You are on page 1of 831

‫تاريخ الخلفاء الراشدين )‪(2‬‬

‫فصل الخطاب في سيرة ابن الخطاب‬

‫أمير المؤمنين عمر بن‬


‫الخطاب‬
‫رضي الله عنه‬

‫تأليف الدكتور علي محمد الصلبي‬

‫‪/http://slaaby.com‬‬
‫الهداء‬
‫إلى كل مسلم حريص علللى‬
‫إعللزاز ديللن الللله ونصللرته‬
‫أهللدى هللذا الكتللاب سللائل ً‬
‫المللولى عللز وجللل بأسللمائه‬
‫الحسنى وصفاته العلللى أن‬
‫يكون خالصا ً لوجه الكلريم‬
‫قلللال تعلللالى )) فمببببن كببببان يرجببببوا لقبببباء ربببببه‬
‫فليعمببببببببل عمل ً صببببببببالحا ً وليشببببببببرك بعبببببببببادة‬
‫ربه أحدا ً (( ) الكهف ‪( 110 :‬‬
‫مقدمة‬
‫إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ‬
‫بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله‬
‫فل مضل له ومن يضلل فل هادي له ‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل‬
‫الله وحده ل شريك له وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله‪‬‬
‫ن)‪ (102‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مو َ‬
‫سل ِ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ن إ ِل ّ وَأن ْت ُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫قات ِهِ وَل َ ت َ ُ‬
‫موت ُ ّ‬ ‫حق ّ ت ُ َ‬ ‫قوا الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬
‫نآ َ‬ ‫َياأي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫)آل عمران‪،‬أية‪(102:‬‬
‫خل َ َ‬ ‫َ‬
‫ح بد َةٍ‬ ‫س َوا ِ‬ ‫فب ٍ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫قك ُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫قوا َرب ّك ُ ْ‬ ‫س ات ّ ُ‬ ‫‪َ ‬ياأي َّها الّنا ُ‬
‫قببوا‬ ‫سبباًء َوات ّ ُ‬ ‫جببال ً ك َِثي بًرا وَن ِ َ‬ ‫مببا رِ َ‬ ‫من ْهُ َ‬‫ث ِ‬ ‫جَها وَب َ ّ‬ ‫من َْها َزوْ َ‬ ‫خل َقَ ِ‬ ‫وَ َ‬
‫م َرِقيًبببا)‬ ‫ن ع َل َي ْك ُ ْ‬ ‫كا َ‬‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫حا َ‬ ‫ن ب ِهِ َوالْر َ‬ ‫ساَءُلو َ‬ ‫ذي ت َ َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫الل ّ َ‬
‫‪)  (1‬النساء‪،‬الية‪(1:‬‬
‫قوا الل ّه وُقوُلوا قَول ً سديدا)‪ (70‬يصل ِح ل َك ُ َ‬ ‫َ‬
‫مال َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م أع ْ َ‬‫ْ‬ ‫ُ ْ ْ‬ ‫َ ِ ً‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪َ ‬ياأي َّها ال ّ ِ‬
‫ظيًما)‪ (71‬‬ ‫قد ْ َفاَز فَوًْزا ع َ ِ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن ي ُط ِعْ الل ّ َ‬ ‫م ْ‬‫م وَ َ‬‫م ذ ُُنوب َك ُ ْ‬ ‫فْر ل َك ُ ْ‬‫وَي َغْ ِ‬
‫)الحزاب‪،‬الية‪.( 71-70:‬‬

‫أما بعد ‪:‬‬


‫هذا الكتاب ) الفاروق عمر بن الخطاب شخصيته‬
‫وعصره (‬
‫يرجع الفضل في كتابته إلى المولى عز وجل ثم‬
‫إلى مجموعة خيرة من العلماء والشيوخ والللدعاة‬
‫الذين شجعوني على المضللي فللي دراسللة عصللر‬
‫الخلفاء الراشدين حتى إن أحدهم قال لللي‪ :‬لقللد‬
‫أصبحت هناك فجوة بيللن أبنللاء المسلللمين وذلللك‬
‫العصر‪ ،‬وحدث خلللط فللي ترتيللب الوليللات حيللث‬
‫صار الكثير مللن أبنللاء المسلللمين يلمللون بسلليرة‬
‫الدعاة والعلمللاء والمصلللحين أكلثر ملن إلملامهم‬
‫بسيرة الخلفاء الراشدين‪ ،‬وأن ذلك العصللر غنللي‬
‫بلللالجوانب السياسلللية‪ ،‬والتربويلللة‪ ،‬والعلميلللة‪،‬‬
‫والخلقيللة‪ ،‬والقتصللادية‪ ،‬والفكريللة‪ ،‬والجهاديللة‬
‫والفقهيللة الللتي نحللن فللي أشللد الحاجللة إليهللا ‪،‬‬
‫ونحتللاج أن نتتبللع مؤسسللات الدولللة السلللمية‪،‬‬
‫وكيف تطللورت مللع مسلليرة الزمللن‪ ،‬كالمؤسسللة‬
‫القضللائية والماليللة ونظللام الخلفللة والمؤسسللة‬
‫العسكرية‪ ،‬وتعيين الولة وما حدث من اجتهادات‬
‫في ذلك العصللر عنللدما احتكللت المللة السلللمية‬
‫بالحضارة الفارسية‪ ،‬والرومانيللة‪ ،‬وطبيعللة حركللة‬
‫الفتوحات السلمية ‪.‬‬
‫كببانت بدايببة هببذا الكتبباب فكببرة أراد اللببه لهببا أن تصبببح‬
‫حقيقة‪ ،‬فأخذ الله بيدي وسهل لي المببور وذلبل الصببعاب‪،‬‬
‫وأعانني علببى الوصببول للمراجببع والمصبادر والفضببل للبه‬
‫تعالى الذي أعانني على ذلك ‪.‬‬
‫إن تاريخ عصر الخلفاء الراشدين مليء بالدروس والعبر‬
‫وهي متناثرة في بطون الكتب والمصادر والمراجع سواء‬
‫كانت تاريخية أو حديثية أو فقهية أو أدبية أو تفسيرية أو‬
‫كتب التراجم والجرح والتعديل فقمت بدراستها حسب‬
‫وسعي وطاقتي فوجدت فيها مادة تاريخية غزيرة يصعب‬
‫الوقوف على حقيقتها في الكتب التاريخية المعروفة‬
‫والمتداولة‪ ،‬فقمت بجمعها وترتيبها وتوثيقها وتحليلها‪ ،‬وقد‬
‫طبع الكتاب الول عن الصديق رضي الله عنه وقد‬
‫سميته )أبو بكر الصديق شخصيته وعصره(‪.‬‬
‫وبفضل الله انتشر هذا الكتاب في المكاتب العربية والمعارض الدولية ووصل إلى كثير من القراء والدعاة والعلماء‬
‫وطلب العلم‪ ،‬وعوام المسلمين‪ ،‬فشجعوني على الستمرار في دراسة عصر الخلفاء الراشدين ومحاولة تبسيطه‬
‫وتقديمه للمة في أسلوب يلئم العصر ‪.‬‬

‫إن تاريخ عصر الخلفاء الراشدين ملئ بالدروس والعبر‪،‬‬


‫فإذا أحسنا عرضه وابتعدنا عن الروايات الضعيفة‬
‫والموضوعة وعن كتب المستشرقين وأذنابهم من‬
‫العلمانيين والروافض وغيرهم‪ ،‬واعتمدنا منهج أهل السنة‬
‫في الدراسة نكون قد أسهمنا في صياغته بمنظور أهل‬
‫السنة‪ ،‬وتعرفنا على حياة وعصر من قال الله فيهم ‪‬‬
‫ي‬
‫ض َ‬ ‫ن َر ِ‬ ‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬‫م ب ِإ ِ ْ‬ ‫ن ات ّب َُعوهُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫صارِ َوال ّ ِ‬‫ن َوالن َ‬ ‫ري َ‬ ‫ج ِ‬‫مَها ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ن الوُّلو َ‬ ‫قو َ‬ ‫ساب ِ ُ‬ ‫َوال ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫دا‬
‫ن ِفيَها أب َ ً‬ ‫َ‬ ‫دي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫خا‬‫َ‬ ‫ر‬ ‫ها‬
‫َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬‫ال‬ ‫ها‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫ح‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ري‬‫ِ‬ ‫ج‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ت‬
‫ٍ‬ ‫نا‬
‫ّ‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫م‬
‫ُ ْ‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫أ‬ ‫و‬
‫ُ َ‬‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫ضوا‬
‫ُ‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫م‬
‫ُ ْ ََ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ه‬
‫م)‪)  (100‬التوبة‪،‬آية‪.(100:‬‬ ‫فوُْز ال ْعَ ِ‬
‫ظي ُ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫ل الل ّه وال ّذين مع َ‬
‫فاِر‬‫داُء ع ََلى ال ْك ُ ّ‬ ‫ش ّ‬‫هأ ِ‬ ‫ِ َ ِ َ َ َ ُ‬ ‫سو ُ‬ ‫مد ٌ َر ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫وقال تعالى ‪ُ  :‬‬
‫دا ‪) ‬الفتح‪،‬الية‪. (29 :‬‬ ‫ج ً‬ ‫س ّ‬ ‫م ُرك ًّعا ُ‬ ‫م ت ََراهُ ْ‬
‫ماُء ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ُر َ‬
‫وقال فيهم رسول الله ‪ )) : ‬خير أمتي القرن الذي بعثت‬
‫)‪(1‬‬
‫فيهم …‪((.‬‬
‫وقال فيهم عبدالله بن مسعود ‪ : ‬من كان مستنا ً‬
‫فليستن بمن قد مات فإن الحي‬
‫ل تؤمن عليه الفتنة أولئك أصحاب محمد ‪ ‬كانوا والله‬
‫أفضل هذه المة ‪،‬وأبرها قلوبا ً وأعمقها علما ً وأقلها تكلفًا‪،‬‬
‫قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه فاعرفوا لهم‬
‫فضلهم‪ ،‬واتبعوهم في آثارهم وتمسكوا بما استطعتم من‬
‫أخلقهم ودينهم‪ ،‬فإنهم كانوا على الهدى المستقيم)‪،(2‬‬
‫فالصحابة قاموا بتطبيق أحكام السلم ونشروه في‬
‫مشارق الرض ومغاربها فعصرهم خير العصور‪ ،‬فهم‬
‫الذين علموا المة القرآن الكريم ورووا السنن والثار عن‬
‫رسول الله ‪ ، ‬فتاريخهم هو الكنز الذي حفظ مدخرات‬
‫المة في الفكر والثقافة والعلم والجهاد‪ ،‬وحركة‬
‫الفتوحات والتعامل مع الشعوب والمم ‪ ،‬فتجد الجيال‬
‫في هذا التاريخ المجيد ما يعينها على مواصلة رحلتها في‬
‫الحياة على منهج صحيح وهدي رشيد وتعرف من خلله‬
‫حقيقة رسالتها ودورها في دنيا الناس ‪ ،‬وتستمد من ذلك‬
‫العصر ما يغذي الرواح‪ ،‬ويهذب النفوس‪ ،‬وينور العقول‪،‬‬
‫‪ ()1‬مسلم )‪. (1964-1963 / 4‬‬
‫‪ ()2‬شرح السنة للبغوي )‪(215-1/214‬‬
‫ويشحذ الهمم‪ ،‬ويقدم الدروس‪ ،‬ويسهل العبر‪ ،‬وينضج‬
‫الفكار ويجد الدعاة والعلماء والشيوخ وأبناء المة ما‬
‫يعينهم على إعداد الجيل المسلم وتربيته على منهاج‬
‫النبوة ويتعرفوا على معالم الخلفة الراشدة وصفات‬
‫قادتها وجيلها‪ ،‬وخصائصها وأسباب زوالها فهذا الكتاب‬
‫الثاني عن عصر الخلفاء الراشدين يتحدث عن الفاروق‬
‫عمر بن الخطاب ويتناول شخصيته وعصره ‪ ،‬فهو الخليفة‬
‫الثاني وأفضل الصحابة الكرام بعد أبي بكر الصديق رضي‬
‫الله عنهم جميعا ً وقد حثنا رسول الله ‪ ‬وأمرنا باتباع‬
‫سنتهم والهتداء بهديهم قال رسول الله ‪:‬عليكم بسنتي‬
‫وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي)‪(3‬فعمر ‪‬‬
‫خير الصالحين بعد النبياء والمرسلين وأبي بكر الصديق‬
‫‪ ‬وقد قال فيهما رسول الله ‪ : ‬اقتدوا باللذين من‬
‫بعدي ‪،‬أبي بكر وعمر)‪ .(4‬وقد وردت الحاديث الكثيرة‬
‫والخبار الشهيرة في فضائل الفاروق‪ ‬فقد قال رسول‬
‫الله ‪ : ‬لقد كان فيمن قبلكم من المم محدثون فإن يك‬
‫في أمتي أحد فإنه عمر)‪ (5‬وقال رسول الله ‪ : ‬أريت‬
‫في المنام أني أنزع بدلو بكرة على قليب )‪ ،(6‬فجاء أبو‬
‫بكر فنزع ذنوبا ً أو ذنوبين نزعا ً ضعيفا ً والله يغفر له)‪ (7‬ثم‬
‫جاء عمر بن الخطاب فاستحالت غربا ً فلم أر عبقريا يفري‬
‫فريه حتى روى الناس وضربوا بعطن)‪(8‬وقد قال عمرو بن‬
‫العاص‪ : ‬قلت يا رسول الله أي الناس أحب إليك؟ قال‬

‫‪ ()3‬سنن أبي داود )‪ ، ( 4/201‬الترمذي )‪ ( 5/44‬حسن صحيح ‪.‬‬


‫‪ ()4‬صحيح سنن الترمذي لللباني )‪. ( 3/200‬‬
‫‪ ()5‬البخاري رقم ‪ ، 3689‬مسلم ‪. 2398‬‬
‫‪ ()6‬القليب البئر غير المطوية ‪.‬‬
‫‪ ()7‬والله يغفر له ‪ :‬هذه عبارة ليس فيها تنقيص لبي بكر وإنها كلمة كان‬
‫المسلمون يدعمون بها كلمهم ‪.‬‬
‫‪ ()8‬مسلم رقم ‪. 2393‬‬
‫عائشة‪ ،‬قلت‪ :‬يا رسول الله من الرجال؟ قال ‪ :‬أبوها‬
‫قلت‪ :‬ثم من؟ قال‪ :‬عمر بن الخطاب ثم عد رجال ً)‪.(9‬‬
‫إن حياة الفاروق عمر بن الخطاب ‪ ‬صفحة مشرقة من‬
‫و‬
‫التاريخ السلمي الذي بهر كل تاريخ وفاقه والذي لم تح ِ‬
‫تواريخ المم مجتمعة بعض ما حوى من الشرف والمجد‬
‫والخلص والجهاد والدعوة في سبيل الله ولذلك قمت‬
‫بتتبع أخباره وحياته وعصره في المصادر والمراجع‬
‫واستخرجتها من بطون الكتب وقمت بترتيبها وتنسيقها‬
‫وتوثيقها وتحليلها لكي تصبح في متناول الدعاة والخطباء‬
‫والعلماء والساسة ورجال الفكر وقادة الجيوش وحكام‬
‫المة وطلب العلم وعامة الناس لعلهم يستفيدون منها‬
‫في حياتهم ويقتدون بها في أعمالهم فيكرمهم الله بالفوز‬
‫في الدراين‪.‬‬
‫لقد تتبعت حياة الفاروق منذ ولدته حتى استشهاده‬
‫فتحدثت عن نسبه وأسرته وحياته في الجاهلية وعن‬
‫إسلمه وهجرته وعن أثر القرآن الكريم وملزمته للنبي‪‬‬
‫في تربيته وصياغة شخصيته السلمية العظيمة وتكلمت‬
‫عن مواقفه في الغزوات وفي المجتمع المدني في حياة‬
‫الرسول ‪ ‬والصديق ‪ ‬وبينت قصة استخلفه ووضحت‬
‫قواعد نظام حكمه كالشورى واقامة العدل والمساواة‬
‫بين الناس واحترامه للحريات وأشرت إلى أهم صفات‬
‫الفاروق وحياته مع أسرته واحترامه لهل البيت وإلى‬
‫حياته في المجتمع بعدما أصبح خليفة المسلمين كاهتمامه‬
‫ورعايته لنساء المجتمع وحفظه لسوابق الخير لرعيته‬
‫وحرصه على قضاء حوائج الناس وتربيته لبعض زعماء‬
‫المجتمع وإنكاره لبعض التصرفات المنحرفة واهتمامه‬
‫بصحة الرعية ونظام الحسبة‪ .‬وبالسواق والتجارة وحرصه‬

‫‪ ()9‬الحسان في صحيح ابن حبان )‪. (15/309‬‬


‫على تحقيق مقاصد الشريعة في المجتمع كحماية جانب‬
‫التوحيد ومحاربة الزيغ والبدع واهتمامه بأمر العبادات‬
‫وحماية أعراض المجاهدين ‪.‬‬
‫وتحدثت عن اهتمام الفاروق بالعلم وعن تتبعه للرعية‬
‫ة دارا ً للفتوى‬
‫بالتوجيه والتعليم في المدينة وجعله المدين َ‬
‫والفقه ومدرسة تخرج منها العلماء والدعاة والولة‬
‫والقضاة وبينت الثر العمري في مدارس المصار‬
‫كالمدرسة المكية والمدنية والبصرية والكوفية والشامية‬
‫والمصرية فقد اهتم الفاروق بالكوادر العلمية المتخصصة‬
‫وبعثها إلى المصار وأرشد القادة والمراء مع توسع حركة‬
‫الفتوحات إلى إقامة المساجد في القاليم المفتوحة‬
‫لتكون مراكز للدعوة والتعليم والتربية ونشر الحضارة‬
‫السلمية فقد كانت المساجد هي المؤسسات العلمية‬
‫الولى في السلم ومن خللها تحرك علماء الصحابة‬
‫لتعليم الشعوب الجديدة التي دخلت في السلم طواعية‬
‫بدون ضغط أو إكراه وقد وصلت المساجد التي تقام فيها‬
‫الجمعة في دولة عمر ‪ ‬إلى اثني عشر ألف مسجد وقد‬
‫كانت المؤسسات العلمية خلف مؤسسة الجيش التي‬
‫قامت بفتح العراق وإيران والشام ومصر وبلد المغرب‬
‫وقد قاد هذه المؤسسات كوادر علمية وفقهية ودعوية‬
‫متميزة تربت على يدي رسول الله ‪ ‬في المدينة وقد‬
‫استفاد الفاروق من هذه الطاقات فأحسن توجيهها‬
‫ووضعها في محلها فأسست تلك الطاقات الكوادر للحركة‬
‫العلمية والفقهية التي كانت مواكبة لحركة الفتح وتكلمت‬
‫عن اهتمام الفاروق بالشعر والشعراء فقد كان عمر ‪‬‬
‫أكثر الخلفاء الراشدين ميل ً لسماع الشعر وتقويمه كما‬
‫كان أكثرهم تمثل ً به حتى قيل‪ :‬كان عمر بن الخطاب ل‬
‫يكاد يعرض له أمر إل أنشد فيه بيتا ً من الشعر وقد برع‬
‫الفاروق في النقد الدبي وكانت له مقاييس يحتكم إليها‬
‫في تفضيله أو إيثاره نصا ً على نص أو تقديمه شاعرا ً على‬
‫غيره ومن هذه المقاييس سلمة العربية وأنس اللفاظ‬
‫والبعد عن المعاضلة والتعقيد والوضوح والبانة وأن تكون‬
‫اللفاظ بقدر المعاني وجمال اللفظة في موقعها وحسن‬
‫التقسيم وكان‪ ‬يمنع الشعراء من قول الهجاء أو ما‬
‫يتعارض مع مقاصد الشريعة السلمية واستخدم أساليب‬
‫متعددة في تأديبهم منها أنه أشترى أعراض المسلمين‬
‫من الحطيئة بثلثة آلف درهم حتى قال ذلك الشاعر ‪:‬‬

‫شتما ً يضر ول مديحا ً‬ ‫وأخذت أطراف‬


‫ينفع‬ ‫الكلم فلم تدع‬

‫شتمي فأصبح آمنا ً ل‬ ‫ومنعتني عرض البخيل‬


‫يفزع‬ ‫فلم يخف‬

‫وتحدثت عن التطور العمراني وإدارة الزمات في عهد‬


‫عمر فبينت اهتمام الفاروق بالطرق ووسائل النقل البري‬
‫والبحري وإنشاء الثغور والمصار كقواعد عسكرية ومراكز‬
‫إشعاع حضاري‪ ،‬وتكلمت عن نشأة المدن الكبرى في‬
‫عهد عمر كالبصرة والكوفة والفسطاط‪ ،‬وسرت‪،‬وعن‬
‫العتبارات العسكرية والقتصادية التي وضعها الفاروق‬
‫عند إنشاء المدن‪ ،‬وعن الساليب التي اتخذها عمر في‬
‫مواجهة عام الرمادة‪ ،‬وكيف جعل من نفسه للناس قدوة؟‬
‫وعن معسكرات اللجئين في تلك السنة‪ ،‬وعن الستعانة‬
‫بأهل المصار‪ ،‬والستعانة بالله وصلة الستسقاء‪ ،‬وعن‬
‫بعض الجتهادات الفقهية في عام الرمادة‪ ،‬كوقف إقامة‬
‫حد السرقة‪ ،‬وتأخير دفع الزكاة في ذلك العام‪.‬‬
‫وأشرت إلى عام الطاعون وموقف الفاروق من هذا‬
‫الوباء الذي كان سببا ً في وفاة كبار قادة الجيش‬
‫السلمي بالشام‪ ،‬وقد مات أكثر من عشرين ألفا ً من‬
‫المسلمين بسبب الطاعون‪ ،‬واختلت الموازين وضاعت‬
‫المواريث‪ ،‬فذهب الفاروق إلى الشام وقسم الرزاق‬
‫وسمى الشواتي والصوائف وسد ثغور الشام ومسالحها‬
‫وولى الولة‪ ،‬ورتب أمور الجند والقادة والناس‪ ،‬ووّرث‬
‫الحياء من الموات‪.‬‬
‫ووضحت دور الفاروق في تطوير المؤسسة المالية‬
‫والقضائية فتحدثت عن المؤسسة المالية‪ ،‬وعن مصادر‬
‫دخل الدولة في عهد عمر رضي الله عنه‪ ،‬كالزكاة‬
‫والجزية‪ ،‬والخراج‪ ،‬والعشور‪ ،‬والفيء والغنائم‪ ،‬وعن بيت‬
‫مال المسلمين وتدوين الدواوين‪ ،‬وعن مصارف الدولة‬
‫في عهد عمر وعن اجتهاد الفاروق في مسألة أرض‬
‫الخراج وعن إصدار النقود السلمية‪ ،‬وبينت دور الفاروق‬
‫في تطوير المؤسسة القضائية‪ ،‬وتكلمت عن أهم رسائل‬
‫عمر إلى القضاة‪ ،‬وعن تعيين القضاة‪ ،‬ومرتباتهم وصفاتهم‬
‫وما يجب عليهم‪ ،‬وعن مصادر الحكام القضائية‪ ،‬والدلة‬
‫التي يعتمد عليها القاضي‪ ،‬وعن اجتهادات الفاروق‬
‫القضائية كحكم تزوير الخاتم الرسمي للدولة‪ ،‬ورجل‬
‫سرق من بيت المال بالكوفة‪ ،‬ومن جهل تحريم الزنا‪،‬‬
‫وغيرها من الحكام القضائية والفقهية ‪ ،‬وعن فقه عمر‬
‫في التعامل مع الولة‪ ،‬فبينت أقاليم الدولة في عهد عمر‬
‫وأسماء من تولى إمارة القاليم في عصره‪ ،‬وعن أهم‬
‫قواعد عمر في تعيين الولة وشروطه عليهم ‪ ،‬وعن‬
‫صفات ولة عمر‪ ،‬وعن حقوق الولة وواجباتهم‪ ،‬وعن‬
‫متابعة الفاروق للولة ومحاسبتهم‪ ،‬وعن تعامل الفاروق‬
‫مع شكاوى الرعية في الولة‪ ،‬وعن أنواع العقوبات التي‬
‫أنزلها الفاروق بالولة‪ ،‬وعن قصة عزل خالد بن الوليد‬
‫رضي الله عنه‪ ،‬وعن عزله في المرتين الولى والثانية‪،‬‬
‫ومجمل أسباب عزله‪ ،‬وعن موقف المجتمع السلمي من‬
‫قرار العزل‪ ،‬وعن موقف خالد بن الوليد من ذلك القرار‬
‫وماذا قال عن الفاروق وهو على فراش الموت‪.‬‬
‫ووصفت فتوح العراق وإيران والشام ومصر وليبيا في‬
‫عهد الفاروق ووقفت مع الدروس والعبر والفوائد والسنن‬
‫في تلك الفتوح‪ ،‬وسلطت الضواء على الرسائل التي‬
‫كانت بين الفاروق وقادة جيوشه واستخرجت منها مادة‬
‫علمية تربوية في توجيه الشعوب وبناء الدول‪ ،‬وتربية‬
‫المجتمعات وترشيد القادة ‪ ،‬وفنون القتال‪ ،‬واستنبطت‬
‫من رسائل عمر إلى القادة حقوق الله كمصابرة العدو‪،‬‬
‫وأن يقصدوا بقتالهم نصرة دين الله ‪ ،‬وأداء المانة وعدم‬
‫المحاباة في نصر دين الله‪ ،‬وحقوق القادة‪ ،‬كالتزام‬
‫طاعتهم‪ ،‬وامتثال أوامراهم‪ ،‬وحقوق الجند‪ ،‬كاستعراضهم‬
‫وتفقد أحوالهم‪ ،‬والرفق بهم في السير‪ ،‬وتحريضهم على‬
‫القتال…إلخ‪.‬‬
‫وتكلمت عن علقة عمر مع الملوك وعن نتائج الفتوحات‬
‫العمرية وعن اليام الخيرة في حياة الفاروق وعن فهمه‬
‫لفقه القدوم على الله الذي كان مهيمنا ً على نفسه‬
‫ومتغلغل ً في قلبه منذ إسلمه حتى استشهاده ب لقد‬
‫حاولت في هذا الكتاب أن ُأبين كيف فهم الفاروق السلم‬
‫وعاش به في دنيا الناس‪ ،‬وكيف أثر في مجريات المور‬
‫في عصره‪ ،‬وتحدثت عن جوانب شخصيته المتعددة‬
‫السياسية‪ ،‬والعسكرية‪ ،‬والدارية والقضائية‪ ،‬وعن حياته‬
‫ما كان أحد رعاياه وبعد أن تولى الخلفة‬‫في المجتمع ل ّ‬
‫كزت على دوره في تطوير المؤسسات‬ ‫بعد الصديق‪ ،‬ور ّ‬
‫المالية والقضائية والدارية والعسكرية‪.‬‬
‫إن هذا الكتاب يبرهن على عظمة الفاروق ‪ ،‬ويثبت‬
‫للقارئ بأنه كان عظيما ً بإيمانه‪ ،‬عظيما ً بعلمه‪ ،‬عظيما ً‬
‫بفكره عظيما ً ببيانه‪ ،‬عظيما ً بخلقه ب عظيما ً بآثاره ب فقد‬
‫جمع الفاروق العظمة من أطرافها وكانت عظمته‬
‫مستمدة من فهمه وتطبيقه للسلم وصلته العظيمة بالله‬
‫واتباعه لهدي الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫إن الفاروق من الئمة الذي يرسمون للناس خط سيرهم‬
‫ويتأسى بهم الناس بأقوالهم وأفعالهم في هذا الحياة‪،‬‬
‫فسيرته من أقوى مصادر اليمان‪ ،‬والعاطفة السلمية‬
‫الصحيحة والفهم السليم لهذا الدين‪ ،‬فما أحوج المة‬
‫السلمية إلى الرجال الكفاء الذي يقتدون بالصحابة‬
‫سدون المعاني السامية ب فيحيونها بتضحيات‬ ‫الكرام ويج ّ‬
‫سون بها‪ ،‬فإن تاريخ الخلفاء الراشدين‬ ‫يراها الناس ويح ّ‬
‫والصحابة الكرام يظل مذكرا ً للمة عبر الجيال‪ ،‬ويكون‬
‫ي بأولئك العظماء وتطبيق تلك المواقف‬ ‫النتفاع به بالتأس ّ‬
‫الكريمة من عظماء الرجال الذي يشاركون أفراد المة‬
‫في ظروف الحياة المعاصرة حتى ل يظن ظان أن هذه‬
‫المواقف والدروس والعبر‪ ،‬إنما كانت في عصور ملئمة‬
‫لوجودها وأن تكرارها يتطلب ظروفا ً حياتية مشابهة‬
‫والحقيقة تقول إنه كلما قويَ المحرك اليماني واتضح‬
‫فقه القدوم على الله وحرص المسلمون على العمل به‪،‬‬
‫فإن الله يتكفل بنصر أوليائه وتسخير ظروف الحياة‬
‫لصالحهم‪.‬‬
‫هذا وقد اجتهدت في دارسة شخصية الفاروق وعصره‬
‫حسب وسعي وطاقتي‪ ،‬غير مدع عصمة‪ ،‬ول متبرئ من‬
‫زلة ووجه الله العظيم ل غيره قصدت‪ ،‬وثوابه أردت‪ ،‬وهو‬
‫المسؤول في المعونة عليه‪ ،‬والنتفاع به إنه طيب‬
‫السماء‪ ،‬سميع الدعاء‪.‬‬

‫هذا وقد انتهيت من هذا الكتاب يوم الربعاء الساعة‬


‫السابعة وخمس دقائق صباحا ً بتاريخ ‪ 13‬رمضان ‪1422‬هب‬
‫ب الموافق ‪/28‬نوفمبر‪2001 /‬م والفضل لله من قبل ومن‬
‫بعد‪ ،‬واسأله سبحانه وتعالى أن يتقبل هذا العمل ويشرح‬
‫صدور العباد للنتفاع به ويبارك فيه بمنه وكرمه وجوده ب‬
‫س ْ‬
‫ك‬ ‫م ِ‬ ‫ك ل ََها وَ َ‬
‫ما ي ُ ْ‬ ‫س َ‬‫م ِ‬ ‫مةٍ فَل َ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ح َ‬‫ن َر ْ‬‫م ْ‬‫س ِ‬‫ه ِللّنا ِ‬ ‫ح الل ّ ُ‬‫فت َ ْ‬ ‫قال تعالى‪َ :‬‬
‫ما ي َ ْ‬
‫م)‪)  (2‬فاطر‪،‬آية‪.(2:‬‬ ‫كي ُ‬
‫ح ِ‬‫زيُز ال ْ َ‬
‫ن ب َعْد ِهِ وَهُوَ ال ْعَ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ل لَ ُ‬
‫ه ِ‬ ‫س َ‬ ‫فَل َ ُ‬
‫مْر ِ‬
‫وليسعني في نهاية هذه المقدمة إل أن أقف بقلب خاشع‬
‫منيب بين يدى الله عز وجل‪ ،‬معترفا ً بفضله وكرمه‬
‫وجوده‪ ،‬فهو المتفضل وهو المكرم وهو المعين وهو‬
‫ي أول ً وآخرًا‪،‬‬ ‫ن به عل ّ‬ ‫الموّفق ‪ ،‬فله الحمد على ما م ّ‬
‫وأسأله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعل‬
‫عملي لوجهه خالصا ً ولعباده نافعًا‪ ،‬وأن يثيبني على كل‬
‫حرف كتبته ويجعله في ميزان حسناتي‪ ،‬وأن يثيب إخواني‬
‫الذي أعانوني بكافة ما يملكون من أجل إتمام هذا الجهد‬
‫المتواضع ونرجو من كل مسلم يطلع على هذا الكتاب أن‬
‫ل ينسى العبد الفقير إلى عفو ربه ومغفرته ورحمته‬
‫ك‬ ‫ن أَ ْ‬
‫شك َُر ن ِعْ َ‬
‫مت َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب أوْزِع ِْني أ ْ‬‫ورضوانه من دعائه قال تعالى‪َ :‬ر ّ‬
‫مت ِ َ‬
‫ك ِفي‬ ‫ح َ‬ ‫ضاه ُ وَأ َد ْ ِ‬
‫خل ِْني ب َِر ْ‬ ‫حا ت َْر َ‬
‫صال ِ ً‬
‫ل َ‬‫م َ‬ ‫ال ِّتي أ َنعمت ع َل َي وع ََلى وال ِدي وأ َ َ‬
‫ن أع ْ َ‬
‫َ َ ّ َ ْ‬ ‫ّ َ‬ ‫َْ ْ َ‬
‫ن)‪)  (19‬النمل‪،‬آية‪(19:‬‬ ‫حي َ‬‫صال ِ ِ‬
‫ك ال ّ‬‫عَباد ِ َ‬
‫ِ‬

‫سبحانك الله وبحمدك‪ ،‬أشهد أن ل إله إل أنت استغفرك‬


‫وأتوب إليك‪ ،‬وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‬
‫الفقير إلى عفو ربه ومغفرته ورحمته ورضوانه‬

‫ييي‬
‫ييي‬
‫ييي يييي يييي ييي‬

‫‪/13‬ننننن‪1422 /‬نن‬
‫الفصل الول‬
‫عمر رضي الله عنه بمكة‬
‫المبحث الول‪ :‬اسمه ونسبه وكنيته وصفته وأسرته وحياته‬
‫في الجاهلية‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ل‪ :‬اسمه ونسبه وكنيته وألقابه‪:‬‬
‫عّزى بن‬‫هو عمر بن الخطاب بن ُنفيل بن عبد ال ُ‬
‫رياح بن عبد الله بن قُرط بن َرزاح بن عدي بن‬
‫كعب بن لؤي)‪ ،(10‬بن غالب القرشي العدوي)‪،(11‬‬
‫يجتمع نسبه مع رسول الله ‪ ‬في كعب بن لؤي‬
‫بن غالب)‪ ،(12‬ويكنى أبا حفص)‪ ،(13‬ولقب‬
‫بالفاروق)‪ ،(14‬لنه أظهر السلم بمكة ففّرق الله‬
‫به بين الكفر واليمان)‪.(15‬‬
‫خْلقية‪:‬‬
‫ثانيًا‪ :‬مولده وصفته ال َ‬
‫ولد عمر رضي الله عنه بعد عام الفيل بثلث‬
‫خْلقية‪ ،‬فكان رضي‬ ‫عشرة سنة)‪ (16‬وأما صفته ال َ‬
‫الله عنه‪ ،‬أبيض أمهق‪ ،‬تعلوه حمرة‪ ،‬حسن‬
‫الخدين والنف والعينين‪ ،‬غليظ القدمين‬
‫والكفين‪ ،‬مجدول اللحم‪ ،‬وكان طويل ً جسيما ً‬
‫أصلع‪ ،‬قد فرع الناس‪ ،‬كأنه راكب على دابة‪،‬‬

‫)( الطبقات الكبرى لبن سعد )‪ ، (3/265‬محض الصواب لبن‬ ‫‪10‬‬

‫عبد الهادي )‪.(1/131‬‬


‫)( محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب‬ ‫‪11‬‬

‫)‪.(1/131‬‬
‫)( نفس المصدر )‪.(1/131‬‬ ‫‪12‬‬

‫)( صحيح التوثيق في سيرة وحياة الفاروق عمر بن الخطاب‬ ‫‪13‬‬

‫ص ‪. 15‬‬
‫)( نفس المصدر ص ‪. 15‬‬ ‫‪14‬‬

‫)( نفس المصدر ص ‪. 15‬‬ ‫‪15‬‬

‫)( تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ‪. 133‬‬ ‫‪16‬‬


‫وكان قويا ً شديدًا‪ ،‬ل واهنا ً ول ضعيفا ً)‪ ،(17‬وكان‬
‫سبلة)‪ (18‬وكان إذا‬
‫يخضب بالحناء‪ ،‬وكان طويل ال ّ‬
‫مشى أسرع وإذا تكلم أسمع‪ ،‬وإذا ضرب‬
‫أوجع)‪.(19‬‬
‫ثالثًا‪ :‬أسرته‪:‬‬
‫أما والده‪ ،‬فهو الخطاب بن نفيل‪ ،‬فقد كان جد‬
‫عمر نفيل بن عبد العزى ممن تتحاكم إليه‬
‫قريش)‪ ،(20‬وأما والدته فهي حنتمة بنت هاشم‬
‫بن المغيرة‪ ،‬وقيل بنت هاشم أخت أبي جهل)‪،(21‬‬
‫والذي عليه أكثر المؤرخين هو أنها بنت هاشم‬
‫ابنة عم أبي جهل بن هشام)‪ ،(22‬وأما زوجاته‬
‫وأبناؤه وبناته؛ فقد تزوج في الجاهلية زينب‬
‫بنت مظعون أخت عثمان بن مظعون‪ ،‬فولدت له‬
‫عبد الله‪ ،‬وعبد الرحمن الكبر‪ ،‬وحفصة‪ ،‬وتزوج‬
‫مليكة بنت جرول‪ ،‬فولدت له عبيد الله‪ ،‬فطلقها‬
‫في الهدنة‪ ،‬فخلف عليها أبو الجهم بن حذيفة‪،‬‬
‫قَرْيبة بنت أبي أمية المخزومي‪ ،‬ففارقها‬‫وتزوج ُ‬
‫في الهدنة‪ ،‬فتزوجها بعده عبد الرحمن بن أبي‬
‫بكر‪ ،‬وتزوج أم حكيم بنت الحارث بن هشام بعد‬
‫زوجها عكرمة بن‬
‫)‪(23‬‬
‫أبي جهل حين قتل في الشام ‪ ،‬فولدت له‬
‫)( الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب للعاني ص ‪. 15‬‬ ‫‪17‬‬

‫)( السبلة‪ :‬طرف الشارب وكان إذا غضب أو حزنه أمر يمسك‬ ‫‪18‬‬

‫بها ويفتلها‪.‬‬
‫)( تهذيب السماء )‪ (2/14‬للنووي‪ ،‬أوليات الفاروق للقرشي‬ ‫‪19‬‬

‫ص ‪. 24‬‬
‫)( نسب قريش للزبيري ص ‪. 347‬‬ ‫‪20‬‬

‫)( أوليات الفاروق السياسية ص ‪. 22‬‬ ‫‪21‬‬

‫)( نفس المصدر ص ‪. 22‬‬ ‫‪22‬‬

‫)( البداية والنهاية )‪.(7/144‬‬ ‫‪23‬‬


‫فاطمة‪ ،‬ثم طلقها وقيل لم يطلقها)‪ ،(24‬وتزوج‬
‫جميلة بنت)‪ (25‬عاصم بن ثابت بن أبي القلح من‬
‫الوس‪ ،‬وتزوج عاتكة بنت زيد بن عمرو بن‬
‫)‪(26‬‬
‫ُنفيل‪ ،‬وكانت قبله عند عبد الله بن أبي بكر ‪،‬‬
‫ولما قتل عمر تزوجها بعده الزبير بن العوام‬
‫رضي الله عنه‪ ،‬ويقال هي أم ابنه عياض‪ ،‬فالله‬
‫أعلم‪.‬‬
‫وكان قد خطب أم كلثوم ابنة أبي بكللر الصللديق‪،‬‬
‫م‬
‫وهللي صللغيرة وراسللل فيهللا عائشللة فقللالت أ ّ‬
‫كلثوم‪ :‬ل حاجة لي فيه‪ ،‬فقالت عائشللة أترغللبين‬
‫عللن أميللر المللؤمنين؟ قللالت‪ :‬نعللم‪ ،‬إنلله خشللن‬
‫العيش‪ ،‬فأرسلت عائشة إلى عمللرو بللن العللاص‪،‬‬
‫ده عنهللللللللللا ودل ّلللللللللله علللللللللللى‬
‫فصلللللللللل ّ‬
‫م كلثوم بنت علي بن أبللي طللالب‪ ،‬مللن فاطمللة‬ ‫أ ّ‬
‫بنت رسول الله ‪ ،‬وقال‪ :‬تعلق منها بسبب مللن‬
‫رسول الله ‪ ،‬فخطبها مللن علللي فزوجلله أياهللا‬
‫فأصللدقها عمللر رضللي الللله عنلله أربعيللن ألفللًا‪،‬‬
‫فولدت له زيدا ً ورقية ‪ ،‬وتزوج ل ُ ْ‬
‫)‪(27‬‬
‫هَية امللرأة مللن‬
‫اليمللن فولللدت للله عبللد الرحمللن الصللغر‪ ،‬وقيللل‬
‫الوسللط‪ .‬وقللال الواقللدي‪ :‬هللي أم ولللد وليسللت‬
‫بزوجللة)‪ ،(28‬قللالوا‪ :‬وكللانت عنللده فكيهللة أم ولللد‪،‬‬
‫فولللدت للله زينللب قللال الواقللدي‪ :‬وهللي أصللغر‬
‫ولده)‪ ،(29‬فجملة أولده رضي الله عنه ثلثة عشللر‬
‫ولدًا‪ ،‬وهللم زيللد الكللبر‪ ،‬وزيللد الصللغر‪ ،‬وعاصللم‪،‬‬
‫نفس المصدر )‪.(7/144‬‬ ‫)(‬ ‫‪24‬‬

‫سلمي ص ‪. 7‬‬
‫ّ‬ ‫لل‬ ‫عمر‬ ‫خلفة‬ ‫والنهاية‬ ‫ترتيب وتهذيب البداية‬ ‫)(‬ ‫‪25‬‬

‫نفس المصدر ص ‪. 7‬‬ ‫)(‬ ‫‪26‬‬

‫الكامل في التاريخ )‪2/212‬‬ ‫)(‬ ‫‪27‬‬

‫تاريخ المم والملوك للطبري )‪.(5/191‬‬ ‫)(‬ ‫‪28‬‬

‫تاريخ المم والملوك )‪.(5/192‬‬ ‫)(‬ ‫‪29‬‬


‫وعبد الله‪ ،‬وعبد الرحمللن الكللبر‪ ،‬وعبللد الرحمللن‬
‫الوسللط‪ ،‬وعبللد الرحمللن الصللغر‪ ،‬وعبيللد الللله‪،‬‬
‫وعياض‪ ،‬وحفصة‪ ،‬ورقية‪ ،‬وزينب‪ ،‬وفاطمة رضللي‬
‫الله عنهم‪ ،‬ومجموع نسائه اللتللي تزوجهللن فللي‬
‫الجاهلية والسلم ممللن طلقهللن أو مللات عنهللن‬
‫سبع)‪ ،(30‬وكان رضللي الللله عنلله يللتزوج مللن أجللل‬
‫النجاب‪ ،‬والكثار من الذرية‪ ،‬فقد قال رضي الله‬
‫عنه‪ :‬مللا آتللي النسللاء للشللهوة‪ ،‬ولللول الولللد‪ ،‬مللا‬
‫باليت أل أرى امرأة بعيني)‪ ،(31‬وقللال رضللي الللله‬
‫عنلله‪ :‬إنلي لكللره نفسللي علللى الجمللاع رجللاء أن‬
‫يخرج الله مني نسمة تسبحه وتذكره)‪.(32‬‬
‫رابعًا‪ :‬حياته في الجاهلية‪:‬‬
‫أمضى عمر في الجاهلية شطرا ً من حياته‪ ،‬ونشللأ‬
‫كأمثاله من أبناء قريش‪ ،‬وامتاز عليهم بللأنه كللان‬
‫ممن تعلموا القراءة وهؤلء كانوا قليلين جدا ً)‪،(33‬‬
‫وقد حمل المسؤولية صغيرًا‪ ،‬ونشأ نشأة غليظللة‬
‫شديدة‪ ،‬لم يعرف فيها ألوان الترف‪ ،‬ول مظللاهر‬
‫الثروة ودفعه أبوه الخطللاب فللي غلظللة وقسللوة‬
‫إلى المراعي يرعى إبله‪ ،‬وتركللت هللذه المعاملللة‬
‫القاسية من أبيه أثرا ً سيئا ً في نفس عمر رضللي‬
‫الله عنه‪ ،‬فظل يللذكرها طيلللة حيللاته‪ ،‬فهللذا عبللد‬
‫الرحمن بن حاطب يحدثنا عن ذلك فيقول‪ :‬كنللت‬

‫)( البداية والنهاية )‪.(7/144‬‬ ‫‪30‬‬

‫)( الشيخان أبو بكر وعمر برواية البلذري تحقيق الدكتور‬ ‫‪31‬‬

‫إحسان صدقي ص ‪. 227‬‬


‫)( فرائد الكلم للخلفاء الكرام‪ ،‬قاسم عاشور ص ‪. 112‬‬ ‫‪32‬‬

‫)( الدارة السلمية في عهد عمر بن الخطاب‪ ،‬فاروق‬ ‫‪33‬‬

‫مجدلوي ص ‪. 90‬‬
‫مع عمللر بللن الخطللاب بضللجنان)‪ ،(34‬فقللال‪ :‬كنللت‬
‫أرعى للخطاب بهذا المكللان‪ ،‬فكللان فظ لا ً غليظ لا ً‬
‫فكنت أرعى أحيانا ً وأحتطب أحيانًا‪ (35) ..‬ولن هذه‬
‫الفترة كانت قاسللية فللي حيللاة عمللر‪ ،‬فللإنه كللان‬
‫يكثر من ذكرها فيحدثنا سعيد بن المسيب رحملله‬
‫ج عمر‪ ،‬فلمللا كللان بضللجنان قللال‪ :‬ل‬ ‫الله قائ ً‬
‫ل‪ :‬ح ّ‬
‫إله إل الله العلي العظيم‪ ،‬المعطي ما شاء‪ ،‬لمللن‬
‫شاء‪ .‬كنت أرعى إبل الخطاب بهللذا الللوادي‪ ،‬فللي‬
‫مدرعللة صللوف‪ ،‬وكللان فظ لًا‪ ،‬يتعبنللي إذا عملللت‪،‬‬
‫ويضربني إذا قصللرت‪ ،‬وقللد أمسلليت ليللس بينللي‬
‫وبين الله أحد‪ ،‬ثم تمثل‪:‬‬
‫يبقللى الللله وي ُللردى‬ ‫ل شلليء ممللا تللرى‬
‫المللللللال والولللللللد‬ ‫تبقللللى بشاشللللته‬
‫والخلللد قللد حللاولت‬ ‫لم ُتغن عللن هرمللز‬
‫عاد فما خلدوا‬ ‫يومللللللا ً خزائنلللللله‬
‫والنس والجن فيما‬ ‫ول سللللللللليمان إذ‬
‫بينهللللللللا بللللللللردُ‬ ‫تجللري الريللاح للله‬
‫مللن كللل أوب إليهللا‬ ‫أيللن الملللوك الللتي‬
‫راكللللللللب يفللللللللد‬ ‫كلللللانت نواهلهلللللا‬
‫لبد مللن ورده يوم لا ً‬ ‫حوضلللللا ً هناللللللك‪،‬‬
‫)‪(36‬‬
‫كملللللللللللا وردوا‬ ‫مللللورود بل كللللذب‬

‫)( ضجنان جبل على مسيرة بريد من مكة وقيل على مسافة‬ ‫‪34‬‬

‫‪25‬كم‪.‬‬
‫)( أخرجه ابن عساكر في تاريخه )‪ ،(52/268‬حلقات ابن سعد‬ ‫‪35‬‬

‫)‪ (3/266‬وقال الدكتور عاطف لماضة صحيح السناد‪.‬‬


‫ولم يكن ابن الخطاب رضي الله عنه يرعى لبيلله‬
‫وحده بل كان يرعى لخالت له مللن بنللي مخللزوم‬
‫وذكر لنا ذلك عن عمر رضي الله عنه نفسه حين‬
‫حدثته نفسه يوما ً وهو أمير المللؤمنين أنلله أصللبح‬
‫أميللرا ً للمللؤمنين فمللن ذا أفضللل منلله‪ ...‬ولكللي‬
‫ُيعّرف نفسه قدرها – كما ظن – وقف يومللا ً بيللن‬
‫المسلمين يعلن أنه لم يكن إل راعي غنم‪ ،‬يرعى‬
‫لخالت له من بني مخزوم يقول محمد بللن عمللر‬
‫المخزومللي عللن أبيلله‪ :‬نللادى عمللر بللن الخطللاب‬
‫بالصلة جامعة‪ ،‬فلما اجتمع الناس‪ ،‬وكبروا‪ ،‬صعد‬
‫المنبر فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله‪ ،‬وصلى‬
‫على نللبيه عليلله الصلللة والسلللم ثللم قللال‪ :‬أيهللا‬
‫الناس‪ ..‬لقد رأيتني أرعى علللى خللالت لللي مللن‬
‫بني مخللزوم‪ ،‬فيقبضلن لللي قبضللة مللن التمللر أو‬
‫الزبيلللللللللللللب‪ ،‬فأظلللللللللللللل يلللللللللللللومي‬
‫وأي يوم!!‬
‫ثم نزل‪ ،‬فقال له عبد الرحمن بن عوف‪ :‬يللا أميللر‬
‫ت‬‫مأت نفسللك – عب ْل َ‬ ‫المؤمنين‪ ،‬ما زدت على أن ق ّ‬
‫– فقللال‪ :‬ويحللك يللا ابللن عللوف!! إنللي خلللوت‬
‫أميلللر‬ ‫فحلللدثتني نفسلللي‪ ،‬قلللال‪ :‬أنلللت‬
‫المؤمنين‪ ،‬فمن ذا أفضل منك؟!‬
‫فللأردت أن أعرفهللا نفسللها وفللي روايللة‪ :‬إنللي‬
‫أطأطئ‬ ‫وجدت في نفسي شيئًا‪ ،‬فأردت أن‬
‫منها)‪.(37‬‬

‫)( الفاروق مع النبي د‪ .‬عاطف لماضه ص ‪ 5‬نقله عن ابن‬ ‫‪36‬‬

‫عساكر )‪.(52/269‬‬
‫)( الطبقات الكبرى لبن سعد )‪ (3/293‬وله شواهد تقويه‪.‬‬ ‫‪37‬‬
‫ول شك أن هذه الحرفة – الرعللي – الللتي لزمللت‬
‫عمر بن الخطاب في مكة قبل أن يدخل السلللم‬
‫قد أكسبته صفات جميلة كقللوة التحمللل‪ ،‬والجلللد‬
‫وشدة البأس‪ ،‬ولم يكن رعي الغنم هو شغل ابللن‬
‫الخطاب في جاهليته)‪ ،(38‬بل حذق من أول شبابه‬
‫ألوانللا ً مللن رياضللة البللدن‪ ،‬فحللذق المصللارعة‪،‬‬
‫وركلللوب الخيلللل والفروسلللية‪ ،‬وتلللذوق الشلللعر‬
‫ورواه)‪ ،(39‬وكللان يهتللم بتاريللخ قللومه وشللؤونهم‪،‬‬
‫وحرص على الحضور في أسواق العرب الكللبرى‪،‬‬
‫كل ))عكاظ(( و))مجنة(( و))ذي المجاز(( واستفاد‬
‫منها في التجارة ومعرفة تاريخ العرب وما حللدث‬
‫بيللن القبللائل مللن وقللائع ومفللاخرات ومنللافرات‬
‫حيث تعرض تلللك الحللداث فللي إطللار آثللار أدبيللة‬
‫يتناولها كبار الدباء بالنقللد علللى مللرأى ومسللمع‬
‫مللن ملللء القبللائل وأعيانهللا ممللا جعللل التاريللخ‬
‫العربي عرضا ً دائم الحركة ل ينسدل عليلله سللتار‬
‫النسلليان‪ ،‬وربمللا تطللاير شللرر الحللوادث فكللانت‬
‫الحرب وكانت عكاظ – بالذات – سببا ً مباشرا ً في‬
‫حروب أربع سميت حروب الفجار)‪.(40‬‬
‫واشتغل عمر رضي الله عنه بالتجارة وربح منهللا‬
‫ما جعله من أغنياء مكة‪ ،‬وكسب معللارف متعللددة‬
‫من البلد التي زارها للتجارة‪ ،‬فرحل إلى الشللام‬
‫صيفا ً وإلى اليمللن شللتاءً)‪ (41‬واحتللل مكانل ً‬
‫ة بللارزة‬
‫فللي المجتمللع المكللي الجللاهلي‪ ،‬وأسللهم بشللكل‬
‫)( الفاروق مع النبي ص ‪. 6‬‬ ‫‪38‬‬

‫)( التاريخ السلمي العام‪ ،‬علي حسن إبراهيم ص ‪، 226‬‬ ‫‪39‬‬

‫الدارة السلمية في عهد عمر بن الخطاب ص ‪. 90‬‬


‫)( عمر بن الخطاب‪ ،‬حياته‪ ،‬علمه‪ ،‬أدبه‪ ،‬د‪ .‬علي أحمد الخطيب‬ ‫‪40‬‬

‫ص ‪. 153‬‬
‫)( عمر بن الخطاب‪ ،‬د‪ .‬محمد أحمد أبو النصر ص ‪. 17‬‬ ‫‪41‬‬
‫عال في أحداثه‪ ،‬وساعده تاريخ أجداده المجيللد‪،‬‬ ‫ف ّ‬
‫فقد كان جللده نفيللل بللن عبللدالعزى تحتكللم إليلله‬
‫قريللش فللي خصللوماتها)‪ ،(42‬فضللل ً عللن أن جللده‬
‫العلى كعب بن لؤي كان عظيللم القللدر والشللأن‬
‫عند العللرب‪ ،‬فقللد أّرخللوا بسللنة وفللاته إلللى عللام‬
‫الفيل)‪ ،(43‬وتوارث عمر عن أجللداده هللذه المكانللة‬
‫المهمللة الللتي أكسللبته خللبرة ودرايللة ومعرفللة‬
‫بللأحوال العللرب وحيللاتهم‪ ،‬فضللل ً عللن فطنتلله‬
‫وذكائه‪ ،‬فلجأوا إليه في فض خصللوماتهم‪ ،‬يقللول‬
‫ابن سعد )) إن عمر كان يقضي بين العللرب فللي‬
‫خصوماتهم قبل السلم (( )‪.(44‬‬
‫وكان رضي الله عنه‪ ،‬رجل ً حكيمًا‪ ،‬بليغًا‪ ،‬حصلليفًا‪،‬‬
‫قويًا‪ ،‬حليمًا‪ ،‬شريفًا‪ ،‬قوي الحجة‪ ،‬واضللح البيللان‪،‬‬
‫ممللا أهللله لن يكللون سللفيرا ً لقريللش‪ ،‬ومفللاخرا ً‬
‫ومنافرا ً لها مللع القبللائل)‪ ،(45‬قللال ابللن الجللوزي‪:‬‬
‫كانت السفارة إلى عمر بن الخطللاب‪ ،‬إن وقعللت‬
‫حللرب بيللن قريللش وغيرهللم بعثللوه سللفيرًا‪ ،‬أو‬
‫نافرهم منافر‪ ،‬أو فاخرهم مفاخر‪ ،‬بعثوه منللافرا ً‬
‫ومفاخرًا‪ ،‬ورضوا به رضي الله عنه)‪.(46‬‬
‫وكان يدافع عن كل ما ألفته قريللش مللن عللادات‬
‫وعبادات ونظم وكانت له طبيعللة مخلصللة تجعللله‬
‫يتفانى في الدفاع عما يؤمن به‪ ،‬وبهذه الطبيعللة‬
‫التي جعلته يشتد في الدفاع عما يؤمن به‪ ،‬قللاوم‬
‫عمر السلم فللي أول الللدعوة‪ ،‬وخشللي عمللر أن‬

‫الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب‪ ،‬د‪ .‬العاني ص ‪. 16‬‬ ‫)(‬ ‫‪42‬‬

‫تاريخ خليفة بن خياط ص)‪ (1/7‬نقل ً عن د‪ .‬العاني ص ‪. 16‬‬ ‫)(‬ ‫‪43‬‬

‫الخليفة الفاروق د‪ .‬العاني ص ‪. 16‬‬ ‫)(‬ ‫‪44‬‬

‫نفس المصدر ص ‪. 16‬‬ ‫)(‬ ‫‪45‬‬

‫مناقب عمر ص ‪. 11‬‬ ‫)(‬ ‫‪46‬‬


‫يهللز هللذا الللدين الجديللد النظللام المكللي الللذي‬
‫اسللتقر‪ ،‬والللذي يجعللل لمكللة بيللن العللرب مكان لا ً‬
‫ج إليلله والللذي جعللل‬ ‫خاصًا‪ ،‬ففيها البيت الذي ي ُ َ‬
‫حل ّ‬
‫قريشا ً ذات مكانة خاصة عند العرب‪ ،‬والللذي صللار‬
‫لمكللة ثروتهللا الروحيللة‪ ،‬وثروتهللا الماديللة‪ ،‬فهللو‬
‫سبب ازدهارها‪ ،‬وغنى سراتها ولهذا قاوم سللراة‬
‫مكللة هللذا الللدين‪ ،‬وبطشللوا بالمستضللعفين مللن‬
‫معتنقيه وكللان عمللر مللن أشللد أهللل مكللة بطشلا ً‬
‫بهؤلء المستضعفين)‪.(47‬‬
‫ولقد ظل يضرب جارية أسلمت‪ ،‬حتى عيت يللداه‪،‬‬
‫ووقع السوط من يلده‪ ،‬فتوقلف إعيلاء‪ ،‬وملر أبلو‬
‫بكلللر فلللرآه يعلللذب الجاريلللة‪ ،‬فاشلللتراها منللله‬
‫وأعتقها)‪.(48‬‬
‫لقللد عللاش عمللر فللي الجاهليللة وسللبر أغوارهللا‪،‬‬
‫وعرف حقيقتها‪ ،‬وتقاليدها وأعرافها ودافع عنها‬
‫بكللل مللا يملللك مللن قللوة ولللذلك لمللا دخللل فللي‬
‫السلللم عللرف جمللاله وحقيقتلله وتيقللن الفللرق‬
‫الهللائل بيللن الهللدى والضلللل والكفللر واليمللان‬
‫والحق والباطل ولللذلك قللال قللولته المشللهورة‪:‬‬
‫إنما تنقض عرى السلم عروة عروة إذا نشأ في‬
‫السلم من ل يعرف الجاهلية)‪.(49‬‬

‫)( الفاروق عمر‪ ،‬عبد الرحمن الشرقاوي ص ‪. 8‬‬ ‫‪47‬‬

‫)( نفس المصدر ص ‪. 8‬‬ ‫‪48‬‬

‫)( الفتاوى )‪ ،(15/36‬فرائد الكلم للخلفاء الكرام ص ‪. 144‬‬ ‫‪49‬‬


‫المبحث الثاني‪ :‬إسلمه وهجرته‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ل‪ :‬إسلمه‪:‬‬
‫كان أول شعاعة من نللور اليمللان لمسللت قلبلله‪،‬‬
‫يوم رأى نساء قريش يتركن بلدهن ويرحلن إلللى‬
‫بلد بعيد عن بلللدهن بسللبب مللا لقيللن منلله ومللن‬
‫أمثاله‪ ،‬فرق قلبه‪ ،‬وعللاتبه ضللميره‪ ،‬فرثللى لهللن‪،‬‬
‫ن يطمعللن‬ ‫وأسمعهن الكلمة الطيبة الللتي لللم يكل ّ‬
‫أن يسمعن منه مثلها)‪.(50‬‬
‫قالت أم عبللد الللله بنللت حنتمللة‪ :‬لمللا كنللا نرتحللل‬
‫مهاجرين إلللى الحبشللة‪ ،‬أقبللل عمللر حللتى وقللف‬
‫ي‪ ،‬وكنللا نلقللى منلله البلء والذى والغلظللة‬ ‫عللل ّ‬
‫يللا أم‬ ‫علينا‪ ،‬فقال لي‪ :‬إنلله النطلق‬
‫ن فللي أرض‬ ‫عبد الللله؟ قلللت نعللم‪ ،‬والللله لنخرج ل ّ‬
‫الله‪ ،‬آذيتمونللا وقهرتمونللا‪ ،‬حللتى يجعللل الللله لنللا‬
‫فرجًا‪ .‬فقال عمر‪ :‬صحبكم الله‪ .‬ورأيت منلله رقللة‬
‫لم أرها قط‪ .‬فلما جاء عامر بن ربيعللة وكللان قللد‬
‫ذهب في بعللض حللاجته وذكللرت للله ذلللك فقللال‪:‬‬
‫كأنك قد طمعت في إسلم عمر؟ قلللت للله‪ :‬نعللم‬
‫فقال‪ :‬إنه ل يسلم حتى يسلم حمار الخطاب)‪.(51‬‬
‫لقد تأثر عمر من هذا الموقللف وشللعر أن صللدره‬
‫قد أصبح ضيقا ً حرجًا؛ فأي بلء يعللانيه أتبللاع هللذا‬
‫الللدين الجديللد‪ ،‬وهللم علللى الرغللم مللن ذلللك‬
‫صللامدون! مللا سللر تلللك القللوة الخارقللة؟ وشللعر‬
‫بالحزن وعصر قلبه اللللم)‪ ،(52‬وبعللد هللذه الحادثللة‬
‫بقليل أسلم عمر رضي الللله عنلله وبسللبب دعللوة‬
‫)( أخبار عمر‪ ،‬الطنطاويات ص ‪. 12‬‬ ‫‪50‬‬

‫)( سيرة ابن هشام )‪ ،(1/216‬فضائل الصحابة للمام أحمد )‬ ‫‪51‬‬

‫‪ (1/341‬إسناد حسن‪.‬‬
‫)( الفاروق عمر ص ‪. 9‬‬ ‫‪52‬‬
‫رسول الله ‪ ،‬فقد كانت السبب الساسلي فلي‬
‫إسلمه فقد دعا للله بقللوله‪ :‬اللهللم أع لّز السلللم‬
‫بأحب الرجلين إليللك‪ :‬بللأبي جهللل بللن هشللام‪ ،‬أو‬
‫بعمللر بللن الخطللاب‪ ،‬قللال‪ :‬وكللان أحبهمللا إليلله‬
‫عمللر)‪ ،(53‬وقلد سللاق الللله السلباب لسلللم عملر‬
‫رضي الله عنه‪ ،‬فعن عبد الله بن عمر رضي الللله‬
‫عنهما قال‪ :‬ما سمعت عمر لشلليء قللط يقللول‪:‬‬
‫إنللي لظنلله كللذا إل كللان كمللا يظللن‪ ،‬بينمللا عمللر‬
‫جالس إذ مّر بلله رجللل جميللل‪ ،‬فقللال عمللر‪ :‬لقللد‬
‫أخطأ ظني‪ ،‬أو إن هذا على دينه في الجاهلية‪ ،‬أو‬
‫دعي له‪ ،‬فقللال‬ ‫ي بالرجل‪ ،‬ف ُ‬ ‫لقد كان كاهنهم‪ .‬عل ّ‬
‫له ذلك‪ .‬فقال‪ :‬ما رأيت كاليوم اسُتقبل به رجلل ٌ‬
‫ل‬
‫مسلم‪ .‬قال‪ :‬فإني أعزم عليك إل ما أخبرتني‪.‬‬
‫قال‪ :‬كنت كاهنهم في الجاهلية‪.‬‬
‫قال‪ :‬فما أعجب ما جاءتك به جن ّي ُّتك؟ قال‪ :‬بينمللا‬
‫أنا يوما ً في السوق جللاءتني أعللرف فيهللا الفللزع‬
‫فقالت‪ :‬ألم تللر الجللن وإبلسللها)‪ ،(54‬ويأسللها مللن‬
‫بعد إنكاسها)‪ ،(55‬ولحوقها بالقلص‪ ،‬وأحلسها)‪.(56‬‬
‫قال عمر‪ :‬صدق‪ ،‬بينمللا أنللا نللائم عنللد آلهتهللم‪ ،‬إذ‬
‫جاء رجل بعجل فذبح‪ ،‬فصرخ به صارخ‪ ،‬لم أسللمع‬
‫صارخا ً قط أشد صوتا ً منه يقول‪ :‬يا جليح)‪ ،(57‬أمللر‬
‫نجيح‪ ،‬رجل فصيح‪ ،‬يقول‪ :‬ل إله إل الله‪ .‬فقمللت‪،‬‬

‫)( الترمذي )‪ (3682‬المناقب وصححه اللباني صحيح الترمذي‬ ‫‪53‬‬

‫‪. 2907‬‬
‫)( إبلسها‪ :‬المراد به اليأس ضد الرجاء‪.‬‬ ‫‪54‬‬

‫)( النكاس‪ :‬النقلب‪.‬‬ ‫‪55‬‬

‫قُلص‪ ،‬وهي الفتية من النياق‪ ،‬والحلس ما‬ ‫)( القلص جمع ُ‬ ‫‪56‬‬

‫يوضع على ظهور البل‪.‬‬


‫)( يا جليح‪ :‬معناه الوقح المكافح بالعداوة‪.‬‬ ‫‪57‬‬
‫فما نشبنا)‪ (58‬أن قيل‪ :‬هذا نللبي)‪ (59‬وقللد ورد فللي‬
‫سبب إسلم الفاروق رضي الله عنلله الكللثير مللن‬
‫الروايات‪ ،‬ولكن بالنظر إلى أسانيدها من الناحية‬
‫الحديثية فأكثرها ل يصح)‪ ،(60‬ومن خلل الروايللات‬
‫الللتي ذكللرت فللي كتللب السلليرة والتاريللخ يمكللن‬
‫تقسيم إسلمه والصدع به إلى عناوين منها‪.‬‬

‫)( فما نشبنا‪ :‬أي لم نتعلق بشيء من الشياء حتى سمعنا أن‬ ‫‪58‬‬

‫النبي قد خرج‪.‬‬
‫)( البخاري رقم ‪. 3866‬‬ ‫‪59‬‬

‫)( صحيح التوثيق في سيرة وحياة الفاروق ص ‪ 23‬وقد ذكر‬ ‫‪60‬‬

‫الروايات التي ذكر منها إسلم عمر وخرجها وحكم على‬


‫أسانيدها‪.‬‬
‫‪ -1‬عزمه على قتل رسول الله‪:‬‬
‫كانت قريش قد اجتمعللت فتشللاورت فللي أمللر‬
‫النبي ‪ ‬فقالوا‪ :‬أي رجل يقتل محمدًا؟ فقللال‬
‫عمر بن الخطاب‪ :‬أنا لها‪ ،‬فقالوا‪ :‬أنللت لهللا يللا‬
‫عمر‪ ،‬فخرج في الهاجرة‪ ،‬في يوم شديد الحر‪،‬‬
‫متوشحا ً سيفه يريللد رسللول الللله ورهطلا ً مللن‬
‫أصللللللللللللللللللللللحابه‪ ،‬فيهللللللللللللللللللللللم‬
‫أبو بكر وعلللي وحمللزة رضلي اللله عنهللم فللي‬
‫رجال من المسلمين ممن كان أقام مع رسول‬
‫الله ‪ ‬بمكة ولم يخرج فيمللن خللرج إلللى أرض‬
‫الحبشة‪ ،‬وقد ذكروا له أنهللم اجتمعللوا فللي دار‬
‫عيم بللن عبلد‬ ‫الرقم في أسفل الصفا‪ .‬فلقيه ن ُ َ‬
‫حام‪ .‬فقللال‪ :‬أيللن تريللد يللا عمللر؟ قللال‪:‬‬ ‫الله الن ّ ّ‬
‫فه‬ ‫أريد هذا الصابئ الذي فرق أمر قريش وسلل ّ‬
‫أحلمها‪ ،‬وعاب دينهللا‪ ،‬وسللب آلهتهللا‪ ،‬فللأقتله‪.‬‬
‫عيم‪ :‬لبئس الممشى مشلليت يللا عمللر‪،‬‬ ‫قال له ن ُ َ‬
‫ولقد والله غّرتك نفسك من نفسك‪ ،‬ففّرطللت‬
‫ي‪ ،‬أتللرى بنللي عبللد منللاف‬ ‫وأردت هلكة بني عد ّ‬
‫تاركيك تمشي على الرض وقد قتلت محمللدًا؟‬
‫فتحاورا حتى علت أصواتهما‪ ،‬فقال عمر‪ :‬إنلي‬
‫لظنك قد صللبوت ولللو أعلللم ذلللك لبللدأت بللك‪،‬‬
‫من ْت َلله قللال‪ :‬فللإني‬
‫حللام أنلله غيللر ُ‬
‫فلمللا رأى الن ّ ّ‬
‫أخللبرك أن أهلللك وأهللل خَتنللك قللد أسلللموا‬
‫وتركوك وما أنت عليه من ضللتك‪ ،‬فلما سللمع‬
‫خَتنلك وابللن عملك‬ ‫مقالته قال‪ :‬وأيهلم؟ قلال‪َ :‬‬
‫وأختك)‪.(61‬‬
‫)( سيرة ابن هشام )‪ (1/343‬فيه انقطاع الطبقات لبن سعد )‬ ‫‪61‬‬

‫‪ (3/267‬عن القاسم بن عثمان البصري عن أنس والقاسم‬


‫ضعيف وقد حقق الروايات الدكتور وصي الله محمد عّباس في‬
‫‪ -2‬مداهمة عمر بيببت أختببه وثبببات فاطمببة بنببت الخطبباب أمببام‬
‫أخيها‪:‬‬
‫لمللا سللمع عمللر أن أختلله وزوجهللا قللد أسلللما‬
‫احتمله الغضب وذهب إليهم فلمللا قللرع البللاب‬
‫قالوا‪ :‬مللن هللذا؟ قللال‪ :‬ابللن الخطللاب‪ .‬وكللانوا‬
‫يقرؤون كتابا ً في أيديهم‪ ،‬فلمللا سللمعوا حللس‬
‫عمر قاموا مبادرين فاختبئوا ونسللوا الصللحيفة‬
‫على حالها‪ ،‬فلما دخل ورأته أخته عرفت الشر‬
‫في وجهه‪ ،‬فخبأت الصحيفة تحت فخذها قلال‪:‬‬
‫مة والصوت الخفي الللتي سللمعته‬ ‫ما هذه ال ْ َ‬
‫هي ْن َ َ‬
‫عندكم؟ )) وكللانوا يقللرؤون طلله (( فقللال‪ :‬مللا‬
‫عللدا حللديثا ً تحللدثناه بيننللا‪ .‬قللال‪ :‬فلعلكمللا قللد‬
‫صبوتما‪ ،‬فقال له ختنه‪ :‬أرأيت يا عمللر إن كللان‬
‫الحق في غير دينللك؟ فللوثب عمللر علللى ختنلله‬
‫سعيد وبطش بلحيته فتواثبا‪ ،‬وكان عمللر قوي لا ً‬
‫شديدًا‪ ،‬فضرب بسللعيد الرض ووطئه وطللأ ثللم‬
‫جلس على صدره‪ ،‬فجللاءت أختلله فللدفعته عللن‬
‫زوجهللا فنفحهللا نفحللة بيللده‪ ،‬فللدمى وجههللا‪،‬‬
‫فقالت وهي غضللبى‪ :‬يللا عللدو الللله‪ ،‬أتضللربني‬
‫حد الله؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قالت‪ :‬مللا كنللت‬ ‫على أن أو ّ‬
‫فللاعل ً فأفعللل‪ ،‬أشللهد أن ل إللله إل الللله وأن‬
‫محمللدا ً رسللول الللله‪ ،‬لقللد أسلللمنا علللى رغللم‬
‫أنفك‪ ،‬فلما سمعها عمر نللدم وقللام عللن صللدر‬
‫زوجها‪ ،‬فقعد‪ ،‬ثم قال‪ :‬أعطوني هذه الصحيفة‬
‫التي عندكم فأقرأها‪ ،‬فقللالت أختلله‪ :‬ل أفعللل‪.‬‬
‫قللال‪ :‬ويحللك قللد وقللع فللي قلللبي مللا قلللت‪،‬‬
‫فأعطينيها أنظر إليها‪ ،‬وأعطيك مللن المواثيللق‬
‫تحقيقة لكتاب فضائل الصحابة للمام أحمد بن حنبل )‪.(1/342‬‬
‫أن ل أخونك حتى تحرزيها حيث شللئت‪ .‬قللالت‪:‬‬
‫ن ‪ ‬فقللم‬ ‫هللُرو َ‬ ‫مطَ ّ‬ ‫ه إ ِل ّ ال ْ ُ‬
‫سلل ُ‬ ‫م ّ‬‫إنك رجس فل‪ ‬ل َ ي َ َ‬
‫فاغتسل أو توضأ‪ ،‬فخرج عمللر ليغتسللل ورجللع‬
‫إلى أخته فدفعت إليه الصحيفة وكان فيها طه‬
‫وسور أخرى فرأى فيها‪:‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫فلملللا مللّر بلللالرحمن الرحيلللم ذعلللر‪ ،‬فلللألقى‬
‫الصحيفة من يده‪ ،‬ثم رجع إلى نفسلله فأخللذها‬
‫قى)‬‫ش َ‬
‫ن ل ِت َ ْ‬ ‫ك ال ْ ُ‬
‫قْرآ َ‬ ‫ما أ َن َْزل َْنا َ‬
‫عل َي ْ َ‬ ‫فإذا فيها‪ :‬طه)‪َ (1‬‬
‫ق الرض‬ ‫خل َل َ‬ ‫ن َ‬ ‫مل ْ‬ ‫م ّ‬‫زيل ً ِ‬ ‫شى)‪َ (3‬تن ِ‬ ‫خ َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫‪ (2‬إ ِل ّ ت َذْك َِرةً ل ِ َ‬
‫وى)‪(5‬‬ ‫سلت َ َ‬ ‫شا ْ‬ ‫علْر ِ‬ ‫عَلى ال ْ َ‬ ‫ل)‪ (4‬الرحمن َ‬ ‫ع َ‬ ‫ت ال ْ ُ‬
‫موا ِ‬ ‫س َ‬ ‫وال ّ‬ ‫َ‬
‫مللا‬
‫و َ‬‫مللا َ‬ ‫ه َ‬ ‫مللا ب َي ْن َ ُ‬ ‫و َ‬ ‫فللي الرض َ‬ ‫ما ِ‬ ‫و َ‬‫ت َ‬ ‫موا ِ‬ ‫س َ‬ ‫في ال ّ‬ ‫ما ِ‬ ‫ه َ‬ ‫لَ ُ‬
‫سلّر‬ ‫م ال ّ‬ ‫عل َل ُ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫فلإ ِن ّ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫و ِ‬ ‫هلْر ِبلال ْ َ‬
‫ق ْ‬ ‫ج َ‬
‫ن تَ ْ‬ ‫وإ ِ ْ‬‫ت الث ّلَرى)‪َ (6‬‬ ‫ح َ‬ ‫تَ ْ‬
‫سللَنى)‪(8‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫خ َ‬ ‫َ‬
‫ح ْ‬ ‫ماءُ ال ُ‬ ‫سلل َ‬ ‫ه ال ْ‬ ‫ول ُ‬ ‫ه َ‬
‫ه إ ِل ُ‬ ‫ه ل إ ِل َ‬ ‫فى)‪ (7‬الل ُ‬ ‫وأ ْ‬ ‫َ‬
‫‪.‬‬ ‫)طه‪،‬اليات‪(8-1:‬‬
‫فعظمللت فللي صللدره‪ .‬فقللال‪ :‬مللن هللذا ف لّرت‬
‫قريش؟ ثم قرأ‪ .‬فلمللا بلللغ إلللى قللوله تعللالى‪:‬‬
‫‪ ‬إّنني أنا الله ل إله إل أنا فاعبللدني وأقللم الصلللة‬
‫لذكري‪ .‬إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفللس‬
‫بما تسعى فل يصللدنك عنهللا مللن ل يلؤمن بهلا واتبلع‬
‫)طه‪،‬اليات‪.(14،15،16:‬‬ ‫‪‬‬ ‫هواه فتردى‬
‫قال‪ :‬ينبغللي لمللن يقللول هللذا أن ل ُيعبللد معلله‬
‫غيره دلوني على محمد)‪.(62‬‬

‫‪ -3‬ذهابه لرسول الله وإعلن إسلمه‪:‬‬


‫فلما سمع خّباب رضي الله عنه ذلك خللرج مللن‬
‫البيت وكان مختفيا ً وقال أبشر يا عمللر‪ ،‬فللإني‬

‫)( فضائل الصحابة للمام أحمد )‪.(1/344‬‬ ‫‪62‬‬


‫أرجو أن تكون قد سللبقت فيللك دعللوة رسللول‬
‫الللللللللللللله ‪ ‬يللللللللللللوم الثنيللللللللللللن‪:‬‬
‫)) اللهللم أعللز السلللم بللأحب هللذين الرجليللن‬
‫إليللك‪ :‬بللأبي جهللل بللن هشللام‪ ،‬أو بعمللر بللن‬
‫الخطاب (( )‪.(63‬‬
‫قللال‪ :‬دلللوني علللى مكللان رسللول الللله‪ ،‬فلمللا‬
‫عرفللوا منلله الصللدق قللالوا‪ :‬هللو فللي أسللفل‬
‫شحه ثم عمد إلللى‬ ‫الصفا‪ .‬فأخذ عمر سيفه فتو ّ‬
‫رسللول الللله وأصللحابه فضللرب عليهللم البللاب‪،‬‬
‫جلللوا ولللم يجللترئ أحللد‬ ‫و ِ‬
‫فلمللا سللمعوا صللوته َ‬
‫منهم أن يفتلح لله‪ ،‬لملا قلد علملوا ملن شلدته‬
‫على رسللول الللله ‪ ،‬فلمللا رأى حمللزة رضللي‬
‫ل القوم قال‪ :‬مالكم؟ قللالوا عمللر‬ ‫ج َ‬
‫الله عنه و َ‬
‫بن الخطاب قال‪ :‬عمر بن الخطاب؟ افتحوا له‪،‬‬
‫فإن يرد الله به خيرا ً ُيسلم‪ ،‬وإن يرد غيللر ذلللك‬
‫يكللن قتللله علينلا ً هينلًا‪ ،‬ففتحللوا‪ ،‬وأخللذ حمللزة‬
‫ورجل آخر بعضللديه حللتى أدخله علللى رسللول‬
‫الله ‪ ،‬فقال أرسلوه)‪ ،(64‬ونهض إليلله رسللول‬
‫الله ‪ ‬وأخذ بحجزته)‪ ،(65‬وبجمع ردائه ثم جبللذه‬
‫ذة شللللديدة‪ ،‬وقللللال‪ :‬مللللا جللللاء بللللك‬ ‫جْبلللل َ‬
‫َ‬
‫يا ابن الخطاب؟ والله ما أرى أن تنتهللي حللتى‬
‫ينلللزل اللللله بلللك قارعلللة‪ ،‬فقلللال لللله عملللر‪:‬‬
‫يا رسول الله جئتك أؤمن بالله وبرسوله وبمللا‬
‫جئت به من عند الله‪ ،‬قال‪ :‬فكب ّللر رسللول الللله‬
‫‪ ‬فعرف أهل البيت من أصللحاب رسللول الللله‬
‫)( سبق تخريجه‪ ،‬عمر بن الخطاب الطنطاويات ص ‪. 117‬‬ ‫‪63‬‬

‫)( أخبار عمر الطنطاويات ص ‪. 18‬‬ ‫‪64‬‬

‫)( حجز النسان‪ :‬معقد السراويل والزار لسان العرب )‬ ‫‪65‬‬

‫‪.(5/332‬‬
‫أن عمر قد أسلم‪ ،‬فتفرق أصحاب رسول الللله‬
‫من مكانهم وقد عّزوا في أنفسهم حين أسلم‬
‫عمر مع إسلم حمزة بن عبد المطلب‪ ،‬وعرفوا‬
‫أنهما سيمنعان رسول الللله‪ ،‬وينتصللفون بهمللا‬
‫من عدوهم)‪.(66‬‬

‫‪ -4‬حرص عمر على الصدع بالدعوة وتحمله الصعاب في سبيلها‪:‬‬


‫ه‪ ،‬وعمللل‬ ‫دخل عمر في السلم بللإخلص متنللا ٍ‬
‫على تأكيللد السلللم بكللل مللا أوتللي مللن قللوة‪،‬‬
‫وقال لرسول الللله ‪ :‬يللا رسللول الللله‪ ،‬ألسللنا‬
‫على الحق إن متنلا وإن حيينلا؟ قلال ‪ :‬بللى‪،‬‬
‫والذي نفسي بيده إنكللم علللى الحللق‪ ،‬إن مت ّللم‬
‫م الختفاء؟ والذي بعثللك‬ ‫وإن حييتم‪ .‬قال‪ :‬ففي َ‬
‫ن وكللان الرسللول ‪ ‬علللى )مللا‬ ‫بللالحق ل ََتخرج ل ّ‬
‫يبدو( قللد رأى أنلله قللد آن الوان للعلن‪ ،‬وأن‬
‫الدعوة قد غدت قويللة تسللتطيع أن تللدفع عللن‬
‫فْين‪،‬‬ ‫نفسها‪ ،‬فأذن بالعلن‪ ،‬وخرج ‪ ‬فللي صلل ّ‬
‫عمر في أحدهما‪ ،‬وحمزة في الخر ولهم كديد‬
‫ككديد الطحين)‪ ،(67‬حتى دخل المسجد‪ ،‬فنظرت‬
‫قريش إلللى عمللر وحمللزة فأصللابتهم كآبللة لللم‬
‫ماه رسللول الللله ‪ ‬يللومئذ‬ ‫تصللبهم قللط وسلل ّ‬
‫الفاروق)‪.(68‬‬
‫لقد أعز الله السلم‪ ،‬والمسلمين بإسلم عمر‬
‫بن الخطاب رضي الله عنه‪ ،‬فقللد كللان رجل ً ذا‬

‫)( فضائل الصحابة للمام أحمد )‪.(1/344‬‬ ‫‪66‬‬

‫)( الكديد‪ :‬التراب الناعم فإذا وطئ ثار غباره‪.‬‬ ‫‪67‬‬

‫)( حلية الولياء )‪ ،(1/40‬صفة الصفوة )‪.(104-1/103‬‬ ‫‪68‬‬


‫شللكيمة ل يللرام مللا وراء ظهللره وامتنللع بلله‬
‫أصحاب رسول الله ‪ ‬وبحمزة)‪.(69‬‬
‫وتحللدى عمللر بللن الخطللاب رضللي الللله عنلله‬
‫مشللركي قريللش‪ :‬فقللاتلهم حللتى صلللى عنللد‬
‫الكعبة)‪ ،(70‬وصلى معه المسلمون‪ ،‬وحرص عمر‬
‫رضي الله عنه على أذية أعداء الدعوة بكل مللا‬
‫يملللك‪ ،‬ونللتركه يحللدثنا عللن ذلللك بنفسلله قللال‬
‫رضلللللللللي اللللللللللله عنللللللللله‪ :‬كنلللللللللت‬
‫ل أشاء أن أرى رجل ً مللن المسلللمين‪ ،‬فللذهبت‬
‫إلى خالي أبللي جهللل – وكللان شللريفا ً فيهللم –‬
‫فقرعت عليه الباب‪ ،‬فقال‪ :‬من هذا؟ قلت ابن‬
‫ي فقلللت‪ :‬أعلمللت أنللي قللد‬ ‫الخطاب ‪ .‬فخرج إل ّ‬
‫صللبوت؟ قللال‪ :‬فعلللت؟ قلللت‪ :‬نعللم‪ .‬قللال‪ :‬ل‬
‫تفعللل‪ .‬قلللت‪ :‬بل‍ى! قللال‪ :‬ل تفعللل ثللم دخللل‬
‫وأجاف الباب )أي رده( دونللي وتركنللي‪ .‬قلللت‪:‬‬
‫ما هذا بشيء‪ .‬فذهبت إلى رجللل مللن أشللراف‬
‫قريش فقرعت عليلله بللابه‪ ،‬فقيللل‪ :‬مللن هللذا؟‬
‫ي‪ ،‬فقلت‪ :‬أشعرت‬ ‫قلت‪ :‬ابن الخطاب فخرج إل ّ‬
‫أني صبوت؟ قال‪ :‬أفعلت؟ قلت‪ :‬نعم‪ .‬قللال‪ :‬ل‬
‫تفعل‪ ،‬ودخل فأجاف الباب دونللي‪ ،‬فقلللت‪ :‬مللا‬
‫هذا بشلليء‪ ،‬فقللال لللي رجللل‪ :‬أتحللب أن ُيعلللم‬
‫إسلمك؟ قلت‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬إذا جلس الناس في‬
‫ت إلى ذلك الرجل )جميل بللن معمللر‬ ‫جر‪ ،‬جئ َ‬‫ح ْ‬
‫ال ِ‬
‫الجمحي( فجلست إلللى جللانبه وقلللت‪ :‬أعلمللت‬
‫جللر‬‫ح ْ‬
‫أنللي صللبوت؟ فلمللا جلللس النللاس فللي ال ِ‬
‫فعلت ذلك‪ ،‬فقام فنادى بأعلى صوته‪ :‬إن ابللن‬
‫ي النللاس يضللربونني‬ ‫الخطاب قد صبأ‪ .‬وثار إل ل ّ‬
‫)( الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب ص ‪. 26،27‬‬ ‫‪69‬‬

‫)( الرياض النضرة )‪ (1/257‬لمحب الطبري‪.‬‬ ‫‪70‬‬


‫وأضربهم)‪ . (71‬وفللي روايللة عبللد الللله بللن عمللر‬
‫رضي الله عنهما قال‪ :‬لما أسلم عمر لم تعلللم‬
‫قريللش بإسلللمه‪ ،‬فقللال‪ :‬أي أهللل مكللة أنقللل‬
‫جمحللي‪.‬‬ ‫للحديث؟ قيللل للله جميللل بللن معمللر ال ُ‬
‫فخلللللللرج إليللللللله وأنلللللللا معللللللله أتبلللللللع‬
‫أثره‪ ،‬وأنظر ملا يفعلل‪ ،‬وأنلا غلم أعقلل كّلملا‬
‫رأيت وسمعت‪ .‬فأتاه فقال‪ :‬يا جميل إنللي قللد‬
‫أسلمت فوالله ما ردّ عليه كلمة حتى قام يجللّر‬
‫رداءه‪ ،‬وتبعه عمر واتبعللت أبللي‪ ،‬حللتى إذا قللام‬
‫على باب المسجد صرخ بأعلى صوته‪ :‬يا معشر‬
‫ن‬‫قريش‪ :‬وهم في أنللديتهم حللول الكعبللة أل إ ّ‬
‫عمر بن الخطللاب قللد صللبأ‪ .‬وعمللر يقللول مللن‬
‫خلفه‪ :‬كذب ولكنني أسلمت وشهدت أن ل إللله‬
‫إل الله وأن محمدا ً عبده ورسوله‪ .‬فثاروا إليلله‪،‬‬
‫فوثب عمر على عتبة بللن ربيعللة‪ ،‬فللبرك عليلله‬
‫وجعللل يضللربه‪ ،‬وأدخللل إصللبعيه فللي عينيلله‪،‬‬
‫عتبة يصيح‪ ،‬فتنحى النللاس عنلله‪ ،‬فقللام‬ ‫فجعل ُ‬
‫عمر فجعل ل يدنو منه أحد إل أخذ شريف مللن‬
‫دنللا منلله‪ ،‬حللتى أحجللم النللاس عنلله‪ ،‬واتبللع‬
‫المجلالس اللتي كلان يجلسلها بلالكفر فلأظهر‬
‫فيها اليمان)‪ ،(72‬وما زال يقاتلهم حللتى ركللدت‬
‫الشللمس علللى رؤوسللهم وفللتر عمللر وجلللس‪،‬‬
‫فقاموا على رأسه‪ ،‬فقال‪ :‬افعلوا ما بللدا لكللم‪،‬‬
‫فوالله لو كنا ثلثمائة رجللل لتركتموهللا لنللا‪ ،‬أو‬
‫تركناها لكللم‪ .‬فبينمللا هللم كللذلك إذ جللاء رجللل‬
‫شللى‪ ،‬قللال‪ :‬مللا‬ ‫و ّ‬‫م ّ‬
‫عليلله حلللة حريللر وقميللص ُ‬
‫بالكم؟ قالوا‪ :‬ابن الخطاب قد صبأ‪ .‬قال‪ :‬فمه؟‬
‫)( شرح المواهب )‪ ،(1/320‬أخبار عمر الطنطاويان ص ‪. 19‬‬ ‫‪71‬‬

‫)( الرياض النظرة ص ‪. 319‬‬ ‫‪72‬‬


‫امرؤا اختار دينا ً لنفسه‪ ،‬أتظنون أن بني عللد ّ‬
‫ي‬
‫ُيسلللمون إليكللم صللاحبهم‪ ،‬فكأنمللا كللانوا ثوبلا ً‬
‫انكشف عنه‪ ،‬فقلت للله بالمدينللة‪ :‬يللا أبللت مللن‬
‫الرجل ردّ عنك القوم يومئذ؟ قال‪ :‬يا بني‪ ،‬ذاك‬
‫العاص بن وائل السهمي)‪.(73‬‬

‫‪ -5‬أثر إسلمه على الدعوة‪:‬‬


‫قال عبد الله بن مسللعود رضللي الللله عنلله‪ :‬مللا‬
‫وما‬ ‫زلنا أعزة منذ أسلم عمر‪ ،‬ولقد رأيتنا‬
‫نستطيع أن نطوف بالبيت ونصلي‪ ،‬حتى أسلم‬
‫عمر‪ ،‬فلما أسلم قاتلهم حتى تركونللا‪ ،‬فصلللينا‬
‫وطفنا)‪ .(74‬وقال أيضًا‪ :‬كان إسلم عمللر فتحللًا‪،‬‬
‫وكانت هجرته نصرًا‪ ،‬وكانت إمارته رحمة‪ ،‬لقللد‬
‫رأيتنا وما نستطيع أن نصلللي ونطللوف بللالبيت‬
‫حتى أسلم عمللر‪ ،‬فلمللا أسلللم قاتلنللاهم حللتى‬
‫تركونللا نصلللي)‪ (75‬وقللال صللهيب بللن سللنان‪:‬‬
‫لما أسلم عمللر بللن الخطللاب‪ ،‬ظهللر السلللم‪،‬‬
‫ودعي إليه علنية‪ ،‬وجلسنا حللول الللبيت حلقلًا‪،‬‬
‫وطفنللا بللالبيت وانتصللفنا ممللن غلللظ علينللا‬
‫ورددنا عليه)‪.(76‬‬
‫ولقد صدق في عمللر رضللي الللله عنلله قللول‬
‫القائل‪:‬‬
‫بالسيف بين الكفر‬ ‫أعني بلله الفللاروق‬
‫واليملللللللللللللللان‬ ‫ة‬
‫فللللللّرق عنلللللللو ً‬

‫فضائل الصحابة للمام أحمد )‪ (1/346‬إسناده حسن‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪73‬‬

‫فضائل الصحابة )‪ (1/344‬إسناده حسن‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪74‬‬

‫الشيخان أبو بكر وعمر برواية البلذري ص ‪. 141‬‬ ‫)(‬ ‫‪75‬‬

‫الطبقات الكبرى )‪ ،(3/269‬صفة الصفوة )‪.(1/274‬‬ ‫)(‬ ‫‪76‬‬


‫ومحللا الظلم وبللاح‬ ‫هو أظهللر السلللم‬
‫)‪(77‬‬
‫بالكتمللللللللللللان‬ ‫بعلللللللد خفلللللللائه‬

‫‪ -6‬تاريخ إسلمه وعدد المسلمين يوم أسلم‪:‬‬


‫أسلم عمر رضي الله عنه فللي ذي الحجللة مللن‬
‫سبع‬ ‫السنة السادسة من النبوة‪ ،‬وهو ابن‬
‫وعشللرين سللنة)‪ ،(78‬وكللان إسلللمه بعللد إسلللم‬
‫حمللزة رضللي الللله عنلله بثلثللة أيللام)‪ ،(79‬وكللان‬
‫المسلللمون يللومئذ تسللعة وثلثيللن‪ :‬قللال عمللر‬
‫رضللي الللله عنلله‪ :‬لقللد رأيتنللي ومللا أسلللم مللع‬
‫رسول الله ‪ ‬إل تسعة وثلثون رجل ً فكملتهم‬
‫أربعيللن‪ ،‬فللأظهر الللله دينلله‪ ،‬وأعللز السلللم‪،‬‬
‫)وروي( أنهم كانوا أربعيللن أو بضللعة وأربعيللن‬
‫رجل ً وإحدى عشرة امرأة‪ ،‬ولكن عمر لللم يكللن‬
‫يعرفهم كلهم لن غالب من أسلم كان يخفللي‬
‫إسلمه خوفا ً مللن المشللركين‪ ،‬ول سلليما عمللر‬
‫فقللد كللان عليهللم شللديدا ً فللذكر أنلله أكملهللم‬
‫أربعين ولللم يللذكر النسللاء لنلله ل إعللزاز بهللن‬
‫لضعفهن)‪.(80‬‬

‫نونية القحطاني ص ‪. 22‬‬ ‫)(‬ ‫‪77‬‬

‫تاريخ الخلفاء ص ‪. 137‬‬ ‫)(‬ ‫‪78‬‬

‫أخبار عمر‪ ،‬الطنطاويان ص ‪. 22‬‬ ‫)(‬ ‫‪79‬‬

‫نفس المصدر ص ‪. 22‬‬ ‫)(‬ ‫‪80‬‬


‫ثانيًا‪ :‬هجرته‪:‬‬
‫لمللا أراد عمللر الهجللرة إلللى المدينللة أبللى إل أن‬
‫تكون علنية يقول ابن عباس رضي الللله عنهمللا‪:‬‬
‫قال لي علي بن أبي طالب رضلي اللله عنله‪ :‬ملا‬
‫علمت أن أحدا ً من المهاجرين هللاجر إل متخفيللًا‪،‬‬
‫م بالهجرة‪ ،‬تقلللد‬ ‫إل عمر بن الخطاب‪ ،‬فإنه لما ه ّ‬
‫كب قوسه‪ ،‬وانتضى فللي يللده أسللهما‪ً،‬‬ ‫سيفه‪ ،‬وتن ّ‬
‫)‪(81‬‬
‫واختصر عنزته ‪ ،‬ومضى قبل الكعبة‪ ،‬والمل من‬
‫قريش بفنائها‪ ،‬فطاف بالبيت سللبعا ً متمكنلًا‪ ،‬ثللم‬
‫أتى المقام‪ ،‬فصلى متمكنًا‪ ،‬ثم وقف على الحلق‬
‫واحللدة‪ ،‬واحللدة‪ ،‬فقللال لهللم‪ :‬شللاهت الوجللوه‪ ،‬ل‬
‫ُيرغللم الللله إل هللذه المعللاطس)‪ ،(82‬مللن أراد أن‬
‫تثكله أمه‪ ،‬ويوتم ولده‪ ،‬أو يرمل زوجلله فليلقنللي‬
‫ي رضي الله عنلله‪ :‬فمللا‬ ‫وراء هذا الوادي‪ .‬قال عل ّ‬
‫تبعلله أحللد إل قللوم مللن المستضللعفين علمهللم‪،‬‬
‫وأرشدهم ومضى لوجهه)‪.(83‬‬
‫وكان قدوم عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلللى‬
‫المدينة قبل مقدم النبي ‪ ‬إليها‪ ،‬وكان معه مللن‬
‫لحق به من أهله وقومه‪ ،‬وأخوه زيد بن الخطاب‪،‬‬
‫وعمللرو وعبللد الللله ابنللا سللراقة بللن المعتمللر‪،‬‬
‫وخنيس بن حذافة السللهمي‪ ،‬زوج ابنتلله حفصللة‪،‬‬
‫وابللن عملله سللعيد بللن زيللد‪ ،‬وهللو أحللد العشللرة‬
‫المبشرين بالجنة‪ ،‬وواقد بن عبللد الللله التميمللي‪،‬‬
‫حليف لهم‪ ،‬وخولى بللن أبللي خللولى‪ ،‬ومالللك بللن‬

‫)( عنزته‪ :‬العنزة عصا في قدر نصف الرمح وهي أطول من‬ ‫‪81‬‬

‫العصا وأقوى من الرمح‪.‬‬


‫)( المعاطس‪ :‬النوف‪.‬‬ ‫‪82‬‬

‫)( خبر ل بأس به انظر صحيح التوثيق في سيرة الفاروق ص‬ ‫‪83‬‬

‫‪. 30‬‬
‫أبي خللولى‪ ،‬حليفللان لهللم مللن بنللي عجللل وبنللو‬
‫البكير‪ ،‬وإياس وخالد‪ ،‬وعاقل‪ ،‬وعامر‪ ،‬وحلفاؤهم‬
‫من بني سعد بن ليللث‪ ،‬فنزلللوا علللى رفاعللة بللن‬
‫عبد المنذر في بني عمرو بن عوف بقباء)‪.(84‬‬
‫يقول البراء بن عازب رضللي الللله عنلله‪ :‬أول مللن‬
‫وابللن أبللي‬ ‫قدم علينا مصعب بللن عميللر‪،‬‬
‫مكتللوم‪ ،‬وكللانوا ُيقللرئون النللاس‪ ،‬فقللدم بلل‪،‬‬
‫وسعد‪ ،‬وعمار بن ياسر‪ ،‬ثم قدم عمر بن الخطاب‬
‫في عشرين نفرا ً من اصحاب النبي ‪ ،‬ثللم قللدم‬
‫النبي ‪ ،‬فما رأيت أهل المدينللة فرحللوا بشلليء‬
‫فرحهم برسول الله ‪.(85)‬‬
‫وهكذا ظل عمر بن الخطاب رضي الله عنلله فللي‬
‫خدمة دينه وعقيدته بالقوال والفعال ل يخشللى‬
‫في الله لومة لئم وكللان رضللي الللله عنلله سللندا ً‬
‫ومعينا ً لمن أراد الهجرة ملن مسللمي مكلة حلتى‬
‫خرج‪ ،‬ومعه هذا الوفد الكبير من أقاربه وحلفائه‪،‬‬
‫وساعد عمر رضللي الللله عنلله غيللره مللن أصللحابه‬
‫الذين يريدون الهجرة وخشي عليهم مللن الفتنللة‬
‫والبتلء في أنفسهم)‪ ،(86‬ونللتركه يحللدثنا بنفسلله‬
‫عن ذلك حيث قال‪ :‬اتعدت لما أردنا الهجللرة إلللى‬
‫المدينة أنا وعياش بللن أبللي ربيعللة‪ ،‬وهشللام بللن‬
‫العللاص بللن وائل السللهمي‪ ،‬التناضللب)‪ ،(87‬مللن‬
‫رف)‪ ،(89‬وقلنللا‪ :‬أينللا‬‫سل ِ‬
‫بني غفار‪ ،‬فللوق َ‬
‫)‪(88‬‬
‫أضاءة‬
‫)( فتح الباري )‪ (7/261‬نقل ً عن صحيح التوثيق ص ‪. 31‬‬ ‫‪84‬‬

‫)( البخاري رقم ‪. 3925‬‬ ‫‪85‬‬

‫)( صحيح التوثيق في سيرة وحياة الفاروق عمر بن الخطاب‬ ‫‪86‬‬

‫ص ‪. 31‬‬
‫)( التناضب‪ :‬جمع تنضيب وهو شجر‪.‬‬ ‫‪87‬‬

‫)( الضاءة‪ :‬على عشرة أميال من مكة‪.‬‬ ‫‪88‬‬

‫)( سرف‪ :‬وادي متوسط الطول من أودية مكة‪.‬‬ ‫‪89‬‬


‫حبس فليمض صاحباه‪ .‬قال‪:‬‬ ‫لم يصبح عندها فقد ُ‬
‫فأصبحت أنا وعياش بن أبي ربيعة عند الّتناضب‪،‬‬
‫فتن فافتتن)‪ ،(90‬فلمللا قللدمنا‬ ‫حبس عنا هشام‪ ،‬و ُ‬ ‫و ُ‬
‫المدينة نزلنللا فللي بنللي عمللرو بللن عللوف بقبللاء‪،‬‬
‫وخرج أبو جهل بن هشام والحارث بن هشام إلى‬
‫عّياش بن أبي ربيعة‪ ،‬وكان ابن عمهما وأخوهمللا‬
‫لمهما‪ ،‬حتى قدما علينا المدينة‪ ،‬ورسول الله ‪‬‬
‫بمكة‪ ،‬فكّلماه وقللال‪ :‬إن أمللك نللذرت أن ل يم ل ّ‬
‫س‬
‫مشط حتى تراك‪ ،‬ول تستظل من شللمس‬ ‫رأسها ُ‬
‫حتى تراك‪ ،‬فرقّ لها‪ ،‬فقلت له‪ :‬عياش‪ ،‬إنه والللله‬
‫إن يريلللدك القلللوم إل ليفتنلللوك علللن دينلللك‪،‬‬
‫فاحلللذرهم‪ ،‬فلللوالله للللو قلللد آذى أملللك القملللل‬
‫لمتشلللطت‪ ،‬وللللو قلللد اشلللتد عليهلللا حلللر مكلللة‬
‫لستظللت‪ .‬قال‪ :‬أبّر قسم أمي‪ ،‬ولي هناك مللال‬
‫فآخذه‪ .‬قال‪ :‬فقلت‪ :‬والله إنللك لتعلللم أنللي لمللن‬
‫ل‪ ،‬فلللك نصللف مللالي ول تللذهب‬ ‫أكللثر قريللش مللا ً‬
‫ي إل أن يخرج معهما‪ ،‬فلما‬ ‫معهما‪ .‬قال‪ :‬فأبى عل ّ‬
‫أبى إل ذلك‪ ،‬قال‪ :‬قلت له‪ :‬أمللا إذ قللد فعلللت مللا‬
‫فعلللت‪ ،‬فخللذ نللاقتي هللذه‪ ،‬فإنهللا ناقللة نجيبللة‬
‫ذلول)‪ ،(91‬فلالزم ظهرهلا‪ ،‬فلإن رابلك ملن القلوم‬
‫ريب فانلج عليهلا فخلرج عليهلا معهملا‪ ،‬حلتى إذا‬
‫كانوا ببعض الطريق قال له أبللو جهللل‪ :‬يللا أخللي‪،‬‬
‫)‪(92‬‬
‫والله لقد استغلظت بعيري هللذا‪ ،‬أفل ُتعقبنللي‬
‫على ناقتك هذه؟ قال‪ :‬بلى‪ .‬قال‪ :‬فأنللاخ‪ ،‬وأنللاخ‪،‬‬
‫ليتحول عليها‪ ،‬فلما استووا بللالرض عللدوا عليلله‪،‬‬

‫)( الهجرة النبوية المباركة‪ ،‬عبد الرحمن عبد البر ص ‪. 129‬‬ ‫‪90‬‬

‫)( الذلول‪ :‬أذلها العمل‪ ،‬فصارت سهلة الركوب والنقياد‪.‬‬ ‫‪91‬‬

‫)( ُتعقبني‪ :‬تجعلني أعقبك عليها لركوبها‪.‬‬ ‫‪92‬‬


‫فأوثقللاه‪ ،‬ثللم دخل بلله مكللة‪ ،‬وفتنللاه فللافتتن)‪.(93‬‬
‫قللال‪ :‬فكنللا نقللول‪ :‬مللا الللله بقابللل ممللن افتتللن‬
‫صللرفا ً ول عللدل ً ول توبللة‪ ،‬قللوم عرفللوا الللله ثللم‬
‫رجعللوا إلللى الكفللر لبلء أصللابهم قللال‪ :‬وكللانوا‬
‫يقولون ذلك لنفسهم فلما قدم رسللول الللله ‪‬‬
‫المدينللة أنللزل الللله تعللالى فيهللم وفللي قولنللا‬
‫َ‬
‫فوا‬‫سللَر ُ‬
‫نأ ْ‬ ‫عَبللاِدي اّللل ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ل َيا ِ‬ ‫وقولهم لنفسهم‪ُ  :‬‬
‫قلل ْ‬
‫م‬‫ه ْ‬ ‫سللللللللللللللللللللللللللللل ِ‬ ‫ف ِ‬‫عَللللللللللللللللللللللللللللللى أ َن ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫عا إ ِن ّ ُ‬ ‫مي ً‬‫ج ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ّ‬
‫فُر الذُنو َ‬ ‫غ ِ‬
‫ه يَ ْ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫ّ‬
‫ة الل ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬‫ن َر ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫ل ت َقن َطوا ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫غ ُ‬ ‫و ال ْ َ‬
‫موا ل ل ُ‬ ‫س لل ِ ُ‬‫وأ ْ‬ ‫م َ‬ ‫وأِنيُبوا إ ِلللى َرب ّك ل ْ‬ ‫م)‪َ (53‬‬ ‫حي ُ‬ ‫فوُر الّر ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عللوا‬ ‫وات ّب ِ ُ‬‫ن)‪َ (54‬‬ ‫صلُرو َ‬ ‫م ل ت ُن ْ َ‬ ‫ب ث ُل ّ‬ ‫ذا ُ‬ ‫عل َ‬ ‫م ال َ‬ ‫ن ي َأت ِي َك ْ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ن قب ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ز َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن َيلأت ِي َك ْ‬ ‫لأ ْ‬ ‫قْبل ِ‬ ‫مل ْ‬‫م ِ‬ ‫ن َرب ّكل ْ‬ ‫مل ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ل إ ِلي ْكل ْ‬ ‫ِ‬ ‫ملا أْنل‬ ‫ن َ‬ ‫سل َ‬ ‫ح َ‬ ‫أ ْ‬
‫م‬ ‫ة َ‬ ‫علللللللللللللللللل َ‬
‫وأن ْت ُلللللللللللللللللل ْ‬ ‫غت َلللللللللللللللللل ً َ‬ ‫ب بَ ْ‬ ‫ذا ُ‬ ‫ال َ‬
‫ن)‪)  (55‬الزمر‪ ،‬اليات‪.(55-53 :‬‬ ‫عُرو َ‬ ‫ش ُ‬ ‫ل َ تَ ْ‬
‫قال عمر بن الخطاب‪ :‬فكتبتها بيدي في صحيفة‪،‬‬
‫وبعثت بهلا إللى هشلام بلن العلاص قلال‪ :‬فقلال‬
‫هشام‪ :‬فلما أتتني جعلت أقرؤها بللذي طللوى)‪،(94‬‬
‫ب‪ ،‬ول أفهمهللا حللتى قلللت‪:‬‬ ‫و ُ‬
‫ص ّ‬
‫عد بها فيه‪ ،‬وأ َ‬‫ص ّ‬
‫أ َ‬
‫همنيها‪ ،‬قال‪ :‬فألقى الله في قلللبي أنهللا‬ ‫مف ّ‬‫الله ّ‬
‫إنما أنزلت فينللا‪ ،‬وفيمللا كنللا نقللول فللي أنفسللنا‬
‫ويقال فينا‪ .‬قال‪ :‬فرجعت إلللى بعيللري فجلسللت‬
‫عليه‪ ،‬فلحقت برسول الله وهو بالمدينة)‪.(95‬‬
‫هذه الحادثة تظهر لنا كيف أعد عمللر رضللي الللله‬
‫عيللاش بللن‬ ‫عنه خطة الهجرة للله‪ ،‬ولصللاحبيه‬
‫أبي ربيعة وهشام بن العاص بن وائل السللهمي‪،‬‬
‫وكان ثلثتهم كل واحللد مللن قبيلللة‪ ،‬وكللان مكللان‬

‫)( السيرة النبوية الصحيحة )‪.(1/205‬‬ ‫‪93‬‬

‫)( ذو طوى‪ :‬واد من أودية مكة‪.‬‬ ‫‪94‬‬

‫)( الهجرة النبوية المباركة ص ‪. 131‬‬ ‫‪95‬‬


‫اللقاء الللذي اتعللدوا فيلله بعيللدا ً عللن مكللة وخللارج‬
‫الحرم على طريللق المدينللة‪ ،‬ولقللد تحللدد الزمللان‬
‫والمكللان بالضللبط بحيللث إنلله إذا تخلللف أحللدهم‬
‫فليمللض صللاحباه ول ينتظرانلله‪ ،‬لنلله قللد حبللس‪،‬‬
‫وكما توقعوا‪ ،‬فقد حبس هشام بن العاص رضللي‬
‫الللله عنلله بينمللا مضللى عمللر وعيللاش بهجرتهمللا‬
‫)‪(96‬‬
‫ونجحت الخطة كاملة ووصل المدينللة سللالمين‬
‫إل أن قريش لا ً صللممت علللى متابعللة المهللاجرين‬
‫وللللذلك أعلللدت خطلللة محكملللة قلللام بتنفيلللذها‬
‫أبو جهل‪ ،‬والحارث وهمللا أخللوا عيللاش مللن أملله‪،‬‬
‫المر الذي جعل عياش لا ً يطمئن إليهمللا‪ ،‬وبخاصللة‬
‫إذا كان المر يتعلق بأمه‪ ،‬فاختلق أبو جهللل هللذه‬
‫الحيلة لعلمه بمدى شللفقة ورحمللة عيللاش بللأمه‪،‬‬
‫والللذي ظهللر جلي لا ً عنللدما أظهللر مللوافقته علللى‬
‫العودة معهم‪ ،‬كما تظهلر الحادثلة الحلس المنلي‬
‫الرفيع الذي كان يتمتع به عمر رضللي الللله عنلله‪،‬‬
‫حيث صدقت فراسته في أمللر الختطللاف)‪ (97‬كمللا‬
‫يظهر المستوى العظيم مللن الخللوة الللتي بناهللا‬
‫السلم فعمر يضللحي بنصللف مللاله حرص لا ً علللى‬
‫سللللمة أخيللله‪ ،‬وخوفلللا ً عليللله ملللن أن يفتنللله‬
‫المشللركون بعللد عللودته‪،‬ولكللن غلبللت عيللاش‬
‫عاطفته نحو أمه‪ ،‬وبره بها ولذلك قرر أن يمضي‬
‫لمكة فيبر قسللم أملله ويللأتي بمللاله الللذي هنللاك‪،‬‬
‫وتأبى عليه عفته أن يأخذ نصف مللال أخيلله عمللر‬
‫رضي الله عنه وماله قللائم فللي مكلله لللم يمللس‪،‬‬
‫غير أن أفق عمر رضي الله عنه كان أبعد‪ ،‬فكللأنه‬
‫)( التربية القيادية )‪.(159 /2‬‬ ‫‪96‬‬

‫)( السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث للصلبي ص‬ ‫‪97‬‬

‫‪.512‬‬
‫يرى رأي العين المصير المشللؤوم الللذي سللينزل‬
‫بعياش لو عاد إلى مكة‪ ،‬وحين عجللز عللن إقنللاعه‬
‫أعطاه ناقته اللذلول النجيبلة‪ ،‬وحلدث لعيلاش ملا‬
‫توقعه عمر من غدر المشركين)‪.(98‬‬
‫وساد في الصف المسلم أن الله تعللالى ل يقبللل‬
‫صرفا ً ول عدل ً من هللؤلء الللذين فتنللوا فللافتتنوا‬
‫وتعايشوا مع المجتمع الجاهلي فنللزل قللول الللله‬
‫م لَ‬‫ه ْ‬
‫سل ِ‬ ‫عل َللى أ َن ْ ُ‬
‫ف ِ‬ ‫فوا َ‬ ‫سلَر ُ‬ ‫َ‬
‫نأ ْ‬ ‫عَباِدي ال ّل ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ل َيا ِ‬ ‫تعالى‪ُ :‬‬
‫ق ْ‬
‫ه …‪ ‬ومللا أن نزلللت هللذه‬ ‫ة الّللل ِ‬
‫ملل ِ‬
‫ح َ‬
‫ن َر ْ‬
‫ملل ْ‬ ‫قن َ ُ‬
‫طللوا ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫اليات حتى سارع الفاروق رضي الله عنه فبعللث‬
‫بها إلى أخويه الحميميللن عيللاش وهشللام ليجللددا‬
‫محاولتهما في مغادرة معسكر الكفللر‪ .‬أي سللمو‬
‫عظيم عنللد ابللن الخطللاب رضللي الللله عنلله‪ .‬لقللد‬
‫حاول مع أخيه عياش‪ ،‬أعطاه نصف ماله على أن‬
‫ل يغادر المدينة‪ ،‬وأعطاه ناقته ليفللر عليهللا ومللع‬
‫ف منله لنلله‬‫هذا كله‪ ،‬فلم يشمت بأخيه‪ ،‬ولم يتش ّ‬
‫خللالفه‪ ،‬ورفللض نصلليحته‪ ،‬وألقللى برأيلله خلللف‬
‫ظهره‪ ،‬إنما كان شعور الحب والوفللاء لخيلله هللو‬
‫الللذي يسلليطر عليلله‪ ،‬فمللا أن نزلللت اليللة حللتى‬
‫سللارع ببعثهللا إلللى أخللويه مللن مكللة وإلللى كللل‬
‫المستضللعفين هنللاك ليقومللوا بمحللاولت جديللدة‬
‫للنضمام إلى المعسكر السلمي)‪.(99‬‬
‫هذا وقد نزل عمر بالمدينللة‪ ،‬وأصللبح وزيللر صللدق‬
‫لرسول الله ‪ ،‬وآخى النبي ‪ ‬بينه وبين عللويم‬
‫بللن سللاعدة)‪ ،(100‬وقيللل بينلله وبيللن عتبللان بللن‬

‫‪ () 98‬التربية القيادية )‪.(2/160‬‬


‫‪ () 99‬نفس المصدر )‪.(160 /2‬‬
‫‪ () 100‬مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لبن الجوزي ‪. 31‬‬
‫مالك)‪ (101‬وقيل بينه وبين معاذ بن عفراء)‪ (102‬وقد‬
‫علق ابن عبد الهادي على ذلك وقللال‪ :‬ل تنللاقض‬
‫بين الحاديث ويكون رسول الله ‪ ‬قد آخى بينلله‬
‫وبين كل أولئك في أوقللات متعللددة‪ ،‬فللإنه ليللس‬
‫بممتنللع أن يللؤاخي بينلله وبيللن كللل أولئك فللي‬
‫أوقات متعددة)‪.(103‬‬

‫‪ () 101‬الطبقات لبن سعد )‪.(3/272‬‬


‫‪ () 102‬مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لبن الجوزي ‪. 31‬‬
‫‪ () 103‬محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب‬
‫)‪.(1/184‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫التربية القرآنية والنبوية لعمر بن الخطاب‬
‫رضي الله عنه‬
‫المبحث الول‪ :‬حياة الفاروق مع القرآن الكريم‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ل‪ :‬تصببوره عببن اللببه والكببون والحيبباة والجنببة والنببار والقضبباء‬
‫والقدر‪:‬‬
‫‪ -‬كان المنهج التربوي الذي تربللى عليلله عمللر‬
‫بن الخطاب وكل الصحابة الكللرام هللو القللرآن‬
‫الكريم‪ ،‬المنللزل مللن عنللد رب العللالمين‪ ،‬فهللو‬
‫المصدر الوحيللد للتلقللي‪ ،‬فقللد حللرص الحللبيب‬
‫المصطفى على توحيد مصدر التلقللي وتفللرده‬
‫وأن يكللون القللرآن الكريللم وحللده هللو المنهللج‬
‫والفكللرة المركزيللة الللتي يلتربى عليهلا الفلرد‬
‫المسلللللم والسللللرة المسلللللمة‪ ،‬والجماعللللة‬
‫المسلمة‪ ،‬فكانت لليات الكريمة الللتي سللمعها‬
‫عمللر ملن رسلول الللله ‪ ‬مباشللرة أثرهلا فلي‬
‫صللياغة شخصللية الفللاروق السلللمية‪ ،‬فقللد‬
‫هلرت قلبلله‪ ،‬وزكللت نفسله‪ ،‬وتفلاعلت معهلا‬ ‫ط ّ‬
‫روحللله‪ ،‬فتحلللول إللللى إنسلللان جديلللد بقيمللله‬
‫ومشاعره وأهدافه وسلوكه وتطلعاته)‪.(104‬‬
‫فقد عرف الفاروق مللن خلل القللرآن الكريللم‬
‫من هو الله الذي يجب أن يعبده‪ ،‬وكللان النللبي‬
‫‪ ‬يغللرس فللي نفسلله معللاني تلللك اليللات‬
‫العظيمة فقد حرص ‪ ‬أن يربي أصللحابه علللى‬
‫التصور الصحيح عن ربهلم وعلن حقله عليهلم‪،‬‬
‫ملللدركا ً أن هلللذا التصلللور سللليورث التصلللديق‬

‫‪ () 104‬السيرة النبوية للص ّ‬


‫لبي )‪.(1/145‬‬
‫واليقيللن عنللدما تصللفى النفللوس وتسللتقيم‬
‫الفطرة‪ ،‬فأصبحت نظللرة الفللاروق إلللى الللله‪،‬‬
‫والكلللون والحيلللاة والجنلللة والنلللار‪ ،‬والقضلللاء‬
‫والقلللدر‪ ،‬وحقيقلللة النسلللان‪ ،‬وصلللراعه ملللع‬
‫الشيطان مستمدة من القللرآن الكريللم وهللدي‬
‫النبي ‪.‬‬
‫‪ -‬فالله سللبحانه وتعللالى منللزه عللن النقللائص‬
‫موصلللوف بالكملللالت اللللتي ل تتنلللاهى فهلللو‬
‫سبحانه ) واحد ل شريك له‪ ،‬ولم يتخللذ صللاحبة‬
‫ول ولدا ً (‪.‬‬
‫‪ -‬وأنه سبحانه خالق كل شيء ومالكه وملدبره‬
‫فللي‬ ‫والرض ِ‬ ‫ت َ‬‫موا ِ‬ ‫سل َ‬‫ق ال ّ‬ ‫خل َ ل َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ل ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬ ‫‪ ‬إِ ّ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ست ّ َ‬
‫هللاَر‬‫ل الن ّ َ‬ ‫شي اللي ْ َ‬ ‫غ ِ‬ ‫ش يُ ْ‬‫عْر ِ‬ ‫على ال َ‬ ‫وى َ‬ ‫ست َ َ‬‫ما ْ‬ ‫ة أّيام ٍ ث ُ ّ‬ ‫ِ ِ‬
‫ت‬‫خَرا ٍ‬ ‫سل ّ‬‫م َ‬ ‫م ُ‬ ‫جللو َ‬‫والن ّ ُ‬ ‫م لَر َ‬ ‫وال ْ َ‬
‫ق َ‬ ‫س َ‬‫م َ‬ ‫شل ْ‬ ‫وال ّ‬ ‫حِثيث ًللا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ي َطْل ُب ُل ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬‫مي َ‬ ‫عللال َ ِ‬
‫ب ال ْ َ‬ ‫ه َر ّ‬ ‫ك الل ّ ل ُ‬ ‫مُر ت َب َللاَر َ‬‫وال ْ‬ ‫ق َ‬ ‫خل ْ ُ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫ه أل َ ل َ ُ‬ ‫ر ِ‬ ‫م ِ‬‫ب ِأ ْ‬
‫‪) (54‬العراف‪،‬آية‪.(54:‬‬
‫‪ -‬وأنه تعالى مصدر كل نعمة في هللذا الوجللود‬
‫‪‬‬ ‫دقللت أو عظمللت ظهللرت أو خفيللت‬
‫ف لإ ِل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫ضّر َ‬ ‫سك ُ ْ‬
‫م ال ّ‬ ‫م ّ‬
‫ذا َ‬ ‫ن الل ّ ِ‬
‫ه ثُ ّ‬
‫م إِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة َ‬
‫ف ِ‬ ‫م ٍ‬
‫ع َ‬
‫ن نِ ْ‬
‫م ْ‬ ‫ما ب ِك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫و َ‬‫َ‬
‫ن)‪)  (53‬النحل‪،‬آية‪.(53:‬‬
‫َ‬
‫جأُرو َ‬ ‫تَ ْ‬
‫‪ -‬وأن علمه محيط بكل شيء‪ ،‬فل تخفى عليه‬
‫ول مللا‬ ‫خافية في الرض ول في السماء‬
‫يخفي النسان وما يعلن‪.‬‬
‫‪ -‬وأنلله سللبحانه يقيللد علللى النسللان أعمللاله‬
‫بواسطة ملئكته‪ ،‬في كتاب ل يترك صغيرة ول‬
‫كبيرة إل أحصاها‪ ،‬وسينشر ذلللك فللي اللحظللة‬
‫‪‬‬ ‫المناسبة والوقت المناسللب‪:‬‬
‫)ق‪،‬‬ ‫د)‪ (18‬‬
‫عِتيل ٌ‬
‫ب َ‬
‫قيل ٌ‬ ‫ل إ ِل ّ َللدَي ْ ِ‬
‫ه َر ِ‬ ‫و ٍ‬ ‫ن َ‬
‫ق ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ف ُ‬
‫ظ ِ‬ ‫ما ي َل ْ ِ‬
‫َ‬
‫آية‪.(18:‬‬
‫‪ -‬وأنه سبحانه يبتلي عبللاده بللأمور تخللالف مللا‬
‫يحبون‪ ،‬ومللا يهللوون ليعللرف النللاس معللادنهم‪،‬‬
‫ومن منهم يرضى بقضاء الله وقللدره‪ ،‬ويسلللم‬
‫للله ظللاهرا ً وباطنللا‪ ،‬فيكللون جللديرا ً بالخلفللة‬
‫والمامة والسيادة‪ ،‬ومن منهم يغضب ويسخط‬
‫ذي‬ ‫ا‪ ،‬ول يسند إليه شيء‪  :‬ال ّل ِ‬‫فل يساوي شيئ ً‬
‫َ‬ ‫خل َق ال ْموت وال ْحياةَ ل ِيبل ُلوك ُ َ‬
‫و‬
‫هل َ‬ ‫مل ً َ‬
‫و ُ‬ ‫ع َ‬
‫ن َ‬
‫سل ُ‬
‫ح َ‬
‫مأ ْ‬‫م أي ّك ُل ْ‬
‫َ ْ َ ْ‬ ‫َ ْ َ َ َ َ‬ ‫َ َ‬
‫فوُر)‪. (2‬‬ ‫زيُز ال ْ َ‬
‫غ ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ع ِ‬
‫‪ -‬وأنه سللبحانه يوفللق ويؤيللد وينصللر مللن لجللأ‬
‫إليه‪ ،‬ولذ بحماه ونزل على حكمه في كللل مللا‬
‫ب‬‫ل ال ْك َِتللا َ‬ ‫ه اّللل ِ‬
‫ذي َنللّز َ‬ ‫ول ِّيللي الّللل ُ‬ ‫يأتي وما يذر ‪ ‬إ ِ ّ‬
‫ن َ‬
‫وّلى‬
‫و ي ََتللللللللللللللللللللللللللللل َ‬
‫هللللللللللللللللللللللللللللل َ‬‫و ُ‬
‫َ‬
‫ن)‪)  (196‬العراف‪،‬آية‪.(196:‬‬ ‫حي َ‬
‫صال ِ ِ‬
‫ال ّ‬
‫‪ -‬وأنه سللبحانه وتعللالى حقلله علللى العبللاد أن‬
‫‪‬‬ ‫يعبدوه ويوحدوه فل يشركوا بلله شلليئا ً‬
‫ن)‪)  (66‬الزمر‪ ،‬آية‪:‬‬ ‫ري َ‬ ‫ن ال ّ‬
‫شاك ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫وك ُ ْ‬ ‫عب ُدْ َ‬
‫فا ْ‬ ‫ل الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫بَ ْ‬
‫‪.(66‬‬
‫‪ -‬وأنه سللبحانه حللدد مضللمون هللذه العبوديللة‪،‬‬
‫وهذا التوحيد في القرآن الكريم)‪.(105‬‬
‫وأما نظرته للكون فقد استمدها من قول الله‬
‫ق ْ َ‬
‫في‬ ‫ق الرض ِ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ن ِبال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫فُرو َ‬‫م ل َت َك ْ ُ‬
‫ل أئ ِن ّك ُ ْ‬ ‫تعالى‪ُ  :‬‬
‫يومين وت َجعُلون ل َ َ‬
‫ل‬‫ع َ‬ ‫ج َ‬‫و َ‬ ‫ن)‪َ (9‬‬ ‫مي َ‬‫عال َ ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ك َر ّ‬ ‫دا ذَل ِ َ‬ ‫دا ً‬ ‫ه أن َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ْ َ ْ ِ َ ْ َ‬
‫هللا‬ ‫في َ‬ ‫وق لدَّر ِ‬‫َ‬ ‫هللا َ‬ ‫في َ‬ ‫َ‬
‫وب َللاَرك ِ‬ ‫هللا َ‬ ‫ق َ‬‫و ِ‬‫نف ْ‬ ‫َ‬ ‫مل ْ‬ ‫ي ِ‬ ‫سل َ‬ ‫وا ِ‬‫هللا َر َ‬ ‫في َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ن) ‪ُ (10‬ثلل ّ‬ ‫سللائ ِِلي َ‬ ‫واءً ِلل ّ‬ ‫سلل َ‬ ‫ة أّيللام ٍ َ‬ ‫علل ِ‬ ‫فللي أْرب َ َ‬ ‫هللا ِ‬ ‫وات َ َ‬ ‫أق َ‬
‫ض‬
‫وِللْر ِ‬ ‫هللا َ‬ ‫ل لَ َ‬‫قللا َ‬ ‫ف َ‬‫ن َ‬ ‫خللا ٌ‬‫ي دُ َ‬ ‫هل َ‬ ‫و ِ‬ ‫ء َ‬ ‫ما ِ‬ ‫سل َ‬ ‫وى إ َِلى ال ّ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ا ْ‬
‫َ‬
‫قال ََتا أت َي َْنا َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ه ّ‬ ‫ضا ُ‬ ‫ق َ‬‫ف َ‬‫ن)‪َ (11‬‬ ‫عي َ‬ ‫طائ ِ ِ‬ ‫ها َ‬ ‫و ك َْر ً‬ ‫عا أ ْ‬ ‫و ً‬‫ا ِئ ْت َِيا طَ ْ‬
‫‪ () 105‬منهج الرسول في غرس الروح الجهادية ص ‪ 10‬إلى ‪. 16‬‬
‫ء‬
‫ما ٍ‬ ‫فللي ك ُل ّ‬ ‫فللي يلومين َ‬
‫سل َ‬ ‫ل َ‬ ‫حللى ِ‬ ‫و َ‬
‫وأ ْ‬‫َ ْ َ ْ ِ َ‬ ‫ت ِ‬ ‫وا ٍ‬‫ما َ‬
‫سل َ‬ ‫ع َ‬ ‫سلب ْ َ‬ ‫َ‬
‫ديُر‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫حفظا ذل ِك ت َق ِ‬ ‫و ِ‬
‫ح َ‬‫صاِبي َ‬
‫م َ‬‫ماءَ الدّن َْيا ب ِ َ‬‫س َ‬
‫وَزي ّّنا ال ّ‬ ‫ها َ‬ ‫مَر َ‬ ‫أ ْ‬
‫م)‪)  (12‬فصلت‪.(12-9:‬‬ ‫عِلي ِ‬ ‫ز ال ْ َ‬‫زي ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ع ِ‬
‫وأما هذه الحياة مهما طالت فهللي إلللى زوال‪،‬‬
‫وأن متاعها مهما عظم فإنه قليل حقيللر قللال‬
‫ل ال ْحياة ال لدن ْيا ك َمللا ٍ َ‬
‫ن‬ ‫ء أن َْزل ْن َللاهُ ِ‬
‫مل ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ َ‬ ‫َ َ ِ‬ ‫مث َ ُ‬ ‫تعالى‪  :‬إ ِن ّ َ‬
‫ما َ‬
‫س‬
‫ل الن ّللا ُ‬ ‫مللا ي َأ ْك ُل ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ت الرض ِ‬ ‫ه ن َب َللا ُ‬ ‫ط ب ِل ِ‬ ‫خت َل َ َ‬ ‫فللا ْ‬ ‫ء َ‬ ‫ما ِ‬ ‫سل َ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬ ‫خُر َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫وظ ل ّ‬ ‫ت َ‬ ‫واّزي ّن َ ْ‬ ‫ها َ‬ ‫ف َ‬ ‫ت الرض ُز ْ‬ ‫خذَ ْ‬ ‫ذا أ َ‬ ‫حّتى إ ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫عا ُ‬ ‫والن ْ َ‬ ‫َ‬
‫هللاًرا‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫ل‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫لا‬
‫ل‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫لا‬‫ل‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫تا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫لا‬‫ل‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬‫ع‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫رو‬ ‫د‬ ‫لا‬‫ل‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ها‬ ‫ُ‬ ‫ل‬‫ه‬‫ْ‬ ‫أَ‬
‫ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ُ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ل‬ ‫صل ُ‬ ‫ف ّ‬ ‫ك نُ َ‬ ‫س ك َلذَل ِ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ب ِللال ْ‬ ‫غل َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫دا ك َأ ْ‬ ‫صي ً‬ ‫ح ِ‬ ‫ها َ‬ ‫عل َْنا َ‬ ‫ج َ‬ ‫ف َ‬ ‫َ‬
‫ن)‪)  (24‬يونس‪،‬آية‪.(24:‬‬ ‫فك ُّرو َ‬ ‫وم ٍ ي َت َ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ت لِ َ‬ ‫الَيا ِ‬
‫وأما نظرته إلى الجنة‪ ،‬فقد استمدها من خلل‬
‫اليللات الكريمللة الللتي وصللفتها‪ ،‬فأصللبح حللاله‬
‫م‬
‫ه ْ‬
‫جن ُللوب ُ ُ‬
‫فى ُ‬ ‫ممن قال الله تعالى فيهم‪  :‬ت َت َ َ‬
‫جللا َ‬
‫مللا‬
‫م ّ‬‫و ِ‬‫عللا َ‬‫م ً‬‫وط َ َ‬‫فللا َ‬ ‫و ً‬
‫خ ْ‬‫م َ‬‫هلل ْ‬ ‫ن َرب ّ ُ‬ ‫عو َ‬
‫ع َيللدْ ُ‬‫ج ِ‬ ‫ضللا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫علل ْ‬‫َ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫هل ْ‬‫يل ُ‬ ‫فل َ‬‫خ ِ‬ ‫ما أ ْ‬‫س َ‬ ‫م ن َف ٌ‬ ‫عل ُ‬ ‫ن)‪ (16‬فل ت َ ْ‬ ‫فقو َ‬ ‫م ُين ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫َرَزقَنا ُ‬
‫َ‬
‫ن)‪ (17‬‬ ‫مُلللو َ‬ ‫ع َ‬
‫كللاُنوا ي َ ْ‬‫مللا َ‬ ‫جللَزاءً ب ِ َ‬
‫ن َ‬ ‫عُيلل ٍ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫قللّر ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫ملل ْ‬ ‫ِ‬
‫)السجدة‪،‬آية‪.(16،17:‬‬
‫وأما تصللوره للنللار فقللد اسللتمده مللن القللرآن‬
‫الكريم‪ ،‬فأصبح هذا التصور رادعا ً له في حياته‬
‫عن أي انحراف عن شريعة الله فيرى المتتبللع‬
‫لسيرة الفاروق عمق اسللتيعابه لفقلله القللدوم‬
‫على الله عز وجل‪ ،‬وشدة خوفه من عذاب الله‬
‫وعقابه‪ ،‬فقد خرج رضي الله عنه ذات ليلة في‬
‫س بالمدينللة‪ ،‬فم لّر بللدار رجللل مللن‬ ‫خلفتلله يع ل ّ‬
‫ً‬
‫المسلللمين‪ ،‬فللوافقه قائمللا يصلللي‪ ،‬فوقللف‬
‫ب‬
‫وك َِتللا ٍ‬
‫ر)‪َ (1‬‬ ‫وال ّ‬
‫طللو ِ‬ ‫يسللمع قراءتلله‪ ،‬فقللرأ‪َ  :‬‬
‫ر)‪(4‬‬
‫مللو ِ‬
‫ع ُ‬ ‫ت ال ْ َ‬
‫م ْ‬ ‫وال ْب َي ْل ِ‬
‫ر)‪َ (3‬‬ ‫شللو ٍ‬ ‫من ْ ُ‬
‫في َرقّ َ‬ ‫ر)‪ِ (2‬‬ ‫طو ٍ‬‫س ُ‬‫م ْ‬ ‫َ‬
‫جوِر)‪  (6‬إلى‬ ‫س ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ر ال ْ َ‬
‫ح ِ‬‫وال ْب َ ْ‬‫ع)‪َ (5‬‬ ‫فو ِ‬ ‫ف ال ْ َ‬
‫مْر ُ‬ ‫ق ِ‬‫س ْ‬‫وال ّ‬
‫َ‬
‫)الطور‪،‬آية‪.(7:‬‬ ‫ع)‪ (7‬‬
‫ق ٌ‬ ‫ك لَ َ‬
‫وا ِ‬ ‫ب َرب ّ َ‬ ‫ع َ‬
‫ذا َ‬ ‫أن يبلغ ‪ ‬إ ِ ّ‬
‫ن َ‬
‫قال‪ :‬قسم ورب الكعبة حق‪ .‬فنزل عن حماره‪،‬‬
‫فاستند إلى حائط‪ ،‬فمكث مليًا‪ ،‬ثللم رجللع إلللى‬
‫منزله‪ ،‬فمرض شهرا ً يعوده الناس ل يدرون ما‬
‫مرضه)‪.(106‬‬
‫وأما مفهوم القضاء والقدر فقد اسللتمده مللن‬
‫كتاب الله وتعليم رسللول الللله للله‪ ،‬فقللد رسللخ‬
‫مفهوم القضاء والقللدر فللي قلبلله‪ ،‬واسللتوعب‬
‫مراتبه من كتاب الله تعالى‪ ،‬فكان علللى يقيللن‬
‫فللي‬
‫ن ِ‬ ‫ما ت َ ُ‬
‫كو ُ‬ ‫بأن علم الله محيط بكل شيء ‪َ ‬‬
‫و َ‬
‫َ ْ‬
‫ل إ ِل ّ‬ ‫م ٍ‬ ‫ع َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ع َ‬ ‫ول َ ت َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫قْرآ ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ما ت َت ُْلوا ِ‬ ‫و َ‬ ‫ن َ‬ ‫شأ ٍ‬
‫ك‬ ‫ن َرب ّل َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ب َ‬ ‫عُز ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫في ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫ضو َ‬ ‫في ُ‬ ‫دا إ ِذْ ت ُ ِ‬ ‫هو ً‬ ‫ش ُ‬ ‫م ُ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬ ‫ك ُّنا َ‬
‫َ‬
‫غَر‬ ‫صل َ‬‫ول َ أ ْ‬ ‫ء َ‬ ‫ما ِ‬
‫سل َ‬ ‫في ال ّ‬ ‫ول َ ِ‬ ‫في الرض َ‬ ‫ة ِ‬ ‫ل ذَّر ٍ‬ ‫قا ِ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ن)‪)  (61‬يللونس‪،‬‬ ‫ول َ أك ْب ََر إ ِل ّ ِ‬ ‫َ‬ ‫ن ذَل ِ َ‬
‫مِبي ٍ‬ ‫ب ُ‬ ‫في ك َِتا ٍ‬ ‫ك َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫آية‪ .(61:‬وأن الله قد كتب كل شيء كائن ‪ ‬إ ِّنا‬
‫ل‬ ‫وك ُل ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫وآث َللاَر ُ‬ ‫موا َ‬ ‫ق لد ّ ُ‬ ‫مللا َ‬ ‫ب َ‬ ‫ون َك ْت ُل ُ‬ ‫وَتى َ‬ ‫مل ْ‬ ‫ي ال ْ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن نُ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫نَ ْ‬
‫‪) ‬يس‪،‬آية‪.(12:‬‬ ‫ن)‪(12‬‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫مام ٍ ُ‬ ‫في إ ِ َ‬ ‫صي َْناهُ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ء أ ْ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫كللا َ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫وأن مشيئة الله نافذة وقدرته تامة ‪َ ‬‬
‫فللي الرض‬ ‫ول َ ِ‬ ‫ت َ‬ ‫موا ِ‬ ‫سل َ‬ ‫فللي ال ّ‬ ‫ء ِ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫جَزهُ ِ‬ ‫ع ِ‬ ‫ه ل ِي ُ ْ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫قِديًرا)‪)  (44‬فاطر‪،‬آية‪ .(44:‬وأن الله‬ ‫ما َ‬ ‫عِلي ً‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫إ ِن ّ ُ‬
‫و‬‫هل َ‬ ‫ه إ ِل ّ ُ‬ ‫م ل َ إ ِل َل َ‬ ‫ه َرب ّك ُل ْ‬ ‫م الل ّل ُ‬ ‫خالق لكل شيء ‪ ‬ذَل ِك ُ ْ‬
‫ل)‬ ‫كيلل ٌ‬ ‫و ِ‬ ‫ء َ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫عَلى ك ُ ّ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬ ‫دوهُ َ‬ ‫عب ُ ُ‬ ‫فا ْ‬ ‫ء َ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ق كُ ّ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫َ‬
‫‪)  (102‬النعام‪،‬آية‪.(102:‬‬
‫وقللد ترتللب علللى الفهللم الصللحيح والعتقللاد‬
‫الراسخ في قلبه لحقيقة القضاء والقدر‪ ،‬ثمار‬
‫نافعة ومفيدة ظهرت في حياته وسنراها بإذن‬
‫الله تعالى في هللذا الكتللاب وعللرف مللن خلل‬

‫‪ () 106‬الرقة والبكاء‪ ،‬عبد الله بن أحمد المقدسي ص ‪. 166‬‬


‫القرآن الكريللم حقيقللة نفسلله وبنللي النسللان‬
‫وأن حقيقة النسان ترجع إلى أصلين‪ :‬الصللل‬
‫البعيللد وهللو الخلقللة الولللى مللن طيللن‪ ،‬حيللن‬
‫سواه ونفخ فيه الروح‪ ،‬والصللل القريللب وهللو‬
‫فقللال تعللالى‪  :‬اّللل ِ‬
‫)‪(107‬‬
‫ذي‬ ‫خلقلله مللن نطفللة‬
‫ن)‬ ‫طيلل ٍ‬‫ن ِ‬‫ملل ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫ق الن َ‬ ‫خل ْ َ‬‫وب َدَأ َ َ‬ ‫ه َ‬‫ق ُ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ء َ‬‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬‫أ ْ‬
‫َ‬
‫م‬‫ن)‪ (8‬ث ُل ّ‬ ‫هي ل ٍ‬ ‫م ِ‬‫ء َ‬ ‫مللا ٍ‬‫ن َ‬ ‫مل ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫س لل َل َ ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫مل ْ‬ ‫ه ِ‬‫سل َ ُ‬‫ل نَ ْ‬ ‫ع َ‬ ‫ج َ‬‫م َ‬ ‫‪ (7‬ث ُ ّ‬
‫ع‬
‫م َ‬ ‫سلل ْ‬
‫م ال ّ‬ ‫ل لَ ُ‬
‫كلل ْ‬ ‫علل َ‬ ‫ج َ‬‫و َ‬‫ه َ‬ ‫حلل ِ‬ ‫ن ُرو ِ‬ ‫ملل ْ‬‫ه ِ‬ ‫فيلل ِ‬ ‫خ ِ‬ ‫فلل َ‬ ‫ون َ َ‬‫واهُ َ‬ ‫سلل ّ‬‫َ‬
‫‪‬‬ ‫ن)‪(9‬‬ ‫شلللك ُُرو َ‬ ‫ملللا ت َ ْ‬ ‫قِليل ً َ‬ ‫فئ ِدَةَ َ‬ ‫وال ْ‬ ‫صلللاَر َ‬ ‫والب ْ َ‬ ‫َ‬
‫)السللجدة‪،‬آيللة‪.(9-7:‬وعرف أن هللذا النسللان خلقلله‬
‫الله بيده‪ ،‬وأكرملله بالصللورة الحسللنة والقامللة‬
‫المعتدلللة‪ ،‬ومنحلله العقللل والنطللق والتمييللز‬
‫وسخر الله له ما في السماء والرض‪ ،‬وفضللله‬
‫الللله علللى كللثير مللن خلقلله‪ ،‬وكرملله بإرسللاله‬
‫الرسلللل لللله‪ ،‬وأن ملللن أروع مظلللاهر تكريلللم‬
‫المللولى عللز وجللل سللبحانه للنسللان أن جعللله‬
‫أهل ً لحبه ورضاه ويكون ذلللك باتبللاع النللبي ‪‬‬
‫الذي دعا الناس إلى السلم لكي يحيللوا حيللاة‬
‫طيبة في الدنيا ويظفروا بالنعيم المقيللم فللي‬
‫كلل َ‬
‫و‬
‫رأ ْ‬‫ن ذَ َ ٍ‬
‫م ْ‬
‫حا ِ‬
‫صال ِ ً‬ ‫م َ‬
‫ل َ‬ ‫ع ِ‬
‫ن َ‬ ‫الخرة قال تعالى‪َ  :‬‬
‫م ْ‬
‫ُ‬
‫م‬‫هل ْ‬
‫زي َن ّ ُ‬ ‫ول َن َ ْ‬
‫ج ِ‬ ‫حي َللاةً طَي ّب َل ً‬
‫ة َ‬ ‫ه َ‬ ‫فل َن ُ ْ‬
‫حي ِي َن ّل ُ‬ ‫ن َ‬‫م ٌ‬ ‫مل ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫و ُ‬‫هل َ‬ ‫أنث َللى َ‬
‫و ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن)‪)  (97‬النحللل‪،‬آيللة‪:‬‬ ‫مُلو َ‬
‫ع َ‬ ‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫ما َ‬‫ن َ‬ ‫س ِ‬‫ح َ‬‫م ب ِأ ْ‬
‫ه ْ‬
‫جَر ُ‬
‫أ ْ‬
‫‪.(97‬‬
‫وعرف عمر رضي الله عنه حقيقة الصراع بين‬
‫النسللان والشلليطان وأن هللذا العللدو يللأتي‬
‫للنسان من بين يديه ومن خلفلله وعللن يمينلله‬
‫وعن شماله‪ ،‬يوسوس للله بالمعصللية ويسللتثير‬
‫فيلله كللوامن الشللهوات‪ ،‬فكللان مسللتعينا ً بللالله‬
‫‪ () 107‬أصول التربية للخلوي ص ‪. 31‬‬
‫على عدوه إبليس وانتصر عليه في حياته‪ ،‬كما‬
‫سترى مللن سلليرته‪ ،‬وتعلللم مللن قصللة آدم مللع‬
‫الشيطان في القرآن الكريم؛ أن آدم هو أصللل‬
‫البشر‪ ،‬وجوهر السلم الطاعة المطلقللة لللله‪،‬‬
‫وأن النسان له قابليللة للوقللوع فللي الخطيئة‪،‬‬
‫وتعلم من خطيئة آدم ضللرورة توكللل المسلللم‬
‫على ربه‪ ،‬وأهمية التوبة والستغفار في حيللاة‬
‫المؤمن‪ ،‬وضرورة الحتراز من الحسد والكللبر‪،‬‬
‫وأهمية التخاطب بأحسللن الكلم مللع الصللحابة‬
‫ي‬
‫ه َ‬‫قوُلوا ال ِّتي ِ‬
‫عَباِدي ي َ ُ‬ ‫ق ْ‬
‫ل لِ ِ‬ ‫لقول الله تعالى‪َ  :‬‬
‫و ُ‬
‫ش لي ْ َ‬ ‫ش لي ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن ك َللا َ‬
‫ن‬ ‫طا َ‬ ‫ن ال ّ‬
‫م إِ ّ‬
‫هل ْ‬ ‫ن َين لَز ُ‬
‫غ ب َي ْن َ ُ‬ ‫طا َ‬ ‫ن ال ّ‬
‫ن إِ ّ‬
‫س ُ‬‫ح َ‬
‫أ ْ‬
‫عدُّوا ُمِبيًنا)‪)  (53‬السراء‪،‬آية‪ .(53:‬وسار‬ ‫ن َ‬ ‫سا ِ‬‫ِللن َ‬
‫علللى منهللج رسللول الللله فللي تزكيللة أصللحابه‬
‫لرواحهللم وتطهيللر قلللوبهم بللأنواع العبللادات‬
‫وتربيتهم على التخلق بأخلق القرآن الكريم‪.‬‬
‫لقد أكرم المولى عز وجللل عمللر بللن الخطللاب‬
‫بالسلم الذي قدم له عقيللدة صللحيحة صللافية‬
‫خلفللت عقيللدته الولللى‪ ،‬وقضللت فللي نفسلله‬
‫عليها فانهارت أركان الوثنية‪ ،‬فل زلفى لوثن‪،‬‬
‫ول بنلات للله‪ ،‬ول صلهر بيلن الجلن واللله‪ ،‬ول‬
‫كهانة تحدد للمجتمع مساره‪ ،‬وتقللذف بلله فللي‬
‫تيه التشاؤم والطيرة ول عدم بعد المللوت)‪،(108‬‬
‫انتهى ذلك كله وخلفتلله عقيللدة اليمللان بللالله‬
‫وحللده مص ل ّ‬
‫فاة مللن الشللرك‪ ،‬والولللد والكهانللة‬
‫والعدم بعد الحياة الدنيا‪ ،‬ليحل اليمللان بللآخرة‬
‫ينتهي إليها عمل النسللان فلي تقللويم مجللزي‬
‫عليه‪ ،‬انتهى عبث الجاهلية فللي حيللاة بل بعللث‬

‫‪ () 108‬عمر بن الخطاب‪ ،‬علي الخطيب ص ‪. 51‬‬


‫ول مسللؤولية أمللام الللديان وخلفتهللا عقيللدة‬
‫اليمان باليوم الخر ومسؤولية الجزاء وانصهر‬
‫عمر بكليته في هذا الدين وأصبح الله ورسوله‬
‫أحب إليه مما سواهما‪ ،‬وعبللد الللله وحللده فللي‬
‫إحسللان كأنمللا يللراه)‪ ،(109‬وتربللى عمللر علللى‬
‫القرآن الكريم وتنقل به من تشريع إلى آداب‪،‬‬
‫ومن تاريخ إلللى حكمللة‪ ،‬فللي عطللاء مسترسللل‬
‫كريم‪ ،‬مع توفيق من الله تعالى له في العيللش‬
‫مع القرآن الكريم الذي أثللر فللي عقللله وقلبلله‬
‫ونفسه وروحه وانعكست ثمللار تلللك المعايشللة‬
‫على جوارحه‪ ،‬وكان سللبب ذلللك – بعللد توفيللق‬
‫الله له – تتلمذه على يدي رسول الله)‪.(110‬‬

‫‪ () 109‬عمر بن الخطاب‪ ،‬حياته‪ ،‬علمه‪ ،‬أدبه ص ‪. 51‬‬


‫‪ () 110‬نفس المصدر ص ‪. 52‬‬
‫ثاني بًا‪ :‬موافقببات عمببر للقببرآن الكريببم‪ ،‬وإلمببامه بأسببباب النببزول‬
‫وتفسيره لبعض اليات‪:‬‬

‫‪ -1‬موافقات عمر للقرآن الكريم‪:‬‬


‫كان عمللر مللن أكللثر الصللحابة شللجاعة وجللرأة‪،‬‬
‫فكلللثيرا ً ملللا كلللان يسلللأل الرسلللول ‪ ‬علللن‬
‫التصلرفات الللتي لللم يللدرك حكمهللا‪ ،‬كمللا كللان‬
‫رضي الله عنه يبدي رأيه واجتهاده بكللل صللدق‬
‫ووضوح ومن شدة فهملله واسللتيعابه لمقاصللد‬
‫القللرآن الكريللم نللزل القللرآن الكريللم موافقلا ً‬
‫لرأيه رضي الله عنه في بعض المواقلف‪ ،‬قلال‬
‫عمر رضي الله عنه‪ :‬وافقللت الللله تعللالى فللي‬
‫ثلث‪ ،‬أو وافقللت ربللي فللي ثلث‪ ،‬قلللت‪ :‬يللا‬
‫رسللول الللله لللو اتخللذت مللن مقللام إبراهيللم‬
‫مص لّلى‪ ،‬فللأنزل الللله تعللالى ذلللك‪ ،‬وقلللت‪ :‬يللا‬ ‫ُ‬
‫رسول الله‪ ،‬يللدخل عليللك الللبّر والفللاجر‪ ،‬فلللو‬
‫أمرت أمهات المؤمنين بالحجللاب‪ ،‬فللأنزل الللله‬
‫تعالى آية الحجاب‪ ،‬قال‪ :‬وبلغني معاتبة النللبي‬
‫‪ ‬بعللض أزواجلله‪ ،‬فللدخلت عليهللن‪ ،‬قلللت‪ :‬إن‬
‫انتهيتللن أو ليبللدلن الللله رسللوله خيللرا ً منكللن‪،‬‬
‫حتى أتيت إحدى نسائه‪ ،‬قالت‪ :‬يا عمر‪ ،‬أما في‬
‫رسول الله ‪ ‬ما يعللظ نسللاءه‪ ،‬حللتى تعظهللن‬
‫َ‬ ‫ن طَل ّ َ‬ ‫أنت)‪(111‬؟ فأنزل الله‪َ  :‬‬
‫ن‬ ‫نأ ْ‬‫قك ُ ّ‬ ‫ه إِ ْ‬
‫سى َرب ّ ُ‬
‫ع َ‬
‫يبدل َ َ‬
‫ت‬ ‫ت َ‬
‫قان ِت َللا ٍ‬ ‫من َللا ٍ‬ ‫م ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ت ُ‬‫ما ٍ‬
‫س لل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫من ْك ُل ّ‬
‫ن ُ‬ ‫خي ْلًرا ِ‬‫جا َ‬ ‫وا ً‬‫ه أْز َ‬
‫ُ ْ ِ ُ‬
‫ت َوأ َب ْك َلللاًرا)‪ (5‬‬ ‫ت ث َي ّب َلللا ٍ‬
‫حا ٍ‬‫سلللائ ِ َ‬‫ت َ‬‫دا ٍ‬ ‫عاب ِللل َ‬‫ت َ‬ ‫َتائ ِب َلللا ٍ‬
‫)التحريم‪،‬آية‪.(5:‬‬
‫‪ -2‬ومن موافقته في ترك الصلة على المنافقين‪:‬‬

‫‪ () 111‬البخاري‪ ،‬ك التفسير رقم ‪. 4213‬‬


‫دعللي‬ ‫قال عمر‪ :‬لما تللوفي عبللد الللله بللن أبللي ُ‬
‫رسول الله ‪ ‬للصلة عليه‪ ،‬فقللام إليلله‪ ،‬فلمللا‬
‫وقف عليه يريد الصلة تحولت حتى قمت فللي‬
‫و الللله‬‫صدره فقلت‪ :‬يا رسول الللله‪ :‬أعلللى عللد ّ‬
‫ي القللائل يللوم كللذا‪ :‬كللذا وكللذا‪،‬‬ ‫عبد الله بن أب ّ‬
‫والقائل يوم كذا‪ :‬كذا وكذا أعدد أيامه الخبيثللة‬
‫ورسول الله ‪ ‬يبتسم حللتى إذا أكللثرت عليلله‪،‬‬
‫قلللللللللللللللال‪ :‬أخلللللللللللللللر عنلللللللللللللللي‬
‫يا عمر‪ ،‬إني خّيرت فللاخترت‪ :‬قللد قيللل لللي‪ :‬‬
‫َ‬
‫م‬ ‫فْر ل َ ُ‬
‫هلل ْ‬ ‫غ ِ‬ ‫سللت َ ْ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م إِ ْ‬‫هلل ْ‬‫فْر ل َ ُ‬‫غ ِ‬‫سللت َ ْ‬‫و ل َ تَ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫هلل ْ‬ ‫فْر ل َ ُ‬
‫غ ِ‬‫سللت َ ْ‬ ‫ا ْ‬
‫َ‬
‫مك َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫مّرةً َ‬
‫فلُروا‬ ‫ه ْ‬‫م ذَِللك ِبلأن ّ ُ‬ ‫هل ْ‬ ‫هل ُ‬ ‫فلَر اللل ُ‬ ‫غ ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫فل ْ‬ ‫ن َ‬‫عي َ‬ ‫سب ْ ِ‬
‫َ‬
‫ن)‪(80‬‬ ‫قي َ‬ ‫سل ِ‬ ‫فا ِ‬ ‫ْ‬
‫م ال َ‬ ‫و َ‬
‫قل ْ‬ ‫ْ‬
‫دي ال َ‬ ‫هل ِ‬ ‫ه ل َ يَ ْ‬ ‫ّ‬
‫واللل ُ‬ ‫ه َ‬ ‫سول ِ ِ‬ ‫وَر ُ‬‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ِبالل ِ‬
‫‪) ‬التوبة‪،‬آية‪ .(80:‬فلو أعلللم أنللي إن زدت علللى‬
‫السبعين غفر له زدت‪ .‬ثم صللى عليله ومشلى‬
‫معه على قللبره حللتى فللرغ منلله‪ ،‬فعجبللت لللي‬
‫ولجرأتللي علللى رسللول الللله‪ ،‬والللله ورسللوله‬
‫أعلللم‪ ،‬فللوالله مللا كللان إل يسلليرا ً حللتى نزلللت‬
‫َ‬
‫ت‬
‫مللا َ‬
‫م َ‬
‫هل ْ‬
‫من ْ ُ‬
‫د ِ‬ ‫عل َللى أ َ‬
‫حل ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫ول َ ت ُ َ‬
‫صل ّ‬ ‫هاتان اليتان‪َ  :‬‬
‫رِه ‪) ‬التوبة‪،‬آية‪ .(84:‬فما صلى‬ ‫عَلى َ‬ ‫ول َ ت َ ُ‬ ‫َ‬
‫قب ْ ِ‬ ‫م َ‬
‫ق ْ‬ ‫دا َ‬
‫أب َ ً‬
‫رسول الله ‪ ‬بعده على منافق ول قللام علللى‬
‫قبره حتى قبضه الله عز وجل)‪.(112‬‬

‫‪ -3‬موافقته في أسرى بدر‪:‬‬


‫قال عمر ‪ -‬رضي الله عنه ‪ : -‬لما كان يوم بللدر‬
‫وهللزم الللله المشللركين فقتللل منهللم سللبعون‬
‫وأسر سللبعون‪ ،‬استشللار رسللول الللله أبللا بكللر‬
‫وعمر وعثمان وعليًا‪ ،‬فقال لي‪ :‬مللا تللرى يللا‬

‫‪ () 112‬مسلم رقم ‪ ،2400‬أخبار عمر الطنطاويان ص ‪. 380،381‬‬


‫ابللن الخطللاب؟ فقلللت‪ :‬أرى أن تمكننللي مللن‬
‫فلن – قريب لعمللر – فأضللرب عنقلله‪ ،‬وتمكللن‬
‫علي لا ً مللن عقيللل)‪ ،(113‬فيضللرب عنقلله‪ ،‬وتمكللن‬
‫حمزة من فلن فيضرب عنقه‪ ،‬حتى يعلم الللله‬
‫أنه ليس في قلوبنا هللوادة للمشللركين‪ ،‬هللؤلء‬
‫و رسول‬ ‫صناديدهم وأئمتهم‪ ،‬وقادتهم‪ .‬فلم يه َ‬
‫الله ‪ ‬ما قلت‪ ،‬فأخذ منهم الفداء‪ .‬فلمللا كللان‬
‫من الغد غدوت إلللى النللبي ‪ ‬فللإذا هللو قاعللد‬
‫وأبلللللو بكلللللر‪ ،‬وهملللللا يبكيلللللان‪ ،‬فقللللللت‬
‫يا رسول الله مللا يبكيللك أنللت وصللاحبك؟ فللإن‬
‫وجدت بكللاءً بكيللت‪ ،‬وإن لللم أجللد بكللاء تبللاكيت‬
‫ي‬‫ض عللل ّ‬ ‫عللَر َ‬ ‫لبكائكمللا‪ ،‬قللال النللبي ‪ :‬للللذي َ‬
‫ي‬ ‫عللرض عللل ّ‬ ‫أصللحابك‪ )) :‬مللن الفللداء‪ ،‬لقللد ُ‬
‫عللذابكم أدنللى مللن هللذه الشللجرة (( ‪ -‬لشللجرة‬
‫َ‬
‫ن‬
‫يأ ْ‬ ‫ن ل ِن َِبلل ّ‬ ‫كللا َ‬ ‫مللا َ‬ ‫قريبة ‪ -‬فأنزل الله تعللالى‪َ  :‬‬
‫سَرى ‪ ‬إلى قوله ‪َ ‬‬ ‫كون ل َ َ‬
‫م)‪(68‬‬ ‫ظيلل ٌ‬ ‫ع ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫علل َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫يَ ُ َ ُ‬
‫‪) ‬النفال‪،‬آية‪،(68:‬لل فلما كان من العللام المقبللل‬
‫قتل منهم سبعون‪ ،‬وفللر أصللحاب رسللول الللله‬
‫سللَرت ربللاعيته)‪ ،(114‬وهشللمت البيضللة)‪،(115‬‬ ‫وك ُ ِ‬
‫على رأسه‪ ،‬وسللال الللدم علللى وجهلله‪ ،‬وأنللزل‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫صللب ْت ُ ْ‬‫قللدْ أ َ‬ ‫ة َ‬ ‫صلليب َ ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫م ُ‬ ‫صللاب َت ْك ُ ْ‬ ‫مللا أ َ‬ ‫ول َ ّ‬‫الله تعالى‪  :‬أ َ‬
‫م ‪‬‬ ‫سلك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫د أ َن ْ ُ‬‫عن ْل ِ‬‫ن ِ‬‫مل ْ‬ ‫و ِ‬ ‫هل َ‬‫ل ُ‬ ‫ق ْ‬‫ذا ُ‬ ‫ه َ‬ ‫م أ َّنى َ‬‫قل ْت ُ ْ‬
‫ها ُ‬‫مث ْل َي ْ َ‬
‫ِ‬
‫ديٌر)‬ ‫قل ِ‬ ‫ء َ‬ ‫ي ٍ‬ ‫شل ْ‬ ‫ل َ‬ ‫عل َللى ك ُل ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّل َ‬ ‫بأخذكم الفداء ‪ ‬إ ِ ّ‬
‫‪)  (165‬آل عمران‪،‬آية‪(165:‬‬
‫)‪(116‬‬
‫‪.‬‬

‫‪ () 113‬عقيل بن أبي طالب الهاشمي أسلم يوم الفتح وتوفي في‬


‫أول خلفة يزيد‪.‬‬
‫ّ‬
‫ن التي بين الثنية والناب‪.‬‬
‫س ُ‬
‫)( الرباعية‪ :‬ال ّ‬
‫‪114‬‬

‫خذة سميت بذلك لنها على شكل بيضة النعام‪.‬‬ ‫‪ () 115‬البيضة‪ :‬ال ُ‬
‫‪ -4‬موافقته في الستئذان‪:‬‬
‫أرسل النبي ‪ ‬غلما ً من النصار إلى عمر بلن‬
‫وه‪ ،‬فللدخل عليلله‬‫الخطاب‪ .‬وقت الظهيرة ليللدع َ‬
‫وكان نائما ً وقد انكشف بعللض جسللده‪ ،‬فقللال‪:‬‬
‫اللهم حّرم الدخول علينا في وقت نومنا وفي‬
‫)رواية( قال‪ :‬يا رسول الللله وددت لللو أن الللله‬
‫‪‬‬ ‫فنزلت‬ ‫)‪(117‬‬
‫أمرنا ونهانا في حال الستئذان‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫مللان ُك ُ ْ‬‫ت أي ْ َ‬ ‫مل َك َل ْ‬
‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّل ِ‬ ‫س لت َأِذن ْك ُ ْ‬ ‫من ُللوا ل ِي َ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫َياأي ّ َ‬
‫ل‬ ‫قب ْل ِ‬ ‫ن َ‬ ‫مل ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫م لّرا ٍ‬ ‫ث َ‬ ‫م ث َل َ َ‬ ‫من ْك ُل ْ‬ ‫م ِ‬ ‫حل ُل َ‬‫غوا ال ْ ُ‬ ‫م ي َب ْل ُ ُ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ْ‬ ‫ل‬
‫مل‬ ‫ِ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ة‬
‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ل‬
‫هيل‬
‫ِ َ‬ ‫ّ‬ ‫ظ‬ ‫ال‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ب‬‫يا‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ث‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫عو‬‫ُ‬ ‫ض‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫حي‬
‫ِ‬ ‫و‬
‫ِ َ‬ ‫ر‬ ‫ج‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ة‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ص‬‫َ‬
‫‪.‬‬
‫)‪(118‬‬
‫ء ‪) ‬النور‪،‬آية‪(58:‬‬ ‫عشا ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ة ال ِ‬ ‫صل ِ‬‫َ‬ ‫د َ‬ ‫ع ِ‬ ‫بَ ْ‬

‫‪ -‬عمر ودعاؤه في تحريم الخمر‪:‬‬


‫ر‬
‫مل ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫خ ْ‬ ‫ع ْ‬ ‫سأ َُلون َ َ‬
‫ك َ‬ ‫لما نزل قول الله تعالى‪  :‬ي َ ْ‬
‫ر ‪) ‬البقرة‪،‬آية‪ .(219:‬قال عمر‪ :‬اللهم بين‬ ‫س ِ‬ ‫وال ْ َ‬
‫مي ْ ِ‬ ‫َ‬
‫لنا في الخمر بيانلا ً شللافيا ً فنزلللت اليللة الللتي‬
‫في النساء ‪َ ‬ياأي ّ َ‬
‫َ‬
‫ص لل َ َ‬
‫ة‬ ‫من ُللوا ل َ ت َ ْ‬
‫قَرب ُللوا ال ّ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬
‫كاَرى ‪) ‬النساء‪،‬آية‪ (43:‬فكان منادي النبي‬ ‫س َ‬ ‫َ‬
‫م ُ‬
‫وأن ْت ُ ْ‬‫َ‬
‫‪ ‬إذا أقام الصلللة نللادى أن ل يقربللن الصلللة‬
‫سللكران‪ ،‬فللدعي عمللر فقللرئت عليلله‪ ،‬فقللال‪:‬‬
‫اللهم بين لنا في الخمللر بيانلا ً شللافيًا‪ ،‬فنزلللت‬
‫الية فللي المللائدة فللدعي عمللر فقللرئت عليلله‬
‫فه ْ َ‬
‫ن)‪) (91‬المائدة‪،‬آية‪.(91:‬‬ ‫هو َ‬ ‫منت َ ُ‬ ‫م ُ‬‫ل أن ْت ُ ْ‬ ‫فلما بلغ‪َ َ ‬‬

‫‪ () 116‬مسند أحمد )‪ (1/250‬رقم ‪ 221‬وصححه أحمد شاكر‪ ،‬مسلم‬


‫بنحوه رقم ‪. 1763‬‬
‫‪ () 117‬الرياض النضرة ص ‪ 332‬سنده ضعيف ذكره الواقدي بدون‬
‫إسناد‪.‬‬
‫‪ () 118‬الفتاوى )‪.(28/10‬‬
‫قللال عمللر‪ :‬انتهينللا‪ ،‬انتهينللا)‪ ،(119‬وهكللذا خضللع‬
‫هل ْ‬
‫ل‬ ‫تحريم الخمر لسنة التدريج وفي قللوله ‪َ ‬‬
‫ف َ‬
‫‪ ‬فهم عمر من السللتفهام‬ ‫ن)‪(91‬‬ ‫َ‬
‫هو َ‬‫منت َ ُ‬
‫م ُ‬
‫أن ْت ُ ْ‬
‫الستنكاري بللأن المللراد بلله التحريللم‪ ،‬لن هللذا‬
‫السللتفهام أقللوى وأقطللع فللي التحريللم مللن‬
‫النهللي العللادي‪ ،‬ففللي ألفللاظ اليللة وتركيبهللا‬
‫وصياغتها تهديد رهيللب واضللح كالشللمس فللي‬
‫التحريم)‪.(120‬‬

‫‪ -‬إلمامه بأسباب النزول‪:‬‬


‫)‪(121‬‬
‫‪ ،‬فللي الفللترة الللتي‬ ‫حفظ عمر القرآن كللله‬
‫بدأت بإسلمه‪ ،‬وانتهت بوفاة الرسول ‪ ‬وقللد‬
‫حفظه مع أسباب التنزيللل إل مللا سللبق نزوللله‬
‫قبل إسلمه‪ ،‬فذلك مما جمعه جملة ول مبالغة‬
‫إذا قلنللا‪ :‬أن عمللر كللان علللى علللم بكللثير مللن‬
‫أسباب التنزيل‪ ،‬وبخاصة في الفترة السلللمية‬
‫مللن حيللاته‪ ،‬ثللم لشللدة اتصللاله بللالتلقي عللن‬
‫رسول الله ‪ ‬ثم هو قد حفللظ منلله مللا فللاته‪،‬‬
‫فإن يلم بأسباب النزول والقرآن بكر التنزيل‪،‬‬
‫والحللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللوادث‬
‫ل تزال تترى فذلك أمر يسير)‪.(122‬‬
‫وقد كان عمر سببا ً في التنزيل لكثر من آيللة‪،‬‬
‫بعضها متفق على مكيته‪ ،‬وبعضللها مللدني‪ ،‬بللل‬
‫كللان بعللض اليللات يحظللى مللن عمللر بمعرفللة‬
‫زمانه ومكانه على وجه دقيق‪ ،‬قللال عللن اليللة‬
‫صححه أحمد شاكر في تخريجه لحاديث المسند رقم ‪. 378‬‬ ‫‪() 119‬‬
‫شهيد المحراب للتلمساني ص ‪. 101‬‬ ‫‪() 120‬‬
‫التقان في علوم القرآن للسيوطي )‪(1/72‬‬ ‫‪() 121‬‬
‫عمر بن الخطاب د‪ .‬علي الخطيب ص ‪. 90،91،92‬‬ ‫‪() 122‬‬
‫ت‬ ‫الكريمة ‪ … ‬ال ْي لوم أ َك ْمل ْ لت ل َك ُلم دين َك ُلم َ‬
‫مل ُ‬
‫م ْ‬
‫وأ ت ْ َ‬
‫ْ َ‬ ‫ْ ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫سللل ََم ِديًنللا… ‪‬‬ ‫م ال ْ‬ ‫َ‬
‫تل ُ‬
‫كلل ْ‬ ‫ضللي ُ‬ ‫وَر ِ‬‫مِتللي َ‬
‫ع َ‬
‫م نِ ْ‬ ‫عل َي ْ ُ‬
‫كلل ْ‬ ‫َ‬
‫)المائدة‪،‬آية‪ (3:‬والله إني لعلم اليوم الذي نزلللت‬
‫فيه على رسول الله والساعة التي نزلت فيها‬
‫علللى رسللول الللله عشللية عرفللة فللي يللوم‬
‫الجمعة)‪ ،(123‬وقد كان عمر – وحده أو مع غيللره‬
‫– سببا ً مباشرا ً في تنزيللل بعللض اليللات منهللا‪،‬‬
‫َ‬
‫ة‬
‫مللاَر َ‬
‫ع َ‬
‫و ِ‬
‫ج َ‬ ‫ة ال ْ َ‬
‫حللا ّ‬ ‫سل َ‬
‫قاي َ َ‬ ‫عل ْت ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫قول الله تعالى‪  :‬أ َ‬
‫ج َ‬
‫هلدَ‬ ‫جا َ‬ ‫و َ‬ ‫ر َ‬ ‫خل ِ‬ ‫وم ِ ال ِ‬ ‫وال ْي َل ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن ِبالل ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫نآ َ‬ ‫م ْ‬ ‫حَرام ِ ك َ َ‬ ‫د ال ْ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫والّلللل ُ‬
‫ه‬ ‫ه َ‬ ‫عْنلللدَ الّلللل ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫وو َ‬ ‫سلللت َ ُ‬ ‫ه ل َ يَ ْ‬ ‫ل الّلللل ِ‬ ‫سلللِبي ِ‬ ‫فلللي َ‬ ‫ِ‬
‫جُروا‬ ‫هللا َ‬ ‫و َ‬ ‫من ُللوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن)‪ (19‬ال ل ِ‬ ‫مي َ‬ ‫م الظال ِ ِ‬ ‫ّ‬ ‫و َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ْ‬
‫دي ال َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ل يَ ْ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وأن ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫عظل ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫سل ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫وال ِ ِ‬ ‫م َ‬‫ه ِبلأ ْ‬ ‫ل اللل ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫في َ‬ ‫دوا ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫جا َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫ل‬ ‫ش‬‫ّ‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫(‬ ‫‪20‬‬ ‫ن)‬ ‫زو‬ ‫ئ‬ ‫لا‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ئ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫د‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ة‬ ‫ج‬ ‫ر‬
‫ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫دَ َ‬
‫م‬ ‫عي ل ٌ‬ ‫هللا ن َ ِ‬ ‫في َ‬ ‫م ِ‬ ‫هل ْ‬ ‫تل ُ‬ ‫َ‬ ‫جن ّللا ٍ‬ ‫و َ‬ ‫ن َ‬ ‫وا ٍ‬ ‫ضل َ‬ ‫ر ْ‬ ‫و ِ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْل ُ‬‫ة ِ‬ ‫م ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫م ب َِر ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫َرب ّ ُ‬
‫م)‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ظي ٌ‬ ‫ع ِ‬ ‫جٌر َ‬ ‫عن ْدَهُ أ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ن الل َ‬ ‫دا إ ِ ّ‬ ‫ها أب َ ً‬ ‫في َ‬ ‫ن ِ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫م)‪َ (21‬‬ ‫قي ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫‪)  (22‬التوبة‪،‬آبة‪.(22-19:‬‬
‫وفي الصحيح‪ :‬أن رجل ً قال‪ :‬ل أبالي أل أعمللل‬
‫عمل ً بعد السلم إل أن أعمر المسجد الحللرام‪،‬‬
‫فقال علي بن أبي طالب‪ :‬الجهللاد فللي سللبيل‬
‫الللله أفضللل مللن هللذا كللله‪ .‬فقللال عمللر بللن‬
‫الخطاب‪ :‬ل ترفعوا أصواتكم عند منللبر رسللول‬
‫الله‪ .‬ولكن إذا قضيت الصلة‪ .‬سألته عن ذلللك‪،‬‬
‫فسأله‪ ،‬فأنزل اللله هلذه اليلة‪ ،‬فلبين لهلم أن‬
‫اليمللان والجهللاد أفضللل مللن عمللارة المسللجد‬
‫الحلللرام والحلللج والعملللرة والطلللواف وملللن‬
‫الحسان إلى الحجللاج‪ ،‬بالسللقاية‪ ،‬ولهللذا قللال‬
‫أبو هريرة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ : -‬لن أرابللط ليلللة‬

‫‪ () 123‬إسناده صحيح على شرط الشيخين الموسوعة الحديثية‬


‫مسند أحمد رقم ‪. 188‬‬
‫في سبيل الله‪ ،‬أحللب إلللي مللن أن أقللوم ليلللة‬
‫القدر عند الحجر السود)‪.(124‬‬
‫‪ -‬سؤاله لرسول الله ‪ ‬عن بعض اليات‪:‬‬
‫كان عمر رضي الله عنه يسللأل رسللول الللله ‪‬‬
‫عن بعض اليات وأحيانا ً أخللرى يسللمع صللحابيا ً‬
‫يستفسللر مللن رسللول الللله عللن بعللض اليللات‬
‫فيحفظها ويعلمها لمن أراد مللن طلب العلللم‪،‬‬
‫علللى بللن أميللة‪ ،‬قللال‪ :‬سللألت عمللر بللن‬ ‫فعللن ي َ ْ‬
‫َ‬
‫ص لُروا‬
‫ق ُ‬‫ن تَ ْ‬
‫حأ ْ‬‫جن َللا ٌ‬ ‫عل َي ْك ُل ْ‬
‫م ُ‬ ‫فل َي ْل َ‬
‫س َ‬ ‫الخطاب‪ ،‬قلت‪َ :‬‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫م ال ّللللل ِ‬
‫ذي َ‬ ‫فت ِن َك ُللللل ْ‬
‫ن يَ ْ‬
‫مأ ْ‬ ‫خ ْ‬
‫فت ُللللل ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫صلللللل َ ِ‬
‫ة إِ ْ‬ ‫ن ال ّ‬
‫مللللل ْ‬
‫ِ‬
‫فلللُروا ‪) ‬النسلللاء‪،‬آيلللة‪،(101:‬للل وقلللد أملللن اللللله‬ ‫كَ َ‬
‫الناس)‪(125‬؟! فقال لي عمر‪ :‬عجبت مما عجبللت‬
‫منه‪ ،‬فسألت رسول الله ‪ ‬عللن ذلللك‪ ،‬فقللال‪:‬‬
‫دق اللللله بهلللا عليكلللم‪ ،‬فلللاقبلوا‬ ‫صلللدقة تصللل ّ‬
‫صدقته)‪ ،(126‬وقد سللئل عمللر بللن الخطللاب عللن‬
‫ن‬
‫ملل ْ‬
‫م ِ‬
‫ن ب َِنللي آدَ َ‬
‫ملل ْ‬
‫ك ِ‬ ‫وإ ِذْ أ َ َ‬
‫خللذَ َرّبلل َ‬ ‫هللذه اليللة‪َ  :‬‬
‫م ‪) ‬العراف‪،‬آية‪ ،(172:‬فقال عمر‪:‬‬ ‫ه ْ‬‫م ذُّري ّت َ ُ‬
‫ه ْ‬
‫ر ِ‬ ‫ظُ ُ‬
‫هو ِ‬
‫سللئل عنهللا‪ ،‬فقللال‬ ‫سللمعت رسللول الللله ‪ُ ‬‬
‫رسللول الللله ‪ :‬إن الللله خلللق آدم ثللم مسللح‬
‫ظهللره بيمينلله‪ ،‬واسللتخرج منلله ذريللة‪ ،‬فقللال‪:‬‬
‫خلقت هؤلء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملللون‪،‬‬
‫ثم مسح ظهللره فاسللتخرج منلله ذريللة‪ ،‬فقللال‪:‬‬
‫خلقت هؤلء للنار وبعمل أهللل النللار يعملللون‪،‬‬
‫فقللال رجللل‪ :‬يللا رسللول الللله‪ ،‬ففيللم العمللل؟‬

‫‪ () 124‬الفتاوى )‪.(28/10‬‬
‫‪ () 125‬وفي رواية‪ :‬أمن الناس‪.‬‬
‫‪ () 126‬إسناده صحيح على شرط مسلم‪ ،‬مسند أحمد رقم ‪174‬‬
‫الموسوعة الحديثية‪.‬‬
‫فقال رسول الله ‪ :‬إن الله عز وجل إذا خلق‬
‫العبد للجنة استعمله بعمللل أهللل الجنللة‪ ،‬حللتى‬
‫ل مللن أعمللال أهللل الجنللة‪،‬‬ ‫يمللوت علللى عملل ٍ‬
‫فيدخله به الجنة‪ ،‬وإذا خلق العبد للنار استعمله‬
‫بعمل أهل النار‪ ،‬حللتى يمللوت علللى عمللل مللن‬
‫أعمال أهل النار‪ ،‬فيدخله به النار)‪.(127‬‬
‫ع‬
‫مل ُ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫ج ْ‬ ‫هَز ُ‬ ‫ولما نلزل قلول اللله تعللالى‪َ  :‬‬
‫س لي ُ ْ‬
‫ن الدّب َُر)‪)  (45‬القمر‪،‬آية‪ .(45:‬قال عمر‪ :‬أي‬ ‫وّلو َ‬
‫وي ُ َ‬
‫َ‬
‫جمع يهزم؟ أي جمع يغلللب؟ قللال عمللر‪ :‬فلمللا‬
‫كان يوم بدر رأيللت رسللول الللله ‪ ‬يثبللت فللي‬
‫ن‬‫ول ّللو َ‬
‫وي ُ َ‬‫ع َ‬‫مل ُ‬ ‫ج ْ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫هَز ُ‬ ‫الدرع وهو يقللول‪َ  :‬‬
‫سلي ُ ْ‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(128‬‬
‫الدّب َُر ‪ ‬فعرفت تأويلها يومئذ‬

‫‪ -‬تفسير عمر لبعض اليات وبعض تعليقاته‪:‬‬


‫كللان عمللر يتح لّرج فللي تفسللير القللرآن برأيلله‬
‫ولللللذلك لمللللا سللللئل عللللن قللللوله تعللللالى‬
‫ت ذَْرًوا ‪ ‬قللال‪ :‬هللي الريللاح‪ ،‬ولللول‬ ‫رَيا ِ‬ ‫‪َ ‬‬
‫واللل ّ‬
‫ذا ِ‬
‫أنللللي سللللمعت رسللللول الللللله ‪ ‬يقللللوله‬
‫قللًرا ‪ .‬قللال‪:‬‬ ‫و ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫مل َ ِ‬ ‫فال ْ َ‬
‫حللا ِ‬ ‫مللا قلتلله‪ ،‬قيللل‪َ  :‬‬
‫السللحاب‪ ،‬ولللول أنللي سللمعت رسللول الللله ‪‬‬
‫س لًرا ‪‬؟‬‫ت يُ ْ‬ ‫ري َللا ِ‬‫جا ِ‬‫فال ْ َ‬‫يقللوله مللا قلتلله‪ ،‬قيللل‪َ  :‬‬
‫قال‪ :‬السفن‪ ،‬ولول أنللي سللمعت رسللول الللله‬
‫ت أ َْم لًرا ‪‬؟‬
‫ما ِ‬‫سل َ‬ ‫ق ّ‬ ‫م َ‬‫فال ْ ُ‬‫يقوله مللا قلتلله‪ ،‬قيللل‪َ  :‬‬
‫قال‪ :‬هي الملئكة‪ ،‬ولول أنللي سللمعت رسللول‬
‫الله ‪ ‬يقوله ما قلته)‪ ،(129‬وكان رضي الله عنه‬
‫له منهج في تفسيره لليات‪ ،‬فللإنه رضللي الللله‬
‫‪ () 127‬صحيح لغيره مسند أحمد رقم ‪ 311‬الموسوعة الحديثية‪.‬‬
‫‪ () 128‬تفسير ابن كثير )‪.(4/266‬‬
‫عنه إذا وجد لرسول الله تفسيرا ً أخذ به‪ ،‬وكان‬
‫هو الفضل مثل ما مّر معنا مللن تفسلليره وإذا‬
‫لم يجد طلبه فللي مظللانه عنللد بعللض الصللحابة‬
‫مثل‪ :‬ابن عباس‪ ،‬وأبي بن كعب‪ ،‬وعبد الله بللن‬
‫مسعود ومعللاذ وغيرهللم ‪ -‬رضللي الللله عنهللم _‬
‫وهذا مثال على ذلك؛ فقد قال عمر رضي الله‬
‫عنه يوملا ً لصلحاب النلبي ‪ :‬فيلم تلرون هللذه‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬
‫خي ٍ‬
‫ن نَ ِ‬
‫م ْ‬
‫ة ِ‬
‫جن ّ ٌ‬ ‫ن لَ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ن تَ ُ‬
‫كو َ‬ ‫مأ ْ‬‫حدُك ُ ْ‬ ‫الية نزلت ‪ ‬أي َ َ‬
‫ودّ أ َ‬
‫ن ك ُل ّ‬
‫ل‬ ‫مل ْ‬ ‫هللا ِ‬ ‫في َ‬ ‫ه ِ‬ ‫هللاُر ل َل ُ‬ ‫هللا الن ْ َ‬ ‫حت ِ َ‬‫ن تَ ْ‬ ‫مل ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ِ‬ ‫جل‬ ‫ب تَ ْ‬ ‫عَنا ٍ‬ ‫وأ َ ْ‬ ‫َ‬
‫ها‬ ‫فأ َ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫الث ّم لرات وأ َ‬
‫صللاب َ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ء‬ ‫فا‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ل‬ ‫ض‬‫ُ‬ ‫ة‬
‫ٌ‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫ذ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫و‬
‫ُ َ‬‫ر‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ب‬‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫لا‬
‫ل‬ ‫ص‬
‫َ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫م الَيللا ِ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬
‫كل‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫ن‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ب‬‫ُ‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ح‬
‫ْ‬ ‫فا‬ ‫َ‬ ‫ر‬‫ٌ‬ ‫نا‬ ‫َ‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫صا ٌ‬ ‫ع َ‬ ‫إِ ْ‬
‫ن)‪)  (266‬البقللرة‪،‬آيللة‪،(266:‬لل قالوا‪:‬‬ ‫فك ُّرو َ‬ ‫م ت َت َ َ‬ ‫عل ّك ُ ْ‬ ‫لَ َ‬
‫الله أعلم‪ .‬فغضب عمر فقال‪ :‬قولوا نعلللم أول‬
‫نعلم‪ .‬فقال ابن عباس‪ :‬في نفسي منها شيء‬
‫يا أمير المؤمنين‪ .‬قال عمر‪ :‬يا ابللن أخللي قللل‬
‫ول تحقر نفسك‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬ضللربت مثل ً‬
‫لعمل‪ ،‬قال عمر‪ :‬أي عمللل؟ قللال ابللن عبللاس‪:‬‬
‫لعمل‪ .‬قال عمر‪ :‬لرجل غني يعمل بطاعة الله‬
‫عز وجللل‪ ،‬ثللم بعللث الللله للله الشلليطان فعمللل‬
‫بالمعاصي حتى أغرق أعماله)‪ ،(130‬وفللي روايللة‬
‫قال ابن عباس‪ :‬عني بها العمل‪ ،‬ابن آدم أفقر‬
‫ما يكون إلى جنتلله إذا كللبر سللنه وكللثر عيللاله‪،‬‬
‫وابن آدم أفقر ما يكون إلى عمله يللوم يبعللث‪،‬‬
‫فقال عمر‪ :‬صدقت يا ابن أخي)‪.(131‬‬

‫‪ () 129‬أخبار عمر بن الخطاب الطنطاويان ص ‪ 308‬نقل ً عن‬


‫الرياض النظرة‪.‬‬
‫‪ () 130‬فتح الباري )‪.(8/49‬‬
‫‪ () 131‬الخلفة الراشدة والدولة الموية‪ ،‬د‪ .‬يحيى اليحيى ص ‪. 305‬‬
‫وكانت له بعض التعليقللات علللى بعللض اليللات‬
‫ة‬
‫صلليب َ ٌ‬ ‫مثللل قللوله تعللالى‪  :‬ال ّ لذين إ َ َ‬
‫م ِ‬
‫م ُ‬
‫ه ْ‬
‫صللاب َت ْ ُ‬
‫ذا أ َ‬‫ِ َ ِ‬
‫ك َ َ‬‫ول َئ ِ َ‬ ‫ُ‬
‫م‬
‫هل ْ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫ن)‪ (156‬أ ْ‬ ‫عللو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫ه َرا ِ‬ ‫وإ ِن ّللا إ ِل َي ْل ِ‬‫ه َ‬ ‫قاُلوا إ ِّنا ل ِل ّل ِ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫ن)‪(157‬‬ ‫دو َ‬‫هت َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ْ ُ‬
‫ه ْ‬
‫ك ُ‬‫ول َئ ِ َ‬
‫وأ ْ‬ ‫ة َ‬ ‫م ٌ‬
‫ح َ‬‫وَر ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن َرب ّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫وا ٌ‬‫صل َ َ‬
‫َ‬
‫‪) ‬البقرة‪،‬آية‪ .(156،157:‬فقال‪ :‬نعم العدلن ونعم‬
‫العلوة)‪ ،(132‬ويقصد بالعدلين الصلللة والرحمللة‬
‫والعلوة الهتداء)‪.(133‬‬
‫َ‬
‫وسمع القارئ يتلو قول الللله تعللالى‪َ  :‬ياأي ّ َ‬
‫هللا‬
‫م)‪)  (6‬النفطار‪،‬آية‪.(6:‬‬ ‫ري ِ‬ ‫ك ال ْك َ ِ‬‫ك ب َِرب ّ َ‬‫غّر َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن َ‬ ‫سا ُ‬ ‫الن َ‬
‫)‪(134‬‬
‫‪ .‬وفسللر قللول الللله‬ ‫فقللال عمللر‪ :‬الجهللل‬
‫ت)‪)  (7‬التكوير‪،‬آية‪.(7:‬‬ ‫ج ْ‬‫و َ‬ ‫س ُز ّ‬ ‫فو ُ‬ ‫ذا الن ّ ُ‬ ‫وإ ِ َ‬ ‫تعالى‪َ  :‬‬
‫بقلللوله‪ :‬الفلللاجر ملللع الفلللاجر والطاللللح ملللع‬
‫الطالح)‪ ،(135‬وفسر قللول الللله تعللالى‪ُ  :‬توُبللوا‬
‫حا ‪) ‬التحريللم‪،‬آيللة‪ .(8:‬بقوله‪ :‬أن‬ ‫صو ً‬ ‫ة نَ ُ‬ ‫وب َ ً‬ ‫إ َِلى الل ّ ِ‬
‫ه تَ ْ‬
‫يتلللوب ثلللم ل يعلللود‪ ،‬فهلللذه التوبلللة الواجبلللة‬
‫التامة)‪ ،(136‬وذات يوم مر بدير راهب فنللاداه يللا‬
‫راهب فأشرف الراهب‪ ،‬فجعل عمر ينظر إليلله‬
‫ويبكي فقيل له يا أميللر المللؤمنين‪ :‬مللا يبكيللك‬
‫من هذا؟ قال ذكرت قول الللله عللز وجللل فللي‬
‫حاِمي َلًة)‪ (4‬‬ ‫صلَلى ن َللاًرا َ‬‫ة)‪ (3‬ت َ ْ‬ ‫صب َ ٌ‬‫ة َنا ِ‬ ‫مل َ ٌ‬ ‫عا ِ‬ ‫كتابه ‪َ ‬‬
‫)‪(137‬‬
‫‪ ،‬وفسللر‬ ‫)الغاشية‪،‬آية‪ .(4،3:‬فذاك الذي أبكللاني‬
‫الجبللت بالسللحر‪ ،‬والطللاغوت بالشلليطان فللي‬

‫المستدرك )‪.(2/270‬‬ ‫‪() 132‬‬


‫الخلفة الراشدة والدولة الموية ص ‪. 305‬‬ ‫‪() 133‬‬
‫تفسير ابن كثير )‪.(4/513‬‬ ‫‪() 134‬‬
‫الفتاوى )‪.(7/44‬‬ ‫‪() 135‬‬
‫الفتاوى )‪.(11/382‬‬ ‫‪() 136‬‬
‫تفسير ابن كثير )‪.(4/537‬‬ ‫‪() 137‬‬
‫ت ‪‬‬
‫)‪(138‬‬
‫والطّللا ُ‬
‫غو ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ن ب ِللال ْ ِ‬
‫جب ْ ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫قوله تعالى‪  :‬ي ُ ْ‬
‫ؤ ِ‬
‫)النساء‪،‬آية‪.(51:‬‬

‫‪ () 138‬تفسير ابن كثير )‪.(1/524‬‬


‫المبحث الثاني‪ :‬ملزمته لرسول الله ‪:‬‬

‫كان عمر رضي الله عنه واحدا ً من المكيين الذين‬


‫قرأوا وكتبوا في مجتمعه المي‪ ،‬وهذا دليل على‬
‫شغفه بالعلم منللذ صللغره‪ ،‬وسللعيه ليكللون واحللدا ً‬
‫من القلة القليلة‪ ،‬الللذين محللوا أميتهللم‪ ،‬وهللذبوا‬
‫أنفسللهم‪ ،‬وتبللوأوا مكانللة مرموقللة فللي عصللر‬
‫الرسالة‪ ،‬لمجموعة مقومللات‪ ،‬لعللل منهللا إلمللامه‬
‫بالقراءة والكتابة وهو حدث له قيمته آنذاك وقللد‬
‫تلقللى عمللر دروسلله الولللى‪ ،‬وتعلللم القللراءة‬
‫والكتابللة علللى يللدي حللرب بللن أميللة والللد أبللي‬
‫سفيان)‪ ،(139‬وقلد أهلتله هلذه الميلزة‪ ،‬لن يثقلف‬
‫نفسلله بثقافللة القللوم آنللذاك‪ ،‬وإن كنللا نجللزم أن‬
‫الرافد القوي الذي أثر في شخصية عمر وصللقل‬
‫مواهبه‪ ،‬وفجر طاقاته وهذب نفسه هو مصاحبته‬
‫لرسول الله ‪ ‬وتتلمذه علللى يللديه فللي مدرسللة‬
‫النبوة‪ ،‬ذلك أن عمللر لزم الرسللول ‪ ‬فللي مكللة‬
‫بعد إسلمه كما لزمه كذلك في المدينة المنللورة‬
‫– حيث سكن العوالي – وهي ضاحية من ضللواحي‬
‫المدينة‪ ،‬وإن كانت قد اتصلت بهللا الن وأصللبحت‬
‫ملصقة لمسللجد الرسللول‪ ،‬حيللث امتللد العمللران‪،‬‬
‫وتوسعت المدينة‪ ،‬وزحفت علللى الضللواحي‪ ،‬فللي‬
‫هللذه الضللاحية نظللم عمللر نفسلله‪ ،‬وحللرص علللى‬
‫التلمذة فللي حلقللات مدرسللة النبللوة فللي فللروع‬
‫شللتى مللن المعللارف والعلللوم علللى يللدي معلللم‬
‫البشرية وهاديها‪ ،‬والذي أدبه ربه فأحسن تأديبه‪،‬‬
‫وقد كان ل يفللوته علللم مللن قللرآن‪ ،‬أو حللديث أو‬

‫‪ () 139‬عمر بن الخطاب‪ ،‬د‪ .‬محمد أحمد أبو النصر ص ‪. 87‬‬


‫أمر أو حدث أو توجيه قال عمللر‪ :‬كنللت أنللا وجللار‬
‫لي من النصار من بني أمية بن زيد – وهللي مللن‬
‫عوالي المدينة – وكنا نتناوب النزول على رسول‬
‫الله ‪ ‬ينزل يوما ً وأنللزل يوملًا‪ ،‬فللإذا نزلللت جئت‬
‫بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره‪ ،‬وإذا نزل فعل‬
‫مثل ذلك)‪.(140‬‬
‫وهذا الخبر يوقفنا على الينبللوع المتللدفق‪ ،‬الللذي‬
‫اسللتمد منلله عمللر علملله وتربيتلله وثقللافته‪ ،‬وهللو‬
‫كتاب الله الحكيم‪ ،‬الذي كللان ينللزل علللى رسللول‬
‫الللله ‪ ‬منجم لا ً علللى حسللب الوقللائع والحللداث‪،‬‬
‫وكان الرسول يقرأه على أصحابه‪ ،‬الذين وقفللوا‬
‫علللى معللانيه‪ ،‬وتعمقللوا فللي فهملله‪ ،‬وتللأثروا‬
‫بمبللادئه‪ ،‬وكللان للله عميللق الثللر فللي نفوسللهم‬
‫وعقولهم وقلوبهم وأرواحهم وكان عمللر واحللدا ً‬
‫مللن هللؤلء الللذين تللأثروا بالمنهللج القرآنللي فللي‬
‫التربية والتعليم‪ ،‬وعلللى كللل دارس لتاريللخ عمللر‬
‫وحياته أن يقف وقفة متأملللة أمللام هللذا الفيللض‬
‫الربللاني الصللافي‪ ،‬الللذي غللذى المللواهب وفجللر‬
‫العبقريللات‪ ،‬ونمللى ثقافللة القللوم‪ ،‬ونعنللي بلله‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬وقد حرص عمر منللذ أسلللم علللى‬
‫حفللظ القللرآن وفهملله وتللأمله‪ ،‬وظللل ملزمللا ً‬
‫للرسول يتلقى عنه ما أنللزل عليلله‪ ،‬حللتى تللم للله‬
‫حفظ جميع آياته وسوره‪ ،‬وقد أقرأه الرسللول ‪‬‬
‫بعضلله وحللرص علللى الروايللة الللتي أقللرأه بهللا‬
‫الرسول)‪ (141‬وكان لعمر أحيانا ً شرف السبق إلللى‬
‫سماع بعض آياته فور نزوللله كمللا عنللي بمراجعللة‬

‫‪ () 140‬نفس المصدر ص ‪. 87‬‬


‫‪ () 141‬نفس المصدر ص ‪. 88‬‬
‫محفوظه منه)‪ ،(142‬فقد تربى عمر رضي الله عنلله‬
‫على المنهج القرآني وكان المربي له ‪ ‬وكللانت‬
‫نقطة البدء في تربيللة عمللر هللي لقللاءه برسللول‬
‫الله ‪ ،‬فحدث له تحول غريللب واهتللداء مفللاجئ‬
‫بمجرد اتصاله بالنبي ‪ ‬فخللرج مللن دائرة الظلم‬
‫إلى دائرة النور‪ ،‬واكتسب اليمان‪ ،‬وطرح الكفللر‪،‬‬
‫وقوي على تحمل الشدائد‪ ،‬والمصائب في سبيل‬
‫دينلله الجديللد وعقيللدته السللمحة‪ ،‬كللانت شخصللية‬
‫رسول الله ‪ ‬المحرك الول للسلم‪ ،‬وشخصيته‬
‫‪ ‬تملك قوى الجذب والتأثير على الخرين‪ ،‬فقد‬
‫صنعه الله على عينه‪ ،‬وجعله أكمللل صللورة لبشللر‬
‫في تاريللخ الرض والعظمللة دائملا ً تحللب‪ ،‬وتحللاط‬
‫من النللاس بالعجللاب‪ ،‬ويلتللف حولهللا المعجبللون‬
‫يلتصقون بهللا التصللاقا ً بللدافع العجللاب والحللب‪،‬‬
‫ولكن رسول الله ‪ ‬يضيف إلى عظمته تلك‪ ،‬أنلله‬
‫رسول الله‪ ،‬متلقي الوحي من الله‪ ،‬ومبلغه إلللى‬
‫الناس‪ ،‬وذلك بعد آخر له أثره في تكييف مشللاعر‬
‫ذلك المؤمن تجاهه‪ ،‬فهو ل يحبه لذاته فقط كمللا‬
‫ُيحللب العظمللاء مللن النللاس‪ ،‬ولكللن أيضللا ً لتلللك‬
‫النفحة الربانية التي تشمله مللن عنللد الللله‪ ،‬فهللو‬
‫معه في حضرة الوحي اللهي المكرم‪ ،‬ومللن ثللم‬
‫يلتقللي فللي شللخص الرسللول ‪ ‬البشللر العظيللم‬
‫والرسول العظيم‪ ،‬ثم يصبحان شلليئا ً واحللدا ً فللي‬
‫النهاية‪ ،‬غير متميز البداية ول النهاية‪ .‬حب عميق‬
‫شامل للرسول البشر أو للبشر الرسول ويرتبط‬
‫حللب الللله بحللب رسللوله ويمتزجللان فللي نفسلله‪،‬‬
‫فيصللبحان فللي مشللاعره همللا نقطللة ارتكللاز‬

‫‪ () 142‬نفس المصدر ص ‪. 88‬‬


‫المشلللاعر كلهلللا‪ ،‬ومحلللور الحركلللة الشلللعورية‬
‫والسلوكية كلها كذلك‪.‬‬
‫كللان هللذا الحللب الللذي حللرك الرعيللل الول مللن‬
‫الصللحابة هللو مفتللاح التربيللة السلللمية ونقطللة‬
‫ارتكازها ومنطلقهللا الللذي تنطلللق منلله)‪ ،(143‬لقللد‬
‫حصل للصحابة ببركللة صللحبتهم لرسللول الللله ‪‬‬
‫وتربيتهم على يديه أحوال إيمانيللة عاليللة‪ ،‬يقللول‬
‫سيد قطب عن تلللك التزكيللة‪ :‬إنهللا لتزكيللة‪ ،‬وإنلله‬
‫لتطهير ذلك الذي كللان يأخللذهم بلله الرسللول ‪.‬‬
‫تطهيلللر للضلللمير والشلللعور‪ ،‬وتطهيلللر للعملللل‬
‫والسلللوك‪ ،‬وتطهيللر للحيللاة الزوجيللة‪ ،‬وتطهيللر‬
‫للحياة الجتماعيللة‪ ،‬وتطهيللر ترتفللع بلله النفللوس‬
‫مللن عقللائد الشللرك إلللى عقيللدة التوحيللد‪ ،‬ومللن‬
‫التصورات الباطلة إلللى العتقللاد الصللحيح‪ ،‬ومللن‬
‫الساطير الغامضة إلى اليقين الواضللح‪ ،‬وترتفللع‬
‫بلله مللن رجللس الفوضللى الخلقيللة إلللى نظافللة‬
‫الخلق اليماني‪ ،‬ومن دنللس الربللا والسللحت إلللى‬
‫طهارة الكسب الحلل‪ ،‬إنها تزكية شللاملة للفللرد‬
‫والجماعة‪ ،‬ولحياة السريرة‪ ،‬ولحياة الواقع‪ ،‬تزكية‬
‫ترتفع بالنسان وتصوراته عن الحياة كلهللا وعللن‬
‫نفسه ونشأته إلى آفاق النور الللتي يتصللل فيهللا‬
‫بربه‪ ،‬ويتعامل مع المل العلوي الكريم)‪.(144‬‬
‫لقد تتلمذ عمر رضي الله عنه علللى يللدي رسللول‬
‫الله‪ ،‬فتعلم منه القرآن الكريللم والسللنة النبويللة‪،‬‬
‫وأحكام التلوة وتزكيللة النفللوس قللال تعللالى‪ :‬‬
‫ن‬
‫مل ْ‬‫سللول ً ِ‬ ‫م َر ُ‬ ‫هل ْ‬ ‫في ِ‬ ‫ث ِ‬ ‫عل َ‬ ‫ن إ ِذْ ب َ َ‬
‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫مل ْ‬‫عَلى ال ْ ُ‬ ‫ن الل ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫م ّ‬ ‫قدْ َ‬ ‫لَ َ‬
‫ب‬‫م ال ْك ِت َللا َ‬
‫هل ْ‬
‫م ُ‬‫عل ّ ُ‬
‫وي ُ َ‬
‫م َ‬ ‫هل ْ‬‫كي ِ‬‫وي َُز ّ‬ ‫ه َ‬‫م آي َللات ِ ِ‬‫هل ْ‬ ‫م ي َت ُْلوا َ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫ه ْ‬‫س ِ‬‫ف ِ‬‫أ َن ْ ُ‬
‫‪ () 143‬منهج التربية السلمية‪ ،‬محمد قطب ص ‪. 34،35‬‬
‫‪ () 144‬الظلل )‪.(6/3565‬‬
‫ن) ‪ (164‬‬
‫مِبي ٍ‬ ‫ضل َ ٍ‬
‫ل ُ‬ ‫ل لَ ِ‬
‫في َ‬ ‫ن َ‬
‫قب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬
‫كاُنوا ِ‬ ‫وإ ِ ْ‬
‫ة َ‬
‫م َ‬ ‫وال ْ ِ‬
‫حك ْ َ‬ ‫َ‬
‫)آل عمران‪،‬آية‪.(164:‬‬
‫وحرص على التبحللر فللي الهللدي النبللوي الكريللم‬
‫في غزواته‪ ،‬وسلمه وأصبح لعمر رضي الللله عنلله‬
‫علللم واسللع ومعرفللة غزيللرة بالسللنة النبويللة‬
‫المطهرة‪ ،‬التي أثرت في شخصللية عمللر وفقهلله‬
‫ولزم رسول الللله ‪ ‬واسللتمع مللن رسللول الللله‬
‫وتلقى عنه وكان إذا جلس في مجلس النبوة لللم‬
‫يترك المجلس حتى ينفض‪ ،‬كما كان حريصا ً على‬
‫أن يسأل الرسول ‪ ‬عن كل ما تجيش به نفسلله‪،‬‬
‫أو يشغل خاطره)‪ ،(145‬لقد استمد من رسول الللله‬
‫علما ً وتربية‪ ،‬ومعرفة بمقاصد هذا الدين العظيللم‬
‫وخصه رسول الله ‪ ‬برعايته‪ ،‬وشللمله بتسللديده‪،‬‬
‫ولقد شهد له رسللول الللله ‪ ‬بللالعلم‪ ،‬فقللد قللال‬
‫‪ :‬بينما أنا نائم أتيت بقللدح لبللن‪ ،‬فشللربت منلله‬
‫حللتى أنللي لرى الللري يخللرج مللن أظللافري‪ ،‬ثللم‬
‫أعطيت فضلي يعني عمر‪.‬‬
‫)‪(146‬‬
‫‪.‬‬ ‫ولته يا رسول الله؟ قال‪ :‬العلم‬‫قالوا‪ :‬فما أ ّ‬
‫قال ابن حجر‪ :‬والمراد بالعلم هنا العلم بسياسللة‬
‫النلللللاس بكتلللللاب اللللللله وسلللللنة رسلللللول‬
‫الله ‪.(147)‬‬
‫وهذه المعرفة ل يمكن َتأّتيها إل لمن كان راسللخ‬
‫القدم في التزود بما يعينه على فهم كتاب الللله‪،‬‬
‫مللق فللي فهللم‬ ‫وسنة نبيه‪ ،‬وسبيله في ذلللك‪ :‬التع ّ‬
‫اللغة وآدابهللا‪ ،‬والتمللرس فللي معرفللة أسللاليبها‪،‬‬
‫والللتزود فللي كللل مللا يسللاعد علللى فهمهللا مللن‬
‫‪ () 145‬عمر بن الخطاب‪ ،‬د‪ .‬محمد أبو النصر ص ‪. 91‬‬
‫‪ () 146‬البخاري‪ ،‬رقم ‪3681‬‬
‫‪ () 147‬فتح الباري )‪.(7/36‬‬
‫معارف وخللبرات‪ ،‬وكللذلك كللان عمللر رضللي الللله‬
‫عنه)‪ ،(148‬ولقد جمع بين رسول الله ‪ ‬وبين عمر‬
‫حب شللديد‪ ،‬والحللب عامللل هللام فللي تهيئة منللاخ‬
‫علمي ممتاز بين المعلم وبين تلميذه‪ ،‬يأتي بخيللر‬
‫النتائج العلمية والثقافية‪ ،‬لما له من عطاء متجدد‬
‫وعمر قد أحب رسللول الللله ‪ ‬حب لا ً جم لًا‪ ،‬وتعلللق‬
‫فؤاده به‪ ،‬وقللدم نفسلله فللداء للله‪ ،‬وتضللحية فللي‬
‫سللبيل نشللر دعللوته‪ ،‬فقللد جللاء فللي الحللديث أن‬
‫رسول الله ‪ ‬قال‪ )) :‬ل يؤمن أحدكم حتى أكون‬
‫أحب إليه من والده وولللده والنللاس أجمعيللن)‪.(149‬‬
‫فقال له عمر‪ :‬والله يا رسول الله لنت أحب إلي‬
‫من كل أحللد إل مللن نفسللي‪ ،‬فقللال‪ :‬ل يللا عمللر‪،‬‬
‫حتى أكون أحب إليك من نفسك (( فقال‪ :‬فللأنت‬
‫أحب إلي من نفسي قال‪ :‬الن يا عمر)‪.(150‬‬
‫واستأذن عمر يوما ً إلى عمرة فقللال للله ‪ )) :‬ل‬
‫تنسنا يا أخي في دعائك)‪ .(( (151‬فقال عمللر‪ :‬مللا‬
‫أحب أن لي بها ما طلعت عليه الشمس لقوله‪ :‬يا‬
‫أخي)‪.(152‬‬
‫وهذا الحب السامي الشريف هو الذي جعل عمللر‬
‫يلزم الرسول ‪ ‬في جميللع غزواتلله‪ ،‬وقللد أمللده‬
‫ذلك بخبرة ودربة ودراية بشؤون الحرب‪ ،‬ومعرفة‬
‫بطبللائع النفللوس وغرائزهللا‪ ،‬كمللا أن ملزمتلله‬
‫للرسول ‪ ‬وكللثرة تحللدثه معلله‪ ،‬قللد طبعلله علللى‬
‫‪ () 148‬عمر بن الخطاب‪ ،‬د‪ .‬محمد أبو النصر ص ‪. 93‬‬
‫‪ () 149‬البخاري رقم ‪. 15‬‬
‫‪ () 150‬البخاري رقم ‪. 6632‬‬
‫‪ () 151‬أبو داود في الصلة )‪ ،(1498‬والترمذي في الدعوات )‬
‫‪ .(3562‬وقال‪) :‬هذا حديث حسن صحيح( وابن ماجه في‬
‫المناسك )‪ (2894‬كلهم عن عمر وهناك من ضعفه‪.‬‬
‫‪ () 152‬نفس المصدر السابق‪.‬‬
‫البلغللة والبيللان والفصللاحة وطلقللة اللسللان‪،‬‬
‫والتفنللن فللي أوجلله القللول)‪ (153‬وفللي النقللاط‬
‫القادمللة سللنبين بللإذن الللله تعللالى مللواقفه فللي‬
‫الميادين الجهادية مع رسول الله‪ ،‬وبعللض الصللور‬
‫من حياته الجتماعية بالمدينة في حياة النبي ‪.‬‬
‫أو ً‬
‫ل‪ :‬عمر رضي الله عنه في ميادين الجهاد مع رسول الله ‪:‬‬
‫اتفق العلماء على أن عمر رضي الللله عنلله شللهد‬
‫بدرًا‪ ،‬وأحدًا‪ ،‬والمشاهد كلها مع رسول الللله ولللم‬
‫يغب عن غزوة غزاها رسول الله ‪.(154)‬‬

‫‪ -1‬غزوة بدر‪:‬‬
‫شارك عمللر رضللي الللله عنلله فللي غللزوة بللدر‪،‬‬
‫وعندما استشار رسللول الللله ‪ ‬أصللحابه قبللل‬
‫المعركة‪ ،‬تكلم أبو بكر رضي الله عنه أول مللن‬
‫تكللللم‪ ،‬فأحسلللن الكلم‪ ،‬ودعلللا إللللى قتلللال‬
‫الكافرين‪ ،‬ثللم الفللاروق عمللر رضللي الللله عنلله‬
‫فأحسن الكلم‪ ،‬ودعا إلى قتللال الكللافرين)‪،(155‬‬
‫وكان أول من استشهد من المسلمين يوم بدر‬
‫مهجع)‪ (156‬مولى عمر رضي الله عنه)‪ ،(157‬وقتل‬ ‫ِ‬
‫عمر بن الخطاب رضي الله عنلله خللاله العللاص‬
‫بن هشللام)‪ (158‬ضللاربا ً بالقرابللة عللرض الحللائط‬
‫أمام رابطة العقيدة‪ ،‬بل كان يفخر بذلك تأكيدا ً‬

‫‪ () 153‬عمر بن الخطاب‪ ،‬د‪ .‬محمد أبو النصر ص ‪. 94‬‬


‫‪ () 154‬مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لبن الجوزي ص‬
‫‪. 89‬‬
‫‪ () 155‬الفاروق مع النبي‪ ،‬د‪ .‬عاطف لماضة ص ‪. 32‬‬
‫‪ () 156‬الطبقات لبن سعد )‪ (3/391،392‬ضعيف لنقطاعه‪.‬‬
‫‪ () 157‬السيرة النبوية )‪ (2/388‬لبن هشام‪ ،‬صحيح التوثيق ص‬
‫‪.187‬‬
‫‪ () 158‬الخلفة والخلفاء الراشدين‪ ،‬للبهنساوي ص ‪.154‬‬
‫لهذه الفكرة وبعد انتهاء المعركللة أشللار بقتللل‬
‫أسارى المشركين‪ ،‬وفللي تلللك الحادثللة دروس‬
‫وعبر عظيمة قللد ذكرتهللا فللي كتللابي السلليرة‬
‫النبوية عرض وقللائع وتحليللل أحللداث‪ ،‬وعنللدما‬
‫م النبي في السر حللرص عمللر‬ ‫وقع العباس ع ّ‬
‫على هدايته وقال له‪ :‬يا عباس أسلللم‪ ،‬فللوالله‬
‫لئن تسلم أحللب إلللي مللن أن يسلللم الخطللاب‪،‬‬
‫ومللا ذاك إل لمللا رأيللت رسللول الللله يعجبلله‬
‫إسللمك)‪ ،(159‬وكلان ملن بيلن السلرى خطيلب‬
‫قريش سهيل بن عمرو‪ ،‬فقال لرسول الله‪ :‬يا‬
‫رسللول الللله‪ ،‬دعنللي أنللتزع ثنيللتي سللهيل بللن‬
‫عمرو فيدلع لسانه‪ ،‬فل يقوم عليك خطيبا ً في‬
‫موطن أبدًا‪ ،‬فقال رسول الللله ‪ :‬ل أمثللل بلله‬
‫فيمثل الله بللي وإن كنللت نبيلًا‪ ،‬وإن عسللى أن‬
‫يقوم مقاما ً ل تللذمه)‪ ،(160‬وهللذا مللا حللدث فعل ً‬
‫بعد وفاة رسول الله ‪ ‬إذ هللم عللدد مللن أهللل‬
‫مكة بالرجوع عن السلم‪ ،‬حتى خللافهم والللي‬
‫مكة عتاب بن أسيد فتوارى‪ ،‬فقام سللهيل بللن‬
‫عمرو‪ ،‬فحمد الللله وأثنللى عليلله ثللم ذكللر وفللاة‬
‫النبي وقال‪ :‬إن ذلك لللم يللزد السلللم إل قللوة‬
‫فملن رابنلا ضلربنا عنقلله فللتراجع النللاس علن‬
‫رأيهم)‪ (161‬وحدثنا عمر عللن حللديث سللمعه مللن‬
‫رسول الله عندما خلاطب مشلركي مكلة اللذي‬
‫قتلوا ببدر‪ ،‬فعن أنس قال‪ :‬كنللا مللع عمللر بيللن‬
‫د‬
‫ت حديلل َ‬
‫مكللة والمدينللة فتراءَْينللا الهلل‪ ،‬وكنلل ُ‬
‫البصر فرأيته‪ ،‬فجعلت أقول لعمللر‪ :‬أمللا تللراه؟‬
‫‪ () 159‬البداية والنهاية )‪.(3/298‬‬
‫‪ () 160‬البداية والنهاية )‪.(3/311‬‬
‫‪ () 161‬التاريخ السلمي للحميدي )‪.(4/181‬‬
‫ق على فراشي‪ ،‬ثم أخذ‬ ‫مستل ٍ‬ ‫قال‪ :‬سأراه وأنا ُ‬
‫ُيحدثنا عن أهل بدر‪ ،‬قال‪ :‬إن كان رسللول الللله‬
‫‪ ‬ل َُيرينا مصارعهم بالمس‪ ،‬يقول‪ :‬هذا مصرع‬
‫فلن غدًا‪ ،‬إن شاء الله‪ ،‬وهذا مصرع فلن غللدا ً‬
‫إن شاء الللله‪ ،‬قللال‪ :‬فجعلللوا ُيصللرعون عليهللا‪،‬‬
‫قال‪ :‬قلللت‪ :‬والللذي بعثللك بللالحق‪ ،‬مللا أخطللؤوا‬
‫ك‪ ،‬كللانوا ُيصللَرعون عليهللا ثللم أمللر بهللم‬ ‫ِتيلل َ‬
‫حوا في بئر‪ ،‬فانطلق إليهم‪ ،‬فقللال‪ )) :‬يللا‬ ‫طر ُ‬‫ف ُ‬
‫عدكم الله حقًا‪،‬‬ ‫و َ‬‫فلن‪ ،‬يا فلن‪ ،‬هل وجدتم ما َ‬
‫فإني وجدت ما وعدني الله حقا ً (( قللال عمللر‪:‬‬
‫جّيفوا؟ قال‪ :‬مللا‬ ‫يا رسول الله‪ ،‬اتكلم قوما ً قد َ‬
‫ع لملللا أقلللول منهلللم‪ ،‬ولكلللن ل‬ ‫م َ‬
‫أنتلللم بأسللل َ‬
‫)‪(162‬‬
‫‪ ،‬وعنللدما جللاء عميللر‬ ‫يستطيعون أن ُيجيبللوا‬
‫بن وهب إلى المدينة قبل إسلمه في أعقللاب‬
‫بدر يريد قتللل رسللول الللله ‪ ،‬كللان عمللر بللن‬
‫الخطلللاب رضلللي اللللله عنللله فلللي نفلللر ملللن‬
‫المسلمين يتحدثون عن يوم بدر‪ ،‬ويذكرون مللا‬
‫أكرمهم الللله بلله‪ ،‬ومللا أراهللم فللي عللدوهم‪ ،‬إذ‬
‫نظر عمر إلى عمير بن وهب وقد أناخ راحلتلله‬
‫على باب المسجد متوشحا ً سيفه‪ ،‬فقللال‪ :‬هللذا‬
‫الكلب عدو الله عمير بن وهب‪ ،‬ما جاء إل لشر‬
‫وهو الذي حرش بيننا‪ ،‬وحرزنا للقوم يوم بللدر‪.‬‬
‫ثم دخل علللى رسللول الللله ‪ ‬فقللال‪ :‬يللا نللبي‬
‫الله‪ ،‬هللذا عللدو الللله عميللر بللن وهللب قللد جللاء‬
‫ي‪ ،‬قللال‪:‬‬ ‫متوشللحا ً سلليفه‪ .‬قللال‪ :‬فللأدخله عللل ّ‬
‫فأقبل عمر حللتى أخللذ بحمالللة)‪ (163‬سلليفه فللي‬
‫‪ () 162‬مسند أحمد رقم ‪ 182‬الموسوعة الحديثية إسناده صحيح‬
‫على شرط الشيخين‪.‬‬
‫‪ () 163‬حمالة السيف‪ :‬ما يربط به السيف على الجسم‪.‬‬
‫عنقه فلببه)‪ ،(164‬بها وقال لمللن كللان معلله مللن‬
‫النصار‪ :‬ادخلوا على رسول الللله ‪ ‬فاجلسللوا‬
‫عنده‪ ،‬واحذروا عليه من هذا الخبيث‪ ،‬فإنه غيللر‬
‫مأمون‪ .‬ثم دخل به على رسول الللله فلمللا رآه‬
‫رسول الله وعمر آخذ بحمالة سيفه في عنقلله‬
‫قللللللللللللللللللللللللال‪ :‬أرسللللللللللللللللللللللللله‬
‫يا عملر‪ ،‬أدن يلا عميلر‪ .‬فلدنا ثلم قلال‪ :‬انعملوا‬
‫صباحا ً وكانت تحية أهل الجاهلية بينهم‪ ،‬فقال‬
‫رسول الله‪ :‬أكرمنا الله بتحية خير مللن تحيتللك‬
‫يا عمير‪ ،‬بالسلم تحيللة أهللل الجنللة)‪.(165‬فقللال‪:‬‬
‫فما جاء بك يا عمير؟ قللال‪ :‬جئت لهللذا السللير‬
‫الذي في أيديكم فأحسنوا فيه‪ .‬قال‪ :‬فمللا بللال‬
‫السلليف فللي عنقللك؟ قللال‪ :‬قبحهللا الللله مللن‬
‫سيوف! وهل أغنت عنا شيئا ً قال أصدقني‪ ،‬ما‬
‫الذي جئت له‪ ،‬قال‪ :‬ما جئت إل لذلك‪ .‬قال‪ :‬بل‬
‫قعللدت أنللت وصللفوان بللن أميللة فللي الحجللر‪،‬‬
‫فذكرتما أصحاب القليب من قريش‪ ،‬ثم قلللت‪:‬‬
‫ي وعيال عندي لخرجت حتى أقتل‬ ‫لول دين عل ّ‬
‫محمللدا ً فتحمللل لللك صللفوان بللن أميللة بللدينك‬
‫وعيالك‪ ،‬على أن تقتلني له‪ ،‬والله حللائل بينللك‬
‫وبين ذلك‪ .‬قال عمير‪ :‬أشهد أنك لرسول الللله‪،‬‬
‫قد كنا يا رسول الله نكذبك بما كنت تأتينللا بلله‬
‫من خبر السماء وما ينللزل عليللك مللن الللوحي‪،‬‬
‫وهذا أمر لم يحضللره إل أنللا وصللفوان‪ ،‬فللوالله‬
‫إني لعلم ما أتاك به الللله‪ ،‬فالحمللد لللله الللذي‬
‫هللداني للسلللم‪ ،‬وسللاقني هللذا المسللاق‪ ،‬ثللم‬
‫شللهد شللهادة الحللق‪ ،‬فقللال رسللول الللله ‪:‬‬
‫‪ () 164‬لببة قيده‪.‬‬
‫‪ () 165‬انظر صحيح السيرة النبوية للعلي ص ‪.259‬‬
‫فقهللوا أخللاكم فللي دينلله‪ ،‬وعلمللوه القللرآن‪،‬‬
‫وأطلقوا أسيره ففعلوا)‪.(166‬‬
‫ومن خلل هللذه القصللة يظهللر الحللس المنللي‬
‫الرفيع الذي تميز به عمللر بللن الخطللاب رضللي‬
‫الله عنلله فقللد انتبلله لمجيللء عميللر بللن وهللب‬
‫ذر منه‪ ،‬وأعلن أنه شيطان ما جاء إل لشللر‪،‬‬ ‫وح ّ‬
‫فقد كان تاريخه معروفا ً لدى عمللر‪ ،‬فقللد كللان‬
‫يؤذي المسلللمين فللي مكللة وهللو الللذي ح لّرض‬
‫على قتال المسلللمين فللي بللدر‪ ،‬وعمللل علللى‬
‫جمع المعلومات عن عددهم‪ ،‬ولذلك شرع عمللر‬
‫في أخذ السباب لحماية الرسللول فمللن جهتلله‬
‫فقد أمسك بحمالة سيف عمير الذي في عنقه‬
‫بشللده فعطللله عللن إمكانيللة اسللتخدامه سلليفه‬
‫للعتللداء علللى الرسللول ‪ ‬وأمللر نفللرا ً مللن‬
‫الصحابة بحراسة النبي ‪.(167)‬‬
‫‪ -2‬غزوة أحد‪ ،‬وبني المصطلق والخندق‪:‬‬
‫مللن صللفات الفللاروق الجهاديللة‪ :‬علللو الهمللة‪،‬‬
‫وعدم الصللغار‪ ،‬والللترفع عللن الذلللة حللتى ولللو‬
‫بدت الهزيمة تلوح أمامه‪ ،‬كما حدث في غللزوة‬
‫أحد‪ ،‬ثانية المعارك الكبرى التي خاضها رسول‬
‫الله ‪ ،‬فعند ما وقف أبللو سللفيان فللي نهايللة‬
‫المعركللة وقللال أفللي القللوم محمللد؟ فقللال‬
‫رسول الله ‪ ‬ل تجيبوه فقال أفي القوم ابن‬
‫أبي قحافة‪ ،‬فقال ل تجيبوه فقال أفي القللوم‬
‫ابن الخطاب؟ فقللال‪ :‬إن هللؤلء القللوم قتلللوا‪،‬‬

‫‪ () 166‬صحيح السيرة النبوية ص ‪. 260‬‬


‫صلبي ص ‪868‬‬
‫)( السيرة النبوية‪ ،‬عرض واقع وتحليل أحداث لل ّ‬
‫‪167‬‬

‫‪.‬‬
‫فلو كانوا أحياء لجابوا‪ .‬فلم يملك عمللر رضللي‬
‫الله عنه نفسه فقال‪ :‬كذبت يا عدو الله‪ ،‬أبقى‬
‫الله عليك ما يخزيللك‪ .‬قللال أبللو سللفيان‪ :‬أعللل‬
‫هبللل)‪ ،(168‬فقللال النللبي ‪ ‬أجيبللوه‪ .‬قللالوا مللا‬
‫تقول؟ قال‪ :‬قولوا الله أعلى وأجل‪ .‬قللال أبللو‬
‫سفيان‪ :‬لنا العزى ول عزى لكم‪ .‬فقللال النللبي‬
‫‪ :‬أجيبوه قالوا‪ :‬ما نقول؟ قال‪ :‬قولللوا‪ :‬الللله‬
‫مولنا ول مللولى لكللم‪ ،‬قللال أبللو سللفيان يللوم‬
‫مثلللة لللم‬
‫بيوم بدر‪ ،‬والحللرب سللجال‪ ،‬وتجللدون ُ‬
‫سللؤني)‪ ، (169‬وفللي روايللة قللال‬
‫آمللر بهللا ولللم ت َ ُ‬
‫عمر‪ ) :‬ل سواء قتلنا في الجنة وقتلكللم فللي‬
‫النار)‪ .(170‬فجاءه‪ ،‬فقال له أبو سفيان‪ :‬أنشللدك‬
‫الله يا عمر‪ ،‬أقتلنا محمدًا؟ قال عمر‪ :‬اللهم ل‪،‬‬
‫وإنلله ليسللمع كلمللك الن‪ ،‬قللال‪ :‬أنللت أصللدق‬
‫عنللدي مللن ابللن قمئة وأبللر‪ ،‬لقللول ابللن قمئة‬
‫لهم‪ :‬إني قد قتلت محمدا ً)‪ . (171‬كان في سؤال‬
‫أبي سفيان عن رسول الللله وأبللي بكللر وعمللر‬
‫دللة واضحة علللى اهتمللام المشللركين بهللؤلء‬
‫دون غيرهم لنه في علمهم أنهم أهل السلم‬
‫وبهللم قللام صللرحه وأركللان دولتلله وأعمللدة‬
‫نظامه‪ ،‬ففللي مللوتهم يعتقللد المشللركون أنلله‬
‫ل يقوم السلم بعللدهم‪ ،‬وكللان السللكوت عللن‬
‫إجابللة أبللي سللفيان أول تصللغيرا ً للله حللتى إذا‬

‫أعل هبل‪ :‬ظهر دينك‪.‬‬ ‫‪() 168‬‬


‫البخاري‪ ،‬المغازي‪ ،‬رقم ‪ ،404‬السيرة الصحيحة )‪.(392 /2‬‬ ‫‪() 169‬‬
‫السيرة النبوية الصحيحة )‪.(392 /2‬‬ ‫‪() 170‬‬
‫صحيح التوثيق في سيرة وحياة الفاروق ص ‪.189‬‬ ‫‪() 171‬‬
‫انتشللى ومله الكللبر أخللبروه بحقيقللة المللر‬
‫وردوا عليه بشجاعة)‪. (172‬‬
‫وفللي غللزوة بنللي المصللطلق كللان للفللاروق‬
‫موقف متميز‪ ،‬ونللترك شللاهد عيللان يحكللي لنللا‬
‫ما شاهده‪ ،‬قال جابر بللن عبللد الللله النصللاري‪:‬‬
‫كنا في غزاة فكسع)‪ (173‬رجللل مللن المهللاجرين‬
‫رجل ً من النصار فقال النصاري‪ :‬يللا للنصللار‪.‬‬
‫وقللللللللللللللللللللال المهللللللللللللللللللللاجري‪:‬‬
‫يا للمهاجرين‪ .‬فسمع ذلك رسول الللله فقللال‪:‬‬
‫دعوهللللا فإنهللللا منتنللللة‪ ،‬فسللللمع بللللذلك‬
‫عبد الله ابن أبي فقللال‪ :‬فعلوهللا‪:‬؟ أمللا والللله‬
‫لئن رجعنللا إلللى المدينللة ليخرجللن العللز منهللا‬
‫الذل‪ ،‬فسمع ذلك عمر فأتى النبي ‪ ‬فقال يا‬
‫رسول الله دعنللي أضلرب عنللق هللذا المنللافق‪،‬‬
‫فبلللغ النللبي ‪ ‬فقللال عمللر‪ :‬كلم فيلله نقللص‬
‫فقال ذلك فقال‪ :‬يا رسول الله‪ :‬دعه ل يتحدث‬
‫الناس أن محمدا ً يقتل أصحابه)‪ ،(174‬وفي رواية‬
‫قال عمر بن الخطللاب‪ :‬مللر بلله عبللاد بللن بشللر‬
‫فليقتله‪ ،‬فقال له رسول الله ‪ :‬فكيف ياعمر‬
‫إذا تحدث الناس أن محمللدا ً يقتللل أصللحابه؟ ل‪.‬‬
‫ولكن أذن بالرحيل وذللك فلي سلاعة للم يكلن‬
‫)‪(175‬‬
‫رسول الله ‪ ‬يرتحل فيها‪ ،‬فارتحل الناس‬
‫ومن مثل هذه المواقللف والتوجيهللات النبويللة‬
‫استوعب عمر رضللي الللله عنلله فقلله المصللالح‬
‫والمفاسد‪ ،‬فهللذا الفقلله يظهللر فللي قللوله ‪:‬‬
‫السيرة النبوية الصحيحة )‪.(392 /2‬‬ ‫‪() 172‬‬
‫كسع‪ :‬ضربه برجله‪.‬‬ ‫‪() 173‬‬
‫السيرة النبوية الصحيحة )‪.(409 /2‬‬ ‫‪() 174‬‬
‫السيرة النبوية لبن هشام )‪.(319 /3‬‬ ‫‪() 175‬‬
‫فكيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمدا ً يقتل‬
‫أصلللحابه)‪ ،(176‬إنهلللا المحافظلللة التاملللة عللللى‬
‫السللمعة السياسللية‪ ،‬ووحللدة الصللف الداخليللة‪،‬‬
‫والفرق كبير جللدا ً بيللن أن يتحللدث النللاس عللن‬
‫حب أصحاب محمد محمدًا‪ ،‬ويؤكدون على ذلللك‬
‫بلسان قائدهم الكللبر أبللي سللفيان‪ :‬مللا رأيللت‬
‫أحدا ً يحب أحدا ً كحب أصحاب محمد محمدا ً)‪،(177‬‬
‫وبين أن يتحدث الناس أن محمدا ً يقتل أصحابه‬
‫ول شك أن وراء ذلللك محللاولت ضللخمة سللتتم‬
‫في محاولة الدخول إلى الصللف الللداخلي فللي‬
‫المدينة من العدو بينما هللم يائسللون الن مللن‬
‫قللدرتهم علللى شلليء أمللام ذلللك الحللب وتلللك‬
‫التضحيات)‪ (178‬وفي غزوة الخنللدق يللروي جللابر‬
‫فيقول‪ :‬أن عمر بن الخطاب جاء يللوم الخنللدق‬
‫ب كفللار‬ ‫سل ّ‬
‫بعللد مللا غربللت الشللمس‪ ،‬فجعللل ي ُ‬
‫قريش وقال‪ :‬يا رسول الله ما كدت أن أصلللي‬
‫حللتى كللادت الشللمس تغللرب‪ ،‬قللال النللبي ‪:‬‬
‫)) وأنا والله مللا صلليتها‪ ،‬فنزلنللا مللع النلبي ‪‬‬
‫ُبطحان)‪ ،(179‬فتوضأ للصلة وتوضأنا لها‪ ،‬فصلى‬
‫العصللر بعللدما غربللت الشللمس‪ ،‬ثللم بعللدها‬
‫المغرب)‪.(180‬‬
‫‪ -3‬صلح الحديبية‪ ،‬وسريه إلى هوازن‪ ،‬وغزوة خيبر‪:‬‬
‫وفي الحديبية دعا رسول الللله ‪ ‬عمللر ليبعثلله‬
‫إلى مكة‪ ،‬فيبلغ عنه أشراف قريش ما جاء بلله‪،‬‬
‫‪ () 176‬السيرة النبوية الصحيحة )‪.(2/409‬‬
‫‪ () 177‬التربية القيادية )‪.(3/463‬‬
‫‪ () 178‬نفس المصدر )‪.(3/463‬‬

‫‪ () 179‬بطحان‪ :‬أحد أودية المدينة‪.‬‬


‫‪ () 180‬البخاري رقم ‪. 571‬‬
‫فقال‪ :‬يا رسول الله إنللي أخللاف قريشلا ً علللى‬
‫ي بللن كعللب‬ ‫نفسي‪ ،‬وليس بمكة مللن بنللي عللد ّ‬
‫أحد يمنعني‪ ،‬وقد عرفلت قريلش علداوتي لهلا‬
‫وغلظتي عليها‪ ،‬ولكني أدل ّللك علللى رجللل أع لّز‬
‫رسللول‬ ‫بها مني‪ ،‬عثمللان بللن عفللان‪ ،‬فللدعا‬
‫الللله ‪ ‬عثمللان بللن عفللان فبعثلله إلللى أبللي‬
‫سفيان وأشراف قريش يخللبرهم أنلله لللم يللأت‬
‫لحرب وأنه إنما جاء زائرا ً لهذا الللبيت ومعظملا ً‬
‫لحرمته)‪ ،(181‬وبعد التفاق على معاهللدة الصلللح‬
‫وقبل تسجيل وثائقها ظهرت بيللن المسلللمين‬
‫معارضة شديدة وقوية لهذه التفاقية‪ ،‬وخاصللة‬
‫د‬
‫في البندين اللذين يلتزم النبي بموجبهما بللر ّ‬
‫ما جاء من المسلمين لجئًا‪ ،‬ول تلللتزم قريللش‬
‫برد ما جاءها من المسلمين مرتدًا‪ ،‬والبند الذي‬
‫يقضي بأن يعود المسلمون من الحديبيللة إلللى‬
‫المدينة دون أن يدخلوا مكللة ذلللك العللام‪ ،‬وقللد‬
‫كللان أشللد النللاس معارضللة لهللذه التفاقيللة‬
‫وانتقللادا ً لهللا‪ ،‬عمللر بللن الخطللاب‪ ،‬وأسلليد بللن‬
‫حضللير سلليد الوس‪ ،‬وسللعد بللن عبللادة سلليد‬
‫الخللزرج‪ ،‬وقللد ذكللر المؤرخللون أن عمللر بللن‬
‫الخطاب أتى رسول الله معلنا ً معارضللته لهللذه‬
‫التفاقية وقال لرسول الله ‪ :‬ألست برسول‬
‫الللله؟ قللال‪ :‬بلللى‪ ،‬قللال‪ :‬أولسللنا بالمسلللمين؟‬
‫قال‪ :‬بلى‪ ،‬قللال‪ :‬أوليسللوا بالمشللركين؟ قللال‪:‬‬
‫بلى‪ ،‬قال‪ :‬فعلم نعطي الدنية في ديننا؟ قللال‬
‫إنللي رسللول الللله ولسللت أعصلليه)‪ ،(182‬وفللي‬
‫رواية‪ :‬أنا عبد الللله ورسللوله لللن أخللالف أمللره‬
‫‪ () 181‬السيرة النبوية لبن هشام )‪ ،(2/228‬وأخبار عمر ص ‪. 34‬‬
‫‪ () 182‬من معين السيرة للشامي ص ‪. 333‬‬
‫ولن يضيعني)‪ ،(183‬قلت أوليس كنت تحللدثنا أنللا‬
‫سنأتي البيت فنطوف به؟ قال‪ :‬بلى‪ ،‬فأخبرتك‬
‫أنللا نللأتيه العللام؟ قلللت‪ :‬ل‪ ،‬قللال فإنللك آتيلله‬
‫ومطوف به قال عمر‪ :‬فأتيت أبا بكر فقلت له‪:‬‬
‫يا أبا بكر‪ :‬أليس برسول الله؟ قال‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪:‬‬
‫أولسنا بالمسلمين؟ قال‪ :‬بلى‪ ،‬قللال‪ :‬أوليسللوا‬
‫بالمشللركين؟ قللال بلللى‪ ،‬قللال‪ :‬فعلم نعطللي‬
‫الدنية في ديننا؟ فقال أبو بكر ناصحا ً الفاروق‬
‫بللأن يللترك الحتجللاج والمعارضللة إلللزم غللرزه‬
‫فإني أشهد أنه رسول الله‪ ،‬وأن الحق مللا أمللر‬
‫به‪ ،‬ولن نخالف أمر الله ولللن يضلليعه الللله)‪،(184‬‬
‫وبعد حادثة أبللي جنللدل المؤلمللة المللؤثرة عللاد‬
‫الصحابة إلى تجديد المعارضة للصلللح‪ ،‬وذهبللت‬
‫مجموعة منهم إلى رسول الله ‪ ‬بينهللم عمللر‬
‫بللن الخطللاب لمراجعتللة‪ ،‬وإعلن معارضللتهم‬
‫مجددا ً للصلح إل أن النللبي ‪ ‬بمللا أعطللاه الللله‬
‫من صبر وحكمة وحلم وقوة حجللة اسللتطاع أن‬
‫يقنللع المعارضللين بوجاهللة الصلللح‪ ،‬وأنلله فللي‬
‫صالح المسلمين وأنه نصللر لهللم)‪ ،(185‬وأن الللله‬
‫سيجعل للمستضعفين مللن أمثللال أبللي جنللدل‬
‫فرجا ً ومخرجًا‪ ،‬وقد تحقق ما أخللبر بلله ‪ ،‬وقللد‬
‫تعلللم عمللر رضللي الللله عنلله مللن رسللول الللله‬
‫احللترام المعارضللة النزيهللة ولللذلك نللراه فللي‬
‫خلفتللله يشلللجع الصلللحابة عللللى إبلللداء الراء‬
‫السللليمة الللتي تخللدم المصلللحة العامللة)‪،(186‬‬
‫البخاري‪ ،‬رقم ‪ ، 3011‬تاريخ الطبري )‪.(2/634‬‬ ‫‪() 183‬‬
‫السيرة النبوية لبن هشام )‪.(3/346‬‬ ‫‪() 184‬‬
‫صلح الحديبية‪ ،‬باشميل ص ‪. 270‬‬ ‫‪() 185‬‬
‫القيادة العسكرية في عهد رسول الله ص ‪. 495‬‬ ‫‪() 186‬‬
‫فحرية الرأي مكفولة فلي المجتملع السللمي‬
‫وأن للفرد في المجتمللع المسلللم الحريللة فللي‬
‫التعبير عللن رأيلله‪ ،‬ولللو كللان هللذا الللرأي نقللدا ً‬
‫لموقللف حللاكم مللن الحكللام أو خليفللة مللن‬
‫الخلفللاء‪ ،‬فمللن حللق الفللرد المسلللم أن يللبين‬
‫وجهة نظره في جللو مللن المللن والمللان دون‬
‫إرهاب أو تسلط يخنللق حريللة الكلمللة والفكللر‪،‬‬
‫ونفهللللم مللللن معارضللللة عمللللر لرسللللول‬
‫الله ‪ ‬أن المعارضة لرئيللس الدولللة فللي رأي‬
‫من الراء وموقف من المواقف ليست جريمللة‬
‫تستوجب العقاب‪ ،‬ويغيب صاحبها فللي غيللاهب‬
‫السجون)‪.(187‬‬
‫لم يكن ذلك الموقف من الفاروق شك ّا ً أو ريبة‬
‫فيما آلت إليه المور‪ ،‬بل طلبا ً لكشف ما خفي‬
‫عليه‪ ،‬وحث ّا ً على إذلل الكفللار‪ ،‬لمللا عللرف مللن‬
‫قوته في نصرة السلم)‪ ،(188‬وبعد ما تبينت للله‬
‫الحكمة قللال عللن مللوقفه بالحديبيللة‪ :‬مللا زلللت‬
‫أتصللدق‪ ،‬وأصللوم‪ ،‬وأصلللي‪ ،‬وأعتللق مللن الللذي‬
‫صنعت يومئذ‪ ،‬مخافة كلمي الللذي تكلمللت بلله‪،‬‬
‫حتى رجوت أن يكون خيرا ً)‪.(189‬‬
‫وفي شعبان سنة ‪ 7‬مللن الهجللرة بعللث رسللول‬
‫الله عمر بن الخطاب إلى تربة في ثلثين رجل ً‬
‫ز)‪ (190‬هللوازن بتربللة وهللي بناحيللة‬ ‫عجلل ِ‬
‫إلللى ُ‬

‫‪ () 187‬غزوة الحديبية لبي فارس ص ‪. 134،135‬‬


‫‪ () 188‬صحيح التوثيق في سيرة وحياة الفاروق ص ‪. 191‬‬
‫‪ () 189‬مختصر منهاج القاصدين ص ‪ ، 293‬فرائد الكلم للخلفاء ص‬
‫‪. 139‬‬
‫خر الشيء‪.‬‬‫‪ () 190‬العجز‪ :‬مؤ ّ‬
‫القبلء)‪ ،(191‬علللى أربللع مراحللل مللن مكللة)‪،(192‬‬
‫فخللرج‪ ،‬وخللرج معلله دليللل مللن بنللي هلل)‪،(193‬‬
‫فكان يسير الليل ويكمن النهللار‪ ،‬فللأتى الخللبر‬
‫هوازن فهربوا‪ ،‬وجللاء عمللر محللالهم فلللم يلللق‬
‫منهم أحدا ً فانصرف راجعا ً إلى المدينللة رضللي‬
‫الللله عنلله)‪ (194‬وفللي روايللة‪ :‬قللال للله الللدليل‬
‫الهللللي‪ :‬هللل لللك فللي جمللع آخللر تركتلله مللن‬
‫م سائرين قد أجدبت بلدهم؟ فقال عمر‪:‬‬ ‫ع َ‬‫ش َ‬‫خ ْ‬ ‫َ‬
‫لم يأمرني رسللول الللله بهللم‪ ،‬إنمللا أمرنللي أن‬
‫مدَ لقتللال هللوازن بُتربللة)‪ ،(195‬وهللذه السللرية‬‫ع َ‬‫أ ْ‬
‫تدلنا على ثلث نتائج عسكرية‪:‬‬
‫الولى‪ :‬أن عمر أصبح مللؤهل ً للقيللادة إذ لللول‬
‫ذلك لما وله النبي الكريم ‪ ‬قيادة سرية مللن‬
‫سللرايا المسلللمين تتجلله إلللى منطقللة بالغللة‬
‫الخطللورة وإلللى قبيلللة مللن أقللوى القبللائل‬
‫العربية وأشدها شكيمة‪.‬‬
‫والثانيللة‪ :‬أن عمللر الللذي كللان يكمللن نهللارا ً‬
‫ل‪ ،‬مشبع بمبدأ المباغتة‪ ،‬أهللم مبللادئ‬ ‫ويسير لي ً‬
‫الحرب على الطلق‪ ،‬مما جعللله يبللاغت عللدوه‬
‫ويجللبره علللى الفللرار‪ ،‬وبللذلك انتصللر بقللواته‬
‫القليلة على قوات المشركين الكثيرة‪.‬‬
‫والثالثة‪ :‬أن عمللر ينفللذ أوامللر قللائدة العلللى‬
‫نصللا ً وروحللًا‪ ،‬ول يحيللد عنهللا‪ ،‬وهللذا هللو روح‬

‫في الصل )) الفل (( وهو تحريف‪.‬‬ ‫‪() 191‬‬


‫تربة‪ :‬واد يقع شرق الحجاز يصب صوب عالية نجد‪.‬‬ ‫‪() 192‬‬
‫هلل بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن‪.‬‬ ‫‪() 193‬‬
‫الطبقات لبن سعد )‪.(3/272‬‬ ‫‪() 194‬‬
‫السيرة النبوية لبن هشام )‪ (2/228‬أخبار عمر ص ‪.34‬‬ ‫‪() 195‬‬
‫الضبط العسكري وروح الجندية في كلل زملان‬
‫ومكان)‪. (196‬‬
‫وفللي غللزوة خيللبر عنللدما نللزل رسللول الللله‬
‫)‪(197‬‬
‫بحضرة أهل خيبر أعطى رسول الله اللللواء‬
‫عمر بن الخطاب‪ ،‬فنهض معلله مللن نهللض مللن‬
‫النللاس‪ ،‬فلقللوا أهللل خيللبر فانكشللف عمللر‬
‫وأصحابه‪ ،‬فرجعوا إلى رسللول الللله ‪ ،‬فقللال‬
‫رسول الله لعطين اللواء غدا ً رجل ً يحللب الللله‬
‫ورسوله ويحبه الللله ورسللوله‪ ،‬فلمللا كللان غللدا ً‬
‫تصدر)‪ (198‬لها أبو بكر‪ ،‬وعمر‪ ،‬فللدعا علي لًا‪ ،‬وهللو‬
‫أرمللد)‪ ، (199‬فتفللل فللي عينيلله وأعطللاه اللللواء‪،‬‬
‫ونهض معه من الناس من نهللض فتلقللى أهللل‬
‫خيبر فإذا مرحب يرجز ويقول‪:‬‬
‫شاك السلح بطللل‬ ‫قد علمت خيبر أنللي‬
‫مجللللللللللللللللللرب‬ ‫مرحلللللللللللللللللللب‬
‫إذا الليللوث أقبلللت‬ ‫أطعن أحيانلا ً وحينلا ً‬
‫تلهللللللللللللللللللللب‬ ‫أضلللللللللللللللللللرب‬
‫فاختلف هو وعلي – رضي الللله عنلله – فضللربه‬
‫علللي علللى هللامته حللتى عضللى السلليف منلله‬
‫بيضتي)‪ (200‬رأسه‪ ،‬وسمع أهل المعسللكر صللوت‬
‫ضربته‪ ،‬فما تتام آخر الناس مع علي حتى فتح‬
‫الله لهم وله‪.‬‬

‫الفاروق القائد ص ‪ 118 ،117‬شيت خطاب‪.‬‬ ‫‪() 196‬‬


‫اللواء‪ :‬العلم‪ ،‬والراية ول يمسكها إل صاحب الجيش‪.‬‬ ‫‪() 197‬‬
‫تصدر‪ :‬نصب صدره في الجلوس‪ ،‬وجلس في صدر المجلس‪.‬‬ ‫‪() 198‬‬
‫الرمد‪ :‬وجع العين وانتفاخها‪.‬‬ ‫‪() 199‬‬
‫البيضة‪ :‬الخوذة‪.‬‬ ‫‪() 200‬‬
‫وعندما أقبل في خيبر نفر من أصللحاب النللبي‬
‫‪ ،‬فقالوا‪ :‬فلن شهيد‪ ،‬فقال رسول الله ‪:‬‬
‫كل‪ ،‬إني رأيتلله فللي النللار فللي بللردة غّلهللا‪ ،‬أو‬
‫عبلللللاءة ثلللللم قلللللال رسلللللول اللللللله ‪:‬‬
‫يا ابن الخطاب اذهب فناد فللي النللاس‪ :‬أنلله ل‬
‫يللدخل الجنللة إل المؤمنللون قللال‪ :‬فخرجللت‬
‫فنلللللاديت‪ :‬أل أنللللله ل يلللللدخل الجنلللللة إل‬
‫المؤمنون)‪.(201‬‬
‫‪ -4‬فتح مكة وغزوة حنين وتبوك‪:‬‬
‫لمللا نقضللت قريللش صلللح الحديبيللة بغللدرها‪،‬‬
‫خشلليت مللن الخطللر القللادم مللن المدينللة‪،‬‬
‫فأرسلت أبللا سللفيان ليشللد العقللد ويزيللد فللي‬
‫المدة‪ ،‬فقللدم علللى رسللول الللله فللدخل علللى‬
‫ابنته أم حبيبة بنللت أبللي سللفيان ولكللن بللدون‬
‫جدوى‪ ،‬وخرج حتى أتى رسول الله فكلمه فلم‬
‫يردّ عليه شيئًا‪ ،‬ثم ذهب إلى أبي بكر فكلمه أن‬
‫يكلم له رسول الله‪ ،‬فقال‪ :‬ما أنللا بفاعللل‪ ،‬ثللم‬
‫أتى عمر بن الخطاب رضلي الللله عنله فكلملله‪،‬‬
‫فقال‪ :‬أنا أشفع لكم إلى رسول الله؟ والله لو‬
‫لم أجد إل الذر لجاهدتكم به)‪ ،(202‬وعندما أكمللل‬
‫النبي ‪ ‬استعداده للسير إلى فتح مكللة‪ ،‬كتللب‬
‫حللاطب بللن أبللي بلتعللة كتاب لا ً إلللى أهللل مكللة‬
‫يخبرهم فيه بنبأ تحرك النبي ‪ ‬إليهللم‪ ،‬ولكللن‬
‫الله سبحانه وتعالى أطلع نللبيه ‪ ‬عللن طريللق‬
‫الللوحي علللى هللذه الرسللالة‪ ،‬فقضللى ‪ ‬علللى‬

