الحق له‪ ,‬وأضعفكم عند القوي حتى آخسسذ الحسسق‬
‫منه "‬
‫وقد ترتب على ممارسة الخليفة سلطانه المطلسسق نشسسوب هسسذا العسسدد الكسسبير مسسن‬
‫الثورات‪ ,‬وهكذا أدت ظاهرة الحتجاج على الظلم والستبداد‪ ,‬إلى إنهاك موارد الدولسسة‬
‫وأضعفت قوتها‪.‬‬
‫وقد وقف الفقهاء أمام مشاهد الستبداد والظلم فريقين‪ :‬فريق أراد السسدنيا فسسدخل‬
‫في دنيا الخلفاء ونال حظه منها‪ ,‬ومنهم من زين أفعالهم فازداد منهم قربا‪ .‬وفريق أراد‬
‫الخرة وسعى لها فتنكب عنهم وصمت على مضض ‪ ,‬وأبى أن ينسسال عمل مسسن وليسسة أو‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 297 [ ‬‬

‫قضاء‪ ,‬لكيل يعمل في ظل حكم جائر فيسأل عنه ‪ ,‬ويعتسسبر عملسسه عنسسده شسسهادة حسسسن‬
‫سلوك من العالم للحاكم أمام الرعية ‪ .‬وهي من أسوأ شهادات السسزور العمليسسة ‪ .‬ومسسن‬
‫هؤلء المام أبو حنيفة والمام أحمد وسفيان الثوري وعبد الله بن إدريسسس وعبسسد اللسسه‬
‫بن وهب و وكيع بن الجراح وطاووس و الوزاعي ‪ ,‬ومحمد بن أسلم الطوسي ‪ ,‬وسعيد‬
‫بن المسيب ‪ ,‬وسعيد بن جبير‪ ... ,‬كثيرون غيرهم ‪ ,‬في حين أخذ البعض بعزيمة المسسر‬
‫والنهي العملي ‪ ,‬فخرج يقارع الطغيان كما حصل من المام الحسين رضي اللسسه عنسسه ‪,‬‬
‫وكما حصل من القراء الذين خرجوا علسسى الحجسساج ‪ ,‬وكمسسا حصسسل مسسن أحمسسد بسسن نصسسر‬
‫الخزاعي في عهد الواثق العباسي‪ ,...‬ولمسا لسم تسسؤدي كسل تلسسك المحسساولت إلسى إزالسة‬
‫الظلم لسباب يطول شرحها‪ .‬وصار قصارى موقف الصالحين اعتزال القصور وحكامها‬
‫‪ ,‬والصدع بالحق ‪ ,‬أو العتزال عنهم إيثارا لسلمة الدين ‪.‬‬
‫ويلحق بهذا الفريق من تزهد وتصوف وأعرض عن السسدنيا واعسستزل أهلهسسا وانصسسرف‬
‫إلى عبادة الله والتأمل فسسي ملكسسوته‪ ,‬فصسسفت نفسسسه ورقسست وأمتعتسسه بلسسذة روحانيسسة ل‬
‫تعدلها لسذة الحيساة الماديسسة‪ .‬وبهسسذا الفريسسق بسسدأ عهسسد التصسوف كظسساهرة رفسض للحيساة‬
‫المترفة واحتجاجا على شيوع الظلم والستبداد‪.‬‬
‫وقد اشتدت ظاهرة الظلم فسسي العصسسر العباسسسي الثسساني وتضسساعفت مسسع مضسساعفة‬
‫السلطة بين الخلفاء والمتغلبين‪ .‬فقد أضسسيفت إلسسى وسسسائل القتسسل و السسسمل والنفسسخ و‬
‫الفصد وقطسسع العضسساء والحبسسس فسسي المطسسامير والتوسسسيط‪ ,‬والمسسوت عطشسسا وجوعسسا‬
‫والطسسرح تحسست أقسسدام الفيلسسة واللقسساء فسسي حظيسسرة السسسباع‪ .‬فكسسان الخليفسسة أو القسسائد‬
‫المتغلب يختار لمن يقتله الميتة بإحدى هذه الوسائل ‪.‬‬
‫وقد ازدادت ظاهرة الظلم ضراوة عندما انتقل الحكم من الملسسك العضسسوض ‪ ,‬كمسسا‬
‫كان حال بني أمية وبني العباس ‪ ,‬إلى مرحلة الملسسك الجسبري ‪ ,‬كمسا كسان حسال معظسسم‬
‫حكام التغلب وأمراء وملوك الدول المستقلة المتصارعة على الملك والسلطان ‪ ..‬يكاد‬
‫ل يستثنى من ذلك إل ومضات مضيئة قليلة لملوك وأمراء صسسالحين‪ ,‬مسسروا فسسي سسسماء‬
‫تاريخ أكثر الملوك والسلطين ‪ ,‬كشهب لمعة في سماء الظلم والظلمات ‪.‬‬
‫وقد أدى اشتداد ظاهرة الظلم منذ العصسسر العباسسسي الثسساني إلسسى نشسساط التصسسوف‬
‫والتفاف العامة حول المتصسسوفة‪ ,‬يجسسدون العسسزاء عنسسدهم والطمئنسسان‪ ,‬ويلتمسسسون فسسي‬
‫جوارهم الصبر على احتمال الظلم وتعزية النفس بوعيد اللسسه النتقسسام لهسسم‪ ,...‬بعسسد أن‬
‫ازداد مع اليام افتراق السلطان والقرآن كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫حستى مسا إذا دخلنسا تاريخنسا الحسديث ‪ ,‬وجساء عصسر الطسواغيت السذي أخسبر عنسه سسيدنا‬
‫المصطفى صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬منذ أواخر الدولة العثمانية ثم حكومات السسستعمار ‪,‬‬
‫ثم حكومات ما أسمي )الستقلل(‪ ,‬وصلنا إلى مرحلسسة تسسواجه السسسلطان مسسع القسسرآن ‪,‬‬
‫وليس مجرد افتراق السسسلطان والقسسرآن ‪.‬كمسسا سسسيمر بعسسض شسسواهد ذلسسك فسسي فصسسول‬
‫الكتاب اللحقة إن شاء الله تعالى ويسر ‪ .‬ولله المر من قبل ومن بعد ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ -‬الزواج من الماء وتدخلهن في شؤون الحكم وولية العهد ‪:‬‬
‫كانت زوجات وأمهات الخلفاء فسي عهسد الخلفساء الراشسدين مسن شسريفات النسساء‬
‫ومن أعراق عربية ‪ .‬كذلك كان خلفاء العهد الموي‪.‬‬
‫ولم يشذ عن القاعدة سوى اثنين من خلفاء بني أمية هما‪ :‬يزيد بن الوليد بسسن عبسسد‬
‫الملك و مروان بن محمد بن الحكم‪ ,‬آخر خلفسساء بنسسي أميسسة‪ ,‬فسسأم يزيسسد فارسسسية تسسدعى‬
‫)شاه فرند( وهي بنت فيروز بن يزدجرد بن كسرى‪ ,‬آخسسر ملسسوك الفسسرس ‪ .‬وأم مسسروان‬
‫بربرية من قبيلة )نفزة( بالمغرب القصى ‪.‬‬
‫أما زوجات وأمهات خلفاء بنسسي العبسساس فجميعهسسن مسسن الجسسواري المحسسررات‪ ,‬مسسن‬
‫فارسية ورومية وتركية و أرمنية وبربرية‪ ,‬باستثناء ثلثة منهم وهم‪ :‬أبو العباس السسسفاح‬
‫والمهدي والمين‪ .‬كذلك كانت زوجات وأمهات أمراء وخلفساء بنسسي أميسسة فسسي النسدلس‪,‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 298 [ ‬‬

‫فقد كن من نساء النصارى المستبيات أو المهداة إلى المراء والخلفاء وفيهن من بنات‬
‫ملوك وأمراء النصارى السبان ‪.‬‬
‫ومن أشسهر النسساء فسي دولسسة بنسسي العبسساس‪ ,‬الخيسسزران زوجسة المهسدي وأم ولسديه‬
‫موسى )الهسسادي( وهسسارون )الرشسسيد(‪ ,‬وصسسبيحة ) القبيحسسة( زوجسسة المتوكسسل وأم ولسسده‬
‫المعتز‪ ,‬و) شغب ( زوجة المعتضسسد وأم ولسسده المقتسسدر‪ .‬ومسن أشسسهر النسسساء فسسي دولسسة‬
‫النسسدلس )طسسروب ( زوجسسة الميسسر المسسوي عبسسد الرحمسسن الثسساني وأم ابنسسه عبسسد اللسسه‪.‬‬
‫و) صبح ( زوجة الخليفة الموي الحكم المستنصر الندلسي وأم ولده هشام )المؤيد(‪.‬‬
‫وقد جرى على هذه السنة الوزراء والحجاب وملوك الطوائف‪ ,‬فقد تزوج المنصسسور‬
‫بن أبي عامر ابنة )سانشو الثسساني( ملسسك )نافسسار( ثسسم تسسزوج ابنسسة )برمسسود الثسساني( ملسسك‬
‫)ليون(‪ ,‬وكان زواجه منهما لغرض سياسي أريد منه التقوي بمن صاهروه علسسى أعسسدائه‬
‫من ملوك آخرين أو على أمراء من المسلمين كانوا قد خرجسسوا عليسسه‪ .‬وتسسزوج المعتمسسد‬
‫بن عباد أمير إشبيلية جارية من جواري نخاس يدعى ) ابن رميك ( ‪ ,‬فعرفت بالرميكيسسة‬
‫‪ .‬كذلك كان شأن الخلفاء الفاطميين‪.‬‬
‫وقد كان لكثير من هؤلء الجواري المهات دورا في سياسة الدولة أدى إلى صسسراع‬
‫من أجل الخلفة وانشقاق بين الخوة وأبناء العمومسسة‪ ,‬وكسسان ذلسسك مسسن أسسسباب ضسسعف‬
‫الدولة وانهيارها‪.‬‬
‫من ذلك ما كان للخيزران‪ ,‬زوجة المهدي‪ ,‬من شأن في عهد زوجها‪ ,‬فكان السسوزراء‬
‫والكبراء يقفون على بابها لحاجسساتهم‪ .‬ولمسسا تسسولى ابنهسسا موسسسى )الهسسادي( الخلفسسة أراد‬
‫الحط من شأنها ومنعها من التدخل في شئون الدولة فعملت على قتله كما قيل‪.‬‬
‫وهسذه ) قبيحسة( زوجسة المتوكسسل أغسرت زوجهسا بتقسديم ابنهسا )المعسستز( علسسى أخيسه‬
‫المنتصر في ولية العهد‪ ,‬فكانت سبب قتل زوجها المتوكل‪.‬‬
‫وأما )شغب( فقد كان لها مشاغباتها والكلمة العليا في قصر المعتضد وولي عهسسده‬
‫المقتدر ‪ ,‬ويكفي للدللسسة علسسى ذلسسك مسسا زعمسسوا مسسن أن قهرمانتهسسا تسسولت النظسسر فسسي‬
‫المظالم ‪.‬‬
‫وأما )طروب( فقد حاولت مؤامرة لقتل زوجها عبد الرحمن بن الحكم لتسسدفع عسسن‬
‫ابنها )عبد الله( منافسة أخيه )محمد( في خلفة أبيه‪ ,‬وقد اكتشف زوجها عبد الرحمسسن‬
‫المؤامرة وتغابى عن فعل زوجته وظل محتفظا بإيثاره لها ودلها عليه لفرط حبه لها‪.‬‬
‫وهذه ) صبح ( زوجة الحكم المستنصر فقد فرضت ابنها )هشاما( لولية العهد ولما‬
‫يبلغ الحادية عشرة من عمره‪.‬‬
‫وهذه ) الرميكية ( زوجة ابن عباد تفتن زوجها بدلها وتصسسبيه بجمالهسسا فينطلسسق فسسي‬
‫التغزل بها بشعر عذب رقيق‪ ,‬حتى فرش لهسسا المسسسك والكسسافور معجونسسا بمسساء السسورود‬
‫فصنع لهل طينا لما اشتهت أن تعسسافس الطيسسن كفلحسسات رأتهسسن مسسن نافسسذة القصسسر !!‬
‫فصرفته عن أمور الدولة إلى لهو أغرى به ألفونسسسو السسسادس الملسسك السسسباني‪ ,‬فهسسم‬
‫بالنقضاض عليسسه‪ ,‬لسسول أن أنجسسده يوسسسف بسسن تاشسسفين زعيسسم المرابطيسسن‪ ,‬فسسدفع عنسسه‬
‫السبان ثم استولى على ملكه ‪ .‬ونفاه إلى المغرب القصى مع زوجته وأولده ليقسسرض‬
‫الشعر في سجن) أغماد ( ‪.‬‬
‫ّ‬
‫ول ريب أن المهات الجنبيات قد خلقن أبناءهن بأخلقهن ورسخن فيهم تقاليسسدهن‬
‫التي نشأن عليها ورفعن إلى سدة الحكم أبناء فيهسسم مسسن لسسم يبلسسغ الحلسسم‪ ,‬وفيهسسم مسسن‬
‫عاش في نعيم القصور فغلب عليه اللهو والمجسسون‪ ,‬وتسسولى الحكسسم أعسسوان‪ ,‬مسسن وزراء‬
‫وقادة‪ ,‬فانقادوا لطماعهم وأهوائهم وكسسانوا مسسن أسسسباب انهيسسار الدولسسة‪ .‬وصسسدق عمسسر‬
‫رضي الله عنه ‪.‬‬
‫فقد ورد في مصنف ابن أبي شيبة عن خرشة بن الحر قال ‪ :‬قال عمر‪:‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 299 [ ‬‬

‫) تهلك العرب حين يبلغ أبناء بنات فارس( ‪ .‬وكذلك جاء فيه عن عبد الله بن‬
‫عمرو قال ‪ ) :‬لم يزل أمر بني إسرائيل معتدل حتى نشأ فيهم أبناء سبايا‬
‫المم فقالوا فيهم بالرأي فضلوا وأضلوا ( ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ -‬تجنيد الموالي ‪:‬‬


‫لما تولى المعتصم بن الرشيد الخلفة تحول الطسسابع العربسسي للجيسسش‪ ,‬وصسسار أكسسثر‬
‫الجند من التراك‪ ,‬وكان ي ُسسأتي بهسسم مسسن تركسسستان أطفسسال‪ ,‬حيسسث يربسسون علسى الحسسرب‬
‫والقتال‪ .‬وعظم شأنهم في عهد الخليفسسة الواثسسق ومسسن بعسسده المتوكسسل‪ ,‬وارتقسسى فريسسق‬
‫منهم إلى رتبة القادة‪.‬‬
‫ومن ذلك الوقت أضحى السلم في حالسسة دفسساع عسسن الحسسدود السستي وقفسست عنسسدها‬
‫فتوح الخلفاء الراشدين ومن بعدهم بنسسو أميسسة‪ .‬وقسسد تحسسول الجنسسد المسسوالي إلسسى جنسسود‬
‫مرتزقة‪ ,‬يعتصبون إذا ما تأخرت أرزاقهم ويهددون بالعصيان وقد رتبوا لنفسهم حقوقسسا‬
‫عند نصب الخليفة يعرف برسم البيعة‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬حياة الترف و السرف ‪:‬‬


‫أخذت الفتوحات تتوالى وتتسع حتى بلغت منتهاها في العصسسر المسسوي‪ ,‬فانبسسسطت‬
‫أسارير الدنيا على المسلمين‪ .‬وفي العصسر العباسسي بلسغ السسرف غسايته عنسد الخلفساء‬
‫والمراء والوزراء و سراة الناس‪ ,‬وتطاولت القصور‪ ,‬واتسعت الدور‪ ,‬تخطر في أبهائهسسا‬
‫جوار مثل الحور ‪ ..‬من كل جنس ولون‪.‬‬
‫وقد حفلت القصور بمجالس الطرب‪ ,‬يرتادها الشعراء ويتبارون بوصسسف مسسا يجسسري‬
‫فيها من لهو وعبث‪ ,‬فينالون بما تجود به قرائحهم وتنطلسسق بسسه لهسسواتهم‪ ,‬الجسسوائز علسسى‬
‫أقدارهم‪ .‬وقد دونت أخبسسار تلسسك المجسسالس ومسسا كسسان يجسسري فيهسسا مسسن إسسسراف بسساللهو‬
‫والمجون وحتى الخمور في دواوين الشعراء وكتب الدب والخبار‪.‬‬
‫ومن مشاهد اللهو والعبث ومظاهر الترف و السسسرف مسسا روي عسسن تسسرف الخليفسسة‬
‫المقتدر‪ ,‬فقد كان مبسسذرا مسسؤثرا للشسسهوات‪ ,‬وقسسد وزع جسسواهر الخلفسسة ونفائسسسها علسسى‬
‫حظاياه‪ .‬ومن فنون لهوه أنه أراد في يوم أن يشرب على نرجس فسسي بسسستان قصسسره‪,‬‬
‫وكان وقت تسميد الزرع‪ ,‬فاستبدل السماد بالمسك‪ ,‬بمقدار ما احتاج إليه البستان من‬
‫السماد وسمد به‪ ,‬وجلس يشرب يومه وليلته‪ ,‬واصطبح من غده ‪ ,‬فلما قام أمسسر بنهسسب‬
‫المسك‪ ,‬فانتهبه الخدم والعاملون في البستان واقتلعسسوه مسسن أصسسول النرجسسس‪ ,‬وخسسرج‬
‫منه مال عظيم‪.‬‬
‫ومن مشاهد الترف و السرف مسسا كسسان ينفسسق فسسي أعسسراس الخلفسساء‪ ,‬ففسسي عسسرس‬
‫الرشيد على زبيدة بنت جعفر بن المنصور‪ ,‬قدم الرشيد ما لم يقدم لمسسرأة قبلهسسا مسسن‬
‫الجوهر والحلي والتيجان والكاليل وقباب الفضة والذهب والطيب والكسوة‪ ,‬وقد بلغت‬
‫نفقة هذا العرس من مال بيت المال ‪ -‬سوى مسسا أنفقسسه الرشسسيد ‪ -‬خمسسسون ألسسف ألسسف‬
‫)مليون( درهم‪ .‬وفي عرس المأمون على بوران بنت الحسسسن بسسن سسسهل وزعسست رقسساع‬
‫بأسماء ضياع وقصور وصلت‪ ,‬وجعلت الرقسساع فسسي بنسسادق المسسسك‪ ,‬ونسسثرت بيسسن أيسسدي‬
‫العروس‪ ,‬فكان الذي يلتقط شيئا يحبس عليه‪ ,‬وقد قدرت نفقسسة ذلسسك العسسرس بسسأربعين‬
‫ألف ألف )مليون( درهم‪ ,‬عدا ما أنفقه والد العروس‪.‬‬
‫ومن مشاهد الترف و السرف ختسسان أبنسساء الخلفسساء‪ ,‬فقسسد حفسسظ التاريسسخ لنسا وصسسفا‬
‫مسهبا لحتفال الخليفة المتوكل بختان ولده المعتز‪ ,‬وقسسد بلغسست نفقسساته سسستة وثمسسانين‬
‫ألف ألف درهم‪ ,‬وقيل إن الناس كانوا يستكثرون ما أنفق في عرس المسأمون ثسم أتسى‬
‫ما أنفق في ختان ابن المتوكل ما أنسى ذلك‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 300 [ ‬‬

‫ومثله ما أنفقه الخليفة الندلسي عبد الرحمسن الناصسسر فسي إعسسذار )ختسان( حفسسدته‬
‫بقصر الزهراء‪.‬‬
‫ومن مشاهد الترف و السرف النهم في الطعام وفي النكاح‪ .‬فانتشسسرت المطسساعم‬
‫الشهية‪ ,‬وصارت تقدم في أوان من ذهب وفضة‪.. ,‬‬
‫وقد أزاح سيف الجلد ميزان العدل فأصمت الحسسق‪ ,‬وأضسسحى قسسوله مهلكسسة يطلبهسسا‬
‫من أراد الستشهاد‪.‬‬
‫ولم تقتصر مجالس الخلفاء ومن سار سيرتهم من السلطين على مشسساهد السسترف‬
‫و السرف بل كانت تحفل باللهو والعبث‪ ,‬فكان الندماء يقومون بضروب اللهو المسساجن‪,‬‬
‫وربما تحلل الحضور من أبهة الملك لمزيسسد مسسن العبسسث‪ .‬وقسسد تأسسسى السسوزراء والكسسبراء‬
‫بسيرتهم و كانت تجري في مجالسهم مشاهد فيها أنوع من اللهو و الطرائف‪.‬‬

‫و من أسباب وعوامل تتابع انهيار الدول السلمية‪:‬‬


‫‪ -1‬ارتقاء ملوك صغار سدة الملك ‪:‬‬
‫‪ .‬فقد ابتليت المة بما أخبر عنه رسول اللسسه صسلى اللسسه عليسسه وسسلم مسن ) إمسارة‬
‫الصبيان ( ‪:‬‬
‫فعن أبي هريرة يقول ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬تعوذوا بالله من‬
‫سنة سبعين ‪ ،‬ومن إمارة الصبيان ( ‪.‬‬
‫فارتقى سدة الملك ملوك صغار منهم أطفال ومنهم أحداث مراهقون‪,‬وقد بدأ هسسذا‬
‫منذ عهد بني أمية ‪ .‬وأما في المرحلة التي نحن بصددها فنذكر فيما يلي طرفا منهم‪:‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 301 [ ‬‬

‫** في دولة بني العباس‪:‬‬


‫أ‪ -‬المقتدر خلف أخاه المكتفي سنة ‪295‬هس وعمره ثلث عشرة سنة‪.‬‬
‫ب‪ -‬المقتدي خلف جده القاسم بأمر الله سنة ‪467‬هس وعمره ستة عشر عاما‪.‬‬
‫جس‪ -‬المستظهر خلف أباه المقتدي سنة ‪487‬هس وعمره سبعة عشر عاما‪.‬‬

‫** وفي الدولة السلجوقية ‪:‬‬


‫أ‪ -‬ملكشاه الثاني خلف أباه بركياروق وعمره أربع سنوات !!‪.‬‬
‫ب‪ -‬محمود بن محمد بن ملكشاه الول خلف أباه وعمره أربعة عشر عاما‪.‬‬

‫** وفي الدولة الفاطمية ‪:‬‬


‫أ‪ -‬الظاهر بن الحاكم بأمر الله خلف أبسساه سسسنة ‪411‬هسس وعمسسره سسستة عشسسر عامسسا‪,‬‬
‫وكان أبوه الحاكم قد خلف أباه العزيز سنة ‪365‬هس وعمره أحد عشر عاما !‪.‬‬
‫ب‪ -‬المستنصر خلف أباه الظاهر سنة ‪427‬هس وعمره سبع سنين‪.‬‬
‫جس‪ -‬المر بأحكام الله خلف أباه المستعلي سنة ‪495‬هس س وعمسسره خمسسس سسسنين !!‪.‬‬
‫وما أدري بأي أحكام سيأمر مثل هذا الرضيع ؟!‬
‫د‪ -‬الظافر خلف أباه الحافظ سنة ‪544‬هس وعمره سبعة عشر عاما‪.‬‬
‫هس‪ -‬الفائز خلف أباه الظافر سنة ‪549‬هس وعمره خمس سنين !‪.‬‬
‫و‪ -‬العاضد خلف جده الحافظ سنة ‪555‬هس وعمره أحد عشر عاما‪.‬‬

‫** و في الدولة التابكية ‪:‬‬


‫أ‪ -‬عز الدين مسعود الثاني خلف أباه مسودود بسن عمساد السدين زنكسي سسنة ‪572‬هسس‬
‫وعمره عشر سنين !‪.‬‬
‫ب‪ -‬نور الدين أرسلن خلف أبسساه عسسز السسدين مسسسعود سسسنة ‪589‬هس س وعمسسره عشسسر‬
‫سنين!‪.‬‬
‫ج‪ -‬الصالح إسماعيل خلف أباه نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي سنة ‪569‬هس‬
‫وعمره ‪11‬عاما!‪.‬‬

‫** وفي الدولة اليوبية ‪:‬‬


‫أ‪ -‬المنصور محمد حفيد الناصر صلح الدين اليوبي خلف أبساه العزيسز عثمسان سسنة‬
‫‪595‬هس وعمره عشر سنين !‪.‬‬
‫ب‪ -‬الشرف موسى حفيد الملك الكامسسل الول خلسسف ابسسن عمسسه تسسوران شسساه ابسسن‬
‫الملك الصالح نجم الدين أيوب سنة ‪648‬هس وعمره ستة أعوام !!‪.‬‬
‫ج‪ -‬الملك العزيز محمد خلف أباه الملك الظاهر غازي بن صلح الدين اليوبي سنة‬
‫‪612‬هس وعمره ثلث سنوات !!‪.‬‬
‫د‪ -‬الناصر صلح الدين )الثاني( يوسف بن العزيسسز محمسسد خلسسف أبسساه سسسنة ‪634‬هس س‬
‫وعمره سبع سنين !‪.‬‬

‫** وفي دولة المماليك ‪:‬‬


‫أ‪ -‬الملك العادل سلمش خلف أباه الملك الظاهر بيبرس سنة ‪678‬هس وعمره سبع‬
‫سنين‪.‬‬
‫ب‪ -‬الملك الناصر محمد ابن الملك المنصور قلوون خلف أباه )في وليتسسه الولسى(‬
‫سنة ‪693‬هس وعمره تسع سنين ‪ .‬وفي وليته الثانية أربعة عشر عاما‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 302 [ ‬‬

‫جس ‪ -‬الملك الشرف كجك خلف أباه الناصر محمد بن قلوون وعمره سبع سنين !‪.‬‬
‫د‪ -‬الملك الصالح إسماعيل بن الناصر محمد بن قلوون خلف أخاه شسسعبان وعمسسره‬
‫سبعة عشر عاما‪.‬‬
‫هس‪ -‬الملك الناصر حسن خلف أخاه سيف الدين حاجي بن الناصر محمد بن قلوون‬
‫وعمره أحد عشر عاما‪.‬‬

‫** و في الدولة الموية بالندلس ‪:‬‬


‫هشام الثاني المؤيد بن الحكم المستنصسر خلسف أبساه سسنة ‪366‬هسس وعمسره عشسر‬
‫سنين‪.‬‬

‫** وفي دولة المرابطين ‪:‬‬


‫إسحاق بن علي بن يوسف بن تاشفين خلف ابن أخيسسه إبراهيسسم بسسن تاشسسفين سسسنة‬
‫‪541‬هس وعمره عشر سنين‪.‬‬

‫** وفي دولة الموحدين ‪:‬‬


‫المستنصر أبو يعقوب بن محمد الناصر خلف أباه سنة ‪611‬هس وعمسسره سسستة عشسسر‬
‫عاما‪.‬‬

‫*************‬

‫ولم يكن ما مر من عددنا من أطفال وأحداث ومراهقيسسن رقسسوا سسسدة الملسسك علسسى‬
‫سبيل الحصر‪ ,‬بل على سسسبيل المثسسال‪ .‬فقسسد أتسساح نظسسام الخلفيسسة فسسي دول السسسلم أن‬
‫يخلف البن أباه أو أخاه ولو لم تتوفر فيه أهلية الحكم‪ ,‬وهسسذا مسسا ل يسسأتلف مسسع شسسريعة‬
‫السلم‪ ,‬لن شروط الخلفة أن يقسوم اختيسسار الخليفسة علسسى مبسسدأ الشسسورى وأن يكسون‬
‫راشدا سليم العقل ومن أهل العلم فضل عن الشروط الخرى ‪.‬‬
‫وقد أدى نظام الخلفية في الملك وارتقاء الصغار سدة الحكم إلسسى تزاحسسم السسوزراء‬
‫والمراء في الوصاية عليهم أو النيابة عنهم‪ .‬لن من يحظى بسسذلك تسسؤول إليسسه السسسلطة‬
‫الفعلية في الحكم وفي التصرف بأموال الدولة كما يشاء فيغنى غناء فاحشا‪ .‬وإذا وقسسع‬
‫الختيار على واحد منهم‪ ,‬أقيم الحتفسسال بخلفسسة الخلسسف فيزيسسن بزينسسة الملسسك ويكسسسى‬
‫بكسوته‪ ,‬وقد يكون الخلف صغيرا فيحملسسه مسن انتصسسب وصسسيا عليسسه ويسسدخل بسسه مكسسان‬
‫الحتفال‪ ,‬وقد يرتاع الصغير مما يشهد فيندفع بالبكاء‪ ,‬وقد يشتد روعه ويجري لسسه أمسسر‬
‫مفزعا‪ ,‬كما جرى للفائز الفاطمي ‪ -‬وكان في الخامسة من العمر ‪ -‬حين حملسسه السسوزير‬
‫العباس بن أبي الفرج الصنهاجي ودخل به إلى مكان الحتفال‪ ,‬فارتاع الصبي ممسسا رأى‬
‫وبال على كتف الوزير‪ ..‬فأفاض من كرمه على معالي الوزير !!‪.‬‬
‫وإذا كان الخلف حدثا حجزوه بالقصر‪ ,‬بعد الحتفال بخلفتسسه‪ ,‬وحجبسسوه عسسن النسساس‬
‫وجمعوا له صبية في مثل عمسسره يلعبسسونه‪ .‬وإذا كسسان الخلسسف مراهقسسا ألهسسوه بسسالجواري‬
‫وبكل ما يغري من كان في مثل سنه من أنواع المتع واللهو الماجن كما جسسرى للظسسافر‬
‫بن الحافظ الفاطمي حين بويع خلفا لبيه وهو في السابعة عشرة من العمر‪.‬‬

‫‪ -2‬الصراع على الملك ‪:‬‬


‫أدى انشطار العالم السلمي إلى دويلت كثيرة إلى نزاع بين ملوكها وصراع مرير‬
‫أدى إلى انهيارها وزوالها‪ ,‬كما أدى تربسسع الصسسغار والحسسداث سسسدة الملسسك إلسسى اسسستئثار‬
‫نوابهم )التابكة( بالسلطة وائتمار بعضهم ببعض لنتزاع هذه السلطة واستبدادهم بها‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 303 [ ‬‬

‫أ‪ -‬ففي دولة السلجقة ‪:‬‬


‫كان طغرلبك الول‪ ,‬مؤسس دولة السلجقة‪ ,‬قد عهد بالخلفة مسسن بعسسده إلسسى ابسسن‬
‫أخيه سليمان بن داود‪ ,‬فلما توفي طغرلبك سسنة ‪455‬هسس انستزع ألسسب أرسسسلن بسن داود‬
‫السلطنة من أخيه سليمان‪ ,‬ثم ثار عليه ابن عمه قتلمش بن أرسلن بيغو فقسساتله ألسسب‬
‫أرسلن وقتله‪.‬‬
‫وخلف ملكشاه أباه ألب أرسلن بعد وفاته سنة ‪465‬هسس فخسسرج عليسه سسسليمان بسسن‬
‫قتلمش وتمكن من بسط نفوذه على قسم كسسبير مسسن آسسسيا الصسسغرى )الناضسسول( كمسسا‬
‫أوضحنا من قبل‪ .‬وفي عام ‪466‬هس ثار قاورت بن داود على ابسسن أخيسسه ملكشسساه فلقيسسه‬
‫ملكشاه بناحية همذان وأسره ثم قتله‪.‬‬
‫وفي عام ‪473‬هس ثار )تتش بن ألب أرسلن( على ابن أخيه ملكشاه واستولى على‬
‫بعض مدن خراسان فصالحه ملكشاه على أن يملك )تتسش( بلد الشسام فملكهسا وأقسام‬
‫فيها دولة سلجوقية على نحو ما بينا من قبل‪.‬‬
‫وفسسي عسسام ‪486‬هس س تسسوفي ملكشسساه فخلفسسه ابنسسه بركيسساروق سسسلطانا أعظسسم علسسى‬
‫السلجقة فطلب )تتش( السلطنة لنفسه وتوجه إلسسى )أصسسبهان( يقاتسسل بركيسساروق مسسن‬
‫أجلها وجرت بينهما معركة فاصلة سنة ‪488‬هس قتل فيها )تتش(‪.‬‬
‫ولم يكد بركياروق يفرغ من قتال عمه )تتش( حتى نازعه على السسسلطنة العظمسسى‬
‫أخواه )سنجر( و )محمد( ابنا ملكشاه وجرت بينهما حروب أدت إلى وهن فيهم وضعف‬
‫وانتهت باستيلء دولة خوارزم على دولة السلجقة في المشرق‪.‬‬

‫ب‪ -‬و في الدولة الفاطمية ‪:‬‬


‫بلغت الدولة الفاطمية أوج رفعتها وأقصى سسسعتها فسسي عهسسد المعسسز لسسدين اللسسه ثسسم‬
‫أخذت في التردي والنهيار في عهد ابن حفيده المستنصر بن الظاهر بن الحسساكم بسسأمر‬
‫الله ويرجع هذا التردي إلى العوامل التية‪:‬‬
‫أ‪ -‬صغر سن المستنصر‪ .‬فقد بويع خلفا لبيه الظاهر سسسنة ‪427‬هسس ولسسه مسسن العمسسر‬
‫سبع سنين فتولت الجواري و الخصيان العناية به والشراف عليه‪ ,‬وتركت أمور الدولسسة‬
‫بين يدي والدته ووزيره أبي منصور صدقة بن يوسف الفلحي‪.‬‬
‫وكانت أم المستنصر جارية سوداء ليهودي يدعى أبا سعد إبراهيم بن سهل التستري‬
‫وكان الظاهر قد اشتراها منه و استولدها ابنه المستنصر‪.‬‬
‫ولما خلف المستنصر أباه وزر له أبو منصور صدقة الفلحي‪ ,‬وكان يهوديا ثم ادعى‬
‫أنه أسلم وارتفع شأن اليهود في زمان وزارته وأسندت إليهم مناصب الدولة‪ ,‬وولت أم‬
‫المستنصر سيدها أبا سعد التستري اليهودي وظيفة المستشار لها وعهدت إليسسه بسسإدارة‬
‫أملكها‪ ,‬وأخذ اليهودي في اضطهاد المسلمين ‪.‬‬
‫ب‪ -‬أخذ السسوزير الفلحسسي والمستشسار التسسستري يتنازعسسان السسسلطة‪ ,‬وقسسد اسسستمال‬
‫الفلحي الجند التسسراك فقتلسسوا بسسأمره التسسستري ونقمسست أم المستنصسسر علسسى الفلحسسي‬
‫فشرعت في شراء العبيد السود فقتلوا الفلحسسي‪ ,‬وثسسارت الفتنسسة بيسسن التسسراك والعبيسسد‬
‫ودعي القائد بدر الجمالي‪ ,‬أمير عكا فقدم إلى مصر سنة ‪455‬هس وأخمد الفتنة‪.‬‬
‫جس‪ -‬توفي بدر الجمالي سنة ‪487‬هس فخلفه فسسي السسوزارة وفسسي قيسسادة الجيسسش ابنسسه‬
‫الفضل أبو القاسم شاهنشاه‪ ,‬وكان المستنصر قسسد تسسزوج بسسأخت الفضسسل و اسسستولدها‬
‫ولدا سماه أحمد وكان له من زوجة أخرى ولد اسمه نزار‪ ,‬وهسسو أكسسبر أولده وقسسد عهسسد‬
‫إليه بخلفته‪.‬‬
‫وتوفي المستنصر بعد وفسساة بسسدر الجمسسالي بقليسسل وولسسى الفضسسل ابسسن أختسسه أحمسسد‬
‫الخلفة ولقبه المستعلي وقتل نزارا ‪ ,‬وقد أدى ذلك إلى شسسطر الفاطميسسة السسسماعيلية‬
‫إلى شطرين‪ :‬المستعلية و النزارية‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 304 [ ‬‬

‫د‪ -‬في أيام المستعلي اجتساحت الحملسسة الصسسليبية الولسى بلد الشسام سسسنة ‪492‬هسس‬
‫واستولت على أنطاكية وعلى مدن الساحل‪ ,‬وكانت إمارات مستقلة‪ .‬ثم استولت على‬
‫مدينة القدس سنة ‪493‬هس ولم تتمكسسن الحاميسسة الفاطميسسة مسسن السسدفاع عنهسسا فاجتاحهسسا‬
‫الصليبيون وحلت بها الكارثة الكبرى وأقامها الصليبيون عاصمة لمملكتهم فيها‪.‬‬
‫هس‪ -‬وفي عام ‪495‬هس تسسوفي المسسستعلي فخلفسسه ابنسه علسي ولسه مسن العمسسر خمسسس‬
‫سنوات ولقبوه بلقب المر بأحكام الله وتولى الفضل بسسن بسسدر الجمسسالي زمسسام الحكسسم‬
‫واستبد به‪ .‬ولما شب المر برم به وعزم على قتله وتولى تنفيذ القتل رجل مقرب من‬
‫المر يدعى أبا عبد الله البطائحي ‪ ,‬وكان المسسر قسسد منسساه بسسالوزارة فقتلسسه وخلفسسه فسسي‬
‫الوزارة سنة ‪515‬هس وتلقب بالمأمون‪.‬‬
‫و‪ -‬وكان للمر أخ يدعى جعفرا‪ ,‬وكان يطمع بالملك فاتفق مع البطائحي على قتسسل‬
‫أخيه المر‪ ,‬فأحس المر بالمر فقتل البطسسائحي سسسنة ‪519‬هسس ثسسم لقسسي المسسر المصسسير‬
‫نفسسسه إذ تربسسص بسسه جماعسسة مسسن السسسماعيلية النزاريسسة )وهسسم خصسسوم السسسماعيلية‬
‫المستعلية( وقتلوه وهو يجوز الجسر إلى جزيرة الروضة ثم يقبض عليهم ويقتلون‪.‬‬
‫وفي أيام المر استولى الصليبيون على طرابلس سسسنة ‪502‬هس س ثسسم اسسستولوا علسسى‬
‫) عرقة وبانياس وبيروت وصيدا ( وتسلموا مدينة صور سنة ‪518‬هس وحاولوا غزو مصر‪.‬‬
‫ز‪ -‬بعد مقتل المر خلفه عبد المجيسسد بسسن محمسسد بسسن المستنصسسر وتلقسسب بالحسسافظ‪,‬‬
‫وولى الوزارة أحمد بن الفضسسل بسسن بسسدر الجمسسالي‪ ,‬ولسسم يلبسسث أحمسسد أن اغتيسسل فسسولى‬
‫الحافظ الوزارة ابنه الحسن وكان ولي عهده‪ ,‬فأساء السيرة وقتسسل كسسثيرا مسسن المسسراء‬
‫وصادر الموال وتواعد على قتل من سلم من المراء فقتله أبوه الحافظ بالسم‪.‬‬
‫حس‪ -‬توفي الحافظ سنة ‪544‬هس فخلفه ابنه إسماعيل وتلقب بالظافر وعمره سسسبعة‬
‫عشر عاما وأقاموا له سليمان بن مصار وزيرا فأقام في الوزارة شسسهرين وخسسرج عليسسه‬
‫أبو الحسن علي بن سلر والي السكندرية وانتزع منه السسوزارة وتلقسسب بالعسسادل سسسيف‬
‫الدين‪.‬‬
‫وفي عام ‪548‬هس اغتاله ربيب له يدعى نصر بن العباس بن أبي الفتسسوح الصسسنهاجي‬
‫فتولى أبوه العباس الوزارة وكان الظافر ‪ -‬فيما يقال ‪ -‬مولعسسا بسسابنه نصسسر‪ ,‬فسسأوعز إليسسه‬
‫أبوه أن يقتله فقتله ورماه في بئر وفقد ولم يعلم بقتله أحد واتهسم العبساس الصسنهاجي‬
‫أخوي الظافر بقتله فقتلهما ودخل إلى القصر وأخرج عيسى بن الظافر‪ ,‬وعمره خمس‬
‫سنوات‪ ,‬وحمله على كتفه ودخل به إلى مجلس فيه العيان والفقهسساء فبسسايعوه ولقبسسوه‬
‫بالفائز‪ .‬ونظر الطفل إلى المشهد الحافل وسمع ضجيج الناس فارتاع وبال علسسى كتسسف‬
‫الوزير كما ذكرنا من قبل وتسسولى العبسساس الصسسنهاجي السسوزارة وتلقسسب بالفضسسل ركسسن‬
‫الدين‪ ,‬وآلت إليه أمورها‪ ,‬فاسسستبد واسسستباح الرواح والمسسوال‪ ,‬ولسسم يلبسسث أن ثسسار عليسسه‬
‫الجند والناس واستنجدوا بأمير الصسسعيد‪ ,‬طلئع بسسن رزيسسك فقصسسد القسساهرة وتمكسسن مسسن‬
‫القبض على العباس الصنهاجي وعلى ابنه نصر و قتلهما وولى شاور بن مجير السعدي‬
‫خلفا له على إمارة الصعيد‪.‬‬
‫ط‪ -‬تولى طلئع بن رزيك الوزارة خلفا للعباس الصسسنهاجي وتلقسسب بالملسسك الصسسالح‬
‫واستقل بأمور الدولة وأخذ يبيع الوليات للمراء ويجمع الموال‪ ,‬فساءت سيرته وضاق‬
‫به رجال القصر‪ ,‬وبرم الناس بتصرفاته‪ ,‬وكان الفسسائز بكفالسسة عمتسسه الكسسبرى‪ ,‬فشسسرعت‬
‫تعد العدة لقتله‪ ,‬فلما علم بذلك سارع إلى قتلها ونقل كفالة الفائز إلى عمته الصغرى‪.‬‬
‫وفي عام ‪555‬هس توفي الفائز عن عشر سنين وجاء طلئع بحفيد للحافظ الفاطمي‬
‫يدعى عبد الله بن يوسف بن الحافظ‪ ,‬وكان طفل في الحادية عشرة من عمسسره فبويسسع‬
‫بالخلفة ولقبوه بالعاضسسد واسسستمر طلئع بسسن رزيسسك فسسي السسوزارة‪ .‬وكسسانت عمسسة الفسسائز‬
‫الصغرى التي تولت رعايته بعد مقتل أختهسسا قسسد عزمسست علسسى قتلسسه وتمكنسست مسسن دس‬
‫جماعة لغتياله فقتلوه وتولى الوزارة من بعده ابنه رزيك بن طلئع‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 305 [ ‬‬

‫ي‪ -‬ثار شاور بن مجير السعدي‪ ,‬أمير الصعيد‪ ,‬على رزيسك‪ ,‬وكسان طامعسا بسالوزارة‪,‬‬
‫فقصد القاهرة مع جمع من أعراب الصعيد وقاتل رزيك وقتله واستولى علسسى السسوزارة‪,‬‬
‫فنازعه فيها ضرغام بن عامر اللخمسسي‪ ,‬وكسسان مسسن أمسسراء رزيسسك وأعسسوانه‪ ,‬وانسستزع منسسه‬
‫الوزارة‪.‬‬
‫ك‪ -‬فزع شاور إلى نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي صسساحب الشسسام فأنجسسده‬
‫لقاء شروط تعهد بها‪ ,‬وجهز له جيشا بقيادة القائد أسد الدين شيركوه ومعه ابسسن أخيسسه‬
‫يوسف بن أيوب‪ ,‬وقصد الجيش القاهرة وقاتل ضرغاما في معركسسة قتسسل فيهسسا ضسسرغام‬
‫وأعيد شاور إلى الوزارة وعاد أسسسد السسدين إلسسى دمشسسق ‪ .‬ولمسسا اسسستقل شسساور بسسالحكم‬
‫خشي من أطماع نور الدين محمود فحالف الصليبيين وأدخلهم أرض مصر‪ ,‬فسسوجه نسسور‬
‫الدين جيشا إلى مصر بقيادة أسد الدين شسسيركوه ومعسسه ابسسن أخيسسه يوسسسف بسسن أيسسوب‪,‬‬
‫فأخرج الصليبيين منها وقبض على شاور وقتله‪.‬‬
‫ل‪ -‬أسند الخليفة العاضد الفاطمي الوزارة إلى أسد الدين شسسيركوه فتسسوفي بعسسدها‬
‫بستة أشهر فأسند الخليفة الوزارة إلى ابن أخيه يوسف ولقبه الناصر لدين اللسسه صسسلح‬
‫الدين‪ ,‬ولسسم يلبسسث صسسلح السسدين أن قطسسع الخطبسسة للعاضسسد وخطسسب للخليفسسة العباسسسي‬
‫المستضيء بأمر الله ومات العاضد‪ ,‬وكان آخر خلفاء الفاطميين‪ .‬واستقل صلح السسدين‬
‫بمصر وبه قامت الدولة اليوبية‪.‬‬
‫وقد علق المؤرخ المصري ابن تغري بسسردي فسسي كتسسابه النجسسوم الزاهسسرة‪ ,‬بمسسا كسسان‬
‫يجري بين الطامعين بالوزارة في العهسسد الفسساطمي مسسن تسسآمر وقتسسال فيقسسول )‪ ...‬وهسسذا‬
‫شأن أرباب المناصب‪ ,‬إذا عزل أحدهم بآخر أراد هلكه ولو هلك العالم معه‪ ,‬وهذا البلء‬
‫من تلك اليام إلى يومنا هذا(‪.‬‬

‫ح‪-‬وفي الدولة اليوبية ‪:‬‬


‫أ‪ -‬قسم صلح الدين اليوبي‪ ,‬قبيل وفاته‪ ,‬دولته السستي ضسمت مسع مصسر بلد الشسام‬
‫والحجاز واليمن والجزيرة‪ ,‬بين أبنائه وبين إخوته وأبنسسائهم وبيسسن أبنسساء أعمسسامه‪ ,‬فجعسسل‬
‫دمشق ومدن الساحل لبنه الفضل علي‪ ,‬وهو أكبر أبنائه‪ ,‬وجعل مصر وجنسسوب الشسسام‬
‫لبنه الملك العزيز عثمسسان وجعسسل حلسسب وأعمالهسسا لبنسسه الملسسك الظسساهر غسسازي‪ ,‬وجعسسل‬
‫الردن والكرك لخيه الملك العادل )الول( وجعل بعلبك لخيسسه الملسسك المعظسسم تسسوران‬
‫شاه )الول(‪ ,‬وجعل اليمن لخيه سيف السلم طغتكين وجعل حماة لبن أخيسسه الملسسك‬
‫المظفر تقي الدين عمر بن نور الدين شاهنشاه‪ ,‬وجعل حمص لبن عمسسه ناصسسر السسدين‬
‫محمد بن أسد الدين شيركوه ‪.‬‬
‫ب‪ -‬ثسسم مسسا لبسسث هسسؤلء أن تنسسازعوا واختصسسموا‪ ,‬فحسساول الملسسك العزيسسز عثمسسان أن‬
‫يستخلص دمشق من أخيه الفضل علي‪ ,‬وتمكن من ذلك سنة ‪591‬هس س وتملسسك دمشسسق‬
‫وولى عليها عمه الملك العادل وولى أخاه عليا على صرخد‪.‬‬
‫جس‪ -‬وفي عام ‪595‬هس يتسسوفى الملسسك العزيسسز عثمسسان فيخلفسسه ابنسسه الملسسك المنصسسور‬
‫محمد وله من العمر عشر سنين ويتولى عمه الملك الفضل رعايته والنيابة عنه‪.‬‬
‫د‪ -‬وفي عام ‪596‬هس يجهز الملك الفضل جيشا ويتوجه به إلى دمشق لنتزاعها من‬
‫عمه الملك العادل سيف الدين فيهزمه الملك العادل ويتوجه إلى مصر فيدخلها ويخلسسع‬
‫الملك القاصر المنصور محمدا ويسسستولي علسسى مصسسر ويسسولي عليهسسا ابنسسه الملسسك ناصسسر‬
‫الدين محمدا ويلقبه بالملك الكامل )الول( ويجعله ولي عهده ويولي ابنه الخسسر الملسسك‬
‫المعظم عيسى على دمشق وهكذا تتحول السلطنة في مصر والشام مسسن أبنسساء صسسلح‬
‫الدين إلى أخيه الملك العادل وأبنائه‪.‬‬
‫هس‪ -‬وفي عام ‪615‬هس يتوفى الملك العادل فيخلفه ابنه الملك الكامل )الول(‪ .‬وفي‬
‫عام‪624 ,‬هس أراد الملك الكامل أن ينسستزع دمشسسق مسسن عمسسه الملسسك المعظسسم عيسسسى‪,‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 306 [ ‬‬

‫فكتب إلى الملك فردريك الثاني ملك اللمان‪ ,‬يستنجده على عمه ويعده إن هسو تسسلم‬
‫دمشق أن يسلمه القسسدس‪ .‬وكسسان الملسسك فردريسسك آنئذ فسسي قسسبرص مسسع حملسسة صسسليبية‬
‫جهزها للقدوم إلى بلد الشام واسترداد بيت المقدس من المسلمين‪ ,‬وقسسد أصسسابه مسسن‬
‫تأخره في تجهيزها حرمان من البابا‪ .‬واستجاب فردريسسك لطلسسب الملسسك الكامسسل وقسسدم‬
‫إلى مدينة )عكا( سنة ‪626‬هسس وكسسان الملسسك المعظسسم عيسسسى قسسد تسسوفي قبيسسل قسسدومه‬
‫وخلفه في دمشق ابنه الملك الناصر داود‬
‫ووجد الملك داود أن ل قبل له بحرب عمه ومعه الصليبيون‪ ,‬فتنازل له عن دمشق‬
‫وعوضه الملك الكامل عنها بالكرك و صرخد و الشوبك وولى الملك الكامل أخاه‬
‫الملك الصالح إسماعيل على دمشق‪ .‬وقد وفى الملك الكامل وعده بعد أن تسلم‬
‫دمشق فسلم القدس إلى فردريك‪ ,‬فدخلها وتوج نفسه ملكا عليها في كنيسة القيامة‬
‫وعاد إلى بلده‪ .‬وكان الملك الكامل قد عقد معه معاهدة صلح في )يافا( لمدة عشر‬
‫سنوات‪ ,‬واشترط عليه بموجبها أن ل يعمر الصليبيون خرابها وأن ل يبنوا بها حصونا‪.‬‬
‫وفي عام ‪637‬هس تمكن الملك الناصر داود من الستيلء على القدس وإخراج‬
‫الصليبيين منها لمخالفتهم شروط معاهدة )يافا( وكانت قد مضت عليها المدة المحددة‬
‫فيها‪.‬‬
‫و‪ -‬وفي عام ‪635‬هس يتوفى الملك الكامل فيخلفه بعهد منسسه ابنسسه سسسيف السسدين أبسسو‬
‫بكر ويلقب بالملك العادل )الثاني( ويبلغ الخسسبر أخسساه الملسسك الصسسالح نجسسم السسدين أميسسر‬
‫) آمد و الرها وحران( فيرفض العتراف بأخيه ويتوجه إلسى مصسر ويجمسع مماليسسك أبيسسه‬
‫ويخلع أخاه ثم يقتله‪ .‬ويبلغ الخبر الملك الصالح إسماعيل فينقسسم علسسى ابسسن أخيسسه نجسسم‬
‫الدين ويقبض على ابنه عمر ‪ -‬وكان في دمشق ‪ -‬ويعتقله بقلعة دمشق وفيها يموت‪.‬‬
‫ز‪ -‬ويشتد النزاع بين الملك الصالح نجم الدين وبين عمه الملسسك الصسسالح إسسسماعيل‬
‫ويتجهز كل منهما لقتال الخسسر ويسسستنجد الصسسالح بالصسسليبيين‪ ,‬فيلسسبي الصسسليبيون طلسسب‬
‫الملك الصالح إسماعيل في مقابل استلمهم القدس وينضم إليه كل من الملك الناصر‬
‫داود والملك المنصور إبراهيم بن شيركوه الثاني صاحب حمص‪ .‬وفي المعركة الجاريسسة‬
‫قرب )غزة( حدث ما لم يكن بالحسبان‪ .‬فقد انضم جند الملسسك الصسسالح إسسسماعيل إلسسى‬
‫جند الملك الصالح نجم الدين وكانوا من الخوارزمية الذين هربوا من المغول وأنفوا أن‬
‫يحاربوا مع الصليبيين‪ ,‬وانتهت المعركة بهزيمة منكرة للصليبيين وأسر الكثير منهم‪.‬‬
‫ح‪ -‬وفي عام ‪643‬هس تسسسلم الملسسك الصسسالح نجسسم السسدين دمشسسق مسسن عمسسه الملسسك‬
‫الصالح إسماعيل وعوضه عنها ببعلبك و بصرى و أعمالهما‪ .‬ويسترد الجند الخوارزمية ‪-‬‬
‫السذين انضسموا إلسى الملسك الصسالح نجسم السدين ‪ -‬القسدس فسي ذلسك العسام ويخرجسون‬
‫الصليبيين منها‪ ,‬وتعود القدس نهائيا إلى المسلمين‪ ,‬بعد أن تكرر احتللها من الصليبيين‬
‫أربع مرات‪ :‬سنة ‪643 , ,637 ,627 493‬هس‪.‬‬
‫ط‪ -‬وفي سنة ‪647‬هس يتوفى الملك الصالح نجم الدين أيوب أثناء الحملسسة الصسسليبية‬
‫السسسابعة السستي قادهسسا الملسسك لسسويس التاسسسع ملسسك فرنسسسا سسسنة ‪646‬هس س وفيهسسا يهسسزم‬
‫الصليبيون ويؤسر الملك الفرنسي‪ ,‬ويخلف نجم السسدين أيسسوب ابنسسه تسسوران شسساه‪ ,‬وكسسان‬
‫شابا فيه رعونة الشباب‪ ,‬فاختلف مع زوجة أبيه شجرة الدر ومع مماليك أبيه‪ ,‬فائتمرت‬
‫مع أربعة منهم على قتله فقتلوه‪ .‬ويقول ابن تغري بردي‪) :‬إن الذين قتلوا تسسوران شسساه‬
‫هم أنفسهم الذين كلفهم نجم الدين أيوب من قبل بقتسسل أخيسسه سسسيف السسدين أبسسي بكسسر‬
‫فكان موت ابنه مقدرا على أيسديهم( وبقتسل تسوران شساه انقضسى عهسد الدولسة اليوبيسة‬
‫وقامت من بعدها دولة المماليك )البحرية(‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 307 [ ‬‬

‫د‪ -‬و في دولة المماليك البحرية‪:‬‬


‫أ‪ -‬كان الملك نجم الدين أيوب قد تزوج جارية تركية تدعى شجرة الدر وأنجب منها‬
‫ولدا سماه )خليل( فكانت تدعى أم خليل وقد تسلطنت بعسسد مقتسسل ابسسن زوجهسسا تسسوران‬
‫شاه ثم تزوجت القائد المملوكي عز الدين إيبك وتنازلت لسسه عسسن السسسلطنة فكسسان أول‬
‫سلطان مملوكي يتولى السلطنة سنة ‪648‬هس‪.‬‬
‫ب‪ -‬في سنة ‪655‬هس أقدمت شجرة الدر على قتل زوجها عز الدين إيبك لنه بلغهسسا‬
‫أنه ينوي خطبة ابنة المير بدر الدين لؤلؤ أمير الموصل واستعانت على قتله بمماليكهسسا‬
‫فقتلوه ضربا بالقباقيب‪ ,‬وبعد قتله عهد لبنسه علسي بخلفتسه فقبسض عليهسا وأمسر بقتلهسا‬
‫ضربا بالقباقيب كما فعلت بأبيه‪.‬‬
‫جس‪ -‬وفي سنة ‪657‬هس أقدم القائد المملوكي قطز علسسى خلسسع علسسي بسسن عسسز السسدين‬
‫إيبك ونفيه من مصر مع أسرته‪ ,‬وولى القائد بيبرس البندقداري إمارة الجيسسوش‪ .‬وكسسان‬
‫المغول قد اجتاحوا بلد الشام وتوجهوا يريدون مصر فتقدم قطز للقائهم بجيش يقوده‬
‫بيبرس وجرى اللقاء في موضع يدعى )عين جالوت( وفيه كانت الموقعة الكسسبرى السستي‬
‫كتب فيها النصر لجيش المماليك بما أبدوا من شجاعة فائقة وما أبدى قسسائدهم بيسسبرس‬
‫من مهارة في الحرب وقد تشتت جيش المغول وقتسل قسائده )كتبغسانوين( وكسان صسهر‬
‫هولكو زعيم المغول‪.‬‬
‫د‪ -‬في أعقاب تلك المعركة أقدم القائد بيبرس على اغتيسسال السسسلطان قطسسز‪ ,‬فقسسد‬
‫كان وعده بأن يوليه على مملكة حلب بعد جلء المغسول عنهسا وأن يعهسد لسه بالسسلطنة‬
‫من بعده فأخل السلطان بوعده فأقدم على اغتياله مع جماعة من القادة المماليك‪.‬‬
‫هس‪ -‬تولى بيبرس السلطنة وتلقب بالملك الظاهر ودامت سلطنته ثمانية عشر عاما‬
‫قضى خللها على المارات اليوبية في بلد الشام وضم بلد الشسسام إلسسى مصسسر وأجلسسى‬
‫الصليبيين عن مدن الساحل وحرر سنة ‪665‬هس أنطاكية وغزا كليكيا الرمنيسسة وأخضسسعها‬
‫لسلطانه‪ ,‬وفي سنة ‪676‬هس غزا بلد سلجقة الروم‪ ,‬وكسسانت مشسسمولة بحمايسسة المغسسول‬
‫فحررها منهم بعد موقعة كبرى جرت في مكان يدعى )ألبستين( وفيها مزق جيشهم‪.‬‬
‫و‪ -‬توفي الظاهر بيبرس سنة ‪676‬هسس فسسي أعقسساب معركسسة )ألبسسستين( فخلفسسه ابنسسه‬
‫ناصر الدين محمد بركة وتلقب بالملك السعيد وعمره ثمانية عشر عامسسا‪ ,‬وبعسسد سسسنتين‬
‫من سلطنته أقدم المماليك على خلعه لسوء تدبيره وولوا أخاه المير سلمش وعمسسره‬
‫سبع سنين ولقبوه بالملك العادل بدر الدين وولوا القائد قلوون نائبا عنه‪.‬‬
‫ز‪ -‬لم يلبث قلوون أن خلع بدر الدين سلمش سنة ‪678‬هس وتولى السلطنة وتلقب‬
‫بالملك المظفر سيف الدين وقد امتدت سلطنته أحد عشر عاما حسرر خللهسا مسا تبقسى‬
‫في يد الصليبيين من قلع وحصون فسسي بلد الشسسام ومنهسسا مسسدينتا اللذقيسسة وطرابلسسس‪.‬‬
‫وفي عام ‪689‬هس يتوفى قلوون فيخلفه ابنه خليل و يتلقب بصسلح السدين ويسسسترد مسن‬
‫الصليبيين قلعة صفد ومدينة طرطوس ثم يستولي على عكسسا بعسسد معركسسة شسسديدة مسسع‬
‫الصليبيين‪.‬‬
‫حس‪ -‬وفي عام ‪693‬هس يقدم قائدان من قادة المماليك هما )بيسسدرا( و )لجيسسن( علسسى‬
‫اغتيال السلطان صلح الدين خليل بن قلوون وقيام )بيدرا( خلفا له‪ ,‬ولم يلبث هذا في‬
‫السلطنة إل يوما واحدا‪ ,‬إذ أقدم القائد )كتبغا( على قتله وقتل من اشترك فسسي اغتيسسال‬
‫السلطان صلح السسدين خليسسل واختسسار المماليسسك محمسسد بسسن قلوون أخسسا خليسسل سسسلطانا‬
‫فبايعوه ولقبوه بالناصر وله من العمر تسع سنين‪.‬‬
‫ط‪ -‬لم يلبث )كتبغا( أن خلع محمد بن قلوون متعلل بصغر سسسنه وتسسولى السسسلطنة‪.‬‬
‫وقد حاول القائد )لجين( اغتيال )كتبغا(‪ ,‬ولما علم بذلك هرب إلى دمشق وخلع نفسسسه‬
‫سنة ‪696‬هس فتولى السلطنة )لجين( وتلقب بالمنصور حسسسام السسدين وبعسسد سسسنتين أي‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 308 [ ‬‬

‫في عام ‪698‬هس اغتيل وأعيد إلى السلطنة محمد بن قلوون وقد بلغ مسسن العمسسر أربعسسة‬
‫عشر عاما‪.‬‬
‫ي‪ -‬وفي سنة ‪708‬هس يخلع محمد بن قلوون ويتولى السلطنة قائد مملوكي يسسدعى‬
‫بيبرس الجاشنكيري‪ ,‬ثم يخلع بعد سنة )‪709‬هس( ويعاد إلى السلطنة محمد ابسسن قلوون‬
‫للمرة الثالثة وهو في الخامسة عشرة مسسن عمسسره ويتسسوفى سسسنة ‪741‬هسس وقسسد امتسسدت‬
‫سلطنته )‪ (31‬عاما‪ ,‬فكان أطول ملوك المماليك عهدا وأعظمهم مهابة وأغزرهسسم عقل‬
‫وأحسنهم سياسة وأكثرهم شجاعة وأحسنهم تدبيرا وقد بلغت دولة المماليك في عهده‬
‫ذروة ارتقائها ثم توالى عليها أبناؤه وأخذت شمسها في الكسوف‪.‬‬
‫ك‪ -‬تولى السلطنة من بعد محمد بن قلوون ثمانية من أبنائه‪ ,‬كان أولهسسم أبسسو بكسسر‬
‫سيف الدين الملقب بالمنصور ولم يلبث سوى سنة واحدة وخلسسع سسسنة ‪742‬هسس وتسسولى‬
‫السلطنة من بعده أخوه )كجسسك( وتلقسسب بالملسسك الشسسرف علء السسدين وعمسسره خمسسس‬
‫سنين وخلع بعد أقل من سنة وتولى السسسلطنة مسسن بعسسده أخسسوه أحمسسد وتلقسسب بالملسسك‬
‫الناصر شهاب الدين وبعد شهرين من سلطنته يخلعه أخوه إسسسماعيل ويقتلسسه و يتلقسسب‬
‫بالملك الصالح عماد الدين ويستمر إسماعيل في السلطنة ثلث سنين يقتل بعدها سنة‬
‫‪746‬هس‬
‫ويتولى السلطنة أخوه شعبان )الول( و يتلقب بالملك الكامسسل سسسيف السسدين وبعسسد‬
‫سنة من سلطنته يخلع ويسجن ويقتسسل فسسي سسسجنه ويتسسولى السسسلطنة مسسن بعسسده أخسسوه‬
‫)حاجي الول( و يتلقب بالملك المظفر سيف الدين وبعسسد أقسسل مسسن سسسنة يخلسسع ويقتسسل‬
‫ذبحا ويولى أخوه الحسن سنة ‪748‬هس و يتلقب بالملك الناصر ناصر الدين ويخلفسسه مسسن‬
‫بعده سنة ‪752‬هس أخوه صسسالح و يتلقسسب بالملسسك الصسسالح صسسلح السسدين‪ .‬وتمتسسد سسسلطنة‬
‫المماليك البحرية من بعده إلسسى سسسنة ‪784‬هسس ثسسم تنتقسسل إلسسى المماليسسك البرجيسسة وهسسم‬
‫كالبحرية من المماليك التسراك و الجراكسسة وتنتهسي سسلطنتهم بالفتسح العثمساني سسنة‬
‫‪922‬هس‪.‬‬

‫هـ‪ -‬وفي دولة المرابطين ‪:‬‬


‫بلغت دولة المرابطين منتهى علها في عهد يوسف بن تاشفين وابنه علي )‪- 453‬‬
‫‪ 537‬هس( ثم أخذت مسيرة أحداثها في النحدار‪ .‬وقد تسسولى ملسسك المرابطيسسن فسسي آخسسر‬
‫عهدهم ملكان لم يبلغا الحلم وهما‪ :‬إبراهيم بن تاشفين بن علي بن يوسف بن تاشفين‬
‫وابن عمه إسحاق بن علي بن يوسف بن تاشفين وقد بويع الول سنة ‪540‬هس بعد وفاة‬
‫أبيه ولم يتمكن المرابطون في عهده من صد الموحدين فسسي معركسسة انتهسست بهزيمتهسسم‬
‫والقبسسض علسسى إبراهيسسم وقتلسسه ومبايعسسة الثسساني مسسن بعسسده سسسنة ‪541‬هسسس‪ .‬فلمسسا احتسسل‬
‫الموحدون مراكش قتلوه وقتلوا معه من وجسسدوا مسسن أمسسراء المرابطيسسن وقضسسوا علسسى‬
‫دولتهم‪.‬‬
‫و‪ -‬دولة الموحدين‬
‫بلغت هذه الدولة أوج قوتها في عهد ملكها أبي يوسف يعقوب ) ‪580 - 595‬هسسس(‬
‫وذلك بعد انتصاره على ألفونسو الثامن ملك قشتالة فسي وقعسة )الرك( سسسنة ‪591‬هسس‪.‬‬
‫ثم أخسسذت فسسي النحسسدار فسسي عهسسد ابنسسه محمسسد الناصسسر )‪611 - 595‬هسسس( إثسسر هزيمسسة‬
‫الموحدين أمام السبان في وقعة )العقاب( سنة ‪609‬هس ثم هزيمتهسسم فسسي وقعسسة )أبسسي‬
‫دانس( سنة ‪614‬هس في عهد ابنه يوسف المستنصر )‪620 - 611‬هس(‪.‬‬
‫وقد اشتد الوهن في الدولة بعد خلع عبد الواحد ابن يوسف الول ابن يعقوب سسسنة‬
‫‪621‬هس وتولية أبي محمد عبد الله ابن أخيه يعقوب المنصور وتلقيبه بالملك العسسادل ثسسم‬
‫خلعه سنة ‪624‬هس وقتله وتولية يحيى بن محمد الناصسسر وتلقيبسسه المعتصسسم بسسالله وازداد‬
‫الوهن شدة حين رفض عمه أبو العلء إدريسسس بسسن يعقسسوب المنصسسور العسستراف بسسبيعته‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 309 [ ‬‬

‫وبايعه أهل الندلس وتلقب بالمأمون وانقسمت دولة الموحدين على نفسها‪ :‬دولة فسسي‬
‫الندلس ودولة في المغرب‪ .‬وتوجه المأمون إلى المغرب لنتزاع الملك من ابسسن أخيسسه‬
‫والنتقام ممن قتلوا أخاه الملك العادل واستعان بجيش من السبان وكانت أمسسه منهسسم‬
‫وقد أمده به الملك السباني فرديناند الثالث ملك قشتالة لقاء شروط منهسسا أن يعطيسسه‬
‫عشرة حصون مما يلي إشبيلية وأن يبني لجنده السبان كنيسة في مراكسسش إذا دخلهسا‬
‫وأن من أسلم من جنده ل يقبل إسلمه‪.‬‬
‫وقد تمكن المأمون من اقتحام مراكش فهزم ابن أخيه يحيى المعتصم بالله وقتسسل‬
‫شيوخ الموحدين الذين بايعوه‪ .‬ونفذ المأمون شروط الملك السباني فسلمه الحصسسون‬
‫العشرة وبنى في مراكش كنيسة لجنسسده السسسبان‪ .‬ولسسم يلبسسث أن ثسسار عليسسه أخسسوه أبسسو‬
‫موسى عمران بن يعقوب أمير )سبتة( فتوجه لقتاله وحاصره‪ ,‬وفي غيابه بهذا الحصسسار‬
‫عاد ابن أخيه يحيى ومعه جموع مسسن العسسرب والسسبربر ودخلسسوا مراكسسش وعسساد المسسأمون‬
‫مسرعا ومات في الطريق سنة ‪630‬هس وبويع من بعسسده عبسسد الواحسسد الرشسسيد واسسستمر‬
‫النزاع بين العمام وأبنائهم إلى أن استولى على مراكش بنسو مريسن عسام ‪668‬هسس فسي‬
‫عهد آخر ملوك الموحدين أبسسي العلء إدريسسس الواثسسق بسسالله الملقسسب بسسأبي دبسسوس وبسسه‬
‫انقضت دولة الموحدين وقامت على أنقاضها دولة بني مرين‪.‬‬

‫ز‪ -‬وفي دول الشمال الفريقي ‪:‬‬


‫بعد القضاء على دولة الموحدين التي كانت تسسسيطر علسسى الشسسمال الفريقسسي مسسن‬
‫تونس إلى مراكش قامت دول ثلث‪ :‬دولة بني مرين في المغسسرب القصسسى وعاصسسمتها‬
‫مراكش ودولة بني زيان من بني عبد الواد في المغرب الوسسسط )الجسسزائر( وعاصسسمتها‬
‫)تلمسان( ودولة بني حفص في المغرب الدنى )تونس( وعاصمتها مدينة تونس‪.‬‬
‫وقد أنهكتهم الحسسروب والثسسورات والفتسسن السستي ثسسارت بينهسسم وشسسغلتهم عسسن نصسسرة‬
‫إخوانهم في الندلس ‪ .‬فأسلموهم للسبان وكانوا هم عرضة لغزو السبان و النورمسسان‬
‫حتى فتح العثمانيون الجزائر سنة ‪962‬هس ثم تونس سنة ‪982‬هس وقسسامت فسسي مراكسسش‬
‫دولة بني الحسن العلويين سنة ‪916‬هس‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 310 [ ‬‬

‫‪ -3‬النصراف إلى اللهو والمجون ‪:‬‬


‫إلى تلك السباب التي أدت إلى تشتت الدولسة السسلمية وانقسسامها إلسى دول ثسم‬
‫تسارع انهيارها وتعرضها لغزو أتاها من المشرق والمغرب‪ ,‬يضاف سبب آخر أتاها مسسن‬
‫سوء سلوك بعض الحاكمين وانصرافهم إلى اللهو والمجون‪ ,‬وغالبا ما يكون هؤلء ممن‬
‫تولوا الملك صبيانا يولى عليهم نواب يعملسسون علسسى إشسسغالهم بسساللهو ويصسسرفونهم عسسن‬
‫شئون الحكم ليستقلوا به من دونهم‪ ,‬فإذا بلسسغ الصسسبي سسسن الشسسباب تفتحسست غسسرائزه‪,‬‬
‫فأخذ يعب من شهواته‪ ,‬تاركا أمور الدولة لوزرائه ونوابه والمثلة على ذلك كثيرة ونحن‬
‫نورد طرفا منها‪.‬‬
‫فقد روي ابن تغري بسسردي فسسي كتسسابه النجسسوم الزاهسسرة ) أن المستنصسسر الفسساطمي‬
‫خلف أباه الظاهر وعمره سبع سنين ونشأ على حب اللهو والمجسسون‪ .‬ولمسسا شسسب كسسان‬
‫أمره قد اضمحل لتشاغله باللهو والشراب والطرب وكان من عادته فسسي كسسل سسسنة أن‬
‫يركب على النجب )النفيس مسسن البسسل( إلسسى مكسسان قريسسب مسسن القسساهرة يسسدعى )جسسب‬
‫عميرة( وهو موضع نزهة فيخرج إليه بهيئة أنسسه خسسارج إلسسى الحسسج علسسى سسسبيل الهسسزء و‬
‫المجانة ومعه الخمر في الروايا )الواني( عوضا عن الماء ويسقيه للنسساس كمسسا يسسسقى‬
‫الحاج في طريق مكة(‪.‬‬
‫فماذا نقول في خليفة توالى القحط على بلده سبع سنين حتى أكل الناس الموتى‬
‫ولحوم الطفال يفعل ما روي عنه ويهزأ بركن من أركان الدين‪ ,‬ونراه في مدة خلفتسسه‬
‫قد استكان لسلطان وزيره بدر الجمالي وليس له من المر شيء‪.‬‬
‫كذلك يروي ابن تغري بردي‪ ) :‬إن الملسسك المسسسعود يوسسسف صسسلح السسدين الثسساني‪,‬‬
‫المعروف باسم )أتسز( ابن الملسسك الكامسسل اليسسوبي كسسان قسسد وله أبسسوه سسسنة ‪ 611‬هسس‬
‫فاستولى على مكة سنة ‪619‬هس فكان ينام فسسي دار المسسسعى سسسكران ويخسسرج أعسسوانه‬
‫يمنعون الناس من الصياح والضجيج في المسعى ( ‪.‬‬
‫ثم إليك ما يرويه ابن الثير عن جلل الدين منكبرتي آخر ملوك خوارزم ) فقد كان‬
‫هذا الملك يهوى خادما خصيا له يدعى )قليج( فاتفق أن مات الخادم‪ ,‬فأظهر الملك من‬
‫الحزن والهلع والجزع عليه ما لم يسمع بمثله ول لمجنون ليلى‪ ,‬وأمر الجند والمراء أن‬
‫يمشوا في جنازته رجالة وكان موته في موضع يبعد عن )تبريز( ‪ -‬عاصمة الدولة ‪ -‬عدة‬
‫فراسخ‪ ,‬فمشى خلف جنازته راجل فألزمه أمراؤه بسسالركوب‪ ,‬فلمسسا وصسسل إلسسى )تسسبريز(‬
‫أرسل إلى أهل البلد فأمرهم بالخروج لتلقي تابوت الخادم‪ ,‬ففعلوا‪ ,‬و أنكر عليهم أنهسسم‬
‫لم يظهروا من الحزن والبكاء أكثر مما فعلوا وأراد معسساقبتهم علسسى ذلسسك فشسسفع فيهسسم‬
‫أمراؤه فتركهم‪.‬‬
‫ثم إنه لم يدفن الخادم وإنما أخسذ يستصسحبه معسه حيسث سسار وهسو يلطسم ويبكسي‪,‬‬
‫وامتنع من الكل والشرب‪ ,‬فإذا قدم إليه طعام قال‪ :‬احملسسوه إلسسى فلن‪ ,‬يعنسسي الخسسادم‬
‫ول يتجاسر أحد أن يقول إنه مات‪ ,‬فإذا قيل إنه مات قتل القائل‪ ,‬فكسسانوا يحملسسون إليسسه‬
‫الطعام ويقولون للملك‪ :‬إنه يقبل الرض ويقول الن أنا أصلح مما كنت‪ .‬ثم انفض عنسسه‬
‫أمراؤه فبقي حيران ل يدري ما يصنع وراسل وزيره واستماله فلما حضر إليه قتله(‪.‬‬
‫وهناك خبر عن الملك الناصر صسسلح السسدين الثسساني ابسسن العزيسسز محمسسد ابسسن الملسسك‬
‫الظاهر غازي صاحب حلب‪ .‬فقد تولى الملك وعمره سبع سنين وشب على حب اللهسسو‬
‫تاركا أمور الدولسسة إلسسى وزرائه‪ .‬ولمسسا اجتسساح المغسسول حلسسب سسسنة ‪657‬هس س غادرهسسا إلسسى‬
‫دمشق‪.‬‬
‫ويروي صاحب نفح الطيب أن الديب الندلسي موسى العنسي )ت‪685 :‬هسسس( لمسسا‬
‫رحل إلى المشرق‪ ,‬قدم إلى دمشق وفيها الناصسسر صسسلح السسدين المسسذكور هسسذا ‪ ,‬وكسسان‬
‫المغول قد أمعنوا في حلب قتل وسبيا وتخريبا‪ ,‬فدخل على الناصر صسلح السسدين يعزيسسه‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 311 [ ‬‬

‫على ما فعله المغول بمدينة حلب وما حل بها من المصائب والمحن‪ ,‬فأضسسرب الناصسسر‬
‫عن سماع ذلك وأنشد أبياتا في مملوك له يهواه قتل فسسي تلسسك الكارثسسة ‪ .‬فهسسو ل يبكسسي‬
‫لفقد ملكه وإنما يبكي لفقد حبيبه‪ .‬ثم نراه بعد ذلك هائمسسا علسسى وجهسسه حسستى لجسسأ إلسسى‬
‫هولكو ملك المغول ومعه أخسسوه الملسسك الظسساهر سسسيف السسدين غسسازي )الثسساني( وأمسسراء‬
‫آخرون من البيت اليوبي فأحسن هولكو إليهم ولمسسا بلغسسه هزيمسسة المغسسول فسسي )عيسسن‬
‫جالوت( سنة ‪658‬هس قتله وقتل من كان معه من المراء ‪.‬‬
‫كذلك يروي ابن طباطبا في كتابه تاريخ السسدول السسسلمية أن الخليفسسة المستعصسسم‬
‫بالله آخر خلفاء بني العباس في بغداد كان شديد الكلف باللهو وسماع الغاني‪ ,‬ل يكسساد‬
‫مجلسه يخلو من ذلك ساعة واحدة‪ ,‬وكان ندماؤه وحاشيته جميعهم منهمكين معه على‬
‫التنعم بالملذات‪ ,‬ل يراعون له صلحا‪ .‬وقد كتبست لسه الرقساع مسن العسوام‪ ,‬وفيهسا أنسواع‬
‫التحذير وألقيت الشعار في أبواب دار الخلفة ‪.‬‬
‫كل ذلك وهو عاكف على سسسماع الغسساني وملكسسه قسسد أصسسبح واهسسي المبسساني‪ .‬وممسسا‬
‫اشتهر عنه أنه كتب إلى المير بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل يطلب منه جماعسسة مسسن‬
‫أهل الطرب‪ ,‬وفي تلك الحال وصل رسسسول هولكسو يطلسسب مسن بسدر السسدين منجنيقسسات‬
‫وآلت حصار لحصار بغداد فقال بدر الدين‪ :‬انظروا إلى المطلوبين وابكوا على السلم‪.‬‬
‫وإذا عرجنا على دولة المماليك نجد منهم من شسسغف بسسالجواري وتخلسسى عسسن أمسسور‬
‫الدولة إلى نوابه‪ ..‬كالملك الصالح إسماعيل بن الناصر محمد بن قلوون‪ .‬فقسسد شسسغفه‬
‫حب الجواري فأسرن قلبه وكانت لهسن الكلمسة العليسسا فسي الدولسسة وأعسرض عسن تسسدبير‬
‫الملك بإقباله على النساء والطرب‪ ,‬وكان يؤثر الجواري السود‪.‬‬
‫فحظيت بحبه جارية سوداء تدعى )اتفاق( تحسن الضرب على العود وتجيد الغناء‬
‫فتزوجها وكان أخوه الملك شعبان يهواها‪ ,‬فلما مات الصالح إسماعيل سنة ‪746‬هس‬
‫خلفه عليها أخوه ودخل بها ليلة وفاته‪!!..‬‬
‫ولما خلع الملك الكامل شعبان ثم قتل سنة ‪747‬هس خلفه أخوه الملك المظفر )حاجي(‬
‫فتزوج بها ليلة خلع أخيه !! فغنته فأنعم عليها بأربعة فصوص وست لؤلؤات ثمنها أربعة‬
‫آلف دينار‪ ,‬وهذا ثالث سلطان من أبناء محمد بن قلوون يتزوج بهذه الجارية السوداء‬
‫وفي كل مرة كان يعقد العقد لها على أخ من الخوة الثلث قاض مع علمه بأن العقد‬
‫باطل لتجاوز العدة المفروضة على زوجة المتوفى‪.‬‬
‫وقد نالت هذه الجارية السوداء عند الخوة الثلثة من الحظ والسعادة ما ل يعسسرف‬
‫لمرأة في زمانها ‪!!!!!!!!!!!!!.‬‬
‫فلم ل وقد قال الشاعر مجنون ليلى في محبوبته السوداء ‪:‬‬
‫ولول سواد السمسك ما انباع غاليا‬ ‫يقولون عنك سوداء حبشية‬
‫وحري بهذا الفاسق أن ينسج على منواله ‪ )..‬فلول سواد الّزفسست ‪ , ( ...‬وللسسه فسسي‬
‫خلقه شؤون ‪.‬‬
‫*************‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 312 [ ‬‬

‫أثر ما تقدم من السباب في حياة المجتمع السلمي‪:‬‬


‫كان من الطبيعي أن تنعكس هذه السباب في حياة المجتمع السلمي‪ ,‬السياسسسية‬
‫والقتصادية والجتماعية‪.‬‬
‫‪ - 1‬في الحياة السياسية ‪ :‬تفرقت الكلمة وطمع العداء ‪:‬‬
‫فقدت الدولة السلمية وحدتها‪ ,‬وبدأت تتفكسسك منسسذ بدايسسة العصسسر العباسسسي الول‪,‬‬
‫وازداد تفككها فسسي العصسسر العباسسسي الثسساني‪ .‬ففسسي المشسسرق قسسامت دولسسة للبسسويهيين و‬
‫السامانيين و الغزنويين و السلجوقيين‪ .‬وفي إفريقية‪ ,‬قامت في المغرب القصى دولة‬
‫الدارسة وفي المغرب الدنى ومصر والشسسام دولسسة الفسساطميين وفسسي النسسدلس قسسامت‬
‫دولة للمويين‪ ,‬وتوزعت الخلفة بين هذه السسدول‪ ,‬فخليفسسة عباسسسي فسسي بغسسداد وخليفسسة‬
‫إدريسي في المغرب القصى‪ ,‬وخليفة فاطمي في مصسسر‪ ,‬وخليفسسة أمسسوي فسسي قرطبسسة‬
‫وأمراء غلبوا على بعض المناطق واستقلوا فيها‪ ,‬ولم يقسسم بيسسن تلسسك الدولسسة والمسسارات‬
‫سلم دائم‪ ,‬بل كثيرا ما كانت تستعر بينهم الحروب‪ ,‬فضسسل عسسن الثسسورات و النتفاضسسات‬
‫التي كانت تتخللها‪ ,‬وانتهت بذلك إلى حالسسة مسسن الضسسعف والسسوهن فلسسم تقسسو علسسى صسسد‬
‫العدوان المسيحي الذي كان يترصدها‪ ,‬وقد طوقها من الشرق والغرب‪ ,‬وامتنع بافتراق‬
‫المسلمين إلى دول متناحرة وتوزعهم في شيع متنسسافرة أن يجمعسسوا شسسملهم لمواجهسسة‬
‫ذلك العدوان الذي انصب عليهم‪.‬‬
‫ففي الفترة الواقعة بين عامي ‪ 477‬و ‪493‬هسس اسسستولى ألفونسسسو السسسادس‪ ,‬ملسسك‬
‫السبان على طليطلة واستولى )الكمبيادور( زعيسم المرتزقسة السسبان علسى )بلنسسية(‬
‫سنة ‪487‬هس‪ ,‬وهسسم ألفونسسسو السسسادس بالسسستيلء علسسى إشسسبيلية‪ ,‬فأنقسسذها المرابطسسون‬
‫وأسقطوا حكم أمراء الطوائف وأقاموا في الندلس دولة لهم‪.‬‬
‫وفي الفترة الواقعة بين عسامي ‪ 487‬و ‪498‬هسس قسامت دعسسوة البابسا أوربسان الثساني‬
‫لمراء القطساع فسي أوروبسا للسسستيلء علسسى بلد الشسام وإنقساذ بيست المقسدس مسن يسد‬
‫المسلمين‪ .‬وكان من أسبابها إقسسدام الخليفسسة الفسساطمي الحسساكم بسسأمر اللسسه علسسى هسسدم‬
‫كنيسة القيامة في بيت المقدس‪.‬‬
‫وقد وحدت دعوة البابا صفوفهم وكسسانت قسسد فرقتهسسا الحسسروب السستي نشسسبت بينهسسم‪,‬‬
‫فقادوا الحملة الصليبية الولى‪ ,‬و أتاح لهسسم الصسسراع بيسسن ملسسوك السسسلجقة‪ ,‬كمسسا نوهنسسا‬
‫بذلك من قبل‪ ,‬أن يجتازوا بلد الناضول‪ ,‬وأن يحتلوا مدينة )نيقيسة( ثسم مدينسة )قونيسة(‪,‬‬
‫وأن يجتاحوا بلد الشام وفيها استولوا على معرة النعمان و أنطاكية‪ ,‬ثم اتبعوا الساحل‬
‫فاستولوا على )طرابلس( ثم على )حيفا( و )يافا( و)قيسارية( و )الرملسسة(‪ ,‬ثسسم عرجسسوا‬
‫على مدينة بيت المقدس فاستولوا عليها في ‪ 23‬نيسان سنة ‪493‬هس‪ ,‬وهي السنة التي‬
‫سقطت فيها مدينة )طليطلة( بيد السبان‪.‬‬
‫وفي بيت المقدس أباح قائد الحملة الصليبية )جود فروا دو بويون( للصليبين القتل‬
‫والنهب وهتك العراض‪ ,‬فلم يقصروا فيما أبيح لهسسم‪ ,‬ونصسسبوا قسسائدهم ملكسسا علسسى بيسست‬
‫المقدس ثم توجهوا إلى دمشسسق فحاصسسروها وتسسوجه وفسسد مسسن أهسسالي المدينسسة برئاسسسة‬
‫قاضي دمشق زين الدين أبي سعد الهروي إلى بغسسداد يسسستعينون بالخليفسسة المسسستظهر‬
‫بالله‪ ,‬فأظهر الخليفة عجزه وبكى و بكى الوفد لعجزه‪ ,‬وتمكسسن أهسسل دمشسسق مسسن صسسد‬
‫الصليبين‪.‬‬
‫وتوجه الصليبيون بعد ذلك إلى عكسسا و جبيسسل فاسسستولوا عليهمسسا‪ ,‬واسسستمرت حملت‬
‫الصليبين واستولوا على كثير من المواقع في بلد الشام وفيهسسا بنسسوا القلع والحصسسون‪,‬‬
‫حتى وحد صلح الدين اليوبي جموع المسلمين بعد قضائه على الدولة الفاطميسسة‪ ,‬وتسسم‬
‫على يده جلء الصليبيين‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 313 [ ‬‬

‫‪ - 2‬في الحياة القتصادية ‪:‬‬


‫تتوقف سلمة القتصاد على عامل أساسي هو المن‪ ,‬فبدونه ل يمكن دوام العمسسل‬
‫والنتاج والتبادل والتجار وأكثر ما يعيسق المسن هسو الثسورات‪ ,‬وقسد نشسبت فسي العصسسر‬
‫الموي وفي العصر العباسي الول ثورات كثيرة شغلت الدولتين‪ ,‬ولكنها لم تنتقص من‬
‫نشاط الحيسساة القتصسسادية لتسسوفر القسسوة علسسى قمعهسسا‪ ,‬ولن النسساس كسسانوا ينعمسسون فسسي‬
‫بحبوحسسة مسسن العيسسش مسسن خيسسرات الفتسسوح‪ ,‬فلسسم تكسسن تلسسك الثسسورات ثسسورات فقسسراء أو‬
‫مستضعفين وإنما كانت في جلها ثورات سياسية‪ ,‬يدور الصراع فيهسسا حسسول الخلفسسة‪ ,‬أو‬
‫فتن تثيرها العصبيات القبلية‪.‬‬
‫ومع ذلك فإن البلد السلمية كانت تصاب في بعض مناطقها بجوائح‪ ,‬منها القحسسط‬
‫وتلف المحاصيل بكوارث طبيعية‪ ,‬كان ينشأ عنها مجاعات وينتشر الوباء‪ ,‬ولكن ذلك لم‬
‫يكن ليطول‪ .‬أما في العصر العباسي الثاني فقد ثار الفقراء والمستضعفون على ظلسسم‬
‫الولة وعمال الخراج‪ ,‬فكانت ثورة الزنج التي استمرت خمس عشرة سنة‪ ,‬فتكت فسسي‬
‫خللها بالكثير من الناس وخربت الكثير من المدن وحرمت الرض من أيسسدي العسساملين‪,‬‬
‫الذين انقلبوا إلى ثائرين ومخربين‪.‬‬
‫وقد أعقبت هذه الثورة ثورة القرامطة التي امتدت نحو سبعين سنة‪ ,‬وفسسي خللهسسا‬
‫اختل المن وعاث اللصسوص فسسادا فسي المسدن والقسرى‪ ,‬ينهبسون ويسسلبون ويقتلسون‪.‬‬
‫ونشط أعسراب البسسوادي فسي الوثسوب علسى قوافسل التجسسار وفسي الغسسارة علسى قوافسل‬
‫الحجاج‪ ,‬فتوقفت التجارة وامتنع الحج عدة سنوات‪ .‬وقد أدى ذلك كلسسه إلسسى اضسسطراب‬
‫الحياة القتصادية وزاد عليها توالي الكوارث الطبيعيسسة ومنهسسا السسزلزل وفيضسسان النهسسار‬
‫وطغيانها على الراضي الزراعية‪ ,‬وما ينشأ عنها من قحط ومجاعات يتلوها أوبئة كسسانت‬
‫تفتك بالناس فتكا وتحصدهم حصدا‪.‬‬

‫‪ - 3‬في الحياة الجتماعية ‪:‬‬


‫انعكس في حياة المجتمع السلمي ما عاناه في حياته السياسية والقتصسسادية مسسن‬
‫فوضسسى واضسسطراب‪ .‬فقسسد اسسستذلته الحسسداث السياسسسية وأفقرتسسه الحسسداث القتصسسادية‬
‫وتشتت شمله في دويلت‪ ,‬آلت معها حياة المجتمع السلمي إلسسى طبقسسة عليسسا مترفسسة‪,‬‬
‫التفت حول ملوك وأمراء متغلبين‪ ,‬تزين لهم ظلمهم لتنعم بعطاياهم‪ ,‬وتسلك سلوكهم‬
‫فيما ينكره الدين والخلق‪ .‬وطبقة سفلى يشيع فيها الفقر والبؤس والحرمان ويحملهسسا‬
‫ذل الحاجة إلى سلوك ما ل يحله الدين أيضا‪.‬‬
‫وفي كلتا الطبقتين شاع عند السسسفلة منهسسم تعسساطي الخمسسرة ومسسا يتبعهسسا مسسن لهسسو‬
‫وفجور‪ ,‬كان يجري في الطبقة العليا بمظاهر الترف‪ ,‬وكان يجري في الطبقة السسسفلى‬
‫في مظاهر الحطة والبؤس‪ .‬وبيسسن الطبقسستين‪ ,‬العليسسا والسسسفلى‪ ,‬كسانت طبقسسة الخاصسسة‪,‬‬
‫وهي الطبقة الوسطى‪ ,‬وفيها العلماء من فقهاء ومحسسدثين ومفسسسرين‪ ,‬وفيهسسا الصسسلحاء‬
‫من أهل الزهد والتقوى‪ ,‬ولم يكن لهؤلء‪ ,‬كما كان لسلفهم‪ ,‬مقام يدنيهم مسسن الملسسوك‬
‫والمراء‪ ,‬ول مسمع لقول عاذل ونصيح‪ ,‬وليس لهم سلطة تمكنهسسم مسسن السسردع بسسالقوة‬
‫لما يجري من الفواحش‪ ,‬فقد جهسر كسثير مسن النسساس بشسرب الخمسرة‪ ,‬يتعاطونهسسا فسي‬
‫حانات الخمارين وفي المتنزهات‪ ,‬ويلتمسون معتقها في الديرة‪.‬‬
‫هذه هي السمات العامة التي كانت تطبع المجتمع السلمي فسسي العصسسر العباسسسي‬
‫الثاني وما تله‪ ,‬وقد مهد لها العصر العباسي الول‪ ,‬بمسا سساد فيسه مسن مظساهر السترف‬
‫والنصراف إلى الملذ والجهر بها مع كثير من اللهو والمجون والتحدي للدين والخلق‪,‬‬
‫وهذا ما نراه مبسوطا في أشعار أبي نواس وأخباره مع مطيع بن إياس وحماد عجرد و‬
‫والبة بن الحباب‪ ,‬وفي أشعار ابن هرمة ومسسسلم بسسن الوليسسد‪ ,‬وغيسسره مسسن شسسعراء ذلسسك‬
‫العصر من الماجنين ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 314 [ ‬‬

‫وكما نراها مبسوطة في كتب الدب والخبار كالغاني والعقد الفريسسد ونهايسسة الرب‬
‫والنجوم الزاهرة وعيون الخبار‪ ,‬وغيرها من كتب الدب‪ ,‬وكما نراها منثسسورة فسسي كتسسب‬
‫التاريخ والخبار كالطبري وابن الثير ومروج الذهب للمسسسعودي‪ ,‬وتاريسسخ بغسسداد وتاريسسخ‬
‫ابن كثير وغيرها من كتب التاريخ‪ .‬وكلها شاهد – وإن كان فيها كثير من الدس والتأليف‬
‫‪ -‬على التراخي في تنفيذ تعاليم السلم عند الطبقة الحاكمة ومن التف حولها‪.‬‬
‫وكان أول ما انحسر من تعاليم السلم العدل‪ ,‬وقد أخلسست بسسه الهسسواء السستي اشسستد‬
‫فيها الصراع على الملك وما يتبعه من الظلم والسسستبداد‪ ,‬يمارسسسهما صسساحب السسسلطة‬
‫على هواه‪ ,‬خليفة أو ملكا أو سسسلطانا أو أميسسرا‪ ,‬ويأخسسذ النسساس بالظنسسة‪ ,‬فيقتسسل ويصسسادر‬
‫الموال ول معقب لما يشاء‪ ,‬وبرزت فسسي هسسذا الجسسو المشسسبع بسسالظلم‪ ,‬ظسساهرة الخسسوف‬
‫ومعها ظاهرة النفاق‪.‬‬
‫وكلهما من العوامل التي عطلت العقل عن النمو فجف عطاؤه وتراخت عزائمسسه‪,‬‬
‫وأصبح الخائف في معزل عسسن الحيسساة العامسسة خوفسسا مسسن وشسساية واش‪ ,‬أو تعرضسسه لمسسا‬
‫يخشسساه‪ ,‬وسسلك مسسسلك الزهسسد والتصسوف طلبسسا للسسلمة‪ .‬وشساع النفسساق فسي ضسعاف‬
‫النفوس‪ ,‬يزين به المنافقون صنع السلطان فيزيدونه طغيانا‪ ,‬لينسسالوا رفسسده‪ ,‬فهسسم فيمسسا‬
‫يفعلونه أعوانه في الظلم‪.‬‬
‫وقد دون رواة موثوقون ما شهدوا مسسن ظسساهرة الظلسسم والجسسور فسسي العصسسر السسذي‬
‫عاشوا فيه‪ ,‬وإليك ما دونه الرحالة ابن حوقل المتوفى سنة ‪367‬هس‪ ,‬في مقدمة كتسسابه‪:‬‬
‫)صورة الرض(‪ ,‬وفيه يصف ما عاينه في بغداد قبل سسسفره‪ ...) :‬وأعسسانني علسسى تسسأليف‬
‫هذا الكتاب تواصل السفر وانزعاجي عن وطني مع ما سبق بسسه القسسدر‪ ,‬لسسسيما السسرزق‬
‫والثر‪ ,‬والشهوة لبلوغ الوطر‪ ,‬بجور السلطان‪ ,‬وكلب الزمسسان‪ ,‬وتواصسسل الشسسدائد علسسى‬
‫أهسسل المشسسرق والعسسدوان‪ ,‬واسسستئناس سسسلطينه بسسالجور والطغيسسان‪ ,‬وكسسثرة الجسسوائح‬
‫والنوائب‪ ,‬وتعاقب الكلف والمصائب‪ ,‬واختلل النعم وقحط الديم(‪.‬‬
‫وإليك ما دونه الفيلسوف المؤرخ مسسسكويه فسي كتسابه )تجسارب المسم( وفيسسه يسسبين‬
‫أسباب ضعف السلطة وانهيار الحكم في العصر العباسي‪:‬‬
‫) فليعتبر الناظر‪ ,‬هل أتي هؤلء الملوك إل من سوء تحفظهم واشتغالهم عن ضبط‬
‫أمورهم وتفقدها بلذاتهم وشهواتهم‪ ,‬وإغفالهم أمر أصحاب الخبار وتركهم تعرف نيسسات‬
‫وزرائهم وقوادهم وأمور عساكرهم وتعويلهم على التفاقات والدول التي ل يوثسسق بهسسا‪,‬‬
‫وقلة تصفحهم أحوال الملوك قبلهسسم ممسسن اسسستقامت أمسسورهم‪ ,‬كيسسف كسسانت سسسيرتهم‪,‬‬
‫وكيف ضبطوا ممسسالكهم و نيسسات أصسسحابهم بضسسروب الضسسبط‪ ,‬أول بالسسدين السسذي يحفسسظ‬
‫نظامهم ويملك سرائرهم‪ ,‬ثم بأصحاب الخبار الثقسسات والعيسسون المسسذكاة علسسي مسسدبري‬
‫أمورهم‪ ,‬والتفقد لهم يوما يوما وحال فحال وترك إيحاشهم ما أمكن ومداراة من تجسسب‬
‫مداراته‪ ,‬والبطش بمن ل حيلة في استصلحه ول دواء لسيرته(‪.‬‬
‫ثم إليك ما دونه المام السيوطي في تاريخه‪:‬‬
‫) في دولة بني العباس افترقت كلمة السلم وسقط اسم العسسرب مسسن السسديوان‬
‫وأدخل التراك في الديوان واستولت الديلم ثسم التسراك‪ ,‬وصسسارت لهسم دولسسة عظيمسسة‪,‬‬
‫وانقسمت الممالك عدة أقسام وصار بكل قطر قائم يأخسسذ النسساس بالعسسسف ويملكهسسم‬
‫بالقوة (‪.‬‬
‫ولم يكن أمراء وخلفاء الندلس أفضل حال من أهسسل المشسسرق‪ ,‬فقسسد جسساروهم فسسي‬
‫الترف‪ ,‬فأغفلهم عن عدوهم‪ ,‬فسطا عليهم وأخرجهم من ديسسارهم‪ .‬ففسسي سسسنة ‪456‬هس س‬
‫جرت وقعة بين المسلمين و السبان في قريسسة )بطرنسسة( مسسن أعمسسال )بلنسسسية( وفيهسسا‬
‫تغلب السبان على المسلمين‪ ,‬ومنها توجهوا لحتلل )بلنسية(‪.‬‬
‫ويصف لنا ابن بسام ما حل بأهل بلنسية حين داهمهم السبان فيقول‪:‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 315 [ ‬‬

‫)‪ ...‬ونزل الفرنج على بلنسية وأهلها جاهلون بالحرب‪ ,‬معرضون على أمر الطعسسن‬
‫والضرب‪ ,‬مقبلون على اللذات من الكل والشرب‪ ,‬وأظهر الفرنج النسسدم علسسى منازلهسسا‬
‫والضعف عن مقاومة من فيها‪ ,‬وخدعوهم بذلك فانخدعوا وأطمعوهم فطمعسسوا‪ ,‬وكمسسن‬
‫في عدة أماكن جماعة من الفرنج‪ ,‬وخرج أهل البلد بثياب زينتهم‪ ,‬وخرج معهم أميرهسسم‬
‫عبد العزيز بن عامر‪ ,‬فاستدرجهم الفرنج ثم عطفوا عليهم فاستأصلوهم بالقتل والسر‬
‫وما نجا منهم إل من حصنه أجله‪ ,‬وخلص المير نفسه (‪.‬‬
‫وهكذا جسسرى لهسسل )طليطلسسة( ‪ -‬كمسسا يقسسول ابسسن بسسسام ‪ -‬فسسإن ألفونسسسو السسسادس‬
‫استظهر عليهم‪ ,‬وقتل جماهيرهم‪ ,‬وكسسان مسسن جملسسة مسسا غنمسسه الفرنسسج مسسن أهلهسسا‪ ,‬لمسسا‬
‫خرجوا إليهم في ثياب الزينة‪ ,‬ألف غفارة خارجا عما سواها ‪.‬‬
‫وليس أوجز ول أبلغ في وصف حال الندلس آنذاك ‪ ,‬وحال معظم ممالك وإمسسارات‬
‫المسلمين التي دهمها الصليبيون و التتار كذلك بعد ذلك بقليل ‪ .‬مما وصسسف بسسه المسسام‬
‫الجليل )ابن حزم الندلسي( أحسسوال النسسدلس فسسي القسسرن الخسسامس الهجسسري ممسسا‬
‫أحدثه ملوك الطوائف ‪ .‬فقال يرحمه الله كلمات تحس السى يشع من بيسسن حروفهسسا ‪,‬‬
‫وأعجب ما فيها أنها تصلح لوصف أحوالنسسا هسسذه اليسسام فسسي ظسسل حكامنسسا وتعسساونهم مسسع‬
‫الصليبيين على بعضهم وعلى شعوبهم ‪.‬‬
‫قال ابن حزم عن أمراء الندلس في زمانه ‪ ,‬فسسي كتسساب) التلخيص فــي وجــوه‬
‫التخليص ( ‪:‬‬
‫] فهذا أمر امتحنا به نسأل الله السلمة ‪ .‬وهي فتنة سوء أهلكت الديان‬
‫إل من وقى الله تعالى ‪ .‬لوجوه كثيرة يطول لها الخطاب ‪ .‬وعمدة ذلك ؛‬
‫أن كل مدبر مدينة أو حصن في شيء من أندلسنا هذه ‪ ,‬أولها عن آخرها‬
‫محارب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬ساع في الرض بالفساد ‪.‬‬
‫للذي ترونه عيانا من شنهم الغارات على أموال المسلمين من الرعية‬
‫التي تكون في ملك من ضادهم ‪ .‬وإباحتهم لجندهم قطع الطريق‪.‬‬
‫ضاربون للجزية والمكوس والضرائب على رقاب المسلمين ‪ .‬مسلطون‬
‫لليهود و النصارى على قوارع طرق المسلمين ‪ .‬معتذرون بضرورة ل‬
‫تبيح ما حرم الله ‪ .‬غرضهم منها استدامة إنفاذ أمرهم ونهيهم ‪.‬‬
‫فل تغالطوا أنفسكم ‪ ,‬ول يغرنكم الفساق والمنتسبون إلى الفقه ‪,‬‬
‫اللبسون جلود الضأن على قلوب السباع‪ .‬المزينون لهل الشر شرهم ‪.‬‬
‫الناصرون لهم على فسقهم ‪.‬‬
‫فالمخلص لنا منها ؛ المساك باللسنة جملة وتفصيل إل عن أمر‬
‫بالمعروف أو نهي عن المنكر وذم جميعهم ‪ .‬والله لو علموا أن في‬
‫عبادة الصلبان تمشية لمورهم لبادروا إليها ‪.‬فنحن نراهم يستمدون‬
‫النصارى‪ ,‬ويمكنون لهم من حرم المسلمين ‪ ,‬وربما أعطوهم المدن‬
‫والقلع طوعا‪ ,‬فأخلوها من السلم وعمروها بالنواقيس ‪.‬‬
‫لعن الله جميعهم وسلط عليهم سيفا مــن ســيوفه ‪ .‬فمــن عجــز عــن‬
‫ذلك رجوت أن تكون التقية تسعه ‪ .‬وأن ينكر بقلبه ‪ .‬هذا مع أنه لو اجتمع‬
‫كل من ينكر بقلبه لما غلبوا على أمرهم ( أهس ‪.‬‬
‫*************‬

‫ضعف الوازع اليماني وأثره في انهيار الدولة السلمية ‪:‬‬


‫لقد كان إيمان المسلمين الولين ناصعا ل تفسده الهواء‪ ,‬قوي الحسسساس بالعسسدل‬
‫وبكل مكارم الخلق‪ ,‬فقادهم إلى الفتح العظيم‪ ,‬ودخل النسساس فسي دينهسم أفواجسا لمسا‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 316 [ ‬‬

‫رأوا من صدق دعوتهم‪ .,‬وكسسانوا فيهسسا مثل يحتسسذى‪ ,‬فلمسسا تسسرف أخلفهسسم بنعمسساء السسدنيا‬
‫وأسرفوا منها‪ ,‬تعلقوا بأذيالها‪ ,‬وأقبلوا عليها إقبال عاشق غاب رقيبه‪.‬‬
‫ويستفاد مما تقدم أن ضعف الوازع اليماني في الراعي وغالبية الرعية ‪ ,‬قسسد حسساد‬
‫بالمسلمين عن خطة السلم‪ ,‬فالسلم أقام اليمان رقيبا على أعمسسال النسسسان وزوده‬
‫بدقة الحس في التمييز بين الخير والشر‪ ,‬وبين الفضيلة والرذيلة‪ ,‬وبين العدل والظلم‪,‬‬
‫وعندما تعصف الهواء باليمان‪ ,‬يفقد الحساس بالخير والعدل والفضيلة‪.‬‬
‫ولما تراخت رقابة اليمان على أعمالهم حل الظلسسم محسسل العسسدل‪ ,‬فسسأخفت صسسوت‬
‫الحق‪ ,‬وقضى سيف الظلم على صولته‪ ,‬وأضحت القوة هي الحاكم الذي ل يرد والحكم‬
‫الذي ل ينقض‪ ,‬وبرز الباطسسل يختسسال فسسي قصسسور الخلفسساء والمسسراء والسسوزراء والثريسساء‪,‬‬
‫متشحا بكل مظاهر العبث والمجون‪ ,‬فألهساهم عسن مصسسالح المسسة‪ ,‬فشساع الفسساد فسي‬
‫الحكم والقضاء والدارة‪ ,‬وقفز إلى مناصب الدولة المنافقون ومنهسسم مسسن اتخسسذ السسدين‬
‫سلما للوصول إليها‪ ,‬فسسساهموا فسسي الفسسساد وأعسسانوا علسسى الظلسسم‪ ,‬وسسسادت الفوضسسى‬
‫فكانت غنما للصوص والعيارين‪ ,‬وقامت لهم دولة في بغداد يحميهسسا قسسادة مسسن الجيسسش‬
‫لقاء جزية يتقاضونها مما ينهبون‪.‬‬
‫وعاش عامة الشعب في فقر وخوف‪ ,‬وقهر ومذلسسة‪ ,‬فضسسمر سسساعده وفقسسد قسسدرته‬
‫على القتال‪ ,‬وخمدت همته‪ ,‬فأضحى في حالة رق فقد فيها قدرته على البداع‪ ,‬فأوقفه‬
‫الزمن عن المسير‪ ,‬وأخذ ينظسسر إلسسى الشسسعوب تتقسسدمه وهسسو معقسسود اللسسسان ومغلسسول‬
‫اليدين‪ ,‬فل يستطيع حراكا‪ .‬إلى هذه الحالة آل أمر المسلمين‪ ,‬فسسي جميسسع السسدول السستي‬
‫تشتت فيها دولتهم‪ ,‬لتساوي العلة فيها‪.‬‬
‫وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلم ما سيؤولون إليه حيسسن قسسال‬
‫لهم ‪ ) :‬يوشك أن تداعى عليكم المــم كمــا تــداعى الكلــة إلــى قصــعتها‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟‪ .‬قال‪ :‬ل‪ ,‬بل أنتــم يــومئذ كــثير‬
‫ولكنكم غثاء كغثاء السيل‪ ,‬ولينزعن الله من قلوب عدوكم المهابة منكــم‪,‬‬
‫وليقذفن في قلوبكم الوهن‪ ,‬قالوا وما الوهن يا رسول الله؟ قــال‪ :‬حــب‬
‫الدنيا وكراهية الموت ( ‪.‬‬
‫*************‬

‫تفشي ظاهرة علماء السلطان خلل المرحلة العباسية ‪:‬‬


‫إن فساد الدين‪ ,‬وفساد الخلق أساسه فساد فئتين من الناس هم العلماء والحكام كما‬
‫قال ابن المبارك رحمه الله‪:‬‬
‫وأحبار سوء ورهبانها‬ ‫وهل أفسد الدين إل الملوك‬
‫وفساد الحكام سببه فساد العلماء ‪ ،‬وفساد العلماء سببه الخلد إلى الرض وحب‬
‫المال والجاه ‪ ،‬يقول حجة السلم المام أبو حامد الغزالي رحمه الله ‪ ,‬واصفا ً حال‬
‫علماء عصره بعد أن ذكر من مواقف علماء السلف وتضحيتهم في سبيل الحق وعدم‬
‫اكتراثهم ببأس السلطين ‪ .‬وكان قد عاش في القرن الخامس ‪ ,‬وعاصر الدولة‬
‫السلجوقية ‪ ,‬وما عاصرها من الممالك المستقلة ‪ ,‬بعد أن وهنت عرى الخلفة‬
‫العباسية ‪:‬‬
‫) وأما الن فقد قيدت الطماع ألسن العلماء فسكتوا ‪ .‬وإن تكلموا لم‬
‫تساعد أقوالهم أحوالهم ‪ ،‬فلم ينجحوا ولو صدقوا وقصدوا حق العلم‬
‫لفلحوا ‪ ،‬ففساد الرعايا بفساد الملوك ‪ ،‬وفساد الملوك بفساد العلماء ‪،‬‬
‫وفساد العلماء باستيلء حب المال والجاه ‪ ،‬ومن استولى عليه حب الدنيا‬
‫فلم يقدر على الحسبة على الراذل ‪ ،‬فكيف على الملوك والكابر ‪ ،‬والله‬
‫المستعان على كل حال ( إحياء علوم الدين ج ‪.7/92‬‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 317 [ ‬‬

‫وأما المام الجليل ابن تيمية فقد قضى عمره في صراع مع من فسد من علماء‬
‫السلطين ‪ ,‬وأئمة البدع ‪ ,‬وكان معاصرا للدولة المملوكية في القرن الثامن في عهد‬
‫محمد بن قلوون فيما كانت هجمات التتار تعصف ببلد الشام ‪ .‬حتى بلغ به أن يقول‬
‫مما يرى من نفاق علماء السلطين وممالتهم للمراء على جورهم وفساد أحوالهم ‪,‬‬
‫فقال ‪:‬‬
‫( ومتى ترك العالم ما علمه من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ,‬واتبع حكم الحاكم المخالف لحكم الله ورسوله كان مرتدا كافرا‬
‫يستحق العقوبة في الدنيا والخرة !! ( الفتاوى ج ‪ 35‬ص ‪. 373-372‬‬
‫وأما ابن حزم الذي عساش زمسن ملسوك الطسوائف ‪ ,‬فقسد مسر قسوله يعسرض بفقهساء‬
‫القصور ‪ ,‬وعلماء السلطان في زمانه ‪:‬‬
‫) ‪ ..‬مسلطون لليهود و النصارى على قوارع طرق المسلمين ‪ .‬معتسسذرون بضسسرورة‬
‫ل تبيح ما حرم الله‪ .‬غرضهم منها استدامة إنفاذ أمرهم ونهيهم ‪.‬‬
‫فل تغسسالطوا أنفسسسكم ‪ ,‬ول يغرنكــم الفســاق والمنتســبون إلــى الفقــه ‪,‬‬
‫اللبسون جلود الضأن على قلوب السباع‪ .‬المزينون لهل الشر شــرهم ‪.‬‬
‫الناصرون لهم على فسقهم ‪ (...‬وقد طفحت كتب التاريخ بما سجله علماء الحق‬
‫‪ ,‬وأئمة الهدى الذين اعتزلوا قطار الظلسسم والضسسلل ممسسا عسسانوه وشسساهدوه مسسن فسسساد‬
‫طبقة علماء السلطين ‪ ,‬وممالتهم للمراء‪.‬‬
‫وكان هذا من أسباب فساد الحوال التي مهدت ‪ ,‬لتتابع العقاب السسسنني القسسدري ‪,‬‬
‫باجتياح غارات العداء لعقر ديار المسلمين ‪ .‬قال تعالى ‪:‬‬
‫حقّ عَل َي َْها ال ْ َ‬ ‫ك قَري ً َ‬ ‫َ‬ ‫‪ ‬وإ َ َ‬
‫ها‬
‫مْرَنا َ‬‫ل فَد َ ّ‬ ‫قوْ ُ‬ ‫قوا ِفيَها فَ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ف َ‬ ‫مت َْرِفيَها فَ َ‬ ‫مْرَنا ُ‬ ‫ةأ َ‬ ‫ن ن ُهْل ِ َ ْ َ‬ ‫ذا أَرد َْنا أ ْ‬ ‫َِ‬
‫ميرا ‪) ‬السراء‪(16:‬‬
‫ت َد ْ ِ ً‬
‫وهكذا جرت السنن على تلك الممالك ومن عاش فيها من حكام ومحكومين ‪..‬‬
‫ديد ٌ ‪) ‬هسسود‪:‬‬ ‫م َ‬ ‫َ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫ي َ‬ ‫خذ َ ال ْ ُ‬‫ذا أ َ َ‬ ‫خذ ُ َرب ّ َ‬‫ك أَ ْ‬ ‫‪ ‬وَك َذ َل ِ َ‬
‫شس ِ‬ ‫خسذ َهُ أِليس ٌ‬ ‫ة إِ ّ‬ ‫مس ٌ‬ ‫ظال ِ َ‬ ‫هس َ‬ ‫قَرى وَ ِ‬ ‫ك إِ َ‬
‫‪. (102‬‬
‫وهكذا مضت المم وتفانت الدول ‪ ,‬وبقيت العسسبرة مريسسرة والسسسنن ماضسسية ‪ ..‬قسسال‬
‫تعالى ‪:‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن*‬ ‫عو َ‬ ‫ضسّر ُ‬ ‫م ي َت َ َ‬‫ضّراِء ل َعَل ّهُ ْ‬ ‫ساِء َوال ّ‬ ‫م ِبال ْب َأ َ‬ ‫خذ َْناهُ ْ‬ ‫ك فَأ َ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬ ‫م ْ‬‫مم ٍ ِ‬ ‫سل َْنا إ َِلى أ َ‬ ‫قد ْ أْر َ‬ ‫‪ ‬وَل َ َ‬
‫خ سذ َْناهُ ْ‬
‫م‬ ‫ما ُأوت ُسسوا أ َ َ‬ ‫حوا ب ِ َ‬ ‫ذا فَرِ ُ‬ ‫حّتى إ ِ َ‬ ‫ي ءٍ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ب كُ ّ‬ ‫وا َ‬
‫فَل َما نسوا ما ذ ُك ّروا به فَتحنا عَل َيه َ‬
‫م أب ْ َ‬ ‫ِْ ْ‬ ‫ِ ِ َ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ َ ُ‬
‫ن‪‬‬ ‫مي َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ب العَسسال ِ‬ ‫ّ‬
‫م سد ُ ل ِل سهِ َر ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫ْ‬
‫مسسوا َوال َ‬ ‫َ‬
‫ن ظل ُ‬ ‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫قوْم ِ ال ِ‬ ‫ْ‬
‫داب ُِر ال َ‬ ‫قط ِعَ َ‬ ‫ن * فَ ُ‬ ‫سو َ‬ ‫مب ْل ِ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ذا هُ ْ‬ ‫ة فَإ ِ َ‬
‫ب َغْت َ ً‬
‫)النعام‪. ( 42 - 45:‬‬
‫وهكذا هجم الروم والصليبيون على بلد المسلمين من الغرب ‪ ,‬واجتاحهم المغول‬
‫من الشرق ‪ ,‬وسقطت بلد السلم والمسلمين تحت سنابك خيل العسسدو ‪ .‬ليسسسجل لنسسا‬
‫التاريخ أهوال يشيب لذكرها الولدان ‪ ,‬وتقشعر لها البسدان ‪ .‬بمسا كسسبت أيسدي النساس‬
‫حكاما ومحكومين ولله المر من قبل ومن بعد ‪.‬‬
‫معَ وَهُوَ َ‬
‫شِهيد ٌ ( )ّق‪. (37:‬‬ ‫س ْ‬ ‫ب أ َوْ أل َ‬
‫قى ال ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه قَل ْ ٌ‬
‫ن لَ ُ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫ك ل َذِك َْرى ل ِ َ‬
‫م ْ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬
‫) إِ ّ‬

‫*************‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 318 [ ‬‬

‫الغزو الخارجي للعالم السلمي‬


‫في خضم تلك الحداث التي سادت العسسالم السسسلمي مسسن انقسسسام دولسسه وتسسسارع‬
‫انهيارها ‪ ,‬وتنازع ملوكها وسلطينها وأمرائها وقادتها ‪ ,‬وإفناء بعضسسهم البعسسض بسسالحروب‬
‫في التزاحم على السلطة والستئثار بها‪.‬‬
‫في خضم تلك الحداث كان العالم السلمي هدفا لعدوان انصب عليه من المغرب‬
‫والمشرق‪.‬‬
‫* فمن المغرب شنت أوروبا المسيحية عليه خلل قرنين من الزمان سسسبع حملت‬
‫صليبية على بلد الشام ومصر‪.‬‬
‫وفي بلد الندلس تتابعت حملت السبان الصليبية‪ ,‬وكانت البابوية صسساحبة السسدعوة‬
‫لهذه الحروب ‪.‬‬
‫* ومن المشرق اقتحمت جيوش المغول ) التتار( الدول السلمية في بلد مسسا بيسسن‬
‫النهرين وتجاوزتها إلى إيران والعراق وآسسسيا الصسسغرى وأخيسسرا بلد الشسسام متجهسسة إلسسى‬
‫مصر‪.‬‬
‫وقد تمكنت دولة اليوبيين ومن بعدها دولة المماليسسك مسسن صسسد هسسذه الحملت فسسي‬
‫موقعتين شهيرتين هما )حطين( مع الصليبيين ‪ ,‬و )عين جالوت( مع التتار ‪.‬‬
‫أما في بلد الندلس فكان الصراع على الملك بين الملوك والنشغال به عن أمسسور‬
‫الدويلت المتصارعة القدر المحتوم للنهاية التي ختمت بها دولة السلم بعسسد حكسسم دام‬
‫ثماني مئة عام‪.‬‬

‫أول‪ -‬النورمانديون يخرجون المسلمين من جنوب إيطاليا وصقلية‪:‬‬


‫في عام ‪212‬هس استولى العرب على جزيرة صقلية بقيسسادة قاضسسي القيسسروان أسسسد‬
‫ابن الفرات في عهد زيادة الله الول الغلبي‪ ,‬أمير إفريقية )تونس( واكتمل فتحها سنة‬
‫‪248‬هس وأقيمت مدينة )بالرمو( عاصمة لها‪ ,‬وضمت إلى دولة الغالبة في تونس‪.‬‬
‫وفي عام ‪226‬هس اجتاز العرب البحر من شمال صقلية إلى جنوب إيطاليا واستولوا‬
‫على مدينة )باري( وألحقوها بدولتهم بصقلية‪.‬‬
‫وفي عام ‪297‬هس انقضت دولة الغالبة باستيلء العبيديين عليها بزعامسسة عبيسسد اللسسه‬
‫المهدي وألحقوها بدولتهم التي أقاموها في تونس حتى سسنة ‪336‬هسس‪ ,‬إذ ثسار الكلسبيون‬
‫في صقلية على حكم العبيديين واستقلوا بها بزعامة الحسن بن علي الكلبي‪.‬‬
‫وفي عام ‪432‬هس اسستولى النورمانسديون علسى جنسوب إيطاليسا بزعامسة )تنكريسد ده‬
‫هوتفيل ‪ (toncred de hauteville‬وأقاموا فيها دولة نورمانديسسة وأخرجسسوا العسسرب مسسن‬
‫مدينة )باري(‪.‬‬
‫وفي عام ‪464‬هس اجتاز النورمانسديون البحسر إلسى صسقلية بزعامسة )روبيسر جيسسكار‬
‫الول ‪ (rober jescar i‬وأخذوا بطرد العرب منها وأتموا الستيلء عليها سنة ‪480‬هس س ‪,‬‬
‫وأزالوا الحكم العربي وانطوى علمه‪ ,‬الذي كان خفاقا مدة )‪ (270‬عاما‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 319 [ ‬‬

‫ثانيا ‪ -‬الحروب الصليبية‪ :‬أسبابها وعواملها ‪:‬‬


‫ترجسسع هسسذه الحسسروب فسسي أسسسبابها إلسسى ثلثسسة عوامسسل مجتمعسسة‪ :‬دينيسسة وسياسسسية‬
‫واقتصادية‪.‬‬
‫ففسسي أعقسساب خطسساب ألقسساه البابسسا )أوربسسان الثسسالث( فسسي مدينسسة كليرمسسون فسسران‬
‫‪ (clermont ferrand‬بفرنسا في ‪ 26‬نوفمبر ‪ -‬تشرين الثسساني ‪ -‬سسسنة ‪1095 / 488‬م‬
‫استجاب فيه لنداء من المبراطور البيزنطي ألكسيس كومنين يطلب منسسه العسسون ضسسد‬
‫السلجقة التراك وإعلن الحرب عليهم‪ .‬لبس لباس النسك وعسسرف ببطسسرس الناسسسك‪,‬‬
‫وفيها دعا إلى حرب المسلمين واسترداد بيت المقدس من أيديهم‪.‬‬
‫وقد اسسستجاب لنسسداء البابسسا وصسسيحة الراهسسب فئات ثلث‪ :‬الفقسسراء و القنسسان )أرقسساء‬
‫الرض(‪ ,‬وأمراء القطاع‪ ,‬وأصحاب التجارات‪ .‬فأما الفقراء وهم الطبقة الكبرى فكسسانوا‬
‫يعيشون في قلة وحرمان‪ ,‬تفتك فيهم الوبئة التي كانت تجتسساح أوربسسا ومثلهسسم القنسسان‪,‬‬
‫وهم الرقاء المرتبطون بأراضسسي السسسادة القطسساعيين‪ ,‬يملكهسسم السسسيد القطسساعي مسسع‬
‫الرض‪ .‬فكان هؤلء يحلمون ببلد فيها كل النعيم ويطمعون بغفران الكنيسة لخطاياهم‪,‬‬
‫وكانت هذه هي القوة الروحية الدافعة للحرب‪.‬‬
‫وأما أمراء القطاع فكانوا فئتين‪ ,‬فئة تملك اللقب والمال وفئة فقيرة تملك اللقسسب‬
‫ول تملك المال‪ ,‬وذلك أن شريعة الرث في نظام القطاع كانت تقضسسي بتسسوريث الولسسد‬
‫البكر اللقب والمال وتخص الخرين من البناء باللقب دون المال‪ ,‬وكان يطلسسق عليهسسم‬
‫اسم )المعدمين ‪ (sans avoir‬أي الذين ل يملكون شيئا أو يطلسسق عليهسسم اسسسم )بسسدون‬
‫أرض ‪ (sans terre‬أي الذين ل يملكون أرضا‪.‬‬
‫وكان المراء المالكون للقطسساع فسسي صسسراع فيمسسا بينهسسم‪ ,‬وكسسانت السسدعوة للحسسرب‬
‫الصليبية سببا في عقد أيديهم بالصلح وتحويل الصراع إلى قتال المسلمين‪ .‬أما المراء‬
‫الذين ل يملكون فكانوا ينتزعون معيشتهم بالقتل والقتال‪ ,‬ينقمون على مجتمع خصسسهم‬
‫بالحرمسسان‪ ,‬فكسسانت السسدعوة لحسسرب المسسسلمين منفرجسسا لهسسم ومنعرجسسا فسسي سسسلوكهم‪,‬‬
‫فانضمت أفواجهم إليها طمعا فسسي أرض يملكونهسسا وغنسسائم ينعمسسون بهسسا‪ .‬وأمسسا أصسسحاب‬
‫التجارات فهم أصحاب المدن البحرية الذين يملكون السسسفن ويحلمسسون بالوصسسول إلسسى‬
‫شواطئ بلد الشام لقامة علقات تجارية مسسع مسسدنها‪ ,‬وقسسد حققسست مسسدن جنسسوة و بيسسزا‬
‫والبندقية اليطالية أحلمها وجنت أرباحا كبيرة في نقل الحملت الصسليبية والتجسار مسع‬
‫بلد مصر والشام‪ .‬وقد تعاقبت الحروب الصليبية في سبع حملت في مدى مائتي عام‪:‬‬

‫الحملة الصليبية الولى ( ‪491‬هـ ‪ 1097 /‬م ( ‪:‬‬ ‫‪‬‬


‫وتقسم إلى قسمين ‪:‬‬
‫الحملة الشعبية ‪ :‬وقد قادها بطرس الناسك ‪ ,‬والسسقف مونستي ‪ ,‬وتكسونت مسن‬
‫جموع غفيرة غير منتظمة ول مؤتلفة‪ ,‬وكان أكثرها من الفرنسيين‪ ,‬لن السسدعوة لحسسرب‬
‫المسلمين جسساءت مسسن )بابسسا( فرنسسسي وصسسدرت مسسن بلسسدة فرنسسسية ونسسادى بهسسا راهسسب‬
‫فرنسسسي‪ .‬لسسذلك كسسان المسسسلمون يسسسمون الصسسليبيين بالفرنجسسة وهسسو السسسم القسسديم‬
‫للفرنسسسيين فسي ذلسك الزمسان مسن العسوام والغوغساء تحركسوا بغيسر تجهيسز ول ترتيسسب ‪,‬‬
‫واعتمدوا في طريقهم النهب والسلب‪ ,‬فقاتلهم الناس على طول طريقهسسم فسسي بلسسدان‬
‫أوربا الشرقية ‪ ,‬ثم مروا بالقسطنطينية ‪ ,‬وعبروا منها إلى أسيا الصغرى ‪ ,‬وهناك تسسولى‬
‫السلجقة القضاء عليهم بكل سهولة ‪.‬‬
‫حملة المراء ‪ :‬وقد تحركت في إثرها وقد تألفت هذه الحملسسة مسسن خليسسط مسسن‬
‫أمراء أوربيين ‪ .‬وقد تولى قيادة تلك الجموع أمراء فرنسيون توجهسسوا بهسسا بطريسسق السسبر‬
‫واجتسسازوا بهسا مدينسة القسسطنطينية‪ ,‬وتمكنسست الحملسسة مسن شسسق طريقهسسا إلسى الحسدود‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 320 [ ‬‬

‫الفاصلة بين شرق الناضول وبلد الشام فافترقت إلى ثلث فرق‪ ,‬فرقة اتجهت شسسرقا‬
‫واحتلت مدينة )الرها ‪ (edesse‬سنة ‪491‬هس وأقامت بها إمارة صليبية بزعامة )بسسودوان‬
‫الول ‪(baudouin‬‬
‫وفرقة اتجهت نحو الجنوب ودخلسست بلد الشسسام باتجسساه سسساحل المتوسسسط واحتلسست‬
‫مدينة أنطاكية سنة ‪492‬هس وأقامت فيها إمارة صليبية أخسسرى بزعامسسة ) بوهمنسسد الثسساني‬
‫النورماندي) ‪ (bohemond II‬ثم اتجهت نحو القدس فوصسسلتها سسسنة ‪493‬هسس ‪1099/‬م‬
‫وأطبقت عليها بحصارها‪ ,‬ولم تتمكن الحامية الفاطميسسة مسسن السسدفاع عنهسسا فاستسسسلمت‬
‫ودخلها الصليبيون في يوم ‪ 15‬تموز ‪ /‬يوليو ‪ /‬سنة ‪1099‬م وأثخنوا القتل في أهلها مسسن‬
‫مسلمين ويهود ومسيحيين أرثوذكس ‪ ,‬ويعترف المؤرخون الوروبيسسون بهسسول مسسا فعلسسه‬
‫الصليبيون وفي ذلك تقول المؤرخة اللمانية ) زوي أولسسدنبورغ ‪ ( zoe oldenburg‬فسسي‬
‫كتابها عن الحروب الصليبية‪ ) :‬إن المذبحة التي أقدم عليهسسا الصسسليبيون فسسي اجتيسساحهم‬
‫القدس تعد في عداد أكبر جرائم التاريخ (‪.‬‬
‫وقد أقام الصليبيون في القدس مملكة صليبية بزعامسسة أميسسر اللسسورين ) غسسودفراده‬
‫بويون ‪ (godefroy de bouillon‬وفي عام ‪1100‬م تسوجه لحصسار عكسا فأصسابه سسهم‬
‫فقتل وخلفه أخوه ) بودوان ‪.(baudouin‬‬

‫الحملة الصليبية الثانية ( ‪539‬هـ ‪ 1145 /‬م (‪:‬‬ ‫‪‬‬


‫في عام ‪539‬هس ‪1144 /‬م استرد أمير الموصل عماد الدين زنكي مدينة الرها مسسن‬
‫الصليبيين ‪ ,‬وأسقط إمارتها فتألفت بسببها حملة صليبية ثانيسسة بزعامسسة كسسونراد الثسسالث‬
‫) ‪ (Conrad III‬ملك ألمانيا ولويس التاسع ) ‪ ( Louis ix‬ملك فرانسسسا ‪ .‬ولكسسن عمسساد‬
‫الدين زنكي دحرهم ‪ ,‬وبعد أن اغتال الحشاشون الباطنية عماد الدين زنكي ‪ ,‬حمل ابنه‬
‫نور الدين زنكي لواء الجهاد ضد الصليبيين ‪ ,‬واستطاع اسسسترداد مدينسسة انطاكيسسة سسسنة )‬
‫‪559‬هسس ‪ 1163 /‬م ( ‪ ,‬وهكسسذا عسسادت الحملسسة الثالثسسة أدراجهسسا بعسسد فشسسلها فسسي حصسسار‬
‫دمشق‪ .‬ثم تابع نور الدين جهادهم طيلة حياته بل كلل ‪.‬‬
‫ولما ورث صلح السسدين اليسسوبي مملكسسة نسسور السسدين ‪ ,‬وأقسسام الدولسسة اليوبيسسة حمسسل‬
‫المانسسة بهمسسة وتفسساني ‪ ,‬وتتسسالت انتصسساراته إلسسى أن توجهسسا بمعركسسة حطيسسن )‪583‬هس س ‪/‬‬
‫‪1187‬م( حيث أسر فيها ملك بيسست المقسسدس الصسسليبي) جسسان لوزجنسسان ( وكبسسار أمسسراء‬
‫الصليبيين ‪ ,‬و قتل أرناط الذي قطع طريق الحج وكان سبب انهيار الهدنة بينه وبينهسسم ‪.‬‬
‫ثم تابع صلح الدين بعد حطين ‪ ,‬فاسسسترد طبريسسا ‪ ,‬وعكسسا ‪ ,‬و قيسسسارية ‪,‬وحيفسسا ‪ ,‬ويافسسا ‪,‬‬
‫وصيدا ‪..‬مما سبب قدوم الحملة الثالثة ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 321 [ ‬‬

‫الحملة الصليبية الثالثة (‪583‬هـ ‪1187 /‬م( ‪:‬‬ ‫‪‬‬


‫نتيجة انتصارات صلح الدين ‪ ,‬تألفت حملة صليبية ثالثة بزعامة فردريك بارباروس‬
‫الول ملك ألمانيسسا )‪ ( Fredric barbarous‬و )فيليسسب أوغسسست ‪( Philippe Augusta‬‬
‫ملك فرنسا و ) ريتشارد قلب السد ‪ ( Richard Coeur de lion‬ملك إنكلترا‪.‬‬
‫وقد سلك فردريك طريق البر واجتاز القسطنطينية إلى بسسر الناضسسول وغسسرق أثنسساء‬
‫عبسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسوره نهسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسرا فسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسي‬
‫) كليكيا ( وتشتتت حملته ‪ ,‬وعاد فيليب أوغست إلى فرنسا بعسسد اختلفسسه مسسع ريتشسسارد‬
‫قلب السد وزعموا أن ذلك كان لمرضه‪ .‬أمسسا ريتشسسارد قلسسب السسسد فقسسد تسسابع طريقسسه‬
‫‪,‬ولكن صلح الدين تمكن من فتح بيت المقدس )‪583‬هس ‪1187/‬م( ثم عقسسد صسسلحا مسسع‬
‫ريتشارد قلب السد دعي بصلح الرملة سنة ) ‪588‬هس ‪1192 -‬م (‪ .‬رجع ريتشسسارد علسسى‬
‫إثره إلى بلده ‪.‬‬

‫الحملة الصليبية الرابعة (‪595‬هـ ‪ 1198 /‬م( ‪:‬‬ ‫‪‬‬


‫بعد استرداد بيت المقدس ‪ ,‬استصرخ البابا ) أنوست الثالث( ملوك أوربا لسسسترداد‬
‫بيسست المقسسدس ‪ ,‬وفسسي عسسام ‪ 598‬هس س ‪1202 /‬م تسسألفت حملسسة صسسليبية أعسسدها أمسسراء‬
‫فرنسيون منهم )بودوان التاسع أمير فلندر( و )تيبو الثسسالث أميسسر شسسامباني( و )لسسويس‬
‫أمير بلوا( وآخرون‪ ,‬وكانت مصر هدفا لهم‪ .‬وقد اتفقوا مع ملحي البندقية علسسى نقلهسسم‬
‫إلى السكندرية‪ .‬ولما علم الملك العادل اليوبي بهسسذا التفساق‪ ,‬منسسح البنادقسسة امتيسسازات‬
‫تجارية فتحول قادة الحملة إلى القسطنطينية فاجتاحوها وأقاموا فيها دولة لتينية سسسنة‬
‫)‪600‬هس‪1204/‬م ( وّلوا عليها بودوان التاسسسع ملكسسا وأعلنسسوا المسسذهب الكسساثوليكي وقسسد‬
‫استمرت هذه الدولة قائمة حتى سسسنة ‪ 658‬هس س ‪1260/‬م ‪ .‬ولكسسن بعسسض جنسسود الحملسسة‬
‫تابعوا طريقهم وانضم إليهم بعض الصليبيين من سواحل الشام وهاجموا مدينسسة رشسسيد‬
‫في دلت النيل ‪ ,‬وفشلوا في دخولها وعادوا خائبين لم تحقق هدفها كحملة صليبية‪.‬‬

‫** حملة الطفال ( ‪608‬هـ ‪ 1212 /‬م ( ‪:‬‬


‫بعد شيوع أخبار سقوط بيت المقدس وفشل الحملة الرابعة عم السخط الوسسسط‬
‫الوربية ‪ ,‬وتعاظم الحماس الديني حتى بين الطفسسال ‪ ,‬السسذين زعسسم أحسسدهم أن العنايسسة‬
‫اللهية كلفته بقيادة الحملة وانضم بعض القساوسة للترويج لها ‪ ,‬حيث تسسوجه بالطفسسال‬
‫من قادهم إلى موانئ إيطاليا ‪ ,‬حيث حملتهم السفن إلى مسسوانئ الشسسام ‪ ,‬حيسسث يسسروى‬
‫أن تجار الرقيق غدروا بهم حيث باعوهم في أسواق النخاسة في المشرق ‪.‬‬
‫الحملة الصليبية الخامسة ( ‪614‬هـ ‪ 1212/‬م( ‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫تسسألفت هسسذه الحملسسة سسسنة ‪ 615‬هس س ‪1219 /‬م بزعامسسة )جسسان ده بريسسان ‪Jean de‬‬
‫‪ (brienne‬ملك بيت المقدس الذي أراد حماية أملكه في الشام ‪ ,‬واتجهت الحملة إلسسى‬
‫مصر فاستولت على مدينة دمياط نتيجة مرض الملك الكامل ‪ ,‬ثسسم اتجهسسوا إلسسى مدينسسة‬
‫فارسكو ‪ ,‬وقت فيضان النيل ‪ ,‬ففتح الفلحون عليهم سيول مسساء النيسسل ‪ ,‬ثسسم هسساجمتهم‬
‫جيوش الكامل وغنمت معظم سفنهم وسلحهم ‪ ,‬ثم استرد المصريون دميسساط وأجلسسوا‬
‫الحملة عن مصر‪.‬‬
‫‪ [ ‬‬
‫‪         ] 322‬‬ ‫ةةةةةةةة‪  ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة‬

‫الحملة الصليبية السادسة ( ‪625‬هـ ‪ 1228 /‬م ( ‪:‬‬ ‫‪‬‬


‫أعد هذه الحملسسة الملسك ) فردريسسك الثساني‪ ,‬ملسك ألمانيسسا ‪(Frederic‬بتحريسسض مسن‬
‫البابوية ‪ .‬فقد توجه بحملتسسه سسسنة ‪ 625‬هسس ‪1228 /‬م إلسسى بلد الشسسام بطريسسق البحسسر‪,‬‬
‫وكان الملك الكامل‪ ,‬صاحب مصر‪ ,‬قد اسسستنجد بسسه ليعينسسه علسسى أخيسسه الملسسك المعظسسم‬
‫عيسى لكي ينتزع منه دمشق وفق شروط تم التفاق عليها منها تسليمه القدس وقدم‬
‫فردريك بحملته إلى عكا‪ .‬وكان الملك المعظسسم عيسسسى قسسد تسسوفي وخلفسسه ابنسسه الملسسك‬
‫المنصور داود فتصالح مع عمه الملك الكامل وسسسلمه دمشسسق حيسسث أعطسساه بسسدل منهسسا‬
‫مدن صرخد و الشوبك والكرك‪.‬‬
‫وباستلم الملك الكامل لمدينة دمشق نفذ شسسروط التفساق وسسلم فردريسسك مدينسسة‬
‫القدس فدخلها وتسسوج نفسسسه ملكسسا عليهسسا وعسساد إلسسى بلده وبسسذلك أنهسسى مهمسسة الحملسسة‬
‫الصليبية التي قادها دون قتال‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 323 [ ‬‬

‫الحملة الصليبية السابعة ( ‪647‬هـ ‪1249 /‬م ( ‪:‬‬ ‫‪‬‬


‫جهسز هسذه الحملسة الملسك الفرنسسي لسويس التاسسع الملقسب – لتسدينه ‪ -‬بالقسديس‬
‫لويس‪ ,‬ووجهها نحو مصر‪ ,‬فقد رأى أن استرداد بيت المقدس عن طريسسق مصسسر أيسسسر‬
‫من استردادها عن طريق بلد الشام ‪ .‬فتوجه بحملة بحرية إلسسى مصسسر سسسنة ‪ 646‬هسس ‪/‬‬
‫‪1249‬م واستولى على مدينة دمياط نتيجة مرض الملك الصالح نجم الدين أيسسوب ‪ .‬ثسسم‬
‫توجه لحصار المنصورة ‪ .‬وخلل الموقعة التي جرت فيها بينسسه وبيسسن المسسسلمين تسسوفي‬
‫الملك الصالح نجم الدين أيوب فأخفت زوجته شجرة الدر الخبر ‪ ,‬وقاد ابنها توران شاه‬
‫‪ ,‬وقائد أبيه ومملوكه ) المعز إيبك ( المعركسة السستي كتسسب فيهسا النصسر ‪ ,‬وأسسر الملسسك‬
‫الفرنسي مع جملة من أمراء الحملة‪ ,‬وأودعوا السجن فسسي دار ابسسن لقمسسان ثسسم أطلسسق‬
‫لقاء فدية كبيرة‪.‬‬

‫** محاولة صليبية لغزو مصر من إفريقية‪:‬‬


‫لم يبرح الملك لويس التاسع التفكير بغزو مصر وعزم علسسى تنفيسسذ فكرتسسه بغزوهسسا‬
‫عن طريق إفريقية )تونس( فقاد إليها سنة ‪ 669‬هس ‪1270 /‬م حملة‪ ,‬ولكن القسسدر كسسان‬
‫أغلب منه ‪ ,‬فقد نبا به جواده وهلك ‪ ,‬وقيل أن هلكه كان بسبب الوباء ‪ .‬وهكسسذا بسساءت‬
‫خطته بالفشل والخسران ‪.‬‬

‫وقد توقفت بعد هذه الحملة الحملت الصليبية على بلد الشام ومصر‬
‫وانصــرف أمــراء أوربــا إلــى حروبهــم الداخليــة هنــاك ‪ .‬غيــر أن احتلل‬
‫الصليبيين لبعض مدنها وقلعها ظل قائما إلى أن جــاءت دولــة المماليــك‬
‫البحرية فجرد عليهم الملك الظاهر بيبرس البندقداري ومن بعــده الملــك‬
‫قلوون جيوشه وأخرجهم من بلد الشام فتحررت منهم بعـد مـائتي عـام‬
‫ونيف من السنين قضوها في بعــض مناطقهــا ‪ ,‬و كــانت ســنة (‪648‬هـ ـ ‪/‬‬
‫‪1291‬م( ســنة ســقوط عكــا ‪ ,‬آخــر معاقــل الصــليبيين فــي بلدنــا موعــد‬
‫تنظيف سواحل الشام من دنسهم ‪.‬‬
‫*************‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 324 [ ‬‬

‫ثالثا‪ -‬اجتياح التتار( المغول( للعالم السلمي ‪:‬‬


‫قامت دولة المغول بزعامة مغولي يدعى )تيموجين( ‪ ,‬وقد تمكن من جمع أشسستات‬
‫قبيلته والستيلء على بلد الصين وبلد التيبت وقهر الشعوب المحيطسسة بسسدولته‪ ,‬فسسدعاه‬
‫شيوخ قبيلته )جنكيزخان( أي الملك القاهر وأصبح معروفا بهذا اللقب‪.‬‬
‫وقد أراد أن يقيم علقات حسن جوار مع دولة خوارزم وكانت أكسسبر دولسسة إسسسلمية‬
‫في المشرق وملكها يومئذ علء الدين محمد‪ ,‬لتأمين التبادل التجاري مسسع بلده وحمايسسة‬
‫القوافل التجارية مع البلد السلمية‪ ,‬فأرسل إليه رسل يحملون كتابا منه يطلب فيه أن‬
‫يتعهد له بتأمين التبادل التجاري وحماية القوافل التجارية‪ ,‬فلم يجسسد خسسوارزم شسساه فسسي‬
‫عبارة الكتاب ما يليق بمقامه‪ ,‬فقد وجد أن جنكيزخان يخاطبه كما يخاطب ابنه‪ ,‬فوافق‬
‫على طلبه على مضض ‪ ,‬وكتم غيظه حتى وقعت الواقعة‪.‬‬
‫فقد توجهت قافلة كبيرة‪ .‬تحمل أموال ثمينة‪ ,‬فلما اجتازت حسسدود خسسوارزم ودخلسست‬
‫مدينة )أترار( قبض عاملها على أفرادها فقتلهسسم وصسسادر أمسسوال القافلسسة‪ ,‬وقيسسل إن مسسا‬
‫فعله كان بأمر شاه خوارزم علء السسدين ‪ .‬فلمسسا علسسم جنكيسسز خسسان بسسالمر صسسمم علسسى‬
‫النتقام ‪ ,‬وتوجه سنة ‪614‬هس على رأس جيش جرار‪ ,‬فغزا خوارزم وأخرب مدنها ومنها‬
‫سمرقند و بخارى وقتل من فيها من السكان‪ ,‬ولسسم يسسستطع علء السسدين خسسوارزم شسساه‬
‫مقاومة هذا الغزو‪ ,‬فهرب من وجه المغسسول‪ ,‬فتبعسسوه وأخسسذوا يطسساردونه حسستى بلسسغ بحسسر‬
‫قزوين فلجأ إلى جزيرة فيه‪ ,‬وفيها توفي سنة ‪617‬هس مطرودا منسيا‪.‬‬
‫فخلفه ابنه جلل الدين منكبرتي‪ ,‬فكان أسوأ حظا من أبيه‪ ,‬وأمضى مدة ملكسسه مسسع‬
‫فلول جنده‪ ,‬هاربا من إقليسسم إلسسى إقليسسم‪ ,‬حسستى انتهسسى بسسه المطسساف سسسنة ‪629‬هسس إلسسى‬
‫ميافارقين بجزيرة عمر‪ ,‬فأوى إلى قرية قريبة منهسسا‪ ,‬فسسدخل عليسسه مسسن اغتسساله فقضسسى‬
‫شريدا‪ ,‬وبه انتهت دولة خوارزم‪.‬‬
‫وعاد جنكيزخان إلى بلده‪ ,‬وتولى حفيده )هولكو( قيادة جحافل المغول متجها نحو‬
‫المشرق‪ ,‬يغير على مدنه ويمعن فيها القتسسل والسسسبي والنهسسب‪ ,‬حسستى أحسساطت جيوشسسه‬
‫ببغداد في شهر صفر سنة ‪656‬هس فاجتاحها وأخذ جنده في تخريبها وسفك دماء أهلهسسا‪,‬‬
‫ولم يسلم الخليفة المستعصم بالله من نقمة المغول فقتلوه مع أهله في اليسسوم الرابسسع‬
‫من شهر صفر من ذلك العام وبقتله انقضت دولة بني العباس ببغداد‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 325 [ ‬‬

‫خلصة أحوال المسلمين إبان اجتياح التتار بحسب رواية ابن كثير رحمه‬
‫الله‪:‬‬

‫وسأورد مجمل عنها بشيء من السهاب لما فيها من الدروس والعبر والتشابه مسسع‬
‫أحوالنا هذه اليام ‪ .‬والله المستعان ‪.‬‬
‫قال ابن كثير رحمه الله ‪:‬‬
‫ففي سنة ‪ 616‬هـ ‪:‬‬
‫عبر التتار نهر جيحون بصحبة ملكهم جنكيزخان من بلدهم وكانوا يسسكنون جبسال‬
‫طمغاج من أرض الصين ‪ ,‬وسبب دخسسولهم نهسر جيحسون أن جنكيزخسسان بعسث تجسسارا لسه‬
‫ومعهم أموال كثيرة إلى بلد خوارزم شاه يتبضعون له ثيابا للكسسسوة فكتسسب نائبهسسا إلسى‬
‫خوارزم شاه يذكر له ما معهم من كسسثرة المسسوال فأرسسسل إليسسه بسسأن يقتلهسسم ويأخسسذ مسسا‬
‫معهم ففعل ذلك ‪ .‬فلما بلغ جنكيزخان خبرهم أرسل يتهدد خوارزم شسساه ‪ .‬فلمسسا تهسسدده‬
‫أشار من أشار على خوارزم شاه بالمسير إليهم فسسسار إليهسسم وهسسم فسسي شسسغل شسساغل‬
‫بقتال كشلى خان فنهب خوارزم شاه أموالهم وسبى ذراريهسسم وأطفسسالهم فسسأقبلوا إليسسه‬
‫محروبين ‪ .‬فاقتتلوا معه أربعة أيام قتال لم يسسسمع بمثلسسه أولئك يقسساتلون عسسن حريمهسسم‬
‫والمسلمون عن أنفسهم يعلمون أنهم متى ولوا استأصلوهم‪ ,‬فقتل من الفريقين خلسسق‬
‫كثير حتى إن الخيول كانت تزلق في الدماء‪.‬‬
‫وكان من جملة من قتل من المسلمين نحوا من عشرين ألفا ومسسن التتسسار أضسسعاف‬
‫ذلك ثم تحاجز الفريقان وولى كل منهسسم إلسسى بلده ولجسسأ خسسوارزم شسساه وأصسسحابه إلسسى‬
‫بخارى و سمرقند فحصنها وبالغ في كثرة من ترك فيها مسسن المقاتلسسة ورجسسع إلسسى بلده‬
‫ليجهز‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 326 [ ‬‬

‫الجيسسوش الكسسثيرة فقصسسدت التتسسار بخسسارى وبهسسا عشسسرون ألسسف مقاتسسل فحاصسسرها‬
‫جنكيزخان ثلثة أيام فطلب منه أهلها المان فأمنهم ودخلها فأحسن السيرة فيهم مكرا‬
‫وخديعة وامتنعت القلعة عليه ففتحوها فقتل من كان بها‪ ,‬ثم عاد إلسسى البلسسد فاصسسطفى‬
‫أموال تجارها وأحلها لجنده فقتلوا من أهلها خلقا ل يعلمهم إل اللسسه عسسز وجسسل وأسسسروا‬
‫الذرية والنساء و فعلوا معهن الفسواحش بحضسرة أهليهسن فمسن النساس مسن قاتسل دون‬
‫حريمه حتى قتل ومنهم من أسر فعذب بأنواع العذاب وكثر البكاء والضجيج بالبلسسد مسسن‬
‫النساء والطفال والرجال ثم ألقت التتار النسار فسي دور بخسارى ومدارسسها ومسساجدها‬
‫فاحترقت حتى صارت بلقع خاوية على عروشها ثم كروا راجعين عنها قاصدين ‪.‬‬

‫وفي سنة ‪ 617‬هس‪:‬‬


‫عم البلء بجنكيز خان المسمى بتمسسوجين لعنسسه اللسسه تعسسالى ومسسن معسسه مسسن التتسسار‬
‫قبحهم الله أجمعين واستفحل أمرهم واشتد إفسادهم مسسن أقصسى بلد الصسين إلسى أن‬
‫وصلوا بلد العراق وما حولها حتى انتهوا إلى إربل وأعمالها ‪ .‬فملكوا فسسي سسسنة واحسسدة‬
‫وهي هذه السسسنة سسسائر الممالسسك إل العسسراق والجزيسسرة والشسسام ومصسسر وقهسسروا جميسسع‬
‫الطوائف التي بتلك النواحي الخوارزمية و القفجاق و الكسسرج و اللن و الخسسزر وغيرهسسم‬
‫وقتلوا في هذه السنة من طوائف المسلمين وغيرهم في بلدان متعددة كبار مسسال يحسسد‬
‫ول يوصف وبالجملة فلم يدخلوا بلسسدا إل قتلسسوا جميسسع مسسن فيسسه مسسن المقاتلسسة والرجسسال‬
‫وكثيرا من النساء والطفال‪ ,‬وأتلفوا ما فيه بسسالنهب إن احتسساجوا إليسسه وبسسالحريق إن لسسم‬
‫يحتاجوا إليه وأكثر ما يحرقون المساجد والجوامع‪.‬‬
‫وكانوا يأخسسذون السسارى مسن المسسسلمين فيقساتلون بهسم ويحاصسسرون بهسم وإن لسم‬
‫ينصحوا في القتال قتلوهم‪ ,‬وقد بسط ابن الثيسسر فسسي كسسامله خسسبرهم فسسي هسسذه السسسنة‬
‫بسطا حسنا مفصل قال‪ :‬فنقول هسسذا فصسسل يتضسسمن ذكسسر الحادثسسة العظمسسى والمصسسيبة‬
‫الكبرى التي عقمت الليالي واليام عن مثلهسسا ‪,‬عمسست الخلئق وخصسست المسسسلمين فلسسو‬
‫قال قائل إن العالم منذ خلق اللسسه آدم وإلسسى الن لسسم يبتلسسوا بمثلهسسا لكسسان صسسادقا فسسإن‬
‫التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ول يدانيها ومن أعظم ما يذكرون من الحسوادث مسسا فعسل‬
‫بختنصر ببني إسرائيل من القتل وتخريب بيت المقسسدس ومسسا السسبيت المقسسدس بالنسسسبة‬
‫إلى ما خرب هؤلء الملعين من البلد التي كل مدينة منها أضعاف البيت المقدس ومسا‬
‫بنو إسرائيل بالنسبة لما قتلوا فإن أهل مدينة واحدة ممن قتلوا أكثر من بني إسسسرائيل‬
‫ولعل الخلئق ل يرون مثل هذه الحادثة إلى أن ينقرض العالم وتفنى الدنيا إل يسسأجوج و‬
‫مأجوج‪.‬‬
‫وأما الدجال فإنه يبقي على من اتبعه ويهلك من خالفه وهؤلء لم يبقسسوا علسسى أحسسد‬
‫بل قتلوا الرجال والنساء والطفال وشقوا بطون الحوامل وقتلوا الجنة ‪ .‬فإنا للسسه وإنسسا‬
‫إليه راجعون ول حول ول قسسوة إل بسسالله العلسسي العظيسسم ‪ ,‬لهسسذه الحادثسسة السستي اسسستطار‬
‫شررها وعم ضررها وسارت في البلد كالسحاب استدبرته الريح فإن قوما خرجوا مسسن‬
‫أطراف الصين فقصدوا بلد تركستان مثل كاشغر و بلسسساغون ‪ ,‬ثسسم منهسسا إلسسى بلد مسسا‬
‫رواء النهر مثل سمرقند و بخارى وغيرهما فيملكونها ويفعلون بأهلها ما نذكره‪ ,‬ثم تعبر‬
‫طائفة منهم إلى خراسان فيفرغون منها ملكا وتخريبسسا وقتل ونهبسسا‪ ,‬ثسسم يجاوزونهسسا إلسسى‬
‫الري و همذان وبلد الجبل وما فيه من البلد إلى حد العراق ثم يقصدون بلد اذربيجسسان‬
‫و أران ويخربونه ويقتلون أكثر أهلها ولم ينج منهم إل الشريد النادر في أقسسل مسسن سسسنة‬
‫هذا ما لم يسمع بمثله‪.‬‬
‫ثم ساروا إلى دربند شروان فملكوا مدنه ولم يسسسلم غيسسر قلعتسسه السستي بهسسا ملكهسسم‬
‫وعبروا عندها إلى بلد اللن اللكز ومن في ذلك الصقع من المم المختلفة فأوسسسعوهم‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 327 [ ‬‬

‫قتل ونهبا وتخريبا‪ ,‬ثم قصدوا بلد قفجاق وهم من أكثر الترك عددا فقتلوا كل من وقف‬
‫لهم وهرب الباقون إلى الغياض وملكوا عليهم بلدهم وسارت طائفة أخسرى إلسى غزنسة‬
‫وأعمالها وما يجاورها من بلد الهند و سجستان وكرمان ففعلوا فيها مثل أفعسسال هسسؤلء‬
‫وأشد‪.‬‬
‫هذا ما لم يطرق السماع مثله فإن السكندر الذي اتفق المؤرخون على أنسسه ملسسك‬
‫الدنيا لم يملكها في سنة واحدة إنما ملكها في نحسسو عشسسر سسسنين ولسسم يقتسسل أحسسدا بسسل‬
‫رضي من الناس بالطاعة وهؤلء قد ملكوا أكثر المعمسسور مسسن الرض وأطيبسسه وأحسسسنه‬
‫عمارة وأكثره أهل وأعدلهم أخلقا وسيرة في نحو سنة ولم يتفق لحسد مسن أهسل البلد‬
‫التي لم يطرقوها بقاء إل وهو خائف مترقب وصولهم وهم مع ذلك يسجدون للشسسمس‬
‫إذا طلعت ول يحرمون شيئا ويأكلون مسا وجسدوه مسن الحيوانسات والميتسات لعنهسم اللسه‬
‫تعالى‪.‬‬
‫قال وإنما استقام لهم هذا المر لعدم المسسانع؛ لن السسسلطان خسسوارزم شسساه محمسسد‬
‫كان قد قتل الملوك من سائر الممالك واستقر في المور فلما انهزم منهم فسسي العسسام‬
‫الماضي وضعف عنهم وساقوا وراءه فهرب فل يدري أين ذهب وهلك في بعض جسسزائر‬
‫البحر‪ .‬خلت البلد ولم يبق لها من يحميها ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫قضي الل ّ َ‬
‫موُر (‪.‬‬ ‫فُعول ً وَإ َِلى الل ّهِ ت ُْر َ‬
‫ج ع ُ ال ُ‬ ‫م ْ‬
‫ن َ‬ ‫مًرا َ‬
‫كا َ‬ ‫هأ ْ‬‫ُ‬ ‫) ل ِي َ ْ ِ َ‬
‫ثم قصد التتار سمرقند فحاصروها في أول المحرم من هذه السسسنة وبهسسا خمسسسون‬
‫ألف مقاتل من الجند فنكلوا وبرز إليهم سبعون ألفا من العامة فقتل الجميع في ساعة‬
‫واحدة وألقى إليه الخمسون ألف السلم فسلبهم سلحهم وما يمتنعون به وقتلهسسم فسسي‬
‫ذلك اليوم واستباح البلد فقتل الجميع وأخذ الموال وسبى الذرية وحرقه وتركسسه بلقسسع‬
‫فإنا لله وإنا إليه راجعون‪.‬‬
‫وأقام لعنه الله هنالك وأرسل السرايا إلى البلدان فأرسل سرية إلى بلد خراسسسان‬
‫وتسميها التتار المغربسسة وأرسسسل أخسسرى وراء خسسوارزم شسساه وكسسانوا عشسسرين ألفسسا قسسال‬
‫اطلبوه فأدركوه ولو تعلق بالسماء فساروا وراءه فسسأدركوه وبينهسسم وبينسسه نهسسر جيحسسون‬
‫وهو آمن بسببه فلم يجدوا سفنا فعملوا لهم أحواضا يحملسسون عليهسسا السسسلحة ويرسسسل‬
‫أحدهم فرسه ويأخذ بذنبها فتجره الفرس بالماء وهسسو يجسسر الحسسوض السسذي فيسسه سسسلحه‬
‫حتى صاروا كلهم في الجانب الخر فلم يشعر بهم خوارزم شاه إل وقد خالطوه فهرب‬
‫منهم إلى نيسابور ثم منها إلى غيرها وهم في أثره ل يمهلسسونه يجمسسع لهسسم فصسسار كلمسسا‬
‫أتى بلدا ليجتمع فيه عساكره له يدركونه فيهرب منهم حتى ركسسب فسسي بحسسر طبرسسستان‬
‫وسار إلى قلعة في جزيرة فيه فكانت فيها وفاته‪.‬‬
‫وقيل إنه ل يعرف بعد ركوبه في البحر ما كان من أمسسره بسسل ذهسسب فل يسسدرى أيسسن‬
‫ذهب ول إلى أي مفر هرب وملكت التتار حواصله فوجدوا في خزانته عشرة آلف ألف‬
‫دينار )‪ (...‬ثم ساروا إلى مازندران وقلعهسسا مسسن أمنسسع القلع بحيسسث إن المسسسلمين لسسم‬
‫يفتحوها إل في سنة تسعين من أيام سليمان بن عبد الملسسك ففتحهسسا هسسؤلء فسسي أيسسسر‬
‫مدة ونهبوا ما فيها وقتلسسوا أهاليهسسا كلهسسم وسسسبوا وأحرقسسوا ثسسم ترحلسسوا عنهسسا نحسسو السسري‬
‫فوجدوا في الطريق أم خوارزم شسساه ومعهسسا أمسسوال عظيمسسة جسسدا فأخسسذوها وفيهسسا كسسل‬
‫غريب ونفيس مما لم يشاهد مثله من الجواهر وغيرها ثم قصدوا الري فسسدخلوها علسسى‬
‫حين غفلة من أهلها فقتلوهم وسبوا وأسروا‪.‬‬
‫ثم ساروا إلى همذان فملكوها‪ ,‬ثم إلسسى زنجسسان فقتلسسوا وسسسبوا ثسسم قصسسدوا قزويسسن‬
‫فنهبوها وقتلوا من أهلها نحوا من أربعين ألفا ثم تيمموا بلد أذربيجان فصسسالحهم ملكهسسا‬
‫أزبك بن البهلوان علسسى مسسال حملسسه إليهسسم لشسسغله بمسسا هسسو فيسسه مسسن السسسكر وارتكسساب‬
‫السيئات والنهماك على الشهوات فسستركوه وسسساروا إلسسى موقسسان فقسساتلهم الكسسرج فسسي‬
‫عشرة آلف مقاتل فلم يقفوا بين أيديهم طرفة عين حتى انهزمت الكرج فأقبلوا إليهم‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 328 [ ‬‬

‫بحدهم وحديدهم فكسرتهم التتار وقعة ثانيسسة أقبسسح هزيمسسة وأشسسنعها‪ ,‬و ههنسسا قسسال ابسسن‬
‫الثير‪ :‬ولقد جرى لهؤلء التتار ما لم يسمع بمثله من قديم الزمان وحديثه طائفة تخرج‬
‫من حدود الصين ل تنقضي عليهم سنة حتى يصل بعضهم إلسسى حسسدود بلد أرمينيسسة مسسن‬
‫هذه الناحية ويجاوزون العراق من ناحية همذان وتالله ل أشك أن مسسن يجيسسء بعسسدنا إذا‬
‫بعد العهد ويرى هذه الحادثة مسطورة ينكرها ويسسستبعدها والحسسق بيسسده فمسستى اسسستبعد‬
‫ذلك فلينظر أننا سطرنا نحن وكل من جمع التاريخ في أزماننا هذه في وقسست كسسل مسسن‬
‫فيه يعلم هذه الحادثسة قسد اسستوى فسي معرفتهسا العسالم والجاهسل لشسهرتها يسسر اللسه‬
‫للمسلمين والسلم من يحفظهم ويحوطهم فلقد دفعوا من العدو إلى أمر عظيم ومن‬
‫الملوك المسلمين إلى من ل تتعدى همته بطنه وفرجه وقسسد عسسدم سسسلطان المسسسلمين‬
‫خوارزم شاه ‪.‬‬
‫قال وانقضت هذه السسنة وهسم فسي بلد الكسرج فلمسا رأوا منهسم ممانعسة و مقاتلسة‬
‫يطول عليهم بها المطال عدلوا إلى غيرهم وكسسذلك كسسانت عسسادتهم فسسساروا إلسسى تسسبريز‬
‫فصالحهم أهلها بمال ثم ساروا إلى مراغة فحصروها ونصبوا عليها المجانيق و تترسسسوا‬
‫بالسارى من المسلمين وعلى البلد امرأة ) ولن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ( ففتحوا‬
‫البلد بعد أيام وقتلوا من أهله خلقا ل يعلم عدتهم إل الله عسسز وجسسل وغنمسسوا منسسه شسسيئا‬
‫كثيرا وسبوا وأسروا على عادتهم لعنهم الله لعنة تسسدخلهم نسسار جهنسسم وقسسد كسسان النسساس‬
‫يخافون منهم خوفا عظيما جدا حتى إنه دخل رجل منهم إلى درب من هسسذه البلسسد وبسسه‬
‫مئة رجل لم يستطع واحد منهم أن يتقدم إليه وما زال يقتلهسسم واحسسدا بعسسد واحسسد حسستى‬
‫قتل الجميع ولم يرفع منهم أحد يده إليه ونهب ذلك الدرب وحده ودخلسست امسسرأة منهسسم‬
‫في زي رجل بيتا فقتلت كل من في ذلك البيت وحسسدها ثسسم استشسسعر أسسسير معهسسا أنهسسا‬
‫امرأة فقتلها لعنها الله‪.‬‬
‫ثم قصدوا مدينة إربل فضاق المسلمون لذلك ذرعا وقسسال أهسسل تلسسك النسسواحي هسسذا‬
‫أمر عصيب وكتب الخليفة إلى أهل الموصل والملك الشسسرف صسساحب الجزيسسرة يقسسول‬
‫إني قد جهزت عسكرا فكونسسوا معسسه لقتسسال هسسؤلء التتسسار فأرسسسل الشسسرف يعتسسذر إلسسى‬
‫الخليفة بأنه متوجه نحو أخيه الكامل إلى الديار المصرية بسبب ما قد دهسسم المسسسلمين‬
‫هناك من الفرنج وأخذهم دمياط التي قد أشرفوا بأخذهم لها على أخذ الديار المصسسرية‬
‫قاطبسسة‪ ,‬وكسسان أخسسوه المعظسسم قسسد قسسدم عليسسه إلسسى حسسران يسسستنجده لخيهمسسا الكامسسل‬
‫ليتحاجزوا الفرنج بدمياط وهو على أهبة المسير إلسسى السسديار المصسسرية فكتسسب الخليفسسة‬
‫إلى مظفر الدين صاحب إربل ليكون هو المقسسدم علسسى العسسساكر السستي يبعثهسسا الخليفسسة‬
‫وهي عشرة آلف مقاتل فلسسم يقسسدم عليسسه منهسسم ثمانمسسائة فسسارس ثسسم تفرقسسوا قبسسل أن‬
‫يجتمعوا فإنا لله وإنا إليه راجعون ولكن الله سسسلم بسسأن صسسرف همسسة التتسسار إلسسى ناحيسسة‬
‫همذان فصالحهم أهلها وترك التتر عندهم شحنة ثم اتفقوا على شحنتهم فرجعوا إليهسسم‬
‫فحاصروهم حتى فتحوها قسرا وقتلوا أهلها عن آخرهم‪.‬‬
‫ثم ساروا إلى أذربيجان ففتحوا أردبيل ثم تبريز ثسسم إلسسى بيلقسسان فقتلسسوا مسسن أهلهسسا‬
‫خلقا كثيرا وجما غفيرا وحرقوها وكانوا يفجرون بالنساء ثم يقتلونهن ويشقون بطسسونهم‬
‫عن الجنة ثم عادوا إلى بلد الكرج وقد استعدت لهم الكرج فاقتتلوا معهسسم فكسسسروهم‬
‫أيضا كسرة فظيعة ثم فتحوا بلدانا كثيرة يقتلون أهلها ويسبون نسسساءها ويأسسسرون مسسن‬
‫الرجال ما يقاتلون بهم الحصون يجعلونهم بين أيديهم ترسا يتقسون بهسم الرمسسي وغيسسره‬
‫ومن سلم منهم قتلوه بعد انقضاء الحرب‪.‬‬
‫ثم ساروا إلى بلد اللن و القفجاق فاقتتلوا معهم قتال عظيما فكسروهم وقصسسدوا‬
‫أكبر مدائن القفجسساق وهسسي مدينسسة سسسوداق وفيهسسا مسسن المتعسسة والثيسساب و التجسسائر مسسن‬
‫البرطاسي و القندز والسنجاب شيء كثير جدا ولجأت القفجاق إلى بلد الروس وكانوا‬
‫نصارى فاتفقوا معهم على قتال التتار فالتقوا معهم فكسرتهم التتار كسرة فظيعة جدا‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 329 [ ‬‬

‫ثم ساروا نحو بلغار في حدود العشرين وستمائة ففرغسسوا مسسن ذلسسك كلسسه ورجعسسوا نحسسو‬
‫ملكهم جنكيزخان لعنه الله وإياهم هذا ما فعلته هذه السرية المغربة‪.‬‬
‫وكان جنكيزخان قد أرسل سرية في هذه السسسنة إلسسى ترمسسذ فأخسسذتها وأخسسرى إلسسى‬
‫فرغانة فملكوها وجهز جيشا آخر نحو خراسان فحاصروا بلسسخ فصسسالحهم أهلهسسا وكسسذلك‬
‫صالحوا مدنا كثيرة أخرى حتى انتهوا إلى الطالقسسان فسسأعجزتهم قلعتهسسا وكسسانت حصسسينة‬
‫فحصروها ستة أشهر حتى عجزوا فكتبوا إلى جنكيزخان فقدم بنفسه فحاصسسرها أربعسسة‬
‫أشهر أخرى حتى فتحها قهرا ثم قتل كل من فيهسا وكسسل مسن فسي البلسد بكمساله خاصسة‬
‫وعامة‪.‬‬
‫ثم قصدوا مدينة مرو مع جنكيزخسسان فقسسد عسسسكر بظاهرهسسا نحسسو مسسن مسسائتي ألسسف‬
‫مقاتل من العرب وغيرهم فاقتتلوا معه قتال عظيما حتى انكسر المسسسلمون! فإنسسا للسسه‬
‫وإنا إليه راجعون ثم حصروا البلد خمسسسة أيسسام واسسستنزلوا نائبهسسا خديعسسة ثسسم غسسدروا بسسه‬
‫وبأهل البلد فقتلوهم وغنموهم وسلبوهم وعاقبوهم بأنواع العذاب حتى إنهم قتلسسوا فسسي‬
‫يوم واحد سبعمائة ألف إنسان‪.‬‬
‫ثم ساروا إلى نيسابور ففعلوا فيها قريبا مما فعلوا بأهل مرو ثم إلى طوس فقتلوا‬
‫وخربوا مشهد على بن موسى والرشيد وتركوه خرابا ثم ساروا إلى هراة فقتلسسوا خلقسسا‬
‫واستنابوا عليها ‪ ,‬ثم ساروا إلى غزنة فقاتلهم جلل الدين بن خسسوارزم شسساه فكسسسرهم‪,‬‬
‫فعادوا غلى هراة فإذا أهلهسسا قسسد نقضسسوا فقتلسسوهم عسسن آخرهسسم ثسسم عسسادوا إلسسى ملكهسسم‬
‫جنكزخان ‪-‬لعنه اللسسه وإيسساهم‪ , -‬وأرسسسل جنكزخسسان طائفسسة أخسسرى إلسسى مدينسسة خسسوارزم‬
‫فحاصروها حتى فتحسسوا البلسسد قهسسرا فقتلسسوا مسسن فيهسسا قتل ذريعسسا ونهبوهسسا وسسسبوا أهلهسسا‬
‫وأرسلوا الجسر الذي يمنع ماء جيحون عنها فغرقت دورها وهلك جميع أهلها‪.‬‬
‫ثم عادوا إلى ملكهم جنكزخان وهو مخيم على الطالقان فجهسسز منهسسم طائفسسة إلسسى‬
‫غزنة فاقتتل معهم جلل الدين بن خوارزم شاه فكسرهم جلل السسدين كسسسرة عظيمسسة‬
‫واستنقذ منهم خلقا من أسارى المسلمين ثم كتب إلى جنكزخان يطلسسب منسسه أن يسسبرز‬
‫بنفسه لقتاله فقصده جنكزخان فتواجها ‪-‬وقد تفرق على جلل الدين بعض جيشه‪ -‬ولسسم‬
‫يبق بد من القتال فاقتتلوا ثلثة أيام لم يعهد قبلها مثلها من قتالهم ثسم ضسعف أصسحاب‬
‫السلطان جلل الدين بن خوارزم شاه فذهبوا فركبوا في بحر الهند فسارت التتار إلسسى‬
‫غزنة فأخذوها بل كلفة ول ممانعة كل هذا أو أكثره وقع في هذه السنة‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 330 [ ‬‬

‫وفي سنة ‪: 618‬‬


‫استولت التتار على كثير من البلدان كمراغة و همسسذان و أردبيسسل و تسسبريز و كنجسسة‬
‫وقتلوا أهاليها ونهبوا ما فيها و استأسروا ذراريها واقسستربوا مسسن بغسسداد فانزعسسج الخليفسسة‬
‫لذلك وحصن بغداد واستخدم الجناد وقنت الناس في الصلوات والوراد‪.‬‬
‫وفيها قهروا الكرج و اللن ثم قاتلوا القفجاق فكسروهم وكذلك السسروس‪ ,‬وينهبسسون‬
‫ما قدروا عليه ثم قاتلوهم وسبوا نساءهم و ذراريهم‪.‬‬

‫وفي سنة ‪ 621‬هـ ‪:‬‬


‫وصلت سرية من جهة جنكزخان غير الولتين إلسسى السسري وكسسانت قسسد عمسسرت قليل‬
‫فقتلوا أهلها أيضا ثم ساروا إلى ساوة ثم إلى قم و قاشسسان ولسم تكونسسا طرقتسسا إل هسسذه‬
‫المرة ففعلوا بها مثل ما تقدم من القتل والسبي ثم سسساروا إلسسى همسسذان فقتلسسوا أيضسسا‬
‫وسبوا ثم ساروا إلى خلف الخوارزمية إلى أذربيجان فكسروهم وقتلوا منهم خلقا كثيرا‬
‫فهربوا منهم إلى تبريز فلحقوهم وكتبوا إلى ابن البهلوان إن كنت مصالحا لنا فابعث لنا‬
‫بالخوارزمية و إل فأنت مثلهم فقتل منهم خلقا وأرسل برؤوسهم إليهم مع تحف وهدايا‬
‫كثيرة هذا كلسسه وإنمسسا كسسانت هسسذه السسسرية ثلثسسة آلف و الخوارميسسة وأصسسحاب البلهسسوان‬
‫أضعاف أضعافهم ولكن الله تعالى ألقسسى عليهسسم الخسسذلن والفشسسل فإنسسا للسسه وإنسسا إليسسه‬
‫راجعون ‪.‬‬

‫وفي سنة ‪:622‬‬


‫عاثت الخوارزمية حيسسن قسسدموا مسسع جلل السسدين بسسن خسسوارزم شسساه مسسن بلد غزنسسة‬
‫مقهورين من التتار إلى بلد خوزستان ونواحي العسسراق فأفسسسدوا فيسسه وحاصسسروا مسسدنه‬
‫ونهبوا قراه‪.‬‬
‫وفيها استحوذ جلل الدين بن خوارزم شاه على بلد أذربيجان وكثير من بلد الكرج‬
‫وكسر الكرج وهسسم فسسي سسسبعين ألسسف مقاتسسل فقتسسل منهسسم عشسسرين ألفسسا مسسن المقاتلسسة‬
‫واستفحل أمره جدا وعظم شأنه وفتح تفليس فقتل منها ثلثين ألفسسا وزعسسم أبسسو شسسامه‬
‫أنه قتل من الكرج سبعين ألفا في المعركسسة وقتسسل مسسن تفليسسس تمسسام المئة ألسسف وقسسد‬
‫اشتغل بهذه الغزوة عن قصد بغداد وذلك أنه لما حاصر دقوقا سبه أهلها ففتحها قسرا‬
‫وقتل من أهلها خلقا كثيرا وخرب سورها وعزم على قصد الخليفة ببغداد لنه فيم زعم‬
‫عمل على أبيه حتى هلك واستولت التسستر علسسى البلد وكتسسب إلسسى المعظسسم بسسن العسسادل‬
‫يستدعيه لقتال الخليفة ويحرضه على ذلك فامتنع المعظم من ذلك ولما علسسم الخليفسسة‬
‫بقصد جلل الدين بن خوارزم شاه بغداد انزعج لذلك وحصن بغداد واسسستخدم الجيسسوش‬
‫والجناد أنفق في الناس ألف ألف دينار وكان جلل الدين قسسد بعسسث جيشسسا إلسسى الكسسرج‬
‫فكتبوا إليه‪ :‬أن أدركنا قبل أن نهلك عن آخرنا وبغداد ما تفوت‪ ,‬فسار إليهسسم وكسسان مسسن‬
‫أمره ما ذكرنا‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 331 [ ‬‬

‫وفي سنة ‪:623‬‬


‫التقى الملك جلل الدين بن خوارزم شاه الخوارزمي مع الكرج فكسسسرهم كسسسرة‬
‫عظيمة وصمد إلى أكبر معاقلهم تفليس ففتحها عنوة وقتل من فيها من الكفرة وسبى‬
‫ذراريهم ولم يتعرض لحد من المسلمين الذين كانوا بها‪.‬‬
‫واستقر ملكه عليها وقد كان الكرج أخذوها من المسلمين في سنة خمسسس عشسسرة‬
‫وخمسمائة وهي بأيديهم إلى الن حسستى اسسستنقذها منهسسم جلل السسدين هسسذا فكسسان فتحسسا‬
‫عظيما ولله المنة‪.‬‬
‫وفيها سار إلى خلط ليأخذها مسسن نسسائب الملسسك الشسسرف فلسسم يتمكسسن مسسن أخسسذها‬
‫وقاتله أهلها قتال عظيمسسا فرجسسع عنهسسم بسسسبب اشسستغاله بعصسسيان نسسائبه بمدينسسة كرمسسان‬
‫وخلفه له فسار إليهم وتركهم ‪.‬‬

‫وفي سنة ‪:624‬‬


‫فيها كاتب عامة أهل تفليس الكرج فجاءوا إليهم فدخلوها فقتلسسوا العامسسة والخاصسسة‬
‫ونهبوا وسبوا وخربوا وأحرقوا وخرجوا على حمية وبلغ ذلك جلل السسدين فسسسار سسسريعا‬
‫ليدركهم فلم يدركهم‪.‬‬
‫وفيها قتلت السماعيلية أميرا كبيرا من نواب جلل الدين بن خسسوارزم شسساه فسسسار‬
‫إلى بلدهم فقتل منهم خلقا كثيرا وخرب مدينتهم وسبى ذراريهم ونهسسب أمسسوالهم وقسسد‬
‫كانوا ‪-‬قبحهم الله‪ -‬من أكبر العون على المسلمين لمسا قسدم التتسار إلسى النساس وكسانوا‬
‫أضر على الناس منهم‪.‬‬
‫وفيها تواقع جلل الدين وطائفسسة كسسبيرة مسن التتسسار فهزمهسسم وأوسسعهم قتل وأسسسرا‬
‫وساق وراءهم أياما فقتلهم حتى وصل إلى السسري فبلغسسه أن طائفسسة قسسد جسساءوا لقصسسده‬
‫فأقام ينتظرهم‬
‫وممن توفي في هذه السنة ‪:‬‬
‫جنكيز خان ‪:‬‬
‫السلطان العظم عند التتار‪ ,‬والد ملوكهم اليوم ينتسبون إليه يقولسسون‪ :‬وهسسو السسذي‬
‫وضع لهم الياسق التي يتحاكمون إليها ويحكمون بها وأكثرها مخالف لشرائع الله تعالى‬
‫وكتبه وهو شيء اقترحه من عند نفسه وتبعوه في ذلك وكانت أمسسه تزعسسم أنهسسا حملتسسه‬
‫من شعاع الشمس فلهذا ل يعرف له أب فهو مجهول النسب‪.‬‬
‫وقد رأيت مجلدا جمعه الوزير ببغداد علء الدين الجسسويني فسسي ترجمتسسه فسسذكر فيسسه‬
‫سيرته وما كان يشتمل عليه من العقل السياسسسي والكسسرم والشسسجاعة والتسسدبير الجيسسد‬
‫للملك والرعايا والحروب فذكر أنه كان في ابتداء أمره خصيصا عند الملسك أزبسك خسان‬
‫وكان إذ ذاك شابا حسنا وكان اسمه أول تمرجي ثم لما عظم سمى نفسسسه جنكيزخسسان‬
‫وكان هذا الملك قد قربه وأدناه فحسده عظماء الملك ووشسسوا بسسه إليسسه حسستى أخرجسسوه‬
‫عليه ولم يقتله ولم يجد له طريقا في ذنب يتسلط عليسسه بسسه فهسسو فسسي ذلسسك إذ تغضسسب‬
‫الملك على مملوكين صغيرين فهربا منه ولجآ إلى جنكيزخان فأكرمهما وأحسن إليهمسسا‬
‫فأخبراه بما يضمره الملك أزبك خان من قتله فأخذ حذره وتحيز بدولة واتبعسسه طسسوائب‬
‫من التتار وصار كسسثير مسسن أصسسحاب أزبسسك خسسان ينفسسرون إليسسه ويفسسدون عليسسه فيكرمهسسم‬
‫ويعطيهم حتى قويت شوكته وكثرت جنوده ثم حسارب بعسسد ذلسك أزبسسك خسان فظفسر بسسه‬
‫وقتله و استحوز على مملكته وملكه و انضاف إليسسه عسسدده وعسسدده وعظسسم أمسسره وبعسسد‬
‫صيته وخضعت له قبائل الترك ببلد طمعاج كلها حتى صار يركب في نحو ثمانمائة ألف‬
‫مقاتل وأكثر القبائل قبيلته التي هو منها يقال لهم قيان ثم أقسسرب القبسسائل إليسسه بعسسدهم‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 332 [ ‬‬

‫قبيلتان كبيرتا العدد وهما أزان و قنقوران وكان يصطاد من السنة ثلثة أشهر والبسساقي‬
‫للحرب والحكم ‪.‬‬
‫ثم نشبت الحرب بينه وبين الملك علء الدين خسسوارزم شسساه صسساحب بلد خراسسسان‬
‫والعراق وأذربيجان وغير ذلك والقاليم والملك فقهره جنكيزخان وكسره وغلبه وسسسلبه‬
‫واستحوذ على سائر بلده بنفسه وبأولده في أيسر مدة كما ذكرنا ذلك في الحوادث‪.‬‬
‫وكان ابتداء ملك جنكزخان سنة تسسسع وتسسسعين وخمسسسمائة وكسسان قتسساله لخسسوارزم‬
‫شاه في حدود سنة ست عشرة وستمائة ومات خوارزم شاه في سنة سبع عشرة كما‬
‫ذكرنا فاستحوذ حينئذ على الممالك بل منازع ول ممانع‪.‬‬
‫وكانت وفسساته فسسي سسسنة أربسسع وعشسسرين وسسستمائة فجعلسسوه فسسي تسسابوت مسسن حديسسد‬
‫وربطوه بسلسل وعلقوه بين جبلين هنالك وأما كتابه الياسق فإنه يكتب فسسي مجلسسدين‬
‫بخط غليظ ويحمل على بعير معظم عندهم‪.‬‬
‫وقد ذكر بعضهم أنه كان يصعد جبل ثم ينزل ثم يصسسعد ثسسم ينسسزل مسسرارا حسستى يعسسي‬
‫ويقع مغشيا عليه ‪ ,‬ويأمر من عنده أن يكتب ما يلقى على لسانه حينئذ ‪ ,‬فإذا كان هسسذا‬
‫هكذا فالظاهر أن الشيطان كان ينطق على لسانه بما فيها‪.‬‬
‫وذكر الجويني أن بعض عبادهم كان يصعد الجبال في البرد الشديد للعبسسادة فسسسمع‬
‫قائل يقول لسسه ‪ :‬إنسسا قسسد ملكنسسا جنكيزخسسان وذريتسسه وجسسه الرض قسال الجسسويني فمشسسايخ‬
‫المغول يصدقون بهذا ويأخذونه مسلما‪.‬‬
‫ثم ذكر الجويني نتفا من الياسق من ذلك أنه مسسن زنسسا قتسسل ! محصسسنا كسسان أو غيسسر‬
‫محصن وكذلك من لط قتل ! ومن تعمد الكذب قتل ! ومن سحر قتل ! ومن تجسس‬
‫قتل ! ومن دخل بين اثنين يختصمان فأعان أحدهما قتل ! ومن بال في المسساء الواقسسف‬
‫قتل ! ومن انغمس فيه قتل ! ومن أطعم أسيرا أو سقاه أو كساه بغير إذن أهله قتل !‬
‫ومن وجد هاربا ولم يرده قتل ! ومن أطعم أسيرا أو رمى إلى أحد شسسيئا مسسن المسسأكول‬
‫قتل ! بل يناوله من يده إلسسى يسسده ومسسن أطعسسم أحسسدا شسسيئا فليأكسسل منسسه أول ولسسو كسسان‬
‫المطعوم أميرا ل أسيرا ومن أكل ولم يطعسسم مسسن عنسسده قتسسل! ومسسن ذبسسح حيوانسسا ذبسسح‬
‫مثله ! بل يشق جوفه ويتناول قلبه بيده يستخرجه من جوفه أول !!‪.‬‬
‫وفي ذلك كله مخالفة لشرائع الله المنزلة على عباده النبياء عليهم الصلة‬
‫والسلم‪ ,‬فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم النبياء‬
‫وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر فكيف بمن تحاكم إلى الياسق وقدمها‬
‫عليه من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين قال الله تعالى ‪:‬‬
‫) أ َفَحك ْم ال ْجاهل ِية يبُغون وم َ‬
‫ن ( وقال تعالى ‪:‬‬ ‫قوْم ٍ ُيوقُِنو َ‬‫ما ل ِ َ‬ ‫حك ْ ً‬ ‫ن الل ّهِ ُ‬ ‫م َ‬
‫ن ِ‬‫س ُ‬‫ح َ‬
‫نأ ْ‬ ‫َ َ َ ْ‬ ‫َ ِ ّ ِ َْ‬ ‫ُ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫( فل وََرب ّ َ‬
‫جسا‬
‫حَر ً‬
‫م َ‬‫س سه ِ ْ‬
‫ف ِ‬
‫دوا فِسسي أن ْ ُ‬
‫جس ُ‬‫م ل يَ ِ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫جَر ب َي ْن َهُ ْ‬
‫ش َ‬‫ما َ‬
‫موك ِفي َ‬ ‫حك ُ‬‫حّتى ي ُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫مُنو َ‬‫ك ل ي ُؤْ ِ‬
‫ما (‬ ‫سِلي ً‬‫موا ت َ ْ‬‫سل ّ ُ‬
‫ت وَي ُ َ‬‫ضي ْ َ‬‫ما قَ َ‬
‫م ّ‬
‫ِ‬
‫ومن آدابهم الطاعة لسلطانهم غاية الستطاعة وأن يعرضوا عليه أبكارهم الحسان‬
‫ليختار لنفسه ومن شاء من حاشيته مسسا شسساء منهسسن‪ ,‬ومسسن شسسأنهم أن يخسساطبوا الملسسك‬
‫باسمه ومن مر بقوم يأكلون فله أن يأكل معهسم مسن غيسر اسستئذان ول يتخطسى موقسد‬
‫النار ول طبق الطعام ول يقف على أسكفه ‪ ,‬ول يغسلون ثيابهم حتى يبسسدو وسسسخها ول‬
‫يكلفون العلماء من كل ما ذكر شيئا من الجنايات‪ ,‬ول يتعرضون لمال ميت‪.‬‬
‫وقد ذكر علء الدين الجويني طرفا كبيرا من أخبار جنكيزخان ومكسارم كسان يفعلهسا‬
‫لسجيته وما أداه إليه عقله ‪ -‬وإن كان مشركا بالله كان يعبد معه غيره‪ -‬وقسسد قتسسل مسسن‬
‫الخلئق ما ل يعلم عددهم إل الذي خلقهم‪ ,‬ولكن كانت البداءة من خوارزم شاه ؛ فسسإنه‬
‫لما أرسل جنكيزخان تجارا من جهته معهم بضائع كسسثيرة مسسن بلده فسسانتهوا إلسسى إيسسران‬
‫فقتلهم نائبها من جهة خوارزم شاه وهو والد زوجته كشلى خسسان وأخسسذ جميسسع مسسا كسسان‬
‫معهم‪ ,‬فأرسل جنكيزخان إلى خوارزم شاه يستعمله هل وقع هذا المر عن رضا منه أو‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 333 [ ‬‬

‫أنه ل يعلم به فأنكره وقال له فيما أرسل إليه مسسن المعهسسود مسسن الملسسوك أن التجسسار ل‬
‫يقتلون لنهم عمارة القاليم وهم الذين يحملون إلى الملوك مسسا فيسسه التحسسف والشسسياء‬
‫النفيسة ثم إن هؤلء التجار كانوا على دينك فقتلهم نائبك فإن كان أمرا أمرت به طلبنا‬
‫بدمائهم ‪ .‬و إل فأنت تنكره وتقتص من نائبك‪ ,‬فلما سمع خوارزم شاه ذلك من رسسسول‬
‫جنكيزخان لم يكن له جواب سوى أنه أمر بضرب عنقه فأساء التدبير‪.‬‬
‫وقد كان خرف وكبرت سنه وقد ورد الحديث اتركسسوا السسترك مسسا تركسسوكم فلمسسا بلسسغ‬
‫ذلك جنكيزخان تجهز لقتاله وأخذ بلده فكان بقدر الله تعالى ما كسان مسن المسور الستي‬
‫لم يسمع بأغرب منها ول أبشع ‪.‬‬
‫قال ولما احتضر جنكيزخان أوصى أولده بالتفاق وعدم الفتراق وضرب لهم فسسي‬
‫ذلك المثال وأحضر بين يديه نشابا وأخذ سهما أعطاه لواحد منهم فكسسسره ثسسم أحضسسر‬
‫حزمة ودفعها إليهم مجموعة فلم يطيقوا كسرها فقال هذا مثلكم إذا اجتمعتم واتفقتسسم‬
‫وذلك مثلكم إذا انفردتم واختلفتم‪.‬‬

‫وفي سنة ‪: 625‬‬


‫كانت حروب كثيرة بين جلل الدين و التتسسار كسسسروه غيسسر مسسرة ثسسم بعسسد ذلسسك كلسسه‬
‫كسرهم كسرة عظيمة وقتل منهم خلقا وأمما ل يحصون وكان هؤلء التتار قد انفسسردوا‬
‫وعصوا على جنكيزخان فكتب جنكيزخان إلى جلل الدين يقول له إن هؤلء ليسسوا منسسا‬
‫ونحن أبعدناهم ولكن سترى منا ما ل قبل لك به‪.‬‬

‫وفي سنة ‪:628‬‬


‫استهلت هذه السنة والملك الشرف موسى بسسن العسسادل مقيسسم بسسالجزيرة مشسسغول‬
‫فيها بإصلح ما كان جلل الدين الخوارزمي قد أفسده من بلده وقد قدمت التتسسار فسسي‬
‫هذه السنة إلى الجزيرة وديار بكر فعاثوا بالفساد يمينسسا وشسسمال فقتلسسوا ونهبسسوا وسسسبوا‬
‫على عادتهم ‪-‬خذلهم الله تعالى‪.-‬‬

‫وفي سنة ‪:629‬‬


‫وفيه أقبل طائفة من التتسسار فوصسسلوا إلسسى شسسهرزور فنسسدب الخليفسسة صسساحب إربسسل‬
‫مظفر الدين كوكبري بن زين الدين وأضسساف إليسسه عسسساكر مسسن عنسسده فسسساورا نحسسوهم‬
‫فهربت منهم التتار وأقاموا في مقابلتهم مدة شهور ثم تمرض مظفر الدين وعسساد إلسسى‬
‫بلده إربل وتراجعت العساكر إلى بلدها‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 334 [ ‬‬

‫وفي سنة ‪:634‬‬


‫فيها حاصرت التتار إربل بالمجانيق ونقبوا السوار حتى فتحوها عنوة فقتلسسوا أهلهسسا‬
‫وسبوا ذراريهم‪.‬‬

‫وفي سنة ‪: 638‬‬


‫وفيها قدم رسول من ملك التتار تولى بن جنكيزخان إلسى ملسسوك السسلم يسدعوهم‬
‫إلى طاعته ويأمرهم بتخريب أسوار بلدانهم وعنوان الكتاب ‪:‬‬
‫من نسسائب رب السسسماء ماسسسح وجسسه الرض ملسسك الشسسرق والغسسرب خاقسسان ‪ .‬وكسسان‬
‫الكتاب مع رجل مسلم من أهل أصبهان ‪.‬‬

‫وفي سنة ‪642‬هـ‪:‬‬


‫} وانظر لحالة ملوك المسلمين و التتار على أبواب بلدهم‬
‫وعاصمتهم !!{‪:‬‬
‫فيها استوزر الخليفة المستعصم بالله مؤيد الدين أبا طالب محمد بن أحمد بن‬
‫علي بن محمد العلقمي المشئوم على نفسه وعلى أهل بغداد الذي لم يعصم‬
‫المستعصم في وزارته فإنه لم يكن وزير صدق ول مرضي الطريقة فإنه هو الذي أعان‬
‫على المسلمين في قضية هولكو وجنوده ‪ -‬قبحه الله وإياهم –‬
‫وفيها كانت وقعة عظيمة بين الخوارزمية الذين كان الصالح أيوب صاحب مصر‬
‫استقدمهم ليستنجد بهم على الصالح إسماعيل أبي الحسن صاحب دمشق فنزلوا على‬
‫غزة وأرسل إليهم الصالح أيوب الخلع والموال والقمشة والعساكر فاتفق الصالح‬
‫إسماعيل والناصر داود صاحب الكرك والمنصور صاحب حمص مع الفرنج واقتتلوا مع‬
‫الخوارزمية قتال شديدا فهزمتهم الخوارزمية كسرة منكرة فظيعة هزمت الفرنج‬
‫بصلبانها وراياتها العالية على رؤوس أطلب المسلمين وكانت كؤوس الخمر دائرة بين‬
‫الجيوش فنابت كؤوس المنون عن كؤوس الزرجون فقتل من الفرنج في يوم واحد‬
‫زيادة عن ثلثين ألف وأسروا جماعة من ملوكهم و قسوسهم وأساقفتهم وخلقا من‬
‫أمراء المسلمين وبعثوا بالسارى إلى الصالح أيوب بمصر وكان يومئذ يوما مشهودا‬
‫وأمرا محمودا ولله الحمد‪.‬‬
‫وقد قال بعض أمراء المسلمين قد علمت أنا لما وقفنا تحت صلبان الفرنج أنا ل‬
‫نفلح وغنمت الخوارزمية من الفرنج ومن كان معهم شيئا كثيرا وأرسل الصالح أيوب‬
‫إلى دمشق ليحاصرها فحصنها الصالح إسماعيل وخرب من حولها رباعا كثيرة وكسر‬
‫جسر باب توما فسار النهر فتراجع الماء حتى صار بحيرة من باب توما وباب السلمة‬
‫فغرق جميع ما كان بينهما من العمران وافتقر كثير من الناس ‪-‬فإنا لله وإنا إليه‬
‫راجعون_‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 335 [ ‬‬

‫وفي سنة ‪642‬هـ‪:‬‬


‫وهي سنة الخوارزمية وذلك أن الصالح أيوب بن الكامل صاحب مصر بعث‬
‫الخوارزمية ومعهم ملكهم بركات خان في صحبة معين الدين ابن الشيخ فأحاطوا‬
‫بدمشق يحاصرون عمه الصالح أبا الجيش صاحب دمشق وحرق قصر حجاج وحكر‬
‫السماق وجامع جراح خارج باب الصغير ومساجد كثيرة ونصب المنجنيق عند باب‬
‫الصغير وعند باب الجابية ونصب من داخل البلد منجنيقان أيضا و تراءى الفريقان و‬
‫أرسل الصالح إسماعيل إلى المير معين الدين بن الشيخ بسجادة وعكاز وإبريق و‬
‫أرسل يقول اشتغالك بهذا أولى من اشتغالك بمحاصرة الملوك فأرسل إليه المعين‬
‫بزمر وجنك وغللة حرير أحمر وأصفر وأرسل يقول أما السجادة فإنها تصلح لي وأما‬
‫أنت فهذا أولى بك ثم أصبح ابن الشيخ فاشتد الحصار بدمشق وأرسل الصالح‬
‫إسماعيل فأحرق جوسق قصر والده العادل وامتد الحريق في زقاق الرمان إلى‬
‫العقبية فأحرقت بأسرها وقطعت النهار وغلت السعار وأخيفت الطرق وجرى بدمشق‬
‫أمور بشعة جدا لم يتم عليها قط وامتد الحصار شهورا من هذه السنة إلى جمادى‬
‫الولى ‪,‬‬
‫ثم اتفق الحال على أن يخرج الصالح إسماعيل إلى بعلبك ويسلم دمشق إلى‬
‫الصالح أيوب فاستبشر الناس بذلك وأصبح الصالح إسماعيل خارجا إلى بعلبك ‪.‬‬
‫وأما الخوارزمية فإنهم لم يكونوا حاضرين وقت الصلح فلما علموا بوقوع الصلح‬
‫غضبوا وساروا نحو داريا فنهبوها وساقوا نحو بلد الشرق وكاتبوا الصالح إسماعيل‬
‫فحالفوه على الصالح أيوب ففرح بذلك ونقض الصلح الذي كان وقع منه وعادت‬
‫الخوارزمية فحاصروا دمشق وجاء إليهم الصالح إسماعيل من بعلبك فضاق الحال على‬
‫الدماشقة فعدمت الموال وغلت السعار جدا حتى إنه بلغ ثمن الغرارة ألف وستمائة‬
‫وقنطار الدقيق تسعمائة والخبز كل أوقيتين إل ربع بدرهم ورطل اللحم بسبعة وبيعت‬
‫الملك بالدقيق وأكلت القطاط والكلب والميتات و الجيفات وتماوت الناس في‬
‫الطرقات وعجزوا عن التغسيل والتكفين والقبار فكانوا يلقون موتاهم في البار حتى‬
‫أنتنت المدينة وضجر الناس ‪ -‬فإنا لله وإنا إليه راجعون‪.-‬‬
‫قال ابن السبط ‪ :‬ومع هذا كانت الخمور دائرة والفسق ظاهرا والمكوس‬
‫بحالها وذكر الشيخ شهاب الدين أن السعار غلت في هذه السنة جدا وهلك الصعاليك‬
‫بالطرقات كانوا يسألون لقمة ثم صاروا يسألون لبابة ثم تنازلوا إلى فلس يشترون به‬
‫نخالة يبلونها ويأكلونها كالدجاج‪ ,‬قال وأنا شاهدت ذلك وذكر تفاصيل السعار وغلءها‬
‫في الطعمة وغيرها‪.‬‬
‫ولما بلغ الصالح أيوب أن الخوارزمية قد مالئوا عليه وصالحوا عمه الصالح‬
‫إسماعيل كاتب الملك المنصور إبراهيم بن أسد الدين شيركوه صاحب حمص‬
‫فاستماله إليه وقوي جانب نائب دمشق معين الدين حسين ابن الشيخ ولكنه توفي في‬
‫رمضان من هذه السنة ولما رجع المنصور صاحب حمص عن موالة الصالح إسماعيل‬
‫شرع في جمع الجيوش من الحلبيين و التركمان والعراب لستنقاذ دمشق من‬
‫الخوارزمية وحصارهم إياها فبلغ ذلك الخوارزمية فخافوا من غائلة ذلك وقالوا دمشق‬
‫ما تفوت والمصلحة قتاله عند بلده فساورا إلى بحيرة حمص وأرسل الناصر داود‬
‫جيشه إلى الصالح إسماعيل مع الخوارزمية وساق جيش دمشق فانضافوا إلى صاحب‬
‫حمص والتقوا مع الخوارزمية عند بحيرة حمص وكان يوما مشهودا قتل فيه عامة‬
‫الخوارزمية وقتل ملكهم بركات خان وجيء برأسه على رمح فتفرق شملهم وتمزقوا‬
‫شذر مذر وساق المنصور صاحب حمص إلى بعلبك فتسلمها الصالح أيوب وجاء إلى‬
‫دمشق فنزل ببستان سامة خدمة للصالح أيوب ثم حدثته نفسه بأخذها فاتفق مرضه‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 336 [ ‬‬

‫فمات ‪-‬رحمه الله‪ -‬في السنة التية‪ .‬وتسلم نواب الصالح أيوب بعلبك و بصرى ولم‬
‫يبق بيد الصالح إسماعيل بلد يأوي إليه ول أهل ول ولد ول مال بل أخذت جميع أمواله‬
‫ونقلت عياله تحت الحوطة إلى الديار المصرية وسار هو فاستجار بالملك الناصر بن‬
‫العزيز بن الظاهر غازي صاحب حلب فآواه وأكرمه واحترمه وقال التابك لؤلؤ الحلبي‬
‫لبن أستاذه الناصر وكان شابا صغيرا انظر إلى عاقبة الظلم‪.‬‬
‫وفي هذه السنة كانت وقعة عظيمسسة بيسسن جيسسش الخليفسسة وبيسسن التتسسار لعنهسسم اللسسه‬
‫فكسرهم المسسلمون كسسرة عظيمسة وفرقسوا شسملهم وهزمسوا مسن بيسن أيسديهم فلسم‬
‫يلحقوهم ولم يتبعوهم خوفسا مسن غائلسة مكرهسم وعمل بقسوله صسلى اللسه عليسه وسسلم‬
‫) اتركوا الترك ما تركوكم (‬
‫ثم دخلت سنة ثمان وأربعين وستمائة ‪.‬‬

‫وفي سنة ‪648‬هـ‪:‬‬


‫في ثالث المحرم يوم الربعاء كان كسر المعظم تورانشاه للفرنج على ثغر دمياط‬
‫فقتل منهم ثلثين ألفا ‪ ،‬وقيل ‪ :‬مئة ألف وغنموا شيئا كثيرا ولله الحمد ثم قتسسل جماعسسة‬
‫من المراء الذين أسروا وكان فيمن أسر ملسسك الفرنسسسيس وأخسسوه ‪ ،‬وأرسسسلت غفسسارة‬
‫ملك الفرنسيس إلى دمشق فلبسها نائبها في يوم الموكب وكانت من سقرلط أحمسسر‬
‫تحتها فرو سنجاب ‪ ،‬ثم لم يخرج شهر المحرم حتى قتل المراء ابن أستاذهم تورانشاه‬
‫ودفنوه إلى جانب النيل من الناحية الخرى رحمه الله تعالى ورحم أسلفه بمنه وكرمه‬
‫‪.‬‬
‫الملك المعظم تورانشاه بن الصالح أيوب بن الكامل بن العادل‬
‫كان أول صاحب حصن كيفا في حياة أبيه وكان أبوه يستدعيه إليه في أيامه فل يجيبه‬
‫فلما توفي أبوه كما ذكرنا استدعاه المراء فأجابهم وجاء إليهم فملكوه عليهم ثم‬
‫قتلوه كما ذكرنا وذلك يوم الثنين السابع والعشرين من المحرم وقد قيل ‪ :‬إنه كان‬
‫متخلعا ل يصلح للملك ‪.‬‬

‫وفي سنة ‪650‬هـ‪:‬‬


‫فيها وصلت التتار إلى الجزيرة وسروج ورأس العيسسن ومسسا والسسى هسسذه البلد فقتلسسوا‬
‫وسبوا ونهبوا وخربوا فإنا لله وإنا إليه راجعون ووقعوا بتجار يسيرون بين حسسران ورأس‬
‫العين ‪ ،‬فأخذوا منهم ستمائة حمل سكر ومعمول مسسن السسديار المصسسرية وسسستمائة ألسسف‬
‫دينار وكان عدة من قتلوا في هذه السنة من أهل الجزيرة نحوا من عشرة آلف قتيسسل‬
‫وأسروا من الولدان والنساء ما يقارب ذلك فإنا لله وإنا إليه راجعون‪.‬‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 337 [ ‬‬

‫وفي سنة ‪651‬هـ ‪:‬‬


‫فيها دخل الشيخ نجم الدين الباذرائي رسول الخليفسسة بيسسن صساحب مصسسر وصسساحب‬
‫الشام وأصلح بين الجيشين وكانوا قد اشتدت الحرب بينهم ونشسسبت وقسسد مسسال الجيسسش‬
‫المصري الفرنج ووعدهم أن يسلموا إليهم بيت المقدس إن نصروهم على الشسساميين ‪،‬‬
‫وجرت خطوب كسسثيرة ‪ ،‬فأصسسلح بينهسسم وخلسسص جماعسسة مسسن بيسسوت الملسسوك مسسن السسديار‬
‫المصرية منهم أولد الصالح إسماعيل وبنت الشرف وغيرهم من أولد صسساحب حمسسص‬
‫وغيرهم فجزاه الله خيرا ‪.‬‬

‫وفي سنة ‪655‬هـ ‪:‬‬


‫فيها أصبح الملك المعظم صاحب مصر عز الدين أيبك التركماني بداره ميتا ‪ ،‬وقد‬
‫ولي الملك بعد أستاذه الصالح نجم الدين أيوب بشهور كان فيها ملك تورانشاه‬
‫المعظم بن الصالح ثم خلفته شجر الدر أم خليل مدة ثلثة أشهر ثم أقيم هو في‬
‫الملك ومعه الملك الشرف موسى بن الناصر يوسف بن أقسيس بن الكامل مدة ثم‬
‫استقل بالملك بل منازعة وكسر الناصر لما أراد أخذ الديار المصرية وقتل الفارس‬
‫أقطاي في سنة ثنتين وخمسين وخلع بعده الشرف واستقل بالملك وحده ثم تزوج‬
‫بشجر الدر أم خليل وكان كريما شجاعا حكيما دينا ثم كان موته في يوم الثلثاء الثالث‬
‫والعشرين من ربيع الول وهو واقف المدرسة المعزية التي بمصر و مجازها من‬
‫أحسن الشياء وهي من داخل ليست بتلك الفائقة ‪.‬‬
‫وقد قال بعضهم فيها ‪ :‬هذه مجاز ل حقيقة له ولما قتل رحمسسه اللسسه اتهسسم ممسساليكه‬
‫زوجته أم خليل المسماة بشسسجر السسدر بسسه ‪ ،‬وقسسد كسسان عسسزم علسسى تزويسسج ابنسسة صسساحب‬
‫الموصل بدر الدين لؤلؤ فأمرت جواريهسسا أن يمسسسكنه لهسا فمسسا زالسست تضسسربه بقباقيبهسا‬
‫والجواري يعركن في معاريه حتى مات وهو كذلك ولمسسا سسسمع ممسساليكه أقبلسسوا بصسسحبة‬
‫مملوكه الكبر سيف الدين قطز فقتلوها وألقوها على مزبلة غير مسسستورة العسسورة بعسسد‬
‫الحجاب المنيع والمقام الرفيع وقد علمت على المناشسسير و التواقيسسع وخطسسب الخطبسساء‬
‫باسمها وضربت السكة برسمها فذهبت فل تعرف بعد ذلك بعينها ول رسمها ‪.‬‬
‫ع‬
‫ز ُ‬‫وت َن ْ ـ ِ‬
‫شــاءُ َ‬‫ن تَ َ‬‫م ْ‬‫ك َ‬‫مل ْ َ‬
‫ؤِتي ال ْ ُ‬ ‫ك تُ ْ‬‫مل ْ ِ‬ ‫ك ال ْ ُ‬ ‫مال ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫ه ّ‬ ‫ق ِ‬ ‫‪ُ ‬‬
‫ك‬‫د َ‬ ‫ن تَ َ‬
‫شــاءُ ب ِي َـ ِ‬ ‫مـ ْ‬‫ل َ‬‫ذ ّ‬‫وت ُـ ِ‬‫شــاءُ َ‬ ‫ن تَ َ‬‫م ْ‬ ‫عّز َ‬ ‫وت ُ ِ‬
‫شاءُ َ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫م ْ‬‫م ّ‬‫ك ِ‬ ‫مل ْ َ‬‫ال ْ ُ‬
‫ر‪‬‬ ‫دي ٌ‬ ‫ء َ‬
‫ق ِ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫عَلى ك ُ ّ‬ ‫ك َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫خي ُْر إ ِن ّ َ‬
‫وفيها كانت فتنة عظيمة ببغداد بين الرافضة وأهل السنة فنهبت الكرخ ودور‬
‫الرافضة حتى دور قرابات الوزير ابن العلقمي وكان ذلك من أقوى السباب في‬
‫ممالته التتار ‪.‬‬
‫وفي ذي الحجة من هذه السنة بعد موت البساذرائي بأيسسام قلئل نزلسست التتسسار علسسى‬
‫بغداد مقدمسسة لملكهسسم هولكسسو بسسن تسسولى بسسن جنكزخسسان عليهسسم لعسسائن الرحمسسن وكسسان‬
‫افتتاحهم لها وجنايتهم عليها في أول السنة التية ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 338 [ ‬‬

‫وفي سنة ‪ 656‬هـ‪:‬‬


‫فيها أخذت التتار بغداد وقتلوا أكثر أهلها حتى الخليفة وانقضت دولسسة بنسسي العبسساس‬
‫منها ‪.‬‬
‫استهلت هذه السنة وجنسود التتسار قسد نسازلت بغسداد صسحبة الميريسن اللسذين علسى‬
‫مقدمة عسسساكر سسسلطان التتسسار هولكسسو قسسان ‪ ،‬وجسساءت إليهسسم أمسسداد صسساحب الموصسسل‬
‫يساعدونهم على البغاددة و ميرته وهداياه وتحفه وكل ذلك خوفا على نفسه من التتسسار‬
‫ومصانعة لهم قبحهم الله تعالى وقد سترت بغداد ونصسسبت فيهسسا المجسسانيق و العسسرادات‬
‫وغيرها من آلت الممانعة التي ل ترد من قدر الله سبحانه وتعالى شيئا ‪.‬‬

‫وتأمل !!! وإنا لله وإنا إليه راجعون ‪:‬‬


‫وأحاطت التتار بدار الخلفة يرشقونها بالنشاب من كل جانب حسستى أصسسيبت جاريسسة‬
‫كانت تلعب بين يدي الخليفة وتضحكه وكانت من جملة حظاياه وكسسانت مولسسدة تسسسمى‬
‫عرفة جاءها سهم من بعض الشبابيك فقتلها وهسسي ترقسسص بيسسن يسسدي الخليفسسة فانزعسسج‬
‫الخليفة من ذلك ‪ ،‬وفزع فزعا شديدا وأحضر السهم الذي أصابها بيسسن يسسديه فسسإذا عليسسه‬
‫مكتوب ‪ :‬إذا أراد الله إنفاذ قضائه وقدره سلب ذوي العقسسول عقسسولهم ‪ .‬فسسأمر الخليفسسة‬
‫عند ذلك بزيادة الحتراز وكثرة الستائر على دار الخلفة ‪.‬‬
‫وكان قدوم هولكو قان بجنوده كلها ‪ -‬وكانوا نحو مائتي ألف مقاتل ‪ -‬إلى بغداد في‬
‫ثاني عشر المحرم من هذه السنة ‪ ،‬وهو شسسديد الحنسسق علسسى الخليفسسة بسسسبب مسسا كسسان‬
‫تقدم من المر الذي قدره الله وقضاه وأنفذه وأمضاه وهو أن هولكو قان لما كان أول‬
‫بروزه من همذان متوجها إلى العراق أشار الوزير مؤيد الدين محمد بن العلقمي علسسى‬
‫الخليفة بأن يبعث إليه بهدايا سنية ليكون ذلك مداراة له عما يريسسده مسسن قصسسد بلدهسسم‬
‫فخذل الخليفة عن ذلك دويداره الصغير أيبك وغيره وقالوا ‪ :‬إن الوزير إنمسسا يريسسد بهسسذا‬
‫مصانعة ملك التتار بما يبعثه إليه من الموال وأشاروا بأن يبعث بشسسيء يسسسير فأرسسسل‬
‫شيئا من الهدايا فاحتقرها هولكو قان وأرسل إلى الخليفة يطلب منه دويداره المسذكور‬
‫وسليمان شاه فلم يبعثهما إليسسه ول بسسالى بسسه حسستى أزف قسسدومه ووصسسل بغسسداد بجنسسوده‬
‫الكثيرة الكافرة الفاجرة الظالمة الغاشمة ممن ل يؤمن بالله ول باليوم الخر ‪.‬‬
‫فأحاطوا ببغداد من ناحيتها الغربية والشرقية وجنود بغسسداد فسسي غايسسة القلسسة ونهايسسة‬
‫الذلة ل يبلغون عشرة آلف فارس وهم فسسي غايسسة الضسسعف ‪ ،‬وبقيسسة الجيسسش كلهسسم قسسد‬
‫صرفوا عن إقطاعاتهم حتى استعطى كثير منهم في السواق وأبواب المساجد وأنشسسد‬
‫فيهم الشعراء القصائد يرثون لهم ويحزنون على السلم وأهله ‪.‬‬
‫وذلك كله عن آراء الوزير ابن العلقمي الرافضي وذلك أنه لما كان في السنة الماضية‬
‫كان بين أهل السنة والرافضة حرب شديدة نهبت فيها الكرخ ومحلة الرافضة حتى‬
‫نهبت دور قرابات الوزير ‪ ،‬فاشتد حنقه على ذلك فكان هذا مما أهاجه على أن دبر‬
‫على السلم وأهله ما وقع من المر الفظيع الذي لم يؤرخ أبشع منه منذ بنيت بغداد‬
‫وإلى هذه الوقات ولهذا كان أول من برز إلى التتار هو فخرج في أهله وأصحابه‬
‫وخدمه وحشمه فاجتمع بالسلطان هولكو قان لعنه الله ثم عاد فأشار على الخليفة‬
‫بالخروج إليه والمثول بين يديه لتقع المصالحة على أن يكون نصف خراج العراق لهم‬
‫ونصفه للخليفة ‪ ،‬فاحتاج الخليفة إلى أن خرج في سبعمائة راكب من القضاة والفقهاء‬
‫والصوفية ورءوس المراء والدولة والعيان ‪ ،‬فلما اقتربوا من منزل السلطان هولكو‬
‫قان حجبوا عن الخليفة إل سبعة عشر نفسا ‪ ،‬فخلص الخليفة بهؤلء المذكورين ‪،‬‬
‫وأنزل الباقون عن مراكبهم ونهبت ‪ ،‬وقتلوا عن آخرهم وأحضر الخليفة بين يدي‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 339 [ ‬‬

‫هولكو فسأله عن أشياء كثيرة فيقال ‪ :‬إنه اضطرب كلم الخليفة من هول ما رأى من‬
‫الهانة والجبروت ‪.‬‬
‫ثم عاد إلى بغداد وفي صحبته خواجا نصير الدين الطوسي لعنة الله عليه والوزير ابن‬
‫العلقمي وغيرهما والخليفة تحت الحوطة والمصادرة فأحضر من دار الخلفة شيئا‬
‫كثيرا من الذهب و الحلي والمصاغ والجواهر والشياء النفيسة وقد أشار أولئك المل‬
‫من الرافضة لعنة الله عليهم وغيرهم من المنافقين على هولكو قان أن ل يصالح‬
‫الخليفة وقال الوزير ‪ :‬متى وقع الصلح على المناصفة ل يستمر هذا إل عاما أو عامين‬
‫ثم يعود المر إلى ما كان عليه قبل ذلك وحسنوا له قتل الخليفة فلما عاد الخليفة إلى‬
‫السلطان هولكو أمر بقتله ويقال ‪ :‬إن الذي أشار بقتله الوزير ابن العلقمي والنصير‬
‫الطوسي وكان النصير عند هولكو قد استصحبه في خدمته لما فتح قلع اللموت‬
‫وانتزعها من أيدي السماعيلية وكان النصير وزيرا لشمس الشموس ‪ ،‬ولبيه من قبله‬
‫علء الدين بن جلل الدين وكانوا ينتسبون إلى نزار بن المستنصر العبيدي وانتخب‬
‫هولكو قان النصير ليكون في خدمته كالوزير المشير فلما قدم هولكو قان وتهيب من‬
‫قتل الخليفة هون عليه الوزيران ذلك فقتلوه رفسا وهو في جوالق لئل يقع على‬
‫الرض شيء من دمه خافوا أن يؤخذ بثأره فيما قيل لهم وقيل ‪ :‬بل خنق ويقال ‪ :‬غرق‬
‫فالله أعلم ‪ .‬فباؤوا بإثمه وإثم من كان معه من سادات العلماء والقضاة والكابر‬
‫والرؤساء والمراء وأولي الحل والعقد ببلد بغداد ‪.‬‬
‫وقد كان رحمه الله سنيا على طريقة السلف واعتقاد الجماعة كما كان أبوه وجده‬
‫‪ .‬ولكن كان فيه لين وعدم تيقظ ومحبة للمال وجمعه‪ .‬ومن جملة ذلك أنه غل الوديعسسة‬
‫التي استودعه إياها الناصر داود بن المعظم وكانت قيمتهسسا نحسسوا مسسن مئة ألسسف دينسسار ‪،‬‬
‫فاستقبح هذا من مثل الخليفة وهو مستقبح ممن هو دونه بكثير ‪ .‬بل مسسن أهسسل الكتسساب‬
‫من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك كما قال الله تعالى‪:‬‬
‫ْ‬
‫ت عَل َي ْهِ َقائ ِ ً‬
‫ما ‪. ‬‬ ‫م َ‬ ‫ك إل ّ َ‬
‫ما د ُ ْ‬ ‫ديَنارٍ ل ي ُؤَد ّهِ إ ِل َي ْ َ‬
‫ه بِ ِ‬
‫من ْ ُ‬
‫ن ت َأ َ‬
‫ن إِ ْ‬
‫م ْ‬
‫م َ‬ ‫‪ ‬وَ ِ‬
‫من ْهُ ْ‬
‫} أقول ‪ :‬ول أدري الحقيقة كيف يكون على طريقسة السسلف ‪ ,‬مسن يغسل الوديعسة ‪,‬‬
‫ويتلهى براقصة ودولة السلم تسقط !! أي سلف هؤلء الذين كسان مثسسل هسذا الخليفسسة‬
‫الساقط على طريقتهم ؟!{‪..‬‬
‫و يتابع ابن كثير رحمه الله ‪:‬‬
‫قتلته التتار مظلوما مضطهدا في يوم الربعاء رابع عشر صفر من هذه السنة ولسسه‬
‫من العمر ستة وأربعون سنة وأربعسسة أشسسهر وكسسانت مسسدة خلفتسسه خمسسس عشسسرة سسسنة‬
‫وثمانية أشهر وأياما فرحمه الله وأكرم مثواه وبل بالرحمة ثراه وقد قتسسل بعسسده ولسسداه‬
‫وأسر الثالث مع بنات ثلث من صلبه ‪.‬‬
‫} وما أدري من ظلم هذا المظلوم أيضا ؟ هل هسسم التتسسار ‪ ,‬أم هسسو الظسسالم لنفسسسه‬
‫خذ ْنا بذ َنبه فَمنهم م س َ‬ ‫َ‬
‫س سل َْنا ع َل َي ْس ِ‬
‫ه‬ ‫ن أْر َ‬‫ورعيته ؟! ‪..‬وسبحان ربنا القائل ‪  :‬فَك ُّل ً أ َ َ ِ ْ ِ ِ ِ ْ ُ ْ َ ْ‬
‫ن‬
‫مس ْ‬
‫م َ‬‫من ْهُس ْ‬
‫ض وَ ِ‬ ‫َ‬
‫فَنا ب ِسهِ اْلْر َ‬
‫سس ْ‬‫خ َ‬ ‫ن َ‬‫مس ْ‬ ‫م َ‬
‫من ْهُس ْ‬
‫ة وَ ِ‬ ‫ح ُ‬
‫صي ْ َ‬‫ه ال ّ‬ ‫ن أَ َ‬
‫خذ َت ْ ُ‬ ‫م ْ‬
‫م َ‬‫من ْهُ ْ‬‫صبا ً وَ ِ‬
‫حا ِ‬‫َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ‪) ‬العنكبوت‪.{ (40:‬‬ ‫مو َ‬‫م ي َظل ِ ُ‬‫سه ُ ْ‬‫ف َ‬‫ن كاُنوا أن ْ ُ‬ ‫م وَلك ِ ْ‬ ‫مه ُ ْ‬
‫ه ل ِي َظل ِ َ‬ ‫ن الل ُ‬‫ما كا َ‬ ‫أغ َْرقَْنا وَ َ‬
‫ومالوا على البلد فقتلوا جميع من قدروا عليه من الرجال والنساء والولدان والمشايخ‬
‫و الكهول والشبان ‪.‬‬
‫ودخل كثير من الناس في البار وأماكن الحشوش وقني الوسخ وكمنوا كذلك أياما‬
‫ل يظهرون ‪ ،‬وكان الجماعة من الناس يجتمعون إلى الخانات ‪ ،‬ويغلقون عليهم البواب‬
‫فتفتحها التتار إما بالكسر وإمسسا بالنسسار ثسسم يسسدخلون عليهسسم فيهربسسون منهسسم إلسسى أعسسالي‬
‫المكنة فيقتلونهم في السطحة حتى تجري الميازيب من السسدماء فسسي الزقسسة فإنسسا للسسه‬
‫وإنا إليه راجعون وكذلك في المساجد والجوامع والربط ولم ينج منهم أحد سسسوى أهسسل‬
‫الذمة من اليهود والنصارى ومن التجأ إليهم وإلسسى دار السسوزير ابسسن العلقمسسي الرافضسسي‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 340 [ ‬‬

‫وطائفة من التجار أخسسذوا لهسسم أمانسسا بسسذلوا عليسسه أمسسوال جزيلسسة حسستى سسسلموا وسسسلمت‬
‫أموالهم وعادت بغداد بعدما كانت آنس المدن كلها كأنهسا خسسراب ليسسس فيهسا إل القليسسل‬
‫من الناس وهم في خوف وجوع و ذلة وقلة ‪.‬‬
‫وكان الوزير ابن العلقمي قبل هذه الحادثة يجتهد في صرف الجيوش وإسقاط‬
‫أسهمهم من الديوان فكانت العساكر في آخر أيام المستنصر قريبا من مئة ألف مقاتل‬
‫منهم من المراء من هو كالملوك الكابر ‪ ،‬فلم يزل يجتهد في تقليلهم إلى أن لم يبق‬
‫سوى عشرة آلف ‪ .‬ثم كاتب التتار وأطمعهم في أخذ البلد وسهل عليهم ذلك و جلى‬
‫لهم حقيقة الحال وكشف لهم ضعف الرجال وذلك كله طمعا منه أن يزيل السنة‬
‫بالكلية وأن يظهر البدعة الرافضية وأن يقيم خليفة من الفاطميين وأن يبيد العلماء‬
‫والمفتين والله غالب على أمره وقد رد كيده في نحره وأذله بعد العزة القعساء وجعله‬
‫حوشكاشا للتتار بعدما كان وزيرا للخلفاء واكتسب إثم من قتل بمدينة بغداد من‬
‫الرجال والنساء والطفال فالحكم لله العلي الكبير رب الرض والسماء ‪.‬‬
‫وقد اختلف الناس في كمية من قتل ببغداد من المسلمين فقيل ‪ :‬ثمانمائة ألف وقيل ‪:‬‬
‫ألف ألف وثمانمائة ألف وقيل ‪ :‬بلغت القتلى ألفي ألف نفس فإنا لله وإنا إليه راجعون‬
‫ول حول ول قوة إل بالله العلي العظيم ‪.‬‬
‫وكان دخولهم إلى بغداد في أواخر المحرم ‪ ،‬وما زال السسسيف يقتسسل أهلهسسا أربعيسسن‬
‫صباحا وكان قتل الخليفة المستعصم بالله أمير المؤمنين يوم الربعاء رابع عشسسر صسسفر‬
‫وعفا قبره وكان عمره يومئذ سسستا وأربعيسسن سسسنة وأربعسسة أشسسهر ومسسدة خلفتسسه خمسسس‬
‫عشرة سنة وثمانية أشهر وأيام وقتل معه ولده الكسسبر أبسسو العبسساس أحمسسد ولسسه خمسسس‬
‫وعشرون سنة ثم قتل ولده الوسط أبو الفضل عبد الرحمن وله ثلث وعشرون سسسنة‬
‫وأسر ولده الصغر مبارك وأسرت أخواته الثلث فاطمة وخديجة و مريم وأسر من دار‬
‫الخلفة من البكار ما يقسسارب ألسسف بكسسر فيمسسا قيسسل ‪ ،‬واللسسه أعلسسم ‪ ،‬فإنسسا للسسه وإنسسا إليسسه‬
‫راجعون ‪.‬‬
‫وقتل أستاذدار الخلفسسة الشسسيخ محيسسي السسدين يوسسسف بسسن الشسسيخ أبسسي الفسسرج ابسسن‬
‫الجوزي وكان عدو الوزير وقتل أولده الثلثسة وعبسسد الرحمسن وعبسسد اللسسه وعبسد الكريسم‬
‫وأكابر الدولة واحدا بعد واحد منهم الدويدار الصغير مجاهد الدين أيبسسك وشسسهاب السسدين‬
‫سليمان شاه وجماعة من أمراء السنة وأكابر البلد ‪.‬‬
‫وكان الرجل يستدعى به من دار الخلفة من بني العباس فيخرج بأولده ونسائه‬
‫فيذهب به إلى مقبرة الخلل تجاه المنظرة فيذبح كما تذبح الشاة ويؤسر من يختارون‬
‫من بناته وجواريه ‪.‬‬
‫وقتل شيخ الشيوخ مؤدب الخليفة صدر الدين علي بن النيار وقتل الخطباء والئمة‬
‫وحملة القرآن وتعطلت المساجد والجماعات و الجمعات مدة شهور ببغداد وأراد‬
‫الوزير ابن العلقمي قبحه الله ولعنه أن يعطل المساجد والمدارس والربط ببغداد‬
‫ويستمر بالمشاهد ومحال الرفض وأن يبني للرافضة مدرسة هائلة ينشرون علمهم‬
‫وعلمهم بها وعليها ‪ ،‬فلم يقدره الله تعالى على ذلك بل أزال نعمته عنه وقصف عمره‬
‫بعد شهور يسيرة من هذه الحادثة وأتبعه بولده فاجتمعا ‪ -‬والله أعلم ‪ -‬بالدرك السفل‬
‫من النار ‪.‬‬
‫ولما انقضى أمد المر المقسسدر وانقضسست الربعسسون يومسسا بقيسست بغسسداد خاويسسة علسسى‬
‫عروشها ليس بها أحد إل الشاذ من النسساس والقتلسسى فسسي الطرقسسات كأنهسسا التلسسول وقسسد‬
‫سقط عليهم المطر فتغيرت صورهم وأنتنسست مسسن جيفهسسم البلسسد وتغيسسر الهسسواء فحصسسل‬
‫بسببه الوباء الشديد حتى تعدى وسرى في الهواء إلى بلد الشام فمات خلق كثير مسسن‬
‫تغير الجو وفساد الريح فاجتمع على الناس الغلء والوبسساء والفنسساء والطعسسن والطسساعون‬
‫فإنا لله وإنا إليه راجعون ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 341 [ ‬‬

‫ولما نودي ببغداد بالمان خرج من تحت الرض من كان المطامير والقني والمغاير‬
‫كأنهم الموتى إذا نبشوا من قبورهم وقد أنكر بعضهم بعضسسا ‪ ،‬فل يعسسرف الوالسسد ولسسده ‪،‬‬
‫ول الخ أخاه وأخذهم الوباء الشديد فتفانوا ولحقوا بمن سبقهم مسسن القتلسسى واجتمعسسوا‬
‫في البلى تحت الثرى بسسأمر السسذي يعلسسم السسسر وأخفسسى اللسسه ل إلسسه إل هسسو لسسه السسسماء‬
‫الحسنى ‪.‬‬
‫وكان رحيل السلطان المسلط هولكو قان عن بغداد في جمادى الولسسى مسسن هسسذه‬
‫السنة إلى مقر ملكه وفوض أمر بغداد إلى المير علي بهادر فوض إليه الشسسحنكية بهسسا‬
‫وإلى الوزير مؤيد الدين بن العلقمي فلسسم يمهلسسه اللسسه ول أهملسسه بسسل أخسسذه أخسسذ عزيسسز‬
‫مقتدر في مستهل جمادى الخرة عن ثلث وستين سنة وكان عنده فضيلة في النشسساء‬
‫ولديه فضيلة في الدب ولكنه كان شيعيا جلدا خبيثا رافضيا ‪ ،‬فمات كمسسدا وغمسسا وحزنسسا‬
‫وندما إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم فولي بعده الوزارة ولده عز السسدين أبسسو الفضسسل‬
‫محمد فألحقه الله بأبيه في بقية هذا العام ولله الحمد والمنة ‪.‬‬
‫وذكر أبو شامة وشيخنا أبسو عبسد اللسه السذهبي وقطسب السدين اليسونيني أنسه أصساب‬
‫الناس في هذه السنة بالشام وبسساء شسسديد ‪ ،‬وذكسسروا أن سسسبب ذلسسك مسسن فسسساد الهسسواء‬
‫والجو ‪ ،‬فسد من كثرة القتلى ببلد العراق ‪ ،‬وانتشر حتى تعسدى إلسى بلد الشسام فسالله‬
‫أعلم ‪.‬‬

‫} وتأمل في حال جيران الكارثة من المراء ‪{ !!..‬‬


‫وفي هذه السنة اقتتل المصريون مع صاحب الكرك الملك المغيث عمر بن العادل‬
‫بن أبي بكر بن العادل الكبير ‪ ،‬وكان في جيشه جماعة من أمراء البحرية منهم ركن‬
‫الدين بيبرس البندقداري فكسرهم المصريون ونهبوا ما كان معهم من الثقال‬
‫والموال وأسروا جماعة من رءوس المراء فقتلوا صبرا وعادوا إلى الكرك في أسوأ‬
‫حال وأشنعها وجعلوا يفسدون في الرض ويعيثون في البلد فأرسل الله الناصر‬
‫صاحب دمشق فبعث جيشا ليكفهم عن ذلك فكسرهم البحرية واستنصروا فبرز إليهم‬
‫الناصر بنفسه فلم يلتفتوا إليه وقطعوا أطناب خيمته التي هو فيها بإشارة ركن الدين‬
‫بيبرس المذكور ‪ ،‬وجرت حروب وخطوب يطول بسطها ‪ ،‬وبالله المستعان ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 342 [ ‬‬

‫وفي سنة ‪657‬هـ ‪:‬‬


‫استهلت هذه السسسنة وليسسس للمسسسلمين خليفسسة ‪ .‬وسسسلطان دمشسسق وحلسسب الملسسك‬
‫الناصر صلح الدين يوسف بن العزيز محمد بن أبي الظاهر غازي بن الناصر فاتح بيسست‬
‫المقدس وهو واقع بينه وبين المصريين وقسسد ملكسسوا نسسور السسدين علسسي بسسن المعسسز أيبسسك‬
‫التركماني ولقبوه بالمنصور وقد أرسل الملك الغاشم هولكو قسسان إلسسى الملسسك الناصسسر‬
‫بدمشق يستدعيه إليه فأرسل إليه ولده العزيز وهو صغير ومعه هدايا كثيرة وتحف فلم‬
‫يحتفل به هولكو وغضب على أبيه إذ لم يقبسسل إليسسه وقسسال ‪ :‬أنسسا السسذي أسسسير إلسسى بلده‬
‫بنفسي فانزعج الناصر لذلك وبعث بحريمه وأهله إلى الكرك ليحصنهم بها وخساف أهسسل‬
‫دمشق خوفا شديدا حين بلغهم أن التتار قد قطعوا الفرات فصار كثير منهم إلى الديار‬
‫المصرية في زمن الشتاء ومات كثير منهم ونهب آخرون فإنا لله وإنا إليه راجعون ‪.‬‬
‫وأقبل هولكو فقصد الشام بجنوده وعسسساكره وقسسد كسسانت ميافسسارقين قسسد امتنعسست‬
‫على التتار مدة سنة ونصسسف‪ ،‬فأرسسسل إليهسسا ولسسده أشسسموط فافتتحهسسا قسسسرا واسسستنزل‬
‫ملكها الكامل بن الشهاب غازي بن العادل فأرسله إلى أبيه وهسسو محاصسسر حلسب فقتلسه‬
‫بين يديه ‪ ،‬واسسستناب عليهسسا بعسسض مماليسسك الشسسرف وطيسسف بسسرأس الكامسسل فسسي البلد‬
‫ودخلوا برأسه إلى دمشق فنصب على باب الفراديس ‪.‬‬

‫و تأمل في فرج الله وأسبابه وفي النهضة وبداياتها وكيف تكون !‬


‫وفيها قدم القاضي الوزير كمال الدين عمر بن أبي جرادة المعسسروف بسسابن العسسديم‬
‫إلى الديار المصرية رسول من صاحب دمشسسق الناصسسر بسسن العزيسسز يسسستنجد المصسسريين‬
‫على قتال التتار بأنهم قد اقترب قدومهم إلى الشسسام وقسسد اسسستولوا علسسى بلد الجزيسسرة‬
‫وحران وغيرها وقد جاز أشموط بن هولكو الفرات وقرب من مدينة حلسسب فعقسسد عنسسد‬
‫ذلك مجلس بين يدي المنصور بسسن المعسسز التركمسساني وحضسسر قاضسسي مصسسر بسسدر السسدين‬
‫السنجاري والشيخ عز الدين بن عبد السلم ‪ .‬وأفاضوا الكلم فيمسسا يتعلسسق بأخسسذ شسسيء‬
‫من أموال العامة لمساعدة الجند وكانت العمدة علسسى مسسا يقسسوله } سسسلطان العلمسساء{‬
‫العز بن عبد السلم فكان حاصله ‪:‬‬
‫إذا لم يبق في بيت المال شيء و أنفقتم الحوائص الذهب وغيرها من الزينة‬
‫وتساويتم أنتم والعامة في الملبس سوى آلت الحرب ‪ ،‬ولم يبق للجندي سوى فرسه‬
‫التي يركبها ساغ أخذ شيء من أموال الناس في دفع العداء ‪ ،‬لنه إذا دهم العدو‬
‫وجب على الناس كافة أن يدفعون بأموالهم وأنفسهم ‪.‬‬

‫ولية الملك المظفر قطز ‪:‬‬


‫وفيها قبض المير سيف الدين قطسسز علسسي ابسسن أسسستاذه نسسور السسدين علسسي الملقسسب‬
‫بالمنصور وذلك في غيبة أكثر المراء مسسن مماليسسك أبيسسه وغيرهسسم فسسي الصسسيد فأمسسسكه‬
‫وسيره مع أمه وابنيه وإخوته الى بلد الشكري وتسلطن هسسو ‪ ,‬وسسسمى نفسسسه بالملسسك‬
‫المظفر وكان هذا من رحمة الله بالمسلمين ‪ .‬فإنه الذي يسر على يسسديه كسسسرة التتسسار‬
‫كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى وهذا الذي اعتذر به قال ‪ :‬لبد للناس مسسن سسسلطان‬
‫قاهر يقاتل التتار ‪ ،‬وهذا صبي صغير ل يعرف تدبير المملكة ‪.‬‬
‫وفيها برز الملك الناصر صاحب دمشق إلسسى وطسسأة بسسرزة فسسي جحافسسل كسسثيرة مسسن‬
‫الجيش والمطوعة والعراب وغيرهم ولما علم ضعفهم عن مقاومسسة المغسسول ‪ ،‬ارفسسض‬
‫ذلك الجمع ولم يصبر ل هو ول هم ‪ ،‬فإنا لله وإنا إليه راجعون ‪.‬‬

‫وفي سنة ‪ 658‬هـ ‪:‬‬


‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 343 [ ‬‬

‫استهلت هذه السنة بيوم الخميس وليس للناس خليفة‪ ،‬وملك العراقين وخراسسسان‬
‫وغير ذلك من بلد المشرق للسلطان هولكو قان ملك التتار ابن تولي بن جنكيزخسسان ‪،‬‬
‫وسلطان ديار مصر الملك المظفر سيف الدين قطسز مملسوك المعسسز أيبسسك التركمساني‪،‬‬
‫وسلطان دمشق وحلب الملك الناصر بن العزيسسز بسسن الظسساهر غسسازي بسسن الناصسسر فاتسسح‬
‫القدس وبلد الكرك و الشوبك للملك المغيث بن العادل أبي بكر بن الكامل محمد بسسن‬
‫العادل أبي بكر بن أيسوب وهسسو حسزب مسع الناصسسر صساحب دمشسسق علسى المصسسريين‪ ،‬و‬
‫معهما المير ركن الدين بيبرس البندقداري‪ ،‬وقسسد عزمسسوا علسسى قتسسال المصسسريين وأخسسذ‬
‫البلد منهم !!‬
‫أخذ التتار حلب ودمشق ‪:‬‬
‫وبينما الناس على هذه الحال‪ ،‬وقد تواترت الخبار بقصد التتار بلد الشام‪ ،‬إذ دخسسل‬
‫جيش المغول صحبة ملكهم هولكو‪ ،‬وجازوا الفرات على جسور عملوهسسا ووصسسلوا إلسسى‬
‫حلب في ثاني صفر من هسسذه السسسنة‪ ،‬فحاصسسروها سسسبعة أيسسام‪ ،‬ثسسم افتتحوهسسا بالمسسان ‪،‬‬
‫وغدروا بهم ‪ ،‬فقتلوا منهسسم خلقسسا ل يعلمهسسم إل اللسسه عسسز وجسسل‪ ،‬ونهبسسوا المسسوال وسسسبوا‬
‫النساء والطفال‪ ،‬وجرى عليهم قريب مما جرى على أهل بغداد فجاسسسوا خلل السسديار‪،‬‬
‫وجعلوا أعزة أهلها أذلة فإنا لله وإنا إليه راجعون‪.‬‬
‫وامتنعت عليهم قلعتها شسهرا‪ ،‬ثسم تسسلموها بالمسان وخسرب أسسسوار البلسد وأسسوار‬
‫القلعة‪ ،‬وبقيت حلب كأنها حمار أجرب‪ ،‬وكان نائبها الملك المعظم توران شاه بن صلح‬
‫الدين ‪،‬وكان عاقل حازما لكنه لم يوافقه الجيش على المصالحة ولكسسن تسسسرعوا وكسسان‬
‫أمر الله قدرا مقدورا‪ .‬وقد كان السلطان هولكو أرسل إلى أهل البلد يقول لهسسم حيسسن‬
‫قدم بجحافله‪ :‬نحن إنما جئنا لقتال الملك الناصر بدمشق‪ ،‬ونحن نريد منكسسم أن تجعلسسوا‬
‫بالقلعة شحنة‪ ،‬فإن كانت النصرة لنا فالبلد كلها في حكمنا‪ ،‬وإن كانت علينا فإن شسئتم‬
‫قبلتم الشحنة وإن شسسئتم أطلقتمسسوه‪ .‬فأجسسابوه‪ :‬مالسسك عنسسدنا إل السسسيف‪ .‬فتعجسسب مسسن‬
‫ضعفهم وجوابهم بهسسذا فزحسسف حينئذ إليهسسم وأحسساط بالبلسسد وكسسان مسسا كسسان بقضسساء اللسسه‬
‫وقدره ‪ ،‬ولما فتحت حلب أرسل صاحب حماة بمفاتيحها إليه فاستناب عليهسسا رجل مسسن‬
‫العجم يدعى أنه من ذرية خالد بن الوليد يقال لسه‪ :‬خسروشساه ‪ .‬فخسرب أسسوارها كمسا‬
‫فعل بمدينة حلب‪.‬‬
‫وأرسل هولكو وهسسو نسسازل علسسى حلسسب جيشسسا مسسع أميسسر مسسن كبسسار دولتسسه يقسسال لسسه‬
‫كتبغانوين‪ .‬فوردوا دمشق في آخر صفر‪ ،‬فأخذوها سريعا من غيسسر ممانعسسة ول مدافعسسة‪،‬‬
‫بل تلقاهم كبارها بالرحب والسعة‪ ،‬وقد كتب معهم السلطان هولكو فرمان أمان لهل‬
‫البلد‪ ،‬فقرئ بالميدان الخضر ونودي به في البلد‪ ،‬فأمن النسساس علسسى وجسسل أن يغسسدروا‬
‫كما فعل بأهل حلب هذا والقلعة ممتنعة مسسستورة‪ ،‬وفسسي أعاليهسسا المجسسانيق منصسسوبة‪، ،‬‬
‫فنصب المجانيق على القلعة من غربيها وخربوا حيطانسسا كسسثيرة ‪ ،‬فأجسسابهم متوليهسسا فسسي‬
‫آخر ذلك النهار للمصالحة ففتحوها وخربوا كل بدنة فيها‪ ، ،‬وقتلوا المتولى بها وسلموها‬
‫إلى أمير منهم يقال له‪ :‬إيل سبان‪.‬‬
‫وكان لعنه الله معظما لدين النصارى فاجتمع به أساقفتهم و قسوسهم فعظمهم‬
‫جدا وزار كنائسهم‪ ،‬فصارت لهم دولة و حولة وصولة بسببه لعنهم الله تعالى‪ ،‬وذهبت‬
‫طائفة من النصارى إلى هولكو بهدايا وتحف وقدموا من عنده ومعهم أمان؛ فرمان‬
‫من جهته‪ ،‬ودخلوا البلد من باب توماء ومعهم صليب منصوب يحملونه على رؤس‬
‫الناس‪ ،‬وهم ينادون بشعارهم ويقولون ظهر الدين الصحيح‪ ،‬دين المسيح‪.‬‬
‫ويذمون دين السلم وأهله ومعهم أواني فيها خمر ل يمرون علسسى بسساب مسسسجد إل‬
‫رشوا عنده خمرا وقماقم ملنة خمرا يرشون منها على وجوه الناس‪ ،‬ويأمرون كل من‬
‫يجتازون بسسه فسسي والسسسواق والطرقسسات أن يقسسوم لصسسليبهم‪ ،‬ودخلسسوا مسسن درب الحجسسر‬
‫فوقفوا عند رباط الشيخ أبي البيان‪ ،‬ورشوا عنده خمرا وكذلك على بسساب مسسسجد درب‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 344 [ ‬‬

‫الحجر الصغير والكبير واجتازوا في السوق حسستى وصسسلوا إلسسى درب الريحسسان أو قريسسب‬
‫منه فتكاثر عليهم المسلمون‪ ،‬فردوهم إلى سوق كنيسسسة مريسسم‪ ،‬فوقسسف خطيبهسسم إلسسى‬
‫دكة دكان في عطفه السوق هنالك‪ ،‬فسسذكر فسسي خطبتسسه مسسدح ديسسن النصسسارى وذم ديسسن‬
‫السلم وأهله فإنا لله وإنا إليه راجعون‪ .‬ثم ولجوا بعد ذلك إلسسى كنيسسسة مريسسم‪ ،‬وكسسانت‬
‫بعد عامرة ولكن كان هذا سبب خرابها ولله الحمد‪.‬‬
‫قال‪ :‬وذكر أنهم دخلوا إلى الجامع بخمر‪ ،‬وكان في نيتهم إن طالت مدة التتار أن‬
‫يخربوا كثيرا من المساجد وغيرها‪ ،‬فكفى الله شرهم‪.‬ولما وقع هذا في البلد اجتمع‬
‫قضاة المسلمين والشهود والفقهاء فدخلوا القلعة يشكون هذا الحال إلى متسلمها إيل‬
‫سبان‪ ،‬فأهينوا وطردوا وقدم كلم رؤساء النصارى عليهم‪ ،‬فإنا لله وإنا إليه راجعون‪.‬‬
‫وقد كان في أول هذه السنة سلطان الشام الناصر بن العزيز‪ ،‬قد أقام في وطأة‬
‫برزه ومعه خلق كثير من الجيوش و المراء وأبناء الملوك ليناجزوا التتار إن قدموا‬
‫عليهم وكان ممن معه المير بيبرس البندقداري في جماعة من البحرية و الكلمة بين‬
‫الجيوش مختلفة غير مؤتلفة‪ ،‬لما يريده الله عز وجل‪.‬‬
‫وقد عزمت طائفة من المراء على خلع الملك الناصر وسجنه ومبايعة أخيه شقيقه‬
‫الملك الظاهر علي‪ ،‬فلما تنسم الناصر ذلك هرب إلى القلعة المنصورة وتفرقت‬
‫العساكر شذر مذر وساق المير ركن الدين بيبرس البندقداري في أصحابه إلى ناحية‬
‫غزة فاستدعاه الملك المظفر قطز إليه واستقدمه عليه‪ ،‬وأقطعه قليوب‪ ،‬وأنزله بدار‬
‫الوزارة ‪ ،‬وعظم شأنه لديه وإنما كان حتفه على يديه‪.‬‬

‫وقعة عين جالوت ‪ 27‬رمضان ‪658‬هـ ‪:‬‬


‫واتفق وقوع هذا كله في العشر الخير من رمضسسان مسسن هسسذه السسسنة‪ ،‬فمسسا مضسست‬
‫سوى ثلثة أيام حتى جاءت البشارة بنصرة المسلمين علسسى التتسسار بعيسسن جسسالوت وللسسه‬
‫الحمد‪ ،‬وذلك أن الملك المظفر قطز صاحب مصر لما بلغه أن التتار قد فعلسسوا بالشسسام‬
‫ما ذكرنا‪ ،‬وقد نهبوا البلد كلها حتى وصلوا إلى غزة وقد عزموا على الدخول إلى الديار‬
‫المصرية وقد عزم الملك الناصر صاحب دمشق على الرحيسسل إلسسى مصسسر وليتسسه فعسسل‪.‬‬
‫وكان في صحبته الملك المنصور صاحب حماة‪ ،‬وخلق من المراء وأبنساء الملسسوك‪ ،‬وقسد‬
‫وصل إلى قطية‪ ،‬وتهيأ الملك المظفسسر للقسسائه وأرسسسل إليسسه وإلسسى المنصسسور مسسستحثين‬
‫‪،‬وأرسل إليه يقول ‪ :‬تقدم حتى نكون كتفا واحدا على التتار ‪.‬‬
‫فتخيل من ذلك وخاف أن ينتصر عليه ‪ ،‬فكر راجعسسا ‪ ..‬ومسسا زال التتسسار وراء الناصسسر‬
‫حتى أخذوه وأسروه عند بركة زيزاء وأرسلوه مع ولده العزيسز وهسو صسغير وأخيسه إلسى‬
‫ملكهم هولكو وهو نازل على حلب فكانوا في أسره حتى قتلهم في السنة التيسسة‪ ،‬كمسسا‬
‫سنذكره‪.‬‬
‫والمقصود أن المظفر لما بلغه ما كسان مسن أمسر التتسار بالشسام المحروسسة وأنهسم‬
‫عازمون على الدخول إلى الديار المصرية بعد تمهيد مملكتهم بالشام بسادرهم هسو قبسل‬
‫أن يبادروه وبسسرز إليهسسم أيسسده اللسسه تعسسالى وأقسسدم عليهسسم قبسسل أن يقسسدموا عليسسه فخسسرج‬
‫بالعساكر المصرية وقد اجتمعسست الكلمسسة عليسسه‪ ،‬حسستى انتهسسى بمسسن معسسه مسسن العسسساكر‬
‫المنصورة إلى الشام واستيقظ له عسكر المغول وعليهم كتبغانوين وكسسان إذ ذاك فسسي‬
‫البقاع فاستشار الشرف صاحب حمسسص والقاضسسي مجيسسر السسدين بسسن الزكسسي فسسي لقسساء‬
‫المظفر فأشاروا بعضهم بأنه ل قبل له بالمظفر حتى يستمد هولكو فأبى إل أن يناجزه‬
‫سريعا فصمدوا إليه فكان اجتماعهم على عين جالوت يوم الجمعة الخامس والعشرين‬
‫من رمضان فاقتتلوا قتال عظيمسسا شسسديدا فكسسانت النصسسرة وللسسه الحمسسد للسسسلم وأهلسسه‬
‫فهزمهم المسلمون هزيمة هائلة وقتل كتبغانوين وجماعة من بيته وقسسد قيسسل‪ :‬إن السسذي‬
‫قتل كتبغانوين المير جمال الدين آقوش الشمسي واتبعهم الجيش السلمي يقتلسسونهم‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 345 [ ‬‬

‫في كل موضع وفي كل مأزق ‪ ،‬وقسسد قاتسسل الملسك المنصسور صساحب حمساة مسع الملسسك‬
‫المظفر في هذه الوقعة قتال عظيما وكذلك المير فسسارس السسدين أقطسساي المسسستعرب‪،‬‬
‫وكان أتابك العسكر وقد أسر من جماعة كتبغانوين الملك السعيد بن العزيز بن العادل‬
‫فأمر المظفر بضرب عنقه واستأمن الشرف صاحب حمص وكان مع التتار‪ ،‬وقد جعلسسه‬
‫هولكو نائبا على الشام كله فأمنه الملك المظفر ورد إليه حمص وكذلك رد حمسساة إلسسى‬
‫المنصور وزاده المعرة وغيرها وأطلق سلمية للمير شرف الدين عيسسى بسن مهنسا بسن‬
‫مانع أمير العرب‪ ،‬واتبع المير ركن السدين بيسسبرس البندقسسداري وجماعسسة مسن الشسسجعان‬
‫التتار يقتلونهم في كل مكان‪ ،‬إلى أن وصلوا خلفهم إلى حلب وهرب من بدمشق منهم‬
‫وكان هروبهم منها يوم الحد السابع والعشرين من رمضان صبيحة النصر السسذي جسساءت‬
‫فيه البشارة بالنصرة على عين جالوت فتبعهم المسلمون من دمشق يقتلون ويأسرون‬
‫وينهبون الموال فيهم‪ ،‬و يستفكون السارى من أيديهم قهرا ولله الحمد والمنسسن علسسى‬
‫جبره السلم ومعاملته إياهم بلطفة الحسن‪.‬‬
‫وجسساءت بسسذلك البشسسارة السسسارة فجاوبتهسسا البشسسائر مسسن القلعسسة المنصسسورة وفسسرح‬
‫المؤمنون يومئذ بصر الله فرحا شديدا ‪ ،‬وأيد الله السسسلم وأهلسسه تأييسسدا‪ ،‬وكبسست أعسسداء‬
‫الله النصارى واليهود والمنافقون وظهر دين الله وهم كسسارهون ونصسسر اللسسه دينسسه ونسسبيه‬
‫ولو كره الكافرون ‪ .‬فتبادر عند ذلك المسلمون إلى كنيسسسة النصسسارى السستي خسسرج منهسسا‬
‫الصليب فانتهبوا ما فيها وأحرقوها وألقوا النار فيما حولها فاحترق دور كسسثيرة للنصسسارى‬
‫ومل الله بيوتهم و قبورهم نارا وأحرق بعض كنيسة اليعاقبة وهمت طائفة بنهب اليهود‪،‬‬
‫فقيل لهم‪ :‬إنهم لم يكن منهم فيما ظهر من الطغيسسان كمسسا كسسان علسسى عبسسدة الصسسلبان‪.‬‬
‫وقتلت العامة في وسط الجامع شيخا رافضيا كسان مصسسانعا للتتسسار علسى أمسوال النسساس‬
‫يقال له‪ :‬الفخر محمد بن يوسف الكنجي‪ .‬كان خبيث الطوية مشرقيا ممالئا لهسسم علسسى‬
‫أموال المسلمين قبحه الله تعالى ‪،‬وقتلوا جماعة مثله مسسن المنسسافقين الممسسالئين علسسى‬
‫المسلمين ‪.‬‬
‫ن‪‬‬ ‫ب ال ْعَسسال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫م سد ُ ل ِل ّسهِ َر ّ‬ ‫موا َوال ْ َ‬
‫ح ْ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫داب ُِر ال َْقوْم ِ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫‪ ‬فَُقط ِعَ َ‬
‫النعام‪.45:‬‬
‫ولما كسر الملك المظفر قطز عساكر التتسسار بعيسسن جسسالوت سسساق وراءهسسم ودخسسل‬
‫دمشق في أبهة عظيمة‪ ،‬وفرح الناس به فرحا شديدا ودعوا له دعاء كثيرا وأقر صاحب‬
‫حمص الملك الشرف على بلده وكذلك المنصور صاحب حماه واسترد حلب أيضا مسسن‬
‫أيدي التتار وعاد الحق إلى نصابه ومهد القواعد وكان قد أرسل بيسسن يسسديه الميسسر ركسسن‬
‫الدين بيبرس البندقداري ليطرد التتار ويتسلم مدينة حلب ووعده بنيابتها فلمسا طردهسم‬
‫عنها وأخرجهم منهسسا وتسسسلمها المسسسلمون اسسستناب عليهسسا غيسسره وهسسو علء السسدين ابسسن‬
‫صاحب الموصل وكان ذلك سسسبب الوحشسة الستي وقعست بينهمسا واقتضسست قتسسل الملسك‬
‫المظفر قطز سريعا‪ ،‬ولله المر‪.‬‬

‫ذكر سلطنة الملك الظاهر وهو السد الضاري بيبرس البندقداري‪:‬‬


‫وذلك أن السلطان الملك المظفر قطز لما عاد بالعسساكر قاصسدا السديار المصسرية‬
‫فوصل إلى ما بين الغرابي و الصالحية‪ ،‬عدا عليه المراء‪ ،‬فقتلوه هنالك وقسسد كسسان رجل‬
‫صالحا ‪ ،‬كثير الصلة في الجماعة ول يتعاطى الشراب ول شيئا ممسسا يتعاطسساه الملسسوك‪،‬‬
‫وكانت مدة ملكه من حين عزل ابن أستاذه المنصور علسسي بسسن المعسسز التركمسساني إلسسى‬
‫هذه المدة‪ ،‬وهي أواخر ذي القعدة نحوا من سنة رحمه الله وجزاه عن السسسلم وأهلسسه‬
‫خيرا ‪.‬‬
‫وكان المير ركن الدين بيبرس البندقداري قد اتفق مسسع جماعسسة مسسن المسسراء علسسى‬
‫قتله وألقوه عن فرسه ورشقوه بالنشاب حتى أجهزوا عليه ‪ .‬فاتفقت كلمتهم علسسى أن‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 346 [ ‬‬

‫بايعوا المير ركن الدين بيبرس البندقداري ولم يكن من أكسسابر المقسسدمين فيهسسم ولكسسن‬
‫أرادوا أن يجربوا فيه ولقبوه الملك الظاهر فجلس على سسسرير المملكسسة وجلسسس علسسى‬
‫كرسيها وحكسسم فعسسدل وقطسسع ووصسسل وكسسان شسسهما شسسجاعا أقسسامه اللسسه للنسساس لشسسدة‬
‫احتياجهم إليه في هذا الوقت الشديد والمر العسير ‪ .‬ثم شرع في مسك من يرى فسسي‬
‫نفسه رئاسة من أكابر المراء حتى مهد الملك كما يريد والله على كل شيء شهيد ‪.‬‬
‫وقد كان السلطان هولكو قان لما بلغه ما جرى على جيشسسه بعيسسن جسسالوت أرسسسل‬
‫جماعة كثيرة من جيشه إلى بلد الشام ليستعيدوه من أيدي جيش السلم فحيل بينهم‬
‫وبين ما يشتهون ورجعوا إليه خائبين خاسسسرين وذلسسك أنسسه نهسسض إليهسسم الهزبسسر الكاسسسر‬
‫والسيف الباتر السلطان الملك المؤيد الظاهر فقدم إلى دمشق وأرسل الجيسسوش مسسن‬
‫كل جانب لحفظ الثغور والمعاقل بالسلحة التامة والجحافل فلم يقدر التتار على الدنو‬
‫إليه‪ ،‬ول القدوم عليه فعند ذلك نكصت شياطينهم على أعقابهم وكرت راجعة القهقرى‬
‫على أذنابها والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وتكمل المسسسرات فسسي هسسذه الحيسساة‬
‫الدنيا وبعد الممات ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 347 [ ‬‬

‫وفي سنة ‪ 660‬هـ ‪:‬‬


‫وفي ذي الحجسسة قسسدمت وفسسود كسسثيرة مسسن التتسسار علسسى الملسسك الظسساهر مسسستأمنين‬
‫فأكرمهم وأحسن إليهم وأقطعهم إقطاعات حسنة وكذلك فعل بأولد صاحب الموصسسل‬
‫ورتب لخوانهم رواتب كافية‪.‬‬
‫وفسسي هسسذه السسسنة أرسسسل هولكسسو طائفسسة مسسن جنسسده نحسسو عشسسرة آلف فحاصسسروا‬
‫الموصل ونصبوا عليها أربعة وعشرين منجنيقا وضاقت بها القوات‪.‬‬
‫وفيها وقع الخلف بين هولكو وبيسسن السسسلطان بركسسة ابسسن عمسسه وأرسسسل إليسسه بركسسة‬
‫يطلب منه نصيبا مما فتحه من البلد على ما جسسرت بسسه عسسادتهم ‪ ،‬فقتسسل رسسسله فاشسستد‬
‫غضب بركة وكاتب الظاهر ليتفقا على هولكو ‪.‬‬

‫وفي سنة ‪661‬هـ ‪:‬‬


‫وفيها التقى بركة خان و هولكو ومع كل واحد جيوش كثيرة‪ ،‬فاقتتلوا فهزم هولكو‬
‫هزيمة فظيعة وقتل أكثر أصحابه وغرق أكثر من بقي‪ ،‬وهرب هو في شرذمة قليلة من‬
‫أصحابه‪ ،‬ولله الحمد‪ .‬ولما نظر بركة خان إلى كسسثرة القتلسسى قسسال‪ :‬يعسسز علسسي أن يقتسسل‬
‫المغول بعضهم بعضا‪ ،‬ولكن كيف الحيلة فيمن غير سنة جنكزخان؟! ثم أغار بركه خان‬
‫على بلد القسطنطينية فصانعه صاحبها‪ ،‬وأرسل الظاهر هدايا عظيمة إلى بركة وتحفسسا‬
‫كثيرة هائلة‪.‬‬

‫وفي سنة ‪662‬هـ‪:‬‬


‫وفيها قدمت رسل الملك بركة خان إلى الملك الظاهر‪ ،‬ومعهم الشرف بن شهاب‬
‫غازي بن العادل‪ ،‬ومعهم من الكتب والمشافهات ما فيه سرور للسلم وأهله مما حسسل‬
‫بهولكو وأهله‪.‬‬
‫وفيها قدم نصير الدين الطوسي إلى بغداد من جهة السلطان هولكو خسسان‪ ،‬فنظسسر‬
‫في الوقاف وأحوال البلد وأخذ كتبا كسسثيرة مسسن سسسائر المسسدارس‪ ،‬وحولهسسا إلسسى الرصسسد‬
‫الذي بناه بمراغة‪ ،‬ثم انحدر إلى واسط والبصرة‪.‬‬
‫وفيها استحضر الملك هولكو خان ملك التتار الزين الحسسافظي‪ ،‬وهسسو سسسليمان ابسسن‬
‫المؤيد بن عامر العقرباني المعروف بالزين الحافظي وقال له‪ :‬قد ثبت عندي خيانتسسك‪.‬‬
‫وقد كان هذا المغتر لما قدم التتسسار مسسع هولكسسو دمشسسق وغيرهسسا مسال علسسى المسسسلمين‬
‫وآذاهم‪ ،‬ودل على عوراتهم‪ ،‬حتى سلطهم الله عليه بأنواع العقوبات و المثلت ؛‬
‫ضا ‪ ‬وفي الجملة مسن أعسسان ظالمسسا‬ ‫ن ب َعْ ً‬
‫مي َ‬ ‫ض ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫ك ن ُوَّلي ب َعْ َ‬
‫‪ ‬وَك َذ َل ِ َ‬
‫سلط عليه‪ ،‬فإن الله ينتقم من الظالم بالظالم‪ ،‬ثم ينتقم من الظسسالمين جميعسسا‪ ،‬نسسسأل‬
‫الله العافية من انتقامه وغضبه وعقابه وشر عباده‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 348 [ ‬‬

‫وفي سنة ‪663‬هـ‪:‬‬


‫فيها جهز السلطان الملك الظاهر عسكرا جما كثيفا إلى ناحية الفرات لطرد التتسسار‬
‫النسسازلين بسسالبيرة‪ ،‬فلمسسا سسسمعوا بالعسسساكر الظاهريسسة قسسد أقبلسست تولسسوا علسسى أعقسسابهم‬
‫منهزمين‪ ،‬والحمد لله رب العالمين‪ ،‬فطابت تلسسك الناحيسسة وأمنسست تلسسك المعاملسسة‪ ،‬وقسسد‬
‫كانت قبل ذلك ل تسكن من كثرة الفساد بها والخوف‪ ،‬فعمرت وأمنت ولله الحمد‪.‬‬
‫وفي هذه السنة هلك هولكو خان بن تولي خان بن جنكيزخان ‪:‬‬
‫ملك التتار بن ملك التتار بن ملك التتار‪ ،‬وهو والد ملوكهم‪ ،‬وقسسد كسسان ملكسسا جبسسارا‬
‫عنيدا قتل من المسلمين شرقا وغربا مسسال يعلسسم عسسددهم إل السسذي خلقهسسم‪ ،‬وسسسيجازيه‬
‫على ذلك شر الجزاء‪ ،‬كان لعنه الله‪ ،‬ل يتقيد بدين من الديان‪ ،‬وإنما كانت زوجته ظفسسر‬
‫خاتون قسسد تنصسسرت‪ ،‬وكسسانت تفضسسل النصسسارى‪ ،‬وكسسان‪ ،‬لعنسسه اللسسه‪ ،‬يسسترامى علسسى محبسسة‬
‫المعقولت‪ ،‬ول يتصور منها شيئا‪ ،‬وكان أهلهسا مسن أفسراخ الفلسسسفة عنسسده لهسم وجاهسسة‬
‫ومكانة‪ ،‬وإنما كانت همته في تدبير مملكته وتملك البلد شسيئا فشسيئا‪ ،‬حستى أبساده اللسه‬
‫في هذه السنة‪ ،‬وقيل‪ :‬في سنة ثلث وستين‪ ،‬ودفن في مدينسسة تل‪ ،‬ل رحمسسه اللسسه وهسسو‬
‫حسبنا ونعم الوكيل‪.‬‬
‫وممن توفي فيها من العيان ‪.‬‬
‫السلطان بركة خان بن تولي بن جنكزخان بن خاقان‬
‫وهو ابن عم هولكو‪ ،‬وقد أسلم بركة خسسان هسسذا‪ ،‬وكسسان يحسسب العلمسساء والصسسالحين‪،‬‬
‫ومن أكبر حسناته كسره لهولكو وتفريقه جنوده‪ ،‬وكان يناصح الملك الظسساهر ويعظمسسه‬
‫ويكرم رسله إليه‪ ،‬ويطلق لهم شيئا كثيرا‪ ،‬وقد قام فسي الملسك بعسده بعسض أهسل بيتسه‪،‬‬
‫وهو منكوتمر بن طغان بن باتو بن تولي بن جنكزخسسان‪ ،‬وكسسان علسسى طريقتسسه ومنسسواله‪،‬‬
‫ولله الحمد‪ .‬أهس ‪.‬‬
‫)انتهى النقل الملخص عن ابن كثير الدمشقي رحمه الله تعالى ‪( .‬‬
‫ولم تنته تمامسسا مصسسيبة التتسسار بسسذلك ‪ ,‬إذ تتسسابعت غسساراتهم ‪ ,‬وعظسسم البلء بهسسم فسسي‬
‫مشرق بلد المسلمين ‪ ,‬وإلى بلد الشام في زمن تيمورلنك ‪, ,‬أحفاده ‪ ,‬إلى أن انتصسسر‬
‫المسلمون عليهم ‪ ,‬وارتدوا إلى بلدهم وقد فشا السلم فيهم ‪ ,‬وأقسساموا ممالسسك تتريسسة‬
‫وسط آسيا وامتدت فتوحاتهم حتى شملت معظم شمال وشسسرق آسسسيا ‪ ,‬وهكسسذا فتحسسوا‬
‫البلد بالسلم بعد أن فتحهم دين الله وغزا قلوبهم ‪ ,‬في ظاهرة تاريخيسسة فريسسدة حيسسث‬
‫اتبع الغالب دين المغلوبين ‪.‬‬

‫*************‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 349 [ ‬‬

‫تعليقات وملحظات سريعة على مسار التاريخ السلمي منذ بني أمية‬
‫وإلى قيام الدولة العثمانية‬

‫إن المتتبع لمسار تاريخ الدول والممالك السلمية وقد قدمنا نبذة مختصرة عنها ‪,‬‬
‫يخرج بنتيجة واضحة ‪ ,‬وهي أن مثل هسسذا المسسسار ‪ ,‬ومثسسل هسسذا المسسسلك ‪ ,‬مسسن الحكسسام‬
‫أول ‪ ,‬ومن علمائهم ثانيا ‪ ,‬ومن الرعيسسة ثالثسسا ‪ ..‬مسسا كسسان لسسه بمسسوجب السسسنن الشسسرعية‬
‫والقدرية ‪ ,‬وكذلك العقلية والمنطقية و بحكم سنن السياسة ‪ ,‬وصراع البقاء بين القوى‬
‫‪ ,..‬إل أن يسفر ذلك الحال عن النتيجة التي أسفر عنها ‪..‬‬
‫ولكن ‪ ,‬يخشى على من يقرأ التاريخ ولسيما الملخصات الموجزة له ‪ .‬وخاصة تلك‬
‫المعاصرة التي كتبت بأيسدي العلمسانيين المعاصسرين ‪ ,‬وتلميسذ المستشسرقين ‪ .‬يخشسى‬
‫على القارئ أن يخرج بصورة شسسوهاء عسسن تاريخنسسا السسسلمي المجيسسد ‪ .‬فيظسسن أن كسسل‬
‫ملوك وأمراء المسلمين ‪ ,‬كانوا ظلمسسة طسساغين ل خيسسر فيهسسم ‪ ,‬فسسساقا عسسابثين ‪ ,‬لهيسسن‬
‫بالقيان والجواري ‪ ,‬منصرفين إلى المجون ‪ ,‬وإلى اللهو ما أحل الله منه وما حرم ‪!..‬‬
‫وأن كل أو جل علماء المسلمين كانوا مقصسسرين فسسي أداء أمسسانتهم ‪ ,‬قاعسسدين عسسن‬
‫المر والنهي والجهاد ‪ ,‬مصطفين على أبواب المراء ينتظرون المنح والعطايا ‪!..‬‬
‫ويظن أن معظم الرعايا كانوا منغمسسسين فسسي السستيه والنحلل ‪..‬فسسسقة علسسى ديسسن‬
‫ملوكهم ‪ ..‬ل يعرفون معروفا ول ينكرون منكرا ول يدافعون في سبيل الله ‪..‬‬
‫ومثل هذا الستنتاج مغاير لحقيقة تفاصيل الواقع ‪ ,‬وإن كان مسسا روينسسا ملخصسسا عسسن‬
‫كتب التاريخ صحيح في مجمله ‪ ,‬وأكبر شاهد على صحة ذلسسك ‪ ,‬النتيجسسة السسسوداء السستي‬
‫آلت إليها أحوال المة في نهاية ذلك النحلل ‪ ..‬وهي الجذور التاريخيسسة لمسسا نعساني منسه‬
‫اليوم من بليا مخزية ‪.‬‬
‫ومما يجب أن ينتبه إليه من يقرأ التاريخ السلمي فسسي الكتسسب المعاصسسرة ‪ ,‬أو فسسي‬
‫كتب المناهج الدراسية المعتمدة في معظم أو كافسسة بلد المسسسلمين ‪ .‬أن معظسسم هسسذه‬
‫الكتابات قد خطتها أقلم علمانية من تلميذ المستشرقين أو الذين تربوا ودرسوا علسسى‬
‫أيديهم ‪ .‬وقد نهجت هذه الكتب نهجا يعتمد التزوير والدس من أجل النيسسل مسسن تاريخنسسا‬
‫المجيسسد ولضسسعاف صسسلتنا بتراثنسسا ‪ .‬ولتشسسويه تاريسسخ جهسساد أجسسدادنا العظسسام ون مختلسسف‬
‫مكونات النسيج العرقي لمم السلم عربا وغير عرب ‪ .‬ولللقاء بذور الفتنسسة بيسسن تلسسك‬
‫المكونات ‪.‬‬
‫وأذكر مما درسنا في الراحل الدراسية المختلفة مما كتبه الكتاب القوميون العرب‬
‫‪ ,‬كميات هائلة من ذلك الدس والتزوير‪ ,‬مما يضيق المجال هنا عن نقل شواهده ‪ .‬كمسسا‬
‫أذكر على سبيل المثال على ذلك ‪ .‬أنني عندما درسسست فسي ) كليسة قسسم التاريسسخ فسي‬
‫جامعة بيروت العربية( درسنا في مناهجنا غرائب كثيرة ‪ ,‬منها أن الذين وضعوا المناهج‬
‫قد قسموا تاريخنا السلمي إلى ما أسسموه ) الدولسة العربيسة‪ -‬وتشسمل الدولسة النبويسة‬
‫ودولة بني أمية ‪ (-‬ثم ) الدولة الفارسية‪ -‬وتشمل صدر العصر العباسي ‪ (-‬ثسسم ) الدولسسة‬
‫التركية – وتشمل باقي العصر العباسسي ‪ (-‬ثسم تاريسخ بعسض الممالسك المسستقلة ‪ .‬كمسا‬
‫صنفوا الدولة العثمانية على أنها ) الحتلل العثماني للبلد العربية ( ‪ .‬كما عرضوا الفتح‬
‫السلمي منذ الدولة النبوية وما تلها على أنسسه اسسستدراج سياسسسي وليسسس كمسسا حقيقتسسه‬
‫منهج دين وتكليف شرعي لنشر الدين العالمي وآخر الرسالت للعالمين ‪ .‬كمسسا درسسسنا‬
‫من تاريخ أوربا مثل أو أكثر مما درسسسونا عسسن تاريخنسسا ‪, ..‬هسسذا ناهيسسك عسسن إبسسراز تاريسسخ‬
‫الزنادقة والمارقين من الملوك والثوار والفلسفة والعلماء الضسسالين ومشسساهير شسسعراء‬
‫المجون والخمر والنحلل وإشهارهم كالقرامطة والزنج ورجالهم ‪ ,‬ومن العلم أمثسسال‬
‫الفارابي وابن سينا وأبو العلء المعري وبشار وأبو نواس ) قبل توبته ( ‪ ..‬و الصسسفهاني‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 350 [ ‬‬

‫الزنديق واضع كتاب الغاني المليء بالكاذيب والدس على سير الخلفاء وما حوى مسسن‬
‫قصص المجون الموضوعة ‪ ..‬وغيسسر ذلسسك كسسثير ‪ .‬وأمسسا السستزوير المتعمسسد بسسسبب الهويسسة‬
‫القومية للجامعة وعلمانيتها ‪..‬فحسسدث ول حسرج عسن العبسث الرخسص بتاريسسخ المسسلمين‬
‫وحضارتهم وتقييم مناهجهم ورجالهم ‪.‬في مخطسسط مسسدروس للغسسزو الفكسسري ليسسس هنسسا‬
‫مجل تناوله ‪.‬‬
‫وأما اليوم وفي ظلل حرب الفكار التي تشنها علينا الحملت الصسسليبية المريكيسسة‬
‫بقيسسادة ) بسسوش ‪ ,‬و رامسسسفيلد ‪ ,‬و كونديليسسسا رايسسس ‪ (..‬وتنفيسسذ ) منظمسسة اليونسسسكو‬
‫والمم المتحدة ( فقد ذهبت الطامة في إعادة تزوير المزور من تاريخ المسلمين إلسسى‬
‫مجالت تهدف إلى إخراج المسلمين من دينهم كليا وسلخهم من تاريخهم كليسسا‪..‬ولسسذلك‬
‫يجب النتباه إلى مصادر التاريخ والتمحيص في هوية كاتبيها ومن وراءهم ‪.‬‬
‫ولكن وحتى تكون الصورة متكاملة وصحيحة وشاملة فيما لخصت آنفا مسن تاريخنسا‬
‫السلمي ‪ ,‬يجب أن نذكر أيضا الوجسسوه المشسسرقة للحضسسارة والتاريسسخ السسسلمي السسذي‬
‫تركت خيراته بصماتها على جبين البشرية ‪.‬‬
‫وبذلك نفهم منطق السنن المختصر فسسي قواعسسد وسسسنن ثابتسسة ‪ ,‬تفسسسر لنسسا أسسسباب‬
‫القوة والنتصارات الكثيرة ‪ ,‬وأسباب الضعف وتسلط العسسداء والهسسزائم المنكسسرة السستي‬
‫مرت وما تزال علينا ‪ .‬من قبيل ما قال تعالى ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م ‪) ‬محمد‪. (7:‬‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫دا َ‬‫ت أقْ َ‬ ‫م وَي ُث َب ّ ْ‬ ‫صْرك ُ ْ‬ ‫ه ي َن ْ ُ‬‫صُروا الل ّ َ‬ ‫ن ت َن ْ ُ‬ ‫مُنوا إ ِ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪َ ‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫وكما قال عز من قائل ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ف ِ‬ ‫عن ْدِ أن ْ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل هُوَ ِ‬ ‫ذا قُ ْ‬ ‫م أّنى هَ َ‬ ‫مث ْل َي َْها قُل ْت ُ ْ‬‫م ِ‬ ‫صب ْت ُ ْ‬‫ة قَد ْ أ َ‬ ‫صيب َ ٌ‬‫م ِ‬ ‫م ُ‬ ‫صاب َت ْك ُ ْ‬‫ما أ َ‬ ‫‪ ‬أوَل َ ّ‬
‫ديٌر ‪) ‬آل عمران‪. (165:‬‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫إِ ّ‬
‫َ‬
‫م‬‫شسُرهُ ي َسوْ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ض سْنكا ً وَن َ ْ‬
‫ة َ‬ ‫شس ً‬ ‫مِعي َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن ل َس ُ‬ ‫ري فَسإ ِ ّ‬ ‫ن ذِك ْس ِ‬ ‫ض عَس ْ‬ ‫ن أعَْر َ‬ ‫م ْ‬ ‫وقوله تعالى ‪  :‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صسسيرا* قسسال كسذ َل ِك أت َت ْسك آَيات ُن َسسا‬ ‫َ‬ ‫ت بَ ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫مى وَقد ْ كن ْ ُ‬ ‫شْرت َِني أعْ َ‬ ‫ح َ‬ ‫م َ‬ ‫ب لِ َ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫مى* َقا َ‬ ‫مة ِ أ ع ْ َ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫قَيا َ‬
‫سى ‪) ‬طسه‪.( 126-124 :‬‬ ‫م ت ُن ْ َ‬ ‫ك ال ْي َوْ َ‬ ‫سيت ََها وَك َذ َل ِ َ‬ ‫فَن َ ِ‬
‫وغير ذلك في كتاب الله من السنن والقوانين الربانية الكسسثيرة ‪..‬المبينسسة المفصسسلة‬
‫في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬ومن ذلك قوله ‪:‬‬
‫) يا معشر المهاجرين ‪ :‬خمس خصال أعوذ بالله أن تدركوهن ‪:‬‬
‫ما ظهرت الفاحشة في قوم قط حتى أعلنوا بها إل ابتلوا‬ ‫‪-‬‬
‫بالطواعين والوجاع التي لم تكن في أسلفهم الذين مضوا ‪.‬‬
‫وما نقص قوم المكيال إل ابتلو ا بالسنين وشدة المؤونة‬ ‫‪-‬‬
‫وجور السلطان‪.‬‬
‫وما منع قوم زكاة أموالهم إل منعوا القطر من السماء ولول‬ ‫‪-‬‬
‫البهائم لم يمطروا‪.‬‬
‫ول خفر قوم العهد إل سلط الله عليهم عدوا من غيرهم‬ ‫‪-‬‬
‫فأخذوا بعض ما في أيديهم‪.‬‬
‫وما لم تعمل أئمتهم بما أنزل الله فــي كتــابه إل جعــل بأســهم‬ ‫‪-‬‬
‫بينهم شديدا ( ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 351 [ ‬‬

‫وليس هنا مجال استقصاء تلك الشواهد وما تزخر به من القواعد والسنن في فهم‬
‫مسار التاريخ وقيام الممالك وزوالها ‪.‬‬
‫فعلينا حتى نفهم هذه السنن من أن أجسل أن نحترمهسا ونعمسل بأحسسنها ‪ .‬ونتحسرك‬
‫على بصيرة من هدي ربنا ‪.‬‬
‫وفي النهاية على كل من نكص عن شريعة اللسسه واتخسسذ أوامسسره ظهريسسا ‪ ,‬أن يفهسسم‬
‫قوله تعالى لبني إسرائيل لما عصوا الله ورسله وأدركتهم العقوبة ‪:‬‬
‫م فَل ََها ‪..‬‬ ‫فسك ُم وإن أ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫‪ ‬إن أ َحسنت َ‬
‫سسسى‬ ‫‪ ‬إلى قوله تعسسالى ‪  :‬عَ َ‬ ‫م َلن ْ ُ ِ ْ َ ِ ْ َ‬
‫س أت ُ ْ‬ ‫سن ْت ُ ْ‬
‫ح َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ِ ْ ْ َ ُْ ْ‬
‫صيرا ً ‪ ) ‬السراء‪ . (8:‬فليس بين‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ربك ُ َ‬
‫ح‬ ‫ن‬ ‫ري‬
‫ِ ِ َ َ ِ‬ ‫ف‬ ‫كا‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫م‬‫ن‬ ‫ه‬ ‫ج‬ ‫نا‬ ‫ل‬‫ع‬ ‫ج‬
‫َْ َ َ َ َ َ َّ َ ِ‬‫و‬ ‫نا‬ ‫د‬ ‫ُ‬ ‫ع‬ ‫م‬
‫ُْ ْ‬‫ت‬ ‫د‬ ‫ُ‬ ‫ع‬ ‫ن‬
‫م وَ ِ ْ‬
‫إ‬ ‫مك ُ ْ‬
‫ح َ‬‫ن ي َْر َ‬
‫مأ ْ‬‫َ ّ ْ‬
‫مث ْل َُهسسا‬ ‫سي ّئ َ ٌ‬
‫ة ِ‬ ‫سي ّئ َةٍ َ‬ ‫الله وأحد من خلقه نسب ول صهر ‪ ,‬وصدق الله العظيم ‪  :‬وَ َ‬
‫جَزاُء َ‬
‫‪) ‬الشورى‪.( 40 :‬‬
‫وأهم الملحظات التي يجب أن نذكر بها ونأخذها بعين العتبار ونحن ندرس تاريخنا‬
‫المجيد النقاط التالية ‪:‬‬
‫أول‪ :‬أن شريعة الله تبارك وتعالى ‪ ,‬كانت هي المرجع المحسسترم مسسن كسسل طبقسسات‬
‫الحاكمين والمحكومين ‪ .‬في كل تلك الممالك والمجتمعات ‪ .‬وكانت هي الحاكم عليهسسم‬
‫جميعا ‪ .‬وكانت هي دستور الدولة العلى ‪ .‬ومصدر جميسسع قسسوانينه التفصسسيلية ‪ .‬فسسإذا مسسا‬
‫حاد عنها حاكم أو محكوم ‪ ,‬فمن باب الفسوق والعصيان والزلل والتقصير ‪ ,‬الذي كسسان‬
‫أصحابه – حكامسا ومحكسسومين ‪ -‬يعرفسسون أنهسسم مقصسسرون آثمسسون ‪ .‬ولسسم يسسدخل التبسسديل‬
‫والتغيير على شرع الله على وجه التشريع والحكم بغير ما أنسسزل اللسسه ‪ ,‬زهسسدا بشسسريعة‬
‫الله أو تفضيل لغيرها عليها ‪ ,‬أوجودا لحكامها ‪ ,‬أو للشعور بإمكانية المفاضلة بينها وبين‬
‫غيرها ‪ ,‬إل متأخرا ‪ ,‬في الربع الخير من الدولسسة العثمانيسسة كمسسا سسسنرى فسسي اسسستعراض‬
‫تاريخها ‪ .‬أو ما حصل من بعض الممالك المستقلة التي قامت أصل علسسى المسسروق عسسن‬
‫دين الله كما كان من الدولة العبيدية الفاطميسسة السستي قسسامت فسسي المغسسرب ومصسسر ثسسم‬
‫الشام‪ ,‬وتأسست أساسا على الزندقة والسحر والفلسفة والشعوذة والمذاهب الباطلة‬
‫‪,‬ز وقد حكم علماؤنا من أئمة عصرها بكفرها ومروقها من السسدين ‪ .‬وكسسذلك مسسا حصسسل‬
‫من بعض ملوك التتار الذين ادعوا السلم ‪ ,‬وتحاكموا لشريعة رئيسهم جنكيزخان التي‬
‫تركها لهم مدونة في ما عرف بس )الياسا( أو ) الياسق ( ‪ ,‬وقد مر التعريف بهمثا تيمسسور‬
‫لنك وأحفاده ‪ ..‬فهي ليست شاهدا على ما نحسسن بصسسدده مسسن الممالسسك السستي اعتورهسسا‬
‫النحراف ‪ ,‬ولكنها لم تخرج عن أصل الحتكام لشرع الله ‪ ,‬فلم يجاوز النحراف الظلم‬
‫والفسق ‪ ,‬إلى المروق والكفر كما حصسسل لحقسسا ‪ .‬وإن كسسانت تلسسك الممالسسك والسسدول‪-‬‬
‫بحكامها ومحكوميها ‪ -‬قد نالت عقابها القسسدري المحتسسوم بحكسسم السسسنن ‪ ,‬بقسسدر ظلمهسسا‬
‫وفسوقها وعصيانها ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬أن الغالبية العظمى لولئك الملوك والمسسراء المنحرفيسسن ‪ ,‬وحسستى أشسسدهم‬
‫فسادا ‪ ,‬وفسوقا وصراعا على الملك ‪ ,..‬كانوا مجاهدين لعداء السلم من الكفار دفعا‬
‫وطلبا ‪ .‬وخاصة في الدفع عن أراضي المسلمين وأنفسهم وحرمسساتهم ‪ ,‬وقسسد مسسر معنسسا‬
‫في الستعراض شواهد عديدة ‪ ..‬وقد رأينا هذا من الطغاة الفاسسسدين مسسن بنسسي أميسسة ‪,‬‬
‫وكذلك من بني العباس ‪ ,‬وصول إلى ملسوك الممالسك المسستقلة ‪ .‬فالحمسدانيون ‪ -‬رغسم‬
‫كونهم من الشيعة‪ , -‬ورغم ما ابتلوا به من البدع والمظالم ‪ ,‬كسسانوا ممسسن جاهسسد السسروم‬
‫وأبلوا بلءا حسنا ‪ ,..‬والسلجقة التراك رغم ظلمهم وبطشهم وعدوانهم على الخلفاء‬
‫وعلى الرعية ‪ ,‬وقفسسوا سسسدا منيعسسا فسسي وجسسه السسروم ‪ ,‬وكسسان لهسسم المشسساهد العظيمسسة ‪,‬‬
‫والتابكة الزنكيون وملكهم الصالح نسسور السسدين رحمسسه اللسسه ‪..‬ثسسم اليوبيسسون ومؤسسسس‬
‫دولتهم المجاهد الناصر صلح الدين كذلك ‪..‬وغيرهم ‪ ,‬و حتى بيبرس المملسسوكي السسذي‬
‫قتل أمير المسلمين إثر النصر الكبر في )عين جالوت( مسسن أجسسل الملسسك والمسسارة ‪ .‬و‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 352 [ ‬‬

‫كان بعد ذلك ظلوما غشوما جبارا ‪ ,..‬إل أنه لم ينزل عن صهوة جواده سسسبعا وعشسسرين‬
‫عاما ‪ ,‬جاهد فيها الروم و التتار وهم بنو عمه ‪ ,‬وجاهد الصليبيين حتى أجلهم مسسن أكسسثر‬
‫البلد ‪ .‬ثم تولى المماليك ممن خلفه المهمة حتى أنجزوها ‪ ,..‬وقل مثل ذلك عن بسساقي‬
‫الممالسسك مسن الغزنسويين وملكسم الصسسالح محمسسود سسسبكتكين ‪..‬و السسلجقة وسسلطانهم‬
‫المجاهد ) ألب أرسلن (‪ ..‬و الغوريين والمغول المسسسلمين فسسي آسسسيا والهنسسد ‪ ,..‬وعسسن‬
‫ممالك شمال أفريقيا من الغالبسسة الفسساتحين المجاهسسدين فسسي تسسونس‪ ,‬إلسسى المرابطيسسن‬
‫والموحدين في المغرب ‪...‬إلى حيث قامت للسلم مملكة ‪...‬‬
‫ولم يخرج إلى خندق القعود والخيانة ‪ ,‬والعمالة للعدو إل أفراد من المتسسأخرين مسسن‬
‫تلك الممالك ‪ ,‬كما كان من الملك الطالسسح ) الصسسالح إسسسماعيل اليسسوبي( السسذي حسالف‬
‫الصليبيين ‪ ,‬وبعض ) ملوك الطسسوائف فسسي النسسدلس (‪..‬وغيرهسسم ‪ ,‬ممسسن سسسجل التاريسسخ‬
‫لعناته عليهم ‪..‬وأكثرهم خلع مسسن قبسسل أسسسرته أو ممسسن جسساوره مسسن الممالسسك ‪ .‬وعسسدت‬
‫فعلتهم منكرة من الحكام والعلماء والرعايا في ذلك الزمان ‪..‬‬
‫ثالثا ‪ :‬أن معظسسم علمساء المسسلمين المرمسسوقين المشساهير ‪ ,‬كسانوا إمسا مسن أهسل‬
‫العزائم ‪ ,‬فاحتسبوا على الملوك والمراء ‪ ,‬وأمروهم بالمعروف ونهوهم عن المنكسسر ‪,..‬‬
‫وقد سجل التاريخ قصصا رائعة تكتب بماء الذهب ‪ ,‬وأحرف النور ‪ ,‬منذ ظهر الملك في‬
‫بني أمية ‪ ,‬وحتى زمن قريب ‪..‬وقائمة أسماء هؤلء السلف الصالح طويلة تزخر بالمآثر‬
‫‪ .‬وإما لم يكونوا مسن أهسل العسزائم ‪ ,‬فساعتزلوا القصسور ومسن فيهسا ‪ ,‬واعستزلوا مسسائل‬
‫الحكام وتفرغوا للعلم والزهد ‪..‬ولم يتمرغوا في أوحال النفاق للسلطين ‪ ,..‬ولسم يشسذ‬
‫عن ذلك من العلماء المرموقين ‪ ,‬إل أوشاب مسسن المتسسساقطين فسسي أوحسسال السسدنيا ‪ ,‬أو‬
‫أوباش من المنسوبين لعالم العلم والعلماء ‪ ,..‬ولم نبتلى بفساد العلمسساء عامسسة إل قليل‬
‫جدا ممن عصم الله ‪ ,‬كما في زماننا هذا إل في أوقات متسسأخرة مسسن تاريخنسسا الطويسسل ‪.‬‬
‫كما كان العلماء قدوة في الجهسساد ‪ ,‬ولسسسيما فسسي الزمسسات والنسسوازل الكسسبرى ‪ ,‬فكسسانوا‬
‫يخرجون للغزو دفعا وطلبا مع أئمة المسلمين برهم و فسساجرهم ضسسد أعسسداء المسسسلمين‬
‫من الكفار ‪ .‬وذلك قبل أن يظلنا زمسسان الدشسسوش ‪ ,‬وتتسسدلى الكسسروش ‪ ,‬وتسسسعى كسسرام‬
‫العمائم واللحى خلف القروش و الحشوش ‪..‬‬
‫رابعا ‪ :‬أن غالبية فساق المسسراء وطغسساتهم وحسستى الجبسسارين منهسسم ‪ ,‬ممسسن عرفسسوا‬
‫بالبسسأس والقسسسوة ‪ ,..‬كسسانوا إذا ُوعظسسوا مسسن قبسسل العلمسساء وأهسسل الحسسسبة ‪ ,‬والمريسسن‬
‫بالمعروف الناهين عن المنكر ‪ ,..‬اتعظوا وخشعوا ‪ ,‬وربمسسا تسسأثروا وبكسسوا‪ ,‬ورجعسسوا عسسن‬
‫مظلمة أو زلة ‪ ,‬حتى وإن عادوا إلسى قبيسسح أعمسسالهم ‪ .‬فقسسد كسان للسدين علسى أنفسسهم‬
‫سلطانا ‪ .‬وللعلماء الصادقين ‪ -‬حتى ممن وقفوا لهم بالمرصاد – احتراما وهيبسسة ‪ .‬وقسسد‬
‫جمعوا إلى هذه المزية الخيرة ‪ ,‬رغسسم طغيسسانهم وفسسسوقهم ‪ ,‬وصسسراعهم علسسى الملسسك ‪,‬‬
‫ومظالهم ‪ ,..‬جمعوا لذلك حسسب الخيسسر ‪ ,‬والصسسدقات والحسسسان ‪ ,‬ومختلسسف وجسسوه السسبر‬
‫والخير ‪..‬ليكفسسروا عسسن غيهسسم ‪ ,‬و لصسسالة فسسي معسسدنهم ‪ ,..‬فبنسسوا المسسساجد ‪ ,‬و التكايسسا ‪,‬‬
‫وأوقفوا الوقاف في مختلف وجسسوه الخيسسر ‪...‬إضسسافة إلسسى جهسسادهم ‪ ,‬وحكمهسسم أساسسسا‬
‫بشريعة الله ‪.‬‬
‫خامسا ‪ :‬أن غالبيسسة الرعايسسا مسسن المسسسلمين كسسانوا علسسى أصسسل الصسسلح واحسسترام‬
‫الدين ‪ ,..‬وكانوا تبعا للعلماء الصالحين ‪ .‬مآزرين لهم في مواقفهم ‪ .‬مما شسسجع العلمسساء‬
‫على النهوض في كثير من الحيان ‪ .‬وكانوا يخرجون للجهسساد والنفيسسر وثغسسور الربسساط ‪,..‬‬
‫وقد اختلط الخير والشر في تلك العصور كثيرا ‪ ,..‬ولكن لم تكن تصسسل المسسور إلسسى مسسا‬
‫فشسسا فسسي الزمنسسة المتسسأخرة مسسن وجسسوه مجسساهرة العسسوام بسسألوان الكفسسر والفسسسوق‬
‫والعصيان ‪ ,..‬ونسال الله السلمة ‪.‬‬
‫سادسا ‪ :‬أن الخير لم يكن ينقطع عبر تاريخنسسا ذاك ‪ ,‬وأن رايسسة السسسلم والصسسلح‬
‫والعزة ‪ ,‬لم تزل تتنقل بين اليادي المختلفة ‪ ,‬والمكونسسات المتعسسددة لنسسسيج المسسة مسسن‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 353 [ ‬‬

‫عرب وعجم وترك وفرس وبربر ومغول وأفارقة وغير ذلك ‪..‬إلسسخ ‪ .‬وأنسسه كلمسسا ضسسعف‬
‫السلم في مكان ‪,‬كان ينهض في آخر ‪..‬وكان آخر الشواهد قيام الدولة العثمانية السستي‬
‫حفظت رمزية الخلفة الجامعة للمسلمين ‪ ,..‬بعسسد أن تسسولى مسسن سسسبقهم ‪ ,‬فاسسستبدلهم‬
‫الله بغيرهم ‪.‬‬
‫سابعا ‪ :‬أن معجزة الرسول الخالدة في إخباره صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬أن طائفة‬
‫مجاهدة في سبيل الله لم تزل ولن تزال قائمة‪:‬‬
‫فعن جابر بن سمرة رضي الله عنه يرفعه إلى النبي صلى الله عليسسه وسسسلم ‪ ,‬أنسسه‬
‫قال ‪:‬‬
‫( لن يبرح هذا الدين قائما يقاتــل عليــه عصــابة مــن المســلمين حــتى‬
‫تقوم الساعة ( رواه مسلم ‪ .‬وعن معاوية يرفعه أيضا ‪ ) :‬من يرد الله به خيرا‬
‫يفقهه في الدين و ل تزال عصــابة مــن المســلمين يقــاتلون علــى الحــق‬
‫ظاهرين على من ناوأهم إلى يوم القيامة ( رواه مسلم ‪.‬‬
‫و في رواية عنه أيضا ‪ ) :‬ل تقوم الساعة إل وطائفة من أمــتي ظــاهرون‬
‫على الناس ‪ ،‬ل يبالون من خذلهم و ل من نصرهم ( رواه ابن ماجة ‪.‬‬
‫وهكذا بقيت وما زالت الطائفة المنصورة ‪ ,‬طائفة الجهاد والدفع هذه قائمة تجاهسسد‬
‫على مر العصور ‪ .‬وحتى إلى يومنا هذا ولله الحمد والمنة ‪.‬‬
‫وشواهد ما أسلفت من الملحظات في كتب التاريخ كثيرة جدا ‪ ,‬لعل اللسسه يوفقنسسا‬
‫لذكر طرف منها في كتاب منفصل عن تاريخنا المجيد ونوادره الرائعسسة ‪ ,‬وكنسست أود أن‬
‫أنقل أطرافا من ذلك هنا مما جمعته ‪ ,‬ثم عدلت عن ذلك خشية أن يطسسول بنسسا المقسسام‬
‫عن المقصد من هذه النبذة التاريخية في سياق هذا الكتاب ‪.‬‬

‫وبالخلصة ‪:‬‬
‫فقسسد أدت ) مورثــات الصــلح الكامنــة فــي المــة( فسسي الحكسسام والعلمسساء‬
‫والمحكومين على مر تلك العصور‪ ..‬إلى استمرار الخير ينازع وجوه الشر والفساد فسسي‬
‫المة ‪ ,..‬مما مد في عمر حضارتها لكثر من ثلثة عشر قرنسسا ‪ , ..‬ولقسسد تحطمسست علسسى‬
‫صخور دول السلم الصامدة كل الهجمات العاتية التي تكسرت موجاتها عليها ‪ ..‬وبقسي‬
‫السلم شامخا ‪ ,‬وبقسسي المسسسلمون أعسسزاء ‪ ,..‬وكسسانت كسسل دولسسة ومملكسسة وأمسسة تلقسسي‬
‫مصيرها بموجب السنن القدرية بقدر مالديها من صلح وفساد ‪..‬‬
‫إلى أن استهلت العقود الخيرة منذ القرن العشرين ‪ ,‬وبسسدأت الغالبيسسة مسسن جمسسوع‬
‫المة حكاما ومحكومين‪..‬تنسلخ عن شريعة ربها ‪ ..‬ونجحت مؤامرات العدو في سلخهم‬
‫عن دينهم ‪ ,‬اعتقادا وتطبيقا إل في القلية ممن رحم اللسسه ‪ ..‬فبسسدأ يحسسل بنسسا مسسا نشسساهد‬
‫اليوم من النهيار الذي لم يشهد له تاريخنا مثيل ‪ ,‬حيسسث أصسسبح الغسسزاة يقسساتلون المسسة‬
‫بأبنائها والمنتسبين ) إسما ( إليها ‪..‬وهذا مسسا سنفصسسل أسسسبابه وشسسواهده فسسي الفصسسول‬
‫القادمة إن شاء الله ‪ .‬ونبحث عن الحلول له‪ ,‬عساها تنفع الطائفة المنصسسورة‪ ,‬وعسسسانا‬
‫نكون منهم إن شاء الله‪.‬‬

‫*************‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 354 [ ‬‬

‫عود على بدء‪...‬‬

‫ونستأنف من حيث وصلنا في استعراض مسسوجز عسسن تاريخنسسا ‪ ,‬بعسسد أن استعرضسسنا‬


‫أهسسم الغسسارات السستي تعسسرض لهسسا عالمنسسا السسسلمي فسسي تاريخنسسا القسسديم وهسسي الحملت‬
‫الصليبية وغارات المغول ‪...‬وكنا قد عرضنا للدول المستقلة‪ ,‬بعد ذكسسر نبسسذة عسسن تاريسسخ‬
‫الدولة النبوية‪ ,‬وخلفة الراشدين ‪,‬والدولة الموية والدولة العباسية ‪..‬‬
‫وفي بدايات القرن العاشر الهجري ‪ ,‬ومطلع السسسادس عشسسر الميلدي ‪ .‬كسسان ) آل‬
‫عثمان( أحفاد السلجقة في هضبة الناضول ‪ ,‬قد نهضوا وأسسوا مملكة ‪ ,‬اتسعت من‬
‫غسسرب الناضسسول شسسيئا فشسسيئا ‪ ,‬وتحسسولت إلسسى سسسلطنة قويسسة ‪ ,‬وتمكنسست مسسن فتسسح‬
‫القسسسطنطينية عاصسسمة السسروم السسبيزنطيين سسسنة )‪1453‬ميلديسسة ( ‪ ,‬ممسسا أحسسدث نقلسسة‬
‫تاريخيسسة عالميسسة ‪ ,‬حيسسث عسسدت تلسسك الواقعسسة عنسسد المسسؤرخين الغربييسسن نهايسسة العصسسور‬
‫الوسطى وبداية العصور الحديثة ‪.‬‬
‫وبعد أن فتح العثمانيون القسطنطينية تحركوا شمال وغربا في أوربسسا ‪ ,‬وفتحسسوا بلد‬
‫القرم ومحيط البحر السود وبلد القفقسساس و وأوربسسا الشسسرقية وبلد البلقسسان‪ ,‬ووصسسلوا‬
‫إلى وسط النمسا‪.‬وشمال إيطاليا‪ !.‬كما تحركوا جنوبسسا ‪ ,‬وبسسسطوا سسسيطرتهم علسسى بلد‬
‫الشام والعراق ومصر ‪ ,‬والحجاز واليمن ‪ ,‬ثم وسط شمال إفريقيا‪ ..‬وأكسسثر جسسزر البحسسر‬
‫المتوسط ‪ ..‬وبعد فتحهسسم مصسسر ‪ ,‬نقلسسوا إليهسسم الخلفسسة ‪ ,‬وتسسسلموها مسسن آخسسر الخلفسساء‬
‫الرمزييسسن لبنسسي العبسساس السسذين كسسانوا فسسي القسساهرة فسسي كنسسف دولسسة المماليسسك سسسنة )‬
‫‪922‬هس( ‪ .‬ومنذ ذلك الوقت قامت الخلفة العثمانية التي أعادت جمع شتات المسلمين‬
‫تحت رايتها وسلطانها ‪ ,‬وحملت راية الجهاد دفعا وطلبا في مواجهة دول وممالك أوربسسا‬
‫الذين ورثوا راية الروم بعد سقوط القسطنطينية ‪.‬ومهما كان مسسن آراء المسسؤرخين فسسي‬
‫تلك الخلفة والدولة العثمانية ‪ ,‬إل أن مما ل شك فيه أنها كانت امتدادا لدولسسة السسسلم‬
‫ورايته وحضارته ‪ .‬وامتدادا لمسمى الخلفة السلمية السستي غسسابت عسسن الوجسسود بغيسساب‬
‫دولت العثمانيين وسقوطها على أيدي الدول الوربية سنة ‪1924‬م ‪.‬‬
‫ولهمية هذه الحقبة من تاريخ المسلمين الحديث ‪ ,‬بل وتاريخ الصراع‬
‫حامي الوطيس بين المسلمين والروم المعاصرين ( الدول الوربية (‬
‫نعرض أيضا لنبذة عن تاريخ الدولة العثمانية ‪ .‬حيث سنتوسع فيه بعض‬
‫الشيء (‪ 80‬صفحة تقريبا ( اختصرت فيها مئات الصفحات من‬
‫مصادرها ‪ ,‬لنه يمثل المراحل الولى للصراع الحديث بين المسلمين‬
‫والدول الوربية ‪ .‬كما يشكل بدايات لنشوء النظام الدولي الحديث القائم‬
‫على نظام صراع المصالح والحلف الدولية ‪.‬‬
‫حيث سيرى القارئ أن مــا نعيشــه اليــوم مــن حبــائل الــدول الروميــة‬
‫( أوربا وروسيا وأمريكا ( ما هو إل تكرارا لما جرى‬ ‫الحديثة المتعددة ‪:‬‬
‫خلل القرنين الماضيين ‪ ,‬حيث يزخر ذكر ذلك التاريخ – الذي يعيــد نفســه‬
‫الن ‪ -‬بدروس كثيرة بالغة الهمية للطليعة القيادية التي ســتقود جهادنــا‬
‫الحالي والقادم ‪ .‬بعون الله ‪.‬‬
‫*************‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 355 [ ‬‬

‫الدولة السلمية في عهد الخلفة العثمانية‬


‫‪((1‬‬
‫مختصر تاريخ الدولة العثمانية‬
‫(‪ 1924 -1300‬م (‬

‫مؤسس هذه الدولة هو أرطغرل بسسن سسسليمان شسساه التركمسساني قسسائد إحسسدى قبسسائل‬
‫الترك النازحين من سهول آسيا الغربية إلى بلد آسيا الصغرى ‪.‬‬
‫فقد قام أرطغرل أواسط القرن السبع الهجري بنصرة الملك علء السسدين سسسلطان‬
‫على خصومه في قونية ‪ ,‬وهي إحدى المارات السلجوقية التي تأسسسست عقسسب انحلل‬
‫دولة آل سلجوق بموت السلطان ملك شاه في ‪ 15‬شوال سنة ‪485‬هس ‪1092 /‬م ‪.‬‬
‫فكافأه الملك علء الدين على مساعدته له بإقطاعه عدة أقاليم ومسسدن‪ .‬ثسسم لقسسب‬
‫قبيلته بمقدمة السلطان لوجودها دائما في مقدمة الجيوش ‪.‬‬

‫‪ - (1( ‬السلطان عثمان مؤسس الدولة العثمانية ( ‪1317 -1300‬م(‪:‬‬


‫ولما توفي أرطغرل سنة ‪ 687‬هس الموافقة سنة ‪ 1288‬م ‪ ,‬عين الملك علء السسدين‬
‫اكبر أولده مكانه وهو عثمان مؤسس الدولة العثمانية ‪.‬‬
‫وفي سنة ‪ 1300‬م تقريبا الموافقة سنة ‪ 699‬هس ‪ ,‬أغسسارت جمسسوع التتسسار علسسى بلد‬
‫آسيا الصغرى وفيها كانت وفاة علء السسدين آخسسر السسسلجوقيين بقونيسسة و انفتسسح المجسسال‬
‫لعثمان فاستأثر بالراضي المقطعة له ولقب نفسسسه بسساد شسساه آل ثسسم اخسسذ فسسي توسسسيع‬
‫دائرة أملكه‪.‬‬
‫ثم أرسل إلى جميع أمراء الروم ببلد آسيا الصغرى يخيرهم بين ثلثة أمور السلم‬
‫او الجزية أو الحرب فاسلم بعضهم وانضسسم إليسسه وقبسسل البعسسض دفسسع الخسسراج واسسستعان‬
‫الباقون على السلطان عثمان بالتتار‪ .‬وبعد أن انتصر على التتار عاد مسرعا لمحاصسسرة‬
‫مدينة بورصة سنة ‪ 717‬هس س الموافقسسة سسسنة ‪ 1317‬م‪ .‬حيسسث اسسسلم حاكمهسسا افرينسسوس‬
‫وأعطى له لقب بك وصار من مشاهير قواد العثمانيين‪ .‬وعقب ذلك بقليل مات عثمان‬
‫بعد أن أوصى للملك بعده لورخان ثاني أولده‪.‬‬

‫‪ - (2( ‬السلطان الغازي أورخان الول( ‪1360 -1317‬م( ‪:‬‬


‫كان أول عمل أجراه هو نقل مقر الحكومة إلى مدينة بورصة‪.‬‬
‫أرسسسل إليسسه ملسسك السسروم بالقسسسطنطينية سسسنة ‪ 1355‬وفسسدا يطلسسب منسسه أن يمسسده‬
‫بالمساعدة لصد غسسارات دوشسسان ملسسك الصسسرب ولمسسا نسسزل العثمسسانيون بسسساحل أوروبسسا‬
‫تحققوا ضعف مملكة الروم وما آلسست إليسسه مسسن النحلل فأخسسذ السسسلطان أورخسسان فسسي‬
‫تجهيز الكتائب سرا لجتياز البحر واحتلل بعسسض نقسسط علسسى الشسساطئ الوروبسسي تكسسون‬
‫مركزا لعمال العثمانيين في أوروبسا ‪ .‬وسساعدتهم المقسادير بسسقوط جسسزء مسن أسسوار‬

‫)‪ (1‬كما أسلفت في بداية فصل التاريخ فقد اعتمدت في كتابة مختصر تاريخ الدولة العثمانية على كتاب ) تاريخ الدولة‬
‫العثمانية( ‪ -‬باختصار وتصرف وإضافات – لكاتبه )فريد بك المحامي ( ‪ .‬وهو فيما يبدو مصري من أصل تركي كتب كتابه‬
‫سنة ‪ .1910‬و يتضح فيه نفسه الماسوني ‪ ,‬وحقده على السلطان عبد الحميد رحمه الله ‪ ,‬ونفسه الشعوبي التركي ‪,‬‬
‫وتأييده لجمعية التحاد والترقي اليهودية الماسونية ‪ .‬وكتابه منشور في برنامج اللفية المعروف ‪ .‬ولم يؤثر نفس الكاتب‬
‫على موضوعيته كثيرا إل في تأريخه لمرحلة السلطان عبد الحميد وصراعه مع الماسون ‪ .‬وتأريخه للمراحل الخيرة منذ‬
‫بدأ نشاط الماسون ‪ .‬وأما ما سبق من مراحل فنفس الكاتب فيها موضوعي نسبيا ومقبول وغزير المعلومات في تاريخ‬
‫العثمانيين الذي أبدى الكاتب ولء كبيرا لدولتهم ‪.‬‬
‫وآسف لني لم أجد الوقت لصلح اللكنة العجمية في أسلوب كتابة الكاتب المنقولة من القرص المدمج – إل قليل ‪-‬‬
‫ولعلي أفعل ذلك في نسخة تالية إن شاء الله ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 356 [ ‬‬

‫جاليبولي عقب زلزال شديد فدخلها العثمانيون بسسدون كسسبير عنسساء واحتلسسوا عسسدة مسسدائن‬
‫أخرى منها ابسال و رودس وغيرهما‪.‬‬

‫تأسيس الجيش العثماني المحترف ‪ ( :‬النكشارية ( ‪:‬‬


‫وقد عاون أورخان أخوه علء الدين فسي الدارة الداخليسة ‪ ,‬وكسان مسن أهسم أعمسال‬
‫علء الدين أن أمر بضرب العملة من الفضة والذهب ووضع نظامسسا للجيسسوش المظفسسرة‬
‫وجعلها دائمة إذ كانت قبل ذلك ل تجمع إل وقت الحرب وتصرف بعسسده ثسسم خشسسي مسسن‬
‫تحزب كل فريق من الجند إلى القبيلة التابع إليها وانفصام عرى الوحدة العثمانية السستي‬
‫كان كل سعيهم في إيجادها فأشار عليه احد فحول ذلك الوقت واسمه قرة خليل وهسسو‬
‫الذي صار فيما بعد وزيرا أول باسم خير الدين باشا بأخسسذ الشسسبان مسسن أسسسرى الحسسرب‬
‫وفصلهم عن كل ما يذكرهم بجنسهم وأصلهم وتربيتهم تربية إسلمية عثمانية بحيسسث ل‬
‫يعرفون أبا إل السلطان ول حرفة إل الجهاد في سبيل الله ‪ .‬ولعدم وجسسود أقسسارب لهسسم‬
‫بين الهالي ل يخشى من تحزبهم معهم فأعجب السسسلطان أورخسسان هسسذا السسرأي و أمسسر‬
‫بنفاذه ولما صار عنده منهم عدد ليس بقليل سار بهم إلى الحاج بكطاش شيخ طريقسسة‬
‫البكطاشية بأماسية ليدعو لهم بخير فدعا لهم هذا الشسسيخ بالنصسسر علسسى العسسداء وقسسال‬
‫فليكن اسمهم ) يني تشاري( ويرسم بالتركية هكذا ) يكيجاري ( أي )الجيسسش الجديسسد(‬
‫ثم حرف في العربية فصار ) إنكشسساري ( ‪ .‬ثسسم ارتقسسى هسسذا الجيسسش فسسي النظسسام وزاد‬
‫عدده حتى صار ل يعول إل عليه في الحروب وكان هو مسسن اكسسبر واهسسم عوامسسل امتسسداد‬
‫سلطة الدولة العثمانية كما أنهم خرجوا فيما بعسسد عسسن حسسدودهم وتعسسدوا واسسستبدوا بمسسا‬
‫جعلهم سببا في اضطرابات الدولة إلى أن ألغى السسسلطان محمسسود الثسساني النكشسسارية‬
‫بعد أن قتل اغلبهم ‪ 1241‬م لمقاومتهم إجراءات السلطين وعصيانهم عليهم وتعسسديهم‬
‫على حقوقهم ‪.‬‬
‫وفي سنة ‪ 761‬ه سنة ‪ 1360‬انتقل تسسوفي السسسلطان أورخسسان الغسسازي وسسسنه ‪81‬‬
‫سنة ومدة حكمه ‪ 35‬سنة بعد أن أيد الدولة بفتوحاته الجديدة وتنظيماته العديدة ودفن‬
‫في مدينة بورصة ‪.‬‬

‫‪ - (3( ‬السلطان الغازي مراد خان الول (‪1389-1360‬م( ‪:‬‬


‫ومدة حكمه ‪ 35‬سنة ‪ .‬وكانت فاتحة أعماله احتلل مدينسسة أنقسسرة مقسسر سسسلطنة‬
‫القرمان ‪.‬أمسسا فسسي أوروبسسا ففتسسح مدينسسة أدرنسسه فسسي سسسنة ‪ 1361‬م واسسستمرت عاصسسمة‬
‫للعثمانيين إلى أن فتحت مدينة القسطنطينية سنة ‪ 1453‬م ‪ .‬وفتح أيضسسا مدينسسة فيلبسسه‬
‫عاصمة الرومللي الشرقية وفتح افرينوس بك مدينتي وردار و كلجمينا باسسسم سسسلطان‬
‫العثمانيين وبذلك صارت مدينة القسطنطينية محاطة من جهة أوروبا بأملك آل عثمسسان‬
‫وفصلت عن باقي المارات المسيحية الصغيرة التي كانت شبه جزيرة البلقسسان مجسسزأة‬
‫بينها وصارت الدولة العلية متاخمة لمارات الصرب والبلغار وألبانيا ‪.‬‬
‫فاستغاث الروم بالبابسسا فلسسبى اسسستغاثتهم وكتسسب لجميسسع الملسسوك بالتسسأهب لمحاربسسة‬
‫المسلمين وحرضهم على محاربتهم محاربة دينية حفظا للدين المسيحي من الفتوحات‬
‫السلمية ‪.‬‬
‫لم ينتظر أوروك الخامس الذي عين عظيسم فرسسان المجسر وسسار بهسم لمهاجمسة‬
‫مدينة أدرنة عاصمة الممالك ولم يلبثوا إل قليل حتى ولوا الدبار وكسسان ذلسسك فسسي سسسنة‬
‫‪ 866‬هس سنة ‪ 1363‬م ‪.‬‬
‫ولمسسا عظسسم شسسأن الدولسسة خشسسيها مجاوروهسسا خصوصسسا الضسسعفاء منهسسم فأرسسسلت‬
‫جمهورية راجوزه في سنة ‪ 1365‬إلى السلطان مراد رسل امضسسوا معسسه معاهسسدة وديسسة‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 357 [ ‬‬

‫وتجارية تعهسدوا فيهسا بسدفع جزيسة سسنوية قسدرها ‪ 500‬دوكسا ذهسب وهسذه أول معاهسدة‬
‫أمضيت بين العثمانيين والدول المسيحية‪.‬‬
‫وفي سنة ‪ 1379‬م اتحد لزارجر بلينانوفتش الذي تربع على مملكة الصرب ‪ .‬مسسع‬
‫سيسمان أمير البلغار على مقاتلة العثمسسانيين ثسسم تحققسسا عجزهمسسا فابرمسسا الصسسلح مسسع‬
‫السلطان على أن يتزوج السلطان بنت أمير البلغار وعلى أن يدفع له الميسسران خراجسسا‬
‫سنويا معينا ‪.‬وفي ابتداء سسنة ‪ 1381‬م ابتسدأت الفتوحسات ثانيسا وأخسذت سسيرها الول‬
‫فألزم السلطان أمير إقليم الحميد بالتنازل له عن بلده وفتسسح مسسدائن موناسسستر وبرلبسسه‬
‫واسسستيب ووقعسست مدينسسة صسسوفيا فسسي قبضسسة العثمسسانيين بعسسد محاصسسرة اسسستمرت ثلث‬
‫سنوات من سنة ‪ 1381‬م إلى سسسنة ‪ 1383‬م وعقسسب ذلسسك فتسسح الصسسدر العظسسم خيسسر‬
‫السسدين باشسسا مدينسسة سسسلنيك الشسسهيرة ‪.‬سسسنة ‪ 1389‬م وانتشسسب القتسسال بيسسن الصسسرب‬
‫والعثمانيين وبهذه الواقعة المهمة كانت الغلبة للعثمانيين و زال اسسستقلل الصسسرب كمسسا‬
‫فقدت البلغار و الرومللي و الناضول استقللها من قبل ‪ .‬وبينمسسا كسسان السسسلطان مسسراد‬
‫يمر من بين القتلى إذ قام من بينهم جندي صربي وطعن السلطان بخنجر طعنة كسسانت‬
‫هي القاضية ‪.‬‬

‫‪ - (4( ‬السلطان الغازي بايزيد خان الول (‪1402 -1389‬م( ‪:‬‬


‫اتفق أركان الدولة على توليته وكان له أخ اصغر منه بقليل يسسدعى يعقسسوب متصسسفا‬
‫بالشجاعة والقدام وعلو الهمة فخيف على المملكة منه مسسن أن يسسدعي الملسسك ولسسذلك‬
‫قتل باتفاق أمراء الدولة وقواد جيوشها ‪ .‬وادعى مؤرخو الفرنج أن قتله كان بناء علسسى‬
‫فتوى شرعية أفتى بها علماء ذلك الزمان منعا لحصول الفتنة بناء علسسى قسسوله تعسسالى ‪:‬‬
‫) والفتنة أشد من القتسسل !! (‪ .‬وكسسانت هسسذه الفعلسسة الشسسنيعة ‪ ,‬أول السسسنة السستي سسسنها‬
‫سلطين العثمانيين لنفسهم بقتسسل إخسسوة السسسلطان عنسسد تسسوليته ‪ ,‬درءا للفتسسن بحسسسب‬
‫عقولهم السقيمة ‪ – .‬بحسب المؤرخين إن صح الزعم المتواتر عنهم ‪-‬‬
‫وابتدأ السلطان بايزيد الول أعماله بان ولى المير اسطفن بن لزار ملك الصسسرب‬
‫حاكما عليها وتزوج أخته )اوليفيرا( وأجازه بان يحكم بلده على حسب قوانينهم بشرط‬
‫دفع جزية معينة وتقديم عدد معين من الجنود ينضمون إلسسى الجيسسوش الشساهانية وقسست‬
‫الحرب ‪ .‬ولما ساد المن في أوروبا قصد بلد آسيا وفتسسح مدينسسة ) آل شسسهر( المعروفسسة‬
‫عند الفرنج باسم فيلدلفيا سسسنة ‪ 1391‬م وهسسي آخسسر مدينسسة بقيسست للسسروم فسسي آسسسيا ‪.‬‬
‫وهكذا صار شرق بحر مرمرة خالصا للعثمانيين ‪.‬‬
‫فلما علم سجسمون ملك المجر خبر ما حل ببلد البلغسسار خشسسي علسسي مملكتسسه إذ‬
‫صار متاخما في عدة نقط للدولة العلية فاستنجد بأوروبا وساعده البابا وأعلسسن الحسسرب‬
‫الدينية بين أقوام أوروبا الغربية فأجاب السسدعوة )دوك بورغونيسسا( وأرسسسل ابنسسه الكسسونت‬
‫) دي نيفر( ومعه ستة آلف محارب اغلبهم من أشراف فرنسا وفيهم كثير من أقسسارب‬
‫ملك فرنسا نفسه وانضم إليه حين مسيره إلى بلد المجر أمراء ) بافاريا ‪ ,‬و اسسستيريا ‪,‬‬
‫و شواليه ( و القديس حنا الورشليمي وكثير مسسن اللمسسان ثسسم اجتسساز هسسذا الجيسسش نهسسر‬
‫الدانوب ‪ .‬فسار إليهم السلطان بايزيد ومعسسه مائتسسا ألسسف مقاتسسل بهسسم كسسثير مسسن أهسسالي‬
‫الصرب تحت قيادة أميرهم ) اسطفن بن لزار( وغيرهم من المم المسيحية الخاضسسعة‬
‫لسلطان العثمانيين وقاتلهم قتال عنيفا ‪ .‬في يوم ‪ 23‬ذي القعدة سنة ‪ 27 798‬سبتمبر‬
‫سنة ‪ 1396‬كانت نتيجتها انتصار العثمانيين على الجيسسوش المتألبسسة عليهسسم وأسسسر كسسثير‬
‫من أشراف فرنسا منهم الكونت دي نيفر نفسه وقتل اغلبهم وأطلسسق سسسراح البسساقي و‬
‫الكونت دي نيفر بعد دفع فداء اتفق على هذا‪.‬‬
‫وقد شدد الحصار بعد ذلك على مدينة القسطنطينية ‪ .‬ولسسول إغسسارة المغسسول علسسى‬
‫بلد آسيا الصغرى لربما كان تمكن من فتحها لكسسن المسسور مرهونسسة بأوقاتهسسا ‪ .‬فسساكتفى‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 358 [ ‬‬

‫بإبرام الصلح مع ملكها هذه المرة بشرط دفع عشرة آلف ذهب سنويا من عملة وقتها‬
‫‪ .‬وان يجيز للمسلمين أن يبنوا بها جامعا لقامسسة شسسعائر السدين الحنيسسف وان تقسام لهسم‬
‫محكمة شرعية للنظر في قضايا المستوطنين بها منهم‪.‬‬

‫‪ ‬إغارة تيمورلنك على آسيا الصغرى‪:‬‬


‫أغار تيمور بجيوشه الجرارة على بلد آسيا الصغرى وافتتح مدينة سسسيواس بأرمينيسسا‬
‫ولذلك جمع السلطان بايزيد جيوشه وسار لمحاربة تيمور العرج فتقابل الجيشسسان فسسي‬
‫سهل انقره ‪.‬فسقط أسيرا في أيدي المغول هو وابنه موسسسى وكسسان ذلسسك فسسي ‪ 19‬ذي‬
‫الحجة سنة ‪ 20 804‬يوليو سنة ‪ 1402‬م ‪ .‬ومات في السر‪.‬‬
‫وبعد موت السلطان بايزيد تجزأت الدولة إلى عدة إمارات صغيرة كما حصل بعسسد‬
‫سسسقوط دولسسة آل سسسلجوق ‪ ,‬لن تيمورلنسسك أعسساد إلسسى أمسسراء قسسسطموني وصسساروخان‬
‫وكرميان وآيدين ومنتشا وقرمان ما فقدوه من البلد ‪ .‬واستقل في هذه الفترة كل من‬
‫البلغار والصرب و الفلخ ولم يبق تابعا للراية العثمانية إل قليل من البلدان ‪ .‬وممسسا زاد‬
‫الخطر على هذه الدولة عدم اتفاق أولد بايزيد على تنصيب احدهم بل كان كسسل منهسسم‬
‫يدعي الحقية لنفسه فتحالف بعضهم مع الروم ‪ ,‬وبعضسسهم مسسع تيمورلنسسك ‪ .‬إلسسى أن آل‬
‫المر لحدهم ويدعى محمد ‪ ,‬وبذلك انفرد بما بقي من بلد آل ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 359 [ ‬‬

‫‪ (5( ‬السلطان محمد جلبي الغازي ( ‪: ( 1421-1410‬‬


‫هذا وقد كانت مدة حكم السلطان محمد كلها حروبا داخلية لرجاع المسسارات السستي‬
‫استقلت في مدة الفوضى التي أعقبت موت السلطان بايزيد في السر ‪ .‬فحافظ على‬
‫محالفسسة ملسسك السسروم السسذي لسسول مسسساعدته لسسه لخيسسف علسسى عسسرى الدولسسة العليسسة مسسن‬
‫النفصام ‪ .‬ومما يؤثر عن هذا السلطان انه استعمل الحزم مع الحلم فسسي معاملسسة مسسن‬
‫قهرهم ‪ .‬اشتغل بقمع الفتن وترتيب أمور الدولة إلى أن فاجأه المسسوت فسسي سسسنة ‪824‬‬
‫هس سنة ‪ 1421‬م في مدينة أدرنه فاسلم الروح وعمره ‪ 43‬سنة بعد أن أوصى بالملسسك‬
‫لبنه مراد ‪ .‬واشتهر السلطان محمد بحبه للعلوم والفنون وهو أول ملك عثماني أرسل‬
‫الهدية السنوية إلى أمير مكة التي يطلق عليهسسا اسسسم الصسسرة ‪ .‬وهسسي عبسسارة عسسن قسسدر‬
‫معين من النقود ترسل إلى المير لتوزيعه على فقراء مكة والمدينة‪.‬‬

‫‪ -(6( ‬السلطان مراد خان الثاني (‪1451– 1421‬م(‪:‬‬


‫تولى وعمره ثماني عشرة سنة وافتتسسح أعمسساله بسسإبرام الصسسلح مسسع أميسسر القرمسسان‬
‫والتفاق مع ملك المجر على هدنة خمس سنوات حتى يتفسسرغ لرجسساع مسسن شسسق عصسسا‬
‫الطاعة من وليات آسيا لكن حدث ما شغله عن هسذا بتحسالف بعسض أقربسائه مسع ملسك‬
‫الروم ‪.‬‬
‫وفي سنة ‪ 1430‬أعاد السلطان فتح مدينة سلنيك وبعد ذلسك أراد السسلطان مسراد‬
‫ان يفتح ما بقي من بلد الصرب وبلد ألبانيا الرنؤود و الفلخ قبل أن يعيد الكسسرة علسسى‬
‫القسطنطينية حتى ل يكون لها من هذه الوليسسات نصسسير ‪ .‬وقسسد خسساض السسسلطان مسسراد‬
‫حروبا كثيرة مع الصرب والبلغار واللبان ‪ .‬وتنازل عن السسسلطنة لبنسسه محمسسد ‪ ,‬ليتفسسرغ‬
‫للعزلة ‪ .‬و توفي في ‪ 7‬فبراير سنة ‪ 1451‬وسنه ‪ 49‬سنة ومدة حكمه ‪ 30‬سنة وتولى‬
‫بعده ابنه السلطان أبو الفتح محمد الثاني‪.‬‬

‫‪ -(7( ‬السلطان الغازي محمد الثاني فاتح القسطنطينية ( ‪-1451‬‬


‫م( ‪:‬‬
‫وهو سابع السلطين ولما تولى الملك بعد أبيه لم يكن بآسيا الصغرى خارجا عسسن‬
‫سلطانه إل جزء من بلد القرمان ومدينة سينوب ومملكسسة طرابسسزون الروميسة وصسارت‬
‫مملكة الروم الشرقية قاصرة على مدينة القسطنطينية وضواحيها ‪ .‬وكان إقليم مسسوره‬
‫مجزأ بين البنادقة وعدة إمارات صغيرة يحكمها بعسسض أعيسسان السسروم أو الفرنسسج السسذين‬
‫تخلفوا عن إخوانهم بعد انتهاء الحروب الصليبية ‪ ,‬وبلد الرنؤود) البوسنة ( ‪ ,‬وقد زعسسم‬
‫المؤرخون أنه أمر بقتل أخ له رضسسيع اسسسمه احمسسد ‪ ,‬وبإرجسساع الميسسرة مسارا الصسسربية –‬
‫محظية أبيه ‪ -‬إلى والدها ‪ .‬ثم اخذ يستعد لتتميم فتح ما بقسسي مسسن بلد البلقسسان ومدينسسة‬
‫القسطنطينية حتى تكون جميع أملكه متصلة‪.‬‬
‫فتح القسطنطينية ( ‪ 857‬هـ ‪1453 -‬م( ‪:‬‬
‫حاصر السلطان المدينة في أوائل ابريسسل سسسنة ‪ 1453‬مسسن جهسسة السسبر بجيسسش يبلسسغ‬
‫المائتين وخمسين ألف جندي ومن جهة البحر بأسطول مؤلف من مئة وثمانين سسسفينة‬
‫وأقام حول المدينة أربع عشرة بطارية طوبجية مدفعية وضع بها مدافع جسيمة صسسنعها‬
‫له صانع مجرى شهير اسمه أوربان ‪ .‬وكانت تقذف كرات مسسن الحجسسر زنسسة كسسل واحسسدة‬
‫منها اثنا عشر قنطارا إلى مسافة ميسسل ‪ .‬وفسي إثنساء الحصسار اكتشسسف قسبر أبسي أيسسوب‬
‫النصاري الذي استشهد حين حصار القسطنطينية في سنة ‪ 52‬هس فسسي خلفسسة معاويسسة‬
‫بن أبي سفيان رضي الله عنه ‪ .‬وبعد الفتح بنى لسه مسسجدا جامعسا وجسرت العسادة بعسد‬
‫ذلك أن كل سلطان يتولى يتقلد سيف عثمان الغازي الول بهذا المسجد ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 360 [ ‬‬

‫ولما شاهد قسطنطين آخر ملوك الروم هسسذه السسستعدادات اسسستنجد بأوروبسسا فلسسبى‬
‫طلبه أهالي جنوه وأرسلوا له أسطول بحريا فأتى بمراكبه فعارضته السسسفن العثمانيسسة‬
‫وانتشرت بينهما حرب هائلة‪ ,‬انتهت بفوز أسسطول جنسوة ودخسوله المينسساء بعسد أن رفسع‬
‫المحصورون السلسل الحديدية التي وضعت لمنع المراكب العثمانية من الوصول إليها‬
‫ثم أعيدت بعد مروره كما كانت ‪ ,‬فلم تستطع سسسفن العثمسسانيين مطاردتهسسا ‪ ,‬فأوصسسلت‬
‫المؤن للمدينة ‪ .‬وبعدها اخذ السلطان يفكسسر فسسي طريقسسة لسسدخول مراكبسسه إلسسى المينسساء‬
‫لتمام الحصار برا وبحرا ‪ .‬فخطر بباله فكرة عبقرية ‪ .‬وهي أن ينقسسل المراكسسب علسسى‬
‫البر ليجتازوا السلسل الموضوعة لمنعه وتم هسسذا المسسر المسسستغرب بسسان مهسسد طريقسسا‬
‫على البر بمسافة فرسخان أي ستة أميال )‪10‬كم ( ورصت فوقه ألسسواح مسسن الخشسسب‬
‫صب عليها الزيت والدهن لسهولة زلق المراكب عليها وبهذه الكيفيسسة أمكسسن نقسسل نحسسو‬
‫سبعين سفينة بأحمالها ومدافعها ‪ ..‬إلى الطرف الثاني من الخليج فسسي ليلسسة واحسسدة !!‬
‫حتى إذا أصبح النهار ونظرها المحصورون أيقنوا أن ل مناص من نصر العثمانيين عليهم‬
‫‪ .‬ثم أمر السلطان جيوشه بالستعداد للهجوم في يوم ‪ 20/‬جمسساد أول سسسنة ‪ 857‬هس س ‪-‬‬
‫‪ 29‬مايو سنة ‪ ./ 1453‬وفي الليلسسة السسسابقة لليسسوم المحسسدد أشسسعلت الجنسسود العثمانيسسة‬
‫النوار أمام خيامها للحتفال بالنصر المحقق لديهم وظلوا طول ليلهم يهللون ويكسسبرون‬
‫حتى إذا لح الفجر صسسدرت إليهسسم الوامسسر بسسالهجوم فهجسسم مئة وخمسسسون ألسسف جنسسدي‬
‫وتسلقوا السوار حتى دخلسسوا المدينسسة مسسن كسسل فسسج واعملسسوا السسسيف فيمسسن عارضسسهم‬
‫ودخلوا كنيسة القديسة صوفيا حيث كان يصلي فيها البطريق وحسسوله عسسدد عظيسسم مسسن‬
‫الهالي ‪ .‬ويعتقد الروم حتى الن أن حائط الكنيسة انشق ودخل فيه البطريق والصسسور‬
‫المقدسة ‪ ,‬وفي اعتقادهم أن الحائط ينشق ثانية يوم يخرج التراك من القسسسطنطينية‬
‫ويخرج البطريق منها ويتم صلته التي قطعها عند دخول العثمانيين عليه عند الفتح !! ‪.‬‬
‫وسميت المدينسسة إسلم بــول أي مدينــة الســلم و جعلسست عاصسسمة للدولسسة ‪.‬‬
‫ونذكر هنا أن المسلمين حاصروا القسسسطنطينية إحسسدى عشسسرة مسسرة قبسسل هسسذه المسسرة‬
‫الخيرة منها سبعة في القرنين الولين للسلم ‪:‬‬
‫فقد حاصرها معاوية في خلفة سيدنا علي رضي الله عنه سنة ‪ 34‬هس ‪ 654‬م‬
‫وحاصرها يزيد بن معاوية سنة ‪ 47‬هس ‪ 667‬م في خلفة سيدنا علي أيضا‪.‬‬
‫وحاصرها سفيان بن أوس في خلفة معاوية سنة ‪ 52‬هس ‪ 672‬م وفي ‪ 97‬هس ‪715‬‬
‫م‬
‫وحاصرها مسلمة بن عبد الملك في زمن الخليفة عمر بن عبد العزيسسز رضسسي اللسسه‬
‫عنه ‪.‬‬
‫وحوصرت أيضا في خلفة هشام بن عبد الملك سنة ‪ 121‬هس ‪ 739‬م ‪.‬‬
‫وفي المرة السابعة حاصرها الخليفة هارون الرشيد سنة ‪ 182‬هس ‪ 798‬م ‪.‬‬
‫هذا ثم دخل السلطان المدينة فوجد الجنود مشسستغلين بالسسسلب والنهسسب ‪ ..‬فأصسسدر‬
‫أوامره بمنع كل اعتداء ‪ ,‬فساد المن حال ثم زار كنيسة أيا صوفيا وأمر بان يؤذن فيهسسا‬
‫بالصلة إعلنا بجعلها مسجدا جامعا للمسسسلمين‪ .‬وبعسد تمسام الفتسسح علسسى هسسذه الصسسورة‬
‫اعلن في كافة الجهات بأنه ل يعارض في إقامة شعائر ديانة المسيحيين بل انه يضسسمن‬
‫لهم حرية دينهم وحفظ أملكهم فرجع من هاجر من المسيحيين ‪ .‬وفسسرض عليهسسم دفسسع‬
‫الخراج مستثنيا من ذلك أئمة الدين فقط ‪.‬‬
‫وبعد إتمام هذه الترتيبات وإعسسادة مسسا هسسدم مسسن أسسسوار المدينسسة وتحصسسينها سسسافر‬
‫بجيوشه لفتح بلد جديدة ‪:‬‬
‫فقصد بلد موره لكن لم ينتظر أميراها دمتريوس وتوماس أخوا قسطنطين قدومه‬
‫بل أرسل إليه يخبرانه بقبولهما دفع جزية سنوية قدرها اثنا عشر ألف دوكا فقبسسل ذلسسك‬
‫السلطان ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 361 [ ‬‬

‫وغير وجهته قاصدا بلد الصرب فابرم أميسسر الصسسرب الصسسلح مسسع السسسلطان محمسسد‬
‫الثاني على أن يدفع له سنويا ثمانين ألف دوكا وذلك في سنة ‪. 1454‬‬
‫وفي السنة التالية وصل مدينة بلغراد الواقعة على نهر الدانوب وحاصرها من جهسة‬
‫البر والنهر ثم أرسل الصدر العظم محمود باشا لتمام فتسسح بلد الصسسرب فسسأتم فتحهسسا‬
‫من سنة ‪ 1458‬إلى سنة ‪.1460‬‬
‫وفي هذه الثناء تم فتح بلد موره ففي سنة ‪ 1458‬فتح السسسلطان مدينسسة كسسورنته‬
‫وما جاورها من بلد اليونان حتى جرد توماس بالولوج أخا قسسسطنطين مسسن جميسسع بلده‬
‫ولم يترك إقليم موره لخيه دمتريوس إل بشرط دفع الجزية ‪.‬‬
‫وفي ذلك الوقت فتحت جزائر تاسوس والبروس وغيرها من جزائر بحر الروم ‪.‬‬
‫ثم أغار السلطان م فوصل في اقرب وقت إلى مدينة بوخارست ‪.‬‬
‫وفي سنة ‪ 1462‬حارب السلطان بلد البوسسسنة لمتنسساع أميرهسسا عسسن دفسسع الخسسراج‬
‫وأسره بعد محاربة عنيفة هو وولده وأمر بقتلهما فدانت له جميع بلد البشسسناق وأهسسالي‬
‫البوسنة ‪.‬‬
‫وفي سنة ‪ 1463‬استولوا على مدينة ارجسسوس وغيرهسسا ‪ .‬ثسسم بعسسد هدنسسة اسسستمرت‬
‫سنة واحدة عادت الحروب بين العثمانيين و البنادقة وكانت نتيجتها أن افتتح العثمانيون‬
‫جزيرة نجربونت وتسمى في كتب الترك اجسر يبسوس مركسز مسستعمرات البنادقسة فسي‬
‫جزائر الروم وتم فتحها في سنة ‪ 1470‬وبعسسد أن سسساد المسسن فسسي أنحسساء أوروبسسا حسسول‬
‫السلطان أنظاره إلى بلد القرمان بآسيا الصغرى‪.‬‬
‫ثم فضل البنادقة أن يبرموا صلحا جديدا مع السلطان ويتنازلوا عسسن اشسسقودره فسي‬
‫مقابلة بعض امتيازات تجارية وتم الصلح بين الفريقين علسسى ذلسسك وأمضسسيت بسسه بينهمسسا‬
‫معاهدة في يناير سنة ‪ .1479‬وكانت هذه أول خطوة خطتها الدولة العثمانية للتسدخل‬
‫في شؤون أوروبا إذ كانت جمهوريسة البنادقسسة حيسن ذاك أهسسم دول أوروبسا فسي التجسسارة‬
‫البحرية وما كان يعادلها في ذلك إل جمهورية جنوا ‪.‬‬

‫فتح جزائر اليونان ومدينة اوترانت ‪:‬‬


‫وبعد أن تم الصلح مع البنادقة وجهت الجيوش إلى بلد المجر ‪ .‬وفي سنة ‪1480‬‬
‫فتحت جزائر اليونان الواقعة بين بلد اليونان وايطاليا وبعدها سسسار القسسائد كسسدك احمسسد‬
‫باشا بمراكبه لفتح مدينة اوترانت بايطاليا التي كان عزم السلطان على فتحها جميعهسسا‬
‫ويقال انه اقسم بان يربط حصانه في كنيسة القديس بطرس بمدينة روما مقر البابسسا ‪.‬‬
‫ففتحت مدينة اوترانت عنوة في أغسطس سنة ‪ 1480‬م‪.‬‬
‫وفي سنة ‪ 1481‬م تسسوفي أبسسو الفتسسح السسسلطان محمسسد الثسساني الغسازي عسسن ثلث‬
‫وخمسسسين سسسنة ‪ .‬ومسسدة حكسسم ‪ 31‬سسسنة ‪ ,‬تمسسم فسسي خللهسسا مقاصسسد أجسسداده ففتسسح‬
‫القسطنطينية وزاد عليها فتح مملكسسة طرابسسزون الروميسسة والصسسرب و البشسسناق وألبانيسسا‬
‫الرنؤود وجميع أقاليم آسيا الصغرى ولم يبق في بلد البلقسسان إل مدينسسة بلغسسراد التابعسسة‬
‫للمجر وبعض جزائر تابعة للبنادقة ودفن في المدفن المخصوص الذي أنشأه فسسي احسسد‬
‫الجوامع التي أسسها في الستانة ‪ .‬فرحمه الله وجزاه عن السلم خيرا ‪.‬‬
‫‪ .‬ويروى أنه عمل تنظيمسات إداريسسة كسسثيرة كسان منهسا ‪ .‬وضسع أول مبسسادئ القسانون‬
‫المدني وقانون العقوبات فأبدل العقوبات البدنية أي السن بالسن والعين بالعين وجعل‬
‫عوضها الغرامات النقدية بكيفية واضحة أتمها السلطان سليمان القانوني السسذي توسسسع‬
‫في التشريعات الوضسسعية ‪ . .‬وعليسسه – إن صسسح الخسسبر ‪ -‬يكسسون هسسذا أول السسسير علسسى‬
‫طريق الكفر والبوار وأسباب هزيمة هذه المة ‪ .‬فقبح الله – من غيسر شسسرائعه ‪ -‬قسال‬
‫تعالى‪:‬‬
‫ن ‪) ‬المائدة‪. (44 :‬‬ ‫م ال ْ َ‬
‫كافُِرو َ‬ ‫ه فَُأول َئ ِ َ‬
‫ك هُ ُ‬ ‫ما أ َن َْز َ‬
‫ل الل ّ ُ‬ ‫حك ُ ْ‬
‫م بِ َ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫م يَ ْ‬ ‫‪ ‬وَ َ‬
‫م ْ‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 362 [ ‬‬

‫‪ - (8( ‬السلطان الغازي بايزيد خان الثاني( ‪1512 -1481‬م(‪:‬‬


‫توفي السلطان أبو الفتح محمد الثاني عسسن ولسسدين أكبرهمسسا بايزيسسد وكسسان حاكمسسا‬
‫باماسيا ‪ ,‬و ثانيهما جم المشهور في كتب الفرنج باسم البرنس زيزيم وكان حاكما في‬
‫القرمان ‪ ..‬وحصلت شواشر كثيرة بيسسن الخسسوين تسسدخل فيهسا البابسسا وملسسوك النصسسارى ‪,‬‬
‫وانتهت بموت المير جم مسموما في كنف ملك فرنسا ‪.‬‬
‫لم تحصل فتوحات ذات بال في عهد بايزيد الثاني ‪ ,‬ولكسسن توسسسعت العلقسسات فسسي‬
‫عهده بين السلطنة وروسيا وممالك أوربا ‪.‬‬
‫وكان للسلطان ثلثة أولد استعجلوا النسسزاع علسسى السسسلطنة واسسستطاع النكشسسارية‬
‫فرض السلطان سليم في حياة أبيه واتوا به إلى القسطنطينية باحتفال زائد وساروا به‬
‫إلى سراي السلطان وطلبوا منه التنازل عن الملك لولده المذكور فقبل واستقال فسسي‬
‫يوم ‪ 8‬صفر سنة ‪ 25 918‬ابريل سنة ‪ .. 1512‬ولم تزد أملك الدولة العلية في زمسسن‬
‫السلطان بايزيد الثاني إل قليل لحبه السسسلم وحقسسن السسدماء ‪ .‬فكسسانت حروبسسه الخارجيسسة‬
‫اضطرارية للمدافعة عن الحدود حتى ل يستخف بها أعداؤها وكان سلمي الطباع كارها‬
‫للقتل ‪.‬‬

‫‪ - (9( ‬السلطان سليم الول الغازي (‪1520 -1512‬م( ‪:‬‬


‫عين سليم الول الذي لقب بس ) ياوز( أي القاطع ابنه سليمان حاكما للقسطنطينية‬
‫وسافر بجيوشه إلى بلد آسيا لمحاربة إخوته وأولد إخوته حتى لم يبسسق لسسه منسسازع فسسي‬
‫الملك بعد أن قتل من عثر عليه من إخوته وأولدهم !‬
‫ثم عاد إلى مدينسسة أدرنسسه حيسسث كسسان بانتظسسار سسسفراء مسسن قبسسل البندقيسسة والمجسسر‬
‫وموسكو وسلطنة مصر فابرم مع جميعهم هدنسسة لمسسدد طويلسسة بمسسا أن مطسسامعه كسسانت‬
‫متجهة إلى بلد الفرس التي كانت أخذت فسسي النمسسو والرتقسساء فسسي عصسسر ملكهسسا شسساه‬
‫اسسسماعيل الصسسفوي الشسسيعي ‪ ,‬السسذي بسسدأت دولتسسه تنمسسو شسسرق السسسلطنة ‪ .‬فقسسد كسسان‬
‫اسماعيل قد فتح ولية شيروان وجعل عاصمته مدينة تبريز سسسنة ‪ . 1501‬وبعسسدها فتسسح‬
‫العراق وبلد خراسان وديار بكر سنة ‪ . 1508‬وأرسل احد قواده فاحتل مدينسسة بغسسداد ‪.‬‬
‫وفي سنة ‪ 1510‬ضم إلى أملكه بلد فارستان و اذربيجان وبذلك امتسسدت مملكتسسه مسسن‬
‫الخليج الفارسي إلى بحر الخزر ومن منابع الفرات إلى مسا وراء النهسر‪ .‬وهكسذا تساخمت‬
‫دولة الصفويين الدولة العثمانية وأراد السلطان سليم إبعادها عنه ‪.‬‬
‫فوقع القتال بين الجيشين في أغسطس سنة ‪ 1514‬فانتصرت الجيوش العثمانية‬
‫نصرا مبينا لتفوقها في سلح المدفعية ‪ .‬وفر الشاه بما بقي من جيوشه ووقع كثير من‬
‫قواده في السر وأسرت أيضا إحدى زوجاته ولم يقبل السلطان أن يردها لزوجها ‪ ,‬بسل‬
‫زوجها لحد كتابه انتقاما من الشاه ! وفتحت المدينة أبوابها ودخلها السسسلطان منصسسورا‬
‫فسسي يسسوم ‪ 4‬سسسبتمبر سسسنة ‪ . 1514‬واسسستولى علسسى خسسزائن الشسساه وأرسسسلها إلسسى‬
‫القسطنطينية ‪ .‬ثم فتحت الجيوش العثمانية مدائن ماردين وأورفسسه والرقسسة والموصسسل‬
‫وبذل تم فتح إقليم ديار بكر وأطاعت كافة قبائل الكرد بدون كثير عناء بشسسرط بقسسائهم‬
‫تحت حكم رؤساء قبائلهم‪.‬‬

‫فتح مصر انتقال الخلفة إلى العثمانيين ‪:‬‬


‫لم ينته السلطان سليم من محاربة الشيعة وفتح بلد ديار بكر والموصل حتى اخسسذ‬
‫في الستعداد لفتح سلطنة مصر‪ ,‬بما أن سلطانها قانصوه الغوري كان قد تحسسالف مسع‬
‫الشسساه اسسسماعيل لمحاربسسة الدولسسة العثمانيسسة ‪ .‬وسسسار بجيشسسه إلسسى بلد الشسسام فتقابسسل‬
‫الجيشان بقرب مدينة حلب الشهباء ) حرسها الله وردنا إليها منصورين (‪ .‬فسسالتقوا فسسي‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 363 [ ‬‬

‫واد يقال له مرج دابق وقتل الغوري في أثناء انهزام الجيش المملوكي ‪ .‬وكان ذلك في‬
‫أغسطس سنة ‪ . 1516‬وبعد هذه الموقعة دخل السسسلطان حلسسب ‪ ,‬ويسسروى أنسسه قتسسل‬
‫كل من كان فيها من الشيعة ‪ ,‬وقيل أنهم ثلثين ألفا! ثسسم احتسسل السسسلطان سسسليم بكسسل‬
‫سهولة مدائن حماه وحمص ودمشق وعين بهسسا ولة مسسن طرفسسه ‪ .‬وقابسسل مسسن بهسسا مسسن‬
‫العلماء فأحسن وفادتهم وفرق النعامات على المساجد وأمسسر بسسترميم الجسسامع المسسوي‬
‫بدمشق‪ .‬ولما صلى السلطان الجمعة به أضاف الخطيب عندما دعا له صفة ‪ ( :‬خادم‬
‫الحرمين الشــريفين ( وبقيسست نعتسسا للخلفسساء العثمسسانيين‪) .‬ثسسم اغتصسسبها فسسي زماننسسا‬
‫المنحوس خادم اليهود والنصارى والمجوس ‪ ,‬ملك آل سعود فهد بن عبد العزيز ( ‪.‬‬
‫ثم احتل العثمانيون مدينة غسسزة ثسسم مدينسسة القسساهرة رغمسسا عسسن مقاومسسة المماليسسك‬
‫الذين حاربوهم من شارع لخر ومن منزل لخر حتى قتل منهسسم ومسسن أهسسالي البلسسد مسسا‬
‫يبلغ خمسين ألف نسمة ! أما طومان باي فلم يلبث أن وقع في أيدي العثمانيين بخيانة‬
‫بعض من معه ‪ ,‬وشنق بأمر السلطان سليم في ابريل سنة ‪1517‬م بباب زويلة‪.‬‬
‫ومما جعل لفتح وادي النيل أهمية تاريخية عظمى أن محمسسد المتوكسسل علسسى اللسسه‬
‫‪,‬آخر ذرية الدولة العباسية الذي حضر أجداده لمصر بعد سقوط مدينة بغداد مقر خلفة‬
‫بني العباس في قبضة هولكو خان التتري سنة ‪ 656‬هس ‪ 1091 -‬م وكسسانت لسسه الخلفسسة‬
‫بمصر اسما تنازل عن حقسسه فسسي الخلفسسة السسسلمية إلسسى السسسلطان سسسليم العثمسساني ‪.‬‬
‫وصدق الله العظيم ‪:‬‬
‫‪ ‬وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ‪ . ‬وسسسلمه الثسسار النبويسسة الشسسريفة ‪:‬‬
‫وهي البيرق ) العلم ( والسيف والسسبردة ‪ ,‬وسسسلمه أيضسسا مفاتيسسح الحرميسسن الشسسريفين ‪.‬‬
‫ومن ذلك التاريخ صار كل سلطان عثماني أميرا للمؤمنين وخليفة للمسلمين ‪.‬‬
‫وفي أوائل شهر سبتمبر سنة ‪ 1517‬سافر السلطان سليم من القاهرة عائدا إلسسى‬
‫القسطنطينية‪ .‬وفي ‪ 20‬رمضان سنة ‪ 923‬وصل السلطان إلى مدينة دمشق ومكسسث‬
‫بها إلى ‪ 22‬صفر سنة ‪ 924‬وحضر الحتفال بإقامة الصلة أول مرة في الجسسامع السسذي‬
‫أقامه بدمشق على قبر محيي الدين بن العربي ‪ .‬ثم سافر إلى مدينة حلب ومنها إلى‬
‫أدرنه ‪ .‬وفي الطريق وصل إليه سفير مسسن قبسسل مملكسسة أسسسبانيا ليخسسابره بشسسأن حريسسة‬
‫زيارة المسيحيين للقدس الشريف الذي كان قبل تابعا لسلطنة مصر وتبعها في دخولها‬
‫تحت ظل الدولة العثمانية ‪ .‬في مقابلة دفسسع المبلسسغ السسذي كسسان يسسدفع سسسنويا للمماليسسك‬
‫فأحسن السلطان مقابلته وصرح بقبوله ذلك ‪ ,‬وأبرم السبان معاهدة مع الباب العالي‪.‬‬
‫وكذلك أتى إليه ا سفير من قبل جمهورية البندقية ليدفع له خراج سنتين متأخر الخراج‬
‫المقرر عليها نظير بقائها في جزيرة قبرص ‪.‬‬
‫وسبحان من يعز من يشاء ويذل من يشاء ‪ .‬حيث صارت الدولة العثمانية منذ عهسسد‬
‫الفاتح دولة عظمى يحسب لها ملوك أوربا ألف حساب ‪.‬‬
‫وكان السلطان سليم في هذه المدة مشتغل بتجهيز أسطول بحري لمعاودة الكرة‬
‫على جزيرة رودس بحرا ‪ .‬وكان يستعد أيضا لمحاربة شاه العجم ثانيا و لكن لم يمهلسسه‬
‫المنون ريثما يتم مشروع فتح جزيرة رودس بل عاجله فسسي رحلتسسه مسسن القسسسطنطينية‬
‫إلى أدرنه فتوفي في سبتمبر سنة ‪ 1520‬م ‪.‬‬
‫و كان حضرته ‪ -‬كما سجل المؤرخون ‪ -‬سفاكا للدماء ‪ ,‬ولوعا بفسسك الرقسساب ‪ .‬فقسسد‬
‫قتل سبعة من وزرائه لسباب واهية ‪ .‬وكان كل وزير مهددا بالقتل لقسسل هفسسوة ‪ .‬حسستى‬
‫صار ُيدعى على من يرام موته بان يصبح وزيرا له ‪ .‬وقد بنى السلطان سليم كثيرا من‬
‫الجوامع ‪ ,‬وحول أجمل كنائس القسطنطينية إلى مساجد مع سبق الوعد من السلطان‬
‫محمد الثاني الفاتح لبطريق الروم بعدم مس نصف الكنائس الثاني الذي تركه لهم بعد‬
‫فتح المدينة ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 364 [ ‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 365 [ ‬‬

‫‪ - (10( ‬السلطان الغازي سليمان خان الول القانوني (‪-1520‬‬


‫‪: (1566‬‬
‫وهسسو عاشسسر ملسسوك آل عثمسسان‪ .‬وأوسسسعهم عسسزا ومجسسدا ‪ ,‬ويمثسسل عهسسده قمسسة بهسساء‬
‫دولتهم ‪ .‬وكان من عادته إرسال الخطابات إلى كافة السسولة وأشسسراف مكسسة والمدينسسة‬
‫بخطابات مفعمة بالنصائح واليات القرآنية المبينة ‪ ,‬وذكسسر فضسسل العسسدل والقسسسط فسسي‬
‫الحكسسسام ‪ ,‬و وخامسسسة عاقبسسسة الظلسسسم ‪ .‬وكسسسان يسسسستهل خطابسسساته باليسسسة الشسسسريفة ‪:‬‬
‫‪ ‬إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ‪ . ‬وكان من أهم أحداث عهده ‪:‬‬
‫فتح مدينة بلغراد في سنة ‪1521‬م ‪ :‬بعد أن ورد خبر قتسسل السسسفير السسذي أرسسسله‬
‫السلطان إلى ملك المجر يطلسسب منسسه دفسسع الجزيسسة أو الحسسرب ‪ .‬فاستشسساط السسسلطان‬
‫غضبا وسار هو بنفسه في مقدمة الجيش إلى بلغراد فدخلها وصلى الجمعة في إحسسدى‬
‫كنائسها التي حولت مسجدا وصارت هذه المدينة التي كانت امنع حصن للمجريين اكبر‬
‫مساعد لها على فتح ما وراء نهر الدانوب من القاليم والبلدان ‪.‬‬
‫فتح جزيرة رودس سنة ‪ 1523‬م‪ :‬وبعد ذلسسك اخسسذ السسسلطان فسسي السسستعداد بسسرا‬
‫وبحرا لفتح جزيرة رودس التي لم يتمكسسن السسسلطان محمسسد الفاتسسح مسسن فتحهسسا لتكسسون‬
‫حلقة اتصال بين القسطنطينية ومصر من جهة البحر‪ .‬ولكي ل يكون للمسيحيين مركسسز‬
‫حصين في وسط بلده تلجأ إليه أساطيل الدول المعادية للدولة وقت الحرب ‪.‬‬
‫فتح بلد المجر وعاصمتها سنة ‪ 1526‬م‪ :‬كانت الحرب غير منقطعسسة بيسسن المجسسر‬
‫وبين العثمانيين على التخوم‪ .‬وبعد أن افتتح الجيش عدة قلع ذات أهمية حربيسسة علسسى‬
‫نهر الطونة وصل بجيشه إلى وادي موهاكس فسي أغسسطس سسنة ‪ 1526‬فقتسل هنساك‬
‫اغلب الفرسان المجرية وقتل ملكهم ولم يعثر على جثته ‪ .‬فكانت هذه الواقعسسة سسسبب‬
‫فتح بلد المجر بأسرها ‪ .‬ولسذلك أرسسسل أهسسالي مدينسسة ) بسسود ( عاصسمة المجسسر مفاتيسسح‬
‫المدينة إلى السلطان فاستلمها مشسسددا الوامسسر علسسى الجنسسود بعسسدم التعسسرض للهسسالي‬
‫والمحافظة على النظام لكن لم تجد تنبيهاته شيئا ‪.‬‬
‫ابتداء الحروب مع النمسا وحصار عاصمتها ) فيينا (‪:‬‬
‫ثسسم قسسام السسسلطان بجيوشسسه قاصسسدا مدينسسة ) فيينسسا ( ووصسسل السسسلطان سسسليمان‬
‫بجيوشه أمام عاصمة بلد النمسا ووضع الحصار حولها وسسسلط مسسدافعه علسسى أسسسوارها‬
‫فهدم جزءا منها وفتح بها ثلما حتى صار يمكسن الجيسسوش الهجسسوم منسسه ثسم أمسر الجنسود‬
‫بالهجوم ‪ ,‬ولكنه لم يتمكن من دخول في المدينة ‪ ,‬ولما نفدت الذخيرة و أقبسسل الشسستاء‬
‫أصدر أوامره بالرجوع عن فيينا ‪ ,‬تلك السنة وإعداد الجيوش لمعاودة الكرة فيما بعسسد ‪.‬‬
‫وفي ‪ 19‬رمضان سنة ‪ 938‬هس ‪ 25‬ابريل سنة ‪ 1532‬سسسار السسسلطان سسسليمان قاصسسدا‬
‫مدينة فيينا ثانية لفتحها ‪ .‬ولما وصل إلى مدينة نيسسش ببلد الصسسرب وجسسد فسسي انتظسساره‬
‫سفراء من قبل ارشيدوق النمسا ووجسسد بمدينسسة بلغسسراد سسسفيرا جديسسدا مسسن قبسسل ملسسك‬
‫فرنسا وبعد المقابلة وتبادل عبسسارات السسسلم بيسسن السسسفير الفرنسسساوي و الخليفسسة عساد‬
‫السفير لملكه حامل خطابا يؤكد السلطان فيه اتحادهما على محاربة شارلكان ) وكان‬
‫ملكا للنمسا وهولندا و أسبانيا و إمبراطورا للمانيا ويدخل معظم جنوب إيطاليا و جنوة‬
‫وجزيرة مينوركا ‪ ,‬ووهران في ساحل الجزائر في ملكه ( وبهذا كان يحيط بفرنسا مسسن‬
‫جميسسع الجهسسات ‪ .‬و وعسسد السسسلطان بإمسسداد فرنسسسا بالسسسطول العثمسساني إذا مسسست‬
‫الحاجة ‪ .‬ثم سار السلطان بجيوشه الذين كان يبلغ عددهم مسسائتي ألسسف مقاتسسل وانضسسم‬
‫إليهم بعد مزاولتهم مدينة بلغراد خمسة عشر ألف فسسارس مسسن تنسسر القسسرم وفسسي أثنسساء‬
‫المسير نحو مدينة فيينا ‪ ,‬فتح الجيش عدة قلع وحصون بسدون مقاومسة تسذكر ‪ .‬ولعسسدم‬
‫وجود مدافع حصار معه ولقتراب فصل الشتاء بزمهريره عاد عنها أيضا ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 366 [ ‬‬

‫ولما وصل السلطان في إيابه إلى مدينة فيليبسسه عيسسن صسساحب كسسراي التسستري خانسسا‬
‫لبلد القرم بدل أخيه مكافأة له على خدماته أثناء مرور الجيش بأراضي النمسا ‪ .‬وفي‬
‫أثناء انتشاب هذه الحروب من جهة البر ‪ .‬أتت مجموعة مسسن سسسفن شسسارلكان الحربيسسة‬
‫ومعها عدة من سفن البابا بقصد محاربة العثمسسانيين مسن جهسسة البحسر‪ ,‬فساحتلت مينسسائي‬
‫كسورون وبساتراس ببلد مسوره بعسد قتسل مسن كسان بهسا مسن الجنسود النكشسارية وتسدمير‬
‫القلعتين اللتين أقامهما السلطان بايزيد الثاني على ضفتي خليسسج ليبسسالت ببلد اليونسسان‪.‬‬
‫وفي أوائل سنة ‪ 1523‬أرسل ارشيدوق النمسا سفيرا من قبلسسه إلسسى السسستانة يعسسرض‬
‫طلب الصلح على جللة السلطان ‪ ,‬ولم يقبل السلطان الصلح بل قبل المهادنسسة مؤقتسسا‬
‫حتى تسلم إليه مفاتيح مدينة جران ‪ .‬وبعدها تحول الهدنسسة إلسسى صسسلح فأرسسسل السسسفير‬
‫إلى لعرض هذه الشروط على أكابر الدولة وأعيانها فقبلوها ‪ ,‬وبعسسد ذلسسك تحسسررت بيسسن‬
‫الطرفين معاهدة الصلح في يونيسسو سسسنة ‪ . 1533‬واهسسم مسا فيهسا أن يسسرد النمسساويون‬
‫مدينة كورون للدولة العثمانية ول يردوا شيئا مما فتحوه من بلد المجر‪ .‬وان مسسا تتفسسق‬
‫عليه النمسسا مسع زابسسولي صساحب بلد المجسسر ل ينفسسذ مسا لسم يعتمسده جللسة السسسلطان‬
‫العثماني وهي أول معاهدة صلح بين النمسا والباب العالي ‪.‬‬
‫المتيازات القنصلية ‪:‬‬
‫وفي أوائل شهر فبراير سنة ‪ 1536‬تم التفاق بين سفير فرنسسسا والبسساب العسسالي‬
‫وصدر به خط شريف يمنح بعض امتيازات لرعايا ملك فرنسا النازلين بأراضي الممالك‬
‫الثمانية ‪ ,‬ويدل نص المعاهدة على عظيم ما وصلت إليسسه الدولسسة العثمانيسسة آنسسذاك مسسن‬
‫العز والقوة والمهابة ‪ ..‬وبذلك صارت فرنسا الدولة الوروبية الوحيدة الحائزة امتيازات‬
‫لرعاياها ولكن يؤخذ عليها فتح الباب للمتيازات القنصلية السستي أعطسست الجسانب الحسق‬
‫في التدخل في شؤون الدولسسة العثمانيسسة الداخليسسة خصوصسسا فسسي القسسرن التاسسسع عشسسر‬
‫والعشرين بحجة القليات النصرانية ‪ ,‬والجاليات‪ .‬كما سيجيء لحقا ‪.‬‬
‫خير الدين باشا البحري وفتح إقليمي الجزائر وتونس ‪:‬‬
‫اشتهر القبطان خير الدين في كتب الفرنج باسم ) باربسا روسسسا ( أي ذي اللحيسسة‬
‫الشقراء ‪ .‬واصل خير الدين باشا من جزيرة مدللي إحدى جزائر الروم ‪ ,‬وكان هسسو وأخ‬
‫له يدعى ) اوروج ( يشتغلن بالقراصنة في بحر الروم ) البحر المتوسط ( ‪ .‬ثسسم اسسسلما‬
‫ودخل في خدمة السلطان محمد الحفصي صاحب تونس ‪ .‬واستمرا في حرفتهما وهسسي‬
‫أسر مراكب المسيحيين التجارية واخذ كافة ما بها مسسن البضسسائع وبيسسع ركابهسسا وملحيهسسا‬
‫بصسسفة رقيسسق ‪ .‬وفسسي ذات يسسوم أرسسسل إلسسى السسسلطان سسسليم الول إحسسدى المراكسسب‬
‫المأسورة إظهارا لخضوعهم لسلطانه فقبلها منهما ‪ .‬وأرسل لهمسسا خلعسسا سسسنية وعشسسر‬
‫سفن ليستعينوا بها على غزو مراكب الفرنج ‪ .‬فقويت شوكتهما وتمكنا من فتسسح إقليسسم‬
‫الجزائر باسم السلطان العثماني سنة ‪ , 1533‬وحاول فتح تونس سنة ‪ . 1535‬وقسساموا‬
‫بجهود جليلة في مساعدة المسلمين الفارين من بطش النصارى بعد سقوط غرناطة )‬
‫‪1492‬م( ‪ ,‬وساعدوا في نقلهم بحرا إلى المغرب ‪.‬‬
‫ثم جرى حلف بين فرنسا والدولة العثمانية على محاربة النمسا ‪:‬‬
‫و كان من نتائج محالفة فرنسا مع الدولة العثمانية ‪ ,‬أن اتفاقهما كسسان قاضسسيا بسسان‬
‫الدولة العليسسة تجعسسل وجهسسة حروبهسسا بلد نسسابولي وجزيسسرة صسسقلية وأسسسبانيا عوضسسا عسسن‬
‫مهاجمة النمسا التي تتحد مع جميع إمارات وممالك ألمانيا للمدافعة عنها ‪ ,‬إذ هسسي مسسع‬
‫استقللها جزء من التحالف اللماني ‪ .‬وان جيوش فرنسا تسسدخل بلد ايطاليسسا مسسن جهسسة‬
‫إقليم بيمونتي بشمال غرب ايطاليا حينما تدخلها الجيسسوش العثمانيسسة مسسن جهسسة مملكسسة‬
‫نابولي ‪ .‬لكن عدم دخول جمهورية البندقية في هذا التحسسالف وإظهارهسسا العسسدوان لهسسم‬
‫كان سببا في عسدم نجساح كسل هسذه التسدابير ‪ .‬فسأراد السسلطان سسليمان النتقسام مسن‬
‫جمهورية البنادقة على عدم انحيازها لتحالفه مسسع انسسه راعسسى جوارهسسا ولسسم يغسسز بلدهسسم‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 367 [ ‬‬

‫فأرسل خير الدين باشا الذي ترقى إلى رتبة ) قبطان باشا جميع الساطيل العثمانيسسة (‬
‫ومعه نحو ألف سفينة لمحاصرة جزيسسرة كورفسسو ! فحاصسسرها فسسي شسسهر سسسبتمبر سسسنة‬
‫‪ 1537‬واتى السلطان بنفسه لمراقبة الحصار ‪ .‬لكنه أمر برفعه عنها لشدة دفاع أهلهسسا‬
‫وعدم ضياع وقته حول هذه الجزيرة ‪ .‬وعاد هو إلى القسسسطنطينية وأرسسسل خيسسر السسدين‬
‫باشا لفتح ما بقي من جزائر الروم ‪ ,‬ففتح اغلبها وغزا جزيرة كريت‪ ,‬وفي عودته قابسسل‬
‫أسطول مؤلفا من مئة وسسسبعين سسسفينة تقريبسسا يقودهسسا أنسسدري روبسسا أميسسرال شسسارلكان‬
‫فحاربهسسا وانتصسسر عليهسسا فسسي ‪ 25‬سسسبتمبر سسسنة ‪ . 1538‬وفسسي مسسايو سسسنة ‪ 1538‬جمسسع‬
‫السلطان سليمان ببلد الرنؤود جيشا عظيما مؤلفا من مائة ألف مقاتسسل لشسسن الغسسارة‬
‫على بلد ايطاليا ‪.‬‬
‫وفي الوقت نفسه نزل خير الدين باشا بميناء ) اوترانته ( بجنوب ايطاليا اسسستعدادا‬
‫لمهاجمتها من جهة الجنوب بينما يهاجمها السلطان سسسليمان مسسن جهسسة الشسسرق وملسسك‬
‫فرنسا من جهة الغرب ‪ .‬لكن إحجام فرنسا عن التقدم إطاعة للرأي العام كمسسا ذكرنسسا‬
‫كان السبب في عدم نجاح هذا المشروع الذي لو تم لكانت نسستيجته دخسسول بلد إيطاليسسا‬
‫بأسرها تحت ظل الدولة العثمانية ‪ .‬وانتهى المر بان تهادن ملك فرنسسسا مسسع شسسارلكان‬
‫وامضيا مهادنة نيس سنة ‪ 1538‬أما من جهسسة البندقيسسة فاسسستمرت الحسسرب بينهسسا وبيسسن‬
‫الدولة العثمانية سجال وانتهت بالصلح فسي أواخسر سسنة ‪ . 1538‬بتنسازل البندقيسة عسن‬
‫ملفوازي ونابولي دي رومانيا من بلد موره ‪ .‬أما من جهة بلد المجر فابتسسدأت الحسسروب‬
‫ثانية سنة ‪ , 1537‬وانتهت بانهزام جيش ألماني مرسل من قبل شارلكان تحت رياسسسة‬
‫اشهر قواده في ديسمبر سنة ‪ .1537‬واستمرت المواجهسسات بيسسن العثمسسانيين والنمسسسا‬
‫بشسسأن النفسسوذ فسسي المجسسر وتعييسسن حكامهسسا إلسسى سسسنة ‪ .1541‬وتــدل التفاصــيل‬
‫( المختصرة (السابقة على مدى قوة العثمانيين في عهد سليمان وسعي‬
‫أكبر دول أوربا لطلب ودها والتحالف معها ‪.‬‬
‫سفر السطول العثماني إلى فرنسا وفتح مدينة نيس ‪:‬‬
‫أرسل فرانسوا الول إلى السلطان سليمان يطلسسب منسسه مسسساعدته علسسى محاربسسة‬
‫شارلكان بسفنه وقائدها خير الدين باشا ‪ ,‬فتردد السلطان أول لعدم ثبات ملك فرنسسسا‬
‫وضعف عزيمته ‪ .‬وقبل أخيرا بناء علسى إلحساح السسفير وتعضسيد خيسر السدين باشسا لسه ‪,‬‬
‫لسيما وقد وصل إليه خبر مهاجمة شسسارلكان بجيوشسسه لمدينسسة الجسسزائر وارتسسداده عنهسسا‬
‫خائبا في أكتوبر سنة ‪ . 1541‬وفي ربيع سنة ‪ 1543‬سافر السلطان بجيوشه إلى بلد‬
‫المجر لستئناف المحاربات وفي الوقت نفسه اقلع خير الدين باشا من ميسساه السسستانة‬
‫بمراكبه ومعه السفير الفرنساوي بولن قاصدا مرسيليا إحدى مسسوانئ فرنسسسا الجنوبيسسة‬
‫فوصلها بعد أن غزا في طريقه سواحل جزيرة صقلية ‪ .‬وقوبل مسسن الفرنسسساويين بكسسل‬
‫تجلة وإكبار وانضمت سفنه إلى سفنهم ومنها اقلعوا إلى مدينة نيس ‪ ,‬فحاصسسروها مسسن‬
‫جهة البحر وفتحوها عنوة في أغسطس سنة ‪ . 1543‬ولوقوع الشحناء بين العسسسكرين‬
‫لم يتم احتللها ‪ .‬ثم أذن لخير السسدين باشسسا ومراكبسسه بتمضسسية فصسسل الشسستاء فسسي مينسساء‬
‫طولون بفرنسا ‪ ,‬وأعطى له ثمانمائة ألف ريال فرنساوي للصرف على جنوده ‪ .‬وفسسي‬
‫ربيع السنة التالية سنة ‪ 1544‬رفض فرانسسسوا الول مسسساعدة السسسطول العثمسساني لسسه‬
‫لهياج جميع المسيحيين عليه ونسبتهم إيساه للمسروق عسن دينسه لسستعانته بالمسسلمين ‪.‬‬
‫وابرم مع شارلكان في مارس سنة ‪ 1544‬معاهدة كريسي القاضية بالصلح فعسساد خيسسر‬
‫الدين باشا إلى القسطنطينية وتوفي سنة ‪ 1546‬م ودفن على شاطئ البوسفور فسسي‬
‫إسلمبول ‪.‬‬
‫إبرام الصلح مع النمسا ‪:‬‬
‫أما من جهة النمسا فاستمر القتال بينهسسا وبيسسن العثمسسانيين مسسدة مسسن الزمسسن كسسان‬
‫النصر فيها غالبا في جانب العثمانيين ‪ .‬وأخيرا توصل الطرفان إلى عقسسد صسسلح مرضسسى‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 368 [ ‬‬

‫لكل منهما رغم سعي سفير فرنسا في عدم الوصول إلى الوفاق طمعا منه في تجديد‬
‫علئق اللفة بين دولته والدولة العثمانية ‪ .‬وتم الصلح بينهما فسسي سسسنة ‪ 1547‬م ‪.‬علسسى‬
‫هدنة خمس سنوات بشرط أن يدفع فردينان ملك النمسا جزية سنوية مقدارها ثلثسسون‬
‫ألف دوكا نظير ما بقسسي تحسست يسسده مسسن بلد المجسسر‪ .‬وان تبقسسى بلد المجسسر تابعسسة لبسسن‬
‫زابولي أميرها الخير تحت وصاية أمه ايزابل ورعاية الدولة العثمانية ‪.‬‬
‫أما في جهات آسيا ‪:‬‬
‫فقد حضر إلى دار الخلفة العظمسسى سسسنة ‪ 1537‬سسسفير مسسن قبسسل صسساحب دهلسسي‬
‫بالهند يستنجده ضد همايون بن ظاهر الدين محمد الشهير ببابر صاحب دهلي وآخر من‬
‫قبل صاحب الجوزرات بالهند و يطلب منه أيضا المساعدة ضد البرتغاليين الذين أغاروا‬
‫على بلده واحتلوا أهم ثغورها‪.‬‬
‫فتح عدن‪ :‬فأرسل السلطان أوامسسره إلسسى والسسي مصسسر إذ ذاك بتجهيسسز أسسسطول‬
‫بحري بثغر السويس على البحر الحمسسر لمحاربسسة البرتغسساليين وفتسسح عسسدن وبلد اليمسسن‬
‫حتى ل تستولي عليها البرتغال أو أي دولة أوروبية أخرى فتصير حجر عثرة فسسي سسسبيل‬
‫تقدم الدولة العثمانية في جهات الشرق وقاعدة لعمال الدولة التي تحتلها ضد مصسسر‪.‬‬
‫فصدع بأمره وشيد أسطول بحريا هائل مؤلفا من سبعين سفينة على عجسسل ‪ ,‬وسسسلحها‬
‫بالمدافع الضخمة وسار بها في يونيو سسسنة ‪ 1538‬ومعسسه عشسسرون ألسسف جنسسدي ‪ .‬وفتسسح‬
‫مدائن عدن ومسقط ‪ ,‬وحاصر جزيرة هرمز عند مدخل بلد العجم ‪ .‬ثم قصسسد سسسواحل‬
‫الجوزرات وفتح اغلب الحصون التي أقامها البرتغاليون هناك ‪ .‬ثم قفل راجعا بالغنائم ‪.‬‬
‫وفتح في أيامه معظم إقليم اليمن وجعله ولية عثمانية ‪.‬‬
‫وفي سنة ‪ 1547‬أتسسى إلسسى البسساب العسسالي أخ لشسساه العجسسم يسسدعى القاصسسب مسسرزا‬
‫وطلب من السلطان إنجاده ضد أخيه الذي اهتضم له حقوقسسا ‪ ,‬فسسانتهز السسسلطان هسسذه‬
‫الفرصة لتجديد الغارة على بلد العجم وانتظر ريثما يتم الصلح بأوروبا‪.‬‬
‫وفي أوائل سنة ‪ 1548‬سار بجيوشه قاصدا مدينة تبريز‪ ,‬فدخلها وفتح فسسي طريقسسه‬
‫الجزء التابع للعجم من بلد الكرد وقلعة وان الشهيرة ‪.‬‬
‫ولم تدم السكينة في ربوع بلد المجر‪ .‬فأرسل جيشا مؤلفا من ثمانين ألف جنسسدي‬
‫إلى بلد المجر في شهر سسسبتمبر سسسنة ‪ . 1551‬ولسسم يقابسسل هسسذا الجيسسش فسسي طريقسسه‬
‫مقاومة تذكر بل فتح بكل سهولة القلع والحصون الستي احتلتهسا جيسوش النمسسا لخلء‬
‫النمساويين لها عند اقتراب الجنود العثمانية إليها ودنوها منها ‪.‬‬
‫وفي سنة ‪ 1552‬انتصر العثمانيون على النمساويين في عسسدة وقسسائع وفتسسح السسوزير‬
‫الثاني احمد باشا مدينة تمسفار وحاصرت الجيوش بعد ذلك مدينة ارلسسو الحصسسينة ببلد‬
‫النمسا‪ .‬وفي أثناء ذلك كان القبطان طرغول الذي خلسسف خيسسر السسدين باشسسا فسسي غسسزو‬
‫مراكب الفرنج وشواطئ بلدهم قد حاز شهرة عظيمة في الحروب البحرية ‪ ,‬وخسسافت‬
‫من اسمه جميع دول الفرنج المعادية للدولة العثمانية وحفظ اسسسم البحريسسة العثمانيسسة‬
‫من السقوط بموت رئيسها و مؤسسها الكبر خير الدين باشا ‪.‬‬
‫معاهدة سنة ‪ 1553‬بين الدولة العثمانية وفرنسا ‪:‬‬
‫بعد موت السلطان فرانسوا الول ملسسك فرنسسسا ‪ ,‬حسسذا ولسسده هنسسري الثسساني حسسذوه‬
‫ونسج على منواله في موالة الدولة العثمانية والمحافظسة علسى محبتهسسا وتوثيسسق عسسرى‬
‫اللفة والتحاد معها للستعانة ببحريتها عنسسد الحاجسسة ‪ .‬فسسأبقى المسسسيو جبريسسل درامسسون‬
‫سفيرا له في إسلمبول وأمره بمرافقة السلطان في حملته الخيسسرة علسسى بلد العجسسم‬
‫فرافقه ‪ .‬وفي عودته زار بيت المقدس ‪ ,‬فقابله الرهبان والقسس بكسسل احتفسسال لتأييسسد‬
‫المعاهسسدات السسسابقة القاضسسية بجعسسل جميسسع الكاثوليسسك المسسستوطنين بأراضسسي الدولسسة‬
‫العثمانية تحت حماية فرنسا ثم عاد إلى فرنسا فوجد نيران الحسسرب قسسد اشسستعلت ثانيسسا‬
‫بينها وبين النمسا ‪ .‬فعاد إلى إسلمبول واتفق مع الباب العالي على أن يتحد السطول‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 369 [ ‬‬

‫العثماني مع السطول الفرنسي لفتح جزيرة كورسيكا ‪ ,‬مجازاة لهالي جنوه المحتلين‬
‫لها على مساعدتهم لشار لكان ‪ .‬ولتكون مركزا لعمال السطولين فسسي غسسزو سسسواحل‬
‫أسبانيا وايطاليا ‪.‬‬
‫وأبرمت بذلك معاهسدة بتاريسخ ‪ 16‬صسفر سسنة ‪960‬هسس‪ .‬أول فسبراير سسنة ‪. 1553‬‬
‫وننقل بعضا مما جاء فيها لدللتها على مجد الدولة العثمانية التي حملسست لسسواء السسسلم‬
‫في ذلك الزمان ‪:‬‬
‫] ان جللة السلطان سليمان وهنري دي فالوا الثاني ملك الفرانك قد ابرما اتحسسادا‬
‫مشتمل على العبارة التية بخصوص الحسسرب البحسسري ‪ -‬جعلسسه اللسسه حميسسد العاقبسسة ‪!! -‬‬
‫والذي سيشرعان فيه ضد المبراطور شارلكان ‪:‬‬
‫البند ‪ : 1‬بما أن جللة السلطان سليمان سلطان الترك بإرسسساله أسسسطول بحريسسا‬
‫في بحر التوسكان ضد المبراطور شارل الخسسامس ‪ ,‬قسسد أعسسان بسسذلك هنسسري دي فسسالوا‬
‫مدة سنتين بناء على طلبه المتكرر فسسي بسسادئ المسسر وبالخصسسوص بنسساء علسسى ترجيعسساته‬
‫البالغة أقصى درجات الحض ‪ .‬فقد اتفق بأن الملك هنري يدفع ثلثمائة ألف قطعة مسسن‬
‫الذهب بصفة متأخر مرتب السطول‪.‬‬
‫البند ‪ : 4‬كل سفينة تابعة للمبراطور أو للمتحالفين معسسه سسسواء أكسسانت معسسدة‬
‫للنقل أو كسانت مسسن المراكسسب الخفيفسسة وسسسواء أكسسانت سسسفنا حربيسسة صسسغيرة أو كسسبيرة‬
‫فبمجرد وقوعها أسيرة لدى السطول العثماني تصير من تلك اللحظة ملكسسا للسسسلطان‬
‫سليمان ملك الترك ‪.‬‬
‫البند ‪ : 5‬المدن والقصبات والقرى والكفور التي تتغلب عليها البحريسسة العثمانيسسة‬
‫تكون مباحة غنيمة للترك وجميع سكانها راشدين أو قاصرين رجال كسسانوا أو نسسساء ولسسو‬
‫أنهم معتنقون الديانة المسيحية ويكونون قد سلموا أنفسهم باختيارهم فسسانه ل بسسد مسسن‬
‫تركهم أسراء وعبيدا للترك ‪...‬‬
‫البند ‪ : 6‬إذا أصدر الملك هنري أمره إلى أسطول جللة السلطان سسسليمان بسسان‬
‫تحارب شارل ملك النمسا غير متجهة نحو الغسسرب بسسل نحسسو الشسسرق والجنسسوب ويقصسسد‬
‫بذلك مسيرها في الشواطئ من عند مصب نهر ترونتسو لغايسة كروتسون بحيسث أن هسذه‬
‫السفن تقوم بأعبسساء أوامسسر هنسسري بسسدون مقابسسل فقسسد اتفسسق علسسى أن المسسواد الحربيسسة‬
‫ومؤونات المدن والقصبات التي تقع تحت يد الترك يتنازل عنهسسا للملسسك هنسسري ‪ .‬ولكسسن‬
‫المدن والقصبات والقرى والكفور فانها تترك غنيمة للترك كما تقرر ذلك بالبند السابق‬
‫‪ .‬وأما السكان والمزارعون والقسساطنون البسسالغون والقاصسسرون الرجسسال منهسسم والنسسساء‬
‫فإنهم يسلمون للسر بدون معارضة حتى ولو كانوا ممن يعتنقون الديانة المسيحية بسل‬
‫ولو كانوا ممن اسلم نفسه بمحض إرادته ‪.‬‬
‫البند ‪ : 7‬يمكن لميرال جللة الملك سسسليمان أن يسسستولي ويأسسسر باسسسم مليكسسه‬
‫الفخم كل مكان تقدم عليه البحرية التركية المظفرة متى رأى ثمسسة مسسن فسسائدة وذلسسك‬
‫من ابتداء حدود نهسسر ترونتسسو لغايسسة اوترانسست وكرتسسون ومسسن ثسسم لغايسسة صسسقلية ونسسابولي‬
‫وعموما جميع القاليم المملوكة للمبراطور شارل الخامس ملك النمسا ‪ .‬سسسواء أكسسان‬
‫ذلك المكان داخل الراضي أو سواء كان مدينسة أو قصسبة أو قريسسة أو كفسسرا أو مينسساء أو‬
‫خليجا وله الحق في السسستيلء علسسى أي سسسفينة يصسسادفها ولسسه أن يغسسزو بسسل وان ينهسسب‬
‫ويأسر الرجال والنسساء البسالغين أو القاصسرين حستى انسه يمكنسه مستى شساء أن يحسافظ‬
‫ويتملك جميع ما يغتنمه سواء أكان من بني النسان أو المسسدن أو السسبيوت الخلويسسة وان‬
‫يعدها ويستعملها لحتياجاته ولو ضد رغبة الفرنك وبالرغم عن مضاد تهم الشسديدة فسي‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫البند ‪ : 9‬جللة السلطان سليمان يسلم عدا عسسن ذلسسك الثلثيسسن سسسفينة حربيسسة‬
‫وبحارتها بدون أدنى فدية وكذا المدافع والمؤن وجميع المواد ويستثنى من ذلسسك رجسسال‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 370 [ ‬‬