‫‪ () 201‬إسناده حسن رجاله رجال الشيخين‪ ،‬الموسوعة الذهبية‬


‫مسند أحمد رقم )‪.(203‬‬
‫‪ () 202‬السيرة النبوية لبن هشام )‪ ،(2/265‬أخبار عمر ص ‪.37‬‬
‫هذه المحاولللة فللي مهللدها‪ ،‬فأرسللل النللبي ‪‬‬
‫عليلا ً والمقللداد فأمسللكوا بللالمرأة فللي روضللة‬
‫خللاخ علللى بعللد اثنللي عشللر ميل ً مللن المدينللة‪،‬‬
‫وهللددوها أن يفتشللوها إن لللم تخللرج الكتللاب‬
‫فسلمته لهم ثم اسللتدعي حللاطب رضللي الللله‬
‫عنه للتحقيق فقال‪ :‬يللا رسللول الللله‪ ،‬ل تعجللل‬
‫ي‪ ،‬إني كنت امرأ ً ملصقا ً في قريش ‪-‬يقول‪-‬‬ ‫عل ّ‬
‫كنت حليفا ولم أكللن مللن أنفسللها‪ ،‬وكللان مللن‬
‫معك من المهاجرين من لهللم قرابللات يحمللون‬
‫بها أهليهم وأموالهم‪ ،‬فللأحببت إذ فللاتني ذلللك‬
‫من النسب فيهم أن أتخذ عنللدهم يللدا ً يحمللون‬
‫قرابتي‪ ،‬ولم أفعله ارتدادا ً عن دينللي ول رضللا ً‬
‫بالكفر بعد السلم‪ ،‬فقال رسول الللله ‪ :‬إمللا‬
‫إنه قد صدقكم‪ ،‬فقللال عمللر‪ :‬يللا رسللول الللله‪،‬‬
‫دعني اضرب عنق هذا المنافق‪ ،‬فقللال ‪ ،‬إنلله‬
‫قد شهد بدرًا‪ ،‬وما يدريك لعل الله اطلللع علللى‬
‫من شهد بللدرا ً فقللال‪ :‬اعملللوا مللا شللئتم فقللد‬
‫غفللرت لكللم)‪ (203‬ومللن الحللوار الللذي تللم بيللن‬
‫عمللر بللن الخطللاب فللي شللأن‬ ‫الرسللول ‪ ‬و ُ‬
‫حاطب يمكن أن نستخرج بعض الدروس والعبر‬
‫منها‪.‬‬
‫‪ -‬حكم الجاسوس القتل‪ ،‬فقد أخبر عمر بللذلك‬
‫ولم ينكر عليه الرسول ‪ ‬ولكن منع من إيقاع‬
‫العقوبة بسبب كونه بدريًا‪.‬‬
‫‪ -‬شللدة عمللر فللي الللدين‪ :‬لقللد ظهللرت هللذه‬
‫الشلللدة فلللي اللللدين حينملللا طلللالب بضلللرب‬
‫عنق حاطب‪.‬‬

‫‪ () 203‬البخاري في المغازي رقم ‪.4274‬‬


‫‪ -‬الكللبيرة ل تسلللب اليمللان‪ :‬إن مللا ارتكبلله‬
‫حاطب كللبيرة وهللي التجسللس ومللع هللذا ظللل‬
‫مؤمنا‪.‬‬
‫‪ -‬لقد أطلق عمللر علللى حللاطب صللفة النفللاق‬
‫بالمعنى اللغللوي ل بللالمعنى الصللطلحي فللي‬
‫عهللده ‪ .‬إذ النفللاق إبطللان الكفللر والتظللاهر‬
‫بالسلللم‪ ،‬وإنمللا الللذي أراده عمللر‪ ،‬إنلله أبطللن‬
‫خلف ما أظهر إذ أرسل كتابه الذي يتنافى مع‬
‫اليمان الذي خرج ُيجاهد من أجله ويبللذل دملله‬
‫في سبيله)‪.(204‬‬
‫‪ -‬تللأثر عمللر مللن رد الرسللول ‪ ‬فتحللول فللي‬
‫لحظات من رجل غاضب ينادي بإجراء العقوبللة‬
‫الكللبيرة علللى حللاطب إلللى رجللل يبكللي مللن‬
‫الخشية والتللأثر ويقللول‪ :‬الللله ورسللوله أعلللم‪،‬‬
‫ذلك لن غضبه كان لله ورسوله فلما تللبين للله‬
‫أن الذي يرضي الله تعالى ورسوله ‪ ‬غيللر مللا‬
‫كان يراه غض النظر عن ذلك الخطللأ ومعاملللة‬
‫صاحبه بالحسنى تقللديرا ً لرصلليده فللي الجهللاد‬
‫واستجاب)‪.(205‬‬
‫وعندما نزل رسول الله بمر الظهران وخشللي‬
‫أبو سفيان على نفسلله وعللرض عليلله العبللاس‬
‫م رسول الله طلب المللان مللن رسللول الللله‬ ‫ع ّ‬
‫فوافللق علللى ذلللك يقللول العبللاس بللن عبللد‬
‫المطلب قلت‪ :‬ويحك يا أبا سفيان هذا رسللول‬
‫الله ‪ ‬في الناس واصباح قريش والللله‪ ،‬قللال‬
‫فما الحيلة؟ فداك أبي وأمي‪ ،‬قال‪ :‬قلت والله‬
‫لئن ظفر بك ليضربن عنقك‪ ،‬فاركب في عجللز‬
‫‪ () 204‬السيرة النبوية لبي فارس ص ‪.404‬‬
‫‪ () 205‬التاريخ السلمي )‪.(7/176،177‬‬
‫هذه البغلة حتى آتي بك رسول الله فأسللتأمنه‬
‫لك‪ ،‬قال‪ :‬فركب خلفي ورجللع صللاحباه‪ ،‬فجئت‬
‫بلله‪ ،‬كلمللا مللررت بنللار مللن نيللران المسلللمين‬
‫قالوا‪ :‬من هذا؟ فإذا رأوا بغلة رسللول الللله ‪‬‬
‫وأنا عليها قالوا‪ :‬عم رسول الللله علللى بغلتلله‪،‬‬
‫حتى مررت بنار عمر بن الخطللاب فقللال‪ :‬مللن‬
‫ي فلمللللللللا رأى‬‫هللللللللذا؟ وقللللللللام إللللللللل ّ‬
‫أبا سفيان على عجز الدابة قللال‪ :‬أبللو سللفيان‬
‫عدو الله‪ ،‬الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقللد‬
‫ول عهد‪ ،‬ثللم خللرج يشللتد نحللو رسللول الللله ‪‬‬
‫ودخللللللللل عليلللللللله عمللللللللر فقللللللللال‪:‬‬
‫يا رسول الله هذا أبللو سللفيان قللد أمكللن الللله‬
‫منه بغير عقد ول عهد‪ ،‬فدعني فلضرب عنقه‪،‬‬
‫قال قلت‪ :‬يا رسول الله إني قلد أجرتله‪ ،‬فلملا‬
‫أكثر عمر من شأنه قلت‪ :‬مهل ً يا عمر‪ ،‬فللوالله‬
‫أن لو كان من بني عدي ما قلللت هللذا‪ ،‬ولكنللك‬
‫قد عرفت أنه من رجال بني عبد مناف‪ ،‬فقللال‬
‫عمللر‪ :‬مهل ً يللا عبللاس‪ ،‬فللوالله لسلللمك يللوم‬
‫أسلمت كان أحب إلي من إسلللم الخطللاب لللو‬
‫أسلم‪ ،‬وما بي إل أني قللد عرفللت أن إسلللمك‬
‫كان أحب إلى رسول الله من إسلللم الخطللاب‬
‫لللو أسلللم‪ ،‬فقللال ‪ :‬إذهللب بلله ياعبللاس إلللى‬
‫رحلك فإذا أصبحت فأتني به)‪ ،(206‬فهللذا موقلف‬
‫عمر –رضى الله عنه‪ -‬وهو يرى عللدو الللله يمللر‬
‫بقوات المسلمين‪ ،‬محتميا ً بظهللر العبللاس عللم‬
‫النبي ‪ ‬وقد بدا ذليل ً خائفًا‪ ،‬فيود عمر –رضي‬
‫الله عنه‪ -‬أن يضرب عنق عدو الللله قربللى إلللى‬

‫‪ () 206‬السيرة النبوية ص ‪.520 ،519 ،518‬‬


‫الله تعالى وجهادا ً في سبيله‪ ،‬ولكن الله تعالى‬
‫قللد أراد الخيللر بللأبي سللفيان فشللرح صللدره‬
‫للسلم‪ ،‬فحفظ دمه ونفسه)‪.(207‬‬
‫وفللي غللزوة حنيللن‪ ،‬بللاغت المشللركون جيللش‬
‫المسلمين وانشمر الناس راجعين ل يلوي أحد‬
‫على أحد‪ ،‬وإنحللاز رسللول الللله ‪ ‬ذات اليميللن‬
‫ي أنا رسول‬ ‫ثم قال‪ :‬أين أيها الناس؟ هلموا إل ّ‬
‫الله‪ :‬أنا محمد بن عبد الللله‪ ،‬فلللم يسللمع أحللد‪،‬‬
‫وحملللت البللل بعضللها علللى بعللض‪ ،‬فللانطلق‬
‫الناس إل أنه بقللي مللع رسللول الللله نفللر مللن‬
‫المهاجرين والنصار وأهللل بيتلله وكللان فيمللن‬
‫ثبت معه من المهاجرين أبو بكللر وعمللر‪ ،‬ومللن‬
‫أهللللللللللل بيتلللللللللله علللللللللللي بللللللللللن‬
‫أبي طالب‪ ،‬والعباس بن عبللد المطلللب‪ ،‬وابنلله‬
‫الفضللل‪ ،‬وأبللو سللفيان بللن الحللارث‪ ،‬وابنلله‪،‬‬
‫وربيعة بللن الحللارث وغيرهللم)‪ ،(208‬ويحكللي أبللو‬
‫قتللادة عللن موقللف عمللر فللي هللذه الغللزوة‬
‫فيقول‪ :‬خرجنا مع رسول الله عام حنين فلمللا‬
‫التقينا كانت للمسلمين جولة‪ ،‬فرأيت رجل ً من‬
‫المشلللركين قلللد عل رجل ً ملللن المسللللمين‪،‬‬
‫فضللربته مللن ورائه علللى عللاتقه)‪ ،(209‬بسلليف‬
‫ي فضللمني ضللمة‬ ‫فقطعللت الللدرع‪ ،‬وأقبللل عل ل ّ‬
‫وجللدت منهللا ريللح المللوت فأرسلللني‪ ،‬فلحقللت‬
‫عمر بن الخطاب فقلت‪ :‬ما بال الناس؟ فقال‪:‬‬
‫أمر الله‪ ،‬ثم رجعوا)‪.(210‬‬
‫الفاروق مع النبي د‪.‬عاطف لماضة ص ‪.42‬‬ ‫‪() 207‬‬
‫السيرة النبوية لبن هشام )‪ ،(2/289‬أخبار عمر ص ‪.41‬‬ ‫‪() 208‬‬
‫عُنق‪.‬‬
‫ق‪ :‬ما بين المنكب وال ُ‬
‫العات ِ ُ‬ ‫‪() 209‬‬
‫البخاري رقم ‪.4067 ،4066‬‬ ‫‪() 210‬‬
‫م الل ّل ُ‬
‫ه‬ ‫صلَرك ُ ْ‬ ‫قد ْ ن َ َ‬ ‫قال تعالى عن هذه الغزوة‪  :‬ل َ َ‬
‫م‬‫م ك َث َْرت ُك ُل ْ‬ ‫جب َت ْك ُل ْ‬
‫ع َ‬‫ن إ ِذْ أ َ ْ‬ ‫حن َي ْل ٍ‬
‫م ُ‬ ‫و َ‬‫وي َل ْ‬
‫ة َ‬ ‫ن ك َِثي لَر ٍ‬ ‫واطِ َ‬ ‫م َ‬ ‫في َ‬ ‫ِ‬
‫ت‬ ‫حب َ ْ‬
‫ما َر ُ‬ ‫م الرض ب ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫علي ْك ْ‬ ‫ت َ‬ ‫َ‬
‫ضاق ْ‬ ‫و َ‬ ‫ً‬
‫م شي ْئا َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫عن ْك ْ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫غ ِ‬ ‫م تُ ْ‬‫فل ْ‬
‫ن)‪)  (25‬التوبة الية‪ (25 :‬فلما تاب‬ ‫ري َ‬
‫مدْب ِ ِ‬‫م ُ‬‫ول ّي ْت ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ثُ ّ‬
‫الللله تعللالى علللى المللؤمنين بعللد أن كللادت‬
‫الهزيمة تلحق بهم نصللر الللله أوليللاءه‪ ،‬بعللد أن‬
‫أفاؤوا إلى نبيهم واجتمعوا حوله‪ ،‬فللأنزل الللله‬
‫سكينته ونصره على جنده وقللال تعللالى يقللص‬
‫ه‬ ‫عل َللى َر ُ‬
‫سللول ِ ِ‬ ‫ه َ‬
‫كين َت َ ُ‬
‫سل ِ‬
‫ه َ‬ ‫م َأن لَز َ‬
‫ل الل ّل ُ‬ ‫علينا ذلك‪  :‬ث ُل ّ‬
‫ن‬ ‫ب ال ّل ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ع لذ ّ َ‬
‫و َ‬
‫ها َ‬
‫و َ‬ ‫دا ل َ ْ‬
‫م ت ََر ْ‬ ‫جُنو ً‬
‫ل ُ‬ ‫وَأنَز َ‬ ‫ن َ‬‫مِني َ‬
‫ؤ ِ‬‫م ْ‬‫عَلى ال ْ ُ‬
‫و َ‬ ‫َ‬
‫ن)‪)  (26‬التوبة‪ ،‬آية ‪.(26‬‬ ‫ري َ‬‫ف ِ‬
‫كا ِ‬‫جَزاءُ ال ْ َ‬
‫ك َ‬ ‫وذَل ِ َ‬ ‫فُروا َ‬‫كَ َ‬
‫وبعد معركة حنين عاد المسلمون إلى المدينللة‬
‫وبينما هم يمللرون بالجعرانللة)‪ ،(211‬كللان رسللول‬
‫الله يقبض الفضللة مللن ثللوب بلل رضللي الللله‬
‫عنه ويعطي الناس‪ ،‬فأتى رجل وقللال لرسللول‬
‫الله‪ :‬يا محمد‪ ،‬اعدل‪ ،‬قال رسللول الللله‪ :‬ويلللك‬
‫ومللن يعللدل إذا لللم أكللن أعللدل؟ لقللد خبللت‬
‫وخسللرت إن لللم أكللن أعللدل‪ ،‬فقللال عمللر بللن‬
‫الخطاب رضي الله عنه دعني يللا رسللول الللله‪،‬‬
‫فأقتللل هللذا المنللافق‪ ،‬فقللال‪ :‬معللاذ الللله أن‬
‫يتحللدث النللاس أنللي أقتللل أصللحابي‪ ،‬إن هللذا‬
‫وأصلللللحابه يقلللللرءون القلللللرآن ل يجلللللاوز‬
‫حنلللاجرهم)‪ ،(212‬يمرقلللون منللله كملللا يملللرق‬

‫‪ () 211‬الجعرانة‪ :‬تقع شمال مكة مع ميل إلى الشرق بتسع‬


‫وتسعين كي ً‬
‫ل‪.‬‬
‫‪ () 212‬فيه تأويلت‪ :‬أحدهما معناه ل تفقه قلوبهم‪ ،‬ول ينتفعون‬
‫بما تلوا منه‪ ،‬ول لهم حظ سوى تلوة الفم والحنجرة والثاني‬
‫ل يصعد لهم عمل ول تلوة‪.‬‬
‫السهم)‪ (213‬من الرمية)‪ ،(214‬ففي هللذا الموقللف‬
‫منقبلللة عظيملللة لعملللر رضلللي اللللله‪ ،‬فهلللو‬
‫ل يصبر إذا انتهكت أمامه المحارم‪ ،‬فقد اعتدي‬
‫علللى مقللام النبللوة والرسللالة‪ ،‬فمللا كللان مللن‬
‫ل‪ :‬دعني يا رسول الللله‪،‬‬ ‫الفاروق إن أسرع قائ ً‬
‫أقتل هذا المنافق‪ .‬هللذا هللو رد الفللاروق أمللام‬
‫من ينتهكون قدسية النبوة والرسالة)‪ ،(215‬وفي‬
‫الجعرانة لّبى عمر رضي الله عنلله رغبللة يعلللى‬
‫بن أمية التميمي الصحابي المشهور في رؤيللة‬
‫رسللول الللله حيللن ينللزل عليلله الللوحي‪ ،‬فعللن‬
‫صفوان بن يعلى‪ ،‬أن يعلى كان يقللول‪ :‬ليتنللي‬
‫أرى رسول الله ‪ ‬حيللن ينللزل)‪ (216‬عليلله قللال‪:‬‬
‫فبينما النبي ‪ ‬بالجعرانة)‪ ،(217‬وعليه ثللوب قللد‬
‫ل به‪ ،‬معه فيه نللاس مللن أصللحابه‪ ،‬إذ جللاءه‬ ‫ُأظ ّ‬
‫خ)‪ ،(218‬بطيللب‪ ،‬فقللال‪:‬‬ ‫م ٌ‬‫جّبة متض ّ‬ ‫أعرابي عليه ُ‬
‫يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم بعمللرة‬
‫في جبة بعللدما تضللمخ بللالطيب؟ فأشللار عمللر‬
‫ل فجللاء يعلللى فللإذا‬ ‫علللى يعلللى بيللده‪ ،‬أن تعللا َ‬
‫النبي ‪ُ ‬‬
‫)‪(219‬‬
‫كللذلك سللاعة‪،‬‬ ‫مّر الوجه‪ ،‬يغللط‬ ‫مح َ‬
‫سّري عنه قال‪ :‬أين الذي بك فاغسللله ثلث‬ ‫ثم ُ‬
‫ة فاترعها‪ ،‬ثم ضع في عمرتك‬ ‫مرات‪ ،‬وأما الجب ّ ُ‬

‫‪ () 213‬يخرجون من الدين خروج السهم إذا نفذ الصيد‪.‬‬


‫‪ () 214‬مسلم رقم ‪ ،1063‬البخاري رقم ‪.3138‬‬
‫‪ () 215‬صحيح التوثيق في سيرة وحياة الفاروق ص ‪.200‬‬
‫‪ () 216‬محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب‬
‫)‪.(2/408‬‬
‫ة‬
‫‪ () 217‬موضع شمال مكة مع ميل إلى الشرق وتبعد عن مكة تسع ً‬
‫وتسعين كي ً‬
‫ل‪.‬‬
‫ضمخ‪ :‬لطخ الجسد بالطيب حتى كأنما يقطر‪.‬‬ ‫‪ () 218‬ال ّ‬
‫‪ () 219‬الغط‪ :‬هو الصوت الذي يخرج من نفس النائم‪.‬‬
‫كما تضع في حجك)‪ (220‬وأمللا فللي غللزوة تبللوك‬
‫فقد تصدق بنصف مللاله‪ ،‬وأشللار علللى رسللول‬
‫الله بالدعاء للناس بالبركة عندما أصاب الناس‬
‫مجاعة‪ ،‬فعن أبي هريرة رضي اللله عنله قلال‪:‬‬
‫لمللا كللان فللي غلزوة تبللوك)‪ ،(221‬أصللاب النللاس‬
‫مجاعة‪ ،‬فقالوا يا رسول الله للو أذنلت فلذبحنا‬
‫دهّنا‪ ،‬فقال لهم رسللول‬ ‫نواضحنا)‪ ،(222‬فأكلنا وا ّ‬
‫الله‪ :‬افعلوا‪ ،‬فجاء عمر فقال يللا رسللول إنهللم‬
‫إن فعلللوا قللل ال ّ‬
‫ظهللر‪ ،‬ولكللن ادعهللم فليللأتوا‬
‫بفضللل أزوادهللم‪ ،‬فجعللل الرجللل يجيللء بكللف‬
‫الذرة‪ ،‬والخللر بكللف التمللر‪ ،‬والخللر بالكسللرة‪،‬‬
‫حتى اجتمع من ذلك على النطع شلليء يسللير‪،‬‬
‫ثم دعا ‪ ‬بالبركة ثم قال‪ :‬خذوا فللي أوعيتكللم‬
‫فأخللذوا فللي أوعيتهللم حللتى مللا تركللوا فللي‬
‫العسللكر وعللاءً إل ملوه وأكلللوا حللتى شللبعوا‪،‬‬
‫وفضلت منه فضلة‪ ،‬فقال رسلول اللله‪ :‬أشلهد‬
‫أن ل إللله إل الللله وأشللهد أنللي رسللول الللله ل‬
‫يلقى الللله بهللا عبللد غيللر شللاك‪ ،‬فيحجللب عللن‬
‫الجنة)‪.(223‬‬
‫هذه بعض المواقف العمرية التي شللاهدها مللع‬
‫رسلللول اللللله ‪ ‬ول شلللك أن الفلللاروق قلللد‬
‫استوعب الدروس والعبر والفقلله الللذي حللدث‬
‫في غزوات رسللول الللله ‪ ‬وأصللبحت للله زادا ً‬
‫انطلق به في ترشيد وقيادة الناس بشرع الللله‬
‫تعالى‪.‬‬
‫البخاري‪ ،‬رقم ‪ ،4700‬مسلم رقم ‪.1180‬‬ ‫‪() 220‬‬
‫تبوك‪ :‬موضع بين وادي القرى والشام‪.‬‬ ‫‪() 221‬‬
‫النواضح من البل التي يسقى عليها الماء‪.‬‬ ‫‪() 222‬‬
‫مسلم‪ ،‬ك اليمان رقم ‪.27‬‬ ‫‪() 223‬‬
‫ثانيًا‪ :‬من مواقفه في المجتمع المدني‪:‬‬
‫كان عمر شديد الحرص على ملزمة رسللول الللله‬
‫وكان رضي الله عنه إذا جلس إلى رسول الله لم‬
‫يترك المجلس حتى ينفض‪ ،‬فهو واحد من الجمللع‬
‫القليل الذي لم يترك رسول الله ‪ ‬وهو يخطللب‬
‫حين قدمت عيللر إلللى المدينللة)‪ ،(224‬وكللان يجلللس‬
‫في حلقات ودروس ومواعظ رسول الللله نشللطا ً‬
‫يستوضح‪ ،‬ويستفهم‪ ،‬ويلقللي السللئلة بيللن يللدي‬
‫رسلول اللله فلي الشلؤون الخاصلة والعاملة)‪،(225‬‬
‫ولذلك فقد روى عن النللبي ‪ ‬خمسللمائة حللديث‬
‫وتسعة وثلثين حديثا ً)‪ ،(226‬وفي رواية‪ :‬خمسللمائة‬
‫وسبعة وثلثيللن حللديثا ً)‪ ،(227‬اتفللق الشلليخان فللي‬
‫صللحيحيهما علللى سللتة وعشللرين منهللا‪ ،‬وانفللرد‬
‫البخللللاري بأربعللللة وثلثيللللن ومسلللللم بواحللللد‬
‫وعشلللرين)‪ ،(228‬والبقيلللة فلللي كتلللب الحلللاديث‬
‫الخرى)‪ ،(229‬وقد وفقلله اللله إلللى روايللة أحلاديث‬
‫لها قيمتها الولوية في حقيقة اليمان والسلم‬
‫والحسان والقضاء والقدر‪ ،‬وفللي العلللم والللذكر‬
‫والدعاء وفي الطهارة والصلة والجنائز‪ ،‬والزكاة‬
‫والصلللدقات‪ ،‬والصللليام‪ ،‬والحلللج‪ ،‬وفلللي النكلللاح‬
‫والطلق والنسلللللب‪ ،‬والفلللللرائض‪ ،‬والوصلللللايا‬
‫والجتمللاع‪ ،‬وفللي المعللاملت والحللدود‪ ،‬وفللي‬

‫‪ () 224‬الحسان في تقريب صحيح بن حبان )‪ (15/300‬مسلم رقم‬


‫‪.863‬‬
‫‪ () 225‬انظر‪ :‬عمر بن الخطاب‪ ،‬د‪ .‬علي الخطيب ص ‪.108‬‬
‫‪ () 226‬تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ‪.133‬‬
‫‪ () 227‬انظر‪ :‬عمر بن الخطاب‪ ،‬د‪ .‬علي الخطيب ص ‪.109‬‬
‫‪ () 228‬دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين )‪.(1/40‬‬
‫‪ () 229‬عمر بن الخطاب د‪ .‬علي الخطيب ص ‪.109‬‬
‫اللبللاس والطعمللة والشللربة والللذبائح‪ ،‬وفللي‬
‫الخلق والزهلللد والرقلللاق والمنلللاقب والفتلللن‬
‫والقيامة‪ ،‬وفي الخلفة والمللارة والقضللاء‪ ،‬وقللد‬
‫أخذت هذه الحاديث مكانها فللي مختلللف العلللوم‬
‫السلمية‪ ،‬ول تزال رافللدا ً يمللد هللذه العلللوم)‪،(230‬‬
‫وإليلللك بعلللض المواقلللف التعليميلللة والتربويلللة‬
‫والجتماعية من حيللاة الفللاروق مللع رسللول الللله‬
‫في المدينة‪.‬‬
‫‪ -1‬رسول الله ‪ ‬يسأل عمر عن السائل‪:‬‬
‫عن عبد الللله بللن عمللر رضللي الللله عنهمللا أنلله‬
‫قال‪ :‬أخبرني عمر بن الخطاب أنهم بينمللا هللم‬
‫جلوس – أو قعود – عند النللبي ‪ ،‬جللاءه رجللل‬
‫يمشي‪ ،‬حسن الوجه‪ ،‬حسن الشعر‪ ،‬عليه ثيللاب‬
‫بيللاض‪ ،‬فنظللر القللوم بعضللهم إلللى بعللض‪ :‬مللا‬
‫نعرف هذا‪ ،‬وما هذا بصاحب سفر‪ .‬ثم قللال‪ :‬يللا‬
‫رسول الللله‪ ،‬آتيللك؟ قللال‪ :‬نعللم‪ .‬فجللاء فوضللع‬
‫ركبتيه عند ركبتيه‪ ،‬ويديه على فخللذيه‪ ،‬فقللال‪:‬‬
‫ملا السلللم؟ قللال‪ :‬شللهادة أن ل إلله إل الللله‪،‬‬
‫وأن محمدا ً رسول الله‪ ،‬وتقيم الصلة‪ ،‬وتللؤتي‬
‫ج الللبيت‪ .‬قللال‪:‬‬ ‫الزكاة‪ ،‬وتصللوم رمضللان‪ ،‬وتح ل ّ‬
‫فما اليمان؟ قللال‪ :‬أن تللؤمن بللالله وملئكتلله‪،‬‬
‫والجنة والّنار‪ ،‬والبعث بعد الموت‪ ،‬والقدر كّله‪.‬‬
‫قال‪ :‬فما الحسان؟ قال‪ :‬أن تعمللل لللله كأنللك‬
‫تراه‪ ،‬فإن لم تكن تراه فإنه يراك‪ .‬قال‪ :‬فمتى‬
‫الساعة؟ قال‪ :‬ملا المسلؤول عنهلا بلأعلم ملن‬
‫عللراة‬‫سائل‪ .‬قال‪ :‬فما أشراطها؟ قللال‪ :‬إذا ال ُ‬ ‫ال ّ‬
‫الحفاة العالة رعاء الشاء تطاولوا في البنيللان‪،‬‬
‫‪ () 230‬عمر بن الخطاب د‪ .‬علي الخطيب ص ‪.112‬‬
‫وَلدت الماء أربابه ّ‬
‫)‪(231‬‬
‫ي‬
‫‪ .‬قال‪ :‬ثم قللال عللل ّ‬ ‫ن‬ ‫و َ‬
‫ل‪ ،‬فطلبوه فلم يروا شيئًا‪ ،‬فمكث يللومين‬ ‫ج َ‬
‫الّر ُ‬
‫أو ثلثة‪ ،‬ثم قال‪ :‬يلا ابلن الخطلاب أتلدري ملن‬
‫السللائل عللن كللذا وكللذا؟ قللال‪ :‬الللله ورسللوله‬
‫أعللللم‪ ،‬قلللال‪ :‬ذاك جبريلللل جلللاءكم يعلمكلللم‬
‫دينكم)‪.(232‬‬
‫وهذا الحللديث يللبين أن الفللاروق تعلللم معللاني‬
‫السلم واليمان والحسان بطريقللة السللؤال‬
‫والجواب من أفضل الملئكة وأفضل الرسل‪.‬‬
‫‪ -2‬إصابة رأيه رأي رسول الله ‪:‬‬
‫عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬كنا قعللودا ً‬
‫حول رسول الله ‪ ‬ومعنا أبو بكر وعمللر‪ ،‬فللي‬
‫نفللر‪ .‬فقللام رسللول الللله ‪ ‬مللن بيللن أظهرنللا‬
‫فأبطأ علينا وخشينا أن يقتطع دوننللا وفزعنللا‪،‬‬
‫ول مللن فللزع فخرجللت أبتغللي‬ ‫وقمنللا‪ ،‬فكنللت أ ّ‬
‫ً)‪(233‬‬
‫للنصللار‬ ‫رسول الله ‪ ‬حللتى أتيللت حائط لا‬
‫لبني النجار فدرت به هل أجد له بابا ً فلم أجللد‪،‬‬
‫فإذا ربيع)‪ (234‬يدخل فللي جللوف حللائط مللن بئر‬
‫خارجة فاحتفزت)‪ (235‬فدخلت على رسول الللله‬
‫فقال أبو هريرة؟ فقلت‪ :‬نعللم يللا رسللول الللله‬
‫قللال‪ :‬مللا شللأنك؟ قلللت‪ :‬كنللت بيللن ظهرينللا‪،‬‬
‫فقمت فأبطأت علينا‪ ،‬فخشينا أن تقطع دوننا‪،‬‬
‫ففزعنللا‪ ،‬وكنللت أول مللن فللزع‪ ،‬فللأتيت هللذا‬
‫الحائط فاحتفزت كما يحتفللز الثعلللب‪ ،‬وهللؤلء‬
‫في طبعة الشيخ أحمد شاكر‪ :‬رباتهن‪.‬‬ ‫‪() 231‬‬
‫إسناده صحيح على شرط الشيخين‪ ،‬مسند أحمد رقم ‪. 184‬‬ ‫‪() 232‬‬
‫الحائط‪ :‬البستان‪.‬‬ ‫‪() 233‬‬
‫الربيع‪ :‬الساقية أو الجدول‪.‬‬ ‫‪() 234‬‬
‫فاحتفزت‪ :‬تضاممت ليسعني المدخل‪.‬‬ ‫‪() 235‬‬
‫الناس ورائي‪ .‬فقال‪ :‬يا أبا هريرة – وأعطللاني‬
‫نعليه – اذهللب بنعلللي هللاتين فمللن لقيتلله مللن‬
‫وراء الحائط يشهد أن ل إلله إل الللله مسلتيقنا ً‬
‫بها قلبه فبشره بالجنة‪ .‬وكللان أول مللن لقيللت‬
‫عمر‪ ،‬فقال‪ :‬مللا هللذان النعلن يللا أبللا هريللرة؟‬
‫فقلت‪ :‬هذان نعل رسول الللله ‪ ‬بعثنللي بهمللا‬
‫من لقيت يشهد أن ل إله إل الله مستيقنا ً بهللا‬
‫ي‬ ‫قلبه بشللرته بالجنللة‪ .‬فضللرب عمللر بيللن ثللدي َ ّ‬
‫بيللده‪ ،‬فخللررت لسللتي‪ ،‬فقللال‪ :‬ارجللع يللا أبللا‬
‫هريرة فرجعت إلى رسللول الللله ‪ ‬فأجهشللت‬
‫بالبكاء وركبني)‪ (236‬عمللر‪ .‬وإذا هللو علللى أثللري‬
‫فقال رسول الله ‪ :‬مالك يا أبا هريرة؟ قلت‪:‬‬
‫لقيللت عمللر فللأخبرته بالللذي بعثتنللي)‪ (237‬بلله‬
‫ي ضللربة فخللررت لسللتي‪،‬‬ ‫فضللرب بيللن ثللدي ّ‬
‫فقال‪ :‬ارجع فقال رسول الله ‪ :‬يللا عمللر مللا‬
‫حملك على ما فعلت؟ فقللال‪ :‬يللا رسللول الللله‪،‬‬
‫أبعثت أبا هريرة بنعليك مللن لقللي يشللهد أن ل‬
‫شلَرهُ بالجنللة؟‬ ‫إله إل الللله مسللتيقنا ً بلله قلبلله ب َ ّ‬
‫قللال‪ :‬نعللم‪ .‬قللال‪ :‬فل تفعللل؛ فللإني أخللاف أن‬
‫يتكللل النللاس عليهللا فخلهللم يعملللون‪ .‬فقللال‬
‫ّ‬
‫هم)‪.(238‬‬ ‫رسول الله ‪ :‬فخل ِ‬
‫‪ -3‬حرص رسول الله على توحيد مصدر تلقي الصحابة‪:‬‬
‫عن جابر بن عبد الله أن النبي ‪ ‬رأى بيد عمر‬
‫بلللن الخطلللاب ورقلللة ملللن التلللوراة فقلللال‪:‬‬

‫‪ () 236‬ركبني عمر‪ :‬تبعني وجاء على أثري‪.‬‬


‫‪ () 237‬محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين )‪.(1/258‬‬
‫‪ () 238‬مسلم‪ ،‬ك اليمان رقم ‪. 31‬‬
‫أمتهوكون)‪ (239‬يا بن الخطاب؟ لقلد جئتكلم بهلا‬
‫بيضاء نقية‪ ،‬لو كان موسللى حي لً‍ا مللا وسللعه إل‬
‫اتباعي وفي رواية‪ :‬أن لو كان موسى حي لا ً ثللم‬
‫اتبعتموه وتركتموني لضللتم)‪.(240‬‬

‫‪ () 239‬أمتهوكون‪ :‬التهوك كالتهور‪ ،‬وهو وقوع في المر بغير‬


‫رؤية‪.‬‬
‫‪ () 240‬الفتاوى )‪ ،(11/232‬مسند أحمد )‪ (3/387‬عن جابر‪.‬‬
‫‪ -4‬رسول الله يتحدث عن بدءِ الخلق‪:‬‬
‫عن طارق بن شهاب قال سللمعت عمللر رضللي‬
‫الللله عنلله يقللول قللام فينللا النللبي ‪ ‬مقام لًا‪،‬‬
‫فأخبرنا عن بدء الخلق حللتى دخللل أهللل الجنللة‬
‫منازلهم وأهل النار منازلهم‪ ،‬حفللظ ذلللك مللن‬
‫حفظله‪ ،‬ونسليه ملن نسليه)‪ .(241‬وهلذا الحلديث‬
‫يدخل ضمن فقه القدوم على الله الذي فهملله‬
‫عمر من رسول الله‪.‬‬
‫‪ -5‬نهي رسول الله عن الحلف بالببباء وحثببه علببى التوكببل علببى‬
‫الله‪:‬‬
‫عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن عمر‬
‫بن الخطاب قال‪ :‬سلمعت رسلول اللله يقلول‪:‬‬
‫إن الله عللز وجللل ينهللاكم أن تحلفللوا بآبللائكم‪.‬‬
‫قال عمر‪ :‬فوالله مللا حلفللت بهللا منللذ سللمعت‬
‫رسول الله ‪ ‬نهى عنها‪ ،‬ول تكلمت بها ذاكرا ً‬
‫ول آثرا ً)‪ ،(242‬وسمع عمر رضللي الللله عنلله نللبي‬
‫الله يقللول‪ :‬لللو أنكللم تو ّ‬
‫كلللون علللى الللله حللق‬
‫توكله‪ ،‬لرزقكم كما يرزق الطير‪ ،‬تغللدو خماصلا ً‬
‫وتروح بطانا ً)‪.(243‬‬
‫‪ -6‬رضيت بالله ربا ً وبالسلم دينا ً وبمحمد نبيا ً ورسو ً‬
‫ل‪:‬‬
‫عن أبي موسى قال‪ :‬سئل النبي ‪ ‬عن أشياء‬
‫كرهها‪ ،‬فلما أكثر عليه غضب‪ ،‬ثم قال للنللاس‪.‬‬
‫ما شئتم‪ ،‬قال رجل‪ :‬من أبللي؟ قللال‪:‬‬ ‫سلوني ع ّ‬
‫أبوك حذافة فقام آخر‪ ،‬من أبللي؟ قللال‪ :‬أبللوك‬
‫‪ () 241‬البخاري‪ ،‬ك بدء الخلق رقم ‪. 192‬‬
‫‪ () 242‬إسناده صحيح على شرط البخاري‪ ،‬مسند أحمد رقم ‪122‬‬
‫الموسوعة الحديثية‪.‬‬
‫‪ () 243‬إسناده قوي‪ ،‬مسند أحمد رقم ‪ 205‬الموسوعة الحديثية‪.‬‬
‫سالم مولى شيبة)‪ ،(244‬فلما رأى عمللر مللا فللي‬
‫وجهه‪ ،‬قال‪ :‬يا رسول الله إنا نتللوب إلللى الللله‬
‫عز وجللل)‪ ،(245‬وفللي روايللة‪ :‬فللبرك عمللر علللى‬
‫ركبتيه‪ ،‬فقال‪ :‬رضينا بالله ربا ً وبالسلم دينللًا‪،‬‬
‫وبمحمد نبيًا‪ ،‬فسكت)‪.(246‬‬
‫ن بل للناس عامة‪:‬‬ ‫‪ -7‬ل ونعم َ‬
‫ة عي ٍ‬
‫عن ابن عباس رضي الله عنهمللا أن رجل ً أتللى‬
‫عمر بن الخطاب رضي الله عنه‪ .‬فقال‪ :‬امللرأة‬
‫جاءت تبايعه فأدخلها الدولج)‪ (247‬فأصللبت منهللا‬
‫)‪(248‬‬
‫مغيبللة‬‫ما دون الجماع؟ فقال‪ :‬ويحك لعلهللا ُ‬
‫ص لل َ َ‬
‫ة‬ ‫م ال ّ‬ ‫وأ َ ِ‬
‫قل ْ‬ ‫في سبيل الله؟ ونزل القلرآن‪َ  :‬‬
‫ن‬ ‫ت ي ُ لذ ْ ِ‬
‫هب ْ َ‬ ‫س لَنا ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫ح َ‬ ‫ن الل ّي ْل ِ‬
‫ل إِ ّ‬ ‫مل ْ‬‫فا ِ‬‫وُزل َ ً‬
‫ر َ‬
‫ها ِ‬‫في الن ّ َ‬ ‫طََر ِ‬
‫ن)‪)  (114‬هود‪،‬آية‪.(114:‬‬ ‫ري َ‬ ‫ك ِذك َْرى ِلل ّ‬
‫ذاك ِ ِ‬ ‫ت ذَل ِ َ‬‫سي َّئا ِ‬‫ال ّ‬
‫فقللال‪ :‬يللا رسللول الللله إلللي خاصللة أم للنللاس‬
‫عامللللللللللللة‪ ،‬فضللللللللللللرب صللللللللللللدره‬
‫– يعني عمر – بيللده‪ ،‬وقللال‪ :‬ل‪ ،‬ول نعمللة عيللن‬
‫بل للناس عامة‪ :‬فقال رسللول الللله ‪ :‬صللدق‬
‫عمر)‪.(249‬‬

‫‪ -8‬حكم العائد في صدقته‪:‬‬


‫عن عمر بللن الخطللاب رضللي الللله عنلله‪ ،‬قللال‪:‬‬
‫حملت على فللرس فللي سللبيل الللله‪ ،‬فأضللاعه‬
‫‪ () 244‬سعد بن سالم مولى شيبة بن ربيعة صحابي‪ ،‬محض الصواب‬
‫)‪.(2/700‬‬
‫‪ () 245‬البخاري‪ ،‬رقم ‪ ، 92‬مسلم رقم ‪. 2360‬‬
‫‪ () 246‬البخاري‪ ،‬رقم ‪ ، 93‬مسلم ‪. 2359‬‬
‫‪ () 247‬الدولج‪ :‬المخدع؛ وهو البيت الصغير داخل البيت الكبير‪.‬‬
‫‪ () 248‬المغيبة‪ :‬التي غاب عنها زوجها‪.‬‬
‫‪ () 249‬مسند أحمد )‪ (4/41‬رقم ‪ 2206‬قال أحمد شاكر إسناده‬
‫صحيح‪.‬‬
‫صللاحبه‪ ،‬فللأردت أن أبتللاعه وظننللت أنلله بللائعه‬
‫برخللص‪ ،‬فقلللت‪ :‬حللتى أسللأل رسللول الللله ‪‬‬
‫فقال‪ :‬ل تبتعه‪ ،‬وإن أعطاكه بدرهم‪ ،‬فإن الذي‬
‫يعود في صدقته كالكلب يعود في قيئه)‪.(250‬‬

‫‪ () 250‬إسناده صحيح على شرط الشيخين‪ ،‬مسند أحمد رقم ‪. 281‬‬


‫‪ -9‬من صدقاته ووقفه‪:‬‬
‫عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمللر تصللدق‬
‫بمال له على عهد رسول الللله ‪ ‬وكللان يقللال‬
‫له‪ :‬ثمغ‪ ،‬وكان به نخل‪ ،‬فقال عملر‪ :‬يلا رسلول‬
‫ل‪ ،‬وهللو عنللدي نفيللس‪،‬‬ ‫الله إنللي اسللتفدت مللا ً‬
‫فأردت أن أتصدق به‪ ،‬فقللال النللبي ‪ :‬تصللدق‬
‫بأصللله‪ ،‬ل يبللاع ول يللوهب‪ ،‬ول يللورث‪ ،‬ولكللن‬
‫ينفق ثمر‪ .‬فتصدق به عمر‪ ،‬فصدقته تلللك فللي‬
‫سلللبيل اللللله‪ ،‬وفلللي الرقلللاب‪ ،‬والمسلللاكين‪،‬‬
‫والضلليف وابللن السللبيل‪ ،‬ولللذوي القربللى‪ ،‬ول‬
‫جنلاح عللى ملن وليله أن يأكلل بلالمعروف‪ ،‬أو‬
‫ل به)‪ ،(251‬وفللي روايللة‪:‬‬ ‫يؤكل صديقه غير متمو ٍ‬
‫أصاب عمر بخيبر أرضًا‪ ،‬فأتى النبي ‪ ‬فقللال‪:‬‬
‫أصبت أرضا ً لللم أصللب مللال ً قللط‪ .‬أنفللس منلله‪،‬‬
‫كيف تأمرني به؟ قال‪:‬إن شئت حبسللت أصلللها‬
‫وتصدقت بها‪ ،‬فتصدق عمر‪ :‬أنه ل يباع أصلللها‪،‬‬
‫ول يلللوهب‪ ،‬ول يلللورث‪ ،‬فلللي الفقلللراء وذوي‬
‫القربى‪ ،‬والرقاب‪ ،‬وفي سبيل الله‪ ،‬والضلليف‪،‬‬
‫وابن السبيل‪ ،‬ل جناح على من وليها أن يأكللل‬
‫ول‬ ‫منها بالمعروف‪ ،‬أويطعم صللديقا ً غيللر متملل ّ‬
‫فيلله)‪ ،(252‬فهللذا الموقللف العمللري فيلله فضلليلة‬
‫ظاهرة للفاروق رضي الللله عنلله ورغبتلله فللي‬
‫المسارعة للخيرات‪ ،‬وإيثاره الحياة الخرة على‬
‫الحياة الفانية‪.‬‬
‫‪ -10‬هدية نبوية لعمر بن الخطاب وأخرى لبنه‪:‬‬
‫عن ابن عمر قللال‪ :‬رأى عمللر علللى رجللل حلللة‬
‫من استبرق‪ ،‬فأتى بها إلى النبي ‪ ‬فقال‪ :‬يللا‬
‫‪ () 251‬البخاري‪ ،‬ك الوصايا رقم ‪ 2772‬رواية أخرى‪.‬‬
‫‪ () 252‬البخاري‪ ،‬ك الوصايا رقم ‪ 2773‬رواية أخرى‪.‬‬
‫رسول الله اشتر هذه فالبسها لوفد الناس إذا‬
‫قدموا عليك‪ .‬قللال‪ :‬إنمللا يلبللس الحريللر مللن ل‬
‫خلق له‪ .‬فمضللى مللن ذلللك مللا مضللى‪ ،‬ثللم إن‬
‫النبي ‪ ‬بعث إليلله بحلللة‪ ،‬فللأتى بهللا النللبي ‪‬‬
‫فقال‪ :‬بعثت إلي بهذه‪ ،‬وقد قلللت فللي مثلهللا‬
‫حلة عطارد)‪ (253‬ما قلت؟ قال‪ :‬إنما‬ ‫أو قال في ُ‬
‫ً)‪(254‬‬
‫وفي روايللة‪… :‬‬ ‫بعثت إليك لتصيب بها مال‬
‫‪،‬‬ ‫)‪(255‬‬
‫فكساها عمر أخا ً له بمكللة قبللل أن يسلللم‬
‫وأما هدية النبي ‪ ‬لبن عمر‪ ،‬فعللن عبللد الللله‬
‫بللن عمللر قللال‪ :‬كنللا مللع النللبي ‪ ‬فللي سللفر‪،‬‬
‫فكنت على بكر صعب)‪ (256‬لعمر‪ ،‬فكللان يغلبنللي‬
‫فيتقللدم أمللام القللوم‪ ،‬فيزجللره عمللر ويللرده‪،‬‬
‫فقال النبي ‪ ‬لعمر‪ :‬بعنيلله‪ .‬قللال‪ :‬هللو لللك يللا‬
‫رسول الله قال‪ :‬بعنيه‪ :‬فباعه من رسول الللله‬
‫‪ ‬فقال النبي ‪ :‬هو لك يا عبد الله بن عمللر‬
‫تصنع به ما شئت)‪.(257‬‬

‫‪ -11‬تشجيعه لبنه وبشرى لبن مسعود‪:‬‬


‫عللن عبللد الللله بللن عمللر رضللي الللله عنهللم أن‬
‫رسول الله ‪ ‬قللال‪ :‬إن مللن الشللجر شللجرة ل‬
‫دثوني مللا‬
‫يسقط ورقها‪ ،‬وهي مثل المسلم‪ ،‬ح ّ‬
‫هي؟ فوقع الناس في شجر البادية‪ ،‬ووقع في‬
‫نفسي أّنها النخلة‪ ،‬قال عبد الله‪ :‬فاسللتحييت‪،‬‬
‫فقالوا‪ :‬يا رسول الله أخبرنا بها‪ .‬فقال رسول‬
‫الله ‪ :‬هي النخلة‪ .‬قال عبد الله‪ :‬فحدثت أبي‬
‫التميمي الدارمي‪.‬‬ ‫‪() 253‬‬
‫مسلم‪ ،‬رقم ‪. 2068‬‬ ‫‪() 254‬‬
‫البخاري‪ ،‬ك الدب‪ ،‬رقم ‪. 5636‬‬ ‫‪() 255‬‬
‫صعب‪ :‬غير منقاد ول ذلول‪.‬‬ ‫‪() 256‬‬
‫البخاري‪ ،‬ك البيوع‪ ،‬رقم ‪. 2009‬‬ ‫‪() 257‬‬
‫بمللللللللللللللللا وقللللللللللللللللع فللللللللللللللللي‬
‫نفسي‪ ،‬فقال‪ :‬لن تكون قلتها أحب إلللي مللن‬
‫أن يكون لي كللذا وكللذا)‪ .(258‬وأمللا بشللرى عمللر‬
‫لبن مسعود‪ ،‬فقد روى عمر رضي الله عنه أنه‬
‫سمر في بيت أبللي بكللر مللع رسللول الللله فللي‬
‫أمور المسلمين‪ ،‬فخللرج رسللول الللله‪ ،‬وخرجنللا‬
‫معه‪ ،‬فإذا رجل قائم يصّلي في المسجد‪ ،‬فقام‬
‫رسللول الللله ‪ ‬يسللتمع قراءتلله فلمللا كللدنا أن‬
‫نعرفه‪ ،‬قال رسول الله ‪ :‬من سللره أن يقللرأ‬
‫القرآن رطبا ً كما أنللزل‪ ،‬فليقللرأه علللى قللراءة‬
‫ابللن أم عبللد‪ .‬قللال‪ :‬ثللم جلللس الرجللل يللدعو‪،‬‬
‫سل ْ‬
‫ل‬ ‫ه‪َ ،‬‬ ‫عط َ ل ْ‬ ‫سل ْ‬
‫ل تُ ْ‬ ‫فجعل رسول الله يقول له‪َ :‬‬
‫ه‪ .‬قللال عمللر‪ :‬قلللت‪ :‬والللله لغللدون إليلله‬ ‫عطَل ْ‬‫تُ ْ‬
‫فلبشرنه‪ ،‬قال فغدوت إليلله لبشللره فوجللدت‬
‫أبا بكر قد سبقني إليلله فبشللره‪ ،‬ول والللله مللا‬
‫سابقته إلى خير قط إل سبقني إليه)‪.(259‬‬

‫‪ -12‬حذره من البتداع‪:‬‬
‫)‪(260‬‬
‫‪ ،‬وعبد الرحمللن بللن‬ ‫عن المسور بن مخرمة‬
‫ي أنهمللا سللمعا عمللر بللن الخطللاب‬ ‫عبللد القللار ّ‬
‫يقول‪ :‬سمعت هشام بن حكيم بن حللزام يقللرأ‬
‫سللورة الفرقللان‪ ،‬فللي حيللاة رسللول الللله ‪‬‬
‫فاسللتمعت لقراءتلله‪ ،‬فللإذا هللو يقر ُ‬
‫ؤهللا علللى‬
‫حللروف كللثيرة‪ ،‬لللم ُيقرئنيهللا رسللول الللله ‪‬‬
‫فكدت ُأساوره)‪ (261‬في الصلة‪ ،‬فانتظرته حللتى‬

‫البخاري‪ ،‬ك العلم رقم ‪. 131‬‬ ‫‪() 258‬‬


‫إسناده صحيح‪ ،‬مسند أحمد رقم ‪ 175‬الموسوعة الحديثية‪.‬‬ ‫‪() 259‬‬
‫الزهري له ولبيه صحبة توفي سنة ‪64‬هل ‪.‬‬ ‫‪() 260‬‬
‫ساوره‪ :‬مساورة وسوارًا‪ :‬واثبه‪.‬‬ ‫‪() 261‬‬
‫سلللم‪ ،‬فلببتلله)‪ ،(262‬فقلللت‪ :‬مللن أقللرأك هللذه‬
‫السللورة الللتي سللمعتك تقللرأ؟ قللال‪ :‬أقرأنيهللا‬
‫رسول الللله ‪ ،‬فقلللت للله‪ :‬كللذبت‪ ،‬فللوالله إ ّ‬
‫ن‬
‫رسول الله ‪ ‬لهو أقرأني هللذه السلورة اللتي‬
‫سللمعتك فللانطلقت بلله إلللى رسللول الللله ‪‬‬
‫أقوده‪ ،‬فقلت له‪ :‬يا رسللول الللله إنللي سللمعت‬
‫هذا يقرأ الفرقان علللى حللروف لللم ُتقرئنيهللا‪،‬‬
‫وإنك أقرأتني سورة الفرقان‪ ،‬قال‪ :‬يللا هشللام‬
‫اقَرأها‪ .‬فقرأها القللراءة الللتي سللمعته‪ ،‬فقللال‬
‫رسول الله‪ :‬هكذا أنزلت‪ ،‬ثم قال‪ :‬اقرأ يا عمر‪،‬‬
‫فقرات القراءة التي أقرأنيهللا‪ ،‬فقللال رسللول‬
‫الله ‪ :‬هكذا أنزلت‪ .‬ثم قللال رسللول الللله‪ :‬إن‬
‫القرآن أنزل على سللبعة أحللرف‪ ،‬فللاقرؤوا مللا‬
‫تيسر منه)‪.(263‬‬

‫‪ -13‬خذ ما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ول سائل‪:‬‬


‫عن عبد الله بن عمللر قللال‪ :‬سللمعت عمللر بللن‬
‫الخطاب يقول‪ :‬قد كللان رسللول الللله يعطينللي‬
‫العطاء فأقول أعطه من هو أفقللر منللي حللتى‬
‫ل‪ .‬فقلت‪ :‬أعطه من هللو أفقللر‬ ‫أعطاني مرة ما ً‬
‫مني‪ .‬فقال رسول الله ‪ ‬خذه‪ ،‬وما جاءك من‬
‫هذا المال وأنت غير مشرف ول سللائل فخللذه‪،‬‬
‫وما ل فل تتبعه نفسك)‪.(264‬‬

‫‪ -14‬دعاء رسول الله لعمر رضي الله عنه‪:‬‬

‫‪ () 262‬لببه تلبيبًا‪ :‬جمع ثيابه عند نحره في الخصومة‪.‬‬


‫‪ () 263‬البخاري‪ ،‬ك فضائل القرآن‪ ،‬رقم ‪ ، 4754‬مسلم رقم ‪. 818‬‬
‫‪ () 264‬مسلم‪ ،‬ك الزكاة رقم ‪. 1045‬‬
‫رأى النللبي ‪ ‬علللى عمللر ثوبللا ً وفللي روايللة‬
‫قميصا ً أبيض فقللال‪ :‬أجديللد ثوبللك أم غسلليل؟‬
‫فقال‪ :‬بل غسيل‪ ،‬فقال‪ :‬البس جديللدًا‪ ،‬وعللش‬
‫مت شهيدا ً)‪.(265‬‬
‫حميدًا‪ ،‬و ُ‬
‫‪ -15‬لقد علمت حين مشى فيها رسول الله ليباركن فيها‪:‬‬
‫في وترك‬ ‫و ّ‬
‫عن جابر بن عبد الله‪ :‬أن أباه ت ُ ُ‬
‫عليه ثلثين وسقا ً لرجل من اليهود‪،‬‬
‫فاستنظره جابر فأبى أن ينظره‪ ،‬فكلم جابر‬
‫رسول الله ‪ ‬ليشفع له إليه‪ ،‬فجاء رسول‬
‫الله ‪ ‬فكلم اليهودي ليأخذ ثمر نخله بالذي له‬
‫فأبى فدخل رسول الله ‪ ‬النخل فمشى فيها‬
‫جدّ له‪ ،‬فأوف له الذي له‪ ،‬فجده‬ ‫ثم قال لجابر‪ُ :‬‬
‫بعد ما رجع رسول الله فأوفاه ثلثين‬
‫وسقا ً)‪ ،(266‬وفضلت له سبعة عشر وسقًا‪،‬‬
‫فجاء جابر رسول الله ليخبره بالذي كان‪،‬‬
‫فوجده يصلي العصر‪ ،‬فلما انصرف أخبره‬
‫بالفضل‪ ،‬فقال‪ :‬أخبر بذلك ابن الخطاب‪،‬‬
‫فذهب جابر إلى عمر فأخبره فقال له عمر‪:‬‬
‫لقد علمت حين مشى فيها رسول الله‬
‫ليباركن فيها)‪.(267‬‬

‫‪ () 265‬حسنه اللباني في السلسلة الصحيحة ‪ ، 352‬وهو في‬


‫الصحيح الجامع ‪. 1234‬‬
‫‪ () 266‬الوسق‪ :‬ستون صاعا‪ً.‬‬
‫‪ ()267‬البخاري‪ ،‬ك الستقراض رقم ‪.2266‬‬
‫‪ -16‬زواج حفصة بنت عمر رضي الله عنهما من رسول الله‪:‬‬
‫)‪(268‬‬
‫قال عمر رضي الله عنه‪ :‬حين تأيمت‬
‫حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة‬
‫السهمي‪ ،‬وكان من أصحاب رسول الله ‪‬‬
‫فتوفي في المدينة‪ ،‬فقال عمر‪ :‬أتيت عثمان‬
‫بن عفان فعرضت عليه حفصة بنت عمر‪ ،‬قال‪:‬‬
‫قلت‪ :‬إن شئت أنكحتك حفصة‪ ،‬فقال‪ :‬سأنظر‬
‫ي‪ ،‬ثم لقيني فقال‪ :‬قد‬‫في أمري‪ ،‬فلبث ليال َ‬
‫بدا لي أن ل أتزوج قال عمر‪ :‬فلقيت أبا بكر‬
‫الصديق‪ ،‬فقلت‪ :‬إن شئت زوجتك حفصة بنت‬
‫عمر‪ ،‬فصمت أبو بكر رضي الله عنه فلم يرجع‬
‫ي شيئًا‪ ،‬فكنت عليه أوجد مني على عثمان‬ ‫إل ّ‬
‫بن عفان‪ ،‬فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله‬
‫‪ ‬فأنكحتها إياه فلقيني‬
‫أبو بكر فقال‪ :‬لعلك وجدت علي حين عرضت‬
‫علي حفصة فلم أرجع إليك شيئًا؟ قال عمر‪:‬‬
‫نعم‪ ،‬قال أبو بكر‪ :‬فإنه لم يمنعني أن أرجع‬
‫إليك فيما عرضت علي‪ ،‬إل أني كنت علمت أن‬
‫رسول الله ‪ ‬قد ذكرها‪ ،‬فلم أكن لفشي سر‬
‫رسول الله ‪ ‬ولو تركها رسول الله‬
‫لقبلتها)‪. (269‬‬
‫ثالثًا‪ :‬موقف عمر رضي الله عنه من خلف رسول الله مع أزواجه‪:‬‬
‫عن ابن عباس رضي الله عنه‪ ،‬قال‪ :‬لم أزل‬
‫حريصا ً على أن أسأل عمر رضي الله عنه عن‬
‫المرأتين من أزواج النبي ‪ ،‬اللتين قال الله‬

‫‪ ()268‬تأيمت‪ :‬مات عنها زوجها‪.‬‬


‫‪ ()269‬البخاري‪ ،‬ك النكاح‪ ،‬رقم ‪ ،5122‬عمر بن الخطاب‪ ،‬محمد‬
‫رشيد ص ‪.23‬‬
‫ت ُقُلوبُك َُما ‪‬‬
‫غ ْ‬
‫ص َ‬ ‫ف َ‬
‫قد ْ َ‬ ‫ن ت َُتوَبا إ َِلى الل ّ ِ‬
‫ه َ‬ ‫إِ ْ‬ ‫تعالى‪ :‬‬
‫ج عمر وحججت معه‪ ،‬فلما كنا‬ ‫)التحريم‪ (4 :‬حتى ح ّ‬
‫ببعض الطريق عدل عمر وعدلت معه بالداوة‪،‬‬
‫فتبرز ثم أتاني‪ ،‬فسكبت على يديه فتوضأ‪،‬‬
‫فقلت‪ ،‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬من المرأتان من أزواج‬
‫ن ت َُتوَبا إ َِلى‬
‫النبي ‪ ‬اللتان قال الله تعالى‪  :‬إ ِ ْ‬
‫ما ‪‬؟ فقال عمر‪ :‬واعجبا لك‬ ‫قُلوب ُك ُ َ‬
‫ت ُ‬
‫غ ْ‬
‫ص َ‬ ‫ف َ‬
‫قد ْ َ‬ ‫الل ّ ِ‬
‫ه َ‬
‫يا ابن عباس‪ :‬قال الزهري‪ :‬كره‪ ،‬والله‬
‫ما سأله عنه ولم يكتمه عنه – قال هي حفصة‬
‫وعائشة‪ .‬قال‪ :‬ثم أخذ يسوق الحديث‪ ،‬قال‪ :‬كنا‬
‫معشر قريش قوما ً نغلب النساء‪ ،‬فلما قدمنا‬
‫المدينة وجدنا قوما ً تغلبهم نساؤهم‪ ،‬فطفق‬
‫نساؤنا يتعلمن من نسائهم‪ ،‬قال‪ :‬وكان منزلي‬
‫في بني أمية بن زيد بالعوالي‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فتغضبت)‪ (270‬يوما ً على امرأتي‪ ،‬فإذا هي‬
‫تراجعني‪ ،‬فأنكرت أن تراجعني‪ ،‬فقالت‪ :‬ما تنكر‬
‫أن أراجعك‪ ،‬فو الله إن أزواج النبي ‪ ‬ليراجعنه‪،‬‬
‫ن اليوم إلى الليل‪ .‬قال‪:‬‬ ‫وتهجره إحداه ّ‬
‫فانطلقت‪ ،‬فدخلت على حفصة‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫أتراجعين رسول الله ‪‬؟ قالت‪ :‬نعم‪ .‬قلت‪:‬‬
‫وتهجره إحداكن اليوم إلى الليل؟ قالت‪ :‬نعم‪.‬‬
‫ن وخسر‪،‬‬ ‫قلت‪ :‬قد خاب من فعل ذلك منك ّ‬
‫أفتأمن إحداكن أن يغضب عليها لغضب رسول‬
‫الله ‪ ‬فإذا هي قد هلكت ل تراجعي رسول الله‬
‫ول تسأليه شيئًا‪ ،‬وسليني ما بدا لك‪،‬‬
‫ول يغرنك أن كانت جارتك هي أوسم وأحب إلى‬

‫‪ ()270‬أي‪ :‬فغضبت‪.‬‬
‫رسول الله ‪ ‬منك ‪ -‬يريد‬
‫عائشة ‪ :-‬قال وكان لي جار من النصار‪ ،‬وكّنا‬
‫نتناوب الّنزول إلى رسول الله ‪ ،‬فينزل يوما‪ً،‬‬
‫وأنزل يومًا‪ ،‬فيأتيني بخبر الوحي وغيره‪ ،‬وآتيه‬
‫سان ت ُْنع ُ‬
‫ل‬ ‫بمثل ذلك‪ ،‬قال‪ :‬وكنا نتحدث أن غ ّ‬
‫الخيل لتغزونا‪ ،‬فنزل صاحبي يومًا‪ ،‬ثم أتاني‬
‫عشاءً فضرب بابي‪ ،‬ثم ناداني فخرجت إليه‪،‬‬
‫فقال‪ :‬حدث أمر عظيم‪ .‬فقلت‪ :‬وماذا‪ ،‬أجاءت‬
‫غسان؟ قال‪ :‬ل بل أعظم من ذلك وأطول‪ ،‬طلق‬
‫الّرسول نساءه‪ .‬فقلت‪ :‬قد خابت حفصة‬
‫وخسرت‪ ،‬قد كنت أظن هذا كائنًا‪ .‬حتى إذا صليت‬
‫الصبح شددت علي ثيابي‪ ،‬ثم نزلت فدخلت على‬
‫حفصة وهي تبكي‪ ،‬فقلت أطلقكن رسول الله؟‬
‫فقالت‪ :‬ل أدري‪ ،‬هو هذا معتزل في هذه‬
‫المشربة‪ :‬فأتيت غلما ً له أسود‪ ،‬فقلت‪ :‬استأذن‬
‫ي‪ ،‬فقال‪ :‬قد‬ ‫لعمر‪ ،‬فدخل الغلم ثم خرج إل ّ‬
‫ت‪ ،‬فانطلقت حتى أتيت المنبر‪،‬‬ ‫صم َ‬
‫ذكرُتك له ف َ‬
‫فإذا عنده رهط جلوس يبكي بعضهم‪ ،‬فجلست‬
‫ل‪ ،‬ثم غلبني ما أجد‪ ،‬فأتيت الغلم فقلت‪:‬‬ ‫قلي ً‬
‫ي‪ ،‬فقال‪ :‬قد‬ ‫استأذن لعمر فدخل ثم خرج إل ّ‬
‫ذكرتك له فصمت‪ ،‬فوليت مدبرًا‪ ،‬فإذا الغلم‬
‫يدعوني‪ ،‬فقال‪ :‬ادخل‪ ،‬فقد أذن لك‪ .‬فدخلت‪،‬‬
‫فسلمت على رسول الله ‪ ،‬فإذا هو متكئ على‬
‫رمل حصير قد أثر في جنبه‪ ،‬فقلت‪ :‬أطلقت يا‬
‫رسول الله نساءك؟ فرفع رأسه إلي وقال؟ ل‪.‬‬
‫فقلت‪ :‬الله أكبر‪ ،‬لو رأيتنا يا رسول الله‪ ،‬وكنا‬
‫معشر قريش قوما ً نغلب النساء‪ ،‬فلما قدمنا‬
‫المدينة وجدنا قوما ً تغلبهم نساؤهم‪ ،‬فطفق‬
‫نساؤنا يتعلمن من نسائهم‪ ،‬فتغضبت على‬
‫امرأتي يوما ً فإذا هي تراجعني‪ ،‬فأنكرت أن‬
‫تراجعني فقالت ما تنكر أن أراجعك؟ فوالله إن‬
‫أزواج رسول الله ‪ ‬لُيراجعنه‪ ،‬وتهجره إحداهن‬
‫اليوم إلى الليل‪ .‬فقلت‪ :‬قد خاب من فعل ذلك‬
‫منهن وخسر‪ ،‬أفتأمن إحداهن أن يغضب الله‬
‫عليها لغضب رسوله‪ ،‬فإذا هي قد هلكت؟ فتبسم‬
‫رسول الله ‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫يا رسول الله‪ ،‬فدخلت على حفصة‪ ،‬فقلت‪ :‬ل‬
‫ب إلى‬ ‫يغّرنك إن كانت جارتك هي أوسم وأح ّ‬
‫رسول الله ‪ ‬منك‪ ،‬فتبسم أخرى‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫أستأنس يا رسول الله؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬فجلست‪،‬‬
‫فرفعت رأسي في البيت‪ ،‬فوالله ما رأيت فيه‬
‫شيئا ً يُردّ البصَر إل أهبة)‪ (271‬ثلثة‪ ،‬فقلت‪ :‬ادع يا‬
‫سع على‬ ‫و ّ‬ ‫رسول الله أن يوسع على أمتك فقد ُ‬
‫فارس والروم‪ ،‬وهم ل يعبدون الله‪ .‬فاستوى‬
‫جالسًا‪ ،‬ثم قال‪ :‬أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟‬
‫جلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا‬ ‫ع ّ‬
‫أولئك قوم ُ‬
‫فقلت‪ :‬استغفر لي يا رسول الله‪ .‬وكان أقسم‬
‫أن‬
‫ً‬
‫ل يدخل عليهن شهرا من شدة موجدته عليهن‬
‫حتى عاتبه الله عز وجل)‪.(272‬‬
‫هذا ما تيسر جمعه وترتيبه من حياة الفاروق في‬
‫المجتمع المدني ولقد نال عمللر رضللي الللله عنلله‬
‫أوسمة رفيعللة مللن رسللول الللله ‪ ‬بينللت فضللله‬

‫‪ ()271‬أهبة‪ :‬الجلود قبل الدبغ‪.‬‬


‫‪ ()272‬إسناده صحيح على شرط الشيخين مسند أحمد رقم ‪222‬‬
‫الموسوعة الحديثة‪.‬‬
‫ودينه وعلمه رضي الله عنه وسنتحدث عنها بإذن‬
‫الله‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬شيء من فضائله ومناقبه‪:‬‬
‫إن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يلي أبا بكر‬
‫الصديق في الفضل فهو أفضل الناس على‬
‫الطلق بعد النبياء والمرسلين وأبي بكر وهذا‬
‫ما يلزم المسلم اعتقاده في أفضليته رضي الله‬
‫عنه وهو معتقد الفرقة الناجية أهل السنة‬
‫والجماعة)‪ ،(273‬وقد وردت الحاديث الكثيرة‬
‫والخبار الشهيرة بفضائل الفاروق رضي الله‬
‫عنه ومنها‪:‬‬
‫‪ -1‬إيمانه وعلمه ودينه‪:‬‬
‫فقد جاء في منزلة إيمانه رضي الله عنه ما‬
‫رواه عبد الله بن هشام أنه قال‪ :‬كنا مع النبي‬
‫‪ ‬وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب فقال له عمر‬
‫ي من كل شيء إل‬ ‫يا رسول الله‪ ،‬لنت أحب إل ّ‬
‫من نفسي فقال النبي ‪ :‬ل والذي نفسي‬
‫ب إليك من نفسك‪ .‬فقال‬ ‫بيده حتى أكون أح ّ‬
‫ي من‬ ‫ب إل ّ‬‫له عمر‪ :‬فإنه الن والله لنت أح ّ‬
‫‪ .‬وأما‬ ‫)‪(274‬‬
‫نفسي‪ .‬فقال النبي ‪ :‬الن يا عمر‬
‫علمه فقد قال رسول الله ‪ :‬بينما أنا نائم‬
‫شربت – يعني اللبن – حتى أنظر إني الّري‬
‫يجري في ظفري أو في أظفاري‪ ،‬ثم ناولت‬
‫عمر‪ .‬فقالوا‪ :‬فما أولته قال العلم)‪ .(275‬وجه‬
‫التعبير بذلك من جهة اشتراك اللبن والعلم‬
‫‪ ()273‬عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام‪ ،‬د‪ .‬ناصر‬
‫بن علي عائض حسن الشيخ )‪.(1/243‬‬
‫‪ ()274‬الصحيح المسند في فضائل الصحابة ‪. 66‬‬
‫‪ ()275‬فتح الباري )‪.(7/46‬‬
‫في كثرة النفع وكونهما سببا ً للصلح‪ ،‬فاللبن‬
‫للغذاء البدني والعلم للغذاء المعنوي وفي‬
‫الحديث فضيلة – ومنقبة لعمر رضي الله عنه‬
‫– وإن الرؤيا من شأنها أن ل تحمل على‬
‫ظاهرها وإن كانت رؤيا النبياء من الوحي‬
‫لكن منها ما يحتاج إلى تعبير ومنها ما يحمل‬
‫على ظاهره‪ ..‬والمراد بالعلم – في الحديث –‬
‫سياسة الناس بكتاب الله وسنة رسول الله ‪‬‬
‫واختص عمر بذلك لطول مدته بالنسبة إلى‬
‫أبي بكر وباتفاق الناس على طاعته بالنسبة‬
‫إلى عثمان فإن مدة أبي بكر كانت قصيرة‬
‫فلم تكثر فيها الفتوح التي هي أعظم‬
‫السباب في الختلف ومع ذلك فساس عمر‬
‫فيها مع طول مدته الناس بحيث لم يخالفه‬
‫أحد ثم ازدادت اتساعا ً في خلفة عثمان‬
‫فانتشرت القوال واختلفت الراء ولم يتفق‬
‫له ما اتفق لعمر في طواعية الخلق له فنشأت‬
‫من ثم الفتن إلى أن أفضى المر إلى قتله‬
‫ي فما ازداد المر إل اختلفا ً‬ ‫واستخلف عل ّ‬
‫والفتن إل انشارًا‪ ،‬وأما دينه‪ ،‬فقد قال رسول‬
‫الله ‪ :‬بينما أنا نائم رأيت الناس عرضوا علي‬
‫وعليهم قمص فمنها ما يبلغ الثدي ومنها ما‬
‫يبلغ دون ذلك‪ ،‬وعرض على عمر وعليه قميص‬
‫اجتره‪ .‬قالوا فما أولته‬
‫)‪(276‬‬
‫‪.‬‬ ‫يا رسول الله؟ قال‪ :‬الدين‬
‫‪ -2‬هيبة عمر وخوف الشيطان منه‪:‬‬

‫‪ ()276‬مسلم رقم ‪. 2390‬‬


‫عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال‪:‬‬
‫استأذن عمر بن الخطاب على رسول الله ‪‬‬
‫وعنده نسوة من قريش يكلمنه ويستكثرنه‬
‫عالية أصواتهن على صوته فلما استأذن عمر‬
‫بن الخطاب قمن فبادرن الحجاب‪ ،‬فأذن له‬
‫رسول الله صلى فدخل عمر ورسول الله‬
‫يضحك‪ .‬فقال‪ :‬أضحك الله سنك يا رسول الله‬
‫فقال النبي ‪ :‬عجبت من هؤلء اللتي كن‬
‫عندي فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب‪ .‬قال‬
‫عمر‪ :‬فأنت أحق أن يهبن يا رسول الله ثم‬
‫قال عمر يا عدوات أنفسهن‪ ،‬أتهبنني‬
‫ول تهبن رسول الله ‪ ‬فقلن‪ :‬نعم أنت أفظ‬
‫وأغلظ من رسول الله ‪ ‬فقال رسول الله‬
‫‪ :‬إيها يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده ما‬
‫لقيك الشيطان سالكا ً فجا ً)‪ (277‬قط إل سلك‬
‫فجا ً آخر)‪ (278‬هذا الحديث فيه بيان فضل عمر‬
‫رضي الله عنه وأنه من كثرة التزامه الصواب‬
‫لم يجد الشيطان عليه مدخل ً ينفذ إليه)‪.(279‬‬
‫قال ابن حجر‪ :‬فيه فضيلة لعمر تقتضي أن‬
‫الشيطان ل سبيل له عليه ل أن ذلك يقتضي‬
‫وجود العصمة إذ ليس فيه إل فرار الشيطان‬
‫منه أن يشاركه في طريق يسلكها‪ ،‬ول يمنع‬
‫ذلك من وسوسته له بحسب ما تصل إليه‬
‫قدرته‪ ،‬فإن قيل عدم تسليطه عليه‬
‫‪ ()277‬الفج‪ :‬الطريق الواسع ويطلق على المكان المنخرق بين‬
‫الجبلين‪.‬‬

‫‪ ()278‬البخاري رقم ‪ ، 3683‬مسلم ‪. 2386‬‬


‫‪ ()279‬عقيدة أهل السنة والجماعة )‪.(1/348‬‬
‫بالوسوسة يؤخذ بطريق مفهوم الموافقة لنه‬
‫إذا منع من السلوك في طريق فأولى أن ل‬
‫يلبسه بحيث يتمكن من وسوسته له فيمكن‬
‫أن يكون حفظ من الشيطان‪ ،‬ول يلزم من‬
‫ذلك ثبوت العصمة له لنها في حق النبي‬
‫واجبة وفي حق غيره ممكنة ووقع في حديث‬
‫حفصة عند الطبراني في الوسط بلفظ‪ :‬إن‬
‫الشيطان‬
‫ل يلقى عمر منذ أسلم إل فر لوجهه‪ .‬وهذا‬
‫دال على صلبته في الدين‪ ،‬واستمرار حاله‬
‫على الجد الصرف والحق المحض‪ ،‬وقال‬
‫النووي‪ :‬هذا الحديث محمول على ظاهره وأن‬
‫الشيطان يهرب إذا رآه‪ :‬وقال عياض‪ :‬يحتمل‬
‫أن يكون ذاك على سبيل ضرب المثل وأن‬
‫عمر فارق سبيل الشيطان وسلك طريق‬
‫السداد فخالف كل‬
‫ما يحبه الشيطان قال ابن حجر والول‬
‫أولى)‪.(280‬‬
‫‪ -3‬ملهم هذه المة‪:‬‬
‫قال رسول الله ‪ :‬لقد كان فيما قبلكم من‬
‫المم محدثون فإن يك في أمتي أحد فإنه‬
‫عمر)‪ (281‬هذا الحديث تضمن منقبة عظيمة‬
‫للفاروق رضي الله عنه وقد اختلف العلماء‬
‫دث‪ .‬فقيل‪ :‬المراد بالمحدث‪:‬‬‫في المراد بالمح ّ‬
‫الملهم‪ .‬وقيل‪ :‬من يجري الصواب على لسانه‬
‫من غير قصد‪ ،‬وقيل‪ :‬مكلم أي‪ :‬تكلمه الملئكة‬
‫‪ ()280‬فتح الباري )‪ ،(48-7/47‬شرح النووي )‪.(167-15/165‬‬
‫‪ ()281‬البخاري رقم ‪ ، 3689‬مسلم رقم ‪. 2398‬‬
‫بغير نبوة‪ ..‬بمعنى أنها تكلمه في نفسه وإن‬
‫لم ير مكلما ً في الحقيقة فيرجع إلى اللهام‪.‬‬
‫وفسره بعضهم بالتفرس)‪.(282‬‬
‫قال ابن حجر‪ :‬والسبب في تخصيص عمر‬
‫بالذكر لكثرة ما وقع له في زمن النبي ‪ ‬من‬
‫الموافقات التي نزل القرآن مطابقا ً لها‬
‫ووقع له بعد النبي ‪ ‬عدة إصابات)‪ (283‬وكون‬
‫عمر رضي الله عنه اختص بهذه المكرمة‬
‫العظيمة وانفرد بها دون من سواه من‬
‫الصحابة ل تدل على أنه أفضل من الصديق‬
‫رضي الله عنه)‪ ،(284‬قال ابن القيم‪ :‬ول تظن‬
‫أن تخصيص عمر رضي الله عنه بهذا تفضيل‬
‫له على أبي بكر الصديق بل هذا من أقوى‬
‫مناقب الصديق فإنه لكمال مشربه من حوض‬
‫النبوة وتمام رضاعه من ثدي الرسالة استغنى‬
‫بذلك عما تلقاه من تحديث أو غيره‪ ،‬فالذي‬
‫يتلقاه من مشكاة النبوة أتم من الذي يتلقاه‬
‫عمر من التحديث فتأمل هذا الموضع وأعطه‬
‫حقه من المعرفة وتأمل ما فيه من الحكمة‬
‫البالغة الشاهدة لله بأنه الحكيم الخبير)‪.(285‬‬
‫‪ -4‬لم أر عبقريا ً يفري فريه‪:‬‬
‫قال رسول الله ‪ :‬رأيت في المنام أني أنزع‬
‫بدلو بكرة على قليب)‪ ،(286‬فجاء‬
‫أبو بكر فنزع ذنوبا ً أو ذنوبين نزعا ً ضعيفا ً‬
‫فتح الباري )‪ ،(7/50‬شرح النووي )‪.(15/166‬‬ ‫‪()282‬‬
‫فتح الباري )‪.(7/51‬‬ ‫‪()283‬‬
‫عقيدة أهل السنة والجماعة )‪.(1/251‬‬ ‫‪()284‬‬
‫مفتاح دار السعادة )‪.(1/255‬‬ ‫‪()285‬‬
‫القليب‪ :‬البئر غير المطوية‪.‬‬ ‫‪()286‬‬
‫والله يغفر له)‪ ،(287‬ثم جاء عمر بن الخطاب‬
‫فاستحالت غربا ً فلم أر عبقريا ً يفري فريه‬
‫حتى روى الناس وضربوا بعطن)‪ ،(288‬وهذا‬
‫الحديث فيه فضيلة ظاهرة لعمر رضي الله‬
‫عنه تضمنها قوله ‪ :‬فجاء عمر بن الخطاب‬
‫فاستحالت غربًا… الحديث ومعنى‪ :‬استحالت‬
‫ما‬
‫صارت وتحولت من الصغر إلى الكبر وأ ّ‬
‫))العبقري(( فهو السيد وقيل‪ :‬الذي ليس‬
‫فوقه شيء ومعنى ))ضرب الناس بعطن(( أي‬
‫أرووا إبلهم ثم آووا إلى عطنها وهو الموضع‬
‫الذي تساق إليه بعد السقي لتستريح وهذا‬
‫المنام الذي رآه النبي ‪ ‬مثال واضح لما جرى‬
‫للصديق وعمر رضي الله عنهما في خلفتهما‬
‫وحسن سيرتهما وظهور آثارهما وانتفاع‬
‫الناس بهما فقد حصل في خلفة الصديق‬
‫قتال أهل الردة وقطع دابرهم وأشاع السلم‬
‫رغم قصر مدة خلفته فقد كانت سنتين‬
‫وأشهرا ً فوضع الله فيها البركة وحصل فيها‬
‫من النفع الكثير ولما توفي الصديق خلفه‬
‫الفاروق فاتسعت رقعة السلم في زمنه‬
‫وتقرر للناس من أحكامه ما لم يقع مثله فكثر‬
‫انتفاع الناس في خلفة عمر لطولها فقد‬
‫مصر المصار ودون الدواوين وكثرت‬
‫الفتوحات والغنائم‪ ..‬ومعنى قوله ‪ :‬فلم أر‬
‫عبقريا ً من الناس يفري فريه‪ :‬أي لم أر سيدا ً‬
‫يعمل عمله ويقطع قطعه ومعنى قوله ‪:‬‬
‫‪ ()287‬والله يغفر له‪ :‬هذه عبارة ليس فيها تنقيص لبي بكر وإنما‬
‫كلمة كان المسلمون يدعمون بها كلمهم‪.‬‬
‫‪ ()288‬مسلم رقم ‪. 2393‬‬
‫حتى ضرب الناس بعطن‪ ،‬قال القاضي عياض‬
‫ظاهره أنه عائد إلى خلفة عمر خاصة وقيل‪:‬‬
‫يعود إلى خلفة أبي بكر وعمر جميعا ً لن‬
‫بنظرهما وتدبيرهما وقيامهما بمصالح‬
‫المسلمين تم هذا المر ))وضرب الناس‬
‫بعطن((‪ .‬لن أبا بكر قمع أهل الردة وجمع‬
‫شمل المسلمين وألفهم وابتدأ الفتوح ومهد‬
‫المور وتمت ثمرات ذلك وتكاملت في زمن‬
‫عمر بن الخطاب رضي الله عنهما)‪.(289‬‬
‫‪ -5‬غيرة عمر رضي الله وبشرى رسول الله له بقصر في الجنة‪:‬‬
‫قال رسول الله ‪ :‬رأيتني دخلللت الجنللة فللإذا‬
‫أنلللللا بالرميصلللللاء املللللرأة أبلللللي طليحلللللة‬
‫وسمعت خشفة فقلت مللن هللذا؟ فقللال‪ :‬هللذا‬
‫بلل ورأيت قصرا ً بفنائه جاريللة‪ ،‬فقلللت‪ .‬لمللن‬
‫هذا؟ فقللالوا‪ :‬لعمللر فللأردت أن أدخللله فللأنظر‬
‫إليه فذكرت غيرتك‪ .‬فقال عمر‪ :‬بأبي وأمي يللا‬
‫رسول الله أعليك أغللار)‪ ،(290‬وفللي روايللة قللال‬
‫رسول الله ‪ :‬بينما أنا نائم رأيتني في الجنللة‬
‫فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر فقلت‪ :‬لمللن‬
‫هذا القصر؟ قالوا لعمر فذكرت غيرتلله فلوليت‬
‫مدبرًا‪ .‬فبكى عمر وقال‪ :‬أعليك أغار يا رسللول‬
‫الله)‪(291‬؟ هذان الحديثان اشللتمل علللى فضلليلة‬
‫ظاهرة لمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي‬
‫الله عنه حيث أخبر النبي ‪ ‬برؤيته قصرا ً فللي‬

‫‪ ()289‬شرح النووي )‪.(162-15/161‬‬


‫‪ ()290‬مسلم رقم ‪ ، 2394‬صحيح التوثيق ص ‪ ، 54‬البخاري برقم‬
‫‪. 6620 + 3476‬‬
‫‪ ()291‬مسلم رقم ‪. 2395‬‬
‫الجنة للفاروق وهذا يدل على منزلته عند الللله‬
‫تعالى)‪.(292‬‬
‫‪ -6‬أحب أصحاب رسول الله إليه بعد أبي بكر‪:‬‬
‫قال عمرو بن العاص رضي الله عنلله‪ :‬قلللت يللا‬
‫ب إليك؟ قال‪ :‬عائشة‬ ‫ي الناس أح ّ‬
‫رسول الله‪ ،‬أ ّ‬
‫قلت‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬من الرجال؟ قال‪ :‬أبوهللا‪،‬‬
‫د‬
‫قلت‪ :‬ثم من؟ قال‪ :‬ثم عمر بن الخطاب ثم ع ّ‬
‫رجال ً)‪.(293‬‬
‫‪ -7‬بشرى لعمر بالجنة‪:‬‬
‫عن أبي موسى الشعري قال‪ :‬كنت مع النللبي‬
‫‪ ‬في حائط من حيطان المدينللة‪ ،‬فجللاء رجللل‬
‫فاسللتفتح فقللال النللبي ‪ :‬افتللح للله وبشللره‬
‫بالجنة‪ ،‬ففتحت له‪ ،‬فإذا أبو بكللر فبشللرته بمللا‬
‫قال رسول الله ‪ :‬فحمد الللله ثللم جللاء رجللل‬
‫فاسللتفتح فقللال النللبي ‪ :‬افتللح للله وبشللره‬
‫بالجنة‪ ،‬ففتحت له فإذا هو عمر‪ ،‬فللأخبرته بمللا‬
‫قال النبي ‪ ‬فحمللد الللله‪ ،‬ثللم اسللتفتح رجللل‪،‬‬
‫فقال لي افتح له وبشللره بالجنللة‪ ،‬علللى بلللوى‬
‫تصيبه فإذا عثمان‪ ،‬فللأخبرته بمللا قللال رسللول‬
‫الله ‪ ‬فحمد الله‪ ،‬ثم قال‪ :‬الله المستعان)‪.(294‬‬
‫خامسًا‪ :‬موقف عمر في مرض رسول الله ووفاته‪:‬‬

‫‪ -1‬في مرض رسول الله‪:‬‬


‫‪ ()292‬عقيدة أهل السنة والجماعة والصحابة )‪.(1/245‬‬
‫‪ ()293‬الحسان في صحيح ابن حبان )‪ .(15/209‬الحديث في‬
‫مسلم برقم ‪ ، 2384‬والبخاري باب غزو ذات السلسل برقم‬
‫‪. 4100‬‬
‫‪ ()294‬البخاري‪ ،‬ك الصحابة رقم ‪.3290‬‬
‫قال عبد الله بن زمعة‪ :‬لما مرض رسللول الللله‬
‫‪ ‬دخل عليه بلل – رضللي الللله عنلله – يللدعوه‬
‫إلى الصلة‪ ،‬فقال ‪ :‬مروا من يصلي بالناس‪.‬‬
‫قال‪ :‬فخرجت فإذا عمر في الناس‪ ،‬وكللان أبللو‬
‫بكر غائبًا‪ ،‬فقلت‪ :‬قم يللا عمللر فصللل بالنللاس‪،‬‬
‫قال‪ :‬فقللام‪ ،‬فلمللا كللبر سللمع رسللول الللله ‪‬‬
‫صللوته‪ ،‬وكللان عمللر رجل ً مجهللرًا‪ ،‬قللال‪ :‬فقللال‬
‫رسول الله ‪ :‬فأين أبللو بكللر يللأبى الللله ذلللك‬
‫والمسلللمون‪ ،‬فللأبى الللله ذلللك والمسلللمون‪.‬‬
‫قللللللللللللللال‪ ،‬فبعللللللللللللللث إلللللللللللللللى‬
‫أبي بكر‪ ،‬فجاء بعد أن صلى عمر تلللك الصلللة‪،‬‬
‫فصلى بالناس‪ ،‬قال‪ :‬قال عبد الللله بللن زمعللة‪:‬‬
‫قال لي عمر‪:‬‬
‫ويحك !! ماذا صنعت بي يا ابن زمعة؟ والله ما‬
‫ظننللت حيللن أمرتنللي إل أن رسللول الللله أمللر‬
‫بذلك ولول ذلك ما صليت بالناس‪ ،‬قال‪ :‬قلللت‪:‬‬
‫والله ما أمرني رسللول الللله ‪ ‬بللذلك‪ ،‬ولكنللي‬
‫حين لم أر أبا بكر رأيتك أحق من حضر بالصلة‬
‫بالنللاس)‪ ، (295‬وقللد روى ابللن عبللاس بللأنه‪ :‬لمللا‬
‫اشتد بالنبي ‪ ‬وجعه قال‪ :‬ائتوني بكتاب أكتب‬
‫لكم كتابا ً ل تضلوا بعده‪ .‬قال عمللر رضللي الللله‬
‫عنه‪ :‬إن النبي ‪ ‬غلبه الوجع وعندنا كتاب الله‬
‫حسللبنا! فللاختلفوا وكللثر الّلغللط قللال‪ :‬قومللوا‬
‫عنللي‪ ،‬ول ينبغللي عنللدي التنللازع‪ ،‬فخللرج ابللن‬
‫عباس يقول‪ :‬إن الرزية كل الرزية ما حال بين‬
‫رسللول الللله ‪ ‬وبيللن كتللابه)‪ . (296‬وقللد تكلللم‬
‫العلماء على هللذا الحللديث بمللا يشللفي العليللل‬
‫‪ ()295‬حديث إسناده صحيح أخرجه أبو داود رقم ‪.4660‬‬
‫‪ ()296‬البخاري‪ ،‬ك العلم رقم ‪.114‬‬
‫ويروي الغليل‪ ،‬وقد أطللال النفللس فللي الكلم‬
‫عليه النووي في شرح مسلم فقللال‪ :‬اعلللم أن‬
‫النبي ‪ ‬معصوم من الكذب ومن تغييللر شلليء‬
‫من الحكام الشللرعية فللي حللال صللحته وحللال‬
‫مرضه‪ ،‬ومعصوم من ترك بيللان مللا أمللر ببيللانه‬
‫وتبليللغ مللا أوجللب الللله عليلله تبليغلله‪ ،‬وليللس‬
‫معصللوما ً مللن المللراض والسللقام العارضللة‬
‫للجسام ونحوها‪ .‬ممللا ل نقللص فيلله لمنزلتلله‪،‬‬
‫سللحر ‪‬‬ ‫ول فساد لما تمهد من شريعته‪ ،‬وقللد ُ‬
‫حتى صار يخيل إليه أنه فعل الشيء ولم يكللن‬
‫يفعله‪ ،‬ولم يصدر منه ‪ ‬في هللذا الحللال كلم‬
‫في الحكام مخالف لما سبق من الحكام التي‬
‫قررهللا‪ ،‬فللإذا علمللت مللا ذكرنللاه فقللد اختلللف‬
‫العلمللاء فللي الكتللاب الللذي هللم النللبي ‪ ‬بلله‪.‬‬
‫فقيل‪ :‬أراد أن ينص على الخلفللة فللي إنسللان‬
‫معيللن لئل يقللع فيلله نللزاع وفتللن‪ ،‬وقيللل‪ :‬أراد‬
‫كتابا ً يبين فيه مهمات الحكام ملخصة ليرتفللع‬
‫النزاع فيها‪ ،‬ويحصل التفاق علللى المنصللوص‬
‫عليه‪ ،‬وكان النبي ‪ ‬هم بالكتاب حين ظهر لله‬
‫أنه مصلللحة أو أوحللي إليلله بللذلك ثللم ظهللر أن‬
‫المصلحة تركه‪ ،‬أو أوحي إليه بذلك ونسخ ذلللك‬
‫المللر الول‪ ،‬وأمللا كلم عمللر رضللي الللله عنلله‬
‫فقللد اتفللق العلمللاء المتكلمللون فللي شللرح‬
‫الحديث على أنه من دلئل فقه عمر وفضللائله‬
‫ودقيق نظره‪ .‬لنلله خشللي أن يكتللب ‪ ‬أمللورا ً‬
‫ربما عجزوا عنها‪ ،‬واسللتحقوا العقوبللة عليهللا‪،‬‬
‫لنها منصوصة ل مجال للجتهللاد فيهللا‪ .‬فقللال‬
‫عملللر‪ :‬حسلللبنا كتلللاب اللللله‪ ،‬لقلللوله تعلللالى‪:‬‬
‫)النعللام‪ ،‬آيللة‪:‬‬‫‪‬‬ ‫ء‬
‫ي ٍ‬
‫شل ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مل ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫في ال ْك َِتا ِ‬
‫فّرطَْنا ِ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ما َ‬
‫‪‬‬ ‫ت ل َك ُللل ْ‬
‫م ِدين َك ُللل ْ‬
‫م‬ ‫مل ْللل ُ‬
‫َ‬
‫م أك ْ َ‬ ‫‪ .(38‬وقللوله‪  :‬ال ْي َللل ْ‬
‫و َ‬
‫)المائدة‪،‬آية‪ .(3:‬فعلم أن الللله تعللالى أكمللل دينلله‪،‬‬
‫فأمن الضلل علللى المللة وأراد الللترفيه علللى‬
‫رسول الله ‪ ،‬فكان عمر أفقه من ابن عباس‬
‫وموافقيه‪ ،‬قال الخطابي‪ :‬ول يجللوز أن يحمللل‬
‫قول عمر على أنه تللوهم الغلللط علللى رسللول‬
‫الله ‪ ،‬أو ظلن بله غيلر ذللك مملا ل يليلق بله‬
‫بحال‪ .‬لكنه لما رأى ما غلب علللى رسللول الللله‬
‫‪ ‬من الوجع وقرب الوفاة‪ ،‬مع ما اعللتراه مللع‬
‫الكرب خاف أن يكون ذلللك القللول ممللا يقللوله‬
‫المريض مما ل عزيمة له فيه فيجد المنافقون‬
‫بذلك سبيل ً إلللى الكلم فللي الللدين‪ .‬وقللد كللان‬
‫أصحابه ‪ ‬يراجعونه في بعض المللور قبللل أن‬
‫يجزم فيها بتحتيم‪ ،‬كما راجعللوه يللوم الحديبيللة‬
‫فللي الخلف‪ ،‬وفللي كتللاب الصلللح بينلله وبيللن‬
‫قريللش‪ .‬فأمللا إذا أمللر النللبي ‪ ‬بالشلليء أمللر‬
‫عزيمة فل يراجعه فيلله أحللد منهللم)‪ . (297‬وقللال‬
‫القاضي‪ :‬قوله‪ :‬أهجر رسول الله ‪ ،‬هكذا هللو‬
‫فلللي صلللحيح مسللللم وغيلللره‪ :‬أهجلللر؟ عللللى‬
‫الستفهام وهو أصح من رواية مللن روى هجللر‬
‫يهجر‪ .‬لن هذا كله ل يصللح منلله ‪ .‬لن معنللى‬
‫هجر هذى‪ .‬وإنما جاء هذا من قللائله اسللتفهاما ً‬
‫للنكار على من قللال‪ :‬ل تكتبللوا‪ .‬أي ل تللتركوا‬
‫أمر رسول الله ‪ ‬وتجعلوه كأمر من هجر في‬
‫كلمه‪ ،‬لنه ‪ ‬ل يهجر‪ ،‬وقول عمر رضللي الللله‬
‫‪ ()297‬صحيح السيرة النبوية ص ‪ 750‬نقل ً عن شرح مسلم )‪/11‬‬
‫‪.(90‬‬
‫عنه‪ :‬حسبنا كتاب الله‪ ،‬ردا ً علللى مللا نللازعه‪ ،‬ل‬
‫على من أمر النبي ‪ ،(298)‬وعلق الشلليخ علللي‬
‫الطنطللاوي علللى ذلللك فقللال‪ :‬والللذي أراه أن‬
‫عمر قد تعللود خلل صللحبته الطويلللة للرسللول‬
‫أن يبدي له رأيه لمللا يعلللم مللن إذنلله للله بللذلك‬
‫ولرضللاه عنلله‪ ،‬وقللد مللر مللن أخبللار صللحبته‪،‬‬
‫مواقف كثيرة كللان يقللترح فيهللا علللى رسللول‬
‫الله أمللورًا‪ ،‬ويطلللب منلله أمللورًا‪ ،‬ويسللأله عللن‬
‫ر‪ ،‬فكللان الرسللول ‪ ‬يقللره علللى مللا فيلله‬ ‫أمللو ٍ‬
‫الصواب‪ ،‬ويرده عن الخطأ‪ ،‬فلما قال الرسللول‬
‫‪ :‬ائتوني أكتب لكم كتابًا‪ ،‬اقللترح عليلله عمللر‬
‫علللى عللادته الللتي عللوده الرسللول‪ ،‬أن يكتفللي‬
‫بكتاب الله‪ ،‬فأقره الرسول ‪ ،‬وللو كلان يريلد‬
‫الكتابة‪ ،‬لسكت عمر‪ ،‬ولمضى ما يريد)‪.(299‬‬
‫‪ -2‬موقفه يوم قبض الرسول ‪:‬‬
‫لما بلغ الناس خبر وفاة رسول الللله ‪ ‬حللدثت‬
‫ضجة كبيرة‪ ،‬فقللد كللان مللوت الرسللول صللدمة‬
‫لكثير من المسلمين خاصة ابن الخطاب‪ ،‬حدثنا‬
‫عللللللللن ذلللللللللك الصللللللللحابي الجليللللللللل‬
‫أبو هريرة – رضي الله عنلله – حيللث قللال‪ :‬لمللا‬
‫توفي رسول الله قام عمر بن الخطاب فقال‪:‬‬
‫إن رجلال ً ملن المنلافقين يزعملون أن رسللول‬
‫اللللللله قلللللد تلللللوفي‪ ،‬وإن رسلللللول اللللللله‬
‫ما مات‪ ،‬ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسللى‬
‫بن عمران فقد غاب عن قومه أربعين ليلة ثللم‬

‫‪ ()298‬شرح النووي )‪ ،(90 /11‬فصل الخطاب في مواقف‬


‫الصحاب للغرسي ص ‪.41‬‬
‫‪ ()299‬أخبار عمر ص ‪.46‬‬
‫رجللع إليهللم بعللد أن قيللل‪ :‬قللد مللات‪ ،‬والللله‬
‫ليرجعللن رسللول الللله ‪ ‬كمللا رجللع موسللى‬
‫فليقطعللن أيللدي رجللال وأرجلهللم زعمللوا أن‬
‫رسللول الللله ‪ ‬قللد مللات)‪ ،(300‬وأقبللل أبللو بكللر‬
‫حتى نزل على باب المسجد – حين بلغه الخللبر‬
‫– وعمر يكلم النللاس‪ ،‬فلللم يلتفللت إلللى شلليء‬
‫حتى دخل على رسلول اللله فلي بيلت عائشلة‬
‫رضي الله عنها ورسللول الللله ‪ ‬مسللجى فللي‬
‫ناحية الللبيت‪ ،‬عليلله بللردة حللبرة‪ ،‬فأقبللل حللتى‬
‫كشف عن وجه رسول الله ‪ ‬ثللم أقبللل عليلله‬
‫فقبله‪ ،‬ثم قال‪ :‬بأبي أنللت وأمللي‪ ،‬أمللا الموتللة‬
‫التي كتب الله عليك فقد ذقتها‪ ،‬ثم لن تصيبك‬
‫بعدها موتة أبدًا‪ ،‬قال‪ :‬ثم رد البردة علللى وجلله‬
‫رسول الله ‪ ،‬ثللم خللرج وعمللر يكلللم النللاس‪،‬‬
‫فقال‪:‬‬
‫على رسلك يا عمر‪ ،‬أنصت‪ ،‬فأبى إل أن يتكلم‪،‬‬
‫فلما رآه أبو بكر ل ينصت‪ ،‬أقبل علللى النللاس‪،‬‬
‫فلما سمع النللاس كلملله أقبلللوا عليلله وتركللوا‬
‫عمر‪ ،‬فحمللد الللله وأثنللى عليلله ثللم قللال‪ :‬أيهللا‬
‫الناس‪ :‬إنه من كان يعبد محمدا ً فإن محمدا ً قد‬
‫مللات ومللن كللان يعبللد الللله فللإن الللله حللي ل‬
‫مللدٌ إ ِل ّ‬
‫ح ّ‬
‫م َ‬
‫ما ُ‬ ‫يموت‪ .‬ثم تل قول الله تعالى‪َ  :‬‬
‫و َ‬
‫َ‬ ‫ل أَ َ‬
‫قِتل َ‬
‫ل‬ ‫و ُ‬‫تأ ْ‬ ‫ملا َ‬‫فلإ ِْين َ‬ ‫س ُ‬ ‫ه الّر ُ‬ ‫قب ْل ِ ِ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫خل َ ْ‬‫قد ْ َ‬‫ل َ‬ ‫سو ٌ‬ ‫َر ُ‬
‫َ‬
‫ن‬‫فل َل ْ‬‫ه َ‬‫قب َي ْل ِ‬ ‫عل َللى َ‬
‫ع ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ن ي َن ْ َ‬
‫قل ِ ْ‬ ‫م ْ‬
‫و َ‬‫م َ‬ ‫قاب ِك ُ ْ‬ ‫عَلى أ ْ‬
‫ع َ‬ ‫م َ‬ ‫قل َب ْت ُ ْ‬‫ان ْ َ‬
‫ن) ‪)  (144‬آل‬ ‫ري َ‬‫شاك ِ ِ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫زي الل ّ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫سي َ ْ‬‫و َ‬ ‫شي ًْئا َ‬‫ه َ‬ ‫ضّر الل ّ َ‬ ‫يَ ُ‬
‫عمران‪،‬آية‪.(144:‬‬
‫قال أبو هريرة‪ :‬فو الله لكأن الناس لم يعلموا‬
‫أن هلللللذه اليلللللة نزللللللت‪ ،‬حلللللتى تلهلللللا‬
‫‪ ()300‬السيرة النبوية لبن أبي شهبة )‪.(2/594‬‬
‫أبو بكر يومئذ‪ ،‬قلال‪ :‬وأخلذها النلاس علن أبلي‬
‫بكر‪ ،‬فإنما هي في أفواههم‪ ،‬قال‪ :‬فقللال أبللو‬
‫هريرة‪ :‬قال عمر‪ :‬فو الله ما هو إل أن سمعت‬
‫أبا بكر تلها فعقرت حللتى وقعللت إلللى الرض‬
‫ما تحملني رجلي‪ ،‬وعرفت أن رسول الله قللد‬
‫مات)‪.(301‬‬

‫‪ ()301‬البخاري‪ ،‬ك الجنائز‪ ،‬رقم ‪.1242‬‬


‫المبحث الثالث‪ :‬عمر رضي الله عنه في خلفة الصديق‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ل‪ :‬مقامه في سقيفة بني ساعدة ومبايعته للصديق‪:‬‬
‫عقب وفاة النبي ‪ ‬اجتمعت النصللار إلللى سللعد‬
‫بن عبادة في سقيفة بني سللاعدة‪ ،‬فقللالوا‪ :‬منللا‬
‫أمير ومنكم أمير‪ ،‬فذهب إليهم أبو بكر وعمر بللن‬
‫الخطللاب وأبللو عبيللدة بللن الجللراح فللذهب عمللر‬
‫يتكلم‪ ،،‬فأسكته أبو بكر‪ ،‬وكان عمر يقول‪ :‬والللله‬
‫ما أردت بذلك إل أني قد هيأت كلما ً قد أعجبنللي‬
‫خشيت أن ل يبلغلله أبللو بكللر‪ ،‬ثللم تكلللم أبللو بكللر‪،‬‬
‫فتكلم أبلغ الناس‪ ،‬فقال في كلمه نحن المللراء‬
‫وأنتم الوزراء‪ ،‬فقال حباب بن المنللذر‪ :‬ل والللله‬
‫ل نفعل‪ ،‬منا أمير ومنكم أمير‪ ،‬فقال أبو بكللر‪ :‬ل‪،‬‬
‫ولكنا المراء‪ ،‬وأنتم الوزراء‪ ،‬هللم أوسللط العللرب‬
‫دارًا‪ ،‬وأعربهللم أحسللابًا‪ ،‬فبللايعوا عمللر‪ ،‬أو أبللا‬
‫عبيدة‪ .‬فقال عمر‪ :‬بل نبايعك أنت‪ ،‬وأنللت سلليدنا‬
‫وخيرنا‪ ،‬وأحبنا إلى رسول الله‪ ،‬فأخللذ عمللر بيللده‬
‫فبايعه وبايعه الناس)‪ ،(302‬فرضللي الللله عللن عمللر‬
‫وأرضللاه‪ ،‬فللإنه عنللدما ارتفعللت الصللوات فللي‬
‫السللقيفة وكللثر اللغللط‪ ،‬وخشللي عمللر الختلف‪،‬‬
‫ومللن أخطللر المللور الللتي خشلليها عمللر أن ي ُب ْللدأ‬
‫بالبيعة لحد النصار فتحدث الفتنة العظيمة؛ لنه‬
‫ليس من اليسير أن يبايع أحللد بعللد البللدء بالبيعللة‬
‫لحد النصار‪ ،‬فأسرع عمر رضي الله عنه إخمللادا ً‬
‫للفتنلللللللللللة)‪ ،(303‬وقلللللللللللال للنصلللللللللللار‪:‬‬
‫يا معشر النصار ألستم تعلمللون أن رسللول الللله‬
‫‪ ‬أمر أبا بكر أن يؤم الناس فأيكم تطيب نفسلله‬
‫‪ ()302‬مسند أحمد )‪ (1/213‬وصحح إسناده أحمد شاكر‪.‬‬
‫‪ ()303‬الحكمة في الدعوة إلى الله‪ ،‬سعيد القحطاني ص ‪. 226‬‬
‫أن يتقدم أبا بكر؟ فقالت النصار‪ :‬نعوذ بللالله أن‬
‫نتقدم أبا بكر)‪ ،(304‬ثم بادر رضي الللله عنلله وقللال‬
‫لبي بكر‪ :‬ابسط يدك‪ ،‬فبسط يده فبايعه‪ ،‬وبللايعه‬
‫المهاجرون‪ ،‬ثم النصار)‪.(305‬‬
‫وعنللدما كللان يللوم الثلثللاء جلللس أبللو بكللر علللى‬
‫المنبر‪ ،‬فقام عمر فتكلللم قبللل أبللي بكللر‪ ،‬فحمللد‬
‫الللله وأثنللى عليلله بمللا هللو أهللله‪ ،‬ثللم قللال‪ :‬أيهللا‬
‫الناس‪ ،‬إنللي كنللت قلللت لكللم بللالمس مقالللة مللا‬
‫كانت‪ ،‬وما وجدتها في كتاب الله‪ ،‬ول كانت عهدا ً‬
‫ي رسول الله ‪ ،‬ولكني قد كنت أرى أن‬ ‫عهده إل ّ‬
‫رسول الله ‪ ‬سُيدّبر أمرنا‪ ،‬يقول‪ :‬يكللون آخرنللا‪،‬‬
‫وإن الله قد أبقى فيكم كتابه الذي به هللدى الللله‬
‫رسوله ‪ ،‬فإن اعتصمتم به هداكم الله لما كللان‬
‫هداه له‪ ،‬وإن الله قد جمللع أمركللم علللى خيركللم‬
‫صاحب رسول الللله ‪ ،‬ثللاني اثنيللن إذ همللا فللي‬
‫الغار‪ ،‬فقوموا فبايعوا فبايع الناس أبا بكر بيعتلله‬
‫العامة بعد بيعة السقيفة)‪ ،(306‬فكللان عمللر رضللي‬
‫الله عنه يذود ويقوي‪ ،‬ويشجع النللاس علللى بيعللة‬
‫أبي بكر حتى جمعهم الللله عليلله‪ ،‬وأنقللذهم الللله‬
‫مللن الختلف والفرقلة والفتنللة‪ ،‬فهلذا الموقلف‬
‫الذي وقفه عمر مع الناس من أجل جمعهم على‬
‫إمامة أبي بكر‪ ،‬موقف عظيم من أعظم مواقللف‬
‫الحكمة التي ينبغي أن تسجل بماء الذهب)‪.(307‬‬

‫‪ ()304‬محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب )‬


‫‪.(1/280‬‬
‫‪ ()305‬البخاري‪ ،‬ك فضائل الصحابة‪ .‬رقم ‪. 3668‬‬
‫‪ ()306‬البداية والنهاية )‪ (6/305،306‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪ ()307‬الحكمة في الدعوة إلى الله ص ‪. 227‬‬
‫لقد خشي أن يتفرق أمر المسلللمين وتشللب نللار‬
‫الفتن فأخمدها بالمبادرة إلللى مبايعللة أبللي بكللر‪،‬‬
‫وتشجيع الناس على المبايعة العامة فكللان عمللله‬
‫هذا سببا ً لنجاة المسلمين من أكللبر كارثللة كللانت‬
‫تحل بهم لول يمن نقيبته وصحة نظره بعد معونة‬
‫الله تعالى)‪.(308‬‬
‫ثانيًا‪ :‬مراجعته لبي بكر في محاربة مانعي الزكبباة وإرسببال جيببش‬
‫أسامة‪:‬‬
‫قال أبو هريرة رضي الله عنه‪ :‬لما توفي رسللول‬
‫الله ‪ ‬وكان أبو بكر بعلده‪ .‬وكفلر مللن كفللر مللن‬
‫العرب‪ ،‬قال عمر‪ :‬يا أبا بكر كيللف تقاتللل النللاس‪،‬‬
‫وقد قال رسول الله ‪ :‬أمرت أن أقاتللل النللاس‬
‫حتى يقولوا ل إللله إل الللله‪ ،‬فمللن قللال ل إللله إل‬
‫الله عصم منللي مللاله ونفسلله إل بحقلله وحسللابه‬
‫على الله‪ .‬قال أبو بكر‪ :‬والله لقللاتلن مللن فللرق‬
‫بين الصلة والزكاة‪ ،‬فإن الزكاة حق المال‪ ،‬والله‬
‫لو منعوني عناقا)‪ ، (309‬كانوا يؤدونها إلللى رسللول‬
‫الله ‪ ‬لقاتلتهم على منعها‪ .‬قال عمر‪ :‬فللو الللله‬
‫ما هو إل أن رأيت أن الله – عز وجل – قللد شللرح‬
‫صللدر أبللي بكللر للقتللال فعرفللت أنلله الحللق)‪،(310‬‬
‫وعنلللللدما اقلللللترح بعلللللض الصلللللحابة عللللللى‬
‫أبي بكر بأن يبقى جيش أسامة حتى تهدأ المللور‬
‫أرسل أسامة من معسكره من الجللرف عمللر بللن‬
‫الخطاب رضي الله عنهما إلى أبي بكللر يسللتأذنه‬
‫أن يرجع بالناس وقال‪ :‬إن معي وجوه المسلمين‬

‫‪ ()308‬الخلفاء الراشدون‪ ،‬عبد الوهاب النجار ص ‪. 123‬‬


‫‪ ()309‬العناق‪ :‬هي النثى من أولد المعز مالم يتم له سنة‪.‬‬
‫‪ ()310‬البخاري‪ ،‬ك استتابة المرتدين والمعاندين رقم ‪.6566‬‬
‫وجلتهم‪ ،‬ول آمن على خليفة رسول الله‪ ،‬وحللرم‬
‫رسللللول الللللله‪ ،‬والمسلللللمين أن يتخطفهللللم‬
‫المشركون)‪ ،(311‬ولكن أبا بكللر خللالف ذلللك وأص لّر‬
‫على أن تسللتمر الحملللة العسللكرية فللي تحركهللا‬
‫إلللى الشللام مهمللا كللانت الظللروف والحللوال‬
‫والنتللائج‪ ،‬وطلبللت النصللار رجل ً أقللدم سللنا ً مللن‬
‫أسللامة يتللولى أمللر الجيللش وأرسلللوا عمللر بللن‬
‫الخطللاب ليحللدث الصللديق فلي ذللك فقللال عمللر‬
‫رضي الله عنلله‪ ،‬فللإن النصللار تطلللب رجل ً أقللدم‬
‫سنا ً من أسلامة رضلي اللله عنله فلوثب أبلو بكلر‬
‫رضي الللله عنلله وكللان جالسلا ً وأخللذ بلحيللة عمللر‬
‫رضي الله عنه وقال‪ :‬ثكلتك أمك يا ابن الخطاب!‬
‫اسللتعمله رسللول الللله وتللأمرني أن أعزللله)‪،(312‬‬
‫فخرج عمر رضي الله عنه إلى الناس فقالوا‪ :‬مللا‬
‫صنعت؟ فقال‪ :‬امضوا ثكلتكم أمهاتكم! ما لقيللت‬
‫)‪.(313‬‬
‫في سببكم من خليفة رسول الله‬

‫‪ ()311‬الكامل لبن الثير )‪.(2/226‬‬


‫‪ ()312‬تاريخ الطبري )‪.(4/46‬‬
‫‪ ()313‬نفس المصدر )‪.(4/46‬‬
‫ثالثًا‪ :‬عمر ورجوع معاذ من اليمن‪ ،‬وفراسة صادقة في أبي مسببلم‬
‫الخولني‪ ،‬ورأيه في تعيين إبان بن سعيد على البحرين‪:‬‬

‫‪ -1‬عمر ورجوع معاذ من اليمن‪:‬‬


‫مكث معاذ بن جبل باليمن في حياة رسول‬
‫الله ‪ ‬وكان له جهاده الدعوي وكذلك ضد‬
‫المرتدين‪ ،‬وبعد وفاة رسول الله قدم إلى‬
‫المدينة‪ ،‬فقال عمر رضي الله عنه لبي بكر‬
‫رضي الله عنه‪ :‬أرسل إلى هذا الرجل فدع له‬
‫ما يعيشه وخذ سائره منه‪ .‬فقال أبو بكر‪ :‬إنما‬
‫بعثه النبي ‪ ‬ليجبره ولست بآخذ منه شيئا ً إل‬
‫أن يعطيني‪ ،‬ورأى عمر أن أبا بكر رضي الله‬
‫عنهما لم يأخذ برأية‪ ،‬ولكن عمر مقتنع بصواب‬
‫رأيه‪ ،‬فذهب إلى معاذ لعله يرضى‪ ،‬فقال‬
‫معاذ‪ :‬إنما بعثني رسول الله ‪ ‬ليجبرني‬
‫ولست بفاعل‪ ،‬إن عمر لم يذهب إلى أبي بكر‬
‫مستعديًا‪ ،‬ولكنه كان يريد الخير لمعاذ‬
‫وللمسلمين‪ ،‬وهاهو معاذ يرفض نصيحة عمر‬
‫ويعلم عمر أنه ليس بصاحب سلطان على‬
‫معاذ فينصرف راضيًا‪ ،‬لنه قام بواجبه من‬
‫النصيحة‪ ،‬ولكن معاذا ً رأى بعد رفضه نصيحة‬
‫عمر ما جعله يذهب إليه قائ ً‬
‫ل‪ :‬قد أطعتك‪،‬‬
‫وإني فاعل ما أمرتني به فإني رأيت في‬
‫المنام أني في خوضة ماء قد خشيت الغرق‬
‫فخلصتني منه يا عمر‪ .‬ثم ذهب معاذ إلى أبي‬
‫بكر رضي الله عنهما فذكر ذلك كله له وحلفه‬
‫أنه ل يكتمه شيئًا‪ ،‬فقال أبو بكر رضي الله‬
‫عنه‪ :‬أنا‬
‫ل آخذ شيئا ً قد وهبته لك‪ .‬فقال عمر رضي‬
‫الله عنه‪ :‬هذا حين حل وطاب)‪ ، (314‬وقد جاء‬
‫في رواية‪ :‬أن أبا بكر قال لمعاذ‪ :‬ارفع حسابك‬
‫فقال معاذ‪ :‬أحسابان حساب الله وحساب‬
‫منكم؟ والله ل ألي لكم عمل ً أبدا ً)‪.(315‬‬
‫‪ -2‬فراسة صادقة في أبي مسلم الخولني‪:‬‬
‫كان عمر رضي الله عنلله يتمتللع بفراسللة ينللدر‬
‫وجودها في هذه الحياة فقد روى الللذهبي‪ :‬أن‬
‫السود العنسي تنبللأ بللاليمن – ادعللى النبللوة –‬
‫فبعث إلللى أبللي مسلللم الخللولني‪ ،‬فأتللاه بنللار‬
‫عظيمة‪ ،‬ثللم إنلله ألقللى أبللا مسلللم فيهللا‪ ،‬فلللم‬
‫تضره … فقيل للسود‪ :‬إن لم تنللف هللذا عنللك‬
‫أفسد عليك من اتبعك‪ ،‬فأمره بالرحيللل‪،‬فقللدم‬
‫المدينللة‪ ،‬فأنللاخ فللي راحلتلله‪ ،‬ودخللل المسللجد‬
‫فبصر به فقام إليه‪ ،‬فقال‪ :‬ممن الرجل؟ قال‪:‬‬
‫من اليمن قال‪ :‬وما فعل الللذي حرقلله الكللذاب‬
‫وب‪ .‬قللال‬ ‫بالنللار؟ قللال‪ :‬ذاك عبللد الللله بللن ُثلل َ‬
‫نشللدتك بللالله‪ ،‬أنللت هللو؟ قللال‪ :‬اللهللم نعللم‪.‬‬
‫فأعتنقه عمر‪ ،‬وبكى‪ ،‬ثم ذهب به حتى أجلسلله‬
‫فيمللا بينلله وبيللن الصللديق‪ ،‬فقللال‪ :‬الحمللد لللله‬
‫الذي لم ُيمتني حتى أراني فللي أمللة محمللد ‪‬‬
‫صنع بإبراهيم الخليل)‪.(316‬‬ ‫من صُنع به كما ُ‬
‫‪ -3‬رأيه في تعيين أبان بن سعيد على البحرين‪:‬‬
‫انتهج أبو بكر رضي الله عنه خط الشورى فللي‬
‫تعييللن المللراء‪ ،‬فقللد ورد أنلله شللاور أصللحابه‬

‫‪ ()314‬شهيد المحراب ص ‪ 69‬نقل ً عن الستيعاب )‪.(3/338‬‬


‫‪ ()315‬عيون الخبار )‪.(1/125‬‬
‫‪ ()316‬سير أعلم النبلء )‪ ،(9+4/8‬أصحاب الرسول )‪.(1/137‬‬
‫فيمن يبعث إلللى البحريللن‪ ،‬فقللال للله عثمللان‪:‬‬
‫ابعث رجل ً قد بعثه رسول الله‪ ،‬فقدم عليه‬
‫)‪(317‬‬

‫‪ ،‬بإسلمهم وطاعتهم‪ ،‬وقد عرفللوه وعرفهللم‪،‬‬


‫وعللرف بلدهللم يعنللي العلء بللن الحضللرمي‪،‬‬
‫فأبى ذلللك عمللر عليلله‪ ،‬وقللال‪ :‬أكللره إبللان بللن‬
‫سعيد بن العاص‪ ،‬فإنه رجل قد حالفهم‪ ،‬فللأبى‬
‫أبو بكر أن يكرهه وقال‪ :‬ل أكللره رجل ً يقللول‪:‬‬
‫ل أعمل لحد بعد رسول الللله وأجمللع أبللو بكللر‬
‫بعثة العلء بن الحضرمي إلى البحرين)‪. (318‬‬
‫رابعًا‪ :‬رأي عمر في عدم قبببول ديببة قتلببى المسببلمين‪ ،‬واعتراضببه‬
‫على إقطاع الصديق للقرع بن حابس‪ ،‬وعيينة بن حصن‪:‬‬

‫‪ -1‬رأي عمر في عدم قبببول ديببة قتلببى المسببلمين فببي حببروب‬


‫الردة‪:‬‬
‫جاء وفد ُبزاخة من أسد وغطفان إلى أبي بكر‬
‫يسألونه الصلح‪ ،‬فخيرهم بين الحللرب المجليللة‬
‫والسلللم المخزيللة‪ ،‬فقللالوا‪ :‬هللذه المجليللة قللد‬
‫عرفناها فما المخزية؟ قال تنزع منكم الحلقللة‬
‫والكراع‪ ،‬ونغنم ما أصبنا منكللم وتللردون علينللا‬
‫ما أصبتم منا‪ ،‬وَتدون قتلنا وتكون قتلكم في‬
‫النللار‪ ،‬وتللتركون أقوام لا ً يتبعللون أذنللاب البللل‬
‫حتى يري الله خليفللة رسللوله ‪ ‬والمهللاجرين‬
‫أمرا ً يعذرونكم به‪ ،‬فعرض أبو بكر ما قال على‬
‫القللوم‪ ،‬فقللام عمللر بللن الخطللاب‪ ،‬فقللال‪ :‬قللد‬
‫رأيت رأيلا ً سنشللير عليللك‪ ،‬أمللا مللا ذكللرت مللن‬
‫الحللرب المجليللة والسلللم المخزيللة فنعللم مللا‬
‫‪ ()317‬كنز العمال )‪ (5/620‬رقم ‪.14093‬‬
‫‪ ()318‬القيود الواردة على سلطة الدولة وعبد الله الكيلني ص‬
‫‪.169‬‬
‫ذكرت‪ ،‬وأما ما ذكرت أن نغنم مللا أصللبنا منكللم‬
‫دون ما أصبتم منا فنعم ما ذكرت‪ ،‬وأمللا مللا‬ ‫وتر ّ‬
‫ذكرت تدون قتلنا وتكللون قتلكللم فللي النللار‪،‬‬
‫فللإن قتلنللا قللاتلت فقتلللت علللى أمللر الللله‪،‬‬
‫أجورها على الله ليس لها ديات‪ .‬فتبايع القوم‬
‫على ما قال عمر)‪. (319‬‬
‫‪ -2‬اعتراضه على إقطاع الصديق للقبرع ببن حبابس وعينيببه ببن‬
‫حصن‪:‬‬
‫جاء عيينة بن حصللن والقللرع بللن حللابس إلللى‬
‫أبلللي بكلللر – رضلللي اللللله عنللله – فقلللال‪:‬‬
‫يللا خليفللة رسللول الللله إن عنللدنا أرضلا ً سللبخة‬
‫ليلللس فيهلللا كل ول منفعلللة‪ ،‬فلللإن رأيلللت أن‬
‫تقطعنا لعلنا نحرثهلا أو نزرعهلا‪ ،‬لعلل اللله أن‬
‫ينفع بها بعد اليوم‪ ،‬فقال أبو بكر لمللن حللوله‪:‬‬
‫ما تقولون فيما قال‪ ،‬إن كانت أرضللا ً سللبخة ل‬
‫ينتفع بها؟ قالوا‪ :‬نرى أن تقطعهما إياها‪ ،‬لعل‬
‫الللله ينفللع بهللا بعللد اليللوم‪ .‬فأقطعهمللا إياهللا‪،‬‬
‫وكتب لهما بللذلك كتاب لًا‪ ،‬وأشللهد عمللر‪ ،‬وليللس‬
‫فللي القللوم‪ ،‬فانطلقللا إلللى عمللر يشللهدانه‪،‬‬
‫فوجداه قائما ً يهنأ)‪ (320‬بعيرا ً للله‪ ،‬فقللال‪ :‬إن أبللا‬
‫بكر أشهدك على ما في الكتاب فنقرأ عليك أو‬
‫تقرأ؟ فقال‪ :‬أنا على الحال الذي تريللان‪ ،‬فللإن‬
‫شئتما فاقرءا وإن شئتما فللانظرا حللتى فللرغ‪،‬‬
‫فأقرأ عليكما قال‪ :‬بل نقرأ فقرءا فلمللا سللمع‬
‫ما في الكتاب تناوله من أيديهما ثم تفل عليلله‬

‫‪ ()319‬أخبار عمر ص ‪ 362‬نقل ً عن الرياض النضرة‪ ،‬نيل الوطار )‬


‫‪.(8/22‬‬
‫‪ ()320‬يهنأ‪ :‬البل يهنؤها‪ :‬طلها بالهناء‪ ،‬أي القطران‪.‬‬
‫فمحاه‪ ،‬فتذمرا‪ ،‬وقال مقالة سلليئة‪ ،‬فقللال‪ :‬إن‬
‫رسللول الللله كللان يتألفكمللا‪ ،‬والسلللم يللومئذ‬
‫ذليل‪ ،‬وإن الله قد أعز السلم‪ ،‬فاذهبا فأجهدا‬
‫جهدكما‪ ،‬ل رعى الله عليكما إن رعيتما‪ .‬فأقبل‬
‫إلى أبي بكر وهمللا يتللذمران فقللال‪ :‬والللله مللا‬
‫ندري أنت الخليفة أم عمر‪ :‬فقال‪:‬ل بل هو لللو‬
‫كان شاء‪ .‬فجاء عمللر – وهللو مغضللب – فوقللف‬
‫على أبي بكر فقال‪ :‬أخللبرني عللن هللذه الرض‬
‫التي أقطعتهللا هللذين أرض هللي لللك خاصللة أم‬
‫للمسلمين عامة‪ .‬قللال‪ :‬بللل للمسلللمين عامللة‪.‬‬
‫قللال‪ :‬فمللا حملللك أن تخللص بهللا هللذين دون‬
‫جماعللة المسلللمين؟ قللال‪ :‬استشللرت هللؤلء‬
‫الذين حولي فأشاروا علللي بللذلك‪ .‬قللال‪ :‬فللإذا‬
‫استشرت هؤلء الذين حولك‪ ،‬فكل المسلللمين‬
‫أوسعتهم مشورة ورضي‪ .‬فقال أبو بكر رضللي‬
‫الله عنه‪ :‬قد كنت قلت لك إنك على هذا أقوى‬
‫مني‪ ،‬ولكن غلبتني)‪.(321‬‬
‫هللذه الواقعللة دليللل ل يقبللل الشللك أن حكللم‬
‫الدولة السلمية في عهللد الخلفللاء الراشللدين‬
‫كللان يقللوم علللى الشللورى‪ ،‬فهللي تظهللر لنللا‬
‫خليفة رسول الله ‪ ،‬حريص لا ً علللى استشللارة‬
‫المسلللمين فللي الصللغير والكللبيرة‪ ،‬ومللا كللان‬
‫ليبرم أمرا ً دون مشورة إخوانه)‪.(322‬‬
‫إن الخللبر السللالف الللذكر يؤكللد لنللا أن خليفللة‬
‫رسللول الللله رضللي الللله عنلله كللان يمضللي‬
‫الشورى في كل شأن من شللؤون المسلللمين‪،‬‬
‫‪ ()321‬محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب )‬
‫‪.(1/262‬‬
‫‪ ()322‬استخلف أبو بكر الصديق‪ ،‬جمال عبد الهادي ص ‪.166،167‬‬
‫بل وكان ينزل عن رأيلله‪ ،‬وهللو مللن هللو رضللي‬
‫الللله عنلله‪ ،‬إنهللا صللورة للشللورى الحقيقيللة‬
‫المنضبطة مع أوامر الله‪ ،‬مع الحلل والحللرام‪،‬‬
‫ل الشللورى المزيفللة الللتي تجللري تحللت قبللاب‬
‫مجالس دستورية لم تجن من ورائها الشللعوب‬
‫إل المرارة والستبداد والظلم والضياع)‪.(323‬‬
‫خامسًا‪ :‬جمع القرآن الكريم‪:‬‬
‫كللان مللن ضللمن شللهداء المسلللمين فللي حللرب‬
‫اليمامة كثير من حفظة القرآن وقد نتج عن ذلك‬
‫أن قام أبو بكر رضي الله عنه بمشورة عمللر بللن‬
‫الخطاب رضي الله عنه بجمع القرآن حيللث جمللع‬
‫مللن الرقللاع والعظللام والسللعف ومللن صللدور‬
‫الرجال)‪ ،(324‬وأسند الصللديق هللذا العمللل العظيللم‬
‫إلى الصحابي زيد بن ثللابت النصللاري‪ ،‬قللال زيللد‬
‫ي أبو بكللر رضللي‬ ‫بن ثابت رضي الله عنه‪ :‬بعث إل ّ‬
‫الله عنه لمقتل أهل اليمامللة)‪ ،(325‬فللإذا عمللر بللن‬
‫الخطاب عنده‪ ،‬قال أبو بكللر رضللي الللله عنلله‪ :‬إن‬
‫عمر أتاني فقال‪ :‬إن القتللل قللد اسللتحر)‪ (326‬يللوم‬
‫اليمامة بقراء القللرآن الكريللم‪ ،‬وإنللي أخشللى أن‬
‫يسللتحر القتللل بللالقراء فللي المللواطن)‪ ،(327‬كلهللا‬
‫فيللذهب كللثير مللن القللرآن‪ ،‬وإنللي أرى أن تللأمر‬
‫بجمع القرآن قلللت لعمللر‪ :‬كيللف أفعللل شلليئا ً لللم‬
‫يفعله رسول الله ‪‬؟!! فقللال عمللر‪ :‬هللذا والللله‬
‫خير‪ ،‬فلللم يللزل عمللر يراجعنللي حللتى شللرح الللله‬
‫نفس المصدر ص ‪.167‬‬ ‫‪()323‬‬
‫حروب الردة وبناء الدولة السلمية‪ ،‬أحمد سعيد ص ‪.145‬‬ ‫‪()324‬‬
‫يعني واقعة يوم اليمامة ضد مسيلمة الكذاب وإخوانه‪.‬‬ ‫‪()325‬‬
‫استحر‪ :‬كثر واشتد‪.‬‬ ‫‪()326‬‬
‫أي في الماكن التي يقع فيها القتال مع الكفار‪.‬‬ ‫‪()327‬‬
‫صدري للذي شرح له صدر عمر‪ ،‬ورأيت فلي ذلللك‬
‫الللللللذي رأى عمللللللر‪ ،‬قللللللال زيللللللد‪ :‬قللللللال‬
‫أبو بكر‪ :‬وإنك رجل شاب عاقللل‪ ،‬ل نتهمللك وقللد‬
‫كنت تكتب الوحي لرسول الله ‪ ،‬فتتبع القللرآن‬
‫فاجمعه)‪ .(328‬قللال زيللد‪ :‬فللوالله لللو كلفنللي نقللل‬
‫ي ممللا كلفنللي‬ ‫جبل من الجبال ما كان بأثقل عل ل ّ‬
‫به من جمع القرآن)‪.(329‬‬
‫ونسللتخلص مللن واقعللة جمللع القللرآن الكريللم‬
‫بعض النتائج منها‪:‬‬
‫‪ -1‬إن جمللع القللرآن الكريللم جللاء نتيجللة الخللوف‬
‫على ضياعه نظللرا ً لمللوت العديللد مللن القللراء‬
‫في حروب الردة‪ ،‬وهذا يللدل علللى أن القللراء‬
‫والعلماء كانوا وقتئذ أسرع الناس إلى العمللل‬
‫والجهللاد لرفللع شللأن السلللم والمسلللمين‬
‫بأفكارهم وسلللوكهم وسلليوفهم فكللانوا خيللر‬
‫أمة أخرجت للناس ينبغي القتللداء بهللم لكللل‬
‫من جاء بعدهم‪.‬‬
‫‪ -2‬إن جمللع القللرآن تللم بنللاء علللى المصلللحة‬
‫المرسلللة ول أدل علللى ذلللك مللن قللول عمللر‬
‫لبللي بكللر حيللن سللأله كيللف نفعللل شلليئا ً لللم‬
‫يفعله رسللول الللله ‪ :‬إنلله والللله خيللر وفللي‬
‫بعض الروايللات أنلله قللال للله‪ :‬إنلله والللله خيللر‬
‫ومصللللللحة للمسللللللمين‪ ،‬وهلللللو نفلللللس‬
‫ما أجاب به أبو بكر زيلد بلن ثلابت حيلن سلأل‬
‫نفس السؤال وسواء صحت الرواية التي جللاء‬
‫فيها لفظ المصلحة أو لم تصلح‪ ،‬فلإن التعلبير‬
‫بكلمة خير‪ ،‬يفيد نفس المعنى‪ ،‬وهللو مصلللحة‬
‫‪ ()328‬أي من الشياء التي عندي وعند غيرك‪.‬‬
‫‪ ()329‬البخاري رقم ‪. 4986‬‬
‫المسلمين في جمع القرآن‪ ،‬فقللد كللان جمللع‬
‫القللرآن مبني لا ً علللى المصلللحة المرسلللة أول‬
‫المللر ثللم انعقللد الجمللاع علللى ذلللك بعللد أن‬
‫وافللق الجميللع بللالقرار الصللريح أو الضللمني‬
‫وهذا يدل على أن المصلحة المرسلة يصح أن‬
‫تكللون سللندا ً للجمللاع بالنسللبة لمللن يقللول‬
‫بحجيتها كما هو مقرر في كتب أصول الفقه‪.‬‬
‫‪ -3‬وقد اتضح لنا مللن هللذه الواقعللة كللذلك كيللف‬
‫كان الصحابة يجتهللدون فللي جللو مللن الهللدوء‬
‫يسوده الود والحترام‪ ،‬هدفهم الوصللول إلللى‬
‫ما يحقللق الصللالح العللام لجماعللة المسلللمين‪،‬‬
‫وأنهللم كللانوا ينقللادون إلللى الللرأي الصللحيح‬
‫وتنشللرح قلللوبهم للله بعللد القنللاع والقتنللاع‪،‬‬
‫فإذا اقتنعوا بالرأي دافعوا عنلله كمللا لللو كللان‬
‫رأيهم منذ البداية‪ ،‬وبهذه الروح أمكللن انعقللاد‬
‫إجمللللاعهم حللللول العديللللد مللللن الحكللللام‬
‫الجتهادية)‪.(330‬‬

‫‪ ()330‬الجتهاد في الفقه السلمي‪ ،‬عبد السلم السليماني ص‬


‫‪. 127‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫استخلف الصديق للفاروق‪ ،‬وقواعد نظام‬
‫حكمه‪ ،‬وحياته في المجتمع‬
‫المبحث الول‪ :‬استخلف الصديق للفاروق وقواعببد نظببام‬
‫حكمه‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ل‪ :‬استخلف الصديق للفاروق‪:‬‬
‫لمللا اشللتد المللرض بللأبي بكللر جمللع النللاس إليلله‬
‫فقال‪ :‬إنه قد نزل بي ما قد ترون ول أظننللي إل‬
‫ميت لما بي وقد أطلق الله أيمانكم مللن بيعللتي‪،‬‬
‫وحل عنكلم عقلدتي‪ ،‬ورد عليكللم أمركللم فلأمروا‬
‫عليكم من أحببتللم فللإنكم إن أمرتللم فللي حيللاتي‬
‫كلللان أجلللدر أن ل تختلفلللوا بعلللدي)‪ (331‬وتشلللاور‬
‫الصحابة رضي الله عنهم‪ ،‬وكللل يحللاول أن يللدفع‬
‫المر عن نفسه ويطلبه لخيه إذ يرى فيه الصلح‬
‫والهلية‪ ،‬لذا رجعوا إليه‪ ،‬فقالوا‪ :‬رأينا يللا خليفللة‬
‫رسول الله رأيك قال‪ :‬فأمهلوني حتى أنظللر لللله‬
‫ولدينه ولعباده‪ ،‬فدعا أبللو بكللر عبللد الرحمللن بللن‬
‫عوف فقال له‪ :‬أخللبرني عللن عمللر بللن الخطللاب‬
‫فقال له‪ :‬ما تسألني عن أمللر إل وأنللت أعلللم بلله‬
‫مني‪ :‬فقال أبو بكر‪ :‬وإن فقال عبد الرحمن‪ :‬هللو‬
‫والله أفضل من رأيللك فيلله‪ ،‬ثللم دعللا عثمللان بللن‬
‫عفللان‪ .‬فقللال‪ :‬أخللبرني علن عمللر بللن الخطللاب‪.‬‬
‫فقلللال‪ :‬أنلللت أخلللبر بللله‪ ،‬فقلللال‪ :‬عللللى ذللللك‬
‫يا أبا عبد الله فقال عثمان‪ :‬اللهللم علمللي بلله أن‬
‫سريرته خير من علنيته‪ ،‬وأنلله ليللس فينللا مثللله‪.‬‬
‫فقال أبو بكر‪ :‬يرحمللك الللله والللله لللو تركتلله مللا‬
‫‪ ()331‬البداية والنهاية )‪ ،(7/18‬تاريخ الطبري )‪.(4/238‬‬
‫عدتك ثم دعا أسيد بن حضير فقال له‪ :‬مثل ذلك‪،‬‬
‫فقال أسيد‪ :‬اللهللم أعلملله الخيللرة بعللدك يرضللى‬
‫للرضا‪ ،‬ويسخط للسللخط‪ ،‬والللذي يسللر خيللر مللن‬
‫الذي يعلن‪ ،‬ولن يلي هذا المللر أحللد أقللوى عليلله‬
‫منه‪ ،‬وكذلك استشللار سللعيد بللن زيللد وعللددا ً مللن‬
‫النصار والمهاجرين‪ ،‬وكلهم تقريبللا ً كللانوا بللرأي‬
‫واحد في عمر إل طلحة بن عبيلد اللله خلاف ملن‬
‫شللدته فقللال لبللي بكللر مللا أنللت قللائل لربللك إذا‬
‫سللألك عللن اسللتخلفك عمللر علينللا وقللد تللرى‬
‫غلظتللله؟ فقلللال أبلللو بكلللر‪ :‬أجلسلللوني أبلللالله‬
‫تخوفللونني؟ خللاب مللن تللزود مللن أمركللم بظلللم‬
‫أقول اللهم استخلفت عليهم خير أهلك)‪ (332‬وبيللن‬
‫لهم سبب غلظة عمللر وشللدته فقللال‪ :‬ذلللك لنلله‬
‫يراني رقيقا ً ولو أفضى المللر إليلله لللترك كللثيرا ً‬
‫مما عليلله)‪ (333‬ثللم كتللب عهللدا ً مكتوبلا ً يقللرأ علللى‬
‫الناس في المدينة وفي النصار عن طريق أمراء‬
‫الجنللاد فكللان نللص العهللد بسللم الللله الرحمللن‬
‫الرحيم هذا ما عهد أبو بكر بللن أبللي قحافللة فللي‬
‫آخر عهده بالدنيا خارج لا ً منهللا‪ ،‬وعنللد أول عهللده‬
‫بالخرة داخل ً فيها‪ ،‬حيللث يللؤمن الكللافر‪ ،‬ويللوقن‬
‫الفاجر‪ ،‬ويصدق الكاذب‪ ،‬إني لم آل الله ورسللوله‬
‫ودينه ونفسللي‪ ،‬وإيللاكم خيللرًا‪ ،‬فللإن عللدل فللذلك‬
‫ظنللي بلله وعلمللي فيلله‪ ،‬وإن بللدل فلكللل امللرئ‬
‫مللا اكتسللب‪ ،‬والخيللر أردت ول أعلللم الغيللب‪‬‬
‫َ‬
‫‪‬‬ ‫ن)‪(227‬‬
‫قل ِب ُللو َ‬ ‫قل َل ٍ‬
‫ب َين َ‬ ‫من َ‬
‫ي ُ‬ ‫ن ظَل َ ُ‬
‫مللوا أ ّ‬ ‫م ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫عل َ ُ‬
‫سي َ ْ‬
‫و َ‬
‫َ‬
‫)الشعراء‪،‬آية‪(227:‬‬
‫‪ ()332‬الكامل لبن الثير )‪ ،(79 /2‬التاريخ السلمي محمود شاكر‬
‫ص ‪.101‬‬
‫‪ ()333‬الكامل لبن الثير )‪.(2/79‬‬
‫إن عمر هو نصح أبي بكر الخير للمة‪ ،‬فقد أبصر‬
‫الللدنيا مقبلللة تتهللادى وفللي قللومه فاقللة قديمللة‬
‫يعرفها‪ ،‬فإذا ما أطلوا لها استشللرفوا شللهواتها‪،‬‬
‫فنكلت بهم واسللتبدت‪ ،‬وذاك مللا حللذرهم رسللول‬
‫الله ‪ ‬إياه)‪ ، (334‬قال رسول الله ‪ :‬فو الله مللا‬
‫الفقللر أخشللى عليكللم‪ ،‬ولكللن أخشللى عليكللم أن‬
‫تبسط عليكم الدنيا كمللا بسللطت علللى مللن كللان‬
‫قبلكم‪ ،‬فتنافسوها كما تنافسللوها وتهلككللم كمللا‬
‫أهلكتهم)‪ ،(335‬لقد أبصر أبو بكلر اللداء فلأتى لهلم‬
‫رضي الله عنه بدواء ناجح … جبل شللاهق‪ ،‬إذا مللا‬
‫رأته الدنيا أيست وولت عنهم مدبرة‪ ،‬إنلله الرجللل‬
‫الذي قللال فيلله النللبي ‪ :‬إيهللا يللا بللن الخطللاب‪،‬‬
‫والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا ً فج لا ً‬
‫إل سلك فجا ً غير فجك)‪ .(336‬إن الحللداث الجسللام‬
‫الللتي مللرت بالمللة‪ ،‬قللد بللدأت بقتللل عمللر‪ ،‬هللذه‬
‫القواصم خير شاهد على فراسة أبي بكر وصللدق‬
‫رؤيته في العهد لعمر‪ ،‬فعن عبد الله بللن مسللعود‬
‫رضي الله عنه قال‪ :‬أفرس النللاس ثلثللة صللاحبة‬
‫موسى التي قالت‪ :‬يا أبت استأجره إن خيللر مللن‬
‫استأجرت القوي المين‪ ،‬وصللاحب يوسللف حيللث‬
‫قللال‪:‬أكرمللي مثللواه عسللى أن ينفعنللا أو نتخللذه‬
‫ولدًا‪ ،‬وأبو بكر حين استخلف عمر)‪ ، (337‬فقللد كللان‬
‫عمر هو سد المة المنيع الللذي حللال بينهللا وبيللن‬
‫أمواج الفتن)‪. (338‬‬
‫‪ ()334‬تاريخ السلم للذهبي عهد الخلفاء ص ‪ ،117-66‬أبو بكر‬
‫رجل دولة ص ‪.99‬‬
‫‪ ()335‬البخاري‪ ،‬ك الجزية والموادعة رقم ‪.3158‬‬
‫‪ ()336‬البخاري‪ ،‬ك فضائل أصحاب النبي رقم ‪.3683‬‬
‫‪ ()337‬مجمع الزوائد )‪ (268 /10‬صحيح السناد‪.‬‬
‫‪ ()338‬أبو بكر رجل الدولة ص ‪.100‬‬
‫هذا وقد أخبر عمر بن الخطاب بخطواته القادمللة‬
‫فقد دخل عليلله عمللر فعرفلله أبللو بكللر بمللا عللزم‬
‫فأبى أن يقبل‪ ،‬فتهدده أبو بكر بالسيف فما كان‬
‫أمام عمر إل أن يقبل)‪ ، (339‬وأرد الصديق أن يبلللغ‬
‫النللاس بلسللانه واعي لا ً مللدركا ً حللتى ل يحصللل أي‬
‫لبس فأشرف أبو بكللر علللى النللاس وقللال لهللم‪:‬‬
‫أترضون بمللن اسللتخلف عليكللم‪ ،‬فللإني والللله مللا‬
‫ألوت من جهد الللرأي‪ ،‬ول وليللت ذا قرابللة‪ ،‬وإنللي‬
‫قد استخلفت عليكم عمر بن الخطللاب فاسللمعوا‬
‫له وأطيعلوا‪ .‬فقلالوا‪ :‬سلمعنا وأطعنلا)‪ (340‬وتلوجه‬
‫الصديق بالللدعاء إلللى الللله ينللاجيه ويبثلله كللوامن‬
‫نفسه‪ ،‬وهو يقول‪ :‬اللهم وليتلله بغيللر أمللر نبيللك‪،‬‬
‫ولم أرد بذلك إل صلحهم‪ ،‬وخفت عليهم الفتنللة‪،‬‬
‫واجتهللدت لهللم رأيللي‪ ،‬فللوّليت عليهللم خيرهللم‪،‬‬
‫وأحرصلللللللللللللللللللللللهم عللللللللللللللللللللللللى‬
‫ما أرشدهم‪ ،‬وقد حضللرني مللن أمللرك مللا حضللر‪،‬‬
‫فأخلفني فيهم فهم عبادك)‪.(341‬‬
‫وكلف أبو بكر عثمان رضي الله عنه‪ :‬بللأن يتللولى‬
‫قراءة العهد على الناس وأخذ البيعللة لعمللر قبللل‬
‫موت أبي بكر بعللد أن ختملله لمزيللد مللن التوثيللق‬
‫والحرص على إمضاء المر‪ ،‬دون أي آثللار سلللبية‪،‬‬
‫وقللال عثمللان للنللاس‪ :‬أتبللايعون لمللن فللي هللذا‬
‫الكتاب؟ فقالوا‪ :‬نعم‪ .‬فأقروا بذلك جميعا ً ورضوا‬
‫به)‪ ،(342‬فبعد أن قرأ العهد على الناس ورضوا بلله‬

‫‪ ()339‬مآثر النافة )‪.(49 /1‬‬


‫‪ ()340‬تاريخ الطبري )‪.(4/248‬‬
‫‪ ()341‬طبقات بن سعد )‪ ،(3/199‬تاريخ المدينة لبن شبهة‪) .‬‬
‫‪.(669-2/665‬‬
‫‪ ()342‬طبقات بن سعد )‪.(3/200‬‬
‫أقبللللوا عليللله وبلللايعوه)‪ ،(343‬واختللللى الصلللديق‬
‫بالفاروق وأوصاه بمجموعة من التوصلليات لخلء‬
‫ذمته من أي شيء‪ ،‬حتى يمضللي إلللى ربلله خالي لا ً‬
‫ملللن أي تبعلللة بعلللد أن بلللذل قصلللارى جهلللده‬
‫واجتهللاده)‪ ،(344‬وقللد جللاء فللي الوصللية‪ :‬اتللق الللله‬
‫يلللاعمر‪ ،‬واعللللم أن للللله عمل ً بالنهلللار ل يقبلللله‬
‫بالليللل‪ ،‬وعمل ً بالليللل ل يقبللله بالنهللار‪ ،‬وأنلله ل‬
‫يقبللل نافلللة حللتى ت ُللؤدى فريضللة‪ ،‬وإنمللا ثقلللت‬
‫موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتبللاعهم‬
‫فت موازين من‬ ‫الحق غدا ً أن يكون ثقي ً‬
‫ل‪ ،‬وإنما خ ّ‬
‫فت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل غللدا ً‬ ‫خ ّ‬
‫أن يكون خفيفا ً‪ ،‬وإن الله تعالى ذكر أهللل الجنللة‬
‫فذكرهم بأحسن أعمالهم وتجاوز عن سيئه‪ ،‬فإذا‬
‫ذكرتهم قلت‪ :‬إنللي أخللاف أن ل ألحللق بهللم‪ ،‬وإن‬
‫الللله تعللالى ذكللر أهللل النللار‪ ،‬فللذكرهم بأسللوأ‬
‫أعمالهم‪ ،‬وردّ عليهم أحسنه‪ ،‬فإذا ذكرتهم‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫إنللي لرجللو أن ل أكللون مللع هللؤلء ليكللون العبللد‬
‫راغبا ً راهبلًا‪ ،‬ل يتمنللى علللى الللله ول يقنللط مللن‬
‫رحمللة الللله‪ ،‬فللإن أنللت حفظللت وصلليتي فل يللك‬
‫غائب أبغض إليك من الموت ولست ُتعجزه)‪.(345‬‬
‫وباشر عمر بن الخطاب رضللي الللله عنلله أعمللاله‬
‫بصللفته خليفللة للمسلللمين فللور وفللاة أبللي بكللر‬
‫رضي الله عنه)‪.(346‬‬

‫‪ ()343‬دراسات في عهد النبوة والخلفة الراشدة للشجاع ص‬


‫‪. 272‬‬
‫‪ ()344‬نفس المصدر ص ‪. 272‬‬
‫‪ ()345‬صفة الصفوة )‪.(1/264،265‬‬
‫‪ ()346‬دراسات في عهد النبوة والخلفة الراشدة ص ‪. 272‬‬
‫ويلحظ الباحث‪ :‬أن ترشيح أبي بكر الصللديق رضللي‬
‫الللله عنلله لعمللر بللن الخطللاب‪ ،‬لللم يأخللذ قللوته‬
‫الشرعية‪ ،‬ما لم يستند لرضا الغالبية بعمللر وهللذا‬
‫ما تحقق حين طلب أبو بكر من الناس أن يبحثللوا‬
‫لنفسهم عن خليفة من بعده‪ ،‬فوضعوا المر بين‬
‫يديه‪ ،‬وقالوا له‪ ،‬رأينا إنما هو رأيك)‪ ،(347‬ولم يقرر‬
‫أبللو بكللر الترشلليح إل بعللد أن استشللار أعيللان‬
‫الصحابة فسأل كل واحد على انفراد‪ ،‬ولما ترجح‬
‫لديه اتفاقهم أعلن ترشيحه لعمر‪ ،‬فكان ترشلليح‬
‫أبللي بكللر صللادرا ً عللن اسللتقراء‪ ،‬لراء المللة مللن‬
‫خلل أعيانهلللللا‪ ،‬عللللللى أن هلللللذا الترشللللليح‬
‫ل يأخذ قوته الشرعية إل بقبول المة به‪ ،‬ذلك أن‬
‫اختيللار الحللاكم حللق للمللة‪ ،‬والخليفللة يتصللرف‬
‫بالوكالة عن المة‪ .‬ول بد من رضا الصيل‪ ،‬ولهذا‬
‫توجه أبو بكر إلى المة‪ :‬أترضللون بمللن اسللتخلف‬
‫عليكم؟ فإني والله ما ألوت من جهدي الرأي ول‬
‫وليللت ذا قرابللة‪ ،‬وأنللي قللد اسللتخلفت عمللر بللن‬
‫الخطاب‪ .‬فأسمعوا له وأطيعللوا‪ ،‬فقللالوا‪ :‬سللمعنا‬
‫وأطعنا)‪ ،(348‬وفللي قللول أبللي بكللر أترضللون بمللن‬
‫استخلف عليكم‪ ،‬إشعار بأن المر للمة وأنها هي‬
‫صاحبة العلقة والختصاص)‪.(349‬‬
‫إن عمر رضي الله عنه ولي الخلفة باتفاق أهللل‬
‫الحل والعقد وإرادتهم فهم الللذين فوضللوا لبللي‬
‫بكللر انتخللاب الخليفللة‪ ،‬وجعلللوه نائبلا ً عنهللم فللي‬
‫ذلك‪ ،‬فشللاور ثللم عيللن الخليفللة‪ ،‬ثللم عللرض هللذا‬
‫التعيين على الناس فللأقروه‪ ،‬وأمضللوه ووافقللوا‬
‫‪ ()347‬القيود الواردة على سلطة الدولة في السلم ص ‪. 172‬‬
‫‪ ()348‬تاريخ الطبري )‪.(4/248‬‬
‫‪ ()349‬القيود الواردة على سلطة الدولة في السلم ص ‪. 172‬‬
‫عليلله‪ ،‬وأصللحاب الحللل والعقللد فللي المللة هللم‬
‫النواب )الطبيعيون( عللن هللذه المللة‪ ،‬وإذن فلللم‬
‫يكن استخلف عمر رضي الله عنه إل علللى أصللح‬
‫الساليب الشورية وأعدلها)‪.(350‬‬
‫إن الخطوات التي سار عليها أبو بكر الصديق‬
‫في اختيار خليفته من بعده‬
‫ل تتجاوز الشورى بأي حال من الحوال‪ ،‬وإن‬
‫كانت الجراءات المتبعة فيها غير الجراءات‬
‫المتبعة في تولية أبي بكر نفسه)‪ ،(351‬وهكذا تم‬
‫عقد الخلفة لعمر رضي الله عنه بالشورى‬
‫والتفاق‪ ،‬ولم يورد التاريخ أي خلف وقع حول‬
‫خلفته بعد ذلك‪ ،‬ول أن أحدا ً نهض طول عهده‬
‫لينازعه المر‪ ،‬بل كان هناك إجماع على خلفته‬
‫وعلى طاعته في أثناء حكمه‪ ،‬فكان الجميع وحدة‬
‫واحدة)‪.(352‬‬
‫ثانيًا‪ :‬النصوص الشرعية التي أشارت إلى أحقية خلفة الفاروق‪:‬‬

‫‪ -1‬في نص القرآن الكريم دليل على صحة خلفة‬


‫أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم وعلللى‬
‫وجوب الطاعة لهللم وهللو أن الللله تعللالى قللال‬
‫ك الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ع َ‬
‫ج َ‬
‫ن َر َ‬
‫فإ ِ ْ‬ ‫مخاطبا ً نب ّ‬
‫يه ‪ ‬في العراب‪َ  :‬‬
‫ل َللل ْ‬
‫ن‬ ‫ف ُ‬
‫قلل ْ‬ ‫ج َ‬‫خللُرو ِ‬ ‫سللت َأ ْذَُنو َ‬
‫ك ل ِل ْ ُ‬ ‫فا ْ‬‫م َ‬ ‫هلل ْ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ة ِ‬
‫فلل ٍ‬ ‫إ َِلللى َ‬
‫طائ ِ َ‬
‫َ‬
‫وا‬
‫علللدُ ّ‬
‫علللي َ‬‫م ِ‬‫قلللات ُِلوا َ‬ ‫وَلللل ْ‬
‫ن تُ َ‬ ‫دا َ‬‫علللي أَبللل ً‬ ‫م ِ‬
‫جلللوا َ‬ ‫خُر ُ‬
‫تَ ْ‬
‫‪)‬التوبة‪،‬آية‪ .(83:‬وكان نزول بللراءة الللتي فيهللا‬
‫هذا الحكم بعللد غللزوة تبللوك بل شللك)‪ (353‬الللتي‬
‫أبو بكر الصديق‪ ،‬علي طنطاوي ص ‪. 237‬‬ ‫‪()350‬‬
‫دراسات في عهد النبوة والخلفة الراشدة ص ‪. 272‬‬ ‫‪()351‬‬
‫دراسات في عهد النبوة والخلفة الراشدة ص ‪. 272‬‬ ‫‪()352‬‬
‫الدر المنثور في التفسير المأثور )‪.(4/119،122‬‬ ‫‪()353‬‬
‫تخلف فيها الثلثة المعذورون الذين تللاب الللله‬
‫عليهم في سورة براءة ولم يغللز عليلله الصلللة‬
‫والسلم بعد غزوة تبوك إلى أن مات ‪ ‬وقللال‬
‫م‬ ‫ذا انطَل َ ْ‬
‫قُتلل ْ‬ ‫خّلفللو َ‬
‫ن إِ َ‬ ‫ل ال ْ ُ‬
‫م َ‬ ‫سللي َ ُ‬
‫قو ُ‬ ‫َ‬ ‫تعالى أيض لًا‪ :‬‬
‫ن ي ُب َلدُّلوا‬ ‫َ‬ ‫م ل ِت َأ ْ ُ‬
‫نأ ْ‬ ‫دو َ‬‫ريل ُ‬ ‫عك ُل ْ‬
‫م يُ ِ‬ ‫ها ذَُروَنا ن َت ّب ِ ْ‬ ‫ذو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫غان ِ َ‬ ‫إ َِلى َ‬
‫م َ‬
‫ل‪‬‬ ‫قْبلل ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ملل ْ‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫ه ِ‬ ‫قا َ‬‫م َ‬ ‫عوَنا ك َذَل ِك ُ ْ‬ ‫ن ت َت ّب ِ ُ‬‫ل لَ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫ه ُ‬‫م الل ّ ِ‬‫ك َل َ َ‬
‫فبين أن العرب ل يغللزون مللع رسللول الللله ‪‬‬
‫بعللد تبللوك لهللذا‪ ،‬ثللم عطللف سللبحانه وتعللالى‬
‫عليهم أثر منعه إيللاهم مللن الغللزو مللع رسللول‬
‫الللللللللللللله ‪ ‬فقللللللللللللال تعللللللللللللالى‪:‬‬
‫وم ٍ‬ ‫ن إ ِل َللى َ‬
‫قل ْ‬ ‫و َ‬
‫ع ْ‬
‫سلت ُدْ َ‬
‫ب َ‬
‫علَرا ِ‬
‫ن ال ْ‬
‫مل ْ‬
‫ن ِ‬ ‫خل ّ ِ‬
‫في َ‬ ‫ل ل ِل ْ ُ‬
‫م َ‬ ‫‪ُ ‬‬
‫ق ْ‬
‫َ‬ ‫أ ُوِلي بأ ْ‬
‫عللوا‬ ‫طي ُ‬
‫ن تُ ِ‬
‫ف لإ ِ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬‫و يُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫قات ُِلون َ ُ‬ ‫د تُ َ‬ ‫دي ٍ‬ ‫ش ِ‬ ‫س َ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن َ‬
‫قب ْ ُ‬
‫ل‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫وا‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫نا‬ ‫س‬ ‫ح‬ ‫را‬ ‫ج‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ت‬ ‫ْ‬
‫ؤ‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ِ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫يُ‬
‫ما)‪)  (16‬الفتح‪،‬آية‪ .(17-16:‬فأخبر‬ ‫َ‬
‫ذاًبا أِلي ً‬ ‫ع َ‬ ‫م َ‬ ‫عذّب ْك ُ ْ‬ ‫يُ َ‬
‫تعللالى أنلله سلليدعوهم غيللر النللبي إلللى قللوم‬
‫يقللاتلونهم أو يسلللمون ووعللدهم علللى طاعللة‬
‫مللن دعللاهم إلللى ذلللك بجزيللل الجللر العظيللم‬
‫وتوعدهم على عصيان الداعي لهللم إلللى ذلللك‬
‫العذاب الليم)‪.(354‬‬
‫قللال أبللو محمللد بللن حللزم‪ :‬ومللا دعللا أولئك‬
‫العللراب أحللد بعللد رسللول الللله ‪ ‬إلللى قللوم‬
‫يقلللاتلونهم أو يسللللمون إل أبلللو بكلللر وعملللر‬
‫وعثمان رضي الله عنهللم فللإن أبللا بكللر رضللي‬
‫الله عنه دعاهم إلى قتال مرتللدي العللرب بنللي‬
‫حنيفللة وأصللحاب السللود وسللجاح وطليحللة‬
‫والروم والفرس وغيرهم‪ ،‬ودعللاهم عمللر إلللى‬
‫قتللال الللروم والفللرس‪ ،‬وعثمللان دعللاهم إلللى‬

‫‪ ()354‬عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام )‪.(2/634‬‬


‫قتال الروم والفرس والترك)‪ .(355‬فوجب طاعة‬
‫أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهللم بنللص‬
‫القللرآن الللذي ل يحتمللل تللأويل ً وإذ قللد وجبللت‬
‫طاعتهم فقد صحت إمامتهم وخلفتهم رضللي‬
‫الله عنهم)‪.(356‬‬
‫‪ -2‬قال رسللول الللله ‪ :‬أريللت فللي المنللام أنللي‬
‫أنزع بدلو بكرة على قليب فجاء أبو بكللر فنللزع‬
‫ذنوبا ً أو ذنوبين نزعا ً ضعيفا ً والله يغفر له‪ ،‬ثللم‬
‫جاء عمر بن الخطاب فاستحالت غربللا ً فلللم أر‬
‫عبقريا ً يفري فريه حلتى روى النلاس وضلربوا‬
‫بعطن)‪.(357‬‬
‫هللذا الحللديث تضللمن الشللارة إلللى خلفللة‬
‫الشلليخين رضللي الللله عنهمللا‪ ،‬كمللا تضللمن‬
‫الشارة إلى خلفة الفللاروق رضللي الللله عنلله‪،‬‬
‫وإلى كثرة الفتوح وظهور السلللم فللي زمنلله‬
‫فهذا المنام النبوي مثال واضح لما حصل لبي‬
‫بكللر وعمللر رضللي الللله عنهمللا فللي خلفتهمللا‬
‫وحسللن سلليرتهما وظهللور آثارهمللا وانتفللاع‬
‫الناس بهما وكل ذلللك مللأخوذ عللن المصلطفى‬
‫‪ ‬وآثار صحبته فقد كان ‪ ‬هو صللاحب المللر‬
‫فقام به أكمل قيللام حيللث قللرر قواعللد الللدين‬
‫ومهللد أمللوره وأوضللح أصللوله وفروعلله ودخللل‬
‫الناس في دين الله أفواجا ً وأنللزل الللله تعللالى‬
‫كللم َ‬ ‫ت لَ ُ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫ملل ُ‬
‫م ْ‬ ‫م ِدين َ ُ ْ َ‬
‫وأ ت ْ َ‬ ‫كلل ْ‬ ‫مْللل ُ‬
‫م أك ْ َ‬ ‫عليه قوله‪  :‬ال َْيلل ْ‬
‫و َ‬

‫‪ ()355‬العتقاد للبيهقي ص ‪. 173‬‬


‫‪ ()356‬الفصل في الملل والهواء والنحل )‪.(4/109،110‬‬
‫‪ ()357‬مسلم رقم ‪. 2393‬‬
‫سلللل ََم ِديًنلللا ‪‬‬
‫م ال ْ‬ ‫ت لَ ُ‬
‫كللل ْ‬ ‫ضلللي ُ‬
‫وَر ِ‬
‫مِتلللي َ‬
‫ع َ‬
‫م نِ ْ‬ ‫عل َي ْ ُ‬
‫كللل ْ‬ ‫َ‬
‫)المائدة‪،‬آية‪.(3:‬‬
‫ولما التحق ‪ ‬بالرفيق العلى خلفلله أبللو بكللر‬
‫رضي الله عنه على المة سنتين وأشهرا ً وهللو‬
‫المللراد بقللوله ‪)) :‬ذنوبللا ً أو ذنللوبين(( وهللذا‬
‫شللك مللن الللراوي والمللراد ذنوبللان كمللا جللاء‬
‫التصريح بذلك في رواية أخرى)‪ (358‬وقللد حصللل‬
‫فلي خلفتلله رضللي الللله عنلله قتللال المرتللدين‬
‫وقطع دابرهم وأشاع رقعة السلم فلي زمنلله‬
‫أكثر وتقرر لهم من أحكامه مللا لللم يقللع مثللله‬
‫لطللول وليتلله واتسللاع بلد السلللم وكللثرة‬
‫الموال من الغنائم وغيرها فالحللديث اشللتمل‬
‫على أحقية خلفة عمر رضي الله عنه وصحتها‬
‫وبيان صفتها وانتفاع المسلمين بها)‪.(359‬‬
‫‪ -3‬عن حذيفة رضي الله عنه قال‪ :‬كنا عند النللبي‬
‫‪ ‬جلوسللللللللا ً فقللللللللال‪ :‬إنللللللللي ل أدري‬
‫ما قدر بقائي فيكم فاقتدوا باللذين من بعللدي‬
‫وأشللار إلللى أبللي بكللر وعمللر وتمسللكوا بهللدي‬
‫عمار وما حدثكم ابن مسعود فصللدقوه)‪ ،(360‬دل‬
‫هذا الحديث دللة صللريحة علللى أحقيللة خلفللة‬
‫عمر رضي الله عنه فقوله ‪ :‬اقتدوا باللذين‪.‬‬
‫بفتح الذال أي الخليفتين الللذين يقوملان مللن‬
‫بعللدي أبللو بكللر وعمللر‪ ،‬فللأمره ‪ ‬بطاعتهمللا‪.‬‬
‫يتضمن الثناء عليهما لكونهمللا أهل ً لن يطاعللا‬
‫‪ ()358‬عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام )‪.(2/635‬‬
‫‪ ()359‬نفس المصدر )‪.(2/635‬‬
‫‪ ()360‬سلسلة الحاديث الصحيحة لللباني )‪ ،(3/233،236‬صحيح‬
‫ابن حبان )‪ (15/328‬ومصنف ابن أبي شيبة )‪ (7/433‬وصححه‬
‫اللباني في الصحيح )‪.(336-3/333‬‬
‫فيما يأمران بله وينهيلان عنله الملؤذن بحسلن‬
‫سلليرتهما وصللدق سللريرتهما وإيمللاء لكونهمللا‬
‫الخليفتين من بعده وسبب الحث على القتداء‬
‫بالسابقين الولين ما فطروا عليه من الخلق‬
‫المرضية والطبيعة القابلة للخير ولللذلك كللانوا‬
‫أفضل الناس بعد النبياء وصللار أفضللل الخلللق‬
‫بعدهم من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين)‪.(361‬‬
‫‪ -4‬قال رسول الله ‪ )) :‬بينما أنا نللائم إذ رأيللت‬
‫قدحا ً أتيت به فيه لبن فشربت منه حللتى إنللي‬
‫لرى الللري يجللري فللي أظفللاري‪ ،‬ثللم أعطيللت‬
‫فضلي عمر بن الخطللاب (( قللالوا‪ :‬فمللا أولللت‬
‫ذلك يا رسول الله؟ قال‪ :‬العلم)‪.(362‬‬
‫ففي هللذا الحللديث إشللارة إلللى أحقيللة خلفللة‬
‫عمر رضي الله عنه‪ :‬والمراد بالعلم هنللا العلللم‬
‫بسياسة الناس بكتاب الله وسللنة رسللول الللله‬
‫‪ ‬واختص عمر بذلك لطول مدته بالنسبة إلللى‬
‫أبي بكر وباتفاق الناس علللى طللاعته بالنسللبة‬
‫إللللللللللى عثملللللللللان فلللللللللإن ملللللللللدة‬
‫أبي بكر كانت قصيرة فلم تكللثر فيهللا الفتللوح‬
‫التي هللي مللن أعظللم السللباب فللي الختلف‬
‫ومع ذلك فساس عمر فيها – مع طول مللدته –‬
‫الناس بحيث لم يخالفه أحد ثم ازدادت اتساعا ً‬
‫في خلفة عثمان فانتشرت القوال واختلفللت‬
‫الراء‪ ،‬ولم يتفق له ما اتفق لعمر من طواعيللة‬
‫الخلق له فنشأت من ثم الفتن إلى أن أفضللى‬
‫المر إلى قتله واستخلف علي فما ازداد المر‬
‫‪ ()361‬فيض القدير للمناوي )‪.(2/56‬‬
‫‪ ()362‬مسلم )‪.(4/1859،1860‬‬
‫إل اختلفًا‪ ،‬والفتللن إل انتشللارا ً)‪ ،(363‬فالحللديث‬
‫فيه إشارة واضحة إلى أحقية خلفللة الفللاروق‬
‫رضي الله عنه)‪.(364‬‬
‫‪ -5‬عن أبي بكر أن النبي ‪ ‬قللال ذات يللوم‪ :‬مللن‬
‫رأى منكم رؤيللا؟ فقللال رجللل‪ :‬أنللا رأيللت كللأن‬
‫ميزانا ً نزل من السماء فللوزنت أنللت وأبللو بكللر‬
‫فرجحت أنت بأبي بكللر‪ ،‬ووزن عمللر وأبللو بكللر‬
‫فرجح أبو بكر‪ ،‬ووزن عمر وعثمان فرجح عمر‪،‬‬
‫ثللم رفللع الميللزان فرأينللا الكراهيللة فللي وجلله‬
‫رسول الله ‪.(365)‬‬
‫في هذا الحديث إشارة إلى ترتيب الثلثللة فللي‬
‫الفضل‪ ،‬فأفضلهم أبو بكر ثم عمر‪ ،‬ثم عثمللان‬
‫رضللي الللله عنهللم أجمعيللن كمللا أن الحللديث‬
‫تضمن الشارة إلى أحقيللة خلفللة عمللر رضللي‬
‫الله عنه وأنه يلي الخلفة بعللد الصللديق رضللي‬
‫الله عنه وقوله في الحللديث‪ :‬فرأينللا الكراهيللة‬
‫في وجه رسول الله ‪ ‬وذلك لما علللم ‪ ‬مللن‬
‫أن تأويل رفلع الميللزان انحطلاط رتبللة المللور‬
‫وظهور الفتن بعد خلفة عمر)‪.(366‬‬
‫‪ -6‬عن ابن عباس رضي الللله عنهمللا كللان يحللدث‬
‫أن رجل ً أتى رسول الله ‪ ‬فقللال‪ :‬إنللي رأيللت‬
‫الليلللة فللي المنللام ظللللة تنطللف)‪ (367‬السللمن‬

‫فتح الباري )‪.(7/46‬‬ ‫‪()363‬‬


‫عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام )‪.(2/637‬‬ ‫‪()364‬‬
‫سنن أبي داود )‪ ،(2/512‬سنن الترمذي )‪.(4/540‬‬ ‫‪()365‬‬
‫عون المعبود شرح سنن أبي داود )‪.(13/387‬‬ ‫‪()366‬‬
‫تنطف‪ :‬أي تقطر‪ :‬النهاية في غريب الحديث )‪.(5/75‬‬ ‫‪()367‬‬
‫والعسللل‪ ،‬فللأرى النللاس يتكففللون)‪ (368‬منهللا‪:‬‬
‫فالمستكثر والمسلتقل وإذا سلبب واصلل ملن‬
‫الرض إلى السماء فأراك أخذت به فعلوت‪ ،‬ثم‬
‫أخذ به رجل آخر فعل به‪ ،‬ثم أخذ به رجللل آخللر‬
‫فانقطع ثم وصل‪ .‬فقللال أبللو بكللر‪ :‬يللا رسللول‬
‫الله بأبي أنت والللله لتللدعني فأعبرهللا‪ ،‬فقللال‬
‫النبي ‪ :‬اعبرها قللال‪ :‬أمللا الظلللة فالسلللم‪،‬‬
‫وأما الذي ينطف من العسل والسمن فالقرآن‬
‫حلوتللله تنطلللف فالمسلللتكثر ملللن القلللرآن‬
‫والمستقل‪ ،‬وأما السبب الواصللل مللن السللماء‬
‫إلللى الرض فللالحق الللذي أنللت عليلله تأخللذ بلله‬
‫فيعليك ثم يأخذ به رجل آخر فيعلو به ثم يأخللذ‬
‫به رجل فينقطع به‪ ،‬ثم يوصللل للله فيعلللو بلله‪،‬‬
‫فأخبرني يا رسللول الللله بللأبي أنللت أصللبت أم‬
‫أخطللأت! قللال رسللول الللله ‪ ‬أصللبت بعضللا ً‬
‫وأخطلللللللأت بعضلللللللًا‪ .‬قلللللللال‪ :‬فلللللللوالله‬
‫يا رسول الله لتحدثني بالذي أخطأت‪ .‬قللال‪ :‬ل‬
‫تقسم)‪ .(369‬تضللمن هللذا الحللديث الشللارة إلللى‬
‫أحقية خلفة عمر رضي الله عنه ووجه ذلك أن‬
‫قوله في الحديث‪ :‬ثم أخللذ بلله رجللل آخللر فعل‬
‫به‪ .‬هو أبو بكر رضي الله عنه وقوله ثاني لًا‪ :‬ثللم‬
‫أخذ به رجل آخللر فللانقطع إشللارة إلللى خلفللة‬
‫الفاروق رضي الله عنه)‪.(370‬‬

‫‪ ()368‬يتكففون‪ :‬يأخذون منها بأكفهم‪ ،‬النهاية في غريب الحديث‬


‫)‪.(4/190‬‬
‫‪ ()369‬مسلم )‪.(4/1777،1778‬‬
‫‪ ()370‬عقيدة أهل السنة والجماعة )‪.(2/638‬‬
‫‪ -7‬عللن أنللس رضللي الللله عنلله قللال‪ :‬بعثنللي بنللو‬
‫المصطلق إلى رسول الله ‪ ‬فقالوا‪ :‬سل لنللا‬
‫رسول الله ‪ ‬إلللى مللن نللدفع صللدقاتنا بعللدك‬
‫قللال‪ :‬فللأتيته فسللألته فقللال‪ :‬إلللى أبللي بكللر‪.‬‬
‫فأتيتهم فأخبرتهم فقللالوا‪ :‬ارجللع إليلله فسللله‬
‫فإن حدث بأبي بكللر حللدث فللإلى مللن؟ فللأتيته‬
‫)‪(371‬‬
‫فسألته فقال‪ :‬إلى عمر‪ ،‬فأتيته فللأخبرتهم‬
‫…‬
‫اشتمل هذا الحديث على الشللارة إلللى أحقيللة‬
‫خلفللة عمللر رضللي الللله عنلله وأنلله يلللي أمللر‬
‫المسلللمين بعللد وفللاة الصللديق رضللي الللله‬
‫عنه)‪.(372‬‬
‫‪ -8‬ومما دل على أحقية خلفتلله رضللي الللله عنلله‬
‫اجتمللاع الصللحابة علللى أنهللم ل يقللدمون إل‬
‫أفضلهم وأخيرهللم مللع قللول أبللي بكللر وعلللي‬
‫رضللللي الللللله عنهمللللا فيلللله‪ ،‬فأمللللا قللللول‬
‫أبي بكر رضي الله عنه فيه فهو قللوله‪ :‬اللهللم‬
‫أمرت عليهم خيللر أهلللك)‪ ،(373‬وأمللا قللول علللي‬
‫رضي الله عنه فهو ما رواه البخاري عن محمد‬
‫بللللن الحنفيللللة وهللللو ابللللن علللللي بللللن‬
‫أبي طالب قال‪ :‬قلت لبي أي الناس خير بعللد‬
‫رسول الله‪ :‬قال أبو بكر قلت‪ :‬ثم مللن؟ قللال‪:‬‬
‫ثم عمر وخشيت أن يقول‪ :‬عثمللان‪ .‬قلللت‪ :‬ثللم‬
‫أنت؟ قال‪ :‬ما أنا إل رجللل مللن المسلللمين)‪،(374‬‬
‫‪ ()371‬المستدرك )‪ (3/77‬هذا حديث صحيح السناد ووافقه‬
‫الذهبي‪.‬‬
‫‪ ()372‬عقيدة أهل السنة والجماعة )‪.(2/639‬‬
‫‪ ()373‬الطبقات الكبرى )‪.(3/274‬‬
‫‪ ()374‬البخاري‪ ،‬ك الصحابة‪ ،‬رقم ‪.3671‬‬
‫فهللذه الحللاديث الللتي ذكرتهللا فيهللا الدللللة‬
‫الواضحة على أحقية عمر رضي الله عنه)‪.(375‬‬
‫قال السللفاريتي رحملله الللله‪ :‬أعلللم أن خلفللة‬
‫سيدنا عمر بن الخطاب أميللر المللؤمنين رضللي‬
‫الله عنه مرتبة ولزمة لحقيللة خلفللة الصللديق‬
‫العظللم أبللي بكللر رضللي الللله عنلله وقللد قللام‬
‫الجماع وإشارات الكتاب والسنة علللى أحقيللة‬
‫خلفته فما ثبت للصل الذي هللو الصللديق مللن‬
‫أحقية الخلفة يثبت لفرعه الذي هللو عمللر بللن‬
‫الخطاب فيها فل مطمع لحد من فرق الضلل‬
‫في الطعن والنللزاع فللي أحقيللة الخلفللة وقللد‬
‫علم أهل العلم علما ً باتا ً ضللروريا ً أن الصللحابة‬
‫الكللرام أجمعللوا علللى توليللة الصللديق الخلفللة‬
‫ومن شذ ل يقدح في ذلك من غير مرية)‪.(376‬‬
‫ثالثًا‪ :‬انعقاد الجماع على خلفته رضي الله عنه‪:‬‬
‫وقد نقل إجماع الصحابة رضي الللله عنهللم ومللن‬
‫بعدهم على خلفة عمللر طائفللة مللن أهللل العلللم‬
‫الذي يعتمد عليهم في النقل منهم‪:‬‬
‫‪ -1‬روى أبللو بكللر أحمللد بللن الحسللين الللبيهقي‬
‫بإسناده إلى عبللد الللله بللن عبللاس رضللي الللله‬
‫عنهمللا قللال‪ :‬دخلللت علللى عمللر حيللن طعللن‪.‬‬
‫فقلت‪ :‬أبشر بالجنة يا أمير المللؤمنين أسلللمت‬
‫حين كفر الناس‪ ،‬وجاهدت مللع رسللول الللله ‪‬‬
‫حين خذله الناس‪ ،‬وقبض رسول الللله ‪ ‬وهللو‬
‫عنللك راض ولللم يختلللف فللي خلفتللك اثنللان‪،‬‬
‫‪ ()375‬عقيدة أهل السنة في الصحابة الكرام )‪.(2/640‬‬
‫‪ ()376‬لوامع النوار البهية )‪.(2/326‬‬
‫وقتلت شهيدا ً فقال‪ :‬أعللد علللي فأعللدت عليلله‬
‫فقال‪ :‬والله الللذي ل إللله غيللره لللو أن لللي مللا‬
‫على الرض من صفراء وبيضاء لفتديت به من‬
‫هول المطلع)‪.(377‬‬
‫‪ -2‬وقال أبو نعيم الصبهاني مبينا ً الجمللاع علللى‬
‫خلفللة الفللاروق رضللي الللله عنلله‪ :‬لمللا علللم‬
‫الصديق رضي الله عنه من فضللل عمللر رضللي‬
‫الله عنه ونصيحته وقوته علللى مللا يقلللده ومللا‬
‫كان يعينه عليه من أيامه من المعونة التامة لم‬
‫يكن يسعه في ذات الللله ونصلليحته لعبللاد الللله‬
‫تعالى أن يعدل هذا المر عنه إلى غيللره‪ ،‬ولمللا‬
‫كان يعلم مللن أمللر شللأن الصللحابة رضللي الللله‬
‫عنهم أنهم يعرفون منلله مللا عرفلله ول يشللكل‬
‫عليهم شيء من أمره فوض إليهم ذلك فرضي‬
‫المسلمون ذلللك وسلللموه‪ ،‬ولللو خللالطهم فللي‬
‫أمره ارتيللاب أو شللبهة لنكللروه‪ ،‬ولللم يتللابعوه‬
‫كاتباعهم أبا بكر رضي الله عنهم فيمللا فللرض‬
‫الله عليه الجتماع وأن إمللامته وخلفتلله ثبتللت‬
‫علللى الللوجه الللذي ثبللت للصللديق‪ ،‬وإنمللا كللان‬
‫الدليل لهم على الفضل والكمل فتبعوه على‬
‫ذلك مستسلمين له راضين به)‪.(378‬‬
‫‪ -3‬وقال أبو عثمان الصابوني بعد ذكره خلفة‬
‫الصديق باختيار الصحابة وإجماعهم عليه قال‪:‬‬
‫ثم خلفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه‬
‫باستخلف أبي بكر رضي الله عنه إياه واتفاق‬

‫‪ ()377‬العتقاد للبيهقي ص ‪. 188‬‬


‫‪ ()378‬كتاب المامة والرد على الرافضة ص ‪. 274‬‬
‫الصحابة عليه بعده وإنجاز الله‬
‫سبحانه بمكانه في إعلء السلم وإعظام‬
‫شأنه وعده)‪.(379‬‬

‫‪ ()379‬عقيدة السلف وأصحاب الحديث ضمن مجموعة الرسائل‬


‫المنبرية )‪.(1/129‬‬
‫‪ -4‬وقللال النللووي فللي معللرض ذكللره لجمللاع‬
‫الصحابة على تنفيذ عهد الصديق بالخلفة‬
‫لعمر حيث قال‪ :‬أجمعوا على اختيلار أبلي بكلر‬
‫وعلى تنفيذ عهده إلى عمر)‪.(380‬‬
‫‪ -5‬وقال ابن تيمية‪ :‬وأما عمر فلإن أبلا بكلر عهلد‬
‫إليه وبايعه المسلمون بعد موت أبي بكر فصار‬
‫إمامللا ً لمللا حصلللت للله القللدرة والسلللطان‬
‫بمبايعتهم)‪.(381‬‬
‫‪ -6‬وقال شللارح الطحاويللة‪ :‬وتثبتللت الخلفللة بعللد‬
‫أبي بكر رضي الله عنه لعمللر رضللي الللله عنلله‬
‫وذلك بتفويض أبي بكر الخلفللة إليلله‪ ،‬واتفللاق‬
‫المة بعده عليه)‪.(382‬‬
‫ومن هذه النقول الللتي تقللدم ذكرهللا تللبين أن‬
‫خلفة عمر رضي الله عنه تمت بإجماع أصحاب‬
‫رسول الله ‪ ‬حيث تلقوا عهد أبي بكللر رضللي‬
‫الله عنه بالخلفة لعمر بالقبول والتسليم ولللم‬
‫يعللارض فللي ذلللك أحللد وكللذا أجمعللت الفرقللة‬
‫الناجية أهل السللنة والجماعللة علللى مللا أجمللع‬
‫عليه أصحاب رسول الله ولم يخللالفهم إل مللن‬
‫ل يعتللد بخلفلله ممللن ابتلللي ببعللض أصللحاب‬
‫رسول الله ‪ ‬كالشلليعة الرافضللة ومللن جللرى‬
‫فللي ركللابهم ممللن فتللن بهللم فللإن اعللترض‬
‫معترض على إجماع الصحابة المتقدم ذكره بما‬
‫رواه ابن سللعد وغيللره مللن أن بعللض الصللحابة‬
‫‪ ()380‬شرح النووي على صحيح مسلم )‪.(12/206‬‬
‫‪ ()381‬منهاج السنة )‪.(1/142‬‬
‫‪ ()382‬شرح الطحاوية ص ‪. 539‬‬
‫سمعوا بدخول عبد الرحمن بن عللوف وعثمللان‬
‫على أبي بكر فقللال للله قللائل منهللم‪ :‬مللا أنللت‬
‫قائل لربك إذا سألك عن استخلف عمر علينا؟‬
‫وقد ترى غلظتلله؟ فقللال أبللو بكللر‪ :‬أجلسللوني‬
‫أبللالله تخللوفني؟ خللاب مللن تللزود مللن أمركللم‬
‫بظلللم‪ ،‬أقللول‪ :‬اللهللم اسللتخلفت عليهللم خيللر‬
‫أهلك أبلللغ عنللي مللا قلللت لللك مللن وراءك)‪،(383‬‬
‫والجواب عن هذا النكللار الصللادر إن صللح مللن‬
‫هذا القائل ليس عن جهالة لتفضيل عمللر بعللد‬
‫أبي بكر واستحقاقه للخلفة‪ ،‬وإنما كان خوفللا ً‬
‫من خشلونته وغلظتله ل اتهاملا ً لله فلي قلوته‬
‫وأمانته)‪.(384‬‬
‫رابعًا‪ :‬خطبة الفاروق لما تولى الخلفة‪:‬‬
‫اختلف اللرواة فلي أول خطبلة خطبهلا الفلاروق‬
‫عمر‪ ،‬فقال بعضهم‪ ،‬إنه صعد المنبر فقال‪ :‬اللهم‬
‫إني شديد فلي ّن ّللي‪ ،‬وإنللي ضللعيف فقللوني‪ ،‬وإنللي‬
‫خني)‪ ،(385‬وروي إن أول خطبللة كللانت‬ ‫بخيللل فسلل ّ‬
‫قللوله‪ :‬إن الللله ابتلكللم بللي وابتلنللي بكللم بعللد‬
‫ي‪ ،‬فللوالله ل يحضللرني شلليء مللن أمركللم‬ ‫صللاحب ّ‬
‫فيليه أحد دوني‪ ،‬ول يتغيب عنللي فللآلو فيلله عللن‬
‫أهل الجزء – يعني الكفاية – والمانللة‪ ،‬والللله لئن‬
‫ن بهم‪،‬‬‫أحسنوا لحسنن إليهم‪ ،‬ولئن أساءوا لنكل ّ‬
‫فقال من شهد خطبته ورواها عنه‪ :‬فوالله ما زاد‬
‫على ذللك حلتى فلارق اللدنيا)‪ ،(386‬وروي أنله لملا‬
‫م أن يجلللس مكللان‬ ‫ولي الخلفة صعد المنللبر وه ل ّ‬
‫الطبقات لبن سعد )‪.(3/199‬‬ ‫‪()383‬‬
‫كتاب المامة والرد على الرافضة ص ‪. 276‬‬ ‫‪()384‬‬
‫مناقب أمير المؤمنين لبن الجوزي ص ‪. 170،171‬‬ ‫‪()385‬‬
‫الطبقات )‪.(3/275‬‬ ‫‪()386‬‬
‫أبي بكر فقال‪ :‬ما كان الللله ليرانللي أرى نفسللي‬
‫أهل ً لمجلس أبي بكر‪ .‬فنلزل مرقلاة‪ ،‬فحملد اللله‬
‫وأثنى عليه ثم قال‪ :‬اقرؤوا القللرآن تعرفللوا بلله‪،‬‬
‫واعملوا به تكونوا من أهله‪ ،‬وزنوا أنفسللكم قبللل‬
‫أن توزنوا‪ ،‬وتزّينوا للعرض الكللبر يللوم تعرضللون‬
‫على الله ل تخفى منكم خافية‪ ،‬إنه لم يبلللغ حللق‬
‫ذي حق أن يطاع في معصية الله أل وإني أنزلللت‬
‫نفسللي مللن مللال الللله بمنزلللة ولللي اليللتيم؛ إن‬
‫اسلللللتغنيت عففلللللت‪ ،‬وإن افتقلللللرت أكللللللت‬
‫بالمعروف)‪.(387‬‬
‫ويمكن الجمع بين هذه الروايللات إذا افترضللنا أن‬
‫عمللر ألقللى خطبتلله أمللام جمللع مللن الحاضللرين‬
‫فحفظ بعضللهم منهللا جللزءا ً فللرواه‪ ،‬وحفللظ آخللر‬
‫جزءا ً غيره فذكره‪ ،‬وليللس مللن الغريللب أن يمللزج‬
‫الفاروق في أول خطبة له بين البيان السياسي‪،‬‬
‫والداري والعظة الدينية‪ ،‬فذلك نهج هؤلء الئمة‬
‫الوليللن الللذين لللم يللروا فارقلا ً بيللن تقللوى الللله‬
‫والمر بها وسياسة البشر تبعا ً لمنهجه وشريعته‪،‬‬
‫كما أنلله ليللس غريب لا ً علللى عمللر أن يراعللي حللق‬
‫سلفه العظيم أبي بكر فل يجلس في موضع كان‬
‫يجلللس فيلله فيسللاويه بللذلك فللي أعيللن النللاس‪،‬‬
‫فراجع عمر نفسه رضي الله عنه ونزل درجة عن‬
‫مكان الصللديق رضللي الللله عنلله)‪ ،(388‬وفللي روايللة‬
‫أخرى أنه بعد يومين من استخلفه تحدث النللاس‬
‫فيما كانوا يخللافون مللن شللدته‪ ،‬وبطشلله‪ ،‬وأدرك‬
‫‪ ()387‬كنز العمال رقم ‪ 44214‬نقل ً عن الدولة السلمية د‪ .‬حمدي‬
‫شاهين ص ‪. 120‬‬
‫‪ ()388‬الدولة السلمية في عصر الخلفاء الراشدين‪ ،‬د‪ .‬حمدي‬
‫شاهين ص ‪. 120‬‬
‫عمللر أنلله لبللد مللن تجليلله المللر بنفسلله‪ ،‬فصللعد‬
‫المنبر وخطبهم فذكر بعض شأنهم مللع النللبي ‪‬‬
‫وخليفته‪ ،‬وكيف أنهما توفيا وهمللا عنلله راضلليان‪،‬‬
‫ثم قال‪ … :‬ثم إني قد وليت أموركم أيها الناس‪،‬‬
‫فاعلموا أن تلك الشدة قد أضعفت‪ ،‬ولكنهللا إنمللا‬
‫تكون على أهل الظلم والتعدي ولسللت أدع أحللدا ً‬
‫ده علللى‬ ‫يظلم أحدا ً أو يتعدى عليه حللتى أضللع خ ل ّ‬
‫الرض‪ ،‬وأضع قدمي على الخد الخر حتى يللذعن‬
‫للحق‪ .‬وإنللي بعللد شللدتي تلللك أضللع خللدي لهللل‬
‫ي أيهللا النللاس‬ ‫العفاف وأهل الكفللاف‪ ،‬ولكللم علل ّ‬
‫خصال أذكرها لكم فخذوني بها؛ لكللم علللي أن ل‬
‫أجتللبي شلليئا ً مللن خراجكللم‪ ،‬ول ممللا أفللاء الللله‬
‫ي إذا وقع في يدي‬ ‫عليكم إل في وجهه‪ ،‬ولكم عل ّ‬
‫ي أن أزيللد‬ ‫أل يخرج مني إل في حقلله‪ ،‬ولكللم عل ل ّ‬
‫د‬
‫سل ّ‬‫عطايللاكم وأرزاقكللم إن شللاء الللله تعللالى وأ ُ‬
‫ي أل ألقيكللم فللي المهالللك ول‬ ‫ثغوركم‪ ،‬ولكم عل ّ‬
‫مركم)‪ (389‬في ثغوركم‪ ،‬وإذا غبتم فللي البعللوث‬ ‫أج ّ‬
‫فأنا أبو العيال حتى ترجعوا إليهللم‪ ،‬فللاتقوا الللله‬
‫عباد الله‪ ،‬وأعينوني على أنفسللكم بكفهللا عنللي‪،‬‬
‫وأعينوني على نفسي بالمر بالمعروف والنهللي‬
‫عن المنكر وإحضاري النصليحة فيملا ولنلي اللله‬
‫من أمركم‪ ،‬أقول قولي هللذا وأسللتغفر الللله لللي‬
‫ولكم)‪ ،(390‬وجاء في رواية‪ :‬إنما مثل العللرب مثللل‬
‫أنف اتبع قائده‪ ،‬فلينظر قائده حيللث يقللوده‪ ،‬أمللا‬
‫أنا فورب الكعبة لحملنهم على الطريق)‪.(391‬‬

‫‪ ()389‬أجمركم أي ل أبقيكم على جبهات القتال بعيدا ً عن أهليكم‬


‫مدة طويلة‪.‬‬
‫‪ ()390‬الدارة العسكرية في عهد الفاروق ص ‪. 106‬‬
‫وفي هذه الروايات لخطبة عمر رضللي الللله عنلله‬
‫لما ولي الخلفة يتضح منهجه في الحكم الذي‬
‫لم يجد عنه‪ ،‬وأبرز ملمحه‪:‬‬
‫‪ -1‬أنه ينظر إلى الخلفة على أنها ابتلء ابتلي به‬
‫سيحاسلللب عللللى أداء حقللله؛ فلللالحكم عنلللد‬
‫الراشدين تكليف وواجب وابتلء‪ ،‬وليللس جاه لا ً‬
‫وشرفا ً واستعلء‪.‬‬
‫‪ -2‬وهذا الستخلف يتطلب منله أن يباشلر حملل‬
‫أعباء الدولة فيما حضره من أمرها‪ ،‬وأن يللولي‬
‫على الرعيللة الللتي غللابت عنلله أفضللل المللراء‬
‫وأكفأهم‪ ،‬غير أن ذلك – فيما يرى عمر – ليس‬
‫كافيا ً لبراء ذمته أمام الله تعالى؛ بل يللرى أن‬
‫مراقبة هؤلء العمللال والللولة فللرض ل فكللاك‬
‫منلله‪ ،‬فمللن أحسللن منهللم زاده إحسللانًا‪ ،‬ومللن‬
‫أساء عاقبه ونك ّللل بلله)‪ ،(392‬وسلليأتي بيللان ذلللك‬
‫بإذن الله عللن حللديثنا مؤسسللة الللولة‪ ،‬وفقلله‬
‫الفاروق في تطويرها‪.‬‬
‫‪ -3‬إن شللدة عمللر الللتي هابهللا النللاس سيخلصللها‬
‫لهم لينا ً ورحمة‪ ،‬وسينصب لهم ميزان العللدل‪،‬‬
‫فمن ظلم وتعدى فلن يجد إل التنكيل والهوان‬
‫)) ولسللت أدع أحللدا ً يظلللم أحللد ويتعللدى عليلله‬
‫حتى أضع خللده علللى الرض… (( أمللا مللن آثللر‬
‫القصد والدين والعفاف فسيجد من الرحمة ما‬

‫‪ ()391‬السياسة الشرعية‪ .‬د‪ .‬إسماعيل بدوي ص ‪ 160‬نقل ً عن‬


‫الطبري‪.‬‬
‫‪ ()392‬الدولة السلمية في عصر الخلفاء الراشدين ص ‪. 121‬‬
‫ل مزيللد عليلله؛ أضللع خللدي لهللل العفللاف)‪،(393‬‬
‫وسيّتضح عدل عمر رضي الله عنه فللي رعيتلله‬
‫من خلل المواقف واهتمامه بمؤسسة القضاء‬
‫وتطويرها بحيث سيطر العدل على كل وليات‬
‫الدولة‪.‬‬
‫‪ -4‬وتكفل الخليفة بالدفاع عن المة ودينهللا وأن‬
‫يسد الثغور ويدفع الخطر‪ ،‬غير أن ذلك لن يتم‬
‫بظلم المقاتلين‪ ،‬فلن يحبسهم في الثغور إلى‬
‫حللد ل يطيقللونه‪ ،‬وإن غللابوا فللي الجيللوش‬
‫فسلليرعى الخليفللة وجهللازه الداري أبنللاءهم‬
‫وأسللرهم)‪ ،(394‬ولقللد قللام الفللاروق بتطللوير‬
‫المؤسسة العسللكرية وأصللبحت قللوة ضللاربة ل‬
‫مثيل لها على مستوى العالم في عصره‪.‬‬
‫‪ -5‬وتعهد الخليفة بللأداء الحقللوق الماليللة للرعيللة‬
‫كاملة … من خراج وفيء‪ ،‬ل يحتجن منه شلليئا ً‬
‫ول يضعه في غير محله‪ ،‬بل سلليزيد عطايللاهم‬
‫وأرزاقهللم باسللتمرار الجهللاد والغللزو والحللض‬
‫على العمل وضللبط الداء المللالي للدولللة)‪، (395‬‬
‫وقد قللام بتطللوير المؤسسللة الماليللة‪ ،‬وضللبط‬
‫مصادر بيت المال وأوجه النفاق في الدولة‪.‬‬
‫‪ -6‬وفي مقابل ذلك يطالب الرعية بللأداء واجبهللا‬
‫مللن النصللح لخليفتهللا والسللمع والطاعللة للله‬
‫والمللر بللالمعروف والنهللي عللن المنكللر ممللا‬
‫يشيع الرقابة السلمية في المجتمع‪.‬‬
‫‪ ()393‬نفس المصدر ص ‪ ، 121‬محض الصواب )‪.(1/385‬‬
‫‪ ()394‬نفس المصدر )‪.(121‬‬
‫‪ ()395‬الدولة السلمية في عصر الخلفاء الراشدين ص ‪.122‬‬
‫‪ -7‬ونبه إلى أنه ل يعين على ذلك إل بتقوى الللله‬
‫ومحاسبة النفس واستشللعار المسللؤولية فللي‬
‫الخرة)‪.(396‬‬
‫‪ -8‬علق الشيخ عبد الوهاب النجار على قول عمر‬
‫رضي الله عنه‪ :‬إنما مثللل العللرب كمثللل جمللل‬
‫آنف بقوله‪:‬الجمل النللف‪ :‬هللو الجمللل الللذلول‬
‫المللواتي الللذي يللأنف مللن الزجللر والضللرب‬
‫ويعطي ما عنده من السير عفللوا ً سللهل ً وهللذا‬
‫تشخيص حسن للمللة السلللمية لعهللده فإنهللا‬
‫كانت سامعة مطواعة إذا أمللرت ائتمللرت‪ ،‬وإذا‬
‫نهيت انتهللت‪ .‬ويتبللع ذلللك المسللؤولية الكللبرى‬
‫علللى قائدهللا فللإنه يجللب عليلله أن يرتللاد لهللا‬
‫ويصدر في شأنه بعقل‪ ،‬ويورد بتمييللز حللتى ل‬
‫يورطها فلي خطلر‪ ،‬ول يقحمهلا فلي مهلكلة‪،‬‬
‫ول يعمل شأنها إهمال ً يكون من ورائه البطللر‪.‬‬
‫وقللد أراد بللالطريق‪ :‬الطريللق القللوم الللذي ل‬
‫عوج فيه‪ .‬وقد بّر بما أقسم به)‪.(397‬‬
‫‪ -9‬سللنة الللله فللي الفظاظللة والغلظللة والرفللق‪:‬‬
‫مضت سنة الله في أحوال النلاس واجتملاعهم‬
‫وفي إقبالهم على الشخص واجتمللاعهم عليلله‬
‫وقبولهم منه وسماعهم قوله وأنسهم بلله‪ ،‬أن‬
‫ينفضوا عن الفظ الغليظ القلب حتى ولو كان‬
‫ناصللحا ً مريللدا ً للخيللر لهللم حريصللا ً علللى مللا‬
‫ينفعهم)‪ (398‬وقد دل على هذا قول الله تعالى‪:‬‬
‫غِلي ل َ‬
‫ظ‬ ‫فظّللا َ‬ ‫ول َل ْ‬
‫و ك ُن ْل َ‬
‫ت َ‬ ‫م َ‬ ‫ت لَ ُ‬
‫هل ْ‬ ‫ن الل ّ ِ‬
‫ه ل ِن ْ َ‬ ‫م ْ‬
‫ة ِ‬
‫م ٍ‬
‫ح َ‬
‫ما َر ْ‬ ‫َ‬
‫فب ِ َ‬
‫‪ ()396‬نفس المصدر ص ‪.122‬‬
‫‪ ()397‬الخلفاء الراشدون ص ‪.123‬‬
‫م‬ ‫فْر ل َ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫غ ِ‬
‫ست َ ْ‬
‫وا ْ‬
‫م َ‬
‫ه ْ‬
‫عن ْ ُ‬
‫ف َ‬
‫ع ُ‬
‫فا ْ‬ ‫ول ِ َ‬
‫ك َ‬ ‫ح ْ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫ضوا ِ‬‫ف ّ‬‫ب ل َن ْ َ‬‫قل ْ ِ‬‫ال ْ َ‬
‫ر … ‪) ‬آل عملللران‪ ،‬آيلللة‪.(159:‬‬ ‫ملل ِ‬ ‫فللي ال ْ‬‫م ِ‬‫ه ْ‬ ‫وْر ُ‬
‫شللا ِ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫ولذلك كان دعاء الفللاروق لمللا تللولى الخلفللة‪:‬‬
‫اللهم إني شديدٌ فليني‪ ،‬وقد استجاب الله هذا‬
‫الدعاء‪ ،‬وامتلت نفس عمر بللالعطف والرحمللة‬
‫والليللن وأصللبحت مللن صللفاته بعللد تللوليته‬
‫الخلفة‪ ،‬فقللد عللرف النللاس عمللر فللي عهللدي‬
‫الرسول وأبي بكر شللديدا ً حازم لًا‪ ،‬وصللوره لنللا‬
‫التاريخ على أنه الشخص الوحيد الذي مثل منذ‬
‫دخل السلم حللتى تللولى الخلفللة دور الشللدة‬
‫والقوة بجانب الرسللول ‪ ‬وبجللانب أبللي بكللر‪،‬‬
‫ل إليلله المللر انقلللب رخللاء ويسلليرا ً‬ ‫حللتى آ َ‬
‫ورحمة)‪.(399‬‬

‫‪ -10‬كللانت البيعللة العامللة فللي سلليرة الخلفللاء‬


‫الراشدين مقيللدة بأهللل المدينللة دون غيرهللم‪.‬‬
‫وربما حضرها وعقدها العراب والقبائل الللتي‬
‫كانت محيطة بالمدينة‪ ،‬أو نازلة فيها‪ ،‬أما بقيللة‬
‫المصللار‪ ،‬فكللانت تبع لا ً لمللا يتقللرر فللي مدينللة‬
‫الرسول‪ ،‬وهذا ل يطعن بالبيعة‪ ،‬ول يقللل ملن‬
‫شرعيتها‪ ،‬لن جمع المسلمين من كل القطار‬
‫ل‪ ،‬ول بد للدولة من‬ ‫والمصار كان أمرا ً مستحي ً‬
‫قائم بها‪ ،‬ول يمكن أن تعطللل مصللالح الخلللق‪،‬‬
‫أضف إلى ذلك أن المصللار الخللرى قللد أيللدت‬
‫في بيعة أبي بكر وعمر وعثمان مللا جلرى فلي‬
‫المدينة‪ ،‬تأييللدا ً صللريحا ً أو ضللمينًا‪ ،‬ول شللك أن‬

‫‪ ()398‬السنن اللهية في المم والجماعات والفراد‪ ،‬زيدان ص‬


‫‪.282‬‬
‫‪ ()399‬الدارة السلمية في عهد عمر بن الخطاب ص ‪.107‬‬
‫السللاليب الللتي لجللأ إليهللا النللاس فللي صللدر‬
‫السلم كانت تجارب تصللب فلي حقللل تطللوير‬
‫الدولة ومؤسساتها)‪. (400‬‬
‫‪ -11‬المرأة والبيعة‪ :‬لم أجد أثناء البحث إشارة إلى‬
‫أن المرأة قد بايعت في زمن أبللي بكللر وعمللر‬
‫وفي عصر الخلفاء الراشدين‪ ،‬ولم تشللر كتللب‬
‫السياسة الشرعية القديمة إلى حللق المللرأة أو‬
‫واجبها في البيعة – على حد علمللي القاصللر –‬
‫والظاهر أن البيعللة قللد اقتصللرت فللي معظللم‬
‫عصللور التاريللخ السلللمي علللى الرجللال دون‬
‫النسللاء‪ ،‬فل الرجللال دعوهللا إليهللا‪ ،‬ول هللي‬
‫طالبت بهللا‪ ،‬واعتللبر تغيللب المللرأة عللن البيعللة‬
‫أمللرا ً طبيعيللًا‪ ،‬إلللى درجللة أن علمللاء الحقللوق‬
‫الدسللتورية السلللمية لللم يشلليروا إليهللا فللي‬
‫قليل ول كللثير غيللر أن هللذا الواقللع التللاريخي‬
‫والفقهي ل يغير من حقيقللة الحكللم الشللرعي‬
‫شلليئًا‪ ،‬فليللس فللي القللرآن الكريللم‪ ،‬ول فللي‬
‫السللنة النبويللة‪ ،‬وهمللا المصللدران الرئيسلليان‬
‫للشريعة‪ ،‬ما يمنع المرأة من أن تشارك الرجل‬
‫في البيعة)‪.(401‬‬
‫‪ -12‬رد سبايا العللرب‪ :‬كلان أول قلرار اتخلذه عمللر‬
‫في دولته رد سبايا أهل الردة إلللى عشللائرهم‬
‫حيث قال‪ :‬كرهت أن يكللون السللبي سللنة فللي‬
‫العرب)‪ ، (402‬وهذه الخطوة الجريئة ساهمت في‬
‫شعور العللرب جميع لا ً أنهللم أمللام شللريعة الللله‬
‫‪ ()400‬نظام الحكم في الشريعة والتاريخ السلمي ص ‪.260‬‬
‫‪ ()401‬نفس المصدر )‪.(1/277‬‬

‫‪ ()402‬الخلفة والخلفاء الراشدون ص ‪.160‬‬


‫سللواء‪ ،‬وأنلله ل فضللل لقبيلللة علللى قبيلللة إل‬
‫بحسن بلئها وما تقدمه مللن خللدمات للسلللم‬
‫والمسلمين‪ ،‬وتلت تلك الخطلوة خطلوة أخلرى‬
‫هللي السللماح لمللن ظهللرت تللوبتهم مللن أهللل‬
‫الللردة بالشللتراك فللي الحللروب ضللد أعللداء‬
‫السلم‪ ،‬وقد أثبتوا شجاعة في الحرب وصللبرا ً‬
‫عند اللقاء‪ ،‬ووفاءً للدولة ل يعدله وفاء)‪. (403‬‬
‫‪ -13‬تجذر منصب الخلفة فللي قلللب المللة وأصللبح‬
‫رمزا ً للوحدة ولقوة المسلمين‪ ،‬ويللرى البللاحث‬
‫القدرة الفائقة الللتي كللان يتمتللع بلله الصللحابة‬
‫الكرام‪ ،‬ومدى الصالة في أعمللالهم بحيللث أن‬
‫ما أقاموه في سويعات قليلللة مللن نفللس يللوم‬
‫وفاة الرسول ‪ ‬احتاج هدمه إلى ربع قرن في‬
‫المخطللط البريطللاني‪ ،‬رغللم أن البريطللانيين‬
‫أنفسهم كانوا يطلقون على الخلفة فلي تللك‬
‫الفترة الرجل العجوز‪ ،‬فللأي شللموخ هللذا لتلللك‬
‫الخلفة‪ ،‬وأي رسوخ لها حيث تحتللاج لهللدمها ‪-‬‬
‫وبعد أن أصبحت شكل ً ل موضللوع ‍ا ً ‪ -‬ربللع قللرن‬
‫كاملللل‪ ،‬وبعلللد حيلللاة اسلللتمرت قرونلللا ً ملللن‬
‫الزمن)‪.(404‬‬
‫‪ -14‬الفرق بين الملك والخليفة‪ :‬قال عمللر رضللي‬
‫الله عنه‪ :‬والله ما أدري أخليفللة أم ملللك‪ ،‬فللإن‬
‫كنت ملكا ً فهذا أمر عظيم‪ ،‬فقال له قللائل‪ :‬إن‬
‫بينهما فرقا‪ ،‬إن الخليفللة ل يأخللذ إل حق لًا‪ ،‬ول‬

‫‪ ()403‬جولة تاريخية في عصر الخلفاء الراشدين د‪ .‬محمد السيد‬


‫الوكيل ص ‪.89‬‬
‫‪ ()404‬الحضارة السلمية د‪ .‬محمد عادل ص ‪.30‬‬
‫يضللعه إل فللي حللق‪ ،‬وأنللت بحمللد الللله كللذلك‪،‬‬
‫والملللك يعسللف النللاس‪ ،‬فيأخللذ مللن هللذا أو‬
‫يعطي هذا‪ ،‬فسكت عمر)‪ ، (405‬وفللي روايللة‪ :‬أن‬
‫عمللر سللأل سلللمان الفارسللي‪ :‬أملللك أنللا أم‬
‫خليفللة؟ فقللال سلللمان‪ :‬إن أنللت جللبيت مللن‬
‫الرض درهما ً أو أقل أو أكثر‪ ،‬ثللم وضللعته فللي‬
‫غير موضعه فأنت ملك غيللر خليفللة‪ ،‬فاسللتعبر‬
‫عمر)‪. (406‬‬
‫خامسًا‪ :‬الشورى‪:‬‬
‫إن مللن قواعللد الدولللة السلللمية حتميللة تشللاور‬
‫قللادة الدولللة وحكامهللا مللع المسلللمين والنللزول‬
‫علللى رضللاهم ورأيهللم‪ ،‬وإمضللاء نظللام الحكللم‬
‫ت‬ ‫ن الل ّل ِ‬
‫ه ل ِن ْل َ‬ ‫مل ْ‬
‫ة ِ‬
‫مل ٍ‬
‫ح َ‬
‫مللا َر ْ‬ ‫بالشورى قال تعالى‪َ  :‬‬
‫فب ِ َ‬
‫ول ِل َ‬
‫ك‬ ‫ح ْ‬
‫ن َ‬ ‫مل ْ‬ ‫ضللوا ِ‬ ‫ف ّ‬ ‫ب ل َن ْ َ‬ ‫قل ْل ِ‬ ‫ظ ال ْ َ‬
‫غِلي ل َ‬ ‫فظّللا َ‬ ‫ت َ‬ ‫و ك ُن ْل َ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫لَ ُ‬
‫ه ْ‬
‫ذا‬ ‫ر َ‬
‫ف لإ ِ َ‬ ‫مل ِ‬‫فللي ال ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫وْر ُ‬‫شللا ِ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬‫هل ْ‬ ‫فْر ل َ ُ‬ ‫غ ِ‬
‫ست َ ْ‬ ‫وا ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫عن ْ ُ‬
‫ف َ‬ ‫ع ُ‬ ‫فا ْ‬ ‫َ‬
‫ن)‪(159‬‬ ‫وك ِّلي َ‬‫مت َل َ‬ ‫ْ‬
‫ب ال ُ‬ ‫حل ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ّ‬
‫ن اللل َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫ّ‬
‫على الل ِ‬ ‫َ‬ ‫ل َ‬ ‫وك ّ ْ‬‫فت َ َ‬ ‫ت َ‬ ‫م َ‬‫عَز ْ‬ ‫َ‬
‫‪‬‬
‫)آل عمران‪ ،‬آية‪.(159:‬‬
‫موا‬ ‫وأ َ َ‬
‫قللا ُ‬ ‫م َ‬
‫هلل ْ‬
‫جاُبوا ل َِرب ّ ِ‬
‫سللت َ َ‬
‫نا ْ‬ ‫واّللل ِ‬
‫ذي َ‬ ‫وقللال تعللالى‪َ  :‬‬
‫َ‬
‫ن)‬ ‫ف ُ‬
‫قللو َ‬ ‫م ي ُن ْ ِ‬
‫ه ْ‬ ‫مللا َرَز ْ‬
‫قن َللا ُ‬ ‫م ّ‬
‫و ِ‬
‫م َ‬
‫ه ْ‬ ‫م ُ‬
‫شوَرى ب َي ْن َ ُ‬ ‫ه ْ‬
‫مُر ُ‬ ‫صل َةَ َ‬
‫وأ ْ‬ ‫ال ّ‬
‫‪)  (38‬الشورى‪ ،‬آية‪ .(28:‬لقد قرنت الية الكريمللة‬
‫الشورى بين المسلمين بإقامة الصلة‪ ،‬فدل ذلك‬
‫علللى أن حكللم الشللورى كحكللم الصلللة‪ ،‬وحكللم‬
‫الصلللة واجبللة شللرعًا‪ ،‬فكللذلك الشللورى واجبللة‬
‫شرعا ً)‪ ،(407‬وقد اعتمد عمر رضلي اللله عنله مبلدأ‬
‫الشللورى فللي دولتلله‪ ،‬فكللان رضللي الللله عنلله ل‬
‫‪ ()405‬الشيخان أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب من رواية‬
‫البلذري ص ‪.257‬‬
‫‪ ()406‬نفس المصدر ص ‪.256‬‬
‫‪ ()407‬النظام السياسي في السلم لبي فارس ص ‪.9‬‬
‫يستأثر بالمر دون المسلللمين ول يسللتبد عليهللم‬
‫في شأن من الشؤون العامة‪ ،‬فإذا نزل به أملر ل‬
‫يللبرمه حللتى يجمللع المسلللمين وينللاقش الللرأي‬
‫معهم فيه ويستشيرهم‪.‬‬
‫ومن مأثور قوله‪ :‬ل خير في أمللر أبللرم مللن غيللر‬
‫شورى)‪ ، (408‬وقوله الرأي الفرد كالخيط السللحيل‬
‫والرأيان كللالخيطين المللبرمين‪ ،‬والثلثللة مللرار ل‬
‫يكاد ينتقض)‪، (409‬وقوله‪ )) :‬شاور فللي أمللرك مللن‬
‫يخاف الله عز وجل(( )‪ ، (410‬وقوله‪ :‬الرجال ثلثللة‪:‬‬
‫رجللل تللرد عليلله المللور فيسللددها برأيلله‪ ،‬ورجللل‬
‫يشاور فيما أشكل عليه وينزل حيث يللأمره أهللل‬
‫الرأي ورجل حائر بائر‪ ،‬ل يأتمر رشللدا ً ول يقطللع‬
‫مرشللدا ً)‪ ،(411‬وقللوله‪ :‬يحللق علللى المسلللمين أن‬
‫يكللون أمرهللم شللورى بينهللم وبيللن ذوي الللرأي‬
‫منهللم‪ ،‬فالنللاس تبللع لمللن قللام بهللذا المللر مللا‬
‫اجتمعوا عليه ورضوا به لللزم النللاس وكللانوا فيلله‬
‫تبعا ً لهم‪ ،‬ومن أقام بهذا المر تبع لولللى رأيهللم‬
‫ما رأوا لهم ورضوا به لهم من مكيدة فللي حللرب‬
‫كانوا فيه تبعا ً لهللم)‪ ،(412‬وكللان يحللث قللادة حربلله‬
‫علللى الشللورى‪ ،‬فعنللدما بعللث أبللا عبيللد الثقفللي‬
‫لمحاربة الفرس بالعراق قللال للله‪ :‬أسللمع وأطللع‬
‫من أصحاب النبي ‪ ‬وأشركهم في المر وخاصة‬
‫من كان منهم من أهل بدر)‪ ،(413‬وكان يكتللب إلللى‬
‫‪ ()408‬الخلفاء الراشدون للنجار ص ‪.246‬‬
‫‪ ()409‬سراج الملوك للطرطوشي ص ‪.132‬‬
‫‪ ()410‬الدارة العسكرية في الدولة السلمية‪ ،‬سليمان آل كمال )‬
‫‪.(1/273‬‬
‫‪ ()411‬نفس المصدر )‪.(1/273‬‬
‫‪ ()412‬الطبري )‪ ،(3/481‬نقل ً عن الدارة العسكرية‪.‬‬
‫‪ ()413‬مروج الذهب )‪.(2/315‬‬
‫قادته بالعراق يأمرهم أن يشاوروا فللي أمللورهم‬
‫العسكرية عملرو بلن معلديكرب وطلحلة السلدي‬
‫ل‪ :‬استشيروا واسللتعينوا فللي حربكللم بطلحللة‬ ‫قائ ً‬
‫السللدي وعمللرو بللن معللديكرب ول تولهمللا مللن‬
‫المللر شلليئا ً فللإن كللل صللانع أعلللم بضللاعته)‪،(414‬‬
‫وكتب إلى سعد بن أبي وقاص‪ :‬وليكن عندك من‬
‫العللرب أول مللن أهللل الرض مللن تطمئن إلللى‬
‫نصحه وصدقه فإن الكللذوب ل ينفعللك خللبره وإن‬
‫صدقك في بعضه والغاش عين عليك وليس عين لا ً‬
‫لك)‪ ،(415‬ومما قاله عمر رضي الله عنه لعتبللة بللن‬
‫غزوان حين وجهه إلللى البصللرة‪ :‬قللد كتبللت إلللى‬
‫العلء الحضلللرمي)‪ ،(416‬أن يملللدك بعرفجلللة بلللن‬
‫هرشمة)‪ ،(417‬وهو ذو مجاهدة للعدو ومكايدته فإذا‬
‫قدم عليللك فاستشللره وقربلله)‪ ،(418‬وكللان مسلللك‬
‫ل‪ :‬فإنه كللان يستشللير‬ ‫الفاروق في الشورى جمي ً‬
‫العامة أول أمره فيسمع منهم‪ ،‬ثم يجمللع مشللايخ‬
‫أصللحاب رسللول الللله وأصللحاب الللرأي منهللم ثللم‬
‫يفضي إليهللم بللالمر ويسللألهم أن يخلصللوا فيلله‬
‫إلى رأي محمود‪ ،‬فما استقر عليه رأيهم أمضللاه‪:‬‬
‫وعمله هذا يشبه النظمللة الدسللتورية فللي كللثير‬
‫مللن الممالللك النظاميللة إذ يعللرض المللر علللى‬
‫مجلللس النللواب مثل ً ثللم بعللد أن يقللرر بالغلبيللة‬
‫يعللرض علللى مجلللس آخللر يسللمى فللي بعضللها‬
‫مجلس الشلليوخ وفللي بعضللها مجلللس اللللوردات‬

‫سير أعلم النبلء )‪.(1/317‬‬ ‫‪()414‬‬


‫نهاية الرب )‪.(6/169‬‬ ‫‪()415‬‬
‫الدارة العسكرية في الدولة السلمية )‪.(1/274‬‬ ‫‪()416‬‬
‫الصابة )‪.(2/491‬‬ ‫‪()417‬‬
‫الدارة العسكرية في الدولة السلمية )‪.(1/275‬‬ ‫‪()418‬‬
‫فإذا انتهى المجلس مللن تقريللره أمضللاه الملللك‪.‬‬
‫والفرق بين عمل عمللر وعمللل هللذه الممالللك أن‬
‫هنا المر كان اجتهادا ً منلله وبغيللر نظللام متبللع أو‬
‫قوانين مسنونة)‪ ،(419‬وكثيرا ً مللا كللان عمللر يجتهللد‬
‫فللي الشلليء ويبللدي رأيلله فيلله ثللم يللأتي أضللعف‬
‫النللاس فيللبين للله وجلله الصللواب وقللوة الللدليل‬
‫فيقبله ويرجع عن خطللأ مللا رأى إلللى صللواب مللا‬
‫استبان له)‪ ،(420‬وقللد توسللع نطللاق الشللورى فللي‬
‫خلفة عمللر رضللي الللله عنلله لكللثرة المسللتجدات‬
‫والحللداث وامتللداد رقعللة السلللم إلللى بلد ذات‬
‫حضارات وتقاليد ونظم متباينة فولدت مشللكلت‬
‫جديدة احتاجت إلى الجتهاد الواسع مثل معاملللة‬
‫الرض المفتوحللة وتنظيللم العطللاء وفللق قواعللد‬
‫جديدة لتدفع أموال الفتللوح علللى الدولللة‪ ،‬فكللان‬
‫عمللر يجمللع للشللورى أكللبر عللدد مللن الصللحابة‬
‫الكبار)‪ ،(421‬وكان لشياخ بدر لهم مكانتهم الخاصة‬
‫في الشورى لفضلهم وعلمهم وسللابقتهم إل أن‬
‫عمر رضي الله عنه أخذ يشوبهم بشللباب‪ ،‬فللإنهم‬
‫علللى دربهللم ماضللون لجلهللم ورحمللة ربهللم‬
‫ومغفرته والدولللة لبللد لهللا مللن تجديللد رجالتهللا‬
‫وكللان عمللر العبقللري الفللذ قللد فطللن إلللى هللذه‬
‫الحقيقة فأخذ يختار مللن شللباب المللة مللن علللم‬
‫منهم علما ً وورعا ً وتقى فكان عبد الله بن عباس‬
‫من أولهم‪ ،‬وما زال عمر يجتهد متخيرا ً من شباب‬
‫المة مستشارين للله متخللذا ً القللرآن فيص لل ً فللي‬
‫التخير حتى قال عبد الله بن عباس‪ :‬وكان القراء‬
‫‪ ()419‬الخلفاء الراشدون للنجار ص ‪. 246‬‬
‫‪ ()420‬نفس المصدر ص ‪. 247‬‬
‫‪ ()421‬عصر الخلفة الراشدة ص ‪. 90‬‬
‫أصحاب مجلس عمللر ومشللاورته كهللول ً كللانوا أو‬
‫شبانا ً)‪ ،(422‬وقد قللال الزهللري لغلمللان أحللداث‪ :‬ل‬
‫تحتقروا أنفسكم لحداثة أسنانكم فللإن عمللر بللن‬
‫الخطاب رضي الللله عنلله كللان إذا نللزل بلله المللر‬
‫المعضل دعللا الفتيللان فاستشللارهم يبتغللي حللدة‬
‫عقولهم)‪ .(423‬وقللال محمللد بللن سلليرين‪ :‬إن كللان‬
‫عمر رضي الله عنه ليستشير في الملر حللتى إن‬
‫كللان ليستشللير المللرأة فربمللا أبصللر فللي قولهللا‬
‫الشيء يستحسنه فيأخذه وقد ثبللت أنلله استشللار‬
‫مرة أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها)‪ (424‬وقللد‬
‫كان لعمر رضي الله عنه خاصة من علية الصحابة‬
‫وذوي الللرأي‪ ،‬منهللم العبللاس بللن عبللد المطلللب‬
‫وابنه عبد الله‪ ،‬وكان ل يكللاد يفللارقه فللي سللفر‬
‫ول حضر وعثمللان بللن عفللان وعبللد الرحمللن بللن‬
‫عوف وعلي بن أبي طالب)‪ ،(425‬ومعللاذ بللن جبللل‪،‬‬
‫وأبللي بللن كعللب وزيللد بللن ثللابت)‪ ،(426‬ونظرائهللم‬
‫فكان يستشيرهم ويرجللع إلللى رأيهللم)‪ ،(427‬وكللان‬
‫المستشارون يبدون آراءهم بحرية تامة وصللراحة‬
‫كاملة‪ ،‬ولم يتهم عمر رضي الله عنه أحللدا ً منهللم‬
‫في عدالته وأمانته‪ ،‬وكللان عمللر رضللي الللله عنلله‬
‫يستشير في المور التي ل نص فيهللا مللن كتللاب‬
‫وسللنة وهللو يهللدف إلللى معرفللة إن كللان بعللض‬
‫الصحابة يحفظ فيها نصا ً مللن السللنة‪ ،‬فقللد كللان‬
‫‪ ()422‬نفس المصدر ص ‪. 147‬‬
‫‪ ()423‬عصر الخلفة الراشدة ص ‪.90‬‬
‫‪ ()424‬عصر الخلفة الراشدة ص ‪.90‬‬
‫‪ ()425‬السنن الكبرى للبيقي )‪ (9/29‬نقل ً عن عصر الخلفة‬
‫الراشدة ص ‪.90‬‬
‫‪ ()426‬الخلفاء الراشدون للنجار ص ‪.247‬‬
‫‪ ()427‬عصر الخلفة الراشدة ص ‪.90‬‬
‫بعض الصحابة يحفظ منها ما ل يحفظه الخرون‪،‬‬
‫وكذلك كان يستشير في فهم النصوص المحتملة‬
‫لكللثر مللن معنللى لمعرفللة المعللاني والوجلله‬
‫المختلفللة‪ ،‬وفللي هللذين المريللن قللد يكتفللي‬
‫باستشللارة الواحللد أو العللدد القليللل‪ ،‬وأمللا فللي‬
‫النوازل العامة فيجمع الصحابة‪ ،‬ويوسللع النطللاق‬
‫ما استطاع كما فعل عند وقوع الطللاعون بللأرض‬
‫الشام متوجها ً إليها)‪ ،(428‬وبلغ عمر خللبره فوافللاه‬
‫المراء بسرغ موضع قرب الشام وكان مللع عمللر‬
‫المهلللاجرون والنصلللار‪ ،‬فجمعهلللم مستشللليرًا‪،‬‬
‫أيمضي لوجهه‪ ،‬أم يرجع؟ فللاختلفوا عليلله‪ :‬فمللن‬
‫قائل‪ :‬خرجللت لللوجه الللله فل يصللدنك عنلله هللذا‪.‬‬
‫ومللن قللائل‪ :‬إنلله بلء وفنللاء‪ ،‬فل نللرى أن تقللدم‬
‫عليه‪ .‬ثم أحضر مهاجرة الفتح مللن قريللش‪ ،‬فلللم‬
‫يختلفوا عليه‪ ،‬بل أشللاروا بللالعودة‪ ،‬فنللادى عمللر‬
‫في النللاس‪ :‬إنللي مصللبح علللى ظهللر)‪ .(429‬فقللال‬
‫أبو عبيدة‪ :‬أفرارا ً من قدر الله؟‪ .‬فقال‪ :‬نعم‪ ،‬نفر‬
‫من قدر الله إلللى قللدر‪ ،‬أرأيللت لللو كللان لللك إبللل‬
‫فهبطللت واديللا ً للله عللدواتان إحللداهما مخصللبة‬
‫والخرى جدبة‪ ،‬أليس إن رعيللت الخصللبة رعيتهللا‬
‫بقدر الله‪ ،‬وإن رعيت الجدبة رعيتها بقللدر الللله؟‬
‫فسللمع بهللم عبللد الرحمللن بللن عللوف‪ ،‬فجللاءهم‪،‬‬
‫وقال‪ :‬إن النبي ‪ ‬قال‪ :‬إذا سلمعتم بهلذا الوبلاء‬
‫ببلد فل تقدموا عليه‪ ،‬وإذا وقللع ببلللد وأنتللم فيلله‬
‫فل تخرجلللوا فلللرارا ً منللله)‪ ،(430‬وكلللانت مجلللالت‬
‫الشورى في عهد عمر متعددة منها فللي المجللال‬
‫‪ ()428‬عصر الخلفاء الراشدون ص ‪.91‬‬
‫‪ ()429‬الظهر‪ :‬الدابة التي تحمل الثقال ويركب عليها‪.‬‬
‫‪ ()430‬مسلم‪ ،‬ك السلم )‪ (4/1740‬رقم ‪.2219‬‬
‫الداري والسياسللي كاختيللار العمللال والمللراء‪،‬‬
‫والمور العسكرية‪ ،‬ومنها في المسائل الشللرعية‬
‫المحضة‪ ،‬كالكشف في الحكم الشرعي من حيللث‬
‫الحل والحرمة والمسائل القضللائية)‪ (431‬وستتضللح‬
‫مجالت الشورى وتطبيقاتهلا وبحلث عملر رضلي‬
‫الله عنه عن الدليل القوى من خلل هذا البحللث‬
‫كل في موضعه بإذن الله تعالى‪ ،‬والذي نحللب أن‬
‫نؤكد عليه أن الخلفة الراشدة كانت قائمة علللى‬
‫مبدأ الشللورى المسللتمدة مللن كتللاب الللله وسللنة‬
‫رسوله ‪ ‬ولم تكن في عهد عمر فلتة استنبطها‬
‫ول بدعة أتى بها ولكنها قاعدة من قواعد المنهج‬
‫الرباني‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬العدل والمساواة‪:‬‬
‫إن مللن أهللداف الحكللم السلللمي الحللرص علللى‬
‫إقامة قواعد النظام السلمي التي تسللاهم فللي‬
‫إقامة المجتمع المسلم ومللن أهلم هللذه القواعللد‬
‫العدل والمساواة‪ ،‬ففللي خطللاب الفللاروق للمللة‬
‫أقر هذه المبادئ‪ ،‬فعدالته ومسللاواته تظهللر فللي‬
‫نص خطللابه الللذي ألقللاه علللى المللة يللوم تللوليه‬
‫منصللب الخلفللة؛ ول شللك أن العللدل فللي فكللر‬
‫الفللاروق هللو عللدل السلللم الللذي هللو الدعامللة‬
‫الرئيسية في إقامة المجتمللع السلللمي والحكللم‬
‫السلمي فل وجود للسلم فللي مجتمللع يسللوده‬
‫الظلم ول يعرف العدل‪.‬‬
‫ً‬
‫إن إقامللة العللدل بيللن النللاس أفللرادا وجماعللات‬
‫ودول ً ليسللت مللن المللور التطوعيللة الللتي تللترك‬
‫‪ ()431‬القيود الواردة على سلطة الدولة في السلم ص ‪،167‬‬
‫‪.168‬‬
‫لمللزاج الحللاكم أو الميللر وهللواه‪ ،‬بللل إن إقامللة‬
‫العدل بين الناس في الللدين السلللمي تعللد مللن‬
‫أقدس الواجبات وأهمها‪ ،‬وقد اجتمعت المة على‬
‫وجللوب العللدل)‪ ،(432‬قللال الفخلر اللرازي أجمعلوا‬
‫علللى أن مللن كللان حاكمللا وجللب عليلله أن يحكللم‬
‫بالعدل)‪. (433‬‬
‫وهللذا الحكللم تؤيللده النصللوص القرآنيللة والسللنة‬
‫ن مللن أهللداف دولللة السلللم إقامللة‬ ‫النبويللة فللإ ّ‬
‫المجتمع السلمي الذي تسللود فيلله قيللم العللدل‬
‫والمساواة ورفع الظلم ومحاربته بكافللة أشللكاله‬
‫وأنواعه‪ ،‬وعليها أن تفسح المجال وتيسر السللبل‬
‫أمام كل إنسان يطلب حقه أن يصل إليلله بأيسللر‬
‫السبل وأسرعها دون أن يكلفه ذلك جهدا ً أو مال ً‬
‫وعليها أن تمنع أي وسيلة من الوسائل التي من‬
‫شأنها أن تعيق صاحب الحللق مللن الوصللول إليلله‪،‬‬
‫وهللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللذا‬
‫ما فعله الفاروق فلي دولتله‪ ،‬فقلد فتلح البلواب‬
‫علللى مصللاريعها لوصللول الرعيللة إلللى حقوقهللا‪،‬‬
‫وتفقللد بنفسلله أحوالهللا‪ ،‬فمنعهللا مللن الظلللم‬
‫المتوقع عليها‪ ،‬وأقام العدل بين الولة والرعيللة‪،‬‬
‫في أبهى صورة عرفها التاريللخ فقللد كللان يعللدل‬
‫بيللن المتخاصللمين ويحكللم بللالحق ول يهملله أن‬
‫يكون المحكوم عليهم من القرباء أو العللداء‪ ،‬أو‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫هللا اّللل ِ‬
‫ذي َ‬ ‫الغنياء أو الفقراء‪ ،‬قللال تعللالى‪َ  :‬ياأي ّ َ‬
‫من ّك ُل ْ‬
‫م‬ ‫ر َ‬ ‫ج ِ‬‫ول َ ي َ ْ‬
‫ط َ‬ ‫سل ِ‬ ‫ق ْ‬‫داءَ ِبال ْ ِ‬‫ه َ‬ ‫ه ُ‬
‫شل َ‬ ‫ن ل ِل ّل ِ‬
‫مي َ‬
‫وا ِ‬ ‫ق ّ‬‫كوُنوا َ‬‫مُنوا ُ‬‫آ َ‬
‫وى‬ ‫ب ِللت ّ ْ‬ ‫َ‬
‫وأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬
‫قل َ‬ ‫قلَر ُ‬ ‫هل َ‬
‫دلوا ُ‬ ‫عل ِ‬
‫دلوا ا ْ‬ ‫عل ِ‬‫علللى أل ت َ ْ‬ ‫وم ٍ َ‬
‫قل ْ‬ ‫شَنآ ُ‬

‫‪ ()432‬فقه التمكين في القرآن الكريم للصلبي ص ‪.455‬‬


‫‪ ()433‬تفسير الرازي )‪.(141 /10‬‬
‫)المائدة‪ ،‬آية‪:‬‬ ‫مُلو َ‬
‫ن)‪ (8‬‬ ‫ع َ‬
‫ما ت َ ْ‬
‫خِبيٌر ب ِ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫قوا الل ّ َ‬
‫ه إِ ّ‬ ‫وات ّ ُ‬
‫َ‬
‫‪.(8‬‬
‫لقد كان الفاروق قدوة فللي عللدله أسللر القلللوب‬
‫وبهر العقول‪ ،‬فالعللدل فللي نظللره دعللوة عمليللة‬
‫للسلم به تفتح قلوب الناس لليمان‪ ،‬وقد سللار‬
‫على ذات نهج الرسول ‪ ،‬فكانت سياسته تقوم‬
‫على العدل الشامل بيللن النللاس‪ ،‬وقللد نجللح فللي‬
‫ذلك على صعيد الواقع والتطللبيق نجاحلا ً منقطللع‬
‫النظير ل تكاد تصدقه العقول حتى اقترن اسللمه‬
‫بالعدل وبات من الصعب جدا ً على كل ملن علرف‬
‫شيئا ً يسيرا ً من سيرته أن يفصل ما بين الثنيللن‪،‬‬
‫وقد ساعده على تحقيق ذلك النجاح الكللبير عللدة‬
‫أسباب ومجموعة من العوامل منها‪:‬‬
‫‪ -1‬أن مدة خلفته كانت أطللول مللن مللدة خلفللة‬
‫أبي بكر بحيث تجاوزت عشر سنوات في حين‬
‫اقتصرت خلفة أبي بكللر علللى سللنتين وعللدة‬
‫شهور فقط‪.‬‬
‫‪ -2‬إنه كان شديد التمسك بللالحق حللتى إنلله كللان‬
‫على نفسه وأهله أشد منه علللى النللاس كمللا‬
‫سنرى‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -3‬أن فقلله القللدوم علللى الللله كللان قويلا عنللده‬
‫لدرجة أنه كان في كل عمل يقوم بلله يتللوخى‬
‫مرضاة الله قبل مرضاة الناس ويخشللى الللله‬
‫ول يخشى أحدا ً من الناس‪.‬‬
‫‪ -4‬أن سلللطان الشللرع كللان قويللا ً فللي نفللوس‬
‫الصحابة والتابعين بحيللث كللانت أعمللال عمللر‬
‫تلقى تأييدا ً وتجاوبا ً وتعاونا ً من الجميع)‪.(434‬‬
‫‪ ()434‬نظام الحكم في عهد الخلفاء الراشدين‪ ،‬حمد محمد الصمد‬
‫ص ‪.145‬‬
‫‪ -5‬وهللذه بعللض مللواقفه فللي إقللامته للعللدل‬
‫والقسط بين الناس فقد حكللم بللالحق لرجللل‬
‫يهودي على مسلم‪ ،‬ولم يحمله كفر اليهللودي‬
‫علللى ظلملله والحيللف عليلله‪ ،‬أخللرج المللام‬
‫مالك)‪ (435‬مللن طريللق سللعيد بللن المسلليب‪ :‬أن‬
‫عمر بن الخطاب رضي الله عنه اختصللم إليلله‬
‫مسلم ويهودي‪ ،‬فرأى عمر أن الحق لليهللودي‬
‫فقضللى للله‪ ،‬فقللال للله اليهللودي‪ :‬والللله لقللد‬
‫قضيت بالحق)‪ ، (436‬وكان رضي الله عنلله يللأمر‬
‫عمللاله أن يوافللوه بالمواسللم‪ ،‬فللإذا اجتمعللوا‬
‫قال‪ :‬أيها الناس إني لم أبعث عمللالي عليكللم‬
‫ليصيبوا من أبشاركم‪ ،‬ول مللن أمللوالكم‪ ،‬إنمللا‬
‫بعثتهللم ليحجللزوا بينكللم‪ ،‬وليقسللموا فيئكللم‬
‫بينكم‪ ،‬فمن فعل به غير ذلك فليقم‪ ،‬فما قام‬
‫أحللد إل رجللل واحللد قللام فقللال‪ :‬يللا أميللر‬
‫المؤمنين إن عاملك ضربني مائة سوط‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فيم ضربته؟ قم فاقتص منه‪ ،‬فقام عمرو بن‬
‫العاص فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين إنك إن فعلللت‬
‫هللذا يكللثر عليللك ويكللون سللنة يأخللذ بهللا مللن‬
‫بعدك‪ ،‬فقال‪ :‬أنلا ل أقيلد‪ ،‬وقلد رأيلت رسلول‬
‫الله يقيللد مللن نفسلله قللال‪ :‬فللدعنا فلنرضلله‪،‬‬
‫قال‪ :‬دونكللم فارضللوه‪ ،‬فاقتللدى منلله بمللائتي‬
‫دينار كل سوط بللدينارين)‪ (437‬ولللو لللم يرضللوه‬
‫لقاده)‪ (438‬رضي الله عنه‪.‬‬

‫الوسطية في القرآن الكريم للصلبي ص ‪.96‬‬ ‫‪()435‬‬


‫الموطأ‪ ،‬ك القضية‪ ،‬بان الترغيب في القضاء بالحق رقم ‪.2‬‬ ‫‪()436‬‬
‫الطبقات الكبرى لبن سعد )‪.(294 – 3/293‬‬ ‫‪()437‬‬
‫ص منه‪.‬‬
‫أقاده‪ :‬اقت ّ‬ ‫‪()438‬‬
‫وجاء رجل من أهل مصر يشكو ابن عمرو بللن‬
‫ل‪:‬‬‫العلللللاص واليللللله عللللللى مصلللللر قلللللائ ً‬
‫يا أمير المؤمنين عللائذ بللك مللن الظلللم‪ ،‬قللال‬
‫عذت معاذا قال‪ :‬سابقت ابن عمرو بن العاص‬
‫فسبقته‪ ،‬فجعل يضربني بالسوط ويقول‪ :‬أنللا‬
‫ابن الكرمين‪ ،‬فكتب عمللر إلللى عمللرو رضللي‬
‫الله عنهما يأمره بالقدوم ويقللدم بللابنه معلله‪:‬‬
‫فقدم عمللر فقللال عمللر‪ :‬أيللن المصللري؟ خللذ‬
‫السللوط فاضللرب فجعللل يضللربه بالسللوط‬
‫ويقللول عمللر‪ :‬اضللرب ابللن الكرميللن؟ قللال‬
‫أنس‪ :‬فضرب‪ ،‬فوالله‪ ،‬لقد ضربه ونحللن نحللب‬
‫ضربه‪ ،‬فما رفع عنه حتى تمنينا أن يرفع عنه‪،‬‬
‫ثللم قللال عمللر للمصللري‪ :‬اصللنع علللى صلللعة‬
‫عمرو‪ ،‬فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين إنما ابنه الذي‬
‫ضربني وقد اشتفيت منه‪ ،‬فقال عمر لعمرو‪:‬‬
‫مذ كم تعبللدتم النللاس وقللد ولللدتهم أمهللاتهم‬
‫أحرارًا؟ قال‪ :‬يا أمير المؤمنين لم أعلللم ولللم‬
‫يأتني)‪.(439‬‬
‫لقد قامت دولة الخلفاء الراشدين علللى مبللدأ‬
‫العدل وما أجمل ما قاله ابللن تيميللة‪ :‬إن الللله‬
‫ينصللر الدولللة العادلللة وإن كللانت كللافرة ول‬
‫ينصر الدولة الظالمللة ولللو كللانت مسلللمة‪… ،‬‬
‫بالعلللللدل تستصللللللح الرجلللللال وتسلللللتغزر‬
‫الموال)‪.(440‬‬
‫وأما مبدأ المساواة الذي اعتمده الفاروق في‬
‫دولته‪ ،‬فيعد أحد المبادئ العامللة الللتي أقرهللا‬
‫‪ ()439‬وسطية أهل السنة بين الفرق‪ ،‬محمد باكريم ص ‪.170‬‬
‫‪ ()440‬السياسة الشرعية ص ‪.10‬‬
‫خل َ ْ‬ ‫َ‬
‫م‬‫قن َللاك ُ ْ‬ ‫س إ ِن ّللا َ‬‫ها الّنا ُ‬ ‫السلم قال تعالى‪َ  :‬ياأي ّ َ‬
‫من ذَك َر ُ‬
‫ن‬
‫فوا إ ِ ّ‬ ‫عاَر ُ‬
‫ل ل ِت َ َ‬ ‫و َ‬
‫قَبائ ِ َ‬ ‫عوًبا َ‬ ‫ش ُ‬‫م ُ‬ ‫عل َْناك ُ ْ‬‫ج َ‬ ‫وأنَثى َ‬
‫و َ‬ ‫ٍ َ‬ ‫ِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫خِبيٌر)‪ (13‬‬ ‫م َ‬ ‫عِلي ٌ‬
‫ه َ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫قاك ُ ْ‬ ‫ه أت ْ َ‬ ‫عن ْدَ الل ّ ِ‬‫م ِ‬‫مك ُ ْ‬
‫أك َْر َ‬
‫)الحجرات‪ ،‬آية‪.(13:‬‬
‫إن الناس جميعا ً في نظر السلللم سواسللية‪،‬‬
‫الحاكم والمحكللوم‪ ،‬الرجللال والنسللاء‪ ،‬العللرب‬
‫والعجم‪ ،‬البيض والسود‪ ،‬لقد ألغللى السلللم‬
‫الفوارق بين الناس بسبب الجنس واللللون أو‬
‫النسللب أو الطبقللة‪ ،‬والحكللام والمحكومللون‬
‫كلهم في نظر الشرع‬
‫سللواء)‪ ،(441‬وجللاءت ممارسللة الفللاروق لهللذا‬
‫المبدأ خير شاهد وهذه بعللض المواقللف الللتي‬
‫جسدت مبدأ المساواة في دولته‪:‬‬
‫‪ -‬أصاب الناس في إمارة عمللر رضللي الللله عنلله‬
‫سللنة )جللدب( بالمدينللة ومللا حولهللا‪ ،‬فكللانت‬
‫تسقي إذا ريحللت)‪ (442‬تراب لا ً كالرمللاد‪ ،‬فسللمي‬
‫ذلك العام عام الرمادة‪ ،‬فآلى )حلف( عمللر أل‬
‫يذوق سمنا ً ول لبنا ً ول لحما ً حتى يحي الناس‬
‫عك ّللة مللن‬
‫مللن أول الحيللاء‪ ،‬فقللدمت السللوق ُ‬
‫سمن‪ ،‬ووطب من لبن‪ ،‬فاشتراهما غلم لعمر‬
‫بللأربعين‪ ،‬ثللم أتللى عمللر فقللال‪ :‬يللا أميللر‬
‫المؤمنين‪ ،‬قد أبر الله يمينللك‪ ،‬وعظللم أجللرك‪،‬‬
‫قدم السوق وطب من لبن‪ ،‬وعكة من سللمن‪،‬‬
‫فاتبعناهما بأربعين‪ ،‬فقال عمر‪ :‬أغليت بهمللا‪،‬‬
‫فتصللدق بهمللا‪ ،‬فللإني أكلره أن آكللل إسلرافًا‪،‬‬
‫وقال عمر‪ :‬كيف يعنيني شللأن الرعيللة إذا لللم‬

‫‪ ()441‬فقه التمكين في القرآن الكريم ص ‪.501‬‬


‫‪ ()442‬فقه التمكين في القرآن الكريم ص ‪.501‬‬
‫يمسللني مللا مسللهم)‪ ،(443‬هللذا موقللف أميللر‬
‫المللؤمنين عللام القحللط الللذي سللمي عللام‬
‫الرمادة‪ ،‬ولم يختلف موقفه عام الغلء‪ ،‬فقللد‪:‬‬
‫أصاب الناس سللنة غلء‪ ،‬فغل السللمن‪ ،‬فكللان‬
‫عمللر يأكللل الزيللت‪ ،‬فتقرقللر بطنلله‪ ،‬فيقللول‪:‬‬
‫قرقللللللر مللللللا شللللللئت‪ ،‬فللللللو الللللللله‬
‫ل تأكل السللمن حللتى يللأكله النللاس)‪ ،(444‬ولللم‬
‫يقتصر مبدأ المساواة في التطبيق عند خلفاء‬
‫الصدر الول علللى المعاملللة الواحللدة للنللاس‬
‫كافللة‪ ،‬وإنمللا تعللداه إلللى شللؤون المجتمللع‬
‫الخاصة‪ ،‬ومنها ما يتعلللق بالخللادم والمخللدوم‪،‬‬
‫فعللن ابللن عبللاس أنلله قللال‪ :‬قللدم عمللر بللن‬
‫الخطللاب حاجلًا‪ ،‬فصللنع للله صللفوان بللن أميللة‬
‫طعامًا‪ ،‬فجاؤوا بجفنه يحملها أربعة‪ ،‬فوضللعت‬
‫دام فقللال‬ ‫خل ّ‬
‫بين يدي القوم يللأكلون وقللام ال ُ‬
‫عمر‪ :‬أترغبونه عنهم؟ فقال سفيان بللن عبللد‬
‫الله‪ :‬ل والله يا أمير المؤمنين‪ ،‬ولكنللا نسللتأثر‬
‫عليهم‪ ،‬فغضب عمر غضبا ً شديدًا‪ ،‬ثم قال‪ :‬ما‬
‫لقوم يستأثرون على خدامهم‪ ،‬فعل الله بهللم‬
‫وفعل‪ ،‬ثم قال للخدام‪ :‬اجلسوا فكلوا‪ ،‬فقعللد‬
‫الخدام يأكلون‪ ،‬ولم يأكل أمير المللؤمنين)‪،(445‬‬
‫وكذلك فإن عمر رضي الله عنه لم يأكللل مللن‬
‫الطعام ما ل يتيسللر لجميللع المسلللمين‪ ،‬فقللد‬
‫كللان يصللوم الللدهر‪ ،‬فكللان زمللن الرمللادة إذا‬
‫أمسللى أتللى بخللبز قللد ث ُللرد بللالزيت‪ ،‬إلللى أن‬
‫‪ ()443‬تاريخ الطبري )‪ (98 /4‬نقل ً عن نظام الحكم في الشريعة‬
‫والتاريخ السلمي )‪.(87 /1‬‬
‫‪ ()444‬مناقب أمير المؤمنين لبن الجوزي ص ‪.101‬‬
‫‪ ()445‬مناقب أمير المؤمنين لبن الجوزي ص ‪.101‬‬
‫نحروا يوما ً مللن اليللام جللزورا ً)‪ ،(446‬فأطعمهللا‬
‫الناس وغرفوا له طيبها فأتي به‪ ،‬فللإذا قديللد‬
‫من سنام ومن كبد‪ ،‬فقال‪ :‬أنى هذا؟ فقللالوا‪:‬‬
‫يا أمير المؤمنين‪ ،‬مللن الجللزور الللتي نحرناهللا‬
‫اليوم‪ .‬فقال‪ :‬بخ بخ‪ ،‬بئس الوالي أنا إن أكلت‬
‫طيبها‪ ،‬وأطعمت الناس كرادسها‪ ،‬ارفللع هللذه‬
‫الجفنة‪ ،‬هللات غيللر هللذا الطعللام‪ ،‬فللأتي بخللبز‬
‫)‪(447‬‬
‫وزيت‪ ،‬فجعل يكسر بيده ويثرد ذلك الخللبز‬
‫ولللم يكللن عمللر ليطبللق مبللدأ المسللاواة فللي‬
‫المدينة وحدها‪ ،‬من غير أن يعلمه لعماله فللي‬
‫القللللاليم‪ ،‬حللللتى فللللي مسللللائل الطعللللام‬
‫والشللراب)‪ (448‬فعنللدما قللدم عتبللة بللن فرقللد‬
‫أذربيجان أتى بالخبيص‪ ،‬فلما أكله وجللد شلليئا ً‬
‫حلللوا ً طيب لًا‪ ،‬فقللال‪ :‬والللله لللو صللنعت لميللر‬
‫المللؤمنين مللن هللذا‪ ،‬فجعللل للله سللفطين‬
‫عظيمين‪ ،‬ثم حملهما علللى بعيللر مللع رجليللن‪،‬‬
‫فسللّرح بهمللا إلللى عمللر‪ .‬فلمللا قللدما عليلله‬
‫فتحهما‪ ،‬فقال‪ :‬أي شيء هذا؟ قللالوا‪ :‬خللبيص‬
‫فللذاقه‪ ،‬فللإذا هللو شلليء حلللو‪ .‬فقللال‪ :‬أكللل‬
‫المسلمين يشبع من هذا في رحله؟ قللال‪ :‬ل‪.‬‬
‫قال‪ :‬أما ل فارددهما‪ .‬ثم كتب إليه‪ :‬أمللا بعللد‪،‬‬
‫فإنه ليس من كد أبيك ول من كد أمك‪ .‬أشللبع‬
‫المسلمين مما تشبع منه في رحلك)‪.(449‬‬
‫ومن صلور تطللبيق المسللاواة بيللن النلاس ملا‬
‫قام به عمر عندما جاءه مللال فجعللل يقسللمه‬
‫نظام الحكم في الشريعة والتاريخ السلمي )‪.(87 /1‬‬ ‫‪()446‬‬
‫نفس المصدر )‪.(188 /1‬‬ ‫‪()447‬‬
‫نفس المصدر )‪.(188 /1‬‬ ‫‪()448‬‬
‫مناقب أمير المؤمنين لبن الجوزي ص ‪.147‬‬ ‫‪()449‬‬
‫بين الناس‪ ،‬فازدحموا عليه‪ ،‬فأقبللل سللعد بللن‬
‫أبي وقاص يزاحللم النللاس‪ ،‬حللتى خلللص إليلله‪،‬‬
‫درة وقلللال إنلللك أقبللللت ل تهلللاب‬ ‫فعله بالللل ّ‬
‫سلطان الله فللي الرض‪ ،‬فللأحببت أن أعلمللك‬
‫أن سلطان الله لن يهابك)‪ ،(450‬فإذا عرفنللا أن‬
‫سعدا ً كان أحد العشرة المبشرين بالجنة‪ ،‬وأنه‬
‫فاتلح العلراق‪ ،‬وملدائن كسلرى‪ ،‬وأحلد السلتة‬
‫الللذين عينهللم للشللورى‪ ،‬لن رسللول الللله ‪‬‬
‫ض عنهللم‪ ،‬وأنلله كللان يقللال للله‬‫مللات وهللو را ٍ‬
‫فللارس السلللم … عرفنللا مبلللغ الللتزام عمللر‬
‫بتطللللللللبيق المسللللللللاواة)‪ ،(451‬ويللللللللروي‬
‫ابن الجوزي أن عمللرو بللن العللاص‪ ،‬أقللام حللد‬
‫الخمر على عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب‪،‬‬
‫يوم كان عامله على مصر‪ .‬ومللن المللألوف أن‬
‫يقللام الحللد فللي السللاحة العامللة للمدينللة‪،‬‬
‫لتتحقللق مللن ذلللك العللبرة للجمهللور‪ ،‬غيللر أن‬
‫عمرو بن العاص أقام الحد على ابللن الخليفللة‬
‫في البيت‪ ،‬فلمللا بلللغ الخللبز عمللر‪ ،‬كتللب إلللى‬
‫عمرو ابللن العللاص‪ :‬مللن عبللد الللله عمللر أميللر‬
‫المؤمنين إلى العاصي بن العاص‪ :‬عجبللت لللك‬
‫ي‪ ،‬وخلف عهلدي‪.‬‬ ‫يا ابن العاص ولجرأتلك علل ّ‬
‫أما إني قد خالفت فيك أصحاب بدر ممن هللو‬
‫خيللر منللك‪ ،‬واخترتللك لجللدالك عنللي‪ ،‬وإنفللاذ‬
‫عهللدي‪ ،‬فللأراك تلللوثت بمللا قللد تلللوثت‪ ،‬فمللا‬
‫أراني إل عازلك فمسيء عزلللك‪ ،‬تضللرب عبللد‬
‫الرحمللن فللي بيتللك‪ ،‬وقللد عرفللت أن هللذا‬
‫يخالفني؟ إنما عبد الرحمن رجل من رعيتللك‪،‬‬
‫‪ ()450‬الخلفاء الراشدون ص ‪.243‬‬
‫‪ ()451‬نظام الحكم في الشريعة والتاريخ السلمي )‪.(88 /1‬‬
‫تصنع به ما تصنع بغيره من المسلمين‪ .‬ولكللن‬
‫قلت‪ :‬هو ولد أمير المؤمنين وقد عرفت أن ل‬
‫هوادة لحد من الناس عندي في حق يجب لله‬
‫عليه‪ ،‬فإذا جلاءك كتلابي هلذا فلابعث بله فلي‬
‫عباءة على قتب حتى يعرف سوء ما صنع)‪،(452‬‬
‫وقللد تللم إحضللاره إلللى المدينللة وضلربه الحللد‬
‫جهرًا‪ ،‬روى ذلللك ابللن سللعد وأشللار إليلله ابللن‬
‫الزبير‪ ،‬وأخرجه عبد الرزاق بسند صللحيح عللن‬
‫ابن عمللر مطللول ً)‪ ،(453‬وهكللذا نللرى المسللاواة‬
‫أمام الشريعة في أسللمي درجاتهللا‪ ،‬فللالمتهم‬
‫هو ابن أمير المؤمنين‪ ،‬ولم يعفه الللوالي مللن‬
‫العقللاب‪ ،‬ولكللن الفللاروق وجللد أن ابنلله تمتللع‬
‫ببعض الرعاية‪ ،‬فآلمه ذلك أشد اللم‪ ،‬وعللاقب‬
‫واليلله – وهللو فاتللح مصللر – أشللد العقللاب‬
‫وأقساه‪ .‬وأنزل بالبن ما يستحق من العقاب‪،‬‬
‫حرصا ً على حدود الله‪ ،‬ورغبة في تأديب ابنلله‬
‫وتقللويمه وإذا كللان هللذا منهجلله مللع أقللرب‬
‫النللاس عنللده فمللا بالللك بللالخرين؟)‪ (454‬ومللن‬
‫المثلللة التاريخيللة الهامللة الللتي يسللتدل بهللا‬
‫المؤلفللون علللى عللدم الهللوادة فللي تطللبيق‬
‫المساواة‪ ،‬ما صنعه عمر مع جبلللة بللن اليهللم‬
‫وهذه هي القصه‪ :‬كان جبلللة آخللر أمللراء بنللي‬
‫غسللان مللن قبللل هرقللل‪ ،‬وكللان الغساسللنة‬
‫يعيشون في الشام تحللت إمللرة دولللة الللروم‪،‬‬
‫وكللان الللروم يحرضللونهم دائمللا ً علللى غللزو‬
‫الجزيرة العربية‪ ،‬وخاصة بعللد نللزول السلللم‪.‬‬
‫‪ ()452‬مناقب أمير المؤمنين لبن الجوزي ص ‪.235‬‬
‫‪ ()453‬الخلفة الراشدة والدولة الموية‪ .‬يحيى اليحي‪ .‬ص ‪.345‬‬
‫‪ ()454‬فن الحكم في السلم د‪ .‬مصطفى أبو زيد ص ‪.475،476‬‬
‫ولما انتشللرت الفتوحللات السلللمية‪ ،‬وتللوالت‬
‫انتصللارات المسلللمين علللى الللروم‪ ،‬أخللذت‬
‫القبائل العربية فللي الشللام – تعلللن إسلللمها‬
‫بللدا للميللر الغسللاني أن يللدخل السلللم هللو‬
‫أيضًا‪ ،‬فأسلم وأسلللم ذووه معلله‪ .‬وكتللب إلللى‬
‫الفاروق يستأذنه فللي القللدوم إلللى المدينللة‪،‬‬
‫ففللرح عمللر بإسلللمه وقللدومه‪ ،‬فجللاء إلللى‬
‫المدينللة وأقللام بهازمنللا والفللاروق يرعللاه‬
‫ويرحب بلله‪ ،‬ثللم بللدا للله أن يخللرج إلللى الحللج‪،‬‬
‫وفي أثناء طوافه بالبيت الحللرام وطللئ إزاره‬
‫رجل مللن بنللي فللزارة فحللله‪ ،‬وغضللب الميللر‬
‫الغساني لذلك – وهو حللديث عهللد بالسلللم –‬
‫فلطللم لطمللة قاسللية هشللمت أنفلله‪ ،‬وأسللرع‬
‫الفزاري إلى أمير المؤمنين يشكو إليه ماحللل‬
‫به وأرسل الفاروق إلى جبلة يدعوه إليلله‪ ،‬ثللم‬
‫سللأله فللأقر بمللا حللدث فقللال للله عمللر‪ :‬مللاذا‬
‫دعاك يا جبلللة لن تظلللم أخللاك هللذا فتهشللم‬
‫أنفه؟‬
‫فأجاب بأنه قد ترفق كثيرا ً بهذا البدوي )وأنلله‬
‫لول حرمللة الللبيت الحللرام لخللذت الللذي فيلله‬
‫عيناه(‪.‬‬
‫فقال له عمر ‪ :‬لقد أقللررت‪ ،‬فأمللا أن ترضللي‬
‫الرجل وإما أن اقتص له منك‪.‬‬
‫وزادت دهشة جبلة بن اليهم لكللل هللذا الللذي‬
‫يجللري وقللال‪ :‬وكيللف ذلللك وهللو سللوقة وأنللا‬
‫ملك؟‬
‫فقال عمر‪ :‬إن السلم قد سوى بينكما‪.‬‬
‫فقال الميللر الغسللاني‪ :‬لقللد ظننللت يللا أميللر‬
‫المؤمنين أن أكون في السلم أعز مني فللي‬
‫الجاهلية‪.‬‬
‫فقللال الفللاروق‪ :‬دع عنللك هللذا فإنللك إن لللم‬
‫ض الرجل اقتصصت له منك‪.‬‬ ‫تر ِ‬
‫فقال جبلة‪ :‬إذا أتنصر‪.‬‬
‫فقال عمر‪ :‬إن تنصللرت ضللربت عنقللك‪ ،‬لنللك‬
‫أسلمت فإن ارتددت قتلتك)‪.(455‬‬
‫وهنا أدرك جبلة أن الجدال ل فائدة منلله‪ ،‬وأن‬
‫المراوغة مع الفاروق لن تجدي‪ ،‬فطلللب مللن‬
‫الفاروق أن يمهله ليفكر في المر‪ ،‬فللأذن للله‬
‫عمر بالنصراف‪ ،‬وفكر جبلة بن اليهم ووصل‬
‫إلى قرار‪ ،‬وكان غير موفق في قللراره‪ ،‬فقللد‬
‫آثر أن يغادر مكة هو وقومه فللي جنللح الظلم‬
‫وفلللر إللللى القسلللطنطينية‪ ،‬فوصلللل إليهلللا‬
‫متنصرًا‪ ،‬وندم بعد ذلك على هذا القللرار أشللد‬
‫النلدم‪ ،‬وصلاغ ذللك فلي شلعر جميلل ملا زال‬
‫التاريخ يردده ويرويه وفي هللذه القصللة نللرى‬
‫حللرص الفللاروق علللى مبللدأ المسللاواة أمللام‬
‫الشللرع‪ ،‬فالسلللم قللد سللوى بيللن الملللك‬
‫والسللوقة‪ ،‬ول بللد لهللذه المسللاواة أن تكللون‬
‫واقعا ً حيلا ً وليللس مجللرد كلمللات توضللع علللى‬
‫الورق أو شعار تردده اللسنة)‪.(456‬‬
‫لقد طبق عمر رضي الله عنه مبللدأ المسللاواة‬
‫الذي جللاءت بلله شللريعة رب العللالمين وجعللله‬
‫واقعا ً حيلا ً يعيلش ويتحلرك بيلن النلاس‪ ،‬فللم‬
‫‪ ()455‬ابن خلدون )‪ (2/281‬نقل ً عن نظام الحكم للقاسمي )‬
‫‪.(1/90‬‬
‫‪ ()456‬فن الحكم في السلم ص ‪. 477،478‬‬
‫ن أم‬ ‫يللتراجع أمللام عاطفللة البللوة‪ ،‬ولللم ينثلل ِ‬
‫ألقاب النبالة‪ ،‬ول تضيع أمام اختلف الدين أو‬
‫مجاملة الرجال الفاتحين‪ ،‬لقد كان ذلك المبدأ‬
‫العظيللم واقعللا ً حيللًا‪ ،‬شللعر بلله كللل حللاكم‬
‫)‪(457‬‬
‫ومحكوم‪ ،‬ووجده كل مقهور وكل مظلللوم‬
‫لقللد كللان لتطللبيق مبللدأ المسللاواة أثللره فللي‬
‫المجتمع الراشدي فقد أثر الشعور بهللا علللى‬
‫نفوس ذلك الجيل فنبذوا العصللبية التقليديللة‪،‬‬
‫مللن الدعللاء بالوليللة والزعامللة‪ ،‬والحقيللة‬
‫بالكرامة‪ ،‬وأزالت الفوارق الحسبية الجاهليللة‪،‬‬
‫ولللم يطمللع شللريف فللي وضلليع‪ ،‬ولللم ييللأس‬
‫ضللعيف مللن أخللذ حقلله‪ ،‬فالكللل سللواء فللي‬
‫الحقوق والواجبات‪ ،‬لقد كللان مبللدأ المسللاواة‬
‫في المجتمع الراشللدي نللورا ً جديللدا ً أضللاء بلله‬
‫السلم جنبات المجتمع السلمي وكان لهللذا‬
‫المبدأ الثر القوي في إنشائه)‪.(458‬‬
‫سابعًا‪ :‬الحريات‪:‬‬
‫مبللدأ الحريللة مللن المبللادئ الساسللية الللتي قللام‬
‫عليهللا الحكللم فللي عهللد الخلفللاء الراشللدين‪،‬‬
‫ويقضللى هللذا المبللدأ بتللأمين وكفالللة الحريللات‬
‫العاملللة للنلللاس كافلللة ضلللمن حلللدود الشلللريعة‬
‫السلمية وبما ل يتناقض معها‪ ،‬فقد كانت دعللوة‬
‫السلم لحرية الناس‪ ،‬جميع الناس دعوة واسللعة‬
‫وعريضللة قلمللا تشللتمل علللى مثلهللا دعللوة فللي‬
‫التاريللخ‪ ،‬وكللانت أول دعللوة أطلقهللا فللي هللذا‬

‫‪ ()457‬نفس المصدر ص ‪. 478‬‬


‫‪ ()458‬المجتمع السلمي دعائمه وآدابه د‪.‬محمد أبو عجوة ص‬
‫‪. 165‬‬
‫المجال هي دعوته الناس في العديد مللن اليللات‬
‫القرآنية لتوحيد الله والتللوجه للله بالعبللادة وحللده‬
‫دون سللائر الكائنللات والمخلوقللات‪ ،‬وفللي دعللوة‬
‫التوحيد هذه كل معاني الحرية والستقلل لبنللي‬
‫ن السلم عرف الحرية‬ ‫النسان‪ ،‬أضف إلى ذلك أ ّ‬
‫بكل معانيها ومدلولتها ومفاهيمها‪ ،‬فتارة تكللون‬
‫فعل ً إيجابيلللا ً كلللالمر بلللالمعروف والنهلللي علللن‬
‫المنكر‪ ،‬وتارة فعل ً سلبيا ً كالمتناع عن إكراه أحد‬
‫في الدخول في الدين‪ ،‬وفي أحيان كثيرة يختلط‬
‫معناهلللا بمعنلللى الرحملللة‪ ،‬والعلللدل والشلللورى‬
‫والمساواة لن كل مبدأ مللن هللذه المبللادئ الللتي‬
‫نللادى بهللا السلللم ل يسللتقيم أمللره ول يمكللن‬
‫تحقيقه إل بوجود الحرية‪ ،‬وقد أسهم مبدأ الحرية‬
‫مسللاهمة فعالللة إبللان حكللم الخلفللاء الراشللدين‬
‫خاصلللة بانتشلللار اللللدين السللللمي‪ ،‬وبتسلللهيل‬
‫فتوحللات المسلللمين واتسللاع رقعللة دولتهللم لن‬
‫السلم كرم النسان وكفل حريللاته علللى أوسللع‬
‫نطللاق ولن النظللم السياسللية الخللرى السللائدة‬
‫آنللذاك فللي دولللة الللروم والفللرس كللانت أنظمللة‬
‫اسللتبدادية وتسلللطية‪ ،‬وفئويللة قاسللى بسللببها‬
‫الرعايللا وبصللورة خاصللة المنللاوئون السياسلليون‬
‫والقليات الدينية أشد درجات الكبت والضللطهاد‬
‫والظلم‪ ،‬فعلى سبيل المثللال كللانت دولللة الللروم‬
‫تفللرض علللى الخللذين بالمللذهب اليعقللوبي ول‬
‫سلليما فللي مصللر والشللام أن يللدينوا بالمللذهب‬
‫الملكاني )دينها الرسمي( وكللم أخللذ المخللالفون‬
‫بالمشاعل توقد نيرانها ثم تسلط على أجسامهم‬
‫حتى يحترقوا ويسيل الدهن مللن جللوانبهم علللى‬
‫الرض‪ ،‬والجبابرة القسللاة يحملللونهم حمل ً علللى‬
‫اليمان بمللا أقللره مجمللع مقدونيللة أو يضللعونهم‬
‫في كيللس مملللوء بالرمللال ثللم يلقللون بهللم فللي‬
‫أعمللاق البحللار‪ .‬وكللذلك كللانت دولللة فللارس فللي‬
‫مختلف العصور تضطهد معتنقي الملل السماوية‬
‫ول سلليما المسلليحيين بعللد ازديللاد القتللال عنف لا ً‬
‫بينها وبين دولة الللروم‪ ،‬وأمللا فللي السلللم فللي‬
‫زمن رسول الله‪ ،‬وعصر الخلفاء الراشدين‪ ،‬فقللد‬
‫كللانت الحريللات العامللة المعروفللة فللي أيامنللا‬
‫معلومة ومصانة تماما ً)‪ ،(459‬وإليك بعض التفصلليل‬
‫عن الحريات في زمن الفاروق رضي الله عنه‪:‬‬
‫‪ -1‬حرية العقيدة الدينية‪:‬‬
‫إن دين السلم لم يكره أحدا ً من النللاس علللى‬
‫اعتناقه‪ ،‬بل دعا إلى التفكر والتأمل في كللون‬
‫الله ومخلوقاته وفي هذا الدين وأمر اتباعه أن‬
‫يجادلوا الناس بالتي هي أحسن‪ ،‬قللال تعللالى‪:‬‬
‫ن ‪) ‬البقللرة‪،‬آيللة‪ .(256:‬وقال‬ ‫دي ِ‬ ‫فللي ال ل ّ‬ ‫‪ ‬ل َ إ ِك َْراهَ ِ‬
‫ظا‬‫في ً‬
‫ح ِ‬ ‫ك َ َ‬ ‫سل َْنا َ‬ ‫َ‬ ‫ضوا َ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫تعالى‪َ  :‬‬
‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫علي ْ ِ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫ف َ‬ ‫عَر ُ‬ ‫فإ ِ ْ‬
‫غ ‪) ‬الشلللورى‪،‬آيلللة‪ .(48:‬وقللال‬ ‫ك إ ِل ّ ال ْب َل َ ُ‬
‫عل َي ْللل َ‬
‫ن َ‬
‫إِ ْ‬
‫عظَل ِ‬
‫ة‬ ‫و ِ‬ ‫وال ْ َ‬
‫م ْ‬ ‫ة َ‬ ‫مل ِ‬ ‫ك ِبال ْ ِ‬
‫حك ْ َ‬ ‫ل َرب ّل َ‬‫سِبي ِ‬ ‫ع إ َِلى َ‬ ‫تعالى‪  :‬ادْ ُ‬
‫م‬ ‫و أَ ْ‬
‫عل َ ل ُ‬ ‫هل َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬
‫ك ُ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫س ُ‬‫ح َ‬
‫َ‬
‫يأ ْ‬ ‫ه َ‬‫م ِبال ِّتي ِ‬ ‫جاِدل ْ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫و َ‬
‫ة َ‬‫سن َ ِ‬
‫ح َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ن)‪ (125‬‬ ‫دي َ‬ ‫هت َ ِ‬ ‫م ِبال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫و أَ ْ‬
‫ه َ‬
‫و ُ‬
‫ه َ‬
‫سِبيل ِ ِ‬‫ن َ‬ ‫ع ْ‬
‫ل َ‬ ‫ض ّ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫بِ َ‬
‫)النحل‪،‬آية‪.(125:‬‬
‫ب إ ِل ّ ِبللال ِّتي‬ ‫ل ال ْك َِتللا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫جاِدُلوا أ َ ْ‬ ‫ول َ ت ُ َ‬ ‫وقال تعالى‪َ  :‬‬
‫َ‬
‫ذي‬ ‫من ّللا ِبال ّل ِ‬‫قوُلوا آ َ‬ ‫و ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬
‫موا ِ‬ ‫ن ظَل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن إ ِل ّ ال ّ ِ‬‫س ُ‬
‫ح َ‬ ‫يأ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ِ‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ز َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ز َ‬ ‫ُ‬
‫ن لل ُ‬‫حل ُ‬ ‫ون َ ْ‬
‫حد ٌ َ‬‫وا ِ‬‫م َ‬ ‫هك ْ‬ ‫وإ ِل ُ‬ ‫هَنا َ‬‫وإ ِل ُ‬ ‫م َ‬ ‫ل إ ِلي ْك ْ‬ ‫وأ ن ْ ِ‬
‫ل إ ِلي َْنا َ‬ ‫أن ْ ِ‬

‫‪ ()459‬نظام الحكم في عهد الخلفاء الراشدين‪ ،‬حمد الصمد ص‬


‫‪. 157،158‬‬
‫ن)‪)  (46‬العنكبللوت‪،‬آيللة‪ .(46:‬واليات في‬ ‫مو َ‬
‫سل ِ ُ‬
‫م ْ‬
‫ُ‬
‫ذلللك كللثيرة ولللذلك نجللد الفللاروق فللي دولتلله‬
‫حرص على حماية الحرية الدينية ونلحللظ بللأن‬
‫عمر سار على هللدي النللبي والخليفللة الراشللد‬
‫أبي بكر في هذا الباب فقد‪ :‬أقّر أهللل الكتللاب‬
‫على دينهم؛ وأخذ منهللم الجزيللة وعقللد معهللم‬
‫المعاهللدات كمللا سلليأتي تفصلليله‪ ،‬وخططللت‬
‫معابدهم ولم تهدم وتركت علللى حالهللا وذلللك‬
‫م‬
‫ه ْ‬
‫ض ُ‬
‫ع َ‬
‫س بَ ْ‬ ‫ع الل ّ ِ‬
‫ه الّنا َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ول َ ْ‬
‫ول َ دَ ْ‬ ‫لقول الله تعالى‪َ  :‬‬
‫جدُ ي ُلذْك َُر‬
‫سللا ِ‬
‫م َ‬
‫و َ‬
‫ت َ‬ ‫ص لل َ َ‬
‫وا ٌ‬ ‫و َ‬
‫ع َ‬
‫وب ِي َل ٌ‬
‫ع َ‬
‫م ُ‬
‫وا ِ‬‫ص َ‬ ‫ت َ‬ ‫م ْ‬ ‫هد ّ َ‬‫ض لَ ُ‬
‫ع ٍ‬ ‫ب ِب َ ْ‬
‫را ‪) ‬الحج‪،‬آية‪.(40:‬‬ ‫م الل ّ ِ‬
‫ه ك َِثي ً‬ ‫س ُ‬ ‫ها ا ْ‬
‫في َ‬ ‫ِ‬
‫فحركة الفتوحات في عهد الفاروق التي قللام‬
‫بهللا الصللحابة تشللهد علللى احللترام السلللم‬
‫للديان الخللرى‪ ،‬وحللرص القيللادة العليللا علللى‬
‫عدم إكراه أحد في الدخول في السلم‪ ،‬حللتى‬
‫إن الفللاروق نفسلله جللاءته ذات يللوم امللرأة‬
‫نصرانية عجوز كانت لها حاجة عنده فقال لها‪:‬‬
‫أسلمي تسلمي؛ إن الللله بعللث محمللدا ً بللالحق‪،‬‬
‫ي أقللرب‪،‬‬ ‫فقالت‪ :‬أنا عجوز كبيرة‪ ،‬والمللوت إل ل ّ‬
‫فقضللى حاجتهللا‪ ،‬ولكنلله خشللي أن يكللون فللي‬
‫مسلكه هذا ما ينطوي علللى اسللتغلل حاجتهللا‬
‫لمحاولة إكراهها على السلم‪ ،‬فاستغفر الللله‬
‫ممللا فعللل وقللال‪ :‬اللهللم إنللي أرشللدت ولللم‬
‫أكللره)‪ ،(460‬وكللان لعمللر رضللي الللله عنلله عبللد‬
‫دث فقال‪ :‬كنللت عبللدا ً‬ ‫نصراني اسمه )أشق( ح ّ‬
‫نصرانيا ً لعمر‪ ،‬فقال أسلللم حللتى نسللتعين بللك‬

‫‪ ()460‬معاملة غير المسلمين في المجتمع السلمي إدوارغالي ص‬


‫‪.41‬‬
‫على بعض أمور المسلمين‪ ،‬لنلله ل ينبغللي لنللا‬
‫أن نسللتعين علللى أمللورهم بمللن ليللس منهللم‪،‬‬
‫فللأبيت فقللال‪) :‬ل إكللراه فللي الللدين(‪ .‬فلمللا‬
‫حضللرته الوفللاة أعتقنللي وقللال‪ :‬اذهللب حيللث‬
‫شللئت)‪ ،(461‬وقللد كللان أهللل الكتللاب يمارسللون‬
‫شعائر دينهم وطقوس عبادتهم فللي معابللدهم‬
‫وبيللوتهم‪ ،‬ولللم يمنعهللم أحللد مللن ذلللك لن‬
‫الشريعة السلللمية حفظللت لهللم حللق الحريللة‬
‫فللي العتقللاد‪ ،‬وقللد أورد الطللبري فللي العهللد‬
‫الذي كتبه عمللر بللن الخطللاب رضللي الللله عنلله‬
‫لهل إيليللا )القللدس( ونللص فيلله علللى إعطللاء‬
‫الملان لهلل إيليلاء علللى أنفسلهم وأمللوالهم‬
‫وصلللبانهم وكنائسللهم)‪،(462‬وكتللب والللي عمللر‬
‫بمصر عمرو بن العاص لهللل مصللر عهللدا ً جللاء‬
‫فيه؛ بسم الله الرحمن الرحيم‪ ،‬هذا ما أعطللى‬
‫عمرو بن العاص أهللل مصللر مللن المللان علللى‬
‫أنفسهم وملتهم وأموالهم وكنائسهم وصلبهم‬
‫وبرهم وبحرهم وأكد ذلك العهللد بقللوله‪ :‬علللى‬
‫ماضي هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة‬
‫الخليفة أميللر المللؤمنين وذمللم المللؤمنين)‪،(463‬‬
‫وقد اتفق الفقهاء)‪ ،(464‬علللى أن لهللل الذمللة‬
‫لهلللم ممارسلللة شلللعائرهم الدينيلللة وأنهلللم ل‬
‫يمنعللون مللن ذلللك مللالم يظهللروا‪ ،‬فللإن أرادوا‬
‫ممارسللة شللعائرهم إعلن لا ً وجهللرا ً كللإخراجهم‬
‫الصلللبان يللرون منعهللم مللن ذلللك فللي أمصللار‬
‫نظام الحكم في الشريعة والتاريخ السلمي )‪.(1/58‬‬ ‫‪()461‬‬
‫تاريخ الطبري )‪.(158 /4‬‬ ‫‪()462‬‬
‫البداية والنهاية )‪.(98 /7‬‬ ‫‪()463‬‬
‫السلطة التنفيذية د‪ .‬محمد الدهلوي )‪.(725 /2‬‬ ‫‪()464‬‬
‫المسللللمين‪ ،‬وعلللدم منعهلللم فلللي بللللدانهم‬
‫وقراهم)‪.(465‬‬
‫يقول الشيخ الغزالي عن كفالة السلم لحرية‬
‫المعتقد إن الحرية الدينية التي كفلها السلللم‬
‫لهل الرض‪ ،‬لم يعرف لها نظير في القللارات‬
‫الخمس‪ ،‬ولم يحدث أن انفللرد ديللن بالسلللطة‪،‬‬
‫ومنح مخالفيه في العتقاد كل أسللباب البقللاء‬
‫والزدهار‪ ،‬مثل ما صنع السلم)‪.(466‬‬
‫لقد حرص الفلاروق عللى تنفيلذ قاعلدة حريللة‬
‫العتقاد في المجتمللع ولخللص سياسللته حيللال‬
‫النصللارى واليهللود بقللوله‪ :‬وإنمللا أعطينللاهم‬
‫العهللد علللى أن نخلللي بينهللم وبيللن كنائسللهم‬
‫يقولون فيها ما بدا لهم‪ ،‬وأن ل نحملهم مللا ل‬
‫يطيقللون‪ ،‬وإن أرادهللم عللدوهم بسللوء قاتلنللا‬
‫دونهم‪ ،‬وعلى أن نخلي بينهم وبين أحكللامهم‪،‬‬
‫إل أن يأتوا راضين بأحكامنا فنحكم بينهللم وإن‬
‫غيبوا عنا لم نتعرض لهم)‪.(467‬‬
‫وقد ثبت عن عمر أنه كان شللديد التسلامح مللع‬
‫أهللل الذمللة‪ ،‬حيللث كللان يعفيهللم مللن الجزيللة‬
‫عنلدما يعجلزون علن تسلديدها‪ ،‬فقلد ذكلر أبلو‬
‫عبيد في كتاب الموال‪ :‬أن عمللر – رضللي الللله‬
‫عنه – مر بباب قوم وعليه سائل يسأل – شلليخ‬
‫كبير ضرير البصر – فضللرب عضللده مللن خلفلله‬
‫وقال من أي أهل الكتاب أنت؟ فقللال يهللودي‪،‬‬
‫قللال فمللا ألجللأك إلللى مللا أرى؟ قللال‪ :‬أسللأل‬
‫‪ ()465‬نفس المصدر )‪ (725 /2‬وقد فصل المسألة‪.‬‬
‫‪ ()466‬حقوق النسان بين تعاليم السلم وإعلن المم المتحدة‬
‫ص ‪.111‬‬
‫‪ ()467‬نظام الحكم في عهد الخلفاء الراشدين ص ‪.117‬‬
‫الجزية والحاجة والسن‪ ،‬قال‪ :‬فأخذ عمللر بيللده‬
‫وذهللب بلله إلللى منزللله فرضللخ للله بشلليء مللن‬
‫المنزل)‪ ،(468‬ثم أرسللل إلللى خللازن بيللت المللال‬
‫فقال‪ :‬انظر هذا وضرباءه فو الله ما أنصللفناه‬
‫أن أكلنا شبيبته ثم نخللذله عنللد الهللرم‪ ،‬ووضللع‬
‫عنه الجزية وعللن ضللربائه)‪ ،(469‬وقللد كتللب إلللى‬
‫ممللا ً عليهللم هللذا المللر)‪ (470‬وهللذه‬ ‫عمللاله مع ّ‬
‫الفعللال تللدل علللى عدالللة السلللم وحللرص‬
‫الفاروق أن تقوم دولته على العدالللة والرفللق‬
‫برعاياها ولو كللانوا ملن غيلر المسلللمين‪ ،‬وقللد‬
‫بقيت الحريللة الدينيللة معلم لا ً بللارزا ً فللي عصللر‬
‫الخلفللة الراشللدة‪ ،‬مكفولللة مللن قبللل الدولللة‪،‬‬
‫ومصانه بأحكام التشريع الرباني‪.‬‬
‫‪ -2‬حرية التنقل أو حرية الغدو والرواح‪:‬‬
‫حرص الفاروق على هذه الحرية حرصا ً شللديدا ً‬
‫ولكنلله قيللدها فللي بعللض الحللالت السللتثنائية‬
‫الللتي اسللتدعت ضللرورة لللذلك‪ ،‬أمللا الحللالت‬
‫الستثنائية التي جرى فيها تقييد حرية التنقل‬
‫أو حرية المأوى فهي قليلللة جللدًا‪ ،‬ويكفينللا أن‬
‫نشير إلى الحالتين نظرا ً لهميتها‪:‬‬
‫أمسك عمر كبار الصللحابة فللي المدينللة‬ ‫‪-1‬‬
‫ومنعهم من الذهاب إلى القطار المفتوحللة‬
‫إل بللإذن منلله أو لمهمللة رسللمية كتعييللن‬
‫بعضللهم ولة أو قللادة للجيللوش وذلللك حللتى‬

‫‪ ()468‬رضخ له‪ :‬أعطاه شيئا ً ليس بالكثير‪.‬‬


‫‪ ()469‬الموال لبي عبيد ص ‪ ،57‬أحكام أهل الذمة لبن القيم )‪/1‬‬
‫‪.(38‬‬
‫‪ ()470‬نصب الراية للزيلعي )‪.(453 /7‬‬
‫يتمكللن مللن أخللذ مشللورتهم والرجللوع إليهللا‬
‫فيما يصادفه من مشاكل في الحكم ويحول‬
‫في الللوقت نفسلله دون وقللوع أيللة فتنللة أو‬
‫انقسام فللي صللفوف المسلللمين فللي حللال‬
‫خروجهللم للمصللار واسللتقرارهم فيهللا)‪،(471‬‬
‫فقللد كللان مللن حكمتلله السياسللية ومعرفتلله‬
‫الدقيقة لطبائع الناس ونفسيتهم‪ ،‬أنه حصر‬
‫كبار الصحابة في المدينة‪ ،‬وقال‪ :‬أخللوف مللا‬
‫أخللاف علللى هللذه المللة انتشللاركم فللي‬
‫البلد)‪ ،(472‬وكان يعتقد أنه إذا كللان التسللاهل‬
‫فللي هللذا الشللأن‪ ،‬نجمللت الفتنللة فللي البلد‬
‫ف النللاس حللول الشخصلليات‬ ‫المفتوحة‪ ،‬والت ّ‬
‫المرموقة‪ ،‬وثارت حولها الشللبهات‪ ،‬وكللثرت‬
‫القيلللادات والرايلللات‪ ،‬وكلللان ملللن أسلللباب‬
‫الفوضللى)‪ ،(473‬لقللد خشللي عمللر رضللي الللله‬
‫عنلله‪ :‬مللن تعللدد مراكللز القللوى السياسللية‬
‫والدينية داخل الدولة السلمية‪ ،‬حيث يصللبح‬
‫لشخص هللذا الصللحابي الجليللل أو ذاك هالللة‬
‫من الجلل والحترام على رأيلله‪ ،‬ترقللى بلله‬
‫إلللى مسللتوى القللرار الصللادر مللن السلللطة‬
‫العامة‪ ،‬وتجنبا ً لتعدد مراكز القللوى‪ ،‬وتشللتت‬
‫السلطة‪ ،‬فقد رأى عمر إبقاء كبار الصللحابة‪،‬‬
‫داخل المدينة يشاركونه في صناعة القللرار‪،‬‬
‫ويتجنبون فوضللى الجتهللاد الفللردي‪ ،‬ولللول‬
‫هذا السند الشرعي لكان القرار الصادر عللن‬
‫‪ ()471‬نظام الحكم في عهد الخلفاء الراشدين ص ‪.160‬‬
‫‪ ()472‬المرتضي سيرة أمير المؤمنين لبي الحسن الندوي ص‬
‫‪.109‬‬
‫‪ ()473‬نفس المصدر ص ‪.109‬‬
‫عمر – رضي الله عنه – غيللر مجللد ول ملللزم‬
‫لفتقاده لسلببه الشلرعي الللذي يسللوغه؛ إذ‬
‫التصرف على الرعية منوط بالمصلحة)‪.(474‬‬
‫‪ -2‬وأما الحالة الثانية فقد حصلللت عنللدما أمللر‬
‫عمر بإجلء نصارى نجران ويهللود خيللبر مللن‬
‫قلللب البلد العربيللة إلللى العللراق والشللام‬
‫وسبب ذلك أن يهود خيبر ونصارى نجران لم‬
‫يلتزموا بالعهود والشروط التي أبرموها مللع‬
‫رسول الله ‪ ‬وجللددوها مللع الصللديق‪ ،‬فقللد‬
‫كللانت مقللرات يهللود خيللبر ونصللارى نجللران‬
‫أوكللارا ً للدسللائس والمكللر فكللان ل بللد مللن‬
‫إزاللللة تللللك القلع الشللليطانية‪ ،‬وإضلللعاف‬
‫قواتهم‪ ،‬أما بقية النصارى واليهللود‪ ،‬كللأفراد‬
‫فقد عاشوا في المجتمللع المللدني يتمتعللون‬
‫بكافللة حقللوقهم‪ ،‬روى الللبيهقي فللي سللننه‬
‫وعبد الرزاق بن همام الصنعاني في مصنفه‬
‫عن ابن المسلليب وابللن شللهاب‪ :‬أن رسللول‬
‫الله – ‪ -‬قال‪ :‬ل يجتمللع دينللان فللي جزيللرة‬
‫العرب‪ .‬قال مالك‪ ،‬قال ابن شهاب‪ :‬ففحللص‬
‫عن ذلك عمر بن الخطاب – رضي الله عنه –‬
‫حتى أتاه الثلج واليقين عللن رسلول الللله ‪‬‬
‫أنه قال‪ :‬ل يجتمع دينان في جزيللرة العللرب‪،‬‬
‫فأجلى يهود خيبر‪ .‬قال مالك‪ :‬قد أجلى عمر‬
‫بن الخطاب – رضي الله عنه – يهللود نجللران‬
‫وفدك)‪.(475‬‬

‫‪ ()474‬القيود الواردة على سلطة الدولة ص ‪.151‬‬


‫‪ ()475‬السنن الكبرى للبيهقي )‪ ،(208 /9‬مصنف عبد الرزاق )‪/6‬‬
‫‪.(53‬‬
‫لقد كانت نبوة النبي ‪ ‬بالنسبة للصحابة يقينا ً‬
‫ولللللللللذلك لللللللللم يسللللللللتطع اليهللللللللود‬
‫ول نصللارى نجللران أن يلللتزموا بعهللودهم مللع‬
‫المسلمين لشدة عداوتهم وبغضلهم وحسلدهم‬
‫للسلم والمسلمين‪ ،‬فللاليهود فللي خيللبر كللان‬
‫من أسباب إجلئهم ما رواه ابللن عمللر – رضللي‬
‫الله عنهما – قال‪ :‬لما فدع)‪ (476‬أهللل خيللبر عبللد‬
‫الله بن عمر قام عمر خطيبا ً فقال‪ :‬إن رسول‬
‫الللله – ‪ – ‬عامللل يهللود خيللبر علللى أمللوالهم‬
‫وقال‪ :‬نقركم ما أقركم الله‪ ،‬وإن عبد الله بللن‬
‫عمللر خللرج إلللى مللاله هنللاك فعللدي عليلله مللن‬
‫الليل‪ ،‬ففللدعت يللداه ورجله وليللس لنللا هنللاك‬
‫عللدو غيللره هللم عللدونا وتهمتنللا وقللد رأيللت‬
‫إجلءهم فلما أجمع عمللر علللى ذلللك أتللاه أحللد‬
‫بني الحقيق فقال‪ :‬يا أمير المللؤمنين أتخرجنللا‬
‫وقد أقرنا – محمد ‪ – ‬وعاملنللا علللى المللوال‬
‫وشللرط ذلللك لنللا؟ فقللال عمللر‪ :‬أظننللت أنللي‬
‫نسيت قول رسللول الللله – ‪ :- ‬كيللف بللك إذا‬
‫أخرجت من خيللبر تعللدو بللك قلوصللك)‪ ،(477‬ليلللة‬
‫بعللد ليلللة؟ فقللال‪ :‬كللان ذلللك هزيلللة مللن أبللي‬
‫القاسللم فقللال‪ :‬كللذبت ياعللدو الللله‪ .‬فللأجلهم‬
‫عمر‪ ،‬وأعطاهم قيمة ملا كلان لهلم ملن الثملر‬
‫مللال ً وإبل ً وعروض لا ً مللن أقتللاب وحبللال وغيللر‬
‫ذلللك)‪ (478‬لقللد غللدر اليهللود ونقضللوا عهللودهم‪،‬‬
‫فكللان طبيعي لا ً أن يخرجللوا مللن جزيللرة العللرب‬
‫تنفيذا ً لوصية رسول الللله فللأجلهم عمللر إلللى‬
‫‪ ()476‬فدع‪ :‬زوال المفصل‪.‬‬
‫‪ ()477‬قلوصك‪ :‬الناقة الصابرة على السير‪.‬‬
‫‪ ()478‬البخاري‪ ،‬ك الشروط‪ ،‬رقم ‪.2730‬‬
‫تيماء وأريحا‪ ،‬وأما نصارى نجران فلللم يلللتزموا‬
‫بالشروط والعهللود الللتي أبرموهللا مللع رسللول‬
‫الله ‪ ،‬وجددوها مع الصللديق؛فللأخلوا ببعضللها‬
‫وأكلوا الربا وتعاملوا به‪ ،‬فأجلهم الفاروق من‬
‫نجران إلى العراق وكتب لهم‪ :‬أما بعد ‪ ..‬فمللن‬
‫وقع به من أمراء الشام أو العراق فليوسللعهم‬
‫خريب الرض)‪ ،(479‬وما اعتملوا من شلليء فهللو‬
‫لهم لللوجه الللله وعقللب مللن أرضللهم )) فللأتوا‬
‫العلللراق فاتخلللذوا النجرانيلللة وهلللي قريلللة‬
‫بالكوفللة)‪ ،(480‬وذكللر أبللو يوسللف أن الفللاروق‬
‫خاف من النصارى على المسلمين)‪ ،(481‬وبللذلك‬
‫تتجللللى سياسلللة الفلللاروق فيملللا فعلللل ملللن‬
‫إخراجهم بعد توفر أسللباب أخللرى إضللافة إلللى‬
‫وصية رسول الللله ‪ ،‬ويتجلللى فقلله الفللاروق‬
‫فللي تللوجيه الضللربات المركللزة إلللى مقللرات‬
‫اليهود في خيبر‪ ،‬والنصارى في نجران بعللد أن‬
‫وجد المبررات اللزمللة لخراجهللم مللن جزيللرة‬
‫العرب بللدون ظلللم أو عسللف أو جللور‪ ،‬وهكللذا‬
‫منع أوكار الدسائس والمكر من أن تأخذ نفسا ً‬
‫طويل ً للتخطيط ملن أجلل القضلاء عللى دوللة‬
‫السلم الفتية‪.‬‬
‫‪ -3‬حق المن‪ ،‬وحرمة المسكن‪ ،‬وحرية الملكية‪:‬‬
‫إن السلم أقر حق المن في العديد من‬
‫اليات القرآنية والحاديث النبوية‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫ن ‪) ‬البقرة‪ ،‬آية‪.(193:‬‬
‫مي َ‬ ‫عَلى ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫ن إ ِل ّ َ‬
‫وا َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫فل َ ُ‬
‫عدْ َ‬

‫‪ ()479‬أي يقطعهم من الرض التي ل زرع فيها ول شجر‪.‬‬


‫‪ ()480‬الموال لبي عبيد ص ‪.245‬‬
‫‪ ()481‬الخراج لبي يوسف ص ‪.79‬‬
‫عل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫دوا َ‬
‫عت َ ُ‬
‫فا ْ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫دى َ‬
‫عت َ َ‬
‫نا ْ‬
‫م ْ‬ ‫ف َ‬‫ا‪َ  :‬‬ ‫وقال أيض ً‬
‫م ‪) ‬البقرة‪ ،‬آية ‪ .(194‬وقد‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬
‫دى َ‬
‫عت َ َ‬
‫ما ا ْ‬ ‫مث ْ ِ‬
‫ل َ‬ ‫بِ ِ‬
‫عرف السلم أيضا ً حق الحياة الذي هو أوسع‬
‫من حق المن‪ ،‬لن هذا الخير يتضمن فعل ً‬
‫سلبيا ً من جانب الدولة يعبر عنه بالمتناع عن‬
‫العتداء أو التهديد في حين أن حق الحياة‬
‫يتضمن علوة على ذلك فعل ً إيجابيا ً وهو‬
‫حماية النسان ودمه من أي اعتداء أو تهديد‬
‫ويجعل هذه الحماية مسؤولية عامة ملقاة‬
‫على عاتق الناس كافة‪ ،‬لن العتداء بدون حق‬
‫على أحدهم هو بمثابة العتداء عليهم‬
‫ً)‪(482‬‬
‫ر‬
‫غي ْ ِ‬
‫سا ب ِ َ‬ ‫ل نَ ْ‬
‫ف ً‬ ‫ن َ‬
‫قت َ َ‬ ‫‪ ،‬قال تعالى‪َ  :‬‬
‫م ْ‬ ‫جميعا‬
‫في الرض َ َ‬ ‫َ‬
‫عا‬
‫مي ً‬
‫ج ِ‬
‫س َ‬ ‫قت َ َ‬
‫ل الّنا َ‬ ‫ما َ‬ ‫فك َأن ّ َ‬ ‫ساٍد ِ‬ ‫ف َ‬‫و َ‬ ‫سأ ْ‬ ‫ف ٍ‬ ‫نَ ْ‬
‫عا ‪) ‬المائدة‪،‬آية‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مي ً‬‫ج ِ‬
‫س َ‬ ‫حَيا الّنا َ‬ ‫فك َأن ّ َ‬
‫ما أ ْ‬ ‫ها َ‬‫حَيا َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬
‫و َ‬‫َ‬
‫‪ .(32‬ومن المنطلق القرآني والممارسة النبوية‬
‫تكفل الفاروق في عهده للفراد بحق المن‬
‫وحق الحياة وسهر على تأمينهما وصيانتهما‬
‫من أي عبث أو تطاول وكان الفاروق رضي‬
‫الله عنه يقول‪) :‬إني لم أستعمل عليكم‬
‫عمالي ليضربوا أبشاركم ويشتموا أعراضكم‬
‫ويأخذوا أموالكم‪ ،‬ولكن استعملتهم ليعلموكم‬
‫كتاب ربكم وسنة نبيكم فمن ظلمه عامله‬
‫)‪(483‬‬
‫‪،‬‬ ‫ي حتى أقصه منه‬
‫بمظلمة فليرفعها إل ّ‬
‫وجاء عن عمر أيضا ً قوله‪ :‬ليس الرجل بمأمون‬
‫على نفسه أن أجعته أو أخفته أو حبسته أن‬
‫يقر على نفسه)‪ ،(484‬وقوله هذا يدل على عدم‬
‫‪ ()482‬نظام الحكم في عهد الراشدين ص ‪.163‬‬
‫‪ ()483‬نظام الحكم في عهد الراشدين ص ‪.164‬‬
‫‪ ()484‬نفس المصدر ص ‪.165‬‬
‫جواز الحصول على القرار والعتراف من‬
‫مشتبه به في جريمة تحت الضغط أو التهديد‬
‫سواء أكانت الوسيلة المستعملة بذلك مادية‬
‫)كحرمانه من عطائه أو مصادرة أمواله( أو‬
‫معنوية )كاللجوء إلى تهديده أم تخويفه بأي‬
‫نوع من العقاب( وجاء في كتابه لبي موسى‬
‫الشعري بصفته قاضيًا‪ :‬واجعل للمدعي حقا ً‬
‫غائبا ً أو بينة أمدا ً ينتهي إليه فإن أحضر بينته‬
‫أخذت له بحقه وإل وجهت عليه القضاء فإن‬
‫ذلك أنفى للشك()‪ (485‬وهذا القول يدل على أن‬
‫حق الدفاع كان محترما ً ومصانا ً)‪ ،(486‬وفيما‬
‫يتعلق بحرمة المسكن‪ ،‬فإن الله سبحانه حرم‬
‫دخول البيوت والمساكن بغير موافقة أهلها أو‬
‫بغير الطريقة المألوفة لدخولها‪ ،‬فقال‬
‫غي َْر ب ُُيوت ِك ُ ْ‬
‫م‬ ‫خُلوا ب ُُيوًتا َ‬ ‫سبحانه بهذا الشأن ‪ ‬ل َ ت َدْ ُ‬
‫م‬ ‫خي ٌْر ل َك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ها ذَل ِك ُ ْ‬ ‫هل ِ َ‬ ‫عَلى أ َ ْ‬ ‫موا َ‬ ‫سل ّ ُ‬‫وت ُ َ‬ ‫سوا َ‬
‫ْ‬
‫ست َأن ِ ُ‬ ‫حّتى ت َ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫فل َ‬ ‫دا َ‬‫َ ً‬ ‫ح‬ ‫أ‬ ‫ها‬‫َ‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫دوا‬ ‫ِ ُ‬ ‫ج‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫م‬‫ِ ْ ْ‬‫ل‬ ‫ن‬‫إ‬ ‫ف‬‫َ‬ ‫‪0‬‬ ‫(‬ ‫‪27‬‬ ‫ن)‬ ‫َ‬ ‫رو‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ذ‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ل‬‫ع‬‫لَ َ‬
‫عوا‬ ‫ج ُ‬ ‫م اْر ِ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫قي َ‬ ‫ن ِ‬ ‫وإ ِ ْ‬‫م َ‬‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫حّتى ي ُ ْ‬
‫ؤذ َ َ‬ ‫ها َ‬ ‫خُلو َ‬ ‫ت َدْ ُ‬
‫م ‪) ‬النور‪ ،‬آية‪.(28-27 :‬‬ ‫كى ل َك ُ ْ‬ ‫و أ َْز َ‬‫ه َ‬ ‫عوا ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫فاْر ِ‬ ‫َ‬
‫)البقرة‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫ها‬
‫واب ِ َ‬
‫َ‬
‫ن أب ْ َ‬
‫م ْ‬
‫ت ِ‬
‫ْ‬
‫وأُتوا ال ْب ُُيو َ‬‫َ‬ ‫وقال أيضا ً‪ ‬‬
‫‪ ،(189‬كما قال‪:‬‬
‫سوا ‪ ‬وقد كانت حرمة المسكن‬ ‫‪‬ول َتج ّ‬
‫س ُ‬
‫مكفولة ومصانة في عهد الفاروق وعصر‬
‫الخلفاء الراشدين)‪ ،(487‬وأما حرية الملكية فقد‬
‫‪ ()485‬القضاء ونظامه في الكتاب والسنة د‪ .‬عبد الرحمن الحميض‬
‫ص ‪.48‬‬
‫‪ ()486‬نظام الحكم في عهد الراشدين ص ‪.165‬‬
‫‪ ()487‬نفس المصدر ص ‪.168‬‬
‫كانت مكفولة ومصانة في عصر الراشدين‬
‫ضمن أبعد الحدود التي تقرها الشريعة‬
‫السلمية في هذا المجال فحين اضطر عمر‬
‫رضي الله عنه‪ ،‬لسباب سياسية وحربية بإجلء‬
‫نصارى نجران ويهود خيبر من قلب شبه‬
‫الجزيرة العربية‪ ،‬إلى العراق والشام أمر‬
‫بإعطائهم أرضا ً كأرضهم في الماكن التي‬
‫انتقلوا إليها احتراما ً منه وإقرارا ً لحق الملكية‬
‫الفردية الذي يكفله السلم لهل الذمة مثلما‬
‫يكفله للمسلمين)‪ ،(488‬وعندما اضطر عمر إلى‬
‫نزع ملكية بعض الدور من أجل العمل على‬
‫توسيع المسجد الحرام في مكة‪ ،‬ولم يكن‬
‫دفعه للتعويض العادل إل اعترافا ً منه وإقرارا ً‬
‫بحق الملكية الفردية التي ل يجوز مصادرتها‬
‫حتى في حالة الضرورة إل بعد إنصاف‬
‫أصحابها)‪ ،(489‬وحرية الملكية لم تكن في عهد‬
‫الراشدين مطلقة وإنما هي مقيدة بالحدود‬
‫الشرعية وبمراعاة المصلحة العامة‪ ،‬فقد روي‬
‫أن بلل ً بن الحارث المزني جاء إلى رسول‬
‫الله ‪ ‬يطلب منه أن يستقطعه أرضًا‪،‬‬
‫فأقطعه أرضا ً طويلة عريضة‪ ،‬فلما آلت‬
‫الخلفة إلى عمر رضي الله عنه‪ ،‬قال له‪ :‬يا‬
‫بلل‪ ،‬إنك استقطعت رسول الله ‪ ‬أرضا ً‬
‫طويلة عريضة فقطعها لك‪ ،‬وإن رسول الله‬
‫‪ ‬لم يكن يمنع شيئا ً يسأله‪ ،‬وأنت ل تطيق ما‬
‫في يدك فقال أجل‪ :‬فقال عمر‪ :‬فانظر ما‬
‫قويت عليه منها فأمسكه‪ ،‬وما لم تطق وما لم‬
‫‪ () 488‬نفس المصدر ص ‪.189‬‬
‫‪ () 489‬نفس المصدر ص ‪.190‬‬
‫تقو عليه فادفعه إلينا نقسمه بين المسلمين‪،‬‬
‫فقال ل أفعل والله شيئا ً أقطعنيه رسول الله‬
‫‪ ،‬فقال عمر‪ :‬والله لتفعلن‪ ،‬فأخذ عمر ما‬
‫)‪(490‬‬
‫عجز عن عمارته فقسمه بين المسلمين‬
‫وهنا يدل على أن الملكية الفردية مرتبطة‬
‫ارتباطا ً وثيقا ً بمصلحة الجماعة فإن أحسن‬
‫المالك القيام بما يتطلبه معنى الستخلف‬
‫في الرعاية والستثمار فليس لحد أن ينازعه‬
‫ملكه‪ ،‬وإل فإن لولي المر أن يتصرف بما‬
‫يحول دون إهماله)‪.(491‬‬
‫‪ -4‬حرية الرأي‪:‬‬
‫كفل السلم للفرد حرية الرأي كفالة تامة‪،‬‬
‫وقد كانت هذه الحرية مؤمنة ومصانة في عهد‬
‫الخلفاء الراشدين‪ ،‬فكان عمر رضي الله عنه‬
‫يترك الناس يبدون آراءهم السديدة ول‬
‫يقيدهم ول يمنعهم من الفصاح عما تكنه‬
‫صدورهم)‪ ،(492‬ويترك لهم فرصة الجتهاد في‬
‫المسائل التي ل نص فيها‪ ،‬فعن عمر أنه لقي‬
‫رجل ً فقال‪ :‬ما صنعت؟ قال؟ قضى علي وزيد‬
‫بكذا قال‪ :‬لو كنت أنا لقضيت بكذا‪ ،‬قال‪ :‬فما‬
‫منعك والمر إليك؟ قال‪ :‬لو كنت أردك إلى‬
‫كتاب الله أو إلى سنة نبيه ‪ ‬لفعلت‪ ،‬ولكني‬
‫أردك إلى رأي‪ ،‬والرأي مشترك ما قال علي‬
‫وزيد)‪ ،(493‬وهكذا ترك الفاروق الحرية للصحابة‬
‫‪ () 490‬المغني )‪ ،(5/579‬نظام الرض‪ .‬محمد أبو يحيى ص ‪.207‬‬
‫‪ () 491‬نظام الحكم في عهد الخلفاء الراشدين‪ .‬حمد الصمد ص‬
‫‪.192‬‬
‫‪ () 492‬السلطة التنفيذية للدهلوي )‪.(2/735‬‬
‫‪ () 493‬إعلم الموقعين )‪(1/65‬‬
‫يبدون آراءهم في المسائل الجتهادية ولم‬
‫يمنعهم من الجتهاد ولم يحملهم على رأي‬
‫معين)‪ ،(494‬وكان النقد أو النصح للحاكم في‬
‫عهد الفاروق والخلفاء الراشدين مفتوحا ً على‬
‫مصراعيه‪ ،‬فقد قام الفاروق رضي الله عنه‬
‫ي‬‫يخطب فقال‪ :‬أيها الناس من رأى منكم ف ّ‬
‫اعوجاجا ً فليقومه‪ ،‬فقام له رجل وقال‪ :‬والله‬
‫لو رأينا فيك اعوجاجا ً لقومناه بسيوفنا‪ ،‬فقال‬
‫عمر‪ :‬الحمد لله الذي جعل في هذه المة من‬
‫يقوم اعوجاج عمر بسيفه)‪ ،(495‬وقد جاء في‬
‫خطبة عمر لما تولى الخلفة‪ :‬أعينوني على‬
‫نفسي بالمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪،‬‬
‫وإحضاري النصيحة)‪ ،(496‬واعتبر الفاروق‬
‫ممارسة الحرية السياسية البناءة )النصيحة(‬
‫تعد واجبا ً على الرعية ومن حق الحاكم أن‬
‫يطالب بها‪ :‬أيها الرعية إن لنا عليكم حقًا‪:‬‬
‫النصيحة بالغيب والمعاونة على الخير)‪،(497‬‬
‫وكان يرى أن من حق أي فرد في المة أن‬
‫يراقبه ويقوم اعوجاجه ولو بحد السيف إن هو‬
‫حاد عن الطريق‪ ،‬فقال‪ :‬أيها الناس من رأى‬
‫ي اعوجاجا ً فليقومه)‪ ،(498‬وكان يقول‪:‬‬ ‫منكم ف ّ‬
‫)‪(499‬‬
‫‪،‬‬ ‫ي عيوبي‬
‫ي من رفع إل ّ‬
‫أحب الناس إل ّ‬
‫وقال أيضًا‪ :‬إني أخاف أن أخطئ فل يردني‬
‫‪ () 494‬السلطة التنفيذية للدهلوي )‪.(2/738‬‬
‫‪ () 495‬أخبار عمر ص ‪ ،332 ،331‬نقل ً عن الرياض النضرة‪.‬‬
‫‪ () 496‬نظام الحكم في عهد الخلفاء الراشدين ص ‪.197‬‬
‫‪ () 497‬نفس المصدر ص ‪.197‬‬
‫‪ () 498‬نفس المصدر ص ‪.197‬‬
‫‪ () 499‬نفس المصدر ص ‪ 198‬الشيخان أبو بكر وعمر من رواية‬
‫البلذري ص ‪.231‬‬
‫أحد منكم تهيبا ً مني)‪ ،(500‬وجاءه يوما ً رجل‬
‫فقال له على رؤوس الشهاد‪ :‬اتق الله يا‬
‫عمر‪ :‬فغضب بعض الحاضرين من قوله وأرادوا‬
‫أن يسكتوه عن الكلم‪ ،‬فقال لهم عمر‪ :‬ل خير‬
‫فيكم إذا لم تقولوها ول خير فينا إذا لم‬
‫نسمعها)‪ ،(501‬ووقف ذات يوم يخطب في‬
‫الناس فما كاد يقول‪) :‬أيها الناس اسمعوا‬
‫ل‪ :‬ل سمع‬ ‫وأطيعوا( حتى قاطعه أحدهم قائ ً‬
‫ول طاعة يا عمر‪ ،‬فقال عمر بهدوء‪ :‬لم يا عبد‬
‫الله؟ قال‪ :‬لن كل ً منا أصابه قميص واحد من‬
‫القماش لستر عورته‪ .‬فقال له عمر‪ :‬مكانك‪،‬‬
‫ثم نادى ولده عبد الله بن عمر‪ ،‬فشرح عبد‬
‫الله أنه قد أعطى أباه نصيبه من القماش‬
‫ليكمل به ثوبه‪ ،‬فاقتنع الصحابة وقال الرجل‬
‫في احترام وخشوع‪ :‬الن السمع والطاعة يا‬
‫أمير المؤمنين)‪ (502‬وخطب ذات يوم‪ ،‬فقال‪ :‬ل‬
‫تزيدوا في مهور النساء على أربعين أوقية‪،‬‬
‫وإن كانت بنت ذي القصة –يعني يزيد بن‬
‫الحصين‪ -‬فمن زاد ألقيت الزيادة في بيت‬
‫المال‪ ،‬فقالت امرأة معترضة على ذلك‪ :‬ما‬
‫ذاك لك قال‪ :‬ولم؟ قالت‪ :‬لن الله تعالى قال‪:‬‬
‫شي ًْئا‬
‫ه َ‬
‫من ْ ُ‬
‫ذوا ِ‬ ‫فل َ ت َأ ْ ُ‬
‫خ ُ‬ ‫قن َ‬
‫طاًرا َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ه ّ‬ ‫دا ُ‬
‫ح َ‬
‫م إِ ْ‬ ‫وآت َي ْت ُ ْ‬‫‪َ ‬‬
‫ما ُمِبيًنا)‪)  (20‬النساء‪،‬آية‪.(20:‬‬ ‫وإ ِث ْ ً‬
‫هَتاًنا َ‬‫ه بُ ْ‬‫ذون َ ُ‬ ‫خ ُ‬‫أ َت َأ ْ ُ‬
‫فقال عمر‪ :‬امرأة أصابت ورجل أخطأ)‪،(503‬‬

‫‪ () 500‬نفس المصدر ص ‪.198‬‬


‫‪ () 501‬نفس المصدر ص ‪.200‬‬
‫‪ () 502‬عيون الخبار )‪ (1/55‬نقل ً عن محض الصواب )‪.(2/579‬‬
‫‪ () 503‬تفسير ابن كثير )‪ (2/213‬عزاه للزبير بن بكار وفيه‬
‫انقطاع‪ ،‬أخرجه أبو حاتم في مسنده والبيهقي في السنن‬
‫وجاء في رواية‪ :‬أنه قال‪ :‬اللهم غفرا ً كل‬
‫إنسان أفقه من عمر‪ ،‬ثم رجع فركب المنبر‬
‫فقال‪ :‬أيها الناس إني كنت نهيتكم أن تزيدوا‬
‫النساء في صدقاتهن على أربع مئة درهم‪،‬‬
‫فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب وطابت‬
‫به نفسه فليفعل)‪ (504‬وليست حرية الرأي‬
‫مطلقة في نظر الشريعة فليس للنسان أن‬
‫يفصح في كل ما يشاء‪ ،‬بل هي مقيدة بعدم‬
‫مضرة الخرين بإبداء الرأي‪ ،‬سواء كان الضرر‬
‫عاما ً أو خاصًا‪ ،‬ومما منعه عمر رضي الله عنه‬
‫وحظره وقيده‪.‬‬
‫‪ (1‬الراء الضالة المضلة في الدين واتباع المتشابهات‪ :‬ومن‬
‫)‪(505‬‬
‫ذلك قصة النبطي الذي أنكر القدر بالشام‬
‫فقد اعترض على عمر –رضي الله عنه‪ -‬وهو‬
‫يخطب بالشام حينما قال عمر‪ :‬ومن يضلل‬
‫الله فل هادي له‪ ،‬فاعترض النبطي منكرا ً‬
‫ل‪ :‬إن الله ل يضل أحدًا! فهدده عمر‬ ‫للقدر‪ ،‬قائ ً‬
‫بالقتل إن أظهر مقولته القدرية مرة‬
‫أخرى)‪ ،(506‬وعن السائب بن يزيد أنه قال‪ :‬أتى‬
‫رجل عمر بن الخطاب –رضي الله عنه‪ -‬فقال‪:‬‬
‫ت ذَْر ً‬
‫وا)‪(1‬‬ ‫رَيا ِ‬
‫ذا ِ‬ ‫يا أمير المؤمنين‪َ  :‬‬
‫وال ّ‬
‫قًرا)‪)  (2‬الذاريات‪،‬آية‪ (21:‬فقال عمر‬ ‫و ْ‬ ‫مل َ ِ‬
‫ت ِ‬ ‫فال ْ َ‬
‫حا ِ‬ ‫َ‬
‫–رضي الله عنه‪ -‬أنت هو؟ فقام إليه‬

‫وقال مرسل جيد‪.‬‬


‫‪ () 504‬قال أبو يعلى إسناده جيد‪ ،‬مجمع الزوائد )‪.(4/283‬‬
‫‪ () 505‬هو قسطنطين الجاثليق بطريق الشام‪.‬‬
‫‪ () 506‬الهواء والفرق والبدع وموقف السلف منها د‪.‬ناصر العقل‬
‫ص ‪.223‬‬
‫وحسر)‪ ،(507‬عن ذراعيه‪ ،‬فلم يزل يجلده حتى‬
‫سقطت عمامته‪ ،‬فقال‪ :‬والذي نفس عمر بيده‬
‫لو وجدتك محلوقا ً لضربت رأسك‪ ،‬ألبسوه‬
‫قْتب)‪ ،(508‬ثم اخرجوا حتى‬ ‫ثيابه‪ ،‬واحملوه على ِ‬
‫تقدموا به بلده‪ ،‬ثم ليقم خطيبا ً ثم ليقل‪ :‬إن‬
‫صبيغا ً)‪،(509‬ابتغى العلم فأخطأه‪ ،‬فلم يزل‬
‫وضيعا ً في قومه حتى هلك)‪.(510‬‬
‫ب( والوقوع في أعراض الناس بدعوى الحرية‪:‬‬
‫)‪(511‬‬
‫وقد حبس عمر –رضي الله عنه‪ -‬الحطيئة‬
‫من أجل هجائه الزبرقان بن بدر)‪ (512‬بقوله‪:‬‬
‫واقعد فإنك‬ ‫دع المكارم ل ترحل لبغيتها‬
‫)‪(513‬‬
‫أنت الطاعم الكاسي‬
‫لنه شبهه بالنساء في أنهن يطعمن ويسقين‬
‫ويكسين)‪ (514‬وقد توعد عمر الحطيئة بقطع لسانه‬
‫إذا تمادى في هجو المسلمين ونهش أعراضهم‪،‬‬
‫وقد استعطفه الحطيئة وهو في سجنه بشعر‬
‫منه قوله‪:‬‬

‫‪ () 507‬حسر عن ذراعيه‪ :‬أي أخرجهما من كميه‪.‬‬


‫‪ () 508‬القتب‪ :‬إكاف البعير‪.‬‬
‫‪ () 509‬هو صبيغ بن عسيل الحنظلي‪ ،‬سأل عمر عن متشابه القرآن‬
‫واتهمه عمر برأي الخوارج‪.‬‬
‫‪ () 510‬شرح أصول اعتقاد أهل السنة الللكائي )‪.(635 ،634 /30‬‬
‫‪ () 511‬الحطيئة‪ :‬هو جرول بن مالك بن جرول لقب بالحطيئة‬
‫لقصره‪.‬‬
‫‪ () 512‬الزبرقان بن بدر التميمي صحابي وله رسول الله صدقات‬
‫قومه‪.‬‬
‫‪ () 513‬السلطة التنفيذية )‪.(2/745‬‬
‫‪ () 514‬تفسير القرطبي )‪.(174 ،12/173‬‬
‫زغب الحواصل ل‬ ‫ماذا أقول لفراخ‬
‫ماء ول شجر‬ ‫بذي مرخ‬
‫فاغفر عليك سللم‬ ‫ألقيت كاسبهم‬
‫الله يا عمر‬ ‫في قعر مظلمة‬
‫مقاليدأل‬ ‫ألقى إليك‬
‫وأخذ عليه‬ ‫الذيوخلى سبيله‪،‬‬
‫الميرعمر‬
‫له قلب‬ ‫أنت‬
‫فرق‬
‫‪ ،‬وقد ورد أن‬ ‫)‪(515‬‬
‫يهجو أحدا ً من المسلمين‬
‫الفاروق اشترى أعراض المسلمين من الحطيئة‬
‫بمبلغ ثلثة آلف درهم حتى قال ذلك الشاعر‪:‬‬
‫شتمي وأصبح آمنا‬ ‫أخذت أطراف‬
‫)‪(516‬‬
‫ل يفزع‬ ‫الكلم فلم تدع‬
‫ومنعتني عرض‬
‫‪ -5‬رأي عمر في الزواج بالكتابيات‪:‬‬
‫لما علم عمر رضي الله عنه أن حذيفة بن‬
‫اليمان تزوج يهودية كتب إليه‪ :‬خل سبيلها‪،‬‬
‫فكتب إليه حذيفة‪ :‬أتزعم أنها حرام فأخلي‬
‫سبيلها؟ فقال ل أزعم أنها حرام‪ ،‬ولكني‬
‫أخاف أن تعاطوا المومسات منهن‪ :‬وفي‬
‫رواية إني أخشى أن تدعوا المسلمات وتنكحوا‬
‫المومسات)‪.(517‬‬
‫قال أبو زهرة‪) :‬يجب أن نقرر هنا أن الولى‬
‫للمسلم أل يتزوج إل مسلمة لتمام اللفة من‬
‫كل وجه ولقد كان عمر –رضي الله عنه‪ -‬ينهى‬
‫عن الزواج بالكتابيات إل لغرض سام كارتباط‬

‫‪ () 515‬الشعر والشعراء لبن قتيبة )‪ ،(1/327‬عمر بن الخطاب د‪.‬‬


‫أحمد أبو النصر ص ‪.223‬‬
‫‪ () 516‬أصحاب الرسول )‪ (1/110‬محمود المصري‪ ،‬محض الصواب )‬
‫‪.(1/376‬‬
‫‪ () 517‬إسناده صحيح‪ ،‬تفسير ابن كثير )‪.(1/265‬‬
‫سياسي يقصد به جمع القلوب وتأليفها أو‬
‫نحو‬
‫)‪(518‬‬
‫‪.‬‬ ‫ذلك ‪(...‬‬
‫لقد بين المولى عز وجل في كتابه بأن الزواج‬
‫بالمؤمنة ولو كانت أمة أولى من الزواج‬
‫ول َ‬‫بالمشركة ولو كانت حرة قال تعالى‪َ  :‬‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫خي ٌْر ِ‬ ‫ة َ‬ ‫من َ ٌ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ُ‬ ‫م ٌ‬ ‫ول َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ّ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫حّتى ي ُ ْ‬ ‫ت َ‬ ‫كا ِ‬ ‫ر َ‬ ‫ش َِ‬ ‫م ْ‬ ‫حوا ال ْ ُ‬ ‫َتنك ِ ُ‬
‫حّتى‬ ‫ن َ‬ ‫كي َ‬ ‫ر ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫حوا ال ُ‬ ‫ول ُتنك ِ ُ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫جب َت ْك ْ‬ ‫ع َ‬ ‫وأ ْ‬ ‫ول ْ‬ ‫َ‬ ‫ة َ‬ ‫َ‬
‫رك ٍ‬ ‫ش ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ب‬ ‫ج‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ك‬ ‫ر‬ ‫ْ‬
‫ش‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫ي‬‫خ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ْ‬
‫ؤ‬ ‫م‬ ‫د‬ ‫ب‬‫ع‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫نوا‬ ‫م‬ ‫ْ‬
‫ؤ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫يُ‬
‫ة‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ولئ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫جن ّ ِ‬ ‫عو إ ِلى ال َ‬ ‫ه ي َدْ ُ‬ ‫والل ُ‬ ‫ر َ‬ ‫ن إ ِلى الّنا ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ك ي َدْ ُ‬ ‫أ ْ‬
‫ن)‬‫م ي َت َذَك ُّرو َ‬ ‫ه ْ‬ ‫عل ّ ُ‬‫س لَ َ‬ ‫ه ِللّنا ِ‬ ‫ن آَيات ِ ِ‬ ‫وي ُب َي ّ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ة ب ِإ ِذْن ِ ِ‬ ‫فَر ِ‬ ‫غ ِ‬‫م ْ‬ ‫وال ْ َ‬ ‫َ‬
‫‪)  (221‬البقرة‪،‬آية‪ ،(221:‬ففي هذه اليات‬
‫الكريمة ينهى الحق سبحانه وتعالى عن الزواج‬
‫بالمشركات حتى يؤمن بالله ويصدقن نبيه‪،‬‬
‫وحكم بأفضلية المة المؤمنة بالله ورسوله‬
‫‪-‬وإن كانت سوداء رقيقة الحال‪ -‬على‬
‫المشركة الحرة وإن كانت ذات جمال وحسب‬
‫ومال‪ ،‬ويمنع في المقابل المؤمنات من‬
‫الزواج بالمشركين ولو كان المشرك أحسن‬
‫من المؤمن في جماله وماله وحسبه)‪ ،(519‬وإذا‬
‫كان الزواج بالمشركة حراما ً بنص هذه الية‬
‫فإن الزواج بالكتابية جائز بنص آخر وهو قوله‬
‫تعالى‪:‬‬
‫ن‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫م ْ‬
‫ت ِ‬‫صَنا ُ‬
‫ح َ‬ ‫وال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ت َ‬
‫مَنا ِ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫م ْ‬‫ت ِ‬ ‫صَنا ُ‬‫ح َ‬‫م ْ‬ ‫وال ْ ُ‬
‫‪َ ‬‬
‫م‪)  ‬المائدة‪،‬آية‪ (5:‬وهو نص‬ ‫قب ْل ِك ُ ْ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ب ِ‬
‫ُ‬
‫أوُتوا ال ْك َِتا َ‬
‫مخصص للعموم في النص الول‪ ،‬هذا هو رأي‬

‫‪ () 518‬الحوال الشخصية لبي زهرة ص ‪.104‬‬


‫‪ () 519‬فقه الولويات دراسة في الضوابط‪ ،‬محمد الوكيلي ص ‪.77‬‬
‫الجمهور)‪ ،(520‬إل أنهم قالوا إن الزواج‬
‫بالمسلمة أفضل‪ ،‬هذا فيما إذا لم تكن هنالك‬
‫مفاسد تلحق الزوج أو البناء أو المجتمع‬
‫المسلم‪ ،‬أما إن وجدت مفاسد فإن الحكم هو‬
‫المنع‪ ،‬وهذا ماذهب إليه بعض العلماء‬
‫المعاصرين)‪ ،(521‬وهو رأي سبق إليه عمر بن‬
‫الخطاب‪ :‬إذ هو أول من منع الزواج بالكتابيات‬
‫مستندا ً في ذلك إلى حجتين‪:‬‬
‫‪ -1‬لنه يؤدي إلى كساد الفتيات المسلمات‬
‫وتعنيسهن‪.‬‬
‫‪ -2‬لن الكتابية تفسد أخلق الولد‬
‫المسلمين ودينهم وهما حجتان كافيتان في‬
‫هذا المنع‪ ،‬إل أنه إذا نظرنا إلى عصرنا فإننا‬
‫سنجد مفاسد أخرى كثيرة استجدت تجعل‬
‫هذا المنع أشد)‪ ،(522‬وقد أورد الستاذ جميل‬
‫محمد مبارك مجموعة من هذه المفاسد‬
‫منها‪:‬‬
‫‪ -1‬قد تكون للزوجة من أهل الكتاب مهمة‬
‫التجسس على المسلمين‪.‬‬
‫‪ -2‬دخول عادات الكفار إلى بلد المسلمين‪.‬‬
‫‪ -3‬تعرض المسلم للتجنس بجنسية الكفار‪.‬‬
‫‪ -4‬جهل المسلمين المتزوجين بالكتابيات‬
‫مما يجعلهم عجينة سهلة التشكيل في يد‬
‫الكتابيات‪.‬‬

‫‪ () 520‬الفقه على المذاهب الربعة‪ ،‬عبد الرحمن الجزائري )‪/5‬‬


‫‪.(76،77‬‬
‫‪ () 521‬فقه الولويات‪ ،‬محمد الوكيلي ص ‪.77‬‬
‫‪ () 522‬فقه الولويات‪ ،‬محمد الوكيلي ص ‪.78‬‬
‫شعور المتزوجين بالكتابيات بالنقص وهو‬ ‫‪-5‬‬
‫أمر أدى إليه الجهل بدين الله)‪.(523‬‬
‫وهي مفاسد كافية للستدلل على حرمة الزواج‬
‫بالكتابية في عصرنا‪.‬‬
‫إن القيود التي وضعها عمر على الزواج‬
‫بالكتابيات تنسجم مع المصالح الكبرى للدولة‬
‫والهداف العظمى للمجتمعات السلمية‪ ،‬فقد‬
‫عرفت المم الواعية ما في زواج أبنائها‬
‫بالجنبيات من المضار‪ ،‬وما يجلبه هذا الزواج من‬
‫أخطار تعيب الوطن عفوا ً أو قصدًا‪ ،‬فوضعت‬
‫لذلك قيودا ً وبالذات للذين يمثلونها في المجالت‬
‫العامة‪ ،‬وهو احتياط له مبرراته الوجيهة‪،‬‬
‫فالزوجة تعرف الكثير من أسرار زوجها إن لم‬
‫تكن تعرفها كلها‪ ،‬على قدر ما بينهم من مودة‬
‫وانسجام‪ ،‬ولقد كان لهذه الناحية من اهتمام‬
‫عمر رضي الله عنه مقام الستاذية الحازمة‬
‫الحاسبة لكل من جاء بعده كحاكم على مر‬
‫الزمان‪ ،‬إن الزواج من الكتابيات فيه مفاسد‬
‫عظيمة‪ ،‬فإنهن دخيلت علينا ويخالفننا في كل‬
‫شيء‪ ،‬وأكثرهن يبقين على دينهن‪ ،‬فل يتذوقن‬
‫حلوة السلم وما فيه من وفاء وتقدير للزوج‪،‬‬
‫قدر عمر كل ذلك بفهمه لدينه‪ ،‬وبصائب تقديره‪،‬‬
‫لطبائع البشر‪ ،‬وبحسن معرفته لما ينفع‬
‫المسلمين وما يضرهم‪ ،‬فأصدر فيه أوامره وعلى‬
‫الفور وفي حسم)‪ (524‬لقد كانت الحرية في العهد‬
‫الراشدي مصونة ومكفولة ولها حدودها وقيودها‬
‫‪ () 523‬شهيد المحراب‪ ،‬عمر التلمساني ص ‪.214‬‬
‫‪ () 524‬شهيد المحراب التلمساني ص ‪.214‬‬
‫ولذلك ازدهر المجتمع وتقدم في مدار الرقي‪،‬‬
‫فالحرية حق أساسي للفرد والمجتمع‪ ،‬يتمتع بها‬
‫في تحقيق ذاته وإبراز قدراته‪ ،‬وسلب الحرية‬
‫من المجتمع سلب لهم مقوماته فهو أشبه‬
‫بالموات‪.‬‬
‫إن الحرية في السلم إشعاع داخلي مل جنبات‬
‫النفس النسانية بارتباطها بالله‪ ،‬فارتفع‬
‫النسان بهذا الرتباط إلى درجة السمو والرفعة‪،‬‬
‫فأصبحت النفس تواقة لفعل الصالحات‬
‫والمسارعة في الخيرات ابتغاء رب الرض‬
‫والسماوات‪ ،‬فالحرية في المجتمع السلمي‬
‫دعامة من دعائمه تحققت في المجتمع الراشدي‬
‫في أبهى صور انعكست أنوارها على صفحات‬
‫الزمان)‪.(525‬‬
‫ثامنًا‪ :‬نفقات الخليفة‪ ،‬والبدء بالتاريخ الهجري ولقب أمير‬
‫المؤمنين‪:‬‬

‫‪ -1‬نفقات الخليفة‪:‬‬
‫لما كانت الخلفة دينا وقربة يتقرب بها إلى‬
‫الله تعالى‪ ،‬فإن من يتولها ويحسن فيها فإنه‬
‫يرجى له مثوبته‪ ،‬وجزاؤه عند الله سبحانه‬
‫وتعالى‪ ،‬فإنه يجازي المحسن‪ ،‬بإحسانه‪،‬‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫والمسيء بإساءته)‪ ،(526‬قال تعالى‪َ  :‬‬
‫ف َ‬
‫ه‬
‫عي ِ ِ‬
‫س ْ‬
‫ن لِ َ‬ ‫فل َ ك ُ ْ‬
‫فَرا َ‬ ‫ن َ‬
‫م ٌ‬ ‫م ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫و ُ‬
‫ه َ‬
‫و ُ‬
‫ت َ‬
‫حا ِ‬
‫صال ِ َ‬‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬‫ل ِ‬ ‫م ْ‬
‫ع َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ن)‪)  (94‬النبياء‪،‬آية‪ (94:‬ذلك بالنسبة‬ ‫ه َ‬
‫كات ُِبو َ‬ ‫وإ ِّنا ل َ ُ‬‫َ‬
‫للجزاء الخروي‪ ،‬وأما بالنسبة للجزاء الدنيوي‬

‫‪ () 525‬المجتمع السلمي د‪ .‬محمد أبو عجوة ص ‪.245‬‬


‫‪ () 526‬السلطة التنفيذية )‪.(1/215‬‬
‫فإن الخليفة الذي يحجز منافعه الصالحة‬
‫للمة‪ ،‬ويعمل على أداء الواجب نحوها يستحق‬
‫عوضا ً على ذلك‪ ،‬إذ أن المنافع إذا حجزت‬
‫قوبلت بعوضين)‪ ،(527‬فالقاعدة الفقهية أن كل‬
‫محبوس لمنفعة غيره يلزمه نفقته‪ ،‬كمفت‬
‫وقاض ووال)‪ ،(528‬وأخذ العوض على تولي‬
‫)‪(529‬‬
‫العمال مشروع بإعطاء النبي ‪ ‬العمال‬
‫لمن وله عمل ً)‪ (530‬ولما ولي عمر بن الخطاب‬
‫أمر المسلمين بعد‬
‫أبي بكر مكث زمانًا‪ ،‬ل يأكل من بيت المال‬
‫شيئا ً حتى دخلت عليه في ذلك خصاصة‪ ،‬لم‬
‫يعد يكفيه ما يربحه من تجارته‪ ،‬لنه اشتغل‬
‫عنها بأمور الرعية‪ ،‬فأرسل إلى أصحاب رسول‬
‫الله فاستشارهم في ذلك فقال‪ :‬قد شغلت‬
‫نفسي في هذا المر فما يصلح لي فيه؟‬
‫فقال عثمان بن عفان‪ :‬كل وأطعم‪ ،‬وقال ذلك‬
‫سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل)‪ ،(531‬وقال‬
‫عمر لعلي‪ :‬ما تقول أنت في ذلك؟ قال‪ :‬غداء‬
‫وعشاء‪ ،‬فأخذ عمر بذلك‪ ،‬وقد بين عمر حظه‬
‫من بيت المال فقال‪ :‬إني أنزلت نفسي من‬
‫مال الله بمنزلة قيم اليتيم‪ ،‬إن استغنيت عنه‬
‫تركت‪ ،‬وإن افتقرت إليه أكلت بالمعروف)‪،(532‬‬
‫وجاء في رواية أن عمر خرج على جماعة من‬
‫الصحابة فسألهم‬
‫المبسوط )‪ ،(15/147،166‬المغني )‪.(5/445‬‬ ‫‪() 527‬‬
‫السلطة التنفيذية )‪.(1/215‬‬ ‫‪() 528‬‬
‫العمالة‪ :‬بالضم‪ ،‬رزق العامل‪.‬‬ ‫‪() 529‬‬
‫السلطة التنفيذية )‪.(1/216‬‬ ‫‪() 530‬‬
‫سعيد بن زيد العدوي أحد العشرة المبشرين بالجنة‪.‬‬ ‫‪() 531‬‬
‫سنده صحيح‪ ،‬الخلفة الراشدة د‪ .‬يحيى اليحيى ص ‪.270‬‬ ‫‪() 532‬‬
‫ما ترونه يحل لي من مال الله؟ أو قال‪ :‬من‬
‫هذا المال؟ فقالوا‪ :‬أمير المؤمنين أعلم بذلك‬
‫منا‪ ،‬قال إن شئتم أخبرتكم ما أستحل منه‪ ،‬ما‬
‫أحج وأعتمر عليه من الظهر‪ ،‬وحلتي في‬
‫الشتاء وحلتي في الصيف‪ ،‬وقوت عيالي‬
‫شبعهم‪ ،‬وسهمي في المسلمين‪ ،‬فإنما أنا‬
‫رجل من المسلمين‪ ،‬قال معمر‪ :‬وإنما كان‬
‫الذي يحج عليه ويعتمر بعيرا ً واحدا ً)‪ ،(533‬وقد‬
‫ضرب الخليفة الراشد الفاروق للحكام أروع‬
‫المثلة في أداء المانة فيما تحت أيديهم‪ ،‬فقد‬
‫روى أبو داود عن مالك بن أوس بن الحدثان‬
‫قال‪ :‬ذكر عمر بن الخطاب يوما ً الفيء فقال‪:‬‬
‫ما أنا بأحق بهذا الفيء منكم‪ ،‬وما أحد منا‬
‫بأحق به من أحد‪ ،‬إل أنا على منازلنا من كتاب‬
‫الله عز وجل وقسم رسول الله ‪ ‬فالرجل‬
‫وقدمه‪ ،‬والرجل وبلؤه‪ ،‬والرجل وعياله‪،‬‬
‫والرجل وحاجته)‪ ،(534‬وعن الربيع بن زياد‬
‫الحارثي أنه وفد إلى عمر بن الخطاب رضي‬
‫الله عنه فأعجبته هيئته ونحوه‪ ،‬فقال‪ :‬يا أمير‬
‫المؤمنين إن أحق الناس بطعام لين‪ ،‬ومركب‬
‫لين‪ ،‬وملبس لين لنت ‪-‬وكان أكل طعاما ً‬
‫غليظًا‪ -‬فرفع عمر جريدة كانت معه فضرب‬
‫بها رأسه‪ ،‬ثم قال‪ :‬أما والله ما أراك أردت بها‬
‫الله‪ ،‬ما أردت بها إل مقاربتي‪ ،‬وإن كنت‬
‫لعّلها‪ :‬لحسب أن فيك خيرًا‪ ،‬ويحك هل تدري‬
‫مثلي ومثل هؤلء؟ قال‪ :‬وما مثلك ومثلهم‪،‬‬
‫قال مثل قوم سافروا فدفعوا نفقاتهم إلى‬
‫‪ () 533‬مصنف عبد الرزاق رقم ‪ 20046‬نقل ً عن السلطة التنفيذية‪.‬‬
‫‪ () 534‬سنن أبي داود رقم ‪.2950‬‬
‫رجل منهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬أنفق علينا‪ ،‬فهل يحل له‬
‫أن يستأثر منها بشيء؟ قال‪ :‬ل يا أمير‬
‫)‪(535‬‬
‫‪ ،‬وقد‬ ‫المؤمنين‪ ،‬قال فذلك مثلي ومثلهم‬
‫استنبط الفقهاء من خلل الهدى النبوي‬
‫والعهد الراشدي مجموعة من الحكام تتعلق‬
‫بنفقات الخليفة منها‪:‬‬
‫‪-1‬أنه يجوز للخليفة أن يأخذ عوضا ً عن‬
‫عمله‪ ،‬وقد نص النووي)‪ ،(536‬وابن‬
‫العربي)‪ ،(537‬والبهوتي)‪ ،(538‬وابن‬
‫مفلح)‪ (539‬على جواز ذلك‪.‬‬
‫‪ -2‬وأن الخليفتين أبا بكر وعمر رضي الله‬
‫عنهما قد أخذا رزقا ً على ذلك‪.‬‬
‫ث‪ -‬وأن أخذ الرزق هو مقابل انشغالهما‬
‫في أمور المسلمين كما قاله‬
‫أبو بكر وعمر رضي الله عنهما‪.‬‬
‫وأن الخليفة له أن يأخذ ذلك سواء كان‬ ‫‪-3‬‬
‫)‪(540‬‬
‫‪ ،‬أن‬ ‫بحاجة إليه أول‪ ،‬ويرى ابن المنير‬
‫الفضل له أن يأخذ‪ ،‬لنه لو أخذ كان‬
‫أعون في عمله مما لو ترك‪ ،‬لنه بذلك‬
‫يكون مستشعرا ً بأن العمل واجب‬
‫عليه)‪.(541‬‬
‫‪ -2‬بدء التاريخ‪:‬‬

‫محض الصواب )‪ ،(1/383‬الطبقات الكبرى )‪.(281 ،3/280‬‬ ‫‪() 535‬‬


‫روضة الطالبين )‪.(11/137‬‬ ‫‪() 536‬‬
‫البداية والنهاية )‪.(229 ،12/228‬‬ ‫‪() 537‬‬
‫العلم للزركلي )‪.(8/249‬‬ ‫‪() 538‬‬
‫السلطة التنفيذية )‪.(1/218‬‬ ‫‪() 539‬‬
‫نفس المصدر )‪.(1/219‬‬ ‫‪() 540‬‬
‫شرح مسلم للنووي )‪.(7/137‬‬ ‫‪() 541‬‬
‫يعد التاريخ بالهجرة تطورا ً له خطره في‬
‫النواحي الحضارية‪ ،‬وكان أول من وضع التاريخ‬
‫بالهجرة عمر‪ ،‬ويحكى في سبب ذلك عدة‬
‫روايات‪ ،‬فقد جاء عن ميمون بن مهران أنه‬
‫ك محله‬ ‫ص ٌ‬
‫دفع إلى عمر رضي الله عنه َ‬ ‫قال‪ُ :‬‬
‫في شعبان‪ ،‬فقال عمر‪ :‬شعبان هذا الذي‬
‫مضى أو الذي هو آت أو الذي نحن فيه‪ ،‬ثم‬
‫جمع أصحاب رسول الله ‪ ‬فقال لهم‪ :‬ضعوا‬
‫للناس شيئا ً يعرفونه‪ ،‬فقال قائل‪ :‬اكتبوا على‬
‫تاريخ الروم فقيل‪ :‬إنه يطول وإنهم يكتبون‬
‫من عند ذي القرنين‪ ،‬فقال قائل‪ :‬اكتبوا تاريخ‬
‫الفرس قالوا‪ :‬كلما قام ملك طرح ما كان‬
‫قبله‪ ،‬فاجتمع رأيهم على أن ينظروا كم أقام‬
‫رسول الله بالمدينة فوجدوه أقام عشرة‬
‫سنين فكتب أو كتب التاريخ على هجرة رسول‬
‫الله ‪ ،(542)‬وعن عثمان بن عبيد الله)‪،(543‬‬
‫قال‪ :‬سمعت سعيد بن المسيب يقول‪ :‬جمع‬
‫عمر بن الخطاب المهاجرين والنصار رضي‬
‫الله عنهم فقال‪ :‬متى نكتب التاريخ؟ فقال له‬
‫علي بن أبي طالب رضي الله عنه‪ :‬منذ خرج‬
‫النبي ‪ ‬من أرض الشرك‪ ،‬يعني من يوم‬
‫هاجر‪ ،‬قال‪ :‬فكتب ذلك عمر بن الخطاب رضي‬
‫الله عنه)‪ ،(544‬وعن ابن المسيب قال‪ :‬أول من‬
‫كتب التاريخ عمر بن الخطاب رضي الله عنه‬
‫لسنتين ونصف من خلفته‪ ،‬فكتب لست‬

‫‪ () 542‬محض الصواب )‪ ،(1/316‬ابن الجوزي ص ‪.69‬‬


‫‪ () 543‬ابن أبي رافع مولى النبي ‪ r‬يروي عن أبيه‪.‬‬
‫‪ () 544‬المستدرك )‪ (3/14‬وصححه ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫عشرة من المحرم بمشورة على بن أبي‬
‫)‪(546‬‬
‫‪:‬‬ ‫طالب رضي الله عنه)‪ ،(545‬وقال أبو الزناد‬
‫استشار عمر في التاريخ فأجمعوا على‬
‫الهجرة)‪ ،(547‬وروى ابن حجر في سبب جعلهم‬
‫بداية التاريخ في شهر محرم وليس في ربيع‬
‫الول الشهر الذي تمت فيه هجرة النبي ‪ ‬أن‬
‫الصحابة الذين أشاروا على عمر وجدوا أن‬
‫المور التي يمكن أن يؤرخ بها أربعة‪ ،‬هي‬
‫مولده ومبعثه وهجرته ووفاته‪ ،‬ووجدوا أن‬
‫المولد والمبعث ل يخلو من النزاع في تعيين‬
‫سنة حدوثه‪ ،‬وأعرضوا عن التأريخ بوفاته لما‬
‫يثيره من الحزن والسى عند المسلمين‪ ،‬فلم‬
‫يبق إل الهجرة‪ ،‬وإنما أخروه من ربيع الول‬
‫إلى المحرم لن ابتداء العزم على الهجرة كان‬
‫من المحرم‪ ،‬إذ وقعت بيعة العقبة الثانية في‬
‫ذي الحجة‪ ،‬وهي مقدمة الهجرة‪ ،‬فكان أول‬
‫هلل استهل بعد البيعة والعزم على الهجرة‬
‫هو هلل محرم‪ ،‬فناسب أن ُيجعل مبتدأ‪ ..‬ثم‬
‫قال ابن حجر‪ :‬وهذا أنسب ما وقعت عليه من‬
‫مناسبة البتداء بالمحرم)‪.(548‬‬
‫وبهذا الحدث الداري المتميز أسهم الفاروق‬
‫في إحداث وحدة شاملة بكل ما تحمله الكلمة‬
‫من معنى في شبه الجزيرة‪ ،‬حيث ظهرت‬
‫وحدة العقيدة بوجود دين واحد‪ ،‬ووحدة المة‬

‫‪ () 545‬تاريخ السلم للذهبي ص ‪.163‬‬


‫‪ () 546‬عبد الله بن ذكوان القرشي‪ ،‬ثقة فقيه‪ ،‬التقريب ص ‪.302‬‬
‫‪ () 547‬محض الصواب )‪.(1/317‬‬
‫‪ () 548‬فتح الباري )‪ ،(7/268‬الخلفة الراشدة‪ ،‬يحيى اليحيى ص‬
‫‪.286‬‬
‫بإزالة الفوارق‪ ،‬ووحدة التجاه باتخاذ تاريخ‬
‫واحد‪ ،‬فاستطاع أن يواجه عدوه وهو واثق من‬
‫النصر)‪.(549‬‬
‫‪ -3‬لقب أمير المؤمنين‪:‬‬
‫لما مات أبو بكر رضي الله عنه وكان يدعى‬
‫خليفة رسول الله ‪ ‬فقال المسلمون‪ :‬من‬
‫جاء بعد عمر قيل له‪ :‬خليفة خليفة رسول الله‬
‫‪ ‬فيطول هذا‪ ،‬ولكن أجمعوا على اسم‬
‫دعى به من بعده من‬ ‫تدعون به الخليفة‪ ،‬ي ُ ْ‬
‫الخلفاء‪ ،‬فقال بعض أصحاب رسول الله ‪:‬‬
‫نحن المؤمنون وعمر أميرنا‪ ،‬فدعي عمر أمير‬
‫المؤمنين فهو أول من سمي بذلك)‪ ،(550‬وعن‬
‫ابن شهاب‪ :‬أن عمر بن عبد العزيز رضي الله‬
‫عنه سأل‬
‫)‪(551‬‬
‫‪ ،‬لم كان‬ ‫أبا بكر ابن سليمان بن أبي خيثمة‬
‫أبو بكر رضي الله عنه يكتب من‬
‫أبي بكر خليفة رسول الله ‪‬؟ ثم كان عمر‬
‫رضي الله عنه يكتب بعده‪ :‬من عمر بن‬
‫الخطاب خليفة أبي بكر ومن أول من كتب‬
‫أمير المؤمنين فقال‪ :‬حدثتني جدتي‬
‫الشفاء)‪ ،(552‬وكانت من المهاجرات الول‪،‬‬
‫وكان عمر إذا دخل السوق دخل عليها قال‪:‬‬

‫‪ () 549‬جولة تاريخية في عصر الخلفاء الراشدين‪ ،‬محمد الوكيل ص‬


‫‪.90‬‬
‫‪ () 550‬الطبقات الكبرى لبن سعد )‪ ،(3/281‬محض الصواب )‬
‫‪.(1/311‬‬
‫‪ () 551‬العدوي المدني‪ ،‬ثقة‪ ،‬عارف بالنسب من الثالثة‪ ،‬التقريب‬
‫ص ‪.607‬‬
‫‪ () 552‬الشفاء بنت عبد الله العدوية‪ ،‬أسلمت قبل الهجرة‪.‬‬
‫كتب عمر بن الخطاب إلى عامل بالعراق)‪،(553‬‬
‫أن ابعث إلي برجلين جلدين نبيلين‪ ،‬أسألهما‬
‫عن العراق وأهله‪ ،‬فبعث إليه صاحب العراقين‬
‫بلبيد بن ربيعة‪ ،‬وعدي بن حاتم‪ ،‬فقدما المدينة‬
‫فأناخا راحلتيهما بفناء المسجد‪ ،‬ثم دخل‬
‫المسجد فوجدا عمرو بن العاص‪ ،‬فقال له‪:‬‬
‫)ياعمرو استأذن لنا على أمير المؤمنين‪،‬‬
‫فدخل عمرو فقال السلم عليك يا أمير‬
‫المؤمنين فقال له عمر‪ :‬ما بدا لك في هذا‬
‫السم يا بن العاص؟ لتخرجن مما قلت‪ :‬قال‪:‬‬
‫نعم‪ ،‬قدم لبيد بن ربيعة وعدي بن حاتم فقال‪:‬‬
‫استأذن لنا على أمير المؤمنين فقلت‪ :‬أنتما‬
‫والله أصبتما اسمه‪ ،‬إنه أمير ونحن المؤمنون‪،‬‬
‫فجرى الكتاب من ذلك اليوم)‪ ،(554‬وفي رواية‪:‬‬
‫أن عمر رضي الله عنه قال‪ :‬أنتم المؤمنون‬
‫وأنا أميركم فهو سمى نفسه)‪ ،(555‬وبذاك يكون‬
‫عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أول من‬
‫سمي بأمير المؤمنين‬
‫وأنه لم يسبق إليه‪ ،‬وإذا نظر الباحث في كلم‬
‫أصحاب النبي ‪ ‬رأى أن جميعهم قد اتفقوا‬
‫على تسميته بهذا السم وسار له في جميع‬
‫القطار في حال وليته)‪.(556‬‬

‫محض الصواب )‪.(1/312‬‬ ‫‪() 553‬‬


‫المستدرك )‪ (82 ،3/81‬قال الذهبي صحيح‪.‬‬ ‫‪() 554‬‬
‫محض الصواب )‪.(1/312‬‬ ‫‪() 555‬‬
‫نفس المصدر )‪.(1/313‬‬ ‫‪() 556‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬صفات الفاروق‪ ،‬وحياته مع أسرته‪،‬‬
‫واحترامه لهل البيت‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ل‪ :‬أهم صفات الفاروق‪:‬‬
‫إن مفتاح شخصية الفللاروق إيمللانه بللالله تعللالى‬
‫والستعداد لليوم الخر وكان هللذا اليمللان سللببا ً‬
‫لب في شخصية عمللر‬ ‫في التوازن المدهش والخ ّ‬
‫بن الخطاب رضي الله عنه ولذلك لم تطللغ قللوته‬
‫علللى عللدالته‪ ،‬وسلللطانه علللى رحمتلله‪ ،‬ول غنللاه‬
‫على تواضعه وأصبح مستحقا ً لتأييد الللله وعللونه‪،‬‬
‫فقللد حقللق شللروط كلمللة التوحيللد‪ ،‬مللن العلللم‬
‫واليقين‪ ،‬والقبول‪ ،‬والنقياد‪ ،‬والخلص والمحبللة‬
‫وكان على فهم صللحيح لحقيقللة اليمللان وكلمللة‬
‫التوحيد فظهرت آثلار إيملانه العميللق فلي حيلاته‬
‫والتي من أهمها‪:‬‬
‫‪ -1‬شدة خوفه من الله تعالى بمحاسبته لنفسه‪:‬‬
‫كان رضي الله عنه يقول‪ :‬أكثروا من ذكر‬
‫النار‪ ،‬فإن حّرها شديد‪ ،‬وقعرها بعيد‪ ،‬ومقامها‬
‫حديد)‪ ،(557‬وجاء ذات يوم أعرابي‪ ،‬فوقف عنده‬
‫وقال‪:‬‬
‫هز ُبنّياتي‬
‫يا عمر الخير جزيت ج ّ‬
‫وأمهّنه‬
‫لتلفعلللنه‬ ‫أقسلم باللله‬ ‫الجنة‬
‫قال‪ :‬فإن لم أفعل ماذا يكون يا أعرابي؟ قال‪:‬‬
‫أقسلم أنلي سلوف أمضلينه‬
‫قال‪ :‬فإن مضيت ماذا يكون يا أعرابي؟ قال‪:‬‬

‫‪ () 557‬فرائد الكلم للخلفاء الكرام ص ‪.155‬‬


‫م تكون المسألت‬ ‫ث ّ‬ ‫والله عن حالي‬
‫مه‬‫ث ّ‬ ‫لتسألنه‬
‫إما إلى نار وإما‬ ‫والواقف المسئول‬
‫فبكى عمر حتى اخضلت لحيته بدموعه‪ ،‬ثم‬
‫قال‪ :‬يا غلم أعطه قميصي هذا لذلك اليوم‪ ،‬ل‬
‫لشعره‪ ،‬والله ما أملك قميصا ً غيره)‪ ،(558‬وهكذا‬
‫بكى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه بكاءً‬
‫كره‬ ‫شديدا ً تأثرا ً بشعر ذلك العرابي الذي ذ ّ‬
‫بموقف الحساب يوم القيامة‪ ،‬مع أنه ل يذكر‬
‫أنه ظلم أحدا ً من الناس‪ ،‬ولكنه لعظيم خشيته‬
‫وشدة خوفه من الله تعالى تنهمر دموعه أمام‬
‫كره بيوم القيامة)‪ ،(559‬وكان رضي‬ ‫كل من يذ ّ‬
‫الله عنه من شدة خوفه من الله تعالى‬
‫يحاسب نفسه حسابا ً عسيرًا‪ ،‬فإذا خيل إليه‬
‫أنه أخطأ في حق أحد طلبه‪ ،‬وأمره بأن يقتص‬
‫منه‪ ،‬فكان يقبل على الناس يسألهم عن‬
‫حاجاتهم‪ ،‬فإذا أفضوا إليه بها قضاها‪ ،‬ولكنه‬
‫ينهاهم عن أن يشغلوه بالشكاوى الخاصة إذا‬
‫تفرغ لمر عام‪ ،‬فذات يوم كان مشغول ً ببعض‬
‫المور العامة)‪ ،(560‬فجاءه رجل فقال‪ :‬يا أمير‬
‫المؤمنين‪ ،‬انطلق معي فأعني على فلن‪،‬‬
‫فإنه ظلمني‪ ،‬فرفع عمر الدرة‪ ،‬فخفق بها‬
‫رأس الرجل‪ ،‬وقال‪ :‬تتركون عمر وهو مقبل‬
‫عليكم‪ ،‬حتى إذا اشتغل بأمور المسلمين‬
‫أتيتموه‪ ،‬فانصرف الرجل متذمرًا‪ ،‬فقال عمر‬
‫ي بالرجل‪ :‬فلما أعادوه ألقى عمر بالدرة‬ ‫عل َ ّ‬
‫‪ () 558‬تاريخ بغداد )‪.(4/312‬‬
‫‪ () 559‬التاريخ السلمي )‪.(19/46‬‬
‫‪ () 560‬الفاروق للشرقاوي ص ‪.222‬‬
‫إليه‪ ،‬وقال‪ ،‬أمسك الدرة‪ ،‬واخفقني كما‬
‫خفقتك قال الرجل‪ :‬ل يا أمير المؤمنين‪،‬‬
‫أدعها لله ولك قال عمر‪ :‬ليس كذلك‪ :‬إما أن‬
‫تدعها لله وإرادة ما عنده من الثواب‪ ،‬أو تردها‬
‫ي‪ ،‬فأعلم ذلك‪ ،‬فقال الرجل‪ :‬أدعها لله يا‬ ‫عل ّ‬
‫أمير المؤمنين‪ ،‬وانصرف الرجل‪ ،‬أما عمر فقد‬
‫مشى حتى دخل بيته)‪ (561‬ومعه بعض الناس‬
‫ما‬
‫منهم الحنف بن قيس الذي حدثنا ع ّ‬
‫رأى‪ ... :‬فافتتح الصلة فصلى ركعتين ثم‬
‫جلس‪ ،‬فقال‪ :‬يا ابن الخطاب كنت وضيعا ً‬
‫فرفعك الله‪ ،‬وكنت ضال ً فهداك الله‪ ،‬وكنت‬
‫ذليل ً فأعزك الله‪ ،‬ثم حملك على رقاب‬
‫المسلمين‪ ،‬فجاء رجل يستعديك‪ ،‬فضربته‪ ،‬ما‬
‫تقول لربك غدا ً إذا أتيته؟ فجعل يعاتب نفسه‬
‫معاتبة ظننت أنه خير أهل الرض)‪ ،(562‬وعن‬
‫إياس بن سلمة عن أبيه قال‪ :‬مر عمر رضي‬
‫الله عنه وأنا في السوق‪ ،‬وهو مار في حاجة‪،‬‬
‫ط)‪ (563‬عن الطريق‬ ‫م ْ‬
‫ومعه الدرة‪ ،‬فقال‪ :‬هكذا أ ِ‬
‫يا سلمة‪ ،‬قال‪ :‬ثم خفقني بها خفقة فما‬
‫أصاب إل طرف ثوبي‪ ،‬فأمطت عن الطريق‪،‬‬
‫فسكت عني حتى كان في العام المقبل‪،‬‬
‫فلقيني في السوق‪ ،‬فقال‪ :‬يا سلمة أردت‬
‫الحج العام؟ قلت نعم يا أمير المؤمنين‪ ،‬فأخذ‬
‫بيدي‪ ،‬فما فارقت يدي يده حتى دخل بيته‪،‬‬
‫فأخرج كيسا ً في ست مائة درهم فقال‪ :‬يا‬
‫سلمة استعن بهذه واعلم أنها من الخفقة‬
‫‪ () 561‬نفس المصدر ص ‪.222‬‬
‫‪ () 562‬محض الصواب )‪.(2/503‬‬
‫حاه ودفعه‪.‬‬‫‪ () 563‬ماطه وأماطه‪ :‬ن ّ‬
‫التي خفقتك عام أول‪ ،‬قلت والله يا أمير‬
‫المؤمنين‪ ،‬ما ذكرتها حتى ذكرتنيها قال‪ :‬والله‬
‫ما نسيتها بعد)‪ ،(564‬وكان رضي الله عنه يقول‬
‫في محاسبة النفس ومراقبتها‪ :‬حاسبوا‬
‫أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن‬
‫ذ‬
‫مئ ِ ٍ‬
‫و َ‬
‫يَ ْ‬ ‫‪‬‬ ‫توزنوا‪ ،‬وتهيئوا للعرض الكبر‬
‫في ٌَة)‪ ،(565)  (18‬وكان‬‫خا ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫فى ِ‬ ‫ن ل َ تَ ْ‬
‫خ َ‬ ‫ضو َ‬
‫عَر ُ‬
‫تُ ْ‬
‫من شدة خشيته لله ومحاسبته لنفسه يقول‪:‬‬
‫دي بطف)‪ (566‬الفرات لخشيت أن‬ ‫لو مات ج ْ‬
‫)‪(567‬‬
‫‪ ،‬وعن علي رضي الله‬ ‫يحاسب الله به عمر‬
‫عنه قال‪ :‬رأيت عمر بن الخطاب رضي الله‬
‫عنه على قتب يعدو‪ ،‬فقلت‪ :‬يا أمير المؤمنين‬
‫د)‪ (568‬من إبل الصدقة‬ ‫أين تذهب؟ قال‪ :‬بعير ن ّ‬
‫أطلبه فقلت‪ :‬أذللت الخلفاء بعدك‪ ،‬فقال يا أبا‬
‫الحسن ل تلمني فوالذي بعث محمدا ً بالنبوة‬
‫لو أن عناقا ً)‪ (569‬أخذت بشاطئ الفرات لخذ‬
‫بها عمر يوم القيامة)‪ ،(570‬وعن أبي سلمة‬
‫قال‪ :‬انتهيت إلى عمر وهو يضرب رجال ً‬
‫ونساء في الحرم على حوض يتوضئون منه‪،‬‬
‫حتى فرق بينهم‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا فلن‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫لبيك‪ ،‬قال ل لبيك ول سعديك‪ ،‬ألم آمرك أن‬
‫تتخذ حياضا ً للرجال وحياضا ً للنساء‪ ،‬قال‪ :‬ثم‬

‫تاريخ الطبري )‪ (4/244‬وإسناده ضعيف‪.‬‬ ‫‪() 564‬‬


‫مختصر منهاج القاصدين ص ‪ ،372‬فرائد الكلم ص ‪.143‬‬ ‫‪() 565‬‬
‫طف‪ :‬الشاطئ‪.‬‬ ‫‪() 566‬‬
‫مناقب عمر ص ‪.161 ،160‬‬ ‫‪() 567‬‬
‫د‪ :‬شرد وهرب‪.‬‬ ‫ن ّ‬ ‫‪() 568‬‬
‫العناق‪ :‬النثى من المعز ما لم يتم له سنة‪.‬‬ ‫‪() 569‬‬
‫مناقب عمر ص ‪.161‬‬ ‫‪() 570‬‬
‫اندفع فلقيه علي رضي الله عنه فقال‪ :‬أخاف‬
‫أن أكون هلكت قال‪ :‬وما أهلكك؟ قال ضربت‬
‫رجال ً ونساءً في حرم الله –عز وجل‪ -‬قال‪ :‬يا‬
‫أمير المؤمنين أنت راع من الرعاة‪ ،‬فإن كنت‬
‫على نصح وإصلح فلن يعاقبك الله‪ ،‬وإن كنت‬
‫ضربتهم على غش فأنت الظالم)‪ ،(571‬وعن‬
‫الحسن البصري أنه قال‪ :‬بينما عمر رضي الله‬
‫عنه يجول في سكك المدينة إذ عرضت له هذه‬
‫‪‬‬ ‫ت‬
‫مَنا ِ‬
‫ؤ ِ‬ ‫وال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ن َ‬
‫مِني َ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫الية‬‫ن يُ ْ‬
‫ؤ ُ‬
‫ذو َ‬ ‫وال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫َ‬ ‫‪‬‬
‫فانطلق إلى أبي بن كعب فدخل عليه بيته‬
‫وهو جالس على وسادة فانتزعها أبي من‬
‫تحته وقال‪ :‬دونكها يا أمير المؤمنين قال‪:‬‬
‫فنبذها برجله وجلس‪ ،‬فقرأ عليه هذه الية‬
‫وقال‪ :‬أخشى أن أكون أنا صاحب الية‪ ،‬أوذي‬
‫المؤمنين‪ ،‬قال‪ :‬ل تستطيع إل أن تعاهد‬
‫رعيتك‪ ،‬فتأمر وتنهى فقال عمر‪ :‬قد قلت‬
‫والله أعلم)‪ ،(572‬وكان عمر رضي الله عنه ربما‬
‫توقد النار ثم يدلي يده فيها‪ ،‬ثم يقول‪ :‬ابن‬
‫الخطاب هل لك على هذا صبر)‪.(573‬‬
‫وعندما بعث سعد بن أبي وقاص أيام‬
‫القادسية إلى عمر رضي الله عنه بقباء‬
‫كسرى‪ ،‬وسيفه ومنطقته‪ ،‬وسراويله‪،‬‬
‫وقميصه‪ ،‬وتاجه‪ ،‬وخفيه‪ ،‬نظر عمر في وجوه‬
‫القوم فكان أجسمهم وأمدهم قامة سراقة‬
‫بن جعثم المدلجي‪ ،‬فقال‪ :‬يا سراقة قم‬
‫‪ () 571‬مصنف عبد الرزاق )‪ (76 ،1/75‬وإسناده حسن‪ ،‬محض‬
‫الصواب )‪.(2/622‬‬
‫‪ () 572‬مناقب عمر ص ‪ ،162‬محض الصواب )‪.(2/623‬‬
‫‪ () 573‬نفس المصدر ص ‪.62‬‬
‫فالبس فقام فلبس وطمع فيه‪ ،‬فقال له‬
‫عمر‪ :‬أدبر فأدبر ثم قال‪ :‬أقبل فأقبل ثم قال‪:‬‬
‫بخ بخ‪ ،‬أعرابي من بني مدلج عليه قباء‬
‫كسرى‪ ،‬وسراويله‪ ،‬وسيفه‪ ،‬ومنطقته‪ ،‬وتاجه‪،‬‬
‫وخفاه‪ ،‬رب يوم يا سراقة بن مالك لو كان‬
‫عليك فيه من متاع كسرى كان شرفا ً لك‬
‫ولقومك انزع فنزع سراقة‪ ،‬فقال عمر‪ ،‬إنك‬
‫منعت هذا رسولك ونبيك وكان أحب إليك مني‬
‫وأكرم عليك مني‪ ،‬ومنعته أبا بكر وكان أحب‬
‫إليك مني‪ ،‬وأكرم عليك مني‪ ،‬ثم أعطيتنيه‬
‫فأعوذ بك أن تكون أعطيتنيه لتمكر بي ثم‬
‫بكى حتى رحمه من عنده ثم قال لعبد‬
‫الرحمن‪ :‬أقسمت عليك لما بعته ثم قسمته‬
‫قبل أن تمسي)‪ (574‬ومواقفه في هذا الباب‬
‫كثيرة جدًا‪.‬‬
‫‪ -1‬زهده‪:‬‬
‫فهم عمر رضي الللله عنلله مللن خلل معايشللته‬
‫للقللرآن الكريللم‪ ،‬ومصللاحبته للنللبي الميللن ‪‬‬
‫ومللن تفكللره فللي هللذه الحيللاة بللأن الللدنيا دار‬
‫اختبللار وابتلء وعليلله فإنهللا مزرعللة للخللرة‪،‬‬
‫ولللذلك تحللّرر مللن سلليطرة الللدنيا بزخارفهللا‪،‬‬
‫وزينتها‪ ،‬وبريقها وخضع وانقاد وأسلللم نفسلله‬
‫لربه ظاهرا ً وباطنًا‪ ،‬وكللان وصللل إلللى حقللائق‬
‫استقرت في قلبلله سللاعدته علللى الزهللد فللي‬
‫هذه الدنيا ومن هذه الحقائق‪:‬‬

‫‪ () 574‬محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب‬


‫)‪.(2/625‬‬
‫أ‪ -‬اليقين التام بأننا في هذه الدنيا أشبه‬
‫بالغرباء‪ ،‬أو عابري سبيل كما قال النبي ‪:‬‬
‫كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)‪.(575‬‬
‫ب‪ -‬وأن هذه الدنيا ل وزن لها ول قيمة عند‬
‫رب العزة إل ما كان منها طاعة لله ‪-‬تبارك‬
‫وتعالى‪ -‬إذ يقول النبي ‪ ‬لو كانت الدنيا‬
‫تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا ً‬
‫منها شربة ماء)‪) ،(576‬الدنيا ملعونة‪ ،‬ملعون ما‬
‫فيها إل ذكر الله وما واله‪ ،‬أو عالمًا‪ ،‬أو‬
‫متعلمًا( )‪.(577‬‬
‫ج‪ -‬وأن عمرها قد قارب على النتهاء‪ ،‬إذ‬
‫ت أنا والساعة كهاتين بالسّبابة‬ ‫يقول ‪ ‬بعث ُ‬
‫)‪(578‬‬
‫‪.‬‬ ‫والوسطى‬
‫د‪ -‬وأن الخرة هي الباقية‪ ،‬وهي دار القرار‪،‬‬
‫ه‬
‫ذ ِ‬ ‫ه ِ‬
‫ما َ‬‫وم ِ إ ِن ّ َ‬ ‫كما قال مؤمن آل فرعون‪َ  :‬يا َ‬
‫ق ْ‬
‫ر)‪(39‬‬ ‫قَرا ِ‬ ‫داُر ال ْ َ‬ ‫ي َ‬ ‫ه َ‬ ‫خَرةَ ِ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫وإ ِ ّ‬ ‫ع َ‬ ‫مَتا ٌ‬ ‫حَياةُ الدّن َْيا َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫م َ‬
‫ل‬ ‫ع ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫ها َ‬ ‫مث ْل َ َ‬‫جَزى إ ِل ّ ِ‬ ‫فل َ ي ُ ْ‬ ‫ة َ‬ ‫سي ّئ َ ً‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫ع ِ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خلو َ‬ ‫ولئ ِك ي َدْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ن‬
‫ٌ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ؤ‬ ‫م‬ ‫و‬
‫َ َ ُ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫و‬ ‫ثى‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫و‬‫ٍ ْ‬ ‫أ‬ ‫ر‬ ‫ك‬ ‫ذ‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫حا‬ ‫ً‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫صا‬‫َ‬
‫ب)‪)  (40‬غافر‪،‬آية‪:‬‬ ‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫ر ِ‬‫غي ْ ِ‬
‫ها ب ِ َ‬ ‫في َ‬ ‫ن ِ‬ ‫قو َ‬ ‫ة ي ُْرَز ُ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫‪ ،(579) (40 ،39‬كانت الحقائق قد استقرت في‬
‫قلب عمر فترفع رضي الله عنه عن الدنيا‬
‫وحطامها وزهد فيها وإليك شيئا ً من مواقفه‬
‫التي تدل على زهده في هذه الفانية‪ ،‬فعن‬

‫‪ () 575‬الترمذي‪ ،‬ك الزهد رقم ‪ 2333‬وهو حديث صحيح‪.‬‬


‫‪ () 576‬الترمذي‪ ،‬ك الزهد رقم ‪.2320‬‬
‫‪ () 577‬الترمذي‪ ،‬ك الزهد رقم ‪ 2322‬حسن غريب قاله الترمذي‪.‬‬
‫‪ () 578‬مسلم‪ ،‬ك الفتن وأشراط الساعة رقم ‪.135 -132‬‬
‫‪ () 579‬من أخلق النصر في جيل الصحابة د‪ .‬السيد محمد نوح ص‬
‫‪.48،49‬‬
‫أبي الشهب)‪ (580‬قال‪ :‬مّر عمر رضي الله‬
‫عنه على مزبلة فاحتبس عندها‪ ،‬فكأن‬
‫أصحابه تأذوا بها‪ ،‬فقال‪ :‬هذه دنياكم التي‬
‫تحرصون عليها‪ ،‬وتبكون عليها)‪.(581‬‬
‫وعن سالم بن عبد الله‪ :‬أن عمر بن الخطاب‬
‫كان يقول‪ :‬والله ما نعبأ بلذات العيش أن‬
‫نأمر بصغار المعزى أن تسمط)‪ (582‬لنا‪ ،‬ونأمر‬
‫بلباب)‪ (583‬الخبز فيخبز لنا‪ ،‬ونأمر بالزبيب‬
‫فينبذ لنا في السعان)‪ (584‬حتى إذا صار مثل‬
‫عين اليعقوب)‪ ،(585‬أكلنا هذا وشربنا هذا‪،‬‬
‫ولكنا نريد أن نستبقي طيباتنا‪ ،‬لنا سمعنا‬
‫حَيات ِك ُ ْ‬
‫م الدّن َْيا‬ ‫في َ‬ ‫م طَي َّبات ِك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫الله يقول‪  :‬أ َذْ َ‬
‫هب ْت ُ ْ‬
‫‪) ‬الحقاف‪،‬آية‪ ،(20:‬وعن أبي عمران الجوني‬
‫قال‪ :‬قال عمر بن الخطاب لنحن أعلم بلين‬
‫الطعام من كثير من آكليه‪ ،‬ولكنا ندعه ليوم‬
‫ت‬
‫ع ْ‬ ‫ما أ َْر َ‬
‫ض َ‬ ‫ع ّ‬
‫ة َ‬
‫ع ٍ‬
‫ض َ‬
‫مْر ِ‬ ‫ل كُ ّ‬
‫ل ُ‬ ‫ه ُ‬‫ها ت َذْ َ‬
‫ون َ َ‬
‫م ت ََر ْ‬ ‫‪ ‬يَ ْ‬
‫و َ‬
‫ل‬
‫م ٍ‬ ‫ح ْ‬ ‫ت َ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ع كُ ّ‬‫ض ُ‬‫وت َ َ‬ ‫َ‬
‫مل ََها ‪) ‬الحج‪،‬آية‪ ،(2:‬وقد قال عمر رضي‬ ‫ح ْ‬‫َ‬
‫الله عنه‪ :‬نظرت في هذا المر‪ ،‬فجعلت إن‬
‫أردت الدنيا أضّر بالخرة‪ ،‬وإن أردت الخرة‬
‫أضر بالدنيا‪ ،‬فإذا كان المر هكذا‪ ،‬فأضر‬

‫‪ () 580‬جعفر بن حيان السعدي‪.‬‬


‫‪ () 581‬الزهد للمام أحمد ص ‪.118‬‬
‫‪ () 582‬السمط‪ :‬سمط الجدي‪ :‬سمطه‪ :‬نتف صوفه بالماء الحار‪.‬‬
‫‪ () 583‬اللباب‪ :‬الخالص من كل شيء‪.‬‬
‫‪ () 584‬السعان‪ :‬جمع سعن‪ ،‬والسعن‪ :‬قربة تقطع من نصفها‬
‫وينتبذ فيها‪.‬‬
‫‪ () 585‬اليعقوب‪ :‬الحجل‪.‬‬
‫بالفانية)‪ ،(586‬وقد خطب رضي الله عنه‬
‫الناس‪ ،‬وهو خليفة‪ ،‬وعليه إزار فيه اثنتا‬
‫عشرة رقعة)‪ ،(587‬وطاف ببيت الله الحرام‬
‫وعليه إزار فيه اثنتا عشرة رقعة‪ ،‬إحداهن‬
‫بأدم أحمر)‪ ،(588‬وأبطأ على الناس يوم‬
‫الجمعة‪ ،‬ثم خرج فاعتذر إليهم في احتباسه‪،‬‬
‫وقال‪ :‬إنما حبسني غسل ثوبي هذا‪ ،‬كان‬
‫يغسل‪ ،‬ولم يكن لي ثوب غيره)‪ ،(589‬وعن عبد‬
‫الله بن عامر بن ربيعة قال‪ :‬خرجت مع عمر‬
‫بن الخطاب رضي الله عنه حاجا ً من المدينة‬
‫إلى مكة‪ ،‬إلى أن رجعنا‪ ،‬فما ضرب له‬
‫فسطاطا ً)‪ ،(590‬ول خباء‪ ،‬كان يلقى‬
‫الكساء)‪ (591‬والنطع)‪ ،(592‬على الشجرة‬
‫فيستظل تحته)‪ ،(593‬هذا هو أمير المؤمنين‬
‫الذي يسوس رعية من المشرق والمغرب‬
‫يجلس على التراب وتحته رداءٌ كأنه أدنى‬
‫مة الناس‪ ،‬ودخلت عليه‬ ‫الرعية‪ ،‬أو من عا ّ‬
‫مرة حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها وقد‬
‫رأت ما هو فيه من شدة العيش والزهد‬
‫الظاهر عليه فقالت‪ :‬إن الله أكثر من الخير‪،‬‬
‫وأوسع عليك من الرزق‪ ،‬فلو أكلت طعاما ً‬
‫‪ () 586‬الحلية )‪ (1/50‬وهو ضعيف لنقطاعه‪ ،‬مناقب عمر لبن‬
‫الجوزي ص ‪.137‬‬
‫‪ () 587‬الزهد للمام أحمد ص ‪ 124‬له طرق تقويه‪.‬‬
‫‪ () 588‬الطبقات الكبرى )‪ (3/328‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪ () 589‬محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب‬
‫)‪.(2/566‬‬
‫‪ () 590‬الفسطاط‪ :‬بيت من شعر‪.‬‬
‫‪ () 591‬الكساء‪ :‬في الطبقات والمناقب أو النطع‪.‬‬
‫‪ () 592‬الّنطع‪ :‬بساط من الديم‪.‬‬
‫‪ () 593‬الطبقات لبن سعد )‪ (3/279‬وإسناده صحيح‪.‬‬
‫أطيب من ذلك‪ ،‬ولبست ثيابا ً ألين من ثوبك؟‬
‫قال‪ :‬سأخصمك إلى نفسك)‪ ،(594‬فذكر أمر‬
‫رسول الله ‪ ‬وما كان يلقى من شدة‬
‫العيش‪ ،‬فلم يزل ُيذكرها ما كان فيه رسول‬
‫الله ‪ ‬وكانت معه حتى أبكاها‪ ،‬ثم قال‪ :‬إنه‬
‫كان لي صاحبان سلكا طريقًا‪ ،‬فإن سلكت‬
‫الشديد‪ ،‬لعلي أن أدرك معهما عيشهما‬
‫الرخي)‪.(595‬‬
‫لقد بسطت الدنيا بين يدي عمر رضي الله‬
‫عنه وتحت قدميه‪ ،‬وفتحت بلد الدنيا في‬
‫عهده‪ ،‬وأقبلت إليه الدنيا راغمة‪ ،‬فما طرف‬
‫لها بعين‪ ،‬ول اهتز لها قلبه‪ ،‬بل كان كل‬
‫سعادته‪ ،‬في إعزاز دين الله‪ ،‬وخضد شوكة‬
‫المشركين‪ ،‬فكان الزهد صفة بارزة في‬
‫شخصية الفاروق)‪ ،(596‬يقول سعد بن أبي‬
‫وقاص رضي الله عنه‪ :‬والله ما كان عمر بن‬
‫الخطاب بأقدامنا هجرة‪ ،‬وقد عرفت بأي‬
‫شيء فضلنا‪ ،‬كان أزهدنا في الدنيا)‪.(597‬‬

‫‪ () 594‬سأخصمك إلى نفسك‪ :‬أي سأجعلك حكما ً على نفسك‪.‬‬


‫‪ () 595‬الزهد للمام أحمد ص ‪ ،125‬الطبقات )‪.(3/277‬‬
‫‪ () 596‬الفاروق أمير المؤمنين د‪.‬لماظة ص ‪.11‬‬
‫‪ () 597‬إسناده جيد‪ :‬أخرجه ابن أبي شيبة )‪ (8/149‬في مصنفه‪،‬‬
‫وابن عساكر )‪.(52/244‬‬
‫‪ -2‬ورعه‪:‬‬
‫ومما يدل على ورعه رضي الله عنه ما أخرجه‬
‫أبو زيد عمر بن شبة من خبر معدان بن أبي‬
‫طلحة اليعمري أنه قدم على عمر رضي الله‬
‫عنه بقطائف وطعام‪ ،‬فأمر به فقسم‪ ،‬ثم‬
‫قال‪ :‬اللهم إنك تعلم أني لم أرزقهم ولن‬
‫أستأثر عليهم إل أن أضع يدي في طعامهم‪،‬‬
‫وقد خفت أن تجعله نارا ً في بطن عمر‪ ،‬قال‬
‫معدان‪ :‬ثم لم أبرح حتى رأيته اتخذ صحفة من‬
‫خالص ماله فجعلها بينه وبين جفان العامة‪،‬‬
‫فأمير المؤمنين عمر رضي الله عنه يرغب في‬
‫أن يأكل مع عامة المسلمين لما في ذلك من‬
‫المصالح الجتماعية‪ ،‬ولكنه يتحرج من أن يأكل‬
‫من طعام صنع من مال المسلمين العام‪،‬‬
‫فيأمر بإحضار طعام خاص له من خالص ماله‪،‬‬
‫وهذا مثال رفيع في العفة والورع إذ أن الكل‬
‫من مال المسلمين العام معهم ليس فيه‬
‫شبهة تحريم لنه منهم ولكنه قد أعف نفسه‬
‫من ذلك ابتغاء مما عند الله تعالى‪ ،‬ولشدة‬
‫خوفه من الله تعالى خشي أن يكون ذلك من‬
‫الشبهات فحمى نفسه منه)‪ ،(598‬وعن عبد‬
‫الرحمن بن نجيح قال‪ :‬نزلت على عمر رضي‬
‫الله عنه‪ ،‬فكانت له ناقة يحلبها‪ ،‬فانطلق‬
‫غلمه ذات يوم فسقاه لبنا أنكره‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ويحك من أين هذا اللبن لك؟ قال‪ :‬يا أمير‬
‫المؤمنين إن الناقة انفلت عليها ولدها‬
‫فشربها‪ ،‬فخليت لك ناقة من مال الله‪ ،‬فقال‬

‫‪ () 598‬التاريخ السلمي )‪.(19/37‬‬


‫ويحك تسقيني نارًا‪ ،‬واستحل ذلك اللبن من‬
‫بعض الناس‪ ،‬فقيل هو لك حلل يا أمير‬
‫المؤمنين ولحمها)‪ ،(599‬فهذا مثل من ورع أمير‬
‫المؤمنين عمر رضي الله عنه‪ ،‬حيث خشي من‬
‫عذاب الله جل وعل لما شرب ذلك اللبن مع‬
‫أنه لم يتعمد ذلك‪ ،‬ولم تطمئن نفسه إل بعد‬
‫أن استحل ذلك من بعض كبار الصحابة رضي‬
‫الله عنهم الذي يمثلون المسلمين في ذلك‬
‫المر‪ ،‬وهذا الخبر وأمثاله يدل على أن ذكر‬
‫الخرة بما فيها من حساب ونعيم أو شقاء‬
‫أخذ بمجامع عمر ومل عليه تفكيره‪ ،‬حتى أصبح‬
‫ذلك موجها ً لسلوكه في هذه الحياة)‪ ،(600‬لقد‬
‫كان عمر رضي الله عنه شديد الورع‪ ،‬وقد بلغ‬
‫به الورع فيما يحق له ول يحق‪ ،‬أنه مرض يومًا‪،‬‬
‫فوصفوا له العسل دواء‪ ،‬وكان في بيت المال‬
‫عسل جاء من بعض البلد المفتوحة‪ ،‬فلم يتداو‬
‫عمر بالعسل كما نصحة الطباء‪ ،‬حتى جمع‬
‫الناس‪ ،‬وصعد المنبر واستأذن الناس‪ :‬إن‬
‫أذنتم لي‪ ،‬وإل فهو علي حرام‪ ،‬فبكى الناس‬
‫إشفاقا ً عليه وأذنوا له جميعًا‪ ،‬ومضى بعضهم‬
‫يقول لبعض‪ ،‬لله درك يا عمر! لقد أتعبت‬
‫الخلفاء بعدك)‪.(601‬‬
‫‪ -3‬تواضعه‪:‬‬

‫‪ () 599‬تاريخ المدينة المنورة ص ‪.702‬‬


‫‪ () 600‬التاريخ السلمي )‪.(19/28‬‬
‫‪ () 601‬فرائد الكلم للخلفاء الكرام ص ‪ ،113‬الفاروق للشرقاوي‬
‫ص ‪.275‬‬
‫عن عبد الله بن عباس قال‪ :‬كان للعباس‬
‫ميزاب على طريق عمر فلبس عمر ثيابه يوم‬
‫الجمعة وقد كان ذبح للعباس فرخان فلما‬
‫ب ماء بدم الفرخين فأصاب‬ ‫ص ّ‬
‫وافى الميزاب ُ‬
‫عمر‪ ،‬فأمر عمر بقلعه‪ ،‬ثم رجع عمر فطرح‬
‫ثيابه ولبس ثيابا ً غير ثيابه‪ ،‬ثم جاء فصلى‬
‫بالناس فأتاه العباس فقال‪ :‬والله إنه للموضع‬
‫الذي وضعه رسول الله ‪ ‬فقال عمر للعباس‪:‬‬
‫وأنا أعزم عليك لما صعدت على ظهري حتى‬
‫تضعه في الموضع الذي وضعه رسول الله ‪،‬‬
‫ففعل ذلك العباس)‪ ،(602‬وعن الحسن البصري‬
‫قال‪ :‬خرج عمر رضي الله عنه في يوم حاّر‬
‫واضعا ً رداءه على رأسه‪ ،‬فمّر به غلم على‬
‫حمار‪ ،‬فقال‪ :‬يا غلم‪ ،‬احملني معك‪ ،‬فوثب‬
‫الغلم عن الحمار‪ ،‬وقال‪ :‬اركب‬
‫يا أمير المؤمنين‪ ،‬قال‪ :‬ل‪ ،‬اركب وأركب أنا‬
‫خلفك‪ ،‬تريد تحملني على المكان الوطئ‪،‬‬
‫وتركب أنت على الموضع الخشن‪ ،‬فركب خلف‬
‫الغلم‪ ،‬فدخل المدينة‪ ،‬وهو خلفه والناس‬
‫ينظرون إليه)‪ ،(603‬وعن سنان بن سلمة‬
‫الهذلي قال‪ :‬خرجت مع الغلمان ونحن نلتقط‬
‫البلح‪ ،‬فإذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه‬
‫ومعه الدّّرة‪ ،‬فلما رآه الغلمان تفرقوا في‬
‫النخل‪ ،‬قال‪ :‬وقمت وفي إزاري شيء قد‬
‫لقطته‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫يا أمير المؤمنين‪ ،‬هذا ما تلقي الريح‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فنظر إليه في إزاري فلم يضربني‪ ،‬فقلت‪ :‬يا‬
‫‪ () 602‬صفة الصفوة )‪.(1/285‬‬
‫‪ () 603‬أصحاب الرسول‪ ،‬محمود المصري )‪.(1/157‬‬
‫ي‪،‬‬
‫أمير المؤمنين‪ ،‬الغلمان الن بين يد ّ‬
‫وسيأخذون ما معي‪ ،‬قال كل‪ ،‬امش قال فجاء‬
‫معي إلى أهلي)‪.(604‬‬
‫وقدم على عمر بن الخطاب وفد من العراق‬
‫فيهم الحنف بن قيس في يوم صائف شديد‬
‫الحر‪ ،‬وعمر معتجر )معمم( بعباءة يهنأ بعيرا ً‬
‫من إبل الصدقة )أي يطليه بالقطران( فقال‪:‬‬
‫يا أحنف ضع ثيابك‪ ،‬وهلم‪ ،‬فأعن أمير‬
‫المؤمنين على هذا البعير فإنه إبل الصدقة‪،‬‬
‫فيه حق اليتيم‪ ،‬والرملة‪ ،‬والمسكين‪ ،‬فقال‬
‫رجل من القوم‪ :‬يغفر الله لك يا أمير‬
‫المؤمنين فهل تأمر عبدا ً من عبيد الصدقة‬
‫فيكفيك؟ فقال عمر‪ :‬وأي عبد هو أعبد مني‪،‬‬
‫ومن الحنف؟ إنه من ولي أمر المسلمين‬
‫يجب عليه لهم ما يجب على العبد لسيده في‬
‫النصيحة‪ ،‬وأداء المانة)‪ ،(605‬وعن عروة بن‬
‫الزبير رضي الله عنهما قال رأيت عمر بن‬
‫الخطاب رضي الله عنه على عاتقه قربة ماء‬
‫فقلت‪:‬‬
‫يا أمير المؤمنين‪ ،‬ل ينبغي لك هذا‪ ،‬فقال‪ :‬لما‬
‫أتاني الوفود سامعين مطيعين‪ ،‬دخلت نفسي‬
‫نخوة‪ ،‬فأردت أن أكسرها)‪ ،(606‬وعن أنس بن‬
‫مالك رضي الله عنه قال‪ :‬سمعت عمر بن‬
‫الخطاب يومًا‪ ،‬وخرجت معه حتى دخل حائطا‪ً،‬‬
‫فسمعته يقول‪ :‬وبيني وبينه جدار‪ ،‬وهو في‬
‫‪ () 604‬صلح المة في علو الهمة‪ ،‬سيد العفاني )‪.(5/425‬‬
‫‪ () 605‬أخبار عمر ص ‪ ،343‬أصحاب الرسول‪ ،‬محمود المصري )‬
‫‪.(1/156‬‬
‫‪ () 606‬مدارج السالكين )‪.(2/330‬‬
‫جوف الحائط‪ :‬عمر بن الخطاب أمير المؤمنين‬
‫ي الخطاب‪ ،‬لتتقين الله‪ ،‬أو‬ ‫بخ‪ ،‬والله بن ّ‬
‫ليعذبنك)‪ ،(607‬وعن جبير بن نفير‪ :‬أن نفرا ً‬
‫قالوا لعمر بن الخطاب‪ :‬ما رأينا رجل ً أقضى‬
‫بالقسط‪ ،‬ول أقول للحق ول أشدّ على‬
‫المنافقين منك يا أمير المؤمنين‪ ،‬فأنت خير‬
‫الناس بعد رسول الله‪ ،‬فقال عوف بن‬
‫مالك)‪ : (608‬كذبتم – والله – لقد رأينا بعد رسول‬
‫الله ‪ ،‬فقال‪ :‬من هو؟ فقال‪ :‬أبو بكر فقال‬
‫عمر‪ :‬صدق عوف‪ ،‬وكذبتم‪ ،‬والله لقد كان أبو‬
‫بكر أطيب من ريح المسك‪ ،‬وأنا أضل من بعير‬
‫أهلي – يعني قبل أن يسلم – لن أبا بكر أسلم‬
‫قبله بست سنين)‪.(609‬‬
‫وهذا يدل على تواضع عمر وتقديره للفضلء‬
‫ول يقتصر على الحياء منهم‪ ،‬ولكنه يعم منهم‬
‫الموتى كذلك‪ ،‬فل يرضى أن ينكر فضلهم أو‬
‫يغفل ذكراهم‪ ،‬ويظل يذكرهم بالخير في كل‬
‫موقف‪ ،‬ويحمل الناس على احترام هذا‬
‫المعنى النبيل وعدم نسيان ما قدموه من‬
‫جلئل العمال‪ ،‬فيبقى العمل النافع متواصل‬
‫الحلقات يحمله رجال من رجال إلى رجال‪ ،‬فل‬
‫ينسى العمل الطيب بغياب صاحبه أو وفاته‬
‫وفي هذا وفاء وفيه إيمان)‪.(610‬‬
‫إن عمر رضي الله عنه ل يقر إغفال فضل من‬
‫سبقه في هذا المقام ول يرضى أن تذهب‬
‫‪ () 607‬مالك في الموطأ )‪ (2/992‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪ ()608‬الشجعي‪ ،‬صحابي مشهور‪ ،‬من مسلمة الفتح‪.‬‬
‫‪ ()609‬مناقب عمر لبن الجوزي ص ‪ ،14‬محض الصواب )‪.(586 /2‬‬
‫‪ ()610‬شهيد المحراب ص ‪.144‬‬
‫أفضال السابقين أدراج النسيان‪ .‬إن المة‬
‫التي تنسى أو تغفل ذكر من خدموها‪ ،‬أمة‬
‫مقضي عليها بالتبار‪ ،‬أليس من الخير أن يربي‬
‫الناس على هذه الخلل السامية؟ لقد تربى‬
‫عمر على كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلة‬
‫والسلم فعّلماه ما تعجز عنه كتب التربية‬
‫والخلق قديمها وحديثها‪ ،‬وما يزال كتاب الله‬
‫بين أيدينا وما تزال سنة رسول الله ‪‬‬
‫محفوظة لدينا وفيها علم وتربية وأخلق بما‬
‫ل يقاس عليه)‪.(611‬‬

‫‪ -4‬حلمه‪:‬‬
‫عن ابن عباس رضي الله عنه قال‪ :‬قدم عيينة‬
‫بن حصن بن حذيفة فنزل على ابن أخيه الحر‬
‫بن قيس)‪ ،(612‬وكان من النفر الذين يدنيهم‬
‫عمر‪ ،‬وكان القراء أصحاب مجالس عمر‬
‫ومشاورته‪ ،‬كهول كانوا أو شبانا‪ ،‬فقال عيينة‬
‫لبن أخيه‪ :‬يا ابن أخي هل لك أو قال‪ :‬لك وجه‬
‫عند المير‪ ،‬فاستأذن لي عليه قال‪ :‬سأستأذن‬
‫لك عليه قال ابن عباس‪ :‬فاستأذن الحر‬
‫لعيينة‪ ،‬فأذن له عمر‪ ،‬فلما دخل عليه قال‪:‬‬
‫إيه‪ ،‬أو هي يا بن الخطاب‪ ،‬فوالله ما تعطينا‬
‫الجزل)‪ ،(613‬ول تحكم فينا بالعدل‪ ،‬فغضب عمر‬
‫حتى هم أن يوقع به‪ ،‬فقال له الحر‪ :‬يا أمير‬
‫و‬
‫ف َ‬‫ع ْ‬‫خذ ْ ا ل ْ َ‬
‫المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه‪ُ  :‬‬
‫)العراف‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫ن‬
‫هِلي َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫جا ِ‬ ‫ع ْ‬
‫ض َ‬
‫ر ْ‬ ‫وأ َ ْ‬
‫ع ِ‬ ‫ف َ‬ ‫مْر ِبال ْ ُ‬
‫عْر ِ‬
‫ْ‬
‫وأ ُ‬‫َ‬
‫‪ ()611‬نفس المصدر ص ‪.144،145‬‬
‫‪ ()612‬الحر بن قيس الفزاري‪ ،‬صحابي أسلم مع وفد بني فزارة‪.‬‬
‫‪ ()613‬الجزل‪ :‬الجزيل العظيم‪ :‬وأجزلت له العطاء أي أكثرت‪.‬‬
‫‪ .(199‬وإن هذا من الجاهلين‪ ،‬والله ما جاوزها‬
‫عمر حين تلها عليه‪ ،‬وكان وقافا ً عند كتاب‬
‫الله)‪ ،(614‬فعندما سمع رضي الله عنه الية‬
‫الكريمة هدأت ثائرته‪ ،‬وأعرض عن الرجل الذي‬
‫أساء إليه في خلقه عندما اتهمه بالبخل‪ ،‬وفي‬
‫دينه عندما اتهمه بالجور في القسم‪ ،‬وتلك‬
‫التي يهتم لها عمر وينصب‪ ،‬ومن منا يملك‬
‫نفسه عند الغضب؟ وخاصة إذا كان للغضب ما‬
‫يحمل عليه‪ ،‬كثيرون ل أظن ول قليلون‪ ،‬متى‬
‫نتجمل بهذه التعاليم لنكون مثل ً قرآنيا ً نتحرك‬
‫وفق ما نقرأ في كتاب الله الكريم؟ متى‬
‫يكون خلقنا القرآن)‪(615‬؟ وعندما خطب عمر‬
‫بالجابية في الشام تحدث عن الموال وكيفية‬
‫القسمة وعن أمور ذكر منها… وإني أعتذر‬
‫إليكم عن خالد بن الوليد فإني أمرته أن‬
‫يحبس هذا المال على ضعفة المهاجرين‬
‫فأعطى ذا البأس‪ ،‬وذا الشرف‪ ،‬وذا اللسان‬
‫فنزعته وأمرت أبا عبيدة بن الجراح‪ ،‬فقام أبو‬
‫عمرو بن حفص بن المغيرة)‪ ،(616‬فقال‪ :‬والله‬
‫ما اعتذرت يا عمر‪ ،‬ولقد نزعت عامل ً استعمله‬
‫رسول الله ‪ ‬وأغمدت سيفا ً سله رسول الله‬
‫‪ ‬ووضعت أمرا ً نصبه رسول الله ‪ ،‬وقطعت‬
‫رحمًا‪ ،‬وحسدت ابن العم‪ .‬فقال عمر رضي‬
‫الله عنه‪ :‬إنك قريب القرابة‪ ،‬حديث السن‪،‬‬
‫تغضب في ابن عمك)‪.(617‬‬
‫البخاري‪ ،‬رقم ‪.4366 ،6856‬‬ ‫‪()614‬‬
‫شهيد المحراب ص ‪.181‬‬ ‫‪()615‬‬
‫المخزومي‪.‬‬ ‫‪()616‬‬
‫محض الصواب )‪.(602 /2‬‬ ‫‪()617‬‬
‫هذه بعض صللفاته الللتي كللانت ثمللارا ً لتوحيللده‬
‫وإيمللانه بللالله واسللتعداده للقللدوم علللى الللله‬
‫تعللالى وقللد تحللدث العلمللاء والبللاحثون عللن‬
‫صللفاته الشخصللية والللتي مللن أهمهللا‪ :‬القللوة‬
‫الدينية‪ ،‬والشجاعة‪ ،‬واليمان القللوي‪ ،‬والعللدل‪،‬‬
‫والعلم‪ ،‬والخبرة‪ ،‬وسعة الطلع‪ ،‬والهيبة وقوة‬
‫الشخصللية‪ ،‬والفراسللة والفطنللة وبعللد النظللر‬
‫والكرم‪ ،‬والقدوة الحسللنة‪ ،‬والرحمللة‪ ،‬والشللدة‬
‫والحزم‪ ،‬والغلظة‪ ،‬والتقللوى والللورع‪ ،‬وتكلمللوا‬
‫عن سمات السلوك القيادي عند الخليفة عمللر‬
‫بن الخطاب والللتي مللن أهمهللا؛ سللماع النقللد‪،‬‬
‫والقللدرة علللى تفعيللل النللاس وإيجللاد العمللل‪،‬‬
‫والمشللاركة فللي اتخللاذ القللرارات بالشللورى‪،‬‬
‫والقللدرة علللى إحللداث التغييللر والتقلللب فللي‬
‫المواقللف الطللارئة‪ ،‬وشللدة مراقبتلله للللولة‬
‫والمللراء وفللي ثنايللا البحللث سللوف يلحللظ‬
‫القارئ الكريللم هللذه الصللفات وأكللثر ول أريللد‬
‫حصرها في هذا المبحث خوفا ً من التكرار‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬حياته مع أسرته‪:‬‬


‫قال عمر رضي الله عنه‪ :‬إن الناس ليؤدون إلى‬
‫المام ما أدى المام إلى الله‪ ،‬وإن المام إذا رتع‬
‫رتعت الرعية)‪ ،(618‬ولذلك كان رضي الله عنه‬
‫شديدا ً في محاسبة نفسه وأهله‪ ،‬فقد كان يعلم‬
‫أن البصار مشرئبة نحوه وطامحة إليه‪ ،‬وأنه ل‬
‫جدوى إن قسا على نفسه ورتع أهله فحوسب‬
‫عنهم في الخرة‪ ،‬ولم ترحمه ألسنة الخلئق في‬

‫‪ ()618‬موسوعة فقه عمر بن الخطاب د‪ .‬محمد قلعجي ص ‪.146‬‬


‫الدنيا فكان عمر إذا نهى الناس عن شيء تقدم‬
‫إلى أهله فقال‪ :‬إني نهيت الناس عن كذا وكذا‪،‬‬
‫وإن الناس ينظرون إليكم كما ينظر الطير إلى‬
‫اللحم فإن وقعتهم وقعوا‪ ،‬وإن هبتم هابوا‪،‬‬
‫وإني والله ل أوتى برجل وقع فيما نهيت الناس‬
‫عنه إل أضعفت له العذاب‪ ،‬لمكانه مني‪ ،‬فمن‬
‫شاء منكم أن يتقدم‪ ،‬ومن شاء منكم أن‬
‫يتأخر)‪ (619‬وكان شديد المراقبة والمتابعة‬
‫لتصرفات أولده وأزواجه وأقاربه وهذه بعض‬
‫المواقف‪:‬‬

‫‪ -1‬المرافق العامة‪:‬‬
‫منع عمر رضي الله عنه أهله من الستفادة‬
‫من المرافق العامة التي رصدتها الدولة لفئة‬
‫من الناس‪ ،‬خوفا ً من أن يحابي أهله به‪ ،‬قال‬
‫عبد الله بن عمر‪ :‬اشتريت إبل ً أنجعتها الحمى‬
‫فلما سمنت قدمت بها‪ ،‬قال‪ :‬فدخل عمر‬
‫السوق فرأى إبل ً سمانًا‪ ،‬فقال‪ :‬لمن هذه‬
‫البل؟ قيل‪ :‬لعبد الله بن عمر‪ ،‬قال‪ ،‬فجعل‬
‫يقول‪ :‬يا عبد الله بن عمر بخ … بخ … ابن‬
‫أمير المؤمنين‪ ،‬قال‪ :‬ما هذه البل؟ قال‪،‬‬
‫قلت‪ :‬إبل اشتريتها وبعثت بها إلى الحمى‬
‫ابتغى ما يبتغي المسلمون‪ ،‬قال‪ :‬فقال‪:‬‬
‫فيقولون ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين‪،‬‬
‫اسقوا إبل ابن أمير المؤمنين‪ ،‬يا عبد الله بن‬

‫‪ ()619‬محض الصواب )‪.(893 /3‬‬


‫عمر اغد إلى رأس مالك‪ ،‬واجعل باقيه في‬
‫بيت مال المسلمين)‪.(620‬‬
‫‪ -2‬محاسبته لبنه عبد الله لما اشترى فيء جلولء‪:‬‬
‫قال عبد الله بن عمر‪ :‬شهدت جلولء – إحدى‬
‫المعارك ببلد فارس – فابتعت من المغنم‬
‫بأربعين ألفًا‪ ،‬فلما قدمت على عمر قال‪:‬‬
‫أرأيت لو عرضت على النار فقيل لك‪ :‬افتده‪،‬‬
‫أكنت مفتديا ً به؟ قلت والله ما من شيء يؤذي‬
‫بك إل كنت مفتديا ً بك منه‪ ،‬قال‪ :‬كأني شاهد‬
‫الناس حين تبايعوا فقالوا‪ :‬عبد الله بن عمر‬
‫صاحب رسول الله ‪ ،‬وابن أمير المؤمنين‬
‫وأحب الناس إليه‪ ،‬وأنت كذلك فكان أن‬
‫يرخصوا عليك أحب إليهم من أن يغلوا عليك‪،‬‬
‫وإني قاسم مسؤول وأنا معطيك أكثر ما ربح‬
‫تاجر من قريش‪ ،‬لك ربح الدرهم درهم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ثم دعا التجار فابتاعوه منه بأربعمائة ألف‬
‫درهم‪ ،‬فدفع إلي ثمانين ألفا ً وبعث بالباقي‬
‫إلى سعد بن أبي وقاص ليقسمه)‪.(621‬‬
‫‪ -3‬منع جّر المنافع بسبب صلة القربى به‪:‬‬
‫عن أسلم قال‪ :‬خرج عبد الله وعبيد الله ابنا‬
‫عمر في جيش إلى العراق فلما قفل مرا على‬
‫أبي موسى الشعري وهو أمير البصرة فرحب‬
‫بهما وسهل وقال‪ :‬لو أقدر لكما على أمر‬
‫أنفعكما به لفعلت‪ ،‬ثم قال‪ :‬بلى‪ ،‬هاهنا مال‬
‫من مال الله أريد أن أبعث به إلى أمير‬

‫‪ ()620‬مناقب عمر لبن الجوزي ص ‪.158 ،157‬‬


‫‪ ()621‬تاريخ السلم للذهبي عهد الخلفاء الراشدين ص ‪.271 ،270‬‬
‫المؤمنين وأسلفكماه فتبيعان به متاع العراق‬
‫ثم تبيعانه بالمدينة‪ ،‬فتؤديان رأس المال إلى‬
‫أمير المؤمنين ويكون لكما الربح‪ ،‬ففع ً‬
‫ل‪،‬‬
‫وكتب إلى عمر أن يأخذ منهما المال‪ .‬فلما‬
‫قدما على عمر قال‪ :‬أكل الجيش أسلف كما‬
‫أسلفكما؟ فقال‪ :‬ل‪.‬فقال عمر‪ :‬أديا المال‬
‫وربحه‪ ،‬فأما عبد الله فسكت‪ ،‬وأما عبيد الله‬
‫فقال‪ :‬ما ينبغي لك يا أمير المؤمنين‪ ،‬لو هلك‬
‫ضمناه‪ .‬فقال‪ :‬أديا المال‪.‬‬
‫المال أو نقص ل ّ‬
‫فسكت عبد الله وراجعه عبيد الله‪ .‬فقال رجل‬
‫من جلساء عمر‪ :‬يا أمير المؤمنين لو جعلته‬
‫قراضا ً ))شركة(()‪ .(622‬فأخذ عمر رأس المال‬
‫ونصف ربحه وأخذ عبد الله وعبيد الله نصف‬
‫ربح المال‪ .‬قالوا‪ :‬هو أول قراض في السلم‪.‬‬
‫‪ -4‬تفضيل أسامة بن زيد على عبد الله بن عمر رضي الله عنهم‬
‫في العطاء‪:‬‬
‫كان عمر رضي الله عنه يقسم المال ويفضل‬
‫بين الناس على السابقة والنسب ففرض‬
‫لسامة بن زيد رضي الله عنه أربعة آلف‪،‬‬
‫وفرض لعبد الله بن عمر رضي الله عنه ثلثة‬
‫لسامة بن زيد‬ ‫آلف‪ ،‬فقال‪ :‬يا أبت فرضت ُ‬
‫أربعة آلف‪ ،‬وفرضت لي ثلثة آلف؟ فما كان‬
‫لبيه من الفضل مالم يكن لك! وما كان له من‬
‫الفضل مالم يكن لي! فقال عمر‪ :‬إن أباه كان‬
‫أحب إلى رسول الله ‪ ‬من أبيك‪ ،‬وهو كان‬
‫أحب إلى رسول الله ‪ ‬منك)‪!!(623‬‬
‫‪ ()622‬الخلفاء الراشدون للنجار ص ‪.244‬‬
‫‪ ()623‬فرائد الكلم للخلفاء الكرام ص ‪.113‬‬
‫‪ -5‬أنفقت عليك شهرًا‪:‬‬
‫ي عمللر يرفللأ‬
‫قال عاصللم بللن عمللر‪ :‬أرسللل إلل ّ‬
‫س فللي المسللجد‬ ‫)مللوله( فللأتيته – وهللو جللال ٌ‬
‫فحمد الله عز وجل – وأثنى عليه‪ ،‬ثم قال‪ :‬أما‬
‫بعد فإني لم أكن أرى شيئا ً من هذا المال يحل‬
‫لي قبل أن أليلله إل بحقلله‪ ،‬ثللم مللا كللان أحللرم‬
‫علي منه حين وليته‪ ،‬فعاد أمانتي‪ ،‬وإنللي كنللت‬
‫أنفقللت عليللك مللن مللال الللله شللهرًا‪ ،‬فلسللت‬
‫بللزائدك عليلله‪ ،‬وإنللي أعطيللت ثمللرك بالعاليللة‬
‫منحة‪ ،‬فخذ ثمنه‪ ،‬ثم ائت رجل ً من تجار قومللك‬
‫فكن إلى جانبه‪ ،‬فللإذا ابتللاع شلليئا ً فاستشللركه‬
‫وأنفللق عليللك وعلللى أهلللك قللال‪ :‬فللذهبت‬
‫ففعلت)‪.(624‬‬

‫‪ ()624‬الطبقات )‪ (277 /3‬إسناده صحيح‪ ،‬محض الصواب )‪.(491 /2‬‬


‫‪ -6‬خذه يا معيقيب فاجعله في بيت المال‪:‬‬
‫ي عمر رضي الللله عنلله‬ ‫قال معيقيب‪ :‬أرسل إل ّ‬
‫مع الظهيرة‪ ،‬فللإذا هللو فللي بيللت يطللالب ابنلله‬
‫عاصما ً … فقال لي‪ :‬اتدري ما صللنع هللذا؟ إنلله‬
‫انطلللق إلللى العللراق فللأخبرهم أنلله ابللن أميللر‬
‫الملللؤمنين‪ ،‬فلللانتفقهم ))سلللألهم النفقلللة((‪،‬‬
‫فأعطوه آنيللة وفضللة ومتاع لًا‪ ،‬وسلليفا ً محلللى‪.‬‬
‫ت‪ ،‬إنما قدمت على ناس‬ ‫فقال‪ :‬عاصم‪ :‬ما فعل ُ‬
‫من قومي‪ ،‬فأعطوني هذا‪ .‬فقال عمر‪ :‬خذه يا‬
‫معيقيب‪ ،‬فاجعله في بيت المال)‪.(625‬‬
‫فهذا مثل من التحري في المال الذي يكتسللبه‬
‫النسللان عللن طريللق جللاهه‪ ،‬ومنصللبه‪ ،‬فحيللث‬
‫ن ابنلله عاصللما ً قللد‬
‫شعر أمير المؤمنين عمر بأ ّ‬
‫اكتسب هذا المال لكللونه ابللن أميللر المللؤمنين‬
‫تحرج في إبقاء ذلك المال عنده لكونه اكتسللبه‬
‫بغيللر جهللده الخللاص فللدخل ذلللك فللي مجللال‬
‫الشبهات)‪.(626‬‬
‫‪ -7‬عاتكة زوجة عمر والمسك‪:‬‬
‫قدم على عمر رضي الله عنه مسك وعنبر من‬
‫البحرين فقال عمر‪ :‬والله لوددت أنللي وجللدت‬
‫ن لي هللذا الطيللب حللتى‬ ‫ز ُ‬‫امرأة حسنة الوزن ت َ ِ‬
‫أقسللمه بيللن المسلللمين‪ ،‬فقللالت للله امرأتلله‬
‫عاتكة بنت زيد بن عمللرو بللن نفيللل‪ :‬أنللا جيللدة‬
‫م أزن لك‪ ،‬قال‪ :‬ل‪ ،‬قالت‪ :‬لم؟ قال‪:‬‬ ‫الوزن فهل ّ‬
‫إني أخشى أن تأخللذيه فتجعليلله هكللذا وأدخللل‬
‫أصللابعه فللي صللدغيه – وتمسللحي بلله عنقللك‪،‬‬
‫‪ ()625‬عصر الخلفة الراشدة للعمري ص ‪ ،236‬الثر حسن‪.‬‬
‫‪ ()626‬التاريخ السلمي )‪.(40 /19‬‬
‫فأصيب فضل ً على المسلللمين)‪ ،(627‬فهللذا مثللل‬
‫من ورع أمير المللؤمنين عمللر رضللي الللله عنلله‬
‫واحتيللاطه البللالغ لمللر دينلله‪ ،‬فقللد أبللى علللى‬
‫امرأته أن تتلولى قسللمة ذللك الطيلب حلتى ل‬
‫تمسح عنقها منه فيكون قللد أصللاب شلليئا ً مللن‬
‫مللال المسلللمين‪ ،‬وهللذه الدقللة المتناهيللة فللي‬
‫ملحظللة الحتمللالت لوليللائه السللابقين إلللى‬
‫الخيللرات‪ ،‬وفرقللان يفرقللون بلله بيللن الحلل‬
‫والحللرام والحللق والباطللل‪ ،‬بينمللا تفللوت هللذه‬
‫الملحظات على الللذين لللم يشللغلوا تفكيرهللم‬
‫بحماية أنفسهم من المخالفات)‪.(628‬‬
‫‪ -8‬رفضه هدية لزوجته‪:‬‬
‫قللال ابللن عمللر‪ :‬أهللدى أبللو موسللى الشللعري‬
‫لمللرأة عمللر عاتكللة بنللت زيللد طنفسللة‪ ،‬أراهللا‬
‫تكون ذراعا ً وشبرًا‪ ،‬فرآها عمر عنللدها‪ ،‬فقللال‪:‬‬
‫أّنى لك هذه؟ فقالت‪ :‬أهللداها للي أبلو موسللى‬
‫الشعري‪ ،‬فأخذها عمر رضي الله عنه فضللرب‬
‫بهلا رأسلها‪ ،‬حلتى نفللض رأسللها)‪ ،(629‬ثللم قلال‬
‫علي بأبي موسى وأتعبوه فأتى به‪ ،‬وقد أتعللب‬
‫وهو يقول‪ :‬ل تعجللل علللي يللا أميللر المللؤمنين‬
‫فقال عمر‪ :‬ما يحملك على أن تهدي لنسللائي؟‬
‫ثم أخذها عمر فضرب بها فللوق رأسلله وقللال‪:‬‬
‫خذها فل حاجة لنا فيها)‪ ،(630‬وكللان رضللي الللله‬
‫عنلله يمنللع أزواجلله فللي التللدخل فللي شللؤون‬
‫‪ ()627‬الزهد للمام أحمد ص ‪ ،11‬نقل ً عن التاريخ السلمي )‪/19‬‬
‫‪.(30‬‬
‫‪ ()628‬التاريخ السلمي )‪.(30 /19‬‬
‫‪ ()629‬نفض الرأس‪ :‬حركه في ارتجاف‪.‬‬
‫‪ ()630‬الشيخان أبو بكر وعمر من رواية البلذري ص ‪.260‬‬
‫الدولة‪ ،‬فعندما كتب عمر رضي الله عنلله علللى‬
‫بعض عمللاله‪ ،‬فكلمتلله امرأتلله فيلله فقللالت‪ :‬يللا‬
‫أمير المؤمنين فيم وجدت عليه؟ قال‪ :‬يا عدوة‬
‫الله وفيم أنت وهذا؟ إنما أنت لعبللة يلعللب بللك‬
‫ثم تتركين‪ ،‬وفي رواية‪ :‬فأقبلي علللى مغزلللك‬
‫ول تعرضي فيما ليس من شأنك)‪.(631‬‬
‫‪ -9‬هدية ملكة الروم لزوجته أم كلثوم‪:‬‬
‫ذكر الستاذ الخضري في محاضراته‪ ،‬أنه – لمللا‬
‫تللرك ملللك الللروم الغللزو وكللاتب عمللر وقللاربه‬
‫وسلير إليله عملر الرسلل ملع البريلد بعثلت أم‬
‫كلثوم بنت علي بن أبي طالب إلى ملكة الروم‬
‫بطيب ومشارب وأحنللاش مللن أحنللاش النسللاء‬
‫ودسته إلى البريد فأبلغه لها فأخذ منه وجاءت‬
‫امرأة قيصر وجمعت نساءها وقالت‪ :‬هذه هدية‬
‫امرأة ملك العرب وبنت نبيهم وكاتبتها وأهدت‬
‫لها وفيما أهدت لها عقد فاخر‪ ،‬فلما انتهى به‬
‫البريد إليه أمر بإمساكه ودعللا الصلللة جامعللة‪،‬‬
‫فاجتمعوا فصلى بهم ركعتين وقال‪ :‬إنه ل خير‬
‫فلي أملر أبلرم علن غيلر شلورى ملن أملوري‪.‬‬
‫قولوا في هدية أهدتها أم كلثللوم لمللرأة ملللك‬
‫الروم فقال قائلون‪ :‬هو له بالذي لها‪ :‬وليست‬
‫امرأة الملك بذمللة فتصللانع بلله ول تحللت يللديك‬
‫فتبقيك‪ .‬وقللال آخللرون قللد كنللا نهللدي الثيللاب‬
‫لنسللتثيب ونبعللث بهللا لتبللاع ولنصلليب شلليئًا‪،‬‬
‫فقللال‪ :‬ولكللن الرسللول رسللول المسلللمين‬
‫والبريللد بريللدهم والمسلللمون عظموهللا فللي‬

‫‪ ()631‬أخبار عمر ص ‪ ،293‬الشيخان رواية البلذري ص ‪.188‬‬


‫صدرها فأمر بردها إلى بيت المللال ورد عليهللا‬
‫بقدر نفقتها)‪.(632‬‬
‫‪ -10‬أم سليط أحق به‪:‬‬
‫عن ثعلبة بن أبي مالك أنلله قللال‪ :‬إن عمللر بللن‬
‫الخطاب رضي الله عنه قسم مروطا ً بين نساء‬
‫أهل المدينة‪ ،‬فبقي منها مر ٌ‬
‫ط جيللد فقللال للله‬
‫بعض من عنده‪ :‬يللا أميللر المللؤمنين‪ ،‬أعللط هللذا‬
‫بنت رسول الللله ‪ ‬الللتي عنللدك – يريللدون أم‬
‫كلثوم بنت علي – فقال عمر‪ :‬أم سللليط أحللق‬
‫به ‪ -‬وأم سليط مللن نسللاء النصللار ممللن بللايع‬
‫رسول الله ‪ -‬قال عمر‪ :‬فإنها كانت تزفر لنللا‬
‫القرب يوم أحد)‪.(633‬‬
‫‪ -11‬غششت أباك ونصحت أقرباءك ‪:‬‬
‫جيء إلى عمر رضي الله عنه بمال‪ ،‬فبلغ ذلللك‬
‫حفصلللة أم الملللؤمنين‪ ،‬فقلللالت‪ :‬يلللا أميلللر‬
‫المؤمنين‪ ،‬حللق أقربللائك مللن هللذا المللال‪ ،‬قللد‬
‫أوصى الله عز وجل بالقربين من هذا المللال‪،‬‬
‫فقال‪ :‬يا بنية حق أقربائي في مالي‪ ،‬وأما هذا‬
‫ففي سداد المسلمين‪ ،‬غششت أباك ونصللحت‬
‫أقرباءك‪ .‬قومي)‪.(634‬‬
‫‪ -12‬أردت أن ألقى الله ملكا ً خائنًا‪:‬‬
‫قدم صهٌر لعمر عليلله فطلللب أن يعطيلله عمللر‬
‫من بيت المال فللانتهره عمللر وقللال‪ :‬أردت أن‬

‫‪ ()632‬الخلفاء الراشدون د‪ .‬عبد الوهاب النجار ص ‪.245‬‬


‫‪ ()633‬فتح الباري )‪ ،(93 /6) ،(424 /7‬الخلفة الراشدة ص‪.273 :‬‬
‫‪ ()634‬الزهد للمام أحمد ص ‪ ،17‬فرائد الكلم ص ‪.139‬‬
‫ألقى الله ملكا ً خائنًا‪ :‬فلما كان بعد ذلك أعطاه‬
‫صلب ماله عشرة آلف درهم)‪.(635‬‬ ‫من ُ‬
‫هذه بعض المواقف الللتي تللدل علللى ترفللع عمللر‬
‫عللن المللوال العامللة ومنللع أقربللائه وأهللله مللن‬
‫السللتفادة مللن سلللطانه ومكللانته‪ ،‬ولللو أن عمللر‬
‫أرخى العنان لنفسه أو لهل بيتلله لرتعللوا ولرتللع‬
‫من بعللدهم وكللان مللال الللله تعللالى حبس لا ً علللى‬
‫أولياء المللور‪ .‬ومللن القواعللد الطبيعيللة المؤيللدة‬
‫بالمشللاهد أن الحللاكم إذا امتللدت يللده إلللى مللال‬
‫الدولة اتسع الفتق على الراتق واختل بيت المال‬
‫أو مالية الحكومة وسرى الخلل إلى جميللع فلروع‬
‫المصالح وجهر المستسر بالخيانة وانحل النظام‪،‬‬
‫ومن المعلوم أن النسان إذا كان ذا قناعة وعفة‬
‫عن مال الناس زاهدا ً في حقلوقهم دعلاهم ذللك‬
‫إلى محبته والرغبللة فيلله وإذا كللان حاكمللا حللدبوا‬
‫عليه وأخلصوا في طاعته وكان أكرم عليهم مللن‬
‫أنفسهم)‪.(636‬‬
‫ومن خلل حياته مع أسللرته وأقربللائه يظهللر لنللا‬
‫م من معللالم الفللاروق فللي ممارسللة منصللب‬ ‫عل ٌ‬
‫م ْ‬
‫َ‬
‫الخلفة وهي القدوة الحسنة في حيللاته الخاصللة‬
‫أبللي‬ ‫والعامة‪ ،‬حتى قال في حقه علللي بللن‬
‫طالب‪ :‬عففت فعفت رعيتك ولللو رتعللت لرتعللوا‪،‬‬
‫وكان للتزامه بما يللدعو إليلله‪ ،‬ومحاسللبته نفسلله‬
‫وأهل بيته أكثر مما يحاسب به ولته وعماله الثر‬

‫‪ ()635‬تاريخ السلم للذهبي ص ‪.271‬‬


‫‪ ()636‬الخلفاء الرائدون للذهبي ص ‪.271‬‬
‫الكبير فللي زيللادة هيبتلله فللي النفللوس وتصللديق‬
‫الخاصة والعامة له)‪.(637‬‬
‫هذا هو عمر الخليفة الراشد الذي بلغ الذروة في‬
‫القدوة رباه السلم‪ ،‬فمل اليمللان بللالله شللغاف‬
‫قلبه‪ ،‬إنه اليمان العميق‪ ،‬الللذي صللنع منلله قللدوة‬
‫للجيللال‪ ،‬ويبقللى اليمللان بللالله والتربيللة علللى‬
‫تعاليم هذا الدين سببا ً عظيما ً فللي جعللل الحللاكم‬
‫قدوة في أروع ما تكون القدوة من هنا إلى يللوم‬
‫القيامة)‪.(638‬‬
‫ثالثًا‪ :‬احترامه ومحبته لهل البيت‪:‬‬
‫ل شللك أن لهللل بيللت النللبي ‪ ‬منزلللة رفيعللة‬
‫ودرجة عاليللة مللن الحللترام والتقللدير عنللد أهللل‬
‫السنة والجماعة حيللث يرعللون حقللوق آل الللبيت‬
‫الللتي شللرعها الللله لهللم‪ ،‬فيحبللونهم ويتولللونهم‬
‫ويحفظون فيهم وصية رسول الله ‪ ‬التي قالها‬
‫يوم غدير خم‪ :‬أذكركم الللله فللي أهللل بيللتي)‪،(639‬‬
‫فهلللم أسلللعد النلللاس بالخلللذ بهلللذه الوصلللية‪،‬‬
‫وتطبيقها‪ ،‬فيتبرؤون من طريقة الروافض الذين‬
‫غلوا في بعض أهل البيت‪ ،‬غلوا مفرطًا‪ ،‬وطريقة‬
‫النواصللب الللذين يللؤذونهم ويبغضللونهم‪ ،‬فأهللل‬
‫السنة متفقللون علللى وجللوب محبللة أهللل الللبيت‬
‫وتحريلللم إيلللذائهم أو السلللاءة إليهلللم بقلللول و‬
‫فعل)‪ ،(640‬وهذا الفاروق رضي الله عنه يوضح لنللا‬

‫القيادة والتغيير ص ‪.182‬‬ ‫‪()637‬‬


‫فن الحكم ص ‪.74‬‬ ‫‪()638‬‬
‫مسلم‪ ،‬ك فضائل الصحابة‪ ،‬رقم ‪.2408‬‬ ‫‪()639‬‬
‫العقيدة في أهل البيت بين الفراط والتفريط ص ‪.59‬‬ ‫‪()640‬‬
‫معتقللد أهللل السللنة فللي أهللل الللبيت مللن خلل‬
‫تصرفاته ومواقفه معهم‪.‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫المؤسسة المالية والقضائية وتطويرها‬
‫في عهد عمر رضي الله عنه‬
‫المبحث الول‪ :‬المؤسسة المالية‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ل‪ :‬مصادر دخل الدولة في عهد عمر رضي الله عنه‪:‬‬
‫نظر المسلمون في العصر الراشدي إلى المال‬
‫بكل أشكاله وأنواعه بأنه مال الله‪ ،‬وبأن النسان‬
‫مستخلف فيه‪ ،‬يتصرف فيه بالشروط التي‬
‫وضعها المولى عز وجل‪ ،‬والقرآن الكريم يؤكد‬
‫هذه الحقيقة في كل أمر يتعلق بالمال وإنفاقه‬
‫عل َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ج َ‬‫ما َ‬ ‫م ّ‬‫قوا ِ‬ ‫ف ُ‬‫وأ َن ْ ِ‬
‫ه َ‬ ‫سول ِ ِ‬
‫وَر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫مُنوا ِبالل ّ ِ‬ ‫فيقول‪  :‬آ ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫خل َ ِ‬
‫مُنوا‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ِ‬ ‫ه ‪) ‬الحديد‪،‬آية‪َ  ،(7:‬ياأي ّ َ‬ ‫في ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫في َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫م ‪) ‬البقرة‪،‬آية‪ ،(254:‬وقوله تعالى‬ ‫ُ‬
‫قَناك ْ‬ ‫ما َرَز ْ‬ ‫م ّ‬‫قوا ِ‬ ‫ف ُ‬ ‫َأن ِ‬
‫يتحدث عن البر وهو جماع الخير‬
‫مى‬ ‫وال ْي ََتا َ‬ ‫قْرَبى َ‬ ‫وي ال ْ ُ‬ ‫ه ذَ ِ‬ ‫حب ّ ِ‬‫عَلى ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ما َ‬ ‫وآَتى ال ْ َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ب ‪‬‬ ‫قا ِ‬ ‫في الّر َ‬ ‫و ِ‬ ‫ن َ‬ ‫سائ ِِلي َ‬ ‫وال ّ‬ ‫ل َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫واب ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫كي َ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫وال ْ َ‬
‫َ‬
‫)البقرة‪،‬آية‪ (137:‬وإيتاء المال اعتراف من المسلم‬
‫‪-‬ابتداء‪ -‬بأن المال الذي في يده هو رزق الله له‪:‬‬
‫ن ‪ ‬لنه خلقه‬ ‫دو َ‬ ‫ع ُ‬‫ما ُتو َ‬ ‫و َ‬‫م َ‬ ‫قك ُ ْ‬ ‫رْز ُ‬ ‫ء ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫س َ‬ ‫في ال ّ‬ ‫و ِ‬‫‪َ ‬‬
‫هو‪ ،‬ومن هذا العتراف بنعمة الرزق انبثق البر‬
‫بعباد الله)‪ ،(641‬وعلى هذا الساس اليماني نظر‬
‫الفاروق إلى مال الدولة التي توسعت مواردها‬
‫في عصره‪ ،‬حيث فتحت الدولة بلدانا ً واسعة‪،‬‬
‫‪ ()641‬دراسات في الحضارة السلمية أحمد إبراهيم الشريف ص‬
‫‪.253‬‬
‫وخضعت لحكمها شعوب كثيرة‪ ،‬فنظم علقة‬
‫الدولة مع هذه الشعوب‪ ،‬فمنهم من دخل في‬
‫حكم الدولة صلحًا‪ ،‬ومنهم من دخل في حكمها‬
‫كرهًا‪ ،‬وتبعا ً للفتح آلت إليها أرض غلبت عليها‬
‫ض صالح أصحابها‪،‬‬ ‫عنوة )بقوة السلح(‪ ،‬وأرا ٍ‬
‫ً‬
‫ض جل عنها مالكوها أو كانت ملكا لحكام‬ ‫وأر ٌ‬
‫البلد السابقين ورجالهم‪ ،‬ومن شعوب هذه‬
‫البلد كتابيون )أهل كتاب كاليهود والنصارى(‬
‫نظم الفاروق طريقة التعامل معهم وفق شرع‬
‫الله المحكم‪ ،‬وقد قام عمر رضي الله عنه‬
‫بتطوير النظام المالي في دولته سواء في‬
‫الموارد أو النفاقات أو ترتيب حقوق الناس من‬
‫خلل نظام الدواوين‪ ،‬وقد أخذت موارد الدولة‬
‫تزداد في عصر عمر رضي الله عنه‪ ،‬وشرع في‬
‫تطويرها‪ ،‬ورتب لها عمال ً للشراف عليها فكانت‬
‫أهم مصادر الثروة في عهده‪ :‬الزكاة‪ ،‬والغنائم‪،‬‬
‫والفيء‪ ،‬والجزية‪ ،‬والخراج‪ ،‬وعشور التجار‪،‬‬
‫فعمل الفاروق على تطوير هذه المصادر واجتهد‬
‫في قضايا وفق مقاصد الشريعة التي وضعت‬
‫لمصالح العباد‪ ،‬فقد أخذت الدولة تستجد فيها‬
‫ظروف لم تكن موجودة في عهد رسول الله‬
‫‪ ،(642)‬وكان عمر رضي الله عنه منفذا ً للكتاب‬
‫والسنة تنفيذا عبقريًا‪ ،‬ل يستأثر بالمر دون‬
‫المسلمين‪ ،‬ول يستبد بالرأي في شأن من‬
‫الشئون‪ ،‬فإذا نزل به أمر جمع المسلمين‬

‫‪ ()642‬نفس المصدر ص ‪.254‬‬


‫يستشيرهم ويعمل بآرائهم)‪ ،(643‬وأما أهم مصادر‬
‫الثروة في عهد الفاروق فهي التي‪:‬‬
‫‪ -1‬الزكاة‪:‬‬
‫هي الركن الجتماعي البارز في أركان‬
‫السلم‪ ،‬وأول تشريع سماوي إسلمي‪ ،‬فرض‬
‫في أموال أغنياء المسلمين‪ ،‬لتؤخذ منهم‪،‬‬
‫وترد إلى الفقراء‪ ،‬بحسب أنصبتها المعروفة‬
‫في الزروع والثمار‪ ،‬والذهب والفضة وعروض‬
‫التجار والماشية‪ ،‬ليكون هناك نوع من‬
‫التضامن والتكافل الجتماعي‪ ،‬والمحبة‬
‫واللفة بين الغنياء والفقراء‪ ،‬فالزكاة تكليف‬
‫يتصل بالمال‪ ،‬والمال كما يقولون عصب‬
‫الحياة‪ ،‬فمن الناس سعيد بالمال ومنهم شقي‬
‫به‪ ،‬وهذه سنة الله في خلقه‪ ،‬ولن تجد لسنة‬
‫ل‪ ،‬ونظرا ً لما للمال من أثر في حياة‬ ‫الله تبدي ً‬
‫الناس فقد عني السلم بأمره أشد العناية‪،‬‬
‫واهتم بالزكاة غاية الهتمام ووضع لها نظاما ً‬
‫دقيقا ً حكيما ً رحيمًا‪ ،‬يؤلف بين القلوب)‪،(644‬‬
‫ولذلك سار الفاروق على نهج رسول الله ‪‬‬
‫وأبي بكر‪ ،‬فقام بتنظيم مؤسسة الزكاة‪،‬‬
‫دقين لجمع الزكاة‬ ‫وتطويرها‪ ،‬فأرسل المص ّ‬
‫في أرجاء الدولة السلمية بعد أن أسلم‬
‫الكثير من سكان البلد المفتوحة‪ ،‬وكان العدل‬
‫في جباية الموال‪ ،‬صفة الخلفة الراشدة دون‬

‫‪ ()643‬مبادئ النظام القتصادي السلمي د‪.‬سعاد إبراهيم صالح‬


‫ص ‪.213‬‬
‫‪ ()644‬سياسة المال في السلم في عهد عمر بن الخطاب‪ ،‬عبد‬
‫الله جمعان السعدي ص ‪.8‬‬
‫الخلل بحقوق بيت المال‪ ،‬وقد أنكر الفاروق‬
‫على عامل من عمال الزكاة أخذه لشاة كثيرة‬
‫ل‪ :‬ما أعطى هذه‬ ‫اللبن ذات ضرع عظيم قائ ً‬
‫)‪(645‬‬
‫‪ ،‬وقد‬ ‫أهلها وهم طائعون‪ ،‬ل تفتنوا الناس‬
‫جاء ناس من أهل الشام إلى عمر‪ ،‬فقالوا‪ :‬إنا‬
‫قد أصبنا أموال ً وخيل ً ورقيقا ً نحب أن يكون‬
‫لنا فيها زكاة وطهور قال عمر‪ :‬ما فعله‬
‫صاحباي قبلي فأفعله‪ ،‬واستشار أصحاب‬
‫ي‪ :‬هو‬ ‫ي‪ ،‬فقال عل ّ‬ ‫رسول الله ‪ ،‬وفيهم عل ّ‬
‫حسن‪ ،‬إن لم يكن جزية راتبة يؤخذون بها‬
‫بعدك)‪ ،(646‬وقد ذكر الدكتور أكرم ضياء‬
‫العمري‪ :‬أن الصحابة اقترحوا على عمر فرض‬
‫الزكاة على الرقيق والخيل بعد ما توسعت‬
‫ملكية الرقيق والخيل في أيدي المسلمين‪،‬‬
‫فعدّ عمر الرقيق والخيل من أموال التجارة‬
‫وفرض على الرقيق الصبيان والكبار دينارا ً‬
‫)عشرة دراهم( وعلى الخيل العربية عشرة‬
‫دراهم وعلى البراذين )الخيل غير العربية(‬
‫خمسة دراهم‪ ،‬ويفهم أنه لم يفرض الزكاة‬
‫في رقيق الخدمة والخيل المعدة للجهاد لنها‬
‫ليست من عروض التجارة‪ ،‬بل إنه عوض من‬
‫يدفع زكاتهما كل شهرين جربين )حوالي ‪209‬‬
‫كيلو غرام من القمح( وهو أكثر قيمة في‬
‫الزكاة وذلك لحديث رسول الله ‪ :‬ليس على‬
‫المسلم في فرسه ول عبده صدقة)‪ ،(647‬وقد‬
‫‪ ()645‬الموطأ )‪ ،(1/256‬عصر الخلفة الراشدة ص ‪.194‬‬
‫‪ ()646‬الموسوعة الحديثة مسند أحمد رقم ‪ ،82‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪ ()647‬صحيح الترمذي )‪ (1/196‬وقال الترمذي‪ :‬والعمل عليه عند‬
‫أهل العلم‪.‬‬
‫أخذ من الركاز )المال المدفون( ‪-‬إذا عثر‬
‫عليه‪ -‬الخمس‪ ،‬وحرص على تداول الموال‬
‫وتشغيلها لئل تذهب بها الزكاة مع تعاقب‬
‫العوام)‪ ،(648‬فكان عنده مال ليتيم فأعطاه‬
‫للحكم بن العاص الثقفي ليتجر به)‪ ،(649‬إذ لم‬
‫يجد عمر وقتا ً للتجارة لنشغاله بأمور الخلفة‪،‬‬
‫وعندما صار الربح وفيرا ً من عشرة آلف‬
‫درهم إلى مائة ألف شك عمر في طريقة‬
‫الكسب‪ ،‬ولما علم أن التاجر استغل صلة‬
‫اليتيم بعمر رفض جميع الربح واسترد رأس‬
‫المال حيث اعتبر الربح خبيثا ً)‪ ،(650‬فهو يعمل‬
‫بمبدأ فرضه على ولته وهو رفض استغلل‬
‫مواقع المسؤولية في الدولة‪ ،‬ومن هنا قاسم‬
‫الولة ثروتهم إذا نمت بالتجارة)‪ ،(651‬وسيأتي‬
‫بيان ذلك عند الحديث عن الولة بإذن الله‬
‫تعالى‪ ،‬وقد أخذ عمر في زكاة الزروع العشر‬
‫فيما سقته المطار والنهار ونصف العشر‬
‫فيما سقي باللة)‪ ،(652‬وهو الموافق للسنة‪،‬‬
‫وكان يوصي بالرفق بأصحاب البساتين عند‬
‫تقدير الحاصل من التمر)‪ ،(653‬وأخذ زكاة‬
‫عشرية من العسل إذا حمت الدولة وادي‬

‫‪ ()648‬عصر الخلفة الراشدة ص ‪.194،195‬‬


‫‪ ()649‬عصر الخلفة الراشدة ص ‪ ،195‬الموال لبن زنجويه )‬
‫‪ (3/990‬الثر صحيح‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ ()650‬الموال أبو عبيد ص ‪ 455‬والثر صحيح نقل عن عصر‬
‫الخلفة الراشدة ص ‪.195‬‬
‫‪ ()651‬عصر الخلفة الراشدة ص ‪.195‬‬
‫‪ ()652‬المصنف )‪ (135 ،4/134‬والثر صحيح نقل ً عن عصر الخلفة‬
‫الراشدة ص ‪.195‬‬
‫‪ ()653‬عصر الخلفة الراشدة ص ‪ 195‬والثر صحيح‪.‬‬
‫النحل لمستثمره)‪ ،(654‬وقد كثرت الحنطة في‬
‫خلفته‪ ،‬فسمح بإخراج زكاة الفطر من‬
‫الحنطة بنصف وزن ما كانوا يؤدونه قبل‬
‫)‪(655‬‬
‫‪،‬‬ ‫خلفته من الشعير أو التمر أو الزبيب‬
‫وهذا فيه تيسير على الناس‪ ،‬وقبول للمال‬
‫النفس في الزكاة وإن تفاوت الجنس)‪،(656‬‬
‫وأما بخصوص مقادير أموال الزكاة التي كانت‬
‫ُتجنى كل عام فأمر غير معروف‪ ،‬والشارات‬
‫التي تذكر بعض الرقام إشارات جزئية وغير‬
‫دقيقة‪ ،‬ول تنفع في إعطاء تقدير كلي‪ ،‬وقد‬
‫قيل إن عمر بن الخطاب حمى أرض الربذة‬
‫لنعم الصدقة‪ ،‬وكان يحمل عليها في سبيل‬
‫الله‪ ،‬وكان مقدار ما يحمل عليه كل عام في‬
‫سبيل الله أربعين ألفا ً من الظهر)‪ ،(657‬وأما‬
‫الموظفون الذين أشرفوا على هذه المؤسسة‬
‫فقد ذكرت المصادر أسماء عدد منهم في‬
‫خلفة عمر رضي الله عنه وهم‪ ،‬أنس بن‬
‫مالك‪ ،‬وسعيد بن أبي الذباب على السراة‬
‫وحارث بن مضرب العبدي‪ ،‬وعبد الله بن‬
‫الساعدي‪ ،‬وسهل بن أبي حثمة‪ ،‬ومسلمة بن‬
‫مخلد النصاري‪ ،‬ومعاذ بن جبل على بني‬
‫كلب‪ ،‬وسعد العرج‪ ،‬على اليمن‪ ،‬وسفيان بن‬

‫‪ ()654‬نفس المصدر ص ‪ 195‬والثر صحيح‪.‬‬


‫‪ ()655‬نفس المصدر ص ‪ 196‬والثر صحيح‪.‬‬
‫‪ ()656‬فتح الباري )‪ (3/313‬نقل ً عن عصر الخلفة الراشدة ص‬
‫‪.196‬‬
‫‪ ()657‬الحياة القتصادية في العصور السلمية الولى د‪ .‬محمد‬
‫بطابنة ص ‪.104‬‬
‫عبد الله الثقفي كان واليا ً على الطائف فكان‬
‫يجبي زكاتها)‪.(658‬‬
‫‪ -2‬الجزية‪:‬‬
‫هي الضريبة التي تفرض على رؤوس من‬
‫دخل ذمة المسلمين من أهل الكتاب)‪،(659‬‬
‫وقيل هي الخراج المحمول على رؤوس‬
‫الكفار إذلل ً لهم )وصغارًا( )‪ (660‬لقوله تعالى‪:‬‬
‫ول َ‬
‫ر َ‬
‫خ ِ‬ ‫ول َ ِبال ْي َ ْ‬
‫وم ِ ال ِ‬ ‫ن ِبالل ّ ِ‬
‫ه َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن ل َ يُ ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫قات ُِلوا ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ق‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫ح ّ‬ ‫ن ِدي َ‬ ‫ديُنو َ‬‫ول َ ي َ ِ‬‫ه َ‬ ‫سول ُ ُ‬
‫وَر ُ‬
‫ه َ‬‫م الل ّ ُ‬
‫حّر َ‬‫ما َ‬‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫حّر ُ‬ ‫يُ َ‬
‫د‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ن يَ ٍ‬
‫ع ْ‬‫ة َ‬‫جْزي َ َ‬
‫عطوا ال ِ‬ ‫حّتى ي ُ ْ‬ ‫ب َ‬‫ن أوُتوا الك َِتا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ن)‪) (29‬التوبة‪،‬آية‪.(29:‬‬ ‫غُرو َ‬‫صا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫و ُ‬‫َ‬
‫وتؤخذ الجزية من أهل الكتاب‪ :‬وهم اليهود‬
‫والنصارى وهو إجماع ل خلف فيه ومن لهم‬
‫شبهة كتاب‪ :‬وهم المجوس‪ ،‬وقد حار عمر‬
‫رضي الله عنه في أمرهم في أول المر‪،‬‬
‫أيأخذ منهم الجزية؟ أو ل يأخذها؟ حتى قطع‬
‫دثه أن‬ ‫عبد الرحمن بن عوف حيرته حين ح ّ‬
‫‪،‬‬‫)‪(661‬‬
‫رسول الله ‪ ‬أخذها من مجوس هجر‬
‫فقد روى ابن أبي شيبة وغيره أن عمر كان‬
‫بين القبر والمنبر فقال‪ :‬ما أدري ما أصنع‬
‫بالمجوس‪ ،‬وليسوا بأهل كتاب‪ ،‬فقال عبد‬
‫الرحمن بن عوف‪ :‬سمعت رسول الله ‪‬‬
‫سنة أهل الكتاب)‪ ،(662‬وفي‬‫سنوا بهم ُ‬
‫يقول‪ُ :‬‬
‫حديث آخر أن عمر لم يرد أن يأخذ الجزية من‬
‫‪ ()658‬عصر الخلفة الراشدة ص ‪.197 ،196‬‬
‫‪ ()659‬السياسة الشرعية لبن تيمية ص ‪ ،114 ،113‬المعاهدات في‬
‫الشريعة د‪ .‬الديك ص ‪.313‬‬
‫مي ص ‪.39‬‬ ‫م ّ‬
‫‪ ()660‬أهل الذمة في الحضارة السلمية حسن ال ِ‬
‫‪ ()661‬موسوعة فقه عمر بن الخطاب ص ‪.235‬‬
‫المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن‬
‫رسول الله أخذها من مجوس هجر)‪ ،(663‬وقد‬
‫علل العلماء أخذها من المجوس بأنهم كانوا‬
‫في الصل أهل كتاب‪ ،‬وإنما طرأت عليهم‬
‫عبادة النار بعد ذلك‪ ،‬وعندئذ أخذها من أهل‬
‫السواد)‪ (664‬وأخذها من مجوس فارس وكتب‬
‫قَبلك فخذ‬ ‫لجزء بن معاوية‪ :‬انظر مجوس من ِ‬
‫منهم الجزية فإن عبد الرحمن بن عوف‬
‫أخبرني أن رسول الله أخذها من مجوس‬
‫هجر)‪ ،(665‬وهي تجب على الرجال الحرار‬
‫العقلء‪ ،‬ول تجب على امرأة ول صبي ول‬
‫مجنون ول عبد لنهم أتباع وذراري‪ ،‬كما أن‬
‫الجزية ل تؤخذ من المسكين الذي يتصدق‬
‫من إذا كان‬ ‫عليه ول من مقعد‪ ،‬والمقعد والّز ِ‬
‫لهما يسار أخذت منهما وكذلك العمى وكذلك‬
‫المترهبون الذين في الديارات إذا كان لهم‬
‫دق‬‫يسار أخذ منهم‪ ،‬وإن كانوا مساكين يتص ّ‬
‫عليهم أهل اليسار لم يؤخذ منهم)‪،(666‬‬
‫وتسقط الجزية‪ ،‬بالموت‪ ،‬فإذا مات من تجب‬
‫عليه الجزية سقطت الجزية‪ ،‬لن الجزية واجبة‬
‫على الرؤوس‪ ،‬فإذا فاتت الرؤوس بالموت‬
‫سقطت‪ ،‬وبالسلم‪ ،‬فإذا أسلم من فرضت‬
‫عليه الجزية‪ ،‬سقطت عنه بإسلمه‪ ،‬فقد أسلم‬

‫‪ ()662‬نفس المصدر ص ‪ 235‬نقل ً عن مصنف ابن أبي شيبة )‬


‫‪.(1/141‬‬
‫‪ ()663‬البخاري‪ ،‬ك الجزية والموادعة رقم ‪.3156‬‬
‫‪ ()664‬سواد العراق‪.‬‬
‫‪ ()665‬البخاري‪ ،‬رقم ‪.3156‬‬
‫‪ ()666‬أهل الذمة في الحضارة السلمية ص ‪.42‬‬
‫رجلن من أهل أليس‪ ،‬فرفع عنهما‬
‫جزيتهما)‪ ،(667‬وأسلم الرقيل دهقان النهرين‬
‫ففرض له عمر في ألفين ووضع عن رأسه‬
‫الجزية)‪ ،(668‬ومن الجدير بالذكر أن الجزية‬
‫تسقط عن العام الذي أسلم فيه الذمي‪ ،‬سواء‬
‫كان إسلمه في أوله أو في وسطه أو في‬
‫آخره‪ ،‬قال عمر‪ :‬إن أخذ الجزية الجابي بكفه‬
‫ثم أسلم صاحبها ردها عليه)‪ ،(669‬وتسقط‬
‫بالفتقار‪ ،‬فإذا افتقر الذمي بعد غنى وأصبح‬
‫غير قادر على دفع الجزية سقطت عنه الجزية‬
‫وقد أسقطها عمر عن الشيخ الكبير الضرير‬
‫البصر عندما رآه يسأل الناس)‪ (670‬وفرض له ما‬
‫يعوله من بيت المال‪ ،‬وتسقط عند عجز الدولة‬
‫عن حماية الذميين‪ ،‬لن الجزية ما هي إل‬
‫ضريبة على الشخاص القاطنين في أقاليم‬
‫الدولة السلمية‪ ،‬وتدفع هذه الضريبة في‬
‫مقابل انتفاعهم بالخدمات العامة للدولة‪،‬‬
‫علوة على أنها نظير حمايتهم والمحافظة‬
‫عليهم وبدل عدم قيامهم بواجب الدفاع عن‬
‫الدولة ومواطنيها)‪ ،(671‬ومن الدلة على أن‬
‫الجزية في مقابل الحماية‪ ،‬ما قام به أبو‬
‫عبيدة بن الجراح‪ ،‬حينما حشد الروم جموعهم‬
‫على حدود البلد السلمية الشمالية‪ ،‬فكتب‬
‫أبو عبيدة إلى كل وال ممن خلفه في المدن‬
‫‪ ()667‬موسوعة فقه عمر ص ‪.238‬‬
‫‪ ()668‬موسوعة فقه عمر بن الخطاب ص ‪ 238‬نقل ً عن المحلى )‬
‫‪.(7/345‬‬
‫‪ ()669‬نفس المصدر ص ‪ 239‬نقل ً عن المغني )‪.(8/511‬‬
‫‪ ()670‬موسوعة فقه عمر ص ‪.239‬‬
‫‪ ()671‬المعاهدات في الشريعة السلمية د‪ .‬الديك ص ‪.314‬‬
‫التي صالح أهلها يأمرهم أن يردوا عليهم ما‬
‫جبي منهم من الجزية والخراج‪ ،‬وكتب إليهم‬
‫أن يقولوا لهم‪ :‬إنما رددنا عليكم أموالكم لنه‬
‫قد بلغنا‬
‫ما جمع لنا من الجموع وأنكم اشترطتم علينا‬
‫أن نمنعكم‪ ،‬وإنا ل نقدر على ذلك‪ ،‬وقد رددنا‬
‫عليكم ما أخذنا منكم‪ ،‬ونحن على الشرط‪ ،‬وما‬
‫كتبنا بيننا وبينكم إن نصرنا الله عليهم‪ ،‬فلما‬
‫قالوا ذلك لهم وردوا عليهم أموالهم التي‬
‫جبيت منهم‪ ،‬قالوا‪ :‬ردكم الله علينا ونصركم‬
‫عليهم )أي الروم( فلو كانوا هم ما ردوا علينا‬
‫شيئا ً وأخذوا كل شيء بقي لنا حتى ل يدعوا‬
‫لنا شيئا ً)‪ ،(672‬كما تسقط إذا قاموا هم بعبء‬
‫الدفاع بتكليف من الدولة كما حدث في العهد‬
‫الذي وقعه سراقة بن عمرو مع أهل‬
‫)‪(673‬‬
‫‪.‬‬ ‫طبرستان بعد أن وافقه عمر على ذلك‬
‫وأما قيمتها فقد كانت غير محددة واختلفت‬
‫من إقليم لخر بحسب قدرة الناس‪ ،‬وظروف‬
‫القليم‪ ،‬فقد وضع على أهل السواد‪ ،‬ثمانية‬
‫وأربعين درهمًا‪ ،‬وأربعة وعشرين درهمًا‪،‬‬
‫بحسب حال كل واحد من اليسار‪ ،‬يؤخذ ذلك‬
‫منهم كل سنة‪ ،‬وإن جاءوا بعرض قبل منهم‬
‫مثل الدواب والمتاع وغير ذلك ويؤخذ منهم‬
‫بالقيمة)‪ ،(674‬وجعل على أهل الشام أربعة‬
‫دنانير وأرزاق المسلمين من الحنطة مدين‬
‫‪ ()672‬فتوح البلدان ص ‪ ،143‬الموارد المالية د‪ .‬يوسف عبد‬
‫المقصود ص ‪.228‬‬
‫‪ ()673‬تاريخ الدعوة السلمية د‪ .‬جميل المصري ص ‪.327‬‬
‫‪ ()674‬دور الحجاز في الحياة السياسية ص ‪.230‬‬
‫وثلثة أقساط من زيت لكل فرد‪ ،‬وعلى أهل‬
‫الفضة أربعين درهما ً وخمسة عشر صاعا ً لكل‬
‫إنسان وعلى أهل مصر دينارين لكل حالم إل‬
‫أن يكون فقيرا ً)‪ ،(675‬وأما أهل اليمن فقد‬
‫خضعت للسلم في عهد النبوة‪ ،‬وفرضت‬
‫الجزية على كل رجل دينار أو عدله معافر‪،‬‬
‫وتشير روايات ضعيفة إلى بقاء هذه الجزية‬
‫على أهل اليمن دون تغير في خلفة عمر‬
‫ورغم ضعفها فإنها تتفق مع سياسة عمر في‬
‫مراعاة أحوال الرعية‪ ،‬وعدم تغيير الجراءات‬
‫النبوية)‪ ،(676‬فالجزية كانت تختلف بحسب يسار‬
‫الناس وبحسب غنى القليم كذلك‪ ،‬وكانت‬
‫تخضع للجتهاد بما يكون من طاقة أهل الذمة‬
‫بل حمل عليهم ول إضرار)‪ ،(677‬وكان عمر يأمر‬
‫جباة الجزية بأن يرفقوا بالناس في جبايتها‪،‬‬
‫وعندما أتي عمر بمال كثير فقال‪ :‬إني‬
‫لظنكم قد أهلكتم الناس‪ ،‬قالوا‪ :‬ل والله‪ ،‬ما‬
‫أخذنا إل عفوا ً صفوًا‪ ،‬قال‪ :‬بل سوط ول نوط؟‬
‫قالوا‪ :‬نعم قال‪ :‬الحمد لله الذي لم يجعل ذلك‬
‫على يدي ول في سلطاني)‪ ،(678‬ومن أشهر‬
‫الموظفين في هذه المؤسسة عثمان بن‬
‫حنيف‪ ،‬وسعيد بن حذيم‪ ،‬وولة المصار كعمرو‬
‫بن العاص‪ ،‬ومعاوية بن أبي سفيان وغيرهم‪.‬‬
‫وقد نظمت الجزية بمجموعة من الحكام‬
‫والقوانين استمدها الفقهاء والمشرعون من‬
‫دور الحجاز في الحياة السياسية ص ‪.230‬‬ ‫‪()675‬‬
‫عصر الخلفة الراشدة ص ‪.173‬‬ ‫‪()676‬‬
‫نفس المصدر ص ‪ ،231‬عصر الخلفة الراشدة ص ‪.167‬‬ ‫‪()677‬‬
‫موسوعة فقه عمر بن الخطاب ص ‪.243‬‬ ‫‪()678‬‬
‫نصوص القرآن والسنة وعمل الخلفاء‬
‫الراشدين ودلت تلك الحكام على أن مؤسسة‬
‫الجزية من مصادر الدولة السلمية‪ ،‬كما أن‬
‫لها صفة سياسية‪ ،‬فدفع أهل الذمة للدولة‬
‫دليل على إخلصهم لها وخضوعهم لحكامها‬
‫وقوانينها والوفاء بما عاهدوا عليه)‪،(679‬‬
‫مي بأن مؤسسة‬ ‫ويذهب الستاذ حسن الم ّ‬
‫الجزية لها صبغة سياسية أكثر منها صبغة‬
‫مالية)‪ ،(680‬والحقيقة أن هذه المؤسسة جمعت‬
‫بين الصبغتين وهي من مصادر الثروة في‬
‫الدولة السلمية‪.‬‬
‫‪ -‬أخذ عمر الصدقة مضاعفة من نصارى تغلب‪:‬‬
‫كان بعض عرب الجزيرة من النصارى قد‬
‫رفضوا دفع الجزية لكونهم يرونها منقصة‬
‫ومذمة‪ ،‬فبعث الوليد برؤساء النصارى‬
‫دوا‬‫وعلمائهم إلى أمير المؤمنين فقال لهم‪ :‬أ ّ‬
‫الجزية‪ .‬فقالوا لعمر‪ :‬أبلغنا مأمننا‪ ،‬والله لئن‬
‫وضعت علينا الجزاء لندخلن أرض الروم والله‬
‫حّنا من بين العرب‪ ،‬فقال لهم‪ :‬أنتم‬ ‫لتفض ُ‬
‫فضحتم أنفسكم‪ ،‬وخالفتم أمتكم فيمن خالف‬
‫وافتضح من عرب الضاحية‪ ،‬والله لتؤدّنه وأنتم‬
‫قمَأة )يعني حقيرين( ولئن هربتم إلى‬ ‫غرة َ‬‫ص َ‬
‫َ‬
‫الروم لكتبن فيكم‪ ،‬ثم لسبينكم قالوا‪ :‬فخذ‬
‫منا شيئا ً ول تسمه جزاء‪ ،‬فقال‪ :‬أما نحن‬
‫فنسميه جزاء وسموه أنتم ما شئتم‪ ،‬فقال له‬
‫علي بن أبي طالب‪ :‬يا أمير المؤمنين ألم‬
‫‪ ()679‬أهل الذمة في الحضارة السلمية ص ‪.43‬‬
‫‪ ()680‬نفس المصدر ص ‪.43‬‬
‫عف عليهم سعد بن مالك الصدقة؟ قال‪:‬‬ ‫ض ِ‬
‫يُ ْ‬
‫بلى‪ ،‬وأصغى إليه فرضي به منهم جزاء‪،‬‬
‫فرجعوا على ذلك)‪ ،(681‬ومن هذا الخبر نأخذ‬
‫درسا ً في معاملة المتكبرين من العداء الذين‬
‫يخاطبون المسلمين بعزة وأنفة ويهددون‬
‫باللجوء إلى دول الكفر‪ ،‬فنجد أمير المؤمنين‬
‫قرهم وهددهم إذا لجأوا‬ ‫خاطبهم بعنف وح ّ‬
‫إلى الكفار بالسعي في إحضارهم ومعاملتهم‬
‫كمعاملة الحربيين من سبي ذراريهم‬
‫ونسائهم‪ ،‬وهذا أشد عليهم كثيرا ً من دفع‬
‫الجزية‪ ،‬فهذا الجواب القوي أزال ما في‬
‫رؤوسهم من الكبرياء والتعاظم فرجعوا‬
‫متواضعين يطلبون من أمير المؤمنين أن‬
‫مي‬‫يوافق على أخذ ما يريد من غير أن ُيس ّ‬
‫ذلك جزية‪ ،‬وهنا تدخل علي رضي الله عنه‬
‫وكان لرأيه مكانة عند عمر لفقهه في الدين‪،‬‬
‫عف الصدقة كما فعل سعد‬ ‫فأشار عليه بأن ُيض ِ‬
‫بن أبي وقاص بأمثالهم‪ ،‬فقبل ذلك أمير‬
‫المؤمنين تألفا ً لهم ومنعا ً من محاولة اللجوء‬
‫إلى دول الكفر‪ ،‬وقد أصبح هذا الرأي مقبول ً‬
‫حينما وقع موقعه‪ ،‬وذلك بعد ما أزال أمير‬
‫المؤمنين ما في نفوسهم من العزة والكبرياء‪،‬‬
‫فأما لو قبل ذلك منهم في بداية العرض‬
‫فإنهم سيعودون بكبريائهم ول يؤمن منهم‬
‫بعد ذلك أن ينقضوا العهد ويسيئوا إلى‬
‫المسلمين)‪.(682‬‬
‫‪ ()681‬تاريخ الطبري )‪ (5/30‬وقد ضعف الدكتور العمري هذه‬
‫الرواية‪ ،‬انظر عصر الخلفة الراشدة ص ‪.167‬‬
‫‪ ()682‬التاريخ السلمي )‪.(142 ،11/141‬‬
‫وقد جاء في رواية عن قصة بني تغلب‪ ،‬بأنهم‬
‫دعوا إلى السلم فأبوا‪ ،‬ثم إلى الجزية فلم‬
‫يطمئنوا إليها‪ ،‬وولوا هاربين يريدون اللحاق‬
‫بأرض الروم‪ ،‬فقال النعمان بن زرعة لعمر‪ :‬يا‬
‫أمير المؤمنين‪ ،‬إن بني تغلب قوم عرب‪،‬‬
‫يأنفون من الجزية‪ ،‬وليست لهم أموال إنما‬
‫هم أصحاب حروث ومواشي‪ ،‬ولهم نكاية في‬
‫العدو فل تعن عدوك عليك بهم قال‪:‬‬
‫فصالحهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه‪،‬‬
‫على أن ضاعف عليهم الصدقة)‪ ..(683‬وقال‪:‬‬
‫هي جزية وسموها ما شئتم)‪ ،(684‬فقال بنوا‬
‫تغلب‪ :‬أما إذا لم تكن جزية كجزية العلج فإنا‬
‫نرضى ونحفظ ديننا)‪ ،(685‬والسر في قبول‬
‫الخليفة عمر رضي الله عنه‪ ،‬الصدقة من بني‬
‫تغلب وهل تعد صدقة أم جزية؟ يرجع إلى أن‬
‫الختلف في التسمية أمر قد تسوهل فيه‬
‫ورضي الخليفة به مادام في ذلك المصلحة‬
‫العامة‪ ،‬والذي دفعه إلى ذلك خشية انضمام‬
‫بني تغلب إلى الروم وما كان يرجوه من‬
‫إسلمهم ليكونوا عونا ً للمسلمين على‬
‫أعدائهم ولن هؤلء قوم من العرب لهم من‬
‫العزة والنفة ما يبرر حفظ كرامتهم وأن ما‬
‫يرد إلى بيت المال من أموالهم خير‬
‫‪ ()683‬الموال )‪ (1/37‬نقل ً عن سياسة المال في السلم عبد الله‬
‫جمعان ص ‪.72‬‬
‫‪ ()684‬فتح القدير )‪ ،(1/514‬سياسة المال في السلم ص ‪.72‬‬
‫‪ () 685‬فتوح البلدان ص ‪ ،186‬سياسة المال في السلم ص ‪،72‬‬
‫يعتبر كتاب سياسة المال في عهد عمر بن الخطاب للستاذ‬
‫عبد الله جمعان السعدي هو العمدة في مبحث المؤسسة‬
‫المالية فقد قمت بتلخيصه وإضافة بعض الشياء‪.‬‬
‫للمسلمين وأجدى على خزانة الدولة من‬
‫)‪(686‬‬
‫‪ ،‬أما‬ ‫هربهم وانضمامهم إلى صفوف الروم‬
‫من ناحية هل هي صدقة أم جزية؟ فهي جزية‬
‫لنها تصرف في مصارف الخراج ولن الصدقة‬
‫ل تجب على غير المسلمين‪ ،‬ولن الجزية في‬
‫نظير الحماية وكان بنو تغلب في حماية‬
‫المسلمين‪ ،‬وفي الوقت نفسه يمكننا أن‬
‫نقول إّنها ليست بجزية عمليًا‪ ،‬لن ما فرض‬
‫على نصارى بني تغلب كان على الموال التي‬
‫تفرض عليها الزكاة‪ ،‬فكل شيء على‬
‫المسلمين فيه زكاة كالزروع والثمار‬
‫والماشية والنقدين‪ ..‬فهو عليهم مضاعف‬
‫يؤخذ من النساء كما يؤخذ من الرجال ولم‬
‫يكن على الشخاص وهذا ينافي معنى الجزية‬
‫عرفا ً)‪ ،(687‬والمهم في كلتا الحالتين باعتبارها‬
‫صدقة أو جزية فهي ضريبة بينت مدى‬
‫خضوعهم لسلطة السلم)‪ ،(688‬هذا وقد كانت‬
‫هنالك حقوق والتزامات كثيرة للعرب على‬
‫البلد المفتوحة عدا الجزية‪ ،‬وقد تنوعت هذه‬
‫الحقوق وتطورت أيام الخليفة عمر رضي الله‬
‫عنه‪ ،‬فمن ذلك ضيافة الحاكم إذا وفد والرسل‬
‫والسفراء ومن نزل من المسلمين بأهل البلد‬
‫وقد حددت مدة الضيافة في خلفة عمر رضي‬
‫الله عنه بثلثة أيام مما يأكلون ول يكلفون‬
‫بذبح شاة ول دجاجة ول مما ل طاقة لهم‬

‫‪ ()686‬سياسة المال في السلم ص ‪.72‬‬


‫‪ ()687‬نفس المصدر ص ‪ ،73‬النظام السلمي المقارن ص ‪.39‬‬
‫‪ ()688‬نفس المصدر ص ‪.73‬‬
‫به)‪ ،(689‬وقد مّر معنا عند حديثنا عن التطوير‬
‫العمراني في عهد عمر أن بعض التفاقيات‬
‫في عهد الخليفة عمر رضي الله عنه اشتملت‬
‫على إصلح الطرق‪ ،‬وإنشاء الجسور وبناء‬
‫القناطر وقد تطور نظام الجزية في عهد عمر‬
‫رضي الله عنه‪ ،‬فأحصى السكان وميز بين‬
‫الغني والفقير ومتوسط الحال‪ ،‬واستحدث‬
‫كثيرا ً من الشروط واللتزامات في نصوص‬
‫المعاهدات مما لم يعرف من قبل وذلك‬
‫لتساع العمران وبسط السلطان على مصر‬
‫والشام والعراق ومخالطة المسلمين لهل‬
‫البلد واتصالهم الدائم بحضارتها مما مكنهم‬
‫من سياسة الدولة وشئون العمران وما‬
‫تتطلبه طبيعة التدرج والنمو فأوجدوا ما لم‬
‫يكن موجودا ً من إصلح الطرق والعمران وبناء‬
‫القناطر والجسور التي هي عون المم‬
‫المتحضرة‪ ،‬ومن هنا انتظمت المور‪ ،‬واتسعت‬
‫البلد ورسخت قواعد النظم المالية‬
‫وغيرها)‪.(690‬‬
‫‪ -‬شروط عقد الجزية ووقت أدائها‪:‬‬
‫وقد استنبط الفقهاء من خلل عصر الخلفاء‬
‫الراشدين مجموعة من الشروط‪:‬‬
‫أن ل يذكروا كتاب الله تعالى بطعن فيه ول‬ ‫•‬
‫تحريف له‪.‬‬
‫أن ل يذكروا رسول الله ‪ ‬بتكذيب ول إزدراء‪.‬‬ ‫•‬

‫‪ ()689‬الحكام السلطانية والوليات الدينية ص ‪.164‬‬


‫‪ ()690‬سياسة المال في السلم في عهد عمر بن الخطاب ص‬
‫‪.174‬‬
‫أن ل يذكروا دين ا لسلم بذم له ول قدح‬ ‫•‬
‫فيه‪.‬‬
‫أن ل يصيبوا مسلمة بزنا ول باسم نكاح‪.‬‬ ‫•‬
‫أن ل يفتنوا مسلما ً عن دينه‪ ،‬ول يتعرضوا‬ ‫•‬
‫لماله ول دينه‪.‬‬
‫دوا‬
‫وأن ل يعينوا أهل الحرب ول يو ّ‬ ‫•‬
‫أغنياءهم)‪.(691‬‬
‫وأما وقت أدائها فقد حدد الخليفة عمر رضي‬
‫الله عنه وقت أداء الجزية في آخر الحول‬
‫ومرادنا به آخر العام الزراعي‪ ،‬ويرجع هذا‬
‫التغيير في وقت أداء الجزية في عهد الخليفة‬
‫عمر رضي الله عنه إلى حالة الستقرار‬
‫والستقرار يدعو إلى التنظيم وتعيين الوقات‬
‫المناسبة للدولة والمكلفين بدفع الجزية‪ ،‬كما‬
‫أن تحصيلها وقت إتيان الغلت ‪ -‬وهو ما يعبر‬
‫عنه المؤرخون بآخر العام ‪ -‬فيه دفع للمشقة‪،‬‬
‫وتسهيل على المكلفين وراحة للدافعين)‪.(692‬‬
‫‪ -1‬الخراج‪:‬‬
‫الخراج له معنيان‪ :‬عام وهو كل إيراد وصل‬
‫إلى بيت مال المسلمين من غير الصدقات‪،‬‬
‫فهو يدخل في المعنى العام للفيء ويدخل‬
‫فيه إيراد الجزية وإيراد العشور وغير ذلك‪ ،‬وله‬
‫معنى خاص‪ :‬وهو إيراد الراضي التي افتتحها‬
‫المسلمون عنوة وأوقفها المام لمصالح‬
‫المسلمين على الدوام كما فعل عمر بأرض‬

‫‪ ()691‬سياسة المال في السلم في عهد عمر ص ‪.76‬‬


‫‪ ()692‬نفس المصدر ص ‪.67‬‬
‫السواد من العراق والشام)‪ ،(693‬والخراج كما‬
‫قال ابن رجب الحنبلي ل يقاس بإجارة ول‬
‫ثمن‪ ،‬بل هو أصل ثابت بنفسه ل يقاس‬
‫بغيره)‪.(694‬‬
‫عندما قويت شوكة السلم بالفتوحات‬
‫العظيمة وبالذات بعد القضاء على القوتين‬
‫العظيمتين الفرس والروم‪ ،‬تعددت موارد‬
‫المال في الدولة السلمية وكثرت مصارفه‪،‬‬
‫وللمحافظة على كيان هذه الدولة المترامية‬
‫الطراف وصون عزها وسلطانها‪ ،‬وضمان‬
‫مصالح العامة‪ ،‬والخاصة كان لبد من سياسة‬
‫مالية حكيمة ورشيدة‪ ،‬فكر لها عمر رضي الله‬
‫عنه‪ ،‬أل وهي إيجاد مورد مالي ثابت ودائم‬
‫للقيام بهذه المهام‪ ،‬وهذا المورد هو‪:‬الخراج‬
‫فقد أراد الفاتحون أن تقسم عليهم الغنائم‬
‫ض وفقا ً لما جاء في القرآن‬ ‫من أموال وأرا ٍ‬
‫َ‬
‫ن‬‫م ْ‬‫م ِ‬‫مت ُ ْ‬ ‫ما َ‬
‫غن ِ ْ‬ ‫عل َ ُ‬
‫موا أن ّ َ‬ ‫الكريم خاصا ً بالغنائم ‪َ ‬‬
‫وا ْ‬
‫ذي ال ْ ُ‬ ‫ء َ َ‬
‫قْرَبى‬ ‫ول ِ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫سو ِ‬ ‫وِللّر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫س ُ‬‫م َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن ل ِل ّ ِ‬ ‫فأ ّ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫من ْت ُ ْ‬ ‫مآ َ‬ ‫ُ‬
‫ن كنت ُ ْ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫واب ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫كي ِ‬‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫وال َ‬ ‫مى َ‬
‫َ‬
‫والي ََتا َ‬ ‫َ‬
‫قى‬ ‫ْ‬
‫م الت َ َ‬ ‫و َ‬‫ِ ْ‬‫َ‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫ف‬‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫و‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫نا‬‫َ‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫نا‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ز‬
‫َ‬ ‫أن‬ ‫ما‬ ‫و‬
‫َ َ‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫بال‬ ‫ِ‬
‫قِديٌر)‪ (41‬‬ ‫ء َ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ُ‬
‫على ك ّ‬ ‫َ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫والل ُ‬ ‫ن َ‬ ‫عا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ج ْ‬ ‫ْ‬
‫ال َ‬
‫)النفال‪،‬آية‪.(41:‬‬
‫وقد أراد عمر رضي الله عنه في بداية المر‬
‫ي بن أبي‬
‫تقسيم الرض بعد الفاتحين‪ ،‬لكن عل ّ‬
‫طالب رضي الله عنه رأى عدم التقسيم‪،‬‬
‫وشاركه الرأي معاذ بن جبل‪ ،‬وحذر عمر من‬

‫‪ ()693‬الخراج لبي يوسف ص ‪ ،24،25‬اقتصاديات الحرب ص ‪.215‬‬


‫‪ ()694‬الستخراج لحكام الخراج ص ‪ ،40‬اقتصاديات الحرب ص‬
‫‪.215‬‬
‫ل‪ :‬قدم عمر‬ ‫ذلك)‪ ،(695‬وقد روى أبو عبيد قائ ً‬
‫الجابية فأراد قسم الراضي بين المسلمين‬
‫فقال معاذ‪ :‬والله إذا ً ليكونن ما تكره‪ ،‬إنك إن‬
‫قسمتها صار الريع العظيم في أيدي القوم ثم‬
‫يبيدون فيصير ذلك إلى الرجل الواحد أو‬
‫سدون من‬ ‫المرأة‪ ،‬ثم يأتي من بعدهم قوم ي َ ُ‬
‫سدًا‪ ،‬وهم ل يجدون شيئا ً فانظر‬ ‫م َ‬‫السلم َ‬
‫‪ ،‬لقد نبه معاذ بن‬ ‫)‪(696‬‬
‫أمرا ً يسع أولهم وآخرهم‬
‫جبل رضي الله عنه أمير المؤمنين عمر رضي‬
‫الله عنه إلى أمر عظيم‪ ،‬جعل عمر يتتبع آيات‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬ويتأملها مفكرا ً في معنى كل‬
‫كلمة يقرأها حتى توقف عند آيات تقسيم‬
‫الفيء في سورة الحشر‪ ،‬فتبين له أنها تشير‬
‫إلى الفيء للمسلمين في الوقت الحاضر‪،‬‬
‫ولمن يأتي بعدهم‪ ،‬فعزم على تنفيذ رأي معاذ‬
‫رضي الله عنه‪ ،‬فانتشر خبر ذلك بين الناس‬
‫ووقع خلف بينه وبين بعض الصحابة رضوان‬
‫الله عليهم‪ ،‬فكان عمر ومؤيدوه ل يرون‬
‫تقسيم الراضي التي فتحت‪ ،‬وكان بعض‬
‫الصحابة ومنهم بلل بن رباح‪ ،‬والزبير بن‬
‫العوام يرون تقسيمها‪ ،‬كما تقسم غنيمة‬
‫العسكر‪ ،‬كما قسم النبي ‪ ‬خيبر‪ ،‬فأبى عمر‬
‫رضي الله عنه التقسيم وتل عليهم اليات‬
‫الخمس من سورة الحشر من قوله تعالى‪ :‬‬
‫َ‬ ‫ما أ َ َ‬
‫عل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫م َ‬ ‫فت ُ ْ‬‫ج ْ‬ ‫و َ‬
‫ما أ ْ‬ ‫م َ‬
‫ف َ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ه ِ‬‫سول ِ ِ‬ ‫عَلى َر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫فاءَ الل ّ ُ‬ ‫و َ‬‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫على َ‬ ‫َ‬ ‫ه َ‬ ‫َ‬
‫سل ُ‬ ‫ُ‬
‫سلط ُر ُ‬ ‫ّ‬ ‫ه يُ َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫َ‬
‫ولك ِ ّ‬ ‫ٍ َ‬‫ب‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ر‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬
‫ٍ َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫م‬ ‫ِ‬
‫ر)‪)  (6‬الحشر‪،‬آية‪(6:‬‬ ‫دي ٌ‬‫ق ِ‬ ‫ء َ‬ ‫ي ٍ‬‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫عَلى ك ُ ّ‬ ‫ه َ‬ ‫والل ّ ُ‬
‫شاءُ َ‬ ‫يَ َ‬
‫‪ ()695‬سياسة المال في السلم ص ‪.103‬‬
‫‪ ()696‬الموال لبي عبيد ص ‪ ،75‬سياسة المال ص ‪.103‬‬
‫حتى فرغ من شأن بني النضير ثم قال‪َ  :‬‬
‫ما‬
‫ل‬ ‫سو ِ‬ ‫وِللّر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫فل ِل ّ ِ‬ ‫قَرى َ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫ه ِ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫سول ِ ِ‬ ‫عَلى َر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫فاءَ الل ّ ُ‬ ‫أَ َ‬
‫ل كَ ْ‬
‫ي‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫واب ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫كي ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫وال ْ َ‬ ‫مى َ‬ ‫وال ْي ََتا َ‬ ‫قْرَبى َ‬ ‫ذي ال ْ ُ‬ ‫ول ِ ِ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫سو ُ‬ ‫م الّر ُ‬ ‫ُ‬
‫ما آَتاك ْ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫من ْك ْ‬‫ُ‬ ‫ء ِ‬ ‫ن الغن َِيا ِ‬ ‫ْ‬ ‫ة ب َي ْ َ‬ ‫َ‬
‫دول ً‬ ‫ن ُ‬ ‫ل ي َكو َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫ّ‬
‫وات ّقوا الل َ‬ ‫ُ‬ ‫هوا َ‬ ‫ه فان ْت َ ُ‬ ‫َ‬ ‫عن ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫هاك ْ‬ ‫ما ن َ َ‬ ‫و َ‬ ‫ذوهُ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫َ‬
‫ب)‪)  (7‬الحشر‪،‬آية‪ (7:‬فهذه عامة في‬ ‫قا ِ‬ ‫ع َ‬ ‫ديدُ ال ْ ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ري َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ها ِ‬ ‫م َ‬ ‫ء ال ْ ُ‬ ‫قَرا ِ‬ ‫ف َ‬ ‫القرى كلها‪ ،‬ثم قال‪  :‬ل ِل ْ ُ‬
‫خرجوا من ديارهم َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ضل ً ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫ن َ‬ ‫غو َ‬ ‫م ي َب ْت َ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ِ‬ ‫وال ِ‬ ‫م َ‬ ‫وأ ْ‬ ‫ِ ْ ِ ِ ِ ْ َ‬ ‫نأ ْ ِ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ول َئ ِ َ‬ ‫ضواًنا وين ْصرون الل ّه ورسول َ ُ‬
‫م‬ ‫ه ْ‬ ‫ك ُ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ ُ‬ ‫ر ْ َ‬ ‫و ِ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ّ ِ‬
‫ن)‪)  (8‬الحشر‪،‬آية‪ (8:‬ثم لم يرض حتى‬ ‫قو َ‬ ‫صاِد ُ‬ ‫ال ّ‬
‫داَر‬ ‫ءوا ال ّ‬ ‫و ُ‬ ‫ن ت َب َ ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬ ‫خلط بهم غيرهم فقال‪َ  :‬‬
‫ول َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬ ‫وا ْ‬
‫جَر إ ِلي ْ ِ‬ ‫ها َ‬ ‫ن َ‬
‫ُ‬
‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫حّبو َ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫ه ْ‬‫قب ْل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ما َ‬ ‫لي َ‬ ‫َ‬
‫عَلى‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬ ‫رو‬ ‫ث‬
‫َ ُ ِ ُ‬ ‫ؤ‬‫ْ‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫توا‬ ‫ُ‬ ‫أو‬ ‫ما‬ ‫ِ ّ‬ ‫م‬ ‫ة‬
‫ً‬ ‫ج‬ ‫حا‬
‫ُ ُ ِ ِ ْ َ َ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫دو‬ ‫ص‬ ‫في‬ ‫يَ ِ ُ َ ِ‬ ‫ن‬ ‫دو‬ ‫ج‬
‫ه‬
‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫ح نَ ْ‬ ‫ش ّ‬ ‫ن ُيوقَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫ة َ‬ ‫ص ٌ‬ ‫صا َ‬ ‫خ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن بِ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫و َ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫أ َن ْ ُ‬
‫َ ُ‬
‫ن)‪)  (9‬الحشر‪،‬آية‪ (9:‬فهذا في‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ك ُ‬ ‫ول َئ ِ َ‬ ‫فأ ْ‬
‫النصار خاصة ثم لم يرض حتى خلط بهم‬
‫م‬
‫ه ْ‬
‫د ِ‬
‫ع ِ‬
‫ن بَ ْ‬
‫م ْ‬
‫ءوا ِ‬
‫جا ُ‬
‫ن َ‬ ‫وال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫غيرهم‪ ،‬فقال‪َ  :‬‬
‫سب َ ُ‬
‫قوَنا‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وان َِنا ال ّ ِ‬
‫خ َ‬
‫ول ِ ْ‬‫فْر ل ََنا َ‬‫غ ِ‬ ‫ن َرب َّنا ا ْ‬‫قوُلو َ‬ ‫يَ ُ‬
‫مُنوا َرب َّنا‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫غل ً ل ِل ّ ِ‬ ‫قُلوب َِنا ِ‬ ‫في ُ‬ ‫ل ِ‬ ‫ع ْ‬ ‫ج َ‬‫ول َ ت َ ْ‬‫ن َ‬
‫ما ِ‬ ‫ِبا ْ‬
‫لي َ‬
‫م)‪)  (10‬الحشر‪،‬آية‪ ،(10:‬فكانت‬ ‫حي ٌ‬ ‫ف َر ِ‬ ‫ءو ٌ‬ ‫ك َر ُ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫هذه عامة لمن جاء بعدهم‪ ،‬فما من أحد من‬
‫المسلمين إل له في هذا الفيء حق‪ ،‬قال‬
‫عمر‪ :‬فلئن بقيت ليبلغن الراعي بصنعاء نصيبه‬
‫من هذا الفيء ودمه في وجهه)‪ ،(697‬وفي‬
‫رواية أخرى جاء فيها‪ .‬قال عمر‪ :‬فكيف بمن‬
‫يأتي من المسلمين فيجدون الرض بعلوجها‬
‫قد اقتسمت وورثت عن الباء وحيزت‪ ،‬ما هذا‬
‫برأي‪ ،‬فقال له‪ :‬عبد الرحمن ابن عوف فما‬
‫‪ ()697‬الخراج لبي يوسف ص ‪ ،67‬اقتصاديات الحرب ص ‪.217‬‬
‫الرأي؟ ما الرض والعلوج إل مما أفاء الله‬
‫عليهم‪ ،‬فقال عمر ما هو إل كما تقول ولست‬
‫أرى ذلك‪ ،‬والله ل يفتح بعدي بلد فيكون فيه‬
‫كبير نيل بل عسى أن يكون كل على‬
‫المسلمين‪ ،‬فإذا قسمت أرض العراق بعلوجها‪،‬‬
‫وأرض الشام بعلوجها‪ ،‬فما يسد به الثغور؟‬
‫وما يكون للذرية والرامل لهذا البلد وبغيره‬
‫من أراضي الشام والعراق؟ فأكثروا على عمر‬
‫وقالوا‪ :‬تقف ما أفاء الله علينا بأسيافنا على‬
‫قوم لم يحضروا ولم يشهدوا‪ ،‬ولبناء القوم‬
‫وأبناء أبنائهم ولم يحضروا‪ ،‬فكان عمر رضي‬
‫الله عنه‪ ،‬ل يزيد على أن يقول‪ :‬هذا رأي‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬فاستشر‪ ،‬فأرسل إلى عشرة من‬
‫النصار من كبراء الوس والخزرج وأشرافهم‬
‫فخطبهم‪ ،‬وكان مما قال لهم‪ :‬إني واحد‬
‫كأحدكم‪ ،‬وأنتم اليوم تقرون بالحق‪ ،‬خالفني‬
‫من خالفني‪ ،‬ووافقني من وافقني‪ ،‬ولست‬
‫أريد أن تتبعوا هذا الذي هواي ثم قال‪ :‬قد‬
‫سمعتم كلم هؤلء القوم الذين زعموا أني‬
‫أظلمهم حقوقهم‪ ،‬ولكن رأيت أنه لم يبق‬
‫شيء يفتح بعد أرض كسرى وقد غنمنا الله‬
‫أموالهم وأرضهم وعلوجهم فقسمت ما غنموا‬
‫من أموال بين أهله‪ ،‬وأخرجت الخمس فوجهته‬
‫على وجهه‪ ،‬وقد رأيت أن أحبس الرضين‬
‫بعلوجها واضعا ً عليهم فيها الخراج وفي‬
‫رقابهم الجزية يؤدونها فتكون فيئا ً‬
‫للمسلمين‪ ،‬المقاتلة والذرية‪ ،‬ولمن يأتي من‬
‫بعدهم‪ ،‬أرأيتم هذه الثغور‬
‫ل بد لها من رجال يلزمونها أرأيتم هذه المدن‬
‫العظام ل بد لها من أن تشحن بالجيوش‪،‬‬
‫وإدرار العطاء عليهم فمن أين ُيعطى هؤلء‬
‫إذا قسمت الرض والعلوج؟ فقالوا جميعًا‪:‬‬
‫الرأي رأيك فنعم ما قلت ورأيت‪ ،‬إن لم تشحن‬
‫هذه الثغور وهذه المدن بالرجال وتجري‬
‫ون به رجع أهل الكفر إلى‬ ‫و ْ‬ ‫عليهم ما ي َت َ َ‬
‫ق ّ‬
‫مدنهم)‪ ،(698‬وقد قال عمر فيما قاله‪ :‬لو‬
‫قسمتها بينهم لصارت دولة بين الغنياء منكم‪،‬‬
‫ولم يكن لمن جاء بعدهم من المسلمين شيء‪،‬‬
‫وقد جعل الله لهم فيها الحق بقوله تعالى‪:‬‬
‫م ‪ ‬ثم قال‪ :‬فاستوعبت‬ ‫ه ْ‬
‫د ِ‬
‫ع ِ‬
‫ن بَ ْ‬
‫م ْ‬‫ءوا ِ‬ ‫جا ُ‬ ‫ن َ‬ ‫وال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫الية الناس إلى يوم القيامة‪ ،‬وبعد ذلك استقر‬
‫رأي عمر وكبار الصحابة رضي الله عنهم على‬
‫عدم قسمة الرض)‪.(699‬‬
‫وفي حواره مع الصحابة يظهر أسلوب‬
‫الفاروق في الجدل‪ ،‬وكيف جمع فيه قوة‬
‫الدليل‪ ،‬وروعة الصورة‪ ،‬واستمالة الخصم‪ ،‬في‬
‫مقالته التي قال للنصار‪ ،‬عند المناقشة في‬
‫أمر أرض السواد‪ ،‬ولو أن رئيسا ً ناشئا ً في‬
‫السياسة‪ ،‬متمرسا ً بأساليب الخطب البرلمانية‬
‫أراد أن يخطب النواب )لينال موافقتهم( على‬
‫مشروع من المشروعات لم يجيء بأرقّ من‬
‫هذا المدخل‪ ،‬أو أعجب من هذا السلوب؟‬
‫وامتاز عمر فوق ذلك بأنه كان صادقا ً فيما‬
‫يقول‪ ،‬ولم يكن فيه سياسيا ً مخادعا ً وأنه جاء‬

‫‪ ()698‬الخراج لبي يوسف ص ‪ ،67‬اقتصاديات الحرب ص ‪.217‬‬


‫‪ ()699‬سياسة المال في السلم في عهد عمر ص ‪.105‬‬
‫به في نمط من البيان يسمو على الشباه‬
‫والمثال)‪.(700‬‬

‫‪ ()700‬أخبار عمر ص ‪.210‬‬


‫هل كان الفاروق مخالفا ً للنبي ‪ ‬في حكم أرض الخراج‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫من قال‪ :‬إن الفاروق خالف الرسول ‪ ‬بفعله‬
‫في عدم تقسيم أرض الخراج‪ ،‬لن النبي ‪‬‬
‫قسم خيبر‪ ،‬وقال‪ :‬إن المام إذا حبس الرض‬
‫المفتوحة عنوة نقض حكمه لجل مخالفة‬
‫السنة‪ ،‬فهذا القول خطأ وجرأة على الخلفاء‬
‫الراشدين – إذا فعلوا هذا الفعل – فإن فعل‬
‫النبي ‪ ‬في خيبر إنما يدل على جواز ما فعله‬
‫ول يدل على وجوبه فلو لم يكن معنا دليل‬
‫على عدم وجوب ذلك‪ ،‬لكان فعل الخلفاء‬
‫الراشدين عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم‬
‫دليل ً على عدم الوجوب‪ ،‬فكيف وقد ثبت أنه‬
‫فتح مكة عنوة كما استفاضت به الحاديث‬
‫الصحيحة‪ ،‬بل تواتر ذلك عند أهل المغازي‬
‫والسير؟ فإنه قدم حين نقضوا العهد ونزل‬
‫بمر الظهران‪ ،‬ولم يأت أحد منهم يصالحه ول‬
‫أرسل إليهم أحدا ً يصالحهم‪ ،‬بل خرج أبو‬
‫سفيان يتجسس الخبار فأخذه العباس وقدم‬
‫به كالسير وغايته‪ ،‬أن يكون العباس أمنه‬
‫فصار مستأمنًا‪ ،‬ثم أسلم فصار من المسلمين‪،‬‬
‫فكيف يتصور أن يعقد صلح الكفار – بعد‬
‫إسلمه بغير إذن منهم؟ مما يبين ذلك أن‬
‫النبي ‪ ‬علق المان بأسباب‪ ،‬كقوله‪ :‬من دخل‬
‫دار أبي سفيان فهو آمن‪ ،‬ومن دخل المسجد‬
‫فهو آمن‪ ،‬ومن أغلق بابه فهو آمن)‪ ،(701‬فأمن‬
‫من لم يقاتله‪ ،‬فلو كانوا معاهدين لم يحتاجوا‬
‫إلى ذلك‪ ،‬وأيضًا‪ ،‬فسماهم النبي ‪ ‬طلقاء؛‬

‫‪ ()701‬مسلم رقم ‪.1780‬‬


‫لنه أطلقهم من السر كثمامة بن أثال‬
‫وغيره‪ ،‬وأيضا ً فإنه أذن في قتل جماعة منهم‬
‫من الرجال والنساء‪ ،‬وأيضا ً فقد ثبت عنه في‬
‫الصحاح أنه قال في خطبته‪ :‬إن مكة لم تحل‬
‫لحد قبلي ول تحل لحد بعدي‪ ،‬وإنما أحلت لي‬
‫ساعة)‪.(702‬‬
‫ودخل مكة وعلى رأسه المغفر ولم يدخلها‬
‫بإحرام‪ ،‬فلو كانوا صالحوه لم يكن قد أحل له‬
‫شيء‪ ،‬كما لو صالح مدينة من مدائن الحل لم‬
‫تكن قد أحلت فكيف يحل له البلد الحرام‬
‫وأهله مسالمون له صلح معه؟! وأيضا ً فقد‬
‫ة من المسلمين‬ ‫قاتلوا خالدا ً وقتل طائف ً‬
‫ة من الكفار‪ ،‬وفي الجملة‪ ،‬فإن من تدبر‬ ‫طائف ً‬
‫الثار المنقولة علم بالضطرار أن مكة فتحت‬
‫عنوة‪ ،‬ومع هذا فالنبي ‪ ‬لم يقسم أرضها‬
‫كما لم يسترق رجالها‪ ،‬ففتح خيبر عنوة‬
‫وقسمها‪ ،‬وفتح مكة عنوة ولم يقسمها‪ ،‬فعلم‬
‫جواز المرين)‪ ،(703‬وبذلك لم يكن الفاروق‬
‫مخالفا ً للهدي النبوي في عدم تقسيمه‬
‫للراضي المفتوحة‪ ،‬وقد كان سنده فيما فعل‬
‫أمورا ً منها‪:‬‬

‫‪ -1‬آية الفيء في سورة الحشر‪.‬‬


‫‪ -2‬عمل النبي ي ‪ ‬حينما فتح مكة عنوة‬
‫فتركها لهلها ولم يضع عليها خراجًا‪.‬‬

‫‪ ()702‬النسائي في الكبرى في الحج )‪ (38 /2‬الفتاوى )‪.(313 /20‬‬


‫‪ ()703‬الفتاوى )‪.(313 ،312 /20‬‬
‫قرار مجلس الشورى الذي عقده عمر لهذه‬ ‫‪-3‬‬
‫المسألة بعد الحوار والمجادلة وقد أصبح‬
‫سنة متبعة في أرض يظهر عليها المسلمون‬
‫ويقرون أهلها عليها وبهذا يظهر أن عمر‬
‫حينما ميز بين الغنائم المنقولة وبين‬
‫الراضي كان متمسكا ً بدلئل النصوص‪،‬‬
‫وجمع بينها وأنزل كل منها منزلته التي‬
‫يرشد إليها النظر الجامع السديد يضاف إلى‬
‫ذلك أن عمر كان يقصد أن تبقى لهل البلد‬
‫ثرواتهم وأن يعصم الجند السلمي من فتن‬
‫النزاع على الرض والعقار‪ ،‬ومن فتن الدعة‬
‫والنشغال بالثراء والحطام)‪.(704‬‬
‫إن الفاروق رضي الله عنه كان يلجأ إلى‬
‫القرآن الكريم يلتمس منه الحلول ويطوف‬
‫بين مختلف آياته‪ ،‬ويتعمق في فهم منطوقها‬
‫ومفهومها‪ ،‬ويجمع بينها ويخصص بعضها‬
‫ببعض حتى يصل إلى نتائج تحقق المصالح‬
‫المرجوة منها مستلهما ً روح الشريعة غير‬
‫واقف مع ظواهر النصوص وقد أسعفه في‬
‫قطع هذه المراحل إدراكه الدقيق لمقاصد‬
‫الشريعة بتلكم النصوص‪ ،‬وهي عملية مركبة‬
‫ومعقدة ل يحسن الخوض فيها إل من تمرس‬
‫على الجتهاد وأعطي فهما ً سديدا ً وجرأة على‬
‫القدام حيث يحسن القدام حتى خيل للبعض‬
‫أن عمر كان يضرب بالنصوص عرض الحائط‬
‫في بعض الحيان‪ ،‬وحاشا أن يفعل عمر ذلك‬
‫لكنه كان مجتهدا ً ممتازا ً اكتسب حاسة‬
‫‪ ()704‬الجتهاد في الفقه السلمي ص ‪.131‬‬
‫تشريعية تضاهى حتى كان يرى الرأي فينزل‬
‫القرآن على وفقه والنتيجة التي نخرج بها من‬
‫هذه القضية هي أن القرآن يفسر بعضه بعضًا‪،‬‬
‫ومثله في السنة‪ ،‬فعلى المجتهد وهو يبحث‬
‫عن الحكم الشرعي أن يستعرض جميع‬
‫النصوص التي تساعد على الحل دون القتصار‬
‫صرا ً في اجتهاده‪،‬‬ ‫على بعضها‪ ،‬وإل عد مق ّ‬
‫ً)‪(705‬‬
‫‪.‬‬ ‫ويكون ما توصل إليه لغيا‬
‫م تنفيذ مشروع الخراج في عهد الفاروق؟‬
‫‪ -‬كيف ت ّ‬
‫لما انتهى كبار الصحابة ورجال الحل والعقد‬
‫إلى إقرار رأي الخليفة عمر رضي الله عنه‬
‫بتحبيس الرض على أهلها‪ ،‬وتقسيم الموال‬
‫المنقولة على الفاتحين انتدب شخصيتين‬
‫حنيف‪ ،‬وحذيفة بن‬ ‫كبيرتين هما‪ :‬عثمان بن ُ‬
‫اليمان وذلك لمسح أرض سواد العراق‪ ،‬وحين‬
‫ودهما الخليفة بنصائحه‬ ‫بعثهما لهذه المهمة ز ّ‬
‫وتوجيهاته الثاقبة وأمرهما بأن يلحظا ثروة‬
‫الفراد‪ ،‬وخصوبة الرض وجدبها‪ ،‬ونوع‬
‫النباتات والشجر‪ ،‬والرفق بالرعية‪ ،‬فل تحمل‬
‫الرض ما يتحمله المكلفون‪ ،‬بل يترك لهم‬
‫ما يجبرون به النوائب والحوائج ولكي ينطلق‬
‫قرار عمر رضي الله عنه على أساس عادل‪،‬‬
‫رغب أن يعرف الحالة التي كان عليها أهل‬
‫العراق قبل الفتح‪ ،‬وطلب من الصحابيين‬
‫عثمان بن حنيف وحذيفة بن اليمان أن يرسل‬
‫إليه وفدا ً من كبار رجال السواد‪ ،‬فبعثا إليه‬
‫وفدا ً من دهاقنة السواد‪ ،‬فسألهم عمر رضي‬
‫‪ ()705‬المصدر نفسه ص ‪.132 ،131‬‬
‫الله عنه‪ ،‬كم كنتم تؤدون إلى العاجم في‬
‫أرضهم؟ قالوا‪ :‬سبعة وعشرين درهمًا‪ ،‬فقال‬
‫عمر رضي الله عنه ل أرضى بهذا منكم)‪،(706‬‬
‫وهذا يدل على أن الفتح السلمي كان عدل ً‬
‫على الناس الذين فتحت بلدهم‪ ،‬وكان عمر‬
‫يرى أن فرض خراج على مساحة الرض أصلح‬
‫لهل الخراج‪ ،‬وأحسن ردًا‪ ،‬وزيادة في الفيء‬
‫من غير أن يحملهم مال يطيقون فقام عثمان‬
‫بن حنيف وحذيفة بن اليمان بما وكل إليهما‬
‫خير قيام فبلغت مساحة السواد )‬
‫)‪(707‬‬
‫‪،‬‬ ‫‪ (36000.000‬ستة وثلثين ألف ألف‬
‫ووضعا على جريب العنب عشرة دراهم‪ ،‬وعلى‬
‫جريب النخل ثمانية دراهم‪ ،‬وعلى جريب‬
‫القصب ستة دراهم‪ ،‬وعلى جريب الحنطة‬
‫)‪(708‬‬
‫‪،‬‬ ‫أربعة دراهم وعلى جريب الشعير درهمين‬
‫وكتبا إلى عمر بن الخطاب بذلك فأمضاه وقد‬
‫حرص عمر )رضي الله عنه( على العناية بأهل‬
‫تلك الرض والبلد‪ ،‬وما يوفر العدل ويحققه‬
‫خوفا ً أن يكون عثمان وحذيفة رضي الله‬
‫عنهما حمل الناس والرض ما ل يطيقون‬
‫أداءه من خراج فسألهما‪ :‬كيف وضعتما على‬
‫الرض لعلكما كلفتما أهل عملكما ما ل‬
‫يطيقون؟ فقال حذيفة‪ :‬لقد تركت فض ً‬
‫ل‪،‬‬
‫وقال عثمان‪ :‬لقد تركت الضعف‪ ،‬ولو شئت‬
‫لخذته فقال عمر رضي الله عنه عند ذلك‪ :‬أما‬