‫بحريته الخصوصيون وعساكره ‪ .‬كما وانه يدفع في أقرب وقسست لسسبرنس سسسالرن السسذي‬
‫بذل نفسه وكل ما في وسعه للحصول عليها وكان نصيبه أن حسسرم مسسن منصسسبه وطسسرد‬
‫من وطنه وبيته مبلغ الثلثين ألف قطعة من الذهب التي صرفها بكسل ارتيساح وكسرم ‪[ .‬‬
‫أهس‪.‬‬
‫ثم تتابعت المناوشات بين السلطنة والنمسا في المجر ولم تحصل أمور مهمة ‪.‬‬
‫ثم افتتح أميرال العثمانيين طرغول طرابلسسس الغسسرب ) ليبيسسا ( فسسي غضسسون سسسنة‬
‫‪1551‬م ‪:‬‬
‫ووجسسه السسسلطان سسسليمان اهتمسسامه إلسسى تعزيسسز سسسفنه الحربيسسة لحمايسسة الجسسزائر‬
‫وطرابلسسس الغسسرب لبعسسدها عسسن مقسسر الخلفسسة العظمسسى وطمسسوح أنظسسار أسسسبانيا إلسسى‬
‫إرجاعها ‪ .‬إذ أن وجود العثمانيين فيها يهدد سواحل أسبانيا ونسسابولي السستي كسسانت تابعسسة‬
‫لسبانيا في ذلك الحين ‪.‬‬
‫حصار جزيرة مالطة‪:‬‬
‫في أوائل سنة ‪ 1565‬أرسلت قطسع بحريسسة مؤلفسة مسن نحسسو مسائتي سسفينة لفتسح‬
‫جزيرة مالطة مقر رهبنة القديس حنا الورشليمي لهميسسة هسسذه الجزيسسرة الواقعسسة بيسسن‬
‫إقليم تونس وجنوب ايطاليا وضرورة احتللها لكل دولة تريد أن تكون لها اليد الطسسولى‬
‫على البحر البيض المتوسط ‪ .‬فامتد حصارها سبتمبر ‪ 1565‬وعادت السفن بجيوشسسها‬
‫إلى إسلمبول‪.‬‬

‫الفتن داخل بيت السلطان سليمان ‪:‬‬


‫حصلت حادثة شنيعة وهي قتل السلطان لولده الكبر مصطفى بناء علسسى دسيسسسة‬
‫إحدى زوجاته المسماة في كتب الفرنج ) روكسلن الروسسسية ( أمسسا فسسي كتسسب السسترك‬
‫فاسمها خورم أي ) الباسمة( وذلسسك حسستى يتسسولى بعسسده ابنهسسا سسسليم بمسسساعدة الصسسدر‬
‫العظم رستم باشا ‪ ..‬وكانت هذه الفعلة الشسنعاء نقطسة سسوداء فسي تاريسخ السسسلطان‬
‫سسليمان السذي اتسسعت دائرة السسلطنة فسي أيسامه ‪ . .‬ولسم تكسن هسذه الحادثسة خاتمسة‬
‫الفظائع بل أعقبها فتن ودسائس أدت لقتل السلطان لولد آخرين له ولحفاده منهم ‪.‬‬
‫موت السلطان سليمان ‪:‬‬
‫و اشتد مرض السلطان وتوفي في سبتمبر سنة ‪ . 1566‬عن أربع وسبعين سسسنة‬
‫قمرية ‪ .‬وكانت مدة ملكه ثمانية وأربعين سنة قضاها في توسسسيع نطسساق الدولسسة وإعلء‬
‫شانها حتى بلغت في أيامه أعلى درجات الكمال ‪.‬‬
‫وقد اشتهر السلطان سليمان بس ) القانوني ( لما وضسسعه مسسن النظسسم الداخليسسة فسسي‬
‫كافة فروع الحكومة فادخل بعض تغييرات في نظام العلماء والمدرسسسين السسذي وضسسعه‬
‫السلطان محمد الفاتح ‪ .‬ويعتبر موت السلطان سليمان نهاية لعصر القوة فسسي الدولسسة‬
‫العثمانية وبداية السير نحو النحطاط ثم النهيار فالنهاية ‪.‬‬

‫أسباب بداية انحطاط الدولة العثمانية ‪:‬‬


‫وكان ذلك لجملة أسباب منها ‪:‬‬
‫العدوان على سلطان الله بالتشريع الوضعي ‪ ,‬والذي ابتدأ مسسن قبسسل ولكنسسه توسسسع‬
‫في عهد سليمان حتى لقب بالقانوني ‪.‬‬
‫إعطاء المتيازات القنصلية لسفراء الدول الجنبية ‪ ,‬كما رأينا سفير فرنسا ‪ .‬والذي‬
‫تحول لحق في التدخل في شؤون الدولة ‪ .‬ثم التآمر عليها ‪.‬‬
‫بسسذخ السسلطين ‪ ,‬ودخسولهم مرحلسسة النصسراف للسسدنيا والسسستكثار مسسن المحظيسات‬
‫اللواتي كان أكثرهن من الدول النصرانية المجاورة ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 371 [ ‬‬

‫زيادة الثروة بسبب الفتوحات العديدة والغنائم الكثيرة ‪ .‬ول يخفى أن الثروة تورث‬
‫غالبا المفاخرة في المصرف والتغالي في الزهو والسسترف وكسل امسسة سسسادت فيهسا هسسذه‬
‫الخصال ل بد لها من النهيار ‪.‬‬
‫كان النكشارية ل يخرجون إلى الحسسرب إل إذا كسان السسسلطان معهسم ‪ .‬ولسذا كسانت‬
‫أهم الحروب والغزوات تحت إمرة السلطان وقيادته ‪ .‬فغيسسر السسسلطان سسسليمان هسسذه‬
‫السنة الحميدة وأجاز للنكشارية القتال تحت إمرة قائدهم الكبر ولو لم يكن السلطان‬
‫موجودا فكان هذا التغيير سببا في تقاعس اغلب من خلفه من السلطين عن الخسسروج‬
‫من قصورهم الباذخة وتفضيلهم البقاء بين غلمانهم وجواريهم المختلفات الجناس على‬
‫الخروج للقتال وتكبد مشاقه ‪.‬‬
‫ومنها أن كافة أمور الدولة المهمسسة كسانت تنظسر فسي ديسوان السوزراء تحسست رئاسسسة‬
‫السلطان فأبطل السلطان سليمان هذه العادة وصار الديوان ينعقد تحت رئاسسسة أكسسبر‬
‫الوزراء وهو الصدر العظم والسلطان له عن ذلك معرض عن دسائس السسوزراء ومسسن‬
‫يستعينون بهم من جواريه وأزواجسسه وترتسسب علسى ذلسسك أن صسارت المسسور بيسسد السسوزراء‬
‫المغايرين للجنس العثماني أصل ونسبا إذ أن اغلبهم ممن اسلم أو تظاهر بالسلم من‬
‫النصارى أو من غلمان وخدم‪.‬‬
‫ومنهسسا الباحسسة للنكشسسارية بسسالتزوج والقامسسة خسسارج ثكنسساتهم مسسع إعطسسائهم بعسسض‬
‫امتيازات وقبول الخلط ضمن زمرتهم مما جعلهم من اكبر موجبات تسسأخر الدولسسة بعسسد‬
‫أن كانت من أعظم عوامل تقدمها إلسسى غيسسر ذلسسك مسسن السسسباب السستي سسسنوردها تباعسسا‬
‫بحسب مقتضياتها ‪.‬‬

‫‪ - (11( ‬السلطان الغازي سليم خان الثاني(‪1577-1566‬م( ‪:‬‬


‫وهو ابن روكسلن الروسية سابقة الذكر وتولى الملسك بعسد مسسوت أبيسسه‪ .‬ولسم يكسن‬
‫السلطان متصفا بما يؤهله للقيام بحفظ فتوحات أبيه فضل عن إضافة شيء إليها ولول‬
‫وجود الوزير الطويل محمسسد باشسا صسقللي المسسدرب علسى العمسال الحربيسة السياسسسية‬
‫للحق الدولة الفشل ‪ .‬لكن حسن سياسة هذا الوزير وعظم اسم الدولسسة ومهابتهسسا فسسي‬
‫قلوب أعدائها حفظتها من السقوط مرة واحسسدة ‪ .‬ومسسن أهسسم مسسا جسسرى فسسي عهسسد هسسذا‬
‫السلطان ‪:‬‬
‫تم الصلح بينهسسا وبيسسن النمسسسا سسسنة ‪ 1568‬بمعاهسسدة مسسن شسسروطها حفسسظ النمسسسا‬
‫أملكها في بلد المجسر ودفعهسسا الجزيسة السسنوية المقسررة بسالعهود السسسابقة واعترافهسا‬
‫بتبعية أمراء ترانسلفانيا و الفلخ و البغدان إلسسى الدولسسة العثمانيسسة ‪ .‬كمسسا تجسسددت أيضسسا‬
‫الهدنة مع ملك بولونيا باعتراف الباب العالي بالتحالف الذي حصل ما بين ملسسك بولونيسسا‬
‫وأمير البغدان ‪ .‬وكذلك جددت مع شارل التاسع ملك فرنسا في سنة ‪ 1569‬التفاقيات‬
‫التي تمت بين الدولتين في عصر السلطان سليمان ‪.‬‬
‫وأيد السلطان سليم ) ابن الروسية ( المتيازات القنصلية وزاد عليها امتيسسازات‬
‫أخرى أهمها معافاة كل فرنساوي من دفع الخراج الشخصي وان يكون للقناصل الحسسق‬
‫فسسي البحسسث عمسسن يكسسون عنسسد العثمسسانيين مسسن الفرنسسساويين فسسي حالسسة السسرق وإطلق‬
‫سراحهم والبحث عمن أخذهم بصفة رقيق لمجازاته وان يسسرد السسسلطان كافسسة الشسسياء‬
‫التي تأخذها قراصسنة البحسر مسن المراكسب الفرنسساوية ومعاقبسة الخسذ لهسا وان تكسون‬
‫المراكب العثمانية ملزمة بمساعدة ما يرتطم من السسسفن الفرنسسساوية علسسى شسسواطئ‬
‫الدولة وبحفظ ما بها من الرجال والمتاع وان يكون لفرنسا كسسل المتيسسازات الممنوحسسة‬
‫لجمهورية البنادقة ‪.‬‬
‫ولزيادة توثيق عسسرى التحسساد بيسسن الدولسسة وفرنسسسا وزيسسادة نفسسوذ اتحادهمسسا اتفقسست‬
‫الدولتين على ترشيح هنري دي فالوا أخي ملك فرنسا لعرش بولونيا ليكون لهم ظهيرا‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 372 [ ‬‬

‫ضد النمسا من جهة وضد روسيا من جهة أخرى وقد تم ذلك فعل وصارت بولونيا تحت‬
‫حماية الدولة العثمانية حماية فعلية وان لم تكن اسمية ‪.‬‬
‫وبذلك صارت فرنسا ملكة التجارة في البحر البيض المتوسط وجميع البلد التابعة‬
‫للدولة وأرسلت تحت ظل هذه المعاهدات عدة إرســاليات دينيــة كاثوليكيــة‬
‫إلى كافة بلد الدولة الموجـودة بهـا مسـيحيون خصوصـا فـي بلد الشـام‬
‫لتعليم أولدهــم وتربيتهــم علــى محبــة فرنســا ‪ .‬وكــانت هــذه المتيـازات‬
‫الموجبة لضعف الدولة بسبب تــدخل القناصــل فــي الجــراء آت الداخليــة‬
‫بدعوى رفع المظالم عن المسيحيين واتخاذها لها سبيل لمتــداد نفوذهــا‬
‫بين رعايا الدولة المسيحيين واهم نتائج هذا التدخل وأضره مآل وأوخمــه‬
‫عاقبة استعمال هذه الرساليات الدينية في حفظ جنسية ولغة كل شعب‬
‫مسيحي حتى إذا ضعفت الدولة أمكن هذه الشعوب الستقلل بمســاعدة‬
‫الدول المسيحية أو النضمام إلى إحدى هذه الدول كما شــوهد ذلــك فــي‬
‫هذا القرن الخير من عمرها مما سيأتي مفصل ‪.‬‬
‫ومن أعمال الوزير محمد باشا صقللي أن أرسل جيشا عظيما إلى بلد اليمسسن فسسي‬
‫سنة ‪ 976‬سنة ‪ 1569‬م تحت قيادة عثمان باشا السسذي عيسسن عسسامل عليهسسا لقمسسع ثسسورة‬
‫أهاليها الذين خرجوا على الدولة العثمانيسسة مسسع سسسلطانهم الشسسريف مطهسسر بسسن شسسرف‬
‫الدين يحيى فانتصسسر عثمسسان باشسسا عليهسسم بمسسساعدة سسسنان باشسسا والسي مصسسر ودخلسست‬
‫الجيوش المظفرة مدينة صنعاء‪.‬‬
‫فتح جزيرة قبرص ‪:‬‬
‫ومن أعماله أيضا فتح جزيسسرة قسسبرص السستي كسسانت تابعسسة للبندقيسسة فأرسسسلت إليهسسا‬
‫المراكب الحربية‪ .‬حيث فتحت في أغسطس ‪1570‬م ‪ .‬وصارت مسسن ذلسسك العهسسد تابعسسة‬
‫للدولة العثمانية إلى أن احتلها النكليز سنة ‪.1878‬‬
‫وفي هذه الثناء غزت المراكب العثمانية جزيرة كريت ‪ ,‬و ظنتسسه ‪ ,‬وغيرهسسا بسسدون‬
‫أن تفتحها واحتلت مدائن دلنسنيو وانتيباري على البحر الدريسساتيكي ولمسا رأت البندقيسة‬
‫تغلب العثمانيين عليها وفتح كثير من بلدها استعانت بأسبانيا والبابا وتم بينهسسم التفسساق‬
‫على محاربة الدولة بحرا خوفا من امتداد سلطتها على بلد ايطاليسسا ‪ .‬فسسسارت سسسفن‬
‫المسيحيين إلى شواطئ الدولة وكانت تلك الحملة المختلطسسة‪ .‬وانتهسسى المسسر بانتصسسار‬
‫السطول المسيحي فأخذت ‪ 130‬سسسفينة عثمانيسسة ‪ .‬وأحرقسست وأغرقسست ‪ . 94‬وغنمسست‬
‫‪ 300‬مدفعا و ‪ 30‬ألف أسير ‪ .‬وهذه أول واقعة حصلت بين الدولة من جهة وأكسسثر مسسن‬
‫دولتين مسيحيتين من جهة أخرى ‪ .‬وكان اشتراك البابا فيها يدل على أن المحرك لهذه‬
‫التحالفات ضد الدولة السلمية آنذاك هو الدين كما أثبتت الحوادث والحروب فيما بعسسد‬
‫وليس مسائل السياسة والمصالح كما يدعون ‪ .‬مما ل يجعل عند المطالع اقل ريبسسة أو‬
‫شك في أن ) المسالة الشرقية ( كما دعيت فيما بعد مسالة دينية أساسا‪. .‬‬
‫أما من جهة أسبانيا فقد قصد دون جوان مدينة تونس فسسي أواخسسر سسسنة ‪.. 1572‬‬
‫لكن لم يلبث العثمانيون إل نحو ‪ 8‬اشهر حيث تسم اسسترجاعها ثانيسة إلسى أملك الدولسة‬
‫بواسطة سنان باشا في أغسطس سنة ‪. 1575‬‬
‫وفي جهة بلد البغدان انتصر العثمانيون بعد موقعة هائلة في ‪ 9‬يونيسسو سسسنة ‪1574‬‬
‫على المير ايوونيا الذي تمرد على الدولة طلبا للستقلل وصلب جزاء عصيانه ‪.‬‬
‫وفي ديسمبر سنة ‪ . 1574‬توفي السلطان سليم الثاني وعمره اثنيسن وخمسسون‬
‫سنة قمرية ومدة حكمسسه ثمسساني سسسنين و ‪ 5‬اشسسهر و تسسولى بعسسده ابنسسه السسسلطان مسسراد‬
‫الثالث ‪.‬‬
‫‪ - (12( ‬السلطان الغازي مراد خان الثالث (‪1595-1574‬م(‪:‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 373 [ ‬‬

‫وكانت فاتحة أعماله أن أصدر أمرا بعدم شرب الخمسر السذي شسساع اسستعماله أيسام‬
‫السسسلطان السسسابق ) ابسسن الروسسسية ( وأفسسرط فيسسه الجنسسود خصوصسسا النكشسسارية فثسسار‬
‫النكشارية لذلك واضطروه لبسساحته لهسسم بمقسسدار ل يسسترتب منسسه ذهسسول العقسسل وتكسسدير‬
‫الراحة العمومية ‪.‬‬
‫وأمر بقتل إخوته وكانوا خمسة ليأمن على الملك من المنازعة إذ صار قتل الخسسوة‬
‫عادة تقريبا ‪.‬‬
‫وكانت علقات هذا السلطان مع فرنسا حسنة جدا وكسسذلك مسسع جمهوريسسة البندقيسسة‬
‫فجدد لهما المتيازات القنصلية والتجارية مع زيادة بعض بنسسود فسسي صسسالحهما أهمهسسا أن‬
‫يكون سفير فرنسا مقدما على كافة سفراء الدول الخرى في المقسسابلت والحتفسسالت‬
‫الرسمية حيث كثر توارد السفراء على بابه العالي ‪ ,‬للسعي في إبرام معاهدات تجارية‬
‫تكون ذريعة في المستقبل للتدخل الفعلي ‪.‬‬
‫وفي أيامه تحصلت ايزابل ملكة النكليز على امتياز خصوصي لتجار بلدها وهسسي أن‬
‫تحمل مراكبها العلم النكليزي وكان ل يجوز لها ذلك قبل بل كانت السفن على اختلف‬
‫أجناسها ما عدا سفن البندقية ل تدخل إلى موانئ الدولة العثمانية إل تحت ظسسل العلسسم‬
‫الفرنساوي !‬

‫وصول نفوذ العثمانيين إلى مراكش ‪:‬‬


‫في سنة ‪. 1578‬حصلت فتنة داخلية في مملكة مراكش بسسالمغرب القصسسى ونسسازع‬
‫زعيمها سلطان المغرب في الملك وحصلت بينهما عسسدة وقسسائع مهمسسة وأخيسسرا اسسستنجد‬
‫سسسلطانها بالعثمسسانيين واسسستعان مسسدعي الملسسك بالبرتغسساليين فسسأوعزت الدولسسة لسسوالي‬
‫طرابلس بإنجاد سلطانها الشرعي فأسرع بمساعدته والتقى الترك والبرتغسسال بسسالقرب‬
‫من محل يقال له القصر الكبير وكان يوما مشسسهودا دارت فيسسه السسدائرة علسسى البرتغسسال‬
‫وقتل فيه رئيس الثائرين المستنجد بهم ‪ .‬وبعد تمسسام النصسسر وإعسسادة المسسن و السسسكينة‬
‫إلى ربوع مراكش ‪ ,‬عادت الجيوش العثمانية حاملة ما أغدق عليهسسا مسسن الهسسدايا وبسسذلك‬
‫دخلت مملكة مراكش ضمن دائرة نفوذ الدولة وصار شمال أفريقيسسا بسسأجمعه تابعسسا لهسسا‬
‫تماما أو خاضعا لنفوذها ‪.‬‬
‫وفي هذه السنة حصل الصلح بين الدولة وأسسسبانيا للوصسسول ‪ ,‬لكسسن لسسم يمنسسع ذلسسك‬
‫القراصنة من الطرفين على نهب السفن التجارية وسبي واسترقاق من بها من النساء‬
‫والرجال ‪ .‬حتى كان من يستعد للسفر في البحر البيسسض المتوسسسط فسسي ذلسسك الزمسسان‬
‫يتجهز كمن يستعد لرحلة حربية لعدم المن وكثرة القراصنة بما لسسم يسسسبق لسسه مثيسسل ‪.‬‬
‫لن كل من الطرفيسسن كسسان يعتسسبر غسسزو سسسفن الطسسرف الخسسر مسسن الواجبسسات الدينيسسة و‬
‫القربات المشروعة ‪.‬‬
‫سنة ‪ 1579‬قتل الصدر العظم محمد باشا صقللي الذي حافظ على نفوذ الدولة‬
‫بعد موت السلطان سليمان بدسائس حاشية السلطان قضت عليه بسسالموت غسسدرا تبعسسا‬
‫لدسائس الجانب الذين ل يروق في أعينهم وجود مثل هذا الوزير يدير دولب العمسسال‬
‫على محور الستقامة فدسوا إليه من قتله تخلصا من صادق خدمته للدولة فكان مسسوته‬
‫ضربة شسديدة ومحنسة عظيمسة لسسيما وقسد كسثر بعسده تنصسيب وعسزل الصسدور ودبست‬
‫الفوضى في الجيش ‪.‬‬
‫ثم أصيب السلطان بداء عياء وتسوفي سسنة ‪ 1595‬ولسه مسن العمسسر خمسسون سسسنة‬
‫وكانت مدة ملكه إحدى وعشرين سنة تقريبا وقالوا أنه كان شاعرا مجيدا ‪ ,‬فطنا لبيبا ‪,‬‬
‫إل انه كان كثير الميل لقتناء الجواري الحسان ‪..‬عامل بمشورتهن في كسسل آن ‪ ..‬وكسسان‬
‫من ضمن حظياته جارية بندقية الصل من عائلة شهيرة بها اسمها ) بافو( سسسباها مسسن‬
‫البحر قرصسان ‪ ..‬وبيعست فسي السسسراي السسسلطانية وسسميت ) صسسفية( حيسث اصسطفاها‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 374 [ ‬‬

‫السلطان وتدخلت كثيرا في السياسة الخارجية للدولة ‪ ..‬وساعدت بلدها الصلية كثيرا‬
‫وهي والدة ولي عهد السلطان ‪ ).. .‬أمان يا ربي أمان ‪..‬على ما فات من ذلك الزمان (‬
‫‪..‬‬

‫‪ - (13( ‬السلطان الغازي محمد خان الثالث (‪1603 -1995‬م(‪:‬‬


‫تولى بعد موت أبيه مراد الثالث ابن صفية اليطالية الصل وكسسان لسسه تسسسعة عشسسر‬
‫أخا غير الخوات فزعم المؤرخون أنه أمر بخنقهم جميعسسا قبسسل دفسسن أبيسسه ودفنسسوا معسسا‬
‫تجاه آيا صوفيا !! ‪ .‬وفي أوائل حكمه سار على اثر سلفه في عدم الخروج إلى الحرب‬
‫وترك المور الداخلية في أيدي وزرائه الذين منهم سنان باشسسا و جفالسسة زاده وهسسو ابسسن‬
‫القائد جفالة باشا الجنوي الصل الذي قتل في محاربسسة العجسسم الخيسسرة ‪ .‬وآخسسر يسسدعى‬
‫حسن باشا فأفسسسدوا فسسي الرض وبسساعوا المناصسسب الملكيسسة والعسسسكرية وقللسسوا عيسسار‬
‫العملة حتى عل الضجيج من جميسسع الجهسسات وتعسساقب انهسسزام الجيسسوش العثمانيسسة أمسسام‬
‫ميخائيل الفلخي فضم لسلطانه بمساعدة الجيوش النمساوية وإقليسسم البغسسدان وجسسزءا‬
‫عظيما من ترنسلفانيا لعدم وجود القواد الكفاء لصدهم ‪.‬‬
‫ومما يخلد للسلطان الغازي محمد الثالث السسذكر ويجعلسسه رصسسيفا لجسسداده الوائل‪,‬‬
‫انه لما تحقق أن هذا النحلل ناشئ من تحجبه عسن العمسال وعسدم قيسادته الجيسوش ‪,‬‬
‫برز بنفسه وتقلد المركز الذي كان تسسرك مسسراد الثسسالث وسسسليم الثسساني لسسه مسسن دواعسسي‬
‫تقهقر الدولة أمام أعدائها ‪ .‬فسار إلى بلغراد ومنها إلسسى ميسسدان الحسسرب والنسسزال وبعسسد‬
‫قليل دبت في الجيوش الحمية الدينية والغيسسرة لعسسسكرية ‪ ,‬ففتسسح قلعسسة ارلسسو الحصسسينة‬
‫التي عجز السلطان سليمان عن فتحها في سنة ‪ . 1556‬ودمر جيوش المجر والنمسسسا‬
‫تدميرا في سهل كسسرزت بسسالقرب مسسن هسسذه القلعسسة فسسي ‪ 26‬أكتسسوبر سسسنة ‪ 1596‬حسستى‬
‫شبهت هذه الموقعة بواقعة ) موها كز( التي انتصر فيها السلطان سليمان سنة ‪1526‬‬
‫‪.‬‬
‫وفي ابتداء القرن السابع عشر للميلد حصلت في بلد الناضول ثورة داخلية كادت‬
‫تكون وخيمة العاقبة على الدولة خصوصا ونيران الحسسروب مسسستعر لهيبهسسا علسسى حسسدود‬
‫المجر والنمسا ‪...‬‬
‫ومن ذلك الحين بدأ يظهسر جليسا اختلل النظسام العسسكري وعسدم صسلحيته لحفسظ‬
‫اسم الدولة وشرفها بين أعدائها‪ .‬ثم توفي السلطان وكانت وفسساته س ‪ 1603‬وعمسسره‬
‫‪ 37‬سنة ومدة حكمه ‪ 9‬سنين وخلفه ابنه احمد الول ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 375 [ ‬‬

‫‪ - (14( ‬السلطان الغازي احمد خان الول (‪1617 -1603‬م( ‪:‬‬


‫فتولى الملك ولم يتجاوز سنه الرابعة عشر إل بقليل ولم يأمر بقتل أخيه مصطفى‬
‫بل اكتفى بحجزه بين الخدم والجواري ‪ .‬وكانت أركان الدولة غيسسر ثابتسسة فسسي كافسسة بلد‬
‫آسيا ونار الحرب مستعرة على حدود العجم شسسرقا والنمسسسا غربسسا وكسسانت الحسسرب مسسع‬
‫العجم شديدة الوطأة في هذه المرة لتولي الشاه عباس الشهير قيادتهسسا ‪ .‬وممسسا جعسسل‬
‫لها أهمية أعظم من كافة الحروب السابقة ‪ ,‬اضطراب الحوال في الوليسسات الشسسرقية‬
‫عموما وسعي كل أمة من المم المختلفة النازلة بها للحصول علسسى السسستقلل ‪ ..‬لكسسن‬
‫قيض الله للدولة في هذه الشدة الوزير مراد باشا الملقسسب )بقسسوي وجسسي( السسذي عيسسن‬
‫صدرا أعظم وكان قد تجاوز الثمانين ليكون عونا وعضدا للسلطان الفتى فتقلد مع كبر‬
‫سنه ووهن قواه قيادة الجيوش وحارب الثائرين بهمة ونشاط زائدين فانتصر‪...‬‬
‫وقد حصلت ما بين سنة ‪ 1611‬وسنة ‪ 1614‬بعض مناوشسسات بحريسسة بيسسن مراكسسب‬
‫الدولة العثمانية وسفن رهبان مالطة وملك أسبانيا ووليات ايطاليا كان الفوز فيها غالبا‬
‫لمراكب العداء ‪ ,‬فسسانتهز بعسسض أخلط القسسوزاق انسسسحاب السسسفن الحربيسسة مسسن البحسسر‬
‫السود ‪ ,‬وأغاروا على ثغر سينوب ونهبوا ما به ولما علم السسسلطان بسسذلك غضسسب علسسى‬
‫الصدر العظم وسعى به بعض مبغضيه طمعا في نوال منصبه وما فتئوا يوغرون صسسدر‬
‫سيده عليه حتى أمر بقتله في ‪ 14‬أكتوبر سنة ‪ 1614‬فخنق في قصره ‪.‬‬
‫هذا وازدادت في أيام السلطان احمد الول العلقات السياسية مع دول الفرنج‬
‫وازداد بذلك تأثيرهم‪..‬‬
‫وفي نوفمبر سسنة ‪ 1617‬م تسوفي السسلطان أحمسد الول وعمسره ‪ 28‬سسنة ومسدة‬
‫حكمه ‪ 14‬سنة تقريبا ولصغر سن ولده عثمان الذي كان لم يتجسساوز ثلث عشسسرة سسسنة‬
‫من عمره خالف العادة المتبعة من ابتسسداء الغسسازي السسسلطان عثمسسان الول أي تنصسسيب‬
‫أكبر الولد أو أحدهم مكان والده وأوصى بالملك بعده لخيه‪.‬‬

‫‪ - (15( ‬السلطان مصطفى خان الول (‪1618 -1617‬م( ‪:‬‬


‫وكان قد قضى عمره داخل محلت الحريم ولم يتعاطى أشغال السياسة مطلقسسا ‪.‬‬
‫بل ولم يعلم من أمور المملكة شيئا ‪ .‬ولم يلبث هذا السسسلطان علسسى سسسرير الملسسك إل‬
‫ثلثة اشهر تقريبا ثم عزله المفتي و آغا السسسراي‪ .‬وسسساعدهم النكشسسارية علسسى ذلسسك ‪.‬‬
‫فعزل في فبراير سنة ‪ 1618‬م وأقاموا مكانه السلطان عثمان الثاني ‪.‬‬

‫‪ - ( 16( ‬السلطان عثمان خان الثاني (‪ 1622 -1618‬م( ‪:‬‬


‫اشهر هذا السلطان الحرب على مملكسسة بولونيسسا وحقيسسق أمنيتسسه وهسسي فتسسح هسسذه‬
‫المملكة وجعلها فاصل بين أملك الدولة ومملكسسة روسسسيا السستي ابتسسدأت فسسي الظهسسور ‪.‬‬
‫وقبل الشروع في الحرب أمر بقتل أخيه محمد تبعا للعادة المشروعة عندهم ! ‪ .‬ثسسم‬
‫أصدر أمرا بتقليل اختصاصات المفتي ونزع ما كان له من السسسلطة فسسي تعييسسن وعسسزل‬
‫الموظفين وجعل وظيفته قاصرة على الفتاء‪ ,‬حتى يأمن شر أن يكون سببا فسسي عزلسسه‬
‫كما كانت سبب عزل سلفه ‪ .‬لكن أتى المر على الضد بما كسسان يؤمسسل ‪ .‬وبعسسد أن أتسسم‬
‫هذه التمهيدات الداخلية سير الجيوش والكتائب لمحاربسسة مملكسسة بولونيسسا ولكنسسه عجسسز‬
‫عن ذلك لتلكؤ النكشارية ‪ .‬ثم تم الصلح في أكتوبر سنة ‪ 1620‬فحنق السسلطان علسى‬
‫النكشارية من طلبهم الراحة وخلودهم إلى الكسسسل وإلزامسسه علسسى الصسسلح مسسع بولونيسسا‬
‫بدون تتميم قصده وعزم على إبطالها ولتنفيذ هسسذا المسسر الخطيسسر أمسسر بحشسسد جيسسوش‬
‫جديدة في وليات آسيا وتنظيمهسسا وتسسدريبها علسسى القتسسال حسستى إذا كملسست عسسدة وعسسددا‬
‫استعان بها على إبادة النكشارية ‪ .‬وشسسرع فعل فسسي إنفسساذ هسسذا المشسسروع لكسسن أحسسس‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 376 [ ‬‬

‫النكشارية بذلك فهاجوا واتفقوا على عسسزل السسسلطان وتسسم لهسسم ذلسسك فسسي مسسايو سسسنة‬
‫‪ .1622‬وأعادوا مكانه السلطان مصطفى الول ‪ .‬ولم يكتفوا بعزله بل هجموا عليه في‬
‫سراي قصره ‪ .‬وانتهكوا حرمتها وقبضوا عليه بين جسسواريه وزوجسساته وقسسادوه قهسسرا إلسسى‬
‫ثكناتهم موسعيه سبا وشتما وإهانة ‪ .‬مما لم يسبق له مثيل في تاريخ الدولة العثمانية ‪.‬‬
‫وزيادة على ذلك قاموا بإعدامه‪ .‬وقد قتل ولم يتجاوز الثامنة عشرة مسسن عمسسره ومسسدة‬
‫حكمه أربع سنين وأربعة اشهر‪.‬‬
‫وبعد ذلك صارت الحكومة ألعوبة في أيدي النكشارية ينصبون الوزراء ويعزلسسونهم‬
‫بحسب أهوائهم فعزلسوا داود باشسا قاتسل السسلطان ‪ ,‬بعسد بضسع أيسام وصساروا يمنحسون‬
‫المناصسسب لمسسن يجسسزل إليهسسم العطايسسا فكسسانت الوظسسائف تبسساع جهسسارا ‪ ,‬وارتكبسسوا أنسسواع‬
‫المظالم في الستانة ‪ .‬واسسستمرت الضسسطرابات الداخليسسة فسسي نفسسس كرسسسي الخلفسسة‬
‫العظمى فل امن ول سكينة مدة ثمانية عشر شهرا متوالية ‪ .‬حتى إذا شعر العموم بمسسا‬
‫وراء هسسذه الفوضسسى مسسن السسدمار والخسسراب عينسسوا كمسسانكش علسسى باشسسا صسسدرا أعظمسسا‬
‫لتوسمهم فيه الخبرة والستعداد فأشار عليهم بعزل السسسلطان مصسسطفى ثانيسسا لضسسعف‬
‫عزيمته ووهن قواه العقلية فعزلسسوه فسي سسبتمبر سسنة ‪ 1623‬وولسسوا مكسسانه السسلطان‬
‫مراد الرابع وبقي في العزل إلى أن توفي في سنة ‪ 1639‬م ‪.‬‬

‫‪ - (17( ‬السلطان الغازي مراد خان الرابع (‪1640 -1623‬م( ‪:‬‬


‫هو ابن السلطان احمد الول ابن السسسلطان محمسسد الثسسالث ووله النكشسسارية بعسسد‬
‫عزل عمه السلطان مصطفى الول ابن السلطان محمد الثالث مع حداثة سسسنة كسسي ل‬
‫يكون معارضا لهم في أعمالهم الستبدادية ول مضسسعفا لنفسسوذهم السسذي اكتسسسبوه بقتسسل‬
‫سسسلطان وعسسزل غيسسره واسسستمروا مسسدة العشسسر سسسنين الولسسى مسسن حكمسسه علسسى غيهسسم‬
‫وطغيانهم ‪.‬‬
‫وانتهز الشاه عباس ملك العجم هذا الختلل فرصة لتوسيع أملكه من جهة حدود‬
‫الدولة العثمانية‪..‬فسار الشاه بجنوده لحتللها ‪..‬‬
‫ثم توفي الشاه عباس و استرد السلطان بغداد من العجسسم سسسنة ‪1638‬م ‪ ..‬وكسسان‬
‫يؤمل في السلطان مراد الرابع أن يضسسارع السسسلطان الغسسازي سسسليمان الول القسسانوني‬
‫في الفتوحات وبعد الصيت إل أنه توفي وهو في مقتبسسل الشسسباب عسسن غيسسر عقسسب فسسي‬
‫فبراير سنة ‪ 1640‬م وسنه ‪ 31‬سنة ومسسدة حكمسسه ‪ 16‬سسسنة و ‪ 11‬شسسهرا وتسسولى بعسسده‬
‫أخوه ابراهيم ‪.‬‬

‫‪ - (18( ‬السلطان الغازي ابراهيم خان الول ( ‪1648 -1640‬م(‪:‬‬


‫هو ابن السلطان احمد الول وكان غير ميال لمحاربة النمسا فاطمأنت ‪ .‬وافتتسسح‬
‫حروبه الخارجية بإرسال جيش جسسرار إلسسى بلد القسسرم لمحاربسسة القسسوزاق السسذين احتلسسوا‬
‫مدينة آزاق فحاربهم العثمانيون وابلوا فيهم بلء حسنا واستردوا المدينسسة منهسسم بعسسد أن‬
‫احرقوها وذلك سنة ‪. 1642‬‬
‫ومن أعماله أيضا فتح جزيرة كريت وكانت تابعة لجمهورية البندقية ‪.‬‬
‫ثم إن السلطان ابراهيم أراد أن يفتك برؤوس النكشسسارية فسسي ليلسسة زفسساف إحسسدى‬
‫بناته على ابن الصدر العظم لتذمرهم وانتقسسادهم لعمسساله ورغبتهسسم فسسي التسسدخل فسسي‬
‫شؤون الدولة والخروج عسن حسسدودهم ‪ .‬فعلمسسوا بقصسسد السسسلطان وتسسآمروا علسى عزلسسه‬
‫وانضم إليهم بعض العلماء والمفسستي عبسسد الرحيسسم أفنسسدي واهسساجوا عسسساكر النكشسسارية‬
‫وقرر الجميع عزله وتولية ابنه محمد الرابع في سنة ‪ 1642‬م و لم يتم السسسابعة مسسن‬
‫عمره ‪ .‬وتمت هذه الثورة في أغسسسطس سسسنة ‪ 1648‬وبعسسد ذلسسك بعشسسرة أيسسام اظهسسر‬
‫العسكر عدم ارتياحهم من الملك الفتي وطلبوا إعسسادة السسسلطان ابراهيسسم إلسسى عسسرش‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 377 [ ‬‬

‫الخلفة فخشي رؤساء العصابة التي عزلته من تغلبهسسم بإرجسساعه رغسسم انفهسسم وصسسمموا‬
‫على قتله فساروا إلى السراي ومعهم الجلد وقتلوه خنقا كما قتلسسوا السسسلطان عثمسسان‬
‫الثاني من قبله فكانت مدة حكمه ‪ 8‬سنين و ‪ 9‬شهور وسنه ‪ 34‬سنة ‪.‬‬

‫‪ - (19( ‬السلطان الغازي محمد خان الرابع ( ‪1687 -1648‬م( ‪:‬‬


‫ولصغر سنه وقعت المملكة في الفوضى وصارت الجنود ل ترحم صغيرا ول تسسوقر‬
‫كبيرا وسعوا في الرض فسادا ‪ .‬ورجعت الحالة إلى ما وصلت إليه قبل تولي السلطان‬
‫مراد الرابع بل إلى أتعسسس منهسسا ‪ .‬وسسسرى عسسدم النظسام إلسسى الجنسسود المحاصسسرة كنسسديا‬
‫واضطروا قائدهم السر عسكر حسين باشا لرفسسع الحصسسار عنهسسا ‪ .‬وكسسذلك سسسرى هسسذا‬
‫الداء العضال إلى الجنود البحرية ‪ .‬وسبب انهزام السطول العثماني أمسسام العسسدو أمسسام‬
‫مدينة فوقيه سنة ‪ .1649‬ثم ثار بآسيا الصغرى ثائرون وتتابعت الفوضى ‪...‬‬
‫إلى أن قيض سبحانه وتعالى الوالي السسوزير محمسسد باشسسا الشسسهير بكسسوبريلي السسذي‬
‫تولى منصب الصدارة سنة ‪ 1067‬هس سنة ‪ 1656‬فعامل النكشارية معاملسسة مسسن يريسسد‬
‫أن يطاع إطاعة عمياء وقتل منهم خلقا كثيرا‪ .‬وأمر بعد تعيينسسه بقليسسل بشسسنق بطريسسرك‬
‫الروام ) جمسسع روم بحسسسب المرجسسع !( لمسسا ثبسست لسسه تسسدخله فسسي الدسسسائس والفتسسن‬
‫الداخلية‪...‬‬
‫ولم تثن الشكالت عزيمة كوبريلي محمد باشا بل ما لبث يقاوم أعداء الدولة فسسي‬
‫الداخل والخارج حتى أعاد لها سالف مجدها وجعلها محترمة في أعين السسدول ‪ .‬وه بعسسد‬
‫وفاته سنة ‪ 1661‬خلفه ابنه كوبريلي زاده احمد باشا ‪.‬‬
‫وكسسان خيسسر خلسسف لبيسسه فسسانه كسسان متصسسفا بالشسسجاعة و القسسدام وحسسسن السسرأي‬
‫والتدبير‪ .‬واستمر في محاربة أعداء الدولة بدون فتور أو ملل حتى يزيل من أذهانهم ما‬
‫خامرها من تضعضع أحسسوال الدولسسة وقسسرب زوالهسسا ‪ .‬وقسساد الجيسسوش بنفسسسه وعسسبر نهسسر‬
‫الطونة لمحاربة النمسا ووضع الحصسسار أمسسام قلعسسة نسسوهزل مسسع أن هسسذه القلعسسة كسسانت‬
‫مشهورة في جميع أوروبا بالمناعة ‪ ,‬و اضطر كوبريلي احمد باشا حاميتها إلى التسسسليم‬
‫بشرط خروج من بها من الجنود بدون أن يمسسسهم ضسسرر تساركين مسسا بهسا مسن السسسلحة‬
‫والذخائر وأخلوها فعل في سبتمبر سنة ‪ . 1663‬ولذلك اضطربت أوروبا بأجمعها لهسسول‬
‫هذا‪ ..‬فسعى البابا جهده لدى ملك فرنسا حتى قبل بإرسال ستة آلف جندي فرنساوي‬
‫وأربعة وعشرين ألف من محالفيه اللمانيين تحت قيادة الكسسونت دي كسسوليني‪ .‬ثسسم لسسم‬
‫يمكن النكشارية من الثبات أمام جنود العدو الكثر منهم عسسددا وسسسميت هسسذه الواقعسسة‬
‫بواقعة سان جوتار نسبة لكنيسة قديمة حصلت الحرب بالقرب منها ‪ .‬ثسسم تسسم الصسسلح ‪.‬‬
‫وبعسسد عشسسرة أيسسام أبرمسست بيسسن الطرفيسسن معاهسسدة أهسسم مسسا بهسسا إخلء الجيسسش لقليسسم‬
‫ترنسلفانيا تحت سيادة الدولة العثمانية وتقسسسيم بلد المجسسر بيسسن السسدولتين بسسان يكسسون‬
‫للنمسا ثلث وليات وللباب العسالي أربعسة مسع بقساء حصسني نسوفيجراد ونسوهزل تسابعين‬
‫للدولة العثمانية ‪.‬‬
‫ثم تعكزت العلقات مع فرنسا ‪ .‬و أرادت إعلن الحرب على الدولة العثمانية لسسول‬
‫نصائح الوزير كولبر بحكمتسه وسياسسته ومعاملسة الدولسة العليسة بساللين والخضسوع مسن‬
‫تجديد المعاهدات القديمة في سنة ‪ . 1673‬وفوض ثانيا إلى فرنسا حسسق حمايسسة بيسست‬
‫المقدس كما كان لها ذلك من أيام السسسلطان سسسليمان ‪ .‬وبسسذلك عسسادت العلقسسات إلسسى‬
‫سابق صفائها بين الدولتين ‪.‬‬
‫ومما زاد حدود الدولسسة اتسسساعا ومنعسسة مسسن جهسسة الشسسمال خضسسوع جميسسع القسسوزاق‬
‫الساكنين بالجزء الجنوبي من بلد روسيا إلى السلطان محمسسد الرابسع بسسدون حسسرب بسل‬
‫حبا في الدخول فسسي حمسسى حسسامي دولسسة السسسلم ‪ .‬ولسسذلك أغسسارت بولونيسسا علسسى وليسسة‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 378 [ ‬‬

‫أوكرين فاستنجد حاكمها الكبر بالعثمانيين فأنجده السلطان ‪ .‬واسسستمرت الحسسرب بيسسن‬
‫الدولتين سجال إلى سنة ‪.1167‬‬
‫وكانت روسيا آخذة إذ ذاك في تنظيم داخليتها وتقدم وكانت تتوق للسسدخول ضسسمن‬
‫المجتمع الوروبي فاستمرت الحرب بين القوزاق والسسروس مسسن جهسة والعثمسانيين مسسن‬
‫جهة أخرى بين اخذ ورد حتى سنة ‪ 1681‬حيث تم الصلح بينهم ‪.‬‬
‫حصار مدينة فيينا من جديد ‪:‬‬
‫وبعد أن انتصرت جيوش العثمانيين في عدة مواقسسع علسسى النمسسساويين قصسسد ت‬
‫عاصمة النمسا فحاصرتها سنة ‪ 1683‬مسسدة شسسهرين واسسستولى العثمسسانيون علسسى كافسسة‬
‫قلعها المامية وهدم أسوارها بالمدافع ولما لم يبق عليه إل المهاجمة المتممة للفتح ‪,‬‬
‫أتى سوبيسكي ملك بولونيا ومنتخبي ساكس وبافييرا بجيوشهم بناء علسسى إلحسساح البابسسا‬
‫عليهم واستنهاضه هممهم لمحاربة المسلمين حتى أضرم فيهسم نسار التعصسب السديني ‪.‬‬
‫وفي سبتمبر سنة ‪ 1683‬فاز المسيحيون بالنصر وانهزم جيش الصدر مصسسطفى باشسسا‬
‫و أمر السلطان محمسسد الرابسسع بقتسسل الصسسدر قسسره مصسسطفى باشسسا وأرسسسل احسسد رجسسال‬
‫حاشيته فقتله وأرسل برأسه إلى القسطنطينية !‪.‬‬
‫وبعد نجاة مدينة فيينا التي لم تحاصر بعد ذلسك ‪ ,‬تسألبت كسل مسن النمسسا وبولونيسا‬
‫والبندقية ورهبنة مالطة والبابا ومملكة روسيا على محاربسسة الدولسسة السسسلمية لمحوهسسا‬
‫من العالم السياسي ‪ .‬والذي يدل على أن هذا التحسسالف كسسان دينيسسا محضسسا أن أصسسحابه‬
‫) التحالف المقدس (‪ .‬ومما زاد أحسسوال هسسذه الدولسسة القائمسسة بمفردهسسا‬ ‫أسموه‬
‫أمام جميع الدول المسيحية ارتباكا قطع العلقات بينها وبين فرنسا بسسسبب المناوشسسات‬
‫البحرية المستمرة بين مراكبها وقراصسنة المغسرب ‪ . .‬فسان جيسسوش الملسسك سوبيسسسكي‬
‫كانت تهدد بلد البغدان وسفن البنادقة تهدد سواحل اليونسسان وبلد مسسوره ولعسسدم وجسسود‬
‫المراكب الكافية لصد هجمات سفن البنادقة التي كانت تعززهسسا مراكسسب البابسسا ورهبنسسة‬
‫مالطة احتلت جيوش البنادقة في سنة ‪ 1686‬اغلب مدن اليونان حسستى كسورنته وأثينسسا ‪.‬‬
‫أما النمسا فأغارت جيوشها على بلد المجر واحتلوا مدينة يسسست الواقعسسة أمسسام مدينسسة‬
‫بسسود‪ .‬وفسسي سسسنة ‪ 1685‬احتسسل النمسسساويون عسسدة حصسسون وقلع شسسهيرة أهمهسسا قلعسسة‬
‫نوهزل ‪ .‬ووصلت الدولة إلى درجة من التقهقر أمسسام هسسذه القسسوى المتألبسسة عليهسسا صسسار‬
‫معها الخلص صعبا ‪.‬‬
‫وتتسابعت النكسسات علسى العثمسانيين ‪ ,‬فهساجت الجيسوش الموجسودة فسي السستانة‬
‫وأرسلوا الجيوش الباقية مع الصدر سليمان باشا فاشهروا عليه العصيان ولسسول فسسراره‬
‫إلسسى بلغسسراد لعسسدموه ‪ .‬ثسسم أرسسسل النكشسسارية والسسسباه) اسسسم فسسرق مسسن الجيسسوش‬
‫العثمانية ( وفدا للستانة يطلب من السلطان المر بقتل الصدر فلم ير بسسدا مسسن ذلسسك‬
‫وأمر بقتله تسكينا لثورة غضب الجند ‪ .‬ولما لم يفد شيئا ولم تعد السكينة بين الجيوش‬
‫وخيف على المملكة العثمانيسسة مسسن السسداخل ‪ .‬فقسسرر السسوزير الثسساني القسسائم مقسسام قسسره‬
‫مصطفى باتحاده مع العلماء عزل السلطان محمد الرابع فعزلوه فسسي سسسنة ‪ 1687‬م ‪.‬‬
‫بعد إن حكم أربعين سنة وخمسة اشهر وبقي في العزلسسة إلسسى أن تسسوفي فسسي ديسسسمبر‬
‫سنة ‪ 1692‬م ‪ .‬وولوا بعد عزله أخاه‪.‬‬

‫‪ - (20( ‬السلطان الغازي سليمان خان الثاني (‪ 1691 -1687‬م( ‪:‬‬


‫وهو ابن السلطان ابراهيم تسولى وكسانت السستانة فوضسى ‪ .‬وانتهسز العسداء هسذه‬
‫الضطرابات المسسستمرة لفتسسح الحصسسون العثمانيسسة فاحتسسل النمسسساويون قلع ارلسسو ولبسسا‬
‫وغيرها واحتل موروزيني البندقي مدينة ليبه مسسن بلد اليونسسان وكافسسة سسسواحل دلماسسسيا‬
‫سنة ‪ 1687‬وفسسي السسسنة التاليسسة أي سسسنة ‪ 1688‬سسسقطت مسسدائن سسسمندريه وقلومبسساز‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 379 [ ‬‬

‫وبلغراد في أيدي النمساويين ثم فقدت الدولة العثمانية في سسسنة ‪ 1689‬مسسدائن نيسسش‬


‫وودين من بلد الصرب‪.‬‬
‫ثم تمكن الصدر العظم كوبريلي مصطفى باشا من تحقيق انتظسسام الجيسسش وسسساد‬
‫المن داخل البلد و سار بنفسه لمحاربة العداء فاسترد في قليسسل مسسن الزمسسن مسسدائن‬
‫نيش وودين وسمندريه وبلغراد في سنة ‪ 1690‬بينا كان سليم كراي خان القرم يخضسسع‬
‫الثائرين الصرب وتيكلي المجري يرجع اقليم ترنسلفانيا إلى أملك الدولة وبسسذلك أعسساد‬
‫كوبريلي مصطفى باشسا بعسض مسا فقسسدته الدولسسة مسن المجسسد والسسسؤدد بسسسبب ضسعف‬
‫الوزراء وعدم إطاعة النكشسسارية ‪ .‬وفسي يونيسسو سسسنة ‪ 1691‬تسسوفي السسسلطان سسسليمان‬
‫الثاني عن غير عقب وعمره ‪ 50‬سنة بعد أن حكم ثلث سنوات وثمانيسسة اشسسهر وتسسولى‬
‫بعده أخوه ‪.‬‬

‫‪ - ( 21( ‬السلطان الغازي احمد خان الثاني ( ‪1695 -1691‬م( ‪:‬‬


‫ولم تحصل أمور ذات بال في أيام هذا السلطان بل اقتصرت الحسسرب علسسى بعسسض‬
‫مناوشات ليس لها من الهميسسة شسسان يسسذكر غيسسر أن البنادقسسة احتلسست فسسي سسسنة ‪1694‬‬
‫جزيرة ساقز ‪ .‬ثم توفي في فبراير سنة ‪ 1695‬وعمره ‪ 54‬سنة قمريسسة تقريبسسا بعسسد أن‬
‫حكم ‪ 4‬سنين و ‪ 8‬اشهر وتولى بعده السلطان الغازي مصطفى خان الثاني ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 380 [ ‬‬

‫‪ - ( 22( ‬السلطان الغازي مصطفى خان الثاني ( ‪1703 -1695‬م(‪:‬‬


‫ابن السلطان محمد الرابع ‪ .‬وكان متصفا بالشجاعة وثبات الجأش ولسسذلك أعلسسن‬
‫بعد توليته بثلثة أيام رغبته في قيادة الجيوش بنفسه ‪ .‬فسار إلى بلد بولونيسسا مسسستعينا‬
‫بفرسان القوزاق وانتصر على البولونيين عدة مرات ومن جهسسة أخسسرى حسسارب السسروس‬
‫سنة ‪ 1695‬وبعد ذلك وفي سنة ‪ 1696‬فاز السلطان فوزا مبينسسا علسسى جيسسش سسساكس‬
‫هزم جيش السسسلطان أمسسام النمسسساويين‪ .‬وكسسان ذلسسك فسسي‬ ‫في موقعة اولش وبعد ذلك ُ‬
‫سسسبتمبر سسسنة ‪ .1697‬وفسسي إثنسساء اشسستغال السسسلطان ببلد المجسسر‪ .‬عسساد المسسبراطور‬
‫الروسي بطرس الكبر لفتح ميناء ازاق لهميتها لمملكته فدخلها في خلل سنة فكسسانت‬
‫الدولة في خطر شديد من جهتي روسيا والنمسا ‪ .‬ثم ابتدأت التصسسالت للوصسسول إلسسى‬
‫الصلح فتدخل ملك فرنسا لسسويس الرابسسع عشسسر ‪ .‬وبعسسد مباحثسسات طويلسسة أمضسسيت بيسسن‬
‫الدولة العثمانية والنمسا وروسيا والبندقية وبولونيا معاهدة كسارلوفتس فسي ينساير سسنة‬
‫‪ . 1699‬فتركت الدولة بلد المجر باجمعها وإقليم ترنسلفانيا لدولسسة النمسسسا ‪ .‬وتنسسازلت‬
‫عن مدينة ازاق وفرضتها لروسيا فصار لها بذلك يد علسسى البحسسر السسسود وزادت أهميسسة‬
‫جوارها للدولة العثمانية أضعاف ما كانت عليه مسسن قبسسل وردت لمملكسسة بولونيسسا مدينسسة‬
‫كمينك وإقليمي بود وليا وأوك روين وتنازلت للبندقية عن جزيرة مورا وإقليسم دلماسسيا‬
‫على البحر الدرياتيكي بأجمعه تقريبا واتفقت مع النمسا على مهادنة خمسسس وعشسسرين‬
‫سنة وان ل تدفع هي أو غيرها شيئا للدولسسة العثمانيسسة‪ .‬ل علسسى سسسبيل الجزيسسة ول علسسى‬
‫مجرد الهدية‪.‬‬
‫وبهذه المعاهدة فقدت الدولة جزأ ليس بقليل من أملكها بأوروبسسا وزادت أطمسساع‬
‫الدول في بلدها كما سيأتي‪.‬‬
‫ويمكننا القول بان التفاق قد تم من ذلك التاريخ بين جميع الدول الوربيسسة إن لسسم‬
‫يكن صراحة فضمنا ‪ ,‬على الوقوف أمام تقدم الدولة العثمانية أول‪ ,‬ثسسم تقسسسيم بلدهسسا‬
‫بينهم شيئا فشيئا ‪ .‬وهو ما يسمونه فسسي عسسرف السياسسسة بسسس ) المسالة الشــرقية (‬
‫المبنية على الخوف من انتشار الدين السلمي وحلسسوله محسسل السسدين المسسسيحي ليسسس‬
‫إل ‪.‬‬
‫أما ما كانوا يسترون خلفه غاياتهم من الدفاع عن حقوق المم المسيحية الضعيفة‬
‫الخاضعة للدولة فلم يكن إل ذريعة ‪.‬‬
‫ثسسم عيسسن السسسلطان رامسسي محمسسد باشسسا ‪ .‬فسسسار فسسي إبطسسال المفاسسسد ومعاقبسسة‬
‫المرتشسسين ومنسسع المظسسالم فأهسساج ضسسده أربسساب الغايسسات وكسسثير عسسدادهم وأثسساروا عليسسه‬
‫النكشارية لميلهم بالطبع إلى الهياج للسلب والنهسسب وهتسسك العسسراض ‪ .‬فطلبسسوا عزلسسه‬
‫من السلطان فامتنع وأرسل لقمعهم فرقة من الجنود فانضمت إلسسى الثسسائرين وعزلسسوا‬
‫السلطان مصسطفى الثساني فسي أغسسطس سسنة ‪ 1703‬بعسد أن حكسم ‪ 8‬سسنوات و ‪8‬‬
‫شهور وبقي معزول إلى أن توفي وأقاموا مكانه بعد عزله أخاه ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 381 [ ‬‬

‫‪ -( 23( ‬السلطان الغازي احمد خان الثالث (‪1730 - 1703‬م( ‪:‬‬


‫وهو ابن السلطان محمد الرابع ‪ .‬وفي تلك الونة كان بطرس الكسسبر ملسسك روسسسيا‬
‫يعمل على إضعاف القوياء من مجسساوريه أي السسسويد ‪ ,‬وبولونيسسا ‪ ,‬والدولسسة العثمانيسسة ‪.‬‬
‫ولما تولى الصدارة )بلطه جي محمد باشا ( مال لثسسارة الحسسرب علسسى روسسسيا فاشسسهر‬
‫عليها الحرب وقاد الجيوش بنفسسسه وبعسسد منسساورات مهمسسة حصسسرت الجيسسوش العثمانيسسة‬
‫البالغ قدرها مائتي ألف جندي قيصر روسيا وخليلته كاترينا ‪ .‬ولو استمر عليهم الحصسسار‬
‫قليل لربما كان اخذ أسيرا هسسو ومسسن معسسه وانمحسست الدولسسة الروسسسية كليسسة مسسن العسسالم‬
‫السياسي ‪ .‬لكن كاترينا استمالت بلطه جي محمد باشا إليهسسا ‪ ,‬وأعطتسسه كافسسة مسسا كسسان‬
‫معها من الجواهر الكريمة والمصوغات الثمينة ‪ ,‬فخان الدولة ورفع الحصار عن القيصر‬
‫وجيشه مكتفيا بإمضاء القيصر لمعاهدة فلكسسزن فسسي يسسوليه سسسنة ‪ 1711‬والسسذي أخلسسى‬
‫بمقتضاها مدينة ازاق وتعهد فيها بعدم التدخل في شؤون القوزاق مطلقا ‪.‬‬
‫لكن لم تمسض علسسى هسسذه المعاهسسدة بضسسعة أشسسهر حستى قسامت الحسسرب ثانيسسة بيسسن‬
‫الدولتين بسبب عدم قيام بطرس الكبر بأحد شروط معاهدة فلكزن فتسسدخلت إنكلسسترا‬
‫وهولندا في منع الحسرب لضسرارها بتجارتهمسا ‪ .‬وبعسد مباحثسات طويلسة أمضسيت بينهمسا‬
‫معاهدة جديدة سميت بمعاهدة أدرنه في يونيسسو ‪ 1713‬م ‪ .‬وتنسسازلت روسسسيا بمقتضسساها‬
‫عما لها من الراضي على البحر السود حتى لم يبق لها عليه موانئ أو ثغور ‪.‬‬
‫وتتابعت المناوشات بين الدولة العثمانيسسة والبنادقسسة ‪ ,‬والنمسسسا وروسسسيا واضسسطرت‬
‫الدولة العثمانية لقبول معاهدات جديدة كانت في صالح روسيا التي قوي حضورها فسسي‬
‫السياسة الوربية ‪ .‬ثم حصل صراع بين روسيا والدولة العثمانيسسة علسسى النفسسوذ فسسي بلد‬
‫القفقاس و أرمينيا وبلد الكرج و سواحل بحر الخزر الغربية ‪ .‬فكادت الحرب تقوم بين‬
‫الدولسسة والسسروس ولتحقسسق بطسسرس الكسسبر مسسن عسسدم اقتسسداره علسسى مواجهسسة الجيسسوش‬
‫العثمانية ‪ ,‬طلسسب مسن سسفير فرنسسا بالسستانة أن يتوسسسط بينهمسا فقبسل ‪ ,‬ووفسق بيسن‬
‫الطرفين بان يمتلك كل منهما ما احتله من البلد وقبلت الدولتان بسسذلك وأمضسسيتا بهسسذه‬
‫الشروط معاهسدة يونيسو سسنة ‪ .1724‬أمسا الفسرس فلسم يقبلسوا هسذا التقسسيم المسزري‬
‫بشرفهم والقاضي بضياع جزء ليس بقليل من بلدهم و قاموا لمحاربة الجانب ‪ ,‬لكنهم‬
‫لم يتمكنوا من صد هجمات العثمانيين الذين فتحوا فسسي سسسنة ‪ 1725‬عسسدة مسسدن وقلع‬
‫أهمها مدائن همذان و تبريز وساعد ذلك تسلط الفوضى في إيران وانتهت هذه الحرب‬
‫بالصلح مع الشاه أشسسرف فسسي أكتسسوبر سسسنة ‪1727‬م‪ .‬ولكسسن لمسسا مسسات الشسساه اشسسرف‬
‫وانفرد طهماسب بالملك طلب من الدولة العليسسة أن تسسرد إليسسه كسسل مسا أخسسذته مسسن بلد‬
‫أجداده فلم تجبه الدولة ولسسذا أغسسار علسسى بلدهسسا ‪ .‬ولعسسدم ميسسل السسسلطان إلسسى الحسسرب‬
‫ورغبته في الصلح ثسسار النكشسسارية فسسأعلنوا إسسسقاطه سسسنة ‪ 1730‬م ونسسادوا بسسابن أخيسسه‬
‫السلطان محمود الول خليفة للمسلمين فسأذعن السسلطان احمسد الثسالث وتنسازل عسن‬
‫الملك بدون معارضة ‪ .‬وكانت مدة حكمه ‪ 27‬سنة و ‪ 11‬شهرا ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 382 [ ‬‬

‫‪ - (24( ‬السلطان الغازي محمود خان الول (‪1754 -1730‬م( ‪:‬‬


‫هو ابن السلطان مصطفى الثاني ولما تسسولى لسسم يكسسن لسسه إل السسسم فقسسط وكسسان‬
‫النفوذ للصدر بطرونا خليل يولي من يشاء ويعزل من يشاء تبعا للهواء والغراض حتى‬
‫عيل صبر السلطان من استبداده وتجمهر حوله رؤساء النكشارية لتعسسدي هسسذا الزعيسسم‬
‫على حقوقهم واتفقوا على الغدر به تخلصا من شره فقتلوه‪ .‬وبعسسد أن اسسستتب المسسن‬
‫استأنفت الدولة الحرب مع مملكة الفرس وتغلبت الجيوش العثمانية على جنود الشسساه‬
‫طهماسب في عدة وقائع ‪.‬‬
‫وفي غضون كانت الحروب كثيرة بين الدول الوربية نفسها ‪ .‬وكذلك قامت الحرب‬
‫بيسسن الدولسسة وروسسسيا بسسسبب مملكسسة بولونيسسا ‪ .‬فسسأعلنت روسسسيا والنمسسسا الحسسرب علسسى‬
‫بولونيا ‪ .‬ومن جهة أخسسرى أشسسهرت فرنسسسا الحسسرب علسسى النمسسسا دفاعسسا عسسن بولونيسسا ‪.‬‬
‫وسعت لدى الباب العالي بواسطة المسيو دي بونفال الذي خدم الدولة بعسسد أن اسسسلم‬
‫واشتهر فيها باسم احمد باشا قائد الطوبجيسسة لسسستمالته للسسدفاع عسسن اسسستقلل بولونيسسا‬
‫الحاجز الحصين بينها وبين روسيا ‪ .‬و تغلبت روسيا واحتلت جنودها مملكة بولونيا‪ .‬ولما‬
‫أحست النمسا أن فرنسا تسعى وراء التحالف مسسع الدولسسة ‪ ,‬خشسسيت مسسن حصسسول هسسذا‬
‫التفاق الذي يكون نتيجته عدم نجسساح مسسسعاها مسع روسسسيا فسسي بولونيسسا ‪ ,‬أسسسرعت فسسي‬
‫إرضسساء فرنسسسا فسسأبرمت معهسسا معاهسسدة فيينسسا فسسي سسسنة ‪ .1735‬وأخسسذت فسسي التسسأهب‬
‫والستعداد للشتراك مع روسيا في محاربة الدولة ‪ .‬وأوعزت إلى روسيا بافتتاح القتال‬
‫فاتخذت هذه الخيرة مرور بعض قوزاق القسسرم مسسن أراضسسيها فسسي مسسارس سسسنة ‪1736‬‬
‫متجهين إلى بلد الكرج لمساعدة الدولة ضد العجم حجة لعلن الحرب ‪ .‬وأغارت بكسسل‬
‫قواها على بلد القرم واحتلت عددا من الثغور البحرية ‪ .‬وهو ما حدا بالدولة إلى إبسسرام‬
‫الصلح مع نادر شاه لتتفرغ لصد هجمات الروس ‪ .‬ولحسن حسسظ الدولسسة كسسان قسسد تقلسسد‬
‫منصب الصدارة رجل محنك اشتهر بحسن السياسة وهو الحاج محمد باشا ‪ .‬فلم يغفل‬
‫طرفة عين عن جمع الجيوش وتجهيز المعدات حتى أمكنه في اقرب وقت إيقاف تقدم‬
‫الروس الذين كانوا قد احتلوا إقليم البغدان ودخلوا عاصمة القليم ‪ .‬ومسسن جهسسة أخسسرى‬
‫انتصرت الجيوش العثمانية على جيوش النمسا التي أغارت على بلد البوسنة والصرب‬
‫و الفلخ فانتصر المسلمون في الصرب والجؤوا النمسسساويين إلسسى الجلء عنهسسا تسساركين‬
‫في كل موضع قدم جثث رجالهم وتقهقروا إلى ما وراء نهر الدانوب في سنة ‪. 1737‬‬
‫واستمر الحال على هذا المنوال من النصر والفسوز علسى العسداء حستى طلبست النمسسا‬
‫الصلح بواسطة سفير فرنسا ‪ .‬فكان هذا الفوز الخير اكبر مساعد للوصول إلى الصلح‬
‫الذي تم بينهما وبين روسيا في سبتمبر سنة ‪ 1739‬م ‪ .‬على أن تتنازل النمسسسا للدولسسة‬
‫العثمانية عن مدينة بلغراد وما أعطي لها مسسن بلد الصسسرب و الفلخ بمقتضسسى معاهسسدة‬
‫بساروفتس ‪ .‬أما روسيا فتعهدت قيصرتها )حنه( بهدم قلع مينسساء آزاق وعسسدم تجديسسدها‬
‫في المستقبل ‪ .‬وبعدم إنشاء سفن حربية أو تجارية بالبحر السسسود أو ببحسسر آزاق ‪ .‬بسسل‬
‫تكون تجارتها على مراكب أجنبية وبان ترد للدولة كل ما فتحتسه مسن القساليم والبلسدان‬
‫وسميت هذه المعاهدة معاهدة بلغراد ‪ .‬وبذلك انتهت هذه الحرب باسترداد جزء عظيم‬
‫مما فقدته الدولة من ممالكها بمقتضى معاهدة كارلوفتس ‪.‬‬
‫وبعد ذلك بذل سفير فرنسا جهسسده فسسي إقنسساع البسساب العسسالي بضسسرورة التحسساد مسسع‬
‫السويد لمحاربة روسيا لو تعدت على إحداهما خوفا من أن يلحق بهمسسا تباعسسا مسسا أودى‬
‫ببولونيا وجعلها خاضعة فعل لوامر روسيا فاقتنعت الدولة ‪ .‬وأبرمت مع السويد محالفة‬
‫هجوم ودفاع ضد روسيا في سنة ‪. 1740‬‬
‫وفي هذه السسنة تحصسل سسفير فرنسسا علسى تجديسد المتيسازات القنصسلية وكافسة‬
‫المزايا الممنوحة للتجسسار الفرنسسساويين وأمضسسى الطرفسسان هسسذه المعاهسسد الجديسسدة فسسي‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 383 [ ‬‬

‫سبتمبر سنة ‪ 1740‬وهي عبارة عن معاهسسدة سسسنة ‪ 1673‬مسسع بعسسض تسسسهيلت جديسسدة‬
‫لفرنسا وتجارتها ‪ .‬وأرسسسل السسسلطان سسسفيرا مسسن طرفسسه اسسسمه سسسعيد ليقسسدم صسسورة‬
‫المعاهدة إلى ملك فرنسا لويس الخامس عشسسر مسسع كسسثير مسسن الهسسدايا الثمينسسة فقسسابله‬
‫الملك بالحتفاء والكرام اللئق بمقام مرسله السامي ‪.‬‬
‫وعند عودته شسسيعه بالتبجيسسل والجلل و أرسسسل معسسه مركسسبين حربييسسن وجملسسة مسسن‬
‫المدفعية الفرنساويين هدية منه للخليفة العظم ليكونوا معلمين في الجيوش العثمانية‬
‫فيمرنوا الجنود المظفرة على النظم الجديدة التي ادخلها لوفوا الشسسهير فسسي الجيسسوش‬
‫الفرنساوية ‪ .‬وكان هذا من بدايات البلء الذي تتابع فيما بعد ‪ ,‬بتولي ضباط ألمان فسسي‬
‫نهايات الدولة تدريب الجيش ‪ ,‬مما مكن المدربين الجانب من فرنسيين وألمسسان ‪..‬مسسن‬
‫دس أفكار الثورة والتمرد على الخلفة ‪ ,‬وزرع الفكار القومية ‪ ,‬والتنظيمات الماسونية‬
‫في الجيش العثماني فيما بعد ‪..‬‬
‫وبعد ذلك بقليل توفي شارل السادس إمبراطور النمسا في ‪ 20‬مسسن شسسهر أكتسسوبر‬
‫سنة ‪ 1740‬وتولت بعده ابنتسسه مسساريه تيريسسزه فاتحسسدت فرنسسسا مسسع بعسسض السسدول علسسى‬
‫محاربة هذه الملكة واقتسام أملكها لما بين فرنسا والعائلة الحاكمسسة فسسي النمسسسا مسسن‬
‫الضغائن القديمسسة ‪ .‬وسسسعي فرنسسسا دائمسسا فسسي إذلل النمسسسا وهسسدم أركسسان سسسلطانها ‪.‬‬
‫وبسبب موت هذا الملك حصلت الحرب الشهيرة بيسسن فرنسسسا والنمسسا المعروفسسة فسسي‬
‫التاريخ بس ) حرب ارث ملك النمسا ( ‪ .‬التي استمرت عدة سنين وانتهسست بفسسوز مسساريه‬
‫تريزه على فرنسا ‪ .‬ولما ابتدأت هذه الحرب أظهسسرت فرنسسسا للدولسسة العليسسة بواسسسطة‬
‫سفيرها لدى الباب العالي ما يعسود عليهسا مسن الفسوائد لسو اتحسدت معهسا علسى محاربسة‬
‫النمسا ‪ .‬وعرضت عليها احتلل بلد المجر واسترجاعها إلى أملكها بحيث ترجع الدولسسة‬
‫إلى ما كانت عليه من التساع أيام سليمان الول القانوني ويمكنهسسا بعسسد ذلسسك مقاومسسة‬
‫روسيا والوقوف في طريق تقدمها ‪ .‬وأبانت لها أنها إن لم تفعسسل ذلسسك تقسسدمت روسسسيا‬
‫شيئا فشيئا وقويت شوكتها تدريجيا حتى يخشى منها علسسى وجسسود الدولسسة ‪ .‬وقسسد أثبتسست‬
‫الحداث لحقا أن هذه الملحظات كانت صحيحة ‪ ..‬ولو أنها صسادرة مسن فرنسسا طمعسا‬
‫في نوال غايتها وهي إذلل النمسا ‪..‬‬
‫وفي ديسمبر سنة ‪ 1754‬توفي السلطان محمود الول بالغسسا مسسن العمسسر سسستين‬
‫سنة ‪ .‬وكانت مدة حكمه ‪ 25‬سنة وفي أيامه اتسع نطاق الدولة بآسيا وأوروبا ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 384 [ ‬‬

‫‪ - (25( ‬السلطان الغازي عثمان خان الثاني (‪ 1757 -1754‬م( ‪:‬‬


‫وبعد أن تقلد السيف في جامع أبي أيوب النصاري على حسب العسادة القديمسة ‪,‬‬
‫عين في منصب الصدارة العظمى نشانجي علسي باشسا بسدل محمسسد سسعيد باشسسا السذي‬
‫سبق تعيينه صدرا بعد عودته من مأموريته في فرنسا ‪ .‬فسسسار فسسي طريسسق غيسسر حميسسد‬
‫حتى أهسساج ضسسده الهسسالي اجمسسع ‪ .‬ولكسسون السسسلطان كسسان مسن عسادته المسسرور ليل فسسي‬
‫الشوارع والزقة متنكرا لتفقد أحوال الرعيسسة والوقسسوف علسسى حقيقسسة أحسسوالهم ‪ .‬سسسمع‬
‫إثناء تجواله بما يرتكبه وزيره من أنواع المظالم والمفارم وبعد أن تحقق ما نسب إليه‬
‫بنفسه أمر بقتله جزاء له وبوضع رأسه في صحن من الفضة على بساب السسراي عسبرة‬
‫لغيره‪.‬‬
‫ثم توفي السلطان عثمان الثالث فسي أكتسسوبر سسنة ‪ 1757‬بسدون أن يحصسل فسي‬
‫أيام حكمه القلئل ما يستحق السسذكر وكسسانت مسسدة حكمسسه ‪ 3‬سسسنين و ‪ 11‬شسسهر وخلفسسه‬
‫مصطفى الثالث ‪.‬‬

‫‪ - (26( ‬السلطان الغازي مصطفى خان الثالث (‪1774 -1757‬م( ‪:‬‬


‫وهو ابن السلطان احمد الثسسالث وكسسان ميسسال للصسسلح محبسسا لتقسسدم بلده خصوصسسا‬
‫وزيره الول راغب باشا الذي مر ذكره ‪ .‬فاخذ هسذا السوزير فسي إصسلح بعسض الشسؤون‬
‫بمساعدة السلطان وتعضيده له ‪ .‬وبعد موت هسسذا السسوزير الجليسسل نشسسبت الحسسرب بيسسن‬
‫الدولة العثمانية وروسيا ‪.‬وكانت روسيا قد تبنت توجهسسا إمبراطوريسسا منسسذ عهسسد قيصسسرها‬
‫بطرس الكبر‪ ,‬ووضعت برنامجا توسعيا طموحا نحو الشرق والغرب والجنوب ‪.‬‬
‫‪ ‬ومن المفيد في هذا المقام أن نأتي بنصوص من وصية قيصر روسيا ‪ .‬وهي‬
‫منقولة بحروفها من الجزء الول من تاريخ جودت باشا ‪ .‬وتعطينا فكرتين هامتين‬
‫‪:‬‬
‫* الولى عن الصراع بين القوى الوربية في القرن السابع عشر والثامن عشر ‪.‬‬
‫* والثانية عن الطماع الروسية التي لم تتبدل بعد القياصرة ‪ .‬وما زالت إلى اليوم ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 385 [ ‬‬

‫وصية قيصر روسيا بطرس الكبر لخلفائه ‪:‬‬

‫البند الول ‪ :‬يجب أن تقاد العساكر دائمسسا إلسسى الحسسرب ‪ .‬وينبغسسي للمسسة‬ ‫] *‬
‫الروسية أن تكون متمادية علسى حالسسة الكفسساح لتسألف الحسسرب ‪ ...‬وعلسسى هسسذه الصسسورة‬
‫ينبغي لروسيا أن تتخذ زمن الصلح والمان وسيلة قوية للحرب ‪ .‬وكذلك زمسن الحسرب‬
‫ليام السلم ‪ .‬وذلك لجل زيادة قوتها وتوسيع منافعها ‪.‬‬
‫* البند الثاني ‪ :‬في وقت الحرب ينبغي اتخاذ جميع الوسائل الممكنة لستجلب‬
‫ضباط للجنود من بين الملل والقوام الذين هم أكثر تطسسورا فسسي أوروبسسا ‪ .‬وكسسذلك فسسي‬
‫زمن الصلح يتعين استجلب أرباب العلسسم والمعسسارف منهسسم أيضسسا ‪ .‬ويلسسزم العتنسساء بمسسا‬
‫يجعل المة الروسية تستفيد من منافع سائر الممالك ومحاسنها ‪...‬‬
‫* البند الثالث ‪ :‬عندما تسنح الفرصة ينبغي التدخل في جميع المسسور والمصسسالح‬
‫الجارية في أوروبا وفي اختلفاتهسا ومنازعتهسا ‪ .‬وعلسى الخصسسوص فسي نزاعسات ممالسك‬
‫ألمانيا ‪. ..‬‬
‫* البند الرابع ‪ :‬ينبغي استعمال الرشوة لجل إلقاء الفساد والبغضسساء والحسسسد‬
‫دائما في داخلية ممالك بولونيا وتفريق كلمتهسسم ‪ .‬واسسستمالة أعيسسان المسسة ببسسذل المسسال‬
‫واكتساب النفوذ في مجلس الحكومة ‪ .‬حسستى نتمكسن مسن التسسدخل فسسي انتخساب الملسك‬
‫وبعد الحصول على انتخاب من هو من حزب روسيا من تلك المة ‪ ,‬ينبغي حينئذ دخسسول‬
‫عساكر روسيا إلى داخل البلد لجل حمايتهم والتعصب لهم بإقامة العساكر المسسذكورة‬
‫مدة طويلة هناك ‪ ,‬إلى أن تحصل الفرصة لتخاذ وسسسيلة تمكننسسا مسسن القامسسة ‪ ,‬وعنسسدما‬
‫تظهر مخالفة في ذلك من طرف الدول المجاورة فلجل إخماد نار الفتنة مؤقتا ينبغسسي‬
‫أن نقاسم المخالفين في ممالك بولونيا ‪ ,‬ثم نترقب الفرص لسسسترجاع الحصسسص السستي‬
‫تكون قد أعطيت لهم ‪.‬‬
‫* البند الخامس ‪ :‬ينبغي الستيلء على بعض الجهسسات مسسن ممالسسك اسسسوج بقسسدر‬
‫المكان ثم نسعى في اغتنام وسيلة لستكمال البسساقي منهسسا ‪ ,‬ول نتوصسسل إلسسى ذلسسك إل‬
‫بوجه تضطر فيه تلك الدولة إلى أن تعلن الحرب على دولسة روسسيا وتهاجمهسا ‪ ,‬والسذي‬
‫يلزم أول هسو أن نصسرف المسساعي والهمسة للقساء الفسساد والنفسرة دائمسا بيسن اسسوج‬
‫والدانمرك بحيث ان يكون الختلف والترقب بينهم دائمين باقيين ‪.‬‬
‫* البند السادس‪ :‬يجب على السرة المبراطوريسة الروسسية أن يستزوجوا دائمسا‬
‫مسسن بنسسات العائلسسة الملكيسسة اللمانيسسة ‪ .‬وذلسسك لتكسسثير روابسسط الزوجيسسة والتحسساد بينهسسم‬
‫واشتراكهم في المنافع ‪ .‬إذ بهده الصورة يمكن إجراء نفوذهم في داخسسل ألمانيسسا وبهسسذا‬
‫يربطون أيضا الممالك المذكورة لصالح منافعنا ومصالحنا ‪.‬‬
‫* البند السابع ‪ :‬إن دولة إنكلسسترا هسسي الدولسسة الكسسثر احتياجسسا إلينسسا فسسي أمورهسسا‬
‫البحرية ولهذه الدولة فائدة عظيمسة جسدا لزيسادة قوتنسا البحريسة ‪ .‬فلسذلك مسن السواجب‬
‫ترجيسسح التفسساق معهسسا فسسي أمسسر التجسسارة علسسى سسسائر السسدول ‪ .‬وبيسسع محاصسسيل ممالكنسسا‬
‫كالخشسساب وسسسائر الشسسياء إلسسى إنكلسسترا وجلسسب السسذهب مسسن عنسسدهم إلسسى ممالكنسسا ‪.‬‬
‫واستكمال أسباب الروابط والمناسسبات بيسن تجسار وملحسي الطرفيسن ‪ .‬فيتوسسع بهسذه‬
‫الوسيلة أمر التجارة وسير السفن في ممالكنا ‪.‬‬
‫* البند الثامن ‪ :‬على الروسيين أن ينتشروا يوما فيوما شمال في سسسواحل بحسسر‬
‫البلطيق وجنوبا في سواحل البحر السود ‪.‬‬
‫* البند التاسع ‪ :‬ينبغي التقرب بقدر المكان من اسسستانبول والهنسسد ‪ ,‬وحيسسث انسسه‬
‫من القضايا المسلمة أن من يحكم على استانبول يمكنه حقيقسسة أن يحكسسم علسسى السسدنيا‬
‫بأسرها ‪ .‬فلذلك من اللزم إحداث الحروب المتتابعة تارة مع الدولة العثمانية وتارة مسع‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 386 [ ‬‬

‫الدولة اليرانية ‪ .‬وينبغي ضبط البحر السود شيئا فشيئا وذلك لجل إنشاء دار صناعات‬
‫بحرية فيه ‪ .‬والستيلء على بحر البلطيق أيضسسا ‪ ,‬لنسسه أهسسم موقسسع لحصسسول المقصسسود ‪.‬‬
‫وللتعجيل بضعف بل بزوال دولة إيران لنتمكن من الوصول إلى خليج البصرة ‪ ,‬وربمسسا‬
‫نتمكن من إعادة تجارة الممالك الشرقية القديمة إلى بلد الشام ‪ ,‬والوصول منها إلسسى‬
‫بلد الهند ‪ ,‬التي هي بمثابة مخزن للدنيا ‪ .‬وبهذه الوسيلة نستغني عن ذهب إنكلترا ‪.‬‬
‫* البند العاشر‪ :‬ينبغي الهتمام بالحصول على التفاق والتحاد مع دولة اوستريا‬
‫) النمسا ( ‪ ,‬والمحافظة على ذلك ومن اللزم التظسساهر بقبسسول أفكسسار الدولسسة المشسسار‬
‫إليها من جهة ما تطمع إليسسه مسسن النفسسوذ فسسي المسسستقبل فسسي بلد ألمانيسسا ‪ .‬وإمسسا باطنسسا‬
‫فينبغي لنا أن نسعى في تحريك حسد وعداوة سسسائر حكسسام ألمانيسسا لهسسا ‪ .‬وتحريسسك كسسل‬
‫منهم لطلب الستعانة والستمداد من دولة روسيا ضدها ‪ .‬ومن اللزم إجراء نوع حماية‬
‫للدول المذكورة بصورة يتسنى لنا فيها الحكم على تلك الدول في المستقبل ‪.‬‬
‫* البند الحادي عشر‪ :‬ينبغي تحريض العائلسسة المالكسسة فسسي اوسسستريا علسسى طسسرد‬
‫التراك وإبعادهم من قطعة الرومللسسي ) الراضسسي العثمانيسسة علسى سسسواحل غسسرب بحسسر‬
‫مرمرة ( وحينما نستولي على اسسستانبول ‪ .‬علينسسا أن نسسسلط دول أوروبسسا القديمسسة علسسى‬
‫دولة اوستريا حربا ‪ ,‬أو نسكن حسدها ومراقبتها لنا بإعطائها حصة صغيرة من المسساكن‬
‫التي نكون قد أخذناها من قبل ‪ .‬وبعده نسعى بنزع هذه الحصة من يدها ‪.‬‬
‫* البند الثاني عشر‪ :‬ينبغي أن نستميل لجهتنا جميع المسيحيين الذين هم مسسن‬
‫مذهب الروم المنكرين رياسسسة البابسسا الروحيسسة والمنتشسسرين فسسي بلد المجسسر والممالسسك‬
‫العثمانية فسسي جنسسوبي ممالسسك بولونيسسا ) أتباع المذهب الرثوذوكســي ( ونجعلهسسم‬
‫يتخذون من دولة روسيا مرجعا ومعينا لهم ‪ .‬ومن اللزم قبل كل شيء إحسسداث رياسسسة‬
‫مذهبيسسة حسستى نتمكسن مسن إجسراء نسوع نفسوذ وحكومسة رهبانيسسة عليهسسم ‪ .‬فنسسعى بهسسذه‬
‫الواسطة لكتساب أصدقاء كثيرين ذوي غيرة نستعين بهم في ولية كل من أعدائنا ‪.‬‬
‫* البند الثالث عشر ‪ :‬حينما يصبح السوجيون متشتتين ‪ ,‬واليرانيون مغلوبين ‪,‬‬
‫والبولونيون محكومين والممالك العثمانية مضبوطة ‪ .‬أيضا حينئذ نجمع معسسسكراتنا فسسي‬
‫محل واحد مع المحافظة على البحر السود وبحر البلطيق بقوتنا البحريسسة ‪ .‬وعنسسد ذلسسك‬
‫نظهر أول لدولة فرنسا كيفية مقاسمة حكومات الدنيا بأسرها بيننا ثم لدولة اوسسستريا ‪.‬‬
‫ويعرض ذلك على كل من الدولتين المشار إليهما كل منهمسسا علسسى حسسدة بصسسورة خفيسسة‬
‫جدا لقبول ذلك وحيث انه ل بد من أن تقبل إحداهما ‪ ,‬فعند ذلك ينبغي مداراة واحترام‬
‫كل منهما ‪ .‬وأن نجعل من كان منهما قابل بما عرضناه عليهما واسطة للتنكيل بالخرى‬
‫‪ .‬و تكون روسيا حينئذ قد ضبطت جميع الممالك الشرقية ‪ .‬عنسسد ذلسسك يسسسهل علينسسا أن‬
‫نقهر وننكل فيما بعد أية دولة بقيت في الميدان من الدولتين المذكورتين ‪.‬‬
‫* البند الرابع عشر‪ :‬على فرض المحال أن كل من الدولتين المشار إليهما لم‬
‫تقبل بما عرضته عليهما روسيا ‪ .‬فينبغي حينئذ لروسيا أن تنصسسرف لمراقبسسة مسسا يحسسدث‬
‫من النزاع والخلف بينهما ‪ .‬فإذا وقع ذلك فل بد أن يحصل تعب للطرفين ‪ .‬وفسسي ذلسسك‬
‫الوقت يجب على روسيا أن تنتظر الفرصة العظيمة وتسوق حال عسسسكرها المجتمعيسن‬
‫أول بأول على ألمانيا ‪ .‬فتهجسسم فسسي تلسسك الجهسسات ‪ .‬ثسسم تخسسرج أسسسطولين مسسن السسسفن‬
‫أحدهما من بحر ازاق حيث يحتشد عساكرنا ‪ ,‬من أقوام الناضول المتنوعسسة ‪ .‬والثسساني‬
‫من ليمان خليج ارخانكل الكائنة فسسي البحسسر المتجمسسد الشسسمالي ‪ .‬فتسسسير هسسذه السسسفن‬
‫وتمر في البحر البيسسض والبحسسر المحيسط الشسمالي مسع السسطول المرتسسب فسي البحسسر‬
‫السود وبحر البلطيق ‪ .‬وتهجم على سواحل فرنسسسا ‪ .‬وأمسسا ألمانيسسا فانهسسا تكسسون إذ ذاك‬
‫مشغولة بحالها‪.‬وبما ذكرناه تصبح المملكتسسان المسسذكورتان مغلوبسستين ‪ .‬فالقطعسسة السستي‬
‫تبقى من أوروبا تدخل تحت النقياد بسهولة وبدون محاربة وتصير جميسسع قطعسسة أوروبسا‬
‫قابلة للفتح والتسخير‪ [.‬ا هـ ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 387 [ ‬‬

‫******‬
‫وبعد اشتعال المعارك بين الروس والعثمانيين‪ .‬وفسسي يونيسسو سسسنة ‪ 1772‬م تهسسادن‬
‫الفريقان بناء على توسط النمسا ثم طلب مندوب كسساترينه العسستراف باسسستقلل تتسسار‬
‫القرم وحرية الملحة لسفن روسسسيا التجاريسسة فسسي البحسسر السسسود وجميسسع بحسسار الدولسسة‬
‫العثمانية ‪ .‬ولما لم تقبل الدولة هذه الشروط انفض الجمع على غيسسر جسسدوى ثسسم مسسدت‬
‫المهادنة سبعة اشهر واجتمع المؤتمر ثانية و طلبت كاترينه بلسان مندوبها طلبات أكثر‬
‫إجحافا بحقوق الدولة وأرسلت بها بلغا نهائيا ‪ 15‬نوفمسبر سسسنة ‪ 1773‬وكسان مسن تلسك‬
‫الشروط ‪:‬‬
‫) سابعا ‪ :‬أن يكون لروسسيا حسق حمايسة جميسع المسسيحيين الرثوذكسسيين فسي بلد‬
‫الدولة العثمانية ‪(...‬‬
‫ويظهر للمطلع على تلك الشروط أن كاترينه ما كانت تظسن قبسول الدولسة لهسا بسل‬
‫جعلتها طريقة لستمرار الحرب ‪ .‬ولذلك رفضتها الدولة العثمانيسسة ‪ ,‬وأصسسدرت أوامرهسسا‬
‫للجيوش باستئناف القتال بكل شسسدة خصوصسسا فسسي بلد الطسسونه فسسانهزم السسروس عسسدة‬
‫هزائم ‪.‬‬
‫ثم توفي السلطان مصطفى الثالث في يناير سنة ‪ 1774‬وبلغت مدة حكمه سسست‬
‫عشرة سنة وثمانيسسة شسسهور وذكسسر أنسسه كسسان عسسادل محبسسا للخيسسر ولسسه عسسدة مسسآثر خيريسسة‬
‫كالمدارس و التكايا ‪.‬‬

‫‪ - ( 27( ‬السلطان الغازي عبد الحميد خان الول ( ‪ 1789 -1774‬م (‬


‫‪:‬‬
‫وهو ابن السلطان احمد الثالث ‪ .‬وكان قد قضى مدة حكم أخيسسه مصسسطفى الثسسالث‬
‫محجوزا في سرايته كما جرت به العادة ‪.‬‬
‫وفي أول عهده كسسانت روسسسيا تسسستعد اسسستعدادا هسسائل لسسرد مسسا فقسسدته مسسن السسسم‬
‫والشرف في أواخسسر أيسسام مصسسطفى الثسسالث ‪ .‬ولسسم يسسأت شسسهر يونيسسو سسسنة ‪ 1774‬إل و‬
‫زحفت جيوشها إلى معسكر الصدر العظم ‪ .. .‬وبعد عدة انتصارات طلسب الصسدر مسن‬
‫رومانزوف المهادنة وتوقيف القتال ‪ ,‬وأرسل إليه منسسدوبين للتفسساق علسسى عقسسد الصسسلح‬
‫وقبول الشروط التي رفضتها الدولة عنسسد اجتمسساع مسسؤتمر بوخارسسست ‪ .‬وبعسسد محادثسسات‬
‫طويلة بين الطرفين قبل الصدر المعاهدة التي تم التفــاق عليهــا فــي يوليــو‬
‫سنة ‪ 1774‬وهي مكونة من ثمانية وعشرين بندا ‪ ,‬وتعتسسبر بدايسسة السسدلئل علسسى انهيسسار‬
‫الدولة العثمانية ‪:‬‬
‫أهمها استقلل تتار القرم و بسارابيا و قوبان ‪ -‬مع حفسسظ سسسيادة الدولسسة العثمانيسسة‬
‫عليهم فيما يتعلق بالمور الدينية ‪ -‬وتسليم كافسسة البلد والقسساليم السستي احتلتهسسا روسسسيا‬
‫إلى خان القرم ما عدا قلعتي كريش ويكي قلعه ‪ .‬ورد مسا اخسسذ مسسن أملك الدولسسة فسي‬
‫الفلخ و البغدان وبلد الكسسرج و منكريسسل وجسسزائر السسروم مسسا عسسدا بعسسض المنسساطق‪ -‬وان‬
‫يعطى إلى إمبراطور روسيا لقب بادي شسساه فسسي المعاهسسدات والمحسسررات الرسسسمية –‬
‫وان يكون للمراكب الروسية حرية الملحة في البحر السود والبحر المتوسط ‪.‬‬
‫وان تبني روسيا كنيسة بقسم بيرا بالستانة ويكون لها حق حماية جميع‬
‫المسيحيين التابعين للمذهب الرثوذكسي من رعايا الدولة – وان تكون‬
‫كافة المعاهدات السابقة لغية ‪ ... -‬وغير ذلك ‪.‬‬
‫ومن الغريب انه لم يذكر شيء فيها عن مملكسة بولونيسا وهسي سسبب هسذه الحسرب‬
‫التي عادت على الدولة بأوخم العواقب ‪.‬‬
‫وأضيف إلى هذه المعاهدة بنسسدان سسسريان جسساء فسسي أحسسدهما أن الدولسسة تسسدفع إلسسى‬
‫روسيا مبلغ خمسة عشر ألف كيس بصفة غرامة حربيسسة علسسى ثلثسسة أقسسساط متسسساوية‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 388 [ ‬‬

‫في أول يناير سنة ‪ 1775‬وسنة ‪ 1776‬وسنة ‪ . 1777‬وفي الثسساني أنهسسا تقسسدم لروسسسيا‬
‫المساعدات المقتضية للجلء عما احتلته من جزائر الروم وسحب أسطولها منها‪.‬‬
‫وكانت هذه أول مرة تدفع فيه الدولة العثمانية الجزية لدولة أخرى !!!‪.‬‬
‫ومسسن المفيسسد الطلع علسسى بعسسض البنسسود مسسن نسسص تلسسك المعاهسسدة السستي دعيسست‬
‫) معاهدة قينا رجه ( نقل عن ترجمة الجزء الول من تاريخ جودت باشا‪:‬‬
‫* المادة الولى ‪ :‬كل ما سبق وقوعه بين الدولة العثمانيسسة ودولسسة روسسسيا مسسن‬
‫عداوة ومخاصمة قد محي وأزيل من الن وإلى البسسد ‪ .‬وكسسل الضسسرار والتعسسديات السستي‬
‫صار الشروع في استعمالها وإجرائها من الطرفين باللت الحربية وبغيرها صارت نسيا‬
‫منسيا إلى البد ‪ .‬ول يجري بعد الن ول في وقت ما انتقام ‪ .‬بل صار الصلح بسسرا وبحسسرا‬
‫عوضا عن العدوان بوجه ل يعتريه التغير‪ .‬بل يراعى ويصان من طرف الهمايوني ومسسن‬
‫طرف خلفائي الماجد ‪ .‬وكذلك يحفظ ويصان ما جرى تمهيده مع ملكة روسيا المشسسار‬
‫إليها وحلفائها من التفاق والموالة الصافية المؤبسدة والسسالمة مسن التغييسر ‪ .‬وتسستمر‬
‫هذه المواد جارية ومعتبرة بكمال الدقة والهتمام وتكون قضسسية المسسوالة مرعيسسة بهسسذه‬
‫الصورة بين الدولتين وفي أملكهما وبين رعايا الطرفين بحيث ل تقسع فيمسا بعسد ضسدية‬
‫بين الفريقين ل سرا ول جهرا ول نوع من أنواع البغضاء والضرار‪..‬‬
‫* ومما جاء في المادة الثامنة ‪ :‬تعطى الرخصة التامسسة لرهبسسان دولسسة روسسسيا‬
‫ولسائر رعاياها بزيارة القدس الشريف وسائر الماكن التي تستحق الزيارة ول يتكلسسف‬
‫المسافرون ول السائحون لدفع نوع من أنواع الجزية والخسسراج و) الويركسسو( أصسسل ‪ .‬ول‬
‫يطلب ذلك منهم إثناء الطريق ل في القدس الشريف ول في سائر ألمسساكن ‪ .‬وتعطسسى‬
‫لهم الفرمانات بالوجه اللئق مع أوامر الطريق التي تعطسسى إلسسى رعايسسا سسسائر السسدول ‪.‬‬
‫والذين يقيمون منهم في أراضي دولتي العلية ل يمكن أن يحصل لهم تعسرض ومداخلسة‬
‫بوجه من الوجوه ‪ .‬بل تصير حمايتهم وصيانتهم تماما بمقتضى قوة أحكام الشريعة ‪.‬‬
‫* وجاء في المادة الرابعة عشرة ‪ :‬يجوز لدولة روسيا أن تبنى كنيسسسة علسسى‬
‫الطريق العام فى محلة بك أو غلي في جهسسة غلطسسة غيسسر الكنيسسسة المخصوصسسة قياسسسا‬
‫علي سائر الدول ‪ .‬هذه الكنيسة هي كنيسة العوام وتسمى كنيسة دوسوغرنه وتكسسون‬
‫تحت صيانة سفير دولة روسيا إلى البد وتكون أمينة من كل تعرض‪.‬‬
‫* وجاء في المادة السادسة عشرة ‪:‬‬
‫‪ -‬ثانيا ‪ :‬الديانة المسيحية تكون من كل الوجوه حرة كالول ول يحصل ممانعة‬
‫لجرائها قط ول يمنع إحداث كنائس جديدة ول ترميم الكنائس القديمة ‪.‬‬
‫‪ -‬ثالثسسا ‪ :‬الراضسسي والملك الموجسسودة ضسسمن دائرة ابسسرائل وخسسوتين وفسسي سسسائر‬
‫المواضع المأخوذة بغير حسسق المتعلقسسة مسسن القسسديم بسسالديرة وبسسسائر الشسسخاص فهسسذه‬
‫جميعا ترد للمرسومين المعبر عنهم الن بالرعايا ‪.‬‬
‫‪ -‬رابعا‪ :‬يكون لجماعة الرهبان العتبار بما يناسبهم من المتياز ‪... .‬‬
‫‪ -‬ثامنا ‪ :‬بعد انقضاء هذه المهلة تتعهد دولتنا العلية بمعاملتهم بالمروءة الكلية في‬
‫أمر تعيين الجزية وتحافظ على سخائها الجليل على قدر المكان ويصير تأدية جزيتهم‬
‫بواسطة مبعوثيهم مرة في كل سنتين وبعد أداء هذه الجزية بتمامها فل يتعرض لهم‬
‫احد أصل كائنا من كان من باشا أو حاكم ول يطالبون بشيء ما من اقتراحات‬
‫الضرائب بأي اسم كانت‪ .‬بل يكونون متمتعين بالمتيازات التي تمتعوا بها في الزمن‬
‫السعيد أيام سلطنة جدي المجد السلطان محمد خان الرابع ‪.‬‬
‫‪ -‬تاسعا يرخص لمراء هذه الحكومات أن يقيم من طرفه وكيل لدى دولتي العلية‬
‫باسم مصلحتك دار ويكون هؤلء الوكلء نصارى من ملة الروم بدل عن )القبوكتخدايات‬
‫( الذين كانوا يتعاطون رؤية أمور الملك وتجري في حقهم من جانب دولتي العلية‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 389 [ ‬‬

‫المعاملة بكمال المروءة وينالون ما يستحقونه بحسب قواعد الملل أي أنهم يكونون‬
‫معتبرين ومن كل تعرض آمنين ومصانين ‪.‬‬
‫‪ -‬عاشرا ‪ :‬تعطى الرخصة وتحصل الموافقة من جانب لدولة العلية إلى سفراء‬
‫إمبراطورية روسيا بان يتذاكروا عند القتضاء فيما يتعلق بصيانة ومساعدة الحكومتين‬
‫المذكورتين وتتعهد الدولة العلية برعاية ما يعرضه سفراء روسيا من المواد بحسب‬
‫اعتبار الصداقة اللئقة بالدولتين ‪.‬‬
‫* وجاء في المادة العشرون ‪:‬‬
‫بحسب مفهوم السندات السستي عقسسدت بيسسن الحسساكم توليسسستوي وبيسسن حسسسن باشسسا‬
‫محسسافظ آجسسو بتاريسسخ سسسنة ‪ 1700‬ميلديسسة وسسسنة ‪ 1100‬هجريسسة خصصسست قلعسسة آزاق‬
‫بحدودها الولى إلى دولة روسيا للبد ‪.‬‬
‫* وجاء في المادة الثالثة والعشرون ‪:‬‬
‫‪ ...‬ودولتي العلية تتعهد أيضا بحسب مضمون المسسادة السسسابقة بسسان تشسسمل بسسالعفو‬
‫جميع الذين صدرت منهم حركات ضد دولتي العلية في أثناء امتداد المحاربة و أن تكف‬
‫يدها إلي البد عن اخذ الويركو عسن الصسبيان و البنسات و عسن طلسب أي نسوع كسان مسن‬
‫الجزية وانه ما عسسدا السسذين لهسسم تعلسسق بهسسا مسسن القسسديم ل تسسدعي علسسي فسسرد واحسسد مسن‬
‫الطوائف المذكورة بكونه من رعاياها وأنهسا تسسترك مسسرة أخسسرى جميسع الراضسسي وسسائر‬
‫الستحكامات التي ضسسبطها الكرجيسسون والمكريسسون لحكسسومتهم ولمحسسافظتهم المطلقسسة‬
‫وأنها ل تتعرض ول تجري تضييقا على أديرة وكنائس الديانسسة بسسوجه مسسا ول تمنسسع ترميسسم‬
‫القديم ول بناء الجديد منها وبأن تمنع باشا جلدر وجميع رؤساء الجيوش والضسسباط مسسن‬
‫التعرض بأي داع كان لموال الديرة والكنسسائس المسسذكورة وإضسساعتها ول تتعسسرض دولسسة‬
‫روسيا للطوائف المذكورة ول تتدخل في أمورهم لنهم من رعايا دولتي العلية ‪.‬‬
‫* وجاء في المادة الخمسة والعشرون ‪ :‬جميع أسسسرى الحسسرب مسسن ذكسسور و‬
‫إناث من أي درجة ورتبة كانوا يسرحون و يردون الى أوطانهم ماعدا المسيحيين الذين‬
‫دخلسسوا فسسي السسدين المحمسسدي بسسإرادتهم فسسي دولسستي العليسسة والمسسسلمين السسذين تنصسسروا‬
‫بإرادتهم في أثناء وجودهم في أراضي روسسسيا وهكسسذا كلسسه بعسسد مبادلسسة التصسسديق علسسى‬
‫صكوك هذه العهدة المباركة حال بل عذر أصل وبل عسسوض وبغيسسر فديسسة ‪ .‬وكسسذلك جميسسع‬
‫المسيحيين الذين وقعسسوا فسي السسسترقاق مسسن بولسسونيين و بغسسدانيين و افلقييسسن و مسسن‬
‫أهسالي المسوره والجسزائر و الكرجييسن كافسة بل اسستثناء يعتقسون بل ثمسن وبغيسر عسوض‬
‫وكذلك الذين استرقوا من رعايا روسيا ووجدوا في ممالكي المحروسة يصير تسليمهم‬
‫وردهم إلى مواطنهم وذلك بعد انعقاد المصسالحة المباركسة وكسذلك تجسري هسذه المسور‬
‫أيضا بهذه الصورة عينها في حق رعايا دولتي العلية ‪.‬‬
‫* وجاء في المادة الثامنة و العشرون ‪:‬‬
‫‪ ...‬وبما أن الصدر العظم و فلدمار شال دولة روسيا بتروقونت رومان جوف قسسد‬
‫فوض إليهما من طرفي الهمايوني ومن طرف إمبراطوريسسة روسسسيا المشسسار إليهسسا أمسسر‬
‫تمهيد عقود وعهود عهدة الصلح المباركة المنعقدة فجميع مواد الصلح المؤبد المسطر‬
‫في العهدة المذكورة يصير إمضاؤها من طرف الصدر العظم و فلسسد مارشسسال وختمهسسا‬
‫بأختامها للتصديق كما لو كانت جرت بحضورهما والمواد المنعقدة التي تمهسسدت وصسسار‬
‫الوعد بها تراعى مراعاة قوية بدون تغيير ول تبديل وتجري بالدقة بحسب منطوقهسسا ول‬
‫يفعل شيء مخالف لها قطعيا ويحرر في المواد المذكورة التي تقررت وجرى التصديق‬
‫عليها مسسن طسسرف الصسسدر العظسسم و الفلسسد مارشسسال المشسسار إليهمسسا سسسندان ممضسسيان‬
‫بامضائهما ومختومان بخاتميهما ‪....‬‬
‫* وجاء في الخاتمة ‪:‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 390 [ ‬‬

‫إن ما جري تحديده و تمهيده بحسب المواد المذكورة من الصلح و الصلح المبطل‬
‫للحسسرب و الكفسساح يكسسون مقسسررا و معتسسبرا مسسن بعسسد الن ‪ ...‬و كسسذلك شسسرط المسسادتين‬
‫المحررتين ‪...‬‬

‫ذكر مادتان في خاتمة العهدة ‪:‬‬


‫** إحداهما تتضمن المصاريف الحربيسسة وذلسك لن الدولسسة العثمانيسسة كسانت تعهسدت‬
‫بتأدية خمسة عشر ألف كيس لروسيا في مسسدة ثلث سسسنين يسسدفع منهسسا فسسي كسسل سسسنة‬
‫قسط وهو خمسة آلف كيس ‪.‬‬
‫** والمادة الثانية سرعة تخلية جزائر البحر البيض تأييدا لما هو مذكور في المسسادة‬
‫السابعة عشرة من العهدة المذكورة وأسطول روسيا الموجود في البحسسر البيسسض وان‬
‫كان مشترطا في المادة المذكورة انه يخرج فسسي مسسدة ثلثسسة اشسسهر فدولسسة روسسسيا قسسد‬
‫تعهدت بإخراجه قبل المدة المذكورة إذا أمكن ‪ .‬انتهى ‪!!! .‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 391 [ ‬‬

‫وبذلك انتهت هسسذه الحسسرب ونسسالت روسسسيا أقسسوى أمانيهسسا بعسسد إذلل مملكسسة اسسسوج‬
‫ومحوها من العالم السياسي تقريبا بحصرها ضمن حدودها الطبيعية ‪ .‬وهي طمس آثار‬
‫مملكة بولونيا من الوجسسود كليسسة تقريبسسا وتجسسزئة معظمهسا بينهسسا وبيسسن النمسسا وبروسسسيا‬
‫بمقتضى معاهدة بين روسيا وبروسسسيا فسي ‪ 7‬فسسبراير سسسنة ‪ 1772‬وقبلتهسسا النمسسسا فسي‬
‫ابريل وأعلنت لملك بولونيا في ‪ 18‬سبتمبر سنة ‪ 1772‬وبذلك سقط الحاجزان الولن‬
‫من الحواجز الثلثة الحائلة بين تقدم روسيا من جهة أوروبا وأمكنها أن توجه كل قواهسسا‬
‫لمكافحة الدولة العثمانية ‪.‬‬
‫استيلء روسيا على بلد القرم ‪:‬‬
‫أما روسيا فأخذت تبث رجالها فسسي بلد القسسرم ليجسساد المشسساغبات الداخليسسة بهسسا و‬
‫بالتالي لبتلعها وضمها الى أملكها‪ .‬و ما زالسست مسسستمرة فسسي إلقسساء الدسسسائس ونشسسر‬
‫الفتن بين الهسسالي حسستى عزلسسوا أميرهسسم دولسست كسسراي السسذي انتخبسسه الهسسالي بمقتضسسى‬
‫نصوص معاهدة قينا رجه واحتلت روسيا تلك البلد بسبعين ألف جندي كسسانوا منتظريسسن‬
‫على الحدود لهذه الغاية فتم لها مقصدها الذي كانت تسعى وراءه من مدة وهو امتلك‬
‫كافة سواحل البحر السود الشمالية فسسي غضسسون سسسنة ‪ 1773‬فهسساجت الدولسسة وأرادت‬
‫إشهار الحرب على روسيا ‪ .‬لكن حولت أنظارها ثانيا عن الحرب بمساعي فرنسا لعدم‬
‫استعداد الدولة وقدرتها في ذاك السسوقت علسسى مقاومسسة روسسسيا فبلسست مشسسورة فرنسسسا‬
‫والعتراف بضم القرم لروسيا واعترفت بذلك في سنة ‪ 1774‬م ‪ .‬لكن لم يكسسن قصسسد‬
‫روسيا ومساعديها إل انتشاب القتال ‪ ,‬وأرسلوا جواسيسسسهم إلسسى بلد اليونسسان ووليسستي‬
‫الفلخ من البغدان لتهييج المسيحيين على الدولة ‪ .‬وفي سنة ‪ 1787‬م ساحت كسساترينه‬
‫في البلد الجنوبية وبلد القرم بأبهة واحتفال زائد وأقام لها القائد بوتمكين أقواس نصر‬
‫كتب عليها ‪ ) :‬طريق بيزنطة ( فعلمت الدولة من كل هذه الحوال أنها تقصد محاربتهسسا‬
‫ثانيا ‪ .‬ولذلك أرادت هي المبادرة بإعلن الحرب قبسسل تمسسام اسسستعداد أعسسدائها ‪ . .‬وفسسي‬
‫هسسذه الثنسساء كسسانت النمسسسا أعلنسست الحسسرب علسسى الدولسسة مسسساعدة لروسسسيا ‪ .‬وحسساول‬
‫إمبراطورها يوسف الثاني الستيلء على مدينة بلغراد فعاد بالخيبة إلى مدينة تمسسسوا ر‬
‫حيث اقتفى أثره الجيش العثماني وانتصر عليه نصرا مبينا‪ .‬ثسسم بعسسد ذلسسك بقليسسل تسسوفي‬
‫السلطان عبد الحميد الول في ‪ 12‬رجب سنة ‪ 1203‬ه ‪ 8‬ابريل سنة ‪ 1789‬بالغا مسسن‬
‫العمر ‪ 66‬سنة ومدة حكمه ‪ 15‬سنة وثمانية شهور وتولى بعده سليم الثالث‪.‬‬
‫***********‬

‫‪ - ( 28( ‬السلطان الغازي سليم خان الثالث ( ‪1807 -1789‬م ( ‪:‬‬


‫وهو ابن السلطان مصطفى الثالث ‪ .‬تولى وجو السياسة مكفهسسر ‪ ,‬ورحسسى الحسسرب‬
‫دائرة فبذل جهده في تقوية الجيوش وإرسال المؤن والسسذخائر ‪ .‬لكسسن اليسسأس كسسان قسسد‬
‫استولى على الجنود وغادر كثير منهم مراكزهم‪ .‬وفي هذه السنة اتحد القسسائد الروسسسي‬
‫مع قائد الجيوش النمساوية في العمال الحربية وضما جيوشسسهما لبعضسسهما فاسسستظهرا‬
‫على العثمانيين في سبتمبر سنة ‪ 1789‬م استولى الروس علسسى مدينسسة بنسسدر الحصسسينة‬
‫واحتلوا معظم بلد الفلخ و البغدان و بسارابيا ودخل النمساويون مدينة بلغراد وفتحسسوا‬
‫بلد الصرب ‪ .‬فكانت الدولسسة فسي خطسر عظيسسم ‪ .‬ولسسو اسسستمر اتحساد النمسسا وروسسسيا‬
‫لفقدت اغلب أملكها لكن من حسن حظهسسا تسسوفي المسسبراطور يوسسسف سسسنة ‪ 1790‬م‬
‫وخلفه ليوبولد الثاني فشغلته الثورة الفرنسية التي قامت على الملك لويس السسسادس‬
‫عشر خوفا من امتداد لهبها ‪ .‬وسعت النمسا في مصالحة الدولة العثمانيسسة وردت إليهسسا‬
‫النمسا بلد الصرب ومدينة بلغراد وجميع فتوحاتها تقريبا ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 392 [ ‬‬

‫إل أن روسيا لم تتبع النمسا حليفتها في طريق الصلح بسسل اسسستمرت علسسى محاربسسة‬
‫الدولة بمفردها‪ .‬ثم توسطت إنكلترا وبروسيا وهولندا بين الدولة وروسسسيا وتسسم الصسسلح‬
‫بين الطرفين في سنة ‪ 1792‬على أن تمتلسسك روسسسيا بلد القسسرم نهائيسسا وجسسزء مسسن بلد‬
‫القوبان و بسارابيا و القاليم الواقعة بين نهري بوج و دينسسستر بحيسسث يكسسون هسسذا النهسسر‬
‫الخير فاصل بين المملكتين ‪ ,‬وتتنازل لها الدولة العثمانية عن مدينة اوزي اوتشاكوف ‪.‬‬
‫وأمضيت بذلك معاهدة في مدينة ياش أطلق عليها اسم هذه المدينة نسبة إليها ‪.‬‬
‫وبعد إتمام الصلح مع النمسا وروسيا أخذت الدولة في إصسسلح داخليتهسسا وخصوصسسا‬
‫العسكرية والبحرية فعين احد المتقربين مسسن السسسلطان واسسسمه كوشسسك حسسسين باشسسا‬
‫قبطانا عاما وكان من الشبان الذين درسوا في أوروبا ‪ .‬وزوجه السلطان إحدى أخسسواته‬
‫فاستحضر عددا عظيما من مهرة المهندسين من السويد وفرنسسسا لصسسب المسسدافع فسسي‬
‫معامل الطوبخانة ‪ ,‬وأصلح مدرسة البحرية ومدرسسسة الطوبجيسسة الستي أسسسها البسارون‬
‫دي تسسوت المجسسري وترجسسم لتلمسسذتها مؤلفسسات المعلسسم فوبسسان الفرنسسساوي فسسي فسسن‬
‫الستحكامات ‪ .‬وأضاف إلى مدرسة الطوبجية مكتبة جمع فيها أهم ما كتب في الفنون‬
‫الحربية الحديثة والرياضيات لتكون التلمسسذة علسسى إطلع تسسام فسسي العلسسوم العصسسرية ‪.‬و‬
‫وضع نظامسا للجنسود المشساة وشسرع فسي تنسسيق فسرق جديسدة وتسدريبها علسى النظسام‬
‫الوروبي ‪ ,‬فأنشأ أول فرقة منتظمة في سنة ‪ 1796‬وجعل عددها ‪ 1600‬جنسسدي تحسست‬
‫قيادة ضابط إنكليزي دخل في الدين السلمي وسمي إنكليسسز مصسسطفى وكسسان القصسسد‬
‫من ترتيب العساكر النظامية الستغناء بهم عن جنود النكشارية ‪.‬‬
‫وفي سنة ‪ 1798‬أمرت الجمهورية الفرنساوية بونابرت القائد الشهير بالمسير إلى‬
‫مصر لفتحها بغير إعلن حرب على الدولة العثمانية وأوصته بكتمان هسسذا المسسر حسستى ل‬
‫تعلم به إنكلترا فتسعى في إحباطه وكان القصد منه منع مرور تجارة النكليز من مصر‬
‫إلى الهند ‪ .‬وحصلت بينه وبين أمراء المماليك واقعة الهرام التي اظهر فيهسسا المماليسسك‬
‫من الشجاعة ما أدهش الفرنساويين ‪ .‬وبعد أن بذلوا وسعهم فسسي السسدفاع عسسن مصسسر ‪.‬‬
‫تقهقروا أمام المدافع الفرنساوية فدخل بونابرت وجيوشه مدينة القاهرة بعد أن أعلسسن‬
‫بها انه لم يأت لفتسسح مصسسر بسسل انسسه حليسسف البسساب العسسالي ‪ .‬وأنسسه أتسسى لتوطيسسد سسسلطته‬
‫ومحاربة المماليك العاصين أوامره ‪ ,‬كما زعم النكليز بعد ذلك عند دخولهم مصر سسسنة‬
‫‪. 1882‬‬
‫و لكن لم يلبث ان وصله خبر واقعة أبي قير البحرية التي دمسسر فيهسسا نلسسسن أميسسر‬
‫البحر النكليزي الشهير جميع المراكسسب والسسسفن الحربيسسة الفرنسسساوية فسسي أغسسسطس‬
‫سنة ‪ . 1798‬وتسلطن النكليز على البحر المتوسط‪ ,‬وقطعسسوا المواصسسلت بينسسه وبيسسن‬
‫فرنسا ‪ .‬ولما علمت الدولة العثمانية باحتلل الفرنساويين القطر المصري أخذت فسسي‬
‫الستعداد لمحاربتهم لسيما وأنها كانت مطمئنة البال من جهة النمسسسا وروسسسيا اللسستين‬
‫كانتا مشتغلتين بمحاربة الجمهورية الفرنساوية خوفا من امتداد مبادئ الثورة الفرنسية‬
‫إلى بلدهم فتفل عروشهم كما حصل للويس السادس عشر ملك فرنسسسا ‪ .‬ومسسن جهسسة‬
‫أخرى عرضت عليها الدولة النكليزية مساعدتها على إخراج الفرنساويين مسسن مصسسر ل‬
‫رغبة في حفظ أملك الدولة بل خوفا على طريق الهند من أن تكون فسسي قبضسسة دولسسة‬
‫قوية يمكنها معاكستها فقبلت الدولة العثمانية مساعدتها بكل ارتياح ‪ .‬وكسسذلك عرضسست‬
‫عليها روسيا إمسدادها بمراكبهسا الحربيسة وانضسمامها إلسى السسفن العثمانيسة والنكليزيسة‬
‫فقبلت أيضا ‪ .‬وأعلنت الحرب رسميا على فرنسسسا فسسي سسسبتمبر سسسنة ‪ . 1798‬وأخسسذت‬
‫الدولة في جمع الجيسسوش بمدينسسة دمشسق وبجزيسرة رودس لرسسسالها إلسسى مصسسر واتسست‬
‫السفن الروسية من البحر السود إلى بوغاز الستانة وخرجت إلسسى البحسسر البيسسض مسسع‬
‫السفن العثمانية وذلك بمقتضى معاهدة أبرمسست بيسسن هسسذه السسدول الثلث السستي اتفقسست‬
‫لول مرة على عمل حربي مسع مسسا بيسسن الدولسسة العليسسة وروسسسية مسن العسسداوة القديمسسة‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 393 [ ‬‬

‫المستمرة ‪ .‬ولما شعر بونابرت باجتماع الجيوش لمحاربته تحقق أن من يحتل مصر ل‬
‫يكون آمنا عليها إل إذا احتل القطر السوري ‪ .‬فلهذه الدواعي عزم بونسسابرت علسسى فتسسح‬
‫بلد الشام ‪ .‬و دخل الرملة ثم يافا ‪ .‬ثم حاصر مدينة عكسسا مسسن جهسسة السسبر ولسسم يسسدخلها‬
‫لتيقظ احمد باشا الجزار قائد حاميتهسا ‪ .‬وفسسي أوائل ابريسل بلغسسه تحسسرك جيسش دمشسسق‬
‫العثماني لنجاد مدينة عكسسا فأرسسسل القسسائد كليسسبر لمحسساربته ومنعسسه مسسن الوصسسول إليهسسا‬
‫فالتقى بالعثمانيين عند جبل وأنجده بونابرت فتفرق الجيش المجتمع ‪ .‬وقطسسع نسسابليون‬
‫بعدم النجاح وعاد بمن بقي من جيوشه إلى القاهرة‪ .‬وفي أغسطس سسسافر بونسسابرت‬
‫من السكندرية قاصدا فرنسا خفية مع بعض قواده حتى ل يضبطه النكليسسز القسساطعون‬
‫بمراكبهم سبل البحر البيض على الفرنسسساويين‪ ,‬وذلسسك أن الميسسرال النكليسسزي أرسسسل‬
‫إليه عدة نسخ من الجرائد الفرنساوية المذكور بها خبر تغلب النمساويين علسسى فرنسسسا‬
‫ووقوع الفوضى في داخليتها فسسأراد بونسسابرت الرجسسوع إليهسسا لسسستمالة الخسسواطر إليسسه ‪..‬‬
‫فغادره تاركا القائد كليبر وكيل عنسسه‪ .‬فبقسسي الجيسسش الفرنسسساوي بمصسسر بسسدون مراكسسب‬
‫تحميه من نزول النكليز والعثمانيين على الثغور أو تأتي إليسسه بالمسسدد أو مجسسرد الخبسسار‬
‫من فرنسا ‪ .‬ونقص عدده إلى خمسة عشر ألفا بعسسد مسسن مسسات بسسبر الشسسام بالطسساعون‬
‫والحرب ‪ .‬وظهر أن هذا العدد غير كاف لحماية السواحل وحفظ الطريسسق والمحافظسسة‬
‫على المن في الداخل ‪ .‬ولذلك يئس القائد كليسسبر مسسن حفسسظ مصسسر واتفسسق مسسع البسساب‬
‫العالي والميرال سدني سميث في ‪ 24‬ينسساير سسسنة ‪ 1800‬علسسى أن تنسسسحب العسسساكر‬
‫الفرنساوية بسسسلحها ومسسدافعها وترجسسع فرنسسسا علسسى مراكسسب إنكليزيسسة ‪ .‬وسسسار بعسسدها‬
‫لمحاربة الجيش التركي الذي أتى إلى مصسسر فسسي مسسارس سسسنة ‪ , 1800‬وبعسسد محاربسسة‬
‫عنيفة فاز كليبر بالنصر وعاد إلى القاهرة فوجدها في قبضسسة ابراهيسسم بيسسك احسسد أمسسراء‬
‫المصسسريين‪ .‬فسسأطلق القنابسسل عليهسسا وخسسرب منهسسا جسسزءا عظيمسسا واسسستمر الحسسرب فسسي‬
‫شوارعها نحو عشرة أيام‪ .‬وفي ‪ 14‬يونيه سسسنة ‪ 1800‬قتسسل مجاهسسد فسسدائي مسسن مدينسسة‬
‫) حلب حرسسسها اللسسه ( اسسسمه ) سسسليمان الحلسسبي ( القسسائد كليسسبر فسسي بسسستان السسسراي‬
‫وهرب ‪ .‬فضبطوه و قتلوه هو ورفاق له ثلثة اتهموا معه في القتل ‪ ,‬منهم الشيخ الذي‬
‫أفتاه بذلك في بيت المقدس رحمهم الله ‪ .‬ثم عين مكانه الجنرال مينو وكان قسسد زعسسم‬
‫أنه اعتنق الدين السلمي وتسمى عبد الله مينو!!‪.‬‬
‫ولما علم النكليز والعثمانيون بموت كليبر وخروج بونابرت من مصر‪ .‬أيقنوا بالغلبة‬
‫عليهم وانزلوا بابي قير ثلثين ألف مقاتل تحسست قيسسادة الجنسسرال ابركرومسسبي فسسي أوائل‬
‫سنة ‪ 1801‬فسار القائد مينو لمحاربتهم فانهزم أمامهم ‪ .‬ثم سار النكليز والتراك إلى‬
‫القاهرة وحصروا من بقي منها من الفرنساويين ‪ ..‬أما القائد مينو فبقسسي محصسسورا فسي‬
‫السكندرية ولم يقبل التسليم إل فسسي سسسبتمبر سسسنة ‪ 1801‬بعسسد أن وقعسست بينسسه وبيسسن‬
‫العثمانيين والنكليز موقعة عظيمة قتل فيها كثير من الطرفين فخرج منها مع من بقي‬
‫معه وسافر إلى بلده على مراكب النكليسسز وبسسذلك انتهسست الحسسرب ورجعسست البلد إلسسى‬
‫العثمانيين ‪.‬‬
‫وبعد ذلك اتصل بونابرت الذي كسان تعيسن رئيسسا للجمهوريسة الفرنسسية مسع سسفير‬
‫الدولة العثمانية واظهر له ضرر اتحاد الدولة مع روسيا وإنكلترا خصوصا وان روسيا قد‬
‫احتلت جزائر اليونان الواقعة ما بين جنوب ايطاليا وبحيث جزيرة موره وجنسسود إنكلسسترا‬
‫باقية بمصر مماطلة في إخلئها ‪ ,‬وما احتلته من ثغسسور الشسسام ‪ .‬وأخيسسرا أقنعسسه بوجسسوب‬
‫تجديد العلقات الودية مع فرنسا فكاتب السفير العثماني دولته بذلك ‪ .‬وبعسسد الحصسسول‬
‫منها على الذن أمضى مع بونابرت مشروع معاهدة سنة ‪ . 1801‬أساسسسها إخلء مصسسر‬
‫وتأييد امتيازات فرنسا السابقة في الشرق ‪.‬‬
‫وفسسي هسسذه الثنسساء حصسسلت فسسي داخليسسة الدولسسة بعسسض اضسسطرابات بسسسبب شسسروع‬
‫السلطان سليم الثالث في تنظيم الجيسسوش علسى النظسسام الجديسسد فسان النكشسارية لسسم‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 394 [ ‬‬

‫ينظسسروا لهسسذه الصسسلحات العسسسكرية بعيسسن الرتيسساح ‪ .‬فلمسسا مسسات الجنسسرال دو بسسايت‬
‫الفرنساوي الذي كان استحضر لتدريب النظام في سسسنة ‪ 1797‬سسسعى النكشسسارية مسسع‬
‫بعض العلماء المتذمرين من توجهات السلطان الغربية ‪ .‬وكان السلطان قد أصدر أمرا‬
‫ساميا بفصل المدفعية عن النكشارية وتنظيمها ويكون مقرهم في الستانة وان يكسسون‬
‫لكل منهم موسيقى عسكرية وإمام لتعليم الدين وإقامة الصلة ‪...‬‬
‫الفتن الداخلية بسبب توجهات السلطان الغربية ‪:‬‬
‫وقد انتشرت خلل انشغال الدولة العثمانية بحسسرب مصسسر ‪ ,‬وهسساجت ثسسورات كسسثيرة‬
‫من قبل سكان اليونسسان والبلقسسان والصسسرب وغيرهسسا مسسن بسساقي وليسسات الدولسسة بأوروبسسا‬
‫بدسائس الدول الوربية ‪ ,‬وطموح السكان للسسستقلل ‪ ..‬و لسسم يتمكسسن النكشسسارية مسسن‬
‫كبح جماحهم بل فاز المفسدون عليهم في عدة وقائع وصارت البلد فسسي كسسرب عظيسسم‬
‫وبلء شديد وهدد هؤلء الثائرون مدينة أدرنه نفسها مع مناعتها ‪ .‬و يزعم مؤلف كتسساب‬
‫تاريخ الدولة العثمانية ) فريد بيك ( أن السلطان سليم أراد تجربسسة الفسسرق المنتظمسسة‬
‫الجديسدة الستي أنشسأها ودربهسا عسسكريون أوربيسون وأدخلسوا عليهسا النظمسة الوربيسة ‪.‬‬
‫فقامت هذه الجنود بما عهد إليها خيسسر قيسسام ‪ ..‬وعسسادت السسسكينة إلسسى ربوعهسسا ورجعسست‬
‫الجنود المنتظمة إلى الستانة مكللة بالظفر فانشرح السلطان من نجاح مشسسروع هسسذا‬
‫النظام الجديد ‪ .‬وأغدق عليهم العطايا والهبات ثم أصدر في شسسهر مسسارس سسسنة ‪1805‬‬
‫أمرا ساميا خط شريف إلى جميسع الوليسات بتركيسة وأوروبسا بجمسع جميسع الشسبان مسن‬
‫النكشارية و الهالي البالغين سن الخمسة والعشسسرين وإدخسسالهم العسسسكرية وتربيتهسسم‬
‫على النظام الجديد بإشراف الضباط والمدربين الجسسانب ‪ .‬فلسسم يقبسسل النكشسسارية هسسذا‬
‫المر واظهروا التمرد‪.‬‬
‫واتحسسد بعسسض العلمسساء والطلبسسة ضسسد النظسسام الجديسسد فسسأذعن السسسلطان لمطلسسب‬
‫النكشارية وأرجع العساكر النظاميسسة إلسسى وليسسات آسسسيا وعسسزل السسوزراء وعيسسن رئيسسس‬
‫النكشارية صدرا أعظما ‪ .‬ومع ذلك فلم تنته هذه المسألة بسلم بسسل جسّرت بعسسد قليسسل‬
‫إلى عزل السلطان ‪ ,‬وكانت هذه بداية وقوف العلماء ‪ ,‬وقيادات النكشسسارية فسسي وجسسه‬
‫عملية التغريب ‪ ,‬والغزو الوربي للجيش العثمسساني السسذي تسسولى كسسبره السسسلطان سسسليم‬
‫الثالث هذا ‪.‬‬
‫وقد أدت قلقل بلد الصرب إلسسى قيسسام الحسسرب بيسسن الدولسسة العليسسة وروسسسيا السستي‬
‫سيأتي بيان أسبابها ‪.‬‬
‫علقــات البــاب العــالي مــع فرنســا وروســيا وإنكلــترا بعــد خــروج‬
‫الفرنساويين من مصر‪:‬‬
‫أرسل بونابرت إلى بلد الشرق الجنرال سبستياني لتجديد ربط التحاد والوداد مسسع‬
‫الدولة العثمانية ‪ .‬وفي أثناء إقامته بالستانة تمكن بمسسساعيه مسسن عسسزل أميسسري الفلق‬
‫والبغدان المنحازين لروسيا ‪ .‬فساء ذلك روسيا وخشيت مسسن امتسسداد نفسسوذ فرنسسسا فسسي‬
‫الشرق فأرسلت جيوشها لحتلل هاتين الوليتين بسسدون إعلن حسسرب بسسدعوى أن تغييسسر‬
‫أميريهما مضر بحقسسوق جوارهسسا ‪ .‬فانتشسسبت نيسسران القتسسال بينهسسا وبيسسن الدولسسة واتحسسدت‬
‫إنكلترا مع روسيا في هسسذه الحسسرب ‪ .‬فأرسسسلت إحسسدى فرقهسسا البحريسسة أمسام السسدردنيل‬
‫وأرسل سفيرها بلغا إلى البسساب العسسالي يطلسسب منسسه ‪ :‬تحسسالف الدولسسة العليسسة وإنكلسسترا‬
‫وتسليم الساطيل العثمانية وقلع السسدردنيل إلسسى إنكلسسترا والتنسسازل عسسن وليسستي الفلق‬
‫والبغدان إلى روسيا وطرد الجنرال سبستياني من الستانة وإعلن الحرب على فرنسا‬
‫و إل فستكون إنكلترا مضطرة لجتياز الدردنيل وإطلق مدافعها على الستانة ‪.‬‬
‫وفي فبراير سنة ‪ 1807‬قرن النكليسسز القسسول بالفعسسل واجتسساز الميسسرال النكليسسزي‬
‫الدردنيل ودمر كافة السفن الحربية العثمانيسسة الراسسسية بهسسا ‪ ,‬ومكسسث خسسارج البوسسسفور‬
‫ينتظر تنفيذ لئحته التي سبق ذكرها ‪ .‬وبورود الخبر إلى الدولة بذلك وقسسع الرعسسب فسسي‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 395 [ ‬‬

‫قلوب سكان الستانة خشية من وصول السفن النكليزية إلى البوسفور وهنسساك تكسسون‬
‫الطامة الكبرى لوجود اغلب السرايات الملكية ودواوين الحكومة على ضفتيه ‪ .‬وكسسادت‬
‫الدولة تستسلم للشروط ‪ .‬ولكن الفرنسيين شجعوها على الصمود ووعدوا بالمساعدة‬
‫‪ .‬فاخذوا في تحصين العاصمة وبناء القلع حولها وتسليحها بالمسسدافع الضسسخمة وشسسكل‬
‫الفرنساويون النازلون بالستانة فرقة من مائتي مقاتل !! أغلبهم من المدفعية وكسسذلك‬
‫السبان لمضادة سفيرهم لسياسة إنكلترا في الشرق ‪ .‬واهتم كل من في الستانة في‬
‫هذا العمل حتى الشيوخ والطفال والنساء وبذل النكشارية جهسسدا كسسبيرا رغسسم خلفهسسم‬
‫مع السسلطان ‪ ..‬فلسم يمسض بضسعة أيسام حستى صسارت المدينسسة فسي مسسأمن ‪ .‬فلمسا رأى‬
‫الميرال النكليزي استحالة دخوله البوسفور وقرب انتهسساء تحصسسينات السسدردنيل خشسسي‬
‫من حصر مراكبه بين البوغازين وقفل راجعا في مارس سنة ‪ 1807‬فنجا بمراكبه بعسسد‬
‫أن قتل من رجسساله سسستمائة وغسسرق مسسن سسسفنه اثنتسسان مسسن مقسسذوفات قلع السسدردنيل ‪.‬‬
‫واجتمع بمراكب روسيا عند مدخل البوغاز ‪ .‬ثسسم أراد الميسسرال النكليسسزي أن يسسأتي عمل‬
‫يمحو ما لحقه من العار بسبب فشله في هذه المأمورية فقصد ثغر السكندرية فاحتلها‬
‫في مارس سنة ‪ 1807‬ثم سير فرقة إلى ثغر رشيد لحتلله فانهزمت وحاصر المدينسسة‬
‫في ابريل لكن لم يقو على فتحها لرسال محمد باشا المدد إليهسسا ‪ ,‬وأخيسسرا رحلسسوا عسسن‬
‫الديار المصرية ‪ .‬بعد أن أجروا تجربة لحتللها ‪.‬‬
‫عزل السلطان سليم الثالث ‪ :‬في هذه الثناء التي كانت فيها رحى الحرب دائرة‬
‫بين العثمانيين والروس دخل والي بوسنه بجيوشه إلى بلد الصرب لمنسسع الثسسائرين مسسن‬
‫اللحاق بالجيش الروسي ‪ .‬وفي غضون ذلك توفي المفتي الذي كان معضدا للسسسلطان‬
‫على إدخال الصلحات العسكرية وتولى مكسسانه قاضسسي عسسسكر الرومللسسي وكسسان علسسى‬
‫الضد من سلفه ‪ ,‬فاتحد مع مصطفى باشسسا قسسائم مقسسام الصسسدر العظسسم المتغيسسب فسسي‬
‫محاربة الروس ولفيف من العلماء على السعي في إبطال النظام العسسسكري الجديسسد ‪.‬‬
‫معتبرين انه بدعة مخالفة للشرع ‪ .‬و اخذوا يقنعون العساكر الغير منتظمة التي كسسانت‬
‫أضيفت إلى الفرق المنتظمة ببطلن إكراههسم علسى لبسسس الملبسس الغربيسسة والستزيي‬
‫بزي النصارى مع ما في ذلك من مخالفة القرآن الشريف والشرع المنيف ‪ ..‬وحصلت‬
‫بينهم معركة سالت فيها الدماء ثم انتشرت هذه الفتنة وامتسسد لهيبهسسا إلسسى جميسسع القلع‬
‫وحصلت عد معارك بين الفريقين كانت نتيجتها أن وصل الجمع الثائر على السلطان ‪..‬‬
‫ولما بلغ السلطان خبر هذه الثورة أصدر على الفور أمرا بإلغاء النظام الجديد وصسسرف‬
‫العساكر النظامية ‪ .‬لكن لم يكتف الثائرون بل قرروا عزل السلطان خوفا من أن يعود‬
‫لتنفيذ مشروعه وساعدهم على ذلك المفتي الذي كان المحرك لهسسذه الثسسورة ‪ ,‬فسسأفتى‬
‫بأن كل سلطان يسدخل نظسم الفرنسج وعسوائدهم ويجسبر الرعيسة علسى إتباعهسا ل يكسون‬
‫صالحا للملك ‪.‬‬
‫واستمرت هذه الثورة يومين ثم نودي في يونيو سنة ‪ 1807‬بخلع السلطان سسسليم‬
‫الثالث فعزل وكانت مدة حكمه ‪ 19‬سنة وأقيم بعده مصطفى الرابع‪.‬‬

‫‪ - ( 29( ‬السلطان الغازي مصطفى خان الرابع ( ‪1808 -1807‬م( ‪:‬‬


‫عقب ذلك حصل الصلح بين فرنسا وروسيا بمقتضسسى معاهسسدة تلسسسيت فسسي يوليسسو‬
‫سنة ‪ 1807‬التي جاء البند الثاني والعشرين وما بعده منها أن روسيا تكف عن محاربسسة‬
‫الدولة العثمانية حتى يتوسط نابليون بين الطرفيسسن ‪ .‬وانسسه بمجسسرد مسسا أمضسسيت الهدنسسة‬
‫البتدائيسسة تخلسسي جيسسوش روسسسيا وليسستي الفلق والبغسسدان بسسدون أن تسسدخلها الجيسسوش‬
‫العثمانية حتى يتم الصلح نهائيا وجاء في المعاهسسدة السسسرية السستي اتفسسق عليهسسا نسسابليون‬
‫واسكندر الول قيصر روسيا إن لم يقبل الباب العالي توسط فرنسسسا بسسسبب الحسسوادث‬
‫الخيرة التي حدثت بالستانة أو إن لسسم يتسسم المقصسسود بكيفيسسة مرضسسية بعسسد قبسسول هسسذا‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 396 [ ‬‬

‫التوسط بخمسسسة وثلثيسسن يومسسا فتتحسسد فرنسسسا مسسع روسسسيا علسسى سسسلخ جميسسع الوليسسات‬
‫العثمانية بأوروبا ما عدا الستانة وما حولها وتقسسسيمها فيمسسا بينهمسسا مسسع إرضسساء النمسسسا‬
‫بجزء يسير ‪ .‬وهذا يظهر النوايا المبيتة لكافة الخصوم المتحـالفين ‪ ,‬ويـبين‬
‫أنه لم يكن هناك أي دولة أوروبية تود خيرا أو تبغي صـلحا لدولـة أو أمـة‬
‫إسلمية مطلقا ‪.‬‬
‫ولم يطل العهد بالسلطان مصطفى الرابع فتم حجزه في نفس السراي التي كسسان‬
‫محجوزا بها السلطان سليم ‪ .‬وعزل بعد أن حكم ثلثة عشر شسسهرا وقتسسل فسسي سسسرايته‬
‫بعد ذلك بقليل وأقيم بعده محمود الثاني ‪.‬‬

‫‪ - ( 30( ‬السلطان الغازي محمود خان الثاني ( ‪1839 – 1808‬م ( ‪:‬‬


‫وهو ابن السلطان عبد الحميد الول ‪.‬وقد افتتسسح أعمسساله بسسأن قلسسد مصسسطفى باشسسا‬
‫البيرق دار منصب الصدارة العظمى ووكل إليه امر تنظيم النكشارية ‪ ,‬ولكنهم قاوموه‬
‫وحصلت فتنة كبيرة أدت إلى قتل السلطان السابق المحجوز في السسسرايا ) مصسسطفى‬
‫الرابع ( ‪...‬‬
‫ثم وجه السلطان الجديد اهتمامه لصسسلح الشسسؤون الداخليسسة والسسستعداد لهلك‬
‫طائفة النكشارية وللتفرغ لذلك عقد الصلح مع النكليز في يوليو سنة ‪ . 1809‬وافتتسسح‬
‫اليصالت مع روسيا بدون أن يتوصل إلى اتفسساق مسسرض للطرفيسسن فاسسستؤنفت الحسسرب‬
‫وكانت سجال بين الجيشين ‪ .‬وفي هذه الثناء فترت العلقات بين روسيا ونابليون لعدم‬
‫تنفيذ شروط معاهدة تلسيت وكانت الحرب بينهما قاب قوسين أو أدنى فسعت روسيا‬
‫في مصالحة الدولة العثمانية ‪ ,‬وتوصل الطرفان إلى معاهدة بوخارست في مسسايو سسسنة‬
‫‪ .1812‬ولقسسد اعتسسبرت فرنسسسا هسسذه المعاهسسدة خيانسسة مسسن الدولسسة للروابسسط القديمسسة‬
‫الموجودة بين الدولتين ‪ .‬إذ بإبرامها تمكنت روسيا من اسسستعمال الجيسسوش السستي كسسانت‬
‫مشتغلة بمحاربة العثمانيين في صد غارات فرنسا عسسن بلدهسا وإلسسزام نسسابليون بسسالعودة‬
‫القهقرى بعد حرق مدينة موسكو وهلك اغلب جيوشه عند عبورهم نهر بيريزينا عائدين‬
‫إلى بلدهم مكسورين مدحورين ‪ .‬ولما بلغ رؤساء ثورة الصرب خبر معاهدة بوخارست‬
‫القاضية بإرجاعهم إلى سلطة الدولة العلية المطلقة بعد ما بذلوه من الموال والرواح‬
‫لعطائهم نوعا من السسستقلل الداري ‪ .‬ووعسسد قيصسسر روسسسيا بمسسساعدتهم ‪ ,‬لسسم يقبلسسوا‬
‫وآثروا الفناء في الدفاع عن استقللهم فسيرت الدولة إليهم الجيوش فأخضسسعتهم إلسسى‬
‫سلطانها قهرا‪ .‬وأعطيت تعليمات شديدة تقضي بمعاملة الصربيين بالرفق واللين كسسي‬
‫يحافظوا على ولء الدولة ‪ .‬وصارت الصرب مسسستقلة تقريبسسا واسسستبد زعيمهسسم ميلسسوش‬
‫كملك مطلق ل سلطة للوالي العثماني عليه ‪.‬‬
‫ثم قامت الحركة الوهابية في نجد في الجزيرة العربية ‪ .‬وقمعتها الدولسسة العثمانيسسة‬
‫باستخدام محمد علي باشسسا والسسي مصسسر وابنسسه ابراهيسسم باشسسا ومستشسساريه الفرنسسسيين‬
‫‪.‬والقصة مشهورة بما يغني عن تفصيلها هنا ‪.‬‬
‫وثارت اليونان وأيدتها الدول الوربية وروسسسيا ‪ .‬واسسستخدم العثمسانيون محمسسد علسسي‬
‫باشا لقمع الثورة وفتح بلد اليونان فنجسسح بسسذلك سسسنة ‪ . 1826‬وفسي يونيسسو مسسن السسسنة‬
‫التالية فتح العثمانيون مدينة أثينا وقلعتها الشهيرة اكروبول رغما عن دفاع عنها ‪.‬‬
‫تدخل الدول الوربية في شؤون الدولة العثمانية ‪:‬‬
‫وبينما كان ابراهيم باشا يستعد لفتح ما بقي من بلد اليونان في أيدي الثسسائرين ‪ .‬إذ‬
‫تدخلت الدول بين الباب العالي ومتبوعيه بحجة حماية اليونانيين في الظاهر ولفتسسح مسسا‬
‫دعوه بس )المسألة الشرقية( وتعني عمليسسا ) العسسداد لتقسسسيم بلد الدولسسة العثمانيسسة‬
‫بينهم ( ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 397 [ ‬‬

‫فقد عاتبت الدولة العثمانية روسيا أكثر من مرة على مساعدتها الثسسائرين وحمايسسة‬
‫من يلتجئ منهم إلى بلدها و استمرت روسيا على مساعدتهم طمعسسا فسسي نسسوال بغيتهسسا‬
‫الصلية وهي احتللها الستانة وجعلها مركزا للديانة الرثوذكسية على غرار مدينة روما‬
‫التي تعتبر مركزا للديانة الكاثوليكية ‪ .‬ثم استمرت المحادثات بين الدولتين مدة بسسدون‬
‫فائدة لرغبة روسيا وعدم قبول الباب العالي أي تدخل أجنبي في شؤونه الداخلية وفي‬
‫سنة ‪ 1825‬تولى نيقول الول فسساهتم بمسسسألة اليونسسان متبعسسا خطسسة سسسلفه السياسسسية ‪.‬‬
‫وباتحاده مع إنكلترا اضطر الباب العالي إلسى التصسديق علسى معاهسدة آق كرمسان سسنة‬
‫‪ . 1826‬وملخصسسها أن يكسسون لروسسسيا حسسق الملحسسة فسسي البحسسر السسسود والمسسرور مسسن‬
‫البوغازين بدون أن يكون للدولسسة حسسق فسسي تفسستيش سسسفنها وأن تنتخسسب حكسسام وليسستي‬
‫الفلق والبغدان بمعرفة العيان لمدة سبع سنوات مسسع عسسدم جسسواز عزلهمسسا إل بسسإقرار‬
‫روسيا ‪ .‬وأن تكون ولية الصرب مستقلة تقريبا ‪ .‬وأن ل تحتل العساكر التركية إل قلعة‬
‫بلغراد وثلث قلع أخرى‪ .‬ولم يذكر بهسسذه المعاهسسدة شسسيء عسسن اليونسسان ليجسساد سسسبب‬
‫للشكال في المستقبل بل اتفقت روسيا وإنكلترا على اسسستعمال كسسل نفوذهمسسا لوضسسع‬
‫حد للحروب المستمرة بهسسا ولسسو كسسره البسساب العسسالي ووافقتهمسسا دول النمسسسا وبروسسسيا‬
‫وفرنسا ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 398 [ ‬‬

‫واقعة ناورين ‪:‬‬


‫وفي ‪ 5‬فبراير سنة ‪ 1827‬عرضت إنكلترا رسميا على الدولة العثمانيسسة توسسسط‬
‫جميع الدول بينها وبين متبوعيها فلم تقبل ذلك بل أجابت سفير النكليسسز ‪ .‬بعسسد السستروي‬
‫والتأمل في عاقبة هذا التدخل ‪ ,‬أنها لم تسمح ولن تسمح به مطلقا ‪ .‬فاغتاظت السسدول‬
‫من هذا الجواب‪ .‬واتفقت كل من فرنسسسا وإنكلسسترا وروسسسيا علسسى إلسسزام البسساب العسسالي‬
‫بالقوة بمنح بلد اليونان استقللها الداري بشرط أن يدفع اليونانيون جزية معينة يتفسسق‬
‫على مقدارها فيما بعد ‪ ,‬كما يتفق علسسى حسسدود الفريقيسسن وأمهسسل البسساب العسسالي شسسهرا‬
‫ليقاف الحركات العدوانية ضد اليونان و إل فتضطر السسدول لتخسساذ طسسرق أخسسرى لنفسساذ‬
‫رغبتها ‪ .‬ولما بلغت صورة هذه المعاهدة إلى الباب العالي لم يحفسسل بهسسا وبعسسد انقضسساء‬
‫الشهر أصدرت الدولسسة الثلث أوامرهسسا إلسسى قسسواد أسسساطيلها التسسوجه لسسسواحل اليونسسان‬
‫وطلبت بعد ذلك من ابراهيم باشا الكف فسسورا عسسن القتسسال فقبسسل إيقسساف الحسسرب مسسدة‬
‫عشرين يوما ريثما تأتيه تعليمات جديدة ‪ ,‬واجتمعت سسسفن الثلث دول المتحالفسسة فسسي‬
‫ميناء ناورين لمنع السطول التركي والمصري مسسن الخسسروج منهسسا ‪ .‬وفسسي أكتسسوبر سسسنة‬
‫‪ 1827‬تكامل اجتماع سفن الدول المتحدة ‪ ,‬ولم تلبث السسسفن المقابلسسة لبعضسسها حسستى‬
‫انتشبت نيران الحسسرب بيسسن الفريقيسسن لسسسبب واه ‪ ,‬وسسسلطت جميسسع السسسفن الوروبيسسة‬
‫مدافعها على المراكب التركية والمصرية بعد أن استمر القتال عدة ساعات ‪ .‬و انتهسست‬
‫بانتصار الدول المتحدة ‪ .‬ولما وصل خبر هذه الحادثة السستي حصسسلت بسسدون إعلن حسسرب‬
‫كما هي العادة بين الدول إلى الباب العالي ‪ .‬أرسل بلغا إلى سفراء هذه الدول الثلثة‬
‫يقيم فيه الحجة ضد هذا العمل المخالف للقوانين الدولية ويطلسسب بسسه أن تمتنسسع السسدول‬
‫كلية عن التدخل في شؤون الممالك العثمانية وأن تدفع له تعويضا عن الخسسسائر السستي‬
‫نجمت من تدمير المراكب العثمانية ‪ .‬فلم يجاوب السفراء على هسسذا البلغ بسسل قطعسسوا‬
‫العلئق مع الباب العالي ونزلوا إلى مراكبهم مسسسرعين ‪ .‬و نشسسر السسسلطان فسسي جميسسع‬
‫الوليات منشورا عاما ) خط شريف ( يبين فيسسه سسسوء مقاصسسد السسدول عمومسسا وروسسسيا‬
‫خصوصا نحو الدولة العلية الدولة السلمية الوحيسسدة ‪ .‬مثبتسسا للهسسالي علسسى أن البسساعث‬
‫على هذا العدوان هو الدين ل السياسة ‪ .‬وختمه بحسسض المسسسلمين علسسى القتسسال دفاعسسا‬
‫عن الدين والملة والوطن ‪ .‬فاغتاظت روسيا لسسذلك وأعلنسست الحسسرب علسسى الدولسسة فسسي‬
‫ابريل سنة ‪. 1828‬‬
‫ثم تلقى ابراهيم باشا أوامر والده واتفق مع الدولة المتحدة فسسي أغسسسطس سسسنة‬
‫‪ 1828‬بناء علسسى الرجسسوع إلسسى مصسسر‪ .‬علسسى مسسا بقسسي مسسن السسسفن المصسسرية ‪ .‬و ابتسسدأ‬
‫انسحاب الجنود المصرية وكانت كلما أخلسست محل دخلسسه الفرنسسسيون السسذين نزلسسوا ببلد‬
‫اليونان‪ .‬وفي نوفمبر سنة ‪ 1828‬عقدت الدول الثلث مؤتمرا في مدينة لنسسدن لتقريسسر‬
‫أحوال اليونان ودعت إليه الدولة العثمانية فأبت إرسال منسسدوب مسسن طرفهسسا‪ .‬فسساجتمع‬
‫مندوبوها في اليوم المعين واتفقوا على استقلل موره وجزائر سكلده واجتماعها على‬
‫هيئة حكومة مستقلة يحكمها أمير مسيحي تنتخبه الدول ويكون تحت حمايتهسسا علسسى أن‬
‫تدفع الحكومة اليونانية للباب العالي جزية سسسنوية قسسدرها خمسسسمائة ألسسف قسسرش فلسسم‬
‫يقبل الباب العالي هذا القرار الصادر من دول غير مختصة فيما يقع بينه وبين متبسسوعيه‬
‫واشتغل بمحاربة روسيا التي أعلنت الحرب عليه بعسسد أن دمسسر أسسسطوله ‪ .‬وأخيسسرا فسسي‬
‫‪ 1830‬أعلن الباب العالي بتصديقه على الشروط المدونة في التفاق الذي امضي بين‬
‫الدولة في لندن في نوفمبر سنة ‪ 1828‬القاضي باستقلل اليونان‪.‬‬
‫الغاء طائفة النكشارية ‪ :‬زعم المؤرخ أنه لما تحقق السلطان محمود أفضسسلية‬
‫النظم العسكرية المسسستعملة فسسي جيسسوش أوروبسسا ‪ .‬وسسسمع بمسسا أتتسسه الجنسسود المصسسرية‬
‫المنتظمة من العمال الباهرة في محاربسسة مسسوره ‪ .‬وعلسسم أن انتصسسارات ابراهيسسم باشسسا‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 399 [ ‬‬

‫على اليونانيين لم تكن إل نتيجة النظام العسكري‪ .‬زاد تعلقه بإصلح النظم العسكرية ‪.‬‬
‫وأراد إتمام المشروع الذي لم يمكن السلطان سليم الثالث إتمامه فجمسسع جميسسع ذوات‬
‫واعيان المملكة وكبار ضباط النكشارية في بيت المفتي فسسي أوائل سسسنة ‪ .1826‬وتل‬
‫عليهم مشروعا محتويا على ستة وأربعين بندا ذكر بهسسا بكسسل إيضسساح كيفيسسة التنظيمسسات‬
‫المراد إدخالها وبعد إقرار الجمعية عليه حرر بذلك محضرا ختمه جميع الحاضرين حسستى‬
‫ضباط النكشارية وأفتى المفتي بجواز العمل بها شرعا ومعاقبة من يعارض في نفاذها‬
‫‪ .‬ثم تل المشروع على جميع ضباط النكشارية فأقروا عليه لكن لم تكسسن مسسوافقتهم إل‬
‫ظاهرية فقط فانه لما ابتدئ في تعليم الضباط بمعرفة مسسن تعيسسن مسسن ضسسباط الفرنسسج‬
‫بصفة معلمين تنبه النكشارية و اخذوا يستعدون للثورة والعصيان ليوقفسوا تنفيسذه كمسا‬
‫فعلوا قبل‪ ..‬ولم يمض قليل حتى تم حسسل النكشسسارية ومطسساردتهم و إبسسادة مسسن عسسارض‬
‫منهم ‪.‬‬
‫ثم سار السلطان في خطة الصلحات الداخلية بنسساء علسسى الفتسسوى الشسسرعية !! ‪,‬‬
‫وقد ذكر ) المؤرخ الذي اعتمدنا مصدره آنف الذكر ( ممتدحا أعمال السسسلطان فقسسال ‪:‬‬
‫)‪ ...‬ومن جهسة أخسرى اخسذ فسي تغيسر العسوائد القديمسة واتبساع المستحسسن مسن عسوائد‬
‫أوروبا ‪ .‬فاستبدل العمامة بالطربوش الروني ‪ ,‬وأمر بالزي الوروبي ‪ ,‬وأمر بسسأن يكسسون‬
‫هو السزي الرسسمي فسي العسسكرية والمدنيسة ‪ ,‬وأسسس وسساما دعساه وسسام الفتخسار‪,‬‬
‫وأخيرا تجول بذاته في ممالك أوروبا ليستطلع أحوالهسسا ويقسسف علسسى حقسسائق المسسور ‪...‬‬
‫وبالختصار فانه سار سير من يردي مجاراة أوروبا في نظاماتهسسا وعسسدم الوقسسوف حسسال‬
‫تقسسدم السسدول الخسسرى بسسسرعة لعلمسسه أن الوقسسوف فسسي مثسسل هسسذه الظسسروف هسسو عيسسن‬
‫التأخر‪ (..‬كما زعم من لعب بعقله من الضباط الذين تفشت فيهم الماسونية والفتتان‬
‫بالغرب ‪ .‬وزيادة علسسى ذلسسك أحيسسا مسسا أقسسامه السسسلطان مصسسطفى الثسسالث مسسن مسسدارس‬
‫الطوبجيسسة وانشسسأ مدرسسسة حربيسسة لتخريسسج الضسسباط علسسى مثسسال مدرسسسة سسسان سسسير‬
‫الفرنساوية التي أسسها نسسابليون الول بفرنسسسا لتربيسسة أولد الضسسباط والشسسراف علسسى‬
‫النظم العسكرية الغربية‪.‬‬
‫احتلل فرنسا لجزائر الغرب ‪ :‬وفي أواسط سنة ‪ 1830‬نفذت فرنسا مسسا‬
‫كانت تنويه من مدة ضد ولية الجزائر بدعوى منع تعدي قراصنة البحر المسلمين علسسى‬
‫مراكبها التجارية ‪ .‬وكانت الحقيقة رغبتها في أن يكون لها مركز حربي بشسسمال إفريقيسسا‬
‫حتى ل تكون إنكلترا صاحبة السيادة بمفردها علسسى البحسسر البيسسض المتوسسسط باحتللهسسا‬
‫معاقل جبل طارق وجزيرة مالطة واتخذت لذلك سبيل وقوع الخلف بينها وبيسسن عامسسل‬
‫الدولة العلية عليها ‪ .‬وقررت فرنسا في مجلس الوزراء المنعقسسد تحسست رئاسسسة الملسسك‬
‫نفسه في ‪ 7‬فبراير سنة ‪ 1830‬وجوب الستيلء على هذا القليم ‪ .‬ثم أرسلت للجسسزائر‬
‫جيشا مؤلفا من نحو ثمانية وعشرين ألف مقاتل وأسطول بحريا مؤلفا من مائة سفينة‬
‫وثلثة سفن تحمل سبعة وعشرين ألف جندي بحري‪ .‬ولما علمت إنكلترا بذلك خشسسيت‬
‫على نفوذها من مشاركة فرنسا واحتجت ضسد هسذا المشسروع ولمسا لسم يفسد احتجاجهسا‬
‫شيئا ‪.‬‬
‫وفي ‪ 20‬ذي الحجة سنة ‪ 12 /1245‬يونيو ‪ 1830‬نزلت عساكر فرنسا بالقرب من‬
‫مدينسسة الجسسزائر و نشسسب القتسسال بيسسن الفريقيسسن فسي يونيسسو وبعسسد محاربسسة شسسديدة فسساز‬
‫الفرنساويون بالغلبة ‪ .‬ودخلت الجيوش مدينة الجزائر نفسها ‪ .‬وأعلنت فرنسا امتلكهسسا‬
‫لها وبعد ذلك أخذت ترسل الجيوش تباعا إلى الجزائر لفتحها‪.‬‬
‫وخلل هذه الفترة تمسسرد محمسد علسي باشسا فسي مصسسر وزحسف علسى الشسسام وأدت‬
‫وساطات ومداولت إلى تدخل الدول الجنبية وإعطسسائه وليسسة مصسسر وراثيسسة فسسي أبنسسائه‬
‫بدعم من فرنسا في القصة المشهورة تاريخيا ‪..‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 400 [ ‬‬

‫ثم توفي السلطان محمود الثاني في يوليو سنة ‪ 1839‬وكانت مسسدة خلفتسسه إحسسدى‬
‫وثلثين سنة وعشرة شهور وتولى بعده ابنه عبد المجيد ‪.‬‬

‫‪ - ( 31( ‬السلطان الغازي عبد المجيد خان ( ‪1861 -1839‬م( ‪:‬‬


‫تولى الخلفة ولسسم يبلسسغ الثامنسسة عشسسرة مسسن عمسسره ‪ .‬وكسسانت الحكومسسة فسسي غايسسة‬
‫الضطراب بسبب انتصار جيوش محمد علي باشا والي مصر على جيوش العثمسسانيين ‪,‬‬
‫واحتلل جيوشه لمدائن عين تاب وقيصرية وملطية ‪ .‬ومما زاد أحوال الدولة ارتباكا أن‬
‫احمد باشا القبطان العام للسطول التركي خرج بجميع مراكبه الحربية واتسسى بهسسا إلسسى‬
‫ثغر السكندرية وسلمها إلسسى محمسسد علسسي باشسسا‪ .‬و لمسسا علسسم قناصسسل السسدول بالسسستانة‬
‫بتسليم السطول إلى محمد علي باشا خشوا زحف ابراهيم باشسسا علسسى القسسسطنطينية‬
‫أرسلوا إلى الباب العالي لئحة سنة ‪ 1839‬ممضاة من سفراء فرنسا وإنكلترا وروسيا‬
‫والنمسا وبروسيا يطلبون منه أن ل يقر شيئا في أمر المسألة المصسسرية إل بسسإطلعهم‪.‬‬
‫وأنهم مستعدون للتوسط بينه وبين محمد علي باشا لحل هذه المسألة المهمة ‪ .‬فقبسسل‬
‫الباب العالي هذه اللئحة واجتمع السسسفراء عنسسد الصسسدر العظسسم وتسسداولوا فيمسسا يجسسب‬
‫إعطاؤه لمحمد علي باشا ‪.‬وحصلت مداولت كثيرة ‪ ,‬ولم تقبسسل روسسسيا تخويسسل مسسؤتمر‬
‫دولي حق تحديد علقاتها مع الباب العالي بل أعلنت أنها مصرة على التمسك بنصسسوص‬
‫معاهدة )خونكار اسكله سي( وهي حماية الدولة بعسسساكرها ومراكبهسسا وبالتسسالي احتلل‬
‫معظم أملكها بدون حرب لو تعدى ابراهيم باشا حدود الشام ‪ .‬فعنسسد ذلسسك طلبسست كسسل‬
‫من فرنسا وإنكلترا من الباب العالي التصسسريح لمراكبهسسا بسسالمرور مسسن بوغسساز السسدردنيل‬
‫لحمايته عند الضرورة من روسيا ومن العسسساكر المصسسرية ‪ ,‬ولمسسا علسسم بسساقي السسسفراء‬
‫بهذا الطلب اضطربوا وخشوا حصول شقاق بين الدول المتوسطة وأعلن سفير روسيا‬
‫بأنه إذا دخلت المراكب الفرنسية والنكليزية البوغاز فسسسيقطع علقسساته السياسسسية مسسع‬
‫الباب العالي ويسافر في الحال وكانت حكومته قسسد أرسسسلت لسسه مركبسسا حربيسسا ليسسسافر‬
‫عليه إذا اقتضى الحال ذلك ‪ .‬وكتبت النمسا إلى لندن وباريس بسسأن طلبهمسسا هسسذا مخسسل‬
‫بسلم أوروبا وأنهما لو أصرا عليه فستخرج من التحالف وتحفظ لنفسها حرية العمسسل ‪.‬‬
‫فلما علم الباب العالي بذلك خاف من تفاقم الخطسسب ورفسسض طلسسب حكومسستي فرنسسسا‬
‫وإنكلترا وطلب منهما إبعاد مراكبهم عن مدخل البوغاز ‪ .‬فلهذه السباب ولعدم التفاق‬
‫بين وزراء السسدول تسسوقفت المحادثسسات إلسسى سسسبتمبر سسسنة ‪ . 1839‬حسستى عسسرض سسسفير‬
‫إنكلترا على الباب العالي أن دولته مستعدة لكراه محمد علسسي باشسسا علسسى رد السسسفن‬
‫التركية بشرط أن يكون لها حق إدخال مراكبها في خليج إسسسلمبول لصسسد روسسسيا عنسسد‬
‫الضرورة ‪ .‬فلما علمت بذلك حكومة فرنسا أرسلت إلى قائد أسطولها في ميسساه تركيسسا‬
‫أمرا في ديسمبر سنة ‪ 1839‬أنه ل يشترك مع مراكب إنكلسسترا فسسي أي حركسسة عدوانيسسة‬
‫ضد حكومة محمد علي باشسسا ) وهنسساك أدلسسة تاريخيسسة كسسثيرة علسسى عمالسسة محمسسد علسسي‬
‫لفرنسا ضد العثمانيين ‪ ,‬وتولي كثير من النصارى والمفتونين بفرنسا مناصب عنسسده ( ‪.‬‬
‫فعلم الكل أنه ل بد من حصول خلف بين فرنسا وإنكلترا بخصوص المسألة المصرية ‪.‬‬
‫وأخذت الدول حذرها مما عساه يحصسسل مسسن المسسور السستي تنشسسأ بسسسبب هسسذا الخلف ‪.‬‬
‫فأعلنت النمسا بأنها ل ترغب التداخل لعدم نجاح طلبها المختص بانعقساد مسسؤتمر دولسي‬
‫في فيينا أو برلين وأعلنت بروسيا وروسيا بأنهما يقبلن كل ما تقسسرره السسدول فسسي هسسذا‬
‫الشأن بشرط أن يكون موافقا لرغبة الباب العالي وان يكون قبوله لهذا القرار صسسادرا‬
‫عن كمال الحرية ‪ .‬فكأن الدول قبلت ما اتفقت عليه فرنسا وإنكلترا بالتحاد مع البسساب‬
‫العالي ولكن لم يتم التفاق بين هاتين الدولتين لسسسعي إنكلسسترا فسسي إرجسساع المصسسريين‬
‫إلى حدودهم الصلية وعدم قبول فرنسا ذلك ورغبتها في مساعدة محمد علسسي باشسسا ‪.‬‬
‫وذلك أن فرنسا كانت تسسود أن تكسسون وليتسسا مصسسر والشسام لسه ولسسذريته وإقليمسسا أدنسسه و‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 401 [ ‬‬

‫طرسوس له مدة حياته وأما إنكلترا فكانت ل تريد أن يعطى إل ولية مصر لكسسن رغبسسة‬
‫في إرضاء فرنسا قبلت أن يعطى مدة حياته نصسسف بلد الشسسام الجنسسوبي بشسسرط أن ل‬
‫تكون مدينة عكا من هذا النصف فرفضت فرنسا هذا القتراح دعما لعميلها محمد علي‬
‫باشا ‪.‬‬
‫وفي تاريخ ‪ 15‬يوليو سنة ‪ 1840‬اتفقت الدول على معاهسسدة صسسدق عليهسسا منسسدوب‬
‫الدولة العلية مقتضاها ‪:‬‬
‫* أول ‪:‬أن يلزم محمد علي باشا بإرجاع مسسا فتحسسه للدولسسة العليسسة ويحفسسظ لنفسسسه‬
‫الجزء الجنوبي من الشام مع عدم دخول مدينة عكا في هذا القسم ‪.‬‬
‫* ثانيا ‪:‬أن يكون لنكلترا الحق بالتفاق مع النمسا في محاصرة الشام ومساعدة‬
‫كل من أراد من سكان بلد الشام خلع طاعة المصريين والرجوع إلى الدولة العثمانية‪.‬‬
‫* ثالثا ‪:‬أن يكون لمراكب روسيا والنمسا وإنكلترا معا حق الدخول في البوسسسفور‬
‫لوقاية القسطنطينية لو تقدمت الجيوش المصرية نحوها‪.‬‬
‫* رابعا ‪ :‬أن ل يكسسون لحسسد الحسسق فسسي السسدخول فسسي ميسساه البوسسسفور مسسا دامسست‬
‫القسطنطينية غير مهددة ‪.‬‬
‫* خامسا ‪ :‬يجب على الدول التي وقع مندوبوها على هذا التفاق أن تصدق عليسه‬
‫في مدة ل تزيد عن شهرين بحيث يكون التصديق في مدينة لندن‪.‬‬
‫وشفعت هذه المعاهدة بملحق مصدق عليه من منسدوب الدولسة العليسة مسبين فيسه‬
‫الحقوق و المتيازات التي يمكن منحها لمحمد علي باشا ‪.‬‬
‫وقبل إمضاء هسذه المعاهسسدة ابتسدأت إنكلسسترا فسي تحريسض سسكان لبنسان مسن دروز‬
‫ومارونية و نصيرية على شق عصا الطاعة ‪.‬‬
‫ثم عادت الدول للختلف وكادت تقوم الحرب مسسع محمسسد علسسي باشسسا ‪ .‬ثسسم أرسسسل‬
‫قناصل الدول الربع المتحدة لمحمد علي ) خلفا لفرنسا الداعمة له( ‪ ,‬وعرضسسوا عليسسه‬
‫باسم دولهم أن تكون ولية مصر له ولورثته وولية عكا له مدة حيسساته وأمهلسسوه عشسسرة‬
‫أيام لعطاء جوابه فطلب منهم كتابة بذلك فلبوا طلبه ثم في اليوم التسسالي افهمسسوه أن‬
‫فرنسا ل يمكنها مساعدته قط وان الدول مصممة على تنفيذ ما اتفقت عليسسه ولسسو أدى‬
‫ذلك إلى حرب أوروبيسسة لكنسسه أصسسر علسسى عسسدم القبسسول والسسدفاع عسسن حقسسه ‪ .‬وفسسي ‪24‬‬
‫أغسطس ‪ 1840‬حضر إليه القناصل ومعهم مندوب الدولة واخبروه بأنه ل حق له الن‬
‫فسسي وليسسة عكسسا ‪ .‬وأن السسدول ل تسسسمح لسسه إل بوليسسة مصسسر فقسسط لسه ولسسذريته فغضسسب‬
‫وطردهم من عنده ‪ .‬فانصرفوا وأعطوه عشسسرة أيسسام أخسسر لبسسداء جسسوابه بحيسسث إن لسسم‬
‫يجاوب تكون الدول غير مسؤولة عما يحصل له من الضرر‪ .‬وبعسسد انقضسساء هسسذه المسسدة‬
‫بدون أن يبدي لهم جوابه كتب القناصل بذلك إلى سسسفراء السسدول باسسستانبول فسساجتمعوا‬
‫مع الصدر العظم وقرروا باتحادهم اخذ مصر والشسسام مسسن محمسسد علسسي باشسسا ‪ .‬وفسسي‬
‫أثناء هذه المدة عجزت فرنسسسا عسسن مسسساعدة محمسسد علسسي باشسسا ‪ ,‬وأرسسسلت أوامرهسسا‬
‫لسفنها أول بالنسحاب إلى مياه اليونان ثم بالعودة إلى فرنسا وتركت مصسسر والشسسام‬
‫لمراكب إنكلترا تحرق موانئها بمقذوفاتها‪.‬‬
‫وفي ‪ 11‬سبتمبر أنزلت العساكر إلى البر في نقطسسة تبعسسد نحسسو سسستة أميسسال فسسي‬
‫شمال بيروت ولم يتمكن ابراهيم باشسا مسن منعهسم لوجسسود هسسذه النقطسسة تحسست حمايسسة‬
‫المدافع النكليزية ‪ .‬ثم جاء سليمان باشا بلغ مسسن الميراليسسن النكليسسزي والنمسسساوي‬
‫بان يخلي مدينة بيروت حال فطلب منهم مسافة أربع وعشرين ساعة كسسي يتسسداول مسسع‬
‫ابراهيم باشا فلم يقبل طلبه ‪ ,‬و ابتدؤوا في إطلق المدافع على المدينة لمسسدة يسسومين‪,‬‬
‫حتى هدم أو حرق اغلب المدينة ‪ ,‬كما أحرقت كذلك الثغور الشامية قصسسد استخلصسسها‬
‫من محمد علي باشا وإرجاعها إلى الدولة العثمانية‪...‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 402 [ ‬‬

‫وفي أثناء هذه المدة عرض الكومودور نابير على محمسسد علسسي باشسسا أن الحكومسسة‬
‫النكليزية تسعى لدى الباب العالي في إعطاء مصر له ولسسورثته لسسو تنسسازل عسسن الشسسام‬
‫ورد السفن التركية إلى الدولة العلية فامتثل لهسسذا المسسر وقبسسل هسسذه الشسسروط لحفسسظ‬
‫مصر لذريته وتم بينهما التفاق في نوفمبر سنة ‪ . 1840‬ولم يقبسسل البسساب العسسالي هسسذا‬
‫التفاق إل بعد تردد وإحجام ‪.‬‬
‫مســألة لبنــان ‪ :‬و بمجسسرد إخلء الجيسسوش المصسسرية لبلد الشسسام وجبسسال لبنسسان‬
‫تحركت في سكانها الدوافع الدينية القديمة الكامنة ‪ ,‬وزادت الدسائس الجنبية لضرام‬
‫نار الشقاق وبذر الفتن الداخليسة توصسل لغايساتهم ‪ .‬وكسانت فرنسسا مسساعدة للمارونيسة‬
‫الكاثوليك‪ ,‬وإنكلترا معضدة للدروز ضدهم لتلجئهم لترك المسسذهب الكسساثوليكي واعتنسساق‬
‫المذهب البروتستانتي ‪ ,‬فيدخلوا بسسذل تحسست حمايتهسسا الفعليسسة ‪ .‬ول يعسسود لفرنسسسا حجسسة‬
‫حمايتهم لسبب مذهبي ‪ .‬وظن كل فريق من هؤلء التعساء أن الدولة التي تغسسرره تسسود‬
‫صلح حاله وترقيه ‪ ,‬ولم ينتبهوا لدخائل هذه السياسسسة الخبيثسسة السستي ل يتسسأخر أصسسحابها‬
‫عن إهراق دماء البرياء توصل لمآربهم ‪ .‬وبهذه الدسائس ساد الهياج في جميع أنحسساء‬
‫لبنان وظهر ما تكنه صدور سكانه من الحقسساد القوميسسة والدينيسسة ‪ ,‬حسستى تعسسدى السسدروز‬
‫على المارونية في سنة ‪ , 1841‬ودخلوا دير القمر وارتكبوا فيه ما تقشعر منه البسسدان‬
‫من النهب والسلب‪ ..‬ثم قام الدروز ثانية في سنة ‪ ,1845‬وقتلوا المسسسيحيين وحرقسسوا‬
‫جثثهم ثم أضرموا النار في الدير بعد أن نهبوا كل ما به من المنقولت والمتعة‪ .‬بدون‬
‫أن يحصل أقل أذى للمبشرين البروتستانت من المريكان والنكليــز !! المسسر‬
‫الذي يدل دللة واضحة على أن هذه المذابح لم تخل من تأثيرهم ‪.‬‬
‫وبسبب هذه الضطرابات المتعاقبة لم ير الباب العالي بدا من التسسدخل فسسي إدارة‬
‫الجبل لمنع هذه الفتن ‪ .‬فعزل المير بشير الشهابي بعد خروج العساكر المصسسرية مسسن‬
‫الشام ‪ .‬وعين مكانه واليا عثمانيا ‪ ,‬وأبطل بذلك جميع امتيازات سكان الجبل الممنوحة‬
‫لهم قديما ‪ .‬فلم تقبل الدول الجنبية التي صار تدخلها مألوفا ‪..‬وجربت الدولة العثمانية‬
‫حلول عدة كانت فسي كسل مسسرة ترضسي هسذا فتغضسب ذاك ‪ ,‬وزاد تسدخل السسدول الزمسسة‬
‫تعقيدا ‪ ..‬وحصلت مذبحة سنة ‪ 1845‬بين الطوائف ‪ ,‬فأرسلت الدولة جيوشها واحتلسست‬
‫البلد سهل وجبل بصفة عسكرية وأجرت فيها الحكام العرفية ثم دارت المحادثات بيسسن‬
‫الدول العظمى والباب العالي لتقرير ما يضمن السلم في الحال والستقبال فاجتمعت‬
‫آراؤهم أخيرا بعد مداولت طويلسسة واخسسذ ورد واتفسسق علسسى حسسل وسسسط ‪ .‬وبسسذا انتهسست‬
‫مسألة لبنان مؤقتا ‪.‬وبما أن الدروز لم يقبلوا هذه التسوية إل مؤملين نوال زيسسادة عمسسا‬
‫فيها طبقا لوساوس مندوب إنكلترا لهم بأنها ستمنحهم مع الوقت السيادة علسسى جميسسع‬
‫الشعوب الساكنة بلبنان ‪ .‬واستمرت الفتن جاريسسة مجراهسسا حسستى حصسسلت مذبحسسة سسسنة‬
‫‪ 1860‬وتدخلت فرنسا عسكريا لحماية المارونيسسة ‪ .‬وانسسحبت ثانيسا بعسسد توطيسد المسن‬
‫وحفظ حقوق الموارنة ‪.‬‬
‫حرب القرم و أسبابها ‪:‬‬
‫كانت المنافسسسات دائمسسة بيسن قساوسسسة الرثسسوذكس والكاثوليسسك بشسسأن التملسسك أو‬
‫إقامة شعائر دينهم في الكنائس المعتبرة عندهم فسسي مدينسسة القسسدس ‪ .‬وكسسانت فرنسسسا‬
‫الحائزة بمقتضى عدة معاهدات قديمة تدعم الكاثوليك ‪ .‬وكانت روسيا تسعى من جهسسة‬
‫أخرى لتجريد الكاثوليك من هذا المتيازات لعطائها للرثوذكس لتتمكن بواسطتهم من‬
‫بث سياستها ونشر نفوذها بين رعايا الدولة العثمانية المتمسكين بهذا المذهب‪ ,‬والبسسالغ‬
‫عددهم زيادة عن عشرة مليين نسمة ‪ .‬ثم لما عين نابليون الثسسالث رئيسسسا للجمهوريسسة‬
‫الفرنسسسية الثانيسسة باسسسم السسبرنس لسسويس نسسابليون ‪ ,‬فات َسسح الدولسسة العثمانيسسة فسسي هسسذه‬
‫المسألة ‪ ,‬فعين الباب العالي لجنة مشكلة من عدة أعضسساء مختلفسسي المسسذهب لفصسسلها‬
‫بمقتضى المعاهدات القديمسة ‪ .‬فقسررت اللجنسسة بعسد عسسدة اجتماعسات متواليسة الولويسسة‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 403 [ ‬‬

‫للكاثوليك في امتلك عدة كنائس وأديرة ‪ ,‬فعارضت روسسسيا فسسي نفسساذ هسسذه التفاقيسسة ‪,‬‬
‫وهددت الباب العالي بالحرب لو أمر بنفاذها ‪.‬‬
‫وفي أثناء ذلك عمل القيصر نيقول على سبر أفكار السير هسساملتون سسسيمور سسسفير‬
‫إنكلترا لدى حكومته مظهرا له ضرورة اتحاد دولتي روسيا وإنكلترا معسسا علسسى إضسسعاف‬
‫نفوذ فرنسا في الشرق وأخذ الحتياطيات ‪ ,‬لتجزئة بلد الدولة العثمانية حيث صار مسسن‬
‫المسسستحيل شسسفاء هسسذا )الرجسسل المريسسض ( كمسسا صسسارت تسسدعى الدولسسة العثمانيسسة فسسي‬
‫المحافل الدولية آنذاك على حد زعمهم‪ .‬وعرضسست روسسسيا أن تتسسساهل مسسع إنكلسسترا لسسو‬
‫ساعدتها على نفاذ مشروعها في إعطائها القطر المصري وجزيرة كريسست ‪ .‬فلسسم يجبسسه‬
‫السفير النكليزي جوابسسا شسسافيا ‪ ,‬بسسل أجسساب القيصسسر أن الولسسى معالجسسة هسسذا المريسسض‬
‫وتعهده بالعناية حتى ينقه من مرضه ‪ ,‬لنه لو مات فستحصل حروب أوربية تهسسدر فيهسسا‬
‫الدماء انهارا عند تقسيم تركته ‪ .‬ولم يكن ذلك من الدولة النكليزية حبا بتقويسسة الدولسسة‬
‫العثمانية أو شغفا ببقائها ‪ ,‬بل خوفا من امتداد روسسسيا فسسي الشسسرق واحتللهسسا السسستانة‬
‫فتشارك عندها إنكلترا في ملك البحر الذي انفردت هي به ‪.‬‬
‫‪ .‬ولما رأى إمبراطور روسيا عدم إصغاء إنكلترا لطلباته فاتح سفير فرنسا في أمسسر‬
‫التساهل معها على تقرير المسسور فسسي بلد فلسسسطين طبسسق مرادهسسا ‪ ,‬وعسسرض عليسسه أن‬
‫تتساهل روسيا أيضا مسسع فرنسسسا فسسي مقابلسسة ذلسسك بسسل وتسسساعدها علسسى امتلك القطسسر‬
‫التونسي لتقوية نفوذها في بلد الغرب ! ومراقبة إجراءات إنكلترا في جزيرة مالطسسة ‪.‬‬
‫لكنه لم يجد من السفير الفرنساوي أيضا أذنا صاغية ‪.‬‬
‫فتحقق للعموم من ذلك أن قصسسد روسسسيا الوحيسسد هسسو إعلن الحسسرب علسسى الدولسسة‬
‫العثمانية ‪ .‬وتقسيم ممالكها ولذلك أرسلت فرنسا سفنها البحرية إلى مياه اليونان سنة‬
‫‪ 1853‬واستعدادا للحوادث التي لم تكن فسسي الحسسسبان ‪ .‬أمسسا إنكلسسترا فسسأذنت لمراكبهسسا‬
‫بالتربص في مالطسسة لحيسسن صسسدور أوامسسر جديسسدة لهسسا ‪ .‬وفسسي أثنسساء ذلسسك كسسان السسبرنس‬
‫منشسسيكوف يبسسذل جهسسده لسسدى البسساب العسسالي للحصسسول علسسى تجديسسد شسسروط معاهسسدة‬
‫)خونكاراسكله سي ( القاضية بان يكون لروسيا حمايسسة جميسسع المسسسيحيين الموجسسودين‬
‫ببلد الدولة ‪ .‬وكان الباب العالي يماطله فسسي الجابسسة ‪ .‬ثسسم أرسسسل للبسساب العسسالي بلغسسا‬
‫نهائيا و قطع السفير الروسي العلقات مع البسساب العسسالي وبسسارح السسستانة علسسى إحسسدى‬
‫مراكب روسيا ‪.‬‬
‫ولما أبلغت الدولة صورة هذا البلغ إلى إنكلترا تحققت من سوء نية روسيا نحو‬
‫الدولة العثمانية ‪ ,‬فانضمت إلسسى فرنسسسا وأرسسسلت إلسسى سسسفنها بمالطسسة أن تنضسسم إلسسى‬
‫السفن الفرنسية وتتحد معها في كافة أعمالها ‪ .‬ومن ثم ظهر لجميع أوروبسا أن فرنسسا‬
‫وإنكلترا متحدتان على حماية الممالك العثمانية ضد أطماع روسيا ‪ .‬ثم أصسسدرت هاتسسان‬
‫السسدولتان أوامرهسسا إلسسى مراكبهسسا سسسنة ‪1853‬بسسالقتراب مسسن بوغسساز السسدردنيل لمسسد يسسد‬
‫المساعدة للدولة العثمانية إذا اقتضى الحال ‪.‬‬
‫واجتازت عساكر روسيا نهر البروث الفاصل بين أملك الدولتين في يوليسسو سسسنة‬
‫‪ 1853‬واحتلت الوليتين فعل إذ لسسم يخطسسر ببسسال روسسسيا أن السسدول الغربيسسة تتسسألب مسسع‬
‫الدولة العثمانية على محاربتها لحماية الدولة ‪.‬‬
‫واهتم مندوبو بروسيا والنمسا بالتحاد مع مندوبي فرنسا وإنكلترا في التوفيق بيسسن‬
‫الخصمين وإصلح ذات بينهما منعا لسسسفك السسدماء واشسستعال نيسسران الحسسرب السستي ربمسسا‬
‫عمت أوروبا بأسرها ‪ .‬و انفض المؤتمر بدون جدوى‪ .‬ثم اجتاز عمر باشسسا النهسسر فسسي ‪3‬‬
‫نوفمبر ‪ . 1853‬وبعد موقعة عظيمة هائلة انتصرت الجيسسوش العثمانيسسة علسسى الجيسسوش‬
‫الروسية وأخرجتها من معاقلها الكائنة على ضفة النهر اليسرى قهرا ‪ .‬وفاز عمسسر باشسسا‬
‫وجيوشه فوزا مبينسسا أدهسسش جميسسع العسسالم لعسسدم توقسسع انهسسزام روسسسيا ‪ .‬وعنسسدما شسساهد‬
‫المبراطور نيقول هذا الحال اجتمع مع فرنسوا جوزيف إمبراطور النمسا وفاوضسسه فسسي‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 404 [ ‬‬

‫خوفه من نجسسدة السسدول الغربيسسة فرنسسسا وإنكلسسترا للدولسسة العثمانيسسة وسسسأله المسسساعدة‬
‫والتحالف فلم يقبل المبراطور ذلك واظهر له شديد أسفه ‪.‬‬
‫وفي هذه الثناء تقدمت السفن الفرنسية والنكليزية إلسسى بوغسساز البوسسسفور برضسسا‬
‫الباب العالي لتكون اقرب إلى البحر السود وإلسسى حمايسسة السسستانة لسسو حسساول السسروس‬
‫الهجوم عليها بحرا ‪.‬‬
‫وفي نوفمبر سنة ‪ 1853‬فاجأت السفن الروسية السسسفن التركيسسة الموجسسودة فسسي‬
‫ميناء سينوب على البحر السود ودمرتها عن آخرها تقريبا مع أنها كانت تعهدت لدولتي‬
‫فرنسا وإنكلترا بعدم إتيان أي أمر عدواني في البحر السود‪ .‬ومن ذلك الحيسن صسارت‬
‫الحرب بين هذه السسدول وروسسسيا أمسسرا واقعسسا ل محالسسة ‪ ,‬لحمايسسة الدولسسة العثمانيسسة مسسن‬
‫عدوان روسيا وأطماعها‪ .‬ل حبا في الدولة العثمانية ‪ ,‬بل خوفا من امتداد نفسسوذ روسسسيا‬
‫وبسط يدها على الستانة كما أسلفنا ‪.‬‬
‫وفي مارس سنة ‪ 1854‬أمضي بين فرنسسسا وإنكلسسترا والدولسسة العليسسة فسسي مدينسسة‬
‫الستانة اتفاق على محاربة روسيا وحماية الدولة العثمانية ‪ .‬و أرسسسل نسسابليون الثسسالث‬
‫رسالة إلى مجلس النواب يخبره بإعلن الحرب على روسيا بالتحاد مع إنكلترا ‪.‬‬
‫وبعد ذلك أخذت الدولتان المتحالفتان في جمع الجيوش وما يلسسزم لهسسا مسسن المسسؤن‬
‫والذخائر والسفن اللزمة لنقلها ‪ .‬وقبل وصول الجيوش البرية كان القتال قد ابتدأ فعل‬
‫في البحر السود‪ .‬وفي أثناء ذلك أعلن المبراطور نقول الحرب على السسدول المعاديسسة‬
‫له ثم زحف الحلفاء بجيوشسسهم ‪ .‬ولمسسا انسسسحب الجيسسش الروسسسي عسسن وليسستي الفلق‬
‫والبغدان ‪.‬احتلها الجيش النمساوي !‬
‫ولم تعترض روسيا ضد هذا الحتلل خوفا من إغضاب النمسا ودخولها في التحالف‬
‫المنعقد ضدها لتفضيلها وجود جيوش النمسا فيهما علسسى وجسسود التسسراك أو الفرنسسسيين‬
‫لعدم ميل النمسا للحرب ‪ .‬ثم أرسلت فرنسا وإنكلترا سفنها إلى بحر البلطيق والبحر‬
‫البيض الشمالي‪ .‬والمحيط الهادي لضرب الثغسسور الروسسسية ‪ .‬وفسسي أواخسسر هسسذه السسسنة‬
‫دارت التصالت ثانيا في مدينة فيينا للوصول إلى الصلح وإيقاف أضسسرار الحسسرب قبسسل‬
‫اشتدادها ‪ .‬وذلك أن فرنسا وإنكلترا عرضتا على النمسا أن تتحد معهما ضد روسسسيا إن‬
‫لم تقبل روسيا الصلح قبل ختام السنة وتتعهد للدول الربع بطلباتها وهي‪:‬‬
‫أول ‪ :‬عدم استئثار روسيا بحماية مسيحي الدولة العثمانيسسة وحمايسسة وليسستي الفلق‬
‫والبغدان ‪.‬‬
‫ثانيا ‪:‬حرية الملحة لجميع الدول في نهر الطونه ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬تعديل المعاهدات المختصة بالمرور فسي ضسائق السسستانة وخصوصسسا معاهسسدة‬
‫سنة ‪. 1841‬‬
‫رابعا ‪ :‬وضع قاعدة جديدة لتوازن القوى في البحر السسسود فتكسسون هسسذه المعاهسسدة‬
‫الثلثية الجديدة نافذة المفعول ‪.‬‬
‫ثم فسي ‪ 28‬ديسسمبر اجتمسع سسفراء إنكلسترا وفرنسسا وروسسيا والنمسسا عنسد وزيسر‬
‫خارجية فيينا وقرروا إعطاءه المهلة المطلوبة وبذلك انتهت هذه السنة والمال متجهة‬
‫نحو الوصول إلى صسسلح ‪ .‬ثسسم هسساجم السسروس العثمسسانيين ومسسن كسسان معهسسم مسسن الجنسسود‬
‫المصرية ‪ .‬في مدينة اوباثويا ‪ ,‬فردهم عمر باشا القائد العثمساني علسسى أعقسسابهم و كسان‬
‫النصر بمجرد فضل الجيوش السلمية‪ .‬و في مارس تسسوفي إمسسبراطور روسسسيا وخلفسسه‬
‫ابنه اسكندر الثاني‪.‬‬
‫وفي يناير سنة ‪ 1855‬أمضى فكتسسور عمانويسسل ملسسك البيمونسستي بايطاليسسا معاهسسدة‬
‫هجومية ودفاعية ضد روسيا ‪ .‬وأرسل إلى بلد القرم جيشا مؤلفا من ثمانية عشر ألسسف‬
‫مقاتل ‪ .‬وفي ‪ 26‬أغسطس انتصر المتحدون في واقعة تراكيتو وأخلسسى السسروس مدينسسة‬
‫سباستوبول بعد أن احرقوها عن آخرها ‪ .‬واحتلتها الجيوش المتحدة ‪ .‬أو بالحرى احتلوا‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 405 [ ‬‬

‫‪ .‬وبعد ذلك سارت الجيوش المتحسسدة نحسسو مدينسسة قلسسبرون فاحتلوهسسا ‪.‬وفسسي‬ ‫أطللها‬
‫اليوم التالي هدم الروس قلع مدينة اوتشاكوف وأخلوها قاصدين داخليسسة البلد ‪ .‬ولسسول‬
‫ابتداء فصل الشتاء الذي يأتي مبكرا بتلك البلد ‪ ,‬لمسسا وجسسدت روسسسيا مسسن الجيسسوش مسسا‬
‫يكفي ليقاف أعدائها عن المدينة كيف المقدسة لديهم ‪ .‬وفي أثناء سنة ‪ 1855‬أطلقت‬
‫سفن فرنسا وإنكلترا قنابلها على عدة ثغور في بحر بلطيق وعطلت التجسسارة الروسسسية‬
‫بالمرة ‪ .‬وكذلك حاصرت مدخل البحر البيض الشمالي ومنعت المراكب التجاريسسة مسسن‬
‫الدخول فيه بالكلية‪ .‬وبعد ذلك لم تحصل وقائع حربية مهمة بل دخلت المسألة في دور‬
‫سياسي لتحقق اسكندر الثاني عدم الفوز خصوصا وان النمسا قد أظهرت لسسه العسسداوة‬
‫جهارا بعد سقوط سباستوبول وانضمت مملكة السويد إلى التحالف الوروبسسي ضسسدها ‪.‬‬
‫وانعقد مؤتمر جديد في فيينا في شهر فسسبراير سسسنة ‪ . 1855‬و تظسساهرت بسساقي السسدول‬
‫ضدها خصوصا مملكة السويد التي كانت تستعمل معها روسسسيا طسسرق التهديسد والوعيسد‬
‫للحصول على بعض امتيازات تختص بالصيد على شواطئ النرويج ‪ ,‬فأبرمت مع فرنسا‬
‫وإنكلترا معاهدة هجومية ودفاعيسسة ضسسد روسسسيا فسي ‪ 20‬نوفمسسبر سسنة ‪ 1852.‬وأعلنتهسا‬
‫رسميا لجميع الدول ‪ .‬وبذلك تحققت روسيا انه صار من المستحيل عليها النتصار على‬
‫جميع هذه القوى المتألبة ضدها ومالت إلى السلم قلبا وقالبا منتظرة اقل مفاتحة مسسن‬
‫الدول الغربية فتلبيها بالقبول ‪ .‬وفي أواخر سسسنة ‪ . 1855‬عرضسست النمسسسا أن يرسسسل‬
‫إلى روسيا بلغا نهائيا بطلبات الدول الصلية مع ما سبق عرضه مسسن القتراحسسات أثنسساء‬
‫المؤتمر الذي انعقد أخيرا بمدينة فيينسسا فسسي ابريسسل سسسنة ‪ .1855‬وان لسسم تجسسب روسسسيا‬
‫جميع هذه القتراحات يستأنف القتال في ربيع سنة ‪ 1856‬بكل شدة وصسسرامة وتنضسسم‬
‫إلى الجيوش المحاربة جيوش النمسا ومملكة السويد والنرويسسج ‪ .‬فسسأقرت السسدول علسسى‬
‫ذلك وقبلت روسيا هذه القتراحات الكثر تأثيرا على نفوذها مما رفضته فسسي السسسابق ‪.‬‬
‫وبعد محادثات طويلة تم التفاق على أن ينعقد مؤتمر سسسلم جديسسد فسسي مدينسسة بساريس‬
‫لتقرير السلم نهائيا سنة ‪ 1856‬واختسسار لرئاسسسته وزيسسر خارجيسسة فرنسسسا وفيسسه أمضسسيت‬
‫جميع بنود معاهدة باريس الشهيرة التي أوصلت نابليون الثالث إلى أوج فخاره وأعادت‬
‫لفرنسا سابق مجدها‪ .‬إذ أنها لم تشترك في مثل هذه الحسسرب مسسن عهسسد نسسابليون الول‬
‫وحفظت للدولة العثمانية أملكها من غوائل روسيا ‪ .‬وتبين فيما بعد أن الدول الوروبية‬
‫دافعت عن الكعكة والغنيمة التي ستتقاسمها فيما بعد !! ‪.‬‬
‫ومما زاد في أحوال الدولة العثمانية ارتباكا ‪ ,‬تدخل السسدول فسسي الشسسؤون الداخليسسة‬
‫ومنعها الدولة العثمانية من محاربة الثائرين ‪ ,‬بتهديدها بقطع العلئق السياسسسية ونسسزول‬
‫سفرائهم إلى مراكبهم بل وإرسال بعض السفن الحربية لتقرير مطالب الثائرين ‪ .‬كمسسا‬
‫أرسلت فرنسسسا وروسسسيا مراكبهسسا فسسي سسسنة ‪ 1858‬إلسسى سسسواحل الجبسسل السسسود لمنسسع‬
‫الجيوش العثمانية من الدخول بهذا القطر ومعاقبة أميره علسسى مسسساعدة الثسسائرين فسي‬
‫البوسنة والهرسك ‪ ...‬ومن هذا يتضح جليا أن الدولة كانت فسسي أحسسرج المواقسسف لعسسدم‬
‫وجود مخلص لها أو صديق بين جميع الدول المسيحية المتألبة عليها سياسسسيا لضسسعافها‬
‫وعرقلة جميع مساعيها الصلحية في داخل بلدهسسا ‪ .‬وتسسدخل تلسسك السسدول فسسي أمورهسسا‬
‫الداخلية المحضة ‪ .‬حتى خيل للمتأمل أن سفراء الدول بالستانة صاروا شركاء لسسوزراء‬
‫الدولة في جميع العمال في تلك الفترة ‪.‬‬
‫وفي أوائل سنة ‪ 1858‬توفي الصدر العظم رشيد باشا ‪ .‬وخلفه في هذا المنصب‬
‫الخطير خصوصا في هذه الظروف السياسي الشهير عالي باشا وولى فؤاد باشا وزيرا‬
‫للشغال الخارجية وكان كل منهما على جانب عظيم من الحذق في العمال السياسية‬
‫و عالما بمقاصد أوروبا السيئة نحو الدولة السلمية الوحيدة فعمل علسسى تسسسوية جميسسع‬
‫المسائل الداخلية بحكمة وسداد رأي ‪ .‬حتى لم يدعا لسفراء الدول حقا فسسي التسسدخل ‪.‬‬
‫إذ لم يمض طويل زمن حتى عادت السكينة إلى بلد البوسنة والهرسك ‪ ,‬لوعد أهاليهسسا‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 406 [ ‬‬

‫بإصلح أحسسوالهم ‪ .‬وكسسذلك انهيسسا مسسسألة الجبسسل السسسود بتحديسسد الحسسدود بمعرفسسة لجنسسة‬
‫مشكلة من أربعة أعضاء ) فرنسي وروسي وعثماني وجبلي ( وقبل قسسرار هسسذه اللجنسسة‬
‫مع إجحافه بحقوق السلطنة ‪ ,‬لكن لما كان السكون وانتظام الحوال ‪.‬‬
‫ثم حصلت الحرب بين الموارنة والدروز ‪ 1860‬وأدت إلى تدخل الجيش الفرنسسسي‬
‫في لبنان ‪ ...‬وبعد خروج الجيوش الفرنسية من بيروت بعشرين يومسسا تسسوفي السسسلطان‬
‫عبد المجيد خان في يونيو سنة ‪ . 1861‬و كانت مدة حكمه ‪ 22‬سنة ونصف وفسسي يسسوم‬
‫موته بويع بالخلفة لخيه ‪.‬‬

‫‪ (32( ‬السلطان الغازي عبد العزيز خان ( ‪1886 -1861‬م ( ‪:‬‬


‫وقد جرت في عهده جملة من الصلحات الداخلية منها‪:‬‬
‫** وضع مجلة الحكام العدلية والقوانين التي أجسسازت للجسسانب امتلك العقسسارات‬
‫وكافة الحقوق العينية والتصرف فيها بجميع الممالك العثمانيسسة بعسسد أن كسسانت ممنوعسسة‬
‫عنهم كلية وذلك في سنة ‪ 1285‬الموافقة سنة ‪. 1869‬‬
‫** ومنها وضع مجلسسة الحكسسام الشسسرعية ليعمسسل بهسسا فسسي المحسساكم النظاميسسة السستي‬
‫أنشئت وكان جاريا إصلحها ‪ .‬وكان وضع هذه المجلة بمعرفة لجنة من أشهر متشرعي‬
‫ذلك العصر من العلماء والقانونيين والداريين في الدولة العثمانية ‪.‬‬
‫وبعد الحوادث التي مر ذكرها اقتنع السلطان أن تحالف الدول الوربية مسسع الدولسسة‬
‫في حرب القرم وما بعدها لم تكسسن نتيجسسة إل إضسعافها بالتسدخل فسي شسؤونها الداخليسة‬
‫ومسساعدة الطسسوائف المسسسيحية الخاضسعة لهسسا علسسى النشسسقاق عنهسا وبسسث روح الفتسسن‬
‫والفساد في ممالكها تحت غطاء الحرية ونشر العلوم ‪ .‬وأن كل ذلك يعود بسسالنفع علسسى‬
‫دل الدول بعد الحسسرب الفرنسسسية‬ ‫روسيا جارتها القوية و عدوتها القديمة ‪ ,‬لسيما وقد ع ّ‬
‫اللمانية أهم بنود معاهدة باريس التي أبرمسست بعسسد حسسرب القسسرم لحفسسظ التسسوازن فسسي‬
‫البحر السود وعدم مراعاتها عقب إبرامها في حسسق وليسستي الفلق و البغسسدان ‪ .‬فلهسسذه‬
‫السباب اعتقد السلطان أن الولى و النجح لسياسسسة الدولسسة هسسو التباعسسد عسسن السسدول‬
‫الغربية والتحالف مع روسيا ‪ .‬وعضده في هذا الفكر الصدر العظم محمود نديم باشا ‪.‬‬
‫فأكثر السلطان من الجتماع مع سفير روسيا بالستانة ‪ .‬والمتواتر وان لم تثبتسسه أوراق‬
‫رسمية أنهما كانا يسعيان لوضع أساس معاهدة هجومية ودفاعية يكون من أهم بنودهسسا‬
‫الختصاص بجميع بلد الشسسرق وأن تتبسسع الوليسسات السسسلمية السستي يغلسسب فيهسسا العنصسسر‬
‫السلمي للدولة العلية السلمية ‪ .‬وضم جميع القاليم المسسسيحية أو السستي يسسسود فيهسسا‬
‫هذا العنصر للدولة الروسية ولما شاع هذا المشروع ‪ ,‬لم يرق للدول الوروبية التي لها‬
‫مصسسالح فسسي الشسسرق ‪ ,‬وخصوصسسا إنكلسسترا ‪ .‬فاخسسذ عمسسالهم وسسسفراؤهم الظسساهرون و‬
‫السريون يعملون حتى اقنعوا الوزراء بوجوب عزله وصادفت مسسساعيهم أذنسسا صسساغية‬
‫عند بعض العلماء لما خالج صدورهم من عدم الميل للسلطان بسسسبب فسسسوقه العلنسسي‬
‫وزيارته معرض باريس وحضوره المسارح والمراقص ‪...‬فقد كان خليفة )عكروتا ( كما‬
‫يدعو أمثاله أهل الشام ‪..‬‬
‫و أصدر شيخ السلم فتوى بوجوب خلعه هذا نصها ‪ ) :‬إذا كان زيد الذي هسسو أميسسر‬
‫المؤمنين مختل الشعور وليس له إلمام في المور السياسسية ومسا بسرح ينفسق المسوال‬
‫الميرية في مصارفه النفسانية ‪ ,‬في درجة ل طاقة للملسك والملسة علسى تحملهسا ‪ .‬وقسد‬
‫اخل بالمور الدينية والدنيوية وشوشها وخرب الملك والملسسة ‪ .‬وكسسان بقسساؤه مضسسرا بهسسا‬
‫فهل يصح خلعه ؟ ‪ :‬الجواب ‪ :‬يصح ‪ .‬كتبه الفقير حسن خير الله عفى عنه ( ‪.‬‬
‫وخلع في ‪ 31‬مايو ‪ 1876‬م‪ .‬ثسسم حصسسلت المبايعسسة للسسسلطان الجديسسد مسسراد خسسان‬
‫الخامس من جميع الحاضرين على السلوب المتبع ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 407 [ ‬‬

‫‪ - (33( ‬السلطان مراد الخامس ( مايو ‪ -1886‬أغسطس ‪ 1886‬م( ‪:‬‬


‫هو ابن السلطان عبد المجيسسد خسسان ارتقسسى منصسسب الخلفسسة فسسي ‪ 31‬مسسايو ‪1876‬‬
‫وقيل أنه كان متعلما متثقفا بالثقافات الغربية ‪ ,‬مقتنعا بالمسسساواة بيسسن جميسسع أصسسناف‬
‫رعيته ‪ ,‬ولكنه ُزعم أنه ظهرت عليسسه علمسسات الضسسطراب العصسسبي عقسسب تسسوليته بنحسسو‬
‫أسبوع ثم ازدادت شيئا فشيئا ‪ .‬وكان الصدر العظسسم يخفسسي هسسذا المسسر عسسن العمسسوم ‪.‬‬
‫لكن ذاع خبره لعدم إجراء الحتفال بتسليمه السيف السلطاني فسسي جسسامع أبسسي أيسسوب‬
‫النصاري ‪ ,‬حسب العسسادة ‪ .‬ولعسسدم مقسسابلته قناصسسل السسدول ليقسسدموا إليسسه أوراق تجديسسد‬
‫تعيينهم لدى حكومته ‪ .‬وأخيرا لما اشتد عليه الحال استدعى الوزراء الطبيب ليدز ورف‬
‫النمساوي الشهير بمداواة المراض العقلية ‪ .‬فحضر وبعد أن فحصه ولزمسه عسدة أيسام‬
‫متفرسا كل ما يبدو منه من القوال والشارات ‪ ,‬واستعلم عن عاداته وكيفيسسة معيشسسته‬
‫قال بتعسر برئه من هذا المرض ‪ .‬فتشاور الوزراء في المر ثم عرضوا على أخيه عبسسد‬
‫الحميسد أفنسدي أن تسسسلم إليسسه مقاليسد الحكسام حيسسث حكسم الطبساء بعسسدم لياقسسة أخيسه‬
‫السلطان مراد لدارة مهامها‪ .‬واجتمعوا في يوم الربعسساء ‪ 10‬شسسعبان سسسنة ‪31 1293‬‬
‫أغسطس سنة ‪ 1876‬وقسسرروا بوجسسوب المبايعسسة لمولنسسا السسسلطان عبسسد الحميسسد خسسان‬
‫الثساني ‪ .‬واسستفتوا مولنسا شسيخ السسلم فسي المسر فسأفتى بوجسوب عزلسه وهسذه نسص‬
‫ن إمام المسلمين جنونا مطبقسسا ففسسات المقصسسود مسن المامسسة ‪ ,‬فهسسل‬ ‫الفتوى ‪ ) :‬إذا ج ّ‬
‫يصح حل المامة من عهدته ؟ الجواب ‪ :‬يصح والله اعلم ‪ .‬كتبه الفقير حسن خير اللسسه‬
‫عفى عنه ( ‪.‬‬
‫أقول ‪ :‬ويجب النظر بعين الشك إلى ما يرويه المؤرخون عن تلسسك المرحلسسة السستي‬
‫سيطر فيها الماسون على أمور الدولة العثمانية الداخلية والخارجية ‪,‬بدءا مسسن مرحلسسة‬
‫ما بعد السلطان عبد المجيد والله أعلم بتفاصيل هذه الواقعة ‪ ,‬وشهودها مسسن الطسسبيب‬
‫النمساوي ‪ ,‬إلى آخر من تولها ‪.‬‬

‫(‪ - (34‬السلطان الغازي عبد الحميد خان الثاني (‪-1886‬‬ ‫‪‬‬


‫‪ 1909‬م( ‪:‬‬
‫تزايدت ضغوط المفسدين على السلطان من أجل إلزامه بالدستور الذي كان أهم‬
‫أهدافه مساواة المسسسلمين بالرعايسسا مسسن اليهسسود والنصسسارى ‪ ,‬وتمكسسن الفسسساد باسسستلم‬
‫مدحت باشا الصدارة سنة ‪1876‬وكان من أشد المنادين بهذه الصلحات ‪.‬‬
‫والحقيقة – كما أشرت آنفا ‪ -‬فإنه يجب النظسسر بعيسسن الريبسسة والتسسدقيق لمعظسسم مسسا‬
‫كتب عن تاريخ الدولة العثمانية خلل القرن الخير مسسن حياتهسسا ‪ .‬لن الماسسسون واليهسسود‬
‫كانوا قد تغلغلوا في الجيش وعموم دوائر الدولة ‪ ,‬ولم يتيسر لي الطلع على مصسسادر‬
‫تفصيلية عن تاريخ تلك المرحلة ‪ ,‬و ُيستنتج مما بلغنسسا عسسن مسسؤامراتهم علسسى السسسلطان‬
‫عبد الحميد الذي انقلبوا عليه ‪ ,‬أن تلك الدسائس كانت قد بدأت قبل عهده بعدة عقود‬
‫‪ ,‬منسسذ زاد نفسسوذ القناصسسل الوربييسسن ‪ ,‬وازداد تعلسسق الطبقسسة الجديسسدة مسسن السياسسسيين‬
‫والضسسباط ‪ ,‬وحسستى بعسسض السسسلطين بسسالنموذج الوربسسي للحضسسارة والسياسسسة ‪ ,‬ونهسسش‬
‫الماسون واليهود في بنية الدولة ‪ ,‬إلى أن آلت لسقاطها على يد ربيسسب يهسسود الدونمسسة‬
‫المدعو ) أتاتورك ( !‬
‫‪ ‬ولنتأمل فيما كتب فريد بك المحامي ( صاحب مصدرنا الساسي‬
‫( كتاب تاريخ الدولة العثمانية ( ‪ ,‬ويبدو أنه مصري من أصل تركي ‪,‬‬
‫وقد نشر كتابه سنة ‪ 1909‬فيما يبدو والله اعلم ‪ .‬وكتابه‬
‫يؤيد( جمعية التحاد والترقي( الماسونية ‪ ,‬التي أشرفت على خلع‬
‫السلطان عبد الحميد ‪ .‬فقد كتب يقول ‪:‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 408 [ ‬‬

‫الدســتور العثمــاني و النهضــة الوطنيــة والصــلحات فــي الدولــة‬


‫العثمانية ‪:‬‬

‫) توفي السلطان سليمان القانوني سنة ‪ 1566‬م والدولة العلية في إبسسان مجسسدها‬
‫وأوج عظمتها وكانت ممالكها تحد شسسرقا بالحسسدود الهنديسسة وغربسسا بسسالمحيط الطلنطسسي‬
‫وكانت أوروبا ترهب سطوته وتخشى قوته ‪ .‬فخلفه من بعده ملوك لم يتعقبوا خطسسواته‬
‫ولم ينهجوا منهجه لسسسيما وقسسد تسسألبت عليهسسا السسدول الوروبيسسة واختلفسست عليهسسا الفتسسن‬
‫الداخلية ‪ .‬فبدأت في النحطاط وانسلخت منها أجزاء كثيرة ‪ .‬وكانت أحيانا تنحسسط إلسسى‬
‫أن تولى الخلفة السلطان سليم الثالث سنة ‪ ,1789‬والبلد فسسي اختلل والحكسسام فسسي‬
‫ضعف و النكشارية قابضسسون علسسى زمسسام المسسور يولسسون مسسن شسساؤوا مسسن السسسلطين ‪,‬‬
‫ويخلعون من شاؤوا ويقتلون من لم يسر وفق أهوائهم وأغراضهم ‪ ,‬والبلد في فوضسسى‬
‫كادت تمزق شملها ‪ .‬فهاجه حب الصلح وصرح بميله إلسسى تنظيسسم الجنسسد علسسى النمسسط‬
‫الحديث وتسليحهم بالسلحة الحديثة الختراع فلم يوافق ذلك النكشارية فبطشسسوا بسسه‬
‫فمات والصلح في مهده ‪ }.‬وانتبه لمديح الكسساتب فسسإن السسسلطان سسسليم هسسو أول مسسن‬
‫جاهر بالفسوق و بعملية التغريب وخلع بفتوى من المفتي { ‪.‬‬
‫على أن الفكرة رسخت في أذهان العثمسسانيين فتلقاهسسا السسسلطان محمسسود وعمسسد‬
‫إلى الصلح من الوجهة الدارية والعسكرية فبدد جند النكشارية واحسسل محلهسسم جيشسسا‬
‫منظما واخذ يبعث بمنشورات الصلح إلى الولة والحكام ولكنه تسسوفي ولسسم يتمسسم مسسن‬
‫فروع الصلح إل تنظيم الجند تنظيما غير تام ‪ .‬وكانت فكرة الصلح قد سرت بين فئة‬
‫من رجال الدولة فقاموا يبثونها على عهد السلطان عبد المجيد والسلطان عبسسد العزيسسز‬
‫وأعظمهم شأنا وأعلهم يدا مصطفى رشيد باشا وعالي باشا وفؤاد باشا ‪ ,‬فلما تسسوفي‬
‫السلطان محمود وخلفه السلطان عبسسد المجيسسد ‪ .‬نشسسر خسسط الكلخانسسة المشسسهور سسسنة‬
‫‪ 1839‬م أي في ‪ 26‬شعبان سنة ‪ 1255‬هجرية ‪ .‬فكانت لسسه ضسسجة اهسستزت لهسسا أوروبسسا‬
‫واخذ رجال الدولة منذ إصدار ذلك الخط الهمايوني ينظمون القوانين الخاصة لكل فرع‬
‫من فروع القضاء ‪ .‬ثم تألفت لجنة جمعت أعساظم السساتذة العثمسانيين فسألفوا المجلسة‬
‫الشرعية التي صدرت الرادة الشاهانية من السلطان عبسسد العزيسسز عسسام ‪ 1289‬هجريسسة‬
‫بالسير حسب نصوصها وسن قانون الراضي سنة ‪ 1274‬هجرية وقسسانون الطسساّبو سسسنة‬
‫‪ 1275‬هجرية وقانون الجزاء سنة ‪ 1274‬هس وكل هــذه القــوانين مقتبســة مــن‬
‫القوانين الفرنسية مع مراعاة نصوص الشــريعة الســلمية (!!( ثسسم وضسسع‬
‫قانون التابعية ) الجنسية ( العثمانية وتنظيم المحسساكم الشسسرعية !والمحسساكم النظاميسسة‬
‫والمحاكم التجارية} وهي قسسوانين وضسسعية { ونظامسسات الدارة الملكيسسة ‪ ,‬ونظسسام إدارة‬
‫الوليات ‪ ,‬ونظام شسسورى الدولسسة ‪ .‬ووضسسعوا نظامسسا للمعسسارف ‪ ,‬ونظامسسا للمطبوعسسات ‪,‬‬
‫ونظامات أخرى للمطسسابع والطبسع وحقسسوق التسسأليف والترجمسسة ‪ .‬ونظامسسات للرسسسومات‬
‫وآخر للمعادن وغيره للطرق والمعابر وغير ذلك مما يقتضيه سير الحضارة ويلئم حالة‬
‫المة ‪ .‬وبالجملة فإنهم لم يتركوا شيئا من لوازم إدارة الدولسسة حسستى دونسسوا لسسه قانونسسا ‪.‬‬
‫فمجموع هذه القوانين و النظامات كان معروفا في بلد الدولة العلية بالدستور ‪.‬‬
‫}وبالطبع فقد كانت مبارزة الله تعالى بالحرب بالتشريع من دونه أول بوادر البسسوار‬
‫والخسران وتألب العداء ‪ ,‬فإنه ‪:‬‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ما َرب ّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫صاِلحا ً فَل ِن َ ْ‬
‫ك ب ِظلم ٍ ل ِلعَِبيدِ ( )فصلت‪(46:‬‬ ‫ساَء فَعَلي َْها وَ َ‬
‫نأ َ‬‫م ْ‬
‫سهِ وَ َ‬
‫ف ِ‬ ‫م َ‬
‫ل َ‬ ‫ن عَ ِ‬
‫م ْ‬
‫) َ‬
‫{‬
‫ومع ذلسسك فكسسان الحكسسم مطلقسسا وإرادة السسسلطان فسسوق كسسل قسسانون ‪ .‬وفسي المسسدة‬
‫الوجيزة التي جلس فيها السلطان مراد على سسسرير الملسسك كسسان مسسدحت باشسسا وحزبسسه‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 409 [ ‬‬

‫الحر قد انتهى من إعداد القانون الساسي وترتيب نظام مجلس المبعوثين ‪}.‬ومسسدحت‬
‫باشا هذا هو رأس الفعى الماسونية كما سيأتي تعريفه وبيانه {‬
‫القانون الساسي والسلطان عبد الحميد ‪:‬‬
‫خلع السلطان مراد سنة ‪ 1293‬هجرية الموافسسق ‪ 1876‬م وجلسسس السسسلطان عبسسد‬
‫الحميد على عرش الخلفة وكان قد وعد رئيس الحرار مدحت باشا قبل جلوسه علسسى‬
‫العرش بمنح القانون الساسسسي وإمتسساع المسسة العثمانيسسة بالحريسسة‪ .‬إل أن عبسسد الحميسسد‬
‫اظهر حين جلوسه علمات دلت على إخلفه وعده ‪ .‬فمن ذلك انه جمع أعسسداء الحسسرار‬
‫وأضداد القانون الساسي وعينهم في السراي لتقوية مركزه ‪ .‬مع انه وعد مدحت باشا‬
‫بتعيين الشاعر العثماني الكبير نسسامق كمسسال بسسك زعيسسم النقلب ‪ .‬وضسسياء باشسسا الديسسب‬
‫السياسي الشهير‪ ,‬مشيرا فاخلف وعده ‪ .‬كما انه كان يسسسعى جهسسده لسسستمالة السسرأي‬
‫العام إليه فكان يخسدع الهسالي ‪ .‬إل أن الحسرار لسم ينخسدعوا واسستعدوا للمناضسلة فسي‬
‫سبيل القانون الساسسسي ‪ .‬وكسسانت الدولسسة فسسي ذلسسك السسوقت تحسسارب الصسسرب فهزمتهسا‬
‫واستولى العثمانيون على قلعة اكسناج ووضعت شروطا قاسسسية عليهسسم ‪ .‬ولكسسن هسسذه‬
‫الدول رفضت هذه الشروط وطلبت من الباب العالي إبقاء الصرب على ما كانت عليه‬
‫قبل الحرب ومنح البوسنة والهرسسسك السستي كسسانت ثسسائرة أيضسسا إدارة مسسستقلة مسسع منسسح‬
‫البلغار مثلها ‪ .‬فكان ذلك سببا لطمع الصربيين فقرروا محاربة الدولة ونظسسم جيوشسسهم‬
‫المهندسون الروس ‪.‬‬
‫ولكن كان النهزام نصيبهم فاستولى العثمسسانيون علسسى الكسسسناج وبلغسسراد وسسساروا‬
‫نحو العاصمة بلغراد فاستنجد أمير الصرب بروسيا فأمر قيصرها سسسفيره فسسي السسستانة‬
‫بتقديم بلغ شديد اللهجة إلى الباب العالي ‪ .‬وقرر بعد ذلسك عقسد مسؤتمر فسي السستانة‬
‫للنظر في أمر البلقان ‪ .‬وبالجملة فقد كان مركز الدولة العلية حرجا للغالية لن أوروبسسا‬
‫كلها تألبت عليها وكان يشتم من بلغ سفير روسيا رائحة الحرب ‪ .‬فقرر الوكلء إذ ذاك‬
‫منح القانون الساسي للتخلص من هذه الغوائل ‪ .‬واقتنع السلطان عبد الحميد بوجسسوب‬
‫تنفيذه لنه كان من المستحيل قبول طلبات أوروبا ‪ .‬ولتقسساء الخطسسار السستي تنجسسم مسسن‬
‫رفض تلك الطلبات كان الواجب إجراء بعض الصلح الذي ل تتمكن أوروبا من انتقسساده‬
‫هو تنفيذ القانون الساسي ‪..‬‬
‫} وانتبسسه لضسسغوط أوربسسا لفسسرض الماسسسون ‪ ,‬والدسسستور الوضسسعي علسسى الدولسسة‬
‫العثمانية ‪ ,‬إذ يتابع فريد المحامي فيقول ‪{:‬‬
‫وفي ذلك الوقت تعين مدحت باشا صدرا أعظما ‪ ,‬وذلك لن الدول الوروبيسسة كلهسسا‬
‫تثق به‪ ,‬لعلمها انه رئيسسس الحسسرار وواضسسع القسسانون الساسسسي ‪ ,‬وقسسرر السسسلطان عبسسد‬
‫الحميد تعيين مدحت باشا كي ينظر في مسألة )المؤتمر الوروبي ( الذي قررت الدول‬
‫عقده في الستانة‪ .‬فكان أول ما قام به مدحت باشا هو إنهاء المنازعات بيسسن الدولسسة‬
‫وبين الصرب والجبل السود وبلغاريا ‪ .‬وفي ‪ 24‬ديسمبر ‪ 1877‬اجتمع الوكلء والعلمسساء‬
‫والمراء وغيرهم في الباب العالي ثم اقبل مسدحت باشسا وقسرأ الرادة الشساهانية الستي‬
‫منحت المة العثمانية الدستور والحرية ‪. .‬‬
‫على انه لم يكد ينتظم مجلس المبعوثين وينظر فسسي شسسؤون الدولسسة حسستى صسسدرت‬
‫الرادة الشاهانية بفضه فتقوضت كل أركان ذلسك البنسساء وابتليست المسة بطسور اسستبداد‬
‫جديد لم تعهد نظيره حتى في عصور الظلمات ‪ .‬هدم السسلطان عبسد الحميسد مسا بنساه‬
‫الحرار ولكن رغما من ذلك لم تمت الفكرة فسسي رؤوس العثمسسانيين فسسان هسسذا الجسسسم‬
‫على قوته الكامنة بل على ضعفه الظاهر لم يقو علسسى تحمسسل أذى الحكومسسة الحميديسسة‬
‫بما انتابته من ضروب الظلم لسسسيما وألويسسة الحكومسسات الدسسستورية قسسد انتشسسرت مسسن‬
‫أقصى المغرب إلى أقصى المشرق وكواكب الحرية قد سطعت في كل مكان ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 410 [ ‬‬

‫فبدأ الحرار يعملون ليل نهار حتى انتصروا ذلك النتصار الباهر عسسام ‪ 1908‬فنسسالت‬
‫المة العثمانية الدستور بجهسساد جيشسسها الباسسسل و انتشسسرت الفكسسرة الوطنيسسة مسسن عهسسد‬
‫مدحت باشا وساعد على انتشارها قصائد الشاعر العظيسسم نامق كمــال بــك السسذي‬
‫أدركه الموت في سجن ماغوسه ‪ .‬وألف نيازي بك أول عصسسابة فسسي رسسسنة ‪ ,‬وسسسار‬
‫على إثره أنور بك ورائف بك ‪ ,‬وحسن بك‪ ,‬وصلح الدين بك ‪.‬‬
‫أمسسا إدارة الحركــة فكــانت فــي ســلنيك والجمعيــة العموميــة للتحــاد‬
‫وكسسان الجميسسع يجتهسسدون لنشسسر الفكسسار الحسسرة والمبسسادئ‬ ‫والـترقي فسسي بسساريس‬
‫الدستورية ‪ .‬وممسسا سسساعدهم علسسى نشسسر أفكسسارهم انسسه لسسم يكسسن بينهسسم خسسائن فقسسويت‬
‫حركتهم واتسعت حتى أصبح ل يمكن بقاؤها تحت طي الخفسساء ‪ .‬وكسسانت لجنسسة التحسساد‬
‫والترقي وقفت مقدما على القوى التي يمكنها أن ترتكن عليهسسا فوجسسدتها كافيسسة وهسسذه‬
‫القوى مؤلفة من الفيلقين الثاني والثالث المعسسسكرين فسسي مناسسستر واسسسكوب وأدرنسسه‬
‫وأزمير‪ .‬ومسسن الفيلسسق الرابسسع المعسسسكر فسسي أرض روم ‪ .‬فكسسان مسسن المسسستحيل علسسى‬
‫الحكومة الحميدية إرسال الفيلق الول المعسكر في الستانة لمحاربة الدستوريين لنه‬
‫ل يمكن تجريد العاصسسمة مسسن الجنسسد ‪ .‬ومسسع ذلسسك فكسسان أغلسسب الضسسباط منضسسمين إلسسى‬
‫الدستوريين ‪ .‬وكان جنود الفيلق الثاني والثسسالث أكسسثر مسسن غيرهمسسا فبسسدأ الدسسستوريون‬
‫يؤلفون عصابات وطنية لمقاومة الحكومة إذا حاولت عرقلة مساعيهم فقسسامت عصسسابة‬
‫نيازي بك ثم ظهرت عصابة أنور بك ورائف بك وحسن بك وغيرهم ‪.‬‬
‫وانتهى الدستوريون من وضع الخطة في أواخر شسسهر يونيسسو سسسنة ‪ 1908‬فأرسسسلت‬
‫الحكومة الحميدية شمسي باشا لقتفاء أثر عصابة نيازي بك ‪ ,‬ولكنه قتل قبسسل أن يبسسدأ‬
‫في مهمته ‪ ,‬وأرسلت أيضا من أزميسسر ثلثيسسن فرقسسة مسسن فسسرق الرديسسف فانضسسمت إلسسى‬
‫الدسسستوريين وقسسوت صسسفوفهم وفسسي يسسوم ‪ 21‬و ‪ 22‬و ‪ 23‬يوليسسو أرسسسل الدسسستوريون‬
‫التلغرافات إلى الصدر العظم من سالونيك ومناستر واسكوب وسيريس ‪ ,‬هددوا فيهسسا‬
‫السسستانة بسسالزحف عليهسسا إذا لسسم يعلسسن الدسسستور ‪ ,‬فلمسسا وصسسلت هسسذه التلغرافسسات إلسسى‬
‫السلطان عبد الحميد أصدر الرادة الشاهانية بمنح الدستور والقانون الساسي ‪.‬‬
‫الحادثة الرتجاعية وخلع عبد الحميد ‪:‬‬
‫تفرق شمل المستبدين منذ إعلن الدستور وازداد النفور بينهم وبيسسن لجنسسة التحسساد‬
‫والترقي فأخذوا يفكرون في اجتثاث أصول الفساد ‪.‬‬
‫فشجعوا أول الجرائد على الكتابة ضد الجمعية ثسسم قسسامت حاميسسة السسستانة بإيعسساز‬
‫من أركان السراي ولخصوا مطالبهم في شكل ديني كي ينضسسم إليهسسم أهسسالي السسستانة‬
‫وها هي مطالبهم ‪:‬‬
‫‪ - 1-‬إحياء الشريعة‪.‬‬
‫‪ -2-‬عزل الصدر العظم وناظري الحربية والبحرية ‪.‬‬
‫‪ - 3 -‬طرد احمد رضسا بسسك وحسسسين جاهسسد بسك وجاويسسد بسك ورحمسسي بسسك وطلعست‬
‫وإسماعيل حقي بك ‪...‬الخ من المجلس‪.‬‬
‫‪ -4-‬عزل محمود مختار باشا لنه لم يشترك معهم ‪.‬‬
‫‪ -5-‬العفو عنهم ‪.‬‬
‫فعقد مجلس المبعوثين اجتماعا فوق العادة ومع أن عسسدد العضسساء لسسم يتجسساوز‬
‫الخمسين فإنهم قرروا إجابة مطالب الثوار وانتخبوا وفدا منهم ليبلغ السلطان قرارهسسم‬
‫فتعين إذ ذاك توفيق باشا صدرا أعظم وادهسسم باشسسا نسساظرا للحربيسسة وقسسرر العفسسو عسسن‬
‫الجنود فبدأ أولئك يطلقون البنادق احتفسسال وكسسان يبلسسغ عسسدد أولئك ثلثيسسن ألفسسا واجتمسسع‬
‫المجلس مرة أخرى بعدها فقرر قبول استقالة الرئيس احمد رضسسا بسسك وانقلبسست لهجسسة‬
‫الجرائد انقلبا إجباريا فباتت تتكلم عن السلطان عبد الحميد كما كانت تتكلم عنسسه أيسسام‬
‫الستبداد وكانت الحالة كذلك في الستانة ‪ .‬فوردت النباء بمجيء الجنود مسسن ) السسروم‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 411 [ ‬‬

‫ايلي( لحماية الدستور ومجلس المبعسسوثين ‪ .‬ثسسم حاصسر جيسش الحريسة السسستانة فأوفسد‬
‫المبعوثون وفدا لمقابلته ‪ .‬ودخل الجيش تحسست قيسسادة محمسسود شسسوكت باشسسا السسستانة‬
‫وحاصر يلديز وحدثت هناك موقعة كبيرة انتهت بتسسسليم حاميسسة يلسسديز ولكسن السسسلطان‬
‫عبسسد الحميسسد اسسستمر علسسى المقاومسسة فقسسرر جيسسش الحريسسة أن يحمسسل الحملسسة الخيسسرة‬
‫فأطلقت القنابل على حاميسسة البسساب العسسالي والنسسادي العسسسكري واسسستولت عليهمسسا ثسسم‬
‫قبضت على الكثيرين من أنصار الحكم القديم الذين أثاروا الفتن ومن بينهسسم مسسراد بسسك‬
‫الداغستاني ‪ .‬واعسسدم الجواسسسيس رميسسا بالرصسساص ‪ .‬ويقسسدر عسسدد القتلسسى ‪ 1200‬قتيسسل‬
‫وحاصرت الجنود الدستورية بعدها قشلقات) معسسسكرات ( اسسسكودار فاسسستولت عليهسسا‬
‫ولم يبق إذ ذاك أي خطر على القانون الساسي فعسساد أعضسساء البرلمسسان إلسسى السسستانة‬
‫واجتمعت الجمعية العمومية لتتداول في أمر السسسلطان عبسسد الحميسسد ‪ .‬وكسسانت النتيجسسة‬
‫عزل السلطان عبد الحميد وتولية السلطان رشاد مكانه‪.‬‬
‫وتم يوم ‪ 27‬ابريل سنة ‪ 1909‬تتويج السلطان رشاد باسم السلطان محمد الخامس‬
‫وبالجملة فان أنصار الستبداد أثاروا فتنتهم الخيرة فوقع الدستور في أزمة شديدة‬
‫وتشتت شمل عشاقه وحماته ‪ .‬وترقب المل أن يعيد السلطان عبد الحميد ما فعله مع‬
‫الدستور الول ‪ .‬ولكن كانت الروح الدستورية قد قويت في قلوب العثمانيين وارتكزت‬
‫على قوة الجند فاحتمل أنصار الدستور تلك الضربة بالصبر والثبات وتجدد النزاع‬
‫الطبيعي بين الستبداد والحرية وانتهى بخلع السلطان عبد الحميد ‪.‬‬
‫)‪(...‬إل أن عبد الحميد الذي طبسع علسى السستبداد لسم يرقسه أن يسرى أمتسه متمتعسة‬
‫بالحرية راقية أوج الكمالت منظمة أمورها بنفسسسها مقيمسسة العسسدل فسسسولت لسسه نفسسسه‬
‫إحداث تلك الفتنة الرتجاعية لتقويض صروح الدارة الدستورية ولول أن أدرك الستانة‬
‫في ذلك الوقت بطل الحرية وقائد جيش الفدائيين محمود شوكت باشا ‪ .‬وبطل الحرية‬
‫نيازي بك وأنور بك لتم له ما أراده و لذهبت أتعاب حزب التحاد والسسترقي السسذي جاهسسد‬
‫في سبيل الحرية ثلثين عاما أدراج الرياح ‪.‬‬
‫واجتمع المجلس العمومي اجتماعا سريا وخلع عبد الحميد بموجب فتوى من شيخ‬
‫السلم هسسذا نصسسها ‪) :‬إذا اعتسساد زيسسد السسذي هسسو إمسام المسسسلمين أن يرفسسع مسسن الكتسسب‬
‫الشرعية بعض المسائل المهمة الشرعية وان يمنع بعسسض هسسذه الكتسسب ويمسسزق بعضسسها‬
‫ويحرق بعضها وان يبذر ويسرف في بيت المال ويتصرف فيه بغير مسوغ شسسرعي وان‬
‫يقتل الرعية ويحبسهم وينفيهم و يغربهم بغير سبب شرعي ‪ .‬وسائر أنواع المظالم ثسسم‬
‫ادعى انه تاب وعاهد الله وحلف انه يصلح حاله ثم حنث وأحسسدث فتنسسة عظيمسسة جعلسست‬
‫أمور المسلمين كلها مختلة ‪ .‬وأصر على المقاتلسة وتمكسن منعسة المسسسلمين مسن إزالسة‬
‫تغلب زيد المسسذكور ووردت أخبسسار متواليسسة مسسن جسسوانب بلد المسسسلمين أنهسسم يعتسسبرونه‬
‫مخلوعا وأصبح بقاؤه محقق الضرر وزوالسسه محتمسسل الصسسلح فهسسل يجسسب احسسد المريسسن‬
‫خلعه أو تكليفه بالتنازل عن المامة والسلطنة على حسب ما يختاره أهل الحل والعقد‬
‫وأولي المر من هذين الوجهين ‪ .‬الجسسواب ‪ :‬يجسسب ‪ .‬كتبسسه الفقيسسر السسسيد محمسسد ضسسياء‬
‫الدين عفى عنه ( ‪.‬‬
‫فلما قرئت هذه الفتوى الجليلة علسى العيسان والمبعسوثين سسألهم سسعيد باشسا‬
‫رئيس العيان الذي كان يسسرأس الجلسسسة أتختسارون خلعسسه أم تكليفسه بالتنسازل ‪.‬فأجسابوا‬
‫بصوت واحد الخلع ‪..‬الخلع ‪.‬‬
‫وهذه ترجمسسة قسسرار هسسذا المجلسسس العمسسومي المؤلسسف مسسن العيسسان والمبعسسوثين ‪:‬‬
‫يوم الثلثاء سابع ربيع الخر سنة ‪ 1327‬و ‪ 14‬نيسان سنة ‪ 27 / 1325‬ابريسسل ‪1909‬‬
‫م‪ ) .‬قرئت الفتوى الشرعية الموقع عليها بتوقيع شسسيخ السسسلم محمسسد ضسسياء السسدين‬
‫أفندي في المجلس العمومي المؤلف من المبعسسوثين والعيسسان ‪ .‬ورجسسح بالتفسساق وجسسه‬
‫الخلع الذي هو أحد الوجهين المخير بينهما ‪ .‬فاسقط السسسلطان عبسسد الحميسسد خسسان مسسن‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 412 [ ‬‬

‫الخلفة السلمية والسلطنة العثمانية ‪ .‬واصعد ولي العهسسد محمسسد رشسساد أفنسسدي باسسسم‬
‫السلطان محمد خان الخامس إلى مقام الخلفة والسلطنة ‪.‬‬
‫] انتهى كلم فريد بك ‪ .‬وينتهي هنا التلخيص من كتابه بتصرف‬
‫كبير ‪[.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 413 [ ‬‬

‫ولكن الحقيقة كانت غير ذلك الذي زعمه محامي التحاد والترقي هذا ‪ ,‬فقد كانت‬
‫باختصار ‪ ..‬أن ‪:‬‬

‫اليهود ومسألة فلسطين وتناهب الدول الستعمارية للعالم السلمي‬


‫كانت السبب الساسي وراء خلع السلطان عبد الحميد ‪:‬‬
‫فقد كتب الشيخ عبد الله عزام يقول في كتابه الهام جدا ‪ ) :‬خط التحول‬
‫التاريخي( ‪:‬‬

‫إن معظم الحداث الكبرى التي جرت في المنطقة السلمية – العربية خاصة – كانت‬
‫ترمي إلى الهدف الكبير الذي وضعه هرتزل ومن ورائه اليهود نصب أعينهم وهو‬
‫الوصول إلى أرض الميعاد كان أمام اليهود عقبة كأداء ل يمكن تجاوزها وهي الدولة‬
‫العثمانية وعلى رأسها السلطان عبد الحميد الثاني الذي حكم بين )‪(1909-1876‬‬
‫حاول اليهود أول إغراء السلطان الصالح عبد الحميد ‪ ,‬فالسلطان عبد الحميد وصل‬
‫إلى الخلفة في وقت كادت الماسونية تأخذ بخناق الدولة حيث تمكن مدحت باشا –‬
‫أبو الحرار كما يسمونه – وبعبارة أدق في نظرنا " أبو الماسونية آنذاك " أقول تمكن‬
‫أن يخلع خليفتين ويقتل السلطان عبد العزيز عم السلطان عبد الحميد‪ ,‬واشترط على‬
‫السلطان عبد الحميد قبل أن يأتي إلى الحكم أن يعلن الدستور "أي الدستور العلماني‬
‫الغربي الذي يتساوى فيه اليهود والنصارى مع المسلمين – وكان السلطان عبد الحميد‬
‫شخصية داهية ذكية معتزة بربها فقبل ‪ .‬وبعد أن وصل إلى الحكم ألقى القبض على‬
‫مدحت باشا وأودعه السجن في الطائف وأخيرا قتل مدحت في السجن بطريقة ذكية‬
‫مما أثار سخط العالم الذي تحركه الماسونية على السلطان عبد الحميد ‪ ,‬إل أن تلميذ‬
‫مدحت واصلوا التخطيط للنتقام من السلطان عبد الحميد‪.‬‬
‫ولنرجع إلى هرتزل الذي توجه إثر انتهاء مؤتمر بال سنة )‪ (1897‬لمقابلة السلطان‬
‫عبد الحميد وأخذ معه حاخام القسطنطينية )موسى ليفي( وعرضوا على السلطان‬
‫عروضا منها‪:‬‬
‫‪ -1‬إنشاء أسطول عثماني‪.‬‬
‫‪ -2‬دعم سياسة العثمانيين في العالم الخارجي‪.‬‬
‫‪ -3‬مساعدة اليهود للسلطان في تحسين أوضاعه المالية‪.‬‬
‫‪ -4‬إنشاء جامعة عثمانية في القدس‪.‬‬
‫قال هرتزل " مثل لو رضي مولنا وباع لنا الراضي التي ليس لها مالكون في‬
‫فلسطين بالثمن الذي يقدره" فغضب السلطان وقال‪) :‬إن أراضي الوطن ل تباع ‪ ,‬إن‬
‫البلد التي امتلكت بالدماء ل تباع إل بالثمن نفسه(‬
‫ولم ييأس هرتزل وقابل السلطان مرة ثانية )‪ (1901‬وفي هذه المرة عرضوا على‬
‫السلطان نفسه )‪ (150‬مائة وخمسين مليونا من الجنيهات الذهبية النجليزية فقال‬
‫) إنكم لو دفعتم ملء الرض ذهبا – فلن أقبل بتكليفكم هذا بوجه قطعي ‪ ,‬لقد خدمت‬
‫الملة السلمية والمة المحمدية ما يزيد على ثلثين سنة ‪ ,‬فلن أسود صحائف‬
‫المسلمين آبائي وأجدادي من السلطين والخلفاء العثمانيين(‪.‬‬
‫ولقد كانت المقابلة هذه المرة مع )قرة صو( المحامي اليهودي الماسوني الذي‬
‫أشرف على محفل سالونيك‪.‬‬
‫ولقد نقلت بعض المصادر أن السلطان صاح في وجه هرتزل )أخرج من وجهي يا‬
‫سافل( وصاح بالحاجب الذي أدخله قائل ) أما كنت تعلم ما يريده هذا الخنزير مني (‬
‫فطار هرتزل مع قرة صو إلى إيطاليا وأرسل ) قرة صو ( برقية إلى السلطان‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 414 [ ‬‬

‫)ستدفع الثمن هذه المقابلة من نفسك وعرشك(‪.‬‬


‫يقول هرتزل في مذكراته ‪ ) :‬ونصحني السلطان عبد الحميد بأن ل أتخذ أية خطوة‬
‫أخرى في هذا السبيل لنه ل يستطيع أن يتخلى عن أي شبر واحد من أرض فلسطين‬
‫إذ هي ليست ملكا له ‪ ,‬بل هي لمته السلمية التي قاتلت من أجلها وروت التربة‬
‫بدماء أبنائها ‪ ....‬وقال عبد الحميد‪ :‬إن عمل المبضع في بدني ل أهون علي من أن أرى‬
‫فلسطين تقتطع من أمبرطوريتي‪ .‬ثم قال‪ :‬وفر نقودك يا هرتزل فعندما يذهب عبد‬
‫الحميد ستأخذون فلسطين مجانا (‪.‬‬
‫وبعد هذا صمم اليهود على الطاحة بعبد الحميد ‪ :‬وفي سنة )‪ (1904‬فجروا عربة‬
‫أمام المسجد الذي يصلي فيه السلطان صلة الجمعة ونجاه الله من الموت وقتل كثير‬
‫من الناس ‪.‬‬
‫وتكالب الماسون على إقصائه ‪ ,‬ودفعت الماسونية بعملئها إلى أن تصدروا‬
‫المناصب العليا في الدولة أمثال طلعت باشا ‪ ,‬أنور باشا – وزير الحربية – أرستيدي‬
‫باشا – رومي أصبح وزيرا للنافعة ‪ ,‬جمال باشا – حاكم الشام – مصطفى كما باشا‬
‫قائد جبهة الشرق العربي في الحرب العالمية الولى جاويد باشا )دافيد باشا( – وزير‬
‫المالية‪.‬‬
‫حسين جاهد يالشين أحد أعضاء لجنة التوفيق الثلثة )أمريكي وفرنسي وتركي (‬
‫بين العرب واليهود وأصبح السلطان يجد نفسه يوما بعد يوم محاطا برجال اشترتهم‬
‫الماسونية من خلل جمعية ) التحاد والترقي ( وأصبحت قبضته تخف تدريجيا حتى‬
‫استطاعوا أن يجبروه على إعلن الدستور ‪ .‬فأنشأ مجلس المبعوثان ) مجلس النواب (‬
‫الذي دخله اليهودي والنصراني والمسلم وجاء ) قرة صو( إلى مجلس المبعوثان‪.‬‬
‫وكان إعلن الدستور نصرا للنصارى واليهود في كل الرض حتى أهدى جو رجي‬
‫زيدان النصراني – دار الهلل – كتابه النقلب العثماني إلى البطال !!؟ الذين أعلنوا‬
‫الدستور سنة )‪ . (1908‬ثم استطاع الماسون أن يحركوا الجيش بقيادة محمود‬
‫شوكت – العربي – وللسف ‪ -‬واجتمع مجلس النواب لينتزعوا قرارا بالطاحة‬
‫بالسلطان ‪ .‬ولقد كانت أصابع ناحوم حاييم ) حاخام القسطنطينية ( بارزة في المر ‪,‬‬
‫وقدم كتاب الخلع إلى السلطان عبد الحميد ثلثة‪.‬‬
‫‪ -3‬عارف حكمت الذي كانت أمه خادمة‬ ‫‪-2‬أستيدي باشا‪.‬‬ ‫‪ -1‬قره صو ‪.‬‬
‫في قصر السلطان فأخذ السلطان ابنها هذا – عارف – وأدخله في البحرية‬
‫حتى أصبح ياورا في البحرية ‪.‬‬
‫كان إقصاء السلطان عبد الحميد عن الخلفة في نيسان سنة )‪ (1909‬وكانت هذه‬
‫أكبر طعنة وجهت للسلم ‪ ,‬وفي تلك الليلة التي نزل فيها السلطان عبد الحميد عن‬
‫سدة الحكم نستطيع القول بأن‪:‬‬
‫السلم الفعلي أزيل من الوجود والشهود وسقطت فلسطين – حقيقية – في يد‬
‫اليهود‪.‬‬
‫يقول أنور باشا – أحد أقطاب الماسونية و النقلب على السلطان عبد الحميد‬
‫مخاطبا جمال باشا أتعرف يا جمال ما هو ذنبنا؟‬
‫نحن لم نعرف السلطان عبد الحميد فأصبحنا آله في يد الصهيونية واشترتنا‬
‫الماسونية العالمية ‪ ,‬نحن بذلنا جهودنا للصهيونية فهذا ذنبنا الحقيقي‪.‬‬
‫ويقول برنارد لويس‪) :‬لقد تعسساون الخسسوة الماسسسون واليهسسود سسسرا علسسى إزالسسة‬
‫السلطان عبد الحميد لنه كان معارضا قويسسا لليهسسود‪ .‬إذا رفسسض بشسسدة إعطسساء أي شسسبر‬
‫أرض لليهود في فلسطين‪.‬‬
‫) الذخائر العظام ‪ /‬ص ‪( 921 :‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 415 [ ‬‬

‫تركيا بعد السلطان عبد الحميد‪:‬‬


‫سقط السلطان المظلوم عبد الحميد بفعل الماسسسونية اليهوديسسة ‪ ,‬وأصسسبحت تركيسسا‬
‫تسير من قبل )جمعية تركيا الفتاة ‪ ,‬وجمعية التحاد والترقي ( السستي أضسسحت لعبسسة بيسسد‬
‫الماسونية ‪ ,‬فقد كانت القومية التركية التي يدعو إليها حزب التحاد والترقي بيد اليهود‬
‫وهكذا توالت النكبات على تركيا ‪ ,‬الخلفة ضعيفة تلعب بها جمعية التحاد والسسترقي‬
‫– الدعاة القوميون – وهم علمانيون ل متدينون ‪ ,‬و المحافل الماسسسونية تنتشسسر انتشسسار‬
‫النار في الهشيم ‪ ,‬والديون تتراكم ‪ ,‬ومن وراء ذلك كله الصابع اليهودية السستي صسسممت‬
‫الطاحة بتركيا لتصل إلى أرض الميعاد ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 416 [ ‬‬

‫‪ - ( 35 ( ‬السلطان محمد رشاد خان الخامس (‪1924 -1909‬م( ‪:‬‬


‫تمت تولية السلطان رشاد وتم يوم ‪ 27‬ابريل سنة ‪ 1909‬و توج السسسلطان رشسساد‬
‫باسم السلطان محمد الخامس ‪.‬‬
‫وكان قد قضى اغلب عمره في قصر زنجيرلسسي كسسوي ‪ .‬إلسسى حيسسن حسسدوث النقلب‬
‫العثماني على السلطان عبد الحميد ‪.‬‬
‫وقد بقي السلطان رشاد حبيسا في قصره فيما كان العسكريون والسياسيون من‬
‫جمعية التحاد والترقي يلعبون بمصير الخلفة ‪.‬‬
‫وقد ورط هؤلء المجرمون الخلفة العثمانيسسة فسسي عهسسده بسسدخول الحسسرب العالميسسة‬
‫الولى إلى جانب ألمانيا ضد الحلفاء ‪ .‬وكان ولي عهده المير وحيد الدين ‪ .‬وقسسد تسسوفي‬
‫السلطان محمد الخامس قبل نهاية الحرب سنة ‪.1918‬‬

‫‪ – ( 36( ‬السلطان محمد السادس ( وحيد الدين ( (‪: (1924-1918‬‬


‫وقد خلف السلطان محمسسد الخسسامس ‪ ,‬وبقسسي كسسذلك حسسبيس قصسسره ‪ ,‬فيمسسا كسسان‬
‫الحلفاء يسيطرون على مقدرات الخلفسسة ويقطعسسون أوصسسالها إربسسا بإشسسراف النكليسسز ‪,‬‬
‫ومؤامرات اليهود ‪ ,‬وتنفيذ الماسون ‪ .‬حيث أبرزت المؤامرات كما سنرى ‪ ,‬مصــطفى‬
‫كمال أتاتورك ‪ .‬وخرجت تركيا محطمة من الحرب العالمية الولى و تقاسمت الدول‬
‫الكبرى ورثة الرجل المريض! كما كانوا يطلقون علسسى تركيسسا ‪ ,‬واسسستراحت أوروبسسا مسسن‬
‫هذا الغول الرهيب الذي كان يقض مضاجعها لقرون طويلة‪.‬‬
‫وجاء مصطفى كمال بعد هزيمته في جبهته في الشرق العربسسي وبسسرزت شخصسسيته‬
‫كقسسائد عسسسكري مسسن خلل بعسسض الشسستباكات العسسسكرية المسسسرحية مسسع اليونسسان ‪.‬‬
‫وانطلقت القلم لتبرزه‪.‬‬
‫وفعل رتبت لدول الكبرى ) ولسيما بريطانيا ( مع مصطفى كمال واشترطت عليسسه‬
‫شروطا في معاهدة لوان )‪ (1922‬حيث كان يمثله فيها عصمت إينونو‪ .‬فاشسترط عليسه‬
‫كرز ون – وزير الخارجية بريطانيا – آنذاك – شروطا أربعة وهي‪:‬‬
‫إسقاط الخلفة في تركيا‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 417 [ ‬‬

‫سحق أية محاولة لعادة الخلفة ‪.‬‬


‫محاربة الشعائر السلمية‪.‬‬
‫اتخاذ قانون غربي للحياة في تركيا بدل الشريعة السلمية ‪ .‬وقبسسل مصسسطفى كمسسا‬
‫بهسسذه الشسسروط وانسسسحبت دول الحلفسساء مسسن تركيسسا وعنسسدما وقسسف مجلسسس العمسسوم‬
‫البريطاني في وجه كرزون الذي وافق على سحب جيوش الحلفاء مسسن تركيسسا ‪ ,‬قسسائلين‬
‫ستعود تركيا مرة أخرى لحتلل أوروبا فقال‪ :‬اطمئنوا‪.‬‬
‫)لن تقوم لتركيا قائمة بعد أن جردناها من السلم والخلفة(‪.‬‬
‫وتمسح مصطفى كمال أول بمسوح الرهبان‪ ,‬وتظهر صسسورة مصسسطفى كمسسال وهسسو‬
‫يلبس ثياب العلمساء فسي عيسد الضسحى ويحمسل السسبحة الطويلسة ويحسث النساس علسى‬
‫الشعائر السلم ومرت اليام وجمع مصطفى كمال العلماء واستشارهم بفصسسل السسدين‬
‫عن الدولة )كالكنيسة( واستنكر العلماء هذه الخطة فطبق مسسسحا بالنواصسسي والعنسساق‬
‫وقتل من العلماء مقتلة كبيرة‪ .‬وأعلن إسقاط الخلفة سنة )‪ (1924‬وناح الناس عليها‪,‬‬
‫وتداعى الناس لينصبوا لهم خليفة ولو كان الخليفة هو ملك مصسسر – ومسسع هسسذا رفضسست‬
‫بريطانيا – أن يعود هذا السم المجرد صورة نظرية مصسسطنعة‪ .‬وبسسذلك كسسان السسسلطان‬
‫) محمد السادس ( آخر الخلفاء العثمانيين وآخر من سسسمي خليفسسة فسسي تاريسسخ السسسلم‬
‫والمسلمين حتى الن ‪ . .‬حيث لم تقم وإلى يومنا هذا خلفة إسسسلمية ‪ .‬وهكسسذا وصسسلت‬
‫جمعية التحاد والترقي إلى الحكم واستراحت من الغسسول الرهيسسب السسذي طالمسسا أقسسض‬
‫مضجعها وأرق أجفانها )عبد الحميد( وأصبحت تركيسسا السسسلمية دميسسة فسسي يسسد اليهوديسسة‬
‫تحركها كيف شاءت وأنى أرادت‪ .‬وأصبحت مقاطعاتها حمسسى مسسستباحا للسسذئاب الغربيسسة‬
‫من أعداء السلم ‪ ,‬وأصبح هذه المارد الجبار )الدولة العثمانية( يؤكل شلوا شلوا ‪.‬‬
‫فابتلع الغرب أول دول البلقان النمسا والمجر والبوسنة والهرسك في تشرين‬
‫الول سنة )‪) (1908‬أي بعد تسلم التحاد والترقي زمام المور( ‪ .‬وبعد إعلن الدستور‬
‫بشهرين فقط ‪ .‬وانفصلت بلغاريا ‪ ,‬واعتدت إيطاليا على ليبيا في خريف سنة )‪(1911‬‬
‫ثم نشبت الحرب البلقانية سنة )‪ . (1912‬وفي هذه السنوات القليلة فقدت الدولة‬
‫العثمانية جميع ولياتها في أوربا )ماعدا تراقيا الشرقية( ‪ .‬وفقدت ذلك الجزء من ليبيا‬
‫الذي يتألف من وليتي طرابلس الغرب وبني غازي – وقد انسحبت تركيا من ليبيا‬
‫بمؤامرة خيانة مكشوفة ل تخفي على كل ذي عينين ‪ ,‬ول يفوتنا أن نذكر أن اليهود‬
‫اليطاليين هم المحافل الماسونية في سالونيك ‪ ,‬وفي بيوت هؤلء اليهود اليطاليين‬
‫كانت نعقد اجتماعات جمعية التحاد والترقي ‪ .‬فليس كبيرا أن تعطي جمعية التحاد‬
‫والترقي ليبيا هدية متواضعة إلى إيطاليا كرد جميل على صنيعهم السابق الكبير‪.‬‬
‫}ول أنسى أن أضيف على سرد الشيخ الشهيد خبر دعوة حكومة القذافي لرئيس‬
‫الكنيست وهو يهودي ليبي لزيارة ليبيا بدعوة رسمية في – نوفمبر ‪ -2004‬بعد أن فتح‬
‫أتاتورك ليبيا ) القذافي ( أبوابها مشرعة للمريكان والوربيين واليهود ‪ ,‬وسلمهم‬
‫سلحها الثقيل طواعية على ظهر السفن إلى المعارض المريكية قبل ذلك بعدة‬
‫أشهر !!{‪.‬‬
‫وفضل عن هذه الخسارة فقدت كريت ‪ ,‬وكانت ميزانية تركيا قد ناءت بأعباء‬
‫النفقات العسكرية‪.‬‬
‫وبدأت محاربة الشسعائر فسي تركيسا ‪ ,‬فمنسع الذان باللغسة العربيسة ‪ ,‬ومنسع اللبساس‬
‫الشرعي ‪ ,‬ومزق رجال المن لدى مصطفى كمال ثياب النساء فسسي الشسسوارع ‪ ,‬وحسسرم‬
‫غطاء الرأس بالنسبة للنساء ‪ ,‬ومنعت الكوفية والعقال )لن العرب يلبسونها( بالنسسسبة‬
‫للرجال ‪ ,‬وفرض لبسسس القبعسسة بالنسسبة للرجسال ومنسع قسراءة القسسرآن بالعربيسسة ‪ .‬وأمسسر‬
‫بترجمته إلى التركية‪ .‬وحول كمال مسجد أيا صوفيا إلسسى متحسسف ‪ ,‬وأقفسسرت المسسساجد‬
‫وخلت المحاريب ‪ ,‬و صوحت المآذن ‪ ,‬وافتقسسد النسساس الشسسباب مسسن طريسسق السسسلم ‪,‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 418 [ ‬‬

‫وأصبح اللقاء على كتاب الله في المسجد جريمة يحاكم عليهسسا القسسانون ‪ ,‬واختلسسف مسسن‬
‫المساجد حلقات العلم و دروس الفقه ‪ ,‬وتوارى العلماء أمامه تحت التراب قتل أو فسسي‬
‫بيوتهم ‪ .‬وتقدم السفهاء ‪ ,‬وتكلمت الرويبضات كما جاء في الحديث ‪:‬‬
‫* ( إن بين يدي الدجال سـنين خداعـة ‪ ,‬يخـون فيهـا الميـن ويـؤتمن‬
‫فيها الخائن ‪ ,‬ويصدق فيها الكاذب‪ ,‬ويكذب فيها الصادق وتفنى الوعول ‪,‬‬
‫وتظهر التحـوت ‪ ,‬قيـل يـا رسـول اللـه مـا الوعــول ومـا التحـوت؟ قـال‪:‬‬
‫الوعول‪ :‬أشراف الناس والتحوت‪ :‬الذين كانوا تحت القدام ل يؤبه لهم(‪.‬‬
‫* وعسسن أبسسي هريسسرة مرفوعسسا‪ ( :‬ل تقــوم الســاعة حــتى يظهــر الفحــش‬
‫والبخــل ‪ ,‬ويخــون الميــن ‪ ,‬ويــؤمن الخــائن ‪ ,‬وتهلــك الوعــول وتظهــر‬
‫التحوت ‪ ,‬قالوا يا رسول الله وما التحوت والوعول؟ قال‪ :‬الوعول وجــوه‬
‫الناس وأشرافهم والتحوت الذين كانوا تحــت أقــدام النــاس ليــس يعلــم‬
‫بهم(‪.‬‬
‫* وفي الحديث الخر الصحيح الذي رواه الطبراني عن عوف بن مالك مرفوعا‪:‬‬
‫(أخاف عليكم ستا‪ :‬إمارة السفهاء ‪ ,‬وســفك الــدماء ‪ ,‬وبيــع الحكــم ‪.‬‬
‫وقطيعة الرحم ‪ ,‬ونشوا يتخذون القرآن مزامير ‪ ,‬وكثرة الشرط (‪.‬‬
‫وبقى مصطفى كمال يواصل الحرب على السلم حتى نهاية حياته وتركيسسا تتحطسسم‬
‫في جميع الميادين وتتراجع في كل مضمار ‪.‬‬

‫*************‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 419 [ ‬‬

‫أهم السباب الداخلية المباشرة التي أدت إلى‬


‫سقوط الخلفة‬
‫أول ‪ :‬انتشار الدعوات القومية ‪:‬‬
‫وخاصسسة ) دعسسوة القوميسسة التركيسسة ) الطورانيسسة ( ‪ ,‬والقوميسسة العربيسسة ‪ ,‬وأشسسراف‬
‫الماسسسون واليهسسود علسسى إحيائهسسا وإذكسساء نسسار التعصسسب والفرقسسة بيسسن أتبسساع القوميسستين‬
‫الرئيسيتين المكونتين للدولة العثمانية ‪.‬‬
‫القومية التركية (الطورانية(‪:‬‬
‫لقد بسسذرت البسسذور الولسسى للقوميسسة التركيسسة فسسي داخسسل الكاديميسسة العسسسكرية فسسي‬
‫إسطنبول مع الساتذة العسكريين اللمسسان السسذين وفسسدوا إلسسى الكليسسة ليسسدربوا التسسراك‬
‫الذين كانوا بحاجة إلى جيش قوي مدرب على وسائل القوة الحديثسسة وأسسساليب القتسسال‬
‫العسكرية ‪ ,‬خاصة وأن تركيا تقاتل العالم بأسره يرميها عن قوس واحدة‪ ,‬فقد وصسسلت‬
‫بعثة عسكرية ألمانية سنة )‪ (1883‬يرأسها الكولونيل )فسسون درجولسسسن( وبقسسي يعمسسل‬
‫قرابة ثلث عشرة سنة تمت خللها بذرة القومية‪.‬‬
‫وأمسسا العامسسل الثسساني لنشسسوء القوميسسة الطورانيسسة هسسو‪ :‬هجسسرة اللجئيسسن المجرييسسن‬
‫والبولنديين إلى تركيا بعد فشل ثورتهم سنة )‪ , (1848‬واعتنق هؤلء السلم وأصسسبحوا‬
‫من الطبقة المتنفذة في الدولة ‪ ,‬ومن هؤلء )قسطنطين بورزيكي( ‪ ,‬وقد سمى نفسه‬
‫بعد ذلك مصطفى جلل الدين باشا ‪ ,‬فلقد كان هسسذا الرجسسل هسسو رأس الفعسسى القوميسسة‬
‫التي نقلت سمها إلى عقول ونفوس التراك ‪ ,‬يقول برنارد لويس‪:‬‬
‫)ولقد عمل يورزيسكي على نقسسل القوميسسة البولونيسسة ووضسسعها فسسي قسسالب تركسسي ‪,‬‬
‫وساعده على هذا العمل ما عرضه مسسن أعمسسال المستشسسرقين الغربييسسن البسساحثين فسسي‬
‫الشئون التركية ‪ ,‬وكان لها تسسأثيرا هسسام فسسي تقسسدير التاريسسخ السستركي القسسديم ‪ ,‬والعتقسساد‬
‫بالهوية المميزة(‪.‬‬
‫ول يفوتنا أن نعود فنذكر بأن جمعية التحاد والترقي كلهم ماسون )يهودية عالميسة(‬
‫‪ ,‬وأن يهود سالونيك هم اليد المحركة لهذه الجمعيسسة وهسسم داخلسسون فيهسسا ‪ .‬ونعسسود مسسرة‬
‫أخرى فنذكر بكلم سسستون وتسسسون‪ ) :‬إن الحقيقسسة البسسارزة فسسي تكسسوين جمعيسسة التحسساد‬
‫والترقي أنها غير تركية وغير إسلمية ( فأطاحت بعبد الحميد وبتركيا وبالسلم‪.‬‬
‫ولقد كان لهذه الدعوة إلى القومية التركية أثر سيء انعكس في نفوس الشسسعوب‬
‫السسسلمية السستي تخضسسع للسسسيادة العثمانيسسة ‪,‬و بسسدؤوا يطسسالبون بالسسستقلل ويشسسكلون‬
‫الجمعيات السرية لمحاربة تركيا ‪ ,‬خاصة بعد السسسلوك المشسسين الغريسسب السسذي سسسارت‬
‫عليه جمعية التحاد والترقي ‪ ,‬وعلى رأس هذه الشعوب العرب الذين اتخسسذوا مسسن هسسذا‬
‫السلوك مبررا للوقوف بجانب بريطانية ضد التراك في الثورة العربية الكسسبرى بقيسسادة‬
‫الشريف حسين ‪ ,‬وكان لها من النتائج الوخيمة على العالم السلمي‪.‬‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة ‪] 420 [ ‬‬

‫فقد كتب ستون وستون يقول‪:‬‬


‫) إن الحقيقة البسسارزة فسسي تكسسوين جمعيسسة التحسساد والسسترقي أنهسسا غيسسر تركيسسة وغيسسر‬
‫إسلمية ‪ ,‬فمنذ تأسيسها لم يظهر بين زعمائها وقادتهسسا عضسسوا واحسسد مسسن اصسسل تركسسي‬
‫صاف ‪ ,‬فسأنور باشسا هسو ابسن رجسل بولنسدي مرتسد وكسان جاويسد مسن الطائفسة اليهوديسة‬
‫المعروفة )دونمة( ‪ ,‬وكراسو من اليهود السبان القاطنين في مدينسسة سسسالونيك ‪ ,‬وكسسان‬
‫طلعت باشا من أصل غجري اعتنق السلم دينا ‪ ,‬وأمسا أحمسد رضسا أحسد زعمسائهم فسي‬
‫تلك الفترة فكان نصفه غجريا إلى جانب كونه من أتباع مدرسة كونت الفلسفية(‪.‬‬
‫ويضيف ستون وتسون قائل إن أصحاب العقول المحركة وراء الحركة كسسانوا يهسسودا‬
‫أو مسلمين من أصل يهودي ‪ ,‬وأما العون المالي فكان يجيئهسسم عسسن طريسسق )الدونمسسة(‬
‫ويهود سالونيك الثرياء ‪ ....‬كما أنه كانت تأتيهم معونات مالية من الرأسمالية الدولية –‬
‫أو الشبيهة بالدولية – من فينا وبودبست وبرلين من باريس ولندن(‪.‬‬
‫ويقول هربرت أبري‪:‬‬
‫)كان يهود سالونيكا يهوديا ويعرفون )بالدونمة( – أي المرتدون – شركاء الثورة التركية‬
‫الحقيقيين ‪ ,‬وهؤلء هم من العرق اليهودي ‪ ,‬ولكن معتقدهم قد ل يكون يهوديا أصل ‪,‬‬
‫والعتقاد الشائع بين الناس هو‪ :‬أنهم مسلمون بالسم ‪ ,‬وأما بالفعل فإنهم من أتباع‬
‫توراة موسى ‪ ...‬وفي تلك الفترة التي نحن بصددها لم يعرف أحد من الناس شيئا‬
‫عنهم ‪ ,‬سوى قلة من العلماء المختصين بدراسة الشرق الدنى ‪ ,‬ولم يكن أحد من‬
‫الناس يجرؤ أن يتنبأ أن هذه اليهودية المعروفة )بالدونمة( ستلعب دورا رئيسيا في‬
‫ثورة كان لها نتائج خطيرة في سيرة التاريخ(‪.‬‬
‫يقول توينبي‪:‬‬
‫) إن الضباط في تركيا الحميدية هسسي الطبقسسة الوحيسسدة السستي اسسستطاعت أن تفتسسح‬
‫نافذة فكرية دائمة تنفذ عن طريقها التأثيرات الغربيسسة فسسي سسسنة )‪ (1908‬وبعسسد ثلثيسسن‬
‫عاما من حكم استبدادي مظلم كان الجيسسل السستركي الجديسسد مسسن العسسسكريين هسسو رأس‬
‫الحربة لهجوم الليبرالية الغربية على تركيا (‪.‬‬

‫وثيقة الســفير البريطــاني فـي اسـتانبول ( لروز( سـنة ‪ 1910‬حـول‬


‫العلقة بين جمعية التحاد والترقي وبين اليهود و الماسونية ‪:‬‬
‫هذه الوثيقة السرية هي أصل رسسسالة سسسرية جسسدا أرسسسلها السسسفير البريطسساني فسسي‬
‫القسسسطنطينية )السسسير جيسسرار ولوزر( بتاريسسخ )‪29/5/1910‬م( إلسسى وزيسسر الخارجيسسة‬
‫بريطانيا )السير ش‪ .‬هارونج( وتحوي معلومات دقيقة حول العلقة بين ) جمعية التحاد‬
‫والترقي ( واليهود و الماسونية‪.‬‬
‫كشف عنها النقاب في بريطانيسسا حسسديثا ‪ ,‬وقسسد نشسسرتها مجلسسة‬ ‫وهذه الوثيقة السرية ُ‬
‫)المجتمسسع الكويتيسسة( ابتسسداء مسسن )‪25/12/1978‬م( فسسي العسسداد )‪ (425.429‬نقل عسسن‬
‫مجلة آفاق العراقية ‪ .‬ونقتطف منها الجزاء الهم‪:‬‬
‫] ‪ -‬في مدينة ) سالونيك( } مدينة يونانيسسة كسسانت آنسسذاك تحسست الحكسسم العثمسساني {‬
‫مائة وأربعون ألف نسمة ‪ ,‬منهم ثمانون ألف نسمة يهودي من أصل أسباني )أي هربوا‬
‫من أسبانيا( )‪ (20.000‬يهودي من سسسبط )لوي( أو مسسن اليهسسود المتظسساهرين بالسسسلم‬
‫والذين يدعون )يهود الدونمة (‪.‬‬
‫‪ -‬ومعظم اليهود السبان يتمتعون بالجنسية اليطالية ‪ ,‬وهم ماسسسونية ينتمسسون إلسسى‬
‫المحافسسل اليطاليسسة ‪ .‬فهسسم لسسذلك يتمتعسسون بالحصسسانة الممنوحسسة للجسسانب فسسي الدولسسة‬
‫العثمانية ضد الملحقة والتفتيش‪.‬‬
‫‪ -‬أسسسس اليهسسودي ) قسسره صسسو( قبسسل بضسسعة أعسسوام فسسي سسسالونيك – بالتعسساون مسسع‬
‫الماسونية اليطالية – محفل ) ماسيدونيا روزيتسسا ( ‪ ,‬وأقنسسع رجسسال تركيسسا الفتسساة ضسسباطا‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 421 [ ‬‬

‫ومدنيين بالنتماء إلى الماسونية ‪ ,‬وهدفه فرض النفوذ اليهودي على الوضسساع الجديسسدة‬
‫في تركيا‪.‬‬
‫يظهر أن المخططين لحركة تركيا الفتاة في سسسالونيك كسسانوا بالدرجسسة الولسسى مسسن‬
‫اليهود‪.‬‬
‫بعد ثورة )‪1908‬م( بقليل أصبح من المعروف بأن عددا كبيرا من قاداتها كانوا من‬
‫الماسونية ‪.‬‬
‫جميع اليهود على الطلق كانوا مؤيدين متحمسين للعهد الجديد‪.‬‬
‫أصبح كل اليهودي جاسوسا لجمعية التحاد والترقي ‪.‬‬
‫بدأ الناس يقولون‪ :‬إن الحركة اليهودية أكثر منها تركية ‪.‬‬
‫عينت إيطاليا اليهسسودي )بريمسسوليفي( قنصسسل عامسسا فسسي سسسالونيك وعينسست الوليسسات‬
‫المتحدة ) أوسكار شتراوس( سفيرا لها في القسطنطينية ‪ ,‬وكان شتراوس يهودي ‪.‬‬
‫العقيد اليهودي الدونمه )رمزي بيك( كان قائد الفواج الربعة التي أرسلت خصيصا‬
‫من سسسالونيك إلسسى القسسسطنطينية وقسسد عيسسن رئيسسسا لركسسان حسسرب السسسلطان ) محمسسد‬
‫الخامس (‪ ,‬وعندما خلع السلطان ) عبد الحميد ( واعتقل في سالونيك عين أخ لرمزي‬
‫بيك مشرفا على السلطان في سجنه‪.‬‬
‫أعلن المؤتمر الصهيوني التاسع المنعقد في هاسبورج في شهر كانون الول سنة )‬
‫‪1909‬م( أن إنقسام اليهود إلسسى صسهيونيين ‪ ,‬ودعساة للهجسسرة إلسى منسساطق أخسرى غيسر‬
‫فلسطين ‪ ,‬قد انتهى بفضل ) معجسسزة الثسسورة التركيسسة ( بمعنسسى أن فلسسسطين أصسسبحت‬
‫مضمونة بل شك ‪.‬‬
‫ُ‬
‫بعد خلع عبد الحميد أعلنت الحكام العرفية لمسسدة سسسنتين ‪ ,‬وكسسان معظسسم الضسسباط‬
‫في المحاكم العرفية ماسونيين ‪.‬‬
‫مدير المطبوعات في الدولة يهودي من سالونيك وله سلطة إيقاف أي جريدة‪.‬‬
‫وكالسسة النبسساء التلغرافيسسة – السستي تقسسدم رأي التحسساديين فسسي الحسسداث الداخليسسة‬
‫والخارجية – مديرها يهودي من بغداد‪.‬‬
‫رئيس الفسسرع الرئيسسسي لجمعيسسة التحسساد والسسترقي فسسي القسسسطنطينية يهسسودي مسسن‬
‫سالونيك‪.‬‬
‫مديرية المن العام في الدولة بيد ماسوني من سلنيك‪.‬‬
‫في مقدونيا والقسطنطينية ظهر خلل العام الماضسي )‪1909‬م( إثنتسسا عشسسر محفل‬
‫ماسونيا جديدا‪.‬‬
‫ُأفهم الموظفون وغيرهم – من ذوي المناصسسب المهمسسة – أن مناصسسبهم ومسسواردهم‬
‫رزقهم تتوقف على دخولهم في المحافل الماسونية ‪.‬‬
‫لكي تشدد الجمعية قبضتها على الجيش أدخل عدد كبير من الضباط – وخاصة من‬
‫ذوي الرتب الصغيرة – في محفل ماسوني يسمى ) ريسنا ( بلد ) نيازي بيك( ‪ ,‬ويرأس‬
‫المحفل أخوه النقيب ) عثمان فهمي بك (‪.‬‬
‫دخل في الماسونية معظسسم نسسواب الجمعيسسة فسسي مجلسسس المبعوثسسان والعيسسان فسسي‬
‫المحفل الذي يسمى ) الدستور ( وكان من كبار رؤسائه ) طلعت بيك (‪.‬‬
‫نواب المعارضة وخاصة العرب بدؤوا ينشئون لهم محافل خاصة بهم مثل ) محفسسل‬
‫التآخي العثماني ( ) أصدقاء الحرية ( أو ينضمون إلى المحفل القائمة‪.‬‬
‫طائفة البكطاشية تفشت بينهم الماسونية ‪.‬‬
‫فسسي المسسدة السستي بيسسن )‪1909‬م‪1910 -‬م( أنشسسئت المحافسسل الماسسسونية التاليسسة‪:‬‬
‫) الوفاء الشرقي ‪ ,‬نهضة بيزنيطة ‪ ,‬الصدقاء الحميمسسون للتحسساد والسسترقي ‪ ,‬الحقيقسسة ‪,‬‬
‫الوطن النهضة ‪ ,‬وفرع من محفل ) نهضة مقدونيا ( ‪ ,‬الفجسسر ( ‪ .‬ويبسسدوا أن جميسسع هسسذه‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 422 [ ‬‬

‫المحافل الماسونية – مثل شبكة المحافسسل الماسسسونية فسسي سسسالونيك ومقسسدونيا – كسسان‬
‫يقودها أو يخطط لها اليهود‪.‬‬
‫الميسسر المصسسري سسسعيد حليسسم وأخسسوه الميسسر عبسساس حليسسم والميسسر عزيسسز حسسسن‬
‫ماسونييون‪.‬‬
‫إدريس بيك راغب – رئيس المحفل المصسسري العظسسم – هسسو المؤسسسس والمهيمسسن‬
‫على عدد من المحافل الماسونية في مصر وسوريا وفلسطين ولبنان‪.‬‬
‫عدد كبير من الروم الكاثوليك في لبنان ماسونييون‪.‬‬
‫محمد أورفي باشا أسس عددا من المحافل الماسونية في مصر والقدس وجنسسوب‬
‫سوريا‬
‫يوسف بيك السكاكيني من زعماء الماسون‪.‬‬
‫الزعيسسم السسوطني المصسسري ) محمسسد فريسسد ( ماسسسوني كسسبير عيسسن ممثل فسسي مصسسر‬
‫لمحفل الشرق العثماني العظم واقيمسست حفلسسة التنصسسيب فسسي محافسسل ماسسسوني فسسي‬
‫)طنطا(‪.‬‬
‫) حاييم ناحوم ( حاخام الطائفة اليهودية الكبر الجديد في تركيا كان زميسسل دراسسسة‬
‫لعدد من أعضاء جمعية أعضاء التحاد والترقي البارزين‪.‬‬
‫) طلعت وجاويد ( يمثلن قمة الماسونية في تركيا ‪ ,‬وطبعا جاويد يهودي‪.‬‬
‫ومنذ أن أصبح طلعت وزيرا للداخلية ‪ -‬قبل حوالي سنة – عمل علسسى نشسسر شسسبكة‬
‫الماسونية في جميع مناطق الدولة ‪ ,‬وأخذ يسند إلى الماسونيين الوظائف الكبرى فسسي‬
‫القاليم‪.‬‬
‫و قال )لوزر( ‪ :‬يتبين من هذا أن الحكومة الخفية لتركيا إنما هسسي محفسسل الشسسرق‬
‫العظم الماسوني وعلى رأسه الستاذ العظم )طلعت بيك(‪.‬‬
‫الماسونية تمد نشاطها من تركيا إلى إيران ‪ .‬وجمعيسة التحساد والسترقي الماسسونية‬
‫وراء النقلب الذي وقع في إيران ويدور الحديث الن حول بدء بإنشاء محفسسل الشسسرق‬
‫الماسوني في إيران ‪ ,‬و ) فرح الله خان ( القائم بأعمال السفارة اليرانية الجديدة في‬
‫القسطنطينية انضم إلى الماسونية حديثا ‪.‬‬
‫يهتم اليهود أعظم الهتمام بالحتفاظ بنفسسوذهم المطلسسق فسسي مجلسسس وزراء تركيسسا‬
‫الجديدة‪.‬‬
‫يهتم اليهود أعظم الهتمام بإيقاد شعلة الفرقة والخصام بين التراك وبيسسن خصسسوم‬
‫اليهود المحتلين‪.‬‬
‫الممولون اليهود يرحبون بتقديم القروض للعهد الجديد في تركيسسا مقابسسل مكاسسسب‬
‫إقتصادية‪.‬‬
‫لليهود نفوذ هائل في الصحافة الوربية‪.‬‬
‫اليهود يسعون إلى تحقيق أهداف إسرائيل العليا في المستقبل‪.‬‬
‫قد أحكم اليهود سيطرتهم على هؤلء التراك الشبان‪.‬‬
‫اليهود يمولون جريدة ) تركيا الفتاة( وعددا أخر من الجرائد في القسطنطينية ‪.‬‬
‫الممولسسون الوروبيسسون – ومعظمهسسم مسسن اليهسسود – يسسزودون تركيسسا الن بالمبسسالغ‬
‫المطلوبة‪.‬‬
‫جمعية التحساد والسسترقي الماسسونية تشسجع الثسوريين اليهسسود والرمسن علسى تفجيسر‬
‫القلقل والضطرابات والتوازن في روسيا القيصرية ‪.‬‬
‫أعضاء جمعية التحاد والترقي يقلدون الثورة الفرنسسسية فسسي أسسسالبيها بتسسوجيه مسسن‬
‫اليهود ‪.‬‬
‫اليهود يزينون للتراك اللتقاء مع الهنغاريين ) المجر ( بسسدافع القوميسسة الطورانيسسة ‪,‬‬
‫لن المجريين من أصل طوراني‪ .‬وجميع هذه المعلومات حصسسلنا عليهسسا مسسن ماسسسونيين‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 423 [ ‬‬

‫محليين في سرية تامة‪ [.‬أهس ‪.‬انتهت وثيقة السفير البريطاني ) لوزر ( التي كتبها سسسنة‬
‫)‪1910‬م(‬

‫) نقل عن كتاب )الذخائر‪ . (740 -738 /‬للشيخ عبد الله عزام رحمه الله (‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬الثورة العربية الكبرى ‪:‬‬


‫ووقوف الشريف حين إلى جانب بريطانيا في الحرب العالمية الولى ضسسد الخلفسسة‬
‫العثمانية ‪ ,‬بعد أن خدعه النكليز وأوهموه بأنهم سيساعدونه على إقامسسة خلفسسة عربيسسة‬
‫في جزيرة العرب والشام والعراق ‪.‬‬
‫وقد كان الشريف حسين يتلمس المناسبة للتخلص من الحكم التركي ‪ ,‬خاصة وأنه‬
‫أحس أن التحاديين سنة )‪ (1914‬يريدون التخلص منه ‪ .‬وكان عبد الله بن الشريف‬
‫حسين }جد )الملك حسين (الهالك ‪ ,‬والد )الملك عبد الله ( الحالي سلسل عمالة‬
‫النكليز والخيانات المتتالية { ‪.‬‬
‫وكان عبد الله بن حسين آنذاك نائبا في البرلمان التركي ‪ ,‬وقد اتصل بكتشنر‬
‫)المعتمد البريطاني في مصر( و رونالد ستورز المستشار الشرقي في دار العتماد‬
‫البريطاني ‪ .‬وأطلعه على النفور الشديد بين أبيه وبين التراك ‪ .‬وسأله عن إمكانية‬
‫وقوف بريطانيا بجانب الشريف فيما إذا أعلن الشريف الحرب على تركيا ‪ ,‬إل أنه لم‬
‫يلق أي تشجيع منهما ‪ ,‬وقال كتشنر‪ :‬ليس من المحتمل أن تقف بريطانيا بجانب أبيك‪.‬‬
‫)وكان المير عبد الله نفسه عضوا في إحدى الجمعيات السرية ‪ ,‬وكان مؤمنا‬
‫بفوائد التفاهم النجليزي العربي متحمسا له( ونشبت الحرب الكبرى في آب سنة )‬
‫‪ , (1914‬وكان عبد الله متحمسا لعلن الحرب على تركيا‪ ,‬بينما كان أخوه المير‬
‫فيصل يرى الوقوف معها ‪.‬‬
‫وفي سنة )‪ (1915‬زار فيصل دمشق واستانبول ‪ ,‬وفي دمشق انضم إلى جمعية‬
‫)العربية الفتاة( وأقسم على نصرتها ‪.‬‬
‫وأعلن الشريف الحرب على تركيا يوم الثنين )‪ (5‬حزيران سنة )‪.(1916‬‬
‫)وسبحان ربي! كانت هزيمة العرب في )‪ (5‬حزيران يوم الثنين سنة ‪.!!! (1967‬‬
‫ومن جانب قبر حمزة بن عبد المطلب ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬بالمدينة أعلن الحرب‬
‫بعد أو وعدته بريطانيا باستقلل بلد العرب وبتتويجه ملكا عليها ‪ ,‬وكان كتشنر قد‬
‫أصبح وزيرا للحربية البريطانية ‪ ,‬واستلم مكماهون معتمدا بريطانيا في مصر ‪ ,‬وحدثت‬
‫الكاتبات المعروفة بينه وبين مكماهون ) مراسلت حسين ‪ -‬مكماهون (‪ ,‬ووعدوه بملك‬
‫البلد العربية بعد استقللها‪.‬‬
‫هزم‬ ‫واندفع الشريف حسين بكل طاقته يؤجج نار الحمية العربية ضد التراك ‪ ,‬و ُ‬
‫التراك ‪ ,‬وحصلت اتفاقية )سايكس بيكو( لتقسيم البلد العربية بين بريطانيا وفرنسا ‪,‬‬
‫وأعطيت فسلطين لليهود بوعد بلفور ‪ ,1917‬وكان الجزء الجميل للشريف حسين أن‬
‫نفته بريطانيا ست سنوات وسلبت ملكه !! ولقد كانت الصدمة عنيفة لعصاب‬
‫الشريف حتى داهمه الفالج وذاب جسده حسرة وألما ‪ ,‬وكان يصب جام غضبه طيلة‬
‫بقية حياته على مكماهون و لويد جورج – الوزير البريطاني المعروف‪.‬‬
‫يقول جورج أنطونيوس‪:‬‬
‫)لقد زرته قبل موته بأشهر سنة )‪1931‬م( ‪ ,‬وقد قلصه الفالج وابيض وجهه‬
‫الوسيم من شحوب الموت ‪ ...‬فقال لي‪ :‬النجليز يا ولدي قوم شرفاء في أقوالهم‬
‫وأفعالهم ‪ ,‬في سراء والضراء‪ :‬شرفاء !‪ ,‬ماعادا صاحب السعادة الموقر الهمام لويد‬
‫جورج فهو أشبه بالبهلوان وبالثعلب ‪ .‬أقول‪ :‬ثعلب ‪ ,‬حاشا مقامك رحم الله صاحب‬
‫السعادة كتشنر !!(‪.‬‬
‫كانت هذه النتيجة السيفة الليمة للتعاون مع النجليز ‪ .‬وصدق الله العظيم ‪:‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 424 [ ‬‬

‫م فَت َن ْ َ‬
‫قل ُِبوا‬ ‫م عََلى أ َعْ َ‬
‫قاب ِك ُ ْ‬ ‫دوك ُ ْ‬ ‫ن كَ َ‬
‫فُروا ي َُر ّ‬ ‫طيُعوا ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ن تُ ِ‬
‫مُنوا إ ِ ْ‬
‫نآ َ‬
‫ذي َ‬
‫َ‬
‫( َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن ( )آل عمران‪(149:‬‬ ‫ري َ‬‫س ِ‬
‫خا ِ‬
‫َ‬
‫ولقد حذر بعض الصادقين العقلء الشريف حسين من مغبة غدر النجليز ومن‬
‫هذه الفاجعة المتوقعة ‪ ,‬فد كتب ) المير أرسلن ( إلى الشريف عندما بلغه عزم لغزو‬
‫سوريا مع جيوش الحلفاء قائل ‪) :‬أتقاتل العرب بالعرب أيها المير؟! حتى تكون ثمرة‬
‫دماء قاتلهم و مقتولهم استيلء إنجلترا على الجزيرة العرب وفرنسا على سوريا‬
‫واليهود على فلسطين ؟!(‪.‬‬
‫يقول لورنس في كتابه (أعمدة الحكمة السبعة( ‪ ) :‬لقد كنت أعلم أننا‬
‫إذا كسبنا الحرب إن عهودنا للعرب ستصبح أوراقا ميتة ‪ ,‬ولو كانت ناصحا شريفا‬
‫للعرب لنصحتهم بالعودة إلى بيوتهم ‪ ,‬لقد كان قادة الحركة العربية يفهمون السياسة‬
‫الخارجية فهما عشائريا بدويا ‪ ,‬وكانت بريطانيا والفرنسيون يقومون بمناورات جريئة‬
‫اعتمادا على سذاجة العرب وضعفهم وبساطة قلوبهم وتفكيرهم ‪ ,‬ولهم ثقة بالعدو ‪...‬‬
‫إنني أكثر فخرا أن الدم النجليزي لم يسفك في المعارك الثلثين التي خضتها ‪ ,‬لن‬
‫جميع القطار الخاضعة لنا لم تكن تساوي في نظري موت إنجليزي واحد(‪!!.‬‬
‫ويقول وايزمان ‪) :‬لقد قدم لنا لورنس خدمات جليلة( ‪.‬‬
‫وهذا هو لجاسوس لورنس المشهور الذي كانوا يسمونه – ) لورنس العرب (‬
‫ويلقبونه ‪) :‬ملك العرب غير المتوج ( !!‪.‬‬
‫مقارنة بين القومية الطورانية والقومية العربية‪:‬‬
‫لقد التفت القومية الطورانية ) التركية ( والعربية على أشياء أهمها‪:‬‬
‫أن الغرض من كل منهما هو القضاء على تركيسسا المسسسلمة ‪ ,‬وعلسسى السسسلطان عبسسد‬
‫الحميد بالذات‪.‬‬
‫لقد بدأت القوميتان في وقت واحد تقريبا وإن كانت القومية العربيسسة تقسسدمت قليل‬
‫على الطورانية‪.‬‬
‫القوميتان علمانيتان اتفقا على استبعاد السلم عن الحياة ‪.‬‬
‫إن كل مسسن القوميسستين نشسسأتا فسسي محاضسسن أجنبيسسة فالقوميسسة العربسسي نشسسأت فسسي‬
‫المحاضن المريكيسسة وفسسي الجامعسسة المريكيسسة‪ ,‬بينمسسا الطورانيسسة نشسسأت فسسي المحافسسل‬
‫الماسونية اليهودية التي يشرف عليها اليهود السبان والبولنديون اليطاليون‪.‬‬
‫إن الرواد الوائل لكل من الدعوتين لم يكونوا مسلمين أصل ول من الجنسسس السسذي‬
‫يسسدعون إلسسى قسسوميته ! فمثل )بسسورزيكي( السسذي سسسمى نفسسسه مصسسطفى جلل السسدين –‬
‫بولندي الصل – عمسسل علسى نقسل القوميسة البولنديسسة وصسبها فسي قسالب تركسسي ‪ ,‬ومنسذ‬
‫تأسيس جمعية التحاد والترقي ‪ ,‬لم يظهر بين زعمائها وقادتها واحسسد مسسن أصسسل تركسسي‬
‫صاف ! فأنور باشا بولندي مرتد ‪ ,‬و جاويد مسسن الطائفسسة اليهوديسسة )دونمسسة( ‪ ,‬و كراسسسو‬
‫) من اليهود السبان( في سالونيك ‪ ,‬وطلعت باشا من أصل غجسسري ‪ ,‬وأمسا أحمسسد رضسا‬
‫فنصفه شركسي ونصفه مجري ومتأثر بالفيلسوف ) كونت ( !‪.‬‬
‫و الرواد الوائل للقومية العربية كسسانوا جمعيسسا مسسن غيسسر المسسسلمين ! مسسن بطسسرس‬
‫البستاني ‪ ,‬و ناصيف وابنه إبراهيم اليازجي ‪ ,‬والشسسدياق ‪ ,‬وأديسسب إسسسحق ‪ ,‬ونقسساش ‪ ,‬و‬
‫شميل ‪ ,‬و تقل و صروف ‪ ,‬و زيدان ‪ ,‬ونمر ‪ ,‬و مشاقة ‪ , ...‬كل هؤلء على الطلق من‬
‫النصارى !! ثم جاء القرن العشسسرون وكسسان مسسن قسسادتهم ‪ :‬زكسسي الرسسسوزي ) نصسسيري‬
‫تركماني (‪ ,‬وميشيل عفلق ) نصراني ( زوجتسسه يهوديسسة ! وهمسسا قسسائدا حسسزب البعسسث‪ .‬و‬
‫أنطون سعادة وجورج عبد المسيح ‪ ,‬من قادة الحزب القسسومي السسسوري ‪ ,‬نصسسرانييان !‬
‫وجورج حبش – من قادة القوميين العرب كذلك !!‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 425 [ ‬‬

‫يقول الكاردينال بريتسسولي للبابسسا ‪ ) :‬إن المسسسيحية فسسي الشسسرق هسسي السستي زرعسست‬
‫الحركات الثورية وحركات التغيير ‪ ,‬وإن أسماء مثل ميشسسيل عفلسسق‪ ,‬وأنطسسوان سسسعادة‪,‬‬
‫وجورج حبش قد تفسر لك ما أعنيه (‪!!.‬‬
‫إن الصابع الماسونية‪ -‬اليهودية – كانت تحسسرك طلئع الحركسستين‪ ,‬فالخمسسسة الوائل‬
‫الذين أنشأوا )جمعية بيروت السرية ( كلهم من الماسون‪ .‬وكذلك الذين نادوا بالقوميسة‬
‫الطورانية هم من الماسون ‪.‬‬
‫تأثرت القومية العربية بالنظريات المريكية‪ ,‬وتأثرت الطورانية بسسالثورة الفرنسسسية‪.‬‬
‫يقول فيليب حتى – أحد مؤرخي وفلسفة القومية العربية ! ‪ ) :-‬كان من نتاج الحتكاك‬
‫بيسسن العقليسسة السسسورية والنتسساج الفكسسري الغربسسي أن تولسسدت مبسسادئ القوميسسة العربيسسة‬
‫الشاملة ‪ ,‬واستمدت وحيها بالكثر مسسن النظريسسات المريكيسسة ‪ ,‬بخلف القوميسسة التركيسسة‬
‫التي جاءت متأخرة عن العربية والتي استمدت إلهامها من مبادئ الثورة الفرنسية (‪.‬‬
‫كانت الصابع اليهودية بارزة في القوميسسة التركيسسة‪ ,‬ل يسسزال اليهسسود يحرصسسون علسسى‬
‫ربط العرب بقوميتهم‪.‬‬
‫يقول ( أبا إيبان ( ‪ -‬الذي كان وزير خارجية إسرائيل – فسسي محاضسسرة لسسه‬
‫في جامعة برنستون المريكية ‪ ) :‬يحاول بعض الزعماء العرب أن يتعسسرف علسسى نسسسبة‬
‫المسسد السسسلمي بعسسد الهزيمسسة الخيسسرة )‪ , (1967‬وفسسي ذلسسك الخطسسر الحقيقسسي علسسى‬
‫إسرائيل‪ ,‬ولذا كان من أولى واجباتنا أن نبقي العرب على يقين راسخ بنسبهم القسومي‬
‫ل السلمي (‪.‬‬
‫) الذخائر ج ‪.(895 -893 /1‬‬
‫*************‬

‫مصطفى كمال يحطم تركيا ويلغي الخلفة‬


‫ولد ) أتاتورك ( سنة )‪ (1880‬في مدينة سالونيك وهسسي – كمسسا مسسر معنسسا ‪) -‬مدينسسة‬
‫يونانية ‪ -‬يهودية ( حيث يقطنها )‪ (140‬ألف منهم )‪ (80‬ألفا من اليهود السسسبان و )‪(20‬‬
‫ألفا من يهود الدونمة ) أي المتظاهرين السلم(‪.‬‬
‫ينسب مصطفى كمال رسميا إلسسى ) علسسي رضسسا( وأمسسه ) زبيسسدة ( وتحيسسط شسسكوك‬
‫كثيفة حول نسبه ‪ ,‬فمصطفى ل يعترف بأبيه ) علي رضا ( ويقال‪ :‬إن أصسسل أبسسويه مسسن‬
‫ألبانيا‪.‬‬
‫ولقد راجع مصطفى كمال دائرة النفوس في ) سالونيك( وأسقط قيد البوة عنه‪.‬‬
‫ويقال أن زبيدة حملت به سفاحا من شخص اسمه ) أبدو مسن آغسسا ( لنهسسا كسسانت‬
‫تعمل في أحد مواخير سالونيك ‪ ,‬فولد أتاتورك ل يعلم اسم جده لمه ول لبيه‪.‬‬
‫التحق بمدرسة دينية ‪ ,‬ثم ألحقته أمه بمدرسة عصرية ثم دخسسل المدرسسسة الحربيسسة‬
‫في سالونيك سنة )‪1893‬م( وبعد أربع سنوات تخرج من المدرسة البتدائية العسكرية‬
‫الثانوية في )موناستر( بالبلقان حيث كانت الفتنة متأججة على الخلفة‪.‬‬
‫وبمعونة أصحابه نقل إلسسى سسسالونيك فسسي صسسيف سسسنة )‪1907‬م( وعيسسن فسسي دائرة‬
‫أركان الجيش الثالث ‪ .‬وهناك دخل في جمعية التحسساد والسسترقي فوجسسد فيهسسا منافسسسين‬
‫أقوى منه مثل أنور باشا ‪ ,‬وطلعت بيك فحصل بينه وبينهم نزاع ‪ .‬وفي سنة )‪1908‬م(‬
‫قام النقلب العثماني على السلطان عبد الحميد مسسن أجسسل إعلن الدسسستور ) للتسسسوية‬
‫بين اليهود والنصارى والمسلمين( ونجحت الحركة ولم يشترك مصطفى كمال فيها ‪.‬‬
‫وفي هذا العام نفسه سسسنة )‪1908‬م( أرسسسل إلسسى ) طرابلسسس الغسسرب فسسي ليبيسسا(‬
‫لبعسساده ‪ ,‬ثسسم رجسسع واشسسترك مسسع حركسسة ) محمسسود شسسوكت ( سسسنة )‪1909‬م( لسسسقاط‬
‫السلطان عبد الحميد ‪ ,‬وكان آنذاك أحد ضباط الركان وليس رئيسا للركان‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 426 [ ‬‬

‫وفي سنة )‪1910‬م( ُأرسل إلى فرنسا لحضور مناورات عسسسكرية ‪ ,‬وبعسسد أن رجسسع‬
‫من فرنسا عين مشرفا على مدرسة الضباط فامتل حقدا على التحسساد ييسسن لتجسساهلهم‬
‫إياه فنقلوه قائدا لفرقة المشاة الثامنة والثلثين في سالونيك‪.‬‬
‫ثم أغارت إيطاليا على ليبيا فُأرسل مصطفى ورقي إلى درجة بكباش‬
‫ثم أرسلوه إلى الشام سنة )‪1917‬م( وكان قد وصل إلى رتبة لواء أي باشا وصسسار‬
‫مساعدا لقائد الجيش الثاني ‪ .‬ثم عين قائدا لجبهة فلسطين‪:‬‬
‫وفي فلسطين تمت الصفقة مع ) اللنبي ( القائد النجليزي الذي احتل فلسسسطين ‪,‬‬
‫واتفق النجليسسز مسسع مصسسطفى كمسسال علسسى النسسسحاب ‪ .‬ليسسدخل اللنسسبي بسسردا وسسسلما ‪,‬‬
‫وليضرب الجيوش التركية الربعة ضربة قاصمة بعسسد أن ارتسسد اللنسسبي خائبسسا مسسن أبسسواب‬
‫السلط بعد أن هزمه جمال باشا قائد الجيش الرابع‪.‬‬
‫وكانت نتيجة هذه الخيانة تحطيم تركيا إلى البد ‪ ,‬وأما نتيجة المعركة فكانت كارثة‬
‫‪:‬‬
‫كان عدد السرى يقرب من مائة ألف جندي عدا القتلى برصاص الدروز والرمن ‪.‬‬
‫وبعد انتصار اللنبي حضر إلى اسطنبول فطلسسب مسسن الدولسسة التركيسسة المهزومسسة أن‬
‫تعين مصطفى كمال قسائدا للجيسش السسادس قسرب الموصسل حيسث النفسوذ النجليسزي‬
‫ومنطقة البترول لحماية مصالح النجليز وأمنهم هناك‪.‬‬
‫وكان مصطفى كمال بعد الهزيمة الكبرى السستي كبسسدها تركيسسا ‪ ,‬وبعسسد رجسسوعه كسسان‬
‫على صلة بالقس المشهور )‪ (FRID‬فرد الذي كان رئيسا للستخبارات النجليزيسسة فسسي‬
‫تركيا‪.‬‬
‫و كان مصطفى كمال على صلة وثيقة بالسلطان وحيد الدين ) محمد السسسادس( ‪,‬‬
‫وذلك لنه عين في ربيع سنة )‪1918‬م( مرافقا عسكريا له ‪ ,‬وكان آنسسذاك وليسسا للعهسسد ‪,‬‬
‫وأظهر مصطفى كمال آنذاك لوحيسسد السسدين كراهيتسسه للتحسساد والسسترقي ‪ ,‬وأبسسدى صسسلحا‬
‫وحرصسسا علسسى مصسسلحة تركيسسا ‪ ,‬وسسسرعان مسسا أصسسبح الثنسسان صسسديقين حميميسسن ‪ ,‬وغسسدا‬
‫مصطفى جنديا للمير وأمينا لسره‪.‬‬
‫وفي أثناء الحسسرب مسات السسسلطان محمسسد رشسساد ) الخسسامس( وتسسولى وحيسسد السسدين‬
‫الخلفة ‪ ,‬فقرب مصطفى كمال ورفع من مكانته‪.‬‬
‫ثم جرت مسرحيات انتصارات مصطفى كمال الساحقة في الناضول وخاصسسة فسسي‬
‫سقاريا أفيون ‪ .‬أزمير التي جعلت من مصطفى كمال خارقة من الخوارق تغني بمدحها‬
‫الشعراء حتى قال أحمد شوقي‪:‬‬
‫ب‬‫يا خالد الترك جدد خالد العر ِ‬ ‫ب‬
‫الله أكبر كم في الفتح من عج ِ‬
‫لقد تمت المسرحية بهذا الخراج الساحر الذي يأخذ باللباب ‪ .‬و لقد شدد النجليسسز‬
‫في فرض الشروط على الخليفة ليبسدو عساجزا ضسعيفا وتسساهلت مسع مصسطفى كمسال‬
‫ليظهر بطل فريدا‪.‬‬
‫ثم تظاهر الحلفاء بالعطف على الخليفة والسخط على مصطفى كمال ‪ ,‬فقد احتل‬
‫النجليز القسطنطينية في )‪ (16‬مارس سسسنة )‪1920‬م( وطلسسب الحلفسساء مسسن الهلييسسن‬
‫إطاعة الوامر التي تصدر إليهم من الخليفة مما أدى إلسسى ازديسساد النقمسسة عليسسه ‪ ,‬وفسسي‬
‫المقابسسل تسسم الجلء عسسن )أسسسكى شسسهر( والمحاصسسرة مسسن قبسسل مصسسطفى كمسسال وعسسن‬
‫) قونية( بدون حصول أدنى اشتباكات وتنظف الناضول مسسن القسسوات الحليفسسة والنسساس‬
‫مبهورون بهذه النتصارات‪.‬‬
‫وفي نفس المدة تخرج فتوى من شسيخ السسسلم تصسف مصسسطفى كمسال وجمساعته‬
‫بالكفر فيزداد سخط الناس على السطان والمفتي‪.‬‬
‫وبمعاهدات سرية واتفاقات خفية مع أتاتورك يقرر الحلفاء الجلء عن استانبول‬
‫المخطط التدميري‪:‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 427 [ ‬‬

‫إن هذه المخطط يكشف الصلة الوثيقة المبكرة بين مصطفى كمال وبين النجليسسز‬
‫والحلفاء ‪ ,‬ويبين لك بوضوح سر إبراز مصطفى كمال وانسحاب جيوش الحلفاء‪.‬‬
‫وقد كشف عن هذه الوثيقة صديقه الحميم وأمين سره ) مظهر مفيد قنصوه( فسسي‬
‫مذكراته فيقول‪ :‬وفي )‪ (7/7/1919‬قرب الفجسسر وفسسي أرضسسروم بالناضسسول أسسسر إلسسي‬
‫مصطفى كمال وأكد كثيرا في وجوب كتمان السر وقال‪ :‬هذا الدفتر سيبقي سرا حسستى‬
‫النهاية بيني وبينك وبين ثريا ) شوكة ثريا ايدمير(‪.‬‬
‫وبعد أن أكدنا له حفظ السر قال‪ :‬إذن فسجل التاريخ أول ‪ ...‬قال فسجلت التاريسسخ‬
‫)‪ (7/8‬تموز سنة )‪1919‬م( قرب الفجر بعد أن رأى أنني سجلت التاريخ على الصسسفحة‬
‫قال‪ :‬حسنا أكتب ثم تابع‬
‫أول‪ :‬ستكون الجمهورية هي شكل الحكومة بعد النتصار ‪ .‬هذه واحدة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬سيؤخذ التدبير اللزم بحق السسسلطان والعائلسسة المالكيسة عنسدما يحيسسن السوقت‬
‫المناسب‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬سيرفع الستر عن النساء ‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬سيلغي الطربوش وسنلبس القبعة مثل سائر المم المتمدنة‪.‬‬
‫قال مظهر مفيد‪ :‬هنا سقط القلم من يدي بدون إرادة ‪ ,‬تطلعسست إليسسه كسسان يتطلسسع‬
‫إلي قال لي‪ :‬لماذا توقفت‪ .‬قلت له‪ :‬أرجو أن ل تؤاخذني يا باشا إذا قلت لسسك بسسأن لسسك‬
‫جانبا خياليا ‪ .‬قال لي ضاحكا‪ :‬سيكون الزمن هسسو الحكسسم فسسي هسسذا ‪ .‬أمسسا أنسست فسساكتب ‪,‬‬
‫استمررت في الكتابة ‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬سنأخذ الحرف اللتينية ‪ ...‬يكفي يا باشا يكفي‪.‬‬
‫ثم نفذ البرنامج التدميري‪ ,‬وبعسسد أن نفسسذ بعضسسه ‪ ,‬لمسسح مظهسسر مفيسسد فقسسال لسسه‪ :‬يسسا‬
‫عزيزي السيد مظهر مفيد ما هو رقم الفقرة التي وصلنا إليها ؟ هل تلقي نظسسرة علسسى‬
‫دفترة ملحظاتك؟ ‪.‬‬
‫وفي (‪ (3‬مارس سنة (‪1924‬م( ألغيت الخلفة‪:‬‬
‫إذ تقدم أتاتورك بمرسوم يقضي‪:‬‬
‫** إلغاء الخلفة وفصل الدين عن الدولة ‪ ,‬وبإلغاء المحاكم العتيقة وقوانينها ‪ ,‬حيث‬
‫يجب أن تستبدل بها محاكم وقوانين عصرية ‪.‬‬
‫** مدراس رجال الدين يجب أن تخلي مكانها لمدارس حكومية غير دينية ‪.‬‬
‫وأقرت الجمعية الوطنية القانون بل مناقشة ‪ .‬وبعد يومين حشسسد مصسسطفى كمسسال‬
‫أمراء العهد القديم وأميراته ورحلوا إلسى خسارج البلد ‪ ,‬وكسسان قبلهسسا بيسسوم أصسسدر قسسرارا‬
‫بطرد الخليفة ‪.‬‬
‫لقد اقتلع مصطفى كمال هذا الصرح الشامخ من الجذور ‪ ,‬هذا الصسسرح السسذي بقسسي‬
‫منارا للمسلمين في أرض تركيا لمدة خمسة قرون ‪ .‬وفرق الراية السلمية التي يأوي‬
‫إليها المسلمين منذ أربعة عشر قرنا ‪ ,‬وتشتت الناس متفرقين عي سبل شسستى كسالغنم‬
‫في الليلة الشاتية ‪ ,‬وأصبحت الذئاب تنهش من هذه الفئام المتفرقة ‪ ,‬كل يسن سلحه‬
‫ويمتشق حسامه ليذبح من شاء وكيف شاء‪.‬‬
‫وبقى أتاتورك وفيا للنكليز حتى الموت إذ أنه صمم وهو علسسى فسسراش المسسوت أن‬
‫يوصي برئاسة الجمهورية إلى السفير البريطاني ) بيرس لورين(‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 428 [ ‬‬

‫وثيقة يوصي بها مصطفى كمال لسفير بريطانيا لورين برئاسة تركيا‪:‬‬
‫وقد نقلتها ننقلها بنصها الحرفي جريدة الهرام التي قامت بنقلها من جريدة صندي‬
‫تايمز في يوم الخميسس )‪ (16‬ذي القعسدة )‪1387‬هسس( المصسادف )‪ (15‬فسبراير)‪(1968‬‬
‫تحت عنوان ) كمال أتاتورك يستدعي سسسفير بريطانيسسا ليخلفسسه فسسي رئاسسسة الجمهوريسسة‬
‫التركية(‪.‬‬
‫نشرت ) صندي تايمز( أغرب صفحات التاريخ الدبلوماسي بعنوان ‪ ) :‬كيف يرفسسض‬
‫رجلنا أن يحكم تركيا ؟( قالت الصحيفة‪:‬‬
‫أنه في نوفمبر )‪ (1938‬كان ) كمسسال أتسساتورك ( رئيسسس تركيسسا يرقسسد علسسى فسسراش‬
‫الموت وعلى امتداد )‪ (15‬سنة حاول أتاتورك بدكتاتورية صارمة أن يجرجر تركيا رغسسم‬
‫أنفها ويدخلها إلى القرن العشرين ‪ ,‬ومنع لبسسس الطربسسوش والحجسساب وحطسسم سسسلطان‬
‫الدين وأدخل نظام اللغة التركية بالحروف اللتينية ‪.‬‬
‫وعندما رقد أتاتورك على فراش الموت ‪ ,‬كان يخشى أل يجد شخصا يخلفسسه يكسسون‬
‫قادرا على استمرار هذا العمل الذي بدأه ‪ ,‬فاستدعى السفير ) بيرسي لورين( السفير‬
‫البريطاني إلى قصر الرياسة في استانبول ‪ ,‬أما ما دار بينهما فقد ظل سسسرا أكسسثر مسسن‬
‫ثلثين عاما وها هو اليوم يكشف النقاب عه على يد ) بيرز ديكسسسون( عسن حيسساة والسده‬
‫) بيرسون ديسكون( فقد كان بين أوراق ) ديسكون( برقية بعث بها ) بيرسسسي لسسورين(‬
‫إلى اللورد هاليفاكس( وزير الخارجية وربما كانت هذه البرقية أغرب وثيقة في التاريسسخ‬
‫البريطاني المعاصر على الطلق ‪ ,‬ففيها يروي )لورين( تفاصيل مقابلته غيسسر المألوفسسة‬
‫مع الديكتاتور المحتضر‪ .‬وها هي الوثيقة ‪:‬‬
‫] عندما وصلت وجدت صاحب الفخامة يجلس على فراشه تسسسنده بعسسض الوسسسائد‬
‫ويحط به طبيب وممرضات ‪ ,‬وما أن دخلت حتى صرف الطبيب والممرضتين قائل إنسسه‬
‫سيضسسرب الجسسرس إذا احتسساج لهسسم ‪ .‬وعنسسدئذ بسسدأ فخسسامته يتحسسدث ببطسسء ولكسسن بعنايسسة‬
‫شديدة ‪ ,‬وقال لي‪ :‬إنه أرسل في طلبي لنه يريد أن يطلب مني طلبا عسساجل راجيسسا أن‬
‫أعطيه جوابي عليه بطريقة قاطعة‪.‬‬
‫ثم قال السفير ‪ :‬لقد كانت صداقتي ونصيحتي إليه هي الوحيدة التي كان يحفل بها‬
‫ويقدرها أكثر من أية نصيحة أخرى ‪ .‬لنها كانت ثابتسة ل تتغيسر ‪ ,‬وكسان هسذا هسو السسبب‬
‫الذي جعله يستشرني في مناسسسبات متعسسددة ‪ ..‬بحريسسة تامسسة كمسسا لسسو كنسست وزيسسرا فسسي‬
‫مجلس الوزراء التركي ‪ ,‬ثم قسسال‪ :‬وقسسد كسسان مسسن سسسلطاته ) كرئيسسس للجمهوريسسة ( أن‬
‫يختار خليفة له قبل وفاته ‪ ,‬وقد كان أخلص رغبة لسسه أن أخلفسسه فسسي منصسسب الرئيسسس ‪.‬‬
‫ومن ثم فقد كان يريد أن يعرف رد فعلي على القتراح [ ‪,‬‬
‫ثم بعد التفكير العميق اعتذر السفير وشكر العميل الذي ظهر عليه التسسأثر ‪ ,‬ومسسال‬
‫بظهره إلى الوسائد‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 429 [ ‬‬

‫تقييم موجز لدولة الخلفة العثمانية‬


‫يمكن تقسيم مرحلة الدولة العثمانية إلى ثلثة أطوار ‪:‬‬
‫‪ -1‬طور القوة ‪ :‬ويمتد من تأسيسها إلى نهاية عهد السسسلطان الغسسازي مصسسطفى‬
‫خان الثالث)‪1774‬م( ‪ .‬وقد كان أوج الدولة العثمانية فسسي عهسسد السسسلطان سسسليم الول‬
‫وابنه سليمان القانوني )‪1566-1512‬م( ‪.‬‬
‫‪ -2‬طور الضعف والتراجع ‪ :‬وابتدأ منذ عهد السلطان عبد الحميد خسسان الول )‬
‫‪1774‬م( حيث دفعت السلطنة الجزية للمرة الولى فسسي حياتهسسا ‪ ,‬لروسسسيا )‪1777‬م( ‪,‬‬
‫وأقرت بجملة من المتيازات لنصارى الدولة العثمانية وصسسلحيات تسسدخل الجسسانب فسسي‬
‫شؤونها إلى نهاية عهد عبد المجيد خان )‪1861‬م( ‪.‬‬
‫‪ -3‬طــور النهيــار ومــؤامرات اليهــود والماســون وســقوط الدولــة‬
‫العثمانية ‪ :‬ويبدأ منذ عهد السلطان عبد العزيز خسسان )‪1861‬م( السسذي عزلسسه المفسستي‬
‫لفسوقه ‪ ,‬وينتهي بخلع السسسلطان عبسسد الحميسسد )‪1909‬م (‪ ,‬ثسسم اسسستلم الماسسسون‪ ,‬ثسسم‬
‫إسقاط أتاتورك للخلفة العثمانية وإلغائها حيث ختمت بالسلطان محمد السادس سسسنة‬
‫‪.1924‬‬

‫أسماء الخلفاء العثمانيين ومدة حكمهم ‪:‬‬


‫أول ‪ -‬طور القوة ‪:‬‬
‫• (‪ - (1‬الســلطان عثمــان مؤســس الدولــة العثمانيــة ( ‪-1300‬‬
‫‪1317‬م(‬
‫• (‪ - (2‬السلطان الغازي أورخان الول( ‪1360 -1317‬م(‬
‫• (‪ - (3‬الســـــلطان الغـــــازي مـــــراد خـــــان الول (‪-1360‬‬
‫‪1389‬م(‪.....‬قتل في حرب الصرب‬
‫• (‪ - (4‬الســلطان الغــازي بايزيـد خــان الول( ‪1402 -1389‬م(‬
‫‪..‬قتل أسيرا بيد تيمورلنك‪.‬‬
‫• (‪ - (5‬السلطان محمد جلبي الغازي ( ‪( 1421-1410‬‬
‫• (‪ - (6‬السلطان مراد خان الثاني (‪1451– 1421‬م(‬
‫• (‪ - (7‬السلطان الغازي محمــد الثــاني فاتــح القســطنطينية (‬
‫‪ -1451‬م(‬
‫• (‪ - (8‬الســــلطان الغــــازي بايزيــــد خــــان الثــــاني( ‪-1481‬‬
‫‪1512‬م(‪........‬خلعه النكشارية ‪.‬‬
‫• (‪ - (9‬السلطان سليم الول الغازي (‪1520 -1512‬م(‬
‫• (‪ - (10‬السلطان الغازي سليمان خان الول القانوني (‪-1520‬‬
‫‪(1566‬‬
‫• (‪ - (11‬السلطان الغازي سليم خان الثاني(‪1577-1566‬م(‬
‫• (‪ - (12‬السلطان الغازي مراد خان الثالث (‪1595-1574‬م(‬
‫• (‪ - (13‬السلطان الغازي محمد خان الثالث (‪1603 -1995‬م(‬
‫• (‪ - (14‬السلطان الغازي احمد خان الول (‪1617 -1603‬م(‬
‫• (‪ - (15‬الســــــــلطان مصــــــــطفى خــــــــان الول (‪-1617‬‬
‫‪1618‬م(‪...‬عزله المفتي والنكشارية ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 430 [ ‬‬

‫‪ 1622‬م(‬ ‫• (‪ - ( 16‬الســلطان عثمــان خــان الثــاني (‪-1618‬‬


‫‪....‬عزله النكشارية وقتلوه‪.‬‬
‫• (‪ - (17‬السلطان الغازي مراد خان الرابع (‪1640 -1623‬م( ‪:‬‬
‫• (‪ - (18‬الســــلطان الغــــازي ابراهيــــم خــــان الول (‪-1640‬‬
‫‪1648‬م(‪:‬خلع وقتل‪.‬‬
‫• (‪ - (19‬السلطان الغازي محمد خان الرابع ( ‪1687 -1648‬م(‬
‫‪ :‬عزله المفتي ‪.‬‬
‫• (‪ - (20‬السلطان الغازي سليمان خــان الثــاني (‪1691 -1687‬‬
‫م(‬
‫• (‪ - ( 21‬السلطان الغازي احمد خان الثاني ( ‪1695 -1691‬م(‬
‫• (‪ - ( 22‬الســلطان الغــازي مصــطفى خــان الثــاني ( ‪-1695‬‬
‫‪1703‬م(‪:‬عزله النكشارية‪.‬‬
‫• (‪ -( 23‬السلطان الغازي احمد خان الثــالث (‪1730 - 1703‬م(‬
‫‪..:‬عزله النكشارية‪.‬‬
‫• (‪ - (24‬السلطان الغازي محمود خان الول (‪1754 -1730‬م(‬
‫• (‪ - (25‬السلطان الغازي عثمان خان الثاني (‪ 1757 -1754‬م(‬
‫• (‪ - (26‬الســـلطان الغـــازي مصـــطفى خـــان الثـــالث (‪-1757‬‬
‫‪1774‬م(‪.‬‬

‫ثانيا ‪ -‬طور الضعف ‪:‬‬


‫• (‪ - ( 27‬الســلطان الغــازي عبــد الحميــد خــان الول ( ‪-1774‬‬
‫‪ 1789‬م (‬
‫• (‪ - ( 28‬السلطان الغازي سليم خان الثالث ( ‪1807 -1789‬م‬
‫( ‪ :‬عزله المفتي ‪.‬‬
‫• (‪ - ( 29‬الســلطان الغــازي مصــطفى خــان الرابــع ( ‪-1807‬‬
‫‪1808‬م(‪.....‬خلع وحجز‪.‬‬
‫• (‪ - ( 30‬الســلطان الغــازي محمــود خــان الثــاني ( ‪– 1808‬‬
‫‪1839‬م (‬
‫• (‪ - ( 31‬السلطان الغازي عبد المجيد خان ( ‪1861 -1839‬م(‪.‬‬

‫ثالثا – طور النهيار والموت ‪:‬‬


‫• (‪ (32‬السلطان الغازي عبــد العزيــز خــان ( ‪1886 -1861‬م (‬
‫عزله المفتي ‪.‬‬
‫• (‪ - (33‬السلطان مراد الخامس ( مايو ‪ -1886‬أغســطس ‪1886‬‬
‫م( ‪:‬عزله المتآمرون‪.‬‬
‫• (‪ - (34‬الســلطان الغــازي عبــد الحميــد خــان الثــاني (‪-1886‬‬
‫‪ 1909‬م( ‪ :‬عزله المتآمرون بدسائس اليهود‪.‬‬
‫• ( ‪ - ( 35‬الســـلطان محمـــد رشـــاد خـــان الخـــامس ( ‪-1909‬‬
‫‪1924‬م( ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 431 [ ‬‬

‫• (‪ – ( 36‬الســلطان محمــد الســادس ( وحيــد الــدين ( (‪-1918‬‬


‫‪ : (1924‬أسقطه الماسون بتخطيط اليهود والنكليز والوربييــن ‪,‬‬
‫وتنفيذ أتاتورك ‪ .‬وهو آخر الخلفاء العثمانيين ‪.‬‬

‫وبه انتهى مسمى الخلفة الذي استمر زهاء ثلثة عشر قرنا ونصف‬
‫القرن ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 432 [ ‬‬

‫أول ‪ :‬المناحي اليجابية في دولة الخلفة العثمانية ‪:‬‬


‫إبتداءا يجب أن نلفسست النظسسر إلسسى أن معظسسم المراجسسع التاريخيسسة المعاصسسرة السستي‬
‫أرخت للعثمانيين ‪ ,‬قد ظلمت هذه الدولة المجيدة ‪ ,‬وزورت تاريخها وتاريسسخ المسسسلمين‬
‫في أيامها ‪ .‬وذلك لن معظم كتاب التاريخ بعسسدها مسسن المستشسسرقين ‪ ,‬وتلميسسذهم مسسن‬
‫ذراري المسلمين بما فيهم التراك والعرب كانوا حاقدين عليهسسا ‪ .‬حيسسث ينتمسسي معظسسم‬
‫كتاب السياسة والتاريخ المعاصرين مسسن المنسسسوبين للمسسسلمين هسسم مسسن العلمسسانيين ‪,‬‬
‫والقوميين ‪ .‬وقد تولى أتاتورك وأتباعه إلى اليوم الحجر علسسى وثسسائق كسسثيرة هامسسة مسسن‬
‫أرشيف الدولة العثمانية ‪ ,‬وخاصة عن المرحلة الخيرة مسسن تاريخهسسا والسستي تسسولى فيهسسا‬
‫الماسون إسقاط الدولة ‪.‬‬
‫وأذكر أننا درسنا في بلدنا العربية منذ الطفولة في المسسدارس البتدائيسسة ثسسم مسسا تل‬
‫ذلسسك مسسن مراحسسل الدراسسسة شسسيئا مسسن تاريسسخ تلسسك المرحلسسة تحسست عنسسوان ) الحتلل‬
‫العثماني ( !! ‪.‬‬
‫ولما درست في قسم التاريخ من جامعة بيسسروت دراسسستنا المناهسسج ‪ -‬السستي وضسسعها‬
‫التربويون والكتاب بحسب أهواء فراعنسسة بلدنسسا مسن عملء اليهسسود والنصسسارى –درسسونا‬
‫تاريخ الذين تآمروا لسقاطها وتعاونوا مع الكفار من النكليز وحلفائهم ‪ ,‬مسسن القسسوميين‬
‫والماسسسون العسسرب ‪ ,‬ومعظمهسسم مسسن نصسسارى الشسسام ‪ ,‬علسسى أنهسسم أبطسسال القوميسسة‬
‫العربيسسة ‪ ,..‬وشسسهداء السسستقلل !! كمسسا قسسدمت لنسسا السسذين قسسادهم لسسورنس الجاسسسوس‬
‫النكليزي على أنهم قادة الثورة العربية الكبرى على الحتلل العثماني !‬
‫ومن هنا نقول أنه يجب أن تقرأ تلسك التأريخسات بعيسن التهسام ‪ ,‬ومنهسج التمحيسص‪.‬‬
‫لتميز حقيقة ما كان فسي تلسك الدولسسة مسن سسلبيات – سسسأذكر لحقسا أهمهسسا – عمسا هسو‬
‫افتراءات وتزوير من وضع المستشرقين وعملئهم من المرتدين العلمانيين ‪.‬‬
‫فإذا ما جئنا إلى إيجابيات دولة الخلفة العثمانية ‪..‬‬
‫فيأتي في طليعتها الحفاظ على مسمى الخلفة السلمية ‪ ,‬وحمسسل مشسسعل حمايسسة‬
‫المسلمين ضد هجمات أعدائهم ‪ ,‬وتوحيد معظم ممسسالكهم الرئيسسسية فسسي دولسسة واحسسدة‬
‫قوية ‪ ,‬بعد أن كانت الخلفة قد تحولت لمسمي رمزي في مصر حيسسث كسسان الخليفسسة ل‬
‫يسيطر حتى على قصره في ظل سلطان دولة المماليك منذ سقوط بغسسداد‪ ,‬بسسل حسستى‬
‫قبل ذلك عندما كان القادة التراك يسيطرون على مقدرات ما بقسسي مسسن الخلفسسة فسسي‬
‫بغداد فيما كانت عشرات الممالك والمارات المسسستقلة تتقاسسسم رقعسسة العسسالم العربسسي‬
‫والسلمي ‪.‬‬
‫وأما الفضيلة الثانية لها ‪ ,‬فهي إنهاء دولة السسروم السسبيزنطيين ‪ ,‬وتسسردد أصسسداء الذان‬
‫في عاصمة ملكهم ) القسطنطينية ( ‪ ,‬التي صار اسمها مدينة السلم ) إسلم بسسول ( ‪,‬‬
‫والتي انبعثت منها رايات الفتح والجهاد لُتدخل السلم إلى ربوع أوربا الشرقية بكاملهسا‬
‫)اليونان وبلغاريا ‪ ,‬ورومانيا والمجر‪ ,‬وبلد الصرب والبوسنة والهرسك ‪ ,...‬فمسدت دولسة‬
‫السلم إلى بلد البلقان بكاملها ‪ ,‬ووصلت كما رأينا تفصيل إلى وسط النمسا ‪ ,‬وشمال‬
‫إيطاليا ‪ ,‬وملكت جزر المتوسط بكاملها ‪ ,‬وأخذت الجزية والضرائب من معظم عظماء‬
‫ملوك أوربا في حينها ‪. .‬‬
‫أما ثالث فضائلهم فلقد اعتبر العثمانيون أنفسهم حماة المسلمين ‪ ,‬واعتبر الخليفة‬
‫العثماني واجب حمايتهم مسؤولية في عنقه ‪ ,‬فدافع عن شسواطئ شسمال إفريقيسا مسن‬
‫ليبيا وحتى مراكش ‪ ,‬وأرسل الجيش والمدد ‪ ,‬برئاسة وزيسسر حربيتسسه حسستى إلسسى بلد مسسا‬
‫وراء النهسسر ليسسدافع عسسن بخسسارى و ترمسسذ و طشسسقند !!‪ ,‬وردت هجمسسات الصسسفويين عسسن‬
‫العراق وشرق الناضول ‪ ,‬وبلد القفقسساس ‪ .‬وطسسردت البرتغسساليين مسسن شسسواطئ البحسسر‬
‫الحمر وبحر العرب وبحر الهند ‪..‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 433 [ ‬‬

‫لقد وصلت الدولة العثمانية إلى أوج من الحضارة والسيطرة والقوة إلسسى مسسستوى‬
‫لسسم تصسسل لسسه دولسسة إسسسلمية فسسي تاريخهسسا ‪ ,..‬لقسسد تمكسسن العثمسسانيون مسسن دك أسسسوار‬
‫القسطنطينية بقنابل تزن أكثر من ‪)2000‬كيلو غرام ( وترميها من الشسساطئ السسسيوي‬
‫لمسسسافة ‪ 2‬كيلسسو مسستر !! وذلسسك أواسسسط القسسرن الخسسامس عشسسر ! وجسسابت أسسساطيل‬
‫العثمانيين البحر المتوسط وما حوله من البحار ‪ ,‬و كسسانت تهسساجم أسسساطيل الوربييسسن و‬
‫موانئهم أحيانا بأكثر من ألف سفينة محملة بالمسسدافع الثقيلسسة ! حسستى اسسستطاع خليفتهسسا‬
‫العثماني )السلطان عبد المجيسسد( فسسي القسسرن الثسسامن عشسسر أن يسسسمي البحسسر البيسسض‬
‫المتوسط ‪) :‬بحيرة عثمانية( ‪ .‬فلما سأله أحد الصحفيين النجليز مسستغربا ذلسك السسسم‬
‫قائل ‪ ) :‬إذا كنت تعتبر المتوسط بحيرة عثمانية ! إذن ماذا تدعون البحسسر السسسود السسذي‬
‫تحيط مملكتكم وجيوشكم بسسه ؟ فأجسسابه مبتسسسما ‪ :‬ذاك مسسسبح قصسسري علسسى شسسوطئ‬
‫إسلم بول! (‬
‫أما البحسسر الحمسسر فقسسد اعتسسبره التسسراك العثمسسانيون حملسسة مشسسعل السسسلم ) بحسسر‬
‫الحرم (‪ ,‬وجعلوه محرما علسى السسفن الصليسبسسية حستى التجاريسة المدنيسة‪ ,‬كسي ل يمسر‬
‫صليب من أمام مدينة جدة ‪ ,‬فيدنس الماء الذي يلمسسس شسسواطئها وهسسي فسسي الحسسرم!!‬
‫الله أكبر ‪ ..‬جدة هذه ‪..‬التي أطلقت البسسوارج المريكيسسة تحسست رعايسسة آل سسسعود اليسسوم‬
‫صواريخ كروز منها على أفغانستان وبغداد من ‪) ..‬بحسسر الحسسرم( أي البحسسر الحمسسر‪.‬مسسن‬
‫شواطئها التي عمرها آل سعود بالملهي ومرافق الفسوق ‪ ..‬وسبحان مقلب الحوال ‪.‬‬
‫ولقد كانت الهوية السلمية لراية العثمانيين ظاهرة ‪ ,‬رغم ما اعتراهم من البسسدع و‬
‫النحرافسسات كمسسا سسسنذكر لحقسسا ‪ .‬وكسسانوا معظميسسن لشسسعائر اللسسه ‪ ,‬مهتميسسن بحمايسسة‬
‫الحرمين ‪ ,‬والنفاق على خدمتهما ‪ ,‬وحراسة سبيل الحجيج ‪ ,..‬كما نشروا المساجد في‬
‫كل الصقاع التي وصلها سلطانهم ‪ ,‬وأوقفوا الوقاف ‪ ,‬وبنوا التكايا ومنشآت الخسسدمات‬
‫المختلفة ‪ ,‬و ما تزال آثارهم بطابعها المعماري التركي بارزة شسساهدة فسسي مشسسارق بلد‬
‫المسلمين ومغاربها ‪.‬‬
‫وفي الوقت الذي كانت أوربا الشسسرقية مسسسرح معظسسم مواجهسساتهم مسسع أوربسسا كمسسا‬
‫رأينا ‪ ..‬ازدهرت الحياة القتصادية والتجارية والصسناعية تبعسا لقسوتهم ومسا فرضسوه مسن‬
‫المن والستقرار‪..‬و صارت استانبول عاصمة الدنيا تليها في ذلك عواصم مصر والشام‬
‫والحجسساز ‪ ,‬ومسوانئ جزيسرة العسسرب وشسسمال إفريقيسا ‪ .‬وتحركسست قوافسل التجسارة علسى‬
‫الطرق التجارية القديمة ) طريق التوابل ‪ ,‬وطريق الحرير ( ‪ ,‬ونقلت البضائع من وإلسسى‬
‫تلك العواصم ‪ ,‬لتنقلها سفن المسلمين إلسسى شسسواطئ المتوسسسط ‪ ,‬وحسستى إلسسى مسسوانئ‬
‫أوربا ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 434 [ ‬‬

‫ثانيا‪ :‬المناحي السلبية في دولة الخلفة العثمانية ‪:‬‬


‫إن أول سلبية تذكر لسلطين بني عثمان التراك هي أن تسسسلل التشسسريع الوضسسعي‬
‫إلى نظام الحكم ‪ ,‬على وجه التشريع والتقنين والحكم بغير ما أنزل اللسه ‪ ,‬قسد حصسلت‬
‫في زمانهم ولول مرة في تاريخ السسسلم والمسسسلمين ‪ .‬فسسي حيسسن كسسان ذلسسك قبل مسسن‬
‫بعض فساق ملوك وأمراء المسلمين وبعسسض خلفسسائهم ‪ ,‬علسسى وجسسه الحتيسسال والتهسسرب‬
‫والمراوغة ‪ .‬ولم يتجرأ أحد أن ينتقل للتشريع والتقنين ‪ ,‬إلى زمان العثمانيين ‪ .‬وقد بدأ‬
‫هذا كما رأينا زمن سليمان القانوني ‪,‬بل منذ أيام الفاتح بشسيء قليسسل إن صسح مسا روي‬
‫فسسي ذلسسك ‪ .‬وتطسسور بعسسد ذلسسك مسسع تسسسلل الضسسعف والعجسساب و الفتتسسان بأوربسسا لكسسثرة‬
‫احتكاكهم بها ‪ .‬مما فتح باب التغريب وضياع الهويسسة ‪ ,‬وإفسسساد النخبسسة السستي تسسولت فسسي‬
‫النهاية إسقاط الدولة ‪.‬‬
‫ويشترك سلطين بني عثمان مع من سبقهم من خلفاء وملوك وأمراء الدول‬
‫والممالك السلمية السابقة بمعظم السلبيات التي طبعت قصور الحكم منذ تحول‬
‫نظام الحكم من الخلفة إلى الملك عضوض ثم الملك جبري ‪ .‬ومن ذلك ‪:‬‬
‫الصراع على الملك بين البناء والخوة ‪ .‬وكثرة القتل والخلع بين الخوة ومن التف‬
‫حمل كل واحد منهم من حاشسسية السسسوء ‪ .‬إل أن سسسلطين العثمسسانيين زادوا علسسى ذلسسك‬
‫رذيلة لم يسبقهم إليها أحد من المتصارعين على الملك في تاريخ المسلمين ؛ إل وهي‬
‫بدعة قتل إخوة السلطان عند توليه ‪ ,‬و اجتثاثهم جميعا حسستى الرضسسع !! وذلسسك بسسدعوى‬
‫تلفي فتنة منافسة الخليفة على الملك مما يفسد الدولة ويضعفها أمام أعسسدائها ! وقسسد‬
‫وجد السلطين بحسب ما ذكر بعض المؤرخين من بعض شسسياطين النسسس مسسن يفسستيهم‬
‫أن لهذا حجة في قوله تعالى ) والفتنة أشد مسن القتسل ( ! فهسم يرتكبسون قتسل الخسوة‬
‫خوف فتنة الخلف والفرقة !!‬
‫تدخل المهات الجنبيات في صراعات القصر ‪ ,‬وزاد الطين بلة أن العديدات منهسسن‬
‫كن من بنات ملوك الكفار أو مسسن صسفيات السسسبايا بيسسن روسسسية وصسسربية وإيطاليسسة ‪,...‬‬
‫اللواتي عملن لصالح بلدهن وزاحمن إخوة أولدهن على ولية العهد ‪.‬‬
‫البذخ والترف والستكثار من القصور والفسسرش والريسساش ‪ ,‬والمطابسسخ والحمامسسات‬
‫الملكية ‪ ,‬ولقد تيسر لسسي أن أزور بعسسض تلسسك الثسسار فسسي اسسستانبول حيسسث يسسرى النسساظر‬
‫العجب العجاب من بقايا آثارهم التي سرق أنفسها في العهد التاتوركي ‪.‬‬
‫الثرة وظلم الرعايا وكثرة المكوس والضسسرائب السستي فرضسسها الضسسامنون لمهمسسات‬
‫جمع الضرائب والمتصدرون لشؤون العامة ‪ ,‬وقد زاد هذا في أواخر الدولة بتحولها إلى‬
‫النظسسام القطسساعي ‪ ,‬حيسسث أقطسسع السسسلطان )الباشسساوات ( و)البيكسساوات ( الراضسسي ‪,‬‬
‫فملكوها بمن عليها من الزراع والفلحين وساموا الناس خسفا وظلما سسسارت بأخبسساره‬
‫الركبان ‪,‬‬
‫وصار مسادة للمسلسسسلت والفلم فيمسسا تتسسالى مسسن أيسسام حسستى وصسسلت إلسسى )غسسوار‬
‫الطوشة!( ‪.‬‬
‫ولقد كان للمرحلة العثمانية سلبيات خاصة بها فوق ما اشتركوا به مع غيرهم ‪ ,‬من‬
‫السلبيات آنفة الذكر‪ .‬ومن ذلك ‪:‬‬
‫أن اتجاههم الحضاري كان أحاديا وتجلى بالمنحى العسكري ‪ ,..‬ولم يولوا المنسساحي‬
‫الخرى للتقدم الحضساري فسي مجسال العلسوم السسلمية والتطبيقيسة ‪ ,‬ومجسالت الفكسر‬
‫والدب ‪ ..‬أهمية ‪ ,‬فطبع العالم السلمي بالجهل والتخلف فمنسسذ القسسرن السسسبع عشسسر ’‬
‫فيما كانت أوربا تشهد التحسسول الكسسبير فسسي ثوراتهسسا الفكريسسة والسياسسسية والجتماعيسسة ‪,‬‬
‫والصناعية ‪ .‬مما أوجد هسوة حضسارية بيسن الشسرق والغسرب سساهمت فسي انتقسال رايسة‬
‫الحضارة البشرية من شرقنا إلى غربهم ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 435 [ ‬‬

‫التخلف الديني ‪ ,‬والتقوقع والتعصب المذهبي ) إذ حكسسم التسسراك وتعصسسبوا لمسسذهب‬


‫المام أبي حنيفة رحمه الله ( ‪ ,‬فسي حيسن أنهسسم حكمسسوا رقعسسة إسسسلمية تتعسسدد مسسذاهبها‬
‫الصسسيلة فسسي المسسسلمين ‪ .‬كمسسا شسسهدت مرحلتهسسم ‪ ,‬تشسسجيعا للتصسسوف ومسسدارس‬
‫الدراويش ‪..‬فقد كان سسسلطين العثمسانيين ‪ ,‬وشسسيوخ السسلطين مسسن الصسسوفية ‪ ,..‬وقسسد‬
‫ساعدت أجواء التخلف والفقر والظلم التي طبعت تلسسك الفسسترة النسساس علسسى النسسدفاع‬
‫وراء الطرقية الصوفية فسسرارا مسسن واقعهسسم المريسسر‪ ,‬وزادت الصسسوفية المسسة جهل علسسى‬
‫تخلف ولسيما في ثلثها الخير ‪.‬‬
‫العنصرية التركية ‪ ,‬والتي وجدت منذ البداية ‪ ,‬حيث تولى التراك معظسسم المناصسسب‬
‫الهامة ‪ ,‬والغريب أن الهمال للعنصر العربسسي ‪ ,‬والعناصسسر العرقيسسة المشسسرقية الخسسرى‬
‫كان ملحوظا في حين تمكن بعسسض المسسسلمين مسسن البلد الغربيسسة المفتوحسسة أن يجسسدوا‬
‫فسحة في المناصب ‪ .‬وقد أوجد هسسذا هسسوة بيسسن العثمسسانيين والمكسسون الساسسسي للمسسة‬
‫السلمية عددا وأهمية وهم العرب ‪ .‬وقد زادت حدة هذه الظسساهرة فسسي الطسسور الخيسسر‬
‫من الخلفة العثمانية عندما وجدت الفكرة القومية – بعسسد الثسسورة الفرنسسسية – طريقهسسا‬
‫إلى المفتونين من الترك والعرب على حد سواء‪,,‬وبرزت القومية الطورانيسسة )التركيسسة(‬
‫بحدة ‪ ,‬وتسلم جبابرتها من الماسون واليهود مقاليد المور ‪ ,‬فأوجدوا المبرر للمتآمرين‬
‫من ماسون العرب ‪ ,‬ومن المغسسرر بهسسم مسسن المثقفيسسن ‪ ,‬ومسسن الطسسامعين بالملسسك ‪ ,‬أن‬
‫يرفعوا نعرتهم القوميسسة العربيسسة أيضسسا ‪ .‬وكسسان هسسذا أكسسبر المعسساول السستي هسسدمت صسسرح‬
‫الخلفة ‪.‬‬
‫وهكذا تجمعت السلبيات رغم ما أسلفنا مسسن اليجابيسسات العظيمسسة لترسسسم النتيجسسة‬
‫المحتومة بقدر الله ‪ .‬ويمكن تلخيص مجمل أسباب السقوط بالنقاط التالية باختصار ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬السباب العامة لنهيار الدولة العثمانية ‪:‬‬


‫دخول التشريع الوضعي على الشريعة السلمية بدعوى التقيسسن والتنظيسسم وهبسسوب‬
‫رياح التغريب جراء العجاب ببهارج الحضسسارة الغربيسسة ‪ ,‬وهسسذا مسسن أهسسم أسسسباب ضسسياع‬
‫المسلمين قديما وحديثا ‪.‬‬
‫الترف والبذخ في حياة السلطين ‪ ,‬ولقصور الحاشية ‪.‬ورجسسال الجهسسزة الحكوميسسة‬
‫وكبار طبقات المجتمع وهو ثاني أهم أسباب انهيار الممالك والدول ‪.‬‬
‫الظلم والطغيان والنظام الستبدادي الفسسردي الفئوي القسسومي ‪ .‬وكسسثرة المكسسوس‬
‫على الرعية ‪.‬وتفشي النظام القطاعي بأسوأ صسوره وسسيئاته ‪ .‬وتفشسي الطبقيسة فسي‬
‫المجتمع‪ .‬وهو ثالث أهم أسباب الزوال والبوار ‪.‬‬
‫الجمود الفكري والفقهي والديني‪ ,‬والتقوقع المذهبي‪ ,‬والتجاه الحادي العسسسكري‬
‫للحضارة العثمانية على حساب المناحي الحضارية الخرى‪.‬‬
‫تدخل قناصل وسفارات الدول الجنبية في شؤون البيت العالي )ديسسوان الخلفسسة(‬
‫ودعم القليات لسيما النصرانية للعبث بوحدة الدولة‪.‬‬
‫طغيان الشعور القومي لدى التراك ‪ .‬واعتماد سياسة التستريك والتميسسز العنصسسري‬
‫وقمع القوميات ولسيما في البلد العربية‪.‬‬
‫سيطرة يهود الدونمة والماسون علسسى إدارة الدولسسة فسسي الثلسسث الخيسسر مسسن حيسساة‬
‫الدول العثمانية ولسيما القرن الخير‪.‬‬
‫تفشي روح الشعوبية والقومية لدى العرب وغيرهم كرد فعل على سياسة التمييز‬
‫التركي‪ .‬والتجاه لمقاومة الخلفة العثمانية ‪ ,‬ومحاربتها ومعاونة النكليز عليها !‪.‬‬
‫افتتسسان نخبسسة الطبقسسة السياسسسية ‪ ,‬والعسسسكرية ‪ ,‬والثقافيسسة والفكريسسة فسسي الدولسسة‬
‫العثمانية عامة بالحضارة الغربية ‪ ,‬وسعيهم لتقليدها ‪ ,‬وفقدان روح العزة السلمية‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 436 [ ‬‬

‫وأخيرا السبب الخارجي ‪:‬‬


‫وهو تآمر الدول الوربية وخاصة النكليز والروس والفرنسيين والطليان‬
‫وغيرهم ‪ .‬وتعاونهم مع اليهود وإصرارهم على إسقاط الدولة العثمانية وتحالفهم ضدها‪.‬‬
‫من أجل إيصال اليهود إلى فلسطين ‪ ,‬وتقاسم الوربيين ولسيما تلك الدول الثلثة‬
‫لرثها ‪ .‬وتقطيع أوصال العالم السلمي والعربي وابتلعه ‪.‬‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 437 [ ‬‬

‫استعراض لحوال دول وممالك العالم العربي والسلمي‬


‫منذ انهيار الخلفة العثمانية‬
‫وإلى ‪1425‬هـ ‪ 2004 -‬م (‬ ‫( منذ ‪1214‬هـ ‪1800 -‬م‬

‫أعتقد أنه حتى تكتمل الفائدة ويتحقق الغرض المقصود ‪ ,‬من سرد خلصة التاريخ‬
‫السلمي في مقدمة بحث غرضه التأسيس لدعوة مقاومة إسلمية عالمية ‪ ،‬يقودها‬
‫طلئع واعية مستوعبة لعقيدتها الجهادية ‪ ,‬فاهمة لمعطيات واقعها ‪ ,‬مدركة لدروس‬
‫تاريخها ‪ .‬أن من المفيد أن نختم هذا الفصل التاريخي بخلصة تاريخ ما حل ببلدان‬
‫العالم العربي والسلمي بعد انفراط عقد الخلفة ‪ .‬وهو ما يصطلح عليه بالتاريخ‬
‫الحديث‬
‫للعرب والمسلمين ‪ .‬ورغم أن أكثر تلك الحداث المأسوية قد حل بالمسلمين بعد‬
‫انفراط عقد الخلفة العثمانية وتناهب الغرب الوربي وروسيا لتركتها وذلك بعد‬
‫سقوطها الرسمي بعد الحرب العالمية الثانية وخسارتها إلى جانب ألمانيا لتلك‬
‫الحرب ‪.‬‬
‫إل أن تلك الحداث التي تعتبر الجولة الثانية من الحملت الصليبية ‪ ,‬كانت قد بدأ‬
‫ت قبل ذلك حيث قضمت البلد الوربية الستعمارية ما استطاعت من بلدان‬
‫المسلمين في الطراف البعيدة للعالم السلمي وقد بدأ ذلك منذ القرن السادس‬
‫عشر ‪ ,‬إل أنه يمكن التأريخ لبدايته الجدية منذ حملة نابليون على مصر سنة‬
‫‪1798‬ميلدية ‪ ,‬وهو التاريخ الذي يوافق بدايات الضعف والتقهقر في الخلفة العثمانية‬
‫كما رأينا آنفا ‪.‬‬
‫ونظرا لعدم تمكني من المراجع المعاصرة و أنا أخط هذا البحث في مرحلة‬
‫المخابئ ‪ ,‬حيث ل تتوفر لي الكتب اللزمة ‪ ..‬و نظرا لعدم توفر المراجع التي كنت‬
‫أتمناها ولسيما كتاب )موسوعة التاريخ السلمي( للستاذ المؤرخ العبقري محمود‬
‫شاكر‪ -‬رحمه الله – حيث أرخ لسائر بلد المسلمين منذ انطلق دولة السلم وإلى‬
‫مطلع الثمانينات من القرن العشرين ‪ .‬وغيره من الكتب التاريخية المتخصصة في‬
‫التاريخ السياسي المعاصر‪ ..‬فلذلك ستكون هذه الفقرة موجزة أعتمد في جلها على‬
‫ما علق في ذاكرتي مما قرأت أو درست‪ .‬أو مما عشته وشهدته من تاريخنا خلل هذا‬
‫الربع الخير من القرن العشرين ‪ .‬وهي صفحات ربما يكون من الفضل أن نصفها بأنها‬
‫قاسية مريرة حتى نفر من وصفها بأنها سوداء‪ ,..‬ولو قلنا ذلك لما عدونا الواقع ‪.‬‬
‫وإن كنت أعتقد أنه سواد ليل أذن بالرحيل إنشاء الله ‪ ,‬حيث ألمح‬
‫انبعاث طلئع من الشباب المجاهد الظاهرين على الحق ‪ ,‬ينسجون‬
‫بأشلئهم خيوط الفجر ليشرق صباحه المنير قريبا‪ -‬إن شاء الله – في‬
‫سماء عالمنا العربي والسلمي الكبير ‪..‬‬
‫وما هذا السهر الدؤوب الذي أستعين الله عليه في كتابة هذا البحث الكبير منذ‬
‫ثلثة سنين ‪,‬ونحن في مرحلة الخوف والتنقل والختفاء هذه ‪ ..‬إل مساهمة متواضعة‬
‫في حياكة حصة متواضعة في نسيج ذلك الفجر العظيم المنشود ‪ ,‬القادم ل محالة‬
‫بإذن الله ‪.‬‬
‫وأسأل الله الخلص والقبول ‪ ,‬وخاتمة بالشهادة في سبيل الله ‪ .‬بعد أن نشهد‬
‫إطلل إشراقاته الولى لننعم بدفئ وضياء ذلك النور ‪ ,‬بعد أن تطاولت علينا عقود ذلك‬
‫الليل البهيم شديد الظلمة قاسي الصقيع ‪.‬‬
‫وسأسرد خلصة ذلك التاريخ الحديث على قسمين ‪ ,‬بلد العالم العربي ‪ ,‬ثم أهم‬
‫بلد العالم السلمي ‪ .‬وسأبدأ بالعالم العربي مسلسل الدول من المشرق إلى المغرب‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 438 [ ‬‬

‫‪ .‬ومن آسيا إلى إفريقيا ‪.‬فقد تفتت العالم العربي إلى اثنتين وعشرين دولة ! قابلة‬
‫للزيادة هذه اليام بحسب برامج جورج بوش ! وتجاوز عدد الدول السلمية خمسا‬
‫وخمسين دولة !! ‪ .‬وليس هذا لدخول مزيد من الدول في السلم بالطبع ‪ ,‬وإنما‬
‫لتقسيم قصعته على مائدة المستعمرين شذر مذر!‬

‫أول ‪ :‬العالم العربي ‪:‬‬


‫‪ -‬العراق ‪:‬‬ ‫(‪(1‬‬
‫كان العراق ولية عثمانية منذ عام )‪922‬هس ‪1516 -‬م( وحتى )‪1335‬هس ‪-‬‬
‫‪1917‬م( ‪ ,‬وتنافست على احتلله ألمانيا وفرنسا وإنجلترا ‪ ,‬فبعد تحقيق الوحدة‬
‫اللمانية ‪ ,‬اتجهت ألمانيا إلى سياسة التوسع شرقا على حساب الدولة العثمانية‬
‫المنهارة ‪ ,‬و يتضح ذلك في مشروعها الخاص بمد سكة حديد برلين – بغداد‪.‬‬
‫وقد أدركت بريطانيا خطورة النفوذ اللماني فتصدت لمواجهته نظرا لتهديده‬
‫الوجود البريطاني في الخليج‪.‬‬
‫ولما اندلعت الحرب العالمية الولى سنة )‪1332‬هس ‪1914 -‬م( بدأت القوات‬
‫البريطانية تتحرك من الهند لحتلل العراق منتهزة فرصة انضمام الدولة العثمانية إلى‬
‫ألمانيا ‪ ,‬ونجحت هذه الجيوش في الستيلء على الفاو والبصرة وسيطرت تدريجيا‬
‫على جنوب العراق سنة )‪1333‬هس ‪1915‬م( ‪ .‬وفي سنة )‪1335‬هس ‪ (1917 -‬احتلت‬
‫بغداد والموصل وأعلنت بريطانيا نهاية تبعية العراق للدولة العثمانية‪.‬‬
‫وفي مؤتمر ) سان ريمو( سنة )‪1338‬هس ‪1920 -‬م( تقرر وضع العراق تحت‬
‫الحماية البريطانية ‪.‬‬
‫أما عن تطور الحركة الوطنية العراقية ‪ ,‬فقد بدأت من قبل أعضاء )جمعية العهد(‬
‫الذين عقدوا اجتماعا بدمشق أعلنوا فيه استقلل العراق واتحاده مع سوريا سياسيا‬
‫واقتصاديا كما قاموا بتحركات عسكرية على الحدود السورية العراقية‪.‬‬
‫ولبى العراقيون في الداخل نداء المقاومة وقاموا بثورة سنة )‪1337‬هس ‪1920 -‬م(‬
‫التي امتدت من الموصل إلى البصرة وشارك فيها سائر القبائل والطوائف ولم يبق‬
‫في أيدي النجليز سوى البصرة وبغداد والموصل‪.‬‬
‫وكانت بريطانيا قد توجت المير فيصل بن الشريف حسين ملكا على العراق وذلك‬
‫في عام )‪1339‬هس ‪1930 -‬م( فعمل على تحقيق الستقلل عن طريق المفاوضات‬
‫وعقدت معاهدة )‪1350‬هس ‪1932-‬م( فحصلت العراق بمقتضاها على بعض المكاسب‬
‫منها قبول العراق عضوا في عصبة المم سنة )‪1350‬هس ‪1932 -‬م(‪.‬‬
‫وعندما قامت الحرب العالمية الثانية سنة )‪1375‬هس ‪1939 -‬م( رأت بريطانيا‬
‫الفرصة سانحة لتستفيد من امتيازات معاهدة )‪1348‬هس ‪1930 -‬م( وذلك باستعمال‬
‫قواعد المواصلت العراقية وبعض القواعد العسكرية مما جعل الوضع بالعراق يزداد‬
‫توترا إلى أن انفجر بثورة رشيد عالي الكيلني سنة )‪1359‬هس ‪1941 -‬م( بالعراق‪.‬‬
‫وتفجر الصراع العسكري بين النجليز والعراقيين الذي انتهى بهرب رشيد عالي‬
‫الكيلني خارج العراق كما نجحت بريطانيا في استمالة المير عبد الله ونوري السعيد‬
‫لتنفيذ مخططاتها في دعم نفوذها بالعراق‪.‬‬
‫وفي سنة )‪1364‬هس ‪1944 -‬م( جرى تشكيل خمسة أحزاب عراقية تبنى بعضها‬
‫معارضة السياسة البريطانية في العراق لكن استطاعت بريطانيا حلها‪.‬‬
‫وفي )‪8/5/1374‬هس ‪5 -‬إبريل سنة ‪1955‬م( أعلن قيام )حلف بغداد( بين العراق‬
‫وتركيا ثم انضمت إليه بريطانيا وإيران وباكستان والوليات المتحدة المريكية ‪ ,‬فكان‬
‫ذلك نوعا من عزل العراق وبعض البلدان العربية عن التيار العربي التحرري الذي راج‬
‫آنذاك‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 439 [ ‬‬

‫ولمواجهة الحلف تشكلت لجنة وطنية من القوى القومية والشيوعية تصدت‬


‫لقيادة الحركة الوطنية ‪ ,‬وانتهت جهودها إلى تفجير ثورة )‪10/7/1377‬هس ‪14 -‬يوليو‬
‫سنة ‪1958‬م( التي أطاحت بالنظام الملكي وأعلنت الجمهورية ‪.‬‬
‫سنة )‪ (1965‬استولى ) حزب البعث العربي الشتراكي ( على السلطة عبر‬
‫النقلب في العراق ‪ .‬ونصب ) أحمد حسن البكر ( رئيسا للعراق ‪ .‬وبعد ثلث سنوات‬
‫تمكن رجل حزب البعث النافذ ) صدام حسين ( نائب الرئيس البكر من إزاحته بهدوء‬
‫وتولى رئاسة العراق ‪ .‬وابتدأ عهده بتصفية كافة مراكز القوى في الحزب والدولة‬
‫بالبطش والعدامات الدموية ‪ ,‬حتى سيطر بمفرده على الحكم كواحد من أقوى‬
‫رؤساء النظمة العربية الديكتاتورية وأكثرهم بطشا وجبروتا ‪ .‬وقد تميزت فترة حزب‬
‫البعث في العراق – كما في سوريا – بتصفية كافة التجاهات السياسية الخرى ‪.‬‬
‫واتبعت نهجا علمانيا إلحاديا يساريا مواليا لموسكو ‪ .‬و قد حارب صدام البعث السلم‬
‫والسلميين وبطش بهم وسار بالعراق على طريق الكفر والظلم والطغيان ‪ ,‬ولكن‬
‫الذي يحسب لصدام أنه سعى لبناء دولة قوية متطورة علميا وتكنولوجيا ‪ ,‬وأسس‬
‫جيشا قويا كثير العدد موفور العتاد ‪ ,‬وطور الصناعات العسكرية ولسيما الصاروخية ‪,‬‬
‫بل طمح لن يمتلك القدرات النووية ‪ .‬وشهد العراق في عهده الديكتاتوري الدموي‬
‫نهضة عمرانية وازدهارا اقتصاديا مستفيدا من الموارد النفطية الهائلة للعراق ‪.‬‬
‫وبعد الثورة الشيعية الخمينية التي أطاحت بشاه إيران ‪ ,‬تبنت إيران مبدأ تصدير‬
‫الثورة للدول العربية والسلمية ‪ ,‬وحركت القوى الشيعية التي كان صدام قد‬
‫اضطهدها كغيرها بقسوة ‪ .‬فبطش صدام بالشيعة ونكل بهم بوحشية ‪ .‬واستغلت‬
‫أمريكا الحال بين الجارتين القويتين ونجحت في إشعال حرب ضروس بينهما اتهمت‬
‫كل دولة فيها الخرى بالتسبب في بدء الحرب التي استمرت من )‪ (1979‬وإلى )‬
‫‪ (1987‬ودمرت موارد البلدين ‪ .‬ولكن العراق خرج بتجربة عسكرية كبيرة وطور‬
‫جيشه ‪ .‬واستغلت أمريكا النزعة التوسعية لدى صدام ‪ ,‬واستدرجته السفيرة المريكية‬
‫وزينت له احتلل الكويت ‪ .‬فتورط في حرب الخليج الثانية واحتل الكويت بسهولة سنة‬
‫‪ ,1990‬وبذلك بلع صدام الطعم الذي وضعته له أمريكا ليكون عذرها الواهي للتواجد‬
‫الستعماري في المنطقة ‪ .‬وهكذا زحفت أمريكا مع جيوش حلفائها بنحو مليون جندي‬
‫لتحرير الكويت وإنقاذ أصدقائها من حكام الخليج كما ادعت وادعى أولئك الحكام‬
‫الخونة ‪ .‬وأسفرت الحرب سنة ‪ 1991‬عن تدمير الجيش العراقي ‪ ,‬و تركيع حكام‬
‫الخليج وابتزاز مخزونهم المالي في بنوك أمريكا ‪ ,‬ووضع المريكان قدمهم في‬
‫المنطقة ‪ .‬وفرضت أمريكا حصارا ظالما على الشعب العراقي بحجة احتواء نظام‬
‫صدام ‪ ,‬وعبر ‪ 13‬سنة من الحصار الوحشي قتل أكثر من مليون ونصف من الطفال‬
‫لنعدام الغذاء والدواء عدا ما هلك من الرجال والنساء ‪ ,‬فضل عن الحرب التي قتل‬
‫فيها أكثر من ‪ 300‬ألف عسكري ومدني تحت القصف المريكي الوحشي ! وبعد أن‬
‫تأكدت أمريكا من انهيار العراق ونظامه ‪ ,‬نفذت الحلقة الثانية من البرنامج اليهودي‬
‫الصليبي واحتلت العراق كامل بشكل مكشوف في حرب الخليج الثالثة التي أسمتها‬
‫حرب تحرير العراق وذلك بعد أن سهل لها ذلك لفيف من المعارضين العراقيين الذين‬
‫ربتهم أمريكا وبريطانيا عبر سنوات الحصار وكان في طليعتهم القوى الشيعية التي‬
‫تمركزت في إيران بالضافة لقوى أخرى ‪ ,‬حيث أوصل صدام الشيعة والقوى الخرى‬
‫ببطشه إلى الستعداد للتعاون مع الشيطان للطاحة به ‪ ,‬وتداخلت المسائل السياسية‬
‫المتشابكة – وليس هنا محل استقصائها – لتكون بداية البرنامج الستعماري الكبير‬
‫الذي تجتاح به أمريكا وحليفتها بريطانيا الشرق الوسط برمته من بوابة العراق ‪ ,‬بعد‬
‫أن احتلت أفغانستان وفرضت نفسها كقوة استعمارية إمبراطورية جديدة على العالم‬
‫بأسره ‪ .‬وهكذا سقط نظام صدام وحكم البعث الذي استمر زهاء ‪ 35‬سنة ‪ .‬لتتولى‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 440 [ ‬‬

‫هذه اليام حكومة عميلة معينة من قبل أمريكا حكم العراق الذي يعيث فيه فسادا‬
‫أكثر من ‪ 150‬ألف جندي أمريكي ‪ ,‬ونحو ‪ 50‬ألف جندي بريطاني عدى جيوش بقية‬
‫الحلفاء الصليبيين ‪.‬‬

‫سوريا ‪:‬‬ ‫(‪(2‬‬


‫بقيت سوريا خاضعة للحكم العثماني نحو ‪ 400‬سنة ‪ .‬ومع تهلهل أحوال الدولة‬
‫العثمانية بدأت بذور العمل التحرك القومي العربي في سوريا من جراء دسائس‬
‫تلميذ المستشرقين الصليبيين ‪ ,‬ومعظمهم من النصارى ‪ ,‬حيث لقت أفكارهم رواجا‬
‫نتيجة سياسة ) التتريك ( التي اتبعها الماسون الذين استولوا على الدولة العثمانية في‬
‫أواخر عهدها ‪ .‬وقد بدأ النشاط القومي في صور جمعيات ثقافية الطابع داخل سوريا‬
‫وخارجها نذكر منها جمعية النهضة العربية التي أسست في دمشق سنة )‪1324‬هس ‪-‬‬
‫‪1906‬م( وجمعية العربية الفتاة التي أسست سنة )‪1329‬هس ‪1911 -‬م( في باريس‬
‫وانتقلت لدمشق وبقيت بها حتى سنة )‪1337‬هس ‪1920 -‬م( ‪ .‬ثم عقد في باريس‬
‫المؤتمر العربي الول سنة )‪1331‬هس ‪1913-‬م( والذي مثل اتحادا عربيا ضمن إطار‬
‫القومية العربية ‪.‬‬
‫أعقب هذا المؤتمر محاولة التراك للتقرب من العرب ‪ ,‬واستجاب لهم العرب في‬
‫محاولة لصد أخطار المطامع الوروبية ‪ .‬لكن حركتي )التتريك ( و ) القومية العربية (‬
‫كانتا تمضيان قدما ‪ ,‬ولم يكن من المستطاع التوفيق بين قوميتين في نطاق دولة‬
‫واحدة ‪ .‬ومنذ ذلك الوقت حدث انفصام بين المتين وساد سوء الظن ‪ .‬وعندما قامت‬
‫الحرب العالمية الولى سنة )‪1332‬هس‪1914/‬م( دخلت تركيا الحرب إلى جانب ألمانيا؛‬
‫وهنا قامت ما يعرف بالثورة العربية الكبرى على تركيا ‪ ,‬حيث قادها المير حسين بن‬
‫علي والي الحجاز ضد التراك ‪ ,‬حيث خدعه البريطانيون فتحالف معهم ‪ .‬واشترك‬
‫معه أهل الشام ‪ .‬وانتهت الحرب العالمية بهزيمة ألمانيا وحلفائها ‪ ,‬وانتصار بريطانيا‬
‫وفرنسا اللتان قسمتا المنطقة فيما بينهما بموجب اتفاقية سيكس – بيكو ‪ ,‬ووعد‬
‫بلفور الذي منح فلسطين لليهود ‪.‬‬
‫وفي عام )‪1338‬هس‪1920 /‬م( عين المؤتمر السوري العام فيصل بن الحسين‬
‫ملكا على سوريا‪ .‬وفي نفس السنة صدرت قرارات مؤتمر سان ريمو الذي كان من‬
‫بين قراراته أن توضع سوريا تحت النتداب الفرنسي ‪ ,‬ووجهت فرنسا إنذارا للملك‬
‫فيصل تطلب منه قبول النتداب الفرنسي وتسريح الجيش السوري خلل ‪ 48‬ساعة‪.‬‬
‫وقبل انتهاء النذار زحفت القوات الفرنسية إلى دمشق ؛ فأعلن الملك فيصل‬
‫الجهاد ؛ و هاج الشعب والتف حول حكومته والتقى الجيش الفرنسي بالجيش السوري‬
‫والمتطوعين بقيادة وزير الدفاع يوسف العظمة في معركة ميسلون البطولية في‬
‫يونيو )‪1338‬هس ‪1920-‬م( ولكنها انتهت بانتصار الجيش الفرنسي ليحتل دمشق ومن‬
‫ثم سائر المدن السورية‪.‬‬
‫وعلى إثر ذلك غادر الملك فيصل دمشق وسيطر الفرنسيون على البلد سيطرة‬
‫كاملة ‪ ,‬واتبعت فرنسا سياسة طائفة فقسمت سوريا إلى أربع دويلت هي‪ :‬دمشق ‪,‬‬
‫وحلب ‪ ,‬ودولة العلويين ‪ ,‬ودولة الدروز‪.‬‬
‫ولم يستسلم السوريون لهذه التدابير ؛ فقامت بعض حركات المقاومة ‪ .‬وفي سنة‬
‫)‪1343‬هس ‪1925/‬م( ثار الدروز على الفرنسيين ثم امتدت الثورة إلى حماة ودمشق ‪,‬‬
‫وانتصر الثوار في عدة معارك لكن الفرنسيين قمعوها بوحشية ‪.‬‬
‫وأمام ضغوط الثوار وافقت فرنسا على تشكيل حكومة وطنية بدمشق حاولت عن‬
‫طريق المفاوضات عقد معاهدة تنص على تكوين جيش وطني وإصدار دستور للبلد ‪,‬‬
‫لكن المقيم الفرنسي عمل على حل الحكومة سنة )‪1348‬هس ‪1930/‬م(‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 441 [ ‬‬

‫شكلت فرنسا حكومة عقدت معها معاهدة سنة )‪1354‬هس ‪1936/‬م( ‪ .‬ثم‬
‫اعترفت فرنسا بمنح سوريا استقلل مشروطا‪.‬‬
‫ولما قامت الحرب العالمية الثانية سنة )‪1357‬هس ‪1939/‬م( أعادت فرنسا الحكم‬
‫العسكري في سوريا ‪ ,‬وأدى استمرار المقاومة الوطنية والتنافس البريطاني الفرنسي‬
‫إلى إجبار فرنسا على منح سوريا الستقلل سنة )‪1359‬هس ‪1941/‬م(‪ .‬مع بقاء قواتها‬
‫فيها ‪.‬‬
‫وفي سنة )‪1361‬هس ‪1943/‬م( تم انتخاب ) شكري القوتلي ( رئيسا للجمهورية‬
‫السورية المستقلة ثم اضطرت فرنسا إلى سحب قوتها من سوريا سنة )‪1365‬هس‪/‬‬
‫‪1946‬م( ليكتمل تحريرها واستقللها‪.‬‬
‫بعد الستقلل قامت في سوريا سلسلة من النقلبات العسكرية بمؤامرات‬
‫وتخطيط ودعم من السفارة المريكية في دمشق ‪ .‬وفي سنة ‪ 1958‬قامت الوحدة‬
‫بين مصر وسوريا في عهد جمال عبد الناصر ‪ ,‬ثم انفصلت سوريا عن مصر ‪ ,‬بانقلب‬
‫عسكري بعد ثلث سنوات على الوحدة ! ثم جاء الدور على ) حزب البعث العربي‬
‫الشتراكي ( ليقوم بانقلب ‪ 8‬آذار ‪ . 1963‬وكان جل قيادات الحزب من الطوائف غير‬
‫السلمية ‪ ,‬فكانوا من النصارى والدروز والسماعيلية و النصيرية ‪ ,..‬وقد أعلن‬
‫البعثييون الكفر واللحاد وحرب السلم بل خفاء ول مواربة ‪ ,‬كما انفردوا بالسلطة‬
‫وبطشوا بالقوى السياسية السلمية والقومية واليسارية الخرى ‪ .‬ثم انقسموا على‬
‫بعضهم ‪ ,‬وأعدم بعضهم بعضا ‪ ,‬وقام انقلب سنة ‪ 1965‬على الرئيس ) أمين‬
‫الحافظ ( ذي الصل السني ‪ ,‬ليزداد نفوذ النصيرية والدروز في الحكم ‪ .‬وفي ‪5‬‬
‫حزيران من سنة ‪ 1967‬خسرت سوريا ومصر الحرب مع إسرائيل وهزمتا هزيمة‬
‫منكرة ‪ ,‬واحتلت إسرائيل مرتفعات الجولن من غير قتال ‪ ,‬حيث تولى وزير دفاع‬
‫سوريا آنذاك ) حافظ السد ( بيع الجولن لسرائيل واشتهرت قصة الفضيحة دوليا‬
‫وإقليميا ‪ .‬ومن ثم كوفئ حافظ السد و النصيرية بتسليمهم مقاليد الحكم في سوريا‬
‫بدعم من القوى العالمية والصهيونية ‪ .‬وكان ذلك بعد آخر النقلبات في سوريا ‪ ,‬وهو‬
‫ما سمي بالحركة التصحيحية ‪ ,‬يقصدون تصحيح مسار حزب البعث !‬
‫ومنذ ذلك الوقت تحكم الطائفة النصيرية سوريا حكما طائفيا استبداديا ‪.‬‬
‫حكم حافظ أسد سوريا خلل )‪ . ( 1998 -1970‬حكما عسكريا استخباراتيا‬
‫بقبضة من حديد ‪ ,‬وبطش بكل همسة معارضة لحكمه من أي هوية سياسية كانت ‪,‬‬
‫وضعف نفوذ البعثيين المرتدين المنحدرين من أصول الطائفة السنية التي تشكل‬
‫‪ %80‬من سكان سوريا ‪ .‬وسارت البلد في دروب الكفر واللحاد والعلمنة بوتيرة‬
‫متسارعة ‪ ,‬كما دب الفساد والرشوة في كافة مفاصل الحياة السياسي والدارية‬
‫والقضائية والقتصادية‪ ,‬وذاق الشعب فيها ألوان العذاب !‬
‫قامت في سوريا ثورة إسلمية مسلحة على نظام حافظ أسد بقيادة الشيخ‬
‫مروان حديد ‪ ,‬وامتدت أحداثها من )‪ (1973‬إلى ) ‪ . (1983‬ولقت انتشارا في صفوف‬
‫المسلمين السنة ‪ ,‬ولكن النظام بطش بالشعب بقسوة وبكافة ألوان السلميين‬
‫ولسيما بالجهاديين ‪ ,‬وبالخوان المسلمين ‪ ,‬وامتد عدوانه لكل ما يمت للسلم بصلة‪,‬‬
‫حتى دوهمت المساجد ومزقت المصاحف ‪ ,‬وقتل المصلون ‪ ,..‬وفي فبراير ‪1982‬‬
‫بلغت الثورة أوجها وتركزت في مدينة حماة ‪ ,‬فقام النظام النصيري البعثي بدك‬
‫المدينة بالمدافع والطائرات وقتل أكثر من )‪ 50‬ألف مسلم ( خلل ‪ 14‬يوما ! وسط‬
‫صمت إعلمي دولي مريب عجيب ‪ .‬و تابعت الحكومة العتقالت التي كانت قد‬
‫اشتدت منذ ‪ 1979‬وأعدم في السجون أكثر من ‪ 25‬ألف مسلم في حملت إعدام‬
‫ومجازر منظمة ! دفن أصحابها في مقابر جماعية ‪ .‬وانتهت الثورة ) راجع كتاب الثورة‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 442 [ ‬‬

‫السلمية الجهادية في سوريا‪ ,‬وكتاب المسلمون و النصيرية في بلد الشام –‬


‫للمؤلف (‪.‬‬
‫أراد حافظ السد تولية ابنه باسل لخلفته في رئاسة الجمهورية ‪ ,‬ورتب ذلك مع‬
‫أمريكا والقوى القليمية‪ ,‬وفي طليعتها إسرائيل ‪ ,‬ولكن باسل هلك فجأة في حادثة‬
‫سيارة كما قيل ‪ ,‬فرتب استخلف ابنه بشار على عجل مع نفس القوى ‪ ,‬وحضرت‬
‫وزيرة خارجية أمريكا ‪ ,‬اليهودية الشمطاء ) أولبريت ( إلى دمشق وأشرفت على‬
‫تصويت البرلمان السوري على تعديل الدستور بالجماع خلل ‪ 40‬دقيقة ‪ .‬وعلى نقل‬
‫ولية العهد لبشار الذي مازال يحكم سوريا عبر أجهزة الستخبارات التي أسسها أبوه‬
‫إلى اليوم ‪.‬‬
‫لبنان ‪:‬‬ ‫(‪(3‬‬
‫كانت لبنان جزءا من بلد الشام التي كانت ولية عثمانية ‪ ,‬ولما تقاسمت بريطانيا‬
‫وفرنسا الشرق الوسط ‪ ,‬خرجت لبنان في حصة فرنسا باعتبارها جزءا من سوريا ‪,‬‬
‫ولكن فرنسا أعطت لبنان وضعا خاصا لوجود طائفة مسيحية كبيرة فيه ‪ ,‬أرادت فرنسا‬
‫العتماد عليها في نفوذها في المنطقة ‪ .‬ولما قسمت فرنسا سوريا إلى عدة دويلت ‪,‬‬
‫كانت لبنان إحدى لك الدويلت ‪ ,‬فوضعت لبنان تحت النتداب الفرنسي تطبيقا‬
‫لمعاهدة )سان ريمو( وبدأ الجنرال غورو إعادة تقسيم سوريا ولبنان ‪ ,‬وفي أغسطس‬
‫سنة )‪1338‬هس‪ (1920/‬صدر قرار بإعلن قيام دولة لبنان ‪ ,‬كما أعلن استقللها عن‬
‫سوريا ‪ ,‬ثم اقتطعت فرنسا أجزاء من القاليم المجاورة لقليم لبنان وألحقتها به‬
‫وأسمته ) دولة لبنان الكبير!!(‪.‬علما أن هذا ) اّلبنان الكبير (!! بلغت مساحته بعد ما‬
‫ألحق به )‪ 10‬آلف كم مربع فقط ( !‬
‫ثم قام الفرنسيون باستغلل لبنان ‪ ,‬وعمدوا إلى تمزيق شمل المواطنين والدس‬
‫بينهم لتمكين أقدامهم في البلد ‪ ,‬لكن بعض اللبنانيين لم يستكينوا لفرنسا فقامت‬
‫بعض الثورات من حين لخر ؛ ومن أشهرها ما حصل في سنة )‪1338‬هس‪1920/‬م(‬
‫ثورة جبل عامل التي أخمدها الفرنسيون‪ .‬ولكن الفرنسيين اعتمدوا على ولء النصارى‬
‫الموارنة لبسط نفوذهم ‪.‬‬
‫ثم توالت الثورات وتلقت مع ثورات سوريا خاصة في ثورة عام )‪1343‬هس‪/‬‬
‫‪1925‬م( في جبل الدروز‪ .‬ثم حكم الفرنسيون بعد ذلك لبنان حكما مباشرا وإن‬
‫أوجدوا مجلسا تمثيليا – حتى عام )‪1344‬هس‪1926/‬م( حيث أعطوا البلد دستورا‪ .‬وتم‬
‫انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية هو شارل دّباس الذي بقى حتى وفاته سنة )‬
‫‪1350‬هس‪1932/‬م(‪.‬‬
‫وفي سنة )‪1351‬هس‪1933/‬م( تم تعيين حبيب باشا السعد رئيسا جديدا ثم تبعه‬
‫عام )‪1936‬م( إميل أده‪ .‬وفي سنة )‪1355‬هس‪1937/‬م( تم التفاق بين فرنسا‬
‫واللبنانيين على أن يكون رئيس الجمهورية ‪ ,‬مارونيا ورئيس الوزراء مسلما سنيا‪.‬‬
‫وعندما قامت الحرب العالمية الثانية عبثت السلطات الفرنسية بالنظام السياسي‬
‫والداري في لبنان ‪ ,‬وعملت على انتشار الفساد في البلد‪.‬‬
‫وفي سنة )‪1354‬هس‪1936/‬م( تقدم الشيخ محمد توفيق خالد مفتي المسلمين إلى‬
‫المفوض السامي بعدة مطالب لتحقيق الستقلل الشامل والعتراف بسيادة لبنان‬
‫ووحدته مع سوريا ‪ ,‬بينما تقدم بطرس عويضة زعيم الطائفة المارونية بمطالب تهدف‬
‫إلى تحقيق الستقلل والسيادة ‪ ,‬وتوطيد العلقات مع سوريا ‪ ,‬ووضع دستور للبلد‪.‬‬
‫وفي سنة )‪1361‬هس‪1943/‬م( تشكلت حكومة تمثل الطوائف الرئيسية في لبنان‬
‫وهي‪ ) :‬الموارنة ‪ ,‬والسنة ‪ ,‬والشيعة ‪ ,‬والروم الرثوذكس ‪ ,‬والروم الكاثوليك ‪,‬‬
‫والدروز ( معبرة في ذلك عن شكل من الوحدة الوطنية وكان رئيس الجمهورية‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 443 [ ‬‬

‫)بشارة الخوري(‪ .‬ثم أعطت فرنسا لبنان الستقلل سنة )‪1364‬هس‪1945/‬م( وتم جلء‬
‫القوات الفرنسية عن لبنان سنة )‪1365‬هس‪1946/‬م(‪.‬‬
‫استمر الضطراب الطائفي في دويلة لبنان الصطناعية !‪ ,‬وانفجرت الحرب‬
‫الهلية بين الموارنة والطوائف السلمية والملحقة بالسلمية والقومية سنة ‪. 1958‬‬
‫وسكنت الحداث لتنفجر ثانية سنة ‪ 1975‬بين تحالف النصارى الموارنة المدعومة من‬
‫إسرائيل علنيا ‪ ,‬والقوى القومية والسلمية والفلسطينيين المقيمين في لبنان ‪ ,‬ودخل‬
‫النظام النصيري بإجازة أمريكية في الحرب بين الطراف ‪ ,‬ونفذ الجيش السوري‬
‫بالتعاون مع الطيران السرائيلي مذبحة مخيم تل الزعتر الفلسطيني وقتل زهاء ‪50‬‬
‫ألف نسمة في تلك المذبحة ! ثم أحدث النصيرية مذبحة أخرى في المسلمين في‬
‫طرابلس شمال لبنان ‪ ,‬ونمت قوة الطائفة الشيعية و النصيرية اللبنانية خلل تلك‬
‫الحرب بدعم من سوريا وإيران ‪ ...‬ودمرت الحرب الهلية لبنان وهلك زهاء مأتي ألف‬
‫من مختلف الطوائف ‪ . ,‬ثم تدخلت إسرائيل علنيا و زحفت جيوشها برئاسة شارون‬
‫آنذاك واحتلت بيروت ! ونفذت مجازر مهولة فى الفلسطينيين في سنة ‪ 1982‬وخاصة‬
‫فيما عرف بمذابح صبرا و شاتيل ‪ .‬وأجبرت المنظمات الفلسطينية على الرحيل من‬
‫لبنان ‪.‬‬
‫ثم عقد مؤتمر القمة العربية في الطائف وأرسى دعائم اتفاق هش ‪ ,‬أطلق فيه يد‬
‫سوريا في لبنان بإجازة أمريكية إسرائيلية ‪ ,..‬والن وبعد احتلل العراق ‪ ,‬تغير البرنامج‬
‫المريكي الصهيوني حيث تعيد أمريكا ترتيب خريطة المنطقة ‪ ,‬لتطالب سوريا برفع‬
‫يدها عن لبنان ‪ ,‬حيث يبدوا أن الطوائف وعلى رأسها الموارنة سيلعبون دورا جديدا‬
‫في برنامج بوش لعادة تقسيم ما قسمته سيكس بيكو ورسمها من جديد وإعادة‬
‫تقسيمها وتركيبها تحت المجهر ‪.‬‬

‫فلسطين ‪:‬‬ ‫(‪(4‬‬


‫لفلسطين منزلة كبرى عند المسلمين نظرا لوجود بيت المقدس ثاني الحرمين‬
‫وأولى القبلتين ‪ ,‬وقد اتفق الشريف حسين بن علي مع بريطانيا على أن تكون‬
‫فلسطين ضمن الدولة العربية الكبرى التي وعدوه بها قبل الحرب العالمية الولى ‪,‬‬
‫لكن بريطانيا كانت تريد ضمها إلى إمبراطوريتها لعطائها لليهود بموجب وعد بلفور‬
‫سنة الصادر سنة )‪1335‬هس‪1917/‬م( والذي تعهدت فيه بريطانيا بتبني قرار المؤتمر‬
‫الصهيوني الول سنة )‪1314‬هس‪1897/‬م( بأن تكون فلسطين وطنا قوميا لليهود‪.‬‬
‫انتهت الحرب العالمية الولى بانتصار الحلفاء – ومنهم بريطانيا – وتم وضع‬
‫فلسطين تحت النتداب البريطاني سنة )‪1338‬هس‪1920/‬م( ‪ .‬في مؤتمر سان ريمو ‪.‬‬
‫وتنكرت بريطانيا لوعودها للعرب بالستقلل بينما التزمت بوعدها للصهاينة بالوطن‬
‫لليهود في فلسطين ‪ .‬وخلل فترة النتداب من )‪1338‬هس‪1920/‬م( – )‪1367‬هس‪/‬‬
‫‪1948‬م( مكنت بريطانيا الصهاينة من امتلك الراضي ‪ ,‬وفتحت أبواب فلسطين‬
‫لستقبال يهود العالم ‪ ,‬فرفعت عدد اليهود الصليين الذي كان ‪ 15‬ألف نسمة من‬
‫السكان اليهود الصليين ‪,‬إلى مئات اللف قبل سنة ‪. 1948‬وجعلت اللغة العبرية لغة‬
‫رسمية ‪ ,‬وسمحت لهم بتكوين فرق عسكرية ‪ ,‬بينما اتبعت خطة من شأنها التضييق‬
‫على العرب‪.‬‬
‫خلل تلك الفترة قامت ثورات شعبية فلسطينية وأبرزها ثورات )‪1338‬هس‪(1920/‬‬
‫)‪1347‬هس‪1929/‬م( )‪1354‬هس‪1936/‬م( فكان الحاج أمين الحسيني مفتي القدس أبرز‬
‫القادة في تلك الفترة ‪ ,‬وكنوع من التهدئة طرحت بريطانيا مشروع تقسيم فلسطين‬
‫لثلث مناطق‪ :‬يهودية ‪ ,‬وعربية ‪ ,‬وبريطانية ‪ .‬رفض الفلسطينيون هذا التقسيم‬
‫واندلعت الثورات من جديد‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 444 [ ‬‬

‫وكانت ثورة )‪1355‬هس‪1937/‬م( التي قادها الشهيد عز الدين القسام أشدها ولكن‬
‫بريطانيا أجهضتها بتوسط من بعض زعماء العرب ولسيما المير فيصل بن عبد العزيز‬
‫ملك السعودية !‪ .‬واضطرت بريطانيا عام )‪1356‬هس‪1937/‬م( للتخلي عن الفكرة ‪.‬‬
‫وبعد الحرب العالمية الثانية تراجعت بريطانيا إلى دولة من الدرجة الثانية ‪ ,‬وبرزت‬
‫الوليات المتحدة المريكية لتصبح إحدى القوتين العظم في العالم ؛ و ركز اليهود‬
‫جهودهم لستمالة الوليات المتحدة ‪ .‬وأثبت الرئيس المريكي ترومان للصهيونية أن‬
‫الوليات المتحدة حليف أفضل حين مارس ضغطا على بريطانيا كانت نتيجته السماح‬
‫بدخول ‪ 100‬ألف يهودي إلى فلسطين وهي العملية التي جعلت بريطانيا تعجل بتدويل‬
‫القضية و بتحويلها إلى المم المتحدة عام )‪1947‬م (‪.‬‬
‫وأوصت اللجنة الخاصة للمم المتحدة بشأن فلسطين بقسيمها إلى دولتين‬
‫إحداهما عربية والخرى يهودية مع تدويل القدس وجرى التصويت على ذلك وقامت‬
‫بذلك دولة إسرائيل عام )‪1948‬م( وانسحبت بريطانيا من فلسطين بعد أن سلمت‬
‫الصهاينة كل مقومات الدولة إداريا وعسكريا ‪ ,‬وبعد أن مكنتهم من السيطرة على‬
‫مساحات من أرض تزيد على المساحات التي حددها تقسيم المم المتحدة ‪ ,‬وفي )‬
‫‪7/7/1367‬هس( )‪15‬مايو سنة ‪1948‬م( جرى إعلن قيام دولة إسرائيل وواصلت‬
‫المنظمات الصهيونية غاراتها للتوسع على حساب المناطق التي يسكنها العرب‪.‬‬
‫أدى إلى ذلك القيام الحرب الولى بين العرب وإسرائيل سنة )‪1367‬هس‪1948/‬م(‬
‫التي انتهت بهزيمة الجيوش العربية بفعل خيانات الرؤساء والملوك العرب ولسيما‬
‫في الدول المجاورة والسعودية ‪.‬وتأكد قيام دولة إسرائيل ‪ .‬واستولى اليهود على مزيد‬
‫من الراضي بحيث لم يبق من فلسطين سوى الضفة الغربية التي وضعت تحت‬
‫الحكم الردني وقطاع غزة الذي وضع تحت الحكم المصري‪ .‬وفي سنة )‪1375‬هس‪/‬‬
‫‪1956‬م( كان اعتداء إسرائيل على غزة وسيناء بالتواطؤ مع إنجلترا وفرنسا الذي‬
‫ض جديدة إليها بعد مذابح شنيعة ضد عرب‬ ‫انتهى بتوسيع دولة إسرائيل وضم أرا ٍ‬
‫فلسطين‪.‬‬
‫وفي عام )‪1382‬هس‪1963/‬م( كان إعلن قيام )منظمة التحرير الفلسطينية( التي‬
‫أسست جيشا فلسطينيا نجح في إلحاق بعض الخسائر بإسرائيل في الداخل وفي‬
‫خارج حدودها مع لبنان والردن ‪ .‬وفي عام )‪1386‬هس‪1967/‬م( اندلعت الحرب بين‬
‫العرب وإسرائيل للمرة الثانية وخسر على أثرها العرب الجولن والضفة الغربية‬
‫وقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء التي احتلتها إسرائيل‪ .‬نتيجة خيانة النظام السوري ‪,‬‬
‫واختراق الستخبارات السرائيلية لقيادات جيش عبد الناصر من الزناة الماجنين ‪!..‬‬
‫وفي عام )‪1392‬هس‪1973/‬م( قامت حرب أكتوبر حيث انتصرت الجيوش العربية‬
‫على إسرائيل ‪ ,‬لكنها لم تستطيع تحرير تلك المناطق المحتلة نظرا لتدخل الوليات‬
‫المتحدة ووقوفها إلى جانب إسرائيل ولخيانة الرئيس السادات الذي أوقف الهجوم ‪,‬‬
‫وتكرار النظام السوري لخياناته المألوفة ‪..‬‬
‫وبعد أن تحصلت منظمة التحرير الفلسطينية ‪ ,‬على كونها المثل الشرعي والوحيد‬
‫للقضية الفلسطينية ‪ ,‬بدأت بسلسلة مفاوضات سرية وعلنية مع إسرائيل برعاية من‬
‫النظمة العربية الخائنة ‪ ,‬وإشراف دولي ‪ .‬من أجل إنهاء الصراع العربي السرائيلي‪.‬‬
‫وقد بدأ ذلك من اتفاقيات كامب ديفد بين مصر وإسرائيل والفلسطينيين برعاية‬
‫أمريكية سنة ‪, 1980‬ثم حصلت قفزة استسلمية في مؤتمر مدريد للسلم )‪(1991‬‬
‫والذي تبعه اتفاقيات أوسلو بين المنظمة ولسرائيل ‪ ,‬ثم تتابعت المؤتمرات‬
‫والمؤامرات ‪..‬بإشراف أمريكي وتعاون من النظمة العربية ‪ ,‬ومنظمة المؤتمر‬
‫السلمي التي تضم الدول ) ذات الشعوب السلمية (‪ .‬إلى أن تولى بوش وضع ما‬
‫سمي بس )خارطة الطريق ( لتسوية القضية الفلسطينية سنة ‪ , 2002‬ولقامة دولة‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 445 [ ‬‬