‫‪ ()706‬الخراج لبي يوسف ص ‪.41 ،40‬‬


‫‪ ()707‬الخراج لبي يوسف ص ‪.38‬‬
‫‪ ()708‬الخراج لبي يوسف ‪ ،39‬سياسة المال في السلم ص ‪.108‬‬
‫والله لئن بقيت لرامل أهل العراق لدعنهم ل‬
‫يفتقرون إلى أمير بعدي)‪.(709‬‬
‫وهذه الطريقة التي نفذت في سواد العراق‬
‫هي ذاتها التي نفذت في الراضي المصرية‪،‬‬
‫لكن الذي تولها هو عمرو بن العاص وكانت‬
‫وحدة المساحة التي ربط على أساسها الخراج‬
‫الفدان)‪ ،(710‬وكذلك فعل عمر )رضي الله عنه(‬
‫بأرض الشام كما فعل بأرض السواد‪ ،‬ولم‬
‫يذكر المؤرخون معلومات صريحة واضحة عن‬
‫المساحة ونوع الزروع والثمار التي فرض‬
‫عليها الخراج‪ ،‬ول من قام بعملية مسح أراضي‬
‫الشام)‪ ،(711‬وكان الخليفة عمر رضي الله عنه‬
‫بهذا الصدد عمل إحصاءً دقيقا ً لثروة الولية‬
‫قبل الولية عليها‪ ،‬ثم إلزام الولة عند‬
‫اعتزالهم أعمالهم بمصادرة بعض الموال‬
‫التي جمعوها لنفسهم في أثناء وليتهم‪ ،‬إذا‬
‫تبين له أن أعطياتهم ل تسمح لهم بادخار هذه‬
‫الموال كلها)‪ (712‬وسيأتي تفصيل ذلك بإذن‬
‫الله عند حديثنا عن الولة وقد كثرت‬
‫الممتلكات الخاصة للدولة التي اصطفاها عمر‬
‫رضي الله عنه لبيت المال في العراق والشام‬
‫ومصر‪ ،‬فكانت هذه الملك تدّر دخل ً عظيما ً‬
‫ووفيرا ً على خزانة الدولة‪ ،‬خاصة في مصر‬

‫‪ ()709‬الخراج لبي يوسف ص ‪ ،40‬سياسة المال في السلم ص‬


‫‪.108‬‬
‫‪ ()710‬الدولة العباسية للخضري ص ‪ ،144‬سياسة المال ص ‪.109‬‬
‫‪ ()711‬سياسة المال في السلم ص ‪.111‬‬
‫‪ ()712‬نفس المصدر ص ‪.114‬‬
‫لتساع الراضي الزراعية التي يملكها التاج‬
‫في العصور القديمة)‪.(713‬‬
‫‪ -‬ما هي القيم والمصالح المنية في عدم تقسيم أراضي‬
‫الخراج؟‬
‫هناك جملة من المصالح المنية التي استند‬
‫إليها الخليفة –والذين وافقوه على رأيه‪ -‬في‬
‫اتخاذ هذا القرار يمكنني تصنيفها إلى صنفين‪،‬‬
‫أولهما المصالح الداخلية وأهمها سد الطريق‬
‫على الخلف والقتال بين المسلمين‪ ،‬وضمان‬
‫توافر مصادر ثابتة لمعايش البلد والعباد‪،‬‬
‫وتوفير الحاجات المادية اللزمة للجيال‬
‫اللحقة من المسلمين‪ ،‬وثانيهما المصالح‬
‫الخارجية والتي يتمثل أهمها في توفير ما‬
‫يسد ثغور المسلمين‪ ،‬ويسدّ حاجتها من الرجال‬
‫والمؤن‪ ،‬والقدرة على تجهيز الجيوش‪ ،‬بما‬
‫يستلزمه ذلك من كفالة الرواتب وإدرار العطاء‬
‫وتمويل النفاق على العتاد والسلح وترك‬
‫بعض الطراف لتتولى مهام الدفاع عن حدود‬
‫الدولة وأراضيها اعتمادا ً على ما لديها من‬
‫خراج‪ ،‬والذي يجب ملحظته في هذه المصالح‬
‫أن الخليفة أراد أن يضع بقراره دعائم ثابتة‬
‫لمن المجتمع السياسي ليس في عصره‬
‫فقط‪ ،‬بل وفيما يليه من عصور بعده وعباراته‬
‫من مثل )فكيف بمن يأتي من المسلمين(‪،‬‬
‫و)كرهت أن يترك المسلمون( التي توحي‬
‫بنظرته المستقبلية لهذا المن الشامل تشهد‬
‫على ذلك‪ ،‬وقد أثبت تطور الحداث السياسية‬
‫‪ ()713‬نفس المصدر ص ‪.118‬‬
‫في عصر الخليفة الثاني صواب وصدق ما‬
‫قرره‪.‬‬
‫‪ -‬أن تعدد أطوار اتخاذ القرار بعدم تقسيم‬
‫الراضي قد أكد أمرين أولهما أن بعض‬
‫القرارات المهمة التي تمس المصالح‬
‫الجوهرية للمسلمين قد تأخذ من الجهد‬
‫والوقت الكثير‪ ،‬كما أنها قد تتطلب قدرا ً من‬
‫الناة في تبادل الحجج والبراهين‪ ،‬دون أن يتيح‬
‫ذلك مجال ً للخلف وتعميق هوة النقسام‬
‫أحيانا ً أو يفوت بابا ً من أبواب تحقيق بعض‬
‫المصالح الخاصة بأمن المة في حاضرها‬
‫ومستقبلها‪ ،‬والمر الثاني أن بعض القرارات‬
‫المهمة التي قد تخرج بعد عسر النقاش‬
‫والحوار‪ ،‬والبداية المتعثرة لها‪ ،‬يفرض على‬
‫الحاكم الشرعي أن يكون أول المسلمين‬
‫وآخرهم جهدا ً في السعي إلى تضييق هوة‬
‫الخلف‪ ،‬والتقريب بين وجهات النظر‬
‫المتعارضة لكي يصل بالمسلمين إلى الحكم‬
‫الشرعي فيما هو متنازع بشأنه)‪.(714‬‬
‫‪ -‬أن تبادل الرأي والجتهاد بين الخليفة‬
‫والصحابة الذين لم يوافقوه على رأيه واستناد‬
‫الكل في ذلك إلى النصوص المنزلة في‬
‫الجتهاد يثبت أن الفيصل في إبداء الراء في‬
‫القرارات السياسية عامة والتي تمس مصالح‬
‫المسلمين بصفة مباشرة خاصة‪ ،‬هو أن تجيء‬

‫‪ ()714‬البعاد السياسية لمفهوم المن في السلم‪ ،‬مصطفى‬


‫منجود ص ‪.318 ،317‬‬
‫هذه الراء مستندة إلى النصوص المنزلة‪ ،‬أو ما‬
‫ينبغي أن يتفرع عنها من مصادر أخرى ل تخرج‬
‫عن أحكامها في محتواها ومبرراتها‪.‬‬
‫‪ -‬أن لجوء الخليفة إلى استشارة أهل السابقة‬
‫من كبار الصحابة العلماء في فقه الحكام‬
‫ومصادر الشرع‪ ،‬واستجابتهم بإخلص النصح‬
‫له‪ ،‬يؤكد أن أهل الشورى لهم مواصفات خاصة‬
‫تميزهم‪ ،‬فالذين يستشارون هم أهل الفقه‬
‫والفهم والورع والدراية‪ ،‬الواعون لدورهم‪،‬‬
‫إنهم بعبارة أدق الذين ل إمعية في آرائهم‪،‬‬
‫ومن دأبهم توطين أنفسهم على قول الحق‬
‫وفعله‪ ،‬غير خائفين في ذلك لومة لئم من‬
‫حاكم أو غيره‪.‬‬
‫‪ -‬ثم يبقى القول أن ما حدث بصدور قرار عدم‬
‫تقسيم الراضي‪ ،‬يظل نموذجا ً عاليا ً سار عليه‬
‫الصحابة في كيفية التعامل وفق آداب الحوار‬
‫وأخلقيات مناقشة القضايا‪ ،‬وتقليب أوجهها‬
‫المختلفة ابتداء بمرحلة التفكير في اتخاذ‬
‫القرار بعدم تقسيم الراضي ‪-‬بصفة مباشرة‪،‬‬
‫أو غير مباشرة‪ -‬وعلى رأسهم الخليفة الذي‬
‫لم يخرج عن هذه الداب رغم اختلف‬
‫اجتهاداتهم بشأنه)‪ ،(715‬بل إن الفاروق رضي‬
‫الله عنه بين بأن الحاكم مجرد فرد في هيئة‬
‫الشورى‪ ،‬وأعلن الثقة في مجلس شورى‬
‫المة‪ ،‬خالفته‪ ،‬أو وافقته والرد إلى كتاب الله‪،‬‬

‫‪ ()715‬البعاد السياسية لمفهوم المن في السلم‪ ،‬مصطفى‬


‫منجود ص ‪.318 ،317‬‬
‫فقد قال رضي الله عنه‪ :‬إني واحد منكم‪،‬‬
‫كأحدكم‪ ،‬وأنتم اليوم تقرون بالحق‪ ،‬خالفني‬
‫من خالفني‪ ،‬ووافقني من وافقني‪ ،‬ومعكم‬
‫ب ينطق بالحق)‪.(716‬‬
‫من الله كتا ٌ‬

‫‪ ()716‬الدور السياسي للصفوة ص ‪.185‬‬


‫‪ -‬أهم الثار الدعوية في هذا القرار‪:‬‬
‫من أهم هذه الثار‪ :‬القضاء نهائيا ً على نظام‬
‫القطاع‪ ،‬فقد ألغى عمر رضي الله عنه كل‬
‫الوضاع القطاعية الظالمة التي احتكرت كل‬
‫الرض لصالحها واستعبدت الفلحين لزراعتها‬
‫مجانًا‪ ،‬فقد ترك عمر رضي الله عنه أرض‬
‫السواد في أيدي فلحيها يزرعونها مقابل‬
‫خراج عادل يطيقونه يدفعونه كل عام‪ ،‬وقد‬
‫اغتبط الفلحون بقرار عمر بن الخطاب رضي‬
‫الله عنه بتمليكهم الرض الزراعية يزرعونها‬
‫مقابل دفع الخراج الذي يستطيعونه مما‬
‫جعلهم يشعرون لول مرة في حياتهم أنهم‬
‫أصحاب الرض الزراعية ل ملكا ً للقطاعيين‬
‫من الطبقة الحاكمة‪ ،‬وكان الفلحون مجرد‬
‫أجراء يزرعونها بدون مقابل‪ ،‬وكان تعبهم‬
‫وكدهم يذهب إلى جيوب الطبقة القطاعية‬
‫طبقة ملك الرض ول يتركون لهم إل‬
‫الفتات)‪.(717‬‬
‫‪ -‬قطع الطريق على دعوة جيوش الروم‬
‫والفرس بعد طردهم‪:‬‬
‫لقد أدت سياسة عمر رضي الله عنه في تمليك‬
‫الرض لفلحي المصار المفتوحة عنوة إلى‬
‫شعورهم بالرضا التام كما تقدم وهذا مما‬
‫جعلهم يبغضون حكامهم من الفرس والروم‬
‫ول يقدمون لهم أية مساعدات بل كانوا على‬
‫العكس من ذلك يقدمون المساعدات‬
‫‪ ()717‬الدعوة السلمية في عهد عمر بن الخطاب حسني غيطاس‬
‫ص ‪.130‬‬
‫للمسلمين ضدهم‪ ،‬حتى إن رستم القائد‬
‫الفارسي دعا أهل الحيرة فقال‪ :‬يا أعداء الله‬
‫فرحتم بدخول العرب علينا بلدنا وكنتم عيونا ً‬
‫لهم علينا وقويتموهم بالموال)‪:(718‬‬

‫‪ ()718‬الدعوة السلمية في عهد أمير المؤمنين عمر ص ‪. 131‬‬


‫‪ -‬مسارعة أهل المصار المفتوحة إلى الدخول‬
‫في السلم‪:‬‬
‫فقد ترتب على ما تقدم من تمليك الرض‬
‫للفلحين أن سارعوا إلى الدخول في السلم‪،‬‬
‫الذي انتشر بينهم بسرعة مدهشة لم يسبق لها‬
‫مثيل‪ ،‬فقد لمسوا العدل وتبين لهم الحق‪،‬‬
‫وأحسوا بكرامتهم النسانية من معاملة‬
‫المسلمين لهم)‪.(719‬‬
‫‪ -‬تدبير الموال لحماية الثغور‪:‬‬
‫فقد امتدت الدولة السلمية صوب جهاتها‬
‫الربع وانتقلت أسماء الثغور إلى‬
‫ما وراء حدود الدولة في عصورها الولى ومن‬
‫أهم هذه الثغور‪ ،‬ما كان يعرف بالثغور الفراتية‬
‫والتي كانت تمتد على طول خط استراتيجي‬
‫يفصل ما بين الدولة السلمية والمبراطورية‬
‫البيزنطية وغيرها من الثغور‪ ،‬وقد اتخذ عمر‬
‫ل‪ ،‬وقد وصلت‬ ‫في كل مصر على قدره خيو ً‬
‫قوات الفرسان المرابطين في المصار إلى‬
‫أكثر من ثلثين ألف فارس‪ ،‬وهذا بخلف قوات‬
‫المشاة وأي قوات أخرى كالجمالة وخلفه‬
‫وهذه خصصها عمر كجيش منظم لحماية ثغور‬
‫المسلمين وكفل أرزاقهم وصرفهم عن‬
‫الشتغال بأي شيء إل بالجهاد في سبيل نشر‬
‫الدعوة السلمية‪ ،‬فكان الخراج من السباب‬
‫التي ساقها المولى عز وجل لتجهيز هذه‬
‫القوات وكفالة أرزاق أجنادها)‪.(720‬‬
‫‪ ()719‬نفس المصدر ص ‪. 132‬‬
‫‪ ()720‬نفس المصدر ص ‪. 135‬‬
‫إن الفاروق رضي الله عنه وضع قواعد نظام‬
‫الخراج باعتباره موردا ً من الموارد المالية‬
‫الهامة لخزينة الدولة وكان يهدف من ورائه‬
‫إلى أن يكون بيت المال قائما ً بما يجب عليه‬
‫من تحقيق المصالح العامة للمة وحفظ‬
‫ثغورها وتأمين طرقها ول يتأتى ذلك إل بإبقاء‬
‫أصحاب الرض التي تملكها المسلمون عنوة‬
‫لقاء نسبة معينة مما تنتجه الرض وهذا أمٌر‬
‫من شأنه أن يزيدهم حماسا ً في العمل ورغبة‬
‫في الستغلل والستثمار ومقارنة ذلك بما‬
‫كانوا يرهقون به من الضرائب من طرف أولياء‬
‫أمورهم قبل وصول المسلمين)‪.(721‬‬
‫‪ -4‬العشور‪:‬‬
‫هي الموال التي يتم تحصيلها على التجارة‬
‫التي تمر عبر حدود الدولة السلمية سواء‬
‫داخلة أو خارجة من أراضي الدولة وهي أشبه‬
‫ما تكون بالرسوم الجمركية في العصر‬
‫الحاضر‪ ،‬ويقوم بتحصيلها موظف يقال له‬
‫)العاشر( أي الذي يأخذ العشور)‪ ،(722‬ولم يكن‬
‫لهذه الضريبة وجود في عهد النبي ‪،‬‬
‫أبي بكر الصديق رضي الله‬ ‫وخليفته الول‬
‫عنه‪ ،‬لن تلك الفترة كانت فترة دعوة إلى‬
‫السلم‪ ،‬والجهاد في سبيل نشره‪ ،‬وبناء‬
‫الدولة السلمية‪ ،‬فلما اتسعت الدولة في عهد‬
‫الخليفة عمر رضي الله عنه‪ ،‬وامتدت حدودها‬
‫شرقا ً وغربا ً وصار التبادل التجاري مع الدول‬
‫‪ ()721‬أهل الذمة في الحضارة السلمية ص ‪. 63‬‬
‫‪ ()722‬الخراج لبي يوسف ص ‪ ،271‬اقتصاديات الحرب ص ‪. 223‬‬
‫المجاورة‪ ،‬ضرورة تمليها المصلحة العامة‪ ،‬رأى‬
‫الخليفة عمر رضي الله عنه أن يفرض تلك‬
‫الضريبة على الواردين إلى دار السلم‪ ،‬كما‬
‫كان أهل الحرب يأخذونها من تجار المسلمين‬
‫القادمين إلى بلدهم‪ ،‬معاملة بالمثل وقد‬
‫أجمع المؤرخون)‪ ،(723‬أن أول من وضع العشر‬
‫في السلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه‬
‫وذلك عندما كتب إليه أهل منبج ومن وراء بحر‬
‫عدن يعرضون عليه أن يدخلوا بتجارتهم أرض‬
‫العرب وله منها العشر فشاور عمر في ذلك‬
‫أصحاب النبي ‪ ‬فأجمعوا على ذلك‪ ،‬فهو أول‬
‫من أخذ منهم العشور‪ ،‬ولكن عمر أراد أن‬
‫يتأكد من مقدار ما تأخذه الدول الخرى من‬
‫تجار المسلمين إذا اجتازوا حدودهم‪ ،‬فسأل‬
‫المسلمين كيف يصنع بكم الحبشة إذا دخلتم‬
‫أرضهم؟ قالوا‪ :‬يأخذون عشر‬
‫ما معنا‪ ،‬قال‪ :‬فخذوا منهم مثل ما يأخذون‬
‫منكم)‪ ،(724‬وسأل أيضا ً عثمان بن حنيف كم‬
‫يأخذ منكم أهل الحرب إذا أتيتم دارهم؟ قال‪:‬‬
‫العشر‪ ،‬قال عمر‪ :‬فكذلك فخذوا منهم)‪،(725‬‬
‫وروي أن أبا موسى الشعري كتب إلى‬
‫الخليفة عمر رضي الله عنه‪ :‬إن تجارا ً من‬
‫قبلنا من المسلمين يأتون أرض الحرب‬
‫فيأخذون منهم العشر‪ ،‬فكتب إليه الخليفة‬
‫عمر رضي الله عنه‪ :‬خذ أنت منهم كما يأخذون‬
‫من تجار المسلمين‪ ،‬وخذ من أهل الذمة نصف‬
‫‪ ()723‬سياسة المال في السلم ص ‪. 128‬‬
‫‪ ()724‬موسوعة فقه عمر بن الخطاب ص ‪. 651‬‬
‫‪ ()725‬نفس المصدر ص ‪. 651‬‬
‫العشر‪ ،‬ومن المسلمين من كل أربعين درهما ً‬
‫درهمًا‪ ،‬وليس فيما دون المائتين شيء‪ ،‬فإذا‬
‫كانت مائتين ففيها خمسة دراهم‪،‬‬
‫وما زاد فبحسابه)‪ ،(726‬وقد ساهم هذا التشريع‬
‫الجديد في تنظيم العلقات التجارية بين‬
‫الدول‪ ،‬وقد حققت التجارة السلمية مكاسب‬
‫كبيرة في عالم التجارة حيث فتحت أبواب‬
‫الدولة السلمية للتجارة وجلبت البضائع‬
‫والسلع إلى الدولة السلمية من كل أنحاء‬
‫العالم وهذا بطبيعة الحال شجع التاجر‬
‫المسلم والجنبي على زيادة نشاطهم في‬
‫التصدير‪ ،‬والستيراد من كافة أنحاء العالم‪،‬‬
‫وبذلك نشطت المراكز التجارية داخل بلد‬
‫الدولة السلمية بما فيها الجزيرة وزادت‬
‫حركة القوافل التجارية القادمة والذاهبة من‬
‫أقاليم الجزيرة إلى القاليم السلمية‬
‫الخرى‪ ،‬كما استقبلت موانئ بلد السلم‬
‫السفن الكبيرة التي تصل إليها من الهند‬
‫والصين وشرقي أفريقية محملة بأغلى‬
‫وأنفس البضائع وظهر ذلك جليا ً في العصر‬
‫الراشدي والدولة الموية)‪ ،(727‬وقد كان في‬
‫عهد عمر عشارون يأخذون زكاة ما يمر بهم‬
‫من أموال التجار ويعتبرون النصاب والحول‪،‬‬
‫قال أنس بن مالك‪ ،‬بعثني عمر بن الخطاب‬
‫على جباية العراق‪ ،‬وقال‪ :‬إذا بلغ مال المسلم‬
‫مائتي درهم فخذ منها خمسة دراهم‪ ،‬وما زاد‬
‫‪ ()726‬الخرج لبي يوسف ص ‪ 145،146‬سياسة المال ص ‪. 128‬‬
‫‪ ()727‬التجارة وطرقها في الجزيرة العربية د‪ .‬محمد العمادي ص‬
‫‪. 332‬‬
‫على المائتين‪ ،‬ففي كل أربعين درهمًا‪،‬‬
‫ن عمر بن الخطاب‬ ‫درهم)‪ (728‬وذكر الشيباني أ ّ‬
‫دقا‬
‫بعث زياد بن جرير وقيل زياد بن حدير مص ّ‬
‫إلى عين التمر‪ ،‬وأمره بأن يأخذ من أموالهم‬
‫ربع العشر‪ ،‬ومن أهل الذمة إذا اختلفوا بها‬
‫للتجارة نصف العشر‪ ،‬ومن أموال أهل الحرب‬
‫العشر‪ ،‬وجعل عمر بن الخطاب نفقة العاشر‬
‫دق من المال الذي يأخذه)‪.(729‬‬‫أي المص ّ‬
‫إن من يفكر في ذلك التحديد الذي رسمه‬
‫الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد‬
‫يصل إلى أنه فرض العشر على الحربيين‬
‫لمعاملتهم المسلمين كذلك‪ ،‬فهذا مبدأ‬
‫المعاملة بالمثل‪ ،‬وأنه فرض نصف العشر على‬
‫أهل الذمة تمييزا ً لهم عن المسلمين‪ ،‬وتطبيقا ً‬
‫لما سبق أن فرضه على نصارى بني تغلب‪.‬‬
‫الذين قبلوا أن تؤخذ منهم الجزية ضعف ما‬
‫يؤخذ من المسلمين من الصدقة‪ ،‬وأن ما قرره‬
‫على المسلمين هو بمثابة زكاة‪ ،‬ومعروف‬
‫نصاب الزكاة لعروض التجارة‪ ،‬وهو الذي جعله‬
‫حدا ً أدنى لخذها ومنع من تكرار أخذها من‬
‫المسلمين وأهل الذمة‪ ،‬ما دام رأس المال‬
‫ثابتا ً والبضاعة الواردة لم تزد قيمتها عنه‪ ،‬ولو‬
‫تكرر مرات دخولها‪ ،‬إل بعد الحول‪ ،‬وتمشيا ً‬
‫لمبدأ المعاملة بالمثل‪ ،‬فإنه حينما يرفع أهل‬
‫الحرب ما يأخذونه من المسلمين من ضريبة‪،‬‬
‫فيحق للمسلمين رفع الضريبة على ما يرد‬
‫‪ ()728‬الحياة القتصادية في العصور السلمية الولى ص ‪. 101‬‬
‫‪ ()729‬شرح السير الكبير )‪ (5/2133،2134‬الحياة القتصادية ص‬
‫‪. 101‬‬
‫منهم إلى دار السلم بنفس النسبة‪ ،‬وكذلك‬
‫الحال عند إسقاطهم لها‪ ،‬فعلى المسلمين‬
‫إسقاطها عنهم‪ .‬وهذا‬
‫ما تسير عليه الدول حديثًا‪ ،‬ويسمى برفع‬
‫الحواجز الجمركية)‪ ،(730‬وعندما يكون‬
‫المسلمون في حاجة إلى بعض البضائع‬
‫والمنتجات الواردة إليهم فإنهم يخفضون أو‬
‫يعفون التجار من ضريبتها تشجيعا ً لتوريدها‪،‬‬
‫والكثار منها‪ ،‬وقد فعل الخليفة عمر رضي‬
‫الله عنه ذلك‪ ،‬حين أمر عماله أن يأخذوا نصف‬
‫العشر من الحربيين حين دخولهم الحجاز‬
‫بالزيت والحبوب‪ ،‬كما أمر بإعفائهم أحيانا ً‬
‫أخرى‪ ،‬فعن الزهري عن سالم عن أبيه عن‬
‫عمر رضي الله عنه‪ ،‬أنه كان يأخذ من الن ََبط‬
‫من القطنية العشر‪ ،‬ومن الحنطة والزبيب‬
‫)‪(731‬‬
‫‪،‬‬ ‫نصف العشر‪ ،‬ليكثر الحمل إلى المدينة‬
‫وقد كان لهذه التنظيمات المالية التي وجدت‬
‫أيام الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه‪،‬‬
‫النفع الكبير في سهولة التبادل التجاري بين‬
‫المسلمين وجيرانهم‪ ،‬وورود أصناف متعددة‬
‫من متطلبات الناس واحتياجاتهم فهو لم‬
‫يقتصر اهتمامه على تنظيم المواد التية إلى‬
‫بيت المال‪ ،‬بل نظم الطرق التي بواسطتها‬
‫وبسببها يزداد دخل بيت المال‪ ،‬وتنعم البلد‬
‫بالرخاء ورغد العيش‪ ،‬ومن ذلك اهتمامه‬
‫بالتجارة الخارجية‪ ،‬وحسن معاملته لهلها‪،‬‬
‫وتتبعه العمال والمراء‪ ،‬والكتابة إليهم بذلك‬
‫‪ ()730‬سياسة المال في السلم ص ‪. 132‬‬
‫‪ ()731‬سياسة المال في السلم ص ‪. 133‬‬
‫وحرصه على استيفاء حقوق الدولة من غير‬
‫تعسف في جبايتها)‪.(732‬‬
‫‪ -5‬الفيء والغنائم‪:‬‬
‫أما الفيء‪ ،‬فهو كل مال وصل المسلمين من‬
‫المشركين من غير قتال‪ ،‬ول بإيجاف خيل ول‬
‫ركاب‪ ،‬ويوزع خمس الفيء على أهل‬
‫الخمس)‪ (733‬الذين بينهم الله سبحانه في كتابه‬
‫ل ال ْ ُ‬
‫قَرى‬ ‫ن أَ ْ‬
‫ه ِ‬ ‫م ْ‬
‫ه ِ‬ ‫عَلى َر ُ‬
‫سول ِ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ما أ َ َ‬
‫فاءَ الل ّ ُ‬ ‫الكريم‪َ  :‬‬
‫ن‬
‫كي ِ‬
‫سا ِ‬ ‫وال ْ َ‬
‫م َ‬ ‫وال ْي ََتا َ‬
‫مى َ‬ ‫قْرَبى َ‬‫ذي ال ْ ُ‬
‫ول ِ ِ‬
‫ل َ‬
‫سو ِ‬‫وِللّر ُ‬
‫ه َ‬‫فل ِل ّ ِ‬
‫َ‬
‫ل ‪) ‬الحشر‪،‬آية‪.(7:‬‬ ‫سِبي ِ‬
‫ن ال ّ‬‫واب ْ ِ‬ ‫َ‬
‫وأما الغنائم‪ :‬فهي ما غلب عليه المسلمون‬
‫من مال أهل الحرب حتى يأخذوه عنوة)‪،(734‬‬
‫ء َ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫فأ ّ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ن َ‬
‫ش ْ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬
‫مت ُ ْ‬ ‫ما َ‬
‫غن ِ ْ‬ ‫عل َ ُ‬
‫موا أن ّ َ‬ ‫قال تعالى‪َ  :‬‬
‫وا ْ‬
‫مى‬ ‫وال ْي ََتا َ‬ ‫قْرَبى َ‬ ‫ذي ال ْ ُ‬ ‫ول ِ ِ‬‫ل َ‬ ‫سو ِ‬ ‫وِللّر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫س ُ‬‫م َ‬ ‫خ ُ‬‫ه ُ‬ ‫ل ِل ّ ِ‬
‫ما‬
‫و َ‬ ‫ه َ‬‫م ِبالل ّ ِ‬‫من ْت ُ ْ‬ ‫مآ َ‬ ‫ن ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫ل إِ ْ‬
‫سِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫واب ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫كي ِ‬‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫وال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫عا ِ‬ ‫م َ‬‫ج ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م الت َقى ال َ‬ ‫ْ‬ ‫و َ‬‫ن يَ ْ‬ ‫َ‬
‫م الفْرقا ِ‬‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫و َ‬ ‫دَنا ي َ ْ‬ ‫عب ْ ِ‬
‫على َ‬ ‫َ‬ ‫َأنَزلَنا َ‬
‫ْ‬
‫ء‬
‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫عَلى ك ُ ّ‬ ‫ه َ‬ ‫والل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫قِديٌر)‪)  (41‬النفال‪،‬آية‪.(41:‬‬ ‫َ‬
‫ففي خلفة عمر رضي الله عنه زادت الغنائم‬
‫زيادة كبيرة لتساع المناطق المفتوحة ولما‬
‫كانت تتمتع به من ازدهار اقتصادي كبير‪،‬‬
‫وكان القادة الفرس والروم يخرجون إلى‬
‫الميدان بكامل أبهتهم‪ ،‬فيقع سلبهم للمسلم‪،‬‬
‫وأحيانا ً يبلغ ‪ 15.000‬درهم‪ ،‬و ‪30.000‬‬

‫‪ ()732‬نفس المصدر ص ‪. 133‬‬


‫‪ ()733‬تاريخ الدعوة السلمية د‪ .‬جميل عبد الله المصري ص ‪. 322‬‬
‫‪ ()734‬الخراج لبي يوسف ص ‪ 19‬نقل ً عن عصر الخلفة الراشدة‬
‫ص ‪. 183‬‬
‫درهم)‪ ،(735‬وقد فتحت المدن العظيمة‬
‫كالمدائن وجلولء وهمذان والري واصطخر‬
‫وغيرها‪ ،‬فحاز المسلمون أموال ً عظيمة‪ ،‬مثل‬
‫بساط كسرى‪ ،‬وهو ‪ 3600‬ذراع مربعة أرضه‬
‫مفروشة بالذهب وموشى بالفصوص وفيه‬
‫رسوم ثمار بالجواهر‪ ،‬وورقها بالحرير‪ ،‬وفيه‬
‫رسوم للماء الجاري بالذهب‪ ،‬وقد بيعت‬
‫بعشرين ألف درهم )‪ 20.000‬درهم( وحاز‬
‫المسلمون الذهب والفضة والمجوهرات‬
‫العظيمة من غنائم جلولء ونهاوند‪ ،‬حيث بلغ‬
‫خمس جلولء ستة مليين درهم)‪ ،(736‬وأعظم‬
‫الغنائم هي أرض السواد التي وقفها عمر‬
‫رضي الله عنه للدولة‪ ،‬وأراضي الصوافي التي‬
‫قتل أصحابها أو فروا عنها‪ ،‬وأملك كسرى‬
‫وأهله‪ ،‬حيث جعلت غلتها للدولة‪ ،‬فكانت‬
‫بإدارتها لصالح بيت المال‪ ،‬ويقال إن‬
‫غلتها – فيما بعد – بلغت سبعة مليين درهم‪،‬‬
‫فقد كانت الغنائم عظيمة القدر‪ ،‬وأنها أغنت‬
‫المسلمين أفرادا ً ودولة وارتفعت بمستوى‬
‫المعيشة وظهرت آثارها أكثر جلء في خلفة‬
‫عثمان رضي الله عنه)‪.(737‬‬
‫هذه هي أهم مصادر الدولة في عهد الفاروق‬
‫رضي الله عنه‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬بيت مال المسلمين وتدوين الدواوين‪:‬‬

‫‪ ()735‬عصر الخلفة الراشدة ص ‪. 188‬‬


‫‪ ()736‬عصر الخلفة الراشدة ص ‪. 189‬‬
‫‪ ()737‬نفس المصدر ص ‪. 189‬‬
‫بيت المال‪ :‬هو المكان الذي ترد إليه جميع موارد‬
‫الدولة‪ ،‬وهو كذلك المكان الذي تصرف منه جميع‬
‫مصروفاتها من أعطيات الخلفاء والجيش‬
‫والقضاة والعمال والمرافق العامة والخاصة‬
‫للدولة وهكذا)‪ ،(738‬وأما الدواوين‪ :‬فهي السجلت‬
‫والدفاتر التي تسجل فيها أمور الدولة وقد‬
‫أطلقت كلمة ديوان على المكان الذي يجتمع فيه‬
‫الكتاب والموظفون العاملون بتلك السجلت عند‬
‫الفرس)‪ ،(739‬وفي بداية الدولة السلمية لم يكن‬
‫هناك بيت مال بالمعنى الذي عرف به فيما بعد‬
‫فقد كانت سياسة الرسول ‪ ‬تقوم على أن ل‬
‫يؤخر تقسيم الموال أو إنفاقها‪ ،‬وقد سار أبو‬
‫بكر على نهج النبي ‪ ،‬ونهج الفاروق طريق‬
‫صاحبيه في أول خلفته‪ ،‬حتى اتسع سلطان‬
‫الدولة شرقا ً وغربًا‪ ،‬فبدأ بالتفكير في طريقة‬
‫يدبر فيها ما تجمع لدى الخليفة من أموال‬
‫الفتوحات وغنائمها‪ ،‬وإيرادات الجزية والخراج‬
‫والصدقات فكثرت الجيوش واحتاجت إلى ضبط‬
‫احتياجاتها وأسماء رجالها خوفا ً من ترك أحدهم‬
‫دون عطاء‪ ،‬أو تكرار العطاء للخرين وتوالت‬
‫حملت الفتح وانتصاراتها‪ ،‬فكثرت الموال بشكل‬
‫لم يكن معروفا ً لدى المسلمين من قبل‪ ،‬فرأى‬
‫أمير المؤمنين عمر أن ل طاقة للخليفة وأمرائه‬
‫بضبطها‪ ،‬وأنه ليس من الحكمة القتصادية أن‬
‫يترك زمام المور المالية بيد العمال والولة دون‬
‫أن يضبطها عدا ً أو يحصيها حسابًا‪ ،‬فكان نتيجة‬
‫‪ ()738‬سياسة المال في السلم ص ‪. 155‬‬
‫‪ ()739‬مقدمة ابن خلدون ‪ ، 243‬سياسة المال في السلم ص‬
‫‪. 155‬‬
‫ذلك التفكير مليا ً في وضع قواعد ثابتة لهذه‬
‫الموال‪ ،‬ومن هنا نشأ الديوان‪ ،‬وكان عمر رضي‬
‫الله عنه هو أول من وضع الديوان في الدولة‬
‫السلمية)‪ (740‬وقصة ذلك كما تناقلها المؤرخون‪:‬‬
‫أن أبا هريرة قال‪ :‬قدمت من البحرين بخمسمائة‬
‫ألف درهم فأتيت عمر بن الخطاب رضي الله‬
‫عنه فسألني عن الناس‪ ،‬فأخبرته‪ ،‬ثم قال لي‪:‬‬
‫ماذا جئت به؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬جئت بخمسمائة ألف‪،‬‬
‫قال‪ :‬ويحك‪ .‬هل تدري ما تقول؟ قلت‪ :‬نعم‪ ،‬مائة‬
‫ألف‪ ،‬ومائة ألف‪ ،‬ومائة ألف‪ ،‬ومائة ألف‪ ،‬ومائة‬
‫ألف‪ .‬قال‪ :‬إنك ناعس‪ ،‬ارجع إلى أهلك‪ ،‬فنم‪،‬‬
‫فإذا أصبحت فائتني‪ ،‬فلما أصبحت أتيته‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ماذا جئت به؟ قلت جئت بخمسمائة ألف‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ويحك! هل تدري‬
‫ما تقول؟! قلت‪ :‬نعم‪ ،‬مائة ألف‪ ،‬حتى عدها‬
‫خمس مرات‪ ،‬يعدها بأصابعه الخمس قال أطيب؟‬
‫قلت‪ :‬ل أعلم إل ذلك‪ .‬قال‪ :‬فصعد المنبر‪ ،‬فحمد‬
‫الله وأثنى عليه‪ ،‬ثم قال‪ :‬أيها الناس‪ ،‬إنه قد‬
‫ل‪ ،‬وإن‬ ‫جاءنا مال كثير‪ ،‬فإن شئتم أن نكيلكم كي ً‬
‫شئتم أن نعدكم عدا ً فقام إليه رجل فقال‪ :‬يا‬
‫أمير المؤمنين‪ ،‬إني قد رأيت هؤلء العاجم‬
‫‪،‬‬ ‫)‪(742‬‬
‫يدونون ديوانا ً لهم)‪ ،(741‬فاشتهى عمر ذلك‬
‫وقد استشار عمر المسلمين في تدوين‬
‫الدواوين‪ ،‬فأشار بعضهم بما يراه إل أن الوليد‬
‫بن هشام بن المغيرة‪ ،‬قال‪ :‬جئت الشام فرأيت‬
‫‪ ()740‬سياسة المال في السلم ص ‪. 157‬‬
‫‪ ()741‬الطبقات لبن سعد )‪ (3/300،301‬خبر صحيح‪.‬‬
‫‪ ()742‬مقدمة ابن خلدون ص ‪ ، 244‬الخراج لبي يوسف ص‬
‫‪. 48،49‬‬
‫ملوكها قد دونوا ديوانا ً وجندوا جندًا‪ ،‬فدون‬
‫ديوانا ً وجند جندا ً وفي بعض الروايات أن الذي‬
‫قال ذلك هو خالد بن الوليد)‪ ،(743‬وذكر بعض‬
‫المؤرخين أنه كان بالمدينة بعض مرازبة الفرس‪،‬‬
‫فلما رأى حيرة عمر قال له‪ :‬يا أمير المؤمنين‪:‬‬
‫إن للكاسرة شيئا ً يسمونه ديوانا ً جميع دخلهم‬
‫وخرجهم مضبوطة فيه ل يشذ منه شيء‪ ،‬وأهل‬
‫العطاء مرتبون فيه مراتب ل يتطرق عليها خلل‪،‬‬
‫فتنبه عمر وقال‪ :‬صفه لي‪ ،‬فوصفه المرزبان‬
‫فدون الدواوين وفرض العطاء)‪ ،(744‬وقد حبذ‬
‫عثمان التدوين فأشار برأيه‪ :‬أرى مال ً كثيرا ً يسع‬
‫الناس وإن لم يحصوا حتى ُيعرف من أخذ ممن‬
‫لم يأخذ‪ ،‬خشية أن ينتشر المر)‪ (745‬هذه بعض‬
‫الروايات التي حدثت بناء على استشارة عمر‬
‫رضي الله عنه في مرات متعددة لمن يحضرون‬
‫عنده‪ ،‬وهناك اختلف بين المؤرخين في السنة‬
‫التي تم فيها التدوين‪ ،‬فمن قائل إن ذلك في‬
‫السنة الخامسة عشرة للهجرة كالطبري وعنه‬
‫أخذ ابن الثير وغيرهم وقال آخرون إن ذلك كان‬
‫في شهر محرم من سنة عشرين هجرية‬
‫كالبلذري‪ ،‬والواقدي‪ ،‬والماوردي وابن‬
‫)‪(746‬‬
‫م في‬ ‫وغيرهم والرجح أن يكون ت ّ‬ ‫خلدون‬
‫سنة عشرين هجرية‪ ،‬لنه في سنة خمس عشرة‬
‫كانت القادسية‪ ،‬ولم يستكمل فتح العراق‬

‫‪ ()743‬الحكام السلطانية ص ‪ 226،227‬فتوح البلدان ص ‪. 436‬‬


‫‪ ()744‬الحكام السلطانية ص ‪ ، 226‬تاريخ السلم السياسي )‬
‫‪.(1/456‬‬
‫‪ ()745‬الحكام السلطانية ص ‪ ، 226‬سياسة المال ص ‪. 158‬‬
‫‪ ()746‬مقدمة ابن خلدون ص ‪ ، 244‬سياسة المال ص ‪. 159‬‬
‫والشام ومصر إل بعدها)‪ (747‬وقد سار عمر في‬
‫تقسيم الموال على خلف ما سار عليه أبو بكر‬
‫حيث كان الصديق يقسم الموال بين الناس‬
‫بالسوية‪ ،‬في حين قسم عمر أعطياتهم على‬
‫حسب السابقة في السلم والفضل في الجهاد‬
‫ونصرة رسول الله ‪ ،(748)‬وقد كان رأي الفاروق‬
‫هذا من زمن الصديق وقال لبي بكر لما رآه‬
‫وى بين الناس قال له‪ :‬أتسوي بين من هاجر‬ ‫س ّ‬
‫الهجرتين وصلى إلى القبلتين‪ ،‬وبين من أسلم‬
‫عام الفتح خوف السيف؟ فقال له أبو بكر‪ :‬إنما‬
‫عملوا لله وإنما أجورهم على الله‪ ،‬وإنما الدنيا‬
‫دار بلغ للراكب‪ ،‬فقال له عمر‪ :‬ل أجعل من‬
‫قاتل رسول الله كمن قاتل معه)‪ ،(749‬ولذلك‬
‫قسم الفاروق الناس في العطاء إلى‪:‬‬
‫‪ -‬ذوو السوابق الذين بسابقتهم حصل المال‪.‬‬
‫‪ -‬من يغني المسلمين في جلب المنافع لهم‬
‫كولة المور والعلماء الذين يجلبون لهم‬
‫منافع الدين والدنيا‪.‬‬
‫‪ -‬من يبلي بلء حسنا ً في دفع الضرر عنهم‬
‫كالمجاهدين في سبيل الله من الجنود‬
‫والعيون والناصحين نحوهم‪.‬‬
‫‪ -‬ذوو الحاجات)‪.(750‬‬
‫هذه سياسته في التقسيم تضمنها قوله‪ :‬ليس‬
‫أحد أحق بهذا المال من أحد إنما هو الرجل‬
‫‪ ()747‬سياسة المال في السلم ص ‪. 159‬‬
‫‪ ()748‬نفس المصدر ص ‪. 159‬‬
‫‪ ()749‬الحكام السطانية للماوردي ص ‪. 201‬‬
‫‪ ()750‬السياسة الشرعية لبن تيمية ص ‪ ، 48‬أولويات الفاروق ص‬
‫‪. 358‬‬
‫وسابقته والرجل وغناؤه‪ ،‬والرجل وبلؤه‪،‬‬
‫والرجل وحاجته)‪ ،(751‬وقد دعا الفاروق عقيل بن‬
‫أبي طالب ومخرمة بن نوفل‪ ،‬وجبير بن مطعم‪،‬‬
‫وكانوا من شبان قريش وقال‪ :‬اكتبوا للناس‬
‫على منازلهم‪ ،‬فبدأوا ببني هاشم فكتبوهم ثم‬
‫أتبعوهم أبا بكر وقومه‪ ،‬ثم عمر وقومه‪ ،‬وكتبوا‬
‫القبائل ووضعوها على الخلفة ثم رفعوه إلى‬
‫عمر‪ ،‬فلما نظر فيه قال‪ :‬ل‪ ،‬ما وددت أنه كان‬
‫هكذا‪ ،‬ولكن ابدأوا بقرابة النبي ‪ ‬القرب‬
‫فالقرب‪ ،‬حتى تضعوا عمر حيث وضعه الله‪،‬‬
‫فجاءت بنو عدي إلى الخليفة عمر رضي الله عنه‬
‫وقالوا‪ :‬إنك خليفة رسول الله ‪ ‬وخليفة أبي‬
‫بكر رضي الله عنه وأبو بكر خليفة رسول الله ‪‬‬
‫فلو جعلت نفسك حيث جعلك هؤلء القوم الذين‬
‫كتبوا فقال‪ :‬بخ بخ يا بني عدي‪ ،‬أردتم الكل‬
‫على ظهري‪ ،‬وأن أهب حسناتي لكم ل‪ ،‬ولكنكم‬
‫حتى تأتيكم الدعوة وأن ينطبق عليكم الدفتر ‪-‬‬
‫يعني ولو تكتبون آخر الناس ‪ -‬إن لي صاحبين‬
‫سلكا طريقا ً فإن خالفتهما خولف بي‪ ،‬ولكنه‬
‫والله ما أدركنا الفضل في الدنيا ول نرجو‬
‫الثواب عند الله تعالى على عملنا إل بمحمد ‪،‬‬
‫فهو شرفنا وقومه أشراف العرب ثم القرب‬
‫فالقرب‪ ،‬ووالله لئن جاءت العاجم بعمل وجئنا‬
‫بغير عمل لهم أولى بمحمد ‪ ‬منا يوم القيامة‪،‬‬
‫فإن من قصر به عمله لم يسرع به نسبه)‪،(752‬‬
‫وبدأ عمر رضي الله عنه تسجيله بديوان سجل‬
‫فيه أصحاب العطيات ومقدار أعطياتهم‪،‬‬
‫‪ ()751‬جامع الصول )‪ ، (2/71‬أخبار عمر ص ‪. 94‬‬
‫‪ ()752‬فتوح البلدان ص ‪ ، 436‬الحكام السلطانية ص ‪. 227‬‬
‫مى ديوان الجند على أساس أن جميع العرب‬ ‫وس ّ‬
‫المسلمين جنود للجهاد في سبيل الله‪ ،‬فبدأ‬
‫سجله للجيش ببني هاشم القرب فالقرب من‬
‫رسول الله ثم بمن بعدهم طبقة بعد طبقة‪،‬‬
‫وجعل لكل واحد من المسلمين مبلغا ً محددًا‪،‬‬
‫وفرض لزوجات النبي ‪ ‬وسراريه‪ ،‬وسائر‬
‫المسلمين من الرجال والنساء والطفال منذ‬
‫الولدة والعبيد بمقادير مختلفة)‪ ،(753‬وبإخراج هذا‬
‫الديوان أظهر عمر اهتمامه بأمر الجهاد في‬
‫سبيل الله‪ ،‬واعتنى بأمر المجاهدين حفظا ً‬
‫لحقوقهم‪ ،‬وعمل سجل الجند باللغة العربية‬
‫بالمدينة المنورة على يد نفر من نوابغ قريش‬
‫وعلماء النساب منهم‪ ،‬ثم أمر بعمل الدواوين‬
‫في أقاليم الدولة السلمية‪ ،‬فدونت بلغة البلد‬
‫المفتوحة‪ ،‬ولم يتم تعريبها إل في خلفة عبد‬
‫الملك بن مروان وابنه الوليد‪ ،‬وبعد تدوين‬
‫الدواوين صار عمر يجمع المال مدة سنة ثم‬
‫يقسمه بين الناس‪ ،‬لنه يرى أن جمعه أعظم‬
‫للبركة‪ ،‬فكان جمع المال يستلزم أن يكون له‬
‫أمناء فكان زيد بن أرقم على بيت المال في‬
‫عهد عمر)‪ ،(754‬وروى أبو عبيد بسنده عن‬
‫عبد القاري من قبيلة القارة قال‪ :‬كنت على‬
‫بيت المال زمن عمر بن الخطاب رضي الله‬
‫عنه)‪.(755‬‬
‫ثالثًا‪ :‬مصارف الدولة في عهد عمر‪:‬‬
‫‪ ()753‬سياسة المال في السلم ص ‪. 160‬‬
‫‪ ()754‬صبح العشى في قوانين النشاء للقلقشندي )‪.(1/89‬‬
‫‪ ()755‬فقه الزكاة )‪ (1/318‬هذا المصدر والذي فوقه من سياسة‬
‫المال ص ‪. 160‬‬
‫تنقسم مصارف بيت المال إلى ثلثة أقسام هي‪:‬‬
‫مصارف الزكاة وما يتصل بها‪ ،‬ومصارف الجزية‬
‫والخراج والعشور وما يتصل بها‪ ،‬ومصارف‬
‫الغنائم وما يتصل بها‪ ،‬وقد بين القرآن الكريم‪،‬‬
‫والسنة النبوية‪ ،‬وعمل الصحابة رضوان الله‬
‫عليهم مصارف هذه البواب)‪.(756‬‬
‫‪ -1‬مصارف الزكاة‪:‬‬
‫ذكر المولى عز وجل ثمانية أصناف ممن تجب‬
‫ء‬
‫قَرا ِ‬ ‫ت ل ِل ْ ُ‬
‫ف َ‬ ‫صدَ َ‬
‫قا ُ‬ ‫لهم الزكاة قال تعالى‪  :‬إ ِن ّ َ‬
‫ما ال ّ‬
‫في‬
‫و ِ‬
‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫قُلوب ُ ُ‬
‫ة ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ؤل ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫وال ْ ُ‬
‫ها َ‬ ‫عل َي ْ َ‬ ‫ن َ‬‫مِلي َ‬ ‫عا ِ‬‫وال ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫كي ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫وال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫بي‬
‫ّ ِ ِ‬‫س‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ب‬‫ِ‬ ‫ا‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ل‬ ‫بي‬
‫َ ِ ِ‬‫س‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫و‬
‫َ َ‬ ‫ن‬ ‫مي‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫ِ‬ ‫غا‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫وا‬
‫ِ َ‬ ‫ب‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫ر‬‫ّ‬ ‫ال‬
‫ِ‬
‫م‬‫ٌ‬ ‫لي‬ ‫ِ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫وال‬‫َ‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ة‬‫ً‬ ‫ض‬
‫َ‬ ‫ري‬‫ف ِ‬ ‫َ‬
‫م)‪)  (60‬التوبة‪،‬آية‪.(60:‬‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫وقد كان الفقراء والمساكين في عهد عمر‬
‫رضي الله عنه يعطون من هذه الموال‬
‫ما يبعدهم عن المسكنة والفقر‪ ،‬ويخرجهم من‬
‫الفاقة والعوز‪ ،‬ويقربهم إلى أدنى مراتب‬
‫الغنى واليسار)‪ ،(757‬وقد كان عمر رضي الله‬
‫عنه يقول‪ :‬إذا أعطيتم فأغنوا)‪ ،(758‬وهذه هي‬
‫السياسة العمرية الراشدة وهي إعطاء ما‬
‫يكفي وزيادة النسبة للعجز المؤقت‪ ،‬أما العجز‬
‫المزمن من مرضى ونحوه‪ ،‬فإن الزكاة‬
‫بالنسبة لهذا الصنف من والبطالة بالكسب‪،‬‬
‫وتتعدى هذه السياسة العمرية المسلمين‬
‫فتشمل مساكين أهل الكتاب بعد إسقاط‬
‫‪ ()756‬سياسة المال في السلم ص ‪. 169‬‬
‫‪ ()757‬النظام السلمي المقارن ص ‪ ، 112‬سياسة المال ص‬
‫‪. 171‬‬
‫‪ ()758‬الموال لبي عبيد )‪ ،(4/676‬سياسة المال ص ‪. 171‬‬
‫الجزية عنهم)‪ ،(759‬كما أن من نفقات الزكاة‬
‫العاملين عليها فهم لهم وظائف شتى‪،‬‬
‫وأعمال متشعبة‪ ،‬كلها تتصل بتنظيم الزكاة‪،‬‬
‫وبإحصاء من تجب عليه؟ وفيم تجب؟ ومقدار‬
‫ما يجب؟ ومعرفة من تجب له؟ وكم عددهم؟‬
‫ومبلغ حاجتهم‪ ،‬وقدر كفايتهم‪ ،‬إلى غير ذلك‬
‫من الشؤون التي تحتاج إلى جهاز كامل من‬
‫الخبراء وأهل الختصاص ومن يعاونهم)‪،(760‬‬
‫وأما المؤلفة قلوبهم‪ ،‬فقد أسقط عمر‬
‫سهمهم‪ ،‬وذلك لن السلم كان قوي الجانب‬
‫في خلفته فل حاجة للنفاق من أموال الزكاة‬
‫على هذا الصنف من الصناف الثمانية التي‬
‫نصت عليها الية)‪ ،(761‬وأما في عصرنا الحاضر‬
‫فل يزال التأليف موجودا ً بصورة أو أخرى‪،‬‬
‫ويوجد من تنطبق عليهم شروط المؤلفة‬
‫قلوبهم)‪ ،(762‬وقد استغل بعض خصوم السلم‬
‫ودعاة الجمود من المسلمين إسقاط نصيب‬
‫المؤلفة قلوبهم من الزكاة في عهد عمر‬
‫فكتبوا عن هذه القصة‪ ،‬وادعوا أن عمر رضي‬
‫الله عنه‪ ،‬بهذا أوقف نصا ً من نصوص القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬وهذا الدعاء ليس بصحيح‪ ،‬كما أنه ل‬
‫يتفق مع الحقيقة فالواقع أن الخليفة عمر‬
‫رضي الله عنه أوقف نصيب المؤلفة قلوبهم‬
‫لسبب وحكمة‪ ،‬وهي أن السلم أصبح عزيزا ً‬
‫قويا ً بعد أن كان ضعيفا ً في عهده الول‪،‬‬
‫سياسة المال في السلم ص ‪. 172‬‬ ‫‪()759‬‬
‫نفس المصدر ص ‪. 173‬‬ ‫‪()760‬‬
‫عصر الخلفة الراشدة ص ‪. 202‬‬ ‫‪()761‬‬
‫سياسة المال في السلم ص ‪. 175‬‬ ‫‪()762‬‬
‫ورأى رضي الله عنه أنه ل داعي لتأليف هؤلء‬
‫وهؤلء بعد العّزة والنصر والقوة)‪.(763‬‬
‫وقد وافق الصحابة على قرار الفاروق‪ ،‬ولم‬
‫تأت هذه الموافقة اعتباطا ً وإنما نتيجة‬
‫القتناع بالمبررات التي دفع بها ليقاف‬
‫إعطاء المؤلفة قلوبهم من حيث إن السلم‬
‫قد غدا في قوة ومكنة تجعلنه في غنى عن‬
‫عدد قليل ل وزن له‪ ،‬بعد دخول أمم كثيرة في‬
‫السلم‪ ،‬كما أنه ليس ثمة خوف من هؤلء‬
‫الذين يطلبون التأليف‪ ،‬بل كان الخوف عليهم‬
‫أن يظلوا على نزعتهم التواكلية‪ ،‬ثم إن حق‬
‫هؤلء ليس حقا ً موروثا ً يتوارثونه جيل ً بعد‬
‫جيل)‪،(764‬إن عمر لم يقف جامدا ً أمام هذا‬
‫النص فيما يتصل بسهم المؤلفة قلوبهم‪ ،‬فهو‬
‫قد فهم أن المقصود من النص هو إعزاز‬
‫السلم بدخول أشراف العرب فيه‪ ،‬وتثبيت‬
‫من أسلم منهم على السلم‪ ،‬فقد نظر إلى‬
‫علة النص ل إلى ظاهره‪ ،‬وحيث أعز الله‬
‫السلم وكثر أهله فقد أصبح العطاء حينئذ –‬
‫في نظر عمر‪ -‬ذلة وخنوعًا‪ ،‬وزالت العلة التي‬
‫من أجلها جعل الله للمؤلفة قلوبهم نصيبا ً من‬
‫الزكاة وبناء على ذلك أوقف عمر هذا السهم‬
‫ولم يعطه لهم‪ ،‬وبناء على هذا الفهم الصحيح‬
‫ل يجوز أن نقول إن عمر ألغى العمل بالنص‬
‫القرآني المتعلق بإعطاء المؤلفة قلوبهم‬
‫نصيبا ً من الزكاة لن ذلك من قبيل النسخ‪ ،‬ول‬
‫نسخ إل من طرف صاحب الشرع نفسه وعليه‬
‫‪ ()763‬سياسة المال في السلم ص ‪. 177،178‬‬
‫‪ ()764‬البعاد السياسية لمفهوم المن في السلم ص ‪. 306‬‬
‫فل نسخ بعد وفاة الرسول ‪ ،(765)‬لقد كان‬
‫عمر رضي الله عنه يراعي تغير الظروف‬
‫والعلل التي بنيت عليها نصوص الحكام‪ ،‬ولم‬
‫يكن يقف مع ظواهرها كما سبق القول)‪،(766‬‬
‫كما كان النفاق في الرقاب‪ ،‬والغارمين‪ ،‬وفي‬
‫سبيل الله وابن السبيل‪ ،‬وقد اعتنى القرآن‬
‫الكريم بابن السبيل أّيما اعتناء‪ ،‬فقد جعل له‬
‫سهما ً من الزكاة ونصيبا ً من الفيء ومن‬
‫خمس الغنائم‪ ،‬وعناية السلم بالمسافرين‬
‫الغرباء والمنقطعين عناية فذة لم يعرف لها‬
‫نظير في نظام من النظمة أو شريعة من‬
‫الشرائع‪ ،‬ويؤكد هذه العناية هدي النبي ‪‬‬
‫والصديق‪ ،‬كما أن عمر بن الخطاب رضي الله‬
‫اتخذ في عهده دارا ً خاصة أطلق عليها )دار‬
‫الدقيق(‪ ،‬وذلك أنه جعل فيها الدقيق والسويق‬
‫والتمر والزبيب‬
‫وما يحتاج إليه‪ ،‬يعين به المنقطع به‪ ،‬والضيف‬
‫ومن ينزل بعمر‪ ،‬ووضع عمر في طريق السبل‬
‫ما بين مكة والمدينة ما يصلح من ينقطع به‪،‬‬
‫ويحمل من ماء إلى ماء)‪.(767‬‬
‫إن هذا التحديد للصناف الثمانية يوجب على‬
‫الدولة حصرهم وتتبع حالتهم وأن يكون هناك‬
‫سجلت في كل بلد‪ ،‬ثم في المقر الرئيسي‬
‫للدولة‪ ،‬وقد كان للصدقة ديوان خاص بها في‬
‫دار الخلفة‪ ،‬له فروع في سائر الوليات وقد‬
‫كان ذلك في عهد الخليفة عمر )رضي الله‬
‫‪ ()765‬الجتهاد في الفقه السلمي ص ‪.133 ،132‬‬
‫‪ ()766‬المصدر نفسه ص ‪.134‬‬
‫‪ ()767‬الطبقات )‪.(3/283‬‬
‫عنه( بعد تدوين الدواوين)‪ ،(768‬إن نظرة إلى‬
‫تلك الصناف الثمانية الذين ذكرتهم الية‬
‫نلحظ أنها قد شملت المصالح الدينية‬
‫والسياسية والجتماعية من دعوة للجهاد في‬
‫سبيل الله‪ ،‬وتكوين الجيوش‪ ،‬والعمل على‬
‫القضاء على الفقر‪ ،‬وسداد الدين‪ ،‬ودفع‬
‫الحاجة عن ذوي الحاجة‪ ،‬أي أنها تشمل كل‬
‫متطلبات المجتمع وإيجاد المن والمحبة‬
‫والتآلف بين أفراده)‪.(769‬‬
‫‪ -2‬مصارف الجزية والخراج والعشور‪:‬‬
‫تصرف في أعطيات الخلفاء‪ ،‬والعمال والجنللد‪،‬‬
‫وآل البيت‪ ،‬وزوجللات المجاهللدين وغيرهللا مللن‬
‫أوجه الخير‪.‬‬
‫‪ -‬أعطيات الخليفة‪ :‬وقد فرض للخليفة عمر‬
‫رضي الله عنه من العطيات خمسة آلف‬
‫درهم أو ستة آلف درهم على رواية أخرى‪.‬‬

‫‪ ()768‬سياسة المال في السلم ص ‪.184‬‬


‫‪ ()769‬سياسة المال في السلم ص ‪.184‬‬
‫أعطيات العمال‪:‬‬
‫أي ولة القاليم‪ ،‬ففي عهد الخليفة عمر‬
‫)رضي الله عنه(‪ ،‬عين الفاروق في كل ولية‪،‬‬
‫واليا حازما ً عادل ً لحكمها وإدارتها‪ ،‬وزوده بعدد‬
‫من العوان والمساعدين والجباة والقضاة‬
‫والكّتاب وعمال الخراج‪ ،‬والصدقات وغيرهم‪،‬‬
‫فكان للصلة والحرب عامل –وهو المير‪-‬‬
‫ولتحصيل الموال عامل آخر‪ ،‬ولمساحة‬
‫الراضي وتقدير الضرائب وإحصاء الناس‬
‫مال لهم خبرة ودراية‪ ،‬وقد أجرى لهم‬ ‫ع ّ‬
‫العطيات بما يتناسب مع منصب كل منهم‬
‫وما تتطلبه أعماله‪ ،‬مراعيا ً في ذلك حالة‬
‫القليم من قرب وبعد‪ ،‬وتوفر خيرات‪ ،‬ورخص‬
‫وغلء‪ ،‬ولم يجعل لصرفها موعدا ً ثابتا ً ل‬
‫يتخلف)‪ (770‬وسيأتي الحديث عن العمال‬
‫بالتفصيل بإذن الله عند حديثنا عن مؤسسة‬
‫العمال‪.‬‬
‫‪ -‬أعطيات الجند‪:‬‬
‫اهتم عمر رضي الله عنه بأمر الجند فنظم‬
‫ديوان الجيش‪ ،‬وسار في تقسيم الرزاق فيه‬
‫على أساس القربى من النسب النبوي‬
‫الشريف‪ ،‬والسابقة للسلم)‪ ،(771‬وبذلك أصبح‬
‫في مقدمة أصحاب المعاشات آل بيت رسول‬
‫الله ‪ ‬وهم بنو هاشم وكان العباس يتسلمها‬
‫ويوزعها عليهم‪ ،‬ثم زوجات النبي ‪ ‬وتختص‬
‫كل واحدة بمعاش مستقل عن آل البيت أما‬

‫‪ ()770‬سياسة المال في السلم ص ‪.198‬‬


‫‪ ()771‬الحكام السلطانية ص ‪ ،227‬سياسة المال ص ‪.119‬‬
‫بقية المسلمين فقد قسموا إلى طبقات‬
‫حسب ترتيب اشتراكهم في الجهاد في سبيل‬
‫الله‪ ،‬فبدأ بأهل بدر‪ ،‬ثم من حاربوا بعد بدر‬
‫إلى الحديبية‪ ،‬ثم من حاربوا من الحديبية إلى‬
‫آخر حروب الردة ثم من تلهم من شهد‬
‫القادسية واليرموك وهكذا‪ ،‬كما أنه جعل‬
‫مخصصات لزوجات المحاربين وأطفالهم منذ‬
‫الولدة ولم يغفل أمر الغلمان‪ ،‬واللقطاء‪ ،‬بل‬
‫خصص لهم أعطيات سنوية‪ ،‬أدناها مائة درهم‪،‬‬
‫تتزايد عند بلوغهم)‪ ،(772‬كما فرض للموالي من‬
‫ألفين إلى ألف)‪ ،(773‬وقد وردت روايات كثيرة‬
‫تتفق فيما بينها في كثير من أرقام المقررات‬
‫التي قررها الخليفة عمر )رضي الله عنه(‬
‫أعطيات للجند‪ ،‬وتختلف بعض الختلفات في‬
‫تلك المقادير)‪ ،(774‬وأما ما صح من مقادير‬
‫العطاء‪ ،‬فإن عطاء زوجات النبي ‪ ‬كان‬
‫عشرة آلف درهم )‪ 10000‬درهم( كل سنة إل‬
‫جويرية وصفية وميمونة فقد فرض لهن أقل‬
‫من ذلك ثم زاد عطاءهن إلى اثني عشر ألف‬
‫درهم‬
‫)‪ 12000‬درهم( إل صفية وجويرية كان‬
‫عطاؤهن ستة آلف درهم )‪ 6000‬درهم(‪ ،‬وقد‬
‫طالبت عائشة بالمساواة بين أمهات‬
‫المؤمنين‪ ،‬فوافق عمر على مساواتهن‪ ،‬وكان‬
‫عطاء المهاجرين والنصار أربعة آلف درهم )‬
‫‪ 4000‬درهم( لكل واحد سنويا ً سوى عبد الله‬
‫‪ ()772‬الطبقات )‪.(3/301‬‬
‫‪ ()773‬تاريخ اليعقوبي )‪.(2/153،154‬‬
‫‪ ()774‬سياسة المال في السلم ص ‪.200‬‬
‫بن عمر بن الخطاب فإنه فرض له ثلثة آلف‬
‫وخمسمائة درهم )‪ 3500‬درهم( معلل ً ذلك بأنه‬
‫هاجر به أبوه أي ليس كمن هاجر بنفسه)‪،(775‬‬
‫وكان عبد الله صبيا ً حين الهجرة‪ ،‬ثم زاد‬
‫المهاجرين ألفا ً فصار عطاؤهم خمسة آلف‬
‫درهم )‪ 5000‬درهم( كل سنة)‪ ،(776‬ويبدو أن‬
‫هذا العطاء للبدريين فقط من المهاجرين‬
‫والنصار)‪ ،(777‬وأما من شهد صلح الحديبية‬
‫فكان عطاؤه ثلثة آلف درهم )‪ 3000‬درهم(‬
‫كل سنة)‪ ،(778‬وفرض لكل مولود مائة درهم )‪1‬‬
‫‪ 00‬درهم( وكان يفرض للفطيم ثم فرض‬
‫للمولود حين ولدته خوفا ً من تعجيل فطامه‪،‬‬
‫وأما الموالي فقد فرض لشرافهم‬
‫كالهرمزان حينما أسلم ألفي درهم )‪2000‬‬
‫درهم( وغير ذلك من العطيات‪ ،‬وإضافة إلى‬
‫العطاء السنوي فإن عمر رضي الله عنه كان‬
‫يوزع عطايا متفرقة)‪ ،(779‬وإلى جانب ما خصص‬
‫لكل فرد ممن سبق ذكرهم وزيادة على‬
‫عطائه السابق طعام من الحنطة كل‬
‫شهر)‪ ،(780‬وقد قال الخليفة عمر رضي الله‬
‫عنه في آخر عهده‪ :‬لئن كثر المال لفرضن‬
‫لكل رجل أربعة آلف درهم‪ ،‬ألف لسفره‪،‬‬
‫وألف لسلحه‪ ،‬وألف يخلفها لهله‪ ،‬وألف‬

‫عصر الخلفة الراشدة ص ‪.214‬‬ ‫‪()775‬‬


‫نفس المصدر ص ‪.214‬‬ ‫‪()776‬‬
‫نفس المصدر ص ‪.214‬‬ ‫‪()777‬‬
‫نفس المصدر ص ‪.215‬‬ ‫‪()778‬‬
‫نفس المصدر ص ‪.215‬‬ ‫‪()779‬‬
‫سياسة المال في السلم ص ‪.202‬‬ ‫‪()780‬‬
‫لفرسه وبغله)‪ ،(781‬وقد رأى الخليفة عمر‬
‫رضي الله عنه أن لكل مسلم حقا ً في بيت‬
‫المال‪ ،‬منذ أن يولد حتى يموت‪ ،‬ولقد أعلن‬
‫هذا المبدأ بقوله‪ :‬والله الذي ل إله إل هو‬
‫‪-‬ثلثًا‪ -‬ما من أحد إل له في هذا المال حق‬
‫عه‪ ،‬وما أحد بأحق به من أحد إل‬ ‫ُ‬
‫من ِ َ‬
‫أعطَيه أو ُ‬
‫عبد مملوك‪ ،‬وما أنا فيه إل كأحدكم‪ ،‬ولكنا‬
‫على منازلنا من كتاب الله وقسمنا من رسول‬
‫الله فالرجل وبلؤه في السلم‪ ،‬والرجل‬
‫وقدمه في السلم‪ ،‬والرجل وغناؤه في‬
‫السلم‪ ،‬والرجل وحاجته‪ ،‬والله لئن بقيت‬
‫ليأتين الراعي بجبل صنعاء حظه من هذا‬
‫)‪(782‬‬
‫‪،‬‬ ‫مَر وجهه‬
‫المال وهو مكانه قبل أن ُيخ ّ‬
‫ومن المهم أن نتبين وجهة نظر عمر رضي‬
‫الله عنه في عدم المساواة بين المسلمين‬
‫في العطاء‪ ،‬ودعمه الواضح لقرابة الرسول ‪‬‬
‫ولكبار الصحابة من المهاجرين والنصار‬
‫واعتباره للسابقة في السلم والبلء في‬
‫الجهاد‪ ،‬فل شك أن الفئة التي حازت الموال‬
‫الوفيرة في خلفته هي التي أقامت على‬
‫أكتافها صرح الدولة السلمية‪ ،‬كما أنها أكثر‬
‫فقها ً والتزاما ً بالشرع ومقاصده‪ ،‬وأكثر ورعا ً‬
‫وصلحا ً في التعامل مع المال‪ ،‬وتذليله‬
‫لتحقيق المقاصد الجتماعية عن طريق‬
‫النفاق‪ ،‬ودعم هذه الفئة اقتصاديا ً يقوي‬
‫نفوذها في المجتمع‪ ،‬ويجعلها أقدر على‬
‫‪ ()781‬سياسة المال في السلم ص ‪ ،203‬الطبقات الكبرى )‬
‫‪.(3/298‬‬
‫‪ ()782‬الطبقات الكبرى )‪ (3/299‬كتاب الخراج لبي يوسف ص ‪.50‬‬
‫القيام بالمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪،‬‬
‫ويلحظ أن عمر رضي الله عنه عزم على‬
‫تبديل سياسة التفضيل في العطاء إلى‬
‫المساواة‪ ،‬وقد صّرح بذلك في آخر خلفته‬
‫ل‪ :‬لئن بقيت إلى قابل‪ ،‬للحقن آخر الناس‬ ‫قائ ً‬
‫بأولهم ولجعلنهم بيانا ً واحدا ً)‪– (783‬أي سواء‪-‬‬
‫مة فقد‬ ‫وأما عن نظرة عمر إلى الموال العا ّ‬
‫عّبر عنها بقوله‪ :‬إن الله جعلني خازنا ً لهذا‬
‫المال‪ ،‬وقاسما ً له‪ ،‬ثم قال‪ :‬بل الله‬
‫يقسمه)‪ ،(784‬وقد بكى عندما رأى عظمة‬
‫الموال التي جلبت إلى بيت المال في فتوح‬
‫فارس‪ ،‬فلما ذكره عبد الرحمن بن عوف بأنه‬
‫يوم شكر وسرور وفرح وقال عمر‪ :‬كل إن هذا‬
‫لم يعطه قوم إل ألقي بينهم العداوة‬
‫والبغضاء)‪ ،(785‬ونظر إلى أموال فتح جلولء‬
‫ء‬‫سا ِ‬
‫ن الن ّ َ‬‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫وا ِ‬‫ه َ‬ ‫ب ال ّ‬
‫ش َ‬ ‫ح ّ‬‫س ُ‬‫ن ِللّنا ِ‬ ‫فقرأ الية ‪ُ ‬زي ّ َ‬
‫ة ‪‬‬ ‫ض ِ‬‫ف ّ‬‫وال ْ ِ‬‫ب َ‬ ‫ه ِ‬‫ن الذّ َ‬
‫م ْ‬‫ة ِ‬‫قن ْطََر ِ‬ ‫ر ال ْ ُ‬
‫م َ‬ ‫طي ِ‬ ‫وال ْ َ‬
‫قَنا ِ‬ ‫وال ْب َِني َ‬
‫ن َ‬ ‫َ‬
‫)آل عمران‪،‬آية‪ (14:‬وقال‪ :‬اللهم ل نستطيع إل أن‬
‫نفرح بما زينت لنا‪ ،‬اللهم فاجعلني أنفقه في‬
‫حقه وأعوذ بك من شره)‪.(786‬‬
‫‪ -3‬مصارف الغنائم‪:‬‬
‫أما توزيع الغنائم فقد قسمها الله تعالى‬
‫ورسوله ‪ ‬كما جاء في الية الكريمة‪ ،‬قال‬
‫ء َ َ‬ ‫َ‬
‫ن ل ِل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫فأ ّ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ن َ‬
‫ش ْ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬
‫مت ُ ْ‬ ‫ما َ‬
‫غن ِ ْ‬ ‫عل َ ُ‬
‫موا أن ّ َ‬ ‫تعالى‪َ  :‬‬
‫وا ْ‬
‫‪ ()783‬عصر الخلفة الراشدة ص ‪ ،216‬الموال ابن زنجويه )‬
‫‪.(2/576‬‬
‫‪ ()784‬الثر صحيح‪ ،‬عصر الخلفة الراشدة ص ‪.216‬‬
‫‪ ()785‬عصر الخلفة الراشدة‪ ،‬ص ‪ 217‬الثر صحيح‪.‬‬
‫‪ ()786‬عصر الخلفة الراشدة ص ‪ 217‬الثر حسن‪.‬‬
‫ن‬
‫كي ِ‬
‫سا ِ‬ ‫وال ْ َ‬
‫م َ‬ ‫وال ْي ََتا َ‬
‫مى َ‬ ‫ذي ال ْ ُ‬
‫قْرَبى َ‬ ‫ول ِ ِ‬
‫ل َ‬
‫سو ِ‬
‫وِللّر ُ‬
‫ه َ‬
‫س ُ‬
‫م َ‬ ‫خ ُ‬
‫ُ‬
‫ل‪)  ...‬النفال‪،‬آية‪ ،(41:‬وأما أربعة‬ ‫سِبي ِ‬
‫ن ال ّ‬‫واب ْ ِ‬ ‫َ‬
‫أخماس الغنيمة الباقية فكانت توزع بين‬
‫الغانمين للفارس ثلثة أسهم ‪-‬سهمان لفرسه‬
‫وسهم له‬
‫وللراجل سهم)‪ ،(787‬وقد كان للرسول ‪ ‬سهم‬
‫في حياته ينفقه على نفسه‪ ،‬وأزواجه‪ ،‬وما‬
‫بقي من هذه السهم كان يجعله في المصالح‬
‫العامة أو ينفقه على أهل الفاقة والحتياج‪،‬‬
‫وكان لذوي قربى الرسول ‪ - ‬السهم الثاني‪،‬‬
‫وهم بنو هاشم وبنو عبد المطلب الذين‬
‫خضعوا للسلم وشملتهم دعوته )عليه الصلة‬
‫والسلم( وقد اختلف الناس بعد وفاة الرسول‬
‫‪ ‬في هذين السهمين‪ ،‬سهم الرسول ‪،‬‬
‫وسهم ذوي القربى‪ ،‬فقال قوم‪ :‬سهم‬
‫الرسول للخليفة من بعده‪ ،‬وقال آخرون‪:‬‬
‫سهم ذوي القربى لقرابة الرسول عليه‬
‫الصلة والسلم‪ ،‬وقالت طائفة‪ :‬سهم ذوي‬
‫القربى لقرابة الخليفة من بعده‪ ،‬فأجمعوا‬
‫على أن جعلوا هذين السهمين في الكراع‬
‫والسلح)‪ ،(788‬وبذلك أصبحت مخصصات‬
‫السهمين تصرف في مصالح المسلمين‬
‫العامة‪ ،‬كتجهيز الجيوش‪ ،‬وسد الثغور‪ ،‬والعمل‬
‫على تقوية الدولة وتمكينها‪ ،‬في عهد الخليفة‬
‫الثاني أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي‬
‫الله عنه وأما مخصصات الفقراء والمساكين‬
‫وأبناء السبيل‪ ،‬فقد بقيت كما كانت على أيام‬
‫‪ ()787‬الخراج لبي يوسف ص ‪.22‬‬
‫‪ ()788‬الخراج لبي يوسف ص ‪.22‬‬
‫الرسول ‪ ،‬ولم يطرأ عليها أي تغيير أو‬
‫تعديل في أيام الخليفة الثاني رضي الله‬
‫عنه)‪.(789‬‬
‫هذه بعض المعالم الواضحة على المؤسسة‬
‫المالية في زمن الفاروق وكيف عمل على‬
‫تطويرها‪ ،‬وقد كان رضي الله عنه شديد الورع‬
‫في المال العام ويظهر ذلك في قوله‪ :‬أنا‬
‫أخبركم بما أستحل من مال الله‪ ،‬حلة الشتاء‬
‫والقيظ وما أحج عليه وأعتمر من الظهر‪،‬‬
‫وقوت أهلي كرجل من قريش ليس بأغناهم‬
‫ول بأفقرهم‪ ،‬أنا رجل من المسلمين يصيبني‬
‫ما يصيبهم)‪ ،(790‬وكان يقول‪ :‬اللهم إنك تعلم‬
‫أني ل آكل إل وجبتي‪ ،‬ول ألبس إل حلتي‪ ،‬ول‬
‫آخذ إل حقي)‪ (791‬وكان يقول‪ :‬إني أنزلت مال‬
‫الله مني بمنزلة مال اليتيم‪ ،‬من كان غنيا ً‬
‫فليستعفف‪ ،‬ومن كان فقيرا ً فليأكل‬
‫بالمعروف)‪.(792‬‬
‫‪ -4‬أمور متعلقة بالتطوير القتصادي في الدولة‪:‬‬
‫‪ -‬إصدار النقود السلمية‪:‬‬
‫تعتبر النقود من المعادن الثمينة كالذهب‬
‫والفضة وهي وسيلة ضرورية للحياة‬
‫الجتماعية الخاصة والعامة‪ ،‬ل سيما في‬
‫التعامل بين المم والدول‪ ،‬وما يعنينا من هذا‬
‫الموضوع ‪ -‬وقد أصبح للسلم دولة فيها‬
‫مسلمون وغيرهم من الناس‪ ،‬ويجاورها أمم‬
‫سياسة المال في السلم ص ‪.206 ،205‬‬ ‫‪()789‬‬
‫تاريخ المدينة لبن شبة )‪ (2/698‬الثر صحيح‪.‬‬ ‫‪()790‬‬
‫نفس المصدر )‪ ،(2/698‬عصر الخلفة الراشدة ص ‪.218‬‬ ‫‪()791‬‬
‫الطبقات )‪ ،(3/313‬عصر الخلفة الراشدة ص ‪.218‬‬ ‫‪()792‬‬
‫ودول ذات نظم وحضارات‪ ،‬ظلت تتعامل مع‬
‫الدولة السلمية في عهد عمر وغيره من‬
‫خلفاء وأمراء المسلمين ‪ -‬هو الناحية‬
‫التنظيمية والدارية التي سلكها عمر بشأن‬
‫النقود‪ ،‬سواء أكان في داخل الدولة السلمية‬
‫أم في دور الحرب الخرى)‪ ،(793‬فالمعلومات‬
‫التاريخية تشير إلى‪ :‬أن عمر بن الخطاب قد‬
‫أبقى على تداول النقود والعملة التي كانت‬
‫متداولة قبل السلم وفي عهد الرسول ‪‬‬
‫وأبي بكر بما كان عليها من نقوش هرقلية‬
‫عليها نقوش مسيحية أو كسروية ُرسم فيها‬
‫بيت النار‪ ،‬بيد أنه أقرها على معيارها الرسمي‬
‫المعروف على عهد النبي ‪‬‬
‫وأبي بكر‪ ،‬مضيفا ً إليها كلمة جائز‪ ،‬لتمييزها‬
‫من البهارج الزائفات)‪ ،(794‬فالذي ضرب النقود‬
‫المسكوكة في الخارج وأقر التعامل بها وقرر‬
‫الدرهم الشرعي في السلم هو الفاروق‬
‫رضي الله عنه يقول الماوردي‪ :‬إن عمر بن‬
‫الخطاب هو الذي حدد مقدار الدرهم‬
‫الشرعي)‪ ،(795‬ويقول المقريزي‪ :‬وأول من‬
‫ضرب النقود في السلم عمر بن الخطاب‬
‫سنة ثماني عشر من الهجرة على نقش‬
‫الكسروية وزاد فيها‪ :‬الحمد لله‪ .‬وفي بعضها‪:‬‬
‫ل إله إل الله‪ ،‬وعلى جزء منها اسم الخليفة‬
‫عمر)‪ ،(796‬وعليه فإن الفاروق رضي الله عنه‬
‫الدارة السلمية في عهد عمر بن الخطاب ص ‪. 364‬‬ ‫‪()793‬‬
‫نفس المصدر ص ‪. 366‬‬ ‫‪()794‬‬
‫الحكام السلطانية ص ‪. 147‬‬ ‫‪()795‬‬
‫شذور العقود في ذكر النقود ص ‪. 33-31‬‬ ‫‪()796‬‬
‫قد وضع تنظيما ً خاصا ً لوسيلة من وسائل‬
‫الحياة الضرورية للمسلمين وغيرهم أثناء‬
‫حكمه وقد تبعه الخلفاء الراشدون وغيرهم‬
‫ممن طوروا هذا المر مع تطور وتقدم‬
‫المدنية والحضارة)‪.(797‬‬
‫‪ -‬القطاع‪:‬‬
‫مضى أبو بكر رضي الله عنه في تطبيق‬
‫السياسة النبوية في إقطاع الراضي للناس‬
‫طلبا ً لستصلحها فقد أقطع الزبير بن العوام‬
‫أرضا ً مواتا ً ما بين الجرف وقناة)‪ ،(798‬وأقطع‬
‫مجاعة بن مرارة الحنفي الخضرمة )قرية كانت‬
‫باليمامة( وأراد إقطاع عيينة بن حصن الفزاري‬
‫والقراع بن حابس التميمي أرضا ً سبخة –‬
‫ليس فيها كل‬
‫ول منفعة – أرادا استصلحها ثم عدل عن ذلك‬
‫أخذا ً برأي عمر رضي الله عنه في عدم الحاجة‬
‫لتأليفهما على السلم فقد قال لهما عمر‬
‫رضي الله عنه‪ :‬إن رسول الله ‪ ‬كان يتألفكما‬
‫والسلم يومئذ ذليل‪ ،‬وإن الله عز وجل قد‬
‫أعز السلم‪ ،‬فاذهبا فأجهدا جهدكما)‪ ،(799‬ومن‬
‫الواضح أن اعتراض عمر ليس على مبدأ‬
‫القطاع لستصلح الراضي بل على أشخاص‬
‫بعينهم ل يرى تأليفهم على السلم‪ ،‬وقد‬
‫توسع عمر رضي الله عنه في إقطاع الراضي‬
‫‪ ()797‬الدارة العسكرية في عهد عمر ص ‪. 367‬‬
‫‪ ()798‬الطبقات الكبرى )‪ (3/104‬الثر صحيح‪ ،‬عصر الخلفة‬
‫الراشدة ص ‪. 220‬‬
‫‪ ()799‬البخاري‪ ،‬التاريخ الصغير )‪ ،(1/81‬عصر الخلفة الراشدة ص‬
‫‪. 221‬‬
‫لغرض استصلحها جريا ً على السياسة النبوية‪،‬‬
‫فقد أعلن‪ :‬يا أيها الناس من أحيا أرضا ً ميتة‬
‫فهي له)‪ ،(800‬وتعتضد آثار ضعيفة لتؤكد انتزاع‬
‫عمر رضي الله عنه ملكية الرض المقتطعة إذا‬
‫لم يتم استصلحها‪ ،‬وتحدد رواية ضعيفة لذلك‬
‫ثلث سنوات من تأريخ القطاع وقد ثبت‬
‫إقطاع عمر رضي الله عنه لخوات بن جبير‬
‫أرضا ً مواتا ً)‪ (801‬وللزبير بن العوام أرض العقيق‬
‫جميعها‪ ،‬ولعلي بن أبي طالب أرض ينبع‪،‬‬
‫فتدفق فيها الماء الغزير‪ ،‬فأوقفها علي رضي‬
‫الله عنه صدقة على الفقراء‪ ،‬وتوجد آثار‬
‫ضعيفة لقطاعه عددا ً من الصحابة‬
‫الخرين)‪.(802‬‬

‫‪ ()800‬عصر الخلفة الراشدة ص ‪ 221‬الثر صحيح‪.‬‬


‫‪ ()801‬نفس المصدر ص ‪. 221‬‬
‫‪ ()802‬نفس المصدر ص ‪. 222‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬المؤسسة القضائية‪:‬‬
‫عندما انتشر السلم‪ ،‬واتسعت رقعة الدولة فللي‬
‫عهد عمر‪ ،‬وارتبط المسلمون بغيرهم من المللم‪،‬‬
‫دعت حالة المدنية الجديدة إلللى تطللوير مؤسسللة‬
‫القضاء‪ ،‬فقد كللثرت مشللاغل الخليفللة‪ ،‬وتشللعبت‬
‫أعملللال اللللولة فلللي المصلللار‪ ،‬وزاد النلللزاع‬
‫والتشاجر‪ ،‬فرأى عمر رضي الللله عنلله أن يفصللل‬
‫الوليللات بعضللها عللن بعللض وأن يجعللل سلللطة‬
‫القضللاء مسللتقلون‪ ،‬حللتى يتفللرغ الللوالي لدارة‬
‫شؤون وليته‪ ،‬فأصبح للمؤسسة القضائية قضللاة‬
‫مستقلين‪ ،‬عن الوليللات الخللرى‪ ،‬كوليللة الحكللم‬
‫والدارة فكان عمر بهللذا أول مللن جعللل للقضللاء‬
‫وليلللة خاصلللة‪ ،‬فعيلللن القضلللاة فلللي المصلللار‬
‫السلمية‪ ،‬في الكوفة والبصرة والشام‪ ،‬ومصللر‪،‬‬
‫وجعل القضللاء سلللطة تابعللة للله مباشللرة‪ ،‬سللواء‬
‫كان التعيين من الخليفللة‪ ،‬أو كللان بتفللويض أحللد‬
‫ولته بذلك نيابة عنه‪ ،‬وهذا يدل علللى أن القيللادة‬
‫السلمية متمثلة في شخصية الفاروق‪ ،‬لللم تكلن‬
‫عاجزة عن وضع قواعد أصلية‪ ،‬في تنظيم الدولة‬
‫وترتيللب شللؤونها‪ ،‬وتحديللد سلللطاتها وإذا كللانت‬
‫أوربا قد اكتشفت هللذه القاعللدة بصللورة نظريللة‬
‫في القرن الثامن عشر‪ ،‬واعتبرتهللا فتح لا ً جديللدا ً‬
‫فلللي تنظيلللم الدوللللة‪ ،‬وفلللي رعايلللة حقلللوق‬
‫المللواطنين‪ ،‬يللوم تحللدث عنهللا )مونتسللكو( فللي‬
‫كتابة روح الشرائع‪ ،‬ولكن لم يكتب لهذه القاعدة‬
‫التطللبيق العملللي إل فللي أوائل القللرن التاسللع‬
‫عشر‪ ،‬أي بعد الثورة الفرنسية‪ ،‬فإن السلم قللد‬
‫أقّرها قبل أربعة عشر قرنًا‪ ،‬واعتبرها أصللل ً مللن‬
‫أصللول نظللامه وقللد كللان هللذا الصللل مللن زمللن‬
‫الرسول ‪ ‬حين أرسل معاذا ً إلللى اليمللن وسللأله‬
‫رسول الله ‪ ‬بما تقضي يا معاذ؟ فبين معاذ أنلله‬
‫يقضي بكتاب الله‪ ،‬فللإن لللم يجللد فبسللنة رسللول‬
‫اللللللله‪ ،‬فلللللإن للللللم يجلللللد يجتهلللللد رأيللللله‬
‫ول يألو‪ ،‬فأقره الرسللول ‪ ‬علللى ذلللك)‪ (803‬وأمللا‬
‫الفاروق‪ ،‬فقد قام بتطللوير المؤسسللة القضللائية‬
‫وما يتعلق بها من أمور‪ ،‬وأصبح فللي عهللده مبللدأ‬
‫فصل القضاء عن غيره من السلطات واضحا ً في‬
‫حيللاة النللاس ولللم يكللن اسللتقلل وليللة القضللاء‬
‫مانعا ً لعمر رضللي الللله عنلله مللن أن يفصللل فللي‬
‫بعض القضايا‪ ،‬وربما ترك بعللض ولتلله يمارسللون‬
‫القضاء مللع السلللطة التنفيذيللة‪ ،‬ويراسلللهم فللي‬
‫الشؤون القضائية‪ ،‬فقد راسل المغيرة بن شللعبة‬
‫في أمللر القضللاء وكللان واليلله علللى البصللرة ثللم‬
‫الكوفة‪ ،‬وراسل معاويللة واليلله علللى الشللام فللي‬
‫النزاع القضائي‪ ،‬وراسل أبا موسى الشعري في‬
‫شأن بعض القضايا‪ ،‬وكان القاضي يعيللن للوليللة‬
‫كلها‪ ،‬سواء أكان تعيينه من قبل الخليفة أم كللان‬
‫مللن قبللل الللوالي بللأمر الخليفللة‪ ،‬وكللان مقللر‬
‫القاضللي حاضللرة الوليللة وإليلله ترجللع السلللطة‬
‫القضائية في وليته)‪ ،(804‬وقد تم فصللل السلللطة‬
‫القضائية في الوليات الكبيرة على الغالب‪ ،‬مثللل‬
‫الكوفة‪ ،‬ومصر‪ ،‬وقد جمع لبعض ولته بين الولية‬
‫والقضاء إذا كان القضاء ل يشللغلهم عللن شللؤون‬
‫الوليللة‪ ،‬وراسلللهم بهللذا الوصللف فللي شللؤون‬
‫القضللاء‪ ،‬وأنلله كللان يقللوم بالقضللاء فللي بعللض‬
‫‪ ()803‬نظام الحكم في الشريعة والتاريخ السلمي )‪.(2/53‬‬
‫‪ ()804‬القضاء في السلم‪ ،‬عطية مصطفى ص ‪. 77‬‬
‫الحيان مللع وجللود قضللاة للله بالمدينللة)‪ ،(805‬ومللن‬
‫القضاة الذين قصرهم الفاروق في خلفته علللى‬
‫القضاء وحده‪:‬‬
‫‪ -‬عبللد الللله بللن مسللعود‪ :‬وله عمللر قضللاء‬
‫الكوفة‪ ،‬فقد روى قتادة عن مجلز أن عمر بللن‬
‫الخطاب بعث عمار بن ياسللر علللى صلللة أهللل‬
‫الكوفة‪ ،‬وبعث عبد الله بن مسللعود علللى بيللت‬
‫المال والقضاء)‪.(806‬‬
‫‪ -‬سلمان بللن ربيعللة‪ :‬وله عمللر القضللاء علللى‬
‫البصرة ثم القادسية‪.‬‬
‫‪ -‬قيس بن أبي العاص القرشللي تللولى قضللاء‬
‫مصر‪.‬‬

‫‪ ()805‬النظام القضائي في العهد النبوي والخلفة الراشدة‪،‬‬


‫القطان ص ‪. 47‬‬
‫‪ ()806‬أخبار القضاء لوكيع )‪.(2/188‬‬
‫وأما الذين جمعوا بين الولية والقضاء فمنهم‪:‬‬
‫‪ -‬نافع الخزاعي والي مكة‪ ،‬ذكر ابن عبللد الللبر‬
‫أن عمر بن الخطاب استعمله على مكة وفيهم‬
‫سادة قريش‪ ،‬ثم عزله وولى خالللد بللن العللاص‬
‫بن هشام بن المغيرة المخزومي)‪.(807‬‬
‫‪ -‬يعلى بن أمية والي صنعاء‪.‬‬
‫‪ -‬سفيان بن عبد الله الثقفي والي الطائف‪.‬‬
‫‪ -‬المغير بن شعبة والي الكوفة‪.‬‬
‫‪ -‬معاوية بن أبي سفيان والي الشام‪.‬‬
‫‪ -‬عثمان بن أبي العاص الثقفي والي البحرين‬
‫وعمان‪.‬‬
‫‪ -‬أبو موسى الشعري والي البصرة‪.‬‬
‫‪ -‬عمير بن سعد والي حمص‪.‬‬
‫ومن هؤلء من أبقاه الفاروق علللى القضللاء مللع‬
‫الولية‪ ،‬كما فعل مع معاويللة‪ ،‬ومنهللم مللن فصللل‬
‫القضاء عللن سلللطته وقصللره علللى الوليللة كمللا‬
‫فعل مع المغيرة‪ ،‬وأبي موسللى الشللعري‪ ،‬ومللن‬
‫قضاة الفاروق بالمدينة‪:‬‬
‫‪ -‬علي بن أبي طالب‪.‬‬
‫‪ -‬زيد بن ثابت رضللي الللله عنلله فقللد روي عللن‬
‫نللافع‪ :‬أن عمللر اسللتعمل زيللد بللن ثللابت علللى‬
‫القضاء وفرض له رزقا ً)‪.(808‬‬
‫‪ -‬السائب بن أبي يزيد)‪.(809‬‬
‫أو ً‬
‫ل‪ :‬من أهم رسائل عمر إلى القضاة‪:‬‬

‫‪ ()807‬النظام القضائي في العهد النبوي ص ‪. 49‬‬


‫‪ ()808‬أخبار القضاء لوكيع )‪.(1/108‬‬
‫‪ ()809‬وقائع ندوة النظم السلمية في أبي ظبي )‪.(1/375‬‬
‫إن الفاروق رضي الله عنه وضع دسللتورا ً قويمللا ً‬
‫في نظام القضاء والتقاضي‪ ،‬وقد اهتم كثير ملن‬
‫أعلم الفقلله السلللمي بشللرح هللذا الدسللتور‬
‫والتعليللق عليلله‪ ،‬ونجللد الدسللتور العمللري فللي‬
‫القضاء في رسالته لبي موسى الشللعري وهللذا‬
‫نص الرسالة‪ :‬بسم الله الرحمن الرحيم‪ ،‬من عبللد‬
‫الله بن لخطاب أمير المؤمنين إلى عبلد اللله بللن‬
‫قيللس)‪ ،(810‬سلللم عليللك‪ ،‬أمللا بعللد‪ ،‬فللإن القضللاء‬
‫فريضة محكمللة‪ ،‬وسللنة متبعللة‪ ،‬فللافهم إذا ُأدلللي‬
‫)‪(811‬‬
‫س‬‫إليك‪ ،‬فإنه ل ينفع تكلم بحق ل نفللاذ للله‪ ،‬آ ِ‬
‫ك ومجلسك‪ ،‬حللتى ل‬ ‫عدْل ِ َ‬‫بين الناس في وجهك و َ‬
‫)‪(812‬‬
‫‪ ،‬ول ييللأس ضللعيف‬ ‫يطمع شريف فللي حيفللك‬
‫دعللى‪ ،‬واليميللن علللى‬ ‫من عدلك‪ ،‬البينة على من ا ّ‬
‫من أنكر‪ ،‬والصلح جائز بيللن المسلللمين إل صلللحا ً‬
‫ل‪ ،‬ل يمنعك قضاء قضيته‬ ‫أحل حرامًا‪ ،‬أو حّرم حل ً‬
‫ت فيلله‬ ‫دي َ‬
‫هلل ِ‬
‫ك‪ ،‬و ُ‬‫قَللل َ‬‫ع ْ‬ ‫بللالمس‪ ،‬فراجعللت فيلله َ‬
‫ق‪ ،‬فللإن الحللق قللديم‪،‬‬ ‫لرشدك‪ :‬أن ترجع إلى الح ل ّ‬
‫ومراجعة الحللق خيللر مللن الّتمللادي فللي الباطللل‪،‬‬
‫الفهم الفهم فيما تلجلج فللي صللدرك ممللا ليللس‬
‫رف الشلباه والمثللال‪،‬‬ ‫عل ِ‬ ‫في كتاب ول سنة‪ ،‬ثم ا ْ‬
‫عمللد إلللى أقربهللا إلللى‬ ‫فقس المور عند ذلللك وا ْ‬
‫دعى حقا ً غائبا ً‬ ‫ق واجعل لمن ا ّ‬ ‫الله‪ ،‬وأشبهها بالح ّ‬
‫أو بينة أمدا ً ينتهي إليه‪ ،‬فإن أحضللر بّينتلله أخللذت‬
‫حللت)‪،(813‬عليلله القضلّية‪ ،‬فللإنه‬ ‫له بحقلله وإل اسللت ْ‬

‫عبد الله بن قيس هو أبو موسى الشعري‪.‬‬ ‫‪()810‬‬


‫وى‬‫أسى بينهم‪ :‬س ُ‬ ‫‪()811‬‬
‫حيفك‪ :‬ظلمك‪.‬‬ ‫‪()812‬‬
‫حله له‪.‬‬
‫استحللت‪ :‬سأله أن ي ُ ِ‬ ‫‪()813‬‬
‫ملللى‪ ،‬المسللللمون‬ ‫ع َ‬
‫جللللى لل َ‬
‫أنفلللى للشلللك‪ ،‬وأ ْ‬
‫عدول)‪ ،(814‬بعضهم على بعض إل مجلودا ً في ح ّ‬
‫د‪،‬‬
‫مجّربا ً عليه شهادة زور‪ ،‬أو ظنين لا ً فللي ولء أو‬ ‫أو ُ‬
‫)‪(815‬‬
‫سللرائر‪ ،‬ودرأ‬
‫نسب‪ ،‬فللإن الللله تللولى منكللم ال ّ‬
‫)‪(816‬‬
‫‪ ،‬والضللجر‬ ‫بالبينللات واليمللان‪ ،‬وإيللاك والغلللق‬
‫والتأذي للخصوم‪ ،‬والتنكللر عنللد الخصللومات فللإن‬
‫القضاء في مواطن الحق يعظللم الللله بلله الجللر‪،‬‬
‫ذخر‪ ،‬فمن صحت نيتلله وأقبللل علللى‬ ‫ويحسن به ال ّ‬
‫نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس‪ ،‬ومن تخّلللق‬
‫للناس بما يعلم الله أنه ليللس مللن نفسلله‪ :‬شللانه‬
‫الله فما ظنك بثواب الللله عللز وجللل فللي عاجللل‬
‫رزقه وخزائن رحمته‪ ،‬والسلللم)‪ ،(817‬وقللد جمعللت‬
‫هللذه الرسللالة العجيبللة آداب القاضللي‪ ،‬وأصللول‬
‫المحاكمة‪ ،‬وقد شغلت العلماء بشرحها والتعليللق‬
‫عليهللا هللذه القللرون الطويلللة ول تللزال موضللع‬
‫دهشة وإكبار لكل من يطلع عليها‪ ،‬ولللو لللم يكللن‬
‫لعمللر مللن الثللار غيرهللا‪ ،‬لعللد بهللا مللن كبللار‬
‫المفكرين والمشرعين ولو كتبها رئيس دولة في‬
‫هذه اليللام الللتي انتشللرت فيهللا قللوانين أصللول‬
‫المحاكمات‪ ،‬وصار البحث فيها مما يقلرؤه الولد‬
‫فللي المللدارس‪ ،‬لكللانت كللبيرة منلله‪ ،‬فكيللف وقللد‬
‫كتبها عمر منذ نحو أربعة عشر قرنًا‪ ،‬ولم ينقلهللا‬
‫من كتاب ول استمدها من أحد‪ ،‬بل جللاء بهللا فللي‬
‫ذهنه‪ ،‬ثمللرة واحللدة مللن آلف الثمللرات‪ ،‬للغرسللة‬
‫المباركة التي غرسها فلي قلبله محملد ‪ ،‬حيلن‬
‫عدول‪ :‬هو المستقيم في أمره‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫‪()814‬‬
‫درأ الشيء‪ :‬دفعه‪.‬‬ ‫‪()815‬‬
‫الغلق‪ :‬ضاق صدره وق ّ‬
‫ل صبره‪.‬‬ ‫‪()816‬‬
‫أعلم الموقعين لبن القيم )‪.(1/85‬‬ ‫‪()817‬‬
‫دخل عليه في دار الرقم‪ ،‬فقال أشهد أن ل إللله‬
‫إل اللللله‪ ،‬وأن محملللدا ً رسلللول اللللله)‪ ،(818‬وملللن‬
‫الرسائل المهمة في هذا البللاب رسللالة الفللاروق‬
‫إلى أبي عبيللدة رضللي الللله عنلله‪ :‬أمللا بعللد فللإني‬
‫كتبت إليك بكتللاب لللم آلللك ونفسللي خيللرًا‪ ،‬الللزم‬
‫خمللس خصللال يسلللم لللك دينللك‪ ،‬وتأخللذ بأفضللل‬
‫ظيللك‪ :‬إذا حضللر الخصللمان فعليللك بالبينللات‬ ‫ح ّ‬
‫العدول‪ ،‬واليمان القاطعة‪ ،‬ثم ادن الضعيف حتى‬
‫هد الغريب فللإنه‬ ‫تبسط لسانه‪ ،‬ويجترئ قلبه‪ ،‬وتع ّ‬
‫إذا طال حبسه ترك حللاجته وانصللرف إلللى أهللله‪،‬‬
‫ن الذي أبطل من لم يرفع بلله رأس لًا‪ .‬واحللرص‬ ‫وإ ّ‬
‫عللللى الصللللح ملللا للللم يسلللتبن للللك القضلللاء‪.‬‬
‫والسلم)‪ (819‬وكتب رضي الله عنه إلى معاوية بن‬
‫أبي سفيان رضي اللله عنهملا فلي القضلاء‪ :‬أملا‬
‫بعد‪ ،‬فإني كتبت إليك بكتاب في القضاء لللم آلللك‬
‫ونفسي فيه خيرًا‪ ،‬الزم خمس خصال يسلللم لللك‬
‫دينك‪ ،‬وتأخذ فيه بأفضللل حظللك‪ :‬إذا تقللدم إليللك‬
‫خصلللمان فعليلللك بالبينلللة العادللللة أو اليميلللن‬
‫دن الضلللعيف حلللتى يشلللتدّ قلبللله‬ ‫القاطعلللة‪ ،‬وأ ْ‬
‫وينبسللط لسللانه‪ ،‬وتعهللد الغريللب‪ ،‬فإنللك إن لللم‬
‫تتعهده ترك حقه‪ ،‬ورجللع إلللى أهللله‪ ،‬وإنمللا ضلليع‬
‫س بينهللم فللي لحظللك‬ ‫حقه من لم يرفللق بلله‪ ،‬وآ ِ‬
‫وطرفك‪ ،‬وعليك بالصلح بين الناس‪ ،‬مالم يستبن‬
‫لك فصل القضاء)‪ ،(820‬وكتب إلى القاضللي شللريح‬
‫عن الجتهاد‪ :‬إذا أتاك أمللر فللاقض فيلله بمللا فللي‬
‫كتللاب الللله فللإن أتللاك مللا ليللس فللي كتللاب الللله‬
‫‪ ()818‬أخبار عمر ص ‪. 174‬‬
‫‪ ()819‬مجموعة الوثائق السياسية ص ‪. 438‬‬
‫‪ ()820‬البيان والتبيين )‪.(2/150‬‬
‫ن فيلله رسللول الللله‪ ،‬فللإن أتللاك مللا‬
‫فاقض بما س ّ‬
‫ليس في كتاب الله ولم يس لّنه رسللول الللله ولللم‬
‫ي المرين شئت فخللذ بلله وفللي‬ ‫يتكلم فيه أحد فأ ّ‬
‫رواية أخرى‪ :‬فإن شئت أن تجتهللد رأيللك فتقللدم‪،‬‬
‫وإن شلئت أن تتللأخر فتلأخر‪ ،‬وملا أرى التللأخر إل‬
‫خيرا ً لللك)‪ ،(821‬ويمكللن للبللاحث مللن خلل رسللائل‬
‫الفاروق وحياته في زمن خلفته أن يستخرج مللا‬
‫يتعلق بالمؤسسة القضائية في الرزاق والعللزل‪،‬‬
‫وأنللواع القضللاة وصللفاتهم ومللا يجللب عليهللم‬
‫ومصادر أحكامهم وخضوع الخليفة نفسه للقضاء‬
‫وغيلللر ذللللك ملللن المسلللائل المتعلقلللة بهلللذه‬
‫المؤسسة‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬تعيين القضاة ورزقهم واختصاصهم القضائي‪:‬‬

‫‪ -1‬تعيين القضاة‪:‬‬
‫يصدر تعيين القضللاة مللن الخليفللة رأس لا ً فقللد‬
‫عيللن عمللر بللن الخطللاب شللريحا ً بالكوفللة‪ ،‬أو‬
‫يكون التعيين من الوالي بتفويض من الخليفة‪،‬‬
‫كما عّين عمرو بن العللاص واللي مصلر عثملان‬
‫بن قيس بن أبي العاص قاضيا ً بها فحق تعيين‬
‫القاضي إلى الخليفللة‪ ،‬إن شللاء عينلله بنفسلله‪،‬‬
‫وضلله إلللى واليلله ولللم يكللن تعييللن‬
‫وإن شللاء ف ّ‬
‫القضاة مانعا ً مللن أن يتللولى الخليفللة القضللاء‬
‫بنفسه‪ ،‬لن القضاء مللن سلللطاته‪ ،‬وهللو الللذي‬
‫يتعهد بالقضللاء إلللى غيللره‪ ،‬فللالحق الول فللي‬
‫القضلللاء إليللله ول يكتسلللب القاضلللي الصلللفة‬
‫القضلللائية إل إذا عّينللله الخليفلللة بنفسللله‪ ،‬أو‬

‫‪ ()821‬جامع بيان العلم وفضله )‪.(2/70‬‬


‫بواسطة واليلله)‪ ،(822‬ويجللوز للخليفللة أن يعللزل‬
‫القاضي لسبب من السباب الداعية إلى ذلللك‪،‬‬
‫كما إذا زالت أهلية القاضي وصلحيته للحكللم‪،‬‬
‫أو ثبت عليه ما يخللل بللواجب القضللاء‪ ،‬وإن لللم‬
‫يجللد سللببا ً للعللزل فللالولى أن ل يعزللله‪ ،‬لن‬
‫القاضي معّين لمصلحة المسلللمين فيبقللى مللا‬
‫دامت المصلللحة محققللة)‪ ،(823‬وقللد عللزل عمللر‬
‫رضي الله عنه بعض القضاة وولى غيرهم)‪،(824‬‬
‫مثلما عزل أبي مريم الحنفي‪ ،‬فقللد وجللد فيلله‬
‫ضعفا ً فعزله‪.‬‬
‫‪ -2‬رزق القضاة‪:‬‬
‫كان عمر رضي الله عنه يوصي الللولة باختيللار‬
‫الصالحين للقضاء‪ ،‬وبإعطائهم المرتبللات الللتي‬
‫تكفيهم)‪ ،(825‬فقد كتب إلى أبي عبيللدة ومعللاذ‪:‬‬
‫انظللروا رجللال ً صللالحين فاسللتعملوهم علللى‬
‫القضللاء وارزقللوهم)‪ ،(826‬وقللد ذكللر الللدكتور‬
‫العمري مرتبات بعض القضللاة فللي عهللد عمللر‬
‫رضي الله عنه وهي كالتي‪ ،‬سلمان بن ربيعللة‬
‫الباهلي )الكوفة( ‪ 500‬درهم كل شهر‪ ،‬شللريح‬
‫القاضي‪ ،‬الكوفللة ‪ 100‬درهللم كللل شللهر‪ ،‬عبللد‬
‫الله بن مسعود الهللذلي )الكوفللة( ‪ 100‬درهللم‬
‫كللللل شللللهر وربللللع شللللاة كللللل يللللوم‪،‬‬
‫وعثمان بن قيس بن أبي العللاص )مصللر( ‪200‬‬
‫النظام القضائي‪ ،‬مناع القطان ص ‪. 72،73‬‬ ‫‪()822‬‬
‫مغني المحتاج )‪ ،(4/382‬النظام القضائي ص ‪. 77‬‬ ‫‪()823‬‬
‫النظام القضائي ص ‪. 77‬‬ ‫‪()824‬‬
‫عصر الخلفة الراشدة ص ‪. 143‬‬ ‫‪()825‬‬
‫النظام القضائي ص ‪. 76‬‬ ‫‪()826‬‬
‫دينار‪ ،‬وقيس بن أبي العاص السللهمي )مصللر(‬
‫‪ 200‬دينار لضيافته)‪.(827‬‬
‫‪ -3‬الختصاص القضائي‪:‬‬
‫كللان القاضللي فللي عصللر الخلفللة الراشللدة‬
‫يقضي في الخصومات كلهللا‪ ،‬أي ّللا كللان نوعهللا‪،‬‬
‫في المعارضات المالية‪ ،‬وفي شؤون السللرة‪،‬‬
‫وفي الحدود والقصاص‪ ،‬وسائر مللا يكللون فيلله‬
‫الشجار‪ ،‬وليس هناك ما يشللير إلللى مللا يعللرف‬
‫اليوم بالختصاص القضائي سوى ما جللاء فللي‬
‫تولية السائب بن يزيد بن أخت النمر من قللول‬
‫عمللر بللن الخطللاب للله‪ُ :‬ردّ عنللي النللاس فللي‬
‫اللللدرهم واللللدرهمين)‪ ،(828‬ويجلللوز أن يعهلللد‬
‫الخليفلة إللى القاضلي أن يقضلي فلي قضللية‬
‫بعينها وينتهي اختصاصلله بللالنظر فيهللا‪ ،‬وكللان‬
‫القضاة يقضون في الحقوق المدنية والحوال‬
‫الشخصية‪ ،‬أما القصاص والحدود فكللان الحكللم‬
‫فيهللا للخلفللاء‪ ،‬وأمللراء المصللار‪ ،‬فل بللد مللن‬
‫موافقتهم على الحكم‪ ،‬ثم انحصرت الموافقللة‬
‫على تنفيذ حد القتللل بالخليفللة وحللده‪ ،‬وبقللي‬
‫للللولة حللق المصللادقة علللى أحكللام القصللاص‬
‫دون القتل‪ ،‬ولم يكن للقضللاء مكللان مخصللص‪،‬‬
‫بللل يقضللي القاضللي فللي الللبيت والمسللجد‪،‬‬
‫والشائع جلوسهم في المسلجد)‪ ،(829‬ولللم تكللن‬
‫القضية تسجل لقلتها وسهولة حفظها‪ ،‬وكان‬
‫بإمكلللان القاضلللي حبلللس المتهلللم للتلللأنيب‬

‫‪ ()827‬عصر الخلفة الراشدة ص ‪. 159‬‬


‫‪ ()828‬النظام القضائي ص ‪ ، 74‬عصر الخلفة الراشدة ص ‪. 144‬‬
‫‪ ()829‬عصر الخلفة الراشدة ص ‪. 145‬‬
‫واسللتيفاء الحقللوق‪ ،‬وقللد فعللل ذلللك عمللر‬
‫وعثمان وعلي‪ ،‬فكانت الدولة تهيللء السللجون‬
‫في مراكز المدن‪ ،‬وكان القصللاص ينفللذ خللارج‬
‫المساجد)‪.(830‬‬

‫‪ ()830‬نفس المصدر ص ‪. 145‬‬


‫ثالثًا‪ :‬صفات القاضي وما يجب عليه‪:‬‬
‫‪ -‬صفات القاضي‪ :‬من خلل سلليرة عمللر رضللي‬
‫الله عنه استنبط العلماء أهم صللفات القاضللي‬
‫المراد تعيينه‪:‬‬
‫‪ -1‬العلللم بالحكللام الشللرعية‪ :‬لنلله سلليطبقها‬
‫على الحوادث‪ ،‬ويستحيل عليه تطبيقها مللع‬
‫الجهل بها‪.‬‬
‫‪ -2‬التقوى‪ :‬فقد كتب عمر إلى معاذ بللن جبللل‬
‫وأبي عبيدة بن الجراح أن انظرا رجال ً مللن‬
‫صللالحي مللن قبلكللم فاسللتعملوهم علللى‬
‫القضاء)‪.(831‬‬
‫‪ -3‬الترفع عما في أيدي الناس‪ :‬فقد قال عمر‬
‫رضي الله عنه‪ :‬ل يقيم أمللر الللله إل مللن ل‬
‫يصللللللانع‪ ،‬ول يضللللللارع)‪ ،(832‬ول يتبللللللع‬
‫المطامع)‪.(833‬‬
‫‪ -4‬الفطنة والذكاء‪ :‬ويشترط في القاضللي أن‬
‫يكونا ً فطنا ً ذكيا ً ينتبلله إلللى دقللائق المللور‪،‬‬
‫فعن الشعبي أن كعب بن سوار كان جالسا ً‬
‫عنللد عمللر فجللاءته امللرأة فقللالت‪ :‬يللا أميللر‬
‫المللؤمنين مللا رأيللت رجل ً قللط أفضللل مللن‬
‫زوجي‪ ،‬والله إنه ليبيت ليللله قائملًا‪ ،‬ويظللل‬
‫نهللاره صللائما ً فللي اليللوم الحللر مللا يفطللر‪،‬‬
‫فاسللتغفر لهللا وأثنللى عليهللا وقللال‪ :‬مثل ُللك‬
‫أثنلللى بلللالخير‪ ،‬قلللال‪ :‬فاسلللتحيت الملللرأة‬
‫فقللامت راجعللة‪ ،‬فقللال كعللب‪ :‬يللا أميللر‬
‫المؤمنين هل أعديت المللرأة علللى زوجهللا‪.‬‬
‫‪ ()831‬موسوعة فقه عمر بن الخطاب ص ‪ ، 723‬المغني )‪.(9/37‬‬
‫‪ ()832‬يضارع‪ :‬يرائي‪.‬‬
‫‪ ()833‬نظام الحكم في الشريعة والتاريخ السلمي )‪.(2/102‬‬
‫كت؟ قال‪ :‬شللكت زوجهللا أشللد‬ ‫قال‪ :‬وما ش َ‬
‫و ذاك أرادت؟ قلال‪ :‬نعلم‪،‬‬ ‫َ‬
‫الشلكاية‪ ،‬قلال‪ :‬أ َ‬
‫ي المللرأة فقللال‪ :‬ل بللأس‬ ‫دوا عللل ّ‬ ‫قللال‪ :‬ر ّ‬
‫بالحق أن تقوليه‪ ،‬إن هذا زعم أنك تشللكين‬
‫ب فراشك‪ ،‬قالت‪ :‬أجل‪ ،‬إنللي‬ ‫جن َ ُ‬‫زوجك إنه ي َ ْ‬
‫امرأة شابة وإني لبتغي مللا تبغللي النسللاء‪،‬‬
‫فأرسللل إلللى زوجهللا فجللاء‪ ،‬فقللال لكعللب‪:‬‬
‫اقض بينهما‪ ،‬قال‪ :‬أمير المللؤمنين أحللق أن‬
‫يقضي بينهما‪ ،‬قال‪ :‬عزمت عليللك لتقضللين‬
‫بينهمللا فإنللك فهمللت مللن أمرهمللا مللا لللم‬
‫أفهمه‪ ،‬قللال‪ :‬إنللي أرى كأنهللا عليهللا ثلثللة‬
‫نسوة هي رابعتهم فأقضي للله بثلثللة أيللام‬
‫بلياليهن يتعبد فيهن‪ ،‬ولها يوم وليلة فقال‬
‫ي مللن‬ ‫عمر‪ :‬والله ما رأيك الول أعجللب إل ل ّ‬
‫)‪(834‬‬
‫‪.‬‬ ‫الخر‪ ،‬إذهب فأنت قاض على البصرة‬
‫‪ -5‬الشللدة فللي غيللر عنللف والليللن مللن غيللر‬
‫ضللعف‪ :‬قللال عمللر‪ :‬ل ينبغللي أن يلللي هللذا‬
‫المر إل رجل فيه أربع خصللال‪ :‬الليللن فللي‬
‫غيلللر ضلللعف‪ ،‬والشلللدة فلللي غيلللر عنلللف‪،‬‬
‫والمساك فللي غيللر بخللل‪ ،‬والسللماحة فللي‬
‫غير سرف)‪ ،(835‬وقال‪ :‬ل يقيم أمللر الللله إل‬
‫ص غْرُبه‪ ،‬ول‬ ‫رجل يتكلم بلسانه كلمة ل ُينق ُ‬
‫يطمع في الحق على حدته)‪.(836‬‬
‫‪ -6‬قوة الشخصية‪ :‬قال عمر‪ :‬لعزلن أبا مريللم‬
‫قلله‪ ،‬فعزللله‬ ‫وأولين رجل ً إذا رآه الفللاجر ف ِ‬
‫ر َ‬

‫‪ ()834‬موسوعة فقه عمر بن الخطاب ص ‪. 723‬‬


‫‪ ()835‬نفس المصدر ص ‪. 724‬‬
‫‪ ()836‬نفس المصدر ص ‪. 724‬‬
‫عللن قضللاء البصللرة وول ّللى كعللب بللن سللور‬
‫مكانه)‪.(837‬‬
‫‪ -7‬أن يكون ذا مللال وحسللب‪ :‬فقللد كتللب عمللر‬
‫إلللى بعللض عمللاله ل تستقضللين إل ذا مللال‬
‫وذا حسللب؛ فللإن ذا المللال ل يرغللب فللي‬
‫أمللوال النللاس‪ ،‬وإن ذا الحسللب ل يخشللى‬
‫العواقب بين الناس)‪.(838‬‬
‫‪ -‬ما يجب على القاضي‪:‬‬
‫هناك أمور بينهللا الفللاروق لبللد للقاضللي مللن‬
‫مراعاتها لقامة صرح العدالة منها‪:‬‬
‫‪ -1‬الخلص لله في العمل‪ :‬فقد كتب عمللر إلللى‬
‫أبي موسى الشعري‪ :‬إن القضاء في مللواطن‬
‫الحق يوجب الله له الجر ويحسللن بلله الللذخر‪،‬‬
‫فمن خلصللت نيتلله فللي الحللق ولللو كللان علللى‬
‫نفسه كفاه الله مللا بينلله وبيللن النللاس‪ ،‬ومللن‬
‫تزين بما ليس في قلبه شانه الللله‪ ،‬فللإن الللله‬
‫تبارك وتعالى ل يقبل من العباد إل ما كان للله‬
‫خالصا ً وما ظنك بثللواب غيللر الللله فللي عاجللل‬
‫رزقه وخزائن رحمته)‪.(839‬‬
‫‪ -2‬فهم القضية فهما ً دقيق لًا‪ :‬ودراسللتها دراسللة‬
‫واعية قبل النطق بالحكم ول يجوز للله النطللق‬
‫بالحكم قبل أن يتللبين للله الحللق‪ ،‬فكتللب عمللر‬
‫إلللى أبللي موسللى الشللعري‪ :‬افهللم إذا أدلللى‬
‫ض‬
‫إليك‪ ،‬وقال أبو موسى مللرة‪ :‬ل ينبغللي لقللا ٍ‬
‫أن يقضي حتى يتبين له الحللق كمللا يتللبين للله‬

‫‪ ()837‬نفس المصدر ص ‪. 724‬‬


‫‪ ()838‬نفس المصدر ص ‪. 724‬‬
‫‪ ()839‬أعلم الموقعين لبن القيم )‪.(1/85‬‬
‫الليلل والنهللار‪ ،‬فبللغ ذللك عمللر بللن الخطللاب‬
‫فقلللللللللللللللللللللللال‪ :‬صلللللللللللللللللللللللدق‬
‫أبو موسى)‪.(840‬‬
‫‪ -3‬الحكلللم بالشلللريعة السللللمية‪ :‬سلللواء كلللان‬
‫خصوم من المسلمين أم من غير المسلمين‪،‬‬ ‫ال ُ‬
‫فعن زيد بن أسلم أن يهودية جاءت إلللى عمللر‬
‫بن الخطاب فقللالت‪ :‬إن ابنللي هلللك‪ ،‬فزعمللت‬
‫اليهود أنه ل حق لي في ميراثه فدعاهم‪ ،‬عمر‬
‫فقال‪ :‬أل تعطون هذه حقهللا‪ ،‬فقللالوا‪ :‬ل نجللد‬
‫لها حقا ً في كتابنا‪ ،‬فقال‪ :‬أفي التوراة؟ قالوا‬
‫بل في المشناة‪ ،‬قللال‪ :‬ومللا المشللناة؟ قللالوا‪:‬‬
‫كتاب كتبه أقوام علماء وحكماء‪ ،‬فسبهم عمللر‬
‫وقال‪ :‬اذهبوا فأعطوها حقها)‪.(841‬‬
‫‪ -4‬الستشارة فيما أشكل عليه من المللور‪ :‬فقللد‬
‫كتب عمر إلى أحد القضاة‪ :‬واستشر في دينك‬
‫الذين يخشون الله عللز وجللل)‪ ،(842‬وكتللب إلللى‬
‫شريح‪ :‬وإن شئت أن تآمرني ول أرى مآمرتللك‬
‫إيللاي إل أسللللم للللك)‪ ،(843‬وكللان عملللر كلللثير‬
‫الستشارة حتى قال الشللعبي‪ :‬مللن سللره أن‬
‫يأخذ بالوثيقة من القضاء فليأخذ بقضللاء عمللر‬
‫فإنه كان يستشير)‪.(844‬‬
‫‪ -5‬المساواة بيللن المتخاصللمين‪ :‬وقللد كتللب عمللر‬
‫و بين الناس في‬ ‫إلى أبي موسى الشعري‪ :‬س ّ‬
‫وجهك ومجلسك وعدلك‪ ،‬حتى ل يطمع شريف‬

‫موسوعة فقه عمر بن الخطاب ص ‪.725‬‬ ‫‪()840‬‬


‫نفس المصدر ص ‪.725‬‬ ‫‪()841‬‬
‫نفس المصدر ص ‪ ،725‬سنن البيهقي )‪.(10/112‬‬ ‫‪()842‬‬
‫نفس المصدر ص ‪ ،725‬سنن البيهقي )‪.(10/110‬‬ ‫‪()843‬‬
‫نفس المصدر ص ‪ ،725‬سنن البيهقي )‪.(10/109‬‬ ‫‪()844‬‬
‫في حيفك‪ ،‬ول ييأس ضعيف من عدلك‪ ،‬وكتب‬
‫أيضا ً اجعلللوا النللاس عنللدكم فللي الحللق سللواء‬
‫قريبهم كبعيدهم‪ ،‬وبعيدهم كقريبهم‪ ،‬وعنللدما‬
‫ي بللن كعللب علللى عمللر دعللوى ‪-‬فللي‬ ‫دعى أبل ّ‬ ‫ا ّ‬
‫حائط‪ -‬فلم يعرفها عمر فجعل بينهما زيدا ً بللن‬
‫ثابت فأتياه في منزله فلما دخل عليه قال للله‬
‫عمر‪ :‬جئناك لتقضللي بيننللا ‪-‬وفللي بيتلله ي ُللؤتى‬
‫حك َللم‪ -‬قللال‪ :‬فتنحللى للله عللن صللدر فراشلله‬ ‫ال َ‬
‫‪-‬وفي روايللة فللأخرج للله زيللد وسللادة فألقاهللا‬
‫إليللللللللللللله‪ -‬وقلللللللللللللال‪ :‬هاهنلللللللللللللا‬
‫ت يا زيد في‬ ‫جْر َ‬
‫يا أمير المؤمنين‪ ،‬فقال عمر‪ُ :‬‬
‫صللمي‪،‬‬ ‫أول قضللائك‪ ،‬ولكللن أجلسللني مللع خ ْ‬
‫فجلسا بين يديه)‪.(845‬‬
‫‪ -6‬تشللجيع الضللعيف‪ :‬حللتى يللذهب عنلله الخللوف‬
‫ويجللترئ علللى الكلم‪ ،‬فقللد كتللب عمللر إلللى‬
‫ن الضلللعيف حلللتى يجلللترئ قلبللله‬ ‫معاويلللة‪ :‬أد ِ‬
‫)‪(846‬‬
‫‪.‬‬ ‫وينبسط لسانه‬
‫‪ -7‬سللرعة البللت فللي دعللوى الغريللب أو تعهللده‬
‫بالرعايللة والنفقللة‪ :‬وقللد كتللب عمللر إلللى‬
‫أبي عبيدة‪ :‬تعاهد الغريب فإنه إن طال حبسلله‬
‫‪-‬أي طالت إقامته وبعللده عللن أهللله مللن أجللل‬
‫هذه اللدعوى‪ -‬تلرك حقله وانطللق إللى أهلله‪،‬‬
‫قه من لم يرفع به رأسا ً)‪.(847‬‬ ‫وإنما أبطل ح ّ‬
‫‪ -8‬سعة الصدر‪ :‬فقد كتب عمر إلى أبللي موسللى‪:‬‬
‫إيللاك والضللجر‪ ،‬والغضللب والقلللق والتللأذي‬

‫‪ ()845‬صحيح التوثيق في سيرة وحياة الفاروق ص ‪.259‬‬


‫‪ ()846‬مجموعة الوثائق السياسية ص ‪.438‬‬

‫‪ ()847‬نفس المصدر ص ‪.438‬‬


‫بالناس عند الخصومة‪ ،‬فإذا رأى القاضللي مللن‬
‫نفسلله شلليئا ً مللن هللذا‪ ،‬فل يجللوز للله النطللق‬
‫بالحكم حتى يذهب عنه ذلك‪ ،‬لئل يكون الللدافع‬
‫إلى الحكم حالة نفسية معينة‪ ،‬فقد كتب عمللر‬
‫إلللى أبللي موسللى الشللعري‪ :‬ول تحكللم وأنللت‬
‫)‪(848‬‬
‫ي عمللر‬ ‫وعن شريح قال‪ :‬شرط عل ّ‬ ‫غضبان‬
‫حيلللن ولنلللي القضلللاء أن ل أقضلللي وأنلللا‬
‫غضللبان)‪ ،(849‬وممللا يللؤدي إلللى ضلليق الصللدر‬
‫ويدفع أحيانا ً إلى الستعجال المخل في البللت‬
‫في بعض القضايا الجوع والعطش ونحو ذلللك‪،‬‬
‫ولذلك قال عمللر‪ :‬ل يقضللي القاضللي إل وهللو‬
‫شبعان رّيان)‪.(850‬‬
‫‪ -9‬تجنب كل ما من شأنه التللأثير علللى القاضللي‪:‬‬
‫كالرشللوة‪ ،‬وتسللاهل التجللار معلله فللي الللبيع‬
‫والشراء والهدايا ونحو ذلك‪ ،‬ولذلك منللع عمللر‬
‫القضلللاة ملللن العملللل بالتجلللارة‪ ،‬والصلللفق‬
‫بالسواق‪ ،‬وقبللول الهللدايا والرشللاوي‪ ،‬فكتللب‬
‫إللللللللى أبلللللللي موسلللللللى الشلللللللعري‪:‬‬
‫ل تبيعن ول تبتاعن ول تضاربن ول ترتش في‬
‫الحكم‪ ،‬وقلال شلريح‪ :‬شلرط عللي عملر حيلن‬
‫لني القضاء أن ل أبيللع ول أبتللاع ول أرشللي‬ ‫و ّ‬
‫)‪(851‬‬
‫‪.‬‬ ‫وقال عمر‪ :‬إياكم والرشا‪ ،‬والحكم بالهوى‬
‫‪ -10‬الخللذ بالدلللة الظللاهرة‪ :‬دون البحللث عللن‬
‫النوايا‪ ،‬فقد خطللب عمللر بالنللاس فكللان ممللا‬
‫‪ ()848‬موسوعة فقه عمر بن الخطاب ص ‪.726‬‬
‫‪ ()849‬موسوعة فقه عمر بن الخطاب ص ‪ ،726‬المغني )‪.(9/79‬‬
‫‪ ()850‬موسوعة فقه عمر بن الخطاب ص ‪ ،726‬سنن البيهقي )‬
‫‪.(10/106‬‬
‫‪ ()851‬نفس المصدر ص ‪.727‬‬
‫قللال‪ :‬إنللا كنللا نعرفكللم ورسللول الللله فينللا‪،‬‬
‫والوحي ينزل وينبئنللا بأخبللاركم‪ ،‬وأمللا اليللوم‬
‫فإننا نعرفكم بأقوالكم‪ ،‬فمن أعلن لنللا خيللرا ً‬
‫ظننا به خيرا ً وأحببنللاه عليلله ومللن أعلللن لنللا‬
‫شرا ً ظننا به شرا ً وأبغضناه عليلله وسللرائركم‬
‫فيما بينكم وبين الله)‪.(852‬‬
‫‪ -11‬الحرص على الصلح بيللن المتخاصللمين‪ :‬قللال‬
‫دوا الخصللوم حللتى يصللطلحوا‪ ،‬فللإن‬ ‫عمللر‪ :‬ر ّ‬
‫فصل القضاء يورث الضغائن بين الناس‪ ،‬فإن‬
‫عللادوا بصلللح يتفللق مللع شللرع الللله أمضللاه‬
‫القاضي وإن كان صلحهم ل يتفق مع أحكللام‬
‫الشريعة نقضه القاضللي‪ :‬قللال عمللر‪ :‬الصلللح‬
‫جائز بين المسلمين إل صلللحا ً أحللل حراملا ً أو‬
‫حللّرم حلل ً)‪ ،(853‬وعلللى القاضللي أن يحللرص‬
‫على الصلح خاصللة بيللن المتخاصللمين إذا لللم‬
‫يتبين له الحق‪ ،‬فقد كتب عمللر إلللى معاويللة‪:‬‬
‫احرص على الصلح بين الناس ملا للم يسلتبن‬
‫لك القضاء‪ ،‬أو كانت بينهم قرابة‪ ،‬فإن فصللل‬
‫القضاء يورث الشنآن)‪.(854‬‬
‫‪ -12‬العودة إلللى الحللق‪ :‬إذا أصللدر القاضللي حكملا ً‬
‫في قضية من القضايا ثم تغيلر اجتهلاده فلي‬
‫الحكم فيها‪ ،‬فل يجوز للله أن يجعللل للجتهللاد‬
‫الجديد أثرا ً رجعي لًا‪ ،‬فينقللض بلله الحكللم الللذي‬
‫ض‬ ‫أصدره قبل تغير اجتهاده‪ ،‬كما ل يجوز لقللا ٍ‬
‫بعده أن ينقض الحكم الصادر‪ ،‬فعن سالم بللن‬
‫‪ ()852‬البخاري رقم ‪ ،2641‬سنن البيهقي )‪.(150 ،125 /10‬‬
‫‪ ()853‬تاريخ المدينة )‪ (769 /2‬موسوعة فقه عمر بن الخطاب ص‬
‫‪.727‬‬
‫‪ ()854‬أعلم الموقعين )‪.(108 /1‬‬
‫أبي الجعد قال‪ :‬لو كان علي طاعنا ً على عمر‬
‫يوما ً مللن الللدهر لطعللن عليله يلوم أتلاه أهلل‬
‫نجللران‪ ،‬وكللان علللي كتللب الكتللاب بيللن أهللل‬
‫نجران وبين النبي ‪ ،‬فكثروا على عهد عمللر‬
‫حللتى خللافهم علللى النللاس‪ ،‬فوقللع بينهللم‬
‫الختلف‪ ،‬فللللأتوا عمللللر فسللللألوه البللللدل‪،‬‬
‫فأبدلهم‪ ،‬ثم ندموا‪ ،‬ووقع بينهم شيء فللأتوه‬
‫ي‬
‫فاستقالوه‪ ،‬فأبى أن يقيلهم‪ ،‬فلما ولي عل ّ‬
‫أتللوه فقللالوا‪ :‬يللا أميللر المللؤمنين شللفاعتك‬
‫بلسانك وخطك بيمينك‪ ،‬فقال علللي‪ :‬ويحكللم‬
‫إن عمر كان رشيد المر)‪ ،(855‬فعمر رضي الله‬
‫عنه رفلض نقلض القضلاء الول اللذي قضلاه‬
‫فيهم‪ ،‬ورفض علللي – مللن بعللد عمللر – نقللض‬
‫القضاء الذي قضاه عمر فيهم)‪ ،(856‬وقد حدث‬
‫كثير من التغير في اجتهللاد عمللر فللي قضللايا‬
‫كللثيرة‪ ،‬منهللا الحكللم فللي الجللد مللع الخللوة‪،‬‬
‫وإشتراك الخوة لب وأم مع الخوة لم فللي‬
‫الثلللث عنللدما لللم يبللق للخللوة لب وأم مللن‬
‫الميراث شيء‪ ،‬ولم ينقل أنه عاد إلى قضللائه‬
‫الول فنقضه‪ ،‬ولكنه يعمللل باجتهللاده الجديللد‬
‫فللي القضللايا المسللتقبلة‪ ،‬ول يمنعلله حكملله‬
‫القديم من اتباع الحق إذا لح للله‪ ،‬فقللد كتللب‬
‫عمر إلى أبللي موسللى الشللعري‪ :‬ول يمنعللك‬
‫قضاء قضلليت بلله اليللوم فراجعللت فيلله رأيللك‬
‫وهديت فيه لرشدك أن تراجع فيه الحق‪ ،‬فإن‬
‫الحق قديم‪ ،‬ول يبطله شيء‪ ،‬ومراجعة الحللق‬

‫‪ ()855‬سنن البيهقي )‪ (120 /10‬موسوعة فقه عمر ص ‪.728‬‬


‫‪ ()856‬موسوعة فقه عمر بن الخطاب ص ‪.728‬‬
‫خير من التمادي في الباطل)‪ ،(857‬وبنللاء علللى‬
‫ذلك فقد قضى عمر بللن الخطللاب فللي الجللد‬
‫بقضايا مختلفللة‪ ،‬وقضللى فللي امللرأة تللوفيت‬
‫وتركت زوجها وأمها وأخويها لبيها وأخويهللا‬
‫لمها‪ ،‬فأشللرك عمللر بيللن الخللوة للم والب‬
‫والخوة لم في الثلث فقال له رجل‪ :‬إنك لم‬
‫تشرك بينهم عام كذا وكللذا‪ .‬قللال عمللر‪ :‬تلللك‬
‫على ما قضينا يللومئذ وهللذه علللى مللا قضللينا‬
‫اليوم)‪.(858‬‬
‫‪ -13‬تقرير البراءة للمتهم حتى تثبت إدانته‪ :‬فعللن‬
‫عبد الله بن عللامر قللال‪ :‬انطلقللت فللي ركللب‬
‫سللرقت عيبللة لللي‪،‬‬ ‫حللتى إذا جئنللا ذا المللروة ُ‬
‫ومعنا رجل منهم‪ ،‬فقال له أصحابي‪ :‬يللا فلن‬
‫اردد عليه عيبته‪ ،‬فقال‪ :‬مللا أخللذتها‪ ،‬فرجعللت‬
‫إلللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللى‬
‫عمر بن الخطاب فأخبرته‪ .‬فقال‪ :‬مللن أنتللم؟‬
‫فعلللللددتهم‪ ،‬فقلللللال‪ :‬أظنللللله صلللللاحبها‬
‫– للللذي اّتهللم – فقلللت‪ :‬لقللد أردت يللا أميللر‬
‫المؤمنين أتي به مصفودًا‪ ،‬قللال عمللر‪ :‬أتللأتي‬
‫به مصفودا ً بغير بينة)‪.(859‬‬
‫‪ -14‬ل اجتهللاد فللي مللورد النللص‪ :‬قللال عمللر‪ :‬ثللم‬
‫الفهم الفهم فيما أدلي إليك ممللا ورد عليللك‬
‫ممللا ليللس فللي قللرآن ول سللنة‪ ،‬ثللم قللايس‬
‫المور)‪ ،(860‬هذا أهم ما يجب على القاضي أن‬
‫يلتزم به‪.‬‬
‫أعلم الوقعين )‪.(85 /1‬‬ ‫‪()857‬‬
‫أعلم الموقعين )‪ (111 /1‬موسوعة فقه عمر ص ‪.729‬‬ ‫‪()858‬‬
‫موسوعة فقه عمر ص ‪ ،729‬المحلى )‪.(132 /11‬‬ ‫‪()859‬‬
‫أعلم الموقعين )‪ ،(85 /1‬مجلة البحوث العلمية )‪.(287 /7‬‬ ‫‪()860‬‬
‫‪ -15‬إخضاع القضاة أنفسهم لحكام القضاة‪:‬‬
‫‪ -16‬كللان عمللر رضللي الللله عنلله أول مللن يخضللع‬
‫للقضاة وهو في ذروة الخلفة خضوعا ً يزينلله‬
‫الرضللى القلللبي بللالحكم‪ ،‬ويتللوجه بالعجللاب‬
‫الواضح إذا مللا أصللاب‪ ،‬والثنللاء الصللادق علللى‬
‫القاضي حتى ولو صدر الحكم ضده)‪ ،(861‬وهذا‬
‫مثال على ذلك‪ ،‬فقد ساوم عمر أعرابيا ً علللى‬
‫فرس‪ ،‬فركبه ليجربه‪ ،‬فعطب الفرس‪ ،‬فقللال‬
‫عمر‪ :‬خذ فرسك‪ .‬قال الرجل‪ :‬ل‪ .‬قللال عمللر‪:‬‬
‫فاجعللل بينللي وبينللك حكمللًا‪ ،‬قللال الرجللل‪:‬‬
‫شريح‪ .‬فتحاكما إليه‪ ،‬فلما سمع قال‪ :‬يا أميللر‬
‫المؤمنين خذ ما اشللتريت‪ ،‬أو رد كمللا أخللذت‪.‬‬
‫فقال عمر‪ :‬وهل القضاء إل هكذا؟ فبعثه إلى‬
‫الكوفة قاضيا ً)‪.(862‬‬
‫رابعًا‪ :‬مصادر الحكام القضائية‪:‬‬
‫اعتمد القضاة فللي العهللد الراشللدي علللى نفللس‬
‫المصادر التي اعتمدها رسللول الللله ‪ ‬وقضللاته‪،‬‬
‫وهي الكتاب والسنة والجتهللاد ولكللن ظهلر فلي‬
‫العهد الراشدي أمران‪:‬‬
‫‪ -‬تطور معنى الجتهللاد والعمللل بلله‪ ،‬ومللا نتللج‬
‫عنه من مقللدمات ووسللائل وغايللات‪ ،‬فظهللرت‬
‫المشلللاورة والشلللورى‪ ،‬والجملللاع‪ ،‬واللللرأي‬
‫والقياس‪.‬‬
‫‪ -‬ظهللور مصللادر جديللدة لللم تكللن فللي العهللد‬
‫النبوي‪ ،‬وهي السوابق القضائية الللتي صللدرت‬
‫عن الصحابة من عهد خليفة إلللى خليفللة آخللر‪،‬‬
‫‪ ()861‬شهيد المحراب ص ‪.211‬‬
‫‪ ()862‬عصر الخلفة الراشدة ص ‪ ،147‬شهيد المحراب ص ‪.211‬‬
‫فصارت مصللادر القضللاء فللي العهللد الراشللدي‬
‫هللي؛ الكتللاب‪ ،‬والسللنة‪ ،‬والجتهللاد والجمللاع‪،‬‬
‫والقياس‪ ،‬والسوابق القضائية ويظلل ذلك كله‬
‫الشورى والمشللاورة فللي المسللائل والقضللايا‬
‫والحكام وقد وردت نصللوص كللثيرة‪ ،‬وروايللات‬
‫عديدة تؤكد هللذه المصللادر السللابقة ونقتطللف‬
‫جانبا ً منها)‪:(863‬‬
‫‪ -1‬قال الشعبي عن شريح‪ :‬قال لي عمر‪ :‬اقللض‬
‫بما استبان لك من كتاب الللله‪ ،‬فللإن لللم تعلللم‬
‫كل كتللاب الللله‪ ،‬فللاقض بمللا اسللتبان لللك مللن‬
‫قضاء رسول الله ‪ ،‬فإن لم تعلم كل أقضللية‬
‫رسول الله فاقض بمللا اسللتبان لللك مللن أئمللة‬
‫المهتدين‪ ،‬فإن لم تعلم كل ما قضى بلله أئمللة‬
‫المهتدين‪ ،‬فاجتهد رأيك‪ ،‬واستشر أهللل العلللم‬
‫والصلح)‪.(864‬‬
‫‪ -2‬وعن ابن شهاب الزهري أن عمر بن الخطاب‬
‫رضي الله عنه قال‪ ،‬وهو على المنبر‪ ،‬يللا أيهللا‬
‫ن الرأي إنما كان من رسللول الللله ‪‬‬ ‫الناس‪ ،‬إ ّ‬
‫مصيبًا‪ ،‬أن الله كان ُيريه‪ ،‬وإنما هو منللا الظللن‬
‫والتكلللف)‪ ،(865‬وروي عنلله أنلله قللال‪ :‬هللذا رأي‬
‫عمر فإن يكن صوابا ً فمن الله‪ ،‬وإن يكن خطللأ‬
‫فمن عمر)‪.(866‬‬
‫‪ ()863‬تاريخ القضاء في السلم‪ ،‬د‪ .‬محمد الزحيلي ص ‪.118‬‬
‫‪ ()864‬أعلم الموقعين )‪ ،(1/224‬تاريخ القضاء في السلم ص‬
‫‪. 119‬‬
‫‪ ()865‬تاريخ القضاء في السلم ص ‪ ، 120‬إعلم الموقعين )‬
‫‪.(1/57‬‬
‫‪ ()866‬أعلم الموقعين )‪ ، (1/58‬تاريخ القضاء في السلم ص ‪120‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ -3‬قال ابن القيم‪ :‬فلما استخلف عمر قال‪ :‬إنللي‬
‫لسللللتحي مللللن الللللله أن أردّ شلللليئا ً قللللاله‬
‫أبو بكر)‪ ،(867‬وأكد ذلك عمر أيضا ً في كتاب آخلر‬
‫إلى شريح قال فيه‪ :‬أن اقللض بمللا فللي كتللاب‬
‫الله‪ ،‬فإن لم يكن في كتاب الله فبسنة رسول‬
‫الله‪ ،‬فإن لم يكن في سنة رسول الله فللاقض‬
‫بما قضى به الصالحون)‪.(868‬‬
‫‪ -4‬وأما الجماع‪ :‬فإن لم يجللد القاضللي نص لا ً فللي‬
‫القرآن والسللنة‪ ،‬رجللع إلللى العلمللاء واستشللار‬
‫الصحابة والفقهللاء‪ ،‬وعللرض عليهللم المسللألة‪،‬‬
‫وبحثوا فيها‪ ،‬واجتهدوا‪ ،‬فلإن وصلل اجتهلادهم‬
‫إلللى رأي واحللد‪ ،‬فهللو الجمللاع‪ ،‬وهللو اتفللاق‬
‫مجتهللدي عصللر مللن أمللة محمللد ‪ ‬علللى أمللر‬
‫شللرعي‪ ،‬وهللو المصللدر الثللالث مللن مصللادر‬
‫التشريع السلمي باتفاق العلماء وظهللر لول‬
‫مرة في العهد الراشدي‪ ،‬ووردت فيلله نصللوص‬
‫كثيرة‪ ،‬وبحوث طويلة في كتب الفقه‪ ،‬وأصول‬
‫الفقللله‪ ،‬وتاريلللخ التشلللريع‪ ،‬ولكلللن القضلللايا‬
‫والمسائل التي حصل فيها الجماع قليلة‪ ،‬وإن‬
‫إمكانيته محصورة في المدينة المنورة عاصللمة‬
‫الخلفة‪ ،‬ومجمع الصحابة والعلمللاء والفقهللاء‪،‬‬
‫وهذا يندر في المصار الخرى)‪ ،(869‬فمللن ذلللك‬
‫ما روي أن ابن عباس قال لعثمان رضللي الللله‬
‫عنهم‪ :‬الخوان في لسان قومللك ليسللا إخللوة‪،‬‬
‫فلم تحجب بهما الم؟؟ من الثلث إلى السدس‬
‫خ لوة ٌ َ ُ‬
‫ه‬
‫مل ِ‬
‫فل ّ‬ ‫ن لَل ُ‬
‫ه إِ ْ َ‬ ‫ن َ‬
‫كللا َ‬ ‫فللي قللوله تعللالى‪َ  :‬‬
‫ف لإ ِ ْ‬
‫‪ ()867‬أعلم الموقعين )‪.(1/224‬‬
‫‪ ()868‬تاريخ القضاة في السلم ص ‪. 120‬‬
‫‪ ()869‬نفس المصدر ص ‪. 122‬‬
‫س ‪) ‬النسللاء‪،‬آيللة‪ (11:‬فقال‪ :‬ل أسللتطيع أن‬ ‫سد ُ ُ‬
‫ال ّ‬
‫أنقللض مللا كللان قبلللي ومضللى فللي البلللدان‬
‫وتوارث به الناس‪ ،‬وهذا معنللاه أنلله إجمللاع تللم‬
‫قبل مخالفة ابللن عبللاس‪ ،‬ول يعتللد بمخللالفته‪،‬‬
‫والجملللاع يتضلللمن ثلثلللة عناصلللر رئيسلللة‪:‬‬
‫المشللاورة‪ ،‬والجتهللاد‪ ،‬والتفللاق فللإن فقللد‬
‫عنصر منها لجأ القاضي إلى المصدر التالي‪.‬‬
‫‪ -5‬السوابق القضائية‪ :‬التي قضى بها السللابقون‬
‫من الخلفاء والصالحين وكبار الصللحابة رضللي‬
‫اللله عنهلم‪ ،‬وهلذا ملا علبر عنله صلراحة عملر‬
‫رضي الله عنه في سوابق أبي بكللر‪ ،‬ومللا أمللر‬
‫به قضاته وولته كما سبق)‪ ،(870‬وهللذا مللا بينلله‬
‫صراحة ابن القيم تحت عنللوان )رأي الصللحابة‬
‫خير من رأينللا لنفسللنا( وقللال‪ :‬وحقيللق بمللن‬
‫كانت آراؤهم بهذه المنزلة أن يكون رأيهم لنللا‬
‫خيرا ً من رأينا لنفسنا وكيللف ل؟ وهللو الللرأي‬
‫الصادر من قلوب ممتلئة نورا ً وإيمانًا‪ ،‬وعلمللًا‪،‬‬
‫ومعرفلة وفهملا ً عللن اللله ورسللوله‪ ،‬ونصلليحة‬
‫للمة‪ ،‬وقلوبهم على قلب نبيهم‪ ،‬ول واسللطة‬
‫بينهم وبينه‪ ،‬وهم ينقلون العلم واليمللان مللن‬
‫شللبه إشللكال‪،‬‬ ‫ضلا ً طريلًا‪ ،‬لللم ي َ ُ‬
‫مشكاة النبوة غ ّ‬
‫شبه خلف‪ ،‬ولم تدنسه معارضة‪ ،‬فقياس‬ ‫ولم ي ُ‬
‫)‪(871‬‬
‫‪.‬‬ ‫رأي غيرهم بآرائهم من أفسد القياس‬
‫‪ -6‬القياس‪ :‬لكن السوابق القضائية قليلللة أيض لا‪ً،‬‬
‫فللإن لللم يجللد القاضللي نصللا ً ول إجماعللًا‪ ،‬ول‬
‫سابقة قضائية اعتمد على الجتهاد‪ ،‬كمللا جللاء‬
‫في حديث معاذ‪ ،‬ويللأتي فللي أوليللات الجتهللاد‬
‫‪ ()870‬نفس المصدر ص ‪. 123 ، 122‬‬
‫‪ ()871‬أعلم الموقعين )‪ (1/87‬تاريخ القضاء في السلم ص ‪. 123‬‬
‫قياس مسألة لللم يللرد فيهللا نللص بمسللألة ورد‬
‫فيهللا نللص‪ ،‬وهللو المصللدر الرابللع للتشللريع‬
‫والفقه والحكللام‪ ،‬وهللذا مللا جللاء فللي رسللالة‬
‫عمر رضي اللله عنلله لبللي موسللى الشللعري‪،‬‬
‫قللال‪ :‬ثللم قللايس المللور عنللد ذلللك واعللرف‬
‫المثال‪ ،‬ثم اعمللد فيمللا تللرى إلللى أحبهللا إلللى‬
‫الله‪ ،‬وأشبهها بالحق)‪.(872‬‬
‫‪ -8‬الرأي‪ :‬فإن لم يكللن للمسللألة والقضللية أصللل‬
‫من النصلوص لتقلاس عليهلا‪ ،‬اعتملد القاضلي‬
‫على الجتهاد بالرأي فيما هو أقرب إلى الحق‬
‫والعللدل والصللواب وقواعللد الشللرع ومقاصللد‬
‫الشريعة وهو ما تكللرر فللي النقللول السللابقة‪،‬‬
‫فللي رسللائل عمللر لشللريح وغيللره)‪ (873‬وكللانت‬
‫المشاورة والشورى مللن أهللم الوسللائل الللتي‬
‫يستعين بها القضللاة‪ ،‬كمللا ورد فللي الروايللات‬
‫والكتب والرسائل السابقة‪ ،‬وهو ما أكده عمللر‬
‫ل‪ ،‬لكللثرة محبتلله‬‫رضللي الللله عنلله قللول ً وفع ً‬
‫للشورى مع فقهه‪ ،‬وقلما يقللدم علللى أمللر إل‬
‫بعللد استشللارة كبللار الصللحابة وفقهللائهم)‪،(874‬‬
‫وعن الشعبي قال‪ :‬كللانت القضللية ترفللع إلللى‬
‫عمر رضي اللله عنله‪ ،‬فربملا يتأملل فلي ذللك‬
‫شهرًا‪ ،‬ويستشير أصحابه)‪.(875‬‬
‫خامسًا‪ :‬الدلة التي يعتمد عليها القاضي‪:‬‬
‫إن الدلة التي يعتمد عليها القاضللي فللي إصللدار‬
‫الحكم هي‪:‬‬
‫تاريخ القضاء في السلم ص ‪. 124‬‬ ‫‪()872‬‬
‫أعلم الموقعين )‪ (1/70‬فما بعدها‪.‬‬ ‫‪()873‬‬
‫تاريخ القضاة ص ‪. 125‬‬ ‫‪()874‬‬
‫نفس المصدر ص ‪. 125‬‬ ‫‪()875‬‬
‫‪ -1‬القرار وتعتبر الكتابة نوعا ً من القرار‪.‬‬
‫‪ -2‬الشللهادة‪ :‬وعلللى القاضللي أن يتحقللق مللن‬
‫صلللحية الشللهود لداء الشللهادة‪ ،‬فللإن لللم‬
‫يعرفهللم هللو‪ ،‬طلللب منهللم أن يللأتوا بمللن‬
‫يعرفهم‪ ،‬فقد شهد رجللل عنللد عمللر بشللهادة‬
‫فقللال للله‪ :‬لسللت أعرفللك‪ ،‬ول يضللرك أن ل‬
‫أعرفللك‪ ،‬إئت بمللن يعرفللك فقللال رجللل مللن‬
‫القوم‪ :‬أنا أعرفه‪ ،‬فقال‪ :‬بأي شلليء تعرفلله؟‬
‫قللال بالعدالللة والفضللل‪ ،‬قللال‪ :‬فهللو جللارك‬
‫الدنللى الللذي تعللرف ليللله ونهللاره ومللدخله‬
‫ومخرجه؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فهل عاملك بالدينار‬
‫والللدرهم اللللذين بهمللا يسللتدل بهمللا علللى‬
‫الورع؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬قللال‪ :‬فرفيقللك فللي السللفر‬
‫الذي يستدل بلله علللى مكللارم الخلق؟ قللال‪:‬‬
‫ل‪ ،‬قال‪ :‬لست تعرفلله)‪ ،(876‬والشللهادة مقدمللة‬
‫على اليميللن سللواء أقامهللا صللاحبها قبللل أن‬
‫يحلف خصمه اليمين أو بعد أن يحلف اليمين‪،‬‬
‫فإذا اسللتحلف المللدعي المللدعى عليلله علللى‬
‫دعواه‪ ،‬فحلفه القاضللي علللى ذلللك‪ ،‬ثللم أتللى‬
‫المدعي بالبينة بعد ذلللك علللى تلللك الللدعوى‪،‬‬
‫قبلت بينته‪ ،‬وردت اليمين‪ ،‬قال عمر‪ :‬اليميللن‬
‫الفلللللاجرة أحلللللق أن تلللللرد ملللللن البينلللللة‬
‫العادلة)‪،(877‬والمطالب بالشهادة هو المللدعي‪،‬‬
‫فقد كتب عمر إلى أبللي موسللى فيمللا كتللب‪:‬‬
‫البينللة علللى المللدعي‪ ،‬واليميللن علللى مللن‬

‫‪ ()876‬سنن البيهقي )‪ (10/125‬موسوعة فقه عمر ص ‪. 731‬‬


‫‪ ()877‬موسوعة فقه عمر بن الخطاب ص ‪. 731‬‬
‫أنكر)‪ ،(878‬فإن لم يتوفر عند المدعي إل شاهد‬
‫واحد اعتللبر بشللهادته وحلللف معهللا المللدعي‬
‫اليميللن‪ ،‬فقللد كللان عمللر يقضللي فللي المللال‬
‫باليمين مع الشاهد الواحد)‪.(879‬‬
‫‪ -3‬اليمين‪ :‬ول يلجأ القاضي إلى تحليلف اليميلن‬
‫إل عنللد عجللز المللدعي عللن إقامللة البينللة‬
‫ومطالبة المدعي باليمين‪ ،‬فللإن حلللف قضللى‬
‫بيمينه وقد قضى عمر على وادعة بالقسللامة‬
‫فحلفوا‪ ،‬فأبرأهم من الدم‪ ،‬وقد تحللاكم عمللر‬
‫وأبي بن كعب إلللى زيللد بللن ثللابت فللي نخللل‬
‫ي‪ ،‬فتوجهت اليمين على عمر فقللال‬ ‫دعاه أب ّ‬
‫ا ّ‬
‫زيد‪ :‬اعللف أميللر المللؤمنين‪ ،‬قللال عمللر‪ :‬ولللم‬
‫يعلللف أميلللر الملللؤمنين؟ إن عرفلللت شللليئا ً‬
‫استحققته بيميني‪ ،‬وإل تركته‪ ،‬والللذي ل إللله‬
‫ي فيلله حللق‬ ‫إل هو إن النخللل لنخلللي ومللا لبل ّ‬
‫ي‪ ،‬فقيللل للله‪ :‬يللا‬ ‫فلما خرجا وهب النخللل لبل ّ‬
‫أميللر المللؤمنين هل كللان هللذا قبللل اليميللن؟‬
‫فقال‪ :‬خفللت أن ل أحلللف فل يحلللف النللاس‬
‫عللللى حقلللوقهم بعلللدي فتكلللون سلللنة)‪،(880‬‬
‫ول يجوز لمن استحقت عليه اليمين أن يمتنع‬
‫عنها ورعلًا‪ ،‬وقللد رأينللا فيمللا تقللدم كيللف أن‬
‫عمر حلف فلما استحق الحق تنازل عنه‪.‬‬
‫وكان عمر رضي الله عنه يغلظ اليمان علللى‬
‫بعض المتخاصمين بتحليفهم إياها في مكللان‬
‫يوقع الرهبة في نفوسهم فل يجللرأون علللى‬

‫‪ ()878‬سنن البيهقي )‪.(10/153،150‬‬


‫‪ ()879‬المغني )‪ (9/151‬موسوعة فقه عمر بن الخطاب ص ‪. 732‬‬
‫‪ ()880‬تاريخ المدينة المنورة )‪ (2/755‬موسوعة فقه عمر ص ‪. 732‬‬
‫الكللذب فيهللا‪ ،‬فقللد حل ّللف جماعللة مللرة فللي‬
‫الحجللللر‪ ،‬واسللللتحلف آخللللر بيللللن الركللللن‬
‫والمقام)‪.(881‬‬
‫‪ -4‬القيافة في قضايا إثبات النسللب‪ :‬وهللي مللن‬
‫القللرائن القويللة الللتي ُيحكللم بمقتضللاها‪ ،‬د ّ‬
‫ل‬
‫على ذلك سنة رسول الله ‪ ‬وعمللل الخلفللاء‬
‫الراشلللدين والصلللحابة‪ ،‬وقلللد أثبلللت الحكلللم‬
‫بالقيافللة عمللر بللن الخطللاب‪ ،‬وابللن عبللاس‬
‫وغيرهم)‪.(882‬‬
‫‪ -5‬القرائن‪ :‬والقرائن باب واسع يتفنن القضللاة‬
‫في استنباطها ويعتللبر مللن القللرائن القويللة‬
‫قرينة الحبل للمرأة التي لم يسللبق لهللا زواج‬
‫فهللو يعتللبر دليل ً علللى الزنللا‪ ،‬ومثللله الللولدة‬
‫لمدة أقل من مدة الحمل‪ ،‬ومنها وجود ميتين‬
‫أحدهما فوق الخر‪ ،‬فللإن هللذا الوضللع قرينللة‬
‫قوية علللى أن الللذي مللات أول ً هللو السللفل‪،‬‬
‫وأن الذي مات آخرا ً هو العللى‪ ،‬ولللذلك فقللد‬
‫كان عمر في طللاعون عمللواس إن كللانت يللد‬
‫أحد الميتين أو رجله على الخر وّرث العلللى‬
‫من السفل ولم يورث السفل مللن العلللى‪،‬‬
‫ومللن القللرائن القويللة علللى شللرب الخمللر‬
‫وجودهللا فللي القيللء‪ ،‬وقللد أقللام عمللر حللد‬
‫الشرب على من وجدها في قيئه)‪.(883‬‬
‫‪ -6‬علللم القاضللي‪ :‬ل يعتللبر علللم القاضللي فللي‬
‫الحللدود دليل ً يخلل ّ‬
‫ول للله إصللداَر الحكللم ِ علللى‬
‫المتهللم‪ ،‬فقللد كتللب عمللر إلللى أبللي موسللى‬
‫‪ ()881‬موسوعة عمر بن الخطاب ص ‪. 733‬‬
‫‪ ()882‬النظام القضائي مناع القطان ص ‪. 81،82‬‬
‫‪ ()883‬موسوعة فقه عمر بن الخطاب ص ‪. 735‬‬
‫م بعلمه ول ظنه ول‬ ‫الشعري أن ل يأخذ الما ُ‬
‫بشللبهته)‪ ،(884‬وقللال لعبللد الرحمللن بللن عللوف‬
‫ت رجل ً قتللل أو سللرق أو زنللى‪،‬‬ ‫ت لو رأي ل ُ‬
‫أرأي َ‬
‫قلللال‪ :‬أرى شلللهادتك شلللهادة رجلللل ملللن‬
‫المسلمين قللال عمللر‪ :‬أصللبت)‪ ،(885‬وأمللا فللي‬
‫غير الحدود؛ فقد اختلفللت الروايللة عللن عمللر‬
‫في اعتبار علم القاضي حجة تخول القاضللي‬
‫العتماد عليها في الحكللم إن لللم يتللوفر مللن‬
‫الدلة غيرها)‪ (886‬هذا وقد كان عمر رضي الله‬
‫عنه حريصلا ً علللى عللدم تشللجيع النللاس علللى‬
‫العللتراف بخطايللاهم‪ ،‬بللل يريللد لهللم السللتر‬
‫والتوبة فيما بينهللم وبيللن الللله تعللالى‪ ،‬فلمللا‬
‫خطللب شللرحبيل بللن السللمط الكنللدي وكللان‬
‫يتولى مسلحة)‪ (887‬دون المدائن‪ ،‬فقللال‪ :‬أيهللا‬
‫ش‪،‬‬‫الناس‪ ،‬إنكم في أرض الشللراب فيهللا فللا ٍ‬
‫والنساء فيها كثير‪ ،‬فمللن أصللاب منكللم حللدًا‪،‬‬
‫فليأتنا فلنقم عليه الحد‪ ،‬فإنه طهللوره‪ ،‬فبلللغ‬
‫ذلك عمر فكتب إليله‪ )) :‬ل أحلل لللك أن تللأمر‬
‫الناس أن يهتكوا سلتر اللله الللذي سلترهم ((‬
‫)‪ ،(888‬ولكن إذا رفع الناس المر إلى القضللاء‪،‬‬
‫فلللإن الدوللللة كلللانت تقيلللم الحلللدود دون‬
‫هوادة)‪ ،(889‬وكان رضي الله عنلله عنللدما يريللد‬
‫أن يحكللم بيللن خصللمين يللدعو بهللذا الللدعاء‪:‬‬
‫‪ ()884‬نفس المصدر ص ‪ ، 735‬مصنف عبد الرزاق )‪.(8/342‬‬
‫‪ ()885‬سنن البيهقي )‪ ،(10/144‬موسوعة فقه عمر ص ‪.(735‬‬
‫‪ ()886‬موسوعة فقه عمر ص ‪. 735‬‬
‫‪ ()887‬مقاتلون يراقبون العدو في الثغر الذي يسكنونه لئل‬
‫يباغتهم‪.‬‬
‫‪ ()888‬القضاء في خلفة عمر‪ ،‬ناصر الطريفي )‪.(2/862‬‬
‫‪ ()889‬عصر الخلفة الراشدة ص ‪. 146‬‬
‫اللهللم إن كنللت تعلللم أنللي أبللالي إذا قعللد‬
‫الخصمان علي من كللان الحللق مللن قريللب أو‬
‫بعيد فل تمهلني طرفة عين)‪.(890‬‬

‫‪ ()890‬الحلية )‪ ، (6/140‬الطبقات )‪ (3/290‬إسناده صحيح‪.‬‬


‫سادسببًا‪ :‬مببن أحكببام الفبباروق وعقوببباته فببي بعببض الجببرائم‬
‫والجنايات‪:‬‬

‫‪ -1‬تزوير الخاتم الرسمي للدولة‪:‬‬


‫حدث في عهللد الفلاروق رضللي الللله عنله أملر‬
‫خطير لم يحللدث مللن قبللل‪ ،‬ذلللك أن معللن بللن‬
‫زائدة اسللتطاع أن يللزور خللاتم الدولللة بنقشلله‬
‫مثله وأخلذ بله ملال ً ملن بيلت ملال المسللمين‬
‫ورفع أمره إلى عمر رضللي الللله عنلله‪ ،‬فضللربه‬
‫عمللر مللائة وحبسلله‪ ،‬فكلللم فيلله فضللربه مللائة‬
‫أخللرى‪ ،‬فكلللم فيلله مللن بعللد فضللربه مللائة‬
‫ونفاه)‪.(891‬‬
‫‪ -2‬رجل سرق من بيت المال بالكوفة‪:‬‬
‫لم يقطع عمر من سرق من بيت المللال‪ ،‬فقللد‬
‫سأل ابن مسللعود عمللر عمللن سللرق مللن بيللت‬
‫المال فقال‪ :‬أرسله فما من أحللد إل وللله فللي‬
‫هذا المال حق)‪ ،(892‬وجلده تعزيرا ً)‪.(893‬‬
‫‪ -3‬السرقة في عام الرمادة‪:‬‬
‫سرق غلمان حاطب بللن أبللي بلتعللة فللي عللام‬
‫الرمادة ناقة لرجللل مزنللي فنحروهللا وأكلوهللا‬
‫ورفللع المللر إلللى الفللاروق‪ ،‬فطلللب الغلمللان‬
‫فللاعترفوا أنهللم سللرقوها مللن حللرز والللذين‬
‫سللرقوا عقلء مكلفللون ولللم يللدعوا ضللرورة‬
‫ملجئة للسللرقة‪ ،‬فللأمر كللثير بللن الصلللت أن‬
‫يقطللع أيللديهم – ولكنلله – وهللو يعيللش عللام‬
‫‪ ()891‬أولويات الفاروق ص ‪. 453‬‬
‫‪ ()892‬المغني )‪ (12/386‬في الرواء )‪ (2422‬إسناده ضعيف‪.‬‬
‫‪ ()893‬عصر الخلفة الراشدة ص ‪. 148‬‬
‫الرمادة ويرى حال النللاس التمللس لهللم عللذرا ً‬
‫فقال لمللولهم‪ :‬إنللي أراك تجيعهللم؟ واكتفللى‬
‫بذلك وأوقف القطع وأمر للمزني بثمن نللاقته‬
‫مضاعفة)‪ 800) (894‬درهم(‪ ،‬فقد درء الحد عنهم‬
‫للضرورة)‪.(895‬‬
‫‪ -4‬مجنونة زنت‪:‬‬
‫أتي عمر بمجنونة قللد زنللت‪ ،‬فاستشللار النللاس‬
‫فأمر بها عمر أن ترجم‪ ،‬فمر بها علي بن أبللي‬
‫طالب فقال‪ :‬ارجعوا بهللا ثللم أتللاه فقللال‪ :‬أمللا‬
‫علمت أن القلم قد رفع‪ ،‬فللذكر الحللديث وفللي‬
‫آخللره قللال‪ :‬بلللى قللال فمللا بللال هللذه ترجللم؟‬
‫فأرسلها)‪ ،(896‬وجعل عمر يكبر)‪.(897‬‬
‫‪ -5‬ذمي استكره مسلمة على الزنا‪:‬‬
‫حدث ذلللك فللي خلفللة عمللر رضللي الللله عنلله‪،‬‬
‫فصلبه لنه خالف شروط العهد)‪.(898‬‬
‫‪ -6‬إكراه نساء على الزنا‪:‬‬
‫ن‬
‫أتي عمر بإمللاء مللن إمللاء المللارة اسللتكرهه ّ‬
‫غلمان من غلمان المارة فضرب الغلمان ولللم‬
‫يضللرب المللاء)‪ ،(899‬وأتللي عمللر بللامرأة زنللت‬
‫فقال‪ :‬إني كنت نائمة فلم أسللتيقظ إل برجللل‬
‫قد جثم علي فخلى سللبيلها ولللم يضللربها)‪،(900‬‬
‫‪ ()894‬المنتقى شرح الموطأ للباجي )‪.(6/63‬‬
‫‪ ()895‬عصر الخلفة الراشدة ص ‪. 148‬‬
‫‪ ()896‬الخلفة الراشدة د‪ .‬يحيى اليحيى ص ‪ ، 351‬عصر الخلفة‬
‫الراشدة ص ‪. 148‬‬
‫‪ ()897‬عصر الخلفة ص ‪. 148‬‬
‫‪ ()898‬الموطأ )‪ ، (2/827‬المغني )‪ ، (12/217‬البخاري رقم ‪. 2548‬‬
‫‪ ()899‬السنن الكبرى للبيهقي )‪ ، (8/35‬المغني )‪.(12/217‬‬
‫‪ ()900‬السنن الكبرى )‪ ، (8/236‬المغني )‪.(12/218‬‬
‫فهذه شبهة والحدود تدرأ بالشللبهات ول فللرق‬
‫بيللن الكللراه باللجللاء وهللو أن يغلبهللا علللى‬
‫نفسللها وبيللن الكللراه بالتهديللد بالقتللل‪ ،‬فقللد‬
‫حدث في عهد عمر‪ :‬أن امرأة استسقت راعيللا ً‬
‫فللأبى أن يسللقيها إل أن تمكنلله مللن نفسللها‬
‫ففعلت فرفع ذلك إلى عمللر فقللال لعلللي‪ :‬مللا‬
‫ترى فيها؟ قال‪ :‬إنها مضللطرة فأعطاهللا عمللر‬
‫شيئا ً وتركها‪.‬‬
‫‪ -7‬حكم من جهل تحريم الزنا‪:‬‬
‫عللن سللعيد بللن المسلليب‪ :‬أن عللامل ً لعمللر بللن‬
‫الخطاب كتب إلى عمر يخبره‪ :‬أن رجل ً اعترف‬
‫عنده بالزنى؟ فكتب إليلله عمللر‪ ،‬أن سللله‪ :‬هللل‬
‫كان يعلم أنه حرام‪ ،‬فإن قال‪ :‬نعم‪ ،‬فأقم عليه‬
‫الحد‪ ،‬وإن قال‪ :‬ل‪ ،‬فأعلمه أنه حرام‪ ،‬فإن عللاد‬
‫فاحدده)‪.(901‬‬
‫‪ -8‬تزوجت في عدتها وهي وزوجها ل يعلمان التحريم‪:‬‬
‫تزوجت امرأة في عدتها فرفع ذلللك إلللى عمللر‬
‫بلللن الخطلللاب فضلللربها دون الحلللد وفلللرق‬
‫بينهما)‪ ،(902‬وجلد الزوج تعزيرا ً)‪.(903‬‬
‫‪ -9‬امرأة تزوجت ولها زوج كتمته‪:‬‬
‫رجمهللا عمللر‪ ،‬وجلللد الللزوج مللائة سللوط‪ ،‬ولللم‬
‫ي ُْرجم للجهالة)‪.(904‬‬
‫‪ -10‬اتهام المغيرة بن شعبة بالزنا‪:‬‬
‫فشهد عليه ثلثة وتراجللع الرابللع فقللال عمللر‪:‬‬
‫الحمد لله الذي لم يشللمت الشلليطان بأصللحاب‬
‫محمد ‪ ،(905)‬وأقام حد القللذف علللى الشللهود‬
‫الثلثة لن الشهادة لم تكتمل بالثلثة)‪.(906‬‬

‫المحلى )‪ (12/107‬رقم ‪. 2198‬‬ ‫‪()901‬‬


‫المحلى )‪ (12/192‬رقم ‪. 2215‬‬ ‫‪()902‬‬
‫عصر الخلفة الراشدة ص ‪. 149‬‬ ‫‪()903‬‬
‫نفس المصدر ص ‪. 149‬‬ ‫‪()904‬‬
‫المغني )‪.(12/245‬‬ ‫‪()905‬‬
‫عصر الخلفة الراشدة ص ‪. 149‬‬ ‫‪()906‬‬
‫‪ -11‬حكم من تسرت بغلمها‪:‬‬
‫تزوجت امرأة عبدها‪ ،‬فقيل لها‪ ،‬فقالت‪ :‬أليس‬
‫م ‪ ‬فهللذا ملللك‬ ‫مللان ُك ُ ْ‬
‫ت أي ْ َ‬ ‫مل َ َ‬
‫كلل ْ‬ ‫مللا َ‬ ‫الله يقول ‪َ ‬‬
‫و َ‬
‫يمين ورفللع المللر إلللى عمللر رضللي الللله عنلله‬
‫فقال لهللا‪ :‬ل يحللل لللك ملللك يمينللك)‪ (907‬وفللي‬
‫رواية وفرق بينهما وجلدها مئة تعزيرا ً ل حللدًا‪،‬‬
‫وقلللد أسلللقط عملللر عنهلللا الحلللد لجهلهلللا‬
‫بالتحريم)‪.(908‬‬

‫‪ -12‬امرأة اتهمت زوجها بجاريتها‪:‬‬


‫اتهمت امرأة زوجها بجاريتها ثم اعترفت بأنها‬
‫وهبتها له‪ ،‬فحكم عمر رضي الله عنلله؛ بإقامللة‬
‫حد القذف على المرأة ثمانين جلدة)‪.(909‬‬

‫‪ -13‬إقامة حد القذف بالتعريض‪:‬‬


‫حدث في عهد الفاروق أن عّرض أحد‬
‫الشخاص بآخر فقال له‪ :‬ما أبي بزان‬
‫ول أمي بزانية‪ ،‬فاستشار عمر في ذلك فقال‬
‫قائل‪ :‬مدح أباه وأمه‪ ،‬وقال آخرون‪ :‬كان لبيه‬
‫وأمه مكان غير هذا‪ ،‬نرى أن تجلده الحد فجلده‬
‫عمر الحد ثمانين جلدة)‪ ،(910‬فعمر رضي الله‬
‫عنه قد جلد الحد بالتعريض لن القرينة كانت‬
‫واضحة‪ ،‬فقد كان الرجل يعّرض بصاحبه لن‬
‫الحال تبين لك فهو ما قال إل بعد سب‬
‫ومخاصمة‪ ،‬وفعل عمر رضي الله عنه يعتبر‬
‫المحلى )‪ (12/194‬رقم ‪. 2216‬‬ ‫‪()907‬‬
‫موسوعة فقه عمر بن الخطاب ص ‪. 203‬‬ ‫‪()908‬‬
‫عصر الخلفة الراشدة ص ‪. 150‬‬ ‫‪()909‬‬
‫السنن الكبرى لليهقي )‪.(252 /8‬‬ ‫‪()910‬‬
‫سياسة أراد بها تأديب السفهاء وحفظ أعراض‬
‫البرياء وهي سياسة حكيمة ل تخالف نصا ً من‬
‫كتاب ول سنة‪ ،‬بل إنها عمل بروح الشريعة‬
‫الغّراء)‪.(911‬‬
‫‪ -14‬إهدار دم اليهودي المعتدي على العرض‪:‬‬
‫كان شابان صللالحان متآخيللان فللي عهللد عمللر‬
‫رضي الله عنه‪ ،‬فأغزى أحللدهما فأوصللى أخللاه‬
‫بللأهله‪ ،‬فللأنطلق ذات ليلللة إلللى أهللل أخيلله‬
‫يتعهللدهم فللإذا سللراج فللي الللبيت يزهللر‪ ،‬وإذا‬
‫يهودي في البيت مع أهل أخيه وهو يقول‪:‬‬
‫خلوت بعرسه ليل‬ ‫وأشعت غره‬
‫)‪(913‬‬
‫التمام‬ ‫السلم مني‬
‫على جرداء لحقه‬ ‫أبيت على ترائبها‬
‫)‪(914‬‬
‫الحزام‬ ‫ويمسي‬
‫فئام ينهضون إلى‬ ‫كأن مجامع‬
‫)‪(915‬‬ ‫)‪(912‬‬
‫فئام‬ ‫منها‬ ‫الربلت‬
‫فرجع الشاب إلى أهله فاشتمل على السيف‬
‫حتى دخل على أهل أخيه‪ ،‬فقتل اليهودي ثم‬
‫جرده فألقاه في الطريق‪ ،‬فأصبح اليهود‬
‫وصاحبهم قتيل ل يدرون من قتله‪ ،‬فأتوا عمر‬
‫بن الخطاب‪ ،‬فدخلوا عليه‪ ،‬وذكروا ذلك له‪،‬‬
‫فنادى عمر في الناس الصلة جامعة‪ ،‬فاجتمع‬
‫الناس فصعد المنبر‪ ،‬فحمد الله وأثنى عليه ثم‬
‫أوليات الفاروق ص ‪.440 ،439‬‬ ‫‪()911‬‬
‫الربلت‪ :‬جمع ربلة وهي باطن الفخذ وما حول الضرع‪.‬‬ ‫‪()912‬‬
‫ليل التمام‪ :‬الليل الطويل‪.‬‬ ‫‪()913‬‬
‫الحزام‪ :‬ضيقة غليظة‪.‬‬ ‫‪()914‬‬
‫الفئام‪ :‬هي الجماعات من الناس‪.‬‬ ‫‪()915‬‬
‫قال‪ :‬أنشد الله رجل ً علم من هذا القتيل علما ً‬
‫إل أخبرني به فقام الشاب‪ ،‬فأنشد عمر الشعر‬
‫وأخبره فقال عمر‪ :‬ل يقطع الله يديك‪ ،‬وأهدر‬
‫دمه)‪.(916‬‬

‫‪ -15‬قتيل الله ل يودى أبدًا‪:‬‬


‫روى عبد الرزاق في مصنفه والبيهقي في‬
‫سننه‪ :‬أن رجل ً استضاف ناسا ً من هذيل‪،‬‬
‫فأرسلوا جارية تحتطب لهم‪ ،‬فأعجبت‬
‫المضيف فتبعها‪ ،‬فأرادها على نفسها‪،‬‬
‫فامتنعت‪ ،‬فعاركها ساعة‪ ،‬فانفلتت منه‪،‬‬
‫انفلتة فرمته بحجر‪ ،‬ففضت كبده فمات‪ ،‬ثم‬
‫جاءت إلى أهلها فأخبرتهم‪ ،‬فذهب أهلها إلى‬
‫عمر فأخبروه‪ ،‬فأرسل عمر‪ ،‬فوجد آثارهما‬
‫فقال‪ :‬قتيل الله ل يودى أبدا ً فهو رضي الله‬
‫عنه قد أهدر دم ذلك المعتدي فل قصاص ول‬
‫دية ول كفارة‪.‬‬

‫‪ -16‬لو اشترك فيه أهل صنعاء لقتلتهم‪:‬‬


‫عن ابن عمر رضي الله عنهما‪ :‬أن غلم لا ً قتللل‬
‫غيلة فقال عمر‪ :‬لو اشللترك فيلله أهللل صللنعاء‬
‫لقتلتهللم وفللي روايللة‪ :‬إن أربعللة قتلللوا صللبيا ً‬
‫فقللال عمللر‪ :‬لللو اشللترك فيلله أهللل صللنعاء‬
‫لقتلتهم)‪ ،(917‬وهذا الحكم لم يوجد فيه نص من‬
‫كتاب ول سنة ولم يوجد أثللر عللن الصللديق أنلله‬
‫قضللى بمثللله‪ ،‬وإنمللا بنللى حكملله علللى فهملله‬
‫لمقاصللد الشللريعة والللتي جللاءت لحفللظ أمللن‬
‫‪ ()916‬أولّيات الفاروق ص ‪. 414‬‬
‫‪ ()917‬البخاري‪ ،‬ك الديات رقم ‪.6896‬‬
‫المجتمع واستقراره‪ ،‬إذ أن الدماء ليست أمللرا ً‬
‫هينًا‪ ،‬وللذلك يقتضللي العللدل‪ ،‬ومصللحة الملة‪،‬‬
‫ومقاصد الشريعة القصاص إذا ثبت أن الجميللع‬
‫تواطئوا على قتله وهذا ما ذهللب إليلله جمهللور‬
‫العلماء من الئمة الربعة وسعيد بللن المسلليب‬
‫والحسن وأبي سلمة وعطاء وقتادة والثللوري‪،‬‬
‫والوزاعي وغيرهم)‪ ،(918‬وهذا الرأي هو الرجح‬
‫لولى بالتباع وذلك لقوة الللدليل فللي فعللل‬ ‫وا َ‬
‫عمر وإجماع الصحابة ولما فيه من حكمللة فللي‬
‫ردع وزجلللر النلللاس وحفلللظ النفلللوس فلللي‬
‫المجتمع)‪.(919‬‬

‫‪ ()918‬المغني لبن قدامة )‪.(387 /11‬‬


‫‪ ()919‬انظر‪ :‬أولويات الفاروق السياسية ص ‪.409‬‬
‫‪ -17‬عقوبة الساحر القتل‪:‬‬
‫كتب عمر رضي الله عنه إلى عماله أن اقتلللوا‬
‫كللل سللاحر وسللاحرة)‪ ،(920‬ونفللذ ذلللك وكللان‬
‫إجماعا ً من الصحابة)‪.(921‬‬
‫‪ -18‬من قتل ولده متعمدًا؟ وما حكم المسلم الذي يقتل ذميًا؟‬
‫حكم عمر رضي الله في من قتللل ولللده بللدفع‬
‫الدية)‪ ،(922‬وأما المسلم الذي يقتل ذميا ً فحكمه‬
‫القتل قصاصا ً وهذا حدث في عهللد عمللر حيللث‬
‫قتل مسلم ذميا ً بالشام‪ ،‬فقتل قصاصا ً)‪.(923‬‬
‫‪ -19‬الجمع بين الدية والقسامة‪:‬‬
‫القسللامة‪ :‬هللي اليمللان المكللررة فللي دعللوى‬
‫القتل من أولياء القتيل أو المدعى عليهم)‪،(924‬‬
‫وقللد أخللرج عبللد الللرزاق وابللن أبللي شلليبة‬
‫والللبيهقي عللن الشللعبي‪ :‬أن قللتيل ً وجللد بيللن‬
‫وادعة وشاكر)‪ ،(925‬فأمرهم عمللر بللن الخطللاب‬
‫أن يقيسللوا مللا بينهمللا فوجللدوه إلللى وادعللة‬
‫أقرب فأحلفهم خمسين يمينلًا‪ ،‬كللل رجللل‪ :‬مللا‬
‫قتلتلله ول علمللت قللاتله‪ ،‬ثللم أغرمهللم الديللة‪،‬‬
‫فقالوا‪ :‬يا أمير المؤمنين ل أيماننا دفعللت عللن‬
‫أموالنللا ول أموالنللا دفعللت عللن أيماننللا فقللال‬
‫عمر‪ :‬كذلك الحق)‪.(926‬‬
‫‪ ()920‬أولويات الفاروق السياسية ص ‪.447‬‬
‫‪ ()921‬نفس المرجع ص ‪.447‬‬
‫‪ ()922‬عصر الخلفة الراشدة ص ‪ ،153‬المغني )‪.(405 ،11‬‬
‫‪ ()923‬عصر الخلفة الراشدة ص ‪.153‬‬
‫‪ ()924‬أوليات الفاروق ص ‪.264‬‬
‫‪ ()925‬أوليات الفاروق ص ‪ ،266‬قبيلتان باليمن‪.‬‬
‫‪ ()926‬السنن الكبرى للبيهقي )‪ (124 – 123 /8‬أوليات الفاروق‬
‫ص ‪.466‬‬
‫‪ -20‬اللهم لم أشهد ولم آمر‪ ،‬ولم أر َ‬
‫ض ولم أسر إذ بلغني‪:‬‬
‫لمللا ُأتللي عمللر بفتللح )تسللتر( قللال‪ :‬هللل كللان‬
‫شلليء؟ قللالوا‪ :‬نعللم رجللل ارتللد عللن السلللم‪.‬‬
‫قال‪ :‬فما صنعتم به قالوا‪ :‬قتلنللاه‪ .‬قللال‪ :‬فهل‬
‫أدخلتموه بيتا ً وأغلقتم عليلله وأطعمتمللوه كللل‬
‫يوم رغيفا ً فاستتبتموه فإن تاب وإل قتلتموه‪،‬‬
‫ض‪،‬‬
‫ثم قال‪ :‬اللهم لم أشهد‪ ،‬ولم آمللر‪ ،‬ولللم أر َ‬
‫ولم ُأسر إذ بلغني)‪.(927‬‬
‫‪ -21‬جعل حد الخمر ثمانين جلدة‪:‬‬
‫لما تولى الفاروق الخلفللة وكللثرت الفتوحللات‬
‫السلمية وتحسللنت أحللوال النللاس‪ ،‬وتباعللدت‬
‫الللديار ودخللل كللثير مللن النللاس السلللم ولللم‬
‫يأخذوا التربية السلمية الكافية والتفقلله فللي‬
‫الدين كمن سبقهم من المسلمين‪ ،‬فكللثر فللي‬
‫الناس شرب الخمر وكانت مشكلة أمللام عمللر‪،‬‬
‫فجمللع كبللار الصللحابة وشللاورهم فللي المللر‪،‬‬
‫فاتفقوا على أن يبلللغ هللذا الحللد ثمللانين وهللو‬
‫أدنى الحدود‪ ،‬فعمل بلله ولللم يخللالفه أحللد مللن‬
‫الصحابة في عهده)‪ ،(928‬فقللد ذكللر ابللن القيللم‪:‬‬
‫أن خالللد بللن الوليللد بعللث وبللرة الصللليتي مللن‬
‫الشللام إلللى عمللر قللال فللأتيته وعنللده طلحللة‬
‫والزبير بللن العللوام‪ ،‬وعبللد الرحمللن بللن عللوف‬
‫متكئون فللي المسللجد فقلللت للله إن خالللد بللن‬
‫الوليد يقرأ عليك السلم ويقول لك إن النللاس‬
‫قد انبسطوا في الخمر وتحاقروا العقوبة فمللا‬
‫ترى‪ .‬فقال عمر‪ :‬هم هؤلء عندك‪ .‬قال‪ :‬فقال‬
‫‪ ()927‬محض الصواب )‪.(372 /1‬‬
‫‪ ()928‬أعلم الموقعين )‪.(211 /1‬‬
‫ي‪ :‬أراه إذا سللكر هللذى وإذا هللذى افللترى‬‫عللل ّ‬
‫وعلللى المفللتري ثمللانون فللأجمعوا علللى ذلللك‬
‫فقال عمر‪ :‬بلغ صاحبك ما قالوا‪ ،‬فضرب خالللد‬
‫ثمانين وضرب عمر ثمانين)‪.(929‬‬

‫‪ ()929‬أعلم الموقعين )‪.(211 /1‬‬


‫‪ -22‬إحراق حانوت الخمر‪:‬‬
‫عن يحيى بن سعيد بن عبيد الله عن نافع عللن‬
‫ابن عمر رضي الله عنهما قال‪ :‬وجد عمر فللي‬
‫بيت رجل من ثقيف شللرابا ً فللأمر بلله فللأحرق‪،‬‬
‫وكان يقال له رويشد فقال‪ :‬أنت فويسللق)‪،(930‬‬
‫وقال ابللن الجللوزي‪ :‬وأحللرق يعنللي عمللر بيللت‬
‫رويشد الثقفي‪ ،‬وكان حانوت لا ً يعنللي نبللاذا ً)‪،(931‬‬
‫وقللال ابللن القيللم‪ :‬وحللرق عمللر بللن الخطللاب‬
‫رضي الله عنه حانوت الخمر بمللا فيلله‪ ،‬وحللرق‬
‫قرية تباع فيها الخمر)‪.(932‬‬
‫‪ -23‬أنكحها نكاح العفيفة المسلمة‪:‬‬
‫أتى عمر رضي الله عنه رجللل فقللال‪ :‬إن ابنللة‬
‫لي كنللت وأدتهللا فللي الجاهليللة فاسللتخرجناها‬
‫قبلللل أن تملللوت‪ ،‬فلللأدركت معنلللى السللللم‬
‫فأسلللمت‪ ،‬ثللم أصللابها حللد مللن حللدود الللله‪،‬‬
‫شفرة لتذبح نفسها‪ ،‬وأدركناهللا وقللد‬ ‫فأخذت ال ّ‬
‫)‪(933‬‬
‫‪ ،‬فداويتها حتى برأت‪،‬‬ ‫قطعت بعض أوداجها‬
‫ثم أقبلت بعد توبة حسللنة‪ ،‬وهللي تخطللب إلللى‬
‫قوم‪ ،‬فأخبرهم بالذي كان؟ فقال عمر‪ :‬رضللي‬
‫الله عنلله‪ :‬أتعمللد إلللى مللا سللتره الللله فتبللديه‪،‬‬
‫والله لئن أخبرت بشللأنها أحللدا ً لجعلنللك نكللال ً‬
‫لهللللل المصللللار‪ ،‬أنكحهللللا نكللللاح العفيفللللة‬
‫المسلمة)‪.(934‬‬

‫وليات الفاروق ص‬
‫)( الموال لبي عبيد ص ‪ ،125‬رقم ‪ ،267‬أ ّ‬
‫‪930‬‬

‫‪.435‬‬
‫‪ ()931‬نباذًا‪ :‬صانع النبيذ‪.‬‬
‫‪ ()932‬الطرق الحكيمة‪ :‬ص ‪.16 ،15‬‬
‫‪ ()933‬الودج‪ :‬عرق في العنق‪.‬‬
‫‪ -24‬من طلق زوجته يمنعها من الميراث‪:‬‬
‫عن سللالم عللن أبيلله أن غيلن الثقفللي أسلللم‬
‫وتحته عشر نسوة فقال النللبي ‪ ‬اخللتر منهللن‬
‫أربعًا‪ ،‬فلما كان في عهد عمر رضي الللله عنلله‬
‫طلق نساءه وقسم ماله بيللن بنيلله‪ ،‬فبلللغ ذلللك‬
‫عمر بن الخطاب رضي الله عنه‪ ،‬فأرسللل إليلله‬
‫عمللر فقللدم عليلله‪ ،‬فقللال للله‪ :‬إنللي أظهللر أن‬
‫الشيطان فيمللا يسللترق السللمع سللمع بموتللك‬
‫فقذف في قلبك أنللك تمللوت‪ ،‬فحملللك مبللادرة‬
‫ذلك على ما صنعت‪ ،‬وإني والله لظنك ل تلبث‬
‫بعد أن تقوم عن حضري هذا حتى تموت‪ ،‬وايم‬
‫الللله لئن مللت قبللل أن تراجللع نسللاءك وترجللع‬
‫مالك لورثللن نسللاءك مللن مالللك‪ ،‬ثللم لرجمللن‬
‫قللبرك حللتى أجعللل عليلله مثللل مللا علللى قللبر‬
‫أبللي رغللال‪ ،‬فراجللع نسللاءه – ولللم يكللن بللت‬
‫طلقهن – وارتجع ماله الذي قسللم بيللن بنيلله‪،‬‬
‫ثم ما لبث أن مات)‪.(935‬‬
‫‪ -25‬أقل مدة الحمل وأكثره‪:‬‬
‫رفعللت إلللى عمللر امللرأة ولللدت لسللتة أشللهر‪،‬‬
‫ي‬
‫فأراد عمر أن يرجمها‪ ،‬فجاءت أختها إلى عل ل ّ‬
‫م برجم أختي‪ ،‬فأنشدك الله‬ ‫فقالت‪ :‬إن عمر ه ّ‬
‫إن كنت تعلم لها عذرا ً لما أخللبرتي بلله‪ ،‬فقللال‬
‫علي‪ :‬إن لها عذرًا‪ ،‬فكبرت تكبيرة سمعها عمر‬
‫ومن عنللده‪ ،‬فللانطلقت إلللى عمللر فقللالت‪ :‬إن‬
‫عليا ً زعم أن لختي عللذرًا‪ ،‬فأرسللل عمللر إلللى‬

‫‪ ()934‬محض الصواب )‪ (709 /2‬إسناده صحيح إلى الشعبي ولكنه‬


‫منقطع بين الشعبي وعمر ‪.‬‬
‫‪ ()935‬موسوعة فقه عمر ص ‪. 47‬‬
‫عللللي‪ :‬ملللا علللذرها؟ فقلللال إن اللللله يقلللول‪:‬‬
‫))والوالدات يرضعن أولدهن حولين كللاملين((‬
‫وقللال‪ )) :‬وحمللله وفصللاله ثلثللون شللهرًا((‬
‫فالحمل ستة أشهر والفصال أربعة وعشللرون‬
‫شهرا ً فخلى عمر سللبيلها‪ ،‬وقللد يبقللى الحمللل‬
‫فللي بطللن أملله أكللثر مللن تسللعة أشللهر‪ ،‬فقللد‬
‫رفعت لعمر امرأة غللاب عنهللا زوجهللا سللنتين‪،‬‬
‫فجاء وهي حبلى‪ ،‬فهم عمر برجمها فقللال للله‬
‫معاذ بللن جبللل‪ :‬يلا أميللر المللؤمنين إن يلك للك‬
‫السبيل عليها‪ ،‬فليس لك السبيل على ملا فلي‬
‫بطنها‪ ،‬فتركها عمر حتى ولدت غلما ً قد نبتللت‬
‫ثناياه‪ ،‬فعرف زوجها شبهه به‪ ،‬قال عمر‪ :‬عجز‬
‫النسللاء أن يلللدن مثللل معللاذ‪ ،‬لللول معللاذ هلللك‬
‫عملر)‪ ،(936‬ويظهلر أن عملر كلان يلرى أن أكلثر‬
‫مدة الحمل أربع سنوات‪ ،‬لنه قضى في امللرأة‬
‫المفقود أنها تتربص أربع سنين‪ ،‬ثم تعتد عللدة‬
‫الوفاة قال ابن قدامة حاكيا ً مللذهب عمللر فللي‬
‫ذلك‪ :‬المفقود تتربص زوجته أربع سللنين أكللثر‬
‫مللدة الحمللل‪ ،‬ثللم تعتللد للوفللاة أربعللة أشللهر‬
‫وعشرا ً وتحل للزواج)‪.(937‬‬

‫سببابعًا‪ :‬فببرض القيببود علببى الملكيببة حببتى ل يقببع تع ّ‬


‫سببف فببي‬
‫استعمالها‪:‬‬
‫ومن اجتهادات عمر التي سبق بها زمللانه والللتي‬
‫تدل على تغليب المصلحة العامة علللى المصلللحة‬
‫الخاصة وتفرض قيودا ً على الملكية حللتى ل يقللع‬
‫تعسف في استعمالها ما رواه مالك في الموطأ‪:‬‬
‫‪ ()936‬موسوعة فقه عمر بن الخطاب ص ‪.371‬‬
‫‪ ()937‬نفس المصدر ص ‪.371‬‬
‫عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أن الضحاك‬
‫بن خليفة ساق خليجا ً للله مللن العريللض فللأراد أن‬
‫يمر به في أرض محمد بن مسلمة‪ ،‬فللأبى محمللد‪،‬‬
‫فقال له الضللحاك‪ ،‬لللم تمنعنللي وهللو لللك منفعللة‬
‫تشللرب بلله أول ً وآخللرا ً ول يضللرك‪ ،‬فللأبى محمللد‪،‬‬
‫فكلم فيه الضحاك عمر بن الخطللاب‪ ،‬فللدعا عمللر‬
‫بن الخطاب محمد بللن مسللمة‪ ،‬فلأمره أن يخلللي‬
‫سبيله‪ ،‬فقال محمد ل فقال عمر لم تمنللع أخللاك‬
‫ما ينفعه وهو لك نافع تسقي به أول ً وآخرا ً وهللو‬
‫ل يضرك‪ ،‬فقال محمد ل والله‪ ،‬فقال عمر‪ :‬والله‬
‫ليمرن به ولو على بطنك‪ ،‬فأمره عمر أن يمر به‪،‬‬
‫ل الضحاك)‪ ،(938‬وكللان هللذا قياس لا ً مللن عمللر‬ ‫ففع َ‬
‫علللللللللللللللللللللللللللى حللللللللللللللللللللللللللديث‬
‫أبي هريرة الذي قال فيلله‪ :‬إن النللبي ‪ ‬قللال‪ :‬ل‬
‫يمنع أحدكم جاره خشبة يغرزها في جلداره(( ثلم‬
‫قال أبو هريرة‪ :‬مالي أراكم عنها معرضين والللله‬
‫لرمين بها بين أكتافكم)‪.(939‬‬
‫ويظهر لنا أن ما فعله عمر هو قياس أولللى‪ ،‬لن‬
‫نهي النبي الجار أن يمنع جاره غللرز خشللبة فللي‬
‫جداره‪ ،‬هذه العملية وإن كانت ل تضر الجار فإنها‬
‫في ذات الوقت ل تنفع هذا الجللار‪ ،‬فللي حيللن أن‬
‫مرور الماء اجتمع فيه الملران معلًا‪ ،‬نفلع الجلار‪،‬‬
‫وعدم إلحاق الضرر بلله‪ ،‬فهللو قيللاس أولللى‪ ،‬وإذا‬
‫كان أحمد إبراهيم يرى أن عمر قضللى فللي هللذه‬
‫النازلة بما يعرف اليوم بقواعد العدالللة)‪ ،(940‬فللإن‬
‫‪ ()938‬راجع الموطأ وكتاب إسعاف المبطأ برجال الموطأ ص ‪638‬‬
‫– ‪ ، 639‬الموطأ )‪(2/746‬‬
‫‪ ()939‬سبل السلم شرح بلوغ المرام )‪.(60 /3‬‬
‫‪ ()940‬علم أصول الفقه وتاريخ التشريع ص ‪.39‬‬
‫عبللد السلللم السللليماني يللرى أنهللا تللدخل فيمللا‬
‫يعرف اليوم في الفقه الغربي بنظريللة التعسللف‬
‫في استعمال الحق هذه النظرية التي سبق إليها‬
‫المسلللمون الفقلله الغربللي بعللدة قللرون‪ ،‬وقللد‬
‫استمدت مللن حللديث أبللي هريللرة سللالف الللذكر‪،‬‬
‫الذي عممه عمللر فللي كللل مللا يحتللاج الجللار إلللى‬
‫النتفاع به من دار جللاره وأرضلله وذهللب آخللرون‬
‫إلى أنه ل يجوز ذلك إل بإذن جاره)‪.(941‬‬
‫ويلحظ على هذه النازلة عدة أمور وهي‪:‬‬
‫أن هلللذه النازللللة تلللدخل فلللي الجتهلللاد‬ ‫‪-1‬‬
‫القضائي لعمللر‪ ،‬لنلله قضللى فيهللا بنللاء علللى‬
‫شكوى تقدم بهللا الضللحاك إلللى عمللر بعللد أن‬
‫امتنع محمد بللن مسلللمة مللن السللتجابة لمللا‬
‫طللب منلله بصلفة وديللة‪ ،‬وبعلد أن دعللي هلذا‬
‫الخير للحضور في مجلللس عمللر رضللي الللله‬
‫عنه‪.‬‬
‫أن عمر لم يحكم في هلذه النازللة جزافلا ً‬ ‫‪-2‬‬
‫بل إنه تثبت في المر واطلع علللى ملبسللات‬
‫القضية وتأكد من إصرار الخصم على موقفه‬
‫الرافض لمرور الماء في أرضه‪ ،‬وهللو موقللف‬
‫ل مبرر له‪ ،‬لن مرور الماء لم يكن يشلكل أي‬
‫ضرر على المدعى عليه بل على العكس مللن‬
‫ذلك كان سيعود عليه بالنفع المحض ويحقللق‬
‫المصلحة المشتركة للطرفيللن مع لًا‪ ،‬ومللا دام‬
‫المر كذلك فللإن المتنللاع عنلله يشللكل حللائل ً‬
‫أمام تحقيق مصلحة عامة ويدخل فللي نطللاق‬
‫التعسف في استعمال الحق‪ ،‬ولللم يكللن عمللر‬

‫‪ ()941‬الجتهاد في الفقه السلمي ص ‪.141 ،140‬‬


‫ليتهاون في تحقيق الصالح العام لكللل أفللراد‬
‫المة‪.‬‬
‫‪ -3‬ليللن سلليدنا عمللر محمللد بللن مسلللمة‪ ،‬وهللو‬
‫يخللاطبه مللذكرا ً إيللاه بللأخوة السلللم محللاول ً‬
‫إقناعه بالرجوع إلى جادة الصواب ولما قابللل‬
‫هذا اللين بالرفض البات المشللفوع بالقسللم‪،‬‬
‫وهللو موقللف أبللان عللن تحللد لمللر الخليفللة‬
‫وامتناع عن النصللياع لحكملله‪ ،‬فجللاء رد فعللل‬
‫عمر عنيف لا ً وفللي مسللتوى مسللؤوليته صللونا‬
‫لهيبللة الخلفللة الللتي لللم يكللن يسللتعملها إل‬
‫لتحقيللق الصللالح العللام لجماعللة المسلللمين‬
‫وصيانة الحقوق)‪.(942‬‬
‫ثامنًا‪ :‬إمضاؤه الطلق الثلث بلفظ واحد‪:‬‬
‫عللن ابللن عبللاس قللال‪ :‬كللان الطلق علللى عهللد‬
‫رسول الله ‪ ‬وأبي بكر وسنتين من خلفة عمللر‬
‫طلق الثلث واحدة فقال عمر بللن الخطللاب‪ :‬إن‬
‫الناس قد استعجلوا في أمر قلد كلانت لهلم فيله‬
‫أنللاة فلللو أمضلليناه عليهللم‪ ،‬فأمضللاه عليهللم)‪،(943‬‬
‫وعلللللللللن أبلللللللللي الصلللللللللهباء قلللللللللال‬
‫ل واحللدة‬ ‫لبن عباس‪ :‬أتعلم أّنما كانت الثلث ُتجع ُ‬
‫على عهد النللبي ‪ ‬وأبللي بكللر وثلثلا ً مللن إمللارة‬
‫عمر؟ فقال ابن عباس نعم)‪.(944‬‬
‫في هذين الثرين قضى عمر بن الخطللاب رضللي‬
‫الله عنه بإيقاع الطلق الثلث ثلثللًا‪ ،‬علللى خلف‬
‫ما كان عليه في عهد رسول الللله ‪ ‬وعهللد أبللي‬

‫‪ ()942‬الجتهاد في الفقه السلمي ص ‪.142 ،141‬‬


‫‪ ()943‬مسلم‪ ،‬ك الطلق رقم ‪. 1472‬‬
‫‪ ()944‬مسلم‪ ،‬ك الطلق رقم ‪. 1472‬‬
‫بكر الصديق‪ ،‬حيث كان الطلق ثلثا ً بلفللظ واحللد‬
‫أو مجلس واحد يوقع طلقة واحدة‪ .‬ووجهللة عمللر‬
‫في إيقاع هذه العقوبة والتعزير أن الناس أكثروا‬
‫مللن إحللداث طلق الثلث‪ ،‬فللأراد أن يردهللم إلللى‬
‫سللّني الللذي شللرعه الللله‪ ،‬وهللو إيقللاع‬
‫الطلق ال ّ‬
‫طلقة واحدة ثم يتركها حتى تنتهي عللدتها‪ ،‬فللإن‬
‫كان له رغبة في عللودة وشللائج الزوجيللة راجعهللا‬
‫قبل انتهاء العدة‪ ،‬وهكذا حتى تنتهي عدد الطلق‬
‫الثلث)‪ ،(945‬وهذا التصرف من عمللر بللن الخطللاب‬
‫اعتللبره بعللض النللاس مخالفللة للنصللوص ومنهللم‬
‫الدكتور عطية مصطفى مشرفة حيث قال‪ :‬وكان‬
‫عمر جللريئا ً فللي العمللل بللالرأي ولللو خللالف ذلللك‬
‫بعللض النصللوص والقواعللد الللتي كللانت معروفللة‬
‫ومعمللول ً بهللا مللن قبللل‪ ،‬ليكللون الحكللم ملئمللا ً‬
‫لحوال المجتمع السلمي الجديد)‪ ،(946‬وذكللر مللن‬
‫المثال التي ضللربها إيقللاع الطلق بلفللظ الثلث‬
‫ثلثا ً)‪ (947‬والحق أن عمر بهذا التصرف لللم يخللالف‬
‫النصللوص القطعيللة‪ ،‬وإنمللا اجتهللد فللي فهللم‬
‫النصوص‪ ،‬إذ له سند منها‪:‬‬
‫‪ -1‬روى مالك عن أشللهب عللن القاسللم بللن عبللد‬
‫دثه أن‬
‫الللللله أن يحيللللى بللللن سللللعيد حلللل ّ‬
‫دثه‪ ،‬أن‬ ‫ابن شهاب حللدثه‪ ،‬أن ابللن المسلليب ح ل ّ‬
‫رجل ً من أسلم طلق امرأته علللى عهللد رسللول‬
‫اللللله ‪ ‬ثلث تطليقلللات‪ ،‬فقلللال لللله بعلللض‬
‫الصحابة‪ :‬إن لك عليها رجعة‪ ،‬فانطلقت امرأته‬
‫‪ ()945‬القضاء في عهد عمر بن الخطاب د‪ .‬ناصر الطريفي )‬
‫‪.(2/733‬‬
‫‪ ()946‬القضاء في السلم ص ‪. 98‬‬
‫‪ ()947‬المصدر نفسه ص ‪. 99‬‬
‫حتى وقفت علللى رسللول الللله ‪ ‬فقللالت‪ :‬إن‬
‫قني ثلث تطليقات في كلمة واحدة‬ ‫زوجي طَل ّ َ‬
‫فقللال لهللا رسللول الللله ‪ :‬قللد بنللت منلله ول‬
‫ميراث بينكمللا)‪ .(948‬ففللي هللذا الحللديث أمضللى‬
‫رسللول الللله ‪ ‬الطلق الثلث بكلمللة واحللدة‬
‫ثلثًا‪.‬‬
‫‪ -2‬روى النسائي بسنده‪ :‬أن رسول الله ‪ ‬أخللبر‬
‫عن رجل طلللق امرأتلله ثلث تطليقللات جميع لا ً‬
‫فقام غضبان ثم قال‪ :‬أيلعب بكتللاب الللله وأنللا‬
‫ل وقال‪ :‬يللا رسللول‬ ‫ج ٌ‬
‫بين أظهركم حتى قام ر ُ‬
‫الللله أل أقتللله)‪ ،(949‬ففللي هللذا الحللديث غضللب‬
‫رسللول الللله ‪ ‬علللى مللن طلللق امرأتلله ثلث لا ً‬
‫بلفللظ واحللد وأنكللر عليلله‪ ،‬ممللا يللدل علللى‬
‫وقوعها‪ ،‬إذ لو لم تقع الثلث بلفظ واحد ثلثللا ً‬
‫لبّين ذلك رسول الله ‪ ،‬لن تأخير البيان عللن‬
‫وقللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللت‬
‫الحاجة مع إمكانه غير جائز)‪.(950‬‬
‫‪ -3‬وعن نافع بن عمير بن عبد يزيد بن ركانة‪ ،‬أن‬
‫سلهيمة ألبّتلة‪،‬‬ ‫ركانة بن عبد يزيد طلق امرأتله ُ‬
‫فأخبر النبي ‪ ‬بذلك وقال‪ :‬والله مللا أردت إل‬
‫واحدة‪ ،‬فقال رسول الله ‪ :‬والله ما أردت إل‬
‫واحدة؟ فقال ركانة‪ :‬والله مللا أردت إل واحللدة‬

‫‪ () 948‬المدونة الكبرى‪ ،‬ك الطلق‪ ،‬باب طلق السنة )‪ (2/62‬وهو‬


‫مرسل‪ ،‬ولكن مراسيل سعيد بن المسيب كلها صحاح‪.‬‬
‫‪ () 949‬سنن النسائي‪ ،‬ك الطلق الثلث المجموعة )‪ (6/142‬قال‬
‫ابن حجر عن هذا الحديث‪ :‬أخرجه النسائي ورجاله ثقات فتح‬
‫الباري )‪ (9/362‬وقال ابن القيم‪ :‬وإسناده على شرط مسلم‬
‫زاد المعاد )‪.(5/241‬‬
‫‪ ()950‬القضاء في عهد عمر بن الخطاب)‪.(2/736‬‬
‫فردها إليه رسول الله ‪ ‬فطلقها الثانية فللي‬
‫زمان عمر‪ ،‬والثالثة في زمان عثمان)‪.(951‬‬
‫ففي هذا الحديث لما طلق ركانة زوجته البتللة‪،‬‬
‫وادعى أنه لم يرد إل طلقللة واحللدة‪ ،‬اسللتحلفه‬
‫الرسول ‪ ‬على أنه ما يريد إل طلقللة واحللدة‪،‬‬
‫فحلف فردها إليه‪ ،‬مما يدل على أنه لللو قصللد‬
‫بطلقه البتة الطلق الثلث لللوقعن‪ ،‬وإل فلللم‬
‫يكن لتحليفه معنى‪ ،‬وبعد سياق مللا تقللدم نجللد‬
‫أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الللله‬
‫عنه استند إلى دليل ملن سلنة رسلول اللله ‪‬‬
‫وأنه بإمضائه الثلث بلفظ واحد ثلث لا ً لللم يكللن‬
‫بدعا من عند نفسه‪ ،‬كما أن كثيرا ً من الصحابة‬
‫رضوان الللله عليهللم وافقلله فيمللا ذهللب إليلله‪،‬‬
‫كعثمان بن عفان‪ ،‬وعلي بن أبي طللالب وعبللد‬
‫الله بن عبللاس‪ ،‬وعبللد الللله بللن مسللعود ولهللم‬
‫أكثر من رواية‪ ،‬وعمران بن حصين وعلى هللذا‬
‫فقضللية إيقللاع الطلق ثلثلا ً بكلمللة واحللدة‪ ،‬أو‬
‫كلمات مثل أن يقول‪ :‬أنت طالق ثلثًا‪ ،‬أو أنللت‬
‫طالق وطالق وطالق أو أنت طللالق ثللم طللالق‬
‫ثم طالق أو يقول‪ :‬أنت طالق ثم ثلثا ً أو عشلر‬
‫طلقات‪ ،‬أو مائة طلقة‪ ،‬أو ألف طلقة‪ ،‬أو نحللو‬
‫ذلللك مللن العبللارات مسللألة اجتهاديللة للحللاكم‬
‫بحسللب مللا يللرى مللن المصلللحة فللي الزمللان‬
‫‪ () 951‬سنن أبي داود‪ ،‬ك الطلق‪ ،‬باب في البتة )‪ (1/511‬قال أبو‬
‫داود وهذا أصح من حديث جريج إن ركانة طلق امرأته ثلثا ً‬
‫لنهم أهل بيته وهم أعلم به وقال النووي‪ :‬وأما الرواية التي‬
‫رواها المخالفون أن ركانة طلق ثلثا ً فجعلها واحدة فرواية‬
‫ضعيفة عن قوم مجهولين وإنما الصحيح منها ما قدمناه أنه‬
‫طلقها ألبتة ولفظ البتة محتمل للواحدة والثلثة شرح النووي‬
‫)‪.(10/71‬‬
‫والمكللان أن يوقعهللا ثلثللا ً أو طلقللة واحللدة‬
‫رجعية)‪ ،(952‬وقللال ابللن القيللم رحملله الللله‪ :‬لللم‬
‫يخللالف عمللر إجمللاع مللن تقللدمه‪ ،‬بللل رأى‬
‫إلزامهم بلالثلث عقوبلة لهلم‪ ،‬لملا علملوا أنله‬
‫حللرام وتتللابعوا فيلله‪ ،‬ول ريللب أن هللذا سللائغ‬
‫مة أن يلزموا النللاس بمللا ضلليقوا بلله علللى‬ ‫للئ ّ‬
‫أنفسهم‪ ،‬ولم يقبلوا فيه رخصة الللله عزوجللل‬
‫وتسهيله)‪.(953‬‬
‫تاسعا ً تحريم نكاح المتعة‪:‬‬
‫رويت عن عمر بن الخطاب رضي الللله عنلله آثللار‬
‫فللي تحريللم نكللاح المتعللة والتشللديد فللي ذلللك‪،‬‬
‫واعتباره زنا يعاقب عليه بللالرجم بالحجللارة لمللن‬
‫أحصن وقد ظن بعللض النللاس أن المح لّرم لنكللاح‬
‫المتعة هو عمر بن الخطاب دون رسول الللله ‪،‬‬
‫فعلللللللن أبلللللللي نضلللللللرة قلللللللال‪ :‬كلللللللان‬
‫ابن عباس يأمر بالمتعة‪ ،‬وكان ابللن الزبيللر ينهللى‬
‫عنهللللا‪ ،‬قللللال‪ :‬فللللذكرت ذلللللك لجللللابر بللللن‬
‫عبد الله فقال‪ :‬على يدي دار الحديث تمتعنللا مللع‬
‫رسول الله ‪ ،‬فلما قام عمر قللال إن الللله كللان‬
‫يحل لرسوله ما شاء الله بمللا شللاء‪ ،‬وإن القللرآن‬
‫ج والعمللرة لللله كمللا‬‫قد نزل منللازله‪ ،‬فللأتموا الحل ّ‬
‫ُ‬
‫أمركم الله‪ ،‬وأبّتوا نكاح هللذه الّنسللاء فلللن أوتللى‬
‫برجللللل نكللللح امللللرأة إلللللى أجللللل إل رجمتلللله‬
‫بالحجارة)‪ ،(954‬فهللذا الثللر يفيللد أن المتعللة كللانت‬
‫على عهد رسول الله ‪ ‬وأن الللذي حّرمهللا عمللر‬

‫‪ ()952‬الفقهاء في عهد عمر بن الخطاب )‪.(739-2/736‬‬


‫‪ ()953‬زاد المعاد )‪.(5/270‬‬
‫‪ ()954‬مسلم‪ ،‬ك الحج‪ ،‬رقم ‪. 1217‬‬
‫بن الخطاب والثلار اللتي تفيلد أن المتعلة كلانت‬
‫حلل ً في عهد رسول الله ‪ ‬ولم يحرمها وكذلك‬
‫عهد أبللي بكللر وإنمللا الللذي حللرم المتعللة بعللد أن‬
‫ل‪ ،‬هو أمير المؤمنين الفاروق عمللر بللن‬ ‫كانت حل ً‬
‫ذكللللرت عنللللد مسلللللم‪ ،‬ومصللللنف‬ ‫الخطللللاب ُ‬
‫عبد الرزاق وفي الحقيقية أن الذي حلّرم المتعللة‬
‫هللو رسللول الللله ‪ ‬وأن الللذين نقللل عنهللم مللن‬
‫الصحابة الذين كانوا يرون جواز نكاح المتعة‪ ،‬ولم‬
‫يبلغهم النهي القاطع عن رسول الله ‪ ،‬وكذلك‬
‫من نسب تحريم المتعللة إلللى عمللر بللن الخطللاب‬
‫دون أن يكون له سند من النصوص الشرعية مللن‬
‫المتلللأخرين‪ ،‬أمثلللال أبلللي هلل العسلللكري)‪،(955‬‬
‫ورفيق العظم)‪ (956‬فقد جهل أدلة ذلللك مللن سللنة‬
‫رسول الله ‪ ‬والتي كللانت سللندا ً للفللاروق فللي‬
‫تحريمه للمتعة وإليك بعض الحاديث الللتي وردت‬
‫عن رسول الله والتي تفيد أنه حرم نكاح المتعللة‬
‫والتي منها‪:‬‬
‫‪ -1‬روى مسلللم بسللنده عللن سلللمة قللال‪ :‬رخللص‬
‫رسللول الللله ‪ ‬عللام أوطللاس)‪ (957‬فللي المتعللة‬
‫ثلثًا‪ ،‬ثم نهى عنها)‪.(958‬‬
‫‪ -2‬وروى مسلم بسنده عن سللبرة أنلله قللال‪ :‬أذن‬
‫لنا رسول الله ‪ ‬بالمتعة فانطلقت أنا ورجللل‬
‫‪ ()955‬الوائل )‪.(239-1/238‬‬
‫‪ ()956‬أشهر مشاهير السلم )‪ ،(2/432‬القضاء في عهد عمر بن‬
‫الخطاب )‪.(2/756‬‬
‫‪ () 957‬أوطاس‪ :‬واٍد في الطائف ويوم أوطاس ويوم فتح مكة في‬
‫عام واحد‪ ،‬وهو سنة ثمان من الهجرة شرح النووي لصحيح‬
‫مسلم )‪.(9/184‬‬
‫‪ () 958‬مسلم‪ ،‬ك النكاح‪ ،‬باب نكاح المتعة وبيان أنه أبيح ثم نسخ‪،‬‬
‫ثم أبيح ثم نسخ‪ ،‬واستقر تحريمه إلى يوم القيامة )‪.(2/1033‬‬
‫إللللى املللرأة ملللن بنلللي علللامر‪ ،‬كأنهلللا بكلللرة‬
‫عيطاء)‪ ،(959‬فعرضنا عليها أنفسنا‪ ،‬فقللالت‪ :‬مللا‬
‫تعطللى؟ فقللالت ردائي وقللال صللاحبي ردائي‪،‬‬
‫وكللان رداء صللاحبي أجللود مللن ردائي‪ ،‬وكنللت‬
‫أشب منه)‪ ،(960‬فللإذا نظللرت إلللى رداء صللاحبي‬
‫ي أعجبتهللا‪ ،‬ثللم قللالت‪:‬‬ ‫أعجبها‪ ،‬وإذا نظرت إل ل ّ‬
‫أنت ورداؤك يكفيني‪ ،‬فمكثت معها ثلثا ً ثللم إن‬
‫رسول الله ‪ ‬قال‪ :‬من كان عنللده شلليء مللن‬
‫ع‪ ،‬فلُيخل سبيلها)‪.(961‬‬ ‫هذه النساء التي ي ََتمت ّ ُ‬
‫‪ -3‬وروى مسلم بسنده عللن سللبرة الجهنللي‪ ،‬أنلله‬
‫كان مع رسول اللله ‪ ‬فقلال‪ :‬يلا أيهلا النلاس‬
‫ت لكللم فللي السللتمتاع مللن‬ ‫َ‬
‫إّني قللد كنللت أِذن ْل ُ‬
‫النسللاء‪ ،‬وإن الللله قللد حللّرم ذلللك إلللى يللوم‬
‫القيامة‪ ،‬فمن كان عنده شلليء فلُيخللل سللبيله‬
‫ول تأخذوا مما آتيتموهن شيئا ً)‪.(962‬‬
‫‪ -4‬ورورى مسلم بسنده عن علي بن أبي طللالب‬
‫ن فللي متعللة النسللاء‬ ‫أنه سمع ابللن عبللاس ُيلي ّل ُ‬
‫فقال‪ :‬مهل ً يا ابن عباس‪ ،‬فإن رسللول الللله ‪‬‬
‫نهللى عنهللا يللوم خيللبر‪ ،‬وعللن لحللوم الحمللر‬
‫النسية)‪.(963‬‬

‫‪ () 959‬البكرة‪ :‬هي الفتية من البل‪ ،‬أي الشابة القوية‪ ،‬وأما‬


‫العيطاء فهي الطويلة العنق في اعتدال وحسن قوام شرح‬
‫النووي لمسلم )‪.(185-9/184‬‬
‫‪ ()960‬وفي رواية ثانية لمسلم‪ .‬وهو قريب من الدمامة‪.‬‬

‫‪ ()961‬أي يتمتع بها‪ ،‬فحذف بها لدللة الكلم عليه‪ ،‬أو أوقع يتمتع‬
‫موقع يباشر أي يباشرها وحذف المفعول‪.‬‬
‫‪ ()962‬مسلم ك النكاح رقم ‪. 1406‬‬
‫‪ ()963‬مسلم ك النكاح _‪ (2/1027‬رقم ‪. 1407‬‬
‫إن الفاروق رضي الللله عنلله لللم يبتللدع تحريللم‬
‫نكاح المتعللة مللن عنللد نفسلله‪ ،‬بللل كللان متبعلا ً‬
‫لرسول الله ‪ ‬حيث حرمها ‪ ‬عام الفتح فللي‬
‫السنة الثامنة من الهجللرة تحريم لا ً مؤبللدًا‪ ،‬بعللد‬
‫أن حرمها في خيبر سنة ست من الهجرة‪ ،‬ثللم‬
‫أحلها عام الفتح فمكث النللاس خمسللة عشللرة‬
‫يوما ً وهم يستمتعون‪ ،‬ثم حرمهللا ‪ ‬إلللى يللوم‬
‫القيامة)‪.(964‬‬
‫عاشرًا‪ :‬من اختيارات عمر رضي الله عنه الفقهية‪:‬‬
‫أّثر عمر رضي الله عنه في المؤسسللة القضللائية‬
‫باجتهلللاداته فلللي مجلللال القصلللاص والحلللدود‬
‫والجنايللات والتعزيللر‪ ،‬كمللا أنلله رضللي الللله عنلله‬
‫ساهم في تطوير المللدارس الفقهيللة السلللمية‬
‫باجتهاداته الدالة على سعة اطلعه وغزارة علمه‬
‫وعمق فقهه وفهمه واستيعابه لمقاصد الشريعة‬
‫الغّراء وله مسللائل كللثيرة فللي الفقلله السلللمي‬
‫اختارها ومال إليها وإليك بعضها‪:‬‬
‫‪ -1‬اختار عمر رضي الله عنه أن جلد الميتة يطهر‬
‫بالدباغ إذا كانت طاهرة في حال الحياة‪.‬‬
‫‪ -2‬اختار عمر رضي الله عنه كراهللة الصلللة فللي‬
‫جلود الثعالب‪.‬‬
‫‪ -3‬اختيار عمر رضللي الللله عنلله ل يكللره السللواك‬
‫للصائم بعد الزوال بل يستحب‪.‬‬
‫‪ -4‬اختيار عمر رضللي الللله عنلله أن المسللح علللى‬
‫الخفين وما أشبهها موقت بيوم وليلة للمقيم‪،‬‬
‫وثلثة أيام ولياليهن للمسافر‪.‬‬

‫‪ ()964‬القضاء في عهد عمر بن الخطاب )‪.(2/756‬‬


‫‪ -5‬اختيار عمر رضي الله عنه ابتداء مللدة المسللح‬
‫على المسح بعد الحدث‪.‬‬
‫‪ -6‬أن وقت الجمعة إذا زالت الشمس‪.‬‬
‫‪ -7‬اختيار عمر أن مس الذكر ينقض الوضوء‪.‬‬
‫‪ -8‬اختيار عمر أن التكللبير فلي العيللد مللن الفجللر‬
‫يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق‪.‬‬
‫‪ -9‬اختيار أبي بكللر وعمللر المشللي أمللام الجنللازة‬
‫أفضل‪.‬‬
‫‪ -10‬اختياره تجب الزكاة على الصبي والمجنون‪.‬‬
‫‪ -11‬اختيار عمر القول بإثبللات خيللار الفسللخ‪ ،‬وإن‬
‫لكل واحد الخيار ما دام في المجلس‪.‬‬
‫‪ -12‬اختيار ل يصح السلم في الحيوان‪.‬‬
‫‪ -13‬اختياره أنه إذا شرط أنه متى حل الحللق ولللم‬
‫يوف فالرهن بالدين‪ ،‬فهو مبيع بالدين‪ ،‬الللذي‬
‫عليك‪ ،‬فهو شرط فاسد‪.‬‬
‫‪ -14‬اختيار عمللر إذا وجللد الغريللم عيللن مللاله عنللد‬
‫المفلس فهو أحق بها‪.‬‬
‫‪ -15‬اختيار عمر أن الجارية ل يدفع إليها مالها بعد‬
‫بلوغهللا حللتى تللتزوج أو تلللد أو تمضللي عليهللا‬
‫سنة في بيت الزوج‪.‬‬
‫‪ -16‬اختيللار عمللر أن عيللن الدابللة تضللمن بربللع‬
‫قيمتها‪.‬‬
‫‪ -17‬اختيللار عمللر أن الشللفعة ل تكللون إل فللي‬
‫المشاع غير المقسوم‪ ،‬فأما الجار فل شفعة‬
‫له‪.‬‬
‫‪ -18‬اختياره تجوز المساقاة في جميع الشجر‪.‬‬
‫‪ -19‬اختيار أبي بكر وعمر جللواز اسللتئجار الجيللر‬
‫بكسوته‪.‬‬
‫‪ -20‬اختياره ل تلزم الهبة إل بالقبض‪.‬‬
‫‪ -21‬اختياره من وهب لغير ذي رحم فله الرجللوع‬
‫مللا لللم ُيثللب عليهللا‪ ،‬ومللن وهللب لللذي رحللم‬
‫فليس له الرجوع‪.‬‬
‫‪ -22‬اختياره أن مدة تعريف اللقطة سنة‪.‬‬
‫‪ -23‬اختيللاره يجللوز أخللذ اليسللير مللن اللقطللة‪،‬‬
‫والنتفاع به من غير تعريف‪.‬‬
‫‪ -24‬اختيللار عمللر أن اللقطللة إذا عرفهللا المللدة‬
‫المعتبرة‪ ،‬فلم يعرف مالكهللا‪ ،‬صللارت كسللائر‬
‫أمواله غنيا ً كان أو فقيرًا‪.‬‬
‫‪ -25‬اختيار عمر أن لقطة الحل والحرم سواء‪.‬‬
‫‪ -26‬اختياره اللقيط يقر بيللد مللن وجللده إن كللان‬
‫أمينًا‪.‬‬
‫‪ -27‬اختياره‪ :‬جللواز الرجللوع فللي الوصللية وقللال‪:‬‬
‫يغير الرجل ما شاء من وصيته‪.‬‬
‫‪ -28‬اختيار عمر أن الكللللة اسللم للميللت الللذي ل‬
‫ولد له ول والد‪.‬‬
‫‪ -29‬اختياره أن الخوات مع البنات عصبة لهن ما‬
‫فضل‪.‬‬
‫‪ -30‬إذا كان زوج وأم‪ ،‬وإخوة مللن أم وإخللوة مللن‬
‫أب وأم فهللذه المسللألة فللي علللم المللواريث‬
‫اختلف العلمللاء فيهللا قللديما ً وحللديثًا‪ ،‬فيللروى‬
‫عن عمر وعثمان وزيللد بللن ثللابت رضللي الللله‬
‫عنهم أنهم شركوا بين ولد البوين وولد الم‬
‫في الثلث‪ ،‬فقسللموه بينهللم بالسللوية للللذكر‬
‫مثللل حللظ النللثيين‪ ،‬ويللروى أن عمللر كللان‬
‫أسقط ولد البللوين فقللال بعضللهم‪ :‬يللا أميللر‬
‫المؤمنين هب أن أبانا كان حمارا ً أليست أمنا‬
‫واحدة‪ ،‬فشرك بينهم وهللذه المسللألة تسللمى‬
‫مى الحمارية لما تقدم‪.‬‬ ‫المشّركة وتس ّ‬
‫‪ -31‬اختياره أن للجدات وإن كثرت السدس وهللو‬
‫قول أبي بكر‪.‬‬
‫‪ -32‬اختيللار عمللر فللي أم وأخللت وجللد؛ للخللت‬
‫النصف‪ ،‬وللم ثلث ما بقي‪ ،‬وما بقي للجد‪.‬‬
‫‪ -33‬اختيللار عمللر إذا كللان زوج وأبللوان؛ أعطللي‬
‫الزوج النصف‪ ،‬والم ثلث ما بقي‪ ،‬ومللا بقللي‬
‫فللب وإذا كلللانت زوجلللة وأبلللوان أعطيلللت‬
‫الزوجة الربع‪ ،‬والم ثلث ما بقي‪ ،‬ومللا بقللي‬
‫فللب وهاتللللللان المسللللللألتان تسللللللميان‬
‫بالعمريتين‪ ،‬لن عمر رضي الللله عنلله قضللى‬
‫فيهما بهذا‪.‬‬
‫‪ -34‬اختيار توريث ذوي الرحللام إذا لللم يكللن ذوا‬
‫فرض ول عصبة)‪.(965‬‬
‫هذه بعض الختيارات العمرية فللي مجللال الفقلله‬
‫وهي تستحق البحث والتأصيل وإنما ذكرتها مللن‬
‫باب الشارة‪.‬‬

‫‪ ()965‬انظر محض الصواب )‪.(774-3/754‬‬


‫الفصل الخامس‬
‫فقه عمر رضي الله عنه في التعامل مع الولة‬
‫لما اتسعت رقعة الدولة السلمية في عهد عمر‪،‬‬
‫قسم الدولة أقساما ً إدارية كبيرة‪ ،‬ليسهل حكمها‬
‫والشراف على مواردهللا‪ ،‬وقللد كللانت الفتوحللات‬
‫سببا ً رئيسا ً في تطللوير عمللر لمؤسسللات الدولللة‬
‫ومن بينها مؤسسة الولة‪.‬‬
‫المبحث الول‪ :‬أقاليم الدولة‪:‬‬
‫يعتبر تقسيم الوليات في عهد عمر امتللدادا ً فلي‬
‫أبي بكر‬ ‫بعض نواحيه لما كانت عليه في عهد‬
‫إقليميًا‪ ،‬مع وجود تغيرات في المناصب القياديللة‬
‫لهذه الوليات في كثير من الحيللان وإليللك نبللذة‬
‫مختصرة عن هذه الوليات‪.‬‬
‫أو ً‬
‫ل‪ :‬مكة المكرمة‪:‬‬
‫تولى ولية مكة فللي عهللد عمللر رضللي الللله عنلله‬
‫محرز بن حارثة بن ربيعة بن عبد شمس ثم ولللي‬ ‫ُ‬
‫قذ بللن عميللر بللن جللدعان التميمللي‪،‬‬ ‫فن ُ‬
‫مكة لعمر ُ‬
‫وشأنه شأن من سبقه فلم تذكر أخبلار علن مللدة‬
‫وليته لمكلة أو أحللداثها وبعلده تلولى مكللة لعملر‬
‫)نللافع بللن الحللارث الخزاعللي( وقللد تللوفي عمللر‬
‫رضي الله عنه وهو علللى مكللة وذكللرت المصللادر‬
‫بعض الحداث عن وليته مكللة منهللا شللراؤه دارا ً‬
‫من صفوان بن أميللة بغللرض جعلهللا سللجنا ً وذلللك‬
‫فيما رواه البخللاري)‪ (966‬وقللد ورد أيض لا ً أن نافع لا ً‬
‫‪ () 966‬البخاري‪ ،‬ك الخصومات )‪ (3،25‬باب الربط والحبس مسند‬
‫أحمد رقم ‪ 232‬الموسوعة الحديثية إسناده صحيح‪.‬‬
‫فان( أثناء قللدومه للحللج فقللال‬ ‫س َ‬
‫ع ْ‬
‫لقي عمر بل ) ُ‬
‫له عمر من اسلتعملت عللى اللوادي يعنلي مكلة؟‬
‫قال نللافع‪ :‬ابللن )أب ْللزى( قللال‪ :‬ومللن ابللن أب ْللزى؟‬
‫قال‪ :‬مولى من موالينا‪ ،‬فقال‪ :‬استعملت عليهللم‬
‫مللولى؟ فقللال‪ :‬إنلله قللارئ لكتللاب الللله عللالم‬
‫بللالفرائض قللال عمللر‪ :‬أمللا إن نللبيكم قللال‪ :‬الللله‬
‫يرفللع بهللذا الكتللاب قوملا ً ويضللع بلله آخريللن)‪،(967‬‬
‫وفي عهد عمر كللانت أبللرز العمللال لوليللة مكللة‬
‫هي توسعة الحرم المكي حيث قللام عمللر بشللراء‬
‫بعللض الللدور المجللاورة للحللرم وأمللر بهللدمها‬
‫وإدخالها ضمن حرم المسجد وبنى حللوله جللدرانا ً‬
‫قصيرة كللانت مكللة ملتقللى المللراء والللولة فللي‬
‫مختلف الصقاع بالخليفة عمر بن الخطاب رضي‬
‫الله عنه في موسم الحج وبالتالي كان لمكة دور‬
‫أساسي كبير كإحللدى الوليللات الرئيسللية للدولللة‬
‫السلمية في عهد عمر رضي الله عنه‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬المدينة النبوية‪:‬‬
‫يعتبر الخليفة هو الوالي المباشر للمدينة‪ ،‬نظللرا ً‬
‫لنه كان يقيم فيها وبالتالي كان يتولى شللؤونها‬
‫ويسوس أمورها‪ ،‬وخلل غياب الخليفة عمللر عللن‬
‫المدينة كان يولي عليهللا مللن يقللوم مقللامه فللي‬
‫إدارة شؤون المدينة المختلفة‪ ،‬فكان عمر أحيانللا‬
‫يولي على المدينللة خلل بعللض أسللفاره أو حجلله‬
‫) زيد بن ثابت رضي الله عنه)‪ ((968‬كما ولى عمللر‬
‫علللللللللللللللللللللللللللللي بللللللللللللللللللللللللللللن‬

‫‪ () 967‬الولية على البلدان عبد العزيز العمري )‪ (1/67‬وهذا أهم‬


‫مرجع في الفصل وقد قمت بتلخيص هذا الكتاب‪.‬‬
‫‪ ()968‬الولية على البلدان )‪.(1/68‬‬
‫)‪(969‬‬
‫أبي طالب على المدينة عدة مرات أثناء غيابه‬
‫وهكذا فإن عمر رضي الله عنه سار على سياسة‬
‫الرسللول ‪ ‬وأبللي بكللر فللي السللتخلف علللى‬
‫المدينة في حال غيابه‪ ،‬وتكتسللب وليللة المدينللة‬
‫المنللورة أهميللة سياسللية متميللزة بيللن الوليللات‬
‫المختلفة في تلك اليام لعدة أسباب على رأسها‬
‫أنهللا مقللر الخليفللة عمللر‪ ،‬ومصللدر الوامللر إلللى‬
‫مختلف القاليم السلمية ومنها تنطلق الجيوش‬
‫المجاهدة‪ ،‬يضاف لذلك أنها مقر إقامة الكثير من‬
‫الصحابة رضوان الللله عليهللم‪ ،‬والللذين كللان عمللر‬
‫يمنعهم من النتشار في المصار)‪ ،(970‬ولذلك كان‬
‫يفد إليها الكثير من طلب العلللم الللذين يريللدون‬
‫أن يأخذوا القللرآن وسللنة الرسللول ‪ ‬وفقههمللا‬
‫من أفواه الصحابة رضوان الله عليهم)‪.(971‬‬
‫ثالثًا‪ :‬الطائف‪:‬‬
‫تعتبر الطائف إحدى أهللم المللدن السلللمية فللي‬
‫عهللد عمللر رضللي الللله عنلله‪ ،‬وكللانت تمللد حركللة‬
‫الجهاد بالمقاتلين الشداء‪ ،‬وكان واليها منذ عهللد‬
‫الرسلللللللللللللول ‪ ‬عثملللللللللللللان بلللللللللللللن‬
‫أبي العاص وأقره أبللو بكللر علللى مللا كللان عليلله‪،‬‬
‫واستمرت وليته على الطائف لمدة سللنتين مللن‬
‫خلفة عمللر‪ ،‬وقللد تللاقت نفللس عثمللان بللن أبللي‬
‫العاص إلى الجهاد‪ ،‬فكتب إلى عمر يسللتأذنه فللي‬
‫الغزو فقال لله عملر‪ :‬أمللا أنللا فل أعزلللك‪ ،‬ولكللن‬
‫اسللتخلف مللن شللئت فاسللتخلف رجل ً مللن أهللل‬

‫‪ ()969‬تاريخ اليعقوبي )‪.(2/147‬‬


‫‪ ()970‬تاريخ اليعقوبي )‪.(2/157‬‬
‫‪ ()971‬الولية على البلدان )‪.(1/68‬‬
‫عمللان‬ ‫الطائف مكللانه‪ ،‬وعيللن عمللر عثمللان علللى ُ‬
‫والبحريلللن)‪ (972‬وقلللد ورد أن واللللي عملللر عللللى‬
‫الطائف حيللن وفللاته هللو )سللفيان بللن عبللد الللله‬
‫الثقفللي( )‪ ،(973‬وقللد كللان بينلله وبيللن عمللر بللن‬
‫الخطاب مكاتبات تتعلق بأخذ الزكاة مللن الخضللار‬
‫والفللواكه أو مللن العسللل)‪ ،(974‬وكلهللا تللدل علللى‬
‫كللثرة المللزارع ووفللرة النتللاج الزراعللي فللي‬
‫الطائف أيام عمر بلن الخطلاب رضلي اللله عنله‪،‬‬
‫وقللد ظلللت مدينللة الطللائف ومللا جاورهللا تنعللم‬
‫بالستقرار في عهد عمر رضللي الللله عنلله‪ ،‬وقللد‬
‫كللانت لهللل مكللة متنفسللا ً يقللدمون إليلله فللي‬
‫الصلليف)‪ ،(975‬واعتللبرت الطللائف أحللد المصللار‬
‫الرئيسللية التابعللة للدولللة السلللمية فللي عهللد‬
‫عمر)‪.(976‬‬

‫‪ ()972‬تاريخ خليفة بن خياط ص ‪. 134‬‬


‫‪ ()973‬تاريخ الطبري )‪.(5/239‬‬
‫‪ ()974‬الطائف في العصر الجاهلي وصدر السلم‪ ،‬نادية حسين‬
‫صقر ص ‪. 19‬‬
‫‪ ()975‬الطائف في العصر الجاهلي وصدر السلم ص ‪. 19‬‬
‫‪ ()976‬الولية على البلدان )‪.(1/69‬‬
‫رابعًا‪ :‬اليمن‪:‬‬
‫عندما تولى عمر رضلي اللله عنلله الخلفلة كلانت‬
‫اليمن تنعم بالستقرار‪ ،‬وقد ضبطت أمورها عللن‬
‫طريق ولة موزعين في أنحللاء اليمللن‪ ،‬وقللد أقللر‬
‫عمر عمال أبي بكر على اليمن)‪ ،(977‬وكللان يعلللى‬
‫بن أمية أحد ولة أبي بكر على اليمن‪ ،‬وقللد لمللع‬
‫اسللمه فللي خلفللة عمللر بللن الخطللاب‪ ،‬وذكللر‬
‫المؤرخون بأنه والي بعد ذلك على أنه والي عمر‬
‫على اليمن واشتهر بذلك حتى وفاة عمللر رضللي‬
‫الللله عنلله)‪ (978‬وقللد أوردت المصللادر العديللد مللن‬
‫الحللوادث الللتي وقعللت لللوالي اليمللن )يعلللى بللن‬
‫أمية( مع بعض الهلالي ملن اليمللن‪ ،‬إضللافة إللى‬
‫حللديثها عللن بعللض القضللايا الللتي قللدم أصللحابها‬
‫شكاوى ضد يعلى أمللام عمللر بللن الخطللاب‪ ،‬ممللا‬
‫استلزم استدعاء يعلى إلى المدينة المنورة عللدة‬
‫ملللرات حقلللق خللهلللا عملللر معللله فلللي هلللذه‬
‫القضللايا)‪،(979‬وفللي أثنللاء غيللاب يعلللى كللان عمللر‬
‫أحيانا ً يعين مكانه مللن يقللوم بعمللله‪ ،‬وقللد كللانت‬
‫بيللن يعلللى وعمللر عللدة مكاتبللات تتعلللق بقضللايا‬
‫الزكاة)‪ ،(980‬كمللا ذكللر يعلللى نفسلله ضللمن الللولة‬
‫اللللذين قاسلللمهم عملللر أملللوالهم فلللي أواخلللر‬
‫خلفته)‪ (981‬وقلد ذكلر ملن ولة اليملن لعملر عبلد‬
‫الله بن أبي ربيعة المخزومللي‪ ،‬ولعللله كللان علللى‬
‫جَند( كما صللرح‬ ‫منطقة محددة من اليمن وهي )ال َ‬
‫‪ ()977‬غاية الماني في أخبار القطر اليماني‪ ،‬يحيى بن الحسين )‬
‫‪.(1/83‬‬
‫‪ ()978‬تاريخ الطبري )‪.(2/157‬‬
‫‪ ()979‬غاية الماني )‪.(1/83‬‬
‫‪ ()980‬الموال للقاسم بن سلم ص ‪. 436‬‬
‫‪ ()981‬تاريخ اليعقوبي )‪.(2/157‬‬
‫بذلك الطبري حيث ذكره ضمن ولته حين وفللاته‬
‫إذ كان واليا ً لعمر على الجند بجللانب ذكللر ليعلللى‬
‫ل لليمللن)‪ (982‬وقللد لعللب أهللل اليمللن دورا ً‬‫كللوا ٍ‬
‫رئيسيا ً في حركة الفتوح أيام عمللر بللن الخطللاب‬
‫رضي الله عنه‪ ،‬فاشتركوا في فتوح الشام وفللي‬
‫فتوح العراق ومصر)‪ ،(983‬وعندما اختطت المصلار‬
‫السلمية الجديدة في العراق كالبصللرة والكوفللة‬
‫نزلتها الكثير من القبللائل اليمنيللة وعلللى رأسللها‬
‫كنده التي نزلت الكوفة)‪ ،(984‬كما اسللتقرت أعللداد‬
‫أخرى من القبائل اليمنية بالشام‪ ،‬وكان لهم دور‬
‫كبير في فتوحاتها‪ ،‬كمللا سللكنت مجموعللة منهللم‬
‫في مصر بعد إنشللاء الفسللطاط)‪ ،(985‬ول شللك أن‬
‫هذه الهجرات المنظمة من القبللائل اليمنيللة فللي‬
‫عهد عمر قد خطط لها‪ ،‬وقد يكون لمراء البلدان‬
‫على اليمللن دور كللبير فللي هللذا التخطيللط وفللي‬
‫عملية توزيللع القبللائل علللى المصللار‪ ،‬ومللن هنللا‬
‫كانت اليمللن مللن أهللم الوليللات السلللمية علللى‬
‫عهد عمر‪ ،‬وكان دورها وتأثيرها واضللحا ً بالنسللبة‬
‫لمختلف الوليات)‪.(986‬‬
‫خامسًا‪ :‬البحرين‪:‬‬
‫عندما تولى عمر أمللر المسلللمين كللان العلء بللن‬
‫الحضرمي واليا ً على البحريلن‪ ،‬فلأقره عملر فلي‬
‫بداية خلفته واليا ً عليها واستمر عليها حتى سنة‬

‫تاريخ الطبري )‪.(5/239‬‬ ‫‪()982‬‬


‫الولية على البلدان )‪.(1/71‬‬ ‫‪()983‬‬
‫اليمن في ظل السلم د‪ .‬عصام الدين ص ‪. 49‬‬ ‫‪()984‬‬
‫فتوح مصر وأخبارها لبن عبد الحكم ص ‪. 123-119‬‬ ‫‪()985‬‬
‫الوليات على البلدان )‪.(1/71‬‬ ‫‪()986‬‬
‫أربع عشرة على أرجح القوال)‪ ،(987‬وقللد اشللترك‬
‫العلء رضللي الللله عنلله فللي الجهللاد المبكللر فللي‬
‫نللواحي بلد الفلرس‪ ،‬وكللان للله دور رئيللس فيلله‪،‬‬
‫وفي أواخر فترة ولية العلء على البحرين أصدر‬
‫عمللر رضللي الللله عنلله قللرارا ً بعزللله العلء عللن‬
‫الولية‪ ،‬ونقله إلى ولية البصرة وقللد كللره العلء‬
‫ذلك فتللوفي قبللل أن يصللل البصللرة ودفللن فللي‬
‫البحرين وقد قيل في سبب عزله إنه غزا فارس‬
‫عن طريق البحرين دون إذن من عمر وكان عمللر‬
‫يكره أن يحمل المسلمين في البحر‪ ،‬وبعللد وفللاة‬
‫العلء تولى على البحرين عثمان بن أبي العللاص‪،‬‬
‫فأخذ يجاهد ما يليه من نواحي بلد فارس‪ ،‬حللتى‬
‫وصل في بعض فتوحه إلى نللواحي السللند‪ ،‬وقللد‬
‫صدرت أوامر عمر رضي الله عنه إلى عثمان بللن‬
‫أبي العاص تأمره بالتعاون في فتوحه مللع والللي‬
‫البصرة أبي موسى الشعري فأصبحت جيوشهما‬
‫تتعاون في غزو فارس عن طريق البصرة)‪.(988‬‬
‫وقد اشللتهر عللن عثمللان بللن أبللي العللاص ورعلله‬
‫وبعده عللن الوقللوع فللي الحللرام)‪ ،(989‬وقللد تللولى‬
‫عثمان ولية البحرين لعمر مرتين علللى القللل إذ‬
‫أنه وله للمرة الولى في السنة الخامسة عشرة‬
‫ثم احتاج إليه لقيادة بعض الجيللوش فللي نللواحي‬
‫البصللرة‪ ،‬ليشللترك فللي فتوحاتهللا‪ ،‬وقللد تللولى‬
‫)عّياش بن أبي ثور( )‪ (990‬البحرين بعد عثمللان بللن‬
‫أبي العاص‪ ،‬ويبدو أن فلترته للم تطلل‪ ،‬ثلم وللى‬
‫نفس المرجع )‪.(1/75‬‬ ‫‪()987‬‬
‫نفس المرجع )‪.(1/73‬‬ ‫‪()988‬‬
‫سير أعلم النبلء )‪.(2/374‬‬ ‫‪()989‬‬
‫الولية على البلدان )‪.(1/73‬‬ ‫‪()990‬‬
‫عمر على البحريللن )قدامللة بللن مظعللون( رضللي‬
‫ي للله أمللر‬
‫الله عنه الللذي صللحبه أبللو هريلرة وولل َ‬
‫القضاء في البحرين بالضافة إلى بعللض المهللام‬
‫الخللرى‪ ،‬وخلل فللترة وليللة قدامللة للبحريللن‬
‫امتدحه الناس‪ ،‬إل أنه حللدث فللي آخللر وليتلله أن‬
‫اتهم رضي الله عنه بشرب الخمر‪ ،‬وبعد التحقيق‬
‫ثبتت التهمة‪ ،‬فأقام الفاروق عليه الحللد وعثمللان‬
‫بن مظعون خال أولد عمر بن الخطاب‪ ،‬عبد الله‬
‫وأم المؤمنين حفصة)‪ ،(991‬وقد غضب عثمان على‬
‫عمر إل أن عمر أصر علي إرضللائه وكللان يقللول‪:‬‬
‫إني رأيت رؤيا أنه قد أتاني آت في منامي فقال‬
‫لي‪ :‬صالح قدامة فإنه أخللوك)‪ (992‬وقيللل إن عللزل‬
‫قداملللة علللن وليلللة البحريلللن كلللان فلللي سلللنة‬
‫عشرين)‪ (993‬للهجرة‪ ،‬وقد تولى على البحرين بعد‬
‫قدامة الصحابي المعروف )أبو هريرة( رضي الله‬
‫عنه وقد كان أبو هريرة يتولى بعض المسؤوليات‬
‫فللي البحريللن أثنللاء وليللة قدامللة بللن مظعللون‬
‫السابقة وكان ضمن الشهود الذين شللهدوا علللى‬
‫قدامة في الخمر‪ ،‬وقد أصدر عمر رضي الله عنلله‬
‫أمرا ً بتولية أبي هريرة علللى البحريللن بعللد عزللله‬
‫لقدامللة)‪ (994‬وقللد ولللى البحريللن لعمللر فيمللا بعللد‬
‫عثمللان بللن أبللي العللاص الثقفللي مللرة أخللرى‬
‫واستمر واليا ً عليهللا حللتى تللوفي عمللر)‪ ،(995‬وقللد‬
‫وردت فللي كللثير مللن النصللوص وليللة البحريللن‬
‫‪ ()991‬الطبقات )‪ ،(5/560‬تاريخ المدينة )‪ (3/843‬الولية على‬
‫البلدان )‪.(1/74‬‬
‫‪ ()992‬الولية على البلدان )‪.(1/74‬‬
‫‪ ()993‬البداية والنهاية )‪.(7/101‬‬
‫‪ ()994‬الولية على البلدان )‪.(1/75‬‬
‫‪ ()995‬نفس المرجع )‪.(1/75‬‬
‫مضافة إليهللا عمللان‪ ،‬ووردت روايللات عنللد توليللة‬
‫عثملللان بلللن أبلللي العلللاص أنللله وللللي البحريلللن‬
‫واليمامة)‪ (996‬وهذه الروايللات تعطينلا دلللة قويللة‬
‫علللى مللدى ارتبللاط البحريللن بكللل مللن عمللان‬
‫واليمامة‪ ،‬وأن هذين القسمين ربما اعتبرا جللزءا ً‬
‫من ولية البحرين خلل عصر عمللر بللن الخطللاب‬
‫رضلللي اللللله عنللله‪ ،‬ول يخفلللى ملللدى الرتبلللاط‬
‫الجغرافي والبشري بين هللذين القليميللن وبيللن‬
‫البحرين‪ ،‬وقللد يفيللد تعللبير البحريللن ومللا والهللا‬
‫الذي يردده المؤرخون ووجود توابع للبحرين ربما‬
‫كان المقصللود بهللا عمللان واليمامللة‪ ،‬وقللد كللانت‬
‫البحرين مصللدرا ً رئيسلليا ً للخللراج والجزيللة‪ ،‬وهللذا‬
‫يدل على ثراء هذه الولية في تلللك اليللام‪ ،‬وقللد‬
‫شاركت قبائل البحرين المسلللمة وأمراؤهللا فللي‬
‫بلد فارس والمشرق‪ ،‬وكان لهللم دور مهللم فللي‬
‫تلك الفتوح)‪.(997‬‬
‫سادسًا‪ :‬مصر‪:‬‬
‫كان عمرو بن العاص رضللي الللله عنلله هللو الللذي‬
‫تولى فتح مصر وسيأتي تفصيل ذلللك بللإذن الللله‬
‫عند حديثنا عن الفتوحات وأقره عمر واليا ً عليها‪،‬‬
‫واستمر في وليته حتى توفي عمر بن الخطللاب‬
‫رغم اختلفه مع عمر في بعض الحيان مما كللان‬
‫يدفع عمر إلى التهديللد بتللأديبه وكللان عمللرو هللو‬
‫والي مصللر الرئيسللي‪ ،‬ممللا كللان يللرد مللن وجللود‬
‫بعض الولة الصغار الخريللن فللي مصللر مثللل مللا‬
‫ورد عللن وليللة عبللد الللله بللن أبللي السللرح علللى‬
‫‪ ()996‬تاريخ الطبري )‪.(5/239‬‬
‫‪ ()997‬الولية على البلدان )‪.(1/76‬‬
‫الصللعيد إبللان وفللاة الخليفللة عمللر)‪ ،(998‬ومللن‬
‫الملحظ في فترة ولية عمرو بن العللاص لمصللر‬
‫في عصللر عمللر كللثرة تللدخل الخليفللة عمللر فللي‬
‫شؤون الولية المختلفة)‪ ،(999‬وقد اسللتفاد عمللرو‬
‫بن العاص من خبرة القباط فللي قضللايا الخللراج‬
‫والجزية فاستخدمهم في هللذا العمللل)‪ ،(1000‬وقللد‬
‫اشللتهر عللن عمللرو منعلله لجنللوده مللن الزراعللة‬
‫والشتغال بها ومعاقبة من يخالف ذلك بناءً على‬
‫أوامر عمر بللن الخطللاب)‪ (1001‬وكللان هللذا بللالطبع‬
‫لتفريغ الجنود لمور الجهاد‪ ،‬وعللدم الركللون إلللى‬
‫الدعة‪ ،‬أو الرتباط بالرض‪ ،‬وقد كللان للجنللد مللن‬
‫الرزاق التي تصرف من بيللت المللال مللا يغنيهللم‬
‫عن ذلك‪ ،‬وقد استطاع عمرو بن العللاص بمتابعللة‬
‫مللن الخليفللة عمللر تنظيللم أمورهللا فللي سللنوات‬
‫قليلللة حللتى أخللذت مكانتهللا كوليللة كللبرى مللن‬
‫وليات الدولة‪ ،‬وجرى فيها من الحداث مما يللدل‬
‫علللى اسللتقرار أوضللاع الوليللة‪ ،‬بللالرغم مللن‬
‫المخاطر التي كانت تحدق بها من جللراء محاولللة‬
‫الللروم المسللتمرة اسللتعادتها عللن طريللق غللزو‬
‫السللكندرية مللن ناحيللة البحللر‪ ،‬وقللد كللانت هللذه‬
‫الولية أرضلا ً خصلبة لنتشلار السللم فيهلا فلي‬
‫عهد الخليفة عمر نظرا ً لما ظهر فيهللا مللن عللدل‬
‫بين الناس ورحمة‪ ،‬لم يعهللدهما أهلهللا مللن قبللل‬
‫بالضافة إلى اقتناعهم بحقائق السلم وتعاليمه‬
‫السمحة فأصبحوا جندا ً من جنوده‪ ،‬وكانت المللور‬
‫‪ ()998‬فتوح مصر ص ‪. 173‬‬
‫‪ ()999‬الولية على البلدان )‪.(1/79‬‬
‫‪ ()1000‬فتوح مصر وأخبارهم ص ‪. 152‬‬
‫‪ ()1001‬الولية على البلدان )‪.(1/82‬‬
‫الدارية في مصر تمضي بطريقة بسيطة إذ كللان‬
‫عمرو وهو الوالي وهو المسؤول عن الخراج‪ ،‬ول‬
‫يمنع هذا من استعانة عمللرو ببعللض الللولة علللى‬
‫مناطق أخللرى تابعللة للله كمللا م لّر‪ ،‬ولكللن الللوالي‬
‫الرئيسي والمسؤول أمام الخليفة هو عمللرو بللن‬
‫العاص طوال فترة حكم عمر بللن الخطللاب‪ ،‬وقللد‬
‫استفاد عمرو مللن بعللض أهللل البلد فللي ترتيللب‬
‫أمور الخراج وتنظيم شؤونها المالية)‪.(1002‬‬
‫سابعًا‪ :‬وليات الشام‪:‬‬
‫حينما توفي أبو بكر الصديق رضي الله عنلله كللان‬
‫المسؤول عن جيوش الشام وبلدها هو خالد بللن‬
‫الوليد رضي الله عنه‪ ،‬ولما تولى عمر رضي الللله‬
‫عنه الخلفة أصدر أمرا ً بعزل خالد بن الوليد عللن‬
‫ولية الشام وتعيين أبي عبيدة بن الجللراح مكللانه‬
‫أميللرا ً لمللراء الشللام‪ ،‬ومسللؤول ً مباشللرا ً عنهللم‬
‫وواليا ً على الجماعة فيها)‪ ،(1003‬وحينما تللولى أبللو‬
‫عبيللدة علللى الشللام أخللذ ينظللم أمورهللا‪ ،‬ويعيللن‬
‫المراء من قبله على المنللاطق المختلفللة فيهللا‪،‬‬
‫وأخذ يعيد تنظيمها حيث كان عللى بعضلها أملراء‬
‫سابقون فمنهم من أقره أبو عبيللدة ومنهللم مللن‬
‫عزله‪ ،‬يقول خليفة بن خيللاط‪ :‬فللولى أبللو عبيللدة‬
‫حين فتح الشللامات يزيللد بللن أبللي سللفيان علللى‬
‫فلسطين وناحيتهللا‪ ،‬وشللرحبيل بللن حسللنة علللى‬
‫الردن‪ ،‬وخالد بن الوليد على دمشق وحللبيب بللن‬
‫مسلمة على حمص ثم عزله‪ ،‬وولى عبد الللله بللن‬

‫‪ ()1002‬الولية على البلدان )‪.(1/83‬‬


‫‪ ()1003‬تهذيب تاريخ دمشق )‪.(1/152‬‬
‫قرط الثمللالي)‪ ،(1004‬ثللم عزللله‪ ،‬وولللى عبللادة بللن‬
‫الصامت ثللم عزللله ورد عبللد الللله بللن قللرط)‪،(1005‬‬
‫وكان يبعث أحيانلا ً بعللض أصللحابه لتللولي منللاطق‬
‫من الشام لفترة معينة‪ ،‬ذلللك أن أبللا عبيللدة بعللث‬
‫معاذ بن جبل على الردن)‪ ،(1006‬ومللن ذلللك إنللابته‬
‫لبعض الناس مكانه حين كان يسافر للجهاد فقللد‬
‫أناب سعيد بن زيد بن عمر بللن نفيللل)‪ ،(1007‬علللى‬
‫دمشق حين خروجه إلى بيت المقدس‪،‬وكللان أبللو‬
‫عبيدة رحمه الله طوال فترة وليته علللى الشللام‬
‫مثال ً للرجل الصالح الورع الذي يقتللدي بلله بقيللة‬
‫أمرائه ويقتدي به العامة‪ ،‬وقد استشللهد كمللا ملّر‬
‫معنا في طاعون عمواس ثللم تللولى بعللده معللاذ‪،‬‬
‫فاستشللهد بعللده بأيللام وحينمللا علللم عمللر بللن‬
‫الخطاب رضي الله عنه‪ ،‬بوفاة أبي عبيدة ووفللاة‬
‫معاذ من بعده عين على أجنللاد الشللام يزيللد بللن‬
‫أبي سفيان رضي الله عنه وفللرق أمللراء آخريللن‬
‫على الشللام‪ ،‬وقللد كللان يزيللد صللاحب خللبرة فللي‬
‫إمارة الجنللاد‪ ،‬إذ كللان علللى رأس أحللد الجيللوش‬
‫التي بعثها أبو بكر إلى الشام للفتح‪ ،‬كمللا أن أبللا‬
‫عبيدة قد استخلفه عدة مرات على دمشللق أثنللاء‬
‫غزواته)‪ ،(1008‬وقد ذكر المؤرخللون أن عمللر حينمللا‬
‫وّلى يزيد علللى أجنللاد الشللام حللدد أمللراء آخريللن‬
‫وزعهم على المنللاطق واختللص يزيللد بفلسللطين‬

‫‪ ()1004‬الزدي له صحبة ورواية اشترك في فتوح الشام‪.‬‬


‫‪ ()1005‬تاريخ خليفة ص ‪. 155‬‬
‫‪ ()1006‬فتوح الشام ص ‪. 248‬‬
‫‪ ()1007‬الفتوح‪ ،‬ابن أعثم الكوفي ص ‪ 289‬الولية على البلدان )‬
‫‪.(1/90‬‬
‫‪ ()1008‬فتوح البلدان ص ‪. 137‬‬
‫والردن)‪ ،(1009‬وتعتللبر فللترة يزيللد علللى الشللام‬
‫قصيرة لللذلك يقللل الحللديث عنهللا فللي المصللادر‬
‫التاريخيللة وقللد تللوفي يزيللد فللي السللنة الثامنللة‬
‫عشرة‪ ،‬وقبيل وفاته اسللتخلف أخللاه معاويللة بللن‬
‫أبي سفيان على ما كان يتوله وكتللب إلللى عمللر‬
‫كتابا ً في ذلك‪ ،‬وكانت مدة ولية يزيللد قريب لا ً مللن‬
‫السللنة)‪ ،(1010‬وأقللّر عمللر رضللي الللله عنلله وليللة‬
‫معاويللة وأجللرى تعللديلت فللي إدارة الشللام بعللد‬
‫وفللاة يزيللد‪ ،‬وقللد حللدد لمعاويللة جنللد دمشللق‬
‫وخراجها‪ ،‬وحدّ من سلطات معاويللة فللي القضللاء‬
‫والصلللة حيللث بعللث إليلله برجليللن مللن أصللحاب‬
‫رسللللول الللللله ‪ ‬وجعلهمللللا علللللى القضللللاء‬
‫والصلة)‪ ،(1011‬وهذا فيلله تحديللد لسللطات معاويللة‬
‫خصوصا ً أن الصلة وكلت إلى غيره وكللان الميللر‬
‫في العادة هو أمير الصلللة‪ ،‬ولعللل هنللاك أسللبابا ً‬
‫دفعت عمر إلى هذه السياسة الجديدة التي بدأت‬
‫تظهلر فللي القللاليم الخللرى وبالسلللوب نفسلله‬
‫الذي نهجه مع معاوية تقريبًا‪ ،‬وقد اشتهر معاوية‬
‫بالحلم والبذل ممللا جعللل مجموعللات مللن النللاس‬
‫تلحق بوليته من العراق وغيرهللا)‪ ،(1012‬وقللد قللام‬
‫عمللر بتعييللن بعللض المللراء فللي الشللام‪ ،‬وجعللل‬
‫وليتهم مللن قبللل معاويللة‪ ،‬وخلل وليللة معاويللة‬
‫على بلد الشللام كللان فللي بعللض الحيللان يقللوم‬
‫ببعض الغزوات ضد الروم في شمال الشام وهي‬

‫‪ ()1009‬فتوح البلدان ص ‪. 145،146‬‬


‫‪ ()1010‬الوثائق السياسية للعصر النبوي والخلفة الراشدة ص‬
‫‪. 493‬‬
‫‪ ()1011‬الولية على البلدان )‪.(1/92‬‬
‫‪ ()1012‬تاريخ الطبري )‪.(5/239‬‬
‫ملا عرفلت بالصلوائف)‪ ،(1013‬وقلد اسلتمر معاويلة‬
‫واليا ً على الشللام بقيللة عصللر عمللر حللتى وفللاته‬
‫رضللي الللله عنلله‪ ،‬مللع وجللود أمللراء آخريللن فللي‬
‫مناطق معينة من الشام لهللم اتصللالهم المباشللر‬
‫بالخليفللة فللي المدينللة المنللورة‪ ،‬إل أن معاويللة‬
‫يعتللبر أشللهرهم‪ ،‬حيللث كللان والي لا ً علللى البلقللاء‬
‫والردن وفلسللطين وانطاكيللة وقلقيليللة ومعللرة‬
‫مصرين وغيرها من مدن الشام)‪ ،(1014‬وقد سللماه‬
‫بعض المؤرخين والي الشام بينما تحفط بعضهم‬
‫فقالوا حيلن ذكلروا ولة عملر ومعاويلة بلن أبلي‬
‫سفيان على بعض الشام ولكن بعضللهم ذكللر أنلله‬
‫قبل موت عمر جمع الشام كلها لمعاوية بن أبللي‬
‫سفيان)‪ ،(1015‬ولبد من التنللبيه علللى أن الوليللات‬
‫كانت تجري فيها تغييرات مستمرة تبعا ً للظروف‬
‫العسللكرية والظللروف العامللة للدولللة فللي تلللك‬
‫اليام‪ ،‬فكانت الردن أحيانا ً تستقل وأحيانا ً تضللم‬
‫لها أقاليم وأحيانا ً تنزع منهللا أقللاليم وتضللم إلللى‬
‫الشللام أو إلللى فلسللطين إلللى غيللر ذلللك ممللا ل‬
‫يتسع المقام لذكره)‪.(1016‬‬
‫ثامنًا‪ :‬وليات العراق وفارس‪:‬‬
‫كانت الفتوحات قد بللدأت فلي العلراق أيلام أبللي‬
‫بكر رضي الله عنه وكانت في البداية تحت إمارة‬
‫المثنى بن حارثة الشيباني إلى أن قدم خالد بللن‬
‫الوليد إلى العراق‪ ،‬فجعل الولية للله‪ ،‬فلمللا أمللره‬
‫بالمسير إللى الشلام أعللاد أبلو بكلر الوليللة ملرة‬
‫الولية على البلدان )‪.(1/92‬‬ ‫‪()1013‬‬
‫الولية على البلدان )‪.(1/93‬‬ ‫‪()1014‬‬
‫تاريخ خليفة بن خياط ‪ ، 155‬سير أعلم النبلء )‪.(3/88‬‬ ‫‪()1015‬‬
‫الولية على البلدان )‪.(1/102‬‬ ‫‪()1016‬‬
‫أخللرى إلللى المثنللى بللن حارثللة‪ ،‬وحينمللا تللولى‬
‫الخلفة عمر بن الخطاب عزل المثنى وعيللن أبللا‬
‫عبيدة بن مسللعود الثقفللي‪ ،‬وكللان عللزل المثنللى‬
‫في الوقت نفسه الذي عزل فيه خالدًا‪ ،‬مما أثللار‬
‫استغراب الناس فقال عمر‪ :‬إني لم أعزلهما في‬
‫ريبة ولكن الناس عظموهما فخشلليت أن يوكلللوا‬
‫إليهما)‪ ،(1017‬ومع عللزل المثنللى فقللد كللان جنللديا ً‬
‫مخلصا ً اشترك مع أبي عبيد فللي معظللم معللاركه‬
‫وأبلى بلء حسنا ً)‪ (1018‬وبعللد استشللهاد أبللي عبيللد‬
‫عاد المثنى إلى القيادة ثللم تللولى قيللادة جيللوش‬
‫العراق سعد بن أبي وقاص‪ ،‬وقللد انتقضللت علللى‬
‫المثنى جراحه التي أصللابته يللوم الجسللر فمللرض‬
‫منها ومات قبل أن يصللل سللعد بللن أبللي وقللاص‬
‫للعراق)‪ (1019‬فقد كانت البصرة قد بدأت بللالظهور‬
‫عللللى مسلللرح الحلللداث كوليلللة قبيلللل معركلللة‬
‫القادسلللية‪ ،‬إل أن انتصلللار القادسلللية وسلللقوط‬
‫المدائن فللي يللد المسلللمين يعتللبر بدايللة مرحلللة‬
‫جديدة وقوية في بلد العللراق‪ ،‬بللدأ فيهللا تنظيللم‬
‫الوليللات يأخللذ شللكل ً معينللا ً وبللارزا ً تتضللح فيلله‬
‫الملمح العامة سواء في وليللة البصللرة أو وليللة‬
‫الكوفة‪ ،‬وما ألحق بكل منهما من المدن والقللرى‬
‫الللتي كللانت تتبللع كل ً منهمللا مللن أقللاليم فللارس‬
‫والعراق‪ ،‬أو ما استقل عنهما مللن الوليللات فللي‬
‫بلد فارس)‪.(1020‬‬
‫‪ -‬ولية البصرة‪:‬‬
‫نفس المصدر )‪.(1/108‬‬ ‫‪()1017‬‬
‫البداية والنهاية )‪.(7/28‬‬ ‫‪()1018‬‬
‫الولية على البلدان )‪.(1/111‬‬ ‫‪()1019‬‬
‫الولية على البلدان )‪.(1/113‬‬ ‫‪()1020‬‬
‫وجه عمر بن الخطاب إلللى نللواحي البصللرة قبللل‬
‫إنشللللللائها شللللللريح بللللللن عللللللامر‪ ،‬أحللللللد‬
‫بني سعد بن بكر مددا ً لقطبة بللن قتللادة ثللم وله‬
‫عمللر فللي نللواحي البصللرة‪ ،‬وقتللل فللي إحللدى‬
‫المعارك)‪ ،(1021‬ثم قام عمر بللن الخطللاب بإرسللال‬
‫عتبة بن غزوان إلى نواحي البصرة مللع مجموعللة‬
‫من الجند ووله عليها‪ ،‬وذلك فللي السللنة الرابعللة‬
‫عشر وليس في السادسة عشر كمللا يرجللح ذلللك‬
‫صلللالح أحملللد العللللي إذ يقلللول‪ :‬ويزعلللم بعلللض‬
‫المؤرخين أن عتبة أرسل سنة ‪16‬هل بعللد معركللة‬
‫القادسية أو جلول ولكللن الغلبيللة المطلقللة مللن‬
‫المللؤرخين يؤكللدون أنلله أرسللل سللنة ‪14‬هلل ممللا‬
‫يجعلنللا نرجللح روايتهللم)‪ ،(1022‬وقللد كللانت مرحلللة‬
‫ولية عتبة على البصرة مرحلة تأسيسللية وهامللة‬
‫في حياة هذه الولية‪ ،‬فقد كللانت حافلللة بالعديللد‬
‫من العمال الجليلة‪ ،‬ومنها مجموعة مللن الفتللوح‬
‫قام بها في بلد الفرس القريبة منه على ضفتي‬
‫دجلة والفرات)‪ ،(1023‬وقد استعفى عتبة من عمللر‬
‫فأبى عمر أن يعفيه وكان ذلك في موسللم الحللج‬
‫وعزم عليه عمر ليرجعن إلللى عمللله ثللم انصللرف‬
‫فمات في الطريق إلى البصللرة‪ ،‬فلمللا بلللغ عمللر‬
‫موته قال أنا قتلته‪ ،‬لول أنه أجللل معلللوم‪ ،‬وأثنللى‬
‫عليلله خيللرا ً وكللانت وفللاته فللي السللنة السللابعة‬
‫عشرة)‪ (1024‬ثم تولى من بعده المغيرة بللن شللعبة‬
‫وهو أول من وضع ديوان البصللرة واسللتمر والي لا ً‬

‫تاريخ خليفة بن خياط ص ‪. 155‬‬ ‫‪()1021‬‬


‫التنظيمات الجتماعية والقتصادية في البصرة ص ‪. 36‬‬ ‫‪()1022‬‬
‫تاريخ خليفة بن خياط ص ‪. 127،128‬‬ ‫‪()1023‬‬
‫الولية على البلدان )‪.(1/115‬‬ ‫‪()1024‬‬
‫على البصرة إلى أن عزله عمللر رضللي الللله عنلله‬
‫في السنة السابعة عشرة من الهجرة بعد التهمة‬
‫الموجهللة إلللى المغيللرة بالزنللا وقللد قللام عمللر‬
‫بللالتحقيق وثبتللت بللراءة المغيللرة وجلللد الشللهود‬
‫الثلثللة وقللام عمللر بعللزل المغيللرة‪ ،‬مللن بللاب‬
‫الحتياط والمصلحة‪ ،‬ووله عمللر فيمللا بعللد علللى‬
‫أماكن أخرى)‪ ،(1025‬وبعد عزل المغيللرة بللن شللعبة‬
‫وّلى عمر على البصرة أبا موسى الشعري رضي‬
‫الله عنه‪ ،‬ويعتبر أبو موسى – بحللق – أشللهر ولة‬
‫البصرة أيام عمر بن الخطللاب‪ ،‬فقللد فتحللت فللي‬
‫أيامه المواقع العديدة في فللارس‪ ،‬فكللان يجاهللد‬
‫بنفسلله ويرسللل القللواد للجهللات المختلفللة مللن‬
‫البصرة‪ ،‬ففللي أيللامه تمكللن البصللريون مللن فتللح‬
‫الهواز وما حولها وفتحللوا العديللد مللن المواضللع‬
‫المهمة وكانت فترة وليته حافلللة بالجهللاد‪ ،‬وقللد‬
‫تعاون أبو موسى مع الللولة المجللاورين للله فللي‬
‫كثير من الحروب والفتوحللات‪ ،‬وقللد قللام بجهللود‬
‫كبيرة لتنظيم المناطق المفتوحة وتعيين العمللال‬
‫عليهللا وتأمينهللا وترتيللب مختلللف شللؤونها‪ ،‬وقللد‬
‫جللرت العديللد مللن المراسلللت بيللن أبللي موسللى‬
‫وعمللر بللن الخطللاب فللي مختلللف القضللايا منهللا‬
‫توجيهه لبي موسى في كيفية استقباله للنللاس‬
‫في مجلس المارة ومنها نصلليحته لبللي موسللى‬
‫بالورع ومحاولة إسعاد الرعية‪ ،‬وهللي قّيمللة قللال‬
‫فيها عمر‪ :‬أما بعد فإن أسعد النللاس ملن سلعدت‬
‫بلله رعيتلله‪ ،‬وإن أشللقى النللاس مللن شللقيت بلله‬
‫رعيته‪ ،‬إياك أن ترتع فيرتع عمالك‪ ،‬فيكون مثلللك‬

‫‪ ()1025‬نفس المصدر )‪.(1/117‬‬


‫عند ذلللك مثللل البهيمللة نظللرت إلللى خضللرة مللن‬
‫الرض فرتعت فيها تبغللي السللمن وإنمللا حتفهللا‬
‫في سمنها)‪ ،(1026‬وهناك العديد من الرسائل بيللن‬
‫ح إدارية وتنفيذية‬ ‫عمر وأبي موسى تدل على نوا ٍ‬
‫مختلفة كان يقللوم بهللا أبللو موسللى بتللوجيه مللن‬
‫عمر‪ ،‬وقللد جمللع معظللم هللذه المراسلللت محمللد‬
‫حميلللد اللللله فلللي كتابلللة القيلللم علللن الوثلللائق‬
‫السياسية)‪ ،(1027‬وتعتبر فللترة وليللة أبللي موسللى‬
‫على البصرة من أفضل الفللترات حللتى لقللد عللبر‬
‫عنها أحد أحفاد البصريين فيما بعد‪ ،‬وهو الحسللن‬
‫البصري رحمه الله فقال‪ :‬مللا قللدمها راكللب خيللر‬
‫لهلهللا مللن أبللي موسللى)‪ ،(1028‬إذ أن أبللا موسللى‬
‫رحمه الله كان بالضافة إلللى إمللارته خيللر معلللم‬
‫لهلهللا‪ ،‬حيللث عّلمهللم القللرآن وأمللور الللدين‬
‫المختلفة)‪ ،(1029‬وفي عهد عمر بللن الخطللاب كللان‬
‫العديد من المدن في فارس‪ ،‬والللتي فتحللت فللي‬
‫زمنه تخضع للبصرة وتدار من قبل والي البصللرة‬
‫الذي يعين عليها العمال من قبله‪ ،‬ويرتبطون بلله‬
‫ارتباطلا ً مباشللرا ً وهكللذا اعتللبرا أبللو موسللى مللن‬
‫أعظم ولة عمللر اعتللبر مراسلللت عمللر مللع أبلي‬
‫موسى من أعظم المصللادر الللتي كشللفت سلليرة‬
‫عمر مع ولته‪ ،‬وبي َّنت ملمح أسلوبه في التعامللل‬
‫معهم)‪.(1030‬‬
‫‪ -‬ولية الكوفة‪:‬‬
‫مناقب عمر لبن الجوزي ص ‪. 130‬‬ ‫‪()1026‬‬
‫الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلفة الراشدة‪.‬‬ ‫‪()1027‬‬
‫سير أعلم النبلء )‪.(2/389‬‬ ‫‪()1028‬‬
‫الولية على البلدان )‪.(1/120‬‬ ‫‪()1029‬‬
‫الولية على البلدان )‪.(1/120‬‬ ‫‪()1030‬‬
‫يعد سللعد بللن أبللي وقللاص أول ولة الكوفللة بعللد‬
‫إنشائها بل إنه هو الذي أنشأها بأمر عمر‪ ،‬وكللان‬
‫له الولية عليهللا وعلللى المنللاطق المجللاورة لهللا‬
‫قبل بناء الكوفللة‪ ،‬وقللد اسللتمر سللعد واليلا ً علللى‬
‫الكوفللة وقللام بللدوره علللى أكمللل وجلله‪ ،‬وكللانت‬
‫لسعد فتوحللات عظيمللة بعللد اسللتقراره بالكوفللة‬
‫فللي نللواحي بلد فللارس)‪ ،(1031‬كمللا كللان لسللعد‬
‫مجموعللة مللن الصلللحات الزراعيللة فللي وليتلله‪،‬‬
‫منها أن مجموعة من الللدهاقين سللألوا سللعدا ً أن‬
‫يحفر لهم نهرا ً لصالح المزارعين في منللاطقهم‪،‬‬
‫فكتب سعد إلى عامله في المنطقة يأمره بحفللر‬
‫النهر لهم فجمع العمال وحفر النهللر‪ ،‬وقللد كللان‬
‫سعد ينظم أمور المناطق التابعة للكوفللة ويعيللن‬
‫عليها الولة من قبله بعد التشللاور مللع عمللر بللن‬
‫الخطاب رضي الله عنهما‪ ،‬وقد أعجب عقلء أهل‬
‫الكوفة بسعد بن أبللي وقللاص وامتللدحوه‪ ،‬فحيللن‬
‫سأل عمر بن الخطاب أحد مشللاهير الكوفللة عللن‬
‫سعد أجاب‪ :‬أنه متواضللع فلي جبلايته عربلي فلي‬
‫ره يعدل في القضللية ويقسللم‬ ‫م ِ‬‫نمرته أسد في تأ ّ‬
‫بالسوية‪ ،‬ويبعللد بالسللرية ويعطللف عليهللا عطللف‬
‫الللبرة وينقللل علينللا خفيلا ً نقللل الللذرة)‪ ،(1032‬كمللا‬
‫سأل عمر جرير بن عبد الللله عللن سللعد بللن أبللي‬
‫وقاص ووليتلله فقللال جريللر‪ :‬تركتلله فللي وليتلله‬
‫أكرم الناس مقدرة وأقلهم قسوة هو لهم كللالم‬
‫البرة يجمع لهم كما تجمع الذرة أشد الناس عنللد‬
‫البأس وأحب قريش إلى الناس)‪ ،(1033‬ومع اقتناع‬
‫‪ ()1031‬فتوح البلدان ص ‪ ، 139‬تاريخ اليعقوبي )‪.(2/151‬‬
‫‪ ()1032‬الولية على البلدان )‪.(1/123‬‬
‫‪ ()1033‬نفس المصدر )‪.(1/123‬‬
‫خيار أهل الكوفة وعقلئها بسعد وامتللداحهم للله‬
‫فقد وقعت بعض الشكاوي ضده مللن قبللل بعللض‬
‫عوام الناس فتللم عزللله وسلليتم بللإذن الللله بيللان‬
‫ذلك عند حديثنا عن الشللكاوى ضللد الللولة‪ ،‬وبعللد‬
‫عزل سعد بن أبي وقاص عن الكوفة أصدر عمر‬
‫قرارا ً بتعيين عمار بن ياسر علللى صلللة الكوفللة‪،‬‬
‫ويلحللظ أن عمللارا ً رضللي الللله عنلله كللان ضللمن‬
‫القادة الذي كانوا في الكوفة‪ ،‬وكان سعد بن أبي‬
‫وقاص يسللتعين بهللم أثنللاء وليتلله علللى الكوفللة‬
‫ولذلك كانت لدى عمار خبرة سابقة وشبه كاملللة‬
‫عن الولية قبل أن يتولى عليها‪ ،‬وتختلللف وليللة‬
‫عمار هذه عن وليللة سللعد‪ ،‬إذ أن عمللر جعللل مللع‬
‫مار أناسا ً آخرين يشتركون معه في المسؤولية‬ ‫ع ّ‬
‫ويتقاسللمون المهللام‪ ،‬فكللان عمللار علللى الصلللة‬
‫وابن مسعود على بيت المال وعثمان بللن حنيللف‬
‫على مساحة الرض‪ ،‬لذلك اختلف الوضع إلى حللد‬
‫ما في الولية في هذه المرحلة عما كللانت عليلله‬
‫أيام سعد‪ ،‬ول يمكننا تجاهل هللذا التوزيللع الجديللد‬
‫للمسؤولية في الولية‪ ،‬وقد قلام كللل منهللم بمللا‬
‫نيط بلله مللن أمللور‪ ،‬فكللان عمللار يقللوم بالصلللة‪،‬‬
‫وينظم أمور الوليللة وشللؤونها ويقللود الجيللوش‪،‬‬
‫فقام ببعض الفتوح‪ ،‬واشللترك أهللل الكوفللة فللي‬
‫أيامه في عدد مللن المعللارك ضللد الفللرس الللذين‬
‫جمعوا الجموع ضد المسلمين‪ ،‬فكللان عمللار يللدبر‬
‫وليتلله بمقتضللى تلللك الظللروف الحربيللة حسللب‬
‫توجيهات عمللر بللن الخطللاب‪ ،‬وقللد اسللتمر عمللار‬
‫يؤدي مهمته في وليللة الكوفللة ملع ابللن مسللعود‬
‫إضافة إلى قيامه بالشؤون المالية للولية يقللوم‬
‫بتعليم الناس القرآن وأمللور الللدين)‪ ،(1034‬وكللانت‬
‫وليللة عمللار لهللل الكوفللة قرابللة سللنة وتسللعة‬
‫أشهر‪ ،‬وعزله عمللر بنللاء علللى عللدة شللكاوى مللن‬
‫مللار أسللاءك‬ ‫أهل الكوفة ضده وقللد قللال عمللر لع ّ‬
‫مللار مللا سللرني حيللن اسللتعملت‬ ‫العزل؟ فقللال ع ّ‬
‫ولقللد سللاءني حيللن عزلللت‪ ،‬وقيللل إنلله قللال مللا‬
‫فرحت حين وليتني ول حزنت حين عزلتنللي)‪،(1035‬‬
‫كما ذكر أنه اسللتعفى عمللر حيللن أحللس بكراهيللة‬
‫أهل الكوفة له فأعفاه عمللر ولللم يعزللله)‪ (1036‬ثللم‬
‫عين عمر جبير بن مطعم على الكوفللة ثللم عزللله‬
‫قبل أن يتجه إلى الكوفللة‪ ،‬نظللرا ً لن عمللر أمللره‬
‫بكتمللان خللبر التعييللن‪ ،‬ولكللن الخللبر انتشللر بيللن‬
‫الناس فغضب عمر وعزله ثم تولى ولية الكوفللة‬
‫المغيللرة بللن شللعبة واسللتمر يللؤدي واجبلله واليلا ً‬
‫للكوفة إلى أن توفي عمر بن الخطاب)‪.(1037‬‬
‫‪ -‬المدائن‪:‬‬
‫كانت المدائن عاصمة كسرى‪ ،‬قد تللم فتحهللا مللن‬
‫قبل سعد بن أبي وقاص‪ ،‬واستقر بها سعد فترة‬
‫مللن الللوقت ثللم انتقللل منهللا إلللى الكوفللة بعللد‬
‫تمصيرها‪ ،‬وقللد كللان ضللمن جيللش سللعد سلللمان‬
‫الفارسي رضي الله عنه‪ ،‬وهو الذي اشللترك فللي‬
‫العديد من المعللارك ضللد الفللرس‪ ،‬وكللان للله دور‬
‫كبير في دعوتهم إلى السلم قبللل القتللال وقللد‬
‫وله عمر بن الخطاب علللى المللدائن فسللار فللي‬
‫أهلها سيرة حسنة‪ ،‬فقد كللان مثللال ً حيلا ً لتطللبيق‬
‫الطبقات )‪.(3/157‬‬ ‫‪()1034‬‬
‫الفتوح ابن أعثم )‪.(2/82‬‬ ‫‪()1035‬‬
‫نهاية الرب )‪.(19/368‬‬ ‫‪()1036‬‬
‫تاريخ خليفة ص ‪ ، 155‬تاريخ الطبري )‪.(5/239‬‬ ‫‪()1037‬‬
‫تعاليم السلم‪ ،‬وقد ذكر أنه كان يرفللض الوليللة‬
‫لول أن عمر أجبره على قبولها‪ ،‬فكان يكتب إلللى‬
‫عمللر يطلللب العفللاء فيرفللض عمللر ذلللك‪ ،‬وقللد‬
‫اشتهر عن سلمان رضي الللله عنلله زهللده‪ ،‬فكللان‬
‫يلبس الصوف‪ ،‬ويركب الحمار ببرذعته بغير اكاف‬
‫ويأكل خبز الشعير وكان ناسللكا ً زاهللدا ً)‪ (1038‬وقللد‬
‫استمر سلمان يعيش في المدائن إلى أن تللوفي‬
‫على أرجح القوال سنة ‪32‬هل في خلفللة عثمللان‬
‫بللن عفللان‪ ،‬ويبللدو أن سلللمان لللم يكللن والللي‬
‫المدائن في أواخر أيام عمر رضي الله عنه إذ أن‬
‫عمر قد عين حذيفة بن اليمان على المدائن ولم‬
‫يللذكر المؤرخللون عللزل عمللر لسلللمان‪ ،‬فلعللله‬
‫استعفى عمللر فللوافقه بعللد أن كللان يمللانع فللي‬
‫إعفائه وولى بعده حذيفللة بللن اليمللان‪ ،‬وقللد ورد‬
‫العديد من الخبار عن ولية حذيفة على المللدائن‬
‫منها كتاب عمر إلى أهل المدائن بتعييللن حذيفللة‬
‫واليا ً عليهللم‪ ،‬وأمللر عمللر أهللل المللدائن بالسللمع‬
‫والطاعة لحذيفة‪ ،‬وقد استمر حذيفللة واليلا ً علللى‬
‫المللدائن بقيللة أيللام عمللر وكللذلك طيلللة خلفللة‬
‫عثمان)‪.(1039‬‬
‫‪ -‬أذربيجان‪:‬‬
‫كان حذيفة بن اليمان أول الولة علللى أذربيجللان‬
‫ثم تولى بعد ما نقل إلى المدائن عتبة بن فرقللد‬
‫السلمي وفي أثناء وليته حدثت بينه وبيللن عمللر‬
‫العديد من المراسلت‪ ،‬من ذلك أن عتبة بن فرقد‬
‫حين جلاء إللى أذربيجلان وجلد عنلدهم نوعلا ً ملن‬
‫‪ ()1038‬مروج الذهب )‪ (2/306‬الولية على البلدان )‪.(1/131‬‬
‫‪ ()1039‬سير أعلم النبلء )‪.(2/364‬‬
‫الحلوى الطبية تسمى )الخبيص( ففكر أن يصللنع‬
‫منهللا لعمللر بللن الخطللاب‪ ،‬وبالفعللل وضللع منهللا‬
‫وغلفها بما يحفظها مللن الجلللود وغيرهللا وبعللث‬
‫بهللا إلللى عمللر بللن الخطللاب فللي المدينللة‪ ،‬فلمللا‬
‫تسلمها ذاق الخبيص فللأعجبه‪ ،‬فقللال عمللر‪ :‬أكللل‬
‫المهاجرين أكل منه شبعه؟ قال الرسول‪ :‬ل إنما‬
‫هو شيء خصك بك‪ ،‬فأمر عمر بردهللا علللى عتبللة‬
‫في أذربيجان‪ ،‬وكتب إليه يللا عتبلة إنله ليلس ملن‬
‫كدك ول كد أبيك‪ ،‬فأشبع المسلمين في رحللالهم‬
‫مما تشبع في رحلللك‪ ،‬وإيللاك والتنعللم وزي أهللل‬
‫الشرك ولبوس الحرير فإن رسللول الللله ‪ ‬نهللى‬
‫عللن لبللوس الحريللر)‪ ،(1040‬وقللد رويللت الحادثللة‬
‫بروايات مختلفة يؤكد بعضها بعضلًا‪ ،‬وقللد اسللتمر‬
‫عتبة واليا ً على أذربيجان بقية خلفة عمللر رضللي‬
‫الللله عنلله وجللزءا ً مللن خلفللة عثمللان‪ ،‬وقللد وجللد‬
‫العديد فللي ولة عمللر فللي منللاطق مختلفللة فللي‬
‫العراق وفارس‪ ،‬منهم من كان مسللتقل ً بللوليته‪،‬‬
‫ومنهم من كانت وليته مرتبطة بإحدى الوليللتين‬
‫الكبيرتين في العراق اللتين همللا محللورا الدارة‪،‬‬
‫والقيلللادة لبلد العلللراق وفلللارس الكوفلللة‪ ،‬أو‬
‫البصرة‪ ،‬ومن هذه البلللدان الللتي اختصللت بللولة‪،‬‬
‫الموصل‪ ،‬حلوان‪ ،‬كسكر)‪،(1041‬‬

‫‪ ()1040‬الولية على البلدان )‪.(1/133‬‬

‫‪ ()1041‬الولية على البلدان )‪.(1/133،134،135‬‬


‫المبحث الثاني‪ :‬تعيين الولة في عهد عمر‪:‬‬
‫سار الفاروق رضي الله عنه على المنهج النبللوي‬
‫الشللريف فللي اختيللار الللولة‪ ،‬فكللان ل يللولي إل‬
‫الكفاء والمناء والصلح من غيرهم على القيللام‬
‫بالعمال‪ ،‬ويتحرى في الختيار والمفاصلللة غايللة‬
‫جهده ول يستعمل من يطلب الولية‪ ،‬وكان يللرى‬
‫أن اختيللار الللولة مللن بللاب أداء المانللات‪ ،‬بحيللث‬
‫يجلب عليله أن يعيلن عللى كلل عملل أصللح ملن‬
‫يجده‪ ،‬فإن عدل عن الصلح إلللى غيللره مللع عللدم‬
‫وجود ما يبرر ذلك‪ ،‬يكون قد خللان الللله‪ ،‬ورسللوله‬
‫والمؤمنين)‪ ،(1042‬ومن أقواله في هذا الشأن‪ :‬وأنا‬
‫مسؤول عن أمانتي وما أنا فيه‪ ،‬ومطلع على مللا‬
‫يحضرني بنفسي إن شاء الله‪ ،‬ل أكله إلللى أحللد‪،‬‬
‫ول أستطيع ما بعد منه إل بالمنللاء وأهللل النصللح‬
‫منكللم للعامللة‪ ،‬ولسللت أجعللل أمللانتي إلللى أحللد‬
‫سواهم)‪ ،(1043‬وقال رضي الله عنه‪ :‬من قلللد رجل ً‬
‫على عصابة وهو يجد في تلللك العصللابة مللن هللو‬
‫أرضى لله منلله‪ ،‬فقللد خللان الللله‪ ،‬وخللان رسللوله‪،‬‬
‫وخان المؤمنين)‪ ،(1044‬وقال أيضلًا‪ :‬مللن ولللي مللن‬
‫أمر المسلمين شيئا ً فولى رجل ً لمللودة أو قرابللة‬
‫بينهما‪ ،‬فقد خان الله ورسوله والمسلمين)‪.(1045‬‬
‫أو ً‬
‫ل‪ :‬أهم قواعد عمر في تعيين الولة وشروطه عليهم‪:‬‬

‫‪ -1‬القوة والمانة‪:‬‬

‫وقائع ندوة النظم السلمية )‪.(1/295،296‬‬ ‫‪()1042‬‬


‫دور الحجاز في الحياة السياسية ص ‪. 255‬‬ ‫‪()1043‬‬
‫الفتاوى )‪.(28/42‬‬ ‫‪()1044‬‬
‫الفتاوى )‪.(28/138‬‬ ‫‪()1045‬‬
‫وقللد طبللق الفللاروق رضللي الللله عنلله هللذه‬
‫جللح القللوى مللن الرجللال علللى‬ ‫القاعللدة‪ ،‬ور ّ‬
‫القوي‪ ،‬فقللد علزل عملر شلرحبيل بلن حسلنة‬
‫وعين بدله معاوية‪ .‬فقللال للله شللرحبيل‪ :‬أعللن‬
‫سخطة عزلتني يا أمير المؤمنين؟ قال‪ :‬ل إنك‬
‫لكملللا أحلللب ولكنلللي أريلللد رجل ً أقلللوى ملللن‬
‫رجل)‪ ،(1046‬ومن أجمل ما أثر عن عمر في هذا‬
‫المعنللى قللوله‪ :‬اللهللم إنللي أشللكو إليللك جلللد‬
‫الفاجر‪ ،‬وعجز الثقة)‪.(1047‬‬
‫‪ -2‬مقام العلم في التولية‪:‬‬
‫وقد جرى عمر الفاروق على سنة رسول الللله‬
‫صلى الله عله وسلم في تولية أمراء الجيوش‬
‫خاصة‪ .‬قال الطبري‪ :‬إن أمير المللؤمنين‪ ،‬كللان‬
‫مللر‬
‫إذا اجتمع إليلله جيللش مللن أهللل اليمللان‪ ،‬أ ّ‬
‫عليهم رجل ً من أهل الفقه والعلم)‪.(1048‬‬
‫‪ -3‬البصر بالعمل‪:‬‬
‫كان عمر بللن الخطللاب يسللتعمل قوم لًا‪ ،‬ويللدع‬
‫أفضل منهم لبصرهم بالعمل)‪ ،(1049‬والتفضلليل‬
‫هنا إنمللا يعنللي أن أولئك الللذين تركهللم عمللر‪،‬‬
‫كانوا أفضل دينًا‪ ،‬وأكثر ورعلًا‪ ،‬وأكللرم أخلقلًا‪،‬‬
‫ولكن خبرتهم فللي تصللريف المللور أقللل مللن‬
‫غيرهم فليس من الضروري أن يجتمع المران‬
‫كلهما معًا‪ ،‬وهذه القاعدة التي وضعها عمللر‪،‬‬
‫ما زالت متبعة حتى اليوم‪ ،‬في أرقللى الللدول‪،‬‬
‫تاريخ الطبري )‪.(5/39‬‬ ‫‪()1046‬‬
‫الفتاوى )‪.(28/42‬‬ ‫‪()1047‬‬
‫نظام الحكم في الشريعة والتاريخ السلمي )‪.(1/479‬‬ ‫‪()1048‬‬
‫المدينة النبوية فجر السلم )‪.(2/56‬‬ ‫‪()1049‬‬
‫ذلك بأن المتدين الورع الخلوق‪ ،‬إذا لم تكن له‬
‫بصيرة فللي شللؤون الحكللم‪ ،‬قللد يكللون عرضللة‬
‫لخديعلللة أصلللحاب الهلللواء والمضلللللين‪ ،‬أملللا‬
‫المحّنللك المجللّرب‪ ،‬فللإنه يعللرف مللن النظللرة‬
‫السللللللللللريعة‪ ،‬معللللللللللاني اللفللللللللللاظ‪،‬‬
‫وما وراء معاني اللفاظ وهللذا السللبب نفسلله‬
‫هو الذي دعا عمر بن الخطلاب أيضلا ً لسلتبعاد‬
‫رجل ل يعرف الشر‪ ،‬فلقد سأل عن رجللل أراد‬
‫أن يوليه عمل ً فقيل له‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ :‬إنله‬
‫ل يعرف الشر‪ .‬فقللال عمللر لمخللاطبه‪ :‬ويحللك‬
‫ذلك أدنى أن يقع فيلله)‪ ،(1050‬وهللذا ل يعنللي أن‬
‫يكللون العامللل غيللر متصللف بللالقوة والمانللة‬
‫والعلم والكفايللة وغيرهللا مللن الصللفات الللتي‬
‫يستلزمها منطللق الدارة والحكللم‪ ،‬وإنمللا يقللع‬
‫التفاضل بين هذه الصللفات‪ ،‬ويكللون الرجحللان‬
‫ماه عملللر بلللن الخطلللاب‪ :‬البصلللر‬ ‫لملللا سللل ّ‬
‫)‪(1051‬‬
‫‪.‬‬ ‫بالعمل‬
‫در‪:‬‬ ‫‪ -4‬أهل الوبر وأهل ال َ‬
‫م َ‬
‫وكان عمر ينظر‪ ،‬حين تعيينه أحد عمللاله‪ ،‬إلللى‬
‫بعض الخصائص والطباع والعادات والعللراف‪،‬‬
‫عرف أنه كان ينهى عن اسللتعمال رجللل‬ ‫فلقد ُ‬
‫)‪(1052‬‬
‫‪ ،‬وأهللل‬ ‫من أهللل الللوبر علللى أهللل المللدر‬
‫الللوبر هللم سللاكنوا الخيللام‪ ،‬وأهللل المللدر هللم‬
‫ساكنوا المدن وهذه نظرة اجتماعيللة سلللوكية‬
‫في آن معًا‪ ،‬في اختيار الموظفين‪ ،‬فلكل مللن‬

‫‪ ()1050‬نظام الحكم في الشريعة والتاريخ السلمي )‪.(1/482‬‬


‫‪ ()1051‬نفس المصدر )‪.(1/482‬‬
‫‪ ()1052‬نظام الحكم في الشريعة والتاريخ السلمي )‪.(1/282‬‬
‫أهللل الللوبر والمللدر طبللائع وخصللائص وأخلق‬
‫وعادات وأعراف مختلفللة‪ ،‬ومللن الطللبيعي أن‬
‫يكون الوالي عارفا ً بنفسية الرعية‪ ،‬وليس من‬
‫ل جاهللل بهللا‪ ،‬فقللد‬ ‫العدل أن يتولى أمرها رج ٌ‬
‫عرف ُنكللرا ً وقللد يللرى الطللبيعي غريب لًا‪،‬‬
‫يرى ال ُ‬
‫فيؤدي ذلك إلى غير مللا يتوخللاه المجتمللع مللن‬
‫أهداف يسعى إلى تحقيقها)‪.(1053‬‬
‫‪ -5‬الرحمة والشفقة على الرعية‪:‬‬
‫كان عمر رضللي الللله عنلله يتللوخى فللي ولتلله‬
‫الرحمة والشفقة على الرعية‪ ،‬وكم مللن مللرة‬
‫أمر قادته فللي الجهللاد أل يغللرروا بالمسلللمين‬
‫ول ينزلوهم منزل هلكة‪ ،‬وكتب عمر لرجل من‬
‫بني أسلم كتاب لا ً يسللتعمله بلله‪ ،‬فللدخل الرجللل‬
‫على عمر وبعللض أولد عمللر فللي حجللر أبيهللم‬
‫ُيقّبلهللم‪ .‬فقللال الرجللل‪ :‬تفعللل هللذا يللا أميللر‬
‫الملللللللللللللللللللؤمنين؟ فلللللللللللللللللللوالله‬
‫ما قّبلت ولدا ً لي قط‪ ،‬فقال عمر‪ :‬فأنت والله‬
‫ل‪ ،‬ورده‬ ‫بالناس أقللل رحمللة‪ ،‬ل تعمللل لللي عم ً‬
‫عمر فلم يستعمله)‪ ،(1054‬وغزت بعللض جيوشلله‬
‫بلد فارس حتى انتهللت إلللى نهللر ليللس عليلله‬
‫جسر فأمر أمير الجيللش أحللد جنللوده أن ينللزل‬
‫في يوم شللديد الللبرد لينظللر للجيللش مخاضللة‬
‫يعبر منها‪ ،‬فقال الرجل‪ :‬إني أخاف إن دخلللت‬
‫المللاء أن أمللوت‪ ،‬فللأكرهه القللائد علللى ذلللك‪،‬‬
‫فدخل الرجل الماء وهلو يصلرخ‪ :‬يللا عملراه يللا‬
‫عمراه! ولم يلبث أن هلك‪ ،‬فبلغ ذلك عمر وهو‬
‫‪ ()1053‬نفس المصدر )‪.(1/283‬‬
‫‪ ()1054‬محض الصواب )‪.(2/519‬‬
‫في سوق المدينة‪ .‬فقال‪ :‬يا لبيكاه يللا لبيكللاه‪،‬‬
‫وبعث إلى أمير ذلك الجيش فنزعه وقال‪ :‬لول‬
‫أن تكلللللللون سلللللللّنة لقلللللللدت منلللللللك‪،‬‬
‫ل تعمل لي على عمل أبدا ً)‪ ،(1055‬وخطللب عمللر‬
‫ولته فقال‪ :‬اعلموا أنه ل حلم أحب إلللى الللله‬
‫م مللن حلللم إمللام ورفقلله‪ ،‬وأنلله‬ ‫تعالى ول أع ل ّ‬
‫م مللن جهللل إمللام‬ ‫ليس أبغض إلى الله ول أع ل ّ‬
‫وخرقه‪ ،‬واعلموا أنه من يأخللذ بالعافيللة فيمللن‬
‫بين ظهرانيه ُيرزق العافية ممن هو دونه)‪.(1056‬‬
‫‪ -6‬ل يولي أحدا ً من أقاربه‪:‬‬
‫كان عمللر حريصلا ً علللى أن ل يللولي أحللدا ً مللن‬
‫أقللاربه رغللم كفايللة بعضللهم وسللبقه إلللى‬
‫السلم مثل سعيد بن زيد ابن عمه وعبد الللله‬
‫بن عمر ابنلله‪ ،‬وقللد سللمعه رجللل مللن أصللحابه‬
‫يشكو إعضال أهل الكوفة به في أمر ولتهللم‪.‬‬
‫وقول عمر‪ :‬لوددت أني وجدت رجل ً قويا ً أمينا ً‬
‫مسلللما ً أسللتعمله عليهللم‪ .‬فقللال الرجللل‪ :‬أنللا‬
‫والله أدلللك عليلله‪ ،‬عبللد الللله بللن عمللر‪ ،‬فقللال‬
‫عمر‪ :‬قاتلك الله والله ما أردت الله بهللذا)‪،(1057‬‬
‫وكللان يقللول‪ :‬مللن اسللتعمل رجل ً لمللودة أو‬
‫لقرابللة ل يشللغله إل ذلللك فقللد خللان الللله‬
‫ورسوله)‪.(1058‬‬
‫‪ -7‬ل يعطي من يطلبها‪:‬‬

‫‪ ()1055‬مناقب أمير المؤمنين لبن الجوزي ص ‪. 150‬‬


‫‪ ()1056‬الدولة السلمية في عصر الخلفاء الراشدين ص ‪. 334‬‬
‫‪ ()1057‬مناقب عمر بن الخطاب لبن الجوزي ص ‪ ، 108‬الولية‬
‫على البلدان )‪.(1/128‬‬
‫‪ ()1058‬الفتاوى )‪.(28/138‬‬
‫كان ل يولي عمل ً لرجللل يطلبلله‪ ،‬وكللان يقللول‬
‫في ذلك‪ :‬من طلب هذا المللر لللم ُيعللن عليلله‪،‬‬
‫وقد سار على هذا النهج اقتداء بسنة الرسول‬
‫‪.‬‬
‫‪ -8‬منع العمال من مزاولة التجارة‪:‬‬
‫كان عمر يمنع عماله وولته من الللدخول فللي‬
‫الصلللفقات العاملللة سلللواءً أكلللانوا بلللائعين أو‬
‫مشترين)‪ ،(1059‬روي أن عامل ً لعمر بن الخطاب‬
‫اسمه الحارث بن كعب بللن وهللب‪ ،‬ظهللر عليلله‬
‫الثراء‪ ،‬فسأله عمر عللن مصللدر ثللرائه فأجللاب‪:‬‬
‫خرجت بنفقة معي فاتجرت بها‪ .‬فقللال عمللر‪:‬‬
‫أما والللله مللا بعثنللاكم لتتجللروا وأخللذ منلله مللا‬
‫حصل عليه من ربح)‪.(1060‬‬
‫‪ -9‬إحصاء ثروة العمال عند تعيينهم‪:‬‬
‫كان عمر يحصي أمللوال العمللال والللولة قبللل‬
‫الولية ليحاسبهم علللى مللا زادوه بعللد الوليللة‬
‫مما ل يدخل في عداد الزيادة المعقولة‪ ،‬ومللن‬
‫تعلل منهم بالتجارة لم يقبل منه دعواه وكللان‬
‫يقللول لهللم‪ :‬إنمللا بعثنللاكم ولة ولللم نبعثكللم‬
‫تجارا ً)‪.(1061‬‬

‫‪ ()1059‬الدارة السلمية في عصر عمر بن الخطاب ص ‪. 213‬‬


‫‪ ()1060‬نفس المصدر ص ‪. 213‬‬
‫‪ ()1061‬نفس المصدر ص ‪. 215‬‬
‫‪ -10‬شروط عمر على عماله‪:‬‬
‫كللان عمللر بللن الخطللاب رضللي الللله عنلله إذا‬
‫استعمل عامل ً كتب عليلله كتاب لًا‪ ،‬وأشللهد عليلله‬
‫رهطا ً من النصار‪ :‬أن ل يركب برذونا ً)‪ ،(1062‬ول‬
‫يأكل نقيًا‪ ،‬ول يلبس رقيقًا‪ ،‬ول يغلق بابه دون‬
‫حاجللللات المسلللللمين ثللللم يقللللول‪ :‬اللهللللم‬
‫فاشهد)‪.(1063‬‬
‫وهللذه الشللروط تعنللي اللللتزام بحيللاة الزهللد‬
‫والتواضع للناس‪ ،‬وهي خطوة أولى في إصلح‬
‫المللة بحملهللا علللى التوسللط فللي المعيشللة‪،‬‬
‫واللباس والمراكب‪ ،‬وبهذه الحياة الللتي تقللوم‬
‫علللى العتللدال تسللتقيم أمورهللا‪ ،‬وهللي خطللة‬
‫حكيمة‪ ،‬فللإن عمللر ل يسللتطيع أن يلللزم جميللع‬
‫أفراد المة بأمر ل يعتللبر واجبلا ً فللي السلللم‪،‬‬
‫ولكنه يستطيع أن يلزم بللذلك الللولة والقللادة‪،‬‬
‫وإذا اللللتزموا فلللإنهم القلللدوة الوللللى فلللي‬
‫المجتمللع‪ ،‬وهللي خطللة ناجحللة فللي إصلللح‬
‫المجتمع وحمايته من أسباب النهيار)‪.(1064‬‬
‫‪ -11‬المشورة في اختيار الولة‪:‬‬
‫كان اختيار الللولة يتللم بعللد مشللاورة الخليفللة‬
‫لكبار الصحابة)‪ ،(1065‬فقد قال رضللي الللله عنلله‬
‫لصحابه يومًا‪ :‬دلوني علللى رجلل إذا كلان فلي‬
‫القوم أميرا ً فكللأنه ليللس بللأمير‪ ،‬وإذا لللم يكللن‬

‫‪ ()1062‬البرذون‪ :‬الدابة‪ ،‬البراذين من الخيل ما كان من غير نتاج‬


‫العرب‪.‬‬
‫‪ ()1063‬محض الصواب )‪.(1/510‬‬
‫‪ ()1064‬التاريخ السلمي )‪.(19،20/268‬‬
‫‪ ()1065‬عصر الخلفة الراشدة ص ‪. 114‬‬
‫بأمير فكأنه أمير)‪ ،(1066‬فأشاروا إلى الربيع بللن‬
‫زياد)‪ ،(1067‬وقد استشللار عمللر رضللي الللله عنلله‬
‫الصحابة في من يولي على أهل الكوفة فقال‬
‫لهم‪ :‬من يعذرني من أهل الكوفة ومن تجنيهم‬
‫علللى أمرائهللم إن اسللتعملت عليهللم عفيفللا ً‬
‫استضلللعفوه‪ ،‬وإن اسلللتعلمت عليهلللم قويلللا ً‬
‫جروه‪ ،‬ثم قال‪ :‬أيها النللاس مللا تقولللون فللي‬ ‫ف ّ‬
‫رجل ضعيف غير أنه مسلللم تقللي وآخللر قللوي‬
‫دد أيهما الصلللح للمللارة؟ فتلكللم المغيللرة‬ ‫مش ّ‬
‫بن شعبة فقال يا أمير المللؤمنين إن الضللعيف‬
‫المسلم إسلمه لنفسلله وضللعفه عليللك وعلللى‬
‫دد فشللداده علللى‬ ‫المسلللمين‪ ،‬والقللوي المشلل ّ‬
‫نفسه وقوته لك وللمسلمين فأعمل في ذلللك‬
‫رأيك فقال عمللر‪ :‬صللدقت يللا مغيللرة‪ ،‬ثللم وله‬
‫الكوفة وقال للله‪ :‬انظللر أن تكللون ممللن يللأمنه‬
‫جار‪ ،‬فقللال المغيللرة‪ :‬أفعللل‬ ‫البرار ويخافه الف ّ‬
‫)‪(1068‬‬
‫‪.‬‬ ‫ذلك يا أمير المؤمنين‬
‫‪ -12‬اختبار العمال قبل التولية‪:‬‬
‫كان عمر رضي الله عنه يختبر عمللاله قبللل أن‬
‫يوليهم‪ ،‬وقد يطول هلذا الختبلار كملا يوضلحه‬
‫الحنف بن قيس حين قال‪ :‬قدمت علللى عمللر‬
‫ابللن الخطللاب رضللوان الللله عليلله‪ ،‬فاحتبسللني‬
‫عنده حول ً فقال يا أحنللف قللد بلوتللك وخبرتللك‬
‫فرأيت أن علنيتك حسنة وأنللا أرجللو أن تكللون‬
‫سللريرتك مثللل علنيتللك وأن ّللا كنللا نتحللدث إنمللا‬

‫‪ ()1066‬فرائد الكلم ص ‪. 165‬‬


‫‪ ()1067‬نفس المصدر ص ‪. 165‬‬
‫‪ ()1068‬الولية على البلدان )‪.(128 /1‬‬
‫يهلك هذه المة كل منافق عليللم‪ ،‬ثللم قللال للله‬
‫عمللر أتللدري لللم احتبسللتك وبيللن للله أنلله أراد‬
‫اختبلللاره ثلللم وله)‪ ،(1069‬وملللن نصلللائح عملللر‬
‫ت هيبتلله‪،‬‬‫للحنف‪ :‬يا أحنف‪ ،‬من كثر ضحكه قل ل ْ‬
‫ومن مزح اسللتخف بلله‪ ،‬ومللن أكللثر مللن شلليء‬
‫عرف به‪ ،‬ومن كثر كلمه كثر سقطه ومن كثر‬ ‫ُ‬
‫ل حياؤه قللل ورعلله‪،‬‬ ‫سقطه قل حياؤه‪ ،‬ومن ق ّ‬
‫)‪(1070‬‬
‫‪.‬‬ ‫ومن قل ورعه مات قلبه‬
‫‪ -13‬جعل الوالي من القوم‪:‬‬
‫من الملحظ أن عمر بللن الخطللاب رضللي الللله‬
‫عنه كللان فللي كللثير مللن الحيللان يللولي بعللض‬
‫الناس على قومهم إذا رأى فللي ذلللك مصلللحة‬
‫ورأى الرجل جديرا ً بالولية‪ ،‬ومللن ذلللك تللوليته‬
‫))جللابر بللن عبللد الللله البجلللي(( علللى قللومه‬
‫بجيلة)‪ ،(1071‬حينما وجههم إلى العللراق‪ ،‬وكللذلك‬
‫تولية سلمان الفارسي على المللدائن‪ ،‬وتوليللة‬
‫نافع بن الحارث علللى مكللة‪ ،‬وعثمللان بللن أبللي‬
‫العاص علللى الطللائف‪ ،‬ولعللله كللان يرمللي مللن‬
‫وراء ذلك إلى أهداف معينة يستطيع تحقيقهللا‬
‫ذلك الشخص أكثر من غيره)‪.(1072‬‬
‫‪ -14‬المرسوم الخلفي‪:‬‬
‫وقد اشتهر عن عمر رضي الله عنه أنلله حينمللا‬
‫كللان ينتهللي مللن اختيللار الللوالي واستشللارة‬
‫‪ ()1069‬الولية على البلدان )‪ (142 /1‬مناقب أمير المؤمنين ص‬
‫‪.117‬‬
‫‪ ()1070‬صفة الصفوة )‪.(287 /1‬‬
‫‪ ()1071‬الولية على البلدان )‪.(142 /1‬‬
‫‪ ()1072‬نفس المصدر )‪.(142 /1‬‬
‫المستشارين يكتب للللوالي كتابلا ً يسللمى عهللد‬
‫التعيين أو الستعمال عند كثير من المللؤرخين‬
‫ويمكننا أن نسميه مجللازا ً )المرسللوم الخلفللي‬
‫في تعيين العامل أو المير( وقد وردت العديللد‬
‫مللن نصللوص التعييللن لعمللال عمللر)‪(1073‬ولكللن‬
‫المؤرخين يكادون يتفقللون علللى أن عمللر بللن‬
‫الخطاب رضي الله عنه كان إذا استعمل عامل ً‬
‫كتلللب لللله كتابلللا ً وأشلللهد عليللله رهطلللا ً ملللن‬
‫المهاجرين والنصللار واشللترط عليلله شللروطا ً‬
‫في الكتاب)‪ (1074‬كما قد يكون الشخص المرشح‬
‫للولية غائبًا‪ ،‬فيكتب له عمر عهللدا ً يللأمره فيلله‬
‫بللالتوجه إلللى وليتلله‪ ،‬ومثللال ذلللك كتللابه إلللى‬
‫العلء بن الحضرمي عامله على البحرين أمللره‬
‫بللالتوجه إلللى البصللرة لوليتهللا بعللد عتبللة بللن‬
‫غزوان‪ ،‬كما أنه فللي حللال عللزل أميللر وتعييللن‬
‫آخللر مكللانه فللإن الللوالي الجديللد كللان يحمللل‬
‫خطابا ً يتضمن عزل الول وتعيينه مكانه‪ ،‬وذلك‬
‫مثل كتاب عمر مع أبي موسى الشللعري حيللن‬
‫عللزل المغيللرة بللن شللعبة عللن وليللة البصللرة‬
‫وعين أبا موسى مكانه)‪.(1075‬‬
‫‪ -15‬ل يستعين بنصراني على أمور المسلمين‪:‬‬
‫قدم على عمللر فتللح مللن الشللام‪ ،‬فقللال لبللي‬
‫موسللى‪ :‬ادع كاتبللك يقللرأه علللى النللاس فللي‬
‫المسلللجد‪ .‬قلللال أبلللو موسلللى‪ :‬إنللله ل يلللدخل‬
‫المسللجد‪ .‬قللال عمللر‪ :‬لللم؟ أجنللب هللو؟ قللال‪:‬‬
‫ل ولكنلله نصللراني‪ ،‬فللانتهره عمللر وقللال‪ :‬ل‬
‫‪ ()1073‬الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلفة الراشدة ص ‪. 407‬‬
‫‪ ()1074‬الولية على البلدان )‪.(1/144‬‬
‫‪ ()1075‬الولية على البلدان )‪.(2/49‬‬
‫تدنوهم وقد أقصاهم الللله‪ ،‬ول تكرملوهم وقلد‬
‫أهلانهم اللله‪ ،‬ول تلأمنوهم وقلد خلونهم اللله‪،‬‬
‫وقد نهيتكم عن استعمال أهل الكتلاب‪ ،‬فلإنهم‬
‫ق)‪ ،(1077‬قللال‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫)‪(1076‬‬
‫سل َ‬
‫‪ ،‬وعن أ ّ‬ ‫يستحلون الرشوة‬
‫كنت عبدا ً نصللرانيا ً لعمللر‪ ،‬فقللال‪ :‬أسلللم حللتى‬
‫نستعين بك على بعض أمور المسلمين‪ ،‬لنه ل‬
‫ينبغي لنا أن نستعين على أمورهم بمللن ليللس‬
‫منهللم فللأعتقني لمللا حضللرته الوفللاة وقللال‪:‬‬
‫اذهب حيث شئت)‪.(1078‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أهم صفات ولة عمر‪:‬‬
‫مللن أهللم صللفات ولة عمللر؛ سلللمة المعتقللد‪،‬‬
‫والعللللم الشلللرعي‪ ،‬والثقلللة بلللالله‪ ،‬والقلللدوة‪،‬‬
‫والصلللدق‪ ،‬والكفلللاءة والشلللجاعة‪ ،‬والملللروءة‪،‬‬
‫والزهلللد‪ ،‬وحلللب التضلللحية‪ ،‬والتواضلللع وقبلللول‬
‫النصيحة‪ ،‬والحلم‪ ،‬والصبر وعلللو الهمللة‪ ،‬والحللزم‬
‫والرادة القويللة‪ ،‬والعللدل‪ ،‬والقللدرة علللى حللل‬
‫المشكلت‪ ،‬وغير ذلك مللن الصللفات وأمللا أهمهللا‬
‫فهي‪:‬‬
‫‪ -1‬الزهد‪:‬‬
‫فمن ولة عمر الذين اشتهروا بزهدهم‪ ،‬سللعيد‬
‫بن عامر بن حللذيم وعميللر بللن سللعد وسلللمان‬
‫الفارسي‪ ،‬وأبو عبيدة ابن الجّراح‪ ،‬وأبو موسى‬
‫الشعري رضي الللله عنهللم وكللان نسللاء بعللض‬
‫الولة يقدمن الشكاوى إلللى عمللر نتيجللة زهللد‬
‫أزواجهن‪ ،‬فقد اشللتكت امللرأة معللاذ بللن جبللل‬

‫‪ ()1076‬بدائع السالك )‪.(2/27‬‬


‫‪ ()1077‬ذكره بن حجر في الصابة‪.‬‬
‫‪ ()1078‬محض الصواب )‪ ،(2/514‬الطبقات )‪.(6/158‬‬
‫رضللي الللله عنلله وذلللك‪ :‬أن عمللر بعللث معللاذا ً‬
‫ساعيًا‪ ..‬على بعض القبائل فقسم فيهم حللتى‬
‫لم يدع شيئًا‪ ،‬حتى جاء مجلسله اللذي خلرج بله‬
‫على رقبته‪ .‬فقالت امرأته‪ :‬أين ما جئت به مما‬
‫يأتي به العمللال مللن عراضللة أهليهللم؟ فقللال‪:‬‬
‫كان معي ضاغط)‪ ،(1079‬فقالت‪ :‬قللد كنللت أمينلا ً‬
‫عنللللللللد رسللللللللول الللللللللله ‪ ‬وعنللللللللد‬
‫أبي بكر‪ ،‬أفبعث عمللر معللك ضللاغطًا؟ فقللامت‬
‫بذلك في نسائها واشتكت عمر‪ ،‬فبلغ ذلك عمر‬
‫فللدعا معللاذًا‪ ،‬فقللال أنللا بعثللت معللك ضللاغطًا‪،‬‬
‫فقال‪ :‬لم أجلد شلليئا ً أعتلذر بله إليهلا إل ذللك‪.‬‬
‫قال‪ :‬فضحك عمر وأعطاه شليئا ً وقلال أرضلها‬
‫به)‪.(1080‬‬
‫‪ -2‬التواضع‪:‬‬
‫اشتهر الولة في عهد عمر بتواضعهم الشللديد‬
‫حللللللتى إن القللللللادمين إلللللللى بلدهللللللم‬
‫ل يميزون بينهم وبين عامة النللاس فهللم فللي‬
‫لباسللهم وبيللوتهم ومراكبهللم كعامللة النللاس‬
‫ل يميللزون أنفسللهم بشللي‪ ،‬ومللن أمثلللة ذلللك‬
‫قصة أبي عبيدة بللن الجللراح رضللي الللله عنلله‪،‬‬
‫فقد بعللث إليلله الللروم رجل ً ليفاوضلله‪ :‬فأقبللل‬
‫حتى أتى أبا عبيدة‪ ،‬فلما دنا من المسلمين لم‬
‫يعرف أبا عبيدة من أصللحابه‪ ،‬ولللم يللدر أفيهللم‬
‫هو أم ل ولم يرهبه مكان أمير‪ .‬فقال لهللم‪ :‬يللا‬
‫معشر العرب‪ ،‬أيللن أميركللم؟ فقللالوا هللاهو ذا‪.‬‬
‫فنظر فإذا هو بأبي عبيدة جللالس علللى الرض‬
‫‪ ()1079‬ضاغط‪ :‬مراقب‪.‬‬
‫‪ ()1080‬الولية على البلدان )‪.(2/53‬‬
‫وهللو متنكللب القللوس وفللي يللده أسللهم وهللو‬
‫يقلبها‪ .‬فقال لله الرسلول‪ :‬أنلت أميلر هلؤلء؟‬
‫قللال‪ :‬نعللم‪ .‬قللال فمللا يجلسللك علللى الرض؟‬
‫أرأيت لو كنت جالسا ً على وسادة أو كللان ذلللك‬
‫وضعك عند الله أو مانعك مللن الحسللان؟ قللال‬
‫أبللو عبيللدة‪ :‬إن الللله ل يسللتحي مللن الحللق‪،‬‬
‫ولصدقنك عما قلت مللا أصللبحت أملللك دينللارا ً‬
‫ول درهمللا ً ومللا أملللك إل فرسللي وسلللحي‬
‫وسيفي‪ ،‬لقد احتجللت أمسللي إلللى نفقللة فلللم‬
‫يكن عندي حتى استقرضت من أخي هذا نفقة‬
‫كانت عنده يعني معللاذا ً فأقرضللنيها‪ ،‬ولللو كللان‬
‫عندي أيضا ً بساط أو وسللادة مللا كنللت لجلللس‬
‫عليلله دون إخللواني وأصللحابي وأجلللس أخللي‬
‫المسلم الذي ل أدري لعله عند الللله خيللر منللي‬
‫علللى الرض‪ ،‬ونحللن عبللاد الللله نمشللي علللى‬
‫الرض‪ ،‬ونجللللس عللللى الرض‪ ،‬ونأكلللل عللللى‬
‫الرض ونضجع على الرض وليس ذلك ينقصللنا‬
‫عند الله شيئًا‪ ،‬بل يعظم الله به أجورنا‪ ،‬ويرفع‬
‫درجاتنا‪ ،‬ونتواضع بذلك لربنا)‪.(1081‬‬
‫‪ -3‬الورع‪:‬‬
‫حرص العديد من الولة أن ُيعفى من العمللال‬
‫الموكلة إليهم فقد استعفى عتبللة بللن غللزوان‬
‫عمر من ولية البصرة فلم يعفلله)‪ ،(1082‬كمللا أن‬
‫)النعمان بللن مقللرن( كللان والي لا ً علللى كسللكر‬
‫فطلب من عمر أن يعفيه من الوليللة ويسللمح‬

‫‪ ()1081‬فتوح الشام للزدي ص ‪.123 ،122‬‬


‫‪ ()1082‬الولية على البلدان )‪.(54 /2‬‬
‫له بالجهاد رغبة في الشهادة)‪ ،(1083‬كمللا رفللض‬
‫بعض الصحابة الولية حينما طلللب منهللم عمللر‬
‫أن يعملوا في الوليات‪ ،‬فقد رفض الزبيللر بللن‬
‫العوام ولية مصر حينما عرض عليه ذلك قللائل ً‬
‫يا أبا عبد الله هل لك في ولية مصللر‪ ،‬فقللال‪:‬‬
‫ل حاجلللة للللي فيهلللا ولكلللن أخلللرج مجاهلللدا ً‬
‫وللمسلمين معاونا ً)‪ ،(1084‬كما رفض ابن عبللاس‬
‫ولية حمص حينما عللرض عليلله عمللر أن يللوليه‬
‫إياها بعد وفاة أميرها)‪.(1085‬‬

‫‪ ()1083‬نفس المصدر )‪.(54 /2‬‬


‫‪ ()1084‬فتوح البلدان للبلذري ص ‪.214‬‬
‫‪ ()1085‬الخراج لبي يوسف ص ‪.23 ،22‬‬
‫‪ -4‬احترام الولة لمن سبقهم من الولة‪:‬‬
‫امتاز الولة على البلدان باحترام مللن سللبقهم‬
‫من الولة وتقديرهم وهذا يلحللظ فللي معظللم‬
‫الولة في العصر الراشللدي حيللث نجللد مثل ً أن‬
‫خالدا ً بن الوليد حينما قللدم إلللى الشللام أميللرا ً‬
‫على أبي عبيللدة بللن الجللراح وغيللره رفللض أن‬
‫يتقدم على أبي عبيدة في الصلة‪ ،‬وحينما قام‬
‫عمر بعللزل خالللد بللن الوليللد عللن وليللة أجنللاد‬
‫الشللللللللللللللللللللللام وتعييللللللللللللللللللللللن‬
‫أبي عبيدة مكانه أخفى أبللو عبيللدة الخللبر عللن‬
‫خالد ولم يخللبره بلله حللتى ورد كتللاب آخللر مللن‬
‫عمر‪ ،‬فعلم خالد بالخبر فعاتب أبا عبيللدة علللى‬
‫عللدم تبليغلله)‪ ،(1086‬يقللول الللدكتور عبللد العزيللز‬
‫العمري‪ :‬ولم أجد من خلل البحث أن أحدا ً من‬
‫الللولة عمللل علللى إذلل مللن سللبقه أو النيللل‬
‫منه‪ ،‬بل إنهم في الغالب يعملون على مدحهم‬
‫في أول خطبة يلقونها ويثنون عليهم)‪.(1087‬‬
‫ثالثًا‪ :‬حقوق الولة‪:‬‬
‫مما ل ريب فيه أن للللولة علللى البلللدان حقوق لا ً‬
‫مختلفة يتصل بعضها بالرعية وبعضللها بالخليفللة‪،‬‬
‫وبالضافة إلى حقوق أخرى متعلقة ببيت الملال‪،‬‬
‫وكللل هللذه الحقللوق الدبيللة أو الماديللة تهللدف‬
‫بالدرجة الولللى إلللى إعانللة الللولة علللى القيللام‬
‫بواجبللاتهم وخدمللة ديللن السلللم وهللذه أهللم‬
‫حقوقهم‪:‬‬
‫‪ -1‬الطاعة في غير معصية‪:‬‬

‫‪ ()1086‬تاريخ اليعقوبي )‪.(140 ،139 /2‬‬


‫‪ ()1087‬الولية على البلدان (‪.(55 /2‬‬
‫وواجللب الطاعللة مللن الرعيللة للمللراء والللولة‬
‫َ‬
‫من ُللوا‬
‫نآ َ‬ ‫ها ال ّل ِ‬
‫ذي َ‬ ‫قررته الشريعة قال تعالى‪َ  :‬ياأي ّ َ‬
‫ل ُ‬ ‫أ َطيعوا الل ّه َ‬
‫ن‬
‫ف لإ ِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫ر ِ‬‫م ِ‬‫وِلي ال ْ‬ ‫سو َ َ‬
‫وأ ْ‬ ‫عوا الّر ُ‬ ‫طي ُ‬ ‫وأ ِ‬ ‫َ َ‬ ‫ِ ُ‬
‫م‬ ‫ن ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫والّر ُ‬ ‫ه َ‬‫دوهُ إ َِلى الل ّ ِ‬ ‫ء َ‬
‫فُر ّ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫في َ‬ ‫م ِ‬ ‫عت ُ ْ‬
‫ت ََناَز ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ل)‬‫وي ً‬ ‫ن ت َ لأ ِ‬‫سل ُ‬ ‫ح َ‬ ‫وأ ْ‬‫خي ْ لٌر َ‬‫ك َ‬‫ر ذَل ِ َ‬
‫خ ِ‬‫وم ِ ال ِ‬‫وال ْي َ ْ‬
‫ه َ‬ ‫ن ِبالل ّ ِ‬‫مُنو َ‬ ‫تُ ْ‬
‫ؤ ِ‬
‫‪)  (59‬النساء‪ ،‬آية‪.(59:‬‬
‫وهذه الية تنص على وجوب طاعة أولى المللر‬
‫ومنهم المراء المنفذون لوامللر الللله سللبحانه‬
‫وتعللللالى)‪ ،(1088‬ولشللللك أن طاعللللة المللللراء‬
‫والخلفاء مقيدة بطاعة الله وأنهم متى عصللوا‬
‫الله فل طاعة لهم)‪.(1089‬‬

‫‪ -2‬بذل النصيحة للولة‪:‬‬


‫جاء رجل إلى عمر بللن الخطللاب فقللال للله‪ :‬يللا‬
‫أمير المؤمنين ل أبالي في الله لومة لئم خير‬
‫لي أم أقبل على نفسي‪ ،‬فقال‪ :‬أما مللن ولللي‬
‫من أمر المؤمنين شيئا ً فل يخف في الله لومة‬
‫لئم‪ ،‬ومن كللان خلللوا ً مللن ذلللك فليقبللل علللى‬
‫نفسه ولينصح لولي أمره)‪.(1090‬‬

‫‪ -3‬إيصال الخبار للولة‪:‬‬


‫يجللب علللى الرعيللة للللوالي إيصللال الخبللار‬
‫الصللحيحة إليلله والصللدق فللي ذلللك‪ ،‬سللواء‬
‫مللا يخللص أحللوال العامللة‪ ،‬أو مللا يخللص أخبللار‬
‫العللداء أو مللا كللان متعلقللا ً بعمللال الللوالي‬
‫‪ ()1088‬نفس المصدر )‪.(56 /2‬‬
‫‪ ()1089‬نفس المصدر )‪.(56 /2‬‬
‫‪ ()1090‬الخراج لبي يوسف ص ‪ ،15‬الولية على البلدان )‪.(57 /2‬‬
‫وموظفيه والعجلللة فللي ذلللك قللدر المسللتطاع‬
‫خصوصا ً ما كان متعلقا ً بالمور الحربية وأخبللار‬
‫العداء وما يتعلق بخيانات العمللال وغيللر ذلللك‬
‫مللن منطللق الشللتراك فللي المسللؤولية مللع‬
‫الوالي في مراعاة المصلحة العامة للمة)‪.(1091‬‬

‫‪ ()1091‬الولية على البلدان )‪.(57 /2‬‬


‫‪ -4‬مؤازرة الوالي في موقفه‪:‬‬
‫إذا كلللان ملللوقفه للمصللللحة العاملللة وتللللزم‬
‫المعاونلة بالدرجلة الوللى ملن قبلل الخليفلة‪،‬‬
‫فقد كان عمر رضي الله عنه حريصا ً على هللذا‬
‫المعنللى كللل الحللرص حيللث كللان يللولي عنايللة‬
‫خاصة لحترام الناس لولتهم وتقللديرهم لهللم‬
‫ويبذل في ذلك مختلف السللباب )فكللان عمللر‬
‫على شدة ما فيه مع عمللاله إذا أحللس باعتللداء‬
‫أو شبه اعتداء وقللع علللى أحللدهم يشللتد علللى‬
‫المعتدين في تلك الناحية ليبقى للعامللل هيبللة‬
‫توقره في الصللدور ومهابللة يلجللم بهللا العامللة‬
‫والخاصة)‪.(1092‬‬

‫‪ -5‬حق المير في الجتهاد‪:‬‬


‫من حق المير الجتهاد برأيه في المللور الللتي‬
‫يكون مجال الجتهاد فيها مفتوحا ً خصوصا ً في‬
‫المللور الللتي لللم يحللددها الشللرع بدقللة وفللي‬
‫المور الخرى التي لم يأت فيهللا تفللويض مللن‬
‫الخليفة للتصرف في حدود معينة‪ ،‬فقد اجتهللد‬
‫أحد ولة عمر في الشام فللي قسللمة السللهم‬
‫بين الراجلة والفرسان‪ ،‬فأجللاز عمللر اجتهللاده‪،‬‬
‫وقد اشتهر عللن ابللن مسللعود وكللان أحللد ولة‬
‫عمر رضي الله عنه أنه خللالف عمللر فللي أكللثر‬
‫من مائة مسألة اجتهادية)‪.(1093‬‬

‫‪ ()1092‬نفس المصدر )‪.(152 /1‬‬


‫‪ ()1093‬إعلم الموقعين )‪.(218 /2‬‬
‫‪ -6‬احترامهم بعد عزلهم‪:‬‬
‫مللن حقللوق الللولة احللترامهم بعللد عزلهللم‪،‬‬
‫فعندما عزل عمر رضي الله عنه شللرحبيل بللن‬
‫حسللنة عللن وليللة الردن‪ ،‬بيللن للنللاس سللبب‬
‫عزللله‪ ،‬وقللال لشللرحبيل عنللدما سللأله أعللن‬
‫سخطة عزلتني يا أمير المؤمنين؟ قال‪ :‬ل إنك‬
‫لكملللا أحلللب ولكنلللي أريلللد رجل ً أقلللوى ملللن‬
‫رجللل)‪ ،(1094‬وعللزل سللعد بللن أبللي وقللاص عللن‬
‫وليللة الكوفللة ولعللله رأى أن احللترامه يقضللي‬
‫بإبعاده عن أناس كانوا يعيبونه في صلللته مللع‬
‫أن سعدا ً كان أشبه الناس صلللة برسللول الللله‬
‫لعلمه التام بصفة صلة النبي ‪ ،‬فعزللله عمللر‬
‫احترامللا ً للله عللن أن يقللع فيلله مثللل هللؤلء‬
‫الجهال)‪.(1095‬‬

‫‪ -7‬حقوقهم المادية‪:‬‬
‫أما عن الناحية المادية فقد كان للولة حقللوق‬
‫وعلى رأسها مرتباتهم الللتي يعيشللون عليهللا‪،‬‬
‫ول شك أن الصحابة رضللي الللله عنهللم وعلللى‬
‫رأسهم الخلفاء الراشدون قللد أحسللوا بأهميللة‬
‫الرزاق بالنسلللبة للعملللال‪ ،‬وأنهلللا حلللق ملللن‬
‫حقوقهم إضافة إلىاستغنائهم بهللا عللن النللاس‬
‫وبالتلللالي علللدم التلللأثير عليهلللم أو محاوللللة‬
‫رشللوتهم)‪ ،(1096‬وقللد كللان عمللر بللن الخطللاب‬
‫حريصا ً على نزاهة عماله وعفتهم عللن أمللوال‬

‫‪ ()1094‬تاريخ الطبري )‪.(39 /5‬‬


‫‪ ()1095‬الولية على البلدان )‪.(59 /2‬‬
‫‪ ()1096‬الولية على البلدان )‪.(60 /2‬‬
‫الرعيللة‪ ،‬واسللتغنائهم بللأموالهم عللن أمللوال‬
‫الغير‪ ،‬ولعل عمر بن الخطاب رضللي الللله عنلله‬
‫قد أحس بهذه القضللية الخطيللرة‪ ،‬وأحللس أنلله‬
‫لكي يضمن نزاهة عماله فل بللد للله أن يغنيهللم‬
‫عن الحاجة إلللى أمللوال النللاس وقللد دار حللوار‬
‫بينه وبيللن أبللي عبيللدة مفهللومه أن أبللا عبيللدة‬
‫قال لعمر بن الخطاب‪ :‬دّنست أصللحاب رسللول‬
‫الللله ‪ ‬يعنللي باسللتعمالهم فقللال للله عمللر‪:‬‬
‫يا أبا عبيدة إذا لللم أسللتعن بأهللل الللدين علللى‬
‫سلللللمة دينللللي فبمللللن أسللللتعين؟ قللللال‬
‫أبو عبيدة‪ :‬أما إن فعلت فاغنهم بالعمالللة عللن‬
‫الخيانة)‪ ،(1097‬يعنللي إذا اسللتعملتهم فللي شلليء‬
‫فللأجزل لهللم فللي العطللاء والللرزق‪ ،‬حللتى ل‬
‫يحتاجون إلى الخيانة أو إلى النللاس وقللد كللان‬
‫عمللر يصللرف لمللراء الجيللش والقللرى وجميللع‬
‫العمال من العطاء ما يكفيهم بالمعروف نظير‬
‫عملهم ) على قدر ما يصلحهم من الطعللام مللا‬
‫يقومللون بلله مللن المللور( )‪ ،(1098‬وكللان عمللر‬
‫يحرص على نزاهللة العمللال عمللا بأيللديهم مللن‬
‫الموال العامة فيقول لعماله‪ :‬قد أنزلتكم مللن‬
‫هذا المال ونفسي منزلة وصي اليتيم من كان‬
‫غنيللا ً فليسللتعفف ومللن كللان فقيللرا ً فليأكللل‬
‫بالمعروف)‪ ،(1099‬وقد فرض عمر لجميللع عمللاله‬
‫تقريبا ً مرتبات محللددة وثابتللة سللواء يوميللة أو‬
‫شللهرية أو سللنوية وقللد ورد ذكللر بعضللها فللي‬
‫المصادر التاريخية منها ما كللان طعامللا ً ومنهللا‬
‫‪ ()1097‬الخراج لبي يوسف ص ‪.122‬‬
‫‪ ()1098‬الولية على البلدان )‪.(149 /1‬‬
‫‪ ()1099‬تاريخ الدينة )‪ (694 /2‬الولية على البلدان )‪.(149 /1‬‬
‫ما كان نقودا ً محددة)‪ ،(1100‬وقد ورد أن عمر بن‬
‫الخطاب رضي الله عنه استعمل عبللد الللله بللن‬
‫مسعود على القضاء وبيت المللال وعثمللان بللن‬
‫مار بللن ياسللر‬ ‫حنيف على ما سقى الفرات وع ّ‬
‫على الصلللة والجنللد ورزقهللم كللل يللوم شللاة‪،‬‬
‫فجعل نصللفها وسللقطها وأكارعهللا لعمللار بللن‬
‫ياسللر‪ ،‬لنلله كللان فللي الصلللة والجنللد‪ ،‬وجعللل‬
‫ربعهللا لعبللد الللله بللن مسللعود والربللع الخللر‬
‫لعثمان بن حنيف كما ورد أن عمر بن الخطاب‬
‫فرض لعمرو بن العاص أثناء وليته على مصللر‬
‫ملللائتي دينلللار)‪ ،(1101‬وكلللان عطلللاء سللللمان‬
‫الفارسي رضي الله عنه وهو على ثلثين ألفا ً‬
‫من النللاس فللي المللدائن خمسللة آلف درهللم‪،‬‬
‫ولزهده كان يأكل من عمللل يللده مللن الخللوص‬
‫ويتصدق بعطائه)‪،(1102‬وقد وردت روايات أخللرى‬
‫متفاوتللة فللي أرزاق عمللر لللولته‪ ،‬ول شللك أن‬
‫هذا الختلف في الروايللات مللرده إلللى تطللور‬
‫الحوال وتغيرها خلل عهد عمر‪ ،‬فل يعقللل أن‬
‫تبقى الرزاق والمرتبات على ماهي عليه مللن‬
‫أول عهده إلللى نهللايته‪ ،‬نظللرا ً لتغيللر الظللروف‬
‫والحللوال واختلف السللعار وتطللور الحاجللات‬
‫نتيجة اتساع الفتللوح وزيللادة الللدخل فللي بيللت‬
‫المللال)‪ ،(1103‬وقللد ورد أن عمللر بللن الخطللاب‬
‫رضي الله عنه رزق معاوية على عمله بالشللام‬
‫عشرة آلف دينار في كللل سللنة‪ ،‬كمللا ذكللر أن‬
‫الولية على البلدان )‪.(150 /1‬‬ ‫‪()1100‬‬
‫الطبقات الكبرى )‪.(261 /4‬‬ ‫‪()1101‬‬
‫سير أعلم النبلء )‪.(547 /1‬‬ ‫‪()1102‬‬
‫الولية على البلدان )‪.(63 /2‬‬ ‫‪()1103‬‬
‫عمر كان يفرض لمراء الجيوش والقللرى فللي‬
‫العطلللاء ملللا بيلللن تسلللعة آلف وثمانيلللة آلف‬
‫وسبعة آلف على قدر ما يصلهم مللن الطعللام‬
‫وما يقومون به من المور)‪.(1104‬‬
‫وقد كره بعض العمال أخذ الرزاق نتيجة قيامه‬
‫بأعمللال المللارة والوليللة للمسلللمين إل أن‬
‫الفاروق كان يوجههم إلللى أخللذها‪ ،‬فقللد قللال‬
‫عمر رضي الله عنه لحد ولته‪ :‬ألم أحدثك أنك‬
‫تلي من أعمال المسلمين أعمال ً فإذا أعطيللت‬
‫العمالة كرهتها؟ فقال‪ :‬بللى‪ ،‬فقلال عملر‪ :‬مللا‬
‫تريد إلى ذلك؟ قللال إنللي لللي أفراس لا ً وأعبللدا ً‬
‫وأنا بخير‪ ،‬وأريد أن تكون عمالتي صدقة علللى‬
‫المسلللمين فقللال عمللر‪ :‬ل تفعللل فللإني كنللت‬
‫أردت الذي أردت‪ ،‬وكلان رسلول اللله يعطينلي‬
‫العطاء فللأقول أعطلله أفقللر إليلله منللي فقللال‬
‫النبي ‪ :‬خذه فتموله وتصدق بلله‪ ،‬فمللا جللاءك‬
‫مللن هللذا المللال مللن غيللر مسللألة ول إشللراف‬
‫فخذه‪ ،‬ومال ً فل تتبعه نفسك)‪ ،(1105‬وعلللى كللل‬
‫حال فإن مبدأ إعطاء الرزاق للعمال وإغنائهم‬
‫عن الناس كان مبللدأ إسلللميا ً فرضلله الرسللول‬
‫‪ ،‬وسار عليه الخلفللاء الراشللدون مللن بعللده‪،‬‬
‫حلللتى أغنلللوا العملللال علللن أملللوال النلللاس‪،‬‬
‫وفّرغلللللوهم للعملللللل ولمصللللللحة الدوللللللة‬
‫السلمية)‪.(1106‬‬

‫‪ ()1104‬الخراج لبي يوسف ص ‪ ،50‬الولية على البلدان )‪.(63 /2‬‬


‫‪ ()1105‬الولية على البلدان )‪ ،(2/64‬الدارة السلمية محمد كرد‬
‫ص ‪. 48‬‬
‫‪ ()1106‬الولية على البلدان )‪.(2/64‬‬
‫‪ -8‬معالجة العمال إذا مرضوا‪:‬‬
‫مرض معيقيللب‪ ،‬وكللان خللازن عمللر علللى بيللت‬
‫المللال‪ ،‬فكللان يطلللب للله الطللب مللن كللل مللن‬
‫يسمع عنده بطب‪ ،‬حتى قدم عليلله رجلن مللن‬
‫أهل اليمن‪ ،‬فقال‪ :‬هل عندكم مللن طللب لهللذا‬
‫الرجل الصالح‪ ،‬فإن هذا الوجع قد أسللرع فيلله‪.‬‬
‫قال‪ :‬أما شيء يذهبه فإنا ل نقللدر عليلله ولكنللا‬
‫نداويه بدواء يقفه فل يزيد‪ .‬قال عمللر‪ :‬عافيللة‬
‫عظيمة أن يقف فل يزيد قال‪ :‬هللل ينبللت فللي‬
‫أرضك هذا الحنظل‪ .‬قال‪ :‬نعم‪ :‬قال‪ :‬فاجمع لنا‬
‫فيه فأمر عمر فجمع له منه مكتلن عظيمللان‪،‬‬
‫فعمدا إلللى كللل حنظلللة‪ ،‬قطعاهللا بللاثنين‪ ،‬ثللم‬
‫أضجعا معيقيبا ً فأخذ كللل واحللد منهمللا بإحللدى‬
‫قدميه ثم جعل يدلكان بطون قدميه بالحنظللل‪،‬‬
‫محقت أخذ أخرى‪ .‬ثم أرسللله فقللال‬ ‫حتى إذا ا ّ‬
‫عمللر‪ :‬ل يزيللد وجعلله هللذا أبللدًا‪ .‬قللال الللراوي‪:‬‬
‫فوالله ما زال معيقيب بعدها متمسكا ً ما يزيللد‬
‫وجعه حتى مات)‪.(1107‬‬
‫رابعًا‪ :‬واجبات الولة‪:‬‬
‫إن الولة بما بللوأهم الللله مللن مكانللة‪ ،‬قللد ألقللى‬
‫ل‪ ،‬وواجبللات جسللامًا‪ ،‬أثللر‬
‫على كاهلهم أعباءً ثقللا ً‬
‫منها عن عمر بن الخطاب ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬إقامة أمور الدين‪:‬‬

‫‪ ()1107‬أخبار عمر طنطاويات ص ‪. 341‬‬


‫كنشللر الللدين السلللمي بيللن النللاس‪ ،‬وإقامللة‬
‫الصلة‪ ،‬وحفظ الدين وأصوله‪ ،‬وبنللاء المسللاجد‬
‫وتيسير أمور الحج‪ ،‬وإقامة الحدود الشرعية‪:‬‬
‫• نشر الدين السلمي‪:‬‬
‫حيللث اختللص ذلللك العصللر بفتوحللات عظيمللة‬
‫اقتضت من الولة العمل على نشر الدين فللي‬
‫البلد المفتوحللة مسللتعينين بمللن معهللم مللن‬
‫الصحابة)‪ ،(1108‬وفي زمن عمللر كتللب إليلله يزيللد‬
‫بن أبي سللفيان وكللان والي لا ً علللى الشللام‪ :‬إن‬
‫أهل الشام قد كثروا وملؤوا المدائن واحتاجوا‬
‫إلللى مللن يعلمهللم القللرآن ويفقههللم فللأعني‬
‫برجال يعلمونهم‪ ،‬فأرسل إليه عمر خمسة من‬
‫فقهاء الصحابة)‪ ،(1109‬وقد اشتهر عن عمللر بللن‬
‫الخطاب رضي الله عنه أنه كان يردد‪ :‬أل إننللي‬
‫والله ما أرسل عمالي إليكم ليضربوا أبشاركم‬

‫ول ليأخللذوا أمللوالكم‪ ،‬ولكللن أرسلللهم إليكللم‬


‫ليعلموكم أمر دينكم وسللنة نللبيكم)‪ ،(1110‬وكللان‬
‫عمر يقللول لللولته إنللا ل نللوليكم علللى أشللعار‬
‫المسلللمين ول علللى أبشللارهم وإنمللا نللوليكم‬
‫لتقيموا الصلللة وتعلمللوهم القللرآن)‪ ،(1111‬وقللد‬
‫أرسللل عمللر رضللي الللله عنلله مجموعللة مللن‬
‫المعلمين إلى المصار السلمية‪ ،‬حيث أسسوا‬
‫المدارس العلمية المشهورة كما مّر معنا‪.‬‬

‫• إقامة الصلة‪:‬‬
‫كان عمر بللن الخطللاب رضللي الللله عنلله يكتللب‬
‫لللولته‪ :‬إن أهللم أمركللم عنللدي الصلللة فمللن‬
‫‪ ()1108‬أعلم الموقعين )‪.(2/247‬‬
‫‪ ()1109‬سير أعلم النبلء )‪.(2/247‬‬
‫‪ ()1110‬السياسة الشرعية ص ‪. 150‬‬
‫‪ ()1111‬نصيحة الملوك للماوردي ص ‪ ، 72‬الولية على البلدان )‬
‫‪.(2/65‬‬
‫حفظها وحافظ عليها حفظ دينه ومللن ضلليعها‬
‫فهو لما سواها أشد إضاعة)‪ ،(1112‬كما كان عمر‬
‫يؤكد لولته أهميللة إقامللة الصلللة فللي النللاس‬
‫بقوله‪ :‬وإنما نوليكم لتقيموا الصلة وتعلموهم‬
‫العلم والقرآن)‪ ،(1113‬وكان عمر رضي الله عنلله‬
‫ينص في قرار التعييللن أن فلن لا ً أميللر الصلللة‬
‫والحرب كالقرار الذي عين فيه عمار بن ياسللر‬
‫على الصلللة والحللرب وعبللد الللله بللن مسللعود‬
‫علللى القضللاء وبيللت المللال)‪ ،(1114‬وقللد تحللدث‬
‫الفقهاء الذين كتبللوا فللي السياسللة الشللرعية‬
‫عللللن أهميللللة الصلللللة بالنسللللبة للميللللر‬
‫وما يتضمنه ذلك المر من معان عظيمة دنيوية‬
‫وأخروية)‪.(1115‬‬

‫• حفظ الدين وأصوله‪:‬‬


‫حرص الفاروق على حفظ الدين علللى أصللوله‬
‫الصحيحة التي نزلت على رسللول الللله‪ ،‬وكللان‬
‫يعمللل جاهللدا ً علللى إحيللاء سللنة الرسللول ‪‬‬
‫والقضاء على البدع والعمل على احللترام ديللن‬
‫الله وإحياء سنة رسول الله ‪ ،‬فقد أمر بطرد‬
‫رجل وتغريبه نتيجة كثرة إثللارته لمواضلليع مللن‬
‫المتشابه من القرآن)‪ (1116‬كما مللر معنللا‪ ،‬وأمللر‬
‫رضي الله عنلله بالقيللام فللي رمضللان وتعميللم‬
‫ذلك علللى المصللار)‪ ،(1117‬وقللد كتللب إلللى أبللي‬
‫الطريقة الحكمية ص ‪ ، 240‬الولية على البلدان )‪.(2/67‬‬ ‫‪()1112‬‬
‫نصيحة الملوك ص ‪. 72‬‬ ‫‪()1113‬‬
‫الحكام السلطانية ص ‪. 33‬‬ ‫‪()1114‬‬
‫الولية على البلدان )‪.(2/67‬‬ ‫‪()1115‬‬
‫نفس المصدر )‪.(2/68‬‬ ‫‪()1116‬‬
‫الولية على البلدان )‪.(2/68‬‬ ‫‪()1117‬‬
‫موسى الشعري‪ :‬إنه بلغني أن ناسا ً من قبلك‬
‫قد دعوا بدعوى الجاهلية يا آل ضبة فللإذا أتللاك‬
‫كتللابي هللذا فللانهكهم عقوبللة فللي أمللوالهم‬
‫وأجسامهم حتى يفرقوا إذا لم يفقهوا)‪.(1118‬‬

‫‪ ()1118‬موسوعة فقه عمر بن الخطاب ص ‪. 133‬‬


‫• تخطيط وبناء المساجد‪:‬‬
‫وتذكر بعللض الحصللاءات أنلله أنشللئ فللي عهللد‬
‫عمر ‪ 4000‬مسجد في بلد العرب وحلدها وقلد‬
‫اشتهر الولة بنشللر المسللاجد وتأسيسللها فللي‬
‫مختلف مناطق حكمهللم مثللل عيللاض بللن غنللم‬
‫الذي أنشأ مجموعة من المساجد في النللواحي‬
‫المختلفة من الجزيرة)‪.(1119‬‬

‫• تيسير أمور الحج‪:‬‬


‫كلللان اللللولة فلللي عهلللد الخلفلللة الراشلللدة‬
‫مسؤولين عن تيسير أمور الحج فللي وليللاتهم‬
‫وتأمين سلمة الحجاج منهلا‪ ،‬فقلد كللان الللولة‬
‫يعينون المراء علللى قوافللل الحللج‪ ،‬ويحللددون‬
‫لهللم أوقللات السللفر حيللث ل يغللادر الحجللاج‬
‫بلدانهم إل بإذن الوالي وقد أكللد الفقهللاء بعللد‬
‫ذلك عللى أن تسلليير الحجلاج عملل مللن مهللام‬
‫الوالي على بلده يقول المللاوردي‪ :‬أمللا تسلليير‬
‫الحجيج من عمللله فداخلللة فللي أحكللام إمللارته‬
‫لنه من جملة المعونات التي تنسب لها)‪.(1120‬‬

‫• إقامة الحدود الشرعية‪:‬‬


‫أقام عمرو بن العاص الحد على أحد أبناء عمللر‬
‫بن الخطاب في مصللر ثللم عللاقبه عمللر نفسلله‬
‫بالجلد‪ ،‬وقيل أنه توفي بعد ذلك فللي أثللر هللذا‬
‫الجلد)‪ ،(1121‬وقد كان الولة يقومون بالقصللاص‬
‫فللي القتللل دون إذن الخليفللة إلللى أن كتللب‬
‫‪ ()1119‬فتوح البلدان للبلذري ص ‪ ، 182‬الولية على البلدان )‬
‫‪.(2/69‬‬
‫‪ ()1120‬الحكام السلطانية ص ‪. 33‬‬
‫‪ ()1121‬مناقب عمر بن الخطاب لبن الجوزي ص ‪. 240،242‬‬
‫إليهم عمللر‪ :‬أن ل تقتلللوا أحللدا ً إل بللإذني)‪،(1122‬‬
‫فأصللبحوا يسللتأذنون عمللر فللي القتللل قبللل‬
‫تنفيللذه‪ ،‬فإقامللة الحللدود مللن المللور الدينيللة‬
‫والدنيويللة الللتي كللان ينظللر إليهللا الخلفللاء‬
‫وولتهم نظرة جادة ويهتمون بها كما يهتمللون‬
‫بشعائر الدين المختلفة)‪.(1123‬‬
‫‪ -2‬تأمين الناس في بلدهم‪:‬‬
‫إن المحافظللة علللى المللن فللي الوليللة مللن‬
‫أعظم المور الموكلة إلى الوالي‪ ،‬وفي سبيل‬
‫تحقيللق ذلللك فللإنه يقللوم بالعديللد مللن المللور‬
‫أهمها إقامة الحللدود علللى العصللاة والفسللاق‪،‬‬
‫مما يجد من الجللرائم الللتي تهللدد حيللاة النللاس‬
‫وممتلكاتهم)‪ (1124‬وقد كتب عمر رضي الله عنه‬
‫إلى أبللي موسللى الشللعري‪ :‬أخيفللوا الفسللاق‬
‫واجعلللوهم يللدا ً يللدا ً ورجل ً رجل ً)‪ ،(1125‬كمللا أن‬
‫إقامة فريضة الجهاد ضلد العلداء كلان لله دور‬
‫كللللللبير فللللللي تللللللأمين البلد السلللللللمية‬
‫وأمصارها)‪.(1126‬‬
‫‪ -3‬الجهاد في سبيل الله‪:‬‬
‫إذا استعرضنا أسماء المراء منللذ بدايللة خلفللة‬
‫أبللي بكللر إلللى خلفللة عمللر لوجللدنا لهللم باعلا ً‬
‫طويل ً في الفتوحات‪ ،‬بل إنهم كانوا يتوجهللون‬

‫‪ ()1122‬الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلفة الراشدة ص ‪. 521‬‬

‫الولية على البلدان )‪.(2/70‬‬ ‫‪()1123‬‬


‫الولية على البلدان )‪.(2/71‬‬ ‫‪()1124‬‬
‫عيون الخبار )‪.(1/11‬‬ ‫‪()1125‬‬
‫الولية على البلدان )‪.(2/71‬‬ ‫‪()1126‬‬
‫أمراء إلى بلدان لم تفتللح بعللد فيعملللون علللى‬
‫فتحها ومللن ثللم تنظيمهللا كللأمراء الشللام أبللي‬
‫عبيللدة‪ ،‬وعمللرو بللن العللاص‪ ،‬ويزيللد بللن أبللي‬
‫سفيان وشرحبيل بللن حسللنة‪ ،‬وأمللراء العللراق‬
‫كالمثنى بن حارثة وخالد بن الوليد وعّياض بن‬
‫غنم وغيرهم)‪ ،(1127‬وقد كللان الللولة فللي عهللد‬
‫الخلفلللاء الراشلللدين ملللع إدارتهلللم لبلدهلللم‬
‫مجاهدين لنواحي العدو‪ ،‬ولم يمنعهم ذلك مللن‬
‫القيام بأعمالهم الموكلة إليهللم‪ ،‬وقللد تحللدثت‬
‫المصادر التاريخية عن أهم أعمللال الللولة فللي‬
‫دعم حركة الجهاد والتي من أهمها‪:‬‬
‫‪ -‬إرسال المتطوعين إلى الجهاد‪.‬‬
‫‪ -‬الدفاع عن الوليللة ضللد العللداء‪ :‬فقللد قللال‬
‫عمر‪ :‬ولكم علي أن أسد ثغوركم‪.‬‬
‫‪ -‬تحصللين البلد‪ :‬فقللد أمللر الفللاروق ببنللاء‬
‫حصون لمن نزل الجيزة في مصللر مللن قبللائل‬
‫الفتللللح‪ ،‬خوفللللا ً عليهللللم مللللن الغللللارات‬
‫المفاجئة)‪.(1128‬‬
‫‪ -‬تتبللع أخبللار العللداء‪ :‬فقللد اشللتهر عللن أبللي‬
‫عبيدة رضي الله عنه متابعته الدقيقة لتجمعات‬
‫الللروم فللي بلد الشللام‪ ،‬فكللان يقللوم ببعللض‬
‫العمليات النسحابية التمويهية بناء علللى هللذه‬
‫الخبار)‪.(1129‬‬
‫‪ -‬إمداد المصار بالخيل‪ :‬وضع عمر رضي الللله‬
‫عنه سياسلة عاملة فلي الدولللة لتللوفير الخيلل‬
‫اللزمة للجهاد في المصللار السلللمية حسللب‬
‫‪ ()1127‬نفس المصدر )‪.(2/72‬‬
‫‪ ()1128‬الولية على البلدان )‪.(1/77‬‬
‫‪ ()1129‬الفتوح بن أعثم ص ‪. 215‬‬
‫حاجتها فأقطع أناسا ً من البصللرة أراضللي كللي‬
‫يعملوا فيها علللى إنتللاج الخيللل وتربيتهللا)‪،(1130‬‬
‫كمللا أعطللى عمللر أناس لا ً مللن المسلللمين فللي‬
‫دمشق أرضا ً للعناية بالخيل فزرعوها فانتزعها‬
‫منهلللم وأغرمهلللم لمخلللالفتهم الهلللدف ملللن‬
‫إعطائهم الراضي وهللو المسللاعدة فللي إنتللاج‬
‫الخيل‪ ،‬وقد كان لعمللر أربعللة آلف فللرس فللي‬
‫الكوفة وكللان قيملله عليهللا سلللمان بللن ربيعللة‬
‫البللاهلي فللي نفللر مللن أهللل الكوفللة يصللّنع‬
‫و‬ ‫سوابقها ويجريها في كل عام‪ ،‬وبالبصرة نحلل ٌ‬
‫منها‪ ،‬وأيضا ً في كل مصر من المصار الثمانية‬
‫عدد قريب من العدد السللابق)‪ (1131‬وكللانت هلذه‬
‫الخيللول مجهللزة للللدفاع الفللوري عللن الدولللة‬
‫السلمية)‪.(1132‬‬
‫‪ -‬تعليم الغلمان وإعدادهم للجهاد‪:‬‬
‫فقد كان عمر رضي الله عنه يكتللب إلللى أهللل‬
‫المصللار يللأمرهم بتعليللم أولدهللم الفروسللية‬
‫والسباحة والرمللي‪ ،‬وقللد أصلليب أحللد الغلمللان‬
‫أثناء التعليللم فللي الشللام ومللات‪ ،‬فكتبللوا إلللى‬
‫عمر في ذلك فلم يثنه عن أمره بتعليم الولد‬
‫الرمي)‪.(1133‬‬
‫‪ -‬متابعة دواوين الجند‪:‬‬
‫اهتم الفاروق رضي الللله عنلله اهتمام لا ً خاص لا ً‬
‫بللدواوين المصللار نظللرا ً لعتقللاده أن أهللل‬
‫‪ ()1130‬الولية على البلدان )‪.(2/74‬‬

‫‪ ()1131‬الولية على البلدان )‪.(2/74‬‬


‫‪ ()1132‬الولية على البلدان )‪.(2/74‬‬
‫‪ ()1133‬الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلفة الراشدة ص ‪. 486‬‬
‫المصار أحوج الناس للضبط خصوص لا ً القريبللة‬
‫مللن العللداء وهللي المصللار الللتي تحتللاج إلللى‬
‫الجنود باسللتمرار)‪ ،(1134‬وقللد كللان الللولة علللى‬
‫البلدان مسؤولين مباشرة عللن دواويللن الجنللد‬
‫رغم وجللود بعللض المللوظفين الخريللن الللذين‬
‫يتولون مهمتها‪ ،‬ولكن باعتبار أن هؤلء الللولة‬
‫هم أمراء الحرب فقد كللانت مسللؤوليتهم عللن‬
‫الللدواوين فللي بلللدانهم كمسللؤولية الخليفللة‬
‫باعتبارهم نوابا ً)‪.(1135‬‬
‫‪ -‬تنفيذ المعاهدات‪:‬‬
‫وقد جرت بعض المعاهدات بين أبي عبيدة بللن‬
‫الجللراح وبعللض مللدن الشللام‪ ،‬وكللذلك الحللال‬
‫بالنسبة لمراء العراق كسللعد بللن أبللي وقللاص‬
‫وأبي موسللى الشللعري وغيرهللم مللن الللولة‪،‬‬
‫وقد كان الولة إضافة إلى ذلك يحرصون علللى‬
‫حماية حقوق الللذميين والمعاهللدات الشخصللية‬
‫والعامللة‪ ،‬وينفللذون المعاهللدات انطلقللا ً مللن‬
‫الوامللر الشللرعية برعايللة العهللد)‪ ،(1136‬وقللد‬
‫أوصى الفلاروق بأهلل الذملة فقلال‪ :‬أوصليكم‬
‫ن‬
‫مل ْ‬‫بذمة اللله وذمللة رسللوله خيللرًا‪ ،‬أن يقاتللل َ‬
‫وراءهم‪ ،‬وأن ل يكلفوا فوق طاقتهم)‪.(1137‬‬
‫‪ -4‬بذل الجهد في تأمين الرزاق للناس‪:‬‬
‫ن أرامللل‬
‫فقد قال عمر‪ :‬إن سلمني الللله لدع ل ّ‬
‫العراق وهن ل يحتجن إلى أحد بعدي‪ ،‬ونحن ل‬

‫النظم السلمية‪ ،‬صبحي الصالح ص ‪. 488،491‬‬ ‫‪()1134‬‬


‫الولية على البلدان )‪.(20/77‬‬ ‫‪()1135‬‬
‫الولية على البلدان )‪.(2/77‬‬ ‫‪()1136‬‬
‫موسوعة فقه عمر بن الخطاب ص ‪. 133‬‬ ‫‪()1137‬‬
‫ننسللى موقللف عمللر عللام الرمللادة‪ ،‬حيللن حللل‬
‫الجللوع بالنللاس‪ ،‬فللإنه وضللع جميللع إمكانيللات‬
‫الدولة لحل الزمللة وإشللباع البطللون الجائعللة‪،‬‬
‫فقد روى الللبيهقي فللي سللننه أن عمللر أنفللق‬
‫على أهل الرمادة حتى وقع المطللر‪ ،‬فللترحلوا‪،‬‬
‫فخرج إليهم عمللر راكب لا ً فرس لًا‪ ،‬فنظللر إليهللم‬
‫وهم يترحلون بظعائنهم‪ ،‬فدمعت عيناه‪ ،‬فقال‬
‫رجل من بني محارب بللن خصللفة‪ :‬أشللهد أنهللا‬
‫انحسرت عنك‪ ،‬ولست بابن أمة ‪ ‬يمتللدح عمللر‬
‫‪ ‬فقال له عمر‪ :‬ويلللك‪ ،‬ذلللك لللو أنفقللت مللن‬
‫مالي أو من مللال الخطللاب‪ ،‬إنمللا أنفقللت مللن‬
‫مال الله)‪ ،(1138‬وقد قال رضي الله عنلله‪ :‬ولكللم‬
‫ي أل أجتبي شيئا ً من خراجكم ول مما أفللاء‬ ‫عل ّ‬
‫ي إذا وقللع‬ ‫الله عليكم إل من وجهه‪ ،‬ولكللم عل ل ّ‬
‫ي‬ ‫في يدي أل يخرج مني إل في حقه‪ ،‬ولكم عل ّ‬
‫أن أزيد أعطياتكم وأرزاقكم إن شاء الللله)‪،(1139‬‬
‫وقد أخذ توزيع العطيات في عهد عمللر شللكل ً‬
‫دوريلا ً منتظملًا‪ ،‬وللم يكلن ذللك خاصلا ً بسلكان‬
‫البلدان‪ ،‬بللل إن القبللائل فللي الباديللة شللملتها‬
‫العطيات‪ ،‬فقد كللان عمللر بللن الخطللاب يللدور‬
‫في القبائل القريبة من المدينة ويوزع عليهللم‬
‫أعطياتهم بنفسه وكان يكتب إلى بعللض ولتلله‬
‫أن أعط الناس أعطياتهم وأرزاقهم فكتب إليه‬
‫عمر أنه فيئهم الذي أفاء الله عليهم‪ ،‬ليس هو‬
‫لعمللر ول آل عمللر أقسللمه بينهللم)‪ ،(1140‬ولللم‬
‫يكتف عمر بتأمين الموال للناس بل إنه عمللل‬
‫‪ ()1138‬سنن البيهقي )‪ (6/357‬موسوعة فقه عمر ص ‪. 135‬‬
‫‪ ()1139‬موسوعة فقه عمر ص ‪. 137‬‬
‫‪ ()1140‬الولية على البلدان )‪.(2/77‬‬
‫على تأمين الطعام‪ ،‬ففي إحدى زيارته للشللام‬
‫قام إليه بلل بن رباح فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين‬
‫إن أمراء أجنادك بالشللام والللله مللا يللأكلون إل‬
‫لحوم الطير والخبز النقي وما يجد ذلللك عامللة‬
‫المسلمين‪ ،‬فقال لهم عمر رضي الله عنلله مللا‬
‫يقول بلل؟ فقال له يزيد بن أبي سللفيان‪ ،‬يللا‬
‫أميللر المللؤمنين إن سللعر بلدنللا رخيللص وإنللا‬
‫نصيب هللذا الللذي ذكللر بلل هنللا بمثللل مللا كنللا‬
‫نقوت عيالتنا بالحجاز فقال عمللر رضللي الللله‬
‫عنه‪ :‬ل والله ل أبللرح حللتى تضللمنوا لللي أرزاق‬
‫المسلمين في كل شهر‪ .‬ثم قللال انظللروا كللم‬
‫يكفي الرجل ما يشتهيه؟ قالوا جريبين مع مللا‬
‫يصلحه من الزيت والخللل عنللد رأس كللل هلل‬
‫فضمنوا له ذلك‪ .‬ثم قال يللا معشللر المسلللمين‬
‫فللى لكللم‬ ‫هللذا لكللم سللوى أعطيللاتكم فللإن و ّ‬
‫أمراؤكللم بهللذا الللذي فرضللت لكللم عليهللم‪،‬‬
‫وأعطوكموه في كللل شللهر‪ ،‬فللذلك أحللب‪ ،‬وإن‬
‫هم لم يفعلوا فأعلموني حتى أعزلهللم وأولللي‬
‫غيرهم)‪ ،(1141‬وقد كان عمر يحرص على تللوفير‬
‫الطعللام فللي البلللدان ويتللابع السللواق ويمنللع‬
‫الحتكار‪ ،‬وكذلك كان ولته يقومللون بمهمتهللم‬
‫في مراقبللة السللواق‪ ،‬كمللا كللان يللأمر التجللار‬
‫بالمسير في الفاق والجلللب علللى المسلللمين‬
‫وإغنللاء أسللواقهم)‪ ،(1142‬ولللم يكتللف الفللاروق‬
‫وولته بتأمين الطعام ومراقبة السواق فقط‪،‬‬
‫بللل إن السللكن وتللوزيعه كللان مللن المهللام‬
‫الموكلة لمراء البلللدان‪ ،‬فعنللد إنشللاء المصللار‬
‫‪ ()1141‬فتوح الشام للزدي ص ‪ ، 257‬الولية على البلدان )‪.(2/78‬‬
‫‪ ()1142‬تاريخ المدينة )‪.(2/749‬‬
‫وتخطيطهلللا وزعلللت الراضلللي عللللى النلللاس‬
‫لسكناها في الكوفة والبصرة)‪ (1143‬والفسطاط‬
‫كما كان المراء يشرفون على تقسيم الللبيوت‬
‫فلللي الملللدن المفتوحلللة‪ ،‬كحملللص ودمشلللق‬
‫والسكندرية وغيرها)‪.(1144‬‬
‫‪ -5‬تعيين العمال والموظفين‪:‬‬
‫كان تعيين العمال والموظفين فللي الوظللائف‬
‫التابعة للولية في كثير من الحايين من مهام‬
‫الوالي حيث إن الولية في الغالب تتكللون مللن‬
‫بلد رئيسي إضافة إلللى بلللدان وأقللاليم أخللرى‬
‫تابعة للولية‪ ،‬وهي بحاجة إلى تنظيم أمورهللا‪،‬‬
‫فكلللان اللللولة يعينلللون ملللن مثلهلللم عملللال ً‬
‫وموظفين في تلك المناطق‪ ،‬سواء كللانوا فللي‬
‫مستوى أمراء‪ ،‬أو عمللال خللراج‪ ،‬وفللي الغللالب‬
‫فإن هللذا التعييللن يتللم بالتفللاق بيللن الخليفللة‬
‫والوالي)‪.(1145‬‬
‫‪ -6‬رعاية أهل الذمة‪:‬‬
‫كللانت رعايللة أهللل الذمللة واحللترام عهللودهم‬
‫والقيام بحقوقهم الشللرعية‪ ،‬ومطللالبتهم بمللا‬
‫عليهم للمسلمين من واجبات‪ ،‬وتتبع أحوالهم‪،‬‬
‫وأخللذ حقللوقهم ممللن يظلمهللم انطلق لا ً مللن‬
‫الوامر الشرعية في هذا الجانب‪ ،‬من واجبللات‬
‫الللوالي‪ ،‬وقللد كللان الخلفللاء يشللترطون علللى‬
‫الذميين في كثير من الحيللان شللروطا ً معينللة‬

‫‪ ()1143‬الولية على البلدان )‪.(2/79‬‬


‫‪ ()1144‬فتوح البلدان للبلذري ص ‪. 143،224‬‬
‫‪ ()1145‬الولية على البلدان )‪.(2/79‬‬
‫قبلللل مصلللالحتهم‪ ،‬وبالتلللالي يوفلللون لهلللم‬
‫بحقللللوقهم ويطللللالبون بمللللا عليهللللم مللللن‬
‫شروط)‪.(1146‬‬
‫‪ -7‬مشاورة أهل الرأي في وليته وإكرام وجوه الناس‪:‬‬
‫شدد عمر على الولة في استشارة أهل الرأي‬
‫فللي بلدهللم‪ ،‬وكللان الللولة يطبقللون ذلللك‬
‫ويعقدون مجالس للنللاس لخللذ آرائهللم‪ ،‬وكللان‬
‫يأمر ولته باستمرار بمشاورة أهل الرأي)‪،(1147‬‬
‫وطلب من ولته إنزال النللاس منللازلهم‪ ،‬فقللد‬
‫كتلللللللللللللللب عملللللللللللللللر إللللللللللللللللى‬
‫أبي موسى الشعري‪ :‬بلغني أنك تللأذن للنللاس‬
‫جما ً غفيرًا‪ ،‬فإذا جاءك كتابي هذا فللأذن لهللل‬
‫الشرف وأهل القران والتقللوى والللدين‪ ،‬فللإذا‬
‫أخذوا مجالسهم فأذن للعامة؛ وكتب إليه أيضًا‪:‬‬
‫لم يزل للناس وجللوه يرفعللون حللوائج النللاس‪،‬‬
‫فأكرموا وجلوه النلاس‪ ،‬فلإنه بحسلب المسللم‬
‫الضعيف أن ينتصف في الحكم والقسمة)‪.(1148‬‬
‫‪ -8‬النظر إلى حاجة الولية العمرانية‪:‬‬
‫فقد قام سعد بن أبي وقللاص بحفللر نهللر فللي‬
‫وليتلله بنللاء علللى طلللب بعللض كبللار الفللرس‬
‫لصالح المزارعين في المنطقة)‪ ،(1149‬كما كتللب‬
‫عمر بن الخطللاب إلللى أبللي موسللى الشللعري‬

‫‪ ()1146‬نفس المصدر )‪.(2/80‬‬


‫‪ ()1147‬نفس المصدر )‪.(2/80‬‬
‫‪ ()1148‬نصيحة الملوك للماوردي ص ‪ ، 207‬موسوعة فقه عمر ص‬
‫‪. 134‬‬
‫‪ ()1149‬فتوح البلدان للبلذري ص ‪ ، 273‬الولية على البلدان )‬
‫‪.(872‬‬
‫يللأمره بحفللر نهللر لهللل البصللرة‪ ،‬وقللام أبللو‬
‫موسللى بحفللر نهللر طللوله أربللع فراسللخ حللتى‬
‫تمكن من جلب المياه لسكان البصرة)‪ (1150‬كمللا‬
‫اعتنى ولة عمر رضي الله عنه عند تأسيسللهم‬
‫للمصللللار المشللللهورة الكوفللللة‪ ،‬والبصللللرة‬
‫والفسللللطاط بتخطيللللط الشللللوارع وتوزيللللع‬
‫الراضي وبناء المساجد وتأمين الميللاه‪ ،‬وغيللر‬
‫ذلك من المصالح العامة لهذه المدن‪ ،‬كما اهتم‬
‫الللولة بتللوطين السللكان فللي المنللاطق غيللر‬
‫المرغوب فيها‪ ،‬لقربها من العدو أو غيللر ذلللك‬
‫مللن السللباب فقللد قللدموا لهللم الغللراءات‬
‫وأقطعوهم الراضي تشجيعا ً لهم علللى البقللاء‬
‫فيها‪ ،‬وقد فعل ذلك عمر وعثمان في إنطاكية‬
‫وفي بعض بلد الجزيرة‪.‬‬

‫‪ ()1150‬فتوح البلدان للبلذري ص ‪. 351،352‬‬


‫‪ -9‬مراعاة الحوال الجتماعية لسكان الولية‪:‬‬
‫كان الوفد إذا قدموا على عمر رضي الله عنه‬
‫سألهم عن أميرهم فيقولون خيرًا‪ ،‬فيقول‬
‫هل يعود مرضاكم؟ فيقولون نعم فيقول هل‬
‫يعود العبد؟ فيقولون نعم فيقول كيف صنيعه‬
‫بالضعيف؟ هل يجلس على بابه؟ فإن قالوا‬
‫لخصلة منها‬
‫)‪(1151‬‬
‫وكان عمر يقوم بعزل العامل‬ ‫)ل عزله(‬
‫إذا بلغه أنه ل يعود المريض ول يدخل عليه‬
‫الضعيف)‪ ،(1152‬كما حرص عمر بن الخطاب‬
‫على أن يظهر عماله بالمظهر المتواضع أمام‬
‫الناس حتى يشعر الناس بأن ولتهم منهم ول‬
‫يتميزون عنهم‪ ،‬فكان عمر يشترط على عماله‬
‫مركبا ً وملبسا ً مماثل ً للناس‪ ،‬وينهاهم عن‬
‫اتخاذ البواب والحجاب)‪.(1153‬‬
‫‪ -10‬عدم التفريق بين العربي وغيره‪:‬‬
‫يجب علللى الللولة أن يقومللوا بالمسللاواة بيللن‬
‫الناس وأن ل يفرقوا بين العربللي وغيللره مللن‬
‫المسلمين‪ ،‬فقد قدم قوم على عامل لعمر بن‬
‫الخطاب‪ ،‬فأعطى العرب وترك الموالي‪ ،‬فكتب‬
‫إليه عمر‪ :‬أما بعد‪ :‬فبحسب المرء من الشر أن‬
‫يحقر أخاه المسلم وفي رواية‪ ،‬كتللب إليلله‪ :‬أل‬
‫سويت بينهم)‪.(1154‬‬
‫كما أن هناك العديد من الواجبات الخلقية‬
‫الخرى التي أمر السلم بالتزامها مثل‬
‫الولية على البلدان )‪.(2/82‬‬ ‫‪()1151‬‬
‫نفس المصدر )‪.(2/82‬‬ ‫‪()1152‬‬
‫المصدر نفسه )‪.(2/82‬‬ ‫‪()1153‬‬
‫الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلفة الراشدة ص ‪.523‬‬ ‫‪()1154‬‬
‫)الوفاء بالعهد‪ ،‬وإخلص المرء في عمله‪،‬‬
‫ومراقبة الله سبحانه وتعالى في كل‬
‫ما يعمل‪ ،‬واستعداده للتعاون مع سائر‬
‫الجماعة في كل أعمال البّر والتقوى‪ ،‬ووجوب‬
‫النصح لله ورسوله ولئمة المسلمين‬
‫وعامتهم‪ ،‬فإن هذا ول شك يؤدي إلى إصلح‬
‫حال الجماعة)‪ ،((1155‬وكان على الوالي‪ ،‬فضل ً‬
‫عن اللتزام بهذه المعاني‪ ،‬نشرها بين الناس‬
‫في وليته وذلك من خلل خطبه وكتبه‬
‫ومواعظه وتصرفاته‪ ،‬وقد كان الولة في عصر‬
‫الراشدين –بصفة إجمالية‪ -‬نموذجا ً صالحا ً لهذه‬
‫الخلقيات والواجبات‪ ،‬سواء في أشخاصهم‬
‫وخصوصياتهم أم في سلوكهم العام مع‬
‫الرعية)‪.(1156‬‬
‫خامسًا‪ :‬الترجمة في الوليات‪ ،‬وأوقات العمل عند الولة‪:‬‬

‫‪ -1‬الترجمة في الوليات‪:‬‬
‫إن عملية الترجمة تعتبر من الوظائف‬
‫المساعدة لولة البلدان في عصر الخلفاء‬
‫الراشدين‪ ،‬والحاجة ماسة إليها‪ ،‬في كثير من‬
‫الحيان‪ ،‬وقد طلب عمر من ولته في العراق‬
‫أن يبعثوا إليه في المدينة بدهاقين من فارس‬
‫ليتفاهم معهم حول قضايا الخراج‪ ،‬فبعثوا إليه‬
‫بالدهاقين وبترجمان معهم)‪ ،(1157‬وقد ذكر عن‬

‫‪ ()1155‬النظريات السياسية السلمية محمد ضياء الريس ص ‪،307‬‬


‫‪.308‬‬
‫‪ ()1156‬الولية على البلدان )‪.(2/85‬‬
‫‪ ()1157‬الخراج لبي يوسف ص ‪ ،41 ،40‬الولية على البلدان )‪/2‬‬
‫‪.(105‬‬
‫المغيرة بن شعبة أنه كان يجيد شيئا ً من اللغة‬
‫الفارسية وقام بالترجمة بين عمر والهرمزان‬
‫في المدينة)‪.(1158‬‬
‫إن معرفة الترجمة أمر معروف في الدولة‬
‫السلمية عموما ً في عصر الخلفاء لراشدين‬
‫وقبل ذلك‪ ،‬وإذا علمنا أن دواوين الخراج كانت‬
‫بغير اللغة العربية‪ ،‬فإننا ندرك مدى الحاجة‬
‫إلى وجود مترجمين في الوليات يتولون‬
‫ً‬
‫الترجمة في قضايا الخراج وغيرها خصوصا أن‬
‫العمال الرئيسيين على الخراج كانوا بالدرجة‬
‫الولى من العجم‪ ،‬كما أن انتشار الموالي‬
‫والداخلين الجدد في السلم في البلدان‬
‫السلمية المختلفة جعل الحاجة إلى الترجمة‬
‫مهمة جدا ً في كثير من المور المتصلة‬
‫بالقضاء وغيره‪ ،‬كما أن المفاوضات بين‬
‫القواد الفاتحين وهم في الغالب من الولة‬
‫وبين أهل البلد المفتوحة يحتاج إلى وجود‬
‫المترجمين)‪.(1159‬‬
‫‪ -1‬أوقات عمل الولة‪:‬‬
‫لم يكن هناك تنظيم دقيللق للوقت العملل فلي‬
‫عهللد الفللاروق‪ ،‬فقللد كللان الخليفللة والللولة‬
‫يعملللون فللي جميللع الوقللات‪ ،‬وليللس عليهللم‬
‫حجللاب حللتى إن بعضللهم يقللوم بللالتجول ليل ً‬
‫وقللدوتهم فللي ذلللك عمللر بللن الخطللاب الللذي‬
‫اشتهر بالمشي ليل ً وتفقد المدينة‪ ،‬وقللد كللان‬
‫النللاس يللدخلون علللى الللولة فللي مختلللف‬
‫‪ ()1158‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫‪ ()1159‬الولية على البلدان )‪.(104 /2‬‬
‫الوقات ويقضون حاجاتهم دون أن يجد الناس‬
‫من يمنعهم من الدخول عللى اللولة بحجلة أن‬
‫ذلللك الللوقت ليللس وقللت عمللل‪ ،‬وقللد اشللتهر‬
‫الولة بحرصهم على إنجاز العمللال أول ً بللأول‬
‫وعدم تأخيرها‪ ،‬وقد كتب عمر بن الخطاب في‬
‫هذا المجال إلى أبللي موسللى الشللعري رضللي‬
‫الله عنه قائ ً‬
‫ل‪ :‬ل تؤخر عمللل اليللوم إلللى الغللد‬
‫فتللدال عليللك العمللال‪ ،‬فتضلليع‪ ،‬وأن للنللاس‬
‫لنفرة عللن سلللطانهم أعللوذ بللالله أن تللدركني‬
‫وإياكم وضغائن محموللة ودنيلا ملؤثرة وأهلواء‬
‫متبعة)‪.(1160‬‬

‫‪ ()1160‬مناقب أمير المؤمنين لبن الجوزي ص ‪.129‬‬


‫المبحث الثالث‪ :‬متابعة الولة ومحاسبة عمر لهم‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ل‪ :‬متابعة الولة‪:‬‬
‫لللم يكللن عمللر يرضللى بللأن يهتللم بحسللن اختيللار‬
‫عماله‪ ،‬بل كان يبذل أقصى الجهد لمتابعتهم بعللد‬
‫أن يتولوا أعمالهم ليطمئن على حسللن سلليرتهم‬
‫ومخافة أن تنحرف بهم نفوسهم‪ ،‬وكللان شللعاره‬
‫لهللم‪ :‬خيلُر لللي أن أعلزل كلل يللوم واليلا ً ملن أن‬
‫أبقي ظالما ً ساعة نهار)‪ ،(1161‬وقللال‪ :‬أيمللا عامللل‬
‫لي ظلم أحدا ً فبلغني مظلمته فلم أغيرهللا‪ ،‬فأنللا‬
‫ظلمتلله)‪ ،(1162‬وقللال يوملا ً لمللن حللوله‪ :‬أرأيتللم إذا‬
‫استعملت عليكم خير من أعلم ثم أمرته بالعللدل‪،‬‬
‫ي؟ فقالوا‪ :‬نعم‪ :‬قال‪ :‬ل حتى‬ ‫أكنت قضيت ما عل ّ‬
‫)‪(1163‬‬
‫‪ .‬وقللد‬ ‫مل بما أمرتلله أم ل‬ ‫ع ِ‬
‫أنظر في عمله‪ ،‬أ َ‬
‫سار رضي اللله عنله بحلزم فلي رقلابته الداريلة‬
‫لعماله وتابعهم بدقة‪ ،‬وكللانت طريقللة عمللر فللي‬
‫الدارة إطلق الحريلللة للعاملللل فلللي الشلللؤون‬
‫المحلية وتقييده في المسللائل العامللة ومراقبتلله‬
‫فلي سلللوكه وتصللرفاته‪ ،‬وكلان للله جهللاز سلري‪،‬‬
‫مربوط به لمراقبة أحللوال الللولة والرعيللة‪ ،‬وقللد‬
‫بينت لنلا المصلادر التاريخيلة أن ملا يشلبه اليلوم‬
‫)المخللابرات( كللان موجللودا ً عنللد عمللر فقللد كللان‬
‫علمه‪ :‬بمن نأى عنه من عماله بمن بات معه فللي‬
‫مهاد واحد‪ ،‬وعلى وساد واحد فلم يكن في قطر‬
‫من القطار ول ناحية من النواحي عامل أو أمير‬
‫‪ ()1161‬النظم السلمية‪ ،‬صبحي الصالح ص ‪ ،89‬الدارة السلمية‬
‫‪.215‬‬
‫‪ ()1162‬مناقب أمير المؤمنين لبن الجوزي ص ‪ ،56‬الدارة‬
‫السلمية ‪.215‬‬
‫‪ ()1163‬الدارة السلمية في عهد عمر بن الخطاب ص ‪.215‬‬
‫جيش إل وعليه عين ل يفارقه‪ ،‬فكانت ألفاظ من‬
‫بالمشرق والمغرب عنده في كل ممس ومصللبح‪،‬‬
‫وأنت ترى ذلك في كتبلله إلللى عمللاله حللتى كللان‬
‫العاملللل منهلللم ليتهلللم أقلللرب النلللاس إليللله‬
‫صهم)‪ ،(1164‬وكانت وسللائل عمللر فلي متابعتللة‬ ‫وأخ ّ‬
‫لعماله متعددة منها‪:‬‬

‫‪ ()1164‬التاج في أخلق الملوك ص ‪.168‬‬


‫‪ -1‬طلب من الولة دخول المدينة نهارًا‪:‬‬
‫كللان رضللي الللله عنلله يطلللب مللن ولتلله –‬
‫القادمين إلى المدينة – أن يدخلوها نهللارًا‪ ،‬ول‬
‫ل‪ ،‬حتى يظهر ما يكون قد جاءوا بلله‬ ‫يدخلوها لي ً‬
‫مللللن أمللللوال ومغللللانم فيسللللهل السللللؤال‬
‫والحساب)‪.(1165‬‬
‫‪ -2‬طلب الوفود من الولة‪:‬‬
‫كان عمر رضي الله عنه يطلللب مللن الللولة أن‬
‫يرسلللوا وفللودا ً مللن أهللل البلد ليسللألهم عللن‬
‫بلدهم‪ ،‬وعن الخراج المفروض عليهللم ليتأكللد‬
‫بللذلك مللن عللدم ظلمهللم‪ ،‬ويطلللب شللهادتهم‬
‫فكان يخرج إليه مع خللراج الكوفللة عشللرة مللن‬
‫أهلها‪ ،‬ومع خراج البصرة مثلهم‪ ،‬فللإذا حضللروا‬
‫أمامه شهدوا بالله أنه مال طيب‪ ،‬ما فيه ظلللم‬
‫مسللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللم‬
‫ول معاهد)‪ ،(1166‬وكان هللذا الجللراء كفيل ً بمنللع‬
‫الولة من ظلم الناس إذ لو حللدث هللذا لرفعلله‬
‫هؤلء الموفدون إلى أمير المللؤمنين وأخللبروه‬
‫بلله‪ ،‬كمللا أن عمللر فللي الغللالب كللان يقللوم‬
‫بمناقشللة هللؤلء الموفللدين وسللؤالهم عللن‬
‫بلدهم وعن ول تهم وسلوكهم معهم)‪.(1167‬‬
‫‪ -3‬رسائل البريد‪:‬‬
‫كان عمر رضللي الللله عنلله يرسللل البريللد إلللى‬
‫الولة في المصار فقد كان يأمر عامل البريللد‬

‫‪ ()1165‬فن الحكم ص ‪.174‬‬


‫‪ ()1166‬الخراج لبي يوسف ص ‪ 124‬الولية على البلدان )‪.(157 /1‬‬
‫‪ ()1167‬الولية على البلدان )‪.(157 /1‬‬
‫عندما يريد العودة إلى المدينللة أن ينللادي فللي‬
‫الناس من الذي يريد إرسال رسللالة إلللى أميللر‬
‫المؤمنين؟ حتى يحملهللا إليلله دون تللدخل مللن‬
‫والي البلد‪ ،‬وكان صاحب البريد نفسلله ل يعلللم‬
‫شيئا ً من هذه الرسائل‪ ،‬وبالتالي يكون المجال‬
‫مفتوحا ً أمام الناس لرفع أي شكوى أو مظلمة‬
‫إلى عمر نفسه دون أن يعلم الوالي أو رجللاله‬
‫بذلك‪ ،‬وحينما يصل حامللل الرسللائل إلللى عمللر‬
‫ينثر ما معه من صحف ويقرأها عمر ويللرى مللا‬
‫فيها)‪.(1168‬‬
‫‪ -4‬المفتش العام )محمد بن مسلمة(‪:‬‬
‫كان محمد بللن مسلللمة النصللاري يسللتعين بلله‬
‫الفاروق في متابعة الولة ومحاسبتهم والتأكد‬
‫من الشكاوى التي تأتي ضللدهم‪ ،‬فكللان موقللع‬
‫محمد بن مسلللمة كللالمفتش العللام فللي دولللة‬
‫الخلفة‪ ،‬فكان يتحرى على حقللائق أداء الللولة‬
‫لعمالهم‪ ،‬ومحاسللبة المقصللرين منهللم‪ ،‬فقللد‬
‫أرسله عمر لمراقبة ومحاسبة كبار الولة)‪،(1169‬‬
‫والتحقيللق فللي الشللكايات ومقابلللة النللاس‬
‫والسماع منهم ونقل آرائهم عللن ولتهللم إلللى‬
‫عمللر مباشللرة‪ ،‬وكللان مللع محمللد بللن مسلللمة‬
‫أعوان‪.‬‬
‫‪ -5‬موسم الحج‪:‬‬
‫كان موسم الحج فرصة لعمللر ليسللتقي أخبللار‬
‫رعيتللله وولتللله‪ ،‬فجعلللله موسلللما ً للمراجعلللة‬

‫‪ ()1168‬تاريخ المدينة )‪.(761 /2‬‬


‫‪ ()1169‬النصار في العصر الراشدي ص ‪123‬إلى ‪.126‬‬
‫والمحاسبة واستطلع الراء في شتى النحاء؛‬
‫فيجتمللع فيلله أصللحاب الشللكايات والمظللالم‪،‬‬
‫ويفد فيه الرقباء الذين كللان عمللر يبثهللم فللي‬
‫أرجللاء دولتلله لمراقبللة العمللال والللولة ويللأتي‬
‫العمال أنفسهم لتقللديم كشللف الحسللاب عللن‬
‫أعمالهم‪ ،‬فكان موسم الحج ))جمعيللة عموميللة‬
‫كأرقى ما تكون الجمعيات العمومية في عصللر‬
‫من العصور)‪ ،(1170‬وكان عمر يلخص في موسم‬
‫الحج واجبللات عمللاله أمللام الرعيللة ثللم يقللول‪:‬‬
‫فمن فعل به غير ذلك فليقم (( فملا قلام ملن‬
‫أهلللل الموسلللم – آنلللذاك – أحلللد إل رجلللل‬
‫واحد – مما يدل على عدالة هؤلء الولة ورضللا‬
‫الرعية عنهم – فقلال ذللك الرجلل‪ :‬إن عامللك‬
‫فلنا ً ضربني مائة سوط؛ فسللأل عمللر العامللل‬
‫فلم يجد عنده جوابًا‪ ،‬فقال للرجل قم فاقتص‬
‫منه فقللام عمللرو بللن العللاص فقللال‪ :‬يللا أميللر‬
‫سللّنة‬‫المؤمنين إنك إن فعلت هذا يكثر‪ ،‬ويكون ُ‬
‫يأخللذ بهللا بعللدك‪ ،‬فقللال عمللر‪ :‬أنللا ل أقيللد‬
‫– أي اقتص – وقد رأيللت رسللول الللله ‪ ‬يقيللد‬
‫مللن نفسلله؟ فقللال عمللرو‪ :‬فللدعنا فلنرضلله‪،‬‬
‫فقال‪ :‬دونكللم فأرضللوه‪ ،‬فافتللدى العامللل مللن‬
‫الرجل بمائتي دينار‪ ،‬كل سوط بدينارين)‪.(1171‬‬
‫‪ -6‬جولة تفتيشية على القاليم‪:‬‬
‫كان تفكيللر عمللر قبللل مقتللله أن يجللول علللى‬
‫الوليات شخصيا ً لمراقبة العمال وتفقد أحوال‬

‫‪ ()1170‬عبقرية عمر للعقاد ص ‪ ،82‬الدولة السلمية د‪ .‬حمدي‬


‫شاهين ص ‪.138‬‬
‫‪ ()1171‬الطبقات لبن سعد )‪.(222 /3‬‬
‫الرعيلللة‪ ،‬والطمئنلللان عللللى أملللور الدوللللة‬
‫المترامية‪ ،‬قال عمر‪ :‬لئن عشللت إن شللاء الللله‬
‫لسلليرن فللي الرعيللة حللول‪ ،‬فللإني أعلللم أن‬
‫للنللاس حللوائج تقطللع دونللي‪ ،‬أمللا عمللالهم فل‬
‫ي‪،‬‬‫ي‪ ،‬وأمللا هللم فل يصلللون إللل ّ‬ ‫يللدفعونها إللل ّ‬
‫فأسير إلى الشام فأقيم بها شهرين‪ ،‬ثم أسير‬
‫إلى الجزيرة فأقيم بها شهرين ثم أسللير إلللى‬
‫الكوفللة فللأقيم بهللا شللهرين‪ ،‬ثللم أسللير إلللى‬
‫البصللرة فللأقيم بهللا شللهرين‪ ،‬ثللم والللله لنعللم‬
‫الحول هذا)‪ ،(1172‬وقد طبق عمر شيئا ً مللن هللذا‬
‫خصوصا ً في ولية الشام حيث سار إليهللا عللدة‬
‫مللرات وتفقللد أحوالهللا ودخللل بيللوت ولتهللا‬
‫وأمرائها)‪ ،(1173‬ليعرف أحوالهم عللن كثللب فقللد‬
‫دخل دار أبللي عبيللدة وشللاهد حللالته وتقشللفه‬
‫ودار بينه وبين امرأة أبللي عبيللدة حللوار شللديد‬
‫ألقت فيه اللوم على عمر نتيجللة مللا يعيشللون‬
‫فيه من تقشف‪ ،‬كمللا زار دار خالللد بللن الوليللد‬
‫ولم يجد عنده شيئا ً يلفت النظر سوى أسلحته‬
‫التي كللان منشللغل ً بإصلللحها‪ ،‬وقللد كللان عمللر‬
‫أثناء دخوله على هؤلء يللدخل فجللأة إذ يصللحبه‬
‫رجل فيطرق الباب على الوالي فيتكلم الرجل‬
‫ويطلب الذن بالدخول للله ولمللن معلله دون أن‬
‫يعلموا أنه عمر وحينما يللدخل عمللر إلللى الللدار‬
‫يقوم بالتمحيص فيها والطلع علللى مللا فيهللا‬
‫من أثاث)‪ ،(1174‬وقد سمع عمر رضللي الللله عنلله‬
‫أن يزيللللد بللللن أبللللي سللللفيان ينللللوع فللللي‬
‫‪ ()1172‬تاريخ الطبري )‪ ،(18 /5‬الولية على البلدان )‪.(161 /1‬‬
‫‪ ()1173‬الولية على البلدان )‪.(161 /1‬‬
‫‪ ()1174‬تاريخ المدينة )‪.(837 /3‬‬
‫طعامه‪،‬فانتظر حتى إذا حان وقت عشللاء يزيللد‬
‫استأذن عليه عمر‪ ،‬فلما رأى طعامه نهللاه عللن‬
‫السلراف فللي الطعللام)‪ ،(1175‬ولللم يكتللف عملر‬
‫بالمراقبة عن طريللق هللذه الزيللارات بللل عمللد‬
‫إلى طريقللة أخللرى وهللي إرسللال كميللات مللن‬
‫المللوال إلللى الللولة وإرسللال كميللات مللن‬
‫الموال إلى الولة وإرسال من يراقبهم حللتى‬
‫يعرف كيللف تصللرفوا فيهللا فأرسللل إلللى أبللي‬
‫عبيدة بخمسمائة دينار فعمللد إليهللا أبللو عبيللدة‬
‫فقسمها كلها فكانت امرأته تقول‪ :‬والللله لقللد‬
‫كان ضرر دخول الدنانير علينا أكثر مللن نفعهللا‬
‫ثم إن أبا عبيدة عمد إلى خلق ثوب كنللا نصلللي‬
‫فيه فيشللققه‪ ،‬ثللم جعللل يص لّبر فيلله مللن تلللك‬
‫الللدنانير الللذهب ويبعللث بهللا إلللى مسللاكين‪،‬‬
‫فقسمها عليهم حتى فنيللت)‪ ،(1176‬وعمللل عمللر‬
‫الشيء نفسه مع ولة آخرين في سفرته تلللك‬
‫إلى الشام‪ ،‬ولم يكتف عمللر بمراقبتلله للعمللال‬
‫أثناء سفره‪ ،‬بل كان يسللتقدمهم إلللى المدينللة‬
‫ثم يوكل مللن يراقبهللم فللي أكلهللم وشللربهم‪،‬‬
‫ولباسهم‪ ،‬ويفعل ذلك بنفسه أيضا ً)‪.(1177‬‬

‫‪ ()1175‬الولية على البلدان )‪.(162 /1‬‬


‫‪ ()1176‬تاريخ المدينة )‪.(837 /3‬‬
‫‪ ()1177‬الولية على البلدان )‪.(162 /1‬‬
‫‪ -7‬الرشيف أو الملفات الخاصة بأعمال الخلفة‪:‬‬
‫كان عمر رضي اللله عنله حريصلا ً كلل الحلرص‬
‫علللللى حفللللظ الوراق الخاصللللة بالوليللللات‬
‫وبالخلفة عموما ً وكان أكثر حرصه على حفللظ‬
‫المعاهدات التي يجريها الللولة مللع أهللل البلد‬
‫المفتوحة منعا ً لظلم أحللد‪ ،‬فقللد ورد أنلله كللان‬
‫هناك تابوت لعمر بللن الخطللاب فيلله كللل عهللد‬
‫كان بينه وبيللن أحللد ممللن عاهللده‪ ،‬ويمكننللا أن‬
‫نطللللق عللللى هلللذا التلللابوت )الرشللليف( أو‬
‫الملفات الخاصة بأعمال الخلفة‪ ،‬ولعل الللولة‬
‫أيض لا ً كللانوا يحتفظللون بللأوراقهم ومكاتبللاتهم‬
‫للعللودة إليهللا عنللد الحاجللة وحللتى ل تلتبللس‬
‫عليهم المور)‪.(1178‬‬
‫ثانيًا‪ :‬شكاوى من الرعية في الولة‪:‬‬
‫كللان عمللر رضللي الللله عنلله يحقللق بنفسلله فللي‬
‫شكاوى الرعيللة ضللد ولتهللم وكللان يحللرص علللى‬
‫استيضللاح المللر‪ ،‬والتحقيللق الللدقيق واستشللارة‬
‫أصحاب الرأي والشورى الذين كللانوا مللن حللوله‪،‬‬
‫ثم كانت تأتي أوامره في تنفيذ الجزاء والعقوبللة‬
‫علللى مللن يسللتحق سللواء أكللان عللامل ً أم مللن‬
‫الرعيللة)‪ ،(1179‬وهللذه بعللض الشللكاوى ضللد الللولة‬
‫وكيف تعامل عمر معها رضي الله عنه‪:‬‬
‫‪ -1‬شكوى أهل الكوفة في سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه‪:‬‬
‫اجتمع نفر من أهل الكوفة بزعامة الجراح بللن‬
‫سنان السدي فشللكوا أميرهللم سللعد بللن أبللي‬
‫وقاص رضي الله عنه إلى أمير المؤمنين عمر‪،‬‬
‫‪ ()1178‬الولية على البلدان )‪.(163 /1‬‬
‫‪ ()1179‬الدارة السلمية في عهد عمر بن الخطاب ‪.223‬‬
‫وذلك في حللال اجتمللاع المجللوس فللي نهاونللد‬
‫لغللزو المسلللمين‪ ،‬فلللم يشللغلهم مللا داهللم‬
‫المسلللمين فللي ذلللك‪ ،‬ولقللد كللان سللعد عللادل ً‬
‫رحيما ً بالرعية قويا ً حازم لا ً علللى أهللل الباطللل‬
‫والشقاق‪ ،‬عطوفا ً عللى أهلل الحلق والطاعلة‪،‬‬
‫ومللع ذلللك شللغب عليلله هللؤلء القللوم ممللن ل‬
‫يطيقون حكم الحق ويريدون أن يحققوا شلليئا ً‬
‫من أهوائهم‪ ،‬وقد وقتللوا لشللكواهم وقت لا ً رأوا‬
‫أنه أدعى لسللماع أميللر المللؤمنين منهللم حيللث‬
‫كان المسلمون مقبلين علللى معركللة مصلليرية‬
‫تسللتدعي اتفللاق كلمللة المسلللمين وتظللافر‬
‫جهودهم في مواجهتها‪ ،‬وحيللث كللانوا يعلمللون‬
‫اهتمام عمر الشديد باجتماع كلمللة المسلللمين‬
‫دائمًا‪ ،‬وخاصة في مثل تلللك الظللروف‪ ،‬فرجللوا‬
‫أن يفلللوزوا ببغيتهلللم‪ ،‬وقلللد اسلللتجاب أميلللر‬
‫المللؤمنين لطلبهللم فللي التحقيللق فللي أمللر‬
‫شكواهم مع علمه بأنهم أهل هوى وشر‪ ،‬ولللم‬
‫يكتمهم اعتقاده فيهللم‪ ،‬بللل صلّرح لهللم بللذلك‪،‬‬
‫وبيلللن لهلللم أن اعتقلللاده بظلمهلللم للللواليهم‬
‫وتزويدهم الحقائق ل يمنعه من التحقيللق فللي‬
‫أمرهلللم‪ ،‬واسلللتدل عللللى سلللوء مقصلللدهم‬
‫بتوقيتهم السليء حيللث قلال لهللم‪ :‬إن اللدليل‬
‫عللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللى‬
‫ما عندكم من الشللر نهوضللكم فللي هللذا المللر‬
‫وقد اسللتعدّ لكللم مللن اسللتعدوا‪ ،،‬وايللم الللله ل‬
‫يمنعني ذلك من النظر فيما لللديكم وإن نزلللوا‬
‫بكم)‪ ،(1180‬فبعث عمر محمد بن مسلمة والناس‬

‫‪ ()1180‬تاريخ الطبري )‪.(103 /5‬‬


‫في الستعداد للعاجم والعاجم في الجتماع‪،‬‬
‫وكللان محمللد بللن مسلللمة هللو صللاحب العمللال‬
‫شللكي زمللان عمللر فقللدم‬ ‫الذي يقتص آثار من ُ‬
‫محمد على سعد ليطوف به في أهللل الكوفللة‪،‬‬
‫والبعوث تضرب على أهل المصار إلى نهاوند‪،‬‬
‫وف به على مساجد أهل الكوفة‪ ،‬ل يتعرض‬ ‫فط ّ‬
‫للمسألة عنه في السر‪ ،‬وليست المسللألة فللي‬
‫السر من شانهم إذ ذاك)‪.(1181‬‬
‫وفي هذا بيان لمنهج الصحابة رضي الله عنهم‬
‫في التحقيق فللي قضللايا الخلف الللتي تجللري‬
‫بين المسؤولين ومن تحت وليتهم‪ ،‬فالتحقيق‬
‫يتم في العلن‪ ،‬وذلك بحضور المسؤول والذين‬
‫هو مسؤول عنهم وكان ل يقللف علللى مسللجد‬
‫فيسألهم عن سعد إل قللالوا‪ :‬ل نعلللم إل خيللرا ً‬
‫ل‪ ،‬ول نقللول فيلله ول نعيللن‬ ‫ول نشتهي بلله بللد ً‬
‫عليه‪ ،‬إل من مال الجللراح بللن سللنان وأصللحابه‬
‫فللإنهم كللانوا يسللكتون ل يقولللون سللوءًا‪ ،‬ول‬
‫مدون ترك الثناء‪ ،‬حتى انتهللوا‬ ‫يسوغ لهم‪ ،‬ويتع ّ‬
‫إلى بني عبس‪ .‬فقال محمد‪ :‬أنشللد بللالله رجل ً‬
‫يعلم حقا ً إل قال‪ ،‬قال أسامة بن قتادة‪ :‬اللهم‬
‫إن نشدتنا فللإنه ل يقسللم بالسللوية‪ ،‬ول يعللدل‬
‫في الرعية‪ ،‬ول يغزو في السرية‪ ،‬فقال سعد‪:‬‬
‫اللهم إن كان قالها كللذبا ً ورئاء وسللمعة فللأعم‬
‫بصره‪ ،‬وأكثر عياله‪ ،‬وعّرضلله لمضلللت الفتللن‪،‬‬
‫فعمي واجتمع عنده عشر بنللات‪ ،‬وكللان يسللمع‬
‫بخبر المرأة فيأتيهللا حللتى يحبسللها‪ ،‬فللإذا عللثر‬
‫عليه‪ ،‬قال‪ :‬دعوة سعد الرجللل المبللارك‪ .‬قللال‪:‬‬

‫‪ ()1181‬تاريخ الطبري )‪.(103 /5‬‬


‫ثللم أقبللل – يعنللي سللعد – علللى الللدعاء علللى‬
‫النفللر‪ ،‬فقللال‪ :‬اللهللم إن كللانوا خرجللوا أشللرا ً‬
‫جهللد بلؤهللم‪،‬‬ ‫وبطرا ً وكللذبا ً فاجهللد بلءهللم‪ ،‬ف ُ‬
‫فقطع الجراح بالسيوف يوم ثاور الحسللن بللن‬
‫شدخ قبيصة بالحجللارة‪،‬‬ ‫علي ليغتاله بساباط‪ ،‬و ُ‬
‫وقتللل أربللد بللالوجء – يعنللي الضللرب – بنعللال‬
‫السيوف – يعني بأعقابها – هللذا وإن فللي هللذا‬
‫الخبر نموذج لا ً مللن معيللة الللله تعللالى لوليللائه‬
‫المتقين حيث استجاب الله تعالى دعللوة سللعد‬
‫علللى مللن ظلمللوه فأصلليبوا جميعللا ً بمللا دعللا‬
‫عليهم‪ ،‬وإن في استجابة الله تعالى دعاء سعد‬
‫وأمثاله لونلا ً مللن العنايللة اللهيللة بأوليللاء الللله‬
‫المتقين‪ ،‬فكم خاف المبطلون من هذا السلح‬
‫الخفي الذي ل يملكون بكل وسللائلهم الماديللة‬
‫مقاومته ول الحدَ منه‪ ،‬وكون هؤلء الذين دعللا‬
‫ختللم لهللم بالخاتمللة السلليئة دليللل‬ ‫عليهم سعد ُ‬
‫على تمكن الهوى والشللر مللن نفوسللهم حللتى‬
‫أدى بهم ذلك إلى المصير السلليء‪ ،‬وقللد دافللع‬
‫سعد عن نفسه فقال‪ :‬إنللي لول رجللل أهللرق‬
‫دما ً من المشركين‪ ،‬ولقد جمع لي رسول الللله‬
‫أبويه‪ ،‬وما جمعهما لحللد قبلللي – يعنللي حينمللا‬
‫قال له يوم أحد‪ :‬إرم فداك أبي وأمللي – ولقللد‬
‫رأيتني خمس السلم‪ ،‬وبنو أسد تزعللم أنللي ل‬
‫أحسللن أن أصلللي وأن الصلليد يلهينللي‪ ،‬وخللرج‬
‫محمللد بللن مسلللمة بلله وبهللم إلللى عمللر حللتى‬
‫قدموا عليلله‪ ،‬فللأخبره الخللبر‪ ،‬فقللال‪ :‬يللا سللعد‬
‫لولييللن‬ ‫ويحللك كيللف تصلللي؟ قللال‪ :‬أطيللل ا ُ‬
‫وأحذف الخريين‪ ،‬فقال هكللذا الظللن بللك‪ ،‬ثللم‬
‫قال عمر رضي الله عنه‪ :‬لللول الحتيللاط لكللان‬
‫سبيلهم بّينا‪ ،‬ثللم قللال‪ :‬مللن خليفتللك يللا سللعد‬
‫على الكوفة؟ فقال‪ :‬عبد الله بن عبد الللله بللن‬
‫عتبان فأقره واستعمله)‪ (1182‬وقول عمر رضللي‬
‫الله عنه‪ :‬لول الحتياط كان سبيلهم بينا يعنللي‬
‫قللد اتضللح أمرهللم‪ ،‬وأنهللم ظللالمون جللاهلون‪،‬‬
‫وظهرت بللراءة سللعد ممللا نسللبوه إليلله‪ ،‬ولكللن‬
‫الحتيلللاط لملللر الملللة يقتضلللي درء الفتلللن‬
‫وإماتتها وهللي فللي مهللدها قبللل أن تسللتفحل‬
‫فتسّبب الشقاق والفرقة وربمللا القتللال‪ ،‬وإذا‬
‫دعى عليلله بللريئا ً ممللا ُنسللب‬ ‫كان المسئول الم ّ‬
‫إليلله‪ ،‬فللإن ذلللك ل يضللره بشلليء‪ ،‬وقللد بللرئت‬
‫ساحته مما نسب إليه ملن التهملة‪ ،‬وقلد كلانوا‬
‫يفهمللون الوليللة مغرمللا ً ل مغنمللًا‪ ،‬وتكليفللا ً‬
‫يرجون به ثواب الله تعالى‪ ،‬فالولية على أمللر‬
‫من أمور المسلمين نوع من العمال الصللالحة‬
‫لمللن اتقللى الللله تعللالى وأراد رضللوانه والللدار‬
‫الخللرة‪ ،‬فللإذا تحللول هللذا العمللل إلللى مصللدر‬
‫للفتنة فللإن الحكمللة تقتضللي عللدم السللتمرار‬
‫فيه‪ ،‬كما هو الحللال فللي هللذه الواقعللة‪ ،‬ولكللل‬
‫حادث حديث وهذا هو ما أقدم عليه عمر حينما‬
‫أعفى سعدا ً من العمل‪ ،‬وكّلف نائبه الللذي هللو‬
‫موضع ثقة سعد)‪.(1183‬‬
‫هذا وقد استبقى عمر سعدا ً رضي الله عنهمللا‬
‫فللي المدينللة وأقللر مللن اسللتخلفه سللعد علللى‬
‫الكوفة بعده‪ ،‬وصار سعد ملن مستشلاري عملر‬

‫‪ ()1182‬تاريخ الطبري )‪.(5/104‬‬


‫‪ ()1183‬التاريخ السلمي للحميدي )‪.(11/222‬‬
‫فلللي المدينلللة)‪ ،(1184‬ثلللم جعلللله ملللن السلللتة‬
‫المرشللحين للخلفللة حيللن طعللن ثللم أوصللى‬
‫الخليفة من بعده بأن يستعمل سعدا ً )فإني لم‬
‫أعزله عللن سللوء‪ ،‬وقللد خشلليت أن يلحقلله مللن‬
‫ذلك)‪.(1185‬‬
‫‪ -2‬شكاوى ضد عمرو بن العاص والي مصر‪:‬‬
‫كانت مراقبة عمر بن الخطاب رضي الله عنه‬
‫لعمرو بن العاص صارمة وحازمة وكان‬
‫الخليفة الفاروق يتدخل في شئون الولية‬
‫المختلفة وحتى عندما اتخذ عمرو بن العاص‬
‫منبرا ً كتب إليه‪ :‬أما بعد فقد بلغني أنك اتخذت‬
‫منبرا ً ترقى به على رقاب المسلمين أو ما‬
‫يكفيك أن تكون قائما ً والمسلمون تحت عقبك‬
‫فعزمت عليك إل‬
‫ما كسرته)‪ ،(1186‬وكان عمرو بن العاص يخشى‬
‫مراقبة عمر بن الخطاب ويعلم مدى حرصه‬
‫على إقامة العدل بين الناس‪ ،‬وعلى إقامة‬
‫الحدود الشرعية‪ ،‬فكان يبذل جهده حتى ل‬
‫يصل إلى عمر من الخبار إل ما يسره ومن‬
‫ذلك أن عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب‬
‫ورجل ً آخر شربا شرابا ً دون أن يعلما أنه‬
‫مسكر فسكرا‪ ،‬ثم إنهما جاءا إلى عمرو بن‬
‫العاص يطلبان منه أن يقيم عليهما الحد‬
‫فزجرهما عمرو وطردهما‪ ،‬فقال له عبد‬
‫الرحمن‪ :‬إن لم تفعل أخبرت أبي قال عمرو‪:‬‬
‫فعلمت أني إن لم أقم عليهما الحد غضب‬
‫‪ ()1184‬دور الحجاز في الحياة السياسية ص ‪.257‬‬
‫‪ ()1185‬تاريخ الطبري )‪.(5/225‬‬
‫‪ ()1186‬فتوح مصر وأخبارها ص ‪.92‬‬
‫عمر وعزلني‪ ،‬ثم إن عمرو جلدهما أمام الناس‬
‫وحلق رأسيهما داخل بيته‪ ،‬وكان الصل‬
‫العقاب بالحلق مع الجلد في وقت واحد أمام‬
‫الناس‪ ،‬فجاءه كتاب من عمر يعنفه على عدم‬
‫حلقه أمام الناس‪ ،‬وكان فيه‪ :‬تضرب عبد‬
‫الرحمن في بيتك وتحلق رأسه في بيتك وقد‬
‫عرفت أن هذا يخالفني‪ ،‬إنما عبد الرحمن رجل‬
‫من رعيتك تصنع به ما تصنع بغيره من‬
‫المسلمين‪ ،‬ولكن قلت هو ولد أمير المؤمنين‬
‫وقد عرفت أن ل هوادة لحد من الناس عندي‬
‫في حق يجب لله عليه)‪.(1187‬‬
‫وقد وجهت ضد عمرو بن العاص بعض‬
‫الشكاوى أثناء وليته بعضها من جنوده‬
‫المسلمين‪ ،‬وبعضها من أهل البلد من‬
‫القباط‪ ،‬مما دعا عمر رضي الله عنه إلى‬
‫استدعاء عمرو بن العاص عدة مرات‪ ،‬لمعاتبته‬
‫بل وأحيانا ً لمعاقبته على ما بدر منه‪ ،‬ومن‬
‫ذلك ما تقدم به أحد المصريين ضد ابن لعمرو‬
‫بن العاص ضربه بالسوط‪ ،‬مما جعل عمر بن‬
‫الخطاب يستدعي عمرو وابنه ثم يأمر‬
‫المصري بالقصاص من‬
‫ابن عمرو بن العاص ويقول له‪ :‬لو ضربت أباه‬
‫عمرو لما حلنا بينك وبين ذلك‪ ،‬والتفت عمر‬
‫إلى عمرو بن العاص وقال قولته المشهورة‪:‬‬
‫متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم‬
‫أحرارا ً)‪ ،(1188‬وكذلك يدخل في هذا الباب ما‬
‫‪ ()1187‬تاريخ المدينة )‪.(3/841‬‬

‫‪ ()1188‬الولية على البلدان )‪.(1/81‬‬


‫تقدم به أحد الجنود من أن عمرو بن العاص‬
‫اتهمه بالنفاق وكتب معه عمر إلى عمرو بن‬
‫العاص أمرا ً بأن يجلس عمرو أمام الناس‬
‫فيجلده إذا ثبت صدق ما ادعاه بشهادة شهود‪،‬‬
‫وقد ثبت بالشهادة أن عمرو رماه بالنفاق‪،‬‬
‫فحاول بعض الناس أن يمنع الرجل من ضرب‬
‫عمرو وأن يدفع له الرش مقابل الضرب‪،‬‬
‫ولكنه رفض ذلك‪ ،‬وعندما قام على رأس عمرو‬
‫ليضربه سأله‪ :‬هل يمنعني أحد من ضربك؟‬
‫فقال عمرو‪ :‬ل فامض لما أمرت به‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فإني قد عفوت عنك)‪.(1189‬‬
‫‪ -3‬شكاوى ضد أبي موسى الشعري والي البصرة‪:‬‬
‫عن جرير بن عبد الله البجلي أن رجل ً كان مع‬
‫أبي موسى الشعري‪ ،‬وكان ذا صوت‪ ،‬ونكاية‪،‬‬
‫في العدو‪ ،‬فغنموا مغنما ً فأعطاه أبو موسى‬
‫بعض سهمه‪ ،‬فأبى أن يقبله إل جميعًا‪ ،‬فجلده‬
‫أبو موسى عشرين سوطا ً وحلقه‪ ،‬فجمع‬
‫الرجل شعره ثم ترحل إلى عمر بن الخطاب‬
‫حتى قدم عليه‪ ،‬فدخل على عمر بن الخطاب‪،‬‬
‫قال جرير‪ :‬وأنا أقرب الناس من عمر‪ ،‬فأدخل‬
‫يده فاستخرج شعره ثم ضرب به صدر عمر ثم‬
‫قال‪ :‬أما والله لول النار‪ ،‬فقال عمر‪ :‬صدق‬
‫والله لول النار فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين إني‬
‫كنت ذا صوت ونكاية‪ ،‬فأخبره بأمره‪ ،‬وقال‬
‫ضربني أبو موسى عشرين سوطًا‪ ،‬وحلق‬
‫رأسي‪ ،‬وهو يرى أنه ل يقتص منه‪ ،‬فقال عمر‬
‫رضي الله عنه‪ :‬لن يكون الناس كلهم على‬
‫‪ ()1189‬تاريخ المدينة )‪ (808 ،3/807‬في إسناده انقطاع‪.‬‬
‫صرامة هذا‪ ،‬فأحب إلي من جميع ما أفاء الله‬
‫علينا‪ ،‬فكتب عمر إلى أبي موسى‪ :‬السلم‬
‫عليك أما بعد فإن فلنا ً أخبرني بكذا وكذا‪ ،‬فإن‬
‫كنت فعلت ذلك في مل من الناس‪ ،‬فعزمت‬
‫عليك لما قعدت له في مل من الناس‪ ،‬حتى‬
‫يقتص منك وإن كنت فعلت ذلك في خلء من‬
‫الناس‪ ،‬فاقعد له في خلء من الناس‪ ،‬حتى‬
‫يقتص منك‪ ،‬فقدم الرجل‪ ،‬فقال له الناس‪:‬‬
‫أعف عنه‪ ،‬فقال‪ :‬ل والله ل أدعه لحد من‬
‫الناس‪ ،‬فلما قعد له أبو موسى ليقتص منه‪،‬‬
‫رفع الرجل رأسه إلى السماء ثم قال‪ :‬اللهم‬
‫إني قد عفوت عنه)‪ ،(1190‬وعن عبد الله بن عمر‬
‫–رضي الله عنهما‪ -‬قال‪ :‬كنا مع عمر في‬
‫مسير فأبصر رجل ً يسرع في سيره‪ ،‬فقال‪ :‬إن‬
‫هذا الرجل يريدنا‪ ،‬فأناخ ثم ذهب لحاجته‪ ،‬فجاء‬
‫الرجل فبكى وبكى عمر –رضي الله عنه‪-‬‬
‫وقال‪ :‬ما شأنك؟ فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين إني‬
‫شربت الخمر‪ ،‬فضربني أبو موسى وسود‬
‫وجهي‪ ،‬وطاف بي‪ ،‬ونهى الناس أن‬
‫يجالسوني‪ ،‬فهممت أن آخذ سيفي فأضرب به‬
‫أبا موسى‪ ،‬أو آتيك فتحولني إلى بلد ل أعرف‬
‫فيه‪ ،‬أو ألحق بأرض الشرك‪ ،‬فبكى عمر –رضي‬
‫الله عنه‪ -‬وقال‪ :‬ما يسرني أنك لحقت بأرض‬
‫الشرك وأن لي كذا وكذا‪ ،‬وقال‪ :‬إن كنت ممن‬
‫شرب الخمر‪ ،‬فلقد شرب الناس الخمر في‬
‫الجاهلية‪ ،‬ثم كتب إلى أبي موسى‪ :‬إن فلنا ً‬
‫أتاني فذكر كذا وكذا‪ ،‬فإذا أتاك كتابي هذا‬

‫‪ ()1190‬محض الصواب )‪ (2/467‬إسناده حسن‪.‬‬


‫فأمر الناس أن يجالسوه وأن يخالطوه‪ ،‬وإن‬
‫تاب فاقبل شهادته‪ ،‬وكساه وأمر له بمائتي‬
‫درهم)‪ ،(1191‬وجاء في رواية‪ :‬إن فلنا ً بن فلن‬
‫التميمي أخبرني بكذا وكذا‪ ،‬وايم الله لئن‬
‫ن وجهك وليطاف بك في الناس‪،‬‬ ‫عدت لسود ّ‬ ‫ُ‬
‫مر‬
‫ق ما أقول فعد وأ ُ‬‫فإن أردت أن تعلم أح ّ‬
‫الناس فليؤاكلوه وليجالسوه‪ ،‬وإن تاب فاقبلوا‬
‫حّلة‬
‫شهادته وكساه عمر رضي الله عنه ُ‬
‫وحمله‪ ،‬وأعطاه مائتي درهم)‪ ،(1192‬وهذه‬
‫القصة فيها حرص الفاروق على أل يتعدى أحدٌ‬
‫من عماله العقوبات الشرعية عند معاقبة‬
‫العاصين)‪.(1193‬‬
‫‪ -4‬شكوى أهل حمص ضد سعيد بن عامر‪:‬‬
‫قال خالد بن معدان‪ :‬استعمل علينا عمر بن‬
‫جمحي‪ ،‬فلما‬ ‫الخطاب بحمص سعيد بن عامر ال ُ‬
‫قدم عمر حمص قال‪ :‬يا أهل حمص‪ ،‬كيف‬
‫وجدتم عاملكم؟ فشكوه إليه‪ ،‬وكان يقال لهل‬
‫حمص الكوفية الصغرى لشكايتهم العمال‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬نشكوه أربعًا‪ ،‬ل يخرج إلينا حتى يتعالى‬
‫النهار‪ ،‬قال‪ :‬أعظم بها وماذا؟ قالوا‪ :‬ل يجيب‬
‫أحدا ً بليل‪ ،‬قال‪ :‬وعظيمة‪ ،‬وماذا؟ قالوا‪ :‬وله‬
‫يوم في الشهر ل يخرج فيه إلينا‪ ،‬قال عظيمة‬
‫طة بين اليام )أي‬ ‫غن ْ َ‬
‫غَنط ال َ‬
‫وماذا؟ قالوا‪ :‬ي َ ْ‬
‫يغمى عليه ويغيب عن حسه( فجمع عمر‬

‫‪ ()1191‬محض الصواب )‪ (2/552‬إسناده حسن‪.‬‬


‫‪ ()1192‬صحيح التوثيق في سيرة وحياة الفاروق ص ‪ 134‬إسناده‬
‫حسن‪.‬‬
‫‪ ()1193‬نفس المصدر ص ‪.133‬‬
‫بينهم وبينه وقال‪ :‬اللهم ل تفّيل رأيي فيه‬
‫اليوم‪ ،‬وافتتح المحاكمة فقال لهم أمامه‪ :‬ما‬
‫تشكون منه؟ قالوا‪ :‬ل يخرج إلينا حتى يتعالى‬
‫النهار‪ ،‬قال‪ :‬ما تقول؟ قال‪ :‬والله إن كنت‬
‫لكره ذكره‪ :‬ليس لهلي خادم‪ ،‬فأعجن عجيني‬
‫ثم أجلس حتى يختمر ثم أخبز خبزي ثم أتوضأ‬
‫ثم أخرج إليهم فقال‪ :‬ما تشكون منه؟ قالوا‪:‬‬
‫ل يجيب أحدا ً بليل‪ ،‬قال‪ :‬ما تقول؟ قال‪ :‬إن‬
‫كنت لكره ذكره‪ ،‬إني جعلت النهار لهم‬
‫وجعلت الليل لله عز وجل قال‪ :‬وما تشكون‬
‫منه؟ قالوا‪ :‬إن له يوما ً في الشهر ل يخرج‬
‫إلينا فيه قال‪ :‬ما تقول؟ قال‪ :‬ليس لي خادم‬
‫يغسل ثيابي ول لي ثياب أبدلها‪ ،‬فأجلس حتى‬
‫ف ثم أدلكها ثم أخرج إليهم آخر النهار‬ ‫تج ّ‬
‫غنط الغنطة بين‬ ‫قال‪ :‬ما تشكون منه‪ ،‬قالوا‪ :‬ي َ ْ‬
‫اليام قال‪ :‬ما تقول؟ قال‪ :‬شهدت مصرع‬
‫خبيب النصاري بمكة وقد بضعت قريش لحمه‬ ‫ُ‬
‫ثم حملوه على جذعة فقالوا‪ ،‬أتحب أن محمدا ً‬
‫مكانك؟ فقال‪ ،‬والله ما أحب أني في أهلي‬
‫ك شوكة ثم نادى يا‬ ‫وولدي وأن محمدا ً ‪ ‬يشتا ُ‬
‫محمد فما ذكرت ذلك اليوم وتركي نصرته في‬
‫تلك الحال وأنا مشرك ل أؤمن بالله العظيم‬
‫إل ظننت أن الله عز وجل ل يغفر لي بذلك‬
‫الذنب أبدا ً فتصيبني تلك الغنطة فقال عمر‪:‬‬
‫الحمد لله الذي لم يفّيل فراستي‪ ،‬فبعث إليه‬
‫بألف دينار وقال‪ :‬استعن بها على أمرك‪،‬‬
‫ففّرقها)‪.(1194‬‬

‫‪ ()1194‬حلية الولياء )‪ ،(1/245‬أخبار عمر ص ‪.152‬‬


‫‪ -5‬عزل من استهزأ بأحد أفراد الرعية‪:‬‬
‫قال قيس بن أبي حازم رحمه الله‪ :‬استعمل‬
‫عمر –رضي الله عنه‪ -‬رجل ً من النصار فنزل‬
‫بعظيم أهل الحيرة عمرو بن حيان بن بقيلة‪،‬‬
‫فأمال عليه بالطعام والشراب‬
‫)‪(1195‬‬
‫‪ ،‬فدعا الرجل‬ ‫ما دعا به‪ ،‬فاحتبس الهزل‬
‫فمسح بلحيته‪ ،‬فركب إلى عمر –رضي الله‬
‫عنه‪ -‬فقال يا أمير المؤمنين‪ ،‬قد خدمت‬
‫ي ما أتي في ملكك‪،‬‬ ‫ُ‬
‫كسرى وقيصر فما أتي إل ّ‬
‫قال‪ :‬وما ذاك؟ قال‪ :‬نزل بي عاملك فلن‬
‫مْلنا عليه بالطعام والشراب‪ ،‬ما دعا به‬ ‫فأ َ‬
‫فاحتبس الهزل فدعاني فمسح بلحيتي‪،‬‬
‫فأرسل إليه عمر –رضي الله عنه‪ -‬فقال‪:‬‬
‫هيه؟! أمال عليك بالطعام والشراب ما دعوت‬
‫به‪ ،‬ثم مسحت بلحيته؟ والله لول أن تكون‬
‫سنة ما تركت في لحيتك طاقة إل نتفتها‪،‬‬
‫ً)‪(1196‬‬
‫‪.‬‬ ‫ولكن اذهب فوالله ل تلي لي عمل ً أبدا‬
‫ثالثًا‪ :‬العقوبات التي نزلت بالولة في عهد عمر رضي الله عنه‪:‬‬
‫نتيجة لمراقبة الفاروق لولته لحظ وجود بعض‬
‫الخطاء التي وقع فيها الولة‪ ،‬فقام بتأديبهم‬
‫ومعاقبتهم على هذه الخطاء التي وقعوا فيها‬
‫وقد اختلفت طرق تأديب الولة حسب اختلف‬
‫الحداث وحسب ما يراه الخليفة ومن أهم‬
‫أساليب الولة‪:‬‬

‫‪ ()1195‬أي أكثر من الهزل‪.‬‬

‫‪ ()1196‬تاريخ المدينة )‪ (3/813‬خبر صحيح‪ ،‬الفاروق الحاكم العادل‬


‫ص ‪.11‬‬
‫‪ -1‬القود من المراء والقتصاص منهم لو أخطأوا‪:‬‬
‫وقد كان عمر يقول‪ :‬أل وأني لم أرسل‬
‫عمالي ليضربوا أبشاركم ول ليأخذوا أموالكم‪،‬‬
‫ولكن أرسلهم إليكم ليعلمونكم دينكم‬
‫وسنتكم‪ ،‬فمن فعل به سوى ذلك فليرفعه‬
‫إلي فوالذي نفسي بيده إذن لقصنه)‪ ،(1197‬ولم‬
‫يكتف عمر بالبيانات الرسمية التي تهدد الولة‬
‫وتمنعهم من العتداء على الناس بل إنه طبق‬
‫ذلك عمليًا‪ ،‬كما مر معنا فيمن اشتكى من أبي‬
‫موسى الشعري‪ ،‬واشتكى من عمرو بن‬
‫العاص رضي الله عنهم)‪.(1198‬‬
‫‪ -2‬عزل الوالي نتيجة وقوعه في الخطأ‪:‬‬
‫وقد قام الفاروق رضي الله عنه بعزل الولة‬
‫نتيجة وقوعهم في أخطاء ل يرتضيها‪ ،‬فقد‬
‫عزل رضي الله عنه أحد المراء نتيجة تدخله‬
‫فيما ل يعنيه في شئون أجناده حيث بعثه على‬
‫جيش‪ ،‬فلما نزل بهم قال‪ :‬عزمت عليكم لما‬
‫أخبرتموني بكل ذنب أذنبتموه فجعلوا‬
‫يعترفون بذنوبهم فبلغ ذلك عمر فقال‪ :‬ما له‬
‫ل أم له‪ ،‬يعمد إلى ستر ستره الله فيهتكه؟‬
‫والله ل يعمل لي أبدا ً)‪ ،(1199‬كما غضب عمر من‬
‫أحد الولة حينما بلغه بعض شعره وهو يتمثل‬
‫فيها بالخمر فعزله)‪.(1200‬‬

‫‪ ()1197‬الولية على البلدان )‪ ،(2/127‬الموال لبي سلم ص ‪،63‬‬


‫‪.64‬‬
‫‪ ()1198‬الولية على البلدان )‪.(127 ،2/126‬‬
‫‪ ()1199‬تاريخ المدينة )‪.(3/818‬‬
‫‪ ()1200‬السياسة الشرعية لبن تيمية ص ‪.105‬‬
‫‪ -3‬إتلف شيء من مساكن الولة‪:‬‬
‫وهو ما يقع فيه المخالفة‪ ،‬فقد كان عمر‬
‫رضي الله عنه يحرص على أن تكون بيوت‬
‫الولة بدون أبواب‪ ،‬وبدون حجاب‪ ،‬فلما بلغه‬
‫عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قد‬
‫وضع بابا لداره بعث إليه محمد بن مسلمة‬
‫وأمره بإحراق ذلك الباب)‪ ،(1201‬وكان سبب ذلك‬
‫الباب قرب السواق من داره‪ ،‬وكانت الصوات‬
‫مرتفعة بالسوق تؤذي سعدًا‪ ،‬فوضع بابا يحجز‬
‫عنه أصوات الناس بالسوق‪ ،‬وبلغ ذلك أسماع‬
‫مونه‬‫عمر عن دار سعد وبابه‪ ،‬وأن الناس يس ّ‬
‫قصر سعد‪ ،‬فدعا محمد بن مسلمة وأرسله‬
‫إلى الكوفة‪ ،‬وقال‪ :‬اعمد إلى القصر حتى‬
‫تحرق بابه‪ ،‬ثم ارجع عودك على بدئك‪ ،‬فخرج‬
‫حتى قدم الكوفة‪ ،‬فاشترى حطبا ً ثم أتى به‬
‫القصر‪ ،‬فأحرق الباب)‪ ،(1202‬وروى ابن شبة‪ :‬أن‬
‫عمر استعمل مجاشع بن مسعود على عمل‬
‫فبلغه أن امرأته تجدد بيوتها فكتب إليه عمر‪:‬‬
‫من عبد الله أمير المؤمنين إلى مجاشع بن‬
‫مسعود سلم عليك أما بعد فقد بلغني أن‬
‫الخضيراء تحدث بيوتها‪ ،‬فإذا أتاك كتابي هذا‬
‫فعزمت عليك أل تضعه من يدك حتى تهتك‬
‫ستورها‪ ،‬قال‪ :‬فأتاه الكتاب والقوم عنده‬
‫جلوس فنظر في الكتاب‪ ،‬فعرف القوم أنه قد‬
‫أتاه بشيء يكرهه‪ ،‬فأمسك الكتاب بيده ثم‬
‫قال للقوم‪ :‬انهضوا فنهضوا‪ :‬والله ما يدرون‬
‫إلى‬
‫‪ ()1201‬فتوح البلدان ص ‪ ،77‬نهاية الرب )‪.(19/8‬‬
‫‪ ()1202‬الدارة السلمية مجدلوي ص ‪.216‬‬
‫ما ينهضهم‪ ،‬فانطلق بهم حتى أتى باب داره‬
‫فدخل فلقيته امرأته فعرفت الشر في وجهه‬
‫فقالت له‪ :‬مالك؟ فقال إليك عني قد‬
‫أرمقتني)‪ ،(1203‬فذهبت المرأة‪ ،‬وقال للقوم‪:‬‬
‫ادخلوا‪ ،‬فدخل القوم‪ ،‬فقال‪ :‬فليأخذ كل رجل‬
‫منكم ما يليه من هذا النحو واهتكوا‪ ،‬قال‬
‫فهتكوا جميعا ً حتى ألقوها إلى الرض والكتاب‬
‫في يده لم يضعه بعد وفي أثناء زيارة عمر‬
‫إلى الشام دعاه يزيد بن أبي سفيان إلى‬
‫الطعام فلما دخل عمر البيت وجد فيه بعض‬
‫الستائر‪ ،‬فأخذ عمر يقطعها ويقول‪ :‬ويحك‬
‫أتلبس الحيطان‬
‫ما لو ألبسته قوما ً من الناس لسترهم من‬
‫الحر والبرد)‪.(1204‬‬
‫‪ -3‬التأديب بالضرب‪:‬‬
‫فقد استعمله عمر بن الخطاب رضي الله عنه‬
‫حيث اشتهر عنه حمل الدرة‪ ،‬وضربه بها وقد‬
‫ضرب بعض الولة‪ ،‬بسبب حوادث اقترفوها‪،‬‬
‫ففي أثناء زيارة عمر إلى الشام دخل على‬
‫بعض ولته فوجد عندهم بعض المتاع الزائد‪،‬‬
‫فغضب عمر وأخذ يضربهم بالدرة)‪ ،(1205‬وفي‬
‫أثناء زيارة عمر إلى الشام لقيه المراء‪ ،‬فكان‬
‫أول من لقيه يزيد بن أبي سفيان‪ ،‬وأبا عبيدة‪،‬‬
‫ثم خالد على الخيول‪ ،‬عليهم ثياب فاخرة ل‬
‫تليق بالمجاهدين فنزل وأخذ الحجارة ورماهم‬

‫‪ ()1203‬أرمقتني أوجعتني وأغضبتني لسان العرب )‪.(7/161‬‬


‫‪ ()1204‬تاريخ المدينة )‪ ،(3/832‬الولية على البلدان )‪.(2/128‬‬
‫‪ ()1205‬تاريخ المدينة )‪.(3/834‬‬
‫بها وقال‪ :‬ما أسرع ما رجعتم عن رأيكم‪ ،‬إياي‬
‫تستقبلون في هذا الزي‪ ،‬وإنما شبعتم مذ‬
‫سنتين وبالله ولو فعلتم هذا على رأس‬
‫المائتين لستبدلت بكم غيركم فقالوا يا أمير‬
‫المؤمنين إنها يلقة وإن علينا السلح‪ ،‬قال‬
‫فنعم إذن)‪.(1206‬‬

‫‪ ()1206‬الولية على البلدان )‪.(2/129‬‬


‫‪ -4‬خفض الرتبة من وال إلى راعي غنم‪:‬‬
‫وقد استعملها عمر بن الخطاب رضي الله عنه‬
‫مع أحد ولته‪ ،‬روى ابن شبة‪ :‬أن عمر رضي‬
‫الله عنه استعمل عياض بن غنم على الشام‬
‫وابا ً)‪ ،(1207‬فكتب‬
‫فبلغه أنه اتخذ حماما ً واتخذ ن ّ‬
‫إليه أن يقدم عليه‪ ،‬فقدم‪ ،‬فحجبه ثلثًا‪ ،‬ثم‬
‫أذن له ودعا بجبة صوف‪ ،‬فقال البس هذه‪،‬‬
‫وأعطاه كنف الراعي وثلثمائة شاة وقال‬
‫انعق بها‪ ،‬فنعق بها فلما جازه هنيهة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫أقبل‪ ،‬فأقبل يسعى حتى أتاه‪ ،‬فقال‪ :‬اصنع‬
‫بكذا وكذا‪ ،‬اذهب فذهب‪ ،‬حتى إذا تباعد ناداه‪:‬‬
‫يا عياض أقبل فلم يزل يردده حتى عّرقه في‬
‫جبينه‪ ،‬قال أوردها علي يوم كذا وكذا‪،‬‬
‫فأوردها لذلك اليوم‪ ،‬فخرج عمر رضي الله‬
‫عنه فقال انزع عليها فاستقى حتى مل‬
‫الحوض فسقاها ثم قال‪ :‬انعق بها‪ ،‬فإذا كان‬
‫يوم كذا فأوردها فلم يزل يعمل به حتى مضى‬
‫شهران أو ثلثة‪ ،‬ثم دعاه فقال‪ :‬هيه اتخذت‬
‫نوابا ً واتخذت حماما ً أتعود قال‪ :‬ل قال‪ :‬ارجع‬
‫إلى عملك)‪ ،(1208‬وقد كانت نتيجة هذه العقوبة‬
‫التأديبية أن أصبح عياض بعد ذلك من أفضل‬
‫مال عمر رضي الله عنه)‪.(1209‬‬ ‫ع ّ‬
‫‪ -5‬مقاسمة الولة أموالهم‪:‬‬

‫وابًا‪ :‬أي جماعة من الناس يختصون بالزيارة والمسامرة‬‫)( ن ّ‬


‫‪1207‬‬

‫دون غيرهم‪.‬‬
‫‪ ()1208‬تاريخ المدينة )‪ (818 ،3/817‬الولية على البلدان )‪.(2/130‬‬
‫‪ ()1209‬الولية على البلدان )‪.(2/130‬‬
‫وكان تطبيق هذا النظام أمرا ً احتياطيا ً في‬
‫زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه‪ ،‬حيث‬
‫شعر عمر بنمو الموال لدى بعض الولة‬
‫فخشي أن يكون الولة قد اكتسبوا شيئا ً من‬
‫هذه الموال بسبب وليتهم)‪ (1210‬وقد علق ابن‬
‫تيمية على فعل عمر هذا فقال‪ :‬وكذلك محاباة‬
‫الولة في المعاملة من المبايعة‪ ،‬والمؤاجرة‬
‫والمضاربة‪ ،‬والمساقات والمزارعة‪ ،‬ونحو ذلك‬
‫هو من نوع الهدية‪ ،‬ولهذا شاطر عمر بن‬
‫الخطاب ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬من عماله من كان‬
‫له فضل ودين‪ ،‬ل يتهم بخيانة وإنما شاطرهم‬
‫لما كانوا خصوا به لجل الولية من محاباة‬
‫وغيرها‪ ،‬وكان المر يقتضي ذلك‪ ،‬لنه كان‬
‫إمام عدل‪ ،‬يقسم بالسوية )‪ (1211‬وقد قام عمر‬
‫رضي الله عنه بمشاطرة أموال عماله منهم‪،‬‬
‫سعد بن أبي وقاص‪ ،‬وأبو هريرة وعمرو بن‬
‫العاص رضي الله عنهم‪ ،‬وكان رضي الله عنه‬
‫يكتب أموال عماله‪ ،‬إذا ولهم ثم يقاسمهم ما‬
‫زاد على ذلك‪ ،‬وربما أخذه منهم)‪ (1212‬وقد قام‬
‫أيضا بمشاطرة بعض أقارب الولة لموالهم‪،‬‬
‫إذا‬
‫ما رأى مبررا ً لذلك‪ ،‬فقد أخذ من أبي بكرة‬
‫ل‪ :‬إني لم‬‫نصف ماله‪ ،‬فاعترض أبو بكرة قائ ً‬
‫ل؟ فقال عمر‪ :‬ولكن أخاك على بيت‬ ‫ل لك عم ً‬
‫آ ِ‬

‫‪ ()1210‬الولية على البلدان )‪.(2/130‬‬


‫‪ ()1211‬الفتاوى )‪.(157 / 28‬‬
‫‪ ()1212‬فتوح البلدان ص ‪ ، 220،221‬الولية على البلدان )‪.(2/131‬‬
‫المال وعشور البلة‪ ،‬فهو يقرضك المال تتجر‬
‫به)‪.(1213‬‬
‫‪ -6‬التوبيخ الشفوي والكتابي‪:‬‬
‫وقد قام عمر بن الخطاب رضي الله عنه على‬
‫معاتبة المراء على تصرفاتهم أثناء اجتماعهم‬
‫به‪ ،‬حيث إنه عاتب عمرو بن العاص مرات‪ ،‬كما‬
‫عاتب عياض بن غنم‪ ،‬وخالد بن الوليد وأبا‬
‫موسى الشعري وغيرهم من المراء)‪ (1214‬وأما‬
‫المعاتبة الكتابية في خلفة عمر فهي كثيرة‪،‬‬
‫منها‪ :‬أنه كتب إلى أحد الولة‪ ،‬وكان قدم عليه‬
‫قوم فأعطى العرب وترك الموالي‪ :‬أما بعد‬
‫فبحسب المرء من الشر أن يحقر أخاه‬
‫المسلم والسلم)‪.(1215‬‬
‫ومن هذا كله نجد أن الولة لم يكونوا بمنأى‬
‫عن المحاسبة والتأديب بصور مختلفة‪ ،‬ولم‬
‫تشهد البشرية مثيل ً لها في عدلها وجرأتها‪،‬‬
‫مما جعل هذا العصر الراشدي بحق نموذجا ً‬
‫رفيعا ً للحضارة السلمية بعد عصر الرسالة‬
‫على صاحبها أفضل الصلة والسلم)‪ (1216‬هذا‬
‫وقد كانت حرية النقاش وبحث المشاكل بين‬
‫الخليفة وولته مكفولة إلى أقصى ما يمكن‬
‫تصوره من حرية النقاش‪ ،‬ل يرهب الوالي‬
‫سلطان الخليفة وهذا مثال على ذلك‪ :‬عندما‬
‫قدم عمر على الشام تلقاه معاوية في موكب‬

‫شهيد المحراب ص ‪. 250‬‬ ‫‪()1213‬‬


‫الولية على البلدان )‪.(2/131‬‬ ‫‪()1214‬‬
‫فتوح البلدان ص ‪. 443‬‬ ‫‪()1215‬‬
‫الولية على البلدان )‪.(2/133‬‬ ‫‪()1216‬‬
‫عظيم فلما رأى معاوية عمر نزل من على‬
‫صهوة جواده‪ ،‬ومشى إليه‪ ،‬وقال‪ :‬السلم على‬
‫أمير المؤمنين‪ ،‬فمضى عمر‪ ،‬ولم يرد عليه‬
‫سلمه‪ ،‬ومعاوية يسرع خلف جمل عمر وكان‬
‫معاوية سمينًا‪ ،‬فلهث‪ .‬فقال عبد الرحمن بن‬
‫عوف‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬أتعبت الرجل‪ ،‬فلو‬
‫كلمته‪ :‬فالتفت إليه عمر وقال يا معاوية‪ ،‬أأنت‬
‫صاحب الموكب الذي أرى‪ .‬قال‪ :‬نعم يا أمير‬
‫المؤمنين‪ .‬قال عمر‪ :‬مع شدة احتجابك‬
‫ووقوف ذوي الحاجات ببابك؟ قال معاوية‪:‬‬
‫نعم يا أمير المؤمنين‪ .‬قال‪ :‬لم ويحك؟ قال‬
‫معاوية‪ :‬لننا ببلد كثر بها جواسيس العدو‪،‬‬
‫عدة والعدد‪ ،‬استخف بنا‪ ،‬وهجم‬ ‫فإن لم نتخذ ال ُ‬
‫علينا! وأما الحجاب‪ ،‬فإننا نخاف من البتذال‬
‫وجرأة الرعية‪ .‬وأنا بعد عاملك‪ ،‬إن استوقفتني‬
‫وقفت‪ ،‬وإن نهيتني انتهيت يا أمير المؤمنين‪.‬‬
‫قال عمر‪ :‬ما سألتك عن شيء إل خرجت منه‪،‬‬
‫إن كنت صادقا ً فإنه رأى لبيب‪ ،‬وإن كنت كاذبا ً‬
‫فإنها خدعة أريب‪ ،‬ل آمرك ول أنهاك‪،‬‬
‫وانصرف عنه)‪.(1217‬‬
‫ورغم شدة عمر على ولته ودقته في‬
‫محاسبتهم وإقدامه على عزل من تحوم حوله‬
‫شبهة أو تثور في حقه شكاية ذات أثر‪ ،‬فإن‬
‫رابطة قوية من الحب والولء كانت تربطه‬
‫بولته الذين كانوا يثقون ثقة مطلقة في‬
‫إخلص خليفتهم وسلمة مقاصده وسياسته‬
‫وتجرده وعدله‪ ،‬لقد كان عمر إذا غابت عنه‬

‫‪ ()1217‬الفاروق عمر بن الخطاب للشرقاوي ص ‪. 287‬‬


‫أخبار بعض قادته في ساحات الجهاد يكاد‬
‫يقتله القلق ويستبد به الخوف والشفقة‬
‫عليهم‪ ،‬وكان في بعض الحروب الكبرى يخرج‬
‫طس الخبار‪ ،‬ويتحسس النباء عّله‬ ‫بنفسه يتن ّ‬
‫يطمئن عليهم‪ ،‬وفي حالت أخرى كان يلتقي‬
‫بهم فنجد أمارات الحب العميق بينهم‪،‬فلما‬
‫سار عمر لفتح بيت المقدس وانتهى إلى‬
‫الجابية لقيه قائداه عمرو بن العاص وشرحبيل‬
‫بن حسنة فوافقا عمر راكبًا‪ ،‬فقّبل ركبتيه‪،‬‬
‫وضم عمر كل واحد منهما محتضنهما)‪.(1218‬‬
‫رابعًا‪ :‬قصة عزل خالد بن الوليد رضي الله عنه‪:‬‬
‫وجد أعداء السلم في سعة خيالهم وشدة‬
‫حقدهم مجال ً واسعا ً لتصيد الروايات التي تظهر‬
‫صحابة رسول الله في مظهر مشين‪ ،‬فإذا لم‬
‫يجدوا شفاء نفوسهم‪ ،‬اختلقوا ما ظنوه يجوز‬
‫على عقول القارئين‪ ،‬لكي يصبح أساسا ً ثابتا ً لما‬
‫يتناقله الرواة وتسطره كتب المؤلفين وقد‬
‫تعّرض كل من عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد‬
‫رضي الله عنهما لمفتريات أعداء السلم الذين‬
‫حاولوا تشويه صفحات تاريخهما المجيد ووقفوا‬
‫كثيرا ً عند أسباب عزل عمر لخالد بن الوليد‬
‫رضي الله عنهم وألصقوا التهم الباطلة‬
‫بالرجلين العظيمين وأتوا بروايات ل تقوم على‬
‫أساس عند المناقشة‪ ،‬ول تقوم على البرهان‬
‫أمام التحقيق العلمي النزيه)‪ (1219‬وإليك قصة‬

‫‪ ()1218‬الدولة السلمية في عصر الخلفاء الراشدين ص ‪. 151‬‬


‫‪ ()1219‬أباطيل يجب أن تمحى من التاريخ‪ ،‬إبراهيم شعوط ص ‪123‬‬
‫‪.‬‬
‫عزل خالد بن الوليد على حقيقتها بدون لف أو‬
‫تزوير للحقائق‪ ،‬فقد مّر عزل خالد بن الوليد‬
‫بمرحلتين‪ ،‬وكان لهذا العزل أسباب موضوعية‪.‬‬
‫‪ -1‬العزل الول‪:‬‬
‫عزل عمر بن الخطاب رضي الله عنه خالد بللن‬
‫الوليد في المللرة الولللى عللن القيللادة العامللة‬
‫وإمارة المراء بالشام‪ ،‬وكانت هذه المللرة فللي‬
‫السنة الثالثة عشر من الهجرة غداة تولي عمر‬
‫الخلفة بعد وفاة أبي بكر الصديق وسبب هللذا‬
‫العزل اختلف منهج الصديق عن الفاروق فللي‬
‫التعامل مع المراء والولة‪ ،‬فالصديق كان مللن‬
‫سنته مللع عمللاله وأمللراء عمللله أن يللترك لهللم‬
‫حرية ا لتصرف كاملة في حدود النظللام العللام‬
‫للدولة مشروطا ً ذلك بتحقيق العدل كامل ً بيللن‬
‫الفراد والجماعات‪ ،‬ثم ل يبالي أن يكللون لللواء‬
‫العللدل منشللورا ً بيللده أو بيللد عمللاله وولتلله‪،‬‬
‫فللوالي حق يستمده من سلطان الخلفة فللي‬
‫تدبير أمر وليته دون رجوع في الجزئيات إلللى‬
‫أمر الخليفة‪ ،‬وكللان أبللو بكللر ل يللرى أن يكسللر‬
‫على الولة سلطانهم في مال أو غيره مللا دام‬
‫العدل قائما ً في رعيتهم)‪ ،(1220‬وكللان الفللاروق‬
‫قد أشار على الصديق بأن يكتللب لخالللد رضللي‬
‫الله عنهم جميعًا‪ :‬أن ل يعطللي شللاة ول بعيللرا ً‬
‫إل بأمره‪ ،‬فكتب أبو بكر إلى خالد بذلك‪ ،‬فكتب‬
‫إليه خالد‪ :‬إما أن تللدعني وعملللي وإل فشللأنك‬
‫)‪(1221‬‬
‫ن الصديق‬ ‫‪ ،‬ولك ّ‬ ‫وعملك‪ ،‬فأشار عليه بعزله‬

‫‪ ()1220‬خالد بن الوليد‪ ،‬صادق عرجون ص ‪. 331-321‬‬


‫‪ ()1221‬البداية والنهاية )‪.(7/115‬‬
‫أقّر خالدا ً على عمله)‪ ،(1222‬ولما تولى الفللاروق‬
‫الخلفة‪ ،‬كان يرى أنلله يجللب علللى الخليفللة أن‬
‫يحدد لمرائه وولته طريقة سيرهم فللي حكللم‬
‫ولياتهم ويحتم عليهم أن يردوا إليه ما يحللدث‬
‫حتى يكللون هللو الللذي ينظللر فيلله ثللم يللأمرهم‬
‫بأمره‪ ،‬وعليهم التنفيذ‪ ،‬لنلله يللرى أن الخليفللة‬
‫مسؤول عن عمله وعن عمل ولته في الرعية‬
‫مسؤولية ل يرفعها عنه أنه اجتهد فللي اختيللار‬
‫الللوالي‪ .‬فلمللا تللولى الخلفللة خطللب النللاس‪،‬‬
‫فقللال‪ :‬إن الللله ابتلكللم بللي‪ ،‬وابتلنللي بكللم‪،‬‬
‫وأبقاني بعد صاحبي فوالله ل يحضرني شلليء‬
‫من أمركم فيليه أحللد دونللي‪ ،‬ول يتغيللب عنللي‬
‫فللآلوا فيلله عللن الجللزء والمانللة‪ ،‬ولئن أحسللن‬
‫الللولة لحسللنن إليهللم‪ ،‬ولئن أسللاؤوا لنكلللن‬
‫بهللم)‪ ،(1223‬وكللان يقللول‪ :‬أرأيتللم إذا اسللتعملت‬
‫عليكم خير من أعلم‪ ،‬ثم أمرتلله بالعللدل‪ ،‬أكنللت‬
‫قضيت مللا علللي؟ قللالوا‪ :‬نعللم‪ .‬قللال‪ :‬ل‪ ،‬حللتى‬
‫أنظر في عمله‪ ،‬أعمللل بمللا أمرتلله أم ل؟)‪،(1224‬‬
‫فعندما تللولى الفللاروق الخلفللة أراد أن يعللدل‬
‫بللولة أبللي بكللر رضللي الللله عنلله إلللى منهجلله‬
‫وسيرته‪ ،‬فرضي بعضللهم وأبللى آخللرون وكللان‬
‫ممن أبى عليه ذلك خالد بن الوليللد)‪ ،(1225‬فعللن‬
‫مالك بن أنس‪ ،‬أن عمر لما ولي الخلفللة كتللب‬
‫إلى خالد أل تعطي شللاة ول بعيللرا ً إل بللأمري‪،‬‬
‫فكتب إليلله خالللد إمللا أن تللدعني وعملللي‪ ،‬وإل‬
‫التاريخ السلمي )‪.(11/146‬‬ ‫‪()1222‬‬
‫خالد بن الوليد‪ ،‬صادق عرجون ص ‪. 331‬‬ ‫‪()1223‬‬
‫نفس المصدر ص ‪. 332‬‬ ‫‪()1224‬‬
‫نفس المصدر ص ‪. 332‬‬ ‫‪()1225‬‬
‫فشأنك بعملك‪ ،‬فقال عمر‪ :‬ما صدقت الللله إن‬
‫كنت أشرت علللى أبللي بكللر بللأمر فلللم أنفللذه‪،‬‬
‫فعزله)‪ ،(1226‬ثم كان يدعوه إلللى العمللل فيللأبى‬
‫إل أن يخليه يفعل ما شاء فيأبى عليه)‪.(1227‬‬
‫فعلزل عمللر خاللدا ً ملن وجهلة سياسللة الحكلم‬
‫وحللق الحللاكم فللي تصللريف شللؤون الدولللة‬
‫ومسؤوليته عنهللا‪ ،‬وطللبيعي أن يقللع كللل يللوم‬
‫مثله فللي الحيللاة‪ ،‬ول يبللدو فيلله شلليء غريللب‬
‫يحتاج إلى بيان أسباب تتجاذبها روايللات وآراء‪،‬‬
‫وميللول وأهللواء ونزعللات‪ ،‬فعمللر بللن الخطللاب‬
‫خليفة المسلمين فللي عصللر كللان النللاس فيلله‬
‫ناسا ً ل يزالون يستروحون روح النبوة للله مللن‬
‫الحقوق الولية أن يختللار مللن الللولة والقللادة‬
‫مللن ينسللجم معلله فللي سياسللته ومللذهبه فللي‬
‫الحكم ليعمل في سلطانه ما دامت المة غنيللة‬
‫بالكفايات الراجحة‪ ،‬فليس لعامللل ول قللائد أن‬
‫يتأبد في منصبه‪ ،‬ول سيما إذا اختلفللت مناهللج‬
‫السياسة بين الحاكم والولة ما كان هناك مللن‬
‫يغنللي غنللاءه ويجللزي عنلله‪ ،‬وقللد أثبللت الواقللع‬
‫التاريخي أن عمر رضي الله عنلله كللان موفق لا ً‬
‫أتم التوفيق وقد نجح في سياسته هذه نجاحللا ً‬
‫منقطع النظير‪ ،‬فعللزل وولللى‪ ،‬فلللم يكللن مللن‬
‫له أقل كفاية ممن عزللله‪ ،‬ومللرد ذلللك لللروح‬ ‫و ّ‬
‫التربية السلمية التي قللامت علللى أن تضللمن‬
‫دائمللا ً للمللة رصلليدا ً مللذخورا ً مللن البطولللة‬
‫والكفاية السياسية الفاضلة)‪ (1228‬وقد اسللتقبل‬
‫‪ ()1226‬البداية والنهاية )‪.(7/115‬‬
‫‪ ()1227‬خالد بن الوليد صادق عرجون ص ‪. 332‬‬
‫‪ ()1228‬خالد بن الوليد‪ ،‬صادق عرجون ص ‪. 332،333‬‬
‫خالد هذا العزل بدون اعتراض وظل رضي الله‬
‫عنه تحت قيادة أبي عبيدة رضي الله عنه حتى‬
‫فتح الله عليه قنسرين فوله أبو عبيدة عليها‪،‬‬
‫وكتب إلى أمير المؤمنين يصف له الفتح وبلء‬
‫مللر‬‫خالد فيه فقللال عمللر قللولته المشللهورة‪ :‬أ ّ‬
‫خالد نفسه‪ ،‬رحم الله أبللا بكلر‪ ،‬هللو كلان أعلللم‬
‫بالرجال مني)‪ ،(1229‬ويعني عمللر بمقللولته هللذه‬
‫أن خالدا ً فيمللا أتللى بلله مللن أفللانين الشللجاعة‬
‫وضروب البطولة قد وضع نفسه في موضللعها‬
‫الذي ألفته في المواقع الخطيرة مللن القللدام‬
‫والمخلللاطرة‪ ،‬وكأنملللا يعنلللي عملللر بلللذلك أن‬
‫استمسلللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللاك‬
‫أبي بكر بخالد وعدم موافقته على عزله برغم‬
‫اللحاح عليه إنما كللان عللن يقيللن فلي مقللدرة‬
‫خالد وعبقريته العسكرية التي ل يغنللي غنللاءه‬
‫فيها إل آحاد الفذاذ من أبطال المم)‪.(1230‬‬
‫هذا وقد عمل خالد تحت إمرة أبي عبيدة نحللوا ً‬
‫من أربع سنوات فلللم يعللرف عنلله أنلله اختلللف‬
‫عليه مرة واحللدة‪ ،‬ول ينكللر فضللل أبللي عبيللدة‬
‫وسمو أخلقه في تحقيللق وقللع الحللادث علللى‬
‫خالد فقد كللان لحفللاوته بلله وعرفللانه لقللدره‪،‬‬
‫وملزمته صللحبته والخللذ بمشللورته وإعظللامه‬
‫لرائه وتقديمه فلي الوقلائع اللتي حلدثت بعلد‬
‫إمارته الجديدة‪ ،‬أحسن الثللر فللي صللفاء قلبلله‬
‫صفاء جعله يصنع البطولت العسكرية النللادرة‬
‫وعمله في فتح دمشق وقنسرين وفحل شاهد‬
‫صدق على روحه السامية التي قابل بها حادث‬
‫‪ ()1229‬خالد بن الوليد‪ ،‬صادق عرجون ص ‪. 321‬‬
‫‪ ()1230‬خالد بن الوليد‪ ،‬صادق عرجون ص ‪. 321‬‬
‫العزل‪ ،‬وكان فلي حلاليه سليف اللله خاللد بلن‬
‫الوليللد)‪ ،(1231‬ويحفللظ لنللا التاريللخ مللا قللاله‬
‫أبو عبيدة في مواساة خالد عنللد عزللله‪ .. :‬ومللا‬
‫سلطان الدنيا أريد‪ ،‬وما للللدنيا أعمللل‪ ،‬وإن مللا‬
‫ترى سيصير إلللى زوال وانقطللاع‪ ،‬وإنمللا نحللن‬
‫وام بأمر الللله عللز وجللل‪ ،‬ومللا يضللير‬‫أخوان وق ّ‬
‫الرجل أن يلي عليه أخوه في دينه ودنياه‪ ،‬بللل‬
‫يعلم الوالي أنه يكاد يكون أدناهما إلللى الفتنللة‬
‫وأوقعهما في الخطيئة لما تعرض مللن الهلكللة‬
‫)‪(1232‬‬
‫إل من عصم الله عز وجل‪ ،‬وقليل مللا هللم‬
‫وعنللدما طلللب أبللو عبيللدة مللن خالللد أن ينفللذ‬
‫مهمة قتالية تحت إمرته‪ ،‬أجابه خالد قللائ ً‬
‫ل‪ :‬أنللا‬
‫لها إن شاء الله تعالى ومللا كنللت أنتظللر إل أن‬
‫تأمرني‪ ،‬فقال أبو عبيدة‪ :‬استحيت منك يللا أبللا‬
‫سليمان‪ .‬فقال خالد‪ :‬والله لو أمر علللي طفللل‬
‫صغير لطيعن له‪ ،‬فكيف أخالفللك وأنللت أقللدم‬
‫مني إيمانا ً وأسبق إسلمًا‪ ،‬سبقت بإسلمك مع‬
‫السابقين وأسرعت بإيمانللك مللع المسللارعين‪،‬‬
‫وسللماك رسللول الللله بللالمين فكيللف ألحقللك‬
‫وأنللال درجتللك والن أشللهدك أنللي قللد جعلللت‬
‫نفسي حبسا ً في سبيل الله تعالى ول أخالفك‬
‫أبدًا‪ ،‬ول وليت إمارة بعدها أبدا ً ولم يكتف خالد‬
‫بذلك فحسب بل اتبع قوله بالفعل وقام علللى‬
‫الفللور بتنفيللذ المهمللة المطلوبللة منلله)‪،(1233‬‬
‫ويظهر بوضوح من قول خالد وتصرفه هذا‪ ،‬أن‬
‫الللوازع الللديني والخلقللي كللان مهيمنلا ً علللى‬
‫‪ ()1231‬خالد بن الوليد‪ ،‬صادق عرجون ص ‪. 346‬‬
‫‪ ()1232‬خالد بن الوليد‪ ،‬صادق عرجون ص ‪. 323‬‬
‫‪ ()1233‬نظام الحكم في عهد الخلفاء الراشدين ‪. 84‬‬
‫تصرفات خالد وأبللي عبيللدة رضللي الللله عنهللم‬
‫وقللد بقللي خالللد محافظللا ً علللى مبللدأ طاعللة‬
‫الخليفلللة واللللوالي بلللالرغم ملللن أن حلللالته‬
‫الشخصية قللد تغيللرت مللن حللاكم إلللى محكللوم‬
‫بسبب عزله عن قيادة الجيوش)‪.(1234‬‬
‫إن عزل خالد في هذه المرة )الولى(‪ ،‬لم يكن‬
‫عن شك من الخليفة ول عللن ضللغائن جاهليللة‪،‬‬
‫ول عللن اتهللامه بانتهللاك حرمللات الشللريعة ول‬
‫عن طعن في تقوى وعللدل خالللد‪ ،‬ولكللن كللان‬
‫هناك منهجان لرجليللن عظيميللن‪ ،‬وشخصلليتين‬
‫قويتين كان يللرى كللل منهمللا ضللرورة تطللبيق‬
‫منهجه‪ ،‬فإذ كان لبد لحدهما أن يتنحللى فلبللد‬
‫أن يتنحى أمير الجيوش لميللر المللؤمنين؛ مللن‬
‫غير عناد ول حقد وضغينة)‪.(1235‬‬
‫إن من توفيق الله تعالى للفللاروق توليللة أبللي‬
‫عبيدة رضي الله عنهم لجيلوش الشلام‪ ،‬فلذلك‬
‫الميدان بعد معركة اليرمللوك كللان يحتللاج إلللى‬
‫المسالمة واسللتلل الحقللاد‪ ،‬وتضللميد الجللراح‬
‫وتقريب القلوب فللأبو عبيللدة رضللي الللله عنلله‬
‫يسللرع إلللى المسللالمة إذا فتحللت أبوابهللا ول‬
‫يبطئ عن الحرب إذا وجبت عليه أسبابها‪ ،‬فإن‬
‫كانت بالمسالمة جدوى فللذاك وإل فالسللتعداد‬
‫للقتال علللى أهبتلله‪ ،‬وقللد كللان أبنللاء المصللار‬
‫الشامية يتسامعون بحلم أبي عبيللدة فيقبلللون‬
‫على التسليم إليه ويؤثرون خطللابهم للله علللى‬
‫غيره‪ ،‬فولية أبلي عبيلدة سلنة عمريلة وكلانت‬

‫‪ ()1234‬نظام الحكم في عهد الخلفاء الراشدين ص ‪. 84‬‬


‫‪ ()1235‬أباطيل يجب أن تمحى من التاريخ ص ‪. 132‬‬
‫وليته للشام في تلك المرحلة أصلللح الوليللات‬
‫لها)‪.(1236‬‬
‫‪ -2‬العزل الثاني‪:‬‬
‫وفي )قنسرين( جاء العزل الثاني لخالد‪ ،‬وذلك‬
‫في السنة السابعة عشرة)‪ ،(1237‬فقد بلللغ أميللر‬
‫المؤمنين أن خالدا ً وعياض بن غنللم أدربللا فللي‬
‫بلد الروم وتوغل في دروبهمللا ورجعللا بغنللائم‬
‫عظيمللة‪ ،‬وأن رجللال ً مللن أهللل الفللاق قصللدوا‬
‫خالدا ً لمعروفه منهم الشعث بن قيس الكندي‬
‫فأجازه خالد بعشرة آلف‪ ،‬وكان عمر ل يخفى‬
‫عليه شلليء فللي عمللله)‪ ،(1238‬فكتللب عمللر إلللى‬
‫قائده العللام أبللي عبيللدة يللأمره بللالتحقيق مللع‬
‫خالد في مصدر المال الذي أجاز منلله الشللعث‬
‫تلك الجازة الغللامرة‪ ،‬وعزللله عللن العمللل فللي‬
‫م‬‫الجيلللش إطلقلللا ً واسلللتقدمه المدينلللة‪ ،‬وتللل ّ‬
‫استجواب خالد وقد تم استجواب خالد بحضللور‬
‫أبي عبيدة وترك بريد الخلفة يتللولى التحقيللق‬
‫وتللرك إلللى مللولى أبللي بكللر يقللوم بالتنفيللذ‪،‬‬
‫وانتهى المر ببراءة خالد أن يكون مدّ يده إلللى‬
‫)‪(1239‬‬
‫غنائم المسلمين فأجاز منهللا بعشللر آلف‬
‫دع أهللل الشللام‪ ،‬فكللان‬ ‫ولما علم خالد بعزللله و ّ‬
‫أقصى ما سمحت به نفسه مللن إظهللار أسللفه‬
‫على هذا العزل الذي فرق بين القائد وجنللوده‬
‫أن قال للناس‪ :‬إن أمير المللؤمنين اسللتعملني‬

‫عبقرية خالد للعقاد ص ‪. 154،155،156‬‬ ‫‪()1236‬‬


‫تاريخ الطبري )‪.(5/41‬‬ ‫‪()1237‬‬
‫نفس المصدر )‪.(5/42‬‬ ‫‪()1238‬‬
‫خالد بن الوليد‪ ،‬صادق عرجون ص ‪. 324‬‬ ‫‪()1239‬‬
‫على الشام حتى إذا كللانت بثنيللة)‪ ،(1240‬وعس لل ً‬
‫عزلنللي فقللام إليلله رجللل فقللال‪ :‬اصللبر أيهللا‬
‫الميلللر‪ ،‬فإنهلللا الفتنلللة فقلللال‪ :‬خاللللد‪ :‬أملللا‬
‫وابللن الخطللاب حللي فل)‪ ،(1241‬وهللذا لللون مللن‬
‫اليمللللان القللللاهر الغلب‪ ،‬لللللم يرزقلللله إل‬
‫المصطفون من أخصاء أصحاب محمد ‪ :‬فأية‬
‫قوة روحية سلليطرت علللى أعصللاب خالللد فللي‬
‫الموقف الخطير؟ وأي إلهام ألقي على لسللان‬
‫خالد ذلك الرد الهادئ الحكيم)‪.(1242‬‬
‫سكن الناس وهدأت نفوسللهم بعللد أن سللمعوا‬
‫كلمة خالد في توطيد قواعد الخلفة العمريللة‪،‬‬
‫وعرفوا أن قائدهم المعزول ليللس مللن طللراز‬
‫الرجال الللذين يبنللون عللروش عظمتهللم علللى‬
‫دامللة وإنمللا هللو مللن‬ ‫أشلء الفتن والثورات اله ّ‬
‫أولئك الرجللال الللذين خلقللوا للبنللاء والتشللييد‪،‬‬
‫فإن أرادتهم الحياة على هدم ما بنللوا تسللاموا‬
‫بأنفسهم أن يذلها الغرور المفتون)‪.(1243‬‬
‫ورحل خالد إلللى المدينللة فقللدمها حللتى لقللي‬
‫أمير المؤمنين‪ ،‬فقال عمر متمت ً‬
‫ل‪:‬‬
‫ومللا يصللنع القللوام‬ ‫صنعت فلللم يصللنع‬
‫)‪(1244‬‬
‫ع‬
‫فللللالله َيصللللن ُ‬ ‫كصللللنعك صللللانع‬

‫‪ ()1240‬البثنية قيل المراد‪ :‬حنطة منسوبة إلى بلد بالشام وقيل‬


‫الناعمة من الرملة اللينة‪.‬‬
‫‪ ()1241‬خالد بن الوليد‪ ،‬صادق عرجون ص ‪ ، 347‬الكامل في التاريخ‬
‫)‪.(2/156‬‬
‫‪ ()1242‬خالد بن الوليد‪ ،‬صادق عرجون ص ‪. 347‬‬
‫‪ ()1243‬نفس المصدر ص ‪. 347‬‬
‫‪ ()1244‬تاريخ الطبري )‪.(5/43‬‬
‫وقال خالد لعمر‪ :‬لقد شكوتك إلى المسلللمين‪،‬‬
‫مجمللللل‬ ‫وبللللالله إنللللك فللللي أمللللري غيللللر ُ‬
‫يا عمر‪ ،‬فقال عمر‪ :‬من أين هذا الللثراء؟ قللال‪:‬‬
‫سللهمان‪ ،‬مللا زاد علللى السللتين‬ ‫من النفال وال ّ‬
‫ألفا ً فلك‪ ،‬فقللوم عمللر عروضلله فخرجللت إليلله‬
‫عشرون ألفًا‪ ،‬فأدخلها بيت المال‪ .‬ثم قلال‪ :‬يلا‬
‫خالد‪ ،‬والله إنك علي لكريم‪ ،‬وإنك إلي لحللبيب‪،‬‬
‫ولن تعاتبني بعد اليوم على شيء)‪ ،(1245‬وكتللب‬
‫عمر إلى المصللار‪ :‬إنللي لللم أعللزل خالللدا ً عللن‬
‫سللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللخطة‬
‫ُ‬
‫ول خيانة‪ ،‬ولكن النللاس فتنللوا بلله‪ ،‬فخفللت أن‬
‫يوكلوا إليه ويبتلوا بلله‪ ،‬فللأحببت أن يعلمللوا أن‬
‫الله هو الصانع‪ ،‬وأل يكونوا بعرض فتنة)‪.(1246‬‬
‫‪ -3‬مجمل أسباب العزل وبعض الفوائد‪:‬‬
‫ومللن خلل سلليرة الفللاروق يمكننللا أن نجمللل‬
‫أسباب عزل خالد رضي الللله عنلله فللي المللور‬
‫التالية‪:‬‬
‫‪ -‬حماية التوحيد‪ :‬ففي قول عمللر رضللي الللله‬
‫عنه‪ :‬ولكن الناس فتنوا به‪ ،‬فخفللت أن يوكلللوا‬
‫إليه ويبتلوا بلله‪ ،‬يظهللر خشللية عمللر مللن فتنللة‬
‫الناس بخالد وظنهم أن النصر يسير في ركاب‬
‫خالد؛ فيضعف اليقين بأن النصر من عنللد الللله‬
‫سواء كان خالد على رأس الجيوش أم ل‪ ،‬وهذا‬
‫الوازع يتفللق مللع حللرص عمللر علىصللبغ إدارتلله‬
‫للدولة العقائدية الخالصة وبخاصة وهي تحارب‬

‫‪ ()1245‬تاريخ الطبري )‪.(5/43‬‬


‫‪ ()1246‬تاريخ الطبري )‪.(5/43‬‬
‫أعداءها حربا ً ضروسا ً متطاولة باسللم العقيللدة‬
‫وقوتها‪ ،‬وقد يقللود الفتتللان بقللائد كللبير مثللل‬
‫خالد خالللدا ً نفسلله إلللى الفتتللان بالرعيللة وأن‬
‫يرى نفسه يوما ً في مركز قوة ل يرتقي إليهللا‬
‫أحد‪ ،‬وبخاصة أنه عبقري حرب ومنفق أمللوال‪،‬‬
‫سللر‪ ،‬وهللو‬ ‫خ ْ‬‫فيجر ذلك عليه وعلى الدولة أمللر ُ‬
‫إن كان احتمال بعيدا ً فللي ظللل ارتبللاط النللاس‬
‫بخليفتهللم عمللر وإعجللابهم بلله‪ ،‬وفللي ظللل‬
‫انضباط خالللد العسللكري وتقللواه‪ ،‬فقللد يحللدث‬
‫يومللا ً مللا بعللد عمللر‪ ،‬ومللع قللائد كخالللد‪ ،‬ممللا‬
‫يستدعي التأصلليل لهللا فللي ذلللك العصللر ومللع‬
‫أمثال هللؤلء الرجللال)‪ ،(1247‬والخللوف فللي هللذا‬
‫المر من القائد الكفء أعظم من الخللوف مللن‬
‫ل أحسللن البلء ولللم تتسللاير‬ ‫قائد صغير لللم ي ُب ْل ِ‬
‫بذكره النباء)‪.(1248‬‬
‫وقد أشار شاعر النيللل حللافظ إبراهيللم رحملله‬
‫الله إلى تخوف عمللر فقللال فللي عمريتلله فللي‬
‫الديوان‪:‬‬
‫فيه وقد كان أعطى‬ ‫وقيلللل خلللالفت يلللا‬
‫القلللللوس باريهلللللا‬ ‫فلللللاروق صلللللاحبنا‬
‫وفتنة النفس أعيللت‬ ‫فقال خفت افتتللان‬
‫)‪(1249‬‬
‫مللللن يللللداويها‬ ‫المسللللللمين بللللله‬
‫‪ -‬اختلف النظر في صرف المال‪:‬‬

‫‪ ()1247‬الدولة السلمية في عصر الخلفاء الراشدين‪ ،‬حمدي‬


‫شاهين ص ‪. 149‬‬
‫‪ ()1248‬عبقرية عمر ص ‪. 158‬‬
‫‪ ()1249‬حروب السلم في الشام‪ ،‬باشميل ص ‪. 566‬‬
‫كان عمر يرى أن فترة تأليف القلوب‪ ،‬وإغللراء‬
‫ضعفاء العقيللدة بالمللال والعطللاء‪ ،‬قللد انتهللت‪،‬‬
‫وصار السلم في غير حاجة إلى هللؤلء‪ ،‬وأنلله‬
‫يجب أن يوكل الناس إلى إيمانهم وضمائرهم‪،‬‬
‫حللتى تللؤدي التربيللة السلللمية رسللالتها فللي‬
‫تخريج نماذج كاملة‪ ،‬لمدى تغلغل اليمللان فللي‬
‫القلوب‪ ،‬بينما يرى خالد أن ممن معه من ذوي‬
‫البأس والمجاهدين في ميدانه مللن لللم تخلللص‬
‫نيتهم لمحض ثواب الله‪ ،‬وأن أمثال هؤلء فللي‬
‫حاجلللة إللللى ملللن يقلللوي عزيمتهلللم‪ ،‬ويلللثير‬
‫حماسللتهم مللن هللذا المللال)‪ ،(1250‬كمللا أن عمللر‬
‫كان يرى أن ضعفة المهاجرين أحق بالمال من‬
‫غيرهم‪ ،‬فعندما اعتذر إلى الناس بالجابيللة مللن‬
‫عزل خالد قللال‪ :‬أمرتلله أن يحبللس هللذا المللال‬
‫على ضعفة المهاجرين فأعطاه ذا البأس)‪،(1251‬‬

‫ول شك أن عمر وخالللدا ً مجتهللدان فيمللا ذهبللا‬


‫إليه ولكن عمللر أدرك أمللورا ً لللم يللدركها خالللد‬
‫رضي الله عنهما)‪.(1252‬‬
‫‪ -‬اختلف منهللج عمللر عللن منهللج خالللد فللي‬
‫السياسة العامة‪:‬‬
‫فقد كان عمر يصر على أن يستأذن الولة منه‬
‫في كل صغيرة وكبيرة‪ ،‬بينما يرى خالد أن من‬
‫حقه أن ُيعطى الحرية كاملة ملن غيلر الرجلوع‬
‫لحد في الميدان الجهادي وتطلق يده في كل‬

‫‪ ()1250‬أباطيل يجب أن تحمى من التاريخ ص ‪. 134‬‬


‫‪ ()1251‬البداية والنهاية )‪.(7/115‬‬
‫‪ ()1252‬التاريخ السلمي )‪.(11/147‬‬
‫التصرفات إيمانا ً منلله بللأن الشللاهد يللرى مللا ل‬
‫يراه الغائب)‪.(1253‬‬
‫ولعللل مللن السللباب أيضللًا‪ ،‬إفسللاح المجللال‬
‫لطلئع جديدة من القيللادات حللتى تتللوفر فللي‬
‫المسلللمين نمللاذج كللثيرة مللن أمثللال خالللد‬
‫والمثنى وعمرو بن العاص‪ ،‬ثللم ليللدرك النللاس‬
‫أن النصر ليللس رهن لا ً برجللل واحللد)‪ ،(1254‬مهمللا‬
‫كان هذا الرجل‪.‬‬
‫‪ -‬موقف المجتمع السلمي من قرار العزل‪:‬‬
‫تلقى المجتمع السلمي قرار العزل بالتسليم‬
‫لحق الخليفة في التولية والعللزل‪ ،‬فلللم يخللرج‬
‫أحلد علن مقتضللى النظللام والطاعلة والقلرار‬
‫للخلفة بحقها في التوليللة والعللزل وقللد روي‬
‫قمة بن‬ ‫عل ْ َ‬
‫أن عمر خرج في جوف الليل فلقي َ‬
‫علثة الكلبي‪ ،‬وكان عمر يشبه خالدا ً إلللى حللد‬ ‫ُ‬
‫عجيب‪ ،‬فحسبه علقمة خالللدًا‪ ،‬فقللال‪ :‬يللا خالللد‬
‫حا ّ حللتى لقللد‬ ‫عزلك هذا الرجل‪ ،‬لقد أبى إل ش ل ّ‬
‫ً‬
‫جئت إليه وابن عم لللي نسللأله شلليئا‪ ،‬فأمللا إذا‬
‫فعل فلن أسأله شيئًا‪ ،‬فقال له عمر يستدرجه‬
‫ليعلم ما يخفيه‪ :‬هيلله! فمللا عنللدك؟ قللال‪ :‬هللم‬
‫قوم لهم علينا حق فنؤدي لهم حقهم‪ ،‬وأجرنللا‬
‫علللى الللله‪ ،‬فلمللا أصللبحوا قللال عمللر لخالللد‬
‫وعلقمة مشاهد لهما‪ :‬ماذا قال لك علقمة منذ‬
‫الليلة؟ قال خالللد‪ :‬والللله مللا قللال شلليئًا‪ ،‬قللال‬
‫عمر‪ :‬وتحلف أيضًا؟ فاستثار ذلك علقمللة وهللو‬
‫يظللن أنلله مللا كلللم البارحللة إل خالللدًا‪ ،‬فظللل‬
‫‪ ()1253‬الخلفة والخلفاء الراشدون‪ ،‬سالم البهنساوي ص ‪. 196‬‬
‫‪ ()1254‬أخطاء يجب أن تمحى من التاريخ ص ‪. 134‬‬
‫ه يا خالد؛ فأجاز عمر علقمللة وقضللى‬ ‫م ْ‬
‫يقول‪َ :‬‬
‫حاجته‪ ،‬وقال لن يكون مللن ورائي علللى مثللل‬
‫رأيك يعنللي حرصلله علللى الطاعللة لللولي المللر‬
‫ي من كللذا وكللذا)‪ ،(1255‬وهللذا‬ ‫وإن خالفه أحب إل ّ‬
‫وقد جاء اعتراض من أبي عمرو بن حفللص بللن‬
‫المغيللرة بللن عللم خالللد بللن الوليللد بالجابيللة‪،‬‬
‫فعندما قال عمر بن الخطاب رضللي الللله عنلله‬
‫للناس وإني أعتذر إليكم من خالللد بللن الوليللد‪،‬‬
‫إني أمرته أن يحبللس هللذا المللال علللى ضللعفة‬
‫المهللاجرين‪ ،‬فأعطللاه ذا البللأس‪ ،‬وذا الشللرف‪،‬‬
‫ملللللللللرت‬‫وذا اللسلللللللللان‪ ،‬فنزعتللللللللله وأ ّ‬
‫أبللا عبيللدة بللن الجللراح‪ .‬فقللال أبللو عمللرو بللن‬
‫حفص بن المغيرة‪ :‬والله ما أعذرت يا عمر بللن‬
‫الخطاب‪ ،‬لقد نزعت عامل ً استعمله رسول الله‬
‫‪ ،‬وغملللدت سللليفا ً سلللله رسلللول اللللله ‪،‬‬
‫ووضللعت لللواء نصللبه رسللول الللله ‪ ،‬ولقللد‬
‫قطعلللللللللللت الرحلللللللللللم وحسلللللللللللدت‬
‫ابن العم‪ .‬فقال عمر بن الخطاب‪ :‬إنللك قريللب‬
‫القرابللة‪ ،‬حللديث السللن‪ ،‬مغضللب فللي ابللن‬
‫عمك)‪ ،(1256‬وهكذا اتسع صدر الفاروق لبن عم‬
‫خالد بن الوليد‪ ،‬وهو يذب عن خالد حتى وصللل‬
‫دفلاعه إللى دعلوى اتهلامه للفلاروق بالحسلد‪،‬‬
‫ومع ذلك ظل الفاروق حليما ً)‪.(1257‬‬
‫‪ -4‬وفاة خالد بن الوليد وماذا قال عن الفاروق وهو على فببراش‬
‫الموت‪:‬‬
‫‪ ()1255‬الدولة السلمية في عصر الخلفاء الراشدين ص ‪. 151‬‬
‫‪ ()1256‬النسائي )‪ (8283‬خبر صحيح في سننه الكبرى‪ ،‬محض‬
‫الصواب )‪ (2/496‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪ ()1257‬صحيح التوثيق في سيرة وحياة الفاروق ص ‪. 219‬‬
‫دخل أبو الدرداء عللى خاللد فلي ملرض ملوته‪،‬‬
‫فقال له خالد‪ :‬يا أبللا الللدرداء‪ ،‬لئن مللات عمللر‪،‬‬
‫لترين أمورا ً تنكرهللا‪ .‬فقللال أبللو الللدرداء‪ :‬وأنللا‬
‫والله أرى ذلك‪ .‬فقلال خاللد‪ :‬قللد وجللدت عليلله‬
‫في نفسي في أمور‪ ،‬لما تدبرتها فللي مرضللي‬
‫هذا وحضرني من اللله حاضلر عرفلت أن عملر‬
‫كان يريد الله بكل ما فعل‪ ،‬كنللت وجللدت عليلله‬
‫في نفسللي حيللن بعللث مللن يقاسللمني مللالي‪،‬‬
‫حتى أخذ فللرد نعللل وأخللذت فللرد نعللل‪ ،‬ولكنلله‬
‫فعللل ذلللك بغيللري مللن أهللل السللابقة‪ ،‬وممللن‬
‫شهد بدرًا‪ ،‬وكللان يغلللظ علللي‪ ،‬وكللانت غلظتلله‬
‫على غيري نحوا ً من غلظتلله علللي‪ ،‬وكنللت أدل‬
‫عليه بقرابته‪ ،‬فرأيتلله ل يبللالي قريب لا ً ول لللوم‬
‫لئم في غير الله‪ ،‬فذلك الللذي ذهللب عنللي مللا‬
‫كنت أجد عليه‪ ،‬وكان يكثر علي عنده‪ ،‬وما كان‬
‫ذلللك إل علللى النظللر‪ :‬فقللد كنللت فللي حللرب‬
‫ومكابللدة وكنللت شللاهدا ً وكللان غائبللًا‪ ،‬فكنللت‬
‫أعطي على ذلك‪ ،‬فخالفه ذلك من أمللري)‪،(1258‬‬
‫ولما حضرته الوفاة وأدرك ذلك‪ ،‬بكى وقال‪ :‬ما‬
‫من عمل أرجى عندي بعللد ل إللله إل الللله‪ ،‬مللن‬
‫ليلة شديدة الجليد في سرية مللن المهللاجرين‪،‬‬
‫ي‪ ،‬وأنللا‬
‫بّتها وأنللا متللترس والسللماء تنهللل عل ل ّ‬
‫أنتظر الصبح حتى أغير علللى الكفللار‪ ،‬فعليكللم‬
‫بالجهاد‪ ،‬لقد شهدت كذا وكذا زحفللا‪ ،‬ومللا فللي‬
‫جسدي موضع شللبر إل وفيلله ضللربة بسلليف أو‬
‫رمية بسهم‪ ،‬أو طعنللة برمللح‪ ،‬وهللا أنللذا أمللوت‬
‫على فراشي حتف أنفي كما يموت البعير‪ ،‬فل‬
‫‪ ()1258‬خالد بن الوليد‪ ،‬صادق عرجون ‪ ، 349‬الخلفة والخلفاء ص‬
‫‪. 198‬‬
‫نللامت أعيللن الجبنللاء لقللد طلبللت القتللل فللي‬
‫مظللانه فلللم يقللدر لللي إل أن أمللوت علللى‬
‫فراشي)‪ ،(1259‬وأوصى خالد أن يقوم عمر على‬
‫وصلليته وقللد جللاء فيهللا‪ :‬وقللد جعلللت وصلليتي‬
‫وتركتي وإنفاذ عهدي إلى عمللر بللن الخطللاب‪،‬‬
‫فبكى عمر رضي الله عنه فقال له طلحللة بللن‬
‫عبيد الله‪ :‬إنك وإياه كما قال الشاعر‪:‬‬
‫وفلللي حيلللاتي ملللا‬ ‫ل ألفيّنللللك بعللللد‬
‫)‪(1260‬‬
‫ودتنلللي زادي‬‫ز ّ‬ ‫المللللوت تنللللدبني‬
‫فقد حزن عليله الفلاروق حزنلا ً شلديدًا‪ ،‬وبكتله‬
‫ن‪ ،‬فقللال‪:‬‬ ‫بنللات عملله‪ ،‬فقيللل لعمللر أن ينهللاه ّ‬
‫دعهن يبكين على أبي سليمان ما لم يكن نقللع‬
‫أو لقلقللة‪ ،‬علللى مثللل أبللي سللليمان تبكللي‬
‫البواكي)‪.(1261‬‬
‫وقال عنه‪ :‬قد ثلم في السلم ثلمللة ل ترتللق‪،‬‬
‫وليته بقي ما بقي في الحمى حجر‪ ،‬كان والله‬
‫سللدادا ً لنحللور العللدو‪ ،‬ميمللون النقيبللة)‪،(1262‬‬
‫وعندما دخل على الفاروق هشام بن البخللتري‬
‫في ناس من بني مخزوم‪ ،‬وكان هشام شاعرًا‪،‬‬
‫فقال له عمر‪ :‬أنشدني ما قلت في خالد‪ ،‬فلما‬
‫أنشده قال للله‪ :‬قصلرت فللي الثنللاء عللى أبلي‬
‫سللليمان رحملله الللله‪ ،‬إن كللان ليحللب أن يللذل‬
‫الشرك وأهله‪ ،‬وإن كان الشامت بلله لمتعرضللا ً‬
‫لمقت الله ثم تمثل بقول الشاعر‪:‬‬
‫سير أعلم النبلء )‪ ،(1/382‬الطريق إلى المدائن ص ‪. 367‬‬ ‫‪()1259‬‬
‫الفاروق عمر ص ‪. 287‬‬ ‫‪()1260‬‬
‫الطريق إلى المدائن ص ‪. 366‬‬ ‫‪()1261‬‬
‫خالد بن الوليد‪ ،‬صادق عرجون ص ‪. 348‬‬ ‫‪()1262‬‬
‫تهيللأ لخللرى مثلهللا‬ ‫فقلللل لللللذي يبغلللي‬
‫د‬
‫فكلللللللللان قللللللللل ِ‬ ‫خلف اللللذي مضلللى‬
‫ول موت من قد مات‬ ‫فمللا عيللش مللن قللد‬
‫بعللللللدي بمخلللللللدي‬ ‫عاش بعللدي بنللافعي‬
‫ثم قال‪ :‬رحم الله أبا سليمان ما عند الله خيللر‬
‫للله ممللا كللان فيلله ولقللد مللات فقيللدا ً وعللاش‬
‫)‪(1264‬‬
‫حميدا)‪ (ً 1263‬ولقد رأيت الدهر ليللس بقللائل‬
‫هذا وقد توفي ودفن بحمص ببلد الشللام عللام‬
‫‪21‬هل ل)‪ (1265‬رحملله الللله رحمللة واسللعة وأعلللى‬
‫ذكره في المصلحين‪.‬‬
‫الفصل السادس‬
‫فتوحات العراق والمشرق في عهد‬
‫عمر رضي الله عنه‬
‫المبحببث الول‪ :‬المرحلببة الثانيببة مببن فتوحببات العببراق‬
‫والمشرق‪:‬‬
‫تمثل الفتوحات في عهد الصديق رضي الله عنلله‬
‫فللي العللراق بقيللادة خالللد بللن الوليللد المرحلللة‬
‫الولى من الفتوحللات السلللمية الللتي انطلقللت‬
‫نحللو المشللرق وقللد تللم تفصلليلها فللي كتللابي‪:‬‬
‫أبو بكر الصديق رضي الله عنه شخصيته وعصللره‬
‫‪ ()1263‬تهذيب تاريخ دمشق )‪.(5/116‬‬
‫‪ ()1264‬ليس بقائل‪ :‬أي ليس بتارك أحدا ً يخلد في هذه الدنيا‪ ،‬فهو‬
‫من القالة في المعنى‪ ،‬صادق عرجون ص ‪. 348‬‬
‫‪ ()1265‬تاريخ الطبري )‪ ،(5/130‬القيادة العسكري ص ‪. 589‬‬
‫وفللي عهللد عمللر بللن الخطللاب رضللي الللله عنلله‬
‫استكملت الخطة على مراحل هذه إحداها‪:‬‬
‫عبيد الثقفي على حرب العراق‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫ل‪ :‬تأمير أبي ُ‬
‫لما مات الصديق ودفن ليلة الثلثاء الثاني‬
‫والعشرين من شهر جمادى الخرة سنة ثلث‬
‫عشرة‪ ،‬أصبح عمر فندب الناس وحثهم على‬
‫قتال أهل العراق وحرضهم ورغبهم في الثواب‬
‫على ذلك‪ ،‬فلم يقم أحد لن الناس كانوا يكرهون‬
‫قتال الفرس لقوة سطوتهم‪ ،‬وشدة قتالهم‪ ،‬ثم‬
‫ندبهم في اليوم الثاني والثالث فلم يقم أحد‪،‬‬
‫وتكلم المثنى بن حارثة فأحسن وأخبرهم بما‬
‫فتح الله تعالى على يدي خالد من معظم أرض‬
‫العراق ومالهم هناك من الموال والملك‬
‫والمتعة والزاد‪ ،‬فلم يقم أحد في اليوم الثالث‬
‫فلما كان اليوم الرابع كان أول من انتدب من‬
‫المسلمين أبو عبيد بن مسعود الثقفي ثم تتابع‬
‫الناس في الجابة)‪ ،(1266‬وكان سليط بن قيس‬
‫النصاري قد استجاب لنداء عمر بعد أبي عبيد‬
‫الثقفي وقال‪ :‬يا أمير المؤمنين إنما كان عن‬
‫هؤلء الفرس إلى وقتنا هذا شقشقة من‬
‫شقاشق الشيطان‪ ،‬أل وإني قد وهبت نفسي‬
‫لله أنا ومن أجابني من بني عمي ومن‬
‫اتبعني)‪ ،(1267‬فكان لكلم سليط هذا أثر قوي في‬
‫تشجيع الناس ورفع معنوياتهم وزيادة رغبتهم‬
‫ي‬
‫في جهاد الفرس‪ ،‬وطالبوا الخليفة أن يول َ‬
‫‪ ()1266‬البداية والنهاية )‪.(26 /7‬‬
‫‪ ()1267‬الفتوح ابن أعثم )‪ (164 /1‬النصار في العصر الراشدي ص‬
‫‪.216‬‬
‫عليهم رجل ً من المهاجرين أو النصار فقال‬
‫عمر‪ :‬والله ما أجد لها أحق من الذي ندب الناس‬
‫ل في الحرب لمرته‬ ‫بدءا ً ولول أن سليطا ً عجو ٌ‬
‫عليكم ولكن أبو عبيد هو المير وسليط هو‬
‫الوزير فقال الناس سمعا ً وطاعة)‪ ،(1268‬وجاء في‬
‫مر على الجميع أبا عبيد ولم يكن‬ ‫رواية‪ :‬وأ ّ‬
‫مرت عليهم رجل ً من‬ ‫صحابيا ً فقيل لعمر‪ :‬هل أ ّ‬
‫الصحابة؟ فقال‪ :‬إنما أومر أول من استجاب‪،‬‬
‫إنكم إنما سبقتم الناس بنصرة هذا الدين‪ ،‬وإن‬
‫هذا هو الذي استجاب قبلكم‪ .‬ثم دعاه فوصاه‬
‫في خاصة نفسه بتقوى الله‪ ،‬وبمن معه من‬
‫المسلمين خيرًا‪ ،‬وأمره أن يستشير أصحاب‬
‫رسول الله ‪ ،‬وأن يستشير سليط بن قيس‬
‫فإنه رجل باشر الحروب)‪،(1269‬وقد جاء في وصايا‬
‫عمر رضي الله عنه لبي عبيد الثقفي ما يأتي‪:‬‬
‫)) اسمع من أصحاب رسول الله ‪ ‬وأشركهم‬
‫في المر‪ ،‬ول تجتهد مسرعًا‪ ،‬بل اتئد‪ ،‬فإنها‬
‫الحرب ل يصلحها إل الرجل المكيث)‪ ،(1270‬الذي‬
‫مر سليطا ً إل ّ‬ ‫يعرف الفرصة‪ ،‬ول يمنعني أن أ ُ َ‬
‫ؤ ّ‬
‫سرعته إلى الحرب‪ ،‬والسرعة إلى الحرب إل ّ عن‬
‫مرته)‪ ،(1271‬ثم‬ ‫بيان ضياع والله لول سرعته ل ّ‬
‫قال‪ :‬إنك تقدم على أرض المكر والخديعة‬
‫جْبرية‪ ،‬تقدم على قوم تجّرؤوا على‬ ‫والخيانة وال َ‬
‫عِلموه‪ ،‬وتناسو الخير فجهلوه‪ :‬فانظر‬ ‫الشر َ‬
‫ف َ‬
‫كيف تكون؟ واحرز لسانك‪ ،‬ول تفشين سّرك‪،‬‬
‫النصار في العصر الراشدي ص ‪.216‬‬ ‫‪()1268‬‬
‫البداية والنهاية )‪.(26 /7‬‬ ‫‪()1269‬‬
‫المكيث‪ :‬الرزين المتأني‪.‬‬ ‫‪()1270‬‬
‫اتمام الوفاء في سيرة الخلفاء ص ‪ . 65‬الجبرية‪ :‬التكبر‪.‬‬ ‫‪()1271‬‬
‫فإن صاحب السّر ما يضبطه متحصن ل يؤتى من‬
‫وجه يكره‪ ،‬وإذا لم يضبطه كان بمضيعة)‪ (1272‬ثم‬
‫أمر المثنى بن حارثة أن يتقدم إلى أن يلحقه‬
‫الجيش وأمره أن يستنفر)‪ ،(1273‬من حسنت توبته‬
‫من المرتدين‪ ،‬فسار مسرعا ً حتى وصل الحيرة‪،‬‬
‫وكان عمر رضي الله عنه يتابع جبهات العراق‬
‫والفرس والشام ويمد الجيوش بالمدادات‬
‫ويرسل لهم التعليمات‪ ،‬والوامر‪ ،‬ويضع الخطط‬
‫للمعارك ويشرف بنفسه على تنفيذها‪.‬‬
‫سار المسلمون إلى أرض العراق وهم سبعة‬
‫آلف رجل‪ ،‬وكتب عمر إلى أبي عبيدة أن يرسل‬
‫من كان بالعراق ممن قدم مع خالد إلى العراق‬
‫فجهز عشرة آلف عليهم هاشم بن عتبة‪،‬‬
‫وأرسل عمر‪ ،‬جرير بن عبد الله البجلي في أربعة‬
‫آلف إلى العراق فقدم الكوفة‪ ،‬فلما وصل‬
‫الناس إلى العراق وجدوا الفرس مضطربين في‬
‫ملكهم‪ ،‬وآخر ما استقر عليه أمرهم أن ملكوا‬
‫عليهم بوران بنت كسرى بعد ما قتلوا التي كانت‬
‫قبلها أزرميدخت وفوضت بوارن أمر الملك عشر‬
‫سنين إلى رجل منهم يقال له رستم بن فّرخزاد‬
‫على أن يقوم بأمر الحرب‪ ،‬ثم يصير الملك إلى‬
‫آل كسرى فقبل ذلك‪ .‬وكان رستم هذا منجما ً‬
‫عْلمها جيدا ً فقيل له ما حملك‬
‫يعرف النجوم و ِ‬
‫على هذا؟ يعنون وأنت تعلم أن هذا المر ل يتم‬
‫لك فقال‪ :‬الطمع وحب الشرف)‪.(1274‬‬