‫شكلية للفلسطينيين في غضون سنة ‪2005‬ولكن إسرائيل مازالت تتملص وتتابع‬


‫مسلسل القتل والمجازر في الفلسطينيين ‪ ,‬وأمريكا مازالت تزداد علنية في‬
‫انحيازها ‪ .‬فيما يبدو مخططا مكشوفا لتهجير ما تبقى من الفلسطينيين ‪ ,‬وهدم‬
‫المسجد القصى وإقامة الهيكل المزعوم على أنقاضه ‪.‬‬
‫وقد انفجرت النتفاضة الفلسطينية ضد اليهود في سنة ‪ 2000‬وانتقلت للعمل‬
‫المسلح وبرزت المنظمات الجهادية السلمية لتمل فراغ الساحة بعد انكشاف إفلس‬
‫الخط اليساري القومي العلماني وخيانته لقضية المسلمين ‪ ,‬وعجزه ‪ .‬وتشهد هذه‬
‫اليام صدامات عنيفة بين قوى الجهاد الفلسطينية واليهود ‪ ,‬فيما تتابع السلطة‬
‫الفلسطينية بعد هلك عرفات تعفنها و تفسخاتها بقيادة الخونة من أمثال محمود‬
‫عباس ) أبو مازن ( المرشح لطلق رصاصة الرحمة على قضية فلسطين هذه اليام ‪.‬‬

‫الردن ‪:‬‬ ‫(‪(5‬‬


‫كانت الردن جزءا من ولية الشام عبر التاريخ السلمي ‪ .‬ولكنها بدأت تاريخها‬
‫كدولة مستقلة منذ عام )‪1339‬هس‪1921/‬م ( بموجب اتفاقية سيكس بيكو التي جعلتها‬
‫في حصة النكليز ‪ .‬فرسمت حدوده على الرقعة الجغرافية الممتدة شرق نهر الردن‬
‫ما بين السعودية والعراق وسوريا ‪ .‬وقد كانت الردن متصرفية تتبع سوريا في العصر‬
‫العثماني‪ ,‬ووفق اتفاقية سان ريمو وضع شرق الردن وفلسطين تحت النتداب‬
‫البريطاني ‪ ,‬ثم قررت بريطانيا فصل شرق الردن عن فلسطين ‪ ,‬وعينوا عليها المير‬
‫عبد الله بن الشريف حسين على أن يكون حكمه مستقل إداريا و) مستنيرا ( ! برأي‬
‫مندوب بريطاني يقيم في عمان‪.‬‬
‫وفي سنة )‪1346‬هس ‪1927/‬م( عقدت معاهدة أردنية – بريطانية اعترفت بريطانيا‬
‫فيها باستقلل شرق الردن شكليا ‪ ,‬وتكون حكم فيها ملكي مطلق ‪ ,‬ثم عدلت سنة )‬
‫‪1352‬هس ‪1933/‬م( بحيث حصلت المملكة على قدر من السيادة والستقلل ‪ .‬وخلل‬
‫الحرب العالمية الثانية وقف الردن إلى جانب الحلفاء ‪ ,‬وشاركت القوات الحربية‬
‫الردنية في المجهود الحربي ثم أعلنت بريطانيا إنهاء انتدابها للردن ‪ .‬في )‪1365‬هس‪/‬‬
‫‪1946‬م( و تم إعلن قيام )المملكة الردنية الهاشمية( ‪ ,‬وبويع المير عبد الله ملكا‬
‫دستوريا على البلد‪.‬‬
‫في عام )‪1368‬هس‪1948/‬م( انفجرت الحرب بين العرب واليهود وكان الملك عبد‬
‫الله هو القائد العلى للجيوش العربية ! ولكن الضابط النكليزي )غلوب باشا ( كان‬
‫القائد الفعلي !!! ‪ !...‬وهكذا انتهت الحرب بالنكبة واستيل ء اليهود على قسم من‬
‫الراضي ‪ ,‬وقيام إسرائيل ‪ .‬وفي عام )‪1369‬هس‪1950/‬م( أعلن الملك عبد الله ضم‬
‫الضفة الغربية من فلسطين إلى الردن وذلك بعد قيام دولة إسرائيل‪.‬‬
‫وفي عام )‪1370‬هس‪1951/‬م( قتل الملك عبد الله وتبعه ابنه الملك طلل الذي قام‬
‫في سنة )‪1371‬هس‪1952/‬م( بوضع دستور يساير الواقع الجديد‪ .‬ولكنهم أعلنوا اختلله‬
‫العقلي ‪ ,‬وخلفه في سنة )‪1372‬هس‪1953/‬م( ابنه الملك حسين بن طلل ‪.‬‬
‫استمر حسين في الحكم لكثر من ‪46‬سنة ! وكان داهية محنكا ‪ ,‬وعميل خائنا‬
‫ماهرا ‪ ,‬أجاد اللعب على متناقضات المنطقة وعرف بممالته للنكليز الذين صنعوا‬
‫العرش الردني ثم للمريكان الذين ورثوا النفوذ في المنطقة ‪ .‬كما أن اتصالته‬
‫القديمة جدا باليهود الصهاينة كانت شبه معلنة ‪ .‬وقد تولى كشفها بنفسه وأعلن قدمها‬
‫وأنها تعود ليام صداقته مع بنغوريون مؤسس إسرائيل !‬
‫تتمتع الردن باقتصاد ضحل جدا ‪ ,‬فهي بلد صحراوي قليل الموارد وتعتمد في‬
‫استمراريتها على المساعدات القليمية والدولية ‪ .‬ويتكون ثلثي السكان من‬
‫الفلسطينيين المهجرين إبان الحروب المتتالية في فلسطين ‪ .‬ولذلك فالتوازن‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 446 [ ‬‬

‫السياسي الداخلي فيها حرج ‪ ,‬وقد فقد توازنه سنة ‪ 1970‬حيث وقع القتال بين‬
‫الفلسطينيين والنظام الردني وراح ضحيته أكثر من عشرين ألف فلسطيني !‬
‫وأخرجت المنظمات الفلسطينية من الردن ليستقر معظمها في لبنان ‪ ,‬حيث أخرجت‬
‫كما رأينا بعد الحرب الهلية المجازر سنة ‪. 1982‬‬
‫وقع الحسين معاهدة صلح مع إسرائيل أقام علقات دبلوماسية معها ورفرف‬
‫العلم السرائيلي في سماء عمان جهارا نهارا فوق رؤوس شعبها ذي الغلبية‬
‫الفلسطينية !‬
‫هلك الحسين إثر إصابته بالسرطان سنة ‪-1998‬على ما أذكر – وتولت أمريكا‬
‫تغيير ولية العهد ‪ ,‬فأبعدت أخاه وولي عهده لعشرات السنين ‪ ,‬وولت ابنه ) الملك عبد‬
‫الله الحالي ( الذي قضى معظم حياته في بريطانيا ‪ .‬ليتابع سياسة أبيه ‪ .‬فتوطدت‬
‫علقاته وزياراته لسرائيل ‪ .‬وعندما غزت أمريكا العراق واحتلته ‪ ,‬قدمت حكومة‬
‫الردن لمريكا خدمات لوجيستية هامة ‪ ,‬وتحركت القوات المريكية من الراضي‬
‫والجواء الردنية ‪ .‬بعد مناورات مشتركة مع الجيش الردني ‪ .‬وترتكز البرامج‬
‫المريكية السرائيلية اليوم في انطلقتها الشاملة في المنطقة اليوم إقتصاديا وثقافيا‬
‫وسياسيا‪ ..‬على ما يقدمه النظام الردني من خدمات خيانية جليلة للعداء ‪.‬‬
‫وفيما كنت أضع اللمسات الخيرة على الكتاب ‪ .‬أوردت النباء خبرا طريفا يذكرنا‬
‫بأيام المماليك ودول الطوائف ! حيث أعلن الملك عبد الله عزل أخيه حمزة عن ولية‬
‫العهد ‪ ,‬وتولية ابنه البالغ من العمر ‪ 9‬سنوات ‪ ,‬وتهافتت الشخصيات الردنية لعلن‬
‫إشادتها بهذا النجاز الشرعي ! والعظيم ‪ .‬وحسبنا الله ونعم الوكيل على زمان‬
‫المهازل الذي نعيشه !!‪.‬‬

‫بلد الحرمين ‪ .‬المسماة بـ ( السعودية !! ( ‪:‬‬ ‫)‪(6‬‬


‫خلل المرحلة العثمانية كانت البلد المعروفة باسم )السعودية( اليوم مكونة من‬
‫أجزاء شبه مستقلة ‪ .‬أهمها نجد ‪ ,‬ولم تخضع عمليا للحكم العثماني ‪ ,‬والحجاز التي‬
‫حكمها الشراف وتبعوا فيها العثمانيين وكانوا تحت حمايتهم ورعايتهم ‪ .‬والشمال‬
‫المتاخم للشام والعراق ‪ ,‬وكان يخضع لحكم آل الرشيد بتوكيل من العثمانيين أيضا ‪.‬‬
‫وقد مر قيام الدولة السعودية الحالية منذ القرن الثامن عشر الميلدي بثلثة أدوار‪:‬‬
‫الدور الول‪ :‬الدولة السعودية الولى‪:‬‬
‫ويبدأ من سنة )‪ 1157‬هس ‪1744 -‬م( وهي السنة التي هاجر فيها الداعية الشيخ‬
‫) محمد بن عبد الوهاب ( إلى بلدة الدرعية وعقد التفاق بينه وبين أميرها المام‬
‫) محمد بن سعود على النصرة والتعاون على نشر الدعوة ‪ .‬ويعتبر المير المام سعود‬
‫بن محمد بن مقرن )‪1725‬م‪1765-‬م( مؤسس الدولة السعودية الولى ‪ .‬ثم انتشر‬
‫صدى الدعوة الوهابية في أنحاء الجزيرة‪.‬‬
‫توفي المير محمد بن سعود سنة )‪1178‬هس‪1765/‬م( فبويع على المامة ابنه‬
‫المير عبد العزيز ابن محمد‪ ,‬فوسع دولتهم ووصل في الجنوب إلى وادي الدواسر‬
‫وفي الشمال إلى السماوة في شرق العراق ‪ ,‬وقد اغتيل المام عبد العزيز بن محمد‬
‫سنة )‪1228‬هس ‪1813/‬م( وكان قد عين ابنه سعودا خلفا له فبايع الناس سعود على‬
‫المامة ‪ ,‬فتمكن سنة )‪1228‬هس‪1813/‬م( من فتح مكة والقضاء على نفوذ الشراف‬
‫في الحجاز‪.‬‬
‫ولم ترض الدولة العثمانية عن ضياع سلطانها على الحجاز ‪ ,‬ثم إن النشاط‬
‫المتزايد للحركة السلفية في نواحي العراق زاد من مخاوف العثمانيين ‪ ,‬وبعد أن‬
‫استنجد الشريف غالب بالعثمانيين كلف السلطان محمود الثاني وإليه على‬
‫مصر) محمد على باشا ( باستعادة الحجاز فاستولى على مكة والطائف‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 447 [ ‬‬

‫الحملة المصرية الثانية‪:‬‬


‫ثم خرج محمد على بنفسه إلى الحجاز سنة )‪1228‬هس‪1813/‬م( واستطاع تمكين‬
‫سلطانه في مكة والمدينة والطائف ودخل تهامة وعسير ‪ .‬وفي تلك الثناء توفي المام‬
‫سعود بن عبد العزيز وخلفه ابنه عبد الله سنة )‪1230‬هس‪1814/‬م( ثم أعد محمد علي‬
‫حملة قوية جديدة جعل عليها ابنه إبراهيم باشا فتقدم إبراهيم باشا نحو واستولى على‬
‫الدرعية عاصمة السعوديين بعد حصار طويل وقتال مرير ‪ ,‬ووقع الصلح بينهما وذهب‬
‫المام عبد الله إلى مصر مع من بقي من أنصاره لتوقيع الصلح مع محمد علي‬
‫واستطاعت قوات محمد على أن تمد نفوذها إلى منطقة القطيف‪.‬‬
‫وينتهي الدور الول أو الدولة السعودية الولى باستسلم المام عبد الله سنة )‬
‫‪1818‬م(‪.‬‬
‫الدور الثاني أو الدولة السعودية الثانية‪:‬‬
‫يبدأ عندما استطاع المير مشاري بن سعود الكبير الهرب من مصر‪ ,‬ثم بويع إماما‬
‫سنة )‪1235‬هس‪1236/‬هس( )‪1819‬م‪1820/‬م( ‪ ,‬وأقام تركي بن عبد الله بن محمد بن‬
‫سعود والذي كان قد لذ بالفرار عند تسليم الدرعية – أميرا على الرياض ثم خلف‬
‫المير تركي ابنه المير فيصل بن تركي سنة )‪1250‬هس‪1834/‬م( واستمر في كفاحه‬
‫مع منافسي بيته من ناحية ‪ ,‬ومع المصريين من ناحية أخرى‪.‬‬
‫وكان المام فيصل بن تركي قد أعطى إمارة حائل لحد رجاله الذين ساعدوه في‬
‫القضاء على قاتل والده تركي ‪ ,‬وهو عبد الله بن الرشيد الذي سيكون مؤسسا لمارة‬
‫بيت الرشيد‪ .‬ويقسم عهد فيصل بن تركي إلى دورين‪ :‬الول يبدأ بتوليه المارة بعد‬
‫مقتل والده )‪1250‬هس‪1834/‬م( وهو دور الفتن و الضطرابات ‪ ,‬وينتهي بتسليم فيصل‬
‫لخورشيد باشا والي مصر على نجد والحجاز بعد تسع سنين من المقاومة – حيث أخذه‬
‫إلى مصر وولى مكانه عمه خالد ابن سعود جاء يحكم نجدا حكما عصريا ‪ .‬فنفر منه‬
‫أهل نجد ‪ ,‬وعدوه أجنبيا‪ ,‬ثم أجمعوا على خلعه فخلعوه بعد أن قاوموا سنتين‪ ,‬ثم تولى‬
‫المارة بعده عبد الله بن ثنيان بن إبراهيم بن ثنيان بن سعود سنة )‪1257‬هس‪1842/‬م(‬
‫ولكن حكمه لم يدم فقد كان محمد علي قد أطلق سراح المام فيصل بن تركي‬
‫فبايعه أهل نجد سنة )‪1259‬هس‪1843/‬م( و استمر في الدور الثاني أربعا وعشرون‬
‫سنة فبسط سيادته على الشطر الكبر في شبه الجزيرة فدانت له الحساء و القطيف‬
‫ووادي الدواسر وعسير و الجبيل و القصيم ‪ .‬وبوفاته سنة )‪1282‬هس‪1865/‬م( ينتهي‬
‫الدور السعودي الثاني أو الدولة السعودية الثانية حيث تنازع أبناء فيصل بن تركي‬
‫الملك ‪ ,‬وكانت الدولة العثمانية قد أنهكت أهل نجد بحملتها المتعددة ‪ .‬و استمر‬
‫الخلف بين سعود وعبد الله ومحمد أبناء فيصل ‪ ,‬ولكن في سنة )‪1291‬هس‪1874/‬م(‬
‫توفي المام بن فيصل وتولى المامة بعده أخوه عبد الرحمن ‪ ,‬واستطاع أن يعيد أخاه‬
‫الكبير عبد الله ويصالحه ‪ ,‬وبايع أخاه عبد الله ولكن أبناء سعود انشقوا عن العائلة ‪.‬‬
‫وكان آل رشيد إلى ذالك الحين في طاعة آل سعود‪.‬‬
‫ولكن في سنة )‪1299‬هس‪1881/‬م( حدثت وقعة الحمادة والتي أدت إلى استيلء‬
‫ابن رشيد على نجد وأخذه للمام عبد الله وأخيه عبد الرحمن سجينين إلى حائل مع‬
‫عشرة آخرين من آل سعود ‪ ,‬وأقام سالم بن السبهان أميرا على الرياض والذي قام‬
‫بقتل أبناء سعود محمد وسعدا وعبد الله وأجلى أهلهم إلى حائل ‪.‬‬
‫وفي سنة )‪1308‬هس‪1889/‬م ( مرض المام عبد الله ؛ فأذن له وأخيه عبد الرحمن‬
‫بأن يعودا إلى الرياض ؛ ولكن المام عبد الله مات في نفس السنة ‪ ,‬وبويع أخوه عبد‬
‫الرحمن بالمامة ‪.‬ثم استولى ابن الرشيد على نجد ‪ ,‬فأخرج عبد الرحمن حريمه‬
‫وأولده فارتحلوا منها إلى الحساء ثم إلى قطر وأخيرا إلى الكويت حيث بقوا فيها إلى‬
‫أن فتح ابنه عبد العزيز الرياض وأقام الدولة السعودية الثالثة‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 448 [ ‬‬

‫الدور الثالث‪ -‬الدولة السعودية الثالثة‪:‬‬


‫كانت بريطانيا قد بسطت سلطانها في الكويت كما سيأتي ‪ ,‬وكانت أطماعها تمتد‬
‫للسيطرة على جزيرة العرب وبلد الحرمين ‪ ,‬ولكنها بمعرفتها الواقعية لمكانة بلد‬
‫الحرمين في نفوس المسلمين ‪ ,‬ونفرتهم من وجود قوات أجنبية فيها ‪ ,‬عمدت إلى‬
‫احتللها بصورة غير مباشرة ‪ ,‬وذلك بتولية أسرة مالكة تابعة لها فيها ‪ .‬وهذا ما فعلته‬
‫بعد دراسة في تاريخ المنطقة والقوى القبلية فيها ‪.‬‬
‫وقد نصح حاكم الكويت التابع للنكليز ) مبارك الصباح ( البريطانيين باعتماد عبد‬
‫الرحمن بن فيصل آل سعود ‪ -‬الذي كان لجئا عنده – لهذه المهمة ‪ .‬وبعد اجتماع‬
‫المندوب البريطاني بعبد الرحمن آل سعود ‪ ,‬أقنعه عبد الرحمن بأن كبر سنه ل يناسب‬
‫المهمة ‪ ,‬وقدم له ولده ) عبد العزيز( ليقوم بالبرنامج البريطاني ‪ .‬وأعجب المندوب‬
‫بعبد العزيز الذي كان في العشرين من عمره ‪ ,‬وتوسم فيه القدرة والنجابة ‪ .‬ومن تلك‬
‫النقطة يبدأ تاريخ الدولة السعودية الثالثة والتي مازالت مستمرة إلى يومنا هذا ‪.‬‬
‫أخزاهم الله وأهلكهم ‪.‬‬
‫زودت بريطانيا عبد العزيز بالذهب اللزم وبالمستشارين وبخبير عسكري يساعده‬
‫في إعداد قواته ‪ .‬وقام بحلته الولى سنة ‪1901‬م تحت دعوى استعادة ملك آبائه ‪,‬‬
‫ي بفشل ذريع ‪ .‬وعاد للكويت ‪.‬‬ ‫من َ‬
‫ولكنه ُ‬
‫وبعد تدارس المر قرر عبد العزيز أن يعاود الكرة ولكن تحت دعوى إحياء دعوة‬
‫الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأن يتستر تحت هذه الدعوة الدينية المحبوبة من أهل‬
‫نجد ‪ .‬وفعل لقت دعواه التأييد من الناس و تمكن عبد العزيز سنة )‪1319‬هس‪1902/‬م(‬
‫من العودة إلى نجد والستيلء على الرياض وإعلن نفسه أميرا‪ .‬وبدأ بإزالة كل أثر‬
‫لسلطان بني رشيد في حائل‪.‬‬
‫ثم بدأ عبد العزيز بجمع أنصار الدعوة الوهابية وكون منهم ما عرف باسم‬
‫( إخوان من طاع الله ( ‪ ,‬وكانت أشبه بميليشيا مسلحة من المجاهدين العقائديين‬
‫الذين عرفوا بالبأس وشدة اليمان ‪ .‬وتوسعت قوات عبد العزيز فتحرك بهمة ونشاط‬
‫وأثبت كفاءته ودهاءه ‪.‬‬
‫ثم فتح القصيم سنة )‪1321‬هس‪1903/‬م( بعد انتصارين حاسمين في) البكرية و‬
‫الشنانة( وتم النتصار النهائي على ابن رشيد في موقعة ) روضة مهنا ( بالقرب من‬
‫مدينة بريدة في سنة )‪1334‬هس‪1913/‬م ( وبذلك انتهى حكم التراك للحساء والذي‬
‫دام ‪42‬سنة ‪.‬‬
‫وبعد الحرب العالمية الولى ‪...‬لقب عبد العزيز بسلطان نجد وملحقاتها ‪.‬‬
‫وكان لبريطانيا في تلك الوقات عميل آخر يعمل في منطقة الحجاز مع الشراف‬
‫هو العميل الشهير ) لورنس العرب ( ‪ ,‬وكان قد خدع الشريف حسين – كما مر معنا –‬
‫بأنهم سيساعدوه على قيام خلفة عربية في الجزيرة العربية والشام والعراق إن هو‬
‫حارب الخلفة العثمانية إلى جانبهم ‪ ,‬وهو ما فعله تحت اسم الثورة العربية الكبرى ‪.‬‬
‫ثم خدعته بريطانيا وقسمت مملكة أحلمه بينها وبين فرنسا ‪ .‬وأصبح على البريطانيين‬
‫أن يختاروا لجزيرة العرب أحد العميلين ) عبد العزيز ( و ) الشريف حسين ( ‪ ,‬وبعد‬
‫مداولت ومشاورات ‪ ,‬وقع خيار وزارة المستعمرات البريطانية على أتعس التعيسين ‪,‬‬
‫فاختاروا عبد العزيز ‪ ,‬ونفوا المخدوع الخر ليقضي بقية حياته ويموت منفيا في قبرص‬
‫!‬
‫وبعد ذلك أرسل حملتين إلى الحجاز واستولى عليها وصار لقبه ) ملك الحجاز‬
‫وسلطان النجد وملحقاتها‪ .‬وكان عزم النكليز معقودا على تمليك السلطان عبد العزيز‬
‫جميع أجزاء الجزيرة العربية فاستطاع أن يدخل عسيرا ونجران في حدود مملكته‪.‬‬
‫وفي عام )‪1350‬هس‪1932/‬م( أصدر الملك عبد العزيز مرسوما وحد به أجزاء المملكة‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 449 [ ‬‬

‫الحجازية والسلطنة النجدية والمارات الخرى وأسماها البريطانيون هذا السم المنكر‬
‫العجيب باسم أسرة عميلهم فولدت الدولة التي سميت ( المملكة العربية‬
‫السعودية( !‬
‫كان إخوان من طاع الله قد صدقوا دعاوى ابن سعود الدينية ‪ ,‬وهموا بالستمرار‬
‫بنشر دعوة التوحيد في الجوار نحو العراق والكويت واليمن والشام ‪ ,..‬ولكن البرنامج‬
‫البريطاني كان غير ذلك ‪ ,‬ولم يرد النكليز من دعوة التوحيد إل ستارا لبرنامجهم في‬
‫تمليك آل عبد العزيز أل سعود المنطقة التي رسموا حدودها ‪ .‬فبدأت النفرة بين عبد‬
‫العزيز و) إخوان من طاع الله ( الذين كانوا وقود قيام ملكه ! كما أنكر الخوان على‬
‫عبد العزيز عدو أشياء منها تسميه بالسلطان صاحب الجللة ‪ ,‬ومنها كثرة مستشاريه‬
‫النكليز والتزامه مشورتهم ‪ ,‬ومنها ما لحظوه من بدء تسلل النكهة العصرية لنظامه ‪,‬‬
‫وآل المر للحرب بين عبد العزيز والخوان ‪ ,‬فساعده النكليز بضرب تجمعاتهم‬
‫بالطائرات ‪ ,‬وزحف بمن واله من القبائل والعوان فقضى عليهم في الموقعة‬
‫ه ( فذبح دعاة التوحيد وقتل أكثرهم ‪ ,‬وتفرق من‬ ‫سب ٍي ْل َ ْ‬
‫الشهيرة باسم ( موقعة ال ْ‬
‫بقي حيا في القرى والقفار ‪ ,..‬وبعد السبيلة طار المستشارون النكليز فرحا ورموا‬
‫)كوفياتهم العربية في الهواء استعلنوا بملبسهم وهويتهم ‪.‬‬
‫بعد ذلك أبرم عبد العزيز مع النكليز معاهدة تلتزم بموجبها حكومة جللة الملكة‬
‫اليزبيت بحصر ملك السعودية في عبد العزيز وذريته من بعده ‪ ,‬على أن ل يبرم أمرا‬
‫ول قرارا سياسيا إل بمشورتهم ‪ ,‬ووقع المندوب البريطاني والملك عبد العزيز بذلك‬
‫وثيقة نشرت من قريب فيما نشل من وثائق وزارة الخارجية البريطانية ‪ ,‬وتناولتها‬
‫الكتب ووسائل العلم ! ‪ ,‬كما اشتهرت وثيقة أخرى اعترف فيها عبد العزيز بحق‬
‫اليهود في فلسطين ‪ ,‬حيث ساعدهم ولده ووزير خارجيته )فيصل( على إجهاض الثورة‬
‫الكبرى ضد المهاجرين اليهود سنة )‪ (1936‬كما مر ذكر ذلك في الفصل الول ‪ .‬ثم‬
‫ظهر النفط وتناهبته الشركات البريطانية ‪ ,‬ثم المريكية ‪.‬‬
‫وبعد الحرب العالمية الثانية ‪ ,‬وبروز أمريكا كقوة عظمى ‪ ,‬وتراجع حجم ودور‬
‫بريطانيا نسبيا ‪ .‬ورثت أمريكا السيطرة على معظم المستعمرات البريطانية بعد أن‬
‫غابت عنها الشمس وحتى القمر وصارت ذيل لمريكا !‬
‫وبدهائه أدرك عبد العزيز التحولت الدولية ‪ ,‬واجتمع بالرئيس ) اليهودي ( روزفلت‬
‫على ظهر بارجة حربية أمريكية ‪ ,‬وتعهدت له أمريكا ولورثته بما تعهدت به بريطانيا ‪,‬‬
‫كما تعهد لهم وذريته بما كان قد تعهد للنكليز من قبل من الولء والطاعة والعمالة ‪,‬‬
‫وهو ما حصل وما يزال يحصل مما شهدنا في هذه اليام النحسات الخيرة ! ‪ .‬وفي‬
‫عام )‪1373‬هس‪1953/‬م( توفي الملك عبد العزيز ‪.‬‬
‫ثم خلف الملك سعود أباه سنة )‪ (1953‬وبايعته السرة والعلماء ‪ ,‬ولكن سعود‬
‫اقتنع بالفكار القومية التي ازدهرت في بلد العرب آنذاك ‪ ,‬كما استعلن بأفكاره‬
‫العصرية وسلوكياته الفاسقة المجاهرة ‪ ,‬فاجتمعت السباب على خلعه ‪ ,‬و ما قامت به‬
‫السرة والعلماء ‪ .‬فخلع سنة )‪1964‬م( ‪ .‬وخرج أبناؤه ليقيموا في الغرب‪ ,‬ولتصبح بناته‬
‫وأحفاده مادة لمجلت أخبار الجنس والخلعة والبذخ الفاجر مما نهبوه من حصتهم من‬
‫أموال المسلمين ‪ .‬حتى نشرت بعض المجلت صورة لبعض أولد بناته من السفاح و‬
‫الزنا ‪.‬‬
‫ثم تولى الحكم الملك ) فيصل بن عبد العزيز( الذي استمر حكمه إلى عام )‬
‫‪1975‬م( ‪.‬‬
‫ويعد الملك فيصل مؤسس السعودية الحديثة ‪ ,‬ومؤسس العلمانية فيها ‪ ,‬فقد‬
‫شهدت المملكة في عصره طفرة النفط ‪ ,‬وتدفقت الموال الطائلة على خزينته ‪.‬‬
‫ولكونه قد عمل وزير خارجية لبيه أكثر عمره ‪ ,‬فقد كان محنكا متمرسا بالسياسات‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 450 [ ‬‬

‫الدولية ‪ ,‬وقد شهدت البلد في عهده ثراء وعمرانا ‪ ,‬وتطويرا في التعليم ‪ ,‬وأنشأ‬
‫الذاعة والتلفزيون السعودي على السس العصرية وما فيها من الفسوق والعصيان‬
‫والموسيقى وتكشف النساء والفتن ‪ ,..‬ولما ثار على ذلك بعض المراء من أولد إخوته‬
‫ممن فيهم بعض النخوة والصلح قمعهم وقتل زعيمهم ‪ .‬ولكي يكبح جماح العلماء‬
‫الوهابيين ورئيسهم العالم الصالح‪ -‬كما نحسبه ‪ ) -‬محمد بن ابراهيم آل الشيخ ( ‪,‬‬
‫تفتقت عبقرية فيصل عن تقنين المؤسسة الدينية فنشأت في عهده فروع المؤسسة‬
‫الدينية الرسمية ‪ ,‬وعلى رأسها هيئة كبار العلماء ‪ ,‬ولجان الفتوى والدعوة والرشاد ‪,‬‬
‫وهيئة القضاء العلى ‪ ,‬وهيئة المر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪...‬إلى آخر تلك‬
‫الهيئات ‪ .‬ومن أجل الدور العالمي الذي ستلعبه السعودية لمكانة الحرمين فيها‬
‫ولقدراتها المالية ‪ ,‬ولكي ينافس عبد الناصر الذي سعى لتزعم العرب ‪ ,‬وأنشأ لذلك‬
‫المؤسسات والذاعات ‪...‬تفتقت عبقرية السعوديين بمشورة أسيادهم عن إنشاء‬
‫مؤسسات دينية عالمية لزرع مشروع الهيمنة الروحية على العالم السلمي ‪,‬‬
‫فأنشئت ‪ ) :‬رابطة العالم السلمي ( و ) الندوة العالمية للشباب السلمي ( و‬
‫) الهلل الحمر السعودي ( و ) هيئة الغاثة العالمية ( ‪...‬‬
‫وبنيت المؤسسات الدينية في الداخل على طريقة هيكل الس ) فاتيكان ( وجعل‬
‫على رأسها ما يشبه الس )بابا ( ‪ ,‬فاستحدث منصب مفتي الديار ‪ ,‬ورئيس هيئة كبار‬
‫العلماء ‪ ..‬وصرفت المليارات في هذه المؤسسات داخليا وخارجيا لفرض حضورها‬
‫العلمي وإثبات هيبتها في الداخل والخارج ونجحوا في ذلك لسباب كثيرة ‪ ,‬منها أن‬
‫أكثر العاملين في تلك المؤسسات كان من الصادقين المخلصين الصالحين ‪ ,‬الذين‬
‫رأوا الثار القريبة المنظورة لعمال البر والخير‪ ,‬ولم يدركوا أهداف ون أوجدها‬
‫وأهداف أسيادهم ‪.‬‬
‫وفي أخر عهد ه شهد فيصل ‪ -‬كما يقول بعض الناس ‪ -‬تحول نحو النخوة والصلح ‪,‬‬
‫وصار يأمل في استرداد القدس ‪ ,‬وحاولت المملكة في عهده لعب دور أساسي في‬
‫السياسات العربية والقليمية والدولية‪ ..‬دخل الملك فيصل في حرب مع التيار القومي‬
‫واليساري في العالم العربي ‪ ,‬ومثلت السعودية طليعة ما سمي بس ) الرجعية العربية (‪,‬‬
‫أو التيار) اليميني العربي ( الموالي لمريكا والغرب ‪ ,‬في مواجهة قوى اليسار‬
‫الشتراكي والقومي والشيوعي العربي ‪ ,‬الذي تزعمه عبد الناصر ‪ ,‬و البعثيون في‬
‫سوريا والعراق وأمثالهم ‪ ,..‬ودخل فيصل مع مصر عبد الناصر في حرب بالوكالة على‬
‫أرض اليمن حيث دعمت السعودية الماميين ودعم عبد الناصر الجمهوريين ‪.‬‬
‫وفي حرب ‪1973‬بين العرب وإسرائيل ‪ ,‬قرر العرب استعمال سلح النفط ضد‬
‫إسرائيل وأعوانها في الغرب ‪ ,‬فنفذ الملك فيصل قرار حظر النفط عن الغرب ‪,‬‬
‫فارتبك القتصاد العالمي ‪ ,‬وظهر أثر هذا السلح القتصادي الخطير ‪ ,‬وقررت أمريكا‬
‫قتل الملك فيصل ‪ .‬كما وضعت سياسات بعيدة المدى لحتلل الخليج والسيطرة على‬
‫منابع النفط عسكريا وهو ما ينفذ منذ ‪ .1990‬وفعل استطاعت أمريكا تجنيد أحد أولد‬
‫أخوة فيصل ‪ ,‬وكان من أحد المراء المتسكعين في مواخير أربا وأمريكا من الزناة‬
‫الخمارين ‪ ,‬وما أكثرهم في آل سعود وأشباههم ‪ .‬في السر الحاكمة في عالمنا‬
‫السلمي المنكوب ‪ ..‬فتسلل لقصر عمه واغتاله ‪ ,‬وهكذا ُقتل فيصل وانتهى عهده ‪.‬‬
‫والله أعلم بحاله وعلى أي حال ونية لقى ربه ‪.‬‬
‫ثم تولى الحكم بعد وفاة الملك فيصل أخوه خالد بن عبد العزيز ‪ .‬وبويع لخيه فهد‬
‫بولية العهد من بعده‪ .‬واستمرت المملكة في عهده على النهج التبعي لمريكا والغرب‬
‫‪ ,‬وبلغت النهضة العمرانية والتحديث في عهده ذروتها في مختلف المجالت ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 451 [ ‬‬

‫وخلل حكم خالد كان الحاكم الفعلي هو فهد ولي العهد ‪ ,‬ثم توفي خالد فجأة ‪,‬‬
‫وقيل أنه مات مسموما ‪ ,‬ليحل العور الدجال مكانه ويتولى كبر الكفر والعمالة على‬
‫أرض الحرمين ‪.‬‬
‫وبعد وفاة الملك خالد ‪ ,‬تولى الحكم الملك فهد بن عبد العزيز الذي كان مشهورا‬
‫بمجونه وفسقه ولياليه الحمراء في منتجعات أوربا وأمريكا الراقية المعدة لمثاله من‬
‫أغنياء الداعرين ‪ .‬كما اشتهر كواحد من أكبر المقامرين في صالت القمار في أوربا‬
‫وأمريكا ‪ ,‬حتى كتبت عنه إحدى الصحف البريطانية تحت عنوان ‪ ) :‬المير الذي خسر‬
‫ستة مليين باوند وخرج يضحك !! ( وذلك عندما خسر في إحدى صالت لندن ما‬
‫يعادل عشرة مليين دولر ! وصورته الصحافة مبتسما ‪ ,‬لم تهزه تلك النازلة ‪ ,‬ل‬
‫بارك الله فيه ‪.‬‬
‫تولى فهد والصحوة السلمية في المملكة تعيش عصرها الذهبي ‪ ,‬بعد أن صارت‬
‫المملكة ملجأ للسلميين الفارين من الحكومات العسكرية المجرمة في مختلف بلد‬
‫العالم العربي والسلمي ‪ ,‬ولسيما من مصر ثم سوريا حيث خاض الخوان المسلمون‬
‫وما انشق عنهم من التنظيمات الجهادية مواجهات مسلحة ‪ .‬وأدى لجوء كبار‬
‫السلميين إلى السعودية إلى تمازج صحوتها السلفية الوهابية بالفكار الحركية‬
‫السياسية و الجهادية السلمية الوافدة من مصر والشام وغيرها ‪ ,‬وكانت سياسة‬
‫السعودية استيعاب تلك الظاهرة باعتبار الهوية التي ترفعها ولظروفها الخاصة ‪.‬‬
‫ثم تبنت المملكة بإيعاز من أمريكا دعم الجهاد الفغاني ‪ ,‬وفتحت الباب على‬
‫مصراعيه لمن أراد النفير بماله وبنفسه ‪ ,‬وأدى هذا لرتياد عشرات اللف من‬
‫السعوديين لفغانستان وتأثرهم بالفكار الجهادية المعاصرة التي بنيت على مسائل‬
‫الحاكمية ‪ ,‬وأدى كل هذا إلى تطور الصحوة السلمية في المملكة في تلك الفترة ‪,‬‬
‫في نفس الوقت الذي فتح فيه فهد الباب على مصراعيه لتيار الحداثة والعلمنة ‪ ,‬وأدى‬
‫هذا إلى حالة من الفرز في المجتمع السعودي بين هذه التيارات ‪ ,‬بالضافة للتيار‬
‫الديني الرسمي المتحالف مع الملكية الديكتاتورية المطلقة ‪ .‬وما يزال هذا الصراع‬
‫على أشده إلى اليوم بين هذه التيارات الثلثة ‪.‬‬
‫وبعد غزو العراق للكويت وتهديده السعودية ‪ ,‬كما برمجت أمريكا مع صدام‬
‫واستدرجته لذلك ‪ ,‬حضرت القوات المريكية والمتحالفة معها وضربت بجرانها في‬
‫السعودية وما حولها من إمارات النفط ‪ ,‬وأدى هذا لحالة غليان في السعودية بعد‬
‫عودة الجهاديين من أفغانستان إلى قواعدهم سالمين ‪ .‬مما أدى لطرح فكرة جهاد‬
‫الحكومة السعودية والخروج عليها لعمالتها للمريكان ولتفشى التشريعات الوضعية‬
‫في قوانينها ‪ .‬ونتيجة تراكم مختلف مظاهر الفساد نشأت دعوات إصلحية سياسية‬
‫سلمية عديدة بين إسلمية وعلمانية ‪ ,‬وبدأت الوضاع السياسية في مملكة فهد‬
‫تضطرب منذ مطلع التسعينات ‪ ,‬ليصل المر إلى ذروته بخروج الشيخ أسامة بن لدن‬
‫على الحكومة ودعوته لجهادها بعد أن أطلق شعار إخراج المشركين من جزيرة‬
‫العرب‪.‬‬
‫وبعد أحداث سبتمبر ‪2001‬التي نفذها استشهاد يون سعوديون في معظمهم ‪.‬‬
‫وبعد احتلل أمريكا للعراق‪ ,‬وتواجدها الكثيف في المنطقة ‪ ,‬كشرت أمريكا عن أنيابها‬
‫وكشفت عن برامجها التي من ضمنها إحداث تغييرات في الوضاع في السعودية ‪ ,‬مما‬
‫وضع مستقبل السرة السعودية منذ سنة ‪ 2003‬على كف العفريت المريكي ‪ .‬وصدق‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬فمن أعان ظالما على ظلمه سلطه الله‬
‫عليه ‪.‬‬
‫وفي مطلع سنة ‪ 2004‬تفجرت أحداث ثورة جهادية مسلحة تستهدف المريكان‬
‫والتواجد الغربي في السعودية ‪ ,‬كما تستهدف السرة الحاكمة وأجهزتها المنية على‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 452 [ ‬‬

‫حد سواء ‪ ,‬لتصبح السعودية ميدانا جديدا للمواجهة المكشوفة بين المسلمين‬
‫وطليعتهم الجهادية وصحوتهم السلمية وبين أمريكا وحلفائها وطليعتهم من قوى‬
‫الردة والنفاق من حكام العالم العربي والسلمي ‪ ,‬حيث تأتي السرة الحاكمة في‬
‫السعودية ومؤسستها الدينية الرسمية في طليعة هذه الجبهة من المرتدين والمنافقين‬
‫‪.‬‬
‫ويحتاج التأريخ للدولة السعودية المعاصرة وعلماءها المنافقون ‪ ,‬في عهد عبد‬
‫العزيز وذريته إلى مجلدات كبيرة متخصصة تسجل تاريخهم السود وما ألحقوه من‬
‫المصائب بأمة محمد صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬محليا ‪ ,‬وعلى الصعيد العربي والسلمي‬
‫والدولي ‪ .‬فقد قام ملوك هذه السرة الذين بلغوا خلل القرن العشرين )‪-1901‬‬
‫) ‪ (7000‬أمير‪ ,‬وكونوا قبيلة ) يأجوج و مأجوج ( مصغرة محلية في‬ ‫‪ (2004‬زهاء‬
‫جزيرة العرب وبلد الحرمين ‪ .‬فأذلوا العباد وأظهروا في الرض الفساد ‪ ,‬وإذا كان‬
‫يأجوج ومأجوج سيشربون الفرات وبحيرة طبريا كما في الثار ‪ ,‬فقد شرب يأجوج‬
‫ومأجوج آل سعود ‪ ,‬بحيرة نفط الجزيرة ‪ ,‬وضخوها في شرايين اليهود والنصارى ‪,‬‬
‫وقاموا بكل أشكال حرب الله ورسوله والمؤمنين ‪.‬‬
‫فعلى صعيد المملكة التي أسموها باسم من خّلفهم ‪ ,‬دسوا التشريعات الوضعية‬
‫في ثنايا قوانينهم ‪ ,‬وضربوا بعرض الحائط بكل ما راجعهم فيه بعض علمائهم‬
‫الصالحين من أمثال محمد بن ابراهيم الذي كتب فيهم وفي أمثالهم ) رسالة تحكيم‬
‫القوانين ( وأفتى وحكم كما كثير ممن عاصره من علماء الجزيرة بكفر من حكم‬
‫القوانين الوضعية ‪ .‬أو خلطها بالشريعة السلمية ‪ .‬كما شهدت سياساتهم الداخلية‬
‫والخارجية موالة مطلقة للغرب ولسيما لمريكا ‪ ,‬إلى أن ظهر هذا منهم جليا في‬
‫معاونتهم والقتال معهم وتقديم الخدمات العسكرية وغيرها لهم في الحروب المريكية‬
‫الخيرة في المنطقة ‪ .‬وأما على صعيد قتل وسجن الذين يأمرون بالقسط من الناس‬
‫فحدث ول حرج عن جرائمهم ‪ ,‬وأما فسادهم وفسوقهم وهدرهم لموال المسلمين‬
‫في مغامراتهم الفاسقة على موائد الخمور والقمار ‪ ,‬ومواخير المترفين ‪ ,‬فقد صاروا‬
‫مادة للعلم ‪ .‬ويكفي أن نورد خبرا نشرته إحدى الصحف التي تعنى بأخبار الغنياء في‬
‫العالم ‪ ,‬حيث قالت أن مصروف المير سلطان اليومي ‪ ) ,‬و انتبه ‪ :‬اليومي ! ( هو ‪3‬‬
‫مليون دولر ! ‪ ,‬وأما فهد فهو المير الذي خسر ‪ 10‬مليون دولر وخرج يضحك ‪ ,‬قبحهم‬
‫الله ! ‪ ,‬وما زال يدفع – بحسب ما تواتر من أخباره في وسائل العلم والكتب ‪-‬‬
‫شيكات البتزاز للعديد من المومسات ومضيفات الطيران ‪ ,‬والغانيات من عميلت‬
‫أجهزة الستخبارات اللواتي قضى في أحضانهن أيام شبابه ‪ ,‬فأخذت له الصور‬
‫التذكارية سرا ‪ ,‬ليدفع ثمنها ابتزازا في المواقف والسياسات الداخلية والخارجية‬
‫للمملكة ‪ ,‬وليسدد للمومسات حقوق التقاعد والشيخوخة !‬
‫كما دعم ملوك السعودية المتوالين على الحكم ‪ ,‬بمئات مليين الدولرات كل‬
‫طاغوت من طواغيت بلد العرب والمسلمين اهتز عرشه في مواجهة المجاهدين له ‪,‬‬
‫فساندوا النصيرية إبان الجهاد في سوريا ‪ ,‬وساندوا حكومة الجزائر في مواجهة‬
‫المسلمين ‪ ,‬وساندوا الشيوعيين في اليمن في حربهم مع الشماليين ‪ ,‬وساندوا‬
‫النصارى الموارنة ضد المسلمين والفلسطينيين في الحرب الهلية في لبنان ‪,‬‬
‫وساندوا حتى )الديكتاتور ماركوس( في الفلبين ضد المسلمين ‪ ,‬وساندوا ) بوتين (‬
‫ضد المجاهدين الشيشان ‪ ,‬ودعموا حكومة الهند وهي تذبح المسلمين في كشمير و‬
‫آسام ‪ ,‬ومولوا حرب أمريكا ضد الطالبان ‪.... ,‬وقائمة جرائمهم العلنية فضل عن‬
‫السرية تطول ‪.‬‬
‫وأما جريمتهم الكبرى في تبديد مليارات المليارات من أموال النفط ‪ ,‬فمن يتأملها‬
‫يتملكه الجزع والقهر ‪ ,‬فالسعوديون أكبر بلد منتج للنفط في التاريخ ‪ ,‬إذ تصدر‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 453 [ ‬‬

‫المملكة أكثر من ‪ 10‬مليون برميل يوميا ‪ ,‬عدا الصادرات الخرى وموارد الترانزيت ‪,‬‬
‫أي ما يربو على نصف مليار دولر يوميا كلما أشرقت الشمس وغربت ‪ ..‬ومعظم هذه‬
‫الموارد تصب في بنوك اليهود والصليبيين ‪ ,‬وتدفع منها السعودية فواتير طائلة في‬
‫تنفيذ السياسات المريكية ‪ .‬وهذا بحث يطول ‪ ,‬والمنشور منه في الكتب والمؤلفات‬
‫كثير جدا لمن أراد استقصاءه ‪ ,‬ويكفي أن نذكر أن من آخر ما تسرب للعلم خبر‬
‫دفعهم رشوة مالية كبيرة للحكومة السبانية في عهد ) أثنار ( لكي تتحالف مع بوش‬
‫في غزوه لحتلل العراق سنة ‪ ,2004‬والله أعلم بكمية المبالغ ! فتأمل ‪ .‬فقاتلهم الله‬
‫‪ .‬وحسبنا الله ونعم الوكيل ‪.‬‬

‫الكويت ‪:‬‬ ‫(‪(7‬‬


‫كانت منطقة الكويت تعرف باسم " القرين" ‪ ,‬أما " الكويت" فهو تصغير لكلمة‬
‫"كوت" وهي منطقة مجاورة لها ‪ .‬وهي ميناء صغير بناه ) محمد بن عريعر( زعيم‬
‫قبيلة بني خالد التي كانت تسيطر على المنطقة‪.‬‬
‫بدأ تاريخ الكويت الحديث بهجرة " آل الصباح" من نجد‪ .‬حيث اتفقوا مع بني‬
‫خالد على إدارة شئون البلد إدارة مشتركة ‪ .‬لكن آل الصباح استقلوا بحكم الكويت‬
‫سنة )‪1170‬هس‪1756/‬م( ‪ ,‬وترأسهم المير )صباح الجابر ( الذي لقب بصباح الول‪.‬‬
‫وحصل خلفه ) الشيخ عبد الله المبارك (عام )‪1292‬هس ‪1876‬م( على لقب قائم‬
‫مقام في المنطقة من التراك العثمانيين ‪ ,‬ثم تولى بعد ذلك الشيخ ) مبارك بن صباح‬
‫الثاني( الحكم خلل )‪1313‬هس ‪1334/1896-‬م‪1917-‬م( ‪.‬‬
‫وقد رأى الشيخ مبارك كي يحفظ الملك في أسرته بدعم من بريطانيا ‪ ,‬أن يوقع‬
‫معاهدة حماية مع بريطانيا عام )‪1316‬هس‪1899/‬م (‪ .‬وأصبحت بريطانيا بعد هذه‬
‫المعاهدة مسؤولة عن علقات الكويت الخارجية‪! .‬‬
‫وفي سنة )‪1915‬م( توفي الشيخ ) مبارك الصباح ( الذي يلقبه المبشرون و‬
‫المنصرون الوربيون في كتبهم بلقب ) مبارك العظيم ( ‪ ,‬ويثنون على خدماته في‬
‫تسهيل دخول النشاط التنصيري إلى جزيرة العرب ومنطقة الخليج العربي !‪ .‬كما يثني‬
‫عليه النكليز كواحد من أخلص أعوانهم ومستشاريهم ‪ ,‬وقد أسلفنا أنه كان وراء‬
‫اقتراح آل سعود و جبارهم عبد العزيز لمهمة السيطرة على بلد الحرمين ونجد‬
‫وتوابعها ضمن البرنامج النكليزي للسيطرة على جزيرة السلم والمسلمين ‪ .‬وتكفيه‬
‫هذه مفخرة موبقة بالضافة لخدماته الجليلة بوضع الكويت تحت الحماية البريطانية‬
‫ليحافظ على حكمه ‪ ,‬وتسليمهم قرارات البلد الخارجية وسياستها الداخلية ‪ ,‬ودعمه‬
‫للمنصرين ‪.‬‬
‫وفي سنة )‪1921‬م( تولى ) الشيخ أحمد الجابر( الحكم و شهدت فترة حكمه‬
‫التنقيب عن البترول وتصدير أول شحنة من النفط الكويتي سنة )‪1946‬م( ‪ .‬وكذلك‬
‫نظمت في زمنه الدارات الحكومية المختلفة ‪ ,‬وتم استقدام البعثات التعليمية ‪ .‬ودخل‬
‫النفوذ المريكي إلى جانب النفوذ البريطاني ‪.‬‬
‫ثم خلف ) الشيخ أحمد الجابر( ابن عمه ) عبد الله السالم الصباح ( عام )‬
‫‪1950‬م( وقد أحدث في الكويت انتفاضة اجتماعية وثقافية وسياسية ‪ .‬وفي عهده‬
‫أعلن استقلل الكويت في ) يونيو ‪1961‬م ( لتنضم للجامعة العربية والمم المتحدة‬
‫سنة )‪1382‬هس‪1963/‬م(‪.‬‬
‫ثم خلفه المير الحالي ) جابر الصباح ( ‪ ,‬وفي عهده صارت الكويت أفسد دول‬
‫الخليج العربي في مجالت الدين والخلق والسياسات العلمانية ‪ ,‬حتى صار الدين‬
‫والشريعة مادة للهزء والسخرية في صحفها الرسمية ‪ .‬حتى أعلن فيها عن تولى‬
‫كويت متنصر مرتد رتبة في الكنيسة ‪ ,‬وحتى حكمت محكمة على كاتبة كويتية تنقصت‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 454 [ ‬‬

‫من الذات اللهية ‪ ,‬بغرامة ‪ 100‬دينار كويتي والسجن شهرا مع وقف التنفيذ !! –‬
‫تعالى الله عن جحود الجاحدين ‪.‬‬
‫وأما تحول الكويت لقاعدة أمريكية حقيقية ‪ ,‬وممرا ومرتكزا لعبور القوات‬
‫المريكية لحتلل المنطقة ‪ .‬فأشهر من أن نضيع الصفحات في شرحه هنا ‪ .‬فقد‬
‫منحت الكويت القوات المريكية والبريطانية ‪ %60‬من أراضيها كقاعدة عسكرية‬
‫للمناورات للهجوم لحتلل العراق سنة ‪ . 2003‬والتفاصيل مشهورة ‪ .‬وأما دعم‬
‫حكومتها كما حكومة السعودية وكافة دول الخليج بالموال الطائلة لحرب السلم‬
‫والمسلمين ‪ ,‬فمشهور ‪ ,‬ويكفي أن نورد مثال على ذلك مما يحضرني من الذاكرة ما‬
‫اشتهر من دعم الكويت لحكومة موسكو الشيوعية بس )‪ 4‬مليار دولر ( فيما كان‬
‫المجاهدون الفغان يدقون أبواب كابل قبيل سقوطها سنة ‪ 1992‬وكان الفلس يهدد‬
‫الجيش الحمر بالنحلل ‪..‬‬

‫قطر‪:‬‬ ‫(‪(8‬‬
‫تقع شبه جزيرة قطر داخل الخليج العربي ‪ ,‬وعاصمتها "الدوحة" وهي منطقة غنية‬
‫بالبترول والغاز ‪ .‬وكانت قطر جزءا من ساحل الخليج العربي الذي كان يسمى‬
‫البحرين ‪ .‬وفي عام )‪1360‬هس‪1842/‬م ( عين الشيخ محمد خليفة ) أحد رؤساء‬
‫القبائل( واليا على قطر فحاول أن يستقل عن آل خليفة ‪ ,‬واشتبك معهم في قتال‬
‫هزم فيه ‪ ,‬وعاد آل خليفة لحكم قطر‪.‬‬
‫تنازع السعوديون مع آل خليفة على حكم قطر ‪ ,‬واشتبكوا معهم في قتال عنيف‬
‫انتهى لصالح السعوديين الذي أصبحوا يحكمون قطر ‪ .‬و كان أول المبايعين محمد بن‬
‫ثاني الذي تولى زعامة قبيلته ؛ ومنذ ذلك الحين ظهر آل ثاني في قطر ‪ .‬و حاول‬
‫الشيخ محمد بعد ذلك النفصال عن حكم آل خليفة والنفراد بالحكم فجرت معارك‬
‫بين الطرفين ‪ .‬انتهت عام )‪1299‬هس‪1882/‬م (‪.‬‬
‫على أن محاولة الشيخ محمد أثمرت في عهد ابنه قاسم الذي اعتبر مؤسس‬
‫إمارة آل ثاني المستقلة تحت سيادة الخلفة العثمانية في قطر ؛ إذ إنه وحد قطر‬
‫واستقل عن البحرين ‪.‬‬
‫ثم تولى بعده ابنه الشيخ عبد الله من )‪1331‬هس‪1913/‬م( إلى )‪1368‬هس‪/‬‬
‫‪1949‬م(‪.‬‬
‫و في عهد الشيخ عبد الله فقدت قطر سيادتها واستقللها وأصبحت تحت الحماية‬
‫البريطانية ‪ .‬كجاراتها ‪ .‬وعقدت معاهدة حماية سنة )‪1334‬هس ‪1916‬م( وفي فترة‬
‫حكمه تم اكتشاف البترول في قطر ‪ .‬ثم توفي الشيخ عبد الله ‪ ,‬وخلفه ابنه الشيخ‬
‫علي من )‪1368‬هس‪1949/‬م( إلى ‪1379‬هس‪1960/‬م( و انسحبت بعد ذلك بريطانيا من‬
‫الخليج لتعلن قطر استقللها عام )‪1390‬هس‪1971/‬م(‪ .‬حيث دخلت كليا في النفوذ‬
‫المريكي كما حصل لجيرانها ‪.‬‬
‫وفي سنة )‪1391‬هس‪1972/‬م ( قام الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني بالستيلء على‬
‫السلطة في البلد ‪ .,‬وأعطتها بريطانيا الستقلل عن الحماية البريطانية ‪ .‬وتحسنت‬
‫أحولها القتصادية والجتماعية مستفيدة من ثروة النفط الذي بدأ إنتاجه وتصديره منذ‬
‫عام )‪1949‬م(‪.‬‬
‫ثم ظهر الغاز في قطر وصارت من أولى الدول المصدرة له في العالم ‪ .‬ثم عزل‬
‫أمير قطر الحالي أباه أواخر التسعينيات وتولى السلطة ‪ ,‬وبدأت قطر في عهده‬
‫تحاول لعب دور إقليمي في المنطقة ‪ ,‬وتناوئ السياسات السعودية ‪ .‬وتشهد تحولت‬
‫سياسية تطويرية جريئة مقارنة بنظم الحكم الشمولية في الخليج العربي‪ .‬وكان من‬
‫أنجح سياساتها تلك ‪ ,‬إنشاء قناة الجزيرة الفضائية الجريئة المشهورة ذائعة الصيت ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 455 [ ‬‬

‫وفي حرب احتلل العراق سنة ‪ , 2003‬نقلت أمريكا كما هو معروف قيادة‬
‫جيوشها قواتها التي تتحرك فيما تسميه منطقة العمليات الوسطى إلى الدوحة في‬
‫قطر ‪ ,‬وهي القيادة المسؤولة عن زهاء مليون جندي في المنطقة الممتدة من وسط‬
‫آسيا إلى المغرب القصى ‪ .‬وقد أدارت أمريكا من قاعدة ) السيلية ( قرب الدوحة‬
‫عمليات القصف الجوي والصاروخي والحرب اللكترونية ‪ ,‬ثم الحتلل البري للعراق‬
‫والذي زحف من خلل أراضي الكويت ‪ .‬كما كان فيها المركز العلمي للقوات‬
‫المريكية أثناء الحرب ‪ .‬وإنا لله وإنا إليه راجعون ‪.‬‬

‫البحرين ‪:‬‬ ‫(‪(9‬‬


‫هي مجموعة جزر تقع في الخليج العربي بين شبه جزيرة قطر وساحل الحساء ‪,‬‬
‫وتحتوي على إحدى عشرة جزيرة أكبرها جزيرة البحرين ‪ ,‬وكانت من قبل تعرف باسم‬
‫جزيرة "أوال" حكمها آل خليفة من قبيلة العتوب ‪ ,‬وقد وطدوا علقتهم بآل سعود ضد‬
‫العثمانيين ‪.‬‬
‫ثم توطد مركز بريطانيا في البحرين بعد الحرب العالمية الثانية ‪ ,‬ففي سنة )‬
‫‪1365‬هس ‪1946 /‬م( أصبحت البحرين قاعدة للستعمار البريطاني في الخليج‪.‬‬
‫ثم أعلنت بريطانيا سنة )‪1390‬هس‪1971/‬م( استقلل البحرين و صدر قرار‬
‫بتسميتها " دولة البحرين " في عهد عيسى بن سلمان أمير البحرين ‪ ,‬ثم توفي أمير‬
‫البحرين وخلفه ولده حمد بن عيسى ‪ ,‬وفي سنة ‪ 2002‬قرر هذا ) الحمد ( تحويل‬
‫البحرين إلى مملكة ! وسن دستورا وأعطى بعض الحريات ‪ ,‬ولقب نفسه بصاحب‬
‫ظمة بفتح الظاء دفعا للحرج ! مع استحقاقه‬ ‫العظمة ملك مملكة البحرين ! ) الع َ‬
‫للسكون على ظائه بجدارة ( علما أن مملكة عظمته ل تزيد مساحتها عن ‪ 600‬كم‬
‫مربع ‪ .‬أي ما يزيد قليل عن مساحة ملعب كولف متوسط ‪ ,‬ولله في خلقه شؤون ‪.‬‬
‫وقد حول المريكان البحرين إلى ماخور لستجمام واستراحة عساكرهم المحاربين‬
‫في المنطقة حيث ‪ ,‬نقلوا إلى هناك فرق من العاهرات من دول أوربا الشرقية‬
‫ومختلف الدول الحليفة ومنها بعض العربية ! إبان حرب تحرير الكويت ‪ ,‬وحرب تحرير‬
‫ظمة و‬‫العراق ‪ ,‬وما ننتظره من تحريرات تالية‪ .‬والله أعلم ‪ .‬ببركات أصحاب العَ ْ‬
‫الجْلللة والسيادة و المعالي ‪ ..‬وعلمائهم المنفوخين من أصحاب السماحة ‪ ..‬قبحهم‬
‫الله ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 456 [ ‬‬

‫المارات العربية المتحدة ‪:‬‬ ‫(‪(10‬‬


‫تقع هذه الدولة على طرف الجزيرة العربية الشرقي محاذية للخليج العربي وخليج‬
‫عمان لتشمل سبع إمارات هي‪ -:‬أبو ظبي ‪ ,‬ودبي ‪ ،‬والشارقة ‪ ,‬وأم القوين ‪ ,‬وعجمان‬
‫‪ ,‬ورأس الخيمة ‪ ,‬والفجيرة ‪ .‬وقد سادت قبيلة القواسم هذه المناطق ‪ ,‬وقامت بنشاط‬
‫بحري ضخم ؛ إذا سيطرت على الملحة في الخليج في عهد زعيمها رحمة بن مطر‬
‫القاسمي عام )‪1159‬هس‪1747/‬م( ‪ .‬وقد نجحت في هزيمة البرتغاليين ‪ ,‬وامتد نفوذها ‪,‬‬
‫في المنطقة ‪.‬‬
‫ثم تمكنت بريطانيا بعد حملت من القضاء على القواسم ‪ .‬وعقدت معاهدة مع‬
‫شيوخ المارات ‪ .‬وبموجب ذلك صار المقيم السياسي البريطاني يدير شئون‬
‫) المارات المتصالحة ( كما أسموها ‪ ,‬من مركزه في إيران منذ عام )‪1823‬م( و حتى‬
‫عام )‪1934‬م(‪ .‬ثم انتقل المقيم السياسي للبحرين عام )‪1948‬م( وعين أول ضابط‬
‫سياسي بريطاني مقيما سياسيا في الشارقة‪.‬‬
‫ثم أنشئت هناك عام )‪1953‬م( دار العتماد البريطاني ‪ ,‬وانتقلت لدبي عام )‬
‫‪1954‬م( ‪ .‬وفي عام )‪1968‬م( أعلنت الحكومة البريطانية انسحابها من منطقة الخليج‬
‫في مواعد ل يتجاوز )‪1971‬م ( ‪ .‬وبدأت مساعي توحيد المارات في دولة واحدة ‪ .‬و‬
‫في نفس العام )‪1968‬م( اتفق الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حاكم أبو ظبي مع‬
‫الشيخ راشد بن سعيد المكتوم حاكم دبي ‪ ,‬وبحث معه اتحاد المارتين ‪ .‬تم دعوة‬
‫المارات السبع الخرى والبحرين وقطر للجتماع في دبي ‪ .‬وانبثقت من هذا الجتماع‬
‫التفاقية المعروفة باتفاقية دبي ‪ .‬و تم اختيار الشيخ زايد رئيسا للمجلس العلى‬
‫للتحاد‪.‬‬
‫لكن الخلف دب بين المراء حول وضع الدستور ‪ .‬وفي سنة )‪1971‬م( تم التوصل‬
‫إلى صيغة اتحاد سباعي يضم إمارات الساحل العماني ‪ ,‬وأعلن مولد " دولة‬
‫المارات العربية المتحدة " سنة )‪1971‬م( التي ضمت ست إمارات هي ‪ :‬أبو‬
‫ظبي ‪ ,‬ودبي ‪ ,‬والشارقة ‪ ,‬وعجمان ‪ ,‬وأم القوين ‪ ,‬والفجيرة ‪ ,‬ثم انضمت بعد ذلك‬
‫إمارة رأس الخيمة )‪1972‬م( إلى الدولة الجديدة التي كونتها بريطانيا واعترفت بها ‪,‬‬
‫كما وافقت الجمعية العمومية للمم المتحدة على قبولها عضوا فيها ‪ .‬فيما نأت‬
‫البحرين وقطر بنفسها عن التحاد الوليد ‪.‬‬
‫يبلغ عدد سكان المارات رغم كبر مساحتها النسبية زهاء ‪ 250‬ألف مواطن فقط ‪,‬‬
‫ويقيم فيها منذ عشرات السنين زهاء مليون هندي معظمهم من الهندوس ‪ ,‬بالضافة‬
‫لمليون آخر من الجانب فيهم جالية فلبينية نصرانية كبيرة ‪ ,‬وعدد كبير من الوربيين‬
‫ولسيما البريطانيين ‪ .‬وتعتبر المارات مركزا لنشاط المنظمات التنصيرية في‬
‫المنطقة بأسرها ‪ .‬كما أصبحت بعد دخول النفوذ المريكي قاعدة جوية وبحرية رئيسية‬
‫للقوات المريكية والبريطانية المحالفة لها ‪ .‬وصارت دبي إحدى أكبر العواصم التجارية‬
‫العالمية ‪ ,‬ووكرا للفساد والمجون والدعارة على المستوى العالمي ‪ ,‬كما صارت مقرا‬
‫رئيسيا لدارة مكافحة الرهاب ‪ ,‬وفيها مكاتب أمنية أمريكية رئيسية يديرها المريكان‬
‫والبريطانيون بالتعاون مع بعض الستخبارات العربية ولسيما المصرية ذات الخبرات‬
‫الواسعة في حرب السلميين ‪ .‬كما أن القيادة العليا لجيش المارات الصغير هم من‬
‫البريطانيين ‪ ,‬والرتب المتوسطة من المرتزقة الباكستانيين ‪ ,‬والدنيا من متطوعين‬
‫شتى ! ويرأسهم بعض الجنرالت الفخريين من أبناء السرة الميرية !‬

‫عمان ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫(‪(11‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 457 [ ‬‬

‫تقع عمان في الزاوية الجنوبية الشرقية من شبه جزيرة العرب ‪ .‬وتعد معقل‬
‫للخوارج الباضية الذي أسسوا بها دولة منذ أواخر العصر الموي‪.‬‬
‫وقد تعرضت عمان للخطر البرتغالي ‪ ,‬فتصدى العثمانيون لمواجهتهم ‪ ,‬كما‬
‫تعرضت لتنافس تركي فارسي نظرا لهمية موقعها الستراتيجي‪ .‬لكن ضعف‬
‫العثمانيين والبرتغاليين فتح الباب للنفوذ البريطاني والفرنسي ‪ .‬وفي عهد السلطان‬
‫سعيد بن تيمور ‪ ,‬تمكن من إقرار وحدة عمان بضم واحدة " البوريمي" بمساعدة‬
‫بريطانيا سنة )‪1954‬م( ثم تولى الحكم السلطان قابوس بن سعيد عام )‪1970‬م( بعد‬
‫أن قتل أباه واستولى على السلطة ‪ .‬وقد شهدت البلد في عهده نهضة سياسية‬
‫واقتصادية‪ .‬وفي عهده دخلت سلطنة عمان الجامعة العربية وهيئة المم المتحدة بعد‬
‫استقللها‪ .‬وتعتبر عمان أحد أهم القواعد العسكرية البريطانية والمريكية في المنطقة‬
‫‪.‬‬

‫اليمن ‪:‬‬ ‫(‪(12‬‬


‫لم يخضع اليمن خضوعا كليا لحكم الدولة العثمانية ‪ ,‬وفشلت كل الحملت التي‬
‫نفذت من أجل تحويله إلى إدارة عثمانية ‪ ,‬نظرا لحصانة الطبيعة والتفاف أهله على‬
‫الئمة الزيدية في صنعاء‪.‬‬
‫وقد قامت السر الزيدية بالحكم في اليمن من سنة )‪1506‬م( في العاصمة‬
‫صنعاء‪ .‬وخلل تلك الفترة حدث صراع طويل بين التراك والسرة الزيدية ‪ ,‬وفي‬
‫القرن التاسع عشر الميلدي اقتصر نفوذ العثمانيين على تهامة وجنوبي اليمن وصنعاء‬
‫وما حولها‪.‬‬
‫واستمر الحال إلى أن حصلت هدنة بين العثمانيين واليمنيين ‪ ,‬وعرفت باتفاقية‬
‫)الدعان( وأثناء ذلك كان النجليز يحاولون تثبيت قدمهم في عدن وتوسيع رقعة‬
‫نفوذهم ؛ وبعد الحرب العالمية الولى وخسارة تركيا تعهد العثمانيون بالجلء عن بلد‬
‫العرب – ومنها اليمن – فاستولى المام يحيى حميد الدين على الملك واستقل بالبلد‬
‫سنة )‪1923‬م( واعترف العثمانيون باستقلل اليمن ‪ .‬وظل الصراع في اليمن ضد‬
‫بريطانيا إلى أن أبرمت معاهدة سنة )‪1934‬م( التي اعترفت فيها بريطانيا باستقلل‬
‫اليمن‪.‬‬
‫ولكنها أبقت مشكلة الحدود في الجنوب ‪ .‬وهكذا بقى النزاع قائما ‪ ,‬وبقيت‬
‫بريطانيا موجودة في الجنوب العربي في عدن ‪ .‬وكررت بريطانيا هجومها على اليمن‬
‫سنة )‪1956‬م( ‪ .‬وفي )‪1957‬م( ثار عبد الله بن الزير على المام يحيي وتمكن من‬
‫اغتياله واستولى على الحكم في صنعاء ‪ .‬ولكن المام أحمد بن يحي نجح في هزيمته‬
‫واسترداد الحكم‪.‬‬
‫وفي مارس سنة )‪1955‬م( قام انقلب ضد المام أحمد ‪ ,‬لكنه فشل‪.‬‬
‫وفي سبتمبر سنة )‪1962‬م( تفجرت الثورة التي قادها عبد الله السلل باليمن‬
‫بمساعدة من مصر ‪ ,‬ونجحت في إعلن نظام الجمهورية في اليمن الشمالي ‪.‬‬
‫وكانت بريطانيا قد انسحبت من عدن وسلمت الحكم فيها للشيوعيين ‪ ,‬فاستقلوا‬
‫في اليمن الجنوبي ‪ ,‬وحاربوا السلم والمسلمين ‪.‬و استعلنوا باللحاد وهدموا المساجد‬
‫و قتلوا العلماء‪ .‬ثم سلطهم الله على بعضهم فأفنوا بعضهم في حرب ضروس خلل‬
‫مدة قصيرة ‪.‬‬
‫وكان قد تولى الحكم في اليمن الشمالي ) الجاويش ( علي عبد الله صالح ‪ ,‬وما‬
‫زال في السلطة إلى الن‪ ,‬وقد تمكن بدهائه من المساك بزمام المور ‪ .‬ثم استغل‬
‫ضعف الجنوبيين ‪ ,‬وسن حرب الوحدة بالتعاون مع السلميين وقبائل الشمال ‪.‬‬
‫وتوحدت اليمن بعامته سنة ‪. 1993‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 458 [ ‬‬

‫ثم بدأ عبد الله صالح سياسة التقرب من أمريكا ‪ ,‬و تحجيم السلميين وقمع كل‬
‫أشكال مناوئيه ‪ .‬وبعد أحداث سبتمبر تحالف صالح علنية مع أمريكا في حملتها‬
‫لمكافحة الرهاب ‪ .‬وشن حملت تصفية على الجهاديين ‪ ,‬وخاض الجيش اليمني عددا‬
‫من المعارك الطاحنة لخراجهم من حصونهم القبلية – نيابة عن أمريكا ‪ -‬حيث ألحق‬
‫بالجهاديين خسائر كبيرة ‪ ,‬وما تزال الحداث متكررة جارية في اليمن إلى الن ‪.‬‬
‫لتذكرنا بكل مرارة بما قاله شاعرها البردوني وكأنه يصف البلد ورئيسها ومن‬
‫امتطى من كبار شيوخها وعلمائها عندما قال يعارض بائية أبي تمام ‪:‬‬
‫ب‬ ‫ل و الجر ُ‬‫مليحة عاشقاها الس ّ‬ ‫ث عن صنعاَء يا وطني‬ ‫ماذا ُأحد ُ‬
‫ب‬
‫ه الذه ُ‬ ‫م تناسى عرق ُ‬ ‫ت أحسابنا ؟ أ ْ‬ ‫م ؟‪ ..‬ه ْ‬
‫ل كذب ْ‬ ‫ماذا َترى يا أبا تما ْ‬
‫ب‬‫إذا امتطاها ٍإلى أسيادهِ الذن ُ‬ ‫س الَعوالي ناَر نخوتها‬
‫َتأبى الُرؤو ُ‬
‫وما زال المل بالله أن يبعث من اليمن ببركة دعاء حبيبه المصطفى صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ,‬من يشبهون جند المعتصم الذين وصفهم البردوني في نفس قصيدته‬
‫فقال ‪:‬‬
‫ب‬
‫ت ‪ :‬إنّنا الشه ُ‬ ‫ت و للمنجم ِ قال ْ‬‫شرى انطلق ْ‬ ‫ن ألفا ً كآسادِ ال ّ‬
‫ستو َ‬
‫ُ‬
‫ول يحتاج المُر ستون ألفا ‪ ..‬وأسأل الله أي يسلط على ) الجاويش ( من شباب‬
‫السلم من يشفي بهم صدور قوم مؤمنين ‪ ...‬وما ذلك على الله بعزيز ‪..‬‬

‫مصر‪:‬‬ ‫(‪(13‬‬
‫تنافست إنجلترا وفرنسا لحتلل مصر أواخر القرن الثامن عشر ‪ ,‬نظرا لموقعها‬
‫الستراتيجي واهتمت بها بريطانيا خاصة ‪ ,‬لوقوعها في طريق مستعمراتها في آسيا‪.‬‬
‫ولذلك أرسلت بريطانيا أسطول تمكن من هزيمة الفرنسيين – بعد احتللهم مصر‬
‫بحملة نابليون سنة )‪1212‬هس ‪1798 -‬م( – في معركة أبي قير البحرية سنة )‪1212‬هس‬
‫‪ ,(1798 -‬وبعد جلء الفرنسيين عن مصر سنة )‪1801‬م( ‪ ,‬أرسلت بريطانيا أسطول‬
‫لغزو مصر عن طريق رشيد سنة )‪1212‬هس ‪1807 -‬م(‪ ,‬لكن مقاومة أهلها أدت إلى‬
‫فشل هذا الغزو‪.‬‬
‫كان ) محمد علي ( قد نجح بذكائه في التسلق على أكتاف الحركة الشعبية ‪.‬‬
‫واستطاع أن يقنع الناس به فاتخذ العثمانيون قرار بتعيينه واليا على مصر ‪ .‬ونجح في‬
‫الستقلل بمصر سنة )‪1219‬هس ‪1805-‬م( ثم أذعن السلطان سليم الثالث وأصدر‬
‫فرمانا بتعيينه سنة )‪1806‬م(‪ ,‬وكون جيشا حديثا ‪ ,‬وأنفذ البعثات إلى فرنسا لتي أيدته‬
‫ودست العملء في مستشاريه في شتى الميادين ولسيما في مجال التعليم والغزو‬
‫الفكري الستشراقي ‪ ,‬فتأسست العلمانية ومدارس الضلل العربية المعاصرة في‬
‫عهده ‪ ,‬وكانت بوابة البلء على مصر والعالم العربي كله ‪ ,‬كما سنرى في الفصل‬
‫التالي ‪.‬‬
‫وقد قام محمد علي بحملت عسكرية ناجحة في السودان وشبه الجزيرة العربية‬
‫والشام وبلد اليونان ‪ ,‬لكن تحالف الدول الوروبية خاف من طموحاته ‪ ,‬فوضعوا له‬
‫حدا ‪ ,‬أدى إلى فقدانه أحلمه المبراطورية بعد هزيمته في معركة نوارين البحرية سنة‬
‫)‪1242/1827‬م( مع البريطانيين ‪ ,‬وإرغامه على النسحاب من كل القاليم التي‬
‫استولى عليها ما عدا مصر وفق مؤتمر لندن سنة )‪1255‬هس ‪1840/‬م( ‪.‬‬
‫ومع ذلك نجح محمد علي في تأسيس أسرة حاكمة في مصر إذ تولها بعد وفاته‬
‫عباس الول ‪ ,‬ثم سعيد باشا ‪ ,‬ثم الخديوي إسماعيل ‪ ,‬ثم الخديوي عباس ‪ ...‬وصول‬
‫إلى الملك فاروق أخر حكام السرة ‪ ,‬التي انتهت بقيام ثورة يوليو سنة )‪1271‬هس ‪/‬‬
‫‪1952‬م( التي تزعمها الرئيس جمال عبد الناصر ورفاقه الذين عرفوا بالضباط الحرار‬
‫‪ ,‬وانتهى المر بالملك الفاروق منفيا في إيطاليا حيث عملت أسرته في الدعارة !‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 459 [ ‬‬

‫وتجدر الشارة إلى أنه في عهد الخديوي إسماعيل تعاظم النفوذ الفرنسي في‬
‫مصر‪ ,‬و الذي كان من مظاهره حصول ) فرديناند ديليسبس ( على امتياز حفر قناة‬
‫السويس لتوصيل البحر الحمر بالبحر المتوسط‪ ,‬وكلف حفر القناة وافتتاحها مصر‬
‫أرواحا كثير من المصريين وأموال طائلة ‪ ,‬فوقعت الدولة تحت طائلة الديون ‪ ,‬المر‬
‫الذي أدى إلى تدخل إنجلترا وفرنسا و نجاحهما في الشراف على الشؤون المالية في‬
‫مصر عن طريق )صندوق الدين( ‪ ,‬وتشكيل لجنة ثنائية فرنسية إنجليزية لضمان‬
‫تحصيل الديون‪.‬‬
‫وكانت فرنسا وبريطانيا قد عقدتا اتفاقا وديا سنة )‪1801‬م( جلت بمقتضاه فرنسا‬
‫عن مصر وتخلت عن أطماعها الستعمارية في إخضاع مصر لسيطرتها‪.‬‬
‫وانتهزت بريطانيا فرصة قيام الثورة العرابية بقيادة أحمد عرابي ضد الخديوي‬
‫توفيق لتحقيق هدفها في احتلل مصر‪.‬‬
‫فأرسلت بريطانيا حملة على مصر سنة )‪1299‬هس ‪1882 -‬م( ‪ .‬ونجحت في‬
‫الستيلء على السكندرية ‪ ,‬ثم هزمت العرابيين عند التل الكبير ‪ ,‬ثم احتلت القاهرة‬
‫وقضت نهائيا على الثورة العرابية ‪ .‬ولكن حركة المقاومة السياسية ضد النجليز‬
‫استمرت بعد ذلك بزعامة مصطفى كمال الذي حاول استغلل عداء فرنسا لبريطانيا‬
‫وندد بالنجليز في المحافل الدولية خصوصا بعد أن اقترفوا جريمة مذبحة دنشواي‬
‫سنة )‪1323‬هس ‪1906 -‬م( كما أسس الحزب الوطني سنة )‪1324‬هس ‪ . (1907/‬وكان‬
‫قد أصدر صحيفة اللواء سنة )‪1318‬هس‪1901/‬م( التي فجرت الحركة الوطنية في مصر‬
‫ضد النجليز ‪.‬‬
‫وفي سنة )‪1337‬هس‪1919/‬م( قامت ثورة كبرى ضد النجليز بزعامة سعد زغلول‬
‫مطالبة بالستقلل وإلغاء الحماية البريطانية على مصر التي فرضها النجليز سنة )‬
‫‪1332‬هس‪1914/‬م(‪.‬‬
‫وبعد فشل الثورة لجأ المصريون إلى أسلوب المفاوضات لتحقيق الستقلل ‪ ,‬ثم‬
‫عقد مصطفى النحاس معاهدة مع بريطانيا سنة )‪1354‬هس‪1936 /‬م( فحققت لمصر‬
‫استقلل غير تام‪.‬‬
‫وظلت إنجلترا تتعاون مع القصر والملك فاروق وأحزاب القلية التي شكلت‬
‫حكومات ضعيفة نجم عن سياستها مزيدا من الفساد ‪ ,‬ثم قامت حركة الضباط‬
‫الحرار بزعامة جمال عبد الناصر بثورة )‪23‬يوليو سنة ‪1952‬م( ‪.‬‬
‫وكانت قد نشأت في مصر أواخر العشرينات حركة إسلمية كان لها بالغ الثر على‬
‫مسار الحداث في مصر والعالم العربي عموما‪ .‬وهي حركة الخوان المسلمين التي‬
‫أسسها الشيخ حسن البنا ‪ ,‬الذي وضع أسس حركته التي كانت تهدف إلى إعادة‬
‫الخلفة السلمية وتصحيح أوضاع المسلمين والدعوة إلى العود إلى تحكيم الشريعة‬
‫السلمية والدفاع عن قضايا المسلمين ‪ ,‬وما لبثت الحركة أن دخلت في صراع مع‬
‫القصر ‪ ,‬والنفوذ البريطاني ‪ .‬وقد انتشرت الحركة مابين )‪ ( 1928‬ونهاية الربعينات‬
‫انتشارا واسعا في مصر‪ ,‬وامتدت إلى بلد الشام وغيرها‪ ,‬و توجف النكليز منها شرا ‪,‬‬
‫ولسيما بعد مساهمات مجاهدي الخوان في مصر وسوريا في حرب اليهود سنة )‬
‫‪ . (1948‬ثم تآمر النكليز والملك فاروق على الحركة ‪ ,‬فأودع المجاهدون العائدون‬
‫من فلسطين في السجون ‪ ,‬واغتيل المام حسن البنا رحمه الله تعالى وغفر له ‪ .‬ثم‬
‫كان للتنظيم الخاص ) السري ( الذي أنشأه دور في مقاومة النكليز في منطقة قناة‬
‫السويس ‪ .‬ثم اتفق الخوان مع الضباط الحرار على إسقاط الملك فاروق ‪ ,‬ونجح‬
‫انقلب الضباط الحرار في سنة ‪ ,1958‬وتولى اللواء نجيب رئاسة الدولة ‪ ,‬ثم انتقلت‬
‫الرئاسة لجمال عبد الناصر الذي تنكر للخوان وانقلب عليهم وأودع قياداتهم في‬
‫السجون سنة ‪ ,1954‬وأعدم بعضهم من أبطال مقاومة النكليز ‪ .‬ثم أعلن عبد الناصر‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 460 [ ‬‬

‫تأميم قناة السويس وحصلت الحرب التي دعيت بالعدوان الثلثي على مصر سنة‬
‫‪. 1956‬واشتركت فيها بريطانيا وفرنسا وإسرائيل ‪ ,‬ووفرت هذه الحرب لعبد الناصر‬
‫الدعاية الكافية لدعوته الحماسية للقومية العربية ‪ ,‬والوحدة العربية ‪ ,‬والفكار‬
‫الشتراكية ‪ ,‬و الدعوات التحررية التي نادى بها ‪ ,‬وكانت كثير من بلد العالم العربي‬
‫تشهد حركات تحررية تحمل تلك الفكار ‪ ,‬كما كان لعبد الناصر تحركا دوليا ‪ ,‬مع بعض‬
‫الزعماء العالميين ‪ ,‬ولسيما دعوة تجمع دول عدم النحياز إلى جانب الزعيم‬
‫اليوغوسلفي الشيوعي )تيتو(‪ ,‬والزعيم الهندي ) نهرو( ‪ ,‬و الندونيسي ) سوكارنو(‬
‫حيث عقد في بلده مؤتمر باندونغ )‪ , (1954‬وكانت تلك الفكار ميالة للتحاد‬
‫السوفييتي فيما عرف بسياسة الحياد اليجابي في الصراع المريكي السوفيتي‬
‫‪...‬وقصة عبد الناصر تطول وهي مرحلة مهمة في تاريخ مصر والعالم العربي‪ ,‬وليس‬
‫هنا محل استقصائها ‪ ..‬وسرت أفكار عبد الناصر ودعاياته في العالم العربي الذي‬
‫كانت تروج فيه دعوة القومية العربية وتنشأ الحزاب السياسية المختلفة على أساسها‬
‫‪ .‬وفي سنة ‪ 1958‬توصل القوميون العرب في سوريا وعبد الناصر إلى إعلن الوحدة‬
‫التي طبلت لها الجماهير وزمرت ‪ ,‬ثم انفصمت الوحدة خلل ‪ 3‬سنوات ‪ .‬وقد حكم‬
‫عبد الناصر مصر حكما استبداديا فرعونيا ‪ ,‬وأنشأ لذلك أجهزة أمنية و استخباراتية‬
‫استباحت دماء العباد وأعراضهم وحرماتهم ‪ .‬وقد نشرت عشرات الكتب والدراسات‬
‫عن تلك الحقبة السوداء بما يغني عن الشواهد هنا ‪..‬‬
‫وقد بطش ) الزعيم الملهم ( كما أسموه بكل معارض له ‪ ,‬وكان للحركة السلمية‬
‫وخاصة الخوان المسلمون النصيب الوفر من ذاك البطش الذي بلغ ذروته سنة‬
‫‪ , 1965‬إذ أعلن عبد الناصر الحرب عليهم خلل زيارة له لموسكو ‪ ,‬وافتخر بأنه أدخل‬
‫السجن )‪ 17‬ألف ( رجل منهم في ليلة واحدة ! ‪ ,‬ثم أعدم كوكبة من خيرة أبناء مصر‬
‫كان على رأسهم الشهيد المعلم الستاذ سيد قطب ‪ ,‬رحمه الله وجمعنا به في عليين ‪.‬‬
‫ودخل عشرات اللوف من الخوان سجون عبد الناصر منذ ‪ 1954‬على مراحل ‪ ,‬ولم‬
‫يخرج أكثرهم إل في عهد خلفه السادات أواسط السبعينيات !‬
‫وخلل حكم عبد الناصر ‪ ,‬عم الفساد أجهزة الدولة وانتشرت الخلعة والمجون‬
‫ولسيما في قيادات الجيش وأجهزة الستخبارات ‪ ,‬وتمكن الموساد السرائيلي من‬
‫زرع العملء في قيادات الجيش الذي غرق قادته وقادة المن في الدعارة و النحلل ‪.‬‬
‫وفي صبيحة الخامس من حزيران )يونيو ( سنة ‪ , 1967‬كانت مصر على موعد مع‬
‫نتائج تلك الحقبة التي عبد فيها أكثرهم الرجل الوثن ‪ ,‬وخلل أقل من نصف ساعة‬
‫وفيما كان كبار قادة وضباط الجيش المصري يغطون في نومهم بعد ليلة حمراء‬
‫قضوها زناة مخمورين ‪ ,‬كان الطيران السرائيلي يدمر سلح الطيران المصري وهو‬
‫في مطاراته على الرض ‪ .‬وهكذا ُتركت القوات البرية المصرية تحت رحمة الطيران‬
‫السرائيلي الذي نفذ فيها مجازر مروعة ‪ .‬لتنجلي معركة اليام الستة عن احتلل‬
‫اليهود لصحراء سيناء وصول إلى ضفة قناة السويس ‪ .‬فيما تكفل البعثيون و‬
‫النصيريون في الجبهة السورية ببيع مرتفعات الجولن لسرائيل ‪ ,‬وتولى حافظ السد‬
‫– كما مر معنا إعلن سقوط الجبهات والنسحاب الكيفي منها قبل وصول اليهود إليها‬
‫بأربع وعشرين ساعة ‪ .‬ثم مرر عبد الناصر وعباده مسرحية استقالته بعد الهزيمة ‪,‬‬
‫وخرج الغوغاء إلى الشوارع هاتفين بحياته وبقائه في السلطة ‪ .‬وبعد سنتين من‬
‫الهزيمة توفي عبد الناصر سنة ‪ . 1969‬وبعد وفاته نشرت الكثير من الكتب عنه بين‬
‫من ذهب به مذهب التقديس ‪ .‬إذ انتشر ما عرف بالحزاب الناصرية في مصر والعالم‬
‫العربي ‪ ,‬وذهب البعض إلى العتقاد بما نشره بعض المتقاعدين من الستخبارات‬
‫المريكية وغيرها ‪ ,‬حيث أثبتوا أنه كان عميل للستخبارات المريكية وأنه نفذ برنامجا‬
‫معدا معهم منذ البداية وإلى النهاية ‪ ,‬ومن أشهر تلك الكتب كتاب )لعبة المم ( لمؤلفه‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 461 [ ‬‬

‫صل في تلك الفرضية التي رفضها محبوه واعتبروها دعاية صهيونية !‬ ‫) كوبلند( الذي ف ّ‬
‫ومهما يكن من أمر التكهنات ‪ ,‬فالوقائع التي ل مجال للمماراة فيها أنه كان طاغوتا‬
‫جبارا ملحدا في دين الله ‪ ,‬ذاقت مصر وأبناؤها في عهده الويلت ‪ .‬وتركها بعده قاعا‬
‫صفصفا من الفقر والفساد ‪ ,‬وانتشار الفسوق والعصيان والفكار الضالة المارقة ‪.‬‬
‫ثم خلفه في السلطة ) أنور السادات ( ‪ ,‬وسرعان ما اتجه اتجاها معاكسا ‪ ,‬فنهج‬
‫نهجا أمريكيا وأسمى سياسته ) سياسة النفتاح ( ‪ ,‬فنمت الرأسمالية في عهده‬
‫وتقلصت العلقات مع التحاد السوفييتي ‪ .‬ولمواجهة المد اليساري الذي نمى نموا‬
‫سرطانيا في عهد سلفه الهالك ‪ ,‬اتبع السادات سياسات كان منها إطلق المجال‬
‫للحركات السلمية ‪ ,‬فأفرج عن الخوان المسلمين وسمح للدعوة السلمية بالنمو‬
‫في الجامعات ‪ ,‬وسرعان ما مل السلميون الجامعات والنقابات المهنية والعلمية ‪,‬‬
‫واكتسحوا الشارع المصري ‪ ,‬فبدأ بكبح جماحهم ‪.‬‬
‫وفي سنة ‪ 1980‬فاجأ السادات العالم بطرحه فكرة الصلح مع إسرائيل وتطبيع‬
‫العلقات تحت ذريعة بناء مصر وتنميتها في جو السلم ‪ ,‬وأتبع ذلك بزيارته الشهيرة‬
‫لسرائيل والقدس ‪ ,‬وعاد ليجد المارد المسلم الذي أطلقه من )قمقم ( عبد الناصر‬
‫بانتظاره في القاهرة ‪ .‬ثم أتبع خطواته السريعة باتفاقيات كامب ديفيد الشهيرة ‪,‬‬
‫وعرضته وسائل العلم يصافح مناحيم بيغن جزار مذابح ) دير ياسين الشهيرة ( ‪,‬‬
‫وبموجب تلك التفاقيات ‪ ,‬ردت إسرائيل صحراء سيناء لمصر بحيث تبقى تحت‬
‫سيطرتها عمليا ‪ ,‬ورفرف العلم السرائيلي في سماء القاهرة على ضفاف النيل فوق‬
‫أول سفارة لدولة إسرائيل في العالم العربي ‪ .‬فحمل عليه العلماء والخطباء الشرفاء‬
‫‪ ,‬فألقاهم في السجون ‪ .‬وأعلن الحرب على السلميين سنة )‪ , (1981‬وزج قادتهم‬
‫في السجون ‪ ,‬وتحدى الخلق معلنا أنه ألقاهم في السجون كالكلب !‬
‫وبعيد ذلك قيض الله له من أسود السلم من ألقاه تحت الكراسي صريعا كالكلب‬
‫حقيقة ل مجازا ‪ ,‬إذ قتله المجاهدون من تنظيمي الجماعة السلمية والجهاد في حادثة‬
‫المنصة الشهير ‪ ,‬وهو في يوم عزه واستعراض قواته ‪ ,‬إذ أنه كان قد خرج على قومه‬
‫في زينته في استعراض عسكري كبير ‪ ,‬فخسف الله به ‪ ,‬وأرسله جند الله ليلحق‬
‫بسلفه الفرعون ويكون لمن خلفه آية ‪.‬‬
‫ثم خلفه الفرعون الحالي نائبه )حسني مبارك ( ل بارك الله فيه ‪ ,‬فأكمل المشوار‬
‫الذي رسمته أمريكا وسار في سياسات التطبيع مع اليهود قدما ‪ ,‬ومازال يحكم مصر‬
‫بالحديد والنار وقبضة الجهزة المنية ‪ .‬وقوانين الطوارئ العرفية منذ ‪1981‬وإلى اليوم‬
‫حيث يرتب مع المريكان توريث عرش الفرعونية لولده جمال مبارك !‬
‫وقد شهد عهد مبارك حربا ضروسا من النظام المصري على السلميين ‪ ,‬وتصدت‬
‫له الجماعات الجهادية ودخلت في صراع مرير لم يضع أوزاره إل من قريب بعد أن‬
‫نجحت أجهزة المن بفضل سياسات التصفية والبطش ‪ ,‬وبتعاون علماء السلطين‬
‫أخزاهم الله معه ‪ ,‬فأجهض الجهاد ‪ ,‬وخل الجو لمبارك ورهطه يبيضون ويصفرون في‬
‫أنحاء أرض الكنانة ‪.‬‬
‫واليوم تعتبر مصر أحد أعمدة السياسات المريكية الصهيونية في المنطقة ‪,‬‬
‫ومستند النظمة العربية والسلمية في كفاح السلميين أمنيا وفكريا ‪.‬‬
‫ورغم ذلك مازالت أمريكا تلوح ببرامجها التي تستهدف مصر بالتقسيم والتهديد‬
‫بعد أن تغلغل عملؤها في مختلف مناحي حياة المصريين ‪.‬‬

‫السودان‪:‬‬ ‫(‪(14‬‬
‫نجح محمد علي باشا حاكم مصر في إرسال عدة حملت إلى السودان بقيادة‬
‫أصغر أبنائه إسماعيل كامل سنة )‪1819‬م‪1821/‬م( وتمكنت هذه الحملت من ضم‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 462 [ ‬‬

‫السودان إلى مصر وتحقيق وحدة وادي النيل ‪ .‬فلما استولت بريطانيا على مصر سنة‬
‫)‪1299‬هس ‪1882/‬م( خططت لفصل السودان عن مصر والوصول إلى منابع النيل ‪.‬‬
‫وعندما قامت الثورة المهدية في السودان بزعامة السيد محمد أحمد المهدي‪,‬‬
‫طلبت بريطانيا من مصر سحب قواتها من السودان وأرسلت حملة بقيادة )غوردون(‬
‫لكن الثوار هزموه وقتلوه بالخرطوم سنة )‪1302‬هس ‪1885-‬م( وفي سنة )‪1313‬هس ‪-‬‬
‫‪1896‬م( أرسلت بريطانيا حملة ) كتشنير( إلى السودان واستعانت بجهود عساكر‬
‫مصريين ! ونجحت الحملة في هزيمة الثوار المهديين سنة )‪1315‬هس ‪1898 -‬م( بعد‬
‫الستيلء على أم درمان وبذلك تحقق لبريطانيا ضم السودان إلى إمبراطوريتها‪.‬‬
‫واتفقت بريطانيا والحكومة العميلة لها في مصر سنة )‪1316‬هس ‪1899 -‬م( على‬
‫حكم السودان حكما ثنائيا رغم احتجاجات الوطنيين المصريين وأخذت بريطانيا في‬
‫إثارة الصراع بين المصريين والسودانيين لكنها لم تنجح ‪ .‬إذ بعد قيام ثورة سنة )‬
‫‪1337‬هس ‪1919 -‬م( في مصر قامت ثورة في السودان بزعامة ) عبد القادر ود حبوبة(‬
‫تطالب بجلء بريطانيا عن وادي النيل‪.‬‬
‫وبرغم قضاء بريطانيا على الثورة تصاعدت الحركة الوطنية في السودان ‪ .‬ففي‬
‫عام )‪1340‬هس ‪ (1922-‬تشكلت جمعية التحاد السوداني وجمعية اللواء البيض ‪,‬‬
‫وأخذتا تعملن سرا لطرد بريطانيا وتحقيق وحدة مصر والسودان‪.‬‬
‫لكن الحركة الوطنية السودانية ظلت تقاوم الوجود البريطاني ‪ ,‬وتشكل حزب‬
‫المة بزعامة المهدي ‪ ,‬والحزب الوطني التحادي بزعامة الزهري ليقودا النضال ضد‬
‫بريطانيا ‪ .‬وبعد قيام ثورة يوليو في مصر سنة )‪1371‬هس ‪1952 -‬م( وعقد اتفاقية‬
‫الجلء سنة )‪1375‬هس ‪1956 -‬م( اتفقت مصر وبريطانيا على ترك الخيار للسودانيين‬
‫لتقرير مصيرهم ؛ فاختاروا الستقلل الذي تم عام )‪1956‬م( وقامت دولة وفق‬
‫النظام الجمهوري اعترفت بها جامعة الدول العربية وهيئة المم المتحدة‪.‬‬
‫وتتالت الحكومات المدنية والعسكرية على السودان ‪ ,‬إلى أن تسلم الحكم جعفر‬
‫النميري بانقلب عسكري ‪ .‬وفي عهده نمت الحركة السلمية التي كان أبرزها حركة )‬
‫الجبهة القومية السلمية السودانية ( التي تزعمها حسن الترابي ‪ ,‬وقامت على أسس‬
‫الخوان المسلمين ثم فصلها الترابي مستقل لها بفكر جديد يرتكز إلى أفكاره‬
‫واجتهاداته الحركية والفقهية الخاصة ‪ .‬ثم تحالف الترابي و النميري على أساس تحكيم‬
‫الشريعة في السودان ‪ ,‬ثم رتب الترابي انقلبا عسكريا أطاح بالنميري وجاء بحكم ما‬
‫عرف بثورة النقاذ من الضباط المنتمين للترابي بزعامة الرئيس ) عمر البشير ( ‪ .‬ثم‬
‫وقع الطلق بين الترابي وتلميذه الضباط فاعتقلوا شيخهم مرات ‪ ,‬حيث تحول‬
‫للمعارضة !‬
‫وقد حاول البشير ورفاقه النهوض بالسودان ‪ ,‬وتطبيق الشريعة ‪ ,‬ولكن المؤامرات‬
‫المريكية أنهكتهم بدعم حركات التمرد المسلحة جنوب السودان وشرقه ثم في غربه‬
‫مؤخرا ‪ .‬وآل المر بزمرة البشير لختيار سياسة الرضوخ لمريكا وطلباتها التي لم‬
‫تنتهي ‪ .‬فطردوا الجهاديين ‪ ,‬ثم طردوا بن لدن ‪ ,‬ثم وقعوا اتفاقيات مهينة مع النصارى‬
‫الجنوبيين ‪ ,‬ثم افتتحوا مكاتب معلنة لسلس ) ‪ ( FBI‬وعقدوا التفاقيات المنية لمكافحة‬
‫الرهاب ‪ ,‬وبلغ بهم المر أن يسلموا بض المجاهدين المطاردين من قبل نظام ليبيا‬
‫لحكومة القذافي وهم يعلمون أنهم يسلمونهم للعدام ‪ ,‬كما سلموا عددا من الخوة‬
‫السعوديين لجهزة أمن بلدهم سنة ‪..2004‬ورغم التنازلت اللمتناهية ‪ ,‬مازالت‬
‫الحكومة المريكية تطارد حكومة السودان بالتهديد والوعيد ‪ ,‬إلى أن بلغ المر هذه‬
‫اليام بإعلن أمريكا والدول الغربية ومنها بريطانيا وفرنسا وغيرها التدخل المباشر‬
‫السياسي والعسكري في غرب السودان ‪ ,‬بدعوى المنازعات القبلية في إقليم دارفور‬
‫‪ ,‬في مخطط مكشوف لتقسيم السودان ‪ ,‬لتثبت سياسة المداهنة و التنازلت أنها ل‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 463 [ ‬‬

‫تسفر إل عن افتراس الوحش للثور السود بعد أن أكل الثور البيض فيما كان ينظر‬
‫إليه ويخذله ‪ .‬وسبحان الديان فكما تدين تدان ‪ .‬وإن في ذلك لعبرة لولي اللباب ‪ .‬إن‬
‫كان ثم هناك بقية منهم ‪.‬‬

‫ليبيا ‪:‬‬ ‫(‪(15‬‬


‫بعد تحقيق الوحدة اليطالية سنة )‪1285‬هس‪1870/‬م( تطلعت إيطاليا إلى‬
‫المشاركة في حركة الستعمار الوروبي ‪ .‬ونظرا لقربها من ليبيا فقد اعتبرتها مجال‬
‫حيويا ‪ ,‬لذلك هاجر الكثيرون من اليطاليين إلى ليبيا ‪ ,‬وشكلوا جالية أخذت تنشر‬
‫الثقافة واللغة اليطالية في البلد وتمهد للنفوذ السياسي والقتصادي اليطالي‪.‬‬
‫ثم مهدت إيطاليا لحتلل ليبيا بعد موافقة القوى الدولية مثل إنجلترا وفرنسا‬
‫وروسيا وألمانيا على طموحاتها ‪ ,‬فأرسلت حملة احتلت طرابلس وبنغازي بعد إخفاق‬
‫الحامية العثمانية في القتال سنة )‪1329‬هس‪1911/‬م( ‪ ,‬وقدر للقاليم الخرى السقوط‬
‫في يد الغزاة سنة )‪1912‬م( ‪ .‬أما مدينة أجدابية فسقطت سنة )‪1923‬م( ‪ ,‬كما‬
‫سقطت فزان سنة )‪1928‬م(‪.‬‬
‫وفي سنة )‪1929‬م( أصدر موسوليني مرسوما بتوحيد برقة وطرابلس في ولية‬
‫واحدة ‪ ,‬كما احتلت قواته واحة الكفرة سنة )‪1930‬م(‪.‬‬
‫ولما قامت حركة الجهاد ضد إيطاليا ‪ ,‬قمعتها بوحشية وقوة ‪ .‬فاستنفرت‬
‫المسلمين في الدولة العثمانية والعالم العربي ‪ ,‬وأخذ المتطوعون يتدفقون على ليبيا‬
‫بقيادة عزيز المصري وأنور باشا ‪ .‬كما قام السنوسيون ) وهم حركة دينية صوفية‬
‫جهادية ( في إقليم برقة بدور هام في الجهاد وضيق الثوار الخناق على اليطاليين ‪,‬‬
‫وشدوا من أزر الحاميات العثمانية في ليبيا‪.‬‬
‫وبعد إخفاق الدولة العثمانية في حربها مع إيطاليا في البلقان ‪ ,‬خضعت لمطالب‬
‫إيطاليا بسحب قواتها نهائيا من برقة وطرابلس‪.‬‬
‫فتصدى السنوسيون لمقاومة الحتلل ‪ ,‬واتبعوا أسلوب الغارات الخاطفة )حرب‬
‫العصابات( وكادوا ينتصرون على اليطاليين لول دعم بريطانيا عسكريا واستمالتها‬
‫أحمد السنوسي الذي غادر ليبيا إلى الستانة سنة )‪1918‬م(‪.‬‬
‫وفي سنة )‪1920‬م( عقدت إيطاليا معاهدة مع محمد إدريس السنوسي ‪ ,‬اتفق‬
‫فيها الطرفان على إنهاء الحرب واعترف السنوسي بسيادة إيطاليا على برقة ‪ ,‬كما‬
‫اعترفت له إيطاليا بالسيادة على الراضي التي كانت تحت نفوذه‪.‬‬
‫ومع ذلك واصلت الحركة الوطنية النضال خصوصا بعد وصول موسوليني إلى‬
‫الحكم في إيطاليا سنة )‪1922‬م( ‪ .‬فقد أعلن أن ليبيا إيطالية وألغى جميع التفاقات‬
‫السابقة‪.‬‬
‫ثم قاد المجاهد الشيخ الشهيد عمر المختار رحمه الله حركة النضال متبعا أسلوب‬
‫الحرب الخاطفة ‪ ,‬مما أنهك الجيوش اليطالية ‪ .‬لكن إيطاليا أرسلت قوات جديدة إلى‬
‫ليبيا ونجحت بعد عناء وخسائر كبيرة في اليقاع بالثوار ‪ ,‬وقبض على عمر المختار‬
‫وشنق شهيدا – كما نحسبه ‪ -‬رحمه الله سنة )‪1350‬هس‪1931/‬م(‪.‬‬
‫ولما قامت الحرب العالمية الثانية وانضمت إيطاليا إلى ألمانيا ‪ ,‬عاد محمد إدريس‬
‫السنوسي إلى ليبيا بصحبة قوات بريطانية تمكنت من تحرير ليبيا سنة )‪1943‬م ( بعد‬
‫هزيمة قوات المحور ‪ ,‬وأصبح الوضع ممهدا لستقلل ليبيا ‪ ,‬والذي أعلن في عام )‬
‫‪1951‬م(‪ .‬وقام بذلك النظام الملكي في ليبيا ‪.‬‬
‫وفي سنة )‪ (1968‬قام العقيد القذافي بانقلب عسكري ) يعتقد أنه رتبه مع‬
‫المخابرات البريطانية ( ‪ ,‬واستولى على السلطة في ليبيا وما زال فيها حتى الن‬
‫وأطلق على ليبيا اسم الجمهورية الشعبية العربية الليبية العظمى ‪...‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 464 [ ‬‬

‫وقد اشتهر العقيد بمزاجه المتقلب ‪ ,‬وحكمه الديكتاتوري الدموي القمعي ‪ ,‬كما‬
‫اشتهر بمغامراته العسكرية والسياسية في الجوار ‪ ,‬وفي القضايا القليمية ‪ ,‬مما أنهك‬
‫اقتصاد ليبيا وكبد جيشها الصغير العدد نظرا لقلة عدد سكانها خسائر فادحة ‪ .‬ثم‬
‫سولت للقذافي شياطينه ن يخرج على العالم بنظريات سياسية عجيبة ‪ ,‬فأظهر كتابا‬
‫نسب تأليه لنفسه ودعاه الكتاب الخضر ‪ .‬وزعم أنه النظرية الثالثة للحكم بين النهج‬
‫الشتراكي والديمقراطي ‪ .‬والكتاب مزيج من الغرائب والتفا هات والكفر والضلل‬
‫والسماجة التي تثير الغثيان ‪..‬وقد قرأت أكثره بالجهد والعناء وكثير من الصبر رغم‬
‫صغره ‪ .‬وعجبت من قدرة كاتبه على جمع ذاك القدر من السخافة والبلدة‬
‫والحقارة ‪..‬‬
‫ثم استعلن القذافي بالكفر والراء الدينية الشاذة ‪ ,‬فأنكر السنة ‪ ,‬وحذف بعض‬
‫الكلمات من القرآن ‪ ,‬وشرع وفنن وافترى على الله الكذب ‪..‬واتخذ من بعض الغانيات‬
‫حرسا شخصيا له ‪ .‬وله غرائب و تفاهات يطول لها الخطاب تذكر بصرعات الحاكم‬
‫بأمر الله الفاطمي العبيدي الزنديق الحمق صاحب العجائب ‪.‬‬
‫وقد قامت على القذافي انقلبات عديدة كادت تطيح به لول تدخل الستخبارات‬
‫المريكية والبريطانية لنقاذه رغم دعاويه الثورية ‪ .‬كما قامت في ليبيا حركة جهادية‬
‫ضده سنة ‪ 1989‬فقمعها بقسوة ودموية ‪ ,‬ثم قامت حركة جهادية أواسط التسعينيات‬
‫تمكن من القضاء عليها أيضا‪ .‬ومل سجون ليبيا بخيرة الشباب المسلم وأطلق عليهم‬
‫لقب الزنادقة !‬
‫‪ -‬قاتله الله ‪ -‬وقد زاود القذافي طوال سني حكمه العجاف على الدنيا بشعارات‬
‫العروبة و الشتراكية والوحدوية ‪ .‬إل أنه طلع على المة مؤخرا بدعاويه الفريقية‬
‫وعزمه على النسلخ عن العالم العربي والنسحاب من الجامعة العربية ‪.‬‬
‫ثم لبس قميصا عجيبا مزينا بصور بعض الرؤساء الفارقة ‪ ,‬و صور رؤوس تشبه‬
‫الغوريلت ‪ ..‬ثم أعلن مؤخرا انبطاحا كامل للسياسات المريكية والغربية ‪ ,‬فسلم جميع‬
‫مخزون بلده الستراتيجي من الصواريخ وبدايات مشروع البحاث النووية و زعم أنه‬
‫مخزون ليبيا من أسلحة الدمار الشامل ‪ .‬وصار بوش يضرب به المثل كنموذج يحتذى‬
‫يريد من رؤساء العرب والعالم السلمي وغيره اقتفاء أثره ‪.‬‬
‫وتقوم ليبيا هذه اليام بدفع التعويضات الهائلة لكل دولة أوربية تزعم أنها تعرضت‬
‫لعمل إرهابي كان مدعوما من ليبيا ‪ ,‬حيث يعلن الساسة الوربيون عودة العلقات مع‬
‫ليبيا ‪ .‬كما أعلن بوش أنه راض عن ليبيا ‪ ,‬وأعلن موافقته على أن تستأنف شركات‬
‫النهب الستعماري نهب بترول ليبيا كمكافأة للقذافي على استخذائه المهين قبحه‬
‫الله ‪.‬‬

‫تونس ‪:‬‬ ‫)‪(16‬‬


‫دخلت تونس سنة )‪980‬هس‪1573/‬م( تحت حكم العثمانيين كغيرها من البلد‬
‫العربية التي سبقتها ‪ .‬وبقى فيها التراك زهاء ‪ 300‬سنة ‪ .‬ونظرا لضعف الدولة‬
‫العثمانية ‪ ,‬فقد تنافست كل من فرنسا وإيطاليا لحتلل تونس ‪ .‬لكن فرنسا نجحت‬
‫في مد نفوذها من خلل عقد معاهدة ودية مع باي تونس سنة )‪1245‬هس‪1830/‬م(‬
‫حصلت بمقتضاها على امتيازات تجارية داخل تونس‪.‬‬
‫كما استطاعت فرنسا أن تحول دون تدخل بريطانيا في أمور تونس بأن اتفقت‬
‫معها على أن تطلق إنجلترا يدها في قبرص مقابل عدم منافسة إنجلترا لفرنسا في‬
‫تونس‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 465 [ ‬‬

‫وانتهزت فرنسا فرصة عبور قبيلة تونسية إلى الجزائر ‪ ,‬وأرسلت جيشا إلى تونس‬
‫تمكن من هزيمة الباي محمد الصادق سنة )‪1298‬هس‪1881/‬م( وأرغمته على توقيع‬
‫معاهدة يعترف فيها بتحويل تونس إلى محمية فرنسية‪.‬‬
‫ثم اندلعت حركة الجهاد والمقاومة السلمية والوطنية التونسية سنة )‪1881‬م(‬
‫بتكوين حركة " الجامعة السلمية " التي لجأت إلى التنديد بالحتلل وإثارة المشاعر‬
‫الوطنية من منطلقات إسلمية وتحرك بعض العلماء من علماء مسجد الزيتونة للدعوة‬
‫للجهاد ‪ .‬وبالفعل تحرك الثوار من مراكز التجمعات القبلية في الجنوب ‪ ,‬وامتدت‬
‫الثورة إلى مدن القيروان وسوسة و قابس و زغوان و صفاقس ‪ ,‬وتمكن الثوار من‬
‫السيطرة التامة على جنوب البلد لكن فرنسا اتبعت أسلوب وحشيا في قمع الثورة‬
‫والتنكيل بالثوار ‪ .‬وفي سنة )‪1908‬م( " تأسس حزب تونس الفتاة " الذي طالب‬
‫بالدستور والتحم رجاله في معارك مع الفرنسيين سنة )‪1911‬م( لكن فرنسا قمعتهم‬
‫بوحشية‪.‬‬
‫وفي مارس سنة )‪1920‬م( تأسس " الحزب الحر الدستوري التونسي" الذي‬
‫تمكن من الستيلء على قيادة النضال ضد الستعمار الفرنسي دعائيا وسياسيا‬
‫واجتماعيا ‪ ,‬واستطاع تجنيد المثقفين والعمال ‪ ,‬حيث أبرمت فرنسا عه اتفاقية‬
‫استقلل تونس سنة )‪1956‬م(‪ .‬وبذلك سلمت تونس لعميلها الماكر )الحبيب بورقيبة(‬
‫الذي استطاع خداع العلماء ‪ ,‬بهوية إسلمية مزيفة ‪ ,‬ثم استعلن بهويته العلمانية‬
‫المارقة لما تمكن من المر‪ ,‬وجاهر بمحاربة التشريع السلمي والسير بتونس بسرعة‬
‫في طريق التغريب ونشر الفسوق ومسح الهوية الدينية ‪.‬‬
‫وفي مطلع الثمانينات هبت رياح الصحوة السلمية على تونس من المشرق ‪,‬‬
‫وأسس عدد من الدعاة )حركة التجاه السلمي( بزعامة الشيخ راشد الغنوشي ‪,‬‬
‫ودخلت الحركة معترك المنافسة السياسية السلمية ‪ ,‬ولكن بورقيبة قمع الحركة‬
‫وسجن شيوخها واستطاع تقسيم قيادتها واستمالة بعضهم ‪ .‬ثم دخلت الحركة‬
‫النتخابات العامة أواسط الثمانينيات ‪ ,‬وفازت بأكثرية أدهشت الوساط المختلفة‬
‫وضربت لها أجهزة النذار في أوربا ولسيما فرنسا ‪ .‬فقعت الحركة ‪ ,‬تابعت عملها‬
‫السياسي ‪ ,‬وكانت تعد لنقلب عسكري مفاجئ ‪ .‬ولكن البرنامج كشف ‪.‬‬
‫ثم رتب وزير داخليتها آنذاك ) زين العابدين بن علي( انقلبا أبيضا على عجل‬
‫بالترتيب مع المريكان تفاديا لنجاح انقلب السلميين ‪ .‬واستولى بذلك على‬
‫السلطة ‪ .‬وخسف بالسلميين وغيرهم وحكم تونس حكما ديكتاتوريا متابعا مسار‬
‫تغريب هذا البلد السلمي العريق ‪ .‬وتشردت الحركة السلمية وقياداتها في البلد‬
‫الوربية ‪ ,‬وطورد مؤيدوهم شر مطاردة ‪ .‬وصارت تونس إحدى ركائز السياسة‬
‫المريكية الستعمارية في العالم العربي ‪ .‬ثم أجرى فرعون تونس في أوكتوبر ‪2004‬‬
‫انتخابات هزلية لتجديد وليته ففاز بس ‪ %95.96‬في مشهد ديمقراطي يثير الغثيان ‪.‬‬

‫الجزائر‪:‬‬ ‫(‪(17‬‬
‫حكمت الدولة العثمانية الجزائر مثل باقي الدول العربية الخرى ‪ .‬واستمر حكمهم‬
‫زهاء ‪300‬سنة ‪ .‬وقد مر الحكم العثماني للجزائر بعدة بمراحل بدءا من عصر‬
‫)البالرباي ( من عام )‪1546‬م( إلى )الدايان (عام )‪1081‬هس‪1671/‬م( والذي انتهي‬
‫عام )‪ . (1930‬و في نفس الوقت كانت فرنسا تطمع في احتلل الجزائر‬
‫الستراتيجي ‪ ,‬خصوصا وأنها كانت تتمتع بامتيازات تجارية فيها منذ القرن السادس‬
‫عشر‪.‬‬
‫وفي سنة )‪1315‬هس ‪1801‬م( وقعت فرنسا مع الجزائر معاهدة تنص على حرية‬
‫التجارة بين الطرفين ‪ .‬وعجلت باحتلل الجزائر لتحول دون تغلغل النفوذ البريطاني‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 466 [ ‬‬

‫فيها ‪ ,‬و من أجل ذلك عقدت معاهدة سرية مع روسيا سنة )‪1223‬هس ‪1808/‬م(‬
‫حظيت فيها فرنسا بموافقة روسيا على احتلل الجزائر‪.‬‬
‫لكن انشغالها بمشكلتها الوروبية أجل الغزو حتى سنة )‪1245/1830‬م( ‪ .‬ثم‬
‫تذرعت فرنسا بمسألة تافهة مؤداها إهانة الداي حسين لقنصلها حين صفعه بمنشته‬
‫على وجهه لتتخذ من الحادثة ذريعة للغزو و الحتلل ‪.‬‬
‫و بالفعل أرسلت فرنسا أسطولها الذي حاصر سواحل الجزائر مدة ثلثة أعوام ‪.‬‬
‫وفي عام )‪1245‬هس‪1830/‬م( انتهزت فرنسا ضعف الدولة العثمانية وأرسلت حملة‬
‫عسكرية نجحت في الستيلء على الجزائر سنة )‪1245‬هس‪1830/‬م( بعد طرد الحامية‬
‫العثمانية منها ‪ .‬ثم تطورت حركة المقاومة الجزائرية المناهضة للحتلل بزعامة المير‬
‫عبد القادر الجزائري الذي التفت حوله القبائل وبايعته في وهران سنة )‪1832‬م( ‪ .‬كما‬
‫أيده رجال الصوفية واتفق الجميع على الجهاد‪.‬‬
‫ومن مدينة " المعسكر " في غرب الجزائر أخذ المير عبد القادر ‪ ,‬يغير على‬
‫الراضي الواقعة تحت الحتلل الفرنسي بعد أن فرض نفوذه على القاليم الغربية من‬
‫البلد ‪ .‬وقد انتصر الثوار على جيوش فرنسا في " معركة المقطع " سنة )‪1250‬هس‪/‬‬
‫‪1835‬م( ‪ .‬ثم لجأ إلى حرب العصابات ‪ ,‬وتمكن من إنزال هزائم متوالية بالفرنسيين ‪.‬‬
‫وفي مايو سنة )‪1252‬هس‪1837/‬م( عقد الفرنسيون معاهدة مع المير عبد القادر هي "‬
‫معاهدة تافنا " وفيها اعترفت فرنسا بسيادة المير عبد القادر على غربي الجزائر ‪,‬‬
‫كما اعترف هو بسلطة فرنسا على الراضي التي احتلتها‪.‬واستفاد المير من المعاهدة‬
‫التي أتاحت له تنظيم قواته وتحصين المدن والثغور ‪ ,‬كما اهتم بتنظيم شؤون دولته ‪.‬‬
‫ولما أخلت فرنسا بشروط المعاهدة وهاجمت الثوار ‪ ,‬تمكن المير عبد القادر من‬
‫الستيلء على المناطق المحيطة بمدينة الجزائر سنة )‪1255‬هس‪1840/‬م(‪.‬‬
‫فكان رد الفعل الفرنسي في الغارة على مدن غربي الجزائر ‪ ,‬فاستولت على‬
‫تلمسان و مستغانم وغيرها من المدن في إقليم وهران ‪ ,‬فاضطر المير عبد القادر‬
‫إلى الهرب إلى الصحراء‪ .‬وانتهى مصيره بالقبض عليه وسجنه في الجزائر سنة )‬
‫‪1268‬هس‪1852/‬م( ثم سمح له الفرنسيون بالخروج من الجزائر ‪ ,‬فتوجه إلى دمشق‬
‫لتكون منفى له ‪ ,‬وظل بها حتى وفاته )‪1300‬هس‪1883/‬م(‪.‬‬
‫ثم اتبعت فرنسا سياسة توطين الفرنسيين في الجزائر بعد نزع أملك الهالي‬
‫وأراضيهم ‪ ,‬وعمدت إلى إثارة الفرقة بين العرب والبربر في محاولة لطبع البلد‬
‫بالطابع الفرنسي و إلغاء هويتها العربية السلمية ‪.‬‬
‫ثم قيض الله للجزائر رجل فذا هو الشيخ )عبد الحميد بن باديس(‪ ,‬الذي أسس‬
‫)جمعية العلماء المسلمين ( ‪ ,‬التي حفظت بأعمالها التربوية والعلمية هوية الجزائر‬
‫السلمية وعروبتها ‪ ,‬وكونت الجيل الذي حمل لواء الثورة الكبرى التي انطلقت سنة )‬
‫‪ . (1954‬والتي استمرت إلى أن تحقق الستقلل سنة ) ‪ , (1963‬بعد أن دفعت‬
‫الجزائر أكثر من مليون نسمة من الضحايا والشهداء ‪.‬‬
‫ولكن الذي حصل أن فرنسا بدهائها ‪ ,‬بعد أن أيقنت أن استقرارها في الجزائر‬
‫مستحيل ‪ ,‬وأن الستقلل لبد حاصل ‪ ,‬اختارت العمل على أن يكون المر من بعدها‬
‫لثلة من التنظيمات والحزاب التي كان روادها قد تربوا على الفكار الوافدة من أوربا‬
‫ولسيما من التيارات القومية والشتراكية والليبرالية الغربية ‪ ,‬والتي كانت قد كونت‬
‫بمجموعها ما عرف باسم )جبهة التحرير الوطني ( التي بدأ نفوذ السلميين فيها‬
‫يتضاءل مع الوقت ‪ .‬وهكذا حددت فرنسا من سيخلفها على الجزائر ‪ ,‬وقيدتهم ببنود‬
‫اتفاقية )إيفيان( ‪ .‬وقال الرئيس الفرنسي ديغول أيامها‪:‬‬
‫) يريدون استقلل الجزائر؟ حسنا ! سنعطيهم إياها ونستردها بعد ثلثين سنة ! (‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 467 [ ‬‬

‫واستقلت الجزائر ‪ ,‬وآلت رآستها إلى )هواري بومدين (‪ ,‬وكان قوميا عربيا ‪,‬‬
‫ويساريا قريبا من الفكر الشيوعي‪ ,..‬وسارت الجزائر في عهده الطاغوتي البوليسي‬
‫إلى الفلس والهاوية ‪ .‬وازداد نفوذ العسكر من أعضاء ) حزب جبهة التحرير الوطني (‬
‫الذين كان العديد منهم يحمل الجنسية الفرنسية ‪ ,‬وأصبح هذا الحزب منذ ذلك الوقت‬
‫حزب السلطة الحاكمة الوحد ‪ .‬وتولى هذا التيار الذي عرف ) بالتيار الفرانكفوني (‬
‫مهمة حرب السلم وتصفية السلميين في الجزائر‪.‬‬
‫وبعد هلك بومدين خلفه الرئيس )الشاذلي بن جديد( ‪ ,‬واستمر )حزب جبهة‬
‫التحرير( في سياسة الحزب الواحد ‪ ,‬وزاد الشاذلي على سيئات سلفه سياسة العودة‬
‫إلى أحضان فرنسا ‪,‬حيث كان بومدين عربيا ويساريا قوميا معاديا لفرنسا ‪ .‬وهكذا‬
‫ازداد نفوذ التيار الفرانكفوني وكبار العسكر المتنفذين ‪.‬‬
‫وازدادت أحوال الجزائر سوءا وإفلسا رغم أنها واحدة من كبريات الدول المصدرة‬
‫للنفط والغاز في العالم‪..‬‬
‫وفي مطلع السبعينيات ‪ ,‬نهض الشيخ ) مصطفى بويعلي ( ‪ ,‬يطالب حكومة‬
‫الشاذلي بوقف زحف الفساد ‪ ,‬وبالعودة بالبلد إلى أصالتها السلمية ويذكرهم بمبادئ‬
‫ثورة ‪1954‬التي رفعت شعار السلم والجهاد ‪ ,‬حيث كان الشيخ أحد المجاهدين الذين‬
‫شاركوا فيها ‪ .‬ثم ما لبث الشيخ ) بويعلي( أن أعلن الجهاد وأسس )حركة الدولة‬
‫السلمية (‪ .‬وحمل السلح وصعد الجبال في ثلة من أنصاره يجاهدون النظام‬
‫الجزائري‪ .‬ثم تمكنت الحكومة في سنة ‪ 1976‬من قتله رحمه الله ‪ ,‬واعتقلت العديد‬
‫من أنصاره وساقتهم إلى السجون ‪.‬‬
‫وفي أواخر الثمانينات بلغت الزمة القتصادية في الجزائر مداها ‪ ,‬وانفجر الشعب‬
‫الجزائري في ثورة تظاهرات عامة عرفت بس ) مظاهرات الخبز(‪ ,..‬وأدرك النظام‬
‫الجزائري ورئيسه الشاذلي أنه لبد من إحداث تغير جذري في الوضاع ‪ ,‬فأعلن‬
‫الشاذلي سنة )‪ (1988‬سلسلة من الصلحات الشاملة كان من أهمها ‪ ,‬إنهاء سياسة‬
‫الحزب الواحد ‪ ,‬وإطلق المسار الديمقراطي وحرية تشكيل الحزاب السياسية‪.‬‬
‫وهكذا أقبل الجزائريون بحماس على تشكيل الحزاب وإنشاء الصحف ‪ ,‬وازدهرت‬
‫الحركة السياسية ‪ .‬وكان في طليعة الذين تحركوا بحماس في هذه الفسحة من‬
‫الحرية ‪ ,‬مختلف مكونات الصحوة السلمية في الجزائر والتي كانت تشهد ازدهارا‬
‫مكبوتا منذ أواسط السبعينيات ‪ ,‬شأنها في ذلك شأن باقي البلد العربية والسلمية‬
‫التي كانت تشهد صحوة إسلمية عارمة‪ ,‬بعد أن بدأ يتبدى إفلس سراب الفكار‬
‫القومية واليسارية التي ازدهرت خلل الخمسينيات والستينيات ‪.‬‬
‫وهكذا أعلن الشاذلي عن إجراء انتخابات بلدية )‪ , (1988‬تتبعها انتخابات برلمانية‬
‫سنة )‪ (1989‬من أجل بدء المسار الديمقراطي في الجزائر ‪ .‬وبدأت الحزاب‬
‫المتنوعة استعدادها لخوض تلك التجربة ‪.‬‬
‫تكونت الساحة السياسية في الجزائر إبان النتخابات سنة )‪ (1989‬من ثلث‬
‫محور ‪ ,‬هي‪:‬‬
‫‪ -1‬حزب السلطة وهو حزب ) جبهة التحرير الوطني (‪ ,‬الذي حكم الجزائر منذ‬
‫الستقلل بطريقة بوليسية وانفرد بالسلطة ربع قرن من الزمن ‪.‬‬
‫‪ -2‬قوى الصحوة السلمية ‪.‬‬
‫‪ -3‬الحزاب العلمانية التي شكلت آنذاك‪.‬‬
‫وكانت الجبهة السلمية للنقاذ أقوى التكتلت السلمية وتزعمها الشيخ )عباسي‬
‫مدني( ‪ ,‬وبرز إلى جانبه الشيخ )علي بلحاج( ‪ ,‬أحد دعاة التيار السلفي ‪ .‬وتكونت‬
‫الجبهة من خليط من مدارس الصحوة و قياداتها والتنظيمات السلمية والدعاة‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 468 [ ‬‬

‫المستقلين ‪ ..‬بالضافة لقواعد عريضة من عوام المسلمين الذين آمنوا بعموميات‬


‫مشروع السلم السياسي ‪ .‬وأما القوى العلمانية الناشئة بعد حرية الحزاب‪:‬‬
‫فقد تعددت تلك القوى والحزاب ‪ ,‬بعد أن أطلقت الحريات ‪ ,‬ولكن أبرز تلك‬
‫القوى بحسب ما أثبتته النتخابات التالية كانت ‪:‬‬
‫‪ -‬أول‪ :‬حزب جبهة القوى الشتراكية ‪ :‬وهو حزب ينتشر في منطقة القبائل‬
‫ويحمل فكرا غربيا ليبراليا ‪ ,‬وقد تزعمه ( آيت أحمد( ‪ .‬وقد سير المظاهرات بعد فوز‬
‫النقاذ يبدد بها ويخوف الحكومة والغرب من زحف الصولية ‪.‬‬
‫‪ -‬ثانيا‪:‬حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية ‪ :‬وهو حزب شديد العداء‬
‫للسلميين ينادي بالحل الستئصالي لهم ‪ .‬وقد وتزعمه ) سعيد سعدي( ‪.‬‬
‫‪ -‬ثالثا‪ :‬الحزب الشيوعي ‪ :‬وتزعمته ) لويزا حنون( ‪.‬تبنت الطرح الديمقراطي‪.‬‬
‫ومع انصرام النتخابات البلدية ‪ ,‬تبين أن الجهة السلمية للنقاذ ‪ ,‬قد سحقت أقوى‬
‫الحزاب السياسية العلمانية في الجزائر ‪ ,‬وهو حزب السلطة ! ) حزب جبهة التحرير‬
‫الوطني( ‪ ,‬وأن الحزاب العلمانية حديثة التشكيل لم تحصل إل على الفتات ‪.‬‬
‫وتولت بذلك جبهة النقاذ معظم بلديات الجزائر ‪ ,‬وبدأ عناصرها في خدمة الناس‬
‫بروح طيبة وإخلص افتقدتها الجزائر منذ عهود طويلة ‪ ,‬مما رفع في أسهم الجبهة‬
‫شعبيا وأهلها للنصر التالي ‪ .‬وهو النتخابات التشريعية )البرلمانية(‪ .‬وتمخض الدور‬
‫الول فيها عن فوز الجبهة بأغلبية ساحقة من دورها الول ‪ ,‬وبدا أن ذلك سيمكنها‬
‫خلل الشوط الثاني من الدورة الكمالية من الغلبية الساحقة ‪,‬التي تأهلها لتشكيل‬
‫الحكومة منفردة ‪ ,‬و الترشح بذلك لرئاسة الدولة !!‬
‫وضربت نواقيس الخطر في مشارق الرض ومغاربها ‪ ..‬وأعلنت الدول الصليبية‬
‫الكبرى عن استعدادها للتدخل لقطع الطريق على السلميين من الوصول للسلطة‪.‬‬
‫بل صرح )فرانسوا ميتران(‪ ,‬الرئيس الفرنسي في حينها ‪ ,‬أن فرنسا على استعداد‬
‫للتدخل العسكري للحيلولة دون وصول السلميين للسلطة ‪ .‬وكان الحل الوحيد‬
‫أمامهم هو إحداث إنقلب عسكري مدعوم من قبل الغرب ولسيما فرنسا لقطع‬
‫الطريق على السلميين من أن يصلوا لحكم الجزائر ‪.‬‬
‫وحصل النقلب ‪ .‬وجاء العسكر بجنرال سابق هو )محمد بوضياف ( ليتولى رآسة‬
‫الدولة ‪ .‬واعتقلت قيادات الجبهة السلمية للنقاذ وأودعت السجون ‪ ,‬وقمعت‬
‫المظاهرات بالعنف ‪ ,‬وفتح النظام العسكري الذي استولى على السلطة وسحق‬
‫الديمقراطية بدعم من الغرب المنافق ‪ ,‬فتح العديد من السجون الصحراوية لعشرات‬
‫آلف المعتقلين من السلميين ‪ ..‬وكان هذا سبب بداية النتفاضة الجهادية المعاصرة‬
‫في الجزائر‪ ,‬وبداية لفصل دموي فيها لم تنته ذيوله إلى الن ‪ .‬فصل كبد ذلك البلد‬
‫الحبيب إلى الن زهاء ربع مليون ضحية من المسلمين البرياء ‪ .‬ورحبت فرنسا‬
‫والغرب بالنقلبيين الذين خططوا لهم ودعموهم ‪ ,‬لينقضوا معهم على نتائج هذه‬
‫الكذبة الكبرى التي يسمونها ) ديمقراطية (‪ ] .‬وقد كتبت في تفاصيل هذه الحداث‬
‫كتابا فيه تفصيل عنها بعنوان ) شهادتي في أحداث الجهاد في الجزائر ‪( 1996 -1989‬‬
‫لمن أراد استزادة في التفاصيل [‪.‬‬
‫ويرأس الجزائر حاليا الرئيس ) عبد العزيز بوتفليقة ( ‪ ,‬وقد فاز بتأييد شعبي كاسح‬
‫في النتخابات الرئاسية ‪ ,‬معتمدا على مشروع مصالحة وطنية تبناه لنهاء إرهاصات‬
‫تلك الحداث ‪ .‬وقد بناه على مشروع قانون ) الوئام المدني ( الذي طرحه سلفه‬
‫والذي يقضي بالعفو عن المسلحين الذين يسلمون أنفسهم للسلطات ‪.‬‬
‫وتشهد الجزائر التي عرفت بروابطها المتينة مع فرنسا ‪ ,‬في عهد بوتفليقة ‪ ,‬تزايدا‬
‫في روابطها مع أمريكا ‪ .‬التي اعتبرتها من الحلفاء المفضلين لديها في مكافحة‬
‫الرهاب ‪ ,‬حيث يعلن بوش رضاه بين الحين والخر عن سياسات بوتفليقة في تصفية‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 469 [ ‬‬

‫التيارات الصولية وحصارها ‪ .‬وما تزال أحداث الجزائر مستمرة وإن كانت حدتها قد‬
‫خفت بعد القضاء على الجماعات المسلحة التي انحرف كثير منها عن جادة الصواب‬
‫بفعل اختراق المخابرات لها ووقعت في استهداف البرياء مما أفقدها شعبيتها وأوردها‬
‫دروب الهزيمة و التشرذم ‪.‬وأسأل الله أن يقيض لهذا البلد الحبيب أمر رشد يعز فيه‬
‫أهل طاعته ويذل فيه أهل معصيته ‪.‬إنه على ذلك قدير ‪.‬‬

‫المغرب ‪:‬‬ ‫(‪(18‬‬


‫ظلت مراكش مستقلة عن العثمانيين وإن قامت بينهما علقات التعاون وتبادل‬
‫المنافع بين حين وآخر ‪ .‬وكذلك بقيت مناهضة لطماع أسبانيا والبرتغال حتى أوائل‬
‫القرن العشرين ‪ .‬وبعد احتلل فرنسا الجزائر سنة )‪1830‬م( وتونس )‪1881‬م(‬
‫توجهت بأنظارها نحو المغرب القصى الذي كانت تحكمه دولة الشراف العلويين ‪.‬‬
‫وفي نفس الوقت كانت أسبانيا تطمع في احتلل البلد ‪ .‬وأما فرنسا فقد عقدت مع‬
‫إنجلترا " التفاق الودي" سنة )‪1904‬م( الذي أتاح لها موافقة بريطانيا على احتلل‬
‫المغرب القصى‪.‬‬
‫وفي مؤتمر الجزيرة سنة )‪1906‬م( تقرر إقامة نظام دولي خاص في طنجة ‪ ,‬كما‬
‫تقرر إطلق يد أسبانيا وفرنسا لبث نفوذها في المغرب ‪ .‬وبينما نجحت أسبانيا في‬
‫الستيلء على منطقة "الريف" في الشمال ‪ ,‬وجهت فرنسا حملة على المغرب‬
‫القصى سنة )‪1907‬م( مقابل إطلق فرنسا يد إنجلترا للعمل في مصر ‪ .‬فاحتلت‬
‫مدينتي الدار البيضاء و"وجدة" ‪ ,‬ثم استولت على مدينة فاس سنة )‪1329‬هس‪/‬‬
‫‪1911‬م(‪.‬‬
‫وفي سنة )‪1912‬م( أرغمت فرنسا السلطان عبد الحفيظ على توقيع معاهدة‬
‫الحماية على البلد ‪ .‬ولما احتجت أسبانيا على ذلك جرت مفاوضات بينها وبين فرنسا ‪,‬‬
‫انتهت بتوقيع معاهدة تقسيم المغرب إلى منطقتين منفصلين‪ :‬إحداهما لفرنسا ‪,‬‬
‫والخرى لسبانيا ‪ ,‬بينما تظل طنجة منطقة دولية‪.‬‬
‫ثم عملت فرنسا على محو شخصية المغرب العربية السلمية بفضل جهود ممثلها‬
‫في المغرب "الجنرال ليوتي" المقيم العام الذي جمع في يده السلطان السياسية‬
‫والعسكرية والدارية والمالية ‪ ,‬والذي سمح للمهاجرين الفرنسيين بالستيطان في‬
‫المغرب القصى‪ .‬واندلعت حركت الجهاد والمقاومة الوطنية على إثر ذلك فقامت‬
‫ثورة في فاس سنة )‪1912‬م( ما لبثت أن انتشرت في المناطق المجاورة ‪ ,‬فقمعتها‬
‫فرنسا بوحشية وقسوة‪.‬‬
‫ثم قامت ثورة أخرى من قبل قبائل البربر وسكان الشاوية وضرب الثوار الحصار‬
‫حول فاس ‪ ,‬لكن " ليوتي" استخدم المدفعية في ضرب الثوار وإفشال الحصار‪.‬‬
‫ثم تركزت المقاومة في منطقة الطلس المتوسط ونجح الثوار في الستيلء على‬
‫مراكش وأغادير سنة )‪1912‬م( ‪ ,‬لكن الفرنسيين قمعوا الثورة واستولوا على‬
‫المدينتين وأمنوا المواصلت بين فاس ومكناس والرباط ‪.‬‬
‫عندئذ اعتصم الثوار بالجبال وحققوا الستقلل بها حتى عام )‪1934‬م(‪.‬‬
‫أما عن المقاومة الوطنية في منطقة الريف فقد قادها عبد الكريم الخطابي سنة‬
‫)‪1921‬م( وظلت مستقلة حتى سنة )‪1926‬م(‪.‬‬
‫وقد انتصر الثوار في عدة معارك مثر "أبران" و "إغرين" على السبان وتمكنوا‬
‫من هزيمتهم وقتل قائدهم في معركة "أنوال" الشهيرة التي هزم فيها الخطابي‬
‫جيوش خمس دول أوربية من الفرنسيين والسبان ومن عاونهم ‪ ,‬وقتل اللف منهم‬
‫وأسر عشرة آلف من الجنود فيهم زهاء ‪100‬جنرال و ‪ 5‬ماريشالت ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 470 [ ‬‬

‫وبويع الخطابي من قبل الثوار ليكون "أمير الريف" فحكم الشريعة السلمية‬
‫وأرسل الشرطة والقضاة والفقهاء يعلمون الناس دينهم في قراهم المتناثرة وسط‬
‫الجبال ‪ .‬وأدركت فرنسا خطر انتصارات الخطابي فتدخلت بمساعدة السبان ‪,‬‬
‫ونجحت القوات الفرنسية بمساعدة البحرية السبانية في هزيمة الثوار ‪ ,‬وضرب‬
‫هزم الخطابي ونفي إلى‬ ‫الطيران السباني القرى والسكان بالغازات السامة !! و ُ‬
‫فرنسا ‪ ,‬ولكن أعوانه هربوا به في الطريق ‪ ,‬ولجأ إلى مصر حيث ظل فيها هذا الشيخ‬
‫البطل إلى حين وفاته سنة )‪1963‬م(‪ .‬رحمه الله رحمة واسعة ‪ .‬ومع ذلك استمرت‬
‫المقاومة ضد الفرنسيين والسبان ‪ .‬ففي عام )‪1934‬م( تشكل أول تنظيم سياسي‬
‫في المغرب باسم " كتلة العمل الوطني المغربية " من أجل تحرير البلد‪.‬ثم تأسس "‬
‫الحزب الوطني " وازدادت الحركة الوطنية اشتعال بتولي محمد بن يوسف الحكم‬
‫وتأييده للثوار ومساعدتهم ‪ .‬كما تأسس " حزب الستقلل " سنة )‪1358‬هس‪1940/‬م(‬
‫واندلعت حركة المقاومة في كل أرجاء المغرب ‪ ,‬وفي سنة )‪1947‬م( خطب‬
‫السلطان محمد بن يوسف في طنجة خطبة حماسية طالب فيها بالحرية والسيادة‬
‫ووحدة البلد‪ .‬المر الذي ألهب حماس الثوار الذين ظلوا يتعاونون مع السلطان حتى‬
‫نال المغرب استقلله ووحدته سنة )‪1956‬م( ‪.‬‬
‫ثم حكم المغرب بعد ذلك الملك الحسن الثاني بن محمد الخامس ‪ ,‬مدة طويلة ‪,‬‬
‫وكان فرعونا ظالما وديكتاتورا طاغية ‪ ,‬فقتل كل من ناوأه من كل اتجاه ومشرب من‬
‫السلميين وحتى الشيوعيين وما بينهما من الفكار ‪ .‬ومل سجونه الشهيرة المرعبة‬
‫بالسجناء الذين قضى الكثيرون منهم تحت سياط الجلدين وأجهزة التعذيب‬
‫المستوردة من أوربا ! كما أحاط الملك نفسه بأجهزة أمنية كثيرة ومجرمة ‪ ,‬و سّيج‬
‫ملكه بطبقة كثيفة من علماء السلطان وفقهاء القصر من المغاربة الذين يركعون‬
‫ويسجدون له بدعوى سجود الملئكة لدم عليه السلم ! بل استورد الملك علماء‬
‫السلطان من أصقاع الدنيا من بلد العرب والعجم ‪ .‬واشتهرت المغرب في عهده‬
‫بالفقر والبطالة والفساد وانتشار المخدرات والدعارة والمجون والنحلل الجتماعي‬
‫في كثير من طبقات الناس ‪ ,‬وكان الملك في طليعة الزناة المشاهير والفاسدين‬
‫المعروفين حتى قيل أن الممثلة الفرنسية الشهيرة ) بريجيت باردو ( ذكرت خبر‬
‫لياليها الحمراء معه في مذكراتها ! كما حاز الملك )الخنفوس ( ‪ -‬كما كان يسميه‬
‫) الشيخ عبد الحميد كشك( رحمه الله ‪ -‬على عدة جوائز من دور الزياء العالمية كملك‬
‫للناقة !! فيما يموت أكثر شعبه من الفاقة والعوز ‪ ,‬ويرمي شبابه بأنفسهم في براثن‬
‫الموت في مراكب الهجرة غير الشرعية بحثا عن العمل في شواطئ أوربا ! ‪ .‬ولكن‬
‫صحوة إسلمية متعددة المشارب من الصوفية إلى السلفية إلى الجهادية ‪ ,‬إلى‬
‫السياسية وقفت لذلك الفساد بالمرصاد ‪ ,‬ولقت من الملك العنت والبطش والتضييق‬
‫بحسب جدية مواجهتها له ‪.‬‬
‫ثم هلك الملك سنة ‪ , 2002‬ليخلفه الملك الحالي ) محمد السادس ( نسخة عفنة‬
‫عن أبيه ‪ .‬حيث دخلت المغرب في فلك أمريكا أيضا كغيرها وصارت أجهزة أمنها كتيبة‬
‫في الهجمة المريكية لحرب المسلمين فيما عرف بمكافحة الرهاب ‪ .‬أسأل الله له‬
‫ولمثاله من فراعنة بلد المسلمين دعوة سيدنا نوح عليه السلم ‪:‬‬
‫ضّلوا ِ‬
‫عَباد َ َ‬ ‫ن د َّيارا * إ ِن ّ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫‪ ‬وََقا َ‬
‫ك‬ ‫ن ت َذ َْرهُ ْ‬
‫م يُ ِ‬ ‫ك إِ ْ‬ ‫ري َ‬‫كافِ ِ‬ ‫م َ‬‫ض ِ‬ ‫ب ل ت َذ َْر عَلى الْر ِ‬‫ح َر ّ‬
‫ل ُنو ٌ‬
‫ً‬
‫فارا‪) ‬نوح‪. (26 / 27 :‬‬
‫ً‬
‫جرا ك َ ّ‬ ‫ّ‬
‫دوا إ ِل َفا ِ‬
‫َول ي َل ِ ُ‬

‫موريتانيا‪:‬‬ ‫)‪(19‬‬
‫تقع جنوب المملكة المغربية الحالية وقد دخلها السلم بعد فتح العرب بلد‬
‫المغرب أواخر القرن الول الهجري ‪ ,‬وأطلقوا على المنطقة اسم )شنقيط( وكانت‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 471 [ ‬‬

‫هذه المنطقة تتبع الدول المغربية مثل دولة الموحدين ودولة الحفصيين ودولة‬
‫السعديين والدولة العلوية‪.‬‬
‫تعرضت المنطقة لغارات البرتغاليين الذين أسسوا بها مراكز لتجارة الصمغ‬
‫والذهب والرقيق ‪ ,‬ثم تلهم السبان بعد قرنين ثم تلهم الفرنسيون فالهولنديون‪.‬‬
‫وفي سنة )‪1901‬م( أرسلت فرنسا حملة لحتلل البلد أقنع قائدها المراء‬
‫المحليين بطلب الحماية الفرنسية ‪ ,‬ولما احتلت فرنسا مراكش – المملكة المغربية‬
‫حاليا – خضعت البلد جميعها للحتلل الفرنسي الذي أطلق عليها اسم ) موريتانيا(‪.‬‬
‫واتبع الفرنسيون سياسة التفرقة بين المسلمين البيض والزنوج وحاربوا اللغة‬
‫العربية وحاولوا نشر الثقافة الفرنسية ‪ .‬لكن حركة الجهاد المقاومة للحتلل تفجرت‬
‫عام )‪1908‬م(‪ ,‬واستمرت حتى عام )‪1934‬م( مطالبة بالستقلل‪.‬‬
‫ثم تشكل حزبان أساسيان تصديا للستعمار الفرنسي هما ‪ ) ,‬حزب التحاد‬
‫الوطني( و )حزب منظمة الشباب ( ثم اندمجا في حزب واحد سنة )‪1948‬م( هو‬
‫)حزب التفاهم الموريتاني( ثم انشق على نفسه ‪ ,‬وأخيرا ثم التحاد سنة )‪1958‬م(‬
‫تحت اسم ) حزب التجمع الموريتاني( الذي تبنى قضية التحرير والستقلل‪.‬‬
‫وفي عهد )ديجول( أصدر لهم دستورا قبلته موريتانيا مرغمة وأصبحت بمقتضاه‬
‫عضوا في الجامعة الفرنسية ‪ .‬وفي سنة )‪1959‬م( فاز حزب التجمع الموريتاني في‬
‫النتخابات وشكل رئيسه المختار ولد داده الوزارة وأصبح الحزب الحاكم في البلد‪.‬‬
‫ثم نشأ حزب جديد يدعو إلى الستقلل التام و النضمام إلى المغرب هو ) حزب‬
‫النهضة( ‪.‬وفي سنة )‪1960‬م( أحرزت موريتانيا استقللها وأصبحت عضوا في المم‬
‫المتحدة كما قبلت عضوا في الجامعة العربية سنة )‪1973‬م( ‪.‬‬
‫وفي سنة )‪1978‬م( ‪ ,‬قام انقلب في موريتانيا بزعامة محمد السالك ولكنه لم‬
‫يستمر في الحكم طويل فقد أطاح انقلب آخر به ‪ ,‬ثم لحقته عدة انقلبات أدت إلى‬
‫عدم استقرار أحوال البلد خصوصا بعد تعرضها لمشكلت اقتصادية وسياسية مع‬
‫جارتها )السنغال(‪.‬‬
‫وآل المر أخيرا عبر انقلب عسكري منذ نحو عشرين سنة إلى الرئيس الحالي‬
‫)معاوية ولد سيدي أحمد الطايع ( ‪ .‬فحكم البلد حكما عسكريا استخباراتيا ‪ ,‬و أوصلها‬
‫لقعر الزمات والفقر والفساد ‪ .‬ولكن القفزة الجديدة التي أحدثها هذا الطاغوت هي‬
‫النفتاح على أمريكا وإسرائيل ‪ ,‬حتى وصل المر به لقامة علقات دبلوماسية كاملة‬
‫مع تل أبيب ‪ ,‬وافتتح سفارة للعدو الصهيوني في نواكشوط العاصمة !‬
‫وقد قامت عليه عدة انتفاضات شعبية وانقلبات عسكرية قمعها كلها بالحديد‬
‫والنار ‪ ,‬ومازال يجثم على صدور المسلمين في موريتانيا قبحه الله وأهلكه وأمثاله من‬
‫فراعنة بلد المسلمين ‪.‬‬

‫اريتريا ‪:‬‬ ‫(‪(20‬‬


‫ليس تحت يدي الن ما يكفيني من المعلومات لكتابة ملخص واف عن هذا القليم‬
‫المسلم ‪ ,‬ولكن الذي أذكره من معلوماتي العامة ‪ ,‬أنها كانت تخضع للحتلل الثيوبي )‬
‫الحبشة (‪ ,‬منذ زمن بعيد ‪ ,‬وقد ذاق المسلمون في عهد إمبراطورها ) هيل سي‬
‫لسي ( صنوف العذاب ‪ ,‬وقامت فيها منذ عشرات السنين ثورات جهادية للتخلص من‬
‫حكم الحباش وتحصيل الستقلل عنهم ‪ .‬ثم حصل انقلب شيوعي في إثيوبيا ‪ ,‬ولكن‬
‫اريتريا بقيت تعاني نفس البلء تحت حكمهم واستمرت الثورات الجهادية المسلحة ‪.‬‬
‫ثم تسللت المنظمات التنصيرية إلى إثيوبيا وأنشأت أجهزة الستخبارات المختلفة‬
‫كيانات ثورية وسياسية تقوم على عقائد علمانية ويسارية ونصرانية ‪ ,‬تطالب أيضا‬
‫باستقلل إثيوبيا ‪ ,‬وتقاتل الحباش ‪ .‬وقد لقى الثوار الرتريون مختلف أشكال الدعم‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 472 [ ‬‬

‫من البلد والنظمة العربية ‪ ,‬إلى أن تحقق استقللها ‪ .‬ولكن الحكم آل فيها إلى‬
‫المدعو ) أسياسي أفورقي ( فقلب ظهر المجن للعرب وتنكر لعروبة إريتريا بل و‬
‫لسلميتها ‪ ,‬واتبع سياسة انفتاح على الغرب وعلى إسرائيل التي كثفت حضورها في‬
‫البحر الحمر مقابل سواحل الحرم المكي ‪ ,‬و تحكمه بمضيق باب المندب ! ‪,‬وتابع‬
‫المجاهدون المسلمون قتالهم ولكن ضد حكومة بلدهم هذه المرة ‪ ,‬وفي إريتريا اليوم‬
‫عدد من المنظمات السلمية المسلحة العاملة في ظروف صعبة من العزلة والعوز‪,‬‬
‫حتى صارت قضية شبه منسية من العرب والمسلمين فيما تعيث المنظمات التنصيرية‬
‫والموساد السرائيلي فيها فسادا ‪ ,‬وحسبنا الله ونعم الوكيل ‪.‬‬

‫(‪ -(22‬الصومال وجيبوتي ‪:‬‬ ‫(‪(21‬‬


‫وتحتل موقعا استراتيجيا يعرف بالقرن الفريقي في مقابلة سواحل اليمن وجزيرة‬
‫العرب ‪.‬وقد هاجرت إليها منذ أزمنة سحيقة قبائل العرب واختلطت بالفارقة ‪ .‬وكانت‬
‫على علقة تجارية بالعرب منذ عصور ما قبل السلم ‪ .‬وبعد ظهور السلم ‪,‬‬
‫واستمرت هذه العلقات ‪ ,‬ثم وهاجرت قبائل عربية في القرن الرابع الهجري إلى‬
‫شرقي إفريقية وأسست مدنا تجارية مثل مقديشو و براوة ونقلت معها السلم‬
‫والحضارة العربية‪ ,‬واختلط العرب بسكان السواحل من قبائل البانتو فامتزجت الدماء‬
‫وتكون الشعب السواحلي الذي يتكلم اللغة الساحلية ‪ ,‬ثم خضعت المنطقة للستعمار‬
‫البرتغالي بعد اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح سنة )‪1498‬م(‪ .‬ولما استقر‬
‫العثمانيون في عدن أغاروا على البرتغاليين بمساعدة العناصر العربية ‪ ,‬ففي سنة )‬
‫‪1586‬م( تمكنوا من إلحاق مقديشو بالدولة العثمانية‪.‬‬
‫عمان أرسلت أسطول بحريا إلى ساحل إفريقية‬ ‫ولما قامت )دولة اليعاربة ( في ُ‬
‫الشرقي سنة )‪1698‬م( تمكن من بسط سيادة العمانيين على البلد باستثناء‬
‫مستعمرة موزنبيق‪.‬‬
‫وفي عهد دولة بوسعيد العمانية سقطت ) ملبسة ( في يد السلطان سعيد بن‬
‫سلطان سنة )‪1837‬م( ‪ ,‬بل إنه نقل عاصمته من مسقط إلى زنجبار‪.‬‬
‫ونظرا لقيام الصراع بين أفراد أسرة البوسعيديين تدخلت بريطانيا في شؤون‬
‫الصومال ‪ ,‬كما تدخلت فرنسا ‪ ,‬وبريطانيا و إثيوبيا وكينيا لدعم نفوذهم في البلد‪.‬‬
‫ثم تمكنت فرنسا من وضع يدها على منطقة قريبة من مضيق باب المندب عرفت‬
‫بالصومال الفرنسي ‪ ,‬وكذلك إنجلترا على منطقة أخرى عرفت بالصومال البريطاني‬
‫وإيطاليا على ثالثة عرفت بسالصومال اليطالي ‪.‬‬
‫ثم اندلعت الحركة الوطنية الصومالية أواخر القرن التاسع عشر وأرغمت بريطانيا‬
‫على إخلء المناطق الداخلية من الصومال البريطاني‪.‬‬
‫ثم تعاظمت حركة المقاومة ضد الفرنسيين والبريطانيين واليطاليين مطالبة‬
‫باستقلل الصومال وتحقيق وحدته‪.‬‬
‫وقد تحقق تحرير الصومال اليطالي سنة )‪1960‬م( بعد صدور قرار هيئة المم‬
‫المتحدة سنة )‪1959‬م( كما تحقق تحرير الصومال البريطاني في نفس العام ثم اتحد‬
‫القليمان في جمهورية واحدة عرفت باسم )جمهورية الصومال( سنة )‪1960‬م( أما‬
‫الصومال الفرنسي فلم يحرز الستقلل إل في عام )‪1977‬م( ‪ ,‬وتسمى باسم‬
‫)جهورية جيبوتي(‪.‬‬
‫والتحقت الدولتان بالجامعة العربية ‪.‬‬
‫قد حكم الصومال لفترة طويلة طاغوت عنيد هو ) محمد سياد بري ( ‪ ,‬ولكنه لما‬
‫هلك أواخر الثمانينيات‪ ,‬تفتت الصومال في صراع قبلي نظرا لتجذر الصراع القبلي‬
‫فيها وتعقده وتشابكه ‪ .‬مما أتاح المجال مطلع التسعينيات للتدخل المريكي ‪ ,‬فرست‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 473 [ ‬‬

‫البوارج المريكية على شواطئ الصومال ‪ ,‬ولكنها سرعان ما غاصت في رمالها‬


‫وأوحالها ‪ ,‬وتصدت لها القبائل والمجاهدون ‪ ,‬وبدأت نذر فيتنام صومالية تلوح أمام‬
‫المريكان ‪ ,‬ففروا على عجل ل يلوون على شيء ومل زال الصومال متفتتا في حالة‬
‫استقرار حرج يندلع فيه القتال بين الفينة والخرى ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 474 [ ‬‬

‫ثانيا ‪ :‬أحوال بعض دول العالم السلمي‪:‬‬


‫تركيا ‪:‬‬ ‫‪.1‬‬
‫حكم مصطفى كمال أتاتورك لتركيا ( ‪: ( 1938 -1924‬‬
‫يكاد المتتابع لتاريخ مصطفى كمال ‪ ,‬يجزم أن هذه الرجل حكم تركيا وحسسده حكمسسا‬
‫مطلقسسا ل ينسسازعه فيسسه أحسسد ‪ ,‬حكمسسا دكتاتوريسسا يقسسوم علسسى السسسحق و البسسادة والسسدماء‬
‫والشلء‪.‬‬
‫فقد أعلسن الجمهوريسة بعسد مسؤامرة حاكهسا مسع أصسحابه وكسان يسرى وجسوب اقتلع‬
‫سيطرة الدين من تركيا ‪ ,‬ثسسم ألغسسى الخلفسسة وأقسسر قانونسسا يقضسسي اعتبسسار كسسل معارضسسة‬
‫للجمهورية وكل ميل إلى السلطان المخلوع خيانة يعاقب عليها بالموت‪.‬‬
‫وفي )‪ (3‬مسسارس سسسنة )‪1924‬م( تقسسدم بمشسسروع إلغسساء الخلفسسة وطسسرد الخليفسسة ‪,‬‬
‫وفصل الدين عن الدولة وإلغاء المحاكم الدينية العتيقة وقوانينهسسا ليحسسل محلهسسا محسساكم‬
‫وقوانين عصرية ‪ ,‬وإلغاء المدارس الدينية ليحل مكانها مدارس حكومية علمانية‪.‬‬
‫وفي اليوم الثاني أصدر أمرا بطسرد الخليفسة وجميسع المسراء والميسرات مسن تركيسا‬
‫حلوا خارج البلد‪.‬‬
‫ور ّ‬
‫بعد أن تخلص من خصومه واصل تدميره للسسسلم والبلد ‪ .‬ففسسرض القبعسسة – السستي‬
‫كانت رمز الكفسر فسي نظسر التسراك – فعارضسها التسراك ‪ ,‬فنصسب لهسم المشسانق فسي‬
‫ميادين المدن‪.‬‬
‫ثسسم اسسستورد القسسوانين الوضسسعية الوروبيسسة ‪ ,‬فاسسستدعى الخسسبراء ليضسسعوا القسسوانين‬
‫الجنائية والمدنية والتجارية المأخوذة من القوانين اليطالية والسويسرية واللمانية ‪.‬‬
‫ثم ألغى الحروف العربية التي يكتب بها التراك والتي كتب بهسسا السستراث السسسلمي‬
‫كله من فقه وحديث وتفسير وتاريسسخ ‪.‬وأرغمهسسم علسسى الكتابسسة بسسالحرف اللتينيسسة حسستى‬
‫يفصلهم نهائيا عن دينهم وتراثهم ‪.‬وحددوا يوما ليعاقب بعده كل من لم يتقسسن الحسسروف‬
‫اللتينية من حرمان وظيفة ‪ ,‬وتجريد جنسية وطرد من البلد وسجن ‪.‬‬
‫ثم منع تعدد الزوجات ‪ ,‬وقرر المساواة بيسسن الرجسسال والنسسساء فسسي جميسسع الحقسسوق‬
‫والواجبات والمواريث ‪ ,..‬وأنشأ مدارس الفنون للشباب والشسسابات ‪ ,‬ومسسدارس لتعليسسم‬
‫الرقص الشرقي والغربي ‪ ,‬ومنع الحجاب وأخرج المرأة من بيتها وأدخلها فسسي مناصسسب‬
‫الدولة ‪ ,‬وأنشأ المسارح المختلطة ‪ ,‬وشجع الحفلت الراقصة‪...‬‬
‫حول المسجدين العظيمين – أيا صوفيا ‪ ,‬ومسجد الفاتسسح – إلسسى متحفيسسن ‪ .‬ونصسسب‬
‫تماثيله في كل مكان‪.‬‬
‫ألزم الناس الذان باللغة التركية ‪ ,‬وألزمهم تلوة القسرآن الكريسسم باللغسسة التركيسة ل‬
‫بالعربية ‪ ,‬وسمع مرة أذان الفجر من مسجد مجاور فأمر بهدم المئذنة‪.‬‬
‫أدخسسل التقسسويم الجريجسسوري الغربسسي محسسل التقسسويم الهجسسري‪ .‬وألغسسى عيسسد الفطسسر‬
‫والضحى‪ .‬وجعل يوم الحد العطلة السبوعية بدل الجمعة‪ .‬منع الحج ‪ ,‬ومن الحجاب‪.‬‬
‫وخلصة القول لقد كان يحكم وكأنه ليس في تركيا أحد‪.‬‬
‫كان يقول‪ :‬أنا تركيسسا وتركيسسا هسسي أنسسا ‪ ,‬أنسسا رئتهسسا السستي تتنفسسس بهسسا ‪ ,‬فكسسل محاولسسة‬
‫لتدميري هي محاولة لتدمير تركيا‪.‬‬
‫وهكذا استمر يدمر تركيا ويمسح عسسن وجههسسا هسسذا السسدين – السسذي رفعهسسا – لتحكسسم‬
‫خمسة قرون متتالية أراض ل تغيب عنها الشمس ‪ ,‬وواصل تدميره لكل العمسسدة السستي‬
‫أقيم عليها صرح هذه الدولة المسلمة الشامخ إلى أن أصسسبحت تركيسسا فسسي ذيسسل قافلسسة‬
‫الرقيق في كل مناحي الحياة‪.‬‬
‫وقد قامت ضد أتاتورك عدة ثورات أههما ثورة الصسسوفية النقشسسبندية سسسنة ‪.1924‬‬
‫ثم سنة ‪ 1930‬ولكنه قمعهم بقسوة ‪ .‬كما قاومه الصسسوفيون مسسن الطريقسسة التيجانيسسة ‪,‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 475 [ ‬‬

‫وحركة سعيد النسسور سسسي بسسالطرق السسسلمية والسسدعوة‪ ,‬فقمعهسسم أيضسسا ‪ .‬ثسسم تفسسرد فسسي‬
‫الحكم ‪.‬‬
‫ثم أصيب أتاتورك بمرض الكبد بسبب الخمر وضعفت ذاكرته وأصيب بالمراض‬
‫الجنسية المختلفة ‪.‬‬
‫وفي أثناء مرض الموت استدعى أتاتورك السفير البريطاني )لورين ( ليوصي له‬
‫برئاسة الجمهورية التركية كما سبق !!!‪.‬‬
‫ويحدث التراك عن العذاب الذي كان يعاني منه أثناء مرضه العجب‪ .‬وكان يصيح‬
‫صياحا يخترق شرفات القصر الذي يقيم فيه )دولة باغجة( في القسطنطينية‪.‬‬
‫وأصبح جلدا على عظم ‪ ,‬وسقطت أسنانه ‪ ,‬وأوصى أن ل يصلى عليه صلة الجنازة ‪,‬‬
‫وفي نوفمبر سنة )‪1938‬م( رحل أتاتورك من الدنيا ملعونا في السماء والرض ‪.‬‬
‫بعد أن دمر تركيا السلم ‪ ,‬ومزق السرة ‪ ,‬وحطم الخلق ‪ ,‬وداس القيم ‪ ,‬وانتهك‬
‫الشعائر وحول المساجد إلى مخازن للحبوب‪..‬‬
‫يقول عرفان أوركا‪ ) :‬إن أتاتورك قد اقتنع بأن كفاحه يجب أن يوجه إلى الدين وكان‬
‫يعتقد من صغره أن ل حاجة إلى الله ‪ ,‬وكان يقول‪ :‬إن قوة العقل والرادة تتغلبان‬
‫على قوة الله ‪ ,‬وكان في آخر عهده يرفع قبضته ويشير إلى السماء ساخرا مهددا(‬
‫عن كتاب الذخائر )ص ‪. (744-740‬‬
‫تركيا بعد أتاتورك (‪2004 -1938‬م(‬

‫مات أتاتورك بعد أن خلف تركيا فقرا بلقعا ‪ ,‬وكانت أعماله محط أنظار‬ ‫‪.1‬‬
‫الغرب ‪ .‬فعض على إنجازاته التدميرية بالنواجذ وجيء بنائبه عصمت إينونو‬
‫ليصبح رئيسا للجمهورية ‪ .‬فاعترف بإسرائيل سنة )‪1948‬م( ‪ ,‬وبدأت أمريكا‬
‫بزرع القواعد العسكرية فيها ‪.‬‬
‫ثم أراد الغرب أن يسبر غور التجربة الكمالية في الشعب التركي ‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫فأجبروا عصمت إينونو على إنشاء الحزاب السياسية ‪ ,‬فاختار إينونو ) جلل‬
‫بايار( وكلفه بتشكيل الحزب المعارض والحزب الديمقراطي ‪ ,‬وكان يساعد‬
‫جلل بيار عدنان مندريس فأصبح عدنان قطب الرحى في الحزب‪.‬‬
‫ثم دخلت تركيا حلف شمال الطلسي سنة ‪1950‬وانتشرت فيها القواعد‬ ‫‪.3‬‬
‫المريكية ‪ ,‬وصارت تحت النفوذ المريكي واليهودي‬
‫ويشاء الله أن تحصل في هذه الفترة حادثة عجيبة لعدنان مندريس فبينما‬ ‫‪.4‬‬
‫كان ذات مرة يركب طائرة توقف أحد محركاتها وأعلن الربان حالة الخطر ‪,‬‬
‫فعاهد مندريس ربه لن أنجيتني لعيدن السلم إلى تركيا ‪ .‬واحترقت الطائرة‬
‫وكان الشخص الوحيد الذي نجا منها هو مندريس‪.‬‬
‫دخل الحزب الديمقراطي سنة )‪1950‬م( النتخابات ببرنامج عجيب‬ ‫‪.5‬‬
‫توقعت له كل الدراسات المريكية الفشل المطلق‪.‬‬
‫كان البرنامج ل يتضمن أكثر من عودة الذان باللغة العربية ‪ ,‬والسماح للتراك‬
‫بالحج ‪ ,‬وإعادة إنشاء وتدريس الدين بالمدارس ‪ ,‬وإلغاء تدخل الدولة في لباس المرأة‬
‫‪.‬‬
‫وقد بنى دعايته النتخابية على أساس العودة التدريجية إلى السلم كمصدر‬
‫أساسي لقوة الشعب التركي المتدين‪.‬‬
‫كانت النتيجة مذهلة ‪ ,‬سقط حزب أتاتورك إلى اثنين وثلثين نائبا ‪ ,‬وفاز الحزب‬
‫الديمقراطي بثلثمائة وثمانية عشر مقعدا ‪ ,‬وكانت دهشة اليهودية العالمية الماسونية‬
‫عظيمة حين اكتسح مندريس خليفة أتاتورك ‪ ,‬ويومها صاح إينونو قائل‪ :‬لقد انتصر‬
‫عدنان مندريس بدعايته الدينية‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 476 [ ‬‬

‫وتسلم عدنان مندريس مقاليد الحكم رئيسا للوزراء ‪ .‬وجلل بايار رئيسا‬
‫للجمهورية ‪ ,‬وشرع لتوه ينفد وعوده التي بذلها للشعب أثناء عملية النتخابات‪.‬‬
‫واستجاب مندريس لمطالب الشعب فعقد أول جلسة بمجلس الوزراء في غرة‬
‫رمضان ‪ ,‬وقدم للشعب هدية الشهر الكريم‪ ) :‬الذان بالعربية وحرية اللبس وحرية‬
‫التدريس الدين و بدأ بتعمير المساجد(‪.‬‬
‫وجاءت انتخابات عام )‪1954‬م( وهبط نواب حزب أتاتورك إلى )‪ (24‬نائبا ‪ ,‬وسمح‬
‫بتعليم اللغة العربية ‪ ,‬وقراءة القرآن وتدريسه في جميع المدارس حتى الثانوية وإنشاء‬
‫عشرة آلف مسجد ‪ ,‬وأنشأ اثنين وعشرين معهدا في الناضول لتخريج الوعاظ‬
‫والخطباء وأساتذة الدين ‪ ,‬وسمح بإصدار مجلت وكتب تدعو إلى التمسك بالسلم‬
‫والسير على هديه ‪ ,‬وأخلى المساجد التي كانت الحكومة السابقة تستعملها مخازن‬
‫للحبوب وأعادها أماكن للعبادة‪.‬‬
‫وتقارب مندريس مع العرب ضد إسرائيل ‪ ,‬وفرض الرقابة على الدوية والبضائع‬
‫التي تصنع في إسرائيل وطرد السفير السرائيلي سنة )‪1956‬م( ‪ ,‬وفتح )‪ (25‬ألف‬
‫مدرسة لتحفيظ القرآن ‪.‬‬
‫تحركت اليهودية العالمية ضد مندريس ‪ ,‬وحركت أمريكا والدول الغربية الماسونية‬
‫في الجيش ‪ ,‬فقام الجنرال الماسوني ) جمال جو رسل ( سنة )‪1960‬م( بانقلب‬
‫وشنق عدنان مندريس وفطين زورلو ‪ ,‬وحسن بلكثاني ‪.‬‬
‫وكتب الصحفي اليهودي سامي كوهين‪ :‬لقد كان السبب المباشر الذي قاد‬
‫مندريس إلى حبل المشنقة سياسته القاضية بالتقارب مع العالم السلمي والجفاء‬
‫والفتور التدريجي في علقتنا مع إسرائيل ‪ ,‬ثم ضرب حزب العدالة ‪.‬‬
‫‪ -1‬في سنة )‪1965‬م( أجريت انتخابات مرة أخرى ربح فيها حزب العدالة بأغلبية‬
‫ساحقة ‪ ,‬وكان رئيسه سليمان ديميريل ‪ ,‬وقال إينونو‪ :‬أنا لم يهزمني ديميريل ‪...‬‬
‫بل هزمتني جماعة النور السلمية الصوفية ‪ .‬أتباع الشيخ سعيد نورسي ‪.‬‬
‫وحصل حزب العدالة على )‪ (263‬مقعدا من )‪ (450‬مقعدا وضاعف ديميريل‬
‫مدارس الئمة إلى )‪ (72‬ومدارس تحفيظ القرآن إلى اثنتي عشر ألف مدرسة‬
‫وتقرب للعرب وفترت علقاته مع إسرائيل‪ .‬واشترك بالمظاهرة السلمية ضد‬
‫إسرائيل في الرباط فتحركت أمريكا ومن ورائها اليهودية العالمية وحركت‬
‫الجيش وجاء النقلب العسكري الذي نحي فيه ديميريل عن الحكم ‪ ,‬ولكن لم‬
‫يعدم بسبب أنه ماسوني‪.‬‬
‫‪ -2‬و تزداد الديون على تركيا يوما بعد يوم ‪ ,‬بالضعاف إلى أن نسبة التضخم بلغت )‬
‫‪ ( %60 - %42‬سنة )‪1970‬م ‪ 9‬والبطالة )‪ (%20‬والديون كانت سنة )‪1970‬م(‬
‫)‪ (21‬مليار دولر ‪ ,‬وفي سنة )‪1979‬م( أصبحت )‪ (17‬مليار(‪.‬‬
‫واستسلمت الحكومة للبنك الدولي وخفضت قيمة الليرة التركية إلى )‪ (8‬مرات‬
‫وفي سنة )‪1980‬م( ارتفعت نسبة الربا إلى )‪ (%30‬أعلى نسبه في العالم ‪.‬‬
‫‪ -3‬ظهر حزب السلمة الوطني السلمي سنة )‪1972‬م( الذي كان يقوده الدكتور‬
‫) نجم الدين أربكان ( الحاصل على دكتوراه من جامعة ألمانية ‪ ,‬والتف كثير من‬
‫الشباب التركي حول هذا الحزب ‪ ,‬ووقف الحزب ضد الغرب الصليبي بزعامة‬
‫أمريكا ‪ ,‬فطالب بالخروج من حلف الطلسي وتحرير تركيا من القواعد المريكية‬
‫‪ ,‬ووقف ضد إسرائيل ‪ ,‬واليهود وعارض انضمام تركيا إلى السوق الوروبية‬
‫المشتركة ‪ ,‬وطالب بإرسال كتائب من الجيش التركي لمساعدة المجاهدين‬
‫الفغان ‪ ,‬كما أرسلت الحكومة جيشا يحارب مع أمريكا في كوريا ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 477 [ ‬‬

‫وفي سنة )‪1972‬م( دخل المعركة النتخابية وفاز باثنين وأربعين مقعدا ‪ ,‬وشارك‬ ‫‪-4‬‬
‫في الحكم مع حزب الشعب الذي يرأسه أجاويد ‪ ,‬وشرط أربكان أن يكون هو‬
‫النائب لرئيس الوزراء وأن يكون له ثمانية من الوزراء في الحكومة التركية‪.‬‬
‫وفي هذه السنة غزت تركيا قبرص لحماية المسلمين التراك من فتك القبارصة‬ ‫‪-5‬‬
‫اليونانيين النصارى ‪ ,‬ولعب أربكان دورا مهما في قرار التدخل ‪.‬‬
‫وبدأ الحزب يحاول إعادة تربية التراك على السلم ‪ ,‬ففتح أبوب الحج للشعب‬ ‫‪-6‬‬
‫فبلغ عدد الحجاج )‪ (150‬ألف سنويا ‪ ,‬وهذا رقم خيالي بالنسبة لما سبق‪ .‬رغم‬
‫أن عدد السكان كان زهاء خمسين مليون نسمة ! وافتتح الحزب )‪ (3000‬مركز‬
‫للتعليم في القرى و )‪ (3000‬مدرسة لعداد الئمة والخطباء ‪ ,‬ووضع خطة‬
‫لنشاء جامعة إسلمية ‪ ,‬والتحق بمدارس الئمة والخطباء ما يقرب من مائتي‬
‫ألف طالب‪ ,‬وطالب الحزب بجعل العطلة الرسمية يوم الجمعة بدل الحد ‪,‬‬
‫وإجراء عقود الزواج حسب الشريعة وبتعليم القرآن واللغة العربية في المدارس‬
‫‪ .‬وسيطر الحزب على التحاد العام لطلبة تركيا ‪.‬‬
‫وفي )‪7/9/1980‬م( عمل الحزب مظاهرة تحت شعار يوم إنقاذ القدس ‪ ,‬وحرق‬
‫العلم السرائيلي وطالب بإقامة دولة إسلمية وحكم الشريعة السلمية ‪ .‬وهنا‬
‫حركت أمريكا الجيش التركي وأقام كنعان إيفرين بالنقلب المريكي في )‬
‫‪. (12/9/1980‬‬
‫كما صرح بعض المسؤولين المريكيين ‪ ,‬أن هناك مخاوف متزايدة من حكم‬
‫إسلمي وبصورة تتعارض مع خط الزعيم التركي ) أتاتورك ( الذي أرسى دعائم‬
‫الدولة العلمانية في تركيا ‪ ,‬فالنقلب التركي أنقذ تركيا من أن تتحول من دولة‬
‫علمانية إلى دولة تحكمها التقاليد الدينية السلمية ‪ ,‬ومدح و اينبرغر إفرين‬
‫وزمرته وأعطوا تركيا سبعمائة وثلثة مليون دولر‪.‬‬
‫واعتقل إفرين أربكان ورجال حزب السلمة وافتتح عهده بوضع إكليل من‬
‫الزهور على قبر أتاتورك‪ ,‬واعتبر إيفرين وحكومته عام )‪ (1981‬هو عام أتاتورك‪.‬‬
‫منع إفرين الملتحين من البقاء في الجامعات خاصة أكاديمية )سكا ريا( ومنع‬
‫الحجاب‪.‬‬
‫في )‪ (24‬إبريل سنة )‪1981‬م( مثل نجم الدين أربكان زعيم حزب السلمة‬ ‫‪-7‬‬
‫الوطني هو وثلثون من أعضاء الحزب أمام محكمة عرفية عسكرية ‪ ,‬وقد قرأ‬
‫المدعي العام العسكري لئحة التهام ‪ ,‬أما الجرائم التي جاءت في لئحة التهام‬
‫فهي‪:‬‬
‫العمل على استبدال مبادئ الدولة القانونية والجتماعية و‬ ‫‪.1‬‬
‫القتصادية والسياسية بمبادئ تقوم على أساس السلم ‪.‬‬
‫قيام عدد من المنظمات الشبابية والطلبية والعمالية والمهنية‬ ‫‪.2‬‬
‫والمرخصة والمرتبطة سرا بالحزب والتي تعمل على تطبيق الشريعة‬
‫السلمية في تركيا‪.‬‬
‫اجتماعات الحزب وهتافات تكشف أهدافه ‪ ,‬ومن هذه الهتافات‬ ‫‪.3‬‬
‫)محمد قائدنا (‪) ,‬سنحطم الصنام ونقيم دولة السلمية( ‪ ,‬ومن لفتاته‪( .‬‬
‫ن ( )المائدة‪. (44:‬‬ ‫م ال ْ َ‬
‫كافُِرو َ‬ ‫ه فَُأول َئ ِ َ‬
‫ك هُ ُ‬ ‫ما أ َن َْز َ‬
‫ل الل ّ ُ‬ ‫حك ُ ْ‬
‫م بِ َ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫م يَ ْ‬ ‫م ْ‬
‫وَ َ‬
‫ترديدهم لذكر الله في اجتماعاتهم وتذكيرهم المة بأنها حاربت‬ ‫‪.4‬‬
‫خلل تاريخها من أجل السلم ل من أجل أشخاص أو أبطال ‪.‬‬
‫هس ‪ .‬إصرار أربكان على افتتاح مدارس تعليم القرآن في كل قرية وإصراره‬
‫على فتح مسجد أيا صوفيا‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 478 [ ‬‬

‫و‪ .‬هاجم معاهدة لوزان وتغيير الحروف العربية واستبدال القوانين ‪ ,‬وختم‬
‫حديثه بأن تركيا اليوم جمهورية ملحدة ‪.‬‬
‫ز‪ .‬طالب الحزب بأن تكون الجمعة يوم العطلة الرسمية وأن يكون الزواج‬
‫شرعيا ‪ .‬وقد طلبت النيابة العامة بسجن أربكان وإخوانه )‪ ( 36 -14‬عاما‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 479 [ ‬‬

‫تركيا بعد حكم النقلب العسكري ‪:‬‬


‫في مطلع التسعينات قبل العسكر بإعادة الديمقراطية وانتخب تورغوت أوزال‬
‫لرئاسة الوزراء ‪ .‬ثم نجح في انتخابات رئاسة الجمهورية وحقق إصلحات إقتصادية‬
‫مشهودة ‪.‬‬
‫وفي ‪ 1996‬خاض حزب السلمة النتخابات تحت اسم ) حزب الرفاه ( ‪ ,‬وحاز‬
‫على أعلى الصوات إذ حصل لوحده نسبة ‪ %22‬من الصوات ‪ ,‬فقامت الدنيا ‪,‬‬
‫واستلم أربكان رئاسة الوزراء ‪ .‬وتعرض لضغوط دولية اضطر تحتها لتوقيع عدد من‬
‫المعاهدات مع إسرائيل ‪ ,‬ولم يرض العسكر والعلمانيون عنه مع ذلك ‪ ,‬وحكمت عليه‬
‫المحكمة الدستورية بحل الحزب ومنعه وكبار وعاونيه من مزاولة السياسة وحل حزب‬
‫الرفاه ‪.‬‬
‫وفي سنة ‪ 2003‬عاد بعض السلميين من بقايا الرفاه وغيرهم لتشكيل حزب‬
‫يتبنى خطا علمانيا إسلميا معتدل جدا جدا في نظر الغرب بقيادة ‪) ,‬رجب طيب‬
‫أردوغان ( الذي كان من تلميذ أربكان وكان واليا لبلدية استانبول ‪ ,‬وكان رجل ذائع‬
‫الصيت مشتهرا بنزاهته وخدماته‪ .‬وفاز الحزب الذي حمل اسم )حزب العدالة‬
‫والتنمية ( بس )‪ (%36‬من الصوات بالنتخابات !! ‪ ,‬فرضخ العلمانيون للنتيجة واعترفت‬
‫أوربا بنزاهتها ‪ .‬وشكلوا حكومة ما تزال تتعرض للضغط والبتزاز من أمريكا والغرب ‪,‬‬
‫وتقوم بتنازلت شرعية ومبدئية كثيرة ‪ .‬ولكن يشهد لها أنها استعصت على المريكان‬
‫ولم تقدم كل الخدمات العسكرية المطلوبة منها ‪ ,‬ولم تسمح للمريكان بالمرور برا‬
‫إلى شمال العراق من تركيا ‪ ,‬وكان موقفا مشرفا ) نسبيا ( قياسا بما فعله خونة‬
‫الحكام العرب أثناء وبعد احتلل العراق ‪ .‬وتشهد تركيا تجاذبا اجتماعيا وسياسيا كبيرا‬
‫بين السلمية المتأصلة والعلمانية المتفشية ‪ .‬و يجب أن نذكر هنا أن الحكومة الحالية‬
‫تقدم لمريكا خدمات كبيرة في مجالت مكافحة الرهاب ومطاردة الجهاديين من‬
‫أتراك وغيرهم مما جعل تركيا هدفا لعمليات بعض التنظيمات الجهادية ‪.‬‬

‫باكستان ‪:‬‬ ‫‪.2‬‬


‫تقع باكستان في شبه القارة الهندية ويبلغ تعداد سكانها اليوم زهاء ‪140‬مليون‬
‫نسمة ‪ .‬وقد دخل السلم في الهند إبان عصر الخلفة الموية ‪ ,‬واستطاع العباسيون‬
‫استرداد النفوذ السلمي بالهند خلل العصر العباسي الول بعد ثورة الهندوس ضد‬
‫المسلمين‪ .‬كما شهدت الهند قيام دول إسلمية متتالية مثل الدولة الغزنوية التي‬
‫استطاع مؤسسها محمود الغزنوي أن يتوسع في شبه القارة الهندية على حساب‬
‫الهندوس‪ ,‬وبذل جهودا جبارة تابعتها بعد ذلك الدولة الغورية من أجل نشر السلم ‪,‬‬
‫كما تلتها دول أخرى مثل دولة المغول التي أحرزت شهرة كبيرة في الفن والعمارة‬
‫السلمية والتجارة ‪ .‬وعم السلم وحكم ثلثي القارة الهندية ‪.‬‬
‫وفي أواخر عهد الدولة المغولية تعرضت البلد للغزو الجنبي من قبل البرتغاليين‬
‫والفرنسيين والنجليز‪.‬‬
‫وأسس النجليز شركة الهند الشرقية البريطانية منذ مطلع القرن السادس عشر‬
‫الميلدي سنة )‪1009‬هس( ‪ .‬فناهضت النفوذ البرتغالي في الهند وفتحت المجال أمام‬
‫احتلل النجليز لبعض أقاليم الهند ‪.‬‬
‫اتبع النجليز سياسة إثارة الهندوس ضد المسلمين ‪ ,‬وتمثل رد الفعل في ظهور‬
‫حركات إسلمية تناهض بريطانيا ‪ ,‬لكن النجليز قمعوا الثوار بوحشية وقسوة ‪ ,‬وأعلنوا‬
‫أن )الهند مستعمرة بريطانية ( على إثر ذلك اندلعت حركات الجهاد السلمية‬
‫والمقاومة الوطنية ‪ .‬ثم بدأ التيار السلمي ينشط على يد بعض العلماء والمفكرين‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 480 [ ‬‬

‫من أمثال محمد إقبال ومن السياسيين مثل محمد على جناح اللذين وطالبوا بتحرير‬
‫المسلمين في الهند ‪ ,‬وفي سنة )‪1324‬هس( تأسس )حزب الرابطة السلمية( الذي‬
‫أنشأ جامعة إسلمية في )دكا( ‪.‬‬
‫وخلل الحرب العالمية الولى قام )غاندي( بمناهضة الحتلل البريطاني سلميا ‪,‬‬
‫كما قام محمد علي جناح بدعوة إسلمية تدعو إلى العنف من أجل تحرير البلد بدل‬
‫من سياسة غاندي المسالمة‪.‬‬
‫وفي سنة )‪1347‬هس( قرر زعماء المسلمين بقيادة محمد علي جناح المطالبة‬
‫بنظام اتحادي يمنح المسلمين في الهند حكما ذاتيا ‪ ,‬فرفضه حزب المؤتمر الهندي‬
‫بزعامة غاندي‪.‬‬
‫وفي سنة )‪1349‬هس( طالبت ) الرابطة إسلمية( بقيادة محمد إقبال بتأسيس دولة‬
‫إسلمية في الهند برئاسة محمد علي جناح‪.‬‬
‫وفي سنة )‪1356‬هس( أعلن محمد علي جناح تمسكه بتأسيس دولة إسلمية‬
‫منفصلة في الهند أطلق عليها لول مرة اسم )باكستان(‪.‬‬
‫تلت ذلك فترة صراعات دموية بين المسلمين والهندوس ‪ ,‬صمد المسلمون خللها‬
‫وظلوا متمسكين بمطالبهم حتى وافقت بريطانيا على استقلل الهند سنة )‪1366‬هس()‬
‫‪ (1947‬واعترفت بدولة باكستان في نفس العام‪.‬‬
‫ويعتقد أن جناح كان عميل لبريطانيا ‪ .‬وهو من أصل إسماعيلي باطني ‪ ,‬وما لبثت‬
‫زوجته وأسرته أن تنصرت وقد أقام الباكستان على أصول إنكليزية دستوريا‬
‫وسياسيا ‪.‬‬
‫انضمت باكستان إلى هيئة المم المتحدة في منتصف شوال سنة )‪1366‬هس(‬
‫وكان محمد علي جناح أول رئيس لها ‪ .‬وبعد وفاته سنة )‪1367‬هس( خلفه )الخوجا(‬
‫نظام الدين الذي أعلن تطبيق الشريعة السلمية ‪ ,‬ولكن ذلك لم يطبق ‪.‬‬
‫وفي سنة )‪1376‬هس( وضع أول دستور لباكستان على أسس التشريعات النكليزية‬
‫المتناقضة جملة وتفصيل مع الشريعة السلمية ‪ .‬وبمقتضاه أصبحت )جمهورية‬
‫دستورية( ‪ ,‬وكانت عاصمتها مدينة )كراتشي( ‪ ,‬وتولى ) إسكندر ميرزا( رئاسة‬
‫الجمهورية ثم تنازل عنها للقائد العسكري )محمد أيوب خان(‪.‬‬
‫وفي سنة )‪1385‬هس( وقعت الحرب بين الهند وباكستان حول إقليم كشمير ذي‬
‫الغالبية المسلمة ‪.‬وهزمت الخيرة فتنازل أيوب خان عن رئاسة الجمهورية لقائد‬
‫الجيش )الجنرال يحي خان( سنة )‪1389‬هس(‪.‬‬
‫وفي سنة )‪1390‬هس ‪1971‬م ( أجريت النتخابات وفاز فيها )حزب عوامي( برئاسة‬
‫)مجيب الرحمن( الذي عارض )حزب الشعب( بقيادة )ذو الفقار علي بوتو( وعبر هذا‬
‫الصراع عن صراع أعنف بين ) باكستان الشرقية( و )باكستان الغربية( وفي سنة )‬
‫‪1391‬هس ‪ (1972‬أعلنت باكستان الشرقية استقللها فقامت الحرب الهلية التي انتهت‬
‫بإعلن رئيس حزب الشعب ذو الفقار علي بوتو رئيسا لجمهورية باكستان الغربية ‪ ,‬بعد‬
‫انفصال باكستان الشرقية التي تكونت بها دولة )بنغلديش(‪.‬‬
‫وفي سنة )‪1397‬هس( قام انقلب عسكري بقيادة )الجنرال ضياء الحق( على حكم‬
‫ذو الفقار علي بوتو الذي أعدم فيما بعد ‪.‬‬
‫وعمل ضياء الحق على تحكيم الشريعة تدريجيا‪ ,‬وقدم خدمات كبيرة للمجاهدين‬
‫الفغان ‪ ,‬وخضعت باكستان في عهده للنفوذ المريكي ‪ ,‬ولكن المطالب المريكية‬
‫وتدخلها في شؤون الباكستان والفغان كانت كبيرة ‪ ,‬ولم ينفذها ضياء الحق كليا ‪ ,‬فقد‬
‫كان الرجل تحت تأثير قناعاته القومية وعاطفته السلمية ‪ .‬فاغتالته أمريكا وتولت‬
‫أسرة بوتو )ابنته بنظير بوتو ‪ ,‬وابنه مرتضى بوتو ( تنفيذ العملية ‪ .‬بإشراف السفارة‬
‫المريكية ثم عاد الحكم إلى حزب الشعب الذي تترأسه )بنظير بوتو( رئيسة وزراء‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 481 [ ‬‬

‫باكستان‪ .‬ثم خسرت النتخابات أمام حزب جديد نشأ باسم ) الرابطة السلمية (‬
‫وتزعمه )نواز شريف ( ‪ .‬ورغم أن الباكستان خضعت كليا للسياسات المريكية في‬
‫عهد بنظير وشريف ‪ ,‬إل أن أمريكا كانت تحتاج لحاكم عسكري عميل وقوي ينفذ‬
‫سياساتها في باكستان وأفغانستان بشكل ديكتاتوري ‪ .‬فرتبت لنقلب عسكري على‬
‫نواز شريف ‪ ,‬أوصل الجنرال ) برويز مشرف ( للسلطة سنة ‪ .1997‬ومنذ ذلك الوقت‬
‫تحكم أمريكا باكستان حكما شبه مباشر ‪.‬‬
‫وفي سنة ‪ 2001‬قام مشرف بالمهمة الرئيسية التي جاء من أجلها ‪ ,‬واعتمدت‬
‫أمريكا عليه بشكل كلي في إسقاط نظام طالبان ‪ .‬وتصفية المجاهدين العرب ‪,‬‬
‫والباكستانيين ‪ ,‬ومجاهدي وسط آسيا في مذبحة مروعة ) راجع التفاصيل في كتاب –‬
‫باكستان مشرف –المشكلة والحل والفريضة المتعينة ( ‪.‬‬
‫ثم أجرى مشرف انتخابات صورية مزورة عين بها نفسه رئيسا دستوريا ! ‪ ,‬ثم‬
‫أجرى مسرحية أخرى جاء بها ببعض الحزاب للبرلمان ‪ ,‬واشترك السلميون في هذه‬
‫المسرحية !!‬
‫يتابع مشرف اليوم خدماته الجليلة لمريكا في اجتثاث السلم من باكستان ‪,‬‬
‫وسط ذهول وعجز من تيارات العلماء والسلميين الذين ضرب غالبيتهم فالج القعود‬
‫أو عمى البصيرة ‪ ,‬رغم قوتهم وكثرتهم ‪ .‬فقد أعلن مشرف يوم توليه السلطة أن‬
‫قدوته هو أتاتورك محطم الخلفة في تركيا وماسح السلم منها ‪ .‬وما تزال باكستان‬
‫تعيش تبعات هذا المخطط ‪ ,‬والله المستعان ‪.‬‬

‫إيران ‪:‬‬ ‫‪.3‬‬


‫إيران كلمة مشتقة من اسم الشعوب الرية التي هاجرت إلى القليم الواقع شرق‬
‫العراق وحتى الحدود الغربية لبلد التركستان في العصور القديمة‪.‬‬
‫وقد أطلقت كلمة " بلد فارس" على هذا القليم في العصر السلمي‪ .‬وقد أقام‬
‫المغول " دولة اليليخانين" في إيران التي ظلت تحكم معظم أقاليمها حتى قيام‬
‫الدولة الصفوية الشيعية سنة )‪906‬هس( التي يعد قيامها بداية لتاريخ إيران الحديث‪.‬‬
‫وكان مؤسس هذه الدولة هو الشاه إسماعيل الصفوي الذي استطاع أن يوحد‬
‫البلد ويقيم دولة على المذهب الشيعي الثني عشري‪.‬‬
‫وقد دخلت الدولة الصفوية في صراع مع الدولة العثمانية السنية ‪ ,‬وانتهى المر‬
‫بهزيمة الصفويين في معركة "جالديران" سنة )‪930‬هس(‪.‬‬
‫ومن أشهر حكام الدولة الصفوية طهماسب ابن الشاه إسماعيل الذي رفض‬
‫العتراف بالتبعية للعثمانيين ‪ .‬فحاربوه ودخلوا بغداد ثم تبريز عاصمة الصفويين سنة )‬
‫‪941‬هس(‪.‬‬
‫وبعد موته خلفه ابنه الشاه عباس الكبير الذي شهد حكمه تدخل بريطانيا في‬
‫شؤون إيران ونجح في استرداد بغداد و تبريز من العثمانيين ‪ .‬كما أسس مدينة عرفت‬
‫باسمه هي " بندر عباس" صارت قاعدة تجارية هامة‪.‬‬
‫ولما ضعفت الدولة الصفوية ارتقى عرش إيران قائد من قوادهم هو " نادر شاه"‬
‫سنة )‪1149‬هس( الذي انتصر على العثمانيين ‪ ,‬وطرد الروس من بعض المدن إيران‬
‫التي استولوا عليها من قبل ‪ .‬كما توسع شرقا حتى بخارى وأفغانستان وهاجم دولة‬
‫المغول في الهند وخرب عاصمتهم "دهلي"‪.‬‬
‫وبعد مقتله سنة )‪1163‬هس( استقلت الكثير من القاليم عن إيران كبلد الفغان‬
‫وجورجيا وسيطرت روسيا على تركستان وحلت الفوضى والقلقل بإيران ‪ .‬وظل‬
‫الحال كذلك حتى قيام الدولة القاجارية سنة )‪1193‬هس(‪ .‬ومؤسس هذه الدولة في‬
‫إيران هو " أقا محمد خان" الذي استطاع القضاء على الفتن وأعاد وحدة إيران‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 482 [ ‬‬

‫وفي عهد خلفه " فتح شاه" صارت إيران ميدانا للصراع الدولي بين فرنسا‬
‫وروسيا وبريطانيا ‪ ,‬إذا استولى الروس على بعض القاليم الشمالية من إيران ‪ ,‬كما‬
‫حصلت بريطانيا على امتيازات تجارية ‪ ,‬كما استولت على بعض الراضي في شرق‬
‫إيران وضمتها إلى الهند‪.‬‬
‫وفي عهد "ناصر شاه" جرى اقتباس بعض مظاهر الحضارة الوروبية ‪,‬و اتبع خلفه‬
‫الشاه مظهر الدين الذي تولى سنة )‪1314‬هس( سياسة الخذ بالحضارة الوروبية ‪.‬‬
‫وبفعل ضغط المعارضة الوطنية أصدر دستورا للبلد سنة )‪1324‬هس(‪.‬‬
‫ولما قامت الحرب العالمية الولى أصبحت إيران ميدانا للصراع الدولي بين ألمانيا‬
‫وتركيا من جهة وروسيا وإنجلترا من جهة ثانية ‪ .‬وبعد انتهاء الحرب عقدت معاهدة بين‬
‫إيران وبريطانيا اعترفت فيها الخيرة باستقلل إيران ‪.‬‬
‫وفي سنة )‪1340‬هس ‪ (1922 /‬قام أحد الضباط وهو " رضا بهلوي " بانقلب‬
‫عسكري ‪ ,‬و تحررت إيران من الروس والبريطانيين ‪.‬‬
‫و سار رضا بهلوي على نهج كما أتاتورك في تركيا ‪ ,‬فاتجه إلى سياسة " التغريب‬
‫" فأدخل النظم الغربية الحديثة كما ألغى المتيازات الجنبية ‪ ,‬وأسس جامعة طهران‬
‫سنة )‪1354‬هس(‪.‬‬
‫ولما قامت الحرب العالمية الثانية التزم رضا بهلوي موقف الحياد ‪ .‬لكن تآمر‬
‫الحلفاء أدى إلى هجوم روسي إنجليزي تؤيده الوليات المتحدة على إيران ‪ ,‬وتم خلع‬
‫رضا بهلوي سنة )‪1363‬هس ‪ (1945 /‬وخلفه محمد رضا بهلوي‪.‬‬
‫أعلن محمد رضا بهلوي الحرب على دول المحور ‪ ,‬وقدم الحلفاء مقابل ذلك‬
‫مساعدات اقتصادية وعسكرية إلى إيران‪ .‬ثم دخلت إيران في النفوذ المريكي‬
‫والبريطاني تماما ‪ .‬وصار الشاه شرطيهم في منطقة الخليج ‪.‬‬
‫وبعد الحرب تعاون الروس مع "حزب توده" الشيوعي لحداث المتاعب في وجه‬
‫الشاه ‪ .‬لكن في سنة )‪1365‬هس( تحسنت العلقات مع روسيا وتم توقيع معاهدة سنة )‬
‫‪1365‬هس( انسحب الروس بمقتضاها من شمال إيران ‪.‬‬
‫أما بريطانيا فقد حصلت على امتيازات التنقيب عن البترول في إيران ‪ ,‬كما‬
‫حصلت على امتيازات تجارية لليرانيين وفق اتفاقية عقدت سنة )‪1367‬هس(‪ .‬ورفع‬
‫) محمد مصدق ( لواء المعارضة ضد الشاه والنجليز ‪ ,‬وأقر المجلس النيابي تأميم‬
‫صناعة النفط ‪ .‬واستعان الشاه بالجنرال زاهدي وأسند إليه رئاسة الوزراء ‪ ,‬ونجح في‬
‫إخماد الحركة الوطنية ‪ ,‬وقبض على محمد مصدق وحكم عليه بالعدام‪.‬‬
‫حمل " حزب توده " الشيوعي لواء المعارضة ‪ ,‬ونجح الشاه في قمعه ‪ ,‬كما قمع‬
‫حركة فدائيان إسلم" ذات التوجه السياسي السلمي الشيعي ‪ ,‬وولدت أحزاب‬
‫معارضة عديدة ‪ .‬وفي سنة )‪1375‬هس( انضمت إيران إلى " حلف بغداد" الموالي‬
‫للغرب وخصوصا الوليات المتحدة ‪ ,‬فأثار ذلك التحاد السوفيتي‪.‬‬
‫حاول الشاه تحت هذه الظروف القيام بالصلحات السياسية والجتماعية‬
‫والقتصادية ‪ ,‬فألغى القطاع ‪ ,‬وأصدر قانون النتخابات ‪ ,‬وعمل على استرضاء العمال‬
‫عن طريق مشاركتهم في الرباح ‪ ,‬ونشر الثقافة الغربية في البلد‪.‬‬
‫ومع ذلك ازدادت المعارضة الوطنية والسلمية التي استطاع ) الخميني ( أحد‬
‫رجال الدين الشيعة تزعمها وهكذا أطاحت الثورة السلمية الشيعية سنة )‪1398‬هس ‪/‬‬
‫‪ (1979‬بزعامة "الخميني" بالنظام الملكي وأعلنت قيام الجمهورية السلمية في‬
‫إيران‪ .‬وما تزال تحكم إيران إلى اليوم ‪.‬‬

‫أفغانستان ‪:‬‬ ‫‪.4‬‬


‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 483 [ ‬‬

‫وتقع في قلب وسط آسيا ‪ ,‬وعاصمتها "كابول" وتحيط بها باكستان شرقا وجنوبا ‪,‬‬
‫و تحدها إيران غربا وبلد تركستان الغربية شمال‪.‬‬
‫وكان لهذا القليم الذي اعتنق سكانه السلم في العصر الموي ‪ ,‬دور هام في‬
‫التاريخ والحضارة السلمية ‪ .‬وقد عرب بتعدد عناصر سكانه من عرب وترك وفرس‬
‫ومغول ‪ ,‬كما تعددت لغاته من عربية وتركية وفارسية فضل عن "لغة البشتو"‬
‫الفغانية‪.‬‬
‫وقد تأسس بها عدة دول إسلمية في العصر العباسي منها الدولة السامانية و‬
‫الطاهرية و الصفارية ‪ .‬كما قامت الدولة الغزنوية بهذا القليم ونجحت في نشر‬
‫السلم في كثير من أقاليم بلد الهند‪.‬‬
‫ثم تعرضت أفغانستان للغزو المغولي ‪ ,‬ووقعت تحت حكم " التيموريين" وقد‬
‫شهدت في عهدهم ازدهارا حضاريا وعمرانيا وفكريا ‪ .‬ثم اجتاحتها الدولة الصفوية ‪,‬‬
‫لكن أحد القادة الفغان وهو "أحمد خان" استطاع أن ينفصل عنها ويؤسس حكما‬
‫مستقل سنة )‪1153‬هس( ‪ .‬وقد عرفت هذه الدولة لول مرة في التاريخ باسم "الدولة‬
‫الفغانية" التي كانت "قندهار" عاصمة لها‪.‬‬
‫وفي عهد ابنه "تيمور شاه" نقلت العاصمة إلى "كابول" وامتد نفوذ دولته إلى‬
‫الهند بعد النتصار على " المهراتا " في معركة " باني بت "‪.‬‬
‫بوفاة تيمور شاه ضعفت الدولة الفغانية ‪ ,‬ونجح السيخ في الهند في انتزاع الكثير‬
‫من ولياتها الهندية‪.‬‬
‫وفي عهد " زمان شاه " الذي خلف والده تيمور شاه سنة )‪1207‬هس( شب‬
‫الصراع بين أفراد السرة الحاكمة ‪ ,‬وحاول استرداد أمجاد دولته بعد أن صفا الجو له ‪,‬‬
‫فاصطدم بالنجليز في الهند لذلك تآمروا عليه وأيدوا أخاه محمود شاه الذي تولى‬
‫الحكم بدل منه ‪ .‬وفي عهده شب الصراع بين أفراد السرة الحاكم حتى ظفر" دوست‬
‫محمد " بالحكم ولقب نفسه بلقب " أمير كابول " دون أن يلقب بالشاه أو الملك ل‬
‫هو ول أحد من خلفائه‪.‬‬
‫ثم تنافست بريطانيا وروسيا للستيلء على أفغانستان ونجحت بريطانيا في‬
‫احتللها سنة )‪1255‬هس(‪ .‬لكن عودة " دوست محمد " إلى الحكم أتاحت له طرد‬
‫النجليز سنة )‪1257‬هس( وأرغمهم على العتراف بسيادته على بلده‪.‬‬
‫وفي سنة )‪1280‬هس( توفي دوست محمد وخلفه ابنه " شير علي " وفي عهده‬
‫حاولت بريطانيا بسط نفوذها على بلد الفغان " فاستعان بالروس ‪ ,‬وقامت الحرب‬
‫الفغانية الثانية سنة )‪1295‬هس( بين شير علي وبريطانيا التي انتهت بهزيمته ووقوع‬
‫بلده فريسة الحتلل البريطاني ‪.‬‬
‫لكن حركات الجهاد ومقاومة القبائل الفغانية اندلعت ضد النجليز في عهد عبد‬
‫الرحمن حفيد دوست محمد ‪ ,‬وتدخلت روسيا في الصراع الذي انتهى بعقد معاهدة‬
‫بطرسبورج سنة )‪1325‬هس( التي كان من أهم شروطها العتراف باستقلل أفغانستان‬
‫واحترام سيادتها‪.‬‬
‫وفي عهد خلفه " أمان الله خان " عاد النفوذ البريطاني إلى أفغانستان مرة أخرى‬
‫‪ ,‬فاندلعت الحرب الفغانية الثالثة بين الطرفين سنة )‪1339‬هس ‪ ( 1921 -‬وتمكن‬
‫الفغان من هزيمة النجليز هزيمة منكرة واضطروهم إلى العتراف باستقللهم مرة‬
‫أخرى‪.‬‬
‫وفي عهد أمان الله خان ‪ .‬جرت محاولة التجاه نحو العلمنة والخذ بالنظم الغربية‬
‫على طريقة مصطفى كما أتاتورك ‪ .‬فاندلعت الثورة الشعبية السلمية بقيادة العلماء ‪.‬‬
‫وتنازل أمان الله خان عن الحكم لخيه عناية الله عام )‪1348‬هس( ‪ ,‬ونجح أحد قطاع‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 484 [ ‬‬

‫الطرق ويسمى " باجه السقا " في الستيلء على كابول وأعلن نفسه ملكا على بلد‬
‫الفغان باسم " حبيب الله غازي"‪.‬‬
‫وعاد القائد ) محمد نادر شاه( ابن عم الملك المخلوع إلى البلد واستولى على‬
‫السلطة وأعلن نفسه ملكا على أفغانستان ‪ .‬وفي عهده تأسس الحزب الديمقراطي‬
‫ذي الميول الشيوعية سنة )‪1351‬هس(‪.‬‬
‫وبعد وفاته تولى ابنه الملك " محمد ظاهر شاه " فنهض بالجيش ‪ ,‬و حاول إنشاء‬
‫نظام دستوري ونشر التعليم ‪ ,‬ووثق علقاته بالدول السلمية واتبع سياسات النفتاح‬
‫على الغرب وكان كثير التردد على إيطاليا ودول أوربا ‪.‬‬
‫وبدأ التنافس الروسي المريكي في أفغانستان ‪ ,‬وتعاظم الخطر الروسي ‪ ,‬وحاول‬
‫الشيوعيون قلب نظام الحكم متعاونين مع السردار ) محمد داوود( ابن عم الملك‬
‫ونجحوا في القيام بانقلب سنة )‪1393‬هس( ألغى الملكية وأعلن قيام الجمهورية‪ .‬وحكم‬
‫البلد بطريقة دموية بالغة القسوة فقتل آلف الناس!‪.‬‬
‫ثم نجح الشيوعيون في إحداث انقلب عسكري جديد سنة )‪1398‬هس ‪1980 /‬م (‬
‫بزعامة " محمد نور تراقي"‪ .‬فقتل آلف الناس خلل أيام ! وأعدم ‪ 29‬ولدا من أبناء‬
‫داوود أمام عينيه ‪ ,‬ثم ختم به وأعدمه رميا بالرصاص !!! فذاق داوود ما أذاق الناس‬
‫من القهر والقتل ! ثم نهج تراقي نهج الشيوعية الحمراء ‪.‬‬
‫فاندلعت المقاومة وحركات الجهاد التي اتخذت طابع الجهاد السلمي ضد‬
‫الحكومة الشيوعية ‪ ,‬وتدخل التحاد السوفييتي والوليات المتحدة في " المسألة‬
‫الفغانية " ‪ ,‬فقام السوفيت بإعداد انقلب آخر بزعامة " بابراك كارمل" المؤزر‬
‫بالقوات السوفييتية التي تدخلت مباشرة في عملية غزو مكشوفة سنة ‪ 1979‬م‪.‬‬
‫وانطلقت أحزاب المجاهدين تواجه روسيا وتلقت دعما إسلميا وعالميا ‪ .‬مما أدى‬
‫لهزيمة الروس هزيمة منكرة فانسحب الروس سنة ‪ .1989‬وكانت هزيمتهم في‬
‫أفغانستان إيذانا بانهيار التحاد السوفييتي وتفككه وتفكك حلف وارسو العالمي ‪.‬‬
‫ثم تمكن المجاهدون من إسقاط الحكم الشيوعي خصوصا بعد انهيار التحاد‬
‫السوفييتي سنة ‪ 1990‬وسقوط الشيوعية العالمية وزوالها ‪.‬‬
‫لكن فتنة الصراع بين الفصائل المختلفة من المجاهدين أوقع البلد في حروب‬
‫أهلية مابين )‪ , (1996-1992‬بتدبير من أمريكا وبعض الدول الوربية ‪ ,‬والسلمية‬
‫وعلى رأسها باكستان والسعودية ‪ .‬وراح ضحية هذه الحرب زهاء ‪ 40‬ألف مسلم فيهم‬
‫خيرة المجاهدين ‪.‬‬
‫ثم ولدت حركة طالبان في قندهار أواخر سنة ‪ .1993‬بزعامة المل محمد عمر ‪,‬‬
‫وتمكنت من إقامة إمارة إسلمية أعلنت الحكم بالشريعة السلمية بعد دخولها كابل‬
‫سنة ‪ .1996‬وصارت أفغانستان ملجأ للحركات الجهادية العربية والسلمية ‪ .‬ودخل‬
‫طالبان في صراع مرير مع تحالف أحزاب الشمال من الوزبك و الفرسوان و الهزارة‬
‫الشيعة ‪ ,‬وتدخلت القوى الدولية والقليمية مرة أخرى ‪..‬‬
‫إلى أن غزت أمريكا أفغانستان بمعاونة باكستان والسعودية ودول الخليج وبعض‬
‫الدول الوربية وإيران ! بعد أحداث سبتمبر الشهيرة ‪ ,‬وأسقطت إمارة طالبان في‬
‫ديسمبر ‪ 2001‬وما تزال القوى السلمية المتعددة ‪ ,‬والطالبان يخوضون غمار الجهاد‬
‫من جديد ضد القوات المريكية وحلفائها إلى الن ‪.‬‬
‫) راجع كتاب ) طالبان وأفغانستان ومعركة السلم اليوم ‪ ( 1 -‬للمؤلف ‪ ,‬وستأتي‬
‫تفاصيل لحقة متعلقة بهذا الموضوع في الفصول القادمة إن شاء الله ‪.‬‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 485 [ ‬‬

‫دول وسط آسيا ( تركستان ( ‪:‬‬ ‫‪.5‬‬


‫تقع تركستان ) بلد التراك( في أسيا الوسطى وتحدها من الشرق الصين‬
‫ومنغوليا‪ ,‬ومن الغرب قزوين ونهر أورال‪ ,‬ومن الجنوب التبت وكشمير وباكستان‬
‫وأفغانستان وإيران‪ ,‬ومن الشمال منغوليا وسيبيريا‪ .‬وكان يتقاسمها بالحتلل كل من‬
‫التحاد السوفيتي السابق والصين الشعبية‪ ,‬بموجب معاهدات عديدة بدأت بمعاهدة "‬
‫برشينك" في أغسطس ‪ 1689‬م‪ .‬وانتهت بمعاهدة " سانت بتروسبورغ" في فبراير‬
‫‪1981‬م‪.‬‬
‫ويعرف الجزء الغربي الذي كان يحتله التحاد السوفييتي بتركستان الغربية ويتألف‬
‫من خمس دول تبلغ مساحتها مجتمعة زهاء ‪ 5‬مليون كم مربع !‪.‬أما الجزء الشرقي‬
‫الذي احتلته الصين الشعبية فيعرف بتركستان الشرقية ) سيانغ يانغ ( كما أسماه‬
‫الصينيون بعد احتلله ‪ .‬وتبلغ مساحته زهاء )‪ ( 1. 734 750‬كم مربع ‪.‬‬

‫الغزو الروسي لبلد آسيا الوسطى السلمية ومراحله ‪:‬‬

‫كان الروس أمة وثنية ثم دخلوا النصرانية سنة‬ ‫•‬


‫‪378‬هس أي ‪988‬م‪.‬‬
‫بعد فتح القسطنطينية من قبل العثمانيين سنة‬ ‫•‬
‫) ‪ 857‬هس ‪1452 /‬م ( فر قساوستها إلى روسيا وصار الروس يمثلون الكنيسة‬
‫الشرقية و يحملون لواء الصليبية في آسيا ‪.‬‬
‫ظهر إيفان الثالث سنة ‪885‬هس ‪1480 /‬ميلدية‬ ‫•‬
‫‪ .‬وبدأ حروبه ضد التتار المسلمين وأبعدهم عن موسكو‪.‬‬
‫خلفه حفيده )إيفان الرهيب ( الذي اكتسح بلد‬ ‫•‬
‫التتار المسلمين واستولى على حوض نهر الفولغا وفرض النصرانية على التتار فيها‬
‫أو الهجرة ‪.‬‬
‫فرض إيفان النصرانية على بلد المسلمين‬ ‫•‬
‫البشكير ‪ .‬فاستخفى أهلها بالسلم نحو ‪300‬سنة وأعلن أحفادهم السلم عام‬
‫‪ 1905‬على عهد القيصر الذي أعطى الحريات الدينية ‪.‬‬
‫انتزع إيفان سيبيريا من المسلمين عام‬ ‫•‬
‫ً‬
‫‪988‬هس ‪1580/‬م ‪ .‬ثم احتل بلد القفقاس التي كانت تابعة للعثمانيين مستفيدا من‬
‫نزاعهم مع الشيعة الصفويين في إيران ‪.‬‬
‫اعترف شاه إيران ) نادر شاه ( للروس‬ ‫•‬
‫بالسيطرة على بلد القفقاس عام ‪1813‬م وأعلن أهل القفقاس الجهاد ضد‬
‫الروس بقيادة شعب الداغستان وذلك ‪ 1859 -1722‬م ‪ .‬فحاربوا الروس ‪137‬‬
‫سنة حتى خضعت القفقاس ‪ .‬ثم انطلق الروس إلى وسط آسيا بعد أن رأوا صعوبة‬
‫النتشار في أوربا ‪ .‬فقرر اسكندر الثاني قيصر روسيا عام ‪1273‬هس‪1856/‬م أن‬
‫وسط آسيا هو مجال التوسع الروسي واتجهت القوات القيصرية إلى وسط آسيا‬
‫اعتبارا ً من ‪1276‬هس ‪1859 /‬م‪.‬‬
‫احتل الروس طشقند عام ‪1282‬هـ‪/‬‬ ‫•‬
‫‪1865‬م‪ ،‬وتوالى بعد ذلك سقوط المدن و الخانيات وهي )المارات الصغيرة (‪.‬‬
‫فسقطت سمرقند ‪1868‬م ‪ .‬ثم بخارى‬ ‫•‬
‫‪1873‬م‪ .‬ثم خوارزم ‪1874‬م ‪ .‬وواجه الروس مقاومة شديدة في خوقند ‪،‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 486 [ ‬‬

‫فدكوا المدينة وأحدثوا بها مذبحة رهيبة سنة ‪1876‬م ‪ .‬ثم سقطت مرو وبلد‬
‫التركمان بعد مقاومة عنيفة من ‪ 1873‬م إلى ‪ 1874‬م ‪ .‬وأتم الروس‬
‫السيطرة على بلد التركستان سنة ‪1900‬م وأصبحت حاضنة للدارة‬
‫العسكرية الروسية التي اتبعت فيها سياسة الستار الحديدي وحاولوا تنصير‬
‫المسلمين ‪.‬‬
‫كان تحرك الروس وسقوط المسلمين‬ ‫•‬
‫سريعا ً ‪ ،‬وذلك رغم المقاومة الباسلة نتيجة عوامل عديدة أهمها النزاع القومي‬
‫والفرقة العرقية بين أكثر من مئة عرق وجنس قومي يكونون نسيج المنطقة الثني‬
‫!‪ .‬وكذلك التخلف وتدني مستوى التعليم والتسليح بين المسلمين ‪ .‬وكذلك ضعف‬
‫الدولة العثمانية في استنابول وترهلها وعدم قدرتها على نجدة للمسلمين كما مر‬
‫في تاريخها تلك الفترة ‪.‬‬
‫فرض الروس القياصرة سياسة البطش‬ ‫•‬
‫وفرضوا التخلف والجهل على البلد ليسهل احتللها ‪.‬‬
‫دبت الفوضى في دولة القياصرة مدة ربع‬ ‫•‬
‫قرن من )‪ (1928 -1905‬واتسعت حركات التمرد السياسية التي أسفرت عن‬
‫الثورة البلشفية بعد هزيمة القياصرة أمام اليابان وانهيار هيبتهم سنة ‪1904‬م‬
‫ونتيجة كثرة الفساد الداري والقتصادي وسوء الدارة في القاليم ‪.‬‬
‫بدأت الثورة البلشفية بحركة عمالية في مدينة‬ ‫•‬
‫بتروغراد في آذار سنة ‪1917‬م وعاد لينين ) اليهودي ( من سويسرا يحمل مبادئ‬
‫الشيوعية التي نادى بها ماركس ) اليهودي( أيضا ‪ .‬وتسلم السلطة ونادى القليات‬
‫في التحاد السوفيتي لمساعدته مقابل إنصاف العراق والديان بوعود كاذبة جذابة‬
‫خص المسلمين بقدر كبير منها واستحثهم حتى انضم كثير من المسلمين إلى ثورة‬
‫البلشفيك سعيا ً منهم للثأر من طغيان القياصرة ‪.‬‬
‫ورغم بوادر خيانة الروس البلشفيك‬ ‫•‬
‫للمسلمين سيطرت حالة التشرذم والتفكك عليهم وسعى كثير من رجال الدين‬
‫المسلمين والعلماء في الوقوف مع البلشفيك والسلطات الروسية وجروا وراءهم‬
‫عوام المسلمين إلى الكفر والضلل والحتلل !‪.‬‬
‫استمر لينين في سياسة الخداع ووجه نداءات‬ ‫•‬
‫استعطاف وتعاضد مع المسلمين وانزل وثائق وبيانات استحثت المسلمين‬
‫العثمانيين واليرانيين ضد القياصرة وأرفق ذلك ببعض السياسات المنفتحة مع‬
‫المسلمين مثل تسليم بعض الوقاف والثار السلمية لدارتهم الدينية ‪.‬‬
‫مع ذلك لم يكن انخداع المسلمين بلينين كامل ً‬ ‫•‬
‫‪ .‬فقد لقت قواته مقاومة شرسة ولسيما في بلد التركستان وأوزبكستان ووادي‬
‫فرغانة ‪.‬‬
‫حصلت ثورة أهلية إسلمية عارمة في منطقة‬ ‫•‬
‫الورال وسيبيريا فهزموا الجيش الحمر واستقرت تلك الثورة في وادي فرغانة‬
‫وحاول العثمانيون مساعدتهم واستمرت تلك المقاومة من ‪1928 -1918‬م ‪.‬‬
‫بعد انهيار المقاومة دبت الفرقة والفساد في‬ ‫•‬
‫أوساط كثير من المسلمين التركستان و الوزبك وانضم كثير منهم للحزاب‬
‫والجمعيات والمؤسسة الشيوعية والشتراكية وحاول كثير من رجال الدين‬
‫المسلمين التوفيق بين الشيوعية والسلم والماركسية ولم يحل هذا دون حصول‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 487 [ ‬‬

‫سياسة تصفية المسلمين على عهد لينين ثم ستالين حتى قضوا على من ناصرهم‬
‫من المسلمين ‪.‬‬
‫خلف ستالين لينين واستمرت سياسة‬ ‫•‬
‫البطش الذي صار معلنا ً لسيما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية التي أبلى بها‬
‫المسلمون الرازحون تحت احتلل التحاد السوفيتي بلًء عظيمًا‪ .‬ووقفت كثير من‬
‫قيادات المسلمين الدينية بصلبة مع التحاد السوفيتي وموسكو وستالين ضد‬
‫اللمان في الحرب الثانية !!‪.‬‬
‫استطاع ستالين أن يخدع كثير من القيادات‬ ‫•‬
‫الدينية السلمية المنافقة من أعلى ممثلي الفتاء ووصول إلى كثير من عوام‬
‫المسلمين ‪ .‬وبعد انتهاء الحرب العالمية شن ستالين حرب إبادة على المسلمين‬
‫في القفقاس وجهوريات وسط آسيا وبلغ ضحاياه أكثر من ‪ 20‬مليون مسلم ‪.‬نقل‬
‫المليين منهم ليموتوا في صحراء سيبيريا الجليدية حتى أكلوا جثث موتاهم ! ثم‬
‫استمرت هذه السياسة بعده في عهود خروتشوف ثم خلفه بريجينيف ومن تلهم ‪،‬‬
‫حتى تفكك التحاد السوفيتي بفضل الله ثم بفضل الجهاد الفغاني ووقوف المة‬
‫السلمية وطليعتها المجاهدة وقفة الدين والشرف في أفغانستان وذلك بهزيمتهم‬
‫وانتهاء دولتهم سنة ‪ 1990‬م ‪.‬ولله الحمد ‪.‬‬
‫وصل غورباتشوف إلى الحكم بعد حركة‬ ‫•‬
‫الصلح ) البروستريكا( ‪ .‬وتفكك التحاد السوفيتي وزالت الشيوعية واستقلت‬
‫شكليا ً جمهوريات وسط آسيا ‪ .‬وربطتها روسيا معها بإدارة عسكرية وتواجد‬
‫عسكري فعلي لسيما على الحدود وخصوصا ً في طاجيكستان وأوزبكستان و‬
‫تركمانستان ‪.‬‬
‫ثم أنشئ بإشراف أمريكي رابطة دول وسط‬ ‫•‬
‫آسيا لمقاومة السلم الزاحف من أفغانستان ‪.‬‬
‫وعلى جبهة القفقاس ذاق الروس هزيمة‬ ‫•‬
‫منكرة على يد الشيشان ما بين ‪ 1994‬و ‪ . 1997‬وأعقب ذلك استقلل الشيشان‬
‫ثم احتللها مرة أخرى وتهجير أكثر أهلها ‪ ,‬وما يزال الجهاد فيها جاريا إلى الن ‪.‬‬
‫وتلوح بوادر انتقال الثورة إلى الداغستان ثم سائر القفقاس لتلتقي مع أوار النار‬
‫المضطرمة تحت الرماد أيضا ً في منطقة ما وراء النهر ووسط آسيا قريبا إن شاء‬
‫الله ‪.‬‬

‫واقع جمهوريات آسيا الوسطى والمسلمون بعد تفكك التحاد‬


‫السوفيتي ‪:‬‬
‫تكون التحاد السوفيتي البائد قبل تفككه من خمسة عشر جمهورية اتحادية‬
‫رئيسية وبلغ عدد سكانه مجتمعا ً نحو ‪ 286‬مليون نسمة ‪ ،‬وشغل مساحة إجمالية‬
‫قدرها ‪ 22‬مليون كم ‪ ، 2‬وكانت نسبة عدد السكان المسلمين فيه نحو ‪ 75‬مليون‬
‫نسمة ‪.‬‬
‫والمطلع على نسبة المسلمين في تلك الجمهوريات في أسيا الوسطى يندهش‬
‫من الكتشاف أن أكثر من نصف مساحته قائمة أصل ً على الجمهوريات السلمية‬
‫الصل ‪ ،‬وأن معظم عواصمه الرئيسية كانت حواضر إسلمية قبل مائة سنة فقط ‪،‬‬
‫وأن ذلك امتد لكثر من ألف سنة ‪ ،‬فسبحان الله‪ ،‬ولعل الحصائيات الرسمية التالية‬
‫تبرز هذا وهي إحصائيات ذات دللت سياسية وعسكرية مستقبلية بعيدة المدى ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 488 [ ‬‬

‫فجمهوريات التحاد السوفيتي البائد حسب أهميتها ونسبة المسلمين فيها هي على‬
‫الشكل التالي ‪:((1‬‬
‫أول ً ‪ :‬جمهورية روسيا التحادية ‪ :‬عاصمتها موسكو ‪ .‬مساحتها نحو ‪ 10‬مليون كم‬
‫‪ .2‬عدد سكانها نحو ‪143‬مليون نسمة ونسبة المسلمين فيها تتراوح ما بين ‪% 25 -10‬‬
‫من السكان ‪.‬‬

‫ويتبع جمهورية روسيا التحادية عدة جمهوريات تقع في حوض الفولغا‬


‫وهي ‪:‬‬
‫جمهورية بشكيريا ‪ :‬عاصمتها ) أوفا ( ‪،‬‬ ‫‪-1‬‬
‫عدد سكانها ‪ 4.5‬مليون نسمة ‪ ،‬نسبة المسلمين فيها ‪. %56‬‬
‫" تتارستان" عاصمتها ) قازان( سكانها ‪4.5‬‬ ‫‪-2‬‬
‫مليون نسمة ‪.‬نسبه المسلمين فيها ‪. %50‬‬
‫"مورد يفيا‪ ) " :‬شار نسك( ‪ 1.15‬مليون ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫نسبة المسلمين ‪. %55‬‬
‫"ماري‪ ) ":‬يوشكارا اول( ‪ 1,15‬مليون‬ ‫‪-4‬‬
‫نسبة المسلمين ‪%52‬‬
‫‪" -5‬أورنبرغ‪ ) " :‬ألوينبرغ شكالوف ( ‪ 250‬ألف نسمة نسبة المسلمين ‪.%50‬‬
‫‪" -6‬أدمورت‪ ) ":‬أجنسيك ( ‪ 1.850‬مليون نسمة نسبة المسلمين ‪.%52‬‬

‫ويبتع جمهورية روسيا التحادية خمس جمهوريات ذات حكم ذاتي تقع‬
‫شمال القفقاس وهي ‪:‬‬
‫داغستان ‪ :‬عاصمتها ) محج قلعة( وعدد‬ ‫‪-1‬‬
‫سكانها ‪ 2.35‬مليون ‪ .‬نسبة المسلمين ‪.%60‬‬
‫كبا رداي بلكار ‪ :‬عاصمتها) نالجيك ‪ 760‬ألف‬ ‫‪-2‬‬
‫نسمة ‪ .‬نسبة المسلمين ‪.%55‬‬
‫جمهورية قار شاي شركس ‪ :‬عاصمتها‬ ‫‪-3‬‬
‫شركس ‪ 450 .‬ألف نسمة ‪ .‬المسلمين ‪.%60‬‬
‫أو ستينيا الشمالية ‪ :‬عاصمتها‬ ‫‪-4‬‬
‫) اردجونيكرزي( مليون نسمة ‪ .‬المسلمين ‪.%55‬‬
‫الشيشان أنجوش ‪ :‬عاصمتها )جروزني (‬ ‫‪-5‬‬
‫سكانها ‪ 1.73‬مليون المسلمين ‪.%66‬‬
‫جمهورية الديجا ‪ :‬عاصمتها ) ماي كوب (‬ ‫‪-6‬‬
‫‪ 540‬ألف نسمة ‪ .‬المسلمين ‪.%50‬‬
‫جمهورية سيبيريا ‪ :‬عاصمتها ) أو مسك ( ‪25‬‬ ‫‪-7‬‬
‫مليون نسمة نسبة المسلمين ‪.%25‬‬

‫هذا عن جمهورية روسيا التحادية ذاتها‪ ،‬ثم نأتي إلى الجمهوريات التي استقلت ‪:‬‬

‫ثانيا ً ‪ :‬جمهورية روسيا البيضاء ‪ :‬عاصمتها )مسنك( مليون نسمة نسبة‬


‫المسلمين غير محددة ‪.‬‬
‫ثالثا ُ ‪ :‬جمهورية أوكرانيا ‪ :‬عاصمتها ) كييف ( وعدد سكانها ‪ 51‬مليون نسمة بما‬
‫في ذلك سكان ولية القرم ) وعددهم ‪ 7‬مليون ( ونسبة المسلمين فيها ‪!!! %71‬‬

‫) أخذت الحصائيات من رسالة ماجستير مقدمة للجامعة السلمية المنورة عن أحوال المسلمين في وسط آسيا ( ‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 489 [ ‬‬

‫رابعا ً ‪ :‬جهورية ل تفيا ‪ :‬عاصمتها ) ميلنوس ( وسكانها ‪2.5‬مليون نسبة المسلمين‬


‫غير معروفة ‪.‬‬
‫خامسا ً ‪ :‬جمهورية استونيا ‪ :‬عاصمتها ) نازلين ( سكانها ‪ 1.15‬مليون نسمة ‪.‬‬
‫نسبة المسلمين غير معروفة‪.‬‬
‫سادسا ً ‪ :‬جمهورية مولدا فيا ‪ :‬عاصمتها ) كشينوف ( عدد سكانها ‪ 4‬مليون نسمة‬
‫نسبة المسلمين ‪. %5‬‬
‫سابعا ً ‪ :‬جمهورية ليتوانيا ‪ :‬عاصمتها )ريجا( سكانها ‪ 3.5‬مليون نسمة وفيها‬
‫‪ 18000‬مسلم ‪.‬‬
‫ثامنا ً ‪ :‬جمهورية أرمينيا ‪ :‬عاصمتها ) باريفان ( وسكانها ‪ 3.3‬مليون نسمة نسبة‬
‫المسلمين فيها ‪.%17‬‬
‫ويتبعها جمهورية نخجيفان بحكم ذاتي وسكانها ‪ 300‬ألف نسمة عاصمتها ناجوان‬
‫ونسبة المسلمين ‪.%95‬‬
‫تاسعا ً ‪ :‬جمهورية جورجيا ‪ :‬وعاصمتها ) تفليس( وسكانها ‪ 3.5‬مليون نسمة نسبة‬
‫المسلمين فيها ‪ %19‬وتتبع جورجيا كل من ‪:‬‬
‫جمهورية أبجازيا ‪ :‬عاصمتها )سوقوم( وسكانها ‪ 750‬ألف نسمة نسبة المسلمين فيها‬
‫‪. %19‬‬
‫جمهورية أجاريا ‪ :‬عاصمتها ) باطوم( وسكانها ‪ 450‬ألف نسمة نسبة المسلمين فيها‬
‫‪. %40‬‬
‫عاشرا ‪ :‬جمهورية أذربيجان ‪ :‬عاصمتها باكو وعدد سكانها ‪ 7.27‬مليون نسمة ‪،‬‬ ‫ً‬
‫نسبة المسلمين فيها ‪ %82‬أكثرهم من الشيعة ‪.‬‬
‫ثم جمهوريات آسيا الوسطى السلمية وهي ‪:‬‬
‫أحد عشر ‪ :‬جمهورية أوزبكستان ‪ :‬مساحتها ‪ 447.400‬كم ‪ . 2‬عاصمتها‬
‫) طشقند ( عدد سكانها ‪ 25‬مليون نسمة ‪ ،‬نسبة المسلمين فيها ‪ %88‬من السكان ‪.‬‬
‫إثنى عشر ‪ :‬جمهورية طاجيكستان ‪ :‬عاصمتها )دوشنبيه( ‪ .‬وسكانها ‪5.5‬مليون‬
‫نسمة نسبة المسلمين فيها ‪. %80‬‬
‫ثلث عشر ‪ :‬جمهورية قيرغيزستان ‪ :‬وعاصمتها )بتشكيك ( وسكانها ‪ 5‬مليون‬
‫نسمة ‪ .‬نسبة المسلمين ‪.%73‬‬
‫أربعة عشر ‪ :‬جمهورية تركمانستان ‪ :‬عاصمتها عشق أباد ‪ ،‬سكانها ‪ 4‬مليون ‪.‬‬
‫نسبة السلم فيهم ‪.%86‬‬
‫خمسة عشر ‪ :‬جمهورية كازاخستان ‪ :‬وعاصمتها) المآتا ( ‪ ،‬وسكانها ‪ 17‬مليون‬
‫نسبة المسلمين ‪.%52‬‬
‫وقد استقلت الجمهوريات الربعة عشر عن التحاد السوفيتي الذي لم يبقى منه إل‬
‫روسيا التحادية ‪.‬‬

‫وخلصة أحوال المسلمين في آسيا الوسطى بعد رحيل السيطرة‬


‫الروسية ‪:‬‬
‫استمرار العلقات المنية والعسكرية مع‬ ‫‪-1‬‬
‫الجيش والمن الروسي لسيما على الحدود مع أفغانستان ‪.‬‬
‫ارتباط الدول الخمسة بإشراف روسي‬ ‫‪-2‬‬
‫أمريكي في حلف دول وسط آسيا وهو حلف أمني عسكري لمواجهة مد الجهاد‬
‫والسلم القادم من أفغانستان ‪.‬‬
‫حلول الحتلل والنفوذ المريكي اليهودي‬ ‫‪-3‬‬
‫الغربي وما يتبع ذلك من سيطرة اقتصادية وثقافية وحركات تبشير وتنصير مكان‬
‫النفوذ الروسي الشيوعي السابق ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 490 [ ‬‬

‫تحول الكوادر والحزاب والشخصيات‬ ‫‪-4‬‬


‫الشيوعية الساسية إلى العمالة للمريكان تحت مسميات جديدة قومية ووطنية‬
‫وديمقراطية ‪.‬‬
‫استمرار سياسة العداء للسلم وبشكل سافر‬ ‫‪-5‬‬
‫على يد المرتدين والشيوعيين من أبناء المسلمين في البلد بعد أن كانت هذه‬
‫المهمة موكلة للستعمار الصليبي الروسي ‪ .‬وبذلك شنت هذه الحكومات حربا ً‬
‫مكشوفة على الحركات والدعوة والنشاطات السلمية المختلفة كالمدارس ودور‬
‫التحفيظ ومظاهر اللتزام ‪ .‬فطاردت بشكل خاص التوجهات الجهادية كما في‬
‫عموم بلد السلم تحت مسمى مكافحة الرهاب‬
‫في طاجيكستان وصلت المواجهة مع‬ ‫‪-6‬‬
‫السلميين لحد الصدام المسلح وتمكنت الحكومة من تدجين الحركة السلمية‬
‫الساسية فيها وهي حركة النهضة فيما تستمر أجزاء من الحركة ذات التوجه‬
‫الجهادي مسيطرة على مناطق وأجزاء من طاجيكستان‪.‬‬
‫في أوزبكستان ومع ميلد بوادر جهادية وصلت‬ ‫‪-7‬‬
‫لحد التخطيط لقتل رئيس الدولة وتنفيذ بعض العمال الجهادية العسكرية حصلت‬
‫موجة من العتقالت تلتها محاكم صدرت فيها أحكام ظالمة بالعدام على بعض‬
‫المجاهدين وبالسجن على عشرات آخرين ‪ .‬وأثبتت هذه المواجهة الدعم والتعاون‬
‫المني القليمي على مستوى الدول الخمسة والدولي بإشراف أمريكي حيث‬
‫اعتقل العديد من هؤلء المتهمين من دول متعددة وسلموا لحكومة أوزبكستان‬
‫فورا ً وذلك بفعل التعاون المباشر بين دول المنطقة وروسيا والمريكان والنظام‬
‫الدولي ‪ ,‬خوفا من قفزة يحققها جهاد المسلمين إلى آسيا الوسطى بعد النتصار‬
‫الزاهر الذي حققوه في أفغانستان وأدى لقيام نواه حقيقية لدولة السلم المرتقبة‬
‫ونهضة المسلمين العائدة المنشودة إن شاء الله ‪.‬‬
‫قيرغيزستان ‪ :‬جرت المناورات العسكرية ضد‬ ‫‪-8‬‬
‫الرهاب والخوف من الهجوم المفترض لطالبان !رغم تشتت طالبان واختفائها‬
‫وذلك أواسط سنة ‪ 2004‬م‪.‬‬
‫تركمانستان ‪ :‬منعت بناء المساجد الجديدة‬ ‫‪-9‬‬
‫وطباعة القرآن ‪ .‬ومنعت اللحى والحجاب ‪ ,‬وأمرت الحكومة بكتابة هلوسات رئيس‬
‫تركمانستان ‪ -‬في كتاب كتبه ‪-‬على جدران المساجد إلى جانب القرآن أو عوضا عنه‬
‫!‬
‫‪((1‬‬
‫تركستان الشرقية المحتلة من قبل الصين ‪:‬‬
‫فتحت تركستان الشرقية أول مرة على يد القائد المجاهد قتيبة بن مسلم حيث‬
‫دخل إلى " كاشغر " وذلك في عهد الخليفة الموي الوليد بن عبد الملك عام ) ‪96‬‬
‫هس ‪ 715 /‬م (‬
‫وفي نهاية العصر الموي وبداية العصر العباسي الول في القرن الثالث للهجرة‬
‫أسلم الخاقان سلطان الترك " ستوق بوغراخان " وسمى نفسه عبد الكريم ‪ ,‬وتبعه‬
‫في السلم أبناؤه وكبار رجال دولته‪ ,‬ومنذ ذلك اليوم أصبح السلم دينا رسميا للدولة‪,‬‬
‫وبقيت تركستان دولة إسلمية مستقلة حوالي تسعة قرون‪ ,‬ومنذ ذلك الحين جميع‬
‫أهلها مسلمون‪.‬‬
‫الحتلل الصيني لتركستان الشرقية‪:‬‬
‫)‪ ) (1‬هذه التفصيلت كتبها الشهيد المير حسن أبو محمد التركستاني في كابل سنة ‪ 2000‬لتلحق برسالة – المسلمون‬
‫في آسيا الوسطى ومعركة السلم القادمة ‪ -‬للمؤلف ( ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 491 [ ‬‬

‫في القرون الثامن عشر الميلدي وقعت أجزاء كثيرة من العالم السلمي فريسة‬
‫للستعمار الوروبي والسيوي‪ .‬ففي أسيا اتفق المستعمران الروسي والصيني على‬
‫تقسيم أرض المسلمين التراك من خلل عدة معاهدات‪ .‬وسقط هذا الجزء المسلم‬
‫في يد الصين بعد أن لقي ) ‪ ( 1 .200 .000‬تركستاني مسلم حتفهم ‪ ,‬ونفي )‪22000‬‬
‫( عائلة تركية إلى داخل الصين ليذوبوا في شعوب الصين !‪.‬‬
‫الستقلل التركستاني‪:‬‬
‫ثار المسلمون في تركستان الشرقية ضد الستعمار الصيني والضطهاد البوذي‬
‫سبعة ثورة كبيرة عارمة‪ .‬أثمر آخرها عام ‪ 1863‬م عن تحرير تركستان الشرقية من‬
‫الحكم الصيني وتكوين مملكة مستقلة في القرن التاسع عشر الميلدي‪ ,‬تشكلت‬
‫حكومات محلية في خمس مناطق‪ ,‬وانضوت جميعها تحت حكم " أتاليق غازي يعقوب‬
‫بك " الذي منحه السلطان العثماني لقب أمير المسلمين ‪ ,‬وكان أتاليق رجل جيدا أنشأ‬
‫المساجد والمدارس السلمية‪ ,‬ومازال عدد منها موجودا حتى الن‪ ,‬ولكن الطماع‬
‫الستعمارية لروسيا والصين تجددت ‪ .‬وبالفعل استولت القوات الصينية على تركستان‬
‫الشرقية في عام ‪ 1878‬م‪ .‬وصدر مرسوم في ‪ 18‬نوفمبر ‪ 1884‬م بجعل تركستان‬
‫الشرقية مقاطعة‪ .‬وتسميتها " سنكيانج " أي المستعمرة الجديدة وجعل " أورومتشي‬
‫" عاصمة لها‪.‬‬

‫الستقلل الثاني لتركستان الشرقية‪:‬‬


‫استمرت ثورات التركستانيين ضد الستعمار الصيني‪ ,‬وقتل الكثير من المسلمين‬
‫في سبيل خلصهم وخلص بلدهم من الحكم الصيني البوذي‪ ,‬وكانت الحكومة الصينية‬
‫تقمع تلك النتفاضات بكل وحشية وقسوة‪ .‬وكلما زادت في اضطهادهم وعنفها تجد‬
‫في أهلها الصرار‪ ,‬حتى تمكن أحد أصحاب التجاهات الدينية وهو " ثابت دامولل " من‬
‫تحرير البلد وتشكيل جمهورية تركستان الشرقية في كاشغر في نوفمبر ‪ 1933‬م‪.‬‬
‫ولكن الوالي الصيني )شنغ شي تساي ( قضى على الثوار وجمهوريتهم في شهر‬
‫يوليو ‪ 1934‬م بمساعدة روسيا الخائفة من وجود هذه الدولة الفتية المسلمة في‬
‫جوارها ‪.‬‬

‫الحكم الصيني الشيوعي في تركستان الشرقية‪:‬‬


‫في عام ‪ 1949‬م أعلن قائد الجيش الصيني في تركستان الشرقية استسلم البلد‬
‫وخضوعها لرأس الكفر و اللحاد في الصين " ماوتسي تونغ " زعيم الحزب الشيوعي‬
‫الصيني‪ ,‬ودخلت القوات الصينية الشيوعية تركستان الشرقية في أكتوبر ‪ 1949‬م‪.‬‬
‫وبذلك بدأ عهد جديد من الرهاب والظلم في تاريخ تركستان الشرقية المسلمة‪.‬‬

‫مرحلة ما بعد ماوتسي تونغ ‪:‬‬


‫تتميز هذه الفترة بتحول الشيوعيين من تطبيق سياسة الرهاب المكشوف إلى‬
‫ممارسة سياسة تطبيق الشيوعية العلمية و ) التصيين ( الثقافي‪ .‬ومن أبرز هذه‬
‫الممارسات‪:‬‬
‫أول‪ :‬التضييق في ممارسة الشعائر الدينية والحيلولة دون انتشار تعاليم السلم‬
‫وذلك لقطع صلة الجيال الجديدة بهويتهم السلمية‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬منع أفراد الشعب التركستاني من ممارسة حقوقهم النسانية المشروعة‬
‫كالتعليم وحرية التعبير إلى جانب العتداء بالمطاردة والعتقال بل والقتل‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬مصادرة ثروات تركستان الشرقية وحرمان أهلها الصليين من خيرات‬
‫بلدهم‪ ,‬وفرض حياة الفقر والعوز عليهم وإهمال التنمية القتصادية في البلد‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 492 [ ‬‬

‫رابعا‪ :‬خداع العالم بإقامة حكم ذاتي صوري لتركستان الشرقية يديره الصينيون‬
‫من وراء الستار‪ ,‬وينفذه الموظفون التركستانيون العملء التابعون لهم‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬إغراق تركستان الشرقية بالمهاجرين الصينيين وإحللهم في أماكن سكن‬
‫وعمل أهل البلد الصليين‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬القيام بتنفيذ التفجيرات النووية في الراضي التركستانية مما نتج عنه‬
‫إفساد البيئة بالسموم ونشر المراض بين أفراد الشعب التركساني‪.‬‬
‫سابعا‪ :‬إجبار أفراد الشعب التركستاني المسلم على تنفيذ سياسة تحديد النسل‪,‬‬
‫وممارسة أقصى العقوبات مع المخالفين لهذه السياسة‪.‬‬
‫ثامنا‪ :‬تشجيع الزواج بين التركستانيين والصينيين‪.‬‬
‫وما يزال المسلمون إلى اليوم يرزحون تحت هذا الحيف والجور والظلم ‪ ,‬مما‬
‫جعل بعضهم يحملون السلح ضد الحكومة الصينية التي تطاردهم بضراوة ‪ ,‬وقد لجأ‬
‫بعضهم سنة ‪ 1997‬إلى طالبان ‪ ,‬وأعادوا إنشاء الحزب السلمي التركستاني ‪ .‬وقد‬
‫قتل الكثير منهم إبان الغزو المريكي لفغانستان مدافعين عن المارة السلمية سنة‬
‫‪ . 2001‬ثم قتل الجيش الباكستاني في مناطق سرحد الحدودية أميرهم )حسن أبو‬
‫محمد التركستاني (مع رهط من رفاقه في شهر ‪ .2003 /11‬رحمهم الله تعالى‬
‫وتقبلهم في الغرباء الفرارين بدينهم ‪ ,‬وجمعنا بهم في عليين ‪.‬‬

‫إندونيسيا ‪:‬‬ ‫‪.6‬‬


‫وهى أكبر الدول السلمية في تعداد السكان ‪ ,‬إذ يبلغ عدد سكانها ما يزيد على‬
‫‪ 200‬مليون نسمة ‪ ,‬ويعتنق السلم منهم حوالي )‪ (%92‬من عدد السكان ‪ ,‬وقد‬
‫انتشر السلم فيها عن طريق التجارة وحل محل الوثنية والبوذية ‪ .‬وتضم إندونيسيا‬
‫مجموعة من الجزر الواقعية في جنوب شرق آسيا وأكبرها سومطرة ‪ ,‬وجاوة ‪,‬‬
‫وبورنيو‪ ,‬وسيليبس ‪ ,‬وتيمور‪ ,‬وجزائر الملوك ‪ ,‬وغينيا الجديدة ‪ ,‬وشبه جزيرة المليو‪.‬‬
‫ونظرا لهمية موقعها الستراتيجي تعرضت للتنافس الستعماري البرتغالي‬
‫والهولندي والنجليزي والسباني والمريكي ‪ ,‬وكانت البرتغال سباقة إلى احتلل‬
‫اندونيسيا ‪ ,‬وقد اتبع البرتغاليون سياسة التبشير التي حولت بعض إلى المسيحية ‪ ,‬ثم‬
‫آلت إندونيسيا لحكم السبان الذين ورثو إمبراطورية البرتغال‪.‬‬
‫ثم استولى الهولنديون على البلد سنة )‪1005‬هس( وأقاموا شركة الهند الشرقية‬
‫الهولندية سنة )‪1011‬هس( التي اتخذت من )جاكرتا( مقرا لها‪.‬‬
‫وفي سنة ٍ)‪1226‬هس( ‪ ,‬استولت بريطانيا على البلد ثم تقاسمت حكمها مع هولندا‬
‫بموجب اتفاق بينهما عقد سنة )‪1229‬هس(‪.‬‬
‫اندلعت مقاومة سكان إندونيسيا ضد الستعمار بزعامة المير عبد الفتاح الذي‬
‫شكل جيشا من الفدائيين وبنى أسطول قويا أثار المتاعب في وجه الهولنديين‪.‬‬
‫وفي القرن الثالث عشر لم تتوقف المقاومة فاندلعت حرب طويلة كبدت‬
‫الهولنديين خسائر فادحة‪.‬‬
‫تأسست عدة أحزاب إندونيسية بعد الحرب العالمية الولى مثل )الجمعية‬
‫المحمدية( وحزب )شركت إسلم( و )الجمعية العائشية( الخاصة بالسيدات‪ ,‬و)حزب‬
‫جاوة الفتاة( و)جمعية اتحاد علماء المسلمين( وغيرها ومعظمها ذات طابع إسلمي‬
‫جهادي ‪ ,‬ثم تبلورت هذه الجمعيات والحزاب في حزبين رئيسين هما )حزب القمصان‬
‫الخضراء( وحزب ) القمصان الحمراء( ‪ ,‬كان الحزب الول يلجأ إلى أسلوب‬
‫المفاوضات لتحقيق الستقلل أما الحزب الخر فقد اتخذ أسلوب الجهاد المسلح‬
‫وتحول إلى )حزب شيوعي( وخلل الفترة ما بين الحربين تأسس )حزب إندونيسيا‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 493 [ ‬‬

‫العظمى( و )الحزب الوطني( بزعامة سوكارنو اللذان نجحا في إرغام هولندا على‬
‫تخفيف سياسة العنف والبتزاز القتصادي‪.‬‬
‫ولما قامت الحرب العالمية الثانية استولت اليابان على إندونيسيا سنة )‪1361‬هس(‬
‫فاندلعت حركة المقاومة الوطنية برئاسة أحمد سوكارنو ومحمد حتا ‪ ,‬كما تأسس‬
‫حزب إسلمي يسمى )حزب الله( واشترك الجميع في مواجهة الحتلل الياباني‪.‬‬
‫ولما انتهت الحرب أعلنت اليابان استقلل إندونيسيا سنة ) ‪1364‬هس( وبعد‬
‫انسحاب اليابان اشتركت إنجلترا وهولندا في حملة على إندونيسيا تمكنت من‬
‫الستيلء على بعض الجهات والمدن الهامة في سومطرة وجاوة‪ ,‬ومع استمرار النضال‬
‫أرغمتها على العتراف باستقلل إندونيسيا وفق اتفاقية عقدت سنة )‪1366‬هس( لكن‬
‫هولندا لجأت مرة أخرى إلى غزو البلد سنة )‪1368‬هس( وألغت اتفاقية سنة )‬
‫‪1366‬هس( ‪ ,‬ونتيجة للضغط الدولي جرى عقد مؤتمر لهاي سنة )‪1369‬هس( الذي‬
‫أسفرت عن إنهاء الستعمار الهولندي‪.‬‬
‫ثم حدث صراع بين الحزاب ذات الميول الشيوعية والخرى السلمية وأسفر‬
‫الصراع عن انقسام إندونيسيا إلى حكومتين إحداهما سوفيتية ومركزها )ماديون(‬
‫والخرى وطنية ومركزها )جاكرتا( ‪ ,‬ثم اتحدت الدولتان سنة )‪1369‬هس( تحت اسم‬
‫)جمهورية إندونيسيا( برئاسة أحمد سوكارنو‪.‬‬
‫قام انقلب شيوعي سنة )‪1385‬هس( ‪ ,‬لكن وزير الدفاع كلف الجنرال )سوهارتو(‬
‫بمواجهة النقلب الذي أيده أحمد سوكارنو‪.‬‬
‫وتحت ضغط القوى الوطنية السلمية أرغم سوكارنو على التنازل عن الحكم سنة‬
‫)‪1386‬هس ‪ (1968 -‬وتولى الجنرال سوهارتو رئاسة الجمهورية‪.‬‬
‫ثم تدهورت أحوال البلد بسبب فساد سوهارتو وأسرته ‪..‬وحصلت اضطرابات‬
‫كثيرة ‪ .‬وأدت إلى اعتماد الصلحات السياسية والنتخابات التي تنازعنها أحزاب‬
‫علمانية وشخصيات مدنية وعسكرية ‪ ,‬وما تزال هذه أحوالها إلى اليوم ‪.‬حيث آلت‬
‫رئاسة الجمهورية في النتخابات الخيرة ‪ 2004‬إلى جنرال عسكري تعهد في خطاب‬
‫فوزه بمكافحة الرهاب بالتعاون مع أمريكا وأستراليا ‪!!.‬‬
‫تعرضت البلد وما تزال لحركة تنصير قوية منذ مئات السنين ‪ ,‬وقد اشتدت خلل‬
‫القرن الخير ‪ ,‬وقد قرأت في بعض التقارير الحصائية لبعض المؤسسات السلمية‬
‫السعودية سنة ‪1992‬أن عدد الذين تنصروا في أند ونسيا يبلغ زهاء ‪ 30‬مليون نسمة !‬
‫‪.‬‬
‫ونظرا لكبر البلد وتطورها الصناعي وانتشار الصحوة السلمية القوية فيها ‪,‬‬
‫تتعرض إندونيسيا لمؤامرات لتقسيمها ‪ ,‬وقد نجحت الدول الوربية بدعم حركات‬
‫النصارى الذين نصروهم عبر سنين الحتلل ثم الستقلل ‪ ,‬بفصل تيمور الشرقية عن‬
‫إندونيسيا ‪ ,‬وتشهد جزر الملوك أعمال قتال بين المسلمين والنصارى الذين قاموا‬
‫بأعمال وحشية ‪ ,‬فأحرقوا البيوت ‪ ,‬وصوروا بعضهم وهم يأكلون لحوم القتلى من‬
‫المسلمين نيئة ومشوية ! وقد انتعشت مؤخرا في إندونيسيا وماليزيا وتايلند وما‬
‫جاورها من دول شرق آسيا صحوة إسلمية قوية تحولت للجهاد والمواجهة للمصالح‬
‫المريكية والغربية والسترالية ‪ ,‬مما جعل تلك البلد هدفا للحملت المريكية‬
‫المسعورة تحت دعاوى مكافحة الرهاب ‪.‬أن الله إخواننا ونصرهم ‪.‬‬

‫ماليزيا ‪:‬‬ ‫‪.7‬‬


‫مملكة إسلمية معاصرة تضم شبه جزيرة من المل يو وشمال جزيرة بورنيو‬
‫وتتألف من ثلثة عشرة ولية ‪ .‬وقد انتشر السلم في ماليزيا عن طريق التجارة ‪,‬‬
‫ففي عام )‪675‬هس( أسلم ملكها باسم ) سلطان محمد شاه( وتبعه رعاياه وكانت البلد‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 494 [ ‬‬

‫من قبل قد تعرضت للستعمار البرتغالي عام )‪918‬هس( ثم حل محله الستعمار‬


‫الهولندي سنة )‪1051‬هس(‪.‬‬
‫وفي سنة )‪1201‬هس( وقعت البلد تحت الحكم البريطاني وفي سنة )‪1360‬هس ‪-‬‬
‫‪ ( 1940‬اجتاحت اليابان البلد ‪ ,‬ثم انسحبت منها بعد الحرب العالمية الولى وعاد‬
‫الستعمار البريطاني الذي أقام اتحادا بين المحميات البريطانية في المليو‪.‬‬
‫وفي سنة )‪1375‬هس( صدر الدستور وتألفت جبهة ائتلف برئاسة )تنكو عبد‬
‫الرحمن( استطاعت أن تحصل على الستقلل سنة )‪1376‬هس(‪.‬‬
‫وفي عام )‪1383‬هس( تأسس اتحاد يضم المليو وسنغافورة وشمال بورنيو عرف‬
‫باسم )اتحاد ماليزيا ( وفي عام )‪1385‬هس( خرجت سنغافورة عن دولة التحاد‪.‬‬
‫قامت نهضة معاصرة في ماليزيا متأثرة بالنموذج الياباني ‪ ,‬فتحولت إلى دولة‬
‫صناعية مزدهرة‪ .‬وتشهد ماليزيا صحوة إسلمية و جهادية واعدة هذه اليام فتح الله‬
‫عليهم ‪.‬‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 495 [ ‬‬

‫ونكتفي بهذه النماذج من الدول العربية والسلمية ‪ ,‬فالقصة متكررة ‪,‬‬


‫وبسيطة ‪ ,‬وخلصتها ‪:‬‬
‫احتلل الدول الوربية وغيرها لبلد المسلمين بالتدريج منذ القرن‬
‫السابع عشر ‪..‬وتصاعد ذلك بعد انهيار الدولة العثمانية ‪ .‬ثم قيام حركات‬
‫مقاومة وجهاد لذلك الحتلل ‪ ,‬ثم نشوء أحزاب علمانية وقوميو ويسارية‬
‫‪..‬استولت على جهود الجهاد ‪ ,‬ورتب المستعمرون لهم استلم الحكم بعد‬
‫الستقلل ‪ ,‬فحاربوا السلم ونهبوا البلد وأذلوا العباد لصالح أسيادهم ‪.‬‬
‫ثم ورث الروس والمريكان النفوذ الستعمار ‪ ,‬واستمرت المأساة‬
‫وازدادت ضراوة ‪.‬‬
‫ثم لما انفردت أمريكا بالسيطرة على العالم منذ ‪ , 1990‬سيطرت‬
‫على أولئك الحكام وأخضعتهم ‪ ,‬وبعد إحداث سبتمبر ‪ , 2001‬ازدادت‬
‫الكارثة ‪ ,‬وتحولت لكابوس على المسلمين جراء تحالف أولئك الحكام‬
‫المرتدين مع أمريكا ضد شعوبهم عامة والمسلمين الملتزمين خاصة ‪,‬‬
‫تحت دعوى مكافحة الرهاب ‪ .‬حيث أعلنت أمريكا بقيادة جورج بوش‬
‫الحملت الصليبية اليهودية الجديدة مفتتحة ذلك باحتلل أفغانستان ثم‬
‫العراق ‪ .‬حيث تستعد للمراحل التالية فيما يجاورها ‪.‬‬
‫وبعد ما مر من الستعراض السريع لهم محطات التاريخ السلمي ‪ ,‬وأهم‬
‫الممالك والدول التي قامت عبر ذلك التاريخ ‪ ,‬وقبل أن نزدلف إلي الفصل التالي الذي‬
‫سندرس فيه دراسة تحليلية محطات الصراع مع الروم ‪ ,‬وملمح ذلك الصراع ‪,‬‬
‫ومعادلت القوى فيه ‪ ,‬وذلك من أجل البحث عن مسببات النصر والهزيمة في مراحل‬
‫ذلك الصراع ‪ .‬نرى من المفيد بل الضروري أن نعرض قبل ذلك لفكرة سريعة عن‬
‫تاريخ هؤلء الروم ‪ ,‬والمحطات الرئيسية للدول والممالك التي حملت رايتهم عبر‬
‫التاريخ ‪ ,‬وإلى أيامنا هذه ‪ .‬وكذلك عن خلصة مسار صراع المسلمين مع الروم منذ‬
‫البعثة النبوية وإلى أيامنا هذه ‪.‬‬
‫لن أهم المعلومات اللزمة لنا بعد معرفتنا بأنفسنا وتاريخنا‬
‫ومحطات نصرنا وهزائمنا وأسباب ذلك‪ ,..‬أن نعرف ما يمكن من مثل ذلك‬
‫عن عدونا ‪ .‬لنعرف نقاط ضعفه وقوته وندرس تاريخ صراعنا معه ‪,‬‬
‫ومعطيات وأسباب النصر عليه بإذن الله ‪.‬‬

‫*************‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 496 [ ‬‬

‫‪((1‬‬
‫نبذة سريعة وموجزة عن تاريخ الروم‬
‫(‪ 600‬قبل الميلد – ‪ 2004‬ميلدية (‬

‫بدأ تجمع قبائل الرومان القدماء في السسسهول الشسسرقية لشسسبه الجزيسسرة اليطاليسسة‪.‬‬
‫وهناك بنوا النواة القديمة لمدينة روما‪ ,‬خلل القرن السادس قبل الميلد‪.‬‬
‫ونتيجة لضيق السهول الزراعية من حولها‪ ,‬خاضت تلك القبائل داخل شبه الجزيرة‬
‫صراعا داميا على موارد الرزق‪ ,‬مما أكسبها مراسا في القتسال ودفعهسا للنتشسسار خسارج‬
‫الجزيرة والتمدد برا في أوروبا وبحرا على طول سواحل البحر المتوسط‪.‬‬
‫ورث الرومان عن اليونان حضارتهم التي انهارت‪ ,‬وورثوا معظم مكوناتهسسا‪ .‬فورثسسوا‬
‫دينها وآلهتها‪ ,‬كما ورثوا فلسفة اليونسسان ونظسسامهم السياسسسي والجتمسساعي السسذي يقسسوم‬
‫على نظام الطبقات ) الشراف س العبيد س العامة (‪ .‬كما طسسوروا نظسسامهم السسديمقراطي‬
‫واخذوا عنه أسس حضارتهم التي تعتبر امتدادا لحضارات اليونان من حيسسث الخصسسائص‬
‫العامة‪.‬‬
‫ولكونهم نشؤوا على سواحل البحر‪ ,‬بنى الرومان الوائل أسطول تجاريسسا جسسابوا بسسه‬
‫موانئ المتوسط شرقا وغربسسا‪ .‬وسسسرعان مسسا أغسسرت القسسوة والطمسساع ملسسوك الرومسسان‬
‫الوائل لبناء أسطول عسكري قوي يسيطرون به شيئا فشيئا على سواحل ذلسسك البحسسر‬
‫الذي عرف لحقا ببحر الروم ‪ .‬حيث غزت جيوشهم برا وبحرا كامسسل البلد الستي حسوله‪,‬‬
‫لينشئوا مع السسوقت إمبراطوريسسة اسسستعمارية عتيسسدة ضسسمت كامسسل أوروبسسا وبلد اليونسسان‬
‫وغرب بلد الناضول وبلد الشام ومصر وشمال أفريقيا‪ .‬ووصل سسسلطانهم إلسسى القسسرن‬
‫الفريقي وبلد الحبشة‪.‬‬
‫بهذا التمدد أصبح الرومان على تماس وصراع مع المبراطورية القوية الخرى فسسي‬
‫الشرق وهي )فارس( ‪ .‬حيث كانت الناضول )تركيا( وحدود الشام على العراق مسرح‬
‫صراع طويل ومرير بيسسن المبراطوريسستين اسسستمر إلسسى قيسسام الحضسسارة السسسلمية السستي‬
‫أزالتهما معا عن المشرق‪.‬‬
‫كما ذكرنا فقد بقي الروم على دينهم الوثني إلى أن جاء المسيح عليه السلم بدين‬
‫النصرانية‪ ,‬وتولى أحبار اليهسود تحريسسض الحساكم الرومساني فسي فلسسسطين عليسه وعلسى‬
‫أتباعه‪ ,‬وسعوا في قتله وغدروا به ‪ ,‬فرفعه الله تعالى ‪:‬‬
‫ل‬ ‫ســو َ‬ ‫م َر ُ‬ ‫مْري َـ َ‬‫ن َ‬ ‫سى اب ْـ َ‬ ‫عي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫سي َ‬ ‫م ِ‬ ‫قت َل َْنا ال ْ َ‬
‫م إ ِّنا َ‬
‫ه ْ‬ ‫ول ِ ِ‬‫ق ْ‬‫و َ‬‫‪َ ‬‬
‫ن‬‫ذي َ‬‫ن ال ّـ ِ‬ ‫وإ ِ ّ‬‫م َ‬ ‫هـ ْ‬ ‫ه لَ ُ‬
‫ش ـب ّ َ‬‫ن ُ‬ ‫ول َك ِـ ْ‬ ‫ص ـل َُبوهُ َ‬ ‫مــا َ‬ ‫قت َُلوهُ َ‬
‫و َ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬
‫ه َ‬ ‫الل ّ ِ‬
‫عل ْـم ٍ إ ِّل ات ّب َــا َ‬
‫ع‬ ‫ن ِ‬ ‫مـ ْ‬‫ه ِ‬ ‫م ب ِـ ِ‬‫ه ْ‬‫ما ل َ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬‫ك ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫في َ‬ ‫ه لَ ِ‬‫في ِ‬ ‫فوا ِ‬ ‫خت َل َ ُ‬
‫ا ْ‬
‫قت َُلوهُ ي َ ِ ً‬
‫قينا ‪) ‬النساء‪.(157:‬‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬‫ن َ‬ ‫الظّ ّ‬

‫)‪ (1‬ل تتوفر لي الن ‪ -‬في عزلتي الحالية ‪ -‬أية مصادر لعطاء هذا العنوان الكبير حقه علميا ‪ .‬وما كتبته هو حصيلة ما تبقى‬
‫في ذاكرتي مما درسته في منهج قسم التاريخ في جامعة بيروت العربية ‪ ,‬وما تراكم عندي من المعلومات والثقافة‬
‫العامة ‪ .‬ولعلي أوفي الفقرة حقها في طبعة تالية إن يسر الله وأعان وكان في العمر والعزم بقية والله المستعان‪.‬‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة ‪] 497 [ ‬‬

‫فطاردوا أتباعه على مدى أكثر من قرنين مسسن الزمسسن‪ ,‬تسسولى أحبسسار اليهسسود خللهسسا‬
‫تحريف الدين الجديد‪ .‬وساح أتباع المسيح عليه السلم وحواريوه وتلميذهم في الرض‬
‫مطاردين ‪ ,‬وأقام لهم الرومان المذابح في كل مكان فروا إليسسه ‪ ,‬كمسسا جسساء ذكسسر بعسسض‬
‫ذلك في القرآن الكريم في قصة أصحاب الخدود وأصحاب الكهف‪ .‬واستمر ذلسسك إلسسى‬
‫أن بلغ أوجه في عصر المبراطور)دقليديانوس( الذي بطسسش بالنصسسارى بطشسسا شسسديدا‬
‫حتى‪ ,‬سمي عصره في التاريخ المسيحي بعصر الشهداء‪ .‬وهو المسسبراطور السسذي خسسرج‬
‫في عهده أصحاب الكهف أواخر القرن الثالث الميلدي والله أعلم‪.‬‬
‫وشسسيئا فشسسيئا ازداد أتبسساع النصسسرانية فسسي أنحسساء المبراطوريسسة الرومانيسسة ‪ .‬وخلسسف‬
‫المبراطور )قسطنطين( سسسلفه )دقليسسديانوس(‪ .‬وكسسانت زوجسسة قسسسطنطين نصسسرانية‪,‬‬
‫فاعترف بالديانة النصسسرانية ديانسسة رسسسمية ثانيسسة إلسسى جسسانب الوثنيسسة‪ ,‬وهسسدأت مطسساردة‬
‫النصارى‪ .‬ثم ما لبث قسطنطين أن تنصر وزالت الوثنية لتصبح النصرانية دين الرومان‬
‫منذ مطلع القرن الرابع الميلدي وإلى اليوم ‪.‬‬
‫لما تبنى قسطنطين النصرانية‪ ,‬وجدها مشتتة على مسسذاهب كسسثيرة ‪ ,‬نتيجسسة انتشسسار‬
‫الحواريين وسرية أتباعهم وخلسسط الحبسسار‪ ,‬فطلسسب إليهسسم أن يجمعسسوا الناجيسسل الكسسثيرة‬
‫ويختصروها في كتسساب واحسسد تعتمسسده المبراطوريسسة‪ .‬فانعقسسد المجمسسع النصسسراني الول‬
‫حيث وجد الحبار والرهبان أمامهم زهاء أربعمائة إنجيل مختلفة الروايسسات يعسسود أقربهسسا‬
‫تاريخيا إلى المسيح إلى نحو مأتي سنة بعد رفعه عليه السلم واعتقادهم بصلبه‪ ,‬وذلك‬
‫نتيجة البطش وتناقل أحبار النصارى روايات النجيل مشافهة خوفسا مسن كتابتهسا خشسية‬
‫الرومان‪ .‬فلما كتبت بعد قرنين من رفع المسيح أو أكثر‪,‬حوت كثيرا مسسن الخلسسط نتيجسسة‬
‫دس الرواة وتقادم العهد وهذا هو السبب الساسي في تحريف النجيل ‪ ,‬الذي تتسسابعت‬
‫عملية تحريفه مسن قبسسل رجسال الكنيسسة زمسن الرومسان وبعسده‪ .‬وهكسذا خسسرج المجمسع‬
‫الكنسي الول بأربعة أناجيل معتمدة هي أناجيل ) لوقا‪ ,‬ويوحنا‪ ,‬ومتى‪ ,‬مرقص(‪.‬‬
‫كان )بطرس( أحد كبار أحبار اليهود المعسسادين لسسدين المسسسيح وأتبسساعه حيسسث تسسولى‬
‫تعذيب من قدر عليه بالتعاون مع الحاكم الروماني في فلسسسطين‪ ,‬ثسسم زعسسم أنسسه تنصسسر‬
‫وأن لديه تكليفسسا ببنسساء الكنيسسسة الكسسبرى علسسى صسسخرة رومسسا فسسذهب إلسسى هنسساك وأقسسام‬
‫الكنيسة التي تطورت لتكون الفاتيكان وتصبح مقر باباوات النصارى إلسسى اليسسوم ‪.‬وإلسسى‬
‫بطرس هذا يعود تشسسويه وتحريسسف كسسثير مسسن عقسسائد النصسسارى ) وخاصسسة فسسي المسسذهب‬
‫الكاثوليكي ( وهكذا أصبحت مسسذاهب النصسسرانية خليطسسا مسسن تعسساليم المسسسيح والصسسول‬
‫اليهودية ومسسا بقسسي مسسن أثسسار الوثنيسسة الرومانيسسة الغريقيسسة الصسسل‪ .‬حيسسث سسسادة عقيسسدة‬
‫التثليث‪ ,‬و القانيم الثلثة ) الب والبن والروح القدس ( كما يدجل النصسسارى ويفسسترون‬
‫على الله الكذب ‪ ,‬سبحانه وتعالى عما يشركون ‪.‬‬
‫وتبنى النصارى عقيدة صلب المسيح‪ ,‬وأقاموا دينهم على هذه الفرية الكسسبرى‪ .‬ثسسم‬
‫سيطر المذهب الكاثوليكي الذي تسولى أصسحابه برئاسسة بابسا رومسا ودعسم إمبراطورهسا‬
‫مطاردة بسساقي المسسذاهب النصسسرانية السستي لسسم تسسؤمن بألوهيسسة المسسسيح وغيسسر ذلسسك مسسن‬
‫الباطيل‪ ,‬وبطشت بهم بأقسى أساليب البطش وأنهت وجودهم‪.‬‬
‫المر المهم الثاني الذي فعله قسطنطين بعد إدخال النصرانية وتوحيد الناجيل‪ ,‬أنه‬
‫بنى مدينة القسسسطنطينية ‪ ,‬فسي مكسان اختساره فسي إحسدى رحلتسه فسي منطقسسة القسرن‬
‫الذهبي على مضيق البوسفور الذي يصل البحر السود ببحر مرمرة‪ ,‬وهي مدينة إسلم‬
‫بول )اسطنبول( اليوم‪ .‬واتخذها قسطنطين عاصمة ثانية للمبراطورية بعد روما وكسسان‬
‫ذلك بداية انقسام الروم إلى شرقيين وغربيين وكان انقساما سياسيا وحتى مذهبيا‪.‬‬
‫بعد موت قسطنطين خلفه إمبراطور آخر رأى اتساع المبراطورية الرومانية السستي‬
‫شملت كامل أوروبا وضفاف البحر السود ومعظم الناضول وبلد الشسسام ووادي النيسسل‬
‫والحبشة وشمال إفريقيا ‪ .‬فرأى تقسيمها إداريا إلى أربعة أقسام لكل قسم منها حاكم‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 498 [ ‬‬

‫مستقل الدارة‪ .‬وبعسسد مسسوت المسسبراطور تحسسول هسسذا التقسسسيم إلسسى وليسستين شسسرقيتين‬
‫عاصمتهما القسسسطنطينية تضسسمان شسسرق أوروبسسا وشسسرق وجنسسوب المتوسسسط وغربيتسسان‬
‫تشملن معظم أوروبا الغربية وعاصمتهما روما‪.‬‬
‫أواخر القرن الرابع الميلدي حصلت هجرات بشرية واسعة من وسط آسسسيا باتجسساه‬
‫غربها‪ ,‬فتدافعت القبائل وأجلى بعضها بعضسسا عسسن أراضسسيها‪ ,‬ممسسا دفسسع بكسسثير منهسسا إلسسى‬
‫العبور إلى شمال شرق أوروبا‪ ,‬وعرف ذلك بغزوات البرابرة السسذين نزلسسوا إلسسى شسسمال‬
‫أووربا مسن جهسة السدول السسكندنافية‪ .‬وكسان مسن أبسرز تلسك القبسائل‪ ,‬قبسائل الجرمسان‬
‫واللمان والتشيك و السلف و الغال و القوط و اللن و الهون و الونسسدال‪ ....‬وامتسسازت‬
‫تلك القبائل بالبسسأس والوحشسسية فسسي هجماتهسسا ذات الطسسابع السسبربري‪ .‬ولسسم تعسسرف تلسسك‬
‫الشعوب الوثنية الرعوية من أوجه الحضارة إل القتال والتدمير‪.‬‬
‫أتعبت تلك الغزوات وأعمال السلب والنهسسب السستي مارسسسها السسبرابرة علسسى شسسمال‬
‫شرق المبراطورية الرومانية الباطرة واستنزفت كثيرا من قوتهم فيما كانوا منهمكين‬
‫في صراعهم التاريخي مسسع الفسسرس فسسي المشسسرق‪ .‬واضسسطر إمسسبراطور السسروم إلسسى أن‬
‫يعرض على تلك القبائل أن تستوطن شمال شرق أوروبسسا‪ ,‬ويكسسون لهسا حقسسوق السسسكن‬
‫والزراعة والصيد شمال نهر الدانوب ‪ ,‬لعله يستريح من هجماتهم‪ .‬فاسسستقروا فسسترة ثسسم‬
‫ما لبثوا أن اتخذوا من هذه المنطقة منطلقا للهجوم على غرب أوروبا‪.‬‬
‫وبرز )أتيل( زعيم قبائل الهون الشرس‪ ,‬الذي قاد جيوشا جرارة بلسسغ أن يهجسسم فسسي‬
‫بعض معاركة بربع مليون فارس ! وكان شعار رايته خنجسسرا مغروسسسا فسسي الرض كتسسب‬
‫تحته ‪) :‬الرض التي تطؤها خيلي ل ينبت فيها العشب( !‪.‬‬
‫وأسفرت هجماته في النهاية عن سسسقوط رومسسا أواسسسط القسسرن الخسسامس الميلدي‬
‫وبالتالي اندفعت قبائل البرابرة لتستوطن غرب أوروبا ولتستقر كل منها في ناحية من‬
‫نواحيها مكونة الساس القديم للدول الوروبية القومية الحالية‪ .‬فسكن الغــال فرنسسسا‬
‫وسموا بالفرنجة‪ .‬وسكن الجرمان واللمان حوض الرايسسن )ألمانيسسا(‪ .‬وسسسكن اللن‬
‫)إيطاليا(‪ .‬وسكن القوط ) أسبانيا(‪ .‬وسسسكن الوندال جنوبهسسا وإليهسسم نسسسبت أرضسسهم‬
‫باسم )وندالوس( يعني أرض الوندال ‪ ,‬والتي صارت مع الوقت )الندلس(‪.‬‬
‫ومع الوقت اختلطت هذه الشعوب بالرومان وشعوب تلك البلد الصلية‪ ,‬وتزاوجت‬
‫معها ثم تنصرت‪ .‬وقام لتلك الدول ملوك وحضارات مستقلة‪ ,‬وتبسسع الجميسسع رومسسا وبابسسا‬
‫الفاتيكان كمركز للشعاع الديني لكل أوروبا‪ .‬فيما بقي شرق أوروبا موحدا حيث يقسسوم‬
‫قيصر الروم بحكمها ويسيطر على قسم مسسن الناضسسول وبلد الشسسام ومصسسر والحبشسسة‬
‫وأجزاء من شمال أفريقيا حيث صار للروم الشرقيين الذين سموا )البيزنطيين (‪ ,‬صسسار‬
‫لهم مذهبهم المستقل وكنيستهم الس)أرثوذوكسية(‪ .‬وتحولت بعض الممالسسك فسسي أوروبسسا‬
‫إلى الحجم المسسبراطوري كألمانيسسا وفرنسسسا وأسسسبانيا‪ .‬فيمسسا قسسامت ممالسسك أخسسرى فسسي‬
‫إيطاليا والبرتغال وإنجلترا على النظام القطاعي حيث تحالف الملك والنبلء والكنيسسسة‬
‫خلل تلك العصور الوسطى‪.‬‬
‫وهكذا بعث رسول الله صسسلى اللسسه عليسسه وسسسلم سسسنة ‪ 610‬ميلديسسة‪ ,‬وكسسانت هسسذه‬
‫أحوال النظام الدولي آنذاك‪ .‬الفرس في العسسراق وإيسسران وحسسوض قزويسسن وأجسسزاء مسسن‬
‫أفغانسسستان والسسسند‪ ,‬والسسروم السسبيزنطيين وملسسوك أوروبسسا يتقاسسسمون الغسسرب وحسسوض‬
‫المتوسط‪ .‬وقامت دولت السلم وتحققت نبوءته صسسلى اللسسه عليسسه وسسسلم حيسسث أخسسبر‬
‫فيما روي عنه ‪:‬‬
‫) ثم فارس نطحة أو نطحتان ثم ل فـارس بعـدها أبـدا‪ ,‬والـروم ذات‬
‫القرون كلما هلك قرن خلف مكانه قــرن أهــل صــخر وأهــل بحــر هيهــات‬
‫لخر الدهر‪,‬هم أصحابكم ما كان في العيش خير(‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 499 [ ‬‬

‫فزحفت جيوش المسلمين لتدخل فارس بمكوناتها في حضسسارة السسسلم‪ ,‬ولتنسستزع‬


‫من ملك الروم كامل مستعمراتهم شرق وجنسسوب المتوسسسط‪ .‬وليسسؤول النظسسام السسدولي‬
‫كما بينا في الفصل السابق‪ ,‬صراعا بين المسلمين والروم‪.‬‬
‫خلل القرن الحادي عشر والثاني عشر الميلدي أغسسرى ضسسعف المسسسلمين السسروم‪.‬‬
‫وبتشجيع من بابا الفاتيكسسان السسذي التقسست نسسداءاته مسسع مصسسالح ملسسوك أوربسسا القتصسسادية‬
‫ومشاكلهم الداخلية وفيما بينهم‪ ,‬انطلقت الحملت الصليبية الولى مسسن أوربسسا الغربيسسة‪,‬‬
‫وساهم فيها ملوك أوربا وعلى رأسهم ملوك إنجلترا وفرنسا وألمانيا ‪ ,‬وعسساونهم قيصسسر‬
‫القسطنطينية بالعتاد وبالسطول البحري‪.‬‬
‫استمرت الحروب الصليبية نحو قرنيين ونيف‪ ,‬ولم تنقطع خللها الحسسروب الداخليسسة‬
‫بين الممالك الوربية‪ ,‬وكذلك الصسسراعات الداميسسة بيسسن نبلء أوربسسا وأمسسراء القطاعيسسات‬
‫وبين ملوكها‪ ,‬وكذلك بين الملوك والباباوات المتعاقبين‪ .‬وكسسذلك بيسسن السسروم الشسسرقيين‬
‫ومن جاورهم من ممالك أوربا الشرقية‪ .‬وبانسسدحار الحملت الصسسليبية كمسسا سسسنبين فسسي‬
‫الفقرات اللحقة من هذا الفصل‪ .‬عادت جيوش أوربسسا مسسن المشسسرق تحمسسل معهسسا روح‬
‫الحضارة السسسلمية وعلومهسسا النسسسانية والعلميسسة‪ ,‬وخلصسسة مسسا حفظتسسه مسسن حضسسارات‬
‫الشرق التي صسهرتها حضسارت السسلم ونقلست خلصستها‪ ,‬كحضسارات الهنسد وفسارس و‬
‫التركستان وتخوم الصين‪.‬‬
‫وخلل تلك العصور الوسطى ) من القرن الخامس ‪ ,‬وإلسى القسسرن الخسامس عشسر‬
‫الميلدية ( كانت أوربا تغط في حسال مسن التخلسف والجهسل ‪ ,‬وظلمسات صسراع الملسوك‬
‫وأمراء القطاع وهيمنسسة الكنيسسسة المتحالفسسة معهسسم ‪ ,‬والسستي تسسولت إغسسراق النسساس فسسي‬
‫ظلمسسات الجهسسل والجاهليسسة ‪ .‬وكسسانت ممالسسك أوربسسا علسسى تمسساس حضسساري مسسع ممالسسك‬
‫المسلمين في الندلس‪ .‬وكان أبنسساء الملسسوك و كبسسار النبلء يقصسسدون عاصسسمتها قرطبسسة‬
‫وجامعاتها ومكتباتها للدراسة وطلب العلم‪.‬‬
‫وبقي الحال هكذا إلى أن استطاع التراك العثمسانيون إسسقاط القسسطنطينية عسام‬
‫‪ 1453‬ميلدية‪ .‬لتنتهي العصور الوسطى ويبسسدأ العصسسر الحسسديث فسسي أوربسسا‪ .‬وبعسسد ذلسسك‬
‫بقليل تمكن ملوك أسبانيا النصارى مدعومين من ملوك أوربا من إسقاط آخسسر ممالسسك‬
‫المسلمين في الندلس) غرناطة( سنة ‪1492‬م‪ .‬وكذلك ورثوا خلصسسة حضسسارتها‪ .‬وأدت‬
‫هذه العوامل إلى نهضة الممالك الوروبية ودولها القومية‪.‬‬
‫وفي نفس الوقت مطلع القرن الخامس عشر أيضا‪ ,‬ابتدأ انطلق روسيا القيصسسرية‬
‫شرقا لتسسسيطر علسسى النصسسف الشسسمالي لقسسارة آسسسيا) خلل القسسرون الثلثسسة التاليسسة ( ‪.‬‬
‫وتنضم إلى نادي الدول الوربية الصليبية الكبرى‪ ,‬ولتدخل في حروب صليبية طاحنة مع‬
‫الدولة العثمانية فيما بعد كما رأينا ‪.‬‬
‫خلل القرون الخامس عشر والسادس عشر والسابع عشر وإلسسى منتصسسف الثسسامن‬
‫عشر‪ ,‬سيطرت الدولة العثمانية على البحسسر المتوسسسط وعلسسى الشسسرق ‪ ,‬وتسسوغلت فسسي‬
‫شرق أوربا واستولت على ممالكها وعلى مخلفسات المبراطوريسة الرومانيسة البيزنطيسة‬
‫وتوغلت غربا في بلد البلقان‪ .‬لتقسسف منسسذ القسسرن السسسابع عشسسر وإلسسى أواسسسط القسسرن‬
‫الثسسامن عشسسر علسسى أسسسوار فينسسا عاصسسمة النمسسسا‪ .‬وهنسساك اتحسسدت جهسسود ملسسوك أوربسسا‬
‫والفاتيكان لوقف هذا الزحف السلمي‪ ,‬حيث بدأ العد التنازلي للمبراطورية العثمانيسسة‬
‫خلل النصف الثاني من القرن الثامن عشر‪ ,‬ولينطلق نجسسم الحضسسارة الوربيسسة الحديثسسة‬
‫) الروم المعاصرون( ‪ ,‬بعد أن أفل نجم المسلمين ‪.‬‬
‫وخلل القرن الخسسامس عشسسر ونتيجسسة لمسسا عسسانت شسسعوب أوربسسا مسسن سسسيطرة بابسسا‬
‫الفاتيكان والمذهب الكاثوليكي‪ .‬قامت حركات إصلحية ولدت في ألمانيا وانتشرت في‬
‫أوربا وأدت إلى ظهور مذهب نصراني جديد هسسو المسسذهب )البروتسسستانتي( السسذي حمسسل‬
‫كثيرا من المؤثرات اليهودية التوراتية‪ .‬ثم ما لبث أن لقى رواجا فسسي بريطانيسسا وانتقسسل‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 500 [ ‬‬

‫منها ليستقر في الوليات المتحدة بعد ذلك ‪ .‬وبذلك انقسمت أوربا علسى ثلثسسة مسسذاهب‬
‫رئيسية توزعت الغلبية جغرافيا فيها بحيث ساد المسسذهب )الرثوذوكسسسي( فسسي روسسسيا‬
‫وشسسرق أوربسسا‪ .‬وسسساد المسسذهب )الكسساثوليكي( وسسسط أوربسسا وغربهسسا وانتشسسر المسسذهب‬
‫)البروتستانتي( في بريطانيا والوليات المتحدة‪.‬‬
‫أدت الثورة الصناعية والعلمية لنهضة أوربا‪ .‬وأدت الثورة الفرنسسسية أواخسسر القسسرن‬
‫الثامن عشر إلى يقظة شعوب أوربا ونهضتها‪ .‬وكانت حركة الكشوف الستعمارية التي‬
‫انطلقت من أوربا منذ أواخر القرن الخامس عشر الميلدي بمباركة البابا قسسد أسسسفرت‬
‫عسسن قيسسام إمبراطوريسسات بحريسسة اسسستعمارية كسسبرى علسسى رأسسسها‪ :‬البرتغسسال – أسسسبانيا‪-‬‬
‫بريطانيا‪ -‬فرنسا‪ -‬هولندا‪....‬‬
‫وخلل القرن الثامن عشر شهدت أوربا ثورات عديسسدة‪ .‬وانهسسار النظسسام القطسساعي‪,‬‬
‫وتكونت )البرجوازية(‪ .‬لينهسسض النظسسام الصسسناعي الرأسسسمالي مكسسان القطسساع‪ .‬وقسسامت‬
‫معارك كبرى بيسسن الملسسوك والنبلء أسسسفرت عسسن توحيسسد إمسسارات مبعسسثرة وتكسسوين دول‬
‫اتحادية ‪ ,‬مثل حروب توحيد إيطاليا وألمانيا خلل القرن التاسسسع عشسسر‪ .‬وبسسدأت ترتسسسم‬
‫معالم خارطة أوربا ودولها القومية بالشكل القريب من شكلها الحالي‪.‬‬
‫وخلل القرن الثامن عشر والتاسع عشسسر دخلسست المبراطوريسسات الكسسبرى الوربيسسة‬
‫حروبا استعمارية عديدة فيما بينهسسا فسسي داخسسل أوربسسا وفسسي المسسستعمرات البعيسسدة وراء‬
‫البحار‪ ,‬من أمريكا الشمالية والجنوبية إلى إفريقيا إلى جنوب وجنوب غرب آسسسيا وفسسي‬
‫الجزر النائية في المحيطات‪ .‬وأسسفرت تلسسك المعسسارك عسن انسسدحار أسسسبانيا والبرتغسال‪.‬‬
‫واستيلء البريطانيين والفرنسيين على معظم مستعمراتها لتصبح الدولتان القسسوى فسسي‬
‫أوربا التي صارت حضارتها الغربية الوريثة الطبيعية لحضارة الروم‪.‬‬
‫وبوصول المبراطورية العثمانية لما أسلفنا من أسباب الضسسعف‪ ,‬دخلسست فسسي حالسسة‬
‫الحتضار ودعيت في عرف السياسة الدولية آنذاك بس)الرجسسل المريسسض(‪ .‬وبسسدأت أوربسسا‬
‫الستعمارية ‪ ,‬تتآمر على تقاسسسمها‪ ,‬وتسسسن سسسكاكينها لتقسسسيم و ابتلع أشسلئها‪ .‬ودخسسل‬
‫اليهود على خط المؤامرة في هذه المرحلة ليتولوا الدسائس ‪ ,‬ويستولوا علسسى الجملسسة‬
‫العصبية للروم الجدد ) أوربا وأمريكا ( ‪ ,‬وذلك بسيطرتهم على عالم السياسسسة والمسسال‬
‫والفكر العلم والدعارة والجاسوسية !‪.‬‬

‫أهم أسباب نهضة أوربا واسترجاعها لواء الحضارة وقيام الحضسسارة الغربيسسة وانطلقتهسسا‬
‫الستعمارية منذ مطلع القرن السادس عشر‪ -‬باختصار‪-‬‬
‫الحملت الصليبية على المشسسرق ونقسسل خلصسسة السستراث الحضسساري السسسلمي ومسسا‬
‫حفظته من حضارات المشرق في فارس والهند ووسط آسيا والفادة من كسسل ذلسسك‪ .‬و‬
‫نشاط حركة الترجمة العلميسسة ودراسسسة أسسسباب الهزيمسسة فسسي الحسسروب الصسسليبية‪).‬منسسذ‬
‫القرن الثالث عشر (‪.‬‬
‫سقوط القسطنطينية وهجسسرة العلمسساء والمكتبسسات وإرث الحضسسارة الرومانيسسة إلسسى‬
‫أوربا‪ ) .‬خلل القرن الخامس عشر ( ‪.‬‬
‫سقوط الندلس ونهب مكتباتها الزاهرة وإكمال ما حصسسلوه مسسن الحملت الصسسليبية‬
‫من وراثة مكونات الحضارة العربية السلمية‪ ).‬منذ القرن السادس عشر ( ‪.‬‬
‫الكشوف الجغرافية وتطور الساطيل الوربية وعودة فوائد ذلك من أرباح التجسسارة‬
‫ولسيما بعد اكتشاف رأس الرجاء الصالح وتحويل طريق التجارة عسسن بلد المسسسلمين‪.‬‬
‫وما جنوه من كنوز البلد المفتوحة لسيما العالم الجديد )القارة المريكية( منسسذ القسسرن‬
‫السادس عشر (‪.‬‬
‫اكتشاف البخار وتطوير السفن والقاطرات واكتشاف البارود والمتفجرات وتطسسوير‬
‫السلحة ) منذ القرن السابع عشر( ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 501 [ ‬‬

‫الثورة الفرنسية نهايات القرن ‪ 18‬علسسى الملكيسسة وحلفهسسا المقسسدس مسسع الكنيسسسة‬
‫وانطلق الفكار السياسية والنهضة القومية التي أدت إلسسى سسسقوط النظسسام القطسساعي‬
‫وتوحد الدول القومية الكبرى كألمانيا وإيطاليا وفرنسا على حساب المارات الصغيرة‪.‬‬
‫الثسسورة علسسى الكنيسسسة والتفلسست مسسن تحجرهسسا وانطلق العسسالم التجريسسبي والحريسسة‬
‫الفكرية بعد الثورة الفرنسية على الملوك والكنيسة ‪.‬‬
‫الثورة الصناعية فسسي القرنيسسن السس ) ‪ ( 18‬والسس )‪ ( 19‬وثسسورة المخترعسسات العلميسسة‬
‫وتطوير اللة الصناعية المدنية والعسكرية‪.‬‬
‫الروح العسكرية والتوجه الستعمار للغسسزو والفتسسوح والتضسسحية وبسسذل الجهسسود فسسي‬
‫مختلف أقطار الرض تحت قيادة ملوك مغامرين تواقين للمجد والثراء والتوسع‪.‬‬
‫وهكذا وّلدت هذه العوامل دول استعمارية قوية كان في طليعتها روسسسيا القيصسسرية‬
‫التي اجتاحت جيوشها وسيطرت أكثر من نصسسف قسسارة آسسسيا ‪ .‬وبريطانيسسا السستي شسسكلت‬
‫إمبراطورية احتوت الصين والهند ومعظم أمريكا الشمالية ودول كثيرة أخرى في آسسسيا‬
‫وأفريقيا حتى أطلقوا عليها اسم )المبراطورية التي ل تغيب عنهسسا الشسسمس(‪ .‬وفرنسسسا‬
‫التي تليها في النتشار و التساع وكذلك أسسسبانيا المبراطوريسسة والبرتغسسال اللتسسان كانتسسا‬
‫سباقتان للنتشار الستعماري ودول أخرى كهولندا وبلجيكا وإيطاليا‪..‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 502 [ ‬‬

‫خلل القرن التاسع عشر بدأت حروب الستقلل فسسي أمريكسسا الشسسمالية وأسسسفرت‬
‫الثورة التي قادها )جورج واشنطن( عن قيام الوليات المتحدة المريكية السستي تكسسونت‬
‫بعد الحروب الهلية التالية لتنضم إلى جانب روسيا القيصرية ودول أوربسسا الغربيسسة إلسسى‬
‫نادي الدول الكبرى‪.‬‬
‫أدى الصراع الوربي – الوربي على السياسات الوربية وعلى الغنائم السسستعمارية‬
‫إلى اشتعال الحرب العالميسة الولسى )‪ .(1918-1914‬الستي ذهسب ضسحيتها زهساء سستة‬
‫مليين إنسان ! السستي كسسان مسسن نتائجهسسا انهيسسار المبراطوريسسة العثمانيسسة‪ .‬حيسسث رسسسمت‬
‫بريطانيا وفرنسا خطة تقاسم تركتها‪ .‬وامتدت لتصسسبح أكسسبر دولسستين اسسستعماريتين‪ .‬فسسي‬
‫التاريخ ولسيما بريطانيا التي صارت إمبراطورية ل تغيب عنها الشمس‪.‬‬
‫وهكذا انطلقت أوربا بعد الحرب العالمية الولى في الموجة الرئيسية من الحملت‬
‫الصليبية الثانية على العالم السلمي‪ ,‬والتي يمكن التأريخ لها عمليا منذ حملسسة نسسابليون‬
‫على مصر عام ‪ . 1798‬رغم أن زحف الصليبيين على أطراف العالم السلمي كان قد‬
‫بدأ منذ مطلع القرن السادس عشر حيث احتلت البرتغال وأسسسبانيا وفرنسسسا وبريطانيسسا‬
‫وهولندا كثيرا من المسسستعمرات فسسي أطسسراف العسسالم السسسلمي‪ .‬ولكسسن ذروة الحملت‬
‫كانت بعد اتفاقية سيكس – بيكو سنة ‪ 1917‬م ‪ .‬بين فرنسا وبريطانيا ‪.‬‬
‫أدى الصراع الستعماري بين الدول الوربية ذاتهسا وظهسور ألمانيسا النازيسة وتكوينهسا‬
‫محورا مناوئا للدول الوربية بالتعاون مع إيطاليا واليابان إلسسى نشسسوب الحسسرب العالميسسة‬
‫الثانية )‪ .(1945-1939‬وأدت هذه الحرب التي حصسسدت زهسساء مسسن ‪ 82‬مليسسون إنسسسان‬
‫إلى تحطيم البنى القتصادية والجتماعيسسة للسسدول السسستعمارية الوربيسسة وأعسسادت رسسسم‬
‫خارطة أوربا بشكلها الحالي تقريبا‪ .‬كما أدت إلى ضمور الدول الوربيسسة وبسسروز التحسساد‬
‫السوفييتي الذي ورث روسيا القيصرية وأقام دولة شيوعية تحكم إرثها من موسكو‪.‬بعد‬
‫الثورة البلشفية الشيوعية سسسنة ‪ 1917‬م ‪ .‬وكسسذلك بسسروز الوليسسات المتحسدة المريكيسة‬
‫كأكبر دولتين من دول الروم تسيطران على مقدرات العسسالم‪ .‬وورثسست هاتسسان السسدولتان‬
‫معظم الرث الستعماري الهام للدول الوربيسسة‪ .‬وورثتسا بسذلك رايسسة السسروم المعاصسسرين‬
‫بصورة رئيسية ‪.‬‬
‫كما أسلفنا قام النظام الدولي الجديد بعيد الحرب العالمية الثانية و تقاسم التحسساد‬
‫السوفيتي بشكل رئيسي و الوليات المتحدة وما تبقى من دول أوربا القويسسة ؛ فرنسسسا‬
‫وبريطانيا سيادة العالم مدة نصف قرن‪.‬‬
‫إنهار التحاد السسسوفيتي بعسسد ورطتسسه فسسي أفغانسسستان وانفسسردت الوليسسات المتحسسدة‬
‫المريكية التي نضجت قوتها العسكرية لتصبح أقوى من مجموع أقسسوى ‪ 9‬دول عظمسسى‬
‫عسكريا تليها فسي قائمسسة السسدول القويسسة كمسا تقسسول الدراسسسات السسستراتيجية‪ .‬ولينضسسم‬
‫اقتصادها ليكون أعلى اقتصاد قوي في الرض‪ .‬لتصبح بقسسدراتها العلميسسة و التكنولوجيسسة‬
‫وتعدادها الذي ناهز ‪ 300‬مليون نسمة‪ ,‬وريثة حضارة الرومان كما أعلن قادتهسسا‪ .‬وهسسذه‬
‫حقيقة‪.‬‬
‫وهرعت بريطانيا )الدولة الستعمارية العجوز المنحلسسة( لتسسدخل فسسي فلكهسسا بحكسسم‬
‫وحدة اللغة والمذهب )البروتستنتي(‪ ,‬والتاريخ المشترك‪ .‬وصارت بقية السسدول الوربيسسة‬
‫تابعة لها عبر حلف الناتو‪ .‬الذي بدأ يلحق به معظم مكونات حلف وارسو من دول أوربا‬
‫الشرقية وحتى روسيا ذاتها ‪ ...‬لتتحد جهود السسروم فسسي الحملت الصسسليبية الثالثسسة علسسى‬
‫العالم السلمي بقيادة أمريكا التي انطلقت منسسذ إعلن قيسسام النظسسام العسسالمي الجديسسد‬
‫عام ‪ 1990‬و بلغت مداها منذ نهاية القرن العشرين ومطلسع اللفيسة الميلديسة الثالثسة ‪,‬‬
‫وهي أيامنا هذه ‪ ,‬حيث تسسولت أمريكسسا وحلفاؤهسسا وذيولهسسا المنسسافقون أن يملسسؤوا الرض‬
‫جورا وظلما ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 503 [ ‬‬

‫السيطرة اليهودية على الروم المعاصرين )التحاد السوفييتي البائد – أوربا– أمريكا (‪:‬‬

‫(‪ - (1‬تسلط اليهود على التحاد السوفييتي البائد وروسيا الحالية‬


‫‪:‬‬
‫‪ -‬الثورة البلشفية واليهود‪:‬‬
‫الثورة البلشفية يهودية التفكير والتخطيط والتمويل والتنفيذ ‪ ,‬ففيلسوفها ومفكرها‬
‫هو ماركس ‪ ,‬حفيد حاخسسام اليهسسودي )مردخسساي مسساركس(‪ .‬وكسسذلك لينيسسن ‪ ,‬السسذي حسسول‬
‫كلمات ماركس إلى واقع ثورة ‪ ,‬وأمد الحركة الشيوعية بمؤلفاته هو يهودي كذلك‪.‬‬
‫جاء في قرار بني بيرث )أبناء العهد اليهوديسسة( سسسنة )‪ (1939‬مسسايلي‪) :‬لقسسد نشسسرنا‬
‫روح الثورية التحريرية الكاذبة بين شعوب الغير ‪ ,‬لقنسساعهم بسسالتخطي عسسن أديسسانهم بسسل‬
‫بالشعوب بالخجسسل مسسن العلن عسسن تعسساليم هسسذه الديسسان ‪ ,‬ونجحنسسا فسسي إقنسساع كسسثيرين‬
‫بالعلن جهارا عن إلحسسادهم الكلسسي وعسسدم اليمسسان بخسسالق البتسسة ‪ ,‬وأغوينسساهم بالتفسساخر‬
‫بكونهم أحفاد القرود – نظرية داروين – ‪ ,‬ثم قسسدمنا لهسسم عقسسائد يسسستحيل عليهسسم سسسبر‬
‫أغوارها الحقيقية‪ :‬الشيوعية والفوضوية التي تخدم مصالحنا وأهدافنا‪.‬‬
‫وأما التمويل فهو يهودي كما مر‪.‬‬
‫وكان )يح بروكلن( الحي الشرقي من نيويورك مسسسرحا لتخطيسسط للثسسورة ‪ ,‬يتسسوله‬
‫)تروتسكي( ول زال هذا الحي هو مركز التخطيط اليهودي العالمي لتدمير البشرية‪..‬‬
‫وقد صدر في السبوع الول للثورة قرار ذو شقين بحق اليهود‪:‬‬
‫• يعتبر عداء اليهود عداء للجنس السامي يعاقب عليه قانونيا‪.‬‬
‫• العتراف بحق اليهود في أنشاء وطن قومي في فلسطين‪.‬‬
‫‪ -‬الكتب السياسي الول للثورة البلشفية‪:‬‬
‫مكون من سبعة أشخاص خمسة من اليهود لبوين وهم‪:‬‬
‫لينين‪ :‬يهودي ‪ ,‬وزوجته )تربسكايا( يهودية‪.‬‬
‫تروتسكي‪ :‬يهودي‪.‬‬
‫كامينيف‪ :‬يهودي‪.‬‬
‫سوكولنكوف‪ :‬يهودي‪.‬‬
‫زينونيف‪ :‬يهودي‪.‬‬
‫أما ستالين فزوجته يهودية اسمها )روزاكاجا نوفتش(‪.‬‬
‫يبنوف‪ :‬روسي وليس يهوديا ‪ ,‬وهو الوحيد‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 504 [ ‬‬

‫‪ -‬الدولة التي شكلها لينين سنة (‪1918‬م(‪.‬‬


‫وهذه أول حكومة بعد الثورة‪:‬‬
‫اليهود‬ ‫العدد الكلي‬ ‫الجهة‬
‫‪17‬‬ ‫‪22‬‬ ‫الوزراء‬
‫‪34‬‬ ‫‪43‬‬ ‫إدارة الحرب‬
‫‪45‬‬ ‫‪64‬‬ ‫لجنة الشئون الداخلية‬
‫‪13‬‬ ‫‪17‬‬ ‫لجنة الشئون الخارجية‬
‫‪41‬‬ ‫‪42‬‬ ‫لجنة الصحافة‬
‫‪425‬‬ ‫‪532‬‬ ‫مجموع كبار الموظفين‬

‫أي أن نسبة الموظفين )‪ (%80‬من اليهود‪.‬‬


‫ولعل القارئ الكريم يحسب أن هذا كان في بداية الثورة ‪ ,‬إل أن المر استمر حتى‬
‫يومنا هذا ففي سنة )‪1965‬م( كتبت الكاتبة السوفيتية )نينا اليكسيفا(‪) :‬عدد اليهود في‬
‫التحاد السوفيتي ل يزيد عن واحد في المئة‪ ,‬وكلنهم يمثلون ستين في المائة من هيئة‬
‫التدريس في المعاهد العليا والجامعسسات ‪ ,‬وثمسسانين فسسي المسسائة مسسن مسسسؤولية التسسوجيه‬
‫العقائدي في الحزب السياسة الخارجية ‪ ,‬وإن نائب رئيسسس السسوزراء ورئيسسس المجلسسس‬
‫القتصادي في الوسفيات يهودي(‪.‬‬
‫)الذخائر ج ‪(973-1/971‬‬

‫(‪ - (2‬مؤتمر يالطة سنة (‪1945‬م( وتسلط اليهود على الدول العظمى‪:‬‬
‫إثر الحرب الثانية اجتمع القطاب الثلثة )روزفلسست ‪ ,‬سسستالين ‪ ,‬تشرشسسل( وقسسرروا‪:‬‬
‫محو النازية و تقسيم ألمانيا إلى منسساطق احتلل بيسسن الحلفسساء ‪ .‬وتصسسفية المبراطوريسسة‬
‫اليابانيسسة ‪ ,‬وتشسسكيل حكومسسات ديمقراطيسسة فسسي أوروبسسا الشسسرقية ‪ ,‬ودرسسسوا المسسذكرة‬
‫الصهيونية التي تتضمن‪:‬‬
‫• أن يفرض على ألمانيسسا تعويضسسات قسسدرها )‪ 5‬مليسسارات( دولر تسسوزع‬
‫على اليهود المتضررين في أوربا والذين نزحوا إلى أمريكا وفلسطين‪.‬‬
‫• رفع جميع القيود عن الهجرة اليهودية إلى فلسطين‪.‬‬
‫• منح اليهود المساعدات لنشاء كيانهم السياسي‪.‬‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 505 [ ‬‬

‫أما القطاب الثلثة فيهم يهود إما نسبا وإما ميول وعاطفة‪.‬‬
‫فروزفلت‪ :‬يهودي منحدر من أسرة يهودية اسسمها )روزنسبرغ( ‪ ,‬ثسسم تحسسولت إلسى‬
‫روزفلت ‪ .‬و هاجرت من أسبانيا إلى أمريكا ‪ ,‬وكان جده )كلينتون روزفلسست( أحسسد ثلثسسة‬
‫كونوا لجنة لجمع الموال لماركس وإنجليز لخراج البيسان الشسيوعي‪ .‬وقسد قسدم اليهسود‬
‫إلى الرئيس المريكي روزفلت ميدالية ذهبية مكتوب عليه‪:‬‬
‫)الرفاهية والحكمسسة لفرنكليسسن روزفلسست نبينسسا الجديسسد السسذي سسسيعيدنا إلسسى الرض‬
‫الميعاد(‪.‬‬
‫أما ستالين‪ :‬فهو يهودي نسبا ‪ ,‬وزوجته يهودية اسمها ) روزاكاجان فتش (‪ .‬وقسسد‬
‫بقيت هذه الحسناء اليهودية مع أسرتها تدير التحاد السوفيتي قرابة ثلثسسة عقسسود حكسسم‬
‫فيها ستالين ‪ ,‬وقد كان )لزاركاجانوفتش( شسسقيق روزا مسسسيطرا علسسى سسستالين ومولسسو‬
‫توف [‪.‬‬
‫} وأما تشرشل فهو من أخلص المتحمسين للفكرة الصهيونية {‪.‬‬
‫)الذخائر ج ‪(1/981‬‬

‫(‪- (3‬تسلط اليهود على أوربا ‪:‬‬


‫كنسست أمتلسسك فسسي أرشسسيفي بعسسض المعلومسسات الحصسسائية والدراسسسات حسسول هسسذا‬
‫الموضوع ‪ ,‬ولكني فقدتها في لندن بسبب هجرتي السريعة منهسا إلسى أفغانسستان ‪ ,‬ثسم‬
‫فقدت القسم الخر في أفغانستان إبان سقوطها ‪.‬‬
‫ولكن خلصة ما أتذكره من ذلك هو السيطرة الهائلة للوبيات اليهودية والصسسهيونية‬
‫على عالم السياسسسة والصسحافة والعلم والبنسوك والمؤسسسسات القتصسادية فسي أوربسسا‬
‫عموما ‪.‬‬
‫فمما أذكر على سبيل المثال ‪:‬‬
‫‪ -‬نشرت مجلة ) المشاهد السياسي ( وتصدرها الس )‪ (BBC‬في أحد أعسسدادها سسسنة‬
‫‪ , 1996‬دراسة عن قوة اللوبي اليهودي في الحزبيسسن البريطسسانيين الرئيسسسيين ) حسسزب‬
‫المحافظين ( و ) حزب العمسسال ( ‪ .‬وخلصسست إلسسى نتيجسسة ‪ ,‬أن اليهسسود يسسسيطرون علسسى‬
‫الحزبين بدرجة متقاربة ومدهشسسة ‪ .‬وتحيسسرت فسسي السسسؤال ‪ :‬مسسن سسسيدعم اليهسسود فسسي‬
‫النتخابات بين الحزبين ؟! وكنت أمتلك المجلة في أرشيفي ‪.‬وفيها تقرير إحصائي مهم‬
‫‪.‬‬
‫‪ -‬ولما كنت أدرس في فرنسا سنة )‪ (1985‬عقدت المنظمات والجمعيات اليهودية‬
‫مؤتمرا تحت شعار )سنة ‪ -2000‬فرنسا يهودية !( وكان بالفرنسسسية ‪L an 2000 La :‬‬
‫‪. (!! ( France est juif‬‬
‫ونشرت الصحف دراسات عن انتشار اليهود في مختلف مؤسسات الدولسسة فكسسانت‬
‫إحصائية مدهشة ! وقد قام حزب الجبهة الوطنية اليميني القومي الفرنسي المتطسسرف‬
‫ضد اليهود والعرب والجانب بنشر معلومات خطيرة عن هذا التغلغل اليهودي ‪..‬‬
‫وقل مثل ذلك عن كل بلد آخر ويمكن تحصيل هذه المعلومسات لمسن أراد اسستزادة‬
‫مسسن النسسترنيت ‪..‬ويكفسسي أن نسسرى مواقسسف التحسساد الوربسسي ومنهسسا إعلنسسه المنظمسسات‬
‫الفلسطينية ومنها حماس منظمات إرهابية ‪ ,‬رغم اعتراف أوربا بحق مقاومة الحتلل ‪,‬‬
‫والشواهد كثيرة ‪ .‬رغم أن الشسسعوب الوربيسسة بسسدأت تعلسسن تبرمهسسا بهسسذا الوضسسع ‪ .‬حسستى‬
‫أعلنسست إحصسسائية رسسسمية للتحسساد الوربسسي أن زهسساء ‪ %60‬مسسن الشسسعب الوربسسي يسسرى‬
‫إسرائيل هي الخطر الول على السلم العالمي ‪ ,‬مما أثار ردة فعل عنيفة في أوسسساط‬
‫اليهود الوربيين وإسرائيل ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 506 [ ‬‬

‫( ‪ - (4‬تسلط اليهود على أمريكا المعاصرة ‪ .‬و ظاهرة المسيحيين‬


‫المتهودين ( الكنيسة النجيلية ( و(المحافظون الجدد( ‪:‬‬
‫اكتشفت أمريكا سنة ‪1492‬ميلدية ‪ .‬ولما بدأت أخبار خيرات العسسالم الجديسسد تصسسل‬
‫إلسسى مسسسامع النسساس فسسي أوربسسا ‪ ,‬صسسارت علسسى مسسر ثلث عقسسود تلسست مهسسوى أفئدة‬
‫المغسسامرين ‪ ,‬والمنشسسقين والمطسساردين فسسي أوربسسا ‪ ,‬كمسسا أصسسبحت منفسسى للمجرميسسن‬
‫والمنفيين ‪.‬‬
‫وأدرك اليهود الذين كانوا يعانون فسسي أوربسسا مسسن الظلسسم والحتقسسار مسسن النصسسارى ‪,‬‬
‫أهمية هذا العالم الجديد بل اعتقد بعضهم أنها أرض الميعاد التي بشروا بها فسسي كتبهسسم‬
‫القديمة ‪.‬‬
‫ولما ظهرت مناجم الذهب والسسثروات الطائلسسة تحركسست حاسسسة الشسسم والنهسسم لسسدى‬
‫اليهود وبدؤوا بهجرة كثيفة نحو العالم الجديد ‪ .‬وسرعان ما شكلوا جالية كبيرة وعملوا‬
‫في مجالهم التاريخي ‪ ,‬المال والربا ‪.‬‬
‫ولما استقلت أمريكا وبدأت تتكون الوليات المتحدة المريكية كان بعضهم قد حسساز‬
‫نفوذا في مجالت البنوك ورؤوس الموال ‪ ,‬والعمسسال المصسسرفية ‪ .‬حسستى تخسسوف وتنبسسأ‬
‫أحد أوائل الرؤساء المريكان وهو )؟؟( ‪ ,‬من نفوذ هذه الشسسرذمة وحسسذر منهسسم ‪ ,‬وقسسال‬
‫في وثيقة ما تزال محفوظة في مكتبة الكونغرس محذرا قسسومه منهسسم ‪ ,‬بسسأنه يتوقسسع إل ّ‬
‫يكبح جماح هذه الفئة ويحال بينها وبين طموحاتها وجشسسعها فسسإنه يتوقسسع إن يسسأتي علسسى‬
‫أمته المريكية زمان يتحكم فيهم هؤلء ويملكون أقواتهم ‪..‬وكنست أحتفسظ بصسورة عسن‬
‫مقولته تلك وهي شهيرة ‪.‬‬
‫وفعل آل المر إلى ماحذر منه ‪ ,‬فقد لعب اليهود دورا ماليا بارزا في تمويل السسدول‬
‫في الحرب العالمية الولى‪ ,‬ثم الثانية ‪ ,‬ودخلسسوا فسسي تمويسسل نهضسسة التصسسنيع فسسي أوربسسا‬
‫وأمريكا ‪ ,‬ولم ينصرم القرن التاسع عشر إل واليهود يحتكرون تجسسارة المسسال والعمسسال‬
‫ولعمال المصرفية فسسي أوربسسا وأمريكسسا ‪ ,‬وصسسار لهسسم لسسوبي يتحكسسم بحملت النتخابسسات‬
‫المريكية ‪ ,‬والوربية ‪ ..‬وسيطروا على قطاع العلم والصحافة في أمريكا كمسسا أوربسسا‪,‬‬
‫وسيطروا على صناعة السينما وعالم هوليود ‪ ,‬ودسوا حسناواتهم ليكونسسوا عشسسيقات أو‬
‫زوجات لكبار الشخصيات السياسية والقتصادية ! وقامت لهم الجمعيات والمنظمات ‪,‬‬
‫وبلغ تعداد الجالية اليهودية في أمريكا أكثر مسسن ثمانيسسة مليسسون نسسسمة يقطسسن أكسسثرهم‬
‫قلب الوليات المتحدة القتصادي ) مدينة نيويورك ( التي تعتبر من عواصم اليهود فسسي‬
‫العالم ‪ .‬ثم دخل اليهود وأبناء اليهوديات مجال السياسة بأنفسسهم وصسار منهسم النسواب‬
‫في الكونغرس ومجلس الشيوخ والوزراء وحتى الرؤساء!‬
‫ونظرا لعتناق الغالبية من نصارى أمريكا المذهب البروتستانتي ‪ ,‬الذي يرتكز على‬
‫تفسيرات العهد القديم ) التوراة ( والكتب والدبيات اليهودية ‪ ,‬ولدت مسسدارس مذهبيسسة‬
‫جديدة تعتبر حب اليهسود والعمسل علسى إعسادة مجسدهم لسسرائيل مسن أقسرب القربسات‬
‫الدينية ‪.‬‬
‫وتطورت هذه المذاهب والجمعيات وصار لها وسائلها العلميسسة الكسسثيرة مسسن مئات‬
‫محطات الراديو والقنوات التلفزيونية والجرائد والمجلت ‪ ,‬والكتاب ومراكز الدراسسسات‬
‫والدعوة ‪...‬إلخ ‪,‬‬
‫ثم ظهرت الكنيسة )النجيليسسة ( وكسسان مسن أبسسرز معتقسسدات وجسسوب دعسسم إسسسرائيل‬
‫كواجب ديني ‪ ,‬والعتقاد بأن معركسسة عالميسسة سسستقوم فسسي سسسهل )هرمجسسدون ( شسسمال‬
‫فلسطين بين اليهود المدعومين من ملوك النصارى ‪ ,‬وبين المسسسلمين ‪ ,‬وأنهسسا سسستكون‬
‫معارك يفنى فيها مليين البشر ‪ ,‬وهي مقدمة لعودة المسيح نزوله مسسن السسسماء لنقسساذ‬
‫المؤمنين به ‪ .‬واعتقد هسؤلء أن نهايسات القسرن العشسرين أو أوائل القسرن الحسالي هسي‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 507 [ ‬‬

‫موعد لهذا الحدث ‪ .‬وكان الكثيرون من الساسة المريكان مسسن اعتقسسد بهسسذه الطلسسسم‬
‫منهم الرئيس ريغان نفسه ! وقد كتبت كتب عدة حسسول هسسذا الموضسسوع وترجسسم بعضسسها‬
‫للعربية ‪ ) .‬وللشيخ سفر الحوالي دراسات وكتسسب قيمسسة فسسي هسسذا الموضسسوع لمسسن أراد‬
‫استزادة (‪.‬‬
‫ولذلك تلقت إسرائيل دعمسا ل متناهيسسا مسن أمريكسا خلل الربسع الخيسر مسسن القسسرن‬
‫الماضي ومسسا زالسست ‪ .‬ثسسم ظهسسرت نهايسسات القسسرن الماضسسي فسسي أمريكسسا مدرسسسة دينيسسة‬
‫سياسية ألعن في معتقداتها ‪ ,‬أطلقوا على أنفسهم )المحافظون الجدد ( ‪ ,‬وكان منهسسم‬
‫إدارة الرئيس بوش الب ‪ ,‬و إدارة الحالية والرئيس الحالي جورج بوش البن نفسه ‪.‬‬
‫ويقيم هؤلء مذهبهم كذلك علسسى السسساطير التوراتيسسة ووجسسوب إعسسادة بنسساء الهيكسسل‬
‫ومملكسسة إسسسرائيل وأن اللسسه يبسسارك أمريكسسا لقيامهسسا بهسسذه المهمسسة ‪ ,‬بالضسسافة للحلم‬
‫المبراطوريسسة فسسي توسسسع أمريكسسا ‪ ,‬وسسسيطرتهم علسسى الشسسرق الوسسسط متحسسالفين مسسع‬
‫اليهود ‪ ,‬وعلى سيادة حضارة العرق البيض ‪ ,‬و ضرورة إفناء العراق الخسسرى ‪ ,‬وتبنسسوا‬
‫نظريات ) صراع الحضــارات( وأن الرض ل تتسسسع لحضسسارتين ‪..‬وأن علسسى حضــارة‬
‫العرق البيــض‪ :‬النصــرانية الــدين ‪ ,‬الديمقراطيــة السياســة ‪ ,‬الرأســمالية‬
‫القتصاد ‪ ,‬الباحية الخلق والثقافة ‪ ..‬أن تسحق الحضارات الخسسرى وتخضسسعها‬
‫وتفرض عليها دينها وثقافتها ونظامها ‪ .‬بل إن المحسسافظين الجسسدد هسسؤلء والسسذين يمكسسن‬
‫تسسسميتهم بالصسسليبيين المتهسسودين ‪ ,‬أعلنسسوا اتخسساذهم مسسن السسسلم والمسسسلمين عسسدوهم‬
‫الول ‪ ,‬وأعلنوا الصدام مع حضارتهم كقدر محتوم ‪ ,‬بل قال أحد كبرائهم ‪ ) :‬نحن ورثسسة‬
‫حضارة الروم ‪ ,‬وأعداؤها في التاريخ أعداؤنا في الحاضر ( ‪ ,‬وصرح جسسورج بسسوش بسسأن‬
‫حربه الحالية في الشرق الوسط حرب صليبية ‪ ,‬ثم اعتذر وقال أنهسسا زلسسة لسسسان ‪ ,‬ثسسم‬
‫زّلها الخبيث عدة مرات متتالية ! ‪ ,‬وقام أحد كبراء جنرالتسسه مسسن القساوسسسة العسساملين‬
‫في التوجيه بالنيل من السلم ومن رسول السسسلم صسسلى اللسسه عليسسه وسسسلم بأسسسلوب‬
‫يتماشى مع حقارة ذلك الجنرال الملعون ‪ ,‬والشواهد تحتاج كتابا مفردا ‪ ,‬وهي مشتهرة‬
‫‪..‬‬
‫وهكذا سيطر اليهود على الدارة الحالية سيطرة تامة ‪ ,‬وصار اليهود وأبناء وأزواج‬
‫اليهوديات وتلميذهم أغلبية في مجلس الشيوخ ‪ ,‬والكونغرس ‪ ,‬والحكومة ‪,‬‬
‫والمؤسسات ‪ ,...‬وصارت حربنا مع إسرائيل هي عمليا حرب مع أمريكا ‪ ,‬أهلكهم الله ‪.‬‬
‫هذا بإيجاز مختصر تاريخ الروم منذ نشــأتهم وإلــى يومنــا هــذا والــذي‬
‫استمر زهاء ‪ 2500‬سنة حتى الن وسيستمر إلى أن تقوم الســاعة علــى‬
‫شــرار الخلــق ‪ .‬ويكــون الــروم حينهــا أكــثر النــاس ‪ ,‬كمــا أخــبر الصــادق‬
‫المصدوق عليه الصلة والسلم ‪.‬‬

‫*************‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 508 [ ‬‬

‫تطور النظام الدولي وخلصة الصراع بين المسلمين والروم‬


‫(‪8‬هـ ‪1425 -‬هـ ((‪ 629‬م – ‪ 2004‬م (‬

‫عن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليسسه وسسسلم قسسال ‪ ):‬ثم يوشــك المــم أن‬
‫تداعى عليكم كما تداعى الكلة إلى قصعتها فقال قائل ومن قلــة نحــن‬
‫يومئذ قال بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثـاء كغثـاء السـيل ولينزعـن اللـه‬
‫من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الــوهن فقــال‬
‫قائل يا رسول الله وما الوهن قال حب الدنيا وكراهية الموت(‪ ) .‬رواه أبو داود(‬
‫وعسسن رسسسول اللسسه صسسلى اللسسه عليسسه وسسسلم أنسسه قسسال‪ ):‬ثم فــارس نطحــة أو‬
‫نطحتان ثم ل فارس بعــدها أبــدا والــروم ذات القــرون كلمــا هلــك قــرن‬
‫خلف مكانه قرن أهل صخر وأهل بحر هيهات لخر الدهر هم أصحابكم ما‬
‫كان في العيش خير ( )مسند الحارث‪ ,‬زوائد الهيثمي ج ‪ /2‬ص ‪(./ 713‬‬
‫ع‬
‫مـ َ‬‫م َ‬ ‫هـ ْ‬ ‫َ‬
‫هلك َت ُ ُ‬‫مــا َ‬
‫وإ ِن ّ َ‬
‫م َ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬
‫م الّرو ُ‬ ‫س َ‬
‫شدّ الّنا ِ‬ ‫سّلم‪) :‬أ َ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫صّلى الل ّ ُ‬
‫و عنه َ‬
‫ة( )مسند أحمد ‪.(17335‬‬
‫ع ِ‬
‫سا َ‬
‫ال ّ‬
‫لو أردنا أن نلخص صراعات الحضارة السلمية وحروبهسسا مسسع أعسسدائها عسسبر التاريسسخ‬
‫منذ قامت وإلى يومنا هذا‪ ,‬نجدها تثبت ما جاء في إخباره صلى اللسه عليسه وسسلم بكسل‬
‫جلء‪ .‬فقد كانت مراحل الصراع على الشكل التالي‪:‬‬

‫الدولة النبوية والصراع مع الروم‪:‬‬


‫الصراع مع الروم خلل الدولة النبوية ‪:‬‬
‫كان توجيه الرسول صلى الله عليه وسلم للمسلمين لجهاد الروم ) بني الصفر ( ‪,‬‬
‫هو الساس لما تم بعد ذلك ‪ ,‬من استمرار لهذا الصراع الزلي ‪ .‬وقد كسسان فاتحسسة ذلسسك‬
‫كما رأينا في مؤتة )‪8‬هس ‪629 -‬م ( بعد غدرهم برسول رسول الله ‪ ,‬صسسلى اللسسه عليسسه‬
‫وسلم ‪ ,‬ثم تبوك ‪ .‬ثم تجهيز رسول الله صلى الله عليسسه وسسسلم ‪ ,‬لجيسسش إسسسامة لغسسزو‬
‫الروم ‪ ,‬وإشرافه بنفسه الشريفة عليه ‪ ,‬إلى آخر رمق في حياته ‪ .‬حيث كان مسسن آخسسر‬
‫كلمه الشريف كما جاء في الثار الشريفة ‪ :‬أنفذوا بعث أسامة ‪ ..‬لعن الله مسسن تخلسسف‬
‫عنه ‪..‬ومنذ ذلك الحين ما تزال رحى هذه المواجهة الزلية دائرة ‪.‬‬
‫الصراع مع الروم في دولة الخلفاء الراشدين ‪:‬‬
‫يتبين مما سبق ‪ ,‬أن الصراع مع الروم ‪ ,‬كان احد شقي الجهد الساسي للمواجهسسة‬
‫في زمن الراشدين ‪ .‬وبعد زوال فارس ودخولها في الحضارة السلمية خلل عهد عمر‬
‫وعهد عثمان رضي الله عنهما ‪ ,‬صارت المواجهة مسسع السسروم هسسي المحسسور الساسسسي ‪.‬‬
‫حيث تميزت المواجهة السلمية بالطابع الهجومي ‪ ,‬وكما رأينا ذلك تفصسسيل فسسي فصسسل‬
‫التاريسسخ ‪ ,‬فقسسد انسستزع المسسسلمون خلل مسسدة وجيسسزة مسن السسروم ؛ بلد الشسسام ومصسسر ‪,‬‬
‫ومعظسسم ممتلكسسات السسروم السسبيزنطيين فسسي شسسمال إفريقيسسا ‪ ,‬وهسسددوا عاصسسمة السسروم‬
‫)القسطنطينية ( ذاتها في ولية عثمان رضي الله عنه ‪ ,‬بل دخلوا الندلس على الروم‬
‫الغربيين ‪ ,‬وإن لم يمكثوا فيها ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 509 [ ‬‬

‫الصراع مع الروم في العصر الموي ‪:‬‬


‫وكمسسا فصسسلنا فسسي )ص ؟ ومسسا بعسسدها ( فسسأن الصسسراع مسسع السسروم كسسان هسسو المحسسور‬
‫الساسي لحروب الدولة السلمية إلى جنب حركتهم شرقا في بلد السند ) باكستان (‬
‫وكرمان )بلوشستان ( ‪ ,‬سجستان ) إيران ( ‪ ,‬وخراسان ) أفغانسسستان ( ‪ ,‬وبلد مسسا وراء‬
‫النهسسر ) وسسسط آسسسيا ( ‪ ,‬وتميسسز الصسسراع آنسسذاك بسسأنه طسسور هجسسومي ‪ ,‬واسسستطاع فيسسه‬
‫المسلمون انتزاع كامل شمال إفريقيسسا مسسن الدولسسة البيزنطيسسة ‪ .‬وانسستزاع النسسدلس مسسن‬
‫ملول )القسوط (‪ .‬ودخلسوا بلد الفرنجسة ) الغسال ( وهسي فرنسسا فسدخلوا مسدنها تولسوز‬
‫وليون وبوردو ‪ .‬حيث توقف الزحف عند مدينة )تور( شمال غرب فرنسا‪!!.‬‬
‫وهكذا شمل الصراع السسروم الشسسرقيين )البيزنطيسيسسسن( و الغربييسسن )ممالسسك غسسرب‬
‫أوربسسا(‪ ..‬كمسسا اسسستولى المسسسلمون خللهسسا علسسى بعسسض جسسزر المتوسسسط‪ .‬وحاصسسروا‬
‫القسطنطينية عدة مسرات ‪ .‬ولسم يكسن للسروم مبسادرات هجوميسة مهمسة خلل المرحلسة‬
‫الموية ‪ .‬وكان أهم ذلك ‪:‬‬
‫غارات الجراجمة )المردة( ‪:‬‬ ‫•‬
‫أغار الجراجمة على الثغور السلمية في عهد عبسد الملسك بسن مسروان سسنة ‪70‬هسس‬
‫بتحريض من الروم‪ ,‬مهتبلين انشغاله بحرب ابسسن الزبيسسر وقمسسع الفتسسن السستي ثسسارت فسسي‬
‫عهده‪ ,‬وقد عالجهم عبد الملك بالمسسال‪ ,‬فقسسد فسساوض المسسبراطور السسبيزنطي جوسسستنيان‬
‫الثاني على أن يدفع له ألف دينار كسسل أسسسبوع ‪ ,‬علسسى أن يتخلسسى عسسن مسسساعدتهم فسسي‬
‫غاراتهم‪.‬‬
‫غارات الروم البحرية ‪:‬‬ ‫•‬
‫أغار السطول السبيزنطي علسى السسطول العربسي سسنة ‪129‬هسس وهزمسه ‪ .‬وتمكسن‬
‫السطول البيزنطي من الستيلء على قبرص‪.‬‬
‫وخلل هذه الفترة دخل المسلمون في صراع مع الترك الوثنيين فسي وسسسط آسسسيا‪,‬‬
‫وواصسسل القسسائد الفاتسسح )قتيبسسة بسسن مسسسلم( حسستى فتسسح أفغانسسستان وبلد مسسا وراء النهسسر‬
‫وتركسسستان الغربيسسة والشسسرقية ووصسسل إلسسى تخسسوم الصسسين مضسسيفا إلسسى رقعسسة الدولسسة‬
‫السلمية نحو )‪ 5‬مليون( كيلومتر مربع‪ .‬فيما كان نظراؤه يتقدمون في فتح بلد السند‬
‫وشسسمال الهنسد‪ ,‬لتصسل الدولسة السسسلمية خلل الخلفسسة المويسسة لقصسسى اتسساعها عسسبر‬
‫الفتوح‪.‬‬

‫الدولة العباسية والصراع مع الروم‪:‬‬


‫أول ‪ :‬الصــراع مــع الــروم خلل المرحلــة العباســية الولــى ( مرحلــة‬
‫القوة ( ‪:‬‬
‫كما رأينا تفصيل ‪ ,‬فقد كان الصراع مع الروم هو المحور الساسي ‪ ,‬وشسسبه الوحيسسد‬
‫خلل تلك الفترة ‪ .‬وقد كان في بدايته هجوميسسا عسسبر نظسسام الصسسوائف و الشسسواتي ‪ .‬ثسسم‬
‫تحول دفاعيا بشكل شبه كامل تقريبا ‪ ,‬وكثرت غارات الروم على خط السسدفاع الطويسسل‬
‫معهم ‪ ,‬والممتد من تخوم الجزيرة شسسرق الناضسسول وإلسسى شسسمال الشسسام وصسسول إلسسى‬
‫أنطاكية والبحر المتوسط شمال غرب الشام‪.‬‬
‫وكان من أهم الغارات التي تعرضت لها الدولة خلل تلك الفترة ‪:‬‬
‫* غارات الخزر مع جموع من الترك على أرمينية سنة ‪147‬هس وسبيهم المسسسلمين‬
‫وأهل الذمة وتخريبهم مدينة تفليس ) عاصمة جورجيا اليوم ( ‪ ,‬ثم غسسارتهم ثانيسسة سسسنة‬
‫‪183‬هس‪.‬‬
‫* غارات قراصنة البحر )الميذ( علسى البصسرة سسنة ‪148‬هسس وسسنة ‪149‬هسس وسسنة‬
‫‪153‬هس وسنة ‪178‬هس وسنة ‪179‬هس وسنة ‪225‬هس وسنة ‪227‬هس وسنة ‪231‬هس‪.‬‬
‫* وغارتهم على جدة سنة ‪151‬هس ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 510 [ ‬‬

‫* غارات الروم بمراكبهم على دمياط ) مصر ( سنة ‪238‬هس ‪.‬‬


‫أما الروم الغربيون ) ممالك أوربا الغربية ( فقد كسسانت الهدنسسة هسسي طبيعسسة العلقسسة‬
‫معهم ‪ .‬وقد تحولت لعلقات حسنة أحيانا كما كسسان بيسسن الرشسسيد وشسسارلمان مللسسك بلد‬
‫الغال ) فرنسا الحالية ( حتى تبادلوا الهدايا ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬صراع العباسيين والدول الســلمية المســتقلة مــع الــروم منــذ‬


‫العصر العباسي الثاني ‪ ,‬وإلى قيام الدولة العثمانية ( ‪247‬هـ ‪922 -‬هـ ( ‪:‬‬
‫لم يتوقف الصراع مع الروم بشقيهم ‪ ,‬الشسسرقي ) السسروم السسبيزنطيين ( ‪ ,‬والغربسسي‬
‫)ممالك أوربا المسيحية(‪ .‬وكما أسسسلفنا فقسسد غلسسب عليسسه منسسذ انصسسرام العصسسر السسذهبي‬
‫للدولة العباسسسية ‪ ,‬الطسسابع السسدفاعي ‪ ,‬إل فسسي حسالت قليلسسة‪ .‬والحقيقسسة أنسسه مسسع ضسسعف‬
‫الخلفة المركزية لبني العباس في بغداد ‪ .‬تصدت الدول المستقلة ‪ ,‬كما مسسر معنسسا فسسي‬
‫ثنايا مختصر تاريخها لشرف مهمة الجهاد ‪ ,‬دفعا وطلبا ‪ ,‬وحمايسسة الحسسوزة والسسدفاع عسسن‬
‫ديار المسلمين وأنفسهم وأعراضهم ‪..‬‬
‫فوجدنا السلجقة في بلد الري والناضول ‪ ,‬يجاهدون الروم السسبيزنطيين بضسسراوة ‪,‬‬
‫وكذلك فعل الحمدانيون ‪ ,‬في شمال غرب بلد الشام ‪ .‬ولمسسا قسسامت الدولسسة التابكيسسة ‪,‬‬
‫قسسام الزنكيسسون بجهسساد الصسسليبيين السسذين قسسدموا مسسن ممالسسك أوربسسا ‪ ,‬ولسسم يسسأل قيصسسر‬
‫القسطنطينية في دعمهم على مدى قرنين مسسن الزمسسان ‪ .‬فلمسسا قسسامت دولسسة اليسسوبيين‬
‫ورثوا من أولد عمومتهم‬
‫الزنكيين مهمة الشرف تلك ‪ ,..‬فلمسسا ورث المماليسسك حكسسم مصسسر والشسسام ‪ ,‬ورثسسوا‬
‫معها إتمام المهمة الشريفة ‪ ,‬ونظفوا بلد الشام من دنس الصليبيين نهائيا ‪ .‬فيمسسا كسسان‬
‫السلجقة مستمرين بجهاد الروم في آسيا الصغرى ‪ ,‬حتى قام العثمانيون من أحفادهم‬
‫وحملوا شرف الراية التي كانت ما تسزال خفاقسسة يحملهسا الملسوك والمسسراء المختلفسون‬
‫رغم ما اعتورهم من فسوق وصراع على الملك ‪ ,‬وقد مر معنا ذكر طرف منها ‪..‬‬
‫أما في مغرب بلد المسلمين ‪ ,‬فما زال المر كذلك كما رأينا ‪ .‬فقد قسسام الغالبسسة ‪,‬‬
‫والموحسسدون ‪ ,‬والمرابطسسون ‪ ..‬وغيرهسسم مسست ملسسوك وأمسسراء ممالسسك المغسسرب القصسسى‬
‫بالدفاع عن السلم والمسلمين ‪ ,‬كلما سولت للروم ‪ -‬بشقيهم – أنفسسسهم أن يهسساجموا‬
‫ديار السلم ‪ .‬وأما في دولة الندلس ‪ ,‬فما فتئت غبار الحرب معقودة بين المسلمين ‪,‬‬
‫ونصارى أسبانيا المدعومين من ملوك أوربا ‪ ..‬إلى أن استطاعوا في النهايسسة أن يسسديلوا‬
‫دولة السلم هناك بعد أن دبت الفرقسسة والضسسلل ‪ ,‬والتعسساون مسسع النصسسارى فسسي ملسسوك‬
‫الطوائف ‪ .‬عندما اسسستباحوا أن يستنصسسروا بهسسم علسسى بعضسهم ‪..‬فسسسلطهم اللسسه عليهسسم‬
‫وادالوا دولتهم ‪.. .‬‬
‫وهذا استمرت السنة مضطردة ‪..‬إلى أن تسلم راية جهاد الروم ‪..‬الدولسسة العثمانيسسة‬
‫السلمية الناشئة التي كانت تدك حصون القسطنطينية في مشرق المسسسلمين ‪..‬فيمسسا‬
‫كسسسان السسسروم الغربيسسسون يسسسدكون حصسسسون غرناطسسسة فسسسي مغربهسسسا علسسسى شسسسواطئ‬
‫الطلسي‪..‬لتبتدئ حقبة جديدة من هذا الصراع الزلي بيننا وبين الروم ‪.‬‬

‫الدولة العثمانية والصراع مع الروم‪:‬‬


‫ثم ولدت الدولة العثمانيسسة مسسن أحفسساد السسسلجقة التسسراك‪ ,‬فسسي الناضسسول‪ ,‬وتمكسسن‬
‫السلطان محمد الفاتح من دك أسوار القسطنطينية بمدافع زنة قذائفها يصسسل إلسسى )‪3‬‬
‫طن( سسسنه )‪ (1452‬م!‪ .‬بعسسد أن نهضسست الدولسسة العثمانيسسة نهضسسة وازت وفسساقت نهضسسة‬
‫الروم البيزنطيين ودول أوربا المتطورة آنذاك‪..‬‬
‫وشكل سقوط القسطنطينية زلزال على مستوى التاريخ‪ ,‬حسستى اعتسسبره المؤرخسسون‬
‫نهاية العصور الوسطى وبداية العصور الحديثة‪ ,‬وحسسق لهسسم‪ ..‬فقسسد كسسان هسسذا سسسببا فسسي‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 511 [ ‬‬

‫انسياح العثمانيسين في الفتوح شمال وجنوبا وغربا‪ ,‬ونهضتهم حتى وصلت دولة السسسلم‬
‫تحت راياتهم إلى الحجم المبراطوري وأعادت توحيد أجزاءها تحسست خليفسة واحسسد‪ ,‬بعسد‬
‫أن نقل العثمانيون الخلفة إليهم وجعلوا مركزها القسطنطينية التي غدا اسمها )إسلم‬
‫بول( أي مدينة السلم تلك التي صار اسمها فيما بعد )إسطنبول(‪.‬‬
‫كما كان بداية نهضة الدول الوربيسسة ومسسا تل ذلسسك مسسن الثسسورة الصسسناعية والثسسورات‬
‫القتصادية والجتماعية‪ .‬وبذلك ولدت دول أوربية حديثة ذات بأس‪ .‬حيث تولت الصسسراع‬
‫مع دولة السلم آنذاك وهي الخلفة العثمانية‪.‬‬
‫وقد انساحت جيوش العثمانيسين تفتح بلد اليونان وسواحل البحر السسسود والبلقسسان‬
‫ودول شرق أوربا‪ ,‬حتى وصلت إلى أسوار )فيينا( عاصمة النمسا‪ ,‬أواخر القرن السسسابع‬
‫عشر حيث توقفت‪ .‬وبدأت أوربا هجومها الصليبي المعاكس الثاني‪..‬‬
‫وفيما كان التراك ينساحون في أوربا وآسيا بعسسد فتسسح القسسسطنطينية عسسام ‪,1452‬‬
‫كانت جيوش النصارى تحاصر آخر ممالك المسلمين في الندلس‪ .‬لتسقط آخر معاقسسل‬
‫السلم في أوربا الغربية )غرناطة( سنة ‪ .1493‬وليتأجج الصراع بيسسن العثمسسانيين ودول‬
‫أوربا الستعمارية‪ ,‬التي حملت مشعل حضسسارة الرومسسان الصسسليبيين بعسسد المبراطوريسسة‬
‫البيزنطية الرومانية من القسطنطينية‪ .‬وهكذا استمر الصراع بين السلم والروم طيلسة‬
‫فترة الخلفة العثمانية‪ ,‬إلى أن تمكنت الدول الوربية مسسن إسسسقاطها وإعلن ذلسسك عسسام‬
‫‪ ,1924‬حيسسث تقاسسسمت السسدول السسستعمارية إرثهسسا‪ ,‬وهسسو مجمسسوع بلد العسسالم العربسسي‬
‫والسلمي‪ .‬فيما تقاسمت من دول العالم‪..‬‬

‫العالم السلمي بعد سقوط الخلفة العثمانية والصراع مع الروم ‪:‬‬


‫لسم يتوقسف صسسراع المسسسلمين مسع السسروم بغيسساب المسسسلمين كقسوة سياسسية عسن‬
‫المسسسرح السسدولي بسسسقوط العثمانيسسسين‪ .‬لقسسد اسسستمر صسسراع السسسلم ممثل بالشسسعوب‬
‫السلمية وحركسساته الجهاديسسة والتحرريسسة ضسسد قسسوى دول أوربسسا السسستعمارية فسسي كافسسة‬
‫بلدانه‪ ..‬ففي أقصى مشسسرق المسسسلمين‪ ,‬انسسساحت جيسسوش السسروس لتسسسقط العواصسسم‬
‫السلمية في آسيا‪ ..‬فاستولت قواتهم على بلد البشسكير و تتارسسستان و القسسرم وشسرق‬
‫البحر السود وسيبيريا و القفقاس‪ .‬ثم زحفوا على جمهوريسسات وسسسط آسسسيا وأسسسقطوا‬
‫عواصسسمها الكسسبرى بعسسد مقاومسسة ضسسارية وخسسسائر مليونيسسة‪ ,‬وسسسقطت تركمانسسستان و‬
‫أوزبكستان وكازاخستان و قيرغيزستان و طاجيكستان‪ ,‬وعواصم السلم الشهيرة مرو‬
‫‪ /‬بخارى ‪ /‬ترمذ ‪ /‬طشقند‪ ..‬ما بين مطلع القرن ‪ 16‬وعام ‪ 1904‬حيث استقرت جيوش‬
‫روسيا القيصرية على ضفاف نهر جيحون الذي يشسسكل حسسدودها مسسع أفغانسسستان‪ ..‬السستي‬
‫كانت في مجال النفوذ النكليزي‪..‬‬
‫وبعد أن استولت دول أوربا على بلد العالم العربي والسلمي فسسي آسسسيا وأفريقيسسا‬
‫استمر المسلمون في صراعهم مع الروم الجدد متمثسلين بالدول السسستعمارية الكسسبرى‬
‫وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وأسبانيا وهولنسدا والبرتغسال وبلجيكسا‪ ..‬وغيرهسا ‪.‬‬
‫حيث تقاسمت هذه الدول احتلل العالم‪ ,‬وكان نصيب السد فيها لبريطانيا ثم فرنسسسا‪..‬‬
‫حيث قسمت وزارتا المستعمرات في )باريس ‪ /‬لندن( إرث الدولسسة العثمانيسسة‪ ,‬وخاصسسة‬
‫بلد العالم العربي‪ ,‬فيما عرف بمؤامرة أو اتفاقية )سيكس س بسيكو( السستي أبرمسست سسسنة‬
‫‪ ..1919‬ولُتسدخل بريطانيا في الصراع مع المسلمين عامل جديسسدا هسسم اليهسسود‪ .‬بسسإطلق‬
‫الوزير البريطاني )بلفور( وعده المشؤوم‪ ,‬بجعل فلسطين وطنا قوميسسا لليهسسود‪ .‬وهكسسذا‬
‫رزحت بلد الهند والسند )باكستان( وأفغانستان وإيران وجنوب شرق آسسسيا وكسسثير مسسن‬
‫الدول السلمية‪ ,‬وفيها الجزيرة العربية والسودان ومصر والعراق والردن وفلسسسطين‪,‬‬
‫تحت الحتلل النجليزي‪ .‬ورزحت كل من سوريا وفيها لبنان وتسسونس والجسسزائر وأجسسزاء‬
‫من المغرب وقسسسم مسن القسرن الفريقسسي تحسست الحتلل الفرنسسي‪ ..‬وأخسذت أسسبانيا‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 512 [ ‬‬

‫أجزاء من المغرب وموريتانيا وبعض البلد الفريقية كما أخذت إيطاليا ليبيا وأجزاء مسسن‬
‫القرن الفريقي ‪..‬‬
‫وكانت أغلب بلد وسسط أفريقيسا السسلمية قسد سسقطت تحست احتلل تلسك السدول‬
‫الوربية قبل ذلك‪ .‬وكانت حصة السد فيها لفرنسا كما سقطت جزائر المحيسط الهنسسدي‬
‫والهسسادي مسسن الفلسسبين إلسسى إندونيسسسيا إلسسى سسسنغافورة إلسسى تيلنسسد وماليزيسسا وبورمسسا‬
‫وبنجلدش‪ ..‬تحت احتللها أيضا قبل ذلك‪ .‬وقد شكلت المرحلة الستعمارية تلسسك ميسسدانا‬
‫للصراع بين الشعوب السلمية والسسروم ممثليسسن بسسدول أوربسسا السسستعمارية‪ .‬ولسسم تخسسف‬
‫الدول الستعمارية اليهودية الرومانية الروح الصليبية في حركتها الستعمارية تلك وقسسد‬
‫ظهرت في كثير من تصريحاتهم‪ .‬ومن ذلك‪ :‬أن القائد البريطسساني )اللسسورد اللنسسبي( لمسسا‬
‫ركز علمه ذي الصليبين فوق جبل الزيتون في بيت المقدس صسسرخ قسسائل‪) :‬الن انتهسست‬
‫الحروب الصليبية(‪ ..‬بروح الثأر لهزيمة أجداده على يد صلح الدين اليوبي‪ .‬أما )غسسورو(‬
‫الجنرال الفرنسي فقد كان من باكورة أعماله أن زار قبر صلح الدين وضربه بالسسسيف‬
‫وكسر قطعة حجر منه ما تزال محفوظة في المتحف الحربي بدمشق‪ ,‬ليقسسول لسسه‪):‬هسسا‬
‫قد عدنا يا صلح الدين(‪ .‬أما اليطاليون فقد كان نشيدهم العسكري أيسسام احتلل ليبيسسا‪..‬‬
‫ينضح بالحقاد الصليبية ويفتخر بذهاب الجنسسد لقتسسل المسسسلمين‪...‬والمثلسسة كسسثيرة علسسى‬
‫الروح الصليبية لحركة الستعمار الحديث ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 513 [ ‬‬

‫الصراع بين الروم أنفسهم بعد غياب المسلمين عسسن مسسسرح القسسوى الدوليسسة وتحسسولهم‬
‫إلى غنائم استعمارية ‪:‬‬
‫وهكذا تغير شكل النظام الدولي ليصبح مجال الصراع فيه بين الروم أنفسهم على‬
‫الغنائم الستعمارية و السياسسسات الوربيسسة‪ ,‬ممسسا أشسسعل حربسيسسسن عالمتسسسين مسسدمرتين‪,‬‬
‫استمرت الولى مابين )‪ 1914‬سس ‪ (1918‬وأزهقسست فيهسا أوربسسا زهساء ‪ 9‬مليسسسين نفسسس‪,‬‬
‫وتمكنت ألمانيا فيها من جر الدولة العثمانية التي تولى زمام أمورها )الماسون( ويهسسود‬
‫الدونمة فجرتها إلى دخول الحرب إلى جانبها‪ ,‬مما برر تقاسم أشسلئها بخسسارة ألمانيسا‬
‫الحرب وكذلك حليفتها الدولة العثمانية المتماوتة‪.‬‬
‫ثم اشتعلت الحرب العالمية الثانية ما بين )‪ 1939‬س ‪ (1945‬لتزهق أوربا بالضسسافة‬
‫إلى روسيا وأمريكا زهاء ‪ 82‬مليون نفس بشرية ولتسفر تلك الحسسرب عسسن تسسدمير بنيسسة‬
‫أوربا التحتية‪ ,‬اقتصاديا واجتماعيا‪ ,‬لتسمح بميلد قوتين عظيمتين استعماريتين جديدتين‬
‫على وجه الرض هما )روسيا ‪ /‬أمريكسسا( حيسسث تسسسابقت دول أوربسسا لتنتمسسي إلسسى حلسسف‬
‫إحدى هاتين السسدولتين فسسدخلت دول شسسرق أوربسسا مسسع التحسساد السسسوفيتي مكونسسة حلسسف‬
‫وارسو بزعامة موسكو‪ .‬ولتدخل معظم دول أوربا الغربية في حلف أمريكا مكونة حلف‬
‫الناتو بزعامة واشنطن ولتبدأ مرحلسسة جديسسدة مسسن مراحسسل النظسسام السسدولي يقسسوم فيهسسا‬
‫الصراع بين هذين القطبين حيث لم يعد للمسلمين وجود على المسسسرح السسدولي كقسسوة‬
‫تمثل طرفا‪ ,‬لنهم صاروا في قصعة الغنائم‪ ,‬تستسناهبهم تلك الدول وتسسديرهم فسسي فلكهسسا‬
‫على دأب أجدادهم من الغساسنة و المناذرة‪..‬‬

‫النظام العالمي الحديث وقيام المبراطوريتان السوفييتية والمريكية و صراعهما علسسى‬


‫النفوذ‪:‬‬
‫كما أسلفنا أدت الحرب العالمية الثانية إلى دمار أوربا وتقهقسسر دولهسسا السسستعمارية‬
‫عن مرتبة الصدارة‪ ,‬وبروز قوتين عظيمتين هما التحاد السوفييتي والوليسسات المتحسسدة‬
‫المريكية‪ .‬ومن ثم دخلت دول أوربسسا الشسسرقية كشسسبه مسسستعمرات للتحسساد السسسوفييتي‬
‫لتشكيل حلف وارسو وما يسسسمى بالمعسسسكر الشسسرقي‪ .‬ولتسسدخل أوربسسا الغربيسسة وعلسسى‬
‫رأسها بريطانيا وفرنسا في حلف أمريكا وتكون حلف الناتو أو المعسكر الغربسسي‪ .‬وقسسد‬
‫أسفرت الحرب العالمية الثانية عام ‪ 1945‬عن إعادة رسم ميسسزان القسسوى فسسي العسسالم‬
‫على هذا الساس‪ .‬وُأنشأت عصسسبة المسسم المتحسدة مسن السسدول الكسبرى لوضسع أسساس‬
‫لنظام دولي عالمي جديد في حينها‪ ..‬ثم تعسسدلت لتقسسوم هيئة المسسم المتحسسدة‪ .‬ونهضسست‬
‫الصين كقوة اقتصادية ونووية وبشرية وفرضسست نفسسسها فسسي مصسساف السسدول العظمسسى‪.‬‬
‫ون مع أمريكا والتحاد السوفيتي وفرنسا وبريطانيا العضاء السسدائمين فسسي مجلسسس‬ ‫لتك ّ‬
‫المن‪ .‬المؤسسة الهم المنبثقة عن هيئة المم المتحدة‪.‬‬
‫وبدأت الحرب الباردة بين القطبين في مجالت التجسس وسسسباق التسسسلح وصسسراع‬
‫النفوذ في إلحاق أكبر قدر ممكن من دول العالم الثالث تلك فسسي فلسسك هسسذا الحلسسف أو‬
‫ذاك‪.‬‬
‫وكانت الثورة البلشفية الشيوعية قد قامت فسسي روسسسيا سسسنة ‪ 1917‬وحسسل التحسساد‬
‫السسسوفييتي بفلسفسسسته اللينينيسسة الماركسسسية محسسل روسسسيا القيصسسرية‪ .‬ودعسسم التحسساد‬
‫السوفييتي بعيد الحرب العالمية الثانية حركات التحرر فسسي البلسسدان السستي لسسم تكسسن قسسد‬
‫استقلت عن الدول المستعمرة خلل الثورات الستي قسسامت عليهسا فسي مرحلسسة مسا بيسسن‬
‫الحربين‪ .‬كما انتشر الفكسر الشستراكي والشسيوعي فسي كسثير مسن السدول وحمسل مبسدأ‬
‫الثورة على الدكتاتوريات المدعومة من قبل السدول السستعمارية لسسيما أمريكسا ودول‬
‫أوربا الغربية‪ .‬ودعم التحاد السوفييتي تلسسك الحركسسات وأدى الصسسراع علسسى النفسسوذ بيسسن‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 514 [ ‬‬

‫أمريكا والتحاد السوفيتي إلى قيام نظام الحسروب بالوكالسسة بسسدعم السسروس السسسوفييت‬
‫لتلك الحركات ‪.‬‬
‫وقد أدت حروب الوكالة و صراعات النفوذ إلسسى اكتسسساح السوفيسسسيت لمعظسسم دول‬
‫العالم الثالث ولسيما في كثير مسسن دول إفريقيسسا وآسسسيا وأمريكسسا اللتينيسسة‪ ,‬وقسسد رسسسخ‬
‫السوفيسيت أقدامهم في بلد عربية مهمة مثل العراق وسوريا ومصسر واليمسن الجنسوبي‬
‫وليسبيا والجزائر والقرن الفريقي‪.‬‬
‫وقد قامت تبعا لذلك عدة حروب بالوكالة تقاتلت فيها دول متعددة أو حتى شعوب‬
‫دولة واحدة في صراع النفوذ هسسذا‪ ,‬كتسسسلك السستي قسسامت فسسي كوريسسا و الفيتنسسام والقسسرن‬
‫الفريقي واليمن الشسسمالي والجنسسوبي ولبنسسان وكسسذلك العديسسد مسسن دول آسسسيا وأفريقيسسا‬
‫وأمريكا اللتينية‪.‬‬
‫كما لعبت الدولتان على حبل الصراع العربي السرائيلي بالدعم السسسافر مسسن قبسسل‬
‫أمريكا لسرائيل وتمثيل السوفييت دور دعم الجانب العربي‪ .‬والملحسسظ أن كسسثيرا مسسن‬
‫تلك الحروب والثسسورات قسسد ضسسيقت مجسسالت النفسسوذ المريكسسي حسستى يمكسسن القسسول أن‬
‫حصيلة جولت الملكمة تلك بين أمريكا والسوفيسيت الروس قد أبرزت تفسسوق السسروس‬
‫بالنقاط في معظم تلك الجولت‪ ..‬إلى أن ارتكب السسروس فسسي نشسسوة الظفسسر والتقسسدم‬
‫تلك غلطتهم التاريخية القاتلة فأقدموا على احتلل أفغانستان عام ‪ 1979‬بصورة شسسبه‬
‫مكشوفة إثر سلسلة انقلبات شيوعية مدعومة من قبلهم على الملكية فيهسسا منسسذ عسسام‬
‫‪ ..1965‬وهكسسذا حققسسوا فسسي قفسسزة اسسستراتيجية نصسسف الطريسسق إلسسى الحلسسم القيصسسري‬
‫بوصولهم إلى المياه الدافئة في الخليج العربي إذا لم يبسسق بينهسسم وبينسسه مسسن فاصسسل إل‬
‫مثلث بلوشسستان الباكستاني اليراني بمسافة ل تزيد عن ‪ 500‬كيلومتر‪.‬‬
‫وبدا وكأن أمريكا قد قبلت المر الواقع وسلمت ولم تبد حراكا يذكر رغم صسسفارات‬
‫النسسذار بسساقتراب الخصسسم اللسسدود إلسسى منسسابع النفسسط السستي يتحكسسم مسسن يسسسيطر عليهسسا‬
‫باقتصاديات العالم الرئيسية‪ .‬ولم يتوقع أحد المفاجأة التي حصلت وقلبت وجسسه العسسالم‬
‫بل ذهبت به إلى مرحلة تاريخية جديدة عصفت بكل ثوابته القديمة‪..‬‬

‫هزيمة روسيا في أفغانستان وانهيار التحاد السوفييتي‪ .‬وقيام النظسسام العسسالمي الجديسسد‬
‫بزعامة أمريكا كقطب أوحد ينفرد بمقدرات السياسة والقتصاد في العالم‪:‬‬
‫لم يدر في خلد أحد من صناع السياسة وعباقرة العسكرية و أفسذاذ المفكريسن أنسه‬
‫يمكن لشعب يشغل المرتبة الرابعة في قائمة أفقر شعوب العالم‪ ,‬يمكن له أن يصسسمد‬
‫لقوى قوة عسكرية في الرض ومتاخمة له بحسسدود يزيسسد طولهسسا علسسى ‪ 1000‬كيلومسستر‬
‫توفر له إمدادا لوجيستيا نموذجيا ومباشرا‪ ..‬ولكن شاء الله أن تتحقق المعجسسزة‪ ..‬فقسسد‬
‫صمد الفغسسان لعملء السسروس مسسن حكسسامهم منسسذ عسسام ‪ 1965‬إلسسى ‪ 1979‬ممسسا سسسبب‬
‫الطاحة بالنقلبات الواحد تلو لخر‪ .‬ثم صمدوا للغزو المباشسسر والمواجهسسة العسسسكرية‬
‫الشرسة مع اللة العسكرية الساحقة للجيش الحمسسر ثلث سسسنوات )‪ 1979‬س س ‪(1982‬‬
‫حتى اقتنعت الدارة المريكية وحلفاءها في النساتو بسأن هنساك فرصسة تاريخيسة لتحطيسم‬
‫الجيش الحمر السوفييتي على قمم وسفوح الهندوكوش بصورة أسوأ كثيرا مما ُفعسسل‬
‫بالجيش المريكي فسسي فيتسسسنام‪ .‬فقسسرر الكسسونغرس سسسنة ‪ 1982‬تبنسسي الجهسساد الفغسساني‬
‫وركوب موجته‪..‬‬
‫وأدي الذن المريكي بدعمه والمر بذلك لحلفسسائهم الوربيسيسسسن وأذيسسالهم مسسن دول‬
‫العالم السلمي‪ ,‬ولسيما دول رئيسية مثل الباكستان التي تزيد حدودها مع أفغانسسستان‬
‫عن ‪ 2200‬كيلومتر والسعودية التي تتمتع بنفوذ المرجعية والحرمين علسسى المسسسلمين‪,‬‬
‫ومصر ذات الوزن الستراتيجي في العالم العربي والسلمي‪ ,‬وسواها من السسدول إلسسى‬
‫فتحت أبواب كافة أنواع الدعم بالمال والسلح للجهاد الفغاني‪ ..‬فقد سسساهمت أمريكسسا‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 515 [ ‬‬

‫وحلفاؤها الوربيون بحصص مالية كبيرة وألزمت دول الخليج ولسسسيما السسسعودية بسسدفع‬
‫حصص كبيرة من الدعم‪ ,‬وانفتح الباب أمام كل مسسن أراد مسسن المسسسلمين دعسسم الجهسساد‬
‫الفغاني‪ ,‬وفتحت الباكستان سفاراتها أمام من يريد الذهاب إلى هناك‪ ,‬وخفضت بعسسض‬
‫شركات الطيران العربية قيمة تذاكر السفر أمام من يريد الجهاد! فقد كان ثمة إجسسازة‬
‫من أمريكا‪ .‬واستفادت الحركات السلمية ولسيما الجهادية من الفرصة فتواجدت في‬
‫الساحة وخاضت معركة نصسسرة المسسسلمين‪ ..‬بالمختصسسر؛ لقسسد قسسدر اللسسه أن تتسسوفر كسسل‬
‫الظروف للنتصار المذهل‪ ..‬وليس هنا مقام التاريخ لهسسذه التجربسسة الفريسسدة فسسي تاريسسخ‬
‫المسلمين بل والعالم في حيثياتها وما نتج عنها‪ ,‬وهو موضوع مهسسم جسسدا يحتسساج أسسسفارا‬
‫خاصسسة بسسه‪ .‬ولكسسن المتعلسسق بموضسسوعنا هنسسا أن نقسسول أن النسسزاع بيسسن الجيسسش الحمسسر‬
‫السوفييتي وحلف وارسو برمته وبين المسلمين على أرض أفغانستان‪ ,‬أسفر عن نصر‬
‫مذهل أجبر الروس على جر أذيسسال الخيبسسة والهزيمسسة والنسسسحاب مسسن أفغانسسستان بعسسد‬
‫عشسسر سسسنوات‪ ,‬أي عسسام ‪ 1989‬متكبسسدين عشسسرات آلف القتلسسى والجرحسسى وتسساركين‬
‫وراءهم أشلء أكثر من ‪ 50.000‬آلية عسكرية فضل عن حطام مئات الطائرات‪..‬‬
‫وهكذا ربحت أمريكا آخر جولة في الحرب بالوكالة مع السوفييت بالضربة القاضية‬
‫حيث قام المسلمون بلكسسم التحسساد السسسوفييتي تلسسك اللكمسسة! وكسسانت الحصسسيلة لصسسالح‬
‫أمريكا‪ ..‬وكانت نقطة البداية لنهيار المعسكر الشرقي وانفراد أمريكا بالسيطرة علسسى‬
‫العالم وتمكنها من إعلن النظام العالمي الجديد‪.‬‬
‫وتدحرجت الكرة بسرعة إذ ُأجبر السسروس علسسى إعلن تفكسسك التحسساد السوفيسسسيتي‪,‬‬
‫وحسسل حلسسف وارسسسو وإزالسسة جسسدار برليسسن بيسسن اللمانيستسيسسسن‪ ..‬وسسسرعان مسسا اسسستقلت‬
‫الجمهوريات المتعددة عن روسيا وسقطت النظمة الشيوعية في دول أوربسسا الشسسرقية‬
‫تباعا كأحجار الدومينو‪ ,‬وقام محلها أنظمة سارعت للرتماء على أعتاب القوة العظمى‬
‫الوحيدة في العالم أمريكا‪..‬‬
‫وهكذا تغيرت معطيات النظام الدولي ليقسسوم علسسى أنقاضسسه مرحلسسة جديسسدة يمكسسن‬
‫التاريخ لبدايتها بس ‪ 1990‬موعدا لنطلق ما سمي بس )النظام العالمي الجديد(‪.‬‬
‫واجتمع )غورباتشسوف( السذي ِأشسرف علسى حسل التحسساد السسوفييتي بسس )مرغريسست‬
‫تاتشر( رئيسة وزراء بريطانيا آنذاك بالرئيس المريكسسي ) ريغسسان( ‪ .‬ليعلنسسوا أن السسسلم‬
‫وحضارته وشعوبه هم العدو المقبل للحضارة الغربيسسة‪ ..‬وطرحسست فكسسرة توسسسيع حلسسف‬
‫الناتو ليشمل روسيا ودول أوربا الشرقية‪ ,‬أي دمسسج )وارسسسو( فسسي )النسساتو( عمليسسا ولمسسا‬
‫سئل عن جدوى ومعنى بقاء حلف الناتو بعسسد زوال المعسسسكر الشسسرقي‪ ,‬ولسسم ل يحسسول‬ ‫ُ‬
‫لحلف اقتصادي وثسقافي؟ أجاب القائمون عليسسه بسسأن هنسساك ضسسرورة لتقسسويته وتوسسسيعه‬
‫لمواجهة الخطر القادم والمتمثل بالسلم والصسسولية السسسلمية‪ ..‬ثسسم خلسسف )كلينتسسون(‬
‫)ريغسسان( ليعلسسن انطلق حملت مكافحسسة الرهسساب السسسلمي‪ ..‬وبسسدأت أمريكسسا رسسسم‬
‫سياسات العالم والتدخل في مصائر شعوبه ودوله‪ .‬ومسسن أبسسرز الثسسار السستي نتجسست عسسن‬
‫قيام النظام العالمي الجديد على العالم العربي والسلمي ما يلي‪:‬‬
‫استدراج أمريكا للعراق لغزو الكويت وتزعم أمريكسا وبريطانيسا ودول النساتو لحلسف‬
‫دولي من ‪ 31‬دولة‪ ,‬حيث ُألزمت بعض السسدول العربيسسة والسسسلمية بالسسدخول فسسي غسسزو‬
‫العراق والخليج‪ .‬حتى وصل الحشد إلى مسا يقسارب المليسسون جنسسدي! كسسان نصسسفهم مسن‬
‫المريكسسان وشسسكل النجليسسز ‪ % 20‬منهسسم فيمسسا شسسارك النسساتو فيسسه بكامسسل العبسساء‬
‫والمسؤوليات‪ ..‬وأسفرت الغزوة التي كسسانت بسساكورة الحملت الصسسليبية الجديسسدة علسسى‬
‫العالم السلمي س كما صرح بذلك أكسسثر مسسن مسسسؤول أمريكسسي س س أسسسفرت عسسن تثسسبيت‬
‫أمريكا لقدامها في الخليج واحتلله عمليا‪.‬‬
‫وكشفت كثير من الدراسات عن هذا البرنامسسج وهسسو احتلل منسسابع النفسسط والطاقسسة‬
‫بشكل مكشوف‪ ,‬كان قد خطط له منذ أوائل السبعينيات أيام الرئيس )كارتر( وشكلت‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 516 [ ‬‬

‫قوات التدخل السريع المريكية )المارينز( خصيصسسا لسسه‪ .‬وهكسسذا بسسدأ برنامسسج الصسسليبيين‬
‫الجدد باجتياح الشرق الوسط والعالم السلمي‪.‬‬
‫إلزام الدول العربية المعنية والفلسطينيسين والعالم العربي والسلمي من ورائهسسم‬
‫بتوقيع اتفاقيات السلم والتطبيع مع اليهود وبدأ البرنامج الصسسهيوني بالسسسير نحسسو طسسرد‬
‫الفلسطينيسسسين والسسسيطرة علسسى المنطقسسة عسسبر برنامسسج التطسسبيع الثقسسافي والقتصسسادي‬
‫والسياسي والجتماعي مع اليهود‪.‬‬
‫انطلق مسسا يسسسمى بحملت مكافحسسة الرهسساب ضسسد الحركسسات الجهاديسسة والصسسولية‬
‫السلمية‪ ,‬التي تطورت لتكون حملت ضد كافة الصحوة السلمية ووصسسلت فسسي عهسسد‬
‫)بوش( الذي تل )كلينتون( لتكون حملت إبادة أو تركيع لكافة المسلمين‪ .‬وهكذا بسسدأت‬
‫مؤامرة تصفية مكتسبات الجهاد الفغاني وانطلقت حروب البادة ضسسد المسسسلمين فسسي‬
‫البوسنة و الشيشان‪ ,‬وانطلقت الحكومات العربية والسلمية بتنفيذ ما أوكل إليهسسا مسسن‬
‫تصفية قواعد وتنظيمات الصحوة السلمية و الجهادية بكاملها في كل مكان‪.‬‬
‫وهكذا أعيد المسلمون قسرا إلى مسرح الصراع مسسع السسروم بعسسد أن أسسسفر صسسراع‬
‫الروم فيما بينهم خلل مرحلة الحرب العالمية الولسسى إلسسى الثانيسسة ثسسم مرحلسسة الحسسرب‬
‫الباردة عن حسم المنافسة لصالح أمريكا التي سارعت بريطانيسسا بالسسدخول فسسي ركابهسسا‬
‫وانجرت دول أوربا الناتو من كان راغبا منها ومن كان راهبسسا للسسسعي خلفهسسا فسسي إدارة‬
‫هذا النظام العالمي الجديد‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 517 [ ‬‬

‫آخر الحلقات في صراعنا مع الروم ‪ ):‬صراع المسلمين مع أمريكا وحلفائها ( حاليا ‪:‬‬
‫أحداث الحادي عشر من سبتمبر ‪ , 2001‬واحتلل أمريكا للعراق ‪,‬‬
‫واشتعال الحرب الصليبية ضد المسلمين بقيادة أمريكا ورئيسها الحالي‬
‫جوج بوش منذ مطلع القرن ‪: 21‬‬

‫انتهت ولية )كلينتون(‪ .‬وأسفرت النتخابات المريكية عام ‪ 2000‬عن فسسوز )جسسورج‬
‫‪ W‬بوش( إبن الرئيسسس المريكسسي )جسسورج بسسوش( الب السسذي انطلسسق النظسسام العسسالمي‬
‫الجديسسد والحملت الصسسليبية فسسي عهسسده‪ .‬واسسستطاع حفنسسة مسسن رجسسال أبيسسه ومسسن بعسسض‬
‫المتطرفين المسيحيين المتصهينين‪ ,‬ممن يطلقون على أنفسهم اسسسم )المحـافظون‬
‫الجدد( النضمام إليه لتشكيل الدارة المريكية الجديدة‪ .‬وتسابق القسسادة والسياسسسيون‬
‫والمفكرون والمنظرون منهم إلى إعلن مبادئهم وتطلعسساتهم وأفكسسارهم‪ ,‬ولسسم يسسستحوا‬
‫منها‪ .‬فاستعلن أحسسدهم بسسالقول‪):‬إن المريكسسان هسسم ورثسسة المبراطوريسسة الرومانيسسة وأن‬
‫أعداءها في التاريخ هم أعداءها في الحاضر والمسسستقبل(‪ .‬ولسسم يخسسف بسسوش فيمسسا بعسسد‬
‫قوله )بأنه يقود حملة صليسبية على المسلمين(‪ .‬ولم يعد موضوع أولوية دعسسم إسسسرائيل‬
‫واحتلل منابع النفط وزيادة رقعسسة مكسساتب مكافحسسة الرهسساب فسسي عواصسسم دول العسالم‬
‫ولسيما العربية والسسسلمية سسسرا‪ .‬وانطلقسست أمريكسسا فسسي سياسسسة تحجيسسم أوربسسا ودول‬
‫العالم الرئيسية واتخذت الدارة من مشروع مكافحة الرهاب عالميسسا برنامجسسا لتصسسفية‬
‫الحركات السلمية وجر الحكومات العربية والسلمية إليه طوعا وكرها‪.‬‬
‫وكانت حركة طلب العلوم الشرعية في أفغانستان أو ما يسمى بس )حركة طالبان(‬
‫قسسد اسسستطاعت إنهسساء الحسسرب الهليسسة وهزيمسسة الحسسزاب المتصسسارعة فسسي أفغانسسستان‬
‫ووضعت حدا لنتشار الفساد في الرض‪ ,‬وأقامت نظامسسا للحكسسم بالشسسريعة السسسلمية‪,‬‬
‫وأعلنت قيام إمارة أفغانستان السلمية‪ ,‬ودخلت كابول سنة ‪ 1996‬وأعلن المل محمد‬
‫عمر أميرا للمؤمنين فيها‪ .‬واستطاعت إلسسى عسسام ‪ 2000‬ترسسسيخ أقسسدامها وحكمهسسا فسسي‬
‫أفغانستان والسيطرة على نحو ‪ % 94‬من مساحتها‪.‬‬
‫ولما كانت حملت مكافحة الرهاب قد ضّيقت أقطار الرض على كثير مسسن شسسباب‬
‫الحركات الجهادية‪ ,‬وكثير من الشباب المسلم خاصة مسسن البلد العربيسسة ووسسسط آسسسيا‪,‬‬
‫أصبحت المارة السلمية في أفغانستان ملذا ومهجرا لكسسثير مسن كسسوادر وشسسباب تلسسك‬
‫الحركات‪ .‬فأصبح تدمير المارة السلمية وإخراج هذه النخبة المهاجرة المجاهدة الذين‬
‫سموا )الفغان العسسرب( منهسسا‪ .‬وابتسسدأت أمريكسسا ذلسسك بسلسسسلة مسسن إجسسراءات الحصسسار‬
‫السياسي والقتصادي والتشويه العلمي والمواجهات المنية‪.‬‬
‫وفي صبيحة ‪ 11‬سبتمبر ‪ , 2001‬تمكن ‪ 19‬شابا من المجاهسسدين التسسابعين لتنظيسسم‬
‫القاعدة الذي يتزعمه الشيخ المجاهد )أسامة بن لدن(‪ ,‬تمكنوا من اختطاف عسسدد مسسن‬
‫الطائرات والدخول بها في عمليات استشهادية في واشنطن ونيويسسورك فسسدمروا أبسسراج‬
‫مركز التجارة العالمية‪ ,‬وجانبا من مبنى الس ) بنتاغون ( مقر وزارة الدفاع المريكية مما‬
‫أسفر عن مقتل وجرح عدة آلف من المريكيسين‪..‬‬
‫ومع أن هذه العمليات شكلت تصعيدا كبيرا بعد عدد من العمليات الخسسرى الصسسغر‬
‫حجما ضد الهداف المريكية السستي قسسام بهسسا تنظيسسم القاعسسدة أو غيسسره مسسن التنظيمسسات‬
‫بسبب موجسسة العتسسداءات المريكيسسة علسسى المسسسلمين ودعمهسسم لليهسسود فسسي فلسسسطين‬
‫ولكافة أعداء السلم‪ .‬إل أن وسائل العلم المريكية والدولية استطاعت تصوير ما تل‬
‫ذلك الحدث من ردود أفعال أمريكا الوحشية الطاغية‪ ,‬وإطلق حرب عالميسسة لمكافحسسة‬
‫الرهاب ومحاربة المسلمين على كل صعيد‪ ,‬استطاعت تصوير ذلك علسسى أنسسه رد فعسسل‬
‫مبرر بسبب هجمات الرهاب السلمي على أمريكا وأمنها القومي‪...‬‬
‫وابتدأ بوش حربه العالمية على الرهاب‪ ,‬وكان من ذلك‪:‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 518 [ ‬‬

‫شن حرب إعلميسة عارمسة مسن أجسل شسحن الجسواء وتهيئتهسا‪ ,‬بتصسوير المسسلمين‬
‫عموما والصحوة السلمية و الجهاديين خصوصا على أنهم الخطسسر المحسسدق بالبشسسرية‪.‬‬
‫والتضخيم من حجم هذا العدو و إمكاناته حتى وصل إلى الزعم بأن الجهاديين يمتلكون‬
‫أسلحة الدمار الشامل‪ ,‬وأحدث تكنولوجيات العصر‪ ,‬وعشرات آلف المقاتلين المدربين‬
‫المنتشرين في عشرات البلدان‪ ...‬ودمجت أمريكا كسسل ذلسسك تحسست مسسسمى )القاعسسدة(‬
‫الذي صنع العلم المريكي من اسمها )بعبعا( مخيفا يجب محاربته ‪ ,‬حيث أدخلت تحت‬
‫هذا المسمى كل جهد إسلمي في مواجهتها‪ ,‬بل كسسل مسسن أرادت سسسحقه فسسي حملتهسسا‪.‬‬
‫وبهذا بررت أمريكا كل ما تل ذلك من عدوان وإجراءات‪ ,‬وبررا زحفها في حملة احتلل‬
‫على الشرق الوسط والعالم السلمي‪..‬‬
‫الهجوم على المارة السسسلمية فسسي أفغانسسستان وإسسسقاط حكومسسة طالبسسان وتسسدمير‬
‫البنية التحتية للمجاهدين الفغان العرب وغير العرب فيها‪.‬‬
‫إطلق حملة مكافحة الرهاب وإلزام كافة الدول بهسسا‪ ,‬وعقسسد عشسسرات المسسؤتمرات‬
‫من أجل ذلك‪ .‬ورفع بوش شعار جده قابيل )لقتلنك(! وأطلق مقولة )من لم يكسسن مسسع‬
‫أمريكا في حربها مع الرهاب فهو ضدها( ولم يترك أي هامش للحياد‪.‬‬
‫أطلق بوش يد أجهزته المنية من الس ‪ CIA‬والس ‪ FBI‬وسواها‪ ,‬وما تبعها مسسن أجهسسزة‬
‫أمن من باقي دول العالم السستي أدخلهسسا طوعسسا أو كرهسسا فسسي حملسسة بربريسسة مسسن القتسسل‬
‫والسر والتنكيل والتشريد وإقامة المعتقلت التي فاقت معتقلت النازية في إجراءاتهسسا‬
‫ضاربا بعرض الحائط بكل نداءات الهيئات الدولية والمريكية المعنية بحقوق النسان‪.‬‬
‫في شهر مارس ‪ 2003‬فرغت أمريكا من إعداد الجواء السياسية والعلمية علسسى‬
‫مدى عام ونصف من التهويل من أجل تضخيم إمكانيسسة العسسراق ونظسسام صسسدام حسسسين‪,‬‬
‫بامتلكهم لسلحة الدمار الشامل‪ ,‬واخترعت وهما آخسسر هسسو علقسسة )صسسدام حسسسين( بس س‬
‫)القاعدة(‪ .‬وصنعت خوفا من تسرب أسلحة الدمار الشسسامل )الموهومسسة( مسسن العسسراق‬
‫إلى القاعدة والرهابيين‪ ,‬بناء على هذه العلقسسة )الموهومسسة(‪ .‬فزحفسست جيسسوش أمريكسسا‬
‫وحليفتها بريطانيا بنحسسو ‪ 300.000‬جنسسدي مدجسسج بسسأرقى مسسا وصسسلت إليسسه التكنولوجيسسة‬
‫العسكرية عبر التاريخ‪ .‬وهاجمت العراق انطلقا مسسن أراضسسي عسسدد مسسن السسدول العربيسسة‬
‫والسلمية وعلى رأسها الكويت وقطر والسعودية والردن ومصسسر وباكسسستان وتركيسسا‪..‬‬
‫وعلى مدى عشرين يوما دكت الطائرات والصواريخ الهسسداف المدنيسسة والعسسسكرية ثسسم‬
‫أعلنست فسي أول شسهر يوليسسو انتهسساء عملياتهسا واحتلل العسراق‪ .‬وسسارع مجلسس المسن‬
‫الدولي بكامل أعضائه لضفاء الشرعية على هذا الحتلل بعد أن تخلت روسيا وفرنسسسا‬
‫وألمانيا عن معارضتها المتعثرة للحرب ودخلت في الفلك المريكي‪.‬‬
‫يهيئ بوش الجواء الن هو وكبار رجال إدارته وإعلمه للقفز نحو الخطسسوة التاليسسة‪,‬‬
‫سوريا وربما إيران ويلوح بتقسيم السعودية والستيلء علسسى مصسسر‪ ..‬وليسسس هنسسا محسسل‬
‫استعراض تاريخ يجب كتابته وتحليله بكل دقة وأمانة نحو أجيال المسلمين القادمسسة‪ .‬إل‬
‫أن الهداف المعلنة بل حياء من قبل بوش وإدارته قد أعلنت بل خفاء وهي‪:‬‬
‫تغيير خارطة الشرق الوسط السياسية بتبديل بعض النظمة وإعادة رسم ملمسسح‬
‫وجودها‪.‬‬
‫تغيير خارطة الشرق الوسط جغرافيا بتقسيم دول وإنشاء أخسسرى وتوسسسيع البعسسض‬
‫وقضم أطراف أخرى‪.‬‬
‫إعادة رسم معالم الثقافة والمكونات الحضارية والدينية العرب والمسلمين وتبديل‬
‫مكوناتها بما يضمن انسجامها مسسع أفكسسار المسسستعمر والقضسساء علسسى كسسل بسسذور النهضسسة‬
‫والمقاومة‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 519 [ ‬‬

‫العمسسل علسسى ربسسط منطقسسة الشسسرق الوسسسط بالقتصسساد المريكسسي عسسبر اتفاقيسسات‬
‫للشراكة القتصادية والتبادل التجاري تدخل إسرائيل في صلبه ويحول شعوب المنطقة‬
‫إلى عبيد مستهلكة للنتاج المريكي وإدارة الصهيونية‪.‬‬
‫احتلل العراق لجل غير مسمى والسيطرة بسسذلك علسسى أكسسبر احتيسساط نفطسسي فسسي‬
‫العالم فضل عما تسيطر عليه مسسن نفسسط الخليسسج ووسسسط أسسسيا بمسسا يضسسمن لمريكسسا أن‬
‫تمسك بشريان القتصاد العالمي وتتحكم بدول أوربا وروسيا وشرق آسيا والصين‪.‬‬
‫فرض المشروع الصهيوني لدولسسة إسسسرائيل السستي أصسسبحت تمتلسسك الجيسسش الوحيسسد‬
‫وليس القوى فقط في المنطقسة بعسسد أن فككست أمريكسا جيسش مصسسر ودمسسرت جيسش‬
‫العراق ووضعت لسوريا برنامج إلغاء جيشها وعدم تحديثه وإلغاء التجنيد اللزامسسي فيسسه‬
‫مما يخفض عدده إلى الحد اللزم لحفظ المن الداخلي فقط‪.‬‬

‫وهكذا عاد شعار (لقتلنك( ليرفع من جديد على يد هولكو القرن‬


‫الحادي والعشرين ‪( :‬مستر بوش!( وحملته الصليبية اليهودية المريكية‬
‫البريطانية الجديدة‪.‬‬
‫وليستمر الصراع بكل جلء بين السلم والمسلمين وخصومه الروم‬
‫الجدد كما كان عبر ‪ 14‬قرنا ‪ .‬تماما كما أخبر الصادق المصدوق عليه‬
‫الصلة والسلم ‪ ..‬صراعا أبديا أزليا مع الروم‪ .‬وسيستمر كذلك إلى‬
‫قيام الساعة‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 520 [ ‬‬

‫خلصة النظام الدولي ‪ ،‬و صراع المسلمين مع الروم عبر‬


‫التاريخ السلمي‪.‬‬
‫المرحلة‬
‫ملحظات‬ ‫أطراف الصراع‬
‫وتاريخها‬
‫عم السلم جزيرة العرب بعد‬ ‫المرحلة‬
‫عام الوفود‬ ‫المسلمون × مشركي‬ ‫النبوية بعد‬
‫جزيرة العرب‬ ‫قيام دولة‬
‫مؤتة ـ تبوك ـ بعث أسامة‬ ‫المسلمون × الروم‬ ‫المدينة‪:‬‬
‫رضي الله عنه‬ ‫‪ 1‬هـ ‪ 11 -‬هـ‬
‫المسلمون × المرتدين‬ ‫خلفة أبي بكر‬
‫تثبيت السلم في الجزيرة‬
‫في الجزيرة‬ ‫الصديق رضي‬
‫بداية فتوح العراق‬
‫المسلمون × الفرس‬ ‫الله عنه‪:‬‬
‫فتح الردن وجنوب فلسطين‬
‫المسلمون × الروم‬ ‫‪ 11‬هـ ‪ 13 -‬هـ‬
‫خلفة عمر‬
‫فتح العراق وفارس‬
‫المسلمون × الفرس‬ ‫رضي الله‬
‫(القادسية ـ نهاوند(‬
‫المسلمون × الروم‬ ‫عنه‪:‬‬
‫فتح الشام ومصر‬
‫‪ 13‬هـ ‪ 25 -‬هـ‬
‫زوال فارس ودخولها في‬ ‫خلفة عثمان‬
‫الحضارة السلمية‬ ‫المسلمون × الفرس‬ ‫رضي الله‬
‫فتح شمال إفريقيا و دخول‬ ‫المسلمون × الروم‬ ‫عنه‪:‬‬
‫الندلس وبعض جزر المتوسط‬ ‫‪ 25‬هـ ‪ 33 -‬هـ‬
‫خلفة علي‬
‫ل حول ول قوة إل بالله‬ ‫الفتنة الكبرى‬ ‫رضي الله‬
‫هدنة مؤقتة‬ ‫المسلمون × الروم‬ ‫عنه‪:‬‬
‫‪ 33‬هـ ‪ 40 -‬هـ‬
‫فتح تركستان والسند وما وراء‬
‫الخلفة‬
‫النهر‬ ‫المسلمون × الترك‬
‫الموية‪:‬‬
‫تثبيت الفتح في شمال‬ ‫وسط آسيا‬
‫‪ 41‬هـ ‪132 -‬‬
‫إفريقيا والندلس‬ ‫المسلمون × الروم‬
‫هـ‬
‫وفتح بعض جزر المتوسط‬
‫مواجهات العباسيـين مع‬
‫الروم البيزنطيـين ـ هدنة مع‬ ‫الخلفة‬
‫المسلمون × الروم‬
‫الروم الغربيين (ملوك أوربا( ـ‬ ‫العباسية‪:‬‬
‫المسلمون × التتار‬
‫المسلمون في الندلس ×‬ ‫‪132‬هـ ‪656-‬هـ‬
‫الروم الغربيـين‬
‫المسلمون × الصليـبيـين‬ ‫دول الطوائف‬
‫والبيزنطيـين في الشام ـ‬ ‫السلمية‪:‬‬
‫المسلمون × الروم‬
‫المسلمون في الندلس ×‬ ‫‪ 656‬هـ ‪-‬‬
‫ملوك أسبانيا وأوربا‬ ‫‪1452‬م‬
‫الصراع بين الدولة العثمانية‬ ‫الدولة‬
‫والدول الوربية خلل مرحلة‬ ‫المسلمون × الروم‬ ‫العثمانية‪:‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 521 [ ‬‬

‫‪1452‬م ‪-‬‬
‫الفتح ثم مرحلة السقوط‬
‫‪ 1924‬م‬
‫المسلمون‬
‫تحت الحتلل‬
‫أوربا × أوربا‬
‫الروم × الروم‬ ‫خلل ما بين‬
‫الحرب العالمية الولى والثانية‬
‫المسلمون × الروم‬ ‫الحرب‪-‬ي‪-‬ن‪:‬‬
‫المسلمون يجاهدون الحتلل‬
‫‪ 1914‬م ‪-‬‬
‫‪1945‬‬
‫المسلمون‬
‫الحرب الباردة‪ :‬روسيا ×‬ ‫تحت حكم‬
‫الروم × الروم‬
‫أمريكا‬ ‫نواب‬
‫المسلمون × المرتدين‬
‫الحكام المرتدين × الصحوة‬ ‫الستعمار‪:‬‬
‫نواب الروم‬
‫السلمية‬ ‫‪ 1945‬م ‪-‬‬
‫‪1990‬م‬
‫نظام القطب الوحد‬ ‫النظام‬
‫والسيطرة المريكية على‬ ‫أمريكا × كل البشرية !‬ ‫العالمي‬
‫الرض‪.‬‬ ‫المسلمون × الروم‬ ‫الجديد‪:‬‬
‫الحركات الجهادية × أمريكا‬ ‫بقيادة أمريكا‬ ‫‪ 1990‬م ‪ -‬؟؟‬
‫وحلفائها‬ ‫‪ 20‬م‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 522 [ ‬‬