‫‪ ()1272‬اتمام الوفاء في سيرة الخلفاء ص ‪. 65‬‬


‫‪ ()1273‬أن يستنفر‪ :‬أن يطلب السراع في الخروج لقتال العدو‪.‬‬
‫‪ ()1274‬البداية والنهاية )‪.(7/27‬‬
‫ثانيًا‪ :‬وقعة النمارق‪ ،‬ومعركة السقاطية بكسكر ومعركة باروسما‪:‬‬
‫‪ -1‬وقعة النمارق ‪13‬هب ‪:‬‬
‫وقد كانت هذه المعركة عقب وصول أبي عبيد‬
‫وليه قيادة الجيوش من العراق‪ ،‬وكأنما أراد‬ ‫وت ّ‬
‫منها الفرس أن يرهبوا أبا عبيد‪ ،‬أول من انتدب‪،‬‬
‫حتى يقهروا في نفسه إرادة الظفر ورغبة‬
‫النصر‪ ،‬فأعدوا لها القوى الداخلية‪ ،‬وعبؤوا‬
‫الجند‪ ،‬ولقوا فيها المسلمين من خلفهم ومن‬
‫بين أيديهم ومن أمامهم‪ :‬وكتبوا إلى دهاقين‬
‫سوا في كل‬ ‫السودان أن يثوروا بالمسلمين‪ ،‬ود ّ‬
‫رستاق رجل ً ليثور بأهله‪ ،‬فبعثوا جابان إلى‬
‫سي إلى كسكر‪ ،‬وجندا ً‬ ‫قباذ السفل‪ ،‬ون َْر ِ‬‫الببه ّ‬
‫ليواقعوا المثنى‪ ..‬وبلغ المثنى ذلك‪ ،‬فضم إليه‬
‫وا على‬‫ذر وخرج الدهاقين وتوال ْ‬ ‫ح ِ‬
‫مسالحه و َ‬
‫الخروج‪ ،‬وثار أهل الرساتيق وتتابعوا على‬
‫فان‪ ،‬وتعّبى‪،‬‬ ‫الثورة‪ ،‬ونزل أبو عبيد والمثنى بخ ّ‬
‫ثم كان اللقاء في النمارق‪ ..‬وكان قتال ً شديدا ً‬
‫هزم الله فيه أهل فارس وُأسر جابان القائد‬
‫جّنبة‪ ،‬وكانا معا ً هما‬‫م َ‬‫ومرداْنشاه‪ ،‬وكان على ال ُ‬
‫)‪(1275‬‬
‫‪ ،‬وكان الذي أسر‬ ‫اللذان توليا أمر الثورة‬
‫جابان مطر بن فضة التميمي وهو ل يعرفه‪،‬‬
‫فخدعه جابان حتى تفّلت منه بشيء فخّلى عنه‪،‬‬
‫فأخذه المسلمون فأتوا به أبا عبيد وأخبروه أنه‬
‫قائد الفرس وأشاروا عليه بقتله فقال‪ :‬إني‬
‫منه رجل مسلم‪،‬‬ ‫أخاف الله أن أقتله وقد أ ّ‬
‫والمسلمون في الّتواد والتناصر كالجسد ما لزم‬

‫‪ ()1275‬حركة الفتح السلمي شكري فيصل ص ‪. 72‬‬


‫بعضهم فقد لزمهم كلهم فقالوا‪ :‬إنه الملك‬
‫)‪(1276‬‬
‫‪.‬‬ ‫يعني القائد قال‪ :‬وإن كان‪ ،‬ل أغدر‪ ،‬فتركه‬

‫• وهذا الموقف من أبي عبيد الثقفي يعتبر‬


‫مثال ً على سماحة المسلمين ووفائهم بالعهود‬
‫وإن أبرمها بعض أفرادهم‪ ،‬ول شك أن هذه‬
‫الخلق العالية كان لها أثر كبير في اجتذاب‬
‫الناس إلى الدخول في السلم‪ ،‬فحينما‬
‫يتسامع الناس أن المسلمين أطلقوا أحد قادة‬
‫الفرس الذين كانوا أسرع الناس في عدائهم‬
‫لمجرد أنه اتفق مع أحد المسلمين على الفداء‬
‫فإنهم ينجذبون إلى هذا الدين الذي أخرج‬
‫هؤلء الرجال‪.‬‬

‫• ول ننسى موقف المثنى بن حارثة الرائع حيث‬


‫م العراق‬ ‫استلم المارة أبي عبيد مع أنه ي َ ْ‬
‫قد ُ‬
‫مره عليه‪ ،‬فكان‬ ‫لول مرة‪ ،‬لن أمير المؤمنين أ ّ‬
‫نعم القائد ونعم الجندي‪ ،‬وهذه من سجايا‬
‫المثنى فقد فعل ذلك مع خالد بن الوليد من‬
‫قبل ولم يختلف عطاؤه للسلم في حالي‬
‫القيادة والجندية‪ ،‬وهكذا يكون عظماء‬
‫الرجال)‪.(1277‬‬
‫س َ‬
‫كر‪:‬‬ ‫قاطية بك َ ْ‬ ‫‪ -‬معركة ال ّ‬
‫س ّ‬
‫ثم ركب أبو عبيد في آثار من انهزم منهم وقد‬
‫س َ‬
‫كر)‪ ،(1278‬وهي لبن خالة‬ ‫لجأوا إلى مدينة ك َ ْ‬
‫‪ ()1276‬الكامل في التاريخ )‪.(2/87‬‬
‫‪ ()1277‬التاريخ السلمي )‪.(10/334‬‬
‫‪ ()1278‬كسكر‪ :‬بالفتح ثم السكون وكاف أخرى‪ .‬كورة بين الكوفة‬
‫والبصرة‪.‬‬
‫كسرى واسمه ن َْرسي‪ ،‬فوازرهم نرسي على‬
‫قتال أبي عبيد‪ ،‬فلقيهم أبو عبيد في‬
‫السقاطية)‪ ،(1279‬فقهرهم‪ ،‬وغنم منهم شيئا ً‬
‫كثيرا ً وأطعمات كثيرة جدا ً)‪ ،(1280‬وهرب نرسي‬
‫وغلب المسلمون على عسكره وأرضه‪ ،‬ووجدوا‬
‫في خزائنه شيئا ً عظيما ً ولم يكونوا بشيء‬
‫أفرح منهم بشجر الّنرسيان لن )ن َْرسي( كان‬
‫يحميه ويمالئه عليهم ملوكهم فاقتسموه‬
‫فجعلوا يطعمونه الفلحين وبعثوا بخمسه إلى‬
‫عمر‪ ،‬وكتبوا إليه‪ :‬إن الله أطعمنا مطاعم كانت‬
‫الكاسرة يحمونها وأحببنا أن تروها ولتذكروا‬
‫إنعام الله وإفضاله)‪.(1281‬‬
‫وفي هذا الخبر إشارة إلى نوع من الخلق‬
‫الرفيعة لدى المسلمين حيث رفعوا من شأن‬
‫الفلحين المحرومين فأطعموهم من طعام‬
‫ملوكهم الذي كان محرما ً عليهم‪ ،‬فكأنهم بهذا‬
‫يقولون لهم‪ :‬تعالوا إلى هذا الدين العظيم‬
‫الذي يرفع من شأنكم ويرد عليكم كرامتكم‬
‫النسانية)‪.(1282‬‬
‫وأقام أبو عبيد بكسكر وبعث قوات لمطاردة‬
‫الفرس وتأديب أهل القرى المجاورة الذين‬
‫نقضوا العهد ومالوا الفرس‪ ،‬ورجحت كفة‬
‫المسلمين في المنطقة بعد هذا النتصار جاء‬
‫دم واليان منهم‬ ‫بعض الولة يطلبون الصلح‪ ،‬وق ّ‬
‫طعاما ً خاصا ً‬

‫السقاطية‪ :‬ناحية كسكر من أرض واسط‪.‬‬ ‫‪()1279‬‬


‫تاريخ الطبري )‪.(4/272‬‬ ‫‪()1280‬‬
‫تاريخ الطبري )‪.(4/272‬‬ ‫‪()1281‬‬
‫التاريخ السلمي )‪.(10/335‬‬ ‫‪()1282‬‬
‫لبي عبيد من فاخر أطعمتهم فقالوا‪ :‬هذه‬
‫ى لك‪ ،‬قال أأكرمتم‬ ‫قر ً‬
‫كرامة أكرمناك بها‪ ،‬و ِ‬
‫الجند وقريتموهم مثله؟ قالوا‪ :‬لم يتيسر ونحن‬
‫فاعلون‪ ،‬فقال أبو عبيد‪ :‬فل حاجة لنا فيما ل‬
‫يسع الجند‪ ،‬وهابوا وخافوا على أنفسهم‪.‬‬
‫فقال أبو عبيد‪ :‬ألم أعلمكم أني لست آكل ً إل‬
‫من ُأصبتم بهم قالوا‪ :‬لم‬ ‫ما يسع من معي م ّ‬
‫ي بشبعه من هذا في‬ ‫ُ‬
‫يبق أحد إل وقد أت ِ َ‬
‫رحالهم وأفضل‪ .‬فلما علم قبل منهم‪ ،‬وأكل‬
‫وأرسل إلى قوم كانوا يأكلون معه أضيافا ً عليه‬
‫يدعوهم إلى الطعام‪ ،‬وقد أصابوا من ن ُُزل‬
‫فارس ولم يروا أنهم أتوا أبا عبيد بشيء‬
‫فظّنوا أنهم ُيدعون إلى مثل ما كانوا ُيدعون‬
‫إليه من غليظ عيش أبي عبيد‪ ،‬وكرهوا ترك ما‬
‫أتوا به من ذلك‪ ،‬فقالوا له‪ :‬قل للمير‪ ،‬إّنا‬
‫ل نشتهي شيئا ً مع شيء أتتنا به الدهاقين‪،‬‬
‫فأرسل إليهم‪ :‬إنه طعام كثير من أطعمة‬
‫)‪(1283‬‬
‫‪.‬‬ ‫العاجم‪ ،‬لتنظروا أين هو مما أتيتم به‬
‫وهكذا أكل هذا المير الكريم المتواضع بعد ما‬
‫ردّ طعام العاجم مرتين لما علم في الثالثة‬
‫أنهم أطعموا جميع الجند مثلما أطعموه‬
‫وأفضل ومع هذا لم يرض أن يأكل وحده حتى‬
‫دعا أضيافه وألح عليهم‪ ،‬حتى بعد أن علم أنهم‬
‫دد لهم أصناف هذا‬ ‫أصابوا من طعام الفرس وع ّ‬
‫الطعام ليرغبهم في مشاركته‪ ،‬وهذا لون من‬
‫الكرم الرفيع‪ ،‬والكرم من أهم عناصر الزعامة‪،‬‬
‫وإن هذه المواقف ترشدنا إلى مقدار ما بلغ‬

‫‪ ()1283‬تاريخ الطبري )‪.(4/272،273‬‬


‫إليه الصحابة رضي الله عنهم والتابعون لهم‪،‬‬
‫بإحسان من الرقي الخلقي والتقدم‬
‫الحضاري)‪.(1284‬‬

‫‪ -2‬معركة باُرو ْ‬
‫سما سنة ‪13‬هب ‪:‬‬
‫سقاطية يقال‬ ‫س َ‬
‫كر وال ّ‬ ‫ثم التقوا بمكان بين ك َ ْ‬
‫له باُروسما‪ ،‬وعلى ميمنة ن َْرسي وميسرته ابنا‬
‫خاله‪ ،‬بندويه وبيرويه وكان رستم قد جهز‬
‫الجيوش مع الجالينوس فلما بلغ أبا عبيد ذلك‬
‫أعجل نْرسي بالقتال قبل وصولهم فاقتتلوا‬
‫قتال ً شديدا ً فانهزمت الفرس وهرب نرسي‪،‬‬
‫فبعث أبو عبيد‪ ،‬المثنى بن حارثة وسرايا أخر‬
‫إلى متاخم تلك الناحية كنهر جور ونحوها‬
‫ففتحها صلحا ً وقهرًا‪ ،‬وضربوا الجزية والخراج‬
‫وغنموا الموال الجزيلة ولله الحمد وكسروا‬
‫الجالينوس الذي جاء لنصرة جابان وغنموا‬
‫جيشه وأمواله وفّر هاربا ً إلى قومه حقيرا ً‬
‫ذليل ً)‪.(1285‬‬
‫وهكذا تم القضاء على ثلثة جيوش للفرس‬
‫في مدة وجيزة وكان بإمكان الفرس أن‬
‫يوحدوا هذه الجيوش وأن يأتوا المسلمين من‬
‫أمامهم وخلفهم وعن يمينهم وشمالهم‪،‬‬
‫لكثرة عددهم‪ ،‬ولكن الله أعمى بصائرهم‬
‫وكانوا لشدة خوفهم من المسلمين يتمنى كل‬
‫قائد أن يكفيه الخر مهمة المواجهة وإضعاف‬
‫المسلمين ليظفر بالنصر عليهم بعد ذلك‪ ،‬وقد‬

‫‪ ()1284‬التاريخ السلمي )‪.(10/336‬‬


‫سلمي ص‬
‫)( ترتيب وتهذيب البداية والنهاية د‪ .‬محمد صامل ال ّ‬
‫‪1285‬‬

‫‪. 89‬‬
‫أفاد المسلمين سرعة تحركهم وبطء حركة‬
‫جيوش العداء)‪.(1286‬‬

‫‪ ()1286‬التاريخ السلمي )‪.(10/337‬‬


‫ثالثًا‪ :‬وقعة ج ْ‬
‫سر أبي عبيد ‪13‬هب‪:‬‬
‫لما رجع الجالينوس هاربا ً مما لقي من‬
‫المسلمين تذامرت الفرس بينهم واجتمعوا على‬
‫رستم فأرسل جيشا ً كثيفا ً عليهم ذا الحاجب‬
‫سرى وتسمى‬ ‫بهمن جاذويه‪ ،‬وأعطاه راية ك ْ‬
‫فش كابيان )الراية العظمى( وكانت الفرس‬ ‫ِدَر ْ‬
‫من بها‪ ،‬وكانت من جلود النمور وعرضها‬ ‫تتي ّ‬
‫ثمانية أذرع في طول اثني عشر ذراعًا‪ ،‬فوصلوا‬
‫إلى المسلمين وبينهم النهر وعليه جسر‪،‬‬
‫فأرسلوا‪ :‬إما أن تعبروا إلينا وإما أن نعبر إليكم‪.‬‬
‫فقال المسلمون لميرهم أبي عبيد‪ :‬مرهم‬
‫فليعبروا هم إلينا‪ ،‬فقال‪ :‬ما هم بأجرأ على‬
‫الموت منا‪ .‬ثم اقتحم إليهم فاجتمعوا في مكان‬
‫ضيق هنالك فاقتتلوا قتال ً شديدا ً لم يعهد مثله‪،‬‬
‫والمسلمون في نحو عشرة آلف‪ ،‬وقد جاءت‬
‫فيَلة كثيرة عليها الجلجل لتذعر‬ ‫الفرس معهم بأ ْ‬
‫خيول المسلمين‪ ،‬فجعلوا كلما حملوا على‬
‫المسلمين فرت خيولهم من الفيلة ومما تسمع‬
‫من الجلجل التي عليها ول يثبت منها إل القليل‬
‫سر‪ ،‬وإذا حمل المسلمون عليهم ل تقدم‬ ‫على َ‬
‫ق ْ‬
‫فيلة‪ ،‬ورشقتهم الفرس بالنبل‬ ‫خيولهم على ال ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فنالوا منهم خلقا كثيرا‪ ،‬وقتل المسلمون منهم‬
‫مع ذلك ستة آلف)‪ ،(1287‬وقد جفلت خيول‬
‫المسلمين من أصوات الجراس المعلقة بالفيلة‪،‬‬
‫وصار المسلمون ل يستطيعون الوصول إليهم‬
‫والفيلة تجوس خللهم‪ ،‬فترجل أبو عبيد وترجل‬
‫الناس معه‪ ،‬وتصافحوا معهم بالسيوف‪ ،‬وفقد‬

‫‪ ()1287‬ترتيب وتهذيب البداية والنهاية ص ‪. 90‬‬


‫جالة يقاومون‬ ‫المسلمون خيلهم فأصبحوا ر ّ‬
‫سلح الفيلة والفرسان والمشاة من الفرس‪،‬‬
‫إلى جانب الرماة الذي أضّروا بالمسلمين وهم‬
‫يدفعون بخيولهم نحوهم فل تندفع‪ ،‬فكان موقفا ً‬
‫صعبا ً أظهر المسلمون فيه من البسالة‬
‫والتضحية ما يندر أن يوجد له مثيل في التاريخ‪،‬‬
‫وصمدوا للفرس رغم تفوقهم عليهم في كل‬
‫وسائل القتال‪ ،‬وكانت الفيلة أشد سلح واجهه‬
‫المسلمون فقد كانت تهدّ صفوفهم‪ ،‬فناداهم أبو‬
‫عبيد بأن يجتمعوا على الفيلة ويقطعوا أحزمتها‬
‫ويقلبوا عنها أهلها‪ ،‬وبدأ هو بالفيل البيض‬
‫فتعلق بحزامه وقطعه ووقع الذين عليه‪ ،‬وفعل‬
‫المسلمون مثل ذلك‪ ،‬فما تركوا فيل ً إل حطوا‬
‫رحله وقتلوا أصحابه‪ ،‬ولكن الفيلة استمرت في‬
‫الهجوم لنها كانت مدربة‪ ،‬فرأى أبو عبيد أن‬
‫يتخلص منها‪ ،‬فسأل عن مقاتلها‪ ،‬فقيل له إنها‬
‫إذا قطعت مشافرها تموت‪ ،‬فهجم على الفيل‬
‫البيض‪ ،‬ونفح خرطومه بالسيف فأتقاه‪ ،‬الفيل‬
‫بيده وأطاح به ثم داسه بأقدامه‪ ،‬وأخذ الراية‬
‫أخوه الحكم بن مسعود فقاتل الفيل حتى أزاحه‬
‫عن أبي عبيد ولكن وقع له ما وقع لبي عبيد‪،‬‬
‫فقد أراد الحكم قتله‪ ،‬فألقاه بيده‪ ،‬ثم داسه‬
‫بأقدامه‪ ،‬وانتقلت راية المسلمين إلى الذين‬
‫سماهم أبو عبيد‪ ،‬ومنهم أبناؤه الثلثة وهب‬
‫ومالك وجبر‪ ،‬إلى أن قتلوا جميعا ً فانتقلت‬
‫القيادة للمثنى بن حارثة مع آخر النهار‪ ،‬وكان‬
‫بعض المسلمين قد عبروا الجسر منسحبين‪،‬‬
‫واستمر النسحاب من الميدان‪ ،‬فلما رأى ذلك‬
‫عبد الله بن مرثد الثقفي بادر وقطع الجسر‪،‬‬
‫وقال‪ :‬موتوا على ما مات عليه أمراؤكم أو‬
‫تظفروا‪ ،‬وحاول منع الناس من العبور فأتوا به‬
‫إلى المثنى فضربه من شدة غضبه من صنيعه‬
‫وقال‪ :‬ما حملك على الذي صنعت؟ قال‪:‬‬
‫ليقاتلوا‪ ،‬وقد كان اجتهاده في غير موضعه لن‬
‫قطع الجسر أدى إلى وقوع بعض المسلمين في‬
‫النهر وغرقوا بسبب شدة الضغط من الفرس‪،‬‬
‫فكانت الفكرة المناسبة أن يحافظ المسلمون‬
‫على بقيتهم بالنسحاب إن استطاعوا ذلك‪ ،‬وهذا‬
‫هو ما قام به المثنى حيث أمر بعقد الجسر‬
‫ووقف هو ومن معه من أبطال المسلمين‬
‫فحموا ظهور المسلمين حتى عبروا وقال‬
‫المثنى‪ :‬يا أيها الناس إنا دونكم فاعبروا على‬
‫هينتكم – يعني على مهلكم – ول تدهشوا فإنا لن‬
‫نزايل حتى نراكم من ذلك الجانب‪ ،‬ول تغرقوا‬
‫أنفسكم‪ ،‬وكان المثنى ومن معه من البطال من‬
‫ضّبي هم آخر من‬ ‫أمثال عاصم بن عمرو والكلج ال ّ‬
‫من جاذويه حاول أن يجهز على‬ ‫ه َ‬
‫عبر‪ ،‬وقد كان ب َ ْ‬
‫ت عليه‬‫و َ‬ ‫بقية المسلمين ولكنه لم يستطع و َ‬
‫ف ّ‬
‫هذه الفرصة المثنى حينما تولى قيادة هذا‬
‫النسحاب المنظم ول شك أن هؤلء البطال‬
‫الذي حموا ظهور المسلمين حتى انسحبوا قد‬
‫بذلوا جهودا ً جبارة في الصمود أمام العداء لقد‬
‫انسحب خمسة آلف من المسلمين وخلفوا‬
‫وراءهم أربعة آلف من الشهداء منهم عدد كبير‬
‫من الصحابة رضي الله عنهم خاصة الذين‬
‫رافقوا أبا عبيد من المدينة‪ ،‬وقد عاد ألفان ممن‬
‫انسحبوا إلى المدينة وغيرها ولم يبق مع المثنى‬
‫غير ثلثة آلف‪ ،‬أما الفرس فقد قتل منهم ستة‬
‫آلف بالرغم من الوضع السيئ الذي كان فيه‬
‫المسلمون مما يدل على بسالتهم وقوة‬
‫احتمالهم)‪.(1288‬‬
‫أهم الدروس والعبر والفوائد من معركة جسر أبي عبيد‪:‬‬
‫أ‪ -‬رؤية صادقة‪:‬‬
‫كانت دومة امرأة أبي عبيد قد رأت رؤيا أن‬
‫رجل ً نزل من السماء بإناء فيه شراب فشرب‬
‫أبو عبيد وابنه جبر في ناس من أهله فأخبرت‬
‫بها أبا عبيد فقال‪ :‬هذه الشهادة‪ ،‬وعهد أبو‬
‫قتلت فعلى الناس‬ ‫عبيد إلى الناس فقال‪ :‬إن ُ‬
‫فلن حتى عد سبعة من ثقيف من أقاربه‬
‫الذين ذكرتهم امرأته في الرؤيا‪ ،‬فإن قتل‬
‫آخرهم فالقيادة للمثنى بن حارثة)‪.(1289‬‬
‫ب‪ -‬غلطتان سببتا الهزيمة‪:‬‬
‫• مخالفة أبي عبيد لمن معه من أركان‬
‫الجيش ووجوهه‪ ،‬لقد نهوه عن العبور فلم‬
‫ينته‪ ،‬واستقل برأيه‪ ،‬لقد عبر أبو عبيد الجسر‬
‫بشجاعة وإقدام وحب للشهادة‪ ،‬لكنه لم‬
‫يحسب للمعركة حسابها الكامل‪ ،‬ولم يدرس‬
‫أرض المعركة بشكل كاف)‪ ،(1290‬ولقد أفلت من‬
‫يد أبي عبيد عنصر المن بانحصاره في مكان‬

‫‪ ()1288‬تاريخ الطبري )‪ (4/279‬التاريخ السلمي )‪.(10/341‬‬

‫‪ ()1289‬تاريخ الطبري )‪.(277 /4‬‬


‫‪ ()1290‬عوامل النصر والهزيمة ص ‪.55‬‬
‫ضيق المخرج وكأنه وضع جيشه في مصيدة‬
‫دون عذر مقبول‪ ،‬وأفلت من يده عنصر‬
‫التعاون بين السلحة المختلفة بخروج سلح‬
‫الفرسان من المعركة‪ ،‬فصارت قواته مشاة‬
‫دون فرسان وكان عليهم أن يواجهوا مشاة‬
‫الفرس وفرسانهم وأفيالهم‪ ،‬وفقدت المعركة‬
‫كفاءة القيادة حتى تولها المثنى أخيرا ً بعد‬
‫سبعة سبقوه‪ ،‬وكما فقد ذلك فقد أيضا ً عنصر‬
‫الحشد بسبب ضيق المكان إذ ل فائدة من‬
‫أعداد الجند إذا لم تسعفها طوبوغرافية‬
‫الرض‪ ،‬كما أنه فقد حسن اختيار الهدف وما‬
‫يتفرع عنه من اختيار الرض واختيار طريق‬
‫وته‬
‫الوصول إليه وطريق ضربه وما إلى ذلك‪ ،‬ف ّ‬
‫على نفسه‪ ،‬بل أتاح لعدوه أن يفرضه‬
‫عليه)‪.(1291‬‬

‫• والذي زاد غلطة أبي عبيدة فداحة‪ ،‬غلطة‬


‫زادت الغلطة الولى أثرا ً وخسارة وفاجعة‪،‬‬
‫إنها غلطة عبد الله بن مرثد الّثقفي عندما‬
‫قطع الجسر‪ ،‬كي ل يرتد أحد من المسلمين‬
‫ولول الله ثم ثبات المثنى بن حارثة ومن معه‬
‫لهلك المسلمون عن آخرهم)‪.(1292‬‬
‫ت‪ -‬قيمة القيادة الميدانية‪:‬‬
‫إن معركة الجسر أثبتت أهمية القيادة‬
‫الميدانية المتمثلة في المثنى وأركان قيادته‬
‫الذين معه‪ ،‬فعندما تنزل المحن بالجيوش‬

‫‪ ()1291‬الطريق إلى المدائن ص ‪.414‬‬


‫‪ ()1292‬عوامل النصر والهزيمة ص ‪. 55‬‬
‫يخرج القادة الذين يستطيعون أن يخرجوا‬
‫بجيوشهم من تلك المحن)‪ ،(1293‬فقد تولى‬
‫مثنى مع مساعديه من البطال حماية‬ ‫ال ُ‬
‫الجيش السلمي‪ ،‬فكان آخر من عبر الجسر‪،‬‬
‫وهذا لون رفيع من ألوان التضحية‬
‫والفداء)‪.(1294‬‬
‫ث‪ -‬المثنى يقوم برفع الروح المعنوية لجيشه‪:‬‬
‫انسحب المثنى بأربعة آلف جندي من أصل‬
‫عشرة آلف‪ ،‬وقام بمطاردته قائدان فارسيان‬
‫هما‪) :‬جابان(و)مردنشاه( باتجاه أليس‬
‫)السماواة(‪ ،‬وجرهما المثنى وراءه مسافة‬
‫حتى توغل ولم يشأ أن يبدأ حملة مضادة إل‬
‫بعد مرحلة من النسحاب وعند بلوغه‬
‫السماواة شن هجوما ً صاعقا ً بالخيالة التي‬
‫قاسدها بنفسه‪ ،‬فأنزل بهما هزيمة عجيبة‪،‬‬
‫ويبدو أن هول المفاجأة وعدم تصورهم أن‬
‫إنسانا ً قد أبيد معظم جيشه‪ ،‬يمكن أن يكون له‬
‫مثل هذا العزم الذي يفل الحديد‪ ،‬ومن شدة‬
‫ذهول القطعات الفارسية أنزلت بها خسائر‬
‫كبيرة بحيث تمكن المثنى من أسر القائدين‬
‫جابان ومردنشاه وأعدمهما المثنى‪ ،‬فكان لهذا‬
‫النصر أثر كبير في تقوية معنويات البقية‬
‫الباقية من الجيش‪ ،‬ورفعت الموقعة معنويات‬
‫سكان المنطقة‪ ،‬ورفعت قيمة المثنى في‬
‫نظر جنوده والقبائل المجاورة)‪.(1295‬‬

‫‪ ()1293‬الطريق إلى المدائن ص ‪. 414‬‬


‫‪ ()1294‬التاريخ السلمي )‪.(10/343‬‬
‫‪ ()1295‬الحرب النفسية د‪ .‬أحمد نوفل )‪.(2/167‬‬
‫ج‪ -‬كلما وقع المسلمون الصادقون في مأزق حرج قيض الله لهم‬
‫السباب التي تخرجهم من ذلك الحرج‪:‬‬
‫بقي المثنى في العراق في عدد قليل ل‬
‫يكفي حتى للحتفاظ بالممالك التي استولى‬
‫عليها المسلمون‪ ،‬ولقد كان بإمكان الفرس‬
‫أن يلحقوا بقية الجيش السلمي حتى‬
‫يخرجوهم من العراق‪ ،‬وسيجدون ممن بقي‬
‫على الوراء لهم من العرب من يتولى‬
‫مطاردتهم في الصحراء ولكن الله تعالى مع‬
‫هذه الفئة المؤمنة ومع المؤمنين في كل‬
‫مكان‪ ،‬فكلما وقع المسلمون الصادقون في‬
‫مأزق حرج يسر الله لهم السباب للخروج منه‪،‬‬
‫دهم عن‬ ‫فقد قيض المولى عز وجل أمرا ً ص ّ‬
‫المسلمين حيث انقسموا إلى قسمين قسم‬
‫مع رستم وقسم مع فيرزان‪ ،‬وأتى الخبر إلى‬
‫قائد الفرس بهمن جاذويه فأسرع بالعودة إلى‬
‫المدائن وكان ممن ُينظر إليه في أمور‬
‫سياستهم وهكذا كفى الله المؤمنين القتال‬
‫وأنقذهم من هذا المأزق الحرج وأخذوا فرصة‬
‫قي الجيوش القادمة من دار الخلفة‬ ‫كافية لتل ّ‬
‫)‪(1296‬‬
‫‪.‬‬ ‫ووا وأصبح لديهم جيش كبير‬ ‫حتى تق ّ‬
‫ح‪ -‬موقف عمر رضي الله عنه عندما تلقى خبر الهزيمة‪:‬‬
‫بعث المثنى بن حارثة بأخبار المعركة إلى‬
‫الخليفة عمر رضي الله عنه مع عبد الله بن‬
‫زيد النصاري فقدم على عمر وهو على‬
‫المنبر فقال‪ :‬ما عندك يا عبد الله بن زيد؟‬

‫‪ ()1296‬التاريخ السلمي )‪.(10/345،346‬‬


‫قال أتاك الخبر يا أمير المؤمنين‪ ،‬فلما انتهى‬
‫إليه أخبره خبر الناس سرا ً)‪ ،(1297‬فما سمع‬
‫لرجل حضر أمرا ً تحدث عنه أثبت خبرا ً‬
‫منه)‪ ،(1298‬وقد تأثر عمر ومن حوله من‬
‫الصحابة لمصاب الجيش السلمي في هذه‬
‫ل مني‪،‬‬‫المعركة وقال‪ :‬اللهم كل مسلم في ح ّ‬
‫ظع‬ ‫ف ِ‬ ‫ف ُ‬
‫أنا فئة كل مسلم‪ ،‬من لقي العدو َ‬
‫بشيء من أمره فأنا له فئة‪ ،‬يرحم الله أبا‬
‫ي لكنت له فئة)‪.(1299‬‬ ‫عبيد لو كان انحاز إل ّ‬
‫وهذا الموقف يدل على أن عمر وهو الرجل‬
‫القوي الحازم يلين ويواسي في مقام الرحمة‬
‫والعطف)‪.(1300‬‬

‫رابعًا‪ :‬وقعة الب ُ َ‬


‫ويب ‪13‬هب‪:‬‬
‫قام الفاروق بحشد الناس واستنفارهم وبذلك‬
‫أرسل المدادات إلى جيش السلم في العراق‬
‫فكان منهم جرير بن عبد الله البجلي في قومه‬
‫وحنظلة بن الربيع‪ ،‬وأرسل هلل بن علقمة مع‬
‫طائفة الرباب ومجموعة من قبائل خثعم بقيادة‬
‫عبد الله بن ذي السهمين فأرسلهما أيضا ً إلى‬
‫العراق لمد جند السلم‪ ،‬وجاء كل من عمر بن‬
‫ربعي بن حنظلة في قومه وربعي بن عامر بن‬
‫خالد إلى الخليفة فأمد بهم كذلك جند العراق‬
‫وهكذا أخذت أرتال الدعم والمداد تسير نحو‬
‫العراق بدون انقطاع وفي الوقت ذاته أرسل‬
‫المثنى بن حارثة الشيباني إلى من في العراق‬
‫النصار في العصر الراشدي ص ‪. 217‬‬ ‫‪()1297‬‬
‫نفس المصدر ص ‪. 218‬‬ ‫‪()1298‬‬
‫تاريخ الطبري )‪.(4/279‬‬ ‫‪()1299‬‬
‫التاريخ السلمي )‪.(10/347‬‬ ‫‪()1300‬‬
‫من أمراء المسلمين يستحثهم فبعثوا إليه‬
‫بالمداد حتى كثر جيشه)‪.(1301‬‬
‫ولما علم قادة الفرس باجتماع جيش كبير عند‬
‫المثنى بعثوا مهران الهمذاني بجيش من‬
‫الفرسان لمواجهة جيش المثنى‪ ،‬ولما علم‬
‫المثنى بذلك كتب إلى من يصل إليه من المداد‬
‫أن يوافوه بالبويب وعلى رأس هؤلء جرير بن‬
‫عبد الله حيث كتب إليه المثنى يقول‪ :‬إنا جاءنا‬
‫أمر لم نستطع معه المقام حتى تقدموا علينا‬
‫فعجلوا الّلحاق بنا وموعدكم البويب‪ ،‬فاجتمعوا‬
‫بالبويب وليس بينهم وبين جيش الفرس إل‬
‫النهر‪ ،‬فأقام المثنى حتى كتب له مهران‪ :‬إما أن‬
‫تعبروا إلينا أو أن نعبر إليكم‪ ،‬فقال المثنى‪:‬‬
‫اعبروا‪ ،‬فعبر مهران بجيشه‪ ،‬وكان ذلك في شهر‬
‫رمضان من العام الثالث عشر للهجرة‪ ،‬فقام‬
‫المثنى خطيبا ً وقال للمسلمين‪ ،‬إنكم صوام‬
‫قة ومضعفة وإني أرى من الرأي أن‬ ‫مَر ّ‬
‫والصوم َ‬
‫ووا بالطعام على قتال عدوكم‪،‬‬ ‫تفطروا ثم تق ّ‬
‫قالوا‪ :‬نعم فأفطروا‪ ،‬وكان المثنى قد عبأ جيشه‬
‫وسار فيهم يحثهم على القتال‪ ،‬ويقول لهل‬
‫كل راية‪ :‬إني لرجو أن ل ُتؤَتى العرب من‬
‫قبلكم‪ ،‬والله ما يسرني اليوم لنفسي شيء إل‬
‫وهو يسرني لعامتكم قال الرواة‪ :‬وأنصفهم‬
‫المثنى في القول والفعل وخلط الناس في‬
‫المكروه والمحبوب‪ ،‬فلم يستطع أحد منهم أن‬
‫يعيب له قول ً ول عمل ً)‪ .(1302‬وهذا دليل على‬
‫حسن قيادته وسعة حكمته‪ ،‬حتى أصبح أفراد‬
‫‪ ()1301‬العمليات التعرضية الدفاعية‪ ،‬نهاد عباس ص ‪. 115‬‬
‫‪ ()1302‬تاريخ الطبري )‪.(4/287‬‬
‫الجيش مطيعين له عن حب وقناعة‪ ،‬ولما رضي‬
‫المثنى عن استعداد جيشه قال‪ :‬إني مكّبر ثلثا ً‬
‫فتهيأوا ثم احملوا مع الرابعة‪ ،‬فلما كبر أول‬
‫تكبيرة أعجلهم أهل فارس وعاجلوهم‬
‫فخالطوهم مع أول تكبيرة‪ ،‬وليس من عادة‬
‫الفرس هذا الندفاع ولكن لعل ما حصلوا عليه‬
‫في معركة الجسر من إصابة المسلمين خفف‬
‫مما وقر في نفوسهم من هيبة المسلمين‬
‫والرعب منهم‪ ،‬وهكذا بدأ الفرس بالهجوم وقد‬
‫صمد لهم المسلمون واستمروا معهم في صراع‬
‫شديد‪ ،‬والمثنى إلى جانب اشتراكه في القتال‬
‫يراقب جيشه بدقة حتى إنه رأى خلل ً في بعض‬
‫صفوفه فأرسل إليهم رجل ً وقال‪ :‬إن المير يقرأ‬
‫عليكم السلم ويقول‪ :‬ل تفضحوا المسلمين‬
‫اليوم‪ :‬فقالوا‪ :‬نعم واعتدلوا)‪ ،(1303‬فلما طال‬
‫القتال واشتد قال المثنى لنس بن هلل‪ :‬يا‬
‫أنس إذا رأيتني قد حملت على مهران فاحمل‬
‫معي‪ ،‬وقال لبن مردي الفهر مثل ذلك فأجابه‪،‬‬
‫ثم حمل المثنى على مهران‪ ،‬فأزاله حتى أدخله‬
‫في ميمنته واستمر المثنى يضغط على عدوه‪،‬‬
‫فخالطوهم‪ ،‬واجتمع القلبان‪ ،‬وارتفع الغبار‪،‬‬
‫والمجنبات تقتتل ل يستطيعون أن يفرغوا لنصر‬
‫أميرهم ل المشركون ول المسلمون‪ ،‬وقال‬
‫مسعود بن حارثة قائد مشاة المسلمين لجنده‪:‬‬
‫إن رأيتمونا ُأصبنا فل تدعوا ما أنتم فيه فإن‬
‫الجيش ينكشف ثم ينصرف‪ ،‬إلزموا مصافكم‬
‫وأغنوا غناء من يليكم)‪ ،(1304‬وأصيب مسعود‬
‫‪ ()1303‬تاريخ الطبري )‪.(4/288‬‬
‫‪ ()1304‬تاريخ الطبري )‪.(4/288‬‬
‫وقواد من المسلمين‪ ،‬ورأى مسعود تضعضع من‬
‫معه لصابته وهو ضعيف قد ثقل من الجراح‪.‬‬
‫فقال‪ :‬يا معسكر بكر بن وائل ارفعوا راياتكم‬
‫رفعكم الله‪ ،‬ل يهولنكم مصرعي‪ .‬ويدرك المثنى‬
‫مصرع أخيه فيخاطب الناس بقوله‪ :‬يا معشر‬
‫المسلمين‬
‫ل يرعكم مصرع أخي فإن مصارع خياركم هكذا‪،‬‬
‫وقاتل أنس بن هلل النميري حتى أصيب فحمله‬
‫المثنى وحمل أخاه مسعودا ً وضمهما إليه‪،‬‬
‫والقتال محتدم على طول الجبهة‪ ،‬ولكن القلب‬
‫بدأ ينبعج في غير صالح الفرس‪ ،‬وأوجع قلب‬
‫المسلمين في قلب المجوس‪ ،‬وقد دق فيه‬
‫المثنى إسفينه‪ ،‬وكان فيمن تقدم في القلب‬
‫جرير بن عبد الله ومعه بجير وابن الهوبر‬
‫والمنذر بن حسان فيمن معهما من ضبة‪ ،‬وقاتل‬
‫قُرط بن جماح العبدي حتى تكسرت في يده‬
‫رماح وتكسرت أسياف‪ ،‬وقتل شهر براز من‬
‫دهاقين الفرس وقائد فرسانهم في المعركة‪.‬‬
‫واستمر القتال حتى أفنى المسلمون قلب‬
‫المشركين وأوغلوا فيه)‪ ،(1305‬ووقف المثنى عند‬
‫ارتفاع الغبار حتى أسفر الغبار‪ ،‬وقد فني قلب‬
‫قتل قائدهم مهران والمجّنبات قد‬ ‫المشركين و ُ‬
‫هز بعضها بعضًا‪ ،‬فلما رآه المسلمون وقد أزال‬
‫القلب وأفنى أهله قويت مجنباتهم على‬
‫المشركين‪ ،‬وجعلوا يردون العاجم على‬
‫أدبارهم‪ ،‬وجعل المثنى والمسلمون في القلب‬
‫يدعون لهم بالنصر‪ ،‬وأرسل إليهم من يقول‬

‫‪ ()1305‬الطريق إلى المدائن ص ‪ ، 433،434‬الطبري )‪.(4/289‬‬


‫لهم‪ :‬عاداتكم في أمثالكم‪ ،‬انصروا الله ينصركم‪،‬‬
‫حتى هزموا القوم‪ ،‬فسابقهم المثنى إلى الجسر‬
‫فسبقهم وقطعه‪ ،‬وأخذ العاجم‪ ،‬فافترقوا‬
‫بشاطيء الفرات‪ ،‬واعتورتهم خيول المسلمين‬
‫حتى قتلوهم‪ ،‬ثم جعلوا جثثهم أكواما ً من‬
‫كثرتها‪ ،‬حتى ذكر بعض الرواة أن قتلهم بلغوا‬
‫مائة ألف)‪.(1306‬‬
‫‪ -1‬مؤتمر حربي بعد المعركة‪:‬‬
‫سكن القتال ونظر المثنى والمسلمون إلى‬
‫عشرات اللوف من الجثث وقد غطت الرض‬
‫دماؤها وأشلؤها‪ ،‬ثم جلس مع الجيش‬
‫يحدثهم ويحدثونه ويسألهم عما فعلوا‪ ،‬وكلما‬
‫جاء رجل قال له المثنى‪ :‬أخبرني عنك‬
‫فيروون له أحاديث تصور لقطات من المعركة‬
‫وقد قال المثنى‪ :‬قد قاتلت العرب والعجم‬
‫في الجاهلية والسلم‪ ،‬والله لمائة من العجم‬
‫ي من ألف من‬ ‫في الجاهلية كانوا أشد عل ّ‬
‫العرب‪ ،‬ولمائة اليوم من العرب أشد علي من‬
‫ألف من العجم‪ ،‬إن الله أذهب مصدوقتهم‪،‬‬
‫هن كيدهم‪ ،‬فل يروعّنكم ُزهاءُ ترونه –‬ ‫وو ّ‬
‫يعني هيئتهم – ول سوادُ – يعني كثرتهم – ول‬
‫ج – يعني قد باتت أوتارها – ول ينا ُ‬
‫ل‬ ‫ي ُ‬
‫ف ّ‬ ‫قس ّ‬
‫ُ‬
‫طوال إذا أعجلوا عنها أو فقدوها كالبهائم‬
‫أينما وجهتموها اتجهت)‪.(1307‬‬
‫وإن هذا القول في ذلك الوقت مناسب تماما ً‬
‫حيث عرض المثنى خبرته الجيدة في حربه مع‬
‫‪ ()1306‬التاريخ السلمي )‪ ،(10/349‬تاريخ الطبري )‪.(4/289‬‬
‫‪ ()1307‬تاريخ الطبري )‪.(290 /4‬‬
‫الفرس في الوقت الذي دخل في حروب‬
‫العراق أعداد كبيرة من المسلمين يشاركون‬
‫في حرب الفرس لول مرة‪ ،‬فجمع المثنى‬
‫لهم بذلك بين المشاهدة في معركة من‬
‫المعارك وبين وصف تجاربه في كل المعارك‬
‫التي خاضها معهم قبل ذلك)‪.(1308‬‬
‫‪ -2‬ندم المثنى في قطعه خط الرجعة على الفرس‪:‬‬
‫وقد ندم المثنى على قطعه خط الرجعة على‬
‫الفرس‪ ،‬وأخذه بالجسر من خلفهم فقال‪ :‬لقد‬
‫عجزت عجزة وقى الله شرها لمسابقتي‬
‫إياهم إلى الجسر‪ ،‬وقطعه حتى ُأحرجهم فإني‬
‫عائد‪ ،‬فل تعودوا ول تقتدوا بي أيها الناس‪،‬‬
‫فإنها كانت مني زلة‪،‬‬
‫ل ينبغي إحراج أحد إل من ل يقوى على‬
‫امتناع)‪ ،(1309‬فقد أبان المثنى في آخر هذا‬
‫الكلم وجه الخطأ في هذه الخطة حيث قد‬
‫لحظ ببصيرته الحربية النافذة أن في منع‬
‫العداء من الفرار إلجاءا ً لهم إلى الستماتة‬
‫في القتال دفاعا ً عن أنفسهم‪ ،‬فإنه حينما‬
‫يشعر النسان بأنه مقتول يبذل كل طاقته‬
‫في الدفاع عن نفسه‪ ،‬وهذا يكلف الجيش‬
‫المقابل جهودا ً ضخمة في محاولة القضاء‬
‫عليه‪ ،‬ولكن الله تعالى وقى المسلمين شر‬
‫هذه الخطة كما ذكر المثنى حيث ثّبت‬
‫المسلمين فكانت قوتهم أعلى بكثير من‬
‫احتمال العداء وطاقتهم وألقى الله تعالى‬
‫‪ ()1308‬التاريخ السلمي )‪.(352 /10‬‬
‫‪ ()1309‬تاريخ الطبري )‪.(291 /4‬‬
‫الرعب في قلوب العداء حتى فقدوا الطاقة‬
‫والمقدرة على الدفاع عن النفس)‪ ،(1310‬وإن‬
‫في اعتراف المثنى بهذا الخطأ‪ ،‬وهو الرجل‬
‫الذي بلغ في هذه المعركة أوج النصر‬
‫والشهرة لدليل ً على قوة إيمانه‪ ،‬وتجرده من‬
‫حظ النفس‪ ،‬وإيثاره مصلحة الجماعة وهكذا‬
‫يكون العظماء)‪.(1311‬‬
‫‪ -3‬علم النفس العسكري عند المثنى‪:‬‬
‫إلى جانب ما ظهر لنا من عبقريات المثنى‬
‫فقد شملت عبقريته عمقا ً أخر يتصل بالحرب‬
‫وهو علم النفس العسكري والتعامل مع‬
‫إخوان الجهاد وزملء السلح‪ ،‬إنا لنجد روحا ً‬
‫من المحبة فياضة تربط المثنى بمن معه‬
‫تشير إلى جانب عاطفي نحوهم ويبرز هذا‬
‫في أحاديثه لهم وفي كلمهم عنه‪ ،‬نرى هذا‬
‫في طوافه بفرسه الشموس على راياتهم‬
‫راية راية‪ ،‬يحمسهم ويعطيهم توجيهاته‬
‫ويحرك مشاعرهم بأحسن‬
‫ما فيهم ويقول لهم‪ :‬والله ما يسرني اليوم‬
‫لنفسي شيء إل وهو يسرني لعامتكم)‪،(1312‬‬
‫فيجيبونه بمثل ذلك‪ .‬يقول الرواة‪ :‬فلم‬
‫ً )‪(1313‬‬
‫يستطع أحد أن يعيب له قول ً ول عمل‬
‫وعندما رأى صفوف العجم تهجم وقد علت‬
‫صيحاتهم‪ ،‬يدرك ما لهذا من أثر في قتال‬

‫التاريخ السلمي )‪.(350 /10‬‬ ‫‪()1310‬‬


‫نفس المصدر )‪.(355 /10‬‬ ‫‪()1311‬‬
‫تاريخ الطبري )‪ (287 /4‬الطريق إلى المدائن ص ‪.446‬‬ ‫‪()1312‬‬
‫تاريخ الطبري )‪.(287 /4‬‬ ‫‪()1313‬‬
‫اللتحام‪ ،‬ل سيما وذكرى معركة جسر أبي‬
‫عبيد ماثلة في الذهان فقال كلمة هادئة‬
‫تساعد على الثبات وتدخل على النفوس‬
‫لتبطل أثر تلك الهيعات فقال في هدوء يدعو‬
‫إلى العجاب‪ :‬إن الذي تسمعون فشل فألزموا‬
‫الصمت وائتمروا همسا ً)‪ ،(1314‬وعندما أصيب‬
‫أخوه مسعود إصابة قاتلة قال مقالة تستحق‬
‫أن تكتب بماء الذهب‪ ،‬وبحروف من نور‪ :‬يا‬
‫معشر المسلمين ل يرعكم مصرع أخي‪ ،‬فإن‬
‫مصارع خياركم هكذا)‪ ،(1315‬ول يقل عن هذا‬
‫قول أخيه نفسه وهو يجود بالنفس مستبشرا ً‬
‫بالشهادة‪ :‬ارفعوا راياتكم رفعكم الله‪ ،‬ل‬
‫يهولنكم مصرعي‪ ،‬وعندما قام المثنى بالصلة‬
‫على أخيه وبعض الشهداء قال‪ :‬والله إنه‬
‫ليهون على وجدي أن شهدوا البويب‪ ،‬أقدموا‬
‫وصبروا‪ ،‬ولم يجزعوا‪ ،‬ولم ينكلوا‪ ،‬وإن كان‬
‫وز الذنوب)‪ (1316‬وكما‬ ‫في الشهادة كفارة لتج ّ‬
‫كان المثنى محبا ً لجنده عطوفا ً عليهم متفقدا ً‬
‫لكافة أحوالهم فقد كان في نفس الوقت‬
‫حازما ً حاسما ً آخذا ً بما يطلق عليه العسكريون‬
‫المحدثون )الضبط والربط( )‪ ،(1317‬فعندما أبصر‬
‫رجل ً في الصف يستوفز)‪ (1318‬ويستنتل)‪،(1319‬‬
‫من الصف فقال المثنى‪ :‬ما بال هذا قالوا‪ :‬هو‬
‫ممن فر من الزحف يوم الجسر‪ ،‬وهو يريد أن‬
‫الطريق إلى المدائن ص ‪.446‬‬ ‫‪()1314‬‬
‫الطريق إلى المدائن ص ‪.446‬‬ ‫‪()1315‬‬
‫تاريخ الطبري )‪.(291 /4‬‬ ‫‪()1316‬‬
‫الطريق إلى المدائن ص ‪.447‬‬ ‫‪()1317‬‬
‫استوفز‪ :‬تهيأ‪.‬‬ ‫‪()1318‬‬
‫يستنتل‪ :‬يتقدم‪.‬‬ ‫‪()1319‬‬
‫يستقتل‪ ،‬فقرعه بالرمح‪ ،‬وقال‪ :‬ل أبالك‪ :‬الزم‬
‫موقفك فإذا أتاك قرنك فأغنه عن صاحبك ول‬
‫تستقتل‪ ،‬قال‪ :‬إني بذلك لجدير‪ ،‬فاستقر ولزم‬
‫الصف)‪ ،(1320‬وكما كان المثنى متعاطفا ً مع‬
‫جيشه فلقد كان الشعور متبادل ً تمامًا‪ ،‬ونرى‬
‫ذلك جليا ً في شعر المعركة الذي جرى على‬
‫ألسنة جنودها فهذا العور الشني يقول‪:‬‬
‫واستبدلت بعد عبد‬ ‫هاجت لعور دار‬
‫فانا‬ ‫ح ّ‬‫القيس َ‬ ‫الحي أحزانا ً‬
‫إذ بالنخيلة قتلى‬ ‫وقد أرانا بها‬
‫جند مهرانا‬ ‫والشمل مجتمع‬
‫ل الزحف من‬ ‫قت ّ َ‬‫ف َ‬
‫َ‬ ‫أزمان سار المثنى‬
‫)‪(1321‬‬
‫جيلنا‬ ‫فْرس و ِ‬ ‫ُ‬ ‫بالخيول لهم‬
‫مْثنى‬
‫م َ‬ ‫حتى أباده ُ‬ ‫سما لمهران‬
‫ووحدانا‬ ‫والجيش الذي معه‬
‫مث َّنى الذي‬ ‫مثل ال ُ‬ ‫ما أن رأينا أميرا ً‬
‫من آل شيبانا‬ ‫بالعراق مضى‬
‫في الحرب أشجع‬ ‫إن المثنى المير‬
‫من ليث‬ ‫القرم ل كذب‬
‫)‪(1322‬‬
‫فانا‬ ‫بخ ّ‬
‫فصاحب هذه البيات يفضل المثنى صراحة‬
‫على خالد بن الوليد وعلي أبي عبيد الثقفي‪،‬‬
‫ولقد كان العور من عبد قيس فهو لم يكن‬

‫‪ ()1320‬تاريخ الطبري )‪.(283 /5‬‬


‫‪ ()1321‬جيلن‪ :‬اسم لبلد كثيرة وراء طبرستان‪.‬‬
‫‪ ()1322‬الطريق إلى المدائن ص ‪ ،440‬وبعضها )تاريخ الطبري )‪/4‬‬
‫‪.( (293‬‬
‫من بني شيبان ول من بكر بن وائل حتى‬
‫يقال إّنه متعصب لقومه)‪.(1323‬‬
‫إن المثنى بن حارثة كان قائدا ً عميقا ً في علم‬
‫النفس العسكري قبل أن يخط أي أستاذ‬
‫‪.‬‬‫)‪(1324‬‬
‫متخصص حرفا ً في هذا العلم بقرون‬
‫‪ -4‬موقف لنساء المجاهدين‪:‬‬
‫إن من المواقف التي ينبغي الشارة إليها ما‬
‫كان من نساء المسلمين لما أرسل إليهم‬
‫قادة المسلمين بعض ما أصابوا من الطعام‪،‬‬
‫وقد أرسلوه مع أحد زعماء النصارى من‬
‫العرب وهو عمرو بن عبد المسيح بن ُبقيلة‬
‫في رجال معه‪ ،‬فلما رأتهم النساء تصايحن‬
‫وحسبنها غارة فقمن دون الصبيان بالحجارة‬
‫عمد‪ ،‬فقال‪ :‬عمرو بن عبد المسيح‪ :‬هكذا‬ ‫وال ُ‬
‫ينبغي لنساء هذا الجيش‪ ،‬وبشروهن‬
‫بالفتح)‪.(1325‬‬
‫وإن هذا الموقف ليدل على حسن التربية‬
‫السلمية وإبراز شخصية المسلم حتى لدى‬
‫النساء‪ ،‬فإنهن قد تدربن على حماية الموقف‬
‫فيما إذا خل من الرجال‪ ،‬هذا وقد أطلق هذا‬
‫النصر الحاسم يد المسلمين في العراق فيما‬
‫بين النهرين وأرسل المثنى قواده ُيخضعون‬
‫وون بما يفيء‬ ‫البلد لسلطان المسلمين‪ ،‬ويتق ّ‬

‫‪ ()1323‬الطريق إلى المدائن ص ‪.447‬‬


‫‪ ()1324‬الطريق إلى المدائن ص ‪.448‬‬
‫‪ ()1325‬التاريخ السلمي )‪ ،(352 /10‬تاريخ الطبري )‪.(292 /4‬‬
‫الله عليهم من الغنائم على جهاد‬
‫عدوهم)‪.(1326‬‬
‫‪ -5‬مطاردة فلول المنهزمين‪:‬‬
‫لم يقعد إغراء النصر بالمثنى عن غايته‪ ،‬فقد‬
‫ندب الناس أثر المعركة وراء الجيش المنهزم‬
‫وسألهم أن يتبعوهم إلى السيب فخرج‬
‫المسلمون خلف فلول المنهزمين وكان من‬
‫ضمنهم من حضر معركة جسر أبي عبيد‪،‬‬
‫فأصابوا غنما ً كثيرا ً وأغاروا حتى بلغوا ساباط‬
‫ثم انكفأوا راجعين إلى المثنى‪ ،‬وتبدو قيمة‬
‫معركة البويب‪ ،‬ل في استصلح الثر النفسي‬
‫الذي كان بعد هزيمة الجسر‪ ،‬بل إن المسلمين‬
‫أضحوا قادرين على السواد كله‪ ،‬فقد كانوا‬
‫يحاربون من قبل ل يجتازون الفرات ثم‬
‫حاربوا فيما بين الفرات ودجلة‪ ،‬أما بعد‬
‫البويب فقد استمكنوا من كل هذه المنطقة‬
‫التي تمتد بين الفرات ودجلة‪ :‬فمخروها ل‬
‫يخافون كيدا ً ول يلقون فيها مانعا ً)‪،(1327‬‬
‫وكانت غزوة البويب نظير اليرموك‬
‫بالشام)‪.(1328‬‬
‫خامسًا‪ :‬عمليات السواق‪:‬‬
‫اسللتقام المللر للمسلللمين بعللد معركللة البللويب‪،‬‬
‫وانقللاد لهللم السللواد وأخللذ المثنللى يجللول هنللا‬
‫وهناك‪ :‬وّزع القواد وأذكى المسالح‪ ،‬وأغللار علللى‬
‫تجمعات الفرس والعرب وكان من هللذه الغللارات‬

‫‪ ()1326‬التاريخ السلمي )‪.(352 /10‬‬


‫‪ ()1327‬تاريخ الطبري )‪.(293 /4‬‬
‫‪ ()1328‬ترتيب وتهذيب البداية والنهاية خلفة عمر ص ‪.93‬‬
‫غارته على الخنافس‪ ،‬وهي سللوق يتللوافى إليهللا‬
‫النللاس‪ ،‬ويجتمللع بهللا ربيعللة ومضللر يخفرونهللم‪،‬‬
‫فأغار عليها وانتسلف السلوق ومللا فيهلا وسلللب‬
‫الخضللراء)‪ ،(1329‬ثللم سللار مسللرعا ً حللتى طللرق‬
‫دهاقين النبار في أول النهللار مللن نفللس اليللوم‬
‫وهو يقول‪:‬‬
‫وحيا من قضاعة‬ ‫صبحنا بالخنافس‬
‫ل‬
‫مي ِ‬‫غير ِ‬ ‫جمع بكر‬
‫تباري في الحوادت‬ ‫بفتيان الوغى من‬
‫كل جيل‬ ‫ي‬‫كل ح ّ‬
‫دع سامي‬ ‫مي ْ َ‬‫س ْ‬
‫بكل َ‬ ‫أبحنا دارهم والخيل‬
‫التليل‬ ‫ت ُْردي‬
‫من التطواف والشر‬ ‫نسفنا سوقهم‬
‫)‪(1330‬‬
‫البخيل‬ ‫د‬
‫والخيل رو ُ‬
‫واستعان بدهاقين النبار وأخذ منهم أدلء ورتب‬
‫خطة لكسح سوق بغداد‪ ،‬وعبر دجلة وطلع على‬
‫بغداد وسوقها مع أول ضوء النهار‪ ،‬فوضع فيهم‬
‫السيف وقتل منهم وأخذ أصحابه ما شاءوا‪،‬‬
‫وكان أمر المثنى لهم‪ :‬ل تأخذوا إل الذهب‬
‫والفضة‪،‬‬
‫ول تأخذوا من المتاع ل ما يقدر الرجل منكم‬
‫على حمله على دابته)‪ ،(1331‬وهرب أهل السواق‬
‫ومل المسلمون أيديهم من الذهب والفضة‬
‫حّر من كل شيء‪ .‬ثم كروا راجعين حتى إذا‬ ‫وال ُ‬

‫‪ ()1329‬تاريخ الطبري )‪.(296 /4‬‬


‫‪ ()1330‬المراد من البيت أنهم شنوا الغارة على مهل‪.‬‬
‫‪ ()1331‬تاريخ الطبري )‪.(296 /4‬‬
‫كانوا بنهر السبلحين)‪ ،(1332‬على حوالي خمسة‬
‫وثلثين كيلو مترا ً من بغداد نزل وقال‪ :‬أيها‬
‫ضوا أوطاركم وتأهبوا للسير‬ ‫الناس انزلوا وق ّ‬
‫واحمدوا الله وسلوه العافية ثم انكشفوا‬
‫قبيضا ً)‪ ،(1333‬ففعلوا‪ ،‬لقد قطعوا نحوا ً من ستين‬
‫كيلو مترا ً على ظهور الخيل تخللها غارة‪ ،‬كل‬
‫ذلك في مرحلة واحدة منذ قاموا في آخر الليل‬
‫إلى بغداد حتى عادوا‪ ،‬ورأى المثنى أنهم في‬
‫حاجة إلى استراحة وكذلك خيلهم وكان‬
‫المسلمون يدركون عمق ما أوغلوا وبينما المثنى‬
‫يمر بينهم إذ سمع همسًا‪ .‬قال قائل منهم‪ :‬ما‬
‫أسرع القوم في طلبنا‪ .‬فقال المثنى‪ :‬تناجوا‬
‫بالبر والتقوى ول تتناجوا بالثم والعدوان ‪..‬‬
‫انظروا في المور وقدروها )احسبوها( ثم‬
‫تكلموا ‪ ..‬إنه لم يبلغ التدبر مدينتهم بعد ولو‬
‫بلغهم لحال الرعب بينهم وبين طلبكم‪ .‬إن‬
‫للغارات روعات تنتشر عليها يوما ً إلى الليل‪ ،‬ولو‬
‫طلبكم المحامون من رأي العين ما أدركوكم‬
‫وأنتم على الجياد الغراب )الخيل الصلية( وهم‬
‫على المقاريف)‪ ،(1334‬الِبطاء حتى تنتهوا إلى‬
‫عسكركم وجماعتكم‪ :‬ولو أدركوكم لقاتلتهم‬
‫لثنتين‪ ،‬التماس الجر‪ ،‬ورجاء النصر‪ ،‬فثقوا بالله‬
‫وأحسنوا به الظن‪ ،‬فقد نصركم الله في مواطن‬
‫كثيرة وهم أعدّ منكم )أكثر عددًا( وسأخبركم‬

‫‪ ()1332‬المراد من البيت أنهم شنوا الغارة على مهل قال أحمد‬


‫كمال أعتقد نهر صرصر الطريق إلى المدائن ص ‪.255‬‬
‫‪ ()1333‬القبيض‪ :‬السراع‪.‬‬
‫‪ ()1334‬المقرف‪ :‬الذي دخل في الفساد والعيث‪.‬‬
‫عني وعن انكماشي)‪ ،(1335‬والذي أريد بذلك‪ .‬إن‬
‫خليفة رسول الله ‪ ‬أبا بكر أوصانا أن نقلل‬
‫عرجة )القامة( ونسرع الكرة في الغارات‪،‬‬ ‫ال ْ‬
‫)‪(1336‬‬
‫(‪.‬‬ ‫ونسرع في غير ذلك الوبة )الياب‬
‫هذا فهم المثنى للحروب والقتال‪ ،‬فقد كان‬
‫يتحرك على حساب محسوب وتخطيط مرسوم‬
‫وإيمان عميق‪ ،‬فكل معركة تضيف إليه دراية‬
‫وتجربة وعلما ً ومعرفة‪ ،‬وهي تكشف لنا عن‬
‫عبقرية الصديق الحربية النادرة التي تتلمذ‬
‫المثنى عليها أفاد منها رغم أنه لم يلقه إل أقل‬
‫من القليل)‪.(1337‬‬
‫نهض المثنى وأمرهم بالركوب‪ ،‬وأقبل بهم‬
‫ومعهم أدلؤهم يقطعون بهم الصحارى والنهار‬
‫حتى انتهى بهم إلى النبار‪ ،‬فاستقبلهم‬
‫الدهاقين بالكرام واستبشروا بسلمته‪ ،‬وكان‬
‫وعدهم الحسان إليهم إذا استقام لهم من‬
‫أمرهم ما يحبون وقال أحدهم‪:‬‬
‫شاهدها من قبيلة‬ ‫عال‬‫وللمثنى بال َ‬
‫بَ َ‬
‫شُر‬ ‫معركة‬
‫كسرى وكاد‬ ‫كتيبة أفزعت‬
‫اليوان ينفطر‬ ‫بوقعتها‬
‫وفي صروف‬ ‫جع المسلمون‬ ‫ش ّ‬ ‫و ُ‬
‫عب َُر‬
‫التجارب ال ِ‬ ‫حذروا‬ ‫إذا َ‬
‫آثاره والمور‬ ‫هل نهج السيل‬ ‫س ّ‬‫َ‬

‫‪ ()1335‬النكماش‪ :‬الجد في المر والسرعة في طلبه‪.‬‬


‫‪ ()1336‬الطريق إلى المدائن ص ‪.457‬‬
‫‪ ()1337‬حركة الفتح السلمي‪ ،‬شكري فيصل ص ‪ ،78‬تاريخ الطبري‬
‫)‪.(299 /4‬‬
‫)‪(1338‬‬
‫تقتفر‬ ‫فاقتفروا‬
‫ووسع المثنى غارته على شمال العرق حتى‬
‫شمل من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه‪،‬‬
‫فأرسل غارته على الكباث وكان أهله كلهم من‬
‫ضوا عنه‪ ،‬وتبعهم‬
‫بني تغلب‪ ،‬فأخلوه وارف ّ‬
‫المسلمون يركبون آثارهم‪ ،‬وأدركوا أخرياتهم‪،‬‬
‫وقتلوا وأكثروا‪ ،‬وأرسل غارة على أحياء من‬
‫تغلب والنمر بصفين)‪.(1339‬‬
‫وكان المثنى بن حارثة سيد هذه الغارات كلها‬
‫بعد البويب‪ ،‬وكان على مقدمته حذيفة بن‬
‫محصن الغلفاني وعلى مجنّبته النعمان بن عوف‬
‫بن النعمان ومطر الشيبانيان وقد حدث في‬
‫إحدى غارات المثنى أن أدركت قواته مجموعات‬
‫من العداء بتكريت يخوضون الماء‪ ،‬فأصابوا ما‬
‫شاءوا من النعم‪ ،‬حتى أصاب الرجل خمسا ً من‬
‫النعم‪ ،‬وخمسا ً من السبي‪ ،‬وخمس المال‪ ،‬وجاء‬
‫به حتى ينزل على الناس بالنبار‪ .‬وعاد المثنى‬
‫إلى النبار فبعث فرات بن حيان وعتيبى بن‬
‫النهاس إلى صفين وأمرهما بالغارة على أحياء‬
‫العرب من تغلب والنمر – ثم استخلف على‬
‫النبار والتي اتخذها قاعدة متقدمة – عمرو بن‬
‫أبي سلمى الهجيمي واتبعهما‪ .‬فلما اقتربوا من‬
‫صفين افترق المثنى عن فرات وعتيبة‪ ،‬وفر‬
‫أهل صفين فعبروا الفرات إلى الجزيرة‬
‫وتحصنوا بها‪ ،‬وكانوا من قبائل النمر وتغلب‬

‫‪ ()1338‬الطريق إلى المدائن ص ‪.457‬‬


‫‪ ()1339‬حركة الفتح السلمي‪ ،‬شكري فيصل ص ‪ ،78‬تاريخ الطبري‬
‫)‪.(299 /4‬‬
‫متساندين فاتبعهم فرات وعتيبة حتى رموا‬
‫بطائفة منهم في الماء‪ ،‬فكانوا ينادونهم )الغرق‬
‫الغرق( وكان عتيبة وفرات يحضان الناس‬
‫ويحرضانهم ويقولن )تغريق بتحريق( يذكرانهم‬
‫يوما ً من أيام الجاهلية أحرقوا فيه قوما ً من بكر‬
‫بن وائل في غيضة من الغياض‪ ،‬ثم رجعوا إلى‬
‫المثنى وقد أغرقوهم في الفرات‪ ،‬وبلغ خبر ذلك‬
‫إلى عمر بالمدينة‪ ،‬فقد كانت له عيون في كل‬
‫جيش تكتب له‪ ،‬فطلب فرأت بن حيان وعتيبة‬
‫إلى المدينة وأجرى معهما تحقيقا ً في هذا‪،‬‬
‫ل ولم‬ ‫مث َ ٌ‬
‫فأخبراه أنهما قال ذلك على وجه أنه َ‬
‫يفعله على وجه طلب ثأر الجاهلية‪،‬‬
‫فاستحلفهما فحلفا أنهما ما أرادا بذلك إل المثل‬
‫وإعزاز السلم‪ ،‬فصدقهما عمر وردهما إلى‬
‫العراق فرجعا إليه مع حملة سعد بن أبي‬
‫وقاص)‪ ،(1340‬فقد كان الفاروق حريصا ً على‬
‫صيانة أخلق الرعية وحياطتها من تسرب الفساد‬
‫إليها)‪.(1341‬‬
‫لقد استغل المثنى النصر الرائع الذي أحرزه‬
‫المسلمون يوم البويب وشن غارات منظمة على‬
‫أسواق شما ل العراق وطبق مبدأ مطاردة‬
‫العداء وقد استطاع بعد توفيق الله ثم بما‬
‫أعطاه الله من صفات القائد العسكري أن ينفذه‬
‫في قوة وعمق بلغ حوالي أربعمائة كيلو مترا ً أو‬
‫ل‪ ،‬خلف ما تبحبحوا به شرقا ً وجنوبا ً‬ ‫يزيد شما ً‬
‫وغربا ً على امتداد ذلك الخط)‪ ،(1342‬وقد طبق‬
‫‪ ()1340‬الطريق إلى المدائن ‪ ،458‬تاريخ الطبري )‪.(300 /4‬‬
‫‪ ()1341‬الخلفاء الراشدون للنجار ص ‪.132‬‬
‫‪ ()1342‬الطريق إلى المدائن ‪.461‬‬
‫المثنى استراتيجية وتكتيكات الحرب الخاطفة‬
‫في عملياته تلك‪،‬‬
‫ول شك أن هذه العمليات قد وجهت إلى السلطة‬
‫الفارسية الحاكمة في المدائن أكبر إهانة أمام‬
‫شعبها‪ ،‬وأضعفت الثقة في قدرتها على القيام‬
‫بالدفاع ضد هجمات قوم كان الفرس حتى وقتها‬
‫ينظرون إليهم نظرة ملؤها الهانة‬
‫والزدراء)‪.(1343‬‬

‫‪ ()1343‬انظر الطريق إلى المدائن ص ‪.467‬‬


‫سادسًا‪ :‬رد فعل الفرس‪:‬‬
‫لم تكن أحداث كالتي وقعت لتمر دون أن يكون‬
‫ل في الدوائر الحاكمة في فارس‬ ‫لها رد فع ٍ‬
‫واجتمع ساداتهم وقالوا لرستم ولفيرزان‪ :‬أين‬
‫يذهب بكما الختلف حتى وهنتما أهل فارس‬
‫وأطمعتما فيهم عدوهم‪ .‬والله ما جر هذا الوهن‬
‫علينا غيركم‬
‫يا معشر القواد‪ ،‬لقد فرقتم بين أهل فارس‬
‫وثبطتموهم عن عدوهم‪ ،‬إنه لم يبلغ من‬
‫خطركما أن يقركما فارس على هذا الرأي وأن‬
‫تعرضها للهلكة‪ ،‬ما تنظرون والله إل أن ينزل بنا‬
‫ونهلك‪ .‬ما بعد بغداد وساباط وتكريت إل المدائن‬
‫والله لتجتمعان أو لنبدأن بكما قبل أن يشمت بنا‬
‫شامت‪ ،‬والله لول أن في قتلكم هلكنا لعجلنا‬
‫لكم القتل الساعة‪ ،‬ولئن لم تنتهوا لنهلكنكم ثم‬
‫نهلك وقد اشتفينا منكم)‪.(1344‬‬
‫وبعد ذلك ذهب رستم وفيرزان إلى بوران فقال‬
‫لها‪ :‬اكتبي إلى نساء كسرى وسراريه ونساء آل‬
‫كسرى‪ ،‬وسراريهم‪ ،‬ففعلت وأخرجت لهم ذلك‬
‫في كتاب‪ ،‬فأرسلوا في طلبهن فأتوا بهن جميعا ً‬
‫فسلموهن إلى رجال يعذبونهن ويستدلونهن‬
‫على ذكر من أبناء كسرى‪ ،‬فلم يوجد عندهن‬
‫منهم أحد‪ ،‬ولكن إحداهن ذكرت أنه لم يبق إل‬
‫غلم يدعى يزدجرد من ولد شهر يار بن كسرى‬
‫وأمه من أهل بادوريا‪ ،‬فأرسلوا إليها وأخذوها به‬
‫يطلبونه منها‪ ،‬وكانت حين جمعهن عمه شيرويه‬
‫في القصر البيض وقتل ذكور آل كسرى وهم‬

‫‪ ()1344‬تاريخ الطبري )‪.(4/300‬‬


‫وإخوته السبعة عشر حتى ل ينافسه أحد على‬
‫عرش فارس‪ ،‬قد هربته وأخفته عند أخواله في‬
‫إصطخر‪ ،‬وكان شيرويه قد قتل فيمن قتل أخاه‬
‫شهريار بن كسرى برويز من زوجته المفضلة‬
‫شيرين وهو والد يزدجرد هذا‪ ،‬فضغطوا على أم‬
‫يزدجرد فدلتهم عليه‪ ،‬فأرسلوا إليه فجاؤوا به‬
‫باعتباره الذكر الوحيد الباقي من بني ساسان‪،‬‬
‫فمّلكوه وهو ابن إحدى وعشرين سنة‪ ،‬واجتمعوا‬
‫عليه واطمأن جميع الفرس لذلك‪ ،‬فتباروا في‬
‫طاعته ومعونته‪ ،‬ورأوا في ذلك مخرجا ً مما كانوا‬
‫فيه)‪ (1345‬وبدأ يزدجرد الثالث يزاول سلطاته‬
‫بمعونة رستم وفيرزان‪ ،‬فجدد المسالح والثغور‬
‫التي كانت لكسرى وخصص جندا ً لكل مسلحة‬
‫مى جند الحيرة والنبار وجند البلة)‪.(1346‬‬
‫فس ّ‬
‫سابعًا‪ :‬توجيهات الفاروق للمثنى‪:‬‬
‫بلغت المثنى أخبار تحركات يزدجرد الثالث‬
‫وكانت عيونه تأتيه بتفاصيلها‪ ،‬فكتب بها وبما‬
‫يتوقع من هجوم مضاد قوي إلى عمر رضي الله‬
‫عنه‪ ،‬وصدق تقدير المثنى‪ ،‬فلم يصل كتابه إلى‬
‫عمر حتى كفر أهل السواد وانتقضوا وتنكروا‬
‫للمسلمين‪ ،‬من كان له منهم عهد ومن لم يكن‬
‫له‪ ،‬وعاجلهم الفرس‪ ،‬فزاحفوهم مع ثورة أهل‬
‫الذمة‪ ،‬فلما رأى المثنى ذلك كان يدرك أنه أحرز‬
‫من التقدم والكتساح أكثر مما تسمح قوته‬
‫بالحتفاظ به‪ ،‬ومن شأن هذا أل يدوم فخرج في‬
‫حاميته حتى نزل بذي قار وأنزل الناس بالطف‬
‫‪ ()1345‬تاريخ الطبري )‪ (4/301‬الطريق إلى المدائن ص ‪. 467‬‬
‫‪ ()1346‬الطريق إلى المدائن ص ‪. 468‬‬
‫في عسكر واحد‪ ،‬وكان عمر رضي الله عنه أكثر‬
‫حذرا ً فجاءهم كتابه‪ :‬أما بعد‪ ،‬فاخرجوا من بين‬
‫ظهراني العاجم وتنحوا إلى البر وتفرقوا في‬
‫المياه التي تلي العاجم على حدود أرضكم‬
‫وأرضهم‪ ،‬ول تدعوا في ربيعة أحدًا‪ ،‬ول مضر ول‬
‫حلفائهم أحدا ً من أهل النجدات‪ ،‬ول فارسا ً إل‬
‫اجتلبتموه‪ ،‬فإن جاء طائعا ً وإل حشرتموه‪ ،‬احملوا‬
‫العرب على الجد إذ جد العجم‪ ،‬فلتلقوا جدهم‬
‫بجدكم وأقم منهم قريبا ً على حدود أرضك‬
‫وأرضهم حتى يأتيك أمري)‪،(1347‬ونزل المثنى بذي‬
‫جل وشراف إلى‬ ‫قار ووزع المسلمين بال ُ‬
‫ضي)‪ ،(1348‬وفّرق القوات في المياه من أول‬ ‫ُ‬
‫غ َ‬
‫صحراء العراق إلى آخرها‪ ،‬من غضي إلى‬
‫القطقطانة مسالح ينظر بعضهم إلى بعض‬
‫ويغيث بعضهم بعضا ً إن حدث شيء‪ ،‬في حالة‬
‫ترقب وانتظار لحشد جديد‪ ،‬بينما عادت مسالح‬
‫كسرى وثغوره واستقر أمر فارس وهم متهيبون‬
‫مشفقون والمسلمون متدفقون في ضراوة‬
‫كالسد ينازع فريسته ثم يعاود الكر‪ ،‬وأمراؤه‬
‫يكفكفونهم عمل ً بكتاب عمر وانتظارا ً للمدد‪،‬‬
‫كان ذلك في أواخر ذي القعدة ‪13‬هل يناير‬
‫‪635‬م)‪،(1349‬وقال عمر‪ :‬والله لضربن ملوك‬
‫العجم بملوك العرب‪ .‬ثم كان أول ما عمل أن‬
‫كتب إلى عماله على الكور والقبائل‪ ،‬وذلك في‬
‫ذي الحجة مع مخرج الحجاج إلى الحج‪ ،‬فجاءته‬
‫أوائل القبائل التي طرقها على مكة والمدينة‬
‫‪ ()1347‬تاريخ الطبري )‪.(4/301‬‬
‫‪ ()1348‬جبال تجاه البصرة‪.‬‬
‫‪ ()1349‬الطريق إلى المدائن ‪.470‬‬
‫ومن كان على طريق العراق وهو إلى المدينة‬
‫أقرب‪ ،‬توافوا إليه بالمدينة مع رجوع الحج‬
‫وأخبروه عمن وراءهم أنهم يجدون أثرهم‪ ،‬أما‬
‫من كان في إلى العراق أقرب فقد لحقوا‬
‫بالمثنى‪ ،‬فلم يدع عمر رئيسا ً ول ذا رأي ول ذا‬
‫شرف ول ذا سطوة ول خطيبا ً ول شاعرا ً إل‬
‫رماهم به‪ ،‬فرماهم بوجوه الناس وغررهم)‪.(1350‬‬

‫‪ ()1350‬الطريق إلى المدائن ص ‪. 471‬‬


‫المبحث الثاني‪ :‬معركة القادسية‪:‬‬
‫لما علم الفاروق أن الفرس يعدون العدة‬
‫ويتجمعون لستئصال القوة القليلة من‬
‫المسلمين المتبقية في العراق أمر بالتجنيد‬
‫الجباري ذلك أن الحالة تقتضي ذلك؛ ولذلك أمر‬
‫المثنى أن ينظر فيما حوله من القبائل ممن‬
‫يصلح للقتال ويقدر عليه فيأتي به طائعا ً أو غير‬
‫طائع وهذا هو التجنيد الجباري الذي رآه عمر‬
‫وكان أول من عمل به في السلم‪ ،‬وبهذا‬
‫يسقط ما قاله محمد فرج‪ :‬صاحب كتاب‬
‫)العسكرية السلمية( من أن التجنيد الجباري‬
‫ظهر في الدولة الموية‪ ،‬فها هو عمر الفاروق‬
‫قد أمر به ونفذ المر فما وصل كتاب أمير‬
‫المؤمنين للمثنى إل وبدأ بتنفيذ ما فيه على‬
‫الفور وطبق الخطة التي رسمها له في‬
‫تحركاته‪ ،‬وأرسل الفاروق إلى عماله أن ل يدعوا‬
‫أحدا ً له سلح أو فرس أو نجدة أو رأي إل‬
‫أرسلوه إليه‪ ،‬يأمرهم بالتجنيد الجباري ويطلب‬
‫منهم أن يرسلوا المجندين الجدد إليه ليرسلهم‬
‫إلى العراق)‪ ،(1351‬لقد تغير الموقف في بلد‬
‫فارس مع مجيء يزدجرد للحكم فقد أصبح‬
‫موقف الفرس كالتالي‪:‬‬

‫• استقرار داخلي تمثل في تنصيب يزدجرد‬


‫واجتماعهم عليه‪ ،‬واطمأنت فارس‬
‫واستوثقوا وتبارى الرؤساء في طاعته‬
‫ومعونته‪.‬‬
‫‪ ()1351‬إتمام الوفاء ص ‪. 70‬‬
‫• تجنيد عام شمل كل ما استطاع الفرس أن‬
‫يجندوه‪ ،‬وتوزيع الفرق في كل أنحاء الرض‬
‫التي فتحها المسلمون‪.‬‬
‫• وأخيرا ً إثارة السكان وتأليبهم على‬
‫المسلمين‪ ،‬حتى نقضوا عهدهم وكفروا‬
‫بذمتهم وثاروا بهم)‪.(1352‬‬

‫‪ ()1352‬حركة الفتح السلمي ص ‪. 80‬‬


‫وتغير موقف المسلمين وأصبح كالتالي‪:‬‬
‫• النسحاب‪ :‬خروج المثنى والقواد الخرين‬
‫على حاميتهم من الرض التي فتحوها من‬
‫بين ظهراني العجم‪.‬‬
‫• التراجع‪ :‬والتفرق في المياه التي تلي‬
‫العاجم على حدود الرض العربية والرض‬
‫الفارسية‪ ،‬وقد نزل المثنى في ذي قار‪،‬‬
‫طف؟ فشكلوا في العراق‬ ‫ونزل الناس ال ّ‬
‫مسالح ينظر بعضهم إلى بعض ويغيث‬
‫بعضهم بعضا ً عند الحاجة‪.‬‬
‫• مقابلة التجنيد الجباري عند الفرس‬
‫)‪(1353‬‬
‫‪.‬‬ ‫بالتجنيد الجباري لدى المسلمين‬
‫أو ً‬
‫ل‪ :‬تأمير سعد بن أبي وقاص على العراق‪:‬‬
‫وهذه المرحلة الثالثة في فتوحات العراق تبدأ‬
‫بتأمير سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه على‬
‫الجهاد في العراق سنة ‪14‬هل‪ ،‬فقد استهلت هذه‬
‫السنة الرابعة عشر وعمر رضي الله عنه يحث‬
‫الناس ويحرضهم على جهاد الفرس‪ ،‬وركب‬
‫رضي الله عنه أول يوم من المحرم في هذه‬
‫السنة في الجيوش من المدينة فنزل على ماء‬
‫صَرار)‪ ،(1354‬فعسكر به عازما ً على غزو‬
‫يقال له ِ‬
‫العراق بنفسه واستخلف على المدينة عليا ً بن‬
‫أبي طالب‪ ،‬واستصحب معه عثمان بن عفان‬
‫وسادات الصحابة‪ ،‬ثم عقد مجلسا ً لستشارة‬

‫‪ ()1353‬المصدر نفسه ص ‪. 80‬‬


‫‪ ()1354‬صرار‪ :‬موضع على ثلثة أميال عن المدينة‪ ،‬معجم البلدان )‬
‫‪.(3/398‬‬
‫الصحابة فيما عزم عليه ونودي الصلة جامعة‪،‬‬
‫وقد أرسل إلى علي فقدم من المدينة‪ ،‬ثم‬
‫استشارهم فكلهم وافقوه على الذهاب إلى‬
‫العراق إل عبد الرحمن بن عوف فإنه قال له‪:‬‬
‫ضعف المسلمون في‬ ‫ت أن ت َ ْ‬ ‫إني أخشى إن ك ُ ِ‬
‫سر َ‬
‫سائر أقطار الرض‪ ،‬وإني أرى أن تبعث رجل ً‬
‫وترجع أنت إلى المدينة فاستصوب عمر والناس‬
‫عند ذلك رأي ابن عوف‪ .‬فقال عمر‪ :‬فمن ترى‬
‫أن نبعث إلى العراق؟ فقال‪ :‬قد وجدته قال‪:‬‬
‫ومن هو؟ قال‪ :‬السد في براثنه‪ ،‬سعد بن مالك‬
‫مره‬‫الزهري فاستجاد قوله وأرسل إلى سعد‪ ،‬فأ ّ‬
‫على العراق)‪.(1355‬‬
‫‪ -1‬وصية من عمر لسعد رضي الله عنهم‪:‬‬
‫مره عمر رضي الله‬ ‫لما قدم سعد إلى المدينة أ ّ‬
‫يا سعد‬ ‫عنهما على حرب العراق وقال له‪:‬‬
‫هيب ل يغرّنك من الله أن قيل خال‬ ‫و َ‬
‫سعد بني ُ‬
‫رسول الله ‪ ،‬وصاحب رسول الله ‪ ‬فإن‬
‫الله عز وجل ل يمحو السيء بالسيء ولكنه‬
‫يمحو السيء بالحسن‪ ،‬فإن الله تعالى ليس‬
‫بينه وبين أحد نسب إل طاعته‪ ،‬فالناس‬
‫شريفهم ووضيعهم في ذات الله سواء‪ ،‬الله‬
‫ربهم‪ ،‬وهم عباده يتفاضلون بالعافية‪،‬‬
‫ويدركون ما عنده بالطاعة‪ ،‬فانظر المر الذي‬
‫رأيت رسول الله ‪ ‬منذ ُبعث إلى أن فارقنا‬
‫مه فإنه المر‪ ،‬هذه عظتي إياك إن تركتها‬ ‫فالز ْ‬
‫)‪(1356‬‬
‫‪.‬‬ ‫ورغبت عنها كنت من الخاسرين‬
‫‪ ()1355‬ترتيب وتهذيب البداية والنهاية ص ‪. 96‬‬
‫‪ ()1356‬تاريخ الطبري )‪.(4/306‬‬
‫وإنها لموعظة بليغة من خليفة راشد عظيم‬
‫فقد أدرك عمر رضي الله عنه جانب الضعف‬
‫الذي يمكن أن يؤتى سعد من قبله وهو أن‬
‫ُيدلي بقرابته من النبي ‪ ‬فيحمله ذلك على‬
‫شيء من الترفع على المسلمين‪ ،‬بالمبدأ‬
‫السلمي العام الذي يعتبر مقياسا ً لكرامة‬
‫المسلم في هذه الحياة حيث قال الله ربهم‬
‫وهم عباده يتفاضلون بالعافية ويدركون ما‬
‫عنده بالطاعة‪ .‬فقوله‪ :‬يتفاضلون بالعافية‪.‬‬
‫يعني بالشفاء من أمراض النفوس فكأنه‬
‫يقول يتفاضلون بالبعد عن المعاصي والقبال‬
‫على طاعة الله تعالى وهذه هي التقوى التي‬
‫جعلها الله سبحانه ميزانا ً للكرامة بقوله‪  :‬إ ِ ّ‬
‫ن‬
‫م ‪) ‬الحجرات‪،‬آية‪ ،(13:‬وهو‬ ‫ه أ َت ْ َ‬
‫قاك ُ ْ‬ ‫عن ْدَ الل ّ ِ‬ ‫مك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫أك َْر َ‬
‫َ‬
‫ميزان عادل رحيم بإمكان كل مسلم بلوغه إذا‬
‫جدّ في طلب رضوان الله تعالى والسعادة‬ ‫َ‬
‫الخروية ثم ذكره عمر في آخر الموعظة‬
‫بلزوم المر الذي كان عليه رسول الله ‪‬‬
‫وهذا يشمل اللتزام بالدين كله وتطبيقه على‬
‫الناس)‪.(1357‬‬

‫‪ -2‬وصية أخرى‪:‬‬
‫ثم إن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي‬
‫الله عنه أوصى سعد بن أبي وقاص مرة أخرى‬
‫لما أراد أن يبعثه بقوله‪ :‬إني قد وليتك حرب‬
‫العراق فاحفظ وصيتي‪ ،‬فإنك تقدم على أمر‬
‫شديد كريه ل ُيخّلص منه إل الحق‪ ،‬فع ّ‬
‫ود‬

‫‪ ()1357‬التاريخ السلمي )‪.(10/362‬‬


‫نفسك ومن معك الخير‪ ،‬واستفتح به‪ ،‬واعلم‬
‫أن لكل عادة عتادًا‪ ،‬فعتاد الخير الصبر‪ ،‬فالصبر‬
‫على‬
‫ما أصابك أو نابك تجتمع لك خشية الله‪ ،‬واعلم‬
‫أن خشية الله تجتمع في أمرين‪ :‬في طاعته‬
‫واجتناب معصيته‪ ،‬وإنما أطاعه من أطاعه‬
‫ببغض الدنيا وحب الخرة‪ ،‬وعصاه من عصاه‬
‫بحب الدنيا وبغض الخرة‪ ،‬وللقلوب حقائق‬
‫ء‪ ،‬منها السر ومنها العلنية‪،‬‬ ‫ينشؤها الله إنشا ً‬
‫مه في الحق‬ ‫فأما العلنية فأن يكون حامده وذا ّ‬
‫سواء‪ ،‬وأما السر فُيعرف بظهور الحكمة من‬
‫قلبه على لسانه‪ ،‬وبمحبة الناس‪ ،‬فل تزهد في‬
‫التحبب فإن النبييين قد سألوا محبتهم‪ ،‬وإن‬
‫غضه‪،‬‬ ‫الله إذا أحب عبدا ً حّببه‪ ،‬وإذا أبغض عبدا ً ب ّ‬
‫فاعتبر منزلتك عند الله تعالى بمنزلتك عند‬
‫الناس‪ ،‬ممن يشرع معك في أمرك)‪ (1358‬وفي‬
‫هذا النص عبر نافعة منها‪:‬‬

‫‪ -‬إن لزوم الحق يخّلص المسلم من‬


‫الشدائد‪ ،‬وذلك أن من لزم الحق كان مع‬
‫الله تعالى ومن كان مع الله تعالى كان‬
‫الله معه جل وعل بنصره وتأييده وإن هذا‬
‫الشعور ليعطي المسلم دفعات قوية نحو‬
‫مضاعفة العمل ومواجهة الصعاب‬
‫والمآزق‪ ،‬إضافة إلى الطمأنينة النفسية‬
‫التي يتمتع بها من لزم الحق قول ً وعم ً‬
‫ل‪،‬‬
‫بخلف من حاد عن طريق الحق فإنه يشعر‬

‫‪ ()1358‬تاريخ الطبري )‪.(4/306،307‬‬


‫بالقلق واللم المتعددة التي منها تأنيب‬
‫الضمير والخوف من محاسبة الناس‬
‫والدخول في مجاهيل المستقبل التي‬
‫تترتب على النحراف‪.‬‬

‫عدة الخير‬‫‪ -‬وذكر عمر رضي الله عنه أن ُ‬


‫الصبر‪ ،‬وذلك أن طريق الخير ليس‬
‫مفروشا ً بالخمائل‪ ،‬بل هو طريق شاق‬
‫شائك‪ ،‬بتطلب عبوره جهادا ً طوي ً‬
‫ل‪ ،‬فلبد‬
‫لسالكه من العتداد بالصبر وإل انقطع‬
‫في أثناء الطريق‪.‬‬
‫‪ -‬وذكر أن خشية الله تعالى تكون في‬
‫طاعته واجتناب معصيته ثم بين الدافع‬
‫الكبر الذي يدفع إلى طاعته أل وهو بغض‬
‫الدنيا وحب الخرة‪ ،‬والدافع الكبر الذي‬
‫يدفع إلى معصيته‪ ،‬وهو حب الدنيا وبغض‬
‫الخرة‪.‬‬
‫‪ -‬ثم ذكر أن للقلوب حقائق منها العلنية‬
‫ومّثل لها بالمعاملة مع الناس بالحق في‬
‫حاَلي الغضب والرضى‪ ،‬وأن ل يحمل‬
‫النسان ثناء الناس عليه على مداراتهم‬
‫في النكول عن تطبيق الحق‪ ،‬ول يحمله‬
‫ذمهم إياه على ظلمهم ومجانبة الحق‬
‫معهم‪.‬‬
‫‪ -‬وذكر من حقائق القلوب السّر‪ ،‬وجعل‬
‫علمته ظهور الحكمة من قلب المسلم‬
‫على لسانه‪ ،‬وأن يكون محبوبا ً بين إخوانه‬
‫المسلمين‪ ،‬فإن محبة الله تعالى لعبده‬
‫مترتبة على محبة المسلمين له‪ ،‬لن الله‬
‫تعالى إذا أحب عبدا ً حببه لعباده)‪ ،(1359‬فإذا‬
‫كان سعد بن أبي وقاص المشهود له‬
‫بالجنة بحاجة إلى هذه الوصية فكيف بنا‬
‫وأمثالنا ونحن ينقصنا الكثير من فهم‬
‫السلم وتطبيقه)‪.(1360‬‬

‫‪ ()1359‬التاريخ السلمي )‪.(10/364‬‬


‫‪ ()1360‬نفس المصدر )‪.(10/365‬‬
‫‪ -3‬خطبة لعمر رضي الله عنه‪:‬‬
‫وسار سعد إلى العراق ومعه أربعة آلف‬
‫مجاهد‪ ،‬وقيل في ستة آلف‪ ،‬وشيعهم عمر‬
‫من صرار إلى العوص)‪ ،(1361‬ثم قام في‬
‫الناس خطيبا ً فقال‪ :‬إن الله تعالى إنما ضرب‬
‫لكم المثال‪ ،‬وصّرف لكم القول ليحيي به‬
‫القلوب فإن القلوب ميتة في صدورها حتى‬
‫يحييها الله من علم شيئا ً فلينتفع به‪ ،‬وإن‬
‫للعدل أمارات وتباشير‪ ،‬فأما المارات فالحياء‬
‫هْين والل ّْين‪ ،‬وأما التباشير‬ ‫والسخاء وال َ‬
‫سر‬‫فالرحمة‪ ،‬وقد جعل الله لكل أمر بابًا‪ ،‬وي ّ‬
‫لكل باب مفتاحًا‪ ،‬فباب العدل العتبار‬
‫ومفتاحه الزهد‪ ،‬والعتبار ذكر الموت بتذكر‬
‫الموات‪ ،‬والستعداد له‪ ،‬بتقديم العمال‪،‬‬
‫قب ََله حق‪ ،‬وتأدية‬‫والزهد أخذ الحق من كل أحد ِ‬
‫الحق إلى كل أحد له حق‪ ،‬ول تصانع في ذلك‬
‫أحدًا‪ ،‬واكتف بما يكفيك من الكفاف‪ ،‬فإن من‬
‫لم يكفه الكفاف لم يغنه شيء‪ ،‬وإني بينكم‬
‫وبين الله وليس بيني وبينه أحد‪ ،‬وإن الله قد‬
‫هوا شكاتكم إلينا‪،‬‬ ‫ألزمني دفع الدعاء عنه‪ ،‬فأن ُ‬
‫ّ‬
‫فمن لم يستطع فإلى من ُيبلغناها نأخذ له‬
‫عَتع)‪.(1362‬‬
‫مت َ ْ‬
‫الحق غير ُ‬

‫‪ -4‬وصول سعد إلى العراق ووفاة المثنى‪:‬‬

‫‪ ()1361‬العوص‪ :‬على طريق العراق وهو واد يصب في صدر قناة‬


‫من الشمال وفيه مطار المدينة اليوم‪.‬‬
‫‪ ()1362‬تاريخ الطبري )‪.(4/308‬‬
‫سار سعد بجيشه حتى نزل بمكان يقال له‬
‫ده أمير‬ ‫))َزُرود(( )‪ ،(1363‬من بلد نجد وأم ّ‬
‫المؤمنين بأربعة آلف‪ ،‬واستطاع سعد أن‬
‫يحشد سبعة آلف آخرين من بلد نجد‪ ،‬وكان‬
‫المثنى بن حارثة الشيباني ينتظره في العراق‬
‫ومعه اثنا عشر ألفًا‪.‬‬
‫وأقام سعد بزرود استعدادا ً للمعركة الفاصلة‬
‫مع الفرس وانتظارا ً لمر أمير المؤمنين عمر‬
‫رضي الله عنهم أجمعين‪ ،‬وقد كان عمر عظيم‬
‫الهتمام بهذه المعركة فلم يدع رئيسا ً ول ذا‬
‫رأي ول ذا شرف ول ذا سلطة ول خطيبا ً ول‬
‫شاعرا ً إل رماهم به‪ ،‬فرماهم بوجوه الناس‬
‫وغررهم)‪ ،(1364‬وبينما كان سعد مقيما ً بجيشه‬
‫في زرود مرض المثنى مرضا ً خطيرا ً يقول‬
‫الرواة‪ :‬إن الجراحة التي جرحها يوم الجسر‬
‫انتقضت عليه‪ ،‬واستشعر دنو أجله واشتد‬
‫وجعه واستخلف على من معه بشير بن‬
‫الخصاصية‪ ،‬وطلب المثنى أخاه المعنى‬
‫وأفضى إليه بوصيته وأمره أن يعجل به إلى‬
‫سعد‪ ،‬ثم أسلم المثنى الروح إلى بارئها‬
‫فانطفأ السراج المضيء وأفلت هذه الشمس‬
‫المشرقة التي ملت فتوح العراق نورا ً‬
‫ودفئا ً)‪ ،(1365‬وقد جاء في وصيته لسعد‪ :‬أن‬
‫ل يقاتل عدوه وعدوهم – يعني المسلمين –‬
‫إذا استجمع أمرهم وملؤهم في عقر دارهم‪،‬‬
‫‪ ()1363‬زرود‪ :‬رمال بين الثعلبية والخزيمية بطريق الحاج من‬
‫العراق‪.‬‬
‫‪ ()1364‬تاريخ الطبري )‪.(310 /4‬‬
‫‪ ()1365‬القادسية‪ ،‬أحمد عادل كمال ص ‪.29‬‬
‫وأن يقاتلهم على حدود أرضهم على أدنى‬
‫حجر من أرض العرب وأدنى مردة من أرض‬
‫العجم‪ ،‬فإن يظهر الله المسلمين عليهم فلهم‬
‫ما وراءهم‪ ،‬وإن تكن الخرى فاؤوا إلى فئة‪،‬‬
‫ثم يكونون أعلم بسبيلهم‪ ،‬وأجرأ على أرضهم‪،‬‬
‫إلى أن يرد الله الكرة عليهم)‪ ،(1366‬فما أشبه‬
‫لحظات المثنى الخيرة باللحظات الخيرة‬
‫للخليفة‬
‫أبي بكر رضي الله عنهما‪ ،‬كلهما ترك الدنيا‬
‫وهو يفكر للمسلمين في هذه الفتوح ويوصي‬
‫لها‪ ،‬توفي أبو بكر وهو يوصي خليفته عمر‬
‫بندب الناس وبعثهم لفتح العراق‪ ،‬وتوفي‬
‫المثنى وهو يوّرث القائد الجديد لحرب العراق‬
‫سعد بن أبي وقاص تجاربه الحربية ضد‬
‫الفرس‪ ،‬فهو يجود بنفسه وهو يفكر ويدبر‬
‫ً)‪(1367‬‬
‫ي‬
‫‪ ،‬ولما انتهى إلى سعد رأ ُ‬ ‫ويوصي سعدا‬
‫مر المعنى بن‬ ‫المثنى ووصيته تّرحم عليه وأ ّ‬
‫حارثة على عمله‪ ،‬وأوصى بأهل بيته‬
‫خيرا ً)‪ ،(1368‬ومما يلفت النظر في هذا الخبر أن‬
‫المثنى قد أوصى بزوجته سلمى بنت خصفة‬
‫التيمية إلى سعد بن أبي وقاص‪ ،‬وحملها معه‬
‫المعنى‪ ،‬ثم خطبها سعد بعد انتهاء عدتها‬
‫وتزوجها‪ ،‬فهل أراد المثنى أن ي َّبر زوجته بعد‬
‫رحيله بضمها إلى بطل عظيم من أبطال‬
‫السلم شهد له رسول الله بالجنة؟ إنه نوع‬
‫من الوفاء نادر المثال‪ ،‬أم أنها كانت ذكية‬
‫‪ ()1366‬تاريخ الطبري )‪.(313 /4‬‬
‫‪ ()1367‬القادسية ص ‪ 30‬أحمد عادل كمال‪.‬‬
‫‪ ()1368‬تاريخ الطبري )‪.(313 /4‬‬
‫وعاقلة وقد تكون لديها خبرة من حروب‬
‫زوجها‪ ،‬فأراد أن ينتفع المسلمون بها؟ كل‬
‫ذلك محتمل‪ ،‬وهو غيض من فيض مما تحلى به‬
‫ذلك الجيل الراشد من الفضائل وعظائم‬
‫المور)‪ ،(1369‬ومما ينبغي الشادة به الشارة‬
‫إليه‪ ،‬موقف قام به المعنى قبل إبلغ هذه‬
‫الوصية‪ ،‬وذلك أنه علم بأن أحد أمراء الفرس‬
‫وهو الزاذمر بعث قابوس بن قابوس بن‬
‫المنذر إلى القادسية وقال له‪ :‬ادع العرب‬
‫فأنت علىمن أجابك وكن كما كان آباؤك –‬
‫يعني المناذرة الذين كانوا ولة الفرس –‬
‫فنزل القادسية وكاتب بكر بن وائل بمثل ما‬
‫كان النعمان يكاتبهم به مقاربة ووعيدًا‪ ،‬فلما‬
‫سَرى المعّنى من‬‫انتهى إلى المعّنى خبره‪ ،‬أ ْ‬
‫))ذي قار(( حتى بّيته‪ ،‬فأنامه ومن معه‪ ،‬ثم‬
‫رجع إلى ذي قار)‪.(1370‬‬

‫‪ -5‬مسيرة سعد إلى العراق ووصية عمر رضي الله عنهما‪:‬‬


‫جاء المر من عمر أمير المؤمنين إلى سعد بن‬
‫أبي وقاص رضي الله عنهما بالرحيل من‬
‫))زرود(( إلى العراق استعدادا ً لخوض المعركة‬
‫الفاصلة مع الفرس وأوصاه بالوصية التالية‪:‬‬
‫أما بعد فإني آمرك ومن معك من الجناد‬
‫بتقوى الله على كل حال‪ ،‬فإن تقوى الله عز‬
‫وجل أفضل العدة على العدو‪ ،‬وأقوى العدة‬
‫د‬
‫في الحرب وآمرك ومن معك أن تكونوا أش ّ‬

‫‪ ()1369‬التاريخ السلمي )‪.(371 ،10/370‬‬


‫‪ ()1370‬تاريخ الطبري )‪.(313 /4‬‬
‫احتراسا ً من المعاصي منكم من عدوكم فإن‬
‫ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم‪ ،‬وإنما‬
‫ينصر المسلمون بمعصية عدوهم لله‪ ،‬ولول‬
‫ذلك لم تكن لنا بهم قوة لن عددنا ليس‬
‫دتنا كعدتهم‪ ،‬فإذا استوينا في‬ ‫ع ّ‬
‫كعددهم‪ ،‬ول ُ‬
‫المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة‪،‬‬
‫وإن ل ننصر عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا‪،‬‬
‫واعلموا أن عليكم في سيركم حفظة من الله‬
‫يعلمون ما تفعلون‪ ،‬فاستحيوا منهم‪ ،‬ول‬
‫تعملوا بمعاصي الله وأنتم في سبيل الله ول‬
‫تقولوا إن عدونا شر مّنا ولن يسلط علينا وإن‬
‫ب قوم سلط عليهم شّر منهم كما‬ ‫أسأنا‪ ،‬فُر ّ‬
‫سلط على بني إسرائيل لما عملوا بمساخط‬
‫الله كفرة المجوس‪ ،‬فجاسوا خلل الديار‪،‬‬
‫وكان وعدا ً مفعول‪ ،‬اسألوا الله العون على‬
‫أنفسكم كما تسألونه النصر على عدوكم‪،‬‬
‫أسأل الله ذلك لناولكم‪ ،‬وترفق بالمسلمين‬
‫شمهم مسيرا ً يتعبهم ول‬ ‫في مسيرهم‪ ،‬ول تج ّ‬
‫تقصر بهم عن منزل يرفق بهم حتى يبلغوا‬
‫عدوهم والسفر لم ينقص قوتهم‪ ،‬فإنهم‬
‫م النفس‬ ‫سائرون إلى عدو مقيم‪ ،‬جا ّ‬
‫والكراع)‪ ،(1371‬وأقم بمن معك كل جمعة يوما ً‬
‫وليلة حتى تكون لهم راحة‪ ،‬يجمعون فيها‬
‫ح‬‫أنفسهم‪ ،‬ويرمون أسلحتهم وأمتعتهم ون ّ‬
‫منازلهم عن قرى أهل الصلح والذمة‪ ،‬فل‬
‫يدخلنها من أصحابك إل من تثق بدينه‪ ،‬ول ترزأ‬
‫أحدا ً من أهلها شيئا ً فإن لهم حرمة وذمة‬

‫‪ ()1371‬يعني‪ :‬الخيول‪.‬‬
‫ابتليتم بالوفاء بها‪ ،‬كما ابتلوا بالصبر عليها‪،‬‬
‫فما صبروا لكم فوفوا لهم‪،‬‬
‫ول تنتصروا على أهل الحرب بظلم أهل‬
‫الصلح‪ ،‬وإذا وطئت أدنى أرض العدو فأذك‬
‫العيون بينك وبينهم‪ ،‬ول يخف عليك أمرهم‪،‬‬
‫وليكن عندك من العرب أو من أهل الرض من‬
‫تطمئن إلى نصحه وصدقه‪ ،‬فإن الكذوب ل‬
‫ينفعك خبره وإن صدق في بعض‪ ،‬والغاش‬
‫عين عليك وليس عينا ً لك‪ ،‬وليكن منك عند‬
‫ث‬‫دنوك من أرض العدو أن تكثر الطلئع‪ ،‬وتب ّ‬
‫السرايا بينك وبينهم‪ ،‬فتقطع السرايا أمدادهم‬
‫ومرافقهم‪ ،‬وتتبع الطلئع عورتهم‪ ،‬وانتق‬
‫الطلئع أهل الرأي والبأس من أصحابك‪،‬‬
‫وتخير لهم سوابق الخيل‪ ،‬فإن لقوا عدوا كان‬
‫أول من تلقاهم القوة من رأيك‪ ،‬واجعل أمر‬
‫السرايا إلى أهل الجهاد‪ ،‬والصبر على‬
‫الجلد‪،‬لعلها )ول تخص أحدا ً بهوى( فيضيع من‬
‫رأيك وأمرك أكثر مما حابيت به أهل خاصتك‪،‬‬
‫ول تبعث طليعة ول سرية في وجه تتخوف‬
‫فيه ضيعة ونكاية‪ ،‬فإذا عاينت العدو فاضمم‬
‫إليك أقاصيك وطلئعك وسراياك‪ ،‬واجمع إليك‬
‫مكيدتك وقوتك‪ ،‬ثم ل تعالجهم المناجزة ما لم‬
‫يستكرهك قتال‪ ،‬حتى تبصر عورة عدوك‬
‫ومقاتله‪ ،‬وتعرف الرض كلها كمعرفة أهلها‪،‬‬
‫فتصنع بعدوك كصنيعته بك ثم أذك حراسك‬
‫على عسكرك‪ ،‬وتحفظ من البيات جهدك‪ ،‬ول‬
‫تؤتى بأسير ليس له عهد إل ضربت عنقه‬
‫لترهب بذلك عدوك وعدو الله‪ ،‬والله ولي‬
‫أمرك ومن معك وولي النصر لكم على عدوكم‬
‫والله المستعان)‪ ،(1372‬فهذا خطاب عظيم‬
‫يشتمل على وصايا نافعة ‪ ،‬يوضح لنا جانبا ً‬
‫مهما ً من عظمة عمر رضي الله عنه وهو‬
‫خبرته العالية في التخطيط الحربي‪ ،‬وقد كان‬
‫التوفيق اللهي واضحا ً في كل توجيهاته‬
‫ووصاياه)‪ ،(1373‬ويمكننا أن نستخلص بعض‬
‫المبادئ الهامة التي اشتملت عليها تلك‬
‫الوصية منها‪:‬‬

‫‪ -‬أمر الجيش بطاعة الله وتقواه في كل‬


‫الحوال‪ ،‬باعتبار أن هذا هو السلح الول‪،‬‬
‫والتنبيه أن العدو الول هو الذنوب‪ ،‬ثم‬
‫المحاربون الكفار‪ ،‬ولفت النظر إلى أن‬
‫ثمة رقابة دقيقة ودائمة‪ ،‬من الملئكة على‬
‫أفراد الجيش السلمي‪ ،‬والشارة إلى‬
‫ضرورة الستحياء من المعاصي‪ ،‬إذا ل‬
‫يعقل أن يعصي المرء وهو في ساحة‬
‫الجهاد في سبيل الله‪ ،‬والتأكيد على أنه‬
‫من المجافي للصواب‪ ،‬اتخاذ سلوكيات‬
‫العدو معيارا ً لتبرير سلوكيات الجيش‬
‫السلمي واستحضار الحاجة الدائمة إلى‬
‫معونة الله‪.‬‬
‫‪ -‬أما المبدأ الثاني الذي أكدت عليه‬
‫رسالة عمر إلى سعد فهو‪ :‬رعاية الطرف‬
‫الول في العلقة محل البحث ضد أي‬
‫‪ ()1372‬الفاروق عمر بن الخطاب‪ ،‬لمحمد رشيد رضا ص ‪،119‬‬
‫‪.120‬‬
‫‪ ()1373‬التاريخ السلمي )‪.(374 /10‬‬
‫خطر‪ ،‬وتأكيد حرمة قرى أهل الصلح‬
‫وتلمس أسباب تأمينها‪ ،‬وتأمين الصورة‬
‫السلمية من أية آثار عكسية تؤثر على‬
‫نجاح عملية التصال بين المسلمين وغير‬
‫المسلمين‪ ،‬من جراء سلوكيات غير‬
‫مستقيمة من جانب بعض العناصر‬
‫السلمية‪ ،‬وسعيا ً لتحقيق متطلبات هذا‬
‫المبدأ‪ ،‬أمر عمر أميره بمراعاة أسباب‬
‫الحفاظ على معنويات الجيش‪ ،‬وإيصاله‬
‫إلى أرض العدو‪ ،‬وهو قادر على المواجهة‪،‬‬
‫فقال‪ :‬ترفق بالمسلمين في سيرهم‪..‬‬
‫إلى أن قال يكون ذلك لهم راحة يجمعون‬
‫بها أنفسهم‪ ،‬ويصلحون أسلحتهم‪،‬‬
‫وأمتعتهم‪ ،‬وبعد التأكيد على أسباب صيانة‬
‫وسلمة النفس والعتاد الحربي السلمي‪،‬‬
‫نبه عمر إلى أن الوقاية خير من العلج‪،‬‬
‫وأن من أهم أسلحة الجيش الظهور‬
‫بسلوكيات إسلمية‪ ،‬يوافق فيها القول‬
‫العمل‪ ،‬فأمر عمر – كإجراء احتياطي –‬
‫بإبعاد منازل الجيش عن قرى الصلح درءا ً‬
‫لمكانية وقوع أية تجاوزات‪ ،‬تعود بالسلب‪،‬‬
‫على العلقة المراد إقامتها‪ ،‬وعدم السماح‬
‫إل لهل الثقة بدخول قرى الصلح‪،‬‬
‫والتأكيد على حرمة أهل الصلح ولزوم‬
‫الوفاء لهم‪.‬‬
‫‪ -‬ونصت رسالة عمر على مبدأ ثالث‬
‫وهو‪ :‬التنوع في أسلوب المعاملة حسب‬
‫نوعية شريك الدور‪ ،‬والرفق بأهل الصلح‪،‬‬
‫وعدم تحميلهم فوق طاقتهم‪ ،‬فلقد طلب‬
‫عمر من أميره‪ ،‬أل يظلم أهل الصلح بغية‬
‫النصر على أهل الحرب‪ ،‬وأن يستعين بمن‬
‫يثق به من أهل المناطق الجاري فتحها‪،‬‬
‫على أن تكون دواعي الثقة المطلقة‬
‫بمعنى‪ :‬التحرز فيها كيل ً يؤتى من قبيل‬
‫الفراط في حسن الظن‪.‬‬
‫‪ -‬أما المبدأ الرابع‪ :‬فهو ضرورة جمع‬
‫معلومات كافية عن العدو‪ ،‬فلقد نبه عمر‬
‫إلى ضرورة إسناد أمر جمع المعلومات‬
‫إلى طلئع استطلع من أفضل عناصر‬
‫الجيش‪ ،‬مع تسليحها بأفضل ما بحوزة‬
‫الجيش من أسلحة‪ ،‬ذلك أن العدو قد‬
‫يكشف بعضها فيكرهها على الدخول في‬
‫قتال‪ ،‬ويجب بالتالي أن تكون من القوة‬
‫بحيث تحدث الثر النفسي المطلوب في‬
‫العدو بإشعاره بقوة الجيش‪ ،‬وبتلمس‬
‫أسباب الكف عن استخدام القوة‪.‬‬
‫‪ -‬أما المبدأ الخامس‪ ،‬والخير‪ ،‬في رسالة‬
‫عمر‪ ،‬فهو‪ :‬وضعه الرجل المناسب في‬
‫المكان المناسب‪ ،‬واعتبار أن الغرض من‬
‫جمع المعلومات عن العدو ليس التمكن‬
‫من محاربته‪ ،‬بقدر ما هو التحرز من‬
‫استكراه الطرف الثاني للمسلمين على‬
‫القتال‪ ،‬ولذا يجب على المسلمين الكف‬
‫بعد الخذ بالسباب‪ ،‬والتأهب ما وجدوا‬
‫إلى ذلك سبيل ً مع أخذ الحيطة والحذر‬
‫البالغين)‪.(1374‬‬
‫‪ -6‬الستعانة بمن تاب من المرتدين‪:‬‬
‫إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لم يستعن‬
‫في حروب الردة ول في حركة الفتوحات‬
‫بمرتد‪ ،‬وأما عمر رضي الله عنه فقد‬
‫استنفرهم بعد أن تابوا وصلح حالهم وأخذوا‬
‫قسطا ً من التربية السلمية إل أنه لم يول‬
‫منهم أحدا ً)‪ ،(1375‬وقد جاء في رواية أنه قال‬
‫لسعد بن أبي وقاص في شأن طليحة بن‬
‫خويلد السدي وعمرو بن معدي كرب الزبيدي‪:‬‬
‫استعن بهما ول تولينهما على مائة)‪،(1376‬‬
‫فنستفيد من سنة الخليفتين الراشدين أبي‬
‫بكر وعمر)‪ ،(1377‬أن من ارتد عن السلم ثم‬
‫تاب ورجع إليه فإن توبته مقبولة ويكون‬
‫معصوم الدم والمال‪ ،‬وله ما للمسلمين وعليه‬
‫ما عليهم غير أنه‬
‫ل يولى شيئا ً من أمور المسلمين المهمة‬
‫وخاصة العمال القيادية‪ ،‬وذلك لحتمال أن‬
‫تكون توبته نفاقًا‪ ،‬وإذا كانت كذلك وتولى‬
‫قيادة المسلمين المهمة وخاصة العمال‬
‫القيادية‪ ،‬فإنه يفسد في الرض ويقلب‬
‫موازين الحياة فيقرب أمثاله من المنافقين‬
‫ول المجتمع‬ ‫ويبعد المؤمنين الصادقين ويح ّ‬

‫الدور السياسي للصفوة في صدر السلم ص ‪.429‬‬ ‫‪()1374‬‬


‫التاريخ السلمي )‪.(375 /10‬‬ ‫‪()1375‬‬
‫نفس المصدر )‪.(375 /10‬‬ ‫‪()1376‬‬
‫سنن الترمذي المناقب باب ‪ 52‬حديث رقم ‪.3742‬‬ ‫‪()1377‬‬
‫السلمي إلى مجتمع تسوده مظاهر الجاهلية‪،‬‬
‫فكانت هذه السنة الراشدة من الخليفتين‬
‫الراشدين لحماية المجتمع السلمي من‬
‫تسلل المفسدين إلى قيادته وتوجيهه‪ ،‬ولعل‬
‫حكم هذه السنة أيضا ً ملحظة عقوبة المرتدين‬
‫بنقيض قصدهم‪ ،‬الذين يرتدون من أجل‬
‫الحصول على الزعامات والقيادات‪ ،‬إذا‬
‫أظهروا التوبة‪ ،‬وعادوا إلى السلم يحرمون‬
‫من هذه القيادات عقوبة لهم‪ ،‬وردعا ً لكل من‬
‫تسول له نفسه أن يخرج عن الخط السلمي‪،‬‬
‫ويبحث عن الزعامة في معاداة السلم‬
‫وموالة أعدائه)‪.(1378‬‬

‫‪ -7‬كتاب من أمير المؤمنين إلى سعد بن أبي وقاص‪:‬‬


‫وصل إلى سعد بن أبي وقاص كتاب من أمير‬
‫المؤمنين وهو نازل في شراف على حدود‬
‫العراق يأمره فيه بالمسير نحو فارس وقد جاء‬
‫في هذا الكتاب‪ :‬أما بعد فسر من شراف نحو‬
‫فارس‪ ،‬بمن معك من المسلمين‪ ،‬وتوكل على‬
‫الله واستعن به على أمرك كله‪ ،‬واعلم فيما‬
‫لديك أنك تقدم على أمة عددهم كثير وعدتهم‬
‫فاضلة‪ ،‬وبأسهم شديد‪ ،‬وعلى بلد منيع – وإن‬
‫كان سهل ً – كؤود لبحوره وفيوضه‬
‫ودأدائه)‪ ،(1379‬إل أن توافقوا غيضا ً من فيض‪،‬‬
‫وإذا لقيتم القوم أو أحدا ً منهم فابدؤوهم‬
‫العتيد والضرب‪ ،‬وإياكم والمناظرة – لجموعهم‬

‫‪ ()1378‬التاريخ السلمي )‪.(376 /10‬‬


‫‪ ()1379‬الدأداء‪ :‬الفضاء وما اتسع من الودية‪.‬‬
‫– يعني النتظار بعد المواجهة – ول يخدعنكم‬
‫فإنهم خدعة مكرة‪ ،‬أمرهم غير أمركم‪ ،‬إل أن‬
‫تجادوهم – يعني تأخذوهم بالجد – وإذا انتهيت‬
‫إلى القادسية)‪ ،(1380‬فتكون مسالحك على‬
‫أنقابها ويكون الناس بين الحجر والمدر)‪،(1381‬‬
‫على حافات الحجر وحافات المدر‪ ،‬والجراع‬
‫بينهما)‪ ،(1382‬ثم ألزم مكانك فل تبرحه فإنهم‬
‫إن أحسوك انغضتهم رموك بجمعهم‪ ،‬الذي‬
‫يأتي على خيلهم ورجلهم وحدهم وجدهم‪،‬‬
‫فإن أنتم صبرتم لعدوكم‪ ،‬واحتبستم لقتاله‬
‫ونويتم المانة رجوت أن تنصروا عليهم‪ ،‬ثم ل‬
‫يجتمع لكم مثلهم أبدًا‪ ،‬إل أن يجتمعوا وليست‬
‫معهم قلوبهم‪ ،‬وإن تكن الخرى كان الحجر‬
‫في أدباركم‪ ،‬فانصرفتم من أدنى مدرة من‬
‫أرضهم إلى أدنى حجر من أرضكم‪ ،‬ثم كنتم‬
‫عليها أجرأ وبها أعلم‪ ،‬وكانوا عنها أجبن‪،‬‬
‫وهذه الوصية في اختيار المكان الذي يستقر‬
‫فيه الجيش تشبه وصية المثنى لسعد حيث‬
‫اتفق رأي عمر والمثنى في اختيار المكان‪،‬‬
‫وكانت تلك الوصية من المثنى نتيجة خبرة‬
‫أكثر من ثلث سنوات في حرب الفرس‪ ،‬وهذا‬
‫دليل على براعة عمر رضي الله عنه في‬
‫التخطيط الحربي مع أنه لم تطأ قدماه أرض‬
‫العراق رضي الله عنهم أجمعين‪ ،‬وتتضمن هذه‬
‫الوصية إبقاء الجيش بعيدا ً عن متناول العداء‪،‬‬
‫ثم رميهم بالسرايا التي تنغص عليهم حياتهم‬
‫‪ ()1380‬القادسية‪ :‬باب فارس في الجاهلية‪.‬‬
‫‪ ()1381‬الحجر والمدر‪ :‬يعني الصحراء والقرى العامرة‪.‬‬
‫‪ ()1382‬الجراع بينهما‪ :‬يعني الرض السهلة‪.‬‬
‫وتثير عليهم أتباعهم حتى يضطر المسلمون‬
‫إلى منازلتهم في المكان الذي تم‬
‫اختياره)‪.(1383‬‬

‫‪ -8‬من أسباب النصر المعنوية في رأي عمر رضي الله عنه‪:‬‬


‫كتب عمر رضي الله عنه إلى سعد يذكره‬
‫بأسباب النصر المعنوية وهي التي تأتي في‬
‫المقام الول‪ ،‬وقد جاء في كتابه‪ :‬أما بعد‬
‫فتعاهد قلبك وحادث جندك بالموعظة والنية‬
‫والحسبة‪ ،‬ومن غفل فليحدثهما والصبر‬
‫الصبر‪ ،‬فإن المعونة تأتي من الله على قدر‬
‫النية والجر قدر الحسبة‪ ،‬والحذر الحذر على‬
‫ما أنت عليه وما أنت بسبيله واسألوا الله‬
‫العافية‪ ،‬وأكثروا من قول ))ل حول ول قوة‬
‫ي أين بلغ جمعكم‪ ،‬ومن‬ ‫إل بالله(( واكتب إل ّ‬
‫رأسهم الذي يلي مصادمتكم؟ فإنه قد منعني‬
‫من بعض ما أردت الكتاب به قلة علمي بما‬
‫هجمتم عليه‪ ،‬والذي استقر عليه أمر عدوكم‪،‬‬
‫فصف لنا منازل المسلمين‪ ،‬والبلد الذي بينكم‬
‫وبين المدائن صفة كأني أنظر إليها‪ ،‬واجعلني‬
‫من أمركم على الجيلة وخف الله وارجه‪ ،‬ول‬
‫دل بشيء‪ ،‬واعلم أن الله قد وعدكم‪ ،‬وتوكل‬ ‫تُ ِ‬
‫خلف له‪ ،‬فاحذر أن تصرفه‬ ‫لهذا المر بما ل ُ‬
‫)‪(1384‬‬
‫‪ ،‬ففي هذا‬ ‫عنك‪ ،‬ويستبدل بكم غيركم‬
‫الكتاب يوصي عمر رضي الله عنه بتعاهد‬
‫القلوب‪ ،‬فإن القلب هو المحرك لجميع أعضاء‬

‫‪ ()1383‬التاريخ السلمي )‪.(379 /10‬‬


‫‪ ()1384‬تاريخ الطبري )‪.(315 /4‬‬
‫الجسم والحاكم عليها فإذا صلح صلح الجسم‬
‫كله‪ ،‬ثم يوصيه بموعظة جنده وتذكيرهم‬
‫بالخلص لله تعالى واحتساب الجر عنده‪،‬‬
‫ويبين أن نصر الله مترتب على ذلك‪ ،‬ويحذره‬
‫من التفريط في المسؤولية التي تحملها وما‬
‫يستقبله من الفتوح‪ ،‬ويذكرهم بوجوب‬
‫ارتباطهم بالله تعالى وأن قوتهم من قوته‬
‫ويوصي قائد المسلمين بأن يكون بين مقام‬
‫الخوف من الله تعالى والرجاء لما عنده‪ ،‬وهو‬
‫مقام عظيم من مقامات التوحيد وينهاه عن‬
‫الدلل على الله بشيء من العمل أو ثناء‬
‫الناس ويذكره بما سبق من وعد الله تعالى‬
‫بانتصار السلم وزوال ممالك الكفر‪ ،‬ويحذره‬
‫من التهاون في تحقيق شيء من أسباب‬
‫النصر‪ ،‬فيتخلف النصر عنهم ليتم على يد‬
‫غيرهم ممن يختارهم الله تعالى)‪.(1385‬‬

‫‪ -9‬سعد رضي الله عنه يصف موقع القادسية لعمر رضي الله‬
‫عنه ورد عمر عليه‪:‬‬
‫كتب سعد إلى عمر رضي الله عنهما‪ :‬يصف له‬
‫البلدان التي يتوقع أن تكون ميدانا ً للمعركة‬
‫الفاصلة‪ ،‬إلى أن قال‪ :‬وأن جميع من صالح‬
‫ب لهل‬‫المسلمين من أهل السواد قبلي إل ٌ‬
‫فارس قد خضعوا لهم واستعدوا لنا‪ ،‬وإن الذي‬
‫أعدوا لمصادمتنا رستم في أمثال له منهم‪،‬‬
‫فهم يحاولون إنغاضنا وإقحامنا‪ ،‬ونحن نحاول‬
‫إنغاضهم وإبرازهم‪ ،‬وأمر الله بعد ماض‪،‬‬

‫‪ ()1385‬التاريخ السلمي )‪.(379 /10‬‬


‫وقضاؤه مسّلم إلى ما قدر لنا وعلينا‪ ،‬فنسأل‬
‫الله خير القضاء وخير القدر في عافية)‪،(1386‬‬
‫فكتب إليه عمر‪ :‬قد جاءني كتابك وفهمته‪،‬‬
‫فأقم بمكانك حتى ينغض الله لك عدوك‪،‬‬
‫واعلم أن لها ما بعدها‪ ،‬فإن منحك الله‬
‫أدبارهم فل تنزع حتى تقحم عليهم المدائن‬
‫فإنه خرابها إن شاء الله)‪ ،(1387‬ومن خلل‬
‫رسالة عمر يتبين أنه اتخذ القرار المناسب‬
‫وهو‪:‬‬

‫‪ -‬أن يثبت سعد في مواقعه فل يبارحها‪.‬‬


‫‪ -‬أن ل يبادر العدو بالقتال بل يترك له‬
‫أمر هذه المبادرة‪.‬‬
‫‪ -‬أن يعمد إلى استثمار النصر ويطارد‬
‫العدو حتى المدائن‪ ،‬فيفتحها عليه)‪،(1388‬‬
‫ومع الخذ بالسباب المادية التي ل بد‬
‫منها في إحراز النصر لم يترك الفاروق‬
‫الجوانب المعنوية وشن حرب نفسية على‬
‫الخصوم في عقر دراهم‪ ،‬وعز ملكهم‪،‬‬
‫وقوة سطوتهم‪ ،‬فأرسل إلى سعد‪ :‬إني‬
‫ألقي في روعي‪ :‬أنكم إذا لقيتم العدو‬
‫غلبتموهم‪ ،‬فمتى لعب أحد منكم أحدا ً من‬
‫العجم بأمان وإشارة أو لسان كان عندهم‬
‫أمانًا‪ ،‬فأجروا له ذلك مجرى المان والوفاء‬

‫‪ ()1386‬البداية والنهاية )‪.(38 /7‬‬


‫‪ ()1387‬البداية والنهاية )‪.(38 /7‬‬
‫‪ ()1388‬الفن العسكري السلمي ص ‪.253‬‬
‫فإن الخطأ بالوفاء بقية‪ ،‬وإن الخطأ بالغدر‬
‫هلكة‪ ،‬وفيها وهنكم وقوة عدوكم)‪.(1389‬‬
‫لقد كان عمر رضي الله عنه يعيش مع الجيش‬
‫السلمي بكل مشاعره وأحاسيسه‪ ،‬ولقد‬
‫تكاثفت عليه الهموم حتى أصبح ل يهنأ بعيش‬
‫ول يقر له قرار حتى يسمع أخبارهم‪ ،‬وإن في‬
‫مثل هذا اللهام من الله تعالى تخفيفا ً من‬
‫هذا العبء الكبير الذي تحمله عمر وتثبيتا ً‬
‫للمسلمين وتقوية لقلوبهم‪ ،‬ونلحظ أن‬
‫كر المسلمين بشيء‬ ‫الفاروق رضي الله عنه ذ ّ‬
‫من عوامل النصر المعنوية حيث حثهم على‬
‫اللتزام بشرف الكلمة والصدق في القول‬
‫والوفاء بالعهود‪ ،‬ولو كان من التزم بذلك أحد‬
‫أفراد المسلمين‪ ،‬أو كان هناك خطأ في الفهم‬
‫فلم يقصد المسلم المان وفهمه‬
‫العدو أمانا ً)‪.(1390‬‬

‫ثانيًا‪ :‬الفاروق يطلب من سعد أن يرسل وفدا ً لمناظرة ملك‬


‫الفرس‪:‬‬
‫وقال عمر لسعد في رسائله‪ :‬ل يكربنك ما يأتيك‬
‫عنهم ول مللا يأتونللك بلله واسللتعن بللالله‪ ،‬وتوكللل‬
‫عليه وابعث إليه رجللال ً مللن أهللل النظللر والللرأي‬
‫والجلد يدعونه إلى الله فإن الله جاعللل دعللاءهم‬
‫توهينا ً لهلم وفلجلا ً عليهلم وطللب الفلاروق ملن‬
‫سعد أن يكتب له كل يوم)‪ ، (1391‬وشرع فللي جمللع‬
‫رجال من أهل النظر والرأي والجلد‪ ،‬فكان الذين‬
‫‪ ()1389‬إتمام الوفاء في سيرة الخلفاء ص ‪.73‬‬
‫‪ ()1390‬التاريخ السلمي )‪.(381 /10‬‬
‫‪ ()1391‬انظر‪ :‬البداية والنهاية )‪.(38 /7‬‬
‫وقللع عليهللم الختيللار مللن أهللل الجتهللاد والراء‬
‫والحساب‪.‬‬
‫‪ -1‬النعمان بن مقرن المزني‪.‬‬
‫‪ -2‬بسر بن أبي رهم الجهني‪.‬‬
‫‪ -3‬حملة بن جويه الكناني‪.‬‬
‫‪ -4‬حنظلة بن الربيع التميمي‪.‬‬
‫‪ -5‬فرات بن حيان العجلي‪.‬‬
‫‪ -6‬عدي بن سهيل‪.‬‬
‫‪ -7‬المغيرة بن زرارة بن النباش بن‬
‫حبيب)‪.(1392‬‬
‫واختار سعد نفللرا ً عليهللم مهابللة ولهللم منظللر‬
‫لجسامهم ولهم آراء نافذة‪.‬‬
‫عطارد بن حاجب التميمي‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫الشعث بن قيس الكندي‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫الحارث بن حسان الذهلي‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫عاصم بن عمرو التميمي‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫عمرو بن معدي كرب الزبيدي‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫المغيرة بن شعبة الثقفي‪.‬‬ ‫‪-6‬‬
‫المعنى بن حارثة الشيباني)‪.(1393‬‬ ‫‪-7‬‬

‫فهم أربعة عشر داعية بعثهم سعد دعاة إلى ملك‬


‫الفرس بأمر عمر رضي الله عنه وهم من سادات‬
‫القوم كما أرادهم عمر رضي الله عنه‪ ،‬كي‬
‫يستطيعوا دعوة يزدجرد بالحكمة والموعظة‬

‫‪ ()1392‬انظر‪ :‬الدعوة السلمية في عهد عمر بن الخطاب لحسني‬


‫محمد إبراهيم‪.‬‬
‫‪ ()1393‬انظر‪ :‬الكامل في التاريخ )‪.(101 /2‬‬
‫الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن‪ ،‬ولعل الله‬
‫يهديه هو وجنده لليمان وتحقن دماء الطرفين‪.‬‬
‫لقد كان هذا الوفد المنتقى على درجة عالية من‬
‫الكفاية والقدرة لما أوفد له‪ ،‬فالضافة إلى ما‬
‫يتمتعون به من جسامة وقوة ومهابة وحسن‬
‫رأي‪ ،‬فلهم أيضا ً سبق معرفة بالفرس‪ ،‬فقد كان‬
‫منهم من عاركهم وعركهم ومارس معهم‬
‫الحروب في حملت سابقة‪ ،‬ومنهم من وفد في‬
‫الجاهلية على ملوك الفرس‪ ،‬ومنهم من يعرف‬
‫اللغة الفارسية‪ ،‬فكأن سعد اختارهم لهذه‬
‫الوفادة بعد أن اجتاز كل منهم كشفا ً فنيا ً من‬
‫حيث كفاءته وحسن رأيه‪ ،‬وكشفا ً طبيا ً من حيث‬
‫قوته وضعفه وكشف هيئة من حيث لياقته‬
‫وجسامته)‪ .(1394‬لقد كان الوفد يتمتع بميزتي‬
‫الرغبة والرهبة التي تتوفر في جسامتهم‬
‫ومهابتم وجلدهم وشدة ذكائهم)‪.(1395‬‬
‫وتحرك هذا الوفد الميمون بقيادة النعمان بن‬
‫مقرن‪ ،‬فوصلوا المدائن وأدخلوا على ملك‬
‫الفرس يزدجرد‪ ،‬فسألهم بواسطة ترجمانه‪ :‬ما‬
‫جاء بكم ودعاكم إلى غزونا والولوغ ببلدنا؟ أمن‬
‫أجل أنا تشاغلنا عنكم اجترأتم علينا؟‬
‫فتكلم عنهم النعمان بن مقرن‪ ،‬فقال‪) :‬إن الله‬
‫رحمنا‪ ،‬فأرسل إلينا رسول ً يأمرنا بالخير وينهانا‬
‫عن الشر‪ ،‬ووعدنا على إجابته خيري الدنيا‬
‫والخرة‪ ،‬فلم يدع قبيلة قاربه منها فرقة‪،‬‬
‫وتباعد عنه منها فرقة‪ ،‬ثم أمر أن نبتدئ بمن‬
‫‪ ()1394‬انظر‪ :‬القادسية لحمد عادل كمال بتصرف ص ‪.70‬‬
‫‪ ()1395‬انظر‪ :‬الدعوة السلمية في عهد عمر بن الخطاب ص )‬
‫‪.(241‬‬
‫خالفه من العرب‪ ،‬فبدأنا بهم‪ ،‬فدخلوا معه على‬
‫وجهين مكره عليه فاغتبط)‪ ،(1396‬وطائع فازداد‪،‬‬
‫فعرفنا جميعا ً فضل‬
‫ما جاء به على الذي كنا عليه من العداوة‬
‫والضيق ثم أمر أن نبتدئ بمن جاورنا من المم‪،‬‬
‫فندعوهم إلى النصاف‪ .‬فنحن ندعوكم إلى‬
‫ديننا‪ ،‬وهو دين حسن الحسن‪ ،‬وقبح القبيح كله‪،‬‬
‫فإن أبيتم فأمر من الشر أهون من آخر شر منه‪:‬‬
‫الجزية‪ ،‬فإن أبيتم فالمناجزة‪ ،‬فإن أجبتم إلى‬
‫ديننا خلفنا فيكم كتاب الله‪ ،‬وأقمنا على أن‬
‫تحكموا بأحكامه‪ ،‬ونرجع منكم وشأنكم وبلدكم‪،‬‬
‫وإن بذلتم الجزاء قبلنا منكم وشأنكم وبلدكم‪،‬‬
‫وإن بذلتم الجزاء قبلنا منكم ومنعناكم وإل‬
‫قاتلناكم(‪.‬‬
‫فقال ملك الفرس يزدجرد ‪ :‬إني ل أعلم أمة في‬
‫الرض كانت أشقى ول أقل عددا ً‬
‫ول أسوأ ذات بين منكم‪ ،‬فقد كنا نوكل لكم قرى‬
‫الضواحي فيكفونا أمركم‪:‬‬
‫ول تطمعون أن تقوموا لفارس‪ ،‬فإن كان غرور‬
‫لحقكم فل يغرنكم منا‪ ،‬وإن كان الجهد)‪،(1397‬‬
‫فرضنا لكم قوتا ً إلى خصبكم‪ ،‬وأكرمنا وجوهكم‪،‬‬
‫وكسوناكم وملكنا عليكم ملكا ً يرفق بكم‪.‬‬
‫فقام المغيرة بن زرارة‪ ،‬فقال‪ :‬أما ما ذكرت من‬
‫سوء الحال فكما وصفت وأشد وذكر من سوء‬
‫عيش العرب ورحمة الله بهم بإرسال النبي ‪.. ‬‬
‫مثل مقالة النعمان ‪ ..‬ثم قال‪)) :‬اختر إما الجزية‬

‫‪ ()1396‬اغتبط‪ :‬فرح بالنعمة‪.‬‬


‫‪ ()1397‬الجهد‪ :‬الضيق والشدة‪.‬‬
‫د وأنت صاغر‪ ،‬أو السيف‪ ،‬وإل فنج نفسك‬ ‫عن ي ٍ‬
‫بالسلم((‪.‬‬
‫فقال يزدجرد‪ :‬لول أن الرسل ل تقتل لقتلتكم‪،‬‬
‫ل شيء لكم عندي‪ ،‬ثم استدعى بوقر)‪ ،(1398‬من‬
‫تراب‪ ،‬وقال لقومه‪ :‬احملوه على أشرف هؤلء‪،‬‬
‫ثم سوقوه حتى يخرج من باب المدائن فقام‬
‫عاصم بن عمرو وقال‪ :‬أنا أشرفهم وأخذ التراب‬
‫فحمله وخرج إلى راحلته فركبها‪ ،‬ولما وصل إلى‬
‫سعد قال له )أبشر‪ :‬فوالله لقد أعطانا الله‬
‫أقاليد)‪ ،(1399‬ملكهم(( )‪. (1400‬‬
‫ثم إن رستم خرج بجيشه الهائل‪ ،‬مائة ألف أو‬
‫يزيدون‪ ،‬من ساباط‪ ،‬فلما مر على كوش – قرية‬
‫بين المدائن وبابل – لقيه رجل من العرب فقال‬
‫له رستم‪ :‬ما جاء بكم‪ ،‬وماذا تطلبون منا؟ قال‪:‬‬
‫جئنا نطلب موعود الله بملك أرضكم وأبنائكم إن‬
‫أبيتم أن تسلموا قال رستم‪ :‬قد وضعنا إذا في‬
‫أيديكم‪ :‬قال العربي‪ :‬أعمالكم وضعتكم‪،‬‬
‫فأسلمكم الله بها‪ ،‬فل يغرنك ما ترى حولك‪،‬‬
‫فإنك لست تجادل)‪ ،(1401‬النس وإنما تجادل‬
‫القدر!‬
‫فغضب منه رستم وقتله‪ :‬فلما مّر بجيشه على‬
‫البرس – قرية بين الكوفة والحلة غصبوا أبناء‬
‫أهله وأموالهم‪ ،‬وشربوا الخمور‪ ،‬ووقعوا على‬
‫النساء! فشكى أهل البرس إلى رستم فقال‬
‫لقومه‪)) :‬والله لقد صدق العربي! والله ما‬
‫الوقر‪ :‬الحمل الثقيل‪.‬‬ ‫‪()1398‬‬
‫أقاليد‪ :‬جمع إقليد‪ :‬المفتاح‪.‬‬ ‫‪()1399‬‬
‫البداية والنهاية )‪.(43 /7‬‬ ‫‪()1400‬‬
‫تجادل‪ :‬تخاصم‪.‬‬ ‫‪()1401‬‬
‫أسلمنا إل أعمالنا‪ ،‬والله إن العرب مع هؤلء‬
‫وهم حرب أحسن سيرة منكم(( )‪.(1402‬‬
‫ولما علم سعد أمير جيش المسلمين خبر رستم‪،‬‬
‫أرسل عمرو بن معد يكرب الزبيدي‪ ،‬وطليحة بن‬
‫خوليد السدي يستكشفان خبر الجيش مع عشرة‬
‫رجال‪ ،‬فلم يسيروا إل قليل ً حتى رأوا سرح‬
‫العدو منتشرا ً على الطفوف)‪ ،(1403‬فرجعوا إل‬
‫طليحة‪ ،‬فإنه ظل سائرا ً حتى دخل جيش العدو‬
‫وعلم ما فيه‪ ،‬فرجع إلى سعد وأخبره خبره وكان‬
‫طليحة هذا من زعماء الردة‪.‬‬
‫وقد سمح الفاروق لمن ارتد وتاب من العرب‬
‫بالشتراك في الجهاد وكان الصديق رضي الله‬
‫عنه يمنع ذلك‪ ،‬وكان الفاروق يمنع من خرج من‬
‫زعماء أهل الرد بعد توبته إلى الجهاد أن يتولى‬
‫ل منهم أحدا ً وحرص على أن يتربوا‬ ‫إمارة ولم يو ّ‬
‫على معاني اليمان والتقوى وأتاح لهم فرصة‬
‫ثمينة ليعبروا فيها عن صدق إيمانهم وتقواهم‬
‫وكان لطليحة السدي وعمرو الزبيدي مواقف‬
‫مشهودة في حروب العراق والفرس‪.‬‬

‫‪ ()1402‬إتمام الوفاء في سيرة الخلفاء ص ‪.57‬‬


‫‪ ()1403‬الطفوف‪ :‬جمع طف‪ .‬والطف‪ :‬الجانب أو ما أشرفت من‬
‫أرض العرب على الشاطئ‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬سعد بن أبي وقاص يرسل وفودا ً لدعوة رستم‪:‬‬
‫وسار رستم بجيشه من الحيرة حتى نزل‬
‫القادسية على العتيق – جسر القادسية – أمام‬
‫عسكر المسلمين‪ ،‬يحول بينهم النهر‪ ،‬ومع‬
‫ل‪ ،‬ولما نزل أرسل إلى‬ ‫الفرس ثلثة وثلثون في ً‬
‫سعد أن ابعث إلينا رجل ً نكلمه‪.‬‬
‫ي بن عامر فجاءه وقد جلس‬ ‫فأرسل إليه‪ :‬ربع ّ‬
‫سط النمارق والوسائد‬ ‫على سرير من ذهب‪ :‬وب ُ ُ‬
‫ي على فرسه‪،‬‬ ‫منسوجة بالذهب! فأقبل ربع ّ‬
‫خْرقة)‪ (1404‬ورمحه مشدود‬ ‫وسيفه في ِ‬
‫صب)‪ ،(1405‬فلما انتهى إلى البساط وطأه‬ ‫ع َ‬ ‫ب ِ‬
‫بفرسه‪ ،‬ثم نزل وربطها بوسادتين شقهما‪:‬‬
‫وجعل الحبل فيهما‪ ،‬ثم أخذ عباءة بعيره‬
‫فاشتملها‪ ،‬فأشاروا عليه بوضع سلحه؛ فقال‪:‬‬
‫لو أتيتك فعلت ذلك بأمركم‪ ،‬وإنما دعوتموني‪ ،‬ثم‬
‫أقبل يتوكأ على رمحه وُيقارب خطوه حتى‬
‫أفسد ما مّر عليه من الُبسط‪ ،‬ثم دنا من رستم‪،‬‬
‫وجلس على الرض‪ ،‬وركز رمحه على البساط‪،‬‬
‫وقال‪ :‬إّنا ل نقعد على زينتكم‪ .‬فقال له رستم‪:‬‬
‫عثنا لُنخرج‬‫ما جاء بكم؟ قال‪ :‬الله جاء بنا‪ ،‬وهو ب َ َ‬
‫ن‬
‫من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله‪ ،‬وم ْ‬
‫دنيا إلى سغنها‪ ،‬ومن جور الدَْيان إلى‬ ‫ضيق ال ّ‬
‫عدل السلم‪ ،‬فأرسل لنا رسوله بدينه إلى‬
‫ه‪ ،‬فمن قبله قبلنا منه ورجعنا عنه‪ ،‬وتركناه‬ ‫ق ِ‬‫خل ْ ِ‬ ‫َ‬
‫وأرضه‪ ،‬ومن أبى قاتلناه حتى ُنفضي إلى الجنة‪،‬‬
‫ظفر)‪.(1406‬‬ ‫أو ال ّ‬

‫‪ ()1404‬الخرقة‪ :‬القطعة من الثوب الممزق‪.‬‬


‫عصاب‪ :‬ما ي ُ َ‬
‫شدّ به خرقة أو منديل‪.‬‬ ‫‪ ()1405‬ال ِ‬
‫‪ ()1406‬الكامل في التاريخ )‪.(2/106‬‬
‫فقال رستم قد سمعنا قولكم‪ ،‬فهل لكم أن‬
‫تؤخروا هذا المر حتى ننظر فيه؟ فقال‪ :‬نعم‪،‬‬
‫ن لنا رسول الله ‪ ‬أل ّ نمكن العداء‬ ‫س ّ‬ ‫ن مما َ‬
‫وإ ّ‬
‫أكثر من ثلث‪ ،‬فنحن مترددون عنكم ثلثًا‪ ،‬فانظر‬
‫في أمرك واختر واحدة من ثلث بعد الجل‪:‬‬
‫السلم وندعك وأرضك‪ ،‬أو الجزاء فنقبل ونكف‬
‫)‪(1407‬‬
‫عنك‪ ،‬وإن احتجت إلينا نصرناك‪ ،‬أو المنابذة‬
‫في اليوم الرابع إل أن تبدأ بنا‪ ،‬وأنا كفيل عن‬
‫أصحابي‪.‬‬
‫ن‬
‫فقال رستم أسّيدهم أنت؟ قال‪ :‬ل ولك ّ‬
‫المسلمين كالجسد الواحد بعضهم من بعض‪،‬‬
‫جيُز أدناهم أعلهم‪.‬‬ ‫يُ ِ‬
‫ثم انصرف‪ ،‬فخل رستم بأصحابه‪ ،‬وقال‪ :‬رأيتم‬
‫كلما ً قط مثل كلم هذا الرجل؟ فأروه‬
‫الستخفاف بشأنه‪:‬‬
‫فقال رستم‪ :‬ويلكم وإنما أنظر إلي الرأي‬
‫ب تستخف اللباس‬ ‫والكلم والسيرة‪ ،‬والعر ُ‬
‫وتصون الحساب‪.‬‬
‫فلما كان اليوم الثاني من نزوله‪ ،‬أرسل إلى‬
‫سعد أن ابعث إلينا هذا الرجل‪ .‬فأرسل إليه‬
‫صن الغلفاني‪ ،‬فلم يختلف عن‬ ‫ح َ‬
‫م ْ‬‫حذيفة بن ِ‬
‫ربعي في العمل والجابة‪ ،‬ول غرابة‪ ،‬فهما‬
‫مستقيان من إناء واحد‪ ،‬وهو دين السلم‪.‬‬
‫عد بالول عنا؟ قال‪) :‬أميُرنا‬ ‫فقال له رستم‪ :‬ما َ‬
‫ق َ‬
‫عدل بيننا في الشدة والّرخاء‪ ،‬وهذه نوبتي(‪.‬‬ ‫يَ ْ‬
‫فقال رستم‪ :‬والمواعدة إلى متى؟ قال‪ :‬إلى‬
‫ثلث‪ ،‬من أمس‪.‬‬

‫‪ ()1407‬المنابذة‪ :‬نابذ الحرب‪ :‬جاهر بها‪.‬‬


‫وفي اليوم الثالث أرسل إلى سعد أن ابعث إلينا‬
‫ل‪ .‬فأرسل إليه المغيرة بن شعبة فتوجه إليه‪،‬‬ ‫رج ً‬
‫ولما كان بحضرته جلس معه على سريره‪،‬‬
‫فأقبلت إليه العوان يجذبونه! فقال لهم‪ :‬قد‬
‫كانت تبلغنا عنكم الحلم‪ ،‬ول أرى قوما ً أسفه‬
‫منكم‪ ،‬إنا معشر العرب ل يستعبد بعضنا بعضًا‪ ،‬إل‬
‫أن يكون محاربا ً لصاحبه‪ ،‬فظننت أنكم تواسون‬
‫قومكم كما نتواسى‪ ،‬وكان أحسن من الذي‬
‫صنعتم أن تخبروني‪ :‬أن بعضكم أرباب بعض‪ ،‬وأن‬
‫ملكا ً ل يقوم‬‫هذا المر ل يستقيم فيكم‪ ،‬وأن ُ‬
‫سيرة ول على هذه العقول‪.‬‬ ‫على هذه ال ّ‬
‫فقالت السوقة‪ :‬صدق والله العربي‪ ،‬وقالت‬
‫دهاقين ‪-‬زعماء الفلحين‪ -‬لقدر من بكلم ل‬ ‫ال ّ‬
‫تزال عبيدنا تنزع إليه‪ ،‬قاتل الله سابقينا حيث‬
‫غرون أمر هذه المة‪.‬‬ ‫ص ّ‬
‫كانوا ي ُ َ‬
‫غر فيه شأن العرب‪،‬‬ ‫ص ّ‬
‫م تكلم رستم بكلم َ‬ ‫ث ّ‬
‫خم أمر الفرس‪ ،‬وذكر ما كانوا عليه من سوء‬ ‫وض ّ‬
‫)‪(1408‬‬
‫‪.‬‬ ‫الحال وضيق العيش‬
‫فقال المغيرة‪ :‬أما الذي وصفتنا به من سوء‬
‫الحال والضيق والختلف‪ ،‬فنعرفه‬
‫دول‪ ،‬والشدة بعدها الرخاء‪،‬‬ ‫ول ننكره‪ ،‬والدنيا ُ‬
‫شكركم قليل ً على‬ ‫ولو شكرتم ما أتاكم الله لكان ُ‬
‫شكر إلى تغير‬ ‫ما أوتيتم‪ ،‬وقد أسلمكم ضعف ال ّ‬
‫ل‪ ،‬ثم ذكر مثل ما‬ ‫الحال وإن الله بعث فينا رسو ً‬
‫تقدم‪ ،‬وختم كلمه بالتخيير بين السلم أو‬
‫الجزية أو المنابذة)‪.(1409‬‬

‫‪ ()1408‬انظر الكامل في التاريخ )‪.(2/108‬‬


‫‪ ()1409‬انظر الكامل في التاريخ )‪.(2/108‬‬
‫فخل رستم بأهل فارس‪ ،‬وقال‪ :‬أين هؤلء‬
‫)‪(1410‬‬
‫ولن فجسراكم‬ ‫منكم؟ ألم يأتكم ال ّ‬
‫واستخرجاكم)‪ ،(1411‬ثم جاءكم هذا فلم يختلفوا‪،‬‬
‫وسلكوا طريقا ً واحدًا‪ ،‬ولزموا أمرا ً واحدًا‪ ،‬هؤلء‬
‫والله الرجال صادقين كانوا أم كاذبين والله لئن‬
‫بلغ من أدبهم وصونهم لسّرهم أن ل يختلفوا‬
‫فما قوم أبلغ فيما أرادوا منهم‪ ،‬لئن كانوا‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(1412‬‬
‫فل َ ّ‬
‫جوا‬ ‫صادقين فما يقوم لهؤلء شيء‪َ ،‬‬

‫‪ ()1410‬جسر‪ :‬معنى ونفذ‪.‬‬


‫‪ ()1411‬استخرجاكم‪ :‬استنبط‪.‬‬
‫جوا‪ :‬اختلطت أصواتهم‪.‬‬
‫‪ ()1412‬ل ّ‬
‫رابعًا‪ :‬الستعداد للمعركة‪:‬‬
‫لم ينتفللع الفللرس بللدعوة الوفللود‪ ،‬وتمللادوا فللي‬
‫غيهللم ليقضللي الللله أمللرا ً كللان مفعللو ً‬
‫ل‪ ،‬فللأجمع‬
‫الفرس علللى القتللال واسللتعد المسلللمون لللذلك‬
‫وعبر الفللرس نهللر العللتيق وعي ّللن رسللتم جيشلله‬
‫العرمرم على الشكل التالي‪:‬‬
‫‪ -‬في القلب‪ :‬ذو الحاجب )ومعه ‪ 18‬في ً‬
‫ل(‬
‫عليها الصناديق والرجال‪.‬‬
‫‪ -‬في الميمنة‪ :‬مما يلي القلب‪ :‬الجالينوس‪.‬‬
‫‪ -‬في الميمنة‪ :‬الهرمزان )ومعه ‪ 7‬أو ‪8‬‬
‫أفيال ( عليها الصناديق والرجال‪.‬‬
‫‪ -‬في الميسرة مما يلي القلب‪ :‬البيرزان‪.‬‬
‫‪ -‬في الميسرة‪ :‬مهران )ومعه ‪ 7‬أو ‪ 8‬أفيال(‬
‫عليها الصناديق والرجال‪ ،‬وأرسل رستم فرقة‬
‫من خيالته إلى القنطرة لتمنع المسلمين من‬
‫عبورها نحو جيشه‪ ،‬فأصبحت القنطرة بين‬
‫خيلين من خيول المسلمين وخيول المشركين‬
‫وكان ترتيب الصفوف على الشكل التالي‪:‬‬
‫‪ -‬الخيالة في الصفوف الولى‪ ،‬يليها الفيلة‪،‬‬
‫ثم المشاة‪ ،‬ونصب لرستم مظلة كبيرة‬
‫استظل بها على سريره وجلس يراقب سير‬
‫المعركة)‪ ،(1413‬وكان المسلمون على أهبة‬
‫الستعداد وعلى أحسن تعبئة للقتال‪ ،‬فقد عبأ‬
‫مر‬‫سعد بن أبي وقاص جيشه مبكرًا‪ ،‬وأ ّ‬
‫المراء‪ ،‬وعّرف على كل عشرة عريفًا‪ ،‬وجعل‬
‫على الرايات رجال ً من أهل السابقة أيضا ً‬

‫‪ ()1413‬الفن العسكري السلمي ص ‪. 255‬‬


‫مجّنبات والطلئع‪،‬‬
‫ورّتب المقدمة والساقة وال ُ‬
‫وقد وصل القادسية على تعبئة‪ ،‬وقد عبأ‬
‫جيشه على الشكل التالي‪:‬‬
‫حوّية‪.‬‬ ‫على المقدمة‪ُ :‬زهرة بن ال َ‬ ‫‪-1‬‬
‫م‪.‬‬ ‫عت ّ‬
‫م ْ‬‫وعلى الميمنة‪ :‬عبد الله بن ال ُ‬ ‫‪-2‬‬
‫وعلى الميسرة‪ :‬شرحبيل بن السمط‬ ‫‪-3‬‬
‫فطة‪.‬‬ ‫عْر ُ‬ ‫الكندي‪ ،‬وخليفته خالد بن ُ‬
‫وعلى الساقة‪ :‬عاصم بن عمرو‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫وعلى الطلئع‪ :‬سواد بن مالك‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫وعلى المجّردة‪ :‬سلمان بن ربيعة الباهلي‪.‬‬ ‫‪-6‬‬
‫مال بن مالك السدي‪.‬‬ ‫ح ّ‬ ‫جالة‪َ :‬‬ ‫وعلى الّر ّ‬ ‫‪-7‬‬
‫وعلى الركبان‪ :‬عبد الله بن ذي السهمين‬ ‫‪-8‬‬
‫الحنفي‪.‬‬
‫وعلى القضاء بينهم‪ :‬عبد الرحمن بن ربيعة‬ ‫‪-9‬‬
‫الباهلي‪.‬‬
‫‪ -10‬وكاتب الجيش‪ :‬زياد بن أبي سفيان‪.‬‬
‫‪ -11‬ورائده وداعيه‪ :‬سلمان الفارسي وكل‬
‫ذلك بأمر من عمر)‪ (1414‬هذا وقد خطب سعد‬
‫بن أبي وقاص في الناس وتل قول الله‬
‫د الذّك ْ ِ‬
‫ر‬ ‫ع ِ‬
‫ن بَ ْ‬
‫م ْ‬‫ر ِ‬ ‫في الّزُبو ِ‬ ‫ول َ َ‬
‫قدْ ك َت َب َْنا ِ‬ ‫تعالى‪َ  :‬‬
‫ن)‪ (105‬‬ ‫َ‬
‫حو َ‬ ‫صال ِ ُ‬
‫عَباِدي ال ّ‬ ‫ها ِ‬ ‫رث ُ َ‬
‫ض يَ ِ‬
‫ن الْر َ‬
‫أ ّ‬
‫)النبياء‪،‬آية‪ .(105:‬وأمر القّراء أن يشرعوا في‬
‫سورة النفال‪ ،‬فقرئت ولما أتموا قراءتها‬
‫هشت)‪ (1415‬قلوب الناس وعيونهم‪ ،‬ونزلت‬
‫السكينة وصلى الناس الظهر وأمر سعد‬
‫جيشه أن يزحفوا بعد التكبيرة الرابعة وأن‬
‫‪ ()1414‬الفن العسكري السلمي ص ‪. 255‬‬
‫‪ ()1415‬هشت‪ :‬انشرحت صدورهم‪.‬‬
‫يقولوا‪ :‬ل حول ول قوة إل بالله واستمرت‬
‫المعركة أربعة أيام‪.‬‬
‫ً‬
‫وقد كان سعد رضي الله عنه مريضا بعرق‬
‫النسأ‪ ،‬وبه دمامل ل يستطيع الركوب ول‬
‫الجلوس فكان مكّبا على صدره وتحته‬
‫وسادة ويشرف على الميدان من قصر‬
‫قدَْيس الذي كان في القادسية وقد أناب‬ ‫ُ‬
‫عنه في تبليغ أوامره خالد بن عرفطة‪ ،‬وقد‬
‫أمر بأن ينادي في الجيش‪ :‬أل إن الحسد ل‬
‫يحل إل على الجهاد في أمر الله‪ ،‬أيها‬
‫)‪(1416‬‬
‫‪،‬‬ ‫الناس فتحاسدوا وتغايروا على الجهاد‬
‫وقبل بدء القتال حصل اختلف على خالد‬
‫بن عرفطة نائب سعد فقال سعد‪ :‬احملوني‬
‫ب‬
‫وأشرفوا بي على الناس‪ ،‬فارتقوا به‪ ،‬فأك ّ‬
‫طلعا ً عليهم والصف في أسفل حائط‬ ‫م ّ‬
‫قدَْيس يأمر خالدا ً فيأمر خالد الناس‪،‬‬ ‫قصر ُ‬
‫وكان ممن شغب عليه بعض وجوه الناس‬
‫م بهم سعد وشتمهم‪ ،‬وقال‪ :‬أما والله‬ ‫فه ّ‬
‫لول أن عدوكم بحضرتكم لجعلتكم نكال ً‬
‫لغيركم‪ ،‬فحبسهم‪ ،‬ومنهم أبو محجن‬
‫الثقفي وقيدهم في القصر‪ ،‬وقال جرير بن‬
‫عبد الله ‪ ‬مؤيدا ً طاعة المير ‪ ‬أما أني‬
‫بايعت رسول الله ‪ ‬على أن أسمع وأطيع‬
‫لمن وله الله المر وإن كان عبدا ً حبشيًا‪.‬‬
‫وقال سعد‪ :‬والله ل يعود أحد بعدها يحبس‬
‫المسلمين عن عدوهم ويشاغلهم وهم‬
‫ت فيه سنة يؤخذ بها من‬ ‫بإزائهم إل سنن ُ‬

‫‪ ()1416‬تاريخ الطبري )‪.(4/356‬‬


‫بعدي)‪ ،(1417‬وقد قام فيهم سعد بن‬
‫أبي وقاص بعد هذه الحادثة خطيبًا‪ ،‬فقال‬
‫بعد أن حمد لله وأثنى عليه‪ :‬إن الله هو‬
‫الحق ل شريك له في الملك‪ ،‬وليس لقوله‬
‫في‬ ‫ول َ َ‬
‫قدْ ك َت َب َْنا ِ‬ ‫خلف‪ ،‬قال الله جل ثناؤه‪َ  :‬‬
‫ُ‬
‫الزبور من بعد الذّك ْ َ‬
‫عَباِدي‬ ‫رث ُ َ‬
‫ها ِ‬ ‫ض يَ ِ‬
‫ن الْر َ‬
‫رأ ّ‬‫ِ‬ ‫ّ ُ ِ ِ ْ َ ْ ِ‬
‫ن)‪)  (105‬النبياء‪،‬آية‪ (105:‬إن هذا‬ ‫حو َ‬
‫صال ِ ُ‬
‫ال ّ‬
‫ميراثكم وموعود ربكم‪ ،‬وقد أباحها لكم منذ‬
‫ثلث حجج فأنتم تطعمون منها وتأكلون‪،‬‬
‫وتقتلون أهلها وتجبرنهم وتسبونهم إلى‬
‫هذا اليوم بما نال منهم أصحاب اليام منكم‬
‫وقد جاءكم منهم هذا الجمع‪ ،‬وأنتم وجوه‬
‫عّز من‬
‫العرب وأعيانهم وخيار كل قبيلة‪ِ ،‬‬
‫وراءكم‪ ،‬فإن تزهدوا في الدنيا وترغبوا في‬
‫الخرة جمع الله لكم الدنيا والخرة‪ ،‬ول‬
‫يقّرب ذلك أحدا ً إلى أجله‪ ،‬وإن تفشلوا‬
‫وتهنوا وتضعفوا تذهب ريحكم ُتوبقوا‬
‫آخرتكم)‪.(1418‬‬
‫وكتب سعد إلى الرايات‪ :‬إني قد استخلفت‬
‫فيكم خالد بن عرفطة‪ ،‬وليس يمنعني أن أكون‬
‫مكانه إل وجعي الذي يعودني وما بي من‬
‫)‪(1419‬‬
‫ب على وجهي وشخصي‬ ‫مك ّ‬
‫‪ ،‬فإني ُ‬ ‫الحبوب‬
‫لكم باد فاسمعوا له وأطيعوا فإنه إنما يأمركم‬
‫قرئ على الناس‬ ‫بأمري ويعمل برأيي‪ ،‬ف ُ‬
‫فزادهم خيرًا‪ ،‬وانتهوا إلى رأيه وقبلوا منه‬
‫وتحاّثوا على السمع والطاعة‪ ،‬وأجمعوا على‬
‫‪ ()1417‬تاريخ الطبري )‪.(4/356‬‬
‫‪ ()1418‬تاريخ الطبري )‪.(4/357‬‬
‫‪ ()1419‬الحبوب‪ :‬الدمامل‪.‬‬
‫عذر سعد والّرضى بما صنع)‪ ،(1420‬وقد بقي‬
‫سعد بن أبي وقاص فوق القصر وأصبح مشرفا ً‬
‫على ساحة المعركة ولم يكن القصر محصنا ً‬
‫وهذا يدل على شجاعة سعد رضي الله عنه‪،‬‬
‫فعن عثمان بن رجاء السعدي قال‪ :‬كان سعد‬
‫بن مالك أجرأ الناس وأشجعهم‪ ،‬إنه نزل قصرا ً‬
‫غير حصين بين الصفين‪ ،‬فأشرف منه على‬
‫الناس ولو أعراه الصف فواق ناقة أخذ‬
‫مته)‪ ،(1421‬فوالله ما أكرثه هول تلك اليام ول‬ ‫بُر ّ‬
‫)‪(1422‬‬
‫‪.‬‬ ‫أقلقه‬

‫‪ -‬فزع رستم من الذان‪:‬‬


‫لما نزل رستم النجف بعث منها عينا ً إلى‬
‫عسكر المسلمين‪ ،‬فانغمس فيهم بالقادسية‬
‫كبعض من ندّ منهم‪ ،‬فرآهم يستاكون عند كل‬
‫صلة ثم يصلون‪ ،‬فيفترقون إلى موقفهم‪،‬‬
‫فرجع إليه فأخبره بخبرهم وسيرتهم‪ ،‬حتى‬
‫سأله‪ :‬ما طعامهم؟ فقال‪ :‬مكثت فيهم ليلة‪ ،‬ل‬
‫والله ما رأيت أحدا ً منهم يأكل شيئا ً إل أن‬
‫يمصوا عيدانا ً لهم حين ُيمسون وحين ينامون‬
‫وقبيل أن يصبحوا‪ ،‬فلما سار فنزل بين الحصن‬
‫والعتيق)‪ ،(1423‬وافقهم وقد أذن مؤذن سعد‬
‫الغداة فرآهم يتهيأون للنهوض‪ ،‬فنادى في‬
‫أهل فارس أن يركبوا‪ ،‬فقيل له‪ :‬ولم قال‪ :‬أما‬

‫‪ ()1420‬تاريخ الطبري )‪.(4/358‬‬


‫‪ ()1421‬يعني لو انحسر عنه صف المسلمين وانكشف العدو مقدار‬
‫حلب ناقة لخذه العداء‪.‬‬
‫‪ ()1422‬التاريخ السلمي )‪.(10/347‬‬
‫‪ ()1423‬تاريخ الطبري )‪.(4/358‬‬
‫ترون إلى عدوكم قد نودي فيهم‬
‫فتحشحشوا)‪ (1424‬لكم‪ ،‬قال عينه ذلك‪ :‬إنما‬
‫تحشحشهم هذا للصلة‪ ،‬فقال بالفارسية وهذا‬
‫تفسيره بالعربية‪ :‬أتاني صوت عند الغداة‪ ،‬وإنما‬
‫هو عمر الذي يكلم الكلب فيعلمهم‬
‫العقل)‪ ،(1425‬فلما عبروا تواقفوا وأذن مؤذن‬
‫سعد للصلة يعني صلة الظهر فصلى سعد‪،‬‬
‫وقال رستم‪ :‬أكل عمر كبدي)‪.(1426‬‬
‫‪ -‬رفع الروح المعنوية بين أفراد الجيش السلمي‪:‬‬
‫جمع سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وجهاء‬
‫المسلمين وقادته في بداية اليوم الول من‬
‫المعركة وقال لهم‪ :‬انطلقوا فقوموا في‬
‫الناس بما يحق عليكم ويحق لهم عند مواطن‬
‫البأس‪ ،‬فإنكم من العرب بالمكان الذي أنتم به‪،‬‬
‫وأنتم شعراء العرب وخطباؤهم‪ ،‬وذوو رأيهم‬
‫ونجدتهم وسادُتهم‪ ،‬فسيروا في الناس‬
‫فذكروهم وحرضوهم على القتال‪ ،‬فساروا‬
‫فيهم)‪.(1427‬‬

‫‪ -‬فقال قيس بن هبيرة السدي‪ :‬أيها الناس‬


‫احمدوا الله على ما هداكم له وأبلكم له‬
‫يزدكم‪ ،‬واذكروا آلء الله‪ ،‬وارغبوا إليه في‬
‫عاداته‪ ،‬فإن الجنة أو الغنيمة أمامكم‪ ،‬وإنه‬
‫ليس وراء هذا القصر إل العراء‪ ،‬والرض‬

‫التحشش‪ :‬التحرك للنهوض‪.‬‬ ‫‪()1424‬‬


‫تاريخ الطبري )‪.(4/358‬‬ ‫‪()1425‬‬
‫تاريخ الطبري )‪.(4/358‬‬ ‫‪()1426‬‬
‫تاريخ الطبري )‪.(4/359‬‬ ‫‪()1427‬‬
‫شن والفلوات التي ل‬ ‫خ ْ‬
‫ظراب ال ُ‬‫القفر‪ ،‬وال ّ‬
‫تقطعها الدلة‪.‬‬
‫‪ -‬وقال غالب بن عبد الله الليثي‪ :‬أيها الناس‬
‫احمدوا الله على ما أبلكم وسلوه يزدكم‪،‬‬
‫د‪ ،‬ما عّلتكم اليوم‬ ‫وادعوه يحيكم‪ ،‬يا معشر مع ّ‬
‫وأنتم في حصونكم يعني الخيل ومعكم من ل‬
‫يعصيكم يعني السيوف؟ اذكروا حديث الناس‬
‫في غد‪ ،‬فإنه بكم غدا ً يبدأ عنده‪ ،‬وبمن بعدكم‬
‫ُيثّنى‪.‬‬
‫د‪،‬‬
‫‪ -‬وقال ابن الهذيل السدي‪ :‬يا معشر مع ّ‬
‫اجعلوا حصونكم السيوف‪ ،‬وكونوا عليهم‬
‫كالسود الجم‪ ،‬وترّبدوا لهم ترّبد النمور‬
‫وادرعوا العجاج‪ ،‬وثقوا بالله‪ ،‬وغضوا البصار‪،‬‬
‫فإذا كّلت السيوف فإنها مأمورة فأرسلوا‬
‫عليهم الجنادل فإنها يؤذن لها فيما ل يؤذن‬
‫للحديد فيه‪.‬‬
‫‪ -‬وقال بسر بن أبي رهم الجهني‪ :‬احمدوا‬
‫الله وصدقوا قولكم بفعل‪ ،‬فقد حمدتم الله‬
‫على ما هداكم له‪ ،‬ووحدتموه ول إله غيره‪،‬‬
‫وكبرتموه‪ ،‬وآمنتم بنبيه ورسله‪ ،‬فل تموتن إل‬
‫ن شيء بأهون عليكم‬ ‫وأنتم مسلمون‪ ،‬ول يكون ّ‬
‫من الدنيا‪ ،‬فإنها تأتي من تهاون بها‪ ،‬ول‬
‫تميلوا إليها فتهرب منكم لتميل بكم انصروا‬
‫الله ينصركم‪.‬‬
‫‪ -‬وقال عاصم بن عمرو‪ :‬يا معشر العرب إنكم‬
‫أعيان العرب وقد صمدتم لعيان من العجم‪،‬‬
‫وإنما تخاطرون بالجنة‪ ،‬ويخاطرون بالدنيا‪ ،‬فل‬
‫ن على دنياهم أحوط منكم على آخرتكم‪،‬‬ ‫يكون ُ ّ‬
‫ل تحدثوا اليوم أمرا ً تكونون شيئا ً على العرب‬
‫غدًا‪.‬‬
‫‪ -‬وقال ربيع بن البلد السعدي‪ :‬يا معشر‬
‫عوا إ َِلى‬
‫ر ُ‬
‫سا ِ‬ ‫العرب قاتلوا للدين والدنيا ‪َ ‬‬
‫و َ‬
‫ض‬
‫والْر ُ‬
‫ت َ‬
‫وا ُ‬
‫ما َ‬
‫س َ‬
‫ها ال ّ‬
‫ض َ‬
‫عْر ُ‬
‫ة َ‬
‫جن ّ ٍ‬
‫و َ‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫م ْ‬
‫ة ِ‬‫فَر ٍ‬ ‫غ ِ‬‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫ُ‬
‫أ ّ ْ‬
‫د‬ ‫ع‬
‫ِ‬
‫ن)‪)  (133‬آل عمران‪،‬آية‪.(133:‬‬ ‫قي َ‬‫مت ّ ِ‬‫ل ِل ْ ُ‬
‫وإن عظم الشيطان عليكم المر فاذكروا‬
‫الخبار عنكم بالمواسم ما دام للخبار‬
‫أهل)‪.(1428‬‬
‫‪ -‬وقال ربعي بن عامر‪ :‬إن الله قد هداكم‬
‫للسلم‪ ،‬وجمعكم به‪ ،‬وأراكم الزيادة‪ ،‬وفي‬
‫ودوا أنفسكم الصبر تعتادوه‪،‬‬ ‫الصبر راحة‪ ،‬فع ّ‬
‫ودوها الجزع فتعتادوه‪ ،‬وقد قال كلهم‬ ‫ول تع ّ‬
‫بنحو هذا الكلم‪ ،‬وتواثق الناس وتعاهدوا‪،‬‬
‫واهتاجوا لكل ما كان ينبغي لهم)‪.(1429‬‬

‫‪ -1‬يوم أرماث‪:‬‬
‫يطلق يوم أرماث على اليوم الول من أيام‬
‫القادسية وقد وجه سعد رضي الله عنه بيانه‬
‫ل‪ :‬الزموا مواقفكم ل تحركوا‬ ‫إلى الجيش قائ ً‬
‫شيئا ً حتى تصّلوا الظهر‪ ،‬فإذا صليتم الظهر‬
‫فإني مكّبر تكبيرة فكبروا واستعدوا‪ ،‬واعلموا‬
‫عطه أحد قبلكم‪ ،‬واعلموا أّنما‬ ‫أن التكبير لم ي ُ ْ‬
‫ُأعطيتموه تأييدا ً لكم‪ ،‬ثم إذا سمعتم الثانية‬
‫دتكم‪ ،‬ثم إذا كبرت الثالثة‬‫ع َ‬
‫فكبروا‪ ،‬ولتسثتم ُ‬
‫فكبروا‪ ،‬ولينشط فرسانكم الناس ليبرزوا‬
‫‪ ()1428‬تاريخ الطبري )‪.(4/359‬‬
‫‪ ()1429‬تاريخ الطبري )‪.(4/360‬‬
‫وليطاردوا‪ ،‬فإذا كبرت الرابعة فازحفوا جميعا ً‬
‫حتى تخالطوا عدوكم وقولوا‪:‬‬
‫ل حول ول قوة إل بالله)‪.(1430‬‬
‫ولما صلى سعد الظهر أمر الغلم الذي كان‬
‫ألزمه إياه عمر وكان من القراء أن يقرأ‬
‫سورة الجهاد )يعني النفال( فقرأ على‬
‫الكتيبة الذي يلونه سورة الجهاد‪ ،‬فقرئت في‬
‫كل كتيبة‪ ،‬فهشت قلوب الناس وعيونهم‬
‫وعرفوا السكينة مع قراءتها)‪ ،(1431‬ولما فرغ‬
‫القراء كّبر سعد‪ ،‬فكّبر الذين يلونه بتكبيرة‪،‬‬
‫وكبر بعض الناس بتكبير بعض‪ ،‬فتحشحش‬
‫م الناس‪،‬‬ ‫الناس )يعني تحركوا( ثم نّنى فاستت ّ‬
‫ثم ثلث فبرز أهل النجدات فأنشبوا القتال‪،‬‬
‫وخرج من أهل فارس أمثالهم فاعتوروا‬
‫الطعن والضرب)‪ ،(1432‬وكان لبطال المسلمين‬
‫من أمثال غالب بن عبد الله السدي‪ ،‬وعاصم‬
‫بن عمرو التميمي وعمرو بن معديكرب‬
‫الزبيدي وطليحة بن خويلد السدي أثر ظاهر‬
‫في النكاية بالعدو حيث قتلوا وأسروا عددا ً‬
‫من أبطالهم ولم يقتل من المسلمين أحد‬
‫ذكر أثناء المبارزة‪ ،‬والمبارزة في عسير‬ ‫فيما ُ‬
‫من فنون الحرب‬
‫ل يتقنه إل البطال من الرجال‪ ،‬وهي ترفع‬
‫من شأن المنتصرين وتزيد من حماسهم‪،‬‬
‫وتخفض من شأن المنهزمين وتحط من‬
‫معنوياتهم‪ ،‬والمسلمون الوائل متفوقون في‬
‫‪ ()1430‬نفس المصدر )‪.(4/361‬‬
‫‪ ()1431‬نفس المصدر )‪.(4/362‬‬
‫‪ ()1432‬نفس المصدر )‪.(4/362‬‬
‫هذا الفن على غيرهم دائمًا‪ ،‬ولذلك هم‬
‫المستفيدون من المبارزة)‪ ،(1433‬وبينما الناس‬
‫ينتظرون التكبيرة الرابعة إذ قام صاحب‬
‫رجالة بني نهد قيس بن حذيم بن جرثومة‪،‬‬
‫فقال‪ :‬يا بني نهد انهدوا فإنما سميتم نهدا ً‬
‫ن‬
‫لتفعلوا‪ ،‬فبعث خالد بن عرفطة‪ ،‬والله لتكف ّ‬
‫ف)‪.(1434‬‬
‫أو لولّين عملك غيرك‪ ،‬فك ّ‬

‫‪ -‬رستم يأمر جانبا ً من قواته بالهجوم‪:‬‬


‫ولما رأى رستم تفوق المسلمين في مجالي‬
‫المبارزة والمطاردة لم يمهلهم حتى يكملوا‬
‫خطة قائدهم في المزيد من حرب المطاردة‬
‫والمبارزة بل أمر جانبا ً من قواته بأن تهجم‬
‫هجوما ً عاما ً على جانب جيش المسلمين الذي‬
‫ف معهم‪ ،‬وكان الهجوم‬ ‫فيه قبيلة بجيلة ومن ل ّ‬
‫ملفتا ً للنظر لن الفرس وجهوا ما يقرب من‬
‫نصف الجيش إلى قطاع ل يمثل إل نسبة قليلة‬
‫من الجيش السلمي‪ ،‬وهذا يدل على‬
‫محاولتهم المستميتة لقطع حرب المبارزة‬
‫والمطاردة التي فشلوا فيها‪ ،‬وهكذا هجم‬
‫الفرس على أحد جناحي جيش المسلمين‬
‫بثلثة عشر فيل ً وكل فيل يصحبه حسب تنظيم‬
‫جيشهم أربعة آلف مقاتل من المشاة‬
‫والفرسان‪ ،‬ففرقت الفيلة بين كتائب‬
‫المسلمين وكان الهجوم مركزا ً على بجيلة ومن‬

‫‪ ()1433‬التاريخ السلمي )‪.(10/445‬‬


‫‪ ()1434‬تاريخ الطبري )‪.(4/363‬‬
‫حولهم وثبت المشاة من أهل المواقف لهجوم‬
‫الفرس‪.‬‬

‫أ‪ -‬سعد يأمر أسد بال ّ‬


‫ذب عن بجيلة‪:‬‬
‫أبصر سعد رضي الله الموقف الذي وقعت فيه‬
‫بجيلة فأرسل إلى بني أسد يقول لهم‪ :‬ذَب ُّبوا‬
‫فها من الناس‪ ،‬فخرج طليحة‬ ‫عن بجيلة ومن ل ّ‬
‫مال بن مالك‪ ،‬وغالب بن عبد الله‬ ‫ح ّ‬
‫بن خويلد و َ‬
‫والّربّيل بن عمرو في كتائبهم‪ ،‬يقول المعرور‬
‫دوا والله عليهم فما‬ ‫بن سويد وشقيق‪ :‬فش ّ‬
‫زالوا يطعنونهم ويضربونهم حتى حبسنا الفيلة‬
‫خرت وخرج إلى طليحة عظيم منهم‬ ‫عنهم‪ ،‬فأ ّ‬
‫فبارزه‪ ،‬فما لّبث طليحة أن قتله‪ ،‬ولما رأت‬
‫فارس‬
‫دهم‬ ‫ما تلقى الفيلة من كتيبة أسد رموهم بح ّ‬
‫دة عليهم ذو الحاجب‬ ‫وبدر المسلمين ال ّ‬
‫ش ّ‬
‫والجالينوس وهما قائدان من قادة الفرس‬
‫والمسلمون ينتظرون التكبيرة الرابعة من‬
‫سعد‪ ،‬فاجتمعت حلبة فارس على أسد ومعهم‬
‫تلك الفيلة‪ ،‬وقد ثبتوا لهم‪ ،‬وقد كّبر سعد‬
‫الرابعة‪ ،‬فزحف إليهم المسلمون ورحى الحرب‬
‫تدور على أسد‪ ،‬وحملت الفيلةس من الميمنة‬
‫والميسرة على خيول المسلمين‪ ،‬فكانت‬
‫الخيول تحجم عنها وتحيد‪ ،‬وتلح فرسانهم على‬
‫المشاة ليدفعوا بالخيل لُتقدم على الفيلة‪.‬‬

‫ب‪ -‬سعد يطلب من بني تميم حيلة للفيلة‪:‬‬


‫أرسل سعد إلى عاصم بن عمرو التميمي‬
‫فقال‪ :‬يا معشر تميم ألستم أصحاب البل‬
‫والخيل؟ أما عندكم لهذه الفيلة من حيلة؟‬
‫قالوا‪ :‬بلى والله‪ ،‬ثم نادى في رجال من قومه‬
‫رماة‪ ،‬وآخرين لهم ثقافة يعني حذق وحركة‬
‫فقال لهم‪ :‬يا معشر الرماة ذُّبوا ركبان الفيلة‬
‫عنهم بالنبل وقال‪ :‬يا معشر أهل الثقافة‬
‫ضُنها يعني أحزمتها‬ ‫استدبروا الفيلة فق ّ‬
‫طعوا و ُ‬
‫لتسقط توابيتها التي تحمل المقاتلين وخرج‬
‫يحميهم والرحى تدور على أسد‪ ،‬وقد جالت‬
‫الميمنة والميسرة غير بعيد‪ ،‬وأقبل أصحاب‬
‫عاصم على الفيلة فأخذوا بأذنابها وذباذب‬
‫ضُنها‬
‫توابيتها يعني ما يعلق بها فقطعوا و ُ‬
‫وارتفع عواء الفيلة فما بقي لهم يومئذ فيل‬
‫فس‬ ‫ي‪ ،‬وقتل أصحابها‪ ،‬وتقابل الناس ون ُ ّ‬ ‫إل أ ُ ْ‬
‫عر َ‬
‫دوا فارس عنهم إلى مواقفهم‬ ‫عن أسد‪ ،‬وَر ّ‬
‫فاقتتلوا حتى غربت الشمس‪ ،‬ثم حتى ذهبت‬
‫هدأة من الليل‪ ،‬ثم رجع هؤلء وهؤلء‪ ،‬وُأصيب‬
‫من أسد تلك العشية خمسمائة‪ ،‬وكانوا ردءا ً‬
‫للناس‪ ،‬وكان عاصم يعني وبني تميم عادية‬
‫الناس وحاميتهم وهذا يومها الول وهو يوم‬
‫أرماث)‪.(1435‬‬

‫ج‪ -‬موقف بطولي لطليحة بن خويلد‪:‬‬


‫كان لمر سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه‬
‫تأثير على بني أسد‪ ،‬فقد قال طليحة بن خويلد‬
‫وه باسمه الموثوق‬
‫يومئذ‪ :‬يا عشيرتاه إن المن ّ‬
‫‪ ()1435‬تاريخ الطبري )‪.(4/365‬‬
‫به‪ ،‬وإن هذا لو علم أن أحدا ً أحق بإغاثة هؤلء‬
‫منكم استغاثهم‪ ،‬ابتدؤوهم الشدة‪ ،‬وأقدموا‬
‫ميتم أسدا ً‬ ‫س ّ‬
‫عليهم إقدام الليوث الحربة فإنما ُ‬
‫دوا ول تصدوا‪ ،‬وك ُّروا ول‬ ‫لتفعلوا فعله ش ّ‬
‫ن‬‫قر ٍ‬‫ي ِ‬ ‫ي فري يفرون‪ ،‬وأ ّ‬ ‫تفروا‪ ،‬لله در ربيعة أ ّ‬
‫يغنون‪ ،‬هل يوصل إلى موقفهم فأغنوا عن‬
‫مواقفكم أغناكم الله‪ ،‬شدوا عليهم باسم‬
‫الله)‪ ،(1436‬وقد كان لهذا الكلم مفعول عجيب‬
‫في نفوس قومه حيث تحولوا إلى طاقات‬
‫فعالة‪ ،‬وتحملوا وحدهم رحى المعركة إلى أن‬
‫ساندهم‬
‫بنو تميم‪ ،‬وقدموا في هذا اليوم خمسمائة‬
‫شهيد)‪ ،(1437‬وقد تأثرت القبائل من بطولة بني‬
‫أسد فقال الشعث بن قيس الكندي‪ :‬يا معشر‬
‫كندة لله در بني أسد أي فر يفرون وأي ه ّ‬
‫ذ‬
‫ذون عن موقفهم‪ ‬فتحول موقف كنده من‬ ‫يه ّ‬
‫الدفاع إلى الهجوم فأزالوا من أمامهم من‬
‫دوهم إلى الوراء)‪.(1438‬‬ ‫المجوس ور ّ‬

‫د‪ -‬ما قيل في الشعر في ذلك اليوم‪:‬‬


‫قال عمرو بن شأس السدي‪:‬‬

‫‪ ()1436‬تاريخ الطبري )‪.(4/364‬‬


‫‪ ()1437‬التاريخ السلمي )‪.(10/449‬‬
‫‪ ()1438‬القادسية‪ ،‬أحمد عادل كمال ص ‪ 139‬تاريخ الطبري )‬
‫‪.(4/364‬‬
‫أولوا الحلم إذ‬ ‫ت بنو أسد‬ ‫م ْ‬
‫عل ِ َ‬
‫لقد َ‬
‫)‪(1439‬‬
‫حلوما‬ ‫ذكروا ال ُ‬ ‫بأنا‬
‫إل‬ ‫)‪(1440‬‬
‫فه‬‫ولو لم ن ُل ْ ِ‬ ‫وأنا النازلون بكل‬
‫هشيما ً‬ ‫ثغر‬
‫عل ُك ْ َ‬
‫ن‬ ‫مع البطال ي َ ْ‬ ‫ترى فينا الجياد‬
‫شكيما‬ ‫ال ّ‬ ‫ومات‬ ‫مس ّ‬
‫هِنه عن فوارسها‬ ‫ت ُن َ ْ‬ ‫ترى فينا الجياد‬
‫)‪(1441‬‬
‫خصوما‬ ‫ال ُ‬ ‫جات‬ ‫مجل ّ‬ ‫ُ‬
‫هم إذا اجتمعوا‬ ‫ه ُ‬
‫شب ّ ُ‬ ‫تَ َ‬ ‫بجمع مثل سلم‬
‫ً)‪(1442‬‬
‫قروما‬ ‫هر‬ ‫ف ِ‬ ‫مك ْ َ‬ ‫ُ‬
‫إذا لقيت بأسا ً أو‬ ‫م تلقي يوم‬ ‫بمثله ُ‬
‫خصوما ً‬ ‫هيج‬
‫وكانت ل ُتحاول أن‬ ‫نفينا فارسا ً عما‬
‫ريما‬ ‫تَ ِ‬ ‫أرادت‬

‫هل‪ -‬مستشفى الحرب‪:‬‬


‫عذيب حيث‬ ‫كان موقع مستشفى الحرب في ال ُ‬
‫تقيم نساء المجاهدين الصابرات المحتسبات‪،‬‬
‫فيتلقين الجرحى ويتولين علجهم وتمريضهم‬
‫إلى أن يتم قضاء الله فيهم ومع ذلك فإن لهن‬
‫مهمة أعجب من ذلك يشترك معهن فيها‬
‫الصبيان أل وهي حفر قبور الشهداء‪ ،‬ولئن كان‬
‫تطييب الجرحى وتمريضهم من المهمات‬
‫القريبة المنال للنساء فإن حفر الرض من‬

‫‪ ()1439‬الحلوم‪ :‬العقول‪.‬‬
‫‪ ()1440‬نلفه‪ :‬نجده أو نتركه‪ ،‬فهي من الضداد‪.‬‬
‫‪ ()1441‬مجلجات‪ :‬هاجمات‪.‬‬
‫‪ ()1442‬سلم مكفهر‪ :‬سلم ساخن‪ ،‬كناية عن الستعداد للمعركة‪،‬‬
‫القروم اللحم المكوم‪.‬‬
‫المهمات الخشنة‪ ،‬ولكن الرجال كانوا مشغولين‬
‫قم النساء بمهمتهم عند الضرورة‪،‬‬ ‫بالجهاد‪ ،‬فلت ُ‬
‫ن أهل لذلك لما يتصفن به من اليمان‬ ‫وه ّ‬
‫)‪(1443‬‬
‫‪ ،‬وقد تم نقل الشهداء إلى وادي‬ ‫والصبر‬
‫مشّرف بين العذيب وعين الشمس في جانبيه‬
‫جميعا ً)‪ ،(1444‬وكان التحاجز بين المسلمين‬
‫وأعدائهم تلك الليلة فرصة لزيارة بعض‬
‫المجاهدين لهلهم في العذيب)‪.(1445‬‬

‫و‪ -‬الخنساء بنت عمرو تحرض بنيها على القتال ليلة الهدأة‪:‬‬
‫في مضارب نساء المسلمين بالعذيب جلست‬
‫الخنساء بنت عمرو شاعرة بني سليم‬
‫المخضرمة ومعها بنوها أربعة رجال تعظهم‬
‫وتحرضهم على القتال قالت‪ :‬إنكم أسلمتم‬
‫د‬
‫طائعين وهاجرتم مختارين وقد تعلمون ما أع ّ‬
‫الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب‬
‫الكافرين واعلموا أن الدار الباقية خير من‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫الدار الفانية يقول الله تعالى‪َ  :‬ياأي ّ َ‬
‫ه‬‫قوا الل ّ َ‬
‫وات ّ ُ‬ ‫وَراب ِ ُ‬
‫طوا َ‬ ‫صاب ُِروا َ‬
‫و َ‬
‫صب ُِروا َ‬‫مُنوا ا ْ‬ ‫آ َ‬
‫ن)‪)  (200‬آل عمران‪،‬آية‪ .(200:‬فإن‬ ‫حو َ‬ ‫عل ّك ُ ْ‬
‫م تُ ْ‬
‫فل ِ ُ‬ ‫لَ َ‬
‫أصبحتم غدا ً إن شاء الله سالمين فاغدوا إلى‬
‫قتال عدوكم مستبصرين وبالله على أعدائه‬
‫مستنصرين‪ ،‬فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن‬
‫ساقها واضطرمت لظى على سياقها وحللت‬
‫تفجرت نار على أرواقها جوانبها فتيمموا‬
‫وطيسها وسطها وجالدوا رئيسها عند احتدام‬
‫‪ ()1443‬التاريخ السلمي )‪.(10/451‬‬
‫‪ ()1444‬التاريخ السلمي )‪.(10/452‬‬
‫‪ ()1445‬التاريخ السلمي )‪.(10/452‬‬
‫خميسها ‪‬جيشها تظفروا بالغنم والكرامة في‬
‫دار الخلد والمقامة‪ ،‬فخرج بنوها قابلين‬
‫لنصحها عازمين على قولها فلما أضاء الصبح‬
‫باكروا مراكزهم)‪.(1446‬‬

‫ز‪ -‬امرأة من النخع تشجع بنيها على القتال‪:‬‬


‫كانت امرأة من النخع لها بنون أربعة شهدوا‬
‫القتال ذلك اليوم‪ ،‬فلما بدأ الصباح ينبلج قالت‬
‫لهم‪ :‬إنكم أسلمتم فلم تبدلوا‪ ،‬وهاجرتم فلم‬
‫تثربوا)‪،(1447‬‬
‫ولم ت َْنب)‪ (1448‬بكم البلد تقحمكم السنة)‪ ،(1449‬ثم‬
‫جئتم بأمكم عجوز كبيرة فوضعتموها بين يدي‬
‫أهل فارس‪ ،‬والله إنكم لبنو رجل واحد كما‬
‫أنكم بنو امرأة واحدة‪ ،‬ما خنت أباكم ول‬
‫فضحت خالكم‪ ،‬انطلقوا فاشهدوا أول القتال‬
‫وآخره‪ ،‬فانصرفوا عنها مسرعين يشتدون‪،‬‬
‫فلما غابوا عنها رفعت يديها إلى السماء وهي‬
‫ي‪ ،‬فرجعوا إليها بعد‬
‫تقول‪ :‬اللهم ادفع عن بن ّ‬
‫ذلك وقد أحسنوا القتال ما جرح منهم رجل‬
‫جرحا ً)‪.(1450‬‬
‫فهذا حال بعض النساء العجائز في اليوم الول‬
‫من القادسية‪.‬‬

‫‪ -2‬يوم أغواث‪:‬‬

‫الستيعاب رقم ‪ 287‬نساء‪ ،‬القادسية ص ‪. 146،147‬‬ ‫‪()1446‬‬


‫يعني لم تكن هجرتكم إلى يثرب‪.‬‬ ‫‪()1447‬‬
‫لم تنسب بكم البلد‪ :‬لم تلفظكم‪.‬‬ ‫‪()1448‬‬
‫السنة‪ :‬القحط والجوع‪.‬‬ ‫‪()1449‬‬
‫تاريخ الطبري )‪.(4/366‬‬ ‫‪()1450‬‬
‫كان يوم أغواث هو اليوم الثاني من أيام‬
‫القادسية‪ ،‬وفي ليلة هذا اليوم قدمت طليعة‬
‫جيش الشام يقودهم القعقاع بن عمرو‬
‫التميمي وقد كان أمير المؤمنين عمر رضي‬
‫الله عنه قد أمر أمير الشام‪ ،‬أبا عبيدة بإعادة‬
‫جيش خالد بن الوليد إلى العراق مددا ً‬
‫للمسلمين في القادسية‪ ،‬فأعادهم وأبقى‬
‫خالدا ً عنده لحاجته إليه‪ ،‬ووّلى على هذا‬
‫الجيش هاشم بن عتبة بن أبي وقاص ابن‬
‫أخي سعد وكان هذا الجيش تسعة آلف حين‬
‫قدم من العراق إلى الشام بقيادة خالد بن‬
‫الوليد‪ ،‬وعاد منهم إلى العراق ستة آلف‪ ،‬وقد‬
‫وّلى هاشم بن عتبة القعقاع بن عمرو على‬
‫المقدمة وعددهم ألف مجاهد)‪.(1451‬‬

‫‪ ()1451‬تاريخ الطبري )‪ ،(4/367‬التاريخ السلمي )‪.(10/367‬‬


‫أ‪ -‬مواقف بطولية للقعقاع بن عمرو‪:‬‬
‫أسرع القعقاع بمقدمته حتى قدم بهم على‬
‫جيش القادسية صبيحة يوم أغواث‪ ،‬وكان أثناء‬
‫قدومه قد فكر بعمل يرفع به من معنوية‬
‫المسلمين فقسم جيشه إلى مائة قسم كل‬
‫ون من عشرة‪ ،‬وأمرهم بأن يقدموا‬ ‫قسم مك ّ‬
‫اتباعا ً كلما غاب منهم عشرة عن مدى إدراك‬
‫البصر سّرحوا خلفهم عشرة‪ ،‬فقدم هو في‬
‫العشرة الوائل وصاروا يقدمون تباعا ً كلما‬
‫سّرح القعقاع بصره في الفق فأبصر طائفة‬
‫منهم كّبر فكبر المسلمون‪ ،‬ونشطوا في قتال‬
‫أعدائهم‪ ،‬وهذه خطة حربية ناجحة لرفع معنوية‬
‫المقاتلين‪ ،‬فإن وصول ألف ل يعني مددا ً‬
‫كبيرا ً لجيش يبلغ ثلثين ألفًا‪ ،‬ولكن هذا البتكار‬
‫الذي هدى الله القعقاع إليه قد عوض نقص‬
‫وى به عزيمة المسلمين‪ ،‬وقد‬ ‫هذا المدد بما ق ّ‬
‫بشرهم بقدوم الجنود بقوله‪ :‬يا أيها الناس إني‬
‫قد جئتكم في قوم والله إن لو كانوا بمكانكم‬
‫ظوتها وحاولوا أن‬‫ح ْ‬‫ثم أحسوكم حسدوكم َ‬
‫يطيروا بها دونكم‪ ،‬فاصنعوا كما أصنع‪ ،‬فتقدم‬
‫ثم نادى‪ :‬من يبارز؟ فقالوا فيه بقول أبي بكر‪:‬‬
‫ل يهزم جيش فيهم مثل هذا‪ ،‬وسكنوا إليه‪،‬‬
‫فخرج إليه ذو الحاجب)‪ ،(1452‬فقال له القعقاع‪:‬‬
‫من أنت)‪(1453‬؟ فقال‪ :‬أنا بهمن جاذويه‪ .‬وهنا‬
‫كر القعقاع مصيبة المسلمين الكبرى يوم‬ ‫تذ ّ‬

‫‪ ()1452‬قائد كبير من قادة الفرس وأبطالهم وهو الذي أصاب‬


‫المسلمين يوم الجسر‪.‬‬
‫‪ ()1453‬سأل القعقاع جاذويه‪ :‬لنه كان ل يعرفه لن القعقاع يوم‬
‫الجسر كان في الشام‪.‬‬
‫الجسر على يد هذا القائد فأخذته حميته‬
‫السلمية فنادى وقال‪ :‬يا لثارات‬
‫سليط وأصحاب الجسر‪ ،‬ولبد أن‬ ‫أبي عبيد و ُ‬
‫هذا القائد الفارسي بالرغم مما اشتهر به من‬
‫الشجاعة قد انخلع قلبه من هذا النداء‪ ،‬فلقد‬
‫قال أبو بكر رضي الله عنه عن القعقاع‪:‬‬
‫لصوت القعقاع في الجيش خير من ألف‬
‫رجل)‪،(1454‬فكيف سيثبت له رجل واحد مهما‬
‫كان في الشجاعة وثبات القلب؟ ولذلك لم‬
‫يمهله القعقاع أن أوقعه أمام جنده قتيل ً فكان‬
‫لقتله بهذه الصورة أثر كبير في زعزعة الفرس‬
‫ورفع معنوية المسلمين لنه كان قائدا ً‬
‫لعشرين ألف مقاتل من الفرس‪ .‬ثم نادى‬
‫القعقاع مرة أخرى من يبارز؟ فخرج إليه‬
‫رجلن أحدهم البيرزان والخر البندوان‪ ،‬فانضم‬
‫إلى القعقاع الحارث بن ظبيان ابن الحارث أخو‬
‫بني تميم اللت‪ ،‬فبارز القعقاع بيرزان)‪،(1455‬‬
‫فقتله القعقاع وبارز ابن ظبيان بندوان وهو‬
‫من أبطال الفرس فقتله ابن ظبيان وهكذا‬
‫قضى القعقاع في أول النهار على قائدين من‬
‫قادة الفرس الخمسة ولشك أن ذلك أوقع‬
‫الفرس في الحيرة والضطراب وساهم ذلك‬
‫في تدمير معنويات أفراد الجيش الفارسي‪،‬‬
‫والتحم الفرسان من الفريقين‪ ،‬وجعل القعقاع‬
‫يقول‪ :‬يا معشر المسلمين باشروهم بالسيوف‬
‫فإنه ُيحصد بها‪ ،‬فتواصى الناس بها‪ ،‬وأسرعوا‬
‫إليهم بذلك فاجتلدوا بها حتى المساء‪ ،‬وذكر‬
‫‪ ()1454‬التاريخ السلمي )‪.(10/455‬‬
‫‪ ()1455‬تاريخ الطبري )‪.(4/368‬‬
‫الرواة أن القعقاع حمل يومئذ ثلثين حملة‪،‬‬
‫كلما طلعت قطعة حمل حملة‪ ،‬وأصاب فيها‬
‫وجعل يقول‪:‬‬

‫أطعن طعنا ً صائبا ً‬ ‫ُأزعجهم عمدا ً بها‬


‫جاجا ً‬
‫ث ّ‬ ‫إزعاجا ً‬

‫هْر الهمذاني وقال‬


‫جم َ‬
‫وكان آخر من قتل ُبزُر َ‬
‫في ذلك القعقاع‪:‬‬

‫دارة مثل شعاع‬


‫ه ّ‬ ‫ة‬
‫حبللللوته جّياشلللل ً‬
‫الشمس‬ ‫بللللللللللللللالنفس‬
‫أنخس في القوم‬ ‫فللي يللوم أغللواث‬
‫أشد النخس‬ ‫ل الفللللرس‬ ‫فل َْيلللل ُ‬
‫َ‬

‫ب‪ -‬علباء بن جحش العجلي‪ :‬انتثرت أمعاؤه في المعركة‪:‬‬


‫وبرز رجل من المجوس أمام صفوف بكر بن‬
‫وائل فنادى من يبارز؟ فخرج له علباء بن‬
‫جحش العجلي فنفحه)‪ ،(1456‬علباء في صدره‬
‫ق رئته ونفحه الخر فأصابه في بطنه‬ ‫وش ّ‬
‫وانتثرت أمعاؤه وسقطا معا ً إلى الرض‪ ،‬أما‬
‫المجوسي فمات من ساعته‪ ،‬وأما علباء فلم‬
‫يستطع القيام وحاول أن يعيد أمعاءه إلى‬
‫مكانها فلم يتأت له ومّر به رجل من المسلمين‬
‫فقال له علباء‪ :‬يا هذا أعني على بطني‪،‬‬
‫‪ ()1456‬النفح الضرب إلى خارج اليمين‪.‬‬
‫فأدخل له أمعاءه فأخذ بصفاقيه ثم زحف نحو‬
‫صف العجم دون أن يلتفت إلى المسلمين‬
‫وراءه فأدركه الموت على ثلثين ذراعا ً من‬
‫مصرعه وهو يقول‪:‬‬
‫قد كنت ممن‬ ‫أرجوا بها من ربنا‬
‫أحسن الضرابا ً‬ ‫ثوابا ً‬

‫ج‪ -‬العرف بن العلم العُ َ‬


‫قيلي‪:‬‬
‫خرج رجل من أهل فارس ينادي من يبارز؟‬
‫قيلي فقتله‪ ،‬ثم‬ ‫ع َ‬
‫فبرز له العرف بن العلم ال ُ‬
‫برز له آخر فقتله‪ ،‬وأحاطت به فوارس منهم‬
‫فصرعوه‪ ،‬وندر سلحه عنه فأخذوه‪ ،‬فغّبر في‬
‫وجوههم بالتراب حتى رجع إلى أصحابه)‪.(1457‬‬

‫د‪ -‬مواقف فدائية لبناء الخنساء الربعة‪:‬‬


‫كان لبناء الخنساء الربعة مواقف فدائية في‬
‫ذلك اليوم فقد اندفعوا إلى القتال بحماس‬
‫وقال كل واحد منهم شعرا ً حماسيا ً يق ّ‬
‫وي به‬
‫نفسه وإخوانه فقال أولهم‪:‬‬

‫‪ ()1457‬تاريخ الطبري )‪.(4/370‬‬


‫حْتنا إذ دعتنا‬
‫قد نص َ‬ ‫يا إخوتي إن العجوز‬
‫البارحة‬ ‫الناصحة‬
‫فباكروا الحرب‬ ‫ة ذات بيان‬
‫مقال ً‬
‫ضروس الكالحة‬ ‫ال ّ‬ ‫واضحة‬
‫من آل ساسان‬ ‫وإنما تلقون عند‬
‫الكلب النابحة‬ ‫الصائحة‬
‫وأنتم بين حياة‬ ‫قد أيقنوا منكم بوقع‬
‫وحياة صالحة‬ ‫الجائحة‬

‫وتقدم فقاتل حتى قتل‪ ،‬فحمل الثاني وهو‬


‫يقول‪:‬‬

‫والنظر الوفق‬ ‫إن العجوز ذات حزم‬


‫سدد‬‫والرأي ال ّ‬ ‫وجلد‬
‫نصيحة منها وبّرا ً‬ ‫قد أمرتنا بالسداد‬
‫بالولد‬ ‫والّرشد‬
‫إما لفوز بارد على‬ ‫فباكروا الحرب حماة‬
‫الكبد‬ ‫في العدد‬
‫في جنة الفردوس‬ ‫أو ميتة تورثكم عز‬
‫والعيش الرغد‬ ‫البد‬

‫وقاتل حتى استشهد‪ .‬وحمل الثالث وهو يقول‪:‬‬


‫قد أمرتنا حدبا ً‬ ‫والله ل نعصي‬
‫وعطفا ً‬ ‫العجوز حرفا ً‬
‫فبادروا الحرب‬ ‫نصحا ً وبرا ً صادقا ً‬
‫الضروس زحفا ً‬ ‫ولطفا ً‬
‫أو يكشفوكم عن‬ ‫حتى تلفوا آل‬
‫حماكم كشفا ً‬ ‫كسرى لفا‬
‫والقتل فيكم نجدة‬ ‫إنا نرى التقصير‬
‫وُزلفى‬ ‫عنكم ضعفا ً‬

‫وقاتل حتى استشهد‪ ،‬وحمل الرابع وهو يقول‪:‬‬

‫ول لعمرو ذي السناء‬ ‫لست لخنساء ول‬


‫القدم‬ ‫خَرم ِ‬
‫لل ْ‬
‫ماض على الهول‬ ‫ردْ في‬
‫إن لم أ ِ‬
‫م خضرم‬ ‫خض ّ‬ ‫الجيش جيش العجم‬
‫أو لوفاة في السبيل‬ ‫إما لفوز عاجل‬
‫الكرم‬ ‫ومغنم‬

‫فقاتل حتى استشهد)‪ (1458‬وبلغ الخنساء خبر‬


‫بنيها الربعة فقالت‪ :‬الحمد لله الذي شّرفني‬
‫بقتلهم‪ ،‬وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في‬
‫مستقر رحمته)‪.(1459‬‬

‫‪ ()1458‬القادسية ص ‪ 154‬أحمد عادل كمال‪.‬‬


‫‪ ()1459‬الخنساء أم الشهداء‪ ،‬عبد المنعم الهاشمي ص ‪. 98‬‬
‫س‪ -‬مكيدة قعقاعية بالغة التأثير على الفرس‪:‬‬
‫في هذا اليوم يوم أغواث قام القعقاع بن‬
‫عمرو وبنو عمه من تميم بمكيدة قعقاعية‬
‫بالغة التأثير على الفرس‪ ،‬وذلك أنه لما علم‬
‫بما فعلته الفيلة في اليوم الول بخيول‬
‫المسلمين قام هو وقومه بتوفيق من الله‬
‫تعالى بتهيئة البل لتظهر في مظهر مخيف‬
‫صر الخيول فألبسوها وحّللوها ووضعوا لها‬ ‫ي ُن َ ّ‬
‫البراقع في وجوهها‪ ،‬وحملوا عليها المشاة‬
‫وأحاطوها بالخيول لحمايتها‪ ،‬وهجموا بها على‬
‫خيول الفرس‪ ،‬ففعلوا بهم يوم أغواث كما‬
‫فعلوا بالمسلمين يوم أرماث‪ ،‬فجعلت تلك‬
‫البل ل تصمد لقليل ول لكثير إل نفرت بهم‬
‫خيلهم وركبتهم خيول المسلمين‪ ،‬فلما رأى‬
‫ذلك الناس استّنوا بهم‪ ،‬فلقي الفرس من‬
‫البل يوم أغواث أعظم مما لقي المسلمون‬
‫من الفيلة يوم أرماث)‪ ،(1460‬وهكذا نجد أن‬
‫المسلمين الوائل يتفوقون على أعدائهم في‬
‫البتكار الحربي‪ ،‬فالفرس أنهكوا المسلمين‬
‫في اليوم الول بسبب استخدام الفيلة‪ ،‬وما‬
‫دام المسلمون‬
‫ل يملكون الفيلة فليخترعوا مما يملكون من‬
‫البل ما يكيدون به العداء فكانت هذه الحيلة‬
‫الحربية الممتازة التي أخافت خيول العداء‬
‫فنفرت بمن عليها من الفرسان‪ ،‬وهكذا يجب‬
‫أن يكون المسلمون متفوقين في مجال‬

‫‪ ()1460‬التاريخ السلمي )‪.(10/46‬‬


‫العداد المادي بعد تفوقهم في العداد‬
‫الروحي‪.‬‬

‫ش‪ -‬أبو محجن الثقفي في قلب المعركة‪:‬‬


‫استمر القتال يوم أغواث إلى منتصف الليل‪،‬‬
‫وسميت تلك الليلة ليلة السواد‪ ،‬ثم وقف‬
‫القتال بعد أن تحاجز الفريقان وكان لوقف‬
‫القتال منفعة كبيرة للمسلمين‪ ،‬حيث كانوا‬
‫ينقلون شهداءهم إلى مقر دفنهم في وادي‬
‫ذيب حيث‬ ‫ع َ‬
‫مشّرق‪ ،‬وينقلون الجرحى إلى ال ُ‬ ‫ُ‬
‫تقوم النساء بتمريضهم‪ ،‬ولقد شارك في‬
‫القتال في هذه الليلة لول مرة أبو محجن‬
‫قّيد‪،‬‬‫حبس و ُ‬‫الثقفي)‪ ،(1461‬وكان أبو محجن قد ُ‬
‫فهو في القصر‪ ،‬فصعد حين أمسى إلى سعد‬
‫ده فنزل فأتى‬ ‫يستعفيه ويستقيله‪ ،‬فزبره ور ّ‬
‫صفة‪ ،‬فقال‪ :‬يا سلمى يا بنت آل‬ ‫سْلمى بنت َ‬
‫خ َ‬
‫خصفة‪ ،‬هل لك إلى خير؟ قالت‪ :‬وما ذاك؟‬ ‫َ‬
‫قال‪ :‬تخّلين عّني وُتعيرينني البلقاء‪ ،‬فلله علي‬
‫إن سلمني الله أن أرجع إليك حتى أضع رجلي‬
‫قْيدي‪ ،‬فقالت‪ ،‬وما أنا وذاك! فرجع يرسف‬ ‫في َ‬
‫في قيوده ويقول‪:‬‬

‫‪ ()1461‬نفس المصدر )‪.(10/462‬‬


‫وأترك مشدودا ً عل ّ‬
‫ي‬ ‫كفى حزنا ً أن ت َْرِد َ‬
‫ى‬
‫وثاقيا‬ ‫)‪(1462‬‬
‫ل بالقنا‬ ‫الخي ُ‬
‫مصارع دوني قد‬ ‫ت عّناني‬ ‫قم ُ‬‫إذا ُ‬
‫مناديا‬ ‫ُ‬
‫م ال ُ‬‫تص ّ‬ ‫الحديدُ وأغلقت‬
‫فقد تركوني واحدا ً‬ ‫وقد كنت ذا مال‬
‫ل أخاليا‬ ‫كثير وإخوة‬
‫ت أل ّ أزور‬‫ج ْ‬
‫فر َ‬ ‫لئن ُ‬ ‫س‬
‫ولله عهدٌ ل أخي ُ‬
‫الحوانيا‬ ‫بعهده‬

‫سْلمى‪ :‬إني استخرت الله ورضيت‬ ‫فقالت َ‬


‫فَرس فل‬ ‫ما ال َ‬
‫بعهدك‪ ،‬فأطلقته وقالت‪ :‬أ ّ‬
‫أعيره‪ ،‬ورجعت إلى بيتها‪ ،‬فاقتادها‪ ،‬فأخرجها‬
‫من باب القصر الذي يلي الخندق فركبها‪ ،‬ثم‬
‫ب عليها‪ ،‬حتى إذا كان بحيال الميمنة كّبر‪ ،‬ثم‬ ‫د ّ‬
‫حمل على ميسرة القوم يلعب برمحه وسلحه‬
‫فين‪ ،‬فقالوا‪ :‬بسرجها‪ ،‬وقال سعيد‬ ‫ص ّ‬
‫بين ال ّ‬
‫عْزيًا‪ ،‬ثم رجع من خلف المسلمين‬ ‫والقاسم ُ‬
‫إلى الميسرة فكّبر وحمل على ميمنة القوم‬
‫فين برمحه وسلحه‪ ،‬ثم رجع من‬ ‫ص ّ‬‫يلعب ال ّ‬
‫خلف المسلمين إلى القلب فندر أمام الناس‪،‬‬
‫صفين برمحه‬ ‫فحمل على القوم يلعب بين ال ّ‬
‫وسلحه‪ ،‬وكان يقصف الناس ليلتئذ قصفا ً‬
‫منكرا ً وتعجب الناس منه وهم ل يعرفونه ولم‬
‫يروه من الّنهار‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬أوائل أصحاب‬
‫هاشم أو هاشم نفسه وجعل سعد يقول وهو‬
‫‪ ()1462‬القنا‪ :‬الرمح‪.‬‬
‫ب من فوق القصر‪:‬‬ ‫مك ِ ّ‬
‫مشرف على الناس ُ‬
‫جن لقلت‪ :‬هذا أبو‬ ‫ح َ‬‫م ْ‬‫والله لول محبس أبي ِ‬
‫محجن وهذه البلقاء‪ ،‬وتعددت القوال فلما‬
‫انتصف الليل حاجز أهل فارس‪ ،‬وتراجع‬
‫حجن حتى دخل من‬ ‫المسلمون‪ ،‬وأقبل أبو م ْ‬
‫حيث خرج‪ ،‬وعاد رجليه في قيديه وقال‪:‬‬
‫هم‬ ‫م ُ‬ ‫بأنا نحن أكر َ‬ ‫لقد علمت ثقيف‬
‫سُيوفا ً‬ ‫ُ‬ ‫غير فخر‬
‫كرهوا‬ ‫وأصبرهم إذا َ‬ ‫ً‬ ‫وأكثرهم دروعا‬
‫وقوفا‬ ‫ال ُ‬ ‫سابغات‬
‫عمُيوا فسل‬ ‫فإن َ‬ ‫وأّنا وفدهم في‬
‫عريفا ً‬ ‫م َ‬‫به ُ‬ ‫كل يوم‬
‫ولم أشعر بمخرجي‬ ‫وليلة قادس لم‬
‫حوفا‬ ‫الّز ُ‬ ‫يشعروا بي‬
‫هم‬
‫ه ُ‬
‫ق ُ‬ ‫وإن أترك أذي ُ‬ ‫فإن ُأحبس فذلكم‬
‫حتوفا‬ ‫ال ُ‬ ‫بلئي‬

‫جن‪ ،‬في أي شيء‬ ‫ح َ‬


‫فقالت له سلمى‪ :‬يا أبا م ْ‬
‫حبسك هذا الرجل؟ قال‪ :‬أما والله‬
‫ما حبسني بحرام أكلته ول شربته‪ ،‬ولكني كنت‬
‫صاحب شراب في الجاهلية‪ ،‬وأنا امرؤ شاعر‬
‫ب الشعر على لساني‪ ،‬يبعثه على شفتي‬ ‫يد ّ‬
‫أحيانًا‪ ،‬فيساء لذلك ثنائي‪ ،‬ولذلك حبسني قلت‪:‬‬
‫ي عظامي بعد‬ ‫ت َُرو ّ‬ ‫دفّني‬ ‫ت فا ْ‬
‫إذا م ّ‬
‫عُروقها‬‫موتي ُ‬ ‫ة‬ ‫إلى أصل ك َْر َ‬
‫م ُ‬
‫أخاف إذا ما مت أل‬ ‫ول تدفّني بالفلة‬
‫أذوقها‬ ‫فإنني‬
‫أسيُر لها من بعد ما‬ ‫ص‬
‫ح ّ‬‫وُتروي بخمر ال ُ‬
‫قد أسو ُ‬
‫قها‬ ‫َلحدي فإنني‬

‫فلما أصبحت سلمى أخبرت سعد بن أبي‬


‫وقاص عن خبرها وخبر أبي محجن‪ ،‬فدعا به‬
‫فأطلقه‪ ،‬وقال‪ :‬أذهب فما أنا مؤاخذك بشيء‬
‫تقوله حتى تفعله‪ ،‬قال‪ :‬ل جرم‬
‫ً)‪(1463‬‬
‫‪.‬‬ ‫ل أجيب لساني إلى صفة قبيح أبدا‬

‫ص‪ -‬خطة قعقاعية في النصف الخير من ليلة السواد‪:‬‬


‫من أبرز ما جرى من نصف ليلة السواد الخير‬
‫أن القعقاع بن عمرو اغتنم الفرصة في‬
‫التخطيط لخطة يرفع بها من معنويات‬
‫المسلمين في يومهم القادم‪ ،‬فلقد أمر أتباعه‬
‫بأن يتسللوا سرا ً ثم يقدموا في النهار تباعا ً‬
‫على فرق كل فرقة مائة مقاتل‪ ،‬وقال لهم‪:‬‬
‫إذا طلعت لكم الشمس فأقبلوا مائة مائة‪ ،‬كلما‬
‫توارى عنكم مائة فليتبعها مائة‪ ،‬فإن جاء هاشم‬
‫فذاك‪ ،‬وإل جددتم للناس رجاء وجدّا ً فلما ذّر‬
‫قرن الشمس والقعقاع يلحظ الخيل وطلعت‬
‫نواصيها كّبر وكبر الناس وقالوا‪ :‬جاء المدد‪،‬‬
‫سي به أخوه عاصم بن عمرو فأمر قومه‬ ‫وقد تأ ّ‬
‫فان(‪،‬‬ ‫أن يصنعوا مثل ذلك فأقبلوا من جهة )خ ّ‬

‫‪ ()1463‬تاريخ الطبري )‪.(4/374‬‬


‫فما جاء آخر أصحاب القعقاع حتى انتهى إليهم‬
‫هاشم بن عتبة في سبعمائة من جيش الشام‪،‬‬
‫فأخبروه برأي القعقاع وما صنع في يوميه‪،‬‬
‫فعّبأ أصحابه سبعين سبعين‪ ،‬فلما جاء آخر‬
‫أصحاب القعقاع خرج هاشم في سبعين‬
‫معه)‪ ،(1464‬وهنا يلحظ الباحث تواضع هاشم بن‬
‫عتبة بن أبي وقاص فلقد قبل الخذ بالرأي‬
‫المثل في التخطيط الحربي فصنع بتفريق‬
‫جيشه كما صنع القعقاع بن عمرو‪ ،‬ولم يمنع‬
‫اعتبار النفس والمنصب من أن يأخذ برأي قائد‬
‫من قواده‪ ،‬بل كان رجل ً من الرجال الذين‬
‫تخرجوا من مدرسة التربية النبوية‪ ،‬فأصبحوا‬
‫يلغون ذواتهم ومصالحهم الخاصة في سبيل‬
‫مصلحة السلم ومصلحة المسلمين العامة‪،‬‬
‫وهذا من أهم أسباب نجاحهم في إقامة الدولة‬
‫السلمية الكبرى‪ ،‬والقضاء على قوى العالم‬
‫آنذاك)‪.(1465‬‬

‫‪ ()1464‬تاريخ الطبري )‪.(4/375‬‬


‫‪ ()1465‬التاريخ السلمي )‪.(10/466‬‬
‫‪ -3‬يوم عماس‪:‬‬
‫دم‬‫ماس فقد ق ّ‬
‫ع َ‬
‫هذا اليوم الثالث‪ ،‬يوم ِ‬
‫الفرس فيه فيلتهم بتخطيط جديد تلفوا به‬
‫ما كان في اليوم الول من قطع حبالهم‪،‬‬
‫فجعلوا مع كل فيل رجال ً يحمونه ومع الرجال‬
‫فرسان يحمونهم وظل المسلمون يقاتلون‬
‫الفيلة ومن فوقها وحولها‪ ،‬ولقوا منها عنتا ً‬
‫شديدًا‪ ،‬ولما رأى سعد بن أبي وقاص رضي‬
‫الله عنه ما يلقي المسلمون منها أرسل إلى‬
‫مسلمي الفرس الذين كانوا مع جيش‬
‫المسلمين سألهم عن الفيلة هل لها مقاتل؟‬
‫فقالوا‪ :‬نعم المشافر والعيون ل ينتفع بها‬
‫بعدها‪ ،‬فأرسل إلى القعقاع وعاصم بن عمرو‬
‫وقال لهما‪ :‬اكفياني الفيل البيض وكانت‬
‫مال‬ ‫كلها آلفة له وكان بإزائها وأرسل إلى ح ّ‬
‫بن مالك والرب ّّيل بن عمرو السدي فقال‪:‬‬
‫اكفياني الفيل الجرب‪ ،‬وكانت آلفة كلها‬
‫وكان بإزائهما‪ ،‬فأخذ القعقاع وعاصم‬
‫حيهما ودّبا إليه في كتيبة من الفرسان‬ ‫ُرم َ‬
‫والرجال‪ ،‬فقال لمن معهما‪ :‬اكتنفوه لتحيروه‬
‫فأصبح الفيل ينظر يمنة ويسرة متحيرا ً ممن‬
‫حوله‪ ،‬ودنا منه القعقاع وعاصم فحمل عليه‬
‫وهو متشاغل بمن حوله فوضعا رمحيهما معا ً‬
‫في عين الفيل البيض‪ ،‬ونفض رأسه فطرح‬
‫سائسه‪ ،‬ودّلى مشفره‪ ،‬فنفحه القعقاع‬
‫بسيفه فرمى به‪ ،‬ووقع لجنبه فقتل من كان‬
‫مال بن مالك وقال للّربّيل بن‬ ‫عليه‪ .‬وحمل ح ّ‬
‫عمرو‪ :‬اختر إما أن تضرب المشفر‪ ،‬وأطعن‬
‫في عينه أو تطعن في عينه وأضرب مشفره‪،‬‬
‫فاختار الضرب‪ ،‬فحمل عليه حمال وهو‬
‫متشاغل بملحظة من اكتنفه ل يخاف سائسه‬
‫إل على بطانه وذلك لن المسلمين قطعوا‬
‫ذلك منها في اليوم الول فانفرد به أولئك‬
‫مال في عينه فأقعى على خلفه‪ ،‬ثم‬ ‫فطعنه ح ّ‬
‫استوى‪ ،‬ونفحه الربيل بن عمرو فأبان‬
‫صر به سائسه فضرب جبينه وأنفه‬ ‫مشفره‪ ،‬وب ُ‬
‫بحديده كانت معه وأفلت منها الربيل وحمال‪،‬‬
‫وصاح الفيلن صياح الخنزير‪ ،‬وكانت الفيلة‬
‫تابعة لهما فرجعت على الفرس ورجعت معها‬
‫الفيلة تطأ جيش الفرس حتى قطعت نهر‬
‫العتيق ووّلت نحو المدائن وهلك من كان‬
‫عليها)‪ (1466‬ولما خل الميدان من الفيلة زحف‬
‫الناس بعضهم على بعض واشتد القتال‬
‫بينهم‪ ،‬وكان لدى الفرس جيش احتياطي من‬
‫أهل النجدات والبأس‪ ،‬فكلما وقع خلل في‬
‫جيشهم‪ ،‬أبلغوا )يزدجرد( فأرسل لهم من‬
‫هؤلء وقد انتهى ذلك اليوم والمسلمون‬
‫وأعداؤهم على السواء)‪.(1467‬‬

‫أ‪ -‬بطولة عمرو بن معديكرب‪:‬‬


‫قال عمرو بن معديكرب‪ :‬إني حامل على الفيل‬
‫دعوني أكثر من جز‬‫ومن حوله بإزائهم فل ت َ َ‬
‫جزور )يعني نحر الناقة( فإن تأخرتم عني‬
‫فقدتم أبا ثور‪ ،‬فأّنى لكم مثل أبي ثور فإن‬

‫‪ ()1466‬التاريخ السلمي )‪.(10/468‬‬


‫‪ ()1467‬تاريخ الطبري )‪.(4/376‬‬
‫أدركتموني وجدتموني وفي يدي السيف‪،‬‬
‫فحمل فما انثنى حتى ضرب فيهم‪ ،‬وستره‬
‫الغبار‪ ،‬فقال أصحابه‪ :‬ما تنظرون؟ ما أنتم‬
‫بخلقاء أن تدركوه‪ ،‬وإن فقدتموه فقد‬
‫المسلمون فارسهم‪ ،‬فحملوا حملة فأفرج‬
‫المشركون عنه بعدما صرعوه وطعنوه وإن‬
‫سيفه لفي يده يضاربهم وقد طعن فرسه‪،‬‬
‫فلما رأى أصحابه وانفرج عنه أهل فارس أخذ‬
‫برجل فرس من أهل فارس‪ ،‬فحركه الفارسي‬
‫فاضطرب الفرس فالتفت الفارسي إلى‬
‫شوه‪،‬‬‫م به وأبصره المسلمون‪ ،‬فغ ُ‬ ‫عمرو‪ ،‬فه ّ‬
‫فنزل عنه الفارسي‪ ،‬وحاضر يعني أسرع إلى‬
‫أصحابه‪ ،‬فقال عمرو‪ :‬أمكنوني من لجامه‪،‬‬
‫فأمكنوه منه فركبه)‪.(1468‬‬

‫ب‪ -‬طليحة بن خويلد السدي‪:‬‬


‫استمر القتال في اليوم الثالث إلى الليللل‪ ،‬ثللم‬
‫حجز بينهم صللوت طليحللة بللن خويلللد السللدي‪،‬‬
‫وكان قد التف وراء جيش الفرس‪ ،‬ففزع لللذلك‬
‫الفرس وتعجب المسلمون‪ ،‬فكف بعضللهم عللن‬
‫بعض للنظر في ذلللك‪ ،‬وكللان سللعد رضللي الللله‬
‫عنه قد بعثه مللع أنللاس لحراسللة مكللان يحتمللل‬
‫منه الخطللر علللى المسلللمين‪ ،‬فتجللاوز مهمتلله‪،‬‬
‫ودار من خلف الفرس وكّبر ثلث تكبيرات)‪،(1469‬‬
‫ولقد أفادت حركته هلذه حيلث تلوقفت الحلرب‬

‫‪ ()1468‬تاريخ الطبري )‪.(4/378‬‬

‫‪ ()1469‬تاريخ الطبري )‪.(4/382‬‬


‫وكان هناك فرصة لعادة الصفوف والسللتعداد‬
‫لقتال الليل‪.‬‬
‫ج‪ -‬قيس بن المكشوح‪:‬‬
‫يللا معشللر العللرب‪ ،‬إن الللله قللد مللن عليكللم‬
‫بالسلم‪ ،‬وأكرمكم بمحمد ‪ ،‬فأصبحتم بنعمة‬
‫الله إخوانًا‪ ،‬دعوتكم واحدة‪ ،‬وأمركم واحد‪ ،‬بعللد‬
‫إذ أنتم يعدو بعضللكم علللى بعللض عللدو السللد‪،‬‬
‫ويختطللف بعضللكم بعضللا ً اختطللاف الللذئاب‪،‬‬
‫فانصروا الله ينصركم‪ ،‬وتنجزوا مللن الللله فتللح‬
‫فارس‪ ،‬فإن إخوانكم من أهل الشام قللد أنجللز‬
‫الله لهللم فتللح الشللام وانتشللال)‪ ،(1470‬القصللور‬
‫الحمر والحصون الحمر)‪.(1471‬‬
‫د‪ -‬مما قيل من الشعر ذلك اليوم‪:‬‬
‫قال القعقاع بن عمرو‪:‬‬
‫فلللله قللومي حيللن‬ ‫ضللللللض قللللللومي‬ ‫ح ّ‬
‫هللللللّزوا العواليللللللا‬ ‫ي بللن يعمللر‬ ‫ضللَرح ّ‬‫م ْ‬
‫َ‬
‫قللللللديس‬ ‫لهللللللل ُ‬ ‫ومللا خللام عنهللا يللوم‬
‫يمنعللللون المواليللللا‬ ‫عنلللللا‬
‫سلللللارت جمو ُ‬
‫فللإني للقللى فللي‬ ‫ت‬‫ت قلللاتل ُ‬ ‫فلللإن كنللل ُ‬
‫دواهيا‬ ‫الحلللروب الللل ّ‬ ‫فل َْلتللللللله‬
‫و َ‬‫العلللللللد ّ‬
‫ل أعيانللا ً لهللا‬‫م ُ‬ ‫ُ‬ ‫فيول ً أراهللا كللالُبيوت‬
‫سلل ّ‬
‫أ َ‬
‫)‪(1472‬‬
‫ومآقيلللللللللللللا‬ ‫مغيلللللللللللللللللللللرة‬ ‫ُ‬

‫‪ ()1470‬انتشال‪ :‬استخراج‪ ،‬انتزاع‪.‬‬


‫‪ ()1471‬تاريخ الطبري )‪.(4/378‬‬
‫‪ ()1472‬تاريخ الطبري )‪.(4/381‬‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫أضللللربهم بصللللارم‬ ‫أنا ابن حرب ومعللي‬
‫رقلللللللللللللللللللراق‬ ‫مخراقلللللللللللللللللي‬
‫وجاشللللت النفللللس‬ ‫إذ كللره المللوت أبللو‬
‫عللللللى اللللللتراقي‬ ‫إسلللللللللللللللللللحاق‬
‫س‪ -‬ليلة الهرير‪:‬‬
‫بدأ القتال ليلة الهرير في اليللوم الرابللع‪ ،‬وقللد‬
‫غّير الفرس هذه الليلة طريقتهم في القتللال‪،‬‬
‫فقلللد أدرك رسلللتم أن جيشللله ل يصلللل إللللى‬
‫مستوى فرسان المسلمين فللي المطللاردة ول‬
‫يقاربهم‪ ،‬فعزم علللى أن يكللون القتللال زحف لا ً‬
‫بجميلللع الجيلللش حلللتى يتفلللادى النتكاسلللات‬
‫السابقة الللتي تسللببت فللي تحطيللم معنويللات‬
‫جيشه‪ ،‬فلم يخللرج أحللد مللن الفللرس للمبللارزة‬
‫والمطلللاردة بعلللدما انبعلللث للللذلك أبطلللال‬
‫المسلللمين‪ ،‬وجعللل رسللتم جيشلله ثلثللة عشللر‬
‫صفا ً في القلب والمجّنبتين وبدأ القعقللاع بللن‬
‫عمللرو القتللال وتبعلله أهللل النجللدة والشللجاعة‬
‫قبل أن يكبر سعد‪ ،‬فسمح لهم بذلك واسللتغفر‬
‫لهللم‪ ،‬فلمللا كللبر ثلثللا ً زحللف القللادة وسللائر‬
‫الجيش‪ ،‬وكانوا ثلثة صفوف‪ ،‬صفا ً فيه الرمللاة‬
‫وصفا ً فيه الفرسان وصفا ً فيه المشاة‪ ،‬وكللان‬
‫القتال في تلك الليلة عنيفًا‪ ،‬وقد اجتلدوا مللن‬
‫أول الليل حللتى الصللباح ل ينطقللون‪ ،‬كلمهللم‬
‫ميت ليلللة الهريللر‪ ،‬وقللد أوصللى‬ ‫الهريللر‪ ،‬فسلل ّ‬
‫المسلمون بعضهم بعضا ً على بذل الجهللد فللي‬
‫القتال لما يتوقعونه من عنللف الصللراع‪ ،‬وممللا‬
‫)‪(1473‬‬
‫مللا قللاله كللل‬ ‫ُروي من القللوال فللي ذلللك‬
‫من‪:‬‬
‫‪ -‬دريللد بللن كعللب النخعللي قللال لقللومه‪ :‬إن‬
‫المسللللللمين تهيئوا للمزاحفلللللة فاسلللللبقوا‬
‫المسلللمين الليلللة إلللى الللله والجهللاد فللإنه ل‬
‫يسللبق الليلللة أحللد إل كللان ثللوابه علللى قللدر‬
‫سبقه‪ ،‬نافسوهم في الشهادة وطيبوا بالموت‬
‫نفسًا‪ ،‬فإنه أنجى من الموت إن كنتللم تريللدون‬
‫الحياة‪ ،‬وإل فالخرة ما أردتم‪.‬‬
‫‪ -‬وقال الشعث بن قيس‪ :‬يا معشر العرب إنه‬
‫ل ينبغللي أن يكللون هللؤلء القللوم أجللرأ علللى‬
‫الموت ول أسخى أنفسا ً عللن الللدنيا‪ ،‬تنافسللوا‬
‫الزواج والولد‪ ،‬ول تجزعللوا مللن القتللل فللإنه‬
‫أماني الكرام ومنايا الشهداء)‪.(1474‬‬
‫‪ -‬وقللال حميضللة يللن النعمللان البللارقي‪ :‬كللان‬
‫عفللى( ليلللة الهريللر كتيبللة مللن‬ ‫ج ْ‬
‫بللإزاء قبيلللة ) ُ‬
‫كتائب العجم عليهللم السلللح التللام‪ ،‬فللازدلفوا‬
‫لهم فجالدوهم بالسيوف‪ ،‬فرأوا أن السيوف ل‬
‫تعمل مع الحديد فارتدعوا‪ ،‬فقال لهم حميضللة‬
‫بلن النعملان البلارقي‪ :‬ملالكم؟ قلالوا ل يجلوز‬
‫فيهللم السلللح‪ ،‬قللال‪ :‬كمللا أنتللم حللتى أريكللم‪،‬‬
‫انظروا‪ ،‬فحمل على رجل منهم فاستدار خلفه‬
‫فللدق ظهللره بالرمللح ثللم التفللت إلللى أصللحابه‬
‫فقللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللال‪:‬‬

‫‪ ()1473‬التاريخ السلمي )‪.(10/472‬‬


‫‪ ()1474‬تاريخ الطبري )‪.(4/384‬‬
‫ما أراهللم إل يموتللون دونكللم‪ ،‬فحملللوا عليهللم‬
‫وأزالوهم إلى صفهم)‪.(1475‬‬
‫وكان بإزاء قبيلة كندة‪ ،‬ترك الطبري )أحد قادة‬
‫الفللرس( فقللال الشللعث بللن قيللس الكنللدي‪:‬‬
‫ياقوم ازحفوا لهم‪ ،‬فزحف لهم فللي سللبعمائة‬
‫فأزالهم وقتل قائدهم‪ ،‬ترك وكان القتال فللي‬
‫تلك الليلة شديدا ً متواصل ً وقام زعماء القبائل‬
‫يحثون قبائلهم على الثبات والصبر‪ ،‬ومما يبين‬
‫عنف القتال في تلك الليلة‪ ،‬ما أخرجه الطبري‬
‫عن أنس بن الحليس قال‪ :‬شهدت ليلة الهرير‪،‬‬
‫فكان صليل الحديد فيها كصوت القيون ليلتهم‬
‫حتى الصباح‪ ،‬أفرغ عليهم الصبر إفراغلا ً وبللات‬
‫سعد بليلة لم يبت بمثلها‪ ،‬ورأى العرب والعجم‬
‫أمرا ً لم يللروا مثللله قللط‪ ،‬وانقطعللت الصللوات‬
‫والخبار عن رستم وسللعد‪ ،‬وأقبللل سللعد علللى‬
‫الدعاء حتى إذا كان نصف الليل البللاقي سللمع‬
‫القعقاع بن عمرو وهو يقول‪:‬‬
‫أربعلللللة وخمسلللللة‬ ‫نحن قتلنللا معشللرا ً‬
‫وواحلللللللللللللللللللدا ً‬ ‫وزائدا ً‬
‫حلللللتى إذا ملللللاتوا‬ ‫نحسب فللوق الّلبللد‬
‫دعللللللوت جاهللللللدا ً‬ ‫)‪(1476‬‬
‫السلللللللللاودا‬
‫الله ربي واحترست عامدا ً‬
‫)‪(1477‬‬

‫فاستدل سعد بلذلك عللى الفتللح‪ ،‬وهكللذا بلات‬


‫سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يللدعو الللله‬
‫تعالى تلك الليلة ويستنزل نصره‪ ،‬ومما ينبغي‬
‫‪ ()1475‬نفس المصدر )‪.(4/386‬‬

‫‪ ()1476‬الّلبد سرج الفرس‪ ،‬والساود الحيات‪.‬‬


‫‪ ()1477‬تاريخ الطبري )‪(4/386‬‬
‫الشلللارة إليللله أن سلللعدا ً كلللان مسلللتجاب‬
‫الدعوة)‪.(1478‬‬
‫‪ -4‬يوم القادسية‪:‬‬
‫أصللبح المسلللمون فللي اليللوم الرابللع وهللم‬
‫يقاتلون‪ ،‬فسار القعقاع بن عمرو فللي النللاس‬
‫دبرة بعللد سللاعة لمللن بللدأ القللوم‪،‬‬ ‫فقال‪ :‬إن ال ّ‬
‫فاصبروا ساعة واحملوا‪ ،‬فإن النصر مع الصبر‪،‬‬
‫فآثروا الصبر على الجزع‪ ،‬فاجتمع إليه جماعللة‬
‫من الرؤسللاء‪ ،‬وصللمدوا لرسللتم حللتى خللالطوا‬
‫الذين دونه مع الصبح ولمللا رأت ذلللك القبللائل‬
‫قام فيها رجللال‪ ،‬فقللام قيللس بللن عبللد يغللوث‬
‫والشللعث بللن قيللس‪ ،‬وعمللرو بللن معللد يكللرب‬
‫سلللهمين الخشلللعمي وابلللن ذي‬ ‫وابلللن ذي ال ّ‬
‫الُبرديللن الهللللي‪ ،‬فقللالوا‪ :‬ل يكللونن هللؤلء‬
‫)يعني أهل فارس( أجللرأ علللى المللوت منكللم‪،‬‬
‫ول أسخى أنفسا ً عن الدنيا‪ ،‬وقللام فللي ربيعللة‬
‫رجللال فقللالوا‪ :‬أنتللم أعلللم النللاس بفللارس‬
‫وأجرؤهللم عليهللم فيمللا مضللى‪ ،‬فمللا يمنعكللم‬
‫اليوم أن تكونللوا أجللرأ ممللا كنتللم)‪ ،(1479‬وهكللذا‬
‫يضيف القعقللاع بللن عملرو مللأثرة جديلدة فللي‬
‫مآثره الكثيرة فقد جمع الله له بيللن الشللجاعة‬
‫النادرة‪ ،‬والرأي السديد وقوة اليمللان‪ ،‬فسللخر‬
‫ذلك كللله لنصللرة السلللم والمسلللمين‪ ،‬وكللان‬
‫قدومه في هذه المعركة فتحا ً للمسلمين‪ ،‬لقللد‬
‫أدرك القعقاع أن العداء قد نفد صللبرهم بعللد‬
‫قتال استمر يوم لا ً وليلللة دون انقطللاع‪ ،‬وقبللل‬
‫ذلك لمدة يومين مع راحة قليلة‪ ،‬وعرف بثاقب‬
‫فكره وطول تجربته ‪-‬بعللد توفيللق الللله للله‪ -‬أن‬
‫عاقبة المعركة مع من صللبر بعللد هللذا الجهللاد‬
‫الطويللل‪ ،‬واسللتطاع القعقللاع ومللن معلله مللن‬
‫البطللال أن يفتحللوا ثغللرة عميقللة فللي قلللب‬
‫الجيش الفارسي حتى وصلوا قريبا ً من رستم‬
‫‪ ()1478‬التاريخ السلمي )‪.(9/474‬‬
‫‪ ()1479‬تاريخ الطبري )‪.(4/387‬‬
‫مع الظهيرة‪ ،‬وهنا تنّزل نصر الله تعالى‪ ،‬وأمللدّ‬
‫أوليللاءه بجنللود مللن عنللده فهب ّللت ريللح عاصللف‬
‫دبور‪ ،‬فللاقتلعت طيللارة رسللتم عللن‬ ‫وهللي اللل ّ‬
‫سريره‪ ،‬وألقتها في نهر العتيق‪ ،‬ومللال الغبللار‬
‫على الفرس فعاقهم عن الدفاع)‪.(1480‬‬
‫أ‪ -‬مقتل رستم قائد الفرس‪:‬‬
‫وتقدم القعقللاع ومللن معلله حللتى عللثروا علللى‬
‫سرير رستم وهم ل يرونلله مللن الغبللار‪ ،‬وكللان‬
‫رسلتم قللد تركلله واسللتظل ببغللل فوقلع علللى‬
‫رسللتم وهللو ل يشللعر بلله فللأزال مللن ظهللره‬
‫فقارًا‪ ،‬وهللرب رسللتم نحللو نهللر العللتيق لينجللو‬
‫بنفسلله ولكللن هلل ً أدركلله فأمسللك برجللله‬
‫وسحبه ثم قتله‪ ،‬وصعد السرير ثم نادى‪ :‬قتلت‬
‫ي‪ ،‬فأطافوا به وما يرون‬ ‫رستم ورب الكعبة‪ ،‬إل ّ‬
‫السرير وكّبروا وتنادوا‪ ،‬وانهزم قلب الفللرس‪،‬‬
‫أما بقية قادة المسلمين فللإنهم تقللدموا أيض لا ً‬
‫فيمن يقابلهم وتقهقر الفرس أمللامهم‪ ،‬ولمللا‬
‫علم الجالينوس بمقتل رستم قام على الللّردم‬
‫مقللام علللى النهللر ونللادى أهللل فللارس إلللى‬ ‫ال ُ‬
‫العبور فرارا ً من القتل فعبروا‪ ،‬أما المقترنون‬
‫بالسلسل وعددهم ثلثون ألفا ً فإنهم تهللافتوا‬
‫في نهر العتيق فوخزهم المسلمون برماحهم‪،‬‬
‫فما أفلت منهم أحد)‪.(1481‬‬
‫ب‪ -‬نهاية المعركة‪:‬‬
‫انتهت المعركة بتوفيق الله تعالى‪ ،‬ثللم بجهللود‬
‫أبطال المسلمين وحكمة قائدهم سعد بن أبي‬

‫‪ ()1480‬التاريخ السلمي )‪.(10/476‬‬


‫‪ ()1481‬تاريخ الطبري )‪.(4/388‬‬
‫وقاص‪ ،‬وكانت معركة عنيفة قاسية ثبت فيهللا‬
‫العداء للمسلمين ثلثة أيام حتى هزمهم الللله‬
‫فللي اليللوم الرابللع‪ ،‬بينمللا كللان المسلللمون‬
‫يهزمون أعداءهم غالبا ً فللي يللوم واحللد‪ ،‬وكللان‬
‫مللن أسللباب هللذا الثبللات أن الفللرس كللانوا‬
‫يعتبرون هذه المعركة معركللة مصللير‪ ،‬فإمللا أن‬
‫تبقللى دولتهللم مللع النتصللار‪ ،‬وإمللا أن تللزول‬
‫دولتهم مع الهزيمللة والنللدحار ول تقللوم لهللم‬
‫قائمة‪ ،‬كما أن من أسللباب ثبللاتهم وجللود أكللبر‬
‫قادتهم رستم‪ ،‬على رأس القيللادة‪ ،‬وهللو قللائد‬
‫له تاريخ حافل بالنتصارات على أعدائه إضافة‬
‫عدد‪ ،‬حيث كان‬ ‫إلى تفوق الفرس في العدد وال ُ‬
‫عدد الفرس عشرين ومائة ألف من المقللاتلين‬
‫من غير التباع‪ ،‬مع مللن كللان يبعثهللم يزدجللرد‬
‫مددا ً كل يوم بينما كان علدد المسللمين بضلعة‬
‫وثلثيلللن ألفلللا ً)‪ ،(1482‬وملللع هلللذا كلللله انتصلللر‬
‫المسلمون عليهم بعللد أن قللدموا ثمانيللة آلف‬
‫وخمسمائة من الشهداء)‪ ،(1483‬وهللذا العللدد مللن‬
‫الشهداء هو أكللبر عللدد قللدمه المسلللمون فللي‬
‫معلللاركهم فلللي الفتلللوح السللللمية الوللللى‪،‬‬
‫وكونهم قدموا هللذا العللدد مللن الشللهداء دليللل‬
‫على عنف المعركة وعلى استبسال المسلمين‬
‫وتعرضلللهم للشلللهادة رضلللي اللللله عنهلللم‬
‫أجمعين)‪.(1484‬‬
‫ج‪ -‬مطاردة فلول المنهزمين‪:‬‬

‫‪ ()1482‬تاريخ الطبري )‪.(4/388‬‬


‫‪ ()1483‬تاريخ الطبري )‪.(4/388‬‬
‫‪ ()1484‬التاريخ السلمي )‪.(10/479‬‬
‫أمللر سللعد رضللي الللله عنلله بمطللاردة فلللول‬
‫المنهزميلللن فوكلللل القعقلللاع ابلللن عملللرو‬
‫وشلللرحبيل بلللن السلللمط الكنلللدي بمطلللاردة‬
‫المنهزميللن يمينللا ً وشللمال ً دون نهللر العللتيق‪،‬‬
‫وأمر ُزهرة بن الحويللة بمطللاردة الللذين عللبروا‬
‫النهر مع قادتهم‪ ،‬وكان الفرس قد بثقوا النهر‬
‫فلللي اللللردم حلللتى ل يسلللتطيع المسللللمون‬
‫متابعتهم‪ ،‬فاستطاع زهرة وثلثمائة فارس أن‬
‫ليتجللاوزوا بخيللولهم وأمللر مللن ل يسللتطيع‬
‫بموافللاتهم مللن طريللق القنطللرة‪ ،‬وكللان أبعللد‬
‫ل‪ ،‬ثم أدركوا القوم وكان الجللالينوس وهللو‬ ‫قلي ً‬
‫أحللد قللادتهم الكبللار يسللير فللي سللاقة القللوم‬
‫يحميهم‪ ،‬فأدركه زهرة فنازله فاختلفا ضربتين‬
‫فقتللله زهللرة وأخللذ سلللبه وطللاردوا الفللرس‬
‫وقتلللوا منهللم‪ ،‬ثللم أمسللوا فللي القادسللية مللع‬
‫المسلمين)‪.(1485‬‬
‫س‪ -‬بشائر النصر تصل إلى عمر رضي الله عنه‪:‬‬
‫وكتب سعد إلى أمير المؤمنين عمر رضي الله‬
‫عمْيلللة‬
‫عنهمللا يخللبره بالفتللح مللع سللعد بللن ُ‬
‫الفزاري وجلاء فللي كتللابه‪ :‬أملا بعللد فللإن اللله‬
‫نصرنا على أهللل فللارس‪ ،‬ومنحهللم سللنن مللن‬
‫كانوا قبلهم من أهل دينهم‪ ،‬بعد قتال طويللل‪،‬‬
‫عدة لم ير‬ ‫وزلزال شديد‪ ،‬وقد لقوا المسلمين ب ُ‬
‫الللراؤون مثللل زهائهللا )يعنللي مقللدارها( فلللم‬
‫ينفعهم الله بذلك بللل سلللبهموه ونقللله عنهللم‬
‫إلللى المسلللمين‪ ،‬واتبعهللم المسلللمون علللى‬
‫النهار وعلى طفللوف الجللام‪ ،‬وفللي الفجللاج‪،‬‬
‫‪ ()1485‬تاريخ الطبري )‪.(4/389‬‬
‫وأصيب من المسلمين سعد بللن عبيللد القللارئ‬
‫وفلن وفلن‪ ،‬ورجللللال مللللن المسلللللمين ل‬
‫دوون بالقرآن‬ ‫نعلمهم‪ ،‬والله بهم عالم‪ ،‬كانوا ي ُ َ‬
‫ي النحللل‪ ،‬وهللم آسللاد‬ ‫دو ّ‬
‫إذا جن عليهللم الليللل َ‬
‫النللاس ل يشللبههم السللود‪ ،‬ولللم يفضللل مللن‬
‫مضى منهم من بقي إل بفضل الشهادة إذ لللم‬
‫تكتللب لهللم)‪ ،(1486‬وفللي هللذه الرسللالة دروس‬
‫وعبر منها‪:‬‬

‫• ما تحلى به سعد رضي الله عنه من توحيد الله‬


‫تعالى وتعظيمه والللبراءة مللن حللول النفللوس‬
‫وقوتها‪ ،‬فالنصر على العداء إنما هو من الللله‬
‫تعالى وحده وليس بقللوة المسلللمين‪ ،‬بللالرغم‬
‫ممللا بللذلوه مللن الجهللاد المضللني والتضللحية‬
‫العالية‪.‬‬

‫• وقللوة العللداء الضللخمة‪ ،‬ليللس بقاؤهللا أو‬


‫سلبها للبشر‪ ،‬بللل ذلللك كللله لللله تعللالى‪ ،‬فهللو‬
‫الذي حرم العداء من النتفللاع بقللوتهم‪ ،‬وهللو‬
‫الللذي منحهللا للمسلللمين‪ ،‬وإنمللا البشللر مجللرد‬
‫وسائط يجري الله النفع والضرر على أيللديهم‪،‬‬
‫وهو وحده اللذي يسلتطيع دفلع الضلرر وجللب‬
‫المنفعللة سللبحانه وتعللالى‪ ،‬وهكللذا فهللم سللعد‬
‫رضللي الللله عنلله معنللى التوحيللد‪ ،‬وحققلله مللع‬
‫جنوده في حياته‪.‬‬

‫• ونلحللظ سللعدا ً فللي رسللالته يصللف الصللحابة‬


‫رضي الله عنهللم ومللن معهللم مللن التللابعين‬
‫‪ ()1486‬تاريخ الطبري )‪.(4/408‬‬
‫عب ّللاد‬
‫بالتفوق في العبادة والشللجاعة‪ ،‬فهللم ُ‬
‫ويللة بللالقرآن‬ ‫فللي الليللل لهللم أصللوات مد ّ‬
‫ل ول تمللل‪ ،‬وفرسللان‬ ‫كأصوات النحللل ل تك ل ّ‬
‫فللي النهللار ل تصللل السللود الضللارية إلللى‬
‫مسلتواهم فلي القلدام والثبلات)‪ (1487‬وكلان‬
‫عمر رضي الللله عنلله يسللتخبر الركبللان عللن‬
‫أهل القادسية من حين يصبح إلللى انتصللاف‬
‫النهار‪ ،‬ثم يرجع إلى أهله ومنزله‪ ،‬فلما لقي‬
‫البشير سأله من أين؟ فأخبره‪ ،‬قال‪ :‬يا عبللد‬
‫هللزم الللله العللدو‪ ،‬وعمللر‬‫الله حللدثني قللال‪َ :‬‬
‫ب معه –يعني يسرع‪ -‬ويسللتخبره‪ ،‬والخللر‬ ‫خ ّ‬
‫ي ُ‬
‫على نللاقته ول يعرفلله‪ ،‬حللتى دخللل المدينللة‬
‫فإذا الناس يسّلمون عليلله بللإمرة المللؤمنين‬
‫فقال‪ :‬فهل أخبرتني رحمللك الللله أنللك أميللر‬
‫المللؤمنين‪ ،‬وجعللل عمللر يقللول ل عليللك يللا‬
‫أخي)‪ (1488‬وفي هذا الخبر دروس وعبر منها‪:‬‬
‫‪ -‬الهتمللام الكللبير مللن عمللر رضللي الللله عنلله‬
‫الذي دفعه إلى أن يخرج إلللى البّريللة كللل يللوم‬
‫لعللله يجللد الركبللان القللادمين مللن العللراق‬
‫فيسألهم عن خبر المسلمين مع أعدائهم‪ ،‬وقد‬
‫كان بإمكانه أن يوكل بهذه المهمة غيره ممللن‬
‫م الكبير الذي كان يحمله‬ ‫يأتيه بالخبر ولكن اله ّ‬
‫للمسلللمين ل يتيللح للله أن يفعللل ذلللك‪ ،‬وهنللا‬
‫منتهى الرحمة والشعور بالمسؤولية‪.‬‬

‫‪ ()1487‬التاريخ السلمي )‪.(10/481‬‬


‫‪ ()1488‬تاريخ الطبري )‪.(4/408‬‬
‫م من عمر رضي الله عنه‪ ،‬فقللد‬ ‫‪ -‬التواضع الج ّ‬
‫ظل يسير ماشيا ً مع الراكب‪ ،‬ويطلب منه خللبر‬
‫المعركللة‪ ،‬وذلللك الرسللول ل يريللد أن يخللبره‬
‫بالتفاصللللللليل حلللللللتى يصلللللللل إللللللللى‬
‫أميللر المللؤمنين‪ ،‬ول يللدري أنلله الللذي يخللاطبه‬
‫ويعدو معه‪ ،‬حتى عللرف ذلللك مللن النللاس فللي‬
‫المدينة وهذه أخلق رفيعة يحق للمسلللمين أن‬
‫يفاخروا بها العالم في تاريخهم الطويللل‪ ،‬وأن‬
‫يستدلوا بها على عظمة هذا الدين الذي أنجللب‬
‫رجللال ً مثللل عمللر فللي عللدله ورحمتلله وحزملله‬
‫وتواضعه)‪.(1489‬‬
‫خامسًا‪ :‬دروس وعبر وفوائد‪:‬‬

‫‪ -1‬تاريخ المعركة وأثرها في حركة الفتوحات‪:‬‬


‫اختللف المؤرخلون فلي تحديلد تاريلخ المعركلة‬
‫وللستاذ أحمد عادل كمال تحقيللق جيللد توصللل‬
‫فيلله إلللى أنهللا فللي شللهر شللعبان مللن العللام‬
‫الخامس عشر)‪ ،(1490‬وهذا القول أميل إليلله‪ ،‬ول‬
‫شللك أن القادسللية تقللع علللى قمللة قائمللة‬
‫المعارك الحاسمة في تاريخ العالم فهللي تللبين‬
‫أنواعللا ً مللن التمكيللن الربللاني لهللل اليمللان‬
‫الصللحيح‪ ،‬فقللد انفتحللت علللى آثارهللا أبللواب‬
‫العراق‪ ،‬ومن وراء العللراق فللارس كلهللا‪ ،‬وهللي‬
‫الللتي مللن عنللدها اسللتطرد نصللر المسلللمين‪،‬‬
‫فاسلللتطرد معللله السلللقوط الساسلللاني ملللن‬
‫النلللاحيتين الحربيلللة والسياسلللية‪ ،‬والسلللقوط‬

‫‪ ()1489‬التاريخ السلمي )‪.(10/488‬‬


‫‪ ()1490‬القادسية ‪ ،266‬التاريخ السلمي )‪.(488 /10‬‬
‫المجوسي من الناحية الدينية العقائديللة‪ ،‬ومللن‬
‫هنا انسللاح ديللن السلللم فللي بلد فللارس ومللا‬
‫وراءها‪ ،‬ففي القادسية كسر المسلمون شوكة‬
‫هم بعللدها أبللدًا‪،‬‬‫المجوس كسرة لم ينجللبر شللأن ُ‬
‫وبهللذا اسللتحقت القادسللية مكانهللا علللى قمللة‬
‫المعارك الحاسمة في تاريخ البشر)‪.(1491‬‬
‫‪ -2‬خطبة عمرية بعد فتح القادسية‪:‬‬
‫لما أتى عمر رضي الللله عنلله خللبر الفتللح قللام‬
‫في النللاس فقللرأ عليهللم الفتللح‪ ،‬وقللال‪ :‬إنللي‬
‫حريللص علللى أن ل أدع حاجللة إل سللددتها مللا‬
‫اتسع بعضنا لبعض‪ ،‬فإذا عجز ذلللك منللا تآسللينا‬
‫في عيشنا حتى نستوي في الكفاف‪ ،‬ولللوددت‬
‫أنكم علمتم من نفسي مثللل الللذي وقللع فيهللا‬
‫لكم ولست معلمكم إل بالعمل‪ ،‬إنللي والللله مللا‬
‫عللرض‬ ‫أنا بملك فأستعبدكم‪ ،‬وإنما أنا عبد الللله ُ‬
‫ي المانة‪ ،‬فإن أبيتها )يعني أعففت نفسي‬ ‫عل ّ‬
‫من أمللوال الرعيللة( ورددتهللا عليكللم واتبعتكللم‬
‫حتى تشبعوا في بيوتكم وتللرووا سللعدت‪ ،‬وإن‬
‫أنللا حملتهللا واسللتتبعتها إلللى بيللتي شللقيت‪،‬‬
‫ل‪ ،‬وبقيللت ل أقللال‬ ‫ففرحت قليل ً وحزنت طللوي ً‬
‫ول أرد فأستعتب)‪.(1492‬‬
‫‪ -3‬الوفاء عند المسلمين‪ ،‬والعدل ل رخصة فيه‪:‬‬
‫كتب سعد رضي الله عنه إلللى أميللر المللؤمنين‬
‫رضي الله عنهما كتابا ً آخللر‪ ،‬يطلللب فيلله أمللره‬
‫في أهل الذمة من عرب العراق الللذين نقضللوا‬
‫عهدهم في حال ضعف المسلمين فقللام عمللر‬
‫‪ ()1491‬الطريق إلى المدائن ص ‪.474 ،473‬‬
‫‪ ()1492‬تاريخ الطبري )‪.(409 /4‬‬
‫رضي الله عنه في الناس فقال‪ :‬إنه من يعمل‬
‫بللالهوى والمعصللية يسللقط حظلله ول يضللر إل‬
‫نفسه‪ ،‬ومن يتبللع السللنة وينتلله إلللى الشللرائع‬
‫ويلزم السبيل النهج ابتغاء مللا عنللد الللله لهللل‬
‫الطاعة أصاب أمره وظفللر بحظلله‪ ،‬وذلللك بللأن‬
‫ول َ‬ ‫ضًرا َ‬‫حا ِ‬ ‫مُلوا َ‬
‫ع ِ‬
‫ما َ‬
‫دوا َ‬
‫ج ُ‬
‫و َ‬ ‫الله عز وجل يقول‪َ :‬‬
‫و َ‬
‫دا)‪)  (49‬الكهللف‪،‬آيللة‪ ،(49:‬وقد ظفر‬ ‫يظْل ِم رب َ َ‬
‫ح ً‬
‫كأ َ‬ ‫ُ َ ّ‬ ‫َ‬
‫أهل اليام والقللوادس بمللا يليهللم‪ ،‬وجل أهللله‪،‬‬
‫وأتللاهم مللن أقللام علللى عهللدهم‪ ،‬فمللا رأيكللم‬
‫فيمن زعم أنه استكره وحشر وفيمن لللم يللدع‬
‫ذلك ولم يقم وجل‪ ،‬وفيمن أقام ولم يدع شيئا ً‬
‫ولم يجل‪ ،‬وفيمن استسلم؟ فاجتمعوا على أن‬
‫الوفاء لمن أقام وكف ولم يزده غلبه إل خيرًا‪،‬‬
‫دق أو وفى فمنزلتهللم‪ ،‬وإن‬ ‫ص ّ‬
‫وأن من ادعى ف ُ‬
‫ذب نبللذ إليهللم وأعللادوا صلللحهم‪ ،‬وأن يجعللل‬ ‫كُ ّ‬
‫أمر من جل إليهم فإن شاءوا وادعوهم وكللانوا‬
‫لهم ذمللة‪ ،‬وإن شللاءوا تمللوا علللى منعهللم مللن‬
‫خي ّللروا‬ ‫أرضهم ولم يعطللوهم إل القتللال‪ ،‬وأن ي ُ َ‬
‫مللن أقللام واستسلللم الجللزاء إل ّ القتللال‪ ،‬وأن‬
‫يخي ّللروا مللن أقللام واستسلللم الجللزاء أو الجلء‬
‫وكذلك الفلحين)‪.(1493‬‬
‫وفي هذه الخطبة دروس وعبر منها‪:‬‬

‫‪ -‬تطبيق عمر رضللي الللله عنلله مبللدأ الشللورى‬


‫حيث كان يستشير أهل الرأي فللي كللل أمللوره‬
‫المهمة بالرغم مما عرف عنه من غزارة العلم‬

‫‪ ()1493‬تاريخ الطبري )‪.(410 /4‬‬


‫وسداد الللرأي‪ ،‬وإن هللذا السلللوك الرفيللع كللان‬
‫من أسباب نجاحه الكبير في سياسة المة‪.‬‬
‫‪ -‬الستفادة مللن هللذه المقدمللة الللتي قللدمها‬
‫عمر رضي الله عنه بين يللدي استشللارته حيللث‬
‫ذكر الصحابة رضللي الللله عنهللم بلللزوم التجللرد‬
‫ملللن الهلللوى وإخلص النيلللة للللله عللز وجللل‪،‬‬
‫والستقامة علللى المنهللج القللويم الللذي سللنه‬
‫رسول الله ‪ ،‬فمن فعل ذلك عصم مللن الللذل‬
‫في الحكللم وأصللاب الحللق وظفللر بثللواب الللله‬
‫تعالى)‪ ،(1494‬وقد لخص عمر رضي الله عنه هذه‬
‫جهلله إلللى سللعد بللن أبللي‬‫المشللورة بخطللاب و ّ‬
‫وقاص رضي الله عنه جلاء فيله‪ :‬أملا بعلد فلإن‬
‫الله جل وعل أنزل في كل شلليء رخصللة فللي‬
‫بعللض الحللالت إل فللي أمريللن‪ :‬العللدل فللي‬
‫السيرة والذكر‪ ،‬فأما الذكر فل رخصة فيه فللي‬
‫حالة‪ ،‬ولم يرض منه إل بالكثير‪ ،‬وأما العدل فل‬
‫رخصة فيه في قريب ول بعيللد‪ ،‬ول فللي شللدة‬
‫ول رخاء‪ ،‬والعدل – وإن رئي لينا ً – فهو أقللوى‬
‫وأطفأ للجور‪ ،‬وأقمع للباطل مللن الجللور‪ ،‬وإن‬
‫رئي شديدا ً فهو أنكش للفكللر‪ ،‬فمللن تللم علللى‬
‫عهده من أهل السواد – يعنللي عللرب العللراق –‬
‫ن عليكللم بشلليء فلهللم الذمللة وعليهللم‬ ‫ع ْ‬
‫ولم ي ُ ِ‬
‫الجزية‪ ،‬وأما من ادعللى أنلله اسلُتكره ممللن لللم‬
‫يخلللالفهم إليكلللم أو يلللذهب فلللي الرض فل‬
‫تصدقوهم بذلك إل أن تشاءوا‪ ،‬وإن لم تشللاءوا‬
‫فانبللذوا إليهللم‪ ،‬وأبلغللوهم مللأمنهم)‪،(1495‬وفللي‬
‫‪ ()1494‬التاريخ السلمي )‪.(485 /10‬‬
‫‪ ()1495‬تاريخ الطبري )‪.(410 /4‬‬
‫هللذا الللرد دروس وعللبر منهللا؛ أن العللدل فللي‬
‫الحكم هو الدعامة الكبرى لبقاء حكللم السلللم‬
‫وسلليادته وانتشللار المللن والرخللاء فللي بلد‬
‫المسلمين‪ ،‬هذا في الدنيا وأما في الخللرة فل‬
‫مفر مللن العقللاب للظللالمين‪ ،‬لن حقللوق الللله‬
‫تعللالى قللد يغفرهللا لعبللده ويتجللاوز عنلله‪ ،‬أمللا‬
‫حقوق الناس فإن الله تعالى يوقف الظللالمين‬
‫ص بعضهم مللن‬ ‫والمظلومين يوم القيامة فيقت ّ‬
‫بعض وأما ذكر الله تعالى فل بد أن يسود حياة‬
‫المسلم فلي قلبله ولسللانه وجلوارحه‪ ،‬فيكللون‬
‫تفكيره خالصا ً لله تعالى‪ ،‬ومنطقه فيما يرضيه‬
‫وعمله من أجله‪ ،‬ويكون همه الكبر إقامة ذكللر‬
‫الله جل وعل في الرض قول ً وعمل ً واعتقللادا ً‬
‫فإذا كان كذلك عصمه الللله سللبحانه مللن فتنللة‬
‫الشبهات والشهوات وقد أخذ سللعد ومللن معلله‬
‫مللن المسلللمين بتوجيهللات أميللر المللؤمنين‬
‫فعرضوا على مللن حللولهم ممللن جل عللن بلده‬
‫أن يرجعوا ولهم الذمة وعليهم الجزية‪ ،‬وهكللذا‬
‫نجد أمامنا نموذجا ً من نمللاذج الرحمللة وتللأليف‬
‫القلللوب‪ ،‬وقللد أثللرت هللذه المعاملللة الكريمللة‬
‫وحّببت المسلللمين والسلللم لهللؤلء النللاكثين‬
‫فللدخلوا بعللد ذلللك علللى مراحللل فللي السلللم‬
‫وصاروا من اتباعه المخلصين)‪.(1496‬‬
‫‪ -4‬الخمس في القادسية رده عمر علي المقاتلين وحسن مكافأته‬
‫للبارزين‪:‬‬
‫أمر عملر رضلي اللله عنله فلي القادسلية بلرد‬
‫الخمللس علللى المقللاتلين‪ ،‬ونفللذ سللعد أمللر‬
‫‪ ()1496‬التاريخ السلمي )‪.(487 /10‬‬
‫الخليفة‪ ،‬وكان اجتهاد عمر هنللا بارع لا ً كبراعللة‬
‫اجتهاده في ترك أراضي السواد بيد أصللحابها‪،‬‬
‫فقد رأى تمشيا ً مع المصلحة العليللا للدولللة أن‬
‫يوزع الخمللس علللى المجاهللدين تشللجيعا ً لهللم‬
‫وتوسعة عليهم واعترافا ً بجهللودهم)‪ ،(1497‬وقللد‬
‫أرسل عمر إلللى سللعد أربعللة أسللياف‪ ،‬وأربعللة‬
‫أفراس يعطيها مكافأة لملن انتهلى إليله البلء‬
‫في حرب العراق‪ ،‬فقلد السياف لربعة؛ ثلثللة‬
‫مللال بللن مالللك‪ ،‬والربيللل‬ ‫من بني أسد وهم‪ :‬ح ّ‬
‫بللن عمللرو بللن ربيعللة الللواليين‪ ،‬وطليحللة بللن‬
‫خويلللد‪ ،‬والرابللع لعاصللم بللن عمللرو التميمللي‪،‬‬
‫وأعطى الفراس‪ :‬واحللدة للقعقللاع بللن عمللرو‬
‫التميمي‪ ،‬والثلثة لليربوعيين مكافأة لهم على‬
‫واقعة عشية أغواث)‪ ،(1498‬وهللذه مللن الوسللائل‬
‫العمرية في تفجير طاقات المجاهدين وتحفيز‬
‫هملللم المسللللمين نحلللو المعلللالي والهلللداف‬
‫السامية والمقاصد النبيلة‪.‬‬

‫‪ -5‬عمر يرد اعتبار زهرة بن الحوية‪:‬‬


‫عاد زهرة من مطاردته لفلول الفرس وبعد أن‬
‫قتل جالنوس أحد قللادة الفللرس‪ ،‬فأخللذ زهللرة‬
‫سلبه وتللدرع بمللا كللان علللى جللالنوس فعرفلله‬
‫السللرى الللذين كللانوا عنللد سللعد وقللالوا‪ :‬هللذا‬
‫سلب جالنوس‪ .‬فقال له سعد‪ :‬هل أعانك عليه‬
‫أحد؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬مللن؟ قللال‪ :‬الللله‪ .‬وكللان‬
‫ود فللي‬ ‫زهللرة يللومئذ شللابا ً للله ذؤابللة وقللد ُ‬
‫سل ّ‬
‫‪ ()1497‬أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الخليفة المجتهد للعمراني‬
‫ص ‪.163‬‬
‫‪ ()1498‬خلفة الصديق والفاروق للثعالبي ص ‪.253‬‬
‫الجاهلية وحسللن بلؤه فللي السلللم‪ ،‬وغضللب‬
‫سللعد أن تسللرع زهللرة فلبللس مللا كللان علللى‬
‫جالنوس واستكثره عليه فنزعه عليه وقال‪ :‬أل‬
‫انتظرت إذنللي؟)‪ (1499‬ووصللل الخللبر إلللى عمللر‪،‬‬
‫فأرسل إلى سعد‪ :‬تعمد إلللى مثللل زهللرة وقللد‬
‫صلى بمثل ما صلى بله‪ ،‬وقلد بقلي عليلك ملن‬
‫حربك مللا بقللي – تكسللر قرنلله‪ ،‬وتفسللد قلبلله؛‬
‫امللض للله سلللبه‪ ،‬وفضللله علللى أصللحابه عنللد‬
‫العطاء بخمسمائة‪ ،‬وإني قد نفلت كل من قتل‬
‫رجل ً سلللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللبه‪،‬‬
‫فدفعه إليه فباعه بسبعين ألفا ً)‪.(1500‬‬
‫وبهذا ردّ عمر إلى زهرة اعتباره)‪.(1501‬‬
‫‪ -6‬استشهاد المؤذن وتنافس المسلمين على الذان‪:‬‬
‫في نهاية معركة القادسللية حللدث أمللر عجيللب‬
‫يللدل علللى مقللدار اهتمللام المسلللمين الوائل‬
‫بأمور دينهم وما يقربهم إلى الله تعالى‪ ،‬فقللد‬
‫قتل مؤذن المسلمين فللي ذلللك اليللوم وحضللر‬
‫وقت الصلة‪ ،‬فتنافس المسلمون علللى الذان‬
‫حتى كادوا أن يقتتلوا بالسيوف‪ ،‬فأقرع بينهللم‬
‫سلللعد‪ ،‬فخلللرج سلللهم رجلللل فلللأذن)‪ ،(1502‬وإن‬
‫التنافس على هللذا العمللل الصللالح ليللدل علللى‬
‫قللوة اليمللان‪ ،‬فللإن الذان ليللس مللن ورائه‬
‫مكاسب دنيوية ول جاه ول شهرة وإنما دفعهم‬
‫إلى التنافس عليه تللذكر مللا أعللده الللله تعللالى‬
‫للمللؤذنين يللوم القيامللة مللن أجللر عظيللم وإن‬
‫تاريخ الطبري )‪.(391 /4‬‬ ‫‪()1499‬‬
‫تاريخ الطبري )‪.(391 /4‬‬ ‫‪()1500‬‬
‫القادسية ص ‪.204‬‬ ‫‪()1501‬‬
‫تاريخ الطبري )‪.(390 /4‬‬ ‫‪()1502‬‬
‫قوما ً تنافسوا على الذان سيتنافسون بطريق‬
‫الولى على ما هو أعظم من ذلللك‪ ،‬وهللذا مللن‬
‫أسللرار نجللاحهم فللي الجهللاد فللي سللبيل الللله‬
‫تعالى والدعوة إلى السلم)‪.(1503‬‬

‫‪ -7‬التكتيك العسكري السلمي في المعركة‪:‬‬


‫كانت القادسية نموذجا ً مميزا ً من نماذج‬
‫التكتيك العسكري السلمي‪ ،‬حيث برع‬
‫المسلمون فيها بإتقان المناورة التكتيكية التي‬
‫تتلءم مع كل حالة قتالية من حالت المعركة‪،‬‬
‫فقد ظهر على مسرح الحداث قدرة الفاروق‬
‫على التعبئة العامة‪ ،‬أو التجنيد اللزامي‬
‫والحشد القصى للوسائل‪ ،‬إذ حشد الخليفة‬
‫لهذه المعركة أقصى‬
‫ما يمكن حشده من الرجال‪ ،‬كما حشد لها‬
‫الفئة المختارة من رجال المسلمين‪ ،‬فقد كتب‬
‫إلى سعد أن ينتخب أهل الخيل والسلح ممن‬
‫له رأي ونجدة‪ ،‬فاجتمع لسعد في هذه المعركة‬
‫بضعة وسبعون ممن حضروا بدرًا‪ ،‬وثلثمائة‬
‫وبضعة عشر ممن صحبوا النبي ‪ ‬بعد بيعة‬
‫الرضوان‪ ،‬وثلثمائة ممن شهدوا فتح مكة‪،‬‬
‫وسبعمائة من أبناء الصحابة ثم إنه لم يدع‬
‫رئيسا ً ول ذا رأي ول ذا شرف ول خطيبا ً ول‬
‫شاعرا ً إل رماهم به‪ ،‬فرماهم بوجوه الناس‬
‫وغررهم وهذا هو الحشد القصى للوسائل‬
‫المادية والمعنوية للمعركة‪ ،‬ونجد في التعبئة‬
‫لهذه المعركة‪ ،‬تجديدا ً لم نعهده عند المسلمين‬

‫‪ ()1503‬التاريخ السلمي )‪.(480 /10‬‬


‫من قبل‪ ،‬إذ لم ينتظر سعد في ))صرار(( حتى‬
‫يكتمل جيشه ثم ينطلق به إلى العراق بل‬
‫انطلق في أربعة آلف ووصل إلى مكان‬
‫المعركة بالقادسية في سبعة عشر ألفًا‪ ،‬وهذه‬
‫طريقة مبتكرة في تعبئة الجيوش لم يعتمدها‬
‫المسلمون قبل عمر‪ ،‬وحدد الخليفة في‬
‫رسائله إلى كل من المثنى وسعد مكان‬
‫المعركة الحاسمة‪ ،‬وهو القادسية‪ ،‬وكان‬
‫الفاروق أول قائد مسلم يعتمد )الرسالة‬
‫الخارطة( في دراسته لرض المعركة وبيئتها‪،‬‬
‫إذ طلب من سعد أن يصف له في رسالة‬
‫مفصلة‪ ،‬منازل المسلمين – أي مواقعهم –‬
‫كأنه ينظر إليها‪ ،‬وأن يجعله من أمرهم – أي‬
‫المسلمين على جلية‪ ،‬فكتب إليه سعد رسالة‬
‫يشرح له فيها‪ ،‬بالتفصيل‪ ،‬جغرافية القادسية‬
‫)بين الخندق والعتيق( وما يقع على يمينها‬
‫ويسارها ثم يشرح له أوضاع البيئة التي تحيط‬
‫بأرض المعركة فينبئه أن أهلها معادون‬
‫للمسلمين‪ ،‬ويتخذ الخليفة‪ ،‬بناء على ذلك‪،‬‬
‫قراره التكتيكي والستراتيجي)‪ ،(1504‬واستخدم‬
‫المسلمون اسلوب الغارات التموينية‬
‫واستنزاف العدو منذ وصولهم إلى أرض العدو‬
‫وتمركزهم فيها وقد أفادت تلك الغارات‬
‫التموينية في سد احتياجات الجيش من المؤن‪،‬‬
‫فكان يوم الباقر ويوم الحيتان وغيرها من‬
‫اليام والغارات وقد اتخذت هذه الغارات‬
‫بالضافة إلى وجهها التمويني‪ ،‬وجها ً آخر هاما‪ً،‬‬

‫‪ ()1504‬الفن العسكري السلمي ص ‪.272 ،271‬‬


‫هو استنزاف طاقات العدو وقدرة الهالي‬
‫على تحمل آثار الحرب ومعاناتها‪ ،‬واستعمل‬
‫المسلمون اسلوب الكمائن في مناوشاتهم مع‬
‫الفرس قبل القادسية‪ ،‬وفي استنزافهم‬
‫لطاقات العدو ومعنوياتهم‪ ،‬فقد كمن بكير بن‬
‫عبد الله الليثي بفرقة من خيالة المسلمين‪،‬‬
‫في أجمة من النخيل‪ ،‬وعلى الطريق إلى‬
‫)الصنين( لقافلة تضم أخت أزاد مرد بن أزاذبه‬
‫مرزبان الحيرة‪ ،‬وهي تزف إلى صاحب‬
‫)الصنين( من أشراف العجم‪ ،‬وما أن وصلت‬
‫القافلة إلى مكان الكمين حتى انقض‬
‫المسلمون عليها‪ ،‬فقصم بكير صلب ))شيرزاد‬
‫بن أزاذبه أخي العروس‪ ،‬وكان على رأس‬
‫الخيل التي تتقدم القافلة ونفرت الخيل تعدو‬
‫بمن على ظهورها من رجال‪ ،‬وأخذ المسلمون‬
‫الثقال وابنة أزاذبه في ثلثين امرأة من‬
‫الدهاقين ومائة من التوابع وما معهما ل يدرى‬
‫قيمته)‪ ،(1505‬واستعمل المسلمون في هذه‬
‫المعركة أسلوب التكتيك المتغير وفقا ً لكل‬
‫حالة من حالت القتال وظرف من ظروفه‪،‬‬
‫فبينما نراهم في اليوم الول من المعركة‬
‫يحتالون على الفيلة المهاجمة فيقطعون‬
‫وضنها بعد أن يرموها بنبالهم فتفر من ميدان‬
‫القتال ريثما يصل إليهم المدد القادم من‬
‫الشام‪ ،‬كما يعمدون إلى إيصال هذا المدد إلى‬
‫ساحة القتال تباعا ً وزمرة زمرة بغية إيهام‬
‫العدو بكثرته‪ ،‬ثم يعمدون إلى حيلة تكتيكية‬

‫‪ ()1505‬الفن العسكري السلم ص ‪.273‬‬


‫بارعة وذلك بأن يجللوا إبلهم ويبرقعوها تشبها ً‬
‫بالفيلة ثم يطلقوها في صفوف العدو فتجفل‬
‫خيلهم وتولي هاربة ل تلوي على شيء‪ ،‬ويعمد‬
‫المسلمون في اليوم الثالث إلى مواجهة فيلة‬
‫الفرس المحمية بخيالتهم ومشاتهم بأن‬
‫يهاجموا أكبرها وأضخمها فيفقأوا عيونها‬
‫ويقطعوا مشافرها‪ ،‬فتفر الفيلة هاربة‪،‬‬
‫ويتساوى الفرس والمسلمون في ساحة‬
‫القتال‪ ،‬بعد أن يخسر الفرس فيلتهم‪ ،‬أي‬
‫مدرعاتهم ولما رأى المسلمون أن أمد القتال‬
‫يمكن أن يطول قرروا الهجوم العام فعبأوا‬
‫صفوفهم وزحفوا زحفة واحدة‪ ،‬وما أن تخلت‬
‫صفوف العدو وانكشف قلبه حتى كان رستم‬
‫قائد جيش العدو هدفهم‪ ،‬وما أن قضي على‬
‫رستم حتى انهزم جيش الفرس هزيمة‬
‫ساحقة‪ ،‬وهكذا نرى أن السلوب الذي اتبعه‬
‫المسلمون في هذه المعركة لم يتقيد‬
‫بالساليب التقليدية التي كانت متبعة في‬
‫القتال بل أنه لبس لكل حالة لبوسها‪ ،‬فانتقل‬
‫من الساليب البدائية )المبارزة( إلى الحيل‬
‫التكتيكية )البل المبرقعة وقطع وضن الفيلة‬
‫وفقأ عيونها وقطع مشافرها إلى القتال‬
‫الكلسيكي التقليدي )الهجوم العام واستهداف‬
‫القائد( وتميزت هذه المعركة بالتعبئة ذات‬
‫الطابع القبلي‪ ،‬وميزة هذا السلوب أنه يوجد‬
‫بين القبائل تنافسا ً فريدا ً في الحماسة‬
‫والندفاع في القتال‪ ( 1‬هذه بعض الساليب‬
‫(‬

‫الفن العسكري السلمي ص ‪275 ،274‬‬ ‫)‪(1‬‬


‫العسكرية السلمية التي مارسها المجاهدون‬
‫في القادسية‪.‬‬
‫‪ -8‬ما قيل من الشعر في القادسية‪:‬‬
‫ومما قاله قيس بن المكشوح المرادي يتحللدث‬
‫عللن فروسلليته مفتخللرا ً لمللا كللان منلله ومللن‬
‫المجاهدين الخرين في مناهضة قادة الفرس‬
‫فيقول‪:‬‬
‫ج كالليث‬
‫ح ٍ‬ ‫مدَ ّ‬ ‫بكل ُ‬ ‫ل من‬ ‫ت الخي َ‬ ‫جلب ُ‬
‫‪(2‬‬
‫سامي‬
‫(‬
‫صنعاءَ َترِدي‬ ‫َ‬
‫إلى اليرموك‬ ‫قرى‬‫إلى وادي ال ُ‬
‫شامي‬ ‫د ال َ‬ ‫فالبل ِ‬ ‫فديار كلب‬
‫ومة دوابرها‬ ‫س ّ‬
‫م َ‬ ‫وجئنا القادسية بعد‬
‫دوامي‬ ‫شهر‬
‫وأبناء المرازبة‬ ‫ع‬
‫م َ‬‫ج ْ‬
‫فناهضنا هنالك َ‬
‫‪(3‬‬ ‫(‬
‫الكرام‬ ‫كسرى‬
‫قصدت لموقف‬ ‫ما أن رأيت الخيل‬ ‫فل ّ‬
‫همام‬ ‫الملك ال ُ‬ ‫جالت‬
‫ل ول‬‫ف ل أف ّ‬ ‫بسي ٍ‬ ‫ب رأسه‬ ‫فاضر ُ‬
‫‪(4‬‬
‫كهام ِ‬
‫(‬ ‫َ‬ ‫فهوى صريعا‬
‫وفعل الخير عند‬ ‫وقد أبلى الله هناك‬
‫‪(1‬‬
‫الله نامي‬
‫(‬ ‫خيرا ً‬
‫ج‬

‫وقال بشر بن ربيع الخثعمي في القادسية‪:‬‬

‫تردي الخيل‪ :‬ترجم الرضي بحوافرها‬ ‫)‪(2‬‬

‫المرازبة‪ :‬رؤساء الفرس‬ ‫)‪(3‬‬

‫أفل‪ :‬مثّلم ‪ ،‬كهام‪ :‬كليل ل يقطع‬ ‫)‪(4‬‬

‫الدب السلمي‪ ،‬د‪ .‬نايف معروف ص ‪223 ،222‬‬ ‫)‪(1‬‬


‫قديس‬ ‫بباب ُ‬ ‫ذكر هداك الله ل‬ ‫ت ّ‬
‫سيُر‬‫ع ِ‬ ‫والمكّر َ‬ ‫وقع سيوفنا‬
‫ي طائر‬ ‫ح ْ‬ ‫جَنا َ‬ ‫يعار َ‬ ‫عشية ودّ القوم لو‬
‫فيطيُر‬ ‫أن بعضهم‬
‫دْلفنا لخرى‬ ‫إذا ما فرغنا من‬
‫كالجبال تسير‬ ‫قراع كتيبة‬
‫جمال بأجمال‬ ‫ترى القوم فيها‬
‫‪(2‬‬‫(‬
‫فيُر‬‫ن َز ِ‬‫ه ّ‬
‫ل ُ‬ ‫واجمين كأّنهم‬

‫وقال بعض الشعراء‪:‬‬


‫حسان الوجوه‬ ‫ك عني عصبة‬ ‫وحّيت َ‬
‫آمنوا بمحمد‬ ‫نخعية‬
‫ل رقيق‬‫بك ّ‬ ‫أقاموا لكسرى‬
‫د‬
‫الشفرتين مهن ّ ِ‬ ‫ه‬
‫يضربون جنودَ ُ‬
‫د‬
‫من الموت مسو ّ‬ ‫وب الداعي‬ ‫إذا ث ّ‬
‫الغياطيل‪ ( 3‬أجرد‬
‫(‬
‫أناخوا بكلكل‬

‫وقال بعض الشعراء‪:‬‬


‫غداة الروع أكثرهم‬ ‫وجدنا الكرمين بني‬
‫رجال‬ ‫تميم‬
‫إلى لجب يرونهم‬ ‫موا ساروا بأرعن‬ ‫ه ُ‬
‫ُ‬
‫‪(5‬‬ ‫‪(4‬‬
‫رعال‬ ‫(‬
‫ر‬
‫ه ٍ‬
‫(‬
‫مكف ّ‬

‫)‪ (2‬واجم‪ :‬من الوجوم وهو السكوت مع كظم الغيظ ‪ ،‬الدب‬


‫السلمي ص ‪.215‬‬
‫)‪ (3‬الغيطل‪ :‬النسور‬
‫)‪ (4‬أرعن مكفهر‪ :‬ظلمة الليل الشديدة‬
‫)‪ (5‬رعال‪ :‬النعامة‬
‫كأسد الغاب‬ ‫بحور للكاسر من‬
‫تحسبهم جبال‬ ‫رجال‬
‫وبالخيفين أياما ً‬ ‫تركن لهم بقادس‬
‫طوال‬
‫ِ‬ ‫عز فخر‬
‫بمرد حيث قابلت‬ ‫مقطعة أكفهم‬
‫‪(6‬‬
‫الرجال‬
‫(‬
‫وسوق‬
‫ما قاله النابغة الجعدي وهو يصور بشعره ما دار‬
‫بينه و بين امرأته‪ ،‬وقد جزعت بسبب ذهابه في‬
‫فتوح فارس ‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫والدمع ينهل من‬ ‫ت تذكرني بالله‬ ‫بات َ ْ‬
‫سَبل‬ ‫ْ‬
‫شأن َْيها َ‬ ‫قاعدة‬
‫ن‬
‫كرها‪ ،‬وهل أمنع ّ‬ ‫مي كتاب‬ ‫يا بنت ع ّ‬
‫الله ما بذل‬ ‫الله أخرجني‬
‫وإن لحقت بربي‬ ‫ب‬‫فإن رجعت فر ّ‬
‫دل‬ ‫فابتغي ب َ‬ ‫الناس أرجعني‬
‫ضارع ًمن ضن ً‬
‫ى‬ ‫ا‬ ‫أو‬ ‫ج أو‬
‫ما كنت أعر َ‬
‫)‪(1506‬‬
‫ول‬
‫ح َ‬
‫لم ي ستطع ِ‬ ‫أعمى فيعذرني‬

‫سادسًا‪ :‬فتح المدائن‪:‬‬


‫أقام سعد بالقادسية شهرين ينتظر أمر عمر‪،‬‬
‫حتى جاءه بالتوجه لفتح المدائن‪ ،‬وتخليف النساء‬
‫والعيال بالعتيق مع جند كثيف يحوطهم وعهد‬
‫إليه أن يشركهم في كل مغنم ماداموا يخلفون‬
‫المسلمين في عيالتهم‪ ،‬ففعل وسار بالجيش‬
‫ل المنهزمين لحق‬ ‫ليام بقين من شوال‪ ،‬وكان َ‬
‫ف ّ‬

‫)‪ (6‬البداية والنهاية )‪(7/48‬‬


‫‪ ()1506‬الضارع‪ :‬النحيل الهزيل ‪ ،‬الدب السلمي ص ‪214‬‬
‫ممين على‬ ‫ببابل‪ ،‬وفيهم بقايا الرؤساء مص ّ‬
‫المدافعة‪ ،‬وبدأت مدن وقرى الفرس تسقط‬
‫واحدة بعد واحدة‪ ،‬ففتح المسلمون الُبرس ثم‬
‫كوثي ثم‬ ‫بابل بعد أن عبروا نهر الفرات ثم ُ‬
‫ً)‪(1507‬‬
‫ساباط بعضهما عنوة والبعض الخر صلحا‬
‫واستمرت حملت المسلمين المنظمة حتى‬
‫وصلوا إلى المدائن‪ ،‬وأمر عمر سعدا ً بأن يحسن‬
‫إلى الفلحين وأن يوفي لهم عهودهم ودخلت‬
‫جموع هائلة من الفلحين في ذمة المسلمين‪،‬‬
‫وتأثر الفلحون بأخلق جيش المسلمين وبعدلهم‬
‫ومساواتهم المنبثقة من دينهم العظيم‪،‬‬
‫فأميرهم كأصغر الرعية أمام الحق الكبر‪ ،‬ول‬
‫ظلم‪ ،‬ول فساد في الرض خفت عنهم‬

‫‪ ()1507‬إتمام الوفاء ص ‪82‬‬


‫وطأة الكبرياء والعبودية التي كانوا يسامونها‬
‫فصاروا عبادا ً لله وحده‪ ،‬وقد توجه سعد نحو‬
‫المدائن بعد أمر أمير المؤمنين‪ ،‬فبعث مقدمة‬
‫وّية‪ ،‬وأتبعه بعبدالله‬ ‫ح ِ‬
‫الجيش بقيادة زهرة بن ال َ‬
‫بن المعّتم في طائفة من الجيش ثم بشرحبيل‬
‫بن السمط في طائفة أخرى‪ ،‬ثم بهاشم بن عتبة‬
‫بن أبي وقاص وقد جعله على خلفته بدل ً من‬
‫خالد بن عرفطة‪ ،‬ثم لحق سعد بهم ببقية الجيش‬
‫)‪(1508‬‬
‫وقد جعل على المؤخرة خالد بن عرفطة‬
‫وقد توجه زهرة قائد المقدمات إلى المدائن ‪،‬‬
‫والمدائن هي عاصمة دولة الفرس‪ ،‬وتقع شرق‬
‫نهر دجلة وغربه‪ ،‬فالجزء الذي يقع غربه يسمى‬
‫هْر سير" والذي يقع شرقه يسمى "أسبانير"‬ ‫"ب َ ُ‬
‫و"طيسفون" وقد وصل زهرة إلى بهرسير وبدأ‬
‫حصار المدينة‪ ،‬ثم سار سعد بن بي وقاص‬
‫بالجيش السلمي ومعه قائد قواته ابن أخيه‬
‫هاشم بن عتبة بن أبي وقاص إلى المدائن‬
‫دجرد(‪،‬‬ ‫الغربية "بهر سير" وفيها ملك الفرس )ي َْز َ‬
‫فحاصرها المسلمون شهرين‪ ،‬وكان الفرس‬
‫يخرجون أحيانا ً لقتال المسلمين ولكنهم ل‬
‫يثبتون لهم وقد أصيب زهرة بن الحوية بسهم‪،‬‬
‫وذلك أنه كان عليه درع مفصومة‪ ،‬فقيل له‪ :‬لو‬
‫سرد )حتى ل تبقى فيها‬ ‫أمرت بهذا الفصم ف ُ‬
‫م؟ قالوا‪:‬‬ ‫فتحة تصل منها السهام( فقال‪ :‬ول ِ َ‬
‫نخاف عليك منه‪ ،‬قال‪ :‬إني لكريم على الله إن‬
‫َترك سهم فارس الجند كّله ثم أتاني من هذا‬
‫ي وكان كريما ً على الله كما‬ ‫الفصم حتى يثبت ف ّ‬

‫‪ ()1508‬التاريخ السلمي )‪(11/155‬‬


‫ل رجل من المسلمين أصيب يومئذ‬ ‫مل‪ ،‬فكان أو َ‬ ‫أ ّ‬
‫بسهم‪ ،‬فثبت فيه من ذلك الفصم‪ ،‬فقال‬
‫بعضهم‪ :‬انزعوها منه‪ ،‬فقال‪ :‬دعوني فإن نفسي‬
‫ي لعلي أن أصيب منهم بطعنة‬ ‫معي ما دامت ف ّ‬
‫أو ضربة أو خطوة‪ ،‬فمضى نحو العدو فضرب‬
‫بسيفه شهريار من أهل اصطخر فقتله)‪ (1509‬وقد‬
‫بقي المسلمون في حصار بهر سير شهرين‪،‬‬
‫استعملوا خللها المجانيق وقد صنع لهم الفرس‬
‫الموالون لهم عشرين منجنيقا ً شغلوا بها‬
‫الفرس‪ ،‬وأخافوهم)‪ (1510‬وفي هذا دللة على أن‬
‫الصحابة رضي الله عنهم كانوا ل يهملون‬
‫تحصيل أسباب النصر المادية إذا قدروا عليها‪،‬‬
‫وأنهم كانوا على ذكر تام لقول الله‬
‫تعالى"وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة"‬
‫)النفال‪ ،‬آية ‪ ، (60‬إلى جانب تفوقهم في‬
‫أسباب النصر المعنوية التي انفردوا بأهمها‬
‫وأبرزها وهو العتماد على الله وذكره‬
‫)‪(1511‬‬
‫ودعاؤه‬
‫‪ -1‬معية الله تعالى لوليائه بالنصر والتأييد‪:‬‬
‫عن أنس بن الحليس قال‪ :‬بينما نحن‬
‫محاصرون بهرسير بعد زحفهم وهزيمتهم‬
‫أشرف علينا رسول فقال‪ :‬إن الملك يقول‬
‫لكم‪ :‬هل لكم إلى المصالحة على أن لنا ما‬
‫يلينا من دجلة وجبلُنا ولكم ما يليكم من دجلة‬
‫إلى جبلكم؟ أما شبعتم ل أشبع الله بطونكم‪،‬‬

‫‪ ()1509‬تاريخ الطبري )‪(4/454‬‬


‫‪ ()1510‬تاريخ الطبري )‪(4/453‬‬
‫‪ ()1511‬التاريخ السلمي )‪(11/163‬‬
‫فّزر السود بن قطبة‪ ،‬وقد‬ ‫م َ‬
‫فبدر الناس أبو ُ‬
‫أنطقه الله بما ل يدري‬
‫ما هو ول نحن‪ ،‬فرجع الرجل ورأيناهم‬
‫يقطعون إلى المدائن ل يعني يعبرون النهر‬
‫إلى شرق المدائن ل فقلنا‪ :‬يا أبا مفزر ما‬
‫قلت له؟ قال‪ :‬ل والذي بعث محمدا ً بالحق ما‬
‫ي سكينة‪ ،‬وأنا أرجو أن‬ ‫أدري ُما هو إل أن عل ّ‬
‫أكون أنطقت بالذي هو خير‪ ،‬وانتاب الناس‬
‫يسألونه حتى سمع بذلك سعد فجاءنا فقال‪:‬‬
‫يا أبا مفزر‬
‫هّراب فحدثه بمثل‬ ‫ما قلت؟ فو الله إنهم ل ُ‬
‫حديثه إيانا‪ ،‬فنادى الناس ثم نهدبهم‪ ،‬وإن‬
‫مجانيقنا لتخطر عليهم‪ ،‬فما ظهر على‬
‫المدينة أحد ول خرج إلينا إل رجل نادى‬
‫مّناه‪ ،‬فقال‪ :‬إن بقي فيها أحد‪ ،‬فما‬ ‫بالمان فأ ّ‬
‫يمنعكم؟ )يعني لم يبق فيها أحد‪ ،‬فشورها‬
‫الرجال وافتتحناها فما وجدنا فيها شيئا ً ول‬
‫أحدًا‪ ،‬إل أسارى أسرناهم خارجا ً منها‪،‬‬
‫فسألناهم وذلك الرجل‪ :‬لي شئ هربوا؟‬
‫فقالوا‪ :‬بعث الملك إليكم يعرض عليكم الصلح‬
‫فأجبتموه بأنه ل يكون بيننا وبينكم صلح أبدا ً‬
‫ج كوثي‪ ،‬فقال‬ ‫حتى نأكل عسل أفريذين با ُت ُْر ّ‬
‫الملك‪ :‬واويله أل إن الملئكة تكّلم على‬
‫ألسنتهم‪ ،‬ترد علينا وتجيب عن العرب‪ ،‬والله‬
‫لئن لم يكن كذلك ما هذا إل شئ ُألقي على‬
‫ي هذا الرجل ل ِن َن َْتهي‪ ،‬فأرُزوا إلى المدينة‬ ‫ف ّ‬
‫ِ‬
‫)‪(1512‬‬
‫القصوى‬

‫‪ ()1512‬تاريخ الطبري )‪(4/455‬‬


‫‪ -2‬اليات التي قرأها سعد لما نزل مظلم ساباط‪:‬‬
‫نزل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في‬
‫)مظلم ساباط( بعد أن قدم هاشما ً ومن معه‬
‫نحو بهَر سير وهي الجزء الغربي من المدائن‪،‬‬
‫ولما نزل سعد ذلك المكان قرأ قول الله‬
‫ْ‬ ‫تعالى‪َ ‬‬
‫قو ُ‬
‫ل‬ ‫في َ ُ‬‫ب َ‬ ‫ع َ‬
‫ذا ُ‬ ‫م ال ْ َ‬‫ه ْ‬ ‫م ي َأِتي ِ‬ ‫و َ‬ ‫س يَ ْ‬
‫ذْر الّنا َ‬ ‫وأن ِ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وت َ َ‬
‫ك‬ ‫ع َ‬‫ب دَ ْ‬ ‫ج ْ‬ ‫ب نُ ِ‬‫ري ٍ‬ ‫ل َ‬
‫ق ِ‬ ‫ج ٍ‬ ‫خْرَنا إ ِلى أ َ‬ ‫موا َرب َّنا أ ّ‬ ‫ن ظَل َ ُ‬‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ما ل َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ل َ‬ ‫ن َ‬
‫قب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫مت ُ ْ‬ ‫س ْ‬‫ق َ‬ ‫كوُنوا أ َ ْ‬ ‫م تَ ُ‬‫ول َ ْ‬
‫ون َت ّبع الرس َ َ‬
‫لأ َ‬ ‫ّ ُ‬ ‫َ ِ ْ‬
‫ل)‪)  (44‬إبراهيم‪،‬آية‪ .(44:‬وإنما تل هذه‬ ‫وا ٍ‬
‫ن َز َ‬‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫الية لن في ذلك المكان كتائب لكسرى‬
‫ُتدعى بوران ‪ ،‬وكانوا يحلفون بالله كل يوم‪ ،‬ل‬
‫يزول ملك فارس ما عشنا)‪ (1513‬وقد هزمهم‬
‫)‪(1514‬‬
‫وفرقهم زهرة بن الحوية قبل استشهاده‬
‫ولما دخل المسلمون "بهرسير" وذلك في‬
‫جوف الليل ل لح لهم البيض وهو قصر‬
‫الكاسرة فقال ضرار بن الخطاب‪ :‬الله أكبر‬
‫أبيض كسرى‪ ،‬هذا ما وعد الله ورسوله‪،‬‬
‫)‪(1515‬‬
‫وتابعوا التكبير حتى أصبحوا‬
‫‪ -3‬مشورة بين سعد وجنوده في عبور النهر‪:‬‬
‫ولما علم سعد أن كسرى قد عبر بالسفن إلى‬
‫المدائن الشرقية وضم السفن كلها إليه وقع‬
‫في حيرة من أمره‪ ،‬فالعدو أمامهم وليس‬
‫بينهم إل النهر ول سبيل إلى عبوره لعدم‬
‫توفر السفن‪ ،‬وهو يخشى أن يرتحل عدوه‬
‫فيصعب القضاء عليه‪ ،‬وقد أتى سعدا ً بعض‬
‫‪ ()1513‬تاريخ الطبري )‪ ، (4/451‬التاريخ السلمي )‪(11/160‬‬
‫‪ ()1514‬التاريخ السلمي )‪(11/160‬‬
‫‪ ()1515‬تاريخ الطبري )‪(4/451‬‬
‫أهل فارس فدلوه على مخاضة يمكن اجتيازها‬
‫مع المخاطرة‪ ،‬فأبى سعد وتردد عن ذلك‪ ،‬ثم‬
‫فاجأهم النهر بمدّ عظيم حتى اسودّ ماء النهر‬
‫وقذف بالزّبد من سرعة جريانه‪ ،‬وفي أثناء‬
‫ذلك رأى سعد رؤيا صالحة مفادها أن خيول‬
‫المسلمين قد عبرت النهر‪ ،‬فعزم لتأويل‬
‫رؤياه على العبور‪ ،‬وجمع الناس فحمد الله‬
‫تعالى وأثنى عليه وقال‪ :‬إن أعدائكم قد‬
‫اعتصموا منكم بهذا البحر فل تخلصون إليهم‬
‫معه وهم يخلصون إليكم إذا شاؤوا‬
‫في َُناوشونكم في سفنهم وليس وراءكم شئ‬ ‫َ‬
‫تخافون أن تؤتوا منه‪ ،‬قد كفاكموهم أهل‬
‫اليام)‪ ،(1516‬وعطلوا ثغورهم وأفنوا‬
‫ذادتهم)‪ (1517‬وقد رأيت من الرأي أن تبادروا‬
‫جهاد عدوكم بنياتكم قبل أن تحصركم الدنيا‪،‬‬
‫أل إني قد عزمت على قطع هذا البحر إليهم‬
‫فقالوا جميعًا‪ :‬عزم الله لنا ولك على الرشد‬
‫فافعل)‪ ، (1518‬وفي هذا الخبر دروس وعبر‬
‫وفوائد منها‪:‬‬
‫كر معية الله جل وعل لوليائه المؤمنين‬ ‫‪ -‬تذ ّ‬
‫بالنصر‪ ،‬والتأييد فهذه الرؤيا الصادقة التي‬
‫رآها سعد رضي الله عنه من الله جل وعل‬
‫لتثبيت قلبه لُيقدم على هذا المر المجهول‬
‫العاقبة‪.‬‬
‫‪ -‬أن الله تعالى ُيجري المور لصالح‬
‫المؤمنين‪ ،‬فالنهر جرى بكثافة مفاجئة على‬
‫‪ ()1516‬يعني المجاهدين السابقين‬
‫‪ ()1517‬يعني مادتهم التي يدافعون عنها‬
‫‪ ()1518‬التاريخ السلمي )‪(11/165‬‬
‫غير المعتاد‪ ،‬وظاهر هذا أنه لصالح الفرس‬
‫حيث إنه سيمنع أي محاولة لعبور المسلمين‪،‬‬
‫ولكن حقيقته أنه لصالح المسلمين‪ ،‬حيث‬
‫أعطى ذلك الكفار طمأنينة فلم يستعدوا‬
‫لقدوم المسلمين المفاجئ لهم‪ ،‬ولم‬
‫يستطيعوا أن يحملوا معهم كل ما يريدون‬
‫حمله من الفرار‪.‬‬
‫‪ -‬أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتفاءلون‬
‫خيرا ً بالرؤيا من الرجل الصالح‪ ،‬ويعتبرونها‬
‫مرجحا ً للقدام على العمل وكانوا رضي الله‬ ‫ُ‬
‫عنهم يحسنون الظن بالله تعالى ويعتبرون أن‬
‫ؤى الخير تثبيت وتأييد منه تعالى‪.‬‬ ‫ُر َ‬
‫‪ -‬أن قادة المسلمين في العهد الراشدي‬
‫كانوا يتصفون غالبا ً بالحزم واغتنام الفرص‬
‫وتفجير طاقة الجنود وهم في حماسهم وقوة‬
‫إيمانهم‪ ،‬فهذا سعد رضي الله عنه يأمر جيشه‬
‫بأن يعبروا إلى العداء بسلح الخلص‬
‫والتقوى وقد كان مطمئنا ً إلى مستوى جيشه‬
‫اليماني فأقدم على ما أقدم عليه مستعينا ً‬
‫بالله تعالى ثم بذلك المستوى الرفيع‪.‬‬
‫‪ -‬إتصاف الصحابة رضي الله عنهم ومن معهم‬
‫من التابعين بالطاعة التامة لقادتهم‪ ،‬وكانوا‬
‫يعتبرون هذه الطاعة واجبا ً شرعيا ً وعمل ً‬
‫صالحا ً يتقربون به إلى الله تعالى)‪.(1519‬‬
‫‪ -4‬عبور النهر وفتح المدائن‪:‬‬

‫‪ ()1519‬التاريخ السلمي )‪(11/167‬‬


‫ندب سعد الناس إلى العبور وقال‪ :‬من يبدأ‬
‫ضى)‪ (1520‬حتى تتلحق به‬ ‫فرا َ‬‫ويحمي لنا ال ِ‬
‫الناس لكي يمنعوهم من الخروج؟ فانتدب له‬
‫عاصم بن عمرو التميمي وكان من أصحاب‬
‫البأس والقوة‪ ،‬وانتدب بعده ستمائة من أهل‬
‫مر عليهم سعد عاصما ً فسار فيه‬ ‫النجدات‪ ،‬فأ ّ‬
‫حتى وقف على شاطئ دجلة وقال‪ :‬من‬
‫ينتدب معي لنحمي الفراضى من عدوكم‬
‫ولنحميكم حتى تعبروا؟ فاندب له ستون من‬
‫أصحاب البأس والنجدة‪ ،‬ثم اقتحموا دجلة‪،‬‬
‫واقتحم بقية الستمائة على إثرهم‪ ،‬وهكذا‬
‫تكونت من جيش المسلمين فرقة من‬
‫الفدائيين عددهم ستمائة وقد سميت كتيبة‬
‫الهوال‪ ،‬واستخلص عاصم منهم ستين تحت‬
‫قيادته ليكونوا مقدمة لهذه الفرقة‪ ،‬وهذا‬
‫تخطيط محكم من سعد أول ثم من عاصم‪،‬‬
‫وذلك أن مواجهة الهوال والمغامرات ل تكون‬
‫بالعدد الكبير‪ ،‬وإنما تكون بأصحاب البأس‬
‫الشديد والقدرة القتالية العالية وإن كانوا‬
‫م لهذه الفرقة من‬ ‫قلئل ‪ ،‬وذلك أنه إذا انض ّ‬
‫هم أقل كفاءة وشجاعة ثم ارتدوا عند هجوم‬
‫العداء يسببون انهزام الفرقة كلها)‪.(1521‬‬
‫وقد اقتحم عاصم النهر بالستين على الخيول‬
‫ذكر من طليعتهم الذين سبقوا إلى‬ ‫وقد ُ‬
‫لد التيمي‪ ،‬والك ََلج‬ ‫و ّ‬
‫م بني َ‬ ‫الشاطئ الخر أص ّ‬
‫ي‪ ،‬وأبو مفّزر السود بن قطبة ‪،‬‬ ‫الضب ّ‬
‫جل العجلي‪،‬‬ ‫ح ْ‬
‫سمط الكندي‪ ،‬و َ‬ ‫وشرحبيل بن ال ّ‬
‫‪ ()1520‬يعني ساحل البحر الشرقي‬
‫‪ ()1521‬التاريخ السلمي )‪(11/168‬‬
‫ومالك بن كعب الهمداني‪ ،‬وغلم من بني‬
‫دوا‬
‫الحارث بن كعب فلما رآهم العاجم أع ّ‬
‫لهم فرسانا ً فالتقوا بهم في النهر قرب‬
‫الشاطئ الشرقي‪ ،‬فقال عاصم‪ :‬الرماح‬
‫خوا العيون‪ ،‬فالتقوا‬‫الرماح‪ ،‬أشرعوها وتو ّ‬
‫وا‬
‫خى المسلمون عيونهم‪ ،‬فول ّ‬ ‫فاطعنوا وتو ّ‬
‫نحو الشاطئ والمسلمون ينخسون خيولهم‬
‫بالرماح لتسرع في الهروب فصارت تسرع‬
‫وأصحابها ل يملكون منعها‪ ،‬ولحق بهم‬
‫المسلمون فقتلوا عامتهم ونجا من نجا منهم‬
‫عورانا‪ ،‬ولحق بقية الستمائة بإخوانهم‬
‫)‪(1522‬‬
‫فاستولوا على الشاطئى الشرقي‬
‫‪ -5‬المسلمون يقتحمون النهر‪:‬‬
‫لما رأى سعد عاصما ً على الفراضي قد منعها‬
‫أذن للناس في القتحام وقال‪ :‬قولوا‪:‬‬
‫نستعين بالله ونتوكل عليه‪ ،‬حسبنا الله ونعم‬
‫الوكيل ل حول ول قوة إل بالله العلي العظيم‬
‫ن دجلة‬ ‫جة‪ ،‬وإ ّ‬‫معظم الجند فركبوا الل ّ ّ‬ ‫وتلحق ُ‬
‫دة‪ ،‬وإن الناس‬ ‫لترمي بالزبد‪ ،‬وإنها لمسو ّ‬
‫)‪(1523‬‬
‫‪،‬‬ ‫ليتحدثون في مسيرهم على الرض‬
‫وكان الذي يساير سعدا ً في الماء سلمان‬
‫الفارسي فعامت بهم الخيل‪ ،‬وسعد يقول‪:‬‬
‫ن الله‬ ‫حسبنا الله ونعم الوكيل‪ ،‬والله لينصر ّ‬
‫ن الله دينه‪ ،‬وليهزمن الله عدوه‬ ‫ولّيه‪ ،‬وليظهر ّ‬
‫غي أو ذنوب تغلب‬ ‫إن لم يكن في الجيش ب َ ْ‬

‫‪ ()1522‬تاريخ الطبري )‪(4/456،457‬‬


‫‪ ()1523‬التاريخ السلمي )‪(11/169‬‬
‫الحسنات)‪ ،(1524‬فقال له سلمان‪ :‬السلم‬
‫ل لهم‬ ‫ت لهم والله البحور كما ذُل ّ َ‬ ‫جديد‪ ،‬ذُّلل ْ‬
‫ن‬‫البر‪ ،‬أما والذي نفس سلمان بيده ليخرج ّ‬
‫منه أفواجا ً كما دخلوه أفواجا ً)‪ ،(1525‬وقول‬
‫سلمان رضي الله عنه‪ :‬السلم جديد‪ ،‬يعني ل‬
‫يزال حيا ً واتباعه أقوياء اليمان معتزون به‪،‬‬
‫وقد جعلوه قضيتهم التي من أجلها يحيون‬
‫ومن أجلها يموتون‪ ،‬وإليها يدعون وعنها‬
‫يدافعون‪ ،‬أما حين يتقادم العهد فإنه تأتي‬
‫أجيال ترث هذا الدين وراثة ل اختيارا‪ ،‬ول‬
‫تجعله القضية التي تأخذ على أفرادها‬
‫مشاعرهم واهتماماتهم‪ ،‬بل يجعلون همهم‬
‫الكبر هو العلو في الدنيا والتمتع بمتاعها‬
‫ويصبح الدين أمرا ً ثانويا ً في قاموس حياتهم‪،‬‬
‫فعند ذلك يخرجون منه أفواجا ً كما دخلوه‬
‫أفواجا ً)‪.(1526‬‬
‫هذا وقد تم عبور المسلمين جمعيا ً سالمين‬
‫صب أحد منهم بأذى‪ ،‬ولم يقع منهم في‬ ‫لم ي ُ َ‬
‫النهر إل رجل من بارق يدعى "غرقدة" زال‬
‫عن ظهر فرس شقراء‪ ،‬فثنى القعقاع بن‬
‫عمرو عنان فرسه إليه‪ ،‬فأخذ بيده فجره حتى‬
‫عبر‪ ،‬فقال البارقي ل وكان من أشد الناس ل‬
‫ت الخوات أن يلدن مثلك يا قعقاع‪،‬‬ ‫جْز َ‬ ‫أع َ‬
‫)‪(1527‬‬
‫‪ ،‬لقد دهش‬ ‫وكان للقعقاع فيه خؤولة‬
‫الفرس من عبور المسلمين وهرب يزدجرد‬
‫تاريخ الطبري )‪(4/459‬‬ ‫‪()1524‬‬
‫تاريخ الطبري )‪(4/459‬‬ ‫‪()1525‬‬
‫التاريخ السلمي )‪(11/170‬‬ ‫‪()1526‬‬
‫تاريخ الطبري )‪(4/459‬‬ ‫‪()1527‬‬
‫قاصدا ً حلوان ودخل المسلمون من غير‬
‫معارض ونزل سعد القصر البيض واتخذه‬
‫ت‬
‫جّنا ٍ‬
‫ن َ‬‫م ْ‬
‫كوا ِ‬ ‫مصلى وقرأ قوله تعالى‪  :‬ك َ ْ‬
‫م ت ََر ُ‬
‫ة َ‬
‫كاُنوا‬ ‫م ٍ‬‫ع َ‬‫ون َ ْ‬‫م)‪َ (26‬‬ ‫ري ٍ‬ ‫قام ٍ َ ك َ ِ‬
‫م َ‬‫و َ‬ ‫ع َ‬ ‫وُزُرو ٍ‬
‫ن)‪َ (25‬‬ ‫عُيو ٍ‬‫و ُ‬ ‫َ‬
‫ن)‪(28‬‬ ‫ري َ‬‫ِ‬ ‫خ‬‫َ‬ ‫آ‬ ‫ما‬ ‫و‬
‫ْ ً‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫ها‬
‫َ‬ ‫نا‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ث‬ ‫ر‬ ‫و‬
‫َ ْ َ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫(‬‫‪27‬‬ ‫ن)‬‫َ‬ ‫هي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك‬‫فا‬‫َ‬ ‫ها‬
‫َ‬ ‫في‬
‫ِ‬
‫‪) ‬الدخان‪،‬آية‪ ،(28 ،25:‬وصلى ثمان ركعات صلة‬
‫الفتح وكان أول من دخل المدائن كتيبة‬
‫الهوال ثم الكتيبة الخرساء)‪ (1528‬وكان الذي‬
‫يقود كتيبة الهوال‪ ،‬عاصم بن عمرو التميمي‪،‬‬
‫وأما الكتيبة الخرساء فكان يقودها القعقاع‬
‫)‪(1529‬‬
‫بن عمرو‬
‫‪ -6‬مواقف من أمانة المسلمين‪:‬‬

‫أ‪ -‬أحمد الله وأرضى بثوابه‪ :‬لما هبط المسلمون‬


‫حف معه‪،‬‬ ‫المدائن وجمعوا القباض أقبل رجل ي ُ‬
‫فدفعه إلى صاحب القباضى ‪ ،‬فقال‪ :‬والذي‬
‫معه‪ :‬ما رأينا مثل هذا قط‪،‬‬
‫ما يعد له ما عندنا ول يقاربه‪ ،‬فقالوا‪ :‬هل‬
‫أخذت منه شيئًا؟ فقال‪ :‬أما والله لول الله ما‬
‫أتيتكم به‪ ،‬فعرفوا أن للرجل شأنا ً فقالوا‪ :‬من‬
‫أنت؟ فقال‪ :‬ل والله ل أخبركم لتحمدوني‪ :‬ول‬
‫قرظوني‪ ،‬ولكنني أحمد الله وأرضى‬ ‫غيركم لي ّ‬
‫بثوابه‪ ،‬فأتبعوه رجل ً حتى انتهى إلى أصحابه‪،‬‬
‫)‪(1530‬‬
‫فسال عنه فإذا هو عامر بن عبد قيس‬

‫‪ ()1528‬البداية والنهاية )‪(7/67‬‬


‫‪ ()1529‬إتمام الوفاء ص ‪85‬‬
‫‪ ()1530‬تاريخ الطبري )‪(4/468‬‬
‫ضّبي‪ :‬خرجت فيمن‬ ‫ب‪ -‬قال عصمة بن الحاث ال ّ‍‬
‫خرج يطلب فأخذت طريقا ً مسلوكا ً وإذا عليه‬
‫مار‪ ،‬فلما رآني حّثه فلحق بآخر قدامه‪ ،‬فمال‬ ‫ح ّ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫وحّثا حماريهما‪ ،‬فانتهيا إلى جدول قد كسر‬
‫جسره فثبتا حتى أتيتهما ‪ ،‬ثم تفرقا‪ ،‬ورماني‬
‫ظظت به )يعني تبعته( فقتلته‬ ‫أحدهما فأل ْ‬
‫وأفلت الخر‪ ،‬ورجعت إلى الحمارين‪ ،‬فأتيت‬
‫بهما صاحب القباض‪ ،‬فنظر فيما على أحدهما‬
‫فطان في أحدهما فرس من ذهب‬ ‫س َ‬
‫فإذا َ‬
‫)‪(1531‬‬
‫ولب ََبه‬ ‫غر‬
‫مسرج بسرج من فضة على ث ْ‬
‫الياقوت والزمّرد منظوم على الفضة ولجام‬
‫كذلك‪ ،‬وفارس من فضة مكّلل بالجواهر‪ ،‬وإذا‬
‫في الخر ناقة من فضة عليها شليل)‪(1532‬من‬
‫ذهب وبطان من ذهب ولها زمام من ذهب‪،‬‬
‫وكل ذلك منظوم بالياقوت‪ ،‬وإذا عليها رجل‬
‫من ذهب مكلل بالجوهر‪ ،‬كان كسرى يضعها‬
‫)‪(1533‬‬
‫إلى إسطوانتي التاريخ‬
‫ج‪ -‬خير القعقاع بن عمرو‪:‬‬
‫لحق القعقاع بفارسي يحمي الناس فقتله‪،‬‬
‫وإذا معه غلفان وعيبتان‪ ،‬وإذا في أحد‬
‫الغلفين خمسة أسياف وفي الخر ستة‪ ،‬وهي‬
‫من أسياف الملوك من الفرس ومن الملوك‬
‫الذين جرت بينهم وبين الفرس حروب وفيها‬
‫سيف كسرى وسيف هرقل وإذا في العيبيتين‬
‫أدراع من أدراع الملوك وفيها درع كسرى‬

‫‪ ()1531‬هو السير الذي في مؤخرة السرج‬


‫‪ ()1532‬هو ما يوضع على عجز البعير‬
‫‪ ()1533‬تاريخ الطبري )‪(4/468‬‬
‫ودرع هرقل‪ ،‬فجاء بها إلى سعد‪ ،‬فقال‪ :‬اختر‬
‫أحد هذه السياف فاختار سيف هرقل وأعطاه‬
‫درع بهرام‪ ،‬وأما سائرها فنفلها كتيبة الخرساء‬
‫التي هي بقيادة القعقاع ‪ ،‬إل سيف كسرى‬
‫والنعمان‪ ،‬فقد رأى أن يبعثهما إلى أمير‬
‫المؤمنين لتسمع بذلك العرب لمعرفتهم‬
‫)‪(1534‬‬
‫بهما‬
‫س‪ -‬ثناء الصحابة على أفراد الجيش‪:‬‬
‫أثنى أكابر الصحابة رضي الله عنهم على ذلك‬
‫الجيش ومن ذلك قول سعد بن‬
‫أبي وقاص‪ :‬والله إن الجيش لذو أمانة ولول‬
‫ما سبق لهل بدر لقلت على فضل أهل‬
‫بدر)‪ ،(1535‬وقال جابر بن عبدالله‪ :‬والله الذي ل‬
‫إله إل هو ما أطلعنا على أحد من أهل‬
‫القادسية أنه يريد الدنيا مع الخرة‪ ،‬ولقد‬
‫اتهمنا ثلثة نفر فما رأينا كالذي هجمنا عليه‬
‫من آمانتهم وزهدهم‪ :‬طليحة بن خويلد‪،‬‬
‫وعمرو بن معد يكرب‪ ،‬وقيس بن المكشوح‪،‬‬
‫وأكبر من ذلك ثناء أمير المؤمنين عمر رضي‬
‫خمس تلك الغنائم وكان معها‬ ‫الله عنه لما رأى ُ‬
‫سيف كسرى ومنطقته وزبرجده فقال‪ :‬إن‬
‫ذوو أمانة‪ ،‬فقال علي رضي‬ ‫دوا هذا ل َ‬‫قوما ً أ ّ‬
‫فت الرعية ولو رتعت‬ ‫الله عنه‪ :‬إنك عففت فع ّ‬
‫لرتعت)‪.(1536‬‬

‫‪ ()1534‬المصدر نفسه )‪(4/467‬‬


‫‪ ()1535‬التاريخ السلمي )‪ ، (11/181‬تاريخ الطبري )‪(4/468‬‬
‫‪ ()1536‬تاريخ الطبري )‪(4/468‬‬
‫ش‪ -‬موقف عمر رضي الله عنه من نوادر‬
‫الغنائم‪:‬‬
‫بعث سعد بن أبي وقللاص أيللام القادسللية إلللى‬
‫عمر بقباء كسرى وسلليفه ومنطقتلله وسللواريه‬
‫فيلله وقللد كللانت‬‫وسراويله وقميصلله وتللاجه وخ ّ‬
‫غالية الثمن كالحرير والذهب والجللوهر‪ ،‬فنظللر‬
‫عملللر فلللي وجلللوه القلللوم‪ ،‬وكلللان أجسلللمهم‬
‫وأبللدنهم قامللة سللراقة بللن مالللك بللن جعثللم‪،‬‬
‫سللراقة قللم فللالبس‪ ،‬قللال سللراقة‪:‬‬ ‫فقللال‪:‬يللا ُ‬
‫فطمعللت فيلله‪ ،‬فقمللت فلبسللت فقللال‪ :‬أدبللر‬
‫خ‬
‫خ بلل ٍ‬
‫فأدبرت‪ ،‬ثم قال‪ :‬أقبل فأقبلت‪ ،‬ثم قال ب ٍ‬
‫أعرابي من مدلج عليه قبللاء كسللرى وسللراويله‬
‫وسلليفه ومنطقتلله وتللاجه وخفللاه‪ ،‬رب يللوم يللا‬
‫سراقه بن مالك لو كان عليك فيه هذا من متاع‬
‫كسرى وآل كسللرى كللان شللرفا ً لللك ولقومللك‪،‬‬
‫انللزع فنزعللت فقللال‪ :‬اللهللم إنللك منعللت هللذا‬
‫رسولك ونبيللك وكللان أحللب إليللك منللي وأكللرم‬
‫عليك مني‪ ،‬ومنعتلله أبللا بكللر وكللان أحللب إليللك‬
‫مني وأكرم عليك مني وأعطيتنيه فأعوذ بك أن‬
‫تكون أعطيتنيه لتمكر بي‪ ،‬ثم بكى حللتى رحملله‬
‫من كان عنده‪ ،‬ثم قال لعبد الرحمن بلن علوف‬
‫أقسللمت عليللك لمللا ِبعت ْلله ثللم قسللمته قبللل أن‬
‫)‪(1537‬‬
‫تمسي‬
‫سببابعًا‪ :‬موقعة جلولء‪:‬‬
‫اجتمع الفرس على مفترق الطرق إلى مللدائنهم‬
‫فللي جلللولء فتللذامروا وقللالوا‪ :‬إن افللترقتم لللم‬
‫تجتمعللوا أبللدًا‪ ،‬وهللذا مكللان يفللرق بيننللا فهلمللوا‬
‫‪ ()1537‬تاريخ الطبراني )‪ ،4/472‬البداية والنهاية )‪(7/68‬‬
‫فلنجتمع للعرب به ولنقاتلهم فإذا كانت لنا فهللو‬
‫الذي نريد وإن كانت الخرى كنا قد قضللينا الللذي‬
‫علينا وأبلينا عذرًا‪ ،‬واجتمعوا علللى قيللادة مهللران‬
‫الرازي‪ ،‬وحفروا خندقا ً حول مدينتهم وأحاطوا به‬
‫الحسك من الخشب إل الطرق التي يعبرون منها‬
‫وقد كتب سعد بن أبي وقاص إلى أمير المؤمنين‬
‫عمر يخبره بذلك‪ ،‬فكتلب إللى سلعد يلأمره ببعلث‬
‫هاشم بن عتبة بن أبي وقللاص إلللى جلللولء فللي‬
‫اثني عشر ألفًا‪،‬وأن يجعل على مقدمته القعقللاع‬
‫بن عمرو التميمي وعلى ميمنته مسعر بن مالك‪،‬‬
‫وعلى ميسرته عمرو بللن مالللك بللن عتبللة وعلللى‬
‫ساقته عمر بن مرة الجهني‪ ،‬وسار إليهم هاشللم‬
‫بجيشه فحاصرهم وطاولهم أهل فارس فكانوا ل‬
‫يخرجون لهم إل إذا أرادوا‪ ،‬وزاحفهم المسلللمون‬
‫ثمانين زحف لًا‪ ،‬كللل ذلللك يعطللي الللله المسلللمين‬
‫عليهللم الظفللر‪ ،‬وغلبللوا المشللركين علللى حسللك‬
‫الخشب التي اتخلذوها لعاقلة المسللمين فاتخلذ‬
‫العداء حسك الحديللد‪ ،‬وجعللل هاشللم يقللوم فللي‬
‫الناس ويقول‪ :‬إن هذا المنزل منزل للله مللا بعللده‬
‫وجعل سعد يمده بالفرسان‪ ،‬حتى إذا طال المللر‬
‫وضاق العداء من صللبر المسلللمين اهتمللوا بهللم‬
‫فخرجللوا لقتللالهم فقللال‪ :‬ابتلللوا الللله بلءً حسللنا‬
‫ليتللم لكللم عليلله الجللر والمغنللم واعملللوا لللله‪،‬‬
‫فالتقوا فاقتتلوا‪ ،‬وبعث الله عليهم ريحا ً أظلمللت‬
‫عليهلللم البلد فللللم يسلللتطيعوا إل المحلللاجزة‪،‬‬
‫دا من‬ ‫فتهافت فرسانهم في الخندق فلم يجدوا ب ّ‬
‫أن يردموا الخندق مما يليهم لتصللعد منلله خيلهللم‬
‫فأفسدوا حصنهم)‪(1538‬فلما بلغ المسلمين ما قام‬
‫به العداء من ردم الخندق قللالوا‪ :‬أننهللض إليهللم‬
‫ثانية فندخله عليهم أو نموت دونلله؟ فلمللا نهللض‬
‫المسلمون لقتالهم خرجوا فَرمللوا حللول الخنللدق‬
‫ممللا يلللي المسلللمين بحسللك الحديللد لكيل تقللدم‬
‫عليهم الخيللل وتركللوا مكانلا ً يخرجللون منلله علللى‬
‫المسلمين فاقتتلوا قتل ً شديدا ً لم يقتتلللوا مثللله‬
‫إل ليلة الهرير وهي من ليللالي القادسللية إل أنلله‬
‫كان أقصر وأعجللل‪ ،‬وانتهللى القعقللاع بللن عمللرو‬
‫في الوجه الللذي زاحللف فيلله إلللى بللاب خنللدقهم‬
‫فأخذ به وأمر منللاٍد يقللول‪ :‬يللا معشللر المسلللمين‬
‫هللذا أميركللم قللد دخللل خنللدق القللوم وأخللذ بلله‬
‫فاقبلوا إليه ول يمنعّنكللم مللن بينكللم وبينلله مللن‬
‫ي المسلللمين بلله ل ل‬ ‫و ّ‬‫قل ِ‬ ‫دخوله وإنما أمللر بللذلك لي َ‬
‫فحمللللللللللللل المسلللللللللللللمون وهللللللللللللم‬
‫كون في أن هاشما ً فيه فلم يقم لحملتهم‬ ‫ول يش ّ‬
‫شلليء حللتى انتهللوا إلللى بابللا الخنللدق فللإذا هللم‬
‫بالقعقاع بن عمرو وقد أخذ به وأخللذ المشللركون‬
‫في هزيمة يمنة ويسرة عن المجال الللذي بحيللال‬
‫فعقللرت‬ ‫خندقهم‪ ،‬فهلكوا فيما أعدوا للمسلللمين ُ‬
‫دوابهم ل يعني بسبب حسك الحديد التي أعللدوها‬
‫جالة‪ ،‬وأتبعهللم المسلللمون‪،‬‬ ‫للمسلمين ل وعادوا ر ّ‬
‫د‪ ،‬وقتل الللله منهللم‬ ‫ع ّ‬‫فلم يفلت منهم إل من ل ي ُ َ‬
‫يومئذ مائة ألف‪ ،‬فجّللت القتلى المجال وما بيللن‬
‫يلللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللديه‬
‫وما خلفه‪ ،‬فسميت جلولء بما جللها من قتلهم‪،‬‬
‫)‪(1539‬‬
‫فهو جلولء الوقيعة‬
‫‪ ()1538‬تاريخ الطبري )‪(4/475‬‬
‫‪ ()1539‬تاريخ الطبري )‪(4/475‬‬
‫أ‪ -‬إن جندنا أطلقوا بال َ‬
‫فعال لساننا‪:‬‬
‫وبعللث سللعد بللن أبللي وقللاص زيللاد بللن ُأبيلله‬
‫بالحسابات المالية إللى أميلر الملؤمنين‪ ،‬وكلان‬
‫ونهم فلمللا قللدم‬ ‫زياد هو الذي يكتب للناس ويد ّ‬
‫على عمر كلمه فيما جاء له ووصللف للله فقللال‬
‫عمر‪ :‬هل تستطيع أن تقوم فللي النللاس بمثللل‬
‫ما كلمتني به؟ فكيف ل أقللوى علللى هللذا مللن‬
‫غيللرك ! فقللام فللي النللاس بمللا أصللابوا وبمللا‬
‫صنعوا‪ ،‬وبما يستأذنون فيه مللن النسللياح فللي‬
‫البلد‪ ،‬فقللال عمللر‪ :‬هللذا الخطيللب المصللقع ‪،‬‬
‫فعلللال‬ ‫فقلللال زيلللاد‪ :‬إن جنلللدنا أطلقلللوا بال َ‬
‫)‪(1540‬‬
‫لساننا‬
‫ب‪ -‬موقف عمر من غنائم جلولء‪:‬‬
‫انتهت معركة جلولء بانتصار المسلللمين ‪ ،‬وقللد‬
‫غنموا فيها مغللانم عظيمللة أرسلللوا بأخماسللها‬
‫إلى أمير المؤمنين عمر رضي الللله عنلله فقللال‬
‫حين رآه‪ :‬والله ل ُيجّنه سقف بيت حتى أقسمه‬
‫فبات عبد الرحمن بن عوف وعبدالله بن أرقم‬
‫يحرسانه في صحن المسللجد‪ ،‬فلمللا أصللبح جللاء‬
‫في الناس فكشف عنه جلبيبه ل وهي النطللاع‬
‫لل فلمللا نظللر إلللى يللاقوته‪ ،‬وزبرجللده وجللوهره‬
‫بكللى‪ ،‬فقللال للله عبللد الرحمللن‪ :‬مللا يبكيللك‬
‫يا أمير المؤمنين فوالله إن هذا لموطن شللكر!‬
‫فقللال عمللر‪ :‬والللله مللا ذاك يبكينللي‪ ،‬والللله‬
‫ما أعطى الله هذا قوما ً إل تحاسدوا وتباغضوا‪،‬‬

‫‪ ()1540‬تاريخ الطيري )‪(4/479‬‬


‫ول تحاسدوا إل ألقي بأسهم بينهم)‪ ،(1541‬وهللذا‬
‫لون من حساسية اليمان المرهفة‪ ،‬حيث يدرك‬
‫المؤمن الراسخ من نتائج المور المستقبلية ما‬
‫ل يخطر على بال غيره‪ ،‬فيحمله الشفاق على‬
‫المؤمنين من أن يكدر صفو علقاتهم اليمانيللة‬
‫شللائبة مللن شللوائب الللدنيا الللتي تباعللد بيللن‬
‫القلوب‪ ،‬يحمله ذلك علللى التللأثر العميللق الللذي‬
‫يصل إلى تحدر دموعه أمام الناس وإنه لعجيللب‬
‫أن تنهمر الدموع من عيني رجل بلغ من القللوة‬
‫حلللدا ً يخشلللاه أهلللل الرض قاطبلللة مسللللمهم‬
‫ى‬
‫وكافرهم ومنافقهم‪ ،‬ولكنها الرحمة التي حل ّ‬
‫بها اللله جلل وعل قللوب الملؤمنين‪ ،‬فأصلبحوا‬
‫كما وصللفهم الللله سللبحانه وتعللالى بقللوله‪ :‬‬
‫ر‬ ‫عل َللى ال ْك ُ ّ‬ ‫ل الل ّله وال ّلذين مع ل َ‬ ‫سللو ُ‬
‫فللا ِ‬ ‫داءُ َ‬ ‫شل ّ‬ ‫هأ ِ‬ ‫ِ َ َ َ ُ‬ ‫ِ َ‬ ‫مدٌ َر ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ه‬ ‫ّ‬
‫ن الللل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ضل ِ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫نف ْ‬ ‫غو َ‬ ‫دا ي َب ْت َ ُ‬ ‫ج ً‬ ‫س ّ‬ ‫عا ُ‬ ‫ّ‬
‫م ُرك ً‬ ‫ه ْ‬ ‫م ت ََرا ُ‬ ‫ه ْ‬‫ماءُ ب َي ْن َ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ُر َ‬
‫جوِد ذَِللكَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سل ُ‬ ‫ر ال ّ‬ ‫ن أثل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫جو ِ‬ ‫و ُ‬ ‫في ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬‫ما ُ‬ ‫سي َ‬ ‫واًنا ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ر ْ‬ ‫و ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ج‬ ‫خ لَر َ‬ ‫عأ ْ‬ ‫ل ك لَزْر ٍ‬ ‫جي ل ِ‬ ‫فللي الن ْ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫مث َل ُ‬ ‫و َ‬ ‫ة َ‬ ‫وَرا ِ‬ ‫في الت ّ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫مث َل ُ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫َ‬ ‫غلظ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫فآَزَرهُ َ‬ ‫شطأهُ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫جل ُ‬ ‫ع ِ‬ ‫ه يُ ْ‬ ‫ق ِ‬ ‫سلو ِ‬ ‫علللى ُ‬ ‫وى َ‬ ‫سلت َ َ‬ ‫فا ْ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫فا ْ‬
‫ملوا‬ ‫ُ‬ ‫ع ِ‬ ‫و َ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ِ‬‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عدَ الل ُ‬ ‫و َ‬ ‫فاَر َ‬ ‫ُ‬
‫م الك ّ‬ ‫ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫َ‬
‫غيظ ب ِ ِ‬ ‫ع ل ِي َ ِ‬‫الّزّرا َ‬
‫مللا)‪)  (29‬الفتللح‪،‬‬
‫َ‬
‫ظي ً‬ ‫ع ِ‬ ‫جًرا َ‬ ‫وأ ْ‬ ‫فَرةً َ‬ ‫غ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ت ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ال ّ‬
‫آية‪.(29 :‬‬

‫ثامببنًا‪ :‬فتح رامهرمز‬


‫كان الفرس قد بدأو بالتجمع مرة أخرى بتحريض‬
‫مللن ملكهللم يْزدجللرد‪ ،‬فللاجتمعوا فللي رامهرمللز‬
‫بقيادة الهرمزان‪ ،‬وقد كان سعد بن أبللي وقللاص‬
‫أخبر أمير المؤمنين بخبر اجتمللاعهم فللأمره بللأن‬
‫يجهللز إليهللم جيشللا ً مللن أهللل الكوفللة بقيللادة‬
‫النعمان بن مقرن‪ ،‬وأمر أبا موسى الشعري بأن‬
‫‪ ()1541‬المصدر نفسه )‪(4/480‬‬
‫يجهز جيشا ً من البصرة بقيللادة سللهل بللن عللدي‪،‬‬
‫وإذا اجتمع الجيشان فعليهم جميعا ً أبو سبرة بللن‬
‫أبللي رهللم‪ ،‬وكلل مللن أتللاه فهلو ملدد للله وخلرج‬
‫النعمان بن مقرن في أهل الكوفة‪ ،‬ثم سار نحللو‬
‫"الهرمزان" والهرمزان يومئذ برامهرمللز ل ل ولمللا‬
‫ة‬
‫شللد ّ‬‫سمع الهرمزان بمسير النعمان إليه بادره ال ّ‬
‫ورجا أن يقتطعه ‪ ،‬وقد طمع الهرمزان في نصللر‬
‫أهللل فللارس‪ ،‬وقللد أقبلللوا نحللوه‪ ،‬ونزلللت أوائل‬
‫إمللدادهم تنتشللر‪ ،‬فللالتقى النعمللان والهرمللزان‬
‫بأربك‪ ،‬فاقتتلوا قتال ً شديدًا‪ ،‬ثم إن الله عزو جل‬
‫هزم الهرمزان للنعمان‪ ،‬وأخلى رامهرمللز ولحللق‬
‫بتسللتر وأمللا سللهل بللن عللدي فللإنه سللار بأهللل‬
‫البصللرة يريللد رامهرمللز فللأتتهم المعركللة وهللم‬
‫بسوق الهواز‪ ،‬وأتاهم الخللبر بلأن الهرملزان قلد‬
‫لحللق بتسللتر‪ ،‬فمللالوا إلللى تسللتر‪ ،‬ومللال إليهللا‬
‫)‪(1542‬‬
‫النعمان بأهل الكوفة‬
‫تاسببعَا‪ :‬فتح تستر‪:‬‬
‫وصل جيش النعمان بن مقرن وجيش سللهل بللن‬
‫عدي إلى تستر‪ ،‬واجتمعا تحت قيادة أبللي سللبرة‬
‫هللم‪ ،‬وقللد اسللتمد أبللو سللبرة أميللر‬
‫بللن أبللي ُر ْ‬
‫المومنين فأمدهم بأبي موسى الشعري فأصللبح‬
‫قائد جيش البصرة‪ ،‬وظل أبو سبرة قللائد الجيللش‬
‫كله وقد بقي المسلمون فللي حصللار تسللتر عللدة‬
‫شهور قللابلوا فيهللا جيللش العللداء فللي ثمللانين‬
‫معركلللة وظهلللرت بطوللللة البطلللال بالمبلللارزة‬
‫فاشتهر منهم عدد بقتل مائة مبللارز سللوى مللن‬
‫قتلوا في أثناء المعارك‪ ،‬وقد ذكر منهللم ‪ :‬الللبراء‬
‫‪ ()1542‬تاريخ الطبري )‪(5/61،62‬‬
‫بن مالك ومجزأة بن ثورة وكعللب بللن سللور وأبللو‬
‫تميمة وهم من أهل البصرة وفي الكوفيين مثللل‬
‫رْبعللي بللن عللامر‪،‬‬
‫قرة( و ِ‬ ‫ذكر منهم حبيب بن‬ ‫ذلك ُ‬
‫)‪1543‬‬
‫‪.‬‬ ‫وعامر بن عبدالله السود‬
‫ولما كللان أخللر لقللاء بيللن المسلللمين وأعللدائهم‪،‬‬
‫واشتد القتال نادى المسلللمون الللبراء بللن مالللك‬
‫وقالوا‪ :‬يا براء ل أقسم على ربللك ليهزمّنهللم لنللا‪،‬‬
‫م اهزمهللم لنللا‪ ،‬واستشللهدني‪ ،‬وقللد‬ ‫فقللال‪ :‬اللهل ّ‬
‫باشر المسلمون القتال وهزمللوا أعللداءهم حللتى‬
‫أدخلوهم خنادقهم ثم اقتحموها عليهم وأنلله لمللا‬
‫ضاق المر على الفرس واشللتد عليهللم الحصللار‬
‫اتصلللل اثنلللان منهلللم فلللي جهلللتين مختلفلللتين‬
‫بالمسلمين وأخبراهم بأن فتح المدينة يكون مللن‬
‫مخرج الماء‪ ،‬وقد وصللل الخللبر إلللى النعمللان بللن‬
‫مقرن‪ ،‬فندب أصحابه كذلك‪ ،‬فالتقى البطال من‬
‫أهللل الكوفللة والبصللرة فللي ذلللك المكللان لي ً‬
‫ل‪،‬‬
‫ودخلوا منه بساحة إلى المدينة فكّبروا وكبر مللن‬
‫وقفوا في الخارج‪ ،‬وفتحوا البواب‪ ،‬فأبادوا مللن‬
‫حولهلللا بعلللد شللليء ملللن المقاوملللة)‪ ،(1544‬وقلللد‬
‫استشللهد فللي هللذه المعركللة الللبراء بللن مالللك‬
‫ومجزأة بن ثللور حيللث رماهمللا الهرمللزان‪ ،‬وكللان‬
‫استشهادهما بعد انتصار المسلمين في المعركللة‬
‫ولجأ الهرمزان قائد الفرس إلى القلعة‪ ،‬وأطاف‬
‫به المسلمون الذين دخلوا من مخرج الماء‪ ،‬فلمللا‬
‫قبَلللللله قلللللال لهلللللم‪:‬‬‫علللللاينوه وأقبللللللوا ِ‬
‫ما شئتم ‪ ،‬قد ترون ضيق ما أنا فيه وأنتم ومعللي‬
‫ي ما‬ ‫شابه‪ ،‬ووالله ما تصلون إل ّ‬ ‫في جعبتي مائة ن ّ‬
‫‪ ()1543‬التاريخ السلمي )‪(11/202‬‬
‫‪ ()1544‬التاريخ السلمي )‪(11/204‬‬
‫دام معي نشابة‪ ،‬ومللا يقللع لللي سللهم‪ ،‬ومللا خيللر‬
‫إساري إذا أصبت منكم مللائة بيللن قتيللل وجريللح‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬فتريد ماذا؟ قال‪ :‬أن أضع يدي في أيللديكم‬
‫على حكم عمر يصنع بي ما شاء قالوا‪ :‬فلك ذلك‪،‬‬
‫فرمى بقوسه وأمكنهم من نفسه‪ ،‬فشدوا وثاقه‬
‫وأرصللدوه للل أي راقبللوه للل ليبعثللوا إلللى أميللر‬
‫المؤمنين عمر رضي الله عنه‪ ،‬ثم تسلموا ما في‬
‫البلد من المللوال والحواصللل‪ ،‬فاقتسللموا أربعللة‬
‫أخماسه‪ ،‬فنال كل فارس ثلثة آلف وكللل راجللل‬
‫ألف درهم)‪ (1545‬وفللي غللزوة تسللتر دروس وعللبر‬
‫منها‪-:‬‬
‫ما يسرني بتلك الصلة الدنيا وما عليها‪:‬‬ ‫•‬

‫قللال أنللس بللن مالللك أخللو الللبراء‪ :‬شللهدت‬


‫مناهضة حصن تستر عند إضاءة الفجللر واشللتد‬
‫اشتعال القتال فلم يقدروا على الصلللة‪ ،‬فلللم‬
‫نصل إل بعد ارتفاع النهار فصليناها ونحللن مللع‬
‫أبي موسى ففتح الله لنا‪ ،‬قال أنس بللن مالللك‬
‫النصاري‪ :‬ما يسرني بتلللك الصلللة الللدنيا ومللا‬
‫)‪(1546‬‬
‫عليها‬
‫م من أوسمة الشرف ناله البراء بن مالك‪:‬‬
‫وسا ٌ‬ ‫•‬
‫عّلق النبي ‪ ‬على صدر البراء بن مالك وساما ً‬
‫عظيما ً من أوسمة الشرف وذلللك بقللوله‪) :‬كللم‬
‫مريللن ل ي ُللؤَبه للله‪ ،‬لللو‬
‫مللن أشللعث أغللبر ذي طِ ْ‬
‫أقسللم علللى الللله لبللّره‪ ،‬منهللم الللبراء بللن‬
‫مالك)‪ ،(1547‬فقد كللان الللبراء مسللتجاب الللدعوة‪،‬‬
‫‪ ()1545‬تاريخ الطبري )‪(64 ،5/63‬‬
‫‪ ()1546‬النصار في العصر الراشدي ص ‪223‬‬
‫‪ ()1547‬سنن الترمذي‪ ،‬ك المنافب )‪ (650 /5‬رقم ‪.3854‬‬
‫وعرف الناس عنلله ذلللك بمللوجب هللذا الحللديث‬
‫ولذلك طلبوا منه فلي هلذه المعركلة أن يلدعوا‬
‫الله ليهزم عدوهم‪ ،‬ومع هذا الثناء العظيم مللن‬
‫رسول الله ‪ ‬على البراء فإنه لللم ي َب ْطَللر ولللم‬
‫يتكبر‪ ،‬بل ظل الرجللل المتواضللع الللذي يقتحللم‬
‫الهللوال‪ ،‬ويللأتي بللأعظم النتللائج‪ ،‬مللن غيللر أن‬
‫تكون له إمرة أو قيادة وإذا كان قد سللأل الللله‬
‫تعالى النصر للمسلمين وهو عّز لهم وللسلم‬
‫فإنه لم ُيغفل نفسه أن يسأل الله تعالى أغلى‬
‫ما يتمناه المؤمن القللوي اليمللان‪ ،‬حيللث سللأل‬
‫الله تعالى الشهادة‪ ،‬وقد اسللتجاب الللله تعللالى‬
‫دعاءه فهزم العداء ‪ ،‬ورزقه الشهادة في ذلللك‬
‫اليوم)‪.(1548‬‬
‫‪ -3‬خبر أمير المؤمنين عمر مع الهرمزان‪:‬‬
‫سبرة بن أبي ُرهم قائد المسلمين‬ ‫وأرسل أبو َ‬
‫في تلللك المعللارك وفللدا ً إلللى أميللر المللؤمنين‬
‫عمر رضي الله عنه‪ ،‬وأرسل معهم الهرمللزان‪،‬‬
‫حتى إذا دخلللوا المدينللة هيللأوا الهرمللزان فللي‬
‫هيئته‪ ،‬فألبسوه كسوته من الديباج الللذي فيلله‬
‫الذهب‪ ،‬ووضعوا على رأسه تاجا ً ُيدعى الذيللن‬
‫مكلل ً بالياقوت وعليه حليتلله‪ ،‬كيمللا يللراه عمللر‬
‫والمسلمون فللي هيئتلله‪ ،‬ثللم خرجللوا بلله علللى‬
‫الناس يريدون عمللر فللي منزللله فلللم يجللدوه‪،‬‬
‫فسألوا عنه فقيلل لهلم‪ :‬جللس فلي المسلجد‬
‫وفللد قللدموا عليلله مللن الكوفللة‪ ،‬فللانطلقوا‬ ‫ل َ‬
‫يطلبللونه فللي المسللجد‪ ،‬فلللم يللروه‪ ،‬فلمللا‬
‫انصللرفوا مللّروا بغلمللان مللن أهللل المدينللة‬
‫‪ ()1548‬التاريخ السلمي )‪(11/204‬‬
‫ددكم)‪(1549‬؟ أتريدون‬ ‫يلعبون‪ ،‬فقالوا لهم‪ :‬ما تل ّ‬
‫أمير المؤمنين؟ فإنه نائم في ميمنة المسجد‪،‬‬
‫متوسللللللللللللللللللللللدا ً برنسلللللللللللللللللللللله‬
‫‪ -‬وكان عمر قد جلس لوفد أهللل الكوفللة فللي‬
‫برنس ‪ -‬فلما فرغ من كلمهم وارتفعللوا عنلله‬
‫وأخللللوه نلللزع برسلللنه ثلللم توسلللده فنلللام ‪-‬‬
‫فلللانطلقوا ومعهلللم النظلللارة حلللتى إذا رأوه‬
‫جلسللوا دونلله وليللس فللي المسللجد نللائم ول‬
‫يقظان غيره‪ ،‬وال ّللدرة فللي يللده معلقللة فقللال‬
‫الهرمزان‪ :‬أين عمللر؟ فقللالوا‪ :‬هللو ذا ‪ ،‬وجعللل‬
‫الوفللد يشلليرون إلللى النللاس أن اسللكتوا عنلله‬
‫وأصللغى الهرمللزان إلللى الوفللد فقللال‪ :‬أيللن‬
‫جابه عنه؟ قالوا‪ :‬ليس له حارس ول‬ ‫ح ّ‬‫حرسه و ُ‬
‫حاجب ول كاتب ول ديوان‪ ،‬قللال‪ :‬فينبغللي للله‬
‫أن يكون نبيًا‪ ،‬فقالوا‪ :‬بل يعمل عمل النبيللاء‪،‬‬
‫وكثر الناس فاستيقظ عمر بالجلبللة فاسللتوى‬
‫جالسلللا ً ثلللم نظلللر إللللى الهرملللزان‪ ،‬فقلللال‬
‫الهرمزان؟ قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬فتأمله وتأمل ما عليلله‬
‫وقال‪ :‬أعوذ بللالله مللن النللار؟ واسللتعن الللله‪،‬‬
‫وقللال‪ :‬الحمللد لللله الللذي أذل بالسلللم هللذا و‬
‫أشللياعه‪ ،‬يللا معشللر المسلللمين تمسللكوا بهللذا‬
‫الدين‪ ،‬واهتدوا بهدي نبيكم ‪ ،‬ول ُتبطرنكللم‬
‫الدنيا فإنهللا غللرارة‪ .‬فقللال الوفللد‪ :‬هللذا ملللك‬
‫كلمه ‪ ،‬فقال‪ :‬ل حتى ل يبقللى عليلله‬ ‫الهواز ف ّ‬
‫فرمي عنلله بكللل شللئ عليلله إل‬ ‫من حليته شئ ُ‬
‫شلليئا ً يسللتره‪ ،‬وألبسللوه ثوب لا ً صللفيقًا‪ ،‬فقللال‬
‫عمر‪ :‬هيه يا هرمزان! كيف رأيت وبللال الغللدر‬

‫‪ ()1549‬يعني‪ :‬لماذا تلتفتون يمينا ً وشما ً‬


‫ل‪.‬‬
‫وعاقبة أمر الله؟ فقال‪ :‬يا عمر إنا وإياكم في‬
‫ى بيننللا وبينكللم‪،‬‬‫الجاهليللة كللان الللله قللد خللل ّ‬
‫فغلبناكم إذ لم يكن معنا ول معكم‪ ،‬فلما كللان‬
‫معكم غلبتمونا‪ ،‬فقال عمر‪ :‬إنما غلبتمونا فللي‬
‫الجاهلية باجتماعكم وتفرقنا‪ ،‬ثم قال عمر‪ :‬ما‬
‫عذرك وما حجتك في انتقاضك مرة بعد مرة؟‬
‫فقلللللال‪ :‬أخلللللاف أن تقتلتنلللللي قبلللللل أن‬
‫أخبرك‪،‬قللال‪:‬ل تخللف ذلللك‪ ،‬واستسللقى مللاء ‪،‬‬
‫ت عطشا ً‬ ‫فأتى به في قدح غليظ‪ ،‬فقال‪ :‬لو م ّ‬
‫لم أستطع أن أشرب في مثل هذا ‪ ،‬فللأتي بلله‬
‫في إناء يرضاه‪ ،‬فجعلت يده ترجف‪ ،‬وقال إني‬
‫أخاف أن ُأقتل وأنا أشرب الماء‪ ،‬فقللال عمللر‪:‬‬
‫ل بأس عليك حتى تشربه‪ ،‬فأكفأه فقال عمر‪:‬‬
‫أعيدوا عليه ول تجمعوا عليه القتل والعطللش‪،‬‬
‫فقال‪ :‬ل حاجة لللي فللي المللاء‪ ،‬إنمللا أردت أن‬
‫أستأمن به‪ ،‬فقال له عمر‪ :‬إني قاتلللك ‪ ،‬قللال‪:‬‬
‫قد آمنتني‪ ،‬فقالك كذبت‪ ،‬فقللال أنللس‪ :‬صللدق‬
‫أمير المؤمنين‪ ،‬قد آمنته‪ ،‬قال ويحللك يللا أنللس‬
‫من قا تل مجللزأة والللبراء‪ ،‬والللله لتللأتين‬ ‫ُ‬
‫أنا أؤ ّ‬
‫بمخللرج أو لعاقبنللك قللال‪ :‬قلللت للله‪ :‬ل بللأس‬
‫عليك حتى تخبرني‪،‬وقلت‪ :‬ل بأس عليك حتى‬
‫تشربه‪ ،‬وقال له مللن حللوله مثللل ذلللك فأقبللل‬
‫علللى الهرمللزان وقللال‪ :‬خللدعتني ‪ ،‬والللله ل‬
‫أنخدع إل لمسلللم ‪ ،‬فأسلللم‪ ،‬ففللرض للله علللى‬
‫ألفين‪ ،‬وأنزله المدينة)‪.(1550‬‬

‫‪ ()1550‬تاريخ الطبري )‪.(5/66‬‬


‫عاشببرًا‪ :‬فتح مدينة ُ‬
‫جن ْد َيْ سابور‪:‬‬
‫لما فرغ أبللو سللبرة بللن أبللي رهللم مللن فتللح بلد‬
‫السوس خرج في جنده حللتى نللزل علللى "جنللدي‬
‫سلللابور" وكلللان زر بلللن عبلللد اللللله بلللن كليلللب‬
‫محاصلللللرهم‪ ،‬وأقلللللاموا عليهلللللا يغلللللادرونهم‬
‫ويراوحللونهم القتللال‪ ،‬فمللازالوا مقيميللن عليهللا‬
‫حتى ُرمي إليهللم بالمللان مللن المسلللمين وكللان‬
‫فتحهللا وفتللح نهاونللد فللي مقللدار شللهرين‪ ،‬فلللم‬
‫يفاجللأ المسلللمون إل وأبوابهللا تفتللح‪ ،‬ثللم خللرج‬
‫ث أهلها‪ ،‬فأرسللل‬ ‫السرح‪ ،‬وخرجت السواق‪ ،‬وانب ّ‬
‫المسلمون أن مالكم؟ قلالوا‪ :‬رميتللم لنلا بالمللان‬
‫فقبلناه‪ ،‬وأقررنا لكم بللالجزاء علللى أن تمنعونللا‪،‬‬
‫فقللللللللالوا‪ :‬مللللللللا فعلنللللللللا‪ ،‬فقللللللللالوا‪:‬‬
‫ما كذبنا فتسللأل المسلللمون فيمللا بينهللم‪ ،‬فللإذا‬
‫عى مكنفا ً كان أصله منها‪ ،‬هللو الللذي كتللب‬ ‫عبد ُيد َ‬
‫حّركم‬ ‫لهم فقالوا‪ :‬إنما هو عبد‪ ،‬فقالوا‪ :‬ل نعرف ُ‬
‫من عبدكم ‪ ،‬قد جاء أمان فنحن عليلله قللد قبلنللاه‬
‫دل فإن شئتم فاغللدروا‪ ،‬فأمسللكوا عنهللم‪،‬‬ ‫ولم نب ّ‬
‫وكتبللوا بللذلك إلللى عمللر‪ ،‬فكتللب إليهللم‪ :‬إن الللله‬
‫ظم الوفاء فل تكونون أوفياء حتى تفوا‪،‬‬ ‫تعالى ع ّ‬
‫فللوا لهللم‪ ،‬فوفللوا‬ ‫و ُ‬
‫ما دمتم في شك أجيزوهللم و َ‬
‫لهم وانصرفوا)‪ ،(1551‬وهذا مثال يدل علللى تفللوق‬
‫المسلللمين الشاسللع فللي مجللال مكللارم الخلق‬
‫على جميع أعدائهم من الكفللار ول شللك أن هللذا‬
‫التفللوق الخلقللي كللان مللن الللدوافع الساسللية‬
‫للللدخول الكفلللار فلللي السللللم بتللللك الكثافلللة‬
‫)‪(1552‬‬
‫والسرعة المذهلة‬
‫‪ ()1551‬تاريخ الطبري )‪.(72 /5‬‬
‫‪ ()1552‬التاريخ السلمي )‪.(11/217‬‬
‫‪ -1‬النعمان بن مقرن ومدينة كسكر‪:‬‬
‫مق لّرن والي لا ً علللى كسللكر‪،‬‬‫كللان النعمللان بللن ُ‬
‫فكتب إلى عمر رضي الله عنلله ‪ :‬مثلللي ومثللل‬
‫مومسلة‬ ‫ب وإللى جلانبه ُ‬ ‫كسكر كمثل رجل شلا ّ‬
‫طر‪ ،‬فانشدك الله لما عزلتني عن‬ ‫ون له وتع ّ‬‫تل ّ‬
‫كسللكر‪ ،‬وبعثتنللي إلللى جيللش مللن جيللوش‬
‫المسلللمين‪ ،‬فكتللب إليلله عمللر‪ :‬أن ائت النللاس‬
‫بنهاوند‪ ،‬فأنت عليهم)‪.(1553‬‬

‫‪ ()1553‬تاريخ الطبري )‪.(109 /5‬‬


‫المببببحث الثالث‪ :‬معركة ناهاوند )فتح الفتحوح( المرحلة‬
‫الرابعة ‪21‬هب‪:‬‬
‫كان المسلمون قد انتصروا على جيوش الفللرس‬
‫في معللارك عديللدة متتاليللة ‪ ،‬وأضللحوا يطللاردون‬
‫فللول تللك الجيلوش دون أن يلتركوا لهلا فرصلة‬
‫للتقاط أنفاسها‪ ،‬فمنذ انتصللارهم السللاحق فللي‬
‫معركة القادسية بالعراق حتى المعركة الحاسللمة‬
‫في نهاوند‪ ،‬مرت أربللع سللنوات كللان المسلللمون‬
‫ينتقلون خللها من نصر إلللى نصللر‪ ،‬وكللانت تلللك‬
‫الجيوش تتابع تقدمها لكي تقضي على ما تبقللى‬
‫من فلول جيوش المبراطورية الهرمة‪ ،‬لللول أن‬
‫أوامر الخليفة عمر رضي الله عنه كللانت تقضللي‬
‫بالتوقف أمللام جبللال زاغللروس وعللدم تجاوزهللا‪،‬‬
‫وذلك بغيلة إعللادة تنظيللم الجيلوش المنهكللة ملن‬
‫القتللللال المسللللتمر‪ ،‬وتنظيللللم إدارة القللللاليم‬
‫المفتوحة )‪(1554‬ولقد أثارت الهزائم المتتالية التي‬
‫ألحقها المسلمون بالفرس بعد القادسللية خاصللة‬
‫حفيظتهم وخنقهم ولم تكن كافية على ما يبدو‬
‫للقضاء نهائيا ً علللى مقللاومتهم فكتللب أمراؤهللم‬
‫وقللادتهم إلللى مليكهللم )يزدجللرد( يستنهضللونه‬
‫للقتال من جديد‪ ،‬فعزم عليه ‪ ،‬وأخللذ يعللد العللدة‬
‫للعودة إلى قتال المسلمين فيمللا تبقللى للله فللي‬
‫بلده من معاقل ومعتصلمات ‪ ،‬فكتلب إلللى أهللل‬
‫الجبال مللن البللاب إلللى سجسللتان فخراسللان أن‬
‫يتحركلللوا للقلللاء المسللللمين وواعلللدهم جميعلللا ً‬
‫نهاونللد ‪ ،‬وكللان قللد وقللع عليهللا كمركللز أخيللر‬
‫‪ ()1554‬انظر‪ :‬الفن العسكري السلمي ص)‪(284‬‬
‫للمقاومللة ‪ ،‬وكميللدان للمعركللة الحاسللمة فهللي‬
‫مدينة منيعة تحيط بها الجبال من كللل جللانب ول‬
‫يمكللن الوصللول إليهللا إل عللبر مسللالك وعللرة‬
‫شللد الفللرس فللي هللذه المدينللة‬ ‫صللعبة ‪ ،‬وقللد تح ّ‬
‫واجتمع ليزدجرد فيها مائة وخمسون ألف مقاتل‬
‫‪ :‬ثلثون ألفا ً من الباب إلى حلوان‪ ،‬وستون ألفللا ً‬
‫من خراسان إلى حلللوان‪ ،‬ومثلهللا مللن سجسللتان‬
‫إلللى حلللوان‪ ،‬فجعللل يزدجللرد عليهللم الفيللرزان‬
‫قائدا ً)‪.(1555‬‬
‫كان سعد بن أبي وقاص فللي الكوفللة حيللن علللم‬
‫بخبر الحشود الفارسية فكتب إلى الخليفللة عمللر‬
‫ينللبئه بللذلك ويسللتأمره‪ ،‬شللارحا ً للله الوضللع مللن‬
‫مختلف جللوانبه‪ ،‬فجمللع عمللر فللي المدينللة أهللل‬
‫الرأي والمشورة من المسلمين واستشارهم في‬
‫المر‪ ،‬ثم قرر بعدها إرسال جيش لقتال الفللرس‬
‫في معقلهم الخير "نهاوند"‪ ،‬وكان النعمللان بللن‬
‫مقرن المزني يومئذ عامل ً على كسللكر‪ ،‬وكللان‬
‫مثلللي‬ ‫قد كتب إلى الخليفة كتابا ً يقول له فيه‪َ ) :‬‬
‫ومثل كسكر كمثل رجل شاب إلى جنبلله مومسللة‬
‫تلون له وتعطر‪ ،‬فانشدك الله لمللا عزلتنللي عللن‬
‫كسكر وبعثتني إلى جيش من جيوش المسلمين(‬
‫)‪.(1556‬‬
‫واستشار عمر مجلللس شللوراه وتقللرر أن يتللولى‬
‫قيادة جيوش المسلمين في نهاوند النعمللان بللن‬
‫مقللرن‪ ،‬ووضللع الخليفللة خطللة لتعللبئة جيللش‬
‫المسلمين على الشكل التالي‪:‬‬

‫‪ ()1555‬انظر‪ :‬الفن العسكري السلمي ص)‪(285‬‬


‫‪ ()1556‬تاريخ الطبري )‪(5/109‬‬
‫‪ -‬النعمان بللن مق لّرن المزنللي )والللي كسللكر(‬
‫قائدا ً عاما ً للجيش‪.‬‬
‫‪ -‬حذيفة بن اليمللان لل قللائدا ً لفرقللة تعبللأ مللن‬
‫أهل الكوفة‪.‬‬
‫‪ -‬أبو موسى الشعري )والللي البصللرة( قللائدا ً‬
‫لفرقة تعبأ من أهل البصرة‪.‬‬
‫‪ -‬عبد الله بن عمر )بن الخطاب(‪ :‬قائدا ً لفرقة‬
‫تعبأ من المهاجرين والنصار‪.‬‬
‫‪ -‬سلمى بن القين‪ ،‬وحرملة بللن مريطللة‪ ،‬وزر‬
‫بن كليللب‪ ،‬والسللود بللن ربيعللة‪ ،‬وسللواهم مللن‬
‫قلللادة المسللللمين فلللي الهلللوار وبلللاقي بلد‬
‫فارس‪ :‬إحتياط ومشاغلة للعداء‪.‬‬
‫وكتلللب عملللر إللللى اللللولة والقلللادة بتعليملللاته‬
‫واسللتطاع الفللاروق أن يحشللد جيشللا ً مقللداره‬
‫ثلثيللن أللف مقاتللل)‪ (1557‬وتحلرك جيللش السلللم‬
‫بقيادة النعمان بن مقرن إلى نهاوند‪.‬‬
‫ووجللدها محصللنة تحصللينا ً قويللا ً وحولهللا خنللدق‬
‫عميق وأمام الخندق حسك شللائك مربللع الضلللع‬
‫يثبت منه ضلع في الرض وتظل الضلللع الثلثللة‬
‫الباقيلللة أو إثنلللان منهلللا عللللى القلللل فلللوق‬
‫سللطحها ‪ ،‬لتعيللق تقللدم المهللاجمين أو تللؤذي‬
‫خيالتهم بأحداث ثقوب في حللوافر جيللادهم ممللا‬
‫يمنعهللا مللن متابعللة الجللري‪ ،‬أمللا جيللش الفللرس‬
‫داخل سور المدينة فكان على تعللبئة وقللد انضللم‬
‫إليه بنهاوند "كل من غاب عن القادسللية" ‪ ،‬وقللد‬
‫ركللز الفيللرزان رمللاته بإتجللاه محللاور التقللدم‬

‫‪ ()1557‬انظر‪ :‬الفن العسكري السلمي ص)‪(286‬‬


‫المحتملة للمسلمين كي يطالوا جنللدهم بنبللالهم‬
‫إذا ما حاولوا التقدم)‪.(1558‬‬
‫لقد اصطدمت خيول المسلمين بالحسك الشللائك‬
‫ثم بالخندق فلم يستطيعوا اجتيازها‪ ،‬بينما تللولى‬
‫رماة الفرس رمي جنللد المسلللمين الللذي تمكنللوا‬
‫من القتراب مللن السللور‪ ،‬واسللتمر المللر كللذلك‬
‫لمللدة يللومين ورأى النعمللان أن يجمللع أركللان‬
‫الجيش السلمي لتدارس الوضللع معلله‪ ،‬وخرجللوا‬
‫بنتيجللة الجتمللاع بالخطللة التاليللة وكللان صللاحبها‬
‫طليحة بن خويلد السدي‪:‬‬
‫‪ -1‬تخللرج خيللول المسلللمين فتنشللب القتللال مللع‬
‫الفللرس‪ ،‬وتسللتفزهم حللتى تخرجهللم مللن‬
‫أسوارهم‪.‬‬
‫‪ -2‬إذا خرجوا تقهقرت خيول المسلمين أمللامهم‬
‫فيعتقدون تراجعها ضعفا ً ويطمعون بالنصر‪،‬‬
‫فيلحقوا بها وهي تجري أمامهم‪.‬‬
‫‪ -3‬تسللللتدرج خيللللول المسلللللمين المتظللللاهرة‬
‫بالهزيمللة ‪ ،‬الفللرس إلللى خللارج أسللوارهم‬
‫ومواقعهم‪.‬‬
‫يفللاجئ المسلللمون الللذي يكونللون قللد‬ ‫‪-4‬‬
‫كمنللوا فللي أمللاكن محللددة ومموهللة الفللرس‬
‫المتدفقين خلف خيول المسلمين ‪ ،‬ويطبقون‬
‫عليهم وهم بعيدون عللن مراكزهلم وخنلادقهم‬
‫وأسوارهم)‪ ،(1559‬وشرع النعمللان لتنفيللذ هللذه‬
‫الخطة ووزع قواته فرقا ً على الشكل التالي‪:‬‬

‫‪ ()1558‬انظر‪ :‬الفن العسكري السلمي ص )‪(288‬‬


‫‪ ()1559‬انظر‪ :‬تاريخ الطبري )‪(5/113‬‬
‫‪ -‬الفرقة الولى‪ :‬خيالة بقيللادة القعقللاع بللن‬
‫عمرو ومهمتهما تنفيذ عمليللة التضللليل وفقللا ً‬
‫للخطة المرسومة آنفًا‪ ،‬واقتحام أسوار العللدو‬
‫والشتباك معه‪.‬‬
‫‪ -‬الفرقلللة الثانيلللة‪ :‬مشلللاة بقيلللادته هلللو ‪،‬‬
‫ومهمتهما التمركز في مواقللع ثابتللة ومموهللة‬
‫بانتظللار وصللول الفللرس إليهللا حيللث تنشللب‬
‫القتال معها في معركة جبهية‪.‬‬
‫‪ -‬الفرقة الثالثة‪ :‬خيالة ‪ ،‬وهي القوة الضاربة‬
‫فللي الجيللش ‪ ،‬ومهمتهللا التمركللز فللي مواقللع‬
‫ثابتة ومموهة ثم الهجوم على قوات العدو من‬
‫الجانبين‪.‬‬
‫‪ -‬وأمر النعمان المسلمين فللي كمللائنهم ) أن‬
‫يلزموا الرض ول يقللاتلوهم حللتى يللأذن لهللم(‬
‫)‪ ،(1560‬واللللتزم المسللللمون بلللالمر ينتظلللرون‬
‫إشارة النعمان بالهجوم‪.‬‬
‫وشرع القعقاع في تنفيذ الخطللة ونجللح نجاحلا ً‬
‫رائع لًا‪ ،‬وكللانت مفاجللأة الفللرس مذهلللة عنللدما‬
‫وجدوا أنفسهم‪ ،‬فللي آخللر المطللاف محاصللرين‬
‫بين قوات المسلللمين الللتي شللرعت سلليوفهم‬
‫فللي حصللد رقللاب المشللركين ولذ المشللركون‬
‫بالفرار ليتحصنوا بخندقهم وحصونهم إل أنهللم‬
‫وقعللوا فللي خنللادقهم وفللي الحسللك الشللائك‬
‫‪،‬واسللتمر المسلللمون يطللاردونهم ويعملللون‬
‫سيوفهم في ظهورهم واقفيتهم حتى سللقط‬
‫مللن الفللرس ألللوف فللي الخنللدق واسللتطاع‬
‫القعقللاع أن يطللارد الفيللرزان فلحقلله وقضللى‬

‫‪ ()1560‬تاريخ الطبري )‪(5/114‬‬


‫عليلله ودخللل المسلللمون‪ ،‬بعللد هللذه المعركللة‬
‫"نهاونللد" ثللم همللذان‪ ،‬ثللم انطلقللوا بعللد ذلللك‬
‫يستكملون فتح ما تبقى مللن بلد فللارس دون‬
‫مقاومة تللذكر‪ ،‬ولللم يكللن للفللرس بعللد نهاونللد‬
‫اجتماع ‪ ،‬وملك المسلمون بلدهم لذلك سللميت‬
‫معركة نهاوند بفتح الفتوح)‪.(1561‬‬
‫لقد ظهر فقه الفاروق فللي معركللة نهاونللد فللي‬
‫عدة أمور منها‪:‬‬
‫التحشد ومنع العدو مللن التحشللد حيللث‬ ‫‪-1‬‬
‫لم يكتف الخليفة عمر )رضللي الللله عنلله( بللأن‬
‫أمر عماله فللي الكوفللة والبصللرة والمسلللمين‬
‫في الجزيرة بالتحشد لقتللال الفللرس بللل أمللر‬
‫قادته في الهواز وباقي بلد فارس أن يمنعوا‬
‫العدو مللن التحشللد فكلللف سلللمى بللن القيللن‬
‫وحرملة بن مريطة وزر بن كليب والسللود بللن‬
‫ربيعة وسواهم أن يقيموا على حللدود مللا بيللن‬
‫فللارس والهللواز وأن يمنعللوا الفللرس مللن‬
‫النضمام إلى الجيش المتحشللد فللي نهاونللد ‪،‬‬
‫وهكللذا فقللد أقللام هللؤلء القللادة فللي تخللوم‬
‫أصلللبهان وفلللارس وقطعلللوا الملللداد علللن‬
‫نهاوند)‪.(1562‬‬
‫تعيين القادة إن مات قائد الجيوش‪:‬‬ ‫‪-2‬‬
‫كمللا فعللل النللبي ‪ ‬يللوم مللؤته )‪8‬هللل‪629/‬م(‬
‫مر على المسلمين زيد بن حارثللة فللإن‬ ‫عندما أ ّ‬
‫أصيب فجعفر بن أبي طالب على الناس‪ ،‬فإن‬
‫أصيب جعفر فعبدالله بن رواحة علللى النللاس‪،‬‬
‫كذلك فعل عمللر الفللاروق يللوم نهاونللد عنللدما‬
‫‪ ()1561‬انظر‪ :‬الفن العسكري السلمي ص)‪(294‬‬
‫‪ ()1562‬نفس المصدر ص )‪(294‬‬
‫مللر النعمللان علللى المسلللمين فللإن حللدث‬ ‫أ ّ‬
‫بالنعمان حدث فعلى الناس حذيفة بن اليمان‪،‬‬
‫فإن حدث بحذيفة حدث فعلى الناس نعيم بللن‬
‫مقرن وتميز النعمان بقيللادته الرفيعللة والللتي‬
‫ظهرت في عدة أمور‪:‬‬
‫أ‪ -‬الستطلع قبل السير للقتال‪:‬‬
‫كلف النعمان قبل السلير بجيشله نحلو نهاونلد‬
‫وكان على بعد "بضعة وعشرين فرسخًا" منهللا‪،‬‬
‫كل ً من طليحة بلن خويللد السلدي وعملرو بلن‬
‫أبللي سلللمى العنللزي وعمللرو بللن معللد يكللرب‬
‫الزبيللدي بالتقللدم نحوهللا واسللتطلع الطريللق‬
‫الموصلة إليها ومعرفة ما إذا كان من عدو بينه‬
‫وبينهللا ‪ ،‬فسللار الثلثللة مقللدار يللوم وليلللة ثللم‬
‫عادوا ليبلغوا القائد العام أن ليلس بينله وبيللن‬
‫نهاوند شئ يكرهه ول أحد فكللانت هللذه البعثللة‬
‫أشللبه بمللا يعللرف فللي عصللرنا بالطليعللة "أو‬
‫المفللرزة المتقدمللة" الللتي تسللبق أي جيللش‬
‫لستطلع الطريق للله قبللل تقللدمه‪ ،‬ومللع ذلللك‬
‫أخذ النعمان كل الحتياطات اللزمة عند تحركه‬
‫بجيشلله فسللار "علللى تعللبئة" كمللا يفللترض أن‬
‫يسير‪.‬‬
‫ب‪ -‬عملية التضليل‪:‬‬
‫وكللللانت "عمليللللة التضللللليل" الللللتي نفللللذها‬
‫المسلللمون فللي نهاونللد مللن أروع المنللاورات‬
‫العسللكرية الللتي يمكللن أن ينفللذها جيللش فللي‬
‫التاريلللخ القلللديم والحلللديث‪ ،‬فعنلللدما عجلللز‬
‫المسلمون عن اقتحام أسوار المدينة المحصنة‬
‫والمحميللة بالخنللدق المحيللط بهللا وبالحسللك‬
‫الشائك وبالرمللاة المهللرة‪ ،‬وقللدروا أن الحصللار‬
‫سوف يستمر طويل ً دون جدوى طالما أن لللدى‬
‫الفرس المحاصرين داخللل أسللوار المدينللة مللن‬
‫الللذخائر والمللؤن مللا يكفيهللم للمقاومللة مللدة‬
‫طويللللة ‪ ،‬رأوا أن يعملللدوا إللللى الحيللللة فلللي‬
‫اسلللتدراج العلللدو وإخراجللله ملللن "جحلللوره"‬
‫ومللواقعه‪ ،‬لكللي يقللاتلوه خللارج تلللك السللوار‬
‫فيكونون قد فرضوا عليه ميللدان القتللال الللذي‬
‫دره المسلللمون‬ ‫اختاروه بأنفسهم وقد تم ما ق ل ّ‬
‫تمامللا ً ‪ ،‬فاسللُتدرج العللدو إلللى مواقللع حللددها‬
‫المسلمون للقتال حيث كمنوا له ثم نازلوه في‬
‫تلك المواقع جبهيا ً ومن كللل جللانب ‪ ،‬ففللوجئ‬
‫ثم ذعر فاسقط في يده وانهللزم وليللس هنللاك‬
‫مللن حيلللة أخللرى يمكللن أن يلجللأ إليهللا خصللم‬
‫لحراج خصمه وإخراجلله والتغلللب عليلله أفضللل‬
‫من هذه الحيلة)‪.(1563‬‬
‫ج‪ -‬اختيار ساعة الهجوم‪:‬‬
‫وقد تكلمت كتب التاريخ عن صبر النعمان بللن‬
‫مقرن وحنكته المتميزة المتناهية فللي اختيللار‬
‫ساعة الهجوم التي كان رسول الللله ‪ ‬يحبهللا‬
‫عند الزوال‪ ،‬وتفيؤ الفياء وهبوب الرياح‪.‬‬
‫لقد نال النعمان بن مقرن الشللهادة فلي تللك‬
‫المعركة الحاسللمة ووصللل خللبر النعمللان إلللى‬
‫أميللر المللؤمنين فقللال‪ ) :‬إّنللا لللله وإنللا إليلله‬
‫راجعون( وبكى ونشج واشتد حزنه وسأل عن‬
‫الشهداء فسمى للله أسللماء ل يعرفهللا فقللال‪:‬‬
‫‪ ()1563‬انظر‪ :‬الفن العسكري السلمي ص)‪(295،296‬‬
‫ن‬
‫أولئك المستضللعفون مللن المسلللمين ولكلل ّ‬
‫الللذي أكرمهللم بالشللهادة يعللرف وجللوههم‬
‫وأنسابهم وما يصنع أولئك بمعرفة عمر)‪(1564‬؟‬
‫ومما يستحق الذكر أن المسلللمين عللثروا فللي‬
‫غنللائم نهاونللد علللى سللفطين)‪ (1565‬مملللؤين‬
‫جللوهرا ً نفيسلا ً مللن ذخللائر كسلرى فأرسلللهما‬
‫حذيفة أمير الجيش إلى عمر مللع السللائب بللن‬
‫القرع‪ ،‬فلما أوصلهما له قللال‪ ) :‬ضللعهما فللي‬
‫بيت المال‪ ،‬والحق بجندك(‪.‬‬
‫فركب راحلته ورجع فأرسل عمر وراءه رسول ً‬
‫خب السَير في أثره حتى جنة لحقلله بالكوفللة‬ ‫يُ ِ‬
‫)‪(1566‬‬
‫‪.‬‬ ‫فأرجعه‬
‫فلما رآه عمر قال‪ :‬مللالي وللسللائب مللاهو إل‬
‫أن نمللت الليلللة الللتي خرجللت فيهللا ‪ ،‬فبللاتت‬
‫الملئكللة تسللحبني إلللى السللفطين يشللتعلن‬
‫ي إن لم أقسمها فخذهما‬ ‫نارًا؟ يتوعدوني بالك ّ‬
‫عنللي وبعهمللا فللي أرزاق المسلللمين فبيعللا‬
‫بسوق الكوفة ‪.‬‬
‫فرضى الله عنك ياعمر لقد سرت بسيرة نبيك‬
‫ت وأعززت السلم والمسلللمين ‪ ،‬اللهللم‬ ‫فعْزز َ‬
‫)‪(1567‬‬
‫‪.‬‬ ‫ألهمنا التباع واكفنا شر البتداع‬
‫وبعد معركة نهاوند تسارع زعماء الفللرس مللن‬
‫همذان وطبرستان‪ ،‬وأصللبهان وطلبللوا الصلللح‬
‫وتم لهم ذلك على التوالي)‪.(1568‬‬
‫انظر‪ :‬البداية والنهاية )‪(7/113‬‬ ‫‪()1564‬‬
‫السفط‪ :‬وعاء من قضبان الشجر‬ ‫‪()1565‬‬
‫انظر‪ :‬البداية والنهاية )‪(7/114‬‬ ‫‪()1566‬‬
‫انظر‪ :‬اتمام الوفاء ص)‪(98‬‬ ‫‪()1567‬‬
‫انظر‪ :‬إتمام الوفاء ص )‪(100،101 ،99‬‬ ‫‪()1568‬‬
‫المبلللللحث الرابلللع‪ :‬النسلللياح فلللي بلد العجلللم‬
‫))المرحلة الخامسة((‪:‬‬
‫بعد انتصار المسلمين في وقعة نهاونللد لللم يقللم‬
‫للفرس أمر‪ ،‬وانساح المسلمون فللي بلد العجللم‬
‫وأذن لهم عمر في ذلك فافتتح المسلللمون بعللد‬
‫صللبهان)‪ (1569‬بعللد‬
‫ي ل وهي مدينة أ ْ‬ ‫ج ّ‬
‫نهاوند مدينة َ‬
‫قتال كثير وأمللور طويلللة ‪ ،‬فصللالحوا المسلللمين‬
‫وكتب لهم عبدالله بن عبدالله كتاب أمللان وصلللح‬
‫وفر منهم ثلثون نفرا ً إلللى كْرمللان لللم يصللالحوا‬
‫المسلمين‪ ،‬وفي سنة إحدى وعشرين افتتللح أبللو‬
‫م وقاشان)‪ ،(1570‬وافتتح سهيل بن عدي‬ ‫موسى ُ‬
‫ق ّ‬
‫مدينة ك َْرمان‪.‬‬
‫م َ‬
‫ذان ثانية ‪22‬هب‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫ل‪ :‬فتح ه َ‬
‫تقدم أن المسلمين لما فرغوا من نهاوند فتحوا‬
‫حْلوان وهمذان ثم إن أهل همذان نقضوا عهدهم‬ ‫ُ‬
‫الذي صالحهم عليه القعقعللاع بللن عمللرو‪ ،‬فكتللب‬
‫عمر إلى نعيم بللن مقللرن أن يسللير إلللى همللذان‬
‫فسار حتى نزل على ثنية العسل ‪ ،‬ثم تحدر على‬
‫همذان ‪ ،‬واستولى على بلدها وحاصرها فسألوه‬
‫الصلح فصالحهم ودخلها فبينمللا هللو فيهللا ومعلله‬
‫اثنا عشر ألفلا ً مللن المسلللمين إذ تكللاتب الللديلم‪،‬‬
‫وأهل الللرأي وأهللل أذر بيجللان ‪ ،‬واجتمعللوا علللى‬
‫حرب نعيم بن مقرن في جمع كثير‪ ،‬فخرج إليهم‬
‫بمن معه من المسلمين حتى التقوا بمكان يقللال‬
‫له واج الّرواذ)‪ ،(1571‬فاقتتلوا قتال ً شللديدا ً وكللانت‬
‫‪ ()1569‬مدينة عظيمة من أعلم المدن في بلد فارس‬
‫‪ ()1570‬قم وقاشان‪ :‬مدن فارسية يذكران جميعا ً‬
‫‪ ()1571‬واج روذ‪ :‬موضع بين همدان وقزوين‬
‫وقعة عظيمة تعدل نهاوند ولم تك دونها فقتلللوا‬
‫من المشركين جما ً غفيرا ً ل يحصون كثرة ‪،‬وقتل‬
‫ملللللك الللللديلم وتمللللزق شللللملهم ‪ ،‬وانهزمللللوا‬
‫بأجمعهم ‪ ،‬بعد من قتل بالمعركللة منهللم ‪ ،‬فكللان‬
‫نعيم بللن مقللرن أول مللن قاتللل الللديلم)‪ (1572‬مللن‬
‫المسلمين ‪،‬وقد كان نعيم كتب إلللى عمللر يعلملله‬
‫مه ذلك واغتم له‪ ،‬فلللم يفاجللأه إل‬ ‫باجتماعهم فه ّ‬
‫البريللد بالبشللارة ‪ ،‬فقللال‪ :‬أبشللير؟ فقللال‪ :‬بللل‬
‫عللروة‪ ،‬فلمللا ثن ّللى عليلله‪ ،‬أبشللير؟ فطِللن فقللال‪:‬‬
‫بشير‪ ،‬فقال عمر‪ :‬رسول نغيم وسماك بن عبيد؟‬
‫قال‪ :‬رسول نعيم ‪ ،‬قال‪ :‬ا لخللبر؟ قللال‪ :‬البشللرى‬
‫بالفتح والنصر وأخللبره الخللبر‪ ،‬فحمللد الللله وأمللر‬
‫قرئ على الناس فحمدوا الله ثم قللدم‬ ‫بالكتاب ف ُ‬
‫عبيللد وسللماك بللن‬ ‫سماك بن مخرمة وسماك بللن ُ‬
‫خرشة في وفود الكوفللة بالخمللاس علللى عمللر‪،‬‬
‫فنسبهم‪ ،‬فانتسب له سللماك وسللماك وسللماك ‪،‬‬
‫فقللال‪ :‬بللارك الللله فيكللم‪ ،‬اللهللم اسللمك بهللم‬
‫السلم ‪ ،‬وأيدهم بالسلم)‪.(1573‬‬
‫ثانيًا‪ :‬فتح الّريّ سنة ‪22‬هب ‪:‬‬
‫استخلف نعيللم بللن مقللرن علللى يزيللد بللن قيللس‬
‫الهملللداني‪ ،‬وسلللار هلللو بلللالجيوش حلللتى لحلللق‬
‫بلللالري)‪ ، (1574‬فلقلللي هنلللاك جمعلللا ً كلللثيرا ً ملللن‬
‫المشللركين‪ ،‬فللاقتتلوا عنللد سللفح جبللل الللري‪،‬‬
‫فصبروا صلبرا ً عظيملا ً ثلم انهزملوا وقتلل منهلم‬
‫دوا‬
‫علل ّ‬
‫نعيللم بللن مقللرن مقتلللة عظيمللة بحيللث ُ‬
‫‪ ()1572‬ترتيب وتهذيب البداية والنهاية ص ‪160‬‬
‫‪ ()1573‬تاريخ الطبري )‪(5/134‬‬
‫‪ ()1574‬الري‪ :‬مدينة مشهورة تبعد عن قزوين سبعة وعشرين‬
‫فرسخًا‪.‬‬
‫بالقصب‪ ،‬وغنموا منهم غنيمة عظيمة قريبا ً ممللا‬
‫غنلللم المسللللمون ملللن الملللدائن ‪ ،‬وصلللالح أبلللو‬
‫الفّرخان الملقب بالزينبي على الري‪ ،‬وكتللب للله‬
‫أمانا ً بذلك‪ ،‬ثم كتللب نعيللم إلللى عمللر بالفتللح ثللم‬
‫بالخماس ولله الحمد والمنة)‪.(1575‬‬
‫جان سنة ‪22‬هب ‪:‬‬
‫جْر َ‬
‫سى و ُ‬ ‫ثالثًا‪ :‬فتح ُقو ِ‬
‫م ْ‬
‫ولما ورد البشير بفتح الري وأخماسها كتب عمللر‬
‫إلللى نعيللم بللن مقللرن أن يبعللث أخللاه سللويد بللن‬
‫مقرن إلى قوميس)‪ ،(1576‬فسار إليها سويد ‪ ،‬فلم‬
‫يقم له شئ حتى أخذها سلما وعسكر بها وكتللب‬
‫لهلهللا كتللاب أمللان وصلللح ولمللا عسللكر سللويد‬
‫بقللوميس بعللث إليلله أهللل بلللدان شللتى منهللا‪:‬‬
‫جللان)‪ (1577‬وطبرسللتان)‪ ،(1578‬وغيرهللا يسللألونه‬‫جْر َ‬
‫ُ‬
‫الصلح على الجزية‪ ،‬فصالح الجميع ‪ ،‬وكتب لهللل‬
‫كل بلدة كتاب أمان وصلح)‪.(1579‬‬
‫رابعًا‪ :‬فتح أذربيجان سنة ‪22‬هب ‪:‬‬
‫لما افتتح نعيم بن مقرن همذان ثانية ‪ ،‬ثم الري‪،‬‬
‫بعث بين يديه ُبكير بن عبد الله مللن همللذان إلللى‬
‫أذربيجان)‪ (1580‬وأردفه بسللماك بللن خر َ‬
‫شللة وذلللك‬

‫‪ ()1575‬تاريخ الطبري )‪.(137 ،5/136‬‬


‫‪ ()1576‬قوميس‪ :‬تقع في نهاية جبال طبرستان وهي بين الري‬
‫ونيسابور‪.‬‬
‫‪ ()1577‬جرجان‪ :‬مدينة عظيمة بين طبرستان وخراسان‪.‬‬
‫‪ ()1578‬طبرستان‪ :‬بلد واسع والغالب عليها الجبال اشتهرت‬
‫بالعلماء والدباء‪.‬‬
‫‪ ()1579‬تهذيب البداية والنهاية ص ‪.161‬‬
‫‪ ()1580‬أذربيجان‪ :‬إقليم واسع غالب عليه الجبال وتحدها بلد‬
‫الديلم‪.‬‬
‫)‪(1581‬‬
‫عن أمر عمر بن الخطاب وليس بللأبي دجانللة‬
‫فلقى أسللفندياذ بللن الفّرخللزاذ بكيللرا ً وأصللحابه‪،‬‬
‫قبل أن يقدم عليهم سماك فاقتتلوا فهللزم الللله‬
‫المشللركين وأسللر بكيللر اسللنفدياذ‪ ،‬فقللال للله‪:‬‬
‫الصلح أحب إليك أم الحرب؟ فقللال‪ :‬بللل الصلللح‪.‬‬
‫فقال‪ :‬فأمسكني عندك فأمسكه ثللم جعللل يفتللح‬
‫أذربيجان بلدا ً بلدا ً ‪ ،‬وعتبة بن فرقد فللي مقللابله‬
‫في الجانب الخر من أذربيجان يفتحها بلدا ً بلدا ً ‪،‬‬
‫ثم جاء كتاب عمللر بللأن يتقللدم ُبكيللر إلللى البللاب‪،‬‬
‫وجعللل سللماكا ً موضللعه ل ل نائب لا ً لعتبللة بللن فرقللد‬
‫وجمع عمر أذربيجان كلها لعتبة بن فرقللد وسلللم‬
‫إليه بكيُر اسفندياذ‪ ،‬وقد كان اعللترض بهللرام بللن‬
‫فلّر خلزاذ لعتبلة بلن فرقلد فهزمله عتبلة وهلرب‬
‫بهرام ‪ ،‬فلما بلللغ ذلللك اسللفندياذ قللال‪ :‬الن تللم‬
‫الصلللللح وطفئت الحللللرب‪ ،‬فصللللالحه وعللللادت‬
‫ة وبكيللر إلللى‬ ‫أذربيجللان سلللمًا‪ ،‬وكتللب بللذلك ُ‬
‫عْتبل ُ‬
‫عمر‪ ،‬وبعثلوا بالخمللاس إليلله‪ ،‬وكتللب عتبلة حيلن‬
‫انتهللت إليلله إمللرة أذربيجللان كتللاب أمللان وصلللح‬
‫لهلها)‪.(1582‬‬
‫خامسًا‪ :‬فتح الباب سنة ‪22‬هب ‪:‬‬
‫كتب عمر بللن الخطللاب كتابلا ً بللالمرة علللى هللذه‬
‫الغزوة لسراقة بن عمللرو ل ل الملقللب بللذي النللور‬
‫فسار كما أمر عمر وهو على تعبئته فلمللا انتهللى‬
‫مقدم العساكر ل وهو عبد الرحمن بن ربيعة إلللى‬
‫الملك الذي هناك عند الباب)‪ (1583‬وهو شهر براز‪،‬‬

‫‪ ()1581‬الصحابي المشهور‪.‬‬
‫‪ ()1582‬تاريخ الطبري )‪(142 ،5/141‬‬
‫‪ ()1583‬الباب‪ :‬مدينة عظيمة على بحر طبرستان وهو بحر الخزر‬
‫ملك أرمينية وهو من بيت الملك الذي قتللل بنللي‬
‫إسرائيل وغزا الشللام فللي قللديم الزمللان فكتللب‬
‫شللهر بللراز لعبللد الرحمللن واسللتأمنه فللأمّنه عبللد‬
‫ك‪ ،‬فأنهى إليلله‬ ‫مل ِ‬
‫الرحمن بن ربيعة فقدم عليه ال َ‬
‫وه)‪ (1584‬إللللى المسللللمين وأنللله مناصلللح‬ ‫غ َ‬‫صللل ْ‬
‫أن ُ‬
‫للمسلللمين فقللال للله‪ :‬إن فللوقي رجل ً فللاذهب‬
‫إليه ‪ ،‬فبعثه إلى سراقة بن عمرو أميللر الجيللش ‪،‬‬
‫ن سراقة المللان فكتللب كتابلا ً بللذلك ثللم‬ ‫م ْ‬‫فسأل ِ‬
‫بعث سراقة بكير بن عبدالله الليثي‪ ،‬وحللبيب بللن‬
‫مسلمة وحذيفة بن أسيد‪ ،‬وسلمان بن ربيعة إلى‬
‫لن‪،‬‬‫أهل تلك الجبال المحيطللة بأرمينيللة جبللال ال ّ‬
‫موقللان‪ ،‬وكتللب‬ ‫قان ‪ ،‬فافتتح بكير ُ‬ ‫مو َ‬
‫فليسس‪ ،‬و ُ‬ ‫ت ِ‬
‫لهم كتاب أمللان‪ ،‬ومللات فللي غضللون ذلللك أميللر‬
‫المسلمين هنللاك سللراقة بللن عمللرو‪ ،‬واسللتخلف‬
‫بعده عبد الرحمن بن ربيعة ‪ ،‬فلما بلغ عمللر ذلللك‬
‫أقره وأمره بغزو الترك)‪.(1585‬‬
‫سادسًا‪ :‬أول غزو الترك‪:‬‬
‫لما جاء كتاب عمر إلللى عبللد الرحمللن بللن ربيعللة‬
‫يأمره بأن يغزو الللترك ‪ ،‬سللار حللتى قطللع البللاب‬
‫قاصدا ً لما أمره عمر‪ ،‬فقال للله شللهر بللراز‪ :‬أيللن‬
‫جر‪ ،‬فقال له شهر‬ ‫تريد؟ قال‪ :‬أريد ملك الترك ب َل َن ْ َ‬
‫براز‪ :‬إّنا لنرضى منهم بالموادعة‪ ،‬نحللن مللن وراء‬
‫الباب ل فقال عبللد الرحمللن‪ :‬إن الللله بعللث إ لينللا‬
‫رسول ً ووعدنا على لسانه بالنصر والظفر ونحللن‬
‫ل نزال منصورين‪ ،‬فقاتل الللترك وسللار فللي بلد‬
‫بلنجللر مللائتي فرسللخ وغللزا مللرات متعللددة ‪ ،‬ثللم‬
‫‪ ()1584‬صغوه‪ :‬أي ميله‬
‫‪ ()1585‬تاريخ الطبري )‪.(5/145‬‬
‫كانت له وقائع هائلة في زمن عثمان رضي الللله‬
‫عنه)‪.(1586‬‬
‫سابعًا‪ :‬غزو ُ‬
‫خراسان سنة ‪22‬هب ‪:‬‬
‫كان الحنف بن قيس قللد أشلار عللى عملر بلأن‬
‫يتوسع المسلللمون بالفتوحللات فللي بلد العجللم‪،‬‬
‫وُيضيقوا على كسللرى يزدجللرد‪ ،‬فللإنه هللو الللذي‬
‫يحث الفرس والجنود على قتال المسلمين فأذن‬
‫مر الحنف‬ ‫عمر بن الخطاب في ذلك عن رأيه‪ ،‬وأ ّ‬
‫وأمره بغزو بلد خراسللان ‪ ،‬فركللب الحنللف فللي‬
‫جيش كثيف إلى خراسللان قاصللدا ً حللرب يزدجللرد‬
‫فدخل خراسلان فافتتلح هلراة عنلوة‪ ،‬واسلتخلف‬
‫مللرو‬
‫دي ‪ ،‬ثم سللار إلللى َ‬ ‫حار بن فلن العب ِ‬ ‫ص َ‬‫عليه ُ‬
‫)‪(1587‬‬
‫وفيها بزدجرد وبعث الحنللف بيللن‬ ‫الشهجان‬
‫خير إلللى‬ ‫مطللّرف بللن عبللدالله بللن الشلل ّ‬ ‫يللديه ُ‬
‫)‪(1588‬‬
‫‪،‬والحللللارث بللللن حسللللان إلللللى‬ ‫نيسللللابور‬
‫)‪(1589‬‬
‫ولمللا اقللترب الحنللف مللن مللرو‬ ‫خس‬ ‫سللْر َ‬
‫َ‬
‫الشلللاهجان‪ ،‬ترحلللل منهلللا يزدجلللرد إللللى ملللرو‬
‫الللروذ)‪ ،(1590‬فافتتللح الحنللف مللرو الشللاهجان‬
‫فنزلها ‪ ،‬وكتب يزدجرد حين نزل مرو الللروذ إلللى‬
‫ده‪ ،‬وكتللب إلللى ملللك‬ ‫خاقللان ملللك الللترك يسللتم ّ‬
‫ده‪ ،‬وكتب إلى ملك الصين يستعينه ‪،‬‬ ‫الصغد يستم ّ‬
‫وقصده الحنف بلن قيلس إلللى ملرو اللروذ وقللد‬

‫‪ ()1586‬تاريخ الطبري )‪ 142 /5‬إلى ‪.(147‬‬


‫‪ ()1587‬مرو الشاهجان‪ :‬هي مدينة مرو العظمى ‪ ،‬وهي قصبة‬
‫خراسان‪.‬‬
‫‪ ()1588‬نيسابور‪ :‬مدينة مشهورة في هذا القليم‪.‬‬
‫‪ ()1589‬سرخس‪ :‬مدينة بين نيسابور ومرو في وسط الطريق‪.‬‬
‫‪ ()1590‬مرو الروذ‪ :‬تقع على نهر عظيم ولكنها أصغر من مرو‬
‫الخرى‪.‬‬
‫اسلللتخلف عللللى ملللرو الشلللاهجان حارثلللة بلللن‬
‫النعمان ‪ ،‬وقد وفدت إلى الحنللف إمللدادات مللن‬
‫أهللل الكوفللة مللع أربعللة أمللراء فلمللا بلللغ ذلللك‬
‫يزدجرد ترحل إلللى بلللخ)‪ ،(1591‬فللالتقى معلله ببلللخ‬
‫فهزمه الله عز وجل وهرب هللو ومللن بقللي معلله‬
‫ملللك خراسللان‬ ‫من جيشه فعبر النهللر‪ ،‬واسللتوثق ُ‬
‫على يدي الحنف بن قيس‪ ،‬واسللتخلف فللي كللل‬
‫بلللدة أميللرا ً ‪ ،‬ورجللع الحنللف فنللزل مللرو الللروذ‪،‬‬
‫وكتللب إلللى عمللر بمللا فتللح الللله عليلله مللن بلد‬
‫خراسان بكاملها وكتب عمر إلللى الحنللف ينهللاه‬
‫عن العبور إلى ما وراء النهللر‪ .‬وقللال‪ :‬احفللظ مللا‬
‫بيدك من بلد خراسان ولما وصل رسول يزدجرد‬
‫إلى اللذين استنجد بهما لللم يحتفل بللأمره‪ ،‬فلمللا‬
‫عللبر يزدجللرد النهللر ودخللل فللي بلدهمللا تعيللن‬
‫عليهمللا إنجللاده فللي شللرع الملللوك‪ ،‬فسللار معلله‬
‫خاقان ‪ ،‬فوصل إلى ب َْلخ حتى نزلوا على الحنللف‬
‫بمرو الللروذ فتللبرز الحنللف بمللن معلله مللن أهللل‬
‫البصللرة وأهللل الكوفللة والجميللع عشللرون ألفللا ً‬
‫فسمع رجل ً يقللول لخللر‪ :‬إن كللان الميللر ذا رأي‬
‫فإنه يقف دون هذا الجبللل فيجعللله وراء ظهللره‪،‬‬
‫ويبقى هذا النهر خندقا ً حوله فل يأتيه العللدو إل‬
‫مللن جهللة واحللدة فلمللا أصللبح الحنللف أمللر‬
‫المسلمين فوقفوا في ذلك الموقف بعينه‪ ،‬وكان‬
‫أمارة النصللر والرشللد وجللاءت التللراك والفللرس‬
‫في جمع عظيم هائل مزعج‪ ،‬فقللام الحنللف فللي‬
‫الناس خطيبا ً فقال‪ :‬إنكم قليل وعدوكم كثير فل‬

‫‪ ()1591‬بلخ‪ :‬مدينة من أجمل مدن خراسان تقع بالقرب من نهر‬


‫جيحون‬
‫ة ك َِثيللَرةً ب ِ لإ ِذْ ِ‬
‫ن‬ ‫فئ َ ً‬ ‫غل َب َ ْ‬
‫ت ِ‬ ‫قِليل َ ٍ‬
‫ة َ‬ ‫ة َ‬
‫فئ َ ٍ‬‫ن ِ‬‫م ْ‬ ‫م ِ‬‫نكم ‪ ‬ك َ ْ‬ ‫يهول ُ ّ‬
‫ن)‪)  (249‬سللورة البقللرة ‪ ،‬آيللة‪:‬‬ ‫ري َ‬
‫صلاب ِ ِ‬
‫ع ال ّ‬ ‫مل َ‬ ‫والل ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ّ ِ‬
‫‪ ،(249‬فكللان الللترك يقللاتلون بالنهللار ول يللدري‬
‫الحنف أين يذهبون في الليللل ‪ ،‬فصللار ليلللة مللع‬
‫طليعة من أصحابه نحو خاقان ‪ ،‬فلما كللان قريللب‬
‫الصبح خرج فارس من الترك طليعة وعليه طوق‬
‫وضللرب بطبلللة فتقللدم إليلله الحنللف فاختلفللا‬
‫طعنتين فطعنه الحنف فقتله وهو يرتجز‪:‬‬
‫عدة‬ ‫صلل ْ‬
‫ب ال ّ‬‫ض َ‬
‫أن يخ ِ‬ ‫كل رئيس‬‫ن على ُ‬‫إ ّ‬
‫أو ت َْنللللللللللللللللدَ ّ‬
‫قا‬ ‫حقا‬
‫ف أبللي حفللص‬ ‫سللي َ‬ ‫َ‬ ‫ن لها شيخا بها‬‫إ ّ‬
‫قللللللى‬ ‫الللللللذي تب ّ‬ ‫مَلق ّ‬
‫ى‬ ‫ُ‬

‫ي طوقه ووقف موضللعه‪ ،‬فخللرج‬ ‫ثم استلب الترك ّ‬


‫آخر عليه طوق ومعه طبل فجعل يضرب بطبلللة ‪،‬‬
‫فتقدم إليه الحنف فقتله أيض لا ً واسللتلبه طللوقه‬
‫ووقف موضعه‪ ،‬فخرج ثالث فقتله وأخذ طللوقه‪،‬‬
‫ثم أسرع الحنللف الرجللوع إلللى جيشلله ول يعلللم‬
‫بللذلك أحللد مللن الللترك بالكليللة‪ ،‬وكللان مللن عللادة‬
‫الللترك أنهللم ل يخرجللون حللتى تخللرج ثلثللة مللن‬
‫كهللولهم بيللن أيللديهم يضللرب الول بطبلللة ثللم‬
‫الثاني‪ ،‬ثم الثالث ‪ .‬فلما خرجت الترك فأتوا على‬
‫فرسانهم مقتولين‪ ،‬تشللاءم بللذلك الملللك خاقللان‬
‫وتطير ‪ ،‬وقللال لعسللكره‪ :‬قللد طللال مقامنللا وقللد‬
‫أصيب هؤلء القوم بمكان لم نصب بمثله ‪ ،‬مالنا‬
‫في قتال هللؤلء القللوم مللن خيللر فانصللرفوا بنللا‬
‫فرجعوا إلللى بلدهللم)‪ (1592‬وقللد قللال المسلللمون‬
‫للحنف‪ :‬ما تللرى فللي اتبللاعهم؟ فقللال‪ :‬أقيمللوا‬
‫بمكانكم ودعوهم‪ .‬وقد أصاب الحنللف فللي ذلللك‪،‬‬
‫فقلللد جلللاء فلللي الحلللديث‪ :‬اتركلللوا اللللترك ملللا‬
‫م َللل ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫وَردّ الله ال ّ ِ‬ ‫‪َ  ،‬‬
‫)‪(1593‬‬
‫م‬ ‫هلل ْ‬
‫غي ْظِ ِ‬‫فُروا ب ِ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫تركوكم‬
‫وّيللا ً‬ ‫ن الله َ‬
‫ق ِ‬ ‫كا َ‬ ‫و َ‬
‫ل َ‬‫قَتا َ‬‫ن ال ْ ِ‬‫مِني َ‬ ‫فى الله ال ْ ُ‬
‫م ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫وك َ َ‬‫خي َْرا ً َ‬
‫ي ََناُلوا َ‬
‫زيللَزا ً‪) ‬الحللزاب‪،‬آيللة‪ ، (25:‬ورجللع كسللرى خاسللر‬ ‫ع ِ‬
‫َ‬
‫الصفقة لم يشف له غليل‪ ،‬ول حصل على خيللر ‪،‬‬
‫ول انتصر كما كان في زعمه‪ ،‬بل تخلى عنلله مللن‬
‫كان يرجللو النصللر منلله‪ ،‬وتنحللى عنلله وتللبرأ منلله‬
‫أحوج ما كان إليلله‪ ،‬وبقللى مذبللذبا ً ل إلللى هللؤلء‬
‫ج لدَ َللل ُ‬
‫ه‬ ‫ن تَ ِ‬‫فَللل ْ‬ ‫ل الّللل ُ‬
‫ه َ‬ ‫ضللل ِ ْ‬‫ن يُ ْ‬
‫ملل ْ‬ ‫ول إلى هللؤلء‪َ  :‬‬
‫و َ‬
‫ل)‪)  (88‬النساء‪،‬آية‪.(88:‬‬
‫سِبي ً‬
‫َ‬
‫وتحير في أمره ماذا يصنع؟ وإلى أين يذهب ؟ ثم‬
‫بعث إلللى ملللك الصللين يسللتغيث بلله ويسللتنجده‬
‫فجعللل ملللك الصللين يسللأل الرسللول عللن صللفة‬
‫هؤلء القوم الذي قد فتحوا البلد وقهروا رقللاب‬
‫العباد‪ ،‬فجعل يخبره عن صفتهم‪ ،‬وكيف يركبون‬
‫صلّلون؟‬ ‫الخيللل والبللل‪ ،‬ومللاذا يضللعون؟ وكيللف ي ُ َ‬
‫فكتب معه إلى يزدجرد‪ :‬إنه لم يمنعني أن أبعللث‬
‫إليك بجيش أوله بمرو وآخره بالصين الجهالة بما‬
‫ي‪ ،‬ولكن هؤلء القوم الذين وصللف لللي‬ ‫يحق عل ّ‬
‫رسللولك صللفتهم لللو يحللاولون الجبللال لهللدوها‪،‬‬
‫ولو جئت لنصرك أزالوني ما داموا على ما وصف‬
‫ض منهللم بالمسللالمة ‪،‬‬ ‫لي رسولك فسالمهم وأر َ‬
‫‪ ()1592‬تاريخ الطبري )‪(5/159‬‬
‫‪ ()1593‬الطبراني الكبير قال اللباني موضوع سلسلة الحاديث‬
‫الضعيفة ‪1747‬‬
‫فأقلللام كسلللرى وآل كسلللرى فلللي بعلللض البلد‬
‫مقهورين ولللم يللزال ذلللك دأبلله حللتى قتللل فللي‬
‫إمللارة عثمللان)‪ ،(1594‬ولمللا بعللث الحنللف بكتللاب‬
‫الفتح وما أفاء الله عليهم من أموال الترك ومللن‬
‫كان معهم‪ ،‬وأنهللم قتلللوا منهللم مللع ذلللك مقتلللة‬
‫عظيمة‪ ،‬ثم ردهم الله بغيظهم لم ينللالوا خيللرا ً ‪،‬‬
‫ئ الكتللاب بيللن يللديه‪،‬‬ ‫ر َ‬
‫ق ِ‬‫فقام عمر على المنبر و ُ‬
‫ثم قال عمر‪ :‬إن الله بعث محمدا ً بالهللدى ووعللد‬
‫على ابتاعه من عاجل الثللواب وآجللله خيللر الللدنيا‬
‫َ‬
‫دى‬ ‫ه ِبال ْ ُ‬
‫هل َ‬ ‫سللول َ ُ‬ ‫سل َ‬
‫ل َر ُ‬ ‫ذي أْر َ‬ ‫و ال ّ ل ِ‬ ‫والخرة فقللال‪ُ  :‬‬
‫هل َ‬
‫ه‬
‫ر َ‬ ‫ول َللل ْ‬
‫و ك َللل ِ‬ ‫ن ك ُل ّللل ِ‬
‫ه َ‬ ‫عل َلللى الللل ّ‬
‫دي ِ‬ ‫هلللَرهُ َ‬ ‫ْ‬
‫ق ل ِي ُظ ِ‬
‫حللل ّ‬‫ن ال ْ َ‬‫وِديللل ِ‬‫َ‬
‫ن)‪)  (33‬التوبة‪،‬آية‪.(33:‬‬ ‫كو َ‬ ‫ر ُ‬
‫ش ِ‬‫م ْ‬‫ال ْ ُ‬
‫فالحمد لله الللذي أنجللز وعللده‪ ،‬ونصللر جنللده ‪ .‬أل‬
‫مْلك المجوسية وفرق شملهم‪،‬‬ ‫وإن الله قد أهلك ُ‬
‫فليس يملكون من بلدهم شبرا ً يضير بمسلم‪ ،‬أل‬
‫وإن الله قد أورثكم أرضللهم وديللارهم وأمللوالهم‬
‫وأبناءهم لينظر كيف تعملون‪ ،‬فقوموا في أمللره‬
‫ف لكم بعهللده ويللؤتكم وعللده‪ ،‬ول‬ ‫على وجل ‪ُ ،‬يو ِ‬
‫تغيللروا فيسللتبدل قوملا ً غيركللم‪ ،‬فللإني ل أخللاف‬
‫على هذه المة أن تؤتى إل من قبلكم)‪.(1595‬‬
‫ثامنًا‪ :‬فتح اصطخر سنة ‪23‬هب ‪:‬‬
‫افتتح المسلمون اصطخر ل للمللرة الثانيللة ل ل فللي‬
‫سنة ثلث وعشرين وكان أهلها قد نقضوا العهد‬
‫بعدما كان جند العلء بن الحضري افتتحوها حين‬
‫جاز في البحر ل في أرض البحرين ل والتقوا هللم‬
‫والفرس في مكان يقال له طللاوس‪ ،‬ثللم صللالحه‬
‫‪ ()1594‬تاريخ الطبري )‪(5/160‬‬
‫‪ ()1595‬تاريخ الطبري )‪(163 ،5/162‬‬
‫هْربذة على الجزية ‪ ،‬وأن يضرب لهم الذمة ‪ ،‬ثم‬ ‫ال ِ‬
‫شللط‬‫إن شللهرك خلللع العهللد‪ ،‬ونقللض الذمللة‪ ،‬ون ّ‬
‫الفرس ‪ ،‬فنقضوا العهد‪ ،‬فبعث إليهم عثمان بللن‬
‫أبي العللاص ‪ ،‬ابنلله وأخللاه الحكللم ‪ ،‬فللاقتتلوا مللع‬
‫الفلرس فهلزم الللله جيلوش المشلركين ‪ ،‬وقتلل‬
‫هرك)‪.(1596‬‬‫م بن أبي العاص ش َ‬ ‫الحك ُ‬
‫تاسعًا‪ :‬فتح فساودار بجرد سنة ‪23‬هب‪:‬‬
‫قصد سارية بن ُزَنيم فساودارا بجرد‪ ،‬فاجتمع للله‬
‫جمللوع مللن الفللرس والكللراد عظيمللة ودهللم‬
‫المسلمين منهم أمر عظيم ‪ ،‬رأى عمر فللي تلللك‬
‫الليلة فيما يللرى النللائم معركتهللم وعللددهم فللي‬
‫وقت من النهار‪ ،‬وأنهم في صحراء ‪ ،‬وهناك جبل‬
‫إن أسللندوا إليلله لللم يؤتللوا إل مللن وجلله واحللد‪،‬‬
‫فنللادى فللي الغللد الصلللة جامعللة حللتى إذا كللانت‬
‫الساعة التي رأي أنهم اجتمعوا فيها ل خللرج إلللى‬
‫الناس وصعد المنبر ل ل فخطللب النللاس وأخللبرهم‬
‫بصفة ما رأى ل ثم قللال‪ :‬يللا سللارية الجبللل ل ل ثللم‬
‫أقبل عليهم وقال‪ :‬إن لله جنودا ً ولعل بعضها أن‬
‫يبلغهم‪ .‬قال‪ :‬ففعلوا مللا قللال عمللر ل ل فنصللرهم‬
‫الله على عدوهم ل وفتحوا البلد)‪. (1597‬‬
‫عاشرًا‪ :‬فتح ك َْرمان وسجستان سنة ‪23‬هب ‪:‬‬
‫قام سهيل بن عللدي فلي سللنة ‪ 23‬بفتللح كرمللان‬
‫ديل بن‬‫)‪ ،(1598‬وقيل فتحت على يدي عبدالله بن ب ُ َ‬
‫‪ ()1596‬تاريخ الطبري )‪(5/166‬‬
‫‪ ()1597‬تاريخ الطبري )‪ (169 ،5/168‬وأخرجها الللكائي في شرح‬
‫أصول اعتقاد أهل السنة رقم ‪ 2537‬وحسن الشيخ اللباني‬
‫اسنادها في حاشيته على مشكاة المصابيح)‪ (3/1678‬رقم‬
‫‪ ،5954‬انظر ‪ :‬تهذيب البداية والنهاية ص ‪.170‬‬
‫‪ ()1598‬تهذيب البداية والنهاية ص ‪171‬‬
‫ورقاء الخزاعي)‪ ،(1599‬وذكر بعض المللؤرخين فتللح‬
‫سجستان على يدي عاصم بلن عملرو‪ ،‬بعلد قتلال‬
‫شديد ‪ ،‬وكانت ثغورها متسعة ‪ ،‬وبلدها متنائية ما‬
‫قنللدهار‬‫بين السد إلى نهر بلخ‪ ،‬وكانوا يقاتلون ال ُ‬
‫)‪(1600‬‬
‫والترك من ثغورها وفروجها‬
‫مكَران سنة ‪23‬هب‪:‬‬
‫الحادي عشر‪ :‬فتح ُ‬
‫في السنة ‪23‬هل فتحت مكران علللى يللدي الحكللم‬
‫بن عمرو‪ ،‬وأمده شهاب بن المخللارق‪ ،‬ولحللق بلله‬
‫سهيل بن عدي ‪ ،‬وعبدالله بن عبدالله بللن عتبللان‬
‫واقتتلوا مع ملك السند فهزم الله جمللوع السللند‬
‫وغنللم المسلللمون منهللم غنيمللة كللثيرة ‪ ،‬وكتللب‬
‫الحكم بللن عمللرو بالفتللح وبعللث بالخمللاس مللع‬
‫صحار العبدي فلما قدم على عمر سأله عن أرض‬ ‫ُ‬
‫مكران فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين أرض سهلها جبل‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫)‪(1602‬‬ ‫)‪(1601‬‬
‫‪ ،‬وعللدوها‬ ‫‪ ،‬وتمرها دقللل‬ ‫‪ ،‬وماؤها وشل‬
‫بطل ‪ ،‬وخيرها قليل ‪ ،‬وشرها طويل والكثير بهللا‬
‫قليل والقليل بها ضائع ‪ ،‬وما وراءهللا شللر منهللا‬
‫فقال عمر‪ :‬أسجاع أنت أم مخبر؟ فقال‪ :‬ل ‪ ،‬بللل‬
‫خللبر‪ ،‬فكتللب عمللر إلللى الحكللم بللن عمللرو‪ ،‬أن ل‬
‫يجلللوزون مكلللران‪ ،‬وليقتصلللروا عللللى ملللا دون‬
‫النهر)‪.(1603‬‬
‫الثاني عشر‪ :‬غزوة الكراد ‪:‬‬

‫تهذيب البداية والنهاية ص ‪171‬‬ ‫‪()1599‬‬


‫ترتيب وتهذيب البداية والنهاية ص ‪171‬‬ ‫‪()1600‬‬
‫الوشل‪ :‬القليل‬ ‫‪()1601‬‬
‫الدقل‪ :‬ردئ التمر‬ ‫‪()1602‬‬
‫تاريخ الطبري )‪(173،174 ،5/172‬‬ ‫‪()1603‬‬
‫ذكر ابن جرير بسنده عن سيف عللن شلليوخه‪ :‬أن‬
‫جماعللة مللن الكللراد والتللف إليهللم طائفللة مللن‬
‫الفرس‪ ،‬اجتمعوا فلقيهم أبو موسى بمكللان مللن‬
‫أرض بيُروذ قريب مللن نهللر ِتي لَرى)‪ ،(1604‬ثللم سللار‬
‫عنهم أبللو موسللى إلللى أصللبهان وقللد ا سللتخلف‬
‫علللى حربهللم الربيللع بللن زيللاد بعللد مقتللل أخيلله‬
‫المهاجر بن زياد ل فتسلم الحللرب وخنللق عليهللم‪،‬‬
‫فهزم الله العدو وله الحمد والمنة كما هي عادته‬
‫المسلللتمرة وسلللنته المسلللتقرة‪ ،‬فلللي عبلللاده‬
‫المللؤمنين ‪ ،‬وحزبلله المفلحيللن مللن أتبللاع سلليد‬
‫المرسلللين ثللم خمسللت الغنيمللة وبعللث بالفتللح‬
‫والخمس إلى عمر رضي الله عنه)‪.(1605‬‬
‫وهكذا تم فتح العراق وبلد إيران في عهللد عمللر‬
‫رضي الله عنله وأقلام المسللمون المسلالح فلي‬
‫شتى أرجائها متوقعين انتقاض الفرس في هللذه‬
‫الديار ل لقد كانت فتوح المشرق عنيفللة اقتضللت‬
‫من المسلللمين تضللحيات جسلليمة بسللبب اختلف‬
‫الدم‪ ،‬فسكان إيران فرس ل تربطهم بالعرب لغة‬
‫ول جنس ول ثقافة وكان الشللعور القللومي عنللد‬
‫اليرانيييللن يزكيلله التاريللخ الطويللل والثقافللة‬
‫المتأصلة‪ ،‬كما أن القتال كللان يللدور فللي صللميم‬
‫الوطن اليراني ويشترك رجال الدين المجوسللي‬
‫في تلأليب السلكان علللى المقاومللة يضللاف إللى‬
‫ذلك بعد هلذه المنللاطق عللن مراكلز الجيلش فلي‬
‫البصرة والكوفة ‪ ،‬وطبيعللة الرض الجبليللة الللتي‬
‫تمكللن السللكان مللن المقاومللة للل ولللذلك فقللد‬
‫انتقضت معظم هذه المراكز‪ ،‬وأعيللد فتحهللا فللي‬
‫‪ ()1604‬بيروز ونهر تيرى بلدان من نواحي الهواز‬
‫‪ ()1605‬تهذيب وترتيب البداية والنهاية ص ‪172‬‬
‫عهد الفللاروق أو فللي خلفللة عثمللان رضللي الللله‬
‫عنهما)‪.(1606‬‬

‫‪ ()1606‬عصر الخلفة الراشدة ص ‪340 ،339‬‬


‫المبحببث الخببامس‪ :‬أهببم الببدروس والعبببر والفببوائد مببن‬
‫فتوحات العراق والمشرق‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ل‪ :‬أثر اليات والحاديث في نفوس المجاهدين‪:‬‬
‫كان لليللات والحللاديث الللتي تتحللدث عللن فضللل‬
‫الجهاد أثرها في نفللوس المجاهلدين ‪ ،‬فقللد بيللن‬
‫المللولى عللز وجللل أن حركللات المجاهللدين كلهللا‬
‫ن‬
‫مل ْ‬‫و َ‬
‫ة َ‬
‫دين َ ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫م ِ‬ ‫ه ِ‬
‫ن لِ ْ‬
‫كا َ‬ ‫يثاب عليها قال تعالى‪َ  :‬‬
‫ما َ‬
‫َ‬
‫ول َ‬ ‫ه َ‬ ‫ل الل ّل ِ‬ ‫سللو ِ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫عل ْ‬ ‫فللوا َ‬ ‫خل ّ ُ‬
‫ن ي َت َ َ‬ ‫بأ ْ‬ ‫علَرا ِ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫مل َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ول َ ُ‬ ‫حل ْ‬ ‫َ‬
‫ك بلأ َن ّهم ل َ يصلليبهم ظَملأ ٌ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ُ ِ ُ ُ ْ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ه ذَل ِ َ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫ع ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫غُبوا ب ِأن ُ‬ ‫ي َْر َ‬
‫وطًِئا‬ ‫مل ْ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬
‫ول َ ي َطُئو َ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ل الل ل ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫في َ‬ ‫ة ِ‬ ‫ص ٌ‬ ‫م َ‬ ‫خ َ‬ ‫م ْ‬‫ول َ َ‬ ‫ب َ‬ ‫ص ٌ‬ ‫ول َ ن َ َ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫ل‬
‫ُ ْ ِ ِ‬‫ب‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ت‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ً‬ ‫ل‬ ‫ي‬‫َ‬
‫َ ِ ْ َ ُ ّ ْ ِ‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫د‬ ‫ل‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫لا‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬
‫َ َ‬ ‫ر‬ ‫فا‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ظ‬‫ُ‬ ‫غي‬‫ِ‬ ‫يَ‬
‫ول َ‬ ‫ن) ‪َ (120‬‬ ‫س لِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ج لَر ال ْ ُ‬ ‫عأ ْ‬ ‫ضللي ُ‬ ‫ه ل َ يُ ِ‬ ‫ن الل ّ ل َ‬ ‫ح إِ ّ‬ ‫صال ِ ٌ‬ ‫ل َ‬ ‫م ٌ‬ ‫ع َ‬ ‫َ‬
‫واِدًيلا إ ِل َ‬ ‫ن َ‬ ‫علو َ‬ ‫قطَ ُ‬ ‫ول َ ي َ ْ‬ ‫ول َ ك َِبيلَرةً َ‬ ‫غيَرةً َ‬ ‫صل ِ‬ ‫ة َ‬ ‫ق ً‬‫ف َ‬ ‫ن نَ َ‬ ‫قو َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ُين ِ‬
‫َ‬
‫كللللاُنوا‬ ‫مللللا َ‬ ‫ن َ‬ ‫سلللل َ‬ ‫ح َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫م الّللللل ُ‬ ‫هلللل ْ‬ ‫زي َ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫م ل ِي َ ْ‬ ‫هلللل ْ‬ ‫ب لَ ُ‬ ‫ك ُِتلللل َ‬
‫ن)‪)  (121‬التوبللة‪،‬آيللة‪ ، (121-120:‬وقد أيقللن‬ ‫مل ُللو َ‬ ‫ع َ‬ ‫يَ ْ‬
‫المسلمون الوائل أن الجهاد تجللارة رابحللة قللال‬
‫هل ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬ ‫عل َللى ت ِ َ‬
‫جللاَر ٍ‬ ‫ل أدُل ّك ُل ْ‬
‫م َ‬ ‫من ُللوا َ‬
‫نآ َ‬ ‫ها ال ّل ِ‬
‫ذي َ‬ ‫تعالى‪َ  :‬ياأي ّ َ‬
‫ه‬
‫سللول ِ ِ‬ ‫وَر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن ِبللالل ّ ِ‬ ‫مُنللو َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م)‪ (10‬ت ُ ْ‬ ‫ٍ‬ ‫ب أ َِليلل‬ ‫ذا ٍ‬ ‫علل َ‬ ‫ن َ‬ ‫ملل ْ‬ ‫م ِ‬ ‫كلل ْ‬ ‫جي ُ‬ ‫ُتن ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫خي ْ لٌر‬ ‫م َ‬ ‫م ذَل ِك ُ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬‫وأن ُ‬ ‫م َ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬‫ه ب ِأ ْ‬ ‫ل الل ّ ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫في َ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ه ُ‬ ‫جا ِ‬ ‫وت ُ َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫خلك ْ‬‫ْ‬ ‫وي ُلدْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫م ذن ُللوب َك ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ف لْر لك ل ْ‬ ‫غ ِ‬‫ن)‪ (11‬ي َ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫َ‬
‫عل ُ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ن كنت ُ ْ‬‫ُ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ل َك ْ‬
‫ُ‬
‫ت‬ ‫جّنللا ِ‬ ‫في َ‬ ‫ة ِ‬ ‫ن طَي ّب َ ً‬ ‫ساك ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫و َ‬ ‫هاُر َ‬ ‫ها الن ْ َ‬ ‫حت ِ َ‬‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫مل َ‬ ‫ص لٌر ِ‬ ‫هللا ن َ ْ‬ ‫حّبون َ َ‬ ‫خَرى ت ُ ِ‬ ‫وأ ْ‬ ‫م)‪َ (12‬‬ ‫ظي ُ‬ ‫ع ِ‬ ‫وُز ال َ‬ ‫ن ذَل ِك الف ْ‬ ‫عد ْ ٍ‬ ‫َ‬
‫ب ‪) ‬الصف‪،‬آية‪.(13-10:‬‬ ‫ري ٌ‬ ‫ق ِ‬ ‫ح َ‬ ‫فت ْ ٌ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ّ ِ‬
‫وقد تعلموا أن الجهاد أفضل من عمارة المسللجد‬
‫الحللرام وسللقاية الحجللاج فيلله قللال تعللالى‪ :‬‬
‫َ‬
‫ن‬‫مل َ‬ ‫نآ َ‬ ‫مل ْ‬ ‫حَرام ِ ك َ َ‬ ‫د ال ْ َ‬ ‫ج ِ‬
‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ماَرةَ ال ْ َ‬ ‫ع َ‬
‫و ِ‬ ‫ج َ‬ ‫حا ّ‬ ‫ة ال ْ َ‬ ‫قاي َ َ‬‫س َ‬ ‫م ِ‬ ‫عل ْت ُ ْ‬‫ج َ‬‫أ َ‬
‫د‬
‫عن ْ َ‬‫ن ِ‬ ‫وو َ‬ ‫ست َ ُ‬ ‫ه ل َ يَ ْ‬ ‫ل الل ّ ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫في َ‬ ‫هد َ ِ‬ ‫جا َ‬ ‫و َ‬‫ر َ‬‫خ ِ‬ ‫وم ِ ال ِ‬ ‫وال ْي َ ْ‬‫ه َ‬ ‫ِبالل ّ ِ‬
‫من ُللوا‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن)‪ (19‬اّلل ِ‬ ‫مي َ‬ ‫ظلال ِ ِ‬‫م ال ّ‬ ‫و َ‬
‫قل ْ‬ ‫دي ال ْ َ‬ ‫هل ِ‬ ‫ه ل َ يَ ْ‬ ‫والل ّل ُ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ّ ِ‬
‫م‬ ‫ه ْ‬‫سل ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫وَأن ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬
‫وال ِ ِ‬‫م َ‬
‫َ‬
‫ه ب ِلأ ْ‬ ‫ل الل ّل ِ‬ ‫س لِبي ِ‬ ‫في َ‬ ‫دوا ِ‬ ‫ه ُ‬‫جا َ‬ ‫و َ‬‫جُروا َ‬ ‫ها َ‬ ‫و َ‬‫َ‬
‫م‬
‫ظلللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللل ُ‬ ‫ع َ‬ ‫أَ ْ‬
‫م‬ ‫ن)‪ (20‬ي ُب َ ّ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ول َئ ِ َ‬ ‫عن ْد الل ّه ُ‬
‫هل ْ‬ ‫م َرب ّ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫شُر ُ‬ ‫فائ ُِزو َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ك ُ‬ ‫وأ ْ‬ ‫ِ َ‬ ‫ة ِ َ‬ ‫ج ً‬ ‫دََر َ‬
‫ن‬‫وا ٍ‬ ‫ضللللللللللللللللل َ‬ ‫ر ْ‬ ‫و ِ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْللللللللللللللللل ُ‬ ‫ة ِ‬ ‫مللللللللللللللللل ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫ب َِر ْ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫دا إ ِ ّ‬ ‫هللا أب َ ل ً‬ ‫في َ‬ ‫ن ِ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ل ِ‬ ‫م)‪َ (21‬‬ ‫قي ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫م ُ‬ ‫عي ٌ‬ ‫ها ن َ ِ‬ ‫في َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫تل ُ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫عْنللللللللللللللللللللللللللللللللدَهُ‬ ‫ه ِ‬ ‫الللللللللللللللللللللللللللللللللل َ‬ ‫ّ‬
‫م)‪)  (22‬التوبة‪،‬آية‪ ،(21-19:‬واعتقدوا أن‬ ‫َ‬
‫ظي ٌ‬ ‫ع ِ‬ ‫جٌر َ‬ ‫أ ْ‬
‫ل‬ ‫هل ْ‬ ‫ل َ‬ ‫قل ْ‬ ‫الجهاد فوز على كل حال قال تعللالى‪ُ  :‬‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫مأ ْ‬ ‫ُ‬
‫ص ب ِك ل ْ‬ ‫ن ن َت ََرب ّل ُ‬ ‫حل ُ‬ ‫ون َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ِ‬ ‫سن َي َي ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫دى ال ْ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ب َِنا إ ِل َ إ ِ ْ‬ ‫صو َ‬ ‫ت ََترب ّ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صللوا إ ِن ّللا‬ ‫فت ََرب ّ ُ‬ ‫ديَنا َ‬ ‫و ب ِأي ْل ِ‬ ‫هأ ْ‬ ‫د ِ‬‫عن ْل ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫مل ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫عل َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫م الل ل ُ‬ ‫صيب َك ُ ْ‬ ‫يُ ِ‬
‫ن)‪)  (52‬التوبة‪،‬آية‪ ،(52:‬وأن الشهيد ل‬ ‫صو َ‬ ‫مت ََرب ّ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫عك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫سب َ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ول َ ت َ ْ‬ ‫تنقطع حياته بل هو حي قال تعالى‪َ  :‬‬
‫في سبيل الل ّه أ َمواًتلا بل ْ َ‬ ‫قت ُِلوا ِ‬
‫م‬ ‫هل ْ‬ ‫عْنلدَ َرب ّ ِ‬ ‫حَيلاءٌ ِ‬ ‫لأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ ْ َ‬ ‫َ ِ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ه‬‫ضللل ِ ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ملل ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫م الّللل ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫مللا آَتللا ُ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫حيلل َ‬ ‫ر ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن)‪َ (169‬‬ ‫قللو َ‬ ‫ي ُْرَز ُ‬
‫َ‬ ‫خل ْ ِ‬
‫ف‬ ‫و ٌ‬ ‫خ ْ‬ ‫م أل َ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫قوا ب ِ ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫م ي َل ْ َ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ِبال ّ ِ‬ ‫شُرو َ‬ ‫ست َب ْ ِ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ن الل ِ‬ ‫ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫م ٍ‬ ‫ع َ‬ ‫ن ب ِن ِ ْ‬ ‫شُرو َ‬ ‫ست َب ْ ِ‬ ‫ن)‪ (170‬ي َ ْ‬ ‫حَزُنو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ول ُ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫‪) ‬آل‬ ‫ن)‪(171‬‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫مل ْ‬ ‫جَر ال ْ ُ‬ ‫عأ ْ‬ ‫ضي ُ‬ ‫ه ل َ يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫وأ ّ‬ ‫ل َ‬ ‫ض ٍ‬ ‫ف ْ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫عمللران‪ (171-169:‬وكللانوا يشللعرون بسللمو هللدفهم‬
‫فل ْي ُ َ‬
‫قات ِ ل ْ‬
‫ل‬ ‫الذي يقاتلون من أجللله قللال تعللالى‪َ  :‬‬
‫ن‬‫ملل ْ‬ ‫و َ‬ ‫ة َ‬ ‫خَر ِ‬ ‫حَياةَ الدّن َْيا ِبال ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫شُرو َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ل الل ّ ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫في َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جًرا‬ ‫هأ ْ‬ ‫ؤِتي ِ‬ ‫ف نُ ْ‬ ‫و َ‬ ‫س ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ب َ‬ ‫غل ِ ْ‬ ‫و يَ ْ‬ ‫لأ ْ‬ ‫قت َ ْ‬‫في ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫في َ‬ ‫ل ِ‬ ‫قات ِ ْ‬ ‫يُ َ‬
‫ل الّللل ِ‬
‫ه‬ ‫سللِبي ِ‬ ‫فللي َ‬ ‫ن ِ‬ ‫قللات ُِلو َ‬ ‫م ل َ تُ َ‬ ‫كلل ْ‬ ‫مللا ل َ ُ‬ ‫و َ‬ ‫مللا)‪َ (74‬‬ ‫ظي ً‬ ‫ع ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ل ِ‬ ‫ّ‬ ‫دا ِ‬ ‫ول ل َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫وال ِ‬ ‫ء َ‬ ‫سللا ِ‬ ‫والن ّ َ‬ ‫ل َ‬ ‫جللا ِ‬ ‫ن الّر َ‬ ‫مل َ‬ ‫ن ِ‬ ‫في َ‬ ‫ع ِ‬‫ضل َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫وال ُ‬ ‫َ‬
‫هللا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫هل َ‬ ‫ة الظللال ِم ِ أ ْ‬ ‫ه القْري َل ِ‬ ‫ذ ِ‬ ‫هل ِ‬ ‫ن َ‬ ‫مل ْ‬ ‫جن َللا ِ‬ ‫ر ْ‬ ‫خ ِ‬ ‫ن َرب ّن َللا أ ْ‬ ‫ي َقولللو َ‬
‫صيًرا)‪(75‬‬ ‫َ‬
‫ن لدُن ْك ن َ ِ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫عل لَنا ِ‬ ‫َ‬ ‫ج َ‬ ‫وا ْ‬ ‫ول ِّيا َ‬ ‫َ‬
‫ن لدُن ْك َ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫عل لَنا ِ‬ ‫ج َ‬ ‫وا ْ‬ ‫َ‬
‫ن كف لُروا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ل ِ‬ ‫ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ل الل ل ِ‬ ‫س لِبي ِ‬ ‫فللي َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ُ‬
‫من ُللوا ي ُقللات ِلو َ‬ ‫َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ل ِ‬ ‫ّ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ول ِي َللاءَ ال ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ف َ‬ ‫ت َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫يُ َ‬
‫ش لي ْطا ِ‬ ‫قللات ِلوا أ ْ‬ ‫ل الطاغو ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫في َ‬ ‫ن ِ‬ ‫قات ِلو َ‬
‫فا)‪)  (76‬النسللاء‪ ،‬آيللة‪-74 :‬‬ ‫عي ً‬ ‫ض ِ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫طا ِ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ن ك َي ْدَ ال ّ‬ ‫إِ ّ‬
‫‪.(76‬‬
‫وقللد بيللن الرسللول ‪ ‬للمسلللمين فضللل الجهللاد‬
‫جلللرت‬‫فلللألهبت تللللك الحلللاديث مشلللاعرهم وف ّ‬
‫طاقاتهم ومللن هللذه الحللاديث مللا ورد عللن أبللي‬
‫سعيد الخدري رضي الله عنه قال‪ :‬قيل يا رسول‬
‫الله أي النللاس أفضللل؟ فقللال رسللول الللله ‪: ‬‬
‫)مللؤمن يجاهللد بنفسلله ومللاله()‪ ، (1607‬وقللد بيللن‬
‫رسللول الللله ‪ ‬درجللات المجاهللدين قللال ‪ :‬إن‬
‫في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهللدين فللي‬
‫سبيل الللله مللا بيللن الللدرجتين كمللا بيللن السللماء‬
‫والرض فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه‬
‫أوسللط الجنللة وأعلللى الجنللة)‪ ،(1608‬وقللد وضللح ‪‬‬
‫فضل الشهداء وكرامتهم فقال‪) :‬انتدب الله لمن‬
‫خرج في سبيله ل ُيخرجه إل إيمان بللي وتصللديق‬
‫برسلي أن أرجعه بما نللال مللن أجللر أو غنيمللة أو‬
‫أدخله الجنة ولول أن أشق على أمللتي مللا قعللدت‬
‫ت أني أقتل في سبيل الله ثللم‬ ‫ف سّرية ولودد ُ‬ ‫خل ْ‬
‫وقال ‪) :‬ما‬ ‫)‪(1609‬‬
‫أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل(‬
‫أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وللله مللا‬
‫على الرض من شئ إل الشهيد يتمنللى أن يرجللع‬
‫إلللى الللدنيا فيقتللل عشللر مللرات لمللا يللرى مللن‬
‫الكرامة()‪ ،(1610‬وغير ذلك من الحللاديث وقللد تللأثر‬
‫المسلمون الوائل ومن سار علللى نهجهللم بهللذه‬
‫اليات والحاديث ل فكان كبار الصحابة رضي الله‬
‫عنهم يغزون وقد شاخوا فيشفق عليهللم النللاس‬
‫وينصحونهم بالقعود عن الغللزو لنهللم معللذورون‬
‫فيجيبونهم أن سورة التوبة تأبى عليهللم القعللود‬

‫البخاري رقم ‪2786‬‬ ‫‪()1607‬‬


‫البخاري رقم ‪2790‬‬ ‫‪()1608‬‬
‫مسلم )‪(3/1497‬‬ ‫‪()1609‬‬
‫البخاري رقم ‪2817‬‬ ‫‪()1610‬‬
‫ويخللافون علللى أنفسللهم مللن النفللاق إذا مللا‬
‫تخلفوا عن الغزو)‪.(1611‬‬
‫‪ -1‬من ثمرات الجهاد في سبيل الله‪:‬‬
‫كان الصللحابة والتللابعون بإحسللان فللي العهللد‬
‫الراشللدي يللرون أن الجهللاد فللي سللبيل الللله‬
‫ضللرورة مللن ضللرورات بقللاء المللة السلللمية‬
‫فقاموا بهللذه الفريضللة فللي فتوحللات العللراق‬
‫وبلد المشلللرق والشلللام ومصلللر والشلللمال‬
‫الفريقي وترتب على قيامهم لهذه الفريضللة‬
‫ثمللرات كللثيرة منهللا‪ :‬تأهيللل المللة السلللمية‬
‫لقيادة البشرية ‪،‬القضللاء علللى شللوكة الكفللار‬
‫وإذللهم وإنزال الرعب في قلوبهم ‪ ،‬ظهللور‬
‫صللدق الللدعوة للنللاس المللر الللذي جعلهللم‬
‫يلللدخلون فلللي ديلللن اللللله أفواجلللا فيلللزداد‬
‫ل‪ ،‬وتوحللدت‬ ‫المسلللمون بللذلك عللزا ً والكفللار ذ ً‬
‫صللفوف المسلللمين ضللد أعللدائهم واسللعدوا‬
‫الناس بنور السلم وعدله ورحمته)‪.(1612‬‬
‫ثالثًا‪ :‬من سنن الله في فتوحات العراق وبلد المشرق‪:‬‬
‫يلحللظ البللاحث فللي دراسللته لفتوحللات العللراق‬
‫وبلد المشرق بعض سللنن الللله فللي المجتمعللات‬
‫والشعوب والدول ومن هذه السنن ‪:‬‬
‫‪ -1‬سنة الخذ بالسباب‪:‬‬
‫َ‬
‫ة‬
‫و ٍ‬‫قل ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫مل ْ‬ ‫م ِ‬ ‫عت ُ ْ‬ ‫سلت َطَ ْ‬ ‫مللا ا ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫دوا ل َ ُ‬ ‫ع ّ‬ ‫وأ ِ‬ ‫قال تعالى‪َ  :‬‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫وك ْ‬ ‫ع لد ُ ّ‬‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫و الل ل ِ‬ ‫ع لد ُ ّ‬‫ه َ‬‫ن ب ِل ِ‬‫هب ُللو َ‬ ‫ل ت ُْر ِ‬ ‫خي ْل ِ‬ ‫ط ال ْ َ‬ ‫رب َللا ِ‬ ‫ن ِ‬‫مل ْ‬ ‫و ِ‬
‫َ‬
‫مللا‬ ‫و َ‬
‫َ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫ع‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫ل‬‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫لو‬
‫ل‬ ‫م‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫دو‬ ‫ُ‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ري‬‫ِ‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫وآ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫‪ ()1611‬الجهاد في سبيل الله للقادري )‪(1/145‬‬
‫‪ ()1612‬نفس المصدر )‪ 2/411‬إلى ‪(482‬‬
‫ف إل َيك ُم َ‬
‫م لَ‬
‫وأن ْت ُ ْ‬
‫و ّ ِ ْ ْ َ‬ ‫ل الل ّ ِ‬
‫ه يُ َ‬ ‫سِبي ِ‬
‫في َ‬
‫ء ِ‬
‫ي ٍ‬ ‫ن َ‬
‫ش ْ‬ ‫م ْ‬
‫قوا ِ‬‫ف ُ‬ ‫ُتن ِ‬
‫ن)‪)  (60‬النفال‪،‬آية‪.(60:‬‬ ‫ت ُظْل َ ُ‬
‫مو َ‬
‫وقد طبق الفاروق رضي الله عنه فللي عهللده‬
‫هذه الية وأخللذ بالسللباب الماديللة والمعنويللة‬
‫كما مّر معنا‪.‬‬
‫‪ -2‬سنة التدافع‪:‬‬
‫ض‬
‫عل ٍ‬‫م ب ِب َ ْ‬
‫ه ْ‬ ‫ض ُ‬
‫ع َ‬
‫س بَ ْ‬ ‫ع الل ّ ِ‬
‫ه الّنا َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ول َ دَ ْ‬‫ول َ ْ‬
‫قال تعالى‪َ  :‬‬
‫ن)‬
‫مي َ‬‫عللال َ ِ‬‫عل َللى ال ْ َ‬
‫ل َ‬‫ضل ٍ‬
‫ف ْ‬ ‫ذو َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫ول َك ِ ّ‬
‫ض َ‬
‫ت الْر ُ‬
‫سد َ ْ‬ ‫لَ َ‬
‫ف َ‬
‫‪)  (251‬البقرة‪،‬آية‪.(251:‬‬
‫وقد تحققت هذه السنة في حركللة الفتوحللات‬
‫عموما ً وسنة التدافع من أهم سنن الله تعالى‬
‫فللي كللونه وخلقلله وهللي مللن أهللم السللنن‬
‫المتعلقللة بللالتمكين للمللة السلللمية ‪ ،‬وقللد‬
‫اسلللتوعب المسللللمون الوائل هلللذه السلللنة‬
‫وعملوا بها وعلموا‪ :‬أن الحق يحتاج إلى عزائم‬
‫تنهض به وسواعد تمضي به وقلوب تحنو عليه‬
‫وأعصاب ترتبط به ل إنه يحتاج إلى جهد بشرى‬
‫لن هللذه سللنة الللله فللي الحيللاة الللدنيا وهللي‬
‫ماضية)‪.(1613‬‬
‫‪ -3‬سنة البتلء‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ول َ ّ‬
‫مللا‬ ‫ة َ‬‫جن ّ ل َ‬‫خُلوا ال ْ َ‬ ‫ن ت َ لد ْ ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫س لب ْت ُ ْ‬ ‫ح ِ‬‫م َ‬ ‫قال تعالى‪  :‬أ ْ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫سللاءُ‬‫م الب َأ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫س لت ْ ُ‬
‫م ّ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫قب ْل ِك ل ْ‬‫ن َ‬ ‫مل ْ‬ ‫وا ِ‬ ‫خل ل ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫مث َ ُ‬
‫م َ‬‫ي َأت ِك ُ ْ‬
‫من ُللوا‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ّ ل ِ‬‫ل َ‬ ‫سللو ُ‬ ‫ل الّر ُ‬ ‫قو َ‬ ‫حّتى ي َ ُ‬ ‫زُلوا َ‬ ‫وُزل ْ ِ‬‫ضّراءُ َ‬ ‫وال ّ‬ ‫َ‬
‫ب)‪ (214‬‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ري ل ٌ‬ ‫ق ِ‬ ‫صَر الل ل ِ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫ه أل إ ِ ّ‬ ‫صُر الل ِ‬ ‫مَتى ن َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ع ُ‬‫م َ‬ ‫َ‬
‫)البقرة‪،‬آية‪.(214:‬‬
‫وقللد وقللع البلء فللي فتوحللات العللراق فللي‬
‫معركة جسر أبللي عبيللد علللى الخصللوص حيللث‬
‫‪ ()1613‬لقاء المؤمنين ‪ ،‬عدنان النحوي )‪(2/117‬‬
‫قتل اللف من المسلمين وهزم جيشللهم ثللم‬
‫أعادوا صللفوفهم وحققللوا انتصللارات عظيمللة‬
‫فللي‬‫ن ِ‬
‫و ّ‬‫على الفرس وقد قللال تعللالى‪  :‬ل َت ُب َْللل ُ‬
‫م‪ ...‬‬ ‫سللللللللللللللللللللك ُ ْ‬ ‫وأ َن ْ ُ‬
‫ف ِ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ملللللللللللللللللللل َ‬
‫َ‬
‫أ ْ‬
‫)آل عمران‪،‬آية‪.(186:‬‬
‫ومللن الملحللظ مللن خلل اليللات الكريمللة أن‬
‫تقرير سنة البتلء على المللة السلللمية جللاء‬
‫فللي أقللوى صللورة مللن الجللزم والتأكيللد)‪،(1614‬‬
‫وهذه سنة الله تعالى في العقائد والدعوات ل‬
‫بللد مللن بلء ‪ ،‬ول بللد مللن أذى فللي المللوال‬
‫والنفللللس ول بللللد مللللن صللللبر ومقاومللللة‬
‫واعتزام)‪.(1615‬‬
‫‪ -4‬سنة الله في الظلم والظالمين‪:‬‬
‫ك‬ ‫عل َي ْل َ‬‫ه َ‬ ‫صل ُ‬ ‫ق ّ‬ ‫قلَرى ن َ ُ‬ ‫ء ال ْ ُ‬ ‫ن أ َن ْب َللا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫قال تعالى‪  :‬ذَل ِ َ‬
‫مللوا‬ ‫ن ظَل َ ُ‬ ‫ول َك ِل ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫مَنا ُ‬ ‫ما ظَل َ ْ‬ ‫و َ‬ ‫د)‪َ (100‬‬ ‫صي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫و َ‬‫م َ‬ ‫قائ ِ ٌ‬ ‫ها َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫ِ‬
‫ن‬ ‫ّ‬ ‫ما أ ْ‬‫َ‬ ‫م َ‬ ‫َأن ُ‬
‫مل ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫م الِتلي َيلدْ ُ‬ ‫هل ْ‬ ‫هت ُ ُ‬ ‫م آل ِ َ‬ ‫هل ْ‬ ‫عن ْ ُ‬ ‫ت َ‬ ‫غن َ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ه ْ‬‫س ُ‬ ‫ف َ‬
‫َ‬
‫م َ‬
‫غي َْر‬ ‫ه ْ‬‫دو ُ‬ ‫ما َزا ُ‬ ‫و َ‬ ‫ك َ‬ ‫مُر َرب ّ َ‬ ‫جاءَ أ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ء لَ ّ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ْ‬ ‫ش‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ن الل ّ ِ‬ ‫دو ِ‬ ‫ُ‬
‫ي‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫رى‬ ‫ل‬ ‫ُ‬
‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫إ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫ذ‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫و‬ ‫(‬ ‫‪101‬‬ ‫ب)‬
‫َ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ ّ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫تَ ْ ِ ٍ‬
‫بي‬ ‫ت‬
‫‪‬‬ ‫م َ‬ ‫َ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫َ‬
‫د)‪(102‬‬ ‫دي ٌ‬ ‫شللل ِ‬ ‫خلللذَهُ أِليللل ٌ‬ ‫ة إِ ّ‬ ‫مللل ٌ‬ ‫ظال ِ َ‬
‫)هود‪،‬آية‪.(102-100:‬‬
‫وسنة الله مطللردة فللي هلك المللم الظالمللة‬
‫وقللد مارسللت الدولللة الفارسللية الظلللم علللى‬
‫رعاياها وتمردت على منهج الله فمضت فيهللا‬

‫‪ ()1614‬التمكين للمة السلمية في ضوء القرآن الكريم ص ‪237‬‬


‫صلبي ص ‪456‬‬‫)( تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين لل ّ‬
‫‪1615‬‬
‫سللنة الللله وسلللط الللله عليهللا المسلللمين‬
‫فأزالوها من الوجود)‪.(1616‬‬
‫‪ -5‬سنة الله في المترفين‪:‬‬
‫قريلل ً َ‬ ‫هِللل َ‬ ‫َ‬ ‫قللال تعللالى‪  :‬وإ َ َ‬
‫مْرَنللا‬‫ةأ َ‬ ‫ك َ ْ َ‬ ‫ن نُ ْ‬‫ذا أَردَْنللا أ ْ‬ ‫َ ِ‬
‫ها‬‫مْرَنا َ‬ ‫َ‬
‫ول ف لدَ ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ها الق ل ْ‬ ‫َ‬
‫علي ْ َ‬ ‫ق َ‬
‫ح ّ‬ ‫َ‬
‫ها ف َ‬‫في َ‬ ‫س ُ‬
‫قوا ِ‬ ‫ف َ‬‫ف َ‬
‫ها َ‬
‫في َ‬
‫مت َْر ِ‬
‫ُ‬
‫ت َدِْميًرا)‪)  (16‬السراء‪،‬آية‪.(16:‬‬
‫وجللاء فللي تفسلليرها‪ :‬وإذا دنللا وقللت هلكهللا‬
‫أمرنللللا بالطاعللللة مترفيهللللا أي متنعميهللللا‬
‫وجّباريها وملوكها ففسقوا فيها فحللق عليهللا‬
‫القللول فأهلكناهللا وإنمللا خللص الللله تعللالى‬
‫المترفين بالذكر مع توجه المر بالطاعللة إلللى‬
‫الجميع لنهللم أئمللة الفسللق ورؤسللاء الضلللل‬
‫ومللا وقللع مللن سللواهم إنمللا وقللع باتبللاعهم‬
‫وإغوائهم ‪ ،‬فكان توجه المللر إليهللم آكللد)‪،(1617‬‬
‫وقللد مضللت هللذه السللنة فللي زعمللاء الفللرس‬
‫وأئمتهم‪.‬‬
‫‪ -6‬سنة الله في الطغيان والطغاة‪:‬‬
‫صللللاِد)‪ (14‬‬ ‫ك ل َِبال ْ ِ‬
‫مْر َ‬ ‫قلللال تعلللالى‪  :‬إ ِ ّ‬
‫ن َرّبلللل َ‬
‫)الفجر‪،‬آية‪ .(14:‬والية وعيد للعصاة مطلقا ً وقيل‬
‫وعيللد للكفللرة وقيللل وعيللد للعصللاة ووعيللد‬
‫لغيرهم)‪.(1618‬‬
‫وفي تفسير القرطبي‪ :‬أي يرصللد كللل إنسللان‬
‫حتى يجازيه به)‪.(1619‬‬
‫‪ ()1616‬السنن اللهية في المم والجماعات والفراد ص ‪ 119‬إلى‬
‫‪121‬‬
‫‪ ()1617‬تفسير اللوسي )‪(15/42‬‬
‫‪ ()1618‬السنن اللهية ص ‪193‬‬
‫‪ ()1619‬المصدر نفسه ص ‪ 193‬نقل ً عن القرطبي من تفسيره‬
‫وواضللح مللن أقللوال المفسللرين فللي اليللات‬
‫التي ذكرناهللا فللي الفقللرة السللابقة أن سللنة‬
‫الله في الطغاة إنزال العقاب بهم فللي الللدنيا‬
‫فهي سنة ماضية ل تتخلف جرت على الطغللاة‬
‫السللللابقين وسللللتجري علللللى الحاضللللرين‬
‫والقادمين فلن يفلللت أحللد منهللم مللن عقللاب‬
‫الله فللي الللدنيا كمللا ل يفلللت أحللد منهللم مللن‬
‫عقاب الخرة)‪.(1620‬‬
‫وسنة الله في الطغاة وما ينزله الله بهم مللن‬
‫عقاب في الدنيا إنما يعتبر بها من يخشى الله‬
‫ل جلله ويخاف عقللابه ويعلللم أن سللنة الللله‬ ‫ج ّ‬
‫قانون ثابت ليحابي أحدا ً قال تعالى في بيان‬
‫المعتبرين بسنته في الطغللاة بعللد أن ذكللر مللا‬
‫ل بفرعلللللون ملللللن سلللللوء العقلللللاب‬ ‫حللللل ّ‬
‫في ذَل ِ َ‬
‫ك‬ ‫والوَلى)‪ (25‬إ ِ ّ‬
‫ن ِ‬ ‫ة َ‬
‫خَر ِ‬ ‫كا َ‬
‫ل ال ِ‬ ‫خذَهُ الل ّ ُ‬
‫ه نَ َ‬ ‫فأ َ َ‬
‫‪َ ‬‬
‫‪) ‬النازعللات‪،‬آيللة‪،(25،26:‬‬ ‫شللى)‪(26‬‬ ‫خ َ‬‫ن يَ ْ‬‫مل ْ‬ ‫لَ ِ‬
‫عب َْرةً ل ِ َ‬
‫فهؤلء الطغاة من زعماء الفرس مضت فيهم‬
‫سنة الله‪.‬‬
‫‪ -7‬سنة التدرج‪:‬‬
‫خضللعت فتللوح العللراق وبلد المشللرق لسللنة‬
‫التللدرج ل ل فكللانت المرحلللة الولللى فللي عهللد‬
‫الصديق حيث تم فتح الحيرة بقيللادة خالللد بللن‬
‫الوليد ‪ ،‬وأما المرحلة الثانية فتبللدأ مللن تللولي‬
‫أبي عبيد الثقفي قيادة لجيوش العللراق حللتى‬
‫معركة البويب ل وأما المرحلة الثالثة فتبدأ منذ‬
‫تأمير سعد بن أبللي وقللاص علللى الجهللاد فللي‬
‫العللراق إلللى مللا قبللل وقعللة نهاونللد ‪ ،‬وتبللدأ‬
‫‪ ()1620‬السنن اللهية ص ‪194‬‬
‫المرحلللة الرابعللة مللن وقعللة نهاونللد وأمللا‬
‫المرحلة الخامسة فهي مرحلللة النسللياح فللي‬
‫بلد العاجم‪.‬‬
‫إن حركلللة الفتوحلللات يتعللللم منهلللا أبنلللاء‬
‫المسلللمين أهميللة مراعللاة سللنة التللدرج فللي‬
‫العمللل للتمكيللن لللدين الللله ‪ ،‬ومنطلللق هللذه‬
‫السنة أن الطريق طويل ولذلك ل بد من فهللم‬
‫واستيعاب هذه السنة بالنسللبة للعللاملين فللي‬
‫مجال الدعوة السلمية ‪ ،‬فالتمكين لدين الللله‬
‫فللي العللراق وبلد المشللرق لللم يتحقللق بيللن‬
‫عشية وضحاها ولكنه خضللع بللإرادة الللله لهللذه‬
‫السنة‪.‬‬
‫‪ -8‬سنة تغيير النفوس‪:‬‬
‫غّيللُروا‬
‫حّتى ي ُ َ‬
‫وم ٍ َ‬ ‫ما ب ِ َ‬
‫ق ْ‬ ‫غي ُّر َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ل َ يُ َ‬ ‫قال تعالى‪  :‬إ ِ ّ‬
‫م‪)  ...‬الرعد‪،‬آية‪(11:‬‬ ‫ه ْ‬
‫س ِ‬ ‫ما ب َِأن ُ‬
‫ف ِ‬ ‫َ‬
‫وقد قام الصحابة الكرام رضللوان الللله عليهللم‬
‫فللي فتوحللات العللراق وبلد المشللرق بالعمللل‬
‫بهذه السنة الربانية ملع الشلعوب اللتي أرادت‬
‫أن تللللللللدخل فللللللللي ديللللللللن الللللللللله‬
‫ل فشرعوا في تربية النللاس علللى كتللاب الللله‬
‫وسللنة رسللوله ‪ ‬للل فغرسللوا فللي نفوسللهم‬
‫العقائد الصحيحة والفكللار السللليمة والخلق‬
‫الرفيعة‪.‬‬
‫‪ -9‬سنة الله في الذنوب والسيئات‪:‬‬
‫ن‬
‫ملل ْ‬ ‫م ِ‬‫هلل ْ‬‫ِ‬ ‫ن َ‬
‫قب ْل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م أَ ْ‬
‫هل َك َْنا ِ‬ ‫وا ك َ ْ‬ ‫م ي ََر ْ‬
‫َ‬
‫قال تعالى‪  :‬أل َ ْ‬
‫س لل َْنا‬ ‫في الرض ما ل َلم ن ُمك ّلن ل َك ُلم َ‬ ‫مك ّّنا ُ‬ ‫َ‬
‫وأْر َ‬‫ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ ِ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن َ‬‫قْر ٍ‬
‫ن‬‫ملل ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫جلل ِ‬ ‫هللاَر ت َ ْ‬ ‫عل َْنللا الن ْ َ‬‫ج َ‬‫و َ‬‫م لدَْراًرا َ‬ ‫م ِ‬
‫هل ْ‬ ‫ماءَ َ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫سل َ‬‫ال ّ‬
‫هم بذُُنوبهم وَأن َ ْ‬ ‫فأ َ ْ‬
‫م َ‬
‫قْرًنللا‬ ‫ه ْ‬
‫د ِ‬
‫علل ِ‬
‫ن بَ ْ‬
‫م ْ‬
‫شأَنا ِ‬ ‫ِ ِ ْ َ‬ ‫هل َك َْنا ُ ْ ِ‬ ‫م َ‬‫ه ْ‬
‫حت ِ ِ‬
‫تَ ْ‬
‫ن)‪)  (6‬النعام‪،‬آية‪.(6 :‬‬ ‫ري َ‬ ‫خ ِ‬ ‫آ َ‬
‫وقللد أهلللك الللله تعللالى أمللة الفللرس بسللبب‬
‫ذنللوبهم الللتي اقترفوهللا والللتي مللن أعظمهللا‬
‫الكفر والشرك بالله وفللي هللذه اليللة حقيقللة‬
‫ثابتة وسنة مطردة‪ :‬أن الذنوب تهلك أصللحابها‬
‫وأن الللله تعللالى هللو الللذي يهلللك المللذنبين‬
‫بذنوبهم)‪ ،(1621‬وقد سلط الله أمة السلم على‬
‫الفرس عندما حققت شروط التمكين وعملت‬
‫بسننه وأخذت بأسبابه ‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬الحنف بن قيس يغير مجرى التاريخ‪:‬‬
‫كان عمر متمسكا ً برأيلله فللي القتصللار علللى مللا‬
‫فتح من فللارس ومنللع جيوشلله مللن التوغللل فللي‬
‫المشرق ول سيما بعد أن انكسر الهرمزان وفتللح‬
‫المسلمون الهواز‪.‬‬
‫فقللال عمللر‪ :‬حسللبنا لهللل البصللرة سللوادهم‬
‫والهواز‪ ،‬وددت أن بيننا وبين فارس جبل ً من نار‬
‫ل يصلللون إلينللا ول نصللل إليهللم ‪،‬وقللال لهللل‬
‫الكوفة‪ :‬وددت أن بينهم وبين الجبل جبل ً من نللار‬
‫ل يصلون إلينا ول نصل إليهم ‪.‬‬
‫وفللاوض عمللر الوفللد فللي هللذا المللر فقللال للله‬
‫الحنف‪ :‬يا أمير المؤمنين أخبرك إنك نهيتنا عللن‬
‫النسياح فللي البلد وأمرتنللا بالقتصللار علللى مللا‬
‫ي بيللن أظهرهللم‬ ‫في أيللدينا وإن ملللك فللارس ح ل ّ‬
‫وإنهم ل يزالون يسللاحلوننا مللادام ملكهلم فيهللم‬
‫ولللم يجتمللع ملكللان فاتفقللا ‪ -‬أي التقيللا ‪ -‬حللتى‬
‫يخرج أحدهما صللاحبه لل وقللد رأيللت أنللا لللم نأخللذ‬

‫‪ ()1621‬السنن اللهية ص ‪210‬‬


‫شيئا ً إل بانبعاثهم وإن ملكهللم هللو الللذي يبعثهللم‬
‫ول يزال هذا دأبهلم حلتى تللأذن لنللا فلنسللح فلي‬
‫بلدهللم حللتى نزيللله عللن فللارس ونخرجلله مللن‬
‫مملكتلله وغرامتلله ‪ ،‬فهنالللك ينقطللع رجللاء أهللل‬
‫فارس وُيضربون جأشا ً)‪. (1622‬‬
‫فقال عمر للحنف‪ :‬صدقتني والله وشللرحت لللي‬
‫المر على حقه‪.‬‬
‫وأذن عمر بالنسياح في بلد فارس وانتهى فللي‬
‫ذلللك إلللى رأي الحنللف‪،‬وعللرف فضللله وصللدقه‬
‫فساحوا في تلك البلد ودفع لللواء خراسللان إلللى‬
‫الحنللف ‪ ،‬ووزع بقيللة اللويللة إلللى البطللال مللن‬
‫قللادة المجاهللدين ‪ ،‬ورسللم لهللم خطللة الحللرب‬
‫والتقلللدم ‪ ،‬ثلللم جعلللل يملللدهم بلللالجيوش ملللن‬
‫ورائهم)‪.(1623‬‬

‫الفصل السابع‬
‫فتوح الشام ومصر وليبيا‬

‫المبحث الول‪ :‬فتوحات الشام‪:‬‬


‫كان أول خطاب وصل إلى الشام من الخليفة‬
‫عمر بن الخطاب رضي الله عنه يحمل نبأ وفاة‬
‫أبي بكر الصديق رضي الله عنه وتولية أبي‬
‫عبيدة على الشام وقد جاء فيه‪ :‬أما بعد فإن أبا‬
‫‪ ()1622‬البداية والنهاية )‪(7/130‬‬
‫‪ ()1623‬مع الرعيل الول ‪ ،‬محب الدين الخطيب ص ‪146‬‬
‫بكر الصديق خليفة رسول الله ‪ ‬قد توفي فإنا‬
‫لله وإنا إليه راجعون‪ ،‬ورحمة الله وبركاته على‬
‫أبي بكر الصديق العامل بالحق‪ ،‬والخذ بالعرف‪،‬‬
‫اللين الستير الوادع‪ ،‬السهل القريب الحكيم‪،‬‬
‫ونحتسب مصيبتنا فيه ومصيبة المسلمين عامة‬
‫عند الله تعالى‪ ،‬وأرغب إلى الله في العصمة‬
‫بالتقى في مرحمته‪ ،‬والعمل بطاعته ما أحيانا‪،‬‬
‫والحلول في جنته إذا توفانا‪ ،‬فإنه على كل شيء‬
‫قدير‪ ،‬وقد بلغنا حصاركم لهل دمشق‪ ،‬وقد‬
‫وليتك جماعة المسلمين‪ ،‬فابثث سراياك في‬
‫نواحي أهل حمص ودمشق وما سواها من أرض‬
‫الشام‪ ،‬وانظر في ذلك برأيك ومن حضرك من‬
‫المسلمين ول يحملنك قولي هذا على أن تعري‬
‫عسكرك فيطمع فيك عدوك ولكن من استغنيت‬
‫عنه فسيره‪ ،‬ومن احتجت إليه في حصارك‬
‫فاحتبسه‪ ،‬وليكن فيمن تحتبس خالد بن الوليد‬
‫فإنه ل غنى بك عنه)‪ ،(1624‬وعند وصول الكتاب‬
‫دعا أبو عبيدة معاذ بن جبل‪ ،‬فأقرأه الكتاب‪،‬‬
‫وقال حامل الرسالة‪ :‬يا أبا عبيدة‪ ،‬إن عمر يقول‬
‫لك أخبرني عن حال الناس‪ ،‬وعن خالد بن الوليد‬
‫أي رجل هو؟ وأخبرني عن يزيد بن أبي سفيان‪،‬‬
‫وعن عمرو بن العاص‪ ،‬وكيف هما في حالهما‬
‫وهيئتهما ونصحهما للمسلمين وأجاب أبو عبيدة‬
‫رسول عمر وكتب‬
‫أبو عبيدة ومعاذ بن جبل كتابا ً واحدا ً إلى عمر‬
‫جاء فيه‪ … :‬من أبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن‬
‫جبل إلى عمر بن الخطاب‪ ،‬سلم عليكم‪ ،‬فإنا‬

‫‪ ()1624‬تاريخ دمشق )‪.(2/125‬‬


‫نحمد إليك الله الذي ل إله إل هو‪ ،‬أما بعد‪ ،‬فإنا‬
‫عهدناك وأمر نفسك لك مهم‪ ،‬وإنك يا عمر‪،‬‬
‫أصبحت وقد وليت أمر أمة محمد‪ ،‬أحمرها‬
‫وأسودها‪ ،‬يقعد بين يديك العدو والصديق‪،‬‬
‫والشريف والوضيع‪ ،‬والشديد والضعيف‪ ،‬ولكل‬
‫قه من العدل فانظر كيف تكون يا‬ ‫عليك حق وح ّ‬
‫كرك يوما ً ُتبلى فيه السرائر‪،‬‬ ‫عمر‪ ،‬وإنا نذ ّ‬
‫مخّبات‪،‬‬‫وتكشف فيه العورات‪ ،‬وتظهر فيه ال ُ‬
‫عُنو فيه الوجوه لملك قاهر‪ ،‬قهرهم بجبروته‪،‬‬ ‫وت َ ْ‬
‫والناس له داخرون‪ ،‬ينتظرون قضاءه‪ ،‬ويخافون‬
‫عقابه‪ ،‬ويرجون رحمته‪ ،‬وإنه بلغنا أنه يكون في‬
‫هذه المة رجال إخوان العلنية أعداء السريرة‪،‬‬
‫وإنا نعوذ بالله من ذلك‪ ،‬فل ينزل كتابنا من قلبك‬
‫بغير المنزلة التي أنزلناها من أنفسنا والسلم‬
‫عليك ورحمة الله)‪.(1625‬‬

‫• حوار بين خالد وأبي عبيدة رضي الله عنهما‪:‬‬


‫علم خالد بأمر عزله فأقبل حتى دخل على أبي‬
‫عبيدة فقال‪ :‬يغفر الله لك‪ ،‬أتاك كتاب أمير‬
‫المؤمنين بالولية فلم تعلمني وأنت تصلي‬
‫خلفي والسلطان سلطانك؟ فقال أبو عبيدة‪:‬‬
‫وأنت يغفر الله لك ما كنت لعلمك ذلك حتى‬
‫تعلمه من عند غيري‪ ،‬وما كنت لكسر عليك‬
‫حربك حتى ينقضي ذلك كله‪ ،‬ثم قد كنت‬
‫أعلمك إن شاء الله وما سلطان الدنيا أريد‪،‬‬
‫وما للدنيا أعمل‪ ،‬وإن ما ترى سيصير إلى‬
‫وام بأمر‬‫وق ّ‬
‫زوال وانقطاع وإنما نحن إخوان ُ‬
‫الله عز وجل‪ ،‬وما يضر الرجل أن يلي عليه‬
‫‪ ()1625‬فتوح الشام ص ‪ ، 102-99‬التاريخ السلمي )‪.(9/274‬‬
‫أخوه‪ ،‬في دينه ول دنياه‪ ،‬بل يعلم الوالي أنه‬
‫يكاد أن يكون أدناهما إلى الفتنة وأوقعهما في‬
‫الخطيئة لما يعرض له من الهلكة‪ ،‬إل من عصم‬
‫الله عز وجل وقليل‬
‫ما هم ودفع أبو عبيدة كتاب عمر إلى‬
‫خالد)‪.(1626‬‬

‫‪ ()1626‬تاريخ دمشق )‪.(2/126‬‬


‫• عمر رضي الله عنه يرد على رسالة أبي عبيدة ومعاذ رضي‬
‫الله عنهما‪:‬‬
‫عندما وصل كتاب أبي عبيدة ومعاذ بواسطة‬
‫شداد بن أوس بن ثابت بن أخي حسان بن‬
‫ثابت النصاري ردّ عمر رضي الله عنه على‬
‫كتابهما وجاء فيه‪ … :‬فإني أحمد إليكما الله‬
‫الذي ل إله إل هو‪ ،‬أما بعد‪ ،‬فإني أوصيكما‬
‫بتقوى الله‪ ،‬فإنه رضاء ربكما‪ ،‬وحظ أنفسكما‪،‬‬
‫وغنيمة الكياس)‪ (1627‬لنفسهم عند تفريط‬
‫العجزة‪ ،‬وقد بلغني كتابكما تذكران أنكما‬
‫م‪ ،‬فما يدريكما‪،‬‬ ‫مه ّ‬
‫عهدتماني وأمر نفسي لي ُ‬
‫وهذه تزكية منكما لي‪ ،‬وتذكران أني وليت أمر‬
‫ي الشريف والوضيع‬ ‫هذه المة‪ ،‬يقعد بين يد ّ‬
‫و والصديق‪ ،‬والقوي والضعيف‪ ،‬ولك ّ‬
‫ل‬ ‫والعد ّ‬
‫حصته من العدل‪ ،‬وتسألنني كيف أنا عند ذلك‪،‬‬
‫وإنه ل حول ول قوة إل بالله‪ ،‬وكتبتما‬
‫تخوفاني يوما ً هو آت‪ ،‬وذلك باختلف الليل‬
‫والنهار‪ ،‬فإنهما يبليان كل جديد‪ ،‬ويقربان كل‬
‫بعيد‪ ،‬ويأتيان بكل موعود‪ ،‬حتى يأتيا بيوم‬
‫القيامة‪ ،‬يوم ُتبلى السرائر‪ ،‬وتكشف العورات‪،‬‬
‫وتعنو فيه الوجوه لعزة ملك قهرهم بجبروته‪،‬‬
‫فالناس له داخرون‪ ،‬يخافون عقابه‪ ،‬وينتظرون‬
‫قضاءه‪ ،‬يرجون رحمته‪ .‬وذكرتما أنه بلغكما أنه‬
‫يكون في هذا المة رجال يكونون إخوان‬
‫العلنية‪ ،‬أعداء السريرة‪ ،‬فليس هذا بزمان‬
‫ذلك‪ ،‬فإن ذلك يكون في آخر الزمان إذا كانت‬
‫الرغبة والرهبة‪ ،‬رغبة الناس ورهبتهم‪ ،‬بعضهم‬

‫‪ ()1627‬جمع كّيس بتشديد الياء وكسرها وهو النبيه الفطن‪.‬‬


‫إلى بعض‪ .‬والله عز وجل قد ولني أمركم‪،‬‬
‫وإني أسأل الله أن يعينني عليه وأن يحرسني‬
‫عنه كما حرسني عن غيره‪ ،‬وإني امرؤ مسلم‬
‫وعبد ضعيف‪ ،‬إل ما أعان الله عز وجل‪ ،‬ولن‬
‫خُلقي شيئا ً‬ ‫وليت من خلفتكم من ُ‬ ‫يغير الذي َ‬
‫إن شاء الله‪ ،‬وإنما العظة لله عز وجل‪ ،‬وليس‬
‫للعباد منها شيء‪ ،‬فل يقولن أحد منكم إن عمر‬
‫ل الحق من نفسي‬ ‫ولي‪ ،‬وإني أعق ُ‬ ‫قد تغير منذ َ‬
‫وأتقدم‪ ،‬وُأبّين لكم أمري‪ ،‬فأيما رجل كانت له‬
‫ظلم مظلمة‪ ،‬ليس بيني وبين أحد‬ ‫حاجة‪ ،‬أو ُ‬
‫ي صلحكم‬ ‫من المسلمين هوادة‪ ،‬وأنا حبيب إل ّ‬
‫ي عتبكم‪ ،‬وأنا مسؤول عن أمانتي وما‬ ‫عزيز عل ّ‬
‫أنا فيه‪ ،‬ومطلع على‬
‫ما يضيرني بنفسي إن شاء الله ل أكله إلى‬
‫أحد‪ ،‬ول أستطيع ما بعد ذلك إل بالمناء‪ ،‬وأهل‬
‫النصح منكم للعامة‪ ،‬ولست أجعل أمانتي إلى‬
‫أحد سواهم‪ ،‬إن شاء الله وأما سلطان الدنيا‬
‫وإمارتها؛ فإن كل ما تريان يصير إلى زوال‪،‬‬
‫م أخاه‪ ،‬أو كان عليه‬‫وإنما نحن إخوان‪ ،‬فأينا أ ّ‬
‫ضره ذلك في دينه ول في دنياه‪ ،‬بل‬ ‫أميرا ً لم ي َ ُ‬
‫لعل الوالي أن يكون أقربهما إلى الفتنة‬
‫وأوقعهما بالخطيئة إل من عصم الله‪ ،‬وقليل‬
‫ما هم)‪.(1628‬‬
‫أو ً‬
‫ل‪ :‬فتح دمشق‪:‬‬
‫تمثل الفتوحات في بلد الشام في عهد عمر بن‬
‫الخطاب المرحلة الثانية من الفتوحات في هذه‬
‫الجبهة بعد الفتوح في عهد الصديق فبعد أن‬
‫‪ ()1628‬فتوح الشام ص ‪. 102-99‬‬
‫انتهت معركة اليرموك وانهزمت جموع الروم‬
‫استخلف أبو عبيدة بن الجراح على اليرموك‬
‫بشير بن كعب الحميري‪ ،‬وأتاه الخبر أن‬
‫المنهزمين من الروم اجتمعوا بفحل‪ ،‬وأن المدد‬
‫قد أتى أهل دمشق من حمص‪ ،‬فأصبح ل يدري‬
‫أبدمشق يبدأ أم بفحل في بلد الردن‪ ،‬فكتب‬
‫القائد أبو عبيدة بن الجراح إلى الخليفة الفاروق‬
‫عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستأمره فأجابه‪:‬‬
‫أما بعد‪ ،‬فابدأوا بدمشق فانهدوا لها‪ ،‬فإنها حصن‬
‫الشام وبيت مملكتهم‪ ،‬واشغلوا عنكم أهل فحل‪،‬‬
‫بخيل تكون بإزائهم في نحورهم وأهل فلسطين‬
‫وأهل حمص‪ ،‬فإن فتحها الله قبل دمشق فذاك‬
‫الذي نحب‪ ،‬وإن تأخر فتحها حتى يفتح الله‬
‫دمشق‪ ،‬فلينزل في دمشق من يمسك بها‬
‫ودعوها‪ ،‬وانطلق أنت وسائر المراء حتى تغيروا‬
‫على فحل فإن تم فتحها‪ ،‬فانصرف أنت وخالد‬
‫إلى حمص وأمير كل بلد على جند حتى يخرجوا‬
‫من أمارته)‪.(1629‬‬
‫ومن خلل أوامر الفاروق نلحظ‪ :‬أنه حدد‬
‫مسؤولية قيادة العمليات‪ ،‬وبموجبه تم تطبيق‬
‫مبدأ القتصاد بالجهد‪ ،‬فضل ً عن المرونة في‬
‫التصرف إزاء الهداف المطلوبة‪ ،‬كما يستنتج من‬
‫هذه الوامر أن الهدف الرئيس الول هو دمشق‬
‫مع توجيه قوة صغيرة لفحل‪ ،‬والهدف الرئيس‬
‫الثاني هو فحل‪ ،‬لتوجيه الجيش كله لفتحها‬
‫والهدف الثالث مدينة حمص‪ ،‬واستنادا ً إلى هذه‬
‫التوجيهات أرسل أبو عبيدة بن الجراح وحدات‬
‫‪ ()1629‬الدعوة السلمية في عهد أمير المؤمنين بن الخطاب ص‬
‫‪ ، 276‬تهذيب وترتيب البداية والنهاية ص ‪. 52‬‬
‫قتالية إلى فحل وعلى قيادتها‪ :‬أبو العور‬
‫السلمي عامر بن حتمة‪ ،‬وعمرو بن كليب وعبد‬
‫عمر بن يزيد بن عامر‪ ،‬وعمارة بن الصعق بن‬
‫كعب‪ ،‬وصفي بن علية بن شامل‪ ،‬وعمر بن‬
‫الحبيب بن عمر‪ ،‬ولبدة بن عامر‪ ،‬وبشير بن‬
‫عصمة‪ ،‬عمارة بن مخشن وهو القائد لهذه‬
‫المجموعات‪ ،‬وتوجهت إلى فحل)‪ ،(1630‬وانطلق‬
‫أبو عبيدة نحو دمشق‪ ،‬ولم يلق أية مقاومة ذات‬
‫أهمية تذكر‪ ،‬إذ أن الروم قد اعتمدوا على أهل‬
‫البلد في المنطقة قبل دمشق لعاقة تقدم‬
‫قوات المسلمين‪ ،‬إل أن هؤلء لم تكن لهم‬
‫الحماسة والستماتة للدفاع ويعود ذلك لسوء‬
‫معاملة الروم لهم وخاصة لهل القرى‬
‫الصغيرة)‪ ،(1631‬ووصلت قوات المسلمين إلى‬
‫)غوطة دمشق( التي فيها قصور الروم‬
‫ومنازلهم‪ ،‬وشاهدوها خالية لن أهلها هجروها‬
‫إلى دمشق‪ ،‬وأرسل هرقل قوة من حمص لمداد‬
‫دمشق‪ ،‬وكانت تقدر بل)‪ (500‬خمسمائة‬
‫مقاتل)‪ ،(1632‬وهي قوة قليلة مقارنة بما يتطلبه‬
‫الموقف‪ ،‬إل أن القوة السلمية التي وضعها أبو‬
‫عبيدة بن الجراح شمال دمشق بقيادة )ذي‬
‫الكلع( تصدت لها‪ ،‬وجرى قتال عنيف بين‬
‫الجانبين‪ ،‬انهزم فيه الروم)‪ ،(1633‬وناشد أهل‬
‫دمشق هرقل الخلص‪ ،‬فأرسل إليهم كتابا ً‬

‫‪ ()1630‬العمليات التعرضية الدفاعية عند المسلمين ص ‪. 182‬‬


‫‪ ()1631‬الهندسة العسكرية في الفتوحات السلمية د‪ .‬قصي عبد‬
‫الرؤوف ص ‪. 188‬‬
‫‪ ()1632‬البداية والنهاية )‪ ،(7/20‬الهندسة العسكرية ‪. 188‬‬
‫‪ ()1633‬البداية والنهاية )‪.(7/20‬‬
‫يدعوهم إلى الثبات ويحرضهم على القتال‬
‫والمقاومة‪ ،‬ويعدهم بالمدد‪ ،‬فتقوت عزائمهم‬
‫وجعلهم ذلك يصمدون للحصار وحركات القوات‬
‫السلمية)‪.(1634‬‬
‫‪ -1‬قوات الطرفين‪:‬‬

‫• القوات الرومية‪:‬‬
‫‪ -‬القائد العام‪ ،‬هرقل‪.‬‬
‫‪ -‬أمير دمشق‪ ،‬نسطاس بن نسطورس‪.‬‬
‫‪ -‬قائد قوات دمشق‪ ،‬باهان الذي اشترك‬
‫باليرموك وهرب منها واسمه ورديان‪.‬‬
‫‪ -‬القوات العمومية للقوات الرومية في‬
‫دمشق )‪ (60000‬ستون ألف مقاتل‪ ،‬مع‬
‫احتمال وصول تعزيزات إضافية من حمص )‬
‫‪ (20000‬عشرين ألف مقاتل لخط الدفاع و)‬
‫‪ (40000‬وأربعين ألف مقاتل للتعرض فالروم‬
‫أقاموا في دمشق للستفادة من البنية‬
‫وحصونها وسورها وربما كانوا ينتظرون المدد‬
‫ليقوموا بالتعرض‪.‬‬
‫‪ -‬القوة الرومية في )فحل( تتألف من‬
‫حاميتها ومن فلول جيش اليرموك الذي أثرت‬
‫على معنوياتهم معركتها وفشلهم وهروبهم‬
‫منها‪ ،‬فهم في فزع آخذ بنفوسهم‪.‬‬

‫• قوات المسلمين‪:‬‬
‫‪ -‬القائد العام للقوات السلمية‪ ،‬عمر بن‬
‫الخطاب رضي الله عنه‪.‬‬

‫‪ ()1634‬الهندسة العسكرية ص ‪. 188‬‬


‫‪ -‬قائد مسارح العمليات في بلد الشام‪ ،‬أبو‬
‫عبيدة بن الجراح‪.‬‬
‫‪ -‬بعث القائد أبو عبيدة بن الجراح بعشرة من‬
‫قواده وفي مقدمتهم أبو العور السلمي مع‬
‫حجم مناسب من القوات السلمية – لم تذكر‬
‫المصادر تعداد هذه القوة – للسيطرة على‬
‫طريق دمشق وحتى بيسان ومحلها معروف‬
‫اليوم بخربة فحل)‪.(1635‬‬
‫‪ -‬أرسل أبو عبيدة بن الجراح قوات بقيادة‬
‫)علقمة بن حكيم ومسروق( كل واحد بمحل‬
‫الخر باتجاه فلسطين‪ ،‬فأمن محور الحركات‬
‫من الغرب والجنوب)‪.(1636‬‬
‫‪ -‬أرسل أبو عبيدة بن الجراح قوة بقيادة )ذي‬
‫الكلع( إلى شمال دمشق ليرابط على الطريق‬
‫الذي يربطها مع حمص لحماية هذا التجاه‬
‫ومنع وصول التعزيزات الرومية إلى‬
‫دمشق)‪.(1637‬‬
‫‪ -‬كان حجم القوات السلمية بعد اليرموك‬
‫بحدود )‪ (40000‬أربعين ألف مقاتل‪ ،‬وهذه‬
‫القوات متماسكة التنظيم‪ ،‬وتمتاز بالروح‬
‫)‪(1638‬‬
‫‪.‬‬ ‫المعنوية العالية بعد النصر في اليرموك‬
‫‪ -‬بلغ حجم القوات السلمية التي ضربت‬
‫الحصار على دمشق بحدود )‪ (20000‬عشرين‬
‫ألف مقاتل‪ ،‬وباقي القوات أرسلت إلى فحل‬