‫الفصل الرابع‬
‫الصــراع مــع الــروم‬
‫ومعادلت القوى فيه عبر التاريخ‬
‫عن‬ ‫•‬
‫ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪ ) :‬ثم يوشك المم أن‬
‫تداعى عليكم كما تداعى الكلة إلى قصعتها فقال قائل ومن‬
‫قلة نحن يومئذ قال بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء‬
‫السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن‬
‫الله في قلوبكم الوهن فقال قائل يا رسول الله وما الوهن‬
‫قال حب الدنيا وكراهية الموت(‪.‬‬

‫وعن‬ ‫•‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪ ) :‬ثم فارس نطحة أو‬
‫نطحتان ثم ل فارس بعدها أبدا ‪ ,‬والروم ذات القرون كلما‬
‫هلك قرن خلف مكانه قرن ‪ .‬أهل صخر وأهل بحر هيهات لخر‬
‫الدهر هم أصحابكم ما كان في العيش خير(‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 523 [ ‬‬

‫الفصل الرابع‪:‬‬

‫‪ ‬الصراع مع الروم ومعادلت القوى فيه عبر‬


‫التاريخ ‪‬‬
‫كما تبين لنا من الفصل السابق فقد استمر صراع المسلمين مسسع السسروم منسسذ عهسسد‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم وإلى يومنا هذا وما زال‪ .‬وقد أخبر رسول اللسسه صسسلى اللسسه‬
‫عليه وسلم في بعض الثار التي تعتبر من معجزات نبوته صلى الله عليه وسلم عن أن‬
‫قتالنا معهم قتال أزلي مستمر إلى قيام الساعة ومن تلك الثار‪:‬‬
‫جاء في مسند الحارث و زوائد الهيثمي ج ‪ / 2‬ص ‪: 713‬‬
‫باب قتال فارس والروم‪ :‬حدثنا معاوية بن عمرو ثنا أبو إسحاق عن الوزاعسسي عسسن‬
‫يحيى بن أبي عمرو عن بن محيريز قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ):‬ثم‬
‫فارس نطحة أو نطحتان ثم ل فارس بعـدها أبـدا والـروم ذات القـرون‬
‫كلما هلك قرن خلف مكانه قرن أهل صخر وأهل بحر هيهات لخـر الـدهر‬
‫هم أصحابكم ما كان في العيش خير( وقد أورده ابن حماد في كتاب الفتن ج ‪/2‬‬
‫ص ‪. 479‬‬
‫جاء في مسند المام أحمد رحمه الله‪ .‬الحديث رقم ‪:17335‬‬
‫ن‬
‫ن بْ ِ‬ ‫م ِ‬
‫ح َ‬
‫ن عَب ْدِ الّر ْ‬‫زيد َ عَ ْ‬ ‫ن يَ ِ‬ ‫ث بْ ُ‬ ‫حارِ ُ‬ ‫حد ّث ََنا ال ْ َ‬‫ة َ‬ ‫ن ل َِهيعَ َ‬ ‫حد ّث ََنا اب ْ ُ‬‫سى َ‬ ‫مو َ‬ ‫ن ُ‬ ‫ن بْ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫حد ّث ََنا َ‬ ‫َ‬
‫صلى‬‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫سو َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ص فَ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ست َوْرِد َ َقا َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ل اللهِ َ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫مع ْ ُ‬‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫تل ُ‬ ‫قل ُ‬ ‫ن الَعا ِ‬ ‫رو ب ْ ِ‬ ‫م ِ‬‫عن ْد َ عَ ْ‬‫ل ب َي َْنا أَنا ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ال ُ‬ ‫جب َي ْرٍ أ ّ‬ ‫ُ‬
‫ة(‬ ‫ع ِ‬‫سـا َ‬ ‫ع ال ّ‬
‫مـ َ‬ ‫م َ‬ ‫هـ ْ‬ ‫َ‬
‫هلكت ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ما َ‬ ‫وإ ِن ّ َ‬‫م َ‬ ‫م الّرو ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫علي ْك ْ‬ ‫س َ‬ ‫ل‪):‬أ َ‬‫قو ُ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫شدّ الّنا ِ‬ ‫َ‬
‫م يَ ُ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫الل ُ‬
‫ذا(‪.‬‬ ‫ل هَ َ‬ ‫مث ْ ِ‬
‫ن ِ‬ ‫ك عَ ْ‬‫جْر َ‬ ‫م أْز ُ‬ ‫َ‬
‫ه عمرو أل ْ‬ ‫لل ُ‬ ‫َ‬ ‫قا َ‬ ‫فَ َ‬
‫دقت أحداث التاريخ ما كان قد أخبر به رسسسول اللسسه صسسلى اللسسه عليسسه‬ ‫وفعل فقد ص ّ‬
‫وسلم‪ .‬فما أن قامت دولة السلم على عهد النسسبي صسسلى اللسسه عليسسه وسسسلم حسستى بسسدأ‬
‫اشتباك المسلمين مع الروم وتتابع ذلك كما أوجزنا سسسابقا بل توقسسف حسستى يومنسسا هسسذا‪.‬‬
‫فقد قرأت في إحسسدى الصسسحف أيسسام حسسرب الخليسسج الثانيسسة‪).‬عاصسسفة الصسسحراء وتحريسسر‬
‫الكويت( أن بعض المؤرخين قد أحصى الحروب السستي قسسامت بيسسن المسسسلمين والسسروم‪.‬‬
‫فبلغسست أكسسثر مسسن ‪ 3600‬حسسرب بيسسن مختلسسف دول السسسلم ودول السسروم! خلل ‪1410‬‬
‫سنين‪.‬‬
‫فقد قاتل المسلمون أممسسا كسسثيرة‪ ,‬مسسن الفسسرس والسسترك والسسسند والهنسسد والمغسسول‬
‫والصين‪ ..‬وغيرهم وقد كانت جميعها حروبا وصدامات محدودة بتاريخها وزمانهسسا‪ .‬ولكسسن‬
‫التاريخ أثبت أنها الروم ذات القرون كلما هلك قسسرن خلسسف مكسسانه قسسرن وكلمسا تلشسست‬
‫دولة منهم آلت القيادة إلى أخرى‪ ,‬فهم أهل جيوش البر والبحر‪ .‬ومسسا زلنسسا وإيسساهم فسسي‬
‫قتال وسيبقى ذلك إلى قيام الساعة ‪ .‬فحتى اليهود سينتهي القتال معهم بإبسسادتهم فسسي‬
‫معركة الحجر والشجر‪ .‬وحتى يأجوج ومأجوج سينتهي القتال معهم حيسسث يهلكهسسم اللسسه‬
‫تعالى‪ .‬ولكنهم الروم ودولهم وممالكهم والقتال معهم إلى قيام السسساعة كمسسا جساء فسسي‬
‫الحديث وهم أشد الناس على المسلمين‪ .‬بل تقوم الساعة والروم أكثر الناس كما في‬
‫الحديث الصحيح رغم أنها ل تقوم إل على شرار الخلق وهم غالبيتهم وما ذاك إل لنهسسم‬
‫حازوا من الخصال – بقدر الله ‪ -‬ما مكنهم من البقاء‪.‬‬
‫فقد جاء في مسند المام أحمد‪ ) :‬عن المستورد الفهــري أنــه قــال لعمــرو‬
‫بن العاص تقوم الساعة والروم أكثر الناس فقــال لــه عمــرو بــن العــاص‬
‫أبصر ما تقول قال أقول لك ما سمعت من رسول اللــه صــلى اللــه عليــه‬
‫وسلم فقال عمرو بن العاص إن تكــن قلــت ذاك إن فيهــم لخصــال أربعــا‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 524 [ ‬‬

‫إنهم لسرع الناس كــرة بعــد فــرة وإنهــم لخيــر النــاس لمســكين وفقيــر‬
‫وضعيف وإنهم لحلم الناس عند فتنة والرابعة حسنة جميلة وإنهم لمنــع‬
‫الناس من ظلم الملوك ( )مسند أحمد ‪.(17334‬‬
‫ومن المفيد ونحسن نتصسدى فسي البحسث للجابسة علسى السسؤال الهسام‪ ,‬السذي كتسب‬
‫الكتاب من أجله وهو‪) :‬كيف نواجه أعداءنا في عالم ما بعسسد سسسبتمبر بقيسسادة أمريكسسا ؟(‬
‫أي كيف نتصدى للحملت الصليبية اليهودية الثالثة بنجاح إن شسساء اللسسه‪ .‬مسسن المفيسسد أن‬
‫نعرض للمحطات الرئيسية في صدامنا مع الحملت الصليبية السابقة‪ ,‬لنتلمس مفاتيسسح‬
‫النصر والهزيمة فيها‪ ,‬عبر دراسة تحليلية هادفة‪ .‬وهي مادة هذا الفصل إن شاء الله‪.‬‬
‫كيف سارت تلك الحملت الولى والثانية وهذه الثالثة الخيرة؟ مسسن كسسان أطرافهسسا‬
‫من جانب الروم؟ من قام بالمواجهة والدفع والمقاومة من جانب المسلمين؟ من كسسان‬
‫معنا ومن كان علينا من داخلنا ومن خارجنا خللها؟‬
‫ولن أقف هنا مع تفاصيل أحداث التاريسسخ‪ ,‬فهسسو مسسسجل معسسروف فسسي مراجعسسه‪ ,‬ول‬
‫سيما تاريخ الحروب الصليبية الولى وكذلك الثانية السستي تمثسسل تاريسسخ العسسرب الحسسديث‪.‬‬
‫وقد مر نبذة عن ذلك في الفصسل السسابق‪ .‬ولكنسسي سسسأكتفي هنسسا بالتحليسل واستقصسساء‬
‫العبر واستخلص الدروس‪.‬‬
‫فهذا الفصل من أهم مرتكزات دعوة المقاومة في مجال فقه الواقسسع واستكشسساف‬
‫أسباب النصر والهزيمة‪..‬‬
‫وسنأخذ من التاريخ المحطسسات الرئيسسسية الثلثسسة لحملت السسروم علسسى المسسسلمين‪.‬‬
‫ونعتبر لها تقسيما تاريخيا نظريا‪ ,‬حيث نلحظ أنها كانت على الشكل التالي‪:‬‬
‫الحملت الصليبية الولى )مسسن منتصسسف القسسرن الحسسادي عشسسر‬ ‫•‬
‫وإلى نهاية القرن الثالث عشر الميلدي تقريبسسا (‪ ,‬علسسى سسسواحل بلد الشسسام‬
‫ومصر وكان فيها احتلل بيت المقدس ‪.‬‬
‫الحملت الصليبية الثانية )‪ (1970-1800‬تقريبا‪ .‬على مكونسسات‬ ‫•‬
‫الدولسسة العثمانيسسة والعسسالم السسسلمي ولسسسيما العسسالم العربسسي بعسسد معاهسسدة‬
‫)سيكس‪-‬بيكو ‪ ( 1919‬ووعد بلفور )‪.(1917‬‬
‫الحملت الصــليبية الثالثــة )‪ 2004 -1990‬ومسسا زالسست( علسسى‬ ‫•‬
‫العالم السلمي عامة والشرق الوسط خاصة‪.‬‬
‫وهناك ملحظة واضحة وهي أن مركز الصراع كان في الحملت الصليبية الثلثة‬
‫يدور في بلد الشام وما جاورها من بلد العراق ومصر وجزيرة العرب بشكل رئيسي ‪.‬‬
‫وهناك كانت مفاتيح النصر والهزيمة لكل الطرفين‪.‬‬
‫ول ننسى أن ساحة الصراع الحديث )منذ ا القرن السادس عشر وإلى اليوم( مسسع‬
‫السسروم المعاصسسرين عمومسسا‪ ,‬قسسد امتسسدت علسسى طسسول رقعسسة العسسالم السسسلمي وعرضسسه‬
‫واستهدفت كافة بلده من أقصى جزر الفلبين في المحيط الهادي شسسرقا وإلسسى أقصسسى‬
‫سواحل مراكش وموريتانيسسا علسى ضسفاف الطلسسي غربسسا‪ .‬ومسن وسسط آسسيا والقسسرم‬
‫والبلقان وشمال أفريقيا شمال‪ ,‬وإلى أواسط أفريقيا وجنسسوب شسسرق آسسسيا وإندونيسسسيا‬
‫جنوبا‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 525 [ ‬‬

‫المرجعيات عند المسلمين‬ ‫•‬


‫وقبيل أن ندخل إلى دراسة الحملت الصليبية الثلثسسة ومعسسادلت القسسوى فيهسسا‪ .‬مسسن‬
‫المفيد أن نلفت النظر إلسسى مفهسسوم المرجعيسسة والقيسسادة لسسدى المسسسلمين عسسبر التاريسسخ‬
‫السلمي لن ذلك يساعد كما سنرى على فهم إدارة ذلك الصراع‪.‬‬
‫فبحسب المفهوم المتفق عليه فإن )أولي المر( كمصطلح سياسسسي شسسرعي لسسدى‬
‫المسلمين‪ ,‬هم العلماء والمراء‪ .‬وبحكم النصوص الشرعية وما دأب عليسسه الحسسال فقسسد‬
‫شكل رؤوس الناس وقياداتهم ولسيما زعماء القبائل والعشائر الكبرى وأصحاب الرأي‬
‫وذوي الحلم والنهى منهم‪ ,‬القطب الثالث في المرجعية لسسدى المسسسلمين إلسسى جسسانب‬
‫المراء والعلماء‪ .‬وهكذا يمكن تحديد المرجعية لسسدى المسسسلمين عسسبر تسساريخهم ‪ .‬بثلثسسة‬
‫مرجعيات‪ .‬هي بحسب أهميتها كما يلي‪:‬‬
‫المرجعيــة السياســية‪ :‬وتتكسسون مسسن الخليفسسة الشسسرعي حسسال وجسسوده أو مسسن‬
‫السلطين والملوك والمراء من أصحاب الحكم والسسسلطان حسسال تعسسدد الممالسسك السستي‬
‫غلبت على معظم التاريخ السلمي‪.‬‬
‫المرجعية الدينية‪ :‬وتتكون من علماء الدين السلمي حيث آلسست هسذه المرجعيسسة‬
‫إلى علماء وأئمة المسسذاهب الربعسسة وكبسسار علمسسائهم وفقهسائهم المتبسسوعين عسبر التاريسسخ‬
‫السسسلمي‪ .‬ثسسم ظهسسرت القيسسادة الروحيسسة للطسسرق الصسسوفية ومشسسايخها ذوي التبسساع‬
‫والنفوذ‪.‬وكثيرا ما كان أئمة المذاهب أنفسهم أئمة للطرق الصوفية المتبوعة في أغلب‬
‫رقعة العالم السلمي‪.‬‬
‫المرجعية الجتماعية‪ :‬وتكونت في الغالب من رؤسسساء القبسسائل والعشسسائر السستي‬
‫تكون البنية الساسية للمجتمعات العربية والسلمية‪.‬‬
‫وهكذا كان عبر التاريخ السلمي في حالت الوحدة السياسية تحت خليفة واحد أو‬
‫خلل فرقتها تحت سلطان ملوك وأمراء متعددين‪.‬‬
‫فإن الناس رجعوا في قيادتهم وإتباعهم دائما ولسسيما عنسد الملمسات الكسسبرى إلسى‬
‫هذه المرجعيات‪.‬‬
‫ولست هنا بصدد الستطراد في تحليل ذلك ودوره فسسي التاريسسخ السسسلمي وآثسساره‬
‫السياسية والجتماعية إل بالقدر اللزم لفهم بنية المقاومة في المجتمعسسات السسسلمية‬
‫ضد الحملت الصليبية‪ ,‬و دور هذه المرجعيات في ذلك‪.‬‬
‫كما أن من الضروري أن أوضح أن هذا التقييم الدراسي القائم على الملحظة‬
‫والستنتاجات‪ ,‬ليس تقييما للصواب والخطأ في مناهج تلك التجمعات ل من الناحية‬
‫العقلية ول من وجهة النظر الشرعية‪ .‬فقد يفيد البحث أن شريحة معينة أو مذهبا معينا‬
‫كان له دور في المقاومة نذكره بحسب أهميته‪ ,‬من دون أن يكون ذلك‪ -‬كما يفترض‬
‫أن ذلك مفهوم‪ -‬تزكية لتفاصيل معتقدات ونهج وطريقة تفكير أصحاب تلك الظاهرة‪.‬‬
‫فهو تقييم وتصنيف دراسي وليس تقييم ترجيح وتصويب للمناهج والمعتقدات على‬
‫سبيل تحديد الصواب من عدمه‪ .‬وفق موازين السياسة الشرعية‪.‬‬
‫وأعتقد أنه في حين يجهل أكثر المسسسلمين اليسسوم دور هسسذه المرجعيسسات وتماسسسكها‬
‫وأثر ذلك على تماسك المة وقدرتها على المقاومة‪ ,‬فإن العسسدو قسسد أدرك ذلسسك وعمسسل‬
‫على تحطيم هذه المرجعيات الثلثة ما وسعه ذلك‪ .‬واخترع بدائل لها أو أفسدها وجعلها‬
‫تخدم أغراضه كما سنرى بالسير مع تلك الحملت في الدراسة التحليلية التالية‪.‬‬

‫الحملت الصليبية الولى )‪(1291-1050‬‬ ‫•‬


‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 526 [ ‬‬

‫المستخلص على سبيل النبذة من المراجع التاريخية‪ ,‬أنسسه لمسسا ضسسعفت خلفسسة بنسسي‬
‫العباس وصار النفوذ من حول الخليفة العباسسسي للقسسادة والجنسسد السسذين كسسان معظمهسسم‬
‫خلل النصف الثاني من تاريخها من التراك السسذين نصسسبوا سسسلطانا منهسسم كسسان الحسساكم‬
‫الفعلي لمركز الخلفة وما حولها‪ .‬وانحصر نفوذ الخليفة في الغالب فسي قصسره أو فسي‬
‫بغداد وما حولها‪ ..‬ومع الوقت استقل المراء الذين يتبعون للخليفة نظريا فسسي أطسسراف‬
‫دولة الخلفة بدول وممالك متعددة‪ ,‬كثيرا مسسا تصسسارعت فيمسسا بينهسسا أو تصسسارع كبراؤهسسا‬
‫على الملك والسلطان فيها‪ .‬وتقسمت تلك الممالك في كثير من الحيان لتشتمل على‬
‫مجرد مدن صغيرة أو حتى قلع وحصون‪ .‬فمملكة في الموصسسل‪ ,‬وأخسسرى فسسي بيسسروت‪,‬‬
‫وثالثة في طرابلس‪ ,‬ورابعة في حلب‪ ,‬وأخرى في دمشسسق وهكسسذا‪ .‬وسسسيطرت الشسسيعة‬
‫على بلط الخليفة ببغداد‪ ,‬وانتشر القرامطة في الخليج العربسسي‪ ,‬وسسسيطر السسسماعيلية‬
‫والنصيرية من غلة الشيعة على سواحل الشام وقسسامت الدولسسة العبيديسسة السستي نسسسبت‬
‫نفسها للفاطمية وأقامت خلفة مستقلة لها في مصر استمرت ما يقرب من قرنين‪.‬‬
‫خلل ذلك الوقت مطلع القرن الحادي عشر الميلدي أطلق بابسسا الفاتيكسسان نسسداءه‬
‫إلى ملوك أوروبا بضرورة تخليص بيت المقدس وصليب الصلبوت ‪ -‬الذي يزعمون كذبا‬
‫أن المسيح صلب عليه‪ -‬من أيدي )الكفار( – يقصد المسسسلمين‪ -‬وسسسرعان مسسا اسسستجاب‬
‫الملوك من مختلف أوروبا ولسسيما إنجلسترا وفرنسسا وألمانيسا للنسداء لمصسالح سياسسية‬
‫واقتصادية كما يذهب كثير من المؤرخين ولم تكن الروح الصليبية غائبسسة عسسن دوافعهسسم‬
‫أيضا‪ .‬وتعاون قيصر القسطنطينية مع تلك الحملت بتزويدها بالمؤن عنسسد مرورهسسا مسسن‬
‫أراضيه في شرق أوربا وآسيا الصغرى وكذلك بوضع السطول الروماني في خدمتهم‪.‬‬
‫وهكذا تتالت الحملت الصليبية التي يؤرخ لها المؤرخون بسبع حملت رئيسية على‬
‫سواحل الشام وجنوب غسسرب النضسسول) فسسي منطقسسة الرهسسا وهسسي مسسا بيسسن أدنسسه ولسسواء‬
‫اسكندرون في تركيا اليوم( ومصر أخيرا عبر مائتي سنة‪ .‬وتمكن الصليبيون خللها مسسن‬
‫احتلل بيت المقدس وإقامة إمارة مركزية فيه‪ ,‬وتمكنوا من إقامة العديد من المسسارات‬
‫الصسسليبية المسسستقلة عسسن بعضسسها بحسسسب ارتباطهسسا بملسسوك أوروبسسا المتعسساونين علسسى‬
‫المسلمين المتصارعين فيما بينهم في كثير من الحيان‪.‬‬
‫كانت المارات السلمية المحاذية للمارات الصليبية ضعيفة مفككة متصارعة فيما‬
‫بينهسسا‪ ,‬كإمسسارات حلسسب وحمسساة ودمشسسق وحمسسص والموصسسل‪ .‬وقسسد شسسهدت الكسسثير مسسن‬
‫النقلبات و التصارع الداخلي‪ .‬وأذاق المراء والسلطين فيها شعوبهم ويلت المكسسوس‬
‫وأنواع المظالم‪ .‬وهكذا احتل الصليبيون المناطق الواقعة بحسب مصطلحات الجغرافيا‬
‫المعاصرة منطقة لواء السكندرون و الساحل السوري غسسرب الشسسام مسسن الجبسسل إلسسى‬
‫البحر المتوسسط ومنطقسة لبنسان وفلسسطين بالكامسل‪ .‬ولسم يسستطع الخليفسة العباسسي‬
‫الضعيف في بغداد أن يفعل شيئا‪ .‬ولم يحرك الخليفة الفاطمي في القاهرة ساكنا‪ ,‬بسسل‬
‫شهد تاريخ الفاطميين تعاونا مع الصليبيين ‪ .‬كما سجل التاريسسخ تعسساون النصسسيرية السسذين‬
‫يسكنون الجبال الغربية في محاذات الساحل في سوريا مع الصليبيين أيضا حيث قاتلوا‬
‫إلسى جسانبهم‪ .‬وشسهد العسالم السسلمي خاصسة والمشسرق العربسي عامسة حالسة شسديدة‬
‫الضطراب والضعف في تلك الفترة‪.‬‬
‫ولكن الوثائق التاريخية التي تثبت هذا الحال المتدهور على صعيد المرجعية‬
‫السياسية تثبت في الوقت ذاته أن تلك الفترة كانت تشهد ازدهارا علميا برز فيه‬
‫الكثير من العلماء الكبار والئمة والخطباء ‪ ,‬وحملت المساجد مسؤولية المرجعية‬
‫الدينية ومسؤولية سياسة الناس إلى جانب المرجعية الجتماعية بعيدا عن مفاسد‬
‫القصور وصراع المراء‪...‬‬
‫حيث كانت البنية الجتماعية القبلية متماسكة سليمة البنيان‪ ,‬وهكذا رجع الناس‬
‫إلى رؤوسهم من العلماء ورؤوس القبائل وصدروا عن رأيهم‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 527 [ ‬‬

‫ومع قدوم الصليبيين هب العلماء والخطباء يحثون النسساس علسسى الجهسساد ويطرقسسون‬
‫أبواب المراء يحرضونهم على القتال‪ ,‬بسسدءا مسسن بسساب الخليفسسة فسسي بغسسداد وصسسول إلسسى‬
‫أبواب أمراء الشام‪ ...‬ولكن المراجع التاريخية تروي قصصا مؤسفة مسسن حالسسة التفكسسك‬
‫وفساد أنواع المراء وحكام المدن والحصون‪ ..‬وقد ذكسسر بعسسض المسسؤرخين مسسن قصسسص‬
‫تلك المرحلة‪ ,‬أن العلماء جالوا المساجد واستحثوا الناس وجمعوا أموال من أجسسل بنسساء‬
‫جيش للجهاد‪ ,‬و طرقوا أبواب المراء بحثا عن أهل لهذه المهمة‪ ,‬فلم يرحب بهسسم أحسسد‬
‫من المراء حتى سمعوا بأحدهم على أنه مظنة خير ونخسسوة‪ ,‬فسسذهبوا إليسسه ودفعسسوا إليسسه‬
‫المال بعد أن وعدهم خيرا‪ ,‬ثم رجعوا إليه ولم يعثروا عليه فبحثوا عنه شهرا فسسي باديسسة‬
‫الشام فوجدوه قد خرج للصيد وبنى بأموالهم التي جمعت لجهاد الصسسليبيين قصسسرا فسي‬
‫البادية ليأوي إليه مع ندمائه وحاشيته في ليالي الصيد والقنص!!‬
‫وروى المؤرخون أن حال أكثر المة آنذاك كان انصرافا إلى الدنيا وزخرفهسسا ورووا‬
‫كيف أن الخطباء والوعاظ كانوا يلهبون حماس الناس في المسسساجد السستي كسسانت تضسسج‬
‫بالبكاء والعويل‪ ,‬حتى ما إذا خرج الرجال من المسجد عاد كل إلى دنيسساه ل يلسسوي علسسى‬
‫شيء‪ ...‬وكأنما يعيد التاريخ نفسه اليوم!!‬
‫وسرعان ما أفاقت المة من الصدمة وعملت المرجعية الدينيسة عملهسا فسي المسة‪,‬‬
‫حيث تروي الكتب التي أرخت لتلك المرحلة كيف قامت هذه المرجعيسسة الدينيسسة بشسسحذ‬
‫همة رجال المة وكيف تجساوبت المرجعيسة الجتماعيسة ورؤوس القبسائل والعشسائر فسي‬
‫الشام وما حولها مع نداءات الجهاد‪ ,‬وباشرت نخب المة آنذاك بالشتباك مع الصليبيين‬
‫منذ اليوم الول ‪ ..‬إلى أن تصاعدت المقاومة‪.‬‬
‫واستردت المة مرجعيتها السياسية بسرعة بقيسام أحسد أمسراء شسمال الشسام وهسو‬
‫التابك المير المجاهد )عماد الدين زنكي( الذي تصدى للصليبيين شسسمال غسسرب الشسسام‬
‫واستطاع إسقاط إمارة الرها الصليبية‪.‬فلمع نجمه والتسسف المجاهسسدون وبعسسض المسسراء‬
‫حوله وبدأت تتكسون نسواة الدولسسة الزنكيسسة الستي كسانت عاصسسمتها فسي البدايسة الموصسسل‬
‫)شمال غرب العراق على حدود الشام( ثم انتقلت إلى حلب )شمال غرب الشام( في‬
‫عهد ابنه الملسسك )نسسور السسدين محمسسود زنكسسي( رحمسسه اللسسه ‪ .‬السسذي تسسولى بعسسد أن اغتسسال‬
‫الحشاشون الباطنية من نصيرية الشسسام أبسساه‪ ,‬فتسسولى المسسارة وامتسسد سسسلطانه ليشسسمل‬
‫شمال العراق وسوريا و الردن ولتقوم الدولة الزنكية وليحمل نور السسدين علسسى عسساتقه‬
‫مهمة بناء القاعدة الساسية للجهاد ضد الصليبيين في المشرق‪ ,‬حيث يعود الفضل إليه‬
‫رحمه الله في كل المجاد التي حصلت فيما بعد علسسى يسسد صسسلح السسدين ‪ .‬وتاريسسخ هسسذه‬
‫الفسسترة مشسسهور جسسدا‪ .‬قسسد تنسساولته الكتسسب ووسسسائل العلم والفلم والمسلسسسلت‬
‫التلفزيونية بما يغني عن الترديد والستطراد‪.‬‬
‫فقد قضى الملك الزاهد نور السسدين حيسساته مجاهسسدا للصسسليبيين فسسي الشسسام‪ ,‬محققسسا‬
‫النتصار تلو الخر وامتد سلطان الزنكيين إلى دمشق التي صارت عاصمتهم بعد حلسسب‬
‫في الجهاد‪.‬‬
‫واهتم الصليبيون بالستحواذ على مصر لما لها من أثر في دعم من يستحوذ عليهسسا‬
‫في الصراع على الشام‪ .‬حيث أغراهم ضعف الفاطميين ومكاتبسسة بعسسض كبسسار وزرائهسسم‬
‫للصليبيين في بيت المقدس يستقدمونهم إلسسى مصسسر ويعسسدونهم بتسسسليمها‪ .‬وأدرك نسسور‬
‫الدين أهمية السباق إلى مصر فأرسل جيشه إليها بقيسسادة القسائد الكسسردي )أسسسد السسدين‬
‫شيركوه( ليدعم جيش الخليفة الفاطمي ضسسد الحملسسة الصسسليبية المرتقبسسة علسسى مصسسر‪.‬‬
‫واصطحب أسد الدين معه ابن أخيه القائد الناشئ ) صلح الدين اليوبي ( رغم كراهتسسه‬
‫لمغادرة الشام‪ .‬ولكن أقدار المجد كانت بانتظاره في مصر‪.‬‬
‫توفي أسد الدين شيركوه الذي كسسان الخليفسسة الفسساطمي يسسستقوي بسسه علسسى وزرائه‬
‫المتصارعين على السلطان والمتآمرين مع الصليبيين‪ .‬فاختار الخليفة الفسساطمي صسسلح‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 528 [ ‬‬

‫الدين لمنصب الحاجب الذي يرأس الوزراء ظنا منه أنه يستطيع السيطرة عليسسه لصسسغر‬
‫سنه ولكسونه غريبسا عسن مصسر‪ ,‬وليسستقوي بجيشسه علسى أمسراء الفساطميين‪ .‬وحصسلت‬
‫الحملة الصليبية على مصر واستبسل صلح الدين وجيش الشام ومصسسر‪ ,‬وأمسسدهم نسسور‬
‫الدين بالمدد فتمكنوا من صسسد الحملسسة الصسسليبية السستي هسساجمتهم بسسرا وبحسسرا بمسسساعدة‬
‫أسسسطول السسروم القسسادم مسسن القسسسطنطينية‪ .‬وبعيسسد النصسسر بقليسسل تسسوفي آخسسر الخلفسساء‬
‫الفاطميين حيث أعلن صسسلح السسدين نهايسسة الخلفسسة الفاطميسسة‪ ,‬وخطسسب الجمعسسة باسسسم‬
‫الخليفة العباسي وأعاد المذهب السني الشافعي إلى مصر‪ ,‬وتوطسسد ملكسسه فيهسسا‪ .‬حسستى‬
‫خشي نور الدين ومعاونوه في دمشق من استقلل صلح السسدين بملسسك مصسسر‪ ,‬فأرسسسل‬
‫إليه مرات يستقدمه‪ ,‬فأبطأ صلح الدين عليه‪ ,‬حتى هم نور السسدين بسسالخروج إلسسى مصسسر‬
‫بجيشه ليضسمن ضسمها إلسى مملكتسه مسن أجسل توحيسد مصسر والشسام فسي الجهساد ضسد‬
‫الصليبيين‪.‬‬
‫وكان من قدر الله ولطفه أن تسسوفي نسسور السسدين الملسسك الزاهسسد المجاهسسد‪ .‬فسسأعلنت‬
‫أسرته ولده اسماعيل ولي عهد له‪ ,‬وكان طفل فسسي الحاديسسة عشسسر مسسن عمسسره‪ .‬فنسسزل‬
‫صلح السسدين إلسسى دمشسسق معترفسسا بإسسسماعيل ومسسن أجسسل مناقشسسة مواجهسسة الصسسليبيين‬
‫واجتمع أهل الحل والعقد من علماء وقادة مصر والشام على بيعة صلح الدين اليسسوبي‬
‫سلطانا على بر مصر والشام‪ ,‬حيث اقتنعوا بعدم صلحية أن يؤول المر إلى طفل في‬
‫ظروف مواجهة الصليبيين‪ ,‬وضرورة قيام سلطان قوي لولية أمسسر المسسسلمين وقيسسادة‬
‫الجهاد‪ .‬وبذلك قامت الدولة اليوبية‪.‬‬
‫وعمد صلح الدين إلى مكاتبة المراء في الحجاز واليمسسن وشسسمال إفريقيسسا وكسسذلك‬
‫ملوك السلجقة في الري شمال العراق ‪ ,‬وكسسذلك توطسسدت علقتسسه بالخليفسسة العباسسسي‬
‫في بغداد محاول رص صفوف المة في المواجهة المقبلة‪ .‬حيث كسسان صسسلح السسدين قسسد‬
‫عقد هدنة مؤقتة مع الصليبيين حتى يفسسرغ مسسن القضسساء علسسى فتسسن صسسغار المسسراء مسسن‬
‫الفاطميين في مصر والمتناحرين على القطاعيسسات والحصسسون فسسي الشسسام‪ .‬ثسسم نقسسض‬
‫الصليبيون الهدنة بإغارة قائدهم )أرنسساط( علسسى قافلسسة للحجسساج جنسسوب الردن فنقضسست‬
‫الهدنة واشتعل القتال و تتالت انتصارات صلح الدين وتتوجت بمعركة حطين ثسسم بفتسسح‬
‫بيت المقدس لينصب صلح الدين منبر الجمعة الرائع الذي كان نور الدين زنكي رحمسسه‬
‫الله قد أمر بصناعته ليضعه في المسجد القصى لول خطبة جمعسسة بعسسد الفتسسح‪ .‬وكسسان‬
‫القدر أن ينصب في عهد صلح الدين ويخطب عليه إمام مسجد الجمعة في حلب الذي‬
‫كان قد بشر بالفتح الذي تم سنة ‪ 583‬هجرية‪ .‬في نفس الموعد الذي بشربه الشيخ!!‬
‫ولما أدركت الوفاة صلح الدين‪ ,‬قسم المملكة بين أبنائه الذين سرعان ما اختلفسسوا‬
‫فيما بينهم ليؤول الملك إلى أخيه الملك العادل الذي تولى ملك مصر والشام وحصلت‬
‫في عهده آخر الحملت الصسسليبية السستي كسسانت علسسى مصسسر‪ ,‬والسستي قادهسسا ملسسك فرنسسسا‬
‫)لويس التاسع ( الذي أسره الملك العادل وأودعه السجن فسسي المنصسسورة ‪ .‬ثسسم أطلسسق‬
‫سراحه‪ .‬وهناك كتب بعد تفكر وتأمل في تاريخ قرنين من الحملت الصليبية العسسسكرية‬
‫كتب ملحظاته في فشسل الغسزو العسسكري للشسرق السسلمي وضسرورة العمسل علسى‬
‫الغزو الفكري حيث شكلت ملحظاته الرضية الولى للحملت الصليبية المعاصرة التي‬
‫قامت على التبشير والتغريب ثم الستعمار بعد ذلك بخمسة قرون‪.‬‬
‫ثم توفي الملك العادل بعد أن حمل مهمة جهاد الصسسليبيين‪ ,‬ثسسم لمسسا آل المسسر إلسسى‬
‫الملك الصالح اسماعيل الذي صار سلطانا على الشام‪ ,‬وإلى عمسسه الملسسك نجسسم السسدين‬
‫أيوب الذي صار ملكا على مصر‪ .‬وتواطأ اسماعيل مع الصليبيين واستعان بهم ضد نجم‬
‫الدين في مصر وأعطاهم عددا من القلع والحصون‪ ,‬وسمح لهسم بشسراء السسلح مسن‬
‫أسواق دمشق‪ .‬فوقف له بالمرصاد سلطان العلماء في زمانه ) العز بن عبد السسسلم (‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 529 [ ‬‬

‫عالم دمشق‪ ,‬فسجنه ثسسم أطلسسق سسسراحه فارتحسسل إلسى مصسسر ليتسسابع سسسيرة الحتسسساب‬
‫والمر بالمعروف والنهي عن المنكر على سلطان مصر الذي آواه وأكرمه‪.‬‬
‫واستكثر اليوبيون في مصر من العبيد والمماليك فحشسسدوا منهسسم المئات واللف‪,‬‬
‫واتخذوا منهم الجنسسد والقسسواد‪ .‬وصسسارت قسسوة كسسل أميسسر مسسن أمسسراء مصسسر والشسسام مسسن‬
‫اليوبيين بعدد عبيده ومماليكه الذين كان كثير منهم من وسسسط آسسسيا وبلد التركسسستان‪.‬‬
‫وأغرى قادة المماليك ما هم عليه من القوة وما عليه حال ملوكهم وأمرائهسسم اليسسوبيين‬
‫من التفسخ والضعف فانقلبوا عليهم واستلموا الحكم في مصر والشام تبعا لسسذلك‪,‬بعسسد‬
‫وفاة نجم الدين أيوب أثناء معركة المنصورة )‪1250‬م( ‪ .‬حيث تزوجت زوجته )شسسجرة‬
‫الدر( بكسسبير قسسواده مسن المماليسسك ثسم تنسازلت لسسه عسن الملسك ‪ .‬لتقسوم بسذلك الدولسسة‬
‫المملوكية‪ .‬وكان لسلطان العلماء العز بسسن عبسسد السسسلم رحمسسه اللسسه القصسسة التاريخيسسة‬
‫المشهورة‪ ,‬حيث لم يفت بصحة وليتهم لنهم عبيد غير أحرار‪ .‬واضطروا للنسسزول علسسى‬
‫فتواه بضرورة بيعهسسم ورد ثمنهسسم لسسبيت مسال المسسلمين حستى صساروا أحسرارا وصسحت‬
‫وليتهم!!‬
‫وحملت دولة المماليك راية الجهساد ضسد التتسار السسذين كسانوا قسد اجتساحوا المشسرق‬
‫وأسقطوا بغداد واستباحوا مدن الشام ‪ ...‬وقرعوا أبواب مصسسر‪ ,‬فنهسسض لهسسم سسسلطانها‬
‫المملوكي المجاهد )قطز( الذي لم يفت له سلطان العلماء بالخسسذ مسسن أمسسوال العامسسة‬
‫لشراء السلح‪ ,‬إل بعد أن وضع ماله وأخذ مال أمسراء المماليسك لسذلك الغسرض‪ .‬فأفتساه‬
‫وحرض المسلمين علسسى الجهسساد فسسي مصسسر والشسسام وكسسانت موقعسسة عيسسن جسسالوت أول‬
‫هزيمة استراتيجية للتتار‪ ..‬أدت إلى بداية تراجعهم‪.‬‬
‫وخلف الملك الظاهر بيبرس قطز على السلطان بعد أن اغتاله وهسسم عسسائدون مسسن‬
‫عين جالوت ليظفسسر بالملسسك وبهجسسة النصسسر! ومسسع ذلسسك حمسسل بيسسبرس مسسسؤولية جهسساد‬
‫الصليبيين في الشام زهاء ‪ , 27‬إلى أن أجلهسسم عسسن آخسسر حصسسونهم ‪ .‬حيسسث تسسم الجلء‬
‫الكامل في عهد السلطان خليل بن قلوون وانتهت بسسذلك الحملت الصسسليبية الولسسى )‬
‫‪.(1291‬‬
‫والمستخلص من مسار هذه الحملت دروس وعبر كثيرة ومسسا يخصسسنا لهسسذا البحسسث‬
‫هسسو معرفسسة مسسا كسسان مسسن أمسسر المرجعيسسات السستي تسسولت إدارة المواجهسسة فسسي الطسسرف‬
‫السلمي‪:‬‬
‫‪ -1‬المرجعية السياسية‪ :‬كانت غائبة ابتداء ‪ .‬ثم تكونت عبر الزنكيين ثم اليوبيين‬
‫ثم المماليك‪.‬‬
‫‪ -2‬المرجعية الدينية‪ :‬تسسولت المواجهسسة إلسسى أن قسسامت المرجعيسسة السياسسسية‪ .‬ثسسم‬
‫وقفت ردءا لها إلى نهاية المواجهة‪.‬‬
‫‪ -3‬المرجعيــة الجتماعيــة‪ :‬وقفسست إلسسى جسسانب المرجعيتسسان‪ .‬واكتمسسل النصسساب‪,‬‬
‫فواجهت المة السلمية أمة الصليبيين‪.‬‬
‫و كانت معادلة المواجهة في الحملت الصليبية الولى باختصار‪:‬‬

‫أمة السلم × أمة الصليب ← انتصرت أمة السلم‬

‫لم تواجه أمة السلم بشرائح قليلة‪ ,‬ول بعصابات صغيرة‪ ,‬ول بتنظيمات محدودة ل‬
‫سرية ول علنية‪ ...‬لقد وقفت المة بكاملها للحملت الصليبية وهزمتها‪ .‬ولم يعطل‬
‫صراع المراء والسلطين على الملك ول خور عامة المة وقعودها عن الجهاد‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 530 [ ‬‬

‫الحملت الصليبية الثانية )‪(1970-1798‬‬ ‫•‬


‫أقامت الحملت الصليبية الولى في المشرق العربي زهاء مائتي سنة‪ .‬مكنتهم من‬
‫الحتكاك عن قرب بالحضارة السلمية‪ .‬ليس عسكريا فحسسب‪ .‬فقسد كسان هنساك كسثير‬
‫من فسسترات الهدنسسة‪ ,‬كمسسا قسسامت كسسثير مسسن العلقسات التجاريسسة بيسن المسارات الصسسليبية‬
‫والسلمية من حولها‪ .‬وتمكن كثير من الرحالة ورجال السسدين الوربييسسن أن يسسزوروا بلد‬
‫المسسسلمين ويطلعسسوا علسسى البسسون الشاسسسع فسسي التفكيسسر والتطسسور والنظسسام السياسسسي‬
‫والقتصادي والحياة الجتماعية والثقافية‪ .‬كما تمكنوا من نقسل كسثير مسن المخطوطسات‬
‫والكتب حتى عد المؤرخون الوربيون الحملت الصليبية من أسباب عصر النهضسسة فسسي‬
‫أوروبا ونهاية العصور الوسطى‪.‬‬
‫وفي أواخر أيام الحملت أدرك ملوك النصارى أل سسسبيل لهسسم إلسسى البقسساء‪ .‬وبسسدؤوا‬
‫يعيدون التفكير في طريقة غزوا المسلمين والتعامل معهم‪.‬‬
‫وفسي الحملت الخيسرة علسى مصسر)‪1249‬ميلديسة (‪ ,‬وقسع )لسويس التاسسع ( ملسك‬
‫فرنسا أسيرا مع آلف من جنوده الصليبيين بيد المماليك ‪ ,‬وأودع السجن‪ .‬وهنسساك كسسان‬
‫لديه فسحة من التأمل ليضع أسس هامة لتفكير الصليبيين في كيفية غسسزو المسسسلمين‪.‬‬
‫وكتب توجيهاته الهامة تلك والتي كان خلصتها‪:‬‬
‫(إن المسلمين ل يهزمون ما دامت عقيــدتهم قائمــة ويجــب أن تبــدأ‬
‫الحرب على المسلمين بحرب الكلمة(‬
‫ثم ما لبثت الحملت الصليبية الولى أن انتهت كليا بسقوط عكا سنة ) ‪640‬هجرية‬
‫– ‪1291‬ميلدية (‪.‬‬
‫وهكذا أدرك الغرب الصليبي أنه ل يمكسسن التغلسسب علسسى المسسسلمين بسسالقهر والقسسوة‬
‫العسكرية لن ذلك يستفز لديهم بسبب المشاعر الدينية وطبيعة عقيدتهم كسسل أسسسباب‬
‫المقاومة والقتال‪ .‬وأن السبيل إلى ذلك هو غزوهم فكريا وتغيير طريقتهم في العتقاد‬
‫والتفكير لتجفيف جذور قوتهم وقدرتهم على المقاومة ومن ثم يسهل الستيلء عليهسسم‬
‫عسكريا‪.‬‬

‫الغزو الفكري للمسلمين ونتائجه العملية في الميدان‬


‫السياسي ‪:‬‬
‫انتهت الحملت الصليبية الولى نهاية القرن الثسسالث عشسسر‪ ,‬وابتسسدأت الثانيسسة مطلسسع‬
‫الثامن عشر‪ .‬فكيف استفاد الصليبيون من مدة ‪ 500‬سنة للعداد و التخطيط للعودة‬
‫على خبرة و معرفة ؟!‬
‫منذ عادت بقايا الحملت الصليبية مسسدحورة إلسسى أوربسسا انكسسب العلمسساء والمفكسسرون‬
‫الوربيون على دراسة خلصة حضسسارتنا العربيسسة و السسسلمية ونشسسطت حركسسة الترجمسسة‬
‫وقامت مراكز وجامعات الستشراق وهو التخصص في الدراسة الشسرقية‪ .‬ومسع انهيسسار‬
‫الحكم السلمي للندلس ‪ 1492‬م ‪ .‬حصل مثل ذلك وخلل القرون السسسادس عشسسر و‬
‫السابع والثامن عشر نشسسطت حركسسة الرحالسسة والكشسسافة والمستشسسرقين ‪ .‬ثسسم نشسسأت‬
‫حركات التبشير برعاية البابا ودعم وتسابق ملسسوك أوربسسا علسسى دعسسم المهسسام المقدسسسة‬
‫للبحارة والمكتشفين ‪ ..‬وعلى مدى هذه القرون الطويلة توغل هؤلء البحاثسسة والبعثسسات‬
‫الستشسسراقية والستكشسسافية فسسي كافسسة أرجسساء العسسالم العربسسي والسسسلمي وقسسدموا‬
‫الدراسات والبحاث ونقلوا الكتب والمخطوطات السستي تجمعسست فسسي جامعسسات ومراكسسز‬
‫دراسات استشراقية عملقة تخصصت في دراستنا ‪...‬‬
‫وأذكر على سبيل المثال من ذلك أني دخلت مكتبة جامعة الدراسات الشرقية فسسي‬
‫لندن للبحث عن كتب في التاريخ السياسي المعاصسسر للجسسزائر‪ ,‬فلمسسا دخلنسسا إلسسى دليسسل‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 531 [ ‬‬

‫كمسسبيوتر المكتبسسة علمسست أن المكتبسسة تحسسوي علسسى مسسا طسسوله ‪ 114‬كسسم مسسن الرفسسوف‬
‫المرصوصة بالكتب من مختلف الدراسات واللغات من العربية وسسسواها ! ولمسسا طلبسست‬
‫منه كتب عن الجزائر ‪...‬علمت بوجود )‪ (30000‬كتاب عسسن الجسسزائر بمختلسسف اللغسسات‪.‬‬
‫فلما حددنا اللغة العربية أذكر أنها كانت ما يربوا عن ‪ 5000‬كتاب فلما حددنا المطلوب‬
‫باللغة العربية عن التاريخ السياسي المعاصر للجزائر عثرت على ‪ 263‬كتاب‪ .‬ووجسسدت‬
‫ضالتي من وثائق مرحلة الستقلل في عشرات الكتب منها !! فتأمسسل ‪ ...‬وقسسد عرفسست‬
‫بالصدفة أن المكتبة تحوي ‪ 6000‬مخطوطة بلغة البشتون تعسود لتواريسخ مختلفسة ولسك‬
‫أن تتساءل ‪ .‬كم من البشتون يعرف قراءة لغتهم المكتوبة ؟! فيما درسها علماء أوربا‬
‫وقرؤوا مخطوطاتها !‬
‫ولقد رأيت مثل ذلك في مركز)جسورج بومبيسدو( فسي بساريس وهسسو مكتبسسة مقسسروءة‬
‫مسموعة مرئية تحتوي مئات آلف الكتب والبحاث والدراسات ‪ ,...‬وسسعت عسن مثسل‬
‫ذلك عن جامعات هولندا وألمانيا ويرها ‪ .‬ورأيت في أسبانيا مكتبة )الوسكوريال( قرب‬
‫مدريد حيث تحتوي زهاء خمسين ألف مخطوطة عربية‪ ,‬عدا ما تحتويه مكتبة الفاتيكان‬
‫وسواها من مراكز التبشير والتنصير ‪..‬‬
‫باختصار‪ ..‬لقد توغل الستعمار الحديث فسسي بلدنسسا بعسسد أن امتلسسك معلومسسات فسسي‬
‫كافة المناحي وقرأنا وفهمنا كما يقرأ خطوط كفه ‪ ..‬لقد تحركوا بعلمية وعملية ‪..‬إنهسسم‬
‫الروم وخصالهم ‪ .‬هؤلء الذين ل يعرف أكثرنا عنهم إل ظاهر قشرتهم الحضسسارية حاليسسا‬
‫من النحلل والفجور والمجون ‪ ..‬ولكن القاعدة الحضسسارية لهسسذه المسسم الروميسسة أعقسسد‬
‫من ذلك بكثير‪ .‬ول بد من أن نعرفهم كما عرفونسا ونقسساومهم علسى بصسيرة كمسا غزونسسا‬
‫على بصيرة ومعرفة ‪...‬‬
‫وقد كتب بعسسض المسسؤرخين والبحاثسسة العسسرب والمسسسلمين عسسددا مسسن الكتسسب حسسول‬
‫الستشراق وعلقته بالستعمار وحركات التبشير وعلقتها بالستعمار‪ ,‬مما ينسسدهش لسسه‬
‫المرء من ترابط هذه المواضيع الثلثة ‪ ...‬وهكسذا بسسدأ الغسزو الفكسري لبلدنسا مسع قسسدوم‬
‫حملة نابليون ) ‪1789‬م (‪ .‬وبدأ تغلغل الماسون في البلد العربيسسة والخلفسسة العثمانيسسة‪.‬‬
‫وبدأت رياح التغريب و الستعمار الفكري تهب علسسى بلدنسسا قبسسل السسستعمار السسذي أتسسى‬
‫بزخمه أواسط القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين ‪..‬وكان قد بسسدأ منسسذ القسسرن‬
‫السادس عشر يقضم أطراف العالم السلمي ‪.‬‬
‫وعلى منحسسى مسسواز للغسسزو الفكسسري دأبسست طلئع السسستعمار علسسى صسسناعة الصسسنائع‬
‫الستعمارية وإقامة علقاتها بمختلف شرائح المجتمع ولسسسيما قطسساع أمسسرائه وعلمسسائه‬
‫وهكذا تسللوا إلى الجملة العصبية للجسد السلمي الذي كسسان يرتمسسي مريضسسا يحتضسسر‬
‫مع الخلفة العثمانية‪ .‬فلما نضجت الطبخة الستعمارية الكبرى‪ .‬أعسسان السسستعمار علسسى‬
‫غزواته ما حققته أوربا مما أسلفنا من النهضة العلمية والثورة الصسسناعية والتطسسور فسسي‬
‫مجال السلح ووسائل النقل السريعة ‪ ..‬وهكذا دهمنا الستعمار وقد توفر له كل شيء‬
‫وتساقطت بلد المسلمين بأسهل مما تسقط العاصفة أوراقا صفرا لشجرة مريضة قد‬
‫نخر السوس ساقها وتآكلت جذورها ودب العطب في كل مناحي حضارتها دينيا وفكريا‬
‫وسياسيا وعلى كل صعيد ‪..‬‬
‫لقد أوصلتها السنن لن يتحقق لنا ما أخبر به بن خلدون من قيام الممالك وزوالها‬
‫واندثارها‪ ..‬وهكذا شهدت الحضارة نقلتها الرابعة بحسب توينبي كما أسلفنا في الفصل‬
‫السابق من الشرق السلمي إلى أوربا الغربية الصليبية ووريثتها أمريكا‪.‬‬

‫بداية الحملت الصليبية الثانية ‪:‬‬


‫ويمكن التأريخ للحملت الصليبية الثانيسسة ودفعتهسسا الرئيسسسية بمطلسسع القسسرن التاسسسع‬
‫عشر حيث انطلقت حملة نابليون إلى مصر سنة ‪ .1789‬مع أن انطلقهم نحو أطسسراف‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 532 [ ‬‬

‫العالم السلمي وتمكنهم من إنشاء رؤوس جسور وقواعسسد بحريسسة علسسى شسسواطئ بلد‬
‫المسلمين واحتلل الجزر البعيدة في أطراف العالم السلمي يرجع إلى أواسط القرن‬
‫السادس عشر‪ .‬حيث وصلت بهم الجسسرأة أن ينشسسئوا مسسستعمرات لهسسم علسسى شسسواطئ‬
‫جزيرة العرب وحتى على التفكير في غزو الحرمين كما حاول السطول البرتغالي ذلك‬
‫‪ .‬ولكن العثمانيين وقوتهم البحرية المسيطرة أفشلت المحاولسة‪ .‬ومسا لبسث العثمسسانيون‬
‫أن سيطروا على البحر المتوسط والبحر الحمر وبحر العرب‪ .‬وبعد أن سيطر النجليسسز‬
‫على مستعمرات البرتغال على سواحل إفريقيا والهنسسد والجسسزر الواصسسلة إلسسى الفلسسبين‪,‬‬
‫وبعد احتللهم لشسسبه القسسارة الهنديسسة‪ ,‬تمكنسسوا مسسن احتلل السسسواحل الجنوبيسسة للجزيسسرة‬
‫العربية وسواحل الخليج العربسسي – الفارسسسي‪ -‬وأقسساموا بالتعساون مسسع مشسسيحات الخليسسج‬
‫محميات لهم تتبع عمليا التاج البريطاني‪ .‬ولم يتجرؤوا ‪ -‬لفهمهم الحضاري واسسستيعابهم‪-‬‬
‫على التفكير في احتلل قلب الجزيرة العربية ولسيما الحجاز‪ ,‬لوجود المقدسسسات فيهسا‬
‫وخشسية وجسود الخلفسة المركزيسة) العثمانيسة ( ولسو شسكليا‪ ,‬وخشسية أن يسستفز إعلن‬
‫الجهاد العام من قبلها دفاعا عن الحرمين المسلمين ضد بريطانيا في مناطق هي فسسي‬
‫غنى عن الصدام معهم فيها‪.‬‬
‫ثم بدأ التسابق الفرنسي ‪ -‬البريطاني بشكل سسسافر علسسى قلسسب العسسالم السسسلمي‬
‫جنوب المتوسط في بلد الشام ومصر وشمال أفريقيا والجزيرة العربية فاحتل نابليون‬
‫مصر مطلع القرن التاسع عشر وزحف إلى جنوب فلسطين كما احتلت فرنسسسا تسسونس‬
‫والجزائر وأجسسزاء مسسن شسسمال مراكسسش مسسا بيسسن ‪1844 -1830‬م‪ .‬كمسسا دخلسست أسسسبانيا‬
‫الصحراء المغربية و منطقة الريف سنة ‪1860‬م ‪.‬‬
‫وبلغت الحملت الصليبية الثانية نقطة الذروة بعيد الحرب العالمية الولى وخسارة‬
‫الدولة العثمانية للحرب إلى جانب ألمانيا بعد سيطرت الماسون على إدارتهسسا‪ .‬والحجسر‬
‫على آخر خلفائها السلطان عبد الحميد‪ .‬فأبرمت معاهدة أو مؤامرة سيكس بيكو سسسنة‬
‫‪ 1917‬وفي نفس السنة صدر وعد بلفور عن وزارة المسسستعمرات البريطانيسسة بإعطسساء‬
‫فلسطين وطنا قوميا لليهود بعد أن تسيطر عليها بريطانيا بحسب التفاقية التي جعلت‬
‫فلسطين في حصتها‪.‬‬
‫وهكذا سقط المشرق العربي كلسسه تحسست احتلل جيسسوش الحملت الصسسليبية الثانيسسة‬
‫تحت مسمى الستعمار الحديث‪ .‬فدخل الجنرال الفرنسي )غورو( دمشق سسسنة ‪1920‬‬
‫واحتلت فرنسا سوريا وكان لبنان ضمنها‪ ,‬ودخسل الجنسرال النجليسزي )اللنسبي( القسدس‬
‫سسسنة ‪ ,1921‬واحتسسل الجيسسش البريطسساني فلسسسطين وشسسرقي الردن والعسسراق بعسسد أن‬
‫غدرت بريطانيا بالشريف حسين ونكثسست بوعودهسسا السستي كسسان قسسد أبرمهسسا معسسه وزيرهسسا‬
‫)مكماهون( من أجل كسب معاونته وجر العرب للنقلب على التراك العثمانيين‪ .‬حيث‬
‫خدع الشريف حسين وظن أن بريطانيا سوف تعسساونه علسسى إقامسسة خلفسسة عربيسسة علسسى‬
‫أنقاض العثمانية تشمل جزيرة العرب والعسسراق والشسسام فقساد مسسا عسسرف باسسسم الثسسورة‬
‫العربية الكبرى حيث قاتل العرب في الحجاز والشام إخوانهم التراك من جنود الخلفة‬
‫بدعم وتعاون من النجليز‪ .‬وكانت بريطانيا قد احتلت مصر والسسسودان قبسسل ذلسسك فيمسسا‬
‫آلت ليبيا إلى إيطاليا)‪1904‬م(‪.‬‬
‫هذا عن العالم العربي‪ ,‬أما في العالم السسلمي فقسد تقاسسمته أوربسا السستعمارية‬
‫كذلك‪ .‬فصارت الهند وبلد السند )باكستان( وإيران تحت الحتلل البريطاني‪ ,‬وُوضسسعت‬
‫تركيسسا باسسسم السسستقلل والجمهوريسسة تحسست حكسسم يهسسود الدونمسسة بإشسسراف اليهسسودي‬
‫) مصطفى كمسال أتساتورك ( السسذي أقسام الجمهوريسة التركيسسة وأعلسن إسسقاط الخلفسسة‪,‬‬
‫وتخلت بذلك تركيسسا عسسن إرثهسسا فسسي السسدول العربيسسة والسسسلمية للعسسالم الصسسليبي‪ ,‬فيمسسا‬
‫تقاسمت فرنسا وبريطانيا الدول السلمية في وسط إفريقيا‪..‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 533 [ ‬‬

‫أما روسيا فقد انطلسق قياصسرتها منسذ أواسسط القسرن السسادس عشسر فسي حركسة‬
‫استعمارية التهمت الممالك السلمية واحسسدة تلسسو الخسسرى فسساحتلت روسسسيا بلد القسسرم‬
‫والبشسسكير و تتارسسستان وبلد القفقسساس; الشيشسسان وداغسسستان وجورجيسسا وأذربيجسسان‬
‫وانطلقسست شسسرقا لتبتلسسع تركمانسسستان و أوزبكسسستان و طاجيكسسستان و قيرغيزسسستان‬
‫وكازاخستان وكانت قد استولت على سيبيريا بالكامل وحطت جيوش القياصرة رحالها‬
‫على ضفاف نهر جيحون على حدود أفغانستان سنة ‪ 1904‬بعد أن كانت قسسد أسسسقطت‬
‫عواصم السلم الكبرى; مثل مرو و بخارى و ترمذ و سمرقند و طشقند‪ ....‬ثم ورثسست‬
‫روسيا الشيوعية بعد الثسورة البلشسفية ‪ 1917‬تلسك المسستعمرات بعسد أن قضست علسى‬
‫السرة القيصرية وكان لليهود الروس دور رئيسي في الثورة الشيوعية فكرا وتنفيذا‪.‬‬
‫أما بلد نجد والحجاز فقد استولت عليها بريطانيا بطريقة ذكية تتناسب مسسع قدسسسية‬
‫الحرم‪ .‬فقد تبنت بريطانيا أميرا شابا من أسرة آل سسسعود السستي كسسانت قسسد لجسسأت إلسسى‬
‫الكويت بعد سقوط الدولة السعودية الثانيسسة‪ ,‬حيسسث تعرفسست وزارة المسسستعمرات علسسى‬
‫عبد الرحمن آل سعود عن طريق عميلهم الكبر في الكسسويت ) مبسارك الصسسباح ( السسذي‬
‫يدعوه قادة التنصير في جزيرة العرب بسس ) مبسسارك العظيسسم ( جسراء مسسا قسسدم لهسم مسسن‬
‫خدمات وتسهيلت للتنصير في جزيرة العرب ‪ ((1.‬وهكذا عرضسست بريطانيسسا علسسى عبسسد‬
‫الرحمن آل سعود معاونتها لستعادة ملك أجداده في نجد‪ ,‬فقدم لهم بسبب كسسبر سسسنه‬
‫ولده عبد العزيز سنة ‪ ,1898‬فمولت بريطانيا حملته الولى على نجد سسسنة ‪ 1901‬ثسسم‬
‫ونتيجة ما لقاه من الصعوبات تبنى عبسسد العزيسسز فكسسرة إحيسساء السسدعوة الوهابيسسة وعسساود‬
‫الكسسرة فسسي السسسنة التاليسسة‪ .‬وتمكسسن بمسسساعدة بريطانيسسا السستي أمسسدته بالمسسال والخسسبراء‬
‫والضباط النجليز وبسبب زعمه حمل رايسسة السسدعوة الوهابيسسة حصسسل عبسسد العزيسسز علسسى‬
‫مساعدة جماعات )الخوان( حملة الدعوة الوهابية الذين ساعدوه فتمكن مسسن دخسسول‬
‫نجد والستيلء عليها‪ .‬وبعد تفكير عميق تخلسست بريطانيسسا عسسن )الشسسراف( فسسي الحجسساز‬
‫لصالحه لتضع كامل بلد نجد والحجاز ومعظم جزيرة العرب تحسست سسسلطة عبسسد العزيسسز‬
‫بن عبد الرحمن آل سعود الذي أعلنته بريطانيا سلطانا على نجد والحجسساز سسسنة ‪1935‬‬
‫لتقوم )الدولة السعودية الثالثة(‪ .‬وأبرم التاج البريطاني مسسع عبسسد العزيسسز اتفاقيسسة تبعيسسة‬
‫يلتزم فيها بسسان ل يخسسرج عسسن مشسسورتهم وأوامرهسسم وأن ل يسسبرم معاهسسدة ول اتفاقسسا إل‬
‫بإذنهم مقابل كفالة التاج البريطاني لعرشه مسسدة حيسساته ولبنسسائه وراثيسسا مسسن بعسسده‪ .‬ثسسم‬
‫أمدت بريطانيا عبد العزيز ليحارب الخوان وساعدته بالطسسائرات فقضسسى علسسى بقيتهسسم‬
‫في معركة) السبيلة( الشهيرة‪ ,‬ليخلوا لسه الجسسو ويسسدخل مسن تبقسسى مسسن حملسسة السسدعوة‬
‫الوهابية تحت عباءة سلطانه وملكه‪.‬‬
‫وبعد أن سيطرت بريطانيا على فلسطين تعاونت بشكل كثيف مع الوكالة اليهودية‬
‫للهجرة التي أقامتها الحركة الصهيونية‪ .‬وضخت في فلسطين مئات آلف اليهود السسذين‬
‫شحنتهم السفن من مختلف الدول الوربية ولم يكن عدد اليهود الصليين في فلسطين‬
‫يجاوز ‪ 15000‬نسمة عندما احتلتها بريطانيا‪ .‬وشعر المسلمون بالخطر الداهم وقسسامت‬
‫الثورة التي قادها الشيخ عز الدين القسام رحمه الله الذي قدم من السسساحل السسسوري‬
‫لحياء الجهاد في فلسطين سنة ‪ .1936‬واشسستعلت المعسسارك بيسسن المسسسلمين واليهسسود‪,‬‬
‫فاستنجدت بريطانيا بعبد العزيز آل سعود لخماد الثورة‪ .‬فأرسسسل ابنسسه ووزيسسر خسسارجيته‬
‫فيصل من أجل إقناع الفلسطينيين بوقف الثورة وإعلن الهدنة‪ .‬فساقنع فيصسسل زعمائهسا‬
‫بالوثوق بوعود)صديقتنا بريطانيا( على حد زعمه‪ .‬وهكذا أجهضت الثورة الرئيسية السستي‬
‫وقفت في وجه حملت التهجير والتهويد في فلسطين‪ .‬ثم تتابعت جهود مختلف السسدول‬
‫الوربية في دعم وكالة الهجسسرة اليهوديسسة وإمسسداد اليهسسود بالمسسال والسسسلح حسستى وصسسل‬
‫عددهم سنة ‪ 1947‬إلى ‪ 650‬ألسسف نسسسمة‪ .‬وتمسست مسسسرحية دخسسول الجيسسوش العربيسسة‬

‫أنظر محاضرة ) صانعوا الخيام ( للشيخ سلمان – رزقه الله ‪ -‬العودة ‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة ‪] 534 [ ‬‬

‫وهزيمتها في فلسطين سنة ‪ 1947‬فأعلن اليهود ميلد دولة إسرائيل لتسسسارع الجمعيسسة‬
‫العامة للمم المتحدة وبمباركة من دول أوروبا وأمريكا وروسيا للعتراف بها ‪.‬‬
‫وهكذا زرعسست الحملت الصسسليبية الثانيسسة الكيسسان السسسرطاني اليهسسودي فسسي أقسسدس‬
‫مقدسسسات المسسلمين واحتسسل اليهسود نصسسف مدينسة القسدس بعسد أن اسستولت بريطانيسسا‬
‫الصليبية على بلد نجد والحجاز بصورة غير مباشرة عبر صك الملك السسوراثي فسسي عبسسد‬
‫العزيز وأبنائه‪.‬‬
‫إذن ‪...‬‬
‫لقد سقط العالم العربي والسلمي برمته تحسست الحتلل الغربسسي السسذي لسسم يخسسف‬
‫هويته الصليبية‪ .‬فقد صاح الجنرال اللنبي وهو يركسسز علسسم بريطانيسسا ذي الصسسليبين علسسى‬
‫قمة جبل الزيتسسون فسسي بيسست المقسسدس قسسائل ‪ ):‬الن انتهت الحــروب الصــليبية (‪.‬‬
‫وكذلك ذهب الجنرال غورو الفرنسي إلى ضسسريح صسسلح السسدين وضسسرب قسسبره بالسسسيف‬
‫وكسر قطعة منه وقال له ‪ ):‬ها قد عدنا يا صلح الدين (‪ .‬وصرح موسوليني حاكم‬
‫إيطاليا الستعمارية بأنه يحمل أمجاد الرومان إلى جنوب المتوسط‪ ..‬وهكذا كان سلوك‬
‫باقي الدول الوربية حيث ذهبت‪.‬‬
‫واستمرت هسسذه الحملت فسسي احتللهسسا المباشسسر العلنسسي طيلسسة مسسا سسسمي بمرحلسسة‬
‫الستعمار القديم‪ .‬إلى أن أدت الثورات الجهادية‪ ,‬والحركات التحررية إلى إجبار السسدول‬
‫المستعمرة على تغيير أسلوبها إلى مرحلة السسستعمار الحسسديث‪ .‬لتتسسابع الحملت فتكهسسا‬
‫بكافة بلد العالم السلمي بشكل أذكسسى وأدهسسى‪ .‬فبسسدأ إعلن اسسستقلل السسدول العربيسسة‬
‫والسلمية منذ مطلع الربعينات وكسسان آخرهسسا دولسسة المسسارات العربيسسة المتحسسدة‪ ,‬السستي‬
‫أعلن ) استقللها!!( سنة ‪ .1973‬أما الممالك السلمية التي احتلها الروس فلسسم ينفسسك‬
‫عن الحتلل المباشر إل بعضها عند تفكك التحاد السوفييتي سنة ‪.1990‬‬
‫وكمسسا أسسسلفت فسسإن اسسستقلل تلسسك البلد كسسان شسسكليا‪ .‬وأدى قيسسام روسسسيا وأمريكسسا‬
‫كدولتين عظميين إلى أن ترث كل منهما القيام بمهام السسستعمار الحسسديث فسسي معظسسم‬
‫تلك الدول ولم يبق لفرنسا وبريطانيا إل بعض الفتات الستعماري هنا وهناك‪.‬‬
‫وقد سجل التاريخ الحديث أن الثورات الجهادية السستي قسارعت السسستعمار وواجهسست‬
‫الحملت الصسسليبية الثانيسسة قسسد اشسستعلت فسسي كافسسة بلد العسسالم السسسلمي‪ ,‬ولسسم تسسترك‬
‫الستعمار ينعم بالهدوء ‪ .‬فكانت الثورات ما تلبث أن تهدأ لتندلع من جديد‪ .‬فقد أجبرت‬
‫ثسسورات العلمساء بريطانيسا علسى الرحيسسل مبكسسرا عسسن أفغانسسستان ‪ ,‬ثسسم جلسست عسن الهنسسد‬
‫وباكسسستان بعسسد احتلل دام قرابسسة قرنيسسن ‪ ,‬وكسسذلك أجبرتهسسا ثسسورات العسسراق ومصسسر‬
‫والسودان وعدن على الرحيل بعد خسائر كبيرة‪ ,‬وكسسذلك خرجسست فرنسسسا مسسن الجسسزائر‬
‫وتونس والمغرب وسوريا بعد خسائر فادحة ‪ .‬وبنفس الطريقة خرجت إيطاليا من ليبيسسا‬
‫وكذلك أسبانيا من المغرب‪ ...‬وهلم جرا‪.‬‬
‫والدارس لمسار الحملت الصليبية الثانية يجد بعسسض النقسساط الهامسسة فسسي الختلف‬
‫وتطوير الصليبيين لساليبهم بين الحملتين الولى والثانية‪ ,‬ومن أهم ذلك‪:‬‬
‫أن الحملت الصليبية الولى كسسانت ذات بعسسد دينسسي أساسسسا ممسستزج ببعسسد اقتصسسادي‬
‫ثانوي‪ .‬في حيسن كسانت الحملت الثانيسة ذات بعسد دينسي صسليبي واقتصسادي اسستعماري‬
‫وسياسي من أجل الصراع على النفوذ‪ .‬وكذلك ذات بعد حضاري يقصد إلى نشر ثقافسسة‬
‫مرة‪.‬‬‫المستعمر ونظمه العلمانية في البلد المستع َ‬
‫أن الحملت الصليبية الولى تركزت على سواحل المشرق والشام فقط‪ ,‬في بيت‬
‫المقدس وأكنافه وسواحل سوريا ولبنان‪ .‬في حين استهدفت الحملت الصليبية الثانيسسة‬
‫كامل بلد العالم العربي والسلمي‪ ,‬وتركزت في الشرق الوسط وفي دعسسم إسسسرائيل‬
‫في بيت المقدس‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 535 [ ‬‬

‫أن الحملت الصسسليبية الولسسى اسسستهدفت الرض باحتللهسسا‪ ,‬فسسي حيسسن اسسستهدفت‬
‫الحملت الثانية احتلل الرض والنسان المسسسلم السسذي قصسسدته بالمسسسخ والتغييسسر فسسي‬
‫كافة أبعاد مكوناته الحضارية‪.‬‬
‫وهذه أهم الملحظات; وهي أن الحملت الولى تمت في حالة جهالة تامة من قبل‬
‫المستعمرين الصليبيين بالرض السلمية وسكانها وكامل مكوناتهم الحضارية والدينيسسة‬
‫والثقافية‪ .‬في حين تمت الحملت الثانية بناء على معرفة تفصسسيلية ودراسسسات متعمقسسة‬
‫مكنتهم من السسدخول علسسى بصسسيرة توغلسسوا فيهسسا وفسسق خسسرائط واضسسحة المعسسالم للرض‬
‫والشعوب و تركيبتها النفسية والعرقية والدينية وكامل مواصفاتها‪ .‬وهسسذه نقطسسة تحتسساج‬
‫الوقفة التالية‪:‬‬
‫فماذا كان من شأن المرجعيات الثلثة في قيادة المجتمعات العربية والسلمية؟؟‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 536 [ ‬‬

‫حالة المرجعيات السلمية خلل الحملت الصليبية الثانية ‪:‬‬


‫على صعيد المرجعيات السياسية‪:‬‬
‫كانت قد سسقطت تمامسا بسسقوط الخلفسة العثمانيسة عمليسا ) منسذ نهايسات القسرن‬
‫الثامن عشر ( ثم رسميا )‪1924‬م( وكسسان حسسال القيسسادة السياسسسية ل يقسسل إن لسسم يسسزد‬
‫سوءا في الغالب عن أحوال أمراء المشرق المتنازعين أيام غزو الصسسليبيين و التتسسار‪ .‬و‬
‫بالمكان القول أن المسلمين كانوا بل مرجعية سياسية عمليا ‪.‬‬
‫على صعيد المرجعية الدينية‪:‬‬
‫فقد كانت المرجعيسة مسا تسزال حيسة‪ .‬وتمثلست فسي تلسك المرحلسة بأئمسة المسذاهب‬
‫الفقهية ‪ ,‬ومراكز الشعاع الديني ككبريات المساجد فسسي كسسل بلد المسسسلمين‪ .‬وبسسرزت‬
‫في هذه المرحلة الطرق الصوفية كمرجعية دينية في أكثر بلد المسلمين‪ .‬حيث كسسانت‬
‫الصوفية قد ازدهرت خلل المرحلة العثمانيسسة ومسسا سسسبقها‪ .‬وهكسسذا قسسام العلمسساء وأئمسسة‬
‫الصوفية بدعوة العامة للجهاد والمقاومة وقادوا تلك النتفاضات الجهادية بأنفسهم‪.‬‬
‫على صعيد المرجعية الجتماعية‪:‬‬
‫فقد كان النظسسام القبلسسي العشسسائري مسسازال متماسسسكا فسسي معظسسم العسسالم العربسسي‬
‫والسلمي وكان متداخل جدا مع المرجعية الدينيسسة ممسسا وفسسر القاعسسدة الشسسعبية لوقسسود‬
‫الثورة‪.‬‬
‫وهكذا عمت الثورات على الستعمار العسسالم السسسلمي بسسأكمله‪ .‬مثسسل ثسسورة المسسام‬
‫شامل في القفقاس على الروس والسستي اسستمرت زهساء أربعيسسن سسسنة وكسسذلك ثسسورات‬
‫الوزبك وغيرهم في وسط آسيا والتي أخمدها الروس بكل قسوة ‪ ,‬فتحول المسلمون‬
‫في جهادهم إلى الحفاظ على دينهم وقومياتهم سسسرا ‪ .‬ومسسا زالسست الثسسورات تنسسدلع ضسسد‬
‫الروس طوال تاريخهم‪ .‬وكسسذلك قسسامت ثسسورات ضسسد النجليسسز قادهسسا )علمسساء الديوبنسسد (‬
‫وأئمسسة المسسذهب الحنفسسي والطسسرق الصسسوفية فسسي شسسبه القسسارة الهنديسسة وبلد السسسند‬
‫وأفغانستان التي انتهت بجلئهم ‪ .‬وكذلك واجه النجليز ثورات العراق والثسسورة المهديسسة‬
‫في السودان والنتفاضات التي قادها علماء الزهر في مصر‪ .‬وكذلك ثورة علماء اليمن‬
‫على النجليز‪ .‬كما واجهت فرنسا ثورة ضارية في الجزائر وكذلك اعمال مقاومة كثيرة‬
‫فسي المغسرب وسسوريا وبعسض البلد الفريقيسة كمسا قسام عبسد الكريسم الخطسابي بجهساد‬
‫السبان وتحالف جيوش أوربا في الريف المغربسسي وهسسزم فسسي معركسسة أنسسوال الشسسهيرة‬
‫جيوش خمس دول أوربية مجتمعة أسر فيها آلف الجنود وأكثر من مئة جنرال‪ .‬وكذلك‬
‫قاد عمر المختار و السنوسيين الجهاد ضد إيطاليا في ليبيسسا لكسسثر مسسن أربعيسسن سسسنة‪.. .‬‬
‫وكذلك كان المر في مختلف بلدان العالم السلمي‪.‬‬
‫وهكذا ورغم غياب المرجعية السياسية‪ ,‬تمكنسست المرجعيتسسان الدينيسسة و الجتماعيسسة‬
‫من لم شمل المة ‪ ,‬وإطلق المقاومة عبر حروب العصابات الجهادية وأنواع المقاومسسة‬
‫المدنية والعصيان وأعمال التظاهر والكفاح السياسي ‪ .‬مما أدى في نهاية المطاف إلى‬
‫إجبار المستعمرين علسسى الرحيسسل وإعطسساء تلسسك البلد اسسستقللها‪ .‬ولكسسن بعسسد أن تمكسسن‬
‫الستعمار من وضع أسس المرحلة التالية من الحملة الصسسليبية الثانيسسة بأسسسلوب مسساكر‬
‫خبيث‪.‬وهو ما عرف باسم الستعمار الحديث‪.‬‬
‫وكانت معادلة القسسوى فسسي صسسراع المسسسلمين مسسع الحملت الصسسليبية الثانيسسة خلل‬
‫مرحلة الستعمار العسكري إلى الستقلل بعد أن دخسسل اليهسسود فيهسسا بشسسكل أساسسسي‬
‫منذ الحرب العالمية الولى فصارت المعادلة على الشكل التالي‪:‬‬

‫← انتصرت أمة السلم‬ ‫أمة الصليب ‪ +‬أمة اليهود × أمة السلم‬


‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 537 [ ‬‬

‫ومرة أخرى يمكننا القول هنا أن المقاومة والمواجهة لم تكن من فعل عصابات‬
‫محدودة ول تنظيمات سرية ول نخب عقدية فقط وإنما شملت أمة السلم في كل‬
‫قطر حيث التفت حول زعماء الجهاد والثورة‪ .‬فلما كانت قضية الصراع قضية أمة في‬
‫مواجهة أمم تأهلت المة للنتصار ورحل الستعمار‪.‬‬
‫وهنا ينتقل الحديث إلى مرحلسسة السسستعمار الحسسديث مسسا بيسسن الحملسستين الصسسليبيتين‬
‫الثانية والثالثة والتي تناولتها في المحاضرات السسسابقة السستي غطسست هسسذا البحسسث تحسست‬
‫عنوان المرحلة الثانية من الحملت الصليبية‪ ,‬ثم أجد الن أنها مرحلسسة مسسستقلة مهسسدت‬
‫للحملت الثالثة ولذلك سأتناولها هنا بعنوان مستقل هو ما يلي‪.‬‬

‫مرحلة الستقلل السياسي ) الشكلي( وقيام الستعمار الحديث‬ ‫•‬


‫خلل المرحلة الممتدة مسسا بيسسن حصسسول السسستقلل فسسي البلد العربيسسة والسسسلمية‪,‬‬
‫وقيسسام النظسسام العسسالمي الجديسسد )‪ (1990‬أي منسسذ الربعينسسات إلسسى السسسبعينات بحسسسب‬
‫استقلل الدول وإلى سقوط التحاد السوفيتي وتفرد أمريكا بإدارة العالم وقيادة الروم‬
‫المعاصرين‪ .‬تحولت الدول الوربية وروسيا وأمريكا اللتان دخلتسسا علسسى خسسط السسستعمار‬
‫تحولت إلى مرحلة عرفت بمصطلح الستعمار الحديث‪ .‬والذي لم تنفك منه بلد العرب‬
‫والمسلمين إلى يومنا هذا‪ .‬حيث ورثت أمريكا وإدارتها الصهيونية مهمة قيسسادة الحملت‬
‫الصليبية الثالثة كما سنبين لحقا إنشاء الله‪.‬‬
‫أما عن هذه المرحلة ‪ ,‬فاستكمال لما كان المستعمرون الوربيون قسسد قسسرروه مسسن‬
‫الغزو الفكري للمسلمين من أجسسل إحكسسام السسسيطرة عليهسسم‪ .‬لسسم يضسسيع المسسستعمرون‬
‫الوقت واستفادوا من تجربهم السابقة وما أسسوه من مشاريع التبشسسير والستشسسراف‬
‫والستعمار‪ .‬فقد قدمت مع جحافل الحتلل الولى وسسسائل الغسسزو الفكسسري والثقسسافي ‪.‬‬
‫فافتتحت المدارس التبشيرية والجامعات الغربية وأنشئت المطابع والنديسسة الجتماعيسسة‬
‫والثقافية ‪ ,‬والصحف ودور النشر‪ ,‬ونشسسر السسستعمار أفكسسار التغريسسب والعلمانيسسة وأنشسسأ‬
‫الحزاب الوطنيسسة علسسى أساسسسها ليؤهلهسسا لمرحلسسة السسستقلل‪ .‬وشسسجع السسستعمار عسسبر‬
‫النشاطات الدبية والفكرية والثقافية عمليات التغريب‪ ,‬كما فتح الباب علسسى مصسسراعيه‬
‫مرة مسسن أجسسل إكمسسال دراسسساتهم الجامعيسسة‬ ‫لخروج الشباب المثقف إلى الدول المسسستع ِ‬
‫والعليا‪ .‬ليعودوا محملين بأفكاره وثقافته وقد بهرتهم حضارته وملئت قلوبهم وعقسسولهم‬
‫ولم يبق لهم من النسبة إلى أمتهم إل لون البشرة ولغة اللسان !! وقسسد أسسسفرت هسسذه‬
‫الجهود عبر مرحلة الستعمار التي استغرقت عقودا في بعسض البلد ‪ ,‬وجساوزت القسرن‬
‫في بلد أخرى كما في الجزائر وشبه القسسارة الهنديسسة‪ ,‬بسسل أكسثر مسسن ذلسسك فسي منساطق‬
‫أخرى كوسط وأطراف آسيا وبعض بلد أفريقيا‪ .‬وأثمرت هذه الجهود الستعمارية بالغة‬
‫الذكاء عن نتائج غاية في الهمية كونت مقومات الستعمار الحسسديث ومهسسدت للحملت‬
‫الصليبية الثالثة‪ .‬ومن تلك النتائج‪:‬‬
‫أنشأ المستعمر على عينه نخبا سياسية في بلدنا وأهلها لتحل محله و تسسسهر علسسى‬
‫حراسسسة مصسسالحه وتقسسوم بأعبسسائه بأبنائنسسا‪ ,‬فتحقسسق لسسه المكاسسسب ول يتحمسسل خسسسائر‬
‫المواجهة مع المقاومة‪ .‬لن هذه النخبة الوطنية تبدو أمام شعوبها راعية الستقلل‪.‬‬
‫إختار الستعمار بحسب أحوال كل بلد شسسكل السسسلطة؛ إمسسا أسسسرا حاكمسسة تتسسوارث‬
‫الملك كما فسسي بلد جزيسسرة العسسرب والردن والمغسسرب بكفسسالته وإشسسرافه‪ .‬وإمسسا أحزابسسا‬
‫سياسية تتدوال السلطة عبر حيسساة نيابيسسة مسسسرحية كمسسا فسسي الهنسسد وباكسسستان وبعسسض‬
‫السسدول العربيسسة‪ .‬فسسي حيسسن اختسسار طريقسسة النقلبسسات والسسدكتاتوريات العسسسكرية لبلد‬
‫أخرى‪,‬كما مصر وسوريا والعراق‪ .‬كما أوجد نوعا من الدكتاتوريات المدنيسسة فسسي صسسنف‬
‫ثالث‪ .‬لتتولى تلك السلطات الحكم من بعد رحيله فيما عرف بمرحلة الستقلل‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 538 [ ‬‬

‫أشسسرف المسسستعمر عسسبر تسسسليط الضسسوء العلمسسي والمسسسرحيات السياسسسية‬


‫والعسكرية أحيانا على صناعة هذه النخب التي قرر العتماد عليها لتبسدو أمسام شسسعوبها‬
‫وكأنهسسا صسسانعة السسستقلل‪ .‬وتمسست سسسرقة الجهسسود الجهاديسسة السستي قسسام بهسسا العلمسساء‬
‫والمرجعيات الدينية والشسسعوب السستي جاهسسدت تحسست شسسعار السسسلم مسسن أجسسل تحقيسسق‬
‫السسستقلل‪ .‬وهكسسذا سسسارت المظسساهرات المصسسفقة مسسن قطعسسان البشسسر السستي مسسسخها‬
‫السسستعمار مسسع السسوقت لتحمسسل أفكسسار القوميسسة والوطنيسسة وتنتمسسي إلسسى تيسسارات الفكسسر‬
‫السياسي الغربي من اشسستراكية وديمقراطيسسة وشسسيوعية ولبراليسسة رأسسسمالية وسسسواها ‪.‬‬
‫مرت للصنام المصطنعة‬ ‫وهكذا أعلن الستقلل الشكلي في بلدنا وطّبلت الشعوب وز ّ‬
‫التي حملت على عاتقها مهمة استمرار المرحلة الثانيسسة مسسن الحملت الصسسليبية الثانيسسة‬
‫وسيطر الستعمار الحديث على بلدنا بشكل كامل‪.‬‬
‫ربط المستعمر هذه النظمة التي صممها ورسم حدود بلدها وشكل بنيتها بسسه عسسبر‬
‫أساليب عديدة من أهمها إقامة القواعد العسكرية لجيوشه في أكسسثر تلسسك البلد بحيسسث‬
‫يستطيع نشرها وإعادة السيطرة متى شاء ومن أجل استخدامها في صراعاته الدوليسة‪.‬‬
‫كمسسا ربسسط تلسسك السسسنظمة والبلد )المسسستقلة!( بالمعاهسسدات السياسسسية والقتصسسادية‬
‫والعسكرية والثقافيسسة والمنيسسة بطريقسسة تضسسمن لسسه تبعيتهسسا أكسسثر مسسن فسسترة السسستعمار‬
‫العسكري‪.‬‬
‫أقسام المسستعمر عسبر شسركاته الحتكاريسة الكسبرى‪ ,‬ومسا قيسدنا بسه مسن التفاقيسات‬
‫القتصادية وما وضعنا به تحت الشراف القسري بمؤسسات النقد السسدولي‪ ,‬مسسا شسسكل‬
‫عمليا إخطبوطا أمسك بكافة مقدرات بلدنا وضمن لسه نهسب ثرواتنسا ولسسيما النفطيسة‬
‫والغازية والثروات المعدنية‪ .‬و أنشا مع عملئه وشركائه من أبنساء وطننسا السسذين تكونسسوا‬
‫من رجال السلطة وكبار التجار‪ .‬وبهذا قام الستعمار القتصادي بامتصاص دماء شعوبنا‬
‫وقوت أبنائنا‪ .‬ليحصل على ما جاء من أجله بجيوشسسه الجسسرارة ولكسسن دونمسسا خسسسائر ول‬
‫عساكر في هذه المرحلة‪.‬‬
‫نشر المستعمر مؤسسات التنصير وحماها‪ .‬فتعرضت بلد العالم السلمي لحملت‬
‫كثيفة من التنصير لم تثمر في قلب العسسالم السسسلمي والعربسسي إل عسسن تشسسكيك بعسسض‬
‫المسلمين بدينهم وإضعاف ارتباطهم به ولكنها نجحسست فسسي أطسسراف العسسالم السسسلمي‬
‫كأواسط إفريقيا وجنوب شرق آسيا كالفلبين وإندونيسيا وبنغلدش وبورما حيسسث تنصسسر‬
‫عشرات المليين من المسلمين!‪.‬‬
‫عمسسل السسستعمار الحسسديث عسسبر نسسوابه الشسساوس هسسؤلء! علسسى اسسستبعاد الشسسريعة‬
‫السلمية والحكم بما أنزال الله في بلد المسسسلمين‪ .‬وقسسام أبناؤنسسا السسذين تخرجسسوا مسسن‬
‫كليات الحقوق والقانون في جامعات الغرب‪ ,‬بوضع دساتير وتشريعات و قوانين مبنيسسة‬
‫علسسى أصسسول القسسانون الغربسسي والحضسسارة الرومانيسسة ودسسساتيرها الوثنيسسة‪ .‬وقسسام هسسؤلء‬
‫)المشّرعون( الذين اغتصبوا )حق اللوهية والتشريع( بسن القوانين وصسسياغة الدسسساتير‬
‫السستي اسسستمدت مسسن القسسانون الفرنسسسي والبريطسساني وصسسارت أسسساس بنيسسة السسسلطات‬
‫والهيكل السياسي في بلد المسلمين‪.‬‬
‫عمسسل المسسستعمر نتيجسسة دراسسسة متعمقسسة لشسسعوبنا ومكوناتهسسا الدينيسسة والجتماعيسسة‬
‫والحضارية عمومسسا علسسى تحطيسسم المرجعيسسات الثلثسسة السستي تحسسدثنا عنهسسا والسستي تسسولت‬
‫هزيمته في الحملتين الصليبيتين الولى والثانية‪:‬‬
‫فأما المرجعية السياسية‪:‬‬
‫فقد أسقطت الخلفة ثم تولى المستعمر بنفسه المرجعية السياسسسية ‪ .‬ثسسم تسسولى‬
‫تسليمها إلى من نصبهم من الملوك والرؤسسساء والمسسراء والسسلطين ليتبعسسوه فسي كسسل‬
‫شيء فيحكمون بقوانينه ‪ ,‬ويقيمون نظامهم السياسي على أصسسوله ‪ ,‬ويبنسسون أفكسسارهم‬
‫وأحزابهم على أفكاره المستوردة ‪ ,‬ويرتبطون به بكسسل أواصسسر السسولء والمسسودة‪ .‬وهكسسذا‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 539 [ ‬‬

‫دمرت المرجعية السياسية للمسلمين وغابت نهائيا منذ سسسقوط الخلفسسة حسستى بشسسكلها‬
‫الرمزي ‪ 1924‬م‪.‬‬
‫وأما المرجعية الدينية ‪:‬‬
‫فقد ركز المستعمر حربه على المساجد والعلماء والهيئات الدينية المسسستقلة عنسسد‬
‫الحكومسات كسالزهر فسي مصسر‪ ,‬وجمعيسات علمساء السسسلم ومؤسسسساتهم المختلفسة ‪...‬‬
‫فاستمال نوابه عبر سسيف المعسسز وذهبسسه كسسثيرا مسن أقطساب الوسسسط السسديني ورجسالته‬
‫وعلمسائه‪ .‬واسستحوذت حكومسات السستقلل بعسد السستعمار علسى المؤسسسات الدينيسة‬
‫ودمجتها في وزارة سميت وزارة الوقاف أو الشؤون الدينية أو ما شابهه‪..‬‬
‫وأنشأت أكسسثر الحكومسسات مرجعيسسات دينيسسة منافقسسة تعمسسل بسسأمر السسسلطان وتصسسدر‬
‫الفتاوى المفضلة بحسسسب الرادات الملكيسسة والرئاسسسية كمسسا حصسسل لدارة الزهسسر فسسي‬
‫مصسسر والزيتونسسة فسسي تسسونس وهيئة كبسسار العلمسساء والمسسر بسسالمعروف والقضسساء العلسسى‬
‫والدعوة والرشاد في السعودية وقس عليها ما جرى في سواها‪.‬‬
‫وعمدت أجهزة العلم وسياسسسات الدولسسة إلسسى تشسسويه كسسل مسسن أبسسى مسن العلمسساء‬
‫المخلصسسين وأئمسسة المسسساجد المسسستقلين والعلمسساء وطلب العلسسوم الشسسرعية فقطعسست‬
‫أرزاقهم وحاصرتهم ماديا ومعنويا ‪ ,‬ومع الوقت حولتهم في نظسسر المجتمسسع )المتحضسسر(‬
‫كما يسمونه ويروجون في العلم إلى نموذج مضحك من التخلف والنفعية والبعسسد عسسن‬
‫الواقع ‪ ....‬وهكسسذا راقبسست الحكومسسات المسسساجد وفرضسست خطسسب الجمعسسة واسسستوعبت‬
‫بشكل أو بآخر هسسذه المرجعيسة الدينيسسة السستي كسانت الملذ الخيسسر للمسة‪ .‬ونجحست هسسذه‬
‫الخطة الستعمارية بشكل متفاوت بحسب بلد المسلمين فقد كان نجاحها بسساهرا فسسي‬
‫العالم العربي ولسيما الشام ومصر وشمال أفريقيا وبلد الجزيسسرة‪ .‬وكسسان تامسسا كسسامل‬
‫كما فسسي تركيسسا فسسي ‪ .‬حيسسن كسسان أقسسل مسسن ذلسسك فسسي بعسض البلد ‪ ,‬ومحسسدودا كمسسا فسسي‬
‫أفغانستان و الباكستان وما شابهها من الظروف‪ ...‬ولكن بالجمال ‪ ..‬تم تدمير أو شسسل‬
‫المرجعية الدينية الكلسيكية التي حفظت للمسلمين المحرك الوجداني للمقاومة عسسبر‬
‫التاريخ‪.‬‬
‫ومن النصاف أن نقول ونذكر أنه رغم الدور البارز الذي لعبته المرجعيات الدينية‬
‫في مقارعة الحتلل إل أنها كانت ومنذ المرحلة العثمانية تسير نحو التخلف وتعتريها‬
‫المراض و العلل على صعيد انتشار البدع والطرق الصوفية الغالية والمتحللة والداعية‬
‫إلى الخنوع‪ .‬كما أصاب المرجعية الدينية عموما البعد عن المنهج العلمي الشرعي‬
‫والتخلف في مجالت البداع و الجتهاد‪ .‬مما سهل على المستعمر والحكومات عزلها‬
‫وتفكيكها مع الوقت‪ .‬بل استطاع المستعمر أيام الستعمار أن يستميل كثيرا منها إلى‬
‫صفه ويكون طبقة من علماء الستعمار تضاهي طبقة علماء السلطان وتجاوزها في‬
‫الثر والضرر على المة وبدا أن هذه المرجعية الدينية ذاتها بحاجة إلى ثورة تجديد‬
‫تعيدها لصولها الصحيحة ونضارتها وجدارتها التاريخية‪.‬‬
‫أما على صعيد المرجعية الجتماعية‪:‬‬
‫فقد تم تفكيكها مع قيام الدول الحديثة والمدن الكبرى وهجسسرة العمسسال والطلب‬
‫والموظفين من الرياف إلى المدن بسبب طبيعة المجتمع المدني المعاصسسر‪ ,‬ممسسا أدى‬
‫لتحلل القبائل وضسسعفت الروابسسط العشسسائرية وتهلهلسست وعجسسزت عسسن أن تكسسون رابطسسة‬
‫عصبية تمكن زعماءهسسا ورؤوسسسها مسسن لعسسب دور مركسسز ثقسسل فسسي الحسسداث والتغيسسرات‬
‫السياسية ‪ .‬وقد تفاوت هذا التحلل من بلد لخر‪ .‬ففي حين ما تسسزال القبليسسة مسسسيطرة‬
‫قوية في بعض البلدان مثل أفغانستان واليمن وبعض أطراف جزيرة العرب وإفريقيا ‪..‬‬
‫تفككت هذه الروابط بشكل شبه كامسسل ‪ ,‬وغسساب أثسسر هسسذه المرجعيسسة تمامسسا وزال فسسي‬
‫معظم باقي الدول نتيجة التحولت الجتماعية والقتصادية المعاصرة ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 540 [ ‬‬

‫وهكذا قامت أنظمة الردة في العالم العربي والسلمي لتتولى حكم شعوبها‬
‫بالحديد والنار وتقوم بكافة مهام الستعمار لصالحه من أجل الحفاظ على عروشها‪.‬‬
‫فمن الذي واجه مصائب هذه المرحلة الماكرة من الحملت الصليبية الثانية بسسإدارة‬
‫نوابها من الحكام المرتدين ؟ لسيما بعسسد تحطسسم الهياكسسل الساسسسية لمرجعيسسات المسسة‬
‫وانهيار مقومات الصمود والمقاومة فيها؟!‬
‫لقد قامت بعض الحزاب المعارضة لنظمسسة الحكسسم هسسذه‪ .‬بمنسساوأة السسستعمار فسسي‬
‫أهدافه السياسية والقتصسسادية‪ .‬ولكسسن معظسسم تلسسك الحسسزاب قسسامت أيضسسا علسسى نفسسس‬
‫الفكار الوافدة من الغرب‪ .‬وتبنى معظمها في العالم العربي والسلمي اليديولوجيات‬
‫القومية اليسارية أو الليبرالية الديمقراطيسسة‪ ..‬ولن هسسذه المعارضسسات هسي أيضسسا صسسنائع‬
‫إستعمارية مسسن الناحيسسة الفكريسسة‪ ,‬أمكسسن للمسسستعمر أن يسسستعملها ويوظفهسسا أو يقضسسي‬
‫عليها‪ ,‬أو يعطيها فرصة استلم السلطة للنقلب على الحكسسم القسسائم واسسستبداله بحكسسم‬
‫جديد مسن تلسك الحسزاب العلمانيسة والمعارضسات السياسسية‪ .‬كمسسا حصسسل فسي سلسسلة‬
‫النقلبات العسكرية في سوريا ومصر و الباكسسستان والجسسزائر والعسسراق واليمسن وليبيسسا‪,‬‬
‫وفي كثير من البلد الفريقية أو فسسي جنسسوب شسسرق آسسسيا‪ ..‬وفسسسح السسستعمار المجسسال‬
‫لشيء من التبادل الديمقراطي للسلطة فسي بعسض البلد‪ .‬فحلست أحسزاب المعارضسات‬
‫محل أحزاب الحكومات بالتداول‪ ,‬ولكن الحال العام ومقومات الرتباط بالسسستعمار لسسم‬
‫تختلف في شيء يذكر‪ .‬في حيسسن حسسافظ السسستعمار الحسسديث علسسى قبضسسته بالسسستغلل‬
‫القتصادي وامتصاص الثروات وعلى سيطرته على مركسسز الشسسعاع الصسسليبي والفكسسري‬
‫الغربي عبر حكومات بالية حفظ لها شكلها الخارجي وحكم كل شيء من خللهسسا‪ ,‬ولسسم‬
‫يسمح لي شكل من أشكال التداول الحقيقي للديمقراطية التي طبقت في بلده‪.‬‬
‫لقسسد شسسهد العسسالم العربسسي والسسسلمي خلل مرحلسسة الخمسسسينيات والسسستينيات‬
‫والسبعينيات تنامي المد القومي واليساري إلى أقصى حالته‪ ,‬حيث وصل للسلطة في‬
‫العديد من البلدان ‪ ,‬فأدخل البلد حيث وصل في حالة مسسن التبعيسسة للتحسساد السسسوفييتي‬
‫مع شيء مسن الموازنسة مسع المصسالح والرتباطسات مسع الغسسرب كمسا حصسسل فسي مصسر‬
‫والجزائر وسوريا واليمن الجنوبي والصومال وغيرها‪ .‬وشسسهدت مرحلسسة الحسسرب البساردة‬
‫والصراع بين القطبين حالة انعكست على بلدنسسا بالضسسطراب السياسسسي نتيجسسة تبعيسسة‬
‫الحسسزاب القوميسسة والوطنيسسة واليسسسارية وكسسذلك الليبراليسسة بحسسسب تبعيتهسسا للشسسرق أو‬
‫للغرب‪ .‬بحسب صراع تلك البيادق على السسسلطة والنفسسوذ والعمالسسة للجهسسات الخارجيسسة‬
‫التي تمدها بالدعم المادي أو المعنوي والسياسي من أجل الوصول لسلطة‪.‬‬
‫وهكذا عانت الشعوب السلمية من كافة تلك الخيارات التي سسمح لهسا الشسرق أو‬
‫الغرب الصليبي بالتنافس‪ .‬في حين حكمت جميعها بأمر مسسن أسسسيادها علسسى التوجهسسات‬
‫السلمية بالقصاء ومنعتها مسسن أن تشسسكل مرجعيسسة دينيسسة تنهسسض بالمسسة إلسسى مسسستوى‬
‫مواجهة النهيار الذي غدا شامل في كل منحي الحياة ‪...‬‬
‫وخلل هذه الفترة تمددت إسرائيل لتلتهم بسساقي فلسسسطين والشسسطر المتبقسسي مسن‬
‫القدس بل ولتحتل أجزاء من الدول العربية المجاورة تزيد مساحتها على ستة أضسسعاف‬
‫مساحة فلسطين عبر حروب مسرحية كان أهمها نكسسسة ) ‪ 5‬يونيسسو حزيسسران ‪. (1967‬‬
‫حيث أصبحت إسرائيل بعسسدها واقعسا مريسسرا يسسستنزف مقسسدرات المسسة ويمسسرغ كبرياءهسا‬
‫ويرهق واقعها السياسي ويوفر لفراعنتها مادة المزايدات على شعوبها‪.‬‬
‫ولن الله تعالى قد قضى بحفظ دينه وكتابه وببقاء طائفة ظاهرة على الحق في‬
‫هذه المة تقاتل على هذا الدين ل يضرها من خذلها ول من خالفها وهم على ذلك‪ ,‬نشأ‬
‫في هذه المة ومنذ اليام الولى لسقوط الخلفة‪ ,‬بذور الصحوة السلمية والنهضة‬
‫المباركة في هذه المة على شكل مدارس متنوعة المناهج والمشارب‪ .‬ولكنها تسعى‬
‫لهدف واحد هو إعادة المة إلى دينها وشريعتها وحكم ربها‪ .‬وسأترك التفصيل في‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 541 [ ‬‬

‫ظاهرة الصحوة للفصلين القادمين‪ .‬ولكن أكتفي هنا بذكر معادلة المواجهة وأطراف‬
‫الصراع في تلك الفترة بين الصليبيين وقوى المقاومة في هذه المة‪.‬‬
‫فقد انتشرت ظاهرت الصحوة السلمية بأشكال شتى‪ ,‬فكان أبرزها ما قام علسسى‬
‫شكل أحزاب سياسية دخلت المعترك السياسي سعيا إلسسى السسسلطة مسسن أجسسل تطسسبيق‬
‫الشريعة‪ .‬وقام بعضها على شكل مدارس فكرية عقدية أو شكل جمعيسسات أو جماعسسات‬
‫إصلحية تهدف إلى إصلح الفرد والمجتمع كي يتأهل لحكم الشريعة‪ ,‬فسسي حيسسن قسسامت‬
‫في أمسساكن أخسسرى علسسى شسسكل أئمسسة وخطبسساء شسسعبيين وعلمسساء عامسسة ودعسساة إصسسلح‪..‬‬
‫ووصلت في بعض الحيان لتأخذ شكل المواجهات المسلحة مسسع الحكومسسات المرتسسدة ‪.‬‬
‫وكسسان لهسسذه الظسساهرة إنتاجهسسا الدبسسي وكتابهسسا ومفكروهسسا ورموزهسسا‪ ,‬وانعكسسس الصسسراع‬
‫الحضاري على كثير من شرائح المجتمسسع بالرغبسسة بالتسسدين وانتشسسرت مظسساهر الحجسساب‬
‫واللحى وانتشر الكتاب السلمي وبعض العسسادات والعسسراف الدينيسسة السستي بسسدأت تغسسزو‬
‫كافة المجتمعات العربية والسلمية‪.‬‬
‫وأحس الغرب الصليبي والشرق الملحد الداعم لنظمة الحكسسم المختلفسسة بسسالخطر‪,‬‬
‫ودق ناقوسه وأوعسسز للحكومسسات بسسدء حملت المواجهسسة والتصسسفية لهسسذه البسسذرة الحيسسة‬
‫الناشئة‪ ,‬لقطع جذورها قبل أن يسمق جسسذعها وتسسورق أغصسسانها وتسسوتي أكلهسسا‪ ...‬وهكسسذا‬
‫تحول الصدام في المسة مسن كسسونه مسع السستعمار مباشسرة ليصسبح صسداما بيسن أفسسراد‬
‫وجماعات الصحوة وبين الحكومات المرتدة صنيعة الستعمار واتخذ هذا الصدام أشكال‬
‫عديدة من القمع والسجون وحل الحزاب وإغلق الصحف والجمعيات ‪ ....‬ووصسسل فسسي‬
‫بعض الحيان إلى مواجهات مسلحة عنيفة‪.‬‬
‫وخلل الفترة الممتدة من بدايات السسستقلل وإلسسى قيسسام النظسسام العسسالمي الجديسسد‬
‫وانطلق الحملت الصليبية الثالثة بزعامة أمريكسسا‪.‬كسسانت بلد العسسالم السسسلمي جميعهسسا‬
‫تقريبا ميدانا مختلف السخونة والغليان لهذا الصراع السسذي صسسارت معسسادلته بعسسد دخسسول‬
‫طرف جديد فيها على الشكل التالي‪:‬‬
‫أمة الصليب ‪ +‬أمة اليهود ‪ +‬طائفة(حكام( الردة × الصحوة السلمية‬
‫← هزمت الصحوة‬
‫والملحظ على هذه المعادلة أمور في غايسسة الهميسسة‪,‬غيسسرت طبيعسسة قسسوى الصسسراع‬
‫ونتيجته عما حصل في الحملتين الصليبيتين الولى والثانية ومن ذلك‪:‬‬
‫أول‪ :‬اختفاء دور الصليبيين واليهود في المواجهة المعلنة ليصبح إدارة ودعما من‬
‫وراء الستار وتصدرت طائفة الردة بقيادة الحكام من أوليائهم لمهمة‬
‫المواجهة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬خروج المة وشعوبها من المواجهة لعدم ظهور العدو الحقيقي ‪ ,‬وأخذ‬
‫الصراع شكل من أشكال الفتنة والقتتال بين الحاكم وبعض طبقات‬
‫المحكومين‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬وقوع مهمة المواجهة مع هذه القوى الجبارة على عاتق الصحوة السلمية‬
‫التي لم تكن تشكل إلى قوى جزئية تعد بالعشرات أو المئات أو اللف على‬
‫أحسن الحوال بحسب كل بلد مما أدى إلى سحقها أو إخراجها عن مسارها‬
‫وإفشالها في تحقيق أهدافها‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬برز الدور الهام في هذه المرحلة من الصراع للمؤسسة الدينية الرسمية‬
‫وكتيبة علماء السلطان لتؤكد وتساعد على خروج المة من المعركة‬
‫وانحصارها في الفئات القليلة للظاهرين على الحق‪ .‬حيث قامت هذه‬
‫المؤسسة بإصباغ صفة الشرعية والشهادة بالسلم واليمان على الحكام‬
‫المرتدين وأضفت عليهم لقب )أولياء أمور شرعيين( وبالتالي أكدت القناعة‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 542 [ ‬‬

‫لدى العامة بأن الخروج عليهم حرام وأن مواجهتهم فتنة وأن علقتهم بالغرب‬
‫وما يبرمون من المعاهدات الستعمارية هي ضمن صلحياتهم بصفتهم أئمة‬
‫شرعيون‪ .‬وهذا ما باركه الغرب وسعى إلى تحقيقه‪.‬‬
‫وهكذا تصاعدت وتيرة الصدام بين تلسسك الحكومسسات والصسسحوة السسسلمية بمختلسسف‬
‫مدارسها ولسيما المدرسة الجهادية المسلحة منذ أواسط الستينات‪ .‬ولكن الذي حصل‬
‫في نهاية هذا الصراع أنه لسسم يسسأتي عسسام ‪ 1990‬إل وقسسد دحسسر نسسواب السسستعمار وطلئع‬
‫الصليبيين من حكامنا المرتدين قوى الصحوة بمساعدة أسيادهم المسسستعمرين وبسسدعم‬
‫استراتيجي من أجهزتهم الدينية المنافقة وآلتهسسم العلميسسة الرهيبسسة‪ ,‬حيسسث اسسستطاعوا‬
‫دحر مختلف مدارس الصحوة السلمية وإيصالها إلى الفشل عمليا ومنعها مسسن تحقيسسق‬
‫أهدافها وحشرها فسي عنسق زجاجسة الزمسة‪ .‬فسي حيسن وقفست شسرائح المسة مسن هسذه‬
‫المعركة المصيرية موقف المتفرج بكل بلدة تتجرع القهر وتتقلب في ألوان الضسسطهاد‬
‫وتعيش نكد العيش‪.‬‬
‫ومن المفيد جدا أن نعرض لخلصة البرنامج السسستعماري فسسي الغسسزو الفكسسري منسسذ‬
‫بداية الحملت الصليبية الثانية بقيادة أوربا ‪,‬وإلى قيام الحملت الصليبية الثالثة الخيسسرة‬
‫بقيادة أمريكا ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 543 [ ‬‬

‫مسار المأساة وأسبابها بين الحملتين الصليبيتين الثانيسسة والثالثسسة ) ‪1798‬‬ ‫•‬
‫م ‪1990-‬م(‬

‫سأعتمد في بناء هذه الفقرة على بعض الكتب البالغة الهمية التي لخص فيها‬
‫شيخنا الشهيد عبد الله عزام رحمه الله خلصة أسباب وطبيعة النقلب الشامل الذي‬
‫حصل في أحوال العرب والمسلمين خلل هذه الفترة ‪ .‬وهي كتاب ) خط التحول‬
‫التاريخي( ‪ ,‬وكتاب ) أضواء على القومية العربية ( وكتاب ) السرطان‬
‫الحمر ( ‪ .‬حيث تشكل مادة هذه الكتب أساسا في فهم أسباب ما نحن فيه مما‬
‫نعيشه اليوم ‪ ,‬وفهم برامج الحملت المريكية الحالية ‪ ,‬التي سرعان ما يكتشف المرء‬
‫بقراءته لهذه الكتب ‪:‬‬

‫أن برنامج المريكان اليوم مطلع القرن الحادي والعشرين ‪ ,‬حول الشرق‬
‫الوسط الكبير ‪ ,‬وبرامج تغيير المناهج التعليمية والدينية ‪ ,‬وبرامج‬
‫رامسفيلد( ( لحرب الفكار( ‪ ..‬ما هي إل عبارة عن تطبيق مكرر‪ -‬ولكن‬
‫بحماقة – لبرنامج الستعمار الوربي خلل القرنين الثامن عشر والتاسع‬
‫عشر من قبل ‪.‬‬

‫حيث سأنقل مقاطع واسعة منها باختصار وتصرف طفيف‪ ,‬وأضع تلك النقول بين‬
‫قوسين ] ‪ [..‬مشيرا إلى مكانها في المصدر وهو‪) :‬موسوعة الذخائر العظام فيما أثر‬
‫عن عبد الله عزام ( ‪ ,‬وأضع تعليقاتي وإضافاتي في ثناياها بين قوسين }‪ .{..‬وقد‬
‫كفتني كتبه الثلثة هذه – رحمه الله رحمة واسعة ‪ -‬عن العودة اللزمة لعشرات‬
‫المراجع التي تغطي تاريخ وأحداث تلك الفترة ‪ ,‬وهو أمر غير متيسر لي الن ونحن‬
‫نعيش مرحلة المخابئ والمطاردات المريكية ‪ -‬أخزاهم الله ‪ ,.. -‬وأعيد التنويه إلى أن‬
‫تراث الشيخ عبد الله يحتوي من الكنوز السياسية والفكرية والشرعية ما يجعله ركنا‬
‫أساسيا للتربية الفكرية والمنهجية للمجاهدين في هذا الزمان ‪ .‬فجزاه الله ما هو‬
‫أهله ‪.‬‬
‫قال الشيخ عبد الله عزام رحمه الله ‪:‬‬
‫] لقد شهدت المنطقة السلمية خلل القرون الثلثة الماضية ‪ ,‬تغيرا بسسدأ بطيئا‬
‫ثم أخذ يشتد تدرجيا حتى إذا بدأ النصف الول من القرن العشرين بلسسغ التغييسسر قمتسسه ‪,‬‬
‫وأصبح سبيل التقليسد للغسسرب عارمسا ‪ .‬حستى أصسسبح النسساظر لول وهلسسة يحسسسب أن هسسذا‬
‫السيل الجارف ل يمكن الوقوف في وجهه ‪ ,‬وأن محاولسسة التصسسدي لسسه هسسو ضسسرب مسسن‬
‫العبث الضائع أو النتحار الواضح ‪ .‬وكانت معركة التغيير على ثلثة أطوار‪:‬‬
‫الطور الول‪ :‬اللقاء بين الغرب والشرق في ميدان القتال‪.‬‬
‫الطور الثاني‪ :‬المعركة بين الغرب والشرق في ميدان الفكر و الثقافة والدين‪.‬‬
‫الطور الثالث‪ :‬المعركسسة بيسسن أبنسساء الشسسرق أنفسسسهم فسسي ميسسادين الفكسسر والسسدين و‬
‫السياسة‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 544 [ ‬‬

‫(‪ - (1‬أما الطور الول‪:‬‬


‫فكان للغرب صولت وجولت إبسان الحسسروب الصسسليبية ‪ ,‬ثسسم انتهسست بهزيمتسسه نهائيسسا‬
‫وخروجه مهزوما مدحورا ‪.‬‬
‫‪ -‬أما الطور الثاني‪:‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫فقد اتبع الغرب أساليب عديدة ‪ ,‬واستعمل وسسسائل كسسثيرة لماتسسة المسسسلمين موتسسا‬
‫بطيئا ‪ ,‬وكان هدفه في هذا الطسور غسسل أدمغسة المسسلمين مسن إسسلمهم وإخراجهسم‬
‫بهدوء من دين الله إلى دين الطاغوت ‪ ,‬دون إثارة ضجة ول صخب‪.‬‬
‫وتولت الجهزة الغربية تربيسسة طبقسسة بديلسسة لهسم فسي جميسسع المجسسالت ‪ ,‬وسسسلمت‬
‫مقاليد المسسور لهسسم ‪ ,‬وأبعسسدت الصسسادقين عسسن أجهسسزة التسسوجيه والبنسساء وأصسسبحت دوائر‬
‫التعليم والعلم – الصحافة والراديو ومن ثم التلفزيون – بأيدي الطبقة المنسلخة عسسن‬
‫الشرق ) المسلم ( المعلنة لولئها للغرب ) الصليبي الملحد (‪.‬‬
‫ويمكن أن تتخلص مهمة هذه الفترة بكلمة جب – المستشرق النجليزي –‪:‬‬
‫) هذا – التعليم – هو السبيل الوحيد لفرنجة البلد السلمية وتغريبها ‪ ,‬لقد كان‬
‫التركيز قويا لنشاء الطبقة التي تأخذ نهائيا بوجهة نظر ل سلطان للدين عليها ‪ ,‬وحينئذ‬
‫يمكن الجلء عن أرضها وتسليمها زمام السلطة فيها لنها امتداد لفكر المحتل(‪.‬‬
‫وكذلك تمثلها كلمة )لورد ميكالي( رئيس اللجنة التعليمية في الهند –‪:‬‬
‫(يجب أن ننشيء جماعة تكون ترجمانا بيننا وبين المليين من رعيتنا‬
‫وستكون هذه الجماعة هندية اللون والدم إنجليزية الذوق والرأي واللغة‬
‫والتفكير(‪.‬‬
‫وهي نفس كلمسسة ) اللسسورد ليسسد( – المعتمسسد البريطسساني عسسن كليسسة فيكتوريسسا سسسنة )‬
‫‪1936‬م(‪:‬‬
‫) ومتى تسنى للجمهور بأن يعرف هذه الكلية يتنبه البسساء أن تعليسسم أولدهسسم فيهسسا‬
‫ينمي فيهم من الشعور النجليزي ما يكون كافيا لجعلهسسم صسسلة للتفسساهم بيسسن الشسسرقي‬
‫والغربي(‪.‬‬
‫– أما الطور الثالث‪:‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫)طور الستقلل الوطني( كما يحلو لهسسم أن يسسسموه ‪ ,‬ومجيسسء النظمسسة المحليسسة ‪,‬‬
‫والعسكرية بالذات ‪ ,‬فقسسد كسسان هسسذا الطسسور أشسسد الطسسوار تسسأثيرا ‪ ,‬وفرضسست الحضسسارة‬
‫الغربية بالقوة العسكرية التي تسسمى بالوطنيسة والتقدميسة والشسعبية ‪ ,‬وهسذه النظمسة‬
‫التي جاءت بضجة الزفاف الوطني ‪ ,‬والتي قدمت إلى المة بأهازيج شسسعبية حماسسسية ‪,‬‬
‫وتحسست هسسذا الضسسجيج والصسسخب قسسام أبنسساء السسوطن – المسسستغربين – الحسساكمين بنصسسب‬
‫المشانق وسحق المبادىء و اجتثاث القيم ‪ ,‬و إبادة العلماء والمخلصين‪.‬‬
‫ولقسسد لقسسي الصسسادقون مسسن أبنسساء جلسسدتهم الحسساكمين – مسسن العسسذاب والضسسطهاد –‬
‫أضعاف أضعاف ما رأوه أيام النجليز والفرنسيين ‪ ,‬ويكفي أن نضرب أمثلة لهذا‪:‬‬
‫ما لقيه الباتان على يد أمان الله خان في أفغانستان ‪.‬‬
‫ما لقيه الكراد على يد مصطفى كما أتاتورك في تركيا‪.‬‬
‫ما عاناه الخوان المسلمون على يد عبد الناصر وزبانيته في مصر‪.‬‬
‫وما يواجهه الصسادقون علسى أيسسدي النظمسسة العسسسكرية المنبثسسة فسي أرجساء العسسالم‬
‫العربي والسلمي فهي نسق واحد و نموذج واحد فسسي محاربسسة الحسسق وأهلسسه ينسسسجون‬
‫على منوال سابقيهم ويسيرون على نهجهم‪.‬‬
‫وإن صورة القسوة والوحشية التي عامل بها الغرب أبناء المسسسلمين لتبسسدو هزيلسسة‬
‫صغيرة بجانب الصورة التي عاملهم بها الحكام المحليون )النجليز السمر(‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 545 [ ‬‬

‫خطوط التغيير‪:‬‬
‫هذا وقد سار التغيير في العالم السلمي في خطوط ثلثة متوازنة‪:‬‬
‫‪ -1‬الخط الول‪ :‬خط الفساد الخلقي‪.‬‬
‫‪ -2‬الخط الثاني‪ :‬خط محاربة مصادر التشريع السلمي وتمييع النصوص‪.‬‬
‫‪ -3‬الخط الثالث‪ :‬خط التمزيق المة السلمية‪.‬‬

‫أما الخط الول‪ :‬الفساد الخلقي‪:‬‬


‫فيتخلص في كلمة زويمر – رئيس المبشرين – في مؤتمر القدس سنة )‪1934‬م(‪:‬‬
‫)‪ ...‬نريد أن نخرج جيل ل صلة له بسسالله ‪ ,‬ول صسسلة لسسه بسسالخلق السستي تقسسوم عليهسسا‬
‫المم(‪.‬‬
‫فكان التركيز على المرأة وإخراجها ‪ ,‬وعمل التحادات النسائية والمسسسرح والغنسساء‬
‫والتمثيل ومعاهد الفنون الجميلة ‪ ,‬والمعاهد الرياضية للبنات ‪ ,‬ونشر العري والمسا بسسح‬
‫ودور الزياء ‪ ,‬والصورة العارية ‪ ,‬ودكسساكين التجميسسل ‪ .‬حسستى أصسسبحت المسسرأة كمسسا قسسال‬
‫)موروبيرجر( في كتابه – العسسالم العربسسي اليسسوم‪ ( :‬إن المرأة المســلمة المتعلمــة‬
‫هي أبعد أفراد المجتمع عن تعاليم الدين وأقدر أفراد المجتمع علــى جــر‬
‫المجتمع كله بعيدا عن الدين(‪.‬‬
‫وقد بدأت ثورة المرأة على السلم بوضوح في مصسسر إبتسسداءا مسسن منيسسرة ثسسابت ‪:‬‬
‫) أول صحفية مصرية ( والتي يسمونها )الفتاة الثائرة ( وكسسانت صسسديقة لسسسعد زغلسسول‬
‫وتستطيع أن تتدخل في توجيه دفة الحكم‪.‬‬
‫ثسسم جسساءت هسسدى شسسعراوي وقسسامت فسسي ثسسورة سسسنة )‪ (1919‬بمظسساهرة نسسسائية ‪,‬‬
‫وأحرقن الحجاب في الشوارع العامة ‪ .‬وكانت ) صفية زغلول( زوجة سعد زغلسسول أول‬
‫زوجة زعيم تظهر سافرة في المحافل العامة وسمت نفسها على الطريقسسة النجليزيسسة‬
‫باسم زوجها وأطلقت على نفسها لقب )أم المصريين (‪.‬‬
‫ولقد كان زوجها سعد زغلول زعيمسسا مسسن زعمسساء الحركسسة النسسسائية ويقسسول‪ ) :‬لقسسد‬
‫شاركت صديقي قاسم أمين في أفكاره التي ضمنها كتابه )المرأة الجديدة(‪.‬‬
‫وصدرت الصحف تدافع عن حقسسوق المسسرأة منهسسا )فتسساة الشسسرق( ومجلت )الهلل(‬
‫و)المقتطف ( و)المصور(‪.‬‬
‫ونادى ) لطفي السيد( بالتعليم المختلط وفرضسسه علسسى الجامعسسة المصسسرية ‪ .‬ولسسذا‬
‫فقد أشادت )هدى شعراوي( بهذا الفعل ‪ ,‬ثم أ يده طسسه حسسسين وسسسمير القلمسساوي ‪..‬‬
‫وغيرهم ‪.‬‬
‫وفي تركيا سنة )‪ (1929‬صدر قرار حّرم تعسسدد الزوجسسات وقضسسى علسسى الحجسساب ‪,‬‬
‫ونظام الحريم ‪ ,‬وقانون الطلق وخرجت المرأة في مدن تركيا باللباس العاري‪.‬‬
‫وفي سنة )‪ (1965‬أصدر الحبيب بورقيبة قرارات مشابهة في تونس‪ ..‬وهكسسذا فسسي‬
‫باقي البلد ‪.‬‬

‫أما الخط الثاني‪ ) :‬التشكيك فــي مصــادر التشــريع الســلمي وتمييــع‬


‫نصوصها (‬
‫فقد تمثل في الهجوم على‪:‬‬
‫القرآن نفسه‪ :‬وتميز القسسرآن المكسسي ‪ ,‬والتشسسكيك بالمسسدني وسسسلخ القسسرآن عسسن‬
‫الوحي ‪ ,‬واعتبار الوحي انفعال نفسيا وحالت عصبية‪.‬‬
‫وكان أول من جاهر من ذراري المسلمين بإنكار ربانية القرآن ورفع عقرته بجحسسود‬
‫المصدر اللهي للقرآن هو) طه حسين( في كتابه ) الشعر الجسساهلي ( السسذي اتبسسع فيسسه‬
‫مصدر التشكيك الذي ورثه عن ديكارت‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 546 [ ‬‬

‫السنة المشرفة‪ :‬وقد كان التركيز في عدائها لتحطيمها كمصدر أساسي لشسسرح‬
‫القرآن وبيان مجمله وتقييد مطلقه وتخصيص عمومه‪.‬‬
‫وقد جاء الهجوم على السنة من نواح كثيرة أهمها‪:‬‬
‫التعرض لشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم والنيل منها‪.‬‬
‫التركيز على صحيح البخاري باعتباره أصح كتاب بعد كتاب الله والتشكيك فيه‪ :‬وقد‬
‫كتب )أبو ريا – أضواء على السنة المحمدية – ( )وصسسالح أبسسو بكسسر – السسسرائيليات فسسي‬
‫البخاري –( وكتبت مجلة العربي ) راجعوا البخاري فليس كل ما فيه صحيح(‪.‬‬
‫التركيز على النيل من شخصية أبي هريرة كأكثر روا عسسن رسسسول اللسسه صسسلى اللسسه‬
‫عليه وسلم – رواية ‪ . -‬والطعن بشخصية السيدة عائشة كمصدر غني من مصادر نقسسل‬
‫هذا الدين‪.‬‬
‫والن هناك دعوة عريضة تتبناهسسا بعسسض النظمسسة مثسسل ) القسسذافي ( فسسي ليبيسسا لنبسسذ‬
‫السنة نهائيا‪.‬‬
‫اللغة العربية‪ :‬باعتبارها لغة القرآن فنادوا‪:‬‬
‫نبذ قواعد اللغة ) النحو والصرف ( وقد نادى بهذا سلمه موسسسى ‪ ,‬وطسسه حسسسين ‪,‬‬
‫كن تسلم (‪.‬‬‫وتوفيق الحكيم صاحب قاعدة ) س ّ‬
‫العامية بدل الفصسسحى‪ :‬ابتسسداء مسسن ) ونلهلسسم سسسبيتا ( ) اللمسساني‪ :‬مسسدير دار الكتسسب‬
‫المصسسرية( ‪ ,‬ثسسم ) ويلمسسور( القاضسسي النجليسسزي ‪ ,‬و) نليكسسوكس( – المهنسسدس الزراعسسي‬
‫النجليزي – وأخيرا جاء سلمة موسى ‪ ,‬و قاسم أمين ‪ ,‬ثم كتب بالعامية المصرية كسل‬
‫من يوسف السباعي وإحسان عبد القدوس‪.‬‬
‫اتخاذ الحرف اللتينية بدل العربية‪ :‬ونادى بهذا عبد العزيز فهمي – مصر – وسسسعيد‬
‫عقل – لبنان –‪.‬‬
‫وأما مصطفى كمال أتاتورك فقد نفذ هذا المر بالحديد والنار‪.‬‬
‫د‪ ) -‬الدعاية( للشعر المنثور بد الشعر الموزون‪} .‬لكون الشعر العمودي أحد أهسسم‬
‫أوعية اللغة العربية{‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 547 [ ‬‬

‫التاريخ السلمي‪ :‬والتركيز على الشبهات فيه وتضسسخيم مسسساحة الختلف بيسسن‬
‫الصحابة رضي الله عنهم‪ .‬والتركيز على أن الدولة العباسية هي دولسسة المسساء والخمسسور‬
‫والغلمان خاصة في عهد الرشيد }كما روج لسسذلك{ – كتسساب الغسساني للصسسفهاني – ثسسم‬
‫تشويه تاريخ الدولة العثمانية السلمية واعتباره نوعا من الستعمار‪.‬‬
‫استبدال الثقافة الغربية بالثقافة السلمية ‪:‬‬
‫ففي مصسسر – قسسائدة العسسالم العربسسي – أوصسسى المسسؤتمر التبشسسيري المنعقسسد سسسنة )‬
‫‪ (1906‬بإنشاء جامعة علمانية تناهض الزهسسر السسذي ) يهسسدد الكنيسسسة بسسالخطر ( ولتكسسن‬
‫هذه الجامعة على غسسرار الجامعسسات الفرنسسسية ‪ .‬فقسسامت الجامعسسة المصسسرية )‪1908‬م(‬
‫واستلم رئاستها بعد فترة لطفي السيد‪.‬‬
‫وقد ظهرت كتابات تنادي بالسسذوبان بسسالغرب مثسسل كتابسسات طسسه حسسسين فسسي كتسسابه‬
‫)مستقبل الثقافسسة فسسي مصسسر( حيسسث يقسسول‪( :‬علينا أن نســير ســيرة الوروبييــن‬
‫ونسلك طريقهم لنكون لهم أندادا ولنكــون لهــم شــركاء فــي الحضــارة ‪,‬‬
‫خيرها وشرها ‪ ,‬حلوها ومرها ‪ ,‬ما ُيحب منها وما ُيكــره ‪ ,‬ومــا ُيحمــد منهــا‬
‫وما ُيعاب(‪.‬‬
‫وقد بدأ هذا الخط أيام ) محمد علي باشا ( من خلل كتابة رفاعة الطهطاوي فسسي‬
‫) تخليص البريز بتلخيص باريز ( واشتدت الدعوة إليه أيسسام الخسسديوي إسسسماعيل وظهسسر‬
‫خط إسماعيل في كتابات ) محمد عثمان جلل ( خليفة الطهطاوي ‪ .‬ووضسسع إسسسماعيل‬
‫نظاما للزهر سنة )‪1872‬م( وجاء دنلوب واستلم التوجيه في وزارة المعارف وأقصسسى‬
‫السلم نهائيا عسسن المسسدارس وازدرى الزهسسر وحسساول الحسسط مسسن مكسسانته فكسسان حامسسل‬
‫شهادة اللغة النجليزية يأخذ شهريا )‪ (12‬جنيه وحامل شسسهادة اللغسسة العربيسسة يأخسسذ )‪(4‬‬
‫جنيهات ‪ ,‬وأما الزهري يأخذا )‪ (112‬قرشا مصريا‪.‬‬
‫ثم ظهرت مدارس كثيرة في هذا الشأن‪:‬‬
‫المدرسة الولى ) مدرسة الذوبان في الغرب نهائيا( وقطسسع الصسسلة بالسسسلم ومسسن‬
‫أبرز السماء في هسسذا الشسسأن‪ :‬طسسه حسسسين ‪ ,‬سسسلمه موسسسى ‪ ,‬لطفسسي السسسيد وصسسهره‬
‫إسماعيل مظهر ‪ ,‬وعبد العزيز فهمي‪...‬‬
‫مدرسة الخلط والترقيع ) بين السلم والثقافة الغربية ( ويتزعمهسسا )الشسسيخ جمسسال‬
‫الدين الفغاني ومحمد عبده(‪.‬‬
‫وارتفعت في هذا المجال دعوات وعلت أصوات بشعارات كبيرة منها‪:‬‬
‫التطوير‪ :‬ومعناه تمييع النصوص السسسلمية ‪ ,‬وإدخسسال اللحسساد والعلمانيسسة الغربيسسة‬
‫بالثوب المقنع البراق ‪ ,‬ومن هذا القانون تطسسوير الزهسسر السسذي صسسدر أيسسام عبسسد الناصسسر‬
‫فكان ضربة قاصمة له‪.‬‬
‫ومعنى التطوير كذلك بناء قنطسسرة فسسوق الهسسوة السستي صسسنعها السسسلم بيسسن الشسسرق‬
‫والغرب من أجل الوصول إلى التفسساهم والتواصسسل وبالتسسالي تسسؤدي إلسسى تمزيسسق العسسالم‬
‫السلمي كما يقول جسسب‪ ) :‬لعسسل الراء الجديسسدة وحاجسسات الحيسساة سسستنجح أخيسسرا فسسي‬
‫تشتيت المجتمع السلمي وتمزيق وحدته(‪.‬‬
‫التصال بالثقافة اليونانية كأساس من أسس التطوير‪.‬‬
‫رفع شعار الحرية‪ :‬وقد قامت الحكومات العلمانية في العالم السسسلمي بتسسوفير‬
‫الحرية الفكرية إذا استعملها الناس ضد الدين‪.‬‬
‫الدعوة إلى دين عالمي‪ :‬كما نادى به ‪) :‬كالغرلي( ‪ :‬ومعنى الدين العالمي إنهاء‬
‫السلم نهائيا وذوبانه في بوتقة اليهودية العالمية‪.‬‬
‫التقارب بين الديان‪ :‬كما نادى بسذلك )آصسف علسى قبطسي السسماعيلي( وأصسبحت‬
‫المؤتمر تعقد من أجل هذا الشأن‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 548 [ ‬‬

‫الدعوة إلى أنواع للسلم‪ :‬كالسلم الكلسيكي‪ .‬والسسسلم الحسسديث كمسسا قسسال‬
‫فضسسل الرحمسسن الهنسسدي ‪ ,‬وبسسه قسال أحمسسد خسان مؤسسسس الكليسسة المحمديسسة النجليزيسسة‬
‫الشرقية ) نشسسر السسسلم الحسسديث المتسسأثر بالمسسذاهب الغربيسسة ( وكسسذلك تكسسرار أسسسماء‬
‫السلم الهندي والسلم الباكستاني والسلم التركي‪.‬‬
‫العلمانية )‪ ) (secularism‬اللدينية ( وذلسسك ليصسسبح السسسلم كالمسسسيحية تمامسسا ل‬
‫صلة له بالحياة كما جاء في كتاب ) السلم وأصول الحكم ( علي عبد الرازق‪.‬‬
‫الصــلح الـديني‪ :‬كمسسا يسسسمونه ‪ ,‬كمسسا حصسسل فسسي برنامسسج )التحطيسسم الكمسسالي‬
‫للسسسلم( باسسسم الصسسلح السسديني كمسسا يسسسميه )سسسميث( و)بروكلمسسان( وغيرهسسم مسسن‬
‫المستشرقين ‪ ,‬ومعنى الصلح السديني تغييسر نصسوص السسلم نصسوص جديسدة ويبقسى‬
‫عليه اسم السلم‪.‬‬
‫وقد كان الستعمار والستشراق والتبشير هذه الصابع الثلثة للخطبسسوط المعسسادي‬
‫للسلم تسير جنبا إلى جنب‪.‬‬
‫وقد عقدت الجامعات المريكية بالذات عدة مؤتمرات لمحاربة السلم على رأسها‬
‫المؤتمرات التي عقدت في جامعة )برنستون( في أمريكا‪.‬‬
‫مسسؤتمر جامعسسة بسسن سسستون سسسنة )‪1947‬م( واسسسمه ) الشسسرق الدنسسى مجتمعسسه‬
‫وثقافته (‪.‬‬
‫مسسؤتمر جامعسسة برنسسستون سسسنة )‪1953‬م( واسسسمه ) الثقافسسة السسسلمية والحيسساة‬
‫المعاصرة(‬
‫مؤتمر لهور السسذي عقسسد سسسنة )‪1955‬م( بسسترتيب المستشسسرقين الغربييسسن وفشسسل‬
‫تماما‪.‬‬

‫الخط الثالث‪ :‬خط التمزيق للمة المسلمة‪:‬‬


‫ومن وسائله‪:‬‬
‫القومية‪ :‬العربية والكردية والهندية‪.‬‬
‫الدعوات العالمية‪ :‬كالشيوعية‪.‬‬
‫الدعوات النسانية الماسونية – اليهوديسسة – وفروعهسسا مثسسل نسسوادي الليسسونز ‪ ,‬و‬
‫الروتاري ‪ ,‬شهود يهوه ‪ ,‬بني برث ‪) ,‬أبناء العهد(‪.‬‬
‫الفرق )الكافرة( المنسوبة للسلم‪ :‬مثل ‪:‬‬
‫‪.‬أهس ‪.‬‬ ‫القاديانية – البابية ‪ -‬البهائية – النصيرية‪ -‬الدروز‪[...‬‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 549 [ ‬‬

‫خط التحول التاريخي‪:‬‬ ‫•‬


‫] إن أخطر ما تعرضت له المة السلمية هو عمليسسة التحسسول السسداخلي أي الهزيمسسة‬
‫الروحية والنفسية والعقلية أمام أعدائها ‪ ,‬فاستخذت أمام الصنام ‪ ,‬وركعت على أقدام‬
‫الطغاة ‪ ,‬وأصابها الوهن الذي عرفه رسسسول اللسسه صسسلى اللسسه عليسسه وسسسلم بسسأنه ) حب‬
‫الدنيا وكراهية الموت(‪ .‬ففي الحديث الصسسحيح ‪:‬السسذي رواه أحمسسد ‪ ) :‬يوشك ـــن‬
‫تداعى عليكم المم كما تداعى الكلة إلى قصعتها ‪ .‬قال قائل ‪ :‬مــن قلــة‬
‫نحن يومئذ؟ قـال ‪ :‬بـل أنتــم يــومئذ كــثير‪ .‬ولكنكــم غثـاء كغثــاء الســيل‪.‬ز‬
‫ولينزعن الله من صدور عــدوكم المهابــة منكــم ‪ ,‬وليقــذفن فــي قلــوبكم‬
‫الوهن ‪ ,‬قيل ‪ :‬وما الــوهن يـا رسـول اللــه ؟ قـال ‪ :‬حــب الـدنيا وكراهيـة‬
‫الموت(‪.‬‬
‫فكيف أصبحت )خير أمة أخرجت للناس( غثاءا‪..‬؟‬ ‫‪-‬‬
‫وكيف أصبح الخير النافع زبدا و جفاءا‪..‬؟‬ ‫‪-‬‬
‫وكيف خلفت السود قرودا‪..‬؟‬ ‫‪-‬‬
‫وكيف ولدت ليوث الغاب خنازيرا‪..‬؟‬ ‫‪-‬‬
‫إن أخطر ما يمكن أن تصاب به المم هو هزيمتها في أعماقها ‪ .‬فهذا هو الداء القاتل ‪,‬‬
‫إن أشد رمية أصابت المة في مقتلها هي فقدان الثقة بنفسها‪ .‬فالشعوب إنما تنتصر‬
‫يوم أن تتفاعل بمبادئها و تحيا بعقائدها وتستعلي بدينها ‪ .‬ولن تهزم أمة تلتف على‬
‫عقيدة صحيحة تعيش من أجلها وتجاهد لحيائها مهما كان أعداؤها‪ ,‬ومهما تألبت عليها‬
‫القوى‪ ,..‬وهذا المبدأ هو الذي سطره رب العزة في سبب النصر والهزيمة إذ يقول‬
‫سبحانه ‪:‬‬
‫ه َ‬
‫ذا‬ ‫م أ َّنى َ‬ ‫قل ْت ُ ْ‬‫ها ُ‬‫مث ْل َي ْ َ‬
‫م ِ‬
‫صب ْت ُ ْ‬
‫ة َ َ‬
‫قد ْ أ َ‬ ‫صيب َ ٌ‬ ‫م ِ‬‫م ُ‬ ‫صاب َت ْك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ما أ َ‬ ‫ول َ ّ‬
‫َ‬
‫‪‬أ َ‬
‫ر‪‬‬ ‫دي ٌ‬ ‫ء َ‬
‫قـ ِ‬ ‫ي ٍ‬
‫شـ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫عل َــى ك ُـ ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫م إِ ّ‬ ‫سك ُ ْ‬‫ف ِ‬‫د أ َن ْ ُ‬
‫عن ْ ِ‬
‫ن ِ‬ ‫م ْ‬
‫و ِ‬ ‫ه َ‬‫ل ُ‬ ‫ُ‬
‫ق ْ‬
‫(آل عمران‪ . (165:‬فالهزيمة تبدأ داخلية ثم تنعكس على ساح المعركة ‪ .‬والخلسسل يبسسدأ فسسي‬
‫أعماق النفس ثم نرى آثاره اندحارا في ميادين الحياة‪ ,‬سلوكا وأخلقا ومعاملة ‪ .‬فكيف‬
‫تمت عملية التحويل ؟!‬

‫أوربا وحرب الكلمة بدل حرب السيف‪:‬‬ ‫•‬


‫في الحملت الخيسسرة علسى مصسر)‪1249‬ميلديسسة (‪ ,‬آخسر أيسام اليسوبيين وأول أيسسام‬
‫المماليك ‪ ,‬وقع )لويس التاسع ( ملك فرنسا أسيرا وأودع سسسجن القلعسسة‪ .‬وهنسساك كسسان‬
‫لديه فسحة من التأمل ليضع أسس هامة لتفكير الصليبيين في كيفية غزو المسسسلمين ‪.‬‬
‫وكتب توجيهاته الهامة تلك والتي كان خلصتها‪:‬‬
‫( إن المسلمين ل يهزمون ما دامت عقسدتهم قائمة ويجب أن تبــدأ‬
‫الحرب على المسلمين بحرب الكلمة ( ‪.‬‬
‫وهكذا أدرك ملوك النصارى أل سبيل لهم إلى البقاء‪ .‬وبدؤوا يعيسسدون التفكيسسر فسي‬
‫طريقة غزوا المسلمين والتعامل معهم‪.‬‬
‫و كانت حملة نابليون على مصر نقطة بارزة في تحول المعركسسة وأسسساليبها ‪ ,‬فلقسسد‬
‫غزا نابليون مصر )‪1798‬م( مدججا بأحدث السلحة الفرنسسسية ومسسدافعها ورشاشسساتها ‪.‬‬
‫ودخلت الخيل الزهر وداست سنابكها الحصير الذي خرج عشرات اللسسوف مسسن علمسساء‬
‫المة ‪ ,‬فانتفض الزهر وهب دفاعا عن كرامة هذا السسدين وأقسسض مضسسجع نسسابليون وأرق‬
‫أجفانه ولم يستطع الستقرار رغم العملء الذين وقفوا بجانبه كيعقسسوب القبطسسي ومسسن‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 550 [ ‬‬

‫وقف معه الروام ونصارى الشام وغيرهسسم ‪ .‬وأخيسسرا انقسسض ) سسسليمان الحلسسبي ( علسسى‬
‫) كليبر ( نائب نابليون الذي خلفه في مصر وقتله‪.‬‬
‫وكان خروج الفرنسيين من مصر من أبرز المعالم في أوروبا الحديثة ‪ ,‬إذ أدت إلى‬
‫تصميم أوروبا على خوض معركة اللسان بدل معركة السنان ‪ .‬واتجهسست إلسسى نسسزع هسسذا‬
‫الدين من أعماق هذه المة ليغرسوا بسسدله القوميسسة والعصسسبية وغيرهسسا مسسن الشسسعارات‬
‫لمحاولة لمل الفراغ‪.‬‬
‫فقسسد جسساء فسسي مسسؤتمر ) الشسسرق الدنسسى وثقسسافته ( السسذي أقسسامه مجموعسسة مسسن‬
‫المستشرقين في جامعة أمريكية جاء في‪:‬‬
‫( أننا في كل بلد إسلمي دخلناه نبشنا الرض حتى نخرج أثار ما قبل‬
‫السلم ونحن ل نطمع أن يرتد المسلم عن عقيدة السلم إلى عقيدة ما‬
‫قبل السلم ولكن يكفي تشتيت ولئه (‪.‬‬
‫وجاء في تقرير أحد معاهد الرساليات بقلم نبيه أمين فارس ‪:‬‬
‫(بينما كان الشرق الدنى مطمحــا لفكــار بنــاء المبراطوريــات كــان‬
‫أيضا مطمح جماعة أخرى من الناس تنشد أن تنجز عن طريق الكلمــة مــا‬
‫عجـــز أجـــدادهم الصـــليبيون عـــن تحقيقـــه عـــن طـــرق الســـيف ( ‪.‬‬
‫ٍ}ولنضرب مثال عن ذلك بما بدأ في عقر دار لسلم ن الفساد‪ ,‬في مصر والشام{‬

‫محمد علي باشا ( وريث نابليون ( (‪:(1949-1904‬‬ ‫•‬


‫وجاء محمد علي باشا ليعمل مسا عجسز عسن عملسه نسابليون ‪ ,‬وأراد أن يحسول مصسر‬
‫قطعة من فرنسا ‪ ,‬وبدأ بإرسال البعثات إلى فرنسسسا لتغسسسل أدمغسسة المبعسسوثين ‪ ,‬ومسسن‬
‫بين الذين ذهبوا هناك ) رفاعة الطهطسساوي ( السسذي عسساد داعيسسة للثقافسسة الغربسسي وكتسسب‬
‫) تخليص البريز في تلخيص باريز ( ونقل القانون الفرنسي ‪ .‬واتخذ محمسسد علسسي باشسسا‬
‫رجل فرنسيا – وهو طبيب – مستشارا له وكان اسم هسسذا الرجسسل ) كلسسوت بسسك ( وكسسان‬
‫لهذا الفرنسي تأثيرا كبيرا في تغريب مصر‪ .‬وفسسي عهسسد محمسسد علسسي أدخلسست القسسوانين‬
‫الفرنسية لتحل تدريجيا محل الشريعة السلمية ‪ .‬وكان جلساءه الخاصين مسسن السسسياح‬
‫والقناصل والمبشرين ‪ .‬ومن أعمق الثار السيئة التي حلت أيام محمد علسسي باشسسا أنسسه‬
‫فتح أبواب مصر والشام – عندما خضعت له – للمبشرين النصارى ‪ ,‬فقد كانت موصدة‬
‫دون هؤلء بسبب صرامة الدولة العثمانية وحزمها في هذا الموضوع ومنعها للمبشرين‪.‬‬
‫وكان نتيجة دخول المبشرين للشام أن أنشأوا جامعتين في لبنان‪:‬‬
‫الولى‪ :‬الكليسسة السسسورية النجيليسسة السستي أنشسسأها البروتسسستانت ثسسم أصسسبح اسسسمها‬
‫) الجامعة المريكية ( – بيروت‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬كلية العزير التي أنشأها الكاثوليك ثم أصبح أسمها ) الجامعة اليسوعية‪.‬‬
‫ولقد كانت الجامعة المريكية نقطة النطلق لكثير من الراء والتجاهات المنحرفة‬
‫التي تركت أثارا عميقة في عملية تحويل العالم العربي ‪ ,‬ومن هذه التجاهسسات التجسساه‬
‫القومي الذي كان يراد له أن يحل محل عقيدة السلم في القلوب لملء الفراغ السسذي‬
‫خلفه السلم بعد أن انحسر في جميع مناحي الحياة ‪.‬‬
‫جاء في كتاب المجتمع العربي ‪ /‬جامعة بيروت ‪ /‬كلية الداب‪:‬‬
‫) إن أول جمعية بدأت تدعو إلى القومية العربية هي جمعية مسيحية أوحى بفكسسرة‬
‫تأسيسسسها رجسسل يسسسمى )اليسساس حبسسالين( مسسن بلسسدة ذوق مكايسسل ‪ .‬وكسسان أسسستاذا للغسسة‬
‫الفرنسية يدرسها في الجامعة المريكية لطلب صف‪ ,‬فيهم إبراهيم اليسسازخي ويعقسسوب‬
‫صروف وشاهين مكاريوس وكان الستاذ معجبا بالثورة الفرنسية( ‪.‬‬
‫وأصبحت القومية العربية بفضل قادتها ودعاتها ومعظمهم من النصارى دينسسا جديسسدا‬
‫حل محل السلم كما قال علي ناصر الدين فسسي مقدمسسة كتبسسه قصسسة العسسرب ‪ ,‬هسسامش‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 551 [ ‬‬

‫ص ‪( 38:‬العروبــة نفســها ديــن عنــدنا نحــن القــوميين العــرب المــؤمنين‬


‫العريقين من مسلمين ومسيحيين ‪ ,‬لن كان لكل عصر نبوته المقدســة ‪,‬‬
‫فالقومية العربية هي نبوة هذا العصر(‪.‬‬
‫وقدمت لنا الجامعة المريكية ومدارسها في المنطقة قسادة الحسزاب القوميسة فسي‬
‫المنطقة‪ :‬فأسس حزب القوميين السوريين‪ :‬أنطون سعادة ومن بعده أسسسد أشسسقر ثسسم‬
‫جورج عبد المسيح‪.‬‬
‫وأسسسس حسسزب البعسسث‪ :‬ميشسسيل عفلسسق النصسسراني ‪ ,‬زكسسي الرسسسوزي النصسسيري ‪,‬‬
‫ورئس حزب القوميين العرب‪ :‬جورج حبسسش بتسسوجيه مسسن أسسستاذه قسسسطنطين زريسسق –‬
‫الستاذ في الجامعة المريكية‪.‬‬
‫جاء في البروتوكول الخامس من بروتوكولت حكماء صهيون‪ ) :‬لقسسد بسسذرنا الخلف‬
‫بين كل واحد وغيره فسسي جميسسع أغسسراض الممييسسن الشخصسسية والقوميسسة خلل عشسسرين‬
‫قرنا( ‪.‬‬
‫وقد نجحت الدول الغربية في توجيه محمد علسسى باشسسا لتأديسسة أكسسبر خدمسسة للغسسرب‬
‫ومنها‪:‬‬
‫زلزلة سلطة الدولة العثمانية السلمية على الشرق ومحاربة تركيا في‬ ‫‪.1‬‬
‫موطن كثيرة‪.‬‬
‫تنشيط حركة التبشير النصراني في المنطقة‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫تحويل مصر وسوريا إلى دول متغربة بتفكيرها وحياتها‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫ضرب الحركة السلمية التي ظهرت في الجزيرة العربية )الحركة‬ ‫‪.4‬‬
‫الوهابية(‪.‬‬
‫إدخال القوانين الغربية لتطبيق على المسلمين ‪.‬‬ ‫‪.5‬‬

‫وكل القضايا التي فعلها ) الخمسة المتقدمة ( خطيرة وأحدثت أثرا كبيرا في حيسساة‬
‫المسسسلمين خاصسسة فيمسسا يتعلسسق بإدخسسال السسدين الجديسسد ) ديسسن نسسابليون ( أي القسسوانين‬
‫الفرنسية وخلطها بالقانون اللهي فأنشأ دينا جديد خليطا من ) الدين الفرنسي والدين‬
‫السلمي ( وكان ساعده اليمسن فسسي تبسسديل ديسسن اللسه هسسو رفاعسسة الطهطساوي ‪ .‬وأمسا‬
‫أستاذه الكبير فهو الدكتور ) كلوت ( الذي وجه الحياة المصرية في أكثر مناحيها ‪ .‬وأمسسا‬
‫بالنسبة لضرب الحركة والوهابية ) دعوة التوحيد ( في الجزيرة العربية فأرسسسل محمسسد‬
‫علي ابنه إبراهيم باشا سنة )‪1231‬هس( )سنة ‪1815‬م( إلى جزيرة وفي سنة )‪233‬هس (‬
‫)‪1817‬م( فسسدخل إبراهيسسم باشسسا )الدرعيسسة( عاصسسمة السسدعوة‪ .‬وقضسسى علسسى الحركسسة‬
‫الوهابية‪.‬‬
‫وقبل أن نطوي صفحة محمد علي باشسسا ل بسسد مسسن وقفسسة عنسسد رفاعسسة الطهطسساوي‬
‫الذي كان له اكبر الثر في عملية التحويل‪.‬‬
‫لقد أقام الطهطاوي ) أحد أعضاء بعثات محمد على إلى باريس ( في باريس مسسن‬
‫)‪ (1831-1826‬فرجع وكتب كتابه ) تخليص البريز في تلخيص باريز ( الذي كتبه أثناء‬
‫إقامته في فرنسا وعرضه على أستاذه ) جومار( ‪ .‬وأبدى إعجابه الشديد بفرنسا ‪ ,‬وقد‬
‫قام في تخليص البريسسز بترجمسسة الدسسستور الفرنسسسي وبتمجيسسد الثسسورة الفرنسسسية السستي‬
‫حطمت الكنيسة وأحالتها إلى ركام من مخلفات التاريخ‪.‬‬
‫وفي زمن الخديوي إسماعيل كان الطهطاوي عضده اليمن في الفساد والتغريسسب‬
‫وكتب زمنه كتابيه )منهاج اللبساب المصسسرية فسي مناهسسج الداب العصسرية( و ) المرشسد‬
‫المين للبنات و البنين ( وهو يبدي اهتماما ظاهرا بالتاريخ الفرعوني ويسمى رمسسسيس‬
‫الثسساني ) فرعسسون سسسيدنا موسسسى ( ‪ ) :‬فخسسر الدولسسة المصسسرية فسسي الزمسسان الجاهليسسة‬
‫ومصسباح تاريخهسا ( ‪ .‬ول ينقضسي عجسب المسسلم وهسو يسرى الطهطساوي يعسرض نظسام‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 552 [ ‬‬

‫الشركات والمصاريف الربوية دون تعليق ‪ .‬ويرى أن الرقص الفرنسي نوع من الشلبنة‬
‫) الناقة والفتوة والرياضة ويعجب بالمرح ويشجع الطهطاوي علسسى اختلط الجنسسسين ‪,‬‬
‫وتعليم الفتيات دون قيود ول التزام بحدود شرعية ومنع تعدد الزوجات وتحديسسد الطلق‬
‫وأصبح يردد شعارا جديدا ) أخوة الوطن ( ‪.‬هذا الشعار الذي أصبح دينا لسسدعاة القوميسسة‬
‫والعنصرية فيما بعد‪.‬‬
‫والطهطاوي شأنه شأن معاصره ) خير الدين التونسسسي( السسذي ألسسف كتسساب ) أقسسوم‬
‫المسالك في معرفة أحوال الممالك ( هما أول رسل الحضارة الغربية في بلدنا اللذين‬
‫عمل كطلئع لهدم صرح السلم العظيم في نفوس أبنائه‪.‬‬

‫صالون الميرة نازلي فاضل‪:‬‬ ‫•‬


‫كانت نازلي ابنة مصطفى فاضل – أخ إسماعيل باشا – وكان مصطفى وليسسا للعهسسد‬
‫ثم أقصاه إسماعيل فسافر إلى تركيا ثم إلى أوروبا وهناك تربسست ابنتسسه نسسازلي وأتقنسست‬
‫عدة لغات وتزوجت أحد وزراء تونس ثم عادت إلى مصر لتعمل بهسسا مسسن التخريسسب مسسا‬
‫عجزت عنه الدوائر الغربية ‪ .‬ففتحت صالونها ملتقى هواة السلطة ومحط أنظار السسذين‬
‫يحلمون بالعلو فسسي الرض ‪ ,‬لن الصسسالون أصسسبح يحظسسى برعايسسة )كرومسسر( ‪ -‬المعتمسسد‬
‫البريطاني في مصر‪ -‬وكان الرواد الدائمون لهذا الصالون ممن يتطلعون إلسسى النتفسساع‬
‫بجاه الميرة وبمالها‪.‬‬
‫من بين هؤلء الذي يعتبرون علية مجلسها‪:‬‬
‫‪ -‬سعد زغلول‪ :‬السسذي جسساء مسسن الشسسارع – دون جسساه ول علسسم ول مسسال – وتسسولى‬
‫رئاسة مكتبها وبقي حتى سسسن السادسسسة والثلثيسسن لسسم يسستزوج ثسسم تسسزوج ) صسسفية ابنسسة‬
‫مصطفى فهمي ( رئيس وزراء الحتلل البريطاني لبضسسعة عشسسرة عامسسا ‪ ,‬والغريسسب أن‬
‫هسسذا السسزواج مسن ابنسة رئيسس السوزراء الستي ل تتجسساوز الخامسسة عشسرة مسن عمرهسا ‪.‬‬
‫وأصسسبحت ) صسسفية ( فيمسسا بعسسد تحمسسل اسسسم ) صــفية زغلــول ( وتكنسسى ( بــأم‬
‫المصيريين (‪.‬‬
‫ومن رواد الصالون‪ :‬الشيخ جمال الدين الفغاني وتلميذه الشيخ محمــد‬
‫عبده ولقد اطلعت على رسالة بين الشيخين عن الميرة مما يدمي القلسسب عسسن حالسسة‬
‫قادة الفكر السلمي!! في ذلك الوقت ‪.‬‬
‫ومن رواد الصالون كذلك‪:‬‬
‫لطفي الخولي ‪ .‬ثم جيء بقاسم أمين السسذي رد مسسرة علسسى أحسسد الفرنسسسيين‬
‫) دار كور ( ‪ ,‬وقد نال هذا الفرنسي من مكانة المسسرأة فسسي السسسلم ‪ .‬فقسسام أميسسن ورد‬
‫عليسسه وبيسسن أن السسسلم أعطسسى المسسرأة مكانتهسسا اللئقسسة وحفسسظ وظيفتهسسا الساسسسية‬
‫واحتشامها بلباسها ‪ .‬وبسبب هذه المقالة أوغر سعد زغلول ومحمد عبده صدر الميسسرة‬
‫نازلي علسسى قاسسسم أميسسن لن كلمسسه ينسسال مسسن مقسسام الميسسرة لنهسسا تسسدعو إلسسى العسسري‬
‫والتهتك ‪ .‬ثم اقترحوا حل لرضا الميرة عليه بأن يكتب كتابا عسسن المسسرأة فخسسرج سسسنة )‬
‫‪1900‬م( بكتاب ) تحرير المرأة ( الذي اشترك في كتابته قاسسسم أميسسن والشسسيخ محمسسد‬
‫عبده ‪ .‬وقبل سنوات اكتشف هذا السر فقد أعلن حفيد محمد عبده أن جده هو كسساتب‬
‫كتاب ) تحرير المرأة ( ومعنى تحريسسر المسسرأة ‪ :‬تحريرهسسا مسسن القيسسم والمبسادئ والحيسساء‬
‫والخلق‪.‬‬
‫وبقيت بريطانيا ترعى هذا الصالون ورواده حتى أوصلوهم إلى سدة الحكم‪:‬‬
‫فقد أصبح محمد عبده مفتيا للديار المصرية ‪ ,‬وأصبح سعد زغلول وزيسسرا للمعسسارف‬
‫ثم رئيسا للسوزراء وأضسحى لطفسي السسيد ) أسستاذ الجيسل ( رئيسسا للجامعسة المصسرية‬
‫وفرض الختلط بين الجنسين في الجامعة‪.‬‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 553 [ ‬‬

‫ولطفي سيد ‪ :‬هذا هوا الذي سخر صحيفته المسماة ) بالجريدة ( لتكريسسس آراء‬
‫كرومر والدفاع عنها ‪ ,‬والسسدعوة إلسسى الفرعونيسسة وصسسياغة شخصسسية مصسسرية ذات طسسابع‬
‫مميز‪.‬‬
‫وقد كان صنائع صالون نازلي فاضل يتبنون هسسذا بفصسسل مصسسر عسسن العسسالم العربسسي‬
‫السلمي‪.‬‬
‫فمثل سعد زغلول أجاب عن سؤال حسسول الوحسسدة العربيسسة قسسائل‪ ):‬إنهسسا وحسسدة بيسسن‬
‫أصفار (‪.‬‬
‫وسار في هذا الخط طه حسسسين السسذي قسسال ‪ ( :‬إن الدين واللغــة ل يصــلحان‬
‫أساسا للوحدة السياسية ‪ ,‬وإن المصري فرعوني قبل أن يكون عربيــا ( ‪,‬‬
‫وقد نشر هذا الحديث ) سلمة موسى ( في صحيفته ) المجلة جديدة ( )‪1928‬م( لنسسه‬
‫كان يسير في نفس الخط‪.‬‬
‫وقسسال طسسه حسسسين ( لــو وقــف الســلم بينــي وبيــن فرعونيــتي لنبــذت‬
‫إسلمي ( ‪.‬‬
‫وفي سنة )‪1927‬م( مسسات زغلسسول ليسسأتي النحسساس رئيسسسا للوفسسد ‪ ,‬حيسسث فرضسسته‬
‫الدبابات البريطانية في ‪ 4‬فبراير سنة ‪ 1942‬رئيسا للوزراء رغم أنف الملك فؤاد‪.‬‬
‫‪ -‬صفية زغلول ( أم المصريين ( وهدى الشــعراوي ‪ .‬ولقسسد كسسان لصسسفية‬
‫وهدى أثر كبير في إفساد فطرة المصرية الطيبة ‪ .‬أما صفية فكانت تدير عجلة الفساد‬
‫من فوق سدة الحكم بسبب كون زوجها رئيسا للوزراء‪ ,‬وهي كما ذكرنا ابنسسة مصسسطفى‬
‫فهمي رئيس الوزراء من قبل‪.‬‬
‫أما هدى شعراوي فهي ابنة سلطان باشا الذي وقسسف بجسسانب النجليسسز ضسسد الثسسورة‬
‫العرابية وقد استلم من النجليز مبلغا ضخما لقاء عمالته ثم أصابه السرطان وقبسسل أن‬
‫يموت زوج ابنته من رجل ثري اسمه ) علسسي شسسعراوي ( فسسي الخمسسسينات مسسن عمسسره‬
‫فأصبح اسمها ) هدى شعراوي ( وكان علي شسسعراوي مسسن عملء النجليسسز وقسسد ُأخسسذت‬
‫هدى إلى أوربا و لدى عودتها من رحلتها ‪ ,‬وعلى سلم الباخرة نزعت خمارهسسا ) منسسديل‬
‫الرأس ( ووضعته تحت قدميها وقالت‪ :‬انتهى عصر الظلم إلى البد ‪ ,‬وشكلت )جمعية‬
‫السيدات المصريات(‪.‬‬

‫كرومر حاكم مصر البريطاني والقس دنلوب‪:‬‬ ‫•‬


‫أما كرومر فهو المعتمد البريطاني الذي يدير مصسسر منسسذ الحتلل سسسنة ‪ 1882‬إلسسى‬
‫‪ , 1906‬وقال الدكتور النشار ) أعلن كرومر منذ مجيئه إلى مصر أنسسه سسسيهدم القسسرآن‬
‫والكعبة والسرة السلمية والزهر ( ‪.((1‬‬
‫ركز كرومر في هجومه على الدولة العثمانية وحمل على السسسلم مسسن خلل تركيسسا‬
‫التي تمثله ‪,‬و نشر النجليزية ‪ ,‬وحارب العربية ‪ ,‬ونادى بفكرة مصر للمصسسريين ‪ ,‬وحسسط‬
‫من قيمة الزهر ورجاله رقى طبقة المتفرنجين ‪ ,‬وكان يقول‪:‬‬
‫" سوف يجد محبو الوطنية أحسن أمل لهــم فــي ترقــي أتبــاع محمــد‬
‫‪((2‬‬
‫عبده للحصول على مصر مستقلة بالتدرج "‬

‫)‪ (1‬لحظ قوله وتفاصيل ما سيأتي من برامج الوربيين في ما أسموه ) حرب الكلمة ( منذ القرن التاسع عشر ‪ .‬وقارن‬
‫برنامج ) كرومر ( الحاكم البريطاني لمصر منذ )‪ , (1882‬مع برنامج ) بريمر ( الحاكم المريكي للعراق منذ )‪. (2003‬‬
‫واستراتيجية ) رامسفيلد ( و ) رايس ( لـ ( حرب الفكار ( و ) تطوير المجتمعات ( العربية والسلمية دينيا وثقافيا‬
‫وسياسيا واجتماعيا ! لتكتشف أن ما يجري الن هو مجرد فصل لحق لفصل سابق ‪..‬ولم يختلف إل الغباء في التطبيق‬
‫المريكي الذي يقوم على الحمق والجهل والبطش وهمجية الكاوبوي الذي حرم ثقافة الوربيين ومكرهم !‬
‫)‪ (2‬الن ) عراق ( مستقلة بالتدرج !!‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 554 [ ‬‬

‫ألف كرومر كتاب ) مصر الحديثة ‪ (New Egypt‬وادعى أن السلم مناف للحضسسارة‬
‫ويعلم أتباعه الحقد على مخالفيهم !! وهو ينسسافي العمسسران ويبيسسح الطلق ويحسسرم الربسسا‬
‫والخمر‪.‬‬
‫كان لطفي السيد أحد الذين حملوا لواء الدفاع عن كرومر وسياسته فسسي صسسحيفته‬
‫)الجريدة( ‪ ,‬وصحيفة المقطم ‪.‬‬
‫أما دوجلس دنلوب‪:‬‬
‫فهو أحد سيئات كرومر الكبرى ‪ .‬فلقد شجع كرومر المبشرين في مصر والسودان‬
‫إل أنه عندما رأى طريقتهم الساذجة في التعرض للناس في الشوارع خشسسي أن يسسؤدي‬
‫عملهم هذا إلى يقظة الناس ومن ثم تتفجسسر ثسسورة وطنيسسة بحميسسة إسسسلمية ‪ .‬فحسسد مسسن‬
‫نشاطهم ‪ ,‬فرفع المبشرون تقرير إلى الحكومة البريطانية فأرسلت بريطانيا عتابا إلسسى‬
‫كرومر فرد على المبشرين بأني سسأعمل عسن طريسق راهسب واحسد أضسعاف عملكسم ‪,‬‬
‫وأحضر دنلوب سنة )‪ (1889‬وهو راهب تخرج من كلية لهوت بريطانية وعينسسه كرومسسر‬
‫)‪ (1897‬سكرتيرا للمعارف ‪ .‬ثم سنة )‪ (1906‬عين مستشارا لسسوزارة المعسسارف ‪ ,‬وقسسد‬
‫كان دنلوب هو الوزير الفعلي‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫وكان ينفذ سياسة كرومسسر ) عقل بريطــاني وأيــدي مصــرية ( ويرفسسع شسسعار‬
‫سيده ‪:‬‬
‫( متى توارى القرآن ومكة من بلد العرب يمكننا حينئذ أن نرى العربي‬
‫‪2‬‬
‫يتدرج في سبيل الحضارة ( ‪.‬‬
‫وقد حارب دنلوب اللغة العربية والزهر ‪ ,‬وشجع النجليزية وأصبح تسسدريس العلسسوم‬
‫والرياضيات والكيمياء والجغرافيا بالنجليزية وحارب التعليم العالي بحجة أن المصريين‬
‫ل يصلحون للتعليم العالي وحارب الكتب السلمية أو التي فيها عاطفة إسسسلمية مثسسل‬
‫كتب علي مبارك و عبد العزيز جاويش‪.‬‬
‫وأخطر ما عمله دنلوب ‪ ,‬أنه رسم المناهج التي أصبحت مثل يحتذى للدول العربية‬
‫وقسم التعليم إلى قسمين ‪:‬‬
‫‪ -‬ديني ‪ :‬وجعله خاصا بالزهر ومعاهده ‪.‬‬
‫ومدني‪ :‬حارب فيه كل كلمة دينية ‪ ,‬ومنع من توظيف خريجي الزهر – أهل العلسسم‬
‫الحقيقي – وإذا احتاج إلى بعضهم كان يدفع للواحسسد ‪ 112‬قرشسسا مصسسريا فسسي الشسسهر ‪,‬‬
‫هكذا كانت الحال في مصر – رائدة العالم العربي – أواخر القرن التاسع العشر وأوائل‬
‫القرن العشرين‪.‬‬
‫ففي السياسة‪ :‬يرجع المر إلى النجليز فمعتمدهم هو الحاكم الفعلي للبلد وأما‬
‫الخديوي فل يملك من أمره شيئا‪.‬‬
‫وفي القتصاد‪ :‬خيرات مصر تصب في جيوب النجليز‪.‬‬
‫والزهر‪ :‬مقصى عن توجيه دفة الحياة‪.‬‬
‫العلم‪ :‬الذاعة مديرها لطفي السيد وأمثاله كما أنسسه مسسدير الجامعسسة ‪ ,‬والصسسحف‬
‫اليومية والدورية ‪ .‬والمجلت معظمها بي النصارى كالهرام ‪ ,‬والمقطم ‪ ,‬والمقتطسسف ‪,‬‬
‫الهلل ‪ ,‬ما ينوف على عشرين منها بأيدي النصسسارى ‪ ,‬ووزارة المعسسارف والمناهسسج‪ :‬بيسسد‬
‫دنلوب‪.‬‬
‫والجامعة ‪ :‬بيد لطفي السيد‪ .‬ثم جاء طه حسسسين ليواصسسل السسدور مسسن خلل كتبسسه‬
‫) الشعر الجاهلي ( و ) الدب الجاهلي ( لينكر ربانية القرآن وأطلق كلمته‪.‬‬

‫‪ - 1‬الن ) عقل أمريكي يهودي بريطاني ( ‪ ..‬وأيدي عراقية وأردنية وسعودية وباكستانية ومصرية ‪....‬إلى آخر قافلة‬
‫السوائم !!‬
‫‪ - 2‬الن تطالب أمريكا بحذف ما تسميه آيات وسور الجهاد والتحريض على الكراهية من مناهج التعليم ‪ .‬وتروج لمصحف‬
‫مختصر تريد نشره أسموه ) فرقان الحق ( !!يحرض على التسامح بين الذئاب والنعاج ! وتدخل الحكومات الئمة في‬
‫دورات تأهيلية لتجنب التطرف !‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 555 [ ‬‬

‫) للتسسوراة أن تحسسدثنا عسسن إبراهيسسم وإسسسماعيل وللقسسرآن أن يحسسدثنا عسسن إبراهيسسم‬


‫وإسماعيل ولكنا ل نرى هذين مصدرا تاريخيا موثوقا ( ثم استلم الجامعة ‪ ,‬ثم المعارف‬
‫قال بعضهم " انتهى عهد دنلوب وابتدأ عهد طه حسين " ‪.‬‬
‫وفي أواخر القرن التاسع عشر حصل أخطر حدث في العصر الحديث وهسسو مسسؤتمر‬
‫بال‬
‫) ‪1897‬م ( الذي عقده هرتزل في سويرا‪.‬‬

‫مؤتمر بال في سويسرا ‪: / 1897/‬‬ ‫•‬


‫يكاد كثير من مفسسسري التاريسسخ يجمعسسون أن مسسؤتمر بسسال يعتسسبر أخطسسر حسسادث فسسي‬
‫العصر الحديث ‪ ,‬وهو نقطة التحول بالنسبة للعالم السلمي ‪ ,‬إذ دأبسست بعسسده اليهوديسسة‬
‫العالمية على تنظيم الخطط وإحكسسام الحابيسسل والشسسباك السستي تصسسطاد بهسسا المسسسلمين‬
‫للوصول إلى أرض الميعاد ‪.‬‬
‫وأما هرتزل فهو صحفي يهودي نمسسساوي ولسسد سسسنة )‪ (1860‬وفسسي سسسنة )‪(1894‬‬
‫حضر محاكمة الضابط اليهودي ) دريفوس ( الذي يحمل الجنسية الفرنسية حيث اتهسسم‬
‫هذا الضابط بالتعامل مع ألمانيا وحكمت عليه بجريمة الخيانة عشر سنوات مع تجريسسده‬
‫من مناصبه العسكرية ‪ ,‬ولقد أثرت المحاكمة في نفس هرتسسزل ‪ .‬إذ ظسسن أن دريفسسوس‬
‫حكم ظلما بسبب دينه اليهودي وقال – من شاء أن ُينصف في هذا المجتمع فلينتصسسر –‬
‫وصمم أن يعمل مسسن أجسسل إنشسساء وطسسن لليهسسود ‪ ,‬وبعسسد هسسذا الحسسدث بسسسنة أي سسسنة )‬
‫‪1895‬م( أصدر كتابه ) الدولة اليهودية ( وهو شبيه بالكتاب الذي أصدره موسى هيسسس‬
‫) من روما إلى القدس (‪.‬‬
‫وفي سنة )‪ (1897‬استطاع أن يجمع المنظمسسات الصسسهيونية فسسي مسسؤتمر صسسهيوني‬
‫عالمي في بال ‪ ,‬وأعلن هرتزل في نهاية المؤتمر أن الدولة اليهودية قامت وحدد لذلك‬
‫زمنا ل يتعدى خمسين سنة‪.‬‬
‫وانبثقت عن هذا المؤتمر ) بروتوكولت حكماء صهيون ( التي تعتبر أخطسر الوثسائق‬
‫في العصر الحديث ‪ ,‬ومعظم التدمير الذي حل بالبشسسرية فسسي القسسرن العشسسرين كسسانت‬
‫بسببها‪.‬‬
‫من نصوص من البرتوكولت‪:‬‬
‫البرتوكولت الثاني ) ل تحسبوا أن تصريحاتنا كلمات جوفاء ‪ .‬نحن السسذين رتبنسسا‬
‫نجاح دارون – من قبل – وإن فرويد منا ‪ ,‬وإن ماركس و نيتشسسة منسا ‪ ,‬وسسسنبقى ننشسسر‬
‫آراءهم لما لها من أثر هدام على الفكر الممي ( ‪) .‬الفكسسر الممسسي( يعنسسي فكسسر المسسم‬
‫غير اليهودية‪ ,‬وقد أشار القرآن إلى طبيعة اليهود هذه فقال تعالى ‪:‬‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫) ذ َل َ َ‬
‫م‬
‫ب وَهُ س ْ‬ ‫َ‬
‫ن عَلى اللهِ الكذِ َ‬‫قوُلو َ‬ ‫سِبي ٌ‬
‫ل وَي َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫س عَل َي َْنا ِفي اْل ّ‬
‫مّيي َ‬ ‫م َقاُلوا ل َي ْ َ‬
‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬‫ِ‬
‫ن( )آل عمران‪. ( 75 :‬‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫مو َ‬
‫ليس من حرج ول إثم علينا – اليهود – إذا أسأنا إلى المم الخرى غير اليهودية ‪.‬‬
‫البرتوكول الثالث‪ ) :‬سننشر بين الشعوب أدبا قذرا مريضا يهدم السرة ‪.‬‬
‫وسنستمر بالترويج لهذا الدب ‪ ,‬يجب أن نعمل – لتنهار – الخلق في كل مكان‬
‫فتسهل سيطرتنا‪.‬‬
‫إن فرويد منا وسيظل يعرض العلقات الجنسية في ضوء الشمس لكي ل يبقى في‬
‫نظر الشباب شيء مقدس ويصبح همه ارواء غريزته الجنسية وعندئذ تنهار الخلق في‬
‫كل مكان ونستولي على العالم وهو مخدر(‪.‬‬
‫البرتوكول الرابع‪ ) :‬سننزع فكرة الله من أذهان المسيحيين ونضع بدلها أرقاما‬
‫حسابية وضرورات مادية ( ‪.‬‬
‫وخلصة البرتوكولت تتخلص في كلمة ) أوسكار ليفي ( التي قالها بتبجح وصلف‪:‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 556 [ ‬‬

‫) نحن اليهود سادة العالم ومفسدوه ومحركو الفتن فيه وجلدوه ( ‪.‬‬
‫وكانت طريقة اكتشاف البرتوكولت أن روسيا علمت أن اليهود يخططون ضدها‬
‫فأرسلت لقتحام مقر حكماء صهيون وبالفعل وبخطة محكمة أوقدوا النيران حول‬
‫العمارة فهرب اليهود من العمارة فاقتحموها وأخرجوا ما استطاعوا أن يخرجوه من‬
‫الوراق ثم أحضرتها روسيا ‪ .‬وقام الدكتور ) نيلوس ( بتحليلها وتوقع نيلوس سقوط‬
‫القيصرية في روسيا ‪ ,‬وسقوط الدولة العثمانية ‪.‬‬
‫وقد كان البرتوكول الرابع عشر يقول ‪ ):‬يجب علينا أن نحطم كل عقائد الديان(‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 557 [ ‬‬

‫السلطان عبد الحميد يعرقل على اليهود الطريق إلى فلسطين‪:‬‬ ‫•‬
‫إن معظم الحداث الكبرى التي جرت في المنطقة السلمية – العربية خاصة – كانت‬
‫ترمي إلى الهدف الكبير الذي وضعه هرتزل ومن ورائه اليهود نصب أعينهم وهو‬
‫الوصول إلى أرض الميعاد كان أمام اليهود عقبة كأداء ل يمكن تجاوزها وهي الدولة‬
‫العثمانية وعلى رأسها السلطان عبد الحميد الثاني الذي حكم بين )‪(1909-1876‬‬
‫حاول اليهود أول إغراء السلطان الصالح عبد الحميد ‪ ,‬فالسلطان عبد الحميد وصل‬
‫إلى الخلفة في وقت كادت الماسونية تأخذ بخناق الدولة ‪.‬‬
‫ولنرجع إلى هرتزل الذي توجه إثر انتهاء مؤتمر بال سنة )‪ (1897‬لمقابلة السلطان‬
‫عبد الحميد وأخذ معه حاخام القسطنطينية )موسى ليفي( وعرضوا على السلطان‬
‫عروضا منها‪:‬‬
‫‪ -5‬إنشاء أسطول عثماني‪.‬‬
‫‪ -6‬دعم سياسة العثمانيين في العالم الخارجي‪.‬‬
‫‪ -7‬مساعدة اليهود للسلطان في تحسين أوضاعه المالية‪.‬‬
‫‪ -8‬إنشاء جامعة عثمانية في القدس‪.‬‬
‫قال هرتزل " مثل لو رضي مولنا وباع لنا الراضي التي ليس لها مالكون في فلسطين‬
‫بالثمن الذي يقدره" فغضب السلطان وقال‪:‬‬
‫)إن أراضي الوطن ل تباع ‪ ,‬إن البلد التي امتلكت بالدماء ل تباع إل بالثمن نفسه (‬
‫ولم ييأس هرتزل وقابل السلطان مرة ثانية )‪ (1901‬وفي هذه المرة عرضوا على‬
‫السلطان نفسه )‪ (150‬مائة وخمسين مليونا من الجنيهات الذهبية النجليزية فقال‬
‫) إنكم لو دفعتم ملء الرض ذهبا – فلن أقبل بتكليفكم هذا بوجه قطعي ‪ ,‬لقد خدمت‬
‫الملة السلمية والمة المحمدية ما يزيد على ثلثين سنة ‪ ,‬فلن أسود صحائف‬
‫المسلمين آبائي وأجدادي من السلطين والخلفاء العثمانيين(‪.‬‬
‫ولقد كانت المقابلة هذه المرة مع )قره صو( المحامي اليهودي الماسوني الذي‬
‫أشرف على محفل سالونيك‪.‬‬
‫ولقد نقلت بعض المصادر أن السلطان صاح في وجه هرتزل )أخرج من وجهي يا‬
‫سافل( وصاح بالحاجب الذي أدخله قائل )أما كنت تعلم ما يريده هذا الخنزير مني(‬
‫فطار هرتزل مع قره صو إلى إيطاليا وأرسل ) قرة صو ( برقية إلى السلطان‪.‬‬
‫)ستدفع الثمن هذه المقابلة من نفسك وعرشك(‪.‬‬
‫يقول هرتزل في مذكراته ‪ ) :‬ونصحني السلطان عبد الحميد بأن ل أتخذ أية خطوة‬
‫أخرى في هذا السبيل لنه ل يستطيع أن يتخلى عن أي شبر واحد من أرض فلسطين‬
‫إذ هي ليست ملكا له ‪ ,‬بل هي لمته السلمية التي قاتلت من أجلها وروت التربة‬
‫بدماء أبنائها ‪ ....‬وقال عبد الحميد‪ :‬إن عمل المبضع في بدني لهون علي من أن أرى‬
‫فلسطين تقتطع من إمبراطوريتي‪ .‬ثم قال‪ :‬وفر نقودك يا هرتزل فعندما يذهب عبد‬
‫الحميد ستأخذون فلسطين مجانا (‪.‬‬
‫وبعد هذا صمم اليهود على الطاحة بعبد الحميد وفي سنة )‪ (1904‬فجروا عربة أمام‬
‫المسجد الذي يصلي فيه السلطان صلة الجمعة ونجاه الله من الموت وقتل كثير من‬
‫الناس ‪.‬‬
‫وتكالب الماسون على إقصائه ‪ ,‬ودفعت الماسونية بعملئها إلى أن تصدروا المناصب‬
‫العليا في الدولة أمثال طلعت باشا ‪ ,‬أنور باشا – وزير الحربية – أرستيدي باشا –‬
‫رومي أصبح وزيرا للنافعة ‪ ,‬جمال باشا – حاكم الشام – مصطفى كما باشا قائد جبهة‬
‫الشرق العربي في الحرب العالمية الولى جاويد باشا )دافيد باشا( – وزير المالية‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 558 [ ‬‬

‫)حسين جاهد يالشين( أحد أعضاء لجنة التوفيق الثلثة )أمريكي وفرنسي وتركي ( بين‬
‫العرب واليهود وأصبح السلطان يجد نفسه يوما بعد يوم محاطا برجال اشترتهم‬
‫الماسونية من خلل جمعية ) التحاد والترقي ( وأصبحت قبضته تخف تدريجيا حتى‬
‫استطاعوا أن يجبروه على إعلن الدستور ‪ .‬فأنشأ مجلس المبعوثان ) مجلس النواب (‬
‫الذي دخله اليهودي والنصراني والمسلم وجاء ) قره صو( إلى مجلس المبعوثان‪.‬‬
‫وكان إعلن الدستور نصرا للنصارى واليهود في كل الرض حتى أهدى جورجي زيدان‬
‫النصراني – دار الهلل – كتابه النقلب العثماني إلى البطال !!؟ أعلنوا الدستور سنة‬
‫)‪ (1908‬ثم استطاع الماسون أن يحركوا الجيش بقيادة محمود شوكت – العربي‬
‫واجتمع مجلس النواب لينتزعوا قرارا بالطاحة بالسلطان ‪ .‬ولقد كانت أصابع ناحوم‬
‫حاييم ) حاخام القسطنطينية ( بارزة في المر ‪ ,‬وقدم كتاب الخلع إلى السلطان عبد‬
‫الحميد ثلثة‪.‬‬
‫‪ -2‬قره صو ‪-2.‬أستيدي باشا‪ -3.‬عارف حكمت الذي كانت أمه خادمة في قصر‬
‫السلطان فأخذ السلطان ابنها هذا – عارف – وأدخله في البحرية حتى أصبح‬
‫ياورا في البحرية ‪.‬‬
‫كان إقصاء السلطان عبد الحميد عن الخلفة في نيسان سنة )‪ (1909‬وكانت هذه‬
‫أكبر طعنة وجهت للسلم ‪ ,‬وفي تلك الليلة التي نزل فيها السلطان عبد الحميد عن‬
‫سدة الحكم نستطيع القول بأن‪:‬‬
‫السلم الفعلي أزيل من الوجود والشهود وسقطت فلسطين – حقيقية – في يد‬
‫اليهود‪.‬‬
‫يقول أنور باشا – أحد أقطاب الماسونية و النقلب على السلطان عبد الحميد‬
‫مخاطبا جمال باشا أتعرف يا جمال ما هو ذنبنا؟‬
‫نحن لم نعرف السلطان عبد الحميد فأصبحنا آله في يد الصهيونية واشترتنا الماسونية‬
‫العالمية ‪ ,‬نحن بذلنا جهودنا للصهيونية فهذا ذنبنا الحقيقي‪.‬‬
‫ويقول برنارد لويس‪) :‬لقد تعسساون الخسسوة الماسسسون واليهسسود سسسرا علسسى إزالسسة‬
‫السلطان عبد الحميد لنه كان معارضا قويسسا لليهسسود‪ .‬إذا رفسسض بشسسدة إعطسساء أي شسسبر‬
‫أرض لليهود في فلسطين‪.‬‬
‫تركيا بعد السلطان عبد الحميد‪:‬‬
‫سقط السلطان الصالح عبد الحميد بفعل الماسونية اليهودية وأصبحت تركيا تسسسير‬
‫مسسن قبسسل )جمعيسسة تركيسسا الفتسساة ‪ ,‬وجمعيسسة التحسساد والسسترقي ( السستي أضسسحت لعبسسة بيسسد‬
‫الماسونية ‪ ,‬فقد كانت القومية التركية التي يدعو إليها حزب التحاد والترقي بيد اليهود‬
‫وهكذا توالت النكبات على تركيا ‪ ,‬الخلفة ضعيفة تلعب بها جمعية التحاد والسسترقي‬
‫– الدعاة القوميون – هؤلء علمانيون ل متسسدينون ‪,‬المحافسسل الماسسسونية تنتشسسر انتشسسار‬
‫النار في الهشيم ‪ ,‬الديون تتراكم ‪ ,‬ومن وراء ذلك كله الصسابع اليهوديسة السستي صسممت‬
‫الطاحة بتركيا لتصل إلى أرض الميعاد‪.‬‬

‫مصطفى كمال يحطم تركيا ويلغي الخلفة‪:‬‬ ‫•‬


‫وخرجت تركيا محطمة من الحرب العالمية الولى و تقاسمت الدول الكسبرى ورثسة‬
‫الرجل المريض! كما كانوا يطلقسسون علسسى تركيسسا ‪ ,‬واسسستراحت أوروبسسا مسسن هسسذا الغسسول‬
‫الرهيب الذي كان يقض مضاجعها لقرون طويلة‪.‬‬
‫وجاء مصطفى كمال بعد هزيمته في جبهته في الشرق العربسسي وبسسرزت شخصسسيته‬
‫كقائد عسكري من خلل بعض الشسستباكات العسسسكرية مسسع اليونسسان ‪ .‬وانطلقسست القلم‬
‫لتبرز مصطفى كمال ‪ .‬وهناك بعض المحللين التاريخيين والسياسيين يرون أن سسسكوت‬
‫دول الحلفاء الثلث التي كانت تعسكر قواتها على مقربة من أرض المعركة كان لخطة‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 559 [ ‬‬

‫وهي إبراز مصطفى كمال من أجل دور الذي ينتظسسره وهسسو محاربسسة السسسلم وإسسسقاط‬
‫الخلفة‪.‬‬
‫وانسحبت دول الحلفاء من تركيا وعندما وقف مجلس العموم البريطاني في وجسسه‬
‫كرزون الذي وافق على سحب جيسسوش الحلفسساء مسن تركيسسا قسسائلين سسستعود تركيسسا مسسرة‬
‫أخرى لحتلل أوروبا فقال‪ :‬اطمئنوا‪.‬‬
‫)لن تقوم لتركيا قائمة بعد أن جردناها من السلم والخلفة(‪.‬‬

‫حالة العالم السسسلمي بعسسد منتصسسف القسسرن التاسسسع عشسسر) إلسسى منتصسسف‬ ‫•‬
‫القرن العشرين(‪.‬‬
‫كان العالم السلمي في النصف الول من القرن العشرين نائما في سبات عميسسق‬
‫مستسلما للذل قد استمرأ السياط التي بيد جلديه تلهب ظهره ‪.‬‬
‫وقد اتفق الغرب الذي يقبض بخناق العالم السلمي على أمرين‪:‬‬
‫أن ل تقوم للسلم قائمة‪.‬‬
‫أن تقوم الدولة اليهودية في فلسطين‪.‬‬
‫والعالم السلمي قسمان‪ :‬العالم السلمي العربي‪ .‬و العالم السلم غير العربي‪.‬‬
‫أحوال العالم السلم العربي‪:‬‬ ‫•‬
‫أما العالم السلمي العربي‪ :‬فقلبه النابض مصر وهي في قبضة بريطانيا وقد رأينسسا‬
‫كيف عاثوا بها فسادا عن طرق أسرة محمد علي وعن طريق صسسنائعهم فيهسسا ‪ ,‬وكسسانت‬
‫الردن والعراق وفلسسسطين تحسست وطسسأة الحتلل البريطسساني كسسذلك ‪ ,‬ولسسم يكسسن حالهسسا‬
‫أحسن من حال سابقتها مصر‪.‬‬
‫وأما فرنسا‪ :‬فكانت تتحكم بسوريا ولبنان والشمال الفريقي ‪ ,‬حيث صسسممت أن‬
‫تحول الشمال الفريقي إلى ماخور كبير من مواخير باريس مسسن تسسونس حسستى طنجسسة ‪.‬‬
‫وفرضت اللغة الفرنسية وأخرجت الظهير البربري )القانون البربري( في ‪ 16‬مايو سنة‬
‫‪ 1930‬الذي قضى بتنفيذ الحكام العرفية البربرية وقانون الحوال الشخصسسية البربريسسة‬
‫بدل الشريعة السلمية ‪ .‬وذلك للتفريق بين العرب والبربرية ‪ .‬وتحويل البلد إلى ساحة‬
‫نزاع عرقي وسلخ المسلمين عن دينهم‪.‬‬
‫وفي نفس الوقت أثار سعيد عقل ‪ ,‬ويوسف السودا ‪ ,‬و فيكتو ر خلط ‪ ,‬شبح الفنيقية ‪,‬‬
‫وإحياء أسماء هاينبال ‪ ,‬وصناعة حزب القوميين السوريين ‪ ,‬وإعلن أن لبنان ل ينتمي‬
‫إلى العرب بل هو جزء من حضارة البحر المتوسط ‪.‬‬
‫وفي مصر‪ :‬يثير سلمة موسى وطه حسين الفرعونية ‪ .‬وأعلن طه حسين في‬
‫مستقبل الحضارة في مصر‪ :‬أن مصر جزء من حضارة المتوسط )الوروبية( وليست‬
‫عربية فهي أقرب إلى حضارة إيطاليا وفرنسا واليونان منها إلى جزيرة العرب ‪ .‬ويجب‬
‫تقليد الوربيين في مأكلهم ومشروبهم وملبسهم وحياتهم ‪.‬‬
‫وأما فلسطين‪ :‬فهي تحت إدارة المنسسدوب السسسامي البريطسساني‪ -‬اليهسسودي ) هسسر‬
‫برت صموئيل ( ‪ .‬الذي يمهد لقامة دولة اليهود فيها ‪ .‬ولذا فسسإنه يغسسرق المسسدن الكسسبرى‬
‫بالمسارح والسينما والندية الليلية بالضافة إلى التحكسسم بالمناهسسج المدرسسسة العلمانيسسة‬
‫وإقصاء التربية السلمية والتاريسسخ السسسلمي عسسن الحيسساة المدرسسسية ‪ .‬وكسسانت الذاعسسة‬
‫بأيديهم‪.‬‬
‫وأما النصيريون في سوريا‪ :‬فكانت فرنسا بالضافة إلى ما تقدم مسسن وسسسائل‬
‫بريطانيا في عملية التغيير ‪ ,‬كسانت ترعسى طائفسسة النصسسيريين السذين سسمتهم العلسويين‬
‫ليختلط أمرهم لدى المسلمين ‪ .‬وهذه الطائفة الذين كانوا قسسد اتخسسذوا مسسن بينهسسم إلهسسا‬
‫وهو )سليمان المرشد( وقد كان راعيا للبقر واتخذ رسول اسمه )سليمان الميدة( كسسان‬
‫يعمل راعيا للجمال ‪ ,‬وسليمان المرشد هذا من قرية )جوبا يرغال( شسسرقي اللذقيسسة ‪,‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 560 [ ‬‬

‫وكان المستشار الفرنسي يسجد له مع الساجدين ليزيد أتباعه غيا ‪ .‬وقد صنع له جلبابا‬
‫فيه مصابيح كهربائية تضيء فيسجد له التباع !‪.‬‬

‫أحوال بقية المسلمين في العالم السلمي‪:‬‬ ‫•‬


‫أما عن المسلمين في بقية العالم السلمي فحسدث عنهسسم ول حسسرج ‪ ,‬فزيسادة عسن‬
‫الجهل المطبق الذي يتضور فيه غالبية المسلمين ‪ ,‬شجعت السسدول السسستعمارية وعلسسى‬
‫رأسها بريطانيا الطرق الصوفية المنحرفة التي ل تفهم من السلم إل العزلسسة السسسلبية‬
‫والصبر على التسعمار ‪ ,‬لنه ابتلء من الله ‪ .‬و التمسح بالقبور وإقامة الضسسرحة ورفسسع‬
‫الرايات فوقها من أجل التبريكات ‪ ,‬و إشغال الشعب بعيد ميلد المشايخ وتتسسويجهم ثسسم‬
‫الدعوات حول قبورهم والحلف بأسمائهم وإهداء الزهور على أنصابهم‪.‬‬
‫وزيادة على هذا فقد ابتدعت نبوات جديدة وظيفتها إلغاء الجهسساد ‪ ,‬وترسسسيخ السسولء‬
‫لبريطانيا‪.‬‬
‫‪ -1‬ففي الهند‪ :‬أبرزت )ميرزا غلم أحمد( القادياني‪ .‬وهذا المتنبىء ولد سسسنة )‬
‫‪ (1840‬في قاديان ‪ /‬وأصيب في شبابه بالهستيريا‪ ..‬وفسسي سسسنة )‪ (1884‬أعلسسن حرمسسة‬
‫الجهاد ضد النجليز في كتابه )براهين أحمدية( ‪.‬‬
‫وفي المرحلة الثانية‪ :‬أعلن تشبهه بالمسيح سنة )‪ (1891‬وأصدر ثلثسسة كتسسب )فتسسح‬
‫السلم توضيح مرام‪ ,‬إزالة أوهام(‪.‬‬
‫وقال‪ :‬أنه المسيح الموعود‪.‬‬
‫وفي المرحلة الثالثة أعلن أنسسه نسسبي سسسنة ‪ ,1900‬وقسسد ادعسسى أن اللسسه جمسسع جميسسع‬
‫النبياء في شخصه‪.‬‬
‫قال بشير محمود ) أحد الدعاة القاديانيين (‪) :‬غلم احمسسد أفضسسل مسسن بعسسض أولسسي‬
‫العزم من الرسل ( !!‪.‬‬
‫ولقد تبعه الكثيرون ليبايعوه علسسى السسولء لبريطانيسسا‪ .‬يقسسول محمسسود أحمسسد ) خليفسسة‬
‫ميرزا غلم احمد في رسالته ‪ ) :‬هدية لسسسمو الميسسر ويلسسز نجسسل جسسورج الخسسامس سسسنة‬
‫‪: (1931‬‬
‫) أنا أرحب بك وأؤكد لك أن الجماعة الحمدية وفية لبريطانيا وستبقى وفيسسة – إن‬
‫شاء الله – وإن منهج هذه الجماعة منذ تأسيسسسها أن تطيسسع الحكومسسة القائمسسة بريطانيسسا‬
‫وهذا شرط البيعة فيها ( ‪.‬‬
‫جاء في كتاب ) ترياق القلوب ( لميرزا غلم أحمد ‪ ) :‬لقد قضيت عمري فسسي تأييسسد‬
‫الحكومة النجليزية و نصرتها‪ ,‬وألفت في منع الجهاد ووجوب طاعة أولي المر النجليز‬
‫من الكتب والنشرات ما لو جمع لمل خمسين خزانة ‪ .‬وقد نشسسرت جميسسع هسسذه الكتسسب‬
‫في البلد العربية ومصر والشام وكابل ( ‪.‬‬
‫‪ -2‬البابية والبهائية في إيران ‪:‬‬
‫وهذا دين آخر رعته بريطانيا وحرصت على نشره روسيا مسسن أجسسل تمييسسع العقيسسدة‬
‫السلمية‪ .‬و البابية مؤسسسسها شسسيعي يسسدعى ) ميسسرزا علسسي محمسسد الشسسيرازي ( تلقسسب‬
‫بالباب واشتق اسمه من الحديث الموضوع ) أنسسا مدينسسة العلسسم وعلسسي بابهسسا ( ‪ .‬وادعسسى‬
‫النبوة أول ‪ ,‬ثم ادعى أنه المظهر لله ‪ ,‬ثم أسس تلميذه ) البهاء ( دين البهائية ‪.‬‬
‫وفي سسسنة ‪ 1848‬عقسسد البهائيسسة مسسؤتمر بدشسست ‪ ,‬وأعلنسست البابيسسة نسسسخ الشسسريعة‬
‫السلمية بالبابية ‪ .‬ثم أعدم البهاء ‪ ,‬وتفرقت جماعته إلى فرق ) في نواحي إيران ( ‪.‬‬
‫ول يفوتنا أن ننبه إلى أن النسسواة الولسسى لتبسساع البسساب كسسان لليهسسود فيهسسا عسسدد كسسبير‬
‫منهم ‪ ...‬وقد كان قسم من أعمال السفارة الروسسية فسي طهسران منحصسرا فسي تهيئة‬
‫اللواح و تنظيم أعمال البابية ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 561 [ ‬‬

‫وقد مرت دعوة البهاء بثلثة أطوار‪ ,‬الول ادعى فيه أنه عيسى عليسسه السسسلم ‪ ,‬ثسسم‬
‫ادعى النبوة ثم ادعى اللوهية‪...‬‬

‫مدرسة مد الجسور نحو الغرب‪:‬‬ ‫•‬


‫لقد اشرنا أكثر من مرة إلسسى أن الغسسرب آثسسر أن ل يسسستعمل القسسوة إل فسسي حسسالت‬
‫الضسسرورة القصسسوى لنسسه أدرك أن بإمكسسانه أن يصسسنع مسسن خلل ربسسائبه مسسن أبنسساء البلسسد‬
‫أضعاف ما تحققه جنده وأساطيله الجوية والبحرية‪.‬‬
‫ولقد رأى النكليسسز‪ -‬بالسسذات – أن مسسن أفضسسل الطسسرق لضسسرب جسسذورهم فسسي أرض‬
‫المسلمين هو إقامة مدارس تقوم بردم الهوة بين الغرب المشسسرك والشسسرق المسسسلم‬
‫بتمييع الحواجز وإزالة الفواصل وتقريسب الشسقة بيسن اليمسان الناصسع والكفسر الصسريح‬
‫بتلبيس المور واختلط الشارات وهسسدم الفسسوارق بيسسن المسسسلمين والكسسافرين ‪ .((1‬ومسسن‬
‫هذه المدارس ‪:‬‬
‫مدرسة محمد عبده في مصر‪.‬‬
‫مدرسة أحمد خان ‪ ,‬وعلى طريقته وحيد الدين خان ‪ ) .‬في الهند ( ‪.‬‬
‫مدرسة محمد عبده في مصر ‪:‬‬
‫يختلف المفسرون لحداث التاريخ حول شخصية محمد عبده وفسسي تحليسسل مسسواقفه‬
‫السياسية وصلته بالحتلل البريطاني ‪:((2‬‬
‫فمنهم من يغالي فيه و يرى فيه المصلح السسذي أيقسسظ مصسسر مسسن سسسباتها العميسسق ‪,‬‬
‫وأنه بذل وسعه في إصلح الزهر ‪ ,.‬وأنه كان ل يستطيع مواجهة بريطانيا فاضطر إلسسى‬
‫مهادنتها من أجل حماية الوقاف السلمية والقيام بالصلح الجذري للزهسسر و العلمسساء‪.‬‬
‫ومن هؤلء تلميذه محمد رضا ‪ ,‬ومحمد البهي‪..‬‬
‫ومنهم من يرى أنه قام بدور كبير في خدمة بريطانيا أكثر من العلمانيين الصرحاء‪,‬‬
‫وذلك لنه مد الجسور بين النفسية المصرية السلمية والنفسسسية النجليزيسسة الحاقسسدة ‪,‬‬
‫واستطاع أن يقنع الكثيرين أنه ل بد من التعاون مع بريطانيا‪.‬‬
‫ومن أصحاب هذا الرأي الشيخ عليش شيخ الزهر الذي كفر محمد عبده ‪.‬‬
‫ومهما يكن من أمر فهناك قضايا كبرى ل نستطيع إغفالها في حياة محمد عبده‪:‬‬
‫‪ -1‬دخوله الماسونية وهذا أثبته له حتى تلميسسذه وأثبسست حصسسوله علسسى أوسسسمة فسسي‬
‫الماسونية من الملحق الثقافي المريكي في المحفل الماسوني اللبناني‪.‬‬
‫‪ -2‬وقوفه بجانب كرومسسر ضسسد الخسسديوي عبسساس‪ ..‬ومكسسانته الرفيعسسة لسسدي النكليسسز‬
‫وتدخلهم لدعمه في كل ملمة به‪ .‬كما خصوه بمنصب الفتاء في مصر وحصروه فيه‪.‬‬
‫‪ -3‬كان محمد عبده من رواد صالون الميرة نازلي كما أسلفنا ‪ .‬وقد حفظت صسسور‬
‫لمحمد عبده يخالط فيهسا بعسض نسساء الفرنسج وغيرهسسن مسن خليعسات مصسر فسسي ذلسسك‬
‫الزمان‪.‬‬
‫‪ -4‬كان كرومر يقول للخديوي عباس ‪:‬‬
‫( إسمح لي أن أقول أنه مادام لبريطانيا العظمى نفوذ في مصر‪ ,‬فإن‬
‫الشيخ محمد عبده يكون هو المفتي حتى يموت(‪.‬‬
‫وقد جاء في كتاب كرومر ) مصر الحديثة(‪:‬‬

‫)‪ (1‬الن تقوم أمريكا بنفس البرنامج ‪ ,‬عن طريق افتتاح المراكز الثقافية ‪ ,‬والمؤسسات العلمية والبحثية العالية ‪ .‬وعن‬
‫طريق أخذ الطلبة المتفوقين دراسيا ‪ ,‬وأبناء الغنياء والشخصيات السياسية والجتماعية في بعثات دراسية إلى أمريكا‬
‫لغسل عقولهم وإعادتهم بعقول وثقافة وتبعية روحية لمريكا ‪ .‬وتصرح أمريكا في دعايتها لبرامج تلك البعثات ‪ ,‬أن هؤلء‬
‫الخريجين سيتسلمون مهمة إدارة بلدهم في كل المجالت ‪ ,‬وسيكونون زعماء بلدهم في المستقبل !‬
‫)‪ (2‬أما نحن فل نختلف ‪ ,‬ول ريب عندنا أن محمد عبده كان ماسونيا عميل لبريطانيا مرتدا ملحدا في دين الله ‪ .‬ونحن‬
‫متفقون مع شيخ الزهر في زمانه ) الشيخ عليش( رحمه الله ‪ ,‬حيث كفره علنا وبين وجوه ردته ‪ -‬قاتله الله ‪ -‬وسامح‬
‫الطيبين المغفلين المخلصين‪،‬المخدوعين به ‪.‬‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 562 [ ‬‬

‫( إن محمد عبده كان مؤسسا لمدرسة حديثة قريبة الشــبه مــن تلــك‬
‫التي أسسها السيد أحمد خان في الهند مؤسس جامعة عليكرة (‪.‬‬
‫يقول المستشرق النكليزي ) هاملتون جب( في كتابه ‪ ) :‬أين يتجه السلم( ‪:‬‬
‫( ومن ناحية أخرى نجد أن الشيخ محمد عبده قد صنع جسرا فوق الهوة‬
‫التي تفصل التعليم التقليدي الجاف عن التعليم المصري الخاضع لمذهب‬
‫العقليين الذي غزا الشرق والغرب ( ‪.‬‬
‫ل أشك أن تفسير محمد عبده للقرآن والذي نقلسسه تلميسسذه محمسسد رضسسا يسسدل علسسى‬
‫الهزيمة الروحيسسة أمسسام ضسسغط الغسسرب الجسساثم علسسى صسسدور المسسسلمين واسسستحياء مسسن‬
‫المستشرقين ‪ .‬حيث أول الملئكسة بسالقوى الطبيعيسة ‪ ,‬وفسسر سسجودهم لدم بتسسخير‬
‫قوى الرض لسسه ‪ ,‬وأول الجسسن بالميكروبسسات ‪ ,‬و الطيسسر البابيسسل بمخلوقسسات مسسن جنسسس‬
‫البعوض والذباب ‪ ,‬والحجارة مت سجيل بالجراثيم ‪!..‬‬
‫فأين كان محمد عبده من قوله تعالى ‪:‬‬
‫م‬
‫كــ ْ‬‫ما ل َ ُ‬‫و َ‬
‫م الّناُر َ‬ ‫سك ُ ُ‬ ‫م ّ‬‫فت َ َ‬‫موا َ‬ ‫ن ظَل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ول ت َْرك َُنوا إ َِلى ال ّ ِ‬‫( َ‬
‫َ‬
‫ن ( )هود‪. (113:‬‬
‫صُرو َ‬ ‫م ل ت ُن ْ َ‬ ‫ول َِياءَ ث ُ ّ‬
‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬‫ه ِ‬‫ن الل ّ ِ‬‫دو ِ‬‫ن ُ‬‫م ْ‬
‫ِ‬
‫مدرسة أحمد خان بهادور في الهند ‪:‬‬
‫لقد أقلق بريطانيا وجود علماء صادقين مجاهدين في شبه لقارة الهندية من أمثسسال‬
‫الشيخ ) أحمد بسن عرفسان الشسهيد)‪ (1842‬السذي ألهسب شسعلة الحمساس والجهساد فسي‬
‫نفوس المؤمنين في الربع الول مسسن القسسرن التاسسسع عشسسر‪ .‬ولسسذلك لجسسأت إلسسى تربيسسة‬
‫صنائع دينية تمسح من الذهان فكرة الجهاد فاخترع تعددا من المدارس مثل ‪:‬‬
‫القاديانية ‪ ,‬وقدمت ميرزا غلم أحمد على أنه نبي ينسخ الجهاد ‪.‬‬
‫أحمد خان ‪ .‬العلماني الذي نادى بإلغاء الجهاد أيضا‪.‬‬
‫وقد ولد أحمد خان هذا سنة ‪1817‬في دهلي‪ ,‬ثم عمل في خدمة بريطانيا أمينا في‬
‫الحكم الجنائي ‪ .1837‬ولدى قيام المسلمين بالجهاد سنة ‪ ,1857‬وقف أحمد خان ضد‬
‫الثورة السلمية ‪ ,‬وخلص كثيرا من البريطانيين من القتل ‪ ,‬ودفع مبلغا ضخما من ماله‬
‫لنقاذهم ‪ ,‬وألف كتابا عن أسباب الثورة أنحى فيه باللئمة على المسلمين الجهلة ‪.‬‬
‫وقد منحته بريطانيا وسام نجمة الهند ‪ .‬وفي سسسنة ‪ 1875‬أنشسسأ ) الكليسسة الشسسرقية‬
‫النجليزية ( في عليكرة ‪ .‬واسمها الن ) الجامعة السلمية ( ‪ .‬وهلك سنة ‪. 1898‬‬
‫ومن أهم محاولت أحمد خان ‪:‬‬
‫إنشاء دين جديد تنصهر فيه الديان الثلثة ) السلم ‪ ,‬النصرانية ‪ ,‬اليهودية (‪.‬‬
‫محاولة إثبات صحة الناجيل‪ ,‬وكتب في هذا كتابا سنة ‪1862‬أسماه تبيان الكلم ‪.‬‬
‫نادى بالمذهب الطبيعي الدهري ‪ ,‬وقال أن جميع النبياء كانوا طبيعيين ل يعتقسسدون‬
‫بالله‪ -‬والعياذ بالله‪ -‬ولقب نفسه بالطبيعي‪.‬‬
‫زعم أنم النبوات تكتسب بالرياضة الروحية ‪ .‬إلغاء فريضة الجهاد ‪.‬‬
‫مدرسة وحيد الدين خان في دلهي بالهند ‪:‬‬
‫وقد أشد وحيد خان بسلفه أحمد خان ‪ .‬وكان من أفكاره التي جاءت في كتبه ‪:‬‬
‫‪ -1‬الدعوة إلى إنشاء مركز عسسالمي عصسسري بشسسرط أن يبتعسسد عسن السياسسسة بكسسل‬
‫شكل ‪.‬‬
‫‪ -2‬ترك الدنيا لهلها وتذكير الناس بالموت فقط ‪.‬‬
‫‪-3‬إلغاء الجهساد والسسدعوة لسسترك مواجهسسة الغسسرب ‪ ,‬والسسدعوة إلسى السسستكانة والسذل‬
‫والصبر ‪.‬‬
‫‪ -4‬أن النبياء بعثوا للمؤمنين الفاسدين ‪.‬‬
‫المستشرق النكليزي ( جب( يكتب عن العالم السلمي سنة ‪:1932‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 563 [ ‬‬

‫خلل الثلث الول من القرن العشرين‪ ,‬نجح اليهود وحلفاؤهم الغربيين في مجالت‬
‫شتى في العالم السلمي‪..‬‬
‫فقسسد أسسسقطوا الخلفسسة العثمانيسسة ‪ ,‬وزجسسوا بتركيسسا فسسي الحسسرب العالميسسة الولسسى‪,‬‬
‫فحطموها وتقاسسسموا ممتلكاتهسسا ‪ ,‬وقسسد وقسسف الزعمسساء العسسرب بسسسذاجتهم إلسسى جسسانب‬
‫الحلفاء والنجليز خاصة ضد إخسسوانهم المسسسلمين التسسراك العثمسسانيين‪ ,‬ظنسسا منهسسم أنهسسم‬
‫سف يساعدوهم على قيام مملكة عربية مستقلة !ولمن الحقائق التي سسسبق أن أشسسار‬
‫إليها القرآن كانت غير ذلك ! يقول لورنس ) رجل الستخبارات البريطاني( الذي رتسسب‬
‫الثورة العربية الكبرى ضد العثمانيين لمساعدة بريطانيا السستي أغسسدقت الوعسسود الكاذبسسة‬
‫للشريف حسين والي مكة والحجاز آنذاك ‪ .‬يقول‪ ) :‬كنت أعلسسم أننسسا إذا كسسسبنا الحسسرب‬
‫فإن عهودنا للعرب ستصسسبح أوراقسسا ميتسسة‪ ,‬ولسسو كنسست ناصسسحا شسسريفا للعسسرب لنصسسحتهم‬
‫بالعودة إلى بيوتهم ‪ ,‬لقد كان قادة الحركة العربيسسة يفهمسسون السياسسسة الخارجيسسة فهمسسا‬
‫عشائريا بدويا‪ ,‬وكان البريطانيون والفرنسيون يقومون بمناورات جسسريئة اعتمسسادا علسسى‬
‫سذاجة العرب وضعفهم وبساطة قلوبهم وتفكيرهم ‪ ,‬وكان لهم ثقة بالعدو ‪ .‬إنني أكسسثر‬
‫ما أكون فخرا أن الدم النكليزي لم يسفك فسسي المعسسارك الثلثيسسن السستي خضسسناها ‪ ,‬لن‬
‫جميع القطار الخاضعة لنا لم تكن تساوي في نظري موت إنكليزي واحد (‪..‬‬
‫لقد قال ويزمن بعد ذلك ‪ ) :‬لقد قدم لورنس خدمات جليلة لليهود (!‬
‫ثم بدأ الغسسرب عسسن طريسسق التعليسسم ينفسسث السسم فسسي أوصسسال هسسذه المسسة ‪ ,‬فأفسسسد‬
‫الناشئة ‪ ,‬وأفسد النساء وحطم المكونات السرية ‪ ,‬وأدخل أندية الماسون و الروتسساري‬
‫في نخبة المجتمعات ‪ ..‬ونشر الفسوق عبر المسرح والسينما ووسائل العلم ‪..‬‬
‫يقول المستشرق النكليزي جب في كتابه وجهة العالم السلمي ‪:‬‬
‫] عن (التعليم( ‪:((1‬‬
‫إن هذا هو السبيل الوحيد لفرنجة بلد المسلمين وتغريبها ‪ ,‬لقد كان‬
‫التركيز قويا لنشاء الطبقة التي تأخذ نهائيا بوجهة نظر ل سلطان للدين‬
‫عليها ‪ ,‬وحينئذ يمكن الجلء عن أراضيها وتسليمها زمام السلطة فيها‬
‫لنها امتداد لفكر المحتل ‪! [.‬‬

‫ويقول ‪:‬‬
‫] إن المدارس والمعاهد ل تكفي فليست إل الخطوة الولى ويجب‬
‫صرف الهتمام إلى خلق رأي عام بالعتماد على الصحافة ‪ ,‬فهي أقوى‬
‫الدوات الوربية وأعظمها نفوذا في العالم السلمي ‪ ,‬و مديرو الصحف‬
‫القومية معظمهم من التقدميين والصحف تتميز بنزعة علمانية غالبة كما‬
‫يرى ‪! [.‬‬
‫ويضيف بأن التعليم والصحافة قد ترك المسلمين ل دينيين إلى حد بعيد ‪:‬‬
‫] إن العالم السـلمي سيصـبح خلل فـترة قصـيرة ل دينيـا فـي كـل‬
‫مظاهر حياته ‪[.‬‬
‫ويبدي جب تخوفه من ناحيتين ‪:‬‬
‫‪ -1‬المعاهد الدينية ‪.‬‬
‫‪ -2‬الحركات السلمية ‪ :‬التي يرى أنها تتطور بسرعة مذهلة مدهشة ‪ ,‬وتنفجر‬
‫انفجارا مفاجئا قبل أن يتبين المراقبون من إماراتها ما يدعوهم إلى الريبة في‬
‫أمرها ‪.‬‬

‫)‪ (1‬انتبه لهتمام الستعمار الوربي بالتعليم ‪ ,‬ولتصريحهم بل خفاء عن أهدافهم من وراء ذلك ‪ .‬وتذكر اللحاح‬
‫والجبار الذي تمارسه أمريكا اليوم لعادة مسخ ما مسخ من مناهج التعليم ‪.‬وعقد الحكومات العربية والسلمية بضغط‬
‫من أمريكا عشرات المؤتمرات تحت الشعار الخادع ‪ ) :‬تطوير مناهج التعليم ( ‪.‬‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 564 [ ‬‬

‫و يقول‪ ] :‬إن الحركات السلمية ل ينقصها إل الزعامة وظهــور صــلح‬


‫الدين ‪! [.‬‬

‫زعيم المبشرين ) زويمر ( يصف المسلمين السسذين يريسسدهم الغسسرب سسسنة‬ ‫•‬
‫‪((1‬‬
‫‪: 1933‬‬

‫يقول زويمر مخاطبا المبشرين في مؤتمر القدس سنة ‪:1933‬‬


‫] ** ‪ ..‬إن مهمتكم هي إخراج المسلم من السلم ليصبح مخلوقا ل صلة له بالله ‪,‬‬
‫وبالتالي ل صلة تربطه بالخلق التي تعتمد عليها المم في حياتها ‪ ,‬وبذلك تكونون‬
‫أنتم طليعة الفتح الستعماري في الممالك السلمية‪ .‬هذا ما قمتم به خلل العوام‬
‫المئة السابقة خير قيام ‪.‬‬
‫** لقد قضينا في هذه الحقبة من الدهر منذ الثلث الخير من القرن التاسع عشر‬
‫إلى يومنا هذا على جميع برامج التعليم في الممالك السلمية ‪ ,‬ونشرنا في تلك‬
‫الربوع مكامن التبشير والكنائس والجمعيات والمدارس المسيحية ‪ ,‬تلك التي تهيمن‬
‫عليها الدول الوربية والمريكية ‪.‬‬
‫** أنتم أعددتم بوسائلكم جميع العقول في الممالك السلمية إلى قبول السير في‬
‫الطريق الذي مهدتم له كل تمهيد ‪.‬‬
‫** إنكم أعددتم شبابا في ديار السلم ل يعرف الصلة بالله ‪ ,‬ول يريد أن يعرفها ‪,‬‬
‫وأخرجتم المسلم من السلم ولم تدخلوه في المسيحية ‪ .‬وبالتالي جاء النشء‬
‫السلمي طبقا لما أراد له الستعمار ‪ ,‬ل يهتم للعظائم ‪ ,‬ويحب الراحة والكسل ‪ ,‬ول‬
‫يصرف همه في الدنيا إل في الشهوات ‪ ,‬فإذا جمع المال فللشهوات ‪ ,‬وإن تبوأ‬
‫أسمى المراكز ففي سبيل الشهوات يجود بأغلى ما يملك ‪! [.‬‬
‫ويقول زويمر ‪:‬‬
‫] إن السياسة الستعمارية لما قضت منذ ‪1882‬م على برامــج التعليــم فــي المــدارس‬
‫البتدائية ‪ ,‬أخرجت منها القرآن ‪ ,‬ثــم تاريــخ الســلم ‪ ,‬وبــذلك أخرجــت ناشــئة ل هــي‬
‫مسلمة ‪ ,‬ول هي مسـيحية ‪ ,‬ول هـي يهوديـة ‪ .‬ناشــئة مضــطربة ‪ ,‬ماديـة الغــراض‪ ,‬ل‬
‫تؤمن بعقيدة ول تعرف حقا ‪ ,‬فل للدين ‪ ,‬ول للكرامة ‪ ,‬ول للوطن حرمة [ ! أهـ‪.‬‬

‫لقسسد وصسسف( زويمــر( الجيسسل خلل القسسرن التاسسسع عشسسر والثلسسث الول القسسرن‬
‫العشرين وصفا دقيقا ‪ .‬ولكنه خاب فأله فيما بعد ‪ ,‬ولم يصدق ظن (جب( ‪ ,‬الذي رأى‬
‫أن الشرق المسلم سيصبح علمانيا عن قريب ‪.‬‬
‫لقسسد كسسان اللسسه – عسسز وجسسل ‪ -‬لهسسم بالمرصسساد ‪ ).‬فقسسد نهضسست الصسسحوة السسسلمية‬
‫بمدارسها المختلفة ‪ ,‬ثم أفرزت الصحوة الجهادية ‪ ,‬وعادت المسة تلتمسس الخلص فسي‬
‫طريق القرآن (‪.‬‬
‫َ‬
‫ل‬‫سِبي ِ‬
‫ن َ‬ ‫ع ْ‬ ‫دوا َ‬ ‫ص ّ‬
‫م ل ِي َ ُ‬ ‫وال َ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫م َ‬
‫نأ ْ‬ ‫قو َ‬ ‫ف ُ‬‫فُروا ي ُن ْ ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬ ‫‪ ‬إِ ّ‬
‫غل َب ُــو َ‬
‫ن‬ ‫م يُ ْ‬ ‫س ـَرةً ث ُـ ّ‬‫ح ْ‬ ‫م َ‬ ‫هـ ْ‬ ‫ن َ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫م ت َك ُــو ُ‬ ‫ها ث ُـ ّ‬‫قون َ َ‬‫ف ُ‬
‫س ـي ُن ْ ِ‬
‫ف َ‬ ‫ه َ‬‫الل ّ ِ‬
‫‪((1‬‬
‫ن ‪) ‬لنفال‪ .[ (36:‬أهـ‬ ‫شُرو َ‬ ‫ح َ‬‫م يُ ْ‬ ‫هن ّ َ‬ ‫فُروا إ َِلى َ‬
‫ج َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬‫وال ّ ِ‬
‫َ‬

‫] الدعوة القومية والسباب الحقيقية التي كانت وراءها‪:‬‬ ‫•‬


‫السبب الرئيسي‪ :‬هو محاولة الغسسرب اسسستعاد السسسلم كرابطسسة وحيسسدة وإحلل‬
‫رابطة جديسسدة مكسسانه بعسسد فشسسل الغسسرب فسسي الحسسروب الصسسليبية ‪ ,‬فسسأراد أن يسسستعمل‬
‫)‪ (1‬إقرأ ‪..‬وتمعن ‪..‬وستفهم ‪ :‬أنه لم يتبدل أي شيء في برنامج الستعمار بين الروم الصليبيين الوربيين ‪ ,‬والروم‬
‫المتصهينين الجدد المريكيين ‪ .‬اللهم إل ما أشرنا إليه من خصائص الكاوبوي المريكي ‪ ,‬وثلثيته ‪ :‬الحمق والجهل‬
‫والبطش ‪..‬لنه يستعجل النتيجة ‪.‬ولنهم قزم بل تاريخ ول حضارة ‪.‬‬
‫)‪) (1‬الذخائر العظام ‪ -‬ج ‪. (939 -1/908‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪‬‬ ‫‪] 565 [ ‬‬

‫أسلوب الفكر واللسان بدل السنان ‪ ,‬وذلك ليسهل للغسرب تثسبيت أقسدامه فسي بلدنسا ‪,‬‬
‫خاصة بعد حملة نابليون على مصر‪.‬‬
‫طموح محمد علي باشا وإبراهيم باشا إلى عمل إمبراطورية قومية عربية‪.‬‬
‫التخلص من تركيا المسلمة والقضاء عليها حتى يرث الغرب ممتلكاتها‪.‬‬
‫محاولة النصارى التخلص من تركيا لنها كانت تطبق عليه الجزية وبعسسض الواجبسسات‬
‫الستثنائية التي تقابل المسلمين دفع الزكاة والقيام بالجندية لحماية الدولة السلمية‪.‬‬
‫وطمعا من المسيحيين أن يقودوا المجتمعسات الستي يعيشسون فيهسا ويوجهسوا دفتهسا‬
‫ويصبحوا سادتها وعلية أقوامها‪.‬‬
‫التطور التاريخي للفكرة القومية‪:‬‬
‫تعتبر حملة نابليون النقطة الولى في بداية تحويل العرب من السلم إلى القومية‬
‫‪ ,‬وقد اختمرت هذه الفكرة في ذهن نابليون على أثر المقاومة التي حركها الزهر بنداء‬
‫)الله أكبر( واقتنع الغرب بهذه الفكرة‪.‬‬
‫وخرج الفرنسيون سنة )‪ (1904‬من مصر وجسساء محمسسد علسسي باشسسا ‪ ,‬وكسان محمسسد‬
‫علي ضابطا ألبانيا – ل يعرف العربية جاء مع الحملة السستي أرسسسلها الخليفسسة إلسسى مصسسر‬
‫لمقاومة نابليون ‪ ,‬وكان محمد علي يتيما طموحا ذكيا ‪ ,‬ولكنه كان أميسسا ‪ ,‬فكسسان مصسسابا‬
‫بعقدة النقص بسبب أميته ‪ ,‬فأراد أن يحضسسر مصسسر ويطورهسسا ‪ ,‬فقضسسي علسسى الممالسسك‬
‫ونودي به حاكما على مصر‪.‬‬
‫محمد علي باشا والفرنسيون‪:‬‬
‫كان محمد علي معجبا بالفرنسيين ‪ ,‬فهسو منسذ صسغره علسى صسلة بفرنسسي اسسمه‬
‫ليون )‪ (Lion‬ثم استقدم إلى مصر د‪) .‬كلوت( الطبيب الفرنسسسي ليكسسون مستشسساره ‪,‬‬
‫فأشار عليه بفكرة القومية )وقد عنى كلوت بأن يطبع الطلب في الدارس العليا السستي‬
‫كان يديرها على الشعوب الصحيح بالقومية العربية( وبدأ محمسسد علسسي يرسسسل البعثسسات‬
‫إلى فرنسا ‪ ,‬فرجعت البعثات تحمسسل بسسذور الفكسسرة القوميسة ‪ ,‬ومسن بيسن هسسؤلء رفاعسة‬
‫الطهطاوي الذي أقسسام فسسي بسساريس )‪ (1831 -1826‬فحمسسل فكسسرة الثسسورة الفرنسسسية‬
‫القومية‪.‬‬
‫ابراهيم باشا في بلد الشام‪:‬‬
‫كان محمد علي باشا يطمع في امبرطورية عربية تنفصسسل عسسن الحكسسم العثمسساني ‪,‬‬
‫وقد زين له هذا المر الغرب )الفرنسيون بالسسذات( فأرسسسل ابنسسه إبراهيسسم باشسسا واحتسسل‬
‫الشام كلها ‪ ,‬ومكث حكم إبراهيم في بلد الشام سسسبع سسسنوات )‪ (1840 -1833‬وقسسد‬
‫كان لهذه السنوات أثر عميق في تغيير مجرى الحداث في الشام ولمدة قرن ونيف‪.‬‬
‫فماذا صنع إبراهيم باشا في الشام‪:‬‬
‫ألغى الحكسسام السسسلمية المطبعسسة علسسى النصسسارى فسسي الشسسام ونسسادى بمسسساواتهم‬
‫بالمسلمين وكذلك فعل أبوه في مصر‪.‬‬
‫شجع الجمعيات التبشيرية ومدارسها ‪ ,‬وأما أبوه في مصر فكان جلساؤه دائما من‬
‫السفراء والسائحين والمبشرين ‪ ,‬وكان نتيجة هذا التشجيع للمبشرين في الشام‪.‬‬
‫(‬
‫‪ -1‬قدوم البعثات البروتستنتية (المريكية( وكان من بين رجالتها ‪:( 1‬‬
‫( أيلي سميث(‪ .‬الذي مكث يعمل دائبسسا للنصسسرانية مسسن )‪ (1857 -1834‬فنقسسل‬
‫المطبعة التي كانت للبعثسسة مسن مالطسسة إلسسى بيسسروت وبسسدأت تطبسسع بالعربيسسة وهسي أول‬
‫مطبعة من نوعها في بلد الشام ‪ ,‬وأقام سميث هو وزوجته في بيروت مدرسة للبنسسات‬
‫وهي أول مدرسة في بلد الشام من هذا النوع‪.‬‬

‫)‪ (1‬لحظ قدم المحاولت المريكية للتسلل للمنطقة ‪ ,‬حيث لم يتمكنوا لقوة بريطانيا وفرنسا وغيرها من دول الستعمار‬
‫آنذاك ‪ .‬حتى جاءتهم الفرصة وجاء مقت أن يحصدوا ما زرع أجدادهم المبشرون البروتستانت من النصارى المتهودين ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 566 [ ‬‬

‫الدكتور )كورنيليوس فاندك( جاء طبيبسسا مسسع البعثسسة المريكيسسة وبقسسي يعمسسل ‪55‬‬
‫سنة في بلد الشام )ربما كانت جهوده أكبر الجهود الفردية الجنبية قيمة وأكثرهسسا أثسسرا‬
‫في التطور الثقافي في البلد‪.‬‬
‫ناصيف اليازجي ‪ (1871-1800 ) :‬لبناني نصسسراني ‪ ,‬عمسسل مسسع البعثسسة المريكيسسة ‪,‬‬
‫وفي مطبعتها مع سميث وفانديك ‪ ,‬و قام هو وابنه إبراهيم اليسسازجي بترجمسسة التسسوراة ‪,‬‬
‫وكان ابنه إبراهيم هو أول من أسس )جمعية بيروت السرية( ذات الطابع القومي ‪.‬‬
‫وإبراهيم هذا كان نصرانيا ماسو نيسسا ‪ ,‬عسساش مسسا بيسسن )‪ , (1906-1847‬مسسات فسسي‬
‫مصر ونعته المحافل الماسونية فيها ‪ ,‬وهو صاحب القصسسيدة السستي تنسسادي بسسالثورة علسسى‬
‫التراك‪.‬‬

‫لقد طما السيل حتى غاصسست‬ ‫ب‬‫تنبهوا واستفيقوا أيهسسا العسسر ُ‬


‫ب‬
‫الركسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسس ُ‬ ‫أقسسداركم فسسي عيسسون السسترك‬
‫حقكسسسم بيسسسن أيسسسدي السسسترك‬ ‫نازلسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسة‬
‫منتهسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسب‬ ‫لنطلبسسن بحسسد السسسيف مأربنسسا‬
‫ب‬‫فلن يخيب لنا في جنبسسه أر ُ‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 567 [ ‬‬

‫بطرس البستاني‪ , (1883-1819) :‬وهو لبناني كان يعمسسل مترجمسسا فسسي القنصسسلية‬
‫المريكية في بيروت ‪ ,‬غير دينه من ماروني إلى بروتستنتي بسبب صداقته مع سسسميث‬
‫و فاندك ‪ .‬وظفسسه المبشسسرون مدرسسسا فسسي مدرسسسة عبيسسة ‪ ,‬ترجسسم التسسوراة مسسع سسسميث‬
‫واستغرق في الترجمسسة عشسسر سسسنوات ‪ ,‬أصسسدر قسساموس )محيسسط المحيسسط( ومختصسسره‬
‫)قطر المحيط( و )دائرة المعارف للبستاني(‪.‬‬
‫أصدر في فتن عسسام )‪ ) (1860‬بيسسن النصسسارى والسسدروز فسسي لبنسسان( مجلسسة اسسسمها‬
‫) نفير سورية( يدعو إلى الوحدة القوميسسة ‪ ,‬أسسسس عسسام )‪) (1863‬المدرسسسة الوطنيسسة(‬
‫كان يدرس هو و ناصيف اليازجي فيها ‪ .‬وأصسسدر عسسام )‪ (1870‬مجلسسة اسسسمها )الجنسسان(‬
‫صحيفة نصف شهرية سياسية وأدبية ‪ - ,‬شسسعارها )حسسب السسوطن مسسن اليمسسان(‪ .‬وأصسسدر‬
‫صحيفتي )الجنة( و )الجنينة(‪.‬‬
‫ويعتبر اليازجي والبستاني من السرواد الوائل لفكسرة القوميسسة العربيسة ‪ ,‬فلقسد قسام‬
‫تلميذهم بالتنظيمات القومية التي آتت أكلها فيما بعد وأثمرت هذا القصسساء لسسدين اللسسه‬
‫عن الحياة وتربية الرواد الذين يعتبرون القومية مثلهم العلى الذي تقسسدم لسسه القسسوانين‬
‫والتضحيات‪.‬‬
‫من ثمار البعثة المريكية عدا إبراز اليازجي والبستاني أنها قامت بإنشاء أكبر معهد‬
‫لحضانة الفكر القومي وهو‪:‬‬
‫الجامعة المريكية في بيروت (‪:(1866‬‬
‫وكان اسمها فسسي البدايسسة )الكليسسة السسسورية النجيليسسة( ‪ ,‬وكسسان أول رئيسسس لهسسا هسسو‬
‫) دانيال بلس( راهب أمريكي يحمسل السدكتوراه فسي اللهسوت ‪ ,‬وبقسي رئيسسا للجامعسة‬
‫حتى عام )‪ (1902‬وخلفه ابنه )هوا رد بلس( ‪ ,‬وأثر الجامعة المريكية فسسي المنطقسسة ل‬
‫يوازيه أي أثر في الفكرة القومية ‪ .‬ولقد خرجت الجامعسسة أجيسسال مسسن قسسادة بلد الشسسام‬
‫على مدى قرن ونيف ‪ .‬ومن أساتذتها المعروفين برعايسسة الفكسسر القسسومي )قسسسطنطين‬
‫زريق( الذي نخرج على يديه )جورج حبش(‪.‬‬
‫البعثسسة الكاثوليكيسسة – اليسسسوعية ‪ ,‬وقسسد قسسامت بإنشسساء مطبعسسة حجريسسة )‪(1847‬‬
‫وأسست مدرسة يوسف التي عرفت فيما بعد بالجامعة اليوسعية‪.‬‬
‫ج – اللعازريون ‪ :‬افتتحوا كلية ) عين طورة( في لبنان‪.‬‬
‫‪ -‬الجمعيات القومية‪:‬‬
‫ومن العمال التي قامت بها البعثات التبشيرية إنشاء الجمعيات التي تنادي بسسالفكر‬
‫القومي وأهمها‪:‬‬
‫جمعية الداب والفنون عام (‪:(187‬‬ ‫‪-1‬‬
‫أسستها البعثة التبشيرية المريكية وعلى رأسها سسسميث و فانسسدك و البسسستاني و‬
‫ناصيف اليازجي ‪ ,‬و لم يمض عليها عامان حتى بلسسغ أعضسساؤها خمسسسين عضسسوا أكسسثرهم‬
‫من النصارى السوريين في بيروت ‪ ,‬ولسسم يكسسن فيهسسم مسسسلم واحسسد ول درزي ‪ ,‬وبقيسست‬
‫الجمعية خمس سنوات‪.‬‬
‫الجمعية الشرقية عام (‪: (1850‬‬ ‫‪-2‬‬
‫أسسها اليسوعيون وكان يشرف عليها الب دبر ونر‪.‬‬
‫الجمعية العلمية السورية عام (‪:(1857‬‬ ‫‪-3‬‬
‫بلغ أعضاؤها مائة وخمسين عضوا ‪ ,‬اشترك فيها بالضافة إلى مؤسسيها مسسن أتبسساع‬
‫البعثة المريكية بعض المسلمين والدروز ‪ ,‬ونالت اعتراف الحكومة بها عام )‪.(1868‬‬
‫)كان أول صوت ظهر لحركة العرب القومية هو صوت إبراهيم اليازجي أحد أعضاء‬
‫الجمعية فألقى قصيدة اتخذت صورة النشيد القومي (‪.‬‬
‫جمعية ببيروت السورية عام (‪:(1875‬‬ ‫‪-4‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 568 [ ‬‬

‫يقول جورج انطونيوس ) يرجع أول جهسسد منظسسم فسسي حركسسة العسسرب القوميسسة إلسسى‬
‫العام )‪ (1875‬أي قبل ارتقاء عبد الحميد العرش بسنتين حين ألف خمسسسة شسسبان مسسن‬
‫الذين درسوا في الكلية البروتستنتية السورية – الجامعسسة المريكيسسة – بسسبيروت جمعيسسة‬
‫سرية وكانوا جميعا من النصارى ‪ ,‬ولكنهسسم أدركسسوا قيمسسة انضسسمام المسسسلمين والسسدروز‬
‫إليهم ‪ ,‬فاستطاعوا أن يضموا إلى الجمعيسة نحسو اثنيسن وعشسرين شخصسا ينتمسون إلسى‬
‫مختلف الطوائف الدينية ‪ ,‬ويمثلون الصسسفوة المختسارة والمسستنيرة فسي البلد ‪ ,‬وكسانت‬
‫الماسونية قد دخلت قبل ذلك بلد الشام على صورتها التي عرفتها أوروبسسا ‪ ,‬فاسسستطاع‬
‫مؤسسسسو الجمعيسسة السسسرية عسسن طريسسق أحسسد زملئهسسم أن يسسستميلوا إليهسسم المحفسسل‬
‫الماسوني الذي كان قد أنشئ منذ عهد قريب ويشركوه في أعمالهم (‬
‫من هذا ندرك‪-:‬‬
‫أن بداية العمل القومي المنظم كان في بلد الشام عن طريق النصارى‪.‬‬
‫أن هؤلء النصارى من تلميذ البستاني و اليازجي أو من محبيهم وكانوا ثمرة جهسسود‬
‫البعثة المريكية ‪.‬‬
‫إن من بين المؤسسين إبراهيم اليازجي صاحب شعار الجمعية ‪.‬‬
‫ب‬‫فلن يخيب لنا في جنبه أر ُ‬ ‫لنطلبن بحد السيف مأربنا‬
‫وكذلك كان فارس نمر باشا ) نصراني لبناني( وصهره ) شاهين مكسساريوس ( مسسن‬
‫مؤسسيها ‪ ,‬وهؤلء الثلثة من كبار الماسونيين المعروفين‪.‬‬
‫فاليادي الماسونية ‪ -‬اليهودية – هي التي تبنت فكرة القومية العربية ‪ ,‬وهي نفس‬
‫اليادي التي كانت تحسسرك فسسي السسوقت ذاتسسه ) القوميسسة الطورانيسسة ( السستي يتبناهسسا يهسسود‬
‫الدونمة في سالونيك وتعقد اجتماعاتهم في بيوت اليهود اليطاليين‪.‬‬
‫وأن الذي أوحى بفكرة تأسسسيس جمعيسسة بيسسروت السسسرية هسسو رجسسل يسسسمى إليسساس‬
‫حبسسالين مسسن بلسسدة ذوق مكايسسل‪ ,‬وكسسان أسسستاذا للغسسة الفرنسسسية يدرسسسها فسسي الجامعسسة‬
‫المريكية لطلب صسسف فيهسسم اليسسازجي ويعقسسوب صسسروف وشسساهين مكسساريوس ‪ ,‬وكسسان‬
‫الستاذ معجبا بالثورة الفرنسية(‪.‬‬
‫وقد كان يشك أن مدحت باشا – زعيم الماسونية وكان يكنى بسسأبي الحسسرار – وراء‬
‫تشكيل الجمعية ‪ ,‬فقد جاء في برقية أرسسسلها القنصسسل البريطسساني فسسي حزيسسران عسسام )‬
‫‪: (1880‬‬
‫) ظهرت في بيروت منشورات تحض على الثورة يشك في أن مدحت هو منشؤها‬
‫( وكان مدحت آنذاك واليا على الشام‪.‬‬
‫ولكن حزم السلطان عبد الحميسسد ومتسسابعته للجمعيسسة ومنشسسوراتها جمسسد نشسساطها ‪,‬‬
‫وكان أهم منشورات الجمعية هو المنشور الثالث السسذي صسسدر فسسي ‪ 31‬ديسسسمبر ‪1880‬‬
‫وحدد مطالبهم بأربع نقاط‪.‬‬
‫منح سوريا مع لبنان الستقلل ‪.‬‬
‫العتراف بالعربية لغة رسمية‪.‬‬
‫رفع الرقابة عن حرية التعليم‪.‬‬
‫عدم إرسال أبناء العرب للحرب مع التراك خارج بلدهم‪.‬‬
‫هجرة دعاة القومية إلى القاهرة ‪:‬‬
‫نتيجة مكافحسسة السسسلطان عبسسد الحميسسد للجمعيسسات السسسرية القوميسسة ‪ ,‬انتقسسل أولئك‬
‫الدعاة الوائل للقومية إلى القاهرة حيث يجثم كرومسسر المعتمسسد البريطسساني ‪ .‬فهسساجرت‬
‫العائلت النصرانية إلى القاهرة لتبث مسسن هنسساك الفكسسار العلمانيسسة والسسدعوة القوميسسة ‪,‬‬
‫ولتنطلق منها لمحاربة تركيا‪ .‬وكان من أبرز تلك السماء التي استقرت في القاهرة ‪:‬‬
‫فارس نمر وصهره شاهين مكاريوس ‪ ,‬صسساحب جريسسدة المقطسسم اليوميسسة ‪ ,‬ومجلسسة‬
‫المقتطف الشهرية وهما ماسونيان ‪.‬‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 569 [ ‬‬

‫سليم تقل الذي أسس جريدة الهرام اليومية التي مازالت إلى يومنا هذا ‪.‬‬
‫جو رجي زيدان ‪ :‬صاحب دار الهلل وله مؤلفات كثيرة ‪.‬‬
‫أديب اسحق ) مدير صحيفة مصر( وسليم نقاش )مدير صسسحيفة التجسسارة ( ‪ ,‬وكسسان‬
‫هسسذان النصسسرانيان يعملن بسسإدارة جمسسال السسدين الفغسساني ‪ ,‬وهسسو السسذي أسسسس هسساتين‬
‫الصحيفتين ‪.‬‬
‫روز اليوسسسف ‪ ,‬وقسسد جساءت مسسن الشسسام و كسانت نصسسرانية ‪ ,‬وتظسساهرت بالسسلم ‪,‬‬
‫وسسسمت نفسسسها فاطمسسة يوسسسف ‪ ,‬ولكنهسسا سسسمت صسسحيفتها باسسسمها القسسديم ) روز‬
‫اليوسف( ‪.‬‬
‫أحمسسد فسسارس الشسسدياق‪ -‬مسساروني اعتنسسق المسسذهب البروتسسستانتي علسسى يسسد البعثسسة‬
‫المريكية ‪ ,‬ثم جاء مصر وأصدر صحيفة ) الجو ائب( ثم أسلم على يد )بسساي تسسونس( ‪[.‬‬
‫أهس‪. ((1‬‬

‫] ) جمال الدين الفغاني ( و )محمد عبده ( و )عبد الرحمن الكواكبي ( ‪:‬‬ ‫•‬
‫ول بد هنا أن أشير إلسى ثلثسسة مسن السسدعاة ممسن كسانوا يسستزيون بسسزي العلمسساء وهسسم‬
‫مشهورون في العالم كلسسه كسسدعاة إلسسى الوحسسدة السسسلمية ‪ ,‬وكسسانوا مسسع السسوقت نفسسسه‬
‫يهاجمون تركيا ويسعون إلى هدم صرح الخلفة‪ .‬وهم‪:‬‬
‫الفغاني ‪ :‬وكان يحتضن كثيرا من النصارى واليهود ‪ ,‬وكان طبيبه الخسساص اسسسمه‬
‫هارون يهوديا ‪ ,‬وقد حضر موته هو ونصراني آخر اسمه )جو رجي كنجي( ‪ ,‬وكان ينسسزل‬
‫في لندن ضيفا على )مستر لنت( البريطاني صاحب كتاب )مستقبل السلم( ‪ ,‬وعندما‬
‫حاول الخليفة منع الفغاني من الخروج من تركيا توسط له السفير البريطاني وخسسرج ‪.‬‬
‫وكان الفغاني رئيسا لمحفل الشرق الماسوني‪.‬‬
‫أما محمد عبده‪ :‬فكان صديقا حميما لكرومر ‪ ,‬وصرح بأن الشسسيخ عبسسده سسسيبقى‬
‫مفتيا لمصر مادامت بريطانيا فيها ‪ ,‬وكسان ماسسسونيا ‪ ,‬وكسان مسن رواد صسالون الميسسرة‬
‫نازلي فاضل ‪ ,‬ومن تلميذه‪ :‬أحمد لطفي السيد العلماني الذي أعلن كفره البسسواح فسسي‬
‫صحيفته )الجريدة( وسعد زغلول ‪ ,‬وقاسم أمين )صاحب كتاب تحرير المرأة( ‪ ,‬وهسسؤلء‬
‫كان لهم أثر عميق في مجرى الحداث في مصر‪.‬‬
‫وعبد الرحمن الكواكبي (‪ :(1903-1849‬وكان جل أصسسدقاؤه وتلميسسذه مسسن‬
‫المسلمين واليهود والنصارى‪ .‬وكانت دروسسسه فسسي مقهسسى )سسسبنلددبار( ‪ ,‬نسسادى بمبايعسسة‬
‫خليفة عربي في كتابه )أم القرى( ‪ ,‬وله كتاب آخر اسمه )طبائع الستبداد( ‪ ,‬دعسسا إلسسى‬
‫المساواة بين الديان لتحقيق التمسك القومي ‪:‬‬
‫) دعونا ندبر حياتنا الدنيا ونجعل الديان تحكم الخرى فقــط ‪ ,‬دعونــا‬
‫تجتمع على كلمة سواء ‪ ,‬أل وهي فلتحيا المة ‪ ,‬فليحيــا الــوطن ‪ ,‬فلنحيــا‬
‫طلقاء أعزاء ( ‪ ) ,‬هــذه المــم أوروبــا وأمريكــا قــد هــداها العلــم لطــرائق‬
‫التحـــاد الـــوطني دون الـــديني‪ ,‬والوفـــاق الجنســـي دون المـــذهبي ‪ ,‬و‬
‫الرتباط السياسي دون الداري ( ‪.‬‬
‫هؤلء الثلثة ‪((1‬كانت أفكارهم تمهيدا للعلمانية ‪ ,‬فقد كانت آراؤهسسم قنطسسرة عسسبرت‬
‫عليها العلمانية إلى السلم كما يقول البرت حوراني‪.‬‬
‫وحطموا الحاجز النفسي بين الكافرين والمسلمين ‪ ,‬وأصسسبحت نفسسوس المسسسلمين‬
‫قابلة لتقبل الفكار الواردة وعلى رأسها القومية ‪ ,‬يقول البرت حوراني ‪:‬‬
‫)‪) (1‬الذخائر العظام ‪ :‬ج ‪. ( 882 - 879 / 1‬‬
‫)‪ (1‬الثلثة هم ‪ :‬عبد الرحمن الكواكبي ( السوري ( ‪ ,‬و الشيخين جمال الدين ( الفغاني ( وتلميذه محمد عبده‬
‫( المصري ( ‪.‬ومن المؤسف أننا درسنا في كل مراحل التعليم في بلدنا ‪ :‬أطفال وشبابا ‪ ,‬أنهم من رواد الصلح‬
‫والتنوير ‪ ,‬والتحرر ‪ ,...‬بل إني أتذكر أن عبده والفغاني كانا يعتبران من المدرسة الصلحية في مناهج الخوان‬
‫المسلمين والحركة السلمية ‪ ,‬ويرد ذكرهم بالثناء والتزيين ‪..‬فل حول ول قوة إل بالله !‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 570 [ ‬‬

‫) ومن الحق أن الذي يقرأ لمحمد عبده في مناظراته مع رينان ومع‬


‫فرح انطون يحس أنه كان يريد أن يقيم سدا في وجــه التجــاه العلمــاني‬
‫يحمي المجتمع السلمي من طوفانه ‪ ,‬ولكن الذي حدث هو أن هذا السد‬
‫قــد أصــبح قنطــرة للعلمانيــة عــبرت عليــه إلـى العـالم الســلمي لتحتــل‬
‫المواقع الواحد تلو الخر (‪.‬‬
‫ثم جاء تلميذ محمد عبده ليعمقوا هذا التيار وليقودوا بعلمانتيهم‪.‬‬
‫فمثل لطفي السيد‪ :‬عمق الوطنية القليمية وتزعم الدعوة إلى التاريخ الفرعوني‪.‬‬
‫وجاء سعد زغلول‪ :‬وسلمه كرومر وزارة المعارف لينادي بالتجاه الوطني القليمي‬
‫الفرعوني على الصعيدين السياسي والجتمسساعي ‪ ,‬ويقسسول كرومسسر بسسأني سسسلمته وزارة‬
‫المعارف لنه من تلميذ الشيخ عبده‪.‬‬
‫وجاء قاسم أمين‪ :‬ليوضح العموميات ويفصل مجمل ما كان يدعو إليه الشيخ عبده‬
‫‪ ,‬وينادي بخلع الحجاب ونزع الحياء من حياة المرأة حتى أن الكتسساب ) تحريسسر المسسرأة (‬
‫نال إعجاب الشيخ عبده ‪ ,‬وقد اطلع على مسودته هو وتلميذه لطفي في جنيف سسسنة )‬
‫‪ (1897‬كما ذكر لطفي السيد وقاسم أمين‪.‬‬
‫ولذا تعزى الفصول الفقهية في الكتاب إلى الشيخ محمد عبسسده – كمسسا يظسسن – لن‬
‫قاسم أمين ل علم لهذه القضايا‪.‬‬
‫ويذكر في هذا المجال إسماعيل مظهر صاحب )مجلة العصور( وهسسو صسسهر لطفسسي‬
‫السيد ‪ ,‬وكذلك ل بد من الشارة إلى إصبع من أصابع التخريب وهو عبد العزيسسز فهمسسي‬
‫– صديق لطفي السيد الحميم ‪ ,‬وصديقهم الثالث طه حسين الذي فصسسل مسسن الجامعسسة‬
‫بسبب كفره الصريح في كتابه) الشعر الجاهلي ( فاستقال لطفي السسسيد مسسن السسوزارة‬
‫) وكان وزيرا للمعارف( احتجاجا على فصل طه حسين من الجامعة المصرية‪.‬‬
‫هذه المجموعة هي التي فرغت الشعب المصري من السلم لتحسسل محلسسة أفكسسار‬
‫جديدة من الفرعونية والعلمانية والوطنية اللدينية ‪ ,‬وقد تكون الصداقة بين هؤلء وبين‬
‫الشيخ عبده إن هي إل محاولة لتقريب هذه الفئة من السلم ‪ ,‬ولكنه لسسم يسسستطع بعسسد‬
‫أن تساهل – من أجل جسسذبهم – فسسي كسسثير مسسن القواعسسد الشسسرعية السستي تحسسدد الوليسسة‬
‫والعداوة والصداقة والمقاطعة ‪ ,‬وأفتى بكثير من الفتاوى من أجسسل رفسسع الحسسواجز بينسسه‬
‫وبيسسن كرومسسر مسسن جهسسة ‪ ,‬وبينسسه وبيسسن هسسذه الفئة مسسن جهسسة أخسسرى ‪ ,‬مثسسل الفتسسوى‬
‫الترنسفالية ‪ ,‬وفتواه في المرآة والطلق بالضافة إلى تفسير كثيرا من اليسسات الغيبيسسة‬
‫في القرآن تفسيرا يكاد يخرجها عن اللسان العربي ويلغي مضمونها بالكلية ‪.‬‬
‫جاء في تقرير كرومر سنة )‪ (1906‬المقسدم إلسسى الحكومسة البريطانيسسة عسن حسزب‬
‫محمد عبده ‪:‬‬
‫)‪ ...‬وهؤلء راغبون في ترقية مصالح مواطنيهم وإخوانهم في الدين ‪,‬‬
‫ولكنهم غير متأثرين بدعوى الجامعــة الســلمية ‪ ,‬ويتضــمن برنــامجهم –‬
‫إن كنت فهمتـه حـق الفهـم – التعـاون مـع الوربييـن ل معارضـتهم فـي‬
‫إدخال الحضارة الغربية إلى بلدهم (‬
‫ويقول كرومر ‪:‬‬
‫) إني أشك كثيرا أن صديقي محمد عبده ما كان إل إدريا ‪.(Agnostic‬‬
‫ويقول صديقه بلنت – النجليزي – ‪:‬‬
‫) أخشى أن أقول أن محمد عبده – بالرغم من أنه المفتي العظــم –‬
‫ليس له من الثقة بالسلم أكثر مما لي من الثقة في الكاثوليكية (‪.‬‬
‫وأصدق كلمة في محمد عبده وشيخه كلمة الشيخ مصطفى صسسبري شسسيخ السسسلم‬
‫في الدولة العثمانية ‪:‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 571 [ ‬‬

‫) فلعل الشيخ محمد عبده وصديقه أو شــيخه جمــال الــدين أرادا أن‬
‫يلعبــا فــي الســلم دور لــوثر وكلفــن – زعيمــي البروتســتانت – فــي‬
‫المسيحية فلم يتسن لهما المر بتأسيس دين حــديث للمســلمين ‪ ,‬وإنمــا‬
‫اقتصر سعيهما على مساعدة اللحاد المقنع بالنهوض والتجديــد (‪ .‬ويقسسول‬
‫شيخ السلم مصطفى صبري – كذلك – ‪:‬‬
‫) أما النهضة الصلحية المنسوبة إلى محمد عبده فخلصتها أنه زعزع‬
‫الزهر من جموده على الدين ‪ ,‬فقرب كثيرا من الزهريين إلى اللدينيــن‬
‫خطــوات ‪ ,‬ولــم يقــرب اللدينيــن إلــى الــدين خطــوة ‪ ,‬وهــو الــذي أدخــل‬
‫الماسونية في الزهر بواسطة شيخه جمال الدين الفغاني ‪ ,‬كما أنه هــو‬
‫‪((1‬‬
‫الذي شجع قاسم أمين على ترويج السفور في مصر ( ‪.‬‬

‫)‪ (1‬لحظ التركيز النكليزي الوربي على أمور رئيسية ‪ ,‬يتكرر التركيز عليها اليوم من قبل الستعمار المريكي ؛ ومن أهم‬
‫ذلك ‪:‬‬
‫‪ -‬تمييع مسألة الولء و البراء وإزالة الحواجز النفسية ووضوح الحكام الشرعية في الفرق بين المؤمن والكافر ‪.‬‬
‫‪ -‬الصرار على إفساد المرأة كبوابة لفساد السرة والمجتمع والمة بأسرها ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 572 [ ‬‬

‫الدعوة القومية بداية القرن العشرين ‪:‬‬ ‫•‬


‫وأما دعاة القومية العربية فبالضافة إلى نصارى الشام فسسي القسساهرة السسذين تولسسوا‬
‫توجيه الفكر في مصر كلها ! فقد كان يعمل هناك في المركز الخر فسسي بسساريس بعسسض‬
‫النصارى السوريين ومنهم‪ :‬نجيب عسسازوري‪ .‬وهسسو نصسسراني سسسوري ألسسف سسسنة )‪(1904‬‬
‫جمعية ) عصبة الوطن العربي ( في باريس ‪ .‬وكان هسسدفها السسذي أعلنتسسه تحريسسر الشسسام‬
‫والعراق من السيطرة التركيسسة ‪ ,‬ونشسسر سسسنة )‪ (1905‬كتسساب ) يقظسسة المسسة العربيسسة (‬
‫باللغة الفرنسية ‪ ,‬وأصدر بالشتراك مع الكتاب الفرنسيين مجلة ) الستقلل العربسسي (‬
‫حيث صدر العدد الول منها في أبريل سنة )‪ , (1907‬وتوقفت بعد إعلن دستور سنة )‬
‫‪.(1908‬‬
‫يقول ساطع الحصري احد كبسسار الكتسساب القسسوميين ‪ ) :‬إن القوميسسة ابتسسدأت بنجيسسب‬
‫عازوري الذي وضع آماله العربية السورية في فرنسا أول وفسسي إنجلسسترا ثانيسسا ( وكسسانت‬
‫أعمال نجيب عازوري تمهيدا لمؤتمر باريس سنة )‪. (1931‬‬

‫مؤتمر باريس سنة (‪:(1913‬‬


‫يكسساد كسسثير مسسن كتسساب القوميسسة العربيسسة يعتسسبرون مسسؤتمر بسساريس أساسسسا للقوميسسة‬
‫الحديثة ‪ ,‬وكان عدد المشتركين )‪ (24‬عضوا نصفهم من المسيحيين ونصفهم من أبنسساء‬
‫المسلمين ‪ ,‬و يقول عنه أنيس الصايغ بأنه كان خاليا من المطالبسسة بالسسستقلل حسستى ل‬
‫تحرج بعض الدول الوربية التي كانت تشجع الحركسسة القوميسسة وتمسسدها بسسالموال ‪ ,‬وقسسد‬
‫صرح الزهراوي رئيس المؤتمر لمراسل جريدة )الطسسان ‪ (Le tamp :‬الفرنسسية بسأنه‬
‫ليس للمؤتمر علقسسة بوليسات العسرب غيسر العثمانيسة – أي الشسمال الفريقسي – ‪ ,‬فسإن‬
‫فرنسا تشرف على المؤتمر وهسي تحكسم الشسسمال الفريقسسي ‪ ,‬وشسكر وزراة الخارجيسة‬
‫الفرنسية ‪ ,‬ورفض المؤتمر إشراك مصر في المؤتمر ‪ ,‬وقد طالبوا بجعل اللغة العربيسسة‬
‫رسمية في البلد العربية واضطرت الحكومة التحادية أن تفاوضسسهم بإدخسسال )‪ (3‬وزراء‬
‫عرب وخمسة من الولة العرب كذلك في سلك الدولة ‪ [.‬أهس ‪.‬‬

‫عوامل هامة في تطور الحركة القومية ‪:‬‬


‫هنالك عوامل هامة كان لها أثر كبير في تأجيج نار القومية العربية في الرابسسع الول‬
‫من القرن العشرين‪ ,‬ومن أهم هذه العوامل‪:‬‬
‫استلم جمعية التحاد والترقي الحكم في تركيا بعد إسقاط السلطان عبسسد الحميسسد‬
‫في )‪ (27‬نيسان سنة )‪ , (1909‬وبسسدأت المنسساداة بالقوميسسة الطورانيسسة التركيسسة ‪ ,‬ومسسن‬
‫فلسفتها خالدة أديب – اليهودية – التي أصبحت فيما بعد وزيرة للمعارف ‪ .‬وكذلك ضيا‬
‫كوك ألب وهو تلميذ اليهودي دوركايم و تلميذ اليهودي الخر مويز ألب ‪ ,‬ومن المعلوم‬
‫أن قادة التحاد والترقي كلهم على الطلق من الماسون ‪ ,‬وليسسس منهسسم واحسسد مسسسلم‬
‫الصل أو تركي العرق ‪ ,‬فأنور بولندي ‪ ,‬جاويد – يهود دونمة – كاراسو – يهودي أسباني‬
‫‪ ...‬وبدأت جمعيسسة التحسساد والسسترقي بفسسرض عمليسسة التسستر يسسك علسسى جميسسع المحافظسات‬
‫العربية وغيرها ‪ ,‬ففرضت التركية في السسدواوين والمسسدارس والمناهسسج ‪ ,‬وبسسدأت عمليسسة‬
‫التتريك كذلك في أجهزة الدولة ‪ ,‬وقد ظهر هذا واضسسحا فسسي انتخابسسات مجلسسس النسسواب‬
‫)المبعوثسسان( السسذي انتخسسب علسسى أثسسر إعلن الدسسستور سسسنة )‪ (1908‬فأشسسرفت جمعيسسة‬
‫التحاد والترقي على النتخابسسات لتكسسون النتيجسسة فسسي جسسانب الجنسسس السستركي ‪ ,‬فكسسانت‬
‫النتيجة أن نجح )‪ (150‬من التراك و )‪ (60‬من العرب ‪ ,‬بينما العرب متفوقون في عدد‬
‫السكان بنسبة )‪.(2 : 5‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 573 [ ‬‬

‫وفي غمرة الفرحسسة بتكبيسسل أيسسدي السسسلطان عبسسد الحميسسد أنشسسئت )جمعيسسة الخسساء‬
‫العربي العثماني ( وفي )‪ (2‬أيلول سسنة )‪ (1908‬بعسد الدسستور بشسهر ‪ ,‬فعاشست هسذه‬
‫الجمعية ثمانية أشهر ثم حلتها الجمعية التحادية‪.‬‬
‫وقد أدت عملية التتريك الجبري على يد يهود الدونمة إلسسى ردود فعسسل عنيفسسة لسسدى‬
‫العرب بإنشاء الجمعيات السرية والعلنية‪.‬‬
‫تشكيل الجمعيات العلنية والسرية التي تنسسادي بالقوميسسة العربيسسة ‪ ,‬وتنسسادي بفصسسل‬
‫الدول العربية عسسن التسسراك ‪ ,‬ولسسو علسسى القسسل عسسبر الحكسسم السسذاتي فسسي داخسسل الدولسسة‬
‫العثمانية ‪ ,‬بحيث يكون للعرب إدارة أمسورهم الداخليسسة مسن تعليسم و اقتصساد وثقافسسة ‪,‬‬
‫ومشاركة الدولة العثمانية في المور الخارجية كالدفاع وغيرها‪.‬‬
‫‪ –3‬تولية جمال باشسسا واليسسا علسسى بلد الشسسام ‪ ,‬وكسسانت خالسسدة أيسسب اليهوديسسة أمينسسة‬
‫سره ‪ ,‬وقد اضطر جمال باشا أن يهادن العرب ويحسن إليهم في بداية الحرب الكبرى‬
‫‪ ,‬لئل ينضم العرب إلسى معسسكر الحلفسساء ضسسد تركيسسا ‪ ,‬وقسد اسسستلم جمسال باشسا قيسادة‬
‫الجيش الرابع في سسوريا ‪ ,‬و كسان يحسس بوجسود التجمعسات القوميسة السسرية فسي بلد‬
‫الشام و يعلم أن العرب قد ضاقوا ذرعا بتصرفات التحاديين وبتعصبهم لتركيسسا ‪ ,‬فكسسان‬
‫العرب يبحثون عن مخرج ‪ ,‬واتصل زعماؤهم بفرنسسسا ‪ ,‬ممسسا جعسسل جمسسال باشسسا يقتحسسم‬
‫السفارة الفرنسية في كل من بيروت ودمشق ويضبط وثائق فيها تثسسبيت اتصسسال قسسادة‬
‫التنظيمات والجمعيات بفرنسا وتنادي بانفصسسال سسسوريا عسسن العثمسسانيين ‪ ,‬إل أن جمسسال‬
‫باشا أراد أن يغض الطرف عسن القضسية طمعسا فسي وقسوف العسرب لجسانب تركيسا فسي‬
‫الحرب‪.‬‬
‫وبعد إحساس جمال بنية الشسريف حسسين بسسدخول الحسسرب ضسد تركيسا إلسسى جسانب‬
‫بريطانيا استشاط جمال باشا غضبا وأمر بإعسسدام )‪ (11‬شخصسسية عربيسسة فسسي )‪ (21‬آب‬
‫سنة )‪ (1915‬بعد المحاكمة العسكرية في )عاليه( في لبنان ‪.‬‬
‫وفي )‪ (6‬أيار سنة )‪ (1916‬شنق )‪ (21‬شخصية عربيسسة أخسسرى منهسسم عبسسد الحميسسد‬
‫الزهراوي )رئيس مؤتمر باريس وعضسسو مجلسسس العيسسان السستركي( ‪ ,‬وسسسليم الجسسزائري‬
‫مساعد عزيز المصري في الجمعية القحطانية ‪ ,‬وكانت كذلك للمرة الثانية في عاليه‪.‬‬
‫ولقد أحدثت هذه العدامات هزة عنيفة في العالم العربي ‪ ,‬وقسسد نفسسذ جمسسال باشسسا‬
‫العدام بعد توسط الشريف حسين وابنه فيصسسل ‪ ,‬إل أنسسه لسسم يصسسغ إليهمسسا ‪ ,‬وقسسد كسسان‬
‫المير فيصل بن الحسين آنذاك في دمشق فرمى كوفيته على الرض وداسها وقال ‪:‬‬
‫) طاب الموت يا عرب ( ‪.‬‬
‫‪ -4‬دخول الشريف حسين الحرب العالمية إلى جانب بريطانيا ضد تركيا ‪ ,‬فقد بقي‬
‫الشريف حسين في تركيا ستة عشر عاما ‪ ,‬وكان السلطان عبسسد الحميسسد يخشسسى منسسه‪.‬‬
‫وبعد إعلن الدستور سنة )‪ (1908‬اختارته جمعية التحاد والترقي ليكون أميسسرا لمكسسة ‪,‬‬
‫وعارض عبد الحميد في هذا التعيين ‪.‬‬
‫وقد كان إعلن الدستور في )‪ (24‬تموز سنة )‪ (1908‬بعد مؤتمرات طويلة المسسدى‬
‫أدارها أعضاء جمعية التحاد والترقي الذين كان معظمهم من اليهود الدونمة أو التراك‬
‫المتهودين الذين تلعب بهم أصابع الماسونية في محافل سالونيك ‪ ,‬وقد كانت الجمعيسسة‬
‫تعقد اجتماعاتها في بيوت اليهود المنتمين إلى الجنسية اليطالية‪.‬‬
‫فقد كتب ستون وستون يقول‪:‬‬
‫) إن الحقيقة البسسارزة فسسي تكسسوين جمعيسسة التحسساد والسسترقي أنهسسا غيسسر تركيسسة وغيسسر‬
‫إسلمية ‪ ,‬فمنذ تأسيسها لم يظهر بين زعمائها وقادتهسسا عضسسوا واحسسد مسسن اصسسل تركسسي‬
‫صاف ‪ ,‬فأنور باشا هو ابسسن رجسسل بولنسسدي مرتسسد ‪ ,‬وكسسان جاويسسد مسسن الطائفسسة اليهوديسسة‬
‫المعروفة )دونمة( ‪ ,‬و كراسو من اليهود السبان القاطنين في مدينسسة سسسالونيكا‪ ,‬وكسسان‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 574 [ ‬‬

‫طلعت باشا من أصل غجري اعتنق السلم دينا ‪ ,‬وأمسا أحمسد رضسا أحسد زعمسائهم فسي‬
‫تلك الفترة فكان نصفه غجريا إلى جانب كونه من أتباع مدرسة كونت الفلسفية (‪.‬‬
‫ويضيف ستون وتسون قائل ‪ :‬إن أصحاب العقول المحركة وراء الحركة كانوا يهودا‬
‫أو مسلمين من أصل يهودي ‪ ,‬وأما العون المالي فكان يجيئهم عسسن طريسسق ) الدونمسسة(‬
‫ويهود سالونيكا الثرياء ‪ ....‬كما أنه كانت تأتيهم معونات مالية من الرأسمالية الدولية –‬
‫أو الشبيهة بالدولية – من فينا وبودبست وبرلين من باريس ولندن (‪.‬‬
‫ويقول هربرت أبري‪:‬‬
‫)كان يهود سالونيكا ويعرفون )بالدونمة( – أي المرتدون – شركاء الثورة التركية‬
‫الحقيقيين ‪ ,‬وهؤلء هم من العرق اليهودي ‪ ,‬ولكن معتقدهم قد ل يكون يهوديا أصل ‪,‬‬
‫والعتقاد الشائع بين الناس هو‪ :‬أنهم مسلمون بالسم ‪ ,‬وأما بالفعل فإنهم من أتباع‬
‫توراة موسى ‪ ...‬وفي تلك الفترة التي نحن بصددها لم يعرف أحد من الناس شيئا‬
‫عنهم ‪ ,‬سوى قلة من العلماء المختصين بدراسة الشرق الدنى ‪ ,‬ولم يكن أحد من‬
‫الناس يجرؤ أن يتنبأ أن هذه اليهودية المعروفة ) بالدونمة( ستلعب دورا رئيسيا في‬
‫ثورة كان لها نتائج خطيرة في سيرة التاريخ (‪.‬‬
‫وقد كان الشريف حسين يتلمس المناسبة للتخلص من الحكم التركي ‪ ,‬خاصة وأنه‬
‫أحس أن التحاديين سنة )‪ (1914‬يريدون التخلص منه وكان عبد الله بن حسين آنذاك‬
‫نائبا في البرلمان التركي ‪ ,‬وقد اتصل بكتشنر )المعتمد البريطاني في مصر( وبس‬
‫)رونالدستورز( المستشار الشرقي في دار العتماد البريطاني ‪ .‬وأطلعه على النفور‬
‫الشديد بين أبيه وبين التراك وسأله عن إمكانية وقوف بريطانيا بجانب الشريف فيما‬
‫إذا أعلن الشريف الحرب على تركيا ‪ ,‬إل أنه لم يلق أي تشجيع منهما ‪ ,‬وقال له‬
‫كتشنر‪ :‬ليس من المحتمل أن تقف بريطانيا بجانب أبيك‪.‬‬
‫) وكان المير عبد الله نفسه عضوا في إحدى الجمعيات السرية ‪ ,‬وكان مؤمنا‬
‫بفوائد التفاهم النجليزي العربي و متحمسا له( ونشبت الحرب الكبرى في آب سنة )‬
‫‪ , (1914‬وكان عبد الله متحمسا لعلن الحرب على تركيا ‪ ,‬بينما كان المير فيصل‬
‫يرى الوقوف معها ‪ .‬وفي سنة )‪ (1915‬زار فيصل دمشق واستانبول ‪ ,‬وفي دمشق‬
‫انضم إلى جمعية )العربية الفتاة( وأقسم على نصرتها ‪.‬‬
‫وأعلن الشريف الحرب على تركيا يوم الثنين (‪ (5‬حزيران سنة (‬
‫‪, (1916‬‬
‫(وسبحان ربي ! فقد كانت هزيمة العرب في يوم الثنين (‪ (5‬حزيران‬
‫سنة ( ‪.(1967‬‬
‫ومن جانب قبر حمزة بن عبد المطلب –رضي الله عنه ‪ -‬بالمدينة أعلن الحرب‬
‫بعد أو وعدته بريطانيا باستقلل بلد العرب وبتتويجه ملكا عليها ‪ ,‬وكان كتشنر قد‬
‫أصبح وزيرا للحربية البريطانية ‪ ,‬واستلم مكماهون معتمدا بريطانيا في مصر ‪ ,‬وحدثت‬
‫المكاتبات المعروفة بينه وبين مكماهون ‪ ,‬ووعدوه بملك البلد العربية بعد استقللها‪.‬‬
‫هزم‬ ‫واندفع الشريف حسين بكل طاقته يؤجج نار الحمية العربية ضد التراك ‪ ,‬و ُ‬
‫التراك ‪ ,‬وحصلت اتفاقية سيكس بيكو لتقسيم البلد العربية بين بريطانيا وفرنسا ‪,‬‬
‫وأعطيت فلسطين لليهود بوعد بلفور ‪ ,‬وكان الجزاء الجميل للشريف حسين أن نفته‬
‫بريطانيا ست سنوات وسلبت ملكه ‪ ,‬ولقد كانت الصدمة عنيفة لعصاب الشريف حتى‬
‫داهمه الفالج وذاب جسده حسرة وألما ‪ ,‬وكان يصب جام غضبه طيلة حياته على‬
‫مكماهون و لويد جورج – الوزير البريطاني المعروف‪.‬‬
‫يقول جورج انطونيوس‪:‬‬
‫)لقد زرته قبل موته بأشهر سنة )‪1931‬م( ‪ ,‬وقد قلصه الفالج وابيض وجهه‬
‫الوسيم من شحوب الموت ‪ ...‬فقال لي‪ :‬النجليز يا ولدي قوم شرفاء في أقوالهم‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 575 [ ‬‬

‫وأفعالهم ‪ ,‬في السراء والضراء‪ :‬شرفاء ‪ ,‬ما عدا صاحب السعادة الموقر الهمام لويد‬
‫جورج فهو أشبه بالبهلوان وبالثعلب ‪ .‬أقول‪ :‬ثعلب ‪ ,‬حاشا مقامك رحم الله صاحب‬
‫السعادة كتشنر(‪.‬‬
‫كانت هذه النتيجة السيفة الليمة للتعاون مع النجليز ‪ .‬وصدق الله العظيم ‪:‬‬
‫م‬‫قاب ِك ُ ْ‬ ‫عَلى أ َ ْ‬
‫ع َ‬ ‫دوك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ن كَ َ‬
‫فُروا ي َُر ّ‬ ‫ذي َ‬‫عوا ال ّ ِ‬
‫طي ُ‬
‫ن تُ ِ‬‫مُنوا إ ِ ْ‬
‫نآ َ‬
‫ذي َ‬‫ها ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫‪َ ‬يا أي ّ َ‬
‫ن‪( ‬آل عمران‪. (149 :‬‬‫ري َ‬ ‫س ِ‬
‫خا ِ‬ ‫فت َن ْ َ‬
‫قل ُِبوا َ‬ ‫َ‬
‫ولقد حذر بعض الصادقين العقلء الشريف حسين من مغبة غدر النجليز ومن‬
‫هذه الفاجعة المتوقعة ‪ ,‬فد كتب شكيب أرسلن إلى الشريف عندما بلغه عزمه لغزو‬
‫سوريا مع جيوش الحلفاء قائل ‪ ) :‬أتقاتل العرب بالعرب أيها المير حتى تكون ثمرة‬
‫دماء قاتلهم و مقتولهم استيلء إنجلترا على جزيرة العرب وفرنسا على سوريا واليهود‬
‫على فلسطين(‪.‬‬
‫يقول لورنس في أعمدة الحكمة السبعة‪ ) :‬لقد كنت أعلم أننا إذا كسبنا الحرب إن‬
‫عهودنا للعرب ستصبح أوراقا ميتة ‪ ,‬ولو كانت ناصحا شريفا للعرب لنصحتهم بالعودة‬
‫إلى بيوتهم ‪ ,‬لقد كان قادة الحركة العربية يفهمون السياسة الخارجية فهما عشائريا‬
‫بدويا ‪,‬‬
‫وكان بريطانيا والفرنسيون يقومون بمناورات جريئة اعتمادا على سذاجة العرب‬
‫وضعفهم وبساطة قلوبهم وتفكيرهم ولهم ثقة بالعدو ‪ ...‬إنني أكثر فخرا أن الدم‬
‫النجليزي لم يسفك في المعارك الثلثين التي خضتها ‪ ,‬لن جميع القطار الخاضعة لنا‬
‫لم تكن تساوي في نظري موت إنجليزي واحد(‪.‬‬
‫ويقول و ايزمان ) لقد قدم لنا لورنس خدمات جليلة ( ‪ ,‬هذا هو لورنس الذي كانوا‬
‫يسمونه – ملك العرب غير المتوج‪.‬‬
‫وصلت جمعية التحاد والترقي إلى الحكم واستراحت من الغول الرهيب الذي‬
‫طالما أقض مضجعها وأرق أجفانها )عبد الحميد( وأصبحت تركيا السلمية دمية في يد‬
‫اليهودية تحركها كيف شاءت وأنى أرادت‪.‬‬
‫وأصبحت مقاطعاتها حمى مستباحا للذئاب الغربية من أعداء السلم ‪ ,‬وأصبح هذه‬
‫المارد الجبار )الدولة العثمانية( يؤكل شلوا شلوا ‪ .‬فابتلع الغرب أول دول البلقان ‪:‬‬
‫النمسا والمجر والبوسنة والهرسك في تشرين الول سنة )‪- (1908‬أي بعد تسلم‬
‫التحاد والترقي زمام المور‪ -‬وبعد إعلن الدستور بشهرين فقط ‪ ,‬وانفصلت بلغاريا ‪,‬‬
‫واعتدت إيطاليا على ليبيا في خريف سنة )‪ (1911‬ثم نشبت الحرب البلقانية سنة )‬
‫‪ . (1912‬وفي هذه السنوات القليلة فقدت الدولة العثمانية جميع ولياتها في أوربا‬
‫)ماعدا تراقيا الشرقية( ‪ .‬وفقدت ذلك الجزء من ليبيا الذي يتألف من وليتي طرابلس‬
‫الغرب وبني غازي – لقد انسحبت تركيا من ليبيا بمؤامرة خيانة مكشوفة ل تخفي على‬
‫كل ذي عينين ‪ ,‬ول يفوتنا أن نذكر أن اليهود اليطاليين هم أساتذة المحافل الماسونية‬
‫في سالونيك ‪ ,‬وفي بيوت هؤلء اليهود اليطاليين كانت تعقد اجتماعات جمعية التحاد‬
‫والترقي ‪ ,‬فليس كبيرا أن تعطي جمعية التحاد والترقي ليبيا هدية متواضعة إلى‬
‫إيطاليا كرد جميل على صنيعهم السابق الكبير‪.‬‬
‫وفضل عن هذه الخسارة فقدت كريت ‪ ,‬وكانت ميزانية تركيا تنوء بأعباء النفقات‬
‫العسكرية‪.‬‬

‫القومية بعد الحرب الولى (‪: ( 1918 - 1914‬‬


‫تعتبر وقفة العرب بجانب الحلفاء ضد تركيا المسلمة نقطة تحول كبرى في الفكسسر‬
‫القومي والتجمع على أساس القومية ‪ .‬إذ لم يكن النجليز يحلمون في يوم مسسن اليسسام‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 576 [ ‬‬

‫أن يقسسف العسسرب بجسسانبهم بوصسسفهم كفسسار ضسسد بنسسي دينهسسم وعقيسسدتهم ) التسسراك‬
‫المسلمون (‪.‬‬
‫يقول لورنس‪ ) :‬رجل المخابرات البريطاني وملك الصحراء العربية كما يسمونه(‪:‬‬
‫) وأخذت أفكر طيلة الطريق إلى سوريا وأتسسساءل‪ :‬هسسل تتغلسسب القوميسسة ذات يسسوم‬
‫على النزعة الدينية؟ وهل يغلب العتقاد الوطني المعتقدات الدينية ؟ وبمعنسسى أوضسسح‪:‬‬
‫هل تحل المثل العليا السياسية مكان الوحي و اللهام ‪ ,‬وتستبدل سوريا مثلهسسا العلسسى‬
‫الديني بمثلها العلى الوطني؟ (‪.‬‬
‫ويعتبر الغرب هذا الموقف نقطة تحول إلى مرحلة جديدة في التفكير القومي‪.‬‬
‫كتبت )اليكونومسسست ( فسسي حزيسسران سسسنة )‪ (1962‬تحسست عنسسوان ) السسسلم ضسسد‬
‫القومية ( مايلي‪:‬‬
‫) لقد وضع العرب منذ الحرب العالمية الولــى القوميــة فــي المكــان‬
‫الول حيــن قــاتلوا بجــانب النجليــز – الكفــار – مــن أجــل التحــرر مــن‬
‫المسلمين التراك ‪ .‬باستثناء من ( الخوان المسلمين ( فليس هناك فــي‬
‫العالم العربي اليــوم أنــاس ذوو تفكيــر سياســي يضــعون مجتمــع الــدول‬
‫السلمية فوق قوميتهم العربية (‪.‬‬
‫ولكن بعد الحرب الولى إن كانت التجربة القومية مريرة إل أنسسه بسسرز عامسسل جديسسد‬
‫وهو‪ :‬جثوم الستعمار بثقله على كاهل العالم العربي ‪ ,‬وأصبح هذا العامسسل وتسسرا جديسسدا‬
‫يعزف عليه دعاة القومية ومفكروها ‪ ,‬خاصة بعد ازدياد الهجرة اليهودية إلسسى فلسسسطين‬
‫وقيام ثورة سنة )‪ . (1936‬فلسطين‪.‬‬
‫فهناك نقاط بارزة ما بين الحربيين الولى والثانية أدت إلى ازدياد التفكير القسسومي‬
‫أهمها‪:‬‬
‫الستعمار البريطاني والفرنسي وقد نقل معه‪:‬‬
‫العلمانية )اللدينية( إلى أجهزة الدولة ‪ ,‬ورفع الطبقة الممزقة اجتماعيا ‪ ,‬المتفلتسسة‬
‫أخلقيا ‪ ,‬المستعدة للنفاق وإيقاد البخور وإشعال الشسسموع للحسساكم ‪ ,‬الجديسسد وأصسسبحت‬
‫هذه الطبقة هي المستعمر الجديد وإن كانت من أبناء المنطقة‪.‬‬
‫المناداة بالفكار القومية كبديل للسلم وكأساس للتفكيسسر والتجمسسع والتنفيسسر مسسن‬
‫التجاه الديني ‪ ,‬وأخذ العسسبرة مسسن التاريسسخ السسسود المريسسر لرجسسال السسدين فسسي العصسسور‬
‫الوسطى في أوربا‪.‬‬
‫أصبح نغم التحرر من الستعمار مادة دسمة للطبقات الناقمة على السسسلم والسستي‬
‫تريد أن تجعل من بعض فسسترات الحكسسم السستركي صسسورة للسسسلم السسذي يمثسسل الجمسسود‬
‫والتأخر والنحطاط!!‬
‫إسقاط الخلفة على يد مصطفى كمال أتاتورك ‪ ,‬ومسسا تبسسع ذلسسك مسسن تفكيسسر جسسدي‬
‫بإنشاء تنظيم حركي إسلمي لعادة الخلفة وقيام حركة )الخوان المسلمين( على يسسد‬
‫حسن البنا‪.‬‬
‫‪ -3‬بروز التفكير القومي على شكل تنظيمات يقودها المسسسيحيون ‪ ,‬وبسسروز حسسزب‬
‫البعث ‪ ,‬والقوميين العرب ‪ ,‬والقوميسسون ‪ ,‬السسسوريون علسسى السسسطح ‪ ,‬وكسسانت الجامعسسة‬
‫‪((1‬‬
‫المريكية محضنا دافئا لكثير من هذه الفكار([ أهس ‪.‬‬

‫)‪(1‬‬
‫) الذخائر العام ‪ :‬ج ‪. (889-882 /1‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 577 [ ‬‬

‫ولنعرض إلى نموذج من نماذج الفكر القومي العربي ومنهجه السياسي التي‬
‫ازدهرت أشباهها في العالم العربي والسلمي ‪:‬‬
‫حزب البعث العربي الشتراكي ‪:‬‬
‫تكون حزب البعث الشتراكي من حزبين‪:‬‬
‫‪ -1‬حزب البعث العربي ‪ :‬وقد أسسه الرسوزي و عفلق‪.‬‬
‫‪ -2‬الحزب العربي الشتراكي‪ :‬الذي أسسه سنة )‪ (1938‬عثمان الحوراني ‪ ,‬ثم‬
‫آلت قيادته إلى أكرم الحوراني ‪ ,‬وقد انضم أكرم الحوراني سنة )‪ (1936‬إلى الحزب‬
‫السوري القومي وانسحب منه سنة )‪ (1938‬لينضم إلى حزب الشباب العربي‬
‫الشتراكي‪.‬‬
‫وفي )‪ (26/1/1952‬انضم الحزبان الول والثاني فكونا حزب البعث العربي‬
‫الشتراكي‪.‬‬

‫حزب البعث العربي‪:‬‬


‫اختلف في المؤسس ‪ ,‬فمنهم من قال ميشيل عفلق وصلح البيطار ‪ ,‬ومنهم من‬
‫قال زكي السوزي ‪ ,‬إل أن حركة )‪ (23‬شباط التي عملها صلح جديد النصيري سنة )‬
‫‪ (1966‬في سوريا أحلت الرسوزي أبا روحيا للحزب ‪ ,‬والبعث هو وارث )عصبة العمل‬
‫القومي ( وهي عبارة عن نواة تنظيمي كل من عفلق و السوزي ‪ ,‬وقد بقيت هذه‬
‫العصبة من ) ‪.( 1939 -1932‬‬
‫وفي سنة )‪ (1939‬انسحب الرسوزي منها وشكل الحزب القومي العربي (‪.‬‬
‫أما زكي الرسوزي‪ :‬فهو رجل مصيري ‪ ,‬ملحد ‪ ,‬ل يتكلم العربية ! متأثر‬
‫بمباديء الثورة الفرنسية والنازية ‪ ,‬وخاصة كتاب نيتشة ‪) :‬هكذا تلم زرداشت( عن‬
‫موت الله ونشوء النسان السوبرمان ‪ ,‬بدأ يتعلم العربية بعد سنة )‪ ! (1940‬وكان‬
‫الرسوزي يرى الجاهلية العربية مثله العلى ‪ ,‬ويعتبرها المرحلة العربية الذهبية‪.‬‬
‫يقول سامي الجندي ) ناقشته سنة )‪ (1946‬بالقرآن فعاب علي نزعتي الدينية (‪.‬‬
‫مبادئ الحزب البعث‪:‬‬
‫المنقولة عن مباديء الحزب القومي الذي شكله الرسوزي سنة )‪ (1939‬ورمزه‬
‫النمر‪.‬‬
‫‪ -1‬العرب أمة واحدة‪.‬‬
‫‪ -2‬للعرب زعيم واحد يتجلى من إماكانات المة العربية يمثلها ويعبر عنها‪.‬‬
‫‪ -3‬العروبة وجداننا القومي ‪ ,‬مصدر المقدسات ‪ ,‬عنه تنبثق المثل العليا ‪ ,‬وبالنسبة‬
‫إليه تقدر قيم الشياء‪.‬‬
‫‪ -4‬العربي سيد القدر ‪ ,‬وفسرها الرسوزي مستشهدا بالنجيل ‪ ):‬ل تسقط شعرة‬
‫من رؤوسكم إل بأمر أبيكم الذي في السموات (‪.‬‬
‫يقول الجندي‪:‬‬
‫)وفي ‪ .29/11/1940‬كنا في غرفة فقال الرسوزي‪ :‬أرى أن نؤسس حزبا نسميه‬
‫حزب البعث العربي(‪.‬‬
‫)أصبحت مباديء الحزب القومي هي مباديء حزب البعث العربي هي هي (‪.‬‬
‫ويقول سامي الجندي‪:‬‬
‫)كنا عصاة تمردنا على كل القيم القديمة ‪ ,‬أعداء لكل ما تعارف عليه البشر ‪,‬‬
‫ألحدنا بكل الطقوس والعلقات والديان (‪.‬‬
‫) اتهمنا باللحاد وكان ذلك صحيحا أيضا ‪,‬رغم كل ما زعم البعثيون فيما بعد من‬
‫مزاعم التبرير(‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 578 [ ‬‬

‫أما مشيل عفلق‪:‬‬


‫وفي آذار سنة )‪ (1949‬جاء حسني الزعيم فأيده البعث ‪ ,‬ثم اختلفوا معه فألقى‬
‫ميشيل عفلق في السجن ‪ ,‬فكتب مذكرة استعطاف له فخرج ثم جاء ) الحناوي ( بعد‬
‫حسني الزعيم فاختار ميشيل وزيرا للمعارف ‪ ,‬فاغتنمها فرصة ليرسل البعثيين في‬
‫بعثات دراسية إلى فرنسا ‪ ,‬فعادوا واستلموا الجامعات الدارات‪.‬‬
‫كان الصراع على أشده بين قادة الحزب ‪ ,‬حتى أنه في انتخابات سنة )‪(1955‬‬
‫للمؤتمر القطري كانوا يقولون ) عفلق جاسوس إنجليزي ‪ ,‬و الحوراني فرنسي ‪,‬‬
‫والبيطار عمل لكثر من دولة(‪.‬‬
‫أما التهامات بالسرقة والجرائم الخلقية فحدث عنها ول حرج ‪.‬‬
‫وهنا نسجل بعض الملحظات‪:‬‬
‫لقد كان الحزب مأوى يتجمع فيه كل الناقمين على السلم أو الطامعين‬ ‫‪-1‬‬
‫في الحكم ‪ ,‬فانتبه النصيريون إليه ودخلوه ليكون سلما إلى دولتهم النصيرية ‪ ,‬ودخل‬
‫فيه السماعيليون مثل سامي الجندي و عبد الكريم الجندي‪.‬‬
‫والدروز‪ :‬مثل سليم حاطوم‪.‬‬
‫واليهود‪ :‬مثل أحمد رباح الذي كان رئيسا للحزب في دمشق‪.‬‬
‫و إيلي كوهين‪ :‬ضابط المخابرات السرائيلي الذي ذهب إلى الرجنتين ‪ ,‬وأقام‬
‫صداقة مع أمين الحافظ‪ ,‬ثم دخل سوريا باسم )كامل أمين ثابت( ‪ ,‬وسكن حي )أبو‬
‫رمانة( في دمشق ‪ ,‬وأصبح شقته الحصن الحصين الذي يأوي إليه قادة البعث وفوق‬
‫أسرة كوهين شرب نخب النصر سليم حاطوم وعبد الكريم زهر الدين يوم النقلب‬
‫البعثي ) ‪ 8‬آذار ‪ , (1963‬وعرضت على كوهين الوزارة ‪ ,‬واستشار بن غوريون رئيس‬
‫وزراء إسرائيل فلم يوافق ‪ ,‬وكان يسمى الشاب الثوري الول ‪ ,‬وكان الشخص المدني‬
‫الوحيد الذي يدخل المطارات والقواعد العسكرية ‪ ,‬وأخيرات اكتشفت السفارة‬
‫الهندية أن يهودي من خلل الشارات اللسلكية التي يرسلها إلى إسرائيل يوميا ‪,‬‬
‫وكانت فضيحة عالمية ‪ ,‬وحوكم كوهين ‪ ,‬وكان الذي يحاكمه هم تلميذه وربائب حجره‪,‬‬
‫ولعله وعد بأن يخلي سراحه إذا أخفى مصائب الحزب البعثي الحاكم ‪ ..‬وكان سليم‬
‫حاطوم هو رئيس المحكمة العسكرية التي حاكمته ‪ ,‬وبسرعة فائقة طويت القضية ‪,‬‬
‫وأعدم كوهين ليطوي في صدره مآسي ونكبات الصبية البعثيين الذي تديرهم اليهودية‬
‫العالمية من خلل المرأة والكأس‪.‬‬
‫‪ -2‬إن المؤسسين الحزب البعث ليسوا مسلمين أصل فزكي الرسوزي نصيري‬
‫ملحد ‪ ,‬وميشيل عفلق مسيحي – قيل أنه يوناني الصل‪.‬‬
‫إن مباديء حزب البعث كفر صريح ‪ ) ,‬العروبة مصدر المقدسات ‪ ,‬عنه‬ ‫‪-3‬‬
‫تنبثق المثل العليا ‪ ,‬وبالنسبة إليه تقدر قيم الشياء ‪ ,‬العربي سيد القدر( فالمثل العليا‬
‫هي العروبة وليس السلم أو القرآن والسنة‪.‬‬
‫كان أتباع البعث الوائل ملحدين ‪ ,‬أعداء للديان جميعا‪ .‬قال سامي‬ ‫‪-4‬‬
‫الجندي في كتابه البعث ‪) :‬لقد كنا خوارج على الشرائع التي تعارف عليها الناس‬
‫فنسفناها جميعا(‪.‬‬
‫ويقول ‪) :‬إن الحزب رغم ادعائه القومية والوطنية لم يعد دراسة عن‬ ‫‪-5‬‬
‫القضية الفلسطينية أخطر قضية العربية في العصر الحديث ( ‪.‬‬
‫‪ -6‬لقد تسلق النصيريون على سلم البعث فاستطاعوا أن يستلموا البلد عسكريا‬
‫ومدنيا ‪ ,‬وفي )‪ (22‬شباط سنة )‪ (1966‬قام صل جديد – النصيري–بإقصاء عناصر أهل‬
‫السنة من مراكز القوى – وفي سنة )‪ (1970‬عندما جاء حافظ السد – بالحركة‬
‫التصحيحية جعل الدولة نصيرية خالصة‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 579 [ ‬‬

‫إن الحزاب القومية ليس لها أيديولوجية )عقيدة( تجاه الكون والنسان‬ ‫‪-7‬‬
‫والحياة ‪ ,‬ولذا بقيت إطارا فقط دون مضمون ‪ ,‬ولذا اضطرت أن تمل فراغها‬
‫العقائدي بالماركسية والشتراكية ‪ ,‬ولذا فإن الحزاب القومية كلها أصبحت‪) :‬عربية‬
‫الطار والمظهر شيوعية الحقيقية والمخبر( وهذا الذي أقر به جلل السيد في كتابه‬
‫)حقيقة القومية العربية( بأن هنالك تيار عفوي قام بصياغة المواضيع القتصادية ‪ ,‬لن‬
‫الرواسب قد أطلت تحت ستار التقدمية والشتراكية وبأن الشيوعية هي حقيقة هذا‬
‫التيار‪.‬‬
‫لقد انتحر الحزب بمجرد وصوله إلى الحكم ‪ ,‬ولقد انتقد ميشيل عفلق‬ ‫‪-8‬‬
‫سنة )‪ (1965‬في سوريا تسلط العسكريين على الحزب وإقصاء المدنيين من اللجان‬
‫المركزية للحزب ‪ ,‬فطرد عفلق ‪ ,‬بل حكم عليه بالعدام هو والمؤسس الخر صلح‬
‫البيطار ‪ ,‬ثم لوحق البيطار حتى اغتالته النصيرية في منفاه في باريس سنة )‪. (1981‬‬
‫وأما عفلق فقد احتضنه البعث العراقي بعد وصوله إلى الحكم في إنقلب )‪(1968‬‬
‫على عبد الرحمن عارف ‪ ,‬فجاء به تلميذه صدام حسين الذي أصبح نائبا لرئيس‬
‫الجمهورية ثم بالتالي رئيسا لجمهورية العراق‪.‬‬

‫وقد سئل صدام حسين في مقابلة صحيفة له طبعت ووزعت في الردن سنة )‬
‫‪:(1981‬‬
‫ما علقتك بميشيل عفلق ؟ فرد صدام ‪:‬‬
‫) علقة البن بأبيه ‪ .‬ولول ميشيل ما كان صدام شيئا ( ‪ ,‬ومن المعروف‬
‫أن صداما كان حارسا خاصا لميشيل عفلق من بداية الستينات ‪ ,‬وكان ميشيل‬
‫يستعمله لتصفية خصومه السياسيين ‪ ,‬وفي سنة )‪ (1979‬صفى الرئيس صدام حسين‬
‫– منذ اليام الولى لحكمه – معظم قادة الحزب لمعارضتهم المبدئية لرئاسته‪.‬‬
‫وكتب عن مأساة الحزب بعض قادته مثل الدكتور منيف الرزاز )التجربة المرة( ‪,‬‬
‫ومطاع الصفدي )حزب البعث مأساة المولد ومأساة المصير(‪.‬‬
‫لقد انتهى الحزب في سوريا إذ تسلق عله النصيريون ثم قتلوه ‪ ,‬وأصبحوا‬
‫يتفكهون بالتعدي على كل الديان والقيم المباديء‪ .‬فاستعانوا أول بذراري المسلمين‬
‫الداخلة في حزب البعث ‪ ,‬ثم صفوهم تدريجيا ‪ ,‬وأصبح الكفر هو شعار الدولة في كل‬
‫الجهزة‪ :‬كتب إبراهيم خلص في مجلة جيش الشعب السورية)‪: (25/4/1967‬‬
‫) والطريق الوحيد لتشييد حضارة العرب وبناء المجتمع العربي هي خلق النسان‬
‫الشتراكي العرب الجديد الذي يؤمن أن الله والديان والقطاع ورأس المال‬
‫والستعمار والمتخمين وكل القيم التي سادت المجتمع السابق ليست إل دمي محنطة‬
‫في متاحف التاريخ (‪ .‬تعالى الله عما يلحد المجرمون ‪.‬‬
‫وقال شفيق الكمالي يمدح صداما‪:‬‬
‫كوجه الله ينضح بالجلل‬ ‫تبارك وجهك القدسي فينا‬
‫} أستغفر الله العظيم وأتوب إليه !! وتعالى الله عما افترى هذا الكلب الذي‬
‫سرعان ما لقى جزاءه في الدنيا قبل الخرة ‪.‬‬
‫ولتوفيق الكمالي مع صدام قصة هي في الحقيقة من آيات الله ‪ ..‬ففي الحرب‬
‫العراقية اليرانية ‪ 1986-1979‬عرض الخميني وقف الحرب مقابل استقالة صدام ‪,‬‬
‫وفي إحدى جالسته الخاصة ‪ ,‬قال هذا الشاعر توفيق الكمالي لجلسائه ‪ ,‬لو أن سيادة‬
‫الرئيس قبل وحقن الدماء‪ ,..‬ورفعت الستخبارات التقرير ‪ ,‬فاستدعى صدام الكمالي ‪,‬‬
‫الذي اعترف باقتراحه معتذرا بأنه رأي أن ذلك سيكون من فضائل الرئيس الكثيرة‬
‫على المة ‪ ..‬فأمره صدام أن يمد لسانه ‪ ,‬وأخذه بيده وقطعه بمدية حادة‪..‬وهكذا‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 580 [ ‬‬

‫ألقي صدام اللسان الذي شبه وجهه القذر ‪ ,‬بوجهه سبحانه وتعالى ‪ ,..‬فألقي في‬
‫المزبلة التي يستحقها بيد ذات الطاغية الذي امتدحه ‪ ,‬فسبحان الله رب العالمين ‪.‬‬
‫وقد سمعت هذه القصة من أحد تسجيلت الشيخ عبد الله عزام رحمه الله ‪{.‬‬
‫وعندما دخلت قوات البعث حماة سنة )‪ (1964‬كانت تهزج قائلة‪:‬‬
‫دين محمد ولى وراح‬ ‫هات سلح خذ سلح‬
‫وفي سنة )‪ (1980‬خرجت سرايا الدفاع والحزبيون يهتفون ) سقط الله ( )السد‬
‫ربنا( )ل إله ل الوطن ول رسول إل البعث( ) ل إله إل ساجي – ابن سليمان المرشد –‬
‫الذي ادعى اللوهية بين النصيرية في الربعينات! ( ‪.‬‬
‫} وفي النصف الثاني فمن الثمانينات ‪ ,‬وبعد القضاء على الثورة الجهادية في‬
‫سوريا ‪ ,‬خرجت مظاهرة بعثية نصيرية في مدينة حمص التي يضم ثراها قبور عشرات‬
‫آلف الصحابة رضي الله عنهم ‪ ,‬وكانوا يهتفون ‪ ) :‬حّلك يا الله حّلك‪..‬تعين حافظ‬
‫محلك ( ‪..‬‬
‫ك(‪ ..‬أي )آن لله( أن يستخلف حافظ‬ ‫‪) -‬حلك( تعني بلهجة تلك المنطقة ) حان ل َ‬
‫ه‪ -..‬أستغفر الله العلي العظيم‪ -‬ولعنة الله على الطغاة الملحدين ‪{ .‬‬ ‫السد ربا مكان ُ‬
‫لقد ابتدأ حزب البعث مع بداية الحرب الثانية )‪ , (1939‬وكانت النازية‬ ‫‪-9‬‬
‫والفاشستية تمل برنينها العالم وذا فقد تأثر بها ‪ ..‬فمثل كان زكي الرسوزي متأثر‬
‫بنيتشة فيلسوف النازية ‪ ,‬وخاصة بكتابه )هكذا تكلم زرداشت عن موت الله ‪ (....‬وأما‬
‫عفلق فهو متأثر كذلك )بنيتشه( و)جيد( ‪ ,‬فجاءت أفكارهم تلخيصيا لللحاد والقلق‬
‫الذي كان يعاني منه نيتشه الذي كان يسمي المسيحية ) دين الكلب العرجاء( ‪ ,‬وأهم‬
‫سمات فلسفة نيتشة تتخلص في ثلثة نقاط‪:‬‬
‫‪ -1‬اللحاد ‪ -2‬إن فكرة القيامة هي التي جعلت من المسيحية ) أخلق العبيد( إذا‬
‫أن‪ ،‬حقد الضعفاء تجاه القوياء جعلهم يوحون لهم بفكرة الخرة ‪ ,‬فاستسلم‬
‫القوياء للساطير ‪ ,‬وعم ظلم المسيحية العالم ‪.‬‬
‫‪ -3‬اليأس والقلق‪ :‬اللذان هما شرطان دائمان للعظمة النسانية‪.‬‬
‫وإليك مقارنة بين كلم عفلق وكلم النازية والفاشستية‪:‬‬
‫‪) -1‬البعث قدر المة العربية( يقابل كلم موسوليني ) الفاشستية هي قدر المة‬
‫اليطالية( وهو الحق اللهي عند هتلر ‪ ,‬وهو نفس كلم ترو تسكي‪ ):‬إن الحزب‬
‫الشيوعي ل يخطئ لنه تجسيد للحتمية التاريخية (‪.‬‬
‫‪ -2‬إن العقيدة البعث ل يمكن الوصول إليها بالعقل ولكن باليمان وحده ( يقابل‬
‫كلم موسوليني ) الفاشستية ل تنافس ‪ ,‬إنها تدرك بالحساس (‪.‬‬
‫‪ ) -3‬إن القدر الذي حملنا رسالة البعث أعطانا الحق في أن نأمر بقوة ونتصرف‬
‫بقسوة ( وهو نفس الكلم موسوليني ) إن القدر الذي حملنا رسالة الفاشستية‬
‫أعطانا الحق في أن نأمر بقوة ‪ ,‬ونتصرف بقسوة (‪.‬‬
‫‪) -4‬إن البعث هو الطليعة ‪ ,‬وعلى الجماهير أن تمشي وراءها ( ‪ ,‬وهو نفس كلم‬
‫موسوليني ) إن الفاشستية هي حكم الصفوة المختارة وعليها أن تقود‬
‫‪((1‬‬
‫الجماهير(‪ [.‬أهـ‪.‬‬
‫} تذكرني هذه الشواهد ‪ ,‬بما لفت نظري أثناء دراستي التاريخ في جامعة بيروت ‪ ,‬ما‬
‫وجدته في أحد الكتب المقررة عن وحدة إيطاليا ‪ ,‬وجدت تشابها كبيرا بين فكر‬
‫وأعمال أحد دعاة القومية والوحدة اليطالية – ل يحضرني اسمه الن – وما كنا نسمعه‬
‫من أفكار عفلق و الرسوزي وحزب البعث في سوريا ‪ ,‬ومن ذلك الشعار الثلثي ‪,‬‬
‫وتسمية جريدتهم البعث ‪..‬وغير ذلك ‪ .‬ول أشك الن أن أفكار البعث صنعت في أقبية‬
‫الماسونية ‪ ,‬ومؤامرات الصليبية ‪ ,‬حتى أني قرأت في إحدى الصحف أن البابا قال‬

‫)الذخائر العظام ‪:‬ج ‪(892-1/889‬‬ ‫)‪(1‬‬


‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 581 [ ‬‬

‫لعفلق في إحدى لقاءاته معه ‪ :‬لقد نجحت يا ميشيل فيما فشلت فيه الحروب الصليبية‬
‫!‬

‫ثم كانت تجربة عبد الناصر والضباط الحسرار ‪ ,‬ودعسواهم القوميسة العربيسة نموذجسا‬
‫شبيها في مصر لما سلف من نموذج البعث في سوريا والعراق ‪{ .‬‬

‫النقلبات العسكرية والقومية‪:‬‬


‫إن الفكار الجديدة ل بد لها مسن قيسسادات عسسكرية تفسسرض آراءهسا بسسالقوة ‪ ,‬وبهسسذه‬
‫الطريقة استبدل السلم بالقومية و الشتراكية‪.‬‬
‫ولذا فقد أوصت الدوائر الغربية في بلدنا والمستشرقون بوجوب المجيء بقيسسادت‬
‫شابة عسكرية يفرض من خللهم ما يريد الغرب من مبادىء‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 582 [ ‬‬

‫يقول قسطنطين زريق ‪:‬‬


‫) إن العرب ل بد لهم في عهدهم الجديد من قيادة قسسديرة و تقدميسسة ‪ ,‬وأن عليهسسم‬
‫أن ينبذوا من تقاليدهم العناصر الرجعية ‪ ,‬وعندئذ فقط تستطيع الطائفة المسسستنيرة أن‬
‫تواصل كفاحها ضد العناصر الرجعية بالتعاون مع الغرب(‪.‬‬
‫ويقول جب‪:‬‬
‫) إن نجاح التطور يتوقف إلـى حــد بعيــد علــى القـادة والزعمـاء فـي‬
‫العالم السلمي وعلى الشباب منهم خاصة (‪.‬‬
‫وفكرة القوميسسة قضسسية جذابسسة براقسسة تسسستطيع أن تخسسدع الجمسساهير بسسسهولة باسسسم‬
‫التحرر والتقدم والوطنية‪.‬‬
‫يقول جب‪:‬‬
‫)إن السلوب الذي استطاعت به طبقة المتغربين تأمين الثابتة علسى السسلطة فسي‬
‫الدولة ‪ ...‬فالقومية هي فكرة غربية تماما (‪.‬‬
‫ومسسن المعلسسوم أن العسسسكريين ل علسسم لهسسم بسسإدارة المسسم ول رعايسسة الشسسعوب ول‬
‫سياسة الجماهير ‪ ,‬ولذا تدار البلد من خللهم ‪ .‬لقد وصف )ستيف ميسسد( المبعسسوث مسسن‬
‫وزارة الخارجية المريكية فئة العسسسكر لنقلب سسسنة )‪ (1952‬فسسي مصسسر وصسسفا دقيقسسا‬
‫يصلح لكل العسكريين فيقول‪:‬‬
‫) إن هؤلء الولد يظنون أنفسهم أعضاء عصابة (روبين هود( الهزلية‬
‫‪ ,‬وهم فرحون بأنهم يحملون صفة ( أبطال الثورة( ‪ ,‬ولكني لم أجد واحد‬
‫اســتطاع أن يشــرح لــي مــا هــو هــدف هــذه الثــورة ‪ ...‬إنهــم ل يهتمــون‬
‫بالسياسة ‪ ..‬ولعل هذا من حظنا نحن وعبد الناصــر معنــا ‪ ...‬إنهــم بحاجــة‬
‫إلى من يقول لهم ماذا يفكرون ويعملون(‪.‬‬
‫ولقد سأل بعض ضباط الجيش عبد الحكيسسم عسسامر – غسسداة إطلق النسسار علسسى عبسسد‬
‫الناصر في ميدان المنشية – سنة )‪ (1954‬عما حققته الثسسورة وأسسسباب الحسادث فقسال‬
‫في صراحة ) إنه ل يعرف عما تحققه الثورة ‪ ,‬وأن جمال هو الذي خطسسط ونفسسذ ‪ ,‬وهسسو‬
‫الذي يعرف خطوات المستقبل(‪.‬‬
‫ويقول مورو بيرجر في كتابه )العالم العربي اليوم(‪:‬‬
‫) إن النخبة العسكرية في الشرق الدنى في مصر والسودان والعراق‬
‫وتركيا وإيران وباكستان كانت عوامل هامة في جلــب التغييــر ‪ ...‬فأصــبح‬
‫العرب متغربين بدون أن يتكلفوا الذهاب إلى أوربا (‪.‬‬
‫يقول مايلز كوبلند‪:‬‬
‫) إن عبدا الناصر لو لم يكن قد ولد فإن لعبتنا كان عليها أن تخلقه أي‬
‫تربي حاكما دكتاتوريا مثله ( ‪.‬‬
‫ولذلك فإن مناداة عبد الناصر بالقومية سنة )‪ (1954‬كان بإشارة أمريكا كمسسا بيسسن‬
‫ذلك مايلز كوبلند – رجل المخابرات المريكي – ‪ ,‬ولقد كان لمنسساداة عبسسد الناصسسر أثسسرا‬
‫بالغا في العالم العربي ‪ ,‬وما كان للقومية أن يكون لها هذا النتشار لول مصر وزعيمها‬
‫‪ ,‬ولقد مهد عبد الناصر لهذا النتشار القسسومي وكسسذلك نجسساح البعسسث وتغلغسسل الشسسيوعية‬
‫وانحسار السلم من المنطقة كلها ‪ .‬ولكن الفكار التي فرضت على المنطقسسة بسسالقوة‬
‫اجتثت من فوق الرض – كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الرض مالها مسسن قسسرار – كمسسا‬
‫يقول بنارد لويس‪:‬‬
‫) إن أخذ أي نظام سياسي جاهز ليس فقط من بلد مختلــف بــل مــن‬
‫حضــارة مختلفــة وفرضــه بواســطة الغربييــن أو الحكــام المتغربيــن فــي‬
‫الشرق عمــل خــاطىء ‪ ,‬فلقــد فرضــت الديمقراطيــة بــأوامر و فرمانــات‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 583 [ ‬‬

‫الحاكم المطلق ‪ ...‬فكانت النتيجة قيام نظام ل صلة له بماضي أو بحاضر‬


‫البلد ‪ ,‬ول صلة له بحاجات مستقبلة(‪.((1‬‬
‫ولقد نادى ) كوك ألب( التركي ‪ ,‬بفصل الدين عن الدولة )علمانية الدولة( ‪ ,‬ونسسادى‬
‫بوجوب أخذ ثقافة الغرب بحذافيرها ‪ ,‬ومع الحتفاظ بالثقافة القومية أو بعبارة أدق هسسو‬
‫يريد إقصاء السلم نهائيا عن الحياة مسسع عسسدم السسسماح للنسساس أن يسسسموا هسسذا العمسسل‬
‫إلحادا أو زندقة ‪ ,‬بل على الناس أن يسموا هدم السلم سلما‪.‬‬
‫ويعتبر الغربيون كوك ألب ) واضع السس النظرية للدولسسة التركيسسة الحديثسسة ( كمسسا‬
‫يقول هارولد سميث[أهس‪.‬‬

‫القومية التركية الطورانية‪:‬‬


‫لقد بسسذرت البسسذور الولسسى للقوميسسة التركيسسة فسسي داخسسل الكاديميسسة العسسسكرية فسسي‬
‫) استانبول( مع الساتذة العسكريين اللمان الذين وفدوا إلسسى الكليسسة ليسسدربوا التسسراك‬
‫الذين كانوا بحاجة إلى جيش قوي مدرب على وسائل القوة الحديثسسة وأسسساليب القتسسال‬
‫العالية ‪ ,‬خاصة وأن تركيا تقاتل العالم بأسره ‪ ,‬والذي يرميها عسن قسوس واحسدة ‪ ,‬فقسسد‬
‫وصلت بعثة عسكرية ألمانية سنة )‪ (1883‬يرأسها الكولونيل )فون درجولسسسن( وبقسسي‬
‫يعمل قرابة ثلث عشرة سنة تم خللها بذر بذرة القومية‪.‬‬
‫وأما العامل الثساني لنشسسوء القوميسة الطورانيسة فهسو‪ :‬هجسرة اللجئيسسن المجرييسن و‬
‫البولنديين إلى تركيا بعد فشل ثورتهم سنة )‪ , (1848‬واعتنسساق هسسؤلء السسسلم ‪ ,‬حيسسث‬
‫أصبحوا من الطبقة المتنفذة فسي الدولسة ‪ ,‬ومسن هسؤلء )قسسطنطين بسورزيكي( ‪ ,‬وقسد‬
‫سمى نفسه بعد ذلسسك مصسسطفى جلل السسدين باشسسا ‪ ,‬فلقسسد كسسان هسسذا الرجسسل هسسو رأس‬
‫الفعى القومية التي نقلت سمها إلى عقول ونفوس التراك ‪ ,‬يقول برنارد لويس‪:‬‬
‫) ولقد عمل يورزيسكي على نقل القوميسسة البولونيسسة ووضسسعها فسسي قسسالب تركسسي ‪,‬‬
‫وساعده على هذا العمل ما عرضه مسسن أعمسسال المستشسسرقين الغربييسسن البسساحثين فسسي‬
‫الشئون التركية ‪ ,‬وكان لهسسا تسسأثير هسسام فسسي تقسسدير التاريسسخ السستركي القسسديم ‪ ,‬والعتقسساد‬
‫بالهوية المميزة(‪.‬‬
‫ول يفوتنا أن نعود فنسسذكر بسسأن أعضسساء ) جمعيسسة التحسساد والسسترقي ( كلهسسم ماسسسون‬
‫) منظمة يهودية عالمية( ‪ ,‬وأن يهود سالونيك هم اليد المحركة لهسسذه الجمعيسسة ‪ .‬ونعسسود‬
‫مرة أخرى فنذكر بكلم ستون وتسون ‪) :‬إن الحقيقة البارزة في تكوين جمعية التحسساد‬
‫والترقي أنها غير تركية وغير إسلمية ( فأطاحت بعبد الحميد وبتركيا وبالسلم‪.‬‬
‫ولقد كان لهذه الدعوة إلى القومية التركية أثر سيء انعكس في نفوس الشسسعوب‬
‫السسسلمية السستي تخضسسع للسسسيادة العثمانيسسة ‪ ,‬و بسسدأوا يطسسالبون بالسسستقلل ويشسسكلون‬
‫الجمعيات السرية لمحاربة تركيا ‪ ,‬خاصة بعد السسسلوك المشسسين الغريسسب السسذي سسسارت‬
‫عليه جمعية التحاد والترقي ‪ ,‬وكان على رأس هذه الشعوب ) العسسرب ( السسذين اتخسسذوا‬
‫من هذا السلوك مبررا للوقوف بجانب بريطانيا ضد التراك في الثورة العربية الكسسبرى‬
‫بقيادة الشريف حسين ‪ ,‬وكان لهذا نتائج وخيمة على العالم السلمي ‪.‬‬
‫يقول توينبي‪:‬‬
‫) إن الضباط في تركيا الحميديسسة هسسي الطبقسسة الوحيسسدة السستي اسسستطاعت أن تفتسسح‬
‫نافذة فكرية دائمة تنفذ عن طريقها التأثيرات الغربية ‪ ,‬لذلك ففي سنة )‪ (1908‬وبعسسد‬
‫ثلثين عاما من حكم استبدادي مظلم كان الجيل السستركي الجديسسد مسسن العسسسكريين هسسو‬
‫رأس الحربة لهجوم الليبرالية الغربية على تركيا(‪.‬‬

‫مقارنة بين القومية الطورانية والقومية العربية‪:‬‬

‫وهذا بالضبط ما تفرضه أمريكا اليوم فرضا في البلد العربية والسلمية وهو ما تسميه الشرق الوسط الكبير !‬ ‫)‪(1‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 584 [ ‬‬

‫لقد التقت القومية الطورانية والعربية على أشياء أهمها‪:‬‬


‫أن الغرض من كل منهما هو القضاء على تركيسسا المسسسلمة ‪ ,‬وعلسسى السسسلطان عبسسد‬
‫الحميد بالذات‪.‬‬
‫لقد بدأت القوميتان في وقت واحد تقريبا وإن كانت القومية العربيسسة تقسسدمت قليل‬
‫على الطورانية‪.‬‬
‫القوميتان علمانيتان اتفقا على استبعاد السلم عن الحياة ‪.‬‬
‫إن كل من القوميتين نشأتا فسي محسسا ضسن أجنبيسسة ‪ ,‬فالقوميسسة العربيسة نشسسأت فسي‬
‫المحاضن المريكية وفسسي الجامعسسة المريكيسسة ‪ ,‬بينمسسا الطورانيسسة نشسسأت فسسي المحافسسل‬
‫الماسونية اليهودية التي يشرف عليها اليهود السبان والبولنديون اليطاليون‪.‬‬
‫إن الرواد الوئل لكل من الدولتين لم يكونوا مسلمين أصسسل ول مسسن الجنسسس السسذي‬
‫يدعون إلى قسسوميته ‪ ,‬فمثل ) بسسورزيكي ( السسذي سسسمى نفسسسه مصسسطفى جلل السسدين –‬
‫بولندى الصل – عمسسل علسى نقسل القوميسة البولنديسسة وصسبها فسي قسالب تركسسي ‪ ,‬ومنسذ‬
‫تأسيس جمعية التحاد والترقي لم ‪ ,‬لم يظهر بين زعمائها وقادتها واحد من أصل تركي‬
‫صاف ‪ ,‬فأنور باشا بولندي مرتد ‪ ,‬و جاويد من الطائفة اليهودية ) الدونمة( ‪ ,‬و كراسو )‬
‫من اليهود السبان( في سالونيك ‪ ,‬وطلعت باشا مسسن أصسسل غجسسري ‪ ,‬وأمسسا أحمسسد رضسسا‬
‫فنصفه شركسي ونصفه مجري ومتأثر بس ) كونت(‪.‬‬
‫الرواد الوائل للقومية العربية كانوا جمعيا من غير المسلمين من بطرس البستاني‬
‫‪ ,‬و ناصيف وابنه إبراهيم اليازجي ‪ ,‬و الشدياق وأديب إسسحق ونقساش و شسميل وتقل و‬
‫صروف وزيدان ونمر ومشاقة ‪ ,‬كل هؤلء على الطلق من النصارى ‪ ,‬ثسسم جسساء القسسرن‬
‫العشرون وكسسان مسسن قسسادتهم‪ :‬زكسسي الرسسسوزي )نصسسيري تركمسساني ( وميشسسيل عفلسسق‬
‫)نصراني( ‪ 0‬قادة البعسسث ‪ ,‬وأنطسسو ن سسسعادة وجسسورج عبسسد المسسسيح مسسن قسسادة الحسسزب‬
‫القومي السوري حبش – من قادة القوميين العرب‪ .‬وكلهم نصارى !!‬
‫يقسسول الكاردينسسال بريتسسولي للبابسسا ‪ ) :‬إن المسيحية فــي الشــرق هــي الــتي‬
‫زرعت الحركات الثورية وحركات التغيير ‪ ,‬وإن أسماء مثل ميشيل عفلق‪,‬‬
‫وأنطوان سعادة‪ ,‬وجورج حبش قد تفسر لك ما أعنيه (‪.‬‬
‫إن الصابع الماسونية‪ -‬اليهودية – كانت تحسسرك طلئع الحركسستين‪ ,‬فالخمسسسة الوائل‬
‫الذين أنشأوا )جمعية بيروت السرية ( كلهم من الماسون‪ .‬وكذلك الذين نادوا بالقوميسة‬
‫الطورانية هم من الماسون ‪.‬‬
‫هناك بعض الرؤوس المدبرة للطاحة بالسلم في تركيا ‪ ,‬انتقلسست لتواصسسل عملهسسا‬
‫في القاهرة ! فمثل عزيز المصري كان في جمعية التحاد والترقي‪ ,‬ثم أنشسسا )الجمعيسسة‬
‫القحطانية( و ) جمعية العهد(‪ ,‬والحاخام اليهودي في استانبول – نسساحوم حسساييم _إنتقسسل‬
‫إلى القاهرة بعد إسقاط الخلفة في تركيا وكان له تأثير في السياسة المصسسرية ‪ ,‬أيسسام‬
‫عبد الناصر ‪ .‬وكذلك اسماعيل أحمد أدهم ‪ ,‬جاء من تركيا إلى مصر وألف كتاب )لمسساذا‬
‫أنا ملحد ( وأسس ) المجمع الشرقي لنشر اللحاد( ‪.‬‬
‫تأثرت القومية العربية بالنظريات المريكية‪ ,‬وتأثرت الطورانية بسسالثورة الفرنسسسية‪.‬‬
‫يقول فيليب حتى‪) :‬كان من نتاج الحتكاك بين العقلية السورية والنتاج الفكري الغربي‬
‫أن تولدت مبادئ القوميسسة العربيسسة الشسساملة‪ ,‬واسسستمدت وحيهسا بسسالكثر مسسن النظريسسات‬
‫المريكية‪ ,‬بخلف القومية التركيسة الستي جساءت متسأخرة عسن العربيسة والستي اسسستمدت‬
‫إلهامها من مبادئ الثورة الفرنسية (‪.‬‬
‫كانت الصابع اليهودية بارزة في القوميسسة التركيسسة‪ ,‬ل يسسزال اليهسسود يحرصسسون علسسى‬
‫ربط العرب بقوميتهم ‪.‬يقول ) أبسا إيبسسان ( ‪ -‬السسذي كسسان وزيسسر خارجيسسة إسسسرائيل – فسي‬
‫محاضرة له في جامعة برنستون المريكية ‪ ) :‬يحاول بعض الزعماء العسسرب أن يتعسسرف‬
‫على نسبة المد السلمي بعد الهزيمة الخيرة ) ‪ , (1967‬وفي ذلسسك الخطسسر الحقيقسسي‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 585 [ ‬‬

‫على إسرائيل‪ ,‬ولذا كان من أولى و اجباتنا أن نبقي العرب علسى يقيسن راسسخ بنسسبهم‬
‫‪((1‬‬
‫القومي ل السلمي ( ‪[.‬أهس ‪.‬‬

‫قال الشيخ عبد الله عزام‪:‬‬


‫وأخيرا فإنا نقول‪ :‬إن واقع العرب يدل دللة واضحة على النتائج السستي توصسسلت‬
‫إليها الدعوات القومية والقليمية والعلمانية هي ‪:‬‬
‫قطع صلة العرب بالدولة السلمية‪.‬‬
‫تمزيق العسسالم العربسسي إلسسى دويلت هزيلسسة حسستى تبقسسى فسسي قبضسسة العسسالم الغربسسي‬
‫والشرقي ‪ ,‬تتسابق في ولئها لمريكا أو إلى روسيا لتحمي أنظمتها في المنطقة‪.‬‬
‫تضخم الكيان السرائيلي الذي أصبح تنينا يفتح شدقيه يبتلع كل فترة جزءا من بلد‬
‫العرب‪.‬‬
‫انهيارات في معظم النواحي الجتماعية والسياسية والقتصادية والعسكرية‪.‬‬
‫نشوء أجيال ليس لها هوية معينة ‪ ,‬وليس لها أي مبسسدأ فسسي الحيسساة ‪ ,‬ل تعلسسم لمسساذا‬
‫تعيش؟ ممزقة خلقيا ‪ ,‬متفسخة اجتماعيا ‪ ,‬متفككة أسريا ‪ ,‬أفئدتهم هواء ‪ ,‬تراهسسم كسسل‬
‫يوم في رأي ‪ ,‬يغيرون أفكارهم كما يغيرون أزيسسائهم فسسي العتقسساد والقتصسساد والثقافسسة‬
‫والجتماع ‪ ,‬يقول زويمر – زعيم المبشرين – مخاطبا المبشرين ‪:‬‬
‫) إنكم أعددتم شبابا في ديار السلم ل يعرف الصلة بالله ‪ ,‬ول يريسسد أن يعرفهسسا ‪,‬‬
‫وأخرجتم المسلم من السلم فجسساء النشسسء السسسلمي طبقسسا لمسسا أراده السسستعمار ‪ ,‬ل‬
‫يهتم للعظائم ‪ ,‬ويحب الراحة والكسل ول يصرف همه في الدنيا إل في الشهوات (‪.‬‬
‫إن هذا الشرق لم يشهد في يوم من اليام وحدة ول عزة ‪ ,‬ولسسم يكسسن لسسه كيسسان إل‬
‫بالسلم الذي وحده أول مرة ‪ ,‬ولن يجد نفسه مرة ثانية إل بالسلم‪.‬‬
‫لقد مزقت القوميسسة أوربسسا فنقلهسسا العسسرب ليمزقسسوا أمتهسسم السسسلمية ‪ ,‬بسسل ليفتتسسوا‬
‫الشعوب العربية نفسها‪.‬‬
‫كما يقول توينبي متسائل ومعترفا بذنب بلده وحضارته ‪:‬‬
‫) فهــل مــن الضــروري حقــا أن يتفتــت العــالم العربــي كمــا تفتــت‬
‫المبراطورية السبانية فـي أمريكـا – لسـوء الحـظ – إلـى عشـرين دولـة‬
‫مستقلة عن بعضها تعيش في قوالب ضيقة غربية النمط ‪ .‬هذا هو الوجه‬
‫الثــاني الكالــح لحضــارتنا الغربيــة ‪ ,‬ومــن المؤســف أن تقلــده الشــعوب‬
‫الناطقة بالعربية تقليدا تاما ‪ .‬إن ســحر القوميــة جــذاب فــي أمثــال هــذه‬
‫المجتمعات السلمية المبعثرة ‪ ,‬ولكن القومية لن تقود هذه المجتمعــات‬
‫إلى حياة جديدة ‪ ,‬بل إلى حكم بالموت والفناء (‪.‬‬
‫إن النغمة التي عزفتها الطبقات المتسلطة في العالم السلمي والعربي هي نغمة‬
‫القومية ‪ ,‬وهي مزوقة جميلة تشنف السسسماع وتبهسسج القلسسوب ‪ ,‬ولكنهسسا مخسسدرات تذبسسح‬
‫الشسسعوب مسسن خللهسسا علسسى مذابسسح الشسسهوات قرابيسسن رخيصسسة فسسي سسسبيل الطغسساة‬
‫والطاغوت ‪ ,‬وإن الخريسسر السسذي يعكسسسه صسسوت النزيسسف السسدموي قسسد جسسذب كسسثيرا مسسن‬
‫القطعان لتساق إلى مذبحها ونهايتها البئيسة الليمة‪.‬‬
‫يقول جب‪:‬‬
‫) إن السلوب الذي اســتطاعت بـه طبقــة المتغربيــن تـأمين قبضــتها‬
‫الثابتة على السلطة في الدولة ‪ ...‬كان القومية ‪ ...‬فالقومية هــي فكــرة‬
‫غربية تماما (‪.‬‬
‫وإن سبب انتشار القومية في العالم العربي هو سيطرة الغرب نفسه على العسسالم‬
‫السلمي‪.‬‬

‫) الذخائر العظام ‪ :‬ج ‪( 895 - 893 /1‬‬ ‫)‪(1‬‬


‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 586 [ ‬‬

‫يقول المؤرخ النكليزي توينبي في كتابه ) الغرب والشرق والمستقبل ( ‪:‬‬


‫( ففي الوقت الحاضر الذي يجد الغرب نفسه منذ الحرب العالمية الثانية‬
‫ويرى أنه جزء إلى أكثر من أربعين دولة قومية مستقلة ذات سيادة يهدد‬
‫بانهيار البيت كله كامل على من فيه بسبب انقسامه هكذا على نفسه‪.‬‬
‫ومع ذلك فإن اعتبار الغرب ل يزال له من القوة في العالم مــا يبقــي‬
‫جرثومة القومية الغربية قادرة على الســريان والعــدوى ‪ ,‬ومــن المــأمول‬
‫أن يستطيع العالم الســلمي علــى كــل حــال إيقــاف انتشــار هــذه الــداء‬
‫السياسي الغربــي – القوميــة – عــن طريــق الشــعور الســلمي القــومي‬
‫بالوحدة (!!‪.‬‬
‫إن القومية ليست الدواء الناجع لمراضنا ‪ ,‬بل هي داء عضال مما أصابنا‪.‬‬
‫يقول سميث‪ ) :‬وتاريخ الشرق الدنى الحديث يدل أن القومية المجــردة‬
‫ليست القاعدة الملئمة للنهوض بــالواجب الشــاق ‪ ,‬ومــا لــم يكــن المثــل‬
‫العلى إسلميا على وجه من الوجوه ‪ ,‬لن تثمر الجهود البتة (‪.‬‬
‫وما أجمل كلمة سيدنا عمر بن الخطاب ننهي بها هذا الحديث ‪:‬‬
‫) نحن قوم أعزنا الله بهذا الدين ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله (‪.‬‬
‫فل‬ ‫م أَ َ‬
‫ه ِذك ُْرك ُـ ْ‬ ‫فيـ ِ‬ ‫م ك َِتابـا ً ِ‬ ‫َ‬
‫قـدْ أن َْزل ْن َــا إ ِل َي ْك ُـ ْ‬
‫قــال اللــه تعــالى ‪ :‬ل َ َ‬
‫ن ‪ ) ‬النبياء‪. (10 :‬‬ ‫قُلو َ‬ ‫ع ِ‬
‫تَ ْ‬
‫فالمسلمون والعرب ُيذكرون بالقرآن ‪ ,‬فبسبب من هذا الكتاب تذكر هذه المة ‪,‬‬
‫ولقد تقدم العرب أول مرة إلسسى البشسسرية علسسى هسسدي هسسذا القسسرآن ‪ ,‬وأمسسسكوا بزمسسام‬
‫البشرية بعد أن تمسكوا بالكتاب وأقاموه في حياتهم‪.‬‬
‫ف تُ َ‬ ‫ذك ٌْر ل َ َ‬
‫ن ‪) ‬الزخرف‪. (44:‬‬ ‫سألو َ‬ ‫ْ‬ ‫و َ‬ ‫س ْ‬‫و َ‬ ‫م َ‬
‫ك َ‬ ‫و ِ‬ ‫ول ِ َ‬
‫ق ْ‬ ‫ك َ‬ ‫ه لَ ِ‬ ‫‪َ ‬‬
‫وإ ِن ّ ُ‬
‫ة‬
‫وَرا َ‬
‫موا الت ّ ْ‬
‫قي ُ‬
‫حّتى ت ُ ِ‬ ‫ء َ‬ ‫ي ٍ‬‫ش ْ‬‫عَلى َ‬ ‫م َ‬ ‫ب لَ ْ‬
‫ست ُ ْ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫ل َيا أ َ ْ‬
‫ه َ‬ ‫ق ْ‬ ‫‪ُ ‬‬
‫ُ‬
‫م ‪) ‬المائدة‪. (68 :‬‬‫ن َرب ّك ُ ْ‬‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ل إ ِل َي ْك ُ ْ‬
‫ز َ‬
‫ما أن ْ ِ‬ ‫و َ‬‫ل َ‬ ‫جي َ‬‫وال ِن ْ ِ‬
‫َ‬
‫فأهسسل القسسرآن ليسسسوا علسسى شسسيء ‪ ,‬ول وزن لهسسم ول قيمسسة إل إذا أقسساموه فيهسسم ‪,‬‬
‫وعملوا به في حياتهم ‪ ,‬وطبقوه في واقعهم‪.‬‬
‫ف س ـك ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫و أ َّنا ك َت َب ْن َــا َ‬
‫ن‬‫مـ ْ‬ ‫جــوا ِ‬ ‫خُر ُ‬‫وا ْ‬‫مأ ِ‬ ‫ْ‬ ‫قت ُل ُــوا أن ْ ُ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫مأ ِ‬ ‫هـ ْ‬‫ِ‬ ‫عل َي ْ‬ ‫ول َ ْ‬
‫‪َ ‬‬
‫َ‬
‫ه‬
‫ن ب ِـ ِ‬‫عظُــو َ‬ ‫ما ُيو َ‬ ‫عُلوا َ‬ ‫م َ‬
‫ف َ‬ ‫ه ْ‬ ‫و أن ّ ُ‬‫ول َ ْ‬‫م َ‬
‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ل ِ‬ ‫قِلي ٌ‬ ‫عُلوهُ ِإل َ‬ ‫ف َ‬ ‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫رك ُ ْ‬‫ِدَيا ِ‬
‫شدّ ت َث ْ ِ ً‬ ‫َ‬
‫بيتا ‪) ‬النساء‪. (66:‬‬ ‫وأ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫خْيرا ً ل َ ُ‬‫ن َ‬ ‫كا َ‬‫لَ َ‬
‫جاء في تقرير ديلسبس – القنصل فرنسا العالم في سسسوريا – فسسي )‪(19/8/1956‬‬
‫الذي كتبه بمساعدة مساعده )بلنس( مايلي ‪:‬‬
‫( من أبرز الحقائق التي يلحظها من يريد دراسة هذه البلدان ‪,‬‬
‫المكانة التي يحتلها الدين في نفوس الناس ‪ ,‬والسلطة التي له في‬
‫حياة الناس ‪ ,‬فالدين يظهر في كل مكان وفي كل أمر‪.‬‬
‫ففي المجتمع الشرقي يظهر أثر الدين في الخلق العامة ‪ ,‬وفي‬
‫اللغة ‪ ,‬وفي الدب و في جميع المؤسسات الجتماعية ‪.‬‬
‫والرجل الشرقي ل ينتمي إلــى وطــن ولــد فيــه – الشــرقي ليــس لــه‬
‫وطن – بل إلى الدين الذين ولد فيه ‪ ,‬وكما أن الرجل في الغــرب ينتمــي‬
‫إلى وطن ‪ ,‬فإنه في الشرق ينتمي إلى دين ‪ ,‬وأمة الرجل الشــرقي هــي‬
‫مجموعة الناس الذين يعتنقون الدين ذاته الــذي يعتنقــه هــو ‪ ,‬وكــل فــرد‬
‫خارج عن حظيرة الدين هو بالنسبة إليه رجل أجنبي غريب (‪.‬‬

‫القوميات والقليميات الجاهلية‪:‬‬


‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 587 [ ‬‬

‫لقد حرك الغرب وتلميذه في كل مكان نغمسات الرتبساط بالجاهليسسات الستي تسسبق‬
‫السلم حتى يقطع الصلة بالسلم ويتجاوزها ‪.‬‬
‫ففي المغرب‪ :‬حاولت الدارة الفرنسية أن تشسسد أزر السروح الجنسسية بيسن بربسسر‬
‫مراكش ‪ ,‬فقامت بإصدار الظهير البربري في ‪ 16‬مايو سنة ‪ 1930‬الذي قضسسى بتنفيسسذ‬
‫الحكام العرفية البربرية وقانونهم الخاص بالحوال الشخصية بدل الشريعة السلمية‪.‬‬
‫وفي إندنوسيا‪ :‬اكتشف الحضارة الجاوية – الهندوكية‪.‬‬
‫وفي لبنان‪ :‬أثار سعيد عقل ويوسف السودا و فيكتسسور شسسبح الفينيقيسسة ‪ ,‬وقسسالوا‬
‫بأن لبنان ل ينتمي إلى العرب ‪ ,‬بل هو جسسزء مسسن حضسسارة البحسسر المتوسسسط – إيطاليسسا ‪,‬‬
‫واليونان‪.‬‬
‫وفي مصر‪ :‬أثيرت الحضارة الفرعونية ‪ ,‬خاصة بعسسد اكتشسساف تسسوت عنسسخ آمسسون ‪,‬‬
‫وبعد أن حل شاملبيون ألغاز)حجر روزيتا( ‪ ,‬وتولى سلمة موسى ‪ ,‬ولطفي سسسيد ‪ ,‬ثسسم‬
‫سعد زغلول ‪ ,‬وطه حسين الدعوة إلسسى الفرعونيسسة ‪ ,‬وبسسدأت تظهسسر أسسسماء رمسسسيس ‪,‬‬
‫الهرام ‪ ,‬نفرتيتي ‪ ,‬أبو الهول ‪ ,‬واتخذ أبو الهول شعارا يمثل نهضسسة مصسسر ‪ ,‬وفسسي زمسسن‬
‫عبد الناصر أقيم السد العالي فأثارت اليونسكو همة العسسالم لنقسساذ معبسسد )أبسسي سسسنبل‬
‫الفرعوني ( ‪ ,‬ونقل تمثال رمسيس – فرعون موسى – إلى القسساهرة وكلسسف الملييسسن ‪,‬‬
‫وأصبح التراك ينادون بشعار ) تركيا للتراك ( ومصر ) للمصريين(‪.‬‬
‫يقول (كويلرينغ( عن لويس توماس‪:‬‬
‫) أنه قد استطاع أن يرسم الخطــوط العريضــة للظــروف التاريخيــة‬
‫والجتماعية للحركة التي انتهت بالزعماء التراك المحــدثين إلــى تحقيــق‬
‫مبدأ تركيا للتراك ‪ ,‬وهذا المبدأ الذي سار عليه أغلب شعوب المنطقة ( ‪.‬‬
‫ولذلك كان الكماليون يقولون ‪:‬‬
‫( نريد أن نبني إسلما تركيا يكون ملكا لنا وجزءا من مجتمعنا الجديد‬
‫على نحو الكنيسة النجليكانية التي هي مسيحية على النمط النجليزي (‪.‬‬
‫وفي مصر العربية كانت أضواء هذه الصيحات تتجاوب فتحرك الببغسساوات المصسسرية‬
‫التي تلعب بها الصابع الغربية )النجليزية بالذات ( فتنادي ) بفرعونيسسة مصسسر( ‪ ,‬فقسسال‬
‫طه حسين ) المصري فرعوني قبل أن يكون عربيا ( ‪ ,‬وقال طه حسين ‪ ( :‬لو وقــف‬
‫السلم بيني وبين فرعونيتي لنبذت إسلمي ( ! ‪.‬‬
‫وعليه فسسانه ليسسس مسسن الغريسسب أن تسسرى اهتمسسام الغسسرب الكسسبير بالثسسار والمتسساحف‬
‫الوطنية حيث تأسست قبل قرن تقريبا هيئات غربية للشراف على التنقيب في العالم‬
‫السلمي لربط المسلمين بالثار وبالقيم والعلم السسذين كسسانوا قبسسل مجيسسء السسسلم ‪,‬‬
‫فجاء )بوتا( و)ليارد( إلى العراق ‪ ,‬و عملت )مارييت( في مصسسر ‪ ,‬و) سشسسلمان ( فسسي‬
‫تركيا ثم أنشئوا دوائر الثار والمتاحف الوطنية ‪ ,‬وليس عجيبا بعد ذلسسك أن نسسدرك تسسبرع‬
‫مؤسسة ) روكفلسسر اليهوديسسة( بعشسسرة ملييسسن دولر لنشسساء متحسسف للثسسار الفرعونيسسة‬
‫ومعهد لتخريج رجال الثار ‪ ,‬ولعلنا بعد هذا نصل إلسسى سسسبب النسسص فسسي صسسك النتسسداب‬
‫البريطاني على فلسسسطين مسسادة )‪ ) : (21‬يجسسب أن تضسسع الدولسسة المنتدبسسة وتنفيسسذ فسسي‬
‫السنة الولى من تاريخ هذا النتداب قانونا خاصا بالثسسار والعاديسسات ( ‪ .‬كسسل هسسذا لقطسسع‬
‫صلة بإسلمهم وربطهم بالجاهلية الولى ‪ ,‬حتى يتسسسنى للغسسرب أن يسسستعبدهم ويسسذلهم‬
‫تحت يده‪.‬‬
‫يقول الدكتور )ولسون( في مؤتمر الثقافة السلمية والحياة المعاصرة السسذي عقسسد‬
‫في جامعة )برنستون( سنة )‪ ) : (1952‬إن فسسي بلد الشسسرقيين الدنسسى والوسسسط فسسي‬
‫هذه اليام نهضة حضارية هي من ناحية جديدة ‪ ,‬ومسسن ناحيسسة أخسسرى بعسسث القسسديم ‪ ,‬إن‬
‫نهضة الغرب المسيحي وحركة إحياء المعارف فيه قامت على عمليات التفكير والجدل‬
‫فيها على العمال الكلسيكية والوثنية(‪.‬‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 588 [ ‬‬

‫وفي إيران ‪ :‬قام الصفويين والحكم البهلوي بتوهين العلقة مع العالم السلمي‬
‫‪ .‬فأشسسأ الحكسسم البهلسسوي أكاديميسسة للتخلسسص مسسن المفسسردات العربيسسة فسسي الفارسسسية ‪,‬‬
‫واكتشفت الكاديمية مجد إيران القديمة ‪ ,‬وبسسزغ مسسذهب زرداشسست مسن جديسد ‪ ,‬واحتسسل‬
‫مكانا مرموقا في بلد السبع والشمس ‪ ,‬وبدأت العمسارات الجديسسدة تبنسي علسى لطسسراز‬
‫الخميني القديم ‪ ,‬وأقام الشاه محمد رضسسا بهلسسوي احتفسسال بمناسسسبة مسسرور )‪ (25‬علسسى‬
‫كورش صانع المبرطورية الفارسية ‪ ,‬وثارت في إيران قوميات أخرى مثسسل‪ :‬البلسسوش ‪,‬‬
‫والكراد والعرب‪.‬‬
‫وفي العراق ‪ :‬ثارت النعرات ‪ ,‬فنادى بعضهم بالقومية العربيسسة ‪ ,‬ونسسادى الكسسراد‬
‫بقوميتهم والكردية والتراك بالتركية ‪ ,‬وثارت الدعوات الشورية و الكلدانية‪.‬‬
‫وفي الهند‪ :‬تسسأججت نسسار العصسسبية الهنديسسة ‪ ,‬وأصسسبح الهنسسود يفخسسرون بالهنديسسة ‪,‬‬
‫ويرون النقطاع عن ماء زمزم في مكة إلى نهر)جنجا( ‪ ,‬ويتغنون بأبطال الهندوم )بهيم‬
‫أرجن ‪ ,‬رام ها(‪.‬‬
‫وأصبحوا ينظرون إلى الفتح العربي علسى أنسه اسستعمار واسستبعاد واحتلل الغريسب‬
‫لرض الوطن ‪ ,‬وهذا الذي يفخر به المسلمون ‪ ,‬مما جعل المسلمين ينادون بقيام دولة‬
‫يعيشون فيها حياة إسلمية ‪ ,‬وبفكر إسلمي ‪ .‬تكون فيها جنسسية المسسلم هسي عقيسدته‬
‫ودينه وإسلمه‪.‬‬
‫وقد قال إقبال يخاطب المسلم – حيث كان – ‪:‬‬
‫)ل تقس أمم الغرب على أمتك ‪ ,‬فإن أمة الرسول الهاشمي صلى الله عليه وسلم‬
‫فريدة في تركيبها ‪ ,‬أولئك إنما يعتقدون باجتماعهم على السسوطن والنسسسل ‪ ,‬ولكسسن إنمسسا‬
‫يستحكم اجتماعك أيها المسلم بقوة الدين (‪.‬‬
‫وفي الردن وفلسطين‪ :‬ارتفعت الصسسوات بسسالتغني بالمجسساد القبليسسة القديمسسة‬
‫وقامت النزاعات بين قبائل الشمال والجنوب في شرق الردن وبين الفلسسسطين وبيسسن‬
‫أبناء شرق الردن ‪ ,‬وأصبحنا نسمع عن مدن ‪ :‬مؤاب ‪ ,‬و فيلدلفيا ‪ ,‬و عمون‪.‬‬
‫لقد صدق فينا قول رب العزة ‪:‬‬
‫ن ( )المجادلة‪. (20:‬‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ك ِفي الذ َلي َ‬ ‫ه ُأولئ ِ َ‬
‫َ‬ ‫سول َ ُ‬‫ه وََر ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫دو َ‬ ‫حا ّ‬ ‫ن يُ َ‬
‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫( إِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مى ( )طسه‪:‬‬ ‫مةِ أعْ َ‬ ‫م ال ْ ِ‬
‫قَيا َ‬ ‫شُرهُ ي َوْ َ‬‫ح ُ‬‫ضْنكا ً وَن َ ْ‬ ‫ة َ‬ ‫ش ً‬ ‫مِعي َ‬ ‫ه َ‬‫ن لَ ُ‬ ‫ري فَإ ِ ّ‬ ‫ن ذِك ْ ِ‬‫ض عَ ْ‬ ‫ن أعَْر َ‬ ‫م ْ‬ ‫( وَ َ‬
‫‪.(124‬‬
‫وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ( :‬بعثت بالسيف بين يدي الساعة‬
‫حتى يعبد الله وحده‪ ,‬وجعل رزقي تحــت ظــل رمحــي ‪ ,‬وجعــل الصــغار و‬
‫الذلة على من خالف أمري ‪ ,‬ومن تشبه بقوم فهو منهم (‪.‬‬
‫لقد ذقنا مرارة بعدنا عن كتاب الله ‪ ,‬وتجرعنا آلم تنكبنا لطريق الله ‪ ,‬وحصدنا ما‬
‫زرعنا من بذور القومية ثمار القطيعة والتمزق والضياع والخذلن والخسران ‪:‬‬
‫َ‬ ‫في ك ُ ّ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ول‬‫ن َ‬ ‫م ل ي َُتوُبو َ‬ ‫ن ثُ ّ‬ ‫مّرت َي ْ ِ‬ ‫و َ‬ ‫مّرةً أ ْ‬ ‫عام ٍ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن ِ‬ ‫فت َُنو َ‬ ‫ه ْ‬‫ن أن ّ ُ‬ ‫و َ‬ ‫ول ي ََر ْ‬ ‫‪‬أ َ‬
‫ن ‪) ‬التوبة‪. (126 :‬‬ ‫م ي َذّك ُّرو َ‬ ‫ه ْ‬‫ُ‬
‫لقد آن لنا أن نرجع إلى الله ‪ ,‬وننبذ من أيدينا كل أو صار الجاهلي ‪ ,‬وندعو أنفسنا‬
‫قى ‪) ‬طه‪.(123 :‬‬ ‫ش َ‬ ‫ول ي َ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫فل ي َ ِ‬ ‫ي َ‬ ‫دا َ‬ ‫ه َ‬‫ع ُ‬‫ن ات ّب َ َ‬ ‫م ِ‬‫ف َ‬‫بالعودة إلى طريق السعادة ‪َ ‬‬
‫‪((1‬‬
‫إما الله أو الفناء ‪ ,‬إما السلم أو الدمار ‪ [.‬أهس‪.‬‬

‫)الذخائر العظام ‪ :‬ج ‪( 901/ 1‬‬ ‫)‪(1‬‬


‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 589 [ ‬‬

‫الشيوعية في العالم العربي خلل القرن العشرين ‪:‬‬ ‫•‬


‫] لقد أشرف اليهود على تنظيم وتكون الحزاب الشيوعية في العالم العربي فهسسم‬
‫قادتها ومخططوها‪.‬‬
‫يقول الشيوعي اليهودي الفرنسي ) روبنسون ( ‪:‬‬
‫) لم تتأسس أحزاب شيوعية ومنظمات متعاطفسسة إل فسسي الحلقسسات الجنبيسسة فسسي‬
‫البلدان العربية في مصر وفلسطين ‪ ,‬ولم تجد إل القليل مسسن التبسساع وكسسانت مقطوعسسة‬
‫عن واقع تلك البلد ‪ ,‬وانتهت دون أن تثير اهتماما كبيرا (‪.‬‬
‫وفيما يلي نورد السماء اليهودية المؤسسة للشيوعية في البلدان العربية‪:‬‬
‫‪ -1‬الحزب الشيوعي في مصر‪:‬‬
‫بدأ التنظيم سنة )‪ (1921‬في السكندرية على يد روسسسي يهسسودي اسسسمه )جوزيسسف‬
‫روزنبرغ ( تصحبه ابنته ) شار لوت( ‪ .‬وفي سسسنة )‪ (1927‬أوفسسدت موسسسكو ثلثسسة يهسسود‬
‫لتشكيل التنظيم ومتابعته‪.‬‬
‫ثم انتدبت روسيا اليهودي المصري )هنري كوريل( وأمدته بأموال طائلة أسس بهسسا‬
‫) بنك كوريل( في مصر ‪ ,‬وشكل الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني )حدتو(‪.‬‬
‫ثم تشكلت )منظمة السسسكرا( أي الشسسرارة وهسسو نفسسس اسسسم الجريسسدة السستي كسسان‬
‫يصدرها لينين في سويسرا قبسسل نجسساح الثسسورة ‪ ,‬شسسكل هسسذه المنظمسسة اليهسسودي )ايلسسي‬
‫شوارتز( ‪ ,‬ثم غير اسمها فيما بعد إلى ) نحشم (‪ ) :‬نحو حزب الشيوعي مصري( ‪ ,‬ثم‬
‫انضمت إلى )حدتو(‪.‬‬
‫)منظمة الفجر الجديد( أسسسسها اليهوديسسان يوسسسف درويسسش و ريمسسون دويسسك ‪ ,‬ثسسم‬
‫أصبح اسمها )د ‪ .‬ش( الديمقراطية الشعبية‪.‬‬
‫)المنظمسسة الشسسيوعية المصسسرية( )م ‪.‬ش ‪.‬م(‪ :‬أسسسسها اليهوديسسان أوديسست وزوجهسسا‬
‫لمون سدني‪.‬‬
‫)منظمة تحرير الشعب(‪ :‬أسسها )مارسيل إسرائيل(‪.‬‬
‫‪ -2‬الحزب الشيوعي في العراق‪:‬‬
‫أسسه اليهود وكان معظم أفراده في بداية المر مسسن اليهسسود ‪ ,‬وعلسسى رأس قسسادته‬
‫ساسون دلل ‪ ,‬ناجي شميل ‪ ,‬وصديق يهوذا ‪ ,‬ويوسف حز قيل ‪ ,‬وكلهم من اليهود‪.‬‬
‫ويروي قدري قلعي في كتابه ) تجربة عربي في الحزب الشسسيوعي ( ص )‪(22-21‬‬
‫يروي الستاذ بدر شاكر السياب – بالضافة إلسسى مسسا رواه مسسن فضسسائح أخلقيسسة ل نريسسد‬
‫الوقوف عندها – كيف كسسان يعمسسل مسسع رفسساقه الشسسيوعيين العراقييسسن لنشسسر الشسسيوعية‬
‫فيقول‪) :‬رحنا نضرب على كل وتر تخرج نغمتسسه موافقسسة لمسسا نريسسد ‪ ,‬بثثنسسا بيسسن الطلب‬
‫الكراد أن القوميين يكرهسون الكسراد وقسوميتهم بينمسا نعتسبرهم نحسن إخواننسا ‪ ,‬وأخسذنا‬
‫نسب القومية العربية أمامهم ‪ ,‬بل رحنا ننتقص من العرب ‪ ,‬ونزعم أن التاريخ العربسسي‬
‫ما هو إل مجموعة من المذابسسح والمجسسازر ‪ ,‬وزعمسساؤهم العظسسام مسسا هسسم إل إقطسساعيون‬
‫جلدون إلى غير ذلك ‪ ,‬ومررنا على إخواننا اليهسسود دون حاجسسة إلسسى دعسسوة ‪ ,‬و اسسستغللنا‬
‫بعض الرفيقات للتأثير على بعض الطلبة‪.‬‬
‫‪ -3‬الحزب الشيوعي السوري اللبناني‪:‬‬
‫تأسس الحزب سنة )‪ (1924‬بعد الحزب الشيوعي الفلسطيني والمصسسري ‪ ,‬وكسسان‬
‫يرأسه في لبنان )جاكوب تايبر( اليهودي الروسي ‪ ,‬وكان يساعده ثلثة يهود هم‪ :‬ميك ‪,‬‬
‫أوسكار ‪ ,‬مولر‪.‬‬
‫ثم دخل بيروت يهود ثلثة عن طريق حيفا وكلهم من الروس ‪ ,‬وهم عيون موسكو‬
‫الثلثة جوزيف بيرجر ‪ ,‬اليهوبيتر‪ ,‬نخبمان لتفينسكي‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 590 [ ‬‬

‫وقد كان الحزب السوري اللبناني تابعا للحزب الشيوعي اليهسسودي فسسي فلسسسطين ‪,‬‬
‫ثم تبع الحزب الشيوعي الفرنسي‪.‬‬
‫‪ -4‬الحزب الشيوعي الفلسطيني والردني‪:‬‬
‫لقد كان التفكير بفلسطين من القضسسايا الكسسبرى السستي تشسسغل رؤوس قسسادة الثسسورة‬
‫البلشفية ‪ ,‬ومنذ اليام الولى من الثورة‪ :‬أصدر لينين في روسيا قرار ذا شسسقين بحسسق‬
‫اليهود‪.‬‬
‫أول‪ :‬اعتبار العداء لليهود ) للسامية( جريمة قانونية‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬تأييد إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين‪.‬‬
‫وقد صدر هذا القرار قبل صسسدور وعسسد بلفسسور – وزيسسر خارجيسسة بريطانيسسا – فسسي )‪(2‬‬
‫تشرين الثاني سنة )‪ (1917‬بأقل من عشرين يوما‪.‬‬
‫ولذا اهتم شيوعيو روسيا بالتنظيم الشيوعي فسسي فلسسسطين ‪ ,‬فكسسان السسذي تأسسسس‬
‫سنة )‪ (1919‬أول حزب في المنطقة ‪ ,‬وقد شكله أول اليهودي الروسي ) روزشتاين (‬
‫‪ ,‬وأوفدت موسكو قطبين يهوديين من أقطاب الحزب الشيوعي الروسي للتنظيم فسسي‬
‫فلسسسطين ‪ ,‬وهمسسا‪ :‬جسساك شسسابيليف ‪ ,‬رادول كسسارن بسسورغ وكسسان جميسسع عناصسسر الحسسزب‬
‫الشيوعي الفلسطيني في بداية المر يهودا روسيين‪.‬‬
‫ثم أرسلت موسكو ) فلديمير جابو تينسكي ( فنشط نشاطا ملحوظا في فلسطين‬
‫‪ ,‬ثم انتدب )س‪ .‬افربوخ( اليهودي – الملقب بأبي زيام – لتنظيم الحزب الشيوعي فسسي‬
‫البلد العربيسسة ‪ ,‬وكسسان الخيسسر صسسديقا للينيسسن فسسي سويسسسرا ‪ ,‬وأبسسرز الشسسيوعيين فسسي‬
‫الفلسطين ‪ ,‬وقد تولى رئاسة الحزب الشيوعي في فلسطين من )‪. (1929-1924‬‬
‫وكانت عضوية الحزب الشيوعي الفلسطيني أول ‪ ,‬قاصرة على اليهود و دخله قلسسة‬
‫مسسن الفلسسسطينيين العسسرب ‪ ,‬وقسسد كسسانوا غيسسر موثسسوقين لسسدى الكثريسسة الشسسيوعية وغيسسر‬
‫مؤتمنين على أسرارهم ‪ ,‬وفي سنة )‪ (1937‬تأسست أو حركة علنية للحزب الشيوعي‬
‫الفلسطيني وراء ستار نقابة عمال في حيفا سكرتيرها إميل توما‪.‬‬
‫وفي الناصرة نقابة عمال سكرتيرها إميل حبيبي ‪ ،‬وفي يافا سكرتيرها فؤاد نصار‪.‬‬
‫سنة )‪ (1939‬أنشأ الشيوعيون عصبة التحرر السسوطني ‪ ,‬وكسان سسكرتيرها اليهسودي‬
‫)بن فكي( ‪ ,‬ومساعده توفيق طوبي ‪ ,‬وكانت مطالب هذه العصسسبة جلء بريطانيسسا ‪ ,‬ثسسم‬
‫تشكيل حكومة مشتركة بين اليهود والعرب‪.‬‬
‫وفي حسسرب )‪ (1948‬تحسسول أعضسساء عصسسبة التحسسرر إلسسى قسسادة عصسسابات مسسسلحة ‪,‬‬
‫يذبحون الشعب الفلسطيني فانسسسحب بعسسض الشسسباب المغسسرر بهسسم ‪ ,‬فسسي حيسسن وقسسف‬
‫الشيوعيون المتحمسون يدفعون عن اليهود ويقفون بجانبهم ‪ ,‬منهم المحسسامي إبراهيسسم‬
‫بكر في الناصرة ‪ ,‬وفؤاد نصار في يافسسا ‪ ,‬وغيرهسسم مسسن قسسادة الشسسيوعيون العسسرب فسسي‬
‫فلسطين‪.‬‬
‫وبعد نكبة )‪ (1948‬صار الحزب الشيوعي الفلسطيني اليهودي يشسسرف علسسى بقيسسة‬
‫فلسطين غير المحتلة ‪ ,‬وكان في رئاسة الحزب إميل تومسسا و توفيسسق طسسوبي و إميسسل‬
‫حبيبي ‪ ,‬وهذان الخيرين عضوان في الكنيست اليوم ‪ ،‬وكسسانت الصسسلة بيسسن الشسسيوعيين‬
‫في قسمي فلسطين عن طريق ) ضابط إسرائيلي وسكرتير صسسحفي مسسن الشسسيوعيين‬
‫يعملن في لجنة الهدنة ( ‪ ،‬وكانت نشرات الحزب الشيوعي تسسذيل بعبسسارة فسسي أسسسفلها‬
‫بالعبرية ‪ :‬طبعت بمطابع الحزب الشيوعي الفلسطيني ‪ ,‬أي ) القسم المحتل(‪.‬‬
‫وفي سنة )‪ (1950‬ضمت الضفة الغربيسسة إلسسى الردن وقسسد اعتقسسل طلعسست حسسرب‬
‫الشيوعي في رام الله وهو يوزع المنشورات الشيوعية السستي أحضسسرها مسسن إسسسرائيل ‪,‬‬
‫سنة )‪ , (1951‬عثرت قوات المن في عمان علسى مطبعسة للشسيوعيين وهسي مسسجلة‬
‫بأرقام وعبارات عبرية ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 591 [ ‬‬

‫سنة )‪ (1952‬صدر المر من موسكو بفصل الحزب الشيوعي الردني عن الحسسزب‬


‫الشيوعي الفلسطيني‪ ,‬وكان فائق وراد ل زال في المنطقسسة المحتلسسة ‪ ,‬فسسسمحت لسسه‬
‫القوات السرائيلية بالخروج ليصبح قائدا من قادة الحركة الشيوعية ‪ ,‬ولتقدمه منطقسسة‬
‫رام الله سنة )‪ (1956‬نائبا عنها في مجلس النسواب الردنسي ‪ ,‬ويومهسا قسدمت القسدس‬
‫يعقوب زيادين – الشيوعي النصراني – نائبا عنها‪.‬‬
‫وفي سنة )‪ (1957‬حل الحزب الشيوعي الردنسي واعتقسل قسادته وأودعسوا معتقسل‬
‫الجفر ‪ ,‬وألقى فؤاد نصار سسسكرتير الحسسزب الشسسيوعي الردنسسي عسسدة محاضسسرات أولهسسا‬
‫)الشيوعية وإسرائيل( جاء فيها )إننا نعلم ويعلم الجميع بأن إسسسرائيل أمسسر واقسسع ودولسسة‬
‫لها كيانها السياسي والقتصادي والعسكري ‪ ,‬وإن اليهود شعب كباقي الشعوب له حسق‬
‫الحياة ‪ ,‬وأنا أعترف باليهود كدولة لن الشمس ل تغطي بغربال(‪.‬‬
‫وعنسسدما مسسات فسسؤاد نصسسار فسسي عمسسان سسسنة )‪ :(1977‬أقسسام الحسسزب الشسسيوعي‬
‫السرائيلي )راكاح( له حفل تأبينيا في الناصرة تلسسك فيسسه زعيسسم الحسسزب )مسساير ملنسسر( ‪,‬‬
‫وكذلك توفيق طوبي وإميل توما ‪ ,‬وتوفيق زياد صاحب فكرة )يوم الرض( – ‪ 30‬آذار –‬
‫‪ ,‬وتوفيق هذه عضسو فسي الكنيسست السسرائيلي وكسان يجمسع التبرعسات سسنة )‪(1978‬‬
‫بالعلم السرائيلي من أمريكا‪.‬‬
‫ول زالت البرقيات تتبادل بين الحزب الشيوعي الردني السرائيلي ‪ ,‬منهسسا مسسا جسساء‬
‫بالنشرة الشيوعية الردنية في نيسان سنة )‪ (1977‬ما يلي‪ ) :‬كما قدر المجلسسس عاليسسا‬
‫المواقف المبدئية والثابتة ي القوى التقدمية في إسرائيل نفسها وفي مقدمتها الحسسزب‬
‫الشيوعي )راكاح (‪.‬‬
‫وقد كان محمود درويش وسسسميح القاسسسم الشسساعران الفلسسسطينيان الشسسيوعيان –‬
‫الممثلن للرض المحتلة – يحملن علم إسرائيل في مؤتمر صوفيا الدولي‪.‬‬
‫يقول الستاذ سعد جمعة‪ ) :‬وقد ثبسست بمسسا يقطسسع كسسل شسسبهة قيسسام تنظيسسم موحسسد ‪,‬‬
‫وترابط عقائدي ‪ ,‬وتخطيسسط ‪ ,‬وتكامسسل فسسي التخطيسسط والهسسدف بيسسن كسسل مسسن الحسسزب‬
‫الشيوعي السرائيلي والحسسزاب الشسسيوعية العربيسسة ‪ ,‬ومسسن عسسانى متسساعب الحكسسم فسسي‬
‫الردن ‪ ,‬يعرف أن الكثير من المنشورات الشيوعية العربية كانت تأتينا عبر الحدود من‬
‫إسرائيل ‪ ,‬وإن كثيرا من قادة الحزب الشيوعي الردني قذفوا علينا مسسن إسسسرائيل بعسسد‬
‫أن تتلمذوا وتدربوا على أيدي دهاقنسة الحسزب الصسهيوني المضسللين(‪ [ .‬هسس ‪) .‬السسذخائر‪-974:‬‬

‫‪. (976‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 592 [ ‬‬

‫الشيوعيون العرب وقضية فلسطين‪:‬‬ ‫•‬


‫رأينا فيما سبق أن التنظيمات الشسسيوعية فسي العسالم العربسي ‪ ,‬كلهسا أشسرف عليسسه‬
‫اليهود وسهروا عليها ‪ ,‬وأما قادة الشسيوعيين السذين ينتسسبون إلسى العروبسة فقسد تربسوا‬
‫على أيدي دهاقين اليهود بعد أني غيروا عقولهم فأصسسبحت يهوديسسة ‪ ,‬وقسسد كسسان اليهسسود‬
‫يعلقون آمال كبيرة على هؤلء التلميذ وعلى التقدم الشتراكية في المنطقة‪.‬‬
‫وفي سنة )‪ (1948‬كان الشيوعيون العسسرب – مسسن أبنسساء فلسسسطين – يكتبسسون إلسسى‬
‫موسكو‪) :‬إن جعل فلسطين وطنا قوميا لليهود هو الطريق الوحيسسد والوسسسيلة الناجحسسة‬
‫لبلشفة العالم العربي(‪.‬‬
‫وعندما كان قرار التقسيم ‪ .‬وبعد أن أعلنت روسيا عن تأييدها الصارخ للقرار ‪ ,‬عاد‬
‫الشيوعيون العرب يؤيدون التقسيم ‪ .‬فقد أعلن السكرتير العام للشسسيوعيون العسسرب –‬
‫خالد بكداش – قائل‪ ) :‬الحكومات الرجعية العربية هي المسؤولة ‪ ,‬لقد عارضت التحاد‬
‫السوفيتي الصديق حتى اللحظة الخيرة ولم تخطب وده ‪ .‬صحح أن اليهود ليسوا أمسسة‬
‫لكنهم شعب له حق الحياة(‪.‬‬
‫ولقد كشف رفيق رضا )عضسسو قيسسادة الحسسزب الشسسيوعي اللبنسساني السسسوري( السسذي‬
‫انشق على خالد بكداش وكان مساعدا له ‪ ,‬فيقسسول‪ ) :‬كسسانت قيسسادة الحسسزب الشسسيوعي‬
‫بمثل حماس ابن غوريون علسسى بعسسث الدولسسة ليهوديسسة فسسي فلسسسطين ‪ ,‬فإسسسرائيل فسسي‬
‫نظرها واحة من واحات الديمقراطية في الشرق الدنى ‪ ,‬والشعب السرائيلي المشرد‬
‫ل بد وأن يلتقي فسي أرض الميعساد ‪ ,‬وإن واجسسب التضسسامن الممسي فسي عسرف القيسسادة‬
‫المذكورة هو من صلب المبادئ الماركسية ولذا فوجود إسرائيل له في عرفها مسسبرراته‬
‫النسانية التي تتخطى المبررات و الوقائع القومية(‪.‬‬
‫ولقسسد عسسرف النسساس جميعسسا موقسسف الشسسيوعية المخسسزي تجسساه إخسسوانهم مسسن أبنسساء‬
‫جلدتهم ‪ ,‬فقد رموا العرب المشردين – الذين يدافعون عن كيانهم وعن حياتهم ودينهم‬
‫وأعراضهم – عن قوس واحدة ‪ .‬وهاجموهم واعتبرهم معتدين ‪ ,‬وكسسانوا يصسسفون اليهسسود‬
‫بأنهم مظلومين ‪ ,‬وقد كانوا يعتبرون الدفاع عن فلسسسطين رجعيسسة دينيسسة ومسسؤامرة ضسسد‬
‫اليهود‪.‬‬
‫ففسسي العسسراق قسسال الشسسيوعيون‪ ) :‬إن الشسسعب العراقسسي يرفسسض بإبسساء أن يحسسارب‬
‫الشعب السرائيلي الشقيق (‪.‬‬
‫وقال سكرتير الحزب في العراق )يوسف سلمان الملقب بفهسسد( ‪) :‬مرحبسسا بإنشسساء‬
‫دولتين عربية ويهودية في فلسطين واشترط لهما الشسستراكية والتحسسالف ضسسد الرجعيسسة‬
‫الدينية العربية(‪.‬‬
‫وكتبت المنظمة الشيوعية المصرية فسسي )‪ (15‬مسسايو سسسنة )‪ (1948‬تحسست عنسسوان ‪:‬‬
‫)غزت جيوش البلد العربية فلسطين(‪) :‬وهذه الحرب حسسرب رجعيسسة تخسسدم البرجوازيسسة‬
‫العربية و تكبت البروليتاريا الصاعدة )اليهود( الثورية في فلسطين(‪.‬‬
‫وبعد قيام إسرائيل أخذ الشسسيوعيون ينسسادون بالصسسلح معهسسا‪ .‬فقسسد كسسان الشسسيوعيون‬
‫يوزعون باستمرار مقالت )صموئيل ميكونيس( سكرتير الحزب الشسسيوعي السسسرائيلي‬
‫التي كان ينشرها في جريدة )الكومنفورم( تحت عنوان )في سبيل سلم دائم(‪.‬‬
‫وألقى فؤاد نصار )سكرتير الحزب الشيوعي الردني سسسنة )‪ (1957‬محاضسسرة فسسي‬
‫الجفر قال فيها‪ ) :‬إننا نعلم ويعلسسم الجميسسع بسسأن إسسسرائيل أمسسر واقسسع ودولسسة لهسسا كيانهسسا‬
‫السياسي والقتصادي والعسكري ‪ ,‬وإن اليهود شعب كباقي الشعوب له حسسق الحيسساة ‪,‬‬
‫وأنا أعترف باليهود كدولة لن الشمس ل تغطي بغربال(‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 593 [ ‬‬

‫وبعد قيام الثسسورة الفلسسسطينية واشسستداد عودهسسا انسسدس الشسسيوعيون فسي أوسسساطها‬
‫وصاروا ينسادون بمقسالتهم )التفريسق بيسن اليهسودي والصسهيوني ( وذلسك لتمييسع القضسية‬
‫الفلسطينية‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬نحن ل نقاتل اليهود الشرفاء إنما نقاتل الصهيونية‪.‬‬
‫ول ندري كيف نفرق في الميدان العام بين يهودي شريف؟! على حد زعمهم وبيسسن‬
‫صهيوني ‪ ,‬بينما يرى قادة المنظمات الصهيونية أن كل صسسهيوني يهسسودي ‪ .‬بسسل صسسهيون‬
‫يطلق على الجزء الجنوبي من القدس )جبسل اليبوسسيين( ‪ ,‬ثسم أصسبح اليهسود يطلقسونه‬
‫على القدس ويسمونها )ابنة صهيون( وفي التوراة ) ترنمي يا ابنة صسسهيون ‪ ,‬إهتفسسي يسسا‬
‫ابنة أورشليم(‪.‬‬
‫يقول هرتزل ‪) :‬الصهيونية هي العودة إلى حظيرة اليهوديسسة قبسسل أن تصسسبح العسسودة‬
‫إلى أرض الميعاد(‪.‬‬
‫ويقول بن غوريون‪ ) :‬أنسا يهسودي أول و إسسرائيلي بعسد ذلسك ‪ ,‬لعتقسادي بسأن دولسة‬
‫إسرائيل أوجدت لجل الشعب اليهودي بأسره ونيابة عنه (‪.‬‬
‫وأخذ قادة الثورة الفلسطينية ومنظماتها يثقفون الشباب الثقافة الثورية !! ثقافية‬
‫ماو وجيفارا ‪ .‬وثورية لينين وستالين ‪ ,‬وآراء مسساركس وحيسساة كاسسستروا ‪ .‬لقنسسوا الشسسباب‬
‫عشسسرين اصسسطلحا يلفسسون ويسسدورون حولهسسا ‪ ...‬إمبرياليسسة ‪ ,‬برجوازيسسة ‪ .‬ديماغوجيسسة ‪,‬‬
‫بروليتاريا‪...‬‬
‫وظن الشباب أنهم قد ملكوا شيئا جديدا استبدلوه بدين الله – عز وجل – واشسستروا‬
‫بآيات الله ثمنا قليل وبالمقدسات ‪.‬‬
‫وأعلنوا الحرب ضد الرجعية ) دين السلم( ‪ ,‬إلى صراع داخلي نقل إلسسى كسسل بيسست‬
‫بين الخ وأخيه وبين البن وأبيه ‪ ,‬وبين الفتاة وأمها‪.‬‬
‫وصار مسؤلوا منظمة النصار )الشيوعية( – التي ماسمعنا بها إل من خلل الوراق‬
‫– يحضرون في مجمع النقابات سسسنة )‪ (1970 -1969‬ويقولسسون‪ :‬أعسسداؤنا )المبرياليسسة‬
‫الصهيونية وليس اليهود الشرفاء!!(‪.‬‬
‫واحتفلت الفئات الثورية في أمانة العاصمة في عمسسان فسسي )‪ (10‬نيسسسان )‪(1970‬‬
‫أسبوعا كامل بعيد ميلد لينين المئوي ‪ ,‬وما بقي مفرق طريق ‪ ,‬ول باب ‪ ,‬ول بقالة ‪ ,‬ول‬
‫حانوت ‪ ,‬إل وألصقت عليه صور لينين العظيم !! – غارس دولة اللحاد في الرض –‪.‬‬
‫أما في قواعدهم فقد رأيناهم عن كثب ‪ ,‬وأسماؤهم الحركية أبو جهل ‪ ,‬أبسسو لهسسب ‪,‬‬
‫و ماو ‪ ,‬و جيفارا ‪ ,‬و هوشي منه‪.‬‬
‫أمسسا سسسر الليسسل عنسسدهم ‪ :‬فهسسو شسستم السسدين السسرب ‪ ,‬وأمسسا طعسسامهم ‪ :‬فقسسد كسسانوا‬
‫يصطادون الكلب ببنادقهم ثم يأكلونها ‪ ,‬لنه ل فرق عندهم بيسسن الكلسسب والخسسروف ‪ ,‬إذ‬
‫دعوى التفريق خرافة رجعية جاء بها أحد العراب في الصسسحراء اسسسمه ) محمسسد صسسلى‬
‫الله عليه وسلم (‪.‬‬
‫ولقد رأيناهم عندما كسسان الشسسباب المسسسلم المجاهسسد السسذي يحمسسل السسسلح ‪ ,‬يرفسسع‬
‫الذان في التجمعات الفدائيسسة ‪ ,‬كسسان أبنسساء لينيسسن و ماوتسسسي تونسسغ يصسسفقون ويلعنسسون‬
‫ويرفعون أصواتهم قائلين‪:‬‬
‫أنا ماركسي لينيني أممي !‬ ‫إن تسل عني فهذي قيمي‬
‫وصدق الله العظيم‪:‬‬
‫َ‬
‫ن ‪) ‬المائدة‪:‬‬‫قُلو َ‬ ‫م قَوْ ٌ‬
‫م ل ي َعْ ِ‬ ‫ها هُُزوا ً وَل َِعبا ً ذ َل ِ َ‬
‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫خ ُ‬
‫ذو َ‬ ‫م إ َِلى ال ّ‬
‫صلةِ ات ّ َ‬ ‫‪ ‬وَإ ِ َ‬
‫ذا َناد َي ْت ُ ْ‬
‫‪.(58‬‬
‫ول يزال الشباب المسلم المجاهد الذي يرزح تحت الغلل في سجون إسرائيل –‬
‫عندما يقوم الصلة – يعاني من الضجة التي يفتعلها الذين يعملون لحساب جورج‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 594 [ ‬‬

‫حبش و نايف حواتمة ‪ ,‬وكم حصلت خلفات وصدامات بسبب تعرض أحد الشباب‬
‫المسلم لماو أو لجيفارا أو للينين أو لماركس‪.‬‬
‫وبعد انتهاء العمل الثوري في الردن ‪ ,‬رأينا بعض قادة اليساريين مثل جورج حبش‬
‫يظهر مسسرة أخسسرى فسي )اليمسن الجنوبيسسة الديمقراطيسسة( – أرض عساد – ينظسم جامعسات‬
‫ومعاهد و لماو وماركس ولينين‪.‬‬
‫وعجبت كيف يتعاون النجليز مع دعاة القومية العربية الشيوعيين ‪ ,‬لول أنهسسا جبهسسة‬
‫واحدة سخرت لمحاربة السلم وأهله‪.‬‬
‫) الصليب النجليزي يمكن للشيوعيين في اليمسسن ليرفسسع منجلهسسم و) شاكوشسستهم (‬
‫وتنظم طلئع القومية العربية ممثلة بشخص جورج – اسمه ليس عربيا –( وذلك لترويع‬
‫الشعب اليمني المسلم بفطرته ‪ ,‬ولرسال العبوات الناسفة إلى اليمن الشمالية لهسسدم‬
‫المنشآت وقتل الطفال والبنات‪.‬‬
‫وأدركت عندها أبعاد المسسؤامرة العالميسسة ضسسد السسسلم وأهلسسه ‪ .‬أمسسا القيسسم والخلق‬
‫فليس لها أي اعتبار عند الثوريين الشتراكيين ‪ ,‬فكسسم مسسن الرفيقسسات !! قسسد غسسرر بهسسن‬
‫باسم فلسطين وكنت تدخل قواعسدهم – خاصسة – فسي مكساتب المسدن كعمسان ‪ ,‬فتجسد‬
‫ذوات البنطال الضيق اللواتي ينمن على أنغام الموسيقى ويستيقظن على أوتار العسسود‬
‫بين مجموعات الخنافس و الهيبيين!!‪.‬‬
‫وفي مظاهرة في الجامعة الردنية سنة )‪ (1979‬كانت أصوات هؤلء ترتفع فتقول‬
‫‪:‬‬
‫) مطالبنا شرعية خبز وحرية والشاب بجنب الصبية (‪.‬‬
‫وقد رأيت أحد الشباب اقترب منهسم وقسد بسدأت بعسض النعسرات القليميسة تظهسر ‪,‬‬
‫فقال هذا الشاب الطيسب لهسم‪ :‬أيهسا الخسوة أخساطبكم باسسم السسلم ‪ ,‬فقسام لسه أحسد‬
‫المغرر بهم من الرفقاء الشتراكيين الثوريين ‪) :‬مطالبنا على الكشوف رجعية مسسا بسسدنا‬
‫‪((1‬‬
‫يشوف( أي‪ :‬ل نريد أن نرى السلم [أهـ‪.‬‬

‫*************‬

‫)‪(1‬‬
‫) الذخائر العظام ‪. (986 -984 :‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 595 [ ‬‬

‫هزائم العسرب والمسسلمين وتفككهسم و مسسيرهم نحسو قعسر الهاويسة خلل‬ ‫•‬
‫النصف الثاني من القرن العشري‪:‬‬
‫وهكذا شهد النصف الثاني من القرن العشرين استقلل الدول العربية والسلمية ‪,‬‬
‫وكان استقلل شكليا مبرمجا لم يكن في حقيقته أكثر مسسن عمليسسة تحسسول فسسي أسسسلوب‬
‫المحتلين المستعمرين إلى ما عرف باسم الستعمار الحسسديث ‪ .‬حيسسث فتسست السسستعمار‬
‫العالم العربي إلى نحو ‪ 22‬دولة ‪ ,‬وفتت العالم السلمي إلى ما بلغ بمجموعه أكثر من‬
‫‪ 55‬دولة ‪ ,‬وقد تسلط علسسى حكسسم تلسسك البلد بسسترتيب دقيسسق ومباشسسر مسسن السسستعمار ‪,‬‬
‫نماذج متعددة من أنظمة الحكم ‪ ,‬فكان منها السسسر السسو راثيسسة المالكسسة ‪ ,‬ولسسسيما فسسي‬
‫مناطق الثروات الطبيعية الكبيرة الهامة ولسيما مناطق النفسسط ‪ .‬وكسسان منهسسا النظمسسة‬
‫الديكتاتوريسسة العسسسكرية القمعيسسة ‪ ,‬ولسسسيما فسسي منسساطق الحركسسة والنشسساط والسسوعي‬
‫والثقافة ‪ ,‬كما في بلد العراق والشام ومصر ‪ .‬وكان منهسسا أنظمسسة ديكتاتوريسسة تسسسترت‬
‫بالنظام الليبرالي الغربي ‪..‬وغير ذلك ‪.‬‬
‫ولكن كل تلك النظمة ساست شعوبها بالقمع والظلسسم والقهسسر ‪ ,‬ومارسسست عليهسسم‬
‫سياسات الفقار والتجهيل‪ ,‬والسير بهم نحو دروب الفسوق ونشسسر الفسسواحش ‪ ,‬والسستيه‬
‫والضلل ‪..‬‬
‫كما حكمت كل تلك النظمة بل استثناء – بسسالقوانين الوضسسعية المسسستوردة مسسن بلد‬
‫الغرب المستعمر كل أو جزءا ‪..‬‬
‫وخلل تلك العوام انحط العالم السلمي إلى أسفل قائمة السسدول المتخلفسسة السستي‬
‫تعاني من‬
‫كم هائل ومتنوع من الزمات ‪..‬وبسبب ذلك ‪ ,‬وبسسسبب مسسا أوجسسد الغسسرب فسسي تلسسك‬
‫البلد مسسن التيسسارات الفكريسسة والسياسسسية المتعسسددة المشسسارب والهسسواء بيسسن فلسسسفات‬
‫الشسسرق الشسسيوعي الشسستراكي الملحسسد ‪ ,..‬و هرطقسسات الغسسرب البسساحي الليسسبرالي‬
‫المتهتك ‪..‬قسسام صسسراع مريسسر علسسى السسسلطة فسسي كسسثير مسسن تلسسك البلد ‪ ,‬وتمكنسست كتسسل‬
‫سياسية مناوئة للنظمة الحاكمة من الوصول للحكم ‪ ,‬وقدمت نماذج مغسسايرة عنهسسا لسسم‬
‫تكن أقل منها كفرا وظلما وتيها وانحلل ‪ ,‬واستمر مسلسل الضياع والزمات ‪.‬‬
‫كما دخلت كثير من النظمة المصطنعة حروبا إقليمية فيما بينها ‪ ,‬ولم يحسسل السسدين‬
‫الواحد ‪ ,‬ول حتى روابط القومية بيسن الحكسام وبيسن قيسام تلسك الحسروب ‪ .‬فحسرب بيسن‬
‫إيران والعسسراق ‪ ,‬وبيسن العسراق والكسويت ‪ ,‬وبيسسن اليمسن والسسعودية ‪ ,‬وبيسسن السسعودية‬
‫ومصر ‪ .‬وحروب بين ليبيا وتشاد وبين الجسزائر والمغسسرب ‪ ,‬وبيسن سسوريا والردن وبيسن‬
‫سوريا وقوى متعددة في لبنان ‪ ,‬ونزاعات حدودية بين إمارات الخليج ‪ ,‬بيسسن السسسعودية‬
‫وقطر ‪,‬وبين قطر والبحرين ‪ ,‬وقتال ضسسار بيسسن النظسسام الردنسسي والفلسسسطينيين ‪ ,‬وبيسسن‬
‫النظسسام السسسوري والفلسسسطينيين ‪ ,‬وبيسسن القسسوى اللبنانيسسة المختلفسسة والفلسسسطينيين ‪,‬‬
‫وتهديدات كادت تشعل الحرب بين سوريا وتركيا‪ ,‬وبين سوريا والعراق ‪ ,‬وبين السودان‬
‫واريتريا ‪ ,‬وبينها وبين تشاد ‪...‬إلى آخسسر تلسسك الصسسراعات والحسسروب السستي أهلكسست مئات‬
‫آلف الرواح وأفقرت البلد والعباد ولم يكن منها صراع واحد يمكن اعتبسساره علسسى حسق‬
‫وباطل ‪ ,‬أو أن فيه رائحة من دواعي القتال الشرعي ‪ ..‬وإنما قتال على نزوات الملوك‬
‫والحكام ‪ ,‬لتكون العزة لفلن أو لعلن ‪ ,‬من الجرابيع الحاكمة في بلد المسلمين ‪.‬‬
‫وفي ظل هذه الوضسساع طمسسع العسسداء فينسسا ‪ ,‬فاحتسسل اليهسسود ثلسسثي فلسسسطين سسسنة‬
‫‪ , 1948‬بخيانة قيادات الجيوش العربية السبعة ‪ .‬ثم احتسسل سسسنة ‪ 1967‬مسسا تبقسسى مسسن‬
‫فلسطين و القدس الشسسرقية والمسسسجد القصسسى المبسسارك ‪ ,‬بالضسسافة إلسسى أراض مسسن‬
‫سوريا ومصر ولبنان والردن تزيد مسسساحتها علسسى ‪ 5‬أضسسعاف مسسساحة فلسسسطين ‪ ,‬كسسل‬
‫ذلك بسبب خيانة النظمة في كل من سوريا البعسسث و النصسسيرية ‪ ,‬ومصسسر عبسسد الناصسسر‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 596 [ ‬‬

‫والقومية العربية ‪ ,‬ونظام الماسسوني العريسق الملسسك حسسسين فسي الردن ‪ .‬وفسي سسنة‬
‫‪ 1973‬حول النظام النصيري في سوريا ‪ ,‬ونظام الخائن أنور السسسادات النصسسر العربسسي‬
‫اليتيم الوحيد ضد اليهود إلى هزيمة عسكرية ثم سياسية‪ ,‬في حرب رمضان الشسسهيرة‬
‫بعد عبور القوات المصرية التاريخي لقناة السويس تحت صيحات الله أكسسبر ‪ .‬والزحسسف‬
‫السسرائع للقسسوات السسسورية السستي وصسسلت بحيسسرة طبريسسا وأنزلسست قواتهسسا فسسي مرتفعسسات‬
‫الجولن ‪..‬‬
‫ومنذ التفاقات الخيانية للرئيس السادات سنة ‪ 1980‬ثسم اتفاقيسات فصسل القسوات‬
‫بين سوريا السد النصيري وإسرائيل ‪ ,‬ثسم مسا تل ذل مسن الخيانسات الستي تسولى كبرهسا‬
‫ياسسسر عرفسسات ومنظمسسة التحريسسر الفلسسسطينية ثسسم مسسا سسسمي بالسسسلطة الوطنيسسة‬
‫الفلسطينية ‪ ,‬خسر العرب كل شيء بما فيها أرضهم ومقدساتهم بل وكرامتهم ‪ ,‬أما م‬
‫إسرائيل المدعومة من أمريكا وأوربا ‪ ..‬وأما في العسسالم السسسلمي فقسسد قضسسمت قسسوى‬
‫الكفر المختلفة كثيرا من بقاعه واحتلتها ‪..‬فسساحتلت الهنسسد كشسسمير ‪ ,‬واحتفظسست روسسسيا‬
‫القفقاس والجمهوريات وسط آسيا ‪ ,‬وفقسسد المسسسلمون اسسستقللهم وأكسسثر بلدهسسم فسسي‬
‫دول أوربا الشرقية ‪ ,‬وكذلك في العديد من الدول الفريقية وجنوب شرق آسيا ‪..‬‬
‫وأما منذ ‪ , 1990‬ومنذ تسلمت أمريكا راية العدوان وتحكمت في العسسالم واتخسسذت‬
‫من الشرق الوسط ) الكبير ( وهم معظم العسسالم العربسسي والسسسلمي مجسسال لغزواتهسسا‬
‫وطموحاتها المبراطورية ونهبها الستعماري ‪ ,‬فقد وصل العالم العربي والسلمي إلسسى‬
‫قعر النحلل والتفكك والهزائم وكان فاتحة ذلسسك ‪ ,‬احتلل أفغانسسستان ودخسسول القسسوات‬
‫المريكية اليهودية الصليبية المشتركة عاصمة الرشيد )بغداد ( في ابريل ‪.2003‬‬
‫وبالختصسسار‪ ,‬فقسسد سسسجلت العقسسود السسسبعة الخيسسرة تاريخسسا أسسسودا محزنسسا للعسسرب‬
‫والمسلمين امتلت فيه الرض بيسن جسور الحكسام وعسدوان المسستعمرين جسورا وظلمسا‬
‫وبلءا وظلمات وهزائم وبلءات ل يعلم مداها إل الله ‪.‬‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 597 [ ‬‬

‫جذور البلء و أسباب الهزيمة ‪:‬‬ ‫•‬


‫قال الشيخ عبد الله عزام طيب الله ثراه ‪] :‬‬
‫لقد لخص رب العزة جل جلله‪ -‬أسباب الهزيمة في سطر واحد ‪.‬‬
‫ن ‪) ‬المجادلة‪(20 :‬‬
‫َ‬
‫ك ِفي الذ َّلي َ‬ ‫ه ُأول َئ ِ َ‬‫سول َ ُ‬‫ه وََر ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫دو َ‬‫حا ّ‬
‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫فقال تعالى ‪  :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ر ‪‬‬ ‫ن ك َِثي ٍ‬
‫فو عَ ْ‬ ‫ديك ُ ْ‬
‫م وَي َعْ ُ‬ ‫ت أي ْ ِ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬‫صيب َةٍ فَب ِ َ‬ ‫م ِ‬‫ن ُ‬‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫صاب َك ُ ْ‬
‫ما أ َ‬ ‫وقال تعالى ‪  :‬وَ َ‬
‫)الشورى‪.(30:‬‬

‫م عََلى‬ ‫َ‬
‫دوك ُ ْ‬ ‫ن كَ َ‬
‫فُروا ي َُر ّ‬ ‫طيُعوا ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫مُنوا إ ِ ْ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬‫وقال تعالى ‪َ  :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن ‪ ) ‬آل عمران‪. (149:‬‬ ‫ري َ‬
‫س ِ‬‫خا ِ‬ ‫قل ُِبوا َ‬ ‫م فَت َن ْ َ‬ ‫أ َعْ َ‬
‫قاب ِك ُ ْ‬
‫ن‬
‫دو ِ‬
‫ن ُ‬‫م ْ‬
‫م ِ‬‫ما ل َك ُ ْ‬‫م الّناُر وَ َ‬‫سك ُ ُ‬
‫م ّ‬ ‫موا فَت َ َ‬‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫وقال تعالى ‪َ :‬ول ت َْرك َُنوا إ َِلى ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫الل ّه م َ‬
‫ن ‪) ‬هود‪. (113:‬‬ ‫صُرو َ‬ ‫م ل ت ُن ْ َ‬‫ن أوْل َِياَء ث ُ ّ‬ ‫ِ ِ ْ‬
‫وفي الحديث الصحيح الذي رواه أحمد ‪:‬‬
‫) بعثت بالسيف حتى يعبد الله وحده ‪ ,‬وجعل رزقي تحت ظل‬
‫رمحي ‪ ,‬وجعل الصغار و الذلة على من خالف أمري ‪ ,‬ومن تشبه بقوم‬
‫فهو منهم ( ‪.‬‬
‫إذن فخلصة أسباب الهزيمة ‪:‬‬
‫‪ -‬عصينا الله فهزمنا ‪.‬‬
‫‪ -‬نسينا الله فنسينا ‪.‬‬
‫‪ -‬تحدينا الله فأذلنا ‪.‬‬
‫وأضاف رحمه الله ‪:‬‬
‫وأنا أسوق لك بعض أخبار العالم العربي خلل الستينيات و السبعينيات للثبات ‪:‬‬
‫اختطف الجيش السوري ‪ ,‬مسسدير مخسسابرات إربسسد) شسسمال غسسرب الردن ( ‪ ,‬فبسسادره‬
‫مدير استخبارات درعا )جنوب غرب سسسوريا ( بشسستم آل السسبيت ‪ ,‬فقيسسل لسسه أل تسسستثني‬
‫الرسول الكريم ‪ :‬فأجاب هو على رأس القائمة‪.‬‬
‫قال أحد ) الملعين ( قادة المنظمات الفلسسسطينية فسسي الردن ‪ ,‬قبسسل فتنسسة أيلسسول‬
‫السود ‪ ) :‬لو امتدت إلينا يد الله لقطعناها ( تعالى الله عما يشركون ‪.‬‬
‫عرضسست فسسي مصسسر سسسنة ‪ 1967‬مسسسرحية اسسسمها ) أصسسل الحكايسسة( ألفهسسا ) بكسسر‬
‫الشرقاوي( ‪ ,‬وكان بطلها )اللسسه سسسبحانه ( وتقسسول المسسسرحية أن النسسسان خلسسق قبسسل‬
‫الله ‪ .‬تعالى الله عما يلحد الجاحدون ‪.‬‬
‫الدبابات المصرية التي دخلت سيناء في حرب ‪ 1967‬كان مكتوبسسا عليهسسا ) ناصسسرنا‬
‫ناصر ( ! أي الذي سينصرنا هو ) جمال عبد الناصر( ! بينما كتب اليهسسود علسسى دبابسساتهم‬
‫نصوصا من التوراة ‪.‬‬
‫بتاريخ )‪ (24/1/1965‬دخلت الدبابات لول مرة في تاريخ دمشق مسجد بني أميسسة‬
‫بالمصلين فاستشهد منهم مائتان وأغلق الجامع أياما لزالة ما علسسق بسسستائره ومحرابسسه‬
‫من دماء المسلمين‪.‬‬
‫وفي ذلك اليوم قال مذيع دمشق ) إننا لن نسمح لمن كانوا يعيشون في هذه البلد‬
‫قبل ألف وأربعمائة سنة أن يفرضوا علينا أنظمتهم القديمة وأن يضعوا لنا أسس‬
‫حياة نعيشها في هذه العصر(‪.‬‬
‫في مدينة جنين ‪/‬الضفة الغربيسسة‪ /‬فلسسسطين قسسامت مظساهرة خرجسست مسن مدرسسسة‬
‫جنين الثانوية وهجمسوا علسى دار الخسوان وأخرجسوا المصساحف والتفاسسير و مزقوهسا و‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 598 [ ‬‬

‫داسوها بالقدام على طول الشارع العام وذلك فسسي شسسهر نيسسسان سسسنة )‪ (1967‬قبسسل‬
‫الهجوم بشهرين‪.‬‬
‫عندما أعدم جمال عبد الناصر المفكر السسسلمي سسسيد قطسسب – رحمسسه اللسسه – وزع‬
‫أهل مدينة نابلس ‪ /‬فلسطين الكنافة احتفاء بهذا النصر‪.‬‬
‫قالت لي إحدى المثقفات وهي تناقشني‪ :‬عمسسر بسسن الخطساب لسسم يعمسسل مثسسل عبسسد‬
‫الناصر فغضب زوجها وقال‪ :‬والله إن محمدا لم يعمل مثل عبد الناصر‪.‬‬
‫كانت كلمة )سر الليل( في بعسسض قواعسسد الجبهسسة الديمقراطيسسة فسسي الردن سسسنة )‬
‫‪ (1969‬؛ سب الرب ‪ ,‬وشتم الدين ‪ ,‬وعلى سبيل المثال قاعدة )حرثا(‪.‬‬
‫في تجمسسع للفسسدائيين فسسي قريسسة )السسرام‪ /‬إربسسد‪ /‬الردن( سسسنة )‪ (1969‬عنسسدما كسسان‬
‫الشباب المسلم )الخوان المسلمون( يؤذنون للصلة يصطف مقابلهم الجبهة الشسسعبية‬
‫الديمقراطية ‪ /‬نايف حواتمة والجبهة الشعبية ‪ /‬جورج حبش ينشدون‪:‬‬
‫أنا ماركسي لينيني أممي‬ ‫إن تسل عني فهذي قيمي‬
‫وقد رأيت هذا بنفسي‪.‬‬
‫‪ ) (1‬ليلي خالد( تسمى مجموعتها مجموعة )جيفارا( وتعلن في صحيفة لبنانية أنها‬
‫)ماركسية( وأنها أكبر من أن تؤمن بالله لنها سخافة‪.‬‬
‫‪ (2‬أعلنت ) فدوى طوقان ( في صحيفة إسرائيلية أنها تنكر وجود الله‪ :‬فتقول لها‬
‫الكاتبة السرائيلية ) لهذا بنينا وهدمتم ‪ ...‬وغلبنا وانهزمتم(‬
‫‪ (3‬يقول سعد جمعة‪) :‬في يدنا وثائق تثبت أن المخابرات المريكية والبريطانية‬
‫كانت وراء إنقلب البعث في العراق في )‪ (17‬أيلول سنة )‪ (1968‬وكان همزة‬
‫الوصل مع المخابرات الجنبية هو العميل الشهور ) لطفي العبيدي( وكان العبيدي‬
‫على اتصال مستمر بعدد من البعثيين وفي طليعتهم أحمد حسن البكر(‪.‬‬
‫‪ (4‬يقول هيكل في عدد الهرام )‪ : (15/1/1971‬وهو يستعير لسان الديب الفرنسي‬
‫مالرو‪ ) :‬لدي تصور عن انتشار السلم في مصر بسرعة ‪ ,‬وإن مصر دائما تبحث عن‬
‫فرعون يمثل سمو روحها ‪ ...‬إن السلم لم ينتشر بسرعة بعد الفتح العربي ‪ ,‬لكنه‬
‫انتشر بسرعة بعد الخلفة حين أصبح الخليفة – بالسلطان الزمنية والروحية في يده‬
‫– فرعونا يلبس بدل التاج عمامة (‬
‫‪ (5‬كتبت جريدة البعث العراقي – في أول مرة استلم فيها البعث لعراق عن ميشيل‬
‫عفلق ) الله العائد ( وقال شاعرهم‪:‬‬
‫حسبي ألم فتاتكم حسبي‪.‬‬ ‫ياسيدي ومعبدي وإلهي‬
‫‪ (6‬قال إبراهيم خلص في مجلة )جيش الشعب السورية( في )‪) (25/4/1967‬قبل‬
‫الهزيمة بشهر واحد(‪:‬‬
‫) والطريق الوحيد لتشييد حضارة العرب وبناء المجتمع العربي هي خلق النسان‬
‫الشتراكي العربي الجديد الذي يؤمن‪ :‬أن الله والديان والقطاع ورأس المال‬
‫الستعمار والمتخمين وكل والقيم التي سادت المجتمع السابق ليست إل دمي محنطة‬
‫في متاحف التاريخ ( ‪.‬‬
‫‪ (7‬كتبت عناصر الوحدات والسرايا والحزبيون – التابعون للسلطة في سوريا –‬
‫لفتات تقول مايلي‪) :‬يسقط الله( )السد ربنا(‬
‫)ل إله إل الوطن ول رسول إل البعث(‬
‫كان هذا في رجب سنة )‪1400‬هس( الموافق أيار سنة )‪1980‬م(‪.‬‬
‫وأظن أن هذا النقل من هذا الغثاء يكفي‪.‬‬
‫وأنقلك إلى صفحة أخرى عن أعدائنا – ليهود –‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 599 [ ‬‬

‫‪ -1‬تقول ابنة دايان في كتابها ) جندي من إسرائيل (‪ :‬لقد كانت فرائصنا ترتعد عندما‬
‫سمعنا أن العدو على الجبهة الجنوبية ولكن عندما جاء الحاخام وصلى بنا تبدل‬
‫الخوف أمنا‪.‬‬
‫)وتقول‪ :‬إن مراسيم الطقوس ‪ 0‬في التوراة – أن يقدم للجنود يوم السبت معلبات ‪,‬‬
‫وعندما أحضروا لنا طعاما طازجا مطهيا قبل المعركة – يوم السبت – )‪(3/6/1967‬‬
‫رفض الجنود الكل فأفتى لهم الحاخام الكبر جواز هذا أثناء الستنفار(‪.‬‬
‫‪ -2‬تقول جولدا مائير ) إن أساس قوتنا الوحيد هو ارتباط كل يهودي في الدنيا بنا‬
‫ارتباط العقيدة (‬
‫‪ -3‬حضر ابن غوريون وزلمان شازار تشييع جنازة تشرشل وكان اليوم – السبت –‬
‫فسارا على أقدامهما حوالي ‪ 6‬كم لن ركوب السيارة ممنوع عندهم يوم السبت ‪,‬‬
‫مع أنهما قد بلغا من العمر عتبا‪.‬‬
‫‪ -4‬كتب ابن غوريون إلى ديجول – رئيس وزراء فرنسا – سنة )‪ (1967‬يقول‪ ) :‬إن‬
‫سر بقائنا بعد التدمير البابلي والروماني وحقد المسيحيين الذين أحاطوا بنا ألف عام‬
‫يكمن في صلتنا الروحية بالكتاب المقدس ‪ ,‬وعندما جاءت اللجنة الملكية البريطانية‬
‫في آخر سنة )‪ (1926‬لتدرس مستقبل النتداب قلت لها‪ :‬النتداب الخاص بنا هو‬
‫التوراة ‪ ,‬لقد استخرجنا منه قوتنا لنقاوم عالما عاديا ولنستمر في اليمان بعودتنا إلى‬
‫بلدنا (‪.‬‬
‫‪ -5‬وفي الصفحات الخيرة من مذكرات وايزمن – وهو ما يعتبر توصية عامة‬
‫لسرائيل – هدفنا هو بناء حضارة تقوم على المثل الصارمة للداب اليهودية عن تلك‬
‫المثل يجب أن ل نحيد ‪ ....‬فإذا استهدف اليهود في نشاطهم قيما حقيقية ‪ ...‬عندما‬
‫يطل الله بعطف على أبنائه الذين عادوا بعد تيه طويل إلى بيتهم ليخدموه وعلى‬
‫شفاههم مزمور ‪ ,‬محيين بلدهم القديمة وجاعليها مركز حضارة إنسانية(‪.‬‬
‫‪ -6‬عندما دخل دايان القدس سنة )‪ (1967‬قال‪ :‬يا لثارات خيبر ‪ ,‬وقال الجنود‬
‫السرائيليون وأنا سمعت أصواتهم مسجلة من الذاعة السرائيلية‪ :‬محمد مات‬
‫‪..‬محمد مات‪ ..‬وخلف بنات‪.‬‬
‫‪ -7‬لقد رفض الحاخام أن يكتب عقد قران )ابنة ابن غوريون( رئيس وزراء إسرائيل‬
‫لن أمها ليست يهودية ‪ ,‬والتوراة تعتبر النسب للم ‪.‬‬
‫‪ -8‬يقول بيغن أثناء لقاء مع السادات حول الضفة الغربية ‪ ) :‬أنا رجل مؤمن‬
‫بالتوراة ‪ ,‬رباني الب الروحي جابوتنسكي – كما ربى حسن البنا عندكم سيد قطب ‪,‬‬
‫وأنا أعتبر النسحاب من الضفة الغربية مخالفة للتوراة ولمبادئي الروحية (‬
‫حدثني هذا الخوة عن إخواننا في المنطقة المحتلة سنة )‪ (1948‬الذين قاموا‬
‫بترجمتها من العبرية‪.‬‬
‫قال ابن غوريون عندما دخل القدس سنة )‪) (1967‬هذا أعز يوم علي منذ دخولي‬
‫أرض الميعاد(‬
‫بعد احتلل القدس )‪ (1967‬جاء ليفي اشكول يحمل ورقة صغيرة كتب فيها أمانيه‬
‫ووضعها في شق من شقوق حائط المبكى ) حائط البراق للمسلمين ( كما تفعل‬
‫العجائز عندنا‪.‬‬
‫‪ -11‬في مقابلة إذاعية مع جندي إسرائيلي في جبهة السويس صيف سنة )‪(1969‬‬
‫يقول المذيع له‪ :‬أنت شاب في العشرين من عمرك وقد قدمت إلى إسرائيل بعد‬
‫حرب اليام الستة من كاليفورنيا فما الذي حفزك ؟ قال الشاب ‪ :‬لقد حفزني ديني‬
‫ودفعني إيماني للمجيء إلى الرض المقدسة لحقق رسالة النبياء والسعادة التي‬
‫أحسها في الدفاع عن معتقداتي الدينية ل تعدلها سعادة في الدنيا‪.‬‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 600 [ ‬‬

‫‪ -12‬لقد أحيت إسرائيل اللغة العبرية – لغة التوراة – بعد أن درست منذ ثلثة آلف‬
‫عام – فأسماء‪ :‬الهستدروت ‪ ,‬الكنيست ‪ ,‬إيلت أصبحت هي أسماء مؤسسات ومدن‪.‬‬
‫‪ -13‬هل عرفت بعد هذه المقارنة لماذا انتصر اليهود ؟ ول يغر البعض قوله‪ :‬أننا‬
‫مسلمون أفضل من اليهود على أية حال ‪ ,‬فقد كتب عمر بن الخطاب إلى سعد بن‬
‫أبي وقاص رضي الله عنهم ‪ ) :‬أما بعد ‪ ,‬فإني أوصيك ومن معك من الجناد يتقوى‬
‫الله على كل حال ‪ ,‬فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو ‪ ....‬فإن ذنوب الجيش‬
‫أخوف من عدوهم ‪ ,‬وإنما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم لله ‪ ...‬فإن استوينا‬
‫وإياهم في المعصية كان لهم فضل في قوة ‪ ...‬وإن الله سلط المجوس الكفار على‬
‫‪((1‬‬
‫اليهود وهم أهل الكتاب (‪ [.‬أهس ‪.‬‬

‫انتهى النقل من كلم الشيخ عبد الله عزام رحمه الله ‪.‬‬

‫*************‬

‫)الذخائر‪ :‬ج ‪.(958 - 1/955‬‬ ‫)‪(1‬‬


‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 601 [ ‬‬

‫النظام العالمي الجديسسد ‪1990‬وانطلق الحملت الصسسليبية الثالثسسة بقيسسادة‬ ‫•‬


‫أمريكا‬

‫استتب المر للغرب بالسيطرة على مقدرات العالم السلمي‪ .‬ونجحت خطته في‬
‫تولية أوليائه مسؤولية رعاية شؤونه دون أن يتكبد أي خسائر‪ .‬وامتصت الحتكارات‬
‫المريكية والوربية الكبرى زبدة خيرات بلدنا وثرواتها دونما رقيب ول حسيب ودون‬
‫أي بادرة مقاومة‪ .‬وانهار التحاد السوفييتي بعد غلطته التاريخية في أفغانستان كما‬
‫رأينا‪ .‬وأعلن رؤساء حلف الناتو أنهم اختاروا السلم عدو استراتيجيا بديل‪ ..‬وآتت‬
‫الحملت الدولية والقليمية لمكافحة الرهاب بعيد الجهاد الفغاني ضد الروس أكلها‪.‬‬
‫وتشتت كوادر التيار الجهادي وتنظيماته وتحقق للغرب ما يريده من تفكيكها وحوصرت‬
‫الصحوة السلمية السياسية و دجنت أحزابها وادخلت في متاهات اللجدوى ودروب‬
‫النحراف‪ ...‬واستتب الوضع لسرائيل وانخرط الثوريون الفلسطينيون في مسارات‬
‫أوسلو! وأفتى علماء المسلمين الكبار بشرعية الوجود المريكي في الجزيرة العربية!‬
‫كما أفتو بشرعية التطبيع مع الحتلل اليهودي لفلسطين وبيت المقدس!!‬
‫فلم يكن هناك فيما يبدو أي سبب ظاهر يدعو الغرب للعودة إلى أسلوب الحملت‬
‫العسكرية على المسلمين‪ .‬ولكن المفاجأة كانت في أن الغرب بقيادة أمريكا وتبعية‬
‫بريطانيا وأوربا الناتو وروسيا قد قرروا الزحف عسكريا على العالم السلمي عامة‬
‫وعلى الشرق الوسط خاصة‪ ,‬فيما يبدو وكأنه عملية إعادة احتلل مباشر جديد‪,‬‬
‫وسيكس بيكو أمريكية بريطانية صليبية جديدة‪.‬‬
‫فلماذا أقدم الغرب على هذه الخطوة؟ علما أن غنائمه كانت تصل باردة بل عناء‬
‫ول دماء يتكفل بإيصالها زعماء العرب والمسلمين!‬
‫في رأيي يعود ذلك إلى عدة أسباب‪ .‬منها ما يتعلق بالصليبيين وقيادتهم الجديدة‬
‫أمريكا وحلفائها‪ .‬ومنها ما يتعلق باليهود ومشروعهم الصهيوني في إسرائيل‪ .‬ومنها ما‬
‫يتعلق بما استجد من ظروف عالمنا السلمي وصحوته الجهادية‪ .‬واختصر ذلك في‬
‫النقاط التالية‪:‬‬

‫أسباب الحملت الصليبية الثالثة على العالم السلمي منذ ‪:1990‬‬ ‫•‬
‫أول‪ :‬السباب المتعلقة بالروم الجدد (أمريكا – أوربا – روسيا(‪:‬‬
‫التدهور القتصادي والركود والتضخم وتراجع الواردات المالية في العالم‬ ‫‪.1‬‬
‫الصناعي الغربي بشكل حاد‪ ,‬نتيجة أسباب كثيرة أهمها تقلص العائدات‬
‫الستعمارية من العالم الثالث نتيجة صحوة الشعوب وإدراكها لقيمة ثرواتها‬
‫ونشوء بعض النظمة الوطنية التي تعمل على سد أوجه الفقر في بلدها ووقف‬
‫نزيف النهب من مخزونها الوطني نحو الغرب الستعمار ‪ .‬كما عانت الحضارة‬
‫الغربية نتيجة الترف ورفاه العيش من تراجع القطاع المنتج في المجتمع في‬
‫مجالت الزراعة والصناعات الساسية على حساب توسع هائل في مجالت‬
‫الشرائح المستهلكة غير المنتجة من الحرف الكمالية‪) .‬الفنون – المن –‬
‫البحوث – التجار – الرياضيين‪........‬الخ( كما تراجع الميزان التجاري نتيجة عجز‬
‫الدول الفقيرة عن استهلك ما تنتجه الدول الغنية وانخفاض قدرات الشراء‬
‫لديها وبالتالي انخفاض قدرة الغرب الصناعي على التصريف‪ .‬كما أن هناك‬
‫عاملين قاتلين نخرا في بنية الحضارة الغربية اقتصاديا واجتماعيا‪ ,‬أطنب كثير‬
‫من البحاثة والكتاب الغربيين فيهما مؤخرا بجرأة وصراحة ودقوا لها ناقوس‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 602 [ ‬‬

‫الخطر وهما ) تفشي الربا في كل مفاصل القتصاد الغربي( وكذلك ) عمل‬


‫المرأة في مجالت عمل الرجال وإخلئها لموقعها في المنزل( فقد تحقق‬
‫للقتصاد الغربي بسبب ) الربا( ما بشر الله من أعمل به من) المحق( كما‬
‫قال تعالى ‪ ) :‬يمحق الله الربا ( ‪ .‬فالقتصاد الغربي ومعظم العالمي يصير إلى‬
‫)المحق( عمليا‪ .‬كما خلف عمل المرأة انتشار البطالة في أوساط الرجال ‪.‬‬
‫وكذلك أدى إلى دمار البنية الجتماعية للسرة وتراجع القتصاد‪ .‬كل هذا وغيره‬
‫جعل الدول الستعمارية وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا بحاجة إلى رفع وارداتها‬
‫الستعمارية لسد عجزها القتصادي عن طريق السيطرة على منابع الثروة‬
‫ولسيما منابع الطاقة )البترول والغاز( في الشرق الوسط الخليج العربي‬
‫الفارسي ومحيط بحر قزوين‪ .‬وحتى تستطيع أمريكا أن تسيطر على عصب‬
‫القتصاد العالمي وبالتالي تستنزفه لصالح اقتصادها‪.‬‬
‫سحر القوة الذي سيطر على الدارة المريكية وجنون الحلم‬ ‫‪.2‬‬
‫المبراطوري‪:‬‬
‫تضخمت القوة العسكرية المريكية بشكل هائل ‪ ,‬حتى غدت بمفردها أكبر من‬
‫مجموع قدرات الناتو وروسيا مجتمعة بحسب تقارير مراكز الدراسات‬
‫الستراتيجية العالمية‪ .‬كما تقدمت قدراتها التكنولوجية بشكل مذهل جعل منها‬
‫قوة أسطورية ل تنازع ولسيما في مجال القدرات الجوية والصواريخ العابرة‬
‫والسيطرة على أنحاء الرض بالقدرات التجسسية الهائلة للقمار الصناعية‬
‫وقدرتها على توجيه الرمايات الصاروخية والجوية والبحرية‪ .‬وبامتلكها لضخم‬
‫ترسانة نووية في العالم‪ .....‬كل ذلك ولد بشكل طبيعي لدى الدارة المريكية‬
‫الحلم بالنفراد بحكم العالم وقد طفحت كتابات منظريها بذلك حتى قبل‬
‫القضاء على التحاد السوفييتي ربما بعقدين من الزمن حيث تبنوا ونظروا‬
‫للنفراد بحكم العالم والتخطيط لن يكون القرن الحادي والعشرون قرنا‬
‫أمريكيا وأن تقود أمريكا حضارة الروم وترث أمجادها وتغزو العالم‪ .‬وكان من‬
‫الطبيعي أن تفكر أمريكا من أجل تركيع حلفائها ودحر خصومها بالمساك‬
‫بشريان الحياة وعصب الحركة للعالم الصناعي وذلك باحتلل منابع النفط‬
‫وامتلكها مباشرة‪ .‬والسيطرة على المعابر الستراتيجية للعالم ونشر قواتها في‬
‫كافة أرجائه ومنع نهوض أي قوة مناوئة لها وامتلكها لسلحة دمار شامل‬
‫استراتيجية‪.‬‬
‫هذه القناعات التي تبلورت أواخر القرن العشرين لدى مجموعة من‬
‫المنظرين والساسة في الحزب الجمهوري ممن أسموا أنفسهم ) المحافظون‬
‫الجدد(‪ .‬والذين تبنوا لسوء الحظ عقائد الحلم الصهيوني وقيام إسرائيل‬
‫واجتماع اليهود فيها كمقدمة لنزول المسيح بعد حرب كونية مع المسلمين‪....‬‬
‫إلى آخر ترهاتهم التي تختلط فيها أساطير الدين بأحلم الستعمار‪.‬‬
‫سعي الدول الوربية وروسيا لمعاونة أمريكا خوفا وطمعا بالضافة للدافع‬ ‫‪.3‬‬
‫العقدي الصليبي المتجذر لدى جميعهم ‪ :‬فالخوف من أن تمتلك أمريكا وحدها‬
‫فعليا منابع الطاقة ومصادر القوة وأن تتحكم بها‪ .‬وطمعا في ما يمكن أن تجره‬
‫لها المشاركة من مكاسب ترقع بها اقتصادها المنهار‪ .‬جعلها تشارك جميعا في‬
‫حرب الخليج الثانية بفاعلية‪ .‬وبلغت نسبة المشاركة الوربية ما ل يقل عن‬
‫‪ %25‬في حين شاركت بريطانيا وحدها بس ‪ %15‬وزادت نسبة المريكان في‬
‫القوات التي بلغت مليون جندي على ‪. %55‬حيث أسفرت حرب )عاصفة‬
‫الصحراء( أو )تحرير الكويت( كما أسموها عن تدمير العراق وجيشه وترسيخ‬
‫أقدام بريطانيا وأمريكا في قلب المنطقة العربية والسلمية سنة ‪ .1991‬كما‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 603 [ ‬‬

‫شاركت أوربا وفرنسا وبريطانيا والفاتيكان بصورة رئيسية بالحرب الصليبية‬


‫على المسلمين في البوسنة )‪ (1996-1994‬من أجل توحيد الدين في القارة‬
‫الوربية الساعية إلى الوحدة على الهوية الصليبية‪ .‬أما روسيا فقد تولت فصل‬
‫صليبيا مستقل في الشيشان القفقاس منذ )‪ (1994‬وإلى اليوم حيث ما زال‬
‫المسلسل الدموي يجري بمشاركة أوربية أمريكية بالدعم بالصمت أو‬
‫بالمواقف السياسية و العلمية ‪ .‬إلى أن حملت أمريكا حملتها الكبرى على‬
‫العراق في حرب الخليج الثالثة التي أسموها )حرية العراق !( والتي قامت بها‬
‫أمريكا وبريطانيا بمشاركة لوجستية فاعلة من قبل كامل دول الناتو رغم‬
‫الموقف الفرنسي اللماني والروسي المعارض الذي ما لبث أن لحق بالركب‬
‫الستعماري من أجل حصة في كعكة العراق حيث اعترفوا بالجماع بحالة‬
‫الحتلل المريكي للعراق في مجلس المن ثم تابعوا التدحرج نحو المسار‬
‫المريكي على استحياء خف مع الوقت ليصير إلى الوقاحة الصريحة‪ .‬وهكذا‬
‫حضرت الحملت الصليبية بسبب هذا الدافع الذاتي ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬نضوج المشروع الصهيوني واقتراب اليهود من موعد هدم‬
‫المسجد القصى و اعلن مملكة إسرائيل الكبرى بحسب الحلم‬
‫التلمودية ‪:‬‬
‫لم يخف كبار زعماء الصهاينة في كتاباتهم ومقابلتهم حلمهم الكبر وهو إقامة‬
‫إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل‪ .‬ولم يستحوا من إعلن عزمهم على هدم‬
‫القصى وإقامة هيكل سليمان المزعوم على أنقاضه‪ .‬كما لم يخفو عزمهم على إقامة‬
‫دولة يهودية صرفة وما يقتضيه ذلك من طرد ما تبقى من المسلمين والعرب من أرض‬
‫فلسطين‪.‬‬
‫وبعد أن دجنت إسرائيل بالتعاون مع أمريكا أنظمة الحكم في الجوار أو ما يسمى‬
‫بدول الطوق وتمكنت بواسطة السادات من تفكيك الجيش المصري واختصاره لقل‬
‫من الثلث عدديا وتسليحا وبعد أن كفل لهم الملك الحسين الخائن حاكم الردن وولده‬
‫من بعده أطول حدود لهم مع الجوار‪ .‬وتكفل النصيرية في سوريا أيضا بتفكيك الجيش‬
‫السوري أكبر جيوش المنطقة وأشدها تسليحا تدريجيا‪ ,‬وضمن نصارى لبنان أمان‬
‫حدودها الشمالية‪ .‬انتقل اليهود لمرحلة فرض التطبيع السياسي والقتصادي والثقافي‬
‫على الدول العربية بل وطمحوا لن يشمل ذلك العالم السلمي‪ .‬ولم يبق في‬
‫المنطقة من القوى العسكرية العربية إل العراق ومن القوى السلمية إل الباكستان‬
‫فوضع اليهود نصب أعينهم هدف تدمير الجيش العراقي أول‪ .‬ثم الباكستاني ولما كانوا‬
‫ل يستطيعون ذلك بأنفسهم كان ل بد من استقدام الجيوش الصليبية ولسيما الجيش‬
‫المريكي ليقوم بالمهمة كما أن اليهود بما فطروا عليه من ذل ومسكنة وخوف وجبن‬
‫ل يطمئنون لجيشهم المتفوق عددا وتسليحا على مجموع ما تبقى من قوة عسكرية‬
‫في دول الجوار حتى مع وجود أكثر من ‪ 250‬رأس نووي جاهز لتدمير ما يريدونه من‬
‫أهداف من حولهم‪ .‬فهم يخشون أن تتمرد الشعوب العربية والسلمية على صنائعهم‬
‫الحاكمة في عواصم العرب والمسلمين ويجدون أنفسهم بمليينهم الستة محاطون‬
‫بمئات مليين الشعوب الغاضبة التي تناصبهم العداء وتحمل من الحقاد المقدسة ما‬
‫يكفي لسحقهم إن اتيحت الفرصة لتلك الشعوب‪ .‬ولذلك عمل اليهود على استقدام‬
‫جيوش النصارى لترابط في المنطقة وتبقى وتعمل على تفتيت دولها إلى كيانات أصغر‬
‫وتفتعل حروبا داخلية مذهبية وعرقية تضمن الستقرار والسيادة والتفوق العسكري بل‬
‫تضمن أن تكون إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي تمتلك جيشا في المنطقة‪ .‬ولم يكن‬
‫هذا الهدف صعبا على الصهاينة بعد أن أدت دسائسهم ومكرهم وأعمال الختراق‬
‫والتجسس وشراء الذمم والتغلغل بالسلوب اليهودي على مدى نصف قرن‪ .‬أدت إلى‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 604 [ ‬‬

‫سيطرة اليهود على حكومة أمريكا وحكومات معظم دول الناتو‪ .‬وتشير الحصائيات‬
‫إلى نسبة عالية مخيفة من الوزراء وأعضاء الحكومات وأعضاء البرلمانات والجهزة‬
‫النافذة والحزاب السياسية الرئيسية وكافة وسائل العلم العالمية وأجهزة السينما‬
‫والنتاج التلفزيوني والصحف ‪ ...‬كلهم يهود أو أولد أو أزواج ليهوديات ‪ .‬وهذا يعني‬
‫يهود يتهم بحسب عقيدة التي تعتبر أبن اليهودية يهودي‪ ..‬هذا فضل عن سيطرتهم‬
‫التامة على النظام المصرفي والمؤسسات المالية الكبرى في العالم وتحكمهم في‬
‫المم المتحدة وما ينبثق عنها من مؤسسات ‪ ...‬لقد وصل اليهود إلى ما ذكره القرآن‬
‫من العلو الكبير وها هم يفسدون في الرض كيف يشاؤون ‪ ..‬واستطاع أحبار اليهود‬
‫المتسللون إلى النصرانية ولسيما للمذهب البروتستانتي السائد في أمريكا‬
‫وبريطانيا ‪ ..‬أن يخترعوها ويؤسسوا في أمريكا مذاهب ومنظمات كنسية صليبية‬
‫متطرفة تقوم على ازدواجية المصدر العقدي بحيث تكون العقيدة في الوليات‬
‫المتحدة الصهيونية وآمال إسرائيل وأحلمها وأفضلية شعبها المختار‪ .‬حتى بلغ أنصار‬
‫هذه المنظمات والكنائس عشرات المليين و صارت مواردها المالية بالمليارات وما‬
‫أصبح تملكه من شبكات التلفزيون ووسائل العلم ما يجعلها إمبراطورية طاغية‬
‫مكنت اللوبي الصهيوني من أن يتلعب بالكونغرس والنتخابات المريكية كيفما‬
‫أحب ‪ ..‬وهكذا ظهر المنظرون الجدد في السياسة المريكية في الحزبين الديمقراطي‬
‫والجمهوري وخاصة في الثاني وتولوا دعم برامج إسرائيل التي اقتربت من تحقيق‬
‫أهدافها‪ ....‬وهكذا ساق اليهود الجيش المريكي وجيوش أوربا الصليبية ليحتلوا الشرق‬
‫الوسط و يفتتحوا ذلك بتدمير آخر الجيوش المتبقية وهو الجيش العراقي عبر حرب‬
‫‪ 1991‬وحرب ‪ .2003‬فيثأروا لليهود من العراق وأرض بابل بحسب معتقداتهم ويثأروا‬
‫لمرحلة السر البابلي ويذيقوا أحفاد أولئك الجداد أبشع ألوان الذل والهوان كما ضمنوا‬
‫تفكيك العراق وسحق قدراته‪ ..‬وتجدد الضغط باتجاه سوريا التي ألغي فيها نظام‬
‫التجنيد اللزامي لول مرة في تاريخها منذ الستقلل مما سيقلص عدد الجيش‬
‫السوري الذي يناهز مليون جندي إلى أقل من ‪ %20‬منه ليقوم على المتطوعين الذين‬
‫تتكون غالبيتهم الساحقة من النصيرية وأبناء القليات الدينية الخرى ويبقى المسلمون‬
‫السنة وهم الغالبية الساحقة من سكان سوريا أكثرية غير مسلحة يسلخ اليهود‬
‫وعملؤهم جلدهم متى شاؤوا‪ .‬كما تتجه أنظار أمريكا علنا لتفكيك وتقسيم تركيا و‬
‫الباكستان والسعودية ومصر‪ ..‬وتنشر في الشرق الوسط الدنى وهو ما يسمونه‬
‫منطقة العمليات الوسطى أكثر من ‪ 1.5‬مليون جندي أمريكي يرابط نحو مليون منهم‬
‫في البلد العربية من بغداد إلى طنجة منهم نحو الثلثين في منطقة الشرق‬
‫الوسط !!! وهكذا كانت السباب الصهيونية أساسية في حضور الصليبيين‪ .‬وإعلم‬
‫بوش هذه اليام إطلق مشروع ما أسماه )الشرق الوسط الكبير(‪..‬‬

‫ثالثا‪ :‬أسباب متعلقة بظروف العالم السلمي‪:‬‬


‫كما سيأتي التفصيل في الفصلين التاليين عن مسار الصحوة السلمية الجهادية‪.‬‬
‫فقد أدى نشاطا لصحوة السلمية التي سارت في محاور ثلثة دعوية‪ /‬سياسية ‪/‬‬
‫جهادية مسلحة‪ .‬إلى أن تكون شبحا مرعبا يهدد مصالح الصليبيين والمشروع الصهيوني‬
‫في المنطقة‪ .‬فقد انتشرت الحزاب التي تبني المشروع السلمي واستطاعت أن‬
‫تكون كتل نيابية كبيرة في عدد من برلمانات الدول العربية و السلمية ‪ .‬بل بعضهم أن‬
‫يشكل الحكومات كما في تركيا أو كاد كما في الجزائر ‪ ..‬كما أدى النشاط الدعوي‬
‫لمختلف مدارس الصحوة إلى أسلمة قطاعات كبيرة من المجتمع ولو عاطفيا‪ .‬ولكن‬
‫الخطر من ذلك أن قمع السلطات لمختلف مجالت الصحوة السلمية والذي كان‬
‫ترتيبا لحصار الصحوة أدى إلى امتداد الصحوة الجهادية وازدياد منجزاتها وخبراتها‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 605 [ ‬‬

‫ولسيما بعد نضوج كوادرها وتضخمها من خلل تجربة الفغان العرب الولى في‬
‫أفغانستان )‪ .(1992-1984‬فقد شكلت الظاهرة السلمية تهديدا حقيقيا للنظمة‬
‫العربية والسلمية وأصبح الصليبيون غير مطمئنين إلى حسن أداء تلك النظمة التي‬
‫أقاموها في المنطقة ول إلى مصيرها ورغم نجاح هذه النظمة في قمع كافة مدارس‬
‫الصحوة وإيصالها إلى الفشل في تحقيق أهدافها وإدخالها في ضحضاح الزمة عمليا‪,‬‬
‫إل أن الغرب بما درس من تكويننا الحضاري يعلم مدى خطورة الجذوة الكامنة تحت‬
‫الرماد الساكن حاليا‪ ,‬ورأى أن وجوده العسكري الفعلي هو خير ضامن لمصالحه‪ .‬وأن‬
‫عليه أن يقوم بتنفيذ سيكس بيكو جديدة تقسم المقسم و تجزئ المجزأ من هذه‬
‫الكيانات وتضمن بحسب ما يتخيل مصالحه بنفسه وبحراسة حراب جنوده‪.‬‬
‫وهكذا تضافرت السباب الثلثة لن تزحف تلك الحملت الصليبية الثالثة وتجتاح‬
‫الشرق الوسط من جديد‪.‬‬
‫*************‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 606 [ ‬‬

‫محطات الحملت الصليبية الثالثة )‪:(2003-1990‬‬ ‫•‬


‫‪ -1‬حرب العراق الولى (عاصفة الصحراء – حرب تحرير الكويت(‪:‬‬
‫افتتحت أمريكا حملتها الصليبية بعد انهيار التحاد السوفييتي )‪ (1990‬مباشرة‬
‫بتنفيذ برنامجها الذي أعدت له من أواسط السبعينات وشكلت من أجله آنذاك قوات‬
‫التدخل السريع للسيطرة على منابع النفط وتحدثت العديد من الدراسات والكتب في‬
‫حينها عن سيناريوهات افتعال تهديد لدول الخليج إما من العراق أو إيران لتبرير‬
‫التدخل المريكي‪.‬‬
‫وفعل وكما صار معروفا في وسائل العلم فقد تم استدراج صدام حسين عن‬
‫طريق السفيرة المريكية في بغداد وإغرائه باحتلل الكويت‪ .‬وكان الجيش العراقي قد‬
‫بلغ مستوى رفيعا بعد حرب الخليج الولى مع إيران )‪ .(1987-1979‬ومنذ ذلك الحين‬
‫ضربت القوات المريكية والبريطانية بجرانها في المنطقة‪ .‬وكما ذكرت آنفا في مطلع‬
‫البحث فقد قدمت حكومات الدول العربية وعلى رأسها السعودية ودول الخليج‬
‫والمغرب و الباكستان وسوريا والردن ومصر وتركيا مشاركة فعالة‪ .‬فقاتلت جيوشها‬
‫الجيش العراقي تحت القيادة المريكية‪ .‬ولكن العامل البرز في تحولت معادلة القوى‬
‫في الحملت الصليبية الثالثة كان في دخول الجهزة الدينية الرسمية ومؤسسات‬
‫علماء السلطان وقسم كبير من قيادات الصحوة السلمية إلى جانب هذا الحلف‬
‫بقيادة أمريكا‪ .‬حيث دفع بهم الحكام الخونة إلى إصدار الفتاوى التي تضفي الشرعية‬
‫على حضور الصليبيين وتمركزهم في جزيرة العرب وسيطرتهم على عقر دار‬
‫المسلمين‪ .‬ولكن أدهى ما في هذا المر هو انزلق المدجنين والفاسدين من بعض‬
‫قيادات الصحوة إلى التوقيع على فتاوي تشرع لذلك وذلك نتيجة دخولهم عبر بوابات‬
‫الديمقراطية ليصبحوا جزءا من السلطات الرسمية في حكومات الردة‪ .‬فكانت هذه‬
‫الفتنة جزءا من الثمن الذي يدفعه المتخوضون في مستنقعات السياسة اللشرعية‬
‫أنهم تجاوزوا ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫)ومن أتى أبواب السلطين افتتن ( )وما أزداد عبد من السلطان قربا إل ازداد من‬
‫الله بعدا (‪.‬‬
‫وسحقت القوات المريكية الجيش العراقي وخلفت أكثر من ‪ 300‬ألف قتيل بين‬
‫المدنين والعسكريين ودمرت البنية التحتية للعراق التي بنيت عبر نصف قرن من‬
‫الستقلل ثم ضربت الحصار القاتل على العراق لمدة ثلثة عشر عاما قتلت خللها‬
‫أكثر من مليون ونصف المليون طفل من أطفال العراق عدا ما قتلت من ذويهم نتيجة‬
‫النقص الحاد في الغذاء والدواء‪.‬‬
‫وهكذا أهلت أمريكا العراق للحرب التالية التي أجهزت عليه فيها في مارس‬
‫وابريل ‪.2003‬‬
‫وبعيد الحرب العراقية الولى مباشرة و كإجراء احتياطي ضد المقاومة المفترضة‬
‫التي ستنشأ كرد فعل على هذه الحملت الصليبية ‪ ,‬والتي من المفترض أن تقوم بها‬
‫أوساط الحركات الجهادية وشباب الصحوة السلمية‪ ,‬أطلقت أمريكا حملتها لمطاردة‬
‫الجهاديين ورموز الصحوة الجهادية تحت دعوى مكافحة الرهاب‪ .‬وتصاعدت وتيرة‬
‫المؤتمرات المنية العالمية و القليمية خلل ولية كلينتون الذي خلف بوش الب لتتابع‬
‫أمريكا هجماتها على العالم السلمي فتتابع حصار العراق وتتولى إجبار الدول العربية‬
‫والسلمية على مشاريع التطبيع مع اليهود وتتولى بنفسها مكافحة )الرهاب السلمي(‬
‫كما وصفوه‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 607 [ ‬‬

‫‪ -2‬المذابح الصليبية للمسلمين في البلقان و القفقاس (‪-1994‬‬


‫‪:(1997‬‬
‫في زحمة زخم الهجمة المريكية الصليبية على العالم السلمي ومزاعم مكافحة‬
‫الرهاب والصولية السلمية‪ .‬استغل الروس الظروف العالمية في مواجهة المسلمين‬
‫وشنوا حربهم الدموية على الشيشان حيث ارتكبت أبشع المجازر وتعرض المسلمون‬
‫الشيشان لحرب إبادة ما زالوا يقدمون قرابينها باللف إلى اليوم‪...‬‬
‫كما شن الصرب والكروات بدعم من الفاتيكان ودعم وسكوت الدول الوربية‬
‫حرب إبادة على المسلمين في البوسنة ثم كوسوفو‪ ..‬حيث ارتكبت أبشع المجازر التي‬
‫راح ضحيتها مئات اللوف من المسلمين تحت سمع وبصر المم المتحدة بل في داخل‬
‫محمياتها كما حصل في مذبحة )سيربينتسا( حيث انسحبت قوات الحماية الفرنسية‬
‫الموكلة بحراسة محمية للمم المتحدة لتفسح المجال لمليشيات الصرب أن تقتل أكثر‬
‫من ‪ 8000‬مدني بوسني مسلم أكثرهم من النساء والطفال والعجائز في أكبر‬
‫سلسلة مذابح إبادة جماعية في أوربا منذ الحرب العالمية الثانية ‪.‬‬

‫حصار المارة السلمية في أفغانستان ثم تدميرها سنه (‪:(2001‬‬ ‫‪-3‬‬


‫لم يرق للمريكان وأوربا الناتو التي خططت ونفذت الحرب الهلية بين فصائل‬
‫المجاهدين في أفغانستان )‪ (1996-1992‬من أجل تنفيذ برنامج المم المتحدة الذي‬
‫يقضي بأن يحكم الصليب الحمر الغربي بعد المطرقة والمنجل الحمر الشرقي‬
‫أفغانستان وبعد حرق ما تكدس في أفغانستان من سلح وخبرات جهادية في تلك‬
‫الحرب الهلية ‪ ,‬لم يرق لهم أن يفاجئهم القدر بظهور طالبان وتمكنها من تحكيم‬
‫الشريعة وإقامة إمارة أفغانستان السلمية‪ .‬كما لم يرق لهم أن تسفر حملت مكافحة‬
‫الرهاب العالمية لكوادر التيار الجهادي والفغان العرب عن عودتهم إلى أفغانستان‬
‫وتشكيلهم إلى جانب طالبان بؤرة قضت مضاجع أمريكا والغرب ونوابهم من الحكام‬
‫المرتدين‪.‬‬
‫فبدأت أمريكا وأوربا عمليات الحصار القتصادي والسياسي على المارة السلمية‬
‫منذ نشأتها وتتابع ذلك في عهد كلينتون الذي اختتمه بقصف ‪ 75‬صاروخ كروز على‬
‫بعض معسكرات المجاهدين العرب والطالبان واستمر الحصار في عهد بوش البن‬
‫الذي أطلق صيحته بأنه مكلف من قبل الرب برسالة إصلح العالم وأنه متوجه لقيادة‬
‫حملة صليبية ومكافحة الرهاب السلمي حيث افتتح حملته تلك بعد أحداث سبتمبر‬
‫بغزو أفغانستان وتدمير المارة السلمية إبادة ما استطاع إبادته من اللجئين العرب‬
‫والمسلمين إلى أفغانستان في ديسمبر ‪. 2001‬‬

‫حرب احتلل العراق ( مارس ‪ . (2003‬والزحف المريكي على‬ ‫‪-4‬‬


‫الشرق الوسط ‪:‬‬
‫وقد تكلمنا عنها فيما سبق بما يغني عن العادة ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 608 [ ‬‬

‫حالة المرجعيات في العالم السلمي ووقوف التيار الجهسسادي وحيسسدا فسسي‬ ‫•‬
‫مواجهة الحملت الصليبية الثالثة ‪:‬‬

‫أما المرجعية السياسية للمسلمين‪:‬‬


‫فكما مر معنا فقد دمرها الستعمار الصليبي منذ إسقاط الخلفة ولم تقم لها بعد‬
‫ذلك قائمة ‪ .‬بل إن الذي حصل أن حكام بلد المسلمين صاروا جزءا من معادلة القوى‬
‫إلى جانب الصليبيين وقد ازداد هذا فظاعة خلل الحملت الصليبية الثالثة‪.‬‬
‫وأما المرجعية الدينية‪:‬‬
‫فقد تولت الحكومات الخائنة العميلة تصفيتها في كافة بلدان العالم العربي وأكثر‬
‫العالم السلمي كما مر معنا في الفقرات السابقة‪ .‬وقد حاولت الصحوة السلمية أن‬
‫تقدم بديل وتتسلم زمام المرجعية‪ .‬خصوصا أن علماء مرموقين وقادة بارزين مؤهلين‬
‫وقيادات عديدة من مختلف مدارسها لمعت وتأهلت ولكن ولسباب عديدة سنتناولها‬
‫في الفقرات التالية بالتفصيل لم تستطع الصحوة أن تقدم بديل عن المرجعية‬
‫الكلسيكية المتمثلة بأئمة المذاهب الربعة والمراجع الفقهية وأئمة الطرق الصوفية‪.‬‬
‫ولم تستطع بالخلصة أن تكون مرجعية شعبية وتمتلك طاعة الشارع المسلم‬
‫وتبعيته‪...‬‬
‫وهكذا لم يكن هناك مرجعية دينية مؤهلة لمواجهة الحملت الصليبية الثالثة‪.‬‬
‫وأما المرجعية الجتماعية‪:‬‬
‫فقد كنا قد تحدثنا عن تفككها منذ منتصف القرن العشرين نتيجة الستعمار‬
‫ونتيجة التطور الجتماعي نحو التصنيع والهجرات نحو المدن الكبرى وتفكك الروابط‬
‫القبلية‪ .‬فتابع ذلك سيره بتسارع كبير‪ ..‬وتراجع دور البوادي والرياف في السياسة‬
‫لصالح المدن الكبرى والحياة المدنية التي ل تقيم وزنا لهذه الروابط‪ .‬وباستثناء بعض‬
‫البلدان السلمية كأفغانستان واليمن ‪ ..‬وبعض البلدان الخرى‪ .‬كانت هذه المرجعية‬
‫أضعف من أن تمارس دورا في المواجهة‪ .‬وقد كان من سياسة الحكام جميعا قتل هذه‬
‫المرجعية ونزع سلح القبائل والعشائر وسياسات التفرقة بينها وأضعاف كل منها على‬
‫حدة ‪..‬وبطبيعة الحال كانت هذه المرجعيات دائما تبعا للمرجعية الدينية أو للدينية‬
‫والسياسية معا‪ .‬ولذلك كانت هذه المرجعية غائبة عن ساحة المواجهة أيضا شأنها شأن‬
‫سابقاتها في هذه المواجهة الخيرة‬

‫إذن من وقف للحملت الصليبية الثالثة منذ ‪ 1990‬وإلى ‪ 2001‬؟؟ ‪:‬‬


‫في الحقيقة وباختصار‪..‬‬
‫لقد قدمت الحملت الصليبية الثالثة بعد أن صفت من أمامها كل إمكانيات‬
‫المقاومة ‪ .‬فقد قضت على المرجعيات كلها تقريبا ‪ .‬وقضت إلى حد بعيد على‬
‫مقومات نشوء المقاومة والمواجهة في الشعوب العربية والسلمية‪ .‬ولئن كانت‬
‫الحملت الثانية قد قدمت على بصيرة وخبرة من تجارب قرنين من الزمن خلل‬
‫الحملت الولى وعلى دراسات وأبحاث لهذه المة على كافة الصعدة عبر ‪ 500‬سنة‬
‫بعدها‪ .‬فإن هذه الحملت الصليبية اليهودية المريكية الجديدة تأتي على خلفية كل ذلك‬
‫بالضافة إلى تجارب الحملت الثانية وما وفرته خدمات طبقة المرتدين من الحكام‬
‫وعملئها من المستغربين عبر نصف قرن أو أكثر من الزمن‪.‬‬
‫كما توفرت لها كل إمكانيات النجاح‪ .‬ولئن كان هناك شيء من التوازن في‬
‫معطيات المواجهة على الرض بين قوات الحملت الصليبية الولى وحتى الثانية وبين‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 609 [ ‬‬

‫قوات المجاهدين التي واجهتها عددا وعدة ‪ ,‬فإن تقهقر المسلمين إلى حضيض التخلف‬
‫في معظم الميادين‪ .‬ونهوض الحضارة المريكية تكنولوجيا عسكريا إلى قمة التطور‪,‬‬
‫وما سبق من تدمير نوابهم الحكام لكل إمكانيات المقاومة جعل الساحة عمليا شبه‬
‫خالية في هذا الصراع وصارت المواجهة اليوم غير متوازنة البتة‪.‬‬
‫وأما خلصة نبضات المقاومة للحملت الصليبية الثالثة وأعوانها‬
‫المرتدين والمنافقين خلل (‪ -1990‬سبتمبر ‪ (2001‬فيمكن ذكر أهمها‬
‫بحسب التسلسل الزمني بحسب ما أتذكره الن على الشكل التالي ‪:‬‬
‫• حركة الجهاد المسلح في الجزائر )‪ (1995 -1991‬والتي تم القضاء عليها خلل‬
‫السنتين التاليتين من خلل عمل استخباراتي ناجح وبالغ التعقيد من التعاون بين‬
‫المخابرات الجزائرية والفرنسية وبعض المخابرات العربية حيث أخرج الجهاد عن‬
‫مساره ودمره بعد أن عزله عن جمهوره بسبب انحرافه ) يمكن لمن أراد تفاصيل‬
‫عن تلك التجربة العودة إلى كتاب – شهادتي على الهاد في الجائر – للمؤلف (‪.‬‬
‫• المواجهات الجهادية المسلحة التي قامت في ليبيا ضد نظام القذافي )‪-1993‬‬
‫‪ (1995‬والتي كان أبرزها محاولة الجماعة السلمية المقاتلة في ليبيا والتي تمكن‬
‫النظام من تحديد نشاطها العسكري في داخل ليبيا وتحولت إلى العمل التنظيمي‬
‫الدعوي السري والنشاط في المهجر‪.‬‬
‫• حركة نفاذ الشريعة شمال غرب باكستان سنة )‪ (1996‬والتي قضت عليها‬
‫الحكومة الباكستانية أمام تخاذل الشارع السلمي وتخلف حركات الصحوة في‬
‫باكستان عن نصرتها‪.‬‬
‫• حركة جيش عدن أبين في اليمن بقيادة الشهيد أبو الحسن المحضار رحمه الله‬
‫والتي قضي عليها في مهدها )‪.(1998‬‬
‫• حركة الشباب الجهادي في جبال النبطية شمال لبنان بقيادة الشهيد أبو عاشة‬
‫اللبناني والتي قضي عليها في مهدها )‪.(1999‬‬
‫• حركة طالبان التي انطلقت سنة ‪ 1994‬وأقامت المارة سنة ‪ 1996‬وسقطت‬
‫أواخر ‪ 2001‬وكانت بمن لحق بها من التجمعات الجهادية العربية والباكستانية‬
‫والوسط آسيوية أهم الظواهر الجهادية خلل العقد المنصرم‪.‬‬
‫• النتفاضة الفلسطينية المسلحة التي انطلقت سنة ‪ 2000‬وما زالت إلى الن‬
‫وهي من أهم فصول المواجهة والمقاومة الجهادية للحملت الصليبية اليهودية‬
‫الثالثة‪.‬‬

‫• عدد من المحاولت الجهادية المحدودة والمبادرات الفردية التي قام بها‬


‫المجاهدون ضد مختلف أشكال تواجد الصليبيين في العالم العربي والسلمي‬
‫والتي حصلت في بلدان مختلفة خلل العقد المنصرم ومن ذلك بعض عمليات‬
‫المقاومة المتواضعة في السعودية ضد المريكان والتي كان أهمها تفجيرات‬
‫الرياض و الخبر‪.‬‬
‫• عمليات المقاومة والدفاع عن النفس التي قام بها حطام التيار الجهادي في‬
‫مواجهة حملة المطاردات بعد سبتمبر في مختلف دول العالم ولسيما في مواجهة‬
‫الكارثة التي نفذتها الحكومة الباكستانية خلل ملحقة الناجين على أراضيها والتي‬
‫أسفرت عن مقتل عشرات المجاهدين العرب وأسر ما يزيد على ‪ 600‬منهم‬
‫سلمتهم إلى أمريكا ليستقروا في معتقل غوانتانامو التاريخي‪ .‬وغيره من السجون‬
‫المريكية في أماكن عدة‪..‬‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة ‪] 610 [ ‬‬

‫• حركات الجهاد التي نشرت في وسط آسيا ضد الحكومات الشيوعية المدعومة‬


‫من التحاد السوفييتي ولسيما في طاجيكستان ) ‪ (1993/2001‬ثم ما تلها في‬
‫أوزبكستان )‪. (1997/2001‬‬
‫• وكذلك جهاد المسلمين في تركستان الشرقية)‪ (1996/2001‬ضد الحكومة‬
‫الصينية‬
‫• هذا بالضافة إلى حركات المقاومة والمواجهة التي تمت ضد القوى الصليبية‬
‫في ساحات الجهاد المختلفة خلل هذه الفترة مثل الجهاد الذي حصل في البوسنة‬
‫)‪ (1994/1996‬وكذلك في الشيشان خلل نفس الفترة وما تلها والذي ما زال‬
‫مستمرا‪ .‬وكذلك المواجهة البطولية التي قام بها المجاهدون في الصومال ‪.‬‬
‫وكذلك حركات الجهاد القديمة والمستمرة خلل هذه المرحلة في الفلبين وكشمير‬
‫و ارتيريا وبورما واندونيسيا وغيرها من الجبهات التي اشتعلت أو كانت مشتعلة‬
‫واستمرت ضد الصليبيين وغيرهم من الكفار المستعمرين‪.‬‬
‫• بالضافة لبعض العمليات التي قام بها تنظيم القاعدة ضد التواجد المريكي في‬
‫المنطقة والتي كان أهمها عمليات تفجير سفارتي أمريكا في نيروبي ودار السلم‬
‫ونسف البارجة المريكية كول في عدن ‪ .‬ثم كان آخرها العمليات الستشهادية في‬
‫نيويورك وواشنطن )‪ -11‬سبتمبر ‪ (2001‬والتي افتتحت فصل جديد من المواجهة‬
‫بين الصليبيين والمسلمين وغيرت وجه التاريخ ومعطيات الصراع ‪.‬‬
‫وبالنظرة الدارسة لمعادلة الصراع بين المسلمين والحملت الصليبية الثالثة منذ‬
‫‪ 1990‬وإلى احتلل العراق ‪ 2003‬نجد أن معادلته قد أخذت الشكل التالي ‪:‬‬

‫أمة اليهود(على رأسها إسرائيل( ‪ +‬أمة النصارى(على رأسها أمريكا‬


‫وبريطانيا ودول الناتو وروسيا( ‪ +‬طوائف حكام الردة في العالم‬
‫السلمي ‪ +‬قوى المنافقين وعلى رأسها المؤسسة الدينية الرسمية‬
‫وعلماء السلطان ومن فسد من قيادات الصحوة في بلدنا × التيار‬
‫←‬ ‫الجهادي المسلح جماعات وأفراد‬
‫هزمت قوى المقاومة‪ ..‬وحصر التيار الجهادي‪ ..‬وشلت الصحوة‬
‫السلمية‪..‬‬
‫وخرجت المة من المعركة‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 611 [ ‬‬

‫وقفسسه تأمليسسة مسسع معسسادلت الصسسراع بيسسن المسسسليمن والحملت الصسسليبية‬ ‫•‬
‫الثلثة‪:‬‬
‫وجدنا أن معادلت الصراع كانت مع تلك الحملت على الشكل التالي‪:‬‬

‫الحملت الصليبية الولى ( ‪ : ( 1050/1291‬وكانت معادلتها‪:‬‬

‫)‬ ‫أمة الصليب × أمة السلم ← انتصرت أمة السلم‬


‫‪(1‬‬

‫الحملت الصليبية الثانية (مرحلة الستعمار القديم( (‬


‫‪:(1800/1970‬‬

‫(‪(2‬‬ ‫أمة الصليب ‪ +‬أمة اليهود × أمة السلم ← انتصرت أمة السلم‬

‫الحملت الصليبية الثانية (مرحلة الستعمار الحديث( (مرحلة‬


‫الستقلل (‪:‬‬

‫أمة الصليب ‪ +‬أمة اليهود ‪ +‬طوائف الحكومات المرتدة × الصحوة‬


‫السلمية ←‬
‫هزمت الصحوة السلمية وخرجت المة من المعركة (‪(3‬‬

‫الحملت الصليبية الثالثة (المرحلة المريكية( (‪: (2003-1990‬‬

‫أمة اليهود(على رأسها إسرائيل( ‪ +‬أمة النصارى(على رأسها أمريكا‬


‫وبريطانيا( ‪ +‬طوائف حكام الردة في العالم السلمي ‪ +‬قوى المنافقين‬
‫وعلى رأسها المؤسسة الدينية الرسمية وعلماء السلطان ومن فسد من‬
‫قيادات الصحوة في بلدنا × التيار الجهادي المسلح جماعات وأفراد ←‬
‫هزمت قوى المقاومة ‪ ..‬وحصر التيار الجهادي ‪ ..‬وشلت الصحوة ‪..‬‬
‫وخرجت المة من المعركة )‪(4‬‬

‫وإذا أردنا أن نضع بعض الملحظات التوضيحية لمزيد من الفهم لهذه المعادلت‬
‫التاريخية الرهيبة وما نستخلصه منها من دروس عظيمة كي ندرك أسباب الهزيمة‬
‫ونتلمس مقومات النصر حيث حصل كي يتكرر معنا بإذن الله نجد من ذلك ‪:‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 612 [ ‬‬

‫‪ .1‬إن أول ما تطالعنا به هذه المعادلت من حقائق أن خلصتها أننا انتصرنا في‬
‫المعادلتين )‪ (1‬و)‪ (2‬وانهزمنا في )‪ (3‬وانسحقنا في )‪ (4‬وواضح تماما أننا‬
‫انتصرنا عندما واجهت المة عدوها عسكريا رغم الفارق الهائل في العدد‬
‫والعتاد‪ ,‬وفي واقعنا المعاصر الحالي أمثلة متكررة على هذا كما حصل في‬
‫أفغانستان عندما واجهت المة عدوها بكامل طبقاتها وتكرر ذلك بشكل جزئي‬
‫في الشيشان وفي البوسنة رغم أننا في زمن الهزيمة والتراجع‪.‬‬
‫وكذلك توضح المعادلت أننا انهزمنا عندما واجهت شريحة محدودة العدو ووقفت المة‬
‫تتفرج عليها وانسحقنا عندما خرجت معظم هذه الشريحة من المواجهة بل وانضم‬
‫قسط‬
‫من المة إلى العدو ولم يبق في المواجهة إل حفنة قليلة من الجهاديين‪ .‬وكأن‬
‫المعادلت يمكن اختصارها ببساطة بمعادلتين‪:‬‬

‫انتصرنا‬ ‫←‬ ‫× أمم الكفر‬ ‫أمة السلم‬

‫انهزمنا‬ ‫←‬ ‫نخبة من المة × أمة الكفر ‪ +‬منافقي المة‬

‫فأول الدروس المستفادة من هذه العبرة والمعادلت هو أن علينا أن نعيد المة إلى‬
‫المواجهة بحيث )تعود المواجهة معركة أمة وليست صراعات نخبة( كما هو حاصل‬
‫الن‪ .‬وأول ما يستلزم هذا أن تقنع النخبة المة بأن من وقف مع العدو ليس منها وإنما‬
‫من العدو )ومن يتولهم منكم فإنه منهم( وأن مواجهته من صميم الجهاد وليست فتنة‪.‬‬
‫‪ .2‬أن المة قد تحركت لما توفرت لها المرجعية الشرعية القدوة التي تحركها في‬
‫حين لم تستطع الصحوة ول نخبتها الجهادية أن تشكل مرجعية تقنع المة‬
‫بالتحرك معها وأن على أي نخبة ستتصدى للمقاومة أن تعمل على أن تشكل‬
‫مرجعية تشمل قيادات الجهاد وعلمائه ومفكريه ورموزه وأن تلف المة من‬
‫حولها‪.‬‬
‫‪ .3‬أن العدو قد انهزم أمامنا في ساحات المواجهة العسكرية ولكنه انتصر علينا‬
‫عندما مهد لغزوه بغزو فكري حضاري وفكك البنى التحتية التي تولد بذور‬
‫المقاومة في المة وأن علينا أن نبدأ بترميم هذه البنية بالضافة لما يجب من‬
‫إطلق المقاومة كما اشرنا آنفا‪) .‬راجع ‪ /‬مستويات المقاومة المقدمة‬
‫‪ .4‬أن اليهود قد دخلوا الحملت الصليبية الثانية كعنصر مساعد في الستعمار‬
‫القديم‪ .‬ولكنهم تحولوا إلى طليعة قائدة ومحركة للحملت الصليبية الثالثة‪.‬‬
‫ويجب علينا أن نواجههم بهذه الصفة ونعطي تدمير طليعتهم إسرائيل وأداتهم‬
‫أمريكا أولوية تناسب حجم دورهم وخطره في المرحلة القادمة‪.‬‬
‫‪ .5‬تبين المعادلتين )‪ (4) (3‬أن المرتدين قد حسموا المعركة لصالح العدو الصليبي‬
‫اليهودي عمليا‪ ,‬وذلك بخداع المة بانتمائهم المزيف للمسلمين وهويتهم الوطنية‬
‫المزورة‪ .‬فيجب على طلئع الجهاد والمقاومة وإعلمهم الموجه وقياداتهم‬
‫المفكرة والمنظرة لمستقبل العمل أن تعيد إبراز دور المحرك الساسي‬
‫للمرتدين وهم الصليبيون وتحريك المقاومة تجاههم لن ذلك سيعيد إدخال المة‬
‫في المعركة ويقنعها بقتال المرتدين تبعا للصليبيين على أنهم جزء من العدو‬
‫الحقيقي والساسي وأنهم ليسوا أكثر من مجرد ستار له‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 613 [ ‬‬

‫تبرز المعادلة الخيرة دور أمريكا كقوة قائدة للحملت وككتلة رئيسية في الوزن‬ ‫‪.6‬‬
‫العسكري مما يعطي مواجهتها أولوية كبرى كما يلفت النظر بفهم التناقضات‬
‫الداخلية داخل الحلف الصليبي وما بين محاوره الثلثة ) أمريكا – بريطانيا ‪ /‬أوربا‬
‫الغربية ‪/‬روسيا( إلى ضرورة العمل على فك هذا الحلف والنفراد بالمحور‬
‫الصهيوني المريكي ما أمكن ذلك وسيأتي تفصيل على هذا في النظرية‬
‫السياسية من الفصل الثامن إنشاء الله‪.‬‬
‫من خلل المتابعة نجد أن الشعوب الوربية كلها قد وقفت وراء جيوشها وملوكها‬ ‫‪.7‬‬
‫داعمة مؤيدة في الحملت الصليبية الولى وكذلك في الثانية‪ .‬ولكن انتشار‬
‫مفاهيم التواصل الحضاري وحركات السلم في كثير من شرائح المجتمع‬
‫الوروبي وازدياد المعرفة بالسلم في أوربا جعل جماهير غفيرة مليونية العدد‬
‫تقف موقف المعارضة والشجب لتلك الحملت حتى في بريطانيا‪ .‬في حين‬
‫وقفت الغالبية الساحقة من المجتمع المريكي المتصهين وراء رئيسها الصليبي‬
‫المتهود بوش وعساكره وهذا أمر يجب التفكير فيه ونحن نصيغ نظريات‬
‫المقاومة القادمة‪.‬‬
‫إن نظرة في الصورة الخيرة للمعادلة نجدها قد عادت إلى صيغتها أيام السلم‬ ‫‪.8‬‬
‫الولى لتكون ‪:‬‬

‫× المؤمنين‬ ‫يهود ‪ +‬نصارى ‪ +‬مشركين ‪ +‬مرتدين ‪ +‬منافقين‬


‫المجاهدين‬
‫وهكذا نعود كما بدأنا‪ ,‬ويعود السلم وأهله المؤمنون المصابرون غرباء كما بدؤوا‬
‫غرباء‪ ..‬فطوبى للغرباء من الولين والخرين ونسأل الله أن يجعلنا منهم‪.‬‬
‫‪ .9‬الملحظة الخيرة ‪ .‬وهي في غاية الهمية وتشكل ركنا أساسيا في فهم طبيعة‬
‫صراعنا الحالي ويجب أن تكون ركنا أساسيا من العقيدة الجهادية للمقاومة في‬
‫هذا الزمن وهي الفقرة الهامة التالية ‪:‬‬

‫دور المنافقين مسسن علمسساء السسسلطان ‪ .‬والفاسسسدين مسسن قيسسادات الصسسحوة‬ ‫•‬
‫السلمية في هزيمة المة المسلمة وطليعتها المجاهدة أمام العداء‪:‬‬
‫أمام الحملت الصليبية المعاصرة خلل الستقلل ولسيما بعد الحملة الصليبية‬
‫المريكية الجديدة‪.‬‬
‫فكما مر معنا في الفصل السابق عن كيفية نشوء مدرسة علماء السلطان في‬
‫التاريخ السلمي منذ تحول الخلفة الراشدة إلى الملك العضوض ثم الجبري ثم قيام‬
‫حكم الطواغيت‪ .‬وكيف اتبع المسلمون سنن من كان قبلهم من اليهود و النصارى‪.‬‬
‫وأصبحت السلطة فيهم كما كانت عبر التاريخ في كل الممالك الضالة تقوم على‬
‫)الحاكم والكاهن والعوان( ‪ .‬فقد اصطف علماء السلطان على أبواب سلطين بني‬
‫أميه منذ النصف الثاني للقرن الول الهجري ولم يمض على وفاة رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم إل خمسين سنة‪ .‬وسجلت لنا أقوال علماء الحق الذين اعتزلوا أبواب‬
‫المراء بعض النصوص في نهي أولئك والتشنيع عليهم وتحذير العامة من فسادهم ؟‪..‬‬
‫فقد قام في مقابلة ذاك الفريق التعيس من علماء السلطان علماء للحق صدعوا به‬
‫واحتسبوا على المراء وقاموا بحق الله في الحكام والمحكومين‪ .‬وما زالت هذه‬
‫الطائفة تقل في حين تتوسع فرقة علماء السلطين مع الوقت و تفسد دورها مع‬
‫ازدياد وتطور فساد الملك من العضوض إلى الجبرية إلى ملك الطواغيت إلى أن‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 614 [ ‬‬

‫قامت اليوم فئة علماء الستعمار وفقهاء البنتاغون وجهز آلت حرب الفكار من علماء‬
‫مكافحة الرهاب تحت قيادة رامسفليد‪ ! ..‬ولله المر من قبل ومن بعد‪.‬‬
‫وقد كان دور هذه الفئة الخبيثة من علماء السلطان محدودا في تأييد الحملت‬
‫الصليبية الولى حيث وقفت المة ومرجعياتها الدينية في وجه ذلك الغزو الصليبي‪.‬‬
‫واقتصر دور الفاسدين منهم على تأييد الملوك والمراء الذين خانوا أمتهم وتعاونوا‬
‫معهم من أمثال الصالح اسماعيل أيوب ملك دمشق الذي والى الصليبيين وأدخلهم‬
‫أسواق دمشق وباعهم السلح وملكهم بعض حصون المسلمين وكذلك بعض أمراء‬
‫الندلس الذين تعاونوا مع النصارى وملكوهم حصون المسلمين وتعاونوا معهم‪.‬وقد‬
‫ذكرت وثائق التاريخ طرفا من ذلك من مثل ما قاله المام ابن حزم الذي عاش ذلك‬
‫الحين في القرن الخامس الهجري أي الحادي عشر الميلدي ‪ .‬قال ابن حزم عن أمراء‬
‫الندلس في زمانه ‪ ,‬في كتابه ) التلخيص في وجوه التخليص ( ‪:‬‬
‫] فهذا أمر امتحنا به نسأل الله السلمة ‪ .‬وهي فتنة سوء أهلكت‬
‫الديان إل من وقى الله تعالى ‪ .‬لوجوه كثيرة يطول لها الخطاب ‪.‬‬
‫وعمدة ذلك ؛ أن كل مدبر مدينة أو حصن في شيء من أندلسنا هذه ‪,‬‬
‫أولها عن آخرها محارب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬ساع في‬
‫الرض بالفساد ‪ .‬للذي ترونه عيانا من شنهم الغارات على أموال‬
‫المسلمين من الرعية التي تكون في ملك من ضادهم ‪ .‬وإباحتهم‬
‫لجندهم قطع الطريق‪ .‬ضاربون للجزية والمكوس والضرائب على رقاب‬
‫المسلمين ‪ .‬مسلطون لليهود و النصارى على قوارع طرق المسلمين ‪.‬‬
‫معتذرون بضرورة ل تبيح ما حرم الله ‪ .‬غرضهم منها استدامة إنفاذ‬
‫أمرهم ونهيهم ‪.‬‬
‫فل تغالطوا أنفسكم ‪ ,‬ول يغرنكم الفساق والمنتسبون إلى الفقه ‪,‬‬
‫اللبسون جلود الضأن على قلوب السباع‪ .‬المزينون لهل الشر شرهم ‪.‬‬
‫الناصرون لهم على فسقهم ‪.‬‬
‫فالمخلص لنا منها ؛ المساك باللسنة جملة وتفصيل إل عن أمر‬
‫بالمعروف أو نهي عن المنكر وذم جميعهم ‪ .‬والله لو علموا أن في‬
‫عبادة الصلبان تمشية لمورهم لبادروا إليها ‪.‬فنحن نراهم يستمدون‬
‫النصارى‪ ,‬ويمكنون لهم من حرم المسلمين ‪ ,‬وربما أعطوهم المدن‬
‫والقلع طوعا‪ ,‬فأخلوها من السلم وعمروها بالنواقيس ‪.‬‬
‫لعن الله جميعهم وسلط عليهم سيفا من سيوفه ‪ .‬فمن عجز عن‬
‫ذلك رجوت أن تكون التقية تسعه ‪ .‬وأن ينكر بقلبه ‪ .‬هذا مع أنه لو اجتمع‬
‫كل من ينكر بقلبه لما غلبوا على أمرهم ( أهس ‪.‬‬
‫وهكذا لم يغفل الستعمار الصليبي الذي قاد الحملت الصليبية الثانية منذ القرن‬
‫السابع عشر وإلى منتصف القرن العشرين دور هذه الشريحة الخبيثة في إسناد‬
‫احتلله وإجهاض المقاومة وتجفيف جذورها في المة‪ .‬فكما لم يهمل ملوك وسلطين‬
‫المسلمين في تلك الحقبة دورهم في تركيع الشعوب واستعبادهم وانتزاع طاعة الناس‬
‫لهم‪ .‬لم يهمل المستعمر ذلك ‪ ..‬فقد استطاع النجليز في كل مكان احتلوه من العالم‬
‫السلمي تجنيد بعض العلماء و‪ .‬بعض الصوفية أئمة الطرق لهم في مصر والسودان‬
‫وشبه القارة الهندية وغيرها‪ .‬فقد كتب )كرومر( المندوب البريطاني المشرف على‬
‫استعمار مصر كثيرا من الرسائل إلى محمد عبده )شيخ الزهر( في حينها وأثنى عليه‬
‫وعلى تعاونه‪ .‬ولما مات محمد عبده كتب )كرومر( إلى حكومته ينعي فيه أخلص‬
‫أصدقاء بريطانيا في مصر!! حيث كان لمحمد عبده وأستاذه الفغاني من قبل دورا‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 615 [ ‬‬

‫بارزا في حركة التغريب والغزو الفكري في أوساط المسلمين بل وصل الحد إلى أن‬
‫يكونوا أعضاءا في أول محفل ماسوني في الشرق الوسط !!‬
‫بل ذهب النجليز لبعد من استخدام علماء السلطان ‪ ,‬فلقد استحدثوا مذاهب‬
‫جديدة من العدم وأوجدوا لها مليين التباع مع الوقت في شبه القارة الهندية مثل‬
‫مذهب القاديانية‪ .‬والبهائية وسواها‪ ..‬الذي كان أهم أهداف استحداثه أنه يسقط الجهاد‬
‫ضد النجليز‪ ..‬كما استطاعت فرنسا تجنيد بعض علماء الشام وشمال إفريقيا وأئمة‬
‫بعض الطرق الصوفية الذين أفتوا بأن)فرنسا قدر الله(‪ .‬ومن يحاربها فهو كمن يحارب‬
‫قدر الله ويرفض ما قدر وكتب على المسلمين!‬
‫كما لعب بعض علماء المسلمين وشيوخ الطرق في وسط آسيا والممالك‬
‫السلمية في القفقاس وما حولها دورا بارزا في النفاق للقياصرة وللثورة البلشفية‬
‫وللينين ولستالين ذاته‪ ...‬والوثائق متوفرة لمن أراد جمعها وليس هنا محل الستقصاء‪.‬‬
‫فلما رحل الستعمار وقامت الحكومات الوطنية والحزاب السياسية المحلية صار‬
‫لكل حزب شيوخ وعلماء دين في حملتهم النتخابية وقوائمهم من المرشحين‪ .‬وصار‬
‫لكل حكومة منذ ذاك الوقت وزراء أوقافها ومراجع إفتاء تنافق لها ‪ ..‬ومما نذكره في‬
‫سوريا أن )أحمد كفتارو( وزير الوقاف الحالي وطيلة حكم النصيرية في سوريا منذ‬
‫‪ 1970‬وإلى اليوم )أي طيلة عهد حافظ أسد وابنه بشار(‪ .‬كان سنة ‪ 1954‬يقود‬
‫الحملة النتخابية )لخالد بكداش( مؤسس الحزب الشيوعي السوري واللبناني‪ .‬الذي‬
‫أدخل اللحاد والشيوعية إلى بلد الشام‪ .‬فقد قاد حملته النتخابية في المساجد! في‬
‫مواجهة الحملة النتخابية للخوان المسلمين ومرشحها الدكتور مصطفى السباعي‬
‫رحمه الله‪ .‬فقد كان يخطب اثر صلة الجمعة في المسجد الموي ليثني على خالد‬
‫بكداش الذي يصلي سنة الجمعة البعدية ثمان ركعات! فيما ينتظر الناس والشيخ‬
‫فراغه من النوافل حتى يبدؤوا الحملة النتخابية‪ ..‬فتأمل !! وهكذا كان لحزب البعث‬
‫علماء سلطة في سوريا حتى وقف الشيخ الدكتور العلمة )سعيد رمضان البوطي( في‬
‫محاضرة في استانبول في تركيا يقول لما سألوه عن مذبحة حماة التي راح ضحيتها‬
‫زهاء ‪ 50‬ألف مسلم من الشعب المسلم السني على أيدي الجيش النصيري وقائده‬
‫حافظ أسد‪ .‬قال البوطي‪) :‬لقد تترس بهم المجرمون )يقصد المجاهدين لما انتفضت‬
‫المدينة مع المجاهدين( فحل لولي المر أن يقتلهم(! ومشاهد البوطي كثيرة يطول‬
‫ذكرها هنا حتى كان آخرها أنه أم صلة الجنازة عند موت حافظ أسد وخنقته الدموع‬
‫وهو يدعو رافعا صوته لينقل التلفزيون الرسمي دعاءه )الجهري!( في صلة الجنازة‬
‫فقال ‪ ) :‬اللهم إنا – أي هو ومن يصلي خلفه من الستخبارات وكبار النصيرية والبعثيين‬
‫– أنه ‪ -‬أي حافظ اسد‪ -‬قد لقيك يشهد أن ل إله إل أنت وان محمدا عبدك ورسولك‬
‫اللهم اجمعنا )أي الحفل الكريم وإمامهم البوطي( معه في الفردوس‬
‫العلى !!!!!!!! ‪ .‬وللبوطي هذا صولت وجولت في دعم الحكومات اللبنانية‬
‫)النصرانية( والردنية )الماسونية( وبعض حكام دول الخليج‪ .‬وكان له مقام رفيع في‬
‫الندوة الحسنية عند الملك الحسن الثاني في المغرب‪ .‬وكتاب البوطي العجيب )الجهاد‬
‫كيف نمارسه وكيف نفهمه( الذي توصل فيه إلى أن المجاهدين للحكام في هذا الزمان‬
‫ليسوا شهداء حق ول بغاة حتى!! وإنما مفسدون في الرض حكمهم أن يقتلوا أو‬
‫يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلف أو ينفوا من الرض !‪ ...‬وكان من آخر مآثره‬
‫وقوفه بشراسة مع حكومة الجزائر ضد النتفاضة الجهادية الرائدة في الجزائر قبل أن‬
‫تستولي الستخبارات على قيادتها وتصبغها بالتكفير! ولم يعجبه ول حتى الجبهة‬
‫السلمية للنقاذ فحمل عليها واعتبرها خارجة على الحكومة الشرعية!!‪.‬‬
‫وفي مصر كان لعبد الناصر في مصر بعض شيوخ الزهر الذين أفتوه بقتل سيد‬
‫قطب وإخوانه وبعدم جواز توبتهم بعد أن قدر عليهم‪ .‬وكان للسادات من بعده في‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 616 [ ‬‬

‫مصر فقهاء للتطبيع والسلم مع اليهود مثل الشيخ الشعراوي الذي كتب القصائد في‬
‫مدح فاروق ثم كتب الشعر في الثناء على إنقلب عبد الناصر ضد الملك فاروق !‬
‫وامتدح الخير! ثم أّله السادات وكان هو الذي رد على من عارض السادات بعد زيارته‬
‫الخيانية للقدس بقوله بأن الرئيس هو بمنزلة من ل يسأل عن ما يفعل وهم يسألون!!‬
‫فأنزله منزلة الرب سبحانه وتعالى عما يجحد الجاحدون ! ثم نافق الشعراوي لمبارك‬
‫حتى قبيل أن يلتئم عليه قبره بأيام في واقعة مشهودة ‪ ..‬وهو الذي قرأ البيان الذي‬
‫وقع عليه ستة من العلماء منهم شيخ الزهر ومفتي الدولة ووزير الوقاف والشيخ‬
‫محمد الغزالي والشيخ القرضاوي وجاء فيه أن ما يجري من أعمال عنف ضد الحكومة‬
‫ليس جهادا وإنما إرهابا محرما وقالوا بالحرف ‪ ):‬ذلك بأننا ل نعلم بأن حكام مصر قد‬
‫ردوا لله حكما ( ! وكان ذلك في عهد حسني مبارك الذي ورث العرش الفرعوني‬
‫فورث معه من ضل من سحرة مصر وكهانها‪ .‬فلم يرو أنه رد لله حكما في )مصر( !‬
‫البلد المسلم الذي تدفع فيه العاهرات ضريبة الدخل بموجب القانون لوزارة المالية‬
‫باعتبارهن من مرافق السياحة!!‪.‬وأما سلسلة الطنطاويات من فتاوى شيخ الزهر‬
‫الخير )سيد طنطاوي( فأشهر من أتذكر وأكثر من أن تحضر‪ .‬وكان آخرها دعمه‬
‫لفرنسا في منع المسلمات من لبس الحجاب‪!..‬‬
‫كما كان لل سعود في السعودية هيئة كبار العلماء والدعوة والرشاد‪ ,‬والقضاء‬
‫العلى وغيرها من المؤسسات الدينية الرسمية التي كان لها مآثرها منذ أسسها الملك‬
‫فيصل‪ .‬وقل مثل ذلك عن علماء المغرب القصى الذين يركعون ويسجدون للملك و‬
‫يتعذرون بدعوى سجود الملئكة لدم وأنه سجود شكر وليس سجود عبادة وكيف ل‬
‫يسجدون كما سجد الملئكة لدم والملئكة خير منهم والملك من أولد آدم ‪ -‬على‬
‫الرجح ‪! -‬‬
‫ول ننسى شهادة أبو شقرة العالم )السلفي( في الردن‪ .‬الذي قال أنه نظر في‬
‫حال المة فوجد أن مجدد القرن الخامس عشر الهجري هو جللة الملك الحسين‬
‫المعظم حفظه الله‪ .‬ول ندري كيف حل الشكال مع علماء السعودية الذين عقدوا‬
‫مؤتمرا في الذكرى المئوية لدخول الملك عبد العزيز الرياض مع أعوان النكليز‬
‫ووجدوا أن المجدد هو الملك عبد العزيز آل سعود! وهكذا قل مثل ذلك عن كافة‬
‫الدول العربية و السلمية وموقف علماء السلطان مع ملوكهم ورؤسائهم وأمرائهم‬
‫وعن تسويغهم لحكمهم بغير ما أنزل الله وما يسومون الناس به من العذاب‬
‫والمكوس وصول إلى موالتهم لليهود والنصارى‪..‬‬
‫ولكن النكى من الدور البشع الذي لعبه علماء السلطان إلى جانب حكومات‬
‫الطواغيت والحملت الصليبية الثانية والثالثة ‪ ,‬هو الدور المفاجئ الذي لعبه بعض‬
‫الفاسدين من قيادات الصحوة السلمية ذاتها‪ .‬فإذا كان العلماء المنافقون قد لعبوا‬
‫دور مفتي السوء إلى جانب السلطة‪ ,‬فقد دخل بعض قيادات الصحوة أولئك في‬
‫السلطة ذاتها وصاروا من أركانها بدعوى المصلحة وفن الممكن‪ .‬كما سنرى في‬
‫الفصل القادم إنشاء الله‪ .‬وهكذا وبصفتهم يمثلون الدين والعمل السلمي وينتمي‬
‫ونوا مع علماء السلطان والمؤسسة‬ ‫بعضهم إلى قطاع العلماء‪ .‬فتكامل البلء بهم ليك ّ‬
‫الدينية الرسمية عكاز الكهانة إلى جانب الحكام‪.‬‬
‫ولكن الدور الخبث لطائفة علماء السلطان برز مع قدوم الحملت الصليبية الثالثة‬
‫بقيادة أمريكا منذ ‪ 1990‬على الشرق الوسط‪ .‬فلما زحفت إلينا جحافل المريكان و‬
‫الوربيين وحلفائهم المرتدين وعساكرهم‪ .‬تولى علماء السلطان وفقهاء الضللة‬
‫والفاسدين في الصحوة كسح اللغام أمام تلك العساكر وتحطيم أي إمكانية مقاومة‬
‫قد تنشأ ونزع غطاء الشرعية عنها سلفا‪ .‬وقد تولى تنظيم ذلك النظام الحاكم في‬
‫السعودية وجهازه الديني الذي بادر إلى إطلق فتاوى جواز الستعانة بالكفار للضرورة‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 617 [ ‬‬

‫من قبل أولياء المور الشرعيين وإضفاء الشرعية على ما حصل‪ .‬وبذلك قطعوا‬
‫الطريق على من يفكر بالجهاد‪ .‬وشكل مؤتمر مكة ‪ 1990‬الذي دعي له ‪ 413‬شخصية‬
‫من كبار علماء المسلمين وقيادات الصحوة والرموز الدينية من كافة دول العالم‬
‫السلمي الثمانية والخمسين ‪ .‬وحضر منهم ‪ 398‬شخصية ‪.‬فأصدروا بيانا ختاميا شرع‬
‫للوجود المريكي والتعاون معه ضد العراق بصفتها استعانة شرعية‪ .‬ثم تتالى البلء‬
‫لتصدر الفتاوى من السعودية بجواز التطبيع مع اليهود حيث تولى مفتي الديار الشيخ‬
‫ابن باز إصدار الفتوى التي ل يعبر عن مدى فداحتها إل أن نعلم أن ) بيريز( رئيس‬
‫وزراء إسرائيل في حينها لما ذكرها أمام أعضاء الكنيست وقفوا يصفقون لها وأثنى‬
‫)بيريز( على الشيخ المعتدل ودعا شباب المسلمين لتباع آراء هذا الشيخ الجليل وعدم‬
‫السعي وراء آراء أمثال حزب الله المتطرف‪ ..‬فتأمل إلى أين وصلت الفتنة والبلء!‬
‫وعلى مدى عقد أسود من الزمن )‪ (1990/2000‬تولى الجهاز الديني الرسمي‬
‫وعلماء السلطان وعملء الصحوة السلمية في السلطات المرتدة الحاكمة وبرلماناتها‬
‫ووزاراتها مكافحة التيار الجهادي جنبا إلى جنب مع مشروع مكافحة الرهاب الذي‬
‫قادته أمريكا وانعقدت من أجله عشرات المؤتمرات المنية في العالم وفي بلد العرب‬
‫والمسلمين‪ .‬مما أدى إلى تشريد الجهاديين وتمزيقهم شر ممزق‪.‬‬
‫ولما قامت دولة الشريعة في أفغانستان على يد طالبان )‪ (1994/2001‬تولت‬
‫هذه المرجعيات الدينية العميلة إسقاطها جنبا إلى جنب مع الجهود المريكية الصليبية‬
‫بدافع من حكامهم‪ .‬وحتى في المسائل الصارخة الحساسية لم يستح أولئك العلماء‬
‫والقادة العملء أن يسدوا خدماتهم الجليلة تلك‪ .‬ومن أوضح وأفظع المثلة على ذلك‬
‫أنه لما اتخذ أمير المؤمنين في أفغانستان )مل محمد عمر( قرارا بهدم الصنام الثرية‬
‫العملقة لبوذا‪,‬هرع فريق من هؤلء العلماء ورموز السلم ‪ ,‬وكان على رأسهم الشيخ‬
‫القرضاوي إلى أفغانستان بدفع من حكامهم المدفوعين من أسيادهم ‪ ,‬بتحريك من‬
‫المنظمات الصليبية الدولية ‪ ,‬للحيلولة دون هدم الصنام !وكانت فضيحة للجهاز‬
‫الديني الرسمي في العالم العربي والسلمي ولسيما في السعودية ومصر‪ .‬الذين‬
‫اتخذوا من تلك الفعلة المجيدة لطالبان قضية لتشويههم والعمل على إسقاطهم ‪ .‬وهو‬
‫ما حققته أمريكا أواخر ‪ 2001‬بمشاركة فعالة من حكومة باكستان ودول الخليج‬
‫وهياكلها الدينية المنافقة‪.‬‬
‫ولما قامت بعض العمال الجهادية المحدودة بعيد حرب العراق الولى ‪1991‬‬
‫وإلى سنة ‪ 2000‬ضد الصليبين الغزاة ‪ ,‬أصدرت هيئة كبار العلماء أقبح الفتاوى بالحكم‬
‫على المجاهدين بالفساد في الرض وأن عقابهم القتل والقطع والنفي ‪ .‬فدعوا‬
‫الناس لحربهم وتوعدوهم بعدم دخول الجنة التي صارت ملكا لباباوات المسلمين‬
‫القابعين في السعودية يوزعون أملكها على الناس ‪ ,‬ويحددون من يروح ريحها ومن ل‬
‫يروح ‪ ,‬كما فعل باباوات النصارى في العصور الوسطى!‬
‫ولما جاءت أحداث سبتمبر ‪ 2001‬وتذرعت بها أمريكا وزحفت على أفغانستان‬
‫وأسقطت المارة الشرعية فيها ثم أطلق جورج بوش حملته الصليبية تحت شعار‬
‫مكافحة الرهاب‪ .‬هب الهيكل المنافق من علماء المسلمين وكثيرون من قيادات‬
‫الصحوة لينضموا إلى تلك الحملة بكل جدارة وإخلص وتفاني‪.‬‬
‫ويكفي كي يمتلئ القلب حزنا والنفس كمدا أن تتابع البرامج الدينية وخطب‬
‫الجمعة عبر الفضائيات اليوم من المسجد الحرام إلى المسجد النبوي إلى المسجد‬
‫الزهر إلى كبريات المساجد في عواصم بلد العرب والمسلمين لتشهد الدور الرائد‬
‫الذي تؤديه المؤسسة الدينية الرسمية وما تقدمه من خدمات جليلة لمريكا ‪ .‬حتى‬
‫أصبح لبرامج مكافحة الرهاب وصب جام الغضب والتضليل والتهمة بالنتماء للخوارج‬
‫وعصابات الجرام والمخدرات ‪ ....‬على كل من تسول له نفسه مقاومة أمريكا في‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 618 [ ‬‬

‫غزوتها الصليبية ومقارعة حكام بلدنا المرتدين الذين يقودون طلئع حملتها‪ .‬ول يتسع‬
‫المكان للشواهد هنا وقد جمعت كثيرا منها مع مسودات بحث كنت أعده قبل سقوط‬
‫كابل وكان بعنوان )الفرقان بين علماء الرحمن وعلماء السلطان( ونماذجهم‬
‫منذ علماء بني أمية إلى فقهاء البنتاغون اليوم ‪ .‬وأسأل الله أن يعينني على جمعه مرة‬
‫أخرى وإخراجه‪.‬‬
‫وألخص الدور الذي لعبه وما يزال يلعبه علماء السلطان والفاسدون من قيادات‬
‫الصحوة إلى جانب الحملت الصليبية الحديثة في أربعة أهداف أساسية بالضافة‬
‫لخامس أشد شرا منها على المدى البعيد وهذه الهداف هي‪:‬‬

‫‪ -1‬الحكم بإسلم الحكام المرتدين الحاكمين لبلد العرب والمسلمين‬


‫رغم تشريعهم من دون الله وحكمهم بغير ما أنزل الله وولئهم‬
‫للعداء الكفرة وسهرهم على مصالحهم والقتال دفاعا عنهم إلى‬
‫جانب عساكرهم وتحت قيادتهم ‪ ,‬فضل عما يرتكبوه من ألوان الكفر‬
‫والفساد واعتبار كل ذلك فسوقا وظلما ل يعدوا أن يكون كفرا أصغرا‬
‫ل يخرجهم من ملة المسلمين‪ .‬وبالتالي الحكم بشرعيتهم كأولياء أمور‬
‫لهم على الرعية المسلمة كافة حقوق الطاعة والولء والتعاون ‪.‬‬

‫‪ -2‬الحكم بمشروعية الحتلل الصليبي المريكي وغيره لبلد‬


‫المسلمين بدعوى أن ذلك استنصارا مشروعا بهم تبرره الضرورة ‪.‬‬
‫والفتاء بمشروعية التطبيع مع اليهود ‪ .‬وإسباغ الشرعية على احتلل‬
‫فلسطين بدعوى أن كل ذلك قد تم بموجب اتفاقيات ومعاهدات‬
‫سياسية وعسكرية واقتصادية تمت بين الكفار وأولياء المور‬
‫الشرعيين‪ .‬بما فيهم عرفات وسلطته صاحبة أوسلو و مدريد وخارطة‬
‫الطريق‪.‬‬

‫‪ -3‬تحريم المقاومة للمحتلين الصليبيين واليهود ‪ ,‬بوصفها إرهابا‬


‫للمستأمنين والمعاهدين‪ ,‬وخروجا على أولياء المور الشرعيين ‪.‬‬
‫وسحب الشرعية بذلك عن أي شكل من أشكال جهادهم‪.‬‬

‫‪ -4‬الحكم على المجاهدين و المقاوميين بأنهم مفسدون في الرض ‪.‬‬


‫وإباحة قتلهم وسجنهم وتعذيبهم ومطاردتهم من قبل أولياء‬
‫المور( المسلمين!(‬
‫( الشرعيين!( وأسيادهم (المستأمنين!( و(المعاهدين!( الذين صاروا‬
‫بكامل عتادهم ومئات آلف من جنودهم وطائراتهم وقنابلهم الذكية‬
‫وصواريخهم المدمرة (ذميين!( ‪ .‬وتحريم خفر ذمة ولي المر الذي أمنهم‬
‫وجاء بهم من أجل مصلحتنا ونصرتنا!‪ .‬فكيف يخيفهم الرهابيون!!‬

‫‪ -5‬أما الخامسة الفاجعة الخبث من كل هذا والبعد أثرا في تحطيم‬


‫جذور السلم والمقاومة عند المسلمين؛ فهو ما يقوم به علماء النفاق‬
‫وفقهاء البنتاغون والقيادات الفاسدة في الصحوة من إفساد عقيدة‬
‫المسلمين بدعوى (الوسطية( و ( العتدال( و(السلم العصري المنفتح(‬
‫و(حوار الحضارات( و( الشفافية( و (الحكمة في الدعوة( و‪...‬‬
‫و‪....‬وغيرها من الشعارات الزائفة التي يتم عبرها (أمركة السلم(‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 619 [ ‬‬

‫اليوم‪.‬‬
‫وقد تولت الفضائيات التي تنتشر سمومها القاتلة انتشار السرطان‬
‫في جسد المة وكذلك أجهزة العلم و النشر الخرى هذه الدعاوى التي‬
‫أصبح العراض عليها جريمة تدل على أن صاحبها من الرهابيون! ويأخذ‬
‫عليها بالنواصي والقدام ‪ ,‬وأقل عقوباتها العدام ‪.‬‬

‫وهذا البند موضوع يستأهل أن تكتب فيه الكتب الكثيرة لغزارة مادته وكثرة‬
‫شواهده وليس كتابنا محل ذلك‪ ,‬فحسبنا الله ونعم الوكيل فقد اتسع الخرق على‬
‫الراقع‪ .‬بل تاه المرقعون وسط مئات الخروق التي تغوص المة في أنحائها والله‬
‫المستعان‪.‬‬

‫وهناك حالة خاصة من بين كل أجهزة السحرة والكهان وعلماء السلطان في كافة‬
‫أنحاء العالم العربي والسلمي تستأهل الوقوف معها بشكل منفصل لخصوصيتها‬
‫وخطرها وهي ‪:‬‬

‫*************‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 620 [ ‬‬

‫المؤسسة الدينية الرسمية للمملكة العربية السعودية ودورها إلى جسسانب‬ ‫•‬
‫الحملت الصليبية الثالثة‪:‬‬
‫يحتاج الحديث عن هذه المؤسسة الخبيثة المتشعبة العريقة ‪ ,‬ودورها الشيطاني‬
‫في حرب الله ورسوله والمؤمنين إلى مجلدات مستقلة‪ .‬ويا ليت كان بإمكاني توفير‬
‫الوثائق والمراجع عن نشأتها و فتاويها ورصيدها في عالم النفاق‪ ,‬لتفرغت إذا لخراج‬
‫هذا السفر الهام‪ .‬وأسال الله أن يقيض لذلك أقلما للحق من أهل بلد الحرمين ذاتهم‬
‫من يقوم بذلك وهم أدرى ول شك بشعابها فهناك مواضيع عظيمة يجب التحقيق فيها‬
‫قد قامت بها الحكومة السعودية عبر هذه المؤسسات الدينية الرسمية وأذكر من ذلك‬
‫بالعناوين لمن أراد البحث والتحقيق ملفات مثل‪ :‬دور السعودية في ) تدمير الجهاد‬
‫الفغاني و مطاردة المجاهدين الفغان العرب ( ) تدمير الجهاد العربي في البوسنة ( )‬
‫حصار المجاهدين العرب وإخوانهم في الشيشان ( ودعم روسيا واعتبار المسألة‬
‫الشيشانية شأن داخلي روسي – كما صرح مؤخرا ولي العهد السعودي عبد الله بن‬
‫عبد العزيز أثناء زيارته لموسكو سبتمبر ‪ – 2003‬وكذلك ) دورها في اختراق وتوظيف‬
‫القليات السلمية في العالم( ) دورها في اختراق وتوظيف الجاليات السلمية في‬
‫المهجر( )دورها في إسقاط المارة السلمية في أفغانستان( )دورها في حرب العراق‬
‫الولى والثانية( ) دورها في مكافحة التيار الجهادي ضمن حملة مكافحة الرهاب(‬
‫)دورها في دعم النظمة العربية التي تعرضت للمواجهة من قبل حركات جهادية مثل‬
‫ما حصل في سوريا والجزائر( ‪ ...‬والقضايا كثيرة ودور هذه المؤسسة الدينية وتاريخها‬
‫وإنجازاتها بحث يطول ولكن وللفائدة وعلى سبيل النبذة ألفت النظر إلى نقاط‬
‫مختصرة‪:‬‬
‫• بدأ تكون نواة هذه المؤسسة الدينية منذ عهد الملك عبد العزيز الذي استطاع‬
‫أن يضحك على لحى بعض الطيبين في نجد ويقنعهم بأنه جاء ليجدد دعوة الشيخ‬
‫محمد بن عبد الوهاب رحمه الله‪ .‬فلما اكتشف )الخوان( خدعته وواجهوه ‪ ,‬بعد‬
‫أن نصبه النجليز سلطانا على نجد والحجاز‪ ,‬أبادهم في معركة ) السبيلة (‬
‫بتعاون من النجليز حيث انقسم الخوان على أنفسهم ‪ ,‬ووقف بعضهم معه‬
‫بدعوى أنه ولي المر‪ .‬ومن هناك كانت البداية‪.‬‬
‫• تولت المؤسسة الدينية التي لم تكن قد تبلورت بعد بالتعاون مع أمراء السرة‬
‫بعد عبد العزيز خلع سعود وتنصيب الملك فيصل ولي أمر جديد‪ .‬فكان من‬
‫باكورة أعمال هذا الداهية )مؤسس العلمانية في السعودية( أن قنن لهذه‬
‫المؤسسة وجعلها رسمية فتأسست مع الوقت )هيئة كبار العلماء( وهيئات‬
‫ومؤسسات أخرى مثل) الدعوة والرشاد ( و)المر بالمعروف والنهي‬
‫عن المنكر( و)هيئة القضاء العلى(‪ ....‬إلخ ‪ .‬وتمت هندستها ليقوم مفتي‬
‫الديار على رأسها وليتكون أول (فاتيكان( حقيقي للمسلمين يرأسه (بابا(‬
‫للمسلمين ‪ ,‬سعى السعوديون بقوة )البترو دولر( وحرمة الحرمين أن يفرضوه‬
‫على العالم العربي والسلمي‪ .‬ونجحوا في ذلك إلى حد بعيد‪ ...‬وساعد على ذلك‬
‫الشق الخارجي من المؤسسة الدينية السعودية التي جاء في طليعتها )رابطة‬
‫العالم السلمي( و)الهلل الحمر السعودي( و)الندوة العالمية‬
‫للشباب السلمي( و)هيئة الغاثة العالمية( وغيرها من المؤسسات‬
‫الرسمية بالضافة إلى عشرات المؤسسات الدعوية الخيرية الهلية غير‬
‫الحكومية – نظريا – وقد مكنت الميزانيات المليارية و تأثير الحرمين وما أسبغته‬
‫على ملوك السعودية وعلمائها من شرعية ومرجعية‪ ,‬مكنتها من أهدافها التي‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 621 [ ‬‬

‫رسمت بعناية في لندن وورثتها من بعد واشنطن ونفذتها الرياض بكل حذاقة‪.‬‬
‫ومع الوقت وتوالي الملوك بعد فيصل زاد فساد هذه المؤسسة الدينية ولسيما‬
‫بعد وفاة عالمها الذي حاول الصلح محمد بن ابراهيم آل الشيخ رحمه الله الذي‬
‫اكتشف بدايات الكفر والضلل في المؤسسة الحاكمة واصطدم معها برسالته‬
‫القيمة )تحكيم القوانين( ورسائله مشهورة إلى أمراء آل سعود‪ .‬ثم عاجلته‬
‫المنية قبل أن يحقق شيئا ‪ .‬ثم تأصل النحراف في عهد خلفه الشيخ عبد‬
‫العزيز بن باز‪ ,‬والركن المتين الخر الشيخ ابن عثيمين الذي شكل مع‬
‫مفتي الديار الركيزة الساسية لشرعية آل سعود والجبهة المامية في ترقيع‬
‫سوآتهم ‪ .‬ثم خلفهم السوأ من ذلك بعد أن أفضيا إلى ما قدما‪ ,‬واستلم راية‬
‫الكهانة في بلد الحرمين الشيخ عبد العزيز آل الشيخ سنة ‪ .2000‬وبقية‬
‫العوان من )آلت( الشيخ و)ماكينات( الملوك!‬

‫وقد ساعد على نجاح هذه المؤسسة عوامل عدة كان في طليعتها ‪:‬‬ ‫•‬
‫‪ .1‬استغلل المرجعية الدينية للحرمين و وجودهما تحت حكم آل سعود‪.‬‬
‫‪ .2‬الميزانية المالية الهائلة التي صرفت لعمل ونشاطات هذه المؤسسات ‪.‬‬
‫‪ .3‬الميزانية الهائلة التي صرفت على الدعاية لهذه المؤسسات ورجالتها وعلمائها‬
‫وإنجازاتها حتى زرعت في عقول المسلمين وواقعهم في كل العالم العربي‬
‫والسلمي‪.‬‬
‫‪ .4‬وجود كم هائل من الدعاة المخلصين والعاملين للدعوة والسلم بكل تفاني‬
‫خدموا في هذه المؤسسات من باب إيصال الخير لهله والتعاون على البر‬
‫والتقوى غير واعين للنتيجة النهائية ومن سيحصد ثمرة الجهود من آل سعود ثم‬
‫الصليبيين واليهود‪.‬‬
‫‪ .5‬استغلل الهوية السلفية والمذهب الوهابي على صاحبه رحمة الله والذي انتشر‬
‫وصار له قواعد وقبول في أوساط الصحوة ول سيما الجهادية منها في العالم‬
‫العربي والسلمي وما مارسته هذه المؤسسات من طباعة الكتب وتوزيع‬
‫النشرات التي تحمل العقيدة السلفية وغيرها من العلوم وما فيها من الخير‪.‬‬
‫وما لقيه هذا العمل من القبول في العالم السلمي‪ .‬إلى أن وجدت الحكومة‬
‫السعودية نفسها مؤخرا متورطة في حمل عبئ رسالة الدعوة الوهابية التي‬
‫شكلت أساسا في قاعدة فكر أكثر جماعات التيار الجهادي المعاصر مما أوقعها‬
‫هذه اليام في أزمة حقيقية مع أمريكا فقررت بإكراه منها محاربة هذه الهوية‬
‫فجأة بعد أحداث سبتمبر عندما اكتشف المريكان مصيبتهم في عقيدة الولء‬
‫والبراء عند المسلمين والتي ركزت الدعوة الوهابية عليها جدا‪.‬‬
‫• المشكلة الحقيقية التي سببتها هذه المؤسسة السعودية للمة السلمية‬
‫والعربية عموما هو أن كافة مؤسسات وشخصيات علماء السلطان في عموم‬
‫بلد العرب والمسلمين يقتصر دورها المخرب ونفاقها على الطار المحلي ويتسع‬
‫جزئيا بما يتناسب مع حجم دولتها وقوة حكومتها ودورها القليمي‪ ,‬إل المؤسسة‬
‫السعودية‪ .‬فإنه وللسباب آنفة الذكر يتعدى ضررها ليشمل كافة العالم السلمي‬
‫حيث صار لها مرجعية مقبولة في كل البلد‪ .‬وذلك بسبب التداخل المربك الذي‬
‫حصل بينها وبين الصحوة السلمية المباركة التي نشطت في السعودية وصار‬
‫لها علماؤها ودعاتها خلل العقدين الخيرين من القرن العشرين)‪1420-1400‬‬
‫هجرية( وكانت المشكلة أن تلك الصحوة خرجت من رحم تلك المؤسسة الدينية‬
‫الرسمية وتخرجت على علمائها وتورط كبار الدعاة المخلصين فيها‪ ,‬في نحت‬
‫الصنام العظيمة من رموز المؤسسة الدينية تلك وعلى رأسها سيئا الذكر ابن‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 622 [ ‬‬

‫باز وابن عثيمين اللذان لعبا دورا مشينا إلى جانب الحملت الغازية والحكومات‬
‫العميلة القائمة في السعودية وغيرها ‪ .‬حتى ضج من بلء هذه المؤسسة‬
‫الكهنوتية كبار قادة المجاهدين والدعاة في السعودية ذاتها ‪ ,‬بعد أن أفتت بزج‬
‫خيارهم وكبارهم في سجون آل سعود وقضت بتوجيهات من نايف بن عبد العزيز‬
‫بمنع المئات منهم من التدريس والخطابة‪.‬‬
‫• لقد تعمقت أزمة المسلمين مع هذه المؤسسة عندما التبس أمرها و أمر‬
‫علمائها و فتاويها المناصرة للستعمار وعملئه ‪ ,‬المحاربة للجهاد و المجاهدين‬
‫وكل من فكر في المقاومة‪ .‬بسبب أن التيار الجهادي المعاصر كما أسلفت قد‬
‫استند في كثير من أساسيات فكره ومعتقداته ولسيما في اعتماد فقه الدليل‬
‫وأصول الولء والبراء وكثير من أساسيات العقيدة إلى نفس المدرسة الفكرية‬
‫العقدية)السلفية( التي تتاجر بها المؤسسة الدينية السعودية‪ .‬ويتبناها كثير من‬
‫الدعاة الطيبين الذين تداخل نشاطهم معها‪ .‬مما جعل شرائح كبيرة من رواد‬
‫الفكر الجهادي داخل المملكة وخارجها يكنون الكثير من الحترام والتبجيل لهذه‬
‫المراجع‪ .‬فكان أثر ذلك بالغ السوء على أوساط الجهاد‪ .‬وتعرض المدركون لواقع‬
‫حال هذه المؤسسة إلى صدامات و جدل عنيف داخل أوساط الجهاديين وإلى‬
‫الكثير من العنت وهم يحاولون كشف زيف هذه المؤسسة‪ .‬وهكذا حاربت هذه‬
‫المؤسسة الجهاد والمجاهدين داخل المملكة وخارجها وكان لها أثرا سيئا على‬
‫الجهاد في عدد من البلد العربية والسلمية ودورا في حصار المارة السلمية‬
‫وإسقاط طالبان‪ ,‬وفي الحملة على الجهاد والمجاهدين الدائرة بقيادة أمريكا‬
‫تحت شعار الحرب العالمية في مكافحة الرهاب‪ .‬وتقف اليوم بالمرصاد لعمال‬
‫الجهاد والمقاومة ضد المريكان في السعودية‪ .‬ولسيما بعد الهجمات المظفرة‬
‫التي قامت في شهر مايو)‪ ( 2003‬عندما نسف استشهاديون سعوديون‬
‫المساكن الفاخرة لسر العسكريين المريكان والعاملين في استخباراتهم في‬
‫الرياض‪.‬‬
‫• ويكفي استطلع بسيط لوسائل العلم السعودية من صحف ومجلت وإذاعة‬
‫وتلفزيون لترى سيل الفتاوى والمقابلت مع عشرات العلماء من المؤسسة‬
‫الرسمية وغير الرسمية وقد اصطف كلهم ليكيلوا الشتائم والتهم الباطلة‬
‫للشباب المجاهد مستغلين بعض أخطائهم ‪ ,‬ويكيلوا المديح وعبارات الولء‬
‫للنظام السلمي الوحد في الدنيا الذي يقوم على الشريعة السلمية كما‬
‫يزعمون! وليملؤوا الدنيا ضجيجا بحقوق الكفار والمعاهدين ويلبسوا الحق‬
‫بالباطل وهم يعلمون‪..‬‬
‫• وقد أثارت المواقف المخزية للمؤسسة الدينية الرسمية في السعودية حفيظة‬
‫المجاهدين والعلماء المخلصين والشرفاء من أبناء الجزيرة وصرحوا بذلك في‬
‫كثير من الدبيات والبيانات ‪.‬‬
‫• قد جمعت بعض ذلك مما أصدره الشيخ أسامة بن لدن حول هذه‬
‫المؤسسة الدينية وكذلك بعض ما أصدره أحد أبرز المعارضين‬
‫السياسيين للنظام السعودي وهو الدكتور سعد الفقيه في كتاب‬
‫بعنوان (شهادة قادة المجاهدين ورؤوس الصلح والمعارضة في‬
‫بلد الحرمين على علماء السلطان في بلدهم المسماة "سعودية"(‬
‫• والرجلن من الثسقاة بصرف النظر عن رأينا في طريقتهما المتباينتين في‬
‫مواجهة النظام السعودي ومؤسسساته الدينية وغيرها‪ .‬وأقتطف من كتابي‬
‫المذكور شواهد قصيرة من بعض ما قالوه‪:‬‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 623 [ ‬‬

‫جاء في البيان رقم (‪ (11‬هيئة النصيحة والصلح بتوقيع ( أسامة بن‬


‫لدن( تاريخ ‪27/7/1415‬هـ –‪29/12/1994‬م وهي بعنوان‪:‬‬
‫رسالة مفتوحة إلى الشيخ ابن باز ببطلن فتواه بالصلح مع اليهود‪..‬‬
‫] فضيلة الشيخ ‪ :‬لقد أردنا من ذكر ما سبق تذكيركم بواجبكم تجاه الدين ‪ ،‬وتجاه‬
‫المة ‪ ،‬وتنبيهكم إلى مسؤولياتكم العظيمة ‪ ،‬فإن الذكرى تنفع المؤمنين ‪..‬أردنا‬
‫تذكيركم في هذا الوقت الذي انتفش فيه الباطل ‪ ،‬وعربد المبطلون المضلون ‪ ،‬و وئد‬
‫الحق ‪ ،‬وسجن الدعاة ‪ ،‬وأسكت المصلحون ‪ ،‬والغرب أن ذلك لم يتم بعلم منكم‬
‫وسكوت فقط ‪ ،‬بل مرر على ظهر فتاواكم ومواقفكم ‪ ،‬ونحن سنذكركم – فضيلة‬
‫الشيخ – ببعض هذه الفتاوى والمواقف التي قد ل تلقون لها بال ‪ ،‬مع أنها قد تهوي بها‬
‫المة سبعين خريفا في الضلل كي تدركوا معنا ولو جانبا من خطورة هذا المر والثار‬
‫السيئة المترتبة عليه‪.‬‬
‫وإليكم بعض المثلة‪:‬‬
‫‪ -1‬إن مما ل يخفى على أحد المدى الذي وصل إليه انتشار الفساد العارم والذي شمل‬
‫كافة نواحي الحياة حيث فشت المنكرات المختلفة التي لم تعد تخفى على‬
‫أحد ‪ ،‬كما فصلت ذلك مذكرة النصيحة التي تقدم بها نخبة من العلماء ودعاة‬
‫الصلح ‪ ،‬وكان من أخطر ما بينوا هو الشرك بالله المتمثل في التشريع وسن‬
‫القوانين الوضعية التي تستبيح الحرمات والتي من أشنعها التعامل بالربا‬
‫المتفشي في البلد ‪ ،‬وذلك من خلل مؤسسات الدولة وبنوكها الربوية التي‬
‫تزاحم أبراجها مآذن الحرمين وتعج بها البلد طولها وعرضها ‪.‬‬
‫ومما هو معلوم بالضرورة أن النظمة والقوانين الربوية التي تتعامل بها هذه‬
‫البنوك والمؤسسات مشروعة من قبل النظام الحاكم ومصدق عليها منه ‪ ،‬ومع‬
‫ذلك لم نسمع منكم إل أن تعاطي الربا حرام ل يجوز !! ‪ ،‬غير مكترثين بما في‬
‫كلمكم هذا من التلبيس على الناس ‪ ،‬بعدم التفرق بين حكم من يتعاطى الربا‬
‫فقط وحكم من يشرع الربا ويقننه‪.‬‬
‫مع أن الفرق بينهما واضح كبير ‪ ،‬فمتعاطي الربا مرتكب لموبقة من أكبر‬
‫الموبقات ‪ ،‬أما مشرع الربا ومقننه فهو مرتد كافر كفرا مخرجا من الملة بعمله هذا ‪،‬‬
‫لنه جعل من نفسه ندا لله وشريكا له في التحليل والتحريم – وهذا ما فصلناه في‬
‫بحث مستقل سينشر قريبا إن شاء الله‪.-‬‬
‫ومع أن متعاطي الربا غير المنتهي عنه قد أعلن الله ورسوله عليه الحرب ‪‬‬
‫فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله‪ ،( (1‬فما زلنا نسمع منكم عبارات‬
‫الثناء والطراء لهذا النظام الذي لم يكتف بالدمان على تعاطي الربا فقط‪ ،‬بل شرعه‬
‫وقننه وأباحه ‪ ،‬وقد قال صلى الله عليه وسلم )) الربا ثلثة وسبعون بابا أيسرها‬
‫مثل أن ينكح الرجل أمه(( صحيح رواه الحاكم‪.‬‬
‫وقد قال ابن عباس – رضي الله عنهما –‪ )) :‬فمن كان مقيما على الربا ل‬
‫ينزع عنه ‪ ،‬فحق على إمام المسلمين أن يستتيبه ‪ ،‬فإن نزع و إل ضرب‬
‫عنقه (( اهس ) رواه بن جرير بسنده عن ابن عباس (‪ ،‬هذا فيمن يتعاطى الربا فما‬
‫بالكم بمن يحلل وشرع الربا؟!!‪.‬‬
‫إن ما تتخبط فيه البلد من أزمات اقتصادية وسياسية وما انتشر فيها من‬
‫الجرائم بشتى أنواعها وبشكل مذهل ما هو إل عقوبة من الله وجزء من الحرب التي‬
‫أعلنها سبحانه على من لم ينته عن تعاطي الربا ونحوه من المنكرات والمحق الذي‬
‫حكم به على الربا ‪ ‬يمحق الله الربا ويربي الصدقات‪.( (2‬‬

‫البقرة )‪.(279‬‬ ‫)‪(1‬‬

‫البقرة )‪.(276‬‬ ‫)‪(2‬‬


‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 624 [ ‬‬

‫‪ -2‬وحينما علق الملك الصليب على صدره ‪ ،‬وظهر به أمام العالم فرحا مسرورا ‪،‬‬
‫تأولتم فعله وسوغتموه مع شناعة وفظاعته رغم وضوح أن هذا الفعل كفر‪،‬‬
‫والظاهر من حال فاعله الرضا والختيار عن علم‪.‬‬
‫‪ -3‬ولما قررت قوات التحالف الصليبية واليهودية الغازية في حرب الخليج ‪ -‬بتواطؤ‬
‫مع النظام – احتلل البلد باسم تحرير الكويت سوغتم ذلك بفتوى متعسفة‬
‫بررت هذا العمل الشنيع الذي أهان عزة المة ولطخ كرامتها ‪ ،‬ودنس مقدساتها‪،‬‬
‫معتبرة ذلك من باب الستعانة بالكافر عند الضرورة ‪ ،‬مهملة قيود هذه‬
‫الستعانة ‪ ،‬وضوابط الضرورة المعتبرة شرعا‪.‬‬
‫‪ -4‬ولما قام النظام السعودي الحاكم بمساعدة ودعم رؤوس الردة الشتراكية‬
‫الشيوعية في اليمن ضد الشعب اليمني المسلم في الحرب الخيرة التزمتم‬
‫الصمت ‪ ،‬ثم لما دارت الدائرة على هؤلء الشيوعيين ‪ ،‬أصدرتم – بإيعاز من هذا‬
‫النظام – ) نصيحة !!( تدعو الجميع إلى التصالح والتصافح باعتبارهم مسلمين !!‬
‫موهمة الناس أن الشيوعيين مسلمون يجب حقن دمائهم ‪ ،‬فمتى كان‬
‫الشيوعيون مسلمين ؟ ألستم أنتم الذين أفتيتم سابقا بردتهم ووجوب قتالهم‬
‫في أفغانستان؟ أم أن هناك فرقا بين الشيوعيين اليمنيين والشيوعيين الفغان؟‬
‫فهل ضاعت مفاهيم العقيدة وضوابط التوحيد واختلطت إلى هذا الحد؟‬
‫وما زال النظام الحاكم يؤوي أئمة الكفر هؤلء في مختلف مدن البلد ‪ ،‬ولم نسمع لكم‬
‫نكيرا ‪ ،‬وقد قال صلى الله عليه وسلم (( لعن الله من آوى محدثا (( ) رواه مسلم‬
‫(‪.‬‬
‫‪ -5‬وحينما قرر النظام البطش بالشيخ سلمان العودة والشيخ سفر الحوالي – اللذين‬
‫صدعا بالحق وتحمل في الله الذى استصدر منكم فتوى سوغ بها كل ما تعرض‬
‫ويتعرض له الشيخان ومن معهما من دعاة و مشائخ وشباب المة من البطش‬
‫والتنكيل ‪ ،‬فك الله أسرهم ورفع عنهم ظلم الظالمين‪.‬‬
‫هذه بعض المثلة التي لم نقصد منها الحصر ‪ ،‬ولكن اقتضى المقام ذكرها ونحن بين‬
‫يدي فتواكم الخيرة بشأن ما يسمى بهتانا بالسلم مع اليهود ‪ ،‬التي كانت فاجعة‬
‫للمسلمين ‪ ،‬حيث استجبتم للرغبة السياسية للنظام لما قرر إظهار ما كان يضمره من‬
‫قبل من الدخول في هذه المهزلة الستسلمية مع اليهود ‪ ،‬فأصدرتم فتوى تبيح السلم‬
‫مطلقا ومقيدا مع العدو ‪ ،‬فما كان من رئيس وزراء العدو الصهيوني وبرلمانه إل أن‬
‫صفقوا لها وأشادوا بها ‪ ،‬كما أعلن النظام السعودي عقبها عن نيته في تنفيذ المزيد‬
‫من التطبيع مع العدو‪.‬‬
‫وكأنكم لم تكتفوا بإباحة بلد الحرمين الشريفين القوات الحتلل‬
‫اليهودية والصليبية ‪ ،‬حتى أدخلتم ثالث الحرمين في المصيبة بإضافتكم‬
‫الصبغة الشرعية على صكوك الستسلم التي يوقعها الخونة والجبناء من‬
‫طواغيت العرب واليهود‪.‬‬
‫إن هذا الكلم خطير كبير ‪ ،‬وطامة عامة لما فيه من التلبيس على المة‬
‫(‪(...‬‬
‫وقد سبقنا إلى تنبيهكم عليه نخبة من علماء ودعاة المة ‪ ،‬حيث تقدموا لكم‬
‫بمناشدات عدة في هذا الصدد منها مناشداتهم إياكم قبل مدة بالمتناع عن الفتوى‬
‫بجواز هذا السلم‪ ،‬الستسلمي المزعوم مع اليهود‪ ،‬مبينين عدم استيفائه للشروط‬
‫اللزمة شرعا‪ ،‬محذرين من المخاطر الجمة الدينية والدنيوية المترتبة عليه‪ ،‬ومن‬
‫الموقعين على تلك المناشدة الشيوخ الفاضل‪ :‬عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين ‪،‬‬
‫عبد الله بن حسن القعود ‪ ،‬حمود بن عبد الله التويجري – رحمه الله – حمود بن عبد‬
‫الله الشعبي ‪ ،‬عبد الرحمن بن ناصر البراك ‪ ،‬سلمان العودة ‪ ،‬إبراهيم بن صالح‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 625 [ ‬‬

‫الخضري ‪ ،‬عبد الوهاب الناصر الطريري ‪ ،‬إبراهيم بن محمد الدبيان ‪ ،‬عبد الله بن‬
‫حمود التوجري ‪ ،‬عبد الله الجللي ‪ ،‬عائض القرني ‪ ،‬وغيرهم كثير – حفظهم الله جميعا‬
‫– وستجدون نص مناشدتهم مع هذه الرسالة إن شاء الله‪.‬‬
‫وفي حرب اليمن الخيرة ‪ ،‬لما صدر الكلم المشار إليه سابقا ‪ ،‬أصدر خمسة‬
‫وعشرون عالما فتوى معارضة له مبينة الصواب الشرعي في المسألة ‪ ،‬ومن هؤلء‬
‫العلماء الفاضل ‪ :‬عبد الله سليمان المسعري ‪ ،‬حمود بن عبد الله الشعبي ‪ ،‬عبد الله‬
‫الجللي ‪ ،‬سلمان العودة ‪ ،‬د‪.‬سفر الحوالي ‪ ،‬د‪.‬ناصر العمر ‪ ،‬يحيى بن عبد العزيز‬
‫اليحيى ‪ ،‬د‪.‬عبد الله بن حمود التويجري‪ ،‬وغيرهم كثير – حفظهم الله جميعا ‪.-‬‬

‫وفي البيان رقم ( ‪ ( 12‬هيئة النصيحة والصلح بتوقيع ( أسامة بن‬


‫لدن ( بتاريخ ‪28/8/1415‬هـ‪29/1/1995 .‬م‪ ،‬وهي بعنوان‪:‬‬

‫الرسالة الثانية إلى الشيخ عبد العزيز بن باز ‪.‬‬


‫جاء فيها ما نقتطف منه ما يلي‪:‬‬
‫] غير أن الجميع فوجئ ل لنكم أكدتم فتواكم السابقة بما نشرته الجريدة‬
‫المدعوة )) المسلمون (( بتاريخ ‪ 19‬شعبان ‪1415‬هس‪.‬الموفق ‪ 20‬يناير ‪ 1995‬في‬
‫عددها )) ‪ (( 520‬فقط ‪ ،‬بل لما تضمنه هذا التأكيد أيضا من إضافات وتفسيرات‬
‫لمفهومكم لما يسمى بالسلم مع اليهود ‪ ،‬حيث تضمنت تلك التفسيرات أمورا لم يكن‬
‫اليهود وعملؤهم يحلمون بصدورها منكم لما أشادوا بالفتوى السابقة وصفقوا لها‬
‫)‪.(...‬‬
‫إن المة عموما وأهالي فلسطين خصوصا كانوا ينتظرون منكم القيام بواجبكم‬
‫الشرعي تحريضا على الجهاد واستنهاضا ً للهمم له وحثا ً للناس عليه وتأييدا ً ودعما‬
‫للناهضين بأعبائه من الفراد والجماعات‪.‬‬
‫وما كانوا يتوقعون منكم مثل هذه الفتوى التي تؤثم المجاهدين لتحرير القصى‬
‫وفلسطين ‪ ،‬نعم تؤثمهم ‪ ،‬لنهم بعملياتهم الجهادية ضد اليهود يخرقون اتفاق‬
‫غزة أريحا الذي وقعه ))ولي أمر المسلمين في فلسطين (( كما زعمتم ‪ ،‬وخرق اتفاق‬
‫وقعه ولي أمر المسلمين ل يجوز !!‬
‫وبهذه الفتوى تثبطون وتصيبون بالحباط أولئك الذين قدموا الباء والبناء والخوان‬
‫والزواج شهداء في سبيل الله لتحرير القدس وفلسطين ‪ ،‬لنهم بمقتضى هذه الفتوى‬
‫يكونون ماتوا على معصية لنهم خرقوا اتفاقا عقده ))ولي أمر المسلمين في‬
‫فلسطين (( هذا معنى كلمكم ومقتضى فتواكم ‪ ،‬فهل تعون ما تقولون ؟!أم تقولون‬
‫على الله ما ل تعلمون؟!‪(...).‬‬
‫فإن كنت ل تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم‬

‫خامسا‪ :‬إن ما يبعث على الخوف والقلق ليس مجرد صدور هذه الفتوى منكم ‪ ،‬ولكن‬
‫الدهى أن هذه الفتوى صدرت بمقتضى منهج متبع من قبلكم في إصدار مثل هذه‬
‫الفتاوى ‪ ،‬أهم ما يميزه ‪:‬‬

‫‪ -1‬أنه ينطلق من مبدأ مجاراة حكام السوء في أهوائهم السياسية ‪،‬‬


‫ومواقفهم على تصرفاتهم‪.‬‬
‫‪ -2‬وفي سبيل ذلك يتعسف الدلة ويلوي أعناق النصوص لتستجيب‬
‫لتلك الرغبات‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 626 [ ‬‬

‫‪ -3‬وإذا لم تسعف النصوص القابلة لذلك في الواقعة والمعروضة‬


‫أبهم الحكم بصورة يتوصل بها الحكام لمرادهم‪.‬‬
‫‪ -4‬أنه قائم على الجهل بالواقع الذي هو مناط الحكم ول تجوز‬
‫الفتوى على جهل به(‪.(1‬‬
‫‪ -5‬ولنه مبني على رغبات الحكام المتقلبة فقد اتسم بكثير من‬
‫التناقض والتعارض‪.‬‬
‫‪ -6‬وقد أوردنا في رسالتنا السابقة من المثلة ما يشهد بصدق هذا‬
‫الكلم‪.‬‬
‫ول يخفى ما في هذا المنهج من البطلن الظاهر والفساد الجلي لنه‬
‫قائم على التشهي والمحاباة في إصدار الفتاوى‪ .‬أهـ‪.‬‬

‫كما جاء في منشورات الحركة السلمية للصلح التي يرأسها الدكتور سعد الفقيه‬
‫في لندن‪:‬‬
‫النشرة " ‪ "24‬بعنوان " الشيخ بن عثيمين أجوبة تثير أسئلة " بتاريخ‬
‫‪12‬ربيع الثاني ‪1417‬هـ ‪ 26/8/1996‬صدرت هذه النشرة بعد نشر جريدة‬
‫" المسلمون " لمقابلة مع الشيخ محمد بن عثيمين‪ ،‬وهي بعنوان‪:‬‬
‫(الشيخ ابن عثيمين‪...‬أجوبة تثير أسئلة( ‪.‬‬
‫مقتطفات من بعض فتاوى ابن عثيمين السياسية الشرعية ومن ذلك‪:‬‬
‫قال الشيخ في معرض رده على سؤال حول طاعة ولي المر ‪:‬‬
‫)) وإذا فرضنا على التقدير البعيد أن ولي المر كافر فهل يعني ذلك أن نوغر‬
‫صدور الناس عليه حتى يحصل التمرد والفوضى والقتال ‪ ،‬ل شك أنه من الخطأ ‪.‬‬
‫المصلحة التي تحصل غير مرجوة في هذا الطريق ‪ ،‬المصلحة التي يريدها هذا ل يمكن‬
‫أن تحصل بهذا الطريق ‪ .‬بل يحصل بذلك مفاسد عظيمة لنه مثل ً إذا قام طائفة من‬
‫الناس على ولي المر في البلد وعند ولي المر من القوة والسلطة ما ليس عند أحد‬
‫ما الذي يكون ؟ هل تغلب هذه الفئة القليلة ؟ ل تغلب بل بالعكس يحدث الفوضى‬
‫والفساد ‪ .‬ول تستقيم المور ‪ ،‬والنسان يجب أن ينظر أول ً بعين الشرع ‪ ،‬ول ينظر‬
‫أيضا ً إلى الشرع بعين عوراء ينظر إلى النصوص من جهة دون الجهة الخرى ‪ ،‬بل يجب‬
‫أن يجمع بين النصوص((‪.‬‬
‫‪((1‬‬
‫وأما في السؤال الخر حول البيعة فقد قال الشيخ‪ )) :‬ل شك أن هذا خاطئ‬
‫وإذا مات فإنه يموت ميتة جاهلية لنه سيموت وليس في رقبته بيعة لحد ‪ .‬والقواعد‬
‫العامة في الشريعة السلمية أن الله يقول ‪ ‬اتقوا الله ما استطعتم ‪ ‬فإذا لم‬
‫يوجد خليفة للمسلمين عموما ً فمن كان ولي أمر في منطقة فهو ولي أمرها ‪ .‬و إل لو‬
‫قلنا بهذا الرأي الضال لكان الناس الن ليس لهم خليفة ولكان كل الناس يموتون ميتة‬
‫جاهلية ‪ ،‬ومن يقول بهذا ؟ المة السلمية تفرقت من عهد الصحابة تعلمون أن عبد‬
‫الله بن الزبير في مكة ‪ ،‬وبني أمية في الشام ‪ ،‬وكذلك في اليمن أناس وفي مصر‬
‫أناس ‪ ،‬وما زال المسلمون يعتقدون أن البيعة لمن له السلطة في المكان الذي هم‬
‫فيه ويبايعونه ويدعونه بأمير المؤمنين ول أحد ينكر ذلك فهذا شاق لعصا المسلمين من‬
‫جهة عدم التزامه بالبيعة ومن جهة أنه خالف إجماع المسلمين من عهد قديم (( ‪.‬‬
‫وفي معرض جوابه عن قضية البيعة قال الشيخ ‪ )) :‬ثم إنه إذا بويع النسان‬
‫بالمرة على بلد من البلد ثم جعل له ولي عهد فهو ولي عهده من بعده ‪ .‬إذا انتهت‬
‫ولية الول صار الثاني ولي أمر بدون مبايعة ول يصلح الناس إل هذا ‪ ،‬لو قلنا أن ولي‬
‫يقصد المواطن المسلم الذي ليس عنده بيعة لولي أمر بلده‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 627 [ ‬‬

‫العهد ليست له ولية عهد حتى يبايع من جديد صارت فوضى ‪ .‬لكن مثل هذه الراء‬
‫يلقيها الشيطان في قلوب بعض الناس من أجل أن تفترق جماعة المسلمين ويحصل‬
‫التحريش الذي بينه الرسول عليه الصلة والسلم إذ قال‪ :‬إن الشيطان قد آيس أن‬
‫يعبد في جزيرة العرب ولكن بالتحريش بينهم ((‪ .‬ا هس‪.‬‬
‫وقد علق الفقيه على فتاوى ابن عثيمين تعليقا لذعا ساخرا يناسب ما حوته من الدجل‬
‫والباطيل التي يصل إلى حد التناقض مع صريح القرآن وصحيح السنة وإجماع علماء‬
‫المة في كل تاريخها‪.‬‬
‫وفي النشرة ) ‪ ( 28‬بتاريخ ‪/11‬جمادى الولى ‪1417‬هس ‪/23‬سبتمبر ‪1996‬م‪ ،‬صدرت‬
‫هذه النشرة بعد أن نشر تعليق للشيخ ابن باز حول بيان ابن لدن والدعوة لمحاربة‬
‫المريكان‪ ،‬وهي بعنوان‪) :‬ابن باز بين محمد بن عبد الوهاب وابن تيمية(‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 628 [ ‬‬

‫قال سعد الفقيه‪:‬‬


‫لكن آلمنا أي إيلم هذه التزكية العظيمة التي أعطاها الشيخ للدولة السعودية‬
‫الحالية بقيادة خادم الحرمين ‪ ،‬قال الشيخ‪ (( :‬وهذه الدولة السعودية دولة‬
‫مباركة نصر الله بها الحق ونصر بها الدين وجمع بها الكلمة وقضى بها‬
‫على أسباب الفساد‪ ،‬وأمن بها البلد ‪ ،‬فحصل بها من النعم العظيمة ما‬
‫ل يحصيه إل الله ((‪.‬‬

‫وهذا القول من الشيخ خطير جدا لن الشيخ يعلم تمام العلم أن هذا الذي قاله‬
‫هو عكس الواقع بالضبط‪ ،‬والذين يرددون بأن الشيخ يدلس عليه مخطئون لننا نعلم‬
‫يقينا ‪ ،‬ونحن شهود على ذلك في الدنيا والخرة ‪ ،‬أن هذا المر غير صحيح ‪ ،‬وأن الشيخ‬
‫على اطلع كامل وتفصيلي على ما يجري في البلد ويعلم كل تفاصيل المخالفات‬
‫الشرعية التي يرتكبها النظام على مستوى الدولة وعلى مستوى الفراد المتنفذين ‪،‬‬
‫بل إن الشيخ كما يعرف القريبون منه أعلم بكثير ممن يدعون أنهم على علم بما‬
‫يجري ‪ ،‬لن معظم أهل الصلح يوصلون من عندهم من أخبار ومعلومات وملحظات‬
‫ونصائح للشيخ نفسه ‪ ،‬ولقد شهدنا شخصيا جلسات كثيرة بسط فيها الواقع للشيخ‬
‫بشكل تفصيلي ليس فيه مواربة ‪ ،‬بل إننا نستطيع أن نقول إن الحجة قد أقيمت على‬
‫الشيخ وأن الذمة قد برئت معه من قبل عدد كبير من المشائخ وأساتذة الجامعات‬
‫والمصلحين ‪ ،‬وأن إقامة الحجة في بيان الواقع على التفصيل للشيخ قد حصلت مرارا‬
‫وتكرارا من قبل أناس يثق الشيخ ويأخذ بحديثهم‪.‬والذي يشك في ذلك ليس عليه إلى‬
‫قراءة مذكرة النصيحة التي قدمت للشيخ وراجعتها اللجنة الخماسية وهيئة كبار‬
‫العلماء والشيخ هو رئيس تلك الجهتين ‪ .‬ول يجادل أحد أن تلك المذكرة حجة على من‬
‫قرأها ‪ .‬والذين يحاولون الدفاع عن الشيخ من خلل تصويره كرجل ساذج جالس في‬
‫سرداب ل يتعرف إل على ما يطلعه النظام عليه مخطئون ‪ ،‬فالشيخ على اتصال‬
‫بالعالم كله داخليا ً وخارجيا ً ‪ ،‬وعلى دراية تفصيلية بالوضاع‪ ،‬ومتابعة إجبارية أجبره‬
‫عليها عدد كبير من الدعاة والمصلحين وطلبة العلم‪.‬‬
‫ولذلك فإن الشيخ يرتكب خطأ ً عظيما ً ومنزلقا ً خطيرا حين يزكي الدولة هذه‬
‫ً‬
‫التزكية وهو يعلم حالها ‪ ،‬ويعلم كذلك من خلل اطلعه الشرعي خطورة مثل هذا‬
‫العمل ‪ ،‬فالشيخ ليس غريبا ً عن مؤلفات وأقوال علماء الدعوة وخاصة الشيخ محمد بن‬
‫عبد الوهاب ‪ .‬الشيخ مثل ً يعلم يقينا ً أن النظام يحكم بغير ما أنزل الله رغم تكرار‬
‫التنبيه والنصيحة‪.‬‬
‫فماذا يقول الشيخ إذا بقول محمد بن عبد الوهاب عن أولئك الذين يزكون من‬
‫يحكم بغير ما أنزل الله ؟‬
‫قال رحمه الله‪ )) :‬إن هؤلء الطواغيت الذي يعتقد الناس فيهم وجوب‬
‫الطاعة من دون الله كلهم كفار مرتدون عن السلم ‪ ،‬كيف ل وهم‬
‫يحلون ما حرم الله ‪ ،‬ويحرمون ما أحل الله ‪ ،‬ويسعون في الرض فسادا ً‬
‫بقولهم وفعلهم وتأييدهم ‪ .‬ومن جادل عنهم ‪ ،‬أو أنكر على من كفرهم ‪،‬‬
‫أو زعم أن فعلهم هذا لو كان باطل ً ل ينقلهم إلى الكفر ‪ ،‬فأقل أحوال‬
‫هذا المجادل أنه فاسق ‪ ،‬لنه ل يصح دين السلم إل بالبراءة من هؤلء‬
‫وتكفيرهم (( )الرسائل الشخصية ‪.(188 ،‬‬

‫فإذا كان مجرد عدم التكفير جريمة كبرى عند الشيخ محمد بن عبد الوهاب ‪،‬‬
‫فكيف بمن يصفهم بأحسن أوصاف السلم ويزكي دولتهم ونظامهم ويحمل على من‬
‫أنكر عليهم(‪(...).‬‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 629 [ ‬‬

‫َ‬
‫س‬
‫ما ب َي ّّناهُ ِللّنا ِ‬
‫ن ب َعْدِ َ‬
‫م ْ‬
‫دى ِ‬ ‫ت َوال ْهُ َ‬
‫ن ال ْب َي َّنا ِ‬
‫م َ‬‫ما أن َْزل َْنا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫ن ي َك ْت ُ ُ‬‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫قال تعالى ‪  :‬إ ِ ّ‬
‫‪) ‬البقرة‪. (159:‬‬ ‫ن‬
‫عُنو َ‬ ‫م الل ِ‬ ‫ه وَي َل ْعَن ُهُ ُ‬
‫م الل ّ ُ‬ ‫ك ي َل ْعَن ُهُ ُ‬‫ب ُأول َئ ِ َ‬
‫ِفي ال ْك َِتا ِ‬
‫وهذا في مجرد كاتم العلم فقط ‪.‬فكيف بمن يذهب إلى أبعد من مجرد كتمان‬
‫العلم إلى تزكية الطاغوت وتزكية الذي يوالي أعداء الله وتزكية الظالم المحارب‬
‫للسلم والدعوة ‪ ،‬والناشر للربا والفساد؟‪.‬‬
‫ونحن يسرنا أن يتوب الشيخ من هذا المر ويقلع عن مثل هذه التزكيات‬
‫الخطيرة التي تدخله في كلم الشيخ محمد بن عبد الوهاب ويسرنا أن يتحول الشيخ‬
‫من مدافع عن النظام إلى مدافع عن الحق والدين وكاشف لجرائم النظام ضد السلم‬
‫‪ ،‬ولكن هذا ليس هو الهم ‪ ،‬إن الهم هو أن يتذكر المسلمون أنهم ل يأخذون الدين إل‬
‫ممن يوافق كلمه الكتاب والسنة وينزل علم الشرع بأمانة وإخلص على الوقع حتى‬
‫يكون موقعا عن الله في ركب العلماء المصلحين ‪.‬والمسلم ليس متعبدا ً بكلم ابن باز‬
‫ول ابن عثيمين بل هو متعبد بقول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ومن فضل‬
‫الله علينا أنه ليس في السلم كهنوت ول فاتيكان يحتكر تفسير القرآن وفهم السنة ‪،‬‬
‫بل إن الحق الذي في الكتاب والسنة هو الحكم على الرجال وليس الرجال حكم على‬
‫الكتاب والسنة ‪ ،‬إن مشكلة الشيخ ابن باز ليست مجرد تزكية النظام بل لقد اضطر‬
‫الشيخ أن يتناقض أكثر من مرة في فتاويه بسبب مداراة النظام ‪ ،‬ومن أمثلة هذا‬
‫التناقض الصريح فتوى الشيخ في تحريم الستعانة بغير المسلمين التي وجهت لجمال‬
‫عبد الناصر ‪ ،‬والتي قال فيها الشيخ أن الستعانة ل تجوز حتى عند الضرورة‪ ،((1‬وكان‬
‫ذلك هو هوى النظام في تلك الفترة ‪ ،‬ومرت السنين وانقلبت الصورة فاحتاج آل‬
‫سعود لقلب الفتوى فانقلب معهم الشيخ ولم يكتف بتجويز الستعانة للضرورة بل‬
‫اعتبرها واجبة وآثم من لم يعملها ‪ ،‬تناقض آخر وقع فيه الشيخ عندما أصدر بيانا ينصح‬
‫فيه حكمتيار بالنضمام إلى ) ولي المر ( رباني مع أن حكمتيار له جيشه وله أرضه‬
‫التي يسيطر عليها ‪ ،‬وميزة رباني أن هوى الدولة معه‪،‬وعندما حصلت حرب اليمن كان‬
‫النفصاليون الشيوعيون في حكم الخوارج على الحاكم حسب نظرية الشيخ ‪ ،‬ومع‬
‫ذلك فقد أصدر الشيخ بيانا يدعو فيه إلى حقن الدماء والصلح بين الفريقين ولم يدع‬
‫إلى النضمام إلى ولي المر‪ ،‬لن هوى النظام كان مع الشيوعيين ‪ ،‬هذا فضل عن‬
‫قائمة الفتاوى الصادرة من الشيخ تبعا لرغبة النظام وأولها فتوى استدعاء القوات التي‬
‫اعتبرها الشيخ واجبة وليست مجرد جائزة ‪ ،‬ثم بيان هيئة كبار العلماء ‪ ،‬ضد خطاب‬
‫المطالب وبيان الهيئة ضد مذكرة النصيحة وبيان الهيئة ضد لجنة الدفاع ‪ ،‬وبيان الهيئة‬
‫في المر بتوقيف الشيخين سلمان وسفر من أجل )) حماية المجتمع من أخطائهما ((‬
‫والفتاوى الخيرة التي جعلت المريكان من المعاهدين معصومي الدم واعتبار قتلهم‬
‫من أعظم أنواع الفساد في الرض‪.‬‬
‫ترى هل قرأ الشيخ كلم شيخ السلم بن تيمية فيمن يفتي بخلف الكتاب والسنة‬
‫موافقة لهوى السلطان‪.‬‬

‫قال المام ابن تيمية في الفتاوى‪:‬‬


‫( ومتى ترك العالم ما علمه من كتاب الله وسنة رسوله ‪ ,‬واتبع حكم‬
‫الحاكم المخالف لحكم الله ورسوله كان مرتدا كافرا يستحق العقوبة في‬
‫الدنيا والخرة ( ‪.‬‬
‫الفتاوى ج ‪ 35‬ص ‪. 373-372‬‬

‫)‪ (1‬أفتى الشيخ بمثل هذا التحريم للمجاهدين في سوريا ضد حافظ السد عندما حرم الستعانة‬
‫بالحزاب المرتدة وبالنظام العراقي في ذلك الجهاد‪ ،‬وكان نص فتواه ((تحريم الستعانة مطلقا((‪،‬‬
‫راجع كتاب ((الثورة السلمية الجهادية في سوريا(( للمؤلف (‪.(1/264‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 630 [ ‬‬

‫نسأل الله أن يبصر المسلمين جميعا بدينهم ويرزقهم الفرقان الذي يفرقون به‬
‫بين علماء الرحمن وعلماء السلطان‪.((...‬اهس‪.‬‬

‫وفي النشرة ( ‪ ( 31‬بتاريخ ‪2‬جمادى الخرة ‪ ،1417‬الموافق ‪/ 14/10‬‬


‫‪ ،1996‬وهي بعنوان‪:‬‬
‫(جريمة كبرى في سجون آل سعود( أورد الفقيه معلومات خطيرة عن‬
‫التعذيب في السعودية وحمل العلماء الرسميين المسؤولية في ذلك‬
‫فقال‪:‬‬
‫لقد ثبت لدى الحركة من مصادر مطلعة داخل الجهاز المني أن فرق التعذيب‬
‫اقترفت الجرم الثيم‪ ،‬المتمثل في هتك أعراض عدد كبير من المعتقلين وتكرار‬
‫العتداء الجنسي عليهم ‪ ،‬في محاولة لسحق شخصياتهم والقضاء على نفسياتهم‬
‫العالية‪.‬‬
‫لقد أفادت المعلومات القادمة من داخل السجون أن الذين طالهم العتقال بسبب‬
‫ماضيهم الجهادي يتعرضون لسلسلة من الضغوط تنتهي بتلك النهاية المشينة والعياذ‬
‫بالله ‪ ،‬حيث يطلب من كل من له علقة بذلك التيار بالقرار ) كرها ( بأنه يؤمن بتكفير‬
‫الحكام والمجتمع والعلماء ‪ ،‬وإذا لم يوافق عذب تعذيبا شديدا بشتى أنواع التعذيب‬
‫النفسي والجسدي ‪ ،‬فإن أصر على الرفض ‪ ،‬يهدد بالعتداء الجنسي فحينئذ ل تتورع‬
‫الكلب البشرية عن تنفيذ ذلك التهديد وارتكاب الجريمة القذرة و لربما تم تصويره في‬
‫هذا الوضع المشين إمعانا في إهانته وابتزازه إلى أقصى حد ممكن‪.‬‬
‫ولقد علمت الحركة أن هذه الجريمة الحقيرة التي تحصل في قلب جزيرة العرب‬
‫وعلى يد زبانية )دولة التوحيد( إنما تأتي تنفيذا للبرنامج الذي اقترحه مستشارو وزارة‬
‫الداخلية القادمون من شمال أفريقيا‪ ، ((1‬والذين نجحوا في إقناع وزير الداخلية بفعالية‬
‫هذا السلوب في تحقيق الجزء الهام من تجفيف المنابع ‪ ،‬من خلل تحطيم شخصية‬
‫أولئك الشباب والقضاء على معنوياتهم و نفسياتهم‪ .‬نعم لربما حصل شيء من التهديد‬
‫بالعتداء في الماضي لمن يعتقد أنهم ممن ليس لهم ظهر يحميهم ‪ ،‬بل ربما استغل‬
‫المحققون صلحياتهم في حالت فردية شاذة ونادرة دون علم‪ ،‬رؤسائهم ‪ ،‬لكن لم‬
‫يخطر ببال أحد من أن تتحول هذه الممارسات إلى عمل روتيني بعلم وتوجيه وإقرار‬
‫الرؤساء الكبار وعلى رأسهم وزير الداخلية شخصيا‪.‬‬
‫إن تحمل نايف مسؤولية هذه الجريمة ل يعني أبدا إعفاء أخوته من المتنفذين ‪،‬‬
‫فكل صاحب قرار في سياسة هذه الدولة مسؤول عن هذه الجريمة القذرة ‪ ،‬ويتحمل‬
‫تبعاتها مثلما تحملها نايف ‪ ،‬ويستحق ما يترتب على ذلك في الحاضر والمستقبل ‪ ،‬ول‬
‫ولن يعفيه كونه خارج وزارة الخارجية ‪ ،‬وإذا كان نايف ل يقيم وزنا للعرض ول للشرف‬
‫ول للغيرة كما فعل في حياته الشخصية ‪ ،‬فإن هذا سيندرج بعد هذه الجريمة على‬
‫إخوته وسيكونون جميعا متهمين بما اتهم به نايف‪.‬‬
‫بل إن المسؤولية تتجاوز المتنفذين من آل سعود إلى أولئك الذين يضفون عليهم‬
‫وعلى أعمالهم الشرعية صفات التوحيد ‪ ،‬ويمعنون في تزكية هذا النظام وحرصه على‬
‫الدين والدعوة وخدمة السلم وأنه قد حقق على يديه ) من النعم ما ل يحصيه إل‬
‫الله ( فهؤلء ل نعتبرهم مقصرون فحسب في إنكار المنكر الصريح والمعلن ‪ ،‬والذي‬
‫يستحقون به ما جاء في سورة البقرة من وعيد للمتخلف عن البيان ‪ ،‬بل إنهم في‬
‫)‪ (1‬كان من أبرز مستشاري وزير الداخلية نايف بن عبد العزيز فريق من خبراء المن المصري يرأسهم‬
‫وزير الداخلية المصري السبق زكي بدر الذي عرف بفجوره وبذاءته وسقوطه فضل ً عن كفره‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 631 [ ‬‬

‫الحقيقة ‪ ،‬ونقولها بكل قناعة وعلم ومعرفة – شريكون في الجريمة ‪ ،‬نعم شركاء فيها‬
‫وسيحاسبون عليها يوم القيامة كما لو كانوا قد مارسوها بأنفسهم‪ ،‬فإنهم من أقوى‬
‫الركان التي يتكئ عليها النظام في استقراره ‪ ،‬وأقوالهم ومواقفهم من أقوى الحجج‬
‫التي يحتج بها النظام في ممارساته‪ ،‬بل إن جريمتهم أعظم كونهم لبسوا لباس العلم‬
‫وتحملوا مسؤولية الفتيا‪ ،‬فلم يتورعوا بعد ذلك عن الكذب على الله ورسوله والحيدة‬
‫عن الحق الذي استأمنهم الله عليه‪ .‬والمصيبة أنهم يعلمون كل ذلك من خلل‬
‫معرفتهم بسيرة علماء السلف من أمثال المام مالك والمام أحمد بن تيمية وغيرهم ‪،‬‬
‫يعلمون أنهم ليسوا مجرد أعوان للظلمة بل هم الظلمة أنفسهم‪ ،‬يعلمون هذا كله ‪،‬‬
‫ويعلمون أن إثم وجرم ومآل العالم الذي يدافع عن الظالم ويزكيه أعظم من جرم‬
‫وإثم ومآل الظالم نفسه ‪ ،‬ول ندري حقيقة لماذا يصر بعض السذج على الفزعة إليهم‬
‫والشكوى عندهم وهم يرون تزكيتهم للكفر والشرك والظلم والفسوق والعصيان ‪ ،‬بل‬
‫وتنافسهم وتحايلهم في الحصول على مخرج وتفسير لكل جريمة للنظام مهما عظمت‬
‫‪ ،‬بطريقة ل يمكن أن تخطر ببال أساطين النظام نفسه ‪ ،‬وإذا كان الناس قد انبهروا‬
‫بنصوص ومتون محفوظة فقد وصف القرآن الحفاظ من علماء بني إسرائيل الذين ل‬
‫يعملون بعلمهم ‪‬كالحمار يحمل أسفارا‪. ‬بل إن كثيرا من علماء المستشرقين‬
‫أعداء السلم لم يقصروا في حفظ النصوص والمتون والقيام عليها وخدمتها وتصنيفها‬
‫وترتيبها رغم عداءهم للسلم وحربهم له‪.‬‬
‫إننا نقولها مرة أخرى ‪ ،‬أن العلماء الرسميين شريكون في هذه الجريمة القذرة ‪،‬‬
‫ونشهد أمام الله ثم أمام الناس أن الحجة قد قامت عليهم علما بالشرع وعلما‬
‫بالواقع(‪ .‬ا هس‪.‬‬

‫وفي النشرة (‪ (33‬بتاريخ ‪16‬جمادي ‪28 – 2/1417‬اكتوبر ‪ ،1996‬بعنوان‪:‬‬


‫(من هم علماء السلم؟( قال الفقيه‪:‬‬
‫التمييز بين علماء رسميين وغير رسميين لم يكن واضحا قبل أن تدخل الصحوة‬
‫في مواجهة مع النظام والتي بدأت بشكل واضح منذ أزمة الخليج الثانية ‪ ،‬وتصاعدت‬
‫بعد ذلك في الخطوات الصلحية التي تلت أحداث تلك الزمة ‪ ،‬ثم بلغت ذروتها في‬
‫الحملة الشرسة ضد العلماء والدعاة ‪ ،‬التي شنها النظام قبل سنتين ومازالت قائمة‬
‫إلى الن‪.‬‬
‫ليس المقام هنا مقام تصنيف العلماء ‪ ،‬ولكنه استجماع للصورة التي تكونت إثر تلك‬
‫المحنة والتجربة القاسية ‪ ،‬ومن ثم مراجعة المواقف والنظرات تجاه العلماء‬
‫الرسميين ‪ ،‬وخاصة أولئك الذين كانوا يصنفون إلى عهد قريب ‪ ،‬وكأنهم جزء من كيان‬
‫الصحوة والحركة الصلحية‪.‬‬
‫ل يجادل أحد بأن آل سعود يعتمدون بشكل كبير على مؤسسة دينية ضخمة‬
‫تؤمن لهم ) الشرعية ( ويجمع كل آل سعود – حتى الملحدين منهم ‪ -‬على ضرورة‬
‫هذه المؤسسة ‪ ،‬لتأمين انقياد الشعب ‪ ،‬الذي يشكل الدين جزءا رئيسيا من تركيبته‬
‫النفسية والثقافية ‪ ،‬وأهم مكونات هذه المؤسسة الدينية ‪ ،‬هي هيئة كبار العلماء‪،‬‬
‫والقضاة ‪ ،‬وهيئة المر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪ ،‬ورغم ضخامة هذه المؤسسة‬
‫من حيث العدد ‪ ،‬لكن قيمتها المعنوية مرتبطة بعدد قليل جدا من العلماء ‪ ،‬منحوها‬
‫ثقلها في الوقت الحاضر وحولها إلى قوة فاعلة ‪ ،‬ولول الرتباط برمز أو رمزين من‬
‫أولئك العلماء لتهاوت كل تلك المؤسسة وتهاوى ثقلها تماما ‪ ،‬وسبب ذلك أن الذين‬
‫يشكلون هذه المؤسسة ‪ ،‬سواء كانوا أعضاء في هيئة كبار العلماء أو قضاة أو هيئة‬
‫المر بالمعروف والنهي عن المنكر ن هؤلء نوعين ‪ ،‬الول مغمور غير معروف وليس‬
‫له تاريخ علمي أو دعوي يجعل منه صاحب ثقل ينتفع به النظام ‪ ،‬والثاني مشهور‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 632 [ ‬‬

‫ومعروف لكنه مفضوح في خيانته للدين ومتفق على أنه يأكل بدينه ويبيع الفتاوى‬
‫ويتاجر بعلمه الشرعي‪ ،‬ويبقى سوى أولئك شخص أو شخصان من المعروفين‬
‫المشهورين بسعة معرفتهم بالعلوم الشرعية ونشاطهم العلمي و التدريسي ‪ ،‬وفي‬
‫نفس الوقت صلحهم على المستوى المالي والسلوكي ‪ ،‬ونجاتهم من مشكلة‬
‫المتاجرة ) ماليا ( بالفتاوى والمرافق الدينية‪.‬‬

‫قبل أن تبدأ مواجهة الصحوة مع النظام ‪ ،‬وقبل أن يدخل العلماء في اختبار ) تغيير‬
‫المنكر ( كان قد سطع نجم هؤلء للسببين المذكورين سابقا‪ ،‬ولسبب آخر هو غياب‬
‫المواجهة بين السلم والنظام مما جعل المقياس محدودا على الصلح الشخصي‬
‫والمانة المالية ودرجة الزهد والتنسك ‪ ،‬أما اختبار العلماء على قدر مواجهتهم للظلم‬
‫وصدعهم بالحق وإنكارهم للمنكر ‪ ،‬فلم يكن ذلك الميدان قد فتح بعد ‪ ،‬ولذا فاز نفر‬
‫قليل من العلماء الرسميين بالقبول لدى الناس ‪ ،‬وكسبوا مصداقية كبيرة‪.‬‬
‫جاءت أزمة الخليج وكان الختبار الول فانكشف العلماء الرسميون لول وهلة ولم‬
‫يقل واحد منهم كلمة الحق ‪ ،‬بل لقد تجاوز بعضهم الفتوى بجواز الستعانة بالكفار إلى‬
‫جعلها واجبة ومن ثم آثم من لم يقم بها ‪ .‬وحين تحرك الدعاة والعلماء ينتقدون‬
‫الوضاع الخاطئة سعيا ً لتغيير المنكر بلسانهم وقياما ً بواجب البلغ والصدع بالحق الذي‬
‫تخلف عنه أولئك الرسميون ‪ ،‬حدث تطور آخر‪.‬‬
‫حيث تشكل بأمر ملكي لجنة خماسية يرأسها الشيخ بن باز مهمة هذه اللجنة‬
‫تأديب أولئك الدعاة وفصلهم عن الخطابة ومنعهم من تأدية الواجب الشرعي‪ ،‬وتقوم‬
‫هذه اللجنة بدراسة القوائم التي تقدمها لها وزارة الداخلية والتقارير التي يعدها جهاز‬
‫المباحث ‪ ،‬ثم تقرر من خلل ذلك أن فلنا ً يجب إيقافه عن الخطابة أو التدريس ‪،‬‬
‫وفلنا ً يجب فصله تماما ً وفلنا ً يجب تنبيهه ‪ .‬وإذا قدمت القوائم لهذه اللجنة فقلما ينجو‬
‫منها أحد فالجميع يوقف أو يفصل ‪ ،‬وعلى يد هذه اللجنة فصل عشرات بل وربما مئات‬
‫من الخطباء والدعاة ‪ .‬وفي حين كانت فتوى الهيئة بإضفاء الشرعية على احتلل‬
‫الكفار لجزيرة العرب دعما ً شرعيا ً دون حدود للنظام ‪ ،‬فقد كان تشكيل اللجنة‬
‫الخماسية المرة الولى التي ينكشف فيها كون هذه المؤسسة جزء من النظام ‪ .‬لقد‬
‫ظن الكثير من الدعاة والمصلحين أن هذا التطور دخيل على أعضاء هذه المؤسسة‬
‫والحقيقة هي غير ذلك ‪ ،‬فلم يكن هناك تغير في سياسة وتفكير أولئك العلماء وكل‬
‫الذي حصل أنهم أصبحوا في الواجهة مع النظام فانكشف الدور بعد أن كان ل‬
‫مواجهة ‪.‬‬
‫بعد ذلك أخذت مواجهة الدعوة من قبل هذه المؤسسة الدينية شكل ً سياسيا ً‬
‫مفضوحا ً حين أصدرت هيئة كبار العلماء بيانا ً ضد خطاب المطالب ‪ ،‬وتحولت إلى‬
‫مدافع عن النظام ضد الدعاة والمصلحين ‪ ،‬وكذلك ضد الشعب كله الذي دعم هذه‬
‫المطالب ‪ .‬ولم يكن بيان الهيئة ضد خطاب المطالب زلة أو هفوة بل كان عمل ً‬
‫مؤسسا ً مقصودا ً ‪ ،‬وثبت ذلك حين تكرر ذلك الموقف في بيان الهيئة ضد مذكرة‬
‫النصيحة ‪ ،‬ذلك البيان الذي احتوى من العبارات ما ل يقبلها حتى المسلم العامي ‪ ،‬لنه‬
‫تهجم على النيات والمقاصد واتهم معدي المذكرة بسوء النية وقصد التخريب ‪ ،‬ثم‬
‫عادت الهيئة وكررت العملية في بيانها ضد لجنة الدفاع ‪ ،‬توطئة للحملة المنية التي‬
‫شنت ضد اللجنة بعد ذلك جاءت مرحلة المواجهة الحقيقية والشاملة مع الدعوة‬
‫والمصلحين وعلماء الحق ‪ ،‬حيث سخرت الهيئة مظلتها وخاصة الشيخ عبد العزيز بن‬
‫باز لعتقال الشيخين سلمان وسفر‪ ،‬في خطاب طويل ‪ ،‬استخدمه النظام علنا ً في‬
‫تبرير اعتقال الشيخين وشن الحملة الضخمة على المصلحين والدعاة ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 633 [ ‬‬

‫ومنذ أن اعتقل الصفوة من العلماء وازدادت حملة القمع والعتقال وأعلنت‬


‫الحرب المكشوفة على الدعوة والهيئة ل تزال في ولئها المطلق وطاعتها التامة‬
‫للنظام ‪ ،‬وتكرر الموقف تلو الموقف في التفاني في تزكية النظام والدفاع عنه واتهام‬
‫كل من يسعى لنكار المنكر بإثارة الفتنة والبلبلة ‪ ،‬بل وأبعد من ذلك التبرع بمجموعة‬
‫من الفتاوى في وصف أعمال أخرى بالفساد في الرض وضرورة تطبيق حد الحرابة‬
‫على فاعليها‪.‬‬
‫ً‬
‫إن إدراك هذه القضية وتصورها على الوجه الصحيح ضروري جدا لسلمة مسيرة‬
‫الصحوة ‪ ،‬وهناك فرق كبير بين أن يعتبر هؤلء العلماء جزء من كيان الصحوة ودعاة‬
‫الصلح وعلماء الدعوة‪ ،‬أو أن يعتبروا جزءا ً من النظام بل ركنا ً من أركانه وأكثر أهمية‬
‫له من جهاز المباحث وجهاز العلم‪.‬‬
‫إن مهمة العالم في السلم ليست مجرد صلحه الشخصي ونزاهته المالية ‪ ،‬بل‬
‫إن مهمته هي التوقيع عن الله‪ ،‬وحمل أمانة العلم‪ ،‬ووراثة النبوة‪ ،‬والعالم يقترف‬
‫جريمة عظيمة لمجرد قعوده عن واجب البلغ وكتمان العلم‪ ،‬قال تعالى‪ ‬إن الذين‬
‫يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب‬
‫أولئك يعلنهم الله ويلعنهم اللعنون‪. ‬‬
‫ول يسلم العالم من هذه اللعنة – لعنة الكتمان – إل إذا أدى ما جاء في الية التي‬
‫تتلوها { إل الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم }‪.‬‬
‫وكتمان العلم ليس هو كتمان الكتاب والسنة فل أحد يستطيع كتمان الكتاب‬
‫والسنة ‪ ،‬لكنه عدم إنزالها على الوجه الصحيح ‪ ،‬في النوازل التي يستوجب على‬
‫العالم إنزال النصوص عليها ‪ .‬هذه الجريمة العظيمة إذا اكتفي بالكتمان فقط ‪ ،‬فكيف‬
‫إذا خان المانة ‪ ،‬وكذب على الله حين يبلغ عنه غير ما أراد سبحانه في كتابه وسنة‬
‫رسوله ‪ .‬فهؤلء هم المقصودون بقول الله تعالى ‪‬واتل عليهم نبأ الذي آتيناه‬
‫آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ‪ ،‬ولو شئنا لرفعناه‬
‫بها ولكنه أخلد إلى الرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه‬
‫يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص‬
‫القصص لعلهم يتفكرون ‪.‬‬
‫هذه هي الطريقة التي وصف القرآن بها العلماء وميز بها من يقوم بواجب البلغ‬
‫أو يكتم البلغ وأشد من ذلك من يكذب على الله ويخون المانة ‪.‬‬
‫والحديث هنا ليس في مقام نصح وتذكير أولئك العلماء ولو أن نصحهم وتذكيرهم‬
‫واجب مهما عظمت جريمتهم ‪ ،‬لكنه حديث موجه لشباب الدعوة ‪ ،‬وكل المنتمين‬
‫لمسيرة الصلح أن يعرفوا رجالهم ‪.‬‬
‫إن تراكم الشهرة والسمعة الحسنة لبعض العلماء الذي اجتمع قبل أن يبدأ الختبار‬
‫الحقيقي ينبغي أن ل يحرفنا عن الطريقة القرآنية في معرفة العلماء المتبعون‬
‫المطاعين ‪.‬‬
‫وليس المطلوب هنا تجريم فلن أو سب فلن أو لعن فلن ‪ ،‬لكن المطلوب هو أل‬
‫يخدع شباب السلم نفسه ويستمر في التعامل مع أولئك العلماء وكأنهم قيادات‬
‫إصلحية ورؤوس في إنكار المنكر ‪.‬‬
‫إن توقير شخص معين لعلمه ولسنه أو لجهد بذله في يوم من اليام ‪ ،‬ل يعني أبدا ً‬
‫وضعه في موضع القيادة و التباع واللجوء عند النوازل ‪ ،‬بل الولى الرجوع إلى القرآن‬
‫والسنة وتعلم طريقة التعامل مع العلماء على ما ورد في القرآن والسنة ‪ ،‬ومعرفة‬
‫العلماء الحقيقيين الذين تستفتيهم المة وتنزل عند اختياراتهم‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 634 [ ‬‬

‫وما نقل عن الشيخ ابن عثيمين في جريدة المسلمون وما نقل عن الشيخ ابن باز‬
‫في الصحافة السعودية ‪ ،‬مما تناوله مقالي )) الصلح (( يمثلن نموذج النكشاف لهذه‬
‫المجموعة‪.‬‬
‫وهي فرصة لمن يريد التقييم على الطريقة القرآنية والنهج المحمدي‪ ،‬والقريبون‬
‫من الشيخين يلحظون التزامهما على المستوى الشخصي من حيث العبادة‬
‫والستقامة ومن حيث النزاهة المالية والزهد ‪ ،‬ويلحظون كذلك سعة علمهم الشرعي‬
‫وقدراتهما في التدريس والتعليم ‪ ،‬لكنهم يلحظون كذلك ما عنيناه في كلمنا السابق‬
‫من مشكلة كبيرة في القضية الهم وهي قضية قيامهم بواجب البلغ‪.‬‬
‫نحن نتمنى على الشيخين ابن باز والشيخ ابن عثيمين أن يتوبا إلى الله ويصلحا‬
‫ويبينا بمعنى بأن يعترفا بما كان مخالفا ً من كلمهما للشرع وينبها المة على هذا الخطأ‬
‫كما جاء في هدي القرآن ‪ .‬ونتمنى أن يتحول الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين إلى‬
‫صادعين بالحق مواجهين للظلم ‪ ،‬محاربين للطغيان ‪ ،‬داعمين لكل راية دعوة وإصلح ‪.‬‬
‫غير أن الهم هو أن يدرك شباب الصحوة والمنتمين لمسيرة الصلح حقيقة العالم‬
‫العامل‪ ،‬الداعي لعلمه‪ ،‬الصابر على الذى فيه ‪ ،‬المجاهد في سبيله ‪ .‬وحقيقة العالم‬
‫الذي كتم ما علمه الله ‪ ،‬بل كذب على الله ورسوله وخان المانة ‪.‬‬
‫لقد مضى من الزمن ما يكفي للختبار ‪ ،‬ولقد أثبتت اليام أن هيئة كبار العلماء‬
‫وكل المنتسبين لها لم يقفوا ول موقفا ً واحدا ً مع الدعوة وضد الظلم ‪ .‬ولقد سجلت‬
‫كل مواقفهم مع الظلم والطغيان وضد الدعوة‪ ،‬وأنه لمن الحمق وسوء التصرف أن‬
‫يلجأ المرء لعدوه من أجل أن يحميه ‪.‬‬
‫إن مشكلة أعضاء المؤسسة الدينية ليست مجرد العجز ‪ ،‬فالعاجز بإمكانه أن‬
‫يعترف بعجزه ويقول ‪)) :‬أنا عاجز (( ويستقيل ويخرج منها كفافا ً ‪ ،‬لكن أحدا ً منهم لم‬
‫يعمل بذلك ولو عمله لصنع خيرا ً كثيرا ً ‪ ،‬لكن مشكلتهم هي الوقوف بثقل وجدية‬
‫ونشاط مع الباطل وتأييده بالكلمة والموقف والفتوى والدفاع عنه بما يستطاع‪.‬‬
‫هذا الحديث ليس المراد منه أن يقال أن فلنا ً صالح ‪ ،‬وفلنا ً من أهل الجنة ‪ ،‬وفلن‬
‫من أهل النار ‪ ،‬فالله أعلم بقلوب الناس ومقاصدهم ونياتهم وأعمالهم وخواتيمهم ‪،‬‬
‫لكن المقصود هو الجانب العملي في القضية ومن هو العالم المتبوع‪.‬‬
‫وكأننا في هذا الستعراض قد علمنا حقيقة العالم المتبوع ‪ ،‬وهل يستحق أعضاء‬
‫هيئة كبار العلماء هذه الصفة أم ل (‪ .‬ا هس‪.‬‬
‫************‬
‫وفي النشرة (‪ (155‬بتاريخ ‪9‬ذي الحجة ‪1419‬هـ – ‪5‬أبريل ‪1999‬م‪،‬‬
‫وهي بعنوان‪( :‬رسالة مفتوحة إلى الشيخ عبد العزيز بن باز( قال الفقيه‪:‬‬
‫اسمح لنا يا سماحة الشيخ أن نستعرض سجلكم من خلل السنين الماضية في‬
‫قضية البلغ‪.‬‬
‫لقد صدر عنكم أقوال كثيرة تزكون فيها الدولة وتصفونها بأحسن الوصاف‬
‫الشرعية رغم أنكم على اطلع كامل وتفصيل على ما يجري في البلد وكل تفاصيل‬
‫المخالفات الشرعية التي يرتكبها النظام على مستوى الدولة وعلى مستوى الفراد‬
‫المتنفذين ‪.‬‬
‫بل إنكم كما يعرف القريبون منكم أعلم بكثير مما يدعون أنهم على علم بما‬
‫يجري لن معظم أهل الصلح يوصلون ما عندهم من أخبار ومعلومات وملحظات‬
‫ونصائح إليكم ‪ ،‬ولقد شهدنا شخصيا ً جلسات كثيرة بسط فيها الواقع لكم بشكل‬
‫تفصيلي ليس فيه مواربة ‪ ،‬بل إننا نستطيع أن نقول أن الحجة قد أقيمت عليكم وأن‬
‫الذمة قد برأت معكم من قبل عدد كبير من المشائخ وأساتذة الجامعات والمصلحين ‪،‬‬
‫وإن إقامة الحجة في بيان الواقع على التفصيل لكم قد حصل مرارا ً وتكرارا ً من قبل‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 635 [ ‬‬

‫أناس تثقون بهم وتأخذون بحديثهم ‪ .‬ول أدل على ذلك من مذكرة النصيحة التي قدمت‬
‫لكم وراجعتها اللجنة الخماسية وهيئة كبار العلماء وأنتم ترأسون تلك الجهتين ‪ ،‬ول‬
‫يجادل أحد أن تلك المذكرة حجة على من قرأها ‪ .‬ونحسب أنه ل يسعكم العتذار‬
‫بحجة أنكم ل تتعرفون إل على ما يطلعكم النظام عليه ‪ ،‬بل أنتم على دراية تفصيلية‬
‫بالوضاع ‪ ،‬ومتابعة إجبارية أجبركم عليها عدد كبير من الدعاة والمصلحين وطلبة العلم‬
‫‪ .‬ولذلك فلربما ترتكبون خطأ ً عظيما ً ومنزلقا ً خطيرا ً حين تزكون الدولة هذه التزكية ‪،‬‬
‫وأنتم تعلمون حاليا ً وتعلمون كذلك من خلل اطلعكم الشرعي خطورة مثل هذا‬
‫العمل ‪ ،‬فمثلكم ليس غريبا ً على مؤلفات وأقوال علماء الدعوة وخاصة الشيخ محمد‬
‫بن عبد الوهاب ‪ .‬فإذا كنتم تعلمون يقينا ً أن النظام يحكم بغير ما أنزل الله رغم تكرار‬
‫التنبيه والنصيحة ‪ ،‬فما هو موقفكم من قول محمد بن عبد الوهاب عن أولئك الذين‬
‫يزكون من يحكم بغير ما أنزل الله قال رحمه الله‪:‬‬

‫))إن هؤلء الطواغيت الذين يعتقد الناس فيهم وجوب طاعة من دون الله كلهم‬
‫كفار مرتدون عن السلم كيف ل وهم يحلون ما حرم الله ‪ ،‬ويحرمون ما أحل الله ‪،‬‬
‫ويسعون في الرض فسادا ً بقولهم وفعلهم وتأييدهم ‪ ،‬ومن جادل عنهم ‪ ،‬أو أنكر على‬
‫من كفرهم ‪ ،‬أو زعم أن فعلهم هذا لو كان باطل ً ل ينقلهم إلى الكفر ‪ ،‬فأقل أحوال‬
‫هذا المجادل أنه فاسق ‪ ،‬لنه ل يصح دين السلم إل بالبراءة من هؤلء وتكفيرهم‬
‫))الرسائل الشخصية ‪.((188‬‬
‫فإذا كان مجرد عدم التكفير جريمة كبرى عند الشيخ محمد بن عبد الوهاب ‪،‬‬
‫فكيف بمن يصفهم بأحسن أوصاف السلم ويزكي دولتهم ونظامهم ‪ ،‬ويحمل على من‬
‫أنكر عليهم‪.‬‬
‫وأنتم يا سماحة الشيخ تعلمون يقينا ً أن النظام قد فرض الربا فرضا ً على الناس‬
‫وأقام له الصروح العاتية ودعمه بخزينة الدولة وجعل اقتصاد الدولة قائما ً عليه‪.‬‬
‫وتعلمون يقينا ً أن النظام يوالي الكفار ويدعمهم وينصرهم ويستنصر بهم ويمكن لهم‬
‫وينفذ مخططاتهم ويتآمر معهم ضد المسلمين ‪ ،‬وتعلمون يقينا ً أن النظام يشجع‬
‫الفساد الخلقي ويساهم في انتشاره من خلل العلم والتعليم ومن خلل دعم خليا‬
‫ً‬
‫الفساد المحمية من قبل المراء ومن خلل تحجيم الدعوة وتعطيلها ‪ .‬وتعلمون يقينا ما‬
‫يرتكبه النظام من جرائم ضد الدعاة وما يشنه من حرب عليهم سجنا ً وتشريدا ً وحصارا ً‬
‫وإرهابا ً ‪ ،‬بل إنكم من أعلم الناس بذلك لنكم غالبا ً ما تكونون أول من يخبر عن حادث‬
‫اعتقال أو مداهمة أو إيقاف أو مثله ‪ .‬وتعلمون يقينا ً أشكال الظلم الواقعة على الفراد‬
‫والجماعات والقبائل من قبل النظام كنظام ومن قبل المتنفذين فيه كأفراد ‪ ،‬لن كثيرا ً‬
‫من المظلومين غالبا ً ما يلوذون بكم ويكتبون لكم مستنجدين ‪.‬‬
‫إن مشكلتكم يا سماحة الشيخ ليست مجرد تزكية النظام بل لقد اضطررتم‬
‫للتناقض أكثر من مرة بسبب مداراة النظام ومن أمثلة هذا التناقض الصريح فتوى‬
‫تحريم الستعانة بغير المسلمين التي وجهت لجمال عبد الناصر‪ ،‬والتي قلتم فيها أن‬
‫الستعانة ل تجوز حتى عند الضرورة ‪ ،‬ومرت السنين وانقلبت الصورة فلم تكتفوا‬
‫بتجويز الستعانة للضرورة بل اعتبرتموها واجبة وأثم من لم يعملها ‪.‬‬
‫وتكرر منكم تغيير الفتوى متابعة للحاكم في قضيتي أفغانستان واليمن ‪ ،‬هذا فضل ً‬
‫عن قائمة الفتاوى الصادرة منكم تبعا ً لرغبة النظام وأولها فتوى استدعاء القوات ثم‬
‫بيان هيئة كبار العلماء ضد خطاب المطالب وبيان الهيئة ضد مذكرة النصيحة وبيان‬
‫الهيئة ضد لجنة الدفاع ‪ ،‬وبيان الهيئة في المر بتوقيف الشيخين سلمان وسفر من‬
‫أجل " حماية المجتمع من أخطائهما " والفتاوى الخيرة التي جعلت المريكان من‬
‫المعاهدين معصومي الدم واعتبار قتلهم من أعظم الفساد في الرض ‪ .‬ترى هل قرأتم‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 636 [ ‬‬

‫كلم شيخ السلم بن تيمية فيمن يفتي بخلف الكتاب والسنة موافقة لهوى‬
‫السلطان ‪ ،‬قال في الفتاوى " ومتى ترك العالم ما علمه من كتاب الله وسنة رسوله‬
‫واتبع حكم الحاكم المخالف لحكم الله ورسوله كان مرتدا كافرا يستحق العقوبة في‬
‫الدنيا والخرة ( الفتاوى ج ‪ 35‬ص ‪. 373-372‬‬
‫إن كتمان العلم ليس هو كتمان الكتاب والسنة فل أحد يستطيع كتمان الكتاب‬
‫والسنة ‪ ،‬لكنه عدم إنزالها على الوجه الصحيح ‪ ،‬في النوازل التي يستوجب على‬
‫العالم إنزال النصوص عليها ‪ .‬هذه الجريمة العظيمة إذا اكتفي بالكتمان فقط ‪ ،‬فكيف‬
‫إذا خان المانة ‪ ،‬وكذب على الله حين يبلغ عنه غير ما أراد سبحانه في كتابه وسنة‬
‫رسوله ‪ .‬فهؤلء هم المقصود ون بقول الله تعالى‪  :‬واتل عليهم نبأ الذي آتيناه‬
‫آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ‪ ،‬ولو شئنا لرفعناه‬
‫بها ولكنه أخلد إلى الرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه‬
‫يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص‬
‫القصص لعلهم يتفكرون ‪.‬‬
‫إن مشكلتكم يا سماحة الشيخ ليست مجرد العجز ‪ ،‬فالعاجز بإمكانه أن يعترف‬
‫بعجزه ويقول ‪ )) :‬أنا عاجز (( ويستقيل ويخرج منها كفافًا‪ ،‬لكن مشكلتكم هي الوقوف‬
‫بثقل وجدية ونشاط مع الباطل وتأييده بالكلمة والموقف والفتوى ‪.‬‬
‫لقد آن الوان ما دام في العمر بقية أن تسعوا لحسن الخاتمة وطيب الذكر بعد أن‬
‫تقوموا بواجب الصلح والتبسيسين‪ ،‬أل قد بلغنا اللهم فاشهد(‪ .‬ا هس‪.‬‬
‫وأعتقد أن في هاتين الشهادتين ما يكفي للتعريف بالمؤسسة الدينية الرسمية‬
‫للسعودية على لسان بعض أهلها من المخلصين والشرفاء والله حسيبهم‪ .‬وقد تفاقم‬
‫المر الن وكثرت القلم و اللسنة المتذمرة في أوساط الصحوة السلمية في‬
‫لسعودية ولمن أراد مزيدا من هذا أن يتجه إلى مواقع النترنت التي وجد فيها كثير من‬
‫هؤلء العلماء متنفسا للصدع بالحق والتعبير عن آرائهم‪.‬‬

‫*************‬

‫موقسسف علمسساء السسسلطان فسسي العسسالم السسسلمي مسسن الحتلل المريكسسي‬ ‫•‬
‫للعراق‪:‬‬
‫عندما غزت أمريكا العراق في مارس ‪ .2003‬فشلت عبر سنة من العمل‬
‫الدبلوماسي قبلها في المؤسسات الدولية والمم المتحدة في الحصول على شرعية‬
‫واضحة لغزوها بالعراق‪ .‬وقد أدى التهاب الشارع العالمي عامة والعربي خاصة‬
‫بمشاعر الرفض و الستياء إلى خوف وذعر في أوساط الحكام العرب من تبعات‬
‫احتلل العراق‪ .‬وقد بدا ذلك جليا في وسائل العلم‪.‬‬
‫كما أدى تصريح الدارة المريكية بنيتها استهداف الخارطة السياسية والجغرافية‬
‫للشرق الوسط إلى إرباك الحكام العرب بسبب الخوف على عروشهم‪ .‬وعدم القدرة‬
‫على مواجهة أمريكا‪ ,‬بعد أن كبلوا أنفسهم بما يمنعهم من ذلك‪ .‬وقد أعطت الحكومات‬
‫الضوء الخضر لوسائل إعلمها ومنها منابر المساجد بإعلن مواقف الرفض للحرب‬
‫في العراق‪ .‬وقد كان هذا حال عموم العالم العربي والسلمي باستثناء دولة الكويت‬
‫التي أعلنت التأييد رسميا وعمليا لمريكا وحربها على العراق‪ .‬ومع ذلك فقد أرغمت‬
‫أمريكا سبع دول عربية على فتح أراضيها ومياهها وأجوائها للعدوان وعلى تقديم‬
‫الخدمات اللوجستية وهكذا قدمت كل من الكويت وقطر والبحرين وعمان والسعودية‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 637 [ ‬‬

‫ومصر والردن خدماتها وكذلك باكستان وقدمت تركيا دعما جزئيا نتيجة الرفض‬
‫والستحياء والجبار‪.‬‬
‫ويبدو أن تذمر الحكام العرب من الرعونة المريكية التي ضربت بعرض الحائط‬
‫بكرامتهم و مصالحهم ولم تراعي قدرتهم على العمالة النسبية ويحتمله الشارع‬
‫العربي من ذلك‪ .‬وقد انعكس هذا نوعا من غض البصر عن شيء من حركات التنفيس‬
‫الشعبية كالمظاهرات والمؤتمرات التي انتهى غالبها بقتل الشرطة و قوات مكافحة‬
‫الشغب لبعض المتظاهرين وتكسير عظام بعضهم‪ .‬كما جعلت هذه الجواء المؤسسة‬
‫الدينية الرسمية والمساجد شبه الحكومية تعيش حالة من صحوة الضمير التي اختلط‬
‫فيها الصدق والعاطفة لدى بعض العلماء مع رغبة الحكام بممارسة شيء من الضغط‬
‫على أمريكا‪ .‬ففوجئنا بشيخ الزهر)سيد طنطاوي( الذي شغل جل وقته بمكافحة‬
‫الرهاب يفتي مع بداية الحرب بالجهاد في العراق ويبيح العمليات الستشهادية ضد‬
‫القوات الغازية ويمهد الجواء للتظاهر في الجامع الزهر‪ .‬وتبعه بمفاجأتنا )مفتي الدولة‬
‫النصيرية( في سوريا )أحمد كفتارو( يدعو شباب المسلمين للعمليات الستشهادية‬
‫وهكذا أخذ كثير من العلماء وقيادات الصحوة الرسمية وشبه الرسمية راحتهم على‬
‫الفضائيات و بدأوا يدعون للجهاد‪.‬‬
‫بل إن دفعات الشباب المجاهد تحركت إلى العراق تحت سمع وبصر بعض‬
‫النظمة العربية وعبرت إلى العراق من سوريا‪.‬‬
‫وسرعان ما سارت الحرب بالشكل المعروف لتعود المور إلى نصابها ومجراها‬
‫من مكافحة العلماء للرهاب في وسائل العلم إلى جانب حكوماتها وسيدتهم أمريكا‪.‬‬
‫ولكن العجيب الملفت للنظر أن صحوة الضمير المؤقتة هذه لم تصب المؤسسة‬
‫الدينية السعودية بل على العكس‪ ..‬كانت جهود العلماء السعوديين منصبة على‬
‫الحديث عن عدم مشروعية الجهاد في العراق ضد أمريكا أثناء معارك الغزو وبعدها‪.‬‬
‫وعدم صحة رايته والعزف على أوتار التهور الذي أوصل الناس إلى غوانتانامو‪ .‬بل‬
‫وصل العزف إلى العلماء المستقلين من رواد الصحوة العظام ‪ .‬وعلى سبيل المثال ما‬
‫فاجأنا به الشيخ سلمان العودة )بفقه المشروع الخاص( في مقابلة له مع إحدى‬
‫الفضائيات العربية أثناء الحرب ‪ :‬فعندما سئل عن مشروعية الذهاب للجهاد‬
‫في العراق وهل هو فريضة لن العدو حل في العقر‪..‬تهرب من الجابة وراح‬
‫يحدثنا عن أمر عجيب مفاده‪ :‬أنه لو نزل العدو ل يجب على كل المة أن تذهب للدفاع‬
‫بل لبد لكل أحد أن ينشغل بمشروعه الخاص الذي قد يكون دعوة إلى الله ‪ .‬أو‬
‫مشروع تخرج جامعي ‪ .‬أو مجلة يصدرها ‪ .‬أو عمل يعمله ‪ .‬أو ربما مشروع زواج ‪ .‬أو‬
‫حتى قراءة كتاب ‪ ..‬ووصل المر به أن يقول حتى ولو كان المشروع الخاص ؛ جلسة‬
‫تأمل!!‪.‬‬
‫ول أدري تأمل في ماذا؟! أهو تأمل في العراض تنتهك أم في النفوس تزهق ؟!‬
‫أم في الكفر يرتع حتى من حوله حيث يجلس ويصلي ويتأمل؟!‪.‬‬
‫هذا من أحد العلماء المستقلين‪ ,‬ناهيك عن سيل الفتاوى من أئمة الحرمين‬
‫الرسميين وفقهاء مكافحة الرهاب على شاشات الفضائيات من علماء السلطان في‬
‫السعودية‪.‬‬
‫وهكذا كان‪ .‬والشواهد كما قلت تمتد لتشكيل كتابا أسودا مستقل كبيرا‪,‬عن دور‬
‫المؤسسة الدينية الرسمية في بلد العرب والمسلمين‪ .‬في دعم الحملت الصليبية‬
‫الثالثة ومحاربة من قاومها‪ .‬ولله المر من قبل ومن بعد!‬
‫واليوم تقف المؤسسة الرسمية السعودية في طليعة المؤسسات التي تقف‬
‫بالمرصاد للجهاد والمجاهدين ولسيما في السعودية و تطور المر لفتتاح المراكز‬
‫العلمية لجمع جهود المفكرين والعلماء في مكافحة الرهاب ظنا من الحكومة‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 638 [ ‬‬

‫السعودية وعملئها العلماء أن ذلك سيغير من المكر الذي خططته أمريكا للنظام‬
‫السعودي وحكمت عليه بالتغيير وعلى خارطة الجزيرة بالتقسيم وصدق رسول الله‬
‫صلي الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫( من أعان ظالما على ظلمه سلطه الله عليه (!‬

‫*************‬

‫وختاما أقول ‪:‬‬


‫إن فهم معادلت القوى في صراع السلم والمسلمين مع الحملت‬
‫الصليبية يشكل مادة أساسية في العقيدة الجهادية‪ .‬وأساسا لزما للبحث‬
‫عن سبل صحيحة للمقاومة يمكن أن تحمل بها النخبة الجهادية المة‬
‫على الوقوف معها في مواجهة هذه الحملت الغازية وأداء هذه الفريضة‬
‫وصول إلى النصر بإذن الله‪.‬‬

‫وبعد استعراض الحملت الصليبية ولسيما الثانية والثالثة ننتقل للفصل التالي وهو‬
‫استعراض تاريخ الصحوة السلمية ومدارسها‪.‬‬
‫هذه الصحوة التي وقع على عاتقها مواجهة الستعمار منذ انحلت المرجعية الدينية‬
‫الكلسيكية للمسلمين وفقدت دورها في مواجهته بعد أن واجهتنا بحكام من أبناء‬
‫جلدتنا وعلماء وإسلميين في طليعة جيوشهم وأجهزة أمنهم ‪ .‬فإلى الفصل الخامس‬
‫بإذن الله‪.‬‬

‫*************‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 639 [ ‬‬

‫الفصل الخامس‬
‫مختصر مسار الصحوة السلمية‬
‫المعاصرة‬
‫(‪(1930-2003‬م‬
‫قال الله تعالى‪:‬‬
‫ن ال َْف َ‬
‫سادِ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫و‬‫َ‬ ‫ه‬‫ْ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ي‬ ‫ٍ‬ ‫ة‬‫ّ‬ ‫ي‬‫ق‬‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫لو‬‫م ُأو ُ‬‫ن قَب ْل ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ُْقُرو ِ‬
‫ن ِ‬ ‫م َ‬
‫ن ِ‬
‫كا َ‬ ‫‪ ‬فَل َ ْ‬
‫ول َ‬
‫ِ‬ ‫َْ‬
‫رض ‪) ‬هود‪(116:‬‬
‫ِفي ال ْ ِ‬
‫روى أبو داود عن ثوبسسان أن رسسسول اللسسه صسسلى اللسسه عليسسه وسسسلم قسسال‪ ( :‬ثم‬
‫يوشك المم أن تداعى عليكم كما تداعى الكلة إلى قصــعتها فقــال‬
‫قائل ومن قلة نحن يومئذ قال بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء‬
‫السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكــم وليقــذفن اللــه‬
‫في قلوبكم الوهن فقال قائل يا رسول الله وما الــوهن قــال‪ :‬حــب‬
‫الدنيا وكراهية الموت (‪.‬‬

‫و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ( :‬بدأ السلم غريبا وسيعود غريبا كما‬
‫بدأ فطوبى للغرباء (‪..‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 640 [ ‬‬

‫الفصل الخامس‪:‬‬

‫‪ ‬مختصر مسار الصحوة السلمية المعاصرة ‪‬‬


‫)‪(1930-2003‬م‬
‫سقطت الخلفة العثمانية عام ‪ 1924‬رسميا بعد أن بدأت مرحلة الذبول منذ‬
‫مطلع القرن التاسع عشر وماتت فعليا مع مطلع القرن العشرين‪ .‬وكانت الدول‬
‫الصليبية قد قصمتها من أطرافها ثم تقاسمت إرثها لما أعلن هذا السقوط‪.‬‬
‫كانت بوادر صحوة إسلمية قد بدأت تولد منذ أواسط القرن الثامن عشر‪ .‬وقد‬
‫حاول بعض روادها ترميم الدولة العثمانية وإصلحها والتعاون مع صلحائها والتوجهات‬
‫الحثيثة للسلطان عبد الحميد في الصلح ولكن لم يكن للعطار أن يصلح ما أفسد‬
‫الدهر‪ .‬فسقطت الدولة وبدأت مرحلة الستعمار وغابت الخلفة منذ ذلك الحين أي‬
‫قبل ‪ 79‬سنة‪ .‬فحصل ردة فعل في العالم السلمي على هذا الزلزال‪ .‬تمخضت عن‬
‫ميلد صحوة إسلمية مختلفة المشارب والهداف تسعى كلها في النهاية إلى إعادة‬
‫الخلفة واستعادة الحكم السلمي والنهضة السلمية‪.‬‬

‫وكان أبرز مدارس الصحوة وبؤرها الناشئة ما يلي‪:‬‬


‫• مدرسة الخوان المسلمين ‪:‬‬
‫وقد أسسها الشيخ حسن البنا رحمه الله عام ‪ .1928‬ووضعت إعادة الخلفة‬
‫شعارا وهدفا لها‪ .‬وقد جعل حسن البنا برنامج حركته وأسلوبها مختصرا فيما صاغه‬
‫بقوله وشعاره‪:‬‬
‫)الله غايتنا‪ .‬الرسول قدوتنا‪ .‬القرآن دستورنا‪ .‬الجهاد في سبيلنا‪.‬‬
‫الموت في سبيل الله أسمى أمانينا‪ (.‬وقد انتشرت جماعة الخوان المسلمين‬
‫في مصر حتى دخلت معظم مدنها وقراها وأصبحت أكثر الجماعات التي عاصرتها في‬
‫مصر وما حولها‪ .‬وخلل مدة وجيزة انتشرت في بلد الشام ‪ .‬وانضوى فيها عدد من‬
‫الجمعيات السلمية والحركات واستقطبت كثير من الكوادر والشخصيات ونمت حتى‬
‫صار قواعدها بعشرات اللف‪ .‬ومن ثم تمددت لتنتشر في مختلف بلد العالم العربي‬
‫والسلمي حيث قامت جماعات إما بنفس السم وإما بأسماء محلية ولكنها تنطلق من‬
‫نفس القواعد وتقوم على نفس السس‪ .‬ويمكن تلخيص منهج دعوة الخوان‬
‫المسلمين لما قامت على أنها حركة مزيج من بعض الفكار السلفية وبعض الصول‬
‫الصوفية والنزعة الجهادية والبنية الحركية التنظيمية مع توجهات سياسية واضحة‬
‫بالضافة لوجود ملمح للروح القومية والعاطفة الوطنية‪ .‬وقد مارس الخوان بحسب‬
‫ظروف كل بلد النشاط السياسي وخاضوا النتخابات ‪ .‬وكان لهم مساهمات جهادية‬
‫في فلسطين ‪ ,‬وضد النجليز في مصر‪ .‬وصار لهم مع الوقت مشايخهم ومؤلفاتهم‬
‫ومكتبتهم الواسعة‪ .‬كما اعتمدوا منهجا متميزا تطور مع الوقت وتبدلت ملمحه‬
‫ومارسوا التربية والدعوة بموجبه‪.‬‬
‫وتعتبر حركة الخوان المسلمين بحق كما يدعونها ) الجماعة الم ( لمعظم‬
‫الحركات الصولية السياسية ‪ ,‬وحتى كثير من الجهادية في العالم العربي والسلمي ‪.‬‬
‫وقد ولدت حركة الخوان المسلمين حركات بأسماء أخرى كما أن تجمعات شبابية‬
‫حملة فكرها وأعطت لنفسها أسماء محلية ولكنها كانت كلها جماعات خرجت من‬
‫نفس العباءة‪.‬‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة ‪] 641 [ ‬‬

‫فكان من تلك الجماعات التي نشأت مستقلة في بلدها على هذه الطريقة‪- .‬‬
‫الجبهة القومية السودانية – حركة التجاه السلمي في تونس والتي تحول اسمها إلى‬
‫حركة النهضة – حركة حماس في الجزائر التي أسسها محفوظ النحناح والتي تحولت‬
‫إلى حركة مجتمع السلم – حركة النهضة الجزائرية – حركة الصلح والتجديد في‬
‫المغرب – حركة الطلئع السلمية التي أسسها الشيخ عصام العطار في ألمانيا‬
‫وانتشرت بين المهاجرين والطلب في أوربا‪....‬إلخ‪.‬‬
‫• حركات قريبة فكريا من منهج الخوان ‪ :‬في بعض بلدان العالم‬
‫السلمي مثل حزب السلمة في تركيا الذي تحول اسمه إلى حزب الرفاه‬
‫ثم حزب الفضيلة‪ .‬ومثل الجماعة السلمية في باكستان‪ .‬ومثل ذلك بعض‬
‫الجماعات في جنوب شرق آسيا السلمي‪.‬‬
‫• حزب التحرير السلمي‪:‬‬
‫أسسه الشيخ الفلسطيني ) محمد النبهان ( ‪.‬وقد نشأ في الردن وفلسطين وانتشر‬
‫حزب التحرير في الربعينات رفع أيضا ولكنه تميز بأنه كان أكثر ميل للتربية والتوجيه‬
‫السياسي وطرح نظرية إقامة الدولة السلمية بعد توفر النصرة والشوكة للدعوة التي‬
‫تهاجر إلى مكان حصول ذلك وجعل الجهاد متوقفا على حصول ذلك ومال إلى العمل‬
‫السري وتبنى مبدأ العمل النقلبي في بعض البلدان‪.‬‬
‫• المدارس الصلحية التربوية‪:‬‬
‫التي تبنت نشر الوعي الديني والتأسيس العلمي لعادة بناء البنية التحتية في‬
‫المجتمعات المسلحة كحركة جمعية العلماء المسلمين في الجزائر وقد فرجت هذه‬
‫المدارس أرضا لرؤية السياسية بمفهوم المقاومة الحضارية والمدنية الستعمار وصول‬
‫إلى تأهيل الناس الجهاد‪.‬‬
‫• جماعات التبليغ والدعوة‪:‬‬
‫وما شابهها في الطريقة والمنهج‪ .‬وقد ولدت هذه الحركات في شبه القارة الهندية‬
‫وكانت فكرتها تقوم على إصلح الفرد المسلم على مستوى العبادات والسلوك‬
‫وتأسيس قاعدة من الساسيات الشرعية والتفرغ لذلك بعيدا عن معتركات السياسة‬
‫ومصادماتها حتى تتمكن الحركة من النتشار دون أن تعرقل السلطات ذلك وقد‬
‫امتدت الحركة وصار لها مليين التباع والمريدين وتقوم فكرتها على أن يبذل‬
‫المنتسب لها جزءا من وقته على المستوى اليومي والسبوعي والشهر والسنوي‬
‫للخروج في سبيل الله في رحلت دعوية من مسجد إلى مسجد حيث يلتقون الناس‬
‫ويدعونهم إلى الصلح والدين واللتزام‪...‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 642 [ ‬‬

‫• الحركات السلفية ومدارس أهل الحديث‪:‬‬


‫وهي حركات وجدت أن كثيرا من البدع قد لحقت معتقدات المسلمين وأميتت‬
‫في مقابلها الكثير من السنن وأن كمية الشركيات والضللت قد ألغت أصل العتقاد‬
‫والصحيح لدى أكثر المسلمين حتى كادت تخرج عن أصوله وأن طريق الفلح هو في‬
‫الدعوة أساسا إلى تجريد التوحيد وتصحيحه كأساس لصلح الفرد والمجتمع يصل‬
‫تلقائيا إلى تأهل المجتمع لقيام الحكم السلمي‪ .‬وقد كانت معظم الحركات السلفية‬
‫في العالم العربي والسلمي أشبه بطريقة علمية تربوية وقد لعب تبني الدولة‬
‫السعودية الثالثة التي تولها عبد العزيز وحلفاؤه من بعده للدعوة الوهابية للمتاجرة‬
‫بها في الجزيرة في القصة التي جاء لفتة عنها في الفصول السابقة إلى أن الحلف‬
‫الذي قام بين المؤسسة الدينية الحكومية والهلية والحكومة ساهم في قيام حركة‬
‫نشطة من التدريس في الجامعات وقيام الجمعيات والمؤسسات الرسمية والهلية‬
‫بنشر الدعوة وأفكار مؤسسها وأحفاده وعلماء الدعوة من بعدها وإحياء تراث الشيخ‬
‫ابن تيمية وسواه من أئمة الدعوة السلفية كابن القيم والشاطبي وسواهم وأوى نشر‬
‫تلك المؤلفات وما يبنى عليها إلى زيادة انتشار الدعوة السلفية ومدارس أهل الحديث‬
‫في العالم العربي و السلمي‪ .‬وإن الله لينصر هذا الدين بالرجل الفاجر وبأقوام ل‬
‫خلق لهم‪.‬‬
‫ولقد ولدت حركات فيما بعد من خلل اندماج أفكار بعض الحركات ببعضها ‪.‬‬
‫فولدت الحركة المسماة )السرورية( نسبة إلى أحد دعاتها وهي نوع من فكر الخوان‬
‫الحركي والتوجه السلفي‪ .‬كما ولد التيار المسمى )السلفية الجهادية( وهي فرع من‬
‫الفكر القطبي والدعوة السلفية مدارس معاصرة وليدة مدارس قديمة‪ ,‬كذلك بعض‬
‫الجماعات الصوفية الحركية التي مزجت بين التربية والتصوف والتوجهات السياسية‬
‫كما في شمال أفريقيا وغير ذلك ‪.‬‬
‫وخلل هذه الفترة )‪ (2000-1930‬التي نغطيها بالتحليل الموجز ‪ .‬نشأت كذلك‬
‫بعض الحركات الصوفية الجهادية كتلك التي نشأت في شبه القارة الهندية ووسط‬
‫روسيا وكذلك شمال أفريقيا في هذه الفقرة‪.‬‬
‫وهكذا قام كثير من الدعاة والعلماء والخطباء والكتاب والمفكرون السلميون‬
‫بالتأثير في مسارات الصحوة بحسب نشاطاتهم وعطائهم‪ .‬و انتشرت ظواهر التدين‬
‫والعودة لللتزام من انتشار الحجاب واللحى ومظاهر اللتزام وازدهار حركة الطباعة‬
‫والنشر والتجارة في الكتب السلمية المختلفة وطباعة المجلت والجرائد السلمية‬
‫ونشطت كثير من المساجد بالدعوة وحلقات العلم والذكر والصلح والمؤسسات‬
‫والجمعيات الهلية في مختلف صنوف البر والتقوى ودخل مختلف أنواع السلميين‬
‫جماعات وأفراد معترك الحياة السياسية والفكرية والدبية كما قامت العديد من‬
‫الصدامات العنيفة ببين السلميين وبعض الحكومات ‪..‬وباختصار فرضت ظاهرة‬
‫الصحوة السلمية نفسها على المجتمعات السلمية وصارت معلما بارزا من تاريخهم‬
‫المعاصر‪.‬‬
‫• الطوار الرئيسة التي مرت بها الصحوة السلمية‪:‬‬
‫يمكن أن نميز مسار الصحوة السلمية منذ انطلقها وإلى اليوم أربعة أطوار‬
‫رئيسية من حيث بنيتها الحركية والمنهجية وأدائها وسماتها العامة في كل مرحلة‪:‬‬
‫أول‪:‬المرحلة الولى (‪ ( (1965-1930‬مرحلة النشأة (‪:‬‬
‫ويمكن أن تسميها مرحلة ) ما قبل التبلور( وأهم ما يميز هذه المرحلة أن‬
‫السمات العامة للصحوة كانت مختلطة من حيث التكوين المنهجي ولسيما في تيارها‬
‫العام مثل حركة الخوان المسلمين‪ .‬وما شابهها فقد اختلطت فيها المؤثرات الصوفية‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 643 [ ‬‬

‫التية من البنية الكلسيكية للمرجعية الدينية للمة خلل المرحلة العثمانية ‪ ,‬مع‬
‫المؤثرات السلفية التي هبت مع رياح التجديد والصلح التي كان أبرزها ميلد وانتشار‬
‫الدعوة الوهابية في الجزيرة العربية‪ .‬منذ القرن الثامن عشر وما واكبها من دعاة لهذه‬
‫المدرسة في مناطق أخرى‪ .‬ممتزجة بشيء من المشاعر القومية التي ظهرت أواخر‬
‫الدولة العثمانية كرد فعل على سياسة )التتريك( التي طبعت آخرها ‪ ,‬مما حفز‬
‫الشعوب الخرى لسيما العرب وغيرهم على العصبية القومية واللتفاف حولها كما‬
‫اتسمت مدارس الصحوة ومناحيها بالتهاب الشعور الوطني لن المرحلة كانت مرحلة‬
‫مواجهة استعمار‪ .‬كما طبعها أسلوب التربوية والصلح السلوكي ‪...‬‬
‫وكانت فترة غنية نسبة بالمؤلفات التأسيسية لتلك المدارس ‪ .‬كما مارس أكثر‬
‫رموز وجماعات الصحوة الجهاد بشكل أو بآخر ضد المستعمرين عبر الجهاد المسلح ‪,‬‬
‫أو عبر المقاومة المدنية والعمل السياسي ‪.‬‬

‫ثانيا‪:‬المرحلة الثانية (‪ (1990-1965‬وهي مرحلة ( التبلور و التمايز (‬


‫المنهجي والهيكلي لحركات الصحوة ‪:‬‬
‫وذلك خلل مرحلة الستقلل تحت حكم الحكومات الوطنية التي طبعتها العلمانية‬
‫والتبعية للستعمار‪ ,‬بعد ذهابه كما مر معنا في الفصول السابقة ‪ .‬حيث هبت رياح‬
‫التغريب وانطلق سعار الغزو الفكري الذي نشر المذاهب العلمانية والتيارات القومية‬
‫والوطنية والمدارس السياسية والفكرية ذات المنشأ الغربي كالديمقراطية‬
‫والشتراكية والرأسمالية والشيوعية وغيرها‪ ...‬ونظرا لقيام حكومات على مفاهيم‬
‫تناقض الدين واصطدامها بشكل طبيعي مع مختلف مدارس الصحوة التي لعبت الدور‬
‫الساسي في مواجهة الستعمار‪ .‬وتمكن تلك التيارات العلمانية من قطف ثمرة جهود‬
‫حركات تلك الصحوة والشعوب التي جاهدت الستعمار تحت شعار السلم‪ .‬طرحت‬
‫على الصحوة إشكالت منهجية نتيجة الوضع الجديد ومسائل فقهية يجب أن تحدد منها‬
‫موقفا سياسيا شرعيا وعمليا‪ .‬فالحكام مسلمون ظاهرا‪ ,‬ويحكمون بغير ما أنزل الله‬
‫واقعا ‪ .‬وهم وأعوانهم يقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس ‪ .‬ويوالون الكفار‬
‫ويعاونونهم على المسلمين!‪ .‬وهناك أجزاء ما تزال محتلة ولسيما فلسطين ومشكلتها‬
‫المزمنة وموقف الحكومات الخياني منها‪ ...‬ومسألة الصدام مع السلطات أم مهادنتها‪,‬‬
‫مفارقتها أم موادعتها‪ ..‬أم مفاصلتها ومواجهتها؟ أم الدخول فيها من بوابة الممارسات‬
‫)المشروعة( ! و)القانونية( و)الدستورية( !‪ ..‬هذه الحوال فرضت على الصحوة أن‬
‫تتمايز صفوفها وتتبلور بناء على موقفها من هذه المسائل وطريقة تعاملها مع‬
‫السلطات المرتدة الحاكمة الغاشمة ‪ .‬ومن المسائل الفكرية والعقدية المطروحة‪...‬‬
‫وانقسمت بذلك الصحوة إلى أربع مدارس رئيسية‪ ,‬حيث استمرت الصحوة بالنمو‬
‫والعطاء ولكن من خلل التمايز في بنيتها ومناهجها‪ ,‬هذه المدارس هي‪:‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 644 [ ‬‬

‫‪ .1‬صحوة غير سياسية‪:‬‬


‫وهي المدارس والتيارات والجماعات التي رأت السلمة لمسار الدعوة ولصحابها‬
‫في اعتزال السياسية والعمل من خلل الدعوة والصلح كل بحسبه‬
‫ورغم اختلف منظورات كل مدرسة من هذه عن غيرها وربما تناقضها كليا إل أنها‬
‫التقت إزاء المشاكل المطروحة على المة على نقطة اعتزال السياسة والبعد عن‬
‫معتركها ومن هذه المدارس الغيرسياسية أكثر الحركات الصوفية ومساجدها وزعاماتها‬
‫والذين عادوا لتبني مبدأ التربية السلوكية والعبادة وإصلح علقة الفرد بربه حتى بلغ‬
‫بأحد أقطابها الكبار في بلد الشام شيخ الطريقة القادرية في وقته في سوريا وما‬
‫حولها أن يلقن أتباعه عند النتساب للطريقة أن يصلوا ركعتين ابتدعهما لهم ينوي فيها‬
‫المصلي قائل )أصلي لله تعالى ركعتين سنة ترك السياسة‪ ..‬الله أكبر ويستفتح‬
‫الصلة(‪...‬‬
‫ومن هذه المدارس اللسياسية) جماعة التبليغ والدعوة ( بفروعها ومساجدها‬
‫ودعاتها وأتباعها الجوالين في سبيل الدعوة ‪ ...‬حيث يتولى الموجهون و المسؤولون‬
‫ضبط مسألة عدم تسرب السياسة ومسائلها إلى مساجدهم ومؤتمراتهم !!‬
‫واشترك في اعتزال السياسة المدارس التي اصطلح عليها بس )السلفية العلمية(‬
‫الذين تفرغوا لصلح العقائد والجهد في نشر العلم الشرعي ‪ ,‬ولسيما في الحديث‬
‫وعلومه والعقائد وفروعها وباقي أبواب العلوم الشرعية بناء على ذلك ‪ .‬ونشأت منها‬
‫مدرسة الشيخ اللباني تحت شعار)التصفية والتربية(‪..‬‬
‫ومن المدارس التي آلت للفكر والبحث والتربية ما سمي بس ) القطبية( وهي‬
‫) القطبية العلمية السلفية ( أيضا والتي أخذت بالمنهج الفكري للستاذ محمد قطب‬
‫وكثير من الجوانب الفكرية لخيه الشهيد سيد قطب رحمه الله ‪ ,‬طارحة منهجه‬
‫السياسي الحركي جانبا‪ .‬ومن هذه المدارس من اتسم بالصوفية التربوية الشبه حركية‬
‫‪ ,‬مثل جماعة العدل والحسان في المغرب‪ .‬ومن على شاكلتها‪ ....‬والفت النظر هنا‬
‫إلى ما ذكرته في المقدمة بأني لست هنا بصدد تقديم دراسة نقدية من النواحي‬
‫المنهجية والبنيوية وذكر اليجابيات والسلبيات ‪ ,‬وإنما بصدد التصنيف العام‪.‬‬
‫وكما قلت فقد التقت هذه المدارس على ما فيها من خلفات و تناقضات على‬
‫فكرة خلصتها ‪:‬‬
‫أن تغيير الوضاع والنهضة بالمة يرجع إلى إصلح الفرد‪ .‬فإذا صلح الفرد صلح‬
‫المجتمع وصلح حاكموه فكما تكونوا يولى عليكم ‪ .‬وأما مشاكل المة المحلية‬
‫والخارجية فليس لهم بها علقة ‪ ,‬وليس لها من دون الله كاشفة‪!..‬‬
‫وأما الفوارق بين مختلف هذه المدارس في طريقة إصلح الفرد ‪..‬فهذا يرى ذلك‬
‫سلوكيا والخر يراه عقديا أو تربويا أو فكريا ‪ ...‬وهكذا ولم تستطع هذه التوجهات أن‬
‫تقدم تصورا منطقيا للية تولد حل للمشاكل القائمة عبر هذه التربية ول مدتها ول‬
‫مراحلها و قصارى ما عبر عنه الستاذ الجليل محمد قطب في أحد كتبه في مطلع‬
‫التسعينيات والذي كان بعنوان )حول تطبيق الشريعة( يقول بعدما عرض طريقة‬
‫التربية للقاعدة الصلبة قال مما أذكر نصه ) وعندما تمتد القاعدة الصلبة وتصبح بندقة‬
‫تستعصي على الكسر ‪ ..‬ذات يوم ‪ ...‬يأتيها فرج الله وتقوم دولتها وعندها يدخل الناس‬
‫في دين الله أفواجا ‪. (!!...‬‬
‫وأما الشيخ اللباني ]وما زلت بصدد التعريف والمثال وليس التقييم والتعليق[ فقد‬
‫كانت آخر فتاويه وهو يندد بالجهاد والمجاهدين في مواجهة الحكومات بفتواة‬
‫الشهيرة ‪:‬‬
‫) الخروج على الحكام في هذا الزمان هو في حقيقته خروج على السلم( !!!!!‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 645 [ ‬‬

‫كما تدور طروحات الصوفية والصلحية أيضا في أفاق المغيبات عن التغيير‬


‫وآليته‪ .‬ويبدوا لي أن بطش الحكومات وطريقة تعاملهم مع الصحوة في كافة البلدان‬
‫أواخر الخمسينيات ومطلع عقد الستينيات ساهم إلى حد كبير في صياغة مدارس‬
‫الصحوة اللسياسية رغم أنه ل يمكن نفي الخلص ول الحرص على سلمة الدعوة‬
‫وأبنائها من وراء هذا المنهج في كثير من الحيان من كونها السبب وراء هذا المنهج‬
‫‪..‬والله تعالى أعلم ‪.‬‬

‫‪ .2‬صحوة سياسية‪:‬‬
‫وقد كانت هذه المدارس من الصحوة في منطلقها على النقيض تماما من‬
‫صف هؤلء الحال توصيفا أقرب للصحة‪ .‬فقالوا أن مشاكل المة ذات‬ ‫سابقتها‪ .‬فقد و ّ‬
‫السباب الداخلية أو الخارجية هي مشاكل سياسية ول بد أن يبحث لها عن حل من‬
‫خلل ممارسة السياسة كما أن من الحيف والغلط العقدي حتى ‪ ,‬شطب السياسة من‬
‫الدين تحت أي دعوى‪ .‬وأن الحل ليس في اعتزال السياسة من أجل تفادي الصدام مع‬
‫السلطات وتلفي بطشها وإنما يكون ذلك من خلل اقتحام ميدان السياسة من خلل‬
‫القنوات المشروعة والقانونية التي تتيحها السلطات كل بحسبها وذلك عن طريق‬
‫تشكيل الحزاب السلمية والجمعيات السياسية وشبه السياسية والنشاط الفكري‬
‫والدبي والسياسي ودخول معترك النتخابات والديمقراطية إن وجد أو التسلل إلى‬
‫أجهزة السلطات والمعارضات بحسب المكان وحسب أوضاع كل بلد‪ .‬وقد حمل‬
‫رايات هذه الصحوة السياسية أحزاب الخوان المسلمين ومن شابههم وما انبثق عنهم‬
‫من حركات مشابهة سواء تحت نفس المسمى أو تحت المسميات المحلية‪ .‬وشهدت‬
‫هذه المرحلة )‪ (1990-1965‬وربما قبل ذلك بقليل في البلدان سريعة الستقلل كما‬
‫كان حال مصر وسوريا و الباكستان وتركيا ‪ .‬فقامت تجارب كثيرة في مجال‬
‫الديمقراطيات )السلمية(! ثم تتابعت التجارب إلى مطلع التسعينيات ومازالت ولكنها‬
‫دخلت بعد قيام النظام العالمي الجديد في طور جديد سنتحدث عنه لحقا إنشاء الله‬
‫ومن تلك التجارب السياسية هذه‪:‬‬
‫• تجربة الخوان المسلمين والسلميين في النتخابات البرلمانية في‬
‫سوريا بعيد الستقلل ‪ 1946‬إلى مطلع الخمسينيات إلى بدء عهد‬
‫النقلبات العسكرية منتصف الخمسينيات ومطلع الستينيات‪.‬‬
‫• تجربة النتخابات والحياة البرلمانية أواخر أيام الملكية في مصر قبيل‬
‫إنقلب عبد الناصر ‪.1952‬‬
‫ثم شهدت الحياة السياسية في معظم العالم العربي والسلمي مرحلة الديكتاتوريات‬
‫العسكرية والحزبية خلل الستينيات والسبعينيات‪ .‬حيث كانت هذه المرحلة مرحلة‬
‫تصادم بين الصحوة والسلطات‪.‬قضى معظم الدعاة و حتى السياسيون منهم قسطا‬
‫من حياتهم في السجون ليخرجوا بأفكار ديمقراطية أكثر تطورا‪....‬‬
‫فشهد عهد أنور السادات في مصر انفتاحا بعد أن خلف عبد الناصر مطلع السبعينيات‬
‫وفتح أبواب السجون للسلميين لمواجهة المد اليساري المتنامي فدخل الخوان‬
‫وبعض شخصيات الصحوة الخرى الحياة السياسية الحزبية في مصر‪...‬‬
‫• ثم رخص الملك حسين في الردن للخوان وعدد من الجماعات‬
‫السلمية مجال العمل وتطور هذا أواخر الثمانينيات ليكون مشاركة في‬
‫الحياة النيابية ‪ .‬بل ودخل بعضهم الحكومة والوزارات‪.‬‬
‫• وفي ملكيات الخليج والجزيرة العربية والمغرب حيث شكل السلميون‬
‫وبعض مدارس الصحوة جزءا من حاشية السلطة الملكية ولسيما في‬
‫السعودية‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 646 [ ‬‬

‫• ثم ابتدأت الكويت تجربتها البرلمانية كأول دولة في الخليج يدخل‬


‫السلميون فيها الحياة السياسية كأحزاب ‪...‬‬
‫• ثم خاض التجاه السلمي في تونس أيضا تجربة مأساوية بزعامة‬
‫الغنوشي‪...‬‬
‫• وتحالفت الجبهة السلمية القومية السودانية بزعامة الترابي مع جعفر‬
‫النميري وصارت شطر السلطة ثم قادت انقلبا وحكمت السودان ثم‬
‫عادت للمعارضة‪.‬‬
‫• وكذلك كان للخوان المسلمين ونظرائهم من تيار الصحوة تجربتهم‬
‫البرلمانية الحزبية في اليمن‪.‬‬
‫• ولكن أبرز التجارب الديمقراطية العربية ‪ ,‬كان ما حصل في الجزائر بعد‬
‫النفتاح الذي أحدثه الرئيس الشاذلي وصعود نجم الجبهة السلمية‬
‫للنقاذ وتجربتها التي تشكل درسا بالغ الدللة‪.‬‬
‫• أما على الصعيد السلمي فأبرز التجارب وأقربها للعالم العربي ‪ ,‬كانت‬
‫تجربة الجماعة السلمية في باكستان ‪ ,‬وقد دخلت التجربة الديمقراطية‬
‫الحزبية منذ وقت مبكر وما زالت إلى اليوم‪.‬‬
‫• وكذلك تجربة حزب السلمة في تركيا منذ الستينيات والتي أوصلت‬
‫زعيمها أربكان مرتين إلى سدة الحكم الولى كنائب لرئيس الوزراء‬
‫أواسط الستينات ‪ ,‬والثانية وهي الهم سنة ‪ 1996‬حيث أحرزت الغلبية‬
‫البرلمانية وتولى أربكان رآسة الوزراء سنة ‪ 1995‬وفي الحالتين أطاح‬
‫العسكريون بالتجربة‪...‬‬
‫وبالجمال بقيت معظم مساهمات السلميين في الحياة السياسية في المعارضة‬
‫وشكلت جزءا يسيرا من قوتها في البرلمانات التشريعية ‪ ,‬ووصلت في حالت‬
‫نادرة إلى السلطة التنفيذية كما في )الردن‪ -‬الجزائر‪ -‬تركيا‪ ( -‬ولكن تم في كل‬
‫الحالت تقليم أظافرها وإبعادها عن مركز النفوذ والقرار‪.‬‬
‫• ومع بداية التسعينيات لحق كثير من المدارس الغير سياسية من‬
‫الصوفية والسلفية والتبليغ والدعوة وغيرهم من سبقهم من الخوان‬
‫ونظرائهم في الممارسة البرلمانية ‪ .‬وتسللت الديمقراطية لمعظم‬
‫مكونات الصحوة السلمية تقريبا كما سنرى وسنأتي على شيء من‬
‫التعليق حول هذه التجربة في الفقرة التالية إنشاء الله‪.‬‬
‫‪ .1‬صحوة جهادية‪:‬‬
‫بعيد قيام حكومات الستقلل على قاعدة الحكم بغير ما أنزل الله ‪ ,‬والولء لمن‬
‫لهم من القوى الستعمارية الشرقية والغربية‪,‬اصطدمت مختلف شرائح الصحوة‬ ‫و ّ‬
‫بهم‪ .‬ومارست معظم الحكومات سياسة البطش والقتل والسجن والتنكيل‪ .‬وبدأت‬
‫تتفاعل تلك الحوال وتعزز نتائجها على كافة صعد الحياة السياسية والقتصادية‬
‫والجتماعية وبدأت تتكون بذور الثورة على ذلك الواقع وتتكون دواعي الجهاد في فكر‬
‫الصحوة السلمية‪.‬‬
‫لقد توصل نفر من المفكرين والدعاة الوائل مطلع الستينيات إلى أن مشاكل‬
‫المة قائمة تطول ‪ :‬أولها حكم الكفر وولء العداء ‪ ...‬وليس أقلها العدوان والظلم و‬
‫الحتلل وسرقة الثروات و‪ .‬و‪ .‬و‪ .‬و‪ ....‬وهذه مشاكل يحرس العدو بقائها عبر نوابه‬
‫بقوة السلح والحديد والنار وسلسل السجون وسياط الجلدين وتوصلوا إلى أن‬
‫مقتضى دين الله في مثل هذه الحوال هو أن يكون الجهاد فرض عين لقامة حكم الله‬
‫في البلد أول وكذلك دفاعا عن دين الدين و النفس والموال والعراض‪ ....‬فبدأت‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 647 [ ‬‬

‫تتكون بوادر الفكر الجهادي حيث طرح فكر الحاكمية والولء و البراء والتمايز‬
‫والمفاصلة ‪...‬‬
‫وكان رائد هذه الصحوة بل منازع الستاذ المعلم سيد قطب رحمه الله ‪ .‬وكان‬
‫للستاذ أبي العلى المودودي – رحمه الله ‪ -‬في باكستان مساهمة فذة كذلك‪ ,‬وتتالت‬
‫المساهمات وتكونت القاعدة الولى للفكر الجهادي الحركي الذي ما لبث أن انتشر‬
‫وبدأت تتكون نوياته في مصر ثم الشام ثم شمال أفريقيا وغيرها ‪ ...‬وتتابعت التجارب‬
‫كما سيأتي شيء من التفصيل في الفصلين التاليين إنشاء الله‪.‬‬

‫‪ .2‬صحوة شاذة منحرفة‪:‬‬


‫نتيجة صدامات مختلف مدارس الصحوة السابقة مع طواغيت العرب والعجم من‬
‫حكام بلد المسلمين ولد في تلك الظروف المأسوية تيار منحرف شاذ تمثل فيما‬
‫عرف بتيار التكفير‪ .‬أو التكفير والهجرة كما أسمته وسائل العلم‪ .‬وقد ولد ابتداء‬
‫في مصر ولكن وجدت له بذور في كل بيئة شابهت معطياتها الفترة التي ولد بها‬
‫هناك‪.‬‬
‫فقد جاهر معظم الحكام بمختلف ألوان الكفر والردة من الحكم والتشريع بغير ما‬
‫أنزل الله إلى ولء الكافرين إلى غير ذلك من تبعات ذلك ‪ .‬واتخذ هؤلء الحكام لهم‬
‫شرطة وأعوانا وأجهزة استخبارات وأمن وبطش ‪ ..‬وأقامت الحكومات السجون‬
‫وقاعات التعذيب بل حسيب ول رقيب‪ .‬كما أقام كل حاكم إلى جانبه عكازا من الكهان‬
‫والسحرة يشهد عليه بمراتب السلم واليمان والحسان وعلى نظامه بالشرعية‪,‬‬
‫ويسبغ عليه ما لولي المر الشرعي من الحقوق‪ ...‬فيما جنحت كثير من رموز الصحوة‬
‫السياسية وغير السياسية إلى المداهنة والتلعثم في قول الحق ‪ .‬بل وتجرأت على‬
‫دخول هياكل السلطة وأجهزتها واتسمت الصحوة بالعجز عن مواجهة ذلك الواقع وفي‬
‫ذات الوقت انغمس معظم شعوب المة في حياة استهلكية لهية عابثة‪ ...‬وبطبيعة‬
‫الحال‪ ,‬كان في شباب الصحوة من يتمتع بالحماس المتقد والغيرة الشديدة على دين‬
‫الله بقدر ما توفر له من نصيب من الجهل في علوم الدين وقواعده وضوابطه ‪ .‬ومثل‬
‫ذلك من قلة الخبرة في فقه الواقع ومعطياته‪...‬‬
‫فنظر واحدهم إلى حاكم كافر ‪ ,‬وسجان ينتهك العراض ويسفك الدماء ويسب‬
‫الله ورسوله ودينه بل حياء ول وجل فرأى الشباب المعذب أن ل شك في أن هؤلء‬
‫كفرة ‪ ..‬ول شك أنه استنتاج صحيح‪ .‬ثم نظر الشباب إلى علماء منافقين يعلمون كل‬
‫هذا ويشهدون عليه بالشرعية ويسوغونه ‪ ,‬فقالوا ل شك في كفر هؤلء الذين كتموا ما‬
‫أنزل الله واشتروا به ثمنا قليل ‪ ..‬ثم نظروا إلى قيادات صحوة عاجزة مداهنة‬
‫منكفئة ‪ ,..‬فسألوهم عن هذا الكفر وأحكامه‪ ..‬و حكم أصحابه فشهد الدعاة وقادة‬
‫الصحوة على هذا الضلل بالفسوق والظلم ‪ ,‬ولكنهم لم يتجرؤوا ‪ ,‬أو لم يتوصلوا إلى‬
‫الحكم عليه بالكفر ‪ ...‬فحكموا على هذه النظمة وأجهزتها بالسلم وبمجرد الظلم‬
‫والفسق‪ .‬فهنا حصلت الصدمة الفكرية في رؤوس بعض الشباب فأعملوا القاعدة‬
‫المعروفة )من لم يكفر كافرا فقد كفر( على كل المستويات ‪ ,‬جاهلين أن هذه القاعدة‬
‫هي في كفر المجمع على كفره بل تأويل واستنتاج كاليهود والنصارى والمجوس‪, ..‬‬
‫فأسقطوها على من لم يكفر أولئك الحكام وتتابعت السلسلة المنكودة ‪ .‬فكل من لم‬
‫يكفر من كفروه فقد كفر ‪..‬‬
‫ولقلة العلم وبسبب الحماس والتشنج وظروف السجون ‪ ..‬ولد فكر التكفير‪.‬‬
‫وبسبب الجهل ولنفس السباب السالفة اختلفوا على حدود التكفير فكفروا بعضهم‬
‫بعضا ‪ ..‬وانبثق من هنا مدارس وجماعات مختلفة في أصول التكفير وتوسعهم فيه‪...‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 648 [ ‬‬

‫وعلى هامش هذه الفكار نظر هؤلء إلى المجتمعات وما يتمرغ فيه أكثر الناس‬
‫من الرذائل والفساد ‪ .‬فولدت فكرة جاهلية هذه المجتمعات ‪ ..‬ثم كفر بعضهم هذه‬
‫المجتمعات لنها تمالئ حكامها أو لم تعبأ بتعلم دينها ‪ ,‬وتقع بجهالتها وعدم سعيها لفهم‬
‫دينها في نواقض اليمان‪ ,‬وطرحت فكرة البتعاد عنها للعيش في مجمعات معزولة‬
‫يقوم أصحابها على تربية أنفسهم وأولدهم على الدين والفضيلة فولدت فكرة‬
‫الهجرة‪ ...‬وامتزجت في كثير من الحيان نتيجة العزلة والجهل والحيف الذي وقع‬
‫عليهم من السلطات وعلمائها ‪ ,‬ثم من الصحوة وقيادتها ‪ ..‬ثم من الناس‬
‫والمجتمع ‪...‬فتفاقمت الظاهرة ‪ ..‬واختلفت زوايا النحراف فيها ‪ ..‬واعتبر بعض هذه‬
‫الجماعات أنفسهم )جماعة المسلمين( وكفروا من ورائهم ‪ ...‬وتردد البعض نتيجة‬
‫بعض العلم عندهم أو بعض الخوف من إطلق حكم التكفير تورعا فبدؤوا في البحث‬
‫في أعذار الجهل لتخفيف هذه الحكام عن البعض ‪ .‬واختلفت الراء في تفسير نصوص‬
‫العلماء الوائل بالعذر بالجهل وحدوده وشروطه فأطلقوا الحكام حينا‪ ,‬وتوقفوا للتبين‬
‫حينا فولدت ما يسمى جماعات )التوقف و التبّين(‪ ..‬وشهدت فترة السبعينيات‬
‫والثمانينيات توفر أسباب النمو لهذه التيارات الشاذة التي آذت السلم والمسلمين‬
‫والصحوة ‪ ,‬وآذت نفسها ‪ .‬ووفرت فرصة ذهبية للعدو لنسف شعبية التيار الجهادي‬
‫والصحوة السلمية كلها ‪ ,‬حيث نسبت الحكومة إلى كل من يريدون تدميره تهمة‬
‫النتماء إلى هذا التيار الممقوت والمعزول من قبل عوام المسلمين صالحهم و‬
‫فاسدهم‪.‬‬
‫وهذه خلصة قصة التكفير في أوساط الصحوة حيث يمكن ايجاز معادلة توليده‬
‫بما يلي‪..‬‬
‫حاكم كافر ظالم ‪ +‬جلد سفاح مجرم ‪ +‬عالم منافق للسلطان ‪ +‬صحوة‬
‫عاجزة ‪ +‬عامة يغلب عليهم الفساد ‪ +‬شباب متحمس جاهل مظلوم =‬
‫ميلد تيار التكفير‪.‬‬

‫وكدأب الشيطان دائما ‪ ..‬طلب بعض أقطاب هذا التيار بعض العلم وعادوا يبحثون‬
‫في كتب القدمين عما يدعم أصولهم وأفكارهم فصار لهذا التيار أمراؤه و فقهاؤه‬
‫المنحرفون ونشراته الضالة ‪ ..‬وغلب على أتباعه العنف في كل الحوال ‪ .‬واستدرجت‬
‫أجهزة الستخبارات بعضهم حيث وجدوا للولوغ في دماء البرياء ‪ ,‬ثم دماء بعضهم ‪,‬‬
‫ودماء من أرادت الستخبارات استجرارهم إليه لتدميرهم وتدمير الجهاد والصحوة‬
‫ومستقبل السلم حيث أرادت‪ ,‬كما سيأتي شيء من التفصيل في الفصلين القادمين‬
‫إنشاء الله‪.‬‬
‫وهكذا تبلورت مدارس الصحوة الربعة هذه‪ .‬ومع التواصل الذي ازداد في هذه‬
‫الفترة عبر كل وسائل التصال انتشرت هذه المدارس في بلد العرب بحسب أسبقية‬
‫استقللها وانتشار الصحوة فيها كما انتشرت في بض بلد المحيط العربي مثل تركيا‬
‫وباكستان وأطراف أفريقيا ‪ ...‬ونتيجة حركة الهجرة الكثيفة التي دفعت بمليين‬
‫الشباب المسلم من الطلب والعمال إلى المهجر في أوربا وأمريكا وأستراليا وكندا‬
‫وسواها‪ ...‬هاجر نتيجة القمع والمطاردات كثير من كوادر وقيادات ودعاة الصحوة‬
‫السلمية من مختلف مدارسها إلى بلد الغرب وسواها‪ .‬وأقاموا المراكز السلمية‬
‫والمساجد ‪ .‬كما قامت كثير من الجماعات والمؤسسات الهلية بالخروج إلى هناك بل‬
‫إكراه وإنما بقصد نشر الدعوة والسلم فانتشرت مدارس الصحوة الربعة هذه في‬
‫أوساط المهجر ونتيجة الحرية المتوفرة وتوفر إمكانيات التصال والنشر ‪ ..‬ساهمت‬
‫مراكز الصحوة في الغرب في إعادة تصدير ما تطور من فكرها وتجاربها‪ .‬وصار لها‬
‫صحفها ومجلتها ووسائل اتصالتها وصارت الصحوة السلمية في المهجر جزءا مهما‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 649 [ ‬‬

‫ساهم في دفع مسارها وأثراه وزاده عطاء على كافة الصعدة ‪ .‬كما صار الغرب‬
‫وأوساط الجاليات مسرحا لتواجد كافة مدارس الصحوة المتواجدة في العالم‬
‫السلمي‪.‬‬

‫ثالثا ‪:‬المرحلة الثالثة‪ :(2000-1990( :‬مرحلة الزمات‪:‬‬


‫كان العقد الخير من القرن العشرين بعد انطلق النظام العالمي الجديد ‪ ,‬عقدا‬
‫مفصليا بالغ الهمية في تاريخ الصحوة السلمية بكافة مدارسها الربعة وما ينضوي‬
‫في كل مدرسة من مناحي‪ .‬ومواجهتنا مع طواغيت بلد العرب والمسلمين وكما أشرنا‬
‫في الفصل السابق فقد شهد مطلع هذا العقد انطلق النظام العالمي الجديد واختياره‬
‫للسلم والصحوة السلمية خاصة خصما استراتيجيا وحضاريا وعقديا بل وعسكريا في‬
‫مواجهة الحضارة الغربية بعد أن آل قيادها لمريكا وأتباعها من دول أوربا الناتو‪.‬‬
‫ويمكن اختصار سياسة الغرب في مواجهة الصحوة بنيابة الحكام‬
‫وأجهزتهم المختلفة خلل هذا العقد بالنقاط المختصرة التالية ؛ حيث‬
‫سنذكرها ثم نتبع ذلك بخلصة مسار كل مدرسة من المدارس الربعة‬
‫سالفة الذكر وهي المدارس‪ :‬اللسياسية ‪ .‬والسياسية ‪ .‬و الجهادية ‪.‬‬
‫والتكفيرية ‪ .‬فقد اتسمت مواجهة الحكام والغرب للصحوة بما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬ضرب التجاه الجهادي من الصحوة التجاه المعتدل منها بحسب‬
‫موازينهم‪.‬‬
‫‪ .2‬توسيع قاعدة الصولية )المعتدلة( بحسب مفهومهم بتوسيع باب‬
‫المشاركة الديمقراطية للسلميين لتدخل مؤسسات السلطة من‬
‫أجل تحقيق الهدف آنف الذكر في البند السابق‪.‬‬
‫‪ .3‬مساعدة تيار التكفير على البروز واستنساخ بذور تكفيرية برعاية‬
‫الستخبارات‪ .‬و اتباع سياسة إعلمية لخلط التكفير بالجهاد من‬
‫أجل عزل الجهاديين عن المة واليقاع بينهما‪ .‬وهذا ما طبق في‬
‫الجزائر)‪ (1997-1993‬ونجح‪..‬‬
‫‪ .4‬إطلق حملة )السلميين على الطريقة المريكية( عبر وسائل‬
‫العلم في هجمة للتغريب والنحلل ‪ ,‬من أجل تفكيك الجذور‬
‫الصولية للسلم التي تضمن توليد بذور المقاومة‪.‬‬
‫‪ .5‬إنطلق حملة مكافحة الرهاب المنية ضد التيار الجهادي‪.‬‬
‫‪ .6‬إنطلق حملة مكافحة الرهاب العلمية السياسية ضد التيار‬
‫الجهادي باستخدام المؤسسة الدينية الرسمية كجبهة أولية تدعمها‬
‫قطاعات السلم المعتدل‪.‬‬

‫ولنقف مع أثر هذ السياسات في المواجهة على مسار كل مدرسة من مدارس‬


‫الصحوة الربعة خلل العقد الخير من القرن العشرين‪.‬‬
‫أول ‪ :‬الصحوة اللسياسية‪:(2000-1990( :‬‬
‫لعل أبرز ما يميز ما حل بمدارس هذه الصحوة من أمثال بعض مدارس الصوفية‬
‫والسلفية والدعوة وأصحاب المذهب الصلحي خلل هذا العقد هو أمران اثنان‪:‬‬
‫أولهما‪ :‬تسيس كثير من رموزها وجماعاتها مع الوقت ودخولها ميدان العمل‬
‫الحزبي والبرلماني عبر أبواب الديمقراطية التي فتحتها الحكومات على مصراعيها‬
‫لتحقيق الهدف المبيت بتمزيق الصحوة وجعل مدارسها الثلثة تقف في حصار‬
‫ومواجهة التيار الجهادي فقد دخل كثير من الشخصيات من الصوفية والتبليغ والسلفية‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 650 [ ‬‬

‫مجال الديمقراطية والعمل النتخابي إن بصورة مستقلين أو بصورة تجمعات وكتل‬


‫برلمانية في مختلف الدول العربية والسلمية التي فتحت المجال‪.‬‬
‫ثانيهما‪ :‬إحياء عقيدة الرجاء ببعد وهوية سياسة معاصرة بين مختلف مدارس‬
‫هذه الصحوة على تناقضاتها العقدية من أقصى الصوفية إلى أقصى السلفية‪ .‬بحيث‬
‫أعيد التركيز على إسلم الحاكم وإيمانه ‪ ,‬والفصل بين هويته هذه وطريقة حكمه‬
‫وسياساته وممارساته العامة والخاصة‪.‬‬
‫وكان الهدف فيما يبدو هو رفع الحرج الشرعي عن المشاركة في مؤسسات‬
‫الحكومة التشريعية والتنفيذية والقضائية الذي يسببه إطلق حكم الكفر عليها‪.‬‬
‫وبهذا بدأت قاعدة هذه المدارس بصفتها اللسياسية تضمر‪ .‬وبدأت تتداخل عمليا‬
‫في طروحاتها السياسية وبالتالي الشرعية مع المدرسة الخرى التي سبقتها بهذه‬
‫الممارسات بعدة عقود ‪ .‬وقد شكلت هذه الكتل منافسا حقيقيا ضمن صف الصحوة‬
‫السلمية للمدرسة السياسية للخوان المسلمين وأشباههم في بعض البلدان ‪,‬‬
‫خصوصا عندما دخل بعضهم في تحالفات انتخابية مع تيارات علمانية !!!!‪ .‬وقد حصلت‬
‫في حالت أخرى تحالفات عديدة بين المدرستين السلميتين لتشكيل كتل إسلمية‬
‫كبيرة وجبهات عمل مواجهة للتيار السياسي الحاكم أو العلماني المعارض‪.‬‬
‫‪ .1‬الصحوة السياسية (‪:(2000-1990‬‬
‫شهدت فترة )‪ (1990-1970‬ازدياد حدة المواجهات الصدامية بين مختلف مدارس‬
‫الصحوة والحكومات العربية والسلمية وأجهزتها المنية‪ .‬سواء في صدام الجهاديين‬
‫مع الحكومات عسكريا كما حصل في سوريا ولبنان ومصر وليبيا والجزائر وسواها ‪ .‬أو‬
‫في مصادمات السياسيين من الدعاة وبعض رموز العلماء والخطباء مع الحكومات‪...‬‬
‫وأسفرت هذه المواجهات عن امتداد شعبية الصحوة السلمية عموما وانتشار الفكر‬
‫الجهادي وقاعدته الشعبية خاصة‪ .‬وكما قلت فقد رأت الحكومات ومستشاروها‬
‫الغربيون ومن يديرون حاضر ومستقبل تلك النظمة ‪ ,‬أن المور تتجه نحو الخطورة‬
‫فكان المكر الذي تفتقت عنه عقولهم بعد مرحلة ملئ السجون والمقابر الجماعية‬
‫بالسلميين هو النفتاح السياسي معهم ‪ .‬فأفسح الحكام المجال للسلميين لدخول‬
‫لعبة الديمقراطية والمشاركة فيها ‪ ,‬إما بصفة إسلميين ‪ ,‬أو تحت لفتات أحزاب‬
‫علمانية مرخصة‪ ...‬أو بصفة مستقلين‪ .‬وشهد هذا العقد )‪ (2000-1990‬تحول مهما‬
‫في ممارسات ومناهج الخوان المسلمين والمدارس المتفرعة عنها من أجل تبرير‬
‫تلك الممارسات السياسية‪ .‬فألفت كتب وأبحاث كثيرة ‪ .‬وكتبت مقالت و ألقيت خطب‬
‫حماسية تشجع على هذا التجاه والستفادة من القنوات المشروعة والفرصة المتاحة‬
‫إلى آخر تلك المبررات ‪ ...‬وشارك الخوان المسلمون وفروعهم وبعض الكتل‬
‫السلمية الخرى في النتخابات البلدية في معظم البلد العربية والسلمية ‪ .‬كما‬
‫شاركوا في النتخابات البرلمانية كما حصل في الردن ومصر ولبنان والكويت ‪.. .‬‬
‫ودخلوا بصفات متعددة مؤسسات شبه حكومية في السعودية ودول الخليج ‪ .‬وانطلقت‬
‫التجربة البرلمانية في تونس والمغرب وكذلك موريتانيا والجزائر في آخر ذلك العقد‬
‫المنصرم ‪ .‬وحصل مثل ذلك في معظم بلد العالم السلمي ولسيما أشهر تلك‬
‫التجارب في باكستان وتركيا‪...‬‬
‫وكان أهم تلك التجارب من حيث حجمها ودللتها السياسية ما جرى في تونس و‬
‫الباكستان وأخيرا الجزائر ثم تركيا‪ ...‬حيث اقتنعت السلطات في نهاية هذا العقد‬
‫ونهاية القرن العشرين بضرورة إقفال هذا الباب ‪ ,‬والعودة للمواجهة مع كافة مدارس‬
‫الصحوة على الطريقة الستئصالية كما سنرى إنشاء الله في الفقرة )رابعا( من‬
‫مراحل الصحوة ‪ .‬ولكن الجدير بالذكر هنا أن نقول أن مناهج الخوان‬
‫المسلمين وفروعهم من الحركات السلمية قد شهدت انقلبا على كثير‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 651 [ ‬‬

‫من أساسيات المنهج الذي بنى على أفكار مؤسسة الوائل كحسن البنا‬
‫وعبد القادر عودة وخاصة سيد قطب رحمهم الله تعالى وازدادت زاوية‬
‫النحراف المنهجي انفراجا بسبب التسكع على أبواب السلطين وتسلم‬
‫المناصب في مؤسساتهم العلمانية القائمة على أصول الردة والتشريع‬
‫من دون الله والولء للكفرة وأعداء هذه المة ‪..‬‬
‫وسنأتي على وقفة أثر تفصيل مع مسألة الديمقراطية في الفصل الثامن إنشاء‬
‫الله‪.‬‬

‫‪ .2‬الصحوة الجهادية (‪: (2000 -1990‬‬


‫كانت الصحوة الجهادية – كما سنرى في الفصل القادم بشيء من التفصيل إنشاء‬
‫الله ‪ -‬قد خاضت مواجهات حقيقية وواسعة مع بعض الحكومات خلل السبعينيات‬
‫والثمانينيات حيث تكبدت فيها ضحايا كثيرة ‪ ,‬واتسعت فيها قاعدتها الشعبية ‪,‬ودخلت‬
‫في مطاردات أمنية ذات طابع استخباراتي ‪ ...‬وكانت البوابة الفغانية التي فتحت‬
‫للجهاد منذ سنة )‪ (1984‬أمام الصحوة السلمية عموما و الجهادية خصوصا‪ ,‬قد أغرت‬
‫معظم قياداتها للذهاب إلى أفغانستان حيث خاضت تجربة فريدة خلل )‪-1984‬‬
‫‪ (1992‬وقد أسفرت العاصفة المنية التي نظمتها أمريكا ونفذتها باكستان وتابعتها‬
‫الدول العربية والوربية بعيد سقوط التحاد السوفييتي وانتهاء حاجة أمريكا للظهير‬
‫السلمي في مواجهة الروس عن انتشار معظم كوادر الجهاديين و المطلوبين أمنيا‬
‫في بلدهم نتيجة مصادماتهم مع حكوماتهم في مجالت اللجوء السياسي التي فتحت‬
‫في أوربا الغربية وما شابهها مثل كندا واستراليا وغيرها ‪..‬أو في بلدان عربية أخرى ل‬
‫تطالهم فيها أيدي حكوماتهم لعدم قيام علقات تعاون أمني آنذاك بين تلك البلدان‪...‬‬
‫ولكن الدارات المريكية المتوالية بعد حرب الخليج الثانية )عاصفة الصحراء( وضعت‬
‫خطة متكاملة لمواجهة التيار الجهادي اصطلح عليها بالمواجهة الدولية لمكافحة‬
‫الرهاب والتي أوصلها بوش البن لتكون حربا عالمية حقيقية فيما بعد سبتمبر ‪2001‬‬
‫كما سنرى إنشاء الله‪...‬‬
‫ويمكن اختصار برنامج مكافحة الرهاب العالمي خلل هذا العقد بالنقاط التالية‪:‬‬

‫• الخطوط العريضة للبرامج العالمية لمكافحة الرهاب ‪-1990‬‬


‫‪:2000‬‬
‫‪ - 1 .1‬تجفيف المنابع المالية‪.‬‬
‫‪ - 2 .2‬استهداف القيادات والكوادر الجهادية بالقتل والسر‪.‬‬
‫‪ - 3 .3‬اتفاقيات التسليم وتبادل المجرمين الرهابيين (الجهاديين(‬
‫بين الدول المختلفة‪.‬‬
‫‪ - 4 .4‬إلغاء الملذات والملجئ المنة أمام الجهاديين ‪.‬‬
‫‪ - 5 .5‬نقل مجالت التعاون المني من القليمي إلى الدولي‪.‬‬
‫‪ - 6 .6‬التوسع في تشريعات مكافحة الرهاب‪.‬‬
‫‪ - 7‬الحرب العلمية من أجل تشويه المجاهدين عزلهم ‪.‬‬

‫وهكذا أسفرت هذه الحملة العالمية لمكافحة الرهاب بقيادة أمريكا عن تحويل‬
‫قيادات وكوادر وعناصر الحركات الجهادية إلى عناصر تعيش هاجس المطاردات و‬
‫الغتيالت والخطف والسر وإغلق الملذات‪ ...‬وتكفلت خطط تجفيف المنابع بقطع‬
‫أرزاقهم وقوت أسرهم وأطفالهم التي جابت معهم مشارق الرض ومغاربها مشتته‬
‫تكتوي بنيران هذا الخدود المعاصر للمؤمنين الغرباء الفرارين بدينهم ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 652 [ ‬‬

‫وهناك ملحظة مهمة وهي ظهور مدرسة جهادية جديدة في هذه الثناء يمكن‬
‫تسميتها ‪:‬‬
‫• ظاهرة الجهاد الفردي‪:‬‬
‫فبسبب الجواء الضاغطة على ضمير أصحاب الضمائر من شباب هذه المة‪.‬فقد‬
‫بدر من بعضهم بين الحين والحين ممارسات جهادية هنا وهناك من قبل أفراد ل‬
‫ينتمون لي تنظيم‪ ,‬وهذه الظاهرة قديمة‪ ,‬بدأت منذ قدوم الحملت الصليبية الثانية‬
‫مطلع القرن الثامن عشر‪ ,‬من قبيل ما أقدم عليه الشهيد )سليمان الحلبي( الذي‬
‫هاجر من حلب في شمال الشام إلى القاهرة مرورا ببيت المقدس حيث التقى بعض‬
‫العلماء وتحصل على فتوى بقتل الجنرال )كليبر( قائد الحملة الفرنسية على مصر‪,‬‬
‫والذي استخلفه نابليون عندما عاد إلى فرنسا‪ ,‬فقتله سليمان رحمه الله وكانت‬
‫الحادثة مطلع أسباب جلء الحملة الفرنسية عن مصر ثم أعدم رحمه الله وأعدم معه‬
‫العالم الذي أفتاه‪ .‬وتكررت هذه الظاهرة بحسب الظروف‪.‬‬
‫ولكن خلل العقد )‪ (2000-1990‬وبعد انطلق الحملت الصليبية الثالثة وقيام‬
‫النظام العالمي الجديد‪ ,‬بدأت هذه الممارسات تتكاثر وتشكل ظاهرة ومدرسة جهادية‬
‫تستأهل الوقوف معها ودراستها وتنميتها كما سيأتي معنا إنشاء الله‪ .‬فقد تعرض بعض‬
‫العسكريين والمدنيين ومختلف أشكال وجود الصليبيين لعمليات جهادية فردية رائعة‬
‫ومجدية شكلت إرباكا للعدو وبشرت بنمو بذور مقاومة لو قدر لها أن تنضج فإني‬
‫أعتقد أنها تشكل أهم مرتكزات المواجهة القادمة بإذن الله‪.‬‬

‫‪ .1‬الصحوة الشاذة وتيار التكفير(‪:(2000-1990‬‬


‫من المهم جدا لفهم ظاهرة التكفير أن نفهم المعادلة المكونة له والتي اختصرناها‬
‫بأنها‪:‬‬
‫حاكم كافر ظالم ‪ +‬جلد سفاح مجرم ‪ +‬عالم منافق للسلطان ‪ +‬صحوة‬
‫= ميلد‬ ‫عاجزة ‪ +‬عامة يغلب عليهم الفساد ‪ +‬شاب متحمس جاهل‬
‫تيار التكفير‪.‬‬

‫وخلصة ما حصل لهذه الظاهرة منذ ميلدها مطلع السبعينيات وإلى اليوم أنها‬
‫كانت محدودة معزولة لم تلق شعبية ول انتشار‪ ,‬ل في أوساط الصحوة السلمية ‪,‬‬
‫ول في أوساط عامة المسلمين ‪ .‬ففي حين لم يقف التواصل والعلقات بين مختلف‬
‫أعضاء وجماعات الصحوة في المناحي الثلثة السياسية والغير سياسية و الجهادية‬
‫رغم اختلفها وخلفاتها ‪ ,‬حيث قام التواصل الفكري والعلقات الشخصية بل والتعاون‬
‫في مختلف مستويات ما اتفق عليه‪ ,‬أجمعت الصحوة السلمية بكاملها على نبذ‬
‫ظاهرة التكفير وفكر أصحابه مما ساعد على ضموره وانكماشه‪..‬‬
‫وللطبيعة بالغة السوء التي طبعت فكره وسلوك أفراده ;من الجهل والتشنج‬
‫والعنف واللمعقولية ‪ ,‬بالضافة للنحراف عن السس الشرعية‪ ,‬لم يستطع هذا التيار‬
‫أن يكسب أرضية داخل الصحوة ول خارجها‪ ,‬إل على شكل جيوب منكمشة معزولة هنا‬
‫وهناك تجتر أحقادها وجهالتها وتتولى تصفية بعضها البعض ‪ .‬ولكن يجدر لفت النظر‬
‫تحت عنوان هذه الظاهرة إلى ملحظات مهمة ‪:‬‬
‫• الملحظة الولى ‪ :‬هي أنه رغم أن جماعات تيار التكفير قد كفرت‬
‫جماهير المسلمين وعلماءهم وقادة صحوتهم ودعاتهم لنهم لم يكفروا‬
‫الحكام وزبانيتهم‪ ,‬ولم يكفروا من لم يكفر الحكام ولم يكفروا من لم‬
‫يكفر هؤلء ‪ ....‬وهكذا وهي سلسلتهم النكدة وأساس انطلق فكرتهم‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 653 [ ‬‬

‫إل أن الغريب في المر أنهم لم يتبنوا فكرة جهاد الحاكم الكافر الذي‬
‫فاصلوا الناس على كفره! ولم يعرف لجماعات التكفير أنهم قاتلوا‬
‫الحكام إل في القليل من التجارب‪ .‬ناهيك عن أنهم لم يدعوا إلى جهاد‬
‫الكفار الصليين من اليهود والنصارى الذين حلوا في عقر دار المسلمين‪.‬‬
‫في حين أنهم تلوثت أيديهم بقتل البرياء من المسلمين‪ .‬وهذا ما لفت‬
‫الثر الشريف النظر إليه من أن من خصائص هذه الشراذم أنهم ‪:‬‬
‫) يدعون أهل الوثان ويقتلون أهل القرآن(‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 654 [ ‬‬

‫• الملحظة الثانية‪ :‬هي أن الحكومات الطاغوتية ومن وراءها من‬


‫أعداء السلم أدركوا أهمية هذا التيار الشاذ في محاربة الجهاد ووقف‬
‫صحوته‪ .‬وذلك لمفارقة بسيطة وهي‪:‬‬
‫أن الجهاديين يريدون تعبئة المة وتجنيدها لمحاربة العداء الخارجيين من الكفار‬
‫مثل اليهود والصليبيين والوثنيين الهاجمين علينا ‪ ,‬ولمواجهة الطواغيت من الحكام‬
‫الذين تولوا تحقيق أهدافهم ومحاربة أمتهم ‪ .‬في حين أن التكفيريين ينطلقون من مبدأ‬
‫تكفير عموم المة! فكيف يجاهدون معهم بعد أن سلخوهم عن دينهم!‬
‫والمر المهم الثاني الذي أدركه أولئك الخبثاء من الحكام وأعوانهم وأجهزة‬
‫استخباراتهم ومراكز دراساتهم المتفرغة لحرب السلم والمسلمين أن إلصاق تهمة‬
‫التكفير بالجهاديين بدعوى أنهم خوارج يكفرون الحكام وأعوانهم وعلماءهم ‪..‬‬
‫ويكفرون عوام الناس )وهو زعم باطل( لن الجهاديين كما هو معروف ل يسحبون‬
‫سلسل التكفير هكذا خبط عشواء‪ .‬ولهم فقههم المنضبط المعتمد على عقائد أهل‬
‫السنة والجماعة المعروفة وكتاباتهم ومنابرهم العلمية أكبر دليل على ذلك‪ ...‬فإلصاق‬
‫الحكومات هذه التهمة بالجهاديين هو من أهم السبل لفصلها عن جماهيرها‪ .‬ولذلك‬
‫عملت على هدم الجدار الواضح الفاصل بين هذين التجاهين المتناقضين في المنهج‬
‫والهداف وأعني )تيار الجهاد( و)ظاهرة التكفير(‪.‬‬
‫• الملحظة الثالثة والهامة جدا‪ .‬أن أجهزة الستخبارات المعادية‬
‫لهذه المة والعاملة ليل نهار على ابتكار أسباب مواجهة صحوتها‬
‫الجهادية‪ .‬لما رأت فائدة أفعال التكفير المشينة ولسيما بعد جريمتهم‬
‫الشنعاء في حق الجهاد والمة في الجزائر التي كانت حقل تجارب‬
‫للستخبارات كما سأبين في الفصل السادس في نبذه عن تجربة‬
‫الجزائر إنشاء الله‪ .‬رأت أن من أنجح الوسائل لمواجهة الجهاد و‬
‫الجهاديين لفصلهم عن المة هم تهمتهم بالتكفير فيكرههم الناس‬
‫فينعزلون عنهم فيسهل القضاء عليهم ‪ .‬وهذا ما طبقوه في الجزائر‪.‬‬
‫ولما درست أجهزة الستخبارات هذه الظاهرة )التكفيرية( اكتشفت‬
‫المعادلة التي أشرت إليها في ميلد التكفير الذي يولد طبيعيا في الجواء‬
‫التي أشرت إليها‪ .‬فعمدوا إلى توليد تيارات للتكفير بالستنساخ‬
‫الصطناعي في الوساط التي يتوقع أن الجهاد سيولد فيها بطبيعة الحال‬
‫نتيجة الحضور الستعماري أو النظام الطاغوتي ومن المثلة على ذلك ما‬
‫جرى في السعودية منذ حرب عاصفة الصحراء الكويتية‪ .‬وولدة بذور‬
‫الجهاد والمقاومة‪ .‬فقد عمدت الستخبارات السعودية التي اتخذ وزير‬
‫داخليتها نايف بن عبد العزيز ‪ ,‬من وزير الداخلية المصري السبق‬
‫سيئ السمعة )زكي بدر( المشهور بنظرياته الستئصالية وبشاعة‬
‫أساليبه‪,‬اتخذ منه ومن فريق عمل من الستخبارات المصرية مستشارين‬
‫لتأسيس جهازه القمعي في السعودية منذ ‪ . 1991‬وكان من نتائج ذلك‬
‫ما بلغنا بعض القليل من أخبار ما جرى هناك لستنساخ التكفير وتهمة‬
‫الجهاد المترقب في السعودية به‪.‬‬
‫دث عدد من الناجين من سجن )الرويس( الشهير في جده من السعوديين‬ ‫فقد ح ّ‬
‫وغير السعوديين من الجهاديين‪ .‬أنه بعد حادثي انفجار الرياض والخبر سنة ‪ 1994‬وما‬
‫تل ذلك من نشاط بعض التنظيمات الجهادية في السعودية اعتقل آلف الشباب‬
‫للستجواب ممن كان لهم سابقة جهادية أو كانوا مظنة ذلك‪ .‬وقد تعرض الشباب‬
‫لمختلف صنوف التعذيب البشعة التي استوردها المن السعودي من مصر وتونس‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 655 [ ‬‬

‫وسوريا والبلد العريقة في علوم التعذيب‪ .‬ولكن الذي استفاد وه من تجربة المن‬
‫الجزائري هو فائدة تيار التكفير في تدمير الجهاد! وكان ذلك من أهم التجارب‪ :‬فعمدوا‬
‫على استنساخه وتوليده من خلل إيجاد مكونات طرف المعادلة اليمن‪:‬‬
‫قال أحد الذين شهدوا التجربة في سجن الرويس بجده في السعودية‪ ] :‬كان يأتينا‬
‫بعد جولت التعذيب الجسدي من الضرب والكهرباء‪ ..‬مشرف على التعذيب النفسي‬
‫رجل شيعي من )‪((1‬النخاولة( عرف نفسه باسم )أبو نايف(‪ ,‬في الستين من عمره‬
‫أعرج‪ .‬فيسمعنا من ألوان الكفر وشتم الدين والرب ومقدسات السلم و الهزء‬
‫بشعائره وشتم الجهاد والمجاهدين ‪ ..‬ما يهون معه ما عانينا من جلسات التعذيب‬
‫مقارنة ببشاعة ما نسمع‪ ,‬ثم يقول لنا بعد ذلك ‪ :‬أنتم تريدون حكم الشريعة ؟! وما هذا‬
‫الذي يحكم به ولي المر ؟ أليس شريعة ؟ أل تعجبكم شريعة الس )‪] (..!!..‬ويذكر فعل‬
‫النكاح باللغة البذيئة الدارجة[‪ ,‬ويضحك و يضحك الجلدون‪ .‬و يتابع ‪ :‬هذا الشيخ ابن‬
‫عثيمين وابن باز يقولون أنها شريعة ‪ ,‬وأنها دولة التوحيد ‪ ...‬و يتابع على هذا المنوال‪..‬‬
‫وكثيرا ما ُأخذ الخوة المعتقلون من الجهاديين فجمعوا عراة يسترون سوآتهم بأيديهم‪,‬‬
‫ثم ينادون عليهم واحدا واحدا‪ ,‬فيربط المعتقل ويعلق ثم يأتي الجلد فيعبث بأعضائه‬
‫التناسلية بعصا في يده‪ ,‬ثم يأتيه بمجسم بلستيكي لعضو ذكري تناسلي‪ ,‬ويبدأ يمرره‬
‫على دبر المعتقل! ويهدده باغتصابه واللواط به إذا لم يستجب لما يطلب منه‪ .‬ثم‬
‫فر ولي المر‪ ,‬ويكفر‬ ‫يطالبه بعد ذلك بالتوقيع على أوراق محضر يعترف فيه بأنه يك ّ‬
‫العلماء ‪ ,‬ويكفر المجتمع السعودي!! وروى عن بعض الخوة أن البعض قد فعل به‬
‫فعلة اللواط واغُتصب من قبل جلدين سعوديين!! [ موظفون يتلقون المرتبات من‬
‫)دولة التوحيد التي نفع الله بها وتحقق على يديها من الخير ما ل يعلمه إل الله!!( على‬
‫حد شهادة الزور التي طالما كررها مفتي الديار‪ -‬أبوهم الوالد ‪ -‬وهيئة كبار العملء ‪,‬‬
‫ويبدوا أن هذا من بعض ذلك الخير!!‪ .‬وقد أسلفنا بيان المعارضة السعودية بصدد هذه‬
‫ت كثيرا في إيرادها حياء وحفظا لمشاعر من يقرأ هذا‬ ‫المور الشنيعة التي تردد ُ‬
‫الكتاب ‪ .‬ولكني وجدت أن )حق الحق أوجب من حق الخلق( كما قال ابن القيم رحمه‬
‫الله ‪ .‬ويجب أن يعلم الناس جزءا مما يدور على القل‪.‬‬
‫وأضاف الشهود من سجناء )الرويس( بأن المعتقلين الجانب من الدول العربية‬
‫الخرى قد عذبوا عذابا شديدا كي يوقعوا على اعترافات يقولون فيها أنهم نقلوا فكر‬
‫التكفير إلى السعودية ‪ ,‬وأنهم أدخلوا إلى المملكة أسلحة وذخائر‪ .‬كل ذلك تحت وطأة‬
‫التهديد وأساليب التعذيب التي تشابه ما عرف استخدامه في بلد عريقة في ذلك مثل‬
‫مصر وسوريا والردن وتونس وغيرها‪ .‬وقد ذكر لي بعضهم بأنه كان هناك وجبة تعذيب‬
‫بالسياط تسمى )الموزة( لن المعتقل يقشر جلده فيها!! ويربط للخلف يداه برجليه‬
‫فيتقوس ظهره ويصير شكله كالموزة ويضرب على بطنه و‪ ...‬وهناك قفص حديدي‬
‫يسمى )سندريل( يعلق به المعتقل وتشد أطرافه الربعة إلى القضبان ثم يدور بسرعة‬
‫ويكهرب بين فترة وأخرى ويخرج المعتقل مغشيا عليه فيصب عليه الماء ويطالب‬
‫بالعترافات ‪ ....‬وهكذا ‪ ..‬فتأمل المعادلة من جديد ‪..‬‬
‫حاكم كافر ظالم ‪ +‬جلد مجرم يردد الكفر ثم يذكرهم بحكم العلماء على ولي‬
‫المر بالتوحيد )وهنا تتحرك آلية التكفير في ذهن المعتقل المسكين( ثم يترك‬
‫المعتقلون في زنزانات جماعية يدس فيها من ضباط الستخبارات أو بعض من ابتلي‬
‫بالتكفير ليهيج النقاش في هذه الجواء فتستنسخ جينات التكفير‪ ,‬ثم توقع العترافات‬
‫ه ْ ُ‬
‫ن ت َن َّز ُ‬
‫ل‬ ‫عَلى َ‬
‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل أن َب ّئ ُك ُ ْ‬ ‫مقابل الفراج‪ .‬فسبحان القائل‪َ ):‬‬
‫ن ( )الشعراء‪. (221:‬‬‫طي ُ‬‫شَيا ِ‬‫ال ّ‬

‫النخاولة‪ :‬أسم يطلق على الشيعة في السعودية‬ ‫)‪(1‬‬


‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 656 [ ‬‬

‫هذه الشهادات سمعناها سنة ‪ . 1995‬ولم يكن قد بدأت في السعودية أي مواجهة‬


‫حقيقية‪ .‬أما الن وقد بدأت بوادرها فلدى الستخبارات السعودية أرشيفا ضخما من‬
‫هذه الكنوز التكفيرية ‪ ,‬ليستند إليها الجهلة من علماء السلطان ويفتوا بأن المجاهدين‬
‫للمريكان وأذنابهم من آل سعود هم من التكفيريين الخوارج !‪....‬‬
‫والمتابع لوسائل العلم وتغطيتها للحداث التي يديرها الجهاديون اليوم‪ ,‬يرى‬
‫التركيز على تهمة الخوة بأنهم خوارج ‪ ,‬وعلى فكر الخوارج الولين ‪ ,‬من خلل إخراج‬
‫مسرحي يتهمهم بأنهم قد شقوا عصى المسلمين ‪ ,‬وكفروا الحاكم والمحكوم ‪ ,‬وخزنوا‬
‫المتفجرات في مكة والمدينة ‪ ,‬ووضعوا القنابل داخل المصاحف المفخخة ! وقتلوا‬
‫البرياء من المسلمين والمستأمنين ‪ ....‬إلى آخره‪ .‬وقد نجحت المصيدة إلى حد كبير‪.‬‬
‫فقد خرج عدد من العلماء الموثوقين في السعودية ليشاركوا في هذه المسرحية التي‬
‫أعدها وأخرجها المير نايف ومستشاروه من استخبارات الدول العربية‪.‬‬
‫وهذه الملحظة من أهم ما يجب أن ينتبه إليه من التداخل بين التكفير‬
‫والستخبارات‪ .‬وسيأتي بعض التفصيل عندما نعرج على ذكر نبذة عن كارثة الجهاد في‬
‫الجزائر في الفصل القادم إنشاء الله‪.‬‬

‫• رابعا‪ :‬الصحوة السلمية في عالم ما بعد سبتمبر(‪: (2001‬‬


‫كان الغرب قد رفع شعارا عبر عنه الرئيس الفرنسي الراحل – إلى جهنم ‪-‬‬
‫)ميتران( بقوله ‪) :‬سنضرب السلم المتشدد بالسلم المعتدل(‪ .‬وقد أدى هذا إلى‬
‫افتتاح العهد الديمقراطي الزاهر لتصبح المدارس السلمية السياسية عمليا جزءا من‬
‫)المل (‪ -‬مل الفرعون ‪ , -‬إلى جانب )الحاكم والكاهن والعوان(‪ .‬فحققت الصحوة‬
‫بعض المكاسب ولكن الثمن كان أن تقف في وجه المد الجهادي ‪.‬‬
‫ولكن وعلى مدى العقد المنصرم حصل أمر منطقي لم يكن في حساب الغرب ول‬
‫عملئه المرتدين‪ ,‬الذين لم يستطيعوا نتيجة الحقاد أن يستوعبوا زخم الروح الدافقة‬
‫في السلم وطبيعته‪ .‬وانظر إلى بعض آيات الله ‪:‬‬
‫‪ ‬فالسلميون (المعتدلون( كما يسمونهم ليس لديهم في النهاية‬
‫بضاعة إل السلم‪.‬‬
‫فإذا ما اتيح لهم المجال ( مساجد‪ ...‬مدارس‪ ..‬ندوات‪ ..‬محاضرات‪..‬‬
‫مؤلفات‪ ...‬صحف‪ ..‬قاعات برلمان ‪ ..‬تماس مع الجمهور( فليس لديهم‬
‫من بضاعة إل مشاريع السلم والحديث عن‪ (:‬تحكيم الشريعة‪ ..‬الجهاد‬
‫من أجل فلسطين ‪ ..‬قضايا العدل والظلم ‪..‬‬
‫مكافحة الفساد ‪..‬الصلح الجتماعي‪ ..‬اللتزام والخلق السلمية‪..‬إلخ (‬
‫وحتى مع وجود أغراض شخصية‪ ,‬ومصالح حزبية ‪ ,‬فإن هذه الرسائل‬
‫سواءا أخلص أصحابها أم زاودوا بها من أجل التجارة بالشعارات ‪ ,‬فإنها‬
‫ساهمت إلى حد كبير في توسيع القاعدة الشعبية للسلم والتصورات‬
‫الدينية‪ .‬وكان هذا كسبا أفقيا هائل على طريق أسلمة المجتمعات التي‬
‫تدرك بفطرتها بعد أن دبت فيها الروح الدينية الحاجة إلى مواجهة تلك‬
‫الوضاع والصدام معها عندما ل يمكن إصلحها سلميا‪.‬‬
‫‪ ‬كما أن الجهاديين أو (المتشددين( كما يسمونهم ‪ ,‬يجدون في مثل‬
‫هذه الستراحات وأجواء السترخاء السياسي والمني‪ ,‬مجال للتمدد‬
‫سريا وإعادة تنظيم الصفوف واكتساب قواعد أوسع داخل الهامش‬
‫العام للصحوة‪ .‬وقل مثل ذلك عن السلميين الدعويين غير‬
‫السياسيين‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 657 [ ‬‬

‫فدبيب أسلمة المجتمعات العربية والسلمية‪ ,‬وهو ما بسمية الغرب ) العودة إلى‬
‫الصولية( يقض مضاجعهم‪ .‬وإن كان الشطر الكبير والسواد العظم من المجتمعات‬
‫يسير نحو الفسوق والعصيان والنسلخ من الدين وفق برنامج العلمنة ومن يقوم‬
‫عليها‪ .‬إل أنهم يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم‪ ,‬بكل آثاره ول يريدون أن يكون للحق‬
‫وجود ول لمن يحمله حق في الحركة والحياة‪ .‬وعلى مر عقد من الزمن اكتشف‬
‫الغرب الصليبي وحكماء صهيون أزلمهم من حكامنا خطأ النفتاح الديمقراطي فرفعوا‬
‫شعارا جديدا هو‪ :‬نريد ) ديمقراطية بل إسلميين في بلد المسلمين ( !!‬
‫ومع أن هذا كلم يناقض نفسه‪ .‬لن الديمقراطية تعني حكم الشعب بنفسه وتعني‬
‫مبدأ سيادة المة‪ .‬فالطبيعي والمنطقي احترام خيارها احتراما لصل المبدأ‪ .‬ولكن‬
‫الغرب المنافق وأتباعه الوقح نفاقا من الحكام والعلمانيين في بلدنا‪ ,‬كانوا مستعدين‬
‫إلى لحس المبدأ ذاته فقالوا ما قالوا ‪ ) :‬ديمقراطية‪ ..‬ولكن ‪ ..‬بل إسلميين!!(‪.‬‬
‫وسرعان ما تحول الشعار إلى التطبيق العملي فأغلقت معظم الدول الهامش‬
‫الديمقراطي‪ .‬واختارت دول أخرى تنفيسه من الداخل‪ ,‬عن طريق تفصيل قوانين‬
‫انتخابية أو تعديلت دستورية تترك للسلميين القشور‪ ,‬بحيث ل يستمر منهم في اللعبة‬
‫إل النتهازيون من السلميين أو المستعدون لتفصيل السلم وإعادة خياطته على ذوق‬
‫الحاكم المحكوم بسيده عدو السلم والمسلمين‪.‬‬
‫وهكذا قمعت الديمقراطية السلمية في الجزائر بكل قسوة )‪ (1991‬بالنقلب‬
‫العسكري وكان ثمن ذلك حربا أهلية أتت حتى الن على نحو مئة وخمسين ألف نفس‪.‬‬
‫حمل الديمقراطيون السلميون وزعيمهم أربكان عبر إنقلب سياسي أبيض في‬ ‫كما ُ‬
‫تركيا من رآسة الحكومة وأغلبية البرلمان ليلقى بهم في السجون أو ليوضعوا تحت‬
‫الحجر عن مزاولة العمل السياسي‪ .‬وانقض مشرف في إنقلب عسكري على‬
‫ديمقراطية الباكستان ليفصل لهم بعدها نظاما ( ديمقراطيا دكتاتوريا عسكريا‬
‫مدنيا استخباراتنا بإشراف أمريكي !(‪ .‬وفصل الردن واليمن والمغرب وسواها‬
‫قوانين انتخابية ألقت بالسلميين أقلية في دهاليز البرلمان ‪ .‬أو ليعطوا في أحسن‬
‫الحوال وزارات الماء والكهرباء‪..‬أو وزارة المطاحن والثروة السمكية ‪ ..‬في بلد ل‬
‫تطل على البحار ! وهكذا‪...‬‬
‫واكتشف الغرب أنه أمام معادلة قدرية محكمة تحركها الروح النابضة لهذا الدين‬
‫الرباني‪ .‬ومفاد تلك المعادلة‪:‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 658 [ ‬‬

‫أن أعداء السلم إن ضربوا السلميين وواجهوا الصحوة بالنقلبات‬


‫والسجون والبطش ‪ ...‬أعطوا مبررات حمل السلح وتمدد الجهاديون‬
‫ونمو عموديا ونوعيا‪ !.‬وهم إن فتحوا مجال العتدال السياسي كي‬
‫يواجهوا الجهاديين بالمعتدلين‪ ,‬تمدد السلم أفقيا وقاعديا وانتشر !!‬
‫فعادوا للبطش ‪ ,‬فعاد الجهاد للنمو! فعادوا للنفتاح ‪ ,‬فعاد السلم‬
‫للتمدد والتوسع !! في حلقة متكررة من مكر الله بهم ‪..‬‬

‫وهكذا وجدوا أن الوعي والتطور وثورة التصالت وعالم الفضائيات والنترنت قد‬
‫فتحت عقول الشعوب‪ .‬وأن عروش ولة الستعمار ونوابهم من حكامنا مهددة‪ .‬وأن‬
‫إسرائيل محاصرة بالصولية‪ .‬وأن منابع النفط وأكداس سلح جيوش الحكومات‬
‫معرضة لن تسقط بيد ثورات شعبية يقودها متشددون‪ .‬فقرر الغرب الغزو والحتلل‬
‫المباشر لمركز الصراع )الشرق الوسط( الشام ومصر والعراق وجزيرة العرب ‪.‬‬
‫وبسط سيطرة أكبر على ما بقي عبر دعم الولة المرتدين لمزيد من البطش ‪ ,‬كما‬
‫زادت أمريكا من قدرات القواعد العسكرية‪ .‬ليصل الوجود المريكي فقط ‪ ,‬في‬
‫منطقة العمليات الوسطى )وسط آسيا والعالم العربي والقرن الفريقي( إلى نحو‬
‫‪ 1.5‬مليون جندي أمريكي يتبع قيادة مركزية واحدة ‪ ,‬وتتوزع قواها من كابل و‬
‫طشقند و مرو‪ ...‬في وسط آسيا من أقصى مشرق بلد المسلمين ‪ ,‬إلى بغداد وعمان‬
‫وجزيرة العرب ‪ ..‬إلى مصر والصحراء الغربية والصومال في الشرق الوسط ‪ ..‬إلى‬
‫طنجة وسواحل الطلسي في أقصى غرب بلد السلم‪ .‬وهو ما يسمونه اليوم‬
‫) الشرق الوسط الكبير( ويضعون الخطط لحتلله حضاريا في كل المناحي ‪ .‬وكان‬
‫فاتحة ذلك كما رأينا تدميرا لمارة السلمية في أفغانستان ‪,‬واحتلل العراق وإعلن‬
‫الحرب على الصحوة بكامل أطيافها وصحح بوش مقولة ميتران عندما قسم‬
‫السلميين إلى معتدلين ومتشددين متشردين ‪ ..‬ليصبح الشعار بالسلوب المريكي‪:‬‬
‫( ليس هناك إسلم معتدل ! كل السلميون متشددون ويجب القضاء‬
‫عليهم (‪ .‬لتشمل الحرب المريكية الكل ‪ ,‬بدءا من الجهاديين ‪ ,‬ووصول إلى المعتدلين‬
‫مرورا بأصغر مؤسسة إنسانية خيرية تعمل في توزيع المصاحف أو رعاية اليتام ‪.‬‬
‫وكان هذا من فضل الله ‪ .‬إذ أسفرت هذه السياسة ليس فقط عن حشر الصحوة‬
‫بكاملها وتأهيلها للمقاومة وحمل السلح ‪ .‬وإنما عن فتح الباب لرجل الشارع العادي‬
‫أن يحمل السلح تحت شعار السلم‪.‬‬
‫وهذا ما حذر منه بعض دهاة الفراعنة أمريكا كما صاح رئيس مصر أمام البرلمان‬
‫عند بداية غزو أمريكا للعراق بأن سياسة أمريكا ستخلق لنا بدل بن لدن واحد مئة بن‬
‫لدن ‪ ...‬ولكن بوش الحمق المتعصب أسير مستشاريه من الصهاينة لم يستوعب مكر‬
‫الله هذا به‪ .‬فسار في سياسة الستئصال ليتبعه حكام بلد المسلمين ‪ .‬وكان من ذلك‬
‫ما سمعته البارحة من ولي العهد السعودي عبد الله ‪ ..‬في خطاب هستيري موجه‬
‫للشعب مساء‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 659 [ ‬‬

‫‪ 8-2003 -1‬يقول ‪:‬‬


‫( كل متستر على إرهابي فهو إرهابي مثله ‪ .‬وكل متعاطف مع‬
‫إرهابي فهو إرهابي مثله‪ .‬وعندما تواجه الدولة الرهابيين فل مكان‬
‫للحياد ول الموقف الوسط ( ‪.‬‬
‫وهو فحوى شعار بوش الحالي ‪:‬‬
‫( من ليس معنا في حربنا على الرهاب فهو ضدنا ول مكان للحياد (‪.‬‬
‫وفعل تسير المعادلة مع فضل الله لتتحقق أهم الشروط السببية بالنصر بدخول‬
‫كامل المة قسرا أو طوعا في المعركة‪ .‬وأما أسباب النصر القدرية فذلك نصر الله‬
‫ينزله متى شاء على من شاء حيث شاء‪ ...‬ونسأل الله أن نشهده ونكون من وقود‬
‫تحقيقه في سبيل الله‪.‬‬
‫وأما أثر هذه السياسة الخرقاء على مدارس الصحوة الربعة خلل‬
‫السنوات القليلة بعد سبتمبر ‪ 2001‬فهي باختصار كما يلي ‪:‬‬

‫أول ‪ :‬الصحوة السلمية غير السياسية بعد سبتمبر ‪: 2001‬‬


‫في عمان عاصمة الردن ‪ ..‬صرخ أحد أمراء )جماعة التبليغ والدعوة( في‬
‫المعتقل‪ ,‬في وجه المحقق مندهشا محتجا بقوله ‪:‬‬
‫( نحن لم نمارس جهاد ول سياسة ول واجهناكم! نحن ندعوا إلى‬
‫الله في مساجدنا ونصلح الناس وننقذهم من الفساد وعالم الخمارات‬
‫والجرائم ‪ ! (...‬فقال له المحقق الخبير ضابط الستخبارات الذي وعى‬
‫درسه ‪ ( :‬هذه هي المشكلة ‪ :‬أنتم الوتوبيس ! تحملون الناس من‬
‫الشارع إلى المسجد ‪ .‬فيأتي الخوان فيحملونهم من المسجد إلى‬
‫السياسة ! فيأتي المتطرفون فيأخذون غايتهم من الشباب للجهاد‬
‫والتطرف ! نريد قطع كل هذا الطريق من أساسه نريد وقف‬
‫الوتوبيس!‪(..‬‬
‫وهذا يشرح كل حقيقة المواجهة اليوم ‪ .‬إنها قصة حوار حقيقي واقعي في غاية‬
‫التعبير والدللة‪...‬‬
‫وهكذا تواجه الحكومات اليوم الصحوة الدينية اللسياسية وتقمعها‪ .‬فتغلق‬
‫المساجد وتضيق على المدارس وتحظر الخطب ‪ ..‬بل تحيل السعودية الن أكثر من‬
‫‪ 1800‬خطيب وداعية لدورات تأهيل نفسي ! لبعادهم عن التطرف وإفهامهم‬
‫مقومات عالم الهيمنة المريكية ما بعد سبتمبر والعراق! وقد أعلنت مصر أنها فضلت‬
‫من جهاز التدريس آلف المعلمين المتهمين بالصولية! في إطار حرب الفكار و‬
‫المناهج ‪..‬وأعلنت الكويت أنه لخيار لديها عن مواجهة المتشددين ‪ ,‬وأعلنت معظم‬
‫الدول السلمية عن تعديل برامج التدريس الديني والعام ‪ .‬وبلغ بوزيرة الثقافة في‬
‫باكستان‬
‫) زبيدة جلل ( أن تطالب ‪ ,‬وعلى شاشات التلفاز وأمام وسائل العلم بحذف‬
‫سور‪:‬‬
‫) آل عمران والنفال والتوبة ( ‪.‬لنها تدعو للرهاب !!‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 660 [ ‬‬

‫ثانيا ‪:‬الصحوة السياسية في عالم ما بعد سبتمبر(‪:(2001‬‬


‫فكما أسلفت‪ .‬تغلق اليوم عليهم منافذ الممارسة السياسية الفاعلة‪ .‬ويتعرضون‬
‫للقمع‪ .‬وإن كان من إضافة فهو ولدة دعاة وإسلميين سياسيين منبطحين قابلين‬
‫للنضغاط بل حدود ‪ ,‬وللتميع بل ضوابط‪ .‬لقد تجاوزا المنهاج ‪ ,‬منهاجهم ‪ .‬بل تجاوزوا‬
‫ما سبق من زوايا النحراف ‪..‬سمعت منذ أيام أحد المرشحين من الخوان المسلمين‬
‫لنتخابات نقابة الصحافة في مصر ‪ ,‬ردا على سؤال الصحيفة له بقولها ‪ :‬أنت إسلمي‬
‫فكيف تمثل ‪ 400‬صحفي فيهم من كل الطيف‪ .‬فقال‪) :‬أنا لي توجهي! ولكن لما أمثل‬
‫الصحفيين فأنا أمثل السلمي والنصراني والشيوعي ومن له دين ومن ل دين له !(‬
‫فتأمل إن كان هذا الكلم يترك قدره على التأمل ! ‪.‬‬
‫ويجلس ممثل الحركة السلمية في العراق في المجلس الحكم المحلي رآسة )بر‬
‫يمر( ليمرر ويبرر الحتلل ! ويكافح الخوان المسلمون والسرور يون في السعودية‬
‫الجهاد و الجهاديين ويسلمون عناصره للمخابرات ‪ ,‬ويدعونهم للستسلم للدولة عبر‬
‫بيوتهم ! وقل مثل ذلك عن السلميين في البرلمان في المغرب‪..‬‬
‫لقد أصبح من تبقى في لعبة السياسة من السلميين الديمقراطيين جزءا أساسيا‬
‫من كتائب النظام العالمي الجديد في مواجهة حملة رايات الجهاد والمقاومة في‬
‫المة‪...‬‬
‫ولبد من الشارة إلى أن هامش العطاء اليجابي لهم يضيق يوما بعد يوم حيث‬
‫يحاول السلميون السياسيون مكافحة الستعمار تحت قبة البرلمان! والحد من‬
‫طغيان الفراعنة عبر المسيرات ! ومازال فيهم من يظن إمكانية ذلك !‬
‫ثالثا ‪ :‬الصحوة الجهادية بعد سبتمبر(‪:(2001‬‬
‫اتخذت أمريكا من الجهاديين ‪ ,‬جماعات وأفراد ‪ ,‬وحتى من أنصارهم ومؤيديهم‬
‫هدفا لحربها ‪ .‬بعد أن أدركت أنهم عمليا قلب المة الحي ‪ ,‬وسلحها المتبقي في‬
‫الدفاع عن نفسها ‪ ,‬ولتفاصيل هذه المواجهة وقائع كثيرة مشهودة ‪ ,‬أترك التفصيل‬
‫فيها إلى الفصل القادم إنشاء الله‪.‬‬
‫رابعا ‪:‬الصحوة الشاذة للتكفيريين بعد سبتمبر(‪:(2001‬‬

‫لقد زادت هذه الظاهرة انكماشا‪ .‬ولول ما يحاول العلم العربي والسلمي في‬
‫بعض المناطق كالسعودية إظهارها والحديث عن حياتها لما سمع بها أحد‪ .‬والحمد لله‪.‬‬

‫وبعد هذا الستعراض الموجز لمسار الصحوة السلمية وخلصة‬


‫حصادها عبر أكثر من سبعين عاما مضت على ميلدها ‪ ,‬بقي لنا أن نختم‬
‫هذا الفصل بخلصة وأن نلفت النظر إلى ظاهرتين مهمتين من مظاهر‬
‫الصحوة السلمية غير الجهادية لننا سنترك تغطية الملحظات الجهادية‬
‫للفصل السادس‪.‬‬

‫*************‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 661 [ ‬‬

‫الخلصة في مسار الصحوة السلمية ومآلها خلل (‪-1930‬‬ ‫•‬


‫‪: (2003‬‬
‫يمكن التعبير بإيجاز شديد عن هذه الخلصة بأن الصحوة السلمية بعموم‬
‫مدارسها الربعة قد وصلت إلى الفلس وفشلت في تحقيق أهدافها ودخلت قعر‬
‫الزمة وليس من أمل في استمرار الصالح منها إل بأن تعيد النظر في مناهجها‬
‫وأهدافها وأساليب عملها وفقا لثوابت الشريعة السلمية بانضباط المسلم الملتزم‪.‬‬
‫ووفقا لمعطيات فقه الواقع الجديد في ظل الحملت الصليبية المريكية المعاصرة في‬
‫عالم ما بعد سبتمبر واحتلل العراق‪ .‬ويمكن التعبير عن مسار الصحوة خلل تلك‬
‫العقود السبعة بالرسم البياني التالي‪:‬‬
‫المسار والمكتسبات‬

‫‪1‬‬
‫‪3‬‬
‫الصحوة‬ ‫‪1‬‬
‫اللسياسية‬
‫الصحوة‬ ‫‪2‬‬
‫السياسية‬
‫الصحوة‬ ‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬
‫الجهادية‬ ‫‪4‬‬
‫الصحوة الشاذة‬ ‫‪4‬‬ ‫‪1960‬‬ ‫‪1990‬‬ ‫‪2000‬‬ ‫‪2001‬‬ ‫‪2003‬‬ ‫التاريخ‬
‫‪1930‬‬

‫ويبين هذا الرسم البياني بوضوح‪:‬‬


‫‪ .1‬أن الصحوة ولدت بمعظم اتجاهاتها المتقاربة بعيد الخلفة ‪ 1930‬تقريبا‪.‬‬
‫‪ .2‬سارت مدارس الصحوة ونمت متقاربة متداخلة في طبيعتها بشكل مختلط من‬
‫حيث المنهج والهداف والساليب إلى نحو ‪ 1960‬تقريبا‪.‬‬
‫‪ .3‬تابعت كل مدرسة من مدارسها الربعة العطاء والمسار إلى ‪ 1990‬بشكل‬
‫متمايز‪.‬‬
‫‪ .4‬ما بين )‪ .(2000-1990‬تقارب مسار الصحوتين السياسية والغير سياسية‬
‫باقتراب الثانية من الولى ‪.‬‬
‫‪ .5‬تراجع مسار الصحوة الجهادية منذ ‪ 1990‬لتصل إلى عام ‪ 2000‬وقد أنهكت‪.‬‬
‫‪ .6‬مع اقتراب سنة ‪ 2000‬بدأت جميع مدارس الصحوة تنهار في عطائها‬
‫ومسارها ‪.‬‬
‫‪ .7‬مع عام ‪ 2001‬وابتدأ عالم ما بعد سبتمبر‪ ...‬برزت مظاهر النهيار والتفكك في‬
‫جميع مدارس الصحوة‪ .‬مع ما يشير إلى متابعة انهيار المدرستين السياسية‬
‫والشاذة‪ .‬ومع بوادر نهضة للصحوة الجهادية بسبب ظروف الستعمار المباشر‪.‬‬
‫بالضافة إلى ما يتوقع من ازدهار الصحوة اللسياسية نتيجة ظروف القهر‬
‫والستعمار والعجز العام‪ .‬كما ويشير إلى وصول الجميع إلى قعر الزمة‪.‬‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 662 [ ‬‬

‫وعلى اعتبار أني أنتمي للتيار الجهادي واكتب له‪ .‬وما تناولي لمدارس الصحوة‬
‫الخرى إل اختصارا و بقدر ما تداخلت فيه مع مسار الصحوة الجهادية‪ .‬فإن تفصيلت‬
‫تصوراتي عن الصلح والمساهمة في صنع مسار المستقبل ستنصب على الكتابة في‬
‫آفاق التيار الجهادي وبرنامج إصلح مساره عبر ما تبقى من فصول الكتاب‪.‬‬
‫وأما إصلح مسار الصحوة السياسية والغير سياسية فهو عمل أصحابها وكتابهم‬
‫ومنظريهم ‪ .‬وإن كان لهم من نصيحة لله ورسوله وكتابه وأئمة المسلمين وعامتهم ‪,‬‬
‫فهي أن يبتعد السلميون عن أبواب السلطين ومؤسسات الردة الثلثة التنفيذية‬
‫والتشريعية والقضائية ‪ .‬لن دخولها حرام ل تقره الشريعة ‪ ,‬ومعصية لله ل تبرره‬
‫التمحكات السياسية ‪ -‬كما سنرى بالدلة الشرعية لحقا إن شاء الله ‪ -‬وإن كنا نلتمس‬
‫لهم العذر لما يقع من بعضهم من أفعال وأقوال تناقض مقتضيات اليمان والتوحيد‬
‫على أنهم متأولين للمصالح المرسلة ‪ ,‬واستصحابا لحالة الستضعاف ‪.‬‬
‫وحقيقة فإن المتابع لحال أكثرهم يجد فيه مصداق ما جاء في الثر عن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬وما ازداد عبد من السلطان قربا إل ازداد من‬
‫الله بعدا ( ‪ .‬وفي تجربتهم وما مر من نتائج الحصاد المر‪ ,‬اكبر برهان على هذا‬
‫الثر‪.‬‬
‫وأما إصلح الصحوة الشاذة وما أفرزته من التكفير‪ .‬فإن كان من نصيحة لعلها‬
‫تنفع أصحابها فهي أن يتوبوا إلى الله وينخرطوا في جهاد الكفار الصليين وعملئهم‬
‫المرتدين ويتركوا العدوان على المسلمين بمختلف طبقاتهم من العوام إلى العالمين‬
‫للسلم ‪ .‬وأسأل الله أن يصحلهم ويتولى أمر من أبى ‪.‬‬
‫وأما النصيحة الخاصة بأصحاب الصحوة الغير سياسية فهي أن يركزوا على‬
‫دورهم الهام جدا اليوم في ظل هجمة الستعمار الثقافية والمنهجية‪ .‬التركيز على‬
‫حفظ دين المة بالدعوة والتعليم والهتمام بالحفاظ على الدين وهم أدرى منا وأكثر‬
‫خبرة بسبل ذلك‪.‬‬
‫وأما النصيحة الضافية الخاصة بأصحاب الصحوة السياسية فهو أن يعملوا في‬
‫مجالت المقاومة المدنية والعمل السياسي و العلمي وفق ضابطي مقاومة‬
‫الستعمار وعدم الدخول في هياكل السلطان ومثلث السلطة الخبيث المكون من‬
‫)الحاكم والمل والعوان والكهان(‪.‬‬
‫لنهم بهذا سيقفون من حيث شعروا أم لم يشعروا في مواجهة المة‪.‬‬
‫وأنبه إلى حقيقة هامة بقدر ما هي صريحة وربما قاسية‪ .‬بأن عالم سبتمبر قد‬
‫صرح أقطابه واستعلنوا بأن ل مكان للحياد في المواجهة‪.‬‬
‫فإما مع الحملت الصليبية من استعمار ونواب استعمار وعملء استعمار وبالتالي‬
‫مصير بعدل الله إلى النار إنشاء الله و بئس القرار‪.‬‬
‫وإما في مواجهتهم وبالتالي جهاد ومقاومة مسلحة أو مدنية باليد فإن لم يكن‬
‫فباللسان فإن لم يكن فبالقلب وذلك اضعف اليمان وليس بعد ذلك من اليمان حبة‬
‫خردل وليطلب كل لنفسه من المعالي ما وسعه ‪...‬‬
‫ن‬ ‫ه ل َغَن ِ ّ‬
‫ي عَ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫سهِ إ ِ ّ‬
‫ف ِ‬‫جاه ِد ُ ل ِن َ ْ‬ ‫جاهَد َ فَإ ِن ّ َ‬
‫ما ي ُ َ‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫وكما قال تعالى ‪ :‬وَ َ‬
‫ن ‪) ‬العنكبوت‪.(6:‬‬
‫مي َ‬‫ال َْعال َ ِ‬
‫وكما قال صلى الله عليه وسلم ‪ ):‬فمن برئ فقد سلم ولكن من رضي‬
‫وتابع (‪..‬‬
‫ويوم القيامة يدرك مدرك ‪ ,‬ويندم نادم ‪ ,‬حيث ل ينفع الندم ‪ ,‬أنهما طريقان ول‬
‫حياد ‪ ,‬ففريق في الجنة وفريق في السعير‪ .‬ول سواء ‪.‬‬
‫ونسأل الله منازل الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء‬
‫والصالحين وحسن أولئك رفيقا‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 663 [ ‬‬

‫وأما الوقفتين الهامتين مع مسار الصحوة السياسية والغيرسياسية فهما‪:‬‬


‫وقفة مع ظاهرة الرجاء السياسي في الصحوة‪ ..‬ووقفة مع ظاهرة الممارسات‬
‫الديمقراطية عند السلميين‪ .‬وسنتناول الولى هنا ونترك نقاش الثانية لفقرة الفكر‬
‫والمنهج في الباب الول من الفصل الثامن في الجزء الثاني إن شاء الله ‪.‬‬

‫وقفه مع انتشار عقيدة الرجاء السياسي في الصحوة‬ ‫‪.1‬‬


‫السلمية ‪:‬‬

‫يعود ظهور مذهب المرجئة إلى ظهور علماء السلطان عند ظهور الملك وذهاب‬
‫الخلفة الراشدة حيث بدأ افتراق السلطان والقرآن‪.‬‬
‫وخلصة ذلك المعتقد المنحرف أن اليمان هو التصديق بالقلب والعلن باللسان‬
‫بعد أن اخرج أصحاب هذا المذهب العمل من مسمى اليمان‪ .‬وقالوا )اليمان هو‬
‫التصديق( )ول يضر مع اليمان معصية( ‪ .‬ومن )قال ل إله إل الله حكمنا بإسلمه‬
‫بصرف النظر عما بلي به بعدها من أقوال أو أفعال(‪ .‬وأبطلوا كل قواعد نواقض‬
‫اليمان المفصلة بأدلة القرآن والسنة وأقوال الفقهاء المعتبرين‪.‬‬
‫روى ابن عساكر من طريق النضر بن شميل قال ‪ :‬دخلت على المأمون فقال ‪:‬‬
‫كيف أصبحت يا نضر ؟ قلت بخير يا أمير المؤمنين ‪ .‬فقال ‪ :‬ما الرجاء ؟ فقلت ‪ :‬دين‬
‫يوافق الملوك ‪ ،‬يصيبون به من دنياهم ‪ ،‬وينقصون من دينهم ‪ .‬قال ‪ :‬صدقت ‪.‬‬
‫وقد أخذ فقهاء السلطين بهذا المذهب حتى أطلق العلماء المحققون على مذهب‬
‫المرجئة فهو دين يعجب الملوك‪ .‬فهم مسلمون بحسب هذا المذهب ‪ ,‬وأولياء أمور‬
‫ولهم الطاعة وإن أخذوا مالك وجلدوا ظهرك ‪ ..‬قالت المة رضينا ‪ ..‬هم مسلمون وقد‬
‫اخذوا المال وجلدوا الظهر ‪ ..‬ولكن فقهاء السلطين وسعوها عليهم قليل ؛ لتصبح وإن‬
‫نهك عرضك ! وإن سفك دمك! وإن صاح بلسان الحال والمقال كما نادى سلفه ‪:‬‬
‫مل ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫س ِلي ُ‬ ‫وم ِ أل َي ْ َ‬ ‫ل َيا َ‬
‫ق ْ‬ ‫قا َ‬‫ه َ‬‫م ِ‬‫و ِ‬ ‫في َ‬
‫ق ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫و ُ‬‫ع ْ‬ ‫فْر َ‬‫دى ِ‬ ‫وَنا َ‬
‫) َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ( )الزخرف‪:‬‬ ‫صُرو َ‬‫فل ت ُب ْ ِ‬ ‫حِتي أ َ‬‫ن تَ ْ‬‫م ْ‬‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬
‫هاُر ت َ ْ‬ ‫ه اْلن ْ َ‬ ‫ذ ِ‬
‫ه ِ‬
‫و َ‬‫صَر َ‬ ‫م ْ‬
‫ِ‬
‫‪. (51‬‬
‫! وإن صرح بعدم صلحية الشريعة لهذا الزمان! وإن والى أعداء الله ! وإن قاتل‬
‫وسير الجيوش للقتال بين أيدي اليهود والنصارى لتسفك دماء المسلمين! ‪..‬وإن‬
‫‪..‬وإن‪..‬‬
‫أليس ولي المر يصلي العيدين ؟ ويحتفل بالمولد النبوي؟ أليس يزني بدعوى‬
‫نكاح المتعة التي قال بها بعضهم ؟ أليس إذا جرد الحرار والحرائر المسلمات من‬
‫ثيابهم في المعتقلت وعذبهم له دليل من قول علي رضي الله عنه لرسولة حاطب‬
‫رضي الله عنه ) لتخرجن الكتاب أو لنضعن الثياب(! أليس لولي المر أن يقتل ثلث‬
‫الرعية لتسلم له الثلثين! ‪..‬وقد ورد بكل ذلك أدلة بحسب المدلسين من العلماء‬
‫الدجالين اليوم ‪ ..‬فهذا الدين لفرط يسره قد احتوى مسيلمة !‬
‫وهكذا خرج المام الجليل الراحل إمام العلماء ابن عثيمين بتطوير لمذهب‬
‫المرجئة ليقول ‪ ) :‬واعجب ما شئت لما قال عن قول تكاد الرض تنشق منه وتخر‬
‫الجبال هدا‪ :‬قال ‪:‬‬
‫( وإذا فرضنا على التقدير البعيد أن ولي المر كافر فهل يعني ذلك‬
‫أن نوغر صدور الناس عليه حتى يحصل التمرد والفوضى والقتال ‪ ،‬ل‬
‫شك أنه من الخطأ ( ‪ .‬ثم استدرك كي ل يظن ظان أنه قصد أولياء المور في بلده‬
‫فهم ولله الحمد حاكموهن بالشريعة‪ .‬فبين أن قصده ؛ أنه لو كفر ولي أمر في بلد‬
‫أخرى فل يجوز الخروج‪.(......‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 664 [ ‬‬

‫فرد بقوله هذا صريح القرآن ‪ ,‬وصحيح السنة ‪ ,‬ومعتقد إجماع المة ! لسواد عيون‬
‫آل سعود وأشباههم! ثم تولى اللباني مدرسة أخرى معاصرة في مذهب الرجاء‬
‫فقال ) الخروج على الحكام في هذا الزمان هو خروج على السلم ذاته ( ! وشهد‬
‫عليهم بالسلم‪ .‬ثم قام الدجال الذي يسمونه المفتي العظم في باكستان ) رفيع‬
‫عثماني ( ‪ ,‬ليقول أن الذين يقتلون وهم يدافعون عن أنفسهم ضد غارات الجيش‬
‫الباكستاني عليهم ‪ ,‬ليسوا شهداء !فرد حكم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫بأن من قتل دون ماله أو عرضه أو نفسه أو مظلمته أو دينه فهو شهيد ‪ .‬وأن‬
‫المريكان وأشكالهم مستأمنون ذميون ل يجوز العدوان عليهم ‪ ,‬ول في بلدهم‬
‫‪..‬وسحب من دار الفتوى إباحة سابقة بالعمليات الستشهادية ‪ .‬وقال نحن ل نكلف‬
‫بالجهاد إل إذا دعى إليه ولي المر ) مشرف ‪..‬كما كان المر أيام ضياء الحق عندما‬
‫دعى لجهاد الروس !!! وقال أن من قاتل مع المريكان ضد المسلمين يأثم ول يكفر ‪,‬‬
‫وأن التشريع من دون الله ذنب و ل يخرج من الملة وهو كفر أصغر على اشد‬
‫الحتمالت !!( ‪..‬إلخ ‪.‬‬
‫وقل مثل ذلك عن أئمة الدعوة وعلوم الدين من المرجئة المعاصرين في هذا‬
‫الزمان من رحل منهم وأمره إلى الله ومن ما زال حية تسعى‪ ...‬ويلفت النظر في‬
‫مدرسة الرجاء السياسي المعاصر‪ .‬أنها تحملت أن ترجئ وتعذر في تناول الملوك‬
‫والسلطين وأعمالهم ولكنها ما تحملت أن ترجئ في أعمال المجاهدين فحكمت‬
‫عليهم أنهم كلب أهل النار! ول يروحون رائحة الجنة! وأنهم يقتلون ويصلبون وتقطع‬
‫أطرافهم من خلف وينفوا من الرض في الدنيا!‬
‫كيف يقتلون نصرانيا محتل جاء بإذن ولي المر فصار ذميا مستأمنا ومعاهدا ؟‬
‫فجاء المجرمون من الذين يدعون الجهاد فأراقوا دم هذا الصليبي )الطاهر( ! وخفروا‬
‫منه ؟!‬
‫ذمة )المرتد( الذي أ ّ‬
‫والعجب من أمر مدرسة الرجاء السياسي في الصحوة السلمية ملحظة غريبة!‬
‫وهي أن أقطابها من غلة التصوف إلى غلة من يدعون السلفية‪ .‬كفروا بعضهم على‬
‫فهم السماء والصفات ومذهب الشعرية و الماتوريدية والسلفية وأصحاب‬
‫الحديث ‪...‬واختلفوا على ذات الله تبارك وتعالى وأسمائه وصفاته ! ولكنهم اتفقوا‪-‬‬
‫وسبحان مؤلف القلوب ‪ -‬على إسلم الحاكم وأسمائه وصفاته! كما حصل منهم في‬
‫المغرب و الباكستان وحيثما تواجدت المدرستان‪ ...‬فوسعهم في ملوك الرض ما لم‬
‫يسعهم في ملك السموات والرض ومن فيهن!‪.‬‬
‫ويبدوا أن الباحث ل يجد مبررا لهذا المذهب إل أن يبرر لصحاب الدخول في‬
‫مكونات المل لما اختاروا السياسية والعمل بالديمقراطية ‪ .‬فهم سيدخلون البرلمان‬
‫)مؤسسة تشرع من دون الله ( وسيدخلون الحكومة ) مؤسسة تحكم بغير ما انزل‬
‫الله( ‪ ..‬فكيف يجوز ذلك إن حكموا بكفر الحاكم وهم من طائفته وشركائه وملئه ؟!‬
‫فما المخرج ؟! إما ل يدخلون ! وإما يحكمون بإسلمه! فاختاروا السهل و المتع!‬
‫وحكموا بإسلم مرتد يبارز الله الحرب والعداء ‪ .‬وينازعه أخص خصوصيات اللوهية‪.‬‬
‫وإليك قصة عشتها بنفسي وهي ذات دللة! وأوردها على سبيل المثال فقط ‪ .‬و إل‬
‫فالشواهد هذه اليام أكثر من أن تحصر‬
‫‪.‬‬
‫لما هاجرت من سوريا إبان انهيار الحركة الجهادية وكنت قد انتسبت للتنظيم‬
‫الجهادي )الطليعة المقاتلة(‪ .‬آل أمري لن أكون عضوا في تنظيم الخوان المسلمين‬
‫ثم عضوا في قيادة الجهاز العسكري للخوان سنة ‪ .1980‬وكنا في بغداد ولم نكن‬
‫بصفتنا كوادر عسكرية نعلم عما تخطط قياداتنا السياسية‪ .‬ولكننا فوجئنا بهم يوقفون‬
‫العمل العسكري ويحلون عمليا أجهزته ويعلنون بدء مرحلة الجهاد السياسي ويعلنون‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 665 [ ‬‬

‫في مارس ‪) 1982‬بعد أن تسببوا في دمار حماة وتصفية المجاهدين في عموم سوريا‬
‫( يعلنون قيام تحالف وطني يضم )الخوان المسلمين‪ -‬الجبهة السلمية‪ -‬مجموعة من‬
‫علماء الصوفية المستقلين – حزب البعث اليميني التابع للعراق برعاية صدام آنذاك –‬
‫الحزاب العلمانية الفرعية( من أجل مواجهة حزب البعث اليساري النصيري في‬
‫سوريا‪ .‬وكتبوا لذلك ميثاقا ) إسلميا علمانيا ( على قدر هوية من شكل التحالف‪ ..‬ثم‬
‫ُوسع )التحالف الوطني لتحرير سوريا( ليدخل فيه )رفعت السد( النصيري أخو حافظ‬
‫أسد! رفعت ! الذي كان يتولى المجازر والمقابر الجماعية للخوان المسلمين وغيرهم‬
‫من المسلمين! لنه صار معارضا للنظام الذي يقوده أخوه ! في صراعه على السلطة‬
‫معه ‪ .‬وتبع هذا التوجه منهاج فكري جديد وفقه جديد كان على جهاز التربية في‬
‫الخوان أن يلقنه للمجاهدين‪ .‬وكتب الشيخ) منير الغضبان( من الخوان المسلمين في‬
‫سوريا‪ ) ,‬وقد رجع عما كتب في كتابات تالية ‪ -‬سامحه الله‪ (-‬كتب كتاب ) التحالف‬
‫السياسي في السلم ( وتولى مع الشيخ سعيد حوى والشيخ عبد الفتاح أبو غده ‪,‬‬
‫وعلماء الخوان السوريين مهمة طرح فقه جديد يناسب المرحلة حيث تشوه فيه‬
‫الستنباطات من معاهدات الرسول صلى الله عليه وسلم‪ .‬حتى صارحني أحد كبار‬
‫المربين في الخوان حينها بقوله )عندي أزمة ! كيف أدرس الشباب هذه الكتب التي‬
‫توفق بيننا وبين العلمانيين وأشرح لهم ميثاق التحالف الوطني ثم أدرسم كتاب معالم‬
‫في الطريق لسيد قطب؟!(‬
‫ولمن أراد الستزادة والتفاصيل عن هذه القضية أن يعود إلى كتابي )الثورة‬
‫الجهادية في سوريا ‪ -‬آلم وآمال( المنشور سنة ‪.1990‬‬
‫وفي نفس الفترة روى لي أحد الموجهين في الخوان المسلمين الردنيين في‬
‫عمان سنة ‪ . 1989‬أنه لما قرر الخوان الردنيون دخول البرلمان الردني والوزارات‬
‫أي السلطتين التشريعية والتنفيذية عند )جللة( الملك حسين)المعظم( كما يردد راديو‬
‫عمان !قال لي أخونا‪ ) :‬إسمع هذه العجوبة ‪:‬‬
‫ُ‬
‫لحقت بتنظيم الخوان مطلع السبعينيات‪ .‬فطلب إلي أن اعتقد كفر الملك حسين‬
‫لنه يحكم بغير ما أنزل الله ‪ .‬وكان كتابنا الساسي )معالم في الطريق(‪ .‬وكنت قد‬
‫قرأت شيئا من كتب التفسير فقرأت قول بعض التابعين عن ذلك )كفر دون كفر(‬
‫وظننت أن حسين مسلم وليس كافرا‪ ,‬وإن كان ظالما فاسقا‪ .‬فتعرضت بعد ما بحت‬
‫بعلومي عن إسلم الحاكم الظالم تعرضت لمحكمة إخوانية أمهلني فيها التنظيم مدة‬
‫جمدت عضويتي خللها ‪ .‬فنظرت‬ ‫لعتقد كفر الملك حسين أو أفصل من التنظيم! و ُ‬
‫في المر وهداني الله لما هداهم إليه وأعلنت كفر الملك حسين وعدت عضوا في‬
‫التنظيم ‪ .‬وصرت موجها فيه بعد سنين أدرس الشباب أدلة كفر الملك حسين من‬
‫معالم في الطريق وغيره ‪ .‬وفي هذه السنة )‪ (1990-1989‬أي بعد ما يقرب من‬
‫عشرين عاما على تلك الحادثة ‪ ,‬دخل الخوان الردنيون البرلمان و دخل بعضهم‬
‫الوزارة‪ .‬وكتب الخوان رسائل فقهية تشهد بإسلم حسين وجواز دخول البرلمان ‪,‬‬
‫وأجاز بعضهم تولي الوزارة ولم يجز البرلمان ‪ .‬على مذهب سيدنا يوسف في العمل‬
‫عند الفرعون وزير خزانة ! وذهب بعضهم للعكس وأجاز فريق ثالث المرين‪ .‬ولكنهم‬
‫اتفقوا مجددا على إسلم حسين حتى يحلوا مشكلة دخول السلطة (‪.‬‬
‫يتابع صاحبي‪ ) :‬ولكنني كنت قد امتلت قناعة على مدى عشرين سنة في الخوان‬
‫المسلمين بمسألة كفر الملك حسين ودرسُتها ودّرستها‪ ,‬فكيف أ ٌَأسلمه الن بمجرد‬
‫ت على موقفي‪ .‬وتعرضت لمحاكمة تنظيمية جديدة ُأعطيت‬ ‫بيان من التنظيم؟! فثب ُ‬
‫جمدت خلل‬ ‫خللها مهلة للقتناع بإسلم الملك حسين و إل فصلت من التنظيم!! و ُ‬
‫هذه المدة عن العضوية !( فقلت فماذا فعلت؟ فقال‪ ) :‬قررت فصل التنظيم من‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 666 [ ‬‬

‫عضويتي!! وقررت تجميدهم عن كونهم إخوان مسلمين ‪ .‬هؤلء ل يمكن أن يكونوا لي‬
‫إخواننا ‪ ,‬وما أدري ماذا بقي لهم كمسلمين؟!‪(.‬‬
‫وهكذا دخلت قواعد الرجاء على الصحوة السلمية ليتبعوا سنة أصحاب النسيئة‬
‫يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله !!‪.‬‬
‫هذا هو التفسير الوحيد لظاهرة الرجاء السياسي‪ .‬أهواء السياسة وفن الممكن‪.‬‬
‫وضريبة التسكع على أبواب السلطين وتصديق حديث رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪:‬‬
‫( ومن أتى أبواب السلطين افتتن( ( وما ازداد عبد من السلطان‬
‫قربا إل ازداد من الله بعدا ( ‪ .‬هي الحقيقة بكل بساطة لقد افتتن المرجئة‬
‫السياسيون في أبواب السلطين وبعدوا كثيرا عن أصول شريعة الله‪ .‬ولغة العرب‬
‫واضحة ‪ ) :‬افتتنْ( من ) فتن( ) يفتن( فهو ) فّتان( و ) مفتون( ‪...‬‬
‫وأما السبب الثاني‪ ,‬أو التفسير الثاني لظاهرة الرجاء السياسي فهو سياط الجلد‬
‫في السجون وسياسة جلسات )الموزة( وكهرباء) السند ريل ( آنفة الذكر‪ .‬وتفضيل‬
‫النتماء لتيار الرجاء عن الدخول في تيار شدته ‪ 220‬فولت !!‬
‫وأما ثالث التفسيرات‪ ..‬فهو الشيطان و تلبيساته‪ .‬وهكذا ‪ ,‬وبين تلبيس إبليس‪,‬‬
‫وسياط جلد خسيس ‪ ,‬ومكاسب كرسي في البرلمان التعيس‪ ,‬ولد هذا الفقه الخبيث ‪.‬‬
‫وجلس فقهاء السلطين والدعاة المنحرفون داخل مؤسسات السلطة‪.‬‬
‫فإنا لله وإنا إليه راجعون‪.‬‬
‫وغني عن القول أن هناك إرجاء من نوع آخر هو إرجاء العلماء المنافقين الذين‬
‫كتموا ما أنزل الله عن علم ‪ .‬وباعوا شريعة الله وبدلوها عن فهم ‪ .‬بسبب بريق ذهب‬
‫ن ‪( ‬الشعراء‪. (42:‬‬ ‫قّرِبي َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م َ‬ ‫م ِإذا ً ل َ ِ‬
‫م َ‬ ‫م وَإ ِن ّك ُ ْ‬
‫السلطان والطمع في قوله ‪  :‬ن َعَ ْ‬
‫وهذا إرجاء بين في طبيعته وأسبابه ل يحتاج إلى نقاش‪ .‬فقد عرفنا على أصحابه‬
‫كتاب ربنا عندما قال تعالى‪:‬‬
‫‪ ‬مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحل أسفارا ‪..‬‬
‫‪ ,..‬عندما زاد في بيان أحوالهم بقوله ‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫شي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫سل َ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ن فَ َ‬
‫كا َ‬ ‫طا ُ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫من َْها فَأت ْب َعَ ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫ذي آت َي َْناه ُ آَيات َِنا َفان ْ َ‬ ‫م ن َب َأ ال ّ ِ‬
‫ل ع َل َي ْهِ ْ‬
‫‪َ ‬وات ْ ُ‬
‫َ‬ ‫هأ ْ َ َ‬ ‫َ‬
‫واهُ‬‫ض َوات ّب َعَ هَ َ‬‫خلد َ إ ِلى الْر ِ‬ ‫شئ َْنا ل ََرفَعَْناه ُ ب َِها وَل َك ِن ّ ُ‬ ‫ن * وَل َوْ ِ‬ ‫ن ال َْغاِوي َ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫ل ال ْ َ‬ ‫ه ي َل ْهَ ْ‬ ‫َ‬ ‫ل ع َل َي ْهِ ي َل ْهَ ْ‬
‫قوْم ِ‬ ‫مث َ ُ‬
‫ك َ‬ ‫ث ذ َل ِ َ‬ ‫ث أوْ ت َت ُْرك ْ ُ‬ ‫م ْ‬
‫ح ِ‬‫ن تَ ْ‬ ‫ب إِ ْ‬ ‫ل ال ْك َل ْ ِ‬ ‫ه كَ َ‬
‫مث َ ِ‬ ‫مث َل ُ ُ‬‫فَ َ‬
‫ن ‪ ) ‬العراف ‪. (176-175‬‬ ‫فك ُّرو َ‬ ‫م ي َت َ َ‬ ‫ص ل َعَل ّهُ ْ‬ ‫ص َ‬ ‫ق َ‬ ‫ص ال ْ َ‬‫ص ِ‬ ‫ن ك َذ ُّبوا ِبآيات َِنا َفاقْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬

‫*************‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 667 [ ‬‬

‫الفصل السادس‬
‫مسار التيار الجهادي وتجاربه‬
‫(‪(1960-2001‬م‬
‫قال الله تعالى‪:‬‬
‫ن‪‬‬
‫سِني َ‬
‫ح ِ‬ ‫معَ ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ه لَ َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫سب ُل ََنا وَإ ِ ّ‬ ‫دوا ِفيَنا ل َن َهْد ِي َن ّهُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫جاهَ ُ‬
‫ن َ‬ ‫‪َ ‬وال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫)العنكبوت‪(69 :‬‬

‫وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬


‫) بدأ السلم غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء (‪.‬‬

‫وقال صلى الله غليه وسلم ‪:‬‬


‫) ل تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم‬
‫حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال(‪.‬‬

‫وأخبر عن ثباتهم صلى الله عليه وسلم فقال ‪:‬‬


‫) ل تزال أمة من أمتي ظاهرين على الحق ل يضرهم من خالفهم‬
‫حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس(‪..‬‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة ‪] 668 [ ‬‬

‫الفصل السادس‪:‬‬
‫مسار التيار الجهادي وتجاربه‬
‫)‪(1960-2001‬م‬
‫أول‪ :‬تعريف التيار الجهادي وتصنيفه‪:‬‬
‫ابتدءا أقول‪ :‬إن الصل المتفق عليه كتعريف عام‪ ,‬ينص على أن الجهاد في سبيل‬
‫الله هو‪ :‬الجهد المبذول لتكون كلمة الله هي العليا‪ .‬وهو يعني بإطلقه القتال في‬
‫سبيل الله وبذل النفس والمال في سبيل نصرة دين الله والدفاع عن المسلمين‪,‬دينهم‬
‫ودمهم وعرضهم ومالهم وأرضهم‪ ..‬وعليه فالقائم بهذا العمل ابتغاء وجه الله ولتكون‬
‫كلمة الله هي العليا هو المجاهد في سبيل الله‪ .‬وإذا اجتمع الرهط أو الجماعة من‬
‫المسلمين على ذلك فهم )مجاهدون في سبيل الله(‪.‬‬
‫ولكن هذا الفصل يختص بنوع خاص من هؤلء) المجاهدين(‪ ,‬يحتاج أصحابه‬
‫مصطلحا وتعريفا محددا يجمعهم وينسحب على مدارسهم وتجمعاتهم المتعددة‪ ,‬أو‬
‫حتى على علمائهم وكوادرهم وأفرادهم‪ ..‬وهو ما اصطلح عليه بمسمى )التيار‬
‫الجهادي(‪ .‬وقد كنت في محاضرات وتسجيلت سابقة قد وسعت ما يشمله المصطلح‬
‫عندما وصلت إلى هذا الفصل‪ ,‬ولسيما في مجموعة المحاضرات المعنونة باسم‬
‫)الجهاد هو الحل لماذا وكيف( وكذلك في محاضرات أشرطة الفيديو وهي من آخر‬
‫إنتاجي وكانت بعنوان هذا الكتاب‪ .‬فقلت فيها‪ :‬أن التيار الجهادي‬
‫)هو مصطلح شامل لكل من حمل السلح فردا أو جماعة أو تنظيما‬
‫يجاهد أعداء السلم تحت شعار ل إله إل الله محمد رسول الله( وقلت في‬
‫حينها أن هذا التعريف يترك جانبا مسألة المناهج والساليب والهداف المحدودة‬
‫ويتجاوز تقيمها‪ .‬وقلت أن التيار الجهادي مرحلة و ظاهرة انبثقت عن الصحوة‬
‫السلمية خلل القرن المنصرم‪.‬‬
‫ولما عدت لما كتبته أو قلته في دروسي تحت هذا التعريف المتوسع‪ ,‬وجدت أن‬
‫التيار الجهادي الذي تناولت مساره في تلك المحاضرات‪ -‬وأتناوله هنا‪ -‬ل ينسحب على‬
‫كل من يندرج تحت ذلك التعريف العريض )الذي يشمل كل مجاهد في سبيل الله(‬
‫والذي يشكل مجموع جماعاتهم وأفرادهم وهو‪ .‬ما يمكن أن يسمى بس )الظاهرة‬
‫الجهادية المسلحة(‪ .‬ولذلك أعيد صياغة التعريف بشكل أدق هنا فأقول‪:‬‬
‫*التيار الجهادي‪:‬‬
‫ويشمل على التنظيمات والجماعات والتجمعات والعلماء والمفكرين‬
‫والرموز والفراد الذين تبنوا فكرة الجهاد المسلح ضد الحكومات القائمة‬
‫في بلد العالم العربي و السلمي‪ .‬باعتبارها تمثل أنظمة حكم مرتدة‪.‬‬
‫بسبب حكمها بغير ما أنزل الله ‪ ,‬وتشريعها من دون الله ‪ ,‬وولئها لعداء‬
‫المة من قوى الكفر المختلفة ‪ ,‬كما تبنوا منهاج الجهاد المسلح ضد‬
‫القوى الستعمارية الهاجمة على بلد المسلمين معتبرين تلك النظمة‬
‫التي أسقطوا شرعيتها وخرجوا عليها حلفاء محاربين للسلم‬
‫والمسلمين‪.‬‬
‫ورغم أن جماعات وأفراد التيار الجهادي يشتركون مع غيرهم من‬
‫مكونات)الظاهرة الجهادية( في مبدأ الجهاد المسلح ضد العداء الخارجيين المعتدين‬
‫على أهل السلم وبلدهم ومقدساتهم مع الجماعات والفراد الذين تصدوا لجهاد هؤلء‬
‫العداء كما في فلسطين و الشيشان و البوسنة وكشمير والفلبين و إرتريا وغيرها‪ ..‬إل‬
‫أنهم تميزوا بالفكر المنطلق من مبادئ الحاكمية والمفاصلة مع أنظمة الجاهلية‪,‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 669 [ ‬‬

‫وبمبادئ الولء و البراء و موقف المؤمنين من الطاغوت وأوليائه‪ ..‬إلى غير ذلك مما‬
‫سنعرض له من تفاصيل منهجية‪.‬‬
‫ولذلك سأصطلح على الفريق الثاني من الممارسين للجهاد ضد الكفار الصليين‬
‫من اليهود والنصارى والوثنين وغيرهم من أعداء المسلمين باسم )الجماعات‬
‫المجاهدة(‪ .‬وهذه مصطلحات تصنيف وتقسيم دراسي‪ ,‬وليس تقسيم عقدي أو منهج‬
‫تقييم‪.‬‬
‫فالصل العقدي كما قدمت‪ ,‬هو أن المجاهد في سبيل الله ؛ من قاتل لتكون كلمة‬
‫الله هي العليا‪ .‬كما قرر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما صح واشتهر من‬
‫أحاديث السنة ‪ :‬روى أبو موسى الشعري أن رجل أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم فقال‪ :‬يا رسول الله ‪ ,‬الرجل يقاتل للمغنم ‪ ,‬والرجل يقاتل ليذكر‪ ,‬والرجل يقاتل‬
‫ليرى مكانه ‪ ,‬فمن في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫( من قاتل لتكون كلمة الله أعلى فهو في سبيل الله ( )رواه مسلم (‪.‬‬
‫وقد أذكر المصطلح باختصار في ثنايا البحث بقولي )الجهاديين( إشارة إلى‬
‫المنتمين للتيار الجهادي ‪ -‬وقد اشتهر هذا المصطلح ‪ -‬وبقولي )المجاهدين( إلى أفراد‬
‫الصنف الخر‪ .‬ول يغيب عن الذهن أيضا أن هذا التصنيف هو بحكم الغالب في‬
‫المجموع‪ ,‬فقد يحتوي التيار الجهادي من ل يحمل تفاصيل فكره ومنهجه وهذا قليل‪.‬‬
‫وقد يحمل فكر التيار الجهادي أفراد من جماعات مجاهدة للكفار الصليين من‬
‫المستعمرين والعداء الخارجيين وهذا كثير‪ ,‬ولسيما في الجماعات المجاهدة التي‬
‫انبثقت عن أصول جماعات الخوان المسلمين أو جماعات التيار السلفي ‪ ..‬ولكن‬
‫توجه تلك الجماعات كان للعداء الخارجيين ولم تتبن منهجا معلنا في ذلك لسباب‬
‫حركيه وسياسية‪ ..‬في الغالب‪ ,‬أو لسباب منهجيه أحيانا‪.‬‬
‫إذن أعود بعد هذا التفصيل لختصار التعريف فأقول‪:‬‬
‫(الجهاديون( أو( التيار الجهادي( هم الجماعات أو الفراد الذين حملوا‬
‫فكرة الجهاد المسلح ضد الحكومات القائمة في بلد العالم السلمي‪ ,‬أو‬
‫ضد العداء الخارجيين‪ ,‬وحملوا فكرا محددا يقوم على مبادئ الحاكمية‬
‫وقواعد الولء و البراء وأساسيات الفكر الجهادي السياسي الشرعي‬
‫المعاصر كما هو مفصل ومعروف في أدبياتهم‪.‬‬
‫وإذا أردنا أن نقوم بعملية تصنيف للجماعات والفراد الذين مارسوا الجهاد المسلح‬
‫خلل النصف الثاني من القرن العشرين وإلى اليوم والذين يشكلون بمعظمهم ما‬
‫أصطلح عليه باسم)الظاهرة الجهادية المسلحة( تصنيفا عموميا لخذ فكرة أكثر تحديدا‬
‫عن فحوى التعريف السابق نجد أن بالمكان إجراء نوعين من التصنيف‪:‬‬
‫الول‪ :‬وفق مجالت جهادها والعدو الذي استهدفته‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬وفق مناهجها في التفكير و العتقاد والمنهج السياسي‬
‫الشرعي‪.‬‬
‫ولكن قبل ذلك يجب أن نلفت النظر إلى التفريق الهام بين الجماعات المجاهدة‬
‫أو الجهادية‪ ,‬وبين تلك التنظيمات التي تحمل السلح تجاه مختلف أشكال أعداء المة‪,‬‬
‫ولكن ليس جهادا في سبيل الله وليس لعلء كلمة الله‪ ,‬أو أداء لفريضة الجهاد بقصد‬
‫الواجب الديني كعبادة ‪ ..‬وإنما لدوافع مختلفة قد تكون )وطنية تحررية(‪ ,‬أو لدوافع‬
‫)سياسية( ضد حكومات دكتاتورية‪ ,‬من أجل تبديل النظام اللديني القائم‪ ,‬وإقامة نظام‬
‫ل ديني آخر يقوم على مبادئ القومية أو الوطنية أو الديمقراطية أو الشتراكية أو‬
‫الشيوعية‪ ..‬أو سوى ذلك من المذاهب السياسية والفكرية العلمانية المعاصرة‪..‬‬
‫فهذه الخيرة منظمات نضالية أو كفاحية وليست مجاهدة ول جهادية‪ .‬و قد يكون‬
‫حمل السلح لسباب من الرجولة والحمية أو شجاعة أو رياء ومفاخرة‪ ....‬إلى أخره‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 670 [ ‬‬

‫ول يعتبر عملها الذي قد يكون محمودا من وجهة النظر الوطنية أو التحريرية أو‬
‫النضالية‪ ..‬ولكنه ليس عبادة يثاب فاعلها عليها‪ ,‬ول أجر له في الخرة‪ ,‬وليس قتله‬
‫شهادة في سبيل الله‪ ,‬وإنما هجرته وقتله إلى ما هاجر إليه بحسب نيته ‪ .‬بل قد يكون‬
‫آثما أو مرتدا بحسب الهداف التي قاتل من أجلها ‪ ..‬فالجهاد ؛ هو ما كان في سبيل‬
‫الله ولعلء كلمة الله‪ ,‬والشهيد كما عرفه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو من‬
‫قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ‪.‬‬
‫وأما المجاهدون الذين يشكلون أفراد الظاهرة الجهادية‪ .‬فهم الذين يقومون‬
‫بالقتال في سبيل الله تعبدا لله‪ ,‬وأداء لفريضة افترضها الله على المسلمين في أحوال‬
‫محددة‪ .‬فيقومون بالجهاد كفعل ديني عبادي‪ .‬وهذا أمر يجب أن يكون واضحا‪ .‬وأما‬
‫تصنيف أنوع المجاهدين اليوم فعلى الشكل التالي بناء على ما أسلفت‪ ,‬مما يساعد‬
‫على تعريف التيار الجهادي وتميزه عن غيره من مكونات ) الظاهرة الجهادية المسلحة‬
‫المعاصرة ( عموما‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬تصنيف مكونات الظاهرة الجهادية‪:‬‬


‫تصنيف مكونات الظاهرة الجهادية بحسب مجالت جهادها والعداء‬
‫الذين جاهدهم‪:‬‬
‫‪ .1‬التيار الجهادي‪ :‬أو( الجماعات أو التنظيمات الجهادية( ‪:‬‬
‫أو( الجهاديين( ‪:‬‬
‫وهي الجماعات الفراد الذين تبنوا فكرة جهاد الحكومات الطاغوتية المرتدة‬
‫القائمة في بلد العالم العربي والسلمي‪ ,‬من أجل إسقاطها وإقامة حكم شريعة الله‬
‫على أنقاضها‪ .‬أو دفعا لظلمها الواقع على المسلمين‪ ,‬بناء على فكر جهادي سياسي‬
‫شرعي محدد سيأتي بيانه إن شاء الله‪.‬‬
‫وقد يشارك أفراد هذه المنظمات والجماعات بشكل جماعي أو فردي‪ ,‬في أنواع‬
‫أخرى من الجهاد كدفع الصائل وجهاد العداء الخارجيين كما في أفغانستان والبوسنة و‬
‫الشيشان وسواها‪ .‬ولكن أساس نشأتها وأهدافها جعلها بشكل عام منظمات؛ )سرية‬
‫الحركة( )قطرية الهداف( )هرمية البناء التنظيمي(‪ .‬يرتبط أفرادها بقيادة وأمير عبر‬
‫بيعة على الجهاد والعمل لتحقيق تلك الهداف‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 671 [ ‬‬

‫‪ .2‬الجماعات أو التنظيمات المجاهدة ‪:‬‬


‫وهي المنظمات والجماعات التي تخصصت في جهاد العداء الصائلين على بلد‬
‫المسلمين وخاصة اليهود)كما في فلسطين(‪ ,‬أو الصليبيين المحتلين كالمريكان ) كما‬
‫في جزيرة العرب والعراق وغيرها حاليا( أو الغربيين عموما‪ ,‬أو الملحدين كما الروس‬
‫أو الصين‪ ,‬أو الوثنيين كما في الشيشان والبوسنة والهند وكشمير وجنوب شرق‬
‫آسيا‪ ...‬أو أي نوع من العداء الخارجيين‪.‬‬
‫وكثيرا ما تأخذ هذه المنظمات شكل حركات تحرير وطنية‪ ,‬ولكن على أساس‬
‫إسلمي وجهادي كما أسلفنا‪ ,‬وبهدف تحرير تلك البلد‪ ,‬ثم إخضاعها للحكم السلمي‪,‬‬
‫أو دفاعا عن الدين والرض والعرض والنفس والمال‪ ..‬كعبادة وفريضة شرعية‪.‬‬

‫‪ .3‬الجماعات والفراد المجاهدين من أجل تغير المنكر بالسلح أو‬


‫لدفع المظالم‪:‬‬
‫وغالب هذه الظاهرة يقوم على الجهاد الفردي والمبادرات الشخصية‪ ,‬وغالبا ما ل‬
‫يكون لها جماعات محددة أو أمير‪ ,‬وإنما أفراد أو شراذم صغيرة تقوم بأعمال جهادية‬
‫مسلحة بنية الحتساب والمر بالمعروف والنهي عن المنكر أداء لفريضة عبا دية وبناء‬
‫على تصورات ودوافع دينية‪ ,‬لزالة منكر هنا أوهناك‪ ,‬كتدمير مواقع الخمر أو الزنا أو‬
‫المجون والفساد‪ ,‬أو اغتيال لرأس من رؤوس الكفر أو الظلم أو العدوان على‬
‫المسلمين ‪ ,‬أو على دينهم وشعائرهم ومقدساتهم‪ ,‬أو لزالة أي مظهر من المظاهر‬
‫التي يعتبرونها منكرة دينيا يجب إزالتها باليد بعد أن استحال ذلك باللسان والقلب ‪..‬‬
‫ولست هنا بصدد تقيم الصواب أو الخطأ أو الجدوى من هذه العمال‪ ,‬وهل‬
‫حققت الهدف من إزالة المنكر‪ ,‬أم أدت إلى مناكير أكبر‪ ..‬ولكني أذكر هذا الصنف هنا‬
‫نوع من أنواع المجاهدين الذين قاموا بذلك كعبادة وأداء لواجب ديني‪ ,‬وهذا أصل‬
‫نيتهم‪.‬‬

‫• تصنيف مكونات الظاهرة الجهادية بحسب مناهجها في التفكير‬


‫والسياسة الشرعية‪:‬‬
‫وتنقسم بصورة رئيسية إلى نوعين رئيسيين‪:‬‬
‫‪ .1‬جماعات منهجية‪:‬‬
‫وهي التي لها منهج فكري سياسي شرعي محدد ومفصل‪ ,‬وموقف شرعي من‬
‫عموم المسائل السياسية الشرعية أو العقدية والفكرية عموما‪.‬‬
‫‪ .2‬جماعات غير منهجية‪:‬‬
‫وهي الجماعات التي اجتمع أفرادها على أداء فريضة الجهاد لهدف من الهداف‬
‫المشروعة شرعا‪ ,‬كدفع الصائل أو إزالة المنكر أو دفع المظالم أو قتال حكومة أو‬
‫سوى ذلك‪ ,‬و على حمل السلح من دون أن يكون لها منهج سياسي شرعي مفصل‬
‫يحدد الموقف من المسائل السياسية وغيرها‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 672 [ ‬‬

‫وتنقسم الجماعات الجهادية المنهجية إلى ثلث أقسام رئيسية‪:‬‬


‫‪ .1‬الجماعات الجهادية الحركية‪:‬‬
‫ومعظمها انبثقت عن الصحوة السلمية مطلع الستينيات‪ ,‬وحملت مؤثرات فكر‬
‫الخوان المسلمين بالضافة للفكر الذي قام على أسس الولء و البراء و الحاكمية‪,‬‬
‫والذي كان من أوائل وأعظم منظريه الشهيد سيد قطب في مصر‪ ,‬و الستاذ أبو‬
‫العلى المودودي في باكستان‪.‬‬
‫‪ .2‬الجماعات الجهادية السلفية‪:‬‬
‫وهي الجماعات الجهادية التي ضمت إلى الفكر السابق‪ ,‬العتماد على عقائد‬
‫السلف وفق فتاوى المام ابن تيمية وأمثاله من أقطاب المدرسة السلفية‪ ,‬واعتمدت‬
‫فقه الدعوة النجدية وأفكار المام محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله‪ ,‬وأفكار من سار‬
‫على هذا المنهج ممن جاء بعدهم‪.‬‬
‫‪ .3‬الجماعات المجاهدة الصلحية والتربوية (الصوفية الجهادية –‬
‫جماعات العلماء الجهادية‪:(...‬‬
‫وهي الجماعات التي قامت على أسس تربوية ومنهجية علمية أو مذهبية أو‬
‫طرقية وتكون لها كيان تنظيمي وارتبط أعضائها ببيعة إلى رئيسهم أو شيخهم أو‬
‫قائدهم ‪ ..‬ثم حملت السلح للجهاد ضد العداء الخارجيين غالبا‪ ,‬أو في مسائل داخلية‬
‫أحيانا‪.‬‬

‫كما تنقسم الجماعات الجهادية غير المنهجية إلى قسمين‪:‬‬


‫ج‬ ‫‪.1‬‬
‫ماعات مجاهدة منظمة ‪:‬‬
‫وهي الجماعات التي يرتبط أفرادها ببيعة وأمير وقيادة‪ .‬وتقوم لها هياكل إدارية‬
‫تنظيمية‪ .‬و يربط أفرادها القضية الجهادية التي اجتمعوا عليها‪ ,‬كدفع الصائل أو إزالة‬
‫أي منكر من المنكرات‪ ,‬أو التصدي لي شكل من أشكال أعداء السلم والمسلمين‪.‬‬
‫ولكن من دون أن يكون لهم منهج فكري محدد للعتقاد والتربية‪..‬‬
‫ك‬ ‫‪.2‬‬
‫تل وأفراد وتجمعات مجاهدة غير منظمة‪:‬‬
‫وهي محاولت الفراد أو الكتل الصغيرة والشراذم المجاهدة التي قام أعضاؤها‬
‫هنا وهناك بأعمال جهادية مشروعة‪ ,‬ولكن دون أن يكون لواحدهم أو مجموعهم فكر‬
‫محدد ول منهج اعتقاد وتربية‪ ,‬أو رابط يربط بين أعضائهم‪.‬‬
‫وهذا الفصل الذي نحن بصدده يركز على دراسة بعض ملمح وتجارب التيار‬
‫الجهادي المسلح بشكل محدد‪ .‬وهو أبرز وأهم مكونات الظاهرة الجهادية المسلحة‪.‬‬
‫وأكثرها أثرا بل يشكل أساس الظاهرة‪ ,‬والجانب الهم فيها من حيث الحجم والثر‬
‫ومستقبل المواجهة بيننا وبين أعدائنا والله أعلم‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 673 [ ‬‬

‫• ثالثا‪ :‬نشأة التيار الجهادي المعاصر ومراحل تطوره فكريا‬


‫وحركيا (‪:(2001-1960‬‬
‫يعتبر ميلد جماعات وتنظيمات التيار الجهادي نتاجا طبيعيا للتطورات السياسية‬
‫لمرحلة ما بعد الستقلل) الشكلي( عن الحتلل في بلد العالم العربي والسلمي‪.‬‬
‫كما يعتبر تطورا مرحليا طبيعيا وإفرازا تلقائيا للصحوة السلمية المعاصرة ‪ ,‬التي‬
‫كانت قد انطلقت منذ سقوط الخلفة تقريبا أي مطلع الثلثينيات‪ .‬أي قبل ميلد التيار‬
‫الجهادي بنحو ثلثة عقود على القل‪ .‬بحسب حداثة أو قدم ميلد الصحوة السلمية‬
‫وأحوال كل بلد وظروف احتلله وأوضاعه السياسية عموما‪...‬‬
‫فكما مر معنا في الفصلين السابقين‪ .‬فقد تولى الستعمار الحديث للبلد العربية‬
‫والسلمية تحطيم مقومات المقاومة والنهضة في المة بعد إسقاط الخلفة‪ ,‬وتمكن‬
‫من تحطيم مقومات المرجعيات السياسية والدينية والجتماعية في غالب بلد العالم‬
‫العربي والسلمي‪ .‬وأدت النقلة النوعية في أسلوب الستعمار‪ ,‬من الستعمار القديم‬
‫أو)العسكري المباشر( لبلد المسلمين إلى أسلوب الستعمار الحديث )القتصادي‬
‫والسياسي والثقافي(‪ ,‬وتنصيبه لحكومات الردة من أجيال العلمانية أومن التجمعات‬
‫الخائنة العميلة( نائبة عنه في تحقيق أهدافه‪...‬‬
‫و أدى ذالك إلى خروج المة من ميدان الصدام لخفاء دور المستعمر الخارجي‬
‫وتولي الحكومات )الوطنية( المحلية للحكم ‪...‬وبحكم طبائع الشياء كان ل بد لتلك‬
‫الحكومات من أن تصطدم مع مختلف مكونات الصحوة السلمية التي قامت أساسا‬
‫من أجل العودة بالمسلمين بشكل أو بآخر‪ -‬بحسب كل مدرسة واتجاهاتها ومناهجها‪-‬‬
‫إلى الحياة بناء على تعاليم دينهم والحكم بشريعتهم‪.‬‬
‫فقد قامت حكومات الستقلل كلها بل استثناء في بلد العالم العربي والسلمي‪,‬‬
‫على أسس علمانية تفصل الدين عن الدولة‪ .‬وحكمت جميعها بغير ما أنزل الله‪ ,‬وتولى‬
‫المارقون من أبنائها مهمة التشريع من دون الله‪ ,‬كما تولوا مهمة العمالة والولء‬
‫لعداء المة وخدمة أهدافهم جهارا‪ .‬هذا بالضافة إلى ما تحلت به كل تلك الحكومات‬
‫بل استثناء من مواصفات الظلم والقهر والستبداد ومختلف أشكال الفساد الداري‬
‫والسلوكي وغير ذلك ‪..‬‬
‫وزرع الستعمار الكيان الصهيوني في قلب العالم السلمي في فلسطين‪ ,‬وقامت‬
‫دولة إسرائيل عام ‪ 1947‬رسميا على معظم أرض فلسطين‪ ,‬ثم أتمت إسرائيل‬
‫احتللها بالضافة إلى أجزاء من مصر وسوريا والردن ولبنان سنة ‪.1967‬‬
‫وشكلت قضية فلسطين عبئا ضخما في وجدان العالم العربي والسلمي‪ ..‬ورسخ‬
‫الستعمار الغربي احتلله القتصادي للعالم العربي والسلمي واستنزف خيراته‪...‬‬
‫ودعم وحفظ الحكومات الديكتاتورية التي أنشأها فيه‪.‬‬
‫وهكذا وجدت قواعد الصحوة السلمية وقياداتها نفسها أمام هذا الواقع المؤلم‬
‫الغريب الذي عقب مرحلة الستعمار ‪ ...‬وتعددت المذاهب والراء داخل أوساط‬
‫الصحوة ذاتها لمعالجة هذا الواقع مما أدى لتمايز مدارسها واتجاهاتها كما رأينا في‬
‫الفصل الخامس‪.‬‬
‫ففي حين رأى بعضهم بأن الحل يكمن في التربية والصلح واعتزال السياسة ‪...‬‬
‫رأى آخرون الحل والصلح في اقتحام ميادينها من البوابة المشروعة )قانونا(‪ ,‬من‬
‫خلل ما تتيحه تلك الحكومات ‪ ..‬رأى الفريق الثالث )والذي نحن بصدده في هذا‬
‫الفصل( أن الخرق قد اتسع على الراقع‪ ,‬وأنه ل بد من حمل السلح لعلج هذه‬
‫الوضاع ‪..‬لسيما بعدما أثبتت تلك الحكومات وأجهزتها القمعية‪ ,‬أنها جاهزة لتقليم‬
‫أظافر الصحوة دائما عبر تصفية قياداتها باغتيال زعمائها أو زجهم في السجون‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 674 [ ‬‬

‫لعشرات السنين‪ ,‬ومطاردة أتباعهم وتضييق كل سبل الدعوة إلى الله حتى السلمية‬
‫منها ‪ ..‬وهنا ‪ ..‬بدأت تتبلور الفكار الولى لميلد التيار الجهادي المعاصر ‪ ..‬نهاية‬
‫الخمسينيات ومطلع الستينيات من القرن المنصرم‪..‬‬
‫كانت حركة الخوان المسلمين )بصورة رئيسية( المحضن الطبيعي الذي يمكن أن‬
‫تولد فيه مثل هذه الفكار وتنتشر‪ .‬فقد كونت دعوة حسن البنا رحمه الله مناخا مناسبا‬
‫لهذه التطورات‪ .‬ول أدل على ذلك من شعارها الذي اختصر منهجها ) الله غايتنا‪.‬‬
‫الرسول قدوتنا‪ .‬القرآن دستورنا‪ .‬الجهاد سبيلنا‪ .‬الموت في سبيل الله أسمى أمانينا(‪,‬‬
‫رغم أن فكرها وممارساتها قد حمل كثيرا من الختلط الفكري والمنهجي‪ ,‬من‬
‫مؤثرات صوفية وسلفية ووطنية وديمقراطية وسوى ذلك‪ .‬كما شكلت ممارساتها‬
‫الجهادية المبدئية دليل آخر على صلحية أن تكون محضنا لميلد التيار والفكر الجهادي‬
‫في رحمها‪.‬‬
‫فقد شارك قيادات وشباب الخوان المسلمون في مصر وسوريا في حرب‬
‫فلسطين سنة ‪ .1948 -1947‬وشكل حسن البنا جهازه السري الخاص‪ ,‬وهو الجهاز‬
‫العسكري للجماعة لهداف جهادية‪ ,‬وقد قام أعضاء هذا الجهاز بعد اغتيال حسن البنا‬
‫رحمه الله سنة ‪ 1949‬بقيادة وإدارة المقاومة السرية في قناة السويس وما حولها‬
‫مطلع الخمسينيات‪ .‬وشارك الجهاز في دعم حركة عبد الناصر والضباط الحرار‬
‫بالطاحة بالملك فاروق‪ .‬ولكن هذا الهالك كان قد رتب مع أعداء هذه المة برنامجه‬
‫الذي تضمن تصفية الحركة السلمية في مصر وطليعتها حركة الخوان المسلمين‪.‬‬
‫فقام بسجن قيادتهم و اللف من قواعدهم سنة ‪ 1954‬ووسع حملته عليهم‬
‫وأعدم بعضهم سنة ‪ 1965‬وكان من بينهم خيرة مفكريها وعناصرها القيادية‪ ,‬هذا في‬
‫مصر‪ ,‬أما في سوريا وهي المحضن الهام الخر لحركة الخوان المسلمين ‪ ..‬فقد‬
‫عصفت النقلبات العسكرية بحكومات الستقلل الوطنية الديمقراطية التي توالت‬
‫منذ ‪ .1946‬ومنذ ‪ 1954‬توالت النقلبات التي رعتها المخابرات المريكية وتجاربها في‬
‫سوريا‪ ,‬إلى أن تم تجهيز الجواء لحزب البعث العربي الشتراكي ليقوم بانقلبه سنة‬
‫‪ .1963‬وكان على أولى أولوياته تصفية الصحوة السلمية من الخوان وغيرهم‪,‬‬
‫ومحاربة السلم بكل مكوناته ‪ ..‬وشكلت مصر وسوريا المحضن المبكر لميلد وتبلور‬
‫فكر الجهاد ونظريات عمله‪ ,‬وتكررت هذه الصورة في مختلف بلدان العالم العربي‬
‫والسلمي‪.‬وعملت تلك التحولت السياسية والجتماعية والثقافية وحملت التغريب‬
‫والعلمنة التي قامت بها الحكومات المختلفة على طرح مسائل هامة على فكر‬
‫الصحوة السلمية ومنهجها‪..‬‬
‫ففي الباكستان وخلل الخمسينيات شكلت كتابات الستاذ العبقري الفذ أبو العلى‬
‫المودودي رحمه الله مادة أساسية لتبلور فكر الجهاد ‪ ..‬فقد انتقد رحمه الله الحالة‬
‫البليدة التي تعيشها الوساط الدينية التقليدية في باكستان ‪ ..‬وطرح عبر كتبه ومقالته‬
‫وجريدة حركته التي أسسها باسم)الجماعة السلمية في باكستان( كثيرا من أهم‬
‫المسائل السياسية الشرعية‪ ,‬وعرض واقع المسلمين المعاصر من خللها‪ ..‬وكتب عن‬
‫مقتضيات شهادة التوحيد ‪..‬وعن أسس الولء والبراء ‪ ..‬وعرف الجهاد وأغراضه‬
‫وأهدافه ‪..‬وكتب حول ميلد الدولة السلمية ومميزاتها وعن دستورها ومواصفاتها‬
‫والطريق لقامتها‪ .‬وأشتمل أحد أهم كتبه وهو )المصطلحات الربعة( على كثير من‬
‫أساسيات الفكر الجهادي المعاصر‪..‬‬
‫ولكن رائد الفكر الجهادي في العصر الحديث بل منازع والذي يعود لفكاره ميلد‬
‫منهج التفكير ونظريات الحركة في )التيار الجهادي المعاصر( كان بل شك الستاذ‬
‫الشهيد المعلم )سيد قطب( رحمه الله‪ .‬الذي ابتدأ حياته أديبا شاعرا و باحثا ناقدا ل‬
‫معا‪ .‬وعاش نضوج الفكر خلل الحقبة الصاخبة الحرجة من تاريخ مصر المعاصر خلل‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 675 [ ‬‬

‫الربعينات والخمسينات والستينات‪ ,‬وهي زوال الملكية وثورة الضباط الحرار‪ .‬واحتلل‬
‫فلسطين والعدوان على مصر ‪..‬واحتك عن قرب بالخوان المسلمين وتأثر بحركتهم‪.‬‬
‫وكان لرحلته الدراسية إلى أمريكا أثر بالغ في اكتشافه لطبيعة الحملة الصليبية‬
‫المعاصرة على العالم العربي والسلمي‪ ,‬بالضافة لما حباه الله من بصيرة نافذة ‪..‬‬
‫وقلم أخاذ وروح شفافة ‪ ..‬وقد شكلت أجواء السجن الذي زجه فيه عبد الناصر مع‬
‫أكثر قيادات الخوان المسلمين منذ مطلع الخمسينيات وإلى أواسط الستينيات ‪..‬‬
‫المحيط العام الذي خط فيه كتاباته الرائعة التي تعد بحق الساس الفكري والمنهجي‬
‫للتيار الجهادي المعاصر في العالم العربي والسلمي ‪ ..‬فقد ضم كتابه الفريد)في‬
‫ظلل القرآن( وهو تفسير حركي ليات القرآن الكريم في ضوء ما نقله المفسرون‬
‫من الثار‪ ,‬خلصة النظريات الحركية للفكر الجهادي المعاصر‪ ,‬وخلصة ما أراد سيد‬
‫طرحه من مفاهيم‪ .‬وكان كتابه )معالم في الطريق( هو الهم على صغر حجمه‪ ,‬وحوى‬
‫خلصة ذلك الفكر و طروحاته الجهادية النقلبية الثورية‪ .‬وكونت مكتبته الواسعة من‬
‫الكتب الخرى من مثل كتاب)خصائص التصور السلمي( و)هذا الدين( و)جاهلية القرن‬
‫العشرين( وغيره ‪ ..‬منهجا متكامل لفكر جهادي حركي معاصر يناسب تلك المرحلة ‪.‬‬
‫كان فكر سيد رحمه الله نقلة نوعية في المسار الفكري للصحوة السلمية عموما‬
‫وللخوان المسلمين خصوصا‪ .‬وكان على الحركة )الم( كما أسموها أن تحدد موقفها‬
‫من هذه الطروحات‪..‬‬
‫ووقفت القيادة التقليدية للخوان في مصر من سيد وأفكاره موقفا رافضا مناوئا ‪..‬‬
‫فقد كانت نظرياته في الحاكمية والولء والبراء‪ ,‬والمفاصلة مع الجاهلية والتمايز في‬
‫الهوية والمنهج‪ ..‬مفرقا هاما كان على الخوان أن يقرروا السير معه نحو التطور‪ ,‬أو‬
‫الفتراق عنه في ردة فعل تحيد بهم حتى عن ثوابت أساسية كان عليها المنهج عندهم‪.‬‬
‫واختار الخوان الطريق الثاني تجنبا للصدام مع السلطة وبدت آثار السجن والقمع‬
‫والسياط جلية في ملمحهم الفكرية الجديدة‪ .‬فقد كتب المرشد العام حسن الهضيبي‬
‫رحمه الله كتابه الشهير )دعاة ل قضاة( ردا على كتاب )معالم في الطريق( وما حمله‬
‫)في ظلل القرآن(‪ ,‬من أفكار المواجهة والصدام مع الجاهلية التي يجسدها النظام‬
‫السياسي القائم‪ ,‬وما يفرض على المجتمعات من تحول ‪ ..‬وهنا افترقت حركة الخوان‬
‫المسلمين والصحوة السياسية المعاصرة إلى مدرستين متمايزتين متناقضتين ‪..‬‬
‫فجسد كتاب )المعالم( وفكر سيد عموما‪ ,‬فكر الحاكمية والتمايز والمفاصلة‪ ,‬وبالتالي‬
‫الحكم بالكفر والردة على أنظمة الحكم القائمة والدعوة الصريحة لجهادها ورسم‬
‫معالم طريق هذا الجهاد‪..‬‬
‫وشكل كتاب )دعاة ل قضاة( كما يدل عنوانه المعبر‪ ,‬منهج الخوان الجديد وبداية‬
‫مسار التراجع الذي ابتدؤوه من حينها‪ ,‬وكانت خلصة نظريته أن رواد الصحوة‬
‫السلمية عبارة عن دعاة إلى السلم والصلح‪ ,‬وليسوا قضاة على الحكام والناس‬
‫وما هم فيه من أحوال‪ ,‬حتى يحكموا بانتمائهم للسلم أو خروجهم عنه‪ .‬وشكل هذا‬
‫الكتاب أحد أهم مرتكزات الرجاء السياسي المعاصر في الحركة السلمية‬
‫الناهضة‪,‬حيث شملت شهادته بالسلم السلطات المرتدة الكافرة وأركانها في مصر‬
‫وغيرها‪.‬‬
‫وكان هذين الكتابين و هذين الفكرين بداية لتشكيل المدرستين الرئيسيتين في‬
‫الصحوة السلمية‪ ,‬وهما المدرسة السياسية‪ ,‬والمدرسة الجهادية‪ .‬وأدى هذا الجو‬
‫الفكري ‪ -‬كما بينا آنفا‪-‬إلى ولدة المدرسة الشاذة للتكفير في سجون مصر أيضا على‬
‫هامش تلك الصراعات الفكرية وقد سبق بيانه‪.‬‬
‫ولست هنا بصدد استعراض المسار الفكري للصحوة السياسية‪ .‬وأعود للسير مع‬
‫التيار الجهادي وبداية ميلد مناهجه وتنظيماته‪..‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 676 [ ‬‬

‫فرغم أهمية كتابات سيد وأولويتها في توليد الهوية الفكرية للتيار الجهادي‪ ,‬إل أن‬
‫كتابات هامة أخرى قد برزت في تلك المرحلة في مصر أيضا‪ ,‬يأتي في طليعتها كتابات‬
‫الستاذ القانوني الشهيد عبد القادر عوده رحمه الله‪ ,‬الذي أعدمه عبد الناصر‪ ,‬وكذلك‬
‫كتابات الشيخ المحدث أحمد شاكر رحمه الله وغيرهم ‪ , ...‬وقد حاول سيد قطب‬
‫رحمه الله وضع أفكاره موضع التنفيذ‪ ,‬وحاول تشكيل أول تنظيم جهادي سري يحمل‬
‫تلك الفكار‪ ,‬من لفيف من الشباب المجاهد الذين كان معظمهم أعضاء في الخوان‬
‫المسلمين‪ ,‬إل أن تجربته الغضة تلك سرعان ما أجهضت وأعدم بتهمتها رحمه الله‪.‬‬
‫ليتحقق له قول رائع ورؤيا صالحة بالغة الدللة كان قد رآها في سجنه‪ .‬فقد روى بعض‬
‫درج طاولته التي يكتب عليها‬ ‫معاصريه في السجن أنه رأى في منامه قبيل إعدامه‪ُ ,‬‬
‫والذي يحوي الوراق التي خط عليها أفكاره ‪ ...‬ينفتح وتأتي العصافير فتحمل الوراق‬
‫وتطير بها في كل اتجاه ‪ ...‬فأولها‪ ,‬انتشار فكره في أنحاء الدنيا ‪ ..‬وأما القول الذي‬
‫تحقق لكتاباته أيضا فهو‪:‬‬

‫قال الشهيد المعلم سيد قطب رحمه الله تعالى ‪:‬‬


‫)إنه ليست كل كلمة تبلغ إلى قلوب الخرين فتحركها وتجمعها‬
‫وتدفعها‪ ,‬إنها الكلمات التي تقطر دماء لنها تقتات قلب إنسان حي‪.‬‬
‫كل كلمة عاشت قد اقتاتت قلب إنسان‪ ,‬أما الكلمات التي ولدت في‬
‫الفواه‪ ,‬وقذفت بها اللسنة ولم تتصل بذلك النبع اللهي الحي‪ ,‬فقد‬
‫ولدت ميتة‪ ,‬ولم تدفع بالبشرية شبرا واحدا إلى المام‪ ,‬إن أحدا لن‬
‫يتبناها لنها ولدت ميتة ‪ .‬والناس ل يتبنون الموات (‪..‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 677 [ ‬‬

‫وهكذا انتشر فكر سيد في كل الدنيا ‪ ..‬ولقد رأيت كتابه معالم في الطريق في‬
‫أفغانستان مترجما للغة البشتو والفارسية ‪ ..‬بل لقد بلغني أن أحد المجاهدين القدماء‬
‫أيام جهاد الروس دخل إحدى المدارس في )نورستان( وهي مناطق جبلية نائية جدا‬
‫بالغة الوعورة وسط جبال الهندوكوش على الحدود الشمالية لكشمير والصين قريبا‬
‫من بدخشان وممر واخان ‪ ,‬تقع على ارتفاع أكثر من ‪ 5000‬متر عن سطح البحر ‪..‬‬
‫في منطقة لم يدخلها من مقومات الحضارة شيء ‪,‬ل ماء ول كهرباء ول سواها ‪ .‬وقال‬
‫أنه دخل إحدى المدارس فوجد فيها كتاب )معالم في الطريق( لسيد قطب مترجما‬
‫للغة النورستانية ‍!!‪.‬‬
‫فسبحان الله !! لقد حملتها عصافير الحق المهاجرة‪ ...‬وحطت بها هناك منذ‬
‫عشرات السنين بعد إعدامه رحمه الله ‪ ..‬ولعله ل يوجد اليوم لغة حية من لغات‬
‫المسلمين‪ ,‬إل وقد ترجم إليها كثير من كتب سيد رحمه الله‪ ,‬فضل عن اللغات‬
‫العالمية‪ .‬هذا العملق الذي أدرك الصليبيون اليوم وزعيمتهم أمريكا في حملتها‬
‫لمكافحة الرهاب أثر فكره‪ .‬فجعلوا مكافحته والنيل منه وتشويهه أحد أهم مرتكزات‬
‫حملتهم الفكرية العلمية الحالية وهجومهم على مناهج التربية والتعليم عامة في بلدنا‬
‫وعلى مناهج التعليم الديني خاصة‪.‬‬
‫وأما في سوريا‪ .‬المحضن المهم الثاني لمنشأ الصحوة السلمية و)التيار الجهادي‬
‫المعاصر( فقد ظهر في نفس الفترة)‪ (1965-1960‬الشيخ الشهيد مروان حديد رحمه‬
‫الله‪ .‬وكان قد ذهب للدراسة في مصر وحمل فكر الخوان المسلمين‪ ,‬وعاد منتسبا‬
‫إليه‪ ,‬وكانت الدعوة قوية في سوريا أواخر الخمسينيات‪ ,‬واقتنع الشيخ مروان حديد‬
‫رحمه الله بأن بلءا كحزب البعث الذي بدأت تغلب على قيادته العناصر النصيرية وتعد‬
‫للستيلء على الحكم‪ ،‬ل يمكن مواجهته إل بالجهاد‪ ,‬فحمل أفكارا شبيهه بأفكار سيد‬
‫وتأثر به‪ ،‬ولم يكن الشيخ مروان كاتبا وإنما خطيبا بارعا وشاعرا حركيا مجاهدا‪.‬‬
‫فأسس )تنظيم الطليعة المقاتلة لحزب الله( كما أسماه أول‪ ،‬والذي تحول فيما بعد‬
‫لسم )الطليعة المقاتلة للخوان المسلمين(‪ .‬وقام بمحاولة جهادية قمعتها دبابات‬
‫السلطة البعثية سنة ‪ ...1965‬ثم عاود الكرة سنة ‪ 1970‬ثم ما لبث أن اعتقل ثم‬
‫أعدم سنة ‪ 1975‬رحمه الله‪.‬‬
‫وحمل تلمذته من بعده مهمة إشعال أطول ثورة جهادية معاصرة ضد حكومة‬
‫في العام العربي )‪ .(1982-1975‬وظهر في الخوان المسلمين في سوريا الشيخ‬
‫)سعيد حوى( رحمه الله وتتالت كتبه التي حملت الفكر الجهادي وحققت فيه إضافات‬
‫مهمة خلل السبعينات والثمانيات‪ ..‬وحملت معظمها اسم سلسلة ) في البناء(‪ .‬وكان‬
‫منها كتب ؛ )الله( )الرسول( )السلم( ) مدخل إلى دعوة الخوان المسلمين( وكان‬
‫من أهم كتبه التي نظرت للفكر الجهادي؛ كتاب)خطوة للمام على طريق الجهاد‬
‫المبارك(‪ ،‬وكتاب )جند الله ثقافة وأخلقا(‪ ،‬وكتاب )جند الله تنظيما وتخطيطا ( ‪ .‬وهي‬
‫قمة عطائه الفكري الجهادي‪ ...‬حيث عانى بعد ذلك تراجعا فكريا نتيجة المسار‬
‫الفاشل للعمل الجهادي في سوريا‪ .‬انتهى به إلى لوثات ديمقراطية وصوفية ظهرت‬
‫في آخر مؤلفاته رحمه الله وغفر له‪.‬‬
‫وأعتقد أن من هناك ‪ ..‬من مصر والشام كانت البداية ‪..‬أما في معظم باقي بلد‬
‫العالم العربي‪ ..‬فقد كانت الظروف السياسية المحلية متشابهة والحالة الستعمارية‬
‫كذلك أيضا وانشر هذا الفكر من مصر وسوريا إلى السودان والعراق ولبنان والردن‬
‫بحكم الجوار ‪.‬‬
‫وبحكم الستقلل المبكر لسوريا ومصر‪..‬وبحكم تقدم نظام التعليم فيهما عن باقي‬
‫بلد العالم العربي كله تقريبا‪ ،‬استقدمت كافة دول الجزية العربية المدرسين من مصر‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 678 [ ‬‬

‫وسوريا لمراحل التعليم الولى ) البتدائية‪ ..‬والمتوسطة والثانوية( بل وللجامعية أيضا‪،‬‬


‫ولسيما في كليات الشريعة والداب والقانون والعلوم النسانية وسواها ‪ ..‬وكذالك‬
‫استقدمت أكثر دول شمال إفريقيا‪ ،‬ولسيما الجزائر خلل ثورة ) التعريب( التي قام‬
‫بها الرئيس الجزائري ) هواري بومدين( بعد الستقلل لمواجهة سياسة الفرنسة التي‬
‫فرضتها فرنسا على مدى ‪ 130‬سنة من الستعمار‪ ..‬استقدمت تلك الدول المدرسين‬
‫أيضا من مصر وسوريا‪..‬‬
‫ونظرا إلى أن دعوة الخوان المسلمين كانت قد انتشرت بشكل واسع في‬
‫أوساط المعلمين والقطاع التربوي في مصر وسوريا‪ ..‬كان كثير من أولئك المدرسين‬
‫من دعاة الخوان أو المتأثرين بدعوتهم ‪ ..‬فكان هذا من أهم أسباب حمل الدعوة‬
‫الم ‪ ،‬وهي الركن الساسي في الصحوة السياسية و الجهادية من بعد إلى تلك البلد‪،‬‬
‫بالضافة لنتشار ظاهرة الصحوة السلمية المحلية عموما في كل تلك البلد وانتشار‬
‫ظاهرة الكتاب السلمي والتجار به‪ ،‬وكثرة المطابع والصحف‪ ،‬ونشاط‬
‫الحركة الثقافية في العالم العربي والسلمي إبان مرحلة الستقلل ‪.‬‬
‫وهكذا هبت رياح الصحوة السلمية ومدارسها على بلد العالم العربي والسلمي‪,‬‬
‫وتبادلت مدارسه وتنظيماته وجماعاته الثر و التأثير‪..‬‬
‫ولكن الفكر الحركي للتيار الجهادي ‪ .‬و محضنه الفكري الول‪ ,‬وأعني فكر‬
‫الخوان المسلمين‪ ,‬هب على العالم العربي والسلمي من مصر وسوريا الشام بشكل‬
‫رئيسي‪.‬‬
‫وكان هذا الفكر الحركي الذي تكون داخل حركة الخوان المسلمين‪ ,‬ثم تطور‬
‫واستقل وتميز في الفكر) القطبي(‪ -‬نسبة إلى سيد رحمه الله‪ -‬وكذلك ساهمت‬
‫كتابات أخيه الستاذ محمد قطب من بعده‪,‬وما أضيف إلى هذه المدرسة من كتابات‬
‫كتاب الخوان المسلمين في السبعينات من مختلف البلد‪..‬أحد شطري مكونات فكر‬
‫التيار الجهادي المعاصر‪ ,‬الذي انضم إلى تكوينه مركب مهم آخر قدم من الجزيرة‬
‫العربية ‪ ,‬من بلد نجد والحجاز‪..‬التي دعيت زورا )السعودية(‪!.‬‬
‫فقد قامت الدولة السعودية الثالثة‪ -‬كما سبق الشارة لذلك‪ -‬بتخطيط ودعم من‬
‫النكليز‪ ,‬وتوج الملك عبد العزيز آل سعود سلطانا على بلد نجد والحجاز وما ألحق‬
‫بها‪,‬وتكونت المملكة العربية السعودية سنة ‪ .1935‬وكانت البضاعة الرائجة التي‬
‫استولى عليها عبد العزيز‪ ,‬لتكون مادة دعايته وخداعه للناس هي ‪ ,‬زعمه إحياء دعوة‬
‫الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله‪.‬التي كان قد قضي عليها تقريبا‪ ,‬بإسقاط‬
‫الدولة السعودية الثانية خلل صراعها مع الخلفة العثمانية‪ ,‬التي استعانت بحاكم مصر‬
‫آنذاك محمد علي باشا لهذه المهمة‪.‬‬
‫وورث أولد عبد العزيز بعده عملية التجارة بالدعوة الوهابية‪..‬وكان لله بهم وبأعداء‬
‫السلم مكر لطيف‪.‬فقد تابع البناء بعد أبيهم التجارة بالدعوة الوهابية‪ .‬وأقاموا‬
‫المؤسسات الكثيرة وبذلوا جهودا كبيرة وأموال طائلة لهذا الغرض‪ .‬وقد عمل في هذا‬
‫المجال كثير من المخلصين للدعوة والدين‪..‬‬
‫وهكذا تتلمذ جيل من رجال الصحوة السلمية خلل العقود الثلثة في الستينات‬
‫والسبعينات والثمانينات‪,‬على كبار العلماء الذين ورثوا الدعوة الوهابية وحملوها‪.‬‬
‫وبوجود الجواء المناسبة والموال الطائلة بسبب طفرة النفط في تلك‬
‫الفترة‪.‬ازدهرت الدعوة الوهابية بدعم من الحكومات السعودية المتعاقبة‪.‬‬
‫فأحييت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وكبار أئمة الدعوة النجدية‪,‬أخرجت‬
‫كتبهم القيمة‪,‬كما أحيي تراث الشيخ ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله‬
‫تعالى‪,‬وكذلك كتب غيرهم من دعاة العقيدة السلفية ومدرسة أهل الحديث ‪,‬وتولت‬
‫الحكومة السعودية طباعة وتوزيع مليين النسخ منها عبر السنين‪..‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 679 [ ‬‬

‫وتولت المؤسسات الدينية الحكومية والهلية والجامعات السعودية طباعتها‬


‫ونشرها وتدريسها وبثها في كل بلد العالم السلمي‪ ..‬وقام على هذا العمل علماء‬
‫مخلصون كثيرون وعلماء أفاضل من أهل الجزيرة وممن تتلمذ على أيديهم ‪..‬‬
‫كان مدار الدعة الوهابية والعقيدة السلفية كما هو معلوم على إحياء فقه الدليل‬
‫ومنهاج أهل الحديث وعقائد أهل السنة والجماعة ‪ .‬والتركيز على محاربة البدع‬
‫والنحرافات التي اندست عبر كثير من الطرق الصوفية المنحرفة و ما خلفته من‬
‫الركود والستسلم والتخلف الفكري ‪ .‬كما ركزت هذه الدعوة على مسألة الولء‬
‫والبراء ‪ .‬ومناصرة أهل اليمان ومعادات الكفار من اليهود والنصارى والمشركين‬
‫وأوليائهم من المنافقين ‪ ..‬كما تركز هذه الدعوة كما هو معروف على تجريد التوحيد‬
‫وإفراد الله وتوحيده بربوبيته ألوهيته ‪ ..‬وتنزيهه بأسمائه وصفاته ‪ .‬والتشديد على تكفير‬
‫من نازع الله في ربوبيته أو ألوهيته بتشريع أو شرك أو حكم مناف لحكمه ‪ ..‬الخ ‪..‬‬
‫وكان من سياسة السعودية‪ ,‬لغراض الحكام الدعائية التي التقت مع أغراض‬
‫الدعاة المخلصين استقدام مئات ألف الطلب الجانب من مختلف بلد العالم‬
‫السلمي كوافدين للدراسة ‪ ,‬وفتح باب المنح الدراسية لهم في الجامعات السعودية‬
‫المتخصصة في التعليم الدين ‪ .‬مثل جامعة المام محمد بن سعود والجامعة السلمية‬
‫في المدينة المنورة وغيرها‪.‬‬
‫وفي تلك الوساط تخرج مئات ألف الطلب من الشباب المسلم حامل تلك‬
‫الفكار عائدا إلى بلده منذ مطلع الستينات وإلى الن حيث تحول الحكومة السعودية‬
‫تغير هذه النهج تجاوبا مع برنامج أمريكا في تغيير البنية الفكرية والثقافية للمسلمين‬
‫في إطار حرب الفكار خلل حربها الشاملة على ما تسميه الرهاب والتطرف‬
‫والصولية في العالم العربي والسلمي ‪.‬‬
‫وكما ذكرت فقد كان قد ذهب إلى السعودية من مصر وسوريا خلل تلك الفترة‬
‫آلف المدرسين ‪ ,‬وكان كثير منهم من دعاة الخوان المسلمين ‪ ,‬ومن رواد الصحوة‬
‫السلمية عموما ‪.‬‬
‫كما صارت السعودية في عهد الملك فيصل خاصة مهجرا طبيعيا للمطاردين‬
‫والمنفيين من قيادات الخوان من مصر في عهد عبد الناصر ‪ ,‬حيث كان فيصل في‬
‫حرب معه ‪ .‬كما فر إليها كثير من دعاة ومشايخ الخوان من سوريا بسبب اضطهاد‬
‫البعثيين منذ أواسط الستينيات‪ ..‬وعمل أكثر هؤلء مدرسين في الجامعات السلمية‬
‫في السعودية‪.‬‬
‫وحصل هناك تمازج هام جدا خلل العقود الثلثة الهامة من عمر الصحوة ) ‪-1960‬‬
‫‪ . (1990‬بين الفكر الحركي لمدرسة الخوان المسلمين وخاصة القطبية منها‪ ,‬وبين‬
‫الفكر العقدي والتراث الفقهي للدعوة السلفية ‪ ,‬والمدرسة الوهابية‪ ..‬ثم انطلق هذه‬
‫التمازج عائدا إلى مصر والشام ثانية ثم إلى باقي العالم العربي والسلمي ‪.‬‬
‫وقد ولد هذا التمازج مدرستين هامتين جدا في الصحوة السلمية منذ أواسط‬
‫السبعينيات ‪ .‬وهما‪:‬‬
‫المدرسة السرورية‪:‬‬ ‫•‬
‫) نسبة إلى اسم أحد أوائل دعاتها ( ‪ ,‬ويقوم منهجها على مزيج من الحركية‬
‫الخوانية والفكر السلفي الوهابي ‪ .‬وهي مدرسة تنظيرية فكرية سياسية دعوية ‪ ,‬لم‬
‫يكن لها عمليا تحرك يمكن أن يسجل له تجربة عملية ‪ .‬ولسنا هنا بصدد الحديث عنها‪.‬‬
‫• مدرسة ( السلفية الجهادية( ‪:‬‬
‫والتي يتكون منهجها من مزيج من الفكر الحركي الجهادي القطبي ‪ ,‬مع تبني‬
‫العقيدة السلفية ومنهج الدعوة الوهابية ‪ .‬وهي الهوية الفكرية المنهجية الرئيسية التي‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 680 [ ‬‬

‫طبعت التيار الجهادي خلل ) الثمانينات والتسعينات ( وهو التيار الذي نحن بصدده‬
‫في هذا الفصل‪.‬‬
‫فباختصار أشير إلى أمر بالغ الهمية في فهم الهوية الفكرة للتيار الجهادي‬
‫المعاصر‪..‬‬
‫فقد شكل المنهج الخواني ذي الطابع السياسي التربوي ‪ ,‬والحركية القطبية ذات‬
‫الطابع المفاصل المتمايز بناء على مبادئ الحاكمية ‪..‬البعد السياسي الشرعي‬
‫والحركي في منهج التفكير في التيار الجهادي المعاصر ‪.‬‬
‫كما شكل المنهج السلفي وكثير من مؤثرات الدعوة الوهابية وإنتاجها الفقهي‪,‬‬
‫الرضية الفقهية والعقدية التي أجابت على أكثر المسائل السياسية الشرعية العالقة‬
‫التي طرحها وأثارها المنهج الجهادي الحركي‪.‬ودعوته للمواجهة مع النظمة الجاهلية‬
‫الحاكمة في العالم السلمي‪.‬من قبيل‬
‫إقامة البرهان الشرعي على كفر الحكام الحاكمين بغير ما أنزل الله الموالين‬
‫لعداء المسلمين‪..‬ثم تسلسل الحكام الشرعية تبعا لذلك ‪ ,‬من أحكام الخروج عليهم‬
‫وإسقاط شرعيتهم وقتال أعوانهم‬
‫‪...‬إلى غير ذلك من عشرات المسائل الشرعية المتفرعة عن ذلك‪.‬‬
‫ولما نهجت أكثر مدارس الصحوة السلمية المنهج الديمقراطي‪..‬وطرحت‬
‫تصورات شتى للجابة على مسألة المشكلة والحل في واقع المسلمين‬
‫المعاصر‪..‬ودخلت مدارس الصحوة السلمية المختلفة في مساجلت فكرية وفقهية‬
‫كثيرة‪..‬شكل فقه المام ابن تيمية والمنهج السلفي وتراث المدرسة الوهابية المستند‬
‫الساسي للتيار الجهادي في خوض تلك المعتركات‪.‬‬
‫وهكذا يمكن أن نوجزالقول ونلخص البنية الفكرية للتيار الجهادي المعاصر‬
‫بالمعادلة التالية‪:‬‬
‫أساسيات من فكر الخوان المسلمين ‪ +‬المنهج الحركي للشهيد سيد‬
‫قطب ‪ +‬الفقه السياسي الشرعي للمام ابن تيمية والمدرسة السلفية‬
‫‪ +‬التراث الفقهي العقدي للدعوة الوهابية ←‬
‫المنهج السياسي الشرعي الحركي للتيار الجهادي ‪.‬‬
‫ولقد كان الميدان الساسي لنضوج هذه المكونات الفكرية المنهجية خلل‬
‫السبعينيات والثمانينيات في مصر والشام والجزيرة العربية وخاصة في بلد‬
‫الحرمين ‪.‬ومن هناك انتشر إلى باقي البلد كما سأبين لحقا ‪,‬مع الشارة إلى أنه كان‬
‫لكل ساحة من تلك الساحات من بلد العرب والمسلمين وطبيعة مكونات الصحوة‬
‫فيها ومرحلة نضوجها أثر في طيعة الفكر الجهادي الذي ولد فيها وطبيعة التجربة تبعا‬
‫لذلك‪.‬‬
‫فقد كان التأثير مباشرا وسريعا في الردن ولبنان واليمن ‪ ,‬وكان بطيئا في بلد‬
‫مثل العراق نتيجة النظام المني الصارم فيها‪ ,‬كما كان التأثير محدودا في دول الخليج‬
‫العربي والسعودية بسبب طبيعة المجتمعات النفطية فيها ‪ ,‬وبسبب قلة السكان‬
‫وركود الحياة الفكرية والثقافية فيها آنذاك‪..‬أما ليبيا وبلد المغرب العربي فقد تأخر‬
‫ذلك تبعا لتأخر ميلد الصحوة السلمية فيها إلى مطلع السبعينيات ‪ ,‬بحكم ظروف‬
‫استقللها وطبيعة أنظمتها و عمق التأثير الغربي للستعمار الفرنسي فيها ‪..‬على أنه‬
‫سجلت محاولت جهادية مبكرة في المغرب )‪ , (1963‬وفي الجزائر )‪.. (1973‬من‬
‫غير أن يكون للمد الفكري للتيار الجهادي المشرقي المولد والذي نحن بصدده أثر أو‬
‫علقة بذلك ‪ .‬وكذلك كان التأثير محدودا في القرن الفريقي والصومال نتيجة‬
‫ظروفها‪..‬حيث انتقلت معظم مؤثرات الصحوة إليها متأخرة عن طريق الطلب الذين‬
‫خرجوا للدراسة في الغرب أو في بعض الدول العربية المجاورة مثل السعودية ومصر‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 681 [ ‬‬

‫والسودان وتأثروا بأفكار الصحوة وعادوا بها إلى بلدهم لتمتزج مع معطيات الصحوة‬
‫المحلية وظروفها‪..‬‬
‫كذلك كان الحال تقريبا في بلد أطراف العالم السلمي مثل اندونيسيا والفلبين‬
‫ودول شرق آسيا ووسط أفريقيا‪..‬وكذلك دول الجمهوريات السوفيتية في وسط آسيا و‬
‫القفقاس‪..‬‬
‫أما أكثر دول العالم السلمي تأثرا وتأثيرا في الصحوة السلمية وعموم مدارسها‬
‫في العالم العربي فكانت الباكستان وتركيا بحكم القرب والتداخل في أكثر من‬
‫مجال‪..‬‬
‫أما التيار الجهادي من حيث ميلد الفكر وانتقال أصحابه إلى ميدان التطبيق‬
‫والمواجهة مع الحكومات فقد ارتبط قيامه في الماكن المختلفة بعوامل عدة مثل‬
‫الظروف السياسية والجتماعية والثقافية والقتصادية ‪...‬في كل بلد‪..‬بالضافة إلى‬
‫مستوى ونوع الصحوة السلمية ووصول المؤثرات الفكرية للتيار الجهادي لذلك‬
‫المكان ‪..‬‬
‫ثم جاءت تجربة الجهاد الفغاني )‪ (1992-1984‬لتتكون المدرسة الجهادية التي‬
‫دعي أصحابها بس )الفغان العرب( ‪,‬ليدخل التيار الجهادي مرحلة العولمة كما سنرى في‬
‫الفقرة التالية إن شاء الله‪.‬‬
‫وقد قامت محاولت جهادية للعديد من جماعات ا للتيار الجهادي ضد بعض أنظمة‬
‫الحكم القائمة في العالم العربي والسلمي‪ ,‬بمستوى و حجوم مختلفة منذ مطلع‬
‫الستينات وإلى نهاية القرن العشرين ‪ ,‬يمكن ذكر أهمها بحسب تسلسلها الزمني‬
‫وبحسب ما يحضرني كما يلي‪:‬‬

‫أهم المحاولت والتجارب المسلحة للتيار الجهادي (‪-1960‬‬ ‫•‬


‫‪:(2000‬‬

‫(‪ -(1‬حركة الشبيبة المغربية في المغرب القصى (مراكش( ‪ .‬بقيادة‬


‫الشيخ عبد الكريم مطيع ‪ .‬ضد حكومة الملك الهالك الحسن الثاني‬
‫سنة ( ‪. ( 1963‬‬
‫(‪ -(2‬محاولة الشيخ الشهيد سيد قطب رحمه الله وتنظيم الجهاد ضد‬
‫حكم عبد الناصر في مصر سنة (‪.(1965‬‬
‫(‪ -(3‬حركة الشيخ الشهيد مروان حديد رحمه الله ضد حكم البعث في‬
‫سوريا سنة (‪.(1965‬‬
‫(‪ -(4‬حركات الجهاد ضد النظمة الشيوعية في أفغانستان قبل الحتلل‬
‫السوفيتي‬
‫( ‪. (1965-1975‬‬
‫(‪ -(5‬تجربة تنظيم الطليعة (‪ (EkiNGiLAR‬في تركيا خلل الحرب‬
‫الهلية ‪.1972‬‬
‫(‪ -(6‬حركة الدولة السلمية بقيادة الشيخ الشهيد مصطفى بويعلي‬
‫رحمه الله في الجزائر(‪.(1976-1973‬‬
‫(‪ -(7‬الثورة السلمية الجهادية في سوريا بقيادة الطليعة المقاتلة من‬
‫تلميذ الشيخ مروان حديد (‪. (1982-1975‬‬
‫(‪ -(8‬حركة تنظيم الجهاد والجماعة السلمية في مصر ضد أنور سادات‬
‫ثم ضد خلفه حسني مبارك(‪. (1997-1981‬‬
‫(‪ -(9‬المحاولة الجهادية ضد حكم القذافي في ليبيا(‪. (1986‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 682 [ ‬‬

‫(‪ -(10‬بعض المحاولت الجهادية المحدودة و المحاولة النقلبية للجهاز‬


‫العسكري لحركة التجاه السلمي في تونس‪.(1986(.‬‬
‫(‪ -(11‬التجارب الجهادية للجماعات المتعددة في الجزائر إبتداءا من سنة‬
‫(‪. (1991‬‬
‫(‪ -(12‬المواجهات الجهادية ضد نظام الحكم الشيوعي في طاجيكستان‬
‫منذ (‪.(1992‬‬
‫(‪ -(13‬المحاولت الجهادية المحدودة في بلد الحرمين (السعودية( منذ(‬
‫‪. (1994‬‬
‫(‪ -(14‬المواجهات الجهادية في ليبيا (‪ (1996-1994‬وتجربة الجماعة‬
‫السلمية المقاتلة‪.‬‬
‫(‪ -(15‬النتفاضة المسلحة لـ (حركة نفاذ شريعة ( شمال غرب‬
‫الباكستان (‪. (1996‬‬
‫(‪ -(16‬محاولت تكوين جماعات جهادية في المغرب القصى منذ (‬
‫‪.(1996‬‬
‫(‪ -(17‬المحاولة الجهادية ضد نظام (كريموف( الشيوعي المريكي في‬
‫أوزبكستان ‪ .‬وتشكل الحركة السلمية في أوزبكستان (‪.(1998‬‬
‫(‪ -(18‬التجربة الجهادية لجيش عدن أبين في اليمن منذ (‪.(1999‬‬
‫(‪ -(19‬المحاولة الجهادية في جبال النبطية في لبنان (‪.(2000‬‬

‫كما قامت في نفس الفترة العديد من الحركات والمواجهات الجهادية ضد مختلف‬


‫أشكال الحتلل والعدوان الخارجي على بلدان المسلمين‪ ,‬مما صنفته تحت مسمى‬
‫الحركات والتنظيمات المجاهدة تمييزا له‪ -‬من حيث التصنيف الدراسي‪ -‬عن التيار‬
‫الجهادي الذي نحن بصدده ‪ ,‬والذي يكون معها ما أسميته الظاهرة الجهادية المعاصرة‬
‫خلل النصف الثاني من القرن العشرين‪.‬ومن أهم تلك التجارب والحركات مايلي ‪:‬‬

‫• بعض تجارب المواجهات والحركات المجاهدة للحتلل والعدوان‬


‫الخارجي‪:‬‬
‫(‪ -(1‬حركات الجهاد والمقاومة ضد الحتلل الهندي في( كشمير( و‬
‫(ولية آسام الهندية( ‪.‬‬
‫(‪ -(2‬حركات الجهاد ضد الهندوس في بورما والركان ‪.‬‬
‫(‪ -(3‬حركات التحرير المجاهدة في الفلبين ‪,‬مثل( جبهة تحرير مورو (‬
‫و(جماعة أبو سياف ( ‪.‬‬
‫(‪ -(4‬الجماعات التي جاهدت في إرتريا ضد الحتلل الثيوبي ‪.‬‬
‫(‪ -(5‬الجماعات المجاهدة الحتلل الثيوبي في القرن الفريقي‬
‫(الوغادين والعفر‪.(...‬‬
‫(‪ -(6‬الحزب السلمي في تركستان الشرقية الذي يجاهد الحتلل‬
‫الصيني لتركستان ‪.‬‬
‫(‪ ( -(7‬جماعة التوحيد( التي تشكلت من مجاهدي أهل السنة‪ ,‬خلل‬
‫الحرب الهلية في لبنان في مواجهة التحالف المسيحي‬
‫والقوى(الطائفية النصيرية( المدعومة من النظام السوري(‪-1975‬‬
‫‪.(1982‬‬
‫(‪ -(8‬الجهاد ضد الحتلل السوفيتي في أفغانستان (‪.(1992 -1979‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 683 [ ‬‬

‫(‪ -(9‬حركة المقاومة السلمية (حماس( لمواجهة الحتلل السرائيلي‬


‫في فلسطين منذ(‪.(1987‬‬
‫(‪ -(10‬حركة الجهاد السلمي‪ ,‬لمواجهة الحتلل السرائيلي في‬
‫فلسطين منذ ‪.1989‬‬
‫(‪ -(11‬مواجهات الجماعات السلمية الكردية لنظام صدام حسين في‬
‫العراق ‪ ,‬ثم لعدوان الحزاب الكردية العلمانية في كردستان العراق‪.‬‬
‫منذ (‪(1990‬‬
‫(‪ -(12‬التجربة الجهادية في البوسنة ضد العدوان الصربي (‪-1994‬‬
‫‪.(1996‬‬
‫(‪ -(13‬التجربة الجهادية ضد الحتلل الروسي في الشيشان و القفقاس‬
‫منذ (‪.(1995‬‬
‫(‪ -(14‬المواجهات الجهادية ضد عدوان النصارى في إندونيسيا منذ(‬
‫‪.(1998‬‬

‫• رابعا‪ :‬المحطة الرئيسية الكبرى في تاريخ التيار الجهادي‪:‬‬

‫( الجها الفغاني ضد الروس ( وتجمع المجاهدين ( الفغان العرب( (‬


‫‪(1992-1984‬‬
‫احتلت جيوش التحاد السوفيتي الروسي البائد أفغانستان علنيا سنة )‪ (1979‬بعد‬
‫أن فعلت ذلك بطريق غير مباشرة عبر عدد من النقلبات العسكرية الشيوعية منذ )‬
‫‪ .(1965‬وأدى دخول الغزاة إلى إنحراط عموم الشعب الفغاني بقبائله وعلمائه‬
‫ومختلف طبقاته في الجهاد والمقاومة‪.‬‬
‫كما أشرت سابقا في ثنايا البحث لم يتوقع أحد أن يصمد هذا الشعب الفقير‬
‫المعدم المتخلف لهذا الغزو الجبار‪ .‬وبدا وكان أمريكا قد سلمت بضم هذه الرقعة إلى‬
‫المخزون الستعماري للروس كما ضموا وسط آسيا و القفقاس وغيرها ‪ ...‬ولكن‬
‫المقاومة الباسلة للشعب الفغاني ما بين )‪ (1982-1979‬لفتت نظر الدارة المركية‬
‫ومنظريها الستراتيجيين الكبار من أمثال الرئيس السبق)نيكسون( الذي قام بنفسه‬
‫بزيارة ميدانية آنذاك لمعسكرات المهاجرين الفغان على الحدود الباكستانية‪ .‬فقرر‬
‫الكونغرس تبني مسألة الجهاد الفغاني كساحة ترد فيها أمريكا الصاع الفيتنامي‬
‫للروس بأضعافه‪ ,‬بل ولتجعل منها آخر ساحات الحرب الباردة التي سيحسم فيها ذلك‬
‫الصراع بالضربة القاضية كما حصل خلل عشر سنوات ‪..‬‬
‫أشرفت أمريكا على صناعة حلف عالمي لمواجهة الروس وحلف وارسو في‬
‫أفغانستان فجرت وراءها حلف الناتو ودوله كاملة‪ ,‬دول أوروبا الغربية وكذلك حلفاءها‬
‫القتصاديين الكبار مثل كندا وأستراليا واليابان‪ ,‬لتكوين حلف سياسي إعلمي اقتصادي‬
‫داعم لها في هذه الحرب‪ ,‬ووضعت سياسة مالية تقضي بحصة من المساعدات المالية‬
‫المقررة بمليين الدولرات على كل دولة من تلك الدول‪ ,‬وساهم الجميع بذلك‪.‬‬
‫ولكن الجانب الهم من الحلف الذي كونته أمريكا لدعم الجهاد الفغاني كان من‬
‫دول العالم العربي والسلمي‪ ,‬و التي كان في طليعتها وأهمها دورا )السعودية(‬
‫و)باكستان( و)مصر( ودول )مجلس التعاون الخليجي( ‪ ..‬فقد ساهمت السعودية ودول‬
‫الخليج بالقسط الكبر من الدعم المالي لتلك الحرب سواء بشكل رسمي حكومي أو‬
‫من خلل التشجيع والسماح لسيل التبرعات الهلية للجهاد في أفغانستان أن تصل إلى‬
‫المجاهدين الفغان كما لعبت السعودية بمرجعيتها الدينية بحكم سيطرتها على‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 684 [ ‬‬

‫الحرمين‪ ,‬وبمؤسساتها الدينية العلمية دورا إعلميا بارزا‪ .‬و أشرف على برنامجها‬
‫وأداره رئيس استخباراتها آنذاك المير تركي بن عبد العزيز‪..‬‬
‫كما لعبت الباكستان الدور الرئيسي ميدانيا‪ ,‬فقد امتدت حدودها مع أفغانستان‬
‫لكثر من )‪ (2200‬كيلومتر‪ ,‬وحوت عشرات المعابر الرئيسية لوصول المدادات‬
‫ومختلف أشكال الدعم للجهاد الفغاني ولعبت استخباراتها العسكرية )‪ (ISI‬والتىرئسها‬
‫آنذاك الجنرال )حميد كل(‪ ,‬دورا رئيسيا في ترتيب الحزاب الجهادية والشراف على‬
‫تشكيل وتوزيع المساعدات المالية والسلح بينها‪ ,‬وبتقديم الخدمات ) اللوجستية(‬
‫ومختلف أنواع الدعم الميداني ‪ ,‬الذي كان يصل أحيانا لحد مشاركة الجيش الباكستاني‬
‫عمليا في القتال والسناد بالسلحة الثقيلة في المعارك الحدودية‪ ,‬وقد رأيت ذلك‬
‫ميدانيا في معارك جلل أباد )‪.. (1989‬أما مصر فقد كان من أبرز مشاركتها‪,‬التفاق‬
‫مع المريكان على سداد جزء من ديونها لهم على شكل صفقات سلح أرسلتها إلى‬
‫أفغانستان عن طريق باكستان‪ .‬وكذلك شهدت هذا‪ ,‬فقد كان مألوفا لدينا فتح بعض‬
‫صناديق الذخيرة والسلح وعليها شارة الجيش المصري‪ ,‬وذلك أن أنور السادات كان‬
‫قد أتخذ قرارا باعتماد التسليح المريكي للجيش المصري وبدأ بتصفية الوجود الروسي‬
‫في مصر فيما عرف بسياسة النفتاح ‪ ..‬فكان مفيدا له أن يتخفف من مخزون سلح‬
‫وذخائر لم يعد لزما له آنذاك أواخر السبعينات ‪.‬‬
‫ولقد لعبت تلك الدول بالضافة لكثر دول العالم العربي والسلمي‪ ,‬بل والغربي‬
‫وتابعيه‪ ,‬دورا إعلميا بالغ الهمية في دعم الجهاد الفغاني‪ ,‬والترويج له وحض كل من‬
‫شاء وحتى بعض من ل يشاء على المساهمة ‪..‬‬
‫وأما الحليف الثالث الذي أدخلته أمريكا ‪ -‬أو بالحرى ‪ -‬سمحت بدخوله على خط‬
‫تأييد الجهاد الفغاني ‪ .‬فقد كان ) الصحوة السلمية ( بكامل طيفها وحركتها ‪ .‬فقد‬
‫جاشت العواطف في صفوف الصحوة قيادات وقواعد بشكل تلقائي‪ ,‬وبفعل التعاطف‬
‫الدين مع أخوة الدين والعقيدة الذين يتعرضون لحرب إبادة واحتلل غاشم‪ ,‬من قوة‬
‫تمثل قمة الكفر واللحاد من منظور السلم والمسلمين ‪ ..‬وهكذا انتقل الضوء الخضر‬
‫من أمريكا لذيالها حكاما وحكومات العالم العربي والسلمي‪ ,‬لتشعله بدورها أمام‬
‫الحركات السلمية‪ ,‬لتشارك في هذا الحلف العريض غير المباشر الذي التقت فيه‬
‫الغراض والمصالح ‪ ..‬وكان للدول العربية والسلمية مصالح في هذا الضوء الخضر‬
‫استجابة للسيد المريكي ‪ ..‬وهي تلميع سمعتها بمساعدة المسلمين‪ .‬وفتح باب الهجرة‬
‫للصحوة وكوادرها‪ ,‬ولسيما السياسية و الجهادية فيها لتنفس عن رغباتها ومشاعرها‬
‫الصولية بعيدا‪ ,‬هناك على بعد آلف الكيلومترات ‪ ..‬ولعلها تلقى بغيتها في الشهادة في‬
‫سبيل الله‪ ,‬ويستريح الحكام من ضوضائها في بلدهم ‪..‬‬
‫وهكذا وباشتعال الضوء الخضر أمام الصحوة ‪ ..‬اشتعلت خطب الجمعة‬
‫والمحاضرات والمؤتمرات‪ ,‬والمهرجانات والمنشورات والمؤلفات والصحف‪ ,‬وكل‬
‫وسائل التعبير والدعاية في أوساط الصحوة ‪ ,‬تروج للجهاد الفغاني وتنادي )يا خيل‬
‫الله اركبي ( ‪..‬‬
‫فركبت عشرات اللوف ممن كتب لهم السعادة بالمشاركة‪.‬‬
‫]وألفت النظر إلى أني أكتب هذه الفقرة كشاهد عيان وكمشارك خلل تلك‬
‫المرحلة ‪ ,‬حيث شهدتها منذ)‪ (1987‬وإلى )‪ ,.(1992‬ثم واكتبها متابعا عن كثب إلى )‬
‫‪ , (1996‬حيث عدت للحضور ميدانيا في شوطها الثاني المختلف كليا عن الشوط‬
‫الول خلل الفترة الممتدة من أواسط )‪ (1996‬وإلى نهايته في ديسمبر )‪. [. (2001‬‬
‫وهكذا وجدت آنذاك مختلف شرائح وجماعات و تنظيمات الصحوة السلمية‬
‫ومدارسها المختلفة فرصة للتأييد والستفادة من تلك السوق الرائجة ‪ ,‬التي كان لكل‬
‫فيها هدفه وبغيته من تلك المشاركة وليس هنا محل استعراض أهداف كل فريق منهم‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 685 [ ‬‬

‫وما استفاده وما حققه‪ ,‬وإنما ذكرته لهمية هذه المحطة المباركة على التيار الجهاد‬
‫المعاصر خلل تلك المرحلة وما تلها إلى اليوم بل وعلى المستقبل فيما أعتقد ‪..‬‬
‫وهكذا قام حلف غير مباشر بين مختلف من جمعهم العداء للشيوعية والتحاد‬
‫السوفيتي‪ ,‬أو كان لهم غرض في مواجهته والقضاء عليه‪ ,‬بدا من أمريكا وحلفائها في‬
‫المعسكر الغربي‪ ,‬وانتهاء بأعدائهم في التيار الجهادي‪ ,‬ومرورا بحلفائهم حكام بلد‬
‫العالم العربي والسلمي وكذلك مختلف أوساط الصحوة السلمية‪ ,‬على اختلف‬
‫منظور مدارسها لمريكا والغرب والحكومات‪.‬‬
‫وهنا أحب أن أشير إلى إشكاليتين‪ ,‬وقل إن شئت كذبتين ضخمتين فرضهما‬
‫العلم الغربي والمريكي خاصة‪ ,‬والعلم التابع لهم في بلد العالم العربي‬
‫والسلمي ‪ ..‬حيث يجب توضيح حقيقتهما للناس عامة وللسلميين و الجهاديين‬
‫وجمهورهم خاصة ‪ .‬وهما ‪:‬‬
‫‪ .1‬دور أمريكا في انتصار الجهاد الفغاني‪.‬‬
‫‪ .2‬شبهة عمالة المجاهدين العرب ومن شارك في الجهاد‬
‫الفغاني من السلميين لمريكا وارتباطهم بـ (‪ (CIA‬خلل‬
‫تلك القضية‪ ,‬كما يزعم اليوم العلم الغربي وأتباعه ‪:‬‬
‫وأعود للتذكير بأن قيمة شهادتي هذه‪ ,‬تأتي من ميدانية مشاركتي وقربي من‬
‫مصادر المعلومات وممن أدار الحداث ‪ ,‬خلل تلك الفترة في أوساط الجهاديين‬
‫والسلميين من عرب وأفغان ‪..‬‬
‫‪ .1‬دور أمريكا في انتصار الجهاد الفغاني‪:‬‬
‫لقد سعى العلم المريكي بمختلف وسائله التي يسطر عليها اليهود و الصليبيون‬
‫المتصهينون إلى التصوير بأن انتصار الجهاد الفغاني كان مجرد نجاح للسياسة‬
‫المريكية وبرامج )‪ (CIA‬في أفغانستان ‪ .‬وقد تحقق لمريكا انتشار هذه الدعاية‬
‫الكاذبة إلى حد كبير‪ .‬فقد عملوا على ذلك عبر مختلف وسائل الدعاية‪ ,‬بدءا من أفلم‬
‫)رامبو( وغزواته الميمونة إلى أفغانستان‪ ,‬حيث أسقط الطائرات‪ ,‬ودمر الحصون‪,‬‬
‫وحرر الرهائن من الفغان والمريكان )المجاهدين!( معهم ‪ ..‬وركب الخيل‪ ,‬وقاد‬
‫المدرعات وحلق في السماء بالهليكوبتر الروسية!!‪ ,‬وجرح مرارا ولم يمت‪ ,‬وانصهر‬
‫داخل مدرعة مدمرة ولم تذب عضلته المفتولة !!‪ .‬واستطاع أن يمطر المشاهدين‬
‫المعجبين بعضلته المريكية بسيل من الحكم والدعايات السخيفة من شفته المتدلية‬
‫نصف المشلولة‪ ..‬وأوصل في النهاية الرسالة عن رحمة أمريكا بالمستضعفين ونصرتها‬
‫للمظلومين‪ ,‬وحرصها على مساعدة المسلمين‪..‬ودورها الرئيسي في انتصار الفغان‬
‫الذين تولى الفيلم الخيالي إظهار إعجابهم وحبهم لمريكا !‪ .‬وهكذا عادت عضلته إلى‬
‫قواعدها سالمة ‪ ,‬إلى )هوليود( ليتابع حفلت والرقص المجون مع غانياتها الحسان ‪,‬‬
‫كرمز معبر فعل عن أمريكا وعضلتها المفتولة وعقلها الصغير وشفتها نصف المشلولة‬
‫لتي تفتعل الحكمة‪!!..‬‬
‫دقه‪ ,‬على دور صواريخ )ستنغر(‬ ‫كما ركز العلم المريكي مستخفا بعقول من ص ّ‬
‫في انتصار الجهاد الفغاني‪ ,‬وكيف أنه قلب موازين المعركة‪,‬عندما بدأت تتساقط‬
‫الطائرات الروسية به‪ ,‬مما أدى لتحول مجرى المعارك من هزيمة المجاهدين إلى‬
‫انتصارهم!! وقد نشرت هذه الكذبة عبر مختلف وسائل العلم والدعاية‪ ,‬من الفلم‬
‫الوثائقية إلى الكتب إلى الصحف ‪ ,‬إلى مذكرات ضباط الستخبارات‪..‬إلى غير ذلك‪..‬‬
‫علما أن العداد المحدودة من صواريخ )ستنغر( المريكية‪ ,‬قد دخلت أفغانستان‬
‫بعد عشر سنوات من دخول الروس‪ ,‬وقبيل انسحابهم بقليل ‪ ,‬ولم يستخدم في‬
‫المعارك الحاسمة الخيرة إل نادرا‪ ,‬ولم يسقط به إل عدد محدود من الطائرات‪..‬ولم‬
‫يره إل النادر من مئات آلف المجاهدين‪ ,‬وقد سرقت الستخبارات الباكستانية حصتها‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 686 [ ‬‬

‫منه ‪ ,‬كعادتها في سرقة حصتها من كل المساعدات المالية والعينية التي جاءت‬


‫للمجاهدين الفغان من السيارات ومواد الغاثة المختلفة والعتاد والسلح والذخائر‪,‬‬
‫التي كانت تمر إجباريا في باكستان في طريقها إليهم‪..‬‬
‫فما أدري حقيقة كيف استساغت العقول هذه الكذبة الكبرى‪ ,‬في دور هذا الس‬
‫)ستنغر( في انتصار الجهاد الفغاني الذي شارك فيه مليين الفغان وانتظم في‬
‫صفوف أحزاب المجاهدين خلله أكثر من مليون مجاهد مسلح ‪ .‬وقدم الشعب‬
‫الفغاني خلله أكثر من مليونيين من الشهداء‪ ,‬وخمسة مليين مهاجر‪ ,‬من شعب كان‬
‫تعداد سكانه ل يجاوز ‪ 16‬مليون نسمة ‪ ..‬وما أدري ما دور )ستنغر( في تدمير أكثر من‬
‫خمسين ألف آلية روسية عسكرية‪ ,‬وقتل أكثر من ‪ /30/‬ألف جندي روسي على‬
‫الرض‪ ,‬وأكثر من ‪ /150/‬ألف من المليشيات الشيوعية الفغانية‪ ,‬عدا مئات آلف‬
‫العمليات خلل جهاد استمر لكثر من خمسة عشر سنة‪ ,‬وابتدأ قبل الغزو الروسي‬
‫بخمس سنين‪ ,‬واستمر بعدها ثلث سنين‪ ,‬إلى أن سقطت كابل بيد المجاهدين‪.‬أي من‬
‫)‪ ..(1992-1973‬ورغم سخافة هذا الكذبة )الستنغرية( وتهافتها أمام أبسط‬
‫المعلومات عن سير الجهاد الفغاني‪ ,‬ولكنها وجدت طريقا إلى عقول مليين السذج‬
‫من رواد الشاشات الصغيرة والكبيرة ‪ ..‬وهذا هو سحر العلم المريكي‪ ,‬وميدان‬
‫انتصار هؤلء الجبناء المخادعين‪ ,‬الذين استخفوا بعقول أكثر البشر فأطاعوهم وللسف‬
‫!!‬

‫‪ .2‬شبهة عمالة المجاهدين العرب لمريكا و ارتباطهم بـ (‪ (CIA‬خلل‬


‫الجهاد الفغاني‪:‬‬
‫من العجيب اليوم ‪ .‬أن البرامج العلمية العالمية والعربية من أفلم ومقابلت‬
‫وتحليلت وصحف وكتب وسواها‪ .‬تمر بهذه )الكذبة( بسرعة مرور الكرام‪ ,‬وتنتقل‬
‫لمواضيع أخرى على أنها شيء مسلم به معروف بديهي !!‬
‫فيقدمون للناس كذبة كبرى على أنها حقيقة مفادها ‪:‬‬
‫أن المخابرات المريكية )‪ (CIA‬هي التي صنعت )الفغان العرب( وزعماءهم من‬
‫أمثال الشيخ أسامة بن لدن‪ ,‬والشيخ عبد الله عزام‪ ,‬من أجل تدمير التحاد‬
‫السوفيتي ‪ .‬وان هذه الصنائع انقلبت عليها اليوم‪ ,‬ودمر بعضهم أبراجها في نيويورك‬
‫وواشنطن‪ ,‬في حين عاد أكثرهم إلى بلدهم لضرب مصالحها وقتل رعاياها‪ ,‬ومحاربة‬
‫أوليائها من حكام بلد العرب والمسلمين ‪ ..‬وأن ظاهرة الجهاد المسلح في بلد العرب‬
‫هي إفراز للجهاد الفغاني‪ ,‬وبالتالي صنيعة الستخبارات المريكية‪ ,‬وقد خرجت عن‬
‫الطوق‪ .‬ويقولون أن أمريكا قد وقعت في حال المثل السائر عندهم‪) :‬من يصنع‬
‫الشباح تخرج له(‪.‬‬
‫فما حقيقة هذه الفرية البالغة الخطورة على سمعة الجهاد و الجهاديين في هذا‬
‫العصر‪.‬‬
‫أوضح ذلك من خلل النقاط الموجزة التالية بعون الله‪:‬‬
‫• أما أن ظاهرة الجهاد المسلح في بلد العرب والمسلمين هي‬
‫إفراز لتجمع الفغان العرب في الجهاد الفغاني فالحقيقة هي‬
‫العكس تماما‪..‬‬
‫والحقيقة هي أن الجهاد العربي في أفغانستان هو نتيجة للجهاد العربي قبله‪,‬وهو‬
‫أحد إنجازات التيار الجهادي العربي في بلد العرب وأحد إفرازاته ومراحل تطوره فكما‬
‫مر سابقا ‪.‬‬
‫فإن التيار الجهادي المعاصر هو وليد الصحوة السلمية التي نشأت مطلع‬
‫لثلثينات‪ ,‬وقد أنفصل عنها مطلع الستينات ‪ .‬وقد قامت كثير من التجارب الجهادية ما‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 687 [ ‬‬

‫بين مطلع الستينات ومطلع الثمانينات‪ .‬أي قبل من الجهاد الفغاني بعشرين سنة‪ .‬بل‬
‫إن القيادات والكوادر والرموز وأركان الجهاد العربي في أفغانستان ‪ ,‬هم من بقايا‬
‫وكوادر ورموز وشيوخ التيار الجهادي العربي ‪ .‬فالشيخ عبد الله عزام من رموز و‬
‫قدماء المجاهدين في فلسطين‪ ,‬وقد نفاه النظام الردني من عمان لطروحاته‬
‫الجهادية ومعارضته للنظام ‪ .‬والشيخ أسامة بن لدن تربي في الصحوة السلمية ‪,‬‬
‫ودعم أكثر من حركة للجهاد في بلد العرب‪ ,‬وساهم في دعم الجهاد في سوريا مطلع‬
‫الثمانينات‪ ,‬قبل أن يتوجه إلى أفغانستان‪ .‬وكذلك فإن كثيرا من الكوادر الذين يصعب‬
‫حصرهم هنا‪ ,‬من المدربين والقادة الميدانين الوائل الذين حملوا مهمة إنشاء‬
‫المعسكرات وإقامة البنية الساسية للجهاد العربي في أفغانستان ‪ ,‬كانوا من كوادر‬
‫تنظيمات الجهاد العربية ولسيما من مصر وفلسطين وسوريا ولبنان واليمن‬
‫‪..‬وغيرها‪..‬وهم الذين كانوا نواة التجمع العربي الذين تولوا العمل في مجالت التدريب‬
‫والعلم ‪ ,‬والعمل العسكري ‪ ,‬والعمل الغاثي الميداني وسوى ذلك من العمال‪ ..‬إلى‬
‫أن تقاطر المجاهدون من البلد العربية والسلمية وتزايد الجمع الذي ابتدأ بكوكبة‬
‫صغيرة سنة ‪,1984‬فتصاعد منذ )‪ (1987‬وإلى )‪ (1991‬ليبلغ زهاء أربعين ألفا من‬
‫المجاهدين العرب مع مطلع التسعينات‪.‬‬
‫• أما عن العلقة المزعومة للجهاد العربي في أفغانستان بالمريكان‬
‫ومنظمتهم البائسة)‪ , (CIA‬فإن كان لهؤل ء الوغاد من دور فهو في‬
‫الجازة والضوء الخضر الذي أعطوه لزلمهم من حكام بلد العرب‬
‫والمسلمين بأن يسمحوا للشباب المجاهدين بممارستهم حقهم الطبيعي‬
‫وأوامر دينهم بأن يتوجهوا إلى أفغانستان‪ .‬وأن تتركهم مخابرات تلك البلد‬
‫المجرمة في حال سبيلهم‪ ,‬ول تعترضهم وهم يذهبون إلى أداء الفريضة‬
‫الشرعية‪ .‬وكذلك في الدور المحدود لجهزة إعلم تلك البلد العربية‬
‫والسلمية في الترويج للجهاد الفغاني ‪ .‬وفي دور أمريكا باليعاز للسعودية‬
‫في أن تفتي مؤسستها الدينية المأجورة‪ ,‬بأن الجهاد فرض عين في‬
‫أفغانستان‪ -‬وهي حقيقة ‪ -‬وفي أن تترك المجال للدعاة الصالحين من أئمة‬
‫الدعوة والصلح في السعودية أن يجهروا بهذه الحقيقة الشرعية ‪ ..‬وأن‬
‫تتيح للشعب في بلد الحرمين أن يؤدي فريضة الجهاد بماله لنصرة أخوة‬
‫العقيدة والدين ‪ ..‬وأن تشجع من أراد من الشباب الذهاب إلى هناك‪ ,‬حتى‬
‫بلغ ذلك أن تخفض شركة الطيران السعودية ثمن تذكرة الطائرة من‬
‫السعودية إلى باكستان بنسبة )‪ (%75‬لمن يريد الذهاب للجهاد في‬
‫أفغانستان ليصبح أقل من تكلفة رحلة داخلية ‪ .‬ولشك أنه كان لل سعود‬
‫مصالحهم الدعائية وغير ذلك من هذه التسهيلت‪ .‬كما ساهمت أمريكا‬
‫بإيعازها لباكستان بأن تفتح سفاراتها لعطاء إجازات الدخول )الفيزا(‬
‫للشباب العربي والمسلم من كل مكان للذهاب عبر أراضيها إلى‬
‫أفغانستان ‪ .‬وأن تسمح للعرب بحرية الحركة‪ ,‬التي بلغت حد فتح‬
‫المعسكرات على الراضي الباكستانية قرب أفغانستان للتدريب‪ ,‬وتقديم‬
‫الخدمات اللوجستية للجهاد الفغاني‪ .‬ولشك أنه كان لباكستان مصالحها‬
‫القليمية و الوطنية في هذا‪ ,‬ول محل لستقصاء هذه الجزئيات هنا‪ .‬بل كان‬
‫هناك أيضا مصالح شخصية لمليونيرات الحروب من الضباط في الجيش‬
‫والستخبارات والشرطة الباكستانية من تحرك هذا الكم من البشر‬
‫والموال بين الخارج وأفغانستان عبر أراضيهم ‪ .‬فإذا كانت الجازات‬
‫المريكية لعملئهم الصغار‪ ,‬تعتبر مساهم في صناعة الجهاد العربي في‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 688 [ ‬‬

‫أفغانستان فهو ذلك ل أكثر‪ ..‬وكان لعملئهم الصغار من الحكام في‬


‫السعودية و الباكستان ومصر وغيرها مصالحهم في ذلك ‪..‬‬
‫• أما ما يزعم من تدريب المريكان للعرب‪ ,‬أو ترتيب برامجهم‪ ,‬أو‬
‫معاونتهم على العمل العسكري‪ ,‬أو أي علقة عملية على‬
‫الرض‪ ,‬فهذا محض كذب وافتراء ‪.‬‬
‫ت شخصيا في مجالت التدريب العسكري‪ ,‬وكمحاضر في المجالت‬ ‫ولقد عمل ُ‬
‫الفكرية والمنهجية‪ .‬وكنت على تماس مع قيادات الجهاد العربي في أفغانستان‪.‬‬
‫وأستطيع من خلل ذلك أن أشهد وأؤكد أن هذه الدعوى ل أساس لها من الصحة ‪.‬‬
‫ولست هنا في مجال التأريخ للجهاد العربي في أفغانستان‪ ,‬حتى أسرد وقائع التدريب‬
‫وآلية العمل‪ .‬ولقد كان بالمختصر مجموع جهود فردية مخلصة‪ ,‬ابتدأت بالكوادر‬
‫الجهادية القديمة وبعض الكوادر العسكرية المحترفة من المتقاعدين أو المبعدين عن‬
‫الخدمة في جيوش عدد من الدول العربية والسلمية‪ ,‬والذين كان لمساهماتهم دور‬
‫مفيد جدا‪ ,‬ثم بدأت تتراكم وتتجمع خبرات الكوادر الناشئة في الساحة‪.‬‬
‫والمطلع على الوضع الفكري والنفسي والمنهجي‪ ,‬وعلى المشاعر تجاه‬
‫المريكان والغرب والكفار عموما‪ ,‬بل وحتى تجاه حكامنا بل و صغار أعوانهم‪ ,‬لدى‬
‫القيادة الجهادية العربية وقواعدها من الشباب في أفغانستان وسواها‪ ,‬يعلم أن هذه‬
‫الدعوى غير واردة وغير ممكنة‪..‬‬
‫أما حقيقة أن مصالح وأهداف كافة أطراف الحلف غير المباشر الذي ذكرته‪ ,‬من‬
‫أجل حرب التحاد السوفيتي‪ ,‬كل على حدة عمليا‪ ,‬ومجتمعين على هدف واحد‪ ,‬فحقيقة‬
‫واقعة وكثيرا ما تكررت في دنيا السياسة وتقاطع المصالح عبر التاريخ‪ .‬وما تزال تتكرر‬
‫هنا وهناك وهذا من طبائع الشياء‪..‬‬
‫فقد أرادت أمريكا هزيمة التحاد السوفيتي والنتصار في الحرب الباردة‪ ,.‬بعد أن‬
‫كال لها التحاد السوفيتي وحلف وارسو ضربات موجعة في أكثر من مجال ‪ ..‬وكانت‬
‫قضية أفغانستان فرصة ذهبية للمريكان ‪ ,‬وقد استغلوها بصورة صحيحة و حصلوا على‬
‫ما أسماه نيكسون في كتابه الشهير )نصر بل حرب(‪ ,‬فحققوه بكل جدارة يحسدون‬
‫عليها ‪...‬‬
‫وأرادت أوربا الغربية ودول حلف الطلسي تحقيق مكاسب ووضع موطئ قدم لها‬
‫هناك فشاركت في ذلك المولد لمصالحها الخاصة كدول أوربية‪ ,‬وكل لمصالحها منفردة‬
‫‪ ..‬وحصل لكل دولة ما أرادت بشكل نسبي ‪ ..‬واليوم تنتشر المؤسسات الوروبية‬
‫المختلفة تحت شعار الخدمات النسانية لتقتطع المكاسب المغرية من الملعب‬
‫الفغاني كل بحسب حضورها السابق واللحق‪..‬‬
‫وأرادت الباكستان تحقيق مصالح قومية وإقليمية يضيق المكان عن حصرها هنا بل‬
‫إن ذكر ما حققته الباكستان يحتاج كتابا مستقل ‪ .‬وقد قدمت لمريكا في الملعب‬
‫الفغاني ما أرادت من خدمات ؛ لدعم الجهاد الفغاني أول‪ ,‬ثم لتمزيق مكتسباته ثانيا‪,‬‬
‫ثم لتدمير أفغانستان في حرب أهلية ثالثا‪ ,‬ثم لمواجهة طالبان وإسقاط دولتهم رابعا‪,‬‬
‫ثم لقتل المجاهدين العرب وتسليمهم لعدائهم خامسا‪ ..‬ثم تشرع الن لبيع قضية‬
‫كشمير سادسا ‪ ..‬ولتدمير البنية التحتية للسلميين داخل باكستان ذاتها سابعا‪...‬‬
‫والحبل على الجرار ‪..‬وهكذا نفذت الحكومات الباكستانية ما أرادت أمريكا دائما ‪...‬‬
‫ولعنة الله على الظالمين والمنافقين ‪..‬‬
‫وقل مثل ذلك عن باقي الدوار في أفغانستان للسعودية‪ ..‬ومصر‪ ..‬وسواها‪ ..‬وعن‬
‫الهند‪ ,‬ودول وسط آسيا‪ ,‬وإيران‪ ,‬والصين من دول الجوار ‪..‬التي لعبت لعبتها‬
‫أيضا‪..‬وصول إلى حركات الصحوة السلمية و الجهادية وكل من دخل اللعبة الفغانية‬
‫فكسب أو خسر‪....‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 689 [ ‬‬

‫و يصح هذا على مختلف التنظيمات العربية والسلمية التي حضرت أفغانستان ‪..‬‬
‫باختصار لقد صارت قضية الجهاد الفغاني منطقة تقاطع مصالح عالمية وإقليمية‬
‫ندر أن يتكرر مثلها‪.‬فاجتمع الجميع على التحاد السوفيتي‪,‬وكان لكل نيته وأهدافه‪.‬‬
‫أما عن مصالح الحركات السلمية غير الجهادية ‪ ..‬فكانت شتى‪ ,‬تتراوح بين النية‬
‫الحسنة في خدمة أخوة العقيدة والدين ‪ ,‬وبين المصالح الذاتية لكل حركة من‬
‫الحركات‪ ,‬من المكاسب الدعوية والتنظيمية والمادية‪ ,‬وصول إلى المصالح الذاتية‬
‫والشخصية لبعض الفراد‪.‬‬
‫فماذا كان هدف الجهاديين من الحضور إلى أفغانستان؟!‬
‫لقد كان هدفهم منحصرا بعد نية الجهاد وأداء الفريضة‪ ,‬والبحث عن الشهادة في‬
‫سبيل الله‪ ,‬من قبل غالب قياداتهم وأفرادهم ‪ ,‬كان هدفهم أمرين استراتجيين أثنين‪.‬‬
‫أذكرهما بحسب أهميتهما و بحسب ما لمست شخصيا بسبب تماسي المباشر‪ ,‬بل‬
‫عضويتي في التيار الجهادي‪ ,‬ومن ثم هذا الجمع الذي أطلقوا عليه السم‬
‫)الدراماتيكي( الجميل الذي أحبه وأنتمي إليه وهو ‪ ) :‬الفغان العرب (‪:‬‬
‫‪ .1‬أما الهدف الول لمعظم الكيانات والتنظيمات والكوادر‬
‫الجهادية‪ ,‬فكان العداد والتدريب‪..‬‬
‫وترتيب الصفوف‪ ,‬وجمع الكوادر‪ ,‬وتجنيد العناصر‪ ,‬وإقامة العلقات العامة‪,‬‬
‫واستقطاب أموال التبرعات‪ ,‬وتدريب أفراد التنظيم ‪ ,‬من أجل قضيتهم الذاتية في‬
‫بلدهم‪ ,‬وهو الهدف الذي سيطر على تفكير معظم إن لم يكن كل التنظيمات الجهادية‬
‫العربية‪ ,‬وسواها من العجمية‪ .‬وهو‪ ) :‬إسقاط حكومات الردة القائمة في بلدها كل‬
‫بحسبه وإقامة حكومات إسلمية تحكم بشرع الله (‪.‬‬
‫‪ .2‬العمل على تحرير أفغانستان‪..‬‬
‫وإقامة حكومات إسلمية شرعية فيها‪ ,‬تكون منطلقا لقامة شرع الله في الرض‪,‬‬
‫وملذا آمنا‪ ,‬وقاعدة خلفية للجهاد ضد مختلف أعداء الله وفي كل قضايا المسلمين‪,‬‬
‫بدءا من فلسطين و انتهاء في كل قضية للسلم فيها نصيب وهوية‪..‬‬
‫ولقد تراوح الجميع في نيتهم بين هذين الهدفين بنسبة تقل أو تكثر‪ ,‬بحسب‬
‫اختلفهم في توجهاتهم‪..‬‬
‫حتى بالنسبة لي شخصيا‪ ,‬فقد كان هدفي الذي حملني إلى أفغانستان‪ ,‬والذي‬
‫فشلت في تحقيقه فيها خلل شوطها الول )‪ . (1992-1987‬فقد كان إعادة بناء‬
‫تنظيم جهادي يعمل على متابعة المشروع الجهادي الذي قام في سوريا )‪-1975‬‬
‫‪ .(1982‬وانهار لسباب ذكرتها مفصلة مع تاريخه‪ ,‬في كتابي الموسع )الثورة السلمية‬
‫الجهادية في سوريا‪ -‬آلم وآمال( والذي نشرت الطبعة الولى منه في بيشاور )‬
‫‪ .(1990‬بالضافة لقناعتي بالهدف الثاني ومساهمتي فيه وأسأل الله القبول‪ ..‬ثم‬
‫ي أفغانستان ‪ ,‬وغيرها من التجارب بعد ذلك إلى التجاه الممي الجهادي‬ ‫أثرت ف ّ‬
‫العالمي فيما بعد‪ ,‬و إل فإني قدمت أفغانستان أول مثل غيري لذلك السبب الخاص‬
‫ببلدي ومصيبتها الذاتية‪.‬‬
‫فهل حقق التجمع الجهادي العربي أهدافه هناك‪ ,‬وسط تضارب زحمة أولئك‬
‫المجتمعين على هزيمة الدب الروسي العنيد؟؟‬
‫أعتقد أن قسطا كبيرا من تلك الهداف قد تحقق ‪ ,‬وليس هنا محل سرد‬
‫التفاصيل التي لعلي أسجلها إن يسر الله لي الكتابة في تاريخ ودروس تجاربنا خلل‬
‫الشوطين الجهاديين للفغان العرب في أفغانستان )‪..(2001-1992/1996-1984‬‬
‫وأكتفي هنا بالقوال بأن المكسب الكبر للتيار الجهادي من تلك التجربة‪ ,‬هو عولمة‬
‫التيار الجهادي فكريا وحركيا‪..‬وتبادل الفكر والخبرات‪ ,‬والتعارف بين كوادره من البلد‬
‫المختلفة ‪ ,‬ثم انتشار ذلك في مختلف أقطار الدنيا ‪..‬لقد كان هذا أكبر المكاسب ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 690 [ ‬‬

‫بالضافة لتحقيق أكبر نصر عسكري للمسلمين في تاريخهم الحديث ‪ ,‬وإثبات‬


‫قدرة السلم والمسلمين على هزيمة القوى العظمى‪ ,‬رغم تفاوت المكانيات‪ ,‬وزرع‬
‫هذه القناعة في أمة أوشكت تقتنع بقدر الهزيمة‪.‬‬
‫والمكاسب كثيرة ‪..‬بالضافة للمكاسب الشخصية التي حققها من تقبل الله منه‬
‫بعد أن شرفه بالحضور والمشاركة ممن قضى نحبه وممن ينتظر‪..‬‬
‫وأما الخسارة الساسية في نظري‪ ,‬فهي في أن الظروف من جهة ‪ ,‬والجمع غير‬
‫المتجانس من جهة أخرى‪ ,‬وكذلك عدم تحلي القيادات التي أدارت ذلك الجمع‬
‫الجهادي بالقدرة على توليد تجمع أو تيار جهادي عالمي منظم ‪ ,‬يفرض حضوره‬
‫ومساهمته في قضايا المة وساحة الصحوة السلمية‪ .‬وقد توفرت بحسب ما أظن‬
‫ظروف دولية‪ ,‬وكم من الشباب والكوادر والرموز والدعاة وقدماء المجاهدين من بلد‬
‫كن من ذلك ‪ ,‬في‬ ‫متعددة ‪ ,‬ومن توفر الموال وغير ذلك من المعطيات ‪ ..‬ما كان يم ّ‬
‫فرصة نادرة الحدوث‪..‬ولكن قدر الله وما شاء فعل ولست هنا بصدد تناول أسباب‬
‫ذلك‪.‬‬
‫وأما على صعيد من ينسب العلم إليهم تهمة علقتهم بـ ( ‪(CIA‬‬
‫وأنها أنشأتهم من أجل تدمير التحاد السوفيتي‪ ..‬فكلم باطل أيضا‪.‬‬
‫وعلى سبيل المثال فمن أشهر من تناولهم هذه التهمة‪..‬‬
‫• الشيخ عبد الله عزام رحمه الله‪:‬‬
‫وقد عرفته وكثيرا ما ترددت إليه‪ .‬و قد عملت فترة قصيرة معه‪,‬‬
‫وكان جل عملي أيامها مع الشيخ أسامة حفظه الله ‪ .‬فكان هدف الشيخ‬
‫عبد الله موجزا‪ ,‬وكثيرا ما تحدث عنه بنفسه وسجله في أشرطته‬
‫ومحاضراته وهو‪:‬‬
‫‪ .1‬إقامة الدولة السلمية في أفغانستان‪.‬‬
‫والنطلق جغرافيا منها في عملية تحرير إلى ما شاء الله من البلد وإلى فلسطين‬
‫والقدس بشكل أساسي‪ ..‬وكان يحدث عن فتح موسكو وبكين وبيت المقدس من‬
‫أفغانستان‪ ..‬وكانت هذه آماله ولسان حاله رحمه الله‪ ..‬كما قال الشاعر ‪..‬‬
‫وتأتي على قـدر الكرام‬ ‫على قـدر أهل عزم تأتي‬
‫م‬
‫المكار ُ‬ ‫م‬‫العزائ ُ‬
‫وتصغر في عين العظيم‬ ‫وتعظم في عين الصغير‬
‫م‬
‫العـظائ ُ‬ ‫صغارها‬
‫وأخو الجهالة بالشقاوة‬ ‫ذو العـقل يـشقي فـي‬
‫م‬
‫ينعـ ُ‬ ‫النعيـم بعـقله‬

‫ولمن ينكر مثل هذه المال من القزام اليوم‪ ,‬ولسيما ممن ينسبون أنفسهم‬
‫للصحوة السلمية‪ .‬لم ينس المتبني‪ -‬لله دره‪ -‬قائل هذه البيات‪ ,‬أن يضيف‪....‬‬
‫م‬
‫عـن غـيه وخـطاب من ل يـفهـ ُ‬ ‫ومـن البلية نصح من ل يرعوي‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 691 [ ‬‬

‫‪) .2‬عسكرة شباب المسلمين( ‪:‬‬


‫وكان هذا الهدف الثاني للشيخ عبد الله ‪ ,‬رحمه الله وأكرم نزله و هو باختصار ‪,‬‬
‫نشر التدريب العملي تدريبا ومساهمة في القتال ‪ .‬ونسأل الله أنه يجعل له مثل جميع‬
‫أجور الفغان العرب ل ينقص من أجورهم شيئا إنشاء الله ‪,‬لن الشيخ كان هو‬
‫المؤسس والمربي‪ ,‬والمظلوم الذي لم تعرف المة حقه ولحق تراثه إلى اليوم ‪,‬‬
‫ببركات المنتفعين من قيادات الصحوة السلمية ‪ ,‬وجهود أعداء السلم ممن يعرفون‬
‫قيمة أمثاله ويعملون على دفن آثاره‪ -‬رحمه الله ‪..‬‬
‫فقد كان يقول ‪ ( :‬أريد أن يأتي من كل بلد عربي ولو أربعين مجاهدا‬
‫فيستشهد نصفهم ويعود نصفهم إلى بلده ليحمل دعوة الجهاد ‪ (..‬ولقد‬
‫حصل له‪ -‬رحمه الله ‪ -‬أكثر مما أشتهى ‪.‬‬
‫فقد حضر إلى أفغانستان أكثر من )‪ (40‬ألف شاب عربي ومسلم غير أفغاني ‪,‬‬
‫وتدرب عسكريا أكثر من نصفهم ‪ .‬وشارك في القتال أكثر من نصف الذي تدربوا ‪..‬‬
‫ولم يتجاوز عدد الشهداء ما يزيد عن نسبة زكاة المال ‪ . %2,5‬فقد كانوا )خلل‬
‫ثماني سنوات( زهاء ألف شهيد رحمهم الله تعالى‪.‬‬
‫وكان لهذا الجمع دور تاريخي سآتي على ذكر بعض جوانبه بعد النتهاء من الرد‬
‫على هذه الفرية العجيبة‪ .‬وهي ‪ :‬دعوى صناعة )‪ (CIA‬وأمريكا للتجمع الجهادي‬
‫العربي في أفغانستان ثم إنقلب الجمع عليها ‪.‬‬
‫والناظر في أشرطة وكتب وخطب وتراث الشيخ الشهيد عبد الله عزام‪ -‬أبو‬
‫محمد‪ -‬رحمه الله‪ .‬يرى المساحة الهائلة التي زرعها في قلوب أتباعه وقرائه من‬
‫الكراهية والحقد المقدس على أمريكا وأعوانها ‪ ..‬وعلى المرتدين و أزلمهم‪ .‬كيف ل؛‬
‫وهو من ضحاياهم في فلسطين والردن ثم باكستان حيث قتلوه بأوامر أمريكية في‬
‫عهد) بنزير بوتو( ووزير داخليتها ) بابر( ‪,‬الذين تبقى مهمة القتصاص منهم أمانة في‬
‫أعناق أجيال المجاهدين ‪ .‬قتل الله المجرمين وتقبله في الشهداء‪.‬‬
‫وأما أنه أفتى في كتابه القيم )الدفاع عن أراضي المسلمين أهم فروض العيان(‬
‫بجواز أخذ المساعدات من المريكان لجهاد الروس المعتدين أو العكس‪..‬فهو صحيح‪.‬‬
‫وهي حال الضرورة التي تلجئ إليها المسلمين ‪ ,‬إذا دهمهم صائل و أشفوا على‬
‫الهلكة‪ ...‬وهذا أمر معروف ‪ ,‬يقدره الفقهاء بشروطه‪ .‬وقد أفتى الشيخ للفغان أن‬
‫يأخذوا المساعدات من أمريكا ومن المرتدين من حكام العرب و من سواهم ‪ .‬وأما‬
‫الجمع الجهادي العربي فقد كان جمعا معطيا ل آخذا‪ ,‬فقد انهالت عليه‬
‫التبرعات بمئات المليين من الدولرات من زكاة أموال المسلمين‬
‫وتبرعاتهم ‪ .‬فأخذ الجمع حاجته من مصاريف الجهاد والعداد و كفالت‬
‫أسر المجاهدين والشهداء العرب وأنفق أكثر المال على الجهاد الفغاني‬
‫ذاته‪ .‬كما أوصل المجاهدون العرب بأمانه ما جاء وقفا على الجهاد الفغاني ذاته‬
‫لصحابه من المجاهدين والمهاجرين من أيتام وأرامل و محتاجين ‪..‬هذا عن دور الشيخ‬
‫عبد الله عزام‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 692 [ ‬‬

‫• أما الشيخ أسامة بن لدن حفظه الله ‪:‬‬


‫فقد أخذ حظا أكبر من هذه التهمة وذهب العلم مذاهب شتى في تهمته‪ .‬فقد‬
‫تناولته كتب وأبحاث كثيرة لكتاب صليبين عرب وأجانب بهذه الفرية وذهبوا بعيدا‪ .‬إلى‬
‫الحديث عن علقة وثيقة لسرة بن لدن‪ .‬وعن تجارة بترولية بين الرئيس بوش الب‬
‫وأحد أخوة الشيخ أسامة ‪ ,‬وعن عمل بن لدن مع المخابرات السعودية في بيشاور‬
‫في ترتيب الجهاد العربي في أفغانستان ‪ ,‬والحقيقة أن المخابرات السعودية كانت‬
‫تشرف على مساهمات السعوديين ‪ ,‬وتداخلت عناصرها من خلل السلميين‬
‫السعوديين ‪ ,‬نتيجة حجم المساعدات الواردة من السعودية ‪ ..‬وكان التعاون مع‬
‫الجهات الرسمية السعودية قائما فعل‪ ..‬وتتحدث التهم والخيالت العلمية عن ربط‬
‫المخابرات السعودية لبن لدن بالمخابرات المريكية‪ ...‬بل ذهب البعض إلى أبعد من‬
‫ذلك‪ ,‬ليجعلوه عميل موظفا رسميا في ) ‪ ! (CIA‬وأنه أنقلب عليهم بعد ذلك عندما‬
‫غزوا السعودية واستقروا فيها بعد ما سمي )حرب تحرير الكويت( وأنه فعل ذلك‬
‫استجابة للشعور الديني والوطني! وذهب البعض أبعد من هذا ‪ ,‬ليعتبروه مازال عامل‬
‫معهم‪ ,‬وأنه ضرب نيويورك لصالحهم! سواء شعر أم لم يشعر‪ ,‬وأن الستخبارات‬
‫المريكية أغفلت المعلومات المتوفرة لديها عن ذلك‪ ,‬ولم تمنع العمل كي تبرر أمريكا‬
‫غزوها لبلد العرب والمسلمين وتدمر أفغانستان وتحتل العراق ‪ !!!..‬واستشهدوا على‬
‫ذلك بأنهم لم يعثروا عليه حتى الن عمدا ‪ .!!.‬إلى آخر ما يصل به الخيال والخرافات و‬
‫اللمعقولية المتعمدة وغير المتعمدة‪.‬‬
‫وحقيقة المر أبسط من ذلك و ل تحتاج كل هذه التعقيدات‪ .‬ولئن قدر الله لي‬
‫وتناولت في كتاب مستقل يتعلق بتلك الحداث‪ ,‬وأرخت لتلك المرحلة‪ ,‬لكتبت ما‬
‫يشفي إنشاء الله من الحقائق الميدانية‪ ,‬عن أحداث عشتها بنفسي وعاصرت أصحابها‬
‫وعملت معهم‪ ,‬أو بقربهم عبر مسار التيار الجهادي وإلى الن ولله الحمد ‪.‬‬
‫وأما على سبيل الختصار فأقول ‪:‬‬
‫كان الشيخ أسامة بن لدن‪ -‬فرج الله كربته وحفظه ‪ -‬قد بدأ مشواره إلى‬
‫أفغانستان بعيد احتلل الروس لها مقدما للتبرعات المالية ‪ ..‬وقرر‪ -‬فيما بلغني عن‬
‫الثقات ممن عاصروا تلك المرحلة ‪ -‬الستقرار والتفرغ للجهاد ميدانيا إلى جانب‬
‫الفغان مطلع سنة)‪ .(1986‬بعد تأسيس الشيخ عبد الله عزام لمكتب الخدمات سنة)‬
‫‪ , (1984‬فعمل معه مدة‪ ,‬ثم بدا له أن يستقل فأنشأ تنظيم القاعدة مطلع سنة )‬
‫‪ (1988‬بعد ازدياد وفود المجاهدين العرب ولسيما من السعودية واليمن ‪ -‬وهي ميدان‬
‫صلته ومعرفته‪ -‬إلى أفغانستان‪..‬‬
‫وكانت حركته من السعودية علنية مشروعة‪ ,‬لم تتصادم مع توجهات‬
‫الحكومة بل اتفقت مع توجهاتها المريكية الصل في دعم الجهاد الفغاني‪ .‬وبقي‬
‫الحال كذلك إلى سنة )‪ (1990‬حيث شكلت حرب الكويت إشكال شرعيا وعقديا‬
‫لعموم تشكيلت المجاهدين الفغان العرب‪ ,‬ومن ضمنهم عناصر القاعدة التي تولى‬
‫التدريب والتوجيه والتربية الفكرية فيها عناصر من التيار الجهادي من مصر وسوريا‬
‫وغيرها وأثروا في هويتها الفكرية ‪..‬‬
‫وقد شكل الشيخ أسامة القاعدة لهداف جهادية في أفغانستان و‬
‫في خارجها ‪ ,‬وذلك لدعم قضايا الجهاد وتنظيماتها في أماكن عديدة‪ .‬وكان له مشروعه‬
‫الجهادي الخاص في اليمن الجنوبي ضد الحكومة الشيوعية السابقة ‪ .‬وتحولت آمال‬
‫مشروعه لتصبح على مستوى اليمن الموحد فيما بعد‪ ..‬فكان مثله مثل عموم‬
‫التنظيمات الجهادية ذات المشروع الخاص ‪ .‬ومن هنا اتخذ من المشاركة في الجهاد‬
‫الفغاني ميدانا للعداد والتدريب لعناصر مشروعه ‪ ,‬مثله مثل باقي الفغان العرب‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 693 [ ‬‬

‫كما عمل كغيره للهدف العام ‪ ,‬وهو العمل على إقامة دولة إسلمية في أفغانستان‬
‫بعد تحريرها‪.‬‬
‫وقد عملت بنفسي بصورة متقطعة في مجال التدريب العسكري في‬
‫معسكرات القاعدة‪ ,‬خلل الفترة مابين مطلع )‪ (1988‬و )‪ . (1991‬كما عملت‬
‫محاضرا أيضا في المجالت المنهجية والسياسية الشرعية ودروس حرب العصابات‬
‫فيها وفي غيرها من التنظيمات ‪ .‬والمعسكرات ‪ ,‬واحتككت بمعظم الجهاز المؤسس‬
‫والكادر العامل في إطار الجهاد العربي الفغاني‪ .‬ولم يكن للقاعدة في حينها أي‬
‫توجهات أخرى خارج أفغانستان ميدانيا‪ ,‬ولم يكن للشيخ أسامة مشروعا مباشر إل‬
‫اليمن‪ .‬بالضافة للدعم المادي لقضايا وجماعات جهادية في أماكن كثيرة ‪ ,‬وهذا في‬
‫حدود إطلعي الذي أعتقد أنه كان قريبا جدا من حقيقة الواقع لقربي من الشيخ آنذاك‬
‫فقد كنت أحد أعضاء الصف الول فيها حول الشيخ ‪.‬‬
‫ت أفغانستان عائدا إلى مقر إقامتي في أسبانيا وانقطعت‬ ‫وفي سنة )‪ (1991‬غادر ُ‬
‫علقتي عمليا بهم إلى سنة ‪ 1996‬حيث تلقينا في ضيافة طالبان ‪.‬‬
‫كما غادر الشيخ أسامة و معظم إدارته ومن تبقى معه من الكوادر إلى السودان ‪,‬‬
‫ولم يكن قد تبدى عليهم أي توجه آخر في العمل‪.‬‬
‫كانت ساحة الجهاد العربي في أفغانستان أيام جهاد السوفييت متداخلة جدا ‪.‬‬
‫وكان دور السعودية ومؤسساتها الغاثية وأجهزتها الستخباراتية و العسكرية كبيرا ‪.‬‬
‫وكان كثير من مسؤوليهم على علقة عمل مباشرة مع إدارت العمل العربي ‪,‬الذي‬
‫كان الشيخ عبد الله عزام والشيخ أسامة في رأس إدارته ‪ ..‬وكانا والخرون من‬
‫القيادات يرون ذلك مفيدا لدعم الجهاد الفغاني ‪ ,‬الذي ل يخفي في ثناياه سرا يخشى‬
‫عليه من وجود أشخاص يقدمون الدعم له من الستخبارات السعودية أو الباكستانية ‪.‬‬
‫و أما من كان لهم مشاريع جهادية خاصة فكانوا على النقيض في قناعتهم ‪ .‬فلم يكونوا‬
‫على تماس بهؤلء ول نظروا إليهم بعين الريتاح وكنت من هذا الفريق ‪ ,‬رغم قربي‬
‫من الدائرة الولى حول الشيخ أسامة في حينها وإلى )‪.(1991‬‬
‫وأما أن هناك أمريكان قد دربوا المجاهدين العرب من جماعة القاعدة أو غيرها أو‬
‫قدموا لهم أي دعم فمجرد كذبة تافهة‪ .‬إذ لم يكن هذا ليكون مقبول ول على سبيل‬
‫المزاح ‪ ..‬فالوسط الجهادي العربي الذي تسيطر عليه أفكار الولء والبراء والمدرسة‬
‫السلفية الجهادية كان متوترا تجاه بعض الشخصيات الحكومية السعودية التي تأتي‬
‫لتقديم الدعم وربما دخلت بعض المضافات أو المعسكرات العامة المفتوحة )مثل‬
‫الملحق العسكري في السفارة السعودية‪ -‬أبو مازن‪ (-‬فكيف بمثل هذه الفكار عن‬
‫أجانب أو أمريكان‪..‬‬
‫لكن الذي لم أر وسائل العلم أو الكتب التي تتعرض للشيخ المجاهد أسامة بن‬
‫لدن حفظه الله قد تعرضت له على أهميته في تفسير ما جرى في تلك المرحلة و ما‬
‫بعدها‪ ,‬فهو‪:‬‬
‫توقيت التغير الفكر والمنهجي لدى الشيخ أسامة‪ ,‬والذي انعكس موقفا وتوجها‬
‫عليه وعلى القاعدة ضد أمريكا فيما بعد‪.‬‬
‫فقد كان هناك عاملين أساسين قد سببا ذلك وهما بتسلسل الهمية ‪:‬‬
‫‪ .1‬أن الشيخ أسامة قد بنى القاعدة على جهود كوادر من تنظيم الجهاد المصري‬
‫أساسا‪ ,‬مع بعض الذين ساهموا في التدريب من كوادر التيار الجهادي في مناطق‬
‫أخرى‪ .‬ولم يكن معظمهم أعضاء في القاعدة‪ ,‬وإنما على سبيل التعاون وتبادل المنافع‬
‫‪ .‬فقام هؤلء الجهاديون ‪ -‬وكنت من بينهم لفترة ‪ -‬ببث أفكارهم الجهادية حول الولء‬
‫والبراء و الحاكمية ‪..‬وغيرها من المور السياسية الشرعية ‪ ,‬وفقه الواقع في تلك‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 694 [ ‬‬

‫المعسكرات حيث وصلت الساليب لحد تدريب السعوديين على الرماية على صور‬
‫الملك فهد وكبار المراء السعوديين‪!..‬‬
‫فأثروا مع الوقت عبر كتبهم ومحاضراتهم و أساليبهم و مناقشاتهم في قاعدة‬
‫القاعدة الشبابية ‪ .‬ثم انتقل التأثير ذاته للشيخ أسامة مع الوقت ‪ ,‬والذي كان قد حضر‬
‫إلى أفغانستان وهو مثل عموم الشباب السعودي الذي جاء للجهاد آنذاك يحمل منهج و‬
‫بصمات فكر الصحوة السلمية في السعودية ‪ ,‬وهي مزيج فكر الخوان المسلمين و‬
‫السرورية ودعاة المدرسة الوهابية الرسميين‪ - .‬وأكتب هذا لعلمي بسبب قربي منه‬
‫تلك الفترة ومناقشاته في ذلك مرات عديدة – ‪.‬‬
‫وكان هو وعموم المجاهدين السعوديين يعتبرون أن الحكومة السعودية شرعية‪,‬‬
‫وأن الملك فهد وآل سعود مسلمون وأولياء أمور شرعيون ‪ ,‬على فسقهم ومظالمهم‪..‬‬
‫ويكنون احتراما شديدا للعلماء الرسمين في هيئة كبار العلماء‪ ,‬ويلتزمون بفتاويهم ‪..‬‬
‫ولم يكن بيننا كجهاديين وبين أولئك الخوة ومنهم الشيخ أسامة ذاته من حملة هذا‬
‫الفكر قواسم مشتركة آنذاك إل عموميات السلم المتفق عليها‪ ,‬والعمل على نصرة‬
‫الجهاد الفغاني‪ ,‬ولكن التناقض المنهجي والختلف في الفكر الجهادي وفهم الواقع‬
‫ومنطلقات السياسة الشرعية كان جليا بيننا كجهاديين وبينهم ‪ ..‬والذي حصل مع‬
‫الوقت ‪ ,‬أن الشيخ أسامة‪ -‬حفظه الله ‪ -‬تدرج في القناعة وهضم الفكر الجهادي‪,‬‬
‫وتقبله ثم تبناه ثم صار أحد رموزه ‪ ..‬وأظن أن مما ساعد على ذلك‪ ,‬إضافة للتأثير‬
‫والحتكاك بينه وبين الجهاديين ‪ ,‬كان العامل الثاني وهو‪..‬‬
‫‪ .2‬موقف السعودية ومؤسساتها الحاكمة وعلماء ها الرسميين من تداعيات حرب‬
‫الكويت ووجود القوات المريكية في السعودية‪.‬‬
‫فإن ما تبع ذلك من تحولت‪ ,‬كشفت له حجم الكارثة‪ ,‬وعظم دور الكفر الحاكم‬
‫في جزيرة العرب‪ ,‬وعمق نفاق المؤسسات الدينية الرسمية‪ .‬وفهم بحكم ألمعيته‬
‫وإدراكه للواقع‪ ,‬وذكائه الحاد‪ .‬أبعاد أهداف الوجود المريكي في المنطقة ‪,‬ووفرت له‬
‫فترة القامة في السودان )‪ (1996-1992‬مدة كافية للتفكير‪ .‬إنتقل خللها من‬
‫المعارضة العلمية اللينة لحكومة آل سعود مع العتراف بشريعتهم )أنظر بياناته‬
‫باسم هيئة النصيحة والصلح ‪ ,( 10 -1‬إلى الدعوة للصلح بشدة وجدية في توجيه‬
‫الخطاب الحاد والقاسي للسلطة الحاكمة ومؤسستها الدينية الرسمية المنافقة‪..‬‬
‫) انظر البيانات ‪ ) ( 17-11‬وقد أوردت مقتطفات من هذه البيانات في الفصل الرابع‬
‫– عند فقرة ‪ :‬المؤسسة الدينية السعودية ودورها في دعم الحملت الصليبية الثالثة (‬
‫وانظر كتاب ) شهادة قادة الجهاد والصلح في بلد الحرمين ( ‪..‬للمؤلف ‪.‬‬
‫ثم بدأ المريكان بالضغط على السودان لطرد الشيخ أسامة ‪ ,‬بعد ما باتت‬
‫مصالحهم تتعرض لبعض الهجمات من بعض الشباب السعودي المجاهد الذي هضم‬
‫الفكر الجهادي في أفغانستان وتحول إلى مجال التطبيق‪ ,‬ولم يكن لولئك الشباب أي‬
‫علقة عمل تذكر بالشيخ أسامة ول القاعدة‪ ,‬من مثل الذين فجروا مجمع سكن‬
‫المريكان في العليا في الرياض ‪ ,‬أو قاموا بعض العمال المحدودة‪ .‬وكان المريكان‬
‫والحكومة السعودية يعرفون ذلك ‪ .‬فلما طردت السودان الشيخ أسامة وعاد إلى‬
‫أفغانستان في عهد طالبان ‪ .1996‬كان حوله مجموعة من الذين يحملون فكر‬
‫المواجهة الممية مع أمريكا‪ .‬وحلفائها وكان الشيخ أسامة قد توصل بتفكيره الشخصي‬
‫وتأثره بمنهج التيار الجهادي‪ ,‬وفهمه للواقع إلى أن الطريق إلى الجهاد ضد النظمة‬
‫المرتدة ومنها النظام القائم في السعودية يمر حتما بمواجهة أمريكا‪..‬وتوصل بتوفيق‬
‫الله له إلى المعادلة السياسية الصحيحة ‪:‬‬
‫)‪ (1‬العلماء يضفون الشرعية على آل سعود‪.‬‬
‫)‪ (2‬وآل سعود يضفون الشرعية على وجود أمريكا في الجزيرة‪..‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 695 [ ‬‬

‫وهناك إحدى طريقتين للموا جهة مع آل سعود وهذه الوضاع ‪..‬‬


‫‪ -1‬إما مواجهة آل سعود وبالتالي ضرورة مواجهة العلماء لكشف نفاقهم‪ ,‬لسقاط‬
‫شرعية آل سعود وهي معركة خاسرة أمام الناس ‪ ,‬لحجم وثقل المؤسسة الدينية وما‬
‫زرعته من الشرعية والهيبة في عقول الناس عبر أكثر من )‪ (70‬سنة ‪.‬‬

‫‪ - 2‬وإما طريق أسلم ‪ ..‬وهو‬


‫ضرب الوجود المريكي ‪ ..‬فيضطر آل سعود للدفاع عنه فتسقط‬
‫شرعيتهم ‪ ,‬في أعين المسلمين في بلد الحرمين ‪ ..‬فتدافع المؤسسة‬
‫الدينية عنهم ‪ ..‬فتسقط شرعيتها معهم ‪ ..‬فتدور المعركة على بينة أكثر‬
‫وضوحا أمام الناس‪..‬‬
‫وأختار الشيخ أسامة الخيار الثاني ‪ ,‬و أعتقد أنه كان مصيبا إلى حد كبير ‪ .‬يقدرهذا‬
‫من يفهم الوضاع في السعودية ومكوناتها الدينية والجتماعية والسياسية‪.‬‬
‫كما كان الشيخ أسامة قد اقتنع بعد درس سقوط التحاد السوفيتي‪ ,‬ورأى كيف‬
‫سقطت كل الحكومات الديكتاتورية في دول حلف وارسو بسقوطه‪..‬مثل ما حصل‬
‫في ألمانيا الشرقية ورومانيا وبولندا وسواها‪ .‬واقتنع أنه بسقوط أمريكا ستسقط كافة‬
‫مكونات النظام العربي القائم ‪ ,‬وسواها من القائمة في بلد العالم السلمي ‪.‬‬
‫فاقتنع لهذه السباب بتركيز الجهد على جهاد أمريكا‪ .‬وبدأ يدعو من يحضره لفكرة‬
‫الحرب مع رأس الفعى كما دعاها وليس مع ذيولها الكثيرة‪.‬‬
‫وقد حضرت إليه في أفغانستان بعيد وصوله إليها بنحو أربعة أو خمسة أشهر ‪,‬‬
‫لجراء مقابلة تكمل فيلما وثائقيا عن المعارضة السعودية أواخر عام ‪ 1996‬بثته الس )‬
‫‪ . ( BBC‬وكذلك بعد عدة أشهر‪ ,‬في مايو ‪.1997‬لجراء مقابلة تلفزيونية بثتها الس )‬
‫‪ ) . (CNN‬حيث كنت قد أنشأت في لندن مركزا للعلم والدراسات متخصص في‬
‫صراعات العالم السلمي ( ‪.‬‬
‫مش ذلك العمل ‪ ,‬جلست معه عدة مرات ‪ ,‬وكانت هذه قناعته باختصار‪..‬‬ ‫وعلى ها ِ‬
‫ولما عدت للقامة في أفغانستان نهائيا في عهد طالبان بعد ذلك بسنة ونيف‪..‬‬
‫سنحت لي فرص عديدة على مدى السنوات الربعة التي أقمناها في ظل المارة ‪,‬‬
‫لزيارات أخوية قمت بها إليه‪ ,‬ولعدد من أصدقائي الخرين العاملين معه‪ ..‬وكان ما‬
‫ذكرت هو فحوى دعوته لكل من يزوره من العرب والعجم من قيادات الصحوة‬
‫وشبابها‪.‬‬
‫وأعتقد أن الفكرة التي اختارها ‪ ,‬في جهاد المريكان كمفتاح لحل جميع المشاكل‬
‫في الجزيرة العربية والمنطقة بأسرها‪ ,‬كانت صحيحة‪ ,‬بصرف النظر عن رأيي في‬
‫تفاصيل طريقته في عمله‪ ,‬وأداء تنظيمه من أجل تحقيق تلك الهداف آنذاك‪.‬‬
‫ثم بدأ الشيخ أسامة حفظه الله يتوغل في تلك القناعة ‪ ,‬ويجمع المبررات لهذه‬
‫المعركة ويختار لها التكتيكات اللزمة بحسب وجهات نظره‪.‬‬
‫م من افترى عليه أنه عمل مع المريكان أثناء جهاد الروس‪ ,‬ثم انقلب عليهم‪,‬‬ ‫فزع ُ‬
‫هو زعم باطل‪..‬مبني على التجني والحقد أو الجهل ‪ ,‬بسبب دعاوى وسائل العلم‬
‫المعادية‪.‬‬
‫و القصة باختصار أنه قد جمعه وجميع المسلمين آنذاك‪ ,‬قاسم‬
‫مشترك مع المريكان في ضرب الروس لعدوانهم على أفغانستان ‪..‬‬
‫فلما انتهت المعركة‪ ,‬تنبه الجميع إلى أن العدو المقبل هو القوة الوحيدة‬
‫التي انفردت بإدارة العالم ‪ ,‬وإنشاء النظام العالمي الجديد‪ ,‬وغزت بلد‬
‫الحرمين ‪ ..‬وراحت تجهز الحملت الصليبية على الشرق الوسط‪...‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 696 [ ‬‬

‫فأكمل ابن لدن الواجب وأعلن الجهاد بدوره على القوة التي جاءت‬
‫للعدوان بدورها ‪ ..‬وكذلك فعل معظم من أراد الجهاد معه ‪ ,‬أو مستقلين‬
‫عنه كما كان حالي وحال أمثالي‪.‬‬
‫وحتى تكون الصورة واضحة ؛ فمثل لو ساعدنا الفرنسيون أو غيرهم من‬
‫الوربيين ‪ ,‬أو الروس ‪,‬أو الصين‪ ..‬ساعدونا اليوم في جهادنا لمريكا‪ ,‬كما أظن أنهم‬
‫ربما سيفعلون يوما ما‪ ..‬لصار بيننا قاسم مشترك ‪ ..‬ولو انتصرنا على أمريكا‪ ,‬وقاموا‬
‫بدورهم يغزون بلدنا كما أظن أنهم سيفعلون لو فعلوا ما قبلها ‪ ,‬سننقل الجهاد ضدهم‬
‫‪ ..‬ولو وجدناهم انتقلوا للموادعة والتعاون على المفيد ولحسن الجوار‪ ,‬سيجدون أن‬
‫في ديننا سعة لن نفعل مثل ذلك معهم‪ ..‬كما أظن أنهم ل يفعلون إل في إطار‬
‫التكتيكات المرحلية‪..‬‬
‫ورغم أني أحس أني أسهبت وأطلت في دحض هاتين الشبهتين‪ ,‬ولكن ذلك لني‬
‫وجدت وسائل العلم تنشر هذه الفتراءات عامدة أم جاهلة بشكل بالغ الذى‬
‫للمجاهدين والمسلمين ‪ ..‬وأظن في عرضي هذا كشهادة حية ‪ ,‬فائدة لمن يتوخى‬
‫الحقيقة ليستفيد منها‪.‬‬
‫وكما أنهيت فقرة الشيخ عبد الله عزام رحمه الله بأبيات جميلة للمتبني‪ .‬فأرى أن‬
‫أنهي أيضا بما يناسب مقام الشيخ أسامة في التوجه اليوم لحرب أمريكا بأبيات جميلة‬
‫أخرى لنفس سلطان الشعراء‪ ,‬فإني أرى في اختيار الشيخ أسامة للمعركة مع رأس‬
‫الكفر والطغيان أمريكا صورة لما قال المتنبي‪ ,‬وهو قوله‪:‬‬
‫فل تقنع بما دون‬ ‫إذا غامرت في شرف‬
‫النجوم ِ‬ ‫مروم ِ‬
‫كطعم الموت في أمر‬ ‫فطعم الموت في أمر‬
‫عظيم ِ‬ ‫حقير‬
‫وتـلك خديعة الطبع‬ ‫يرى الجبناء أن العجز‬
‫اللئـيم ِ‬ ‫عقل‬
‫وآفـتـه مـن الفهـم‬ ‫ب قول‬ ‫وكم من عائ ٍ‬
‫الســقيـم ِ‬ ‫صحيحا‬
‫وما مثل الشجاعة في‬ ‫وكل مزية في المرء‬
‫الحكيم ِ‬ ‫ترجى‬

‫فرحم الله الشيخ عبد الله عزام في من قضى نحبه ‪ ,‬وحفظ الله الشيخ أسامة ‪,‬‬
‫وجعلنا وإياه ممن ينتظر وما بدلوا تبديل ‪ ,‬وغفر لهما ولنا ولجميع المسلمين‪..‬‬
‫وأعود بعد هذا الستطراد المفيد إن شاء الله لموضوع الفقرة وهو‪:‬‬

‫أثر الجهاد الفغاني (‪ (1992-1984‬على التيار الجهادي‬ ‫•‬


‫المعاصر منهجيا وحركيا‪:‬‬

‫تحولت )بيشاور( ‪ ..‬المدينة الحدودية الدافئة شتاء الملتهبة صيفا‪ .‬التي كان‬ ‫•‬
‫السلطان محمود الغزنوي رحمه الله‪ ,‬قد اتخذها عاصمته الشتوية‪ ,‬في‬
‫غزواته المجيدة في فتوح الهند في القرن الرابع الهجري‪ .‬تحولت إلى‬
‫جامعة حقيقية لكافة مدارس وتيارات وتنظيمات وجماعات الصحوة العربية‬
‫والسلمية تقريبا ‪ ..‬وخلل سنوات ازدهار ذلك الجمع مابين )‪ (1986‬و)‬
‫‪ ..(1992‬أصبحت ميدانا لتلقي كل الفكار والمناهج و الطروحات التي‬
‫كنت تسود الصحوة السلمية من دعوية‪ ,‬وإصلحية‪ ,‬وسياسية’‪ ,‬و جهادية‪,‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 697 [ ‬‬

‫وحتى من الكتل الشاذة فكريا‪..‬وازدحمت فيها مئات المؤسسات الخيرية‬


‫النسانية العربية والسلمية و الجنبية التي قدمت لغراض شتى‪ .‬تحت‬
‫ستار تقديم الخدمات لكثر من )‪ (3‬مليون لجئ أفغاني تدفقوا إلى‬
‫باكستان‪ .‬التي ربما قطن أكثر من مليونيين منهم في بيشاور وما حولها ‪..‬‬
‫وقد زار بيشاور خلل تلك الفترة ‪ ,‬مئات الشخصيات السلمية‪ .‬من علماء‪,‬‬
‫وشيوخ ‪ ,‬وكتاب ‪ ,‬وشعراء ‪ ,‬ورموز‪ ,‬وقادة حركات ‪ ..‬لتقديم جهد ما ‪ ,‬أو‬
‫للطلع ‪ ,‬أو للدعاية‪ ,‬أو للرياء والسمعة‪ ,‬أو للتكسب ‪ ,‬أو لي نية أخرى‬
‫صالحة أو طالحة‪..‬‬
‫• ومن بيشاور كانت تتدفق المساعدات المالية والعينة والعسكرية وسوى‬
‫ذلك على الحدود الفغانية لتجد طريقها الصالح أو الطالح إلى حيث قصدت‬
‫ألم تقصد ‪...‬‬
‫والجهاد الفغاني ودور العرب فيه مسألة جديرة بالتأريخ والتحليل والستفادة‬
‫‪.‬وهو أمر يحتاج كتبا مستقلة‪ .‬ولكني هنا بصدد أثر ذلك الجمع على التيار الجهادي‬
‫العربي المعاصر ‪..‬‬
‫كان آحاد ربما ل يصل عددهم إلى عشرة قد توجهوا إلى باكستان بغية دعم‬
‫المجاهدين الفغان بعيد الغزو الروسي المعلن خلل عام )‪ . (1982-1979‬ودخل ثلثة‬
‫أو أربعة منهم أفغانستان فعليا للمشاركة في الجهاد‪ .‬كما وصلها بعض آحاد المحسنين‬
‫من المسلمين لتقديم بعض العون المادي للمجاهدين الفغان خلل تلك الفترة‪..‬‬
‫* ولكن التأريخ للجهاد العربي في أفغانستان يبدأ عمليا‪ ,‬منذ )‪ (1984‬عندما تفرغ‬
‫الشيخ عبد الله عزام كليا للجهاد الفغاني ميدانيا‪ ,‬بعد أن عمل مدة مدرسا في كلية‬
‫الشريعة في الجامعة السلمية في أسلم أباد وكان‪ -‬فيما بلغني – عن بعض شهود‬
‫تلك المرحلة‪ ,‬قد رحل عن الردن نتيجة مضايقات السلطات في عمان ‪..‬‬
‫عمل الشيخ عبد الله عزام على عدة محاور لنصرة الجهاد الفغاني كان من أهمها‪..‬‬
‫‪ .1‬تأسيس )مكتب الخدمات( الذي تولى تقديم ونقل المعونات والتبرعات للمجاهدين‬
‫والمهاجرين الفغان‬
‫‪ .2‬تأسيس مجلة الجهاد التي كانت منبره الرئيسي للدعاية للجهاد الفغاني‪.‬‬
‫‪ .3‬تأسيس معسكر صدى قرب الحدود الفغانية‪ ,‬داخل الراضي الباكستانية في‬
‫منطقة القبائل من أجل تدريب الشباب العربي الذي بدأت طلئعه تصل بأعداد قليلة‬
‫منذ )‪.(1984‬‬
‫‪ .4‬القيام بأسفار ورحلت دعائية ألقى خللها عشرات الخطب في دول عديدة من‬
‫أجل الحشد للجهاد الفغاني‪ ,‬وحث الشباب على الرحيل إليه والستفادة منه وأداء‬
‫فريضة الجهاد ‪ ..‬وكان باكورة كتبه ) آيات الرحمن في جهاد الفغان( الذي لقى شهرة‬
‫واسعة ‪ ,‬وجدل واسعا كذلك‪ .‬ثم كتاب )الدفاع عن أراضي المسلمين أهم فروض‬
‫العيان(‪ .‬وقد أفتى فيه بالفرض العين على جميع المسلمين من غير ذوي العذار‬
‫للذهاب للجهاد في أفغانستان‪.‬واستطاع الحصول على أكثر من )‪ (80‬توقيعا من كبار‬
‫العلماء والدعاة في العالم السلمي وعلى رأسهم كبار العلماء في السعودية و‬
‫كبيرهم الشيخ ابن باز‪ .‬وكذلك من بعض مشايخ الزهر‪ .‬وبعض الكبار من علماء ودعاة‬
‫الخوان المسلمين من أقطار عديدة‪ .‬وكذلك من بعض علماء الباكستان وسواهم ‪..‬‬
‫وقد لعب هذا الكتاب وتلك الفتوى دورا مهما‪ ,‬بالضافة لمجلة الجهاد التي سرعان ما‬
‫تحسن مستواها‪ ,‬وصارت مجلة مصورة تنقل الصور الحية للجهاد والمعاناة في‬
‫أفغانستان‪ ,‬فصار لها مكاتب توزيع في أوربا وأمريكا وبعض بلدان العالم العربي‪ ..‬لعب‬
‫كل ذلك دورا بارزا في عملية التحريض‪..‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 698 [ ‬‬

‫وقد سمعت في بعض أشرطة الشيخ عبد الله عزام ‪ ,‬أن عدد الشباب الذن ثبتوا معه‬
‫في )معسكر صدى(‪ ,‬سنة )‪ (84‬وصل إلى )‪ (12‬مجاهدا وتضاعف فقط خلل )‪(1985‬‬
‫فوصل إلى )‪ (25‬مجاهدا ثم بلغ مع منتصف )‪ (1986‬أقل من )‪ (200‬مجاهد بقليل‪,‬‬
‫من مختلف الجنسيات ربما كان معظمهم من السعودية ومصر وفلسطين ‪.‬‬
‫• وفي نهاية)‪ (1985‬أو مطلع )‪ (1986‬حضر الشيخ أسامة بن لدن ‪ -‬فيما‬
‫بلغني‪ -‬ليشارك ميدانيا بنفسه في الجهاد بعد أن كانت زياراته السابقة‬
‫لتقديم الدعم المادي‪.‬‬
‫وبالتعاون مع بعض الكوادر من تنظيم الجهاد المصري من أوائل من قدم لفغانستان‪,‬‬
‫افتتح الشيخ أسامة مركزا عسكريا متقدما على أحد المعابر الهامة لمداد المجاهدين‬
‫في منطقة )جاجي( الجبلية الوعرة التي تنتشر فيها الغابات‪ .‬وقدر الله أن يقوم‬
‫الروس بهجوم كبير لغلق ذلك المعبر في رمضان )‪ .(1986‬وشارك مجموع الشباب‬
‫الذين كانوا مع الشيخ أسامة والشيخ عبد الله عزام في تلك المعركة الشرسة التي‬
‫استغرقت زهاء شهر‪ .‬وحقق المجاهدون الفغان نصرا كاسحا على القوات الروسية‪,‬‬
‫بما فيها طلئع الكوماندوس التي أنزلت في المنطقة‪ .‬ولعب أولئك الرهط القليل من‬
‫المجاهدين العرب‪ ,‬دورا بارزا في تلك المعركة وأدت عملية الدعاية الواسعة التي‬
‫غطى بها الشيخ عبد الله عزام عبر وسائله العلمية ‪ ,‬وكذلك الجولة الدعائية الهامة‬
‫التي قام بها الشيخ أسامة في السعودية ‪,‬أدت إلى تقاطر المجاهدين العرب بأعداد‬
‫كبير ليصل عددهم مطلع )‪ (1987‬إلى عدة آلف كان أكثرهم من السعودية واليمن ‪.‬‬
‫ومن هناك كانت البداية عمليا‪ .‬حيث تزايد العدد ليصل ذروته أواخر)‪( 1990-1989‬‬
‫ويتجاوز)‪ (40‬ألفا من المجاهدين العرب والمسلمين من كافة بلد العالم السلمي‪..‬‬
‫* كانت الحركية الجهادية في مصر‪ ,‬وشطراها الرئيسيان )الجماعة السلمية(‬
‫و)جماعة الجهاد( ‪ ,‬قد دخلت في صراع إثر مقتل السادات )‪ (1981‬مع حكومة خلفه‬
‫حسني مبارك ‪ ,‬وأضطر العديد من أبرز قياداتها والكثير من عناصرها للخروج من مصر‬
‫تحت ضغط الحملت المنية لدول الجوار‪ .‬ومع ازدهار أخبار الجهاد الفغاني‪ ,‬بدأ العديد‬
‫منهم يتوجه إلى بيشاور‪ .‬كما كانت الثورة الجهادية التي نشبت في سوريا ما بين )‬
‫‪ , (1982-1975‬قد دمرت عمليا ‪ .‬وانساح من تبقى من عناصرها في أقطار الرض‪ .‬و‬
‫يمم عدد محدود جدا منهم وجهه أيضا شطر أفغانستان‪ ,‬و استقروا في بيشاور وكنت‬
‫وبعض خاصة أصدقائي من هؤلء ولله الفضل والمنة‪ .‬كما كان لعض الكوادر الجهادية‬
‫من الفلسطينيين‪ ,‬من تلميذ وأصدقاء الشيخ عبد الله عزام قد لحقوا به أيضا ‪ ..‬وبدأ‬
‫آحاد من الكوادر الجهادية والعسكرية من هنا وهناك يتوجهون إلى تلك الساحة الجذابة‬
‫التي سلطت عليها كل الضواء والدعاية ‪ ..‬وفي )‪ (1986‬اثر محولة جهادية انتهت‬
‫بقمعها من قبل الحكومات الليبية‪ ,‬خرج أيضا بعض كوادر الجهاديين إلى هناك ‪ ..‬وكانت‬
‫الحرب الهلية في لبنان قد وضعت أوزارها‪ ,‬وتلقت الحركات السلمية السنية ضربات‬
‫أمنية في شمال لبنان على يد الستخبارات السورية‪ ,‬فهاجر بعضهم أيضا إلى تلك‬
‫الساحة ‪..‬كما حضر بعض الخوة من السلميين من أكراد العراق‪ ..‬وكانت هذه باكورة‬
‫تجمع كوادر من التيار الجهادي العربي ليكون النواة الولى للجهاديين داخل وسط‬
‫التجمع العربي المجاهد في أفغانستان‪ ,‬والذي كان يتضخم بتسارع كبير ‪..‬‬
‫* كان الحضور الفكري والمنهجي لتنظيم الجهاد المصري ‪ ,‬بارزا ونوعيا في الساحة‬
‫العربية وكذلك كان حضور الجماعة السلمية بمصر‪ ,‬وبصرف النظر عن الفوارق‬
‫المعروفة في منهج الجماعتين‪ ..‬إل أنهما لعبتا ‪ -‬ولسيما في القاسم المشترك من‬
‫أفكارهما الجهادية‪ -‬دورا مؤثرا ‪ .‬كما كان لحضور بعض طلب العلم وبعض الدعاة‬
‫السلفيين‪ ,‬وبعض )السروريين( من السعودية وغيرها دورا في ترويج فكر الحاكمية‬
‫والولء و البراء وعموميات الفكر الجهادي في الوساط العربية‪ ..‬وحتى العجمية التي‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 699 [ ‬‬

‫أمت الجهاد الفغاني‪ .‬كما أدى حضور بعض تراث التجربة الجهادية في سوريا في‬
‫الساحة‪ -‬ومنها كتابي عن تاريخ تجربتنا ودروسها – ولله الحمد ‪ ,‬دورا فكريا ساهم في‬
‫المواجهة الفكرية للتيار الجهادي ‪ ,‬التي بدأت تترك بصماتها على الجمع العربي ‪ .‬ولما‬
‫كان حضور مدارس الصحوة السلمية الخرى قويا أيضا في الساحة ‪,‬عبر سيطرتها‬
‫على المؤسسات الطبية و التعليمية وعملها في المجالت الغاثية الخرى‪ ,‬ولسيما من‬
‫السلفيين التقليديين‪ ,‬والخوان المسلمين والمنظمات الشبيهة بهم‪ ..‬وكذلك التبليغ‬
‫وغيرهم‪ ..‬بالضافة للحضور الكبير للمؤسسات السلمية السعودية الحكومية وشبه‬
‫الحكومية ‪ ,‬وما حملته معها من بصمات‪.‬‬
‫المؤسسة الدينية الرسمية‪ ..‬وقد أحضر كل هؤلء كتبهم ومنشوراتهم‪ ,‬ومجلتهم‬
‫ومحاضراتهم ‪ ,‬وتراثهم الفكري و الدعوي ‪ ..‬ونظرا لن نهاية السبعينات ومطلع‬
‫الثمانينات كانت فترة تألق وتفاعل بيت مدارس الصحوة السلمية‪..‬فقد صارت‬
‫بيشاور و مضافاتها ومعسكرات التدريب في باكستان وأفغانستان وتجمعاتها مراكز‬
‫للتواصل والحوار والتماس الفكري والصدام في كثير من الحيان بين مختلف تلك‬
‫الطروحات‪ .‬وهكذا وجد التيار الجهادي ‪ ,‬ومن يمثله في ساحة الجهاد العربي في‬
‫بيشاور ومعسكرات أفغانستان أنفسهم يصطدمون مع جبهتين رئيسيتين‪:‬‬
‫• جبهة الخوان المسلمين والفكر الديمقراطي السياسي الذي كان أصحابه‬
‫يروجون له عبر أبحاث ودراسات ومحاضرات كانوا يدعون إليها وحتى في‬
‫بعض المعسكرات التي يستطيعون الحركة فيها‪.‬‬
‫• جبهة مدرسة الفقه السعودي الرسمي ‪ ,‬الذي كان يدعو لنبذ فكر الحاكمية‬
‫‪ ,‬وإلى اعتبار الحكام أولياء أمور شرعيين‪ .‬ويدعوا إلى احترام العلماء‬
‫الرسميين ولسيما في السعودية ودول الجزيرة وهو ما يسمى بالمدرسة‬
‫)الجامية( ثم )المدخلية(‪...‬‬
‫وشيئا فشيئا ‪ ,‬وباعتبار جهادية الجواء من جهة‪ ,‬وما يحويه الفكر الجهادي من تألق‬
‫واتساع ‪ ,‬ولنصاعة الحق وشيوع منهج إتباع الدليل‪..‬بدأ الفكر الجهادي يسيطر على‬
‫ساحة التجمع العربي‪ .‬وبدأ يكتسب أكثرية الساحة‪ ,‬حيث اقتنع آلف الشباب القادمين‬
‫من معظم بلد العالم السلمي بالفكر الجهادي ‪ .‬وبدأت تتبلور وتتكامل مدرسة‬
‫جهادية جديدة في التيار الجهادي ‪ ,‬أطلق على مجموع مكوناتها فيما بعد ما عرف‬
‫بسظاهرة )الفغان العرب(‪.‬‬
‫*كان تمازج الفقه والعقيدة السلفية مع الفكر الحركي الخواني القطبي ‪ -‬الذي‬
‫أشرت إليه آنفا‪ -‬قد بدأ يختمر في مصر خلل السبعينيات ومطلع الثمانينيات‪..‬ولعب‬
‫كتاب )الفريضة الغائبة( الذي كتبه الشهيد )عبد السلم فرج(‪ ,‬من الجماعة السلمية‪,‬‬
‫والذي شارك في اغتيال السادات‪ ,‬وأعدم بعد ذلك ‪ -‬رحمه الله وجزاه وإخوانه عن‬
‫المسلمين خيرا‪ -‬لعب ذلك الكتيب دورا هاما في إعطاء رغم بساطة محتواه وأسلوبه‬
‫وصغر حجمه ‪ .‬إل أن المهم الجديد الذي أضافه للفكر الجهادي ‪ ,‬كان طرح فتاوى ابن‬
‫تيمية في حكام التتار الذين حكموا بلد السلم ومنها الشام لما غزوها وزعموا أنهم‬
‫مسلمين ‪ ,‬رغم أنهم بدلوا الشرائع وحكموا بغير ما أنزل الله ‪ ,‬كما طرح مسألة‬
‫المقارنة بين حكام المسلمين وأعوانهم وجنودهم اليوم ؛ وبين أولئك التتار وفتاوى‬
‫العلماء في كفرهم ووجوب قتالهم مع من قاتل معهم على من فيهم من الجاهلين‬
‫والمكرهين‪ ..‬وإسقاط تلك الحكام على واقع الحكومات العربية وفي بلد المسلمين‪,‬‬
‫وعلى جنود شرطتهم واستخباراتهم ورجال أمنهم‪ ..‬وقد صلت هذه المقارنات إشكالت‬
‫كبيرة وإجابات على أسئلة ملحه طرحها جهاد الحكومة وأعوانهم‪..‬‬
‫وكان لجماعة الجهاد مؤلفات أخرى تحمل نفس أسس ذلك الفكر‪ ,‬وطبعت تلك الكتب‬
‫ووزعت في بيشاور‪ .‬وكان الصدام الفكري بين‪ ,‬الفكر السلمي الديمقراطي الذي‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 700 [ ‬‬

‫تبناه الخوان وأشباههم‪ ,‬وبين الفكر السلفي – قبل أن تنتقل إليه العدوى الديمقراطية‬
‫– على أشده أيضا في ساحة الصحوة عامة ‪ ,‬وانتقل كذلك إلى أهم ساحاتها آنذاك‬
‫‪,‬في ذلك التجمع‪.‬‬
‫وأصدرت جماعة الجهاد المصرية عددا من البحاث الهامة ‪ ,‬وتوجت ذلك بالكتاب القيم‬
‫؛ )العمدة في إعداد العدة( لشيخها عبد القادر بن عبد العزيز فك الله أسره‪ .‬وربما‬
‫كان هذا الكتاب من أهم كتب )الفغان العرب(‪ .‬وقد سد ثغرة تربوية كبيرة في‬
‫المعسكرات العربية في حينها ‪ ,‬وبقي واحدا من أهم كتب التيار الجهادي‪ .‬وفي سياق‬
‫نشاط الجهاديين في التأليف والنشر ‪ ,‬طبعت في بيشاور سنة ‪ 1990‬كتابي ) الثورة‬
‫السلمية الجهادية في سوريا‪-‬آلم وآمال( ‪ ,‬الذي فرغت من تأليفه سنة ‪, 1987‬‬
‫والذي نقل لوسط الفغان العرب خلصة تاريخ ودروس أطول وأهم التجارب الجهادية‬
‫المعاصرة ضد حكومات الردة‪..‬‬
‫وافتتح الشيخ أبو حذيفة المصري ‪ ,‬أحد كوادر جماعة الجهاد ‪ -‬فرج الله كربته‪ -‬مركز‬
‫النور للعلم مي بيشاور ‪ ,‬حيث تولى عدد من الخطباء والمحاضرين من الجهاديين‬
‫تنظيم سلسلة من الدروس والمحاضرات و خطب الجمعة‪.‬‬
‫وبدأت بعض التجمعات الجهادية الناشئة تدخل على خط العطاء ‪ ,‬وعقدت الكثير من‬
‫الدورات الفكرية والمنهجية والتربوية ‪ ,‬واستقطبت قدماء كوادر التيار الجهادي‬
‫للتدريس والمحاضرة ‪ ,‬وعقدت الكثير من الدورات الفكرية والمنهجية والتربوية‬
‫واستقطبت قدماء كوادر التيار الجهادي للتدريس والمحاضرة ‪..‬ثم استقلت بكوادرها‬
‫وبدأت تتبلور وتنتج‪..‬‬
‫وبدا جليا مع هذا المخاض الفكري‪ ,‬والتصادم والحتكاك بين مختلف التيارات الفكرية‬
‫المكونة لطيف الصحوة السلمية ‪ ..‬أن الفكر الجهادي الحركي ممزوجا بالمؤثرات‬
‫السلفية الجديدة التي أسلفت الحديث عنها آنفا ‪ ..‬قد بدأت تطغى على الساحة‬
‫وتكتسح قواعد آلف الشباب العربي من الذين قدموا لساحة الجهاد الفغاني رغم أن‬
‫غالبيتهم لم ينضموا في عضوية عشرات التنظيمات الجهادية القديمة والجديدة‪ ,‬والتي‬
‫صار لها في باكستان والمناطق الحدودية من أفغانستان مضافاتها ومعسكراتها ‪..‬‬
‫وتكونت لها هياكل و إدارات‪ ,‬وكوادر وأمراء حيث كان الكثيرون منهمكون على هامش‬
‫الجهاد الفغاني‪ ,‬في مرحلة إعداد ونشاط دؤوب لحمل مشعل الجهاد والثورة للبلد‬
‫التي قدموا منها ‪ ..‬وكان هذا من كرم الله الذي لم يحسب حسابه أولئك الذين‬
‫خططوا لفتح أبواب التسهيلت لهذه الجموع من أجل خدمة أهدافهم الكبرى ‪..‬‬
‫*‪ .‬ولم تخل تلك المخاضات الفكرية من ميلد بعض الظواهر الشاذة ‪ .‬من بعض‬
‫النتوءات التكفيرية والغالية ‪ ,‬والتي نتجت عن التفاعلت الثورية للفكر الجهادي وأجواء‬
‫الحماس إلى جانب‪ .‬تواجد المدارس السياسية و طروحاتها الديمقراطية المفرطة في‬
‫التميع خلل تلك الساحة ‪ ,‬في أجواء فرضت فيها ظروف النظام العالمي الجديد على‬
‫ساحة العالم العربي والسلمي مسائل كبرى مثل التواجد المريكي العلني بعد‬
‫السري في الخليج‪ ..‬ووباء التطبيع مع اليهود و معاهدات السلم‪ ,‬والغزو الفكري‬
‫والثقافي والسياسي والجتماعي لملمح النظام العالمي الجديد ‪ ..‬وما أوجدته هذه‬
‫الطامات الكبرى من مواقع للدفاع عنها في أوسط علماء السلطين‪ ,‬وبعض قيادات‬
‫الصحوة ذاتها‪..‬وما سبب ذلك من ردود أفعال في أوساط البعض القليل من الشباب‬
‫الذين لم يكن ينقصهم الحماس ول الجهل‪ .‬ولكن بقي ذلك في أطر محدودة ‪.‬‬
‫ولكن المهم أنه قد نضجت في ذلك الجو‪ ,‬تجربة القدماء من الجهاديين ‪ ,‬كما تشكلت‬
‫نويات من التنظيمات الجهادية الجديدة ‪ ,‬من بلد لم يكن قد تبلور فيها مثل تلك‬
‫التنظيمات‪ .‬مثل ليبيا والجزائر وتونس والمغرب والردن العراق ولبنان‪ ...‬وكذلك من‬
‫بعض البلد السلمية مثل الفلبين و إندونيسيا وتركيا وغيرها‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 701 [ ‬‬

‫وباختصار‪...‬‬

‫يمكن القول أن جيل جهاديا متميزا فكريا ومنهجيا وحركيا قد ولد‬


‫هناك‪ ,‬في أجواء الجهاد العربي في أفغانستان ‪ ,‬أطلق عليهم السم‬
‫المعبر الجميل ؛ ( الفغان العرب( ‪ ,‬ميزهم فوق ما تميزوا به من وضوح‬
‫المنهج وصحة المعتقد ‪ ,‬أنهم استمدوا همتهم للجهاد من إيمانهم بمعية‬
‫الله ‪ ,‬وقناعتهم بقدرتهم على إسقاط القوى العظمى ‪..‬‬
‫فما عادوا يهابونها ول يهابون بطبيعة الحال ما دون ذلك من القوى‬
‫الذنبية الحاكمة في بلدنا ‪ ..‬و كان هذا من أجمل ثمرات ذلك النتصار‬
‫التاريخي الكبير‪..‬‬
‫وحقيقة يصح أن يقول من كتب الله لهم شرف ذلك الحضور ما قاله‬
‫الشاعر العربي عن يوم ذي قار ‪ ..‬يوم العز العربي بعد طول المذلة أمام‬
‫القوى العظمى في ذلك الزمان‪:‬‬
‫ف‬
‫لو أن كل معد كان شــاركنا في يوم ذي قار ما أخطاهم الشر ُ‬

‫فلنا أن نقول ‪:‬‬


‫ف‬
‫ن ما أخطاهم الشر ُ‬
‫لو أن كل موحدْ كان شاركنا في يوم أفغا َ‬

‫فقد أسقطنا مع إخواننا الفغان التحاد السوفيتي زعيم المعسكر‬


‫الشرقي ‪...‬‬
‫وأعتقد أن يسقط أتباعنا ومن امتد العمر به منا ‪ ,‬مع من يشاء الله‬
‫من عباده أمريكا زعيمة المعسكر الصليبي الغربي الجديد‪...‬‬
‫إن شاء الله تعالى ‪ ..‬وهو فضل الله يؤتيه من يشاء‪..‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 702 [ ‬‬

‫• خامسا‪ :‬التيار الجهادي ومرحلة الملذات والشتات (‪- 1991‬‬


‫‪:(1996‬‬

‫فيما كان المجاهدون الفغان يدقون أبواب كابل‪ ,‬وبدأت تتساقط المدن الرئيسية‬
‫في أيديهم ‪ ..‬توجه المخطط المريكي الغربي نحو أفغانستان في منحيين اثنين تجاه‬
‫تلك الساحة‪ .‬الول أفغاني والثاني عربي‪.‬‬
‫ففي التجاه الفغاني كان برنامج المريكان وأعوانهم‪ ,‬وعلى رأسهم حكومة‬
‫باكستان ‪ ,‬الحيلولة دون قيام حكومة للمجاهدين تعلن دولة إسلمية وتحكم بالشريعة‬
‫وتنهض بإعمار أفغانستان ‪ .‬و كان البرنامج المقرر افتعال مرحلة من الحرب الهلية‬
‫تستهلك المخزون الستراتيجي من السلح و مئات آلف الكوادر المقاتلة من قيادات‬
‫وأعضاء المنظمات الجهادية في أفغانستان‪ .‬وهذا ما نفذوه خلل )‪.(1996 -1992‬‬
‫وأما فيما يعيننا في هذا البحث‪ .‬فقد كان جهدهم منصب على تفكيك الجمع‬
‫الجهادي العربي وتشتيته ومطاردة عناصره وكوادره‪ ,‬في بلدهم وفي أنحاء الرض‪.‬‬
‫وهكذا انتقل التيار الجهادي إلى مرحلة جديدة استمرت من )‪ , (1996 -1992‬يمكن‬
‫أن نسميها بس )مرحلة الشتات و الملذات المنة المؤقتة( ‪.‬‬
‫فقد عاد أولئك اللف من المجاهدين إلى بلدهم في الغالب‪ ,‬وبدل أن يرحب بهم‬
‫كأبطال ومجاهدين عملوا تجاه الهدف المشترك لولئك الحلفاء‪ ,‬بدءا بأمريكا وانتهاء‬
‫بأذيالها من الحكومات التي سهلت ودعمت جهادهم ‪ ..‬وجد أولئك الشباب أنفسهم‬
‫غرباء في أوطانهم التي تفتح لهم أبواب المعتقلت وجلسات التحقيق والسجون لمدد‬
‫غير محدوة وتوجه لهم التهم ‪ ..‬ولم يسلم من ذلك إل بعض البلدان ممن لم يقابل‬
‫أولئك المجاهدين بهذه الطريقة الشنيعة ‪ ..‬وقد ولد هذا ردود أفعال شتى ‪ ,‬ونقل بعض‬
‫شرائح الجهاديين إلى ممارسات معاكسة ‪ ..‬كذلك فقد أدت عودة تلك الشرائح‬
‫الجهادية إلى بلدها من أجواء العزة والكرامة والجهاد وحمل السلح‪ ,‬لتصطدم في‬
‫بلدها بعد أن رقت إلى تلك المعاني السامية‪ ,‬بواقع أقل ما يمكن يوصف به أن هو‬
‫البعد عن شريعة الله ‪ ,‬والمتاهة في أجواء من الخنوع والخيانة والمذلة ‪ ..‬فقامت‬
‫محاولت عديدة من أجل تكوين تنظيمات سرية دخلت في مراحل من العداد‬
‫للمواجهة مع حكومات بلدها على أمل إسقاطها وإقامة حكومات شرعية إسلمية‪..‬‬
‫ولكن كافة تلك المحاولت اصطدمت بواقع غاية في الصعوبة وعدم التناسب مع ما‬
‫تصبوا إليه من أهداف‪ .‬ودخلت مع أجهزة المن في بلدها في عمليات مواجهة ‪ ,‬أدت‬
‫في نهاية المطاف إلى تدميرها وتشتيت عناصرها‪ .‬وإلى تصعيد المواجهة المنية بين‬
‫الحركات الجهادية والسلمية في تلك البلد وبين حكوماتها الضالة‪..‬المارقة‬
‫وكان من أهم تلك المحاولت التي تلت الجهاد الفغاني ما حصل من قيام الجماعة‬
‫السلمية المسلحة وتأسيسها على أيدي بعض الفغان العرب من الجزائر بالتعاون مع‬
‫تيارات جهادية محلية إثر الطاحة بالنجاز التاريخي لجبهة النقاذ عبر النقلب عسكري‬
‫)‪ . (1991‬وكذلك ما حصل في ليبيا من محاولة الجماعة السلمية المقاتلة بليبيا )‬
‫‪ .. (1994‬وهما أوسع المحاولت في تلك المرحلة‪ .‬بالضافة لبعض المحاولت‬
‫المحدودة كما حصل في اليمن ولبنان وسواها ‪ ,‬كما سنأتي على شيء من التفصيل‬
‫لهم المحاولت الجهادية في هذا العصر ‪ ,‬في فقرة تالية ضمن هذا الفصل إن شاء‬
‫الله‪..‬‬
‫• هناك قسم آخر من الفغان العرب وهم قدماء الجهاديين الذين غادروا بلدهم‬
‫أصل إثر مشاكل أمنية‪ ,‬وهم مطاردون من حكوماتهم إما قبل أو أثناء الجهاد‬
‫الفغاني ‪ ,‬ومعظم هؤلء من تنظيمات جهادية سابقة‪ ,‬كبعض أعضاء تنظيم‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 703 [ ‬‬

‫الجهاد والجماعة السلمية من مصر وبعض الجهاديين من سوريا وليبيا‬


‫وتونس ‪ ,‬وبعض العداد المحدودة من جنسيات أخرى ‪..‬‬
‫وهؤلء لم يتمكنوا من العودة إلى بلدهم كما فعل اللف من الفغان العرب من بلد‬
‫مثل السعودية ودول الخليج واليمن وموريتانيا والردن وغيرها ‪ ..‬وقد توزع هؤلء‬
‫المطاردون أمنيا في ملذات أمنية مختلفة على بعض ما تبقى من الهوامش السياسية‬
‫والفجوات المنية قبل استحكام السياسة العالمية لمكافحة الرهاب بعد قيام النظام‬
‫العالمي الجديد ‪ ..‬وكان من أهم تلك الملذات ‪..‬‬
‫‪ .1‬أوربا والدول الغربية‪ :‬وذلك عبر فرص اللجوء السياسي‪ .‬وكان من أهم تلك‬
‫البلد‪ ,‬بريطانيا التي أمها كتلة كبيرة تضم كوادر رئيسية من الفغان العرب والتيار‬
‫الجهادي ‪ ,‬من مختلف الجنسيات ثم الدول السكندنافية ‪ .‬ثم باقي دول أوربا الغربية‬
‫وبعض الشرقية و أستراليا وكندا ‪..‬‬
‫‪ .2‬السودان‪ :‬التي كانت حكومة البشير وحليفه الترابي قد استولت على الحكم‬
‫موصلة الحركة السلمية الرئيسية فيها للسلطة‪ .‬والتي كان من سياستها خلل‬
‫مرحلة )‪ , (1995-1991‬فتح الباب للتنظيمات الجهادية للنتقال إلى السودان‪ ,‬حيث‬
‫انتقل كم مهم من الجهاديين إلى هناك و كان في طليعتهم قيادة تنظيمات الجهاد‬
‫والجماعة السلمية في مصر ‪ .‬والشيخ أسامة وقياديو تنظيم القاعدة‪ ,‬بالضافة‬
‫للكتلة الرئيسية من قيادة الجماعة المقاتلة بليبيا ‪ ..‬و جهاديين من جنسيات أخرى‪.‬‬
‫‪ .3‬بلد أخرى ل تشكل خطورة أمنية على رعايا بلدان عربية أخرى من الجهاديين‬
‫ولو كانوا مطاردين في بلدهم في حينها ‪ ,‬قبل استحكام التنسيق المني العربي‬
‫والقليمي و الدولي فيما بعد‪ .‬وأهم تلك البلد ‪..‬اليمن ‪,‬التي أمها جمع متنوع من‬
‫جنسيات شتي من الجهاديين والفغان العرب‪.‬ثم تركيا وكذلك سوريا التي آوى إليها‬
‫قسم من الشباب المجاهد من دول شمال أفريقيا وليبيا ‪ ..‬هذا بصورة رئيسية‪ ,‬في‬
‫حين انتشر آحاد من الجهاديين بأسرهم و أطفالهم ‪ ,‬في بقاع أخرى حتى وصل‬
‫بعض هؤلء المهاجرين الغرباء الفرارون بدينهم من القابضين على الجمر في هذا‬
‫الزمن إلى أقصى أنحاء المعمورة‪ ..‬من الفلبين‪ ..‬إلى إندونيسيا‪..‬إلى تايلند‪..‬إلى‬
‫أمريكا الجنوبية‪ ..‬حتى إلى بعض مجاهيل إفريقيا‪..‬‬
‫‪ .4‬البوسنة و الشيشان‪ :‬فقد وافق إقفال بوابات الجهاد في أفغانستان ‪ ,‬اشتعال‬
‫الجهاد في البوسنة ما بين )‪ ,(1995-1993‬فيما كان المسلمون يتعرضون لمذابح‬
‫الصرب والكروات‪ ..‬مما أوجد ساحة جهادية جديدة أمها آلف الشباب المجاهد من‬
‫البلد العربية وبعض السلمية ‪ ..‬وقد كان في طليعتهم بعض الجهاديين ‪ .‬الذين‬
‫خرجوا من ساحة أفغانستان لكي يلتحقوا بساحة البوسنة‪ .‬وكذلك توجه بعض‬
‫الفغان العرب وعلى رأسهم القائد الشهيد خطاب وبعض رفاقه من الفغان العرب‬
‫إلى الشيشان ليؤسسوا بؤرة جهادية حملت مشعل الجهاد وأضافت لصفحات‬
‫الجهاديين في الربع الخير من القرن العشرين صفحات مشرقة إلى تلك الصفحات‬
‫المجيدة التي شهدتها مناطق مختلفة قبل ذلك ‪..‬‬
‫• كانت العوام)‪(1995-1992‬أعوام مريحة نسبيا لهؤلء الغرباء المشردين ‪..‬‬
‫وقد مكنت هذه السنوات الربعة الجهاديين المنتشرين في أقطار الدنيا‪ ,‬من‬
‫العمل على نشر الفكر والدعوة الجهادية‪ ,‬ورغم أن مآخذ عديدة قد تذكر‬
‫على تجارب هذه المرحلة سآتي على ذكر بعضها في آخر هذا الفصل إن شاء‬
‫الله ‪ ..‬إل أن هذه السنوات كانت سنوات دعوة وانتشار ‪..‬‬
‫ورغم أن حملت مكافحة الرهاب قد أشعلها أمريكا عمليا منذ )‪ ,(1990‬وتصاعدت مع‬
‫الوقت لتبلغ ذروتها منذ ) ديسمبر‪ ,(2001-‬إل أن تلك الحملت لم تدخل مرحلة الشدة‬
‫إل منذ أواخر )‪ (1995‬عمليا ‪ ..‬حيث وضعت أمريكا ضمن برنامجها لمكافحة الرهاب‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 704 [ ‬‬

‫كما مر معنا في الفصل الخامس ‪ ,‬برنامجا تضمن إلغاء الملذات المنة ‪ .‬بالضافة‬
‫للممارسات المنية الخرى ‪..‬‬
‫كان من أهم الشرائح التي عملت إيجابيا في نشر فكر الجهاد ودعوته ‪ ..‬تلك التي‬
‫تركزت في الغرب ولسيما أوربا‪ ,‬و في طليعتها الدول )السكندنافية( ‪,‬وفي‬
‫)بريطانيا(‪ ..‬فقد عمل الجهاديون مستغلين الظروف المريحة نسبيا ‪ ,‬والمكانيات‬
‫المادية وهامش الحرية‪ -‬قبل إقفاله‪ -‬والذي كان يتوفر في تلك الدول ‪ .‬عملوا على‬
‫إصدار النشرات والبحاث وإعادة بث ما كان قد أنتج في مرحلة الجهاد الفغاني أو‬
‫على مر التجارب الجهادية ‪ ,‬السابقة الندوات والمحاضرات وارتياد المساجد والحتكاك‬
‫بالجاليات السلمية التي كانت تشهد صحوة إسلمية ل تقل وربما تزيد ازدهارا عن‬
‫تلك التي تجري في العالم العربي والسلمي‪ .‬حتى أن بعض الحكومات العربية ضجت‬
‫واشتكت من الحرية التي يعيشها السلميون و الجهاديون هناك ‪ ,‬وعقدت عشرات‬
‫المؤتمرات لمكافحة ظاهرة الصولية السلمية في مختلف ميادينها ومن ذلك الهامش‬
‫في الدول الغربية ‪ .‬حتي تمكنوا من إقفال كل ذلك عمليا ما بين )‪.(2000-1995‬‬
‫وقد شهدت بنفسي تجربة فريدة للدعوة الجهادية خلل إقامتي في بريطانيا )‪-1994‬‬
‫‪ (1997‬واستطعت من خلل تلك الجواء – كمثال‪ -‬أن أكتب في العديد من النشرات و‬
‫المجلت الجهادية التي كانت تصدر في بريطانيا مثل )الفجر( الصادرة عن الجماعة‬
‫المقاتلة بليبيا ‪ ,‬و)المجاهدون( الصادرة عن لجماعة الجهاد في مصر ‪ ,‬و)النصار(‬
‫المقربة أيامها من الجماعة السلمية والمسلحة في الجزائر قبل انحراف الخيرة‬
‫هذه عن الجادة ‪ ..‬وشهدت لندن الكثير من الندوات والدروس و اللقاءات التي كانت‬
‫تسجل وتنشر إلى مختلف دول العالم حيث تتفشى الصحوة الجهادية‪.‬‬
‫إلى أن بدأت نذر العواصف المنية تهب على تلك الملذات تباعا ‪ ..‬فبدأت موجات‬
‫التضييق ثم العتقالت أو الطرد والبعاد تطال كل تلك الملذات آنفة الذكر بل‬
‫استثناء ‪ .‬وقد مر شيء من الشارة لذلك في الفصل الخامس‪ .‬فطردت السودان‬
‫واليمن من لديها ‪ ..‬واعتقلت تركيا وسوريا والردن من طالته أيديها وسلمتهم‬
‫لبلدهم ‪ ..‬وبدأت الدول الوربية كلها بل استثناء الموسم بالتضييق وانتهت بزج مئات‬
‫الجهاديين في سجونها ‪ ,‬حيث ما يزال كثير منهم إلى اليوم رهن العتقال العرفي بل‬
‫محاكمات ول قانون‪ ,‬شأنهم في ذلك شأن إخوانهم المعتقلين لدى النظمة البوليسية‬
‫والديكتاتورية في العالم العربي والسلمي ودول العالم الثالث‪..‬‬
‫وهكذا دخل الجهاديون في مرحلة جديدة من المحنة كانوا بحاجة فيها إلى ملذ‬
‫ومتنفس جديد‪ ,‬وكان ذلك المتنفس ما يسره الله تعالى في أفغانستان مرة ثانية ‪..‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 705 [ ‬‬

‫• سادسا‪ :‬الشوط الثاني للفغان العرب في ظل طالبان في‬


‫أفغانستان (‪(2001-1996‬‬
‫هذا العنوان هو عنوان لفصل من أهم فصول تاريخ الصحوة السلمية و الجهادية‬
‫المعاصرة على الطلق ‪ ,‬حيث يشكل أدق وأخطر مراحلها‪ .‬وهو موضوع كتاب مستقل‬
‫أعتزم كتابته إن شاء الله‪ .‬وذلك فور انتهائي من هذا الكتاب الذي نحن بصدده ‪ ..‬حيث‬
‫أشعر بالمسؤولية التاريخية‪ ,‬والمانة العظيمة لكوني أحد قلئل الشهود الحياء‬
‫المتبقين من الذين يمكنهم كتابة هذه الشهادة الحية عن تلك التجارب العظيمة‬
‫وأصحابها‪ ,‬ونقل تلك الدروس النفيسة لمن وراءنا من الجيال القادمة‪ ,‬ولسيما أولئك‬
‫العازمين على حمل راية لجهاد وأمانة الدعوة إلى الله‪ ,‬في زمان استكبار الباطل‬
‫وتشريد أهل الحق‪.‬‬
‫ولكني في هذه العجالة ؛ سأتعرض لبرز آثار هذه المرحلة على التيار الجهادي‬
‫المعاصر الذي نحن بصدد استعراض مراحله في هذا الفصل‪ ,‬معرضا عن كثير من‬
‫التفاصيل بالغة الهمية خشية الطالة ‪ ,‬وخشية إثارة الحساسيات التي يلزم لزالتها‬
‫إسهاب وشرح ل يحتمله موضوع الكتاب ‪.‬‬
‫وخلصة ذلك في نقاط رئيسة موجزة على الشكل التالي‪:‬‬

‫• انطلق طالبان من ولية قندهار‪ ,‬جنوب شرق أفغانستان أواخر عام )‪,(1993‬‬
‫واستطاعت التقدم والسيطرة على وسط و جنوب وشرق أفغانستان‬
‫بسرعة‪ ,‬ومن ثم دخول كابل عام )‪ (1996‬وإعلن المارة السلمية في‬
‫أفغانستان‪ ,‬وإعلن زعيم طالبان المل محمد عمر‪ -‬حفظه الله‪ -‬أميرا‬
‫للمؤمنين فيها‪ ) .‬وقد كتبت حول نشأة طالبان ومسارها خلل الفترة ‪-1993/‬‬
‫‪ / 1998‬بحثا مستقل بعنوان ‪ -:‬أفغانستان والطالبان ومعركة السلم اليوم ‪-‬‬
‫لمن أراد التفصيل العودة إليه (‪.‬‬
‫• سرعان ما وجدت الفئات المطاردة المشردة من كوادر وأعضاء التيار‬
‫الجهادي في أفغانستان ملذا آمنا‪ ,‬وربما إجباريا مع استعار حملت المطاردة‬
‫أو ما سمي بس )الحرب الدولية لمكافحة الرهاب( بقيادة أمريكا التي انطلقت‬
‫منذ أوائل التسعينات واشتدت ما بعد )‪.(1995‬‬
‫فبدأ هؤلء يتسللون فرادى ومجموعات إلى أفغانستان ‪ ,‬ليبتدئ العرب شوطهم‬
‫الثاني في أفغانستان مع النصف الثاني سنة )‪. (1996‬‬
‫• مع الترحيب وحسن الجوار الذي أبداه الطالبان لتلك الطلئع القادمة‪ ,‬وفي‬
‫مقدمتهم الشيخ أسامة ومجموعة من عناصر تنظيم القاعدة ‪ ..‬وبعض الرموز و‬
‫الجهاديين من قدماء الفغان العرب ‪ ..‬بدأت الساحة تستهوي عموم الجهاديين‬
‫وأصحاب الطموح باستئناف المسار إلى هناك ‪...‬‬
‫• ومع إعلن تطبيق الشريعة السلمية وسيطرة الطالبان على نحو)‪ (%94‬من‬
‫الرضي الفغانية ‪ .‬بدأت دار السلم الوليدة والوحيدة في الرض ‪ ,‬من منظور‬
‫الجهاديين وعموم السلميين تستهوي كثيرا من غير المطاردين والمضطرين‬
‫للبحث عن ملذات ‪ .‬بغية الهجرة الشرعية إلى دار السلم الوليدة هذه‪.‬‬
‫• وخلل عام )‪ (2000‬كانت المعسكرات والمضافات العربية قد انتشرت في مدن‬
‫أفغانستان الرئيسية ولسيما العاصمة كابل‪ ,‬والعاصمة الروحية لطالبان‬
‫)قندهار(‪ ,‬و المدن الشرقية مثل خوست وجلل أباد‪ .‬وبدأ المهاجرون الجدد‬
‫والمحاربون القدماء من الفغان العرب حملة إعلم واتصالت لستقبال المزيد‬
‫من المهاجرين‪ ..‬ونشطت حركة القدوم رغم الحصار السياسي والقتصادي‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 706 [ ‬‬

‫والحملة العلمية والدولية التي أحاطت بالمارة السلمية الوليدة من كل‬


‫جانب‪ .‬وأعتقد أن عدد الذين قدموا وغادروا أفغانستان خلل هذه المرحلة )‬
‫‪ , (2001-1996‬بلغ عدة آلف من الرجال ‪ .‬ولكن الذين استقروا منهم في‬
‫أفغانستان كانوا قريبا من )‪ 350‬أسرة( ونحوا ) ‪ (1400‬مجاهد ومهاجر عربي‬
‫من مختلف الجنسيات‪ .‬بالضافة لعدة مئات من أرباب السر والمجاهدين‬
‫والمهاجرين من وسط آسيا‪ ,‬ولسيما من أوزبكستان و طاجيكستان التي تتعرض‬
‫فيها الحركات السلمية إلى طغيان آخر حصون الشيوعية في العالم ‪ .‬وكذلك‬
‫من تركستان الشرقية التي تحتلها الصين وتذيق المسلمين فيها ألوان العذاب‬
‫والهوان ‪..‬‬
‫• وخلل هذه الجواء‪ ..‬تواجدت التنظيمات الجهادية العربية الرئيسية ‪ ..‬وانتعشت‬
‫لدى قياداتها القديمة المال باستئناف مسارها في العداد والبناء‪ ,‬ومتابعة‬
‫أهدافها القديمة في إحياء الجهاد في بلدها ضد طواغيت تلك البلد‪ ,‬من أجل‬
‫إقامة حكومات إسلمية على أنقاضها بحسب تصوراتهم ‪..‬‬
‫• ولست هنا إل بصدد تسجيل خلصة تاريخ ذلك المسار‪ ,‬وليس التعرض لتقيم تلك‬
‫الجموع والكتل وأهدافها وطرق عملها في هذا الحيز الموجز‪ .‬وسأترك ذلك‬
‫التفصيل العام إلى الكتاب الذي أشرت إليه وأسأل الله العون والتوفيق لنجازه‬
‫بما يرضي الله تعالى ‪..‬‬
‫كما قدمت جموع وكتل جديدة من جديد من بلد عربيه متعددة ‪ ,‬تسعى إلى تكوين‬
‫نفسها‪ ..‬وولدت كتل وشبه تنظيمات جهادية جديدة حاول أصحابها شق طريقهم من‬
‫خلل تلك الجواء ‪..‬‬
‫• ويمكن القول أن كافة من تواجد خلل هذه الفترة يمكن اعتبارهم من‬
‫الجهاديين‪ ,‬رغم أن أكثريتهم لم تكن تنضوي داخل التنظيمات الرئيسية‪ ,‬ولم‬
‫يؤم أفغانستان في هذه المرحلة كما في الولى ‪ ,‬أنواع أخرى من طيف‬
‫الصحوة السلمية‪ ,‬فقد اختلفت الظروف الدولية تجاه هذه الظاهرة وصارت‬
‫على النقيض‪ .‬ففي حين كان الجمع الول ينمو وسط مباركة ودعم وإجازة‬
‫عالمية س كما أشرت آنفا ‪ -‬كان هذا الجمع وأرضه ومن يحكمها ومن يهاجر إليها‪,‬‬
‫محل حرب ومطاردة عالمية‪.‬‬
‫• ورغم أن سوادهم العظم إن لم يكن كلهم‪ ,‬من الجهاديين فكرا واتجاها ‪ ,‬إل‬
‫أنه يمكن تصنيفهم ضمن التشكيلت الرئيسية التالية‪ ,‬بغض النظر هنا عن رصد‬
‫العداد والتعرض للتقييم ‪ .‬فقد ضم هذا الجمع الطيف التالي – بحسب الحجم‬
‫‪:-‬‬
‫‪ .1‬المتدربون‪ :‬وهم الذين قدموا من أجل تلقي التدريب ثم الرحيل ‪ ,‬ولم‬
‫يستقر هؤلء ال مدد التدريب التي تترواح ما بين الشهر القليلة إلى السنة ‪.‬‬
‫‪ .2‬المهاجرون ‪ :‬وهم الذين قدموا بأسرهم أو بأنفسهم بغية الهجرة‬
‫والستقرار في دار السلم الوليدة‪ ,‬و إعمارها والجهاد معها ‪ ,‬دون أن يكون‬
‫لهم أهداف جهادية خارج أفغانستان ول ضد حكومات بلدهم‪ ,‬ول ضد أعداء‬
‫آخرين داخليين أو خارجين ‪..‬‬
‫‪ .3‬التنظيمات الجهادية ‪ :‬التي قدمت لتتابع أهدافها و برنامجها القديم‬
‫المتعلق بالجهاد في بلدها ‪ ..‬ولمتابعة بناء تنظيماتها من جديد على الطريقة‬
‫التقليدية القديمة للتنظيمات )القطرية‪ -‬السرية – الهرمية( سواء من البلد‬
‫العربية أو بعض السلمية‪..‬‬
‫‪ .4‬الشيخ أسامة بن لدن وإدارة تنظيم القاعدة ‪ :‬ومن لحق بدعوتهم‬
‫‪,‬والذين كان هدفهم هو الدعوة والعمل على مواجهة الوليات المتحدة‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 707 [ ‬‬

‫المريكية‪ .‬من خلل هذا الحصن المنيع )أفغانستان (‪ .‬والحتماء بحكومتها‬


‫الجديدة )الطالبان( وأميرها المصابر) المل محمد عمر(‪ .‬فرج الله كربته‪..‬‬
‫‪ .5‬تنظيمات وجماعات أعاجم وسط آسيا ‪ :‬الذين تنوعت أهدافهم بين‬
‫الهجرة و نصرة دار السلم والجهاد معها ‪ ..‬وبين العداد للجهاد في بلدهم ‪.‬‬
‫وكان أهم وأكبر هذه الجماعات ) المجاهدون من أوزبكستان (‬
‫و) المجاهدون من تركستان الشرقية ( التي احتلتها الصين ‪ .‬بالضافة لبعض‬
‫الجماعات الخرى‪..‬‬
‫‪ .6‬المجاهدون من باكستان ‪ :‬وكانوا خليطا من تلميذ العلماء والمدارس‬
‫الدينية في باكستان وهي امتداد لطالبان فكرا و منهاجا ‪ ,‬بالضافة لعضاء‬
‫التنظيمات الجهادية المختلفة العاملة على جبهة كشمير‪ ,‬والتي رأت في‬
‫أفغانستان خط إعداد خلفي جيد لمتابعة نشاطها ‪ .‬بالضافة للمجاهدين فرديا‬
‫دون الجماعات والتنظيمات ‪ ..‬وقد شكل التواجد الباكستاني نتيجة القرب‬
‫والتداخل في القضية مع القضية الفغانية ‪ ,‬حجما يوازي أو يزيد على مجموع‬
‫حجم النواع المذكورة آنفا‪.‬‬
‫• شكلت هذه الفترة مرحلة متقدمة من نمو التيار الجهادي وتطوره في بعد‬
‫جديد ‪..‬‬
‫فقد أدت الحملت العلمية التي شنها الشيخ أسامة بن لدن ضد أمريكا وعدوانها‬
‫على المسلمين وندا آته لتخليص الحرمين من الحتلل المريكي والغربي‪ ..‬ثم إدخاله‬
‫بعدا جديدا إلى دعوته ‪ ,‬وهو تبني القضية الفلسطينية‪ .‬وربط العدوان المريكي على‬
‫المسلمين في العالم ‪ ,‬بالعدوان السرائيلي الصهيوني على المسلمين في فلسطين ‪,‬‬
‫وإدخال قضية الحرم الثالث في القدس‪ ,‬ومسجدها القصى إلى قضية الحرمين ‪..‬أدت‬
‫هذه الحملت المركزة والمنظمة ‪ ,‬وردود الفعل الهائلة من قبل وسائل العلم‬
‫المريكية على هذه الحملة ‪ .‬ودخول تلك الموجهات إلى الفضائيات المريكية والعالمية‬
‫و العربية ولسيما قناة )الجزيرة( القطرية ‪ ,‬التي لعبت دورا محوريا في إيصال هذه‬
‫الصراع العلمي إلى مئات المليين من المشاهدين المسلمين في العالم ‪ ..‬أدت إلى‬
‫أن يأخذ التيار الجهادي بعدا جديدا نحو عالمية المرحلة‪ ..‬رغم أن معظم التنظيمات‬
‫العربية أو كلها لم تغير شيئا من أهدافها ول برامجها )القطرية‪ -‬السرية‪ -‬الهرمية( ‪ ,‬ول‬
‫تحولت باتجاه دعوة الشيخ أسامة حتى اللحظات الخيرة من العام )‪ (2001‬حيث‬
‫أقحمتها أمريكا قسرا في هذا التجاه‪..‬‬
‫• وافق هذه المرحلة أحداث عالمية بالغة الهمية و الثر على العالم‬
‫السلمي ‪..‬وكان في طليعة ذلك اشتعال النتفاضة الفلسطينية وانتقالها من‬
‫مرحلة ثورة الحجارة التي انطلقت منذ سنوات ‪ ,‬إلى مرحلة العمل المسلح‬
‫والعمليات الستشهادية منذ سنة )‪ . (2000‬وتفاقمت الوضاع في المنطقة‬
‫العربية كلها نتيجة هذا التصعيد بالضافة إلى ازدياد آثار الحصار المريكي القاتل‬
‫المدمر على العراق ‪ ,‬منذ )‪ , (1991‬وآثار ذلك أيضا‪ ..‬بالضافة لشعال حملت‬
‫المطاردات المنية والحرب العالمية على الرهاب بقيادة أمريكا ‪ ,‬حيث سارت‬
‫في ركابها كافة دول العالم ‪ ,‬ولسيما حكومات الدول العربية والسلمية‪..‬‬
‫وسرعان ما صار الجمع العربي في أفغانستان و كذلك رمزه الشيخ أسامة بن لدن ‪,‬‬
‫النجم الحاضر بل انقطاع في وسائل العلم العربية والعالمية مصدر الهام و تثوير‬
‫للصحوة السلمية و امتدادا أفقي كبيرا للتيار الجهادي وأنصاره في العالم ‪..‬‬
‫• أخذت التنظيمات والبؤر والتجمعات الجهادية العربية تكون نفسها في‬
‫أفغانستان ‪ ..‬ولم يأت عام )‪ (2000‬إل وقد بلغ عدد الجماعات أو المعسكرات‬
‫أو التجمعات والمشاريع الجهادية ) أربعة عشر( تجمعا أو تنظيما أو معسكرا ‪,‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 708 [ ‬‬

‫معترفا به رسميا من قبل طالبان و تربطهم بوزارات الدفاع والداخلية‬


‫والستخبارات برامج ضبط وتنسيق وتعاون‪ ..‬سواء في تنسيق دعمهم‬
‫وجهادهم إلى جانب طالبان ‪ ,‬أو في برامجهم الذاتية‪ .‬عدا المجموعات‬
‫الباكستانية التي كان لها أيضا ترتيبها الخاص وكانت متعددة ‪.‬‬
‫• وهذه التجمعات التي كانت مستقلة عن بعضها تماما هي ‪:‬‬
‫المجموعات غير العربية ‪:‬‬
‫‪ -1‬المجاهدون الوزبك ‪ :‬وكانت مجموعة كبيرة العدد نسبة للمجموعات‬
‫الخرى ‪ ,‬وكان برنامجهم يهدف إلى نقل الجهاد إلى أوزبكستان ‪ ,‬والطاحة‬
‫بنظام )كريموف( الشيوعي – المريكي !‪ ,‬وذلك لما يكون الوضع في أفغانستان‬
‫قد استتب للطالبان ‪ .‬ومن خلل البرمجة التامة معهم ‪ .‬وكان برنامجها في ذلك‬
‫الحين هو التجنيد والعداد والتدريب ‪ .‬وكانت مجموعة مرتبطة بالطالبان ‪ .‬وقد‬
‫بايع أميرهم) محمد طاهر جان( المل محمد عمر‪ ,‬بيعة إمام عام ‪ .‬وكذلك بايع‬
‫نائبه القائد العسكري الشهير ) جمعة باي( رحمه الله ‪ .‬وكان لهم برنامجا‬
‫طموحا جدا للتجنيد والدعوة في أوساط الفغان الوزبك ‪ ,‬وهم جالية تعد أكثر‬
‫من خمسة مليين نسمة ‪ ,‬كثير منهم من المهاجرين من أوزبكستان منذ أيام‬
‫احتلل القياصرة ‪ ,‬وما تله من مجازر ستالين ولينين‪ ,..‬وكانت مجموعة منظمة‬
‫عالية الكفاءات والمكانيات المادية ‪ ,‬حيث تدعمها جاليات أوزبكية مهاجرة‬
‫منتشرة في بلد كثيرة ‪.‬‬
‫‪ -2‬المجاهدون من تركستان الشرقية المحتلة من قبل الصين ‪:‬‬
‫وكانت مجموعة محدودة ‪ ,‬هاجر أكثرهم فرارا من الحكم الصيني خفية ‪ ,‬وكان‬
‫برنامجهم تربويا شامل بعيد المدى نظرا للظروف الصعبة التي يعيشها المسلمون في‬
‫تركستان الشرقية بعد أن طبقت الحكومات الصينية المتعاقبة سياسة الهجرة الصينية‬
‫إلى بلدهم ‪ ,‬ونجحت في تغيير خارطتها السكانية ‪ ,‬لينخفض عدد المسلمين التركستان‬
‫من أغلبية ساحقة إلى نحو نصف السكان ‪ ,‬حيث أسموها ) سيانغ يانغ ( يعني ) الرض‬
‫الجديدة ( ‪ ,‬ناهيك عن الجراءات الشرسة منذ الحكم الشيوعي لماو تسيتونغ ‪ ,‬وكان‬
‫من برنامج هذه المجموعة إرسال بعضهم لداخل بلدهم من أجل إخراج المزيد من‬
‫المهاجرين وإعدادهم ‪ ,‬تمهيدا للعمل العسكري الذي ينونه ضد الصين ‪ ,.‬وكان أميرهم‬
‫الشيخ الشهيد ) أبو محمد التركستاني ( رجل فذا ونشيطا من أروع نماذج المجاهدين‬
‫الفارين بدينهم ول نزكيه على الله ‪ ,‬وقد قتله الجيش الباكستاني في ) وزيرستان (‬
‫في نوفمبر ‪ .2003‬قاتلهم الله ‪ ,‬ورحمه رحمة واسعة ‪ ..‬وقد بايعت المجموعة المل‬
‫محمد عمر بيعة عامة أيضا ‪ ,‬فطلب إليهم وقف برنامجهم العملي ضد الصين والكتفاء‬
‫بتربية من يلحق بهم ‪ ,‬نظرا لحاجة الطالبان لعلقات جيدة مع الصين توازن الضغوط‬
‫المريكية ‪ ,‬فالتزموا ذلك ‪.‬‬
‫‪ -3‬المجاهدون التراك ‪ :‬وكانوا مجموعة صغيرة من الكراد والتراك ‪ ,‬وقد‬
‫عملوا بشكل سري جدا ‪ ,‬وكان برنامجهم التدريب ‪ ,‬ول أدري إن كان لهم‬
‫برنامج عملي في بلدهم في حينها ‪.‬‬
‫المجموعات العربية ‪:‬‬
‫‪ -4‬تنظيم ( القاعدة ( بزعامة الشيخ أسامة بن لدن ‪ -‬حفظه الله تعالى ‪.-‬‬
‫وبرنامجهم معروف ‪ ,‬وقد بايع الشيخ أسامة أمير المؤمنين بيعة إمامة كما‬
‫أسلفنا ‪.‬‬
‫‪ -5‬الجماعة السلمية المقاتلة بليبيا‪ .‬وكان أميرهم ) أبو عبد الله الصادق (‬
‫فك الله أسره ‪ -‬وكان برنامجهم الرئيسي العداد لجهاد نظام القذافي في ليبيا ‪,‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 709 [ ‬‬

‫والمشاركة في دعم القضايا الجهادية عامة ‪ ,‬والمساهمة في دعم طالبان ‪.‬‬


‫وكان لهم مساهمة طيبة في ذلك ‪.‬‬
‫‪ -6‬الجماعة السلمية المجاهدة في المغرب (مراكش(‪ .‬وكان برنامجهم‬
‫العداد وتدريب عناصرهم الذين يفدون ويغادر أكثرهم ‪ ,‬وكان هدفهم جهاد‬
‫النظام الحاكم في المغرب القصى ‪.‬وكان أميرهم يدعى أبو عبد الله الشريف ‪.‬‬
‫‪ -7‬جماعة الجهاد المصرية ‪ .‬وكانت قد تقلصت إلى حد كبير وكان هدفهم إعادة‬
‫بناء الجماعة ولم شتاتها ‪ ,‬وهدفهم معروف وكان جهاد النظام الحاكم في‬
‫مصر ‪.‬وكان أميرهم الشيخ الدكتور أيمن الظواهري حفظه الله تعالى ‪.‬‬
‫‪ -8‬الجماعة السلمية المصرية ‪ :‬وكانت مجموعة صغيرة جدا ‪ ,‬انحصر‬
‫وجودهم بصفة الهجرة ‪ ,‬ولم يكن لهم نشاط مهم بعد تبني مبادرة وقف جهاد‬
‫النظام المصري التي عرفت باسم )مبادرة وقف العنف ( ‪ .‬وكان أكثر رموزهم‬
‫الهامة يقيم في إيران كما هو معروف ‪ ,‬وانتقل بعضهم آخر أيام طالبان إلى‬
‫أفغانستان ‪.‬‬
‫‪ -9‬تجمع المجاهدين الجزائريين ‪ .‬وكان هدفهم لم شعث من استطاعوا من‬
‫إخوانهم لعادة ترتيب الجهاد في الجزائر بعد النكبات التي مني بها ‪.‬‬
‫‪ -10‬تجمع المجاهدين من تونس ‪ .‬وكان هدفهم العداد والتدريب وجمع الشباب‬
‫التونسي ‪ ,‬بغية الجهاد في تونس ‪ ,‬وكان لمعسكرهم مساهمات تدريبية ‪ ,‬وكان‬
‫فيهم كوادر سبق لها الجهاد في البوسنة ‪.‬‬
‫‪ -11‬تجمع المجاهدين من الردن وفلسطين ‪ ,‬وكان برنامجهم العداد‬
‫والتدريب ‪ ,‬للجهاد في الردن وفلسطين ‪ .‬وكان أميرهم الخ ) أبو مصعب‬
‫الزرقاوي ( ‪.‬‬
‫‪ -12‬معسكر خلدن ( معسكر تدريبي عام ( ‪ .‬وهو من أقدم المعسكرات‬
‫العربية ‪ ,‬ويعود تأسيسه ليام مكتب الخدمات والشيخ عبد الله عزام ‪ .‬وكان‬
‫أميره الشيخ المجاهد المعروف باسم ) ابن الشيخ – صالح الليبي ‪ , (-‬فرج الله‬
‫أسره ‪ ,‬يعاونه الخ أبو زبيدة ‪ ,‬فرج الله عنه ‪ .‬وكانت أهداف المعسكر تدريبية‬
‫محضة لدعم الجهاد في كل مكان ‪ .‬وكان له إنتاج طيب عبر السنين ربما تجاوز‬
‫عدد من تدربوا فيه منذ تأسيسه سنة ‪1989‬العشرين ألفا ‪.‬‬
‫‪ -13‬معسكر الشيخ أبو خباب المصري ( معسكر تدريبي عام ( ‪ .‬وكان‬
‫معسكرا تدريبيا متخصصا في التدريب على تصنيع المتفجرات والكيمياويات‬
‫واستخدامها ‪.‬‬
‫‪ -14‬مجموعة معسكر الغرباء ( وهي مجموعتنا ( وكانت مرتبطة‬
‫بالطالبان وكان لها أيضا ( معسكر تدريبي عام ‪ ,‬ومركز دراسات‬
‫سسُتها سنة ‪ ,2000‬من أجل تأسيس‬ ‫وأبحاث ومحاضرات ‪ . (...‬وقد أ ّ‬
‫مدرسة تدريبية تقوم على العداد الفكري والمنهجي السياسي الشرعي‬
‫والتربوي العسكري الشامل ‪ ,‬وهو ما رأيت أن ساحة الفغان العرب قد افتقرت‬
‫إليه في شوطيها على حد سواء ‪ ,‬وكان الهدف الخر من تأسيسها إطلق دعوة‬
‫المقاومة السلمية العالمية )التي فصلتها في هذا الكتاب ( ‪ ,‬بالضافة إلى‬
‫الرتباط العضوي بالمارة السلمية والمساهمة في بنائها والدفاع عنها ‪ ,‬والعمل‬
‫في أفغانستان من خلل الترتيب مع أمير المؤمنين مباشرة ‪.‬‬
‫وقد شرحت أهداف المجموعة باختصار للمل محمد عمر وبايعته في ‪15‬‬
‫محرم ‪ .2001‬وارتبطت مجموعتنا من حينها بأمير المؤمنين وعملت من‬
‫خلل وزارة دفاع المارة السلمية ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 710 [ ‬‬

‫ثم تصاعدت الحرب المريكية والغربية بمشاركة من الدول السلمية على‬ ‫•‬
‫طالبان وأفغانستان ‪ .‬ولسيما على الشيخ أسامة والقاعدة الذين قاموا بتنفيذ‬
‫هجومين على سفارتي أمريكا في نيروبي ودار السلم‪ ..‬ثم الهجوم‬
‫الستشهادي الخر على المدمرة المريكية )كول( في ميناء عدن في اليمن ‪,‬‬
‫خلل هذه الفترة )‪ (2000-1997‬بالضافة للتصعيد العلمي الذي أطلقه‬
‫الشيخ أسامة من أفغانستان منذ حضر إليها عن طريق سلسلة المقابلت‬
‫الصحفية والتلفزيونية التي كان يحرض المسلمين فيها على حرب أمريكا‬
‫وجهادها ‪.‬‬
‫و تصاعدت الضغوط المريكية‬ ‫•‬
‫• والعالمية والتهديدات الجدية ‪ ,‬والحصار القتصادي والعلمي على أفغانستان‪..‬‬
‫وبدأت أمريكا تنذر بالحرب على الرهابيين فيها وخاصة خصمها العنيد‪ ,‬الشيخ‬
‫أسامة ‪ .‬ثم وقعت الواقعة الحاسمة في الحادي عشر من سبتمبر‪.. 2001/‬‬
‫• فقد قامت مجموعة من أعضاء القاعدة بالهجوم الستشهادي التاريخي‬
‫الشهير على أبراج نيويورك و البنتاغون صبيحة إلحادي عشر من سبتمبر من‬
‫عام ‪.2001‬‬
‫ورغم عدم إعلن القاعدة عن مسؤوليتها عن العمليات ‪ ,‬إل أن أصابع التهام و‬
‫القرائن لدى المريكان كانت واضحة‪..‬‬
‫وقررت أمريكا غزو أفغانستان وإسقاط طالبان وتنصيب حكومة تابعة لها فيها‪ ..‬و‬
‫إبادة من تستطيع إبادته من طالبان ومن التجمعات الجهادية والعربية المتواجدة تحت‬
‫عباءة أمير المؤمنين ‪..‬‬
‫ولست هنا بصدد النخراط في التأريخ لحداث بالغة الهمية شهدتها‬
‫بنفسي ‪ ,‬بل كنت جزأ منها في أفغانستان‪..‬وكما أسلفت فلدي العزم‬
‫على ذلك إن شاء الله وأعان ‪ ..‬ولكني سأقتصر هنا على ماله علقة‬
‫بهذا الفصل وهو أثر ذلك الحدث على مسار التيار الجهادي‪..‬‬
‫ذلك الثر الذي أدى بحسب ما أعتقده إلى وضع نهاية مأسوية للتيار‬
‫الجهادي وإنهاء مرحلته التي امتدت منذ مطلع الستينات من القرن‬
‫الماضي وإلى سبتمبر ‪.. 2001‬‬
‫حيث دخل التيار الجهادي محنة الخدود المعاصر الذي ابتلع معظم‬
‫كوادره خلل السنوات الثلثة التالية(‪. (2004-2001‬‬
‫لتبدأ بعد ذلك وبعد احتلل العراق الذي جرى بعد ذلك بسنتين ‪ ..‬مرحلة‬
‫تاريخية جديدة من تاريخ التيار الجهادي بل الصحوة السلمية والعالم‬
‫العربي والسلمي بل العالم أجمع ‪..‬‬
‫• بعض مترتبات الحدث وتوابعه‪:‬‬
‫لقد كانت خسائر العدو في هجوم سبتمبر كبيرة بكل المقاييس‪ , ,‬و أرجو أن تكون قد‬
‫وضعت بداية السقوط الحقيقي إن شاء الله لهذه الدولة البربرية الهمجية المسماة‬
‫)الوليات المتحدة المريكية( ‪,‬التي جسدت قمة وحشية الحضارة الغربية المعاصرة‪,‬‬
‫التي باشرتها دول أوروبا الستعمارية وساهمت فيها روسيا ثم ورثت كل صفاتها‬
‫الشيطانية أمريكا وأقامت على أساسها نظام الستكبار اليهودي الصليبي المعاصر‪.‬‬
‫لقد كانت القاعدة جزءا رئيسيا من كتلة المجاهدين الفغان العرب في‬
‫أفغانستان‪ ,‬والذين كانوا بدورهم جزءا هاما من التيار الجهادي العام‪ ,‬الذي يتكون‬
‫من مجموع التنظيمات والجماعات والتجمعات التي تنتشر في معظم بلدان المسلمين‬
‫بل وفي كثير من بلدان المهجر‪ ,‬كما يضم كثيرا من الفراد والكوادر الجهادية من‬
‫العلماء والمفكرين والدعاة والكتاب الذين حملوا جميعا الفكر الجهادي الذي يتبنى‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 711 [ ‬‬

‫منهجا محددا كما يتبنى العمل المسلح وسيلة لقامة شريعة الله ودفع الظلم عن‬
‫السلم والمسلمين كحل ل بديل عنه لحل ما تراكم من مشاكل هذه المة‪..‬‬
‫ولقد دمجت اللة المريكية كل ذلك التيار ومكوناته بل ومناصريه‪ ,‬بل وكل من أرادت‬
‫أن تصفيه من كامل طيف الصحوة السلمية على اختلف مدارسها تحت مسمى‬
‫(القاعدة( وجعلتهم جميعا هدفا لحربها تحت شعار مكافحة الرهاب‪ .‬وهذا موضوع‬
‫يستأهل البحث وليس محله هذا الكتاب‪ ,‬لن أمريكا حققت من وراء هذا التعميم غير‬
‫الواقعي أهدافا في غاية الخبث والخطورة‪.‬‬
‫ولقد تبع انهيار البرجين في نيويورك ‪ ,‬وتهدم جدار البنتاغون على رؤوس جنرالت‬
‫أمريكا ‪,‬انهيارات كثيرة في الصف السلمي ‪ ,‬ولحق بأطراف عديدة خسائر فادحة‬
‫‪,‬وكان ممن لحقهم كثير من الخسائر كافة أطراف ومدارس الصحوة السلمية ‪,‬وكان‬
‫أكثرهم تضررا التيار الجهادي وتنظيماته وكياناته المختلفة كافة ‪,‬على صعيد الفراد‬
‫والقيادات والجماعات في كل مكان ‪ ..‬بل لقد طالت التوابع وردود الفعال من قبل‬
‫العدو كل مسلم في كل مكان ‪ .‬وقد كان هذا سببا في أن كثيرا من أوساط الصحوة‬
‫السلمية ‪ ,‬بل وحتى بعض الجهادية لم تنظر لهذا العمل المجيد بعين الرتياح ‪.‬‬
‫وقد انتقده كثير من المسلمين المخلصين قناعة منهم بأنه‪:‬‬
‫‪ -‬قد جلب البلء على المسلمين ووضعهم في معركة غير متكافئة سيكونون فيها‬
‫الخاسر الكيد ‪..‬‬
‫‪ -‬وأنه برر الهجمة المريكية وأعطاها المسوغ لعادة احتلل العالم السلمي وإنزال‬
‫أفدح الخسائر بالمسلمين ‪.‬‬
‫وانه ألغى عمليا معظم البرامج الذاتية لكثير من مشاريع الجهاد القطرية‬ ‫‪-‬‬
‫والقليمية بالتبعية تلقائيا ‪.‬‬
‫بل إنه سبب إزالة المارة السلمية الوليدة في أفغانستان ملغيا القاعدة الوحيدة‬ ‫‪-‬‬
‫التي فاءت إليها معظم مشاريع الجهاد وجماعاته وقياداته ‪ ...‬إلى أخره‪.‬‬
‫ولكثير من هذه النتقادات دليل مما نلمسه ونعيشه‪ .‬ومن هذا المنظور فربما أن‬
‫لوجهات النظر هذه مايبررها‪.‬‬
‫ولكن من جهة أخرى و حتى نأخذ الصورة بكل معطياتها ‪ ,..‬فإن المتابع‬
‫للسياسات المريكية فيما يتعلق بالعالم السلمي ‪ ,‬بل بكافة العالم الثالث وخاصة‬
‫منطقة الشرق الوسط ‪ ,‬وذلك من خلل ممارساتهم ومن خلل الكتابات المعلنة لكبار‬
‫مفكريهم ومنظريهم وواضعي إستراتيجياتهم السياسية ‪,‬عبر الكتب المنشورة‪,‬‬
‫والتقارير والدراسات التي تعدها كبريات مراكز الدراسات عندهم وينظر لها كبار‬
‫المفكرون من أمثال كتابات كيسنجر ونيكسون و هينينغتون‪ ...‬يجد أنها قد أعربت‬
‫وصرحت بأهداف السياسة المريكية في القرن الواحد والعشرين‪,‬وعن الرغبة‬
‫الجامحة بالنفراد بالسيطرة على العالم ‪ .‬وهو برنامج وضع للتنفيذ بصرف النظر عن‬
‫أحداث سبتمبر كانت أو لم تكن ‪.‬‬
‫لقد صرح نيكسون في كتابه ) نصر بل حرب( بأن على أمريكا أن تعمل على أن‬
‫يكون القرن ‪ 21‬قرنا أمريكيا ويجب أن تعمل على تفكيك التحاد السوفيتي ‪,‬ومنع‬
‫نهضة الصين وتفتيتها إلى قوميات متصارعة‪,‬وعرقلة قيام الوحدة الوروبية ‪ ,‬وكبح‬
‫التقدم الصناعي لجنوب شرق آسيا والسيطرة عليها والتخطيط للسيطرة على المارد‬
‫المسلم الذي يتململ استعدادا للنهوض على حد تعبيره ‪ .‬كما شكلت أمريكا قوات‬
‫التدخل السريع ) المارينز ( من أجل احتلل منابع النفط منذ أيام كارتر مطلع‬
‫السبعينات ‪.‬هذا بالضافة للسياسة المبنية على معتقدات المتطرفين الصليبين الذين‬
‫بنوا تصوراتهم النجيلية التوراتية بحسب التفسيرات الصهيونية كأساس لمذهب‬
‫المسيحية المريكية المتعصبة‪ ,‬التي تعتمد فكرة دعم إسرائيل واليهود بانتظار المعركة‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 712 [ ‬‬

‫الطاحنة في )هرمجدون( في شمال فلسطين كمقدمة لنزول المسيح لتخليص‬


‫النصارى ‪ .‬هذا بالضافة لفلسفات شريرة وضعوها بناء على نظريات صراع الحضارات‬
‫وسيطرة العرق البيض ‪ .‬وهذه المعلومات أصبحت مما تتحدث به وسائل العلم‬
‫العالمية بصراحة ‪ ,‬عن ظاهرة ) المحافظين الجدد ( ‪ ,‬وهي الفئة النصرانية المتصهينة‬
‫التي ينتمي إليها بوش وأعوانه ‪..‬‬
‫والدلئل كثيرة جدا على أن أمريكا قد تحركت نحونا منذ أن انهيار التحاد‬
‫السوفيتي وافتتحت ذلك بحرب الخليج ‪ ,‬ثم بسلسلة المؤتمرات المنية ضد ما أسموه‬
‫الصولية السلمية وذلك عقب الجتماع الهام الذي جمع ) ريغان – تاتشر‪-‬‬
‫غورباتشوف ( والذي وضعوا فيه علنا السلم خصما حضاريا للحضارة الغربية بعد‬
‫انتهاء الحرب الباردة وقرروا ضم مكونات حلف وارسو لتدخل في حلف الناتو الذي‬
‫سيقود الحرب الصليبية على المسلمين ‪...‬‬
‫وهناك كثير من الوثائق التي تثبت ذلك ل ننقلها هنا خشية الطالة‪ .‬وهذه‬
‫المعلومات مشتهرة بين المثقفين العرب والمسلمين وفي وسائل العلم‪.‬‬
‫وكلها مؤداها أن أمريكا وإسرائيل وأوروبا الغربية كانت ماضية‬
‫باتجاهنا من قبل ما حدث في سبتمبر وأن أمريكا كانت غير عاجزة عن‬
‫إيجاد أي ذريعة فيما لو لم توجد القاعدة ولم تحدث انفجارات ‪-11‬‬
‫سبتمبر ‪ ,‬تماما كما اتخذت من العراق ذريعة لحتلل الخليج في حرب‬
‫الكويت ‪,‬وكما اتخذوا اليوم ذرائع لحتلل العراق والتمدد نحو الشام‬
‫والجزيرة ‪.‬فكل أدلة المنطق والواقع تثبت بأن أحداث سبتمبر ليست‬
‫السبب في هذه الهجمة وإن كانت قد عجلت بمواجهة محتومة وجعلتها‬
‫أكثر (دراماتيكية( ‪.‬‬
‫وحتى هجوم أمريكا على أفغانستان فمن المسلم به في جميع‬
‫وسائل العلم العالمية وعلى لسان كثير من السياسيين أنه هجوم سببه‬
‫المصالح المريكية في نفط وسط آسيا واحتياجها لنظام يحفظ نقله‬
‫إلى الخليج من أفغانستان ويكمل إغلق الحلقة المريكية حول الصين‬
‫ويحاصر إيران من الشرق ويزيل أي إمكانية لحكم المسلمين بالشريعة‬
‫في أفغانستان حتى ل تكون سابقة تحتذى ‪ ,‬فلم يكن الشيخ أسامة ول‬
‫الفغان العرب ول مجاهدو وسط آسيا المقيمين في حماية طالبان سبب‬
‫الهجوم على أفغانستان ‪ .‬بل كان السبب هو قيام طالبان بالحكم‬
‫بالشريعة وتمرد نظامهم على شريعة أمريكا في السياسة الدولية‪.‬‬
‫بالضافة للطماع المبراطورية المريكية في المنطقة ‪ .‬والله تعالى‬
‫أعلم ‪.‬‬
‫• وبعيدا عن اختلف وجهات النظر من الحدث وتداعياته ‪ ,‬فقد فرض واقعا على‬
‫المسلمين وأقطاب الصحوة السلمية والقيادات الجهادية أن يواجهوه الن ‪,‬‬
‫وأن يعلموا أن أمريكا قد قررت وفرضت عدوانها على المسلمين ‪ ,‬وبهذا الزخم‬
‫ورتبته مع اليهود وحلفائها الوروبيين وروسيا منذ انهيار التحاد السوفيتي وإزاحة‬
‫سور برلين بين حلف وارسو وحلف الناتو ‪ ,‬ووزعت الدوار‪ ,‬التي خصت قسطا‬
‫كبيرا منها وأوكلته لحكومات الردة في العالم العربي والسلمي‪ .‬فهذه الحرب‬
‫القائمة الن‪ ,‬فرضها العدو ونفذها‪ ,‬من قبل سبتمبر‪ 2001/‬ولم توجدها‬
‫أحداثها ‪ .‬حرب فرضتها المصالح القتصادية والجغرافية السياسية‪ .‬وهي نتيجة‬
‫الجذور التاريخية والتصورات الدينية لمعتقدات اليهود والمريكان عن الصراع مع‬
‫المسلمين ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 713 [ ‬‬

‫• وتفاصيل أحداث سبتمبر معروفة‪ ..‬وأشهر من أرددها هنا حيث ل مجال‬


‫للطالة ‪ ..‬ولذلك سأقفز عن تفاصيلها ‪ ,‬إلى تداعيات الحدث على التيار الجهادي‬
‫في أفغانستان ‪ ,‬حيث كانت قد تواجدت نخبته على صعيد القيادات والرموز و‬
‫الكوادر و قيادات التنظيمات والجماعات والكتل الجهادية الرئيسية في العالم‬
‫العربي ووسط آسيا و الباكستان في ذلك الوقت ‪..‬‬

‫• تداعيات أحداث سبتمبر ‪ 2001‬على التيار الجهادي في‬


‫أفغانستان ‪:‬‬
‫• ابتدأ المريكان الحرب بموجات من القصف الجوي المركز منذ مطلع شهر ‪10‬‬
‫وإلى أواسط ‪ ,11‬وزحفت طلئع تحالف الشمال لتقوم بالحرب على الرض‬
‫نيابة عن المريكان من ثلث محاور‪.‬‬
‫• من الشمال نحو كابل ‪ ..‬ومن الحدود الباكستانية من الجنوب الشرقي نحو‬
‫قندهار‪ ,‬ومن الشمال الشرقي نحو جلل أباد ‪ ,‬وسقطت مزار شريف ‪ ,‬ثم كابل‬
‫بيد تحالف الشمال في شهر ديسمبر ‪..2001‬‬
‫• واستولت الشراذم وقطاع الطرق و الحرامية والقبائل التي عملت في البرنامج‬
‫المريكي على المدن تباعا‪ ..‬وتهاوت مقاومة طالبان واستسلمت حامياتهم‬
‫وقياداتهم بصورة مفاجئة للجميع‪..‬‬
‫• وخلل أقل من أسبوع بعد سقوط كابل‪ ..‬أعلن عن سقوط طالبان ‪ ..‬وتسليم‬
‫)كرزاي( مقاليد المور‪..‬ثم تابع عملء أمريكا على الرض تنفيذ المهام ‪..‬التي‬
‫لعبت مليين الدولرات دورا هاما في أدائها على الوجه الكمل قذارة وبشاعة‪..‬‬
‫• ثم أطلقت أمريكا بزعامة )بوش( ما أسمته )الحرب العالمية على الرهاب(‬
‫والتي لعبت فيها الباكستان الدور الرئيسي‪..‬حيث تولت تصفية واعتقال الذين‬
‫توجهوا نحو الملذ الوحيد على أراضيها‪ ..‬ثم تلتها مختلف الدول العربية‬
‫والسلمية بالمشاركة ‪..‬بالضافة لما قام به حلفاء أمريكا الكبار‪..‬مما أدى إلى‬
‫تدمير ما تبقى من التيار الجهاد تدميرا كبيرا‪.‬‬
‫• وأما ما يهمنا من أمر الجمع العربي من الجهاديين والمهاجرين في أفغانستان‪..‬‬
‫فخلصة ما حصل؛ مجزرة تاريخية للتيار الجهادي هي السوأ في تاريخه كله ‪..‬‬
‫وكان أمر الله قدرا مقدورا‪..‬‬
‫وكانت خلصة الخسائر والمصائب منذ انطلق أحداث الكارثة وإلى ساعة تحرير هذه‬
‫السطور في شهر سبتمبر من عام ‪ 2004‬أي خلل ثلث سنوات عجاف ‪ ,‬ودون‬
‫الدخول في التفاصيل كالتالي‪..‬‬
‫‪ -‬استشهاد زهاء )‪ (400‬مجاهد عربي خلل معارك الدفاع عن أفغانستان ‪ .‬حيث‬
‫استبسلوا في الدفاع عن مختلف خطوط القتال‪ ..‬أو سقطوا بفعل القصف المكثف‬
‫أثناء عمليات انسحاب أرتال السيارات من المدن الرئيسية باتجاه الحدود الباكستانية‪.‬‬
‫‪ -‬أسرت باكستان بفعل خيانة بعض رجال القبائل الحدودية الباكستانيين‪ ,‬نحو )‪(150‬‬
‫مجاهد خرجوا من معارك )طوره بوره( بعيد الحرب مباشرة خلل الشهر الول من‬
‫عام )‪ . (2002‬وجرى تسليمهم للمريكان الذين نقلوهم إلى معسكر العتقال سيء‬
‫السمعة في غوانتانامو‪ ,‬في جزيرة كوبا‪.‬‬
‫‪ -‬استشهاد نحو )‪ (100‬مجاهد تقريبا في اشتباكات متفرقة مع الجيش الباكستاني في‬
‫مناطق الحدود أو على طرق السفر‪,‬أو داخل بعض المدن في باكستان خلل السنتين‬
‫التاليتين من مطلع )‪ (2002‬وإلى سبتمبر )‪..(2004‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 714 [ ‬‬

‫‪ -‬أسرت القوات الباكستانية خلل تلك الفترة ما يزيد على )‪ (600‬مجاهد عربي من‬
‫الفارين بأنفسهم وأسرهم والمختفين على أراضيها ‪ ..‬وقامت بتسليمهم إلى أمريكا‬
‫مباشرة ليزج أيضا بهم في معتقل غوانتانامو‪ .‬أو معتقلتها الوحشية في أفغانستان ‪.‬‬
‫‪ -‬إعتقلت إيران على أراضيها أكثر من )‪ (400‬مجاهد عربي ‪ .‬سلمت معظمهم لبلدهم‬
‫كما اعترفت بذلك حكومتها رسميا‪ .‬وما يزال ما يقرب من مئة منهم أسرى في‬
‫إيران‪- .ٍ.‬بحسب ما ذكرت مصادر الحكومة اليرانية ‪ -‬قيد السجون والمساومات‬
‫السياسية مع أمريكا ‪.‬‬
‫فإذا ما اعتبرنا أن العدد الجمالي للمجاهدين العرب الذين تواجدوا في أفغانستان‬
‫وقت هذا الحدث زهاء )‪ (1900‬مجاهد بمن فيهم أرباب السر من المقيمين‬
‫والمهاجرين ‪ .‬تكون الخسائر قد جاوزت ما بيت شهيد وأسير)‪ (1600‬مجاهد من أصل‬
‫الس)‪ (1900‬أي نحو)‪ (%75‬من القاعدة البشرية للفغان العرب ‍الذين تواجدوا في‬
‫أفغانستان تلك الفترة ‪ .‬كما أدت حملت المطاردة والعتقال التي شنتها أمريكا‬
‫وأجهزة المن المتعاونة معها في أوربا وبلدان العالم العربي والسلمي بل في كل‬
‫العالم إلى اعتقال وأسر مئات الجهاديين من أعضاء الجماعات أو المتعاطفين مع‬
‫التيار الجهادي أو من المظلومين القريبين منهم من الذين أسروا دون أن يكون لهم‬
‫ناقة ول جمل في هذا الصراع ‪..‬‬
‫‪ -‬هذا بالضافة إلى الخسائر الفادحة في صفوف الجهاديين من وسط آسيا وخاصة من‬
‫المجاهدين الوزبك ومن معهم من بلد وسط آسيا ‪ ,‬الذين استشهد معظم كادرهم‬
‫العسكري وربما جاوز هذا الرقم زهاء ‪ 500‬شهيد عدى السرى‪..‬استشهد أكثرهم في‬
‫أفغانستان ‪ ,‬وبعضهم في معارك مع الجيش الباكستاني المدعوم بالقوات المريكية‬
‫في منطقة وزيرستان ‪.‬‬
‫كما وقعت خسائر فادحة في صفوف المجاهدين من تركستان الشرقية بنفس‬
‫الطريقة‪..‬وكان آخر هذه الخسائر استشهاد أميرهم )حسن أبو محمد التركستاني ( مع‬
‫بعض إخوانه رحمهم الله تعالى ‪ .‬وأكرم نزلهم في المهاجرين الغرباء الفرارين‬
‫بدينهم ‪ ,‬وقد قتله الجيش الباكستاني ‪ -‬قتلهم الله ‪ -‬في شهر ‪. 2003 /11‬أثناء‬
‫عمليات المطاردة في إقليم سرحد ‪.‬‬
‫حتى صرح )رامسفيلد( وزير الدفاع المريكي أواسط عام )‪ (2003‬أن حملتهم المنية‬
‫والعسكرية على الرهاب قد مكنتهم من قتل وأسر ما يزيد على )‪ (3000‬إرهابي‬
‫بحسب وصفه‪ ..‬وأعتقد أنه رقم قريب من الواقع ‪ ..‬فقد وصلت الخسائر في‬
‫أفغانستان وباكستان وإيران إلى أكثر من نصف هذه الرقم ‪ ,‬فيما وصل عدد السرى‬
‫من الجهاديين والمتعاطفين معهم في بريطانيا وحدها إلى نحو)‪ (300‬أسير ‪,‬كما‬
‫أشارت لذلك إحصائيات رسمية ‪ ,‬ناهيك عن العشرات الذين أعلن عن اعتقالهم في‬
‫باقي الدول الوروبية ‪ ..‬أما في الدول العربية فقد شنت اليمن حملة على الجهاديين‬
‫والعائدين من أفغانستان وعلى المتعاطفين معهم ‪ ,‬قتل فيها العشرات وأسر‬
‫المئات ‪ ..‬كما أعلنت السعودية عن توقيف أكثر من )‪ (220‬أخ نسبت لهم تهمة‬
‫القاعدة رسميا ‪ .‬ناهيك عن أن عدد السرى والموقفين والذين حقق معهم في‬
‫السعودية ‪ ,‬هو رقم من فئة اللف ‪ ,‬أسر منهم دون تهمة أو محاكة المئات وأودعوا‬
‫السجون ‪ ,‬وذلك أن السعودية واليمن كانتا من البلد التي قدم إلى أفغانستان منها‬
‫أكبر نسبة من الشباب العرب وكانتا من أكثر الدول مطاردة لهم أيضا‪ ..‬كما طالت‬
‫الحملت المئات هنا وهناك في كل مكان ‪ ..‬ليكون آخرها ما جرى في المغرب ‪.‬منذ‬
‫شهر ‪ . 2003 /11‬حيث اعتقل المئات أيضا ‪ ,‬وصدرت عشرات أحكام العدام‬
‫والسجن المؤبد والمدد الطويلة في حقهم وطال البلء مئات البرياء من حملة الفكر‬
‫الجهادي والمتعاطفين معهم ممن ل علقة لهم بأي أعمال ‪ ..‬وتوسعت دوائر التهمة‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 715 [ ‬‬

‫والبلء لتشمل معظم الجهاديين ومعظم المتعاطفين معهم في كافة أنحاء العالم ‪..‬من‬
‫القرن الفريقي إلى الفلبين ‪..‬إلى إندونيسيا وجنوب شرق آسيا‪..‬إلى تركيا‪..‬إلى كل‬
‫أقطار الدنيا‪..‬‬

‫• لقد كانت المصيبة كارثية و عظيمة بكل معنى العظمة والكارثة لثلثة‬
‫أسباب ‪:‬‬
‫‪ .1‬أن هذا الرقم الذي طال ما بين )‪ (4000 -3000‬عنصر من الجهاديين‬
‫وأنصارهم ومؤيديهم بحسب المعلن ‪ ,‬والواقع أكبر من ذلك بكثير‪ ,‬يمثل في‬
‫الحقيقة معظم الشريحة العاملة من الجهاديين في هذا الزمان‪ ,‬بل يضم كثيرا‬
‫من الدائرة الساسية للمتعاطفين معهم في العالم العربي والسلمي وفي‬
‫الجاليات السلمية في الغرب‪ ..‬فقد مثلت هذه الملحمة عملية استئصال‬
‫للقاعدة البشرية الساسية للتيار الجهادي في هذا العصر‪.‬‬
‫‪ .2‬أن الضربة القاصمة التي حلت بالمجاهدين العرب ومن وسط آسيا في‬
‫أفغانستان وباكستان ‪ .‬قد أطاحت بالنخبة الساسية من كوادر وقدماء التيار‬
‫الجهادي ‪ .‬و بخلصة قياداتهم ورموزهم ممن تبقى من العاملين من جيل‬
‫الفغان العرب الوائل وهم زهاء )‪ (150‬كادر مجاهد هو زبدة من تبقى من‬
‫الرموز والعاملين في التيار الجهادي خلل ربع القرن الخير من القرن العشرين‬
‫‪ .‬وقد سحق القتل والسر معظم هذه الزهرة‪ ..‬وربما ل أبالغ إن ذكرت للتاريخ‬
‫معلومة يعرفها العدو‪ ..‬ولم يتفرغ أحد بعد من هول الصدمة لحصائها‪ ..‬و ل أبالغ‬
‫إن قلت أنه لم يعد بين هؤلء من الحياء‪ ,‬وغير المأسورين‪ ,‬ربما إل رقم يسير‬
‫جدا ً جدا ً ‪ ..‬أسأل الله أن يحفظهم ويعينهم على إعادة البناء‬
‫‪ .3‬أن الكارثة قد تعدت إلى أن يلتهم الخدود حتى بعض من تربى على هؤلء من‬
‫طليعة كوادر الجيل الجهادي الثالث ‪ ,‬من الشباب الذين قدموا إلى ساحة الجهاد‬
‫الجديدة في أفغانستان خلل الشوط الثاني للفغان العرب )‪. (2001-1996‬‬
‫ولله الحمد فقد نجى كم ل بأس به من هؤلء ‪ ,‬وتفرقوا في أنحاء الرض ولله‬
‫الحمد ‪..‬‬
‫وبعودة للتركيز في هذه الفقرة من هذا الفصل بعد هذا الستطراد المأساوي ‪ ,‬أقول ‪:‬‬

‫أن التيار الجهادي الذي ابتدأ مساره مطلع الستينات ‪ .‬وازدهر أواخر‬
‫السبعينات ومطلع الثمانينات ‪ .‬وتألقت آماله في أفغانستان بقيام‬
‫المارة السلمية في أفغانستان‪ ..‬قد شهد أخدودا عظيما رسم نهاية‬
‫حقبته السالفة بعد أحداث سبتمبر (‪..(2001‬‬
‫لتبدأ مرحلة جديدة لمسار التيار الجهادي في مواجهة الحملت‬
‫الصليبية اليهودية المعاصرة ‪ ,‬بإذن الله ‪..‬‬
‫ومن أجل المساهمة في انطلق تلك المال أكتب هذا الكتاب‪ ..‬حيث تستهل‬
‫الفترة بمواجهة الحرب )العالمية على الرهاب( بقيادة أمريكا ‪ .‬وبغزواتها العسكرية‬
‫المباشرة في أفغانستان العراق والشرق الوسط‪ .‬حيث تبدوا في الفق ملمح‬
‫ساحات جديدة للصدام ومعطيات جديدة تترك بصماتها على مسار الجهاد الظافر بإذن‬
‫الله ‪ ..‬والذي بشر باستمراره وبقائه‪..‬أشرف الخلق محمد عليه الصلة والسلم ‪.‬‬

‫سابعا‪ :‬أهم التجارب الجهادية المسلحة في النصف الثاني من القرن‬


‫العشرين‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 716 [ ‬‬

‫للسف الشديد‪ ..‬فإن القاعدة الساسية في دائرة العمل السلمي عامة و‬


‫الجهادي خاصة هي ‪:‬‬
‫( قلة العاملين في قطاع الكتاب ‪ .‬وقلة الكتاب في قطاع‬
‫العاملين (‪.‬‬
‫ولذلك فقد اندثرت معظم التجارب الجهادية الهامة للتيار الجهادي ‪ ,‬بل ولعموم‬
‫تجارب الظاهرة الجهادية دون أن يكتب عنها أصحابها‪ .‬وأقصد من قاموا بها أو شهدوها‬
‫بأنفسهم ‪ ,‬أو كانوا على احتكاك حقيقي وعضوي بهم ومعهم ‪ ..‬وفي حدود علمي فإن‬
‫من بين عشرات التجارب الطويلة المد أو المحدودة‪..‬لم يكتب أحد من أصحاب تلك‬
‫التجارب شيئا يذكر‪ ..‬أو لم يصل على القل للنتشار ‪ ,‬و قد فات على المة وأجيالها‬
‫القادمة بذلك ‪ ,‬دروسا بالغة الهمية ‪ ,‬وقصصا وتفاصيل أحداث بالغة الروعة والدللة‪..‬‬
‫من تلك الملحم التي قام بها الجيل الول والثاني ‪ ,‬من هذا التيار الجهادي ‪ ,‬منذ‬
‫انطلق وإلى نهايات القرن العشرين ومطلع الحادي والعشرين‪..‬‬
‫في حين تطفل على الكتابة نيابة عن أصحاب التجارب ‪ ,‬بعض الخصوم ‪,‬أو بعض‬
‫التجار من الصحفيين ‪ ,‬أو بعض القاعدين من )دونكيشوتات( الصحوة السلمية من‬
‫أصحاب الكروش التي تربت تحت برد المكيفات ‪.‬‬
‫وقد حاولت أن أخرق هذه القاعدة بصفتي أحد قلئل الميدانين الذين عملوا في‬
‫هذا التيار عبر بعض تجاربه‪ ,‬واحتكوا بالكثيرين من رموز تجارب أخرى ‪ .‬وسأورد‬
‫ملخصا عن ذلك إن شاء الله تعالى في هذا الفصل‪..‬‬
‫‪ -‬فقد كتبت كتاب ) الثورة السلمية الجهادية في سوريا ‪-‬آلم وآمال‪ (-‬وقد‬
‫اشتمل على خلصة تاريخ ذلك الجهاد والكثير من وثائقه ودروسه‪..‬ويقع الكتاب في‬
‫نحو)‪ (900‬صفحة وطبع سنة ‪.1990‬‬
‫‪ -‬وكذلك كتبت كتاب ] شهادتي في الجهاد في الجزائر)‪ .[ (1996-1989‬والذي‬
‫فقدت مسوداته النهائية وهي نحو)‪ (200‬صفحة مع ما تركت من حاجاتي في كابل‬
‫أثناء سقوطها في ديسمبر )‪.(2001‬و أعدت كتابته خلل محنتنا هذه في باكستان‬
‫وسأنشره مع هذا الكتاب إن شاء الله ‪.‬‬
‫‪ -‬كما كتبت كتابا موثقا عن محنة المجاهدين الفغان العرب وعموم السلميين في‬
‫الباكستان خلل هذه السنوات الثلثة بعد سبتمبر ‪ , 2001‬وسأنشره قريبا أيضا إن شاء‬
‫الله ‪.‬‬
‫‪ -‬وقد وضعت الن فهارس وبعض المسودات لكتاب مهم جدا ليغطي تاريخ‬
‫ودروس أهم تجارب القرن الماضي فيما أعتقد وهي ) تجربة التيار الجهادي في كنف‬
‫طالبان منذ قيام المارة ‪ 1996‬وإلى سقوطها بعد أحداث سبتمبر ‪ 2001‬ثم تداعيات‬
‫ذلك‪ . ( ..‬أسأل الله أن يعيني على إنجازه بعد إنجاز هذا الكتاب الهام ‪ ,‬ويقدرني على‬
‫شهادة ترضيه ويعيني على تبعاته‪ .‬ويكتب لي أجره ‪.‬‬
‫ولذلك ولكي تتم الفائدة من هذا الفصل‪ ,‬سأورد هنا خلصة بأهم التجارب‬
‫الجهادية التي وقعت خلل النصف الثاني من القرن الماضي ‪ .‬بحسب ما بلغني من‬
‫أصحابها مباشرة من خلل معايشتي للتيار الجهادي ‪ ..‬ولعل في هذا حافزا للحياء من‬
‫أصحاب تلك التجارب كي يكتبوا عن تجاربهم‪.‬‬
‫وسأذكرها بحسب تسلسل ابتدائها التاريخي إن شاء الله ‪ ..‬وأهم تلك التجارب ‪:‬‬

‫تجربة حركة الشبيبة المغربية (‪:(1963‬‬ ‫‪-1‬‬


‫والتي أسسها الشيخ عبد الكريم مطيع حفظه الله‪ .‬وقد حاول إنشاء تنظيم جهادي‬
‫مسلح للثورة على نظام الملك الحسن الثاني في المغرب‪ .‬وقد اعتقلت خليا التنظيم‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 717 [ ‬‬

‫و سجن كثير من عناصرها ‪..‬وهاجر من نجى بمن فيهم الشيخ عبد الكريم إلى خارج‬
‫المغرب واندثر نشاط الحركة ‪..‬‬
‫وقد عثرت على كتابات للشيخ عبد الكريم مطيع وفيها فكر جهادي ناضج ومتميز‬
‫بشكل عام ‪ ..‬كما عثرت على كتاب يؤرخ لتلك المحاولة‪ ,‬ثم فقدته مع مكتبتي في‬
‫لندن بعد هجرتي المستعجلة في سنة )‪ . (1997‬ولم يمكن في ذلك الكتاب مادة‬
‫تاريخية أو منهجية مهمة‪ .‬كما التقيت بأحد العضاء القدماء من ذلك التنظيم أثناء‬
‫إقامتي في لندن )‪ (1997-1994‬وحدثني عن فصول تاريخية هامة في تجربتهم ‪..‬‬
‫ولكنها ل تحضرني الن‪..‬‬

‫تجربة تنظيم الجهاد المصري(‪-1965‬‬ ‫‪-2‬‬


‫‪: (2000‬‬
‫كان للشهيد سيد قطب رحمه الله تجربة محاولة بكي يضع دعوته وأفكاره موضع‬
‫التنفيذ‪ ..‬وقد تأسس ذلك التنظيم على نخبة من الشباب المجاهد في مصر ممن‬
‫عاصروه‪ ,‬وكان أكثرهم من كوادر الخوان المسلمين في حينها ‪ ..‬وقد نشرت وثيقة‬
‫تاريخية بعنوان )لماذا أعدموني( نسبت للشهيد الراحل )سيد قطب( يدل سياقها‬
‫وشهادة بعض من عناصر على صحة نسبتها إليه‪..‬وبحسب تلك الوثيقة فقد ذكر سيد‬
‫قطب رحمه الله ؛ أن نخبة من الشباب المجاهد كان قد شكل بعض الخليا السرية‬
‫بغية مواجهة نظام عبد الناصر إثر الهجمة الوحشية التي قامت بها أجهزة المن‬
‫والقضاء المصري في عهد الهالك عبد الناصر على الخوان المسلمين سنة )‪.(1965‬‬
‫ومن قبلها سنة )‪ (1954‬حيث إعدام بعض كوادرهم وسجن عشرات اللف منهم في‬
‫السجون التاريخية الرهيبة ‪ ..‬وقد ذكر في تلك الوثيقة؛ أن أولئك الفتية قد قصدوه‬
‫ليكون أميرا لذلك التنظيم وأنه قد قبل أن يكون موجها وأبا روحيا لهم ‪ ,‬وأنه وضع‬
‫معهم بعض المخططات العسكرية ‪ ..‬و ذكر أنه اعتقل مع أولئك الشباب إثر تلك‬
‫المحاولة‪..‬‬
‫وقد حكم على )سيد قطب( رحمه الله بالعدام وقتل مع نفر من أولئك‬
‫الشباب ‪..‬حيث وئدت تلك المحاولة في مهدها‪.‬‬
‫وقد سمعت من الدكتور )أيمن الظواهري( في بعض تسجيلته ‪ .‬ولعلي سمعت‬
‫في بعض الجلسات المباشرة أيضا ‪..‬أن بعض تلميذ سيد ومعاصريه من الشباب الذين‬
‫تأثروا بفكره‪ .‬قد تابعوا النشاط السري والدعوة لفكاره ‪ ..‬لتتحول تلك النشاطات‬
‫فيما بعد إلى الخليا الولية لتنظيم الجهاد المصري الذي إعتقلت بعض كوادره وقياداته‬
‫إثر عملية اغتيال أنور السادات )‪ . (1981‬ومازالت قيد السجن إلى يومنا هذا‪.‬‬
‫ويبدو أن محاولت جهادية عديدة قد حصلت في مصر بعد ذلك ‪ ,‬وكان من أبرزها‬
‫المحاولة التي دعيت بأحداث )الفنية العسكرية( ‪ ..‬وهي محاولة انقلبية محدودة‬
‫وفاشلة ‪ .‬قادها الشهيد )صالح سريه( رحمه الله وحوكم فيها عدد من كوادر الجهاديين‬
‫وأعدموا ‪..‬‬
‫ولكن تنظيم الجهادي عاد إلى النشاط وتبلور بشكل جيد في عهد النفتاح زمن‬
‫السادات في النصف الثاني من السبعينات ثم تل ذلك رحيل عدد من قياداته وكوادره‬
‫وعلى رأسهم الدكتور )أيمن الظواهري( إلى أفغانستان سنة )‪ .(1986‬وقد عاصرت‬
‫هذه التجربة عن قرب من خلل علقتي الوطيدة مع أقطابها خلل تجربة الفغان‬
‫العرب بشوطيها في أفغانستان‪ .‬ورغم أني أعتقد أن التجارب الجهادية في مصر هي‬
‫من أنضج التجارب الجهادية في العالم العربي والسلمي على الصعيد الفكري‬
‫والمنهجي وأكثرها عطاء ورسوخا‪ ,‬وكذلك فإنها من بين التجارب الهم على الصعيد‬
‫التنظيمي والحركي ‪ ....‬إل أني علمت من الدكتور أيمن أن أحدا لم يتفرغ لكتابة‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 718 [ ‬‬

‫تاريخها الذي تملك وثائقه أقبية التعذيب والتحقيقات في أجهزة مباحث وأمن الحكومة‬
‫المصرية ‪ ..‬وقد اطلعت على مسودات كتاب في هذا الصدد أرسله إلي الدكتور أيمن‬
‫للطلع عليه مطلع سنة )‪ (2001‬في كابل ‪ ,‬وكان طيبا ‪ .‬ولكنه كان محدودا جدا قياسا‬
‫لطول وحجم تلك التجارب ‪ ..‬وقد ناقشت الدكتور في ذلك وحرضته على التوسع فيه‬
‫لنه خير شاهد حي ومطلع وميداني‪ ,‬يتوجب في حقه كتابة ذلك التاريخ ‪ ,‬وكنه اعتذر‬
‫لن المشاغل الحركية كانت تشغله عمليا على مدار الليل والنهار في أفغانستان تلك‬
‫اليام ‪.‬واسأل الله أن يمد في عمره وعمر من تبقى من إخواننا من ذلك الجيل عسى‬
‫أن تكتب تلك التجارب ‪..‬‬
‫وقد حاول الدكتور )أيمن الظواهري( وعدد من كوادر تنظيم الجهاد بعد وصولهم‬
‫إلى أفغانستان العمل على تأسيس تجربة جهادية مهمة ضمن تجارب التيار الجهادي‬
‫المعاصر‪ ..‬وذلك من خلل تجربتي الفغان العرب )‪ (1991-1996‬و)‪. (2001-1996‬‬
‫وأختصر أهم ما يحضرني من تلك التجربة من خلل المعايشة والقرب من روادها‬
‫ونشأتها بالنقاط التالية ‪:‬‬
‫• وصل الدكتور أيمن مع كوكبة من كوادر تنظيم الجهاد من مصر إلى بيشاور سنة‬
‫)‪ (1986‬وما تلها‪ ,‬وذلك بعد أن كان قد سجن لثلث سنوات على ذمة قضية‬
‫تنظيم الجهاد ودوره في قتل السادات‪ ,‬وكان لهم حضور ونشاط بارز وسط‬
‫الفغان العرب خلل مرحلة )‪. (1991-1986‬‬
‫• حصل تعاون على أكثر من صعيد بينهم وبين )الشيخ أسامة بن لدن ( الذي كان‬
‫يعتزم إنشاء تنظيمه الخاص الذي عرف باسم القاعدة آنذاك والذي تأسس‬
‫رسميا مطلع )‪ (1988‬وقام على جهد عدد من الكوادر والمدربين كان من‬
‫أبرزهم كوادر تنظيم الجهاد‪.‬وكان من أبرز أولئك الشهيد )أبو عبيدة البنجشيري(‬
‫رحمه الله الذي توفي أثناء إدارته لعمل القاعدة في كينيا إبان إقامتها في‬
‫السودان)‪ (1996 -1992‬في حادث غرق سفينة في بحيرة )فكتوريا(‪ .‬وكذلك‬
‫الشهيد )أبو حفص المصري‪ -‬محمد عاطف( الذي استشهد في معارك سقوط‬
‫المارة نوفمبر)‪ (2001‬في قصف أمريكي لمقر إدارته في قندهار وكان‬
‫المسؤول العسكري للقاعدة ‪ .‬وقد استفاد تنظيم الجهاد من هذا التعاون الذي‬
‫وفر له إمدادا ماديا مهما مكنه من إنشاء معسكراته المستقلة في أفغانستان‬
‫وإدارة الحركة ومتابعة نشاطه في مصر ‪...‬‬
‫• كان خلصة البرنامج الستراتيجي لتنظيم الجهاد المصري هو العتماد على‬
‫إحداث انقلب عسكري يقوم به ضباط أعضاء في التنظيم كان قد زرعهم في‬
‫الجيش المصري منذ أيام أنور السادات ‪ .‬واستمرت خلياه إلى أن قضي عليها‬
‫مع حملت العتقالت الكثيفة التي تعرض لها التنظيم فيما بعد ‪ ..‬وكانت فكرتهم‬
‫العامة كما فهمتها مشافهة من الدكتور أيمن في أكثر من جلسة خاصة ؛ هي‬
‫إحداث إنقلب تدعمه خليا عصابات كان يجري إعدادها خلل تلك الفترة ‪...‬‬
‫• بعد مقتل السادات وبسبب تداخل العلقات بين أعضاء تنظيم الجماعة‬
‫السلمية الذين نفذوا العملية و أعضاء من تنظيم جماعة الجهاد الذي كان لهم‬
‫مشاركة فيها ‪ ..‬اعتقل عدد من كوادر تنظيم الجهاد العسكريين من أبرزهم‬
‫الشهيد الرائد )عصام القمري( رحمه الله‪ ..‬ولكن تلك الضربة المنية لم تأثر‬
‫على سير عملهم السري ‪ ..‬في خليا الجيش ول خليا العمل السري المدني‪..‬‬
‫• بعد سياسة التصفية التي اتبعتها وزارة الداخلية المصرية‪ ..‬ولسيما في عهد‬
‫وزيرها المجرم )زكي بدر( ‪ ,‬ضد تنظيم الجماعة السلمية شبه العلني الذي‬
‫كان قد اعتمد إستراتجية الدعوة المفتوحة و الثورة الشعبية متأثرا بأسلوب‬
‫الثورة اليرانية ‪ ,‬قرر تنظيم الجماعة السلمية الرد على استفزازات الدولة‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 719 [ ‬‬

‫وسياسة )الضرب في سويداء القلب( كما عبر عنها )زكي بدر(‪ ..‬عن طريق‬
‫اغتيالت رؤوس النظام مقابل اغتيالت الدولة لرؤوس الجماعة‪ ..‬وقرر تنظيم‬
‫الجهاد الذي تشترك قيادته مع قيادة الجماعة السلمية بالتواجد في‬
‫بيشاور)باكستان( والوليات الحدودية في أفغانستان في تلك الفترة من الجهاد‬
‫الفغاني ‪ ..‬قرر المساهمة في المواجهة نصرة لهم متجاوزا البرنامج السري‬
‫في العداد والتخطيط لنقلب عسكري ‪ ,‬ظنا منهم أن من الممكن أن يسير‬
‫هذا البرنامج التكتيكي إلى جانب ذلك البرنامج استراتيجي ‪..‬‬
‫أدى اعتقال أحد العناصر المدنية من تنظيم الجهاد السري إلى اعتقال أحد‬ ‫•‬
‫الضباط من أعضاء التنظيم العسكري ‪ ,‬وجر هذا العتقال تدريجيا إلى معظم‬
‫الكوادر العسكرية للتنظيم ‪ .‬وبدأ النهيار في تنظيم الداخل )في مصر( ‪ ..‬وذلك‬
‫فيما أذكر أواخر )‪ (1989‬أو أوائل )‪..(1990‬‬
‫تتابعت الكارثة وتلقي التنظيم ضربتين أمنيتين بعد ذلك و أودت إحداهما بنحو)‬ ‫•‬
‫‪ 900‬معتقل( من التنظيم السري المدني والتالية بنحو)‪ 600‬معتقل( ‪..‬كانوا‬
‫يشكلون معظم القاعدة الشبابية للتنظيم داخل مصر والتي كان قد تم إعدادها‬
‫على أعلى المستويات خلل مرحلة الجهاد الفغاني‪..‬‬
‫غادرت قيادة تنظيم الجهاد إلى السودان برفقة الشيخ أسامة بن لدن ونخبة‬ ‫•‬
‫قيادته وكوادره‪ .‬على أثر نجاح السلميين بالنقلب الذي أوصل الترابي والبشير‬
‫إلى السلطة ‪ ..‬وابتدأ تنظيم الجهاد العمل من جديد في ظروف مواتية جدا‬
‫نتيجة وجودهم على الحدود الجنوبية الطويلة لمصر مع السودان ‪ ..‬وكان ذلك‬
‫بدعم وترتيب مع الحكومة الجديدة في السودان وأجهزة استخباراتها ‪ ..‬وكذلك‬
‫فعلت الجماعة السلمية ‪ ..‬وافتتح التنظيم معسكرا وعددا من القواعد له في‬
‫الخرطوم وبدأ بإعادة ترتيب أوراقة بدعم وتمويل من الشيخ أسامة كما عرف‬
‫ذلك و اشتهر فيما بعد ‪ ..‬وكان الهدف إسقاط نظام حسني مبارك وإقامة‬
‫حكومة إسلمية في مصر‪ ,‬حكومة تقلب التوازن الستراتيجي مع كل أنواع‬
‫العداء في منطقة الشرق الوسط ‪..‬‬
‫عصفت أعاصير السياسة بهذا البرنامج ‪ ..‬وقلبت القيادة السودانية ظهر المجن‬ ‫•‬
‫للجهاديين فيها‪ ,‬وابتدأت بالخوة الليبيين ثم المصريين ثم الباقين بمن فيهم‬
‫الشيخ أسامة الذي وقف معهم منذ انطلقتهم موقفا بطوليا وجريئا‪ ,‬وساعدهم‬
‫في إعادة تسليح الجيش‪.‬وبناء القتصاد‪..‬ولكنهم خانوا الوفاء ونكثوا العهود‪..‬‬
‫أدت هذه الضربة إلى تدمير ما كان قد بني من جديد من برنامجهم في‬ ‫•‬
‫مصر‪..‬وأجبرت الحكومة السودانية الشيخ أسامة على وقف تمويل برنامج‬
‫العمل في مصر‪..‬ثم ضغطت على الجميع وانتهت بطردهم‪.‬‬
‫لحق الدكتور أيمن ومن تبقى من كوادره‪ ..‬بالشيخ أسامة بأفغانستان في ظل‬ ‫•‬
‫طالبان بعد عدة رحلت من التشريد في عدد من البلدان خلل )‪-1996‬‬
‫‪.. (1998‬وآثر عدد آخر ممن تبقى من الكوادر والخليا النتظار في دول‬
‫الشتات المختلفة ‪..‬‬
‫عاود تنظيم الجهاد وتنظيم القاعدة تجربة التعاون والبناء في مجالت التمويل‬ ‫•‬
‫والتدريب ‪ .‬ولكن الشيخ أسامة كان قد توصل إلى قناعة راسخة بتوحيد التجاه‬
‫في مجال مواجهة أمريكا ‪ ,‬فيما بقي تنظيم الجهاد كغيره من التنظيمات على‬
‫)تطلعاته القطرية وأسلوب السري ومنهجه الفكري الجهادي(‪..‬‬
‫وقع الدكتور أيمن على بيان الشيخ أسامة بإعلن )الجبهة العالمية لتحرير‬ ‫•‬
‫المقدسات(‪ ,‬أواخر سنة)‪ (1997‬فيما نأت الجماعة السلمية بنفسها بعيدا عن‬
‫ذلك ‪ .‬وسرعان ما بدأ تنظيم الجهاد يدفع ثمن ذلك التوقيع في مواجهات‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 720 [ ‬‬

‫الحملت المنية المريكية العالمية على الرهاب ‪ ..‬وبدأت تتساقط كوادره‬


‫وعناصره المتناثرة في مختلف دول العالم ‪ ..‬واختطف العديد منهم من دول‬
‫مختلفة وسلموا إلى مصر‪..‬من تايلند‪ ..‬إلى ألبانيا‪..‬إلى أذربيجان ‪..‬إلى المارات‬
‫العربية‪ ..‬غيرها‪ .‬فيما أعتقل بعض أعضائهم في دول أخرى لم تسلمهم وأودعوا‬
‫السجون فيها كما في بريطانيا ‪..‬‬
‫• استمر الدكتور أيمن بعزيمته الفريدة ‪ ,‬وصبره الدؤوب مع من تبقى من كوادر‬
‫بمتابعة المحاولة ولم يستلم للمر الواقع الذي فرضه النظام العالمي الجديد‪,‬‬
‫والذي جعل المحاولت الجهادية القطرية السرية الهرمية‪ ..‬خارج التاريخ عمليا‪..‬‬
‫• افتتح التنظيم معسكرا خاصا به ‪ ..‬واستقطب من تبقى من كوادره وحاول‬
‫الستئناف ‪ ..‬ولكن الظروف والمعطيات عامة ولسيما المنية منها ‪ ,‬حيث‬
‫عصفت العتقالت بالتنظيم في الخارج ‪ ..‬جعلت الشيخ الدكتور أيمن الظواهري‬
‫يقتنع بالتجاه المتاح للجهاد والعمل في أفغانستان مع الشيخ أسامة بن لدن‬
‫في حربه مع أمريكا لسباب واقعية لقناعات سياسية و ميدانية بدأت تتشكل‬
‫عنده ‪ ..‬وقد تابعت هذا التحول معه بنفسي وتحدثت معه عن ملبساته طويل‬
‫قبيل أحداث سبتمبر بقليل ‪ ..‬وربما أعرض لشيء من تفاصيل ذلك في الكتاب‬
‫الذي سأفرده لتاريخ الفغان العرب في مرحلة طالبان إن شاء الله وليس هنا‬
‫مكان هذه التفاصيل‪..‬‬
‫• أعلن الدكتور أيمن بيعته للشيخ أسامة بن لدن وضم تنظيم الجهاد لتنظيم‬
‫القاعدة أواسط سنة)‪ (2001‬رسميا‪..‬مما أدى لنشقاق الحفنة من الرجال‬
‫الذين تبقوا معه من الكوادر في أفغانستان إلى فريقين‪ ..‬فريق وافقه على هذا‬
‫التوجه‪ ..‬وفريق أصر على متابعة الجهد في برامج العمل لقامة حكومة إسلمية‬
‫في مصر على أنقاض حكومة حسني مبارك عن طريق الجهاد بالسلوب القديم‬
‫‪..‬واعتبروا حّله للتنظيم غير مشروع وأن مهمة المير إدارة التنظيم وليس حله‬
‫وإلحاقه بتنظيم آخر‪ ..‬وقاد هذا الفريق الخ أبو السمح )ثروت صلح شحاتة( ‪.‬‬
‫وهو محامي من الكوادر القديمة في التنظيم ومن قدماء الفغان العرب أيضا‪..‬‬
‫• لم تمهل أحداث سبتمبر كل الجناحين كي يمضي بعيدا في برامجه وطموحاته ‪.‬‬
‫وسرعان ما اجتمع كل من تبقى من الفغان العرب في معركة المصير والدفاع‬
‫عن النفس وعن المارة التي كان القدر قد رسم ظروف سقوطها ‪ ..‬واستشهد‬
‫معظم من تبقى من الكوادر في تلك المعارك وتحرك الدكتور أيمن الظواهري‬
‫بعد أن بذل وسعه واستشهدت زوجته وابنه الوحيد محمد وطفلته الرضيعة‬
‫رحمهم الله‪ ..‬خلل هجمات القصف الوحشي التي قام بها الطيران‬
‫المريكي‪..‬واستقر مع الشيخ أسامة في مخبئهم المتنقل ‪ -‬حفظهم الله ‪-‬‬
‫ليتابعوا مسار الجهاد والتحريض كما هو مشهود ‪ ..‬وسارت كوكبة أخرى مع‬
‫الستاذ )ثروت شحاته( على دروب الهجرة والتشريد مرة أخرى لتستقر في‬
‫سجون إيران كما أعلنت ذلك وسائل العلم ‪.‬‬
‫• وكانت هذه خلصة المسار الحركي لتنظيم الجهاد الذي تابعة الدكتور أيمن في‬
‫خارج مصر‪ .‬ول أدري إن كان ثمة براعم له لعل الله يكتب له النمو واستئناف‬
‫المسار والمد في مصر مع السائرين‪..‬‬
‫• أما عن الهوية الفكرية لتنظيم الجهاد المصري ‪ .‬فمن خلل العرض السابق ‪,‬‬
‫ربما يمكن القول بأن التنظيم قد انتهى حركيا‪ .‬ولد أواسط الستينات وانتهى في‬
‫أخدود سبتمبر )‪. (2001‬‬
‫ولكن من الهمية بمكان ‪ ,‬أن نذكر أن المدرسة الفكرية لتنظيم الجهاد تبقى البرز‬
‫والهم والرسخ في هذا القرن الخير ‪ ..‬فقد بدأت بمكتبة سيد قطب رحمه الله ‪..‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 721 [ ‬‬

‫والتي تضم أساسيات الفكر الجهادي المعاصر ‪ ..‬ثم كان لتنظيم الجهاد في مرحلة‬
‫الجهاد الفغاني أثناء نشاطه في بيشاور إنتاج أدبي ثر و مهم ‪ ,‬كان من أهمه ‪ ..‬كتاب‬
‫)العمدة في إعداد العدة( ‪ ..‬للشيخ عبد القادر بن عبد العزيز‪ ..‬وكتابه القيم الخر‬
‫) الجامع في طلب العلم الشريف (‪ .‬والذي أخرج التنظيم نسخة معدلة منه باسم‬
‫)الهادي إلى سبيل الرشاد( ‪ ,‬وكذلك سلسلة من النشرات الهامة التي أصدرها تباعا‬
‫في بيشاور خلل الفترة)‪ .(1992-1988‬بالضافة لعدد من التسجيلت الصوتية‬
‫والمرئية للدكتور أيمن الظواهري ‪ -‬حفظه الله ‪ -‬ول تأتي أهمية الدور الفكري‬
‫والمنهجي لتنظيم الجهاد المصري من أهمية مكتبته فقط وإنما من كونها صارت‬
‫أساسا فكريا ومنهجيا لغلبية التنظيمات والتجمعات ومعظم الفراد في التيار الجهادي‬
‫منذ مطلع التسعينات وإلى اليوم ‪ .‬وصار عليها مدار كافة ما كتب فيما بعد من النتاج‬
‫الفكري و العلمي لمختلف شرائح التيار الجهادي والفغان العرب‪ ..‬وكذلك لما عرف‬
‫باسم )السلفية الجهادية( أو غيرها من المدارس الجهادية في العصر الحديث ‪.‬‬
‫فجزاهم الله كل خير وتقبل منهم بفضله وكرمه‪ . .‬كما كان للكوادر العسكرية الولى‬
‫لتنظيم الجهاد المصري في ساحة الجهاد الفغاني ومجموعة الكوادر العسكرية‬
‫والمدربين الفذاذ الذي عملوا في ساحة الجهاد العربي في أفغانستان في شوطه‬
‫الول) ‪( 1992-1986‬والثاني)‪ .( 2001-1996‬دور ترك بصماته الهامة ضمن مجموع‬
‫الجهود العسكرية والميدانية لكوادر الجهاد العربي في أفغانستان‪ .‬سواء من خلل ما‬
‫تركوه من تراث مكتوب في مجلت العداد العسكري والحركي ‪ .‬أو من خلل الجهود‬
‫العملية في تدريب الجهاديين من الجنسيات الخرى والكثير من الكوادر التي تخرجت‬
‫على أيديهم وأيدي أقرانهم ‪ ,‬ومن ثم تابعت العطاء من بعدهم ‪ .‬فجزاهم الله عن‬
‫السلم والمسلمين خير الجزاء وتقبل منهم أحسن ما عملوا إنه ‪ .‬سميع مجيب‪.‬‬
‫وأما على الصعيد الشخصي فقد عرفت تجربة جماعة الجهاد عن كثب ‪ ,‬و ربطتني‬
‫بمعظم قياداتها ممن حضر أفغانستان علقات أخوة وصداقات حميمة ‪ ,‬بالضافة‬
‫لعلقات العمل والتعاون في ميادين عديدة ‪ .‬بدءا بالدكتور أيمن الظواهري وانتهاء‬
‫بمعظمهم ‪ .‬وقد رأيت فيهم نماذج فذة للمجاهدين العقائديين الصابرين الفرارين‬
‫بدينهم ‪ .‬فرحمهم الله وأجزل مثوبتهم ‪.‬وعلى الصعيد الفكري فإني ممتن جدا للفضل‬
‫الكبير الذي نالني على الصعيد الفكري باحتكاكي بهم وتعرفي عليهم ‪ .‬ول أنسى أن‬
‫أسجل شكري وتحيتي للشيخ الدكتور عبد القادر بن عبد العزيز) سيد إمام الشريف (‬
‫مفتي جماعة الجهاد وعالمها وأميرها في مرحلة أفغانستان ‪ ,‬فقد تركت كتبه ومعرفته‬
‫ومحاوراتي معه في نفسي وفكري بالغ الثر ‪ ,‬فرج الله عنه ‪ .‬وكذلك الدكتور المجاهد‬
‫والنموذج الفذ ‪..‬الشيخ أيمن الظواهري حفظه الله ‪ ,‬فقد أثر بي كمفكر وكاتب‬
‫وكقدوة رائعة حفظه الله‪ ..‬وغيرهما كثير ‪ .‬وأكثرهم قضى نحبه نسأل الله أن يجمعني‬
‫بهم في الرفيق العلى ‪..‬‬

‫‪ -3‬التجربة الجهادية في سوريا‪:(1983-1965( :‬‬


‫• يعود تأسيس التجربة الجهادية في سوريا إلى الشيخ مروان حديد رحمه‬
‫الله ‪ .‬والذي كان قد تربى في الخوان المسلمين‪ .‬وأثناء دراسته للهندسة‬
‫الزراعية في مصر‪ ,‬تأثر بأفكار سيد قطب رحمه الله ‪ .‬وعاد إلى سوريا‬
‫ممتلئا حماسا فيما كان حزب البعث العلماني القومي الشتراكي قد استولى‬
‫على السلطة ‪ ..‬فنشط عبر المساجد في مدينة )حماة( بالخطابة والمر‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ,‬والدعوة لتحكيم الشريعة واعتقل مرارا ‪..‬وفي‬
‫سنة )‪ (1965‬داهمت قوات الحكومة عليهم أحد المساجد و اشتبك مع عدد‬
‫من تلمذته في صدام مسلح مع السلطة ‪ ,‬فاستشهد عدد منهم ‪ ,‬وأعتقل‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 722 [ ‬‬

‫الشيخ وآخرون وحكم عليهم بالعدام ‪ .‬ثم اضطر رئيس الدولة آنذاك‬
‫الرئيس )أمين الحافظ( إلى الفراج عنهم تحت ضغط العلماء في سوريا‬
‫وعلى رأسهم الشيخ محمد الحامد رحمه الله ‪.‬‬
‫كان الشيخ مروان قد تنبه إلى أن مواجهة كبرى مع النظام البعثي ل بد‬ ‫•‬
‫آتية‪..‬وأنذر مبكرا من مشروع طائفي نصيري قادم‪ .‬ولما لم يستطع إقناع‬
‫الخوان المسلمين بالعداد للمواجهة ‪,‬توجه بنفسه وتلميذه للعداد من خلل‬
‫العمل المسلح مع منظمة التحرير الفلسطينية من خلل الفصيل السلمي‬
‫فيها‪.‬وتمكن من إعداد النخبة الجهادية الولى لتنظيمه الجهادي ‪.‬‬
‫سنة )‪ (1970‬قام حافظ السد والمجموعة النصيرية العلوية في الجيش‬ ‫•‬
‫وحزب البعث بانقلب أبيض دعي بس )الحركة التصحيحية( ‪ ..‬وهكذا قفزت‬
‫الطائفة النصيرية من غلة الشيعة الباطنية للمواجهة لتتولى السلطة جهارا‬
‫نهارا وتحكم المسلمين في سوريا ‪,‬تماما كما كان قد حذر منه الشيخ مروان‬
‫رحمه الله‪..‬‬
‫وعاد الشيخ مروان حديد رحمه الله للتحرك للمواجهة من جديد‪ ,‬وسعى مع‬ ‫•‬
‫قيادة شطري تنظيم الخوان المسلمين في سوريا الذين كانوا قد انقسموا‬
‫خلل تلك المدة ‪ ,‬من أجل السعي في توحيدهم على مشروع مواجهة‬
‫النظام‪ .‬ولكن كل الجناحين ‪ ,‬التابع للتنظيم الدولي برئاسة )الشيخ عبد الفتاح‬
‫أبو غدة( رحمه الله ‪ ,‬ونائبه )عدنان سعيد الدين( ‪ ,‬وكذلك لجناح الخر‬
‫بزعامة )عصام العطار( ‪ ,‬اتفقا ‪ -‬رغم إختلفهما الكبير ‪-‬على رفض مشروع‬
‫العداد للمواجهة وآثرا الستمرار في منهجهما الدعوي السلمي ‪.‬‬
‫ولما اقتنع الشيخ مروان حديد رحمه الله ‪ ,‬بعدم إمكانية إقناع الخوان‬ ‫•‬
‫المسلمين بالمواجهة ‪ ,‬شكل تنظيمه الخاص الذي أسماه )الطليعة المقاتلة‬
‫لحزب الله( ‪ .‬وكون له ثلث نويات رئيسيه في مدينته )حماة( مسقط‬
‫رأسه‪ ,‬وميدان حركته الرئيسي ‪ .‬وفي )حلب( ثاني أهم مدن سوريا ‪ .‬وفي‬
‫العاصمة )دمشق( ‪ .‬حيث إنتقل إليها مختفيا من أجل العداد للمواجهة مع‬
‫النصيرية ‪..‬‬
‫طرد الخوان المسلمون مروان من تنظيمهم مع مجموعة ممن تأثروا‬ ‫•‬
‫بأفكاره الثورية الجهادية‪ .‬وحاولوا كبح جماحه ‪ .‬ولكنه تابع تجنيد أنصار له‬
‫معظمهم من شباب الخوان وقال قولته الشهيرة ‪) :‬لن أخرجني‬
‫الخوان من الباب ‪ ,‬لدخلن عليهم من الشباك ‪ ,‬ولجرنهم‬
‫للجهاد‪ , (..‬وهذا ما حصل فعل‪..‬‬
‫اعتقل الشيخ مروان حديد سنة )‪ (1970‬بعد اشتباك مسلح مع المخابرات‬ ‫•‬
‫في مخبئه في دمشق ‪.‬ومكث في السجن إلى سنة )‪ (1975‬حيث فقد نصف‬
‫وزنه تحت التعذيب ‪.‬ثم أعدم بحقنة سامة في السجن كما روي آنذاك ‪.‬‬
‫ودفن رحمه الله ‪ ,‬وغيب قبره ولم يسمح لهله أن يعلنوا له جنازة ‪.‬‬
‫آلت قيادة تنظيم الطليعة المقاتلة إلى تلمذته ‪ .‬وتسلم المارة من بعده‬ ‫•‬
‫الشهيد عبد الستار الزعيم رحمه الله ‪ .‬واتخذت الطليعة خطة سرية‬
‫للمواجهة عبر الغتيالت النوعية لرؤوس الدولة من كبار النصيرية ‪ .‬ونفذوا‬
‫ذلك خلل العوام )‪ , (1979-1975‬ولم تستطع الدولة أن تتعرف على‬
‫هويتهم إل في آخر تلك المدة بالتعاون مع المخابرات الردنية ‪.‬‬
‫أعلنت الطليعة الجهاد على النظام في سوريا صيف )‪ (1979‬في شهر‬ ‫•‬
‫شعبان )‪ (1399‬وأعلنت عن نفسها باسمها الجديد )الطليعة المقاتلة للخوان‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 723 [ ‬‬

‫المسلمين( ‪ ,‬وابتدأت حرب عصابات مدن على مستوى القطر السوري‬


‫بكامله‪.‬‬
‫أعلن الخوان المسلمون )الجناح الرئيسي المرتبط بالتنظيم الدولي( ابتداء‬ ‫•‬
‫براء تة من تلك المواجهة ‪ .‬وطالب بلجان تحقيق تثبت عدم علقتهم‬
‫بالحداث‪ .‬في حين تبنى عصام العطار المواجهة ونسبها إليه‪ .‬ونشر أرقام‬
‫حساباته البنكية لجمع التبرعات ‪ ..‬للجهاد طبعا ‪ ..‬من ألمانيا!!‬
‫اضطرب نظام حافظ أسد تحت وقع الضربات العسكرية للمجاهدين من‬ ‫•‬
‫الطليعة ‪ ,‬وقرر مواجهة وتصفية كافة فصائل الخوان المسلمين‪ ,‬ومن ثم‬
‫طور المواجهة لتشمل كافة طيف الصحوة السلمية ‪ .‬بل وكافة الشريحة‬
‫المتدينة في البلد ‪ ..‬واتخذت المواجهة شكل حرب بين أهل السنة وهم‬
‫جمهور المسلمين في سوريا وبين القلية )النصيرية( التي تدعى بالطائفة‬
‫)العلوية( كما سماهم الفرنسيون أيام الحتلل‪ ,‬ليلبسوا أمرهم على الناس‪.‬‬
‫نتيجة انتصارات المجاهدين من جهة نتيجة ‪ ,‬والطمع في قطف الثمرة حملة‬ ‫•‬
‫حافظ أسد عليهم من جهة أخرى ‪.‬أعلن الخوان المسلمون دخولهم الحرب‬
‫ضد النظام أواخر )‪ (1979‬بعد عدة أشهر من اندلعها ‪ .‬وتبنوا المواجهة‬
‫وراحوا يعملون على الستيلء على قيادتها والستحواذ عليها من الطليعة ‪.‬‬
‫ولعبت سياستهم تلك الدور الرئيسي ‪ -‬وإن لم يكن الوحيد ‪ -‬في إجهاض‬
‫الجهاد المسلح ضد النظام في سوريا ‪...‬‬
‫نتيجة أسباب داخلية ونتيجة سياسة الخوان‪ .‬ونتيجة الضربات المنية للحكومة‬ ‫•‬
‫التي نجحت باستعادة زمام المبادرة ‪ ..‬تقهقرت الطليعة المقاتلة‪ .‬وصفي‬
‫معظم كوادرها قتل وسجنا‪ ...‬واضطر من تبقى منها للخروج إلى دول الجوار‪.‬‬
‫حيث فتحت حكومتا العراق والردن ‪ ,‬المناوئتين للنظام السوري آنذاك‬
‫البواب للمعارضين السوريين من كل مكونات الطيف السياسي ‪.‬‬
‫إستطاع الخوان المسلمون بقيادة عدنان سعيد الدين الستحواذ على قيادة‬ ‫•‬
‫الثورة الجهادية في سوريا وجر من تبقى من الطليعة وكذلك تنظيم عصام‬
‫العطار‪ ,‬بالضافة إلى شريحة كبيرة من جماعات العلماء في سوريا على‬
‫النضواء تحت قيادتهم منذ)‪.. (1980‬‬
‫قاد الخوان المسلمون مسيرة الفشل السياسي والعسكري الشامل للثورة‬ ‫•‬
‫الجهادية في سوريا ‪ ,‬إلى أن تم إجهاضها في مواجهات حماة )‪(1982‬‬
‫الدامية‪ ..‬حيث قضي على الجهزة العسكرية لكافة الفرقاء ‪ ,‬وتكبد‬
‫المسلمون خسائر تجاوزت )‪ (50.000‬قتيل في أشهر عمليات إبادة جماعية‬
‫ارتكبتها حكومة عربية في القرن العشرين ‪..‬‬
‫وهكذا انتهت التجربة الجهادية السورية التي تمثل أهم وأطوال تجربة مواجهة‬ ‫•‬
‫للتيار الجهادي المسلح ضد حكومات الردة في العالم العربي والسلمي‪.‬‬
‫وقد يسر الله للعبد الفقير كاتب هذا الكتاب أن يؤرخ لتلك المرحلة الهامة ‪,‬‬ ‫•‬
‫خلل فترة )‪ .. (1985-1975‬وذلك في الكتاب الذي كان بعنوان )الثورة‬
‫السلمية الجهادية في سوريا آلم آمال ( وقد كتبته خلل )‪,(1987-1985‬‬
‫ونشر في بيشاور أواخر)‪ .(1990‬ويحتوي تسجيل وافيا لتلك التجربة‪.‬‬
‫وقد يسر الله لي مواكبة تلك المرحلة حيث كنت قد التحقت بتنظيم الطليعة‬ ‫•‬
‫المقاتلة مطلع سنة ‪ , 1980‬ثم وبعد خروجي من سوريا آخر ذلك العام‬
‫‪,‬التحقت بتنظيم الخوان المسلمين في سوريا والذي استقر في الردن‬
‫وعملت في الجهاز العسكري للتنظيم ‪ ,‬وكنت خلل أحداث انتفاضة حماة‬
‫‪ , 1982‬واحدا من أعضاء القيادة العسكرية لتنظيم الخوان المسلمين الذي‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 724 [ ‬‬

‫تشكل في بغداد ‪ ,‬من كوادر الجهاز العسكري – الذين كنت واحدا منهم –‬
‫ومن القيادة السياسية العليا للخوان السوريين ‪ .‬مما مكنني من الطلع على‬
‫خفايا سير تلك الحداث وأسباب هزيمتنا فيها ‪ ,‬وهو ما سجلت تاريخه وخلصة‬
‫دروسه في كتابي آنف الذكر ‪.‬‬

‫‪ -4‬حركة الدولية السلمية في الجزائر (‪:(1976-1973‬‬


‫وهي حركة جهاد مسلحة أسسها وقادها في الجزائر الشهيد )مصطفى بويعلي(‪.‬‬
‫وقد كان رحمه الله من المجاهدين الذين شاركوا في ثورة التحرير الجزائرية سنة )‬
‫‪ , (1954‬فلما أفضت إلى الستقلل عام )‪ (1963‬وجد أن العلمانيين والشيوعيين‬
‫والشتراكيين قد غلبوا عليها وحصدوا ثمرة جهاد شعب الجزائر الذي استمر لكثر من‬
‫قرن من الزمن ‪ .‬فأسس تلك الحركة لستئناف الثورة والجهاد من أجل تحكيم شريعة‬
‫الله في الجزائر‪.‬‬
‫وقد قام بحركته في عهد الرئيس )الشاذلي بن جديد( سنة )‪ .(1973‬وقد سمعت‬
‫له بيانا مسجل موجها لرئيس الدولة يأمره فيها وينهاه ‪ .‬ويتوعده بالجهاد إن لم يحكم‬
‫الشريعة في الجزائر ‪ .‬كما سمعت له بعض الشرطة يتحدث فيها عن مبادئه الجهادية‬
‫و ينذر علماء السلطان‪ .‬ولم تطل بحركته المدة‪ ..‬إذ وقع في كمين للستخبارات‬
‫الجزائرية أثناء موعد له مع بعض تجار السلح وقتل رحمه الله سنة )‪(1976‬‬
‫واستشهد بعض أعوانه وقبض على آخرين و حوكموا وسجنوا‪..‬‬
‫وقد حاول بعض تلمذته إحياء الحركة إثر انطلق الجهاد ضد الحكومة بعد النقلب‬
‫العسكري على المسار الديمقراطي سنة )‪ ..(1991‬ودخلوا طرفا في محاولة الوحدة‬
‫الجامعة للجماعة السلمية المسلحة سنة )‪ .(1993‬قبل انشطار ها واستيلء‬
‫التكفيريين عليها كما ستأتي الشارة لذلك إن شاء الله‪.‬‬

‫‪ -5‬تجربة الجماعة السلمية مصر (‪:(2001-1975‬‬


‫و أوجز خلصة تجربتها بحسب ما حصلته من المعلومات عنها من خلل الطلع‬
‫على تراثها الدبي واحتكاكي بالعديد من روادها ومؤسسيها عبر مراحل الجهاد في‬
‫أفغانستان وخلل إقامتي في أوربا‪.‬‬
‫فقد تأسست الجماعة ونشطت في عدد من الجامعات المصرية بدءا من عام )‬
‫‪.. (1975‬إثر سياسة )السادات( بالنفتاح وإطلق المجال للجماعات السلمية ‪ ,‬بغية‬
‫الحد من نشاط التيارات السياسية اليسارية التي شهدت نموا في تلك الفترة ‪ ..‬وقد‬
‫نشأت الجماعة السلمية على منهج فرج بين الفكر الخواني والمنطلقات السلفية ‪.‬‬
‫وجعلت من تطبيق الشريعة في مصر هدف مشروعها‪ .‬وقد نحت الجماعة منحا شعبيا‬
‫من خلل تبني قيادتها للدعوة العلنية والمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ,‬وتطبيق‬
‫بعض الحسبة في بعض المجلت‪ .‬وانتشرت خليا ها عبر المساجد في مصر‪ .‬وكان‬
‫منشؤها أصل في الصعيد‪ ,‬وإليه ينتمي معظم قياداتها ‪ ..‬ولكنها امتدت إلى جامعات‬
‫الوجه البحري في شمال مصر ‪ ..‬وقد اتخذت قياداتها من الشيخ الدكتور )عمر عبد‬
‫الرحمن( أميرا عاما لها‪ ,‬لما عرف عنه‪ -‬فرج الله كربه ‪ -‬من مواقف العزيمة منذ هلك‬
‫)عبد الناصر(‪ ,‬حيث أفتى بعدم جواز الصلة عليه عنه هلكه‪ ,‬ثم عدد من المواقف‬
‫الخرى في عهد السادات‪.‬‬
‫• وإثر زيارة السادات الخيانية لسرائيل وإعلنه لتفاقيات )كامب ديفيد(‬
‫وبرنامج الصلح والتطبع مع اليهود‪..‬نحت الجماعة السلمية منحا فكريا‬
‫جهاديا‪ ,‬وصدرت عن أحد أقطابها وهو)الشهيد عبد السلم فرج(‪ ,‬أحد أهم‬
‫البحاث الجهادية في العصر الحديث‪ ,‬وهو رسالة )الفريضة الغائبة( وكانت‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 725 [ ‬‬

‫أهميته نابعة من احتوائه على أهم فتاوى الجهاد المعاصر ضد الحكومات‬


‫القائمة في البلد العربي والسلمية ومنها مصر ‪ .‬والحكم عليها بالردة‬
‫والفتاء بجهادها وقتال جنودها ورجال أمنها وقياس أحوالها على فتاوى ابن‬
‫تيمية في قتال التتار ومن كان من أعوانهم من المسلمين المكرهين أو‬
‫الجاهلين ‪ ..‬وكانت هذه الرسالة من أهم بواكير انطلق مدرسة السلفية‬
‫الجهادية المعاصرة‪.‬‬
‫• ثم ما لبثت الجماعة السلمية أن وفقت في تنفيذ العملية البطولية وأعدمت‬
‫الرئيس الخائن )أنور السادات( في حادث المنصة الشهير‪ ,‬أثناء الستعراض‬
‫العسكري السنوي سنة )‪, (1981‬عندما خرج السادات على قومه في زينته‬
‫فخسف الله به وبمنصته وأرداه قتيل‪..‬وقد قاد العملية شهيد الجماعة‬
‫السلمية وشهيد مصر والتيار الجهادي المعاصر‪ ) .‬الشهيد البطل خالد‬
‫السلمبولي رحمه الله (‪ .‬وكان ذلك ضمن برنامج انقلبي ضد الحكومة في‬
‫مصر‪ ,‬لم يقدر أن ينجح منه إل فقرة اغتيال السادات‪.‬‬
‫• وإثر تولي حسن مبارك زمام السلطة خلفا لسلفه الهالك أنور السادات ‪..‬‬
‫دخلت الجماعة السلمية في حرب استنزاف مع الحكومة المصرية التي‬
‫وضعت مخططا لتصفيتها باعتقال كوادرها واغتيال رؤوسها ‪ ..‬وافتتحت ذلك‬
‫باغتيال أحد أبرز دعاتها وهو الشهيد )علء محيي الدين( ‪ .‬وتابعت سياستها‬
‫هذه ولسيما في عهد وزير الداخلية المجرم سيء السمعة )زكي بدر(‪.‬‬
‫وهكذا قررت قيادة الجماعة السلمية دخول حرب استنزاف وتصفيات‬
‫واغتيال مع الحكومة التي بدأت حملت العتقال في صفوفها ‪.‬‬
‫• وجدت قيادة الجماعة السلمية في مصر في الجهاد الفغاني ضد الروس ساحة‬
‫ممتازة‪ ,‬وفرصة ساحة لتدريب كوادرها والمتداد و التنظيم ‪ ..‬فكان لها حضورا‬
‫بارزا في مدينة بيشاور في باكستان‪ ,‬وفي المعسكرات والجبهات العربية في‬
‫أفغانستان‪ .‬وكان من أبرز الحاضرين من قياداتها في أفغانستان الشيخ )عمر‬
‫عبد الرحمن( والشيخ )رفاعي طه( والخ طلعت )فؤاد قاسم( فرج الله عنهم‬
‫جميعا ‪ ,‬والخ )محمد السلمبولي( – أخو الشهيد خالد قاتل فرعون مصر‪-‬‬
‫والخ مصطفى حمزة ‪ ..‬وغيرهم‪ .‬وقد قدمت الجماعة السلمية بمصر كوكبة‬
‫من خيرة أبنائها وكوادرها شهداء في معركة السلم من خلل الجهاد العربي‬
‫في أفغانستان ‪.‬‬
‫• إثر العواصف المنية التي هبت على أفغانستان وباكستان بإيعاز من أمريكا بعيد‬
‫سقوط النظام الشيوعي في كابل‪ .‬شاركت المخابرات المصرية بشكل كبير في‬
‫الحملة المنية على الفغان العرب بالتعاون مع المخابرات الباكستانية‪ .‬وخرج‬
‫معظم قيادات وقواعد الجماعة السلمية المصرية إلى السودان بناء على دعوة‬
‫وتسهيلت من حكومة النقاذ برئاسة عمر البشير وجماعة الدكتور حسن‬
‫الترابي التي فتحت المجال وسعت لستيعاب العرب في السودان‪ .‬وكان على‬
‫رأسهم الشيخ أسامة بن لدن والجماعتين المصريين المسلحتين ‪ .‬جماعة‬
‫الجهاد ‪ ,‬والجماعة السلمية ‪ .‬حيث وعدتهم بفتح المجال لهم للعمل من خلل‬
‫حدودها الشمالية مع مصر ‪ ..‬وفعل بدأت الجماعة العمل الميداني من هناك ‪ ,‬ثم‬
‫حصل لها ما حصل لجماعة الجهاد والخرين وطلب منهم الرحيل تحت تهديد‬
‫السلح من قبل المن السوداني لما قرر) الزوال الشاوس( تغيير سياستهم‬
‫والركوع للسياسة المريكية وتابعتها المصرية ‪ ..‬وتفرق قيادات الجماعة‬
‫السلمية في عدد من البلدان وتوجه أكثرهم لليمن‪..‬وتحت المطاردات وحملت‬
‫إلغاء الملذات المنة ‪ ,‬توجه البارزون منهم إلى إيران ‪ ,‬ويمم بعضهم شطر‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 726 [ ‬‬

‫الملذات المنة تحت ستائر اللجوء السياسي في أوربا ‪ ..‬فكان من أبرز من‬
‫توجه إلى إيران الشيخ )رفاعي طه( ‪ ..‬والشيخ مصطفى حمزة ‪,‬والشيخ محمد‬
‫شوقي السلمبولي وآخرين ‪ ..‬في حين كان من أبرز من توجه إلى أوربا ‪ ,‬أبو‬
‫طلل ‪ -‬طلعت فؤاد قاسم‪ -‬الذي استقر في الدانمرك‪ .‬وأسامة رشدي عضو‬
‫مجلس شورى الجماعة ‪ ..‬وذلك أواخر )‪..(1995‬‬
‫• وكانت الجماعة السلمية بمصر على علقة طيبة مع التيار الخميني في‬
‫الحكومة اليرانية بحكم عن موقفها الخاص المختلف عن موقف كافة طيف‬
‫التيار الجهادي من الحكومة اليرانية ‪ .‬فأثنت على تجربتها الثورية )السلمية(‬
‫وإطرائها في بعض أدبياتها ‪ ,‬كما دأب بعض مسؤولوها ومنهم الدكتور عمر عبد‬
‫الرحمن فرج الله عنه ‪,‬على حضور بعض المؤتمرات التي تنظمها حكومة إيران‬
‫هنا وهناك‪ ..‬فوفر لهم هذا جسرا لملذ آ من هناك في فترة العواصف العاتية‬
‫تلك ‪.‬‬
‫• ورغم أن معظم إن لم يكن كافة البارزين من قيادات ورموز التيار الجهادي‬
‫وكوادره ‪ ,‬وكثير من قواعده البشرية بدأت هجرة شبه جماعة إلى أفغانستان‬
‫‪.‬عبر ما اصطلحت عليه باسم )الشوط الثاني للفغان العرب( خلل الفترة )‬
‫‪ , (2001-1996‬إل أن القيادات البارزة للجماعة السلمية التي استوطنت‬
‫إيران آثرت البقاء هناك ‪.‬والتميز بموقف واضح يختلف عن التجاه العام للتيار‬
‫الجهادي من أفغانستان و كان من أبرز ملمح ذلك الموقف ‪:‬‬
‫‪ .1‬عدم تأييد طالبان صراحة ‪ ..‬وعدم النخراط في دعمهم ضد تحالف الشمال المكون‬
‫من قدماء زعماء الجهاد الفغاني‪ .‬بل والحذر من الستدراج نحو أفغانستان ‪.‬‬
‫‪ .2‬نأت الجماعة السلمية بنفسها بكل وضوح عبر وسائل إعلمها ولسيما موقعها‬
‫الناشط على النترنت عن توجهات بن لدن في حربه المشرعة مع المريكان على‬
‫عكس ما فعلته جماعة الجهاد بقيادة الدكتور أيمن الظواهري ‪ .‬ولما نوهت القاعدة‬
‫بتعاون الجماعة معها ‪ ,‬نفت الجماعة ذلك في بيان صرح مفندة ذلك الدعاء‪.‬‬
‫‪ .3‬تبنت الجماعة مبدأ وقف الدعوة للمواجهة المسلحة مع الحكومات ‪ ,‬وأعلنت‬
‫)مبادرة لوقف العنف في مصر ضد الحكومة المصرية من طرف واحد( ‪..‬وهذا‬
‫الموضوع يستأهل الوقوف معه لنه نحى بالجماعة في اتجاه آخر خرج بها عن‬
‫مسار التيار الجهادي كله‪ ,‬وترك عليه آثارا تتعدى خصوصيات الجماعة ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 727 [ ‬‬

‫الجماعة السلمية بمصر و مبادرتها لوقف العنف من طرف واحد مع‬


‫الحكومة المصرية‪:‬‬
‫• تميزت الجماعة السلمية بمصر عن عموم التيار الجهادي بفوارق فكرية‬
‫هامة انعكست فيما بعد على مسارها ‪.‬وكان من أهم تلك الفوارق ‪:‬‬
‫• تبنيها فكرا يمكن اعتباره وسطا بين فكر )الصحوة عامة( وفكر )التيار‬
‫الجهادي( من حيث مسائل الحاكمية‪ .‬فقد أعلنوا عن قناعتهم بردة الحاكم‬
‫العلى في بلدان المسلمين التي تحكم بغير ما أنزل الله ‪ ,‬ومنها مصر‬
‫واقتصروا في حكم الردة على شخصه ولم يجاوزه إلى نظامه ‪ .‬وبالتالي لم‬
‫يستبيحوا القتال ضد أعوانه شرعا إل دفاعا عن النفس‪..‬‬
‫• تبنى الجماعة مبدأ الشورى الملزمة وطريقة القيادة الجماعية ‪ ,‬واتخذوا من‬
‫شخص الدكتور عمر عبد الرحمن أميرا اعتباريا ورمزا للجماعة ‪.‬‬
‫كما تجاوزوا إشكالية شرعية في شروط )المارة الشرعية( مما فتح بابا‬ ‫•‬
‫للجدل الطويل العريض بينهم وبين جماعة الجهاد في مصر وشرائح أخرى‬
‫من التيار الجهادي منذ مطلع التسعينات في أفغانستان‪ .‬وهي تبنيهم لمبدأ‬
‫)صحة ولية السير(‪ ,‬كما كان حال الشيخ المجاهد الفاضل الدكتور عمر عبد‬
‫الرحمن في أمريكا‪ -‬فرج الله عنه‪ -‬كما اعتبروا قاداتهم التاريخيين السرى‬
‫في سجون مصر قيادات فاعلة تشارك في القرار الذي تبنى مبدأ الشورى‬
‫الملزمة ‪ .‬و لست هنا بصدد المناقشة الشرعية للمبدأ وإنما التاريخ بدد‬
‫تسجيل ‪ ,‬لذكر دور هذه المرتكزات الفكرية والمنهجية في مسار الجماعة‬
‫فيما بعد منذ أواسط التسعينات ‪..‬‬
‫باستثناء هذه الشكالين أكاد ل أجد فوارق منهجية رئيسية أخرى )من الناحية النظرية(‬
‫لمنهج الجماعة السلمية بمصر عن باقي مدارس التيار الجهادي ‪ .‬من حيث فكرهم‬
‫السلفي الجهادي ورفضهم بل تكفيرهم )لمنهج الديمقراطية( في العمل السلمي ‪.‬‬
‫مع عذر من مارسها من السلميين بالتأويل أو سوى ذلك ‪ ..‬إلى آخر مكونات الفكر‬
‫الهادي المعاصر ‪..‬‬
‫ولكن هذه الشكاليات المنهجية أوقعت الجماعة التي كانت قد دخلت الصراع فعليا مع‬
‫الحكومة المصرية في إشكاليات عملية‪ ,‬لما وجد أعضاء جهازها العسكري أنفسهم‬
‫أمام المتطلبات الفقهية لمعركة استنزاف هجومية دفاعية في ساحة الصدام مع‬
‫النظام المصري ورجال أمنه واستخباراته‪ ..‬هذا من جهة ‪ ,‬ومن جهة مهمة أخرى ‪.‬‬
‫وجدوا قياداتهم تتكون عمليا من ثلث أجنحة رئيسية هي ‪:‬‬
‫‪ .1‬القيادات السيرة في مصر والتي اصطلحوا على تسميتها )بالقيادات التاريخية (‪.‬‬
‫‪ .2‬القيادات السياسية المطاردة في الخارج في المهاجر و الملذات المنة‪.‬‬
‫‪ .3‬قيادات الجهاز العسكري للجماعة سواء داخل أو خارج مصر والتي تخوض مواجهة‬
‫عسكرية دامية مع نظام حسني مبارك ‪ ،‬وسرعان ما أثرت هذه التناقضات المنهجية‬
‫ذات البعاد العملية بسرعة مسار الجماعة في النصف الثاني من التسعينات وإلى‬
‫ما بعد أحداث سبتمبر كما سنرى‪ .‬فقد زاد الطين بلة أن الجناح العسكري بقيادة‬
‫الخ أبو حازم ‪ -‬مصطفى حمزة ‪ -‬قد خطط لعملية كادت تودي بالرئيس حسن‬
‫مبارك في )أديس أبابا( اغتيال أثناء مؤتمر أفريقية ‪ ..‬حيث فشلت العملية وقبض‬
‫على بعض أعضاء المجموعة وسجلوا اعترافاتهم قبل أن يعدموا رحمهم الله ‪.‬‬
‫وشكلت هذه العملية إحراجا هائل للحكومة السودانية التي دبرت الخطط ودعمت‬
‫العملية لوجيستيا من أراضيها ‪ .‬وكذلك أمام قيادة الجماعة السلمية ‪ .‬كما زادة‬
‫الطين بلة‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 728 [ ‬‬

‫اعتقال الدكتور عمر عبد الرحمن في الوليات المتحدة المريكية ‪ ,‬حيث كان قد‬
‫أتخذ قرارا خاطئا في التوجه للقامة في أمريكا بهدف الدعوة والنشاط وتوفير العلم‬
‫و الدعم المادي للجماعة ‪ .‬ثم لفقت له هناك تهم باطلة إثر الهجوم الول على برج‬
‫مبنى التجارة العالمي في نيويورك وحكم عليه بالسجن مائتي سنة ! ولم تفلح كل‬
‫محاولت التخفيف والدفاع عنه‪ ..‬ومع العلن شبه الرسمي من قبل قيادات الجماعة‬
‫السلمية على أن أميرهم العملي هو الشيخ )أبو طلل طلعت فؤاد قاسم ( الذي‬
‫استقر لجئا سياسيا في )الدانمرك( وتبنى مبدأ المواجهة إلى جانب آخرين من جناح‬
‫الصقور في الجماعة من الداعمين للجهاز العسكري بقيادة مصطفي حمزة من‬
‫السياسيين من هذا التيار وعلى رأسهم الشيخ )رفاعي طه( والشيخ)محمد‬
‫السلمبولي( وكذلك بعض الذين توجهوا لحمل راية العمل الميداني في الجهاد في‬
‫البوسنة )‪ . (1995-1994‬ولعبوا دورا مشرفا للجماعة السلمية بمصر يعتبر من‬
‫إنجازات التيار الجهادي المعاصر ‪.‬‬
‫دخل هذا الجناح المتمسك بالمواجهة مع جناح مناقض له بدأ يدعو للمهادنة ووضع‬
‫المواجهة مع الحكومة المصرية ‪ ,‬و تمثل في قيادات السجون السيرة )التاريخية(‬
‫وبعض قياداتهم في أوربا كان من أبرزهم الخ )أسامة رشدي( ‪.‬حيث ظهر ذلك‬
‫التناقض للعلن عندما رفض هذا الجناح العتراف بشرعية حادثة )القصر(‪ .‬عندما‬
‫هاجمت إحدى خليا الجماعة السلمية الناشطة في مصر مجموعة من السياح‬
‫الجانب وقتلت وجرحت منهم عشرات الشخاص ‪ ..‬حيث سارعت )القيادات التاريخية‬
‫السيرة ( وبعض قيادات أوربا وأبرزهم )أسامة رشدي( إلى إدانة هذا العمل وفاعليه‬
‫وتخطئته ‪ ,‬بل ذهب )أسامة رشدي ( إلى الهجوم الصارخ على العمل ومن يقف معه‬
‫من القيادات السياسية والعسكرية للجماعة! ودخل في مواجهة أدبية حتى مع الكبار‬
‫منهم من أساتذته من أمثال الشيخ )رفاعي طه‪ .‬فرج الله عنه( ‪.‬‬
‫وفيما أذكر فاجأت القيادات التاريخية في السجون المصرية العالم أجمع‬
‫بمشروعها الذي عرف )بمبادرة وقف العنف من طرف واحد( في مصر‪ ,‬ودعت‬
‫الحكومة المصرية إلى أن تبادلها المبادرة بإجراءات تنهي المواجهة ‪..‬‬
‫وافق طرح تلك المبادرة أوائل أيام تواجدنا في أفغانستان مع بداية )الشوط‬
‫الثاني للفغان العرب( فيها في عهد طالبان وربما كان ذلك أواخر ‪. 1997‬‬
‫وقد تابعت بنفسي مراحل وتطورات هذه المبادرة مع أبرز القيادات الحاضرة‬
‫للجماعة السلمية في أفغانستان ‪ .‬ومع بعض كبارها الذين زارونا من قادمين إيران‬
‫ومال بعضهم للقامة في أفغانستان أواسط سنة )‪ , (2000‬وكذلك مع أبرز الرموز‬
‫الجهادية الحاضرة هناك ‪ ,‬بما يمكنني من أن الحض مرا حل تلك المبادرة في نقاط‬
‫رئيسية‪:‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 729 [ ‬‬

‫‪ .1‬طرح بعض القيادات الجماعة السلمية المسجونين فيمصر منذ أحداث اغتيال‬
‫السادات‪ ,‬عن طريق محاميهم الشهير)الستاذ منتصر الزيات( مذكرة مبادرة يعلنون‬
‫فيها وقف العمل المسلح في مصر ومبادرة من جانب واحد ‪ .‬داعيين الحكومة إلى‬
‫التجاوب اليجابي معها ‪..‬وسارع إلى تأييدهم الجناح الميال لهذا التجاه من قيادات‬
‫الجماعة في أوربا وعلى رأسهم الخ )أسامة رشدي(‪..‬‬

‫‪ .2‬أربكت القيادات السياسية والعسكرية للجماعة السلمية بمصر في الخارج‬


‫ولسيما الشخصيات الرئيسية التي تتواجد في إيران وبعضها في أفغانستان‪ .‬وحصل‬
‫لغط وإبهام حول موقف القيادة الميدانية العسكرية المطاردة داخل مصر والمباشرة‬
‫للعمل العسكري ‪ ,‬وكذلك حول موقف الدكتور عمر عبد الرحمن في سجنه في أمريكا‬
‫‪ .‬ولكن قيادات الجماعة في مختلف الطراف ولسيما المعارضة للمبادرة في الخارج‬
‫اعتبروا وحدة الجماعة وعدم تمزق موقفها فوق كافة العتبارات الخرى بما فيها‬
‫المنهجية والمبدئية‪ .‬ولكن بدت ملمح الرفض للمبادرة لدى عدد من رموز الجماعة‬
‫كان من أبرزهم الشيخ رفاعي طه ‪ ,‬والخ محمد السلمبولي ومصطفى حمزة ‪..‬إل أن‬
‫الجميع أبدوا وحدة الصف والتزام رأي الغلبية كقرار موحد بعد إجراء المشاورات على‬
‫كافة الصعدة ‪ .‬ولكن البعض أعلن تجميد عضويته في مجلس شورى الجماعة لعدم‬
‫قناعته بهذا المر كما فعل الشيخ محمد شوقي السلمبولي ‪.‬‬

‫‪ .3‬كافأت الحكومة المصرية تلك المبادرة بالرفض والتصميم على متابعة المواجهة‬
‫المنية‪ .‬فاختطف القيادي البارد الشيخ أبو طلل )طلعت فؤاد قاسم ( من كرواتيا وهو‬
‫في طريقة لزيارة قيادات الجماعة العاملة في البوسنة ‪ .‬واغتيل بعض المطاردين‬
‫المختفين داخل القاهرة في شقتهم في ملبسات غامضة‪ ..‬وأعلنت أجهزة المن‬
‫والعلم المصرية ووزارة الداخلية متابعة مطاردة الجماعة وعدم تجاوبها مع المبادرة‬
‫وبقي هذا موقفها المعلن إلى أواخر سنة )‪ (2003‬حيث تجاوبت جزئيا معها كما‬
‫سيأتي‪.‬‬
‫‪ .4‬تبلور القرار الجماعي للجماعة السلمية على مستوى قيادات الداخل والخارج‬
‫على تبني المبادرة‪ .‬و لم يزد عنت الحكومة قيادات الجماعة التي انتقلت إمارتها إلى‬
‫الخ أبو حازم )مصطفى حمزة( بحسب ما بدا ‪ ,‬إل إصرارا على المبادرة ! وطورت‬
‫القيادات التاريخية) السجينة( ومن ذهب مذهبها من قيادات الخارج المؤيدة للمبادرة‬
‫موقفها إلى مستوى منهجي خطير حيث بدؤوا بإصدار بحوث شرعية ودراسات‬
‫فكرية تأطر وتنظر لما أسموه )نبذ العنف(! وبدؤوا ينتقدون ويخطئون المبادئ التي‬
‫قامت عليها أسس المواجهة الجهادية مع الحكومات القائمة على أسس الردة ‪ ,‬والتي‬
‫كانوا قد ملؤوا ساحة العمل السلمي بأدبيات جهادية قيمة لثباتها‪ ,‬تلك الدبيات التي‬
‫شغلت حيزا أساسيا من فكر التيار الجهادي مثل رسالة )الفريضة الغائبة( ودستور‬
‫الجماعة ومنهاجها )ميثاق العمل السلمي( و)العتصام( و)حتمية المواجهة(‪ ..‬ومئات‬
‫المقالت التي ملت نشراتهم الشهيرة مثل )المرابطون( وغيرها ‪.‬‬
‫فصدرت عن الجماعة السلمية كتب تحت شعار )المراجعات الفكرية( ‪ ,‬تدرجت‬
‫في التراجعات الفكرية والمنهجية لتدخل في حيز النهيار العقدي في أساسيات‬
‫الصول السياسية الشرعية للفكر الجهادي بل والسلمي الذي قامت عليه الصحوة‪.‬‬
‫فبدؤوا بالحديث عن حصانة دماء وأموال الكفار في ديارهم ‪ ,‬إلى أمانهم في ديارنا‬
‫وصول إلى الدعوة للتعاون مع الحكام في المعركة مع )إسرائيل( وفي معركة التنمية‬
‫القتصادية‪ ..‬ثم بدأ الغزل والحديث عن العودة إلى ميدان الدعوة السلمية وربما‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 730 [ ‬‬

‫المشاركة السياسية المشروعة ‪ ..‬إلى أن وصل الحد إلى التصريح باعتبار السادات‬
‫الهالك الذي تشرف أبطال الجماعة السلمية نيابة عن المة السلمية باغتياله‬
‫واعتباره شهيدا قتل ظلما ‪ ,‬بل أسماه أحدهم ) شهيد الفتنة !!(‪ .‬وقد اطلعت على‬
‫بعض ما كتب في تلك الكتب من خلل المقتطفات التي روجت لها وسائل العلم ‪,‬‬
‫وذكر بعضها المحامي )منتصر( الزيات نفسه‪..‬عن طريق تلك المنابر العلمية‬
‫الحكومية ‪..‬‬
‫وبصرف النظر عن التعليق على السباب والمسببات والعذار التي يمكن‬
‫التماسها للقيادة السيرة )فاقدة الشرعية والهلية أصل في سجونها(‪..‬أو لتلك القيادة‬
‫المطاردة المحاصرة في دائرة العجز عمليا بصرف النظر الن عن كل ذلك يمكن‬
‫القول بأن الجماعة السلمية بمصر قد تحولت نهائيا عن هويتها الفكرية ومنهجها‬
‫كجماعة من جماعات التيار الجهادي ‪..‬‬
‫وسأترك نقاش هذا المر )مبدأ المبادرة( من وجهة نظري ونظر كل الجهاديين ‪.‬‬
‫وأذكر انه كان بوسعنا في تلك الفترة أن نلتقي في ظلل طالبان ونتدارس‬
‫المر‪,‬ونسمع العذار والمبررات من أصحابها‪ ,‬حيث رفض الجميع هذه المبادرة جملة‬
‫وتفصيل ‪ ,‬مع الحتفاظ بكامل الود والحترام لخواننا وسابقتهم وفضلهم‪.‬‬

‫‪ .5‬رفضت جماعة الجهاد المصرية كما أسلفت سابقا وكافة طيف التيار الجهادي‬
‫المبادرة صراحة وعبروا عن ذلك ضمن ما أتيح من وسائل العلم المحدودة إبان‬
‫مرحلة القامة عند طالبان ‪ ,‬والتي تميزت بالنعزال عن العالم عمليا بسبب الحصار‬
‫على طالبان وبسبب سياسة طالبان العلمية المتخلفة ‪.‬‬

‫‪ .6‬أحرجت قيادات الجماعة السلمية في الخارج من تتابع النهيارات الناشئة عن‬


‫المبادرة ‪ ,‬ولكن ما كان بوسع أحدهم إل أن يعبر عن عدم موافقته الشخصية وعن‬
‫التزامه بوحدة الصف والتزام رأي قياداتهم التاريخية ! التي تشكل الثقل الساسي في‬
‫مجلس الشورى ‪..‬الذي يقرر بالغلبية في جماعة ل أمير لها عمليا ويتناثر عناصرها في‬
‫أنحاء الرض ويسيطر على قرارها السرى في مصر والسجناء نصف الحرار في‬
‫ملذات اللجوء السياسي في أوربا ‪!.‬‬

‫‪ .7‬وحصلت أحداث سبتمبر! ورحل من تبقى ونجى من أفغانستان من كوادر‬


‫الجماعة إلى حيث تيسر لهم ‪ .‬وربما أن موقف الجماعة المعلن بعيدا عن طالبان وعن‬
‫بن لدن جعلها من أقل المتضررين بالعواصف العاتية التي دمرت القاعدة والفغان‬
‫العرب ومعظم الكتلة المتبقية من التيار الجهادي كما أسلفنا ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 731 [ ‬‬

‫ثم وفي أواسط )‪ (2003‬فاجأت الحكومة المصرية العالم بتجاوبها‬ ‫‪.8‬‬


‫الجزئي مع المبادرة بعد‬
‫)‪ 6‬سنين( من إطلقها‪ .‬وبدأت بإطلق دفعات من معتقلي الجماعة السلمية‬
‫‪.‬فأخرجت عن عدة مئات بينهم )الشيخ كرم زهدي( أحد قياداتها التاريخية ثم أفرجت‬
‫عن قياديين آخرين ‪ .‬وزاد من خرج من السجن مبادرتهم بمزيد من الكتب والتأصيلت‬
‫المنهجية لنقض الغزل السابق من بعد قوة أنكاثا‪ ..‬وسمعت من بعض وسائل العلم‬
‫عن كتاب يقيمون فيه تجاربهم السابقة ‪ ,‬بعنوان )نهر الذكريات( ‪ ,‬لم يتسنى لي أن‬
‫أراه ولكني اطلعت في الصحافة على بعض المصائب التي يتلبسون بها ‪.‬ز‪ ,‬فقد‬
‫انضمت هذه الفئة إلى برنامج رامسفيلد في حرب الفكار عمليا ‪ ,‬وصاروا جزءا من‬
‫حملة أمريكا والمرتدين لمكافحة الرهاب ! ولم ينس إخوتنا التائبون من عبادة الله‬
‫بجهاد أعدائه أن يسجلوا انتقاداتهم لحداث سبتمبر وصانعيها ‪..‬و صارت مبادرة‬
‫الجماعة السلمية محل ثناء من برامج مكافحة الرهاب الفكرية التي تعج بها وسائل‬
‫العلم العربية هذه اليام ومحل استشهاد ومضرب مثل لعلماء السعودية وسواها في‬
‫مكافحة المظاهر الجهادية المتنامية في السعودية وسواها بفعل واقع الحملت‬
‫الصليبية المريكية الخيرة ‍‪..‬‬
‫ويجري الحديث من وقت لخر عن تمهيد قياداتها لطرح فكرة استئناف مسار‬
‫الدعوة العلنية سواء كمؤسسات اجتماعية أو كأحزاب سياسة قد تحصل على تراخيص‬
‫حكومية في المستقبل ‪..‬‬

‫‪ .9‬مطلع عام ‪ 2004‬التقى الرئيس المصري بالرئيس اليراني على هامش أحد‬
‫المؤتمرات الدولية في أوربا‪..‬واعتبر المراقبون ذلك مفتاح مرحلة جديدة بين‬
‫البلدين‪..‬وصرح الرئيسان بعزمهما على تطبيع العلقات التي تدهورت منذ أيام الثورة‬
‫الخمينية حيث كان الشاه قد لجأ إلى مصر‪..‬ثم ما كان من استقبال إيران لقيادات‬
‫الجماعة السلمية وإطلقها لسم الشهيد خالد السلمبولي على أحد أكبر الشوارع‬
‫الرئيسية في طهران ‪ .‬وبعد عودة خاتمي إلى بلده استجابت الحكومة اليرانية لطلب‬
‫مصر المتكرر بإلغاء تسمية ذلك الشارع باسم السلمبولي‪..‬ثم تناقلت وسائل العلم‬
‫خبر اعتزام إيران تسليم المعتقلين لديها من المصريين من الفغان العرب وأعضاء‬
‫القاعدة إلى الحكومة المصرية‪..‬ومن ثم ذكر أن بعض المعارضين المصريين المقيمين‬
‫في إيران قد سلموا لمصر فعليا ‪ ,‬وأن آخرين قد فروا لفغانستان‪..‬ول أدري صحة‬
‫الخبر ول إن كان هذا قد طال من تبقى من قيادات الجماعة هناك ولم أستطع التحقق‬
‫من ذلك ‪.‬‬
‫كان هذا خلصة تجربة وأحوال تلك التجربة الغنية للجماعة السلمية ‪ ,‬إلى تاريخ‬
‫كتاب هذه السطور أواخر سنة ‪ . 2004‬من خلل إطلعي عليها عمليا و احتكاكي‬
‫وصداقاتي مع العديد من قياداتها‪ ..‬و لو أرادت أن أختصر رأي في تلك التجربة لوجزته‬
‫في أربع نقاط‪:‬‬
‫)‪ (1‬النصاف)‪ (2‬العذر)‪ (3‬النصيحة)‪ (4‬المل‪..‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 732 [ ‬‬

‫أما للنصاف‪:‬‬
‫• فأقول أن الجماعة السلمية بمصر التي عرفتها عن قرب ‪ ,‬قد آلت إلى الزوال‬
‫مع نهايات القرن العشرين ‪ ,‬مثلها مثل معظم تجمعات وتنظيمات التيار‬
‫الجهادي التي تنتمي لحقبة )‪ . (2001-1960‬التي عملت في تلك الفترة ‪ ,‬ثم‬
‫تلشت أو انحلت أو دمرت أو تفككت من الناحية العملية ‪.‬ثم قضت تداعيات‬
‫أحداث سبتمبر على ما كان قد تبقى منها ‪ ,‬فالجماعة السلمية بمصر التي‬
‫ولدت أواسط السبعينات قد انحلت عمليا وانتهت مع انصرام القرن العشرين‬
‫وبداية عالم ما بعد سبتمبر ‪ ..‬بل لقد سبقت باقي التجمعات بالنحلل مع‬
‫إطلقها للمبادرة والمعان فيها بذلك الشكل‪ ..‬هذا من الناحية العملية ‪ .‬فأما من‬
‫الناحية الفكرية فالناطقون اليوم باسمها يعلنون فكرا ل أقول أنه مختلف فقط ‪,‬‬
‫وإنما معاكس ومحارب للفكر الذي سطروه في كتبهم التي أثرت تجربتهم في‬
‫مصر ‪,‬بل وأثر التيار الجهادي كله‪.‬‬
‫وللمانة والتاريخ يجب القول صراحة ‪ ,‬أنهم يدينون اليوم مسارهم ‪,‬‬
‫ويعتذرون عن أمجادهم ويعتبرونها خطأ ‪ ,‬ويخطون لنفسهم بذلك‬
‫مسارا ومنهجا جديدا‪..‬‬
‫وأما من الناحية التنظيمية‪ ..‬فالتنظيم قد تلشى و تشظى ‪ ,‬فمعظم‬
‫قياداته قد قتلوا رحمهم الله‪,‬أو أسروا وانقطعت أخبارهم فرج الله‬
‫عنهم ‪..‬وأما قواعدهم البشرية فقد انحلت وانتهت ‪.‬‬
‫الشيء الوحيد المتبقي هو بعض الكوادر و القيادات التاريخية التي تخرج من السجون‬
‫الصغيرة إلى السجن الكبير المسّيج بحدود مصر التي رسمتها سيكس بيكو ‪ .‬حيث‬
‫يطرحون – نتمنى لهم السداد والتوفيق‪ -‬فكرا و مشاريع جديدة ‪ ,‬ل يربطها بالجماعة‬
‫السلمية التي نعرفها إل السم‪ ..‬هذا إن حافظوا عليه وما أظنهم بفاعلين ‪ ..‬فإن من‬
‫شروط الطاغوت بحسب تجربتنا )كصحوة إسلمية( على من يريد الستمرار أن‬
‫ينفصل عن كل شيء حتى عن اسمه ويطلبون تغييره ‪ .‬كما حصل في تجربة تركيا‬
‫وتونس و الجزائر وسواها ‪ ..‬هذه هي النقطة الولى من النصاف ‪..‬‬
‫• أما النقطة الثانية فهي تقديري و احترامي الكبير لتجربتهم‪ ..‬فقد عرفت الكثير‬
‫من قيادات وكوادر هذا التنظيم‪ .‬والحق يقال‪ ,‬فإنهم من أفضل التنظيمات‬
‫الجهادية دينا وخلقا وسلوكا وإعدادا وتربية ‪ ,‬فهم من التنظيمات التي تعبت على‬
‫عناصرها بالتربية ‪ ..‬وأما منهجهم قبل المبادرة فهو‪ -‬رغم اختلفي معهم في‬
‫بعض الختيارات السياسية الشرعية‪ -‬من أفضل المناهج التي طرحت في التيار‬
‫الجهادي وأكثرها تأصيل ‪ ..‬ولم أسجل عليهم في سابق تجربتهم من مأخذ إل‬
‫تنكبهم في بعض الحالت لصول منهجهم نتيجة بعض الحسابات التنظيمية‬
‫والمصالح الحبية التي ظنوها كغيرهم من التنظيمات آنذاك‪ .‬كما حصل من‬
‫بعضهم إزاء مسألة الجهاد في الجزائر وتأييدهم للديمقراطية ‪ ,‬ومسألة عدم‬
‫وقوفهم إلى جانب طالبان إل في المرحلة المتأخرة جدا‪ ,‬حيث عاجل سبتمبر‬
‫‪2001‬الجميع‪..‬‬
‫وأما تجربتهم الدعوية و التنظيمية والعسكرية في مصر‪ ,‬وكذلك تراثهم وإنتاجهم‬
‫العلمي ‪ ,‬فكذلك كانت من أروع وأطول وأغنى تجارب التيار الجهادي المعاصرة‬
‫سواء في داخل مصر أو في خارجها‪ .‬وكذلك دورهم و مساهماتهم القيمة النوعية في‬
‫أفغانستان ضد الشيوعية ‪ ,‬وفي البوسنة في دفع الصائل عن المسلمين‪..‬‬
‫وأما على الصعيد الشخصي فقد ربطتني بالعديد من قياداتهم وقواعدهم علقات أخوة‬
‫وصداقة ومسار طريق جهاد وهجرة وجيرة مسكن‪ ..‬فكانوا مثال للخوة الصدقاء‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 733 [ ‬‬

‫والجيران الوفياء‪ .‬وفعل كما قال المام ابن القيم وهو يرد بعض الراء على المام أبو‬
‫إسماعيل الهروي في كتاب مدارج السالكين ‪ ,‬أقول‪) :‬لول أن حق الحق أوجب‬
‫من حق الخلق لكان في المساك فسحة و متسع ( ‪.‬‬
‫وأسأل الله أن يتقبل منهم أحسن ما عملوا ويتجاوز عما كان من كان من تقصير‬
‫وصفف وزلل‪ ,‬هو من طبع عمل ابن آدم ‪ ,‬إنه هو الغفور الرحيم‪.‬‬

‫وأما العذر فيما أحدثوه من المبادرة دون موافقتهم عليها ‪:‬‬


‫فأقول بأن التضحيات التي قدمتها هذه الجماعة عبر تاريخها هي تضحيات جسام‬
‫بكل المقاييس ‪ ,‬من الشهداء و المعتقلين والمطاردين‪ ,‬ومن الذين ذاقوا البلء في‬
‫سبيل الله‪ ,‬والله حسيبهم‪ .‬ولقد أسر معظم قيادات وقواعد التنظيم‪ .‬فقد أعتقل ما‬
‫يزيد على )‪ (%90‬من قياداتهم البارزة في الصف الول ‪ ,‬منهم ولم ينج مهاجرا للخارج‬
‫إل القليل ‪ .‬و أعتقل من قواعدهم وأنصارهم عشرات اللف ولم ينج للخارج إل رهط‬
‫قليل أيضا ‪ ..‬فتحول التنظيم عمليا إلى تنظيم مأسور بمعظم قياداته وقواعده‪ .‬وقد‬
‫صبر المعتقلون لعقدين كاملين من الزمن‪ ,‬منذ قتل السادات )‪ (1981‬إلى نهاية‬
‫القرن العشرين ‪ .‬لعل جهازهم العسكري في الداخل أو من نجى إلى الخارج‬
‫يستطيعون تحقيق شيء ‪ ..‬ولكن الظروف العامة التي أحاطت بمواجهات التيار‬
‫الجهادي مع أنظمة الردة ومن وراءها من القوى الدولية وعلى رأسها أمريكا وحلفاءها‬
‫في الناتو فيما عرف بالمواجهة العالمية للرهاب ‪ ..‬لم تكن لتسمح لهم أو لغيرهم‬
‫بالنتاج النوعي أو بتحقيق شيء من النتصار ‪..‬‬
‫كما أن الشارع المصري ‪ ,‬مثله مثل عموم الشارع العربي والسلمي قد خذلهم‬
‫كما خذل التيار الجهادي في أكثر المكنة ‪ ,‬نتيجة عوامل كثيرة‪ ,‬مردها للفساد العام ‪,‬‬
‫ولعجز الصحوة السلمية وتيهها في دروب السياسة وإعراض قادتها عن الجهاد‪ ..‬و‬
‫للنحطاط المريع لعلماء المسلمين في هذا الزمان نحو دروب النفاق أو جحور العجز‪!.‬‬
‫فلم يتجاوب الشارع المصري كغيره في هذا المواجهة بل جر عمليا إما للوقف‬
‫في صف الدولة أو للنخراط في اللمبالة وقف المجاهدون وحيدين في الساحة‬
‫‪..‬ليقتل المئات ويأسر عشرات اللف ويطارد من هاجر‪ ..‬ولتخرب البيوت وترمل‬
‫النساء ويشرد الطفال وتتفكك السر تحت طائلة الفقر والعوز والحاجة والتشتت ‪.‬‬
‫وأعتقد أن ما تعرض له قيادات الجماعة وقواعدها من التعذيب البدني والنفسي‬
‫في سجون مصر ذات التاريخ السود العريق في مواجهة الصحوة أمنيا و فكريا‬
‫وإعلميا‪ ,‬بالضافة للدور الخبيث الذي لعبه علماء السلطان في مناظراتهم معهم‬
‫بإشراف أجهزة أمن الدولة‪ ..‬كان له بالغ الثر في قرارهم الكارثي الذي دعي بس‬
‫)مبادرة وقف العنف(‪..‬‬
‫فهو في الحقيقة مبادرة و قرار من مجموعة سجناء أسرى ‪ ..‬فاقدي الرادة ل‬
‫إعتبار لقراراتهم ول لرائهم و فتاويهم ل شرعا ول عقل‪..‬‬
‫فصاحب مثل هذه المبادرات قد يكون معذورا فيما يضل به أو يضل به الناس ‪ ,‬إن‬
‫تحققت له شروط الكراه ‪ ,‬ونقدنا هو لمبدأ المبادرة وفحواها‪ ,‬وليس لجميع السجناء‬
‫من أصحابها ‪ ..‬فالمبدأ مرفوض جملة وتفصيل ‪ .‬والخوة معذورون إجمال والله أعلم‪..‬‬
‫على خلف غير المأسورين منهم من الذين تولوا كبر هذا النحراف من ملذاتهم في‬
‫أوربا ‪ .‬وحتى ما أحدثوه بعد خروجهم من السجن فإني أتناوله بنفس المنظور‬
‫والطريقة ؛ رفض النحراف وعذر المنحرف المكره منهم إكراها حقيقيا‪ .‬فهم مازالوا‬
‫سجناء داخل السجن الكبير ) مصر( في داخل سور حدودها‪ .‬والتي يحيط بها وبغيرها‬
‫اليوم سجن أكبر في عالم ما بعد سبتمبر في كل أنحاء الرض بإشراف أمريكا‪ .‬ونسأل‬
‫الله الثبات على الحق والعزيمة على الرشد‪.‬‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 734 [ ‬‬

‫وأما المل ‪:‬‬


‫ففي أن يخرج ممن تبقى من هذه الجماعة و أصلب هؤلء المجاهدين و من‬
‫أتباعهم من يكمل المسار؛ مسار الجهاد والمقاومة فيما نستقبل من أيام لحمل الراية‪,‬‬
‫ومن يكمل المسيرة في أرض الكنانة أهم قلع المواجهة في بلد المسلمين مع هذه‬
‫الحملت الصليبية اليهودية الزاحفة ‪..‬‬
‫وأما النصيحة ‪:‬‬
‫لخوتنا هؤلء ‪ ,‬ولكل من ينجرف ليسقط في مثل هذه المنزلقات والهاويات التي‬
‫ينصبها الطغاة وأعوانهم وفقهاؤهم على طريق السائرين إلى الله اليوم‪..‬فأوجز‬
‫القول‪..‬‬
‫يقول الله تعالى‪:‬‬
‫فت ْن َ ُ َ‬
‫ن‬ ‫ع ْ‬ ‫م َ‬ ‫دوك ُ ْ‬ ‫حّتى ي َُر ّ‬ ‫م َ‬ ‫قات ُِلون َك ُ ْ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ول ي ََزاُلو َ‬ ‫ل َ‬ ‫قت ْ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ة أك ْب َُر ِ‬ ‫وال ْ ِ‬ ‫‪َ ‬‬
‫فأول َئ ِكَ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫فٌر َ‬ ‫و كا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬‫ت َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه في َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ن ِدين ِ ِ‬ ‫ع ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْك ْ‬ ‫ددْ ِ‬ ‫ن ي َْرت َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫عوا َ‬ ‫ست َطا ُ‬ ‫نا ْ‬ ‫م إِ ِ‬ ‫ِدين ِك ُ ْ‬
‫َ‬ ‫وأول َئ ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫واْل ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫ها َ‬ ‫في َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ر ُ‬ ‫ب الّنا ِ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ة َ‬ ‫خَر ِ‬ ‫في الدّن َْيا َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫مال ُ ُ‬ ‫ع َ‬ ‫تأ ْ‬ ‫حب ِطَ ْ‬ ‫َ‬
‫‪ ) ‬البقرة ‪. ( 217‬‬
‫ويقول عز وجل‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫قت ِ َ‬ ‫و ُ‬ ‫تأ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ن َ‬ ‫فإ ِ ْ‬ ‫لأ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ه الّر ُ‬ ‫قب ْل ِ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫قدْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫سو ٌ‬ ‫مدٌ إ ِّل َر ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ما ُ‬ ‫و َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫شْيئا ً‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه َ‬ ‫ضّر الل َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫فل ْ‬ ‫ه َ‬ ‫قب َي ْ ِ‬ ‫ع ِ‬ ‫على َ‬ ‫ب َ‬ ‫قل ِ ْ‬ ‫ن ي َن ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫قاب ِك ْ‬ ‫ع َ‬ ‫على أ ْ‬ ‫م َ‬ ‫قل َب ْت ُ ْ‬ ‫ان ْ َ‬
‫ه ك َِتابا ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ن ل ِن َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ِ‬ ‫ت إ ِل ب ِإ ِذْ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫سأ ْ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ما كا َ‬ ‫و َ‬ ‫ن* َ‬ ‫ري َ‬ ‫شاك ِ ِ‬ ‫زي الل ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫سي َ ْ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫ها‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ْ‬
‫ؤ‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫ة‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫خ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫وا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫ْ‬ ‫د‬ ‫ر‬ ‫ُ‬
‫َ َ َ ْ ِ‬‫ي‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ها‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ْ‬
‫ؤ‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫يا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ّ‬ ‫د‬ ‫ال‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫وا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫ْ‬ ‫د‬ ‫ر‬‫َ َ ْ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ً‬ ‫ل‬ ‫ج‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ؤ‬ ‫م‬ ‫ُ‬
‫هُنوا‬ ‫و َ‬ ‫ما‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫ر‬ ‫ثي‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫يو‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ه‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫شاكرين * وك َأ َ‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫زي‬ ‫ج‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫س‬ ‫و‬
‫َ َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ ُ ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ ِ ّ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ َ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن‬ ‫ري‬
‫ّ ِ ِ َ‬ ‫ب‬ ‫صا‬ ‫ال‬ ‫ب‬ ‫ّ‬ ‫ح‬
‫ِ‬ ‫ي‬
‫ُ ُ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وال‬ ‫َ‬ ‫نوا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ما‬ ‫َ َ‬ ‫و‬ ‫فوا‬ ‫ُ‬ ‫ع‬
‫ُ‬ ‫ض‬ ‫َ‬ ‫ما‬ ‫َ َ‬ ‫و‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ل‬ ‫َ ِ ِ‬ ‫بي‬ ‫س‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫م‬‫ما أ َ َ ُ ْ‬
‫ه‬ ‫ب‬ ‫صا‬ ‫لِ َ‬
‫َ‬ ‫سَرا َ‬ ‫َ‬ ‫قالوا َرب َّنا ا ْ‬ ‫ُ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬ ‫ما َ‬
‫رَنا‬ ‫م ِ‬ ‫في أ ْ‬ ‫فَنا ِ‬ ‫وإ ِ ْ‬ ‫فْر لَنا ذُُنوب ََنا َ‬ ‫غ ِ‬ ‫م إ ِل أ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ول ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫كا َ‬ ‫و َ‬ ‫* َ‬
‫َ‬
‫ب الدّن َْيا‬ ‫وا َ‬ ‫ه ثَ َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫فآَتا ُ‬ ‫ن* َ‬ ‫ري َ‬ ‫ف ِ‬ ‫كا ِ‬ ‫وم ِ ال ْ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫عَلى ال ْ َ‬ ‫صْرَنا َ‬ ‫وان ْ ُ‬ ‫مَنا َ‬ ‫دا َ‬ ‫ق َ‬ ‫تأ ْ‬ ‫وث َب ّ ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫إ‬ ‫نوا‬ ‫م‬ ‫آ‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ها‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫يا‬ ‫*‬ ‫ن‬ ‫ني‬ ‫س‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ب‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وال‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫خ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ب‬ ‫وا‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫ن‬ ‫س‬ ‫ح‬ ‫و‬
‫ِ ْ‬ ‫ِ َ َ ُ‬ ‫َ ّ َ‬ ‫ُ ْ ِ ِ َ‬ ‫ُ ُ ِ ّ‬ ‫ِ َ ِ َ‬ ‫َ ُ ْ َ َ ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ل‬ ‫َ ِ‬ ‫ب‬ ‫*‬ ‫ن‬ ‫ِ ِ َ‬ ‫ري‬ ‫س‬ ‫خا‬ ‫َ‬ ‫بوا‬ ‫َ ْ ِ ُ‬ ‫ل‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫م‬ ‫ِ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ب‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫ْ‬ ‫أ‬ ‫لى‬ ‫ع‬ ‫ْ َ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫دو‬ ‫َ ُ ّ‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫روا‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫عوا ال ّ ِ‬ ‫طي ُ‬ ‫تُ ِ‬
‫ن ‪ ) ‬آل عمران ‪. (144/150‬‬ ‫ري َ‬ ‫ص ِ‬ ‫خي ُْر الّنا ِ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬ ‫م َ‬ ‫ولك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫سبحان الله العظيم‪ ..‬كان هذا القرآن قد نزل لنا و فينا ‪ ...‬و يقول صلى الله عليه‬
‫وسلم فيما روى البخاري ‪:‬‬
‫)عن خباب بن الرت قال شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة قلنا له أل تستنصر لنا أل‬
‫تدعو الله لنا قال ثم كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الرض فيجعل‬
‫فيه‪ ,‬فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين ‪ ,‬وما يصده ذلك‬
‫عن دينه ‪ ,‬ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب ‪ .‬وما‬
‫يصده ذلك عن دينه والله ليتمن هذا المر حتى يسير الراكب من صنعاء‬
‫إلى حضرموت ل يخاف إل الله أو الذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون ( ‪.‬‬
‫صد ق رسول الله‪ .‬وكأن الحديث يتكلم عن بعض مجاهدي هذا الزمن‪..‬نسأل الله‬
‫العافية ‪.‬‬
‫وأظن أن في كلم الله ‪ ,‬وقول نبيه صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬ما يكفي من العظة‬
‫والنصيحة‪..‬‬
‫فلقد كان مقبول من إخواننا هؤلء ‪,‬إذ شعروا أنهم قد أحيط بهم ‪,‬‬
‫وأنهم ل طاقة لهم بالمتابعة‪ ..‬أن يستسلموا ويرفعوا الراية البيضاء‪..‬‬
‫ويعلنوا التوقف عن مواجهتهم للنظام المصري‪..‬وأن يطلبوا الهدنة أو‬
‫الصلح بشروط تناسب حالهم‪ ..‬وكن ليس من حقهم ول من حق أحد أن‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 735 [ ‬‬

‫ينقض المنهج ذاته ‪ ,‬و أن ينقض الغزل من بعد قوة أنكاثا‪ ..‬فهو ليس‬
‫غزله ول غزل أبيه وأمه ! وإنما غزل المسلمين ‪ ,‬وغزل التيار الجهادي‬
‫العريق بأكمله ‪ ,‬و تراث سلف من آلف وآلف الشهداء والصابرين الذين‬
‫لقوا ربهم وهم على ذلك في مصر وخارج مصر‪.‬‬
‫وكما روي عن إمام أهل السنة أحمد بن حنبل عندما سعى إليه بعض‬
‫المشفقين عليه ‪ ,‬ليجيب المعتصم في المحنة تقية لكف البلء عن نفسه‬
‫ويذكره بعياله ‪ ,‬فقال ‪ :‬إن كان هذا عقلك يا أبا فلن فقد استرحت ‪,‬‬
‫وأشار إلى جمهرة من الناس وطلب العلم ينتظرون على باب سجنه‬
‫ليكتبوا ماذا يفتي ‪ ,‬وقال له ‪ :‬أأنجو بنفسي وأضل هؤلء ؟! ولم يجوز‬
‫رحمه الله التقية لمن كان رأسا متبعا في الدين ‪..‬وكان يقول‪ :‬ل تقية‬
‫إل بالسيف ‪.‬‬
‫أما أن يتحول المستسلم تحت أي اجتهاد أو ذريعة كانت ‪ -‬نسال‬
‫الله العافية – إلى وسيلة في أيدي الطواغيت وأجهزة إعلم العداء في‬
‫الداخل والخارج ليخذل الذين مازالوا سائرين على درب الجهاد‬
‫والمقاومة ‪.‬بل ويسبهم وينقد منهجهم بتزوير الكتاب والسنة ‪ ,‬فاللهم ل‬
‫‪ ,‬ول كرامة هنا لحد ‪.‬‬
‫فأقل المطلوب من إخواننا هؤلء ومن ألجئ إلى مثل حالهم ‪ ,‬إذ‬
‫انسحبوا من القافلة ‪ ,‬أن يمسكوا ألسنتهم ولتسعهم بيوتهم وليبكوا‬
‫على خطيئاتهم ‪ ,‬وليسألوا الله للثابتين الثبات ‪ ,‬ولنفسهم فرصة ثانية‬
‫تعوض ما فات ‪.‬‬
‫ونسأل الله أن يغفر لهم و يثبتهم على الحق ويبعث منهم ومن‬
‫أتباعهم وإخوانهم من يرفع راية الحق ويعود بالراية إلى عزتها ومكانتها‪.‬‬
‫أما عن تجربتي وصحبتي للخوة من هذه الجماعة ‪ ,‬خلل مرحلتي الجهاد في‬
‫أفغانستان ‪ ,‬وفي لندن مابين ذلك ‪ .‬فقد مكنتني من التعرف على نماذج رائعة من‬
‫المجاهدين في هذا الزمان ‪ ,‬وقد ربطني بالعديد منهم من مختلف المستويات علقات‬
‫أخوة وصداقة‪..‬فكانوا نعم الخوة الصادقين والجيران الوفياء ‪.‬‬
‫وكما أسلفت الملحظ على كوادر هذه الجماعة حسن التربية والتكوين لعضائها‬
‫ومتانة الخوة والرابطة فيما بينهم بالحق وحتى بالباطل أحيانا ! وقد قدر لي أن‬
‫أتعرف علي العديد من شيوخ هذه الجماعة وكوادرها مثل الشيخ المجاهد العالم‬
‫القدوة عمر عبد الرحمن فرج الله كربته وفك أسره ‪ .‬والشيخ أبو ياسر ) رفاعي طه(‬
‫فك الله أسره‪ .‬والشيخ مصطفي حمزة ‪ ,‬والشيخ أحمد شوقي السلمبولي‬
‫وغيرهم ‪.. ,‬حفظهم الله تعالى وغيرهم‪..‬وكانت فرصة لمعرفة نماذج للمجاهدين‬
‫القدوة العاملين ‪.‬فرحم الله من لقاه وجمعنا بهم في عليين‪ ,‬وحفظ من بقي ونفع بهم‬
‫دينه وأهل طاعته‪.‬‬

‫‪ -6‬المحاولت الجهادية في تونس إعتبارا من النصف الثاني من‬


‫الثمانينات‪:‬‬
‫يعود ميلد الصحوة السلمية بشكلها المعاصر في تونس إلى أواسط السبعينات ‪,‬‬
‫حيث أسس الشيخ )راشد الغنوشي( وعدد من السلميين الخرين من رفاقه حركة‬
‫عرفت باسم )التجاه السلمي في تونس( وبدأت كغيرها من ظواهر الصحوة‬
‫السلمية في تلك الفترة على أسس قريبة جدا من فكر الخوان المسلمين‪ ,‬بالضافة‬
‫لمسحة تونسية خاصة بحكم جذور الصحوة السلمية في تونس‪..‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 736 [ ‬‬

‫وقد اشتمل التجاه السلمي في تونس على محاور فكرية متعددة كان بعضها‬
‫دعوي و بعضها سياسي و بعضها تربوي ‪ ,‬وبعضها جهادي مثله الشيخ الدكتور) صالح‬
‫كرر( حفظه الله وفرج كرباته وتقبل منه ‪..‬‬
‫دخلت حركة التجاه السلمي معتركات سياسية كثيرة مع نظام رئيسها السابق‬
‫)الحبيب بورقيبة(‪ ,‬وسجن قادها وأوقفت صحفها وخطر نشاطها أكثر من مرة ‪..‬‬
‫وأخذت في آخر أيامها باتجاه الخيار الديمقراطي والصراع مع السلطة عبر‬
‫النتخابات ‪ ..‬في حين كان لجهازها السري العسكري الخاص المتكون من عدد من‬
‫الضباط في مختلف صنوف السلحة في الجيش التونسي برنامجا للعداد لنقلب‬
‫عسكري يحمل السلميين وإلى السلطة بحسب ما كانوا يتصورون‪..‬و يمثل هذا‬
‫البرنامج التجربة الهم لمحاولة جهادية جادة في تونس للطاحة بنظام الحكم القائم‬
‫هناك ‪) .‬وهذه التجربة وإن كان ل يمكن اعتبارها إحدى تجارب التيار الجهادي بسبب‬
‫الهوية الفكرية لجماعة الغنوشي ‪ ..‬إل أني سأعرض لنبذة عن تلك المحاولة في هذه‬
‫الفقرة على إعتبار أن القائمين عليها من الخوة الضباط كانوا يحملون فكرا جهاديا‬
‫أقرب إلى فكر التيار الجهادي من قربه إلى فكر الحركة العام ذي الطابع السياسي‬
‫المختلط ‪..‬وهذا ما تبين لي بعد تعرفي على بعضهم عن قرب (‪.‬‬
‫• إلى جانب التجاه السلمي كان هناك بعض الخليا الصغيرة لم تجاوز الحاد‬
‫في حدود علمي من الشباب الذي حمل الفكر الجهادي السلفي ‪ ..‬وقد قاموا‬
‫بعدد من العمليات البدائية البسيطة الغضة التجربة‪ ,‬مما أدى إلى استشهاد‬
‫بعضهم واعتقال الخرين وفرار بعض الحاد إلى خارج تونس‪ ,‬وكان من بينهم‬
‫الشيخ )علي الزرق( ‪ -‬رحمه الله – الذي أفتاهم بالجهاد ومشروعية‬
‫استهداف الدولة وهيا كلها‪ ,‬وقد فر الشيخ إثر فشل تلك المحاولة‬
‫إلى السعودية ‪ -‬التي أعادت تسليمه إلى تونس أواسط الثمانينات‬
‫حيث أعدم رحمه الله وقد جاوز السبعين من عمرة وهو يردد‬
‫الشهادتين ويكبر في أحد سجون تونس‪ -‬كما روى لي بعض من‬
‫عاصر تلك المحاولة من الخوة التونسيين‪..‬‬
‫أما عن محاولة النقلب لجماعة التجاه السلمي أو ما عرف فيما بعد باسم )حزب‬
‫النهضة( بزعامة الشيخ راشد الغنوشي ‪ ,‬فخلصتها كما بلغتني مشافهة من بعض الذين‬
‫خططوا لها وأشرفوا عليها من أولئك الخوة الضباط كما يلي‪:‬‬
‫• بصرف النظر عن الخلط والخبط المنهجي الذي طبع حركة التجاه السلمي‬
‫والطبقة الولى من قياداتها منذ نشأتها ‪ .‬إل أن بداياتها انطبعت بالفكر الثوري‬
‫النقلبي والجرأة وسعة الفق السياسي ‪ ,‬وهي صورة للتركيبة الفكرية‬
‫والنفسية للشيخ )راشد الغنوشي( ‪..‬‬
‫• كان للحركة تصورا مؤسساتيا طموحا ‪ ,‬عني بتأسيس الكوادر والهياكل‬
‫التنظيمية لتنظيم يطمح إلى إسقاط نظام حكم ووراثته على كافة الصعد ‪.‬‬
‫ولذلك كان للحركة برنامجها في شتى المجالت السياسية والتربوية و‬
‫القتصادية والعلمية ‪ ..‬الخ وكان من بين تلك الجهزة التي أنشأتها‪ ,‬الجهاز‬
‫العسكري للحركة‪.‬‬
‫• قام مخطط الجهاز العسكري أساسا على زرع عدد من الضباط المتطوعين‬
‫في الجيش التونسي في أقسام السلحة الثلثة البرية والجوية والبحرية ‪..‬‬
‫وعلى تجنيد من استطاعوا من الضباط ذوي الميول السلمية في الجيش ‪..‬‬
‫وبصرف النظر عن التفاصيل الفرعية فقد كان التنظيم محكما وشديد التخفي‬
‫في جيش علماني يحظر على عناصره اللتزام بالدين ويراقب حتى همسات‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 737 [ ‬‬

‫المصلين و تسبيحات المؤمنين ‪ ,‬ويعتبرها شبهة تؤدي على القل بصاحبها إلى‬
‫الطرد من الجيش ‪.‬‬
‫• التزم الضباط الشباب من أعضاء هذا الجهاز بالغ السرية بناء على فتاوى‬
‫تحصل عليها من فقهاء التنظيم ومن استفتاهم بسلوك يخفي أي إشارة إلى‬
‫التزامهم الديني ‪ ..‬فكانوا يصلون سرا ‪ ..‬بل إذا حضرتهم الصلة في أوقات‬
‫الدروس والتدريبات ‪ ,‬صلوا إيماءا‪..‬و كانوا ل يصومون إل إذا تمكنوا سرا‪ ,‬بل‬
‫وصل المر في التخفي إلى اكتفائهم بلباس الحشمة لنسائهم مع الترخص في‬
‫كشف غطاء الرأس للضرورة التي كانوا فيها !!‬
‫ثم مضى التنظيم على مدى نحو عشر سنوات وفق مخططه الذي كان يقوم‬
‫على فكرة النقلب العسكري أساسا للطاحة بالسلطة ‪..‬‬
‫ووفق ما رواه لي أحد أصدقائي من الضباط الذين أشرفوا على العداد‬ ‫•‬
‫للنقلب ‪ ,‬فقد كان البرنامج محكما وطموحا ) وتفاصيله المفصلة الن عند‬
‫العداء بما يسمح بذكر بعضها للفادة ( ‪ ,‬واستطاع أن يقيم صلت بدول‬
‫مجاورة وينسق برنامجه على مستوى عال‪ ..‬وكان وقت التنفيذ إن لم تفتني‬
‫الذاكرة في عام )‪ ..(1986‬بعد أن كانت حكومة بورقيبة قد أطاحت بفوز‬
‫التجاه السلمي ‪..‬عبر تزوير النتخابات بعد فوزهم في مراحلها الولى بصورة‬
‫أدهشت المراقبين لما يعرف عن المجتمع التونسي من التحلل من‬
‫اللتزام ‪..‬وانتشار مذاهب العلمانيين وأتباع خطوات الفرنسة والتغريب فيه ‪.‬‬
‫ولكن بدا في تونس أيضا أن روح الصالة والتعاطف مع الدين السلمي والثقة‬
‫في مشروعه السياسي طبعت و ما تزال تطبع جميع المجتمعات العربية‬
‫والسلمية بل استثناء‪.‬‬
‫• وبحسب الرواة ذوي العلقة ‪ ..‬فقد أدى الضعف والتردد لدى أستاذ جامعي من‬
‫القسم المدني في التنظيم والذي كان على صلة مع قيادة الضباط النقلبيين‬
‫إلى كشف المحاولة قبيل تنفيذه بمقت وجيز ‪ .‬فسارع وزير الداخلية في حينها‬
‫وهو الرئيس الحالي )زين العابدين بن علي( ‪ ..‬إلى إنقلب سريع أبيض بالتعاون‬
‫مع المخابرات المريكية وإدارة أجهزة المن وبعض أركان النظام من‬
‫السياسيين ‪ ..‬ثم عزل بورقيبة بحجة هرمه وعجزه الصحي ‪ ,‬وتم نقله إلى قصر‬
‫معزول ليكمل بقية هذيانه وخرفه هناك حتى هلك‪ .‬وكان قد اعتقل معظم‬
‫النقلبيين وفر من تمكن من الفرار ‪.‬‬
‫• ولن زين العابدين بن علي كان قد رتب انقلبه البديل على عجل ‪ ..‬كان‬
‫يتخوف من عمق جذور المحاولة النقلبية السلمية ‪ ,‬وأضطر إلى عقد صفقة‬
‫مع راشد الغنوشي وقياداته السياسية إتفق بموجبها على الفراج عن الضباط‬
‫الموقوفين ‪ ,‬مقابل اعتراف الجماعة بالنظام الجديد وكفها عن السعي للطاحة‬
‫بالسلطة ‪.‬‬
‫• وهكذا أفرج عن زهاء مائتي ضابط من النقلبيين السلميين الذين خرج جلهم‬
‫إلى المنافي الختيارية في عدد من الدول الوربية باللجوء السياسي ‪ ,‬كما‬
‫خرجت معظم قيادة التنظيم المدني وعلى رأسهم الشيخ راشد الغنوشي‪ .‬إلى‬
‫الدول الغربية ‪..‬‬
‫• اتجهت جماعة النهضة والشيخ راشد ذاته بعد ذلك الفشل إلى أقصى التطرف‬
‫المعاكس ‪ ,‬في المنهج السياسي و تبني الطروحات الديمقراطية ‪ ,‬أو ما‬
‫يسمونه نبذ العنف ‪,‬واتخذ الشيخ راشد من لندن منطلقا لتحركاته عبر أوروبا ‪,‬‬
‫متبنيا فكرا و مسلكا يتوافق مع المقاييس الغربية للعتدال السلمي ليس‬
‫محل تناوله هنا ‪ .‬واستهل ذلك بإصدار كتابه )الحريات السياسية في السلم( ‪,‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 738 [ ‬‬

‫الذي انتهك فيه كثيرا من مسلمات الدين السلمي بدعوى منهج النفتاح و‬
‫العتدال الذي ابتدعه وبلغ حد إنكار وإلغاء معلومات من الدين بالضرورة !‪..‬‬
‫• وهكذا تلشت المحاولة الجادة الوحيدة المعاصرة لقامة الحكم السلمي في‬
‫تونس ‪.‬‬
‫• وقبض على الشيخ )صالح كرر( في فرنسا وألزم القامة الجبرية منذ زهاء‬
‫خمسة عشر سنة ومازال فيها ‪ ,‬خشية أن يتابع تحركاته وتطلعاته الجهادية‬
‫حيث أنه كان يمثل تيارا جهاديا الجاد في جماعة التجاه السلمي في تونس‪.‬‬
‫فرج الله عنه ‪..‬‬
‫• أما على صعيد التيار الجهادي وخلياه في تونس ‪ ..‬فقد أدى وصول بعض‬
‫الشباب الجهادي التونسي إلى ساحة أفغانستان في آخر الثمانينات ومطلع‬
‫التسعينات إلى محاولة بعضهم تشكيل نواة لتجمعات جهادية ‪ ,‬فقامت محاولت‬
‫فاشلة متكررة لضم تلك المجموعات الصغيرة في تنظيم موحد على غرار ما‬
‫فعل الليبيون والجزائريون من الفغان العرب ‪ .‬وقد فشلت كل تلك المحاولت‬
‫لعدم وجود كوادر مؤهلة بين أولئك الشباب المخلين يمكن أن يقوموا بتلك‬
‫المهمة ‪..‬‬
‫وعندما انفض جمع الفغان العرب سنة ‪ ..1992‬رحل بعض المجاهدين‬ ‫•‬
‫التونسيين إلى السودان محاولين ذلك مرة أخرى دون جدوى ‪ ..‬وارتحل آخرون‬
‫منهم إلى ملذات اللجوء السياسي في أوروبا ‪ ..‬لتبقى صفة التشرذم ‪ ,‬طابعا‬
‫ملزما للجهاديين من الخوة التوانسة رغم ما توفر بينهم من العناصر المخلصة‬
‫الطيبة ‪..‬‬
‫أما الضباط السلميون في أوربا فقد أرهقتهم متطلبات الحياة في ظل الحصار و‬
‫المطاردة من النظام التونسي ‪ ,‬ومحاولت الستيعاب التي مارسها عليهم )حزب‬
‫النهضة في الخارج بزعامة الغنوشي (‪ ,‬التي وصلت إلى حد الحصار المادي‬
‫والمعنوي ‪ ..‬حتى اضطر بعضهم للرضوخ واللحاق بتنظيم الغنوشي لسباب مادية‬
‫ونفسية ‪ ..‬وبقى البعض من المصابرين الغرباء منهم منطوون على أنفسهم ل‬
‫يستطيعون حيلة و ل يهتدون سبيل مثل كثير من المستضعفين والمشردين من‬
‫الجهاديين والسلميين في أوروبا أواخر القرن العشرين‪.‬‬
‫• وعند ابتداء الشوط الثاني للفغان العرب في أفغانستان في عهد الطالبان‬
‫كان من بين المجاهدين العرب الذين يمموا وجههم شطر المارة السلمية ‪,‬‬
‫رهط من المجاهدين التونسيين كان بعضهم قد نال شرف المشاركة في‬
‫الجهاد في البوسنة ضد هجمات الصرب وحرب البادة أواسط‬
‫التسعينات ‪..‬و ابتدؤوا محاولة جديدة لنشاء تجمع جهادي خاص بهم ‪ ,‬وبدت‬
‫بعض بوادر النجاح على تلك المحاولة رغم التعثر و التشرذم ‪ ,‬وفيروس‬
‫التطرف والتكفير الذي أصاب بعض الخوة من المجاهدين التونسيين وأعاق‬
‫تلك المحاولت الواعدة ‪ ..‬واستطاع بعض الناضجين منهم أن يؤسسوا‬
‫لنفسهم معسكرا مستقل ‪ ,‬وإدارة ل بأس بمستواها متعاونين مع كوادر‬
‫الجماعات الخرى‪..‬وقدموا خدمات تدريبية جليلة للتجمع العربي في عهد‬
‫طالبان ‪.‬‬
‫• ولكن فيما كان الخوة منشغلين في مسعاهم ذلك ‪..‬كان للقدار مشيئة‬
‫أخرى‪..‬فقد دوت انفجارات الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك و‬
‫واشنطن لتصل شظاياها إلى أفغانستان كما مر معنا‪ ..‬وجاءت الحملة‬
‫الصليبية المريكية في ديسمبر )‪ ..(2001‬ليأخذ المجاهدون التوانسة‬
‫مواقعهم على خط متميز في قمم ) طورة بورة ( في جبال سليمان غربي‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 739 [ ‬‬

‫جلل أباد إلى جانب إخوانهم حيث كان كافة التواجد العربي في أفغانستان‬
‫مستهدفا بالهجوم ‪ ,‬وجاءت الخبار عن صمودهم صمود البطال في مواقعهم‬
‫إلى جانب إخوانهم في معركة الدفاع عن النفس وعن المارة السلمية ‪.‬‬
‫ورغم أن الخوة التوانسة كان هدفهم العودة بالجهاد إلى تونس ‪ ..‬وإنشاء‬ ‫•‬
‫تنظيم جهادي يجمع شملهم‪ ..‬وانصب اهتمامهم على إحياء اتصالتهم‬
‫بإخوانهم في المهجر وعلى تأمين متطلبات النهوض بذلك الجمع ‪ ..‬ورغم‬
‫أنهم لم يعيروا كبير إهتمام لمعركة الطالبان والمارة السلمية ‪ ..‬وكانوا من‬
‫المترددين في التفاعل معها كإمامة شرعية في أفغانستان نتيجة بعض‬
‫المآخذ لديهم و لهتمامهم بمشروعهم ‪ ,‬ورغم أنهم لم يقتنعوا بمحاولت‬
‫)بن لدن( والقاعدة وتوجهاتها العسكرية أحادية التجاه ‪ ..‬كما كان حال‬
‫معظم التنظيمات والتجمعات العربية في أفغانستان‪ .‬إل أن الهجمة المريكية‬
‫قد فرضت نفسها على الجميع‪..‬‬
‫وهكذا‪ ..‬أدى مجاهدو تونس واجبهم ‪ ,‬وثبتوا ثبات البطال وسقط منهم‬ ‫•‬
‫العشرات من الشهداء والسرى كغيرهم ‪ ..‬ونظرا لعددهم القليل أصل ‪,‬‬
‫وقلة من أعتقد أنه قد سلم منهم من أخدود سبتمبر‪ ..‬أعتقد أن تلك‬
‫المحاولت التونسية قد تلشت بانتظار أن يهيأ الله لتونس جيل جديدا من‬
‫المجاهدين ‪..‬فرحمة الله واسعة‪ ,‬ورحم هذه المة مازال معطاء‪..‬‬
‫وعلى الصعيد الشخصي فقد عرفت العديد من أولئك الخوة ‪ ,‬من الفغان‬ ‫•‬
‫العرب من تونس ‪ ,‬وكذلك تعرفت في أوربا للعديد من الخوة الضباط الذين‬
‫ذكرت طرفا من تجربتهم ‪..‬وكذلك كان لي العديد بهم روابط الصداقة ‪ .‬كما‬
‫قامت بيني وبين من أم أفغانستان من التوانسة روابط التعاون في ظلل‬
‫طالبان ‪..‬‬
‫وما زلت أحمل من تلك الروابط حاني الذكريات ‪..‬فرحم الله شهداءهم‬ ‫•‬
‫وفرج عن أسراهم ‪..‬وذكر أحياءهم بخير وحفظهم ‪..‬فقد كانوا مثال للطيبة‬
‫والخلص والفطرة الصافية والجد في العمل على حداثة تجربتهم وقلة‬
‫إمكانياتهم‪..‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 740 [ ‬‬

‫‪ -7‬تجربة الجماعة السلمية المقاتلة بليبيا‪(2001-1990(:‬‬


‫بحسب معلوماتي فقد كانت هناك محاولة جهادية من النويات الولى لخليا التيار‬
‫الجهادي في ليبيا ضد نظام معمر القذافي خلل النصف الثاني من الثمانينات ‪ .‬ولقد‬
‫أدي اكتشاف تلك الخليا ومطاردتها إلى خروج كوادرها الرئيسية إلى أفغانستان ‪,‬‬
‫حيث كان التجمع الجهادي العربي خلل الجهاد الفغاني قد بدأ يبلغ ذروته‪ .‬وهناك وفي‬
‫معسكرات التدريب المنتشرة في أفغانستان وعلى الحدود الباكستانية ‪ ,‬كانت تلك‬
‫الكوكبة من الشباب الليبيين ل تألوا جهدا في تأهيل كوادرها الولى في مختلف مجلت‬
‫التدريب وتعيد صلتها بليبيا وبعض بلد المهجر حيث استنفروا من استطاعوا من‬
‫إخوانهم للمجيء للعداد والتدريب لمتابعة مسار الجهاد في ليبيا وقد عرف عن أولئك‬
‫الشباب أنهم من أكثر المجاهدين العرب الذين تواجدوا في تلك الساحة استفادة من‬
‫الوقت وصبرا على دورات التأهيل العسكرية والتربوية الطويلة المدى التي أخضعوا‬
‫لها أنفسهم وإخوانهم ‪ ,‬وخلل السنوات الثلثة الخيرة)‪ ,(1992-1989‬استطاع أولئك‬
‫الشباب أن يرتبوا أنفسهم ويؤسسوا التنظيم الذي عرف باسم )الجماعة السلمية‬
‫المقاتلة بليبيا(‪ ..‬ويضعوا برنامجا للعداد واستئناف المسيرة الجهادية في بلدهم ‪ ,‬على‬
‫الفكار والسس والطريقة التي كانت سائدة آنذاك في أواسط التيار الجهادي‬
‫والفغان العرب واستطاعوا أن يستوعبوا معظم المجاهدين الليبيين الذين تواجدوا في‬
‫ساحة الفغان العرب ‪.‬‬
‫• ساهم المجاهدون الليبيون في فعاليات الجهاد العربي في أفغانستان إلى‬
‫جانب إخوانهم من البلد الخرى بكفاءة‪ .‬وسرعان ما برز منهم كوادر في‬
‫مجالت التدريب وفي الجبهات ‪ .‬ثم استقل شباب الجماعة السلمية‬
‫المقاتلة لنفسهم بمضافات ومعسكر خاص بهم شأنهم في ذلك شأن معظم‬
‫الجماعات الجهادية العربية القديمة أو الناشئة ‪ ,‬ثم بايعوا عليهم أميرا‬
‫للتنظيم وبدأت تتكون بنيتهم الدارية كتنظيم جهادي بدأ يأخذ مكانه بين‬
‫التنظيمات الجهادية العربية المرموقة ‪.‬‬
‫• كان المنهج الفكري للجماعة السلمية المقاتلة يقوم على أسس الفكر‬
‫الجهادي السائد ‪ ,‬وقد تأثروا بمناهج الجماعة السلمية وجماعة الجهاد‬
‫المصرية ‪ ,‬ويمكن اعتبارهم نموذجا من نماذج جماعات السلفية الجهادية ‪,‬‬
‫وقد بدا هذا جليا عندما نشروا منهجهم الفكري في كتاب بعنوان )الخطوط‬
‫العريضة للجماعة السلمية المقاتلة بليبيا(‪ ..‬كما تجلى ذلك عبر نشرتهم‬
‫الشهرية )الفجر( فيما بعد‪ ..‬وكذلك في عدد من البحاث الفكرية السياسية‬
‫الشرعية التي أصدروها‪..‬‬
‫• مع هبوب العاصفة المنية على العرب في باكستان بموجب البرنامج‬
‫المريكي‪ ..‬ومع عودة معظم المجاهدين العرب إلى بلدهم كان أعضاء‬
‫الجماعة السلمية المقاتلة من الصنف الذي ل يستطيع العودة إلى بلده‪..‬‬
‫شأنهم في ذلك شأن المطاردين من الجهاديين من سوريا ومصر وتونس‬
‫والعراق وبعض البلد الخرى‪ ..‬فانتقل معظم شباب الجماعة السلمية‬
‫المقاتلة إلى السودان بعد أن فتح نظام البشير وحليفه الترابي أبواب‬
‫السودان للسلميين و الجهاديين بعد تسلمهم السلطة سنة )‪ (1990‬كما مر‬
‫آنفا ‪ ,‬في حين يمم القليل منهم وجهة شطر ملذات اللجوء السياسي في‬
‫بعض البلدان الوربية والغربية‪...‬‬
‫• تعتبر مرحلة القامة في السودان )‪ (1995-1991‬مرحلة تأسيس هامة‬
‫بالنسبة للجماعة السلمية المقاتلة بليبيا‪ ,‬فقد مكنتها من إعادة توثيق صلتها‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 741 [ ‬‬

‫بليبيا ‪ ,‬كما وضعت الجماعة برنامجا طموحا لتأهيل الكوادر في المجالت‬


‫المختلفة ولسيما في مجال طلب العلم الشرعي ‪ ..‬واتجه العديد منهم إلى‬
‫طلب العلم في بلد الحرمين ‪ ,‬في حين يمم آخرون وجههم شطر موريتانيا‪..‬‬
‫وفعل ‪ ,‬لم يأت الشوط الثاني للفغان العرب في أفغانستان )‪(2000-196‬‬
‫إل وقد كونت الجماعة السلمية المقاتلة بليبيا عددا من خيرة الكوادر‬
‫العلمية الشرعية التي تأهلت في التيار الجهادي والفغان العرب ‪..‬‬
‫• كان عدد من كوادر الفغان العرب الليبيين ممن لم يلتحقوا بالجماعة‬
‫المقاتلة يعمل في معسكرات تنظيم القاعدة‪ ,‬وقد غادروا إلى السودان‬
‫متابعين عملهم مع الشيخ أسامة بن لدن في المجالت الزراعية والقتصادية‬
‫التي ابتدأها في السودان‪ .‬ولكن نشاط المقاتلة وغيرها من السلميين و‬
‫الجهاديين داخل ليبيا ضد نظام القذافي ‪ ,‬ولسيما تحركهم في السودان‬
‫على مقربة من ليبيا ‪ ..‬أزعج نظام العقيد القذافي ودفعه إلى إبرام معاهدة‬
‫لتبادل المجرمين ! ووضع برنامج لمكافحة العناصر السلمية مع نظام‬
‫البشير )السلمي( ‪ ..‬وسرعان ما قلب نظام البشير ظهر المجن لكافة‬
‫الفغان العرب ‪ .‬ولكن بداية ذلك كانت بالليبيين ‪ ..‬إذ طلبت الحكومة‬
‫السودانية من تنظيم )المقاتلة( الرحيل عن السودان‪ !.‬كما طلبت من الشيخ‬
‫أسامة إخراج من لديه من الليبيين من مجالت عمله نتيجة ضغوط ليبيا عليها‬
‫واتفاقاتها الجديدة معها ‪ ..‬ولم يكن من ذلك بد ‪ ..‬وأدى ذلك إلى بدء رحيل‬
‫الليبيين عن السودان ‪ .‬ليعيدوا انتشارهم في المنطقة من جديد‪ ..‬وأدى‬
‫ترحيل من كان منهم مع تنظيم القاعدة إلى انضمامهم إلى تنظيم )المقاتلة(‬
‫مضيفا إليها كوادر هامة‪ .‬حيث كانت المقاتلة حريصة على أن تكون التنظيم‬
‫الجهادي الوحيد في ليبيا‪ ..‬و بذلت في ذلك مساع حثيثة داخل ليبيا وخارجها ‪.‬‬
‫• كما قلت ‪ ,‬فقد توزعت كوادر المقاتلة وعناصرها في العديد من دول‬
‫المنطقة ‪ ..‬فعاد البعض إلى باكستان وانتشر آخرون في اليمن والسعودية‬
‫وتركيا وسوريا والردن والخليج و بعض دول شمال أفريقيا‪ ..‬فيما أتجه‬
‫آخرون إلى ملذات اللجوء السياسي في بعض الدول الغربية حيث ساعدتهم‬
‫الجواء و إمكانية المعلومات والتصالت على الفادة في مجال الدعاية‬
‫والعلم ‪..‬‬
‫• مع إنطلق شرارة الجهاد في الجزائر منذ )‪ (1993‬سارعت الجماعة المقاتلة‬
‫كي تكون حاضرة في هذه الساحة الهامة بذاتها ولجوارها لليبيا ‪ ..‬وأوفدت بضع‬
‫عشرات من مجاهديها ليتواجدوا هناك وليشاركوا إخوانهم في الجماعة السلمية‬
‫المسلحة في الجهاد ضد النظام الجزائري ‪ ..‬ولكنها كانت تجربة بالغة المرارة ‪.‬‬
‫إذا أدت الختراقات الستخباراتية‪ ,‬وسيطرة العناصر الجاهلة والتكفيرية و توجيه‬
‫المخابرات لها‪ ,‬إلى المنحرفين سيطرة على إدارة الجماعة السلمية المسلحة‬
‫في الجزائر‪ ,‬ودفعها في متاهات النحراف و التشرذم ‪ ..‬كما سنعرض في النبذة‬
‫التالية عند التعرض للتجربة الجزائرية ‪ ..‬إن شاء الله ‪ .‬ولكن ما يعنينا هنا هو أن‬
‫)الدارة المجرمة للجماعة السلمية المسلحة بقيادة أبو عبد الرحمن أمين ( منذ‬
‫‪ , 1995‬أضافت إلى قائمة جرائمها‪ ,‬جريمة اغتيال معظم هؤلء المجاهدين‬
‫الغرباء من الجماعة السلمية المقاتلة رحمهم الله‪ .‬بدعوى حملهم لفكر‬
‫المبتدعة ‪ ,‬وأنهم ليسوا على العقيدة السلفية الصحيحة !! ولم ينج من هؤلء إل‬
‫القليل جدا ممن استطاعوا الفرار إلى مناطق التنظيمات الخرى ليخرجوا‬
‫شهودا على ذلك النحراف الخطير الذي حصل في الجزائر !!!ولله المر من‬
‫قبل ومن بعد ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 742 [ ‬‬

‫• في عام )‪ (1994‬بدأت الجماعة المقاتلة نشاطها العسكري في ليبيا ‪ .‬عبر ثللة‬


‫محاور ‪:‬‬
‫حرب عصابات مدن داخل ليبيا ‪ ,‬ضد أركان الحكومة الليبية ‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫تمركز بعض العناصر المطلوبة في مناطق الجبل الخضر شرق ليبيا‬ ‫‪.2‬‬
‫لتمارس حرب عصابات جبال وأرياف في محيطه‪.‬‬
‫‪ .3‬محاولة اغتيال العقيد معمر القذافي ‪..‬‬
‫لكن المعطيات الستراتيجية لبلد مثل ليبيا لم تكن لتساعد على مثل هذه‬
‫الحركة ‪..‬‬
‫فعدد السكان قليل ‪ ,‬وليبيا بلد صحراوي مترامي الطراف ‪ ,‬تتناثر فيه المدن‬
‫الرئيسية على مسافات شاسعة ‪ ,‬وتتركز في شريط ساحلي ضيق ‪ ..‬بالضافة‬
‫للتوقيت غير المواتي الذي انطلقت فيه شرارة تلك المحاولة ‪ ,‬حيث كان التنسيق‬
‫العربي والقليمي والدولي لمكافحة الجماعات الجهادية قد بدأ‪ ..‬مما جعل عملية‬
‫التنسيق بين إدارة العمل في الداخل والخارج غير ممكنة ‪ ,‬وكذلك أصبحت حركة‬
‫العناصر من وإلى ليبيا محفوفة بالمخاطر وشبه مستحيلة ‪ ..‬وسرعان ما أوقع نظام‬
‫الطاغوت في ليبيا خسائر كبيرة في صفوف المجاهدين ‪ ,‬رغم العمليات النوعية‬
‫والبطولية التي قام بها أفرادهم خلل تلك الفترة ‪ ,‬ضد أجهزة المن وعناصر الجيش‬
‫والمليشيات الحكومية‪.‬‬
‫وهكذا صفيت خلياها في الجبل الخضر ‪ ,‬وقتل الخ القائد الشهيد عبد الرحمن‬
‫حطاب ‪ ..‬وسقط عدد من الشهداء في مدن متعددة واعتقل آخرون ‪ ..‬واضطرت‬
‫الجماعة المقاتلة للعلن عن تغيير برنامجها العسكري ‪.‬معلنة ذلك في بياناتها بما‬
‫عبرت عنه ببرنامج )الهجوم الستراتيجي والتراجع التكتيكي(‪..‬ليقتصر نشاطها عمليا‬
‫بعد ذلك على المحور الخير فقط وهو المحاولت التي كررتها لغتيال العقيد القذافي‬
‫دون أن يوافق ذلك قدر أجل ذلك الطاغوت الخبيث ‪ ..‬فباءت محولت عديدة بالفشل‬
‫ونجى القذافي المرة تلو الخرى بأعجوبة ‪ ..‬واضطرت الجماعة لنهاء نشاطها عمليا‬
‫في ليبيا‪...‬‬
‫• منذ )‪ (1995‬كانت عواصف الحرب العالمية على الرهاب كما أسموها‬
‫تتصاعد بسرعة لمطارد كافة الجهاديين في كل مكان ‪ ..‬وقد أوقع التعاون‬
‫والتنسيق المني القليمي والعربي والدولي ‪ ,‬كثيرا من كوادر التيار الجهادي‬
‫ضحايا لتلك الحملت المنية الظالمة التي وضعت نصب أعنيها إغلق الملذات‬
‫المنة‪ ,‬وتجفيف المنابع المالية ‪ ,‬ومطاردة العناصر الرئيسية لغتيالها أو‬
‫أسرها أو تسليمها إلى بلدانها ‪ ..‬وكان نصيب الجماعة المقاتلة من البتلء في‬
‫تلك المرحلة أيضا غير قليل ‪ ,..‬إذ طاردت السلطات في تركيا وسوريا‬
‫والردن واليمن والسودان عددا من الخليا التابعة لهذا التنظيم ‪ ..‬فقبض على‬
‫بعضهم وسلموا إلى ليبيا كما حصل في السودان والردن وسوريا وتركيا ‪..‬‬
‫واعتقل آخرون في تلك البلد أو رحلوا أو اختفوا في أشد حالت الضيق في‬
‫أماكنهم أو أماكن أخرى ‪ ..‬كما تعرض اللجئون إلى الدول الغربية منهم‬
‫كغيرهم من السلميين عموما و الجهاديين خصوصا للحصار والتضييق ‪..‬‬
‫• مع تمكن حركة طالبان من السيطرة على أفغانستان وإعلنها للمارة‬
‫السلمية ربيع )‪ , (1996‬بدأت كوادر من الفغان العرب شد الرحال إلى الملذ‬
‫الجديد ‪ ..‬ورغم وصول العديد من طلئع التنظيمات والكوادر الجهادية والعربية‬
‫إلى أفغانستان ولسيما من قدماء الفغان العرب ‪ ..‬إل أن قيادة الجماعة‬
‫المقاتلة بدت مترددة في اللحاق بهذا الملذ الجديد وحذرة من فكرة إعادة‬
‫تجميع كامل بيض التيار الجهادي في سلة واحدة في أفغانستان مرة ثانية ‪..‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 743 [ ‬‬

‫ولقد كنت من بين أوائل من توجه إلى أفغانستان في تلك المرحلة ‪ ,‬ومن بيين‬
‫من حثهم وحث الجميع على المجيء وتجمع القوي والنطلق من هناك من‬
‫جديد‪ ..‬وقد إعتبر المترددين في ذلك مخطئين في ترددهم ‪ ..‬ولكن ما حصل‬
‫في سبتمبر وما تل ذلك من تداعياتها على التيار الجهادي‪ ..‬تجعلني الن أفكر‬
‫في أن ترددهم وحذرهم ربما كان في حينها في محله ‪ ..‬ولكن كان للقدار‬
‫مسارا ومشيئة أخرى ‪ ..‬فهم كانوا مهددين في ملذاتهم وما كان أحد ليتصور‬
‫سبتمبر و تداعياته ‪ ،‬فقد أدى نجاح طالبان في بسط سيطرتها على معظم‬
‫أفغانستان ‪ ,‬و العز الجديد الذي لقاه من حضر من الفغان العرب في كنفهم‬
‫من جهة ‪ ..‬والمطاردات المنية التي عصفت بخليا المقاتلة وغيرها من‬
‫الجهاديين في أكثر من مكان كما أسلفت ‪ ,‬إلى أن يضطر المترددون إلى‬
‫اللحاق بأفغانستان خوفا وطمعا ‪ ..‬خوفا من لهيب العواصف المنية في مختلف‬
‫بلد العالم ‪ ..‬وطمعا في الفادة من معطيات الساحة والملذ الجديد ‪ ..‬وتتابع‬
‫مجيء الكوادر البارزة من قيادة تنظيم الجماعة السلمية المقاتلة إلى المارة‬
‫السلمية في أفغانستان كغيرهم ‪..‬‬
‫ترددت المقاتلة بادئ ذي بدء في الزج بكوادرها في معارك طالبان الطويلة مع‬ ‫•‬
‫تحالف الشمال خشية الدخول في استنزاف لم يكن ضمن برنامجها من جهة ‪,‬‬
‫ولعدم تبلور قناعتها ربما بعد في تلك المرحلة بالنخراط في معركة الطالبان ‪..‬‬
‫وعدم تبينها لمسألة مشروعية أمير المؤمنين كإمام شرعي ممكن يحب‬
‫الدخول في كنفه ‪ ..‬ولكنهم وبعد تدارس الموقف مطلع )‪ (1999‬بدؤوا‬
‫ينخرطون في الوقوف إلى جانب حكومة الطالبان شيئا فشيئا ‪ ..‬وما لبثوا أن‬
‫لعبوا دورا مهما في مساندتهم في مختلف المجالت ولسيما في المجال‬
‫العسكري والعلم‪..‬‬
‫و خلل الشوط الثاني للفغان العرب في أفغانستان ‪ ..‬كانت الجماعة المقاتلة‬ ‫•‬
‫من أفضل المجموعات العربية تنظيما وأداء على مستوى الفغان العرب‬
‫وتجمعاتهم وجماعاتهم التي بلغ المنظم منها نحو)‪ (14‬تنظيما وتجمعا ومعسكرا‬
‫مستقل ‪ ..‬وكان لهم معسكرا مستقل وأكثر من مضافة ومركز نشاط ‪..‬‬
‫وخلل تلك الفترة بدا أن ظلل عالم العولمة الذي بدأ يتسرب إلى تفكير‬ ‫•‬
‫الجهاديين أيضا قد وجد طريقه إلى الجماعة المقاتلة في اتجاه العناصر غير‬
‫الليبية والهتمام بأكثر من قضية وساحة‪ .‬رغم أن توجههم القطري الليبي ظل‬
‫واضحا وملزما لكافة نشاطاتهم وبنيتهم الدارية وإنتاجهم العلمي ‪.‬‬
‫لم تنجح محاولت الشيخ أسامة والقاعدة في استمالة الجماعة السلمية‬ ‫•‬
‫المقاتلة إلى توجهاته توحيد محور المواجهة تجاه أمريكا ‪ .‬كما لم يستطع‬
‫استيعابهم في حلفه الذي أطلق عليه مسمى )الجبهة العالمية لجهاد‬
‫الصليبيين( ‪ ..‬والذي لم يستمل في آخر المطاف عبر السنوات الخمسة إل‬
‫تنظيم الجهاد المصري بقيادة الشيخ الدكتور أيمن الظواهري‪ ..‬ويبدو أن‬
‫السباب الرئيسية لذلك تعود إلى قضايا منهجية وأخرى إدارية وأسباب متعلقة‬
‫بطبيعة التوجه والهدف الستراتيجي ومنحى الجهد العملي لكل جماعة‪ ..‬وهكذا‬
‫بقى تنظيم المقاتلة مستقل في برامجه ونشاطه في ساحة الفغان العرب إلى‬
‫أيامهم الخيرة ‪..‬‬
‫وجاء الحادي عشر من سبتمبر ‪ ..‬و)المقاتلة( كغيرها من التجمعات الجهادية‬ ‫•‬
‫العربية منهمكة في نشاطها وحركتها الدؤوبة ‪ ,‬بل ربما أنها كانت البرز نشاطا‬
‫وأداء‪..‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 744 [ ‬‬

‫واضطرت الهجمة المريكية العاتية جوا والزاحفة برا بالتعاون مع الخونة من‬
‫الشماليين و شذاذ الحزاب المختلفة وقطاع الطرق ‪ ..‬اضطرت جميع الفغان العرب‬
‫للدخول في معركة الدفاع عن النفس والدفاع عن المارة السلمية ‪ .‬وعن أمير‬
‫المؤمنين وحكومته التي بدأت تتهاوى على أكثر من جبهة ‪.‬‬
‫أخذ المجاهدون من الجماعة المقاتلة بليبيا مواقعهم في تلك المعركة‪ ,‬وأبلوا بلء‬ ‫•‬
‫حسنا في معركة الدفاع عن خطوط شمال كابل ‪..‬وكان فصيل آخر منهم يرابط في‬
‫جهة الجنوب في قندهار و هلمند ‪ ..‬وسقط منهم العديد من الشهداء‪ ,‬وكانت قياداتهم‬
‫و كبار كوادرهم في طليعة المقاتلين‪ ..‬كما لعب بعض قياداتهم وكوادرهم دورا بارزا‬
‫فيما بعد في المعارك المتتالية في أكثر من مكان ‪.‬إلى أن اضطر من سلم من‬
‫القصف ومن تلك المعارك إلى النسحاب تجاه باكستان وتولى أحد قادتهم وهو الشيخ‬
‫أبو الليث قيادة مجموعات مقاومة للمريكان على الحدود الباكستاني مع أفغانستان‬
‫منذ ذلك الوقت إلى الن حفظه الله‪ ..‬وثم كان نصيب المقاتلة من البلء كغيرها من‬
‫مجاهدين الفغان العرب ل بأس به أيضا‪ ..‬فوقع العديد من عناصرها وكوادرها أسرى‬
‫خيانات حكومة وجيش وقوى المن الباكستانية عليهم من الله ما يستحقون ‪ ..‬ليقتل‬
‫البعض ويسلم آخرون إلى السر لدى زعيمة الحملت الصليبية أمريكا‪..‬‬
‫• كانت خسائر المقاتلة كغيرها من مكونات التيار الجهادي العربي والفغان‬
‫العرب فادحة‪ ..‬قتل وأسرا وتشريدا ‪ ..‬ليعود من سلم من كوادرهم مع من‬
‫سلم من كوادر التيار الجهادي ‪..‬غرباء العصر الحديث ممن نجى من أخدود‬
‫سبتمبر للتشرد والتخفي في أقطار الرض من جديد ‪ ..‬فرحم الله الشهداء‪..‬‬
‫وفرج عن السرى وأنجى المستضعفين من عباده في الرض في كل مكان‬
‫وحققه لهم وعده الكيد بالنصر والفرج والتمكين ‪..‬‬
‫وقد ربطتني بالخوة في الجماعة المقاتلة روابط صداقة وأخوة وعلقات تعاون‬
‫وعمل في عدة مناسبات ومجالت ‪ ..‬كان أهمها أثناء إقامتي في لندن ‪ ..‬حيث كتبت‬
‫عددا من المقالت الفكرية الجهادية في مجلتهم الفجر‪ .‬كما كان بيني وبينهم تعاون‬
‫مثمر في الكشف عن انحراف الجماعة السلمية المسلحة في الجزائر اعتبارا من‬
‫أواخر )‪ ,(1995‬وقد أدى ذلك التعاون معهم ومع جماعة الجهاد المصرية إلى إعلن‬
‫البراءة من أعمالها من قبل معظم تكتلت التيار الجهادي في حينها‪ .‬كما سيأتي بيانه‬
‫إن شاء الله ‪ ..‬كما قام بيني وبينهم أيضا تعاون طيب أثناء )الشوط الثاني للفغان‬
‫العرب( أيام طالبان ‪ ..‬ثم جمعنا السبيل في محاولة دفع البلء النازل إثر أحداث‬
‫سبتمبر ‪ ..‬قبيل الخروج من أفغانستان ‪ ..‬وفعل أعتقد أن الجماعة المقاتلة قد شكلت‬
‫ركنا أساسيا في التيار الجهادي وكان لها وجود متميز على صعيد النتاج والحضور ‪..‬‬
‫وأعتقد أن قياداتها وطلب العلم فيها‪ ,‬وكذلك كوادرها وعناصرها كانوا من أكفأ رجال‬
‫التيار الجهادي عطاء وأكثرهم تربية وتأهيل ‪..‬‬
‫تقبل الله منهم ‪..‬وأحسن مثوبتهم ‪..‬وجمعنا وإياهم في مستقر رحمته مع النبيين‬
‫والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا‪.‬‬

‫‪ -8‬التجارب الجهادية المعاصرة في الجزائر اعتبارا من (‪:(1991‬‬


‫• سبق أن بينت أن تجربة جهادية مبكرة كان قد قام بها الشيخ الشهيد المجاهد‬
‫)مصطفى بويعلي( رحمه في النصف الول من السبعينات ‪ ,‬فقد كان الشهيد‬
‫بويعلي من المجاهدين الذين حاربوا ضد الستعمار الفرنسي في الجزائر ‪ .‬وكان‬
‫مثله مثل مئات آلف المجاهدين في حينها يطمحون إلى التحرر من الستعمار‬
‫تحت شعار الجهاد ‪ ,‬ليقام في الجزائر حكم السلم على إثر ذلك‪ ..‬ولكن‬
‫الفرنسيين الذين أتقنوا لعبة الستقلل كما أتقنوا لعبة الستعمار‪ ,‬جعلوا المر‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 745 [ ‬‬

‫يؤول من بعدهم للعلمانيين والشتراكيين من أبناء الجزائر الذين تربوا على‬


‫أفكار أعداء السلم ! وكان هذا سببا لتراكم الكفر والظلم الذي دعى شهيدنا‬
‫مصطفى بويعلي للثورة عليه‪..‬‬
‫ولكن تلك التجربة سرعان ما قمعت واستشهد قائدها وسجن من تبقى من عشرات‬
‫المنتسبين إليها لعدة سنين‪.‬‬
‫• وفي نهاية الثمانينات وبعد أن تفاقمت المشاكل القتصادية في الجزائر نتيجة‬
‫الفساد العارم الذي استشرى في كافة مفاصل النظام وإدارته‪ ..‬انفجرت‬
‫)مظاهرات الخبز( كما عرفت في حينها ‪ ,‬وأوشك الحال على النفجار ‪ ..‬فلجأ‬
‫الرئيس الجزائري آنذاك )الشاذلي بن جديد( إلى علج الوضاع بطرح سياسة‬
‫النفتاح وإعلن ترخيص تشكيل الحزاب السياسية والدعوة إلى انتخابات‬
‫ديمقراطية حرة سنة )‪. (1989‬‬
‫إستغل البادرة بعض الدعاة من الصحوة السلمية التي كانت مقموعة بشدة منذ عهد‬
‫الستقلل )‪ (1963‬في عهد الرئيس )هواري بومدين( ‪ ,‬وأعلن الشيخ عباسي ومدني‬
‫ونفر من الذين استجابوا للدعوة ‪ ,‬تشكيل )الجهة السلمية للنقاذ( لتشكل تجمعا‬
‫عريضا يضم كافة الساعين إلى المشروع السياسي السلمي ‪ ..‬واستطاعت الجهة أن‬
‫تشتمل على معظم أوساط الصحوة السلمية ‪ ..‬وانخرط في عضويتها المفتوحة‬
‫البواب مليين الناس بصرف النظر عن أحوالهم ومشاربهم فقد التقوا على دعم‬
‫مشروع السلم السياسي ‪.‬‬
‫• ومع انصرام النتخابات البلدية ‪..‬تبين أن الجهة السلمية للنقاذ ‪ ,‬قد سحقت‬
‫أقوى الحزاب السياسية العلمانية في الجزائر ‪ ,‬وهو حزب السلطة ! حزب‬
‫جبهة التحرير الوطني وتولت بذلك معظم بلديات الجزائر ‪ ..‬واستفاد جبهة‬
‫النقاذ بذلك للتحضير للفوز بالنتخابات التشريعية )البرلمانية( التي جرت سنة )‬
‫‪ (1990‬وتمخض الدور الول فيها عن فوز الجبهة بأغلبية ساحقة كانت ستمكنها‬
‫خلل الشوط الثاني من الدورة الكمالية من الغلبية الساحقة التي تأهلها‬
‫لتشكيل الحكومة ولترشح لرئاسة الدولة ‪..‬‬
‫• وضربت نواقيس الخطر في مشارق الرض ومغاربها ‪ ..‬وأعلنت الدول الصليبية‬
‫الكبرى عن استعدادها للتدخل لقطع الطريق على السلميين من الوصول‬
‫للسلطة‪ .‬بل صرح )فرانسوا ميتران(‪ ,‬الرئيس الفرنسي في حينها ‪ ,‬أن فرنسا‬
‫على استعداد للتدخل العسكري للحيلولة دون وصول السلميين للسلطة ‪.‬‬
‫وكان الحل الوحيد أمامهم هو إحداث إنقلب عسكري مدعوم من قبل الغرب‬
‫ولسيما فرنسا‪.‬‬
‫وحصل النقلب ‪.‬واعتقلت قيادات الجبهة ‪ ,‬وقمعت المظاهرات بالعنف ‪,‬‬ ‫•‬
‫وفتح النظم العسكري الذي استولى على السلطة وسحق الديمقراطية بدعم من‬
‫الغرب المنافق السجون الصحراوية لعشرات آلف المعتقلين من السلميين ‪..‬‬
‫وكان هذا سبب بداية النتفاضة الجهادية المعاصرة في الجزائر‪ ,‬والتي تعتبر من أهم‬
‫التجارب الجهادية الجديرة بالدراسة ‪ ,‬وآخر تجارب الجهاديين في المواجهة مع‬
‫النظمة ‪,‬وآخرها في القرن العشرين ‪ .‬وقد كان لي منذ ابتداء تلك التجربة عام)‬
‫‪ (1989‬وإلى عام)‪, (1996‬تماس مباشر و علقة ببعض مجريات تلك التجربة‬
‫سأشير إلى أهم مجرياتها في نهاية هذه الفقرة إن شاء الله‪ ..‬وقد كانت تجربة‬
‫شخصية مريرة وغنية بالفائدة ‪ ..‬وقد سجلت ذلك كما ذكرت في كتاب فقدته‬
‫مخطوطا جاهزا أثناء انسحابنا العاجل من كابل إبان الهجمة المريكية على‬
‫أفغانستان بعد أحداث سبتمبر ‪..‬وأعدت كتابة ملخصه وسأنشره قريبا ‘ن شاء الله ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 746 [ ‬‬

‫وأما هنا فأعرض لهم مناحي تلك التجارب التي عايشتها عن قرب من خلل نقاط‬
‫موجزة رئيسية ‪..‬‬

‫تجربة الجماعة السلمية المسلحة والجماعات الخرى في الجزائر (‬


‫‪: (2000-1991‬‬

‫• كان عدة مئات من الشباب الجزائري ‪ .‬ربما ناهز عددهم اللفين ‪ ,‬قد نفر‬
‫للجهاد في أفغانستان ‪ ..‬وسرعان ما أثبتوا كما هو معروف عنهم أنهم من أشد‬
‫المجاهدين بأسا وشجاعة ‪ ..‬ومع بداية التسعينات أخذ المجاهدون من كل بلد‬
‫يجمعون أنفسهم ويستقلون بكياناتهم من حيث الخدمات والمضافات‬
‫ومعسكرات التدريب ‪ ..‬رغم بقاء جبهات القتال مشتركة بين الجميع تحت إدارة‬
‫التنسيق العربية العامة ‪ ..‬وهكذا سعى الجزائريون من الفغان العرب لتنظيم‬
‫أنفسهم ‪.‬‬
‫• برز )القاري سعيد( كما كان يدعى ‪ ,‬كواحد من أبرز قيادات الخوة الجزائريين‬
‫وبدأ تنظيم ما عرف فيما بعد باسم )الفغان الجزائريين( ‪ ,‬وقد ربطني بالرجل‬
‫خلل تلك الفرة وما بعدها صداقة وتجاوزنا في السكن في بيشاور مكنتني من‬
‫الطلع على تلك التجربة‪ ,‬وقد حدثني ‪ -‬رحمه الله‪ -‬عن طموحاته بتشكيل‬
‫تنظيم جهادي للعمل في الجزائر بعد الفراغ من الجهاد الفغاني في عدة‬
‫مناسبات ‪ ..‬ولم يكن المشروع مستعجل ‪ ,‬وإنما كانت أهدافه في إطار التدريب‬
‫التنظيم والعداد‪..‬‬
‫وجاءت أحداث النتخابات‪ ,‬وما جرى للجبهة النقاذ ‪ ,‬والنقلب العسكري سنة )‪(1990‬‬
‫‪ ,‬لتجعل بالخوة الجزائريين للعودة إلى بلدهم لمواجهة الحكومة النقلبية الطاغوتية‬
‫العسكرية ‪.‬‬
‫• وذهب القاري سعيد للستطلع في الجزائر‪ ,‬ليعود بقرار ترحيل من معه إلى‬
‫هناك على مراحل ‪ ,‬ثم عاد إلى الجزائر بعد أن استناب بعض الخوة في‬
‫) بيشاور( ليتابع التدريب المكثف وتنظيم عملية الترحيل إلى الجزائر‪.‬‬
‫• كانت ردة الفعل الطبيعة لكثر من ‪ 5,3‬مليون ناخب اختاروا المشروع‬
‫السلمي في النتخابات و فازوا فيها‪ ,‬ثم انتزع منهم انتصارهم ‪ ,‬ليساق‬
‫عشرات اللف منهم إلى السجون‪ ,‬كان طبيعيا أن يرحب أكثرهم بنداءات جهاد‬
‫السلطات العسكرية التي قطعت عليهم الطريق إلى حصاد نتيجة فوزهم بدعم‬
‫وتوجيه من الغرب ولسيما فرنسا ‪..‬‬
‫• كانت ساحة الصحوة السلمية في الجزائر آنذاك تموج بكافة مكونات الصحوة‬
‫السلمية العربية التي من المهم معرفتها لفهم تلك التجربة المتشابكة‪ ,‬وكان‬
‫من أهم تلك الكتل بحسب حجمها وتأثيرها ما يلي ‪:‬‬
‫أول‪ :‬الجهة السلمية للنقاذ ‪:‬‬
‫وتكونت من خليط من مدارس الصحوة و قياداتها والتنظيمات السلمية الدعاة‬
‫المستقلين ‪ ..‬بالضافة لقواعد عريضة من عوام المسلمين الذين آمنوا بعموميات‬
‫مشروع السلم السياسي دونما منهج محدد اللهم إل الشعار العام ‪ .‬وكان من أهم‬
‫مكوناتها الرئيسية ‪:‬‬
‫‪ .1‬جماعة الطلبة‪ :‬التي كان يرأسها الشيخ محمد السعيد ‪ -‬رحمه لله‪ -‬ويعود‬
‫تأسيسها إلى مجموعة من الطلبة السلميين في جامعة الجزائر من الذين‬
‫تتلمذوا‪ ,‬على المفكر السلمي الشهير مالك ابن نبي ‪ ,‬وكانت تقوم في‬
‫عموميات فكرها مزيج من أفكار الخوان المسلمين مع مورثات الصحوة‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 747 [ ‬‬

‫السلمية في لجزائر من تراث جمعية العلماء المسلمين ‪ ,‬بالضافة إلى أفكار‬


‫مالك أبن نبي‪ -‬رحمه الله ‪...-‬‬
‫حركة الدولة السلمية ‪ :‬وهم بقايا حركة الشهيد مصطفى بو يعلي رحمه‬ ‫‪.2‬‬
‫الله ‪ ,‬وقد تزعمهم ومثلهم في جبهة النقاذ الشيخ سعيد مخلوفي ‪ -‬رحمه الله‬
‫‪ -‬وكانت مجموعة جهادية سلفية المعتقد‪..‬‬
‫شريحة عريضة من أتباع الدعوة السلفية ‪ :‬وقد تزعمهم ومثلهم في‬ ‫‪.3‬‬
‫الجبهة رجلها الثاني وخطيبها المشهور الشيخ )علي بلحاج حفظه الله( ‪...‬‬
‫عدد من رموز الدعوة السلمية من المستقلين ‪..‬‬ ‫‪.4‬‬
‫قاعدة عريضة من عوام المسلمين المتعاطفين مع المشروع السلمي ‪..‬‬ ‫‪.5‬‬

‫ثانيا‪ :‬الخوان المسلمون ‪ -‬فرع التنظيم الدولي في الجزائر ‪:‬‬


‫وكان يرأسهم )محفوظ النحناح(‪ ,‬الذي أطلق على حزبه اسم )حركة مجتمع‬
‫السلم( ‪ ,‬وقد أبى النحناح الدخول تحت مظلة جبهة النقاذ ‪ ,‬وبقي مناوئا لها طوال‬
‫بقية حياته رغم محنتها ‪ ..‬وشن عن المجاهدين هجوما ضاريا‬

‫ثالثا‪ :‬الخوان المسلمون المحليون‪ -‬وهم حزب النهضة السلمية‪:‬‬


‫الذي رئسه )عبد الله جاب الله(‪ ..‬وكان فكرهم مزيجا من فكر الخوان وفكر‬
‫الصحوة السلمية الجزائرية المحلية ‪..‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 748 [ ‬‬

‫رابعا‪ :‬السلفيون‪:‬‬
‫والذين كان شريحة كبيرة منهم على قواعد )الفكر الجامي المدخلي( الذي‬
‫يستمد انحرافاته من علماء السعودية الرسميين ‪ ,‬وكان كثير منهم يؤيدون السلطة‬
‫الجزائرية‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬الشباب السلفيون المتشددون ‪:‬‬


‫وقد شكل بعضهم ‪ -‬كما بلغني ‪ -‬حركة سميت باسم سلفية العاصمة )الجزائر( ‪..‬‬
‫وكانوا يسمون أنفسهم )جماعة المر بالمعروف والنهي عن المنكر(‪ ..‬وقد تفشت‬
‫فيهم منذ البداية أفكار تتراوح بين التزمت والتكفير والجهل في الدين والدنيا ‪..‬‬

‫سادسا‪ :‬جناح من حركة الدولة السلمية ‪:‬‬


‫من الدين كانوا مع الشيخ مصطفى بويعلي ولم يرو الدخول في جبهة النقاذ‬
‫لمنهجها الديمقراطي ‪ .‬وكانوا على فكر جهادي سلفي ‪..‬‬
‫سابعا‪( :‬الفغان العرب الجزائريون ( ‪:‬‬
‫كما سموا فيما بعد‪ ,‬وهم الجهاديون المتحركون بين الجزائر وساحة أفغانستان‪..‬‬
‫كانت هذه أهم مكونات الساحة السلمية في الجزائر آنذاك ‪ ,‬بالضافة لحركات‬
‫هامشية قليلة التأثير بما حولها كجماعات التبليغ والحركات الصوفية المختلفة ‪..‬‬
‫• بعيد النقلب العسكري بقليل لذ عشرات من الشباب بالجبال ‪ ,‬وبدؤوا يبحثون‬
‫عن السلح ويعدون لمواجهة الحكومة العسكرية‪ ..‬ثم مالبثوا وبسرعة كبيرة ‪,‬‬
‫أن بدؤوا الصدام المسلح مع الحكومة ‪.‬‬
‫• أدت حركة العتصام الكبير في الجزائر العاصمة ‪ ,‬والذي دعت له جبهة النقاذ ‪,‬‬
‫إلى مفاجئة الجميع باعتقال زعيمي الجبهة و شيخيها الكبيرين )عباسي مدني‬
‫وعلى بلحاج ( بشكل مفاجئ ‪ ,‬دونما أي مقاومة ! فيما كانا يقودان اعتصاما‬
‫جمع مئات آلف المتظاهرين !!‪ ..‬وسمعت فيما بعد وأنا أتحرى تلك القضية أن‬
‫بعض أعضاء مجلس شورى جبهة النقاذ ‪ ,‬قد خانوهما ولم ينفذ الوامر‬
‫بالمواجهة‪ -‬والله أعلم ‪ -‬وكنت أحتفظ في ملفاتي المفقودة حاليا عن تلك‬
‫المرحلة ببعض التفاصيل والسماء ولكنها ليست عندي الن‪ ..‬وبقيت جبهة‬
‫النقاذ بل رأس ‪ ,‬وعادت مكوناتها الساسية للعمل بصورة غير مركزية ‪ ..‬وبرز‬
‫الشيوخ )عبد القادر شبوطي وعبد الرزاق رجام ومحمد سعيد مخلوفي و محمد‬
‫السعيد( ‪ -‬رحمهم الله جميعا ‪ -‬كرؤوس لكتل مقاومة مسلحة للحكومة في‬
‫العاصمة والجبال من حولها ‪ ..‬وعمت الفوضى السياسية المسلحة البلد ‪ ,‬وبدت‬
‫نذر حرب أهلية طاحنة ما لبثت أن اشتعلت بضراوة ‪.‬وقتل المجاهدون الرئيس‬
‫الجديد )بوضياف( الذي جاء به النقلبيون لتصل الصدامات المسلحة إلى‬
‫ذروتها ‪...‬‬
‫• نزل )قاري سعيد( كما ذكرت إلى الجزائر لمدة شهر‪ ,‬وقد حدثني بنفسه بعد‬
‫عودته عن جهود مضنية قامت لجمع الفغان العرب‪,‬مع و بقايا فرع جماعة‬
‫مصطفى بويعلي‪ ,‬ببعض الخليا ذات الفكر السلفي الجهادي هناك في جماعة‬
‫جهادية واحدة‪ .‬ثم عاد قاري سعيد‪ ..‬وهاتف نائبه في بيشاور ليخبر بقيام ذلك‬
‫الجمع وأنهم أسموه )الجماعة السلمية المسلحة(‪ ,‬وكان ذلك في أواخر )‬
‫‪ (1990‬أو أوائل )‪.. (1991‬‬
‫• إنشق جزء كبير من مجلس شورى جبهة النقاذ ‪ ,‬وشكل قيادة تفاوضت‬
‫وتعاونت مع الحكومة العسكرية ‪ ..‬ورفض آخرون على رأسهم) محمد السعيد و‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 749 [ ‬‬

‫عبد القادر شبوطي وعبد الرزاق رجام و سعيد مخلوفي( المهادنة وبدؤوا‬
‫المواجهة باسم جبهة النقاذ ‪ ..‬وسرعان ما أسفر اجتماعهم عن تشكيل ما‬
‫عرف باسم )جيش النقاذ ( الذي برز على رأسه )مدني مرزاق( أحد كوادر‬
‫الجبهة من الذين صعدوا الجبال و اشتمل البيان التأسيسي لجيش النقاذ على‬
‫معظم مكونات الفكر الجهادي السلفي وركز على مبدأ رفض العودة‬
‫للديمقراطية ‪...‬‬
‫وسرعان ما قمعت الحكومة العسكرية حركات العصيان المدني وحظرت‬ ‫•‬
‫الحزاب السياسية ‪ ,‬وكان في طليعتها جبهة النقاذ ‪ -‬وحركة النهضة – و حركة‬
‫الخوان )نحناح( ‪ -‬والحركة من أجل الثقافة والديمقراطية ) وهي حزب أما‬
‫زيغي يرأسه آيت أحمد( ‪ -‬وحزب جبهة التحرير الوطني الذي مثله آخر رئيس‬
‫وزراء مدني هو )عبد الحميد مهري( ‪..‬وأحزاب علمانية واشتراكية وشيوعية‬
‫صغيرة أخرى‪..‬حيث إستمرت بالمعارضة ثم قمت وخرج كثير من رؤوسها إلى‬
‫خارج الجزائر‪..‬ووصل عدد المعتقلين من السلميين إلى أكثر من )‪ 50‬ألف(‬
‫معتقل ملئت بهم السجون الصحراوية ‪ ..‬وأدى ذلك إلى إرتفاع عدد المسلحين‬
‫المقاوميين في الجبال إلى ما قيل أنه بلغ عشرات اللف ‪ ..‬وأصبحت عملياتهم‬
‫بالعشرات يوميا‪..‬‬
‫سيطرت أخبار الجهاد في الجزائر على عناوين الخبار ووسائل العلم خلل تلك‬ ‫•‬
‫الفترة وبرز اسم )الجماعة السلمية المسلحة( كأهم وأبرز التجمعات العاملة‬
‫عسكريا في مواجهة الحكومة العسكرية ‪ ..‬وبرز اسم أميرها الول )عبد الحق‬
‫العيايدة(‪ ..‬الذي ما لبث أن اعتقلته السلطات المغربية أثناء سعيه لشراء‬
‫السلح وسلمته للجزائر ‪ .‬وخلفه أخ آخر)ل يحضرني اسمه الن بدقة ولعله‬
‫جعفر الفغاني ( ثم قتل رحمه الله ‪ ,‬ثم خلفه مع مطلع )‪ (1993‬أميرها أبو عبد‬
‫الله أحمد الذي تحققت في عهده إنجازات كبيرة‪...‬‬
‫تصاعدت حدة العمليات العسكرية ‪ .‬واعتقل )القاري سعيد( في إحدى الهجمات‬ ‫•‬
‫الكبرى على قيادة القوات البحرية في الجزائر العاصمة ‪ .‬ثم فر مع أكثر من )‬
‫‪ (700‬سجين من سجن الجزائر العاصمة بعد عدة أشهر ‪ ..‬ثم بذل وسعه في‬
‫توحيد الفصائل المقاتلة من جميع الفرقاء ‪ ..‬ثم قتل في ظروف غامضة رحمه‬
‫الله أواخر)‪ .. (1994‬وفي هذه الفترة كان عنف الدولة كبيرا‪ ,‬وصل لحد اغتيال‬
‫مئات السجناء السياسيين في سجن )سركاجي(‪ ..‬أحد سجون العاصمة‬
‫الجزائرية في واقعة واحدة‪..‬‬
‫مطلع )‪ (1993‬كانت كافة الصوات المؤيدة للجهاد في الجزائر تنادي‬ ‫•‬
‫المجاهدين بتوحيد الصفوف ‪ .‬وفعل أدت جهود كبيرة قام بها العديد من‬
‫القيادات المجاهدة في )الجماعة السلمية المسلحة( من القيادات المجاهدة‬
‫لجيش النقاذ‪ ,‬ولكثير من الخليا الجهادية المحلية ‪ ,‬إلى حصول تلك الوحدة‬
‫التي عمل لها المير الثاني للجماعة السلمية المسلحة ولم يرها لنه قتل قبلها‬
‫بقليل رحمه الله ‪ .‬وتولى )أبو عبد الله أحمد( قيادات الجماعة من بعده‪..‬‬
‫وحصلت تلك الوحدة في عهده‪ ..‬ونشر شريط فيديو في غاية التأثير‪ ,‬وأبهج‬
‫أوساط الجهاد مشهد بيعة شيوخ الجبهة من قيادات الجيش السلمي للنقاذ‬
‫)محمد السعيد وعبد الرزاق رجام وعبد القادر بشوطي و سعيد مخلوفي(‬
‫لشاب في عمر أبناء بعضهم ‪ ,‬أميرا للجهاد الموحد باسم الجماعة السلمية‬
‫المسلحة وهو أبو عبد الله أحمد ‪ ..‬وأدت الوحدة إلى ازدهار المال بقرب‬
‫النتصار الشامل ‪...‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 750 [ ‬‬

‫• رفض أمير جيش النقاذ )مدني مرزاق( الوحدة وعارضها ‪ ,‬ونال ممن أقدم‬
‫عليها ورفض العتراف إل بقرارات الشيخين السيرين عباسي مدني وعلي‬
‫بلحاج لما يخرجون من السجن ! وأصر على البقاء خارج الوحدة ‪ ..‬ولكن‬
‫عشرات الفصائل والجماعات الثانوية من مشرق الجزائر وغربه ووليات‬
‫الوسط دخلت الوحدة و صارت الجماعة السلمية المسلحة تمثل أكثر من )‬
‫‪ (%95‬من المجاهدين المسلحين الذي صار عددهم عشرات اللف مع حلول )‬
‫‪. (1994‬‬
‫• قتل أبو عبد الله أحمد هو الخر في ظروف غامضة ‪ ..‬وصدر بيان عن بعض‬
‫أعضاء مجلس شورى الجماعة السلمية المسلحة بتولي )أبو عبد الرحمن‬
‫أمين( قيادات الجماعة وتوالي البيعات له من قبل قيادات الفصائل‪ ..‬ولم يكن‬
‫بوسع المؤيدين للجهاد في الجزائر في الخارج إل أن يؤيدوهم ويدعوا لهم وكان‬
‫ذلك أواخر)‪ (1994‬أو أوائل )‪...(1995‬‬
‫• ومع تولي أبو عبد الرحمن أمين قيادة الجماعة ‪ .‬بدأت بوادر تغير في منحى‬
‫السياسات والبيانات والعمليات في الجماعة السلمية المسلحة ومن ذلك ‪..‬‬
‫‪ -‬فقد كثرة البيانات الصادرة عن الجماعة ‪ ,‬و تصعدت المواجهة مع الشرائح المدنية و‬
‫الجتماعية ذات العلقة البعيدة مع هيكل الدولة أو السلطة ‪ ..‬وتوعدها بالقتل ‪ ,‬مثل‬
‫أجهزة العلم ‪..‬بدءا من الوزير ووصول إلى باعة الجرائد في الشارع ‪ .‬ومثل قطاع‬
‫التعليم كذلك‪ ..‬وصول للساتذة والمدارس والطلب ‪ ..‬وكذلك وزارة النفط وصول‬
‫للعمال الذين يملؤون السيارات بالبترول !!‪ ..‬وهكذا‪..‬‬
‫‪ -‬التجرؤ على إصدار الفتاوى باستحلل قتل النساء والطفال من أسر العاملين في‬
‫أجهزة الدولة ‪..‬‬
‫‪ -‬تصعيد المواجهة مع المليشيات المدنية المرتطبة بالحكومة و اتخاذها هدفا أساسيا ‪..‬‬
‫‪ -‬إرتفاع لهجة التكفير في الخطاب العام ‪ ..‬وغير ذلك من هذه التوجهات الخرقاء ‪.‬‬
‫• خلل سنة )‪ , (1995‬تداعت قيادات الجبهة السلمية للنقاذ اللجئة في الخارج ‪,‬‬
‫وقيادات الحزاب السياسية السلمية والعلمانية وحتى الشيوعية إلى مؤتمر برعاية‬
‫الفاتيكان في روما لتشكيل تحالف سياسي ‪ ,‬يعرض حل أزمة الجزائر سياسيا ‪ ,‬ولكن‬
‫عناد الحكومة العسكرية أجهض تلك المبادرة الغريبة المشبوهة بتركيبتها ومكان‬
‫انعقادها‪..‬‬
‫• أواخر سنة )‪ ..(1995‬تجرأ أبو عبد الرحمن أمين وقياداته المنحرفة المجرمة‬
‫على اغتيال الشيخ محمد السعيد و المجاهد عبد الوهاب العمارة وغيرهما من‬
‫المجاهدين المنتمين لجماعة الطلبة والذين كانوا قد دخلوا بموجب الوحدة في‬
‫الجماعة ‪ ,‬وكانوا يطلقون عليهم اسم )جماعة الجزأرة( وهو اسم كان قد أطلقه‬
‫عليهم محفوظ النحناح انتقادا لمنهجهم ‪ ..‬فقتلوهم بدعوى تحضيرهم للنقلب‬
‫على قيادته وبدعوى الحفاظ على الهوية السلفية للجماعة بزعمهم ‪ ..‬ومن هناك‬
‫بدأت حقيقة النحرافات عن مسار الجماعة تتكشف‪.‬‬
‫• ثم أتبعت تلك القيادة تلك الجريمة بإصدار كتاب بعنوان )هداية رب العالمين (‬
‫بتوقيع أبو عبد الحمن أمين على أنه منهج الجماعة السلمية المسلحة ‪..‬وقد‬
‫حمل الكتاب من فنون الجهل وألوان التطرف والتكفير والنحراف ما جزم‬
‫بالهوية المنحرفة الجديدة للجماعة في عهد أميرها هذا ‪ ,‬و وضحت أبعاد الكارثة‬
‫التي حلت بقيادة الجماعة المسلحة ‪ .‬ثم أتبع عبد الرحمن أمين ذلك بتوجيه‬
‫مقاتليه إلى المجازر الجماعية في المدنيين في القرى المجاورة لهم بدعوى‬
‫أنهم انخرطوا في المليشيات الحكومية‪ ,‬فكفرهم واستباح قتلهم وسبي‬
‫نسائهم ‪..‬على أنهم مرتدين‪!!!..‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 751 [ ‬‬

‫إستغلت أجهزة الستخبارات الجزائرية هذه الجواء التي تكشف فيما بعد أنها‬ ‫•‬
‫هي التي سعت إليها و أوجدتها ‪ ,‬ودست العملء في قيادة الجماعة التي ربما‬
‫كان )أمين( واحدا منهم ‪..‬وأتبعت ذلك كما كشف بعض الفارين من الجيش و‬
‫القوات الخاصة ممن أجبروا على فعل ذلك أو شهدوه قدرا كي ل تضيع قصة‬
‫تلك المأساة ‪..‬‬
‫فأتبعت الحكومة ذلك بتنظيم سلسلة من المجازر المروعة في المدنيين ولم‬ ‫•‬
‫توفر عجوزا ول امرأة ول طفل ول حتى حيوانا في تلك المجازر الوحشية التي‬
‫جرت خلل )‪ , (1997-1996‬حيث شهدت الجزائر أهوال وبحورا من الدماء‪..‬‬
‫وصلت إلى قتل المصلين في رمضان وهم ينصرفون من أبواب المساجد‬
‫بدعوى أنهم كانوا قد شاركوا في النتخابات فارتدوا بذلك !!!‪ ..‬وكانت أكبر‬
‫المجازر تجري في المناطق المعروفة بنجاح جبهة النقاذ فيها في النتخابات‬
‫السالفة‪ ..‬وكان هذا بمثابة تصفية حساب من قبل الحكومة مع من اختاروا‬
‫المشروع السلمي كما كشف هؤلء الشهود بالوثائق المؤكدة لذلك عبر وسائل‬
‫العلم المختلفة بعد ذلك بعده سنوات‪..‬وقد عرضت قناة الجزيرة بعض‬
‫المقابلت بالغة الهمية في هذا المجال ‪..‬و نشر بعض أولئك العسكريين‬
‫شهاداتهم في كتب طبعت في فرنسا وأصبح المر الن واضحا‪..‬‬
‫ومع تكشف الحقيقة والتوجه الجرامي والمنحرف للقيادة الجديدة للجماعة‬ ‫•‬
‫السلمية المسلحة‪..‬انفض عنها المؤيدون في الداخل والخارج ‪ .‬وأصدرت‬
‫الشخصيات والجماعات الجهادية البارزة التي أيدت الجماعة المسلحة خلل‬
‫مسارها وصدرت بيانات عديدة بذلك من مختلف الجماعات والشخصيات‬
‫الجهادية ‪ ,‬وكنت من أوائل من وقف ذلك الموقف كما فصلت في شهادتي في‬
‫كتاب منفصل ‪ .‬كما بدأت الكتائب والفصائل الجهادية في الداخل تنفض عنها‬
‫في لتنغمس أكثر فأكثر في حمامات الدم المروعة المخزية‪ ..‬ثم اشتعل القتال‬
‫بين الجماعة وبعض تلك الفصائل المنفصلة عنها ‪..‬‬
‫قتل المجاهدون من )جماعة جبل الربعاء( كما كانوا يسمون ‪ ,‬وهم من جماعة‬ ‫•‬
‫الشيخ محمد السعيد رحمه الله ‪ ,‬قتلوا )أبا عبد الرحمن أمين(‪ ..‬وأراحوا الدنيا‬
‫من شروره ‪ ,‬ليتولى بعده سفاح أكثر إجراما منه قيادة الجماعة السلمية‬
‫) عنتر الزوابري (‪ ,‬الذي تابع مسلسل الجرام ‪,‬‬ ‫المسلحة ‪ ,‬وهو المدعو‬
‫ولكن بعد أن ضعفت الجماعة وقلت إمكانياتها ‪ ..‬واستمرت في منهجها بعد أن‬
‫عزلت في مناطق محدودة إلى أن قتل هذا الخير سنة )‪ (2003‬فيما بعد في‬
‫الجزائر ‪...‬‬
‫مع تشرذم المجاهدين وتقسمهم ‪ ,‬وبعد انفضاض الناس عنهم وزهدهم‬ ‫•‬
‫بالمشروع الجهادي بل والسلمي‪ ..‬وصلت المخططات الستخبارات الجزائرية‬
‫والخارجية إلى مبتغاها من سيناريو المجازر الذي خططت له ‪ .‬فأطلقت برنامجا‬
‫للستسلم بدعوى العفو عن المسلحين الذين يلقون سلحهم ‪ ..‬وكان جيش‬
‫النقاذ بقيادة ) مدني مرزاق( أول المستجيبين لما عرف بنداء )الوئام‬
‫الوطني( ‪ ..‬وتبرع عدد من علماء المسلمين في الخارج من أمثال ابن باز وابن‬
‫عثمين واللباني ‪,‬ليدعموا نداء الدولة للستسلم ‪ ,‬و خرج اللباني بآخر فتاويه‬
‫قبل أن يتوفى سنة )‪ , (2000‬ليعلن أن أحداث الجزائر أكبر شاهد على ما ذهب‬
‫إليه من قول ‪) :‬أن الخروج على الحكام في هذا الزمان ‪ ,‬هو في‬
‫حقيقته خروج على السلم ذاته !!!( ‪ .‬واختلط الحابل بالنابل في ساحة‬
‫الصحوة السلمية كلها بسبب التجربة الجهادية الجزائرية‪ ..‬لتصبح شاهدا لكل‬
‫من يريد أن يدلل على رأيه في فشل خيار الجهاد وليصبح النموذج عبرة لمن‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 752 [ ‬‬

‫يعتبر ‪ .‬بعد أن نجحت الستخبارات الجزائرية ومن ساعدها من المخابرات‬


‫العربية والخارجية ‪ ,‬ومشاركة حثيثة من وسائل العلم العربي بهدم الحاجز بين‬
‫مفاهيم الجهاد وبين أفكار التكفير والجرام والمجازر وحمامات الدم‪!..‬‬
‫• خلل عام ‪ 1998‬وما بعدها تتابعت الحداث في الجزائر وكنت قد غادرت‬
‫)لندن( إلى أفغانستان ‪ ,‬حيث ل يمكن مواكبة الخبار والحداث كما يجب في‬
‫ظل عزلة شبه تامة عن وسائل العلم ‪ ,‬بالضافة إلى ابتعادي عن ملف تلك‬
‫القضية ومتاهاتها منذ مطلع ‪1996‬بسبب الدوار العظيم الذي تسببت لي به‪..‬‬
‫ولكن ومن خلل المعلومات التي بلغتني من بعض المجاهدين الجزائريين الفاضل‬
‫ممن لذوا بأفغانستان في مرحلة طالبان ‪ ,‬ومن خلل متابعتي بحسب الممكن لوسائل‬
‫العلم ‪ ,‬وبعض المهتمين بهذه القضية ‪ ,‬وما اطلعت عليه من بعض البيانات التي‬
‫صدرت بعد ذلك ووصلتنا‪..‬فقد بدا أن الغالبية الساحقة من المسلحين والمجاهدين قد‬
‫نزلوا من الجبال بفعل ما سمي بمشروع الوئام الوطني ‪ ,‬وبقيت مجموعات هنا وهناك‬
‫في الجزائر تريد متابعة المواجهة مع النظام الذي خرج يباهي بانتصار باهر علي‬
‫السلميين و الجهاديين‪.‬‬
‫ثم ظهرت إلى العلن جماعة أطلقت على نفسها اسم )الجماعة السلفية للدعوة‬
‫والقتال( بزعامة أميرها )حسن حطاب (‪..‬بدا من خلل بياناتها أنها وعت بعض عبر ذلك‬
‫الدرس القاسي ‪ ,‬فركزت في بياناتها على نفي أفكار التكفير والغلو ‪ ,‬وعلى تركيز‬
‫المواجهة مع أجهزة السلطة العسكرية والمنية وإبراز الهداف العامة من أجل إقامة‬
‫الدولة الشرعية‪..‬إل أن معظم الوساط الجهادية بدت حذرة من ذلك ‪ ,‬فقد كانت‬
‫الصدمة بما حصل هائلة ‪ .‬وقد نقلت وسائل العلم ومازالت بعض أخبار عمليات تلك‬
‫الجماعة ومن أبرزها بعض عمليات اختطاف للجانب و مفاداتهم بمبالغ ضخمة ‪..‬‬
‫كما أن المجاهدين الجزائريين الذين أموا أفغانستان ‪ ,‬حاولوا بدورهم تجميع أنفسهم‬
‫وترتيب أوراقهم لعادة العمل في قضيتهم ‪ ,‬وشكلوا شبه تجمع كان يصارع ظروفا‬
‫صعبة من أجل إحياء مثل تلك القضية ‪ .‬و بدت بعض علمات التوفيق والتسديد على‬
‫بعض الناضجين منهم ‪..‬ولكن أحداث سبتمبر عاجلتهم كما عاجلت الجميع بما هو‬
‫معلوم‪ ..‬واتخذوا مواقعهم في معركة الدفاع عن النفس وعن المارة ‪..‬ونالوا ‪ -‬تقبل‬
‫الله ‪ -‬منهم حظا وافرا من البلء وسجل كثير منهم أسماءهم في قائمة الشهداء‬
‫والسرى من ضحايا أخدود سبتمبر مطلع القرن الحادي والعشرين ‪.‬‬
‫( وقد سجلت شهادتي عن تجربة الجهاد في الجزائر في كتاب مستقل‬
‫لهمية تلك التجربة وهو بعنوان (مختصر شهادتي على الجهاد في‬
‫الجزائر ‪ (1996-1989‬وأنصح الخوة بالعودة إليه لهمية دروس تلك‬
‫التجربة المريرة ‪(.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 753 [ ‬‬

‫‪ -9‬التجارب الجهادية في اليمن (‪:(1998 -1990‬‬

‫‪ .1‬تجربة الشيخ أسامة بن لدن حفظه الله (‪. (2001 -1990‬‬


‫‪ .2‬تجربة الشهيد أبو الحسن المحضار الجهادية ‪ -‬جيش عدن أبين (منذ‬
‫‪.(1998‬‬

‫لطالما اعتقدت أن اليمن من أكثر مناطق العالم العربي جاهزية لن تقوم فيها حركة‬
‫جهادية تتوفر لها معظم عناصر النجاح السببية ‪ ..‬ولسيما بعد قيام الوحدة‪ ..‬وقد كتبت‬
‫في ذلك بحثا خاصا من نحو )‪ 40‬صفحة(‪ ,‬وهو بعنوان ) مسؤولية أهل اليمن عن‬
‫مقدسات المسلمين وثرواتهم ( ‪ ,‬حيث أثبت فيه ذلك وحرضت عليه‪.‬‬
‫فمساحتها الشاسعة التي تقارب )‪ 400‬ألف كم مربع( وسواحلها الطويلة التي تزيد‬
‫على )‪ 2500‬كم( وتحكمها بمضيق باب المندب‪ ,‬وانفتاحها على السعودية ودول الخليج‬
‫من جهة وعلى القرن الفريقي وما يوفره من الذخيرة والسلح في شرق إفريقيا ‪..‬‬
‫وكثافتها السكانية التي تشكل نحو )‪ (%70‬من عدد سكان جزيرة العرب‪ ,‬أي زهاء‬
‫‪25‬مليون من أصل نحو ‪ 40‬مليون تقريبا‪ ,‬و طبيعتها الجغرافية المتنوعة والوعرة التي‬
‫تنتشر فيها الجبال وتعتبر من أصلح المناطق لحروب العصابات الجهادية‪ .‬وكذلك‬
‫طبيعة السكان المحافظة المتدينة وبنيتها القبلية السليمة من تحطيم الحضارة الحديثة‬
‫وسلبيات الطابع المدني الصناعي‪ .‬وانتشار السلح وارتباطه بتقاليد الحياة الجتماعية‪.‬‬
‫حيث تفيد الحصائيات الرسمية بوجود أكثر من )‪70‬مليون( قطعة سلح بيد رجال‬
‫القبائل والسكان‪ .‬غير ما لدى الحكومة‪ ,‬أي بمعدل أكثر من )‪3‬قطع( سلح لكل‬
‫مواطن بما فيهم النساء والعجائز والرضع! كما أن الصحوة السلمية فيها قديمة و‬
‫متجذرة وتعود إلى مطلع الخمسينات كما أنها متنوعة تشتمل على معظم مدارس‬
‫الصحوة المعروفة من الخوان إلى السلفية إلى السرورية إلى التبليغ والدعوة إلى‬
‫الصوفية إلى آخر ذلك‪ .‬هذا بالضافة لطبيعة السكان الذين ميزتهم الشكيمة والقدرات‬
‫القتالية حيث استعصت اليمن على مختلف أشكال الستعمار زمنا طويل ولم تتمكن‬
‫الدول الستعمارية من الستقرار فيها‪ ,‬كما حصل للبرتغاليين ثم النكليز ثم العثمانيين‬
‫ثم الجيش المصري في عهد عبد الناصر‪..‬‬
‫وفي تجربتنا الجهادية العريقة في أفغانستان )‪ (1992-1984‬كان الشباب المجاهد‬
‫اليمني يشكل ثاني أعلى إحصائية من بيين الشباب العرب الذين قدموا للجهاد‬
‫الفغاني‪ ,‬وكذلك في شوطهم الثاني )‪ .. (2001-1996‬وقد كانوا مثال للقدام‬
‫والشجاعة وخصال الفروسية و أصالة العروبة ‪ ..‬وكم أدهشني وما يزال يدهشني أن ل‬
‫يقوم فيها حركة جهادية واسعة‪.‬‬
‫أما من الناحية القتصادية فأكثر من )‪ (%70‬من السكان يعيشون تحت خط الفقر‬
‫وسقف القهر‪ ,‬فيما يرتع أكثر باقي سكان جزيرة العرب إلى جوارهم في نعيم مما‬
‫وهب الله تلك الجزيرة من الثروات التي هي ملك المسلمين عامة وأهل الجزيرة‬
‫خاصة‪ ,‬وهم سوادها العظم‪.‬‬
‫فكما ترى فإن السباب الشرعية والقتصادية والسكانية والسياسية والجغرافية‪ ,‬وكل‬
‫ما يعين عادة على تفجرا الثورات الناجحة متوفر فيها‪ ,‬وهنا يكمن العجب من أن ل‬
‫تقوم فيها مثل تلك الحركة الجهادية‪ ,‬رغم تولي حكومة مهلهلة يقودها طاغوت جاهل‬
‫منذ سنين طويلة‪ ,‬بل ويحاول أن يولي ابنه من بعده ملكا على الجمهورية الشتراكية‬
‫سابقا‪ ,‬الديمقراطية المريكية لحقا !! ولست هنا في محل بحث ذلك وقد بحثته في‬
‫بحث مستقل كما أسلفت ‪ ..‬والسبب الساسي في ذلك أن أكثر قيادات الصحوة‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 754 [ ‬‬

‫السلمية هم من القاعدين عن الجهاد من ذوي المصالح‪ ,‬وأن أكثر مشايخ الدعوة هم‬
‫من النفعيين وعلماء السلطين الذين ألفوا كراسي البرلمانات والسترخاء في كنف‬
‫الطاغوت‪ ..‬بالضافة إلى هيمنة سلطة زعماء العشائر والقبائل الذين تعودوا منذ عقود‬
‫وربما قرون أن يبيع أكثرهم دينهم بدنياهم ودنيا غيرهم ‪ ..‬وقد أثبت هذا بكل جلء ‪..‬‬
‫تولي قيادات الصحوة السلمية وزعماء القبائل الذين يشكلون الثقل الساسي الذي‬
‫اجتمع فيما سمى )حزب الصلح( إفشال إنتفاضة الشارع السلمي فيما عرف‬
‫بأحداث الدستور سنة )‪ (1993‬ومكافحة كل ما تل ذلك من محاولت جهادية‪..‬‬
‫مما جعل القيادات الشبابية المجاهدة الناشئة عاجزة عن إفراز قيادات ميدانية قادرة‬
‫على سحب قواعد الصحوة السلمية والقطاع الكبير ذي الحجم المليوني في اليمن‬
‫وراءها ‪..‬‬
‫ومشكلة اليمن كما هيا مشكلة العالم العربي والسلمي باختصار في كلمتين‪ ..‬خور‬
‫العلماء وعجزهم وجهل العوام وضياعهم واستحواذ حب الدنيا وكراهية الموت على‬
‫الجميع ‪ ..‬إلى أن يأذن الله بالفرج ‪ ..‬ونعود للموضوع‪:‬‬
‫بعد عودة الشباب المجاهد اليمني من أفغانستان مطلع التسعينات ‪ ..‬وعلى مدى‬
‫العقد الخير من القرن العشرين ‪ ..‬قامت محاولت جهادية عديدة في اليمن فشلت‬
‫كلها لما أوجزت من السباب‪ .‬وكان ابرز تلك المحاولت وأكثرها جدية‪ ,‬محاولة الشيخ‬
‫أسامة بن لدن منذ )‪ (1990‬لتكون أرضية جهادية في اليمن ‪..‬‬
‫وحركة ما عرف بجيش عدن أبين التي تزعمها المجاهد الشهيد أبو الحسن المحضار‬
‫رحمه الله أواسط سنة )‪..(1998‬‬

‫أ‪ .‬نبذة مختصرة عن المحاولت الجهادية للشيخ أسامة بن لدن في‬


‫اليمن‪:‬‬
‫• ينحدر الشيخ أسامة بن لدن حفظه الله من أصل يمني جنوبي من حضرموت ‪ ..‬فهو‬
‫أحد أبناء محمد بن لدن الذي هاجر من اليمن إلى السعودية مع بداية حكم الملك عبد‬
‫العزيز ‪ ..‬واستوطنها مكونا أسرة قريبة من آل سعود ‪ ,‬و تمتعت بنفوذ مالي وسياسي‬
‫واسع فيها منذ ذلك الوقت وإلى اليوم‪..‬‬
‫• وخلل الجهاد الفغاني ضد الروس حرص الشيخ أسامة على تكوين مجموعة منظمة‬
‫حوله ركز فيها على العناصر الجهادية من جزيرة العرب ولسيما من السعودية واليمن‬
‫‪ ..‬وفي التسعينات كانت معطيات التحرك الجهادي ضد الحكم الشيوعي في اليمن‬
‫الجنوبي قبل الوحدة جاهزة‪ ..‬فكثير من اليمنيين الشماليين من السلميين والقبائل‬
‫يؤيدون ذلك‪ ,‬كما أن ذلك يلقى دعما كبير من كبار التجار)الحضارمة( ذوي القدرات‬
‫القتصادية الكبيرة في السعودية‪ ,‬ومن الصحوة السلمية عموما‪ ,‬والتي تكن العداء‬
‫للشيوعية عامة وفي جوارهم في اليمن خاصة‪ ..‬ومع توافد عدد من المجاهدين‬
‫اليمنيين من أصل جنوبي أثناء الجهاد العربي في أفغانستان‪..‬‬
‫• كان المشروع الجهادي الخاص والرئيسي للشيخ أسامة‪ ,‬هو إحداث حركة جهادية في‬
‫اليمن الجنوبي‪ ..‬وقد باشر ذلك في سنة )‪ (1990-1989‬واستمر في محاولته إلى‬
‫قيام الوحدة ‪ ..‬ورغم أن عددا من الجهاديين المقربين من الشيخ أسامة أيامها‪ -‬وكنت‬
‫من بينهم‪ -‬قد حرض الشيخ أسامة على الشروع في ذلك الجهاد مباشرة ‪ ..‬إل أنه تردد‬
‫بانتظار إقناع قيادات الصحوة في اليمن ولسيما الخوان المسلمين من أمثال الشيخ‬
‫اللمع في حينها عبد المجيد الزنداني بالنخراط فيها ‪ ..‬وما كان لولئك أن يفعلوا ‪..‬‬
‫وضاعت فرصة ذهبية فيما أعتقد‪.‬‬
‫• ومنذ قيام الوحدة كان مشروع الشيخ أسامة قد تحول إلى المحاولة على مستوى‬
‫اليمن الموحد‪ .‬وشكلت مشكلة الصراع على دستور اليمن الموحد‪ ,‬وتناقض السلميين‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 755 [ ‬‬

‫و العلمانيين فرصة لعلن الجهاد على علي عبد الله صالح وحكومة اليمن الموحد‬
‫حديثة النشأة ‪ ..‬وقد تحرك الشيخ أسامة لستغلل تلك الفرصة ‪ ..‬وقدم إليه عدد من‬
‫مشايخ اليمن كان في طليعتهم الشيخ المعروف )عمر سيف( والذي وضع اسمه على‬
‫كتاب يثبت كفر الدستور‪ ,‬كان قد كتبه بعض المقربين من الشيخ أسامة‪ ,‬وأثبتوا فيه‬
‫أيضا كفر الحكومة القائمة عليه وشرعية جهادها ‪.‬‬
‫• وسعى الشيخ أسامة إلى مشايخ اليمن وكبار دعاتها من السلفية وعلى رأسهم الشيخ‬
‫)مقبل بن هادي الوادعي( ‪ ..‬وإلى الخوان وزعمائهم‪ ..‬وبذل أموال طائلة في تأليفهم‬
‫وتأليف بعض القبائل على المشروع‪ .‬ولكن جميع أولئك خذلوه‪ ,‬واستطاع علي عبد الله‬
‫صالح أن يستميلهم ‪ ,‬ويسند إليهم المناصب ويمنحهم العطاءات والنفوذ والتسهيلت ‪..‬‬
‫فأما الشيخ الزنداني‪ ,‬فقد أجهض مظاهرة المليون مسلح التي توجهت إلى بوابة القصر‬
‫الجمهوري‪ ,‬وكان على رأسهم مع زعماء الخوان وغيرهم ‪ ..‬فقد دخل القصر مع‬
‫البعض مفاوضا للرئيس ‪ ..‬وخرج إلى المتظاهرين المسلحين المطالبين بسقوط‬
‫الدستور والحكومة وبتحكيم الشريعة‪ ,‬ليقول لهم )من كان يؤمن بالله واليوم الخر‬
‫فليعد إلى بيته ‪ (..‬وانفرط الجمع ليصبحوا في اليوم التالي وقد صار الشيخ الهمام عبد‬
‫المجيد الزنداني أحد نواب الرئيس واحد حكام اليمن الخمسة الذين شكلوا مجلس‬
‫الرئاسة برئاسة علي عبد الله صالح!!‪ .‬وعضوية الشتراكيين الملحدين بحسب مذهب‬
‫الشيخ القديم!! وتوزع كبارزملئه في الصلح ما بيين وزير ونائب برلمان‪ ..‬تحت‬
‫الدستور الطاغوتي المشرع من دون الله والذي كتب في أعله دين الدولة هو السلم‬
‫والشريعة مصدر الدستور والقوانين (!!‬
‫وأما الشيخ )مقبل بن هادي الوادعي( فكان موقفه أنكى وأشد ضراوة ‪ ..‬فقد كتاب‬
‫كتابا وصف فيه الشيخ أسامة على أنه رأس الفتنة في اليمن‪ .‬وكانت أشرطته بالغة‬
‫العداء في الهجوم عليه‪ ,‬وفض الناس عن مشروعه تباع على الرصفة إثر خطب‬
‫الجمعة‪ ,‬حيث كان يقول أن بن لدن أرسل له أمول بدعوى الجهاد ابتغاء الفتنه ‪..‬‬
‫فزوج بها الشباب واشترى كتبا للمساجد!!‬
‫كما روى شباب مجاهدون من اليمن أن الوادعي شيخ السلفية!! لم يترك أحدا من‬
‫رموز الصحوة من شره في حينها‪ ..‬فهاجم قيادات الخوان و السروريين والصوفيين و‬
‫الجهاديين ‪ ..‬في حين كان يثني على )علي عبد الله صالح( ويصفه دائما بالخ‬
‫الرئيس ‪ ..‬ويؤكد على طاعته لولي أمر مسلم!! وقد سمعت من الشيخ أسامة أمام‬
‫بعض ضيوفه ذات مرة قوله‪ ,‬بأنه لو سامح كل من آذاه في حياته‪ ,‬فلن يسامح‬
‫الوادعي ‪ ,‬ومن يعرف سماحة نفس الشيخ بن لدن حتى مع من آذاه ‪ ,‬يدرك مدى‬
‫تأذيه من ذلك الذي أفضى إلى ربه !‪.‬‬
‫وأما أكثر قيادات الشباب الجهاديين الذين جندهم الشيخ أسامة ودربهم في‬
‫أفغانستان ‪ ..‬فقد استمالهم علي عبد الله صالح بأن أعطاهم رتبا في الجيش اليمني‬
‫وأدخل من أراد السلك العسكري ‪ ..‬والوظائف المدنية‪ ,‬فركبوا السيارات وتولوا‬
‫المناصب ‪ ..‬وبلغ بأبرزهم أمثال)الفضلي( و)النهدي( أن يعمل في سلك الستخبارات‬
‫والحرس الجمهوري كأقرب المقربين من علي عبد الله صالح !! وتلخص هذه المثلة‬
‫الثلثة الخوانية والسلفية و الجهادية في اليمن ‪ ,‬نموذجا للمشكلة الساسية في اليمن‬
‫‪ ..‬التي كان هذا حال أبرز علمائها وقادة صحوتها ومجاهديها ‪ .‬الذين افتقروا إلى‬
‫التربية المنهجية الجهادية خلل فترات إعدادهم التي اهتمت بالتكوين العسكري‬
‫وافتقرت لي فكر أو منهج يحصنهم من مثل تلك الستدراجات ‪..‬‬
‫• وقامت الوحدة ‪ ..‬وشكلت الحكومة) ومجلسها الرئاسي الخماسي ( والبرلمان من‬
‫أنصار علي عبد الله صالح وحزبه )المؤتمر الشعبي(‪ ,‬ومن السلميين وعلى رأسهم‬
‫زعماء الخوان وبعض رؤساء القبائل الذين كونوا )التجمع اليمني للصلح ( برئاسة‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 756 [ ‬‬

‫حسين الحمر و الزنداني‪ ,‬ومن )الحزب الشتراكي( من الجنوبيين‪ ..‬وقد حاول علي‬
‫عبد الله صالح ونجح في ضرب الطرفين ببعضهما وتقويه نفوذه ثم تقوى بالسلميين‬
‫على الشتراكيين الجنوبيين ‪ ..‬وقام بعض الجهاديين في تلك الفترة باغتيال لبعض‬
‫رؤوس الشتراكيين‪ ,‬الذين خططوا للنقلب على الوحدة ‪ ..‬ولكن علي عبد الله صالح‬
‫والسلميين ‪ ..‬زحفوا على عدن فيما عرف بحرب الوحدة ‪ ...‬وقضوا على محاولتهم‬
‫وفرضوا الوحدة بالقوة‪ .‬وكان الشيخ أسامة قد أمر أنصاره وأتباعه في اليمن من‬
‫الجهاديين الذين عادوا من أفغانستان بالدخول في المعركة إلى جانب جيش اليمن‬
‫الشمالي كما فعل كافة السلميين في الشمال‪ ,‬على إعتبار أن ذلك سيؤدي إلى‬
‫كسب مرحلة بالطاحة بالشيوعية‪ .‬وفعل لعب المجاهدون من الجهاديين والسلميين‬
‫دورا حاسما وسرعان ما انهارت مقاومة الجنوبيين في عجلة لم تسمح بالتدخل‬
‫الدولي ولم تستطع السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي إنقاذ الشيوعيين في‬
‫اليمن !! رغم فتاوى ابن باز وهيئة كبار العلماء بوقف الفتنة والصلح بيين المسلمين‬
‫الشماليين برآسة )صالح( والمسلمين )الشيوعيين( في الجنوب!!‬
‫وبحسب اعتقادي ورأى كثير من الجهاديين اليمنيين الذين التقيتهم ‪ ,‬فقد كان بإمكان‬
‫السلميين أن يعودوا إلى الشمال ليفرضوا حكم الشريعة أو يعزلوا صالح ويقيموا‬
‫الدولة السلمية‪ ,‬ولكن الذي حصل هو عودتهم إلى البرلمان وكراسي الوزارات في‬
‫حكومة علي عبد الله صالح ودستورها العلماني وحكمها المرتد ‪ ..‬وبقى الجهاديون‬
‫معزولون ‪ ..‬فقد تبع أكثرهم قيادات )الصحوة !!( من السلفية و الخوانية ! و‬
‫السرورية !! في حين آثر كثير منهم الرتب العسكرية والمناصب الحكومية والمنافع‬
‫الشخصية حيث نجح )الشاويش علي صالح‪ (....‬باستمالتهم إلى الدنيا‪.‬‬
‫• وكان الشيخ أسامة قد إنتقل إلى السودان‪ ..‬وانهمكت القاعدة في أعمالها الستثمارية‬
‫والقتصادية فيما اعتقدوا أنها دولة إسلمية تجب نصرتها بزعامة الرئيس البشير‬
‫و)المام ( حسن الترابي!! بحسب اعتقاد بعض أعضاء اللجنة الشرعية للقاعدة‬
‫آنذاك!! كما شارك بعض عناصرها في الجهاد في الصومال إلى جانب الفصائل‬
‫السلمية وشاركوا بفاعلية في إقناع المريكان بالنسحاب من أوحال رماله‬
‫الصحراوية ‪..‬‬
‫كما كان لتباع الشيخ أسامة وبعض الجهاديين عمليات محدودة‪ ,‬على بدايات أمريكية‬
‫لقامة قاعدة عسكرية في عدن حيث أقنعت عدد من صواريخ الكاتيوشا التي أطلقوها‬
‫على أعمال النشاء الولية للقاعدة ‪ ,‬أقنعت المريكان بالعدول عن المشروع ‪..‬‬
‫ولم تقم بعد ذلك للجهاديين من أتباع الشيخ أسامة أي محاولة تذكر للتحرك الجهادي‬
‫في اليمن منذ)‪ ..(1994‬حيث تحول فيما بعد لجهاد أمريكا‪.‬‬
‫• ولما عاد الشيخ إلى أفغانستان أواسط )‪ ..(1996‬بدأ الشباب المجاهد من اليمن‬
‫ينضمون إلى الشوط الثاني للفغان العرب في أفغانستان ‪ ..‬بمن فيهم أنصار الشيخ‬
‫أسامة صرح الشيخ أسامة لجريدة القدس العربي سنة ‪. 1997‬بأن محطته القادمة‬
‫جبال اليمن ‪ .‬وعاد مشروعه للنتعاش في اليمن ولكن من خلل إستراتجيته‬
‫الجديدة ؛ محاربة رأس الفعى أمريكا‪ ,‬والعراض عن الدخول في مواجهات مع أذيالها‬
‫ومن بينهم الذيل الصغير القزم عبد الله صالح في المنطقة الهامة اليمن ‪.‬‬
‫• وفي سنة)‪ (1999‬فيما أذكر ‪ ..‬قامت خلية من القاعدة بالهجوم الستشهادي على‬
‫المدمرة المريكية ) كول( التي كانت تتزود بالوفود في المواني اليمنية ‪ ..‬وصعد هذا‬
‫المواجهة مع الستخبارات اليمنية التي دخلت في حرب مكافحة الرهاب إلى جانب‬
‫أمريكا ‪ ..‬واعتقل الكثير من الجهاديين ومن بينهم بعض أنصار بن لدن ‪ .‬واشتدت‬
‫الحرب ضراوة ‪ .‬واضطرت حكومة علي عبد الله صالح إلى الفراج عن بعض أتباع بن‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 757 [ ‬‬

‫لدن فيما قيل أنه جاء بعد رسالة تهديد منه إلى صالح وتذكيره بأن معركة القاعدة‬
‫ليست مع الحكومة اليمنية و بإمكانها أن تجعلها كذلك ‪..‬‬
‫• وفي أواخر سنة )‪ (2001‬قبيل سبتمبر بقليل جمع بن لدن كبار أنصاره في قندهار‬
‫ليبلغهم أن يحزموا حقائبهم‪ ..‬وأنه قد آن الوان للرحيل إلى اليمن ‪ ..‬وفيما كانت‬
‫الشاعات والدهشة والمل تتداول في ساحة الفغان العرب حول هذه النقلة ‪ ..‬دوت‬
‫انفجارات سبتمبر ‪ ..2001‬ليتبع ذلك‪..‬‬
‫ه‬
‫ل الخليل عن خليل ِ‬ ‫ويذه ُ‬ ‫ه‬
‫ل الهام عن مقيل ِ‬ ‫ب يزي ُ‬
‫ضر ٌ‬

‫وتبع ذلك مطاردة الجهاديين في اليمن بدعوى انتماء كل أمة محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ..‬وكافة أعداء أمريكا من المخلوقات إلى القاعدة بحسب العلم المريكي‬
‫وبرامج مكافحة الرهاب ‪..‬‬
‫ونال الجهاديين في اليمن قسط كبير من هذه المطاردة‪ ,‬وسقط العديد من الخوة‬
‫من القاعدة وغيرهم بين شهيد وأسير في معارك مكافحة الرهاب في اليمن بقيادة‬
‫أمريكا وتنفيذ عبيدها المرتدين من عناصر الجيش والستخبارات اليمنية‪ ..‬وتمكنت‬
‫طائرة أمريكية من تدمير سيارة بصاروخ جو أرض وبموافقة ومعاونة من الستخبارات‬
‫اليمنية وجواسيسها العملء ‪ ..‬فقتلت الخ الشهيد أبو علي الحارثي وخمسة من إخوانه‬
‫في إحدى قرى اليمن رحمه الله ‪ ..‬ثم تتابعت أخبار المطاردات التي كان تصل لحد‬
‫المعارك الطاحنة بين حين وآخر وتحمل نبأ استشهاد أخ هنا واعتقال آخر هناك بزعم‬
‫أنهم من القاعدة ‪..‬‬

‫ب‪ .‬تجربة جيش عدن أبين بقيادة أبي الحسن المحضار رحمه الله منذ(‬
‫‪: (1998‬‬
‫• كان الشهيد أبو الحسن المحضار زين العابدين‪ -‬وهو من أشراف اليمن‪ -‬يتحلى‬
‫بنفس جهادي متقد‪ ,‬وبشهامة ومروءة عالية أبت عليه أن يتحمل تلك الوضاع‬
‫في اليمن خلل العقد الخير من القرن الماضي ‪ ..‬وقد سمعت بعض الروايات‬
‫من أخوة يمنين أنه كان قد التقى الشيخ أسامة من أجل إقناعه بإشعال شرارة‬
‫الجهاد في اليمن ولكنه لم يتوصل معه إلى اتفاق حول كيفية وتوقيت ذلك ‪.‬‬
‫ثم طاف أواسط التسعينات على بعض البارزين من علماء الصحوة في )السعودية(‬
‫لتحريضهم على دعمه في مشروع للجهاد في اليمن ولكن أحدا لم يجبه إلى ذلك‪ ..‬بل‬
‫ذهب كبار المشرفين على تدريس العقيدة ورئاسة أقسامها في الجامعات السعودية‪,‬‬
‫والذين ملؤوا صفحات الكتب وأشرطة الدروس العلمية بخصائص العقيدة الصافية‬
‫ومنهج دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ‪ ..‬ذهبوا في محاضراتهم ومواقفهم إلى‬
‫التصريح بأن أفضل سبل الدعوة في اليمن هو الخيار الديمقراطي!! كما أيدوا المسار‬
‫الديمقراطي في تركيا وشمال أفريقيا وسواها ‪ ..‬وهذا من نكبات من عاش في هذه‬
‫الزمان رجبا ورأى عجبا‪..‬‬
‫• ولكن همة ذلك المجاهد الهمام أبت عليه السكون ‪ ..‬وقد كان له صولت‬
‫وجولت مع الحكومة اليمنية وأجهز أمنها‪ ,‬وكان من ذلك موقفه الشهير‬
‫المشهود عندما إعتقلت أجهزة المن نساء المجاهدين من الفغان العرب الذين‬
‫التجؤوا إلى اليمن وأبت إخراجهم إل بترحيل رجالهم الفارين داخل اليمن عنها‪,‬‬
‫وكان له دور في جمع العلماء والدعاة ورؤوس القبائل يستحثوا فيهم الحمية‬
‫الدينية والنخوة القبلية ولم يهدأ له بال حتى كان السبب الساسي في الفراج عنهم‬
‫وكشف كربتهم ‪ ..‬وقد بذل في ذلك أموال واستدان على ذمته مبالغ كبيرة في سبيل‬
‫حركته ودعوته ونشاطه‪..‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 758 [ ‬‬

‫• وفي أواخر )‪ (1997‬بدأ بشكل مجموعة مسلحة وتنظيما مستقل باسم )جيش‬
‫عدن أبين(‪ ,‬تيمنا بالحديث الشريف الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم أنه يقول فيه )يخرج من عدن أبين اثنا عشر ألفا هم خير من بيني‬
‫وبينهم(‪.‬‬
‫ولما تجمع معه عدد من الرجال قيل أنهم بلغوا نحوا من مائتي رجل ‪ ..‬حمل السلح‬
‫ومضى برجاله إلى منطقة جبلية وعرة وأنشأ معسكرا له ولجماعته لبدء الحشد لجهاد‬
‫الحكومة اليمنية ‪ ...‬وقد وصلتنا أخباره إلى أفغانستان ربيع )‪ (1998‬وكنا نترقب أن‬
‫يكون ذلك بداية شرارة الجهاد الذي طالما انتظرناه في ذلك اليمن الذي كان سعيدا‬
‫قبل أن يحكمه أمثال عبد الله صالح ويتولى الدعوة فيه أمثال زعماء الصحوة فيه هذه‬
‫اليام ‪..‬‬
‫ولكن كبار الدعاة ومشايخ ما يسمى بالصحوة ركزوا جهودا كبيرة على إقناعه بالعدول‬
‫عن خروجه ذلك ووعدوه بالمناصب والموال من الحكومة إن هو عاد عن خروجه ‪..‬‬
‫ولكنه أبى‪ .‬فلعب الدعاة من مختلف مدارس الصحوة دورا مهما في خذلنه وإنزال‬
‫من استطاعوا من أنصاره وإقناعهم بعدم جدوى المحاولة‪ .‬وبدأ الشباب ينفضون‬
‫عنه ‪ ..‬وكان أكبر الخذلن الذي أثر في إنزال كم منهم ‪ ,‬ما جاء من طرف بعض‬
‫الجهاديين وبعض قدماء الفغان العرب من الخوة اليمنيين بدعوى أنها حركة متعجلة‬
‫وغير ناضجة‪ ,‬ول برنامج لها‪ .‬وبدل أن يضم الناصحون له من السلميين و الجهاديين‬
‫جهودهم إليه لترشيد حركته‪ ,‬كان موقفهم سلبيا ‪ ,‬كما بلغني من عدد من الرواة‪,‬‬
‫وأعتقد أن خروجه كان فرصة لهم ولقضية الجهاد في اليمن‪..‬ولكنها ضاعت ‪.‬‬
‫• وفي صيف )‪ (1998‬إعتقلت الحكومة اليمنية عددا من الجهاديين من شباب‬
‫اليمن بالضافة لعدد من الجهاديين من الخوة العرب اللجئين إليها فقام أبو‬
‫الحسن المحضار باختطاف عدد من السياح الجانب للضغط على الحكومة‬
‫للفراج عنهم ولكن الحكومة على عكس عادتها في التراضي مع رجال القبائل‬
‫الذين كثيرا ما اختطفوا سياجا بهدف الحصول على مطالبهم ‪ ..‬اتخذتها فرصة‬
‫للقضاء على تلك الحركة الوليدة‪ ,‬فحاصرت المنطقة وصعدت الموقف حتى‬
‫وصل للشتباك‪ ,‬وقد دفعت إليه في طليعة وحداتها من استطاعت من الدعاة‬
‫والخوة لنزال من يستطيعون من الجبل وإقناعهم بالستسلم وحسبنا الله‬
‫ونعم والوكيل‪ .‬ولما بدأت الهجوم عليهم لم يكن قد تبقى معه إل بضعة عشرات‬
‫من الرجال ‪ ..‬فقتل بعضهم وقتل بعض الرهائن ‪ ..‬حيث وصلت بعض الخبار‬
‫إلينا في أفغانستان ‪ -‬والله أعلم بصحتها ‪ -‬أن من معه رفضوا إعدام الرهائن لما‬
‫بدأت الحكومة الهجوم فلم يقتل إل واحد أو اثنين منهم‪ ,‬وقبض على أبي‬
‫الحسن المحضار‪ ..‬وتولت بريطانيا وبعض الدول الغربية الضغط الشديد على‬
‫حكومة اليمن من أجل إعدام أبي الحسن المحضار ‪ ..‬الذي أعلن عن إعدامه‬
‫في صيف عام )‪ (2000‬فيما بعد ‪ ..‬رحمه الله تعالى ورحم إخوانه وأسكنهم‬
‫فسيح جناته‪ ,‬وعوض اليمن بهم رجال صالحين يرفعون راية الجهاد فيها حتى‬
‫يخرج منهم أولئك الذين بشربهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪..‬‬
‫علقتي بالخوة اليمنيين وملحظاتي على تجربة الجهاد فيها‪:‬‬
‫كما قدمت فقد اقتنعت بجدوى الجهاد في اليمن منذ عام )‪ (1989‬وكنت أيامها قريبا‬
‫من الشيخ أسامة الذي أطلعني في حينها على بعض مناحي مشروع جهاده في اليمن‪,‬‬
‫وقد بذلت بعد حرب عاصفة الصحراء التي عرفت بحرب تحرير الكويت وسعيت في‬
‫إقناع الشيخ أسامة بجدوى وضرورة التحرك إلى اليمن‪ ,‬فقد كانت الجواء مناسبة جدا‬
‫بعد حضور المريكان إلى الجزيرة‪ ,‬ثم ما كان من أحداث الدستور‪ ,‬ولكنه تصور أن‬
‫ذلك ليس ممكنا بغير معاونة باقي رموز الصحوة ‪..‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 759 [ ‬‬

‫• وقد عرفت العديد من الخوة اليمنيين منذ أيام الجهاد الفغاني الول‪ ,‬ولما‬
‫عدت إلى أفغانستان في الشوط الثاني‪ ,‬اهتممت بالتجارب التي حصلت في‬
‫اليمن‪ ,‬وسعيت في كتابة تاريخها مع أحد أبرز الشباب الجهاديين من اليمن‬
‫) وهو الشهيد )مهند( عتش (‪ .‬ولكن الشهادة كانت أسبق إليه رحمه الله‪.‬‬
‫• وخلل ربيع )‪ (1998‬وبعد خروج أبي الحسن‪ ,‬حدثني أحد الخوة من أصدقائه‬
‫عن حركة المحضار والمال فيها وضرورة معاونته بالنصح والتأييد والدعم‪..‬‬
‫وأخبرني أن المحضار كان يستعين ببعض محاضراتي من تراث أيام الجهاد في‬
‫أفغانستان‪ ,‬وبكتابي )تجربة الجهاد في سوريا( بإلقاء بعض الدروس التربوية‬
‫على أتباعه‪ ,‬وأن مثل تلك النصيحة سيكون لها أثرا إيجابيا عليه ‪ ..‬وفعل حملت‬
‫الرجل رسالة وشريطا مسجل يتضمن خلصة أفكاري ونصائحي عن الجهاد في‬
‫اليمن ‪ ..‬وذهب الرجل وبلغ الرسالة ‪ ..‬وأخبرني هاتفيا بوصولها للمحضار ‪ .‬وبت‬
‫أنتظر خبرا لعله يفتح لنا خطوة جهادية تقربنا من مركز الصراع في الشرق‬
‫الوسط على الخط المقدس الممتد من اليمن إلى الحجاز والشام ‪ .‬وكنت آمل‬
‫باللحاق به ونصرته ‪ .‬ولكن وسائل العلم ما لبثت أن نقلت إلينا أخبار الكارثة‬
‫التي ذكرت خلصة قصتها آنفا ‪.‬‬
‫• ثم وصل إلى كابل بعض الخوة من الذين شهدوا مع أبي الحسن تلك المأساة‬
‫وأخذت من العديد منهم خلصة ما جرى ‪ .‬ثم قرأت في بعض الصحف السعودية‬
‫من أخبار تلك التجربة‪ ,‬أنهم صادروا من معسكر أبي الحسن بعض الكتب‬
‫والشرطة التي تحمل فكرنا )الهدام( لطغيان لتلك الحكومات ومن وراءها ‪..‬‬
‫ومن ذلك أشرطة للشيخ ) خالد زين العابدين (‪ ..‬وهو السم المستعار الذي‬
‫اتخذته في نشر أشرطة محاضراتي في تجربة أفغانستان ‪ ,‬حيث ربطوا بين‬
‫ذلك السم وكنية الشهيد أبي الحسن المحضار زين العابدين وهو توافق غير‬
‫مقصود ‪ .‬كما ذكروا أنهم عثروا هناك على نسخ من كتابي )التجربة السوري( ‪.‬‬
‫فترحمت عليه وسرني أن يكون ذلك‪ .‬وسألت المولى جل وعل أن يشركني في‬
‫الجر معهم وأن نلقاهم على حوضه الشريف في طائفة الغرباء ‪ ..‬الفرارين‬
‫بدينهم إنه سميع قريب كريم ‪..‬‬
‫• وعبر تجربتنا في الشرط الثاني للفغان العرب في أفغانستان أيام طالبان‪ ,‬كان‬
‫يرتاد المعسكر الذي أنشأته قرب كابل للعداد وبث فكر المقاومة العالمية‬
‫ومنهاج التيار الجهادي وتراثه بعض المجاهدين من اليمن ‪ ..‬وحرصت على أن‬
‫أوليهم عناية خاصة لما لتلك الزاوية من العالم السلمي من مكانة عندي‬
‫وأهمية في آمالي عن الجهاد المقاومة ‪ ..‬وقد كتبت بحثا بعنوان ) أهل اليمن‬
‫ومسؤوليتهم عن مقدسات المسلمين وثرواتهم ( ‪ ..‬وسجلت عددا من‬
‫الشرطة في موضوع الجهاد في اليمن ‪ ..‬وقد علمت أنها وصلت الساحة هناك‬
‫وتداولها الجهاديون والسلميون ‪ ..‬وفي أحد اليام بلغنا خبر إعدام الشهيد أبي‬
‫الحسن المحضار فتأثرت لذلك كثيرا ‪ ..‬ولم يكن بالوسع عرفانا لجهاد ذلك‬
‫الرجل المجاهد الشهم الشجاع ‪ ..‬الذي كان له في عنق الكثير من الجهاديين‬
‫في اليمن وغيرها حقا واجبا‪ ,‬ولم يكن في الوسع إل أن ندعو لحفل تأبيني في‬
‫معسكرنا بمناسبة إعدامه‪ ..‬حيث ذكرت مآثره وترحم عليه الجميع‪ .‬فرحم الله‬
‫رجل تحاببنا معه عن بعد ولم نره‪ ,‬وأسكنه فسيح جناته‪..‬ونسأل الله أن يرسل‬
‫في اليمن من يؤسس فيها ويعمل لبشرى خروج الخيار الذين بشر بهم الصادق‬
‫المصدوق صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 760 [ ‬‬

‫محاولت بناء تجمعات جهادية في المغرب منذ(‪(1995‬‬ ‫‪.10‬‬


‫لسلمية المجاهدة في المغرب (‪:‬‬
‫وتجربة (الجماعة ا ٍ‬

‫• كما ذكرت آنفا فقد كانت التجربة الجهادية المسلحة في المغرب ضد الحسن‬
‫الثاني التي قامت بها منظمة )الشبيبة المغربية(‪ ،‬بزعامة الشيخ عبد الكريم‬
‫مطيع ‪ ..‬إحدى المحاولت المبكرة جدا في العالم العربية‪ .‬بل لقد سبقت بواكير‬
‫ميلد الرهاصات الفكرية للتيار الجهادي المعاصر‪ .‬وكما ذكرت في بعض كتاباتي‬
‫السابقة‪ ,‬فإن المغرب تأتي ضمن القليل من بلدان العالم العربي والسلمي‬
‫مثل بلد وسط آسيا واليمن والجزائر وتركيا‪ .‬حيث تتوفر فيها معطيات ثورة‬
‫جهادية من حيث السباب والمعطيات‪.‬‬
‫• فالمغرب القصى بلد مترامي الطراف ‪ ,‬وعر المسالك‪ ,‬يتوفر على عدد من‬
‫الرياف والسلسل الجبلية الوعرة‪ ,‬وتمتد سواحله لكثر من )‪ (3000‬كم‪,‬‬
‫ويتحكم بمضيق جبل طارق‪ .‬ويرزح شعبه تحت حالة من أشد حالت الفقر‬
‫والعوز وجور السلطان‪ .‬كما أن لهم تاريخا مجيدا في الجهاد والقتال والتاريخ‬
‫الزاهر في البأس والشجاعة‪ .‬وهو شعب متدين بصرف النظر عن تسرب‬
‫الفساد إلى بعض مدنه الكبرى عبر سياسة الحكومة في النفتاح ونشر الدعارة‬
‫باسم السياحة‪ .‬فمازال للسلم حضوره وقداسته‪ .‬وفيه صحوة إسلمية تعود‬
‫إلى مطلع الستينيات وتتركب أيضا من معظم مكونات الصحوة السلمية‬
‫المعاصرة ومدارسها‪ ,‬من السلفية إلى الخوان‪ ,‬إلى الصوفية الحركية‪ ,‬إلى‬
‫الجهاديين‪ .‬وقد شهد عدد ل بأس به من شباب المغرب الجهاد في أفغانستان‪,‬‬
‫وعادوا إلى بلدهم دون كبير مشاكل‪ ,‬حيث كانت سياسة الداهية الهالك الحسن‬
‫الثاني‪ ,‬أن يستوعب الصحوة ول يستفزها‪ .‬وقد أثبتت سياسته تلك نجاحات‬
‫كبيرة في تفريغ الصحوة من داخلها ودفعها أيضا في مجالت الديمقراطية‬
‫المزيفة الناشئة في المغرب‪ ,‬وجعل كبار الدعاة هناك يتراوحون بين السجون‬
‫التأديبية و القامات الجبرية وكراسي البرلمان‪ .‬وبعيد انفجار الثورة الجهادية‬
‫المعاصرة في الجزائر‪ ,‬إثر إجهاض نجاحات النقاذ‪ ,‬كان المغرب المعبر‬
‫الساسي الذي نزل منه معظم الفغان العرب الجزائريين إلى بلدهم‪.‬‬
‫وقد غض المغرب بداية الطرف عن ذلك كرد فعل على تأييد الحكومة الجزائرية لجبهة‬
‫البوليساريو النفصالية الداعية إلى استقلل الصحراء الغربية عن المغرب‪ .‬ولذلك فقد‬
‫تكونت عدد من الخليا شرق المغرب وفي منطقة الريف وقدمت الكثير من معونات‬
‫العبور ونقل السلح من أوربا وتقديم الخدمات اللوجيستية للمجاهدين غرب الجزائر‪.‬‬
‫وذلك قبل أن تستحوذ القيادة المجرمة في الجماعة المسلحة على تلك القضية كما‬
‫روينا‪.‬‬
‫• وهكذا وبفعل تجربة المجاهدين الفغان العرب المغاربة من جهة ورياح التأثير‬
‫من الجزائر من جهة أخرى‪ ,‬بدأت بوادر تشكيل النويات الجهادية في المغرب‪,‬‬
‫الذي توقعت له مراكز الدراسات الستراتيجية المتابعة لشؤون السلم في‬
‫شمال أفريقيا في أوربا ولسيما في فرنسا‪ ..‬توقعت أن تنطلق الثورة السلمية‬
‫في شمال أفريقيا من المغرب أول‪ .‬وقد قرأت بعض التقارير الصادرة في‬
‫فرنسا عدد تعبر عن دهشتها لنطلقها من الجزائر قبل المغرب‪.‬‬
‫• وقد جرت بعض المحاولت الجهادية غير الناضجة من قبل البعض بضرب بعض‬
‫السياح الغربيين والقيام ببعض العمليات النادرة على بعض أعضاء الجالية‬
‫اليهودية في المغرب والتي تستولي على مراكز النفوذ السياسي والقتصادي‬
‫والعلمي فيه‪ ,‬وتدفع به في خطوات محمومة نحو التطبيع مع إسرائيل‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 761 [ ‬‬

‫ومنذ منتصف التسعينات بدأت محاولت جادة لتشكل خليا جهادية و نويات‬ ‫•‬
‫تنظيمات داخل المغرب وخارجها ‪ ..‬فقد وصلت رياح التيار الجهادي بقوة إلى‬
‫المغرب على هامش الجهاد في الجزائر ‪ ..‬كما أن خطوات التطبيع اليهودي‬
‫والتغريب الصليبي أخذت شكل جديا ومكشوفا مع وصول الملك محمد السادس‬
‫ولي عهد أبيه إلى الحكم بعد هلك والده‪.‬‬
‫أواسط التسعينات‪ ..‬تمكن عدد من شباب التيار الجهادي المغربي من تكوين‬ ‫•‬
‫نواة لتنظيم جهادي للعمل في المغرب ‪ ..‬ويبدو أن بوادره الولى قد تشكلت‬
‫في أوساط المهاجرين المغاربة في بعض الدول الوربية‪ ,‬وقد كان فيهم بعض‬
‫الفغان العرب المغاربة‪ ,‬وانتقلت لعدة دول أخرى حيث تشكل الجالية المغربية‬
‫المهاجرة في أوربا شريحة ضخمة ربما ناهزت خمسة مليين مهاجر‪ ,‬يتخذ‬
‫أكثرهم من فرنسا وبلجيكا وهولندا ودول وسط أوربا مهجرا أساسيا‪ ,‬فيما‬
‫تتواجد جاليات ليست بالقلية في باقي الدول الوربية‪ ,‬وقد أصدرت الجماعة‬
‫منهجا وعدد من الدبيات بصورة أقرب إلى السرية‪ ,‬ونشرتها في أوساط‬
‫الجاليات المغربية في أوربا‪ ,‬ووزعت على نطاق محدود داخل المغرب‪ .‬وقد‬
‫اطلعت على بعض تلك الدبيات‪ ,‬وهي في مجملها تسير وفق نفس منهج التيار‬
‫الجهادي الذي ساد تلك الفترة‪.‬‬
‫ولما قامت المارة السلمية في أفغانستان أيام طالبان‪ ,‬ورحل كثير من‬ ‫•‬
‫الجهاديين من ملذات أوربا إليها‪ ,‬قامت هذه المجموعة بافتتاح معسكر وعدد‬
‫من المضافات لها في أفغانستان‪ ,‬وبدأت مشوار العداد العسكري والتربوي‬
‫الشامل‪ ,‬وكذلك إعداد وتدريب الكوادر من القادمين من أوربا أو من المغرب‬
‫ذاتها‪ .‬وكانت حركة مبشرة‪ ..‬وقد شارك هؤلء المجاهدون المغاربة كغيرهم في‬
‫دعم المارة السلمية ومساندتها ‪ ..‬ولما جاء سبتمبر ضمهم الجمع الذي انخرط‬
‫في معركة الدفاع عن النفس وعن المارة السلمية‪ ,‬حيث أخذوا حظهم من‬
‫البلء‪ ,‬فاستشهد البعض وأسر آخرون وتفرق الباقون مع القليل الذي نجا من‬
‫ذلك الخدود‪ .‬وأسأل الله أن يرعاهم ويفقهم‪ ,‬فقد كان منهم نماذج رائعة‪...‬‬
‫وفي أواخر )‪ (2003‬تناقلت وسائل العلم أنباء انفجارات هائلة استهدفت بعض‬ ‫•‬
‫الهداف الغربية في الدار البيضاء‪ ,‬وقد نفذها إستشهاديون‪ ,‬وقد ذكرت وكالت‬
‫النباء نقل عن المصادر الحكومية المغربية الرواية الوحيدة للحدث‪ .‬ونسبته إلى‬
‫ما أسمته )السلفية الجهادية( ‪ ..‬كما ورد أن المسؤول عنها بعض من وصفتهم‬
‫بالتكفيريين‪ ,‬على حد زعم تلك الوسائل ولم يمكنني معرفة المزيد عن ذلك‪..‬‬
‫ولكن المهم الجدير بالذكر أن أجهزة المن المغربية قامت على هامش تلك‬ ‫•‬
‫الحداث التي لم يتوفر لي عنها روايات يمكن الوثوق بها ‪ ..‬قامت باعتقال مئات‬
‫الشباب فيما عرف باسم)تيار السلفية الجهادية( وقد أصدرت المحاكم المغربية‬
‫أحكاما كثيرة من أحكام العدام وفترات السجن الطويلة‪ ..‬كما اعتقل في تلك‬
‫الهجمة عدد من أبرز الدعاة السلفيين و الجهاديين في المغرب ممن ل علقة‬
‫لهم بتلك الحداث ‪ ..‬فيما بدا أنه عمليات إجهاض مبكر لي إمكانية مفترضة‬
‫ون ظاهرة جهادية تتوفر لها كافة المعطيات في ذلك البلد المنكوب بحكومة‬ ‫لتك ّ‬
‫طاغوتية من أعتى حكومات البلد العربية والسلمية بطشا وجبروتا وعمالة‬
‫لعداء السلم من اليهود والصليبين‪..‬‬
‫وعلى الصعيد الشخصي فقد ربطتني بالكثيرين من الخوة المغاربة علقات‬ ‫•‬
‫أخوة صداقة ‪ ,‬منذ أيام إقامتي في فرنسا ثم أسبانيا ثم بريطانيا لكثرة تواجد‬
‫المغاربة في تلك البلد وفي أوساط الصحوة السلمية في الغرب ‪ .‬ولقد عرفت‬
‫منهم الكثيرين من الكوادر الرائعة ‪ ,‬إذ ميزهم الخلص والصفاء والحماس‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 762 [ ‬‬

‫المتقد ‪ ,‬وكانت آثار معاناة شعبهم من ذلك الفرعون الهالك الملك ) الحسن‬
‫الثاني ( ثم ابنه الماجن الملك الحالي ) محمد الخامس ( وأسرتهم ونظامهم‬
‫الجاثم على صدور المؤمنين في المغرب بادية الثار عليهم وعلى رغبتهم في‬
‫العمل والجهاد ‪.‬‬
‫• وفي الشوط الثاني للفغان العرب في أفغانستان تعرفت إلى الكثيرين نهم ‪,‬‬
‫وخاصة من شباب الجماعة الناشئة ) الجماعة المجاهدة في المغرب ( وكانوا‬
‫أنموذجا للشباب الصادق المتقد حماسا ورغبة في النتاج والعطاء‪ ,..‬وكنت أؤمل‬
‫لتجربتهم الواعدة آمال عريضة ‪ ,‬لةل أن قدر الله كان أسبق إليهم في‬
‫أفغانستان ‪ ,‬إذ التهم أخدود سبتمبر الكثير من كوادرهم ليتشرد من أبى في‬
‫الرض لحقين بقافلة الفرارين بدينهم تقبل الله منهم ومن إخوانهم جميعا ‪.‬‬
‫• ول أنسى أن أسجل بكل الحترام والتقدير المساهمة الرائعة والداء المتميز‬
‫لبعض المجاهدين المغاربة في العملية البطولية التي أسفرت عن إخراج جيش‬
‫دولة أسبانيا التي شكلت في حرب العراق – أيام حكومة الحزب اليميني‬
‫بزعامة أثنار ‪ -‬ثالث أضلع مثلث الحلفاء إضافة لمريكا وبريطانيا ‪ .‬ورغم أني لم‬
‫أستطع أن أعرف الجماعة التي انتمى إليها أولئك الفذاذ ‪ ,‬إل أن أمة السلم‬
‫بكاملها مدينة لتلك الكوكبة من الستشهاديين التي يعود إليها شرف بداية تصدع‬
‫الحلف المريكي الصليبي ‪ .‬و المتأمل في تلك العملية إلى نهاياتها البطولية ‪.‬‬
‫يكتشف مدى ما في ذلك الشعب المغربي المسلم الكريم ‪ ,‬من طاقات خلقة‬
‫تثبت جدارتهم بأجدادهم العظام الذين حملوا مهمة الجهاد في مغرب أمة‬
‫السلم والمسلمين على مر التاريخ السلمي المجيد‪.‬‬

‫‪ .11‬تجربة الفغان العرب اللبنانيين في جبال النبطية بقيادة الشهيد أبو‬


‫عائشة اللبناني – رحمه الله ‪:(1999( -‬‬
‫كان المجاهدون اللبنانيون من الفغان العرب من ضمن الجنسيات التي حضرت‬
‫منها أعداد قليلة إلى أفغانستان‪ .‬وقد تميزوا بالضافة إلى مشاركتهم الميدانية بالدماثة‬
‫والخلق ‪ ..‬وكانوا من بين الجنسيات التي استطاع أصحابها العودة إلى بلدهم دونما‬
‫كبير مشاكل ‪ ..‬وقد تعرض البعض منهم إلى العتقال والتحقيق والسجن إثر إقدام‬
‫مجموعة صغيرة منهم على اغتيال أحد قيادات الحركة الدينية الشاذة في لبنان والتي‬
‫تنسب لمؤسسها )حركة الحباش(‪ .‬وكان القتيل نائب في البرلمان اللبناني ‪ ..‬وبحسب‬
‫روايات الخوة اللبنانيين فإن تلك الحركة كانت تقدم خدمات كبيرة للستخبارات‬
‫السورية في لبنان وتؤذي الشباب المسلم‪ ,‬كما تميزت بالعدوانية‪ ,‬وطاردت شباب‬
‫أهل السنة و الجهاديين في مساجدهم وآذتهم‪ .‬ثم ألقي القبض على تلك المجموعة‬
‫ونفذ فيها حكم العدام‪ ,‬بعد أن أبدى عناصرها بطولة وثباتا نادرا في تصريحاتهم في‬
‫المحكمة وأمام الصحافة وأثناء عملية العدام‪ ..‬حيث شيعة طائفة السنة أجسادهم‬
‫الطاهرة في موكب مهيب جسد مشهدا لوحدة صف حركاتها المتعددة في لبنان‪..‬‬
‫• ثم تابع بعض أفراد تلك المجموعة عمليات الدعوة لفكارها الجهادية السلفية‬
‫في مختلف المناطق اللبنانية ولسيما في منطقة شمال لبنان قرب مدينة‬
‫طرابلس وجبال النبطية‪ ,‬وكان هدفهم بحسب تصوراتهم التي رسمها أميرهم‬
‫الخ )أبو عائشة اللبناني( هي القيام بتأسيس حركة جهادية لشباب أهل السنة‬
‫تعمل على إقامة ثورة إسلمية تهدف إلى تحكيم الشريعة في لبنان‪ ..‬وتسعى‬
‫على القل إلى إيجاد شوكة لهل السنة في لبنان‪..‬‬
‫• كان الخ أبو عائشة اللبناني رحمه الله أحد الفغان العرب القدماء أيام الجهاد‬
‫الفغاني ‪ ..‬وكان مهاجرا في الوليات المتحدة وقدم منها إلى أفغانستان ‪ ..‬وعاد‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 763 [ ‬‬

‫بعد انتهاء الجهاد الفغاني إلى أمريكا ومنها إلى لبنان يحمل في صدره أفكارا‬
‫وآمال عن تأسيس حركة جهادية محلية لهل السنة في لبنان ‪..‬‬
‫• ونظرا لصداقة وعلقة تعاون كانت لي به وبعض إخوانه أيام الجهاد الفغاني‪,‬‬
‫فقد بقى لي شيء من التواصل المتقطع ببعضهم في الفترات التالية‪ ,‬مما‬
‫مكنني من الطلع على أهدافهم‪ .‬وقد أرسلت له رسالة مع أحد أصدقائي الذي‬
‫التقى به‪ ,‬ونقل إليه قناعتي بأن فكرته تمشي بعكس الجغرافية والسياسة‬
‫والتاريخ ومعطيات الواقع ‪ ,‬وأن من الفضل لهم أن يحاولوا العودة للستفادة‬
‫منس أجواء أفغانستان في أيام طالبان لمتابعة التأسيس والعداد على مهل‪.‬‬
‫كما أوصلت له وجهة نظري بأن معطيات لبنان السياسية والسكانية والقليمية‬
‫ل تسمح بأفكاره التي بدت لي غير موضوعية‪ ,‬ونصحته أن يحاول تطوير‬
‫مشروعه الجهادي إلى فكرة إقليمية أوسع تأخذ بعين العتبار ما وصلت إليه‬
‫الموجهة العالمية بين المسلمين والنظام العالمي الجديد‪ ,‬ولكنه – رحمه الله ‪-‬‬
‫بدا مصرا ومقتنعا ببرنامجه‪ ,‬وأرسل لي باختصار قوله‪ :‬لقد جربتم في سوريا‪..‬‬
‫وجرب إخواننا في مصر وليبيا والجزائر ‪ ..‬ودعونا نجرب في لبنان‪..‬‬
‫• وبعد مدة قصيرة يبدو أن كثافة حركة أنصاره الذين ازدادوا من أحاد إلى‬
‫عشرات‪ ,‬رفع ثقتهم بأنفسهم ودفعهم للتحرك بشيء من العلنية‪ ,‬حيث روى‬
‫بعض أهالي المنطقة بأنهم كانوا يعرفون بتواجدهم في الجبال ‪ ,‬وأن بعضهم‬
‫كان يتحرك بشكل شبه مكشوف ‪ ..‬فما لبث الجيش اللبناني أن طوق المنطقة‬
‫وحصلت معارك إستمرت لعدة أيام ‪ ..‬قيل أن بعض وحدات الجيش السوري قد‬
‫شارك فيها ‪ .‬وأسفرت عن استشهاد نحو خمسين من الخوة ‪ ..‬بينهم أبو عائشة‬
‫رحمه الله وبعض البارزين من إخوانه من قدماء الفغان العرب واعتقل بعض‬
‫من كان له علقة معهم من مختلف المناطق اللبنانية بحسب ما بلغني عن بعض‬
‫الخوة ووسائل العلم فرج الله عنهم‪...‬ورحم الله الشهداء البرار‬

‫*************‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 764 [ ‬‬

‫أبرز التجارب الجهادية المعاصرة في وسط آسيا‪:‬‬

‫التجربة الجهادية في طاجيكستان (‪:(2000-1992‬‬ ‫‪-12‬‬


‫مع انتصارات الجهاد ضد السوفيت في أفغانستان‪ ,‬انتعشت آمال المسلمين في‬ ‫•‬
‫وسط آسيا للتخلص من نير الحتلل الر وسي الذي بغى عليهم ومنعهم حتى‬
‫من دينهم‪ .‬وقد لعبت القلية الفرسوانية أو الطاجيكية كما يسمونها في شمال‬
‫أفغانستان خلل مواجهتها للسوفيت دورا في إيصال بذور الثورة و شعلة الجهاد‬
‫إلى ما راء نهر جيحون كما سعت عدد من الحزاب الجهادية الفغانية وعلى‬
‫رأسها حزب الجمعية السلمية‪ ,‬والحزب السلمي الذي تزعمه حكمتيار إلى‬
‫العمل على ذلك بإرسال نسح من القرآن الكريم‪ ,‬والكتب الدينية المترجمة‪ ,‬إلى‬
‫الخليا السرية من بذور الحركة السلمية في طاجيكستان ليحرضوهم على‬
‫الجهاد‪.‬‬
‫ومع انهيار التحاد السوفيتي‪ ,‬كان الحلم الكبير لدى المخلصين من المجاهدين‬ ‫•‬
‫الفغان والفغان العرب هو عبور نهر جيحون لك يواصلوا الجهاد ضد موسكو‪,‬‬
‫وهذا ما فعله البعض إثر انسحاب الجيش الحمر الذي لعب بعض قادة الحزاب‬
‫الفغانية ولسيما رباني ومسعود دورا مخزيا في حفظ سلمته أثناء النسحاب‪,‬‬
‫بعد ما أذاق الفغان ويلت القتل والدمار الكامل لبلدهم‪ .‬ولكن عددا من‬
‫المجاهدين العرب والفغان و الطاجيك‪ ..‬عبروا النهر ليكونوا طلئع تجربة‬
‫جهادية زاخرة إستمرت منذ مطلع التسعينات وإلى نهاية القرن العشرين‪ .‬ول‬
‫أمتلك عن تلك التجربة كبير تفاصيل إل ما اطلعت عليه من بعض المهتمين بها‪..‬‬
‫وخلصة ذلك أن المجاهدين استطاعوا أن يحرروا مناطق شاسعة من‬ ‫•‬
‫طاجيكستان امتدت من حدودها مع أفغانستان إلى حدودها مع أوزبكستان ‪..‬‬
‫وتمكنوا أواخر التسعينات من تهديد العاصمة دوشنبيه ذاتها‪ ,‬حيث تهدد النظام‬
‫الشيوعي المدعوم من روسيا فعليا بالسقوط‪ ,‬وبحسب شهادة أولئك‬
‫المجاهدين من العاملين في تلك القضية‪ ,‬فقد تدخلت الستخبارات الروسية )‬
‫‪ (KGB‬في اللحظات الخيرة وأقنعت القائد الفغاني الشهير مسعود ورئيس‬
‫الرباني الغدر بالقواعد الخلفية لولئك المجاهدين في شمال أفغانستان‬
‫وأجبرتهم على النسحاب عن العاصمة حيث استرد النظام أنفاسه ‪ ..‬وجاءت‬
‫الطعنة التالية من الحركة السلمية الطاجيكية ذاتها وزعيمها الستاذ )نوري(‬
‫الذي التقى)يلتسن( في موسكو وصورته عدسات التلفزيون وهو يصافحه‬
‫بحرارة‪ .‬وجري التفاق بإشراف موسكو بين الحكومة الطاجيكية وحركة النهضة‬
‫السلمية بزعامة نوري على تسوية يستلم بموجبها حزب النهضة بعض‬
‫الوزارات ومقاعد البرلمان‪ ..‬وهكذا جمد حزب النهضة جناحه العسكري الذي‬
‫كان يشارك في حصار العاصمة‪ .‬وأوجد هذا شرخا في صف الحركة الجهادية‬
‫المكونة من الطاجيك و الوزبك بالضافة لبعض المجاهدين من وسط آسيا‪.‬‬
‫الذي كان يتزعمهم المجاهد الكبير جمعة باي الوزبكي‪ ..‬الذي انسب إلى الجبال‬
‫بمن معه وواصل القتال ‪ ..‬إلى أن اضطر إلى توقع تسوية تضمن له النسحاب‬
‫إلى أفغانستان واللجوء إلى نظام طالبان بأسلحته ومن بقي من جنوده‪ ..‬وهذا‬
‫ما تم سنة )‪ (2000‬حيث حضر إلى أفغانستان وانضم إلى مجاهدي الوزبك‬
‫وحركتهم التي أسسوها سنة )‪ (1998‬وأسموها )الحزب السلمي لوزبكستان(‪,‬‬
‫بزعامة محمد طاهر جان‪ .‬ليسدل الستار على حركة جهادية نوعية تبقى كتابة‬
‫تفاصيلها أمانة في عنق من عايشوها عن قرب تلك الفترة ‪..‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 765 [ ‬‬

‫‪ -13‬التجربة الجهادية في أوزبكستان (‪: (2001-1998‬‬


‫تعتبر أوزبكستان القلب النابض للسلم في آسيا الوسطى‪ ..‬وقد استطاع‬
‫المسلمون فيها أن يحافظوا على دينهم ودين آبائهم عن طريق نظام الحجرات السرية‬
‫التي كانت تدرس السلم خفية‪ ,‬حيث تخرج منه آلف الحفاظ وطلب العلم من‬
‫أوزبكستان وما جاورها من دول الجمهوريات السوفيتية‪ .‬و يجاوز عدد سكان‬
‫أوزبكستان )‪ (25‬مليون نسمة‪ .‬وفيها أكبر الحاضرات السلمية التاريخية مثل بخارى و‬
‫طشقند و سمرقند و ترمذ‪.‬‬
‫• بقيت الصحوة السلمية فيها حركة سرية إلى أن انهار التحاد السوفيتي‪,‬‬
‫وحصل ماسمى بعهد النفتاح‪ ,‬ولبس الشيوعيون فيها لباس الديمقراطية كما‬
‫زعم رئيسها كريموف عضو الحزب الشيوعي السابق الذي صار رئيسا للبلد‬
‫ولحزب ديمقراطي فيها‪ ,‬مستبدل الولء للمريكان بالولء للروس‪..‬‬
‫• وقد قمع كريموف الصحوة السلمية التي شبت منذ )‪ (1990‬ودخل في صراع‬
‫معها‪ ,‬مما أدى لهجرة اللف إلى دول الجوار‪ .‬وبعد سنة )‪ (1995‬يمم عدد من‬
‫الشباب المهاجر المجاهد وجهه شطر الشيشان حيث كان الخ المجاهد الشهيد‬
‫ابن الخطاب يعد لمشروع طويل المد لزكاء شعلة الجهاد في القفقاس وسط‬
‫آسيا والجمهوريات السوفيتية‪ .‬في حين نزلت مجموعة كبيرة منهم إلى‬
‫أفغانستان في عهد طالبان‪ ,‬و التحق آخرون بالمجاهدين الطاجيك وقائدهم‬
‫الوزبكي جمعة باي رحمه الله ‪ ..‬في حين استخفت مجموعات أخرى داخل‬
‫أوزبكستان تجهز لنتفاضة جهادية‪..‬‬
‫• تزعم المجموعة التي نزلت إلى جوار طالبان أحد الدعاة الشباب من جماعة‬
‫التبليغ وكان متحمسا لمشروع جهادي واسع للنتفاضة على نظام كريموف وكان‬
‫قد لمع نجمه نتيجة تصديه للرئيس كريموف أثناء احتفال خطابي حاشد‪ .‬ثم فر‬
‫إلى أفغانستان‪ ,‬وبايع أمير المؤمنين مل محمد عمر الذي تبنى مشروعهم‬
‫واعتبره ظهيرا هاما في الشمال أفغاني حيث تقطن جالية أوزبكية وتركمانية‬
‫كبيرة يبلغ تعدادها نحو )‪ (5‬مليين نسمة ‪..‬‬
‫• وبالتعاون مع بعض الفغان العرب الذين تحمسوا للمشروع الجهادي الوزبكي‪,‬‬
‫وبدعم سخي من طالبان ‪ ..‬نمى مشروع الوزبك بزعامة محمد طاهر جان‬
‫بسرعة‪ ,‬حيث تجمع تحت قيادته مئات المقاتلين الشداء الشباب الذين تخرجوا‬
‫بداية على يد بعض المدربين من الفغان العرب ثم طوروا إمكانياتهم وصاروا‬
‫من أكثر المجموعات الداعمة لطالبان تدريبا وتسليحا‪.‬‬
‫• انضم جمعة باي بعد خروجه من طاجيكستان إلى محمد طاهر جان وبايعه على‬
‫الجهاد في أوزبكستان وصار نائبه و مسؤوله العسكري وذراعه اليمن‪ ,‬وعاد بعد‬
‫ذلك لتنظيم تواجد المجاهدين الوزبك على حدود أوزبكستان ودخل طاجيكستان‬
‫ثانية‪ ,‬ولكن محاولته كشفت‪ ,‬كاد يقتل مع جميع من معه على يد جيش‬
‫قيرغيزستان ولكنهم استطاعوا أن يخطفوا مجموعة من الخبراء اليابانيين‬
‫والجانب وأدت المفاوضات إلى أن يتحصلوا على فدية بنحو )‪ (5‬مليين دولر‬
‫ويعودوا أدراجهم إلى أفغانستان!! مما رفع أسهم الحركة عند طالبان ‪.‬‬
‫• وفي أواخر )‪ (1999‬نزل عدد من المجاهدين الوزبك من الشيشان وبالتعاون‬
‫مع مجموعات سرية هناك قاموا بعدة عمليات تفجير استهدفت منشآت حكومية‬
‫في أوزبكستان‪ .‬وردت الحكومة على ذلك بحملة من العتقالت فر على أثرها‬
‫مزيد من الجهاديين والسر المهاجرة إلى أفغانستان‪ .‬وقبض على عدد من‬
‫الجهاديين الوزبك في عدد من دول وسط آسيا وتركيا ‪ ..‬وسلموا إلى‬
‫أوزبكستان وحكم على بعضهم بالسجن وعلى بعضهم بالعدام‪ .‬وتوافد من نجا‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 766 [ ‬‬

‫منهم إلى أفغانستان‪ ,‬وتجمع أولئك الكوادر حول طاهر جان حيث شكلوا محكما‬
‫ومنظما وحسن التجهيز‪ .‬وأطلقوا على حركتهم اسم ) الحزب السلمي‬
‫لوزبكستان(‪.‬‬
‫ونظرا لضخامة الجالية الوزبكية المهاجرة منذ أيام الحتلل السوفيتي في عدد‬ ‫•‬
‫من الدول كتركيا ودول وسط آسيا وأوربا وباكستان وبعض البلد العربية‬
‫ولسيما السعودية‪ .‬حيث استطاع العديد منهم أن يحترفوا التجارة ويتولوا‬
‫المناصب بعد أن حصل أجدادهم على الجنسية السعودية منذ أيام الملك فيصل‪.‬‬
‫وقد أدت تلك الجاليات دعما ماديا وبشريا وقدرة على التصالت والعلقات‬
‫العامة لتك الجماعة الناشئة التي جهزت عدة مئات من المقاتلين المدربين‪.‬‬
‫أواسط سنة)‪ (2001‬قرار أمير المؤمنين مل محمد عمر بناء على مشروع‬ ‫•‬
‫دراسة كنت قد قدمته له من أجل تشكيل لواء من جميع المجاهدين العرب‬
‫والمسلمين من غير الفغان )من الباكستان والعرب ومجاهدي وسط آسيا(‪..‬‬
‫ووقع اختياره على )جمعه باي( المسؤول العسكري للوزبك لرئاسة وإدارة ذلك‬
‫المشروع الذي أطلقوا عليه أسم اللواء )‪ (21‬وربطوه بالقيادة العسكرية لجيش‬
‫الطالبان )قول أوردو(‪ .‬وبطبيعة الحال استعان جمعه باي بإدارته العسكرية‬
‫الوزبكية لدارة ذلك اللواء مع نخبة من القيادات من العرب و الباكستان و‬
‫التركستان‪.‬‬
‫وقويت مكانة الوزبك جدا لدى طالبان‪ ,‬ووضع محمد طاهر جان مشروعا‬ ‫•‬
‫طموحا لتكوين جيل من الدعاة وطلب العلم الوزبك لتتحرك ضمن الجالية‬
‫الوزبكية والتركمانية الفغانية الضخمة العدد في شمال غرب أفغانستان‪ .‬وكان‬
‫البرامج يهدف لعداد مئات الدعاة خلل سنتين كي يتولوا الدعوة ثم يشكلوا‬
‫ميلشيات أوزبكية مجاهدة هدفها القتال إلى جانب طالبان ومن ثم العداد‬
‫للجهاد في بلد ما وراء النهر‪ .‬وهو حلم الفغان الكبير منذ رحيل الجيش الحمر‬
‫عن أفغانستان عبر نهر جيحون إلى داخل التحاد السوفيتي‪.‬‬
‫وقد علق أمير المؤمنين على ذلك المشروع آمال كبيرة ودعمه بكل ما أوتي من‬ ‫•‬
‫إمكانيات‪ .‬وهكذا‪ ,‬ومع بداية موسم القتال صيف )‪ .(2001‬كلف أمير المؤمنين‬
‫اللواء )‪ (21‬بقيادة )جمعة باي( بمهام قتالية في شمال أفغانستان في ولية‬
‫قندوز و تخار‪ .‬وفيما كان اللواء المشترك الذي زاد عدد مقاتليه على ثلثة آلف‬
‫من المجاهدين الباكستان و الوزبك والعرب و التركستان يستعد لخذ مواقعه‬
‫والتحرك لميدان المعركة‪ ,‬جاءت أحداث سبتمبر وابتدأ الهجوم المريكي على‬
‫أفغانستان‪ .‬وقدر الله أن تسقط قذيفة طيران في منطقة قرب مزار شريف‬
‫على نقطة تجمع للمجاهدين من ذلك اللواء ليستشهد جمعة باي مع )‪ (12‬من‬
‫قادة اللواء من أبرز قياداته من العرب و الوزبك قبل سقوط مزار شريف‪.‬‬
‫وتتابعت الكوارث‪ .‬فبعد سقوط مزار شريف وعملية الخيانة في قندز والغدر‬ ‫•‬
‫بمجموعة من المجاهدين العرب الوزبك في قلعة مزار شريف في الحادثة‬
‫المشهورة ‪ ..‬قتل مئات من المجاهدين الوزبك في الشمال وسقط آخرون في‬
‫معارك الدفاع عن المارة في خط كابل ثم في معركة شاهي كوت الشهيرة‬
‫قرب مدينة ) زرمت( في بكتيا حيث قتل مئات المريكان في العملية التي‬
‫أطلق عليها اسم )أنا كوندا(‪ .‬ثم تشرد الباقون إلى باكستان حيث قتل العديد‬
‫منهم في الحملت المشتركة للجيش الباكستاني و القوات المريكية وأسر‬
‫آخرون‪ .‬وتوزع آخرون في مرحلة جديدة من الشتات في مرحلة أخدود ما بعد‬
‫سبتمبر الذي ما زال يتقلب فيه من تبقى من التيار الجهادي إلى أن يأذن الله‬
‫بالفرج‪ .‬وهكذا طويت صفحة جهادية من أكثر الصفحات إشراقا وأمل في إحياء‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 767 [ ‬‬

‫الجهاد في بلد ما وراء النهر حيث بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بخروج‬
‫الرايات السود من هناك لتحمل رايات المهدي ليمل الرض قسطا وعدل بعد أن‬
‫ملئت جورا وظلما كما تسير الحداث باتجاه ذلك هذه اليام‪.‬‬
‫• ولقد واكبت شخصيا تجربة الوزبك في عهد الطالبان من بواكيرها ‪ .‬وربطني‬
‫بهم صداقة وإخوة وعلقات عمل‪ .‬وقد شاركت في برنامج إعداد بعض الكوادر‬
‫لمشروعهم الكبير وكنت أتردد على مركزهم للقاء بعض المحاضرات ‪ ..‬وحضر‬
‫بيتي عدد من إدارتهم لحضور سلسلة من الدروس التأهيلية‪ .‬وقد مكنني ذلك‬
‫من الطلع على جوانب مشروعهم الكبير المبشر كما مكنني من التعرف على‬
‫صنف من خيرة المجاهدين عبادة وصفاء وأحسنهم خلقا وأكثرهم إنضباطا‬
‫وطاعة‪ ,‬وأشدهم بأسا وثباتا‪ .‬فرحم الله شهداءهم وفك أسراهم وحفظ‬
‫المشردين منهم ومنح المجاهدين في أوزبكستان فرصة لحمل رايات الجهاد‬
‫الظافرة إنه على ما يشاء قدير‪..‬‬

‫‪ .14‬التجربة الجهادية مجاهدي الحزب السلمي لتركستان الشرقية‪:‬‬


‫بعد قيام حركة طالبان بإعلن لمارة السلمية بقليل‪ ,‬حضر أفغانستان عدد من‬
‫الشباب التركستاني المسلم الذين كانوا قد فروا من الحكم الصيني الذي يحتل بلد‬
‫تركستان الشرقية ويطارد الشباب الملتزم مستمرا في محاولت الصين هوية ذلك‬
‫الشعب اليوغوري المسلم‪..‬‬
‫ومثلهم مثل غيرهم من التجمعات المهاجرة والمجاهدة التي نزلت في جوار‬
‫طالبان بدأوا يتجمعون حيث برز على رأسهم أميرهم الخ الشهيد أبو محمد‬
‫التركستاني )حسن معصوم( رحمه الله ‪ -‬الذي كان قد خرج مطاردا من الصين بعد أن‬
‫سجن هناك خمس أعوام ‪.‬‬
‫وبعد أن بايع الشيخ أبو محمد التركستاني أمير المؤمنين مل محمد عمر‪ .‬لقت‬
‫هذه المجموعة دعما و احتراما منه ‪ ..‬ولكنه أمرهم بالتؤدة في حركتهم ‪ ,‬والستخفاء‬
‫قدر المكان لن الصين كانت على أبواب بداية علقات توازن مع طالبان تدرس تنفيذ‬
‫عدد من المشاريع فيها وذلك يحدث توازنا في الصراع على المصالح في أفغانستان‬
‫ووسط آسيا بين الصين والوليات المتحدة وقد أوشكت الصين على إعادة فتح‬
‫سفارتها في كابل في عهد طالبان ونمت تلك المجموعة بسرعة لكون عدد من‬
‫المهاجرين التركستان الشرقيين المتناثرين في دول وسط آسيا الخرى وتركيا‬
‫والسعودية وباكستان ليس بالقليل أيضا‬
‫وسرعان ما أعدت المجموعة بالتعاون مع بعض المدربين من الفغان العرب عدد‬
‫من الكوادر والمدربين الذين مالبثوا أن أنشأوا لنفسهم معسكرا مستقل وشاركوا في‬
‫القتال بفعالية إلى جانب طالبان‪..‬‬
‫كان أميرهم أبو محمد رحمه الله شعله من النشاط والخلص وحسن الخلق وقد‬
‫انعكس هذا على النمو السريع لتجمعهم كما كان الشباب التركستاني الشرقي من‬
‫ألين المجاهدين عريكة وأكثرهم إخلصا وفدائية وحيا لطلب مختلف أنواع العلوم‬
‫الشرعية والعسكرية‬
‫نزل بعض المجهادين التركستان الذين تخرجوا من معسكرات هذه الحركة التي‬
‫حملت نفس اسم المجموعة التي قامت بآخر المحاولت وانقرض معظم أعضائها‬
‫)الحزب السلمي لتركستان الشرقية( نزلوا إلى الصين للقيام عمليات الحشد‬
‫والدعاية الذين ل يستطيعون الخروج نتيجة خطر السفر الذي تفرضه الحكومة الصينية‬
‫على المسلمين التركستان‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 768 [ ‬‬

‫كان مشروع التركستانيين الشرقيين واعدا خاصة في ظل النظام العالمي‬


‫الجديد ‪ ..‬حيث كان الكونغرس المريكي قد تبنى مشروعا لتفكيك الصين سنة)‪(1995‬‬
‫وذلك باستخدام النزعات العرقية الدينية فيها وعلى رأس ذلك التيبت و اليوغور‬
‫المسلمين في شمال غرب الصين في تركستان التي احتلتها الصين وأطلقت عليها‬
‫أسم )سيانغ يانغ( وتعني الرض الجديد ‪ ..‬فكان مشروع الجهاد في الصين هو‬
‫المشروع الوحيد الذي كان له أمل بأن ل يجد مقاومة من هجمة مكافحة الرهاب‪ .‬كما‬
‫أن مجموعات من اليوغور المسلمين التيارات القومية والليبرالية قد استوطن أمريكا‬
‫وأوربا وتركيا وبعض البلد العربية وراح بعضها يخطب ود هذه المجموعة المسلحة‬
‫الناشئة في أفغانستان ولكن قرب المجاهدين التركستان من الفغان العرب وبيعتهم‬
‫لمير المؤمنين وشهودهم القتال إلى جانب طالبان ووقوع بعضهم في السر لدى‬
‫قوات التحالف كاد يطبعهم بطابع المطاردين من أمريكا‪ .‬وأنضم قسم من المجاهدين‬
‫التركستان إلى اللواء )‪ (21‬للمجاهدين غير الفغان وأخذوا مواقعهم إلى جانب‬
‫المجاهدين من الجنسيات الخرى في الجهاد إلى جانب طالبان وفيما كان مشروع‬
‫المجاهدين التركستان أيضا يشق طريقه دوت انفجارات سبتمبر وأخذ المجاهدون‬
‫التركستان مواقعهم إلى جانب إخوانهم من الفغان وغير الفغان‪.‬‬
‫وهكذا أخذ المجاهدون التركستانيون حظهم أيضا من الشهداء والسرى‬
‫والمشردين تقبل الله منهم وخرجت بقاياهم لتتابع سيرها في قافلة الفرارين بدينهم‬
‫من الغرباء على الرض الباكستانية‪.‬‬
‫ورغم أن فرصة المغادرة كانت متاحة أمام الشيخ أميرهم أبي محمد التركستاني‬
‫إل أنه بقى وفيا لمير المؤمنين وأفغانستان‪ ,‬وفيا لتركستان مصرا على القرب منها‪.‬‬
‫وبقى في منطقة القبائل في سرحد شمال غرب باكستان وقبل كتابة هذه السطور‬
‫بشهر وفي شهر نوفمبر‪..‬قام الجيش الباكستاني مدعوما بوحدات أمريكية بحملة‬
‫تمشيط وتفتيش عن المجاهدين العرب والطالبان ومن منعهم معهم واشتبكت إحدى‬
‫المجموعات المجرمة مع مجموعة من المجاهدين كان منهم أبو محمد وإخوانه ‪..‬‬
‫ليسقط شهيدا غريبا مع مجموعة من حراسه وأقرب إخوانه ‪ ..‬رحمهم الله وتقبلهم‬
‫وأسكنهم فسيح جناته ‪..‬‬
‫وقد واكبت شخصيا بداية مشروع التركستان الشرقية منذ بدايته‪ ..‬وكان أميرهم‬
‫أبو محمد جارا لي في )خوست( رحمه الله ‪ ..‬وقد دعاني للقاء بعض الدروس في‬
‫مركزهم مرارا‪ ..‬ولما عزمت على بداية مشروع إنشاء معسكر في كابل استقبلني في‬
‫) قرغة ( في معسكره التابع لمعسكر القائد الطالبان سيف الرحمن منصور‪ .‬حيث‬
‫بدأت مشروع معسكري إلى جانبهم قبل أن يتطور معسكرنا )معسكر الغرباء( وينشأ‬
‫مستقل إلى جانب معسكرهم ‪.‬‬
‫وقد جمعني ومجموعة معسكر الغرباء بالمجاهدين التركستان أكثر من رابطة ‪..‬‬
‫وحضرنا بعض المشاهد الميدانية إلى جانب طالبان معا ‪ .‬وأتذكرهم اليوم ويعجز قلمي‬
‫حقيقة ‘ن أدائهم حقهم لما تحلوا به من كريم الصفات ‪ ,‬و يعتصر اليوم قلبي اللم‬
‫والحزن على تلك الوجوه المنيرة والقلوب الطاهرة وأعجز أن فيهم حقهم من‬
‫الوصف فقد كانوا أهل لكل خير أحسبهم كذلك ول أزكيهم على الله ‪..‬ولله در الشاعر‬
‫الذي قال يخاطب تراب قبور الشهداء ‪:‬‬
‫وقد يؤذي الثواء وقد‬ ‫ب‬‫ثوى فيك الحبة يا حبي ُ‬
‫ب‬‫يطي ُ‬ ‫شموس في الظهيرة‬
‫ب‬
‫يد سكرى ولملمها الغرو ُ‬ ‫أطفأتها‬
‫ب‬‫فيك فكيف عن قلبي تغي ُ‬ ‫وجوه مازجت قلبي وغابت‬
‫وقلبي بعد تغمره الذنوب‬ ‫ر‬ ‫ُ‬
‫أ أوغل خلفها غسلت بنو ٍ‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 769 [ ‬‬

‫فرحم الله من لقاه شهيدا وتقبلهم في الصالحين ‪ ..‬وحفظ المشردين والباقين‬


‫منهم ونصرهم وأعانهم على حمل مشاعل النور والسلم ‪ .‬ليعود الذان نديا حرا في‬
‫ربوع ) كاشغر( وكافة مدن التركستان ‪ .‬رحمهم الله من نسمات تحمل عطر رايات‬
‫قتيبة بن مسلم الذي حمل نور السلم إلى بلدهم ‪ .‬وأنفاس آلف الصالحين من‬
‫التابعين ومن تبعهم بإحسان من الذين حملوا مشعل السلم إلى تلك الربوع ‪.‬‬
‫اللهم ل تحرمنا صحبتهم في الجنة ‪ ..‬ول تحرمنا أجرهم ول تفتنا بعدهم وارحمنا إذا‬
‫صرنا إليك مثلهم يارب العالمين ‪.‬‬
‫*************‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 770 [ ‬‬

‫‪ -15‬تجربة الشيخ أسامة وتنظيم القاعدة في مواجهة أمريكا منذ (‬


‫‪:(1996‬‬
‫كما ل يخفي فإن هذا العنوان يستأهل كتابا مستقل‪ .‬لكثرة جزئياته وأهمية‬
‫التاريخية وليس في هذا الفصل العام حول التجارب التيار الجهادي خلل النصف الثاني‬
‫من القرن العشرين محل ذلك ‪ ..‬ولكني ولكي يتم الفصل ويشمل أهم تلك‬
‫ختِتم بها ملف تلك‬‫التجارب ‪,‬ل بد وأن أعرض ولو موجزا إلى هذه التجربة التي ا ِ ُ‬
‫التجارب في القرن العشرين وافتتح ملف الصراع في القرن الحادي والعشرين بشكل‬
‫غير وجه التاريخ والعالم وغير أبعاد المعركة ومعطياتها وأساليبها‪ .‬وسأعرض لهذه‬
‫التجربة من خلل فقرات رئيسية مختصرة والله المستعان وهو يهدي السبيل‪ :‬ولعل‬
‫الله ييسر لي أن أسهب في التفاصيل إن قدر الله لي التأريخ لتجربة الشوط الثاني‬
‫للفغان العرب مع طالبان )‪.(2001 -1996‬‬
‫وقبل أن أبدأ ذلك أشير إلى أني تفكرت كثيرا في مسألة تصنيف تجربة القاعدة‬
‫ضمن تجارب التيار الجهادي‪ .‬أو تصنيفها أم ضمن تجارب الظاهرة الجهادية ضد‬
‫العدوان الخارجي ‪ .‬حتى كدت أميل إلى أنها صنف ثالث من أصناف الظاهرة الجهادية‬
‫لختلفها من حيث التكوين والمنهج والسلوب ‪ .‬وبعد طول التأمل ‪ ..‬رأيت أن أدرجها‬
‫ضمن تجارب التيار الجهادي لعتبارات عديدة من أهمها ‪:‬‬
‫‪ -‬المنهج الذي آل إلى تبنيه وإعلنه الشيخ أسامة بن لدن ومعظم أتباعه في آخر‬
‫المطاف ‪ .‬وهو منهج يمكن اعتباره مستندا إلى أصول ومبادئ منهج التيار الجهادي‪.‬‬
‫‪ -‬والمر الخر هو أن أكثر كوادر القاعدة ومؤسسيها ومدربيها ورجالها الساسيين‬
‫هم من كوادر التيار الجهادي الذي التحقوا بالقاعدة عضويا ‪ ,‬أو أنها استندت إليهم في‬
‫تكون عناصرها ‪.‬‬
‫‪ -‬والمر الثالث هو أن الشيخ أسامة جعل من مواجهة حكومة آل سعود أحد‬
‫شطري اتجاهه وأهدافه بالضافة لمواجهة أمريكا وهذا من توجهات تنظيمات التيار‬
‫الجهادي في مواجهة الطغاة من حكام بلد العالم العربي السلمي ‪ .‬حيث اعتبرهم‬
‫مرتدين عن ملة السلم ‪ ,‬مستندا في ذلك إلى أصول عقيدة الحاكمية و عقائد‬
‫السلفية الجهادية ‪.‬‬
‫‪ -‬والمر الرابع أن الشيخ أسامة قد استطاع جر التيار الجهادي بكامله إلى الساحة‬
‫التي اختارها والفكرة التي يراها للمواجهة وهي التحول من مواجه النظمة‬
‫والحكومات إلى مواجهة من يسندها ضمن النظام العالمي الجديد وهي أمريكا وكبار‬
‫حلفائها ‪..‬‬
‫‪ -‬والمر الخير هو أن أمريكا قد فرضت علينا ولهدافها الخاصة عن‬
‫علم وعمد ‪..‬فرضت على كافة التيار الجهادي وكثير من مكونات‬
‫الظاهرة الجهادية الحاليين مسمى القاعدة وعممته عليهم راضين أم‬
‫كارهين وجعلته اسما شامل لكافة مكونات التيار الجهادي وجرتهم‬
‫لحربها كذلك طوعا أو كرها‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 771 [ ‬‬

‫بعد طول تفكر وتشاور و استخارة ‪..‬‬

‫رأيت أن أحذف هذه الفقرة من الكتاب لثلثة أسباب ‪ ,‬وهي ‪:‬‬

‫أول ‪ :‬أن تنظيم القاعدة ما يزال يخوض حربا مفتوحة مع أعداء السلم ‪,‬‬
‫بقيادة أمريكا ‪ ,‬كما كل الفغان العرب والتيار الجهادي وكل مخلص في‬
‫هذه المة ‪.‬‬
‫وربما يظن البعض أن في تناول تجربتها وخصائصها الن ما يفيد العدو ‪.‬‬
‫ورغم أني ل أعتقد ذلك لن الفقرة دراسية نقدية عامة للفادة من‬
‫الدروس والتجارب التي مضت ‪ .‬ول تحتوي أي معلومات تعتبر أسرارا ‪,‬‬
‫خاصة أن كما كبيرا من أسرى القاعدة هو في قبضة العدو أعاننا الله‬
‫على تفريج كرباتهم ‪ .‬وأظن في عرضها فائدة للمسلمين والمجاهدين ‪.‬‬
‫إل أن هذا كان أحد السباب في حذف الفقرة ‪ ,‬دفعا للخلف حول هذه‬
‫النقطة ‪.‬‬
‫**********‬
‫ثانيا ‪ :‬أن التجربة ما تزال مفتوحة ‪ ,‬وتختلف بهذا عما سبق من التجارب‬
‫التنظيمية التي تناولتها ‪ ,‬والتي انتهت عمليا ‪ .‬وفي تأخير الكتابة عن‬
‫تجربة ما تزال مستمرة فائدة دراستها فيما بعد أن الدراسة ستكون‬
‫أشمل وأعمق ‪.‬‬
‫وأرجو أن نكون قد حققنا النصر الموعود إلى حينها بإذن الله ‪.‬‬
‫************‬
‫ثالثا ‪ :‬أن التجربة واسعة وتحتاج كي أوفيها حقها كتابا مفردا ‪ ,‬ربما يسر‬
‫الله لي إخراجه فيما بعد ‪ .‬خاصة أني أفضل إطلع بعض كبار الخوان‬
‫والشيوخ عليه ‪ ,‬وأخذ توصياتهم بعين العتبار قبل نشره ‪ .‬الذي أرجو أن‬
‫يكون قريبا ‪ .‬وبعد تحقق النصر الشامل إن شاء الله ‪.‬‬
‫************‬

‫وأعتذر للقراء التواقين للطلع على تجربة فذة لبطال أماجد ‪ ,‬وأحباب عظم المصاب‬
‫بفقدهم ‪ .‬سجل معظمهم أسماءهم في سجل الشهداء الخالدين ‪ ,‬كما أرجو وأعتقد إن‬
‫شاء الله ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 772 [ ‬‬

‫ثامنا‪ :‬خلصة الساسيات العقدية و الفكرية للتيار الجهادي (‪-1960‬‬


‫‪:(2001‬‬
‫شكل التيار الجهادي مدرسة مستقلة قائمة بذاتها ضمن مدارس الصحوة‬
‫السلمية المعاصرة‪ ,‬وقد حملت معظم تنظيماته ورجاله قواسم مشتركة من الفكر‬
‫والعقيدة الجهادية والمنهج السياسي الشرعي ‪ .‬سأورد أهم ملمحها بشكل موجز‬
‫بصرف النظر عن رأيي الشخصي في بعض التفاصيل والفكار فهي فقرة للعرض‬
‫وليست للنقاش‪ ,‬و بصرف النظر كذلك عن بعض الفكار الثانوية التي حملها بعض‬
‫الجهاديين ولم تكن سمة مشتركة للتيار وتنظيماته ورجاله الساسيين‪ .‬ومن أهم‬
‫الملمح الفكرية عند الجهاديين‪:‬‬

‫• حكم النظمة‪:‬‬
‫إعتبر الجهاديون جميع النظمة القائمة في بلد العالم العربي والسلمي أنظمة‬
‫ردة لكونها تشرع من دون الله وتحكم بغير ما أنزل الله‪ ,‬وتوالي الكافرين من أعداء‬
‫السلم والمسلمين ‪.‬واعتبروا جميع الحكام في العالم العربي والسلمي بناًء على‬
‫ذلك كفارا ً مرتدين خارجين عن ملة السلم‪.‬‬
‫كما اعتبروا المؤسسات والسلطات الثلث ‪ -‬إن وجدت ‪ -‬أو ما يقوم مقامها في‬
‫النظمة الديكتاتورية‪ ,‬مؤسسات كافرة‪ .‬وهذه السلطات هي‪ :‬السلطة التشريعية و‬
‫السلطة التنفيذية و السلطة القضائية‪ .‬واعتبروا كبار القائمين عليها كفارا ً مرتدين ‪.‬‬
‫وتقف حدود التكفير العيني عند الجهاديين عند هذا المستوى حيث يعتبرون ما‬
‫سوى ذلك من العوان و نواب هؤلء و مساعديهم وموظفيهم أعوانا ل يحكم عليهم‬
‫بالكفر العيني لعملهم بتلك المؤسسات ويجعلونهم من أهل العذار‪.‬‬
‫وهم في ذلك يلتقون مع فكر الصحوة السلمية عامة خلل مرحلة الستينات‬
‫والسبعينات والثمانينات قبل أن تنحو التنظيمات السلمية المنحى الديمقراطي‬
‫وتضطر للحكم بالسلم على تلك المؤسسات‪ .‬ومن الجدير بالذكر أن هذه الحقائق‬
‫التي جهر به الجهاديون وتحملوا في سبيل ذلك المآسي‪ ,‬كانت هي نفس المعتقدات‬
‫التي يحملها معظم رجال الصحوة السلمية من الخوان والسلفيين و السروريين‬
‫ودعاة الصحوة من علماء الجزيرة وغيرهم‪.‬‬
‫• حكم العوان‪:‬‬
‫اعتبر الجهاديون من قاتل دفاعا ً عن تلك النظمة ‪ ,‬وحارب السلميين و‬
‫الجهاديين كأفراد الجيش والشرطة وقوى المن‪ ..‬طائفة ردة عامة تقاتل على أساس‬
‫راية الردة العامة لمامهم وقائدهم الذي يأتمرون بأمره و يدافعون عنه‪ .‬بحيث ل يحكم‬
‫الجهاديون بالكفر العيني لحاد هؤلء إل حال صدر ناقض عن نواقض اليمان‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 773 [ ‬‬

‫• مسألة التكفير‪:‬‬
‫عقيدة أهل السنة والجماعة ويعتبرون كل من شهد أن ل إله إل الله محمد رسول‬
‫الله مسلما ً ما لم يأت بناقض صريح من نواقض السلم‪ .‬ويأخذون بشروط تكفير‬
‫المتعين من تحقق الشروط وانتفاء الموانع‪ .‬من الجهل والكراه والتأويل وانتفاء‬
‫القصد‪ .‬وبهذا يفترقون عن جماعات التكفير والشواذ من بعض من الحق بالجهاديين‪.‬‬
‫• علماء السلطان‪:‬‬
‫يعتبر الجهاديون كل من وقف من علماء المسلمين إلى جانب تلك الحكومات‬
‫مدافعا ً عنها مسبغا ً عليا صفة السلم معتبرا ً من خرج عليهم من رجال وحركات‬
‫الصحوة ولسيما الجهاديين من الخوارج‪ ..‬يعتبرونه من المنافقين ‪ .‬وقد دخل‬
‫الجهاديون معهم في مساجلت طويلة ‪ ,‬و الجهاديون قسمان في تحديد مستوى نفاق‬
‫علماء السلطان فمنهم وهم الجمهور يذهب إلى إثبات السلم لهم واعتبار نفاقهم‬
‫في حدود نفاق العمل‪ .‬ويذهب البعض منهم إلى اعتبار بعض أولئك العلماء كفار‬
‫مرتدين مثل حكامهم ‪,‬لنهم يعتبرون أولئك العلماء ل عذر لهم بالجهل ول التأويل ول‬
‫بالكراه لنهم يسعون برضاهم إلى ذلك النفاق ‪ ,‬الذي وصل إلى حد تأييد غزو بلد‬
‫المسلمين ‪ ,‬وإجازة الصلح مع اليهود و بيع أقدس المقدسات المسلمين‪ .‬و إلى حد‬
‫الفتاء ويقتل من خرج بالسلح على أولئك الحكام ومن ولءهم من الغزاة‬
‫الصليبيين ‪. .‬‬
‫• مسألة الديمقراطية ‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يعتبر الجهاديون الديمقراطية ‪,‬فلسفة و نظاما كفريا يتناقض مع دين السلم جملة‬
‫وتفصيل ً ‪ .‬ويذهب بعضهم إلى اعتبارها دينا ً عصريا ً مثله مثل كل أديان الكفر القديمة‬
‫والحديثة‪ .‬ويعتبر جمهور الجهاديين الديمقراطيين من السلميين بدخولهم البرلمان‬
‫والمشاركة في السلطة التشريعية أو الوزرات والحكومات وهي السلطات التنفيذية ‪.‬‬
‫يعتبرونهم متلبسين بعمل من أعمال الكفر‪ .‬ولكنهم ل يحكمون عليهم بالكفر العيني ‪,‬‬
‫ويعتبرونهم معذورين بالتأويل أو حتى بالجهل أحيانا ً بطبيعة كفر تلك المؤسسات‪,‬‬
‫بسبب حالة استضعاف الصحوة والمسلمين ‪ ,‬ونيتهم في تحقيق ما يمكن من العدل‬
‫والتعاون على البر والحسان‪ .‬ويذهب القليل من الجهاديين إلى تكفير هؤلء‬
‫البرلمانيين والوزراء من السلميين بحكم واقع انتمائهم لتلك المؤسسات ‪ .‬ول‬
‫يعتبرون جهلهم واردا ً وهم علماء أو دعاة ول تأويلهم مستساغا بعد قيام الحجة وكثرة‬
‫الحوار‪.‬‬
‫• مسألة الشيعة والفرق من غير أهل السنة‪:‬‬
‫يعتبر الجهاديون كافة تلك الفرق من ضمن المة السلمية أو ما يسمي بأهل‬
‫القبلة ‪ .‬ويعتبرونها من الفرق التي جاء ذكرها في الحديث الشريف بافتراق المة على‬
‫‪ 73‬فرقة واحدة ناجية هم أهل السنة والجماعة و الباقون في النار‪ .‬فيعتبرونهم من‬
‫فرق الضلل و الزيغ والهوى والنحراف ‪ .‬وكما هو الموقف العام عند أهل السنة‬
‫يصنفونهم ثلثة أقسام‪:‬‬
‫الشيعة الغلة‪ :‬مثل السماعيلية و النصيرية وأشباهها ويعتبرونهم كفارًا‪.‬‬
‫الشيعة الزيدية ‪ :‬مثل أكثرية شيعة اليمن‪ .‬ويعتبرونهم قريبين من أهل السنة‬
‫على خلف معهم ‪ .‬الشيعة الجعفرية (المامية(‪ :‬وهم من مثل غالب شيعة إيران‬
‫‪ ,‬والقليات في لبنان وباكستان وأفغانستان ومنطقة الشرق الوسط ‪..‬‬
‫وغالب الجهاديين على اعتبارهم ضلل ً من أهل البدع ‪ .‬في حين ذهبت أقلية من‬
‫الجهاديين إلى عدم إعطاء هذه المسألة أهمية لسباب سياسية ‪ .‬في حين ذهب بعض‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 774 [ ‬‬

‫الجهاديين إلى التصريح بكفر الشيعة‪ .‬إل أن الجمهور من الجهاديين على اعتبارهم‬
‫مسلمين من أهل القبلة ضلل ً مبتدعة‪..‬‬
‫وقد تداخلت المسائل السياسية بالعقدية في هذه المسألة لدى الصحوة‬
‫السلمية السنية عموما ً ومنها الجهادية وليس هنا محل بسط ذلك‪.‬‬
‫• مسألة السلفية والمذهبية‪:‬‬
‫غلب على الجهاديين منذ أواخر الثمانينات المذهب السلفي نتيجة ما أسلفت‬
‫شرحه ‪ .‬وجمهورهم وسط في مسألة المذهبية يكنون الحترام لئمة المذاهب الربعة‬
‫وعلمائها‪ .‬وهم وسط في التقليد فل يتعصبون لمذهب ‪ ,‬ول يلتزمون به ‪ ,‬ول ينتقصون‬
‫من أقدار الئمة ول من القيمة العلمية لتراث المذاهب‪ .‬وقد أثر التيار السلفي‬
‫المتطرف في ظهور بعض )غلة جهلة الجهاديين ( من المتأخرين ممن ذهبوا مذهب‬
‫محاربة التقليد والمذاهب لحد الشطط ولكنهم في الجهاديين قلة‪.‬‬
‫• مسألة الصوفية‪:‬‬
‫تأثر جمهور الجهاديين بمنهج ابن تيمية والمدرسة السلفية في محاربة المدارس‬
‫الصوفية المنحرفة ‪ ,‬واعتبارها من مناهج البدع والضلل ‪ ,‬وتشدد البعض في هذه‬
‫المسألة ‪ ,‬في حين اعتدلت القلية منهم في تناول مدرسة التصوف والمتصوفين‪.‬‬
‫• الموقف من مدارس الصحوة السلمية غير الجهادية ‪:‬‬
‫جمهور القدماء من الجهاديين على احترام مدارس الصحوة وقياداتها واللتزام‬
‫بأدب الخلف معهم رغم سعة الهوة في الفكر والتطبيق‪ .‬و جمهور المتأخرين من‬
‫الجهاديين على حالة عداء وخصومة وتناحر معهم ‪ ,‬نتيجة حالت القهر والخذلن كما‬
‫سبق لشارة لذلك‪.‬‬
‫• مسألة العلمانية‪:‬‬
‫كافة الجهاديين على تكفير المذاهب العلمانية واعتبارها من مذاهب اللحاد كما‬
‫هو حال معظم قيادات وعلماء و جماعات الصحوة السلمية ‪ ,‬قبل الموجة المريكية‬
‫الخيرة وموضة العتدال المصطنع ‪ .‬ولكن جمهور الجهاديين على اعتبار أتباع الفكر‬
‫العلماني من عامة المسلمين معذورين بجهلهم في حين يكفرون قيادات التيارات‬
‫العلمانية في العالم العربي السلمي ويعتبرونهم من أئمة الكفر الطاعنين في دين‬
‫الله‪..‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 775 [ ‬‬

‫• مسألة القومية العربية‪:‬‬


‫كافة الجهاديين على اعتبار دعوى القومية والتعصب لها‪ ,‬من دعاوى الجاهلية ‪ ,‬و‬
‫الجهاديون أمميون ‪ ,‬يدعون إلى وحدة المسلمين ونظامهم الشامل‪ .‬وبالتالي يذهب‬
‫الكثير منهم إلى رفض مناهج الحزاب القومية ‪ ,‬لسيما وأن كلها أو جلها يضم فكرة‬
‫العلمانية إلى القومية ‪ .‬ويعتبر الجهاديون الدعوات القومية من أسباب تمزيق المة‪.‬‬
‫• مسألة الوطنية‪:‬‬
‫كما في مسألة القومية ينبذ الجهاديون فكرة القطرية والوطنية والعمل في إطار‬
‫التعصب للوطن ولسيما أنها مزجت بالقومية والعلمانية ‪ ,‬ولذلك فهم يعادون دعاتها‬
‫ويعتبرونها من مذاهب الكفر والضلل‪.‬‬
‫وفي النقطتين السابقين شيء من التناقض في واقع الجهاديين إذ أن غالب‬
‫تنظيماتهم عملت على أساس قطري محلي و أتسمت في بعض الحيان بالغلو في‬
‫ذلك‪ .‬رغم أن الفكر لديهم يقوم على أممية السلم ودعوة الجهاد‪.‬‬
‫• القضية الفلسطينية‪:‬‬
‫يؤمن كافة الجهاديين ‪ ,‬بل وعموم الصحوة السلمية بأن فلسطين جزء من‬
‫العالم السلمي من النهر إلى البحر ومن الشمال للجنوب‪ ..‬وأنها حق واجب في عنق‬
‫أجيال المة ‪ .‬وأن الجهاد فرض لسترجاعها ‪ .‬وبهذا فهم يرفضون كافة مبادئ الصلح‬
‫والتطبيع والسلم مع اليهود‪ ,‬ويعتبرون أن جمهور السرائيليين باستثناء عدة آلف من‬
‫اليهود الصليين وأحفادهم‪ .‬غرباء غزاة يجب أن يرحلوا‪ ..‬و يعتبرون السلطة‬
‫الفلسطينية برئاسة ياسر عرفات مثلها مثل باقي الحكومات المرتدة في العالم‬
‫العربي والسلمي‪ .‬ولنفس السباب بالضافة للخيانة ‪.‬‬
‫• مسألة القليات الدينية في العالم العربي والسلمي‪:‬‬
‫يعتبر الجهاديون أن هذه القليات وغالبها من النصارى يجب أن تعامل في حال‬
‫قيام الدولة السلمية على أسس أحكام أهل الذمة وما جاء منها في كتب الفقه لدى‬
‫أهل السنة‪ .‬ول يعتبرون منهج المواطنة أساسا ً للتعامل معهم ول مع من في حكمهم‪.‬‬
‫• مسالة المواجهة مع أمريكا والصراع مع الغرب‪:‬‬
‫لم تكن جميع التنظيمات الجهادية ‪,‬منذ نشأتها في الستينيات وإلى تاريخ بدء‬
‫حملتها العسكرية على أفغانستان في نوفمبر ‪ 2001‬قد طرحت أو تبنت مسألة‬
‫المواجهة العسكرية مع الوليات المتحدة المريكية‪ .‬وكانت كلها بل استثناء تقريبا‬
‫منصرفة لهدافها الخاصة في مواجهة حكومات بلدها‪.‬‬
‫ورغم أن معظم أدبيات الجهاديين قد أولت مسألة المواجهة معها حيزا في كتاباتها‬
‫‪ ,‬ولسيما بعد حرب الخليج )عاصفة الصحراء وإطلق النظام العالمي الجديد ‪ ,‬وبدء‬
‫الحملة الدولية المريكية على الرهاب‪ .‬وكذلك بسبب دعم أمريكا للنظمة التي تقمع‬
‫السلميين و الجهاديين ‪ ,‬إل أن ذلك لم يعدوا الدبيات إلى حيز التوجه الحركي‪.‬‬
‫ولقد حاول الشيخ أسامة بن لدن كثيرا‪ ,‬خلل الشوط الثاني للفغان العرب‪ ,‬إقناع‬
‫الجهاديين بالتحول في العمل تجاه أمريكا )رأس الفعى( كما كان يصفها‪ ,‬ولكن دون‬
‫جدوى‪ .‬فقد سيطر عليهم منهجيا فكرة الصراع مع المرتدين الذين يمثلون العدو‬
‫القرب والخطر والذي يقف حائل دون أي جهاد مع العداء الخارجيين‪.‬كما سيطرت‬
‫عليهم فكرة الجهاد لقامة الحكم السلمي كمفتاح لحل كل الزمات‪.‬‬
‫ولكن أحداث سبتمبر وتداعياتها على الرض ووصم المريكان للتيار الجهادي برمته‬
‫ووضعه تحت مسمى القاعدة‪ .‬ومطاردة الجهاديين من كل الجناس في سياق ما‬
‫أسمته الحرب على الرهاب ‪ ,‬وتدمير معظم البنية التحتية للتيار الجهادي ‪ ,‬وما كان‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 776 [ ‬‬

‫من احتلل العراق بعد ذلك ‪..‬منذ ‪ 2001‬وإلى اليوم ‪ ,‬وتتالي تداعيات النتفاضة ‪,‬‬
‫وإعلن بوش للحملت الصليبية ‪...‬إلخ‪ .‬جعل التوجه العملي الوحد للجهاديين هو‬
‫مواجهة أمريكا وحلفاءها الغربيين‪.‬‬
‫وهكذا نجحت أمريكا في حمل الجهاديين على التجاه الصحيح خلل وقت وجيز‬
‫لينحصر اتجاه جميع أجنحته وبقاياه وبراعمه الناشئة في هذا التجاه‪.‬‬
‫ن ‪) ‬لنفال‪. (30:‬‬
‫ري َ‬ ‫خي ُْر ال ْ َ‬
‫ماك ِ ِ‬ ‫ه َوالل ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫مك ُُر الل ّ ُ‬
‫ن وَي َ ْ‬ ‫‪ ‬وَي َ ْ‬
‫مك ُُرو َ‬

‫تاسعا‪ :‬التيار الجهادي وقعر الزمة في نهايات القرن العشرين ‪-1995‬‬


‫‪2000‬م‬
‫كانت الصحوة الجهادية قد خاضت مواجهات حقيقية وواسعة مع بعض الحكومات‬
‫خلل السبعينيات والثمانينيات حيث تكبدت فيها ضحايا كثيرة واتسعت فيها قاعدتها‬
‫الشعبية ودخلت في مطاردات أمنية ذات طابع استخباراتي ‪ ...‬وكانت البوابة الفغانية‬
‫التي فتحت للجهاد منذ سنة )‪ (1984‬أمام الصحوة السلمية عموما و الجهادية‬
‫خصوصا قد أغرت معظم قياداتها للذهاب إلى أفغانستان حيث خاضت تجربة فريدة‬
‫خلل )‪ (1992-1984‬وقد أسفرت العاصفة المنية التي نظمتها أمريكا ونفذتها‬
‫باكستان وتابعتها الدول العربية والوربية بعيد سقوط التحاد السوفييتي وانتهاء حاجة‬
‫أمريكا للظهير السلمي في مواجهة الروس ‪ ...‬فانتشر معظم كوادر الجهاديين و‬
‫المطلوبين أمنيا في بلدهم نتيجة مصادماتهم مع حكوماتهم في مجالت اللجوء‬
‫السياسي التي فتحت في أوربا الغربية وما شابهها مثل كندا واستراليا وغير‪..‬أو في‬
‫بلدان عربية أخرى ل تطالهم فيها أيدي حكوماتهم لعدم قيام علقات تعاون أمني‬
‫آنذاك بين تلك البلدان‪ ...‬ولكن الدارات المريكية المتوالية بعد حرب الخليج الثانية‬
‫)عاصفة الصحراء( وضعت خطة متكاملة لمواجهة التيار الجهادي اصطلح عليها‬
‫بالمواجهة الدولية لمكافحة الرهاب والتي أوصلها بوش البن لتكون حربا عالمية‬
‫حقيقية فيما بعد سبتمبر كما سنرى إنشاء الله‪...‬‬
‫وهكذا تتابعت المؤتمرات المنية القليمية والدولية خلل ذلك العقد بمعدل ل يقل‬
‫عن مؤتمر أو أكثر كل ستة أشهر فقد تطرق مؤتمر مدريد للسلم بين العرب واليهود‬
‫من أجل التطبيع ‪ 1991‬لمسألة الرهاب وتفرغ مؤتمر شرم الشيخ ‪ 1994‬لذلك‪..‬‬
‫وتتابعت من بعد ذلك عشرات المؤتمرات العالمية إلى الن وقد حضرت الوليات‬
‫المتحدة المريكية كل هذه المؤتمرات بما فيها الخاصة بدول المتوسط )!( وكذلك‬
‫إسرائيل ومعظم الدول العربية‪ ..‬وتتابعت مؤتمرات وزراء الداخلية العرب في تونس‬
‫ولعبت السعودية ووزيرها نايف بن عبد العزيز المتحمس بشراسة لمكافحة الرهاب‬
‫دورا بارزا ‪ ...‬ويمكن اختصار برنامج مكافحة الرهاب العالمي خلل هذا العقد بالنقاط‬
‫التالية‪:‬‬

‫• الخطوط العريضة للبرامج العالمية لمكافحة الرهاب ‪-1990‬‬


‫‪:2000‬‬
‫‪ -1‬تجفيف المنابع المالية‪:‬‬
‫وقد تضمنت هذه الخطة فرض رقابة صارمة على الموارد المالية للحركات‬
‫الجهادية والصولية التي تصفها أمريكا وأذيالها من حكام المسلمين بأنها )إرهابية(‪.‬‬
‫واتخذت قرارات و إجراآت لمراجعة الرصدة في البنوك ومراقبة الحوالت البنكية‬
‫ومصارف الزكاة وأعمال اللجان الخيرية والمؤسسات النسانية السلمية واتخذت‬
‫قرارات في مصادرة أموال ومراقبة حسابات وتجميد أرصدة ‪ ...‬أدخلت معظم‬
‫الحركات الجهادية في حالة من الضائقة الشديدة وقلصت مواردها لحد كبير‪...‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 777 [ ‬‬

‫‪ -2‬استهداف القيادات والكوادر الجهادية بالقتل والسر‪:‬‬


‫فقد افتتحت أمريكا هذه السياسة باغتيال الشيخ عبد الله عزام رحمه الله‬
‫باستخدام استخبارات )بنزير‪ /‬بوتو( ووزير داخليتها )بابر(‪ .‬وكان قد سبقه قبل قليل‬
‫حادثة وفاة الشيخ )تميم العدناني( في أمريكا في ظروف غامضة‪ ..‬ثم اغتيل واختطف‬
‫عدد من قيادات الجهاد المصري والجماعة السلمية من بعض الدول‪ .‬ثم اغتيل أنور‬
‫شعبان أمير المجاهدين العرب في البوسنة واختطف أمير الجماعة السلمية )طلعت‬
‫فؤاد قاسم ( من كرواتيا وكان لجئا في الدانمرك ونقلته مروحية أمريكية إلى سفينة‬
‫في المتوسط حيث اختطف إلى مصر ثم اعتقل الدكتور عمر عبد الرحمن في أمريكا‬
‫ولفقت له تهم مضحكة ليحكم بالسجن أكثر من ‪ 200‬سنة وطالت الحملة كوادر‬
‫جهادية في فرنسا وإيطاليا وبريطانيا وسواها وطال السجن حتى علماء ورموز تؤدي‬
‫دعوتهم إلى إحياء الجهاد بصورة غير مباشرة في الدول العربية فاعتقل علي بالحاج‬
‫في الجزائر واعتقل الشيخ )سفر الحوالي( والشيخ )سلمان العودة( ونحو عشرة‬
‫آخرين من كبار علماء الصحوة في السعودية واخُتطف جهاديون من دول متعددة من‬
‫اذربيجان و تايلند والفلبين وبعض الدول العربية وباكستان و ُاودعوا السجون أو لفهم‬
‫المصير الغامض‪.‬وبدا أن المر يسير نحو عاصفة أمنية حقيقية‪.‬‬
‫‪ -3‬اتفاقيات التسليم وتبادل الرهابيين (الجهاديين( بين الدول‬
‫المختلفة‪:‬‬
‫فعلى اعتبار أن الدول العربية ومعظم السلمية ل تكن اعتبارا لحقوق إنسان ول‬
‫شرعية لقانون‪ .‬فقد كانت خطة تسليم كل مطلوب أمني إلى بلده أنجع السبل في‬
‫تفكيك الجماعات الجهادية واستهلك كوادرها وعناصرها‪ .‬وهكذا تبادلت الدول العربية‬
‫والسلمية فيما بينها كثيرا من المعتقلين الجهاديين الذين سلموا إلى المصير المجهول‬
‫في بلدهم‪ .‬بل ارتكبت بعض الدول الغربية التي تزعم احترام تلك القوانين والحقوق‬
‫مثل هذه العمال وسلم إخوة أبرياء وأسرهم في بعض الحيان إلى بلدهم‪.‬‬
‫‪ -4‬إلغاء الملذات المنة‪:‬‬
‫كان أول من أعلن هذا الجراء بهذه الصيغة الرئيس كلينتون سنة ‪ ...1995‬حيث‬
‫ابتدأت حملة مطاردات أمنية للجهاديين في أوربا ومختلف دول العالم‪ .‬وكان معظم‬
‫كوادر الفغان العرب والتيار الجهادي قد توزعوا في بعض البلد الوربية كلجئين أو‬
‫استقروا في السودان أو اليمن أو إيران أو تركيا‪ .‬واستقر بعض الجهاديين من شمال‬
‫أفريقيا في سوريا والردن فيما بقي البعض في باكستان والقليل منهم في‬
‫أفغانستان‪ ...‬فابتدأت حملة الضغط المريكية منذ عهد كلينتون تحت هذا العنوان ‪..‬‬
‫فطرد الشيخ أسامة بن لدن و الجهاديين المصريين والليبيين ومعظم الباقين من‬
‫السودان وسلمت الحكومة السودانية )السلمية(! بزعامة البشير والترابي أخوة‬
‫ليبيين إلى بلدهم ليعدموا ! وطردت اليمن الجهاديين تحت تهديد اعتقال نسائهم‬
‫وتوسطت قيادات إسلمية وقبلية واتفقوا مع الحكومة اليمنية على طرد الخوة‬
‫بنسائهم وأطفالهم‪ .‬وقبضت سوريا والردن وتركيا على أخوة جهاديين وسلمتهم‬
‫لبلدهم وفر الباقون وتولى المريكان إخراج المجاهدين العرب من البوسنة ونزع‬
‫سلح من بقي منهم بعد أن أراقوا دماءهم في سبيل إخوة العقيدة والدين‪ .‬وتولت‬
‫حكومة البوسنة بنفسها اغتيال قياداتهم! وهكذا ضاقت على المجاهدين الرض بما‬
‫رحبت‪ .‬منذ عام )‪ (1995‬وخلل ما تلها من أعوام ‪..‬‬
‫‪ -5‬نقل مجالت التعاون المني من القليمي إلى الدولي‪:‬‬
‫فقد عقدت التفاقيات المنية الدولية ذات التفاصيل العملية المعقدة ووضع برامج‬
‫لمتابعة التصالت الروتينية وربط أجهزة الستخبارات على مستوى المعلومات‬
‫والتصالت بخطط تعاون عالية الكفاءة‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 778 [ ‬‬

‫‪-6‬التوسع في تشريعات مكافحة الرهاب‪:‬‬


‫فقد قامت الدول الغربية وأمريكا بتعديل الكثير من تشريعاتها وسن قوانين أسوأ‬
‫من القوانين العرفية المعمول بها في العالم الثالث لتصفية مجلت اللجوء السياسي‬
‫وحقوق الجانب وتوسيع قوانين مكافحة الرهاب حتى شملت في بريطانيا وفرنسا‬
‫والدول السكندنافية حيث أعرق الديمقراطيات الغربية مجالت الكتابة والنقد وخطب‬
‫الجمعة التحريضية ضد الحكام الديكتاتوريين لتعتبر جرائم!في هوامش ونصوص‬
‫قانونية غير محددة قابلة للتفسيرات و التأويلت بحسب أهواء أجهزة الستخبارات‬
‫والقيادات الصليبية الحاقدة‪.‬‬
‫‪ -7‬الحرب العلمية من أجل تشويه المجاهدين عزلهم ‪:‬‬
‫منذ انطلقت الحملة المنية والعسكرية لمكافحة ما أسموه )الرهاب(‪ .‬انطلقت‬
‫معها جنبا إلى جنب حملة إعلمية ودعائية لتشويه الجهاديين ومبادئهم وممارساتهم‬
‫بإظهارهم على أنهم مجرد قتلة متعطشون للدماء‪ .‬ومتشددون دينيون ل يحملون‬
‫رسالة التسامح والحوار ‪ ...‬إلى آخر التهم ‪ ...‬وقد خرجت الحملة العلمية بين‬
‫الجهاديين والتكفير لعزلهم عن جماهيرهم‪ .‬وقد لعبت المؤسسات الدينية الرسمية‬
‫المتحالفة مع الحكومات في بلد العرب والمسلمين أخبث الوار وزودت هذه الحملة‬
‫العالمية بأفتك أسلحتها ‪ .‬كما لعب الطفيليون من أوساط الصحوة السلمية‬
‫)الديمقراطية( الذين صاروا خلل ذلك العقد جزءا من المل وحاشية السلطين‬
‫وبالتالي جزءا من مكونات النظام العالمي الجديد دورا بالغ السوء ‪ ...‬كما سنأتي على‬
‫شيء من التفصيل في الفصل الخاص بالصحوة الجهادية إنشاء الله‪.‬‬
‫وهكذا أسفرت هذه الحملة العالمية لمكافحة الرهاب بقيادة أمريكا‬
‫عن تحويل قيادات وكوادر وعناصر الحركات الجهادية إلى عناصر تعيش‬
‫هاجس (الخوف والجوع(‪ ...‬فالمطاردات و الغتيالت والخطف والسر‬
‫وإغلق الملذات‪ ...‬أدخلت أفراد الصحوة الجهادية في هواجس الخوف‬
‫والمطاردة‪ .‬وتكلفت خطط تجفيف المنابع بقطع أرزاقهم وقوت أسرهم‬
‫وأطفالهم التي جابت معهم مشارق الرض ومغاربها مشتته تكتوي‬
‫بنيران هذا الخدود المعاصر للمؤمنين‪.‬‬
‫ثم جعل الله لتلك الثلة من المؤمنين فرجا إلى حين في قيام‬
‫المارة السلمية في أفغانستان فغدت مهجرا تجمع فيها خلصة التيار‬
‫الجهادي قيادة وقاعدة خلل الفترة ‪ .2001-1996‬ولذلك تركز برنامج‬
‫مكافحة الرهاب على ضربها وتدميرها وتدمير الرضية التي آوتها ممثلة‬
‫بحركة طالبان وأمير المؤمنين (مل محمد عمر(‪ .‬وهذا ما نفذوه في‬
‫سبتمبر ‪ 2001‬لتبدأ المرحلة التالية من مسار الصحوة في عالم ما بعد‬
‫سبتمبر كما سنرى إنشاء الله‪.‬‬
‫وقد فاقمت هذه الوضاع والزمات الخارجية المحيطة التيار الجهادي بالضافة‬
‫لزماته الداخلية على مستوى التيار عامة والخاصة بكل تجربة بحسبها في قطرها‪.‬‬
‫وبدأت تلك الزمات تتضح شيا ً فشيئا ً للجميع بعد أن كان نذرها قد بدت للبعض منذ‬
‫مطلع التسعينات ومنذ انطلق النظام العالمي الجديد‪ .‬ويمكن إيجاز تلك الزمات بما‬
‫يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬الزمات المنية‪:‬‬
‫فقد أدى انتقال مستوى مكافحة الجماعات الجهادية من المستوى القطري إلى‬
‫القليمي إلى العربي إلى الدولي‪ .‬أدى إلى حصار تلك التنظيمات وإنزال خسائر فادحة‬
‫بها وإجهاض معظم أساليب عملها واتصالتها وتمويلها‪ ,‬فقد كانت معظم قيادات‬
‫التنظيمات الجهادية العاملة في بلدها إذا ضاق بها الحال أمنيا ً في بلدها نتيجة عمليات‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 779 [ ‬‬

‫العتقال والتعذيب وفشل التنظيمات الهرمية في الصمود أمام وسائل أجهزة المن‬
‫الوحشية في العتقال والتحقيق وإجهاض العصابات محليًا‪ .‬كانت تخرج إلى دول‬
‫الجوار مستفيدة من هوامش أجواء الخلف بين أنظمة الحكم في تلك الدول‪ ..‬وقد‬
‫استطاعت كثر منها أن تحصل لنفسها وقياداتها على هامش ملذ آن بل قواعد حركة‬
‫ودعم أحيانًا‪ .‬لقضيتها من قبل الدول المجاورة‪ ..‬وقد ميز هذا مرحلة )‪(1995-1975‬‬
‫فقد لجأت الطليعة المقاتلة في سوريا وكذلك تنظيم الخوان المسلمين خلل‬
‫مواجهتهم لنظام حافظ أسد النصيري إلى العراق منذ وقت مبكر ثم لردن‪ ,‬ولقت‬
‫هناك دعما ً كبيرا ً من حكومتي البلدين‪ ,‬وصل إلى حد التدريب والتسليح والدعم المادي‬
‫وتسهيل العبور على الحدود ‪ ,‬كما غضت تركيا الطرف عنهم كذلك واتخذوا من‬
‫أراضيها مجال للحركة والتصالت‪ ..‬واستطاع البعض ولو بحدود أقل بكثير الحصول‬
‫على موطئ قدم لهم في لبنان وإن كان بشكل محدود نتيجة سيطرة سوريا عليها‪ .‬بل‬
‫وصل دعم الجهاد في سوريا إلى أن تدعمه مصر في آخر عهد أنور السادات وتقدم‬
‫خدمات في مجال التدريب كانت ستتطور لو ل مقتل السادات على أيدي الجهاديين‬
‫سنة ‪.1981‬‬
‫كما حصلت بالمقابل تنظيمات عراقية معارضة معظمها من الشيعة على مثل‬
‫ذلك في سوريا‪..‬‬
‫و استطاع الجهاديون من مصر أن يتحركوا في معظم دول المنطقة بحرية وأن‬
‫يتخذوها قاعدة اتصالت وتحصيل دعم بدءا ً من دول الخليج ومرورا ً بسوريا والردن‬
‫واليمن وغيرها‪ .‬ولم يجدوا أي مطاردة‪.‬‬
‫ومثل ذلك تحرك المطاردون من ليبيا في دول الجوار ‪ .‬وتلقى الجهاديون في‬
‫المغرب دعما ً في ليبيا وتحركوا في المنطقة بحرية‪ ,..‬وعبر الجهاديون في الجزائر من‬
‫المغرب واتخذوها معبرا ً للسلح والمقاتلين واستراحات الجرحى والمقاتلين‪ .‬كما‬
‫تحرك تنظيم الجهاد المصري من السودان ‪1997 -1990‬واتخذ له مواطئ قدم في‬
‫اليمن مع تنظيمات جهادية أخرى‪ ,..‬وتلقى بعض عناصره التدريب في لبنان في‬
‫معسكرات حزب الله ‪ ,‬واستطاعت قيادات من الجماعة السلمية أن تتخذ من إيران‬
‫ملجأ وملذًا‪ ..‬إلى آخر ما هنالك من المثلة ‪.‬‬
‫ولم تقتصر تلك الهوامش على الجهاديين والسلميين‪..‬فقد استفادت معظم‬
‫المعارضات السياسية في تلك الحقيبة من هذه الهوامش ‪ ,‬وكذلك التنظيمات‬
‫الفلسطينية القومية والوطنية والسلمية‪ ..‬ولكن بعد سقوط النظام العالمي القديم‬
‫وسقوط التحاد السوفيتي وحلف وارسوا‪ ..‬لم يعد هناك محاور صراع وصار السيد‬
‫المر لتلك النظمة واحدا ً وهو أمريكا ‪ ,‬ولم يعد هناك هامش بين سيدين شرقي‬
‫وغربي ‪ ,‬وتوجهت الوامر من السيد الجديد والقطب الوحد لتلك لنظمة بإغلق تلك‬
‫الملذات ‪ .‬فبدأت تغلق شيئا ً فشيئا ً ‪ ,‬وتولي كبر التنسيق المني العربي المير نايف بن‬
‫عبد العزيز وزير الداخلية السعودية وأنشأ مؤتمر وزراء الداخلية العرب ‪ .‬وجعل مقره‬
‫تونس‪ ,‬وصار لوزراء حرب الله ورسوله والمؤمنين )وزراء الداخلية( لقاء كل ستة‬
‫أشهر‪ ,‬وصار لمعا وينهم لقاءات دائمة وصار لرؤساء استخباراتهم خطوط هواتف‬
‫حمراء مفتوحة‪ ,‬وارتفع مستوى التنسيق ليصل إلى مستوى ربط ) أرشيفات (‬
‫المعلومات عبر الكومبيوتر ‪ ,‬وصارت مطاردة الجهاديين على المستوى القليمي بين‬
‫بعض الدول ‪ .‬ثم ما لبثت أن تحولت إلى المستوى العربي‪ .‬فابتعدت القيادات الجهادية‬
‫والكوادر المطاردة بمراكز عملها ً إلى المستوى العالمي بعد انهيار الجهاد في‬
‫أفغانستان‪ ..‬واتخذت تلك التنظيمات المختلفة أسلوبا مطورا ً للعمل عبر الملذات‬
‫المنة البعيدة ولسيما من مناطق اللجوء السياسي في الغرب وبعض الدول الوروبية‪,‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 780 [ ‬‬

‫حيث كانت قوانين الحريات الشخصية تشكل سياج حماية للناشطين السلميين و‬
‫الجهاديين‪.‬‬
‫ولكن الضغوط المريكية و مطالبات الحكومات العربية والسلمية ودخول عموم‬
‫الدول الوروبية وغيرها في ركاب الحملة المريكية التي تصرفت مثل ما يتصرف‬
‫)مايسترو( فرقة موسيقية )سيمفونية( كبرى في كفاح الصحوة السلمية ‪ ,‬وطليعتها‬
‫الجهادية جعل تلك الهوامش تلغى واحدة تلو الخرى وتدخل أجهزة أمن تلك الدول في‬
‫هجمة المطاردات أيضا ً ‪ ,‬مما جعل كثيرا ً من الرموز يسقطون أسرى ومعتقلين ‪,‬‬
‫وسلم بعضهم لبلدهم وغادر من نجى إلى أفغانستان مع نهايات ‪.1996‬‬
‫ولم تنته الزمة المنية لن أفغانستان التي شكلت ملذًا‪ ,‬صارت مشكلة جديدة‬
‫أيضا ً ‪ ,‬ومنطقة حجر على الحركة والنشاط يسبب سياسة طالبان من نشاطهم كي ل‬
‫تزداد الضغوط عليهم و أصبحت مكانا ً للقامة الجبرية‪ .‬حيث يتخطف الناس من حولها‬
‫عند كل محاولة للحركة‪ ,‬وقل من نجى من تلك المصائد من المطاردين ‪ .‬ولم تقتصر‬
‫مسألة إلغاء الهوامش في عالم النظام العالمي الجديد على الجهاديين وتنظيماتهم ‪.‬‬
‫فقد تعدى ذلك إلى كافة التنظيمات التي تمارس حروب عصابات سرية في مختلف‬
‫أنحاء العالم‪ .‬وهكذا سلم ) عبد الله أوجلن( زعيم حزب العمال الكردستاني إلى‬
‫حكومة أنقرة ‪.‬و أ سدل الستار على حرب عصابات استمرت أكثر من عشرين سنة‬
‫ضد تركيا ‪ ,‬لن النظام العالمي أغلق أمامهم ملذات سوريا والعراق ولبنان‪ ..‬واضطر‬
‫زعيمهم للترحل ثم اعتقل بجهود دولية شاركت في حتى )اليونان( ‪ ,‬عدو تركيا‪.‬‬
‫كما وجد )الجيش الجمهوري اليرلندي( نفسه مضطرا ً لتسوية سياسية وإلى‬
‫اللقاء السلح‪.‬‬
‫وتقهقرت عصابات ) الباسك ( ومنظمة )إيتا( ‪ ,‬بعد أن أغلقت فرنسا الملذات‬
‫الضيقة عنها ‪ .‬فطورد قادتها في أوروبا وأمريكا اللتينية وغيرها‪.‬‬
‫وهكذا بدأ ذو الخبرة من الجهاديين يكتشفون أن عالم النظام العالمي الجديد‬
‫الذي بدأ يعد سقوط التحاد السوفيتي قد ألغى إمكانية الثورات القطرية والعمل من‬
‫خلل الهوامش ‪ .‬فقد صار العالم الجديد أحادي القطب سيدا ً واحدا ً يفرض على الدول‬
‫إغلق الهوامش ‪ ,‬وخاصة في وجه الصوليين من المتطرفين السلميين أو الرهابيين‬
‫كما صار اسمهم في وسائل العلم‪ .‬وأدرك الفاهمون منهم أن نظرية الحركة التي‬
‫أقاموا عليها أعمالهم قد تحطمت مع معطيات هذا العالم‪ ..‬فضل ً عما كانت السنوات‬
‫العشر هذه قد أثبتت فشل الثورات القطرية التي أديرت من قبل قيادات غير ميدانية‬
‫تديرها من المهجر‪ ,‬لعدم إمكانية إدارتها ميدانيا ً نتيجة عمليات البطش والعتقال‬
‫والتعذيب التي فعلتها الحكومات بل حسيب ول رقيب‪.‬‬
‫‪ -2‬الزمات المالية ‪:‬‬
‫فقدت أدت سياسة تجفيف المنابع التي فرضتها أمريكا ونفذتها كافة دول العالم‬
‫وعلى رأسها النظمة القائمة في العالم العربي والسلمي إلى وقف معظم طرق‬
‫المداد المالي من التبرعات التي كانت شريان الحياة الوحيد لستمرار عمل تلك‬
‫التنظيمات‪ .‬ولسيما عندما فرضت دول الخليج بناءا ً على أوامر أسيادها سياسات‬
‫الرقابة على طرق الزكاة وأموال الصدقات والتبرعات ‪ ,‬وأعمال الجمعيات الخيرية ‪.‬‬
‫وفرضت على البنوك وأنظمة تحويل الموال رقابة صارمة كما على فعلت مع البنوك‬
‫العالمية‪ .‬وطبقت أمريكا والدول الغربية سياسات صارمة لمنع وصول أي أموال إلى‬
‫التنظيمات الجهادية أو الجمعيات المتهمة بدعم التطرف كما أسموه ‪ ,‬وهكذا حصرت‬
‫معظم قيادات الجهاديين في أفغانستان‪ .‬وتركوا وراءهم مئات أو آلف السر من‬
‫الذين اعتقل معيلوهم ولم يتركوا لهم من يقوم بأمرهم‪..‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 781 [ ‬‬

‫كما وجدت الخليا المتبقية في تلك البلد نفسها في ضائقة مالية مقطوعة عن‬
‫قياداتها المشردة ليس فقط تنظيميا ً وإداريا وإنما ماليا ً كذلك ‪ ,‬فشلت عن إمكانية‬
‫الحركة والنماء‪..‬‬
‫‪ :3‬الزمات التنظيمية الداخلية‪:‬‬
‫نتيجة الزمات المنية والمالية تحولت معظم القيادات الجهادية إلى قيادات‬
‫مهاجرة مشردة مقطوعة عن ساحة عملها‪ .‬وولد هذا أزمات تنظيمية كثيرة‪ ..‬فقد‬
‫سبب ذلك شلل في الدارة وعدم ديناميكية في الحركة ‪ .‬وأدت هذه المشكلة مع‬
‫المشكلة المنية في الداخل والخارج بالضافة للمشكلة المالية جراء تجفيف المنابع‬
‫‪,‬إلى توقف معظم التنظيمات الجهادية عن النمو البشري في داخل ساحات عملها‪.‬‬
‫فأصبح عددها محدودا ً وصارت تنفق خسائرها البشرية في الداخل والخارج من‬
‫مخزون محدود ‪ ,‬فسارت نحو النقراض ‪ .‬كما أدت الظروف المنية وحالت الختفاء‬
‫لمن تبقى بالداخل وفرار معظم الكوادر والقيادات القادرة على التوجيه ‪ ,‬إلى توقف‬
‫برامج التربية والتكوين للعناصر المتبقية أو القليلة الملتحقة بتلك التنظيمات ‪ .‬فل‬
‫تجنيد عمليا ً ‪ ,‬ول برامج تربية ول إعداء للمجندين ‪ .‬ولن الزمات والهزائم تولد عادة‬
‫أحوال‪:‬‬
‫َ‬
‫ن( )القلم‪ . (30:‬ولنه وكما قال عمر‬ ‫مو َ‬
‫و ُ‬
‫ض ي ََتل َ‬
‫ع ٍ‬‫عَلى ب َ ْ‬
‫م َ‬‫ه ْ‬
‫ض ُ‬
‫ع ُ‬
‫ل بَ ْ‬ ‫فأ ْ‬
‫قب َ َ‬ ‫) َ‬
‫رضي الله عنه ‪ ] :‬إن هذه اليدي خلقت لتعمل وإنها إل تجد لها في الخير‬
‫عمل وجدت لها في الشر أعمال [ ‪ .‬بدأت تتفشى ظاهرة النشقاقات ‪.‬‬
‫إذ حسب بعض اليافعين و بعض قيادات الدرجة الولى أو الثانية في التنظيم ‪ ,‬أن‬
‫السبب في حالت الجمود والعجز هو من عجز القيادات القائمة في التنظيم ‪ .‬ولم‬
‫يدركوا أن مشكلة قوادهم هو حظهم العاثر في قيادة تنظيمات )قطرية سرية‬
‫هرمية( في زمن النظام العالمي الجديد ‪ ,‬خارج سياق التاريخ‪ ,‬وخارج جغرافية المة‪.‬‬
‫فقد فرض النظام العالمي الجديد معطياته ‪ ,‬وصارت الزمات أكبر من أن تحل ‪ .‬لقد‬
‫انهار نظام العمل نفسه ‪ ,‬ولم يعد صالحًا‪ .‬ولكن أولئك المنشقين ظنوا أن بإمكان‬
‫عطارهم أن يصلح ما أفسد الدهر‪ .‬فحصلت انشقاقات عديدة وظهر ما أسميته في‬
‫بعض المحاضرات ظاهرة )التنظيمات الميبية( ‪ ,‬من كثرة النقسام و التشظي ‪ .‬حتى‬
‫لحق ذلك تنظيمات وجماعات وليدة كانت تنقسم وتنشق على نفسها من مراحلها‬
‫الولى !! وحصلت هذه النشقاقات في الداخل في ساحات المواجهة الصلية‬
‫للتنظيمات وكذلك في ساحات الخارج ‪ .‬وهكذا لم يعد لشهر تلك التنظيمات من‬
‫إمكانيات ‪ ,‬منذ مطلع التسعينات وخاصة منذ ‪1995‬‬
‫إل أن تصدر بعض النشرات المنخفضة المستوى في كل منحى ‪ ,‬والمحدودة‬
‫النتشار في كل اتجاه ‪ .‬وتحولت إلى تنظيمات إعلمية سيئة الداء إعلميا ً في غالب‬
‫الحيان ‪ .‬ولم يكن يسير عمليا ً في ساحة الجهاد ‪ ,‬إل أحداث الجزائر المروعة التي‬
‫ألحقت بفريضة الجهاد والتيار الجهادي أذى ل يقدر حجمه ‪ .‬حيث صارت تلك التجربة‬
‫حقل تجارب للستخبارات الجزائرية والعربية والغربية ‪ ,‬كما فصلت ذلك في كتابي‬
‫)شهادتي على الجهاد في الجزائر ‪. (1996-1989‬‬
‫‪ .4‬الزمات الفكرية ‪:‬‬
‫يعود وضع السس الفكرية للتيار الجهادي كما أسلفنا إلى منتصف الستينات‬
‫حيث وضع أسسها الشيخ سيد قطب رحمه الله ‪ .‬ولم تضف مختلف الضافات التي‬
‫كتبت في إطار مكتبة الخوان المسلمين أي جديد عمليا ‪ ,‬وكانت مجرد تكرار وتفاسير‬
‫وإعادة صياغة ‪ .‬ولم تكن في معظمها ذات نفس جهادي ‪ .‬ويمكن تسجيل ما كتب من‬
‫التفصيلت الفقهية السلفية ‪ ,‬عند ما طرح فقه المام ابن تيميه كأساس للفقه‬
‫الجهادي على يد تنظيم الجهاد والجماعة السلمية في مصر ‪ ,‬كحلقة فكرية ثانية في‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 782 [ ‬‬

‫أواخر السبعينات ‪ .‬وكان الضافة الثالثة ما طرحته مكتبة الفغان العرب أواخر‬
‫الثمانينات ‪ .‬وكان عمليا ً تكرارا ً للفكر القطبي الحركي ‪ ,‬والفقه السلفي من تراث‬
‫المدرسة الوهابية ولم تحتو تلك المكتبة رغم شموليتها مفاهيما هامة يمكن أن تكون‬
‫تطويرا ً يتناسب مع ما استجد من أحوال وما طرح من إشكاليات فكرية وثقافية‬
‫واجتماعية وسياسية في العالمين العرب والسلمي بعد قيام النظام العالمي الجديد‪.‬‬
‫وبدأت ملمح أزمة فكرية في التيار الجهادي ‪.‬‬
‫كان على رأس تلك الزمات الفكرية ؛ أن أيا من التنظيمات الجهادية لم تقدم في‬
‫أدبياتها مشروعا ً متكامل ً على مختلف الصعد السياسية والجتماعية والثقافية‬
‫لبرنامجها لتغييري ‪ ,‬وبدت للجماهير ولسيما للقطاع المثقف من المة وكأنها تسبح‬
‫في الماضي في معزل عن مشاكل المة المعاصرة ‪ .‬وكان فقه الواقع مغيبا ً في‬
‫طروحاتها وأديباتها إلى حد كبير‪ .‬ولم يحظ الواقع العربي والسلمي وإشكالته نتيجة‬
‫الجمود الذي طبع عموم المدرسة السلفية المعاصرة ‪ -‬الجهادية السلفية ‪ -‬كجزء‬
‫منه ‪ .‬وكان ثاني أكبر الزمات هو التداعيات غير المنضبطة لطريقة الفقه السلفي‬
‫لدى طلب العلم الشباب من الجهاديين ‪ .‬فقد سيطر في الصنف الثاني من التسعينات‬
‫فقه التشدد والتزمت وبسبب جهل بعض المتسلقين على التيار الجهادي لغياب‬
‫الكتاب الصلء فيه في تلك المرحلة ‪ ,‬وبسبب تفشى المنشورات التكفيرية على‬
‫هامش التيار الجهادي والسلفي ‪ ,‬واستغلل أجهزة الستخبارات ذلك وتضخيمها لتلك‬
‫النتوءات ‪ .‬حيث بدأ الهامش الواضح والجدار الفاصل بين الفكر الجهادي والفكر‬
‫التكفيري يتضاءل أمام جمهور المسلمين في تلك المرحلة ‪ ) .‬وهذه إشكالية سآتي‬
‫على تفصيلها في نهاية الفصل السابع والخير من الجزء الول إن شاء الله( ‪.‬‬
‫ولم تتح الظروف المنية الحرجة لكبار الجهاديين ورموزهم أن يتحركوا في ظروف‬
‫مريحة تمكنهم من الكتابة والردود على تلك الظاهرة الخطيرة ‪ ,‬كما سبب التحاق‬
‫الكثير من العناصر الجديدة في بؤر تواجد الجهاديين ‪ ,‬ومعظمهم من شباب الواقع‬
‫العربي المثقل بالشكاليات والضغوطات النفسية ‪ ,‬مع عدم توفر ظروف مواتية‬
‫للتربية الفكرية إشكالية كبيرة ‪ ,‬حيث سادت أجواء التطرف والجهل في أوساط‬
‫الكثيرين من أتباع الجهاديين خلل تلك الفترة ‪ ,‬ولسيما في مختلف الملذات في‬
‫أوروبا وبعض البلدان كاليمن وباكستان وغيرها‪..‬‬
‫أما الشكاليات الفكرية الخرى فكانت في عدم تمكن الجهاديين من تحديد‬
‫مفاهيم محددة وتفاصيل واضحة ‪ ,‬لمصطلحات ومسائل هامة طرحت بسبب مشروع‬
‫المواجهة الجهادية مع النظمة الجاهلية ومن ذلك‪:‬‬
‫المفهوم الشرعي للجماعة الجهادية في قطرها‪ ,‬وهل هي بمثابة جماعة‬
‫المسلمين ؟! ومسألة مشروعية تعدد الجماعات الجهادية في قطر واحد ! وإن كان‬
‫ذلك غير مشروع كما اعتقدت كثير من تلك الجماعات ! فما مشروعية تعددها إذن‬
‫في بلدان متجاورة أقيمت الحدود بينها من قبل العداء أصل ً ؟! وقد تطرف البعض‬
‫من الجهاديين إلى الزعم بالحق في تصفية أي محاولة جديدة ليجاد جماعة جهادية في‬
‫بلد توجد فيه جماعة جهادية ‪ ,‬حفاظا ً على وحدة صف الجهاد !!‬
‫كذلك مسألة البيعة في التنظيمات ؛ وتفاصيل قيامها وحلها وتبعاتها من‬
‫الحقوق والواجبات ‪ .‬فقد ذهب البعض إلى أنها مجرد عهد أو أقرب للقسم يتحلل‬
‫معطيها من تبعاتها متى أراد ذلك ‪ .‬ويكفيه على أبعد حد صوم ثلثة أيام كمن تعذر عليه‬
‫وفاء النذر‪ .‬في حين ذهب البعض إلى أن بيعة التنظيم مثل بين المام العظم ل يمكن‬
‫للعنصر أن يخرج منها إل أن يرى كفرا ً بواحا عنده فيه من الله برهان!!‬
‫وكذلك مسألة الشورى و المارة في التنظيم ‪ :‬وحقوق المير وطريقة‬
‫تعينه‪ ,‬ومدة وليته‪ ,‬وطرق تغيره ‪ ,‬وحقوقه و واجباته ‪ .‬وكذلك موضوع الشورى ‪,‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 783 [ ‬‬

‫وطريقة اتخاذ القرار في التنظيم ‪ ,‬وعلقتها بصل حيات المير ‪ ,‬و الهيكليات‬
‫المؤسساتية في الجماعة الجهادية وطرق إدارتها لسيما في ظروف المطاردات‬
‫المنية ‪.‬‬
‫كذلك إشكالية المناهج السياسية الشرعية والفكرية التي يختارها‬
‫التنظيم‪ :‬مع عدم وجود الكوادر القادرة على وضعها في معظم القطار‪ .‬واستيراد‬
‫ذلك من أفكار تنظيمات مجاورة ‪.‬‬
‫بالضافة لشكالية متفرعة عن المناهج ‪ ,‬وهي إشكالية مناهج التربية وآليات‬
‫تطبيقها على العناصر الجدد ‪ .‬وما توجده الحالة المنية و السرية من إشكاليات لتنفيذ‬
‫أي برامج تكوين وتربية‪.‬‬
‫إلى آخر ذلك ‪ ...‬حيث لم تستطع التنظيمات الجهادية نتيجة الظروف المنية و‬
‫المطاردات‪ ,‬وقلة الكوادر القادرة على التنظير‪ ,‬وشبة انعدام وجود علماء أو حتى‬
‫طلب علم شرعيين أكفاء‪ ..‬لم تستطع أن تحسم تلك الشكالت والزمات الفكرية ‪.‬‬
‫وانعكست بالتالي هذه الزمات الفكرية في كثير من الحيان على شكل أزمات‬
‫تنظيمية أضافت مزيدا ً من الختناق لسلسلة أزمات الجهاديين في العقد الخير من‬
‫القرن العشرين‪.‬‬
‫‪ :5‬أزمات سياسية وإشكاليات في العلقات العامة ‪:‬‬
‫وسط الصحوة السلمية وكذلك مع أوساط المعارضات السياسية العلمانية ‪,‬‬
‫حيث وقفت معظم أوساط الصحوة السلمية من صراع الجهاديين مع السلطات‬
‫المرتدة القائمة‪ ,‬موقفا ً يتراوح بين الحياد والوقوف موقف المتفرج ‪ ,‬وبين السلبية‬
‫والعداء للجهاديين وتأييد مواقف الحكام الطغاة ‪ ,‬بدافع الحفاظ على مصالحهم الحزبية‬
‫أو الشخصية !!‬
‫ونتيجة العقلية الثورية لمعظم الجهاديين وطبيعة النفعال وردود الفعال على‬
‫الحصار اتسمت ردود أفعال الجهاديين على أوساط الصحوة وقياداتها وكبار علماء‬
‫المسلمين في كثير من الحوال بالتشنج والعنف ‪ .‬وقد كان لردود الفعال هذه ما‬
‫يبررها في معظم الحوال ‪ ,‬تجاه قادة صحوة وعلماء يصفقون للكفر الحاكم‬
‫ويمتدحونه‪ ,‬ويبررون الحتلل وغزوات الصليبيين بدعوى الضرورة و الستعانة ‪,‬‬
‫ويجوزون التطبيع مع اليهود ‪ ,...‬أو يقفون من ذلك موقف البلدة والتفرج‬
‫واللمبالة !!‪.‬‬
‫ولكن واقع الحال وبصرف النظر عن تبريره أو عدم ذلك ‪ ,‬فقد كان واقع الحال‬
‫هو عزلة الجهاديين في أوساط الصحوة ‪ .‬ولم يستطع قيادات الجهاديين إل بعضهم‬
‫وفي حالت نادرة الحفاظ على علقات سياسية وطبيعية مع أوساط الصحوة ‪ .‬ودخلت‬
‫الدبيات الجهادية في ذلك العقد القاتم من الزمات )‪ , (2000-1990‬دخلت في‬
‫معارك إعلمية ومهاترات مع مختلف أوساط الصحوة وأحزابها ورجالتها‪..‬‬
‫وقل مثل ذلك وأشد منه عن أزمة العلقات بين الجهاديين وبين أوساط‬
‫المعارضات العلمانية الوطنية والقومية واليسارية في العالم العرب السلمي‪ ,‬فقد‬
‫قامت علقة الجهاديين بأولئك على أساس قاعدة التكفير والعداء ‪ ,‬كما هو حال معظم‬
‫أوساط الصحوة السلمية مع الوسط العلماني ولسيما في العالم العربي ‪ .‬ورغم أن‬
‫معظم تلك القطاعات العلمانية وأحزابها ورجالها قد عانت وما زالت تعاني من قمع‬
‫الحكومات ‪ ,‬وتقع مع السلميين و الجهاديين في خندق الضطهاد ‪ ,‬وكان بالمكان أن‬
‫يكسب الجهاديون منهم بعض الشخصيات المعتدلة تجاه الظاهرة الدينية ‪ ,‬أو حتى‬
‫جرهم لميدان الحياد ‪ ,‬إل أن التشنج من جهة ‪ ,‬والتوجس من جهة ‪ ,‬وعدم الثقة‬
‫والعداء التاريخي من جهة أخرى ‪ ,‬بالضافة إلى عدم وجود الكوادر السياسية المؤهلة‬
‫في قيادات التيار الجهادي لقامة مثل ذلك الحوار‪ ,‬وقيام قاعدة التواصل لدى‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 784 [ ‬‬

‫الجهاديين على المفاصلة مطلقا دون اعتبار لهوامش فن الممكن‪ ..‬وإنما على قاعدة‬
‫)حمل السلم بالعرض ( في سوق ازدحمت فيه الجماعات والشخصيات والبرامج‬
‫والمناهج‪..‬‬
‫كل هذا أسفر عن حشد أكبر كمية من العداء في مواجهة الظاهرة الجهادية‪ .‬وقد‬
‫فاقم هذا من الزمات والحصار‪ ..‬ليسفر مع كل ما سبق من الزمات عن الزمة‬
‫الشاملة‪ ,‬وعنوان ونتيجة كل تلك الزمات هو الزمة التالية‪:‬‬
‫أزمة الفشل في تحقيق الهدف وثبوت عقم الوسيلة ‪:‬‬
‫كان هدف جميع التنظيمات الجهادية التي تحركت منذ الستينات وإلى انصرام‬
‫القرن العشرين هو باختصار‪) :‬إسقاط الحكومات المرتدة القائمة في بلدها‪ .‬وإقامة‬
‫النظام السلمي وتحكيم الشريعة على أنقاضه(‪.‬‬
‫وأما وسيلتها في ذلك فكان العمل المسلح ضد تلك الحكومات عبر تنظيمات ؛‬
‫)قطرية المجال – سرية السلوب – هرمية البناء(‪.‬‬
‫وباختصار أوصلت التجارب الجهاديين عبر نصف قرن من المحاولت ‪ ,‬ولسيما بعد‬
‫تفاقم أزمات العقد المنصرم إلى الفشل في تحقيق تلك الهداف‪ ,‬وثبوت عقم تلك‬
‫الوسيلة لسباب كثيرة‪ .‬أسباب أغلبها خارجي‪ ,‬نتيجة تكالب قوى الكفر العالمية والردة‬
‫الملية عليها ‪ .‬ونتيجة وقوف أكثر علماء المة إما في مواجهتها مثل ما فعلت جبهة‬
‫علماء السلطان ‪ ,‬وأما موقف المتفرج الذي ل علقة له في ذلك الصراع‪.‬وكذلك نتيجة‬
‫إعراض عامة الشعوب السلمية عن القيام بواجبها في مواجهة كل أمواج الظلم‬
‫والظلمات التي طغت على واقع المسلمين‪ ..‬بالضافة للشكالت والزمات الداخلية‬
‫التي ابتليت بها التجارب الجهادية‪..‬‬
‫وهكذا فشلت كافة التجارب كما مر معنا في الستعراض التاريخي لهم تلك‬
‫المحاولت ‪ .‬فشلت جميعها في تحقيق ذلك الهدف ‪ .‬وكان آخرها فشل التجربة‬
‫الجزائرية التي ختمت وبشكل مأساوي تلك التجارب‪ ..‬كما أثبتت الوسيلة وهي‬
‫)التنظيمات القطرية السرية الهرمية( عقمها ‪ ,‬وعدم إمكانيتها في تحقيق ذلك‬
‫الهدف ‪ .‬ولسيما بعد ما قام النظام العالمي الجديد‪ ,‬الذي أوصل أساليب تلك الوسائل‬
‫للنهيار وجعلها من مخلفات الماضي ‪ ,‬في عالم العولمة ‪ ,‬الذي عولم عملية المواجهة‬
‫وجعل تلك الساليب و المحاولت والهداف وتكتيكاتها من أرشيف التاريخ ‪.‬‬

‫• المتنفس في رحاب طالبان والمارة السلمية(‪(2001-1996‬‬


‫والفرصة الضائعة‪:‬‬
‫اجتمع في أفغانستان في ظل طالبان منذ مطلع ‪ 1997‬عدد ل باس به من أبرز‬
‫كوادر التيار الجهادي من قيادات التنظيمات والشخصيات التاريخية وطلب العلم‬
‫وأصحاب الخيرة والرأي والدراية فيه من مختلف القطار العربية ‪ .‬وكان جو المن و‬
‫البحبوحة والسترخاء وكل معطيات الجواء المناسبة فرصة تاريخية وذهبية لكي يتفكر‬
‫أولئك الرجال في حلحلة تلك الزمات والخروج بتصورات تشكل بداية مرحلة جديدة‬
‫من النطلق ‪ .‬فقد اعترف الجميع بوجود الزمات وضرورة التطلع إلى حلها ‪ .‬وتعتبر‬
‫المدة التي قضيناها إذاك وهي زهاء ‪ 5‬سنوات كانت كافية نسبيا ً لتحقيق عملية إعادة‬
‫البناء ‪.‬‬
‫ولكن المفاجأة كانت في أن )الفكرة القطرية( و)الحزبية التنظيمية( برزت‬
‫لتسيطر على المرحلة الجديدة أيضا عبر معسكرات و مضافات وجماعات بنت‬
‫تصوراتها على أساس )قطري ‪ -‬سري ‪-‬هرمي( مرة ثانية‪ ,‬حيث جعلت معظم‬
‫التنظيمات هدفها هو نفس الهدف الذي أثبتت اليام منذ ‪ 1990‬وعلى البعد منذ‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 785 [ ‬‬

‫‪ 1995‬وما جرى في الجزائر وغيرها استحالة تحقيقه في ظل النظام العالم العالمي‬


‫الجديد ‪.‬‬
‫ولست هنا بصدد التفصيل عن المرحلة ‪ ,‬ولكن أشير هنا إلى أن تلك العقلية‬
‫) القطرية ‪ -‬الحزبية التنظيمية( أضاعت فرصة ذهبية على التيار الجهادي‪ .‬ولم يستطع‬
‫دعاة الفكرة الممية في المواجهة ‪ ,‬ل الشيخ أسامة والقاعدة ول غيره إقناع تلك‬
‫الشرائح والكوادر باقتناص الفرصة وضم الجمع في حالة موحدة أو تنسيقية على‬
‫القل‪ .‬ورغم أن الشيخ أسامة كان المرشح الساسي لقناع الخرين بذلك إل أنه فشل‬
‫بذلك ‪ ,‬وذلك لسباب تعود عديدة كان من أهمها تصوراتهم القطرية والتنظيمية من‬
‫جهة‪ ,‬وافتقار القاعدة للمنهجية الواضحة بحسب مقاييس الجهاديين وكذلك عم وضوح‬
‫البنية المؤسساتية فيها ‪ .‬فكان هذين العاملين أهم العوامل في ضياع تلك الفرصة‪.‬‬
‫فقد كان من الممكن أن تقوم جهود لمراجعة المناهج والساليب والهداف والوسائل‬
‫في ظل فهم الواقع الجديد ‪ ,‬مستغلين الظروف المواتية ‪ ,‬واللتفاف جميعا حول‬
‫مشروعية أمير المؤمنين )المل محمد عمر( ‪ .‬ورمزية الشيخ أسامة العالمية ‪.‬ولكن‬
‫ذلك لم يحصل وفشلت جميع الجهود الساعية في ذلك والتي قام بها البعض من‬
‫المستقلين الذين كنت واحدا ً منهم – حيث دعوت كبار القوم ولكثر من مرة في عدة‬
‫مناسبات لقناعهم بذلك دون جدوى ‪.‬وكان أمر الله قدرا ً مقدورا‪.‬‬
‫وجاء سبتمبر ليضع حدا ً لتلك الفرصة الذهبية ويطوى في كنف الغيب سر ما إذا‬
‫كانت ستتاح فرصة جديدة للجهاديين يكون الجيل القادم منهم قادرا ً على تحقيق ما‬
‫عجز عنه أولئك السلف المجاهد الذي أدى دورا ً رياديا ً في مواجهة أعداء السلم‬
‫وحلفائهم من المرتدين ‪ ,‬ولكن الزمات والمصائب كانت أكبر من إمكانياتهم في‬
‫تحقيق الهداف‪ .‬ولعل في القدر القادم ما يبشر بتحقيق ما فات من الفرص ‪ ,‬ولكل‬
‫أجل كتاب‪.‬‬

‫عاشرًا‪ :‬الفكار التي طرحت لدى الجهاديين للخروج من الزمة منذ‬


‫‪: 2001-1996‬‬
‫مع انتصاف العقد الخير من القرن العشرين‪ ,,‬كان التيار الجهادي بمختلف‬
‫تنظيماته ومكوناته قد بلغ عمليا قعر الزمة‪ .‬وأيقن معظم قياداته وقدمائه أن‬
‫المسارات الجهادية قد وصلت إلى طريق مسدود‪ .‬وأن الزمات المتنوعة قد وصلت‬
‫قمتها‪ .‬وأن السير والستمرار بذلك السلوب ومعطياته يبدو مستحي ً‬
‫ل‪..‬‬
‫فقد تتابع فشل المحاولت الجهادية‪ ,‬وانطفأت معظم شعلتها الواحدة تلو‬
‫الخرى‪ .‬وتفككت معظم التنظيمات ‪ .‬وساح من بقى على قيد الحياة من قياداتها‬
‫وكوادرها في مختلف الملذات والمخابئ العلنية والسرية‪ ,‬مخلفين في بلدهم كميات‬
‫كبيرة من السرى من العناصر المجاهدة ‪ ,‬أو النصار والموالين الذي ساعدوهم في‬
‫حركاتهم بالضافة إلى كم كبير من أسرا الشهداء ‪ ,‬من النساء والطفال في أحوال‬
‫إنسانية بالغة المأسوية‪ .‬كما تزايدت الزمات التي أشرنا إليها سابقا ً في كافة‬
‫المجالت الفكرية والسياسية والمالية والتنظيمية‪ ..‬إلى آخر قائمة الزمات الخانقة‪.‬‬
‫وكانت خاتمة الصدمات والزمات في الكارثة المروعة التي آلت إليها تجربة‬
‫الجهاد في الجزائر بعد أن تمكنت أجهزة الستخبارات من تفعيل بذور التطرف‬
‫والجهل في صفوف بعض المجاهدين الجزائريين ‪ ,‬وذلك بزرع عملء الستخبارات‪,‬‬
‫ليدفعوا بالقضية إلى متاهات التكفير والجرام والمجازر الدموية ‪ .‬وشكلت أخبارها‬
‫المفزعة المحزنة صدمة هائلة للجهاديين وأنصارهم وكل المؤمنين بفكرة العمل‬
‫المسلح‪.‬‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 786 [ ‬‬

‫وهكذا‪ ..‬بدأ كبار الجهاديين ومن تبقى من تنظيماتهم يبحثون عن الحلول‬


‫والمخارج‪ ..‬وقد شهدت مثل هذه المراجعات والمناقشات في الملذ المن للجهاديين‬
‫في أفغانستان ‪,‬بعدما هاجر معظم من تبقى من الجماعات والرموز الهامة في التيار‬
‫الجهادي إلى المارة السلمية التي أنشأها طالبان‪.‬‬
‫ويمكن تقسيم المطروحات والفكار ومحاولت الخروج من قعر الزمة لدى‬
‫الجهاديين إلى ثلثة مدارس تجلت كل واحدة منها في محاولت عملية‪ .‬ووجهة حركة‬
‫جديدة ‪ .‬وكانت على ثلثة أقسام محركة سميتها كما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬مدرسة الستسلم وإلقاء السلح والمبدأ‪.‬‬
‫‪ -2‬مدرسة الثبات على المبدأ و الستمرار في السلوب‪.‬‬
‫‪ -3‬مدرسة التجاه الممي نحو جهاد الصائل الخارجي أمريكا و‬
‫حلفاؤها‪.‬‬

‫ولنتناول كل واحدة من تلك المدارس بشيء من التفصيل‪:‬‬


‫‪ - 1‬مدرسة الستسلم للخروج من الزمة‪:‬‬
‫وخلصة فكرة أصحاب هذه المدرسة‪ :‬أن أزماتنا كجهاديين جاءت نتيجة لحمل‬
‫السلح ‪ ,‬ول تزول إل بزوال ذلك السبب ‪ .‬فالحل هو في إلقاء السلح والبحث عن‬
‫طرق عمل أخرى‪..‬‬
‫والحقيقة أن بوادر هذه المدرسة التي صرح أصحابها بفحوى دعوتهم صراحة مع‬
‫منتصف التسعينات تود إلى أواسط الثمانينات منذ بدأت الحركات الجهادية تتراجع‬
‫وتواجه الزمات والهزائم ‪ .‬وكانت غالبا ً ما تطرح في كل قطر إثر كل هزيمة عملية‬
‫لمحاولة من محاولت الجهاديين ‪ ..‬فقد كان أول من طرحها قيادة الخوان المسلمين‬
‫في سوريا إثر )فاجعة حماة( سنة ‪ .1982‬وأسموها في وقتها؛ دعوة ) الصلح مع‬
‫النظام (‪ .‬وقد وسط الخوان السوريون العديد من الوسطاء لمتابعة طرق أبواب‬
‫)حافظ أسد( التي بقيت موصدة أمام تلك الدعوات عمليا ً ‪ .‬وتابع ابنه بشار من بعده‬
‫إغلق الباب‪.‬‬
‫وكان من تبقى من حطام تنظيم الطليعة المقاتلة في سوريا قد خطى خطوات‬
‫فعلية نحو الستسلم تحت مسمى الصلح ‪ .‬ونزل العديد من عناصرها تحت عروض‬
‫الدولة باسم )قانون العفو( ولم يكن لتلك العملية أي تفاصيل سياسية‪ ,‬فقد كانت‬
‫عمليات استسلم وتوبة فردية تقريبا ً ‪ ,‬نزل فيها بعض العناصر من الطليعة ‪ ,‬ثم من‬
‫الخوان بشكل فردي ‪ ,‬ووقعوا بيانات )توبة( كتب في أعلها ‪:‬‬
‫ن‪) ‬القصص‪! (17:‬‬
‫مي َ‬
‫ر ِ‬
‫ج ِ‬ ‫هيرا ً ل ِل ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫نظ ِ‬ ‫ن أَ ُ‬
‫كو َ َ‬ ‫فل َ ْ‬ ‫عل َ ّ‬
‫ي َ‬ ‫ت َ‬
‫م َ‬
‫ع ْ‬
‫َ‬
‫ما أن ْ َ‬
‫ب بِ َ‬
‫‪َ ‬ر ّ‬
‫ولكن الخوان المسلمين في سوريا أرادوا الستسلم بصيغة )نصف مشرفة( ‪,‬‬
‫فعرضوا عروضا ً )للصلح( بشكل سياسي ‪ ,‬بين جماعتهم كحزب معارضة سياسية‬
‫والدولة والنظام ‪ .‬ولكن حكومة حافظ أسد ‪ ,‬ووفق مشورة شيطانية من بعض علماء‬
‫السلطان فيها‪ ,‬وعلى رأسهم الشيخ ) سعيد رمضان البوطي( وغيره ‪ ,‬اشترطوا على‬
‫الخوان جملة من الشروط التعجيزية من ضمنها العتراف العلني بخطئهم في حمل‬
‫السلح! وجرائمهم في مواجهة الدولة ! وكتابة أبحاث سياسية شرعية يدللون فيها‬
‫باليات والحاديث على خطأ مسلكهم !! ثم النزول تحت قانون العفو بشكل فردي و‬
‫ليس بشكل يحفظ نصف الكرامة! ولم يكن الوضع ضاغطا ً عليهم في ملذاتهم في‬
‫العراق والردن والسعودية والخليج والخارج كي يقبلوا‪ ..‬واستمرت عروضهم بالصلح‬
‫وشروطهم بالتقلص إلى أن خرج المراقب العام للخوان المسلمين في سوريا ) علي‬
‫صدر الدين البيانوني (على وسائل العلم وشاشات الفضائيات يعرض الصلح ويعرض‬
‫طلباته التي تقلصت إلى مطلب واحد وهو ) حق المواطنة فقط في ظل الديمقراطية‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 787 [ ‬‬

‫والتعددية السياسية (!! والعودة إلى الوطن بل شروط ول برامج ‪ .‬ومع ذلك ما زال‬
‫النظام يرفض ويقول أنه بصدد عرض عفو عام يطال البرياء ‪ .‬مع ضرورة إجراء‬
‫محاكمات لمن يثبت تورطهم بجرائم في حق الدولة والشعب والوطن‪ .‬وأما أكثر‬
‫الفراد من المطاردين ومعظمهم ممن لم يقم بأي عمل و فعل في الثورة التي‬
‫استشهد أو أسر معظم من شارك فيها فقد عاد أكثرهم بوساطة الستسلم للسفارات‬
‫السورية في أنحاء العالم‪ .‬تحت قانون العفو وكتب كل واحد منهم تقريرا ً بتفاصيل‬
‫حياته منذ خرج من سوريا والجهاد إلى أن عاد‪ .‬وجاءت الخبار باعتقال بعضهم مرة‬
‫أخرى‪ ,‬وباستجواب آخرين‪ .‬ومنعهم من السفر وإلزامهم بمراجعة دوائر المن لتقديم‬
‫ما يطلب إليهم من معلومات عنهم وعن أقربائهم وجيرانهم ‪ ,‬وتحويل الضعفاء منهم‬
‫إلى مخبرين لجهزة المن!!‬
‫وقد حصل شيء قريب من هذا تحت ما يسمى )مشروع التوبة( للملحقين في‬
‫تونس أواسط التسعينات‪ ,‬رغم أن معظمهم من المعارضات السياسية السلمية ‪ .‬وقد‬
‫وضعت حكومة زين العابدين شروطا ً مهينة قبلها البعض وتمرد عليها آخرون ‪ ,‬ورفضها‬
‫الشيخ راشد الغنوشي وكتب في ذلك كتابات جيدة تؤكد على استراتيجية الثبات في‬
‫مواجهة النظام التونسي وأشباهه من الحكومات الطاغوتية ولو سياسيا على القل !‪..‬‬
‫وفي الجزائر عرض النظام أواسط ‪ 1996‬بعد أن فكك المجموعات المسلحة‬
‫واخترقها وحرف مسارها إلى التكفير والجرام والمجازر‪ ,‬وورط بعض فصائلها فيها ‪,‬‬
‫وقام هو بنفسه بعض المجازر وألصقها بهم ‪ .‬فقام بعرض العفو العام عبر ما سمي‬
‫مبادرة )الوئام الوطني( ‪ .‬حيث تبرع العديد من فقهاء السلطين في السعودية وغيرها‬
‫لدعم المبادرة والفتاء للمسلمين بالستسلم والنزول من الجبال ‪ .‬حيث نزلت فصائل‬
‫كثيرة وألقت السلح لمبادرات فردية‪.‬‬
‫ولكن أكبر وأخطر تلك الممارسات و الطروحات الستسلمية من ضمن التيار‬
‫الجهادي كانت عبر ما عرف )بالمبادرة( التي قامت بها الجماعة السلمية في مصر‪,‬‬
‫وما عرف بمبادرة إلقاء السلح ونبذ العنف من طرف واحد ‪ ,‬دون طلب مقابل من‬
‫الدولة إل دعوتها للفراج عن السلميين وإنهاء الزمة واستمرت المبادرة بين مد‬
‫وجزر من سنة ‪ 1996‬وإلى أواسط ‪ 2003‬حيث بدت بوادر تجاوب الحكومة المصرية‬
‫معها‪ .‬وقد سبق أثناء استعراض تجربة الجماعة السلمية في مصر الشارة لتلك‬
‫المبادرة التي كان أخطر ما فيها قيام الرموز الكبار من القيادات التاريخية للجماعة‬
‫بالتأصيل للستسلم وكتابة العديد من الكتب والبحاث يدينون فيها منهج الجهاد‬
‫المسلح واصفينه بالعنف ‪ ,‬ومعلنين سلسلة من النتهاكات الفقهية والفكرية للفكر‬
‫الجهادي والسياسي الشرعي لصول التيار الجهادي يطول شرحها والتعليق عليها‪.‬‬
‫ويعبر عما فيها من تردي أنها وصلت لعتبار اغتيال أنور السادات خطأ تاريخيا ً ووصفه‬
‫بأنه كان شهيد الفتنة ‪ .‬فصار الطاغوت المرتد شهيدا !! وصار جهاد أسياده اليهود فتنة‬
‫‪ .‬وسأحاول إن شاء الله العثور على سلسلة تلك الكتب والبحاث لدراستها والرد عليها‬
‫وتفنيد ما فيها إن أعان الله ثم سنح الوقت وكان في العمر بقية‪ .‬فسد هذه الذرائع‬
‫من أهم مواطن الدفاع عن التيار الجهادي بصرف النظر عن احترامنا لتاريخ الذي‬
‫أقدموا عليها وعذرهم في ضروراتهم ‪ .‬ولكنه رد فكري على فكر مطروح بصرف‬
‫النظر عن قدر أصحابه‪ .‬حيث أنهم عرضوا ما عرضوا وهم أسرى ‪ ,‬خرجوا من‬
‫السجون من السر الصغر للسر الكبر‪ .‬ول عبرة لراء فاقد الرادة‪ .‬وأعانهم الله في‬
‫محنتهم ‪ ,‬وتقبل منهم ما أحسنوا وتجاوزوا عما قصروا به أو أكرهوا عليه‪.‬‬
‫ثم تتابعت طروحات هذه المدرسة و استعلن أصحابها بعد سبتمبر ‪2001‬‬
‫والهجمة العالمية لمكافحة الرهاب بقيادة أمريكا‪ .‬متخذين من مبادرة الجماعة‬
‫السلمية وكتاباتها نموذجا ً يحتذى في نقض الغزل و الرتداد على العقاب عن ثوابت‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 788 [ ‬‬

‫الفكر الجهادي والسس العقدية للسياسة الشرعية‪.‬تحت ضغط اللة العلمية الرهيبة‬
‫لمريكا وأذنابها‪.‬‬
‫وقد حصل مثل هذه التراجعات عندما قبضت الحكومة السعودية على مجموعة‬
‫من فقهاء الجهاديين وعلمائهم في السعودية ‪ ,‬وأكرهتهم أو أقنعتهم بالتراجع وبدعوة‬
‫المجاهدين لها و للقوات المريكية على أرض الحرمين بإلقاء السلح ‪ .‬حيث جندت‬
‫وسائل العلم السعودي عشرات العلماء وكبار الدعاة للترويح لهذه الطروحات وهذه‬
‫المدرسة‪.‬‬
‫ً‬
‫وهكذا تظهر هذه الطروحات دائما كما أسلفت إثر الهزائم و النتكاسات حيث‬
‫يبحث أصحابها عن الحل في إزالة سبب الزمة بحسب تصورهم ‪ ,‬وهو )حمل السلح(‪.‬‬
‫ومن الطبيعي كما هو دأب النسان دائما ً في ترقيع أفعاله وإيجاد المعاذير لعلله‬
‫وتراجعاته ‪ ,‬فإن أصحاب هذا المنهج ل يسمونه باسمه الصريح ‪ ,‬وهو)الستسلم( أو‬
‫)الهزيمة( وإنما يبحثون له عن أسماء وصيغ ألطف ويطلقون سيل التبريرات والفقه‬
‫الذي تتابع بعد ذلك لتبرير ذلك فيسمونه تارة )قانون العفو( وتارة )الصلح( وتارة‬
‫)الوئام الوطني( وتارة )الهدنة( وتارة )المصالحة الوطنية( وتارة )مبادرة نبذ العنف(‪..‬‬
‫وهكذا تعددت العناوين تحت دعاوى الحكمة والتعقل والواقعية‪ .‬تعددت السماء و‬
‫الستسلم واحد ‪.‬‬
‫وكانت المصيبة هينة لو أن أصحاب تلك الحوال أعاذنا الله مما استعاذ منه رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ؛ من الهم والحزن ومن العجز والفشل ومن الجبن والبخل‬
‫ومن غلبة الدين وقهر الرجال‪ .‬كانت المصيبة هينة لو امتلك القوم الصراحة والشجاعة‬
‫خذلنا ولم‬ ‫خذلنا من َ‬‫و خرجوا للناس ليقولوا‪ ) :‬يا قومنا بذلنا وسعنا ‪ ,‬وقدمنا طاقتنا ‪ ,‬و َ‬
‫نستطيع إل ما بلغ جهدنا ‪ ,‬وها نحن ندعو للهدنة أو للسلم أو حتى نعلن الستسلم ‪,‬‬
‫فقد خسرنا الجولة وسيبعث الله لهذا الدين من يقوم بأمره وينصره ولعل فيما‬
‫تستقبل الجيال من فرص خير مما عرض لنا (‪ .‬فيحلوا جماعتهم أو تنظيماتهم‬
‫وينسحبوا من ساحة المواجهة ‪.‬‬
‫ولكن المصيبة كانت أعظم عند ما أطلقت السماء الجذابة على حقيقة‬
‫الستسلم و وجدت لها التبريرات ‪ .‬وبلغت الطامة مداها عند ما بدأ كتابهم وفقهاؤهم‬
‫ينظرون و يفتون من أجل الخذلن والستسلم للعداء‪ .‬وينقضون غزلهم وغزل‬
‫غيرهم مما رسخه المجاهدون في سبيل الله و أثبتوه بدمائهم عبر السنين عبر مسار‬
‫العذاب والعناء على درب الشهادة و الثبات‪ .‬حيث تقطع هذه الجهود المهينة الطريق‬
‫على شباب المة القادم كي ل يسير على خطانا كي ل يحاول الكرة تلو الكرة عساه‬
‫يحقق ما لم نوفق إلى تحقيقه‪ .‬وهذا بالضبط ما قصد إليه العدو الماكر وأجهزة‬
‫استخباراته ومراكز دراساته النفسية والمنية‪ .‬يريدون أن يقتلوا بذور الثورة على‬
‫الظلم والضطهاد‪ ,‬ومحاربة الكفر والحتلل ‪ .‬وأن يئدوا أفكاره في مهدها‪ .‬إنها‬
‫محاولتهم لطفاء نور الله بأموالهم جاهلين أو متجاهلين بأن الله متم نوره ولو كره‬
‫الكافرون‪.‬‬
‫ً‬
‫وكم كنت أقف حائرا عندما أقرأ في آثار السيرة‪ .‬أن أبا جهل بن هشام لعنه الله‪.‬‬
‫لما أثخن في بدر‪ ,‬وعل صدره الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود ليحز رأسه‪..‬‬
‫فسأله أبو جهل وهو في النزع الخير‪ :‬لمن الدائرة اليوم ؟ فقال عبد الله بن مسعود‬
‫له ‪ :‬لله ورسوله وقد أخزاك الله ‪ .‬فقال ذلك الجبار العنيد‪ :‬بلغ محمدا ً أني ما ندمت‬
‫على عداوته ول ساعتي هذه !! ثم هلك‪..‬‬
‫وكنت أعجب‪ ..‬كيف يأبى ذلك الكافر وقد هزمت رأيته وأزهقت نفسه ورغم أنفه ‪,‬‬
‫وهو يرتحل إلى جهنم ‪ ,‬يأبى إل أن يثبت كبرياًء وثباتا ً ‪ ,‬وعزة نفس وإخلص لما كان‬
‫عليه رغم أنه الضلل‪..‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 789 [ ‬‬

‫و أتمنى لو أسعفتنا رجولتنا ونخوتنا وكرامتنا‪ .‬واحترامنا لدماء شهداؤنا ‪ ,‬وعذابات‬


‫أسرانا ومشردينا ‪ ,‬ودموع أراملنا وأيتامنا ‪ ,‬بل لو تأججت في صدورنا الحمية لديننا‬
‫ورايتنا ‪ ,‬والحق الذين جاهدنا لجله لنقول لعدائنا إذ خسرنا بعض الجولت ‪ ,‬وانهزمنا‬
‫في بعض المحطات والمعارك في هذه الحرب الزلية المفتوحة‪ ,‬أن نقول لعدائنا ‪:‬‬
‫بلغوا فراعنتكم وأسيادكم ‪ ,‬من الطواغيت ‪ ,‬وأسيادهم من اليهود‬
‫والنصارى ‪ :‬أننا ما ندمنا على عداوتهم ول في أشد ساعات الندحار‬
‫والتضحيات ‪ .‬وأننا واثقون من أن نصر الله قادم ‪ .‬وسيحمل راياته‬
‫الظافرة من سيسير على دربنا ‪ ,‬ويهتدي بخطانا كما اهتدينا بخطى‬
‫القافلة السائرة من قبلنا ‪ ,‬الموصولة بتتابع السائرين والمجاهدين منذ‬
‫قادها سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ‪ .‬ونحن على الحق إنشاء الله‬
‫سواء كنا منتصرين أو مهزومين في هذه المواجهة العقيدية ‪.‬‬
‫فكيف ل نجد مثل هذا الثبات والباء الذين بذله كافر يستقبل النار!! كيف ل نجده‬
‫ونحن سنستقبل الجنة إن شاء الله ؟! و نحن نؤمن أن الله مولنا ول مولى لهم‪.‬‬
‫آه لو فقه الخائرون بشارته صلى الله عليه وسلم لخباب رضي الله عنه حين جاءه‬
‫يسأله أن يدعو لهم بالنصر ‪ ,‬وقد أنهكه ما نزل به وبإخوانه ‪ -‬رضي الله عنهم ‪ -‬من‬
‫العذاب ‪..‬فحدثه عن تضحيات من سلف وبشره ‪ ,‬وقال له ولكنكم تستعجلون ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 790 [ ‬‬

‫‪ -2‬مدرسة الثبات والستمرار على درب الجهاد والمواجهة‪:‬‬


‫وقد تبنى هذه الطريقة معظم الجهاديين ‪ ,‬من التنظيمات والجماعات الجهادية‬
‫وكوادر ورموز التيار الجهادي وقياداته وقواعده رغم مسار الغباء والعذاب‪ ..‬وقد كان‬
‫هذا موقف معظم تلك الكتل والرجال الذين فاؤوا إلى أفغانستان في عهد طالبان ‪.‬‬
‫حيث عادت الهمم الشامخة والنفوس التواقة للعمل والعطاء عبر مسار العداد‬
‫والحركة الدؤوبة‪ .‬وقد رأى هؤلء في الثبات فريضة شرعية ل يسع المسلم التخلي‬
‫عنها‪ ,‬ورأوا في الستسلم عارا ً وفرارا ً ل يجوز لهم السعي إليه‪.‬‬
‫ولكني لحظت من أولئك الثابتين تقبل الله منهم أن ثباتهم كان ذا شقين ‪:‬‬
‫‪ -2‬ثبات سلبي‪.‬‬ ‫‪ -1‬ثبات إيجابي‬
‫فأما الثبات اليجابي‪ :‬فهو الثبات على المبادئ والقيم والراية والمانة ‪ .‬من‬
‫أجل كل الدواعي الشرعية الداعية لذلك ‪.‬ولجل ما تفرض دواعي الكرامة والعزة‬
‫والباء والحمية للمقدسات‪.‬‬
‫وأما الثبات السلبي‪ :‬فهو ما لحظته من ثبات أولئك الخوة على طرق عملهم‬
‫السالفة‪ ,‬وأطر عملهم التنظيمية بكل مقوماتها وطرقها‪ .‬فقد استمرت التنظيمات‬
‫بالعمل وفق مفهوم )القطرية والسرية والهرمية(‪ ,‬وعملت من أجل نفس الهدف‬
‫السابق ‪,‬وهو الطاحة بالنظمة المرتدة لقامة أئمة تحكم شرع الله في بلدها ‪ ,‬وفق‬
‫معظم الساليب التقليدية في العداد المنهجي وغير ذلك من مجالت عمل التنظيمات‬
‫‪..‬‬
‫وبدا وكأن كل التغييرات الهائلة التي أحدثها انطلق النظام العالمي الجديد‬
‫وأنظمة مكافحة الرهاب وانهيار الهوامش المنية و الملذات بين الدول وكل ما أسلفنا‬
‫من الدروس والعبر لم تترك كبير أثر على أساليب عمل معظم الجهاديين!! رغم أن‬
‫كثيرا ً من تلك الساليب والفكار إما أنها لم تعد تناسب المرحلة أو أنها أثبتت عدم‬
‫جدواها‪.‬‬

‫‪ -3‬مدرسة التجاه الممي نحو جهاد الصائل الخارجي أمريكا و حلفاؤها‪:‬‬


‫وكان خلصة هذه طرح المدرسة كما بينت بشي من التفصيل‪ ..‬أن المعارك مع‬
‫النظمة ل طائل من ورائها‪ ,‬وأن أمريكا و حلفاءها من قوى الصليبية واليهود هم‬
‫المستفيدون من معارك الستنزاف تلك رغم الحق الذي فيها‪ .‬وأن الحل في جهاد‬
‫رأس الفعى أمريكا التي سيؤدي زوالها إلى انهيار كل هذه النظمة ‪ ,‬وبداية لستواء‬
‫الوضاع وسيرها نحو الصواب ‪ ,‬حيث يسهل بعد ذلك العمل على إقامة الحكم‬
‫السلمي بعد تنظيف المنطق العربية والسلمية من جبروتها وجبروت أتباعها‪..‬‬
‫وقد مثل الشيخ أسامة بن لدن وتنظيم القاعدة أبرز من رأي التحرك في هذا‬
‫التجاه من الجهاديين منذ ‪ .1996‬وافتتح ذلك بإصدار بيان إعلن الجهاد ضد أمريكا كما‬
‫حصل في تجربتهم التي لخصتها في الفصل السابق ‪ .‬وأعتقد أن هذا الطرح بشكل‬
‫عام بصرف النظر عن تفاصيل أداء من عمل له هو طرح صحيح وصائب ويتناسب جدا ً‬
‫مع حجم المتغيرات التي شهدها العالم باستيلء أمريكا على قيادة النظام العالمي‬
‫الجديد وانفرادها بحكم العالم كقطب أوحد و قوة عظمى متجبرة‪..‬‬

‫نظرة في محاولت الجهاديين تجاوز أزمة التيار الجهادى خلل نهايات‬


‫القرن العشرين‪:‬‬
‫من خلل تقييم الفكار المطروحة ومقارنتها بخلصة ما تكون عندي من أفكار‪,‬‬
‫خلصت إلى النتيجة التالية في المدارس الثلثة آنفة الذكر وهي على الشكل التالي‪:‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 791 [ ‬‬

‫أول‪ :‬أن طروحات مدرسة )الستسلم( وإلقاء السلح و تنكب طريق الجهاد ‪,‬‬
‫تمثل مدرسة ساقطة الفكار شرعا ً عقيمة النتيجة واقعا ً ‪ .‬بما تدل عليه نصوص‬
‫الشريعة ‪ ,‬وما تفيدنا به تجارب الماضي في بلدنا وفي تجارب المم كلها ‪.‬‬
‫فما لم نحصله بالجهاد والسيف لن نحصل عليه بالهزيمة و الستسلم ‪ ,‬ل على‬
‫مستوى الهداف ول حتى على مستوى النجاة الشخصية‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬أن مدرسة الثبات على طريقة الجهاديين ‪ ,‬وبحسب طريقتهم القديمة ‪,‬‬
‫لن تقود إل إلى ما قادت إليه في الماضي من الفشل المتكرر‪ ,‬فقد فشلت آنفا رغم‬
‫أن ظروف عملنا ومعطيات واقعنا قبل قيام النظام العالمي الجديد كانت أفضل وأكثر‬
‫ملئمة ‪ .‬ومع ذلك لم تكن تلك الطرق ومناهج التفكير ووسائل العمل من تحقيق‬
‫الهداف ‪ ,‬فما بالك وقد تغير الواقع المحيط ونشبت ظروف عالمية ل يمكن العمل‬
‫من خللها بتلك الطرق بحال ‪ .‬وقد أثبتت السنوات الخمس ) ‪ (2001 -1996‬عقم‬
‫تلك الطرق وعدم تمكن التنظيمات الجهادية القديمة أو المحاولت الجديدة من البعض‬
‫من تحقيق أي نتيجة أو تقدم ‪ ,‬ولم تسفر إل عن مزيد من النشطارات والنقسامات‬
‫والخسائر والضحايا من الشهداء والمأسورين ‪ ,‬من خلل المحاولت المحدودة التي‬
‫قاموا بها ‪ ,‬بالضافة لتفاقم آثار حملت تجفيف المنابع والتشويه العلمي والمطاردات‬
‫المنية في عزل تلك الشراذم وما تبقى منها عن بلدها ومجتمعاتها‪ ,‬وتحول من تبقى‬
‫منهم إلى مجموعات صغيرة تعيش على الذكريات وآمال الماضي ‪ ,‬وأحلم بالمستقبل‬
‫تزداد خيالية يوما ً بعد يوم‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬أن الدعوة التي طرحها الشيخ أسامة وعملت على أساسها القاعدة باتخاذ‬
‫المعركة مع أمريكا تمثل بوابة إلى تصحيح مسار الجهاد وحشد المة و التحرك من‬
‫خلل ذلك إلى ما يلي من أولويات في حلحلة إشكاليات واقع المسلمين‪ .‬وهي أسلم‬
‫الطرق وأقربها للواقعية ‪ ,‬ومناسبة ما استجد من ظروف النظام العالمي الجديد‪.‬‬
‫وقد رأيت فيها أمل ً و فرصة تجديد وانطلقة قوية لتصحيح مسار الجهاد والتيار‬
‫الجهادي‪ ,‬إن وفقت إلى إحداث توجه جدي نحو التأصيل المنهجي اللزم لذلك ‪,‬‬
‫والتطوير في الدارة والسلوب بما يتناسب مع المرحلة ‪ .‬وأملت أن يوفقوا إلى‬
‫الطرق المناسبة الصائبة في الوسيلة إلى تحقيق ذلك كما وفقوا إلى التحديد الصائب‬
‫للهدف والطريقة ‪ .‬فقد كان هذا التجديد الكبير والتحول في الهدف وطريقة العمل‬
‫يحتاج إلى جهود كبيرة في تطوير منهج وأساسيات التفكير كما يحتاج إلى تطوير كبير‬
‫في أساليب وضع تلك الفكار على الرض موضع التنفيذ‪ ..‬ولكن الحداث كانت أعجل‬
‫من أن يمكن تحقيق ذلك وهو أمر يحتاج لوقت أطول‪.‬‬
‫ومن خلل ذلك الواقع اقتنعت بضرورة إطلق نظريات عمل جديد ة لتسد جزءا ً‬
‫من الفراغ الكبير الذي يقتضيه ذلك التحول في المواجهة ‪.‬‬
‫وبعد تفكير طويل واستفادة من مخزون تسلسل وتطور تلك الفكار عندي عبر‬
‫عشر سنوات كما بينت في المقدمة ‪ .‬طرحت في ساحة أفغانستان ما اعتبرته بداية‬
‫مدرسة جديدة في محاولت إصلح مسار التيار الجهادي والعمل على إخراجه من‬
‫الزمة وهو ما أسميته‪:‬‬
‫) دعوة سرايا المقاومة السلمية العالمية ( التي تقوم نظرياتها على‬
‫أسس ثلثة‪:‬‬
‫ثالثا ً ‪ -‬التطوير‪.‬‬ ‫ثانيا ً ‪ -‬التصحيح ‪،‬‬ ‫أول ً – الثبات ‪،‬‬
‫وعملت على مناقشة تلك الفكار مع من استطعت مدارسته من قدماء التيار‬
‫الجهادي وكوادره خلل فترة )‪ (1999 -1998‬ثم اقتنت بضرورة إنشاء نواة تجمع‬
‫جهادي جديد لبلورة أفكار هذه الدعوة ووضعها موضع التنفيذ ‪ .‬وقد ابتدأت مع مطلع‬
‫عام )‪.(2000‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 792 [ ‬‬

‫ثم جاءت أحداث سبتمبر‪..‬وخلطت جميع الوراق وبعثرت تداعياتها جميع الجهود‬
‫وقلبت جميع الوضاع ووضعت جميع الجهاديين بل السلميين بل جميع المسلمين بل‬
‫كل العالم ‪ ,‬أمام مرحلة جديدة بمعطيات جديدة قسمت العالم كله إلى معسكرين‬
‫حددهما رئيس أمريكا وهم يطلق ما أسماه ) الحملت الصليبية الجديدة ( بكل صراحة‬
‫‪ ,‬فقد قال باختصار‪ ) :‬من ليس مع أمريكا في حربها فهو ضدها ‪ ..‬ول مكان‬
‫للحياد (‪..‬‬
‫ثم قتل في تداعيات أحداث سبتمبر وأسر معظم من تبقى من كوادر جيل التيار‬
‫الجهادي الماضي فتلشت الكيانات وتفككت ‪ ,‬وتبعثر من بقى من الحياء و تناثروا ‪.‬‬
‫ثم غزت أمريكا العراق ‪ ,‬ووضعت مخططات لحتلل الشرق الوسط و السيطرة‬
‫على العالم السلمي وأوجدت أوضاعا ً جديدة جعلت المدرسة الجهادية الوحيدة‬
‫الممكنة عمليا ً هو جهاد صائل أمريكا وحلفائها كخيار وحيد وإجباري وأقنعتني بأن ما‬
‫كنت قد توصل إليه سنة ‪ , 1991‬من ضرورة إحداث تحول في التيار الجهادي نحو‬
‫العولمة ‪ ,‬وحصر الجهاد في مشروع مقاومة شاملة لمريكا وأعوانها ‪ ,‬وما تداعى لدي‬
‫ولدى أمثالي ممن رأوا ذلك هو التصور الصحيح والذي فرضه الواقع الجديد كإمكانية‬
‫وحيدة وإجبارية‪..‬‬

‫*************‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 793 [ ‬‬

‫منطلقات دعوة المقاومة وآلية استخراج‬


‫نظرياتها‬
‫بعد أن غطى الجزء الول الذي نشرف على أواخر فصوله هنا‪ ,‬كافة المقدمات‬
‫التاريخية والسياسية والفكرية والمنهجية التي تبرر وتوضح منطق ما سيلي من أفكار‬
‫سأفصلها في الجزء الثاني من هذا الكتاب إن شاء الله‪ .‬وهي خلصة نظريات‬
‫المقاومة السلمية العالمية ودعوتها وطريقتها بحسب ما أعتقد أنها الوسيلة الناجعة‬
‫للمواجهة في تلك المرحلة إن شاء الله ‪.‬سأبين في الفقرة التالية الصول التي انبثقت‬
‫عنها نظريات عمل المقاومة السلمية العالمية كما أتصورها إن شاء الله والله‬
‫الموفق‪.‬‬

‫المنطلقات الثلثة لدعوة المقاومة السلمية العالمية ونظرياتها‬


‫الثبات ‪ ,‬والتصحيح ‪ ,‬والتطوير‪:‬‬

‫تنبثق كافة نظريات دعوة المقاومة من خلل أسس ثلثة خلصتها ما‬
‫يلي‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬الثبات‪:‬‬
‫الثبات على طريقة الجهاد كحل أوحد لمشاكل المسلمين عربهم وعجمهم في‬
‫بلدنا وفي كل مكان ‪ .‬وقد أسلفت في الفصل الثاني من هذا الكتاب المبررات‬
‫الشرعية والمنطقية والواقعية التي تثبت أن الجهاد المسلح هو الحل ‪ ..‬وأكرر هنا ردا ً‬
‫على من زعم من )الجهاديين المتراجعين( وغيرهم من السلميين أن وضع السلح‬
‫والعودة إلى الطرق التي يسمونها زورا ً )مشروعة( أو )قانونية( ! هو تصور مردود‬
‫شرعًا‪ ,‬ساقط عقل ً ومنطقًا‪ .‬فليس لنا بعد أن أثبتت كل الدلة الشرعية المستندة‬
‫للواقع أن الجهاد ودفع هذا الصائل وقتال الحملت الغازية وأعوانها من المرتدين‬
‫والمنافقين هو فرض عين على كل مسلم‪ ,‬ليس أوجب بعد توحيد الله منه ‪ ,‬وهو أشد‬
‫فرضية من كافة فرائض السلم الخرى بعد اليمان ؛ لم يعد في وسع مسلم أن‬
‫يتمحك العذار ويبحث عن الحلول الخرى إذ يقول الله تعالى ( وما كان لمؤمن‬
‫ول مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا ً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم (‪.‬‬
‫فأما وقد تعينت الفريضة فالثبات على أدائها هو فريضة شرعية ليست محل بحث‬
‫وأخذ ورد بحسب أفكار العقول وأهواء النفوس‪.‬‬
‫وحتى عقل ومنطقا ‪ ,‬فكيف يسوغ رؤية الحل بإلقاء السلح وقد نشرت أمريكا‬
‫أكثر من مليون ونصف جندي أمريكي في ما تسميه )منطقة العمليات الوسطى (‬
‫الممتدة من الجمهوريات السلمية في وسط آسيا و القفقاس وأفغانستان شرقا ً إلى‬
‫سواحل المحيط الطلسي في المغرب غربا ً ‪ ,‬عبر ما يقارب خمسة وعشرين بلدا ً‬
‫تشتمل على كل العالم العربي ومعظم السلمي ؟ ‪ ,‬وهاجمتنا بكل أسلحة‬
‫التكنولوجيا الحربية ‪ ,‬معلنة راية الحملة الصليبية ومجاهرة بأهدافها صراحة ‪ ,‬تلك‬
‫الهداف التي تشتمل على احتلل الرض ونهب الثروات ‪ ,‬وتقسيم الدول وتبديل‬
‫النظمة‪ ,‬وفرض تغير المناهج الثقافية والفكرية والدينية والتاريخية‪ !..‬يريدون دمار‬
‫بلدنا ‪ ,‬ونهب أموالنا ‪ ,‬وسفك دمائنا ‪ ,‬ومسخ مكونات شخصيتنا الدينية والقومية‬
‫والحضارية ! كيف يسوغ مع ذلك أن ل يكون الثبات على مبدأ الجهاد وحمل السلح هو‬
‫مقتضى الدين والعقل‪ ..‬هذه حقيقة تستوجب الشارة والتأكيد ول تستدعي الثبات‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 794 [ ‬‬

‫والبرهان ‪,‬لنها من المعلوم من الدين بالضرورة ومن الثابت بالعقل بإجماع كل العقلء‬
‫وأكثر المجانين‪..‬‬
‫كيف ل يكون الجهاد هو الحل والثبات هو مقتضى الدين ؟! وقد تسابقت النظمة‬
‫المرتدة العميلة إلى وضع كل إمكانياتها العسكرية والمنية والسياسية والقتصادية‬
‫والعلمية وكل شئ في سبيل خدمة الغزاة‪ ..‬لهدف واحد فقط هو رضا الغازي عنها‬
‫وإبقاء أولئك الفراعنة وأبنائهم الذين يصطفون على عروش ولية العهد في الملكيات‬
‫والجمهوريات على حد سواء ؟ ‪.‬‬
‫كيف ل وقد اصطفت المعارضات السياسية لتلك النظمة تريد إسقاطها ‪ ,‬ليس‬
‫لمقتضيات الدين والشرف والباء العربي والسلمي‪ !.‬ولكن لكي تعرض على المحتل‬
‫الغازي خدمات جليلة أكبر من تلك التي تقدمها النظمة المرتدة العميلة القائمة؟ ‪.‬‬
‫ولو أردنا الستطراد لثبات مقومات الثبات وما يفرضه شرعا ً وعقل ً لحتاج المقام إلى‬
‫مئات الصفحات‪ ..‬ولكن تكفي الشارة وما مضى من أدلة شرعية وواقعية‪..‬‬
‫فالثبات على مبدأ الجهاد والقتال ورفع السلح في وجه العدو وأعوانه وعملئه من‬
‫الكفار والمرتدين والمنافقين ‪ .‬هو الساس الول لدعوة المقاومة السلمية العالمية‬
‫التي ندعو إليها‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬التصحيح‪:‬‬
‫إن من أساسيات معتقداتنا معشر أهل السنة والجماعة أن كل إنسان يؤخذ من‬
‫كلمه ويرد إل صاحب القبر الشريف صلى الله عليه وسلم‪ .‬فكل أفعال البشر‬
‫وأقوالهم بمن فهم خيار المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم خاضعة لهذا‬
‫الميزان‪ .‬وهناك ثوابت في منهجنا الجهادي هي ثوابت من أصول ديننا ومعتقدنا ‪ .‬وهي‬
‫غير قابلة للتبديل والتغير وليس لنا ول لحد أن يلعب بها‪ .‬ثوابت تستند على أصول‬
‫عقائدنا كمسلمين ‪ ,‬وأصول معتقدنا الجهادي كجهاديين ‪ ,‬مما استقر عليه منهاجنا‪ .‬من‬
‫أحكام توحيد الحاكمية‪ ,‬وأسس عقائد الولء و البراء‪ ..‬إلى آخر تفاصيل ذلك‪.‬‬
‫ولكن كل ما عدا ذلك من الفكار والتصورات والراء التي طرحت في التيار‬
‫الجهادي والحكام الجتهادية والمفاهيم التي انبثقت عنها‪ ,‬وكل أساليب العمل التي‬
‫جربت ‪ ,‬من وسائل حركة وبرامج واستراتيجيات ‪ ,‬فنجت حينا وفشلت حينا‪ , ..‬كل ذلك‬
‫التراث من المفاهيم والتجارب ‪ ,‬هو تراث يجب أن يخضع للتقييم والمراجعة الن ‪ ,‬بعد‬
‫أن تراكمت لدينا معطيات الفشل ‪ ,‬وحشرنا في قعر الزمة بل الزمات‬
‫فتكرار الساليب وتبني المفاهيم التي تبين من خلل المراجعة أنها من أسباب‬
‫النكبات والنكسات والفشل‪ ,‬إما لخطئها وإما لنها قد صلحت في زمانها ‪ ,‬ولم تعد‬
‫تصلح لتبدل الزمان والمكان والبشر‪ ,‬وطباعهم وقوانين حركتهم ومستوى تطور‬
‫حياتهم؛ يجب أن تصحح أو تعدل أو تلغى ‪ ,‬يحسب ما يقوم الدليل الشرعي أو العقلي‬
‫المنطقي على وجوب ذلك ‪.‬‬
‫فالمسارات مثل الخطوط المستقيمة بين نقطتين ‪ ,‬ل يمكن بتكرار السير عليها إل‬
‫الوصول لنفس المحصلت والمحطات ‪ .‬والمقدمات المتكررة بحذافيرها ‪ ,‬ل يمكن إل‬
‫أن تؤدي إلى نفس النتائج‪ .‬وقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بالمحاسبة والمراجعة أثر كل‬
‫نائبة فقال تعالى‪:‬‬
‫‪ ‬أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا؟ قل هم من عند‬
‫أنفسكم ‪) ‬آل عمران ‪. ( 155‬‬
‫فأعادنا إلى أنفسنا لنتفكر في أخطائنا ومسارنا ‪ .‬وهذا يصح على كل سبيل‬
‫ومسار‪ ,‬فردي أو جماعي‪ ..‬أنفسكم ! "من عند أنفسكم"‪!..‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 795 [ ‬‬

‫وفي السنة كما روي عنه صلى الله عليه وسلم ‪ ":‬الكيس من دان‬
‫نفسه ‪ ,‬وعمل لما بعد الموت ‪ ,‬والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى‬
‫على الله الماني" ( ‪.‬‬
‫الكيس‪ ..‬الذكي الفطن العاقل من بدأ بإعادة أسباب الخلل والفشل والخطأ إلى‬
‫نفسه‪ :‬فس )دان نفسه( وتفكر في العاقبة والمآل‪ ..‬فعجل لما بعد الموت بالخير الذي‬
‫يرضى الله عنه‪ .‬والله ل يقبل من العبد إل ما كان خالصا ً لوجهه وكان صوابا‪ ..‬إخلص‬
‫و إتباع للكتاب والسنة ‪ .‬واحترام لسنن الله في هذه الرض وإعداد للستطاعة وهذا‬
‫منهج الكيس العاقل‪.‬‬
‫وأما العاجز فمن أتبع نفسه هواها ‪ ,‬ومن أعظم دواعي الهوى إتباع المألوف ‪,‬‬
‫وتقليد الكبراء ‪ ,‬والسير على ما اعتادت عليه النفوس ‪ ,‬وعدم حملها على تغير مألوفها‬
‫و محبوبها‪ ..‬وبعد هذا العجز يتمنى على الله الماني‪ ..‬أماني النتصارات والنجاحات ‪,‬‬
‫ول يجنى من الشوك العسل ‪ .‬فالعجز ل يعطى إل الفشل ‪.‬‬
‫ن بعد الثبات ‪ .‬كمنطلق لدعوة المقاومة‬ ‫وهكذا اعتمدنا مبدأ التصحيح كأساس ثا ٍ‬
‫السلمية العالمية القادمة بإذن الله ‪ .‬كي تقارع هذا العدوان والغزو القادم ‪ .‬وتقاوم‬
‫وتسقط هذا الطغيان والكفر الحاكم‪.‬‬
‫ومن خلل مبدأ التصحيح وكأول حلقة في سلسلة مساره‪ ..‬يأتي الفصل القادم‬
‫كمساهمة أولى وطرح للحوار والمناقشة وهو )الفصل السابع( ‪:‬‬
‫]حصاد التيار الجهادي في أربعين عاما ً )‪ (2003-1963‬إنجازات يجب أن تستثمر‪,‬‬
‫وأخطاء يجب أن تصحح ‪ ,‬وأساليب يجب أن تطور[‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬التطوير‪:‬‬
‫إن من معجزات ديننا الحنيف ‪ ,‬ولن نبيه خاتم النبياء صلى الله عليه وسلم ‪,‬ولن‬
‫شريعته خاتمة الشرائع‪ ..‬جاءت قواعد أحكامه على نوعين ‪:‬‬
‫‪ -‬ثابتة مفصلة‪ :‬ل مجال فيها للتغير والتبديل والتطوير‪.‬‬
‫‪ -‬عامة مجملة‪ :‬جاءت بخطوط عريضة‪ ,‬وقواعد عامة يسع ضمن إطارها الجتهاد‬
‫والتطوير والتغير بحسب تبدل معطيات الزمان والمكان والشخاص والظروف‪..‬‬
‫فمثل أحكام العبادات وتفاصيلها ثابتة ل علقة لها بتغير الزمان ول المكان ول‬
‫الشخاص‪ ..‬ومثل أحكام المواريث ل تتبدل فالب أب ‪,‬والم أم ‪,‬وكذا الخوة والبناء‬
‫ول تتغير العلقات يتغير الزمنة‪ ,‬ولذا فصلت وثبتت أحكام الفرائض والمواريث‪ .‬وكذا‬
‫فصلت أحكام الطهارة ‪ ,‬فالطاهر طاهر‪ ,‬والنجس نجس ‪ ,‬والحدث حدث ‪ ,‬وحيض نساء‬
‫آخر الزمان كحيض نساء أوله‪ ..‬ول تتبدل الحكام‪ ..‬إلى آخر ذلك من الثوابت ‪ .‬ولذلك‬
‫جاءت أحكام هذه المور مفصلة جزئية كاملة تامة‪ .‬ولكن كثيرا ً من أحكام العلقات‬
‫العامة ‪ ,‬وما يرتبط بحركة النسان ونشاطه مما تتغير ظروفه‪ ,‬قد ضبطت أحكامها‬
‫بخطوط عريضة‪ ,‬ومن ذلك أحكام السياسية الشرعية‪.‬‬

‫فأحكام السياسة الشرعية ‪:‬‬


‫أحكام مبنية على شريعة وسياسة ‪ ,‬والشريعة ثابتة وحللها حلل ‪ ,‬وحرامها‬
‫حرام ‪ .‬والسياسة متحولة متبدلة ‪.‬لن مبناها على حركة البشر‪ .‬وبتبدل أحوالهم تتبدل‬
‫الحكام والمواقف منهم‪ .‬وقضايا الحركة والدارات‪ ,‬والتنظيم والتدبير‪ ,‬وسياسة الناس‬
‫‪ ,‬وأساليب السلم والحرب‪ ..‬كلها محل اجتهاد‪ .‬وقد مل علماء السلم عبر مئات‬
‫السنين المكتبة السلمية بنفيس النتاج والجتهاد‪ .‬وما يزال الباب مفتوحا ً للكفاء‪.‬‬
‫فجهاد العداء دين وفريضة ثابتة‪ .‬ولكن كيفيته وأساليبه وأدواته‬
‫ونظامه‪ ,...‬كلها متغيرات تركت الشريعة الباب فيها مفتوحا ً للبداع‬
‫والعطاء البشري وفق ما يفتح الله على عباده‪..‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 796 [ ‬‬

‫والعبث بثبات الثابت ل يؤدي إل إلى كوارث أقلها الفشل والهزيمة ‪,‬‬
‫وأسوأها البوار عند الله تعالى جزاء على اللعب بمحكمات دينه تبارك‬
‫وتعالى‪.‬‬
‫وتثبيت المتحول بتعطيل سنن الله تعالى في خلقه‪ ,‬والتضييق على عباده ‪ ,‬و‬
‫اختزال للفاق التي وسعها الله سبحانه على عباده‪.‬‬
‫فمثل ً عند ما قال الله سبحانه وتعالى ‪:‬‬
‫َ‬
‫موا‬‫ة َواعْل َ ُ‬
‫م ِغل ْظ َ ً‬
‫دوا ِفيك ُ ْ‬ ‫فارِ وَل ْي َ ِ‬
‫ج ُ‬ ‫ن ال ْك ُ ّ‬
‫م َ‬ ‫ن ي َُلون َك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫مُنوا َقات ُِلوا ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫نآ َ‬ ‫‪َ ‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫َ‬
‫ن ‪) ‬التوبة‪ . (123:‬تحرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بغاية‬ ‫قي َ‬ ‫م ع َ ال ْ ُ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫أ ّ‬
‫الحركية والسعة ‪ ,‬فقاتل أعداًء قريبين وتجاوز عن بعضهم إلى بعيدين ‪ .‬وهكذا بدا أن‬
‫ة على وجه اللزام الشرعي ‪ .‬وإنما‬ ‫الذين يلونكم ليست تعني بالضرورة القرب مساف ً‬
‫تشتمل قرب الزمان وقرب الضرر والذى ‪ .‬وهذا ما فهمه الفقهاء و لخصه المام‬
‫الشافعي بقوله ‪ :‬في الم )‪: (177 /4‬‬
‫] فإن اختلف حال العدو فكان بعض أنكى من بعض أو أخوف من بعض ‪ ,‬فليبدأ‬
‫المام بالعدو الخوف و النكى ‪ ,‬ول بأس أن يفعل ‪ .‬وإن كانت داره أبعد إن شاء الله‬
‫تعالى حتى ما يخاف لمن بدأ به لما ل يخاف من غيره مثل ‪ .‬وتكون هذه بمنزلة‬
‫الضرورة ‪ ,‬لنه يجوز في الضرورة مال يجوز في غيرها ‪ .‬وقد بلغ النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم عن الحارث بن أبي ضرار أنه مجمع له ‪ ,‬فأغار النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫عليه وقربه عدوا أقرب منه‪ .‬وبلغه أن خالد بن أبي سفيان بن شح يجمع له فأرسل‬
‫ابن أنيس فقتله وقربه عدوا أقرب [‪.‬‬
‫فتجميدها على مفهوم المسافة والتتالي المباشر تثبيت لمتحول ل يؤدي إل إلى‬
‫الضيق والعنت ‪ .‬وهذا ما ألزم به البعض أنفسهم وقالوا ل نقاتل أمريكا وأعوانها حتى‬
‫نقاتل العدو القرب وهم الحكام ‪ ,‬وجوبا ونصا ‪ .‬ولم يكن المر كذلك ‪.‬‬
‫وقل أكثر من ذلك على الدوات والساليب والسلحة والوسائل وطرق‬
‫المواجهة‪...‬إلخ‪ .‬فهي ليست دينا ً ثابتا ً ‪ ,‬وإنما وسائل متحولة متطورة ‪.‬‬
‫ومن هنا كان الساس الثالث لدعوة المقاومة السلمية العالمية التي طرحناها‬
‫هو التطوير‪ ..‬تطوير فكرة الجهاد وأساليبه ووسائله‪ ..‬وهذا المنطلق هو الذي ولد‬
‫نظريات المقاومة في مناحي الحركة كلها والتي تشتمل على‪:‬‬
‫ا‪ -‬الفكرة ‪.‬‬
‫ب‪ -‬الوسيلة ‪.‬‬
‫ج‪ -‬السلوب‪.‬‬
‫وبتفصيلها اشتملت على نظريات مطورة للعمل في المجالت الثمانية التي يقوم عليها‬
‫العمل والحركة‪:‬‬
‫‪ - 1‬المنهج والعقيدة القتالية‪.‬‬
‫‪ - 2‬السياسة وآفاقها‪.‬‬
‫‪ - 3‬التربية وأبوابها وأساليبها‪.‬‬
‫‪ - 4‬المواجهة العسكرية وأساليبها‪.‬‬
‫‪ - 5‬التنظيم والحركة وبناء الكيانات الجهادية‪.‬‬
‫‪ -6‬التدريب والعداد وطرقها المناسبة‪.‬‬
‫‪ - 7‬تمويل الجهاد وطرق تحصيله‪.‬‬
‫‪ - 8‬العلم والتحريض وأدواته وأساليبه‪.‬‬

‫وهي النظريات التي سنفصلها في الجزء الثاني من هذا الكتاب إن شاء الله ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 797 [ ‬‬

‫وقد ولدت تلك النظريات من خلل آلية توليد ما نعتقده صوابا ً من خلل دروس‬
‫وتجارب الماضي‪ ,‬وعبرة ما ثبت لدينا خطؤه ‪ ,‬أو عدم صلحية استمرار العمل به‪.‬‬
‫وعلى كل حال وطالما أننا أثبتنا مبدأ التصحيح والتطوير لما سبق من تجارب‬
‫وأساليب عمل وحركة ومفاهيم ومناهج ومبادئ اجتهادية ‪ ,‬فالمبدأ يبقى ساريا ً حتى‬
‫على ما نطرح من أفكار وأساليب عمل وإدارات‪ .‬نفترض صلحيتها للمرحلة الحالية‬
‫والمقبلة في المدى التطور‪ .‬وهي أفكار من باب )الرأي والحرب والمكيدة( قابلة‬
‫للتصحيح والتصويب أيضا ‪.‬‬
‫وعلى السائرين على درب المقاومة والمجاهدة لعداء الله أن يراجعوا أعمالهم‬
‫في كل مرحلة ويحسب ظروف كل بلد أو مكان ويحسب زمان وتاريخ العمل ويحسب‬
‫الشخاص والقوام العاملين ومن حولهم ويحسب تحول أحوال من حولهم من دوائر‬
‫العداء وأنصار العداء والمجاهدين وأنصار الجهاد والعاملين المجاهدين وكل هذه‬
‫متحولت تقتضي ديناميكية الحركة ورحابة الجتهاد والتطوير‪..‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 798 [ ‬‬

‫وهكذا ونحن نتنسم هذه الروح وعبر دروس تجاربنا السابقة ‪ .‬أرجو أن تتسع‬
‫الصدور ‪ ,‬وتتفتح الفهام للحوار ‪ .‬وألفت النظر إلى أن هذه الطروحات تمثل دراسة‬
‫نقدية من داخل الصف الجهادي ‪ ,‬فالحمد لله فإني ابن هذا المسار وأحد جنوده وأحد‬
‫العاملين فيه وأرجوا أكون أحد شهداءه في سبيل الله إن شاء الله‪..‬‬
‫وقد حملت هذه المحاولة النقدية حنان المشفق وهو يتناول العلل ‪ ,‬مع جدية‬
‫الباحث الذي يلتزم النصاف و الموضوعية والعملية ‪ .‬و ارجوا أن أكون قد وفقت لما‬
‫قصدته من الخير‪ .‬فما كان من ذلك فهو من الله تعالى وما كان من قصور فهو من‬
‫نفسي القاصرة والكمال لله‪..‬‬
‫وقد حرصت على منهج التقييم العام وتجاوزت عن ضرب المثلة المحرجة‬
‫المباشرة قدر المكان‪ .‬كي يؤلف هذا الكتاب أكبر كمية ممكنة من القلوب ول يحرج‬
‫أحدا ً وخاصة أخوة الجهاد ورفاق السلح و المسار الطويل ‪ .‬فرحم الله من مضى ‪,‬‬
‫وثبت من بقى وأعاننا على نكاية أعدائه و جمعنا وإياهم على خير‪..‬‬
‫وأعتقد أن هذه الطروحات ستصادف صدورا ً رحبة حانية تغفر الزلة ‪ .‬وتأخذ‬
‫بالنصيحة وتتجاوز عما تعتقده إساءة غير متعمدة ‪ .‬وأرجوا أل يحمل الكتاب من ذلك‬
‫شيئًا‪..‬‬
‫كما أعتقد أنه سيصادف صدورا ً ضيقة ستتعامل معها بالتشنج ‪ ,‬إما لرفض مبدأ‬
‫النقد ‪ .‬وإما لمواقف مسبقة من المؤلف ‪ ..‬فسامحهم الله سلفا ً ومن أحرى بالمغفرة‬
‫والسماح من الخوة المجاهدين في سبيل الله‪.‬‬

‫وأسأل الله تعالى العون على اقتحام هذه العقبات الصعبة في مثل‬
‫هذه البحاث ‪ ,‬وأسأله الهدى لما يرضيه ‪ .‬ويجعل منه زادا ً للمجاهدين في‬
‫سبيله ويكتب لنا مثل أجور من انتفع بشيء من هذه النصائح ومضى‬
‫لجهاد أعداء الله ‪,‬ل ينقص وأجورهم شيئا ً ‪.‬‬

‫*************‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 799 [ ‬‬

‫الفصل السابع‬
‫حصاد التيار الجهادي في أربعين عاما ً‬
‫( ‪ (1963-2003‬م‬
‫قال الله تعالى‪:‬‬
‫‪ ‬ربنا إننا سمعنا مناديا ً ينادي ل ِْليما َ‬
‫مّنا َرب َّنا َفاغْ ِ‬
‫فْر‬ ‫م َفآ َ‬ ‫مُنوا ب َِرب ّك ُ ْ‬ ‫نآ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِ َ ِ‬ ‫َ َّ َِّ َ ِ ْ َ ُ َ ِ َُ ِ‬
‫ما وَعَد ْت ََنا عََلى‬ ‫َ‬
‫معَ اْلب َْراِر* َرب َّنا َوآت َِنا َ‬ ‫سي َّئات َِنا وَت َوَفَّنا َ‬ ‫فْر عَّنا َ‬ ‫ل ََنا ذ ُُنوب ََنا وَك َ ّ‬
‫م‬‫ب ل َهُ ْ‬ ‫جا َ‬‫ست َ َ‬‫ميَعاد َ *‪َ .‬فا ْ‬ ‫ف ال ْ ِ‬‫خل ِ ُ‬ ‫ك ل تُ ْ‬ ‫مةِ إ ِن ّ َ‬ ‫قَيا َ‬‫م ال ْ ِ‬ ‫خزَِنا ي َوْ َ‬ ‫ك َول ت ُ ْ‬ ‫سل ِ َ‬ ‫ُر ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ض‬
‫ن ب َعْ ٍ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ضك ُ ْ‬‫ن ذ َك َرٍ أوْ أن َْثى ب َعْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫م ٍ‬ ‫عا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫ضيعُ عَ َ‬ ‫م أّني ل أ ِ‬ ‫َرب ّهُ ْ‬
‫سِبيِلي وََقات َُلوا وَقُت ُِلوا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫م وَأوُذوا ِفي َ‬ ‫ن دَِيارِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫جوا ِ‬ ‫خر ِ ُ‬ ‫جُروا وَأ ْ‬ ‫ها َ‬
‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫َفال ّ ِ‬
‫وابا ً‬ ‫َ‬ ‫م وَل ُد ْ ِ‬ ‫َل ُك َ ّ‬
‫حت َِها اْلن َْهاُر ث َ َ‬‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬
‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫خل َن ّهُ ْ‬ ‫سي َّئات ِهِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن عَن ْهُ ْ‬ ‫فَر ّ‬
‫ب‪‬‬ ‫وا ِ‬ ‫ن الث ّ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫عن ْد َهُ ُ‬ ‫ه ِ‬ ‫عن ْدِ الل ّهِ َوالل ّ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬

‫روى أبو داود والترمذي من حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال رسول‪‬‬
‫عن هذه الية ‪:‬‬
‫‪ ‬يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم ل يضركم من ضل إذا اهتديتم‪.‬‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬بل ائتمروا بالمعروف‪ .‬وتناهوا عن‬
‫المنكر‪ .‬حتى إذا رأيت شحا مطاعا‪ .‬وهوى متبعا ودنيا مؤثرة‪ .‬وإعجاب كل‬
‫ذي رأي برأيه ‪ ...‬فعليك بخاصة نفسك ودع عنك أمر العوام‪ .‬فإن ورائكم‬
‫" أيام الصبر"‪ .‬الصبر فيهن مثل قبض على الجمر‪ .‬للعامل فيهن أجر‬
‫خمسين‪ .‬قلت يا رسول الله ‪:‬أجر خمسين منهم‪ .‬قال‪ :‬أجر خمسين‬
‫منكم (‬
‫‪ [ ‬‬
‫‪         ] 800‬‬ ‫ةةةةةةةة‪  ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة‬

‫الفصل السابع‪:‬‬
‫حصاد التيار الجهادي في أربعين عاما ً‬
‫)‪(1963-2003‬م‬
‫مبدأ المراجعة والتقييم ومعوقات حصوله‪:‬‬ ‫•‬
‫ل شك أن هذا المبدأ هو من منهج القرآن ‪ ,‬و طروحات السنة ‪ ,‬وأساسيات الدين ‪.‬‬
‫كما أنه مسلك ثابت للصالحين ‪ .‬وطريقة معتمدة لدى كل العقلء من كل ملة و دين‪.‬‬
‫فقد نبه القرآن الكريم المؤمنين جماعات وأفراد‪ ,‬في أكثر من آية إلى اتباع هذا‬
‫المنهج ‪ ,‬ولسيما بعد الزمات ودللت الواقع على وجود أخطاء و اعوجاجات ‪ ,‬أدت‬
‫لنتائج من البلء والنوازل أو العقوبات ‪ .‬فردهم إلى مراجعة أنفسهم ‪ .‬قال تعالى‬
‫يخاطب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسلوب صريح‪.‬‬
‫َ‬ ‫م أ َّنى هَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ف ِ‬ ‫عن ْدِ أن ْ ُ‬
‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل هُوَ ِ‬ ‫ذا قُ ْ‬ ‫مث ْل َي َْها قُل ْت ُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ة قَد ْ أ َ‬
‫صب ْت ُ ْ‬ ‫صيب َ ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫م ُ‬ ‫صاب َت ْك ُ ْ‬ ‫ما أ َ‬ ‫‪ ‬أوَل َ ّ‬
‫ر ‪( ‬آل عمران‪. (165 :‬‬ ‫دي ٌ‬‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫إِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫م وَ َ‬‫فُروا ل ِذ ُُنوب ِهِ ْ‬ ‫ه َفا ْ‬
‫ست َغْ َ‬ ‫م ذ َك َُروا الل ّ َ‬ ‫سه ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫موا أن ْ ُ‬ ‫ة أوْ ظ َل َ ُ‬ ‫ش ً‬‫ح َ‬ ‫ذا فَعَُلوا َفا ِ‬ ‫ن إِ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪َ ‬وال ّ ِ‬
‫‪( ‬آل عمران‪. (135 :‬‬ ‫ن‬‫مو َ‬ ‫م ي َعْل َ ُ‬ ‫ما فَعَُلوا وَهُ ْ‬ ‫صّروا عََلى َ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫ه وَل َ ْ‬ ‫ب ِإل الل ّ ُ‬ ‫فُر الذ ُّنو َ‬ ‫ي َغْ ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ة ‪) ‬القيامة‪. (2:‬‬ ‫م ِ‬ ‫س الل ّ ّ‬
‫وا َ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ِبالن ّ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫مةِ * َول أقْ ِ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ب ِي َوْم ِ ال ْ ِ‬ ‫س ُ‬ ‫‪ ‬ل أقْ ِ‬
‫ن ‪‬‬ ‫صُرو َ‬ ‫مب ْ ِ‬‫م ُ‬ ‫ذا هُ ْ‬‫ن ت َذ َك ُّروا فَإ ِ َ‬ ‫طا ِ‬‫شي ْ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ف ِ‬ ‫طائ ِ ٌ‬ ‫م َ‬ ‫سه ُ ْ‬‫م ّ‬ ‫ذا َ‬ ‫وا إ ِ َ‬ ‫ق ْ‬‫ن ات ّ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫‪ ‬إِ ّ‬
‫)العراف‪. (201:‬‬

‫ل‬‫م أ َقُ ْ‬ ‫ل أ َوسط ُه َ‬


‫م أل َ ْ‬
‫ن * َقا َ ْ َ ُ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫حُرو ُ‬‫م ْ‬‫ن َ‬‫ح ُ‬
‫ل نَ ْ‬‫ن * بَ ْ‬ ‫ضاّلو َ‬‫ها َقاُلوا إ ِّنا ل َ َ‬ ‫ما َرأ َوْ َ‬ ‫‪ ‬فَل َ ّ‬
‫ن ‪) ‬القلم‪. (26 / 28:‬‬ ‫حو َ‬ ‫سب ّ ُ‬
‫ول ت ُ َ‬ ‫م لَ ْ‬
‫ل َك ُ ْ‬
‫شي ْ َ‬ ‫ْ‬
‫كاُنوا‬‫ما َ‬ ‫ن َ‬ ‫طا ُ‬ ‫ن ل َهُ ُ‬
‫م ال ّ‬ ‫ت قُُلوب ُهُ ْ‬
‫م وََزي ّ َ‬ ‫س ْ‬‫ن قَ َ‬‫عوا وَل َك ِ ْ‬
‫ضّر ُ‬
‫سَنا ت َ َ‬
‫م ب َأ ُ‬ ‫جاَءهُ ْ‬‫ول إ ِذ ْ َ‬ ‫‪ ‬فَل َ ْ‬
‫ن ‪) ‬النعام‪. (43 :‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ي َعْ َ‬
‫واليات كثيرة في هذا السياق ‪ .‬ومما في السنة الشريفة‪:‬‬
‫) الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه‬
‫هواها وتمنى على الله الماني (‪...‬‬
‫وقد قال عمر رضي الله عنه ‪ " :‬حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا‬
‫أعمالكم قبل أن توزن عليكم "‬
‫ً‬
‫وها نحن نرى اليوم هذا المبدأ معتمدا‪ ,‬لدى جميع الدول والحكومات ‪ ,‬والحزاب‬
‫السياسية‪ ,‬و الشركات القتصادية‪ ,‬وسوى ذلك من مختلف المؤسسات ‪ .‬فكل هذه‬
‫المؤسسات إثر كل مرحلة أو خطة مرحلية ‪ ,‬تقيم أعمالها ‪ ,‬ونسب التقدم والتراجع ‪,‬‬
‫وتجري حسابات الربح والخسارة ‪ ,‬وتدرس مستوى الداء في المراحل التي انقضت ‪.‬‬
‫وغالبا ً ما يفعلون ذلك من أجل التطوير والتحسين بشكل دوري وطبيعي ‪ ,‬حتى من‬
‫غير مرورهم بأزمات أو خسارات ‪ .‬وأما في حال ذلك ‪ ,‬فإن أجراس الخطر تدق‬
‫للشروع في البحث في أسباب ذلك ‪ .‬فتبدل البرامج ‪ ,‬و تغير الدارات ‪ ,‬وتحدد أماكن‬
‫الخلل والتقصير و المسؤولون عن ذلك‪ ,‬فيستقيلون أو يقالون ‪ ,‬أو حتى يحاكمون في‬
‫حال ترتب على تقصيرهم ما يضر بالخرين‪ .‬بل إن التطرف يصل ببعضهم إلى النتحار‬
‫تعبيرا عن الشعور بالمسؤولية‪ ,‬أو للهروب من تبعاتها أمام أوساط ل تغفر التقصير‬
‫وتبعاته على المجموع‪ ..‬ومن أهم ما يدعو العقلء إلى عمليات المحاسبة و تقييم‬
‫المراحل الماضية ‪ ,‬تغير الظروف المحيطة ببرنامج عمل ما ‪ ,‬بشكل ينذر بعدم‬
‫صلحية البرامج والخطط التي وضعت لظروف سابقة تغيرت معطياتها‪ .‬أو في حال‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 801 [ ‬‬

‫حلول كوارث ومفاجئات تقتضي ما يسمى في علم الدارة بخليا الزمة أو إدارات‬
‫الزمة‪ .‬و يقصر المجال هنا عن ضرب المثلة الكثيرة ‪ ,‬من تجارب المسلمين‬
‫وغيرهم ‪ ,‬وهي شواهد يعرفها كل من يعيش عصره ويحتك به ويطلع على ما يدور من‬
‫حوله ‪ .‬خاصة من المثقفين ‪ ,‬بل حتى من عوام الناس في عالم اليوم ‪.‬‬

‫الصحوة و الجهاديون ومبدأ المراجعة والتقييم ‪:‬‬ ‫•‬


‫إذا ما عدنا لواقع الصحوة السلمية عموما ً بمختلف مدارسها ‪ ,‬وإلى التيار‬
‫الجهادي خصوصا ً نجدهم أنهم من أبعد الناس عن هذا المنهج ‪ .‬فقد بدأت مساري‬
‫في الخوان المسلمين ‪ ,‬وعشت في هذه الصحوة وفي تيارها الجهادي خاصة ‪,‬‬
‫واحتككت بالكثير من شرائحها ‪ ,‬و اطلعت على كثير من دوائر الصحوة ‪ ,‬وخاصة‬
‫بسبب كثرة أسفاري وعملي في مجال الفكر والكتابة والعلم ‪ ...‬ورأيت وللسف‬
‫كيف أن أكبر الكوارث و النتكاسات والخطاء ‪,‬وخصوصا ً تلك التي أدت إلى فواجع‬
‫على صعد كثيرة ‪ ,‬كانت تبرر و يغلق ملفها بأربع كلمات بكل بردود ‪ ) :‬قدر الله وما‬
‫شاء فعل( ‪ .‬وهكذا تستخدم هذه الجملة المقدسة الدالة على أحد أركان اليمان ‪,‬‬
‫بأسوأ طريقة لطلق كلمة حق يراد بها الباطل وتبرير العجز والفشل والتخلف‪.‬‬
‫ولست هنا أيضا ً وأنا بصدد التقديم لهذا الفصل في مقام ضرب المثلة في مسار‬
‫ة مستقلة‬ ‫الصحوة السلمية والتيار الجهادي ‪ ,‬وهي كثيرة ومريرة ‪ ,‬وتستأهل دراس ً‬
‫هادفة‪ .‬ولكن الذي أريد أن أشير إليه وأؤكد عليه وهو ما فعلته في كثير من الكتابات‬
‫والمحاضرات والمناقشات ‪ .‬ولسيما منذ انصرام الجهاد الفغاني وانطلق النظام‬
‫العالمي الجديد سنة ‪ . 1990‬وقد كانت خلصة ما اقتنعت به ؛ أنه إن كان قد أمكن‬
‫تجاوز هذا المبدأ الشرعي و الديني والمنطقي العقلي عبر مسار الصحوة الذي أخذ‬
‫عقودا ً من الزمن منذ ‪ 1930‬وإلى انصرام القرن العشرين ‪ ,‬وعبر مسار الصحوة‬
‫الجهادية عبر نصف تلك العقود أيضا ُ ‪ ,‬وهي مدة غير قليلة‪ .‬فإن من غير المقبول أن‬
‫نتجاوز ذلك ‪ ,‬وقد قام النظام العالمي الجديد ‪ ,‬وغّير موازين السياسة والواقع ‪ ,‬وابتدأ‬
‫في الدنيا واقع جديد ‪ .‬ولكن وللسف فإن القليل جدا ً من أوساط الصحوة ‪ ,‬و التيار‬
‫الجهادي فعل مثل تلك المراجعات اللزمة ‪.‬‬
‫ثم جاءت فرصة الشوط الثاني في أفغانستان كما أشرت لذلك ‪ .‬وكانت هناك‬
‫بوادر لمثل تلك المراجعات لم يتم منها إل المراحل الولى ‪ ,‬وهي العتراف بوجود‬
‫أزمات وخلل والعتراف بالحاجة للصلح والتغيرات ‪ .‬ولكن القدر كان أعجل من ذلك‬
‫في سبتمبر ‪ . 2001‬وما زال المبدأ قائما ً بعد أن بدأت مرحلة جديدة من مراحل‬
‫النظام العالمي الجديد ‪ ,‬وهي المرحلة التي دعيت )عالم ما بعد سبتمبر( حيث انطلق‬
‫)القرن المريكي( كما أراد المتطرفون المريكان وأعوانهم من اليهود والصليبيين في‬
‫أوروبا والعالم‪..‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 802 [ ‬‬

‫الصحوة والتيار الجهادي والحاجة الماسة للتقييم والصلح‪:‬‬ ‫•‬


‫فالحاجة جد ماسة اليوم ‪,‬لن يقوم المعنيون من شيوخ الصحوة السلمية‬
‫ة العاملين في جهازها العصبي من الكتاب والمفكرين والعلماء ‪ .‬بتلك‬ ‫وقياداتها‪ .‬وخاص ً‬
‫المراجعات ‪ .‬وبدراسة الوضاع المستجدة ‪ .‬و تحليل أسباب الزمات والنوازل‬
‫الخارجية والداخلية ‪ ,‬و وضع الحلول الناجعة لها بحسب ما يفتح الله عليهم‪.‬‬
‫وفي هذا السياق أضع هذا الفصل من كتابي هذا مساهمة من قلب التيار الجهادي‬
‫‪ ,‬لتقييم هذا الواقع وأزماته ‪ ,‬بحثا عن الحل ‪ .‬راجيا من الله أن يتقبله برضاه ويهديني‬
‫فيه للخلص والصواب والقبول ‪ .‬ويدخره لي ذخرا ً وأجرا ً ويتجاوز عن تقصيري وزللي‪.‬‬
‫فأظن أن المر أوضح من أن يدلل اليوم على أن الدنيا قد تغيرت وتبدل كل شئ‬
‫بعد سبتمبر وانطلق الحملت المريكية‪ .‬وأظن أن معظم الحلول والساليب التي‬
‫طرحت في الصحوة السلمية و الجهادية لم يعد واقعيا ً ول صالحا ً ‪ .‬رغم أن قطاعات‬
‫كبيرة من أنصار الجمود والتخلف ما تزال تعمل به وللسف حتى يقضي الله أمرا ً كان‬
‫مفعو ً‬
‫ل‪.‬‬

‫معوقات على طريقة منهج التقييم والمراجعة والصلح والتطوير‪:‬‬ ‫•‬


‫هذه مشكلة قديمة قدم وجود النسان على هذه الرض ‪ ,‬فمنذ أن بدأ العوج‬
‫وفسدت الحوال وأرسل الرسل والنبياء مبشرين ومنذرين ليصلحوا ما أفسد الناس ‪.‬‬
‫فدعوهم إلى دعوة الحق والفلح الواضحة الصريحة التي يشهد بها العقل وتنساق من‬
‫ه ( ‪ .‬وجدوا القطاع الكبر‬ ‫ه َ‬
‫غي ُْر ُ‬ ‫ن إ ِل َ ٍ‬
‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬‫ه َ‬‫دوا الل ّ َ‬‫عب ُ ُ‬ ‫إليها الفطرة بقولهم ) ا ْ‬
‫من بني البشر يقودهم المل والعوان و الكهان الذين استخفهم طغاتهم يجيبونهم ‪( :‬‬
‫ُ‬
‫ن ( ‪ .‬والشواهد في دعوات‬ ‫دو َ‬ ‫هت َ ُ‬‫م ْ‬ ‫م ُ‬‫ه ْ‬ ‫عَلى آَثا ِ‬
‫ر ِ‬ ‫وإ ِّنا َ‬‫ة َ‬
‫م ٍ‬‫عَلى أ ّ‬ ‫جدَْنا آَباءََنا َ‬
‫و َ‬
‫إ ِّنا َ‬
‫النبياء كثيرة جدا ً على هذا الخلل الكامن في طباع أكثر النفوس البشرية المارة‬
‫بالسوء إل ما رحم ربي‪.‬‬
‫‪ -‬فالمعضلة الولى ‪ ,‬والمعوق الكبر هو إصرار النفوس على البقاء على ما‬
‫ألفت ‪ ,‬والتمسك بالواقع وتراث الماضي رفض التغير والتطوير‪ .‬ولسيما عند ما يتعلق‬
‫بموروث معتقد أو منهج عمل وسلوك‪..‬‬
‫‪ -‬وأما المعوق الثاني ‪ ,‬فهو تقديس الرجال وتقليدهم في منهج الدين والدنيا‪,‬‬
‫والتعصب لفكارهم ومسارهم وأساليبهم‪ ..‬وتقديس الهياكل و المؤسسات ‪ ,‬سواًء‬
‫كانت قبيلة أو قوما ً أو تنظيما ً ‪.‬على حساب الحق‪ .‬وكم شهدت من هذه الشواهد في‬
‫مسار الصحوة السلمية ‪ .‬وحتى الجهادية وكم تشكى منها المصلحون في الدعوة ‪.‬‬
‫فقد احتج الستاذ العلم الشهيد سيد قطب على هذه الظاهرة و احتج عليه بقول يكتب‬
‫بماء الذهب فقال ‪ ) :‬إن تبرئة الشخاص ل تساوي تشويه المنهج ( ‪.‬‬
‫وقد صاح شيخ الجهاد ومؤسسه في سوريا الشيخ مروان حديد بقيادة الخوان‬
‫المسلمين في سوريا ‪,‬الذين رفضوا جهاد البعثيين و النصيرية ‪ ,‬فقال لهم ‪ ) :‬لقد‬
‫جعلتم من مصلحة التنظيم وثنا ً يعبد من دون الله ( ‪ .‬وكثيرا ً ما كررها الشيخ‬
‫عبد الله عزام رحمه الله في وجه قيادة الخوان المسلمين الذين وقفوا عائقا ً في وجه‬
‫توجه الشباب للجهاد في أفغانستان …‬
‫‪ -‬وأما المعوق الثالث ‪ ,‬فهو ممانعة المستفيدين من الوضاع القائمة‬
‫لمبدأ التغير والصلح والمراجعة ‪ .‬لنه سيحملهم نتائج أعمالهم ‪ .‬ويغير‬
‫أحوال ً ‪ ,‬ستذهب على القل بمكاسبهم ومراكزهم فيستغلون المعوقين‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 803 [ ‬‬

‫السابقتين من حب البشر لتقديس الموروث و رموزه ‪ ,‬و إلفة النفوس‬


‫لواقع حالها‪ ,‬وما شبت وشابت عليه‪ .‬ويحشدونهم للدفاع عن مراكزهم التي‬
‫تكفل استمرار الفشل والكوارث ‪ .‬إلى أن تغرق السفينة بالكل ‪ ,‬وتغمر‬
‫الحزان الجميع ‪,‬إل القبطان المتشبث بدفة القيادة يدير عجلتها في أعلى‬
‫المقصورة ‪ ,‬أمل بأن تسلم قمرة القيادة ‪,‬غير عابئ بمعظم السفينة التي‬
‫غمرتها المياه بما حملت من خلق ومتاع ‪.‬‬

‫تطبيق مبدأ التقييم والمراجعة على واقع التيار الجهادي منذ ‪ 1960‬وإلسسى‬ ‫•‬
‫أحداث سبتمبر ‪:2001‬‬
‫ً‬
‫بكل موضوعية وجدية واختصار أقول ؛ لو أننا وضعنا تلك المعوقات جانبا‪ ..‬ل سيما‬
‫وقد وصلنا إلى قعر الزمة و الكوارث كجهاديين بعد سبتمبر‪ .‬وبكامل التسليم بقضاء‬
‫الله تعالى والرضا بقدره خيره وشره ‪ .‬ثم التفتنا إلى تحليل واقعنا وأسباب ما جرى لنا‬
‫ونحن نعتقد أننا نحمل خلصة دعوة الحق ورايته الصافية‪ .‬وقد قدم المئات من قياداتنا‬
‫‪ ,‬و اللف من كوادرنا و من قواعد هذا التيار الجهادي المبارك ‪ ,‬جهودهم بكل إخلص‬
‫َ‬
‫ما‬ ‫ول َ ّ‬ ‫وتضحية‪ .‬فلما ذا كانت النتيجة هكذا ؟! وما هي حصتنا من قوله تعالى ‪ ) :‬أ َ‬
‫د‬
‫عن ْ ِ‬‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫و ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫ذا ( ؟ ! ( ُ‬ ‫ه َ‬ ‫م أ َّنى َ‬ ‫قل ْت ُ ْ‬
‫ها ُ‬ ‫مث ْل َي ْ َ‬‫م ِ‬ ‫صب ْت ُ ْ‬
‫ة َ َ‬
‫قد ْ أ َ‬ ‫صيب َ ٌ‬‫م ِ‬ ‫م ُ‬ ‫صاب َت ْك ُ ْ‬ ‫أ َ‬
‫َ‬
‫م(!‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫أ َن ْ ُ‬
‫)آل عمران‪. (165:‬‬
‫‪ .‬وإلى أي مدى من المنطقي والصحيح أل نحتمل مسؤولية هذه النتائج ؟! وهل‬
‫بإمكاننا إلقاءها صادقين محقين على عوامل خارجية؟! ونردد مستريحين ‪ :‬قدر الله‬
‫وما شاء فعل !!‬
‫وإلى أن مدى نحن مسؤولون لمخالفتنا السنن ولعدم أخذنا بالسباب الممكنة ؟!‬
‫ليس من هذا من أجل تحديد مسؤولين عن ذلك ومحاكمتهم ومحاسبتهم‬
‫ومطالبتهم بالتنحي أو إنزال العقاب بهم أو مطالبتهم بالنتحار!!‪ .‬وإنما من أجل فعل‬
‫إيجابي‪ ,‬يحفظ للسابقين منزلتهم ‪ .‬وللعاملين عملهم‪ ,‬متخذين من هدى ربنا سبيل‬
‫فْر‬‫ن َرب َّنا اغْ ِ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫م يَ ُ‬
‫ن ب َعْدِهِ ْ‬‫م ْ‬ ‫جاُءوا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬‫رشد إذ يأمرنا بأن نكون من الصالحين‪َ  :‬وال ّ ِ‬
‫ف‬
‫ؤو ٌ‬ ‫ك َر ُ‬ ‫مُنوا َرب َّنا إ ِن ّ َ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫ل ِفي قُُلوب َِنا ِغل ً ل ِل ّ ِ‬ ‫جع َ ْ‬ ‫ن َول ت َ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫قوَنا ِبا ْ ِ‬
‫لي َ‬ ‫سب َ ُ‬
‫ن َ‬ ‫ذي َ‬‫وان َِنا ال ّ ِ‬‫خ َ‬‫ل ََنا وَِل ِ ْ‬
‫م ‪ ) ‬الحشر ‪. (10‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫َر ِ‬
‫إننا نجد في خلصة مسارنا عبر أربعين سنة ما يمكن تلخيص بكلمتين‪ ( :‬لقد‬
‫كسبنا معارك كثيرة ولكننا خسرنا الحرب في كل الميادين ( ‪.‬‬
‫لقد كانت نتيجة عمل التيار الجهادي وتنظيماته هي الفشل في تحقيق الهداف ‪.‬‬
‫وانكسار المواجهة ‪ .‬و قائمة هائلة من الخسائر‪ .‬وثبوت الفشل في تحقيق الهداف‪.‬‬
‫والعقم في الوسائل ‪ .‬وهذا يقودنا لسؤال كبير‪..‬‬
‫هل يجب علينا أن نعترف بالهزيمة؟ ونستسلم للواقع ؟! وأجيب عن ذلك‬
‫بالتعرض لفلسفة العلقة بين الفشل والهزيمة والفارق بينهما‪.‬‬
‫فإني أعتقد أن الفشل هو عدم تحقيق الهدف في إحقاق الحق ‪ .‬وأما الهزيمة‬
‫فهي التخلي نتيجة الفشل عن السعي لحقاق الحق ‪ .‬وبالتالي فإن النتصار منزلتان‪.‬‬
‫انتصار ظاهر وهو تحقيق الهداف في إحقاق الحق ‪ ,‬وانتصار باطن وجوهري ‪ ,‬وهو‬
‫الصرار والستمرار في السعي لتحقيق الحق ‪ .‬والدأب في السعي إلى ذلك‪ ,‬إلى أن‬
‫يوافق من يختارهم الله من السائرين على الدرب قدر الله ‪ ,‬ويجتمع لهم الذن‬
‫بحصول النصر الظاهر‪ ,‬بأن وفقهم إلى الخلص والصواب‪ ..‬خلوص السرائر له وحده‬
‫سبحان ‪ ,‬و صواب في المنهج ‪ ,‬وتوفيق في اختيار وتطبيق الوسيلة‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 804 [ ‬‬

‫فإذا ما اجتمع القدر بالنصر إلى صواب المنهج وتوفيق الوسيلة‪ .‬تحقيق النصر‬
‫الكامل التام الشامل وهو حصول النصر الظاهر في الدنيا والقبول للعمل في الخرة ‪:‬‬
‫قمنا من ال ّذي َ‬
‫ن ‪ ) ‬الروم‪ :‬ة ‪. (47‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫صُر ال ْ ُ‬ ‫قا ً عَل َي َْنا ن َ ْ‬
‫ح ّ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫موا وَ َ‬ ‫جَر ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِ َ‬ ‫قال تعالى ‪َ  :‬ان ْت َ َ ْ َ ِ َ‬
‫وقد جاء في الثر ‪ ) :‬إن الله ل يقبل من العبد إل ما كان خاصا ً لوجهه كان‬
‫ل عَنه َ‬ ‫صوابا (‪ُ  ,‬أول َئ ِ َ‬
‫م ِفي‬ ‫سي َّئات ِهِ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫جاوَُز عَ ْ‬ ‫مُلوا وَن َت َ َ‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫قب ّ ُ ْ ُ ْ‬ ‫ن ن َت َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن ‪) ‬الحقاف‪ :‬الية ‪. (16‬‬ ‫دو َ‬ ‫كاُنوا ُيوعَ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ق ال ّ ِ‬ ‫صد ْ ِ‬ ‫جن ّةِ وَعْد َ ال ّ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫حا ِ‬ ‫ص َ‬‫أ ْ‬
‫وبهذا نجد الن أن أهل الصحوة السلمية و منهم الجهاديون قد انقسموا‬
‫فريقين ‪..‬‬
‫فريق منتصر أثخنته الجراح ولم تنحن هامته ولم تنكسر همته‪ .‬يناطح القرن‬
‫الحادي والعشرين ليجعله قرن السلم وسيكون إن شاء الله كذلك ‪.‬‬
‫وفريق منبطح طأطأت هامته ‪ ,‬فانكسرت همته ‪ ,‬فانبطح تدوسه سلسل دبابات‬
‫أمريكا وأحذية جنودها ‪ ,‬ويصم أذنيه هدير طائراتها وصواريخها ‪ ,‬عن سماع صوت‬
‫َ‬
‫م‬‫حَزُنوا وَأن ْت ُ ُ‬ ‫الحق تعالى يصدح ‪ :‬الله أكبر‪ ..‬حي على الفلح ‪َ ..‬ول ت َهُِنوا َول ت َ ْ‬
‫ن ‪ . ‬ولكنه خائر القوى مهدود‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن ‪ ‬بشرط مهم ‪  :‬إ ِ ْ‬ ‫ال َعْل َوْ َ‬
‫العزيمة ! وهؤلء يستسلمون الن ‪ ,‬لقد سلموا بأنه القرن المريكي ‪ .‬والمثلة‬
‫صارخة الوضوح على استسلمهم ‪.‬‬
‫ففي الصحوة السلمية عامة ‪ ,‬كما في التيار الجهادي ‪ ,‬ظهر مستسلمون ‪ .‬وفي‬
‫قطاع المة الكبير ‪ ,‬أكثرهم مستسلمون ‪.‬‬
‫ولذلك ولعلمي بمنهجية التيار الجهادي وبنيته ومساره ‪ ,‬بعد إيماني بموعود الله‬
‫أقول باختصار‪..‬‬
‫نعم لقد فشلنا معشر الجهاديين ‪ ,‬ولكننا لم ننهزم ‪ .‬وإن كان في محصلة نتيجة‬
‫مسارنا‪ ,‬إلى جانب قائمة الشهداء والسرى والمشردين والمعذبين ‪ ,‬بند أسود قد‬
‫سجل فيه بعض المستسلمين المهزومين من الجهاديين أسماءهم ‪ .‬كما حصل من‬
‫بعض قيادات الجماعة السلمية في مصر ‪ .‬وبعض التائبين من الجهاد في السعودية !‬
‫ومن إخوان سوريا وغيرهم ‪..‬‬
‫ولكن هذا ل يغير من محصلة النتيجة التي يدل عليها دبيب الحياة في جسد المة‬
‫التي خصها الله بوعد جليل‪:‬‬
‫َ‬ ‫مُنوا ِفي ال ْ َ‬ ‫سل ََنا َوال ّ ِ‬
‫هاد ُ ‪)‬غافر‪.(51:‬‬ ‫ش َ‬ ‫م ال ْ‬ ‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَي َوْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫صُر ُر ُ‬ ‫‪ ‬إ ِّنا ل َن َن ْ ُ‬
‫فذلك قدر الله كتبه من قال تبارك وتعالى‪:‬‬
‫‪ ‬ك َتب الل ّه ل َغْل ِب َ‬
‫جن ْد ََنا‬‫ن ُ‬ ‫زيٌز ‪) ‬المجادلة‪  ...(21:‬وَإ ِ ّ‬ ‫ه قَوِيّ عَ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫سِلي إ ِ ّ‬ ‫ن أَنا وَُر ُ‬ ‫َ ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫ن ‪) ‬الصافات‪. (173:‬‬ ‫م ال َْغال ُِبو َ‬ ‫ل َهُ ُ‬
‫َْ‬
‫ما‬‫ض كَ َ‬ ‫م ِفي الْر ِ‬ ‫فن ّهُ ْ‬ ‫خل ِ َ‬‫ست َ ْ‬‫ت ل َي َ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫م و عَ ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫مُنوا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫‪ ‬وَعَد َ الل ّ ُ‬
‫ن ب َعْدِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫م وَل َي ُب َد ّل َن ّهُ ْ‬ ‫ضى ل َهُ ْ‬ ‫ذي اْرت َ َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫م ِدين َهُ ُ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫مك ّن َ ّ‬ ‫م وَ ل َي ُ َ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ف ال ّ ِ‬ ‫خل َ َ‬‫ست َ ْ‬‫ا ْ‬
‫ن‪‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ك فَأولئ ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫فَر ب َعْد َ ذ َل ِ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ً‬ ‫ن ِبي َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫دون َِني ل ي ُ ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫فا ِ‬ ‫م ال َ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫شْيئا وَ َ‬ ‫كو َ‬ ‫منا ي َعْب ُ ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫خوْفِهِ ْ‬ ‫َ‬
‫)النور‪(55:‬‬
‫وكل ذلك لسبب عظيم جليل مقدس ‪ ,‬لخصه الشعار الجليل ‪:‬‬
‫)الله أكبر‪..‬الله أكبر‪ ....‬ل إله إل الله( ‪ .‬ولن الله أكبر ‪ ,‬ولنه ل إله إل الله ‪..‬‬
‫فليعل هبل‪ ..‬فالله أعلى وأجل‪.‬‬

‫• أسباب فشل التيار الجهادي في تحقيق أهدافه خلل (‪: (2000-1960‬‬


‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 805 [ ‬‬

‫أعتقد أن فشل التيار الجهادي في تحقيق أهدافه يعود لثلثة أسباب ؛ اثنان‬
‫خارجيان عنه ‪ ,‬سأذكرهما بإيجاز‪ .‬وثالث متعلق به وهو ما سأفصل فيه في الفقرات‬
‫التالية وهذه السباب هي‪:‬‬
‫‪ -1‬شراسة هجمة العداء على الجهاديين واختلل ميزان القوى بشكل‬
‫صارخ‪:‬‬
‫فقد استباح أعداء السلم في الداخل والخارج كل وسائل البطش والتنكيل‬
‫بالجهاديين وجماعاتهم وقياداتهم وعناصرهم ‪ ,‬وتجاوزوا ذلك إلى البطش بأسرهم ‪,‬‬
‫والتنكيل بآبائهم و أمهاتهم وأقربائهم ونسائهم وأطفالهم ‪ .‬وقد قام بالقسط الكبر من‬
‫هذا الجهد والبلء أنظمة الردة الحاكمة في بلد العالم العربي والسلمي ‪ .‬ثم انضمت‬
‫إليها قوى الكفر من الصليبيين واليهود وأنواع الملحدين بشكل صريح معلن ‪ ,‬بعد أن‬
‫دعمتها وقدمت لها الخدمات والدوات والدعم العسكري والمني والعلمي والمادي ‪.‬‬
‫فقد حارب أولئك الحكام الكفرة المرتدون وما زالوا ‪ ,‬كل من وقف في وجههم‬
‫مجاهدا ً بكل وسائل القتل والتعذيب والتصفية ‪ .‬بالقتل و بالسجون ‪,‬وبالتشريد‬
‫والمطاردة ‪ ,‬وبهتك العراض ‪ ,‬وبأخذ القرباء رهائن للضغط على المجاهدين ‪,‬‬
‫وبالتجويع والحصار‪ ...‬إلى آخر ما هو معروف ‪.‬‬
‫ومنذ انطلق المواجهات بدا ميزان القوى بين الجهاديين وهؤلء العداء مختل ‪,‬‬
‫وما زال بالغ الختلل عددا وعدةً ووسيلة‪ .‬ولسيما في ظل ما أشرنا إليه في الفصل‬
‫السابق من انبطاح معظم الصحوة السلمية وقياداتها عن خوض المواجهة ‪ .‬وفساد‬
‫القطاع الكبر من العلماء أو انقماعهم وخورهم في جحور الرخصة ‪ .‬و خوارهم في‬
‫زرائب النفاق والخذلن ‪ ,‬إل من رحم الله وقليل ما هم ‪ .‬وكذلك في ظل إعراض المة‬
‫وعموم الشعوب المسلمة عن البذل والتضحية في هذه المعارك المصيرية‪ .‬وهكذا‬
‫أدت الحملت العسكرية والمنية الطاغية مما أشرنا لطرف من وسائلها آنفا إلى‬
‫اختلل ميزان القوى وعدم تمكن الجهاديين من تحقيق أهدافهم وكان هذا أحد السباب‬
‫الخارجية‪..‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 806 [ ‬‬

‫‪ -2‬الواقع المنكوس للمة وحالة الخذلن التي أحاطت بالمحاولت‬


‫الجهادية ‪:‬‬
‫ويمكن تلخيص هذا الواقع المنكوس في ثلثة مناحي ساهمت بمجموعها في‬
‫خسارة الجهاديين ‪ ,‬طليعة هذه المة ‪ ,‬لكافة المواجهات حتى الن ‪ .‬وهذا الواقع‬
‫المرير يتجلى في ثلثة ظواهر قاتلة‪:‬‬
‫أ‪ -‬فساد الشريحة العظمى من علماء المسلمين‪:‬‬
‫توزع أكثر علماء المسلمين في هذا الزمان على قسمين ؛ إما علماء سلطان‬
‫وفقهاء ضللة‪ .‬وإما علماء منكفئون في جحور العجز متعذرين بالرخصة والضعف وقلة‬
‫الحيلة‪.‬‬
‫والشواهد على ذلك أسود من أن يشار إليها‪ ,‬وأكثر من أن تحصى ‪ .‬وقد أشرنا‬
‫لبعض أطراف هذه الظاهرة آنفا ‪ .‬فماذا أسوأ من أن يتولى علماء هذه المة بأنفسهم‬
‫مواجهة أبنائها من المجاهدين ‪ .‬ويشهدون عليهم بأنهم مجرمون إرهابيون خوارج ‪ .‬و‬
‫بغاة مفسدون في الرض‪.‬ويفتون بأنهم كلب أهل النار في الخرة ‪ ,‬وأما في الدنيا‬
‫فحكمهم أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلف أو ينفوا من الرض ‪!.‬‬
‫حيث يشهدون على حكامهم الفراعنة الطغاة ‪ ,‬المشرعون من دون الله ‪ ,‬الحاكمون‬
‫بغير ما أنزل الله ‪ ,‬المظاهرون لعداء الله بالسنان واللسان والجنان ‪...‬بأنهم أولياء‬
‫أمور شرعيون ! مسلمون مؤمنون ! تجب طاعتهم ! وأنهم أهدى من الذين آمنوا‬
‫وجاهدوا سبيل ؟!!‬
‫بل هل هناك أدهى و أنكى من أن يسبغ علماء المسلمين الخونة ‪ ,‬الشرعية على‬
‫قوى الحتلل الغازية ويعطونهم صفة المستأمنين والذميين ‪ ,‬بل الموادعين و‬
‫المناصرين ‪ .‬هؤلء الذين جاؤوا بخيلهم ورجلهم يحتلون البلد وينهبون العباد ويحاربون‬
‫الله ورسوله ويظهرون في الرض الفساد‪ ..‬حتى قال العلمة السعودي المنافق )عبد‬
‫المحسن العبيكان ( فض الله فاه ‪ :‬أن المريكان ل يضربون إل من يعتدي‬
‫عليهم في العراق ! وأن الكفار لو عينوا على المسلمين حاكما ‪ ,‬فهم‬
‫ولي أمر شرعي !!!!!!!!!!!!‬
‫والشواهد السوداء المنكرة تحتاج إلى كتب كثيرة ل تستوعبها المجلدات‪ .‬من‬
‫أقوال وشهادات وفتاوى الضلل التي يستعلن بها علماء السوء ‪ ,‬وفقهاء البنتاغون‬
‫اليوم في كل بلد وأقطار العالم العربي والسلمي‪..‬‬
‫وأما شريحة القلة الصالحة من علمائنا‪ ..‬فهم الساكتون عن الحق الشياطين‬
‫الخرس‪ ..‬أصحاب أعذار الذلة وقلة العوان ‪ ,‬والرخصة بأن ل يكلف المرء نفسه مال‬
‫يطيق‪.‬‬
‫وهكذا ترك العلماء واجبهم في المر والنهي والبيان ‪ .‬وتقلبوا بين منازل كتمان‬
‫الحق و أو تبديله وتغيره والشراء بدين الله وعهد الله ثمنا ً قلي ً‬
‫ل‪..‬‬
‫وهذا نكص العلماء عن قيادة الصحوة ‪ ,‬وقعدوا عن قيادة الجهاد ‪ .‬فتاهت الصحوة‬
‫السلمية بسببهم ‪ .‬فراحوا يعيبون عليها تيهها ! وخرجت المة من المعركة تبعا ً‬
‫لذلك ‪ .‬وكان هذا السبب القاتل في تعطل صمام الصلح والمان في المة من أهم‬
‫أسباب انفراد العدو بالجهاديين وخسارتهم للمعركة‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 807 [ ‬‬

‫ب‪ -‬فساد معظم قيادات مدارس الصحوة السلمية‪:‬‬


‫أحجمت الغالبية الساحقة من قيادات الصحوة عن دخول المعركة ‪ ,‬بل لقد دخلوا‬
‫بدل عن ذلك الميادين التي رسمها لهم العدو نفسه‪ .‬ليصبح أكبر دعاة الصحوة ‪ ,‬دعاةً‬
‫للدين المريكي باسم الديمقراطية و العتدال ‪ ,‬والسعي إلى تبديل المناهج لتنافي‬
‫العنف والتطرف ‪ ,‬وليصبح العديد أكبر رموز الصحوة جزءا ً من مؤسسات السلطات‬
‫المرتدة الحاكمة الكافرة وللسف ‪ ..‬وزراء و مشرعين في البرلمانات ‪ ,‬وجلساء موائد‬
‫السلطين في كل مناسبة ‪.‬‬
‫وهكذا ومنذ أواخر الثمانينات ومطلع التسعينات ولسيما بعد انطلق النظام‬
‫العالمي الجديد‪ ..‬وخاصة منذ انطلق عالم ما بعد سبتمبر‪ ..‬صار معظم قيادات‬
‫الصحوة السلمية من أهم مرتكزات ذلك العدوان في تحقيق الغزو الفكري ‪ ,‬وفي‬
‫نصرة أوليائه من الحكام المرتدين وأنظمتهم ‪ ,‬وفي إنجاح خطة عزل المة عن تأييد‬
‫المجاهدين لهؤلء العداء‪..‬‬

‫ج‪ -‬انغماس أكثرية الشعوب السلمية في الفساد وعدم نصرتهم‬


‫للمجاهدين ‪:‬‬
‫تتميز حياة عامة المسلمين في هذا الزمان بالبعد عن الله ‪ ,‬وفي النغماس في‬
‫حياة العبث والفسوق والعصيان ‪ ,‬وفي البعد عن طاعة الله ‪ ,‬واستحقاق أكثرهم‬
‫لسخط الله وعقابه ‪ .‬فكيف تنتظر نصرتهم للمجاهدين و قيامهم بفريضة جهاد أعداء‬
‫الله ؟!‪.‬‬
‫وقد أسهبت في الفصل الول في وصف أحوال وواقع المسلمين اليوم بما يغني‬
‫عن التكرار هنا‪.‬‬
‫والخلصة أن واقع حياة أكثر المسلمين هو واقع الفسوق والعصيان والجبن‬
‫والخذلن ‪ ,‬والوهن ؛ حب الدنيا وكراهية الموت ‪ ,‬بسبب ضلل أمرائهم ‪ ,‬وفساد‬
‫علمائهم ‪ ,‬وعجز وتردي أحوال أكثر من يوصفون بقيادات صحوتهم‪ . ..‬فأنى لهم أن‬
‫يرتقوا إلى ذروة سنام السلم ليجاهدوا في سبيل الله وينصرون الله ورسوله‪..‬‬
‫أنى للساهرين على برامج ) الفيديو كلوب ( و) أكاديمي ستار ( ‪ ,‬أن يدفعوا‬
‫أعداءهم ؟ أنى لجمهور يتربى على برامج القنوات الفضائية ‪ ,‬مثل )روتانا ( وأشباهها‬
‫أن ينصروا دين الله ‪ .‬أنى لهؤلء الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أن يقفوا إلى جانب‬
‫المجاهدين و يبذلوا التضحيات ؟!‬
‫إن وصف واقع المسلمين المخزي يحتاج للمجلدات الكثيرة ‪ .‬وإن وصف طريق‬
‫الصلح والنجاح يحتاج لبرامج جادة ل صلح ما فسد من أحوال المسلمين في كل‬
‫مجال‪..‬‬
‫فأكثر المعتقدات فاسدة‪ .‬وغالب الفكار ضالة ‪ .‬وسلوك الكثرية منحرف ‪.‬‬
‫والعادات والتقاليد مستوردة من الكفار‪ .‬وأكثر المكاسب من الحرام ‪ .‬وقد عم الزنا‬
‫والفجور‪ .‬والخلعة والختلط والسفور‪ .‬وتقنن أكل الربا ‪ ,‬وفشا أكل أموال الناس‬
‫بالباطل ‪ .‬وظهر الغش والخداع والرذيلة والتبرج ‪ .‬وغدا التسابق في ميادين الميوعة و‬
‫السفه مألوفا ‪ .‬وصار التيه في ميادين الرفاهية والعبث والبذخ طابع حياة الميسورين ‪,‬‬
‫والحسد والضغينة والنفاق طابع أكثر المعوزين ‪.‬‬
‫وصار المصلون في الناس قلة ‪ ,‬وأكثر الصائمين يفطرون في رمضان على موائد‬
‫المرح والسهر على المعاصي والفوازير وبرامج الكفر بالله ‪ ,‬وآخر مخترعاتهم فيما‬
‫أسموه الخيام الرمضانية ‪ .‬حيث تفطر الجموع على ألحان الوركسترا ‪ ,‬وهز بطون‬
‫الراقصات ‪ ,‬والمسابقات الفنية والجوائز ‪..‬إلى قرب السحر ‪ ,‬حيث يأكلون ما لذ‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 808 [ ‬‬

‫وطاب ثم ينقلبون نائمين جيفا ‪ ,‬يفتتحون نهارهم بترك صلة الفجر بعد ما ملؤوا ليلهم‬
‫بالموبقات !! ‪ .‬وصار ل يؤدي من الناس الزكاة إل أقلهم ‪ .‬ول يحج فهم رغم‬
‫الستطاعة إل النادر منهم ‪.‬وأكثرهم نزهة وفخرا وتجارة ‪..‬‬
‫فأين القوم الذين يسمون ) مسلمين ( ‪ ,‬من حقيقة شهادة أن ل إله إل الله و‬
‫أركان السلم ؟! وأين هم من منازل اليمان بالله وأسمائه وصفاته‪ ,‬وملئكته وكتبه‬
‫ورسله ؟!‪ .‬وماذا بقي مما يدل على إيمانهم بالله واليوم الخر وقضاء الله خيره‬
‫وشره؟!‬
‫ول يظن ظان ‪ ,‬أو يدلس مبطل ‪ ,‬أنا نعتقد كف ر أمثال هؤلء الفساق من‬
‫المسلمين ‪ ,‬كل ! ولكنه توصيف لحوال أتت بهذه النتائج ‪ .‬فهم بشكل عام مسلمين‬
‫‪ ,‬والله أعلم بحال كل منهم ‪ .‬وليسوا إل ضلل فجارا مناكيد ‪ ,‬أصلحهم الله أو أراح‬
‫منهم ‪.‬‬
‫وهذه حالة أكثرية المسلمين مع السف ‪ ,‬وهو ما أخبر بحصوله رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم في آخر الزمان ‪ ) .‬أنظر مسك الختام ‪ ,‬في آخر الكتاب ( ‪ .‬ومهما‬
‫تكن هذه الحقيقة مؤلمة ومهما أنكرها و أنكر واقعتها علماء السوء والمشايخ‬
‫العصريون من أصحاب القبة البيضاء وربطة العنق الوروبية! واللحى المنتوفة ‪ ..‬من‬
‫دعاة السلم المريكي ‪ ,‬والجمهور المعجب بس )ولويل ( العلمة الحليق المهرج‬
‫عمرو خالد ‪..‬‬
‫و إل فما ذا تحتاج هذه الشعوب السلمية حتى تتحرك ؟!‬
‫هل تحتاج جوعا ً أكثر مما هي فيه حتى تتحرك ؟ فهذا أول ما يحرك النسان أي‬
‫إنسان للثورة ‪ .‬وهؤلء ل يخرجون يقاتلون عن جوعهم وجوع أبنائهم !! ولله در أبي ذر‬
‫رضي الله عنه عندما قال ‪ :‬عجبت لرجل يبات جائعا ول يخرج بسيفه على الناس !‬
‫أم يحتاجون ذل ً أكثر مما هم فيه ‪ ,‬وهم في حالة من الذل تأباها حتى فطرة أكثر‬
‫الحيوانات ‪ ,‬فتجدها تركل وتنطح أو تهبش أو تعض ! إذا ما أوذيت تدافع عن نفسها ‪.‬‬
‫وهؤلء ل يتحركون من ذلهم !!‬
‫وهل يحتاجون انتهاك للعراض أكثر مما حصل ويحصل؟! أم هل يحتاجون غزوا ً‬
‫خارجيا ً واحتلل ً ؟! أم عسفا ً وظلما ً وقهرا ً ؟! وهل ينقص المة من كل هذا شيء حتى‬
‫تتحرك؟!‬
‫والعجيب اليوم ‪ ,‬أن المظاهرات ومسيرات الرفض لحتلل بلد المسلمين من قبل‬
‫شعوب الكافرين هي أكثر مما خرج في بلد العرب والمسلمين الذين غزا الكفرة‬
‫ديارهم! فهم في أوربا بالمليين ‪ ,‬وفي بلدنا باللف ‪ ,‬أو المئات والعشرات غالبا !‬
‫بل تندهش لما تجد المصادمات بين عشرات آلف المتظاهرين في اليابان وكوريا‬
‫وغيرها مع شرطة بلدهم حتى ل يذهب جنودهم لحتللنا‪ ,‬في حين ينزل هؤلء الجنود‬
‫في مطارات بلدنا المجاورة للعراق وفلسطين وغيرها من البلد المختلفة وينعمون‬
‫بكل الهدوء والدعة‪ ,‬بل بالترحيب أحيانا ً ل أقول من الحكام فحسب بل من بعض‬
‫الشعوب! بل وحتى بالتمتع بعاهراتنا المرخصات بنص القانون والدستور ‪.‬‬
‫وحتى ل يستغرب مستغرب ‪ ,‬فقد جاء في الخبار خبر طريف ‪ ,‬مفاده أن مجموعة‬
‫من راقصات مصر المسجلت رسميا ) كفنانات ( وعددهن يربو على ‪ 5000‬راقصة ‪,‬‬
‫تظاهرن احتجاجا على سماح الحكومة المصرية للراقصات المستوردات من روسيا‬
‫ودول أوربا الشرقية ‪ ,‬بالعمل في ) كباريهات (مصر‪ .‬لرخص أجورهن ‪ .‬وأكثرهن‬
‫بالطبع عاهرات كحال تلك المتظاهرات ‪!!.‬‬
‫وقد رد وزير مصري على احتجاج أحد السلميين على أخذ ضريبة الدخل ‪ ,‬من‬
‫العاهرات المسجلت رسميا ‪ .‬فقال الوزير باللهجة المصرية‪ ) :‬ما هيه بتكسب ؟‬
‫والقانون عندنا بيقول ‪ :‬في كل كسب ضريبة!!(‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 809 [ ‬‬

‫وتحتج منظمات حقوق النسان الكافرة العلمانية الجنبية على منع المسلمات من‬
‫الحجاب في فرنسا ‪ .‬غيرة على الحرية الشخصية ‪ .‬ويقوم كبير علماء المسلمين شيخ‬
‫الزهر في مصر‪ ,‬المنكوس طنطاوي ليفتي بأن منع الحجاب شأن فرنسي داخلي‬
‫لدولة ذات سيادة و ل يجوز التدخل به!! وأن الحجاب واجب على المسلمات في بلد‬
‫المسلمين وليس في البلد الجنبية !! ثم يعتمد حسني مبارك هذه الفتوى في‬
‫خطابه ‪ ,‬ويطلب من المسلمين في فرنسا الموضوعية والحوار!‪ .‬ل بارك الله فيه ول‬
‫في شيخه الحمار ‪..‬‬
‫إننا اليوم من أمة وقف كبير هيئة كبار علمائها ابن باز يفتي بجواز بالتطبيع مع‬
‫اليهود‪ ,‬حتى قام )بيريز( في الكنيست ينوه باعتداله ويثني عليه ‪ ,‬وأعضاء الكنيست‬
‫من الحاخامات والمجرمين يصفقون له!‬
‫وهاهي مآسي النتفاضة في فلسطين لم تقدم لها المة إل بضع تظاهرات ما لبثت‬
‫أن قمعت ‪ ,‬ولم تتكرر‪ .‬ثم تكرر المشهد في احتلل العراق!! ومن قبل ذلك ذبحت‬
‫البوسنة أمام سمع المسلمين وبصرهم ‪ ,‬واغتصبت أكثر من ‪ 60000‬مسلمة ‪ ,‬وضعت‬
‫منهن من الزنا ‪ 30000‬ابن سفاح ‪ ,‬أخذتهم مؤسسات التنصير ! في حين كان الحوار‬
‫دائرا على صفحات جريدة ) المسلمون( السعودية حول جواز أن تضرب المغتصبة‬
‫بطنها حتى تسقط جنينها ‪ ,‬وحرمة وحل ذلك !!‪ .‬و الشيشان ‪..‬وكشمير ‪..‬و وزيرستان‬
‫‪..‬و !!‬
‫وهاهي الفضائيات اليوم تضع الحداث بحذافيرها في كل بيت من بيوت المسلمين‬
‫‪..‬فماذا تحتاج هذه الشعوب حتى تتحرك ؟!‬
‫فهل يرجى من مثل هذه الشعوب اليوم نصرة لدين الله حتى ينصرها الله تعالى ‪,‬‬
‫وهو القائل ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م ‪( ‬محمد‪(7:‬‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫دا َ‬‫ت أق ْ َ‬
‫م وَي ُث َب ّ ْ‬ ‫صْرك ُ ْ‬
‫ه ي َن ْ ُ‬‫صُروا الل ّ َ‬ ‫ن ت َن ْ ُ‬‫مُنوا إ ِ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪َ ‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن ال ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ن ‪..‬؟‬ ‫قْرآ َ‬ ‫ديثا ً‪  ‬أَفل ي َت َد َب ُّرو َ‬ ‫ح ِ‬
‫ن َ‬ ‫قُهو َ‬ ‫ف َ‬ ‫ن يَ ْ‬‫دو َ‬ ‫قوْم ِ ل ي َ َ‬
‫كا ُ‬ ‫ؤلِء ال ْ َ‬ ‫ل هَ ُ‬ ‫ما ِ‬ ‫‪ ‬فَ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فالَها ‪ ‬؟! والله إن على أكثر القلوب اليوم أقفالها وسلسلها‪..‬‬ ‫ب أق ْ َ‬ ‫م عََلى قُلو ٍ‬
‫ُ‬ ‫‪‬أ ْ‬
‫ن( ونعوذ بالله من أسباب سخطه‪.‬‬ ‫سُبو َ‬ ‫كاُنوا ي َك ْ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫ن عََلى قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫ل َرا َ‬ ‫كل ب َ ْ‬ ‫( َ‬
‫ذات يوم سألت أحد قادة جماعة الجهاد في مصر‪ ,‬أيام جمعنا الجهاد ضد الروس‬
‫في أفغانستان ؛ لم فشل الجهاد في مصر؟ فقال " يا أخي أنت تعرف أن من أهم‬
‫مقومات حرب العصابات معطيات الرض ومعطيات الشعب ‪ .‬والمشكلة عندنا في‬
‫مصر‪ ,‬أن الرض مسطحة والشعب المصري أيضا ً شعب مسطح‪ ..‬فكيف تقوم حرب‬
‫عصابات جهادية ؟! "‪ .‬ومع العذر من صلحاء المسلمين في مصر وأرجو أن ل يحزنوا‬
‫لهذا الشاهد ‪ ,‬لقد أثبتت كل الشعوب في مصر كما في غيرها ‪ ,‬أنهم شعوب مسطحة‪,‬‬
‫مها علماَءها و صحوَتها بالسيف والسوط والذهب ‪ ,‬وسطحت الصحوةُ‬ ‫قد سطح حكا ُ‬
‫ً‬
‫والعلماُء شعوَبها ‪ ,‬فلم يبرز فيها مقاوما إل قلة ممن أنعم الله عليهم ‪.‬‬
‫وها هي بلدي العزيزة سوريا المنكوبة ‪ ,‬بلد الشام ‪ ,‬عقر دار السلم ‪ ,‬قد حول‬
‫النصيرية عاصمتها دمشق إلى ماخور للزناة باسم السياحة ‪ .‬لتوفر الستجمام لعرابيد‬
‫الزناة القادمين من أطراف الرض ولسيما من دول الجوار ‪..‬كي ل يتكبدوا عناء‬
‫السفر إلى بانكوك ‪ ,‬ويضربوا لها أكباد الس ) بوينغ ( ‪ .‬ول داعي لمزيد من الحراج !‬
‫وقل مثل ذلك عن المغرب ‪ ,‬وتركيا ‪..‬وفنادق دبي ‪ ..‬ومواخير جزر المالديف ‪..‬‬
‫وغيرها وصول إلى جزيرة بالي الندونيسية !‬
‫وتبقى الحقيقة كما قال تعالى ‪:‬‬
‫سوءا ً َفل‬ ‫فسهم وإ َ َ‬ ‫َ‬
‫قوْم ٍ ُ‬ ‫ذا أَراد َ الل ّ ُ‬
‫ه بِ َ‬ ‫ما ب ِأن ْ ُ ِ ِ ْ َ ِ‬ ‫حّتى ي ُغَي ُّروا َ‬ ‫قوْم ٍ َ‬ ‫ما ب ِ َ‬ ‫ه ل ي ُغَي ُّر َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫‪ ‬إِ ّ‬
‫ل ‪) ‬الرعد‪ :‬من الية ‪. (11‬‬ ‫ن َوا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫دون ِهِ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ما لهُ ْ‬‫َ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫مَرد ّ ل َ ُ‬
‫َ‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 810 [ ‬‬

‫إن الحقيقة المرة تثبت كل يوم ‪,‬أنه لم يعد لكثر المسلمين من السلم إل اسمه‬
‫ومن الدين إل رسمه‪ .‬ولم يعد من المسلمين ‪,‬على ما كان عليه رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم وأصحابه ‪ ,‬ممن وصفهم بالفرقة الناجية إل القلة ‪ ,‬ول ينتسب إلى طائفتهم‬
‫المنصورة المجاهدة التي تقاتل على هذا الدين إل قليل الخرين من الرجال والنساء‬
‫المتناثرين هنا وهناك يعبدون الله قابضين على الجمر معزولين متهمين مطاردين‪..‬‬
‫فأنى لمثل هذه الشعوب أن تنصر الله ورسوله‪ ,‬وأن تجاهد مع المجاهدين ؟!‬
‫رغم أني ل أنسى أن أنوه بكثرة المقهورين الرافضين لهذه الحوال ‪ ,‬المحصورين‬
‫ل يستطيعون حيلة ول يهتدون سبيل ‪..‬يطيعون الله في أنفسهم ‪..‬ويجأرون إلى الله‬
‫من جور الحكام وحصار فتاوى العلماء الضالين لهم ‪..‬ففرج الله كربتهم ‪ .‬ولكن ما‬
‫وصفت هو حال الكثرية الساحقة ‪..‬‬

‫فهناك حقيقة مؤلمة يجب الشارة إليها ؛ وهي أن انتصار المجاهدين‬


‫على العداء ‪ .‬وانتصار الجهاديين في مشاريعهم وتحقيقهم أهدافهم‬
‫بالحكم بما أنزل الله ‪ ,‬هو في حقيقته انتصار للمة والشعوب ‪ .‬ونعمة‬
‫من الله عليها لما تستأهل ذلك أحوالها ‪.‬‬
‫فهل أحوال هذه الشعوب المسماة (إسلمية( اليوم ‪ ,‬تستأهل فرج‬
‫ة لتعمهم هذه النعمة ؟ اللهم كل‪.!..‬‬ ‫الله بنصر طليعتهم المجاهد ‍‬
‫وهل أحوال علمائهم وقادة صحوتهم ‪ ,‬تستأهل مثل فرج الله هذا‬
‫ونصره لهذه المة؟ اللهم كل ‪!..‬‬
‫وهل واقع حكامهم المرتدين الظالمين الكافرين الفاسقين يستأهل‬
‫الفرج والعون ؟ اللهم كل‪!..‬‬
‫وأعتقد أن هذا يفسر ما نحن فيه ( وما ربك بظلم للعبيد ( ‍‪.‬‬
‫وهكذا انتصر معظم الجهاديين حيث قام جهادً نصرا ً خاصا ً بهم ‪ .‬لقد‬
‫استشهدوا ولقوا ربهم شهداء ( فرحين بما آتهم الله من فضله‬
‫ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم أل خوف عليهم ول هم‬
‫يحزنون (‪ .‬إن شاء الله تعالى ‪.‬‬
‫لقد أعطى الله المقبولين المخلصين منهم النصر العظم ‪ .‬وقربهم‬
‫إليه‪ .‬وخلصهم من هذا الواقع المنكود ‪.‬‬
‫فالنصر الظاهر المشهود‪ ,‬بهزيمة العداء الكافرين ‪ ,‬وانهيار الطغاة‬
‫المرتدين ‪ ,‬واندحار الظلمة والفاسقين ‪ ,‬وتحكيم شرع رب العالمين في‬
‫المة ؛ هو نعمة تتنزل من الله على هذه الشعوب لما تستأهلها وهذا ما‬
‫تقتضيه السنن ‪ ,‬و تدل عليه شواهد التاريخ ‪.‬‬

‫لقد عم الخطب والعطب ‪ .‬و نحن نسير إلى أن يعم الظلم والفساد الرض ومن‬
‫عليها حتى يقيض الله لها الذي يملؤها قسطا ً وعدل ً بعد أن سارت وتسير اليوم‬
‫لتمتلئ ظلما ً وجورا‪ .‬وهكذا وقف المجاهدون في سبيل الله وحيدين في ساحة‬
‫المواجهة وخسروا معاركهم وهزموا في مواجهاتهم‪ .‬وهذا الوصف ليس عذرا ً الحد‬
‫كي يقول ؛ إذن ما الفائدة في الجهاد إذا كانت أحوال المة تستأهل الهزيمة ؟‬
‫فهذه الفكرة نزغة شيطان ونفس ضعيفة‪ .‬وهذا يوضحه أمران ‪:‬‬
‫أولهما ‪ :‬أن الجهاد فريضة متعينة اليوم ‪ ,‬وهي عبادة شخصية ‪ ,‬على كل فرد‬
‫مسلم أن يؤديها ‪ ,‬طائعة نفسه أم كارهة ‪ .‬مثلها مثل الصلة والزكاة والصيام وكل‬
‫عبادة‪ .‬فهو مثاب على أدائها‪ .‬مآخذ على تركها ‪ .‬آثم بالعراض عنها‪ .‬كافر بجحودها ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 811 [ ‬‬

‫بل إن مواجهة صائل الكافرين والمرتدين وأعوانهم اليوم آكد في فرضيته من كل‬
‫الفرائض بعد توحيد الله كما سبق وأسلفنا البراهين في الفصل الثاني‪..‬‬
‫والمر الثاني‪ :‬أن أداء المجاهدين لهذه الفريضة يحرك مكامن الصلح في‬
‫قطاع الصحوة وقواعدها‪ .‬ثم في قادتها وعلمائها ‪ .‬ثم يبدأ مسار الصلح حتى يتعدى‬
‫عبر طريق التضحيات الجسام ‪ ,‬ومسار العذاب ‪ ,‬والثمن الذي يجب أن تدفعه المة ‪,‬‬
‫فيسري الصلح ‪ ,‬وتبدأ المة خطاها الصحيحة إلى أن تستأهل نصر الله‪..‬‬
‫وما أظن إل أن يشاء ربي‪ ..‬أن تنصر المة ويتنزل بها الفرج ‪ ,‬وتعلوا‬
‫راية دينها وتحكم شريعة ربها ‪ ,‬لمجرد تضحيات من سموا إلى عل‬
‫المجد ‪ .‬و ارتقوا إلى مستويات الشهادة من الستشهاديين والمقاومين‬
‫هنا وهناك ‪ .‬من أولئك الذين يقدمون أنفسهم قرابين لهذا الدين حيث‬
‫وفقهم الله‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إن هؤلء ينتصرون نصرا شخصيا ذاتيا عاجل ً ‪ ,‬ويمهدون الطريق‬ ‫ً‬
‫لنصر المة ‪ ..‬لما تتحرك المة ! بفعل عمل متراكم سيأخذ زمنا ً طويل ‪,‬‬
‫على مسار مرير تعطره دماء الشهداء ‪ ,‬وترويه دموع اليامى والثاكلت ‪,‬‬
‫وتحدوه آهات المعذبين المضحين في سبيل دينهم وأمتهم‪..‬‬
‫ل أقول دماء آلف ‪ ,‬ول مئات آلف‪ ..‬وإنما دماء مليين الشهداء من‬
‫هذه المة ‪ ,‬حتى نستأهل الفرج والنصر والظفر‪ .‬ونستأهل موعود الله‪.‬‬
‫لقد قدم زهرة شباب جيلنا وسعهم ‪ ,‬وقدمنا معهم وسعنا ‪..‬والحمد لله ونسأله‬
‫القبول ‪..‬‬
‫ددت على مسامع زوجتي‬ ‫أذكر الن أنني عندما كنا في كابل أيام طالبان ‪ ,‬لطالما ر ّ‬
‫ت أطفالي الربعة لقّبلهم قبل أن‬ ‫‪ ,‬وهي تودعني على باب الدار باكية وقد أحضر ْ‬
‫أخرج إلى خط القتال الطاحن قرب كابل التي كنا نسكنها وندافع عنها ‪ .‬حيث ُيسمع‬
‫دوي القنابل ‪ ,‬وأزيز رصاص المعارك من البيت الذي يبعد ‪ 12‬كيلومتر فقط عن‬
‫ساحتها ! فأقول لها ‪:‬‬
‫إنه ليعز علي بكاؤك‪ ,‬ويقطع قلبي هذه النظرة الحائرة في عيون الصغار ‪ .‬ولكني‬
‫راض مرتاح الضمير لني أعلم أن خروجي وخروج أمثالي ‪ .‬سيجعل دموعك ودموع‬
‫مثيلتك تختصر وتوفر علينا دموع مليين الباكيات القادمات ‪ .‬وهذه الحسرة في عيون‬
‫أبنائي ستوفر على مليين أطفال المسلمين تجرع مرارة اليتم ولوعة التشريد إن شاء‬
‫الله ‪ .‬إننا نحمل عن المة عبئ مصائبها لعلها ُتختصر عليهم ‪..‬‬
‫وكم مرة انسللت من فراشي قبيل أذان الفجر لتابع أعمالي في التدريب والعداد‬
‫كمي قائلة ‪ :‬انتظر واصبر قليل فالوقت مبكر جدا ‪.‬‬ ‫والرباط ‪ ..‬فتمسك زوجتي ب ِ ُِ‬
‫ظروننا لنتظرت ‪ .‬ولكنهم دائبون في‬ ‫فأقول لها ‪ :‬لو علمت أن أعداءنا ينامون و ُين ِ‬
‫ت‬‫حربنا ولسنا أقل منهم ‪ .‬وقدوتنا صلى الله عليه وسلم من قال الله له ‪  :‬وَإ ِذ ْ غَد َوْ َ‬
‫م ‪) ‬آل عمران‪. (121:‬‬
‫ميعٌ عَِلي ٌ‬ ‫س ِ‬
‫ه َ‬‫ل َوالل ّ ُ‬
‫قَتا ِ‬‫عد َ ل ِل ْ ِ‬
‫قا ِ‬ ‫م َ‬
‫ن َ‬
‫مِني َ‬ ‫ك ت ُب َوّئُ ال ْ ُ‬
‫مؤْ ِ‬ ‫ن أ َهْل ِ َ‬
‫م ْ‬
‫ِ‬
‫فقاتل الله الرياء ‪ ,‬وأعوذ بالله من الفخر ‪ .‬وما أذكر هذا من كثير من الذكريات‬
‫العزيزة إل لتحفيز المسلمين بإعلمهم بأحوالنا ‪ ,‬وتشويقهم إليها ‪ .‬ولنها صور رائعة‬
‫قرأنا عن مثيلتها في أخبار من سلف فحفزتنا ‪..‬ثم عشناها ‪ -‬والحمد لله ‪ -‬فأود أن‬
‫أصفها لمن فاتته فلعلهم يتحفزون ‪.‬‬
‫وإل فأنا أقل من أعرف من المجاهدين حال وسعيا وقد خاب من افترى ‪ .‬ول‬
‫أقول إل ما كان يقوله السلطان المجاهد نور الدين زنكي ) الشامي ‪ -‬الحلبي (‪ ,‬لما‬
‫كان يرى رحيل الشهداء من حوله في جهاد الصليبيين ‪ ,‬فيتحسر ويقول ‪ ) :‬لو كان‬
‫لله بي حاجة لخذني ‪ ,‬وإنما العمال بالنيات (‪ .‬وكم أنا حقيق بهذا القول وقد‬
‫ل من أعرف ومن أعددتهم للجهاد وبوأتهم مقاعد للقتال ‪ ,‬أو صحبتهم فيه !‬ ‫مضى ج ّ‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 812 [ ‬‬

‫ي أمانة ‪ .‬ولو كان من أعرف من المجاهدين المخلصين كتابا‬ ‫و لكني كاتب وعل ّ‬
‫وأدباء ‪ ,‬وكتبوا عن أحوالهم ‪,‬لطاروا ألباب من كان له قلب أو ألقى السمع وهو‬
‫شهيد ‪..‬فليس هذا محل فخر ‪ .‬وأي فخر ؟!‪ ..‬وهل يمكن لرجل من هذه المة أن يرفع‬
‫رأسا بفخر ‪ ,‬وقد خرج صبايا المسلمين ونساؤهم يفجرن أنفسهن باليهود في‬
‫فلسطين وبالروس في الشيشان ‪..‬؟!! أل ل نامت أعين الجبناء ‪ ,‬ول تهنأ القاعدون‬
‫على فراش ‪..‬ول متع الله الخونة بطعام ول شراب ول ولد ‪..‬‬
‫نعم ‪ ..‬لقد خرج ابراهيم ذات يوم من مخبئه ليل يتجول في أحياء الكوفة متخفيا ‪,‬‬
‫وكان قد خرج وأخوه محمد الملقب بالنفس الزكية وهما إمامان جليلن من آل البيت‬
‫‪ -‬عليهم رضوان الله – خرجوا على أبي جعفر المنصور يقاتلون عماله الظلمة في‬
‫المدينة والكوفة ‪ .‬ثم تواريا اختفيا عن أنظار عماله وجواسيسه ‪.‬‬
‫فرأى ابراهيم ذات ليلة وقد خرج يتجول امرأة تنبش في المزبلة ‪ ,‬وتأخذ منها‬
‫ت أنه‬‫طائرا ميتا ‪ .‬فسألها عنه‪ ,‬فقالت أنها ستطعمه أيتاما عندها ‪ .‬فقال لها ‪ :‬قد علم ِ‬
‫ميتة حرام ‪ .‬فقالت له ‪ :‬قد حّلت لنا ‪.‬‬
‫فبكى رضي الله عنه وقال لها ‪ :‬إن أمثالك سيخرجونني غدا لتضرب عنقي‬
‫!‬
‫وهذا ما كان ‪ ..‬ولم يكف خروجه لحل المشكل ! فخرج وقتل شهيدا يرحمه الله ‪.‬‬
‫ومثل هذا بل أشنع منه هو الذي أخرجنا لتضرب أعناقنا ‪ .‬ولنتلظى بحر دمع‬
‫ه‬‫ي الل ّ ُ‬ ‫نسائنا ‪ ..‬وحرمان أطفالنا‪ .‬وليس عندنا لهم إل قول الله تعالى ‪  :‬إ ِ ّ‬
‫ن وَل ِي ّ َ‬
‫ن ‪) ‬لعراف‪(196:‬‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫ب وَهُوَ ي َت َوَّلى ال ّ‬ ‫ل ال ْك َِتا َ‬ ‫ذي ن َّز َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫خاُفوا‬ ‫ضَعافا ً َ‬ ‫ة ِ‬ ‫م ذ ُّري ّ ً‬ ‫خل ْ ِ‬
‫فه ِ ْ‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬ ‫ن ل َوْ ت ََر ُ‬
‫كوا ِ‬ ‫ش ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫خ َ‬ ‫عمل بأمره سبحانه ‪  :‬وَل ْي َ ْ‬
‫ديدا ً ‪) ‬النساء‪ . (9:‬وليس عندي قول أسد ّ مما‬ ‫س ِ‬‫قوُلوا قَوْل ً َ‬ ‫ه وَل ْي َ ُ‬
‫قوا الل ّ َ‬ ‫م فَل ْي َت ّ ُ‬
‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫أسلفت ‪ ,‬عندما يسألنا الناس لمن نترك أهلنا ؟! ‪.‬‬
‫ولكن هل كفت جهودنا وجهود أمثالنا لحل المشكل ؟ بل المشاكل المتراكمة من‬
‫الكفر والمظالم ؟!‬
‫ل ‪..‬لم تكف ‪ ..‬لم تكف جهود أمثالنا‪ ..‬و ليست بكافية والله أعلم ‪.‬‬

‫إن جيلنا هذا ومن سيأتي بعدهم ‪ ,‬سيدفعون فواتير هائلة من تبعات‬
‫القعود والنكوص ومسار الفساد في كل منحى عبر مئات السنين التي‬
‫مضت ‪ .‬وخاصة في هذا القرن الخير ‪ .‬حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه‬
‫اليوم من حال أسود ل يرضي الله ول يرضي رسوله صلى الله عليه‬
‫وسلم ول المؤمنين ‪.‬‬
‫ومهما ظن الظانون من المصلحين المزعومين ‪ ,‬والعلماء الواهمين‬
‫القاعدين ؛ مهما ظنوا وزعموا ‪ ,‬أن حملتهم العالمية الكلمية لدحر‬
‫العدوان ستحل المشكل ‪ .‬وأنه بغير الجهاد والتضحيات يمكن للمة أن‬
‫تنهض ‪ ,‬فهم واهمون ‪ ,‬لنهم تركوا مقتضى شواهد كتاب الله وسنة نبيه‬
‫صلى الله عليه وسلم ودروس التاريخ ‪ ,‬وراحوا يبحثون عن الحلول في‬
‫متاهات الفكر والفلسفات الضالة !!‬
‫بل العجب أنهم يبحثون عن نصرة دين الله في ميادين سخطه‬
‫والشرك به !! في أجهزة حكم السلطين ! وإدارات المحتلين الغزاة‬
‫الكافرين ! وبحمل أفكارهم ودعوتهم ‪ .‬ولله المر من قبل ومن بعد‪.‬‬
‫والله غالب على أمره ولكن المنافقين ل يعلمون ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 813 [ ‬‬

‫وهكذا تضافرت السباب الخارجية الثلثة ؛ قوة بأس العداء وهجمتهم ‪ ,‬وفساد‬
‫أحوال أكثر العلماء والدعاة ونخبتهم ‪ ,‬ثم انتكاس أحوال غالبية الشعوب المسلمة ‪.‬‬
‫لتكون سببا ً رئيسيا ً في عدم حصول النصر والفرج وعدم انتصار مشروع الجهاديين‪.‬‬
‫وعدم تحقيق أهدافهم‪.‬‬
‫لقد خذل ذلك الرهط المبارك ‪ ,‬وأحيط به ‪ ,‬و خسر المعارك والحروب السالفة‪.‬‬
‫وفي موعود الله أمل فيما نستقبل من أيام إن شاء الله‪.‬‬
‫ولكن هل لنا بصفتنا جهاديين أن نلقى أسباب الخسارة والهزائم و الفشل المتكرر‬
‫فقط على تلك السباب الخارجية آنفة الذكر‪..‬؟! كل!! هناك أسباب داخلية خاصة‬
‫بالتيار الجهادي ذاته‪ ,‬بسبب القصور والحال الذي اعتراه ‪ ,‬ساهمت بشكل رئيسي في‬
‫النتائج التي حصلت ‪ .‬وهو ما سنتناوله في هذا الفصل ‪ ..‬إن شاء الله‪.‬‬
‫وقبل أن نخوض في وجوه الخلل وأسباب الفشل الداخلية في التيار الجهادي يجدر‬
‫بنا أن نذكر إيجابيات ذلك التيار وإنجازاته عبر تلك السنين العامرة بالنجازات‬
‫والتضحيات‪.‬‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 814 [ ‬‬

‫الحصاد اليجابي وإنجازات التيار الجهادي في أربعين عاما ً مضت‪:‬‬ ‫•‬


‫على مدى أربعين سنة من تراكم الجهود والبذل والعطاء ‪ ,‬لمختلف الجماعات‬
‫والتنظيمات والفراد في مختلف أنحاء العالم العربي والسلمي ‪ .‬أنجز الجهاديون‬
‫إنجازات عظيمة‪ .‬وحققوا انتصارات كثيرة تسجل في سجلهم المشرف ‪ .‬وإن كانوا قد‬
‫فشلوا في الوصول إلى الهداف النهائية التي وضعوها لنفسهم كما أسلفنا‪ .‬ويمكن‬
‫تصنيف هذه النجازات في المناحي التالية‪:‬‬
‫‪ - 1‬النجازات الفكرية والمنهجية‪:‬‬
‫فقد استطاع التيار الجهادي عبر علمائه وقادته ومفكريه‪ ,‬وعبر مجموع الجهود‬
‫الدبية والعلمية المختلفة ‪ ,‬أن يقدموا التيار الجهادي كمدرسة رئيسية ومتميزة في‬
‫الصحوة السلمية المعاصرة ‪ .‬و تمكنوا من تحديد ملمح منهجها ‪ ,‬عبر الكتب‬
‫والمؤلفات و المحاضرات ‪ ,‬وأن يخطوا بمداد أولئك العلماء والمفكرين والقادة معالم‬
‫الطريق للسائرين خلفهم على ذلك الدرب المنير‪ .‬وقد أضفت دماء آلف الشهداء‬
‫ممن قدموا أرواحهم في سبيل الله في مختلف الميادين على تلك الفكار وذلك‬
‫المنهج حياة‪ .‬وجعلوا لها نماذج وقدوة يستلهمها السائرون إلى مرضاة الله على‬
‫طريقتهم‪.‬‬
‫‪ - 2‬النجازات الدعوية والجمهور‪:‬‬
‫وبفضل الله أول ً ‪ ,‬ثم بفضل تلك التجارب‪ ,‬وما قدم الشهداء والصابرون في سبيل‬
‫الله على ذلك الدرب ‪ .‬و ما لعبه التراث الفكري والجهود العلمية و الدعوية‬
‫للجهاديين على مختلف الصعدة‪ ,‬وعلى مدى تلك العقود الربعة الماضية ‪ .‬صار‬
‫للجهاديين جمهور متميز في المة عامة وفي الصحوة خاصة ‪ ,‬و صارت عطاءاتهم مثل ً‬
‫ونبراسا ً لكل المسارعين اليبين إلى ربهم من جموع هذه المة‪.‬‬
‫‪ - 3‬النجازات العسكرية‪:‬‬
‫وهي الجانب البارز والملموس من إنجازات الجهاديين ‪ .‬فقد استطاع المجاهدون‬
‫في سبيل الله في هذا الزمان سواًء من الجهاديين من التيار الجهادي ‪ ,‬أومن مختلف‬
‫مكونات الظاهرة الجهادية من المجاهدين لعداء الله الخارجين والمحليين ‪ .‬وعلى‬
‫مختلف الصعدة الجماعية والفردية ‪ .‬استطاعوا أن يكتبوا بدمائهم وبعناء أسراهم‬
‫والمشردين في سبيل الله منهم ‪ ,‬أن يقدموا إنجازات ل يستهان بها في المجال‬
‫العسكري‪.‬‬
‫ً‬
‫فقد قدمت بعض التجارب نموذجا للثورات المستمرة الطويلة المدى ‪ ,‬كتلك‬
‫التي حصلت في سوريا والجزائر و طاجيكستان ‪ ..‬وقدموا نماذج لمواجهات نوعية و‬
‫استطاعوا أن يطيحوا بالعديد من رؤوس الكفر ومرتكزات العداء‪..‬‬
‫فقد تمكن المجاهدون من إعدام الكثير من أعداء الله من الطواغيت ‪ .‬كان فهم‬
‫الرؤساء والوزراء وكبار أعوان الطواغيت وصغارهم ‪ ,‬واستطاع جند الله المجاهدون‬
‫أن يردوا صاع العدوان بما يكافئوه في بلدان عديدة‪..‬‬
‫كما استطاعوا الجهاديون أن يلعبوا دورا ً هاما ً في مواجهة الهجمة الصليبية‬
‫المعاصرة على المسلمين في عدد من القضايا ‪ ,‬كان من أهمها الدور الذي لعبوه في‬
‫الجهاد في كل ساحات المواجهات المفتوحة مع العداء الخارجين ‪ .‬من الفلبين إلى‬
‫إندونيسيا إلى كشمير إلى إريتريا إلى الصومال‪...‬إلى العراق حاليا ‪ .‬وكان من أبرزها‬
‫وأهمها ما قدمه الجهاديون من مشاركتهم الظافرة في الجهاد في الشيشان ضد‬
‫الملحدة الروس ‪ ,‬حيث ما تزال المعركة مستمرة ‪ .‬وكذلك بلؤهم الحسن في‬
‫البوسنة ضد الصليبيين الصرب والكروات المدعومين من مختلف القوى الصليبية‬
‫العالمية حيث تمكنوا من إجهاض مشروع البادة الذي استهدف المسلمين هناك ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 815 [ ‬‬

‫ولكن نجاحهم الكبر كان في المشاركة في الجهاد في ساحة أفغانستان حيث‬


‫استطاعوا أن يطيحوا بنظام حكم شيوعي دموي عميل ‪ ,‬ثم أن يطيحوا تبعا ً لذلك‬
‫بالدولة العظمى الكبرى )التحاد السوفيتي ( و يفككوا أوصالها ويطووا علمها ‪,‬‬
‫ويجعلوها أثرا ً بعد عين‪ ..‬حيث أسفرت تلك الجهود عن ولدة نواة لدار السلم من‬
‫جديد‪ ,‬بقيام المارة السلمية في أفغانستان ‪ ,‬وتنصيب أمير للمؤمنين ‪ ,‬رغم كل‬
‫محاولت المنع والجهاض ‪ .‬حيث قدمت المارة وأميرها على مدى ‪ 6‬سنين نموذجا ً‬
‫للحكم بالشريعة رغم أنف النظام العالمي الجديد‪ ,‬ونموذجا ً للحصن الذي يمتنع به‬
‫المؤمنون ويعيشون حياتهم وفق قواعد دينهم وأوامر ربهم‪ ..‬ثم ما كان من النموذج‬
‫الفذ الذي أفتتح به المجاهدون القرن الحادي والعشرين قرن أمريكا المزعوم‪ ..‬بنقل‬
‫المواجهة إلى عقر قلبها النابض ‪.‬‬
‫ثم كان صمود المجاهدين البطال من الفغان العرب في معارك أفغانستان‬
‫وساحات المواجهة المفتوحة مع القوى العظمى وأتباعها عبر العالم فيما أسموه‬
‫بالحرب العالمية على الرهاب‪.‬‬
‫وهاهم المجاهدون ثم ما تبع ذلك اليوم يتابعون في ساحات المواجهة مع‬
‫الصليبين وأعوانهم في أكثر من مجال‪ ..‬وهاهي ساحة الجهاد في العراق مستعرة و‬
‫بوارق المل في أكثر من مكان قادمة‪ ..‬وإن غدا ً لناظرة قريب‪..‬‬
‫وسيستمر العطاء والنجازات العسكرية الجهادية حتى يتحقق موعود الله لهذه‬
‫المة بالظفر والتمكين ورفع رايات هذا الدين إن شاء الله تعالى‪.‬‬
‫وقد حفل ذلك المسار الطويل من المواجهات عبر ما يزيد على أربعين سنة ‪,‬‬
‫بآلف المعارك والمواجهات ‪ ,‬التي أثبت فيها أولئك البطال لعداء الله من الداخل‬
‫والخارج أنه ورغم مرحلة النحطاط التي يعيشها عموم المسلمين‪ ,‬إل أن معجزة‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم وإخباره بأنه ما تزال عصابة من أمته ظاهرين على‬
‫الحق ‪ ,‬ل يضرهم من خذلهم ول من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك ‪.‬هي‬
‫معجزة مستمرة ‪ ,‬وما تزال متحققة ‪ .‬ولها رجالها حتى في أسود مراحل تاريخ هذه‬
‫المة ‪ .‬ولو عرف الجهاديون كما ينبغي قدر تراثهم وقيمة تاريخهم وتجاربهم ‪ ,‬وشمر‬
‫القادرون فيهم عن ساعد الجد لكتابة ذلك التراث المجيد‪ ,‬لخلفوا لهذه المة تراثا ً‬
‫مجيدا ً زاخرا ً بتاريخ التجارب ‪ ,‬وعبر الدروس ‪ ,‬وقصص البطال الميامين ‪ ,‬ونماذج‬
‫الشهداء الربانيين والمجاهدين الصابرين‪ ..‬ولكن وللسف لقد طوت اليام تلك الصحف‬
‫‪ ,‬واندثرت عبر اليام كثير من القصص الرائعة والنماذج الفريدة ‪ .‬فرحم الله أصحابها‬
‫و أجزل لهم المثوبة‪ ..‬وكما قال عمر رضي الله عنه عندما سأل عن شهداء الفتوح‬
‫فقصوا عليه قصص من عرفوا‪ ,‬ثم قالوا وآخرين لم يعرفهم أحد ‪ ,‬فقال رضي الله عنه‬
‫ما ضرهم أن لم يعرفهم الناس إذ عرفهم الله تعالى‪.‬‬
‫‪ -4‬النجازات السياسية‪:‬‬
‫رغم أن الهدف النهائي الذي رفعه الجهاديون وهو إسقاط أنظمة الجاهلية وإقامة‬
‫ة‪.‬‬ ‫النظام السلمي على أنقاضها لم يتحقق في كافة الساحات التي عملوا بها كاف ً‬
‫ولكن وعلى طريق ذلك الهدف وإلى جانب تلك المسارات‪ .‬حقق الجهاديون إنجازات‬
‫سياسية كثيرة‪ .‬من أهمها ‪:‬‬
‫• تهديد مشاريع أنظمة الحكم الجاهلية ‪ ,‬وكشف بطلنها ونزع الشرعية عنها‪.‬‬
‫• فضح مشاريع التطبيع مع اليهود والغرب الذي سعت فيه النظمة التي همت‬
‫بذلك ‪ ,‬ولسيما مشاريع التغريب ونشر السلم على الطريقة الصليبية ‪.‬‬
‫• كذلك استطاع الجهاديون مواجهة انحرافات الصحوة منهجيا ً وعمليا ً وإعلميا ‪.‬‬
‫ً‬
‫• و استطاعوا بفضل الله ‪.‬الثبات للغزاة المحتلين أن المة رغم انهيارها ليست‬
‫لقمة سائغة‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 816 [ ‬‬

‫و من النجازات السياسية التي تتضافر نتائجها مع الوقت حتى توافق قدر الله‬
‫تعالى في قيام المؤهلين لتحقيق النجاز الكبر في إقامة نواة دار السلم الزائلة و‬
‫الدفاع عنها وتوسيع رفقتها حتى تقوم الخلفة الراشدة الموعودة التي بشر بها رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم وهي ل شك ول ريب قائمة و آتية و عبر الجهاد ول شك‬
‫وليس عبر الحوار والمنتديات اللكترونية ول المعارك البرلمانية‪.‬‬
‫فإن الجد ل يولد من العبث‪ .‬والحق ل يولد من الضلل‪ .‬والفضيلة ل‬
‫تتأتى عن طرق الرذيلة‪ .‬وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫( بعثت بالسيف حتى يعبد الله وحد‪ .‬وجعل رزقي تحت ظل رمحي‪.‬‬
‫وجعل الصغار و الذلة على من خالف أمري‪ .‬ومن تشبه بقوم فهو‬
‫منهم ( ‪.‬‬

‫الخطاء والثغرات والحصاد السلبي للتيار الجهادي عبر أربعين عاما ً ‪:‬‬ ‫•‬
‫قد يسأل سائل ؛ إذا كنتم تعتقدون بأن التيار الجهادي قد تمكن من كل تلك‬
‫النجازات التي وردت في الفقرة السالفة؟ فلم ذكر الخطاء إذن ‪ .‬وأقول‪ :‬أن ذلك‬
‫بقصد العافية‪ .‬وكما قال المتنبي ‪:‬‬
‫كنقص القادرين على التمام‬ ‫ً‬ ‫ولم أر في عيوب الناس عيبا‬

‫ولكي نقترب أكثر من تحقيق الهدف المنشود الذي انطلق الجهاديون من أجله‪.‬‬
‫وهذا ل يكون إل بالتصحيح والتطوير وتحسين المسار بعد توفيق الله‪.‬‬
‫وقد يعترض معترض بأن في سرد العيوب والنقائص كشف للسرار والعورات‬
‫مما قد يفيد العدو ‪ .‬وأقول بأن هذه الثغرات معروفة للعدو وللسف أكثر مما هي‬
‫معروفه لبناء الصف ذاته ‪ ,‬وهم المعنيين بالصلح فيه‪ .‬فليس فيها كشف سر‪ .‬لسيما‬
‫وأن أكثرها دروس قد مضت ومضى أصحابها ‪ .‬والحمد لله الذي ل يحمد على مكروه‬
‫سواه ‪ ,‬ولم يترك علماء السلطين وأجهزة إعلم الطواغيت والجهزة العالمية نقيصة‬
‫حقيقية أو مختلقة ‪ ,‬إل ونسبتها إلينا لتشويه سمعتنا ‪.‬‬
‫ونحن نذكر هذه الخطاء لتفاديها وإصلحها‪ ..‬ونذكر الساليب البالية‬
‫المستهلكة من أجل تبديلها‪ .‬كما نذكر تلك المفاهيم الخاطئة ومعظمها‬
‫ة واجبة حتى‬ ‫طارئ على التيار الجهادي كي يتم تصحيحها‪ .‬وهي معرف ً‬
‫على قواعد التيار الجهادي فضل ً عن كوادرهم والكبار منهم‪ ..‬وهذا ل‬
‫يكون همسا ً ول سرا ً ‪.‬‬
‫إن عمليه النقد الهادف يجب أن تمارس في جو من الحرية والصدق‬
‫و المصداقية والمصارحة‪ .‬بين قيادات واعية وقواعد تستأهل المشاركة‬
‫في المعرفة‪ .‬لنهم رجال‪ ..‬رجال في قمة الرجولة‪ ,‬امتلكوا القرار‬
‫بالمواجهة في زمن نكصت فيه الهمم‪ .‬فل يجوز أن يزج بهم ويضحى‬
‫بهم ‪ ,‬وفق أساليب بالية جربت وثبت فشلها ‪ ,‬أو مفاهيم خاطئة أدت‬
‫إلى الفشل بل إلى الكوارث أحيانًا‪..‬‬
‫إن العلج من المراض يمر بثلث مراحل أساسية ‪ ,‬بعد التوكل على الله وطلب‬
‫العافية و الشفاء منه‪.‬‬
‫أولها ‪:‬العتراف بحالة المرض ونية العلج‪.‬‬
‫وثانيها‪ :‬مراجعة الطبيب الثقة المين المؤمن ‪ .‬وكشف العيوب و العلل والنقائص‬
‫عليه‪ ,‬بل وجل ول استحياء منها ‪ .‬حتى ولو كانت فيما يستحيا منه من العورات‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 817 [ ‬‬

‫وثالثها‪ :‬تناول الدواء ولو كان مرا ‪ ,‬بهمة وصدق وعزيمة على بلوغ العافية‪.‬‬
‫إن هذه المراحل يجب أن يقوم المعنيون بأمر شفاء العمل الجهادي من علله‬
‫بها ‪ .‬وكذلك على مستوى الصحوة كلها ‪ ,‬مدرسة مدرسة ‪ ,‬و جماعة جماعة ‪ ,‬وعلى‬
‫مستوى المسؤولية الكلية عن الصحوة‪ .‬وبدون هذه الموضوعية ل يتم ‪ -‬والله أعلم ‪-‬‬
‫شفاء ‪,‬لنها السنن التي ل تحابي أحدًا‪.‬‬
‫فما الفائدة في أن يأخذ البوان و لدهما المريض للستشفاء من مرض عضال‬
‫يكاد يأتي على بدنه‪ .‬ثم لما يسأل الطبيب عن بأسه‪ ,‬يبدؤون بتعداد خصاله الحميدة !‬
‫ولما يسألهم عن علته ‪ ,‬ل يذكرونها أو يذكرون بعضها ويخفون بعضها‪ ,‬حبا ً وحنانا ً‬
‫ولدوافع كلها طيبة!‬
‫إن مثل هذا الولد مرشح للفناء إن لم تتداركه رحمة الله ‪ .‬لن الحنان والحب‬
‫الذي مورس عليه هو من النوع القاتل‪ .‬حنان جاهل ومتخلف‪..‬‬
‫ً‬
‫وقد يكون لفت النظر إلى العيوب والنقائص من خارج الصف مزعجا ‪ ,‬بل قد‬
‫يكون مرفوضا ً إذا ولد شعورا ً بنية غير صالحة‪ .‬فلو قال لك الطبيب أن ولدك قد ألم به‬
‫)الجرب(‪ ..‬ستتألم وتتقبلها بصدر رحب وتسأله عن العلج وتنفذه‪ .‬ولو كان الطبيب‬
‫صديق من السرة لكان أهون لنك متأكد من العطف وحسن القصد‪ ..‬وهذا غير أن‬
‫يقول لك جارك البعيد أن )ابنك جربان(! ستجد نفسك متحفزا لرفض الملحظة‪..‬‬
‫وربما أعدت إليه صفة الجرب ‪ ,‬وإلى نصيحته ولم تتقبلها منه‪..‬‬
‫إن عمليه عرض النقائص والثغرات يجب أن تتم داخليا ً وعلى مستوى كل تجمع‬
‫ومدرسة‪.‬‬
‫والفقير إليه تعالى ولله الحمد‪ .‬واحد من أبناء هذا التيار الجهادي‪ ..‬وهو من بقية‬
‫من تبقى من جيل قد تحطم وقضى أكثره‪ ..‬وأسأل الله أن يكون ذلك لخير أراده الله‬
‫لمزيد من العطاء ولداء المانة وليس لنا سقطنا من عينه تبارك وتعالى فلم يختارنا‬
‫فيمن اختار‪..‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ولطالما كنت وما زلت محاميا ومدافعا وبكل حماس بل و شراسة أحيانا عن هذا‬
‫التيار ورجاله وأعماله‪ .‬وذلك في مواجهات غارات الخصوم من أعداء هذه المدرسة‬
‫المباركة )التيار الجهادي( ‪ .‬و فيما كتبت وحاضرت أكبر برهان على ذلك ولله الحمد‪.‬‬
‫ولكني هنا لست في ذاك المقام ‪ ,‬إني هنا في مقام النصيحة الداخلية ‪ ,‬والنقد البناء‬
‫لمدرستنا وعملنا وطريقتنا ‪ ,‬بنية استنباط طرق أقرب للصحة والصواب بحسب ما‬
‫أعتقد‪ .‬والله الموفق وهو يهدى السبيل‪.‬‬
‫وهو ما سأحاول استخراجه بحسب ما يوفق الله تعالى في الجزء الثاني من هذا‬
‫الكتاب ‪ .‬إن شاء الله تعالى‪.‬‬
‫لقد انتقدنا نحن‪ -‬معشر الجهاديين ‪ -‬مدارس العمل غير السلمي الخرى ‪,‬‬
‫ة مدارس الصحوة‬ ‫ورفضنا ها ‪ ,‬ووقفنا منها موقف الرفض والعداء‪ .‬ثم انتقدنا كاف ً‬
‫السلمية غير الجهادية ‪ ,‬من دعوية وإصلحية ‪ ,‬وإخوانية ‪ ,‬وسلفية‪ ..‬وغيرها ‪ .‬بدافع‬
‫التناصح ومن خلل حقنا كأعضاء في عموم الصحوة‪ .‬لنثبت أن الجهاد هو الحل‪ .‬أو من‬
‫باب دفع الغارة المغرضة ‪.‬‬
‫الن جاء دورنا لنضع أنفسنا أمام المرآة ‪ ,‬ونراجع أعمالنا ونتائجها‪ ,‬ونحاسب‬
‫أنفسنا قبل أن نحاسب‪ ,‬ولنزن أعمالنا قبل أن توزن علينا ‪ .‬قبل أن يحاسبنا الله‬
‫تعالى على التقصير في المراجعة والعبرة من أنفسنا وغيرنا ‪ .‬وقبل أن تحاسبنا‬
‫الجيال والمة‪ .‬ولسيما من يأتي بعدنا لننا لم نبصرهم بأخطاء مرحلة مرت‪ .‬ولم‬
‫نعطهم دروس تجارب دفعنا زكي الدماء ثمنا ً لها‪..‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 818 [ ‬‬

‫ويجب أن نزن أعمالنا بميزان الخلص والصواب‪ ..‬فأما الخلص ‪ -‬اللهم عونك ‪-‬‬
‫ره ُ ‪) ‬القيامة‪-14:‬‬
‫مَعاِذي َ‬ ‫صيَرةٌ * وَل َوْ أ َل ْ َ‬
‫قى َ‬ ‫سه ِ ب َ ِ‬ ‫ل النسان عََلى ن َ ْ‬
‫ف ِ‬ ‫فكل بحسب ضميره‪ ‬ب َ ِ‬
‫‪.(15‬‬
‫وأما الصواب فهو ميزان كتاب وسنة‪ .‬ثم منطق عقل ودروس تجارب‪ ..‬لعل الله‬
‫وعسى أن يوفقنا لما يحب ويرضى ويتقبل منا‪ .‬ثم يقربنا من النصر على أعدائه‪.‬‬

‫أنواع الخطاء والثغرات التي طرأت خلل مسار و تجارب التيسسار الجهسسادي‬ ‫•‬
‫بحسب تصوري والله تعالى أعلم‪:‬‬
‫لو تخيلنا رجل ً يسير في درب نحو هدف معين ووجدناه يسير ويترنح‪ .‬ويسقط تارة‬
‫ويقوم أخرى‪ ..‬ويحيد عن هدفه حينا ً ويسير في دربه الصحيح أحيانًا‪ .‬ويضعف تارة‬
‫ويشتد أخرى‪ .‬ثم نجده ل يصل إلى هدفه في النهاية ‪ .‬ستقودنا ملحظته لمعرفة‬
‫أسباب عجزه وسوء أدائه إلى أحد ثلث أسباب عامة‪.‬‬
‫‪ -1‬خطأ في طريقة التفكير وتصوره للمسار )خلل التفكير( ‪.‬‬
‫‪ -2‬خطاء وخلل في بنية جسمه وقصوره عن الداء الصحيح (خلل البنية( ‪.‬‬
‫‪ -3‬خطاء في أسلوب السير ورسم الخطوات غير المتناسب مع الطريق (خلل‬
‫السلوب(‪.‬‬
‫ً‬
‫وهذا ما حصل غالبا لمعظم تجارب العمل الجهادي وتياره عبر نصف القرن‬
‫المنصرم تقريبًا‪ ..‬وأشير هنا إلى أني بصدد التقييم العام‪ .‬وليس التعرض لتجربة جماعة‬
‫معينة أو تنظيم معين أو أشخاص معينين أو تجارب بلد معين‪ ..‬ولكني أحاول التقييم ‪,‬‬
‫معتبرا ً التيار الجهادي‪ ,‬وحدة اعتبارية بصفته مدرسة وتجارب ‪ .‬وسأذكر أنواع الخلل‬
‫والخطاء التي حصلت في مسار التيار ككل وغني عن الحاجة للشرح أن هذا ل يعني‬
‫أن تنظيما ً معينا ً أو تجربة معينة قد تلبست بكل تلك النقائص أو بعضها‪ ..‬ولكن قد‬
‫تكون بعض التجارب قد حازت نقيصة أو ثلث أو أكثر أو أقل مما سأذكر‪.‬‬
‫وقد يتصور البعض من )الجهاديين( أنه كان على عافية تامة‪ .‬ولم يتلبس بأي من‬
‫تلك العلل ولكنه الحظ العاثر‪ .‬أو كما يرددون كثيرا ً ) قدر الله وما شاء فعل (‪.‬‬
‫فليحمدوا الله إذن على العافية التامة التي كانوا عليها ولينعموا بحسن الظن بأنفسهم‬
‫ويستريحوا‪.‬‬
‫فأنا هنا بصدد عرض أخطاء وإشكالت تلبس بها معظم مدارس التيار الجهادي‪.‬‬
‫ولو كنت بصدد ضرب المثلة لبدأت بنفسي والتجارب التي خضتها حتى ل يحزن أحد‪.‬‬
‫ولكني بصدد التعميم للفائدة‪.‬‬
‫فإذا ما عدنا إلى حيث كنا أكرر أن الخطاء والخلل في مسار التيار الجهادي كانت‬
‫على ثلثة أنواع‪:‬‬
‫(‪ - (1‬أخطاء في المنهج والتفكير‪.‬‬
‫(‪ - (2‬أخطاء في البنية والهياكل‪.‬‬
‫(‪ -(3‬أخطاء في أسلوب المسير و طريقة العمل‪.‬‬
‫ولنتناول بالتعداد والتفصيل و شيء من الشرح ما يتيسر من البيان لتلك الخطاء‬
‫التي تلبسنا بها معشر العاملين في التيار الجهادي عبر مسير مبارك استمر زهاء أربعة‬
‫عقود وأسأل الله أن يتقبل من كل منا ما أحسن ويتجاوز له عما أساء إن أهل التقوى‬
‫و أهل المغفرة‪.‬‬

‫أول‪ -‬أخطاء المنهج والتفكير‪:‬‬


‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 819 [ ‬‬

‫ولعل هذا أحد أهم المجالت التي قل فيها مجال الخلل بشكل عام ‪ ,‬وذلك بفضل‬
‫سب ُل ََنا‬ ‫م ُ‬ ‫دوا ِفيَنا ل َن َهْدِي َن ّهُ ْ‬
‫جاهَ ُ‬
‫ن َ‬ ‫الله تعالى على المجاهدين وبركة قوله تعالى ‪َ  :‬وال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ن ‪) ‬العنكبوت‪. (69 :‬‬
‫سِني َ‬
‫ح ِ‬ ‫م ع َ ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ه لَ َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫وَإ ِ ّ‬
‫وقد سبق أن عرضت لهم الساسيات الفكرية المنهجية لدى التيار الجهادي‬
‫وجماعاته المختلفة‪.‬‬
‫ولكن بعض الجماعات والتنظيمات والتجارب الجهادية قد عرض لها شيء من‬
‫الخطأ والخلل في الجانب الفكري المنهجي ‪ ,‬بحسب ما أعتقد والله أعلم‪ .‬ومن أهم‬
‫تلك الخطاء وجوانب الخلل المنهجية التي كانت من المعوقات الداخلية للعمل ما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬تسرب أفكار التشدد إلى مناهج بعض الجهاديين‪:‬‬
‫فكما سبق وعرضت فإن التيار الجهادي مر فكريا ً بمرحلتين بشكل عام ‪.‬‬
‫أ ‪ -‬المرحلة الفكرية الحركية ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬مرحلة الفكر الجهادي السلفي ‪.‬‬
‫وقد ذكرت كيف أن المرحلة الثانية قد أكملت الثغرات العقدية والفقهية التي‬
‫كانت قائمة في الفكر الجهادي ‪ .‬وذكرت إيجابيات ذلك التكامل ‪ .‬ولكني هنا أشير إلى‬
‫أن تلك اليجابيات قد صاحبها في بعض الحيان سلبية كبيرة من خلل سوء التطبيق‬
‫لدى بعض الجماعات أو الفراد في بعض التجارب‪ .‬مما أدى إلى جنوح بعض شرائح‬
‫الجهاديين إلى مستويات من التشدد والتطرف في الطرح العقدي والفقهي السياسي‬
‫الشرعي ‪ .‬و جعل بعض أدبيات مناهج الجهاديين تحتوي على تعميمات وقواعد عقدية ‪,‬‬
‫صارت مع توافرعوامل الجهل والحماس والضغوط النفسية لدى بعض الجهاديين متكأ ً‬
‫لفكار "تكفيرية" تجاوزت الضوابط التي قام عليها الفكر الجهادي‪ .‬ول أقول هنا أن‬
‫الفكر الجهادي قد مزج بالفكر التكفيري ‪ ,‬ل‪ ..‬وإنما أقول أن تلك الطروحات من مثل‬
‫بعض رجالت التيار الجهادي السلفي ‪ ,‬أو الذين لحقوا به من بعض العلماء أو طلب‬
‫العلم المرموقين كانت إما شديدة ومتطرفة ‪ ,‬وإما صيغت بشكل عموميات جعلت‬
‫بعض المتأخرين من الجهاديين يجنحون إلى التجاوز والتوسع في التكفير‪.‬‬
‫كما جعلت بعض المنتمين إلى )التيار التكفيري( ‪ ,‬يعتمدون تلك النصوص متكأ ً‬
‫لهم ‪ ,‬و يستشهدون بأقوال أصحابها في كتاباتهم ‪ .‬مما جعل الهامش في تلك‬
‫المواضيع بين ) الفكر الجهادي( و )الفكر التكفيري( رقيقًا‪ .‬ومكن الخصوم من أجهزة‬
‫الستخبارات أو علماء السلطان أو أجهزة إعلم النظمة من جعلها شواهد لوصم‬
‫الجهاديين بالتكفير‪ .‬وهو كما بينت من أنجح الوسائل التي استخدمت لضرب‬
‫الجهاديين‪ .‬فكيف ثم ذلك ؟!‬
‫لقد تم ذلك عندما جرى الخلط )بين العقيدة السلفية( و المنهج لسلفي‬
‫المعاصر وأساليبه ‪ ,‬هذا المنهج الذي اختاره غالبية التيار الجهادي منذ أواخر الثمانينات‬
‫كما أسلفت في مرحلة الشوط الول للفغان العرب ‪ .‬وبين )منهج التيار‬
‫السلفي المعاصر( وفقهه وأسلوب علمائه ورواده المعاصرين(‪ .‬ولسيما من علماء‬
‫السعودية ومن تربي على مدرستهم ‪ .‬ثم ما تفرع عن هذه المدرسة التي تعود‬
‫بأصولها في أغلب الحيان إلى تراث الجيل الثاني والثالث من علماء الدعوة الوهابية ‪.‬‬
‫والحقيقة أن دراسة )المدرسة السلفية التقليدية( وعقائدها وفقهها ‪ .‬ثم مقارنتها‬
‫مع )السلفية المعاصرة( وأصولها ومدارسها الفكرية و العقدية‪ .‬يجد فوارق هامة ‪.‬‬
‫فقد تتابع تأثير السلفية المعاصرة وفروعها في العالم العربي والسلمي‪ .‬ثم‬
‫تشعبت في العقدين الخيرين إلى مدارس وطرق ومذاهب ‪ ,‬تصل في تنوعها وتراثها‬
‫الفقهي وآراء أصحابها إلى حد التضارب والتضاد في كثير من الحيان ‪ .‬ضمن ما عرف‬
‫)بالتيار السلفي (‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 820 [ ‬‬

‫وهذه مسألة شائكة معقدة وهامة ‪ .‬ويجب دراستها وتمحيصها وهذا يحتاج كتابا ً‬
‫وبحثا ً مستقل ً ليس هنا مكانه ‪ .‬وإنما أشير إلى مؤثرات ذلك التيار السلفي المعاصر‬
‫على الفكر الجهادي ومسار التيار الجهادي سلبا ً وإيجابا ً ‪.‬‬
‫فأما إيجابا ً فقد مر في الفصول السابقة ‪ .‬وذلك أن التيار الجهادي الحركي مطلع‬
‫الثمانينات قد وجد ضالته في حل إشكالته الفقهية الحركية كما قلت في الفقه‬
‫السلفي والعقيدة السلفية ‪.‬‬
‫وأما سلبا ً وهو موضع الفقرة الحالية‪ .‬فقد أدى إلى لحاق كوادر علمية من التيار‬
‫السلفي من غير الجهاديين الحركيين بالتيار الجهادي الحركي الذي نشا على الفكر‬
‫الخواني والقطبي ‪ .‬كما أدى إلى نشوء طبقة من طلب العلم في الجهاديين تتلمذوا‬
‫عليهم في مرحلة الجهاد الفغاني في شوطها الول ‪ ,‬وما تبع ذلك من مرحلة‬
‫الملذات ‪ .‬وأخذوا بمنهجهم من دون أهلية في البحث والفتوى و التصدي لعظائم‬
‫المسائل ‪.‬‬
‫ولن أحد أكبر بلء آت المة في هذا العصر هي إعراض العلماء الراسخين عن‬
‫الجهاد وعن مواقف الحق ‪ .‬وعن التصدي لنوازل المة السياسية الشرعية الكبرى من‬
‫مسائل الحاكمية و الولء و البراء و تطبيقها على واقع هذه الحكومات والمجتمعات‬
‫وظروف الغزو والحتلل‪ .‬مما انعكس على التيار والظاهرة الجهادية بأنه كان تيارا‬
‫يخلو من علماء كبار راسخين في العلم أو حتى متوسطين إل في النادر‪.‬‬
‫وهكذا تسرب إلى التيار الجهادي ظاهرة قاتلة ‪ ,‬ولدت أصل ً في التيار السلفي‬
‫المعاصر الذي قام على عقيدة صحيحة وفقه أصيل ‪ .‬بالضافة لممارسات تطبيقية‬
‫أدت إلى كوارث‬
‫ً‬
‫انتقلت إلى التيار الجهادي‪ .‬وزاد الطينة بلة أن الجهاديين أصل هم في الغالب من‬
‫الثوار والمتحمسين للدفاع عن دين الله‪ .‬فأضيف إلى حماسهم وحماس بعض طلب‬
‫العلم فيهم ‪ ,‬إلى تلك السس غير المنضبطة للطريقة السلفية المعاصرة ‪ .‬ففتحت‬
‫الباب لعاصير عاتية من الفوضى الفقهية في بعض الحيان ‪ .‬أدت إلى بروز ذلك على‬
‫شكل فتاوى وآراء بالغة الشدة والتطرف سواء كانت خاطئة أو كانت صحيحة صيغت‬
‫بشكل معمم ‪ ,‬فأمكن أن يستخدمها جهال التيار الجهادي أو التكفيريين ويجعلوها متكأ ً‬
‫للتطرف والتشدد والتكفير بل ضوابط ‪ .‬وساعد هذا على هدم حاجز يعتبر وجوده مهم‬
‫جدا ً بين الفكر الجهادي والفكر التكفيري‪.‬‬
‫وإن إعادة إبراز هذا الحاجز من أهم أولويات عمليات الترميم في التيار الجهادي‬
‫في المرحلة المقبلة إن شاء الله‪.‬‬
‫‪ -2‬غلو بعض الجهاديين المتأخرين في التعصب المذهبي لمفهومهم عن‬
‫(السلفية(‪:‬‬
‫هذه المشكلة فرع من سابقتها ‪ .‬وقد اتسمت بعض الوساط والفراد من‬
‫الجهاديين أو من لحق بساحاتهم من المنتمين آنفا ً للتيار السلفي بهذه المشكلة‪..‬‬
‫فالصل الذي قام عليه التيار الجهادي هو حشد المة للجهاد في سبيل الله‪ .‬ودفع‬
‫مختلف أنواع الصائلين عنها ‪ ,‬ومع أن الواجب على المجاهدين وقيادتهم وهم يسعون‬
‫إلى أن يكونوا على منهج الطائفة المنصورة علما ً وعمل ً ‪ .‬وبالتالي أن تكون عقائدهم‬
‫على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته و من تبعهم بإحسان‪ .‬وهم‬
‫سلفنا الصالح الذين يجب أن نقتدي بعقيدتهم ومنهجهم‪ .‬وأن تكون أصولنا ونهجنا‬
‫مستندة إلى أصولهم وأصول منهجهم ‪.‬‬
‫إل أن هناك لفتة في غاية الهمية ‪ ,‬وقد أسقطها غالب الذين يزعمون انتماءهم‬
‫للسلفية في هذا الزمان من سلفيين جهاديين وغير جهاديين من الذين يحتكرون هذه‬
‫الراية وهذا المسمى الشريف ‪ .‬هذه اللفتة هي أن واقع المة بمئات مليينها هو ليس‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 821 [ ‬‬

‫كواقع الصحابة وما تل ذلك من خير القرون ‪ ,‬بل ول يشبه واقع معظم التاريخ‬
‫السلمي ‪.‬فضل عن بعده عن مقاييسنا معشر الجهاديين والسلفيين ‪.‬‬
‫لقد ألم بنا واقع في غاية التعقيد بعد سقوط الخلفة وما شهده الواقع العربي‬
‫والسلمي من التغريب والزمات الداخلية والخارجية ‪.‬‬
‫والصل أننا معنيون كجهاديين باستيعاب المة ‪ ,‬وجمهور سواد المة ‪ ,‬وتوجههم‬
‫لداء فريضة الجهاد ضد مختلف أنواع الصائلين من العداء الخارجين وأذنابهم من‬
‫الحكومات الطاغوتية‪ ..‬ومعلوم أن الملتزمين بدينهم من هذه المة وغالبية علماءها‬
‫وأوساط الصحوة والمتدينين فيها على مستوى المة ليسوا بأغلبيتهم على المنهج‬
‫السلفي‪ .‬رغم أنه منهجي ورغم اعتقادي أنه الصح عقديا ‪.‬‬
‫فمعظم الملتزمين وعلماء المة ) بسعتها كأمة إسلمية ( ‪ ,‬وغالبيتهم الساحقة هم‬
‫من أتباع الفقه المذهبي وليسوا من أتباع الفقه السلفي ‪ ,‬كما أن كثيرا ً منهم هم على‬
‫غير المنهج السلفي في العتقاد وغالبهم من الشاعرة هذا في أوساط العلماء وطلبة‬
‫العلم ‪ .‬وأما في أوساط العوام المتدينين فهم مقلدون لتلك للوساط ‪ .‬وهذا حال أهل‬
‫السنة منذ أكثر من ألف سنة‪ .‬ومن المعلوم أن التيار السلفي المعاصر غير الجهادي ‪,‬‬
‫قد دخل في مساجلت وإشكالت عقدية وفقهية كثيرة مع هذه الوساط ‪ .‬وصلت إلى‬
‫حد الجدليات البيزنطية عبر العقود بل والقرون‪..‬‬
‫ول شك أن مشكلة نزول الصائلين بنا وفرضية دفعهم تقتضي منا السير مع عقيدة‬
‫أهل السنة والجماعة في الجهاد مع أمراء المسلمين وعامتهم برهم و فاجرهم ‪,‬‬
‫عالمهم و جاهلهم ‪ .‬وأن مصلحة تأليف القلوب وجميع الصفوف على الجهاد مقدمة بل‬
‫شك ول جدال على المصلحة من إثارة أكثر تلك الجدليات الفقهية والعقدية ‪ ,‬خاصة‬
‫الن ونحن في هد الحال‪ .‬وهذا من صميم منهج السلف الذي يدعيه هؤلء ‪ .‬وشواهد‬
‫ذلك كثيرة جدا ‪.‬‬
‫إل أن بعض الجهاديين ورؤوس طلب العلم منهم أو من اللحقين بهم ‪ ,‬جروا‬
‫الوسط الجهادي للدخول في حالة من الشجار مع تلك لوساط السلمية والمتدينة ‪ ,‬و‬
‫اشترطوا شروطا تعتبر قياسا لحوالهم ؛ تعجيزية ‪ .‬وغدت عائقا حقيقيا في التعامل‬
‫معهم ودعوتهم للجهاد ‪ .‬وقد لعب هذا دورا ً كبيرا ً في إفقاد التيار الجهادي شعبيته‪.‬‬
‫وجعله نخبويًا‪ .‬و أدخلت كثيرا ً من شرائحه وشخصياته في معارك جانبية طبقوا فيها‬
‫قواعد الولء و البراء على كثير من المسلمين ‪ ,‬متبرئين منهم بدل أن يستوعبهم التيار‬
‫الجهادي في صف واحد ‪ ,‬أو على القل في حلف واحد ضد أنواع الصائلين لدفعهم ‪ .‬أو‬
‫على القل جعلهم في دائرة الحياد‪.‬‬
‫ولكن كثيرا ً من الجهاديين بسبب هذا المنحى المنهجي ضاقت صدورهم بذلك‪.‬‬
‫وأفسد الكثير منهم علقات ومصالح كان يمكن أن تدفع بالمة قدما ً بشكل أفضل نحو‬
‫أداء فريضة الجهاد ‪ .‬وذلك بسبب عدم استصحاب الواقع وفقه الولويات والمصالح‬
‫والمفاسد في فقه حركتهم الذي اتسم بكثير من الجمود مع النصوص وتطبيقها في‬
‫غير واقعها ‪.‬‬
‫وأذكر أني دخلت في كثير من المساجلت والمحاورات مع بعض الجهاديين من‬
‫بعض القيادات والقواعد مؤكدا ً لهم ضرورة الجمع بين كوننا من السلفية الجهادية ‪,‬‬
‫وعلى منهج السلف الصالح ‪ ,‬وبين كوننا محتاجين أن نترفق بالمسلمين ونجاهد‬
‫معهم ‪ .‬وندعوهم للجهاد معنا على ما هم عليه من المذاهب الفقهية والعقدية التي‬
‫هي فيها النهاية ضمن دائرة أهل السنة والجماعة‪ .‬ولكن وللسف ‪ ,‬فإني كثيرا ً ما كنت‬
‫اكتشف أننا في واد و إخوتنا هؤلء في واد آخر‪ .‬بل سمعت في هذه المجالت تهما‬
‫وتجريحا ً و أفكار عجبًا‪..‬ولقيت عنتا ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 822 [ ‬‬

‫ومن يقرأ كتابات الشيخ عبد الله عزام يقرأ الكثير عن معاناته من هذه المشكلة‬
‫وأصحابها وهو يخلقون الزمات مع الفغان بسبب مشكلة المذهبية والعقائد حتى مع‬
‫عوام الناس ‪.‬‬
‫ومن عجائب ما أذكره في هذا السياق ‪ ,‬أن أحد هؤلء الجهاديين السلفيين جدا !‬
‫قال لي يوما في سياق الحوار ‪ ) :‬إن الجهاد يجب أن يكون سلفي الراية ‪ ,‬وأن‬
‫تكون قيادته سلفية التركيب ‪ ,‬وأحكامه سلفية المنهج ‪ ,‬وأن يكون كل‬
‫شيء بالدليل‪ ..‬ولو قبلنا أن يجاهد معنا من ليس سلفيا فمن باب الحاجة‬
‫‪ ,‬ولكن ليس لهم أن يكون لهم من القيادة شيء و إنما نقودهم مثل‬
‫البقر لداء فريضة الجهاد!! (‬
‫ولم أستطع أن أفهم حقيقة كيف سنجاهد مع إخوة الدين والعقيدة إذا كانت‬
‫ة بقرية تقوم على الجذب من هؤلء والركل والنطح من الخرين!!‬ ‫علقتنا بهم علق ً‬
‫ولكن هذه الظاهرة لم تكن ضمن دوائر ضيقة وللسف ‪ .‬حتى أن بعض الجهاديين‬
‫ل‪..‬كيف‬ ‫رفض العمل معنا ذات يوم في مشروع جهادي لنني كنت مسؤول عنه قائ ً‬
‫نجاهد مع رجل ل يرفع يديه في الركوع‪ ..‬ويصلى على البدعة! ول أدري من قال لهم‬
‫أن من ل يرفع لدليل عنده هو مبتدع ! ناهيك عن أن كل ما في المر أني كنت آخذ‬
‫بفتوى من قال من العلماء بمجاملة أهل المحلة في مذهبهم تأليفا ً للقلوب كما قال‬
‫المام ابن عبد البر وغيره‪ ..‬وكنت ل أرفع في الركوع و الرفع منه يدي عند ما نصلي‬
‫مع الفغان ‪ ,‬ومعلوم أنهم من الحناف وأكثرهم متعصب وجاهل‪ .‬ونحن وإياهم في‬
‫وئام كبير وجهاد دفع متعين ‪ .‬وكان كبار قادة المجاهدين العرب من أمثال الشهيد عبد‬
‫الله عزام رحمه الله ‪ ,‬والشيخ أسامة حفظه الله يطلبون ذلك ويحثون المجاهدين‬
‫عليه وقد لقوا في هذا المجال الكثير من العنت‪ ..‬وهذه أمثلة ليضاح الفقرة و إل‬
‫فالمثلة كثيرة‪..‬‬
‫فكم كان يتعرض من الئمة العلم ‪ ,‬من تلبس بشيء من التأويل أو سوى ذلك‬
‫من أئمة أهل السنة الكبار كابن حجر والنووي وسواه في تلك الوساط‪ .‬وكم انتهكت‬
‫حرمة المذاهب الربعة وبعض أئمتها ولسيما المام الجليل أبو حنيفة رحمه الله وغيره‬
‫بدعوى النتصار للمنهج السلفي والعقيدة السلفية‪ ..‬ورغم أني في ذات اعتقادي على‬
‫منهج السلف من دون تعصب وتضييق وكنت معروفا بهذا‪ .‬إل أن كثيرا ً من إخواننا‬
‫هؤلء كانوا يضيقون ذرعا ً حتى بذلك‪..‬‬
‫ومعلوم أن هذه المشاكل من مشاكل التيار السلفي وليست من مشاكل التيار‬
‫الجهادي ولكنها تعدت إليه‪ .‬حتى أن أحد كبار المجاهدين من الفغان العرب وكان‬
‫سلفيا جدا ‪ ,‬وهو سروري سابق ‪ .‬نهرني لني قلت بعد ذكر المام النووي رحمه الله‪..‬‬
‫وقال ل تقل رحمه الله ‪ .‬فقلت وماذا أقول ؟ فقال ‪ :‬قل غفر الله له ‪ ,‬فإنه لم يكن‬
‫على السنة!‬
‫وذات مرة ‪ ,‬عاتبني إثر بعض محاضراتي بعض هؤلء المجاهدين وبعضهم قادة في‬
‫جماعاتهم ‪,‬لني ذكرت في السياق المام حسن البنا ‪ ,‬وكذلك الشيخ سعيد حوى ‪,‬‬
‫والشيخ عبد الفتاح أبو غدة بقولي رحمه الله‪ ..‬وهم يعرفون انتقاداتي لمنهج الخوان ‪.‬‬
‫وقالوا لماذا تترحم على أهل البدع ؟! فقلت إن مذهب أهل السنة الترحم على من‬
‫مات وظاهرة من المسلمين ‪ .‬فرد على أحد الخوة الكبار حفظه الله قائل ‪ :‬كان‬
‫المام سفيان ل يرى الترحم على من مات على البدعة!! فقلت له رحمه الله وكان‬
‫غيره من أئمة السلف يرى ذلك ‪ .‬ويجب أن ينظر للبدعة ونوعها ومستواها و قرائن‬
‫إحسان المخطئ و مقام ذكر الرحمة‪ ..‬ولكن لم يكن هناك أي فائدة من الحوار الذي‬
‫لو طال فستسجل عندهم مع المبتدعة ‪ ,‬بل مع المحامين عن البدع ! ولله المر ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 823 [ ‬‬

‫لقد كان من أبسط المور على أحدهم أن ينهي الحوار بقوله ‪ :‬لقد أبلغتك‬
‫مقتضى دعوة التوحيد! وأنا أدين الله بكذا وكذا و أنكر كذا وكذا‪..‬‬
‫وكم انقطعت من علقات ‪ ,‬وقامت من خصومات بين هؤلء وبين كثير من‬
‫المجاهدين فضل عن المسلمين بسبب هذا النهج ‪ .‬وكان هذا من أكبر العلل التي‬
‫طرأت على المنهج الجهادي بسبب التأثر بسلبيات التيار السلفي‪..‬‬
‫وأكرر قولي النف الذكر ‪ ,‬بأن الفوائد العظيمة التي جناها التيار الجهادي فكريا‬
‫من المنهج السلفي أكثر من أن تحصى ‪ .‬ولكن لم يخل ذلك من آثار جانبية سلبية كان‬
‫هذا بعضها‪ ..‬ولم أتخيل حقيقة كيف يمكن لهؤلء الذين لم يستطيعوا التفاهم حتى مع‬
‫الجهاديين ‪ ,‬والسلميين ‪ .‬كيف يمكن أن يقودوا مقاومة يجب أن تكون شعبية ‪ ,‬بكل‬
‫ما ستحتويه كلمة شعبية من التعدد واختلف والمشارب ‪.‬‬
‫‪ -3‬أحادية الطرح في المنهج الجهادي وعدم شموليته واقتصاره على‬
‫مسائل الولء و البراء و الحاكمية وضيق أفق المكتبة والنتاج الدبي في‬
‫التيار الجهادي‪:‬‬
‫بالقياس إلى عموم مدارس الصحوة السلمية المعاصرة وبالنظر إلى مكتباتها‬
‫الشاملة‪ .‬نجد أن مكتبة التيار الجهادي ‪,‬وهي مجموع ما كتب فيه من المناهج والكتب‬
‫والدبيات ‪ .‬و حتى ولو أدخلنا فيها النشرات الخاصة بالجماعات والتنظيمات المختلفة‬
‫والبيانات الدورية أو سواها‪ ..‬نجد أن المكتبة الجهادية صغيرة الحجم كما ً ‪ ,‬وأحادية‬
‫الطرح نوعًا‪ ..‬فالكتب معدودة‪ .‬والنشرات محدودة‪ .‬ول يتناسب حجم هذا النتاج مع‬
‫عظم العطاء والداء ‪ ,‬وضخامة التضحيات وكثرة التجارب ‪ .‬وما كان يمكن أن يكتب‬
‫فيها ‪ ,‬تاريخا ً ودروسا ً وتحليل ً وعبرا ً ‪ ,‬وقصص مشاهد ‪ ,‬وسير رجال و شهداء‪ ...‬ولكن‬
‫وللسف فالنتاج ضئيل جدا ً وشبه معدوم لدى كثير من الحركات ‪ .‬وإذا نظرنا إلى نوع‬
‫ما طرح فيه نوعا ً سنجده مقتصرا على مسائل الحاكمية و أصول قواعد الولء و البراء‬
‫والعقائد ‪ .‬فالبداع فيه قليل ‪ ,‬وأكثره إعادة وتكرار‪ ,‬وأكثره يعتمد على النقول‬
‫والعادة لفقه المام ابن تيميه وبعض أئمة المدرسة السلفية وتراث المدرسة علماء‬
‫الدعوة الوهابية رحمهم الله تعالى‪..‬‬
‫ومع أن النوازل كثيرة‪ .‬والمجالت السياسية الشرعية والسياسية الواقعية واسعة‪,‬‬
‫والحاجة إلى الكتابة فيها كبيرة ‪ .‬وكذلك في مجالت الفقه و أحكام الجهاد المعاصر‪,‬‬
‫وكذلك في علوم تابعه كعلوم السياسة والدارة والتربية ‪..‬والثقافة العامة التي تلزم‬
‫المجاهد ‪ ,‬ومناقشة مسائل المة الحاضرة والمستقبلة ‪ ,‬وحوار المستجدات‬
‫والمواضيع الحوارية المطروحة في ساحة الواقع العربي والسلمي‪ ..‬ولكن التيار‬
‫الجهادي عموما ً تميز بقلة كتابه‪ .‬وانشغال المؤهلين من قياداته ورموزه والقادرين‬
‫على الكتابة بالعمل الميداني ‪ .‬وقد حالت المطاردات المنية ‪ ,‬وظروف عدم الستقرار‬
‫‪ ,‬بينهم وبين العطاء في هذا المجال‪ .‬ولذلك اقتصرت مكتبة الجهاديين إما على الكتب‬
‫العسكرية ومناهج التدريب والعمل وإما على ما أشرت إليه من مسائل الحاكمية‬
‫وقضايا الولء و البراء‪.‬‬
‫‪ -4‬ضعف المادة التربوية في مناهج التيار الجهادي‪:‬‬
‫يعتبر مجال التربية لقواعد التيار الجهادي من أكبر المجالت التي اعتراها النقص‬
‫وانخفاض المستوى ‪ .‬خصوصا ً بعد التسعينات‪ .‬ومنذ ابتدأت المطاردات المنية شغل‬
‫القوم بهجوم لباس الخوف والجوع ‪ ,‬ومستهم البأساء و الضراء والنقص في الموال‬
‫والنفس ‪ ,‬وتقاذفتهم المهاجر و الملذات في أقطار الرض الربعة‪..‬‬
‫وعلى عكس الجيل الول والثاني من الجهاديين الذين تمكنوا قبل تلك المواجهات‬
‫من تحقيق مستوى ل باس به من التربية لكوادرهم الولى ما بين العوام ‪-1965‬‬
‫‪ 1985‬تقريبًا‪ 0.‬لم يسعف الظروف الجهاديين بعد ذلك من تطبيق برامج تربوية‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 824 [ ‬‬

‫شاملة إل في نطاق محدود ‪ .‬و الملحظ أيضا ً أن اعتماد التيار الجهاد في التربية لم‬
‫يكن على مكتبة ومناهج معاصرة وضعوها وفق احتياجاتهم الحالية ‪ .‬وإنما على كتب‬
‫التراث ‪ ,‬أو على بعض كتب مدارس الصحوة الخرى ‪ ,‬والتي ل تخلوا في كثير من‬
‫الحوال مما يتناقض مع المنظور الجهادي لكثير من المسائل‪.‬‬
‫وبعد ‪ 1985‬غلب على الوساط الجهادية من المعسكرات والتجمعات وأماكن‬
‫النشاط مناهج تربوية ذات بعدين كما أسلفت ‪ .‬إما عسكري في حدود المواد‬
‫العسكرية والدورات التدريبية القتالية‪ .‬وإما بعض المواد في مسائل الحاكمية والولء و‬
‫البراء والعقيدة والمنهج السلفي‪.‬‬
‫وقد لحظت خلل الشوط الثاني للفغان العرب في ظل طالبان ‪ ,‬أن الجيل‬
‫الثالث من الجهاديين بدأ يميزه الجهل والفاقة التربوية في أكثر شرائحه‪ .‬وقد زهد بها‬
‫كثير من الجهاديين في هذه المرحلة ‪ 2001-1996‬رغم توفر المكانية والمعسكرات‬
‫والملذ المن ‪ ,‬بل والمرفه جدا ً في كنف طالبان قياسا بملذات الشتات ومرحلة‬
‫المطاردة ‪ .‬إل أن معظم القوم نشطوا في المواد العسكرية واقبلوا عليها ‪ ,‬ولم يعطوا‬
‫الجوانب التربوية الخرى الهمية التي تستأهلها‪ .‬ولذلك انعكس هذا على تلك المرحلة‬
‫بكثير من المشاكل و الزمات الداخلية التي أعتقد أن مردها لنخفاض مستويات‬
‫السلوك والخلق العامة ‪.‬‬
‫وأدى تدفقه الكثير من الشباب من قطاع عوام المسلمين العاديين ‪ ,‬المعبئين‬
‫بالعواطف والحماس والخلص مع انخفاض مستويات العلم الشرعي ‪ ,‬واللتزام‬
‫الديني ‪ ,‬وأصول الخلق والمعاملت السلمية وحتى مستوى العبادات ‪ .‬وتميزت كثير‬
‫من الوساط الجهادية بمستوى ضحل جدا ً من المواصفات في هذه المجالت‪.‬‬
‫وانعكست الضغوط النفسية‪ ,‬وآثار المطاردات المنية ‪ ,‬ومشاكل الواقع العام للعرب‬
‫والمسلمين عمومًا‪ ,‬والمشاكل الداخلية في أوساط الصحوة السلمية ‪ ,‬ومنابذة‬
‫قياداتها للجهاديين ‪ ,‬وانغماس أ كثرهم في ركاب علماء السلطين وأجهزة الطواغيت‪..‬‬
‫أدى كل ذلك إلى أن تكون كثير من أوساط الجهاديين مع غياب منهج التربية‬
‫متميزة بالقسوة والجفوة وقلة الرحمة ‪ ,‬وغياب النماذج التي طالما تحدثت عنها كتب‬
‫الرقائق وقصص السلف والخلف من الصالحين في مجالت العبادة و النسك وحسن‬
‫الخلق ‪ ,‬ولين الجانب مع المسلمين وعذرهم ورحمتهم والخذ بيدهم‪.‬‬
‫فقد كانت كثير من الجواء مشحونة ‪ .‬وتميز العديد من الجهاديين بسلوك أقرب‬
‫إلى الحالة العصابية منه إلى السلوك المفترض بالمجاهد المؤهل التربي علما ً وخلقا ً‬
‫وعبادة ً وسلوكًا‪..‬‬
‫وكان هذا انعكاسا لضعف منهج التربية مادةً وتطبيقًا‪ .‬وحسبنا الله ونعم الوكيل‪..‬‬
‫وهكذا كنت ألحظ أن كثيرا ً من الجهاديين قد اختصر السلم وعقائده وشعائره‬
‫في فريضة الجهاد‪ ,‬وظنها كل الدين ‪ .‬واختصر الجهاد بأحكامه وآدابه وسلوكياته‬
‫ومواصفاته التي تقتضيها منزلة ذروة سنام السلم ‪,‬اختصره بالقتال‪ .‬واختصر القتال‬
‫بما يقضيه من صبر و مصابرة وإعداد و أخلقيات ‪ .‬بشهود المعارك ذاتها‪ .‬وحتى أثناء‬
‫شهود المعارك كنت تلحظ قلة الصبر و المصابرة ‪ ,‬وتحمل الرباط الطويل ‪ .‬فقد‬
‫اختصروا مفهوم القتال على إطلق النار‪..‬‬
‫وكنت وكثير من قدماء الخوة‪ ..‬نلحظ الجواء في الوساط الجهادية قد بدأت في‬
‫أواخر القرن العشرين ومطلع الحادي والعشرين تشير إلى قرب امتحان وبلء سينزل‬
‫ليعيد تلك النفوس الطيبة المخلصة إلى صفائها وحاجتها إلى ربها وإلى أخلقيات دينها‬
‫ومكوناته التربوية‪ .‬وهذا ما جاء مع أحداث سبتمبر وتداعياتها من بعد ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م َوالل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫شّر ل َك ُ ْ‬
‫شْيئا ً وَهُوَ َ‬
‫حّبوا َ‬
‫ن تُ ِ‬
‫سى أ ْ‬ ‫خي ٌْر ل َك ُ ْ‬
‫م وَعَ َ‬ ‫شْيئا ً وَهُوَ َ‬ ‫ن ت َك َْر ُ‬
‫هوا َ‬ ‫سى أ ْ‬ ‫‪ ‬وَعَ َ‬
‫َ‬
‫ن ‪) ‬البقرة‪. ( 216 :‬‬‫مو َ‬ ‫م ل ت َعْل َ ُ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫م وَأن ْت ُ ْ‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 825 [ ‬‬

‫‪ -5‬غياب أثر فقه الواقع في المنهج السياسي الشرعي لدى كثير من‬
‫الجهاديين ‪:‬‬
‫وقد سبب هذا في نظري ضعف المواد التربوية والدراسات التي تعين على ذلك‬
‫أو انعدامها‪ .‬وبالتالي اختلل الموازين في تحديد من معنا ومن علينا ‪ .‬والخلط بين‬
‫دوائر العداء والمحايدين والمناصرين‪ ..‬وحقوقهم وطرق التعامل معهم‪.‬‬
‫ففي خلل العقد الخير من القرن العشرين تعقدت معطيات الواقع بكل إبعاده‬
‫السياسية و القتصادية والجتماعية والثقافية في العالم العربي والسلمي ‪ ,‬بل وفي‬
‫العالم أجمع ‪ .‬وشهدت عموم مجالت النشاط البشري في كل تلك العوالم تعقيدا ً‬
‫وتطويرا ً وتشعبا ً هائ ً‬
‫ل‪..‬‬
‫وتعتبر المجتمعات في العالم العربي والسلمي وللسف مجتمعات متخلفة عموما ً‬
‫عن مواكبة مستويات المعرفة الحضارية ‪ ,‬إلى حدود مؤسفة ‪.‬‬
‫وقد تميزت الصحوة السلمية عمومًا‪ ,‬وهي ظاهرة منبثقة عن ذلك الواقع بالكثير‬
‫من مؤثرات ذلك التخلف العام ‪,‬وعدم إدراك العصر التي هي فيه‪ .‬وفي الوقت الذي‬
‫تقدمت فيه الحزاب والجماعات السلمية من مدرسة الصحوة السياسية وكثير من‬
‫قياداتها وكوادرها بحكم الوعي والممارسة السياسية‪ .‬تقدمت في مجالت المعرفة‬
‫وإدراك الواقع‪ .‬فإن باقي مدارس الصحوة الخرى الدعوية والصلحية وما اصطلح‬
‫عليها بالسلفية ‪ ,‬وكذلك المدرسة الجهادية ‪ ,‬تميزت بانخفاض مستوى المعرفة‬
‫والوعي الحضاري وإدراك الواقع‪ .‬فأما المدارس اللسياسية فلنعزالها عن عيش‬
‫الواقع ‪ ,‬وأما التيار الجهادي ‪ ,‬فلن غالبيته من قطاع الشباب الذين لم يأخذوا بحكم‬
‫صغر السن في الغالب ويحكم الظروف المنية الصعبة‪ ,‬لم يأخذوا حظهم من المعرفة‬
‫الحضارية وإدراك الواقع إل في حالت نادرة في بعض الجماعات والكوادر‬
‫والشخصيات‪..‬‬
‫وعلى اعتبار أن المعركة اليوم أصبحت تدار ليس فقط في المجال العسكري‬
‫والمني حيث يمكن للجهاديين والسلميين عموما ً أن يبلوا بلًء حسنًا‪ .‬وإنما في‬
‫مجالت السياسة والعلم والقتصاد ‪ .‬وحتى في عالم المواجهة العسكرية والمنية‬
‫أصح للمستوى المعرفي والعلمي في المواجهة دور كبير‪ .‬ولذلك فإن انخفاض‬
‫المستوى العام عند غالبية الجهاديين في فقه الواقع بكل معطياته وأبعاده انعكس‬
‫على مناهجهم وأدبياتهم وإعلمهم وفحوى خطابهم وأسلوبه وطريقة إيصاله‪ .‬ونتج عن‬
‫هذا اختلل في موازين الولويات وفهم معطيات الواقع ‪ ,‬وخلط بين دوائر المهم‬
‫والهم وما تقتضيه النصوص العامة ‪ .‬وما يضطر إليه الواقع‪ .‬وكذلك حصل خلط في‬
‫تصنيف شرائح الناس ‪ ,‬من معنا ومن علينا‪ .‬واضطراب في تحديد أولويات المعركة‪.‬‬
‫ونظرا ً لهزال البنية المؤسساتية في التيار الجهادي عموما ً ‪ ,‬وضيق مجالت‬
‫الشورى و الستفاده من الكوادر‪..‬وتفضيل كثير المراء للمعات ‪ ,‬انضم هذا الجهل‬
‫لذلك الخلل ليخلف نتيجة مأسوية تجلت في ضعف مستوى إدارة المعركة‪ ,‬وفشل في‬
‫تحديد سبل المواجهة‪ ,‬والمواءمة بين مجالت المنهج الفكري والعمل العسكري‬
‫والسياسي والعلمي ‪ .‬وغاب أثر الواقع في إصدار الحكام واتخاذ القرارات السياسية‬
‫والعسكرية و المصيرية‪ .‬ومعلوم أن صحة الفتوى يعتمد على مرتكزين لزمين معا‬
‫وهما‪ :‬معرفة الشرع وفهم الواقع‪ .‬وعلى افتراض وجود الفهم الشرعي الصحيح في‬
‫كثير من الحالت‪ .‬فقد أدى غياب فهم الواقع إلى قرارات أقرب للعرج من وصفها‬
‫باستقامة المسار‪.‬‬
‫‪ -6‬عدم تبني مفهوم جهاد الصائل الخارجي والدخول في دوامة مواجهة‬
‫النظمة ‪:‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 826 [ ‬‬

‫وقد جر لهذا ابتداء استفزازات النظمة ‪ .‬ثم حمل على تبنيه أصل منهجي نتيجة‬
‫ن ال ْك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫فاِر ‪‬‬ ‫م َ‬ ‫ن ي َُلون َك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫مُنوا َقات ُِلوا ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫الفهم الحرفي لقوله تعالى ‪َ  :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫(التوبة‪ .(123 :‬وحمله على النظمة المرتدية الحاكمة‪ .‬مما أدى للدخول في صراعات حدد‬
‫العدو طبيعتها ومسارها وصارت الخسائر فيها تنفق من مخزون المة دون طائل ول‬
‫نتيجة مرجوة ‪.‬‬
‫فقد انطلق التيار الجهادي أصل بسبب أزمة المواجهة مع الجاهلية الجاثمة على‬ ‫ً‬
‫صدور المسلمين والمتمثلة بأنظمة الحكم المرتدة‪ .‬وتطور المر كما بنيا من الفكر‬
‫الجهادي المجرد إلى التطبيق العملي ‪.‬‬
‫وقامت التنظيمات الجهادية و اشتبكت في ساحات كثيرة مع أنظمة الحكم تلك‪.‬‬
‫وقد أيد هذا التجاه حكم شرعي وواقع قائم‪ .‬فأما الواقع القائم فهو أن البأس و النكال‬
‫الواقع على المسلمين عامة والسلميين خاصة و الجهاديين على وجه الخصوص‪ ,‬هو‬
‫من النظمة الحاكمة وأجهزتها المنية ‪ .‬وهو يقتضي ويوجب المواجهة عقل ً و منطقا ً ‪.‬‬
‫وكذلك فإن الحكم الشرعي والمر بالجهاد هو من مقتضى نصوص كثيرة ‪ ,‬منها قوله‬
‫تعالى‪:‬‬
‫ن ال ْك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫فاِر‪ . ‬ومن خلل هذا الفقه‬ ‫م َ‬‫م ِ‬‫ن ي َُلون َك ُ ْ‬
‫ذي َ‬ ‫مُنوا َقات ُِلوا ال ّ ِ‬
‫نآ َ‬ ‫‪َ ‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫وهذا الواقع عملت منظمات الجهاد‪ .‬قرابة ثلثين سنة ‪. 1990-1960‬‬
‫ولكن ومع قيام العولمة في كل شيء مع انطلق النظام العالمي الجديد‪ ..‬وتطور‬
‫مستوى الغزو الخارجي والترابط والحلف المتين بين قوى الكفر العالمية والمحلية‬
‫المرتدة الحاكمة والدولية‪ ,‬وقوى النفاق المرتبطة بها‪ ,‬ومع تطور ميادين المواجهة ‪,‬‬
‫وتطور أساليب مطاردة الجهاديين من المحلية إلى القليمية إلى العالمية ‪ .‬كان على‬
‫الجهاديين أن يدركوا ذلك ويطوروا مناهجهم ‪ ,‬وأسلوب عملهم ول يبقوا يدورون في‬
‫حلقات مفرغة‪ ,‬رسمتها القوى الدولية اليهودية الصليبية العالمية وحلفاؤها‪ .‬بحيث‬
‫صارت حرب استنزاف ل طائل من ورائها‪ .‬ولكن جمود المناهج والفهم ‪,‬في معظم‬
‫التيار الجهادي ‪ ,‬لم يسمح بتلك النقلة التي توجب إعطاء فقه مواجهة الصائل حقه‬
‫المتوجب ‪ .‬وبقي المستند أن المر هو بقتال الذين يلونكم من الكفار ‪ .‬وكأن هذا يعني‬
‫أقرب رجل أمن ‪ ,‬وأقرب حكومة مرتدة جاثمة في منطقة عمل الجهاديين‪ .‬وكان في‬
‫هذا من ضيق الفق ما فيه ‪ ,‬سواًء في فهم تفسير النص ‪ ,‬أو في فهم السنة الحركية‬
‫التي تبينه ‪ ,‬من مقتضى حروب الرسول صلى الله عليه وسلم‪ ,‬وتوجهه لحرب الروم‬
‫وحوله من الكفار من هو أقرب منهم‪ .‬وكذلك الجهل بأقوال صريحة للعلماء في عدم‬
‫إلزامية هذا المر بفهمه الحرفي ‪ .‬وانعكس هذا الجمود المنهجي على ممانعة أكثر‬
‫الجهاديين في التجاه نحو الجهاد الممي وعولمة المواجهة عند ما طرحت من قطاع‬
‫محدود من الجهاديين أواخر القرن العشرين‪.‬‬
‫‪ -7‬عدم القدرة على تحديد المضمون الشرعي والحركي لعدد من‬
‫المفاهيم الساسية ‪:‬‬
‫طرح المشروع الجهادي المعاصر عددا من المصطلحات والمسميات الساسية‬
‫التي أعتمد عليها في البناء التنظيمي والسلوك الحركي للجماعات الجهادية ‪ .‬ولكن‬
‫هذه أوجد إشكاليات لم يستطع الجهاديون حلها وتبيينها ‪ ,‬ومن ذلك ‪:‬‬
‫** الجماعة المجاهدة‪ :‬ما هي؟ وما هو تعريفها ؟ ما طبيعة علقتها مع ما حولها‬
‫من الجماعات ؟ وما مشروعية تعدد تلك الجماعات المجاهدة وغير المجاهدة ؟ وما‬
‫نسبة صلحياتها وفحواها إلى جماعة المسلمين العامة؟ وما مسوغات و شرعية‬
‫وجودها؟‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 827 [ ‬‬

‫**المارة والشورى والقرارات‪ :‬ما حدود صلحيات المير في علقاته مع من‬


‫حوله من القواعد والقيادات ومؤسسات الجماعة ؟ وبالتالي طريقة اتخاذ القرار في‬
‫الجماعة ؟ والشورى وطبيعتها و إلزاميتها ؟ و هل هي إمارة خاصة أم عامة ؟‪.‬‬
‫**البيعة والسمع والطاعة‪ :‬ما هي طبيعة هذه البيعة ؟ وما فحوى عقدها ؟‬
‫وبالتالي الحقوق والواجبات المتبادلة بين المير والفرد أو بين الفرد والجماعة؟ وكيف‬
‫تنحل ؟ وبناًء على ماذا؟‬
‫ً‬
‫وما ذا يترتب على نقضها؟ ومتى يكون مشروعا ومتى يحرم ؟ إلى آخر تلك‬
‫المسائل‪ ..‬التي لم يتم تحديدها في التيار الجهادي بدقة واختلفت من تنظيم لخر‪.‬‬
‫وفي حين اعتبر أكثير الجهاديين في مناهجهم أن جماعتهم هي جماعة من جماعات‬
‫المسلمين ‪ ,‬وأنها إمارة جهاد‪ .‬وأن البيعة محدودة بتلك الواجبات ‪ .‬إل أن واقع الحال‬
‫جعل بعض تلك الجماعات يتصرف عمليا ً كأنها جماعة المسلمين في قطرها‪ .‬وصرح‬
‫بعض أكابر التيار الجهادي بأن جماعتهم هي الجماعة الشرعية الوحيدة في البلد‬
‫الفلني ‪ ,‬وبالتالي قاوموا بشتى السبل ميلد جماعات أخرى ‪ ,‬أو استمرار وجود‬
‫سابقات عليها ‪ .‬بل ذهب البعض إلى السعي باستخلص فتاوى تبيح للجماعة‬
‫المجاهدة توحيد صف الجهاد بالقوة والعنف لتصفية وجود جماعات أخرى! ووجد بعض‬
‫الشواذ الذين يفتون بذلك ضمن ما لحق بالتيار الجهادي من بعض طلب العلم ممن‬
‫تصدروا للفتوى في التيار الجهادي نتيجة غيبة العلماء عنه‪ .‬كما اتخذت بعض الجماعات‬
‫سجونا ً وعقوبات ومحاكم تنظيمية دونما تحديد لتلك الحدود والصلحيات ‪ .‬فقد ولدت‬
‫إشكالت واقعية في التنظيمات‪ .‬وقد أضافت السرية والوضاع المنية وضعا ً شاذا ً عقد‬
‫من تلك المسائل‪.‬‬
‫فقد سألت البعض من طلب العلم من أصل التيار الجهادي حفظه الله ‪ ,‬عن‬
‫مشروعية ترك الفرد لجماعة ما إذا لم يناسبه المسار أو رأى عقمه بعد أن دخل فيها ‪.‬‬
‫فقال لي ل يجوز إل أن يرى كفرا ً بواحا ً عنده فيه من الله برهان !! وبالتالي سحب‬
‫على أمير الجماعة حقوق المام العظم! فلما سألته ماذا لو رأى عقما ً بواحًا‪ .‬أو‬
‫فوضى بواحة‪ .‬أو إفلسا ً بواحا ً ‪ .‬وتيقن أن ما توخاه من اللتحاق بالجماعة الفلنية لن‬
‫يحقق أهدافه؟ هل يستمر طول عمره هكذا ! ول يحل له أن يتحول الجماعة أخرى أو‬
‫يسعى في جماعة جديدة!؟ فحار الرجل في الجواب لما تفكر بأبعاد المشكلة ‪.‬‬
‫فإذا كانت الجماعة تستطيع فصل عنصر فيها‪ ,‬وإخراجه من الجماعة‪ .‬فلم ل يحق‬
‫له فصل نفسه والنسحاب ؟ وكيف نحل في هذه الحالة مشكلة السرار التي عنده؟‪.‬‬
‫إلى آخر ذلك من المسائل‪..‬‬
‫لقد كان هناك إشكاليات حقيقية في تقنين ذلك والفتاء فيه ؟ وفي العمل على‬
‫أسس لم تتحدد‪..‬‬
‫وهي مشاكل ليست موجودة في جماعة المسلمين العامة بشكلها الطبيعي ‪.‬‬
‫فأمير المؤمنين ل يستطيع فصل مسلم ما من جماعة المسلمين حتى ولو لم يبايعه ما‬
‫لم يخرج عليه ‪ .‬ول يستطيع العنصر في المة أن ينسحب منها‪ .‬ول يترتب عليه بحكم‬
‫بيعته وطاعته العامة لمير المؤمنين من الحقوق والواجبات ما يترتب على العنصر في‬
‫جماعة ما جهادية أو سواها‪.‬‬
‫لقد فتحت إشكالية غياب المامة العظمى وزوال الهيكل السياسي للمة‬
‫إشكاليات كثيرة‪ .‬ولما قامت جماعات لحل تلك الشكالية واضطرت للسرية بفعل‬
‫بطش النظمة ‪ ,‬انفتحت إشكالت أخرى ل حل لها ‪ .‬وكان هذا بعض مظاهر ما فيه‬
‫المة بسب غياب دار السلم والمامة والشريعة وتوابع ذلك‪ .‬وكانت هذه الشكاليات‬
‫بعض مظاهر خلل المناهج التي طرحت وعجزها ‪ ,‬ليس في التيار الجهادي وحسب ‪.‬‬
‫وإنما على مستوى تنظيمات الصحوة كلها‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 828 [ ‬‬

‫) ثانيا ( ‪ -‬أخطاء وخلل في البنية والهياكل التنظيمية في التيار الجهادي‪:‬‬


‫النوع الثاني من الخطاء و العلل التي ظهرت في أساليب عمل التيار الجهادي هي‬
‫الخلل والقصور في البني التنظيمية وطبيعة الهياكل ‪ .‬وما أفرز من إشكاليات وعلى‬
‫رأس ذلك‪ ..‬الشكالية الكبرى التي بدت أبعادها في العقد الخير من القرن العشري‬
‫بعد انطلق الحملة العالمية على مكافحة الرهاب‪ .‬وأثبت الواقع استحالة استمرار‬
‫العمل الجهادي مع وجود تلك المشكلة البنيوية وهي مشكلة أن كل التنظيمات‬
‫والجماعات الجهادية بنت بناءها على أساس أنها تنظيمات )سرية – هرمية –‬
‫قطرية(‪.‬‬
‫‪ : 1‬المشاكل التي تأتت عن السرية‪:‬‬
‫كان اختيار طريقة العمل السري أمرا ً إلزاميا ومنطقيا لمواجهة قوى طاغية باغية‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ظالمة لم يرقب فراعنتها وأعوانهم في مؤمن إل ول ذمة‪ .‬ولست هنا في معرض‬
‫انتقاد مبدأ السرية في العمل السلمي‪ .‬فهو مبدأ شرعي له أدلته وسابقاته التاريخية‬
‫بدءا ً من السيرة النبوية ومرورا ً بتجارب كثيرة عبر التاريخ السلمي‪ .‬كما في لست‬
‫معترضا عليه حركيا ً ‪ ,‬لنه كان أسلوبا ً إجباريا ً مارسناه خلل حقبة اضطرارية كما ل‬
‫يخفى ‪ .‬ولكني هنا بصدد ذكر الشكاليات الكبرى التي تأتت عنه بحكم طبائع الشياء‬
‫وبحكم انتقال مستويات المواجهة المنية إلى مستوى توحشت فيه النظمة المرتدة‬
‫ومن ورائها من قوى الكفر العالمية ‪ ,‬بطريقة جعلت تلك الشكاليات تجعل الستمرار‬
‫في ذلك السلوب ضربا ً من الصرار على الفشل العبثي في نهاية المطاف ‪ .‬فقد أدت‬
‫تلك الساليب الوحشية إلى إغراق الجماعات المجاهدة في السرية ‪ .‬فقد ولد هذا لها‬
‫إشكاليات في التربية والعداد ‪ ,‬وفي التجنيد التمدد ‪ ,‬وفي ضعف الدعاية العامة‬
‫واتساع الجمهور‪ ,‬وفي محدودية مجالت الحركة بالنتاج والعطاء ‪.‬‬
‫فمعلوم من تاريخ دعوة السلم منذ ظهورها وعبر تاريخ المسلمين ‪ ,‬أن منهج‬
‫التربية قام أساسا ً على علقة المربي بالتباع ‪ .‬والتي تقوم على التماس المباشر ‪.‬‬
‫وهو الوسيلة الساسية لنقل العلوم والمعارف ‪ .‬وشرح المنهج وتقديم القدوة و‬
‫السمت و السلوك ‪ .‬ونقل مختلف مجالت التأثير‪ .‬وهكذا كان الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم للصحابة ‪ .‬والصحابة للتابعين ‪ .‬وهؤلء لتابعيهم من العلماء وورثة النبياء‪ .‬ثم‬
‫لهؤلء بتلميذهم وجمهورهم وصول ً للعامة‪.‬‬
‫ولكن أسلوب العمل السري ل يسمح بهذا‪ .‬فكيف تتم التربية؟! وإذا استحالت‬
‫التربية فكيف يستمر العمل بقواعد لم تتربي على المنهج ول على برامج العداد؟!‬
‫فالخليا السرية تعتمد في التربية على لقاء المسؤول عن خلية ما بأتباعه وإعدادهم‬
‫في مختلف مجالت ما يلزمهم من المعارف الشرعية والفكرية والمنهجية والسياسية‬
‫والعداد العسكري والمني‪..‬الخ‪ .‬وهذا اللقاء يكون دوريا ً وغالبا ً ما يكون أسبوعيا ً ‪,‬‬
‫ويقل مع توتر الوضاع المنية إلى أن ينقطع أحيانًا‪ .‬وهكذا توفرت الطلئع الولى‬
‫للجهاد على مستوى راق لنها أعدت قبل مرحلة السرية‪ .‬فقد أعدت في المساجد أو‬
‫في الجماعات السلمية العلنية أو شبه العلنية‪ .‬فكان أداءها الجهادي عاليا ً يتناسب مع‬
‫مستويات التربية التي تلقاها أولئك الكوادر‪ .‬ولكن مع انقراض الطبقة الولى والتالية‬
‫تم التالية من الكوادر نتيجة أن مسار الجهاد يستهلك كوادره بالستشهاد و العتقال‬
‫والهجرة من الساحة ‪ ,‬تلتحق بالصف كوادر وخليا غير مؤهلة ‪ .‬وغالبا ً ما كانت من‬
‫عوام الناس ومن جيل الشباب الذي غالبا ً لم يسبق له أن تربي في حركة إسلمية‪.‬‬
‫خاصة وأن الحركات السلمية من المدارس الخرى غالبا ً ما تحصن أعضائها ضد‬
‫اللحاق بالعمل الجهاد! لن قياداتها لم تدخله!!‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 829 [ ‬‬

‫وقد تكررت هذه المأساة في كل التجارب الجهادية‪ .‬إذ سرعان ما استهلكت‬


‫الكوادر واضطرت التنظيمات إلى العتماد على الكوادر الجديدة غير المؤهلة تربويا ً ‪.‬‬
‫وخاصة من بعض من يثبتون الشجاعة والكفاءة القتالية ميدانيًا‪ .‬وهكذا تفقد الجماعة‬
‫مستواها ثم هويتها ‪ ,‬لعدم استمرار مشروع التربية‪ .‬ويكفي في هذه الشكالية ونتائجها‬
‫الكارثية بلًء لثبات عقم الطريقة بكاملها‪ .‬ولكن للسف لم تكن هذه هي المشكلة‬
‫الوحيدة!‬
‫كما تفرض الجواء المنية والسرية الجبارية أجواًء ل تسمح باتساع التجنيد‪..‬‬
‫فمعظم الجماعات الجهادية بنت نفسها وكياناتها قبل الصدام واشتعال المعركة‪.‬‬
‫فكونت هياكلها و جندت معظم أفرادها‪ .‬ثم ابتدأ الصدام غالبا ً قبل اكتمال العداد له‪,‬‬
‫نتيجة اكتشاف أجهزة الستخبارات لمراحل العداد لولى ‪ ,‬أو نتيجة تفجير الوضاع‬
‫نتيجة تفاقم الزمات ‪ .‬حيث يجد التنظيم الجهادي نفسه مجبرا ً إما على دخول المعركة‬
‫والستمرار في العداد والبناء من خللها ‪ .‬وإما على أن تصفيه الحملت المنية دون‬
‫مقابل‪ .‬فيدخلون المعركة‪ .‬ومع دخولها يبدأ استهلك الكوادر والعضاء ‪ .‬ويحتاج‬
‫التنظيم للتجنيد‪ .‬ويحتاج التجنيد للدعاية والحشد والجمهور‪ ,‬كما يحتاج حتى يكون‬
‫محكما لرصد العناصر المرشحة للتجنيد ودراسة أهليتها وظروفها‪ .‬ولكن السرية‬
‫والمشاكل المنية ل تسمح بهذا فيضعف التجنيد وتقل العداد‪ .‬ويتحول التنظيم بعد‬
‫تقطيع أوصاله إلى خليا عصابات متفككة تستهلكها المعركة شيئا ً فشيئا ً ‪ ,‬إذا لم ينجح‬
‫التنظيم في تطور حرب عصابات ينقلها من مرحلة إلى أخرى حتى يتسع التجنيد‪.‬‬
‫ولكن الذي حصل في كل التجارب السابقة بل استثناء ‪ ,‬أن إعداد الكوادر الجهادية‬
‫ل‪ .‬ولم يتمدد نتيجة أسباب كثيرة ‪ ,‬أهمها الشكال المني و أسلوب‬ ‫والعضاء كان قلي ً‬
‫السرية‪ .‬وعلى سبيل المثال لم يتجاوز عدد المجاهدين في سوريا وهي أطول‬
‫المحاولت )نحو عشر سنين( لم يزد في أحسن الحوال عن ‪ 1500‬مجاهد عامل ‪ ,‬هذا‬
‫غير النصار‪ .‬في بلد يبلغ تعداد سكانه في ذلك الوقت زهاء ‪ 12‬مليون نسوة ‪ .‬وفي‬
‫مصر لم يزد تنظيم الجهاد عن ‪ 2000‬عنصر‪ .‬والجماعة السلمية ربما عن ضعف ذلك‬
‫من العضاء العاملين غير جماهير المساجد ‪ .‬هذا من أمة كانت تعد أكثر من ‪60‬‬
‫مليون نسمة ‪ .‬وفي ليبيا ‪ ,‬لم يزد عدد المجاهدين عن رقم متواضع من تعداد سكاني‬
‫هو في حد ذاته محدود لم يبلغ الس ‪ 4‬مليون نسمة ‪ .‬وفي بعض البلدان كتونس ‪ .‬لم‬
‫يجاوز العدد خانة العشرات وهكذا‪..‬‬
‫وإما عن ضعف الدعاية وانكماش الجمهور‪ .‬وانعكاس ذلك على ضعف الحشد‬
‫نتيجة السرية أيضا ً فهذا ل يحتاج لكثير شرح إذا لم توفر الساليب السرية ما يلزم‬
‫للحشد الذي يقوم أساسا على التصال بالجماهير بالوسائل العلنية ‪.‬‬
‫‪ : 2‬المشاكل التي تأتت عن البنية الهرمية والشكالية المنية‪:‬‬
‫بنيت جميع التنظيمات السلمية السياسية و الجهادية وما شابها بأسلوب هرمي ‪.‬‬
‫فغالبا ً ما تبدأ الدعوة بأفراد قلئل‪ .‬يحددون أسس منهجهم وأهدافهم ‪ ,‬وبرنامج‬
‫عملهم ‪ .‬ويبايعون واحدا ً منهم أميرا ً عليهم ‪ .‬فتكون الكوكبة الولى قيادته ومجلس‬
‫شوراه ‪ .‬وهكذا يبدأ رأس الهرم‪ .‬تستمر عمليات التجنيد والحشد ‪ .‬ويكون كل واحد‬
‫من هؤلء مسؤول عن جهاز أو خلية أو مجموعة‪ ..‬و يتتابع النظام‪ .‬وهكذا يتشكل من‬
‫المجموع ما يعرف بالهرم التنظيمي ‪.‬‬
‫إن هذا السلوب في البناء الحركي يتمتع بصفة القوة من حيث الحكام‬
‫والسيطرة‪ .‬لن الوامر تصدر والبرامج تقرر‪ .‬وتنزل من العلى للسفل ‪ .‬ثم تتابع‬
‫بعض الطريقة ‪ .‬وترجع التقارير أو النصائح والمقترحات وغير ذلك بالعكس بمرونة‬
‫وسرعة‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 830 [ ‬‬

‫ولكن مثل هذا البناء يتميز بالضعف المني ‪ ,‬وبعدم صموده للمواجهات المنية‬
‫الستخباراتية خصوصا ً بعد ما أثبتت أجهزة المن والحكومات الطاغوتية ‪ ,‬ثم قوى‬
‫الكفر المحاربة للظاهرة الجهادية استعدادها لكل أشكال البطش والتعذيب الجسدي‬
‫والنفسي ‪ .‬وحتى لستخدام المخدرات والعقاقير لستخراج المعلومات‪ !.‬وهكذا لم‬
‫يصمد معظم المعتقلون عن العتراف بأكثر ما لديهم من معلومات أو بكلها ‪ ,‬أو‬
‫بالضافة عليها لرضاء الذئاب الضارية من الجلديين المتحفزين لنتزاع ذرات‬
‫المعلومات من قعر ذاكرة المعتقل ‪ ,‬بل من تحت أظافره لو احتاج المر وبسلخ جلده‬
‫إن لم يكف ذلك‪.‬‬
‫وهكذا كانت في كل التجارب ‪ ,‬عدة ساعات فقط كافية لنتزاع كمية من‬
‫المعلومات سرعان ما تعمم على أجهزة المن لتتسع دائرة العتقال‪ .‬وتعاد الكرة ثم‬
‫تعاد ‪ .‬لتشتمل الحملة المنية الجسد العظم من التنظيم السري خلل مدد قصيرة‪.‬‬
‫وهكذا صار الهرم التنظيمي أشبه بكيس من البلستيك المنفوخ ‪ ,‬الذي يحتوي‬
‫سائل ً سيؤدي ثقبه من أي جهة ل فراغ محتواه طال الوقت أم قصر‪ .‬ولقد حاولت‬
‫التنظيمات الجهادية التي خاضت مواجهات أن تطور من أساليب عملها بشيء مما‬
‫يسمى بالبنية الخيطية أو العنقودية ‪ ,‬حيث يستقل العناصر العاملون بعناقيد منفصلة‬
‫من الخليا ولكنها في مجموعها تضطر للتحول إلى مجموعة أهرامات تنظيمية تشكل‬
‫عبر وسائل التصالت معالم الهرم الرئيس مرة ثانية‪.‬‬
‫ولم تنحل المشكلة داخل القطر الواحد‪ .‬وأدى هذا لسيما حيث لم توفر معظم‬
‫البلدان طبيعة جغرافية وعرة تمكن من تحصن القيادات التنظيمية فيها لدارة‬
‫أعمالهم‪ .‬وحتى مع توفرها اضطروا للتصال بالخليا العاملة التي عملت أيضا ً بنفس‬
‫السلوب‪ ..‬ثم اضطرت التنظيمات الجهادية مثلها مثل كل العصابات والجماعات‬
‫السرية إلى أن يهاجر قياداتها إلى مناطق أمان في دول مجاورة ‪ .‬حيث وفرت لها‬
‫بحكم الهامش القديم للنزاعات القليمية بين الدول ملذا ً آمنا ً أدارت منه أعمالها ‪.‬‬
‫ولكن التعاون المني كما سبق وبينا ‪ ,‬وانتقاله من المجال القليمي إلى الدولي ‪ ,‬ضيق‬
‫ثم الغى تلك الملذات‪ .‬ولم تحل المشكلة الهرمية مع عمليات البطش والتعذيب‬
‫والخطف والتسليم ‪ .‬وأدت إلى تآكل التنظيمات للسباب المجتمعة مما وفر في‬
‫النهاية كل عوامل الضمحلل و التفكك‪..‬‬
‫‪ : 3‬مشكلة القطرية‪:‬‬
‫معظم إن لم يكن كل التنظيمات الجهادية والجماعات المكونة للتيار الجهادي‬
‫التي عملت خلل الصنف الثاني من القرن الماضي قطرية في ميدان عملها وأهداف‬
‫حركتها‪ .‬وذلك نتيجة الظروف السياسية والجتماعية والواقعية التي كانت سائدة قبل‬
‫تفشي العولمة في كل مناحي النشاط البشري ومنها الجماعات الجهادية ذاتها‪.‬‬
‫وقد كانت قليلة تلك البلدان التي تتوفر على مساحة واسعة تساعدها وعورة‬
‫جغرافية وتنوع بالضافة لكبر عدد السكان واتساع الحدود والمنافذ بحيث تتوفر لها‬
‫العوامل المختلفة ليجاد معطيات حرب عصابات جهادية يمكن أن تنتقل مراحلها‬
‫وصول إلى النجاح‪ .‬فقد فتت مخططات التجزئة التي قام بها الستعمار الغربي خلل‬
‫الحملت الصليبية الثانية العالم السلمي والعربي إلى كيانات معظمها صغير عاجز‬
‫يفتقر إلى معطيات جغرافية أو بشرية أو اقتصادية‪.‬‬
‫ولكن التنظيمات الجهادية رسمت عملها في حدود مواجهة الطاغوت الخاص بها‬
‫ضمن السياح الذي نصبه سيكس و بيكو مطلع القرن العشرين‪ .‬وهكذا وجدت معظم‬
‫التنظيمات الجهادية نفسها أمام معطيات ل تمكن في الحقيقة من نجاح ثورة ول‬
‫انطلق حرب عصابات متكاملة في غالب البلدان ‪ .‬فماذا يعمل تنظيم جهادي على‬
‫مستوى البحرين أو قطر أو تونس أو الردن أو سوريا أو ليبيا ‪ ,‬ضمن المعطيات‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 831 [ ‬‬

‫القطرية ؟! وحتى تلك الدول الكبيرة كمصر والسعودية ‪ ,‬لم توفر لها المعطيات‬
‫القطرية العوامل الكافية لنجاح مواجهات سرية منظمات هرمية في حدود القطر‪.‬‬
‫وكانت النتيجة النهائية نتيجة تضافر السباب متناسبة مع هذه المعطيات ‪ .‬وصفيت كل‬
‫تلك المحاولت بل استثناء عبر ‪ 40‬سنه ومن خلل عشرات التجارب‪.‬‬
‫وبعد هذه الثلثية الساسية من مشاكل البنية والهياكل‪ .‬كان هناك إشكالت بنيوية‬
‫أخرى من أهمها‪.‬‬
‫‪ - 4‬مشكلة القيادات غير الميدانية‪:‬‬
‫كما ذكرنا ‪ ,‬اضطرت القيادات الرئيسية للتنظيمات ‪ ,‬المير وكبار أعوانه لمغادرة‬
‫البلد والهجرة قسرا ً تحت ضغط الحملت المنية ‪ .‬واستقروا في الملذات القريبة أو‬
‫البعيدة عن مواقع قضيتهم ‪ ,‬وتعاملوا معها عبر المراسلين أو التصالت الخارجية ‪,‬‬
‫المراسلين‪..‬الهاتف ‪ ..‬الفاكس! وأوجدت هذه الطريقة مقاتل للتنظيمات ‪ .‬ونقاط‬
‫اختراق من قبل الستخبارات لها ‪.‬‬
‫كما أوجد هذا تلقائيا ً قيادات ميدانية عاملة عسكرية‪ .‬وتحولت القيادات الخارجية‬
‫إلى قيادات سياسية وإعلمية وسرعان ما خلق هذا الواقع مشاكل ل تعد ول تحصى‪..‬‬
‫ولقد شهدت بنفسي عددا ً من التجارب كانت هذه الشكالية في طليعة ما ساهم في‬
‫دمار القضايا الجهادية وكانت )الثورة الجهادية في سوريا( التي عايشتها من الداخل‬
‫نموذجا ً على هذه المشكلة ‪ .‬فقد استقرت القيادة السياسية للخوان المسلمين في‬
‫بغداد وعمان وفي جوار سوريا‪ .‬وراحت تضع الخطط والبرامج لواقع سياسي‬
‫وعسكري وأمني داخل سوريا ‪ ,‬وهي ل تعرف عن واقعه إل النزر اليسير‪ .‬وسرعان ما‬
‫تبدلت الوضاع وقلت معرفتهم بالمستجدات وصاروا يرسمون الخطط في الفراغ ‪.‬‬
‫ووجدت القيادات الميدانية نفسها مضطرة للحركة والتصرف ‪.‬ولكنها كانت مقيدة‬
‫برباطين غليظين ؛ البيعة والسمع والطاعة لقيادة الخارج‪ .‬والحاجة الماسة لما ترسله‬
‫من أموال مع الوامر‪.‬‬
‫كما شهدت عددا ً من القضايا الجهادية من خلل احتكاكي بأصحابها وقياداتها في‬
‫عدد من الدول العربية ‪ .‬وقد وجدت لديهم نفس المشكلة‪ .‬لقد كان على تلك القيادات‬
‫أن تتحول إلى رموز شعبية تحرك الجماهير وقيادات سياسية إعلمية ‪ ,‬تاركة المجال‬
‫للعمل العسكري والقرارات الميدانية للقيادات الميدانية‪ .‬ولكنها تشبثت بتفاصيل‬
‫القرارات‪ .‬ولم تثق بقيادات ميدانية شابة‪ .‬وكان لديها الحق في بعض الحالت‪ .‬ولكن‬
‫هذا لم يلغ مشاكل لم تجد حل ً ‪ .‬وكانت بسبب طبائع الشياء لتنظيمات تعمل بتلك‬
‫الساليب في تلك الظروف‬
‫‪ -5‬مشكلة التمويل‪:‬‬
‫كانت التنظيمات الجهادية محدودة العدد نخبوية غير جماهيرية في معظم أوكل‬
‫الحالت‪ ..‬وبالتالي ل توفر لها قواعدها أو جماهيرها ما يكفي من الموارد المالية‪.‬‬
‫فاضطرت إلى اللجوء لمصادر خارجية‪ .‬وولد هذا إشكاليات كبيرة‪ .‬ولم تستطيع تلك‬
‫الموارد في النهاية من جهات ليست أصيلة في تلك القضايا أن تسد الحتياجات التي‬
‫تضخمت مع انطلق العمل وتضخم فواتير المصاريف العسكرية والمنية ‪ ,‬واحتياجات‬
‫أسر الشهداء والمطاردين والسرى‪...‬إلخ‪.‬‬
‫فقد اعتمدت التنظيمات الجهادية إما على دعم جماعات وتنظيمات سياسية دخلت‬
‫المواجهة مضطرة نتيجة توسيع النظمة لدائرة الحرب نتيجة غبائها وطغيانها )كما‬
‫حصل في سوريا( ‪ ,‬وإما لستغلل ثورة سيموت فيها الشباب ويستشهد المجاهدون ‪.‬‬
‫وستحتاج لقيادات جاهزة لستلم الحكم بحسب الحلم في انهيار تلك النظمة التي لم‬
‫تنهار في نهاية المطاف!‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 832 [ ‬‬

‫وإما اعتمدت التنظيمات الجهادية على دعم بعض الجماعات السلمية من أقطار‬
‫أخرى أو بعض شخصيات المحسنين المؤيدين للجهاد في غير بلدهم غالبا ً كما كان‬
‫حال معظم المحسنين للجماعات الجهادية من المصدر الساسي لمعظم تلك‬
‫الحركات وهي دول مجلس التعاون الخليجي ولسيما السعودية والكويت !‬
‫فإما وجدت نفسها مضطرة لتقبل المساعدات من بعض الحكومات والنظمة ذات‬
‫الغراض الخاصة في ذلك الدعم ‪.‬‬
‫ول أريد التفصيل في إشكاليات كثيرة سببها هذا الحال ودخول الجماعات‬
‫الجهادية للعمل تحت شعار لله يا محسنين ‪ .‬ولكن المحصلة أن برامج تجفيف المنابع‪.‬‬
‫وعدم انتظام تلك المنابع حتى قبل قيام هذه البرامج ‪ .‬سار بالتنظيمات التي اتسعت‬
‫مصاريفها إلى الفلس عمليا ‪ .‬وكان هذا أحد السباب الرئيسية للفشل ‪.‬‬
‫‪ -6‬مشكلة الشورى وغياب المؤسساتية وتعذر قيامها مع المشكل‬
‫المني‪:‬‬
‫كانت إشكالية الشورى وطريقة اتخاذ القرار من أكبر الشكاليات التي رافقت‬
‫العمل في معظم التنظيمات الجهادية‪ .‬وأدت في كثير من الحيان إلى النشقاقات‬
‫والنقسامات في التنظيمات وتفشي الظاهرة التي أسميتها )التنظيمات الميبية( التي‬
‫تنقسم و تنقسم وما تلبث أن تنقسم‪..‬‬
‫فقد اعتمدت أكثر التنظيمات الجهادية مبدأ الشورى غير الملزمة‪ .‬حيث تعني أن‬
‫المير مفوض في اختيار ما يرى من قرارات بعد الطلع على آراء قياداته ومعاونيه ‪.‬‬
‫واتخذ القليل منها مبدأ الشورى الملزمة حيث يلزم المير بالخذ برأي أغلبية مجلس‬
‫القيادة أو الشورى في مسألة ما‪ ..‬وهذه مسألة يطول شرحها وتبيان سلبيات‬
‫وإيجابيات كل طريقة وليس هذا مكان التوسع والبسط‪ .‬وقد تلقت بعض التنظيمات‬
‫الجهادية هذه الشكاليات بجعل الشورى على نوعين ؛ ملزمة في القرارات‬
‫الستراتيجية العامة والهامة ‪ .‬وغير ملزمة في تكتيكات تنفيذ تلك الستراتيجيات‪ .‬ولكن‬
‫كل هذه التقسيمات والجهد الداري مع العواصف المنية وتشرد قيادات التنظيمات‬
‫الجهادية إما في مخابئ داخل بلدها ‪ ,‬وإما في مختلف الملذات في دول مجاورة علنا ً‬
‫أو سرا ً ‪ .‬حيث آل الجميع للختفاء وكثرة التنقل ولم يعد بالمكان ممارسة أي نوع من‬
‫أنواع الشورى ‪ .‬وصار المير العام والمراء الفرعيون يصدرون ما تيسر من الوامر‬
‫اللزمة‪ ,‬متوكلين على الله في ظروف بالغة المأسوية‪ .‬وتحطمت المؤسسات‬
‫والدارات وتحولت إلى بعض المسؤولين عن أمور فرعية يتصرفون بحسب مقتضيات‬
‫الضرورات المر الواقع‪ .‬وتحول العمل لمجموعة من اليوميات بشكل إجباري على‬
‫كافة الصعدة‪.‬‬
‫‪ -7‬مشكلة ضعف لمن الداخلي في التيار الجهادي‪:‬‬
‫إن مبدأ العمل في تنظيمات سرية تأخذ شكل عصابات تعمل بأسلوب أمني‪ .‬هو‬
‫مبدأ و نموذج عمل وافد على المجتمعات العربية والسلمية التي عملت بسبب‬
‫مكوناتها التاريخية والجتماعية بطرق تقوم كلها على أسس معاكسة لمبدأ هذا‬
‫السلوب الذي اضطررنا إليه اضطرارا ً نتيجة القمع‪ .‬فالمجمعات العربية والسلمية‬
‫مجمعات مفتوحة‪ .‬تعتمد التربية فيها على التماس مع الجمهور‪ ,‬و يعتمد الحشد فيها‬
‫على الخطابة والجهر بالدعوة والتأثير في الناس ‪ .‬و تتناقل الخبار في مجتمعاتنا‬
‫بنظام الشاعة‪ .‬وجب إشاعة الخبار موروث اجتماعي قديم ‪ ,‬والمواجهات العلنية‬
‫والمبارزات والمقابلت وعرض البطولت كذلك موروث تاريخي وحضاري ‪ .‬وهدر‬
‫الوقت ‪ ,‬وحرية الحركة ‪ ,‬وحضارة البداوة والعفوية ‪ ,‬ما تزال تطبع مجمعاتنا رغم‬
‫التحولت الصناعية والمدنية‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 833 [ ‬‬

‫فأسلوب التخفي والعصابات والسرية‪ ,‬وطريقة عمل المافيات ‪ ,‬والمواعيد‬


‫الدقيقة والمقابلت القصيرة و الوامر الصارمة الموجزة ‪ ,‬والتنفيذ الحرفي دون‬
‫التوسع في الجتهادات‪ .‬وعقوبة المخطئ‪ ,‬بل وتصفية المفسد في نظام عمل‬
‫العصابات‪ ...‬كلها أساليب لم تلق استجابة من قبل مجمعاتنا ‪ .‬ولم تستطع التنظيمات‬
‫أن تعد لداء هذه الساليب إل كوادر محدودة جدا ً ضمن تنظيمها‪ .‬وطبعت الصفات‬
‫الجتماعية العامة و العلل الموروثة عمل تلك التنظيمات وأدت إلى كوارث نتيجة عدم‬
‫النسجام مع هذا السلوب‪.‬‬
‫وكان على رأس تلك الشكالت انعدام الحسن المني ‪ .‬وعدم إمكانية ترقية‬
‫العناصر والقواعد العاملة في معظمها إلى ضرورات هذا السلوب‪ .‬وقد لحظت أن‬
‫معظم المجاهدين البطال الذين عرفت الكثيرين منهم ‪ ,‬ورأيت أداءهم الرائع في‬
‫المواجهات الميدانية المفتوحة والجبهات في أفغانستان ‪ .‬كانوا من أفشل العناصر أداءً‬
‫عندما أوكل إليهم مهام سرية أو اضطروا للحركة المنية بعد خروجهم لعالم‬
‫المطاردات‪.‬‬
‫فالشاعة ورواية السرار‪ ,‬وكثرة الثرثرة ‪ ,‬وعدم دقة الحركة ‪ ,‬وعدم احترام أمن‬
‫التصالت المختلفة ‪ ,‬من الحركة والهواتف والفاكسات ‪ ,‬والنترنيت من بعد ‪ ,‬وسوى‬
‫ذلك كانت أمراضا ً عضال ً لم يمكن حلها و دمرت كثير من الخليا على مر مختلف‬
‫التجارب‪ .‬حتى كدت أجزم بأن هذا السلوب ل يناسب قومنا ‪ ,‬وأن علينا أن نجد لهم‬
‫أسلوبا ً يفجر طاقاتهم بحسب إمكاناتهم وطباعهم ول يحتاج أساليب لم أر كثيرين‬
‫استطاعوا أن يعملوا بها ويأخذوا بأسبابها‪.‬‬

‫)ثالثا( ‪ -‬أخطاء في أسلوب العمل وإدارة المواجهة‪:‬‬


‫وسأعتمد في ذكر هذه الخطاء على التعداد للختصار ولوضوحها وعدم حاجتها‬
‫للشرح والتفصيل والله تعالى أعلم فمن ذلك‪:‬‬
‫‪ -1‬العجز عن إمكانية وضع استراتيجيات عمل نتيجة عدم توفر معطيات ذلك‬
‫لسباب إما خارجية وإما داخلية وتحول العمل لمجموعة من اليوميات والقرارات‬
‫العشوائية أحيانًا‪.‬‬
‫‪ -2‬فتح معارك جانبية مع شرائح من مدارس الصحوة السلمية أوقع قطاعات‬
‫مختلفة من الشعب ومكوناتها السياسية أو الجتماعية دون ضرورة لذلك ‪ ,‬معارك‬
‫جانبية من قبيل الشكالت المذهبية والعقدية والسياسية وعدم التحكم في وحدة‬
‫اتجاه المعركة تجاه العدو الساسي المتمثل في الحكومات الطاغوتية والصائل‬
‫الخارجي المتحالف معها ‪.‬‬
‫‪ -3‬التورط في أسلوب مواجهات طويلة المدى مع أجهزة الحكومات المنية تحول‬
‫إلى حرب استنزاف القاتل والمقتول فيه‪ ,‬والمحق والمبطل ‪ ,‬والعدل والظالم ‪ ,‬هو‬
‫من مخزون المة‪ .‬ولم تعجز الحكومات عن الزج بأبناء الشعب من قوات المن‬
‫والجيش ومعظمهم إما من الجهلة أو المكرهين ‪ ,‬في هذه المعركة اللمتناهية ‪ .‬فيما‬
‫بقيت قوى ومصالح الصائل الخارجي سليمة ل يهم فيها أن تستهلك تلك المعارك أبنائنا‬
‫السنين الطوال ‪ .‬فضار اللعب في ملعب حددها العدو الكبر وبطرق رسمها هو و‬
‫حقق فيها أهدافه ‪ .‬واستنزف الجهاديون قواهم فيها دون جدوى‪.‬‬
‫‪ -4‬الفشل في أكثر الحيان في تحديد مفاتيح للصراع وشعارات للمواجهة ‪ ,‬يمكن‬
‫حشد الناس عليها ضد الحكومات التي يواجهها الجهاديون‪ .‬واقتصر الموضوع على‬
‫تفاصيل الحاكمية وشعاراتها ‪ .‬وكانت معركة خسارة نتيجة صعوبة محتوى الطرح ‪,‬‬
‫وتصدي علماء السلطان له‪ ,‬ونجاحهم في إسقاط أساسه الساسي وهو إثبات كفر‬
‫الحاكم ووجوب الخروج عليهم ‪ .‬حيث اثبتوا للشعوب إسلمهم ووجوب طاعتهم ‪ .‬وأننا‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 834 [ ‬‬

‫مجموعة خوارج ‪ ,‬كلب أهل النار‪ ,‬ومفسدون في الرض‪ ,‬بغاة مجرمون‪ .‬ولم يتمكن‬
‫الجهاديون في الغالب من رفع ستارات تبرز مفاتيح صراع شعبية سهلة الفهم تثير‬
‫تأييد العامة‪ .‬فقد كان هناك مواضيع هامة جدا ً من الممكن تعبئة الشعوب بها حول‬
‫الجهاديين ‪ ,‬من قبيل مشاكل الجوع والظلم ‪ ,‬وهدر الكرامات واحتلل المقدسات ‪,‬‬
‫والنهب الستعماري ‪ ,‬والحتلل السياسي والقتصادي‪ .‬إلى آخر ذلك من الشعارات‬
‫التي أحسن الوطنيون والقوميون واليساريون وحتى بعض مدارس الصحوة السياسية‬
‫استغللها وتحولوا لتيارات شعبية‪ .‬وكلها مسائل شرعية في أساسها ويمكن طرحها‬
‫بأسلوب إسلمي وجهادي‪ .‬ولكن الجهاديين وخاصة بعد تداخل المعطيات الفكرية للتيار‬
‫المسمى )سلفي!( في منهجهم اختاروا الطرح الحادي لمشاكل الحاكمية والولء‬
‫والبراء‪ .‬وهي مواضيع كما أسلفت تحتاج لفهم النخبة ويصعب على العوام هضمها‪.‬‬
‫‪ -5‬أسلوب خطاب أكثر الجهاديين لم يكن شعبيا ً ‪ .‬فقد كانت وسائل التصال‬
‫محدودة ومتخلفة في الغالب نوعا ً وكما ً ‪ ,‬فقد اعتمد الجهاديون على المنشورات‬
‫والبيانات وبعض الكاسيتات في حالت محدودة جدا ً ‪ .‬ولم يكن لكثير من الجماعات‬
‫ل‪ .‬بل إن كثيرا ً من شعوب بعض الدول لم تكن تعرف عن‬ ‫الجهادية رسالة إعلمية أص ً‬
‫الجهاديين فيها شيئا ً ول لما ذا يقاتلون ويستشهدون وما هي أهدافهم ‪.‬‬
‫كما تميز خطاب أكثرهم وخاصة بعد التمازج مع الفكر السلفي غير الجهادي ‪,‬‬
‫بالستعلء والقسوة وافتقاره للرقائق والمؤثرات العاطفية ‪ ,‬وما يثير الرحمة و‬
‫الشفقة والتعاطف‪ .‬واعتمدوا نبذ الناس م ومفارقتهم في كل شيء مما عزل‬
‫الجهاديين وساعد الحملت العلمية على رسم صورة كاريكاتورية منفرة للشخصية‬
‫الجهادية أكدتها ممارسات الكثيرين منهم عمليًا‪..‬‬

‫رابعا ‪ -‬أخطاء وإشكالت ومعوقات وأنواع خلل أخرى في أسلوب عمل التيار الجهادي‪:‬‬
‫وهذه أيضا ً سأذكرها كرؤوس أقلم بإيجاز أيضا ً وبسبب تنوعها سأذكرها متفرقة‬
‫على غير ترتيب مقصود فمن ذلك‪:‬‬
‫‪ -1‬افتقار التيار الجهادي لعلماء يقودون مسيرته فسيدون ثغرة التربية والفتوى و‬
‫الكتابة والتوجيه ‪ .‬ويكونون رموزا ً شعبية تحشد العامة‪ .‬مما ساعد على ظهور ظاهرة‬
‫المفتي الشاب مما اصطلحوا عليه بالسم الفضفاض ‪ ):‬أخ عنده علم (! وهو مصطلح‬
‫يصدق حتى على أي جاها أو علم‪ ..‬فما من مسلم إل وعنده علم‪.‬‬
‫‪ -2‬انخفاض مستوى العلم الشرعي عموما ً في التيار الجهادي وعلى كافة‬
‫المستويات ‪ .‬حتى ولدت تجمعات جهادية لتعمل في بعض البلدان في المراحل‬
‫المتأخرة على أيدي كوادر شبابية تتصف بمستويات بالغة التواضع في هذا المجال‬
‫الساسي بالنسبة لتيار جهادي أصولي إسلمي‪.‬‬
‫‪ -3‬انخفاض مستويات التربية العبا دية والسلوكية والخلقية في كثير من‬
‫المتأخرين ممن لحقوا بالجهاد من الشباب ‪ .‬وبسبب انعدام وجود برامج للتربية ظهرت‬
‫ظواهر مؤسفة في بعض التجمعات الجهادية‪ .‬وكان يمكن أن يلحظ الفارق الهائل من‬
‫عاش جيل الجهاد الول وكتب الله أن يرى تلك النوعيات من متأخري الجهاديين‪.‬‬
‫‪ -4‬تفشى الجهل عامة في مختلف مستويات المعرفة فضل ً عن الجهل البشري‬
‫وانخفاض مستويات التربية السلوكية‪ .‬فقد طبع كثير من اللحقين بالتجمعات الجهادية‪,‬‬
‫حالة من السطحية والجهل بالواقع السياسي والمني والعلمي‪ ...‬ومعظم مناحي‬
‫مستجدات الواقع ‪ ,‬بل إن المستويات المتواضعة أو حتى السيئة التي ميزت العديد‬
‫من عوام من لحق بالجهاد من الشباب‪ ..‬تجاوزت لتكون حالة بعض من تصدى للقيادة‬
‫والدارة في بعض التجمعات الجهادية الناشئة أواخر القرن العشرين‪!.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 835 [ ‬‬

‫‪ -5‬اقتصار مناهج التربية والعداد في الجبهات والميادين المفتوحة مثل أفغانستان‬


‫في المرحلتين على برامج التدريب العسكري شبه المحض‪ .‬حيث غابت برامج العداد‬
‫العلمي الشرعي والتوجيه السياسي والتأهيل الفكري والتربية السلوكية عن تلك‬
‫المناهج ‪ .‬رغم توفر الظروف من الملذ والمان والمكانيات المادية‪ .‬فقد اعتمد‬
‫الغالبية )التربية النكشارية( وثقافة المدافع على الطريقة العثمانية‪ .‬وساهمت تلك‬
‫الطريقة ومن أشرف عليها بزراعة الجهل و تخريج عينات ل تنتمي إلى التيار الجهادي‬
‫الذي عرفناه قبل عقدين من الزمن ‪ ,‬إل بالعاطفة والحماس والخلص الذي تذهب‬
‫تلك العلل بمعظم نتائج فضائله هذه‪.‬‬
‫‪ -6‬بروز ظاهرة التنطع والتشدد في المراحل الخيرة من التيار الجهادي ‪ ,‬بعد‬
‫منتصف التسعينات ‪ ,‬فقد أدت الظروف العامة ‪ ,‬من المطاردات والقهر والكبت‬
‫والظلم‪ ..‬وعلل الصحوة السلمية وبلء علماء السلطان ‪ ,‬وطغيان الحكومات ‪,‬‬
‫وغزوات العداء الخارجين ‪ ,‬وما يجري في المة من نكبات ‪ .‬مع إعراض أكثرها عن‬
‫دينهم ‪ .‬أدى إلى ردود أفعال طبعت الكثيرين من قواعد الجهاديين بالعصابية ‪ ,‬وحب‬
‫التشدد والتنطع ‪ ,‬والتعبير عن التدين بالتشدد ‪ ,‬وعن اللتزام بالعنف والتطرف في‬
‫أبسط الحكام والمسائل‪ .‬وكنت أرى مع بعض قدماء الجهاديين بعد أن كتب الله لنا أن‬
‫نرى بعض هذه النماذج المتأخرة ‪ ,‬أن الفجوة بين هذه النماذج ومجمعاتها التي‬
‫انسلخت عنها أصبحت من الهوة بحيث ل يصلحون إل لمحاربتها ‪ .‬ول يمكن لهم أن‬
‫يلتقوا مع مكونات السواد العظم من شعوب بلدنا على شيء من القواسم المشتركة‬
‫‪.‬‬
‫‪ -7‬تفشى روح المعة وانخفاض مستويات البداع‪ .‬وظهور ظاهرة الدارة النخبوية‬
‫النشطة في كل تجمع وتحول الباقين لتباع تفصلهم فجوة كبيرة من حيث المكانيات‬
‫والتأهيل عن النخبة المحدودة بالدائرة الولى في بعض التجمعات الجهادية‪.‬‬
‫‪ -8‬تدني روح المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ,‬و قلة ظاهرة النقد الذاتي‬
‫الهادف ‪ ,‬وتدني القدرة على إصلح الخلل داخل التجمعات الجهادية إل في دائرة‬
‫محدودة جدًا‪ .‬وانعدام تحقق الشورى في الوساط العامة‪ ,‬وانحصارها بالنخبة في‬
‫معظم التجمعات ‪ ,‬على عكس ما كانت عليه في السنة النبوية ومنهج السلف الصالح‪.‬‬
‫‪ -9‬تفشي ظاهرة )المجاهد على كيفه( في المتأخرين من الجهاديين‪ .‬وهذا من آثار‬
‫منهج )هم رجال ونحن رجال(‪ .‬خاصة في أفغانستان في شوطيها‪ ..‬ل مذهب‪ ..‬ل‬
‫جماعة‪ ..‬ل أمير‪ ,‬ل منهج ‪,‬ل ضوابط ‪ ,‬حر مطلقا ً ‪,‬ل منتمي ‪ ,‬متمرد ل يمكن ضبطه ‪,‬‬
‫ول مرجع لديه ‪.‬‬
‫‪ -10‬تفشى ظاهرة جهاديين لم يجاهدوا !! ومع ذلك تصدروا كرموز وموجهين‬
‫ومفتين للجهاديين‪ !..‬وظهور ذلك في أوساط اتباع وأنصار للتيار الجهادي متعصبين‬
‫جدا ً لمنهجه ورموزه بالكلم ‪ ,‬ولكن ل يجاهدون بالفعل ‪ ,‬وخاصة في أوساط الصحوة‬
‫في بلد الغرب ‪ ,‬وأوساط أخرى‪.‬‬
‫‪ -11‬تفشي ظاهرة من أرادوا العداد ولم يريدوا الخروج ! على عكس من لو‬
‫أرادوا الخروج لعدوا له‪ ..‬ولكن هؤلء أعدوا ولم يخرجوا‪ !.‬آلف المتدربين بل‬
‫فائدة ‪,‬ل يمكن معرفة مصيرهم بعد أن تلقوا ارفع التدريب ‪ .‬وسبب ذلك أنهم تدربوا‬
‫ولم يربيهم من دربهم ولم يزرع فيهم أي عقيدة قتالية ‪.‬‬
‫‪ -12‬العمل لحساب الخرين في قضايا تقاطع المصالح الدولية والقليمية وعدم‬
‫قدرة القيادات المرحلية على صناعة مشروع ذاتي‪ .‬كما حصل في تجربة أفغانستان‬
‫الولى‪ .‬وتجربة البوسنة‪.‬‬
‫‪ -13‬نسيان السرى ‪ :‬وهذه من كوارث التيار الجهادي ‪ .‬فقد تراكم السرى باللف‬
‫في سجون الطواغيت ‪ .‬وفيهم العلماء والدعاة وكبار السلميين وقادة المجاهدين‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 836 [ ‬‬

‫وخيرة كوادرهم ‪ .‬ثم تراكم مئات السرى في سجون أمريكا والدول الغربية كذلك‬
‫‪..‬ولم يبد التيار الجهادي أي حراك في اتجاه القيام بعمليات تهدف إلى سراحهم !!‬
‫وكأنهم نسيا منسيا ‪.‬‬
‫‪ -14‬فقدان القدرة على )الردع(‪.‬ردع مختلف صنوف العداء حتى آل أمرنا لن‬
‫نكون مرهوبين رغم أنهم يسموننا إرهابيين!‬

‫وهكذا ‪..‬‬
‫طويت مرحلة تاريخية هامة من مراحل أهم مدارس الصحوة السلمية وأكثرها‬
‫أثرا في واقع المسلمين ‪ .‬وهي مدرسة التيار الجهادي ‪ ,‬التي استغرقت تجاربها و‬
‫عطاءاتها زهاء أربعة عقود من الزمن ‪ .‬وقد حاولت في هذين الفصلين السادس‬
‫والسابع ‪ .‬أن أسجل خلصة مسارها وخصائصها ‪ ,‬ودروس تجاربها ‪ .‬وعرضت لخلصة‬
‫حصادها اليجابي وإنجازاتها العظيمة ‪ .‬وكذلك عرضت للسباب الداخلية والخارجية‬
‫التي أدت لفشل تلك المحاولت في الوصول لهدافها في النهاية بقدر الله ‪.‬‬
‫وباختتام هذا الفصل ينتهي الجزء الول من هذا الكتاب الذي تعرض لجذور ما‬
‫نعيشه من أحاث ‪ ,‬وخلصة تاريخ ما مر بهذه المة من تجارب الصراع مع الروم ‪ ,‬بلء‬
‫هذه المة ومحنتها الزلية ‪.‬‬
‫وخلصة مسار صحوتها السلمية و الجهادية وما حفلت به من تجارب وعبر ‪ .‬تجب‬
‫معرفتها واستلهام دروسها ونحن نستفتح القرن الحادي والعشرين ‪ ,‬ونلج عالم ما بعد‬
‫سبتمبر‪ ..‬عالم الحملت الصليبية الصهيونية الكبرى على عالمنا السلمي الكبير‪..‬‬
‫هذا القرن الذي يريدونه أمريكيا صهيونيا ‪..‬حيث تداعت علينا المم تداعي الكلة‬
‫إلى قصعتها ‪ ,‬تماما كما أخبرنا الصادق المصدوق ‪..‬‬
‫هذا القرن الذي علينا أن نفتتحه بإطلق المقاومة السلمية العالمية لهذا الصائل‬
‫على الدين والمقدسات والنفس والعراض والموال‪..‬وكل مقومات وجودنا كأمة‬
‫مسلمة‪.‬‬
‫هذه المقاومة التي ل تنطلق على هدى وبصيرة ‪ ,‬بغير معرفة جذور هذا الصراع‬
‫وتاريخه وتجاربه وهي ما كتبت الفصول الماضية لسد بعض ثغرته ‪..‬‬
‫هذه المقاومة التي يجب أن تنطلق على أسس من الهدى والبصيرة والسس‬
‫المتكاملة ‪ ,‬التي تبني على ما مضى من عبر ودروس ‪ .‬وتنطلق وفق ما يناسب‬
‫المرحلة من منهج وأساليب ‪ .‬في ضوء ثوابت هذا الدين والعقيدة الجهادية القتالية‬
‫لهذه المة ‪ .‬وأسس منهج حركي منضبط يناسب ما استجد بنا من نوازل وظروف‪.‬‬
‫وهو ما سأحاول أن أضع على طريقه بعض المعالم في الجزء الثاني من هذا الكتاب‬
‫والله الموفق وهو الهدي إلى سواء السبيل‪.‬‬
‫*************‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 837 [ ‬‬

‫تم بحمد الله‬


‫الجزء الول‬
‫(الجذور – التاريخ – التجارب (‬

‫ويليه‬

‫الجزء الثاني‪:‬‬
‫( الدعوة ‪ -‬المنهج – الطريقة (‬

‫من كتاب‬
‫دعوة المقاومة السلمية العالمية‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 838 [ ‬‬

‫دعوة‬
‫المقاومة السلمية العالمية‬

‫الجزء الثاني‪) :‬الدعوة والمنهج و‬


‫الطريقة(‬
‫بقلم الفقير إلى رحمة‬
‫الله‪:‬‬
‫عمر عبد الحكيم‬

‫(‬ ‫) أبو مصعب السوري‬


‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 839 [ ‬‬

‫بسم الله الرحمن‬


‫الرحيم‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 840 [ ‬‬

‫المقاومة السلمية العالمية(‬


‫)الجزء الثاني(‬
‫) الدعوة ‪ -‬المنهج ‪ -‬الطريقة (‬

‫س َ‬
‫ك‬ ‫ف َ‬ ‫ف إ ِّل ن َ ْ‬ ‫ل الل ّهِ ل ت ُك َل ّ ُ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ل ِفي َ‬ ‫‪ ‬فَ َ‬
‫قات ِ ْ‬
‫سى الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ن عَ َ‬ ‫َ‬ ‫مِني‬‫مؤ ْ ِ‬‫ض ال ْ ُ‬ ‫ِ‬ ‫حّر‬ ‫وَ َ‬
‫شد ّ ب َْأسا ً‬ ‫ه أَ َ‬ ‫فُروا َوالل ُّ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬
‫ْ َ ّ َ َ ِ َ‬ ‫س‬ ‫أ َن يك ُف بأ ْ‬
‫‪( ‬النساء‪(84:‬‬ ‫كيل ً‬ ‫شد ّ ت َن ْ ِ‬ ‫وَأ َ َ‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 841 [ ‬‬

‫‪ ‬الفهرس ‪‬‬

‫الجزء الثاني‪ ):‬الدعوة ‪ -‬المنهج‪ -‬الطريقة(‬


‫• ‪.........................‬الفصل الثامن ‪ :‬نظريات المقاومة السلمية العالمية‪.‬‬
‫الول ‪ :‬نظرية المواجهة‪ :‬العقيدة الجهادية والفكر والمنهج ‪.‬‬
‫‪ -‬الباب‬
‫الثاني ‪ :‬النظرية السياسية لدعوة المقاومة السلمية العالمية ‪.‬‬
‫‪ -‬الباب‬
‫الثالث ‪ :‬نظرية التربية المتكاملة لدعوة المقاومة السلمية العالمية‬
‫‪ -‬الباب‬
‫الرابع ‪ :‬النظرية العسكرية لدعوة المقاومة السلمية العالمية‪.‬‬
‫‪ -‬الباب‬
‫الخامس‪ :‬نظرية التنظيم ونظام بناء سرايا المقاومة السلمية‬ ‫‪ -‬الباب‬
‫العالمية‪.‬‬
‫‪ -‬الباب السادس‪ :‬نظرية العداد والتدريب في سرايا المقاومة السلمية‬
‫العالمية‪..‬‬
‫‪ -‬الباب السابع‪ :‬نظرية تمويل سرايا المقاومة السلمية العالمية‬
‫‪ -‬الباب الثامن ‪ :‬نظرية العلم والتحريض لدعوة المقاومة السلمية‬
‫العالمية ‪.‬‬
‫• ‪..................................................................‬الفصل التاسع ‪ :‬وصايا و بشائر‪.‬‬
‫مسك الختام ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة ‪] 842 [ ‬‬

‫الفهرس التفصيلي للجزء الثاني‬

‫• ‪........................................................................................‬مقدمة الجزء الثاني‬


‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪.........................................................‬الثابت والمتحول في الفكر الجهادي‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪.....................................................‬نظريات دعوة المقاومة نظريات عملية‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫•‪......‬آلية توليد نظريات المقاومة و منهج الثبات والتصحيح والتطوير‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪.................................................‬خصائص وملمح نظريات دعوة المقاومة‬
‫‪....................................................................................‬‬

‫***********‬
‫الفصل الثامن ‪ :‬نظريات دعوة المقاومة السلمية العالمية ‪.............‬‬ ‫‪‬‬
‫• ‪ .....................................‬الباب الول ‪ :‬نظرية المنهج والعقيدة القتالية‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫العقيدة القتالية‬ ‫‪-‬‬

‫الفارق بين المقاتل والجندي العقائدي‬ ‫‪-‬‬

‫العقيدة الجهادية عند المسلمين‬ ‫‪-‬‬

‫أثر غياب العقيدة الجهادية لدى المسلمين‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -‬العقيدة الجهادية في الصحوة السلمية المعاصرة والتيار‬


‫الجهادي‬

‫حالة العقيدة الجهادية في المة اليوم‬ ‫‪-‬‬

‫من تكتيكات حرب الفكار المريكية‬ ‫‪-‬‬

‫•‪ ......‬مقومات العقيدة الجهادية والفكر والمنهج في دعوة المقاومة‬


‫‪....................................................................................‬‬
‫موجز في المناحي العامة لعقيدة أهل السنة والجماعة‬ ‫‪-‬‬

‫من آثار وجود العقيدة السلمية حية في قلب المسلم‬ ‫‪-‬‬

‫من آثار غياب العقيدة السلمية عند المسلمين‬ ‫‪-‬‬

‫المناحي العامة للعقيدة الجهادية لدعوة المقاومة‬ ‫‪-‬‬

‫• ‪ ............................................‬دستور دعوة المقاومة السلمية العالمية‬


‫‪....................................................................................‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 843 [ ‬‬

‫•‪ .‬الدلة الشرعية على النقاط الساسية للعقيدة الجهادية للمقاومة‬


‫‪....................................................................................‬‬
‫أدلة كفر الحكومات الموالية للكفار الحاكمة بغير ما أنزل الله‬ ‫‪-‬‬

‫عقيدة الولء والبراء وحكم موالة الكافرين‬ ‫‪-‬‬

‫الجماع على وجوب الخروج على الحاكم المرتد‬ ‫‪-‬‬

‫أحكام الديار‬ ‫‪-‬‬

‫بلد المسلمين محتلة اليوم والجهاد فرض عين على كل مسلم‬ ‫‪-‬‬

‫أدلة ردة كل من تعاون مع الكفار وأعانهم على المسلمين‬ ‫‪-‬‬

‫أعذار الجهل والكراه والتأويل وانتفاء القصد‬ ‫‪-‬‬

‫بحث عذر الجندي المقاتل للمسلمين مع الكافرين‬ ‫‪-‬‬

‫وجوب أو جواز قتال الصائل المسلم على المسلمين‬ ‫‪-‬‬

‫حرمة دماء المسلمين وحل دماء الكفار المعتدين‬ ‫‪-‬‬

‫وجوب نصرة المسلمين ‪ ,‬والغزو مع كل بر وفاجر منهم‬ ‫‪-‬‬

‫مسألة الحكم الشرعي في الديمقراطية ‪ .‬وتجارب السلميين فيها‬ ‫‪-‬‬

‫مسألة الخلف العقدي والمذهبي ضمن أهل السنة والجماعة‬ ‫‪-‬‬

‫مسألة التكفير‬ ‫‪-‬‬

‫الباب الثاني ‪ :‬أسس النظرية السياسية لدعوة المقاومة السلمية‬ ‫‪‬‬


‫العالمية‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪ .................................................................‬مفاهيم ومبادئ سياسية عامة‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫مكانة السياسة الشرعية‬ ‫‪-‬‬

‫العلقة بين الشريعة والسياسة‬ ‫‪-‬‬

‫أعمال المقاومة وبعدها السياسي‬ ‫‪-‬‬

‫المقاومة ونظرية التجنيد والتحييد والتفكيك‬ ‫‪-‬‬

‫نظرية الحشد ومفتاح الصراع والمناخ الثوري‬ ‫‪-‬‬

‫حدود دائرة الصراع‬ ‫‪-‬‬

‫مفهوم القواسم المشتركة في الصراعات السياسية‬ ‫‪-‬‬


‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 844 [ ‬‬

‫الستراتيجية والتكتيك وهوامش المناورة السياسية‬ ‫‪-‬‬

‫نظرية البناء والهدم في التحرك الستراتيجي‬ ‫‪-‬‬

‫المحاكمات الثلثة للقرار السياسي الشرعي التحرك‬ ‫‪-‬‬

‫استناد أحكام الجهاد لمعطيات الواقع‬ ‫‪-‬‬

‫•‪ ............‬خلصة واقع الحملت المريكية والواقع العربي و السلمي‬


‫إزاءها ‪...........................................................................‬‬
‫طبيعة الحملت المريكية ومحاورها وأهدافها ووسائلها‬ ‫‪-‬‬

‫واقع المة السلمية والعربية في مواجهة الحملت المريكية‬ ‫‪-‬‬

‫معسكر المقاومة ومعسكر الحياد ومعسكر العدو‬ ‫‪-‬‬

‫أمريكا وحلفاؤها في الخارج‬ ‫‪-‬‬

‫حلفاء أمريكا في الصف السلمي‬ ‫‪-‬‬

‫قوى المقاومة وأنصارها وحلفاؤها‬ ‫‪-‬‬

‫واقع معسكر الجهدبين المقاومة والحلف المريكي‬ ‫‪-‬‬

‫• ‪ .‬أركان الستراتيجية السياسية لدعوة المقاومة السلمية العالمية‬


‫‪....................................................................................‬‬
‫الباب الثالث ‪ :‬نظرية التربية المتكاملة لدعوة المقاومة السلمية‬ ‫‪‬‬
‫العالمية ‪.‬‬
‫• ‪ ..........................................................‬مناحي التربية عند مدارس الصحوة‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪ ...........................‬المجال الول في التربية ‪ :‬العقيدة والعلم الشرعي‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫منزلة العلم وفضله‬ ‫‪-‬‬

‫العقيدة‬ ‫‪-‬‬

‫العلم الشرعي‬ ‫‪-‬‬

‫أحكام شرعية ومسائل هامة لمجاهدي المقاومة‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -1‬جهاد العدو البعد‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -2‬حكم الستئذان في الجهاد‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -3‬الجهاد في غياب المير الواحد‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -4‬قتال الواحد إذا قعد الناس‬ ‫‪-‬‬


‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 845 [ ‬‬

‫‪ -5‬الجهاد مع الفساق والفجار‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -6‬قتل المدنيين من الكفار وإفساد أموالهم‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -7‬حكم العمليات الستشهادية‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -8‬حكم أسرى العدو‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -9‬حكم الجاسوس الكافر والذي ظاهره السلم‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -10‬حزمة بيع العدو ما يتقوى به على المسلمين‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -11‬تترس الكفار في الحرب بغير المحاربين منهم أو بالمسلمين‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -12‬لفتة هامة في مسألة التهاون في دماء المسلمين بدعوى التترس‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -13‬حكم السكن في ديار المشركين‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -14‬حكم منع التمثيل والتشويه ‪ ,‬والتعامل مع جيف المشركين‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -15‬البيعة في الحرب‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -16‬أحكام الشهيد‬ ‫‪-‬‬

‫•‪ ........‬المجال الثاني في التربية ‪ :‬الدب والعبادة والخلق والرقائق‬


‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪ ..................................................................................................‬الداب العامة‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫•‪ ......................................................................................‬أدب الصحبة والخوة‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪ .............................................................................................‬من آداب الجهاد‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫•‪ .........................................................................................‬العبادات والنوافل‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫الصلة‬ ‫‪-‬‬

‫الزكاة‬ ‫‪-‬‬

‫صوم رمضان‬ ‫‪-‬‬

‫الحج‬ ‫‪-‬‬

‫فضائل العمال والنوافل والذكار‬ ‫‪-‬‬

‫أذكار الصباح والمساء‬ ‫‪-‬‬

‫•‪ ..........................................................................‬الخلق والتربية السلوكية‬


‫‪....................................................................................‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 846 [ ‬‬

‫بيان فضل حسن الخلق ومذمة سوء الخلق‬ ‫‪-‬‬

‫الخلص‬ ‫‪-‬‬

‫الحسان‬ ‫‪-‬‬

‫الستقامة‬ ‫‪-‬‬

‫الصدق‬ ‫‪-‬‬

‫التوكل‬ ‫‪-‬‬

‫المانة‬ ‫‪-‬‬

‫الحياء‬ ‫‪-‬‬

‫حفظ اللسان‬ ‫‪-‬‬

‫اليقين‬ ‫‪-‬‬

‫الصبر‬ ‫‪-‬‬

‫الكرم‬ ‫‪-‬‬

‫اليثار‬ ‫‪-‬‬

‫الرفق والحلم‬ ‫‪-‬‬

‫الرحمة‬ ‫‪-‬‬

‫القوة‬ ‫‪-‬‬

‫العفو والعراض عن الجاهلين‬ ‫‪-‬‬

‫الذلة على المؤمنين والعزة على الكافرين‬ ‫‪-‬‬

‫التواضع‬ ‫‪-‬‬

‫السمع والطاعة للمير الشرعي‬ ‫‪-‬‬

‫التحذير من سوء الخلق‬ ‫‪-‬‬

‫الرياء والسمعة‬ ‫‪-‬‬

‫العجب والغرور‬ ‫‪-‬‬

‫البخل‬ ‫‪-‬‬

‫الظلم‬ ‫‪-‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 847 [ ‬‬

‫حب السلطان والمارة‬ ‫‪-‬‬

‫الكذب‬ ‫‪-‬‬

‫الغيبة‬ ‫‪-‬‬

‫النميمة‬ ‫‪-‬‬

‫ذو الوجهين‬ ‫‪-‬‬

‫إشاعة الفاحشة في اللذين آمنوا‬ ‫‪-‬‬

‫شهادة الزور‬ ‫‪-‬‬

‫الفحش والبذاءة‬ ‫‪-‬‬

‫لعن النسان والدواب‬ ‫‪-‬‬

‫سب المسلم بغير حق‬ ‫‪-‬‬

‫اليذاء‬ ‫‪-‬‬

‫الحسد‬ ‫‪-‬‬

‫التجسس والتسمع إلى كلم من يكره ذلك‬ ‫‪-‬‬

‫سوء الظن بالمسلمين‬ ‫‪-‬‬

‫احتقار المسلمين‬ ‫‪-‬‬

‫إظهار الشماتة بالمسلم‬ ‫‪-‬‬

‫الغش والخداع‬ ‫‪-‬‬

‫الغدر‬ ‫‪-‬‬

‫المن بالعطية‬ ‫‪-‬‬

‫الفتخار والبغي‬ ‫‪-‬‬

‫هجران المسلم فوق ثلث بغير سبب شرعي‬ ‫‪-‬‬

‫•‪ ..............................................................‬الرقائق والزهد وأمراض القلوب‬


‫‪....................................................................................‬‬
‫ذكر الموت وقصر المل‬ ‫‪-‬‬

‫ذكر الجنة والنار‬ ‫‪-‬‬

‫المراقبة والمحاسبة‬ ‫‪-‬‬


‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 848 [ ‬‬

‫الخوف‬ ‫‪-‬‬

‫الرجاء‬ ‫‪-‬‬

‫التوبة‬ ‫‪-‬‬

‫الورع‬ ‫‪-‬‬

‫الخشوع‬ ‫‪-‬‬

‫الزهد‬ ‫‪-‬‬

‫فضل الزهد في الدنيا‬ ‫‪-‬‬

‫فضل الجوع وخشونة العيش‬ ‫‪-‬‬

‫أمراض القلوب وعلجها‬ ‫‪-‬‬

‫• ‪ ................................................................‬برنامج تربوي ووصايا للمجاهد‬


‫‪....................................................................................‬‬
‫•‪ ...................................‬المجال الثالث ‪ :‬الفهم السياسي وفقه الواقع‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪ ............................................‬المجال الرابع ‪ :‬التربية العسكرية والعداد‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪ .......................‬المجال الخامس ‪ :‬التربية العملية بأداء فريضة الجهاد‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪ ..........‬مراتب الجهاد‪ :‬جهاد النفس والشيطان والكفار والمنافقين‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪ ...........................................................‬خصائص القاعدة الصلبة المجاهدة‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪..................‬أثر الذنوب والمعاصي في نزول البلء والهزيمة بالمسلم‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫الباب الرابع ‪ :‬النظرية العسكرية لدعوة المقاومة السلمية العالمية‬ ‫‪‬‬
‫• ‪........‬استعراض أساليب الجهاد في مسارنا الماضي(‪(2001-1960‬م‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪...............................‬مدرسة التنظيمات ( القطرية – السرية‪ -‬الهرمية (‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪......................................................‬مدرسة الجهاد في الجبهات المفتوحة‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪...................................................‬مدرسة الجهاد الفردي والخليا الصغيرة‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪..........................................................................................‬فكرة النتماء للمة‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪............................................................‬النظرية العسكرية لدعوة المقاومة‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 849 [ ‬‬

‫• ‪....................................................‬مقومات الجهاد في الجبهات المفتوحة‬


‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪....................................................‬جهاد الرهاب الفردي والخليا الصغيرة‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫مفهوم الرهاب‬ ‫‪-‬‬

‫إرهاب العداء فريضة شرعية واغتيال رؤسهم سنة نبوية‬ ‫‪-‬‬

‫الضرورات التي تحتم استخدام المقاومة لسلوب الجهاد الفردي‬ ‫‪-‬‬

‫السس العامة لنظرية الجهاد الفردي‬ ‫‪-‬‬

‫ساحات العمل الساسية في جهاد الرهاب الفردي‬ ‫‪-‬‬

‫أهم الهداف المعادية في جهاد الرهاب الفردي‬ ‫‪-‬‬

‫البعد القتصادي للحتلل المريكي‬ ‫‪-‬‬

‫ضرب حلفاء العدو الستراتيجيين في بلدنا‬ ‫‪-‬‬

‫•‪.....‬تنبيه هام ‪ :‬جهاد علماء الضللة المنافقين بالحجة وليس بالسلح‬


‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪....................................‬ضرب الغزاة في بلدهم وأهم الهداف في ذلك‬
‫‪..................................................................................‬‬
‫• ‪...........................................................................‬استراتيجية الردع بالرهاب‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪.............‬آلية عمل سرايا المقاومة ونظريتها العسكرية ونظام عملها‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪.............................................‬خصائص طريقة عمل سرايا دعوة المقاومة‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪...................................................‬أنواع سرايا المقاومة ومستوى عملياتها‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫•‪.......‬الثقافة الرهابية والملكة الرهابية والصفات المكتسبة للمقاتل‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫•‪.................................‬العلقة بين جهاد الجبهات وجهاد الرهاب الفردي‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫الباب الخامس‪ :‬نظرية التنظيم ونظام عمل سرايا المقاومة‬ ‫‪‬‬
‫السلمية العالمية‪.‬‬
‫• ‪...............................................‬أسس ومقومات بناء التنظيمات التقليدية‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪.............................................‬أسس ومقومات بناء سرايا دعوة المقاومة‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪................................................‬الدوائر التنظيمية الثلثة لدعوة المقاومة‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 850 [ ‬‬

‫•‪..................................................‬أنواع سرايا المقاومة السلمية العالمية‬


‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪...............................................‬إيضاحات على طريق بناء سرايا المقاومة‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫الباب السادس ‪ :‬نظرية العداد والتدريب في دعوة المقاومة‬ ‫‪‬‬
‫السلمية العالمية‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪.....................‬استعراض طرق التدريب في التجارب الجهادية الماضية‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪ ..........................................................................‬التدريب السري في البيوت‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪.................................................‬التدريب في المعسكرات السرية الصغيرة‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪...........................................‬التدريب في معسكرات دول الملذات المنة‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫•‪..................................‬التدريب العلني في معسكرات الجبهات المفتوحة‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪.................................................‬التدريب شبه العلني في مناطق الفوضى‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪......................................................................‬مفهوم العداد وسببه وهدفه‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪.......................................................‬ظاهرة معاصرة غريبة في دنيا العداد‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪........................................................‬أسلحة المقاومة والعصابات الجهادية‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪............................‬تدريب سرايا المقاومة اليوم ( السلوب والسلحة (‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪.................................................‬فكرة مختصرة عن برنامج تدريب السرية‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫الباب السابع ‪ :‬نظرية تمويل سرايا المقاومة السلمية العالمية ‪.......‬‬ ‫‪‬‬
‫• ‪.........................................‬طرق التمويل في التجارب الجهادية الماضية‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪................................................‬الطرق المقترحة لتمويل سرايا المقاومة‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪......................................................‬الموال التي يحل غنيمتها للمجاهدين‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪ ......................................................‬طريقة تقسيم غنائم سرايا المقاومة‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫الباب الثامن ‪ :‬نظرية العلم والتحريض في دعوة المقاومة ‪...........‬‬ ‫‪‬‬
‫• ‪..............................................................‬طرق التحريض على الجهاد قديما‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 851 [ ‬‬

‫• ‪.............................................‬خلصة نظرية التحريض في دعوة المقاومة‬


‫‪....................................................................................‬‬
‫•‪................................................................................‬سرايا التحريض والعلم‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫•‪......................‬أساليب وأفكار إعلمية تحريضية على الجهاد والمقاومة‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫•‪................................................................................‬شواهد مختارة للتحريض‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪.............................................‬فريضة المر بالمعروف والنهي عن المنكر‬
‫‪...................................................................................‬‬
‫• ‪...........................‬من تراث المام الشهيد عبد الله عزام في التحريض‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫•‪ ...................................................................................................‬الجهاد بالمال‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪.................................................................................‬القعود وطمس البصيرة‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪..................................................................................................‬مبررات الجهاد‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪......................................................................‬فضل الشهادة في سبيل الله‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪.....................................................................................................‬فضل الهجرة‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪........................................................................................‬ضل العداد والرمي‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪.....................................................................................................‬فضل الرباط‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪..........................................................‬نصوص في الجهاد والعداد والقتال‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪.................................................................‬رعاية أسر المجاهدين والشهداء‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫•‪.................................................................................................‬من أنواع الجهاد‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫• ‪..................................................................................‬مبررات القتال ودوافعه‬
‫‪....................................................................................‬‬

‫***********‬
‫الفصل التاسع ‪ :‬وصايا و مبشرات ‪............................................‬‬ ‫‪‬‬
‫• ‪..................................................................................................‬وصايا ومحاذير‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫•‪ .........................................................‬استشراف المستقبل وبشائر النصر‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 852 [ ‬‬

‫مسك الختام‬ ‫‪‬‬


‫‪....................................................................................‬‬

‫• ‪.......................................‬جولة مع مختارات من أحاديث الملحم والفتن‬


‫‪....................................................................................‬‬
‫•‪.........................................................‬وأحداث آخر الزمان وأشراط الساعة‬
‫‪....................................................................................‬‬
‫)‪ - (1‬فساد الحوال في آخر الزمان ‪ ,‬وبلء المؤمنين فيه‬ ‫‪-‬‬

‫)‪ – (2‬العلماء في آخر الزمان‬ ‫‪-‬‬

‫)‪ - (3‬غربة الصالحين في آخر الزمان‬ ‫‪-‬‬

‫)‪ - (4‬علمات الساعة‬ ‫‪-‬‬

‫)‪ – (5‬المهدي وعلماته ‪ ,‬والرايات السود والسفياني والقحطاني‬ ‫‪-‬‬

‫)‪ – (6‬الملحم مع الروم‬ ‫‪-‬‬

‫)‪ – (7‬خروج الدجال ونزول عيسى عليه السلم‬ ‫‪-‬‬

‫)‪ – (8‬خروج يأجوج ومأجوج‬ ‫‪-‬‬

‫***********‬
‫وهذه وصيتي‬ ‫‪‬‬
‫‪....................................................................................‬‬

‫*************‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 853 [ ‬‬

‫‪ ‬مقدمة الجزء الثاني ‪‬‬


‫الحمد لله أهل الحمد والثناء‪ .‬الحمد لله المحمود في الرض والسماء‪ .‬الحمد لله‬
‫الذي صدق وعده ونصر عنده وأعز جنده وهزم الحزاب وحده‪ .‬الحمد لله الذي أمر‬
‫رسول صلى الله عليه وسلم أمرا ً يعم كل مؤمن من أمته صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫فقال عز من قائل ‪:‬‬
‫َ‬
‫ن ي َك ُ ّ‬
‫ف‬ ‫هأ ْ‬ ‫سى الل ّ ُ‬
‫ن عَ َ‬
‫مِني َ‬ ‫ض ال ْ ُ‬
‫مؤْ ِ‬ ‫حّر ِ‬ ‫س َ‬
‫ك وَ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ف إ ِّل ن َ ْ‬‫ل الل ّهِ ل ت ُك َل ّ ُ‬‫سِبي ِ‬
‫ل ِفي َ‬ ‫قات ِ ْ‬‫‪ ‬فَ َ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ً‬
‫كيل ‪( ‬النساء‪(84:‬‬ ‫شد ّ ت َن ْ ِ‬‫شد ّ ب َأسا وَأ َ‬ ‫هأ َ‬ ‫فُروا َوالل ُ‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫س ال ّ ِ‬
‫ب َأ َ‬
‫والصلة والسلم على حبيبه وخيرته من خلقه‪ .‬نبينا وسيدنا وقائدنا وحبيبنا‬
‫الضحوك القتال نبي المرحمة ونبي الملحمة‪ .‬القائل صلوات الله وسلمه عليه " بعثت‬
‫بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده‪ .‬وجعل رزقي تحت ظل‬
‫رمحي وجعل الصغار و الذلة على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو‬
‫منهم " صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬وبعد‪:‬‬
‫فقبل أن ألج إلى هذا الجزء الهام الذي لم يكن الجزء الول على طوله و بكل ما‬
‫فيه ‪ ,‬إل مقدمات ومتكآت شرعية وتاريخية وسياسية وفكرية و منهجية لما سيحتويه‬
‫هذا الفصل إن شاء الله‪.‬‬
‫و قبل ذلك أحب أن أقدم لبواب هذا الفصل بجملة من النقاط توطئ له وتساعد‬
‫على مزيد من فهمه إن شاء الله‪.‬‬

‫ل‪ :‬الثابت والمتحول في الفكر الجهادي ونظريات دعوة المقاومة السلمية العالمية‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫ذكر المباركفوري في كتابه القيم ) الرحيق المختوم ( الذي اختصر فيه سيرة‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم خلصة ذلك الخبر فقال ‪:‬‬
‫" وتحرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بجيشه ليسبق المشركين إلى ماء‬
‫بدر‪ .‬ويحول بينهم وبين الستيلء عليه‪ .‬فنزل عشاًء أدنى ماء من مياه بدر‪ .‬وهنا قام‬
‫الحباب بن المنذر )رضي الله عنه( كخبير عسكري وقال‪ ) :‬يا رسول الله! أرأيت هذا‬
‫المنزل‪ ,‬أمنزل ً أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ول نتأخر عنه؟ أم هو الرأي والحرب‬
‫والمكيدة؟ قال‪ :‬بل هو الرأي والحرب والمكيدة ‪ .‬قال‪ :‬يا رسول الله! فإن هذا ليس‬
‫بمنزل‪ ,‬فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء القوم – قريش – فننزله ونغور – أي نخرب‬
‫– ما وراءه من القلب‪ ,‬ثم نبني عليه حوضا ً فنمله ماء ‪ .‬ثم نقاتل القوم فنشرب ول‬
‫يشربون‪ .‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪) :‬لقد أشرت بالرأي (‪.‬‬
‫وقد حوى هذا الثر العظيم حكما ً عظيمة يعلمنا بها رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم فوائد عظيمة ومن ذلك‪..‬‬
‫‪ .1‬أدب المسلم مع دين الله فما كان وحيا ً فل نتقدم ول نتأخر ‪.‬‬
‫‪ .2‬ضرورة الجتهاد فيما كان من مسائل ( الرأي والحرب والمكيدة ( ‪.‬‬
‫‪ .3‬أدب الجندي مع قائده في العرض ‪.‬‬
‫‪ .4‬أدب القائد مع أعوانه عندما تعرض عليه الجتهادات والبداعات ‪.‬‬
‫‪ .5‬وجوب عرض الراء دون وجل مهما علت منزلة وعلم القائد‪ ,‬وأمامنا‬
‫مثال عرض فيه الرأي على المعلم الكبر رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪.‬‬
‫‪.6‬الوضوح والجزم في عرض الرأي بعد أن تأكد أنه من مجالت الجتهاد ‪:‬‬
‫( ليس هذا بمنزل(‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 854 [ ‬‬

‫‪ .7‬أخذ القيادة بما تبين صوابه ‪ ,‬وعدم التجاوز على حق ظهر ‪ ,‬بصرف‬
‫النظر عن صغر قيمة قائلة‪.‬‬
‫ونذكر منها إشارة تهمنا في هذه المقدمة إلى أنه وضع قاعدة ذهبية للثابت‬
‫والمتحول التي يجب أن يقوم عليه الفكر الجهادي الحركي ‪,‬وفقه العمل والحركة في‬
‫الصحوة السلمية كلها‪ .‬بل أعتقد بأنه على أساس هذه القاعدة مدار كافة وجوه‬
‫نشاط وحركة المسلم في حياته كلها ‪.‬‬
‫وهذه الشارة تقسم القواعد والقوانين محط التفكير والعمل إلى قسمين‪:‬‬
‫‪ -‬ثابت من أساسيات الدين والمعتقد وقواعد المنهج الراسخة ‪ .‬وهذه فرضية‬
‫التعامل معها على أساس ‪ " :‬منزل أنزلكه الله تعالى‪ ,‬ليس لنا أن نتقدمه ول نتأخر‬
‫عنه "‪.‬‬
‫‪ -‬متحول بحسب الحوال والوقائع ‪ ,‬وهو ميدان تسابق العقول و الفهام و‬
‫الخبرات والتجارب‪ ,‬ومجال البداع فيها ‪ ,‬وهو ‪:‬ما كان من قضايا )الرأي والحرب‬
‫والمكيدة( ‪.‬‬
‫الحكمة الثانية الهامة من فقه هذا الثر العظيم هي تعليم القائد والمقود و كل من‬
‫جاء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام‪ .‬كيف يكون التعامل مع‬
‫مسائل الثابت والمتحول من قضايا العتقاد والعمل والتطبيق فعلى كل إنسان أن‬
‫ُيعمل هذا العقل الذي أنعم الله به عليه وجعله مناط التكليف في كل أمر يستقبله ‪,‬‬
‫وأن يسأل ويتبين إن لم يكن يعلم ‪ .‬يسأل أهل الذكر عما يعترضه من مسائل هل هو‬
‫من ثوابت العتقاد والحكام الشرعية الثابتة ؟ فيكون حاله معه التسليم والنقياد )فل‬
‫يتقدم ول يتأخر(‪ .‬أم أنه من مسائل الجتهاد في الرأي والحرب والمكيدة وما شابها‬
‫من وجوه النشاط النساني ؟ ‪ .‬فإن تبين له أنها من هذه ‪ ,‬فليقدم رأيه وخبرته‬
‫واجتهاده بكل رجولة وأدب ومسؤولية‪ .‬كما فعل ذلك الصحابي الجليل رضي الله عنه‪.‬‬
‫وعلى كل قائد ابتله الله بحسم القرار‪ ..‬أن يفسح المجال ويستمع ‪ .‬ويشجع المقود‬
‫على تحمل مسؤولية التفكير والقتراح والبداع ‪ .‬كما فعل رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ,‬وهو المستغني بالوحي دون من بعده عن كل ذلك‪ .‬بل ويتعدى ذلك للنزول‬
‫على رأي المجتهد الخبير‪ ,‬إن أصاب ‪ .‬وأن يقول إزاء ذلك ما قاله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ) :‬لقد أشرت بالرأي ( ‪ .‬بل وينقاد لذلك الرأي‬
‫وهما مدرستان في القيادة ! مدرسة تقبل المقترحات في ميدان الرأي والحرب‬
‫والمكيدة‪ ..‬وتشجيع المبدعين على الشورى ؛ ) لقد أشرت بالرأي(‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ما أَرى‬ ‫م إ ِّل َ‬
‫ما أِريك ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ل فِْرعَوْ ُ‬‫ومدرسة الفرعون التي أخبر عنها تبارك وتعالى‪َ :‬قا َ‬
‫َ‬
‫ل َيا قَوْم ِ‬ ‫شادِ( )غافر‪ ،(29:‬وكان كل مستنده في ذلك أنه‪َ  :‬قا َ‬ ‫م إ ِّل َ‬
‫سِبي َ‬
‫ل الّر َ‬ ‫ديك ُ ْ‬
‫ما أهْ ِ‬
‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ‪) ‬الزخرف ‪(51‬‬ ‫صُرو َ‬ ‫حِتي أَفل ت ُب ْ ِ‬
‫ن تَ ْ‬
‫م ْ‬
‫ري ِ‬ ‫صَر وَهَذِهِ اْلن َْهاُر ت َ ْ‬
‫ج ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مل ْ ُ‬
‫ك ِ‬ ‫س ِلي ُ‬ ‫أل َي ْ َ‬
‫م ال َعَْلى ‪‬‬ ‫قا َ َ‬‫مما أوصله للزعم الفاجر عندما نفخه الشيطان‪  :‬فَ َ‬
‫ل أَنا َرب ّك ُ ُ‬
‫)النازعسات‪. (24:‬‬
‫وليس هنا مجال الستفاضة بما تجيش به النفس ويستطرد القلم في كنوز تلك‬
‫النصوص اللهية العظيمة ‪ .‬والثار النبوية الكريمة ‪ .‬وفيما مر من الشارة كفاية لما‬
‫نحن بصدده‪.‬‬
‫وما أقدمه فيما سيتلو من نظريات أضعها كخطوة ‪ ,‬ضمن خطوات أولى يجب أن‬
‫تحصل اليوم ‪ ,‬قبل فوات الوان في التيار الجهادي ‪ ,‬و ميدان الفكر العملي في‬
‫الصحوة السلمية المجيدة‪ ..‬كي نفتح باب التصحيح والتطوير من خلل قرارنا‬
‫الستراتيجي العقدي بالثبات‪ ..‬الثبات على درب الجهاد‪..‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 855 [ ‬‬

‫ما أقدمه هو في معظمه أفكار من نوع قضايا ) الرأي والحرب والمكيدة ( ‪.‬‬
‫ولسيما ما يختص منها بقطاع العمل التطبيقي للجهاد في عالم ما بعد سبتمبر كما‬
‫أتصورها‪.‬‬
‫وهناك جانب منها هو من قطاع الثابت بمقتضى اعتقادنا بأساسيات ديننا الحنيف‬
‫ومعتقداتنا الدينية وأحكامها الشرعية الثابتة ‪ .‬وهي ثوابت منهجية لدينا توارثناها في‬
‫هذه الصحوة السلمية المباركة ‪ ,‬وفي التيار الجهادي المجيد ‪ ,‬عبر عقود متتالية ‪ ,‬عن‬
‫الثقاة الثبات من قادتنا وعلمائنا ومشايخنا المجاهدين العاملين ‪ .‬ومعظم هذه الثوابت‬
‫التي أنقلها ‪ ,‬مبثوثة في هذا الكتاب في البواب التي عنت بالفكر والمنهج والعقيدة‬
‫القتالية‪ ,‬و الساسيات الثابتة في السياسة الشرعية عند ما نتطرق للنظرية السياسية‬
‫للمقاومة ‪ .‬بالضافة للمناحي التربوية الدينية أيضًا‪.‬‬
‫ويستطيع القارئ تميز ذلك بسهولة ‪ .‬وسأشير إليها في مكانها لتميز ما هو معتقد‬
‫دين ثابت ‪ .‬أو حكم شرعي موقفنا معه أن ل نتقدم عنه ول نتأخر وإنما ؛ سمعنا‬
‫وأطعنا‪..‬‬
‫كما أن هناك اختيارات فقهية أخذنا بها ‪ ,‬وهذه خاضعة للقاعدة الذهبية التي لخصها‬
‫المام الفقيه الجليل المام مالك رحمة الله في الثر العظيم عند ما قال ‪ ) :‬كل‬
‫إنسان يؤخذ من كلمه ويرد إل صاحب القبر الشريف صلى الله عليه‬
‫وسلم ( فهي نظريات مطروحة للحوار والنقاش والتجربة والتطبيق ‪ ,‬من أجل إطلق‬
‫دعوة وطريقة عمل ومقاومة أرى ساحة العمل السلمي والصحوة المباركة بأمس‬
‫الحاجة لمثلها‪.‬‬
‫وقد أسميتها )دعوة المقاومة السلمية العالمية(‪ ..‬ووضعت لطلقها أسسا‬
‫في مختلف مناحي ومقومات الحركة ‪ ,‬عبر نظرياتها الثمانية التي تكون الفصل الثامن‬
‫‪,‬والذي يشغل معظم مساحة الجزء الثاني من هذا الكتاب ‪ ,‬وهو لبه والغاية منه ‪.‬‬
‫أقدم هذه النظريات بعد أن وصلت بحسب ما اعتقد اليوم إلى مستوى كاف في‬
‫نضجها ‪ ,‬وأقنعتني تداعيات عالم ما بعد سبتمبر‪ ,‬ووقائع سير الحملت الصليبية‬
‫اليهودية المريكية الغربية الجديدة ‪ ,‬وأهدافها الشاملة لكل الصعد والمجالت‬
‫الحضارية‪ ..‬أقنعتني و زادتني إيمانا ً بصواب معظم ما كنت قد ذهبت إليه في تطوير‬
‫هذه النظريات عبر أربعة عشر عاما ً ‪ .‬منذ ‪ 1990‬وإلى اليوم ‪.‬‬
‫وأرجوا من الله الهدى للحق‪ .‬وأن يلهمني الخلص ‪ ,‬ويهديني للصواب ‪ ,‬ويمن علي‬
‫بالقبول ‪ .‬فما كان من توفيق للصواب فهو من الله تعالى ‪ .‬وما كان من زلل فهو من‬
‫نفسي القاصرة ‪ ,‬ومن الشيطان ‪ .‬والقصور طابع عمل ابن آدم ‪ .‬واستغفر الله العظيم‬
‫وأتوب إليه‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 856 [ ‬‬

‫ثانيًا‪ :‬نظريات دعوة المقاومة السلمية العالمية‪ ,‬نظريات عملية ‪:‬‬


‫في كتابي ) الثورة السلمية الجهادية في سوريا ( الذي كان باكورة إنتاجي سنة‬
‫‪ , 1987‬ذكرت في الفصل الثالث من الجزء الول بعض التعريف المهم لما اصطلحت‬
‫عليه بس )النظرية العملية(‪ ..‬وكنت أتمنى لو كان الكتاب بمتناولي ‪ ,‬لنقل منه تلك‬
‫الفقرة هنا‪.‬‬
‫فقد كتبت فيه ما فحواه ؛ أن هناك فرقا جوهريا بين ) النظريات النظرية( ‪,‬‬
‫و) النظريات العملية( ‪ .‬فالنظريات النظرية ؛ هي تصورات فكرية يضعها أصحابها من‬
‫خلل بنات أفكارهم و سبحاتهم الفكرية والفلسفية ‪ ,‬ليثبت الواقع بعد ذلك خطأها من‬
‫صوابها‪ .‬وكثيرا ً ما تتسم تلك النظريات ببعدها عن الواقع ‪ ,‬وبقائها متصفة بصفات‬
‫البراج العاجية حيث يجلس أصحابها‪ .‬ولسيما عند ما يتناولون في نظرياتهم ‪ ,‬مجالت‬
‫بعيدة عن مجالت تجاربهم العملية‪ ,‬وخبراتهم الواقعية‪.‬‬
‫أما النظريات العملية‪ .‬فهي نظريات عمل تولد في مجال الحركة والتطبيق من‬
‫قبل أصحابها ‪,‬الذين يولدونها من خلل المسار العملي ‪ .‬ومن أجل تصحيحه والسير به‬
‫نحو الفضل وصول ً لتحقيق الهداف‪ .‬وفي مجال الجهاد والمعركة‪.‬‬
‫و يمكن تعريف النظريات العملية بأنها ‪ :‬نظريات تولد في ميدان المعركة‬
‫والمواجهة ‪ .‬يصوغها المفكرون المجاهدون المتحركون في أرض الواقع ‪ .‬والعلماء‬
‫العاملون في ميدان المعركة ‪ .‬وتسطرها القلم المجاهدة الميدانية ‪ .‬ول تنزل عليهم‬
‫من فوق ‪ ,‬من قيادات قاعدة ‪ ,‬ول من علماء قد يّبست مفاصلهم المكيفات ‪ ,‬في‬
‫جلسات الترف الفكري على الطاولت الفارهة ‪ ,‬بعد عشاء دسم قد حفل بالملذات‪.‬‬
‫لن المخلص من أولئك الكتاب ‪ -‬إن وجد فهم مخلصون – يمكنهم أن يكتبوا في‬
‫فقه الجهاد وأحكامه ‪ .‬ليعيدوا تلصيق النصوص القديمة ‪ ,‬ويعيدوا كتابتها ‪ ,‬ويمهروها‬
‫سوقوها في‬ ‫بأسمائهم المسبوقة بألقاب الشيخ والستاذ والدكتور والمفكر‪ ..‬ثم ي ّ‬
‫طبقات أنيقة ‪ ,‬على ورق ثمين ‪ .‬ليقرأها جمهور ل يقل عنهم ترفا ً ‪ .‬وقد يستفيد مما‬
‫فيها من حكمة مؤمنون تحركوا بها وبغيرها من آفاق الحكمة في ميادين القتال‪.‬‬
‫إن نظريات الجهاد العملية ‪ ,‬يولدها أصحابها في ميدان الجهاد والمواجهة وساحات‬
‫المعركة‪ .‬تأتي وتولد بعد هضم تجارب الماضي ‪ ,‬واستعراض الثمان الباهظة لسلسلة‬
‫تجارب الفشل سعيا ً إلى التصحيح والتطوير‪ ,‬من خلل استراتيجية الثبات واختيارها كما‬
‫أسلفت ‪ .‬فالعالمون في الناس قليل‪ .‬والعاملون فيهم أقل ‪ .‬و العالمون العاملون‬
‫منهم أنذر من الحجار الكريمة في هذه السلسل المترامية الطراف من ركام‬
‫الحجارة والتراب‪ .‬والمخلصون في هؤلء‪ ..‬ثلة من الوليين وقليل من الخرين ‪.‬نسأل‬
‫الله بجميل كرمه أن يجعلنا منهم‪.‬‬
‫إإن النظريات العملية مهمة من حملوا على عانقتهم أمانة السيف والقلم ‪.‬‬
‫ووفقهم الله لفهم حكمة التجارب والدروس‪.‬‬
‫و قلت في ذلك الكتاب قبل سبعة عشر عاما ً إن لم تنحني الذاكرة ما فحواه ‪:‬‬
‫إن النتصارات في تجارب المواجهات قليلة ‪ ,‬إذا ما قيست بالتجارب‬
‫الفاشلة‪ .‬ولكن دروس الفشل أكثر إغناء من دروس النتصارات ‪ .‬و أفدح‬
‫منها ثمنًا‪ .‬وهي بفوائدها تسير بالعامل نحو النصر والنجاح‪.‬‬
‫إن دروس الفشل مزدوجة الفائدة ‪ ,‬لنها تعلمنا العبرة من التجربة ‪.‬‬
‫وتوجد لنا المجرب‪ .‬فإذا ما قدر للمجربين الثبات ‪ ,‬فإنهم يتأهلون‬
‫بموجب تلك الدروس النتصارت كبرى بإذن الله‪.‬‬
‫وفي هذا السياق أقول‪..‬‬
‫إن نظريات دعوة المقاومة السلمية العالمية التي أضمنها هذا الكتاب ‪ ,‬هي وليدة‬
‫أمرين اثنين بعد توفيق الله تعالى‪..‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 857 [ ‬‬

‫أولوهما ‪ :‬التجربة الميدانية المباشرة على مر نحو ربع قرن من مواكبه تجارب‬
‫الصحوة السلمية تماسا ً وإطلعا ‪ .‬ومن العمل الميداني وسط التيار الجهادي منخرطا ً‬
‫في العديد ‪ ,‬منها ‪ ,‬ومحتكا ً مع الكثير من روادها وقادتها وعناصرها‪..‬‬
‫و ثانيهما ‪ :‬توليدها من خلل دراسة فاحصة ‪ ,‬ومراجعة متأنية لتجارب الصحوة‬
‫السلمية الماضية عامة ‪ ,‬والمحاولت الجهادية خاصة ‪ .‬مطلعا ً على أدبياتها وتاريخها‬
‫ومنشوراتها ‪ .‬وروايات أصحابها مباشرة‪ ,‬حيث لم تتوفر كتابة‪ .‬ثم اعتماد مبدأ التصحيح‬
‫والتطوير لتلك التجارب ‪ ,‬بعد تبني خيار الثبات ‪ .‬كمرتكز شرعي ديني وعقدي ‪,‬‬
‫وأساس استراتيجي حركي‪..‬‬
‫وبهذا تأتي هذه النظريات في التيار الجهادي والصحوة السلمية بصفتها نظريات‬
‫عملية‪.‬‬
‫لقد أخذت هذه النظريات ‪ -‬بعون الله ‪ -‬آلف الساعات ‪ ,‬من المطالعة والتأمل‬
‫والتفكير والمقارنة ‪ ,‬ومتابعة دقيقة ويومية لمختلف وسائل العلم للوقوف على‬
‫مستجدات واقع المسلمين ومخططات أعدائهم ‪ .‬ومثل ذلك الجهد والوقت من الحوار‬
‫والمدارسة والنقاش ‪ ,‬مع مختلف المستويات في وسط التيار الجهادي ‪ ,‬وغيرهم من‬
‫رجال الصحوة ‪ .‬ولسيما في قطاع المفكرين والدعاة والقادة المجاهدين أصحاب‬
‫التجارب‪.‬‬
‫وقد يسر الله بعد تلك الساعات الكثيرة من الدراسة والمحاورة ‪ ,‬ولدة كثير من‬
‫الفكار الشراقات ‪ ,‬التي ربما التقطت بعضها من أفواه بعض أفراد المجاهدين‬
‫العاديين البسطاء من روايتهم وآرائهم عن تجاربهم‪ .‬أو من قيادات مجربة عاملة ‪ ,‬من‬
‫غير المهتمين بالتأليف أو القادرين على الكتابة‪ .‬فصغتها بأسلوبي ووضعتها في سياقها‪.‬‬
‫وجمعتها كما يفعل الصائغ بحبات الجوهر الثمين ‪.‬‬
‫وربما سبب لي حوار مع البعض ‪ ,‬أن تنقدح في ذهني تداعيات فكرة طرحت‬
‫لتتطور عندي وتتداعى تبعاتها الفكرية لتأخذ مكانها في السياق‪ .‬ويعود كثير من الفضل‬
‫فيما يبدو إبداعيا ً ومبتكرا في هذه النظريات ‪ ,‬لعشرات من حاورتهم من الرجال‬
‫والدعاة والمجاهدين العاملين ‪ .‬وبذلك أستطيع الدعاء بأنها نظريات عملية ‪ .‬وإثبات‬
‫ذلك‪ .‬ومن هنا اعتقد أن هذه النظريات تأخذ قيمتها‪ .‬ولهذا أذكر هذه المراحل في‬
‫توليدها ‪ ,‬وأسال الله الخلص ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 858 [ ‬‬

‫ثالثًا‪ :‬آلية توليد النظريات من خلل منهج الثبات والتصحيح والتطوير‪:‬‬


‫لقد تكلمت على هذا المنهج في آخر الفصل السادس ومطلع السابع من الجزء‬
‫الول ‪ ,‬ما فيه الكفاية عن استراتيجية وخيار الثبات‪ .‬وعن أهمية التصحيح ‪ .‬واستناده‬
‫لمبدأ عرض العلة بل حرج ودراستها‪ .‬وعن مبدأ استعراض أساليب العمل وتناولها بعيدا ً‬
‫عن التقديس لنها آلة ووسيلة ‪ .‬وتطويرها أو إلغاؤها ‪ ,‬أو استحداث ما يناسب الوقت‬
‫مما لم يسبق تجربته كأسلوب‪.‬‬
‫وقد أدى بي ذلك إلى استعراض حصاد تجارب التيار الجهادي بكل انفتاح وحرية ‪,‬‬
‫وبفقه منهج نقد ذاتي يهدف إلى أهداف سامية ‪ .‬وهل هناك أسمى من الجد في‬
‫البحث عن سبيل للجهاد نرجو أن يحقق النصر وينهض بهذه المة من ضحضاح‬
‫الهزيمة؟‪.‬‬
‫وقد تناولت مناحي ذلك الحصاد في الفصل السابع ‪ ,‬بعد أن مر مختصر تاريخ‬
‫التجارب في الفصل السادس ‪ .‬وهو من أطول فصول الكتاب ‪ .‬ولكني هنا أشير إلى‬
‫آلية توليد النظريات بعد إجراء عملية استعراض علل وأخطاء تلك التجارب‬
‫والساليب ‪ ,‬التي لم يكن غالبها خطأ ً وإنما كانت أساليبا استهلكت وتجاوزها الزمن ‪.‬‬
‫بمعنى أنها لم تكن خطأ ً ولم تعد صوابًا‪ .‬ولقد كان من أهم الفقرات إفادة للبحث عن‬
‫نظريات الصواب المفترض ‪ .‬فقرة البحث في السباب الداخلية الذاتية لفشل مشاريع‬
‫الجهاديين ‪ ,‬وأخطاء المنهج والبنية والمسار‪ ,‬وأخطاء طريقة الداء التي عرضتها في‬
‫الفصل السابع ‪.‬‬
‫وبعد ذلك قمت بعملية البحث عن الصواب أو عن المناسب المقابل لما اعتقدت‬
‫أنه خطأ ‪ .‬أو أنه لم يعد مناسبًا‪.‬‬
‫و كما كان مجموع الخطاء يساوي فشل ً في المحصلة ‪ .‬أو يشكل أهم أسباب‬
‫الفشل‪ .‬شكلت مجموعة فرضيات الصواب ) نظريات دعوة المقاومة السلمية‬
‫العالمية(‪ ..‬بهذا الشكل الذي يوضحه هذا الجدول التمثيلي‪.‬‬

‫النظرية الجديدة‬ ‫صواب مفترض‬ ‫خطأ مفترض‪..‬‬


‫نظرية الفكر والمنهج في‬
‫تصورات منهجية صحيحة‬ ‫أخطاء منهجية‬
‫دعوة المقاومة‬
‫نظرية التربية في دعوة‬
‫تصورات منهجية صحيحة‬ ‫أخطاء تربوية‬
‫المقاومة‬
‫نظرية السياسية في دعوة‬ ‫أخطاء سياسية‬
‫تصورات سياسية صحيحة‬
‫المقاومة‬ ‫تطبيقه‬
‫أخطاء في الساليب‬
‫النظرية العسكرية لدعوة‬
‫تصورات عسكرية مناسبة‬ ‫العسكرية أوأساليب‬
‫المقاومة‬
‫استهلكت‬

‫وهكذا‪ ..‬في باقي مجالت نظريات الدعوة ‪ ,‬التي سعيت أن تكون شامة‬
‫ومتكاملة‪ .‬بدءا ً من الساسيات العقدية والفكرية والسياسية ‪ ,‬ومرورا ً بالمنهج التربوي‬
‫المناسب ‪ ,‬وانتهاًء بالساليب التطبيقية للعمل العسكري‪ .‬وما يلزمه من العداد‬
‫والتدريب والتنظيم والتمويل ‪ .‬من دون أن ننسى الساليب المناسبة للدعوة والعلم‬
‫والتحريض‪.‬‬

‫رابعًا‪ :‬اعتماد منهج حشد المة من أجل المقاومة دون المساس بثوابت المنهج‪:‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 859 [ ‬‬

‫ل يمكن إثبات صحة نظرية ما ‪ ,‬إل بإثبات خطأ ما يناقضها في مجالها‪ .‬وهو ما‬
‫أسميته في بعض محاضراتي القديمة بس ) مبدأ الهدم والبناء( ‪ .‬وهو مبدأ معتمد في‬
‫الدعوات كلها‪.‬‬
‫فأساس دعوة السلم يقوم على ذلك‪:‬‬
‫قى ( ) البقرة‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫سك ِبالعُْروَةِ الوُث ْ َ‬ ‫م َ‬‫ست َ ْ‬ ‫ن ِبالل ّهِ فَ َ‬
‫قدِ ا ْ‬ ‫ت وَي ُؤْ ِ‬
‫م ْ‬ ‫غو ِ‬ ‫فْر ِبال ّ‬
‫طا ُ‬ ‫ن ي َك ْ ُ‬ ‫( فَ َ‬
‫م ْ‬
‫‪ . (256‬فل يمكن أن يبني اليمان بالله ‪ ,‬إل على هدم اليمان بالطاغوت والكفر به‪.‬‬
‫وينسحب هذا المبدأ على ما هو أقل مستوى في التناقض ‪ .‬من مجالت الحق والباطل‬
‫‪ .‬إلى مجالت الخطأ والصواب ‪ .‬وهي افتراضات اجتهادية في مجالت العمل والحركة‬
‫خاصة‪.‬‬
‫فل يمكن إثبات أن الجهاد هو الحل للخروج من أزماتنا ‪ .‬إل بإثبات أن البرلمان‬
‫ليس الحل‪ .‬وقل مثل ذلك عن الساليب المتعددة المطروحة في سوق الصحوة‬
‫السلمية ‪.‬‬
‫وعند ما يتعلق المر باستعراض التجارب وتقييمها تشتد حساسية‬
‫المسألة ‪ .‬فالتجارب دعوات ‪ .‬والدعوات أفكار ومناهج ‪ .‬ونقدها يثير‬
‫حساسية أصحابها ‪ .‬وأكثر من هذا حساسية ‪ ,‬أن الدعوات أشخاص‬
‫ورموز‪ ,‬وأعمال عاملين ‪ .‬وانتقادها يثير حساسية أكبر ‪ .‬بل يثير الشعور‬
‫بالعدوان ‪ ,‬ويستفز للرد‪.‬‬
‫وهنا ل بد من العودة إلى أصول الخلف وأدب الخلف وفق قواعد السلم ‪.‬‬
‫فنظريات ) دعوة المقاومة السلمية العالمية( تقف مع مختلف شرائح مكونات‬
‫خط الحرب المفترض حشده في هذه المة في مواجهة أعدائها أمام مستويين من‬
‫التعارض ‪ :‬مستوى إختلف ‪ ,‬و مستوى خلف ‪.‬‬
‫ففي التعرض لما يمس ثوابتنا العقدية والمنهجية الفكرية فنحن ومن يرى غير ذلك‬
‫بمن فيهم بعض مكونات وحركات الصحوة السلمية ومناهجها ومدارسها وإعلمها في‬
‫مجال خلف‪ .‬خلف تضاد ‪ .‬فالفارق مثل بيننا وبين السلميين )البرلمانيين‬
‫والديمقراطيين ( هو مجال خلف تضاد وليس اختلف تنوع مقبول ‪.‬‬
‫وأظن أن هذا المثال الصارخ الشكالية يوضح نظائره من المشاكل المنهجية ‪.‬‬
‫وأما ما يمس أساليب العمل ‪ ,‬وآليات المواجهة ‪ ,‬ضمن التيار الجهادي ومدارس‬
‫العمل السلمي ‪ ,‬فنحن في مجالت اختلف تنوع ممكن ‪ ,‬وربما مفيد ‪ .‬فهو اختلف‬
‫في وسائل العلج ‪.‬‬
‫وهنا ربما تكون الحساسية أقل ‪ .‬أو هذا ما يجب على القل‪.‬‬
‫وقد حرصت رغم الطبيعة الثورية لمثل هذه الفكار المطروحة في هذا الكتاب ‪.‬‬
‫طف من كافة تبعات هذا الخلف والختلف‪ .‬لكوننا في حالة مواجهة صائل ليس‬ ‫أن أل ّ‬
‫أوجب بعد توحيد الله من دفعه ‪ .‬ويجب رص الصف وتأليف القلوب ‪ .‬رغم صعوبة‬
‫المسألة ‪ .‬فالنفوس جبلت على تقديس الفكار والشخاص ‪ .‬وهي اكبر المعضلت التي‬
‫قامت في طريق النبياء فمن بعدهم ‪ ,‬من أتباعهم وورثة دعواتهم ‪.‬‬
‫ولكني جهدت وسأجهد في أن ل تؤثر جدية الطرح ‪ ,‬وعمق انقلبيته وأبعاده‬
‫التجديدية ‪ ,‬على ما أقصده من الحشد للمقاومة ‪.‬فإني هنا بصدد إنشاء نظريات‬
‫دعوة ‪ .‬وليس إرساء قواعد تنظيم أو تجمع حركي ينافس الخرين في ميدان العمل ‪.‬‬
‫ويصارعهم على تجاذب مقومات العمل ‪ ,‬البشرية والمادية ‪ .‬كما حصل و يحصل‬
‫وللسف في ميدان الصحوة السلمية والتيار الجهادي‪..‬‬
‫بل لقد ذهبت في هذا الطرح لما هو أبعد من ذلك في رص الصفوف ومحاولة‬
‫جمع المة ‪ .‬وذلك أن مجالت الخلف والختلف ‪ ,‬تصبح مجالت تناقض وعداء ‪ ,‬عندما‬
‫نخرج من دائرة الصحوة السلمية ‪ ,‬إلى مختلف الشرائح والمكونات الفكرية والثقافية‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 860 [ ‬‬

‫والسياسية للمة السلمية ‪ ,‬بمجموعها البشري ‪ ,‬و تركيبها الثقافي والحضاري المعقد‪.‬‬
‫من مثل التيارات ذات الفكار المستوردة مثل التيارات القومية ‪ ,‬والوطنية العلمانية ‪,‬‬
‫وغيرها التي تشتمل ‪ -‬للنصاف ‪ -‬رغم تناقضنا مع أفكارها ‪ ,‬وعدائنا لما تحتويه من‬
‫النحراف والضلل ‪ ..‬فإنها تشتمل على قطاع عريض من الشرفاء الذين يريدون‬
‫بإخلص الشتراك في المقاومة لذات أعدائنا‪ .‬ويقصدون ‪ -‬من حيث لم يوفقوا‬
‫للصواب ‪ -‬إلى خلص هذه المة ‪ ,‬ويرجون انتصارها ورفعتها‪ ..‬وقد شاركونا كإسلميين‬
‫الكثير من ضرائب العناء مع النظمة الطاغية ومن وراءها من القوى الستعمارية ‪.‬‬
‫فحتى هذا القطاع ‪ ,‬حرصت في نظريات المقاومة ‪ ,‬دون أن أجاوز ما يسمح به‬
‫المعتقد وثوابت الدين المقدسة ‪ ,‬أن أتألف تلك القلوب ما أمكن ‪ .‬وأن أدخل من‬
‫بوابات مجالت التفاق معها ‪ ,‬معتمدا ً على ما لديهم من النخوة والشرف والحمية ‪,‬‬
‫والعاطفة السلمية عند من تتوفر عندهم ‪ .‬وصول ً إلى كسبهم إلى أن يكونوا على‬
‫يمين خط حرب المقاومة لمريكا وإسرائيل وحلفائها من المرتدين والمنافقين ‪ .‬إن لم‬
‫يكن حلفا ً على نصرة الحق ‪ ,‬فحيادا ً تجاهنا على القل‪.‬‬
‫وهذا من أهم واجبات من يتصدرون لعملية الحشد‪ .‬حشد المة على المقاومة‪..‬‬
‫وهذا ما سعيت إليه كواحد ممن يرجون الوقوف في هذا الصف‪.‬‬
‫وأرجوا أن تتسع الصدور جميعها ‪ ,‬وهي تستعرض ما لم أستطع أن‬
‫أتجاوزه من نقد بعض المور ‪ .‬أو ما لم يحالفني السلوب المناسب في‬
‫تناولها ‪ .‬وخاصة من قبل إخوة العقيدة والسلح من الجهاديين‪ .‬أو أخوة‬
‫طريق الصحوة وخدمة السلم من السلميين ‪ .‬أو من يجمعنا بهم‬
‫الهدف النبيل والشرف والنخوة للسعي نحو تحقيقه‪.‬‬

‫خامسا ‪ :‬خصائص و ملمح في نظريات دعوة المقاومة السلمية العالمية‪:‬‬


‫)‪ - (1‬تعتمد الدعوة منهج التجديد في أساليب العمل الجهادي و الفكر‬
‫الحركي للصحوة السلمية ‪.‬‬
‫ومرد ذلك إلى التغيرات الجذرية لظروفنا المحيطة ‪ ,‬منذ قيام النظام العالمي‬
‫الجديد ‪ ,‬وانطلق الحملت الصليبية الصهيونية واعتمادها على تحالف أنظمة الردة‬
‫وقوى النفاق في بلدنا معها ‪ .‬ولسيما بعد ما عرف بعالم ما بعد الحادي عشر من‬
‫سبتمبر‪ .‬ثم تكشف برامج الحملت الصهيونية الصليبية المريكية على عالمنا‬
‫السلمي ‪ .‬ومشاريعها الحضارية الشاملة لعالمنا الذي أسمته ) الشرق الوسط‬
‫الكبير( ‪ .‬وهجمت عليه عسكريا ً وسياسيا ً وثقافيا ً وعلى كل صعيد‪ .‬فجذرية التجديد‬
‫اقتضتها جذرية التحولت الناشئة عن الحملت و تركيبة الصف المعادي‪.‬‬
‫)‪ - (2‬السمة الساسية للدعوة ‪ -‬رغم شمولية المنهج‪ -‬أنها دعوة مقاومة‬
‫جهادية للعدو الخارجي أساسا ً‪.‬‬
‫فقد قامت معظم مدارس الصحوة السلمية ‪ ,‬ولسيما السياسية منها ‪ ,‬وخاصة‬
‫الجهادية من أجل الطاحة سياسيا ً أو جهاديا ً بأنظمة الحكم ‪ ,‬القائمة على غير شرع‬
‫الله‪ .‬ومن أجل إقامة الحكم السلمي على أنقاضها ‪ .‬وكان هذا هو هدف الصحوة‬
‫بكل مدارسها ‪ .‬وبسبب هذه الهدف تحددت خصائص المناهج ‪ ,‬وأساليب الحركة ‪,‬‬
‫وكانت كما كانت ‪.‬‬
‫ولكن الهدف الذي تقوم من أجله دعوة المقاومة مختلف الن ‪ .‬وهو تحديدا دفع‬
‫صائل العدو الخارجي ‪ .‬وإن كان نجاحنا في تحقيق هذا الهدف ‪ ,‬سيؤدي تلقائيا ً لنفس‬
‫الهدف الشامل للصحوة السلمية و الجهادية ‪ .‬وهو إقامة دولة السلم و تحكيم‬
‫شريعة الله‪ .‬ولكن الهدف الستراتيجي المرحلي الذي فرضه الواقع الن ‪ .‬ليس إقامة‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 861 [ ‬‬

‫تنظيم أو تنظيمات تطيح بحكومات محلية ‪ .‬سواًء عبر تنظيمات سرية ‪ ,‬أو أحزاب‬
‫سياسية )قانونية( ‪ .‬لن الداهية الن أكبر‪ .‬والتصدي لها أعجل و آكد‪.‬‬

‫فهدف دعوة المقاومة هو ‪:‬‬


‫مقاومة صائل الحملت الصهيونية الصليبية الغازية بقادة أمريكا‬
‫وحلفائها اليهود والصليبين من قوى الكفر الخارجية ‪ .‬ومن قوى الردة‬
‫والنفاق المحلية المتعاون معها ‪ .‬وبتغير الهدف الستراتيجي القديم ‪,‬‬
‫وهو مواجهة الحكومات ‪ ,‬تتغير معطيات المناهج المطلوبة والساليب‬
‫الحركية المناسبة‪.‬‬
‫ويجب أن ل يفهم أحد من هذا ‪ ,‬أنه ليس من أهداف دعوة المقاومة ) إقامة حكم‬
‫شرع الله( ‪ ,‬معاذ الله ‪ .‬وهل يكون مؤمنا ً من ل يكون هذا هدفه؟‪ .‬ولكننا نعتبر هذا‬
‫الهدف النهائي نتيجة لنجاح المقاومة في دحر هذه الحملت‪ ..‬وإسقاط القوة العظمى‬
‫أمريكا‪.‬‬
‫لقد بينا فيما مر في الجزء الول ‪ .‬بما فيه الكفاية ‪ .‬ما أدت إليه الساليب‬
‫القديمة ‪ .‬الجهادية منها ‪ ,‬أو السياسية على طريق الصراع مع الحكومات القائمة ‪.‬‬
‫وترك القوى الخفية التي دعمتها ‪ .‬وما أدى إليه ذلك من الحتراب الداخلي ‪ ,‬والدوران‬
‫في حلقات مفرغة ‪ .‬ومن حسن الحظ ‪ ,‬ولكي تكون المعركة على بينة ‪ .‬جاءتنا تلك‬
‫القوى اليوم صراحة بخيلها ورجلها ولله الحمد‪ .‬وإن دحرها سيؤدي تلقائيا ً إلى سقوط‬
‫حلفائها المرتدين والمنافقين ‪ .‬ومن يصر على الردة منهم بتحالفه مع العداء الغزاة ‪.‬‬
‫ول ينعطف لينضم إلى جموع المة المقاومة‪.‬‬
‫و بحكم طبائع الشياء ‪ ,‬ستكون القوى السياسية و الجهادية المنتصرة في‬
‫المقاومة إن شاء الله هي المرشحة تلقائيا ً لملء ذلك الفراغ ‪ .‬وهل ستملؤه بعد كل‬
‫ذلك المسار الجهادي من التضحيات إل بتحكيم شرع الله وإقامة دولة السلم ؟‪ .‬وهل‬
‫ستجرؤ قوى محلية ظلمية جديدة ‪ ,‬على الوقوف في وجه ذلك الهدف حينئذ ‪ ,‬مع‬
‫غياب القوى الدولية العظمى ‪ -‬التي زرعت أحزاب الكفر وجموع العملء في بلدنا ‪-‬‬
‫واستراحة البشرية من شرورها‪.‬‬
‫إن انتصار مشروع المقاومة وسقوط أمريكا ‪ ,‬بإذن الله ‪ .‬سيبدل موازين القوى‪.‬‬
‫ويجعل الرض غير الرض‪ .‬ولن يحكمنا عندها إل شرع الله‪ .‬ولهذا الهدف يجب أن‬
‫نعمل الن‪.‬‬
‫فالهدف الستراتيجي للمقاومة هو صد الحملت ‪ .‬وجمع المة على‬
‫ذلك ‪ .‬تحت شعار الجهاد ومنهج السلم ‪ .‬في دعوة تربوية شاملة متكاملة ‪.‬‬
‫ستولد بإذن الله جيل ً‪ ,‬بل أجيال ل ترضى بغير الله ربا ‪ ,‬وبغير السلم دينا ‪ ,‬وبغير‬
‫القرآن كتابا ً ودستورا ‪ ,‬و بغير نبينا محمد صلى الله عليه وسلم نبيا ً ورسول ً وقائدا ً‬
‫وإمامًا‪..‬‬
‫)‪ - (3‬نظريات دعوة المقاومة السلمية العالمية تحمل في كثير من‬
‫جوانبها أبعادا ً سياسية شرعية‪.‬‬
‫والسياسة الشرعية ‪ ,‬كما هو ظاهر من تركيب هذا )المصطلح( هي وليدة ‪:‬‬
‫)شريعة ‪ +‬سياسة(‪ .‬والشريعة أحكام ثابتة ‪ ,‬وخطوط عريضة تحد مجالت‬
‫السياسة ‪ .‬لتسير وفق الهدى الرباني لسياسة واقع‪.‬‬
‫والواقع متحول يقوم على حركة بشر‪ ,‬وسلوك متحول يعتمد فن الممكن ‪,‬‬
‫وقلوب متقلبة ضمن أصابع الرحمن جل وعل يقلبها كيف يشاء ‪.‬‬
‫ولذلك يجب أن تتحرك دعوة المقاومة السلمية العالمية ضمن هذه الفاق‪..‬‬
‫بضوابط السياسية الشرعية‪ ,‬بثبات ثابتها ‪ ,‬وتحول متحولها‪ .‬بانسيابية حركية تناسب‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 862 [ ‬‬

‫التجدد والتقلب الهائل في الظرف والمعطيات ‪ .‬فإن من خصائص النظريات العملية ‪.‬‬
‫القدرة على التجديد ومواكبة المتغيرات ‪ .‬من قبل العاملين ذاتهم ‪ .‬واتصال سلسلة‬
‫السائرين على بصيرة من دينهم ‪ .‬بعد اختيار استراتيجية الثبات والستمرار بعون الله‪.‬‬
‫)‪ - (4‬إن دعوة المقاومة السلمية العالمية‪ .‬دعوة لتنظيم جهد المجموع‬
‫من خلل إبراز دور الفرد‪.‬‬
‫فهي مستوحاة من قوله تعالى‪:‬‬
‫َ‬
‫ن ي َك ُ ّ‬
‫ف‬ ‫هأ ْ‬ ‫سى الل ّ ُ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫مؤْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ض ال ْ ُ‬‫حّر ِ‬ ‫ك وَ َ‬‫س َ‬ ‫ف َ‬‫ف إ ِّل ن َ ْ‬ ‫ل الل ّهِ ل ت ُك َل ّ ُ‬ ‫سِبي ِ‬‫ل ِفي َ‬ ‫قات ِ ْ‬ ‫‪ ‬فَ َ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫‪) ‬النساء‪. (84:‬‬ ‫ً‬ ‫كيل‬ ‫شد ّ ب َأسا وَأ َ‬
‫شد ّ ت َن ْ ِ‬ ‫هأ َ‬ ‫فُروا َوالل ُ‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫ذي َ‬‫س ال ّ ِ‬‫ب َأ َ‬
‫فدعوة المقاومة هي دعوة قامت كي يستطيع الفرد كفرد ‪ ,‬والمجموعة الصغيرة‬
‫مهما قلت إمكانياتها ‪ ,‬أن تؤدى فريضة الجهاد العيني لدفع الصائل ‪ ,‬بما يناسب حالها‬
‫وقناعتها وقدرتها على التجمع والتنظيم ‪ .‬كما قال تعالى ‪  :‬فقاتل‪ , ‬ل تكلف‬
‫إل نفسك‪ . ‬فتطلق الفرد للعمل ‪ ,‬إذا لم يجد من ل يضم جهده إليه‪ .‬فإن وجد من‬
‫يعينه ‪ ,‬وينضم إليه ‪ .‬فبها ونعمت ‪.‬‬
‫وهو ليس قتال على أي مبدأ كان ! وإنما ‪ ‬فقاتل في سبيل الله ‪ ..‬وسبيل‬
‫الله منضبط – باختصار‪ -‬بشرع الله ‪ .‬وهو معتقد دين ‪ .‬وأحكام شريعة ‪ .‬ينتج سلوكا ً‬
‫ومنهجا ً ‪.‬‬
‫وهي إذ تكلف الفرد‪ ,‬كل فرد مهما قل شأنه وإمكانياته ‪ ,‬ما خل أصحاب العذار‬
‫الشرعية ‪ -‬وليس أعذار القعدة والمنافقين ‪ -‬تكلفه بالقتال ‪ .‬وتضيف تكليفا ً آخر لكل‬
‫بحسب قدرته عامة‪ :‬وحرض المؤمنين‪ ,‬فتخص أهل الذكر ‪ ,‬وأهل العلم ‪,‬‬
‫ورجال الفكر ‪ ,‬وأصحاب الرأي ‪ .‬تضيف إليهم فريضة أخرى وهي القيام بالتحريض‬
‫على المقاومة ‪ ,‬وحرض المؤمنين‪ . ‬فعليه أن يحرض ويدعو للمقاومة ‪.‬فضل عن‬
‫واجبه القتالي ‪.‬‬
‫ومجال التحريض هو للمؤمنين ‪ ,‬وهم الذين آمنوا ‪ ,‬كل الداخلين تحت مسمى ل‬
‫إله إل الله محمد رسول الله‪ .‬وهم دائرة التحريض العامة ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كل ذلك من أجل هدف تحققه هو بيد الله تعالى توقيتا وكيفا ‪ .‬ونحن مكلفون‬
‫بالسعي إليه‪ .‬فكل ذلك الجهد والمقاومة والقتال ؛ ‪‬عسى الله أن يكف بأس الذين‬
‫كفروا‪ ‬يكف بأسهم وعدوانهم ‪ .‬ثم ليؤمن كل مجاهد تحقيقه عقدية من أساسيات‬
‫اليمان ‪ ,‬وهي قوله ‪  :‬والله أشد بأسا ً وأشد تنكيل ‪. ‬‬
‫فهم سيهزمون ببأس الله وسيؤولون في الدنيا والخرة إلى نكاله ‪.‬‬
‫والعاقبة للمتقين‪  .‬ك َتب الل ّه َل َغْل ِب َ‬
‫ز ‪) ‬المجادلة‪. (21 :‬‬ ‫ه قَوِيّ عَ ِ‬
‫زي ٌ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫سِلي إ ِ ّ‬‫ن أَنا وَُر ُ‬ ‫َ ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫ن ‪) ‬الصافات‪(173:‬‬ ‫م ال َْغال ُِبو َ‬
‫جن ْد ََنا ل َهُ ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫‪ ‬وَإ ِ ّ‬
‫وكما قال عليه الصلة والسلم‪ .‬وكفى بها شحنة معنوية دافعة ‪ ) :‬ليبلغن هذا‬
‫الدين ما بلغ الليل والنهار(‪ .‬فل إله إل الله محمد رسول الله والله أكبر ولله‬
‫الحمد‪ .‬ول حول ول قوة إل بالله العلي العظيم‪.‬‬
‫وإلى النظريات الثمانية لدعوة المقاومة السلمية العالمية نبدؤها‪ ..‬بأهمها و‬
‫مرتكزها كما هو مستند كل دعوة وطريقة‪ ..‬نظرية المواجهة ‪) ,‬المنهج والعقيدة‬
‫القتالية(‪.‬‬

‫*************‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 863 [ ‬‬

‫الفصل الثامن‬
‫نظريات المقاومة السلمية العالمية‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 864 [ ‬‬

‫الباب الول‬ ‫الفصل الثامن‬

‫‪ ‬المنهج والعقيدة الجهادية ‪‬‬


‫لدعوة المقاومة السلمية العالمية‪.‬‬

‫العقيدة القتالية‪:‬‬ ‫•‬


‫هي مجموعة الفكار والمعتقدات التي يحملها المقاتل في عقله‬
‫وقلبه ونفسه ‪ ,‬ويتحرك بدافعها للقتال من أجلها ‪ ,‬فتورثه الثبات على‬
‫تكاليف هذا القتال ‪ ,‬الذي يكلفه كل ما يملك وأعز ما يملك ‪ .‬نفسه‬
‫وماله وولده وأهله وكل كيانه‪ .‬كما تشتمل على الخلقيات والسلوكيات‬
‫والقواعد والحكام التي تلزمه أثناء مسيرته القتالية ‪.‬‬
‫وهذه العقيدة القتالية هي التي حركت الجيوش ‪ ,‬وأزكت الصراعات ‪ ,‬وأقامت‬
‫الدول عبر التاريخ ‪ .‬وبسببها نهض الرجال ‪ ,‬وثبت البطال في ميادين النزال‪ .‬وببواعثها‬
‫صبر المصابرون على تكاليف المسار كي يبلغوا أهدافهم في كل زمان ومكان ‪ ,‬وفي‬
‫كل أمة وملة ونحلة‪ .‬وبها سار كل إناء بالذي فيه ينضح منذ قديم الزمان‪.‬‬
‫و في العصور الحديثة حرصت الدول وقيادات الجيوش ‪ ,‬والتنظيمات العقائدية ‪,‬‬
‫والثورات والحركات والحزاب التي حملت المبادئ ‪ ,‬كما حرص القادة والزعماء على‬
‫تعبئة جنودهم بعقيدة قتالية تدفعهم إلى البذل والعطاء ‪ ,‬وتقديم الجهد والصبر في‬
‫ميادين القتال ‪ .‬لتقنعهم بالحق أو بالباطل بعدالة قضيتهم ‪ .‬وبسمو المبادئ التي‬
‫يقاتلون من أجلها ‪ .‬سواًء كانت دينا ً أو معتقدا ً ‪ ,‬أو حبا ً للوطن وإخلصا ً للمة‪.‬‬
‫ففي كل جيش من جيوش العالم اليوم دائرة هامة من دوائر قيادات الجيش و‬
‫القوات المسلحة تسمى )دائرة التدريب والتوجيه المعنوي( ‪ .‬أو ما يوازي ذلك من‬
‫المسميات ‪ .‬حيث يعمل بها المتخصصون من العلماء والدباء والمفكرين والطباء‬
‫النفسانيين ‪ .‬و يقومون بإعداد البرامج والمناهج من المحاضرات والدروس‪ .‬لزرع‬
‫الفكار والحفاظ على مستوى قناعة الجند بعقيدتهم القتالية واحتفاظهم بقيمهم‪,‬‬
‫وروحهم المعنوية ‪.‬‬
‫ً‬
‫وتأخذ هذه المواد حيزا يجاوز في كثير من الحيان نصف ساعات التدريب العام‬
‫وبرامج العداد ‪ .‬وقد يصل في بعض الحركات الثورية والتنظيمات العقائدية ‪ ,‬إلى‬
‫أكثر من ‪ %80‬من الوقت المخصص للعمل والعداد لدى التباع والجنود‪.‬‬
‫وقد كانت الديان والمعتقدات الدينية وما زالت منذ قديم الزمان وإلى اليوم ‪,‬‬
‫الباعث الساسي والكثر تأثيرا ً في إيجاد هذه العقيدة القتالية والروح المعنوية لدي‬
‫المقاتلين ‪ .‬وحتى في التجمعات والدول التي اعتمدت اللحاد ومذاهب العلمانية ‪-‬‬
‫ومعظمها يتهاوى اليوم ‪ -‬يشهد العالم عودة نحو التدين والتعصب الديني ‪.‬‬
‫أو أنها حاولت أن تعوض بتلك المذاهب المادية العلمانية عن الديان بعقائد من وضع‬
‫البشر لها هيبة الدين وقداسة المعتقد لدى أصحابها ‪.‬‬

‫الفارق بين المقاتل المحارب‪ ..‬والمجاهد و الجندي العقائدي‪:‬‬ ‫•‬


‫أسهبت الدراسات التي عنت بالعقيدة القتالية وأهميتها في الجيوش الحديثة‬
‫بإيضاح هذا الفارق‪ .‬فالمقاتل أو المحارب لغير قضية ‪ ,‬من غير معتقد ‪ ,‬ولغير هدف‬
‫مقدس سام عنده ‪ .‬مثل اللصوص وقطاع الطرق ‪ ,‬والجنود المرتزقة‪ .‬يشتركون مع‬
‫أي جندي ومقاتل عقائدي يقاتل لهدف شريف وعقيدة مقدسة عنده ‪ ,‬بكل خصائص‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 865 [ ‬‬

‫المقاتل إل العقيدة ‪ .‬فهم يشتركون في كل وجوه العداد ‪ .‬وفي كل حركات القتال‬


‫والعمال العسكرية‪.‬‬
‫فهم يتدربون ويتقنون استخدام السلح ‪ .‬وتكتيكات القتال ‪ .‬والفنون الملحقة‬
‫اللزمة لذلك ‪ .‬وربما فاق رجال العصابات و المافيات والمجرمون واللصوص وقطاع‬
‫الطرق ‪ ,‬أقدر الجنود ورجال المن والستخبارات في إتقان التقنيات القتالية والمعلوم‬
‫الفنية اللزمة للقتال بكل أشكاله‪ .‬وربما فأقوهم شجاعة وإقداما ً ومراسا ً في القتال‬
‫والصرار‪ .‬ولكن هناك فوارق جوهرية بين هؤلء وبين المقاتل العقائدي ‪ .‬فوارق‬
‫سرعان ما يبدو أثرها جليا ً مع استمرار المواجهة و قسوة الظروف ‪ .‬ولسيما في‬
‫حالت الهزيمة وتتالي التضحيات ‪.‬‬
‫فالذي ل يقاتل لعقيدة ومبدأ ‪ ,‬ل يصبر على الهزائم ‪ .‬ول يصبر على استمرار‬
‫وطول فترة المعاناة ‪ .‬وسرعان ما يكون عرضة لن يبيع ذمته وضميره لعدوه ‪ .‬وربما‬
‫يعمل لحساب عدوه إذا وفر له نفس غاياته الدنيوية ‪ ,‬أو زاد على من وفرها له ‪ ,‬من‬
‫قبيل أنواع متاع الحياة الدنيا ‪ ,‬من المال والنساء والجاه والسمعة والرياسة وغيرها‪.‬‬
‫فينقلب ويخون ‪ .‬أو على القل يستسلم وينسحب إلى حياته الخاصة مؤثرا ً السلمة‬
‫مكتفيا ً بما حصله وجناه ‪ .‬فرحا ً بالنجاة إن لم يظفر بسواها‪.‬‬
‫لكن المقاتل العقائدي يثبت ‪ ,‬ول يخون ول ينقلب ‪ ,‬ول يكون عميل لعدوه ‪ .‬ول‬
‫يستسلم إل مكرها قد أحيط به ‪ .‬ويحاول الفكاك من عدوه ومتابعة العطاء‪ .‬ويصبر‬
‫ويحتسب عناءه عند الله ‪ .‬ويكون له من راحة ضميره ‪ ,‬أو تصوراته عن مآله وازعا ً‬
‫لذلك الصبر و الصمود‪ .‬ولو فتر وسكن لفترة مضطرا ‪ .‬تبقى نفسه تواقة وضميره‬
‫يعذبه ويدفعه لمعاودة الجهاد من أجل أهدافه وقيمه العليا ‪ .‬وشتان شتان بين‬
‫المحارب وبين المقاتل العقائدي‪.‬‬
‫وقد أدرك المربون من كل ملة ونحلة أثر ذلك ‪ .‬فأولوا العقيدة القتالية مكانتها في‬
‫مناهج العداد و التدريب‪ .‬حيث تزخر المكتبات بالمواد التعليمية والمنهجية والدراسات‬
‫المتخصصة في هذا المجال‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 866 [ ‬‬

‫العقيدة الجهادية لدى المسلمين وأثرها ومكانتها‪:‬‬ ‫•‬


‫ً‬
‫نحن المسلمون نسمي قتال أعدائنا ‪),‬جهادا في سبيل الله( ‪ .‬وبالتالي يكون‬
‫المصطلح المناسب المرادف )للعقيدة القتالية( عند غيرنا هو مصطلح )العقيدة‬
‫الجهادية(‪ ..‬ومكانة العقيدة الجهادية عندنا ظاهرة بينة ‪ ,‬تطفح بها نصوص القرآن‬
‫الكريم ونصوص السنة المطهرة‪ .‬وتراث له أول وليس له آخر من أقوال العلماء ‪,‬‬
‫وحكم الحكماء ‪ ,‬وأدب الدباء شعرا ً و نثرا ً على مدى القرون المتتالية من تاريخنا‬
‫المجيد‪.‬‬
‫وتتميز عقيدتنا الجهادية عن غيرها من العقائد القتالية ‪ ,‬أنها تحتوي فوق ما تحتويه‬
‫كل تلك العقائد ‪ ,‬من إثارة بواعث الحمية للوطن والرض والعرض ‪ ,‬ومكامن الرجولة‬
‫والشرف والباء ‪ ,‬وآفاق الخلق الحميد والمزايا الرفيعة‪ .‬فقد ربطت المجاهد في‬
‫سبيل الله بما وعدته من التمكين والعز في الدنيا له أولمن يأتي من إخوانه وأهل ملته‬
‫من بعده وعدا ً أكيدا ً لهم من الله ‪ ,‬بالتمكين إن هم ثابروا على درب الجهاد والصبر‪ ,‬و‬
‫المصابرة والمرابطة على جلد أعداء الله ‪ .‬ووعدته بما هو أسمى وأعز من ذلك وأحبه‬
‫لنفسه ‪ .‬وهو ما وعده الله به من الجزاء في الخرة من الثواب والجنة ورضوان الله‬
‫لقاء جهده وصبره وفتنة بارقة السيوف فوق رأسه ‪ .‬فأوجبت له الجنة لقاء قيامه‬
‫في الصف مجاهدا ً لدقائق معدودة ‪ -‬فواق ناقة‪ ) -‬وهو المدة ما بين حلب الناقة‬
‫وعودة الحليب إلى ضرعها ( ‪ .‬فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪( :‬من‬
‫قاتل في سبيل الله فواق ناقة فقد وجبت له الجنة ‪ ,‬ومن سأل الله‬
‫القتل في سبيل الله من نفسه صادقا ثم مات أو قتل فإن له أجر‬
‫شهيد ‪ ,‬ومن جرح جرحا في سبيل الله أو نكب نكبة فإنها تجيء يوم‬
‫القيامة كأغزر ما كنت ‪ ,‬لونها لو الزعفران وريحها ريح المسك ‪ ,‬ومن‬
‫راج في سبيل الله كان عليه طابع الشهداء( ) رواه أبو داوود (‪.‬‬ ‫خرج به خ ّ‬
‫وأما لو قتل في سبيل الله فقد وعدته بأجر الشهيد الصابر‪ .‬ما ل عين رأت ول‬
‫أذن سمعت ول خطر على قلب بشر‪.‬‬
‫وقد حفلت نصوص القرآن والسنة بما يجعل القلوب تقفز من بين الضلوع شوقا‪ً,‬‬
‫ة إلى لقاء الله و موعوده من تفاصيل‬ ‫وترقص الحاسيس طربا ً ‪ ,‬وتطير الرواح رغب ً‬
‫ذلك النعيم ‪ .‬وما أعد الله له من ذلك ‪ ,‬وفوقه صحبة حبيبه المصطفى صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ,‬مع من أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ‪ .‬ثم‬
‫النعيم العظم ‪ ,‬رضى رب العزة ‪ ,‬ورؤيته ‪ ,‬وأن يضحك له ويسقط عند الحساب‪..‬‬
‫وقد زودت العقيدة الجهادية لدى المسلمين المجاهد‪ ,‬بتفاصيل مفصلة عن كل‬
‫شيء ‪ .‬عن خلقه ونشأته ومساره في الدنيا ‪ .‬وعن معاده في الخرة ‪ .‬فلم تترك له‬
‫سؤال ً بل جواب في حنايا نفسه‪.‬‬
‫عقائد مفصلة ‪ .‬وشرائع مقننة‪ .‬وقوانين متناسقة ‪ ,‬و سبحات روحانية ‪ ...‬فسبحان‬
‫من لم يخلقنا عبثا ً ولم يتركنا سد ً‬
‫ى‪.‬‬
‫فلو قدر لي مخلوق أن يحتار في أمره ‪ .‬وأن تضيق عليه أقطار نفسه ‪ .‬فقد أنجى‬
‫الله المؤمن والمجاهد من هذا العذاب في الدنيا والخرة ‪ .‬فإذا تاهت نفس الملحد‬
‫حيرة وتلجلج يقول مقالة الشاعر العربي النصراني البائس الذي غنى شعره مطرب‬
‫بائس مثله وتمايل على ألحانه البائسون التائهون من الضائعين في هذه المة عند ما‬
‫قال‪..‬‬
‫ولقد أبصرت قدامي طريقا ً‬ ‫جئت ل أعلم من أين لكني أتيت‬
‫فمشيت‬
‫كيف جئت أين أمضي لست أدري‪..‬‬
‫فإن المؤمن والمجاهد خاصة يدري ويعلم ‪ .‬فسبحان الله الذي علمنا قوله ‪:‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 867 [ ‬‬

‫جا * قَّيما ً ل ِي ُن ْذَِر ب َْأسا ً‬ ‫عوَ َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫جع َ ْ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ب وَل َ ْ‬ ‫ل عََلى عَب ْدِهِ ال ْك َِتا َ‬ ‫ذي أ َن َْز َ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ ال ّ ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫‪ ‬ال ْ َ‬
‫ح َ ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سنا ‪)‬الكهف‪-1 :‬‬ ‫جرا ً َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫تأ ّ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬‫ن ال ّ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ن ي َعْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫مِني َ‬ ‫مؤْ ِ‬‫شَر ال ْ ُ‬ ‫ه وَي ُب َ ّ‬ ‫ن ل َد ُن ْ ُ‬ ‫م ْ‬‫ديدا ً ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫َ‬
‫ء ‪) ‬النحل‪(89:‬‬ ‫ي ٍ‬
‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ب ت ِب َْيانا ً ل ِك ُ ّ‬ ‫ك ال ْك َِتا َ‬ ‫‪ .(2‬فكتاب ربنا كما وصفه تعالى‪  :‬وَن َّزل َْنا عَل َي ْ َ‬
‫الجهاد والعقيدة الجهادية‪..‬‬ ‫ََ‬ ‫وأما في ميدان‬
‫ََ‬
‫م يجاهد؟ ومن يجاهد؟ وكيف يجاهد؟ ولي غاية يجاهد؟‬ ‫فقد بين له السلم ل َ‬
‫وكيف يكون سلوك المجاهد وآداب الجهاد‪ .‬وبين له شرائع ذلك وأحكامه في الدماء‬
‫والموال والعراض‪ ..‬وتفاصيل أحكام القتل والسرى والغنائم ‪ .‬وزوده بما يعين على‬
‫التقوى وما يحليه بالصبر والثبات ‪ ,‬وما يزكي في نفسه مكامن الشجاعة والقدام ‪.‬‬
‫وعلمه آداب الذلة على المؤمنين والعزة على الكافرين وأمره بجهاد الكفار والمنافقين‬
‫وأن يجدوا منه غلظة‪ .‬وعلمه أنه جندي لدين الرحمة ونبي الرحمة‪ .‬إلى آخر ما امتلت‬
‫به الكتب ‪ ,‬وحفلت به المكتبة السلمية ‪ ,‬لهذا الدين العظيم ‪.‬‬
‫ولو جئنا لنستقصي شيئا ً من ذلك هنا لطال بنا المقام وخرج بنا عن المقصود ‪.‬‬
‫َ‬ ‫فسبحان من من علينا بقوله ‪ :‬ال ْيو َ‬
‫مِتي‬ ‫م ن ِعْ َ‬ ‫ت عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫م ْ‬
‫م وَأت ْ َ‬ ‫م ِدين َك ُ ْ‬ ‫ت ل َك ُ ْ‬ ‫مل ْ ُ‬
‫م أك ْ َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫م ِدينا ً ‪. ‬‬ ‫سل َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ت ل َك ُ ُ‬ ‫ضي ُ‬‫وََر ِ‬
‫وبسبب هذه العقيدة السلمية عامة‪ .‬والعقيدة الجهادية خاصة‪ .‬كان لنا في التاريخ‬
‫نماذج فذة تحتذى ‪ ,‬وأخرج لنا قافلة من النماذج والرجال القدوة الذين كان في‬
‫طليعتهم من قال فيه ربه سبحانه ‪:‬‬
‫ُ‬
‫خَر‬‫م ال ِ‬ ‫ه َوال ْي َوْ َ‬ ‫جو الل ّ َ‬ ‫ن ي َْر ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ة لِ َ‬ ‫سن َ ٌ‬‫ح َ‬ ‫سوَةٌ َ‬ ‫ل الل ّهِ أ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫م ِفي َر ُ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫‪ ‬لَ َ‬
‫ه ك َِثيرا ً ‪) ‬الحزاب‪. (21:‬‬ ‫وَذ َك ََر الل ّ َ‬
‫كما حفظ لنا التاريخ قصصا ً مجيدة عند ما حضرت تلك العقيدة القتالية في نفوس‬
‫أصحابها المؤمنين من انتصار الرهط القليل من المؤمنين على جموع أعدائهم عند ما‬
‫استعلت فيهم تلك العقيدة‪.‬‬
‫و قصصا ً مريرة و أخبارا مؤلمة مما حل بهم ‪ .‬لما جاءت أجيال خبت في نفوسها‬ ‫ً‬
‫جذوة تلك العقيدة السلمية والروح الجهادية‪ .‬أو سيطر حب عرض الدنيا عليهم خلل‬
‫أوقات المواجهة ‪ ..‬فكانت صفحات مروعة من عكس ذلك عند ما هزمت جموعهم‬
‫ودكت حصونهم وسقطت قلعهم ونهبت قصورهم وقتل أشرافهم وسبيت نساءهم في‬
‫مشاهد غزوات التتار‪ ,‬والحملت الصليبية ‪ ,‬وسقوط الندلس ‪ ...,‬وغيرها على مر‬
‫التاريخ ‪ .‬وصول ً لمثل ذلك من تاريخنا المعاصر المليء باللم والمآسي ‪ .‬حيث تبزر‬
‫فيه أيضا ً بعض البقع المضيئة من نماذج صبر الصابرين وجهاد المجاهدين المستعلنين‬
‫بعقيدتهم الجهادية السامية‪.‬‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 868 [ ‬‬

‫آفاق من العقيدة الجهادية عند المسلمين‪:‬‬ ‫•‬


‫• إن أول ما تعلمنا إياه العقيدة الجهادية لدينا معشر المسلمين ‪ ,‬هو حقيقة أن‬
‫) ل إله إل الله محمد رسول الله(‪ .‬وما يتفرع عن ذلك من عقائد هذا الدين‬
‫وأحكامه ومقتضياته‪ .‬فنحن ل نعبد إل الله ول نطيع إل ما أمر الله ‪ .‬بالكيفية‬
‫التي نزلت على رسوله وحبيبه قائدنا وحبيبنا محمد رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪..‬‬
‫• ومما تأمرنا به عقيدتنا القتالية قوله تعالى بأن نقاتل أعداءنا ومن انتهك‬
‫حرمات ديننا أو المؤمنين به ‪ ,‬حتى يكون الدين كله لله ‪:‬‬
‫ن إ ِّل عََلى‬ ‫وا َفل عُد َْوا َ‬ ‫ن ان ْت َهَ ْ‬ ‫ن ل ِل ّهِ فَإ ِ ِ‬ ‫دي ُ‬‫ن ال ّ‬‫كو َ‬ ‫ة وَي َ ُ‬ ‫ن فِت ْن َ ٌ‬ ‫كو َ‬ ‫حّتى ل ت َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫• ‪ ‬وََقات ُِلوهُ ْ‬
‫ن ‪) ‬البقرة‪.(193:‬‬ ‫مي َ‬ ‫ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬
‫وتعلمنا وتملؤنا إيمانا أن الحكم لله وحده ‪:‬‬
‫ن ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ‪) ‬يوسف‪ . (40 :‬وأن شريعة‬ ‫قي ّ ُ‬ ‫دي ُ‬‫ك ال ّ‬ ‫دوا ِإل إ ِّياهُ ذ َل ِ َ‬ ‫مَر أل ت َعْب ُ ُ‬ ‫م إ ِّل ل ِل ّهِ أ َ‬‫حك ْ ُ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫‪ ‬إِ ِ‬
‫َ‬
‫حقّ‬ ‫ب ِبال ْ َ‬
‫ك ال ْك َِتا َ‬
‫الله جاءت لتحكم وتسود‪ .‬ولتضبط حياة المسلمين ‪  :‬إ ِّنا أن َْزل َْنا إ ِل َي ْ َ‬
‫صيما ‪) ‬النساء‪.(105:‬‬
‫خ ِ ً‬ ‫ن َ‬ ‫ن ل ِل ْ َ‬
‫خائ ِِني َ‬ ‫ه َول ت َك ُ ْ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫ما أ ََرا َ‬ ‫س بِ َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫حك ُ َ‬
‫م ب َي ْ َ‬ ‫ل ِت َ ْ‬
‫وتعلمنا أن العراض عن ذلك يسبب لنا خزي الدنيا وتداعي العداء ‪ ,‬وعذاب الخرة‬
‫وسخط الله‪.‬‬
‫• وتبين لنا عقيدتنا الجهادية‪ ,‬من هم أولياءنا المؤمنون وتأمرنا بموالتهم ‪ .‬ومن‬
‫هم أعداؤنا الكافرون وتأمرنا بالبراءة منهم وجهادهم بما استطعنا‪.‬‬
‫• وتعلمنا بأن من والى المؤمن فهو المؤمن ‪ .‬وأن من يوالي أعداءنا الكافرين‬
‫فهو منهم ‪ .‬ومثلهم حكما ً في الدنيا والخرة ‪ ,‬وتأمرنا بقتالهم ‪.‬‬
‫• وتبين لنا عقيدتنا الجهادية وجوب العمل على تحكيم شرع الله ونصب المام‬
‫المسلم وإقامة دولة السلم‪.‬‬
‫• وتأمرنا عقيدتنا بقتال من تولى أعداءنا وقاتل تحت رأيتهم ‪ .‬وتفصل لنا تفاصيل‬
‫أحكام أصنافهم وأشكالهم من الموالين والجاهلين والمكرهين‪.‬‬
‫• وتزودنا عقيدتنا القتالية بما يعين على ذلك من الخصال والخلق ‪ .‬من اليمان‬
‫والصبر‪ ,‬والكرم والشجاعة ‪ ,‬والثبات والرحمة ‪ ,‬والعبادة و النسك ‪ ,‬وبذل‬
‫النفس والمال والوالد والولد في سبيل الله‪.‬‬
‫• وتأدب المجاهد في سبيل لله بأخلق الرحمة والعدل والنصاف وكل آفاق‬
‫الخلق والداب الحميدة‪.‬‬
‫• وتعلمنا كذلك آداب معاملة العدو ذاته ‪ .‬وأحكام ذلك في ميدان المعركة ‪ .‬أو‬
‫في حالة العهد والهدنة والصلح ‪ .‬فتعلمنا أحكام الذمة والستئمان كما أمر الله‬
‫‪ ,‬ل كما يروج اليوم كهان السلطين أولياء الكافرين ‪.‬‬
‫• وتعلمنا العقيدة الجهادية طاعة أولياء أمور المسلمين ‪ .‬كما تعلمنا أن ل طاعة‬
‫لمن عصى الله ‪ .‬وأن الطاعة في المعروف ‪ .‬وتعلمنا أن نناصحهم و نوازرهم و‬
‫نعينهم على البر والتقوى ‪ .‬ل على الثم والعدوان ‪ .‬وأن نصبر على زللهم‬
‫وخطئهم ‪ ,‬وحتى ظلمهم ولو جلدوا الظهر وسلبوا المال ‪ .‬وأن نتجاوز عن كل‬
‫ذلك ما لم يبلغ مبلغ أفسد الفساد وأفسق الفسق‪ .‬وتعلمنا ذلك بنص قرآني‬
‫َ‬ ‫محكم ‪  :‬يا أ َيها ال ّذين آمنوا أ َطيعوا الل ّه وأ َطيعوا الرسو َ ُ‬
‫م‬‫من ْك ُ ْ‬‫مرِ ِ‬ ‫ل وَأوِلي اْل ْ‬ ‫ّ ُ‬ ‫َ َ ِ ُ‬ ‫ِ ُ‬ ‫ِ َ َ ُ‬ ‫َ َّ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫م ت ُؤْ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫يٍء فَُر ّ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫فَإ ِ ْ‬
‫ن ِباللهِ َوالي َوْم ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن كن ْت ُ ْ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫دوهُ إ ِلى اللهِ َوالّر ُ‬
‫ْ‬ ‫ش ْ‬
‫َ‬
‫ن ت ََناَزعْت ُ ْ‬
‫ن ت َأِويل ‪) ‬النساء‪. (59:‬‬ ‫ً‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫خي ٌْر وَأ ْ‬ ‫َ‬
‫خرِ ذ َل ِك َ‬ ‫ال ِ‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 869 [ ‬‬

‫وتبين لنا من هم أولياء المر الذين هم )منا( ‪ ,‬ما أقاموا شرائع السلم ‪ .‬وتبين لنا‬
‫بنص محكم أيضا ‪ ,‬أن حكامنا إن تولوا أعداءنا لم يعودوا منا‪ .‬قال تعالى ‪:‬‬
‫ذوا ال ْيهود والنصارى أ َول ِياَء بعضه َ‬ ‫َ‬
‫ن ي َت َوَل ّهُ ْ‬
‫م‬ ‫م ْ‬‫ض وَ َ‬
‫م أوْل َِياُء ب َعْ ٍ‬ ‫ْ َ َْ ُ ُ ْ‬ ‫َُ َ َ ّ َ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫مُنوا ل ت َت ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫‪َ ‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن ‪)‬المائدة‪ (51:‬قال علماء السلم ‪:‬‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬‫م ال ّ‬ ‫قوْ َ‬ ‫دي ال ْ َ‬ ‫ه ل ي َهْ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫م إِ ّ‬‫من ْهُ ْ‬
‫ه ِ‬ ‫م فَإ ِن ّ ُ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫ِ‬
‫(منهم( ؛ ] أي كفار مثلهم [‪..‬‬
‫وعندها تعلمنا عقيدتنا أن الفريضة هي الخروج على أئمة الكفر‪ ,‬أولياء أعداء الله ‪,‬‬
‫ومنابذتهم بما رأينا من الكفر البواح الصراح الذي لدينا معه من الله البراهين ‪.‬‬
‫وتعلمنا عقيدتنا الجهادية فرضية دفع الصائل عن الدين والعرض والنفس‬ ‫•‬
‫والمال والرض‪ ..‬وإن كان مسلما ً فما بالك لو كان كافرا ً غازيا‪ً.‬‬
‫• وتعلمنا أن المسلم أخوا المسلم ووليه وناصره ومعينه ‪ ,‬وله عليه حق النصر‬
‫والمعاونة ‪ ,‬حتى ولو كان فاجرا ً فاسقا ً مقصرًا‪.‬وأن الكافر أخوا الكافر ووليه‬
‫وأن من واله ونصره على المسلمين وظاهره في العدوان فهو مثله ولو أدعى‬
‫اليمان والسلم وصام وصلى‪.‬‬
‫• وتعلمنا عقيدتنا الجهادية الرحمة والشفقة والتعاون على البر والتقوى ‪ .‬وحرمة‬
‫التعاون على الثم والعدوان ‪ .‬وأن نتم لكل ذي عهد عهده ‪ .‬وأنه ل تزر وازرة‬
‫وزر أخرى ‪ .‬أمر الله تعالى ‪ .‬وتعلمنا ‪:‬‬
‫ن قَوْم ٍ عََلى أ َّل‬ ‫م َ‬
‫شَنآ ُ‬ ‫من ّك ُ ْ‬
‫جرِ َ‬ ‫ط َول ي َ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫داَء ِبال ْ ِ‬ ‫شه َ َ‬ ‫ن ل ِل ّهِ ُ‬ ‫مي َ‬
‫وا ِ‬ ‫كوُنوا قَ ّ‬ ‫مُنوا ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬
‫َ‬
‫َ‪‬ا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن ‪) ‬المائدة‪. ( 8 :‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫خِبيٌر ب ِ َ‬
‫ه َ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫وى َوات ّ ُ‬ ‫ق َ‬
‫ب ِللت ّ ْ‬ ‫ت َعْدُِلوا اعْدُِلوا هُوَ أقَْر ُ‬
‫وتعلمنا قول حبيبنا المصطفى ‪ ) :‬من خرج على أمتي يضرب برها و فاجرها‬
‫ول يتحاشى من مؤمنها فليس مني ولست منه (‪.‬‬
‫• وتعلمنا كل ما يندرج تحت مكارم الخلق ‪ .‬وتنهى عن ضد ذلك ‪...‬إلى آخر ما‬
‫تعلمنا إياه تلك العقائد المتكاملة والحكام الشرعية المفصلة‪.‬‬
‫وتعلمنا ما روي عنه في الثر عن بن زيد بن أسلم ‪ ,‬أن رسول الله صلى الله‬ ‫•‬
‫عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫) ل يزال الجهاد حلوا أخضر ما قطر القطر من السماء وسيأتي على‬
‫الناس زمان يقول فيه قراء منهم ‪ :‬ليس هذا زمان جهاد فمن أدرك ذلك‬
‫الزمان فنعم زمان الجهاد ‪ ,‬قالوا يا رسول الله وأحد يقول ذلك ؟!‬
‫فقال‪ :‬نعم من عليه لعنة الله والملئكة والناس أجمعين ( ) السنن الواردة في الفتن‬

‫‪.(371 -‬‬
‫و صدق رسول الله ‪..‬فعليهم لعنة الله والملئكة والناس أجمعين !!‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 870 [ ‬‬

‫أثر غياب العقيدة الجهادية عند المسلمين‪:‬‬ ‫•‬


‫إن مما تعلمنا إياه عقيدتنا القتالية وتنذرنا منه ما جاءت اليام بتصديقه وإثباته‬
‫معجزة ضمن سلسلة معجزات نبوية ل متناهية ‪.‬‬
‫فقد روى أبو داود عن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪ ) :‬ثم‬
‫يوشك المم أن تداعى عليكم كما تداعى الكلة إلى قصعتها فقال قائل‬
‫ومن قلة نحن يومئذ قال بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل‬
‫ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم‬
‫الوهن فقال قائل يا رسول الله وما الوهن قال ‪ :‬حب الدنيا وكراهية‬
‫الموت (‪.‬‬
‫وهو ما نعيش اليوم بصورة واضحة ‪.‬‬
‫فقد بين هذا الحديث الشريف والثر العظيم أثر غياب العقيدة الجهادية على‬
‫المسلمين وأسباب ذلك مما حل في قلوبهم ‪ ,‬بإيجاز معجز من قبل من ل ينطق‬
‫الهوى وإنما كلمه وحي يوحى‪..‬‬
‫فإذا ما خبت جذوة العقيدة عند المسلمين على مر الزمان كما حصل مرات‬
‫عديدة‪ ..‬كانت نتيجتها دائما ً واحدة‪ ..‬أن تتداعى عليهم المم كما تتداعى الذئاب‬
‫الضارية الجائعة إلى فريستها‪ ..‬فتقطع أوصالها ‪ .‬وتدوس مقدساتها ‪ .‬وتزهق نفوسها ‪.‬‬
‫وتنتهك أعراضها ‪ .‬وتحتل أرضها وتنهب ثرواتها و مقدراتها‪ .‬وكان السبب دائما ً واحد‪.‬‬
‫فإذا ما ضعفت جذوة اليمان في نفوسهم ‪ .‬ابتعدوا عن عيش حقيقة أحكام دينهم‬
‫وشرائعه‪ .‬وتنافسوا في الدنيا و ملذاتها التي تجرهم إلى التنافس فيها‪ ,‬والتباغض‬
‫والتحاسد والتقاتل عليها وعلى السيادة فيها ‪ .‬وتدفع كبراء مجرميهم إلى ولية أعدائهم‬
‫لجلها وخيانة أمتهم في سبيلها‪..‬‬
‫فإذا ما وقع ذلك ‪ ,‬ودب الفساد في صلحائهم ‪ ,‬واحتراف العلم والدين من‬
‫يشترون به ثمنا قليل ‪ ,‬عندها يمل قلوبهم الوهن ‪ .‬الذي أخبر به صلى الله عليه وسلم ؛‬
‫)حب الدنيا وكراهية الموت(‪..‬‬
‫عند ذلك تحصل النتيجة الطبيعة التلقائية‪ .‬فينزع الله مهابتهم من قلوب أعدائهم ‪.‬‬
‫ويحل بهم الرعب منهم‪ .‬وتكون النتيجة ما رأينا على مر العصور والجيال‪ .‬مما حفظته‬
‫كتب التاريخ ‪.‬‬
‫واقرؤوا إن شئتم عن حال المة أيام غزو التتار ‪ ,‬وكذلك أيام الحملت الصليبية ‪,‬‬
‫وما علمنا عن سقوط الندلس‪.‬‬
‫ولماذا نذهب بعيدا ً وتاريخنا الحديث حافل ماثل بشواهد غياب العقيدة الجهادية‬
‫عن قلوب معظم هذه المة‪ .‬فهذا تاريخنا الحديث يحدثنا‪:‬‬
‫فقد انطلقت الحملت الصليبية الرومية الجديدة ‪ .‬فأسقطت الخلفة سنة‬
‫طعت معاهدات سيكس بيكو المة وأراضيها وشعوبها إربا ً إربا ً ‪ ,‬وجعلتهم‬ ‫‪ . 1924‬ثم ق ّ‬
‫دول ً و إمارات ‪ ,‬وممالك متنازعة متفرقة ‪ .‬واحتلت مقدساتهم ونهبت ثرواتهم ‪.‬‬
‫ووطنت اليهود في عقر دارهم ‪ .‬وكان ما روينا طرفا ً موجزا ً عنه في الفصول السابقة‪.‬‬
‫ولمن ل يعرف التاريخ ‪ .‬ويقصر علمه وفهمه عن دراسته ‪ .‬فهذا حاضرنا الماثل مع‬
‫الحملت الصليبية اليهودية الجديدة ‪ ,‬بقيادة أمريكا وحلفائها في الناتو من الدول‬
‫الغربية ‪ .‬ومخططاتها للشرق الوسط الكبير‪ .‬لتحتله من أقصاه إلى أقصاه ‪ .‬ولتجند‬
‫حكامه ليقتلوا نخبة شباب شعوبهم ‪ .‬وتستعمل عساكر المسلمين في ذبح السلم‬
‫والمسلمين‪ .‬ثم لتصنع برامج حرب الفكار‪ .‬فتفرض علينا تغير مناهج التفكير والتربية‬
‫والتعليم في مدارسنا وحتى خطب الجمعة ودروس الدين في مساجدنا وتحدد لنا‬
‫اليات القرآنية التي يجب أن ل نطبعها ول ندرسها ول ننشرها‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 871 [ ‬‬

‫فهذا بعض آثار نتائج غياب العقيدة الجهادية‪ .‬وكل ذلك مما نشاهد من كفر الحكام ‪.‬‬
‫وفساد أكثر العلماء ‪ .‬وضلل غالبية العامة ‪ .‬وتملك الجميع الوهن ؛ حب الدنيا وكراهية‬
‫الموت!‬
‫بل أن المور تبشر بالسوأ ‪ ,‬وهو خروج أجيال تقدس عقائد المحتل الغازي الجديد ‪.‬‬
‫وتدعوا لفكاره ونظم حكمه وحياته وثقافته وأتباعه في كل شيء ‪ .‬وها هي الرض‬
‫تسير وكأنها تتهيأ لستقبال الدجال‪ .‬جموع هائمة على وجوهها ل يعرفون معروفا ً ول‬
‫ينكرون منكرًا‪..‬‬
‫لقد عرف العدو العلة وأخذ في زرعها ورعايتها ‪ .‬حرب الفكار وتجفيف مولدات‬
‫المقاومة والقضاء على عقائد السلم ‪ .‬وأهم ذلك جوانب العقيدة القتالية لديها‪ .‬وهذا‬
‫هو الداء وبعكسه الدواء‪ .‬ل بد من التمسك بالدين‪ .‬وإعادة زرع العقيدة الجهادية في‬
‫شباب هذه المة‪.‬‬

‫العقيدة الجهادية في التيار الجهادي الصحوة السلمية المعاصرة‪:‬‬ ‫•‬


‫بعد سقوط الخلفة‪ ..‬وإبان أواخر أيامها وصففها ولدت بواكير الصحوة السلمية‪..‬‬
‫وكانت دعوات إصلح شامل‪ ..‬وكان جانب العقيدة الجهادية حاضرا ً في معظمها ول‬
‫أول على ذلك من الشعار الشهير في أم الحركات السلمية وقلبها ؛ دعوة الخوان‬
‫المسلمين وما تولد عنها من حركات في العالم العربي والسلمي‪ ..‬فقد قال الشعار‬
‫في حينها ‪.‬‬
‫( الله غايتنا‪ ..‬الرسول قدوتنا‪ ..‬القرآن دستورنا‪ ..‬الجهاد سبيلنا‪..‬‬
‫والموت في سبيل الله أسمى أمانينا‪(..‬‬
‫ول أجد في أدب أديب ول بيان كاتب في هذه المة المعاصر أجمع لمقومات‬
‫العقيدة الجهادية من هذا الشعار الذي يجمع حذافير الدين و أساسياته و فرعياته‪.‬‬
‫وقد سارت الصحوة على ذلك الستار صدرها الول ‪ .‬ولكن ما الذي حصل بعد‬
‫ذلك على أرض الواقع‪ ..‬لقد دب الفساد في تلك العقيدة الجهادية ‪ .‬وآلت كثير من‬
‫ب قدوتها ‪ ,‬والديمقراطية دستورها‬ ‫الحركات ‪ ,‬ليكون البرلمان غايتها ‪ ,‬والغر ُ‬
‫والنتخابات سبيلها‪ ..‬والوصول للمشاركة مع الطواغيت في حكوماتهم أسمى أمانيها‪.‬‬
‫هذه هي الحقيقة الماثلة مهما تكن مؤلمة ومهما يشكل كشفها صفعة على وجوه‬
‫أصحابها‪.‬‬
‫بل سار الحال إلى السوأ‪ .‬فإن أكثر علماء السلم وقادتهم ورموز صحوتهم‬
‫يسيرون اليوم لتكيف عقائد السلم على مزاج الغزاة الجدد تحت دعاوى العتدال‬
‫واحترام الخر‪.‬‬
‫إن من أول أولوياتهم اليوم التجاوب مع حرب الفكار في قطع جذور العقيدة‬
‫القتالية‪ .‬لقد صارت العقيدة الجهادية إرهابًا‪ .‬وفكرا ً إرهابيا ً يجب حربه‪ .‬ويجب أن تنساه‬
‫الجيال القادمة‪ .‬ولو قدر لهم أن ينجحوا ل قدر الله ‪ .‬ولن ينجحوا بإذن الله ‪ .‬لنهم‬
‫يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون‪.‬‬
‫أقول لو قدر لهم أن ينجحوا فستولد أجيال ل يعرف أكثرها دين ربهم ول تاريخ‬
‫أمتهم ‪ .‬بل ول لغة آبائهم وأجدادهم ‪ .‬وستكون أجيال بل عقيدة جهادية تحفظ هذه‬
‫المة من الزوال وتدافع عن بقائها ومقومات وجودها ‪.‬‬
‫أقول بكل بساطة ‪ -‬ومهما تكن الحقيقة مؤلمة‪ -‬لقد تماوتت العقيدة الجهادية‬
‫القتالية في مدارس‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الصحوة السلمية شيئا فشيئا منذ مطلع الستينات ‪ .‬ولم يحافظ عليها ويزكيها إل‬
‫ما اصطلح عليه باسم ) التيار الجهادي( ‪ .‬جماعات وأفراد هنا وهناك‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 872 [ ‬‬

‫و لقد ذكرنا طرفا ً من تاريخ ذلك في الفصلين الخامس والسادس والسابع من‬
‫الجزء الول ‪ .‬وبينا كيف أن معظم مدارس الصحوة ولسيما المتسيسة منها ‪ ,‬ومن‬
‫أجل دفع ثمن دخولها مجال )المشروعية القانونية( للممارسة السياسية لدى‬
‫الحكومات ‪ .‬قامت بالتخلي عن عقيدتها الجهادية القتالية تدريجيا ً ‪ .‬بل ألتفت كثير من‬
‫رموزها وقادتها ‪ ,‬لمحاربة أولئك الذين تمسكوا بتلك العقيدة من أبنائهم‪ .‬وفصلوهم من‬
‫تنظيماتهم ‪ .‬وضيقوا عليهم ‪ .‬فضل ً عن محاربة التيار الجهادي دعويا ً وفكريا ً وإعلميا ً ‪.‬‬
‫بل وأمنيا ً في بعض الحيان حيث تولى بعض الدعاة إبلغ المن عن نوايا الجهاديين !!‬
‫لقد حمل التيار الجهادي عبر تنظيماته وأدبيات مفكريه وكتابه وإعلمه تلك العقيدة‬
‫بمقتضى الشعار الول للصحوة ‪ ,‬قول ً وعمل ً ‪ .‬وقامت الجماعات و التنظيمات‬
‫الجهادية المختلفة على تلك السس وتفاوت عطائها و مدى وضوح و تجذر تفاصيل‬
‫تلك العقيدة في مناهجها ‪.‬‬
‫وبشكل إجمالي يمكن القول أن معظم التنظيمات الجهادية تبنت العقيدة الجهادية‬
‫وكان لها فكرا ً ومنهجا ً جهاديا ً مكتوبا ً وتبعا ً لذلك كان لها برنامجها التربوي الذي رسخ‬
‫تلك العقيدة الجهادية في عقول عناصرها ‪ .‬وقد مرت كافة تلك التنظيمات بمرحلتين‬
‫من الناحية المنهجية والتربوية وتربية العضاء على ذلك‪.‬‬
‫مرحلة ما قبل الصدام مع السلطات في بلدها‪ .‬ومرحلة ما بعد الصدام ‪.‬‬
‫وبالجمال استطاعت تلك التنظيمات والجماعات أن تربي في مرحلة العداد قبل‬
‫الصدام كادرا ً طيبا ً كما ً ونوعا ً على تلك العقيدة والمناهج وخرجت نماذج ناضجة‬
‫نموذجية كمجاهدين عقائديين يحملون عقيدة جهادية راسخة واضحة ‪ .‬وهم الرعيل‬
‫الول والثاني في كل حركة وتنظيم جهادي تقريبًا‪ .‬ولكن معظم تلك الجماعات بعد‬
‫فتح الصدام المسلح عجزت للسباب التي مر ذكرها عن تربية الطبقات التالية من‬
‫التباع ‪ .‬ورغم أن المناهج معروفة ومدونه إل أن نوعية ومستوى التربية انخفض فيما‬
‫بعد‪..‬‬
‫ولما هاجرت تلك التنظيمات‪ .‬حاولت استئناف المسيرة واستطاعت أن تبني شيئا ً‬
‫من ذلك ولسيما من خلل مرحلة الجهاد الفغاني في شوطين الول والثاني ‪.‬‬
‫وبالجمال يشكل عناصر التنظيمات الجهادية النموذج الفضل للمجاهد العقائدي‬
‫الذي يحمل عقيدة جهادية في ظاهرة الصحوة السلمية المعاصرة ‪.‬‬
‫وفي تجربة الجهاد الفغاني بشوط الول ‪ .‬كان تجمع الفغان العرب تجمعا ً غير‬
‫متجانس‪ .‬وكانت الشريحة الكبر منه ل تنضوي تحت تنظيم ول جماعة ول أمير‪..‬‬
‫وكانت معسكرات التدريب العامة المفتوحة تقتصر تقريبا ً على التدريب العسكري‪..‬‬
‫ولم تر من الدروس المنهجية القليلة البسيطة فيها ما يمكن وصفه بأنه منهج تربوي‬
‫يرسخ عقيدة قتالية‪ ,‬باستثناء بعض الدروس القيمة و القليلة التي ألقاها الشيخ عبد‬
‫الله عزام رحمة الله في الطبقة الولى من تجمع المجاهدين العرب قبل أن تشغله‬
‫المشاغل ثم تختطفه يد الردى رحمه الله تعالى رحمة واسعة ‪ .‬وقد ترك الشيخ عبد‬
‫الله رحمه الله تراثا ً هائل ً يحتوي الكثير من مناحي العقيدة الجهادية ‪ .‬وما زال تراثه‬
‫مظلوما مهمل ً يحتاج من يخرج ما فيه من درر ‪.‬‬
‫ورغم تجمع أكثر من ‪ 40‬ألف مجاهد عربي ومسلم في الشوط الول للفغان‬
‫العرب‪..‬مما شكل فرصة نادرة الحصول لتربية تلك المجموع أو طلئعها على عقيدة‬
‫قتالية جهادية ‪ .‬لمواكبة ما يتربص بالمة من أحداث وحملت صليبية وشيكة‪ .‬إل أن‬
‫تلك الفرصة ضاعت‪.‬‬
‫وكان السبب الول في اعتقادي عدم إدراك القيادة العليا للتجمع الجهادي العربي‬
‫آنذاك لهمية تلك العقيدة الجهادية‪ ..‬وأعتقد أن كثيرا منهم في تلك المرحلة ‪ ,‬لم‬
‫يكونوا يملكون تلك العقيدة الجهادية أصل ً ول يقيمون لها وزنًا‪ ..‬بل كانوا يعملون بدافع‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 873 [ ‬‬

‫عاطفة دينية و قناعات جهادية محدودة ومحددة ‪ .‬بل كان بعضهم يحمل أفكارا ً‬
‫متناقضة مع مقتضيات العقيدة الجهادية أصل ً تحمل بصمات ما تربوا عليه من مناهج‬
‫غير جهادية‪ .‬ولو ل فضل الله ووجود دعاة جهاديين وبعض العلماء والمفكرين ووجود‬
‫التنظيمات الجهادية من الذين يحملون تلك العقيدة الجهادية‪ .‬لجتمع الجمع وانصرم‬
‫ولم يخلف وراءه إل صدى طلقات المعارك ودورات التدريب التي سرعان ما تلشت‪.‬‬
‫بعد أن قضى لمريكا حاجتها ووطرها من ذلك الجمع دون أن يدري ودون أن يكون قد‬
‫استفاد لصالح مسار الجهاد شيئا ً لحسابنا الخاص لمسلمين ومجاهدين‪..‬‬
‫ولكن تلك الكوكبة الواعية الفاهمة بذرت بذور الفكر الجهادي و استطاعتها عبر‬
‫معسكرات و مضافات التنظيمات الجهادية ‪ .‬وعبر بعض الدروس والمحاضرات التي‬
‫عقدها بعض المفكرين وطلب العلم الواعين لعقيدتهم الجهادية وأهميتها فضل ً عن‬
‫انتشار الدبيات التي تحمل الفكر الجهادي ‪.‬‬
‫ولكن النجاح في ميدان زرع العقيدة الجهادية على مستوى عشرات اللف أولئك‬
‫ل‪ .‬وواجه مقاومة شرسة من قبل الوساط السعودية التي كانت مسيطرة‬ ‫كان ضح ً‬
‫على معظم ذلك الجمع عبر مؤسسات كثيرة ‪ .‬و قد أثبت المردود الواهي لتلك‬
‫المجموع وعدم مساهمتها فيما تل من أحداث ‪ ,‬ذلك الفشل الذريع لمشروع تربية‬
‫أولئك المجاهدين ‪ .‬وإحصائية تقريبية تثبت ذلك بكل وضوح‪..‬‬
‫لقد تكون الجمع العربي من زهاء ‪ 40‬ألف مجاهد ‪ ,‬ارتادوا بيشاور ومعسكرات‬
‫التدريب وجبهات القتال ما بين )‪ . (1992-1985‬ول شك أن أكثر من ثلثيهم قد تلقى‬
‫تدريبا ً عسكريا ً معقول ‪ .‬وأن أكثر ممن نصفهم دخل جبهات القتال ‪ .‬وأن ربعهم على‬
‫القل شارك في معارك حقيقية بشكل فاعل جعل منه مقاتل ً محترفا ً على نحو طيب‪.‬‬
‫وقد تراوحت النسب التقريبية لجنسيات تلك المجموع بحسب ما تقصيتها قدر ما‬
‫استطعت‪..‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 874 [ ‬‬

‫‪ 20000‬مجاهد‬ ‫نحو‬ ‫السعودية‬


‫‪ 5000‬مجاهد‬ ‫نحو‬ ‫اليمن‬
‫‪ 4000‬مجاهد‬ ‫نحو‬ ‫مصر‬
‫‪ 2000‬مجاهد‬ ‫نحو‬ ‫الجزائر‬
‫عدة مئات المجاهدين‬ ‫نحو‬ ‫المغرب )مراكش(‬
‫عدة مئات المجاهدين‬ ‫نحو‬ ‫ليبيا‬
‫عدة مئات المجاهدين‬ ‫نحو‬ ‫فلسطين‬
‫عدة مئات المجاهدين‬ ‫إمارات الخليج العربي نحو‬
‫أما تونس‪ ,‬العراق وسوريا ولبنان وموريتانيا والصومال فقد جاء من كل منها ‪ ,‬أرقام‬
‫تتراوح بين المئات وعشرات المجاهدين ‪ .‬وكذلك باقي دول العالم ‪.‬‬

‫هذا بالضافة لعشرات آلف المجاهدين الباكستانيين الذين حضروا وشاركوا من‬
‫خلل تجمعات ومعسكرات مستقلة أو مع الفغان مباشرة‪.‬‬
‫ولنبق في إطار المجاهدين العرب‪ .‬فباستثناء عدة مئات من المطاردين أصل ً في‬
‫بلدهم ‪ .‬عادت معظم تلك اللف المؤلفة إلى بلدها‪ ,‬وقد انطلق النظام العالمي‬
‫الجديد واحتل جزيرة العرب‪ ..‬و دمر العراق وحاصرها ‪ .‬و اشتعلت النتفاضة ‪..‬‬
‫وزحفت روسيا إلى الشيشان ‪ .‬ووقعت مذابح الصرب في البوسنة ‪ .‬واستمرت مآسي‬
‫المسلمين بشكل فظيع مع اقتراب القرن العشرين من نهايته وحملت وسائل العلم‬
‫إلى كل بيت ‪ ,‬ما يفجر القهر والغيظ في ضمير أي مسلم‪..‬‬
‫فما ذا كان دور تلك اللف من المجاهدين الذين أعدوا وتدربوا وأتقنوا استخدام‬
‫السلح خفيفة وثقيلة وتعلموا استخدام المتفجرات وكل صنف السلحة ؟! ماذا كان‬
‫أثرهم على تلك المعركة المشتعلة في كل مكان عامة ‪ ,‬وفي الشرق الوسط الجزيرة‬
‫والعراق والشام خاصة!‬
‫تقريبا ً لشيء‪ ..‬فباستثناء بعض العمليات الجهادية الفردية التي قام بعظمها من ل‬
‫علقة لهم أصل ً بذلك الجمع ‪ .‬وباستثناء بعض الذين التحقوا بجبهة البوسنة و الشيشان‬
‫على نفس الطريقة الفغانية‪ ..‬لم تساهم تلك الحشود في المعركة ‪.‬‬
‫لقد تراوحت في مسلكها بين بعض حالت النقلب على الجهاد والصحوة أصل ً كما‬
‫حصل في اليمن من التحاق كوادر جهادية بأجهزة الستخبارات والجيش اليمني ‪.‬كان‬
‫من بينهم مقربون ومعاونون للشيخ أسامة بن لدن ذاته !! وبين حالت العودة التامة‬
‫للدنيا التي خرجوا منها للجهاد ثم عادوا للنغماس فيها تماما ً وكأنه ل كان جهاد ول‬
‫إعداد!!!‬
‫هذا فضل عن بعض حالت الشذوذ والنحراف الفكري والسقوط في متاهات‬ ‫ً‬
‫الغلو والتكفير والحباط نتيجة الحماس وعدم وجود عقيدة جهادية صحيحة !‬
‫فلم كان ذلك ؟!‬
‫ً‬
‫السبب واضح جدا‪..‬كان ذلك لن تلك الجموع لم تتلق أي توجيه وتدريب في‬
‫مجال العقيدة القتالية الجهادية‪ .‬ولم تتلق شيئا من المحاضرات الشرعية العقدية ‪ .‬ل‬
‫في مجال السياسة وفقه الواقع ‪ .‬ول في نطاق الفكر الحركي والوعي السياسي‬
‫الشرعي ‪.‬‬
‫تدريب عسكري ‪ ..‬تدريب عسكري ‪ ..‬رياضة‪ ..‬سلح ‪ .‬جلسات نشيد ‪ ..‬قتال‬
‫‪..‬معارك‪ ,‬فقط ‪ .‬لقد قاومت بعض قيادات الجمع العربي المجاهد أي طرح للفكر‬
‫الجهادي والتوعية السياسية‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 875 [ ‬‬

‫لقد كان لذلك أسبابه التي قد أعرض لها إن كتبت عن تاريخ تلك المرحلة‪ ..‬وليس‬
‫مكان هذا هنا‪.‬‬
‫ولكني أشير إلى نتائج غياب التربية والتوعية في مجال الفكر والعقيدة الجهادية‬
‫بشكل صحيح وكاف‪ .‬و أضرب مثال ً صارخ الوضوح‪..‬‬
‫فقد كان التجمع الكبر للمجاهدين العرب ‪ .‬هم مجاهدوا جزيرة العرب الذين‬
‫قدموا من دول مجلس التعاون الخليجي واليمن وعلى رأسها السعودية‪ .‬وكانوا زهاء‬
‫‪ 25‬ألف مجاهد وربما أكثر‪ .‬وزاد عليهم عدة آلف ممن أموا البوسنة و الشيشان‬
‫وغيرها من الجبهات المفتوحة‪.‬‬
‫لقد عادوا لبلدهم خلل النصف الثاني من التسعينات ليعيشوا حالة الحتلل شبه‬
‫العلني من قبل أمريكا وانطلقها وحلفائها من دول الناتو من أراضيهم لقتل‬
‫المسلمين في العراق ‪ .‬ودعم و قتل اليهود في فلسطين‪ ..‬فضل ً عما لقوه من‬
‫الضطهاد والسجن والتحقيقات على يد أجهزة الستخبارات في بلدهم ولسيما‬
‫؟ ببساطة لشيء!!‬ ‫السعودية فماذا كان رد فعل على كل ذلك ‍‬
‫أين العلماء؟ أين الخطباء؟ أين الدعاة الذين ملؤوا الدنيا حماسا ً للجهاد‬
‫والستشهاد؟ لم يكن لذلك أي أثر!!‬
‫فمنذ عام ‪ 1991‬وإلي ‪ 2001‬وعلى مر عقد من الزمن ‪ .‬لم تتعرض القوات‬
‫المريكية على أرض جزيرة العرب إل إلى عمليتين يتيمتين في الرياض والخبر‪ ..‬وإذا‬
‫قبلنا معظم الشارات بأن عملية الخبر كانت من فعل أتباع الستخبارات اليرانية ومن‬
‫حزب الله الشيعي ‪ .‬ل يبقى إل عملية واحدة ‪ .‬وهي تفجير مقر سكن للمريكان في‬
‫الرياض في العليا قتل فيه أربعة أمريكان! هذا في عشر سنين !! وهذا يخجل أي أمة‬
‫تحتل أرضها بمئات آلف الجنود ثم يكون هذا حجم مقاومتها !! إنه أمر فخزٍ !‬
‫هذا في بلد تحيل فيه العدو عقر دار السلم الذي يحتوي كعبتهم ومسجد نبيهم‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ .‬بل وبيت ما لهم الذي يضخ في خزانة أمريكا كل يوم أكثر من‬
‫مليار دولر كلما أشرقت الشمس وغربت!‬
‫ُ‬
‫وأثناء التحقيق ثبت أن المجاهدين الربعة الذين أعدموا رحمهم الله في ذلك‬
‫الحادث ‪ .‬هم من الذين شذوا عن قاعدة التجمع ‪ .‬وتلقوا فكرا ً وعقيدة جهادية ‪ .‬على‬
‫بعض الجهاديين من التنظيمات الجهادية ‪ .‬وقضوا وقتا معهم في أفغانستان ‪.‬وبدا أثر‬
‫الفكر والعقيدة الجهادية واضحا عليهم من خلل اعترافاتهم و ما نقل التلفزيون‬
‫السعودي من مقابلت معهم‪..‬‬
‫وفي آخر أيام الشوط الثاني للفغان العرب ‪ .‬بدأت الصورة العامة تتضح أكثر‬
‫فأكثر للجميع ‪ .‬وبدأت صفاقة أمريكا وهجمتها ‪ ,‬والوقوف الصريح لحكام العرب‬
‫والمسلمين معها ‪ .‬ومع المشروع الصهيوني تلعب دورا أساسيا في انتشار العقيدة‬
‫الجهادية ‪ .‬وبدأت فضائح ونفاق علماء السلطين تدخل مرحلة مزرية لم يعد بإمكان‬
‫محبيهم ترقيعها ‪ .‬وبدأت معالم الصورة تتضح ‪ .‬و بدأت أسس العقيدة الجهادية تطرح‬
‫نفسها بتلقائية في أوساط المة عموما‪ .‬وتهيأت الجواء لفكر جهادي ثوري مبشر ‪.‬‬
‫وجاءت أحداث سبتمبر وما تلها ‪ .‬ثم احتلل العراق وما تبعه ‪ .‬وأحداث النتفاضة‬
‫وما يجري فيها ‪ .‬لتجعل خيار الجهاد ‪ ,‬وطرح الجهاديين هو الطرح الكثر جماهيرية‬
‫ومنطقية في أوساط الصحوة السلمية بل أوسط مختلف شرائح المة بكافة تكويناتها‬
‫‪ .‬وهنا تبدو الحاجة ماسة جدا لعادة طرح أسس العقيدة الجهادية وتفاصيلها بأسلوب‬
‫جماهيري يناسب المرحلة‪.‬‬

‫حالة العقيدة الجهادية في المة والصحوة والتيار الجهادى اليوم‪:‬‬ ‫•‬


‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 876 [ ‬‬

‫إن حالة العقيدة الجهادية لدى مختلف شرائح المة وطبقاتها تمر رغم العواطف‬
‫الجياشة ‪ ,‬في أزمة حقيقية ل يمكن النهوض بالمة المواجهة والمقاومة إل بالبدء‬
‫بإصلحها‪..‬‬
‫وهذا ميدان وجهة من أهم ميادين وأخطر خطوط المواجهة في الحرب التي‬
‫تخوضها المة اليوم ‪ ,‬ويشتد أوارها يوما ً بعد يوم ‪ .‬وهذا ميدان هو مسؤولية العلماء‬
‫والمفكرين والكتاب والدباء والمثقفين ورجال السياسة والعلم في هذه المة‪.‬‬
‫ولسيما وعلى وجه الخصوص رجال الصحوة السلمية‪ .‬وبشكل أخص أولئك الذين‬
‫سيحملون أمانة الجهاد وتوجيه المقاومة والتيار الجهادي في مرحلتين ‪ :‬المرحلة‬
‫المقبلة الخطيرة الراهنة ‪ ,‬و المرحلة القادمة‪.‬‬

‫مفارقة خطيرة وحقيقة وهامة‪:‬‬


‫لقد أدرك العدو أن خط الحرب هذا هو أهم وأخطر خطوط المواجهة‪ .‬وأدرك أنهم‬
‫يتفوقون علينا في كل خطوط الحرب الخرى ‪ .‬عسكريا ً وتكنولوجيا ً وعلميا ً وحضاريًا‪,‬‬
‫وإعلميا ً وسياسيا ً وأمنيا ً واقتصاديًا‪ ..‬إن العدو الصليبي اليهودي بقيادة أمريكا وحلفائها‬
‫اليوم من الكفار والمرتدين والمنافقين‪ ..‬يتفوقون علينا بشكل ساحق غير قابل‬
‫للمقارنة في كل تلك الميادين والمناحي ‪ .‬مما يوفر لهم أسباب النصر المادية في‬
‫كل خطوط هذه المواجهات ‪ .‬ولذلك غزونا في هذا الوقت‪ .‬ولكنهم أدركوا أيضا ً أننا‬
‫نتفوق عليهم في خط المواجهة على جبهة العقيدة الجهادية والقيم المعنوية‪ .‬بشكل‬
‫ساحق غير قابل للمقارنة أيضًا‪ .‬ولذلك أعلن رامسفيلد الصليبي المتصهين ‪ ,‬وزير‬
‫دفاع أمريكا ‪ ,‬أن المواجهة مع )الرهاب( كما يدعونها ‪ ,‬دخلت في مرحلة حرب‬
‫الفكار‪ .‬وأنها من أهم مراحل )استراتيجية الحرب الستباقية(‪ .‬ولقد مرت حرب أمريكا‬
‫المعلنة على المسلمين منذ عهد كلينتون أواسط التسعينات بعدة مراحل ‪ .‬ثم حافظ‬
‫بوش اللعين على استراتيجيتها وأصناف عليها مناٍح جديدة‪.‬‬
‫لقد قامت حرب أمريكا مع المسلمين و حملتها الصليبية تحت ستار ما يسمي‬
‫مكافحة الرهاب )يقصدون المسلمين( على السس التي فصلتها في الفصل السادس‬
‫وهي ‪:‬‬

‫‪ - 1‬تجفيف المنابع المالية والمادية للرهاب ‪.‬‬


‫‪ -2‬اغتيال الرؤوس و المقاومة أو أسرهم وسجنهم ‪.‬‬
‫‪ - 3‬تصفية العناصر عن طريق الخطف والتسليم لبلدانهم أو‬
‫للمعتقلت الدولية‪.‬‬
‫‪ - 4‬إلغاء الملذات المنة للرهاب بإجبار الدول على ترحيل‬
‫المجاهدين أو تصفيتهم ‪ -5‬التشويه العلمي‪.‬‬
‫‪ - 6‬المطاردات المنية بالتعاون مع حكومات بلد المسلمين ‪.‬‬
‫ثم أضاف بوش البن إلى ذلك مصرحا ً ومعلنا ً عدة محاور وهي ‪:‬‬

‫‪ - 7‬الزحف العسكري المباشر برايات صليبية يهودية صريحة على بلد‬


‫المسلمين‪ .‬عبر ما أسماه(استراتيجية الحرب الستباقية(‪.‬‬
‫‪ - 8‬عقد حلف دولي عسكري للمشاركة في هذا الزحف بقيادة‬
‫أمريكا‪.‬‬
‫‪ - 9‬نقل المطاردات المنية للمجال الدولي بإشراف أمريكي مباشر‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 877 [ ‬‬

‫‪ - 10‬تطبيق مبدأ الحرب الستباقية على خليا الصحوة السلمية و‬


‫الجهادية وهو ما أسموه (إجهاض المحاولت الرهابية قبل‬
‫نشوئها( ‪.‬‬
‫‪ -11‬وأخيرا ً ما يهمنا في هذا الفصل الذي وهو ما أعلنه رامسفيلد‬
‫وأسماه ‪( :‬حرب الفكار( ‪ .‬وتتولى الشمطاء كونديليسا رايس‬
‫مستشارة المن القومي في الدارة المريكية المشاركة في‬
‫التنظير لهذه الحرب التي يشارك فيها حتى شيخ الزهر وأئمة‬
‫الحرمين !‬

‫من تكتيكات ) حرب الفكار ( المريكية ‪:‬‬ ‫•‬


‫لقد اشتملت هذه الحرب على زخم إعلمي وفكري هائل‪ .‬فكان من ذلك افتتاح‬
‫عدة محطات إذاعية باللغة العربية ولغات المسلمين ‪ .‬موجهة وممولة من قبل‬
‫الحكومة المريكية مباشرة‪.‬‬
‫ثم دخلت أمريكا مجال القنوات الفضائية باللغة العربية وبطاقم إعلمي عربي‬
‫محترف من المنافقين والمرتدين والعملء‪ .‬فافتتحت قناة ) الحرة ( ‪.‬‬
‫كما ألزمت أمريكا الحكومات العربية والسلمية بتغير مناهج التربية والتعليم ‪,‬‬
‫وفرض رقابة صارمة لحذف كل ما من شأنه أن يزكي روح المقاومة في المة ‪ .‬كما‬
‫صدرت أوامر أمريكية لحكوماتنا ‪ ,‬بالتزام لئحة توجيهات تشمل حصار المساجد‬
‫والدروس والخطب والتعليم الديني ‪ .‬وتتضمن تفاصيل من اللغاء والتضييق والتشويه‬
‫والتحريف‪..‬‬
‫ومصيبة المصائب أن أمريكا تستعمل كثيرا ً من قطاعات العلماء ورموز الصحوة‬
‫السلمية بفعل ضغوط الحكومات ‪ .‬وتستعمل هذا القطاع السلمي المحترف في‬
‫معركة الفكار لتشويه الدين وإتلف مقومات المقاومة والجهاد فيه عن طريق الفتاوى‬
‫العميلة المشوهة تحت مسمى مكافحة الرهاب والتطرف ‪ .‬وعن طريقة بث أفكار‬
‫الخنوع والذوبان في الفكر والحضارة المريكية‪ ,‬تحت مسميات كثيرة ‪ .‬منها ‪:‬‬
‫العتدال ‪ ,‬والوسطية ‪ ,‬والتعاون والحوار مع الخر‪ ...‬وغير ذلك من دعاوي الدعاة على‬
‫أبواب جهنم الذين يلبسون لباسنا ويتكلمون بألسنتنا من أنباء جلدتنا‪.‬‬
‫وفي وسط هذه الفتن الطامة الطاغية ‪ ,‬يمكن تلخيص حالة العقيدة القتالية لدى‬
‫المسلمين من خلل رصدها لدى ثلثة شرائح هي‪:‬‬
‫‪ -‬العقيدة القتالية الجهادية لدى عامة المسلمين‪.‬‬
‫‪ -‬العقيدة الجهادية لدى مدارس وقطاعات الصحوة السلمية‪.‬‬
‫‪ -‬العقيدة الجهادية لدى الجهاد يين اليوم بعد أحداث سبتمبر والعراق وما استجد من‬
‫ظروف ‪ .‬ونتناول ذلك باختصار ‪ .‬ثم أنتقل إلى لب الباب الول وهو‪:‬‬
‫نظرية العقيدة الجهادية والمنهج في دعوتنا ‪ :‬دعوة المقاومة السلمية العالمية‪.‬‬

‫ل‪ :‬أما عن العقيدة القتالية لدى قطاعات الشعوب العربية والسلمية‬ ‫أو ً‬
‫اليوم ‪:‬‬
‫فإنه لم يبق لدى معظم شرائح المة ‪ ,‬بسبب تتالي العقود على سياسات القمع‬
‫والخوف والتجهيل ‪ .‬ومحاربة السلم و تغيب شرائعه ‪ .‬والتي مارستها الحكومات عبر‬
‫وسائل العلم ‪ ,‬ومناهج التربية التي تعتمد الفساد والعلمنة ‪ ,‬والقضاء على ما تبقى‬
‫من مكونات الدين والعقيدة لدى شعوبها في الغالبية الساحقة لبلد المسلمين‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 878 [ ‬‬

‫وبسبب ما ران على قلوب الكثرية من الوهن )حب الدنيا وكراهية الموت(‪ .‬لم‬
‫يبق من العقيدة الجهادية لدى مختلف طبقات المة ‪ ,‬إل العواطف وبعض آثار ما تبقى‬
‫من عقيدة الجهاد لدى النذر اليسير من المة‪..‬‬
‫ولكن حملت أمريكا علينا منذ عقد من الزمن وتتالي استفزازاتها وما فعلته في‬
‫العراق ثم أفغانستان ثم العراق ثانية‪ ..‬وما تطرحه اليوم من برامج الحتلل والعدوان‬
‫على كافة الصعد‪ .‬مستهدفة الجميع حكاما ً ومحكومين ‪ ,‬دول ً وجماعات ‪ ,‬أحزابا ً حاكمة‬
‫أو معارضات‪ .‬ودعمها اللمتناهي لسرائيل وما تثيره القضية الفلسطينية ومجرياتها‬
‫منذ لنتفاضه خاصة‪.‬‬
‫جعل أساسيات العقيدة الجهادية تعود للمة‪ .‬حيث يشهد رجل الشارع العادي‬
‫صحوة فطرية طبيعية ل يمنعها من توليد العمال والفعال ‪ ,‬إل سياسات القمع‬
‫والخوف والنظمة البوليسية في كل مكان‪.‬‬
‫ولكن المبشرات تبدو أكبر بفضل الله‪ ,‬ثم بفضل حمق أمريكا وحلفائها‬
‫الصليبيين ‪ ,‬ومن ورائها قوى بني صهيون‪ .‬إن تلك المبشرات تلمس اليوم في كل‬
‫مكان‪.‬‬
‫وعلى العكس مما تظنه أمريكا‪ .‬فإن حملتها لتغير المناهج وأصول التربية‬
‫والتعليم ومحاربة التدين ‪ .‬قد جلبت ردة الفعل هائلة حتى في صفوف وأوساط‬
‫العلمانيين ‪ ,‬الذين ل يجدون لهم اليوم مادة وهوية للمواجهة بدوافع النخوة والشرف ‪,‬‬
‫إل السلم ورايته وهويته ‪ .‬إنه مكر الله ‪.‬‬
‫إن روح العقيدة الجهادية تتسرب إلى المة بشكل يبعث على المل ‪.‬‬
‫بل على العتقاد بقرب التحرك نحو النتصار‪ .‬فإن الجماهير تتململ ‪.‬‬
‫لقد سلبت أمريكا دنياهم التي ابتلوا بحبها ‪ ,‬وحببت إليهم الموت‬
‫كحالة أفضل من ظروف الحياة التي تعدهم إياها‪ .‬وهكذا تحل لنا أمريكا‬
‫عقدة حب الدنيا وكراهية الموت !‬
‫إن أمريكا تساعدنا اليوم على بغض الدنيا وحب الموت‪ .‬ويجب أن‬
‫نشكرهم ‪:‬‬
‫فل جزاهم الله خيرا ‪ .‬وسلطنا عليهم موتا زؤاما ‪.‬‬
‫وعندما سيصل هذا الحساس ليكون جماهيريا ً ‪.‬ستلقى الجماهير عن‬
‫كاهلها الوهن ‪ .‬وستسير المور بشكل عكسي‪ .‬وعندها تعود المهابة منا‬
‫إلى صدور أعدائنا ‪ .‬ول نعود غثاء كغثاء السيل ل قيمة لنا‪ .‬وإنما جماهير‬
‫مؤمنة تتحرك بالقوة الدافعة ل إله إل الله محمد رسول الله‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬وأما عن حالة العقيدة القتالية الجهادية في أوساط الصحوة‬


‫السلمية‪:‬‬
‫لقد خلعت مختلف أوساط الصحوة السلمية غير الجهادية على اختلف مدارسها‬
‫وعلى مدى عقود متلحق على طريق التسيس‪ ,‬خلعت كل مقومات العقيدة الجهادية‬
‫عمليًا‪ .‬ولكن ومنذ قيام النظام العالمي الجديد ‪ .‬ولسيما بعد سبتمبر وإعلن الحملت‬
‫الصليبية بعد احتلل العراق على الشرق الوسط الكبير وهو عمليا ً العالم السلمي‪.‬‬
‫منذ ذلك الوقت تشهد الصحوة السلمية غير الجهادية حالة فرز وانقسام حادة‪.‬‬
‫فالقلية الصالحة من أهل الخير من علماء وقادة ورموز صحوة ‪ ,‬استفزهم‬
‫الهجوم و أحيا فيهم مكان الدفاع والغيرة ‪ .‬فمالوا للفكر المقاوم ‪ ,‬وإن كان على‬
‫استحياء ‪ .‬ولكنها صحوة داخل الصحوة تبشر بخير‪ .‬ولكن أكثرية وللسف تتحول للعمل‬
‫كبيادق منافقة من حيث تدري أول تدري ‪ .‬في خدمة برنامج رامسفيلد لحرب الفكار‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 879 [ ‬‬

‫ويكفي للدللة على ذلك ولمعرفة السماء والهيئات والشخاص التي تشن الغارة‬
‫على السلم من داخل صفه‪ ,‬أن نقتفي أثر وسائل العلم المختلفة من إنترنيت‬
‫وفضائيات وصحف ومجلت ومؤلفات ‪ .‬لتتابع سيل عمل كتيبة حرب الله ورسوله‬
‫والطليعة المقاومة في هذه المة ‪ .‬تحت دعاوى الحوار والعتدال والوسطية ونبذ‬
‫الرهاب‪.‬‬
‫ً‬
‫لقد وصل الهجوم والسموم لكل مناحي ومبادئ هذا الدين ‪ .‬تحليل للحرام ‪.‬‬
‫وتحريما ً للحلل وحربا الله ورسوله وهكذا تبنى مساجد الضرار بتخطيط رامسفيلد و‬
‫كونديليسا ‪.‬‬

‫إن مساجد الضرار النفاق تبني محاريبها من جديد ‪ .‬وترفع مآذنها من‬
‫جديد‪ .‬إرصادا ً لمن حارب الله ورسوله‪ .‬لتحارب أصحاب مسجد قباء ‪,‬‬
‫الذين أسسوا بنيانهم على تقوى من الله ورضوان من أول يوم‪..‬‬
‫إن رحى المعركة الداخلية تدور اليوم‪ .‬وستكون ضارية مع طلئع‬
‫رامسفيلد المعممة من أصحاب اللحى المنمقة والبطون المكورة التي‬
‫ملها سحت الدولرات رغبا ً ‪ ,‬وروعتها سياط الحكام و وعيدهم رهبًا‪..‬‬
‫فأفرزت لنا أمثال شيطان العلماء ( عبد المحسن العبيكان ( ‪ ,‬وإمام‬
‫الحرم المنفوخ ‪ ,‬الحبر السمين (عبد الرحمن السديس( ‪..‬وشيخ الزهر‬
‫صاحب الطنطاويات ‪ .‬وأمثالهم في كل بلد إسلمي ‪!.‬‬

‫وأما عن حالة العقيدة الجهادية في التيار الجهادي بعد سبتمبر‪:‬‬


‫فالحال يبشر بالخير الكثير ‪ .‬ولكن هناك إشكاليات تحتاج للكثير من الجهد والعمل‬
‫‪.‬‬
‫أما بشائر الخير؛ فإن العدوان المريكي جعل كفة الطروحات الجهادية ترجح ‪.‬‬
‫وجعل الجماهير المؤيدة للمقاومة أوسع ‪ .‬وهذا يسهل على دعوة الجهاد قيامها‬
‫بالحشد‪.‬‬
‫وأما الشكالت فعدة أمور‪:‬‬
‫أولها وأخطرها أن حرب أمريكا على أفغانستان ثم على التيار الجهادي برمته قد‬
‫كبدت التيار الجهادي خسائر بشرية فادحة قتل ً أو أسرًا‪ .‬فإن معظم الكادر الساسي‬
‫منه قد قضى في سبيل الله ‪ ,‬وقد سبقت الشارة لذلك‪ .‬ولم يبق من حملة رايته‬
‫ودعوته ‪ ,‬ومن كتابه ومنظريه خاصة إل النزر القل من القليل‪ .‬حيث تقع على كاهلها‬
‫مهمة إحياء دعوة الجهاد ‪ .‬ونشر مبادئ العقيدة الجهادية ‪ .‬وإعادة نشر مناهجها‪.‬‬
‫كما أن التراث الجهادي المكتوب على قلته بالضافة للتراث الفكري للصحوة‬
‫السلمية الذي يشكل مرجعا ً فكريا ً وفقهيا ً للفكر الجهاد من أمثال مؤلفات سيد قطب‬
‫رحمه الله ‪.‬وغيره كمؤلفات أخيه الستاذ محمد قطب وبعض مؤلفات آخرين مما كتب‬
‫في الستينات والسبعينات ‪ .‬يتعرض اليوم للهجوم وللمصادرة من المكتبات ووسائل‬
‫النشر‪ .‬كما يتعرض للطعن والتشويه ‪.‬‬
‫وكذلك فكر دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وعلماء المدرسة النجدية ‪ ,‬وما بني‬
‫عليها من تراث المخلصين من دعاة بلد الحرمين‪ ..‬كل ذلك يتعرض اليوم للمصادرة‬
‫والتغييب ‪ .‬والطعن والتشويه ‪.‬‬
‫بل إن المر يذهب بعيدا ً ‪ .‬فد طال الهجوم اليوم تراث أمثال المام‬
‫ابن تيميه وابن القيم ومدرستهم ‪ .‬وغير ذلك على مستوى كل ما من‬
‫شأنه إن يوفر مادة للعقيدة الجهادية ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 880 [ ‬‬

‫إنهم يطاردون حتى بعض النصوص القرآنية في كتب المدارس‬


‫البتدائية‪ .‬إنهم صرحوا في بعض دراساتهم بأنهم لن يسمحوا بتدريس‬
‫سورة ( قل يا أيها الكافرون ل أعبد ما تعبدون‪ (..‬لنها تقول في نهايتها‬
‫( لكم دينكم ولي دين ( ‪ .‬وهذا يشجع الرهاب ‪ .‬كيف ؟! الجواب بسيط ‪:‬‬
‫فاليوم ليس هناك إل دين واحد ‪ ,‬دين بوش الذي يريد أن يفرض نفسه‬
‫على العالم ربا ً واحدا ً أحدا ً ل يقبل معه شريكا ‪ ..‬و خسئ الكلب ‪.‬‬
‫وعلى الناس القرار ‪ :‬إل معه أو عليه‪ .‬هكذا قرر المجرم ‪.‬‬
‫فالعقيدة الجهادية مهددة في التيار الجهادي بغياب روادها من جهة و بتغيب أدبياتها‬
‫وما يدعمها من المكتبة السلمية من جهة أخرى‪.‬‬
‫وهناك مشكلة ثالثة‪ .‬وهي أن الفكر الجهادي ‪ ,‬بني على الحاكمية ومبادئ‬
‫المفاصلة مع كل أركان الجاهلية‪ .‬من أجل إطلق تنظيمات جهادية نخبوية تحارب‬
‫أنظمة‪.‬وكان له فقهه وأدبياته ‪.‬وهو تراث يجب الحفاظ عليه ‪ ,‬ولكن مع النتباه لمر‬
‫هام ‪:‬‬
‫إن معركتنا اليوم مختلفة ‪ ,‬فهي معركة دفع صائل العداء الكفار مع أوليائهم‬
‫بطريقة أممية ومقاومة شعبية إسلمية عالمية‪ .‬وهذا مجال لم يكتب له إل القليل و‬
‫يحتاج اليوم فكره ونظرياته وفقهه وأحكامه وأدبياته‪.‬‬
‫فمن يقوم بهذا وقد عضت السيوف رجال التيار الجهادي ومضوا إلى ربهم‬
‫شهداء ‪ .‬وسحبت السلسل إلى غوانتانامو المريكية والكثير من ) الغوانتانامويات (‬
‫في البلد الوروبية ‪ ,‬بل والعربية والسلمية المجاهدين باللف وبعشرات اللف !‪.‬‬
‫إن الثغرة شاغرة‪ ..‬ونسأل الله أن يقبض لها فرسانها‪ .‬فمن هنا البداية‪ .‬يجب‬
‫طرح عقيدة جهادية تناسب مرحلة المقاومة‪.‬‬
‫وبعد هذه المقدمات والتوضيحات ندخل في صلب الموضوع‪.‬‬

‫*************‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 881 [ ‬‬

‫مقومات العقيدة الجهادية والفكر والمنهج في‬


‫دعوة المقاومة السلمية العالمية‪:‬‬
‫ابتداًء نقول بأن العقيدة هي كل ل يتجزأ‪ .‬وما هذا التقسيم الدراسي إل لتسهيل‬
‫الفهم ‪ ,‬والتميز بين أقسام العقيدة ‪ ,‬وتبيان ترابط تلك القسام‪.‬‬
‫)فالعقيدة الجهادية القتالية( ‪ ,‬هي فرع من كل هو ) العقيدة السلمية ( ‪ .‬والتي‬
‫تشتمل بإيجاز على كل أركان السلم واليمان ‪ .‬والتسليم بقواعد الشريعة والدين ‪.‬‬
‫والطاعة والنقياد لحكم الله ورسوله ‪ .‬وكل ما نشأ عن هذا النقياد والتسليم ‪ .‬من‬
‫اليمان بالقلب‪ ,‬والقرار باللسان ‪ ,‬والعمل بالجوارح ‪ .‬و ما يتبع ذلك من التصرفات‬
‫والفكار والحاسيس ‪ .‬فكل ذلك من العقيدة ‪ .‬وكذلك ما يترتب عليها من السعي في‬
‫فعل المأمور‪ .‬وترك المحظور برضى وتسليم ‪.‬‬
‫ولما هممت أن أقدم للعقيدة الجهادية ‪ ,‬بنبذة عن العقيدة بشمولها ‪ .‬رأيت أن‬
‫اقتطف مما كتبه الشيخ عبد الله عزام‪ .‬فإن من منهجي في الكتابة أني إذا توصلت‬
‫لمفهوم ‪ ,‬أو كتبت شيئا ‪ ,‬ثم رأيت لمن سلف إيجازا ً حسنا ً ‪ ,‬أن استغني عنه به ( ‪.‬‬
‫فقد عّرف شيخنا وأستاذنا الجليل أبو محمد عبد الله عزام غفر الله‬
‫له و رحمه الله تعالى رحمة واسعة ‪ .‬فقال في كتيبه الموجز القيم )العقيدة‬
‫وأثرها في بناء الجيل( ‪:‬‬
‫]العقيدة‪ :‬هي الضابط المين الذي يحكم التصرفات ‪ ,‬ويوجه السلوك ‪ ,‬ويتوقف‬
‫على مدى انضباطها وإحكامها كل ما يصدر عن النفس من كلمات أو حركات ‪ .‬بل‬
‫حتى الخلجات التي تساور القلب ‪ ,‬والمشاعر التي تعمل في جنبات النفس ‪,‬‬
‫والهواجس التي تمر في خيال‪ .‬هذه كلها تتوقف على هذا الجهاز الحساس‪.‬‬
‫وباختصار فالعقيدة هي دماغ التصرفات‪ ,‬فإذا تعطل جزء منها أحدث فسادا ً كبيرا ً‬
‫في التصرفات‪ .‬وانفراجا ً هائل ً عن سوي الصراط ‪[....‬‬
‫ثم قال‪ ] :‬وعلى هذا فإن كل النحرافات التي نعانيها في سلوكنا ‪ ,‬أفرادا ً‬
‫وجماعات‪ ,‬راجعة بكليتها إلى النحراف في التصور العقدي ‪ .‬فالناس في هذه اليام‬
‫بحاجة إلى بناء العقيدة من جديد ‪ .‬وإلى تصحيح التصور العتقادي ‪ .‬فل بد من إفراد‬
‫الله سبحانه وتعالى باللوهية‪ .‬ول بد من أن تستقر عظمة الله عز وجل في العماق ‪.‬‬
‫وأن يعمر النفوس حبه‪ .‬ول مناص من أن تحيا القلوب وهي تستشعر هيبته وجلله‪.‬‬
‫ويقوم هذا الدين على‪:‬‬
‫‪ -1‬حقيقة اللوهية ‪.‬‬
‫‪ -2‬حقيقة العبودية ‪.‬‬
‫‪ -3‬الصلة بين العبد وربه ‪.‬‬
‫وهذه أمور ثلثة ل بد من استقرارها في النفوس‪:‬‬
‫‪ -‬معرفة الله وقدره ‪.‬‬
‫‪ -‬معرفة العبد وحده ‪.‬‬
‫‪ -‬والصلة بين الخالق والمخلوق ‪.‬‬
‫وعلى هذا فإنه من العبث تتبع فروع الشرع ‪ ,‬وطلبها من شخص ل ترسخ في قلبه‬
‫حقيقة هذا الدين‪ .‬ول تستقر في كيانه عظمة الله التي تهيمن على كل سكنه و نأمة‬
‫وحركة في هذا الكون ‪ .‬والحق أن الناس غابت عنهم حقيقة هذا الدين العظيم ‪ .‬ومثل‬
‫كثير منهم ‪ -‬حتى الذين يقيمون الشعائر التعبدية ‪ -‬كمثل العمى الذي أمسك بذنب‬
‫الفيل ‪ ,‬ويحسب أنه أمسك بين يديه جسم الفيل ‪.[...‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 882 [ ‬‬

‫)ثم قال(‪ ] :‬وقد أصبح اليوم لدينا شيئا مألوفا ‪ ,‬أن نرى شخصا ً يداوم على‬
‫العبادات وهو في نفس الوقت يزاول أعمال ً تخرجه من إطار هذا الدين ‪ .‬كالستهزاء‬
‫بسنة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ .‬أو بفرضية وردت في محكم‬
‫التنزيل‪ .‬وهول يعلم أنه بالستهزاء إنما يهزأ من أوامر الله ويسخر منها‪ .‬وهذا الذي‬
‫اتفق أهل الذكر من هذه المة ؛ أنه يعني ردة المستهزئ ‪ .‬وخروجه من السلم ‪ .‬ومن‬
‫هذا القبيل سب الدين ‪ ,‬أو سب الله أو رسوله‪ ,‬فمن فعلها حكم عليه بالردة ‪.[...‬‬
‫)ثم قال(‪ ] :‬أعود لقرر الحقيقة الكبرى ‪ .‬أن الناس ل يعرفون حقيقة هذا الدين‬
‫ويخلطون بين مناهج متعددة في حياتهم ‪ ,‬قسم ضئيل من منهاج حياتهم من دين الله‪,‬‬
‫وأما معظم المنهاج الذي يوجه حياتهم ‪ ,‬فهو من صنع هواه أو هوى غيره من البشر‪.‬‬
‫كون عَل َيه وكيل ً * أ َم تحسب أ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫ن‬
‫مُعو َ‬ ‫س َ‬ ‫ن أك ْث ََرهُ ْ‬
‫م يَ ْ‬ ‫ْ َ ْ َ ُ ّ‬ ‫ْ ِ َ ِ‬ ‫ت تَ ُ ُ‬‫واهُ أفَأن ْ َ‬ ‫ه هَ َ‬ ‫خذ َ إ ِل َهَ ُ‬‫ن ات ّ َ‬‫ِ‬ ‫م‬
‫ت َ‬ ‫‪‬أَرأي ْ َ‬
‫ل هُ َ‬ ‫كال َن َْعام ِ ب َ ْ‬ ‫َ‬
‫سِبيل ً ‪) . ‬الفرقان ‪. (44-43/‬‬ ‫ض ّ‬
‫ل َ‬ ‫مأ َ‬‫ْ‬ ‫م ِإل َ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ن إِ ْ‬‫قُلو َ‬ ‫أوْ ي َعْ ِ‬
‫وعلى هذا فإني أرى أن التركيز على مسائل فرعية من الشريعة بالنسبة للناس‬
‫أمر غير منطقي ‪ ,‬بل محاولة عابثة لستنبات البذور في الهواء ‪ .‬ول يمكن أبدا ً بتجميع‬
‫أغصان نضرة مع بعضها في الهواء ‪ .‬أن يتكون منها شجرة ذات جذور ضاربة في‬
‫أعماق الرض‪.‬‬
‫ل بد من سلوك المنهاج الرباني الذي رسمه الله لهذا الخلق‪ .‬فلبد من زرع‬
‫البذرة في التربة‪ ,‬ثم تعهدها حتى تستوي قائمة على أصولها‪ .‬ثم تمتد بفروعها وأفنانها‬
‫‪ .‬وهكذا بالنسبة لبقية هذا الدين العظيم‪ ,‬لبد من اقتفاء السبيل الذي رسمه الله لهذا‬
‫الكائن حتى يحمل هذا الدين ‪ .‬ل بد من بناء الساس بغرس البذرة في أعماق الرض ‪.‬‬
‫أي غرس العقيدة في أعماق القلب‪.‬‬
‫والعقيدة هي الساس المكين الذي ترتكز عليه فروع هذا الدين كله‪ .‬ومن العبث‬
‫محاولة إشادة بناء ضخم بل أساس ‪ .‬ومن هنا‪ :‬فإن محاولة تتبع فروع الشريعة‬
‫بالتفصيل والتعليل ‪ ,‬هو اشتغال بالمهم عن الهم‪ .‬ول يمكن أن تؤتي المحاولة أكلها‬
‫التي نرجوا‪ ,‬والثمار التي نأمل ‪ .‬ومن الولى أن نتبع المنهاج الرباني في بناء هذا‬
‫الدين للنفس البشرية‪ .‬وذلك بترسيخ العقيدة أول ً في العماق‪ .‬ثم مطالبة النفس‬
‫بعدها بأوامر الشريعة كلها‪ .‬إذ أن المنهاج الرباني في تربية النفس جزء من العقيدة‬
‫ذاتها ‪.‬‬
‫ل‪ ,‬ول‬ ‫ول ننسى أن الداعية إلى رب العالمين‪ ,‬لبد أن يتمثل فيه المنهاج اللهي كام ً‬
‫بد أن يكون مصحفا ً يمشي على الرض‪ ,‬يتحرك فيتحرك بحركته القرآن ‪ .‬فالداعية‬
‫يطالب بالشريعة كاملة‪ .‬ولكنه في الوقت نفسه ‪ ,‬ل يطالب الناس بفروع الشريعة‬
‫قبل أن يعلمهم هذا الدين‪ ,‬ويشد أنظارهم إلى إطاره الكامل الشامل ‪ ,‬وبعد أن‬
‫يرسموا في أذهانهم الصورة الكاملة ‪ .‬يدخل معهم داخل الطار ليعلمهم تفاصيل هذا‬
‫الدين وتفريعاته ‪ .‬وهكذا قام السلم أول مرة في النفوس البشرية‪ ,‬وهكذا يقوم في‬
‫كل مرة يحاول فيها بناء هذه النفوس بالسلم‪ .‬ول مناص من اقتفاء هذا السبيل ول‬
‫مفر من انتهاجه‪ .‬فكما أن هذه الوامر والنواهي فريضة من عند الله ‪ ,‬واتباعها فرض‬
‫لزب في رقابنا ‪ ,‬فكذلك اقتفاء المنهج الرباني في بناء النفس فرض كذلك ‪ .‬وكل‬
‫محاولة لقامة هذا الدين بغير هذا المنهج الرباني لبد أن تبوء بالفشل ‪ .‬وذلك لن هذا‬
‫الدين ل يكون ولن يكون إل كما أراد الله‪ .‬ولن يبنى إل بنفس المنهج الذي رسمه رب‬
‫العالمين‪ .‬وكل منهج بشري نستعمله ليصال حقيقة هذا الدين إلى الناس هو فاشل ل‬
‫محالة‪ .‬وهو عبث و ملهاة ولعب‪.‬‬
‫لبد من إتباع المنهج الرباني القيم الذي رسمه رب العالمين‪ .‬وسلكه سيد البشرية‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم ليصال دين الله إلى قلوب البشر ولبد من البدء‬
‫بالعقيدة‪ .‬من تعريف الناس بإلههم الحق‪ ,‬وبحقيقة وجودهم على هذه الرض ‪,‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 883 [ ‬‬

‫والمهمة المنيطة بهم إبان مرورهم بهذه الدنيا‪ .‬من المسؤول عنهم؟ أي منهج يجب أن‬
‫يحكمهم؟ صلة هذا النسان بالكون من حوله ‪ ,‬مكانة هذا الكائن من الكون ‪ ,‬وبعبارة‬
‫أقصر إقرار جلل الله ورهبته وهمينته في أعماق قلب النسان وطريقة الوصول إلى‬
‫رضاه‪.‬‬
‫ومن ثم وفي هذا الوقت ‪ ,‬فإني ل أرى تتبع الجزئيات من هذا الدين في سلوك‬
‫الناس‪ .‬كالشرب باليمين‪ ,‬وترك التدخين ‪ ,‬والشرب جالسًا‪ ,‬إلى غير ذلك من هذه‬
‫التفاصيل التي ل تحتملها ول تطيق الدوام عليها إل نفوس بنيت على العقيدة‪ ,‬وجبلت‬
‫بعظمة اليمان ‪ .‬ل بد أن نبدأ مع النفس البشرية من حيث هي ‪ ,‬بحيث نلتقطها من‬
‫هذا الحضيض الذي هبطت إليه‪ .‬ثم نسير معها صعدا نعطيها اليمان جرعة جرعة‪.‬‬
‫نواكبها في نموها ونقيل عثراتها‪ .‬ونردها من هنا ونهذ بها من هناك‪ ,‬حتى تشب قائمة‬
‫على عمودها ‪ ,‬صلبة ل تهزها الزلزل والعاصير‪ .‬وهنا فقط نطلب منها كل ما يريده‬
‫الله منها‪ ,‬فتنفذ وهي راضيه مستسلمة مطمئنة أن الخير كله فيما نفذت ‪ .‬لن الخير‬
‫كله منحصر في منهج الله والشر كله الشر في الخروج عن منهاج الله ‪.‬‬
‫قى * وم َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫ض عَ ْ‬‫ن أعَْر َ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫ل َول ي َ ْ‬
‫ش َ‬ ‫دايَ َفل ي َ ِ‬
‫ض ّ‬ ‫ن ات ّب َعَ هُ َ‬ ‫ِ‬ ‫هدىً فَ َ‬
‫م‬ ‫مّني ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ي َأت ِي َن ّك ُ ْ‬‫‪ ‬فَإ ِ ّ‬
‫َ‬
‫مى ‪) ‬طه ‪. (126/124‬‬ ‫مةِ أعْ َ‬
‫قَيا َ‬‫م ال ْ ِ‬
‫شُرهُ ي َوْ َ‬ ‫ح ُ‬‫ضْنكا ً وَن َ ْ‬
‫ة َ‬ ‫ش ً‬ ‫مِعي َ‬ ‫ه َ‬‫ن لَ ُ‬ ‫ري فَإ ِ ّ‬‫ذِك ْ ِ‬
‫وأعود فأذكر أن النفوس التي تقدم السلم للناس ‪ ,‬ل مناص لها من أن تكون‬
‫شريعة تدب على الرض‪ ,‬وتأخذ بالعزائم ‪ .‬ول بد لها من أن تكون المرآة الصافية التي‬
‫تعكس حقيقة هذا الدين أصوله وفروعه‪ ,‬إذ لبد لها من أن يكون لحمها و دمها هو هذا‬
‫ذا َبلغٌ ِللّنا ِ‬
‫س‬ ‫الدين الذي إليه تدعوا‪ ,‬والمنهاج الذي تهتف بالناس أن ينهجوا‪  .‬هَ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ب ‪) ‬ابراهيم‪. [... (52:‬‬ ‫حد ٌ وَل ِي َذ ّك َّر أوُلو اْلل َْبا ِ‬ ‫ه َوا ِ‬‫ما هُوَ إ ِل َ ٌ‬‫موا أن ّ َ‬ ‫وَل ِي ُن ْذ َُروا ب ِهِ وَل ِي َعْل َ ُ‬
‫) ثم يقول( ‪:‬‬
‫] فالعقيدة تمثل الساس للبناء‪ ,‬والعمارة الضخمة لبد لها من أساس مكين‬
‫وقاعدة صلبة حتى يستقر فوقها البناء‪ .‬وهنا يبرز عامل آخر ينبثق عن هذه الحقيقة‪,‬‬
‫وهي أنه لبد من بناء الساس قبل الشروع برفع البناء ‪ ,‬و إل فسينهار البناء كله‪ .‬لبد‬
‫من البداية مع أي نفس ندعوها إلى هذا الدين أو نريد تربيتها على أساس السلم من‬
‫اليمان أول ‪ ,‬وقبل كل شيء‪ ,‬خاصة في هذا العصر الذي بهت فيه مفهوم العقيدة في‬
‫نفوس أبناء هذا الجيل المنتسب إلى السلم ‪ ,‬لبد من انتهاج نفس الطريق الذي‬
‫انتهجه رسول الله صلى الله عليه وسلم من تثبيت العقيدة في النفس ثم مطالبتها‬
‫بالفروع ‪.‬لبد أن نعرف الناس بربهم وعظمته و هيمنته على الكون‪ ,‬فهو مالك الملك‪,‬‬
‫وهو الذي بيده ملكوت كل شيء‪ .‬وهو القاهر فوق عباده‪ ,‬وهو الذي إليه يرجع المر‬
‫كله‪ ,‬وهو الخالق الرازق‪ ..‬لبد من هذه البداية‪ .‬أما أن نبدأ فنطالبهم بتطبيق فروع‬
‫الشريعة وهم لم يعرفوا صاحب الخلق والمر‪ ,‬فهذا عبث ومحاولة لستنبات البذور في‬
‫الهواء‪. [.‬أهس‪ .‬انتهى النقل من كلمه رحمه الله تعالى‪.‬‬
‫والن وبعد أن أسهبت في النقل لقدم لموضوع العقيدة الجهادية بهذه الكلمات‬
‫التي عبر بها شيخنا الشهيد عما أردت التعبير عنه بأفضل بيان يحمل في طياته أنفاس‬
‫وأسلوب الشهيد المعلم سيد قطب ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬الذي تمتلئ كتاباته بهذه المعاني و‬
‫الصطلحات ‪ ..‬وما أريد أن أعقب به هنا‪ ..‬لربط الفرع بالصل ‪ .‬أي ربط ) العقيدة‬
‫الجهادية القتالية( التي نحن بصددها في هذا الباب ‪ ,‬بالعقيدة الكلية ‪ ,‬وهي )عقيدة‬
‫السلم ( بشمولها وكمالها‪.‬‬
‫أقول أن هذا الربط بين الصل والفروع ‪ .‬أدركه العدو في هذا الزمان أكثر من‬
‫إدراك أكثر أهل الملة السلمية له‪ .‬فقد علم وهو يشرع بالغزو والحتلل أنه ستكون‬
‫)مقاومة( ‪ ,‬وهذا بدهي‪ ..‬وعلم أن أهم جهات المقاومة وأشدها وأعصاها على‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 884 [ ‬‬

‫المواجهة ‪ ,‬هي المقاومة النابعة من ) العقيدة الجهادية القتالية ( لدى المسلمين‬


‫عامة ‪ ,‬والسلميين خاصة‪ ,‬و الجهاديين على وجه الخصوص ‪.‬‬
‫ولن هذا العدو المعاصر ذكي محترف للعدوان على مر العقود والقرون ‪ ,‬ولنه‬
‫يقيم أعماله على الدراسات الستراتيجية وآراء الخصائيين ؛ فقد علم هذه المعادلة‬
‫وفهمها بعمق على بساطتها ‪ ,‬فهما أعجم وللسف على أكثر المسلمين ‪ ,‬بل حتى على‬
‫أكثر قواد الصحوة وعلماء هذا الزمان من المسلمين ‪.‬‬
‫وهذه المعادلة التي فهمها العدو هي ببساطة‪:‬‬
‫) المقاومة هي وليدة عقيدة جهادية ‪ ,‬والعقيدة الجهادية القتالية هي فرع من‬
‫شجرة العقيدة السلمية الشاملة ( ‪.‬‬
‫ولذلك يعمل العدو اليوم من أجل أن ل تنضح ثمرة المقاومة ‪ ,‬على أن يجفف‬
‫غصن العقيدة الجهادية وذلك بقطع جذور العقيدة الشاملة ‪ ,‬كمنهج اعتقاد وعمل‬
‫وإحساس‪ ,‬كمنهج فكر و حركة لدى أهل ملة السلم المعاصرين ‪.‬‬
‫فأعلن بوش و وزير دفاعه ما أسموه )حرب الفكار( و)الحرب الستباقية‬
‫الفكرية( بعد الحرب الستباقية العسكرية‪ .‬وجاءنا بمشاريع )تغير المناهج( ‪,‬‬
‫وتعديل أساليب التربية والتعليم ‪ ,‬العام والديني ‪ ,‬وضبط خطاب المساجد وطرق‬
‫التربية فيها ‪ .‬ثم أتبع ذلك بمشروع لخصه الستراتيجيون المريكان في أكثر من‬
‫‪ 1000‬ورقة ‪ ,‬وعنونوه باسم ) مشروع الشرق الوسط الكبير ‪ .‬والذي يضع قواعد‬
‫التغيير الشامل في العالمين العربي والسلمي على كل الصعد ‪ ,‬السياسية‬
‫والقتصادية ‪ ,‬والثقافية والدينية ‪ ,‬والتاريخية واللغوية‪ ,‬والجتماعية و الفنية ‪ ...‬و‬
‫مكوناتنا الحضارية كأمة ‪ ,‬شعوبا و حكاما ومحكومين ‪.‬‬
‫ومن هنا يجب أن ندرك وهذا ما أشرت إليه بمقدمة هذا الجزء الثاني من الكتاب‬
‫وكذلك في مقدمة الجزء الول عن)محاور المقاومة ومستويات المقاومة( ‪.‬‬
‫وأعيد هنا ما له علقة بالفقرة وهو قولي ‪:‬‬
‫لبد لكي تحصل المقاومة التي نطمح إليها ‪ ,‬من نموا لعقيدة الجهادية القتالية ‪ .‬ول‬
‫يمكن لهذه أن تنبت إل في نفوس قد امتلت إيمانا ً بالمناحي الشاملة للعقيدة‬
‫السلمية ‪ .‬والتي أساسها النقياد التام لمعني ل إله إل الله ‪ ,‬بالمفهوم المحدد لمعنى‬
‫محمد رسول الله ‪ .‬فاستعدت كي تبني منهج حياتها ‪ ,‬بكل التسليم والنقياد و الرضى‬
‫ة‬
‫من َ ٍ‬‫مؤْ ِ‬ ‫ن َول ُ‬ ‫م ٍ‬ ‫مؤْ ِ‬‫ن لِ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫لمعني هذه الشهادة ‪ .‬مدركة تماما ً معني قوله تعالى‪  :‬وَ َ‬
‫خيرةُ م َ‬ ‫َ‬ ‫ذا قَضى الل ّه ورسول ُ َ‬
‫سول َ ُ‬
‫ه‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ص الل ّ َ‬ ‫ن ي َعْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫مرِهِ ْ‬‫نأ ْ‬‫م ال ْ ِ َ َ ِ ْ‬ ‫ن ل َهُ ُ‬
‫كو َ‬ ‫مرا ً أ ْ‬
‫ن يَ ُ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ُ ََ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫إِ َ‬
‫حّتى‬‫ن َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ك ل ي ُؤْ ِ‬ ‫مِبينا ً ‪) ‬الحزاب‪ .(36:‬وقوله تعالى ‪َ  :‬فل وََرب ّ َ‬ ‫ضلل ً ُ‬‫ل َ‬ ‫ض ّ‬‫قد ْ َ‬ ‫فَ َ‬
‫سِليما ً‬ ‫َ‬
‫موا ت َ ْ‬ ‫سل ّ ُ‬ ‫ت وَي ُ َ‬ ‫ضي ْ َ‬ ‫ما قَ َ‬ ‫م ّ‬‫حَرجا ً ِ‬ ‫م َ‬
‫سه ِ ْ‬
‫ف ِ‬
‫دوا ِفي أن ْ ُ‬ ‫ج ُ‬
‫م ل يَ ِ‬ ‫م ثُ ّ‬
‫جَر ب َي ْن َهُ ْ‬
‫ش َ‬‫ما َ‬‫ك ِفي َ‬‫مو َ‬ ‫حك ّ ُ‬‫يُ َ‬
‫‪) ‬النساء‪ . (65:‬إن على علماء المة وقيادات الصحوة ‪ ,‬أن يعملوا على ترسيخ أسس‬
‫ً‬
‫العقيدة الشاملة الكاملة لدفع المسلمين إلى التمسك بأصول دينهم ‪ ,‬عقيدة وسلوكا ‪.‬‬
‫وإبراز ملمح عقيدتهم الجهادية وإزكائها‪.‬‬
‫ومن أجل التكامل الذي نشير إليه بين الصل والفرع ‪ ,‬سأشير إلى مختلف مناحي‬
‫العقيدة أول ‪ .‬ثم أركز على الجانب الذي نحن بصدده ‪ ,‬وهو )العقيدة الجهادية‬
‫القتالية( وما يتعلق بها من مسائل عقدية وسياسية شرعية و مبادئ تربوية أخرى‪.‬‬
‫وسأتناول ذلك بعون الله على الشكل التالي‪:‬‬
‫)‪ - (1‬موجز في المناحي العامة للعقيدة السلمية لهل السنة والجماعة‪.‬‬
‫)‪ - (2‬المناحي العامة للعقيدة الجهادية القتالية لدعوة المقاومة السلمية العالمية‪.‬‬
‫)‪ - (3‬بعض التفصيل في نقاط أساسية من العقيدة الجهادية لدعوة المقاومة‬
‫السلمية العالمية ‪.‬‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 885 [ ‬‬

‫أول‪ :‬موجز في الساسيات والمناحي العامة لعقيدة أهل السنة والجماعة‬ ‫•‬
‫‪((1‬‬
‫‪:‬‬
‫جاء في الحديث الشريف الصحيح مما رواه مسلم ‪ -‬رحمه الله – عن عمر رضي‬
‫الله عنه ‪ ,‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬قال عندما جاءه جبريل عليه السلم‬
‫يسأله ‪:‬‬
‫) السلم أن تشهد أن ل إله إل الله ‪ ,‬وأن محمدا رسول الله ‪ .‬وتقيم‬
‫الصلة ‪ .‬وتؤتي الزكاة ‪ .‬وتصوم رمضان ‪ ,‬وتحج البيت إن استطعت إليه‬
‫سبيل ( ‪ .‬قال فأخبرني عن اليمان ‪ .‬فقال صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬أن تؤمن بالله‬
‫‪ ,‬وملئكته ‪ ,‬وكتبه ‪ ,‬ورسله ‪ ,‬واليوم الخر ‪ ,‬وتؤمن بالقدر خيره‬
‫وشره ( ‪.‬قال فأخبرني عن الحسان ‪ .‬فقال صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬أن تعبد الله‬
‫كأنك تراه ‪ ,‬فإن لم تكن تراه ‪ ,‬فإنه يراك (‪.‬‬
‫وقد جمع هذا الحديث خلصة أركان السلم ‪ .‬وأساسيات اليمان ‪ .‬ومراتب‬
‫الحسان والمعرفة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وقد فصل علماء السلم قديما وحديثا ‪ ,‬في أبواب علوم العقائد والتوحيد ما‬
‫يشفي و يكفي ‪ .‬واستقرت عقيدة أهل السنة والجماعة على أساسيات ننقل هنا منها‬
‫ما أختصر به عقيدتي ‪ .‬وهي ‪:‬‬
‫عقيدة أهل السنة والجماعة والفرقة الناجية بإذن الله‪:‬‬
‫ً‬
‫)‪ - (1‬فنحن نشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له وأن محمدا عبده ورسوله‪.‬‬
‫)‪ - (2‬ونؤمن بالله وملئكته وكتبه ورسله ‪ ,‬واليوم الخر والبعث من بعد الموت فيه ‪,‬‬
‫ونؤمن بالقدر خيره وشره‪.‬‬
‫)‪ - (3‬نوحد الله بربوبيته ونؤمن أنه الخالق الرازق المبدئ المعيد مالك الملك ل رب‬
‫للكون سواه‪.‬‬
‫)‪ - (4‬ونوحد الله بألوهيته ونؤمن أنه الله المعبود حقا ً ل معبود سواه جل جلله‪.‬‬
‫)‪ - (5‬ونوحد الله بأسمائه الحسنى وصفاته العل ‪ .‬ونؤمن بما وصف به سبحانه ذاته‬
‫في كتابه الكريم ‪ ,‬وما جاء على لسان رسوله المين ‪ ,‬صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫من غير تحريف ول تعطيل ول تكييف ول تمثيل ‪ .‬فهو سبحانه كما وصف نفسه ‪:‬‬
‫" ليس كمثله شيء وهو السميع البصير"‪.‬‬
‫)‪ - (6‬ونعتقد مذهب الصحابة ومن جاء بعدهم من السلف الصالح باليمان بأسماء‬
‫الله تعالى وصفاته ‪ .‬وهم الذين علموا تلك السماء والصفات ‪ ,‬وفوضوا الكيفية‬
‫والكنه إلى الله عز و جل ‪ .‬وآمنوا بالله على مراد الله‪ .‬واعتقدوا أنه سبحانه‬
‫وتعالى موصوف بهذه الصفات حقا ً ل مجازا ً ‪ .‬على النحو و الكيف الذي يليق‬
‫بجلل الله تعالى ‪ .‬الذي ليس كمثله شيء ‪ .‬ونؤمن بذلك كما أوجز المام مالك‬
‫رحمه الله تعالى منهج أهل السنة والجماعة والفرقة الناجية ‪ ,‬عندما قال لما‬
‫سأله سائل عن معنى استواء الله تعالى على عرشه وكيفيته‪ ,‬فقال ‪) :‬الستواء‬
‫معلوم‪ .‬و الكيف مجهول‪ .‬واليمان به واجب‪ ,‬والسؤال عنه بدعة(‪ .‬فنحن نؤمن‬
‫بأن لله تعالى كما أثبت لنفسه ‪ ,‬يدا ً وبصرا ً وسمعا ً يليق بجلله ‪ .‬ليس كأيدينا‬
‫وأبصارنا ‪ .‬ونؤمن أن الله تعالى ينزل إلى لسماء الدنيا نزول ً يليق بجلله ‪ ,‬دون‬
‫معرفتنا لكيف ذلك ‪ .‬وأنه تبارك وتعالى يضحك كما يليق بجلله ‪ .‬وأنه تبارك‬

‫)‪ ] (1‬اعتمدنا في صياغة هذا الموجز على كتاب العقيدة وأثرها في بناء الجيل للشيخ الشهيد عبد الله عزام ‪ ,‬وكتاب‬
‫شرح العقيدة الطحاوية لبن أبي العز الحنفي ‪ ,‬وكتاب شرح العقيدة الواسطية للمام ابن تيمية بشرح ابن عثيمين [‪.‬‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة ‪] 886 [ ‬‬

‫وتعالى منزه عن الحدود والغايات والركان والعضاء والدوات‪ .‬ونؤمن بالعرش‬


‫والكرسي واستغناء الله عنه‪ .‬وأنه تعالى محيط بكل شيء وفوقه‪.‬‬
‫)‪ - (7‬ونؤمن بأنه تعالى مستوى على عرشه‪ .‬بائن عن خلقه ‪ .‬فوق السماء السابعة‪.‬‬
‫مع تنزيهه سبحانه وتعالى عن أن يحده زمان أو مكان‪ .‬ونؤمن أنه مع خلقه‬
‫بسمعه وبصره وعلمه‪.‬‬
‫)‪ - (8‬ونؤمن بالملئكة ‪ .‬وأنهم خلق من خلق الله ‪ .‬موكلون بأعمالهم التي كلفهم الله‬
‫سبحانه بها ‪ .‬ومنها حفظ البشر وحمايتهم وإحصاء أعمالهم ‪ .‬و نؤمن بما جاء في‬
‫السنة الثابتة من أعمالهم ‪ ,‬تفصيل ً لما ورد في القرآن ‪ .‬فمنهم الموكل بالوحي ‪.‬‬
‫ومنهم الموكل بقبض أرواح البشر‪ .‬ومنهم الموكل بالقطر‪ .‬والموكل بالجبال ‪.‬‬
‫وهم يحضرون مجالس الذكر ويرفعون العمال ‪ .‬ومنهم الحفظة الموجودون مع‬
‫النسان ‪...‬‬
‫)‪ - (9‬ونؤمن بكتب الله التي جاء ذكرها في القرآن والسنة الثابتة ‪ .‬فنؤمن بصحف‬
‫إبراهيم ‪ .‬وبالتوراة المنزلة على موسى‪ ,‬وبالزبور الذي نزل على داوود ‪,‬‬
‫وبالنجيل الذي نزل على عيسى ‪ ,‬وبالقرآن الذي نزل بخاتمة الرسالت على‬
‫خاتم النبياء نبينا محمد عليه وعلى أنبياء الله أجمعين الصلة والسلم ‪ .‬مع‬
‫اليمان بأمرين هامين‪:‬‬
‫أ‪ -‬أن الكتب السابقة للقرآن نزلت من عند الله ثم نالها التحريف والتعديل على‬
‫أيدي البشر‪.‬من الحبار والرهبان ‪ .‬إل القرآن الذي حفظه الله تعالى خاتمة‬
‫ن‪) ‬الحجر‪. (9:‬‬
‫حافِ ُ‬
‫ظو َ‬ ‫ه لَ َ‬‫ن ن َّزل َْنا الذ ّك َْر وَإ ِّنا ل َ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫الكتب والشرائع ‪ .‬إ ِّنا ن َ ْ‬
‫ب‪ -‬أن القرآن جاء ناسخا لما قبله ومهيمنا عليه ‪ .‬وأن شريعة السلم جاءت‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫بعقيدة التوحيد ‪ .‬وهي عقيدة جميع النبياء ‪ .‬وبالشريعة الخاتمة الناسخة لما قبلها‬
‫‪.‬‬
‫َ‬
‫منا ً عَل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫مهَي ْ ِ‬‫ب وَ ُ‬ ‫ن ال ْك َِتا ِ‬ ‫م َ‬‫ن ي َد َي ْهِ ِ‬ ‫ما ب َي ْ َ‬ ‫دقا ً ل ِ َ‬ ‫ص ّ‬‫م َ‬ ‫حق ّ ُ‬ ‫ب ِبال ْ َ‬ ‫ك ال ْك َِتا َ‬ ‫‪ ‬وَأن َْزل َْنا إ ِل َي ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫جعَل َْنا ِ‬
‫من ْك ُ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫حقّ ل ِك ُ ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫جاَء َ‬ ‫ما َ‬ ‫م عَ ّ‬ ‫واَءهُ ْ‬ ‫ه َول ت َت ّب ِعْ أهْ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما أن َْز َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫م ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫َفا ْ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫من َْهاجا وَلوْ َ‬
‫ما آَتاك ْ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫ن ل ِي َب ْلوَك ْ‬ ‫حد َةً وَلك ِ ْ‬ ‫ة َوا ِ‬ ‫م ً‬‫مأ ّ‬ ‫جعَلك ْ‬ ‫هل َ‬ ‫شاَء الل ُ‬ ‫ة وَ ِ‬ ‫شْرعَ ً‬ ‫ِ‬
‫ن ‪‬‬ ‫فو َ‬ ‫خت َل ِ ُ‬‫م ِفيهِ ت َ ْ‬ ‫ُ‬
‫ما كن ْت ُ ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫ميعا فَي ُن َب ّئ ُك ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫جعُك ْ‬ ‫مْر ِ‬ ‫ّ‬
‫ت إ ِلى اللهِ َ‬ ‫َ‬ ‫خي َْرا ِ‬ ‫ْ‬
‫قوا ال َ‬ ‫ست َب ِ ُ‬‫َفا ْ‬
‫)المائدة‪. (48/‬‬

‫ن ‪‬‬
‫ري َ‬
‫س ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫خا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه وَهُوَ ِفي اْل ِ‬
‫خَرةِ ِ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫قب َ َ‬
‫ل ِ‬ ‫سلم ِ ِدينا ً فَل َ ْ‬
‫ن يُ ْ‬ ‫ن ي َب ْت َِغ غَي َْر ال ِ ْ‬ ‫‪ ‬وَ َ‬
‫م ْ‬
‫)آل عمران ‪. (85‬‬
‫)‪ - (10‬ونؤمن بأنبياء الله ورسله أجمعين ‪ .‬وأنه ل يصح إيمان من جحد رسالة‬
‫ن ِبالل ّهِ‬
‫م َ‬ ‫ن كُ ّ‬
‫لآ َ‬ ‫ن َرب ّهِ َوال ْ ُ‬
‫مؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما أ ُن ْزِ َ‬
‫ل إ ِل َي ْهِ ِ‬ ‫ل بِ َ‬ ‫سو ُ‬
‫ن الّر ُ‬ ‫م َ‬‫أحدهم ‪  :‬آ َ‬
‫َ‬
‫معَْنا وَأط َعَْنا غُفَْران َ َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫س ِ‬‫سل ِهِ وََقاُلوا َ‬ ‫ن ُر ُ‬ ‫م ْ‬‫حدٍ ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫فّرقُ ب َي ْ َ‬ ‫ملئ ِك َت ِهِ وَك ُت ُب ِهِ وَُر ُ‬
‫سل ِهِ ل ن ُ َ‬ ‫وَ َ‬
‫ر ‪) ‬البقرة‪. (285:‬‬ ‫صي ُ‬‫م ِ‬‫ك ال ْ َ‬ ‫َرب َّنا وَإ ِل َي ْ َ‬

‫فنحن نؤمن بهم ونحهم ونصلي عليهم أجمعين‪.‬‬


‫)‪ - (11‬ونؤمن باليوم الخر يوم القيامة‪ .‬يوم يبعث الله الولين والخرين من بعد‬
‫موتهم للحساب ‪ .‬فيؤول المؤمنون إلى الجنة ‪ ,‬والكافرون إلى النار‪ .‬ونؤمن بأن‬
‫الله حرم الجنة على المشركين‪ .‬وأن عصاة المؤمنين إما يغفر الله لهم برحمته‬
‫وعفوه ‪ .‬أو يعذبون بذنوبهم ما شاء الله ‪ ,‬ثم يؤولون إلى الجنة برحمة الله‪.‬‬
‫) ‪ - (12‬ونؤمن بقدر الله خير وشره ‪ .‬ونؤمن بأن الله قد قدر كل شيء‪ ,‬وكتب كل‬
‫شئ ‪ .‬وأن نفسا ً لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها المحتوم المقسوم‪.‬‬
‫ونؤمن بأن المة لو اجتمعت ‪ ,‬إنسها وجنها فإنهم ل يضرون أو ينفعون أحدا ً إل‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 887 [ ‬‬

‫بما كتب الله ‪ ,‬فقد رفعت القلم وجفت الصحف ‪ .‬كما جاءت بذلك نصوص‬
‫القرآن وصحيح السنة ‪ .‬وأن على المؤمن الرضى بقدر الله خير وشره ‪ .‬وأنه من‬
‫رضي فله الرضى ‪ .‬ومن سخط فله السخط ‪ .‬كما جاء عن رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ونؤمن بذلك بأن الله خلقنا وخلق أفعالنا ‪ ,‬مع أن العبد مختار لفعاله يحاسب عليها‪.‬‬
‫ونؤمن أن الله قادر على كل شيء قدير‪ .‬فعال لما يريد ‪ ,‬ل يكون شيء في هذا‬
‫الكون إل بأمره وقدره ‪ .‬فعقيدتنا ‪ -‬عقيدة أهل السنة والجماعة ‪ -‬وسط بين‬
‫القدرية الذين أسندوا الفعال إلى العباد ونفت القدر وجعلت المخلوق خالقا‬
‫لفعاله من خير وشر‪ .‬وبين الجبرية الذين نفوا الختيار عن العبد وجعلوه مجبرا‬
‫على فعله خيره وشره قدرا ‪.‬‬
‫)‪ – (13‬ونعتقد عقيدة سلفنا الصالح ‪ ,‬بأن اليمان قول باللسان واعتقاد بالقلب‬
‫وعمل بالجوارح والركان ‪ .‬وأنه يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ‪.‬‬
‫)‪ – (14‬ونعتقد في ذنوب المؤمنين ومعاصيهم عقيدة وسطا ‪ .‬فل نكفر أصحاب‬
‫المعاصي والكبائر كما فعلت الخوارج‪ ,‬ول نقول بأنه ليضر مع اليمان معصية‬
‫كما قالت المرجئة ‪ .‬ول نجعل ذلك كما قالت المعتزلة في منزلة بين المنزلتين‬
‫بين اليمان والكفر‪ .‬فنرجوا الرحمة والفضل من الله للمحسن ‪ ,‬ونعتقد أن‬
‫المسيء من المؤمنين ‪ ,‬مآله إما إلى عفو الله ‪ ,‬وإما إلى عقابه ‪ .‬فإن شاء عذبه‬
‫بذنبه ‪ ,‬وإن شاء غفر له برحمة الله الغفور الرحيم ‪.‬‬
‫)‪ – (15‬ونعتقد بفضل الصحابة كلهم ‪ ,‬ول نغلوا في أحد منهم ‪ .‬ونتولهم جميعا ‪.‬‬
‫ونستغفر لهم ونحبهم ونذكر محاسنهم ونكف عن مساوئهم وما شجر بينهم ‪.‬‬
‫ونقر بفضلهم وأنهم جميعا ثقاة عدول رضي الله عنهم ‪ .‬ونعتقد أن أفضل‬
‫الصحابة أبا بكر ثم عمر ‪ ,‬ثم عثمان ثم علي‪ .‬ثم باقي العشرة المبشرين بالجنة‬
‫) سعد وسعيد وطلحة والزبير وأبا عبيدة وعبد الرحمن بي عوف(‪ .‬ثم أهل بدر‬
‫ثم بيعة الرضوان ‪ ,‬ثم باقي الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ‪ .‬ونحب آل بيت‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ونتولهم ‪ ,‬ول نغالي فيهم ونعرف فضلهم‬
‫وقرابتهم ‪ .‬ونحب أمهات المؤمنين أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ونتولهن جميعهن رضي الله عنهن جميعا ‪.‬‬
‫)‪ - (16‬ول نكفر أحدا ً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله ‪ ,‬أو يعمل عمل ً ل يحتمل إل‬
‫الكفر‪ .‬كمن أنكر معلوما ً من الدين بالضرورة ‪ ,‬أو استحل حراما ً مجمعا ً على‬
‫حرمته ‪ ,‬أو حرم حلل ً مجمعا ً على حله‪ .‬أو فعل فعل ً ل يحتمل إل الكفر‪ .‬كسب‬
‫الله تعالى ‪ ,‬أو رسوله صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬أو لبس الصليب ‪ ,‬أو إهانة القرآن‬
‫‪ .‬ونذهب مذهب أهل السنة والجماعة في كفر من تحققت فيه الشروط وانتفت‬
‫عنه الموانع ‪ .‬كما جاء تفصيل ذلك عن الثبات من سلف المة وعلمائها‬
‫الصالحين‪.‬‬
‫)‪ - (17‬ونؤمن بكرامات الولياء ‪ .‬وأن كل المؤمنين أولياء الله ‪ .‬وأقربهم إليه‬
‫وأكرمهم عنده أتقاهم له ‪ ,‬وأتبعهم للكتاب والسنة ‪ .‬وأنه من حصلت له الكرامة‬
‫نظرنا في اتباعه للكتاب والسنة ‪ .‬فإن كان عليها كانت كرامة ‪ ,‬و إل فهي‬
‫حار والمشعوذين فتنة لهم‬ ‫استدراج له من الله تعالى ‪ .‬كما يحصل لبعض الس ّ‬
‫ولمن فتن بهم‪.‬‬
‫)‪ - (18‬ونؤمن أنه ل يعلم الغيب إل الله تعالى ‪ .‬الذي أطلع أنبياءه صلوات الله‬
‫وسلمه عليهم بوحيه على بعض غيبه‪ .‬ومن أدعى علم الغيب من النس والجن‬
‫فقد افترى على الله الكذب ‪ .‬ول نأتي كاهنا ً ول عرافا ً ول ساحرًا‪ .‬ول نصدقهم ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 888 [ ‬‬

‫)‪ - (19‬ونؤمن أن أهل الكبائر والذنوب من الموحدين ل يخلدون في النار ما لم‬


‫يشركوا بالله ‪ .‬وهم في مشيئة الله وحكمة إن شاء غفر لهم برحمته وإن شاء‬
‫عذبهم بعدله‪.‬‬
‫)‪ - (20‬ونعتقد صحة الصلة خلف كل بر و فاجر من أمراء المسلمين وعامتهم ‪.‬‬
‫ونصلي على من مات منهم ‪ .‬ونأكل ذبيحتهم ‪ .‬فنؤمن أنه من صلى صلتنا‬
‫واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا ‪ ,‬فذلك المسلم ول نشهد على مسلم بكفر ول نفاق‬
‫ول شرك ‪ ,‬ما لم يظهر منهم قرينة ذلك وندع سرائرهم إلى الله تعالى‪ .‬ونكره‬
‫أصحاب البدع ونبر أمن بدعهم و ضللتهم ‪.‬‬
‫)‪ - (21‬ونؤمن بفتنة القبر ونعيمه وعذابه‪ .‬وببعث الناس للحساب يوم القيامة ‪.‬‬
‫ونؤمن بما جاء في القرآن والسنة الثابتة ‪ ,‬من نصب الموازين ونشر الدواوين‬
‫يوم القيامة‪ .‬ونؤمن بالصراط الذي ينصب على شفير جهنم ‪ ,‬حيث يمر الناس‬
‫فوقه بسرعات على قدر إيمانهم وأعمالهم ‪.‬‬
‫ونؤمن بحوض رسول الله صلى الله عليه وسلم و بشفاعته‪ .‬ونؤمن بأن الجنة والنار‬
‫حق‪ .‬موجودتان ول تفنيان ‪ .‬ونؤمن برؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة ل يضارون‬
‫في رؤيته‪.‬‬
‫)‪ - (22‬ونؤمن بأن القرآن منزل من عند الله كلم الله غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود‬
‫أنزله على عبده و رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬بواسطة أمين وحيد‬
‫جبريل‪.‬‬
‫)‪ - (23‬ونؤمن بأن الستغاثة بالعبيد والمخلوقات والموات والقبور‪ ,‬واعتقاد النفع‬
‫والضر منهم شرك ‪ .‬وأن التوسل بشيء من مخلوقات الله ل يجوز‪ .‬ونرى أن‬
‫بناء القبور على غير هدي السنة وبناء القباب عليها ورفع العلم واتخاذ المزارات‬
‫بدعة نهى الشرع عنها ‪ .‬تجب إزالة مظاهرها ‪ .‬بالمر بالمعروف والنهي عن‬
‫المنكر ما لم يؤد ذلك لمنكر أكبر منه لدى القدرة على ذلك‪.‬‬
‫)‪ - (24‬ونؤمن أن الجهاد ماض إلى يوم القيامة ل يمنعه جور جائر ول عدل عادل ‪.‬‬
‫وهو مع عامة المسلمين وأمرائهم برهم و فاجرهم ‪ .‬وأنه فرض كفاية عموما ً إذا‬
‫قام به البعض سقط عن الخرين إل في مواطن ثلثة حيث يصبح فرض عين ‪:‬‬
‫أ‪ -‬إذا التقى صف العدو بصف المؤمنين وجب الجهاد و حرم‬
‫النصراف‪.‬‬
‫ب‪ -‬إذا استنفر المام الشرعي الحاكم بما أنزل الله الذي يوالي‬
‫المؤمنين ويعادي الكافرين ‪ ,‬وجب الستجابة والنفير للجهاد في‬
‫سبيل الله معه‪.‬‬
‫ج‪ -‬إذا دخل العدو الصائل أرض المسلمين ‪ ,‬أو هددهم في دينهم أو‬
‫أنفسهم أو أعراضهم أو أموالهم ‪ .‬وجب الجهاد وصار فرض عين‬
‫كما هو هذه اليام‪.‬‬
‫)‪ - (25‬ونؤمن أن نصرة المؤمنين واجبة في الدين على ما كان منهم من المعاصي و‬
‫النقصان في الدين لحق العقيدة وإخوة السلم ‪ .‬فإن استنصروكم في الدين‬
‫فعليكم النصر‪ .‬ونؤمن أن المؤمن ولي المؤمن ‪ ,‬وأن الكافرين والمنافقين‬
‫بعضهم أولياء بعض ‪ .‬فأن من تولى الكفار والمرتدين والمنافقين فهو منهم كما‬
‫قال تعالى ‪ ) :‬ومن يتولهم منكم فإنه منهم (‪ .‬وأن مظاهرة الكفار على‬
‫المسلمين كفر بدين الله ‪ .‬وأن من أقام بين المشركين بغير إكراه ول ضرورة‬
‫فقد أثم ‪ ,‬وقد برئ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫)‪ - (26‬ونؤمن بأن توحيد الحاكمية جزء أساسي ‪ ,‬وركن ركين من توحيد اللوهية‬
‫شرع من دون الله بغير ما أنزل الله كفر و ارتد‬ ‫وواجبات العبودية‪ .‬وأن من ّ‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 889 [ ‬‬

‫وخرج عن ملة السلم ‪ .‬وأن الحكام الحاكمين بغير ما أنزل الله جميعهم ‪ ,‬كما‬
‫وصفهم تعالى ‪):‬فأولئك هم الكافرون( و )الظالمون( و )الفاسقون( ‪ .‬قد‬
‫اجتمعت لهم كل هذه الصفات و مترتباتها ‪ .‬وهم مرتدون وإن زعموا أنهم‬
‫مسلمين بسبب تلبسهم بالتشريع من دون الله والحكم بغير ما أنزل الله‪.‬‬
‫)‪ - (27‬ونؤمن بأن دفع صائل الكفار الذين يغزون بلد السلم ويعتدون على‬
‫المسلمين‪ ,‬وكذلك المرتدين الذين يشرعون من دون الله ويحكمون المسلمين‬
‫بغير ما أنزل الله ‪ .‬و دفعهم عن المسلمين اليوم ‪ ,‬فرض عين على كل مسلم ‪.‬‬
‫وأن على كل مسلم جهادهم ‪,‬ل يكلف الله نفسا ً إل وسعها ‪ .‬فمن جاهدهم بيده‬
‫فهو مؤمن ‪ ,‬ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ‪ ,‬ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ‪,‬‬
‫وذلك أضعف اليمان ‪ .‬وأنه ل عذر لحد في القعود عن الجهاد ‪ ,‬إل من عذر الله‬
‫من أصحاب العذار الشرعية كالعمى والعرج والمريض ‪ ,‬والذين ل يجدون ما‬
‫ينفقون ‪ ,‬و المستضعفين الذين ل يستطيعون حيلة ول يهتدون سبيل ً ‪ ,‬إذا انصحوا‬
‫الله ورسوله ما على المحسنين من سبيل ‪ .‬وكل امرئ حسيب نفسه والله‬
‫رقيب عليه‪.‬‬
‫)‪ - (28‬ونؤمن بكل ما جاء في كتاب الله وصح عن رسول الله جملة وتفصي ً‬
‫ل‪.‬‬
‫رضينا بالله تعالى ربا ً وبالسلم دينا ً وبالقرآن إماما ً وبسيدنا محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم نبيا ً ورسول‪ .‬و أستغفر الله العظيم وأتوب‬
‫إليه‪.‬‬
‫وقبل أن أغادر هذه الفقرة التي لحضت فيها خلصة عقيدة أهل السنة‬
‫والجماعة‪ .‬وهي عقيدتي التي أدين الله تعالى بها وله وحده المنة والفضل‬
‫وأسأله الثبات على ما يرضيه‪.‬‬
‫أحب أن أنوه إلى مسألة حرجة طالما أرهقت المسلمين في تاريخ السلم وهي‬
‫إحدى الشكالت الكبيرة التي لها بالغ الثر على مسألة وحدة المسلمين في‬
‫وجه أعدائهم ‪ ,‬كما لها بالغ الثر على مسألة )العقيدة الجهادية القتالية( ‪,‬‬
‫ومبادئها الساسية التي سنعرض لها لحقا ً إن شاء الله‪.‬‬
‫هذه المسألة الشائكة هي افتراق أهل السنة والجماعة على مذهبين في بعض‬
‫مسائل ) العقيدة ( وعلى رأيين في مسألة )المذاهب الفقهية( وتفصيل ذلك‬
‫الموجز وخلصة رأيي فيه أسأل الله الهدى والتوفيق والرشاد لما يرضيه سأورده‬
‫في الفقرة التالية إن شاء الله ‪.‬‬

‫من آثار وجود العقيدة السلمية حية في قلب المسلم وتطبيقها في واقسسع‬ ‫•‬
‫الحياة‪:‬‬
‫هذا موضوع كبير‪ ..‬كتبت فيه الكتب الكثيرة ‪ .‬و حتى ل يخرج بنا البحث عن غرضه‬
‫أشير إلى بعض ذلك على سبيل الذكر والشارة ‪ ,‬لثار أركان السلم واليمان في‬
‫نفس وسلوك المسلم ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فإن المؤمن إذا شهد حقا وصدقا أن ل إله إل الله و أن محمد رسول‬ ‫•‬
‫الله ‪ .‬و امتل قلبه بها ‪ ,‬وسرت أنوارها في عقله وكيانه ‪ .‬وانعكست على‬
‫معتقداته وأفكاره وأخلقه وسلوكه ‪ .‬تحول إنسانا ً عجيبا ً في سموه ورقيه ‪.‬‬
‫وصار خيرا ً في ذاته مشعا ً للخير على من حوله‪.‬‬
‫فهو باعتقاده بأن ل إله إل الله ‪ ,‬ل خالق لهذا الكون ول رب له إل الله ول معبود‬
‫بحق إل الله ‪ .‬انعكس فهمه لسماء الله الحسنى وصفاته العليا عليه‪ .‬فعلم أن الله هو‬
‫مالك الملك ‪ .‬وبيده تصريف كل شيء ‪ .‬وأنه ل شيء في هذا الكون ينفع ويضر إل‬
‫بإذنه ‪ .‬وأنه الخلق الرزاق ‪ ,‬المحي المميت ‪ ,‬الحكم العدل ‪ ,‬الغفور الرحيم ‪ ,‬العزيز‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 890 [ ‬‬

‫الجبار المتكبر‪ ...‬وآمن أنه هو وحده الخافض الرافع ‪ ,‬المعز المذل ‪ ,‬القوي القهار‬
‫القيوم‪ ..‬الذي ل تأخذه سنة ول نوم ‪ .‬ول يغيب عنه مثقال حبة من خردل ‪ ,‬في ظلمات‬
‫الرض ول رطب ول يابس‪ .‬وأنه له المر والخلق ‪ .‬وأنه مطلع مدبر لخلقه سميع‬
‫بصير‪ ..‬إلى آخر أنوار أسماء الله الحسنى وصفاته العل ؛ اطمأنت نفسه وسكنت روحه‬
‫‪ .‬ولم يعد يرجوا النفع ويخشى الضر إل منه وحده ‪ .‬وغدا إنسان عزيزا ً كريما ً سويا ً ‪ .‬ل‬
‫تستهويه الشهوات ول يستزله الشيطان ‪ .‬فإذا ما انزلقت قدمه بشيء من ذلك‬
‫لضعف بشري ‪ ,‬علم أنه له ربا ً توابا ً رحيما ً غفورا ً فتاب وأناب من قريب ‪ .‬وإذا أحسن‬
‫في عمله ‪ ,‬علم أن له ربا ً شكورا ً حليما ً كريما ً فاستزاد وسعى ‪.‬‬
‫وإذا امتلت روحه بأنوار محمد رسول الله‪ ..‬علم أنه رسول الله المين ‪ .‬أنزل عليه‬
‫القرآن من ربه هدىً للناس ورحمة ونورًا‪ ..‬وأنه الصادق المصدوق ‪ ,‬الذي ل ينطق عن‬
‫الهوى ‪ ,‬إن هو إل وحي يوحى ‪.‬‬
‫ً‬
‫فإذا حصل له ذلك ؛ امتلت نفسه إيمانا بكتاب الله ‪ ,‬وسعى يلتمس على هداها خطاه‬
‫‪ .‬يحل حلله و يحرم حرامه‪ ,‬ويهتدي بهداه‪ .‬ويتخذ من سيد المرسلين محمد رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قدوته وأسوته فيستن بسنته ويقتفي أثره ويتصبر بصبره‪..‬‬
‫وكفى بها أسوة ونموذجا ً رفيعا ً ‪ ,‬لنبي أنقذ الله به البشرية و أخرجها من الظلمات إلى‬
‫النور بإذنه وهداها صراطا ً مستقيما‪.‬‬
‫• وإن المؤمن إذا أقام إلى الصلة ‪ .‬وحّلق في سبحاتها ‪ .‬وأداها على وجهها ‪ .‬فنهته عن‬
‫فحشائه ومنكره‪ .‬وكانت له موعدا ً متكررا ً على مائدة الله خمس مرات في اليوم‬
‫والليلة ‪ ,‬عدا ما يتنفل به لله سبحانه‪ .‬خمس مواعيد يقف فيها بين يدي الله ويستشعر‬
‫عظمته‪ .‬ويكرر في كل ركعة ؛ فيحمد الله رب العالمين ‪ .‬ويعلم أنه الرحمن الرحيم ‪,‬‬
‫مالك يوم الدين ‪ .‬ويتوجه إليه بالعبادة ويسأله الهداية قائل ً )إياك نعبد وإياك‬
‫نستعين( ‪) ,‬اهدنا الصراط المستقيم(‪ ..‬ويطلب من الله السير على أثر سلفه‬
‫الصالح وأن يجعله معهم ومنهم راغبا ً )صراط الذين أنعمت عليهم(‪ ..‬سائل ً المولى‬
‫أن يجنبه دروب أهل الشقاء من المغضوب عليهم والضالين ‪ .‬المغضوب عليهم من‬
‫الذين عرفوا الحق وهجروه كما كان حال اليهود‪ .‬والضالين الذين زاغت قلوبهم فلم‬
‫يهتدوا للحق أصل ً كما هو حال النصارى ‪ .‬فإذا ما استرسل يتلوا آيات الله ‪ .‬وشعت‬
‫أنوارها في قلبه ‪.‬وركع وكّبر وهّلل وسبح وحمد‪ .‬ثم جلس ‪ ,‬فقرأ التحيات لله ‪ ,‬وصلى‬
‫وسلم على نبيه ‪ ,‬وعلى صحبه الكرام ‪ .‬وأحس بالنتماء إليهم ‪ ,‬والسعي في آثارهم ‪,‬‬
‫والقرب منهم فحياهم ‪) ,‬السلم علينا وعلى عباد الله الصالحين (‪ .‬ثم وتشهد‬
‫بشهادة التوحيد موقنا مؤمنا ثم وصلى على حبيبه سيد الولين والخرين وعلى آله‬
‫وصحبه الطيبين الطاهرين‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فكانت له الصلة بذلك موعدا متجددا بين يدي الله ‪ .‬يذكره أن يجد في سلوكه الحسن‬
‫‪ .‬و خلقه الطيب ‪ .‬فيستحيي مما اقترف من المعاصي والثام ‪ .‬ويفرح بما غسلت‬
‫الصلة أدرانه ‪.‬‬
‫• وكما الصلة ‪ .‬فللزكاة آثارها في تزكية النفس ‪ ,‬وطهارة الروح ‪ ,‬وقهر الشح‬
‫والبخل ‪ .‬والحساس بالتكافل والتضامن مع عباد الله المحتاجين ‪ ,‬و‬
‫المسؤولية تجاه رابطة الخوة في الله معهم ‪.‬‬
‫• وللصيام آياته وآثاره النفسية و البدنية ‪ .‬وانعكاساته على قوة الرادة وطهارة‬
‫النفس والروح ‪ .‬وصفاء الذهن والحساس بأحاسيس الخرين من الجياع في‬
‫هذه الدنيا ‪.‬‬
‫• وللحج وآياته ومعانيه آثارها في تكوين المؤمن ‪ .‬يستشعر بها أخوة اليمان مع‬
‫هؤلء الذين جاؤوا من كل فج عميق ‪ .‬من كل جنس ولون ‪ .‬وطرحوا عنهم زينة‬
‫الدنيا ‪ ,‬ولزموا الزي الواحد البسيط الذي يحمل كل معاني المساواة و الدعة‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 891 [ ‬‬

‫والسلم ‪ .‬ووقفوا بين يدي الرحمن ‪ ,‬في مجمع يذكرهم بيوم الحشر الكبر ‪.‬‬
‫فيكون هذا دافعا ً للغرم على بداية طريق الخير من جديد ‪.‬‬
‫• و إن القلب إذا امتل بأنوار أركان اليمان ‪ .‬وعاشت الروح والنفس فيوضها‬
‫ورحماتها ‪ .‬مل اليمان بالله وأسمائه وصفاته النفس ‪ ,‬و ا نعكس عليها بطيب‬
‫الخلق ‪ .‬وحدا بها إلى سلوك الخوف والرجاء لله وحده ‪ .‬وانخلع بذلك النسان‬
‫عن كل ما سواه‪ .‬وأوجد له هذا شخصية متوازنة كريمة جادة رحيمة‪.‬‬
‫و إن اليمان بكتب الله و رسالته وأنبيائه أجمعين صلوات الله وسلمه‬ ‫•‬
‫عليهم‪ ..‬ومعرفة المسلم لطراف من سيرتهم ‪ ,‬وعذابهم وعنائهم في سبيل‬
‫الله ‪ ,‬وصبرهم على إبلغ دعوة الله ‪ ,‬يجعل المؤمن يحس بالنتماء لهذه المة‬
‫الواحدة ‪ .‬وهذه القافلة المجيدة السائرة قدما ً منذ وجود البشر على هذه‬
‫البسيطة ‪ .‬من آدم إلى نوح ‪..‬إلى إبراهيم وموسى وعيسى ‪ ,‬إلى خاتم النبياء‬
‫محمد عليهم جميعا الصلة والسلم ‪ .‬وما كان بينهم من دعوات ونبوات وأمم‬
‫مجاهدة صابرة على مر التاريخ‪..‬‬
‫• وأما اليمان باليوم الخر‪ ..‬فهو نعمة من أكبر نعم الله على المؤمن ‪ .‬تشعر‬
‫النسان بتمام العدل اللهي ‪ .‬وأن ما تعلق من أمور و مظالم لم يستوفى فيها‬
‫الحساب والعقاب في الدنيا ‪ ,‬سيتم الفصل والعدل فيها يوم يضع الله فيه‬
‫الموازين القسط ليوم القيامة‪ .‬فيملؤه هذا خشية من الله أن يظلم أو يتجاوز‬
‫أو يخطئ في حق ربه أو في حق نفسه أو في حق الخرين ‪ .‬كما يملؤه طمعا ً‬
‫في رحمة الله وجزيل عطائه وعدله ‪ .‬فيملؤه هذا رغبة في الستزادة من‬
‫الخير‪ ,‬ورجاء الجر والثواب ‪ .‬فيهم بالعمل عبادة ونسكا ً وصلة وصياما ً وزكاة‬
‫وحجا ً ‪ ,‬و جهادا ً وأمرا ً بالمعروف ‪ ,‬ونهيا ً عن المنكر‪ ,‬وفعل ً للخير واجتنابا ً لشر‪.‬‬
‫إن اليمان باليوم الخر طمأنينة وسعادة ورحمة تورث السكينة والرضا‪ .‬وتدفع‬
‫على البذل والتضحية والعطاء‪.‬‬
‫• وأما اليمان بالقضاء والقدر ‪ .‬وأن ما شاء الله كان ‪ .‬وما لم يشأ لم يكن ‪ .‬وأن‬
‫ل حول ول قوة إل بالله العلي العظيم ‪ .‬وأن الله على كل شيء قدير‪ .‬وأن الله‬
‫قد أحاط بكل شيء علمًا‪.‬‬
‫فاليمان بالقدر‪ ,‬من عظيم نعم الله على نفس المؤمن ‪ .‬لنه يورث الرضا و السكينة‬
‫والتسليم ‪ .‬ويورث القوة والشجاعة‪ .‬والكرم والثبات ‪ .‬وعدم خشية الناس ‪.‬وعدم‬
‫الرغبة إليهم وإلى ما في أيديهم‪ .‬عندها تنبعث في نفسه أنوار سنة رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ,‬والتي جاء في بعضها ‪:‬‬
‫" يا غلم‪ ..‬احفظ الله يحفظك‪ .‬احفظ الله تجده تجاهك ‪ .‬إذا سألت‬
‫فاسأل الله ‪ .‬وإذا استعنت فاستعن بالله‪ .‬وأعلم أن المة لو اجتمعت‬
‫على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إل بشيء قد كتبه الله لك ‪ .‬وأعلم أن‬
‫المة لو اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إل بشيء كتبه الله‬
‫عليك‪ .‬رفعت القلم‪ .‬وجفت الصحف "‪.‬‬
‫أي والله‪ ..‬رفعت القلم وجفت الصحف‪ .‬ولن يصيبنا إل ما كتب الله لنا هو مولنا‬
‫وعلى الله فليتوكل المؤمنون‪..‬‬
‫فأي قوة تورثها هذه النوار في النفس البشرية الضعيفة ‪ .‬وأي رجاء وأي أمل بالله ‪.‬‬
‫وأي انقطاع عن السعي لذلك لدي غيره من الضعفاء المخلوقين‪.‬‬
‫إن هذه الركان من عبادات السلم وحقائق اليمان متى شعت أنوارها في كتاب الله‬
‫وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ‪ .‬تورث كل خير وتصرف عن كل شر‪.‬‬
‫والكلم في هذا يطول ‪,‬لن المجال رحب واسع طيب‪ .‬ونذكر طرفا من ذلك على‬
‫سبيل اليجاز‪:‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 892 [ ‬‬

‫در إيمان المرء بها وقدرته على السعي فيها ‪ .‬تورث الطهارة‬ ‫فإن مما تورثه وبق ْ‬
‫والنظافة طهارة الروح ‪ ,‬ونظافة الجوارح ظاهرا وباطنا‪ .‬و تورث الستعداد للتضحية‬
‫في سبيل الله ‪ ,‬و في سبيل دفع الضر عن المؤمنين ‪ .‬وتورث السعادة في الحياة‪..‬‬
‫تورث بر الوالدين ‪ .‬وصلة الرحام وحب السرة‪ .‬والعطف على الضعفاء‪ .‬والوفاء‬
‫للزوج والزوجة‪ ,‬ورحمة الولد‪ ,‬والسعي في خيرهم وتربيتهم على مكارم الخلق ‪.‬‬
‫تورث الوفاء والخلص للصحاب‪ .‬وحب الوطن وحب المة ‪ .‬وبغض العداء والظلمة‬
‫والمجرمين والمفسدين‪.‬‬
‫إنها تورث السلوك السوي والخلق الرفيع ‪ .‬وتورث الصبر واليقين ‪ .‬وتورث الرضا‬
‫والتسليم ‪ .‬وتورث الشجاعة والكرم ‪ .‬وتورث التأسي بالقدوة الحسنة ‪ .‬والسعي لن‬
‫يكون المؤمن قدوة لمن حوله ومن بعده ‪ .‬وتورث الحساس بمعية الله والنتماء‬
‫لقافلة الخير المختارة وصفوة البشر الذي رضي الله عنهم ورضوا عنه‪ .‬وتورث القوة‬
‫والستعلء على الباطل ‪ .‬وتورث السكينة والخشية واللين ‪ .‬والحسان وحسن الخلق ‪.‬‬
‫والحلم والناة والرفق والرحمة‪.‬‬
‫كما تورث الذلة على المؤمنين ‪ ,‬والعطف عليهم‪ .‬وتسم المسلم برقة القلب ودمعة‬
‫الخشية والرحمة والتوبة‪ ..‬وتورثه الشدة على الكفر وأهله والغلظة على الكفار‬
‫والمنافقين ‪ .‬مع طلب الهداية والرحمة لهم والعدل في معاملتهم ‪ .‬والقسط مع الخلق‬
‫في الرضا والغضب‪..‬‬
‫وتورث الصدق والعفاف عما في أيدي الناس ‪ .‬وتورث حب الله وحب خلقه وعياله ‪,‬‬
‫والسعي في برهم ونفعهم ‪ .‬و تورث عقيدة الولء للمؤمنين ‪ ,‬والبراءة من الكافرين ‪.‬‬
‫وتورث حب لقاء الله‪ .‬وتورث التواضع لخلقه‪.‬‬
‫و تورث كل مكارم الخلق وتبعد المرء عن كل أضداد ذلك من مساوي الخلق‬
‫والفعال والسلوكيات والعادات‪ .‬والبحث رحب واسع وتكفينا منه الشارة‪.‬‬
‫• ثم إن اليمان بصدق موعود الله ونصرة وتمكينه ومؤازرته لعبادة المؤمنين ‪.‬‬
‫ذلك الوعد الحق الذي جاءت به الكثير من نصوص القرآن وثابت السنة‪ ..‬يعطي‬
‫اليقين ‪ .‬اليقين بالنصر والظفر في الدنيا والخرة ‪ .‬وبالتمكين لهذا الدين وبزوغ‬
‫شمسه لتمل العالم ‪ ,‬وتصل ما بلغ الليل والنهار ‪ ,‬وبنصر أصحابه وأوليائه يوم‬
‫القيامة وفوزهم برضوان الله‪ .‬وهذا اليقين يولد الصبر والعزم على المسار‪ .‬لن‬
‫الصبر ابن اليقين ‪.‬‬
‫• ويأتي اليمان بحسن أجر العاملين ‪ .‬وبعظم أجر المجاهدين المخلصين ‪.‬‬
‫ومصير الشهداء الصابرين المقبلين غير المدبرين ‪ .‬لتجعل من هذا المؤمن‬
‫الموقن الثابت جبل ً ل تهزه الرياح ‪ ,‬ول تحركه العواصف وذلك بتثبيت من الله ‪.‬‬
‫فهو يعلم أنه إن لقي ربه شهيدا ً فإنه حي يرزق في مقعد صدق عند مليك‬
‫مقتدر‪ .‬وأنه يسعى إلى رفقة الرفيق العلى مع النبيين والصديقين والشهداء‬
‫والصالحين وحسن أولئك رفيقا ً ‪ .‬فتهون عليه المشاق ‪ .‬ول تهمة الصعاب ‪.‬‬
‫ويمضي واثقا ً نحو إحدى الحسنيين إما نصر وإما شهادة‪.‬‬
‫العقيدة والنماذج ‪:‬‬
‫إن هذه العقيدة لم تكن في تاريخ السلم مجرد نصوص جميلة ‪ .‬ومثاليات مسطورة‬
‫في القرآن الكريم والسنة المطهرة وكتب العلماء وحسب‪ .‬لقد تحققت نماذجها على‬
‫الرض منذ اللحظة الولى وتحركت حية على الرض ‪ .‬فكان سيد ولد آدم صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ,‬قدوة في كل شيء ‪ .‬ونموذجا ً في كل شيء ‪ .‬وكفى به أسوة وقدوة‪.‬‬
‫ومنذ ذلك اليوم ‪ ,‬ومع الرعيل الول ‪ ,‬بدأت تتوالي النماذج ‪.‬‬
‫فكانت خديجة رضي الله عنها‪ ,‬ثم أمهات المؤمنين رضي الله عنهن ‪ .‬وكان الصحابة‬
‫تلميذ المدرسة المحمدية على صاحبها الصلة والسلم ‪ .‬فكان نموذج أبي بكر وعمر و‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 893 [ ‬‬

‫عثمان وعلي رضي الله عنهم ‪ .‬وكانت نماذج أهل بدر والرضوان‪ .‬وكان المهاجرون‬
‫والنصار‪ .‬ومن مدرسته صلى الله عليه وسلم مدرسة هذه العقيدة ‪ ,‬تخرج البطال‬
‫الفاتحون خالد وأبو عبيدة وعمرو شرحبيل وأسامة بن زيد‪ ..‬ومن تلك المدرسة تخرج‬
‫علماء الصحابة معاذ وابن عباس وعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب‪ ..‬رضي الله عنهم‬
‫وعن صحابة رسول الله أجمعين‪..‬‬
‫لقد كانت عقيدة و مدرسة ‪ ,‬خرجت نماذج ونجباء رضي الله عنهم من طليعة خير‬
‫القرون‪ ..‬ثم كان التابعون‪ ..‬فكان فهم القادة الفاتحون والعلماء الفذاذ والدعاة القدوة‬
‫الذين نشروا هذا الدين وساروا على درب أسلفهم‪ ..‬ثم جاء تابعوهم بإحسان‪ ..‬ووصل‬
‫معهم السلم إلى تخوم الصين والسند والهند وخراسان وما وراء النهر شرقًا‪ ..‬وإلى‬
‫القفقاس وأسوار القسطنطينية شمال ً وإلى شمال أفريقيا والندلس وسواحل المحيط‬
‫الطلسي غربًا‪ .‬فكان القادة والعلماء والنماذج الفذة‪ ..‬وكانت نساء المؤمنين‬
‫الصابرات المحتسبات اللواتي سرن على خطى أمهات المؤمنين والصحابيات‬
‫الكريمات الرائدات‪ ..‬وتتابعت النماذج عبر التاريخ في كل زمان ومكان ‪.‬‬
‫فحيثما التزمت النفوس هذه العقيدة ‪ ,‬فنشأت على أنوارها وسارت على هدي سلفها ؛‬
‫رأيت النماذج بازغة ساطعة‪ .‬و حفل بها التاريخ السلمي ‪ ,‬فكان الخلفاء والسلطين‬
‫والملوك والمراء الصالحون من عرب وعجم ‪ .‬فكان عمر بن عبد العزيز‪ ,‬وهارون‬
‫الرشيد ‪ ,‬و نور الدين زنكي التركماني ‪ ,‬وصلح الدين اليوبي الكردي ‪ ,‬ومحمود‬
‫سبكتكين الغزنوي الخراساني ‪ ,‬وألب أرسلن السلجوقي ‪ ,‬ومحمد الفاتح التركي‬
‫‪..‬وطارق بن زياد البربري ‪ ,‬ويوسف بن تاشفين المغربي ‪ ..‬وسواهم كثير‪.‬‬
‫وكان من العلماء أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل ‪ .‬وسفيان الثوري و‬
‫الوزاعي والشعبي ‪ ,‬و سعيد بن جبير وابن المسيب وأبو حازم ‪ ,‬و طاووس ‪ ,‬و محمد‬
‫بن أسلم الطوسي ‪ ,‬وابن المبارك ‪ ,‬و الجويني ‪ ,‬و أبو حامد الغزالي ‪...‬وسواهم‬
‫وغيرهم كثير رحمهم الله ‪.‬‬
‫وكان الزهاد العباد الفقهاء العلم‪ ..‬فكان الحسن البصري ‪ ,‬وابن أدهم و الجنيد و بشر‬
‫الحافي ‪ ,‬وحاتم ‪ ,‬و السقطي ‪ ,‬و البسطامي ‪ ,‬و الهروي ‪ ..‬وغيرهم وسواهم كثير‪.‬‬
‫وكان من النساء الصالحات العابدات ما ازدانت بسيرهم الكتب أيضا‪.‬‬
‫وقدمت هذه المدرسة نماذج للتجار المناء الذين كانوا دعاة لهذا الدين ‪ ,‬فأوصلوه إلى‬
‫قلب أفريقيا و مجاهلها وجزر البحار البعيدة ‪ ..‬فوصل السلم معهم إلى الفيليبين‬
‫وإندونيسيا ‪ ,‬وجنوب شرق آسيا وسواحل أفريقيا الشرقية كلها‪ ..‬وهكذا لو رحنا‬
‫نستقصي قصصهم ونماذجهم وعبرهم لما كفتنا المجلدات ‪.‬‬
‫والحمد لله فقد حفظت المكتبة السلمية تراثا ً ذاخرًا‪ .‬من نماذج العلم والعمل والجهاد‬
‫والخلق والسلوك والصلح والستقامة ما لم تأتي به أمة من المم قبلهم ول بعدهم ‪.‬‬
‫وما كان ذلك إل أثرا ً لتلك العقيدة الشاملة الكاملة الربانية عندما صبغت في حياة‬
‫الناس‪.‬‬

‫مسسن آثسسار غيسساب العقيسسدة السسسلمية عسسن البشسسر أو ضسسعفها فسسي قلسسوب‬ ‫•‬
‫المسلمين‪:‬‬
‫أما آثار عدم وجود مثل هذه العقيدة عند بني البشر‪ ..‬فلك أن تقرأ سير المم‬
‫والحضارات غير المسلمة وما فعلته من الظلم والستعباد والقهر والعسف للمم‬
‫والشعوب ممن كانوا تحت حكم الكاسرة والباطرة والفراعين وأشباههم‪.‬‬
‫ولك أن تقرأ في كتب مؤرخي تلك المم في تاريخها وحاضرها إلى اليوم ‪ .‬عن‬
‫تفسخ مجمعاتهم واعتللها برذائل الزنا والفجور والخمور والربا والقلق والضياع ‪ .‬ولن‬
‫جهل تاريخهم جاهل ‪ .‬فلن يخطئ البصر بأحوالهم اليوم عاقل ‪ .‬ويكفي التجول في‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 894 [ ‬‬

‫إحصائيات الجرائم والمراض الجتماعية ‪ ,‬ونسب الطلق و النتحار‪ ,‬والقلق والمظالم‬


‫والحروب‪ .‬والكوارث التي أحلتها تلك الحضارات الكافرة بشعوبها وبشعوب العالم‬
‫أجمع قديما ً وحديثًا‪.‬‬
‫بل و حتى العرب أنفسهم هذه المة التي صارت بالسلم بتلك العقيدة خير أمة‬
‫أخرجت للناس‪ .‬ماذا كان حالها قبل السلم ؟ وإلى ماذا صار يوم هجرته بعد أن رفعها‬
‫إلى قمم المجد ؟!‬
‫هل كان العرب إل شراذم متناحرة يأكل قويهم ضعيفهم ‪ .‬يعاقرون الخمور‪,‬‬
‫ويمارسون الرذائل و الزنا ‪ .‬ويسجدون للحجار والمنحوتات ‪ .‬ويئدون البنات ‪,‬‬
‫ويقطعون السبيل و الرحام ‪.‬‬
‫ل شأن لهم ‪ ,‬ول وزن لهم بين المم ‪ .‬مثل غيرهم من المم الكافرة في الضياع‬
‫بيد أنه لم يكن لهم ما كان لتلك المم من الحضارة والمجد والسلطان والقوة ‪ .‬ثم‬
‫ولمن أخطأ فهم التاريخ وأحاطت به الجهالة به‪ .‬لينظر في واقع المة العربية‬
‫والسلمية وبعدها عن دين الله ‪ ,‬وما أورثها إياه بعد أن عزت به وسادت وعلت قمم‬
‫المجد و آفاق العز والحضارة شرقا ً وغربا ً ‪.‬‬
‫ألسنا اليوم أهون المم وأكثرها تخلفا ً ؟ أليس حكامنا مثال ً للظلمة الكفرة الفجرة‬
‫الخونة ؟ أليس أكثر علمائنا الذين اشتروا بآيات الله ثمنا ً قليل ً ‪ ,‬نماذج للحبار والرهبان‬
‫الذين يأكلون أموال الناس بالباطل ويكتمون ما أنزل الله من البينات والهدى ؟ أليس‬
‫كبراء الناس وأغنياءهم نماذج للفساد والرذيلة والنحلل إل نادر النادر ممن عصم‬
‫الله ؟ ألم تنخر في هذه المة أمراض الفجور و العلل الجتماعية ‪ ,‬لما سارت وراء‬
‫الغرب ‪ ,‬واعتلت بأسباب علله فاعتلت مثلما اعتلوا وأكثر‪.‬‬
‫ذاك الذي أسلفنا قبل كان نموذج حياة العقيدة‪ .‬وهذا الحاضر الذي نعيشه نموذج‬
‫لغيابها‪ .‬وتكفي الشارة عن النماذج والتفاصيل والطالة‪.‬‬
‫وقبل أن انتقل إلى الفقرة التالية وهي لب الباب )العقيدة الجهادية القتالية لدعوة‬
‫المقاومة (‪ .‬أشير إلى ملحظة طالما كررتها في بعض دروسي ومحاضراتي و‬
‫محاوراتي في أوساط المجاهدين‪ ..‬ملحظة طالما أتعبني أن تستولي على واقع التيار‬
‫الجهادي وما آلت إليه‪ .‬وهي التي دعتني أن أقدم للعقيدة الجهادية القتالية بالسس‬
‫الشاملة العامة لعقيدة السلم‪ ..‬وهذه الملحظة هي‪:‬‬
‫لقد لحظت من طول احتكاكي بالمجاهدين وصحبتي وعضويتي في التيار الجهادي‬
‫‪.‬أنه غلب على المتأخرين منهم ‪ ,‬ولسيما في تجارب الحشد الركامي ‪ ,‬كما حصل في‬
‫ساحات الجهاد المفتوحة كأفغانستان وغيرها‪ .‬حيث لم تعر قياداتها وللسف أهمية‬
‫للتربية العقدية الشاملة ول الجهادية كما أشرت‪..‬‬
‫لقد سيطر على أكثر المجاهدين الشباب شعور بأن القتال هو الجهاد‬
‫‪ .‬وأن الجهاد هو السلم !!‪ .‬وأورثهم الحساس بأنهم يمارسون شعيرة‬
‫ذروة سنام السلم ‪ ,‬بأنهم في غنى عن باقي ذلك الجسد الكامل‬
‫المتكامل ‪ .‬لقد ضعفت لدى الكثيرين من المجاهدين أسس العقيدة‬
‫بتمامها وشمولها التي أشرت إشارة عامة لمناجيها في هذه الفقرة ‪.‬‬
‫وكثيرا ً ما ضربت المثال لخواني و أعيده هنا‪..‬‬
‫لقد أسيء فهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ) الجهاد ذروة سنام‬
‫السلم ( من قبل كثير من المجاهدين ‪ .‬ويجب أن نعود لتمام الحديث الذي وردت‬
‫فيه هذه الجملة الشريفة منه صلى الله عليه وسلم ‪..‬‬
‫] عن معاذ رضي الله عنه قال ‪ ( :‬قلت يا رسول الله أخبرني‬
‫بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار قال لقد سألت عن عظيم وإنه‬
‫ليسير على من يسره الله تعالى عليه تعبد الله ل تشرك به شيئا وتقيم‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 895 [ ‬‬

‫الصلة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيل‬
‫ثم قال أل أدلك على أبواب الخير الصوم جنة الصدقة تطفئ الخطيئة‬
‫كما يطفئ الماء النار وصلة الرجل من جوف الليل ثم تل تتجافى‬
‫جنوبهم عن المضاجع ‪ ...‬حتى بلغ يعملون ‪ ( .‬السجدة ( ثم قال أل‬
‫أخبرك برأس المر و عموده وذروة سنامه قلت بلى يا رسول الله قال‬
‫رأس المر السلم و عموده الصلة وذروة سنامه الجهاد ثم قال أل‬
‫أخبرك بملك ذلك كله قلت بلى يا رسول الله فأخذ بلسانه قال كف‬
‫عليك هذا قلت يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به فقال ثكلتك‬
‫أمك وهل يكب الناس في النار على وجوههم إل حصائد ألسنتهم [ رواه‬
‫الترمذي وقال حديث حسن صحيح‪.‬‬
‫والحديث أوضح من أن يفسر‪.‬‬
‫فأصل المر السلم ‪ .‬كل السلم ‪ .‬بأركان السلم وأركان اليمان ‪ .‬و عموده‬
‫)الصلة( ‪ .‬بتمام إقامتها وآفاقها ‪ .‬و)ل صلة لمن لم تنهه صلته عن فحشائه ومنكره (‬
‫‪ ,‬كما قال صلى الله عليه وسلم ‪.‬ثم الصدقة ‪ ,‬ثم النوافل وقيام الليل ‪ ,‬ثم ذروة‬
‫سنامه الجهاد في سبيل الله ‪ .‬قمة الجمل فوق جسده و عموده وما يحمله ‪ .‬ثم جماع‬
‫ذلك ‪ ) :‬حفظ اللسان( ‪ .‬وهذا رمز لحسن الخلق ‪ .‬لن )اللسان( باب إلى الخير أو إلى‬
‫الشر‪.‬‬
‫قلت وأعيد الذكرى هنا ‪ :‬ذروة سنام ‪ ,‬فشسسبه الجسسسد بالجمسسل ‪ .‬فهسسل يسسستطيع‬
‫الراحل على الراحلة السفر علسسى مجسسرد سسسنام حسستى ولسسو ارتقسسى ذروتسسه ؟! ؟! وكيسسف‬
‫م علسسى‬ ‫يرتحل على قطعة شحم ‪ ,‬إذا لم يكن السنام مستويا ً على جسد متكامسسل ‪ ,‬قسسائ ً‬
‫أعمدة راسخة ؟!‪.‬‬
‫المر بين‪ ..‬وهنا أصل إلى الخلصة ‪:‬‬
‫ل جهاد كمــا أمــر اللــه تعــالى بل عقيــدة جهاديــة قتاليــة‪ ..‬ول عقيــدة‬
‫ن على أسس العقيــدة الســلمية‬ ‫جهادية قتالية صحيحة سليمة ‪ ,‬ما لم تب َ‬
‫الشاملة الكاملة ‪ .‬بطريقة تربوية شاملة كاملة صحيحة ‪.‬‬
‫وهذا ما غاب عن كسسثير مسسن المكونسسات التنظيميسسة للتيسسار الجهسسادي ‪ ,‬ولسسسيما فسسي‬
‫أشواطه الخيرة ‪.‬‬
‫والن وقد مضى معظم الرعيل الول من الجهاديين فإننا بأمس الحاجة إلى إعادة‬
‫البناء الجهادي في المرحلة المقبلة على أسس سسسليمة ‪ .‬وهسسو بنسساء العقيسسدة السسسلمية‬
‫بشمولها وكمالها في النفوس وجعلهسسا راسسسخة قويسسة‪ .‬وبنسساء العقيسسدة الجهاديسسة القتاليسسة‬
‫كفرع منها عليها ‪ .‬و إل فإنها والله الكوارث ما لم تتداركنا رحمة الله ‪.‬‬
‫إن غياب العقيسدة الجهاديسة القتاليسة عسن المسة سسيجعلها قاعسدة ‪ ,‬خسائرة ‪ ,‬غثساًء ‪.‬‬
‫ة تتناهبها الذئاب الضواري والكلب العوادي من هنا وهناك ‪ .‬بعد أن تداعت المسسم‬ ‫قصع ً‬
‫ً‬
‫إلى قصعتها ‪ ,‬لن سوادها العظم ‪ ,‬حكام سا ومحكسسومين ‪ ,‬علمسساء وجهلء‪ ..‬صسساروا غثسساء‬
‫كغثاء السيل ‪ .‬قد ضربهم الوهن ؛‬
‫) حب الدنيا وكراهية الموت ( ‪ .‬ولن تحيسسا هسسذه المسسة وتقسساوم ‪ ,‬إل بعقيسسدة جهاديسسة‬
‫قتالية يحملها العلماء والسسدعاة والمشسسايخ‪ ,‬والكتسساب والدبسساء ‪ ,‬والمفكسسرون والمثقفسسون‬
‫المسلمون ‪ ,‬ويزرعونها في هذه المة التواقسسة للنهسسوض ‪ .‬ليقسسود هسسؤلء النخبسسة مسسسيرة‬
‫الشباب على علم وبصيرة ‪ ,‬وبقدوة حسنة ‪.‬‬
‫وإن وجود مقاومــة وممارســات جهاديــة ‪ ,‬أو بــالحرى ثقافــة قتاليــة‬
‫عســكرية ‪ ,‬وعواطــف وردود أفعــال نتيجــة الكرامــة والشــرف والنخــوة‬
‫والحماس لدي شباب المة ‪...‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 896 [ ‬‬

‫إن وجود ثقافة ومبادئ قتالية جهادية ‪ ,‬لم تبــن علــى أســس صــحيحة‬
‫من شمول العقيدة والدين وتمامه‪ ,‬فــي ظــل ظــروف القهــر والحتلل ؛‬
‫لينذر بكارثة أشد من كوارث القعود عن الجهاد أحيانا ‪..‬‬
‫إن وجود السلح في أيدي مقاتلين يضــربون العــدو ‪ ,‬ويرتكبــون فــي‬
‫مســارهم أفظــع المصــائب‪ ,.‬نتيجــة الجهــل بالعقيــدة وغيــاب التربيــة‬
‫المتكاملة ‪ .‬من الممكن أن يعود بالضرر على المــة والجهــاد والمقاومــة‬
‫وكل ما نصبو إليه‪.‬‬
‫وقد تسير المور إلى الهرج والفتن ‪ ,‬واختلط الحابل والنابــل ‪ .‬وقــد‬
‫يسبب حصــول الخيانــات والتراجعــات‪ .‬والضــرب غيــر الــواعي علــى غيــر‬
‫بيان ‪ .‬و قد أمر الله تعالى ‪  :‬يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله‬
‫‪.‬‬‫فتبينوا‪..‬‬
‫إن الظروف صعبة ‪ .‬والعدو يقظ والصف السلمي منخور‪ .‬وعملء العسسدو فسسي كسسل‬
‫قطاع ‪ .‬من حكسسام و علمسساء ومثقفيسسن وأصسسحاب الغسسراض كسسثر‪ ..‬أكسسثر مسسن أن يشسسار‬
‫إليهم ‪.‬‬
‫وإذا دبت الفوضى فستقوم الثارات ‪ ,‬وتقع ردود الفعال ‪ ,‬ويتعصب الناس ويجرون‬
‫وراء كل ناعق ‪ .‬ولن تستقيم مع ذلك مقاومة ول جهاد ‪.‬‬
‫فل قتال بل عقيدة جهادية صحيحة ‪ ,‬بنيت على أسس متينسسة مسسن عقيسسدة إسسسلمية‬
‫شاملة ‪ .‬تثبت اليقين و تضبط الحكام ‪ ,‬وتحفظ الخلق ‪ ,‬أخلق القتال وأحكسسام وآداب‬
‫وشرائعه مع العدو والصديق ‪ .‬إنه دين كامل‪ ..‬فإما جهاد على أسس ديسسن ‪ .‬وإمسسا قتسسال‬
‫هرج وملحم فتن أعاذنا الله منها ‪.‬‬
‫وهنا تأتي مسؤولية العلماء ‪ ,‬وقسسادة الصسسحوة السسسلمية ‪ ,‬بسسالنزول لسسساحة قيسسادة‬
‫الجهاد والمقاومة ‪ .‬وكل امرئ حسيب نفسه‪..‬‬
‫اللهم قد بلغنا فاشهد‪ ..‬اللهم أعنا على البلغ والدعوة على بصيرة ‪ .‬والعمل علسسى‬
‫بصيرة ‪ .‬والجهاد على بصيرة ‪ .‬والشهادة في سبيلك على بصيرة‪.‬‬
‫ورغم حرصي على عدم استطالة أبحاث الكتاب ‪ ,‬آثرت أن أقدم للعقيدة الجهاديسسة‬
‫بأسس العقيدة الشاملة ‪ .‬فهو الساس الذي تبني عليه ‪ .‬و بدونها ل تكسسون ‪ .‬وأرجسسو أن‬
‫تكفي اللبيب الشارة والختصار‪ .‬وأن يقيض اللسه لحملسة القلم مسن العلمسساء العساملين‬
‫والدعاة الصادقين أن يكفوا المة مؤونة البيان وبنسساء العقيسسدة وأسسسس السسدين‪ .‬لنتفسسرغ‬
‫لقتال أعداء اللسه ‪ .‬وليسروا منسا ومسن المجاهسدين فسي سسبيل اللسه بسإذن اللسه مسا كسانوا‬
‫يحذرون‪ ..‬والله الموفق‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬المناحي العامة للعقيدة الجهادية القتالية لدعوة المقاومة السسسلمية‬ ‫•‬
‫العالمية‪:‬‬
‫سأتناول بعون الله تعسسالى هسسذه المنسساحي فسسي هسسذه الفقسسرة علسسى سسسبيل العنسساوين‬
‫والشسسارة دون التطسسرق للدلسسة الشسسرعية علسسى تلسسك المبسسادئ السياسسسية الشسسرعية أو‬
‫الفكرية المنهجية أو الجهادية الحركية‪ .‬وسأختار من بينها بعض الساسيات الساسسسية ‪,‬‬
‫التي يبني عليها ما تبقى ‪ ,‬وأفصل في أدلتها الشسسرعية وآفاقهسسا فسسي الفقسسرة التاليسسة إن‬
‫شاء الله تعالى‪.‬‬
‫وابتداءً أقول بأن كثيرا من المناحي المنهجية مما يحـوي هـذا الكتـاب‬
‫بكــل فصــوله ورســائله‪ ,‬ومــا ســأحاول أن الحــق بــه مــن رســائل دعــوة‬
‫المقاومة ‪ ,‬إن شاء الله وأعان عليه ‪ .‬هو من العقيدة الجهادية القتاليــة‪.‬‬
‫سواءً كان عقائد دينية ‪ ,‬أو أحكاما ً شرعية ‪ ,‬أو قواعــد سياســية شــرعية ‪,‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 897 [ ‬‬

‫أو أفكــار منهجيــة ‪,‬أو معلومــات تاريخيــة ‪ ,‬أو أفكــار حركيــة‪ .‬أو مواقــف‬
‫سياسية ‪ .‬فكل ذلك منهج تفكير متكامل ‪ .‬ودعوة مترابطة الركان ‪ .‬وكل‬
‫ذلــك مــن العقيــدة الجهاديــة القتاليــة ‪ ,‬الــتي تكــون ثقافــة متكاملــة ‪,‬‬
‫ومعلومات متعاضــدة ‪ ,‬تــورث إيمان ـا ً وفكــرا ً ومعتقــدا ً ‪ ,‬وخلق ـا ً وســلوكا ً ‪,‬‬
‫يوجد المجاهد المقاتل العقائدي ‪ ,‬الذي أرجو وجوده للقيــام بــأداء مهمــة‬
‫المقاومة وجهاد أعداء الله‬
‫فمن العقيدة الجهادية القتاليــة ‪ ,‬الــتي إن وســع المجاهــد العــادي أن‬
‫يعلمها بعمومها فقط ‪.‬فـإن علـى كــوادر المقاومــة وقيــادات الجهــاد أن‬
‫تعرفها على وجه التفصيل والفهم ‪.‬منها ما يلي‪:‬‬
‫)‪ -(1‬يجب أن يدرك المجاهد العقائدي الذي سيتصدى لفعل المقاومة‬
‫جهادا ً في سبيل الله ‪ .‬واقع المسلمين وما وصلوا إليه ‪ ,‬في كل واقعهم‬
‫الديني والسياسي والجتماعي والقتصادي والثقافي ‪ .‬وكل مناحي واقع المسلمين‬
‫الحاضر‪ ,‬وما يعيشونه تحت ظروف هذا العدوان والغزو الصليبي اليهودي الداهم‪..‬‬
‫وهذا ما توله الفصل الول في هذا الكتاب‪.‬‬
‫)‪ -(2‬يجب أن يعلم المجاهد أحكام شريعة الله في هذا الواقع ‪ .‬وعلى رأس‬
‫ذلك وخلصته أمران اثنان ‪:‬‬
‫أ‪ -‬أن الجهاد المسلح والمقاومة المسلحة هي الحل الوحد لهذه الشكالت‪.‬‬
‫ب ‪ -‬أن هذا الحل هو فرض عين عليه تجب عليه ممارسته ما لم يكن من ذوي‬
‫العذار الشرعية كالعمى والعرج والمريض والعاجز والمحصور الذي حيل بين وبين‬
‫هذه الفريضة‪.‬‬
‫وهذا ما توله الفصل الثاني في هذا الكتاب بالجمال ويأتي تمام ذلك وتفصيله إن‬
‫شاء الله في الفقرة التالية من هذا الباب بعون الله‪.‬‬
‫)‪ -(3‬يجب أن يدرك المجاهد جذور هذا الصراع الذي نحن فيه‪ ,‬ومسار‬
‫تاريخه منذ فجر التاريخ وإلى اليوم على سبيل الجمال ‪ .‬وذلك من أجل لفهم تاريخ‬
‫هذا الصراع ‪ ,‬وحقيقته ‪ ,‬وأطرافه إلى أن آل صراعا ً بينا نحن المسلمين مع أمريكا‬
‫وحلفاءها من الروم المعاصرين ‪ .‬كما كان صراعا ً بين أجدادنا العظماء ‪ ,‬وأجدادهم من‬
‫بني الصفر قدماء الروم وقرونهم المتتالية ‪ ,‬ومراحل ذلك ‪ .‬وكذلك شكل النظام‬
‫الدولي الحالي وأطرافه‪ ,‬وجذوره والمراحل التاريخية التي أدت إلى وصوله لهذه‬
‫الصورة ‪.‬وهذا ما توله الفصل الثالث من هذا الكتاب‪.‬‬
‫)‪ -(4‬يجب أن بفهم المجاهد العقائدي على وجه التفصيل تاريخ هذا‬
‫الصراع مراحله مع الروم وحملتهم الرئيسية علينا ومعادلت تلك‬
‫الحملت والطراف التي اشتبكت فيها ‪ .‬بعد أن اطلع على وجه الجمال‬
‫المسار التاريخي لصراع الحق والباطل ولسيما منذ انطلق السلم ‪.‬فيجب أن يعرف‬
‫كيف كان أداء المسلمين في مراحل النصر والهزيمة في الصراع مع الروم ‪ ,‬من حيث‬
‫السباب ‪ .‬ما أسباب انتصارنا لما انتصرنا وما أسباب هزيمتنا لما انهزمنا ‪ .‬ليصل عبر‬
‫الفهم الدقيق لسنن الله في ذلك المسار إلى فهم المعادلة النهائية اليوم وأطرافها‪.‬‬
‫ويستنتج كيفية مواجهة كل طرف منهم ووسائل ذلك‪ .‬وهذا ما تولى الفصل الرابع‬
‫تفصيله ‪.‬‬
‫وهذا الفصل من أهم مرتكزات العقيدة الجهادية وأسسها الساسية ‪ .‬وهو معرفة من‬
‫نحن ومن أعداؤنا ‪ .‬ومن معنا ومن علينا في هذه المواجهة ‪ .‬و إل اختلطت الموازين‬
‫على المجاهد فلم يميز عدوا من صديق ‪ .‬ولم يعرف وسيلة جهاد كل عدو‪ .‬ومن نجاهد‬
‫بالسنان من الكفار والمرتدين أعوانهم ‪ .‬ومن نجاهد بالبيان من المنافقين والمنحرفين‬
‫والضلل وأشياعهم ‪ .‬وكيف يكون ذلك ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 898 [ ‬‬

‫(‪ -(5‬بعد ذلك يجب على المجاهد العقائدي أن يعرف جذوره التاريخية‬
‫كمجاهد يقاوم أعداء الله مطلع القرن الحادي والعشرين ‪ .‬و يقاوم طلئع الحملت‬
‫الصليبية اليهودية الثالثة التي دفعت إلينا بها الحضارة الغربية النكدة ‪ .‬ويعلم أن له‬
‫سلفا ً أوصلوا إليه راية هذا الجهاد والمقاومة وأن الحلقة الخيرة ‪ .‬وليست النهائية في‬
‫سلسلة من حلقات هذه الصحوة الجهادية ‪ .‬التي هي وليدة صحوة إسلمية شاملة‬
‫يناهز عمرها قرنا ً من الزمن تقريبًا‪ .‬بصرف النظر عن صواب و خطأ السائرين‬
‫العاملين المخلصين الذين بذلوا وسعهم واجتهدوا فأخطؤوا وأصابوا‪ ..‬فيعرف لكل‬
‫قوُلو َ‬
‫ن‬ ‫م يَ ُ‬
‫ن ب َعْدِهِ ْ‬
‫م ْ‬ ‫جاُءوا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬‫أولئك فضلهم عليه‪ .‬فيتعامل معهم بقول تعالى ‪َ  :‬وال ّ ِ‬
‫مُنوا َرب َّنا‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ِفي قُُلوب َِنا ِغّل ً ل ِل ّ ِ‬ ‫جع َ ْ‬
‫ن َول ت َ ْ‬
‫ما ِ‬ ‫قوَنا ِبا ْ ِ‬
‫لي َ‬ ‫سب َ ُ‬‫ن َ‬ ‫وان َِنا ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫فْر ل ََنا وَِل ِ ْ‬
‫خ َ‬ ‫َرب َّنا اغْ ِ‬
‫م ‪) ‬الحشر‪(10:‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫ف َر ِ‬ ‫ؤو ٌ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫ك َر ُ‬
‫هذا من جهة ‪ ,‬ومن جهة أخرى ليفهم تاريخ تجاربهم وفشلهم نجاحهم وخطئهم‬
‫وصوابهم‪ .‬وهذا ما تناوله الفصل الخامس عن مسار الصحوة السلمية منذ ثلثة أرباع‬
‫قرن من الزمن ‪ .‬فذلك من أهم وجوه ثقافة المقاوم المجاهد العقائدي ولسيما‬
‫القيادات والكوادر التي أرجو أن يولد فيها نخبة من المفكرين والكتاب الذين يأطرون‬
‫وينظرون لهذه المقاومة التي أظنها ستأخذ معنا صدر هذا القرن الحادي والعشرين‬
‫على القل والله أعلم‪.‬‬
‫)‪ -(6‬يجب أن يطلع المجاهد العقائدي على تاريخ التجارب الجهادية‬
‫المعاصرة ولو موجزا ً ‪ ,‬بعد الطلع العام على تاريخ الصحوة ومدارسها‪ .‬فيعرف‬
‫أسباب نجاح تلك التجارب الجهادية وفشلها ‪ ,‬كي يقتنع بأسلوب المقاومة الذي‬
‫توصلنا إليه ‪ .‬ويكون لدي القدرة على التطوير واختيار السلوب الذي يناسب مرحلته ‪.‬‬
‫ولكي ل يكرر دروس الفشل وأسباب الفشل ‪ .‬ولكي يعرف أنه سائر على طريق‬
‫سقط فيه عشرات آلف الشهداء ‪ .‬وعاني فيه عشرات آلف السرى والمعذبين‬
‫والمشردين‪ .‬وليعرف قدر من أوصل إليه الراية ‪ .‬وفكرهم وتراثهم ومناهج عملهم‬
‫وليسير على بصيرة وخبرة‪ .‬قد تولي الفصل السادس والسابع من هذا الكتاب هذا‬
‫المر و به ختم الجزء الول ‪.‬‬
‫)‪ -(7‬يجب أن يتسلح المجاهد العقائدي بعقيدة الجهادية القتالية الخاصة‬
‫ومنهج عمله الحركي ‪ .‬بعد أن أدرك ما سبق على سبيل المعارف الحركية‬
‫والتاريخية السياسية الشرعية العامة‪ .‬وكما أسلفت يجب أن يبنى ذلك على أساس‬
‫متين من العقيدة السلمية بشمولها ‪ ,‬القائمة على أساس أركان السلم واليمان ‪.‬‬
‫ويجب أن يتولى غرس ذلك منهج تربوي متكامل أشرت إلى وجه مناحيه في أول هذا‬
‫الباب وسيتتولى الباب الثالث ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 899 [ ‬‬

‫)‪ - (8‬يجب أن يفهم المجاهد العقائدي أن صراعه هذا ‪ ( :‬ديني‬


‫الحقيقة ‪ .‬سياسي الطابع ‪ .‬عسكري الوسيلة ‪ .‬أمني السلوب‪( .‬‬
‫وبالتالي فعليه أن يتسلح بعقيدته في هذه المواجهة وهذا سبقت الشارة إليه‪ .‬وعليه‬
‫أن يفهم ويدرك الرابط بين ثوابت أصولية المبادئ ‪ .‬و واقعية الحركة السياسية‬
‫ومعطياتها‪.‬‬
‫وهذه مهمة القيادات الجهادية ‪ .‬التي يجب أن تدرك نظريتها السياسية‪ .‬وتفهمها ما‬
‫أمكن لمقاتليها‪ .‬وعلى المقاتلين أن يسلموا لقياداتهم في إدارة هذه اللعبة السياسية‬
‫المتشابكة لهذه المواجهة ‪ .‬وهي أصعب ميادينها وأكثرها تعتقدًا‪ .‬فإن الغالبية العظمى‬
‫للنتصارات في هذا العصر تحسم سياسيا ً ‪ .‬وما الوسائل العسكرية اليوم إل لتدعيم‬
‫برامج السياسيات وتدعيم المواقف ‪ .‬فعلى قيادات المقاومة أن تدرك واقع المة‬
‫الضعيف اليوم ‪ .‬وتضع له سياسات من خلل فقه الواقع والضرورات وموازين المصالح‬
‫والمفاسد‪ ..‬وهذا ما سيتولى الباب الثاني وضع بعض الخطوط عريضة فيه ‪ .‬ورسم‬
‫معالم نظريتنا السياسية ‪ .‬بعون الله و هديه إن شاء الله‪.‬‬
‫(‪ -(9‬ثم يجب أن يعرف المجاهد دور التربية‪ ,‬وآفاقها المتكاملة‪,‬‬
‫وأساليبها المناسبة‪ ,‬لشير بأن دعوة المقاومة دعوة للداء الفردي والجهد‬
‫الفردي ‪ .‬وسيلعب المجاهد العقائدي الدور الساسي في بذل الجهد في تربية نفسه‬
‫ومن معه ‪ ,‬على هذه المناهج والمعارف والعلوم الشرعية والسياسية والعسكرية‬
‫والمنية الحركية‪.‬‬
‫إن الموجه يستطيع أن يوجه المجاهد إلى النسك والعبادة والقرآن‬
‫والذكر وقيام الليل و يضع له المنهج التربوي ‪ .‬ولكن على المجاهد‬
‫الشراف على تزكية نفسه وبذل الجهد‪ .‬إذ يستطيع المرشد أن يرشده‬
‫للمراجع والكتب وييسر له تناول البحاث ‪ .‬ولكن عليه أن يطلع ويتعلم‬
‫بنفسه ‪.‬‬
‫كما يستطيع المدرب أن يعده ويدربه ‪ ,‬ولكن عليه أن يطور إمكانيات‬
‫القتالية بنفسه ‪.‬‬
‫ويستطيع الكتاب أن يرشده للجهاد و يحبب إليه الشهادة و يذكره بما‬
‫أعداء الله له‪ .‬ولكن عليه أن يتقدم ويعمل متوكل على الله ‪.‬‬
‫إن دعوة المقاومة دعوة تعلم الفرد المجاهد المسؤولية الولى عن‬
‫نفسه وعمن معه وعن المة بكاملها ‪..‬‬
‫وستتولى باقي الفصول مساعدته على ذلك والله الموفق ‪.‬‬
‫وهنا أنتقل إلى تحديد المحاور الساسية في العقيدة الجهادية القتالية لدعوة‬
‫المقاومة السلمية العالمية ‪ .‬وألخصها في نقاط موجزة‪:‬‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 900 [ ‬‬

‫العقيدة الجهادية‬
‫و‬
‫‪‬‬ ‫‪ ‬دستور دعوة المقاومة السلمية العالمية‬
‫يرتكز دستور دعوة المقاومة السلمية العالمية ‪ ,‬وينطلق من‬
‫أساسيات العقيدة السلمية ‪ ,‬وأحكام السياسة الشرعية ‪ ,‬المنطلقة من‬
‫خلل فهم الواقع السياسي الحاضر للمة ‪ ,‬ومن خلل قاعدة درء‬
‫المفاسد واستجلب المصالح ‪ ,‬وفقه الضرورات ‪ ,‬واعتبار الولويات ‪.‬‬
‫وأخذ المترتبات بعين العتبار ‪ .‬بناء على فهم دقيق لواقع المسلمين‬
‫وواقع العالم من حولهم‪.‬‬
‫وسنورد هنا مختصرا ً عن أسس العقيدة الجهادية القتالية لدعوة‬
‫المقاومة حيث ستشتمل الفقرة التالية على التفصيل والدلة الشرعية‬
‫لهم هذه لسس إن شاء الله‪.‬‬

‫• المادة ‪:1‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫دعوة المقاومة السلمية العالمية ليست حزبا‪ ,‬ول تنظيما ‪ ,‬ول جماعة محدودة‬
‫محددة ‪ .‬فهي دعوة مفتوحة ‪ .‬هدفها هو دفع صائل القوى الستعمارية الصليبية‬
‫الصهيونية الهاجمة على السلم والمسلمين‪ .‬و يمكن لي تنظيم أو جماعة أو فرد‬
‫اقتنع بمنهجها وأهدافها و طريقتها ‪ ,‬الدخول فيها ‪ .‬بشكل مباشر أو بشكل غير‬
‫مباشر ‪.‬‬

‫• المادة ‪:2‬‬
‫عقيدة دعوة المقاومة السلمية العالمية‪ .‬هي عقيدة أهل السنة والجماعة بكافة‬
‫مدارسهم ومذاهبهم الفقهية‪ .‬وهي دعوة للتعاون مع كل المسلمين الذين يشهدون أن‬
‫ل إله إل الله وأن محمدا ً رسول الله‪ .‬ويعتبرون أن القرآن كتابهم والكعبة قبلتهم ‪.‬‬
‫وأمة السلم أمتهم ‪.‬‬
‫فهي تجاهد مع أهل السنة ‪ .‬وتتعاون مع أهل القبلة ‪ .‬وتستعين بكل‬
‫مخلص في نصرته للمسلمين في دفع هذا العدو الصائل عليهم ‪ .‬من خلل‬
‫ضوابط السياسة الشرعية ‪.‬‬

‫• المادة ‪:3‬‬
‫تعتقد دعوة المقاومة السلمية العالمية بمشروعية الجهاد مع كل بر و فاجر من أمراء‬
‫المسلمين وعامتهم ‪ ,‬من أجل دفع صائل الكفار على المسلمين وهذا من أسس‬
‫العقيدة عند أهل السنة الجماعة‪.‬‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 901 [ ‬‬

‫• المادة ‪:4‬‬
‫تعتقد دعوة المقاومة السلمية العالمية أن الحملت الصليبية الصهيونية الهاجمة‬
‫على المسلمين تتكون من تحالف يضم المكونات التالية‪:‬‬
‫)‪ - (1‬اليهود و قوى الصهيونية العالمية و زعمتها إسرائيل‪.‬‬
‫)‪ - (2‬قوى الصليبية الدولية‪ .‬و زعيمتها أمريكا ‪ .‬ثم روسيا ودول حلف الناتو‬
‫ومن تحالف معهم من الدول الصليبية‪.‬‬
‫)‪ - (3‬قوى الردة‪ ,‬وعلى رأسها الحكام والنظمة القائمة في العالم العربي‬
‫والسلمي‪.‬‬
‫)‪ - (4‬المنافقين‪ :‬وعلى رأسهم المؤسسات الدينية الرسمية وعلماء السلطان ‪.‬‬
‫ومن تبعهم من فقهاء النفاق ‪ .‬وأجهزة العلم والوساط الثقافية الداعمة‬
‫للعداء في حملتهم على المسلمين‪.‬‬
‫وأن مختصر ومعادلة الصراع اليوم هو‪:‬‬
‫اليهود والصهيونية وزعيمتها إسرائيل ‪ +‬الصليبية العالمية بقيادة أمريكا‬
‫و بريطانيا و دول الناتو وروسيا‬
‫‪ +‬النظمة المرتدة و قوى العلمانية المحاربة للســلم ‪ +‬المنــافقون‬
‫مــن علمــاء الســلطان وأصــحاب الفكــر المحــارب للســلم‪ × .‬قــوى‬
‫المقاومة المسلحة المجاهدة ‪.‬‬

‫• المادة ‪:5‬‬
‫تعتبر دعوة المقاومة السلمية العالمية جهاد هذا الحلف الدولي من اليهود‬
‫والصليبين والمرتدين والمنافقين ‪ .‬فرض عين على كل مسلم يشهد أن ل إله إل‬
‫الله وأن محمد رسول الله ‪ .‬يثاب بأدائه ويأثم بتركه‪.‬‬

‫• المادة ‪:6‬‬
‫تعتبر دعوة المقاومة السلمية العالمية الجهاد المسلح والقتال )جهاد السنان(‬
‫الوسيلة الساسية لمواجهة الطراف الثلثة الولى من الحلف )اليهود والصليبيون‬
‫والمرتدون( ومن قاتل معهم ‪ .‬وتعتبر أن ( جهاد البيان ( والحجة والكلمة هو وسيلة‬
‫مواجهة قوى النفاق من علماء الستعمار وفقهاء السلطين ووسائل إعلمهم‪.‬‬

‫• المادة ‪:7‬‬
‫تتخذ دعوة المقاومة السلمية العالمية من قسسول اللسسه تعسسالى‪  :‬فقاتل فــي‬
‫سبيل الله ل تكلف إل نفسك وحرض المؤمنين‪‬‬
‫شعارا لها ‪ .‬وتعتبر أن مقاتلة الغزاة وحلفائهم والدعوة إلى ذلك فريضسسة فسسي عنسسق‬
‫كل مسلم ‪ .‬وتعتبر مبدأ ثابتا في حركتها وهو أن ‪:‬‬
‫دعوة المقاومة السلمية العالمية هي معركة المة المسلمة وليســت‬
‫صراع النخبة المجاهدة فقط‪.‬‬

‫• المادة ‪:8‬‬
‫تعتبر دعوة المقاومة كافة أشكال تواجد أمريكا وحلفائها المحاربين لنا ‪ ,‬في كافة‬
‫بلد المسسسلمين اليسسوم أهسسداف مشسسروعة للجهسساد ‪ .‬سسسواًء كسسانت تواجسسدا عسسسكريا ً أو‬
‫دبلوماسسسيا أو اقتصسساديا ً أو أمنيسسا ً أو ثقافيسسا ً أو مسسدنيا ً أو بسسأي شسسكل كسسان ‪ .‬وتطسسالبهم‬
‫بالمغادرة وتنذر من بقي القتل والتصفية ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 902 [ ‬‬

‫• المادة ‪:9‬‬
‫تعتسسبر دعوتنسسا كافسسة حكسسام بلد المسسسلمين ‪,‬السسذين يوالسسون أعسسداء المسسسلمين مسسن‬
‫المريكان وحلفائهم من اليهسسود والصسسليبين ‪ .‬ويحكمسسون بلد المسسسلمين بغيسسر مسسا أنسسزل‬
‫الله ‪ .‬ويشرعون لهسسم أحكامسا ً مسسن دون اللسسه ‪ .‬تعتسسبرهم كفسسارا مرتسسدين قسسد سسسقطت‬
‫وليتهم الشرعية ‪ .‬قال تعالى‪)] :‬ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هسسم( )الكسسافرون(‬
‫)الظالمون( )الفاسقون( ولم يعد لهم حظ من قوله تعسسالى ‪) :‬يا أيهــا الــذين آمنــوا‬
‫أطيعوا الله ورسوله وأولي المر منكم ( ‪ .‬فقد أمرنا الله تعسسالى بطاعسسة أولسسي‬
‫المر ) منكم ( وهؤلء ما عادوا )منا( ‪ .‬بل صاروا )من أعدائنا( وقد بين تعالى ذلسسك‬
‫فقال ‪) :‬ومن يتولهم منكم فإنه منهم( قال كافة أهل التفسسسير و أثبسسات العلمسساء‪.‬‬
‫قالوا ‪) :‬منهم( أي‪ ] :‬كفار مثلهم[ ‪..‬‬
‫وكما في الحديث الصحيح المتفق عليه‪ ,‬عن عبسسادة بسسن الصسسامت رضسسي اللسسه عنسسه‬
‫قال‪:‬‬
‫]دعانا رسول صلى الله عليه وسلم فبايعناه فكان مما أخسسذ علينسسا‪ :‬أن بايعنسسا علسسى‬
‫السمع والطاعة فى منشطنا ومكرهنسسا وعسسسرنا ويسسسرنا وأثسسرة علينسسا وأل ننسسازع المسسر‬
‫أهله‪ ,‬قال صلى الله عليه وسلم (إل أن تروا كفرا بواحا عندكم فيــه مــن اللــه‬
‫برهان([ رواه مسلم‪ .‬وهل أشد بواحا ً في الكفر من مسسوالة العسسداء ‪ .‬ومظسساهرتهم علسسى‬
‫المسلمين ‪ .‬وتمكينهم من ثغور المسلمين ‪ .‬وإمدادهم بالعدد المدد لقتسسال الخسسوة قسسي‬
‫الدين ؟! ‪.‬‬
‫وهل أظهر في الخروج من ملة السسلم مسن حكسم المسسلمين بشسرائع الكفسار‪ ,‬و‬
‫ة لهم ‪ .‬وقول الله تعسالى وسسسنة رسسسول‬ ‫تبديل أديان المة ومناهجها وكل مقوماتها طاع ً‬
‫الله صلى الله عليه وسلم واضح في حكم خلعهم ‪ ,‬والخروج عليهسسم ‪ .‬بسسل وقتلهسسم كمسا‬
‫أمر صلى الله عليه وسلم ‪) :‬من بدل دينه فاقتلوه( ‪ .‬وهسسو ماسنسسسعى إليسسه بعسسون‬
‫الله ‪.‬‬

‫• المادة ‪:10‬‬
‫تسقط دعوة المقاومة السلمية العالمية ‪ ,‬مشروعية أي عهد أو أمسسان أو معاهسسدة‬
‫أو ذمة قدمها حكام بلد المسسسلمين للكفسسار ‪ .‬وذلسسك بسسسبب ردتهسسم عسسن ملسسة السسسلم‬
‫وسقوط وليتهم ‪ .‬ولنهم أولياء لهم ومناصرون لهم على المسلمين ‪ .‬فل شرعية لهسسم‬
‫ول لعهسسودهم وأمسسانهم ومعاهسسداتهم ‪ .‬إلسسى أن يقسسوم أئمسسة شسسرعيون ‪ .‬يؤمنسسونهم وفسسق‬
‫مواثيق ومعاهدات شرعية وعلقات متبادلة في إطار شريعتنا السلمية‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 903 [ ‬‬

‫• المادة ‪:11‬‬
‫كل من ظاهر أعداء المسلمين الغزاة من المريكان وحلفائهم على المسسسلمين ‪.‬‬
‫فقاتل معهم وأعسانهم علسى المسسسلمين بقتسال أو دللسة أو مسساعدة أو مشسسورة أو رأي‬
‫ينصرهم به على المسلمين فهو مرتد كافر خارج من ملة السلم ‪ ,‬يجب قتاله أو يعود‬
‫عن ذلك ويتوب إلى الله منه‪.‬‬
‫وما دام في فعله فله كل أحكام المرتدين من انفسسساخ عقسسد زواجسسه ‪ ,‬وانقطسساع‬
‫الميراث بينه وبين ذويه من المسلمين ‪ .‬وعدم الصسسلة عليسسه ‪ ,‬وعسسدم دفسسن فسسي مقسسابر‬
‫المسلمين‪ ...‬وكل ما فصله فقهاء من أحكام المرتد ‪ .‬وحكم قتال هسسؤلء بيسسن الوجسسوب‬
‫والجواز ‪ .‬وأما ممارسة ذلك فخاضع لقواعد المصالح والمفاسد‪ .‬وليعلم كل مسلم أنسسه‬
‫يرتد بهذا الفعل سواء قاتله المجاهدون أم تركوه‪.‬‬

‫• المادة ‪:12‬‬
‫كل من ظاهر الحكام المرتدين وقاتل المسلمين والمجاهدين معهم ‪ ,‬من جنسسودهم‬
‫و شرطتهم ورجال أمنهم وأعوانهم الذين يدافعون عنهسسم ويسسأتمرون بسسأمرهم فسسي قتسسل‬
‫المجاهدين و مطاردتهم ‪ ,‬ل نحكسسم بكفسسر كسسل أحسسد منهسسم عينسا ً ‪ .‬و يقسساتلون علسسى أنهسسم‬
‫طائفة ردة عامة بصرف النظر عن جاهلهم ومكرههسسم و متسسأولهم ‪ .‬لسسسيما وقسسد أدرك‬
‫القاصي والداني والعالم والجاهل ‪ ,‬وقوف أولئك الحكسسام فسسي خنسسدق أمريكسسا وحلفائهسسا‬
‫ومحاربتهم لشباب المسلمين المجاهد تحت رايتها و أمرها‪.‬‬

‫• المادة ‪:13‬‬
‫دعسسوة المقاومسسة السسسلمية العالميسسة‪ .‬دعــوة جهــاد للغــزاة المســتعمرين‬
‫وأعوانهم ‪ .‬وليست دعوة تكفير للمسلمين‪ .‬فكل من شسسهد ) أن ل إلسسه إل اللسسه‬
‫محمد رسول الله( فقد عصم دمه وماله إل بحقها وحسابه على الله‪ .‬وليس مسسن مهسسام‬
‫ضسسلل والمنحرفيسسن وتكفيرهسسم و‬ ‫دعسسوة المقاومسسة التصسسدي لعيسسان المسسسلمين مسسن ال ُ‬
‫تبديعهم وتفسيقهم ‪.‬فهذه مهمة من تأهل لسسذلك وانصسسرف لهسسا مسسن السسدعاة والعلمسساء ‪.‬‬
‫وليست من أعمال المقاومة المتجهة لحرب الصائل‪.‬‬

‫• المادة ‪:14‬‬
‫تتبنى دعوة المقاومة السسسلمية العالميسسة اسسستراتيجية قتسسال جنسسود الحتلل وكافسسة‬
‫أشكال تواجد الدول المحاربة للمسلمين ومصالحهم في بلد المسلمين هجوما ً ودفاعا ً‬
‫وبكل أشكال المقاومة المسلحة‪.‬‬
‫في حين تتبنى استراتيجية قتال رجال أمــن حكومــات بلد المســلمين‬
‫وجنودها وأعوانها دفاعا ً عن النفس فقط‪ .‬رغسسم حل ّسسة قتسسالهم هجومسسا ‪ ,‬وبكسسل‬
‫وسيلة مشروعة دفعا ً وطلبًا‪ .‬وذلك من أجل مصالح ل تخفى وتهدف إلسسى توحيسسد صسسف‬
‫المة في وجه الغزاة الكفار ‪ ,‬والرفق مع جميع أبنائها ‪ ,‬حتى يتبين لهسسم الحسسق ‪ ,‬ولكسسي‬
‫يفيؤوا إلى صف أمتهم و يقاوموا عدوها ‪ .‬ومن أجل سد باب الفتن والحتراب الداخلي‬
‫دون طائل ‪ .‬ولقطع الطريق على من يقيم الحواجز بين المجاهسسدين وعامسسة المسسة مسسن‬
‫دعاة الضللة وأجهزة إعلم الطواغيت‪.‬‬
‫ولذلك تدعو دعوة المقاومة السلمية العالمية قوى الجهاد والمقاومة إلى تحاشي‬
‫قصد رجال الجيش والشرطة وقوى المن في بلدنا بالقتل ‪ .‬والقتصار في ذلك على‬
‫عملية الدفاع عن النفس‪ ..‬وتدعوهم لعدم قتل أسراهم وجرحاهم ‪ .‬والحسان إليهم‬
‫ودعوتهم بالحسنى للنضمام إلى صفوف المة في قتال أعدائها‪ ...‬كما تدعوا رجال‬
‫المن والجيش والشرطة إلى عدم طاعة قياداتهم في العدوان على المسلمين‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 904 [ ‬‬

‫ومناصرة أعداء المسلمين من الكفار وتدعوهم إلى قتال أعدائهم الكفار ورؤسائهم‬
‫من كبار المرتدين وليس إلى المسلمين البرياء‪..‬‬
‫وهذا اجتهاد خاص بدعوتنا بناءً على قواعد استجلب المصالح ودفع‬
‫المفاسد ‪ ,‬واستفادة من تجاربنا الماضية ‪ .‬وهذا من المبادئ الحركية‬
‫الساسية لدعوة المقاومة السلمية العالمية بعد مبدأ جهاد المحتلين‬
‫الغزاة بالسلح ومقاومتهم بكل وسيلة مشروعة ممكنة بكافة أشكالهم ‪.‬‬
‫) أما أولئك الجنود العاملون مع قوات الحتلل الكافرة ‪ ,‬مثل الجيش والشرطة‬
‫في العراق وما شابهها‪ ,‬كالمحاربين للمسلمين في جيش الهند في كشمير ‪ .. .‬فهؤلء‬
‫مرتدون يقاتلون قتال المحتلين ‪( .‬‬

‫• المادة ‪:15‬‬
‫تتبنى دعوة المقاومة السلمية العالمية مبدأ دفع الصائل على الدين والنفس‬
‫والعرض والمال‪ .‬ولو كان مسلما ً لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ‪:‬‬
‫)من قتل دون ماله فهو شهيد‪ ,‬ومن قتل دون دمه فهو شهيد‪ ,‬ومن قتل‬
‫دون دينه فهو شهيد‪ ,‬ومن قتل دون أهله فهو شهيد ( رواه أحمد وأبو داود‪.‬‬
‫وروى عنه صلى الله عليه وسلم‪) :‬من قتل دون مظلمته فهو شهيد( رواه‬
‫النسائي‪ .‬وبهذا فهي تدعو المجاهدين والمقاومين إلى عدم تسليم أنفسهم إلى من‬
‫قصدهم من عساكر الطواغيت وعملء الستعمار بالقتال والذى ‪ .‬بل تدعوهم إلى‬
‫قتالهم وقتلهم دفاعا ً عن النفس ‪ .‬والتزام سياسة الدفاع هذه دو ن التحول إلى‬
‫جهادهم هجوما ً كما أشرنا إلى ذلك آنفًا‪.‬‬

‫• المادة ‪:16‬‬
‫تعتسسبر دعسسوة المقاومسسة السسسلمية العالميسسة كسسل حكومسسة يقيمهسسا السسستعمار وقسسوى‬
‫الحتلل ]من قبيل ما حصل في العراق )مثل مجلس الحكم ( أو )الحكومة المعينة([ ‪.‬‬
‫تعتبرها حكومة احتلل باطلة يجب جهادها وإسقاطها ‪ .‬وأقل مسسا يجسسب نحوهسسا ‪ ,‬اعتقسساد‬
‫عدم مشروعيتها ‪ ,‬وعدم التعاون معها‪ .‬ول تقبل أي اعتذارات فسسي ذلسسك مسسن قبيسسل مسسا‬
‫يزعم من مصلحة البلد والعباد وتسيير أمسسور النسساس‪ .‬وتعتبرهسسا أعسسذارا باطلسسة شسسرعا ً ‪,‬‬
‫ل‪ .‬فل يأتي الستعمار إل بالشر ول يرضى إل عمن تبعوا ملتسسه كمسسا قسسال‬ ‫ومرفوضة عق ً‬
‫تعسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسالى ‪:‬‬
‫م‬ ‫مل ّت َ ُ‬
‫هـ ْ‬ ‫ع ِ‬
‫حّتى ت َت ّب ِـ َ‬
‫صاَرى َ‬
‫ول الن ّ َ‬ ‫ك ال ْي َ ُ‬
‫هودُ َ‬ ‫عن ْ َ‬
‫ضى َ‬ ‫ول َ ْ‬
‫ن ت َْر َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫)البقرة‪. (120 :‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 905 [ ‬‬

‫• المادة ‪:17‬‬
‫لما كانت دعوة المقاومة السلمية العالمية تعتقد كفر الحكام الحاكمين بغير ما‬
‫أنزل الله ‪ ,‬الموالين لعداء المسلمين وردتهم ‪ .‬مثل جميع الحكام القائمين في بلد‬
‫المسلمين اليوم‪ .‬فإنها تعتبر النتساب إلى مؤسسات حكومتهم وسلطاتها الثلثة‪:‬‬
‫‪ -‬التنفيذية ‪ :‬الحكومة والوزارات‪.‬‬
‫‪ -‬التشريعية ‪ :‬البرلمان أو مجلس الشعب أو مجلس الشورى‪.‬‬
‫‪ -‬القضائية ‪ :‬المحاكم الحاكمة بغير ما أنزل الله‪.‬‬
‫عمل محرما ‪ ,‬وفعل من أفعسسال الكفسسر‪ ,‬يسسأثم صسساحبه علسسى القسسل أو يكفسسر‪ .‬وذلسسك‬
‫بحسب مسؤوليته وجرمه ‪ ,‬ونصيبه من العذر والتأويل ‪ .‬وسيأتي بيان ذلك في الشرح ‪,‬‬
‫في الفقرة التالية إن شاء الله ‪ .‬وتدعوا كافة المسلمين عامسسة ‪ ,‬والعلمساء والسسلميين‬
‫خاصة ‪ .‬إلى اجتنسساب الطسساغوت مسسن أجهسسزة المسسستعمرين والمرتسسدين‪ .‬وتسسدعوهم أن ل‬
‫يفتنوا المسلمين بوجودهم في تلك الجهزة الطاغوتية ‪.‬‬

‫• المادة ‪:18‬‬
‫تعتبر دعوة المقاومة السلمية العالمية مبادئ الديمقراطية كفسسرا ً بسسالله تعسسالى ‪.‬‬
‫ومعتقدا ً مناقضا ً لمقتضيات شهادة أن ل إله إل الله ‪ .‬وتعتسسبر السسدعوة إليهسسا وممارسسستها‬
‫عمل ً من أعمال الكفر‪ .‬يأثم صاحبه ‪ .‬إثما قد يصل إلى خروجه من ملة السلم ‪ .‬وذلك‬
‫بحسب طبيعة اعتقاده بها ‪ .‬ونوع ممارسته لها ‪ .‬ونصيبه من أعذار الجهل أو التأول ‪.‬‬
‫وهي تدعوا كافة السلميين إلى عدم السعي إلى المشاركة فيها و الدعوة إليهسسا ‪.‬‬
‫سسسواًء بالتعسساون مسسع سسسلطات الحتلل ‪ ,‬أو سسسلطات الحكسسام المرتسسدين ‪ .‬كمسسا تسسدعوا‬
‫المسلمين إلى عدم المشاركة فيها ‪ ,‬ومقاطعتها وعدم التصويت من خللهسسا لمصسسلح أو‬
‫لمفسد ‪ .‬وتدعوا السلميين و دعاة الصلح إلى النشاط من خلل المؤسسات الهلية‬
‫غير الحكومية ‪ .‬ومنظمات المجتمسسع المسسدني ‪ .‬فسسي مختلسسف وجسسوه النشسساط السياسسسي‬
‫والجتمسساعي و الثقسسافي وغيسسره ‪ .‬ممسسا يهسسدفون إليسسه مسسن الصسسلح ‪ .‬ومسسن غيسسر الوقسسوع‬
‫بالدناسة بدخول أجهزة الكفر ‪ .‬والغرض من ذلسك اجتنساب الطساغوت ‪ .‬وعسزل شسريحة‬
‫الفساد و العمالة ‪ ,‬اجتماعيا ً وسياسيا ً وعلى كل صعيد‪.‬‬

‫• المادة ‪:19‬‬
‫تعتسسبر دعسسوة المقاومسسة السسسلمية العالميسسة جهسسود كسسل المخلصسسين فسسي الصسسحوة‬
‫السسسلمية ؛ الدعويسسة والصسسلحية والعلميسسة والدينيسسة ‪ ...‬وغيرهسسا ‪ .‬مسسن الممارسسسات‬
‫المشسسروعة شسسرعا ‪ ,‬والسستي تقسسوم بهسسا كافسسة مسسدارس الصسسحوة مسسن السسدعوة والتبليسسغ ‪,‬‬
‫والسلفية ‪ ,‬والخوان المسلمين ‪ ,‬وحزب التحريسر‪ ...‬وغيسر ذلسك مسن مسدارس الصسحوة‬
‫السسسلمية ‪ .‬وكسسذلك جهسسود العلمسساء والسسدعاة والمصسسلحين المسسستقلين ‪ .‬علسسى امتسسداد‬
‫ومساحة طيف الصحوة ‪ .‬جهودا ً مشكورة لحفظ ديسسن المسسسلمين ‪ ,‬وإصسسلح أحسسوالهم ‪.‬‬
‫وتدعوهم جميعا ً إلى التعاون على البر والتقوى ودعم المقاومة ‪ .‬وتعتسسبر جهسسودهم فسسي‬
‫الدعوة لدين الله دعما ً وتقوية لجذور المقاومة في المة ‪ ,‬وحفظا ً لمكوناتها ‪ .‬وتسسدعوا‬
‫الجميع إلى تجاوز نقاط الخلف في هذه المرحلة التي يتعسسرض فيهسسا وجسسود المسسسلمين‬
‫كله إلى الخطر على كافة الصعد الحضارية‪.‬‬
‫وتعيد التذكير بقناعتها ‪ ,‬بأن مجاهدة القوى الصليبية واليهودية ومن والهسسا وأعانهسسا‬
‫وقاتل معها بالجهاد المسلح ‪ ,‬فريضة شرعية متعينة على كسسل مسسسلم قسسادر مسسن غيسسر‬
‫ذوي العذار الشرعية ‪ ,‬ل يسقط عنه فرض العين هسسذا مسسا يقسسوم بسسه مسسن أعمسسال السسبر‬
‫والخير ‪ ,‬مثلما ل تغني الزكاة عن الصلة ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 906 [ ‬‬

‫• المادة ‪:20‬‬
‫تعتبر دعوة المقاومة السلمية العالمية كل مسسسلم يقسسول )ل إلسسه إل اللسسه محمسسد‬
‫رسول الله ( على اختلف مذاهبهم وطوائفهم ‪ ,‬ضمن دائرة السلم العامة التي دعاها‬
‫الفقهاء )أهل القبلة( ‪ .‬وتعتبر الخلفات العقدية والمذهبية والطائفية مردها لهل العلسسم‬
‫للفصسسل فيهسسا‪ .‬وأن مجسسالت ذلسسك هسسي الحسسوار بسسالحق ‪ ,‬والبيسسان بالحكمسسة والموعظسسة‬
‫الحسنة ‪ .‬كما قال تعالى ‪ ) :‬فإن تنازعتم في شيء فردوه إلسى اللسسه وإلسى الرسسسول( ‪.‬‬
‫وتنهى عن الفتن والقتتال بين المسلمين ‪ .‬وتسسدعوا كسسل المسسسلمين مسسن أهسسل القبلسسة ؛‬
‫مذاهب وجماعات وأفراد ‪ .‬إلى التعاون على دفع الصائل و جهسساد العسسدو الكسسافر السسذي‬
‫يسسدهم بلد المسسلمين‪ .‬وتسدعوا الجميسع إلسى نبسذ دواعسي الحستراب السداخلي ‪ .‬السسذي ل‬
‫يستفيد منه في مثل هذه الحوال إل العدو الكافر الغازي لبلد المسلمين‪.‬‬

‫• المادة ‪:21‬‬
‫تعتسسبر دعسسوة المقاومسسة السسسلمية العالميسسة كافسسة مبسسادئ المسسذاهب العلمانيسسة مسسن‬
‫شيوعية و اشسستراكية وديمقراطيسسة وقوميسسة ‪ ...‬وغيسسر ذلسسك مسسن أوجسسه النتمسساء الفكسسري‬
‫والعقدي لغير ملة السلم وهوية السلم ؛ تعتبرها دعوات كفسسر وضسسللة ‪ ,‬كل ً بحسسسبها‬
‫وفق موازين الشريعة ‪ .‬ولكنها تعتبر أن أكثر أتباع هذه المسسذاهب مسن أبنسساء هسسذه المسسة‬
‫هم من المسلمين الجهلة بدينهم المغرر بهم فكريسسا ‪ ,‬تبع سا ً لظسسروف التغريسسب الفكسسري‬
‫والغزو الحضاري ‪ ,‬الذي تعرضت لسه المسسة ‪ .‬وكسثير منهسسم يكسسن العاطفسة لهسذا السسدين ‪,‬‬
‫ويشعر بالحترام لمكوناته ‪ ,‬كمسسا يكسسن عسسداًء لقسسوى السسستعمار‪ ,‬وإرادة عاليسسة لمقاومسسة‬
‫الغزو الخارجي ‪ .‬و تدعو دعوتنا كافة مدارس الصسسحوة السسسلمية ‪ ,‬وشسسرائح المقاومسسة‬
‫السلمية المختلفة ‪ ,‬إلى حسن الحوار والدعوة في أوساط هسسذه الشسسرائح‪ .‬كمسا تسسدعو‬
‫كافة القوى القومية والوطنية وكل الشرفاء في هذه المة إلسسى دراسسسة دينهسسم وفهمسسه‬
‫على حقيقته‪ .‬التعاون على جهاد القوى الغازية الكافرة ومن يتعسساون معهسسا ‪ .‬واللتفسساف‬
‫جميعا ً تحت شعار السلم للدفاع عن المسلمين ودينهم وحضارتهم‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 907 [ ‬‬

‫• المادة ‪:22‬‬
‫تعتبر دعوة المقاومة السلمية العالمية كل مسلم قال ) ل إله إل الله محمــد‬
‫رسول ( ‪ ,‬معصوم الدم والمال إل بحقها وحسابه على الله ‪ .‬وتعتسسبر دم المسسسلم مسسن‬
‫أقدس المقدسات ‪ .‬وحفظه من أعظم الفرائض والوامر التي شسسددت فيهسسا الشسسريعة‬
‫السلمية‪.‬‬
‫وتعتبر أن ما جسساء فسسي خطبسسة السسوداع مسسن قسسوله صسسلى اللسسه عليسسه وسسسلم ‪ ) :‬فان‬
‫دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا‪ ,‬فــي بلــدكم‬
‫هذا في شــهركم هــذا‪ .‬وســتلقون ربكــم فيســألكم عــن أعمــالكم‪ ,‬أل فل‬
‫ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض‪ .‬أل فليبلغ الشاهد الغائب(‬
‫‪ .‬دستورا ً إلهيا ً ونصا ً نبويا ً قطعيًا‪ ,‬يدعوا كل مسلم عامة ‪ ,‬وكل مجاهد خاصة إلى حفسسظ‬
‫دم وعرض ومال كل مسلم ‪.‬‬
‫وتدعوا كل مجاهد في سبيل الله يبذل جهده ونفسه وماله في سبيل الله ويجاهسسد‬
‫الكفار الغزاة من قوى الصليبية والصهيونية بحلفائها‪ .‬إلى قول الله تعالى ‪:‬‬
‫َ‬
‫ه َ‬
‫فت َب َي ُّنـوا ‪) ‬النسسسساء‪. ( 94 :‬‬ ‫ل الل ّ ِ‬
‫سِبي ِ‬
‫في َ‬
‫م ِ‬
‫ضَرب ْت ُ ْ‬ ‫مُنوا إ ِ َ‬
‫ذا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫‪َ ‬يا أي ّ َ‬
‫وتدعوهم أن يتحاشسسوا أذى كسسل مسسسلم ‪.‬وليتقسسوا اللسسه ويتسسأملوا قسسوله صسسلى اللسسه عليسسه‬
‫وسلم ‪ ) :‬من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مسسات ميتسسة جاهليسسة‪ .‬ومسسن قاتسسل‬
‫تحت راية عمية يغضب لعصبية ويدعو لعصبية أو ينصسسر عصسسبية فقتسسل فقتلتسسه جاهليسسة‪.‬‬
‫ومن خرج على أمتي يضرب برها و فاجرها ول يتحاشى مــن مؤمنهــا ول‬
‫يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه‪ (.‬رواه مسلم ‪.‬‬

‫• المادة ‪:23‬‬
‫تعتبر دعوة المقاومة السلمية العالمية الطوائف الدينية من غيسسر المسسسلمين مسسن‬
‫المواطنين في بلدنا كالمسيحيين وغيرهم ‪ .‬مواطنين كفلت الشريعة السلمية احترام‬
‫حقوق مواطنتهم وسكنهم بين المسلمين في إطار قواعسسد شسسرعية معروفسسة مفصسسلة ‪,‬‬
‫ُيتعامل بها معهم عندما يحكم شرع الله ‪ .‬وينصب المام المسلم ‪.‬‬
‫أما الن فل تعتبرهم دعوة المقاومة السلمية العالمية هدفا ً للجهاد ‪ ,‬ما لم يتعاونوا‬
‫مع الغزاة ‪ .‬وإنما الجهاد للقوى الغازية مسسن القسسوى الصسسليبية الصسسهيونية ومسسن يتحسسالف‬
‫معها‪.‬‬
‫حتى ولو ادعى السسسلم ‪ .‬وتسسدعو دعسسوة المقاومسسة تلسسك الطسسوائف مسسن المسسواطنين‬
‫الصليين إلى التعبير عن رفضهم للسسستعمار والقسسوى الغازيسسة ‪ ,‬و دعسسوة أبناءهسسا لعسسدم‬
‫التعاون معهم ‪ .‬كما تسسدعوا المجاهسسدين إلسسى عسسدم فتسسح معسسارك جانبيسسة فسسي مثسسل هسسذه‬
‫المسائل التي تحول دون التركيز على المنحي العام للمقاومة ودفع الصائل ‪.‬‬
‫• المادة ‪:24‬‬
‫تعتبر دعوة المقاومة السلمية العالميسسة سسساحة الجهسساد الساسسسية ضسسد أمريكسسا و‬
‫حلفائها من الصليبيين والصهاينة هي بلد المسلمين ‪ .‬التي يحتلهسسا هسسؤلء المسسستعمرون‬
‫الغزاة بشكل مباشر أو غير مباشر ‪ .‬وفيها تتمركسسز قسسواتهم وقواعسسدهم العسسسكرية ‪ ,‬أو‬
‫منها تعبر برا وبحرا وجوا ‪ .‬وفيهسسا تتسسم عمليسسات النهسسب و السسستعمار القتصسسادي‪ .‬وفيهسسا‬
‫تنتشر مختلف المؤسسات الستعمارية المختلفة من أمنيسسة وسياسسسية وثقافيسسة‪ ..‬وغيسسر‬
‫ذلك‪ .‬وهي الهداف الستعمارية التي يجب أن يستهدفها المجاهدون فسي طسول العسسالم‬
‫السلمي وعرضه ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 908 [ ‬‬

‫• المادة ‪:25‬‬
‫تعتبر دعوة المقاومة السلمية العالمية أن حربها أساسا هي مسسع حكومسسات البلد‬
‫التي دخلت في حلف العدوان الصليبي اليهودي الذي تقوده أمريكا ‪ .‬وتعتبر كسسل دولسسة‬
‫تشاركهم في المجهود الحربي وتعينهم على المسلمين هدفا ً للمقاومة ‪ .‬وفي مقدمتها‬
‫حلف الناتو الذين يرتبطون بالتزامات دفاعية معها ‪ .‬وكذلك ضد كل دولسسة تعتسسدي علسسى‬
‫المسلمين في أي بلد أو مكان ‪ .‬وأما البلد الكافرة التي لم تتورط في العسسدوان علسسى‬
‫السلم والمسلمين ‪ ,‬فهي ليست مجال حسسرب وقصسسد مسسن قسسوى المقاومسسة السسسلمية‬
‫العالمية ‪.‬‬

‫• المادة ‪:26‬‬
‫تعتبر دعوة المقاومة السلمية العالمية حربها مع حكومات الدول المحاربة أساسا‬
‫وليس مع شعوبها‪ .‬وهسسي إذ تعتسسبر بلد المسسسلمين سسساحة الجهسساد والسسدفاع الساسسسية ‪,‬‬
‫تدعوا المجاهدين إلسسى ممارسسسة الجهسساد ضسسد الحكومسسات والسسدول السسستعمارية الغازيسسة‬
‫وحلفاءها في بلدها بضوابط سياسية شرعية تقتضيها أصول الشريعة‪ ,‬وأحكام الجهاد ‪,‬‬
‫وبناًء على نتائج مترتبات العمال مسسن المصسسالح والمفاسسسد علسسى السسسلم المسسسلمين ‪.‬‬
‫ومن تلك الضوابط‪:‬‬
‫)‪ -(1‬عدم ممارسة القتال والستهداف العام في بلد الدول المحاربة إل في حدود‬
‫الردع والمعاملة بالمثل ‪ .‬وليس )هدفا ً أساسيا ً وساحة قتال رئيسية( فساحة الجهاد‬
‫الساسية هي الدفع في بلد المسلمين ‪.‬‬
‫)‪ -(2‬تحاشى قتل نساء وأطفال الكفار‪ ,‬وكذلك من جاءت نصوص الشريعة بتحاشي‬
‫قصدهم بالقتل ‪ .‬مثل الرهبان ‪ ,‬ودور العبادة ‪ ,‬وتحاشى قتل غير المحاربين من‬
‫المدنيين إذا انفردوا ما أمكن‪.‬‬
‫والتركيز في حال عمليات الردع و المعاملة بالمثل في بلدهم على الهداف‬
‫العسكرية والسياسية والقتصادية ‪ .‬مع مراعاة تحاشى من تقدم الشارة إلى تحاشيهم‬
‫ما أمكن ‪.‬‬

‫• المادة ‪:27‬‬
‫تدعو دعوة المقاومة السلمية العالمية إلسسى تركيسسز جهسسد المجاهسسدين والتنظيمسسات‬
‫الجهادية وقوى المقاومة لمواجهة الصائل العدوان الخارجي ‪ .‬وعدم فتح مواجهات مسسع‬
‫أنظمة الردة والعمالة القائمة في بلد المسلمين فسي ثسورات شسساملة وفسق التصسورات‬
‫القديمسسة للتيسسار الجهسسادي ‪ .‬رغسسم قناعتنسسا بردتهسسم ‪ .‬و القتصسسار علسسى اسسستهداف كبسسار‬
‫المرتدين من أئمة الكفر لتعاونهم مع قسسوى الحتلل والغسسزو الخسسارجي ‪ .‬والغسسرض مسسن‬
‫ذلك جمع الجهود على دحر العدو الصائل ‪ ,‬الذي ستنهار بعد النصر عليه بإذن الله كافة‬
‫القوى العميلة التابعة له في بلدنا إن شاء الله‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 909 [ ‬‬

‫• المادة ‪:28‬‬
‫تسسدعو دعسسوة المقاومسسة السسسلمية العالميسسة المجاهسسدين والمقسساومين إلسسى عسسدم‬
‫النشغال في التصدي بالقتال لمظاهر الفسسساد والفسسسوق والعصسسيان والبسسدع ومظسساهر‬
‫النحراف الدينية ‪ ...‬إلخ ‪ ,‬في أوساط المسلمين بأعمال جهاديسسة‪ ..‬فهسسذه مظسساهر لسسداء‬
‫حكم الطاغوت الذي تفرضه وتثبته قوى الكفر الغازية الخارجية الصائلة‪ .‬والنتباه لمور‬
‫ثلثة هامة ‪:‬‬
‫)‪ -(1‬حرمة دم المسلم ولو كان فاسقا ً عاصيا ً مهما تلبس به من ذلك ما لم يكفر‪.‬‬
‫)‪ - (2‬أن تنفيذ الحدود والحكام الشرعية على مرتكبيها من أفراد المسلمين هو‬
‫للمام الشرعي الممكن ‪ .‬و هو ليس موجود الن ‪ .‬وإنما هدف المقاومة بعد‬
‫دفع الصائل هو إقامته‪.‬‬
‫)‪ - (3‬أن الهدف الن و والفريضة الشرعية الولى ‪ ,‬هو دفع الصائل الكافر عن ديار‬
‫المسلمين‪.‬‬

‫• المادة ‪:29‬‬
‫تعتمد الحملت الصليبية الغازية في بلدنا بالضافة إلى القوى العسكرية الداعمسسة‬
‫لها المقاتلة معها على دعامتين هامتين ‪:‬‬
‫)‪ -(1‬دعاة للحتلل يرحبون بها و يدعون لفكارها وحضارتها ‪ ,‬وينددون بالسلم‬
‫ودعاته ‪.‬‬
‫)‪ -(2‬دعاة للنحلل والرذيلة والفسق والمجون ‪ ,‬ونشر الختلط و الزنا والفواحش‬
‫بدعوى الحرية الشخصية ‪ ,‬والعيش على النموذج المريكي ‪.‬‬
‫وأكثر هؤلء هم من قطاع المثقفين و الكتاب والمفكريــن والفنــانين‬
‫والصحفيين والشعراء والدباء ‪ ,‬ورجال العلم ‪...‬‬
‫وتدعو دعوة المقاومسسة السسسلمية العالميسسة المجاهسسدين ‪ ,‬إلسسى تصسسفية كبسسار رؤوس‬
‫هسسؤلء السسدعاة السسستعماريين ورؤوسسسهم‪ .‬وكسسذلك كبسسار دعسساة الرذيلسسة والنحلل السسذين‬
‫يعملون على أن تشيع الفاحشة في اللذين آمنوا ‪.‬‬
‫قسسات ُِلوا‬ ‫َ‬
‫م فَ َ‬ ‫م وَط َعَُنوا ِفي ِدين ِك ُس ْ‬ ‫ن ب َعْد ِ ع َهْد ِه ِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫مان َهُ ْ‬‫ن ن َك َُثوا أي ْ َ‬ ‫قال تعالى ‪  :‬وَإ ِ ْ‬
‫ة ال ْك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ر ‪) ‬التوبة‪(12 :‬‬ ‫ف ِ‬ ‫م َ‬‫أئ ِ ّ‬
‫حبسسو َ‬
‫م‬‫من ُسسوا ل َهُس ْ‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ة فِسسي ال ّس ِ‬‫شس ُ‬ ‫ح َ‬ ‫فا ِ‬‫شسسيعَ ال ْ َ‬ ‫ن تَ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ن يُ ِ ّ َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫وقال تعسسالى‪  :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫عَ َ‬
‫م ‪) ‬النور‪.(19 :‬‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬
‫ض‬
‫م سَر ٌ‬ ‫م َ‬‫ن فِسسي قُل ُسسوب ِهِ ْ‬ ‫ذي َ‬‫ن َوال ّس ِ‬ ‫قو َ‬ ‫من َسسافِ ُ‬‫م ي َن ْت َسهِ ال ْ ُ‬
‫ن لَ ْ‬ ‫وقال عز مسسن قسسائل ‪  :‬ل َئ ِ ْ‬
‫مل ْعُسسوِني َ‬
‫ن‬ ‫ك ِفيهَسسا ِإل قَِلي ً‬
‫ل* َ‬ ‫جاوُِرون َس َ‬
‫م ل يُ َ‬‫م ث ُس ّ‬ ‫دين َةِ ل َن ُغْرِي َن ّس َ‬
‫ك ب ِهِ س ْ‬ ‫ن ِفي ال ْ َ‬
‫م ِ‬ ‫فو َ‬‫ج ُ‬
‫مْر ِ‬‫َوال ْ ُ‬
‫قِتيل ً ‪) ‬الحزاب‪. (60/61 :‬‬ ‫ذوا وَقُت ُّلوا ت َ ْ‬ ‫خ ُ‬‫فوا أ ُ ِ‬
‫ما ث ُقِ ُ‬ ‫َ‬
‫أي ْن َ َ‬
‫فهذا الطابور الخبيث المنافق المجاهر بالكفر هسم مسن أهسم ركسائز السستعمار فسي‬
‫بلدنا ‪ .‬ومن أهم العاملين علسسى قطسسع جسسذور المقاومسسة والنتمسساء لهسسذه المسسة ‪ .‬ونعيسسد‬
‫التوضيح ‪ :‬المطلوب اغتيال ( كبار أئمة الكفر والفســاد( ‪ .‬وتصسسفية مؤسسسساتهم ‪.‬‬
‫وليس خدمهم والعاملون المرتزقة بالفجور معهم ول أعيان فساق المسلمين ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 910 [ ‬‬

‫• المادة ‪:30‬‬
‫تعتبر دعوة المقاومة السلمية العالمية الوجسسود السسسرائيلي الصسسهيوني ‪ ,‬فسسي كسسل‬
‫شبر وذرة تراب من أرض فلسطين ‪ ,‬وما جاورها مسسن أراضسسي المسسسلمين بسساطل ً وغيسسر‬
‫شرعي ‪ .‬ومثل ذلك كل احتلل لراضي المسلمين أينمسسا كسسان ‪ .‬وتعتسسبر دولسسة إسسسرائيل‬
‫دولة غير شرعية ‪ ,‬وكيان مستعمر دخيل يجب إزالته و تطهير وجه الرض من وجوده‪.‬‬
‫ول تعترف بأي معاهدة سلم ‪ .‬أو اتفاقية تفرط بسسأي حسسق مسسن الحقسسوق الشسسرعية‬
‫للشعب الفلسطيني المسلم‪ .‬وتعتسسبر المسسسألة الفلسسسطينية ‪ ,‬قضسسية إسسسلمية وليسسست‬
‫عربية ول فلسطينية فقط ‪.‬‬
‫ول تعسسترف بمشسسروعية السسسلطة الوطنيسسة الفلسسسطينية ‪ ,‬وتعتبرهسسا سسسلطة مارقسسة‬
‫حكمها حكم كافة النظمة العربية والسلمية في الردة‪ .‬وتعتسسبر معظسسم أركانهسسا الكبسسار‬
‫مجموعة خونة وتجار دماء ‪ ,‬وعملء لليهود وعبيد لشهواتهم ومصالحهم ‪.‬‬
‫وتعتبر أن الجهاد المسلح هو الحل الوحيد لتحرير فلسسسطين ‪ .‬و تشسسد علسسى أيسسدي‬
‫المجاهدين المسلمين من المنظمات المجاهدة ‪ .‬وتدعوا كافسسة المناضسسلين والمقساومين‬
‫في المنظمات الفلسطينية المسلحة من القوميين والوطنيين واليسسساريين إلسسى الجهسساد‬
‫تحت شعار السلم ونبذ مبادئ الكفر والضللة الستي أدت دائمسا ومسا زالست تسؤدي إلسى‬
‫هزيمة المة ‪ ,‬وإلى عدم قبول الشهادة عند الله ‪ .‬قال صسسلى اللسسه عليسسه وسسسلم ) من‬
‫قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ( ) أخرجسسسه الخمسسسسة (‪ ) .‬ومن‬
‫قاتــل تحــت رايــة عميــه يــدعو للعصــبة وينصــر العصــبة فمــات فميتتــه‬
‫جاهلية ( ‪ .‬و تدعوا شباب فلسطين أن ل يفرطوا بدمائهم بالعمل تحت تلسسك الرايسسات‬
‫الجاهلية ‪ ,‬وإنما مع من رفع شعار السلم والجهاد ‪ .‬لن من مات ميتة جاهلية فهو في‬
‫النار ‪ .‬ول يبارك الله في عمله‪ .‬وتدعوا المسلمين في كل مكسسان إلسسى جهسساد الصسسهاينة‬
‫وأعوانهم وأشياعهم في فلسطين وفي كل مكان‪.‬‬

‫• المادة ‪:31‬‬
‫تعتسسبر دعسسوة المقاومسسة السسسلمية العالميسسة دعسسوة التطسسبيع مسسع اليهسسود والكيسسان‬
‫السرطاني )إسرائيل( ‪ ,‬دعوات باطلة ‪ .‬وتعتبر من يدعوا إليها خائنا ً كافرا ً مرتسسدا ً عميل ً‬
‫للستعمار‪ .‬وخاصة إذا كان من علماء المسلمين المزعومين ‪ .‬أو حكامهم العملء ‪.‬‬
‫وتدعو المجاهدين في كل مكسسان إلسى جهساد كافسة أشسكال التطسسبيع ‪ ,‬ومؤسسسساته ‪,‬‬
‫ورجاله ودعاته واستهداف كسسل منشسسآته السياسسسية والثقافيسسة والقتصسسادية ‪ ...‬وغيرهسسا ‪.‬‬
‫وتدميرها واغتيال القائمين عليها ‪ .‬والنتباه لعدم أذى المسلمين خطأ ً أثناء ذلك‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 911 [ ‬‬

‫• المادة ‪:32‬‬
‫تعتسسبر دعسسوة المقاومسسة السسسلمية العالميسسة كافسسة مؤسسسسات التنصسسير والتبشسسير‬
‫الصليبي في بلد المسلمين مسسن أخطسسر مرتكسسزات السسستعمار و أخطسسر مكسسامن الفتنسسة‬
‫للمسلمين‪ .‬وتعتبرها أهدافا ً مشروعة وتدعو المجاهدين إلى استهدافها وتدمير منشآتها‬
‫‪ .‬وتعتبر كل أمان وترخيص لهذه المؤسسات في بلد المسلمين ترخيصا بسساطل‪ .‬وأمانسسا‬
‫غير شرعي ‪.‬‬
‫وتدعو المجاهسسدين والمقسساومين إلسسى عسسدم الخلسسط بيسسن هسسذه المؤسسسسات ‪ ,‬وبيسسن‬
‫الكنائس ودور عبادة النصارى والمسيحيين من المواطنين المقيميسسن بيسسن المسسسلمين ‪.‬‬
‫وكذلك التميز بين مؤسسات التنصير والتبشير الجانب ‪ .‬وبيسسن رجسسال السسدين والرهبسسان‬
‫المحلييسسن المشسسرفين علسسى إدارة شسسؤون طسسوائفهم الدينيسسة ‪ ,‬ول يعملسسون فسسي فتنسسة‬
‫المسلمين عن دينهم ‪ ,‬ومعاونة الغزاة المستعمرين ‪.‬‬

‫• المادة ‪:33‬‬
‫دعــوة المقاومــة الســلمية العالميــة دعــوة أمميــة ل تعتــبر هويــة ول‬
‫انتسابا ً إل إلى (ل إله إل اللـه محمـد رسـول اللــه ( ‪ .‬بصـرف النظــر عـن‬
‫الجنس و القوم ‪ ,‬أو اللون والوطن ‪ ,‬أو اللغة ‪..‬أو أي فارق‪..‬‬
‫وتعتبر ساحة عمل كل مجاهد ومقاوم حيث هو‪ ,‬وحيث يقيم ويتحرك‬
‫‪ ,‬و حيث يكون أداؤه أجدى وأنفع و أنكى لعداء الله‪.‬‬

‫• المادة ‪:34‬‬
‫يجري الن إطلق عملية تطبيع مع الصليبيين والمسسستعمرين المريكسسان فسسي بلد‬
‫المسلمين ‪ .‬وهو تطبيع أشد خطرا ً بكثير من مسألة التطبيع مع إسرائيل والصسسهيونية ‪.‬‬
‫حيسسث تتشسعب مكونسات هسذه الظساهرة اليسوم فسي كافسة مجسالت الحيسساة والنشساطات‬
‫السياسية والجتماعية والثقافية والعلمية والرياضية‪ ..‬وغير ذلك‪ ..‬مشاريع معلنة كثيرة‬
‫وأخرى بأغطية شتى ومن ذلك ‪:‬‬
‫‪ -‬في المجال السياسي‪ :‬العمل على إنشاء مراكز ومؤسسات بإشرافهم‬
‫مباشرة ‪ ,‬في بلدنا وفي أمريكا ‪ ,‬من أجل تخريج النخب السياسية والفكرية التي‬
‫تحمل مشروعهم ‪ ,‬لتقوم على تلك المشاريع في غضون السنوات العشر القادمة‬
‫للوصول لمراكز القرار والقيادة ‪.‬‬
‫‪ -‬في مجال القتصادي‪ :‬مشاريع مشتركة ) أمريكية ‪ -‬محلية( يقوم عليها رجال‬
‫أعمال أمريكان ومؤسسات عملقة ويشاركهم فيها رجال أعمال محليون و تجار‬
‫وسماسرة‪..‬‬
‫‪ -‬في المجال العلمي‪ :‬إنشاء جامعات ومعاهد ومراكز بحث علمي )من قبيل ما‬
‫أنشؤوه قبل فترة في )وادي عربة( ‪ ,‬بالتعاون مع الحكومة الردنية والمؤسسات‬
‫العلمية فيها وهو مشروع بين أمريكا وإسرائيل والردن ‪.‬‬
‫‪ -‬في المجال الثقافي‪ :‬إنشاء الكثير من المراكز الثقافية والفنية والرياضية‬
‫وغيرها من وجوه النشاط الثقافي بإشراف أمريكي ومشاركة محلية ‪.‬‬
‫‪ -‬في المجال الجتماعي‪ :‬نشر الكثير من المؤسسات تحت غطاء ومساعدات‬
‫اجتماعية ومراكز توعية تحت مزاعم الحريات ‪..‬والقليات ‪..‬وحرية المرأة‪..‬ورعاية‬
‫الطفولة ‪ ..‬ونشر الديمقراطية‪ ..‬والمؤسسات الصحية‪.....‬الخ‪..‬‬
‫وهذا الغزو الخطير الهائل أشسسد خطسسرا ً فسسي تسسدمير المسسة وتفكيسسك مكوناتهسسا ‪ ,‬مسسن‬
‫حملت ) شوارزكوف ‪ ,‬وفرانكس ‪ ,‬وجون أبي زيد‪ , (..‬وأساطيلهم العسكرية‪.‬‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 912 [ ‬‬

‫وعلى المجاهدين والمقاومين استهداف هذه الهداف كلهــا ونســفها‬


‫وتصفية إداراتها الجنبية ‪ ,‬وكبار العــاملين عليهــا محليـا ً ‪ .‬و النتبـاه جـدا ً‬
‫إلى تحاشي سفك دماء المسلمين من روادها ‪ ,‬وحتى العاملين فيهــا لن‬
‫أكثريتهم من المسلمين الجهال بأهدافها ومقاصدها‪.‬‬
‫ويجــب أن يرافــق المجهــود الحربــي فــي مواجهــة مراكــز التطــبيع‬
‫الصهيوني و الصليبي ‪ ,‬مجهــود فــي التوعيــة يقــوم بــه العلمــاء والــدعاة‬
‫بشكل مرادف لعمل خليا المقاومة في تدمير هذه الهداف‪.‬‬

‫• المادة ‪:35‬‬
‫تعتبر دعوة المقاومة السلمية العالمية أن الحكام الشرعية للديار‪ ,‬هي كما بينهسسا‬
‫الفقهاء ‪ ,‬على ثلثة أقسام‪:‬‬
‫أ‪ -‬ديار السلم‪ :‬وهي البلد التي تحكمها الشريعة السلمية‪.‬‬
‫وهي البلد التي تحكمها شرائع الكفر ول تحكم بما أنزل الله‪.‬‬ ‫ب‪ -‬ديار الكفر‪:‬‬
‫ج‪ -‬الحالة الخاصة‪ :‬وهي ديار السلم التي غلب عليها حكم الكفار‪ .‬بعد أن كانت‬
‫دار إسلم ‪ .‬ومازال أهلها مسلمون ‪.‬‬
‫وعليه فإن الديار تنقسم في واقع العالم اليوم إلى أربعة أقسام بناًء ذلك‪:‬‬
‫‪ -1‬ديار إسلم أهلها مسلمين‪:‬‬
‫وهي البلد التي تحكمها شريعة الله وأكثر أهلها مسلمون ‪ .‬وهذا الصنف غير موجود‬
‫اليوم وسيقوم قريبا ً بإذن الله‪.‬‬
‫‪ -2‬ديار إسلم أهلها كافرون‪:‬‬
‫وهي البلد التي تحكمها شريعة الله وأكثر أهلها غير مسلمين ‪ .‬وهي كالبلد التي‬
‫فتحها المسلمون الوائل ولم يدخل أهلها في السلم ‪.‬‬
‫‪ -3‬ديار كفر أهلها مسلمون‪:‬‬
‫مثل حال جميع بلد المسلمين التي تحكمها النظمة المرتدة اليوم بقوانين الكفر ‪.‬‬
‫والمسلمون أكثرية شعوبها‪.‬‬
‫ديار كفر أهلها كافرون ‪:‬‬
‫مثل عموم بلد الدنيا غير بلد العالم السلمي اليوم ‪.‬‬
‫ويترتب على هذا اليوم أحكام شرعية كثيرة تجب معرفتها ‪ ,‬نظرا ً لغياب الكيان‬
‫السياسي للمسلمين وعدم وجود المام المسلم ‪ .‬ومن أهم تلك الحكام ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬للمسلم في أي من تلك الديار‪ ,‬في كل مكان ؛ حصانة‬ ‫•‬
‫الدم والمال والعرض بشهادته أن )لإله إل الله محمد رسول الله( ‪ .‬ل‬
‫تحفز ذمته ول يعتدي عليه‪.‬‬
‫ب ‪ -‬يجب العمل على نصب المام المسلم في ديار‬ ‫•‬
‫المسلمين وطاعته في المعروف حيث وجد‪.‬‬
‫ج ‪ -‬ليس للحكام بغير ما أنزل الله في ديار المسلمين اليوم‬ ‫•‬
‫أي شرعية وأي طاعة وأي ذمة أوأمان‪ .‬ويحرم التعاون معهم وجباية‬
‫الموال إليهم طوعا ً ‪ .‬ويجب التقرب إلى الله بعصيانهم ‪ .‬والعمل على خلعهم ‪.‬‬
‫واستبدالهم بالمام المسلم حيث أمكن ذلك ‪ .‬وتوفرت القدرة علية‪.‬‬

‫• المادة ‪:36‬‬
‫تعتــبر دعــوة المقاومــة الســلمية العالميــة إقامــة المســلم فــي بلد‬
‫الكفار‪ ,‬وبين ظهراني المشركين محرمــة إل لضــرورة‪ .‬وقسسد جسساءت نصسسوص‬
‫السنة الصحيحة الصريحة المفصلة بالنهي عن ذلك ‪.‬‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة ‪] 913 [ ‬‬

‫ففسسي الحسسديث الحسسسن السسذي رواه أبسسو داوود عسسن سسسمرة مرفوعسسا "مـن جـامع‬
‫المشرك وسكن معه فإنه مثله"‪ .‬وفي الحديث الحسن الذي رواه النسسسائي ‪ " :‬ل‬
‫يقبل الله من مشرك عمل بعدما أسلم أو يفارق المشركين "‪.‬‬
‫وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪ ( :‬برئت الذمة ممن أقام مــع‬
‫المشركين في ديارهم (‪.‬‬
‫وقد ترتب على إقامة المسلمين هناك مفاسسسد عظيمسسة عليهسسم فسسي دينهسسم وديسسن‬
‫ذراريهم‪ .‬واليوم تشتعل الحرب الصليبية ‪ ,‬و تجاهد سرايا المقاومين المجاهسسدين فسسي‬
‫سبيل الله جيوش الصليبيين في بلدنا ‪ ,‬وتصل عملياتها إلى بلدهم ‪ .‬وقسسد ترتسسب علسسى‬
‫هذا ردود فعل من تلك المجمعات أدت إلى ظلم المسلمين وتعرضهم للفتنة في دينهم‬
‫ومظاهره وحجاب نسائهم ‪ ..‬وقد صار بعض المسلمين يميلون إلى ترك أساسيات مسسن‬
‫دينهم خوفا ً من الكفار‪ .‬ويظهرون موالتهم لهم ‪ .‬والبراءة مسسن المجاهسسدين فسسي سسسبيل‬
‫الله ‪ .‬وبناء على ذلك ‪:‬‬
‫تدعو دعوة المقاومة السلمية العالمية المسلمين المقيمين في بلد‬
‫الغرب وديار الكفر والكافرين إلى أمرين اثنين‪:‬‬
‫ل‪ :‬الهجرة من بلد الكفر والشرك إلى بلد المسلمين ‪ ,‬ولو أدى ذلسسك‬ ‫أو ً‬
‫إلى خسارة في المور الدنيوية‪ ,‬والتعرض لظلم حكومات الردة ‪ .‬فسإن مصسسلحة حفسظ‬
‫الدين ودين البناء ‪ ,‬مقدمة على حفظ الدنيا ورفاه العيش ‪ .‬لمن لم يكن مضطرا أمنيسسا‬
‫لذلك ‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬تذكر دعوة المقاومة كل مسلم مقيم في ديار الغرب وحـتى مـن أهلهـا‬ ‫ً‬
‫الصليين ‪ ,‬بأن فريضة جهاد حكومات تلك الدول الكافرة الغازية الداخلسسة فسسي حلسسف‬
‫المريكان واليهود ‪ ,‬هو فرض عين عليه ‪ ,‬مثله مثسسل كسسل مسسسلم فسسي كسسل مكسسان‪ .‬و‬
‫أداؤه أسسسهل عليسسه مسسن المجاهسسدين غيسسر المقيميسسن السسذين يقصسسدون تلسسك البلد لسسردع‬
‫حكوماتها عن العدوان عن المسلمين‪ .‬فعليهم مقاومة تلك الحكومات وجهادها وضرب‬
‫مصالحها واستهداف حكامها وقواها السياسية والقتصسسادية‪ .‬بضسسوابط أحكسسام الشسسريعة‬
‫والتميز بين من يستحق الستهداف ومن ليستحقه‪.‬‬
‫ونكرر لهم النذير‪ ..‬إن كل مسلم مسؤول أمام ربه عن دينه ودين عيسساله ‪ ,‬وحفسسظ‬
‫أنفسهم وأعراضهم فالسلمة السلمة‪ ..‬والنجسساة النجسساة ‪ .‬فل تسسوردوا أنفسسسكم مسسوارد‬
‫الهلك‪.‬‬
‫و‬ ‫مسةِ َأل ذ َل ِس َ‬
‫ك هُ س َ‬ ‫م ال ْ ِ‬
‫قَيا َ‬ ‫م ي َوْ َ‬
‫َ‬
‫م وَأهِْليهِ ْ‬
‫سهُ ْ‬ ‫سُروا أ َن ْ ُ‬
‫ف َ‬ ‫خ ِ‬
‫ن َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ري َ‬
‫س ِ‬‫خا ِ‬‫ن ال ْ َ‬
‫ل إِ ّ‬ ‫‪ ‬قُ ْ‬
‫‪ )‬الزمر‪.(15 :‬‬‫ن‬‫مِبي ُ‬‫ن ال ْ ُ‬
‫سَرا ُ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫خ ْ‬

‫انتهى ‪.‬‬

‫*************‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 914 [ ‬‬

‫ثالثًا‪ :‬تفاصيل وأدلة شرعية في بعض النقاط الساسية للعقيدة الجهادية‬ ‫•‬
‫لدعوة المقاومة السلمية العالمية‪.‬‬

‫• أول ‪ :‬بلد السلم اليوم في حالة احتلل مباشر أو غير مباشر من‬
‫قبل العداء ‪ .‬وجهادهم فرض عين على المسلمين بالجماع ‪.‬‬

‫• ثانيا‪ :‬حكومات بلد المسلمين اليوم مرتدة كافرة لتبديلها الشرائع‬


‫وحكمها بغير ما أنزل الله ‪ .‬وولئها للكفار و خيانتها لله ورسوله‬
‫والمؤمنين‪.‬‬

‫• ثالثا‪ :‬الخروج على الحاكم إن ارتد عن السلم أو كان كافرا فرض‬


‫على المسلمين بالجماع ‪.‬‬

‫• رابعا‪ :‬أحكام الشريعة السلمية تقرر بالجماع كفر وردة من‬


‫تعاون مع الكفار وأعانهم على المسلمين وتوجب قتاله‪.‬‬

‫• خامسا‪ :‬أحكام الشريعة تقرر وجوب أو جواز قتال الصائل على‬


‫دين المسلمين أو أنفسهم أو أعراضهم أو أموالهم ‪ .‬حتى ولو كان‬
‫مسلما‪.‬‬
‫********‬
‫• سادسا‪:‬أحكام الشريعة تقرر حرمة دماء وأموال وأعراض‬
‫المسلمين‪.‬وتقرر أن جميع أشكال تواجد المعتدين الكفار (دماءهم‬
‫وأموالهم ( في كل مكان حلل هدر للمسلمين‪.‬‬

‫• سابعا‪ :‬وجوب نصرة المسلمين في الدين إن اعتدى الكفار عليهم‬


‫بصرف النظر عما تلبسوا به من المعاصي والنقائص‪ .‬والجهاد‬
‫المشروع قائم مع كل بر وفاجر من أئمة المسلمين وعامتهم ‪.‬‬

‫• ثامنا‪ :‬مسألة الديمقراطية و تجارب حركات الصحوة السلمية فيها‬


‫‪.‬‬

‫• تاسعا ‪ :‬مسألة الخلف العقدي والمذهبي ضمن أهل السنة ‪.‬‬

‫• عاشرا ‪ :‬مسالة ( التكفير ( ‪ ,‬أحكام التكفير العامة ‪ ,‬وقضية تكفير‬


‫المعين‪.‬‬
‫‪   ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪                 ‬‬ ‫‪] 915 [ ‬‬

‫ولنتناول هذه الحكام بشيء من التفصيل في أدلتها ‪:‬‬

‫أول‪ :‬بلد السلم في حالة احتلل وعدوان وغزو من قبل العداء‪ ,‬وجهسساد الغسسزاة اليسسوم‬
‫فرض عين على المسلمين بالجماع ‪:‬‬
‫كما أثبتنا في الفصل الول تحت عنوان ) واقع المسلمين اليوم ( فإنه قد صار مسسن‬
‫المسلم به اليوم لدى كل عاقل مبصر‪,‬أن بلدنا كلها من أقصاها إلى أقصاها محتلة إمسسا‬
‫مباشرة من قبل العداء‪ .‬وإما بالنيابة من قبسسل نسسوابهم المرتسسدين‪,‬مسسع تواجسسد عسسسكري‬
‫كثيف للصليبيين بانتشار قواعدهم في جميسسع أرجائهسسا‪.‬مسسع احتلل اقتصسسادي كامسسل عسسبر‬
‫سيطرة الحتكارات القتصادية ‪.‬وبانتشار شبكات استخباراتهم ومراكزهم المنية‪.‬‬
‫وهاهي أمريكا اليوم تعيد احتلل العالم السلمي من جديد جهارا نهارا‪ .‬فقد احتلت‬
‫أفغانستان مباشرة ‪ .‬وبسطت سيطرتها على باكستان ووسط آسيا ‪ .‬وهاهي قد احتلت‬
‫العراق ‪ ,‬ووزعت مئات آلف الجنود في جزيرة العرب وتركيا وجنوب الشام فضل عن‬
‫ما تنشره في مصر والقرن الفريقسسي وشسسمال أفريقيسسا ومسسا حسسول هسسذه المنسساطق مسسن‬
‫بحار‪.‬وهاهو بوش يعلن أنه يقود على بلد المسسسلمين حملسة صسسليبية ومعسسه حلفسائه فسي‬
‫حلسسف النسساتو مسسن البلد الوروبيسسة بالضسسافة للحليسسف الرئيسسسي )إسسسرائيل( السستي تحتسسل‬
‫فلسطين‪ ,‬وتستعد لهدم المسجد القصى وطرد من تبقى فيها من المسلمين‪.‬‬
‫فما حكم الشريعة في مثل هذه الحسسوال؟ ومسساذا تفسسرض أحكسسام السسدين علسسى كسسل‬
‫مسلم تجاهها؟‬
‫الجهاد عبادة وفريضة‪ ,‬فرضها الله على المسلمين‪ .‬وهسسي ثابتسسة بتسسواتر اليسسات فسسي‬
‫كتاب الله والحاديث في سنة رسول الله صلى الله عليه وسسسلم بمسسا يغنسسي عسسن إيسسراد‬
‫الشواهد هنا‪ ,‬فهي أشهر من أن تذكر وأكثر من أن تحصر‪.‬‬
‫جسساء فسسي كتسساب ) السسدفاع عسسن أراضسسي المسسسلمين أهسسم فسسروض العيسسان ( للشسسيخ‬
‫المجاهد الشهيد عبد اللسسه عسسزام شسسيخ المجاهسسدين العسسرب فسسي أفغانسسستان أيسسام جهسساد‬
‫الروس – رحمه الله – ما نقتطف منه ما يلي‪:‬‬
‫) وجهاد الكفار نوعان‪:‬‬
‫‪ -1‬جهاد الطلب )طلب الكفار في بلدهم( بحيث يكون الكفار‪ ,‬ل يحتشدون‬
‫لقتال المسلمين‪ .‬فالقتال فرض كفاية‪.‬وأقل فرض الكفاية سد الثغور‬
‫بالمؤمنين لرهاب أعداء الله‪...‬الخ‪ (.‬ثم قال رحمه الله وهو مكان الشاهد‪:‬‬
‫‪-2‬جهاد الدفع )دفع الكفار من بلدنا( وهذا يكون فرض عين‪ ,‬بل أهم فروض‬
‫العيان‪ ,‬ويتعين في حالت‪:‬‬
‫ل‪ :‬إذا دخل الكفار بلدة من بلد المسلمين‪.‬‬ ‫أو ً‬
‫ثانيًا‪ :‬إذا التقى الصفان وتقابل الزحفان‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬إذ استنفر المام أفرادا أو قوما وجب عليهم النفير‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬إذا أسر الكفار مجموعة من المسلمين(‪.‬‬
‫ثم تحدث الشيخ عبد الله رحمه الله عن الحالة الولى وهي نزول الكفار في أرض‬
‫من أراضي المسلمين فقال ‪:‬‬
‫( ففي هذه الحالة اتفق السلف والخلــف وفقهــاء المــذاهب الربعــة‪,‬‬
‫والمحدثون والمفسرون في جميع العصور السلمية إطلقــا‪ .‬أن الجهــاد‬
‫في هذه الحالة يصبح فــرض عيــن علــى أهــل هــذه البلــدة الــتي هاجمهــا‬
‫الكفار‪ ,‬وعلى من قرب منهم‪ .‬بحيث يخرج الولد دون إذن والده‪ ,‬والزوجة‬
‫دون إذن زوجها‪ ,‬والمدين دون إذن دائنه‪ .‬فإن لم يكف أهل تلك البلدة أو‬
‫قصروا‪ ,‬أو تكاســلوا‪ ,‬أو قعــدوا‪ .‬يتوســع فــرض العيــن علــى شــكل دوائر‪,‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 916 [ ‬‬

‫القرب فالقرب‪ .‬فإن لــم يكفــوا أو قصــروا‪ ,‬فعلــى مــن يليهــم ثــم مــن‬
‫يليهم‪ .‬حتى يعم فرض العين الرض كلها(‪.‬‬
‫ثم أوجز الشسسيخ رحمسسه اللسسه مختصسسر الدلسسة علسسى ذلسسك عنسسد مسسذاهب أهسسل السسسنة‬
‫وعلمائهم فقال‪:‬‬
‫ل‪ :‬فقهاء الحنفية‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫قال ابن عابدين فسسي حاشسسيته ج ‪ 3‬ص ‪ ]:238‬وفرض عيـن إذا هجـم العـدو‬
‫على ثغر من ثغور السلم‪ ,‬فيصير فرض عين على من قــرب منــه‪ .‬فأمــا‬
‫من ورائهم ببعد من العـدو فهــو فــرض كفايـة إذا لـم يحتـج إليهـم‪ .‬فـإن‬
‫احتيج إليهم بأن عجز من كان بقرب العدو عن المقاومة مع العدو‪ .‬أو لــم‬
‫يعجزوا ولكنهم تكاسلوا‪ ,‬ولــم يجاهــدوا‪ ,‬فــإنه يفــترض علــى مــن يليهــم‪,‬‬
‫فرض عين كالصلة والصوم‪ ,‬ل يسعهم تركه‪ ,‬وثم وثم ‪ ,‬إلــى أن يفــترض‬
‫على جميع أهل السلم شرقا وغربا على هذا التدريج[ إهس‪.‬‬
‫‪.‬وبمثل هذا أفتى الكاساني في بدائع الصسسنائع ج ‪ 7‬ص ‪ .72‬وكسسذلك ابسسن نجيسسم فسسي‬
‫البحر الرائق ج ‪ 5‬ص ‪ .191‬وكذلك ابن الهمام في فتح القدير‪ .‬من أئمة الحناف‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬عند المالكية‪:‬‬
‫جاء في حاشسسية الدسسسوقي‪ .‬الجسسزء الثسساني ص ‪ ]:ٍ174‬س ويتعين الجهــاد بفجـئ‬
‫العدو‪ :‬أي توجه الدفع بفجئ (أي مفاجأة( علــى كــل واحــد وإن امــرأة أو‬
‫عبدا أو صبيا‪ ,‬ويخرجون ولو منعهم الولي والزوج ورب الدين[‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬عند الشافعية‪:‬‬
‫جاء في نهاية المحتاج للرملي‪ .‬في الجزء الثامن الصفحة ‪ ] :58‬فإن دخلوا بلدة‬
‫لنا‪ ,‬وصار بينهم وبيننا دون مسافة القصر‪ ,‬فيلزم أهلها الدفع‪ ,‬حتى مــن‬
‫ل جهاد عليه‪ ,‬من فقير وولد وعبد ومدين وامرأة[‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬عند الحنابلة‪:‬‬
‫جاء في المغني لبن قدامة في الجزء الثامن الصفحة ‪ ] : 345‬ويتعين الجهاد‬
‫في ثلث مواضع‪:‬‬
‫‪ -1‬إذا التقى الزحفان وتقابل الصفان‪.‬‬
‫‪ -2‬إذا نزل الكفار ببلد يتعين على أهله قتالهم ودفعهم‪.‬‬
‫‪ -3‬إذا استنفر المام قوما لزمهم النفير[ ‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 917 [ ‬‬

‫يقول شيخ السلم ابن تيمية‪:‬‬


‫) وأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفــع الصــائل عــن الحرمــة والــدين‬
‫واجب إجماعا فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا ل شيء أوجب بعد‬
‫اليمان من دفعه‪ ,‬فل يشــترط لـه شـرط ( كــالزاد والراحلـة (‪ ,‬بـل يـدفع‬
‫بحسب المكان ونص على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم (‪.‬‬
‫ويقول ابن تيمية في الجزء الرابع من الفتاوى الصسسفحة ‪ ):608‬إذا دخــل العــدو‬
‫بلد الســلم فل ريــب أنــه يجــب دفعــه علــى القــرب فــالقرب‪ ,‬إذ بلد‬
‫السلم كلها بمنزلة البلدة الواحدة‪ ,‬وأنه يجب النفير أليه بل إذن والد ول‬
‫غريم ونصوص أحمد صريحة بهذا (‪.‬‬
‫ثم أضاف الشيخ عبد الله عزام إثر هذه الدلة قوله‪:‬‬
‫] وهذا يعرف بالنفير العام ثم قال وأدلة النفير العام‪:‬‬
‫م وَأ َن ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫فافا ً وَث ِ َ‬
‫م ِفي‬ ‫سك ُ ْ‬
‫ف ِ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬
‫م َ‬‫دوا ب ِأ ْ‬
‫جاهِ ُ‬‫قال ً وَ َ‬ ‫خ َ‬
‫فُروا ِ‬ ‫‪ .1‬قال الله عز وجل ‪  :‬ان ْ ِ‬
‫ن ‪) ‬التوبة‪(41:‬‬ ‫مو َ‬ ‫َ‬
‫م ت َعْل ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫خي ٌْر ل َك ُ ْ‬
‫م إِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل الل ّهِ ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫َ‬
‫وقد جاءت الية قبلها ترتب العذاب والستبدال جزاءا لترك النفير‪ ,‬ول عذاب إل على‬
‫فُروا ي ُعَذ ّب ْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ترك واجب أو فعل حرام‪ ,‬قال تعالى في سورة التوبة الية ‪  :39‬إ ِل ّ ت َن ْ ِ‬
‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫ديٌر ‪. ‬‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫شْيئا ً َوالل ّ ُ‬ ‫ضّروهُ َ‬ ‫م َول ت َ ُ‬ ‫وما ً غَي َْرك ُ ْ‬ ‫ل قَ ْ‬‫ست َب ْدِ ْ‬‫ذابا ً أِليما ً وَي َ ْ‬ ‫عَ َ‬
‫قال ابن كثير رحمه الله ‪ :‬أمر الله تعالى بالنفير العام مع رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم عام غزوة تبوك لقتال أعداء الله من الروم الكفرة من أهل الكتاب وقد بوب‬
‫البخاري رحمه الله‪):‬باب وجوب النفير وما يجب من الجهاد والنية( وأورد هذه الية‪,‬‬
‫وكان النفير العام بسبب أنه ترامى إلى أسماع المسلمين أن الروم يعدون على تخوم‬
‫الجزيرة لغزو المدينة‪ .‬فكيف إذا دخل الكفار بلد المسلمين‪ ,‬أفل يكون النفير أولى؟‬
‫قال أبو طلحة رضي الله عنه في معنى قوله تعالى}خفافا وثقال{‪ ,‬كهول وشباب ما‬
‫سمع الله عذر أحد( الجزء الثاني ص ‪ .144‬من مختصر تفسير ابن كثير‪ ,‬وقال الحسن‬
‫البصري‪ :‬في العسر واليسر‪.‬‬
‫ويقول ابن تيمية في الجزء ‪ 28‬ص ‪ ) 358‬فأما إذا أراد العدو الهجوم على‬
‫المسلمين‪ ,‬فإنه يصير دفعه واجبا على المقصودين كما قال تعالى ‪:‬‬
‫صُر‪) ‬النفال‪ .(72 :‬كما أمر النبي صلى الله‬ ‫م الن ّ ْ‬ ‫ن فَعَل َي ْك ُ ُ‬ ‫دي ِ‬‫م ِفي ال ّ‬ ‫صُروك ُ ْ‬ ‫ست َن ْ َ‬‫نا ْ‬ ‫‪ ‬وَإ ِ ِ‬
‫عليه وسلم بنصر المسلم سواء كان الرجل من المرتزقة للقتال أو لم‬
‫يكن ‪ ,‬هذا يجب بحسب المكان على كل أحد بنفسه وماله مع القلة‬
‫والكثرة و المشي و الركوب ‪ ,‬كما كان المسلمون لما قصدهم العدو عام‬
‫الخندق‪ .‬لم يأذن الله في تركه لحد ( وقال الزهري‪ :‬خرج سعيد بن المسيب‬
‫إلى الغزو وقد ذهبت إحدى عينيه‪ ,‬فقيل له إنك لعليل‪ ,‬فقال ) إستنفر الله الخفيف‬
‫والثقيل‪ ,‬فإن لم يمكني الحرب كثرت السواد وحفظت المتاع ( رواه القرطبي في الجامع لحكام‬

‫القرآن ج ‪ 8‬ص ‪[.150‬‬


‫ثم يتابع الشيخ عبد الله عزام رحمه الله أدلة النفير العام فيقول‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫موا أ ّ‬‫ة َواعْل ُ‬ ‫م كافّ ً‬‫َ‬ ‫قات ُِلون َك ْ‬
‫ُ‬ ‫ما ي ُ َ‬ ‫ة كَ َ‬ ‫كافّ ً‬ ‫ن َ‬‫كي َ‬‫شرِ ِ‬ ‫]‪ -2‬ويقول الله عز وجل‪ ‬وََقات ُِلوا ال ْ ُ‬
‫م ْ‬
‫ن ‪)‬التوبة‪ .(36 :‬قال ابن العربي ‪ :‬كافة يعنى محيطين بهم من كل جانب‬ ‫قي َ‬ ‫معَ ال ْ ُ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ه َ‬
‫وحالة‪ .‬رواه القرطبي في الجامع‪.150 – 8.‬‬

‫ه ‪‬‬ ‫ه ل ِل ّ ِ‬‫ن ك ُل ّ ُ‬
‫دي ُ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫كو َ‬ ‫ة وَي َ ُ‬‫ن فِت ْن َ ٌ‬
‫كو َ‬‫حّتى ل ت َ ُ‬ ‫م َ‬‫‪ -3‬ويقول عز وجل ‪  :‬وََقات ُِلوهُ ْ‬
‫)النفال‪ .( 39 :‬والفتنة هي الشرك‪ .‬كما قال ابن عباس و السدي‪ .‬ذكره القرطبي الجزء‬
‫‪.2-253‬وعند هجوم الكفار‪ ,‬واستيلئهم على الديار فالمة مهددة في دينها‪ .‬وعرضة‬
‫للشك في عقيدتها‪ ,‬فيجب القتال لحماية الدين والنفس والعرض والمال‪.‬‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 918 [ ‬‬

‫‪ -4‬قال صلى الله عليه وسلم (ل هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا‬
‫استنفرتم فانفروا( رواه البخاري‪ ,‬فيجب النفير إذا استنفرت المة‪.‬وفي حالة هجوم‬
‫الكفار فالمة مستنفرة لحماية دينها‪ .‬ومدار الواجب على حاجة المسلمين و استنفار‬
‫المام‪ .‬كما قال ابن حجر في شرح هذا الحديث‪ ,‬جاء في فتح الباري الجزء)‪ -6‬ص‬
‫‪ ,(20‬قال القرطبي )كل من علم بضعف المسلمين عن عدوهم وعلم أنه يدركهم‬
‫ويمكنه غياثهم لزمه أيضا الخروج إليهم(‪.(....).‬‬
‫قال المام الجصاص في أحكام القرآن ج ‪ 1‬ص ‪): 242‬ل نعلم خلفا أن رجل لو شهر‬
‫سيفه على رجل ليقتله بغير حق‪ .‬أن على المسلمين قتله(‪ .‬وفي هذه الحالة – الصيال‬
‫– إذا قتل الصائل فهو في النار ولو كان مسلما‪ ,‬وإذا قتل العادل فهو شهيد‪ .‬هذا حكم‬
‫الصائل‪ .‬فكيف إذا صال الكفار على أرض المسلمين‪ ,‬حيث يتعرض الدين والعرض‬
‫والنفس والمال للذهاب والزوال؟! أل يجب في هذه الحالة على المسلمين دفع‬
‫الصائل الكافر والدولة الكافرة‪(....).‬‬
‫ن اقْت َت َُلوا‬
‫مِني َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫فَتا ِ‬ ‫طائ ِ َ‬‫ن َ‬ ‫‪ -7‬قتال الفئة الباغية‪ :‬يقول الله عز وجل ‪ ‬وَإ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫فَأ َ‬
‫ر‬
‫م ِ‬‫فيَء إ َِلى أ ْ‬ ‫حّتى ت َ ِ‬ ‫قات ُِلوا ال ِّتي ت َب ِْغي َ‬ ‫خَرى فَ َ‬ ‫ما عََلى اْل ُ ْ‬ ‫داهُ َ‬
‫ح َ‬ ‫ت إِ ْ‬ ‫ن ب َغَ ْ‬ ‫ما فَإ ِ ْ‬ ‫حوا ب َي ْن َهُ َ‬ ‫صل ِ ُ‬
‫ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ‪) ‬الحجرات‪(9:‬‬ ‫طي َ‬‫س ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫طوا إ ِ ّ‬ ‫س ُ‬ ‫ل وَأقْ ِ‬ ‫ما ِبال ْعَد ْ ِ‬ ‫حوا ب َي ْن َهُ َ‬ ‫صل ِ ُ‬‫ت فَأ ْ‬ ‫ن َفاَء ْ‬ ‫الل ّهِ فَإ ِ ْ‬
‫فإذا فرض الله علينا قتال الفئة الباغية المسلمة حفاظا على وحدة كلمة المسلمين‬
‫وحماية دينها وأعراضها وأموالها‪ .‬فكيف يكون الحكم في قتال الدول الكافرة الباغية؟‬
‫أليس هذا أولى وأجدر‪.‬‬
‫ن ِفي‬ ‫سعَوْ َ‬‫ه وَي َ ْ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫حارُِبو َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬‫جَزاُء ال ّ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫‪ -8‬حد الحرابة‪ :‬قال تعالى‪ :‬إ ِن ّ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫صل ُّبوا أ َوْ ت ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ف ْ‬
‫ف أوْ ي ُن ْ َ‬ ‫خل ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جلهُ ْ‬ ‫م وَأْر ُ‬ ‫ديهِ ْ‬‫قطعَ أي ْ ِ‬ ‫قت ُّلوا أوْ ي ُ َ‬ ‫ن يُ َ‬‫سادا ً أ ْ‬ ‫ض فَ َ‬ ‫ال َْر ِ‬
‫م ‪) ‬المائدة‪(33 :‬‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫خَرةِ عَ َ‬ ‫م ِفي اْل ِ‬ ‫خْزيٌ ِفي الد ّن َْيا وَل َهُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ك ل َهُ ْ‬ ‫ض ذ َل ِ َ‬ ‫الْر ِ‬
‫ْ‬
‫هذا حكم المحاربين من المسلمين الذين يخيفون عامة المسلمين ويفسدون فى‬
‫الرض ويعبثون بأموال الناس وأعراضهم‪ ,‬فكيف بالدول الكافرة التي تفسد على‬
‫الناس دينهم ومالهم وعرضهم‪ ,‬أليس قتالها أوجب على المسلمين وأحرى؟!‪.‬‬
‫هذه بعض الدلة والمبررات للنفير العام‪ ,‬إذا دخل الكفار أرض المسلمين‪ ,‬أن دفسسع‬
‫العدو الكافر هو أوجب الواجبات بعد اليمان‪ [.‬انتهى النقل عن كتاب الدفاع عن‬
‫أراضي المسلمين‪ .‬باختصار طفيف‪.‬‬
‫وأقول ‪ :‬فإذا تأملنا أحوال المسلمين اليوم‪ .‬لوجدنا أن الجهاد قد تعيسسن عليهسسم مسسن‬
‫الوجوه الربعة‪ .‬في كل الرض‪ .‬وأوضسح وجسوه فرضسيته هسو البسساب الول ) وهسسو نسسزول‬
‫العداء في أكثر بلد المسلمين(‪.‬‬
‫فما من بلد من بلد المسلمين اليوم‪ ,‬إل وهسسو محتسسل مسسن قبسسل أنسسواع الكفسار‪ ,‬مسسن‬
‫اليهود كبلد فلسسسطين وأجسسزاء مسسن بلد الشسسام‪ ,‬أو مسسن قبسسل الصسسليبين‪ ,‬كبلد البوسسسنة‬
‫والبلقان‪ ,‬و الشيشان و القفقاس ‪ ,‬والجمهوريات السلمية في وسط آسيا والفلبين‪...‬‬
‫وغيرها ‪ .‬أو من قبل الوثنيين مثل كشمير السستي يحتلهسسا الهنسسدوس وتركسسستان الشسسرقية‬
‫وأجزاء من جنوب شرق آسيا التي تحتلها الصين‪...‬وغير ذلك‪.‬‬
‫وكل هذه البلد قد عجز أهلها ومن جاورهم‪ ,‬ثم من جاورهم‪ .‬ثسسم جميسسع مسسن تلهسسم‬
‫وجسساورهم‪ ,‬عجسسزوا أو تكاسسسلوا أو فرطسسوا‪ .‬فعمسست الفريضسسة العينيسسة بالجهسساد كسسل أهسسل‬
‫السلم‪.‬‬
‫وأما باقي البلد السلمية والعربية‪ .‬بما فيها عقر دار السسسلم و كعبتهسسم ‪ ,‬ومسسسجد‬
‫نبيهم صلى الله عليه وسلم‪ .‬فمحتلة بصورة غير مباشرة من قبسسل الصسسليبيين واليهسسود‪,‬‬
‫بنيابة الحكام المرتدين‪ ,‬وأعوانهم المنافقين الذين وضعوا جيوشهم في خدمسسة الكفسسار‪.‬‬
‫بزعامة أمريكسسا وسسسيدتها إسسسرائيل وحلفسسائهم الصسسليبيين‪ ,‬السسذين ملسسؤوا البلد بالقواعسسد‬
‫العسكرية البرية والبحرية والجوية‪ .‬واحتلوا البلد بهذه الطريقة الحديثة‪ ,‬بتجميع قواتهم‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 919 [ ‬‬

‫فيها في قواعد مركزة‪ ,‬بدل نشرها‪ ,‬واكتفوا بنشر المرتدين لجيوشهم من المنافقين و‬
‫الجهال والمكرهيسن والضسائعين‪ ...‬السذين يقومسون بسدور المحتسل بالنيابسة‪ ,‬حيسث يخسرج‬
‫الصليبيون قواتهم من مراكزها وقسست الحاجسسة‪ .‬ويكفسسى أن نعلسسم أن لمريكسسا وحلفسسائهم‬
‫الصليبيين فوق أرض جزيرة العرب أكثر من مائتي ألسف جنسدي‪.‬وسسلحا وعتسادا مخزنسا‬
‫يكفي لمليون جندي‪ ,‬يمكن نقلهم خلل أسابيع وقت الحاجة ‪ ...‬وبهذه الطريقة الخبيثة‪.‬‬
‫بتجميع القوات فسسي قواعسسد مركزيسسة‪ ,‬والعتمسساد علسسى قسسوات المرتسسدين فسسي الخسسدمات‬
‫التفصيلية‪ .‬يتفسادى المحتلسون الجسدد اسستفزاز المسسلمين للجهساد‪ .‬ويسسمحون للحكسام‬
‫المرتدين بادعاء الستقلل‪ .‬ولعلمسساء السسسلطين بصسسرف النسساس عسسن الجهسساد ودعسسوتهم‬
‫لطاعة أولياء المور المرتدين!‬
‫فالمآل واحسسد‪ ,‬فسسالبلد محتلسسة‪ ,‬والسسثروات منهوبسسة‪ ,‬والكسسافرون يسسسومون المسسؤمنين‬
‫ألوان الذل والهوان على أيدي أعوان المرتدين‪ ,‬وشسسريعة اللسسه معطلسسة‪ ,‬وكلمسسة الكفسسار‬
‫هي العليا‪ ,‬والصالحون نزلء السجون وأقبية التعذيب‪ .‬والناظر في أحوال بلد الحرمين‬
‫والشام ومصر وشمال أفريقيا وتركيا و الباكستان وأفريقيا وأسبابها يسسرى ذلسسك بأوضسسح‬
‫صوره‪.‬‬
‫وأما إذا جئنا للبند الثاني من فريضة الجهاد العيني‪ .‬وهسسي )التقسساء صسسف المسسؤمنين‬
‫بصف الكافرين(‪ .‬لوجدناها متحققسسة فسسي كسسل بلد المسسسلمين بأشسسرس صسسورها‪ ,‬ولكسسن‬
‫بصورة خبيثة أيضا‪ ,‬فقد نشر الكافرون الصليبيون‪ ,‬والكفار المرتسسدون‪ ,‬قسسواتهم ورصسسوا‬
‫صفوفهم وأكدوا حضسسورهم فسسي كسسل شسسبر مسسن بلد المسسسلمين‪ .‬عسسبر مئات اللف مسسن‬
‫الجيش والشرطة والستخبارات ورجال المن والجواسيس والمخسسبرين‪...‬ناهيسسك عمسسن‬
‫ذكرنا من آلف الجنود الصليبيين المجمعين في مراكزهم وقواعدهم العسكرية في كل‬
‫بلد‪ .‬بحيث أنه ما من مسلم يقف موقف السسدفاع عسسن دينسسه واللسستزام بسسه والسسدفاع عسسن‬
‫قضايا أمته‪ ,‬إل وتخطفته أيدي تلك العساكر و ترصدته عيون أولئك الجواسيس!! فهسسل‬
‫التقى صف الكافرين بصف المؤمنين أم ليسس بعسد؟ أم يحتسساج مشسايخنا حستى يبصسسروا‬
‫ذلك ويفتون به‪ ,‬أن يتجمع كل أولئك العساكر والمخابرات والجواسيس في صف واحسسد‬
‫أمام المساجد وأمام أبوب بيوتهم؟!‬
‫وأما إذا جئنا إلى البند الثالث وهو ) استنفار المام( فلله المشتكى وله الحمد على‬
‫كل حال‪ .‬فليس للمسلمين على وجه الرض اليوم إمام شرعي واحد‪ ,‬وما فيهسسم اليسسوم‬
‫إل محارب لله ورسوله ساع في الرض الفساد‪ .‬فكلهم معتمد على ألسسوان الكفسسار مسسن‬
‫اليهود الصليبيين والسسوثنيين‪ ,‬ومسسن اشسسترى ذمتهسسم مسسن المنسسافقين‪ .‬فليسسس هنسساك إمسسام‬
‫شرعي يستنفر للجهاد‪ .‬بل هناك أئمة الكفر والردة يستنفرون الراذل على المؤمنين!!‬
‫فهل سقط الجهاد لغياب المام الشرعي؟! فمن يدفع الصائل اذن؟‬
‫والحقيقة أن حجة الله قد قامت على عباده المسلمين في أكثر بلد الدنيا‪ .‬فما من‬
‫بلد من بلد المسلمين إل وقام فيه دعاة للهدى‪ .‬من علماء عسساملين‪ ,‬أو دعسساة صسسادقين‬
‫أو أمراء جهاد مخلصين‪ .‬دعسسوا النساس للجهساد والمسر بسالمعروف والنهسي عسن المنكسسر‪,‬‬
‫واسسستنفروهم‪ .‬وحسستى لسسو خل بلسسد مسسن البلد عسسن مثسسل هسسؤلء الئمسسة‪ ,‬وأمسسراء الجهسساد‬
‫الصالحين‪ .‬على فرض ذلك‪ .‬فأمة السلم واحسسدة‪ .‬ول إعتبسسار مسسن وجهسسة نظسسر السسسلم‬
‫للحدود التي رسمها الصليبيون بين بلدنا‪ ,‬وما اخترعوه مسسن جنسسسيات وتابعيسسات وأعلم‬
‫وجوازات سفر‪ ...‬فأمة السلم واحدة وتبقى واحدة‪ .‬ولم تخسسل عسسن أمسسراء جهسساد دعسسوا‬
‫المسلمين واستنفروهم‪ .‬وعلى المسلمين إجابتهم والنفيسسر معهسسم لسسدفع الصسسائل‪ .‬ومسن‬
‫أمثال هؤلء وقت غزو الروس لفغانستان الشيخ عبد الله عزام رحمه الله‪ .‬ومن وقف‬
‫معه في الدعوة للنفير العام بالجهاد من علماء باكستان و أفغانستان وغيرهسسم‪ .‬ومنهسسم‬
‫كافة شيوخ وأمراء الجماعات و الدعوات الجهادية في مختلف البلد السسسلمية ‪ ..‬ومسسن‬
‫هسسؤلء اليسسوم الشسسيخ أسسسامة بسسن لدن حفظسسه اللسسه‪ ,‬السسذي يسسستنفر المسسسلمين لجهسساد‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 920 [ ‬‬

‫المريكان واليهود اليوم ‪ ,‬ومثله العديد من العلماء ودعاة الجهاد ضدهم من بلد العرب‬
‫والعجسسم فسسي العسسراق و الشيشسسان وفلسسسطين والفلسسبين وإندونيسسسيا وغيرهسسا‪ .‬وعلسسى‬
‫المسلمين إجابتهم للنفير‪.‬‬
‫وأما إذا جئنا للوجه الرابع مسن فريضسسة الجهساد العينيسسة وهسو )إذا أسسسر العسدو بعسض‬
‫المسلمين(‪ ,‬فماذا نقول؟ وماذا نعيد؟ وأين نعد؟ وماذا نزيد؟‬
‫• فأسرى الشباب المسلم المخطوف من مختلف بلد الدنيا إلى سجن‬
‫غوانتانامو المريكي المخزي قد جاوز اليوم ‪ 700‬أسير من مختلف الجنسيات‬
‫بحسب المصادر المريكية ذاتها‪.‬ومثل هذا العدد في السجون المريكية في‬
‫أفغانستان وباكستان‪.‬‬
‫• وأكثر من هذا العدد مجموع أسرى الشباب المسلم في سجون أوروبا‬
‫الغربية)بريطانيا‪-‬فرنسا‪ -‬أسبانيا‪ -‬ألمانيا‪ -‬بلجيكا‪-‬إيطاليا‪.(...-‬‬
‫• )وأما في روسيا فباللف‪ .‬وقل مثلها في كشمير والفلبين و إرتريا وبلد‬
‫إفريقيا‪ .‬وبلد وسط آسيا وبلد التركستان‪.(..‬‬
‫• وأما سجون طغاة بلد العرب والمسلمين من أمثال حكام السعودية ومصر‬
‫وبلد الشام وشمال أفريقيا وتركيا و الباكستان‪ ..‬فالرقام المنشورة عبر‬
‫منظمات حقوق النسان‪ ,‬وتقارير منظمة العفو الدولية تذهب إلى عشرات‬
‫اللف فى البلد الواحد أحيانا!! فل شك أن الرقام عن أسرى الشباب المسلم‬
‫في تلك البلد يجاوز مئات اللف!! وهذه حقيقة موثقة وليست مبالغات‬
‫موهومة‪.‬‬
‫• وأما عن فلسطين فالخبار العالمية تطالعنا في كل يوم عن قتل المئات وأسر‬
‫اللف‪ .‬فقد أسر اليهود في يوم واحد من أيام النتفاضة أكثر من ألف أسير‪!.‬‬
‫وقد طال السر في عموم تلك البلد النساء والفتيات وحتى الطفال‪.‬‬
‫وأما عن حوادث القتل والتعذيب والغتصسساب وهتسسك أعسسراض الرجسسال والنسسساء‪ .‬فل‬
‫تكاد تخلوا بلد منها!! فهل وجب الجهاد أم لم يجب بعد؟! وعلماء المسسسلمين قسسد أفتسسوا‬
‫بأنه إذا سبيت امرأة مسلمة في المشرق وجب على أهل المغرب تخليصها‪ .‬وأن علسسى‬
‫المسلمين إنقاذ أسراهم ولو استنفذوا في ذلك جميع أموالهم‪.‬‬
‫ولعل بعض المنافقين أو بعض الجهال ‪ ,‬ينفي حالة الحتلل عن بعض‬
‫بلد المسلمين ‪ ,‬ويحرم مقاتلة الغزاة بدعوى أنهم قدموا بموجب‬
‫اتفاقات مع حكام بلد المسلمين ‪ .‬فينبغي أن نثبت لهؤلء أن هذا ل‬
‫يجوز لحاكم مسلم لو كان مسلما ‪ .‬وأن نبين لهم أن هؤلء الحكام قد‬
‫فقدوا شرعيتهم بكفرهم وردتهم وخروجهم من ملتنا ‪.‬‬

‫وهو ما ستبينه الفقرة التالية ‪:‬‬

‫ثانيا ‪ :‬حكومات بلد المسلمين اليوم مرتدة كسسافرة لتبسسديلها الشسسرائع وحكمهسسا بغيسسر مسسا‬
‫أنزل الله ‪ .‬وولئها للكفار و خيانتها لله ورسوله والمؤمنين‪:‬‬
‫• عندما يشهد كل مسلم بلسانه‪ ,‬معتقدا بقلبه قائل ))أشهد أن ل إله إل الله وأن‬
‫محمدا رسول الله((‪ ,‬فهو يعترف باختصار‪ :‬بأنه يعتقد أن ل إله يعبد بحق إل‬
‫الله‪ ,‬وأنه يعبد هذا الله الوحد بمقتضى ما أنزل الله على نبيه محمد رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ولهذه الشهادة الخطيرة مقتضيات يعتبر جحودها قول أو عمل من مقتضيات الكفر‬
‫غيبت كثير من هذه المقتضيات عن‬ ‫بالله‪ ,‬والخروج من ملة السلم والعياذ بالله‪ .‬وقد ُ‬
‫الناس حتى جهلها الكثيرون‪ ,‬فالحقيقة أن كثيرا من الناس يعلمون أن لهم ربا ً‬
‫‪ ‬ةةةة ةةةةةةةة ةةةةةةةةة ةةةةةةةة‬
‫‪ ] 921 [ ‬‬

‫ويعتقدون به في قرارة قلوبهم‪ ,‬حتى ولو أنكروه أحيانا بلسانهم‪ .‬ولكن القل منهم‬
‫يعبد هذا الله‪ .‬وفي هذه الفقرة نتناول شيئا من محتوى هذه الشهادة بإيجاز‪ .‬ولمن‬
‫شاء التفصيل أن يعود للكتب التي فصلت في عقائد التوحيد‪:‬‬
‫• لقد أخبرنا سبحانه أن أكثر المؤمنين به إلها مشركون به ربا‪ .‬وأن أكثر الكافرين‬
‫به إلها ل ينكرون ربوبيته‪ ..‬وقد دلنا سبحانه على أن اليمان به ربا‪ ,‬ل ينفع‬
‫صاحبه إن لم يعبدوا إلها ل ينكرون ربوبيته‪ ..‬وقد دلنا سبحانه على أن اليمان به‬
‫ربا‪ ,‬ل ينفع صاحبه إن لم يعبدوا إلها ول يشرك به شيئا ‪.‬قال تعالى‪:‬‬
‫‪ ‬وما يؤْم َ‬
‫ن ‪) ‬يوسف‪. (106:‬‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫م ِبالل ّهِ إ ِّل وَهُ ْ‬ ‫ن أك ْث َُرهُ ْ‬ ‫َ َ ُ ِ ُ‬
‫لقد آمن معظم البشر بأن لهم ولهذا الكون ربا قد خلق ورزق وهو يدبر وينعم ‪.‬‬
‫كين بإلحادهم ولسيما فى وقت الضيق ‪ .‬فإن‬ ‫وباستثناء حفنة من الملحدين‪ ,‬الشا ّ‬
‫معظم بني آدم على مر العصور آمنوا بهذا الرب ‪ .‬ولكن اختلفت مذاهب شركهم‬
‫وكفرهم به إلها يعبد ‪,‬فالنصارى والمجوس و الهندوس و اليهود وسواهم آمنوا بالله ربا‬
‫‪,‬ثم كفروا به عبادة ‪ ,‬وأشركوا وعبدوا غيره من دونه أو معه ‪,‬وقد أثبت القران للكفار‬
‫ماِء‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ي َْرُزقُك ُ ْ‬ ‫م ْ‬‫ل َ‬ ‫هذا اليمان به ربا والشرك به إلها فخاطبهم قائل‪  :‬قُ ْ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َواْل َْر‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫مي ّ َ‬ ‫ج ال َ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ت وَي ُ ْ‬ ‫مي ّ ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ي ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ج ال ْ َ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫صاَر وَ َ‬ ‫معَ َواْلب ْ َ‬ ‫س ْ‬
‫ك ال ّ‬ ‫مل ِ ُ‬‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ضأ ّ‬ ‫ِ‬
‫ن ‪) ‬يونس‪. (31:‬‬ ‫قو َ‬ ‫ل أ ََفل ت َت ّ ُ‬ ‫ق ْ‬‫ه فَ ُ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫سي َ ُ‬‫مَر فَ َ‬
‫َ‬
‫ن ي ُد َب ُّر اْل ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ي وَ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ال ْ َ‬
‫أي أفل تتقون ربكم سبحانه ‪ ,‬فتعبدونه ول تشركوا به كما تفعلون؟!‪ .‬وتكرر هذا‬
‫السؤال والنكار في قوله‪:‬‬
‫قوُلون ل ِل ّه قُ ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن*‬‫ل أَفل ت َذ َك ُّرو َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫سي َ ُ‬‫ن * َ‬ ‫مو َ‬‫م ت َعْل َ ُ‬‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬‫ن ِفيَها إ ِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ن الْر ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ل لِ َ‬ ‫‪ ‬قُ ْ‬
‫َ‬ ‫ن ل ِل ّهِ قُ ْ‬
‫ن *ق ُ ْ‬
‫ل‬ ‫قو َ‬ ‫ل أَفل ت َت ّ ُ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫سي َ ُ‬ ‫م* َ‬ ‫ظي ِ‬ ‫ش ال ْعَ ِ‬ ‫ب العَْر ِ‬
‫سب ْع وََر ّ ْ‬
‫ت ال ّ ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬‫ب ال ّ‬ ‫ن َر ّ‬ ‫م ْ‬

You might also like