‫المصدر نفسه ص ‪. 189‬‬ ‫‪()1635‬‬


‫المصدر نفسه ص ‪. 189‬‬ ‫‪()1636‬‬
‫انظر تاريخ الطبري )‪ ،(4/258‬الهندسة العسكرية ص ‪. 189‬‬ ‫‪()1637‬‬
‫اليرموك وتحرير ديار الشام‪ ،‬شاكر محمود رامز ص ‪. 103‬‬ ‫‪()1638‬‬
‫لتثبيت الجبهة هناك وبالمكان عند الضرورة‬
‫سحبها من فحل لتعزز قوة الحصار)‪.(1639‬‬
‫‪ -2‬وصف مدينة دمشق‪:‬‬
‫كانت دمشق مدينة عظيمة سميت باسم بانيها‬
‫)دمشاق بن كنعان( وقد خضعت لحكم مصر‪،‬‬
‫السرة الثامنة عشر فهي أقدم المدن في‬
‫التاريخ وكانت مركز عبادة الوثان‪ ،‬ولما دخلت‬
‫المسيحية جعلت من معبدها الوثني كنيسة ل‬
‫يضاهيها بجمالها وجللها إل كنيسة إنطاكية‬
‫وفي جنوب دمشق تقع أراضي البلقاء‬
‫وشمالها الجولن‪ ،‬وهي أرض جبلية وأراضيها‬
‫كلها زروع وغدران مياه‪ ،‬وهي مركز تجاري‬
‫مهم يسكنها العرب‪ ،‬وكان المسلمون‬
‫يعرفونها لنهم يتاجرون معها‪ ،‬وقد كانت‬
‫مدينة دمشق‪ ،‬مدينة محصنة‪ ،‬تمتاز بالمناعة‪،‬‬
‫فلها سور يحيطها مبنى من الحجارة وارتفاعه‬
‫ستة أمتار‪ ،‬وفيه أبواب منيعة‪ ،‬وعرض المبنى‬
‫ثلثة أمتار‪ ،‬وقد زاد هرقل من مناعته بعد‬
‫الغزو الفارسي لها‪ ،‬والبواب يحكم إغلقها‪،‬‬
‫ويحيط بالسور خندق عرضه ثلثة أمتار‪ ،‬ونهر‬
‫بردى يؤثر على الخندق بمياهه وطينه‪،‬‬
‫فأصبحت دمشق قلعة حصينة ليس من السهل‬
‫اقتحامها)‪ ،(1640‬وبذلك تظهر لنا الدفاعات‬
‫الرومية ذات المتانة‪ ،‬والقوة‪ ،‬لحماية مدينة‬
‫دمشق‪ ،‬إذ أن هذه الستحكامات تعطينا‬
‫الدلئل التية‪:‬‬
‫‪ ()1639‬الهندسة العسكرية ص ‪. 189‬‬
‫‪ ()1640‬المصدر نفسه ص ‪. 190‬‬
‫‪ -‬لم تنشأ الدفاعات الميدانية حول دمشق‬
‫على عجل‪ ،‬فهي دفاعات كانت مهيأة منذ مدة‬
‫ليست بالقصيرة‪ ،‬لما لدمشق من أهمية‬
‫استراتيجية‪ ،‬وخوف الروم من فقدانها‬
‫واستيلء الفرس عليها‪ ،‬وهذا يعني أن الجهد‬
‫الهندسي الميداني الرومي قد عمل في‬
‫ترتيب وتنظيم هذه الدفاعات بحرية مطلقة‬
‫وبموارد هندسية مناسبة غير مطلوبة‬
‫باتجاهات أخرى فضل ً عن تيسر المكانيات‬
‫الهندسية لدى جيش الروم في هذا المجال‪.‬‬
‫‪ -‬برزت البداعات الهندسية الرومية من خلل‬
‫الموانع حول مدينة دمشق‪ ،‬فقد استفادت‬
‫عناصر الهندسة العسكرية من طبيعة الرض‬
‫في إنشاء هذه المنظومة‪ ،‬وعلى الخص‬
‫توظيف نهر بردى بما يخدم ملء الخندق الذي‬
‫يحيط بالمدينة‪ ،‬فضل ً عن الستفادة الخرى‬
‫منه بجعله مانعا ً طبيعيا ً يعوق حركة القطعات‬
‫جمة على المدينة من اتجاهها الشمالي‬ ‫المها ِ‬
‫والشمال الشرقي‪.‬‬
‫‪ -‬كانت ثقة القيادة الرومية بتحصينات مدينة‬
‫دمشق كبيرة جدا ً المر الذي جعلها تجمع‬
‫قواتها هناك وتتخذ الدفاع الموضوعي فيها‪،‬‬
‫ريثما تتمكن القوات الرومية في حمص من‬
‫جمع شتات أمرها والتعرض لجيش المسلمين‪،‬‬
‫وهذا يعني أن الدفاعات الهندسية الميدانية‬
‫قد تدخلت في إجبار القيادة الرومية على‬
‫اتخاذ هذا الموقف الدفاعي‪ ،‬وبذلك أصبحت‬
‫السبب المباشر في صنع القرار‪ ،‬وهذا مهم‬
‫جدا ً في التعرف على مدى أهمية الهندسة‬
‫العسكرية في الميدان‪.‬‬
‫‪ -‬وعلى عكسه أجبرت الدفاعات الهندسية‬
‫الميدانية جيش المسلمين على عدم التعرض‬
‫لمدينة دمشق واقتحامها‪ ،‬إذ وقفت منظومة‬
‫المانع الرومية عائقا ً بوجههم فصارت خطة‬
‫الجيش السلمي تقتضي فرض الحصار على‬
‫المدينة‪.‬‬
‫‪ -‬تقول المصادر التاريخية أن مدة حصار‬
‫مدينة دمشق استمرت )‪ (70‬ليلة‪ ،‬وكان‬
‫الحصار شديدًا‪ ،‬استخدمت فيه أسلحة الحصار‬
‫الثقيلة‪ ،‬كالمجانيق والدبابات)‪.(1641‬‬
‫‪ -3‬سير المعركة‪:‬‬
‫سار أبو عبيدة بن الجراح قاصدا ً دمشق متخذا‬
‫تشكيل المسير التي‪:‬‬
‫‪ -‬القلب‪ :‬خالد بن الوليد‪.‬‬
‫‪ -‬المجنبات‪ :‬عمرو بن العاص وأبو عبيدة‪.‬‬
‫‪ -‬الخيل‪ :‬عياض بن غنم‪.‬‬
‫‪ -‬الرجالة‪ :‬شرحبيل بن حسنة‪.‬‬
‫ولما كان لسلور دمشلق أبلواب ل يمكلن الخلروج‬
‫واللللدخول للبللللدة إل بواسلللطتها‪ ،‬فقلللد نظلللم‬
‫المسلمون قوة الحصار على الشكل التي‪:‬‬
‫‪ -‬قطاع الباب الشرقي بقيادة خالد بن الوليد‪.‬‬
‫‪ -‬قطاع باب الجابية بقيادة أبي عبيدة بن‬
‫الجراح‪.‬‬
‫‪ -‬قطاع باب توما بقيادة عمرو بن العاص‪.‬‬

‫‪ ()1641‬الهندسة العسكرية ص ‪. 190،191‬‬


‫‪ -‬قطاع باب الفراديس بقيادة شرحبيل بن‬
‫حسنة‪.‬‬
‫‪ -‬قطاع الباب الصغير بقيادة يزيد بن أبي‬
‫سفيان‪.‬‬
‫وقد ظن الروم بأن المسلمين ل يستطيعون أن‬
‫يصمدوا أمام طول الحصار وخاصة في أيام‬
‫الشتاء‪ ،‬إل أن المسلمين أصحاب العقيدة‬
‫الراسخة والصبر الجميل‪ ،‬صمدوا أمام تغيرات‬
‫الطقس‪ ،‬فقد عمل قادة المسلمين على إشغال‬
‫الكنائس المتروكة بالغوطة والمنازل الخالية من‬
‫أهلها ليرتاح فيها المجاهدون‪ ،‬على وفق أسلوب‬
‫أسبوعي تتبادل قوات الجبهة التي على البواب‪،‬‬
‫مع قوات من الخلف وبهذا التنظيم يستمر‬
‫الحصار مهما طال الزمن)‪.(1642‬‬
‫ولم يقف المسلمون عند هذا الحد‪ ،‬وإّنما‬
‫استمرت استطلعاتهم الميدانية والهندسية‪،‬‬
‫لمنظومة الموانع المعادية‪ ،‬وتمكن خالد بن‬
‫الوليد من انتخاب منطقة عبور ملئمة في هذه‬
‫المنظومة‪ ،‬يمكن من خللها اقتحام مدينة‬
‫دمشق‪ ،‬فوقع الختيار على أحسن مكان يحيط‬
‫بدمشق وأكثره ماء وأشده مدخل ً)‪ ،(1643‬كما جهز‬
‫حبال ً كهيئة السلليم توضع على الجدران‬
‫لتساعد على تسلق السوار‪ ،‬وقد علم خالد بن‬
‫الوليد أن بطريق دمشق قد رزق بولد وجمع‬
‫الناس في وليمة‪ ،‬فانشغل أفراد الروم بالكل‬
‫والشرب وأهملوا واجباتهم ومن ضمنها مراقبة‬
‫‪ ()1642‬الهندسة العسكرية ص ‪. 192‬‬
‫‪ ()1643‬تاريخ الطبري )‪.(4/259‬‬
‫الجبهة والبواب فلما أمسى ذلك اليوم نهض‬
‫خالد بن الوليد هو ومن معه من جنده الذي قدم‬
‫عليهم‪ ،‬وتقدمهم هو والقعقاع بن عمرو‬
‫ومذعور بن عدي وقالوا‪ :‬إذا سمعتم تكبيرا ً على‬
‫السور فارقوا إلينا واقصدوا الباب)‪ (1644‬وعبر‬
‫خالد وجماعته الولى الخندق المائي على‬
‫عائمتين من القرب)‪ ،(1645‬ووصلوا السور‪ ،‬ورموا‬
‫عليه الحبال التي هي بهيئة السلليم‪ ،‬فلما ثبت‬
‫لهم وهقان)‪ (1646‬تسلق فيها القعقاع ومذعور‪،‬‬
‫ثم لم يدعوا أحبولة إل أثبتاها‪ ،‬والوهاق الشرف‬
‫حتى إذا ارتفعوا نظموا السلليم لتستفيد منها‬
‫الجماعة الثانية‪ ،‬ثم انحدرت الجماعة الولى من‬
‫السور ونزلوا قرب الباب‪ ،‬فكثر الفراد الذين مع‬
‫خالد‪ ،‬فكبر أول ً من أعلى السور‪ ،‬فتسلقت‬
‫الجماعة الثانية السور وتقدموا نحو الباب‪،‬‬
‫فاقتحموه بسيوفهم وهكذا دخلت على هذا النحو‬
‫قوات المسلمين إلى مدينة دمشق)‪.(1647‬‬

‫• أهم الفوائد والدروس والعبر‪:‬‬


‫هل كان الفتح صلحا ً أم عنوة؟‬ ‫‪-‬‬
‫اختلف العلماء في دمشق هل فتحت صلحا ً أو‬
‫عنوة؟ فأكثر العلماء على أنه استقر أمرها‬
‫كوا في المتقدم على‬ ‫على الصلح‪ ،‬لنهم ش ّ‬
‫عدَ َ‬
‫ل الروم إلى‬ ‫حت عنوة ثم َ‬‫الخر‪ ،‬أفت ِ َ‬
‫المصالحة؟ أو فتحت صلحًا‪ ،‬أو اتفق الستيلء‬
‫الهندسة العسكرية ص ‪ ، 192‬البداية والنهاية )‪.(7/20‬‬ ‫‪()1644‬‬
‫الهندسة العسكرية ص ‪. 192،193‬‬ ‫‪()1645‬‬
‫الوهاق‪ :‬جمع وهق الحبل في طرفيه النشوطة‪.‬‬ ‫‪()1646‬‬
‫الهندسة العسكرية ص ‪. 192‬‬ ‫‪()1647‬‬
‫كوا في ذلك‬ ‫من الجانب الخر قسرًا؟ فلما ش ّ‬
‫ل نصفها‬‫ع َ‬ ‫جعلوها صلحا ً احتياطًا‪ ،‬وقيل بل ُ‬
‫ج ِ‬
‫صلحًا‪ ،‬ونصفها عنوة‪ ،‬وهذا القول قد يظهر‬
‫من صنع الصحابة في الكنيسة العظمى التي‬
‫كانت أكبر معابدهم حين أخذوا نصفها وتركوا‬
‫نصفها)‪ ،(1648‬والله أعلم‪.‬‬
‫‪ -‬تاريخ فتحها‪:‬‬
‫قال ابن كثير‪ :‬وظاهر سياق سيف بن عمر‪،‬‬
‫يقتضي أن فتح دمشق وقع في سنة ثلث‬
‫ص عليه‬
‫ص سيف على ما ن ّ‬‫عشرة‪ ،‬ولكن ن ّ‬
‫الجمهور من أنها وقعت في نصف رجب سنة‬
‫أربعة عشرة)‪ ،(1649‬وقد ذكر خليفة بن خياط‪:‬‬
‫أن أبا عبيدة حاصر الروم بدمشق في رجب‬
‫وشعبان ورمضان وشوال وتم الصلح في ذي‬
‫القعدة)‪ ،(1650‬والمهم أن فتحها كان بعد معركة‬
‫اليرموك)‪.(1651‬‬
‫تطبيقات لبعض مبادئ الحرب‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫لم يخل فتح دمشق من تطبيقات مبادئ‬
‫الحرب عند المسلمين فاشتملت على‬
‫المباغتة‪ ،‬والمبادأة‪ ،‬وانتهاز الفرص وإبداعات‬
‫القادة الميدانيين‪ ،‬وقد رأينا ما قام به خالد بن‬
‫الوليد من استطلع ومن انتخاب منطقة‬
‫العبور الملئمة‪ ،‬كيف تغير الموقف‪ ،‬وانقلب‬
‫من عملية حصار إلى عملية اقتحام وإذا ما‬
‫قارّنا بين ما فعله خالد بن الوليد باستخدامه‬

‫ترتيب وتهذيب البداية والنهاية ص ‪. 56‬‬ ‫‪()1648‬‬


‫نفس المصدر ص ‪. 55‬‬ ‫‪()1649‬‬
‫تاريخ خليفة ص ‪. 126‬‬ ‫‪()1650‬‬
‫الهندسة العسكرية ص ‪. 193‬‬ ‫‪()1651‬‬
‫الحبال على هيئة سلليم والستفادة منها‬
‫بتسلقه على سور دمشق‪ ،‬وبين ما فعله‬
‫الجيش المصري في حرب تشرين عام ‪1973‬م‬
‫على الجبهة المصرية عند عبوره خط بارليف‬
‫السرائيلي واستخدامه الحبال على هيئة‬
‫سلليم أيضا ً للوصول إلى المواضع الدفاعية‬
‫المعادية‪ ،‬نجد أنه قد تم بالصيغة والسلوب‬
‫والداة نفسها‪ ،‬والتي توضح لنا عبقرية‬
‫المسلمين إبان الفتوحات السلمية‪ ،‬وما‬
‫معاركنا الحديثة إل امتدادا ً لهذا البداع‬
‫والعبقرية)‪.(1652‬‬
‫بعض ما قيل من الشعر في فتح دمشق‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫قال القعقاع بن عمرو‪:‬‬
‫بخالد روما وقد‬ ‫أقمنا على دار‬
‫)‪(1653‬‬
‫حملنا بصارم‬ ‫سليمان أشهرا ً‬
‫فدان لنا مستسلما ً‬ ‫قصصنا إلى الباب‬
‫)‪(1654‬‬
‫كل قائم‬ ‫الشرقي عنوة‬
‫أقيموا لهم حر‬ ‫أقول وقد دارت‬
‫الورى‬ ‫رحانا بدارهم‬
‫)‪(1655‬‬
‫بالغلصم‬

‫‪ ()1652‬الهندسة العسكرية ص ‪. 195‬‬


‫‪ ()1653‬داري سليمان‪ :‬تدمر ودمشق – كانا دارين لسليمان بن‬
‫داود‪.‬‬
‫‪ ()1654‬المعنى‪ :‬توجهنا إلى الباب الشرقي الذي يسار منه العراق‬
‫وفتحناه عنوة‪.‬‬
‫‪ ()1655‬الحديث موجه إلى نساء العدو‪ :‬أقيموا لهم حر الورى‬
‫بالغلصم اجعلوا لرجالكم المدارى به برأس حلوقهم لجبنهم أو‬
‫خوفهم من الحرب‪.‬‬
‫وتدمر عضوا منهما‬ ‫فلما زأدنا في‬
‫)‪(1656‬‬
‫بالباهم‬ ‫دمشق نحورهم‬

‫• تمهيد الفتح بعد دمشق‪:‬‬


‫بعد فتح دمشق أرسل أبو عبيدة خالد بن الوليد‬
‫قاع)‪ ،(1657‬ففتح بالسيف‪ ،‬وبعث سرية‬ ‫إلى الب ِ َ‬
‫فالتقوا مع الروم بعين ميسنون‪ ،‬وعلى الروم‬
‫در على المسلمين من‬ ‫رجل يقال له )سنان( تح ّ‬
‫قبة بيروت‪ ،‬فقتل من المسلمين يومئذ‬ ‫ع َ‬‫َ‬
‫جماعة من الشهداء فكانوا يسمون عين‬
‫ميسنون عين الشهداء واستخلف أبو عبيدة‬
‫على دمشق يزيد بن أبي سفيان وبعث يزيد‬
‫حَية بن خليفة إلى تدمر في سرية ليمهدوا‬ ‫ِد ْ‬
‫أمرها وبعث‬
‫أبا الزهراء القشيري إلى البثّنية وحوران‬
‫فصالح أهلها‪ ،‬وافتتح شرحبيل بن حسنة‬
‫الردن كلها عنوة ما خل طبرّية فإن أهلها‬
‫صالحوه‪ ،‬وغلب خالد على أرض الب َ‬
‫قاع‪،‬‬
‫وصالحه أهل بعلبك وكتب لهم كتابًا‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬وقعة فِ ْ‬
‫حل‪:‬‬
‫تحركت القوات المكلفة بمهاجمة مدينة )فحل(‬
‫نحو الجنوب وعندما وصلت مشارفها كانت قوة‬
‫جيش الروم تقارب المائة ألف‪ ،‬تسلل أكثرهم‬
‫من حمص وانضمت إليهم القرى التي هزمت‬
‫في معارك سابقة عندما وصلت القوة المكلفة‬
‫بمحاصرة فحل من جيش المسلمين بقيادة عمار‬
‫‪ ()1656‬زأدنا‪ :‬أفزعنا‪.‬‬
‫‪ ()1657‬ترتيب وتهذيب البداية والنهاية ص ‪ 58،59‬وانظر العمليات‬
‫التعرضية والدفاعية عند المسلمين ص ‪. 185‬‬
‫بن مخشن جابهها جيش الروم بشق الترع من‬
‫بحيرة طبرية وسلطوا مياهها على الطيان‬
‫المحيطة بفحل بقصد إعاقة جيش السلم‬
‫وخاصة الفرسان وهذا ما يستخدم في وقتنا‬
‫الحاضر ضد الدروع وبذلك أعاقوا حركة فرسان‬
‫المسلمين‪ ،‬لقد جعل الرومان من هذه الوحال‬
‫خطا ً دفاعيا ً منيعا ً عن فحل رغم أنها تقع في‬
‫سهل منبسط ولو كان هذا السهل يابسا ً لتمكن‬
‫المسلمون بسهولة من اقتحام المدينة لنهم‬
‫أقدر الناس على مباشرة حرب الصحراء‪ ،‬وتوقف‬
‫عمارة بن مخشن ووزع قواته لحصار فحل ولم‬
‫يقتحمها وذلك للفارق العددي الكبير في القوة‬
‫كن من اجتياز هذا‬‫ولصعوبة التقدم وعدم التم ّ‬
‫المانع المائي الذي عمله الرومان واقتصر‬
‫المسلمون على فرض الحصار على مدينة فحل‬
‫التي يعتصم بها الروم إلى أن فرغ أبو عبيدة من‬
‫فتح دمشق العاصمة وضم جيشه إلى جيش أبي‬
‫العور السلمي وأعاد أبوعبيدة تنظيم قواته‬
‫على النحو التالي‪:‬‬
‫‪ -‬المقدمة بقيادة خالد بن الوليد‪.‬‬
‫‪ -‬الميمنة بقيادة أبي عبيدة بن الجراح‪.‬‬
‫‪ -‬الميسرة بقيادة عمرو بن العاص‪.‬‬
‫‪ -‬الفرسان بقيادة ضرار بن الزور‪.‬‬
‫‪ -‬قيادة مجموعات المشاة عياض بن غنم‪.‬‬
‫‪ -‬القيادة العامة لشرحبيل بن حسنة وذلك‬
‫لن موقع المعركة هو في حدود المنطقة‬
‫التابعة له واستلم القيادة شرحبيل بن حسنة‬
‫ثم نظم إقامة القوات وإمدادها ووضع‬
‫مخططا ً لستنفار القوات وبقاء القوة جاهزة‬
‫باستمرار لمواجهة الطوارئ وكان شرحبيل ل‬
‫يبيت ول يصبح إل على تعبئة)‪ ،(1658‬وطال‬
‫حصار المسلمين لمدينة فحل وظن الروم أن‬
‫باستطاعتهم تحقيق المباغتة والقيام بهجوم‬
‫ليلي حاسم وعلى الروم سقلب بن مخراق‬
‫فهجموا على المسلمين فنهضوا عليهم نهضة‬
‫رجل واحد ل نهم كانوا على أهبة دائمة ودارت‬
‫معركة حتى الصباح وذلك اليوم بكامله إلى‬
‫الليل فلما أظلم الليل فر الروم وقتل أميرهم‬
‫وركب المسلمون أكتافهم واسلمتهم‬
‫هزيمتهم إلى ذلك الوحل المانع الذي أعدوه‬
‫للمسلمين ونتيجة للجراءات المنية‬
‫والستعداد الذي قام به شرحبيل على قواته‪،‬‬
‫حدثت الفوضى في جيش الرومان المهاجم‬
‫والتفرغ للهجوم المضاد الذي شنه المسلمون‬
‫فوقع الرومان لدى انهزامهم في المانع‬
‫المائي الذي صنعوه بأيديهم حول فحل فركب‬
‫المسلمون أكتافهم ولم ينجو منهم إل‬
‫الشريد‪ ،‬ولقد تمت تصفية القوة المحاصرة‬
‫في فحل وعندها توجه المسلمون نحو‬
‫أهدافهم لمتابعة خطة العمليات الساسية‬
‫فتم توجيه‪:‬‬
‫‪ -‬شرحبيل بن حسنة إلى الردن‪.‬‬
‫‪ -‬عمرو بن العاص إلى فلسطين‪.‬‬
‫انطلق أبو عبيدة بن الجراح وخالد بن الوليد إلى‬
‫حمص وعند وصولهما إلى مرج الروم دارت‬
‫‪ ()1658‬العمليات التعرضية والدفاعية عند المسلمين ص ‪. 188‬‬
‫معركة طاحنة حتى غطت جثث الموتى السهل‬
‫وفي هذه المعركة تمكن المسلمون من تطبيق‬
‫مبدأ مهم من مبادئ الحرب والعمليات التعرضية‬
‫حيث اصطدمت مقدمة الروم بمقدمة المسلمين‬
‫فعندما شعر )توذرا( باصطدام مقدمة جيشه‬
‫بجيش المسلمين قام بحركة استدارة وانطلق‬
‫في اتجاه دمشق وعلم المسلمون بالمر‬
‫ودرسوا الموقف فقرر‬
‫أبو عبيدة توجيه قوة بقيادة خالد بن الوليد‬
‫لمطاردة )توذرا( والنقضاض عليه من الخلف‬
‫وأبو عبيدة يبقى في مواجهة ومشاغلة جيش‬
‫الروم في الوقت نفسه استطاعت استخبارات‬
‫المسلمين من معرفة حركة واتجاه تقدم توذرا‬
‫فتقدم جيش يزيد بن‬
‫أبي سفيان للقائه واشتبك معه وما أن تم‬
‫الصطدام بين توذرا وجيش يزيد حتى باغت خالد‬
‫بن الوليد الروم بضربهم من الخلف وتمت‬
‫تصفية توذرا تصفية كاملة تقريبا ً)‪.(1659‬‬
‫‪ -‬مما قاله القعقاع بن عمرو في يوم فحل‪:‬‬

‫والخيل تنحط‬ ‫وغداة فحل قد‬


‫والبل أطوار‬ ‫رأوني معلما ً‬

‫في يوم فحل‬ ‫ما زالت الخيل‬


‫)‪(1660‬‬
‫والقنا موار‬ ‫العراب تدوسهم‬
‫في ردة ما بعدها‬ ‫حتى رمين‬
‫)‪(1661‬‬
‫استمرار‬ ‫سراتهم عن‬
‫‪ ()1659‬العمليات التعرضية والدفاعية عند المسلمين ص ‪. 189‬‬
‫‪ ()1660‬موار‪ :‬أي الرياح تموج فيهم‪.‬‬
‫أسرهم‬
‫خر الرماح عليهم‬ ‫يوم الرداغ فعند‬
‫مدار؟‬ ‫فحل ساعة‬
‫طرا ً ونحوي تبسم‬ ‫ولقد أبدنا في‬
‫البصار‬ ‫الرداغ جموعهم‬
‫وقال أيضًا‪:‬‬
‫ينسى الكمي‬ ‫وغداة فحل قد‬
‫سلحه في‬ ‫شهدنا مأقطا ً‬
‫)‪(1662‬‬
‫الدار‬
‫كر المبيح ريانة‬ ‫ما زلت أرميهم‬
‫)‪(1663‬‬
‫البسار‬ ‫بقرحة كامل‬
‫ينفي العدو إذا‬ ‫حتى فضضنا‬
‫)‪(1664‬‬
‫سما جرار‬ ‫جمعهم بترس‬
‫والشام جسا ً في‬ ‫نحن الولى جسوا‬
‫)‪(1665‬‬
‫ذرى السفار‬ ‫العراق بتردس‬

‫‪ ()1661‬الردغ‪ :‬الماء والطين والوحل الشديد‪.‬‬


‫‪ ()1662‬المأقط‪ :‬ضيف المواقع في الحرب‪.‬‬
‫‪ ()1663‬ريانة‪ :‬التمهل والبطء‪ .‬المبيح‪ :‬السد‪ .‬البسار‪ :‬من بسر‬
‫كلح وجهه وتذمر‪.‬‬
‫‪ ()1664‬العمليات الدفاعية ص ‪. 192‬‬
‫‪ ()1665‬ذرى السفار‪ :‬أعاليها وأصعبها‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬فتح بيسان وطبرّية‪:‬‬
‫انصرف أبو عبيدة وخالد بمن معهما من الجيوش‬
‫نحو حمص كما أمر أمير المؤمنين عمر بن‬
‫الخطاب‪ ،‬واستخلف أبو عبيدة على الردن‬
‫شرحبيل بن حسنة‪ ،‬فسار شرحبيل ومعه عمرو‬
‫سان فخرجوا إليه فقتل‬ ‫بن العاص‪ ،‬فحاصر ب َي ْ َ‬
‫منهم مقتلة عظيمة‪ ،‬ثم صالحوه على مثل ما‬
‫صالحت عليه دمشق‪ ،‬وضرب عليهم الجزية‪،‬‬
‫والخراج على أراضيهم‪ ،‬وكذلك فعل أبو العور‬
‫السلمي بأهل طبرية سواء)‪.(1666‬‬
‫مص سنة ‪15‬هب‪:‬‬ ‫رابعًا‪ :‬وقعة ِ‬
‫ح ْ‬
‫واصل أبو عبيدة تتبعه للروم المنهزمين إلى‬
‫حمص‪ ،‬ونزل حولها يحاصرها‪ ،‬ولحقه خالد بن‬
‫الوليد‪ ،‬فحاصروها حصارا ً شديدًا‪ ،‬وذلك في زمن‬
‫البرد الشديد‪ ،‬وصابر أهل البلد رجاء أن يصرف‬
‫صَبر الصحابة‬
‫و َ‬
‫المسلمين عن المدينة شدة البرد‪َ ،‬‬
‫صبرا ً عظيما ً بحيث إنه ذكر غير واحد أن من‬
‫الروم من كان يرجع‪ ،‬وقد سقطت رجله وهي‬
‫في الخف‪ ،‬والصحابة ليس في أرجلهم شيء‬
‫سوى النعال‪ ،‬ومع هذا لم يصب منهم قدم ول‬
‫إصبع‪ ،‬ولم يزالوا كذلك حتى انسلخ فصل الشتاء‬
‫فاشتد الحصار‪ ،‬وأشار بعض كبار أهل حمص‬
‫عليهم بالمصالحة فأبوا عليه ذلك وقالوا‪ :‬أنصالح‬
‫مِلك منا قريب؟ فيقال إن الصحابة كبروا في‬ ‫وال َ‬
‫بعض اليام تكبيرة ارتجت منها المدينة ووقعت‬
‫زلزلة تفطرت منها بعض الجدران ثم تكبيرة‬
‫أخرى فسقطت بعض الدور‪ ،‬فجاءت عامتهم إلى‬
‫‪ ()1666‬ترتيب وتهذيب البداية والنهاية ص ‪. 61‬‬
‫خاصتهم فقالوا‪ :‬أل تنظرون إلى ما نزل بنا‪ ،‬وما‬
‫نحن فيه؟ أل تصالحون القوم عنا؟ قال‪:‬‬
‫فصالحوهم على ما صالحوا عليه أهل دمشق‪،‬‬
‫ب الخراج على‬ ‫على نصف المنازل‪ ،‬وضْر ِ‬
‫الراضي‪ ،‬وأخذ الجزية على الرقاب بحسب‬
‫الغنى والفقر‪ ،‬وبعث أبو عبيدة بالخماس‬
‫والبشارة إلى عمر مع عبد الله بن مسعود وأنزل‬
‫أبو عبيدة بحمص جيشا ً كثيفا ً يكون بها مع‬
‫جماعة من المراء منهم بلل‪ ،‬والمقداد‪ ،‬وكتب‬
‫أبو عبيدة إلى عمر يخبره بأن هرقل قد قطع‬
‫الماء)‪ (1667‬عن الجزيرة وأنه يظهر تارة ويخفى‬
‫أخرى فبعث إليه عمر يأمره بالمقام ببلده)‪.(1668‬‬
‫خامسًا‪ :‬وقعة قّنسرين سنة ‪15‬هب‪:‬‬
‫)‪(1669‬‬
‫‪،‬‬ ‫قّنسرين‬‫بعث أبو عبيدة خالد بن الوليد إلى ِ‬
‫فلما جاءها ثار إليه أهلها ومن عندهم من‬
‫نصارى العرب‪ ،‬فقاتلهم خالد فيها قتال ً شديدا ً‬
‫وقتل منهم خلقا ً كثيرًا‪ ،‬فأما من هناك من الروم‬
‫فأبادهم وقتل أميرهم ميناس‪ ،‬وأما العراب‬
‫فإنهم اعتذروا إليه بأن هذا القتال لم يكن عن‬
‫رأينا فقبل منهم خالد وكف عنهم‪ ،‬ثم خلص إلى‬
‫البلد فتحصنوا فيه‪ ،‬فقال لهم خالد‪ :‬إنكم لو‬
‫كنتم في السحاب لحملنا الله إليكم أو لنزلكم‬
‫إلينا ولم يزل بهم حتى فتحها الله عليه‪ ،‬فلما‬
‫بلغ عمر ما صنعه خالد في هذه الموقعة قال‪:‬‬
‫يرحم الله أبا بكر‪ ،‬كان أعلم بالرجال مني‪ ،‬والله‬

‫‪ ()1667‬أي نهر الفرات إلى الجزيرة‪.‬‬


‫‪ ()1668‬ترتيب وتهذيب البداية والنهاية ص ‪. 62‬‬
‫‪ ()1669‬تاريخ الطبري )‪.(4/427‬‬
‫إني لم أعزله عن ريبة ولكن خشيت أن يوكل‬
‫الناس إليه)‪.(1670‬‬
‫سادسًا‪ :‬وقعة ِقيسارية سنة ‪15‬هب‪:‬‬
‫مر عمر معاوية بن أبي سفيان‬ ‫وفي هذه السنة أ ّ‬
‫على قْيسارية)‪ (1671‬وكتب إليه‪ :‬أما بعد فقد‬
‫وليتك قيسارية فسر إليها واستنصر الله عليهم‪،‬‬
‫وأكثر من قول ل حول ول قوة إل بالله العلي‬
‫العظيم‪ ،‬الله ربنا وثقتنا ورجاؤنا ومولنا فنعم‬
‫المولى ونعم النصير‪ ،‬فسار إليها فحاصرها‪،‬‬
‫ة‬
‫ع َ‬
‫ق َ‬‫و ْ‬‫وزاحفه أهلها مرات عديدة‪ ،‬وكان آخرها َ‬
‫أن قاتلوا قتال ً عظيمًا‪ ،‬وصمم عليهم معاوية‪،‬‬
‫واجتهد في القتال حتى فتح الله عليه فما‬
‫و من ثمانين‬ ‫انفصل الحال حتى قتل منهم نح ٌ‬
‫مل المائة اللف من الذين انهزموا عن‬ ‫ألفًا‪ ،‬وك ّ‬
‫المعركة وبعث بالفتح والخماس إلى أمير‬
‫المؤمنين عمر رضي الله عنه)‪ (1672‬هذا ويرى‬
‫الدكتور عبد الرحمن الشجاع أن مدن الشام‬
‫تساقطت تحت ضربات المجاهدين الواحدة تلو‬
‫الخرى‪ ،‬لن الروم كانوا من الهزيمة بمكان ل‬
‫تجعلهم يفكرون في المقاومة فتساقطت مدن‬
‫بيروت‪ ،‬وصيدا‪ ،‬ونابلس‪ ،‬واللد‪ ،‬وحلب‪ ،‬وإنطاكية‬
‫وكانت قيسارية آخر مدن الشام فتحا ً على يد‬
‫معاوية بن أبي سفيان وكان ذلك بعد فتح‬
‫القدس)‪.(1673‬‬

‫ترتيب وتهذيب البداية والنهاية ص ‪. 63‬‬ ‫‪()1670‬‬


‫تاريخ الطبري )‪.(4/431‬‬ ‫‪()1671‬‬
‫ترتيب وتهذيب البداية والنهاية ص ‪. 63،64‬‬ ‫‪()1672‬‬
‫دراسات في عهد النبوة والخلقة الراشدة ص ‪. 355‬‬ ‫‪()1673‬‬
‫سابعًا‪ :‬فتح القدس‪16 :‬هب‪:‬‬
‫ي دعى‬ ‫كان على فلسطين قائدٌ رومان ٌ‬
‫)الرطبون( أي القائد الكبير الذي يلي‬
‫المبراطور وكان هذا أدهى الروم وأبعدها غورا ً‬
‫ل‪ ،‬وكان قد وضع بالرملة جندا ً عظيمًا‪،‬‬ ‫وأنكاها فع ً‬
‫وبإيلياء جندا ً عظيما ً)‪ ،(1674‬وكتب عمرو بن العاص‬
‫إلى عمر رضي الله عنهما‪ ،‬يخبره بذلك‪،‬‬
‫ويستشيره ويستأمره‪ ،‬فقال عمر كلمته‬
‫الشهيرة‪ :‬قد رمينا أرطبون الروم بأرطبون‬
‫العرب‪ ،‬فانظروا عما تنفرج )‪ (1675‬وكان يقصد‬
‫بذلك‪ ،‬أن كل القائدين أدهى الرجال في‬
‫قومهما‪ ،‬وكانت معركة أجنادين الثانية )‪15‬هل(‬
‫التي انتصر فيها عمرو على الروم قد مهدت‬
‫الطريق إلى فلسطين)‪ ،(1676‬وقد بدأت معركة‬
‫القدس عمليًا‪ ،‬قبل معركة أجنادين الثانية )‬
‫‪15‬هل( ذلك أن أرطبون الروم كان قد وزع )جندا ً‬
‫عظيمًا( له في كل من إيلياء والرملة كما سبق‬
‫أن قدمنا وبين الرملة وإيلياء أي القدس‪ ،‬ثمانية‬
‫ل‪ ،‬وذلك تحسبا ً لي هجوم من قبل‬ ‫عشر مي ً‬
‫المسلمين‪ ،‬بقيادة عمرو بن العاص‪ ،‬على‬
‫المدينتين اللتين كانتا أهم مدن )كورة‬
‫فلسطين(‪ ،‬إذ كانت الرملة )قصبة فلسطين(‪،‬‬
‫وكانت إيلياء أكبر مدنها)‪ ،(1677‬وكان على الروم‬
‫في إيليا حاكمها الرطبون وهو الرطبون نفسه‬

‫‪ ()1674‬حروب القدس في التاريخ السلمي والعربي د‪ .‬ياسين‬


‫سويد ص ‪. 35‬‬
‫‪ ()1675‬تاريخ الطبري )‪.(4/431‬‬
‫‪ ()1676‬حروب القدس في التاريخ السلمي والعربي ص ‪. 35‬‬
‫‪ ()1677‬المصدر نفسه ص ‪. 35،36‬‬
‫الذي كان قد لجأ وفلول جيشه إليها بعد‬
‫هزيمتهم في أجنادين‪ ،‬وكان عليهم في الرملة‬
‫التذارق)‪ (1678‬وهذه أهم المراحل التي مّر بها‬
‫المسلمون عند فتحهم للقدس‪.‬‬
‫‪ -1‬المشاغلة‪:‬‬
‫كانت خطة الخليفة عمر أن يشغل الروم عن‬
‫عمرو في فلسطين ريثما يتم النتصار على‬
‫حشودهم في أجنادين‪ ،‬حتى يتفرغ المسلمون‬
‫بعدها لفتح القدس وما تبقى من بلد الشام‪،‬‬
‫فأمر معاوية أن يتوجه بخيله إلى قيسارية‬
‫ليشغل حاميتها عن عمرو وأما عمرو فكان قد‬
‫اعتمد الخطة نفسها التي اعتمدها الخليفة‪،‬‬
‫فأرسل كل ً من علقمة بن حكيم الفراس ّ‬
‫ي‪،‬‬
‫ي على رأس قوة‬ ‫ومسروق بن فلن المك ّ‬
‫لمشاغلة حامية الروم في إيلياء‪ ،‬فصاروا بإزاء‬
‫أهل إيلياء‪ ،‬فشغلوهم عن عمرو)‪ ،(1679‬ثم‬
‫أرسل أبا أيوب المالكي على رأس قوة أخرى‬
‫لمشاغلة حاميتهم في الرملة‪ ،‬وما إن وصلت‬
‫المدادات إلى عمرو حتى أرسل محمد بن‬
‫عمرو مع مدد لقواته المرابطة في مواجهة‬
‫حامية إيلياء‪ ،‬كما أرسل عمارة بن عمرو بن‬
‫أمية الضمري مع مدد لقواته المرابطة في‬
‫مواجهة حامية الرملة‪ ،‬أما هو فأقام في‬
‫أجنادين بانتظار المعركة الحاسمة مع‬
‫الرطبون وفي هذه الثناء كانت حامية إيلياء‬
‫تصد المسلمين عن أسوارها‪ ،‬وكان القتال‬
‫‪ ()1678‬تاريخ الطبري )‪.(4/432‬‬
‫‪ ()1679‬حروب القدس ص ‪. 36‬‬
‫يستعر حول المدينة المقدسة بينما كان‬
‫المسلمون والروم يحتشدون للقتال في‬
‫)‪(1680‬‬
‫‪ ،‬إذ‬ ‫أجنادين وكانت معركة أجنادين عنيفة‬
‫يقول الطبري فيها‪ :‬اقتتلوا – أي المسلمون‬
‫والروم – قتال ً شديدا ً كقتال اليرموك‪ ،‬حتى‬
‫كثرت القتلى بينهم)‪ ،(1681‬فقد نازل أرطبون‬
‫العرب أرطبون الروم في أجنادين فهزمه‪،‬‬
‫وارتدّ أرطبون الروم وجنده ليحتموا بأسوار‬
‫المدينة المقدسة فأفرج له المسلمون حتى‬
‫دخلها)‪ ،(1682‬ويذكر الطبري أن كل ً من علقمة‬
‫ومسروق ومحمد بن عمرو وأبي أيوب التحقوا‬
‫بعمرو في أجنادين‪ ،‬وسار عمرو بجيشه جميعا ً‬
‫نحو إيلياء لمحاصرتها)‪.(1683‬‬
‫اجتمع المسلمون‪ ،‬بقيادة عمرو بن العاص‬
‫حول إيلياء‪ ،‬وضرب عمرو على المدينة حصارا ً‬
‫شديدًا‪ ،‬وكانت المدينة حصينة ومنيعة‪ ،‬ويصف‬
‫الواقدي أسوار المدينة بأنها كانت محصنة‬
‫بالمجانيق والطوارق والسيوف والدرق‬
‫والجواشن والزرد الفاخرة ويذكر أن القتال‬
‫بدأ بعد ثلثة أيام من الحصار‪ ،‬حيث تقدم‬
‫المسلمون نحو أسوار المدينة فأمطرتهم‬
‫حاميتها بوابل من السهام والنبال التي كان‬
‫المسلمون يتلقونها )بدرقهم( وكان القتال‬
‫يمتد من الصباح إلى غروب الشمس واستمر‬
‫على هذا المنوال عدة أيام‪ ،‬حتى كان اليوم‬
‫المصدر نفسه ص ‪. 36‬‬ ‫‪()1680‬‬
‫تاريخ الطبري )‪.(4/433‬‬ ‫‪()1681‬‬
‫المصدر نفسه )‪.(4/433‬‬ ‫‪()1682‬‬
‫حروب القدس ص ‪. 37‬‬ ‫‪()1683‬‬
‫الحادي عشر إذ أقبل أبو عبيدة على‬
‫المسلمين ومعه خالد وعبد الرحمن بن أبي‬
‫بكر‪ ،‬ومعهم فرسان المسلمين وأبطال‬
‫الموحدين)‪ (1684‬مما ألقى الجزع في قلوب‬
‫أهل إيلياء‪ ،‬واستمر الحصار أربعة اشهر‪ ،‬ما‬
‫من يوم إل وجرى فيه قتال شديد‬
‫)والمسلمون صابرون على البرد والثلج‬
‫والمطر)‪ ،(1685‬إلى أن يئس الروم من مقاومة‬
‫حصار المسلمين لمدينتهم‪ ،‬فقرر بطريقهم‬
‫)البطريق صفرونيوس( القيام بمحاولة أخيرة‪،‬‬
‫وكتب إلى عمرو بن العاص‪ ،‬قائد جيش‬
‫المسلمين‪ ،‬رسالة يغريه فيها بفك الحصار‬
‫نظرا ً لستحالة احتلل المدينة)‪.(1686‬‬
‫‪ -3‬الستسلم ‪:‬‬
‫كتب أرطبون الروم إلى عمرو بن العاص‬
‫يقول له‪ :‬إنك صديقي ونظيري‪ ،‬أنت في‬
‫قومك مثلي في قومي‪ ،‬والله ل تفتح من‬
‫ره‬‫فلسطين شيئا ً بعد أجنادين‪ ،‬فارجع ولُتغ ِ‬
‫فتلقى ما لقي الذين قبلك من الهزيمة)‪،(1687‬‬
‫فكتب إليه عمرو كتابا ً يقول فيه إنه )صاحب‬
‫فتح هذه البلد(‪ ،‬وأرسل الكتاب مع رسول‬
‫وأمره أن ينقل إليه رد الرطبون‪ ،‬فلما قرأ‬
‫الرطبون كتاب عمرو ضحك مما جاء فيه‬
‫وقال إن صاحب فتح بيت المقدس هو رجل‬
‫‪ ()1684‬حروب القدس ص ‪. 38‬‬

‫‪ ()1685‬المصدر نفسه ص ‪. 38‬‬


‫‪ ()1686‬المصدر نفسه ص ‪. 38‬‬
‫‪ ()1687‬تاريخ الطبري )‪.(4/433‬‬
‫اسمه )عمر(‪ ،‬ونقل الرسول إلى عمرو ما‬
‫سمعه من الرطبون‪ ،‬فعرف عمرو أن الرجل‬
‫الذي يعنيه الرطبون هو الخليفة)‪ ،(1688‬فكتب‬
‫إلى الخليفة يخبره بما جاء على لسان‬
‫الرطبون أنه ل يفتح المدينة إل هو‪،‬‬
‫ويستمده‪ ،‬ويستشيره قائل ً إني أعالج حربا ً‬
‫دخرت لك‪ ،‬فرأيك)‪،(1689‬‬ ‫كؤودا ً صدوما ً وبلدا ً ا ّ‬
‫فخرج الخليفة – بعد الستشارة – في مدد من‬
‫الجند‪ ،‬إلى الشام‪ ،‬بعد أن استخلف على‬
‫المدينة علي بن أبي طالب رضي الله عنه‬
‫ونزل بالجابية‪ ،‬فجاءه أهل إيلياء )فصالحوه‬
‫على الجزية‪ ،‬وفتحوها له( )‪.(1690‬‬
‫‪ -4‬اختلف الروايات فيمن حاصر القدس والتحقيق فيها‪:‬‬
‫روى الطبري أكثر من رواية في حصار‬
‫القدس وقد ذكرت أن الذي حاصرها هو عمرو‬
‫بن العاص وذكر رواية أخرى قال فيها‪ :‬كان‬
‫سبب قدوم عمر إلى الشام‪ ،‬أن أبا عبيدة‬
‫حضر بيت المقدس‪ ،‬فطلبت أهلها منه أن‬
‫يصالحهم على صلح مدن أهل الشام‪ ،‬وأن‬
‫يكون المتولي للعقد عمر بن الخطاب‪ ،‬فكتب‬
‫إليه ذلك‪ ،‬فسار عن المدينة بعد أن استخلف‬
‫عليها )عليًا(‪ ،‬وخرج )ممدا ً لهم( أي لعسكر‬
‫الشام ويروي ابن الثير روايتين مماثلتين‬
‫لروايتي الطبري‪ ،‬بل متشابهتين في النص‬

‫‪ ()1688‬المصدر نفسه )‪.(4/433‬‬


‫‪ ()1689‬تاريخ الطبري )‪.(4/433‬‬
‫‪ ()1690‬تاريخ الطبري )‪.(4/434‬‬
‫إلى حد كبير)‪ ،(1691‬وينسب الواقدي حصار‬
‫القدس وما جرى خلله من تشاور مع الخليفة‬
‫عمر رضي الله عنه ومن تفاوض مع حاميتها‬
‫الرومية‪ ،‬إلى أبي عبيدة‪ ،‬فيذكر أن أبا عبيدة‬
‫سّرح إلى بيت المقدس خمسة وثلثين ألف‬
‫مقاتل بقيادة سبعة قادة‪ ،‬مع كل قائد خمسة‬
‫آلف‪ ،‬وهم‪ :‬خالد بن الوليد‪ ،‬ويزيد بن أبي‬
‫سفيان‪ ،‬وشرحبيل بن حسنة‪ ،‬والمرقال بن‬
‫هاشم بن أبي وقاص‪ ،‬والمسّيب بن نجيه‬
‫الفزاري‪ ،‬وقيس بن هبيرة المرادي‪ ،‬وعروة‬
‫بن المهلل بن يزيد‪ ،‬سّرحهم في سبعة أيام‪،‬‬
‫كل يوم قائد‪ ،‬ثم لحق بهم بعد أن نشب‬
‫القتال‪ ،‬عدة أيام‪ ،‬بينهم وبين حامية‬
‫المدينة)‪ ،(1692‬ويستطرد الواقدي فيقول إن‬
‫أهل إيلياء جاءوا إلى أبي عبيدة يعرضون عليه‬
‫دخول المدينة صلحًا‪ ،‬على أن يتم الصلح على‬
‫يدي خليفة المسلمين عمر‪ ،‬ثم يذكر رواية‬
‫مشابهة لتلك التي رواها كل من الطبري وابن‬
‫الثير ويضيف أن أبا عبيدة كتب إلى الخليفة‬
‫يخبره بما جرى‪ ،‬فسار الخليفة إلى بيت‬
‫المقدس ونزل عند أسوار المدينة‪ ،‬فخرج إليه‬
‫بطريقها وتعرف إليه وقال‪ :‬هذا والله الذي‬
‫نجد صفته ونعته في كتبنا ومن يكون فتح‬
‫بلدنا على يديه)‪ .(1693‬ثم عاد إلى قومه‬
‫يخبرهم فخرجوا مسرعين وكانوا قد ضاقت‬
‫أنفسهم من الحصار‪ ،‬ففتحوا الباب‪ ،‬وخرجوا‬
‫‪ ()1691‬حروب القدس ص ‪. 40‬‬
‫‪ ()1692‬فتوح الشام )‪.(216-1/213‬‬
‫‪ ()1693‬المصدر نفسه )‪.(1/225‬‬
‫إلى عمر بن الخطاب يسألونه العهد والميثاق‬
‫والذمة ويقرون له بالجزية)‪ ،(1694‬ونحن نستبعد‬
‫رواية الواقدي هذه‪ ،‬لعتقادنا أنه‪ ،‬بينما كان‬
‫عمرو بن العاص يحاصر القدس‪ ،‬كان رفاقه‬
‫من قادة المسلمين‪ ،‬بعد اليرموك ودمشق‬
‫وفحل‪ ،‬يجوبون أنحاء بلد الشام غانمين‬
‫منتصرين‪ ،‬فيحتل‬
‫أبو عبيدة‪ ،‬ومعه خالد بن الوليد‪ ،‬حمص وحماة‬
‫وقنسرين وحلب‪ ،‬ثم يسلك طريق الساحل‬
‫الشامي جنوبا ً فيستولي على إنطاكية‬
‫واللذقية وعرقة‪ .‬ويحتل يزيد بن‬
‫أبي سفيان الساحل‪ ،‬جنوبا ً من بيروت إلى‬
‫صيدا‪ ،‬وشمال من عسقلن إلى صور)‪،(1695‬‬
‫ولكن البلذري يذكر‪ ،‬في رواية له‪ ،‬أن عمرو‬
‫بن العاص هو الذي حاصر القدس‪ ،‬بعد أن فتح‬
‫رفح‪ ،‬وأن أبا عبيدة )قدم عليه‪ ..‬بعد أن فتح‬
‫قنسرين ونواحيها وذلك في سنة ‪ ،16‬وهو‬
‫محاصر إيلياء‪ ،‬وإيلياء مدينة بيت‬
‫المقدس)‪ ،(1696‬وأن أهل إيلياء طلبوا من أبي‬
‫عبيدة )المان والصلح على مثل ما صولح عليه‬
‫أهل مدن الشام( على أن يتولى العقد لهم‬
‫عمر بن الخطاب نفسه‪ ،‬وقد كتب أبو عبيدة‬
‫إلى الخليفة بذلك‪ ،‬فقدم عمر فنزل الجابية‬
‫من دمشق‪ ،‬ثم صار إلى إيلياء‪ ،‬فأنفذ صلح‬
‫أهلها وكتب به‪ ،‬وكان فتح إيلياء في سنة‬
‫‪17‬هل‪ ،‬ويضيف البلذري بعد ذلك‪ :‬وقد روي‬
‫‪ ()1694‬حروب القدس ص ‪. 40‬‬
‫‪ ()1695‬حروب القدس ص ‪. 41‬‬
‫‪ ()1696‬فتوح البلدان )‪.(189-1/188‬‬
‫في فتح إيلياء وجه آخر)‪ ،(1697‬ومع أننا نرجح‬
‫الرواية الولى التي أوردها الطبري وهي أن‬
‫م على يد عمرو بن العاص‪،‬‬ ‫حصار القدس ت ّ‬
‫وليس على يد‬
‫أبي عبيدة فنحن نرى أنه لم يكن صعبا ً على‬
‫أبي عبيدة أن يلتحق بالخليفة عمر في الجابية‬
‫للتشاور معه حول أمور الفتح باعتباره القائد‬
‫العام لجيوش المسلمين في الشام‪ ،‬وخصوصا ً‬
‫عندما نعلم أن أبا عبيدة كان ثاني من لقي‬
‫بعد الخليفة يزيد حين وصوله إلى الجابية‬
‫واستدعائه لسائر أمراء الجناد في‬
‫الشام)‪ ،(1698‬للتشاور‪ ،‬وأن‬
‫أبا عبيدة حضر‪ ،‬مع يزيد وشرحبيل وكبار قادة‬
‫المسلمين في الشام‪ ،‬عقد الصلح والمان‪،‬‬
‫وتسليم المدينة)‪ .(1699‬إل أنه لم يشهد على هذا‬
‫العقد كما شهد عليه كل من عمرو بن العاص‬
‫وعبد الرحمن بن عوف ومعاوية بن أبي‬
‫سفيان وخالد بن الوليد كما يستدل من نص‬
‫المعاهدة نفسها وليس لدينا أي تفسير لذلك‬
‫سوى أن‬
‫أبا عبيدة لم يكن قائد الجيش الذي حاصر‬
‫المدينة المستسلمة‪ ،‬بل هو عمرو)‪.(1700‬‬
‫‪ -5‬نص المعاهدة‪:‬‬
‫وفيما يلي نص المعاهدة كما أوردها الطبري‪:‬‬

‫المصدر نفسه )‪.(1/189‬‬ ‫‪()1697‬‬


‫تاريخ الطبري )‪.(436-4/431‬‬ ‫‪()1698‬‬
‫حروب القدس ص ‪. 41‬‬ ‫‪()1699‬‬
‫حروب القدس ص ‪. 42‬‬ ‫‪()1700‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‪ ،‬هذا ما أعطى عبد‬
‫الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من المان‪،‬‬
‫أعطاهم أمانا ً لنفسهم وأموالهم‪ ،‬ولكنائسهم‬
‫وصلبانهم‪ ،‬وسقيمها وبريئها وسائر ملتها‪ ،‬أنه‬
‫ل تسكن كنائسهم ول ُتهدم‪ ،‬ول ينتقص منها‬
‫ول من حّيزها ول من صليبهم‪ ،‬ول من شيء‬
‫من أموالهم‪ ،‬ول ُيكرهون على دينهم ول ُيضاّر‬
‫أحد منهم‪ ،‬ول يسكن بإيلياء معهم أحد من‬
‫اليهود وعلى أهل إيلياء أن ُيعطوا الجزية كما‬
‫يعطي أهل المدائن‪ ،‬وعليهم أن ُيخرجوا منها‬
‫الروم واللصوت )اللصوص( فمن خرج منهم‬
‫فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا‬
‫مأمنهم‪ ،‬ومن أقام منهم فهو آمن‪ ،‬وعليه مثل‬
‫ما على أهل إيلياء من الجزية‪ ،‬ومن أحب من‬
‫أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم‬
‫صُلبهم فإنهم آمنون على‬ ‫ويخّلي ب َِيعهم و ُ‬
‫صُلبهم‪ ،‬حتى يبلغوا‬‫أنفسهم وعلى ب َِيعهم و ُ‬
‫مأمنهم‪ ،‬ومن كان بها من أهل الرض قبل‬
‫مقتل فلن؛ فمن شاء منهم قعد‪ ،‬وعليه مثل‬
‫ما على أهل إيلياء من الجزية‪ ،‬ومن شاء سار‬
‫مع الروم‪ ،‬ومن شاء رجع إلى أهله‪ ،‬فإنه ل‬
‫يؤخذ منهم شيء حتى يحصد حصادهم‪ ،‬وعلى‬
‫ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة‬
‫الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم‬
‫من الجزية‪ ،‬شهد على ذلك خالد بن الوليد‬
‫وعمرو بن العاص وعبد الرحمن بن عوف‬
‫ومعاوية بن أبي سفيان وكتب وحضر سنة‬
‫خمس عشر)‪.(1701‬‬
‫• أهم الدروس والعبر والفوائد‪:‬‬
‫أ‪ -‬موقببف فببدائي لواثلببة بببن السببقع رضببي اللببه عنببه‪ :‬قال‬
‫واثلة‪ .. :‬فأسللمع صللرير بللاب الجابيللة – وهللو‬
‫واحد من أبواب دمشق – فمكثللت فللإذا بخيللل‬
‫عظيمة فأمهلتها‪ ،‬ثللم حملللت عليهللم وكب ّللرت‬
‫فظنوا أنهم أحيط بهم‪ ،‬فانهزموا إلللى البلللد‪،‬‬
‫وأسلموا عظيمهم – يعني قائدهم – فدعسته‬
‫بالرمللح وألقيتلله عللن برذونلله‪ ،‬وضللربت يللدي‬
‫على عنان البرذون وركضللت‪ ،‬والتفتللوا فلمللا‬
‫رأوني وحدي تبعوني فدعست فارسا ً بالرمللح‬
‫فقتلته‪ ،‬ثم دنا آخر فقتلته‪ ،‬ثم جئت خالد بللن‬
‫الوليد فأخبرته وإذا عنللده عظيللم مللن الللروم‬
‫يلتمس المان لهل دمشق)‪.(1702‬‬
‫ب‪ -‬سفارة معاذ بن جبل إلى الروم قبيل )موقعة فحل(‪:‬‬
‫بعد مناوشات بين المسلمين والروم‪ ،‬قبيل‬
‫موقعة فحل‪ ،‬أرسل الروم إلى المسلمين أن‬
‫ل‪ ،‬نسأله عما تريدون وما‬ ‫ابعثوا إلينا رج ً‬
‫تسألونه وما تدعون إليه ونخبره بما نريد‪.‬‬
‫فأرسل إليهم أبو عبيدة معاذ بن جبل‬
‫النصاري مفاوضا ً وسفيرا ً عن المسلمين‪،‬‬
‫فاستعد الروم لستقباله‪ ،‬وأظهروا أجمل ما‬
‫عندهم من الزينة‪ ،‬وأنفذ ما عندهم من‬
‫السلحة‪ :‬وفرشوا الرض بأثمن البسط‬
‫‪ ()1701‬تاريخ الطبري )‪.(4/436‬‬
‫‪ ()1702‬سير أعلم النبلء )‪ ، (387-3/386‬التاريخ السلمي )‬
‫‪.(10/319‬‬
‫والنمارق التي تكاد تخطف البصار‪ ،‬ليفتنوا‬
‫معاذا عما جاء له أو يرهبوه ويفتوا في عضده‬
‫ففاجأهم بتعاليه عن زينتهم‪ ،‬ورفضه لكل‬
‫أشكال المغريات‪ ،‬وبشدة تواضعه وزهده‪ ،‬بل‬
‫اغتنم ذلك الموقف لستخدامه سلحا ً ضد‬
‫الروم‪ ،‬فأمسك بعنان فرسه‪ ،‬وأبى أن يعطيه‬
‫لغلم من الروم‪،‬‬
‫وأبى الجلوس على ما أعدوه لستقباله وقال‬
‫لهم ل أجلس على هذه النمارق التي‬
‫استأثرتم بها على ضعفائكم‪ ..‬وجلس على‬
‫الرض‪ ..‬وقال إنما أنا عبد من عباد الله أجلس‬
‫على بساط الله‪ ،‬ول أستأثر بشيء من مال‬
‫الله على إخواني)‪ ،(1703‬ودار بينهم حوار سألوه‬
‫فيه عن السلم فأجابهم‪ ،‬وسألوه عن نبي‬
‫الله عيسى عليه السلم فقرأ عليه قوله‬
‫ه‬
‫ق ُ‬‫خل َ َ‬
‫م َ‬ ‫ل آد َ َ‬ ‫عن ْدَ الل ّ ِ‬
‫ه كَ َ‬
‫مث َ ِ‬ ‫سى ِ‬ ‫عي َ‬ ‫ل ِ‬ ‫مث َ َ‬‫ن َ‬‫تعالى‪  :‬إ ِ ّ‬
‫ن)‪)  (59‬آل‬ ‫كو ُ‬ ‫في َ ُ‬
‫ن َ‬‫ه كُ ْ‬‫ل لَ ُ‬ ‫قا َ‬‫م َ‬ ‫ب ثُ ّ‬
‫ن ت َُرا ٍ‬
‫م ْ‬
‫ِ‬
‫عمران‪،،‬آية‪.(59:‬وأوضح لهم ما يريد منهم‬
‫َ‬
‫ها‬‫المسلمون‪ ،‬وقرأ عليهم قوله تعالى‪َ  :‬ياأي ّ َ‬
‫دوا‬ ‫ول ْي َ ِ‬
‫ج ُ‬ ‫ر َ‬ ‫ن ال ْك ُ ّ‬
‫فا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ي َُلون َك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫قات ُِلوا ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫مُنوا َ‬
‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫غل ْظًَة ‪) ‬التوبة‪،‬آية‪ .(123:‬وقالوا له إن سبب‬ ‫م ِ‬‫فيك ُ ْ‬ ‫ِ‬
‫انتصار المسلمين على الفرس هو موت‬
‫ملكهم‪ ،‬وإن ملك الروم حي وجنوده ل تحصى‪،‬‬
‫فقال لهم إن كان ملككم هرقل‪ ،‬فإن ملكنا‬
‫الله وأميرنا رجل منا‪ ،‬إن عمل فينا بكتاب الله‬
‫وسنة نبينا أقررناه‪ ،‬وإن غير عزلناه‪ ،‬ول‬

‫‪ ()1703‬الكتفاء للكلعي )‪.(3/194‬‬


‫يحتجب عنا ول يتكبر ول يستأثر علينا)‪،(1704‬‬
‫وأما عن كثرتهم فقد قرأ عليهم قوله تعالى‪:‬‬
‫والل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ه َ‬‫ن الل ّ ِ‬
‫ة ك َِثيَرةً ب ِإ ِذْ ِ‬
‫فئ َ ً‬ ‫غل َب َ ْ‬
‫ت ِ‬ ‫ة َ‬‫قِليل َ ٍ‬
‫ة َ‬
‫فئ َ ٍ‬‫ن ِ‬
‫م ْ‬ ‫م ِ‬‫‪ ‬كَ ْ‬
‫ن)‪)  (249‬البقرة‪،‬آية‪ .(249:‬ولما فشل‬ ‫ري َ‬‫صاب ِ ِ‬‫ع ال ّ‬‫م َ‬
‫َ‬
‫الروم في التأثير في معاذ أو النيل منه‪ ،‬فيما‬
‫أعدوه من بهارج وخيلء‪ ،‬عادوا إلى الواقع‬
‫يعرضون عليه الصلح‪ ،‬وأن يعطوا المسلمين‬
‫البلقاء وما والها فأعلمهم معاذا ً أنه ليس‬
‫أمامهم إل السلم أو الجزية‪ ،‬أو الحرب‪،‬‬
‫فغضبوا وقالوا اذهب إلى أصحابك‪ ،‬إنا لنرجو‬
‫أن نقرنكم في الحبال‪ .‬فقال معاذ‪ :‬أما الحبال‬
‫فل‪ ،‬ولكن والله لتقتلننا عن آخرنا أو‬
‫لنخرجنكم منها أذلة وأنتم صاغرون‪ ،‬ثم‬
‫انصرف)‪ ،(1705‬وهكذا ظهر معاذ في هذه‬
‫السفارة شخصية سياسية عسكرية‪ ،‬وداعية‬
‫إلى السلم يواجه حجج خصومه‪ ،‬ويوجه إليهم‬
‫النقد اللذع‪ ،‬مظهرا ً عيوبهم واستئثارهم على‬
‫رعيتهم‪ ،‬ويذكرهم بتعاليم دينهم‪ ،‬ويدعوهم‬
‫إلى السلم‪ ،‬أما تهويلهم وحربهم النفسية‬
‫فيرد عليها بالواقع‬
‫ل بالتهويل والتخويف‪ ،‬ثم يعود إلى قيادته‬
‫)‪(1706‬‬
‫‪،‬‬ ‫التي أقرت كل ما قام به وما قاله للروم‬
‫وقد كان المسلمون يدعون خصومهم للسلم‬
‫قبل القتال‪.‬‬

‫ج‪ -‬موقف لعبادة بن الصامت في فتح قيساِرية‪:‬‬


‫‪ ()1704‬الكتفاء للكلعي )‪.(3/194‬‬
‫‪ ()1705‬الكتفاء للكلعي )‪.(3/194‬‬
‫‪ ()1706‬النصار في العصر الراشدي ص ‪. 207‬‬
‫كان عبادة بن الصامت على ميمنة جيش‬
‫المسلمين في حصار قيسارية‪ ،‬فقام رضي‬
‫الله عنه بوعظ جنده ودعاهم إلى تفقد‬
‫أنفسهم‪ ،‬والحيطة من المعاصي ثم قاد‬
‫هجوما ً قتل فيه كثيرا ً من الروم‪ ،‬لكنه لم‬
‫يتمكن من تحقيق هدفه‪ ،‬فعاد إلى موقعه‬
‫الذي انطلق منه‪ ،‬فحرض أصحابه على القتال‪،‬‬
‫وأبدى لهم استغرابه الشديد لعدم تحقيق‬
‫أهداف ذلك الهجوم فقال‪ :‬يا أهل السلم إني‬
‫كنت من أحدث النقباء سنا ً وأبعدهم أجل ً وقد‬
‫قضى الله أن أبقاني حتى قاتلت هذا العدو‬
‫معكم‪ ..‬والذي نفسي بيده ما حملت قط في‬
‫جماعة من المؤمنين على جماعة من‬
‫المشركين‪ ،‬إل خلوا لنا الساحة وأعطانا الله‬
‫عليهم الظفر فما بالكم حملتم على هؤلء‬
‫فلم تزيلوهم؟)‪ (1707‬ثم بين لهم ما يخشاه‬
‫منهم فقال‪ :‬إني والله لخائف عليكم خصلتين‪،‬‬
‫غللتم‪ ،‬أولم تناصحوا الله في‬ ‫أن تكونوا قد ُ‬
‫)‪(1708‬‬
‫‪ ،‬وحث أصحابه على طلب‬ ‫حملتكم عليهم‬
‫الشهادة بصدق‪ ،‬وأعلمهم أنه سيكون في‬
‫مقدمتهم وأنه لن يعود إلى مكانه‪ ،‬إل أن يفتح‬
‫الله عليه أو يرزقه الشهادة)‪ ،(1709‬فلما التحم‬
‫المسلمون والروم‪ ،‬ترجل عبادة عن جواده‪،‬‬
‫وأخذ راجل ً فلما رآه عمير بن سعد النصاري‬
‫نادى المسلمين يعلمهم بما فعل أميرهم‬

‫‪ ()1707‬المصدر نفسه ص ‪. 209‬‬


‫‪ ()1708‬المصدر نفسه ص ‪. 209‬‬
‫‪ ()1709‬المصدر نفسه ص ‪. 209‬‬
‫ويدعوهم إلى القتداء به فقاتلوا الروم حتى‬
‫هزموهم و)أحجروهم في حصنهم( )‪.(1710‬‬

‫د‪ -‬أم حكيم بنت الحارث بن هشام في معركة مرج ال ّ‬


‫صفر‪:‬‬
‫كانت أم حكيم بنت الحارث بن هشام تحت‬
‫عكرمة بن أبي جهل فقتل عنها في معارك‬
‫الشام)‪ ،(1711‬فاعتدت أربعة أشهر وعشرًا‪،‬‬
‫وكان يزيد بن أبي سفيان يخطبها‪ ،‬وكان خالد‬
‫بن سعيد يرسل إليها يعرض لها في خطبتها‪،‬‬
‫فخطبت إلى خالد بن سعيد‪ ،‬فتزوجها‪ ،‬فلما‬
‫نزل المسلمون مرج صفر–وكان خالد قد‬
‫فحل ومرج الصفر– أراد أن‬ ‫شهد أجنادين و ِ‬
‫يعّرس بأم حكيم فجعلت تقول‪ :‬لو أخرت‬
‫ضى الله هذه الجموع‪ ،‬فقال‬ ‫الدخول حتى يف ّ‬
‫خالد‪ :‬إن نفسي تحدثني أني أصاب في‬
‫جموعهم‪ .‬قالت‪ :‬فدونك‪ ،‬فأعرس بها عند‬
‫القنطرة التي بالصفر‪ ،‬فبها سميت قنطرة أم‬
‫حكيم‪ ،‬وأولم عليها‪ ،‬فدعا أصحابه إلى طعام‪،‬‬
‫فما فرغوا من الطعام حتى صفت الروم‬
‫صفوفها وبرز خالد بن سعيد فقاتل فقتل‬
‫وشدت أم حكيم عليها ثيابها وتبدت‪ ،‬وإن‬
‫عليها أثر الخلوق فاقتتلوا أشد القتال على‬
‫النهر‪ ،‬وصبر الفريقان جميعًا‪ ،‬وأخذ السيوف‬
‫بعضها بعضًا‪ ،‬وقتلت أم حكيم يومئذ سبعة‬
‫بعمود الفسطاط الذي بات فيه خالد معرسا ً‬
‫بها)‪.(1712‬‬

‫‪ ()1710‬المصدر نفسه ص ‪. 209‬‬


‫‪ ()1711‬قيل أنه استشهد باليرموك وقيل أجنادين‪ ،‬وقيل يوم فحل‪.‬‬
‫هل‪ -‬قيصر ملك الروم يودع الشام ‪:‬‬
‫في السنة الخامسة عشرة تقهقر هرقل‬
‫)‪(1713‬‬
‫بجنوده‪ ،‬وارتحل عن الشام إلى بلد الروم‬
‫وقيل في سنة ست عشرة)‪ ،(1714‬وكان هرقل‬
‫كلما حج إلى بيت المقدس وخرج منها يقول‪:‬‬
‫عليك السلم يا سورية‪ ،‬تسليم مودع لم يقض‬
‫منك وطرا ً وهو عائد؛ فلما عزم على الرحيل‬
‫من الشام وبلغ الّرها)‪ ،(1715‬طلب من أهلها أن‬
‫يصحبوه إلى الروم فقالوا‪ :‬إن بقاءنا هاهنا‬
‫أنفع لك من رحيلنا معك‪ ،‬فتركهم؛ فلما وصل‬
‫شاط)‪ (1716‬وعل على شرف هنالك‬ ‫م َ‬‫ش ْ‬
‫إلى ِ‬
‫التفت إلى نحو بيت المقدس وقال‪ :‬عليك‬
‫‪،‬‬ ‫)‪(1717‬‬
‫السلم يا سورية سلما ً ل اجتماع بعده‬
‫ثم سار هرقل حتى نزل القسطنطينية‬
‫واستقر بها ملكه‪ ،‬وقد سأل رجل ً ممن اتبعه‪،‬‬
‫سَر مع المسلمين‪ ،‬فقال أخبرني عن‬ ‫ُ‬
‫كان قد أ ِ‬
‫هؤلء القوم‪ ،‬فقال‪ :‬أخبرك كأنك تنظر إليهم‪.‬‬
‫هم فرسان بالنهار ورهبان بالليل‪ ،‬ما يأكلون‬
‫في ذمتهم إل بثمن‪ ،‬ول يدخلون إل بسلم‪،‬‬
‫يقضون على من حاربوه حتى يأتوا عليه‪،‬‬

‫‪ ()1712‬الستيعاب )‪ (4/486‬دور المرأة السياسي‪ ،‬أسماء محمد ص‬


‫‪. 313‬‬
‫‪ ()1713‬تاريخ الطبري )‪.(4/428‬‬
‫‪ ()1714‬ترتيب وتهذيب البداية والنهاية ص ‪. 66‬‬
‫‪ ()1715‬الّرها‪ :‬مدينة بالجزيرة بين الموصل والشام‪.‬‬
‫‪ ()1716‬مدينة على شط الفرات في طرف أرمينية بينها وبين‬
‫الشام‪.‬‬
‫‪ ()1717‬تاريخ الطبري )‪.(4/429‬‬
‫فقال‪ :‬لئن كنت صدقتني ليملكن موضع‬
‫قدمي هاتين)‪.(1718‬‬
‫و‪ -‬إن الله أعّزكم بالسلم‪:‬‬
‫لما قدم عمر رضي الله عنه الشام راكبا ً على‬
‫أبو‬ ‫حماره ورجله من جانب قال له‬
‫عبيدة‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬الن يتلقاك عظماء‬
‫الناس فقال عمر رضي الله عنه‪ :‬إن الله‬
‫أعّزكم بالسلم‪ ،‬فمهما طلبتم العّز في غيره‬
‫أذلكم)‪.(1719‬‬
‫ز‪ -‬من خطبته بالجابية لما وصل الشام‪:‬‬
‫خطب عمر رضي الله عنه بالجابية‪ ،‬فقال‪ :‬إن‬
‫رسول الله ‪ ‬قام في مثل مقامي هذا‬
‫فقال‪ :‬أحسنوا إلى أصحابي ثم الذين يلونهم‪،‬‬
‫ئ قوم يحلف أحدهم‬ ‫ثم الذين يلونهم‪ ،‬ثم يج ُ‬
‫حَلف عليها‪ ،‬ويشهد‬ ‫ست َ ْ‬
‫على اليمين قبل أن ي ُ ْ‬
‫على الشهادة قبل أن ُيستشهد‪ ،‬فمن أحب‬
‫حُبوحة الجنة‪ ،‬فليلزم الجماعة‪،‬‬ ‫منكم أن ينال ب ُ ْ‬
‫فإن الشيطان مع الواحد وهو من الثنين أبعد‪،‬‬
‫ول يخلون رجل بامرأة فإن ثالثهما الشيطان‪،‬‬
‫ومن كان منكم تسّره حسنته وتسوؤه سيئته‬
‫فهو مؤمن)‪.(1720‬‬
‫ح‪ -‬غيرتنا الدنيا كلنا غيرك يا أبا عبيدة‪:‬‬

‫‪ ()1718‬تاريخ الطبري )‪.(4/429‬‬


‫‪ ()1719‬محض الصواب )‪ (2/590‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪ ()1720‬مسند أحمد الموسوعة الحديثية رقم ‪ 177‬حديث صحيح‬
‫ورجاله ثقات‪.‬‬
‫لما قدم عمر الشام قال لبي عبيدة رضي الله‬
‫عنلللله‪ :‬اذهللللب بنللللا إلللللى منزلللللك‪ ،‬قللللال‪:‬‬
‫وما تصنع عندي؟ ما تريللد إل أن تعصللر عينيللك‬
‫ي‪ ،‬قللال‪ :‬فللدخل فلللم يللر شلليئًا‪ ،‬قللال‪ :‬أيللن‬ ‫عل ّ‬
‫ً )‪(1721‬‬
‫‪،‬‬ ‫متاعللك؟ ل أرى إل ل ََبللدا ً وصللحفة وشللنا‬
‫وأنت أمير أعندك طعام؟ فقام أبو عبيللدة إلللى‬
‫جونة)‪ ،(1722‬فأخذ منهللا كسلليرات‪ ،‬فبكللى عمللر‪،‬‬
‫فقال له أبو عبيدة‪ :‬قد قلت لللك إنللك ستعصللر‬
‫غك‬ ‫ي‪ ،‬يا أمير المؤمنين يكفيك ما ُيبل ُ‬ ‫عينيك عل ّ‬
‫المقيل‪ ،‬قال عمر‪ :‬غّيرتنا الدنيا كّلنا غيللرك يللا‬
‫أبا عبيدة)‪ (1723‬وعلق الذهبي على هذه الحادثللة‬
‫فقال‪ :‬وهذا والللله هللو الزهللد الخللالص ل زهللد‬
‫من كان فقيرا ً معدما ً)‪ ،(1724‬وجاء في رواية عن‬
‫هشام بلن علروة علن أبيلله قلال‪ :‬قللدم عملر –‬
‫رضي الله عنه‪ -‬الشام‪ ،‬فتلقللاه أمللراء الجنللاد‪،‬‬
‫وعظماء أهل الرض‪ ،‬فقلال عملر‪ :‬أيلن أخلي؟‬
‫قالوا‪ :‬من؟ قال‪ :‬أبو عبيدة بن الجللراح‪ ،‬قللالوا‪:‬‬
‫يأتيلك الن‪ ،‬فجلاء عللى ناقلة مخطوملة بحبلل‬
‫فسلم‪ ،‬عليه‪ ،‬فسأله ثم قال للنلاس‪ :‬انصلرفوا‬
‫عنا فسار معه حتى أتللى منزللله‪ ،‬فنللزل عليلله‪،‬‬
‫)‪(1725‬‬
‫فلم ير في بيته إل سيفه‪ ،‬وترسه‪ ،‬ورحله‬
‫…‬
‫ط‪ -‬تعليق على نص معاهدة أهل بيت المقدس‪:‬‬

‫الّلبد السرج والش ّ‬


‫ن القربة القديمة‪.‬‬ ‫‪()1721‬‬
‫الجونة‪ :‬السلة‪.‬‬ ‫‪()1722‬‬
‫سير أعلم النبلء )‪.(1/17‬‬ ‫‪()1723‬‬
‫المصدر نفسه )‪.(1/17‬‬ ‫‪()1724‬‬
‫محض الصواب )‪ (590 ،2/589‬إسناده صحيح إلى عروة‪.‬‬ ‫‪()1725‬‬
‫إن كتاب الصلح الذي أبرمه عمر رضي الله عنه‬
‫يشهد شللهادة حللق بللأن السلللم ديللن تسللامح‬
‫وليللس ديللن إكللراه وهللو شللاهد عللدل بللأن‬
‫المسلللمين عللاملوا النصللارى الموجللودين فللي‬
‫القدس معاملة لم تخطر علللى بللالهم إن عمللر‬
‫وهو الفاتح كان يستطيع أن يفرض عليهللم مللا‬
‫يشاء‪ ،‬وأن يجللبرهم علللى مللا يريللد‪ ،‬ولكنلله لللم‬
‫يفعللل لنلله كللان يمثللل السلللم‪ ،‬والسلللم ل‬
‫يكره أحدا ً على الدخول فيه ول يقبل مللن أحللد‬
‫إيمانا ً إل عن طواعية وإذعان‪ ،‬إن اليمان ليس‬
‫شيئا ً يجبر عليه الناس لنه من عمللل القلللوب‪،‬‬
‫والقلوب ل يعلم مخبآتها إل الله سللبحانه فقللد‬
‫يريك النسان أنه مؤمن وليللس كللذلك وتكللون‬
‫مضللرته لهللل اليمللان أكللثر ممللن يجللاهرون‬
‫بالكفر واللحاد ولهذا آثر المسلمون أن يعطوا‬
‫الناس حرية العبادة‪ ،‬ويؤمنوهم على كل عزيللز‬
‫لديهم على أن يعيشوا فللي كنللف المسلللمين‪،‬‬
‫ويؤدوا الجزية مقابل حمللايتهم والللذود عنهللم‪،‬‬
‫وفي ظلل الحياة الهادئة الوديعة وفي رحللاب‬
‫الصللللت والجلللوار‪ ،‬وفلللي كنلللف المسللللمين‬
‫وعللدالتهم سلليرى غيللر المسلللمين عللن قللرب‬
‫جمللال السلللم وسللماحته وإنصللافه وعللدالته‬
‫سَيرون فيه الحقائق التي قللد عميللت عليهللم‬ ‫و َ‬
‫لبعدهم عنلله‪ ،‬وعنللدئذ يللدخلون فللي ديللن الللله‬
‫أفواجا ً كما حللدث فللي كللل البلد الللتي فتحهللا‬
‫المسلللللمون‪ ،‬وأعطللللوا أهلهللللا مثللللل هللللذا‬
‫المان)‪.(1726‬‬
‫‪ ()1726‬جولة في عصر الخلفاء الراشدين‪ ،‬محمد سيد الوكيل ص‬
‫‪.201 ،200‬‬
‫ي‪ -‬عمر رضي الله عنه يصلي في المسجد القصى‪:‬‬
‫قال أبو سلمة حدثني أبو سنان عن عبيد بن‬
‫آدم قال‪ :‬سمعت عمر بن الخطاب رضي الله‬
‫عنه يقول لكعب‪ :‬أين ترى أن أصلي؟ فقال‪:‬‬
‫إن اخذت عّني‪ ،‬صليت خلف الصخرة فكانت‬
‫القدس كّلها بين يديك‪ ،‬فقال عمر‪ :‬ضاهيت‬
‫اليهودية‪،‬‬
‫ل ولكن أصلي حيث صّلى رسول الله ‪،‬‬
‫فتقدم إلى القبلة فصّلى‪ ،‬ثم جاء فبسط‬
‫ردائه فكنس الكناسة في ردائه وكنس‬
‫الناس)‪ (1727‬وقال ابن تيمية‪ :‬المسجد القصى‬
‫اسم لجميع المسجد‪ ..‬وقد صار بعض الناس‬
‫يسمي القصى المصّلى الذي بناه عمر بن‬
‫دمه‪ ،‬والصلة في هذا المصلى‬ ‫ق ّ‬‫م َ‬
‫الخطاب في ُ‬
‫الذي بناه عمر للمسلمين‪ ،‬أفضل من الصلة‬
‫في سائر المسجد‪ ،‬فإن عمر بن الخطاب لما‬
‫فتح بيت المقدس‪ ،‬وكان على الصخرة زبالة‬
‫ن النصارى كانوا يقصدون إهانتها‪،‬‬ ‫عظيمة‪ ،‬ل ّ‬
‫ّ‬
‫مقابلة لليهود الذي يصلون إليها‪ ،‬فأمر عمر‬
‫بإزالة النجاسة عنها‪ .‬وقال كعب‪ :‬أين ترى أن‬
‫ف الصخرة‪،‬‬ ‫خل ْ َ‬
‫نبني مصلى للمسلمين؛ فقال‪َ :‬‬
‫فقال‪ :‬يا ابن اليهودية‪ :‬خالطت اليهودية بل‬
‫ن لنا صدور المساجد)‪.(1728‬‬ ‫أبنيه أمامها‪ ،‬فإ ّ‬
‫وهذا موقف آخر جليل وعظيم من مواقف‬
‫أمير المؤمنين التي ل تحصى‪ ،‬والتي برهن‬
‫فيها عمليا ً على أن السلم يحترم جميع‬
‫‪ ()1727‬البداية والنهاية )‪ (7/57‬هذا إسناد جيد‪.‬‬
‫‪ ()1728‬مجموعة الرسائل الكبرى )‪.(2/57،58‬‬
‫الديان السماوية ويجعل كل المقدسات‬
‫محترمة ول يختصر شيئا ً منها‪ ،‬إن هذه الصخرة‬
‫التي أزال عنها عمر التراب والوساخ بيده‬
‫وحملها في قبائه لينفيها عنها هي قبلة‬
‫اليهود والصخرة المعظمة عندهم التي كلم‬
‫الله عليها يعقوب عليه السلم كما يعتقدون‪،‬‬
‫فكما كان موقف عمر من النصارى رائعا ً‬
‫وجليل ً حين منحهم حرية العتقاد وأمنهم على‬
‫صلبانهم وكنائسهم لم يضن على اليهود مع‬
‫ما ارتكبوه في حق المسلمين من الجرائم‬
‫بمثل هذا الموقف الرائع الجليل‪ ،‬حيث رفع‬
‫التراب عن الصخرة‪ ،‬وأظهر عنايته بها وحرصه‬
‫على احترامها)‪.(1729‬‬

‫‪ -‬محاولة الرومان احتلل حمص من جديد‪:‬‬


‫قدمت عيون أبي عبيدة فأخبروه بجمع الروم‬
‫وخطاب هرقل فيهم وسيرهم إليه‪ ،‬ورأى أبو‬
‫عبيدة أل يكتم جنوده الخبر‪ ،‬فدعا رؤوس‬
‫المسلمين وذوي الهيئة والصلح منهم‬
‫)‪(1730‬‬
‫‪ ،‬فكان‬ ‫ليستشيرهم ويسمع رأي جماعتهم‬
‫رأي معاذ بن جبل النصاري‪ ،‬عدم النسحاب‬
‫وقال‪ :‬هل يلتمس الروم من عدوهم أمرا ً أضر‬
‫لهم مما تريدون بأنفسكم تخلون لهم عن‬
‫أرض قد فتحها الله عليكم‪ ،‬وقتل فيها‬
‫صناديدهم وأهلك جنودهم‪ ..‬أما والله لئن‬
‫ن من‬ ‫أردتم دخولها بعد الخروج منها ل َُتكابد ّ‬

‫‪ ()1729‬جولة في عصر الخلفاء اراشدين ص ‪. 203،204‬‬


‫‪ ()1730‬الطريق إلى دمشق ص ‪. 408،409‬‬
‫ذلك مشقة فقال أبو عبيدة صدق والله‬
‫وبّر)‪ ،(1731‬ولكن الحداث سارت على غير هذا‬
‫التجاه‪ ،‬فأعاد المسلمون ما جبوه من أهل‬
‫حمص فقد أمر أبو عبيدة حبيب بن مسلمة‬
‫وقال له‪ :‬اردد على القوم الذين كنا صالحناهم‬
‫من أهل البلد‪ ،‬ما كنا أخذنا منهم‪ ،‬فإنه ل‬
‫ينبغي لنا إذ لم نمنعهم أن نأخذ منهم شيئًا‪،‬‬
‫وقال لهم نحن على ما كنا عليه فيما بيننا‬
‫وبينكم من الصلح ل نرجع فيه إل أن ترجعوا‬
‫عنه‪ ،‬وإنما رددنا عليكم أموالكم أنا كرهنا أن‬
‫نأخذ بأموالكم ول نمنع بلدكم‪ ،‬ولكنا نتنحى‬
‫إلى بعض الراضي ونبعث إلى إخواننا‬
‫فيقدموا علينا ثم نلقي عدونا فنقاتلهم فإن‬
‫أظفرنا الله بهم وفينا لكم بعهدكم إل أن ل‬
‫تطلبوا ذلك وأصبح الصباح فأمر‬
‫أبو عبيدة برحيل جيش المسلمين إلى دمشق‪،‬‬
‫واستدعى حبيب بن مسلمة القوم الذين كانوا‬
‫أخذ منهم الجزية فرد عليهم مالهم وأخبرهم‬
‫بما قال أبو عبيدة‪ ،‬وأخذ أهل حمص يقولون‪:‬‬
‫ردكم الله إلينا ولعن الله الذين كانوا يملكوننا‬
‫من الروم‪ ،‬ولكن والله لو كانوا هم ما ردوا‬
‫علينا بل غصبونا وأخذوا ما قدروا عليه من‬
‫أموالنا‪ ،‬لوليتكم وعدلكم أحب إلينا مما كنا‬
‫فيه من الظلم والغشم)‪.(1732‬‬
‫وأرسل أبو عبيدة سفيان بن عوف إلى عمر‬
‫ليلة غدا من حمص إلى دمشق‪ ،‬وقال إئت‬
‫أمير المؤمنين فأبلغه عني السلم‪ ،‬وأخبره بما‬
‫‪ ()1731‬النصار في العصر الراشدي ص ‪. 207‬‬
‫‪ ()1732‬الطريق إلى الشام ص ‪. 410،411‬‬
‫قد رأيت وعاينت وبما قد جاءتنا به العيون‪،‬‬
‫وبما استقر عندك من كثرة العدو‪ ،‬وبالذي رأى‬
‫المسلمون من التنحي عنهم‪ ،‬وكتب معه‪ :‬أما‬
‫ي من أرض عدونا‪،‬‬ ‫بعد‪ ،‬فإن عيوني قدمت عل ّ‬
‫من القرية التي فيها ملك الروم‪ ،‬فحدثوني‬
‫بأن الروم قد توجهوا إلينا وجمعوا لنا من‬
‫الجموع ما لم يجمعوه لمة قط كانت قبلنا‪،‬‬
‫وقد دعوت المسلمين وأخبرتهم الخبر‬
‫واستشرتهم في الرأي‪ ،‬فأجمع رأيهم على أن‬
‫يتنحوا عنهم حتى يأتينا رأيك‪ ،‬وقد بعثت إليك‬
‫رجل ً عنده علم ما قبلنا فسله عما بدا لك فإنه‬
‫بذلك عليم وهو عندنا أمين‪ ،‬ونستعين بالله‬
‫)‪(1733‬‬
‫‪.‬‬ ‫العزيز العليم وهو حسبنا ونعم الوكيل‬

‫‪ -‬الخطة الحربية البديعة التي رسمها عمر رضي الله عنه‬


‫لنجدة أبي عبيدة رضي الله عنه‪:‬‬
‫لما بلغ الخبر عمر رضي الله عنه كتب إلى‬
‫سعد بن ابي وقاص رضي الله عنه‪ :‬أن اندب‬
‫الناس مع القعقاع بن عمرو‪ ،‬وسّرحهم من‬
‫يومهم الذي يأتيك فيه كتابي إلى حمص‪ ،‬فإن‬
‫أبا عبيدة قد أحيط به‪ ،‬وكان عمر قد أعد خيول ً‬
‫احتياطية في كل بلد استعدادا ً للحروب‬
‫المفاجئة‪ ،‬فكان في الكوفة أربعة آلف فرس‪،‬‬
‫فجهز سعد عليها الجيش الذي أرسله إلى‬
‫الشام‪ ،‬وكتب عمر أيضا ً إلى سعد‪ :‬أن سّرح‬
‫سهيل بن عدي إلى الجزيرة في الجند‪ ،‬ول َْيأت‬
‫قة(‪ ،‬فإن أهل الجزيرة هم الذين استثاروا‬ ‫)الّر ّ‬
‫قيسياء(‬ ‫الروم على أهل حمص‪ ،‬وإن أهل ) َ‬
‫قْر ِ‬
‫‪ ()1733‬الطريق إلى الشام ص ‪ ، 411‬تاريخ الطبري )‪.(4/23،25‬‬
‫لهم سلف‪ ،‬وسّرح عبد الله بن عبد الله بن‬
‫عتبان إلى )نصيبين( فإن أهل قرقيسياء لهم‬
‫سلف ثم لين ْ ُ‬
‫فضا)‪ (1734‬حّران والّرها‪ ،‬وسّرح‬
‫الوليد بن عقبة على عرب الجزيرة من ربيعة‬
‫وتنوخ‪ ،‬وسرح عياضًا‪ ،‬فإن كان قتال فقد‬
‫جعلت أمرهم جميعا ً إلى عياض بن َ‬
‫غْنم‪،‬‬
‫فمضى القعقاع في أربعة آلف من يومهم‬
‫الذي أتاهم فيه الكتاب نحو حمص‪ ،‬وخرج‬
‫عياض بن غنم وأمراء الجزيرة فأخذوا‬
‫طريقهم نحو الهداف التي وجهوا إليها‪،‬‬
‫وخرج أمير المؤمنين عمر من المدينة مغيثا ً‬
‫لبي عبيدة يريد حمص حتى نزل الجابية وعلم‬
‫أهل الجزيرة الذين اشتركوا مع الروم في‬
‫حصار أهل حمص بخروج الجيوش من العراق‪،‬‬
‫ول يدرون هل مقصدهم حمص أم بلدهم في‬
‫الجزيرة فتفرقوا إلى بلدانهم وإخوانهم‪،‬‬
‫وتركوا الروم يواجهون المعركة وحدهم ولما‬
‫رأى أبو عبيدة أن أنصار الروم من أهل‬
‫الجزيرة قد انفضوا عنهم‪ ،‬استشار خالدا ً في‬
‫الخروج إليهم وقتالهم فأشار عليه بذلك‪،‬‬
‫فخرجوا إليهم وقاتلوهم وفتح الله عليهم‪،‬‬
‫وقدم القعقاع بن عمرو ومن معه من أهل‬
‫الكوفة بعد ثلثة أيام من المعركة وقدم أمير‬
‫المؤمنين بالجابية‪ ،‬فكتبوا إليه بالفتح وبقدوم‬
‫المدد عليهم بعد ثلثة أيام من الفتح وبالحكم‬
‫في ذلك‪ ،‬فكتب إليهم أن شركوهم فإنهم قد‬
‫نفروا لكم وقد تفرق لهم عدوكم)‪ ،(1735‬وقال‪:‬‬
‫‪ ()1734‬نفض البلد‪ :‬طهرها من اللصوص والعداء‪.‬‬
‫‪ ()1735‬تاريخ الطبري )‪.(5/24،25‬‬
‫جزى الله أهل الكوفة خيرا ً يكفون حوزتهم‬
‫دون أهل المصار)‪.(1736‬‬ ‫م ّ‬
‫وي ُ ِ‬
‫حينما نتأمل هذه الخطة الحربية البديعة التي‬
‫رسمها عمر رضي الله عنه لرباك العداء‬
‫وتفريقهم نرى عبقرية الفاروق العسكرية‪،‬‬
‫فقد أمر ببعث جيش سريع من الكوفة إلى‬
‫حمص ليقوم بعملية النقاذ وخرج هو بجيش‬
‫من المدينة‪ ،‬وهذا كله يبدو أمرا ً معتادًا‪ ،‬ولكن‬
‫المر الذي يثير العجاب هو ما قام به من‬
‫المر ببعث الجيوش إلى بلد المحاربين‬
‫ليضطرهم إلى ترك ميدان القتال والتفرق‬
‫إلى بلدهم لحمايتها‪ ،‬وقد نجحت هذه الخطة‬
‫حيث تفرقوا فهان على المسلمين القضاء‬
‫على الروم)‪.(1737‬‬

‫• فتح الجزيرة‪17 :‬هب‪:‬‬


‫تقدم لنا أن الروم وأهل بلد الجزيرة أغاروا‬
‫على مدينة حمص وحصروا فيها‬
‫أبا عبيدة رضي الله عنه والمسلمين وأن عمر‬
‫رضي الله عنه أرسل إلى سعد بن‬
‫أبي وقاص رضي الله عنه يأمره بإمداد أهل‬
‫حمص بجيش يخرج من الكوفة إلى حمص‪،‬‬
‫وجيوش تخرج إلى الجزيرة وقد أرسل سعد‬
‫جيشا ً من الكوفة بقيادة القعقاع بن عمرو‬
‫التميمي‪ ،‬وأرسل جيوشا ً إلى الجزيرة وكلها‬
‫تحت قيادة عياض بن غنم رضي الله عنه‪،‬‬
‫جت هذه الجيوش إلى الجزيرة فسلك‬ ‫فخر َ‬
‫‪ ()1736‬تاريخ الطبري )‪.(5/25‬‬
‫‪ ()1737‬التاريخ السلمي )‪.(11/137‬‬
‫سهيل بن عدي وجنده طريق الفراض حتى‬
‫قة فحاصرهم‪ ،‬فنظروا إلى‬ ‫انتهى إلى الّر ّ‬
‫أنفسهم بين قوتين للمسلمين في العراق‬
‫والشام فصالحوهم‪ ،‬وسلك عبد الله بن عبد‬
‫عْتبان طريق دجلة حتى انتهى إلى‬ ‫الله بن ِ‬
‫نصيبين فلقيه أهلها بالصلح كما صنع أهل‬
‫الرقة‪ ،‬ولما أعطى أهل الرقة ونصيبين الطاعة‬
‫ضم عياض سهيل ً وعبد الله إليه وسار بالناس‬
‫إلى حران فأخذ ما دونها‪ ،‬فلما انتهى إليهم‬
‫م‬‫اتقوه بالجابة إلى الجزية فقبل منهم‪ ،‬ث ّ‬
‫سّرح عبدالله وسهيل ً إلى الّرها فاتقوهما‬
‫بالجابة إلى الجزية وهكذا فتحت الجزيرة كلها‬
‫على سعتها صلحًا‪ ،‬فكانت أسهل البلدان‬
‫أمرا ً)‪.(1738‬‬

‫‪ ()1738‬تاريخ الطبري )‪.(30-5/26‬‬


‫المبحث الثاني‪ :‬فتوحات مصر وليبيا‪:‬‬

‫كانت دوافع فتح مصر عند المسلمين قوية‪،‬‬


‫فهناك العقيدة التي يريدون التمكين لها في كل‬
‫مكان‪ ،‬ومصر تتصل بفلسطين فمن الطبيعي‬
‫بعد فتح فلسطين أن يتجه المسلمون إلى مصر‪،‬‬
‫وقد قسم المسلمون المبراطورية البيزنطية‬
‫إلى قسمين ل يصل بينهما سوى البحر وذلك‬
‫باستيلئهم على الشام‪ ،‬وفي مصر وشمال‬
‫أفريقية جيوش ومسالح رومية‪ ،‬ولبيزنطة‬
‫أسطول قوي في البحر‪ ،‬ولن يأمن المسلمون‬
‫في الشام ومصر تحت النفوذ الروماني‪ ،‬ومصر‬
‫غنية‪ ،‬وهي مصدر لتموين القسطنطينية فإذا‬
‫فتحها المسلمون ضعف نفوذ بيزنطية كثيرا ً‬
‫وأمن المسلمون في الشام والحجاز حيث يسهل‬
‫اتصال الروم بالحجاز عن طريق مصر)‪ (1739‬ومن‬
‫العوامل أيضا ً أن )القبط( أنفسهم يعانون من‬
‫اضطهاد الروم‪ ،‬وأن هؤلء ل يعيشون في مصر‬
‫إل بمثابة حاميات عسكرية‪ ،‬فلماذا ل تنتهز هذه‬
‫الفرصة خاصة أن عدل المسلمين لبد أن يكون‬
‫قد سبقهم إلى مصر)‪ ،(1740‬أما الحامية نفسها‬
‫فإن الرعب)‪ (1741‬لبد أن يكون قد تمّلكها حينما‬
‫رأت ملكها هرقل يترك بلد الشام لتصير جزءا ً‬
‫من الدولة السلمية كل هذا كان يدركه عمرو‬
‫بن العاص وخلص إلى نتيجة وهي‪ :‬أن الروم في‬
‫مصر سيكونون عاجزين عن الوقوف في وجه‬
‫‪ ()1739‬عصر الخلفة الراشدة للعمري ص ‪. 348‬‬
‫‪ ()1740‬دراسات في عهد النبوة والخلفة الراشدة ص ‪. 357‬‬
‫‪ ()1741‬فتوح الشام للزدي ص ‪. 118‬‬
‫المسلمين بينما لو تركت مصر دون فتح‬
‫فستظل مصدر تهديد لهم‪ ،‬وهذا ما صرح به‬
‫عمرو بن العاص نفسه)‪ (1742‬وبالرغم من تعدد‬
‫الروايات حول أول من فكر في فتح مصر‪ :‬عمرو‬
‫بن العاص أم الخليفة نفسه دون تدخل من‬
‫عمرو‪ ،‬أم أن الخليفة وافق تحت إلحاح‬
‫عمرو)‪ ،(1743‬بالرغم من ذلك الختلف فإن‬
‫العوامل السابقة كلها تنفي أن تكون خطة فتح‬
‫مصر هي مجرد خاطرة من عمرو وأن الخليفة‬
‫ض عن ذلك‪ ،‬أو أنهم لم يكن لديهم‬ ‫غير را ٍ‬
‫التصور الكامل عن مصر وأرضها وحجم قوة‬
‫أعدائهم فيها وقد جاءت الروايات التاريخية تؤيد‬
‫ما ذهبت إليه فقد بين ابن عبد الحكم‪ :‬أن عمر‬
‫بن الخطاب كتب إلى عمرو بن العاص بعد فتح‬
‫الشام أن أندب الناس إلى المسير معك إلى‬
‫مصر‪ ،‬فمن خف معك فسر به)‪ ،(1744‬وجاء في‬
‫الطبري‪ .. :‬أقام عمر بإيلياء بعدما صالح أهلها‬
‫ودخلها أيامًا‪ ،‬فأمضى عمرو بن العاص إلى‬
‫مره عليها‪ ،‬إن فتح الله عليه‪ ،‬وبعث في‬ ‫مصر‪ ،‬وأ ّ‬
‫إثره الزبير بن العوام مددا ً له ويؤكد هذا تلك‬
‫المدادات التي أرسلها عمر إلى مصر ووصل‬
‫عددها إلى اثني عشر ألفًا‪ ،‬وكذلك أمره بفتح‬
‫السكندرية دون خلف في ذلك)‪ ،(1745‬فهل من‬
‫الممكن أن يتوغل عمرو في مصر دون رضا ً من‬
‫الخلفة؟ ونحن نعرف المسلمين قادة وجنودا ً‬

‫دراسات في عهد النبوة والخلفة الراشدة ص ‪. 357‬‬ ‫‪()1742‬‬


‫النجوم الزاهرة )‪.(7-1/4‬‬ ‫‪()1743‬‬
‫فتوح مصر ص ‪. 57‬‬ ‫‪()1744‬‬
‫تاريخ الطبري )‪.(93-5/84‬‬ ‫‪()1745‬‬
‫كانوا غاية في السمع والطاعة واللتزام ومن ثم‬
‫نكرر أن فتح مصر لم يكن إل استجابة لخطة‬
‫مرسومة سلفا ً عند الخليفة وقواده‪ ،‬ولم تكن‬
‫استجابة لرغبة عابرة)‪.(1746‬‬
‫أو ً‬
‫ل‪ :‬مسير الفتح السلمي لمصر‪:‬‬
‫يعتبر فتح مصر المرحلة الثالثة من الفتوحات‬
‫بالنسبة لمحور الدولة البيزنطية ولقد كانت‬
‫مسيرة عمرو من فلسطين إلى مصر محاذيا ً‬
‫البحر فسار من رفح إلى العريش إلى الفرما‬
‫واستمر فتحه للقاهرة فالسكندرية وهذا يدلنا‬
‫على موهبة عمرو العسكرية حيث سار في هذا‬
‫الخط ربما لنه لم يكن للروم ثقل عسكري في‬
‫هذا الخط كما كان في بلد الشام وربما لن‬
‫الدرب كان معروفا ً لعمرو بن العاص‪ ،‬فكان‬
‫تسلسل الفتح كما هو مرتب فيما يلي مع بيان‬
‫أوجه الختلف والضطراب حيث لم يخل سير‬
‫الفتح من اختلف كما حدث في فتح بلد‬
‫الشام)‪.(1747‬‬

‫‪ -1‬فتح الفرما‪:‬‬
‫تقدم عمرو غربا ً ولم يلق جيشا ً رومانيا ً إل‬
‫في )الفرما( أما قبل ذلك فقد قابله‬
‫المصريون بالترحاب والتهليل‪ ،‬فكان أول‬
‫موضع قوتل فيه كان في )الفرما( فقد‬
‫تحصن الروم في المدينة لمواجهة المسلمين‪،‬‬
‫‪ ()1746‬دراسات في عهد النبوة والخلفة الراسدة ص ‪. 357،358‬‬
‫‪ ()1747‬عمرو بن العاص القائد والسياسي‪ ،‬د‪ .‬عبد الرحيم محمد‬
‫ص ‪. 79‬‬
‫واثقين من قدراتهم على الذود عنها ورد‬
‫المسلمين بعد أن علموا أن المسلمين الذين‬
‫جاءوا مع عمرو قلة في العدد والعدة وليس‬
‫معهم عدة للحصار‪ ،‬عرف عمرو عدد الروم‪،‬‬
‫واستعداداتهم وأنهم يزيدون على جنده‬
‫أضعافًا‪ ،‬فكانت خطته في الستيلء على‬
‫الفرما هي المهاجمة وفتح البواب أو الصبر‬
‫عليها إلى أن يضطر الجوع أهلها فينزلوا‬
‫إليها‪ ،‬واشتد حصار المسلمين للمدينة واشتد‬
‫عناد الروم ودام الحصار شهورًا‪ ،‬وكانت بعض‬
‫القوات الرومانية تنزل إلى المسلمين بين‬
‫الحين والخر لقتالهم فيجهز عليهم‬
‫المسلمون وكان عمرو يشد أزر المسلمين‬
‫بكلماته القوية‪ ،‬فمن قوله لهم‪ :‬يا أهل‬
‫السلم واليمان‪ ،‬يا حملة القرآن‪ ،‬يا‬
‫أصحاب محمد ‪ ‬اصبروا صبر الرجال واثبتوا‬
‫بأقدامكم‬
‫ول تزايلوا صفوفكم‪ ،‬واشرعوا الرماح‬
‫واستتروا بالدرق‪ ،‬والزموا الصمت إل من ذكر‬
‫الله‪ ،‬ول تحدثوا حدثا ً حتى آمركم)‪ (1748‬وذات‬
‫يوم خرجت فرقة من الرومان من القرية إلى‬
‫المسلمين ليقاتلوهم وكانت الغلبة للمسلمين‬
‫والدائرة على الروم فلذوا بالفرار إلى‬
‫القرية‪ ،‬وتبعهم المسلمون‪ ،‬وكانوا أسرع‬
‫منهم‪ ،‬فملكوا الباب قبل أن يقتحمه الرومان‪،‬‬
‫وكان أول من اقتحم المدينة من المسلمين‬
‫هو )أسميقع( فكان الفتح المبين‪ ،‬ومما هو‬

‫‪ ()1748‬فتح مصر‪ ،‬صبحي ندا ص ‪. 19،20‬‬


‫جدير بالذكر أن أقباط مصر الذين كانوا‬
‫بالقرى عاونوا المسلمين ودلوهم على‬
‫مناطق الضعف وتلقوا المسلمين في )اتميدة(‬
‫بالترحاب‪ ،‬وبعد تمام احتلل الفرما قام‬
‫المسلمون بهدم أسوارها وحصونها حتى ل‬
‫يستفيد منها الروم لو رجعوا إليها ل قدر الله‬
‫ل‪ :‬أيها الناس‪،‬‬‫ثم خطب عمرو في الجيش قائ ً‬
‫حمدا ً لله الذي جعل لجيش المسلمين الغلبة‬
‫والظفر‪ ،‬والله عظيم حمى بالسلم ظهورنا‪،‬‬
‫وتكفل به طريق رجوعنا‪ ،‬ولكن إياكم أن‬
‫تظنوا أن كل ما نرغب فيه قد تحقق‪ ،‬وأن‬
‫تخدعوا بهذا النصر‪ ،‬فل يزال الطريق أمامنا‬
‫وعرا ً شاقا ً والمهمة التي وكلها لنا أمير‬
‫المؤمنين بعيدة المنال‪ ،‬وعليكم بالصبر‬
‫والطاعة لرؤسائكم‪ ،‬فسيعلم القوم هنا أننا‬
‫جنود السلم‪ ،‬ل نبغي فسادا ً في الرض بل‬
‫نصلحها وكونوا خير قدوة للرسول ‪.(1749)‬‬
‫اطمأن عمرو إلى أن المدينة لم تعد صالحة‬
‫لحماية جيش يأوي إليها‪ ،‬وتفقد جيشه وما‬
‫فقده في المعركة وتألم لفقد رجال كانوا‬
‫حريصين على فتح مصر فعاجلتهم المنية‪،‬‬
‫وخشي إن استمرت المعارك على هذا النحو‬
‫مع وقوع الخسائر في الجيش القليل العدد أل‬
‫يستطيع مواصلة الزحف‪ ،‬ول يتمكن من بلوغ‬
‫الغاية ولكن الله تعالى قد عوضه عمن فقده‬
‫فانضم إلى جيشه كثير من رجال القبائل‬
‫العربية من راشدة ولخم وكانوا يقيمون بجبل‬

‫‪ ()1749‬نفس المصدر ص ‪. 20‬‬


‫الحلل)‪ ،(1750‬ومضى عمرو بجيشه ل يلقى‬
‫شيئا ً من المقاومة متجها ً غربا ً حتى وصل‬
‫القواصر )القصاصين( ومن هناك اتجه نحو‬
‫الجنوب حتى أصبح في وادي الطمبلن‬
‫بالقرب من التل الكبير ثم اتجه إلى الجنوب‬
‫حتى نزل بلبيس‪ .‬قال صاحب النجوم الزاهرة‬
‫فتقدم عمرو ل يدافع إل بالمر الخفيف حتى‬
‫أتى بلبيس)‪.(1751‬‬

‫‪ -2‬فتح بلبيس‪:‬‬
‫وعند بلبيس برز الروم في قوة كبيرة‬
‫قاصدين صدّ عمرو عن التوجه نحو حصن‬
‫بابليون وأرادوا منازلة المسلمين‪ ،‬فقال لهم‬
‫عمرو رضي الله عنه ل تعجلونا حتى نعذر‬
‫ي أبو مريم وأبو مريام‪ ،‬وعندئذ‬ ‫إليكم وليبرز إل ّ‬
‫كفوا عن القتال‪ ،‬وخرج إليه الرجلن‪،‬‬
‫فدعاهما إلى السلم أو الجزية‪ ،‬وأخبرهما‬
‫بوصية النبي ‪ ‬بأهل مصر‪ ،‬بسبب هاجر أم‬
‫اسماعيل‪ :‬روى مسلم في صحيحه أن رسول‬
‫الله ‪ ‬قال‪ :‬إّنكم ستفتحون مصر‪ ،‬وهي أرض‬
‫يسمى فيها القيراط)‪ ،(1752‬فإذا فتحتموها‬
‫مة ورحمًا؛ أو‬‫فأحسنوا إلى أهلها‪ ،‬فإن لهم ذ ّ‬
‫قال‪ :‬ذمة وصهرا ً)‪ ،(1753‬فقال‪ :‬قرابة بعيدة ل‬
‫مّنا حتى نرجع إليك‪.‬‬ ‫يصل مثلها إل النبياء‪ ،‬آ ِ‬

‫‪ ()1750‬جولة في عصر الخلفاء الراشدين ص ‪. 214‬‬


‫‪ ()1751‬النجوم الزاهرة )‪.(1/7،8‬‬
‫‪ ()1752‬القيراط‪ :‬معيار في الوزن وفي القياس‪ ،‬اختلفت مقاديره‬
‫باختلف الزمنة‪.‬‬
‫‪ ()1753‬مسلم‪ ،‬ك فضائل الصحابة رقم ‪. 2543‬‬
‫فقال عمرو‪ :‬مثلي ل ُيخدع‪ :‬ولكني أوجلكما‬
‫ثلثا ً لتنظرا فقال‪ :‬زدنا‪ ،‬فزادهما يومًا‪ ،‬فرجعا‬
‫إلى المقوقس عظيم القبط)‪ ،(1754‬وأرطبون‬
‫قَبل الروم‪ ،‬فأخبراهما خبر‬ ‫الوالي من ِ‬
‫المسلمين‪ ،‬فأما أرطبون فأبى وعزم على‬
‫الحرب‪ ،‬وبّيت المسلمين‪ ،‬فهزموه هو وجنده‬
‫إلى السكندرية)‪ ،(1755‬ومما هو جدير بالذكر‪ ،‬ما‬
‫يدل على شهامة المسلمين ومروءتهم أنه لما‬
‫فتح الله على المسلمين )بلبيس( وجدوا فيها‬
‫ابنة المقوقس واسمها )أرمانوسة( وكانت‬
‫مقربة من أبيها‪ ،‬وكانت في زيارة لمدينة‬
‫بلبيس مع خادمتها )بربارة( هربا ً من زواجها‬
‫من قسطنطين ابن هرقل )وهو فيما بعد والد‬
‫قنسطتز( صاحب موقعة ذات الصواري وكانت‬
‫غير راغبة في الزواج منه‪ ،‬ولما تمكنت‬
‫مجموعة من الجيش السلمي من أسر‬
‫أرمانوسة جمع عمرو بن العاص الصحابة‬
‫ن إ ِل ّ‬
‫سا ِ‬
‫ح َ‬
‫جَزاءُ ال ْ‬
‫ل َ‬ ‫وذكرهم بقوله تعالى‪َ  :‬‬
‫ه ْ‬
‫ن)‪) (60‬الرحمن‪،‬آية‪ .(60:‬ثم قال‪ :‬لقد‬ ‫سا ُ‬
‫ح َ‬
‫ال ْ‬
‫أرسل المقوقس هدية إلى نبينا وأرى أن‬
‫نبعث إليه بابنته وجميع من أسرناهم من‬
‫جواريها وأتباعها‪ ،‬وما أخذنا من أموالهم‪،‬‬
‫فاستصوبوا رأيه)‪ ،(1756‬فأرسلها عمرو إلى‬
‫أبيها معززة مكرمة ومعها كل مجوهراتها‬
‫وجواريها ومماليكها وقالت لها خادمتها‬
‫)بربارة( أثناء سفرهما‪ :‬يا مولتي إن العرب‬
‫‪ ()1754‬البداية والنهاية )‪.(7/100‬‬
‫‪ ()1755‬فتح مصر ص ‪. 24‬‬
‫‪ ()1756‬الدور السياسي للصفوة في صدر السلم ص ‪. 431‬‬
‫يحيطون بنا من كل جانب فقالت أرمانوسة‪:‬‬
‫إني آمن على نفسي وعرضي في خيمة‬
‫العربي‪ ،‬ول آمن على نفسي في قصر‬
‫)‪(1757‬‬
‫سّر بها‬
‫‪ ،‬ولما وصلت إلى أبيها ُ‬ ‫أبي‬
‫)‪(1758‬‬
‫‪.‬‬ ‫وبتصرف المسلمين معها‬

‫‪ -3‬معركة أم دنين‪:‬‬
‫ذكر ابن عبد الحكم في روايته أن عمرا ً مضى‬
‫بجيشه حتى فتح ))بلبيس(( بعد قتال دام نحوا ً‬
‫من شهر‪ ،‬ثم مضى حتى أتى ))أم دنين((‬
‫وتسمى المقسس وهي واقعة على النيل‬
‫فقاتل المسلمون حولها قتال ً شديدا ً وأرسل‬
‫عمرو إلى أمير المؤمنين يستمده فأمده أمير‬
‫المؤمنين بأربعة آلف رجل على كل ألف‬
‫منهم رجل يقوم مقام اللف‪ ،‬وهم الزبير بن‬
‫العوام‪ ،‬والمقداد بن السود‪ ،‬وعبادة بن‬
‫مخّلد‪ ،‬وقيل الرابع‬
‫الصامت‪ ،‬ومسلمة بن ُ‬
‫خارجة بن حذافة‪ ،‬وقال عمر في كتابه له‪:‬‬
‫اعلم أن معك اثني عشر ألفًا‪ ،‬ولن تغلب اثنا‬
‫عشر ألفا ً من قّلة)‪ ،(1759‬وقد خرج الروم مع‬
‫القباط لمواجهة المسلمين‪ ،‬وجرت بينهم‬
‫معركة حامية استعمل فيها عمرو بن العاص‬
‫دهاءه الحربي كما صنع خالد بن الوليد في‬
‫حروب العراق‪ ،‬وذلك أنه جعل جيشه ثلثة‬
‫أقسام‪ ،‬حيث أقام كمينا ً للعداء في الجبل‬
‫الحمر‪ ،‬وأقام كمينا ً آخر على النيل قريبا ً من‬
‫‪ ()1757‬فتح مصر‪ ،‬صبحي ندا ص ‪. 24‬‬
‫‪ ()1758‬نفس المصدر ص ‪. 24‬‬
‫‪ ()1759‬الدولة السلمية في عصر الخلفاء الراشدين ص ‪.218‬‬
‫أم دنين‪ ،‬وقابل أعداءه ببقية الجيش‪ ،‬ولما‬
‫نشب القتال بين الفريقين خرج الكمين الذي‬
‫ض على الروم فاختل‬ ‫في الجبل الحمر وانق ّ‬
‫نظامهم وانهزموا إلى أم دنين فقابلهم‬
‫الكمين الذي بقربها فأصبحوا بين جيوش‬
‫المسلمين الثلثة وانهزموا وتفرق جيشهم‬
‫)‪(1760‬‬
‫‪،‬‬ ‫ولجأ بعضهم إلى حصن بابليون الحصين‬
‫وهكذا كسب المسلمون هذه المعركة ووقاهم‬
‫الله شر أعدائهم بفضله تعالى وذلك بتوفيق‬
‫قائدهم المحّنك إلى هذه الخطة المحكمة‬
‫التي شتت بها قوات العداء)‪.(1761‬‬

‫‪ -4‬معركة حصن بابليون‪:‬‬


‫تقدم عمرو وجيشه إلى حصن بابليون‬
‫وحاصروه حصارا ً محكما ً ودام الحصار سبعة‬
‫أشهر‪ ،‬وأرسل المقوقس خلل ذلك رسله إلى‬
‫عمرو بن العاص للمصالحة فاستجاب عمرو بن‬
‫العاص على الشروط‪ :‬السلم أو الجزية أو‬
‫الحرب فاختار المقوقس الجزية‪ ،‬وكتب‬
‫المقوقس إلى هرقل يستأذنه في ذلك‪ ،‬فلم‬
‫يقبل منه بل حنق عليه ولمه لوما ً شديدا ً‬
‫واستدعاه إلى القسطنطينية ثم نفاه‪ ،‬ولما‬
‫أبطأ فتح حصن بابليون قال الزبير بن العوام‪:‬‬
‫إني أهب نفسي لله وأرجو أن يفتح الله بذلك‬
‫على المسلمين)‪ ،(1762‬وراح عمرو بن العاص‬
‫يحاصر حصن بابليون ثم تسوروا الحصن في‬
‫‪ ()1760‬نفس المصدر ص ‪.219‬‬
‫‪ ()1761‬نفس المصدر ص ‪.219‬‬
‫‪ ()1762‬الفتوحات السلمية د‪ .‬عبد العزيز الشناوي ص ‪.91‬‬
‫الليل واشتبكوا مع الجنود في قتال عنيف‬
‫وكان أول من تسور الحصن الزبير بن العوام‬
‫فوضع سلما ً من ناحية سوق الحمام ثم صعد‬
‫وأمر المسلمين إذا سمعوا تكبيره أن يقتحموا‬
‫الحصن‪ ،‬فما شعروا إل والزبير بن العوام على‬
‫رأس الحصن يكبر ومعه السيف‪ ،‬فكبر تكبيرة‬
‫فأجابه المسلمون من خارج الحصن‪ ،‬ولم يشك‬
‫أهل الحصن أن المسلمين قد اقتحموا جميعا ً‬
‫الحصن فهربوا‪ ،‬فعمد حواري رسول الله‬
‫بأصحابه إلى باب حصن بابليون ففتحوه‪،‬‬
‫واقتحم المسلمون الحصن وفتحوه عنوة‪،‬‬
‫ولكن عمرو بن العاص أمضى الصلح على أن‬
‫يخرج جند الروم ما يلزمهم من القوت لبضعة‬
‫أيام‪ ،‬أما حصن بابليون وما فيه من الذخائر‬
‫وآلت الحرب فتبقى غنيمة للمسلمين ثم‬
‫)‪(1763‬‬
‫‪.‬‬ ‫خرب أبو عبد الله أبراج الحصن وأسواره‬

‫ثانيًا‪ :‬فتح السكندرية‪:‬‬


‫رابط عمرو بن العاص ورجاله عدة أشهر في‬
‫م الجنود ويصله الذن من‬
‫حصن بابليون ليستج ّ‬
‫أمير المؤمنين عمر بالسير لفتح السكندرية‪،‬‬
‫فلما تحقق ذلك ترك عمرو في الحصن مسلحة‬
‫قوية من المسلمين‪ ،‬وفصل بجنوده من بابليون‬
‫في مايو سنة ‪641‬م‪ ،‬الموافق جمادى الخرة‬
‫سنة ‪21‬هل‪ ،‬وخرج معه جماعة من رؤساء القبط‬
‫الذين اطمأنوا إلى أن مصلحتهم باتت في‬
‫مساندة القوة السلمية المظفرة‪ ،‬وقد أصلحوا‬
‫لهم الطرق‪ ،‬وأقاموا لهم الجسور والسواق‪،‬‬
‫‪ ()1763‬نفس المصدر ص ‪.91‬‬
‫وصارت لهم القبط أعوانا ً على ما أرادوا من‬
‫قتال الروم)‪ ،(1764‬وقد آثر عمرو السير على‬
‫الضفة اليسرى للنيل حيث محافظة البحيرة‬
‫لتتيح له الصحراء مجال ً واسعا ً لحركة خيله‬
‫وجنوده‪ ،‬وكي يتجنب ما كان سيعترضه من‬
‫الترع الكثيرة لو سار في دلتا النيل‪ ،‬ولم يلق‬
‫عمرو إل قتال ً يسيرا ً عند مرفوط أو )الطرانة(‬
‫كما يسميها المؤرخون العرب)‪ ،(1765‬ثم عبر النهر‬
‫إلى الضفة الشرقية حيث تقع مدينة نقيوس‬
‫الحصينة)‪ ،(1766‬وكانت ذات حصن منيع فتخوف‬
‫عمرو أن يتركها على جانبه ويسير عنها‪ ،‬ولكن‬
‫الروم بدل أن يتحصنوا من المسلمين في‬
‫حصنهم ركبوا سفنهم ليحاربوا المسلمين فيها‬
‫ويمنعوهم من القتراب من مدينتهم‪ ،‬فرماهم‬
‫المسلمون بالنبال والسهام وطاردوهم في‬
‫المياه‪ ،‬فولوا الدبار في سفنهم نحو‬
‫السكندرية‪ ،‬وسرعان ما استسلم من بقي في‬
‫الحصن ودخله المسلمون ظافرين‪ ،‬وأمضوا عدة‬
‫أيام يستبرئون ما حوله من أعدائهم)‪،(1767‬‬
‫ي ليتعقب‬ ‫سم ّ‬
‫وأرسل عمرو قائده شريك بن ُ‬
‫الروم الفارين‪ ،‬فالتقى بهم وليس معه إل قوة‬
‫معدودة‪ ،‬فطمع فيه الروم وأحاطوا به‪ ،‬فاعتصم‬
‫عرف فيما بعد بكوم‬ ‫بهم في نهد من الرض ُ‬
‫شريك‪ ،‬فأرسل إلى عمرو يطلب المداد‪ ،‬وما إن‬
‫علم الروم أن المدد في الطريق إلى المسلمين‬
‫الدولة السلمية في عصر الخلفاء الراشدين ص ‪. 224‬‬ ‫‪()1764‬‬
‫نفس المصدر ص ‪. 224‬‬ ‫‪()1765‬‬
‫نفس المصدر ص ‪. 224‬‬ ‫‪()1766‬‬
‫نفس المصدر ص ‪. 225‬‬ ‫‪()1767‬‬
‫سل ْطَْيس على‬‫‪ ،‬وعند ُ‬
‫)‪(1768‬‬
‫حتى لذوا بالفرار‬
‫ستة أميال جنوبي دمنهور كان اللقاء التالي بين‬
‫عمرو والروم‪ ،‬وجرى قتال شديد انهزموا فيه‬
‫وولوا الدبار)‪ ،(1769‬ومما يؤسف له أن هذه‬
‫المعارك التي خاضها المسلمون بقواتهم‬
‫المحدودة ضد قوات تفوقهم عدة أضعاف من‬
‫الروم عددا ً وعدة‪ ،‬والتي استمر بعضها عدة أيام‬
‫لم تظفر من مؤرخي المسلمين سوى بأسطر‬
‫قليلة أو كلمات معدودة‪ ،‬في حين أفرد بعضهم‬
‫عشرات الصفحات للحديث عن القادسية أو‬
‫اليرموك أو نهاوند)‪ ،(1770‬ومن هذه المعارك‬
‫الكبرى التي ل تشفى فيها مصادرنا العربية‬
‫غليل ً معركة ك ِْريون وهي آخر تلك السلسلة من‬
‫الحصون التي تمتد بين بابليون والسكندرية‬
‫وقد تحصن بها تيودرو قائد الجيش الرومي ودار‬
‫قتال شديد استمر بضعة عشر يومًا‪ ،‬ورغم ذلك‬
‫فلم يظفر من ابن عبد الحكم سوى بهذه‬
‫الكلمات‪ :‬ثم التقوا بكريون‪ ،‬فاقتتلوا بها بضعة‬
‫عشر يومًا‪ ،‬وكان عبد الله بن عمرو على‬
‫المقدمة‪ ،‬وحامل اللواء يومئذ وردان مولى‬
‫عمرو‪ ،‬وصلى )عمرو( يومئذ صلة الخوف‪ ،‬ثم‬
‫فتح الله للمسلمين‪ ،‬وقتل منهم المسلمون‬
‫مقتلة عظيمة واتبعوهم حتى بلغوا السكندرية‪،‬‬
‫وفي أثناء ذلك أورد قصة عن بطولة عبد الله بن‬
‫عمرو ووردان مولى أبيه)‪ ،(1771‬وقد كانت‬
‫السكندرية عند فتح المسلمين لها عاصمة البلد‬
‫‪ ()1768‬نفس المصدر ص ‪. 225‬‬
‫‪ ()1769‬نفس المصدر ص ‪. 225‬‬
‫‪ ()1770‬نفس المصدر ص ‪. 225‬‬
‫وثانية حواضر المبراطورية البيزنطية بعد‬
‫القسطنطينية‪ ،‬وأول مدينة تجارية في العالم‪،‬‬
‫وكان البيزنطيون يدركون خطورة استيلء‬
‫م ذلك‪ ،‬حتى قال‬ ‫المسلمين عليها ويحملون ه ّ‬
‫هرقل‪ :‬لئن ظهر العرب على السكندرية إن‬
‫ذلك انقطاع ملك الروم وهلكهم)‪ ،(1772‬وقد زعم‬
‫الرواة أنه تجهز ليخرج إلى السكندرية بنفسه‬
‫ليباشر قتال المسلمين بها‪ ،‬فلما فرغ من‬
‫جهازه صرعه الله فأماته‪ ،‬وكفى الله المسلمين‬
‫مؤنته)‪ ،(1773‬واضطربت أمور الدولة البيزنطية‬
‫بعد موت هرقل إذ تولى الحكم إبناه قسطنطين‬
‫وهرقل الثاني )هرقليانوس( وشاركتهما‬
‫المبراطورة مارتينة أم هرقليانوس‪ ،‬لكن‬
‫قسطنطين سرعان ما وافته منيته بعد مائة يوم‬
‫من وفاة أبيه مما جعل أصابع التهام تتجه إلى‬
‫المبراطورة التي كانت ترغب في أن ينفرد‬
‫ولدها بالحكم‪ ،‬فاشتعلت الثورة ضدها‪،‬‬
‫واستمرت الفتن ضاربة في البلد عدة أشهر‪،‬‬
‫حتى تولى كونستانس بن قسطنطين الحكم‬
‫شريكا ً لعمه هرقليانوس)‪.(1774‬‬
‫وكانت السكندرية فضل ً عن متانة أسوارها‬
‫وضخامة ووفرة حماتها تمتاز بموقعها الدفاعي‬
‫المميز فكان البحر يحميها من شمالها؛ حيث‬
‫السيطرة آنذاك للروم‪ ،‬وكانت بحيرة مريوط‬

‫‪ ()1771‬الدولة السلمية في عصر الخلفاء الراشدين‪ ،‬حمدي‬


‫شاهين ص ‪. 226‬‬
‫‪ ()1772‬نفس المصدر ص ‪. 226‬‬
‫‪ ()1773‬نفس المصدر ‪ 226‬نقل ً عن ابن عبد الحكم‪.‬‬
‫‪ ()1774‬نفس المصدر ص ‪. 227‬‬
‫تحميها من جنوبها‪ ،‬وكان اجتيازها عسيرًا‪ ،‬بل‬
‫غير مستطاع‪ ،‬وكانت إحدى تفريعات النيل قديما ً‬
‫واسمها نزعة الثعبان تدور حولها من الغرب‪،‬‬
‫وبذلك لم يبق إل طريق واحد من الشرق يصل‬
‫إليها؛ وهو الطريق الواصل بينها وبين‬
‫كْريون)‪.(1775‬‬
‫وطال الحصار عدة أشهر مما أثار مخاوف عمرو‬
‫من ملل جنوده أو شعورهم بالعجز أمام عدوهم‪،‬‬
‫فقرر أن يبث كتائبه تجوس خلل بلد الدلتا‬
‫وقرى الصعيد‪ ،‬غير أن طول حصار السكندرية‬
‫آثار حفيظة الخليفة عمر‪ ،‬وأثار في نفسه‬
‫الهواجس والظنون حول استعداد جنوده‬
‫للتضحية والمبادأة‪ ،‬ورأى أن ذلك ما كان إل لما‬
‫أحدثوا)‪ ،(1776‬وشرح ذلك في رسالة إلى عمرو بن‬
‫العاص يقول فيها‪ )) :‬أما بعد‪ ،‬فقد عجبت‬
‫لبطائكم عن فتح مصر‪ ،‬إنكم تقاتلونهم منذ‬
‫سنتين ذلك إل لما أحدثتم‪ ،‬وأحببتم من الدنيا ما‬
‫أحب عدوكم‪ ،‬وإن الله تبارك وتعالى ل ينصر‬
‫قوما ً إل بصدق نّياتهم‪ ،‬وقد كنت وجهت إليك‬
‫أربعة نفر‪) ،‬يعني الزبير وصحبه(‪ ،‬وأعلمتك أن‬
‫الرجل منهم مقام ألف رجل على ما كنت‬
‫أعرف‪ ،‬إل أن يكون غّيرهم ما غّير غيرهم‪ ،‬فإذا‬
‫ضهم على‬ ‫ح ّ‬ ‫أتاك كتابي هذا فاخطب الناس و ُ‬
‫دم‬‫غبهم في الصبر والنية‪ ،‬وق ّ‬ ‫قتال عدوهم‪ ،‬ور ّ‬
‫مر الناس‬ ‫أولئك الربعة في صدور الناس‪ ،‬و ُ‬
‫جميعا ً أن يكون لهم صدمة كصدمة رجل واحد‪،‬‬
‫وليكن ذلك عند الزوال يوم الجمعة‪ ،‬فإنها ساعة‬
‫‪ ()1775‬نفس المصدر ص ‪. 225‬‬
‫‪ ()1776‬نفس المصدر ص ‪. 227‬‬
‫ج الناس‬ ‫تنزل فيها الرحمة ووقت الجابة‪ ،‬وليع ّ‬
‫إلى الله ويسألوه النصر على عدوهم‪ ،‬فلما أتى‬
‫عمرو الكتاب جمع الناس وقرأه عليهم‪ ،‬ثم دعا‬
‫دمهم أمام الناس‪ ،‬وأمر الناس‬ ‫أولئك النفر فق ّ‬
‫أن يتطهروا ويصلوا ركعتين‪ ،‬ثم يرغبوا إلى الله‬
‫ويسألوه النصر‪ ،‬ففعلوا ففتح الله عليهم)‪،(1777‬‬
‫ويروى أن عمرو بن العاص استشار مسلمة بن‬
‫مخلد النصاري فقال‪ :‬أشر علي في قتال هؤلء‬
‫فقال مسلمة‪ :‬أرى أن تنظر إلى رجل له معرفة‬
‫وتجارب من أصحاب النبي ‪ ‬فتعقد له على‬
‫الناس‪ ،‬فيكون هو الذي يباشر القتال ويكفيه‪،‬‬
‫فقال عمرو‪ :‬ومن ذلك؟ قال‪ :‬عبادة بن الصامت‪،‬‬
‫فدعاه عمرو إليه‪ ،‬فلما دنا منه أراد النزول عن‬
‫جواده؛ فقال له عمرو‪ :‬عزمت عليك إن نزلت‪،‬‬
‫ناولني سنان رمحك‪ ،‬فناوله إياه فنزع عمرو‬
‫عمامته عن رأسه وعقد له ووله قتال الروم‪،‬‬
‫ففتح الله على يديه السكندرية في يومهم‬
‫ذاك)‪ ،(1778‬وقد جاء في رواية‪ :‬إني فكرت في هذا‬
‫المر فإذا هو ل يصلح آخره إل من أصلح أوله‬
‫يريد النصار‪ ،‬فدعا عبادة بن الصامت فعقد له‬
‫ففتح الله على يديه)‪ ،(1779‬ويروي ابن عبد الحكم‬
‫أن حصار السكندرية استمر تسعة أشهر وأنها‬
‫فتحت في مستهل المحرم سنة عشرين‬
‫للهجرة)‪ ،(1780‬وهي ما يوافق ‪ 21‬ديسمبر سنة‬
‫‪640‬م بينما انتهى بتلر في دراسته عن فتح‬
‫نفس المصدر ص ‪. 228‬‬ ‫‪()1777‬‬
‫الدولة السلمية في عصر الخلفاء الراشدين ص ‪. 228‬‬ ‫‪()1778‬‬
‫النصار في العصر الراشدي ص ‪. 212‬‬ ‫‪()1779‬‬
‫الدولة السلمية في عصر الخلفاء الراشدين ص ‪. 229‬‬ ‫‪()1780‬‬
‫مصر إلى أن حصار المدينة قد بدأ في أواخر‬
‫يونيو سنة ‪640‬م وأنها استسلمت في ‪ 8‬نوفمبر‬
‫سنة ‪641‬م وهو ما يوافق ‪ 7‬ذي الحجة سنة‬
‫‪21‬هل‪ ،‬وقد يرجح هذا القول ما ورد في رسالة‬
‫عمر الفاروق إلى عمرو بن العاص‪ :‬إنكم‬
‫تقاتلونهم منذ سنتين‪ ،‬فما بين وصول عمرو‬
‫العريش في ديسمبر سنة ‪639‬م وتسليم‬
‫السكندرية في نوفمبر ‪641‬م ما يعادل سنتين‬
‫هلليتين واستبقى عمرو أهل السكندرية فلم‬
‫ب وجعلهم أهل ذمة‪ ،‬كأهل‬ ‫س ِ‬
‫يقتل ولم ي َ ْ‬
‫بابليون… ثم ترك في السكندرية حامية من‬
‫قواته بعد أن اطمأن إليها ونشر بقية كتائبه‬
‫لتفتح بقية حصون الروم وجيوبهم في مصر‪،‬‬
‫فاستكمل فتح ساحل البحر المتوسط ومدنه‬
‫الكبرى مثل رشيد ودمياط وغيرها‪ :‬وكذلك بسط‬
‫سيطرته على كل دلتا مصر وصعيدها)‪.(1781‬‬
‫ثالثًا‪ :‬فتح برقة وطرابلس‪:‬‬
‫وسار عمرو بعد أن استقر له فتح مصر ليؤمن‬
‫فتوحه من ناحية الغرب إذ كانت للروم قوات في‬
‫برقة وطرابلس تتحصن هناك‪ ،‬وربما واتتها‬
‫الفرصة ساقها الغراء إلى مهاجمة المسلمين‬
‫بمصر‪ ،‬فاتجه في قواته إلى برقة سنة ‪22‬هل‬
‫وكان الطريق بينها وبين السكندرية آنذاك‬
‫منزعا ً بالخضرة والعمران‪ ،‬فلم يلق كيدا ً في‬
‫طريقه إليها‪ ،‬فلما وصلها صالحه أهلها على أداء‬
‫الجزية‪ ،‬وكان أهل برقة بعد فتحها يبعثون‬
‫بخراجهم إلى والي مصر من غير أن يأتيهم حاث‬
‫‪ ()1781‬المصدر نفسه ص ‪. 229‬‬
‫أو مستحث فكانوا أخصب قوم بالمغرب ولم‬
‫يدخلها فتنة‪ ،‬ثم سار عمرو إثر ذلك إلى‬
‫طرابلس ذات الحصون المنيعة‪ ،‬وبها جيش‬
‫رومي كبير‪ ،‬فأغلقت أبوابها وصبرت على‬
‫الحصار الذي استمر شهرا ً ل يقدر المسلمون‬
‫منها على شيء وكان البحر من ورائها لصقا ً‬
‫ببيوت المدينة‪ ،‬ولم يكن بين المدينة والبحر‬
‫سور‪ ،‬فاستبانت جماعة من قوات المسلمين‬
‫المر‪ ،‬فتسللت إلى المدينة من جهة البحر‪،‬‬
‫وكبروا؛ فلم يكن للروم مفزع إل سفنهم‪ ،‬إذ‬
‫هاجمهم عمرو في قواته أيضا ً فلم يفلت منهم‬
‫إل ما خفت بهم مراكبهم‪ ،‬وغنم المسلمون ما‬
‫بالمدينة‪ ،‬وبث عمرو قواته فيما حولها وأراد‬
‫عمرو أن يستكمل فتوحه في الغرب ويسير إلى‬
‫تونس وأراضي إفريقية ليفتحها‪ ،‬فكتب بذلك‬
‫إلى عمر بن الخطاب‪ ،‬غير أن الخليفة كان‬
‫يخشى على جيوش المسلمين من النسياح في‬
‫جبهة جديدة ولم يطمئن بعد إلى ما فتحت في‬
‫زحفها السريع من الشام إلى طرابلس‪ ،‬فأمر‬
‫القوات السلمية بالتوقف عند طرابلس وبذلك‬
‫امتدت دولة السلم في عصر عمر بن الخطاب‬
‫رضي الله عنه لتشمل مساحة شاسعة من‬
‫الرض يحدها من الشرق نهر جيحون والسند‬
‫ومن الغرب بلد إفريقية وصحراؤها‪ ،‬ومن‬
‫الشمال جبال آسيا الصغرى وأراضي أرمينية‪،‬‬
‫ومن الجنوب المحيط الهادي وبلد النوبة في‬
‫دولة عالمية واحدة متعددة الجناس والديانات‬
‫والنحل والعادات‪ ،‬عاش أهلها في عدل السلم‬
‫ورحمته‪ ،‬ذلك الدين الذي احتفظ لهم بحقهم في‬
‫الحياة الكريمة وإن اختلفوا معه في عقائدهم؛‬
‫ومع أهله في عاداتهم وأعرافهم)‪.(1782‬‬

‫‪ ()1782‬الدولة السلمية في عصر الخلفاء الراشدين ص ‪. 231‬‬


‫المبحث الثالث‪ :‬أهم الدروس والعبر والفوائد في فتح‬
‫مصر‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ل‪ :‬سفارة عبادة بن الصامت النصاري إلى المقوقس‪:‬‬
‫حاصر عمرو بن العاص حصن بابليون فأرسل‬
‫المقوقس إلى عمرو الرسالة التالية‪ :‬إنكم قد‬
‫وَلجتم في بلدنا‪ ،‬وألححتم على قتالنا‪ ،‬وطال‬ ‫َ‬
‫صَبة يسيرة‪،‬‬ ‫ع‬
‫ُ ْ‬ ‫أنتم‬ ‫وإنما‬ ‫أرضنا‪،‬‬ ‫في‬ ‫مقامكم‬
‫وقد أظلتكم الروم وجهزوا إليكم‪ ،‬ومعهم من‬
‫دة والسلح‪ ،‬وقد أحاط بكم هذا النيل‪ ،‬وإنما‬ ‫ع ّ‬
‫ال ُ‬
‫أنتم أسارى في أيدينا‪ ،‬فأرسلوا إلينا رجال ً منكم‬
‫نسمع من كلمهم‪ ،‬فلعله أن يأتي المر فيما‬
‫بيننا وبينكم على ما تحّبون ونحب‪ ،‬وينقطع عنا‬
‫وعنكم هذا القتال قبل أن تغشاكم جموع الروم‬
‫فل ينفعنا الكلم‪ ،‬ول يقدر عليه‪ .‬ولعلكم أن‬
‫تندموا إن كان المر مخالفا ً لمطلبكم ورجائكم‪،‬‬
‫فابعثوا إلينا رجال ً من أصحابكم‪ ،‬نعاملهم على‬
‫ما نرضى نحن وهم به من شيء‪ .‬فلما أتت‬
‫عمرو بن العاص رسل المقوقس حبسهم عنده‬
‫يومين وليلتين‪ ،‬حتى خاف عليهم المقوقس‪،‬‬
‫ون أنهم يقتلون الرسل‬ ‫فقال لصحابه‪ :‬أتر ْ‬
‫ويحبسونهم‪ ،‬ويستحلون ذلك في دينهم! وإنما‬
‫أراد عمرو بذلك أن يروا حال المسلمين‪ .‬فرد‬
‫عليهم عمرو مع رسلهم‪ :‬إنه ليس بيني وبينك إل‬
‫إحدى خصال ثلث‪ :‬إما إن دخلتم في السلم‪،‬‬
‫فكنتم إخواننا وكان لكم ما لنا وإن أبيتم أعطيتم‬
‫الجزية عن يد وأنتم صاغرون‪ ،‬وإما أن جاهدناكم‬
‫بالصبر والقتال‪ ،‬حتى يحكم الله بيننا وهو خير‬
‫الحاكمين)‪ ،(1783‬فلما جاءت رسل المقوقس إليه‪،‬‬
‫قال‪ :‬كيف رأيتموهم قالوا‪ :‬رأينا قوما ً الموت‬
‫أحب إليهم من الحياة‪ ،‬والتواضع أحب إليهم من‬
‫الرفعة‪ ،‬ليس لحدهم في الدنيا رغبة ول َنهمة‪،‬‬
‫وإنما جلوسهم على التراب وأكلهم على ُركبهم‪،‬‬
‫وأميرهم كواحد منهم‪ ،‬ما يعرف رفيعهم من‬
‫وضيعهم‪ ،‬ول السيد فيهم من العبد‪ :‬وإذا حضرت‬
‫الصلة لم يتخلف عنها منهم أحد‪ ،‬يغسلون‬
‫أطرافهم بالماء‪ ،‬ويتخشعون في صلتهم‪ .‬فقال‬
‫حلف به‪ ،‬لو أن‬‫عند ذلك المقوقس‪ :‬والذي ي ُ ْ‬
‫هؤلء استقبلوا الجبال لزالوها‪ ،‬ول يقوى على‬
‫قتال هؤلء أحد‪ ،‬ولئن لم نغتنم صلحهم اليوم‪،‬‬
‫وهم محصورون بهذا النيل‪ ،‬لم يجيبونا بعد اليوم‬
‫إذا أمكنتهم الرض‪ ،‬وقووا على الخروج من‬
‫موضعهم فردّ إليهم المقوقس رسله‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ابعثوا إلينا رسل ً منكم نعاملهم‪ ،‬ونتداعى نحن‬
‫وهم إلى ما عسى أن يكون فيه صلح لنا ولكم‪.‬‬
‫فبعث عمرو بن العاص عشرة نفر‪ ،‬وأحدهم‬
‫عبادة بن الصامت‪ ،‬وكان طوله عشرة أشبار‪،‬‬
‫وأمره عمرو أن يكون متكلم القوم‪ ،‬وأل يجيبهم‬
‫إلى شيء دعوه إل إحدى هذه الثلث‬
‫الخصال)‪(1784‬؛ فإن أمير المؤمنين قد تقدم في‬
‫ي‪ ،‬وأمرني أل أقبل شيئا ً سوى خصلة من‬ ‫ذلك إل ّ‬
‫هذه الثلث الخصال‪ .‬وكان عبادة بن الصامت‬
‫أسود‪ ،‬فلما ركبوا السفن إلى المقوقس‪،‬‬
‫ودخلوا عليه‪ ،‬تقدم عبادة‪ ،‬فهابه المقوقس‬
‫حوا عني هذا السود‪ ،‬وقدموا‬ ‫لسواده‪ ،‬فقال‪ :‬ن ّ‬
‫‪ ()1783‬عبادة بن الصامت صحابي كبير وفاتح مجاهد ص ‪. 91‬‬
‫‪ ()1784‬وهي التي تقدمت‪ :‬وهي السلم أو الجزية أو القتال‪.‬‬
‫غيره يكلمني‪ .‬فقالوا‪ :‬إن هذا السود أفضلنا رأيا ً‬
‫دم علينا‪ ،‬وإنا‬ ‫وعلمًا‪ ،‬وهو سيدنا وخيرنا‪ ،‬والمق ّ‬
‫مره المير‬ ‫نرجع جميعا ً إلى قوله ورأيه‪ ،‬وقد أ ّ‬
‫دوننا بما أمره به‪ ،‬وأمرنا أل نخالف رأيه وقوله‪.‬‬
‫فقال المقوقس للوفد‪ :‬وكيف رضيتم أن يكون‬
‫هذا السود أفضلكم‪ ،‬وإنما ينبغي أن يكون‬
‫دونكم؟ قالوا‪ :‬كل‪ :‬إنه وإن كان أسود كما ترى‪،‬‬
‫فإنه من أفضلنا موضعا ً وأفضلنا سابقة وعقل ً‬
‫ورأيًا‪ ،‬وليس ينكر السواد فينا‪ .‬فقال المقوقس‬
‫لعبادة‪ :‬تقدم يا أسود وكلمني برفق فإني أهاب‬
‫سوادك‪ ،‬وإن اشتد علي كلمك‪ ،‬ازددت هيبة‬
‫فتقدم إليه عبادة فقال‪ :‬قد سمعت مقالتك‪ ،‬وإن‬
‫فيمن خّلفت من أصحابي ألف رجل أسود كلهم‬
‫مثلي‪ ،‬وأشد سوادا ً مني وأفظع منظرًا‪ ،‬ولو‬
‫كنت أهيب لهم مني‪ ،‬وأنا قد وّليت وأدبر‬ ‫رأيتهم ل ُ‬
‫شبابي‪ ،‬وإني مع ذلك بحمد الله ما أهاب مائة‬
‫رجل من عدوي لو استقبلوني جميعًا‪ ،‬وكذلك‬
‫أصحابي وذلك إنما رغبُتنا‪ ،‬وبغيتنا الجهاد في‬
‫سبيل الله تعالى‪ ،‬واتباع رضوان الله‪ ،‬وليس‬
‫ونا ممن حارب الله لرغبة الدنيا‪ ،‬ول‬ ‫غزونا عد ّ‬
‫طلبا ً للستكثار منها؛ إل أن الله عز وجل قد أح ّ‬
‫ل‬
‫ل‪ ،‬وما يبالي‬ ‫ذلك لنا‪ ،‬وجعل ما غنمنا من ذلك حل ً‬
‫أحدنا‪ :‬أكان له قنطار من ذهب‪ ،‬أم كان ل يملك‬
‫إل درهما‪ ،‬لن غاية أحدنا من الدنيا أكلة يأكلها‪،‬‬
‫ملة يلتحفها‪ ،‬فإن كان أحدنا‬ ‫وش ْ‬
‫عته‪َ ،‬‬
‫و َ‬
‫ج ْ‬‫يسد بها َ‬
‫ل يملك إل ذلك كفاه‪ ،‬وإن كان له قنطار من‬
‫ذهب أنفقه في طاعة الله تعالى‪ ،‬واقتصر على‬
‫هذا الذي بيده؛ لن نعيم الدنيا ليس بنعيم‪،‬‬
‫ورخاءها ليس برخاء‪ ،‬إنما النعيم والرخاء في‬
‫الخرة‪ ،‬وبذلك أمرنا ربنا‪ ،‬وأمرنا به نبينا‪ ،‬وعهد‬
‫إلينا أل تكون همة أحدنا من الدنيا إل فيما‬
‫وعته ويستر عورته‪ ،‬وتكون همته‬ ‫ج ْ‬
‫يمسك َ‬
‫وشغله في رضا ربه‪ ،‬وجهاد عدوه‪ ،‬فلما سمع‬
‫المقوقس ذلك منه‪ ،‬قال لمن حوله‪ :‬هل سمعتم‬
‫هبت منظره؛ وإن‬ ‫مثل كلم هذا الرجل قط‪ ،‬لقد ِ‬
‫قوله لهيب عندي من منظره‪ ،‬إن هذا وأصحابه‬
‫أخرجهم الله لخراب الرض‪ ،‬وما أظن ملكهم إل‬
‫سيغلب على الرض كلها‪ .‬ثم أقبل المقوقس‬
‫على عبادة فقال‪ :‬أيها الرجل‪ ،‬قد سمعت‬
‫مقالتك‪ ،‬وما ذكرت عنك وعن أصحابك ولعمري‬
‫ما بلغتكم إل بما ذكرت ول ظهرتم على من‬
‫ظهرتم عليه إل لحّبهم الدنيا ورغبتهم فيها‪ ،‬وقد‬
‫توجه إلينا لقتالكم من جمع الروم مما ل يحصى‬
‫عدده‪ ،‬قوم معروفون بالنجدة والشدة ممن ل‬
‫يبالي أحدهم من لقي ول من قاتل وإنا لنعلم‬
‫ووا عليهم‪ ،‬ولن تطيقوهم لضعفكم‬ ‫أنكم لن تق َ‬
‫وقّلتكم‪ ،‬وقد أقمتم بين أظهرنا أشهرًا‪ ،‬وأنتم‬
‫في ضيق وشدة في معاشكم وحالكم‪ ،‬ونحن‬
‫رقُ عليكم لضعفكم وقلتكم وقلة ما بأيديكم‪،‬‬ ‫ن ِ‬
‫ونحن تطيب أنفسنا أن نصالحكم على أن نفرض‬
‫لكل رجل منكم دينارين دينارين ولميركم مائة‬
‫دينار‪ ،‬ولخليفتكم ألف دينار‪ ،‬فتقبضونها‬
‫وتنصرفون إلى بلدكم قبل أن يغشاكم ما‬
‫وة لكم به‪ .‬فقال عبادة بن الصامت رضي‬ ‫لق ّ‬
‫ن نفسك‬ ‫الله عنه‪ :‬يا هذا؛ ل تغّر ّ‬
‫وفنا به من جمع الروم‬ ‫ول أصحابك‪ .‬أما ما تخ ّ‬
‫مري‬ ‫وعددهم وكثرتهم‪ ،‬وأنا ل نقوى عليهم‪ ،‬فلع ْ‬
‫سرنا عما‬ ‫ما هذا الذي تخوفنا به‪ ،‬ول بالذي يك ْ ِ‬
‫نحن فيه‪ ،‬إن كان ما قلتم حقا ً فذلك والله أرغب‬
‫ما يكون في قتالهم‪ ،‬وأشد لحرصنا عليهم؛ لن‬
‫ذلك أعذر لنا عند ربنا إذا قدمنا عليه‪ ،‬وإن قتلنا‬
‫جّنته‪ ،‬وما‬ ‫من آخرنا كان أمكن لنا في رضوانه و َ‬
‫من شيء أقّر لعيننا‪ ،‬ول أحب إلينا من ذلك وإنا‬
‫منكم حينئذ على إحدى الحسنيين؛ إما أن تعظم‬
‫فرنا بكم‪ ،‬أو غنيمة‬ ‫لنا بذلك غنيمة الدنيا إن ظ ِ‬
‫الخرة إن ظفرتم بنا‪ ،‬وإنها لحب الخصلتين إلينا‬
‫بعد الجتهاد منا‪ ،‬وإن الله تعالى قال لنا في‬
‫ن الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ة ك َِثيَرةً ب ِإ ِذْ ِ‬
‫فئ َ ً‬ ‫غل َب َ ْ‬
‫ت ِ‬ ‫ة َ‬‫قِليل َ ٍ‬
‫ة َ‬
‫فئ َ ٍ‬
‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫كتابه‪  :‬ك َ ْ‬
‫ن)‪) (249‬البقرة‪،‬آية‪.(249:‬‬ ‫ري َ‬‫صاب ِ ِ‬‫ع ال ّ‬
‫م َ‬ ‫والل ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫َ‬
‫وما منا رجل إل وهو يدعو ربه صباحا ً ومساء‪ :‬أن‬
‫يرزقه الشهادة وأل يرد إلى بلده‪ ،‬ول إلى أهله‬
‫م فيما خلفه‪ ،‬وقد‬ ‫وولده‪ ،‬وليس لحد منا ه ٌ‬
‫استودع كل واحد منا ربه أهله وولده وإنما همنا‬
‫ما أمامنا‪ .‬وأما قولك‪ :‬إنا في ضيق وشدة من‬
‫سعة‪ ،‬لو كانت‬ ‫معاشنا وحالنا‪ ،‬فنحن في أوسع ال ّ‬
‫الدنيا كلها لنا ما أردنا لنفسنا منها أكثر مما‬
‫نحن فيه فانظر الذي تريد‪ ،‬فبّينه لنا‪ ،‬فليس بيننا‬
‫وبينكم خصلة نقبلها منكم‪ ،‬ول نجيبكم إليها إل‬
‫خصلة من ثلث‪ ،‬فاختر أيها شئت‪ ،‬ول تطمع‬
‫نفسك في الباطل‪ ،‬بذلك أمرني المير‪ ،‬وبها‬
‫أمره أمير المؤمنين؛ وهو عهد رسول الله ‪ ‬من‬
‫قبل إلينا؛ إما إن أجبتم إلى السلم الذي هو‬
‫الدين الذي ل يقبل الله غيره‪ ،‬وهو دين أنبيائه‬
‫ورسله وملئكته‪ ،‬أمرنا الله أن نقاتل من خالفه‬
‫ورغب عنه حتى يدخل فيه‪ ،‬فإن فعل كان له ما‬
‫لنا وعليه ما علينا وكان أخانا في دين الله‪ ،‬فإن‬
‫قبلت ذلك أنت وأصحابك‪ ،‬فقد سعدتم في الدنيا‬
‫ل أذاكم‬ ‫والخرة‪ ،‬ورجعنا عن قتالكم‪ ،‬ولم نستح ّ‬
‫دوا إلينا‬ ‫ول التعرض لكم‪ .‬وإن أبيتم إل الجزية‪ ،‬فأ ّ‬
‫الجزية عن يد وأنتم صاغرون‪ ،‬نعاملكم على‬
‫بشيء نرضى به نحن وأنتم في كل عام أبدا ً ما‬
‫بقينا وبقيتم‪ ،‬ونقاتل عنكم من ناوأكم وعرض‬
‫لكم شيء من أرضكم ودمائكم وأموالكم‪ ،‬ونقوم‬
‫بذلك عنكم‪ ،‬إذا كنتم في ذمتنا‪ ،‬وكان لكم به‬
‫عهد الله علينا‪ ،‬وإن أبيتم فليس بيننا وبينكم إل‬
‫المحاكمة بالسيف حتى نموت عن آخرنا أو‬
‫نصيب ما نريد منكم هذا ديننا الذي ندين الله‬
‫تعالى به‪ ،‬ول يجوز لنا فيما بيننا وبينه غيره‪،‬‬
‫فانظروا لنفسكم فقال المقوقس‪ :‬هذا مما ل‬
‫يكون أبدًا‪ ،‬ما تريدون إل تتخذونا عبيدا ً ما كانت‬
‫الدنيا‪ .‬فقال له عبادة‪ :‬هو ذاك‪ ،‬فاختر ما شئت‪.‬‬
‫فقال المقوقس‪ :‬أفل تجيبونا إلى خصلة غير‬
‫هذه الخصال الثلثة؟ فرفع عبادة يديه‪ ،‬وقال‪ :‬ل‪،‬‬
‫ورب السماء ورب هذه الرض ورب كل شيء‪ ،‬ما‬
‫لكم عندنا خصلة غيرها فاختاروا لنفسكم‪.‬‬
‫فالتفت المقوقس عند ذلك إلى أصحابه‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫قد فرغ القول مما ترون؟ فقالوا‪ :‬أو يرضى أحد‬
‫بهذا الذل؟ أما ما أرادوا من دخولنا في دينهم؛‬
‫فهذا ل يكون أبدًا‪،‬‬
‫ول نترك دين المسيح ابن مريم‪ ،‬وندخل في دين‬
‫سُبونا ويجعلونا‬ ‫ل نعرفه‪ ،‬وأما ما أرادوا من أن ي ْ‬
‫عبيدا ً أبدًا‪ ،‬فالموت أيسر من ذلك؛ لو رضوا منا‬
‫أن ُتضعف لهم ما أعطيناهم مرارًا‪ ،‬كان أهون‬
‫علينا‪ .‬فقال المقوقس لعبادة‪ :‬قد أبى القوم‪،‬‬
‫فما ترى؟ فارجع صاحبك على أن نعطيكم في‬
‫مّرتكم هذه ما تمنيتم وتنصرفون فقام عبادة‬ ‫َ‬
‫وأصحابه‪ .‬فقال المقوقس لمن حوله عند ذلك‪:‬‬
‫أطيعوني‪ ،‬وأجيبوا القوم إلى خصلة واحدة من‬
‫هذه الثلث‪ ،‬فوالله ما لكم بهم طاقة؛ وإن لم‬
‫تجيبوا إليها طائعين لتجيبنهم إلى ما هو أعظم‬
‫منها كارهين‪ .‬فقالوا‪ :‬أي خصلة نجيبهم إليها؟‬
‫قال‪ :‬إذا أخبركم‪ ..‬أما دخولكم في غير دينكم‪،‬‬
‫فل آمركم به؛ وأما قتالهم فأنا أعلم أنكم لن‬
‫تقدروا عليهم‪ ،‬ولن تصبروا صبرهم‪ ،‬ولبد من‬
‫الثالثة‪ .‬قالوا‪ :‬فنكون لهم عبيدا ً أبدًا؟ قال‪ :‬نعم‬
‫مسلطين في بلدكم آمنين على‬ ‫تكونوا عبيدا ً ُ‬
‫أنفسكم وأموالكم وذراريكم خير لكم من أن‬
‫تموتوا عن آخركم‪ ،‬وتكونوا عبيدًا‪ ،‬وتباعوا‬
‫وتمزقوا في البلد مستعبدين أبدًا‪ ،‬أنتم وأهلوكم‬
‫وذراريكم‪ .‬قالوا‪ :‬فالموت أهون علينا‪ ،‬وأمروا‬
‫بقطع الجسر من الفسطاط والجزيرة‪ ،‬وبالقصر‬
‫من جمع القبط والروم كثير)‪.(1785‬‬
‫ومن الحوار الذي دار بين عبادة والمقوقس‪،‬‬
‫ظهرت نباهة عبادة وإدراكه لمرامي خصمه فلم‬
‫يتأثر بتلك الساليب التي استخدمها للتأثير في‬
‫نتائج المحادثات تلك كما ظهر عبادة واضحا ً في‬
‫تصوراته وأهدافه‪ ،‬ولم ينس في خضم ذلك أن‬
‫يدعو إلى السلم ويرغب فيه‪ ،‬ويظهر انفتاح‬
‫المسلمين على غيرهم من المم والديان مما‬

‫‪ ()1785‬النجوم الزاهرة‪ ،‬ملوك مصر والقاهرة )‪.(16-1/10‬‬


‫ترك أثرا ً طيبا ً في نفس المقوقس الذي اختار‬
‫الصلح مع المسلمين)‪.(1786‬‬

‫ثانيًا‪ :‬من فنون القتال في فتوح مصر‪:‬‬


‫مارس عمرو بن العاص رضي الله عنه في فتح‬
‫مصر فنونا ً عدة في القتال منها‪:‬‬

‫‪ -1‬الحرب النفسية‪:‬‬
‫عندما أمر المقوقس النساء أن يقمن على‬
‫ن إلى داخله‪،‬‬ ‫سور بابليون مقبلت بوجوهه ّ‬
‫وأقام الرجال بالسلح مقبلين بوجههم إلى‬
‫المسلمين ليرهبوهم بذلك‪ ،‬فأرسل إليه‬
‫عمرو‪ .. :‬إنا قد رأينا ما صنعت‪ ،‬وما بالكثرة‬
‫كم فكان من‬ ‫ملك َ ُ‬
‫غلْبنا من علينا‪ ،‬فقد لقينا ِ‬
‫أمره ما كان فقال المقوقس لصحابه‪ :‬صدق‬
‫هؤلء القوم‪ ،‬أخرجوا ملكنا من دار مملكته‬
‫حتى أدخلوه القسطنطينية‪ ،‬فنحن أولى‬
‫بالذعان)‪ ،(1787‬فقد كان عمرو من القادة‬
‫الذين يستخدمون الحرب النفسية لرهاب‬
‫عدوه وإحباط روح القتال لديه‪ ،‬وكان يعتمد‬
‫في الحرب على الله ثم على العقل والسيف‬
‫لتحقيق هدف واحد هو تحقيق النصر الحاسم‬
‫في نهاية المعركة)‪.(1788‬‬

‫‪ ()1786‬النصار في العصر الراشدي ص ‪. 211‬‬


‫‪ ()1787‬الحرب النفسية‪ ،‬الدكتور أحمد نوفل‪ :‬ص ‪. 174‬‬
‫‪ ()1788‬المصدر نفسه ص ‪. 174‬‬
‫‪ -2‬أسلوب المباغتة بالكمائن‪:‬‬

‫مارس عمرو أسلوب المباغتة بالكمائن في وقعة عين شمس‪ ،‬فقد أعدّ‬
‫هذه الكمائن إعدادًا محكمًا مما يسر له سبل النجاح الكامل فهو قد أرسلها‬
‫لتخاذ مواقع معينة من الليل‪ ،‬فأحسن اختيار تلك المواقع‪ ،‬وعّين ساعة‬
‫ل بمجابهته‪ ،‬فباغتته تلك‬ ‫انطلق كل منها في وقت يكون العدو منشغ ً‬
‫الكمائن في ميمنته وميسرته‪ ،‬فأحسن بذلك اختيار التوقيت‪ ،‬وساعة‬
‫الصفر ونقاط الصدام مع العدو‪ .‬وهكذا تعتبر عملية عمرو )المباغتة‬
‫)‪(1789‬‬
‫‪.‬‬ ‫بالكمائن( في هذه الوقعة من أكثر عمليات المباغتة نجاحًا وإتقانًا‬

‫‪ -3‬أسلوب المباغتة في أثناء الحصار‪:‬‬


‫وأتقن عمرو كذلك أسلوب المباغتة في أثناء‬
‫حصار حصن بابليون فبينما كان الروم‬
‫صرون في هذا الحصن مطمئنين إلى أن‬ ‫المحا َ‬
‫المسلمين لن يستطيعوا النيل منهم‪ ،‬بفضل‬
‫مناعة حصونهم وأسوارهم وما لديهم من‬
‫ذخائر ومؤن ومعدات حربية‪ ،‬وبسبب ما‬
‫وضعوه من عوائق من الحسك الشائك على‬
‫أبواب الحصن وفي الخندق الذي جفت مياهه‬
‫بعد هبوط مياه النيل إذا بهم يفاجأون في‬
‫ليلة مظلمة بالزبير بن العوام ومجموعة من‬
‫رجاله المقاتلين‪ ،‬يعتلون السور مكبرين‪،‬‬
‫ويباغتونهم فيعملون السيف فيهم‪ ،‬ويهزم‬
‫من في الحصن من المدافعين فيطلبون‬
‫الصلح والمان‪ ،‬ويدخل المسلمون الحصن‬
‫فاتحين)‪.(1790‬‬
‫‪ ()1789‬الفن العسكري السلمي ص ‪. 320‬‬
‫‪ ()1790‬المصدر نفسه ص ‪. 320‬‬
‫‪ -4‬أسلوب النفس الطويل في الحصار‪:‬‬
‫اعتمللللد عمللللرو فللللي حصللللار ))ك ِْريللللون((‬
‫و))السكندرية(( النفس الطويل؛ فهللو عنللدما‬
‫أيقن صعوبة النتصار على الروم المتمركزين‬
‫في مواقع منيعللة ومحصللنة فللي كريللون‪ ،‬بللدأ‬
‫ل‪ ،‬لمللرة واحللدة فقللط‪ ،‬شللن‬ ‫بمناوشتهم محاو ً‬
‫هجوم علللى الحصللن‪ ،‬إل أنلله فشللل‪ ،‬فاسللتمر‬
‫في المناوشة تاركا ً للزمللن‪ ،‬والرهللاق‪ ،‬ونفللاذ‬
‫الللذخيرة‪ ،‬والمؤونللة وصللبر الرجللال أن يفعللل‬
‫فعله‪ ،‬وهكذا كان‪ ،‬وما أن استمر حصار كريون‬
‫بضللعة عشللر يومللا ً حللتى أيقللن الللروم عللزم‬
‫المسلمين عللى السلتمرار فلي هلذا الحصلار‬
‫فلم يجدوا بدا ً من الستسلم وتسليم الحصللن‬
‫للمهاجمين‪ ،‬وحدث الشيء نفسلله فللي حصللار‬
‫السللكندرية‪ ،‬إل أن هللذا الخيللر اسللتمر مللدة‬
‫أطللول )ثلثللة أشللهر( وذلللك لن الللروم كللانوا‬
‫يللدركون إدراكللا ً تامللا ً أن هللذه هللي الفرصللة‬
‫الخيللرة لجيشللهم بللل ولهللم جميعللًا‪ ،‬فللإن‬
‫سقطوا فللي السللكندرية سللقطوا فللي مصللر‬
‫)‪(1791‬‬
‫وفللي إفريقيللا بأسللرها‪ .‬وهللذا مللا حصللل‬
‫تمامًا‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬بشارة الفتح إلى أمير المؤمنين‪:‬‬
‫بعث عمرو بن العاص معاوية بن حديج وافدا ً إلللى‬
‫عمر بن الخطاب بشيرا ً بالفتح فقال له معاويللة‪:‬‬
‫أل تكتللب معللي؟ فقللال للله عمللرو‪ :‬ومللا أصللنع‬
‫بالكتللاب‪ :‬ألسللت رجل ً عربيلا ً تبلللغ الرسللالة‪ ،‬ومللا‬

‫‪ ()1791‬المصدر نفسه ص ‪. 320‬‬


‫رأيت حضرت)‪ (1792‬فلما قللدم علللى )عمللر( أخللبره‬
‫بفتح السكندرية فخّر عمر ساجدا ً وقللال‪ :‬الحمللد‬
‫لله ونترك معاوية بن حديج يحدثنا عن قصته فلي‬
‫إبلغ أمير المللؤمنين ببشللارة الفتللح‪ :‬لمللا بعثنللي‬
‫عمرو بن العاص إلللى عمللر بللن الخطللاب وصلللت‬
‫المسجد فبينما أنا قاعد فيه إذ خرجت جارية مللن‬
‫منزل )عمر بن الخطللاب(‪ ،‬فرأتنللي شللاحبا ً عل ل ّ‬
‫ي‬
‫ثياب السفر‪ ،‬فللأتتني‪ ،‬فقللالت‪ :‬مللن أنللت؟ قللال‪:‬‬
‫فقلت‪ :‬أنا معاويللة بللن حديللج‪ ،‬رسللول عمللرو بللن‬
‫العاص‪ ،‬فانصرفت عني ثللم أقبلللت تشللتد أسللمع‬
‫حفيف إزارها على ساقها أو على سللاقيها حللتى‬
‫دنللت منللي فقللالت‪ :‬قللم فللأجب أميللر المللؤمنين‬
‫يللدعوك‪ ،‬فتتبعتهللا فلمللا دخلللت فللإذا بعمللر بللن‬
‫الخطاب يتناول رداءه بإحللدى يللديه‪ ،‬ويشللد إزاره‬
‫بالخرى‪ ،‬فقال‪ :‬ما عندك؟ فقلت‪ :‬خيللرا ً يللا أميللر‬
‫المؤمنين‪ ،‬فتح الله السكندرية فخرج معللي إلللى‬
‫المسجد فقال للمؤذن‪ :‬أذن في النللاس )الصلللة‬
‫جامعة(‪ ،‬فاجتمع الناس‪ ،‬ثم قال للي‪ :‬قلم فلأخبر‬
‫أصللحابك فقمللت فللأخبرتهم‪ ،‬ثللم صلللى ودخللل‬
‫منزله‪ ،‬واستقبل القبلة‪ ،‬فدعا بدعوات‪ ،‬ثم جلس‬
‫فقال‪ :‬يا جارية هل من طعام؟ فأتت بخبز وزيت‬
‫فقال‪ :‬كل فأكلت على حياء ثللم قللال‪ :‬كللله فللإن‬
‫المسافر يحب الطعام فلو كنت آكل ً لكللت معلك‬
‫فأصبت على حياء‪ ،‬ثم قال‪ :‬ماذا قلت يللا معاويللة‬
‫حيللن أتيللت المسللجد؟ قللال‪ :‬قلللت لعللل أميللر‬
‫المؤمنين قائل – نللوم القيلولللة – قللال‪ :‬بئس مللا‬
‫قلت أو بئس ما ظننت‪ ،‬لئن نمت النهار لضلليعن‬

‫‪ ()1792‬فتوح مصر والمغرب ص ‪. 104،105‬‬


‫الرعية ولئن نمت الليل لضلليعن نفسللي‪ ،‬فكيللف‬
‫بالنوم مع هذين يا معاوية)‪.(1793‬‬
‫ومن هللذا الخللبر نسللتنتج أن المسللجد فللي عصللر‬
‫السلللم الول كللان يمثللل أهللم وسللائل العلم‬
‫حيث يجتمع المسلمون فيه بنداء الصلللة جامعللة‪،‬‬
‫وهللذا النللداء يعنللي أن هنللاك أمللرا ً مهم لا ً سلليتم‬
‫إبلغلله لعمللوم المسلللمين فللإذا اجتمعللوا ُألقيللت‬
‫عليهللم البيانللات العسللكرية والمللور السياسللية‬
‫والجتماعيللة وغيللر ذلللك‪ ،‬كمللا نسللتفيد مللن هللذا‬
‫الخبر وصللفا ً لحيللاة عمللر رضللي الللله عنلله‪ ،‬وهللو‬
‫خليفة المسلمين‪ ،‬حيث يقول لمعاوية بللن خديللج‬
‫لئن نمت النهار لضّيعن الرعية‪ ،‬ولئن نمت الليل‬
‫ن نفسي‪ ،‬فكيف بالنوم مع هذين يا معاوية‬ ‫لضيع ّ‬
‫وهللذا يللدل علللى كمللال اليقظللة لحللق النفللس‬
‫وحقوق الخرين‪ ،‬وإذا استطاع المسلم أن يجمللع‬
‫بين مراعللاة ذلللك كللله فللإنه يكللون مللن المتقيللن‬
‫المحسنين)‪.(1794‬‬
‫رابعًا‪ :‬حرص الفاروق على الوفاء بالعهود‪:‬‬
‫ذكر ابن الثيلر‪ … :‬إن المسللمين لملا انهلوا إللى‬
‫هيللب وقللد بلغللت سللباياهم إلللى اليمللن أرسللل‬ ‫ْ‬
‫ب ِل ِ‬
‫صاحبهم إلى عمرو بن العللاص‪:‬إّننللي كنللت أخللرج‬
‫ي منكللم‪ :‬فللارس‬‫الجزيللة إلللى مللن هللو أبغللض إلل ّ‬
‫والروم فإن أحببت الجزية على أن تردّ ما سبيتم‬
‫من أرضي فعلت‪.‬‬

‫‪ ()1793‬فتوح مصر والمغرب ص ‪ ، 105‬فتح مصر بين الرؤية‬


‫السلمية والرؤية النصرانية‪ ،‬د‪ .‬إبراهيم المتناوي ص ‪. 114‬‬
‫‪ ()1794‬التاريخ السلمي للحميدي )‪.(11،12/348،349‬‬
‫فكتب عمرو إلى عمر يستأذنه في ذلك‪ ،‬ورفعللوا‬
‫الحرب إلى أن يرد كتاب عمر‪ .‬فورد الجللواب مللن‬
‫عمر‪ :‬لعمري جزية قائملة أحللب إلينللا مللن غنيمللة‬
‫ما السبي فإن أعطاك‬ ‫م كأنها لم تكن‪ ،‬وأ ّ‬‫ُتقسم ث ّ‬
‫ملكهم الجزية علللى أن تخي ّللروا مللن فللي أيللديكم‬
‫منهللم بيللن السلللم وديللن قللومه فمللن اختللار‬
‫السلللم فهللو مللن المسلللمين ومللن اختللار ديللن‬
‫ن تفلّرق فللي‬ ‫مل ْ‬ ‫مللا َ‬‫قومه فضللع عليلله الجزيللة‪ ،‬وأ ّ‬
‫دهللم‪ ،‬فعللرض عمللرو‬ ‫البلدان فإّنا ل نقدر علللى ر ّ‬
‫ذلللك علللى صللاحب السللكندرّية‪ ،‬فأجللاب إليلله‪،‬‬
‫فجمعللوا السللبي واجتمعللت النصللارى وخّيروهللم‬
‫واحدا ً واحدًا‪ ،‬فمن اختار المسلمين كب ّللروا‪ ،‬ومللن‬
‫اختار النصللارى نخللروا وصللار عليلله جزيللة‪ ،‬حللتى‬
‫فرغوا)‪.(1795‬‬
‫إن هللذا يعتللبر شللاهد صللدق علللى مللا كللان عليلله‬
‫الصحابة رضي الله عنهم من العزوف عللن الللدنيا‬
‫والقبللال علللى الخللرة‪ ،‬والرغبللة الصللادقة فللي‬
‫هداية العالمين إلى السلم‪ ،‬فإن دخول السللرى‬
‫في السلم ل يفيد المسلمين شلليئا ً مللن الللدنيا‪،‬‬
‫وبقاؤهم على دينهم يتضمن فللائدة دنيويللة لهللم‬
‫حيث ُيلَزمون بدفع الجزية للمسلللمين ومللع ذلللك‬
‫نجد عمر رضي الله عنه يأمر بتخيير السرى بيللن‬
‫م تطللبيق ذلللك‬ ‫السلم أو دفع الجزية‪ ،‬وحينمللا ت ل ّ‬
‫ً‬
‫كبرون تكبيرا أشد مللن‬ ‫كان الصحابة ومن معهم ي ّ‬
‫تكللبير الفتللح حينمللا يختللار أولئك النصللارى ديللن‬
‫السلم ويجزعون جزعلا ً شللديدا ً حينمللا يختللارون‬
‫البقاء على دينهم حتى كللان أولئك السللرى مللن‬

‫‪ ()1795‬الكامل في التاريخ )‪.(2/177‬‬


‫ضللمن جماعللة المسلللمين وخرجللوا عللن ديللن‬
‫السلم ومما يلفت النظر في هلذا الخلبر حلرص‬
‫الصحابة على خلق الوفاء ويتضح ذلللك مللن قللول‬
‫عمر رضي الله عنه فللي كتللابه‪ :‬وأمللا مللن تفلّرق‬
‫دهللم‪ ،‬وجللاء فللي‬ ‫في البلدان فإّنا ل نقدر علللى ر ّ‬
‫رواية‪ … :‬ول نحب أن نصالحه علللى أمللر ل نفللي‬
‫له به)‪ ،(1796‬فعمر رضي الله عنه ينظر إلى الوفللاء‬
‫بالعهد قبلل إبلرام التفلاق ملع العلداء‪ ،‬حلتى ل‬
‫يكون المسلللمون فللي وضللع ل يسللتطيعون فيلله‬
‫الوفاء‪ ،‬وهذا الخلق يعتبر مرحلة عالية من الوفاء‬
‫– وهو من أخلق النصر – لن مللن يللبرم اتفاقيللة‬
‫على أمر ثم ل يستطيع الوفاء بلله يكللون معللذورا ً‬
‫ولكللن حينمللا يفكللر بعمللل الحتياطللات اللزمللة‬
‫لموضوع الوفاء بالعهللد حللتى ل يجللد نفسلله بعللد‬
‫ذلك عاجزا ً عن الوفاء‪ ،‬فهذا نهاية التدبير‪ ،‬وغايللة‬
‫النظر الثاقب)‪.(1797‬‬
‫خامسًا‪ :‬عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم‪:‬‬
‫توجه عمرو بجيشه نحو السكندرية‪ ،‬وفي طريقه‬
‫إليها جرت بينه وبين أهل تلك البلد حللروب كللان‬
‫النصر فيها حليف المسلمين ومن المواقف التي‬
‫تذكر في ذلك أن عبد الله بللن عمللرو بللن العللاص‬
‫أصلليب بجراحللات كللثيرة فللي معركتلله مللع أهللل‬
‫الكريون فجللاءه رسللول أبيلله يسللأله عللن جراحلله‬
‫فقال عبد الله‪:‬‬

‫‪ ()1796‬التاريخ السلمي )‪.(12/351‬‬


‫‪ ()1797‬المصدر نفسه )‪.(12/351‬‬
‫ا ااصللللبري‪ ،‬فعمللللا‬ ‫أقول إذا ما جاشللت‬
‫قليللللل تحمللللدي أو‬ ‫النفلللللللللللللللللللس‬
‫تلملللللللللللللللللللللي‬
‫فرجع الرسول إلى عمرو فأخبره بما قال فقللال‬
‫عمللرو‪ :‬هللو ابنللي حقللا ً)‪ ،(1798‬وهللذا موقللف مللن‬
‫مواقف الصبر والتحمل يذكر لعبد الله بللن عمللرو‬
‫بن العاص رضي الله عنهما الللذي اشللتهر بللالعلم‬
‫والعبادة فجمع إلى ذلك الشللجاعة والصللبر علللى‬
‫الشدائد)‪.(1799‬‬
‫سادسًا‪ :‬دار بنيت لمير المؤمنين بمصر‪:‬‬
‫بعث عمرو بن العاص إلى الفاروق بقوله‪ :‬إنا قد‬
‫اختططنللا لللك دارا ً عنلد المسلجد الجلامع‪ ،‬فكتللب‬
‫عمللر‪ :‬إن ّللى لرجللل بالحجللاز تكللون للله دار بمصللر‬
‫وأمره أن يجعلها سوقا ً للمسلمين)‪.(1800‬‬
‫وهذا دليل على كمللال ورع أميللر المللؤمنين عمللر‬
‫رضي الله عنه‪ ،‬وزهده في مظاهر الحياة الللدنيا‪،‬‬
‫وإذا كان الكبار والزعماء هم الذين يترفعون عللن‬
‫أوحال الدنيا‪ ،‬ومتاعهللا الللزائل‪ ،‬فللإن مللن دونهللم‬
‫من باب أولى أن يترفعوا عن ذلك)‪.(1801‬‬
‫سابعًا‪ :‬دعوى حرق المسلمين مكتبة السكندرية‪:‬‬
‫يقول الدكتور عبد الرحيم محمد عبد الحميللد‪ :‬لللم‬
‫نعثر على نص أو إشارة إلى أن عمرو بن العللاص‬
‫حرق مكتبة السكندرية وجللل مللا فللي المللر أننللا‬

‫فتوح مصر ص ‪. 57‬‬ ‫‪()1798‬‬


‫التاريخ السلمي )‪.(12/330‬‬ ‫‪()1799‬‬
‫فتوح مصر ص ‪. 69‬‬ ‫‪()1800‬‬
‫التاريخ السلمي )‪.(12/356‬‬ ‫‪()1801‬‬
‫قرأنا نصا ً لبن القفطللي ينقللله ابللن العللبري )ت‬
‫ل‪ :‬اشللتهر بيللن السلللميين‬ ‫‪685‬هللل‪1286/‬م( قللائ ً‬
‫يحيى النحللوي وكللان اسللكندريًا‪ ،‬وعللاش إلللى أن‬
‫فتح عمرو بن العلاص مدينلة السلكندرية‪ ،‬ودخلل‬
‫على عمرو وقد عرف موضعه من العلوم فأكرمه‬
‫وسمع من ألفاظه الفلسفية التي لم تكن للعرب‬
‫بها أنسة ونرى ابن القفطللي )ت ‪646/1267‬م(‪.‬‬
‫يكمللللل القصللللة قللللائل ً فقللللال للللله عمللللرو‬
‫ومللا الللذي تريللده إليلله قللال‪ :‬كتللب الحكمللة فللي‬
‫الخزائن الملوكية‪ ..‬أربعللة وخمسللون ألفلا ً ومللائة‬
‫وعشرون كتابًا‪ ..‬فاستكثر عمرو مللا ذكللره يحيللى‬
‫وقللال ل يمكننللي أن آمللر بللأمر إل بعللد اسللتئذان‬
‫أمير المللؤمنين‪ ،‬وكتللب إلللى عمللر‪ ،‬وعرفلله قللول‬
‫يحيى‪ ،‬فورد كتاب عمللر يقللول‪ :‬أمللا الكتللب الللتي‬
‫ذكرتها فإن كان فيها ما يوافق كتاب الللله ففللي‬
‫كتاب الله عنها غنللى‪ ،‬وإن كللان فيهللا مللا يخللالف‬
‫كتللاب الللله فل حاجللة إليهللا‪ ،‬فتقللدم بإعللدامها‪،‬‬
‫فشللرع عمللرو بللن العللاص فللي توزيعهللا علللى‬
‫حماملللات السلللكندرية وإحراقهلللا فلللي مواقلللد‬
‫وذكرني عدة الحمامات يومئذ وأنسلليتها فللذكروا‬
‫أنها استنفذت في ستة أشللهر فاسللمع مللا جللرى‬
‫وأعجب)‪.(1802‬‬
‫إل أن قصة الحرق هذه وردت قبل ابن القفطي‪،‬‬
‫وقبل ابن العبري فهذا عبد اللطيف البغدادي )ت‬
‫‪649‬هل‪ (1231 /‬قللال‪ :‬وأنلله دار العلللم الللذي بنللاه‬
‫السكندر حيللث بنللى مدينللة وفيهللا كللانت خزانللة‬
‫الكتب التي أحرقها عمرو بن العللاص بللإذن عمللر‬

‫‪ ()1802‬عمرو بن العاص القائد والسياسي ص ‪. 133‬‬


‫بن الخطللاب رضللي الللله عنلله)‪ ،(1803‬وعنللد دراسللة‬
‫هذه الروايات نرى أنه لبد من إبللداء الملحظللات‬
‫التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬ل يوجد ترابلط بيلن تلللك الروايللات الثلث‪ ،‬ول‬
‫صلة فللي النقللل التللاريخي تربللط مللن ألفوهللا‬
‫فضللل ً عللن أنهللم عاشللوا فللي فللترة زمنيللة‬
‫متقاربة‪.‬‬
‫‪ -2‬ل يوجد أي إسناد يرجع إليه في هذه الروايات‬
‫وإنما هي افتراضات افترضها أصحابها‪.‬‬
‫‪ -3‬أنها وجدت في فترة بعيدة عن زمن فتح مصر‬
‫وعمرو بن العاص ويمكن القللول بكللل ثقللة أن‬
‫هللذه القصللة مختلقللة اختلقللا ً واضللحا ً يمكللن‬
‫الطعن فيها من النواحي التالية‪:‬‬
‫‪ -‬لم يذكر قصة حللرق مكتبللة السللكندرية مللن‬
‫أرخ لتاريخ مصر وفتحها ممن عللاش قبللل مللن‬
‫ذكروا هذه القصة بعدة قرون‪.‬‬
‫‪ -‬لللم تللذكر هللذه القصللة عنللد الواقللدي ول‬
‫الطلللبري‪ ،‬وللللم يتفلللق عليهلللا ابلللن الثيلللر‬
‫ول ذكرهللا ابللن خلللدون‪ ،‬فض لل ً عللن ابللن عبللد‬
‫الحكم‪ ،‬ولم يصفها ياقوت الحموي عند وصللف‬
‫السكندرية‪.‬‬
‫‪ -‬يمكن إرجاع هذه القصة إلى فللترة الحللروب‬
‫الصللليبية‪ ،‬مللن جهللة البغللدادي وربمللا وضللعها‬
‫تحت ضغط معيلن أو ربملا انتحلللت عليله فيملا‬
‫بعد‪.‬‬

‫‪ ()1803‬المصدر نفسه ص ‪. 134‬‬


‫‪ -‬إذا وجدت هللذه المكتبللة المزعومللة‪ ،‬فيمكللن‬
‫القول‪ :‬إن الروم الذي غادروا السكندرية كان‬
‫بإمكانهم إخراجها معهم‪ ،‬أو ربما فعلوا ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬لقد كان بإمكللان عمللرو إلقاؤهللا فللي البحللر‬
‫فللي فللترة قصلليرة بللدل ً مللن حرقهللا الللذي‬
‫استغرق ستة أشهر‪ ،‬مما يدل على القصد فللي‬
‫تزييف هذه القصة وتأليفها‪ ،‬ويمكن القللول بل‬
‫وجل‪ :‬إن عمر بن الخطاب وعمللرو بللن العللاص‬
‫رضي الله عنهما بريئان مما نسب إليهمللا فللي‬
‫هذه القصة المصطنعة التي كلانت ملن تخيلت‬
‫أناس أحبوا التهويل فتخيلوا وجللود مللالم يكللن‬
‫موجودا ً)‪.(1804‬‬
‫ثامنًا‪ :‬لقاء عمرو بن العاص والبابا بنيامين‪:‬‬
‫يقول المؤرخ ابن عبد الحكللم‪ :‬كللان بالسللكندرية‬
‫أسقف للقبط يقال له أبو بنيامين‪ ،‬وكللان هاربللا ً‬
‫في الصللحراء بسللبب الضللطهاد المللذهبي الللذي‬
‫تعلللرض لللله القبلللاط عللللى أيلللدي الروملللان‬
‫المسيحيين‪ ،‬فلما بلغلله قللدوم عمللرو بللن العللاص‬
‫إلى مصر‪ ،‬كتب إلى القبط يعلمهللم أنلله ل تكللون‬
‫للروم دولللة‪ ،‬وأن ملكهللم قللد انقطللع‪ ،‬ويللأمرهم‬
‫بتلقللي عمللرو‪ ،‬فيقللال إن القبللط الللذين كللانوا‬
‫بالفرما صاروا يومئذ لعمرو أعوانا ً)‪ ،(1805‬وقد جللاء‬
‫في رواية المؤرخ القبطي ساويرس بللن المقنللع‬
‫أنه سانوتيوس أحد رؤساء القبط وقللتئذ‪ ،‬والللذي‬
‫كللان يتللولى إدارة شللئون الكنيسللة مللدة اختفللاء‬
‫البطريق بنيامين‪ ،‬قللد روى لعمللرو موضللوع الب‬
‫‪ ()1804‬عمرو بن العاص القائد والسياسي ص ‪. 134‬‬
‫‪ ()1805‬فتوح مصر وأخبارها ص ‪. 73،74‬‬
‫المجاهد بنيامين البطرك وأنه هللارب مللن الللروم‬
‫مللال‬‫خوفا ً منهم‪ ،‬فكتب عمرو بللن العللاص إلللى ع ّ‬
‫مصر كتابا ً يقول فيه الموضع الذي فيلله بنيللامين‬
‫بطلللرك النصلللارى القبلللط لللله العهلللد والملللان‬
‫والسلمة من الله‪ ،‬فليحضللر آمنلا ً مطمئنلا ً ويللدبر‬
‫حال بيعته وسياسة طائفته‪ ،‬فلما سمع القللديس‬
‫بنيامين هذا‪ ،‬عاد إلللى السللكندرية بفللرح عظيللم‬
‫بعللد غيبللة ثلث عشللرة سللنة‪ ،‬فلمللا ظهللر فللرح‬
‫الشللعب وكللل المدينللة بمجيئه ولمللا علللم عمللرو‬
‫بوصللوله أمللر بإحضللاره بكرامللة وإعللزاز ومحبللة‪،‬‬
‫فلمللا رآه أكرملله وقللال لصللحابه إن فللي جميللع‬
‫الكور التي ملكناها إلى الن ما رأيت رجل ً يشللبه‬
‫هذا وكان الب بنيامين حسن المنظر جدًا‪ ،‬وجيللد‬
‫الكلم بسكون ووقار‪ ،‬ثم التفت عمرو إليه وقال‬
‫له‪ :‬جميع بيعتك ورجالك اضبطهم ودّبر أحللوالهم‬
‫وانصرف مللن عنللده مكّرملا ً مبجل ً وعلللق السللتاذ‬
‫الشرقاوي على هذا اللقاء فقللال‪ :‬وقلّرب عمللرو‬
‫إليه البطريق بنيامين حللتى لقللد أصللبح مللن أعللز‬
‫أصللدقائه عليلله‪ ،‬واطمللأن العللرب الفللاتحون فللي‬
‫مصر‪ ،‬وخطبهللم أميرهللم عمللرو بللن العللاص فللي‬
‫أول جمعة صلللها بجللامعه بالفسللطاط فقللال‪.. :‬‬
‫استوصللوا بمللن جللاوركم مللن القبللط‪ ،‬فللإن لكللم‬
‫فوا وغضللوا‬ ‫فيهم ذمة وصهرًا‪ ،‬فكفوا أيديكم‪ ،‬وع ّ‬
‫أبصاركم)‪.(1806‬‬

‫‪ ()1806‬الفاروق ص ‪. 247‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬أهم الدروس والعبر والفوائد في فتوحببات‬
‫الفاروق‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ل‪ :‬طبيعة الفتح السلمي‪:‬‬
‫حللللاول بعللللض المللللؤرخين مللللن النصللللارى‬
‫والمستشللرقين تشللويه الفتللح السلللمي فللي‬
‫العصللر الراشللدي وزعمللوا أن الفتوحللات كللانت‬
‫حروبلللا ً دينيلللة وقلللالوا‪ :‬إن المسللللمين أصلللحاب‬
‫عقيلللدة‪ ،‬ولكنهلللم توسللللوا بالتعصلللب العملللى‪،‬‬
‫وأخضللعوا النللاس لمبللادئهم بللالقهر والرغللام‪،‬‬
‫وخاضوا إلللى ذلللك بحللار الللدم والقسللوة‪ ،‬وأنهللم‬
‫كانوا يحملللون القللرآن بإحللدى يللديهم‪ ،‬والسلليف‬
‫باليد الخرى)‪ ،(1807‬وممللن ركللز منهللم علللى هللذه‬
‫الفكللرة‪) ،‬سلليديو( و)ميللور( و)نيبللور(‪ .‬إذ ينقللل‬
‫)ميللور( عللن نيبللور قللوله‪ :‬وكللان مللن الضللروري‬
‫لدوام السلللم أن يسللتمر فللي خطتلله العدوانيللة‬
‫وأن ينفذ بحد السيف مللا يطللالب بلله مللن دخللول‬
‫النللاس فللي السلللم كافللة‪ ،‬أو بسللط سلليطرته‬
‫ي مللن‬‫العالمية على القل‪ ،‬غيللر أنلله ل منللاص ل ّ‬
‫الديان أن يجنح أتباعه للحرب في إحدى مراحللل‬
‫حيلاته‪ ،‬وكلذلك كلان الحلال فلي السللم‪ ،‬ولكلن‬
‫الزعللم أن المسلللمين هللدفوا إلللى بللث الللدعوة‬
‫بالقوة‪ ،‬أو أنهم كانوا أكللثر عللدوانا ً مللن غيرهللم‪،‬‬
‫زعم يجب إنكاره إنكللارا ً تاملا ً)‪ ،(1808‬وقللد ردّ بعللض‬
‫المستشرقين علللى هللذه التهللم ووصللفوا الفتللح‬
‫السلمي بالمثل العالية والخلق الكريمللة فهللذا‬
‫فون كريمر يقول‪ :‬وكان العرب المسلللمون فللي‬
‫‪ ()1807‬تاريخ العرب العام‪ ،‬سيديو ص ‪. 133‬‬
‫‪ ()1808‬فتح مصر بين الرؤية السلمية والرؤية النصرانية ص ‪. 126‬‬
‫حروبهللم مثللال الخلللق الكريللم‪ ،‬فحللرم عليهللم‬
‫الرسول)‪ ،(1809‬قتل الرهبان‪ ،‬والنساء‪ ،‬والطفللال‪،‬‬
‫والمكفوفين‪ ،‬كمللا حللرم عليهللم تللدمير المللزارع‪،‬‬
‫وقطللع الشللجار‪ ،‬وقللد اتبللع المسلللمون فللي‬
‫حروبهم هذه الوامر بدقة متناهية‪ ،‬فلم ينتهكللوا‬
‫الحرمات‪ ،‬ول أفسدوا الزروع‪ ،‬وبينما كان الللروم‬
‫يرمونهم بالسهام المسمومة‪ ،‬فإنهم لللم يبللادلوا‬
‫أعداءهم جرما ً بجرم‪ ،‬وكان نهب القرى وإشللعال‬
‫النار قللد درجللت عليهللا الجيللوش الرومانيللة فللي‬
‫تقدمها وتراجعها‪ ،‬أما المسلمون فقللد احتفظللوا‬
‫بأخلقهم المثلى فلم يحاولوا من هذا شيئا ً)‪،(1810‬‬
‫وقللال روزنتللال‪ :‬وقللد نمللت المدينللة السلللمية‬
‫بالتوسع ل بالتعمق داعية إلى العقيللدة‪ ،‬مناقشللة‬
‫لتلك الحركات الفكرية الموجودة وفوق كل ذلللك‬
‫تقدم السلم فتهاوت الحواجز القديمة من اللغة‬
‫والعادات‪ ،‬وتوفرت فرصة نادرة لجميللع الشللعوب‬
‫والمدنيات لتبدأ حياة فكرية جديللدة علللى أسللاس‬
‫المساواة المطلقة‪ ،‬وبروح المنافسة الحرة)‪.(1811‬‬
‫إن الحقيقة التاريخية تقللول بللأن المسلللمين لللم‬
‫يكرهللوا أحللدا ً علللى اعتنللاق السلللم لنهللم قللد‬
‫د‬
‫قل ْ‬‫ن َ‬
‫دي ِ‬ ‫التزموا بقول الله تعالى‪  :‬ل َ إ ِك َْراهَ ِ‬
‫في ال ّ‬
‫ن ِبالل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫م ْ‬
‫ؤ ِ‬‫وي ُ ْ‬
‫ت َ‬ ‫غو ِ‬‫طا ُ‬‫فْر ِبال ّ‬‫ن ي َك ْ ُ‬‫م ْ‬‫ف َ‬‫ي َ‬‫غ ّ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م ْ‬
‫شد ُ ِ‬ ‫ن الّر ْ‬ ‫ت َب َي ّ َ‬
‫ه‬ ‫ّ‬
‫واللل ُ‬ ‫هللا َ‬ ‫َ‬
‫مل َ‬ ‫صلا َ‬‫ف َ‬ ‫َ‬
‫قى ل ان ِ‬ ‫وث ْ َ‬ ‫ْ‬
‫ة الل ُ‬ ‫و ِ‬‫عْر َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫سلك ِبلال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ست َ ْ‬
‫قلدْ ا ْ‬ ‫ف َ‬ ‫َ‬
‫م)‪)  (256‬البقرة‪،‬آية‪.(256:‬‬ ‫عِلي ٌ‬ ‫ع َ‬
‫مي ٌ‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬

‫‪ ()1809‬الرسول ‪ r‬ل يحرم من تلقاء نفسه بل بالوحي اللهي‪.‬‬


‫‪ ()1810‬السلم وحركة التاريخ أنور الجندي ص ‪. 83‬‬
‫‪ ()1811‬علم التاريخ عند المسلمين‪ ،‬ترجمة صالح أحمد العلي ص‬
‫‪. 46‬‬
‫وأما إقبال الشعوب على السلم فكان بسبب ما‬
‫لمسوه في السلم نفسه‪ ،‬فهو النعمة العظيمة‪،‬‬
‫ولما لمسوه في المسلمين من التخلق بأخلق‬
‫السلم واللتزام بأحكامه وأوامره ونواهيه ولما‬
‫لمسوه في القادة والجند الذين كانوا يقومون‬
‫بالدعوة بالتطبيق العملي‪ ،‬فتميزت مواقفهم‬
‫بأنبل المواقف التي عرفها التاريخ العالمي‪،‬‬
‫فقد كان الخلفاء والقادة يوصون جندهم‬
‫بالستعانة بالله‪ ،‬والتقوى‪ ،‬وإيثار أمر الخرة‬
‫على الدنيا‪ ،‬والخلص في الجهاد‪ ،‬وإرادة الله‬
‫في العمل‪ ،‬والبتعاد عن الذنوب‪ ،‬فكانت فيهم‬
‫الرغبة الكيدة الملحة لنقاذ المم والفراد من‬
‫عبادة العباد إلى عبادة رب العباد‪ ،‬ونقلهم من‬
‫ضيق الدنيا إلى سعة الخرة‪ ،‬فكان قادة‬
‫المسلمين على رأس جندهم يتلقون الصدمات‬
‫الولى في معارك الجهاد‪ ،‬واستشهد عدد كبير‬
‫منهم‪ ،‬وقد كان القادة يسيرون خلف جندهم في‬
‫وقت المن والعودة يرفقون بهم ويحملون الكل‬
‫ويعينون الضعيف وكان القادة دعاة في المقام‬
‫الول‪ ،‬طبقوا مبادئ الحرب السلمي تماما ً‬
‫والحق أن المسلمين كانوا يخوضون جهادا ً في‬
‫سبيل الله‪ ،‬وليس حربا ً كما كانت تفعل الدول‬
‫الخرى)‪.(1812‬‬

‫ثانيًا‪ :‬الطريقة العمرية في اختيار قادة الجيوش‪:‬‬


‫كانت للفاروق طريقة متميزة في اختيار قادة‬
‫الفتح‪ ،‬فقد وضع عدة شروط وضوابط لختيار‬
‫قادة جنده وهي كالتي‪:‬‬
‫‪ ()1812‬فتح مصر‪ ،‬الدكتور إبراهيم المتّناوي ص ‪. 127‬‬
‫‪ -1‬أن يكون تقيا ً ورعا ً عالما ً بأحكام الشريعة‪:‬‬
‫وكان يقول ويردد‪ :‬من استعمل فاجرا ً وهو‬
‫يعلم أنه فاجر فهو مثله)‪ ،(1813‬ولما أرسل إلى‬
‫سعيد بن عامر ليستعمله على بعض الشام‪،‬‬
‫فأبى عليه‪ ،‬فقال عمر‪ :‬كل والذي نفسي بيده‬
‫ل تجعلونها في عنقي وتجلسون في‬
‫بيوتكم)‪.(1814‬‬
‫‪ -2‬أن يشتهر القائد بالتأني والتروي‪:‬‬
‫لما وّلى عمر رضي الله عنه أبا عبيد الثقفي‬
‫قال له‪ :‬إنه لم يمنعني أن أؤمر سليطا ً إل‬
‫سرعته إلى الحرب‪ ،‬وفي التسرع إلى الحرب‬
‫ضياع إل عن بيان والله لول سرعته لمرته‬
‫ولكن الحرب ل يصلحها إل المكيث)‪.(1815‬‬
‫‪ -3‬أن يكون جريئًا‪ ،‬وشجاعا ً وراميًا‪:‬‬
‫ولما أراد عمر أن يولي قائدا ً لجيوش‬
‫المسلمين لفتح نهاوند)‪ (1816‬واستشار الناس‬
‫فقالوا يا أمير المؤمنين أنت أعلم بأهل‬
‫العراق وجندك قد وفدوا عليك‪ ،‬ورأيتهم‬
‫وكلمتهم فقال‪ :‬أما والله لولين أمرهم رجل ً‬
‫ن أول السّنة)‪ (1817‬إذا لقيها غدًا‪ ،‬فقيل‬
‫ليكون ّ‬

‫‪ ()1813‬موسوعة فقه عمر ص ‪ 100‬عن سيرة عمر لبن الجوزي ص‬


‫‪. 67‬‬
‫‪ ()1814‬موسوعة فقه عمر ص ‪ 100‬عن مصنف عبد الرزاق )‬
‫‪.(11/348‬‬
‫‪ ()1815‬تاريخ الطبري )‪.(4/266‬‬
‫‪ ()1816‬نهاوند‪ :‬من بلد الفرس قرب همذان‪.‬‬
‫‪ ()1817‬السنة‪ :‬واحدة السنان أي سن الرمح‪.‬‬
‫من يا أمير المؤمنين؟ قال‪ :‬النعمان بن مقرن‬
‫و لها)‪.(1818‬‬
‫ه َ‬
‫ي‪ ،‬فقالوا‪ُ :‬‬
‫المزن ّ‬
‫‪ -4‬أن يكون ذا دهاء وفطنة وحنكة‪:‬‬
‫ي أل ألقيكم‬ ‫قال عمر رضي الله عنه‪ :‬ولكم عل ّ‬
‫)‪(1819‬‬
‫‪.‬‬ ‫في المهالك ول أحجزكم في ثغوركم‬
‫ولما نزل عمرو بن العاص وجنده على الروم‬
‫بموقعة أجنادين لفتحها وكان قائد الروم‬
‫الرطبون وهو أدهى الروم‪ ،‬وأبعدها غورًا‪،‬‬
‫ل‪ ،‬ووضع جندا ً عظيما ً بإيلياء‬
‫وأنكاها فع ً‬
‫والرملة وكتب عمرو إلى عمر بالخبر‪ ،‬فلما‬
‫جاءه كتاب عمر قال‪ :‬رمينا أرطبون الروم‬
‫م تنفرج)‪ ،(1820‬ولما‬ ‫بأرطبون العرب فانظروا ع ّ‬
‫أراد عمرو أن يجمع المعلومات عن الرطبون‬
‫وجيشه‪ ،‬حتى يضع خطته الحكيمة لمهاجمته‪،‬‬
‫والنتصار عليه دخل بن العاص معسكر قائد‬
‫الروم وكاد أن يقتل إل أن الله نجاه وخدع‬
‫عمرو بن العاص أرطبون الروم ولما وصل‬
‫المر إلى عمر بن الخطاب‪ .‬قال‪ :‬غلبه عمرو‬
‫لله عمرو)‪.(1821‬‬
‫‪ -5‬أن يكون القائد لبقا ً حاذقا ً له رأي وبصر بالحروب‪:‬‬
‫يقول صاحب المغني )ابن قدامة الحنبلي( في‬
‫كلمه عن أمير الحرب‪ .. :‬ويكون ممن للله رأي‬
‫وعقل ونجدة وبصللر بللالحرب ومكايللدة للعللدو‪،‬‬

‫تاريخ الطبري )‪.(5/109‬‬ ‫‪()1818‬‬


‫موسوعة فقه عمر ص ‪. 109‬‬ ‫‪()1819‬‬
‫تاريخ الطبري )‪.(4/431‬‬ ‫‪()1820‬‬
‫تاريخ الطبر )‪.(4/432‬‬ ‫‪()1821‬‬
‫ويكون فيه أمانة ورفق ونصح للمسللمين)‪.(1822‬‬
‫ولللذلك اختللار الفللاروق سللعد بللن أبللي وقللاص‬
‫لقيادة حرب العراق بعد أن استشار الناس‪.‬‬
‫‪ -6‬الرغبة في العمل‪:‬‬
‫كان من خطة عمر رضي الله عنه أن ل يللوّلي‬
‫رجل ً عمل ً ل رغبللة للله فيلله ول قناعللة إل إذا‬
‫اضطر إلى ذلك ليكون العمل أكثر إتقانًا‪ ،‬فقد‬
‫ندب الناس مللرة وحثهللم علللى قتللال الفللرس‬
‫بالعراق‪ ،‬فلم يقم أحللد ثللم نللدبهم فللي اليللوم‬
‫الثاني فلللم يقللم أحللد‪ ،‬ثللم نللدبهم فللي اليللوم‬
‫الثالث وهكذا ثلثة أيام‪ ،‬فلما كان اليوم الرابع‬
‫كللان أول مللن انتللدب أبللو عبيللد بللن مسللعود‬
‫مر على الجميع أبا‬ ‫الثقفي‪ ،‬ثم تتابع الناس‪ ،‬فأ ّ‬
‫ل – ولللم يكللن صللحابيا ً‬‫عبيللد – وهللو لللذلك أه ل ٌ‬
‫ملللرت عليهلللم رجل ً ملللن‬ ‫فقيلللل لعملللر‪ :‬هل أ ّ‬
‫الصلللحابة؟ فقللال‪ :‬إنمللا أوملللر عليهلللم مللن‬
‫استجاب)‪ ،(1823‬وقد تجسدت هذه الصللفات فللي‬
‫كل من سعد بن أبي وقاص‪ ،‬وأبللي عبيللدة بللن‬
‫الجراح‪ ،‬وعمرو بللن العللاص رضللي الللله عنهللم‬
‫وغيرهم كثير‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬حقوق الله‪ ،‬والقادة والجند من خلل رسائل الفاروق‪:‬‬

‫• حقوق الله‪ :‬كللان الفللاروق رضللي الللله عنلله‬


‫يرشد قادته وجنوده من خلل رسائله ووصاياه‬
‫إلى أهمية الللتزامهم بحقللوق الللله والللتي مللن‬
‫أهمها‪:‬‬
‫‪ ()1822‬المغني لبن قدامة )‪.(8/352‬‬
‫‪ ()1823‬البداية والنهاية )‪.(7/26‬‬
‫َ‬
‫مُنوا‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫‪ -1‬مصابرة العدو‪ :‬قال تعالى‪َ  :‬ياأي ّ َ‬
‫ن)‬
‫حو َ‬ ‫م تُ ْ‬
‫فل ِ ُ‬ ‫عل ّك ُ ْ‬‫ه لَ َ‬‫قوا الل ّ َ‬
‫وات ّ ُ‬ ‫وَراب ِ ُ‬
‫طوا َ‬ ‫صاب ُِروا َ‬
‫و َ‬
‫صب ُِروا َ‬
‫ا ْ‬
‫‪)  (200‬آل عمران‪،‬آية‪ .(200:‬وكان مما قاله عمر‬
‫بن الخطاب رضي الله عنلله فللي الصللبر لسللعد‬
‫بللن أبللي وقللاص حيللن بعللث بلله إلللى العللراق‪:‬‬
‫واعلم أن لكل عادة عتادًا‪ ،‬فعتاد الخير الصللبر‪،‬‬
‫فالصبر علللى مللا أصللابك أو نابللك‪ ،‬يجتمللع لللك‬
‫خشية الله)‪ ،(1824‬كما كتب إلى أبي عبيللدة بللن‬
‫ل‪ :‬لقد أثنى الللله علللى‬ ‫الجراح وهو بالشام قائ ً‬
‫َ‬
‫ه‬
‫ع ُ‬
‫م َ‬
‫ل َ‬ ‫ي َ‬
‫قات َ َ‬ ‫ن ن َب ِ ّ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫قوم بصبرهم‪ .‬فقال‪َ  :‬‬
‫وك َأي ّ ْ‬
‫َ‬
‫ل الل ّل ِ‬
‫ه‬ ‫س لِبي ِ‬ ‫فللي َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫صللاب َ ُ‬ ‫مللا أ َ‬ ‫هُنوا ل ِ َ‬ ‫و َ‬ ‫ما َ‬ ‫ف َ‬ ‫ن ك َِثيٌر َ‬ ‫رب ّّيو َ‬ ‫ِ‬
‫ن)‪(146‬‬ ‫ري َ‬ ‫ّ ِ ِ‬ ‫ب‬‫صللا‬ ‫ال‬ ‫ب‬‫ّ‬ ‫ح‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وال‬ ‫َ‬ ‫نوا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫س‬
‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ما‬‫َ َ‬ ‫و‬ ‫فوا‬ ‫ُ‬ ‫ع‬‫ُ‬ ‫ض‬‫َ‬ ‫ما‬ ‫َ َ‬ ‫و‬
‫فلْر ل َن َللا ذُُنوب َن َللا‬ ‫قللاُلوا َرب ّن َللا ا ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫غ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م إ ِل ّ أ ْ‬ ‫ه‬
‫ْ ُ ْ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ل‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫لا‬‫ل‬ ‫ك‬ ‫ما‬ ‫و َ‬‫َ‬
‫علللى‬ ‫َ‬ ‫ص لْرَنا َ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫وا‬ ‫نا‬‫َ‬ ‫م‬ ‫دا‬ ‫ل‬ ‫ق‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ث‬ ‫و‬ ‫لا‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫لي‬ ‫ل‬ ‫ف‬
‫ِ‬ ‫نا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫را‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫إ‬ ‫و‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ ِ‬ ‫َ ِ ْ َ‬
‫ب الللدّن َْيا‬ ‫وا َ‬ ‫ثلل‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫للل‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫تللا‬ ‫َ‬
‫فآ‬ ‫(‬ ‫‪147‬‬ ‫ن)‬ ‫ري‬ ‫ف‬ ‫كللا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫و ِ‬‫م‬ ‫قلل ْ‬
‫ن)‪ (148‬‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫والل ّ ُ‬ ‫ة َ‬ ‫خَر ِ‬ ‫ب ال ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫ن ثَ َ‬ ‫س َ‬ ‫ح ْ‬ ‫و ُ‬ ‫َ‬
‫)آل عمللران‪،‬آيللة‪ .(146،147،148:‬فأمللا ثللواب الللدنيا‬
‫فالغنيمة والفتح وأما ثواب الخللرة فللالمغفرة‬
‫والجنة واقرأ كتابي هللذا علللى النللاس ومرهللم‬
‫فليقللاتلوا فللي سللبيل الللله وليصللبروا كيمللا‬
‫يلللؤتيهم اللللله ثلللواب اللللدنيا وحسلللن ثلللواب‬
‫الخرة)‪.(1825‬‬

‫‪ -2‬أن يقصللدوا بقتللالهم نصللرة ديللن الللله‪ :‬فقللد‬


‫استوعب الفاروق رضي الله عنه قول رسللول‬
‫الله ‪ :‬من قاتل لتكون كلمة الله هللي العليللا‬

‫‪ ()1824‬تاريخ الطبري )‪.(4/306‬‬


‫‪ ()1825‬تاريخ فتوح الشام ص ‪. 183‬‬
‫فهلللو فلللي سلللبيل اللللله)‪ ،(1826‬فنجلللد حيلللاته‬
‫وتوصياته ورسائله يهيمن عليهللا هللذا المعنللى‬
‫العظيم‪.‬‬

‫َ‬
‫ن‬‫يأ ْ‬ ‫مللا ك َللا َ‬
‫ن ل ِن َب ِ ل ّ‬ ‫و َ‬‫‪ -3‬أداء المانة‪ :‬قللال تعللالى‪َ  :‬‬
‫فى ك ُ ّ‬ ‫و ّ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫غل ُ ْ ْ‬
‫ل‬ ‫م تُ َ‬ ‫ة ثُ ّ‬
‫م ِ‬
‫قَيا َ‬ ‫و َ‬
‫ل يَ ْ‬‫غ ّ‬ ‫ت بِ َ‬
‫ل ي َأ ِ‬ ‫ن يَ ْ‬
‫م ْ‬‫و َ‬ ‫غ ّ‬
‫ل َ‬ ‫يَ ُ‬
‫‪‬‬ ‫ن)‪(161‬‬ ‫مللو َ‬ ‫م ل َ ي ُظْل َ ُ‬ ‫هلل ْ‬
‫و ُ‬‫ت َ‬ ‫مللا ك َ َ‬
‫سللب َ ْ‬ ‫س َ‬ ‫فلل ٍ‬‫نَ ْ‬
‫)آل عمران‪،‬آية‪ .(161:‬فمن وصللايا الفللاروق رضللي‬
‫اللله عنله للقلادة والعسلكر فلي علدم الغللول‬
‫قوله‪) :‬إذا لقيتم العدو فل تفللروا‪ ،‬وإذا غنمتللم‬
‫فل تغلوا()‪.(1827‬‬
‫‪ -4‬عدم الممالة والمحاباة في نصللرة ديللن الللله‪:‬‬
‫ومن مشهور قول عمر بن الخطاب رضي الله‬
‫عنه في المحاباة والمودة‪ :‬مللن اسللتعمل رجل ً‬
‫لمودة أو قرابة ل يستعمله إل لذلك فقد خللان‬
‫الله ورسوله‪ ،‬ومن استعمل فاجرا ً وهللو يعلللم‬
‫أنه فاجر فهو مثله)‪.(1828‬‬

‫• حقللوق القللائد‪ :‬وبيللن الفللاروق فللي رسللائله‬


‫وتوجيهاته حقوق القائد والتي منها‪.‬‬
‫‪ -1‬إلتزام طاعته‪ :‬فحين بعث الفاروق بأبي عبيللد‬
‫بللن مسللعود الثقفللي علللى رأس جيللش نحللو‬
‫العلللراق أرسلللل برفقتللله سللللمة بلللن أسللللم‬
‫الخزرجي وسليط بللن قيللس النصللاري رضللي‬
‫الللله عنهمللا وأمللره أن ل يقطللع أمللرا ً دونهمللا‬
‫‪ ()1826‬البخاري رقم ‪. 2655‬‬
‫‪ ()1827‬الخراج لبي يوسف ص ‪. 85‬‬
‫‪ ()1828‬الدارة العسكرية في الدولة السلمية )‪.(1/66‬‬
‫وأعلملللله أنهمللللا مللللن أهللللل بللللدر ثللللم إن‬
‫أبا عبيللد حللارب الفللرس بموقعلة الجسلر وقلد‬
‫أشلللار عليللله سلللليط أن ل يقطلللع الجسلللر‬
‫ول يعللبر إليهللم فلللم يسللمع للله ممللا أدى إلللى‬
‫هزيمللة عسللكر المسلللمين فقللال سللليط فللي‬
‫بعللض قللوله‪ :‬لللول أنللي أكللره خلف الطاعللة‬
‫لنحزت بالناس ولكني أسمع وأطيع وإن كنللت‬
‫قد أخطأت وأشركني عمر معك)‪.(1829‬‬

‫‪ -2‬أن يفوضوا أمرهم إلى رأيلله‪ :‬قللال تعللالى‪ :‬‬


‫و‬‫ول َل ْ‬ ‫ه َ‬ ‫عللوا ب ِل ِ‬ ‫ذا ُ‬ ‫ف أَ َ‬ ‫و ِ‬ ‫خل ْ‬ ‫و ال ْ َ‬ ‫نأ ْ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫م‬
‫ن ال ْ‬ ‫م َ‬ ‫مٌر ِ‬ ‫مأ ْ‬
‫َ‬
‫ه ْ‬ ‫جاءَ ُ‬ ‫ذا َ‬ ‫وإ ِ َ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫لي‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫أ‬ ‫لى‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫ل‬ ‫لو‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ه‬ ‫دو‬ ‫ر‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ْ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ َ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫ل‬ ‫ض‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ل‬
‫ُ ْ َ ْ‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ن‬‫م‬‫ِ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫طو‬‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ت‬‫ل‬ ‫س‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ذي‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬
‫قِليل ً)‪ (83‬‬ ‫ن إ ِل ّ َ‬ ‫طا َ‬ ‫شللللي ْ َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫عُتلللل ْ‬ ‫ه لت ّب َ ْ‬ ‫مُتلللل ُ‬ ‫ح َ‬‫وَر ْ‬ ‫َ‬
‫)النساء‪،‬آية‪ .(83:‬جعل الله تفللويض الرعيللة المللر‬
‫إلللى ولللي المللر سللببا ً لحصللول العلللم وسللداد‬
‫الرأي‪ ،‬فإن ظهر لهم صواب خفي عليه بينللوه‬
‫له وأشاروا به عليه ولذلك ندب إلى المشللاورة‬
‫ليرجع بها إللى الصلواب)‪ ،(1830‬وقلد جعلل عملر‬
‫رضي الله عنه للعسكر أميللرا ً واحللدا ً يفوضللون‬
‫أمرهم إلللى رأيلله ويكلللونه إلللى تللدبيره حللتى‬
‫ل تختلف أراؤهم فتختلللف كلمتهللم)‪ (1831‬ففللي‬
‫السللنة الللتي بعللث فيهللا الفللاروق بجيللوش‬
‫المسلمين إلى نهاوند وأمرهم بالتجمع هنالللك‬
‫كللان الجيللش يتللألف مللن جنللد أهللل المدينللة‬
‫المنورة من المهاجرين والنصللار وفيهللم عبللد‬
‫‪ ()1829‬مروج الذهب )‪.(2/315،316‬‬
‫‪ ()1830‬الحكام السلطانية ص ‪. 48‬‬
‫‪ ()1831‬الدارة العسكرية في الدولة السلمية نشأتها وتطورها )‬
‫‪.(1/100‬‬
‫الله بن عمللر بللن الخطللاب رضللي الللله عنهمللا‬
‫وجند أهل البصرة بقيادة أبي موسى الشعري‬
‫رضي الله عنه وجند أهل الكوفة بقيادة حذيفة‬
‫بن اليمان رضي الله عنه وبعللد تجمعهللم كتللب‬
‫إليهللم الفللاروق رضللي الللله عنلله‪ :‬إذا التقيتللم‬
‫فأميركم النعمان بن مقرن المزني)‪.(1832‬‬
‫‪ -3‬المسارعة إلى امتثال أمره‪ :‬وفي خلفلة عملر‬
‫بن الخطاب رضي الله عنه كان أول عمل قللام‬
‫بلله هللو نللدب النللاس إلللى فللارس حيللث أخللذ‬
‫يدعوهم لمدة ثلثة أيام ولم يستجب أحد وفي‬
‫اليللوم الرابللع كللان أول منتللدب أبللو عبيللد بللن‬
‫مسعود الثقفي مما أدى بعمر رضي الللله عنلله‬
‫أن يوليه ذلك البعث بالرغم ملن وجلود صلحابة‬
‫رسول الله لنله سللارع إلللى تلبيللة النلداء)‪،(1833‬‬
‫وعنلدما وجله الفللاروق عتبللة بلن غلزوان إللى‬
‫البصرة قال ناصحا ً إياه ومذكرا ً له بقوله‪ :‬اتللق‬
‫الله فيما وليت وإياك أن تنازعللك نفسللك إلللى‬
‫كبر يفسد عليللك إخوتللك وقللد صللحبت رسللول‬
‫الله ‪ ‬فعززت به بعللد الذلللة‪ ،‬وقللويت بلله بعللد‬
‫ضعف حتى صرت أميرا ً مسلطا ً وملكللا ً مطاعللا ً‬
‫تقول فيسمع منك وتأمر فيطاع أمرك فيا لهللا‬
‫من نعمة إن لم ترفعلك فللوق قللدرك وتبطللرك‬
‫عن من دونك)‪.(1834‬‬
‫‪ -4‬عدم منازعته فلي شليء ملن قسلمة الغنلائم‪:‬‬
‫وممللا قللاله عمللر بللن الخطللاب حللول قسللمة‬
‫‪ ()1832‬المصدر نفسه )‪.(1/100‬‬
‫‪ ()1833‬المصدر نفسه )‪.(1/113‬‬
‫‪ ()1834‬المصدر نفسه )‪.(1/114‬‬
‫الغنائم‪ :‬اللهم إني أشهدك على أمراء المصار‬
‫فإني إنما بعثتهم ليعلموا الناس دينهللم وسللنة‬
‫نبيهم ويقسموا فيئهللم ويعللدلوا عليهللم فمللن‬
‫ي)‪ ،(1835‬فمللن ذلللك‬ ‫أشكل عليه شلليء رفعلله إلل ّ‬
‫في فتح البلة)‪ (1836‬عنللدما تللم تقسلليم الغنللائم‬
‫بين الجند كان نصيب أحدهم قللدرا ً مللن نحللاس‬
‫فلما صار بيده تبين أنه من ذهب وعللرف ذلللك‬
‫الجند فشكوا إلى أمير الجند)‪ ،(1837‬فأشكل ذلك‬
‫عليه فكتب بللدوره إلللى عمللر رضللي الللله عنلله‬
‫يخبره بذلك فأتاه الرد بقوله‪ :‬أصر على يمينلله‬
‫بأنه لم يعلم أنها ذهب إل بعللد أن صللارت إليلله‬
‫فإن حلف فأدفعها إليه وإن أبى فأقسمها بين‬
‫المسلللمين فحلللف فللدفعها إليلله)‪ ،(1838‬وعنللدما‬
‫جمعت الغنائم في معركة جلولء ذكر جرير بن‬
‫عبد الله البجلي أن له ربع ذلك كله هو وقللومه‬
‫فكتب سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه بذلك‬
‫إلى عمر بن الخطاب‪ ،‬فقال عمر‪ :‬صدق جريللر‬
‫قللد قلللت للله‪ ،‬فللإن شللاء أن يكللون قاتللل هللو‬
‫وقومه على جعلل المؤلفلة قللوبهم فلأعطهم‬
‫جعلهم‪ ،‬وإن كانوا إنما ما قاتلوا إل لله ولللدينه‬
‫واحتسبوا ما عنده فهم من المسلمين لهم مللا‬
‫لهم وعليهم ما عليهم‪ ،‬فلما قدم الكتاب علللى‬
‫سعد أخبر جريرا ً بذلك‪ ،‬فقال جرير‪ :‬صدق أمير‬

‫‪ ()1835‬الخراج لبي يوسف ص ‪. 50‬‬


‫‪ ()1836‬البلة‪ :‬بلدة على شاطئ دجلة البصرة العظمى في زاوية‬
‫الخليج‪.‬‬
‫‪ ()1837‬الدارة العسكرية )‪.(1/120‬‬
‫‪ ()1838‬مناقب أمير المؤمنين لبن الجوزي ص ‪. 128‬‬
‫المؤمنين وبر ل حاجة لنا إلللى الربللع بللل نحللن‬
‫من المسلمين)‪.(1839‬‬

‫‪ ()1839‬الدارة العسكرية )‪.(1/121‬‬


‫• حقوق الجند‪ :‬وقد بين الفاروق في رسللائله‬
‫ووصاياه حقوق الجند والتي منها‪:‬‬
‫‪ -1‬إستعراضهم وتفقللد أحللوالهم‪ :‬فقللد روي عللن‬
‫عمر بن الخطاب رضي الله عنه في إدارته أنه‬
‫قال‪ :‬إني لجهز جيشي وأنا في الصلة فللذاك‬
‫لن عمللر كللان مللأمورا ً بالجهللاد وهللو أميللر‬
‫المؤمنين فهللو أميللر الجهللاد فصللار بللذلك مللن‬
‫بعض الوجوه بمنزلة المصلي الذي يصلي صلة‬
‫الخوف حال معاينة العدو)‪ ،(1840‬وكان رضي الله‬
‫عنه عندما يعقد اللوية لقللادته وقبللل سلليرهم‬
‫للغزو يستعرضهم ويوصيهم فمما كللان يقللول‬
‫لهم‪ :‬ائتزروا وارتدوا وانتعلوا واحتفوا وارمللوا‬
‫الغللراض وألفللوا الركللب وانللزوا علللى الخيللل‬
‫وعليكللم بالمعديللة – أو قللال العربيللة – ودعللوا‬
‫التنعم وزي العجم ولن تخور قواكم مللا نزوتللم‬
‫ونزعتللللم علللللى ظهللللور الخيللللل ونزعتللللم‬
‫بالقسللي)‪ ،(1841‬وهللذا يظهللر لنللا مللدى حللرص‬
‫الفاروق رضي الله عنه في الستعداد وإظهار‬
‫القلللوة واحتلللذى قلللادته حلللذوه فلللي صلللف‬
‫واستعراض العسكر وإبراز القوة للعللدو سللواء‬
‫في المعارك الحربيللة أو أثنللاء السللتعداد لهللا‪،‬‬
‫فكان عمرو بن العاص رضي الله عنلله يخطللب‬
‫الجند بمصر فللي صلللة الجمعللة ويحثهللم علللى‬
‫إسمان دوابهم ويتوعدهم إن لللم يفعلللوا ذلللك‬
‫بحط الفريضة عنهم يوم العللرض فمللن قللوله‪:‬‬

‫‪ ()1840‬الفتاوى )‪.(22/609‬‬
‫‪ ()1841‬نهاية الرب )‪.(6/168‬‬
‫ول أعلمللن مللا أتللى رجللل قللد أسللمن جسللمه‬
‫وأهللزل فرسلله واعلمللوا إنللي معللرض الخيللل‬
‫كاعتراض الرجال فمن أهزل فرسلله مللن غيللر‬
‫علللة حططللت مللن فريضللته قللدر ذلللك)‪،(1842‬‬
‫وعندما لقي معاوية عمر رضي الله عنهما عند‬
‫قدومه الشام وجد أبهة الملك وزيه من العديللد‬
‫والعدة فاستنكر عليه ذلك وقال للله‪ :‬أكسلروية‬
‫يا معاوية؟ قال‪ :‬يا أمير المؤمنين أنا فللي ثغللر‬
‫تجاه العدو وبنللا إلللى مباهللاتهم بزينللة الحللرب‬
‫والجهاد حاجة فسكت ولللم يخطئه لمللا اجتمللع‬
‫عليه بمقصد من مقاصد الحق والدين)‪.(1843‬‬
‫‪ -2‬الرفق بالجند في السير‪ :‬وقللد كتللب الفللاروق‬
‫إلى سللعد بللن أبللي وقللاص رضللي الللله عنهمللا‬
‫ل‪ :‬وترفللق بالمسلللمين فللي مسلليرهم ول‬ ‫قللائ ً‬
‫تجشمهم مسلليرا ً يتعبهللم ول تقصللر بهللم عللن‬
‫منزل يرفق بهم‪ ،‬حتى يبلغوا عدوهم والسللفر‬
‫لم ينقص قللوتهم‪ ،‬فللإنهم سللائرون إلللى عللدو‬
‫مقيم حامي النفس والكراع‪ ،‬وأقم بمن معللك‬
‫في كل جمعة يوما ً وليلة حتى تكون لهم راحة‬
‫يحيلللون فيهلللا أنفسلللهم ويرملللون أسللللحتهم‬
‫وأمتعتهلللم ونلللح منلللازلهم علللن قلللرى أهلللل‬
‫الصلح)‪ ،..(1844‬وحين بعث الخليفللة عمللر رضللي‬
‫الله عنه بمدد إلى جند الشللام حمللل ضللعيفهم‬
‫وزودهم وأمر عليهم سعيد بللن عللامر‪ ،‬وعنللدما‬
‫هللم بالمسللير قللال عمللر علللى رسلللك حللتى‬

‫‪ ()1842‬فتوح مصر لبن عبد الحكم ص ‪. 141‬‬


‫‪ ()1843‬الدارة العسكرية )‪ (1/137‬نقل ً عن المقدمة‪.‬‬
‫‪ ()1844‬نهاية الرب )‪.(6/169‬‬
‫أوصيك‪ ،‬ثم سار عمر نحو الجيللش راجل ً وقللال‬
‫له‪ :‬يا سعيد وليتللك هللذا الجيللش ولسللت بخيللر‬
‫رجللل فيهللم إل أن تتقللي الللله‪ ،‬فللإذا سللرت‬
‫فأرفق بهم ما اسللتطعت ول تشللتم أعراضللهم‬
‫ول تحتقر صللغيرهم ول تللؤثر قللويهم ول تتبللع‬
‫سللواك ول تسلللك بهللم المغللاور واقطللع بهللم‬
‫السهل ول ترقد بهم علللى جللادة)‪ (1845‬الطريللق‬
‫والله تعالى خليفتي عليك وعلى من معك مللن‬
‫المسلمين)‪.(1846‬‬
‫‪ -3‬أن يتصلللفحهم عنلللد مسللليرهم‪ :‬فقلللد كلللان‬
‫الفلللاروق يتصلللفح الجيلللوش عنلللد مسللليرهم‬
‫ويوصيهم بالخلق الرفيعلة والقيلم العظيملة‪،‬‬
‫فقد أمر سعد بن أبي وقللاص رضللي الللله عنلله‬
‫بالوفاء مع العداء حين طلبهللم للمللان وأن ل‬
‫يغللدروا وبيللن للله أن الخطللأ فللي الغللدر هلكللة‬
‫ووهن له وقوة للعداء وحذره أن يكللون شللينا ً‬
‫على المسلمين وسببا ً لتوهينهم)‪.(1847‬‬
‫‪ -4‬عدم التعرض عند اللقللاء لملن خللالفه منهللم لئل‬
‫يحصل افتراق الكلمة والفشل‪:‬‬
‫ومن وصايا عمر بللن الخطللاب رضللي الللله عنلله‬
‫ل‬ ‫لمرائه وقللادته فللي هللذا البللاب قللوله‪:‬‬
‫يجلدن أميللر جيللش ول سللرية أحللدا ً الحللد حللتى‬
‫يطلللع الللدرب لئل تحمللله حميللة الشلليطان أن‬
‫يلحق بالكفار)‪.(1848‬‬
‫الجادة‪ :‬معظم الطريق والجمع جواد‪.‬‬ ‫‪()1845‬‬
‫تاريخ فتوح الشام ص ‪ 186‬للزدي‪.‬‬ ‫‪()1846‬‬
‫الدارة العسكرية )‪.(1/179‬‬ ‫‪()1847‬‬
‫تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ‪. 131‬‬ ‫‪()1848‬‬
‫وعندما بعث عمر بن الخطللاب رضللي الللله عنلله‬
‫بالقائد سلللمان بللن ربيعللة البللاهلي علللى رأس‬
‫جيش كان برفقته عمرو بن معديكرب وطليحللة‬
‫بللن خويلللد السللدي وحللدثت بيللن عمللرو بللن‬
‫معديكرب وسلمان بن ربيعللة أمللور بلغللت عمللر‬
‫ل‪ :‬أمللا بعللد‪:‬‬‫رضي الله عنه فكتب إليه عمر قللائ ً‬
‫فقد بلغني صنيعك بعمرو وإنك لم تحسن بذلك‬
‫ولم تجمل فيه فإذا كنت بمثللل مكانللك فللي دار‬
‫الحللرب فللانظر عمللرا ً وطليحللة وقربهمللا منللك‬
‫واسمع منهما فإن لهما بللالحرب علم لا ً وتجربللة‬
‫وإذا وصلت إلى دار السللم فأنزلهملا منزلتهملا‬
‫الللتي أنللزل أنفسللهما بهللا وقللرب أهللل الفقلله‬
‫والقرآن)‪ ،(1849‬وكتب إلى عمللرو بللن معللديكرب‪:‬‬
‫أما بعد فقد بلغني إفحامك لميرك وشتمك للله‪،‬‬
‫وإن لك لسيفا ً تسميه الصمصامة وإن لي سيفا ً‬
‫أسميه المصمم وإني أحلف بالله لو قد وضللعته‬
‫علللللللللللللللللللللللللى هامتللللللللللللللللللللللللك‬
‫ل أرفعه حتى أقدك به‪ ،‬فلما جاء الكتاب لعمللرو‬
‫قللال‪ :‬والللله إن هللم ليفعلللن)‪ ،(1850‬يتجلللى مللن‬
‫النصين السابقين فقه الفاروق فيما ينبغللي أن‬
‫يتحلللى بلله القللائد فللي دار الحللرب مللن التلف‬
‫للقلللوب وخاصللة وهللم بللإزاء العللدو‪ ،‬وأن علللى‬
‫القائد أن يستشير من له خبرة بالحرب وهللذا ل‬
‫يعني انقطاع العلقة والمودة بينهما حين عودة‬
‫)‪(1851‬‬
‫العسكر إلى دار السلللم‪ ،‬وفللي فتللح الرهللا‬
‫على يد عياض بن غنم قدم عليه مدد من الشام‬
‫‪ ()1849‬الوائل للعسكري )‪.(2/45‬‬
‫‪ ()1850‬المصدر نفسه )‪.(2/45‬‬
‫‪ ()1851‬الرها‪ :‬مدينة بالجزيرة بين الموصل والشام‪.‬‬
‫بقيادة بسر بن أبي أرطأة العامري وجه به يزيد‬
‫بن أبي سفيان بأمر ملن عملر رضلي اللله عنله‬
‫وحدث بينهما خلف وهم في دار الحللرب وكللان‬
‫عياض مستغنيا ً عن المدد فطلللب إليلله الرجللوع‬
‫إلللى الشللام فكتللب عمللر رضللي الللله عنلله إلللى‬
‫عياض طالبا ً منه أن يوضللح للله سللبب إرجللاعهم‬
‫وخاصة وهللم مللا قللدموا إل لمسللاندتك ولعلم‬
‫العدو أن المداد متواترة إليك فتنكسر قلللوبهم‬
‫ويسارعوا إلللى طاعتللك‪ ،‬فأجللابه عيللاض قللائ ً‬
‫ل‪:‬‬
‫خشلليت أن يحصللل شلليء مللن التمللرد وتختلللف‬
‫قلللوب العسللاكر ولمللا كنللت غنيللا ً عللن مللدده‬
‫اعتذرت إليه وأمرته بالعودة هذا هو السبب في‬
‫إعادته)‪ ،(1852‬عندها صوبه عمللر رضللي الللله عنلله‬
‫ودعا له وخاصة وهم بإزاء العدو حتى ل تفللترق‬
‫الكلملللة ويتنلللاحروا فيملللا بينهلللم ويحصلللل‬
‫الفشل)‪.(1853‬‬
‫‪ -5‬حراسللتهم مللن غللرة يظفللر بهللا العللدو فللي‬
‫مقامهم ومسيرهم‪:‬‬
‫اهتم الفاروق بأمر الحراسة ولللذلك أمللر قللادته‬
‫بالحرص والحذر من بيان العللدو وأخللذهم علللى‬
‫غللرة وطلللب منهللم إقامللة الحللرس فللي حلهللم‬
‫وترحللالهم‪ ،‬فمللن ذلللك قللوله لسللعد بللن أبللي‬
‫وقاص‪ :‬أذك حراسك على عسكرك وتيقللظ مللن‬
‫البيللللللللللللللللللللللللان جهللللللللللللللللللللللللدك‬
‫ول تؤتى بأسير ليس له عقللد إل ضللربت عنقلله‬

‫‪ ()1852‬فتوح الشام ابن أعثم )‪.(255-1/253‬‬


‫‪ ()1853‬الدارة العسكرية )‪.(1/188‬‬
‫لترهب بذلك عدو الله وعدوك)‪ ،(1854‬وكان رضللي‬
‫الللله عنلله يوصللي قللادته باتخللاذ العيللون وبللث‬
‫الطلئع عند بلوغ أرض العدو حتى يكونللوا علللى‬
‫علم ودراية بحالهم وبنواياهم‪ ،‬فمما كتبلله إلللى‬
‫سللعد بللن أبللي وقللاص قللوله‪ :‬وإذا وطئت أرض‬
‫العللدو فللأذك العيللون بينللك وبينهللم ول يخفللى‬
‫عليك أمرهم وليكللن عنللدك مللن العللرب أو مللن‬
‫أهللل الرض مللن تثللق بلله وتطمئن إلللى نصللحه‬
‫وصدقه فإن الكذوب ل ينفعك خبره وإن صدقك‬
‫في بعضه والغاش عيللن عليللك ليللس عينلا ً لللك‪،‬‬
‫وك مللن أرض العللدو أن تكللثر‬ ‫وليكن منك عند دن ّ‬
‫الطلئع وتبللث السللرايا بينللك وبينهللم فتقطللع‬
‫السللرايا أمللدادهم ومرافقهللم وتتبللع الطلئع‬
‫عوراتهم وانتق للطلئع أهل الرأي والبأس مللن‬
‫أصحابك وتخير لهم سللوابق الخيللل‪ ،‬فللإن لقللوا‬
‫علللللللللللللللللللللللدوا كلللللللللللللللللللللللان أول‬
‫ما تلقاهم القوة من رأيك)‪ .(1855‬ويتضح لنللا مللن‬
‫هذه الوصية القيمة أن الخليفة عمر رضي الللله‬
‫عنلله لللم تقتصللر عنللايته باتخللاذ العيللون علللى‬
‫العداء بل اتخذها أيضا ً في الجيوش السلللمية‬
‫فللي الرقابللة الداريللة علللى الللولة والعمللال‬
‫والقللادة والجنللد ليتعللرف أحللوالهم وسلليرتهم‬
‫ومعللاملتهم وسللير أعمللالهم العسللكرية‪ ،‬فقللد‬
‫كانت له عيون فللي كللل جيللش ومعسللكر ترفللع‬
‫إليه تقريللرا ً عمللا يللدور فيلله)‪ ،(1856‬وعنللدما شللكا‬
‫عمير بن سعد النصاري إلى الخليفة عمر حيللن‬
‫‪ ()1854‬نهاية الرب )‪.(6/170‬‬
‫‪ ()1855‬نهاية الرب )‪.(6/169‬‬
‫‪ ()1856‬الدارة العسكرية )‪.(1/396‬‬
‫قدم عليه وكان علللى طائفللة مللن أهللل الشللام‬
‫قائ ً‬
‫ل‪ :‬يلا أميلر الملؤمنين إن بيننلا وبيلن اللروم‬
‫مدينللة يقللال لهللا عللرب سللوس)‪ ،(1857‬وإنهللم ل‬
‫يخفللون علللى عللدونا مللن عوراتنللا شلليئا ً ول‬
‫يظهروننا على عوراتهم‪ ،‬فقللال للله عمللر‪ :‬فللإذا‬
‫قدمت فخيرهم بين أن تعطيهم مكان كل شللاة‬
‫شاتين ومكان كل بعير بعيرين ومكان كل شيء‬
‫شيئين فإن رضوا بذلك فللأعطهم وخربهللا فللإن‬
‫أبوا فأنب إليهم وأجلهم سنة ثم خربها)‪ .(1858‬ثم‬
‫لما قدم عليهم عمير بن سعد عرض عليهم ذلك‬
‫فأبوا فأجلهم سنة ثم خربها)‪.(1859‬‬
‫‪ -6‬اختيار موضع نزولهم لمحاربة العدو‪ :‬فقد كان‬
‫الفللاروق يوصللي سللعد بللن أبللي وقللاص بللأن ل‬
‫يقاتل حتى يتعرف علللى طبيعللة أرض المعركللة‬
‫كلها مداخلها ومخارجها ووفرة الماء والكل بهللا‬
‫وما يجري مجرى ذلك)‪ ،(1860‬كما كتللب إليلله قبللل‬
‫القادسللية بللأن يكللون أدنللى حجللر مللن أرضللهم‬
‫لنهم أعرف بمسالكها من عدوهم فمتى كللانت‬
‫الهزيمة استطاع التمكن من النسللحاب بالجنللد‬
‫فينجوا مللن القتللل فل يسللتطيع العللدو اللحللاق‬
‫بهلللم لجبنللله ملللن اتبلللاعهم وعلللدم معرفتللله‬
‫بطرقهللا)‪ ،(1861‬وبالضللافة إلللى ذلللك فقللد ولللى‬
‫الفلللاروق سلللعد بلللن أبلللي وقلللاص وسللللمان‬
‫الفارسي وحذيفة بن اليمان ريادة الجيش فللي‬
‫مدينة بالثغر من ناحية الحدث‪.‬‬ ‫‪()1857‬‬
‫فتوح البلدان للبلذري )‪.(1/185‬‬ ‫‪()1858‬‬
‫المصدر نفسه )‪ ، (1/185‬الدارة العسكرية )‪.(1/397‬‬ ‫‪()1859‬‬
‫نهاية الرب )‪ ، (6/170‬الدارة العسكرية )‪.(1/205‬‬ ‫‪()1860‬‬
‫الدارة العسكرية )‪.(1/205‬‬ ‫‪()1861‬‬
‫اختيار موقع وموضع نزوله وإقامته‪ ،‬فقللد قللام‬
‫الفللللاروق بتوزيللللع المهللللام الداريللللة بيللللن‬
‫القادة)‪ ،(1862‬وكان الفاروق يشترط فللي إدارتلله‬
‫العسللكرية علللى قللادته عنللد اختيللارهم لموضللع‬
‫نزولهلللم وإقاملللة معسلللكراتهم الحربيلللة أن ل‬
‫يفصلهم عن مقر القيادة العسكرية العليللا مللاء‬
‫وذلللك لمللا لهللا مللن مركزيللة فللي التخطيللط‬
‫ولتسهيل المداد والتموين)‪ ،(1863‬كما كتب عمللر‬
‫رضي الله عنه إلى أبي عبيدة بن الجراح قللائ ً‬
‫ل‪:‬‬
‫ول تنزلهم منزل ً قبل أن تسللتريده لهللم وتعلللم‬
‫كيف مأتاه)‪.(1864‬‬
‫‪ -7‬إعداد مللا يحتللاج إليلله الجنللد مللن زاد وعلللوفه‪:‬‬
‫كان عمر رضي الله عنه يبعث لجنللد المسلللمين‬
‫بالعراق من المدينة المنورة بالتموين من الغنم‬
‫والجزور)‪ ،(1865‬وحمى النقيع والربذة)‪ ،(1866‬للنعم‬
‫التي يحمل عليها في سبيل الله‪ ،‬كما اتخذ فللي‬
‫كل مصر على قللدره خيلول ً مللن فضلول أمللوال‬
‫المسلللمين عللدة لمللا يعللرض فكللان مللن ذلللك‬
‫و منهللا‪،‬‬‫بالكوفة أربعة آلف فرس‪ ،‬وبالبصرة نح ُ‬
‫)‪(1867‬‬
‫‪ ،‬ثللم‬ ‫وفي كل مصر من المصار على قدره‬
‫حيللن قللدم عمللر بللن الخطللاب رضللي الللله عنلله‬
‫بالشام لمصالحة أهل بيت المقدس أنشللأ إدارة‬

‫‪ ()1862‬المصدر نفسه )‪.(1/206‬‬


‫‪ ()1863‬الدارة العسكرية )‪.(1/206‬‬
‫‪ ()1864‬الدارة العسكرية )‪ (1/207‬نقل ً عن تاريخ الطبري‪.‬‬
‫‪ ()1865‬فتوح البلدان للبلذري )‪.(2/314‬‬
‫‪ ()1866‬الربذة‪ :‬من قرى المدينة على ثلثة أيام قريبة من ذات‬
‫عرق على طريق الحجاز‪.‬‬
‫‪ ()1867‬الدارة العسكرية )‪.(1/217‬‬
‫لتموين الجيش عرفت باسم الهراء)‪ ،(1868‬وكان‬
‫عمرو بن عبسة أول موظف عين لدارة تمللوين‬
‫الجيش)‪.(1869‬‬
‫‪ -8‬تحريضهم على القتال‪ :‬كتب الفاروق إلى أبي‬
‫عبيللدة يحرضلله علللى الجهللاد قللائ ً‬
‫ل‪ :‬بسللم الللله‬
‫الرحمن الرحيم‪ ،‬من عبد الله عمر بن الخطللاب‬
‫أميلللللر الملللللؤمنين إللللللى أميلللللن الملللللة‬
‫أبي عبيدة عامر بن الجللراح سلللم عليللك فللإني‬
‫أحمد الله عز وجل سرا ً وعلنيللة وأحللذركم مللن‬
‫معصللية الللله عللز وجللل وأحللذركم وأنهللاكم أن‬
‫ن‬
‫كللا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫قلل ْ‬ ‫تكونوا ممن قال الله في حقهم ‪ُ ‬‬
‫خللوان ُك ُم َ‬ ‫وأ َب َْنللا ُ‬
‫م‬ ‫شلليَرت ُك ُ ْ‬ ‫ع ِ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫كلل ْ‬‫ج ُ‬‫وا ُ‬ ‫وأْز َ‬ ‫ْ َ‬ ‫وإ ِ ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ؤك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ؤك ُ ْ‬ ‫آَبللا ُ‬
‫َ‬
‫ن‬‫سللاك ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫و َ‬‫ها َ‬ ‫سادَ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫و َ‬ ‫ش ْ‬‫خ َ‬ ‫جاَرةٌ ت َ ْ‬ ‫وت ِ َ‬‫ها َ‬ ‫مو َ‬ ‫فت ُ ُ‬‫قت ََر ْ‬‫لا ْ‬ ‫وا ٌ‬ ‫م َ‬‫وأ ْ‬ ‫َ‬
‫فللي‬ ‫هللاٍد ِ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ج َ‬ ‫و ِ‬‫ه َ‬ ‫سللول ِ ِ‬ ‫وَر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن اللل ِ‬ ‫مل ْ‬‫م ِ‬ ‫ب إ ِلي ْكل ْ‬ ‫حل ّ‬ ‫ها أ َ‬ ‫ون َ َ‬‫ضل ْ‬ ‫ت َْر َ‬
‫دي‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ه َ‬
‫هل ِ‬ ‫ه ل يَ ْ‬ ‫والل ل ُ‬ ‫ه َ‬‫ر ِ‬ ‫م ِ‬
‫ه ب ِلأ ْ‬ ‫ي الل ل ُ‬ ‫حّتى ي َأت ِ َ‬ ‫صوا َ‬ ‫فت ََرب ّ ُ‬ ‫سِبيل ِ ِ‬ ‫َ‬
‫ن)‪)  (24‬التوبة‪،‬آية‪ .(24:‬وصلى الله‬ ‫قي َ‬ ‫س ِ‬‫فا ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫و َ‬ ‫ق ْ‬‫ال ْ َ‬
‫على خاتم النبيين وإمام المرسلين والحمد لللله‬
‫رب العالمين)‪ ،(1870‬فلما وصل الكتللاب إلللى أبللي‬
‫عبيدة قللرأه علللى المسلللمين فعلمللوا أن أميللر‬
‫المؤمنين يحرضهم على القتللال ولللم يبللق أحللد‬
‫مللن المسلللمين إل بكللى مللن كتللاب عمللر بللن‬
‫الخطاب‪ ،‬كما كتللب إلللى سللعد بللن أبللي وقللاص‬
‫بالعراق ومن معلله مللن الجنللاد يحرضللهم علللى‬
‫القتللال ويمنيهللم ويللأمرهم اللللتزام بالفضللائل‬

‫‪ ()1868‬الهرى‪ :‬بيت كبير ضخم يجمع فيه طعام السلطان والجمع‬


‫أهراء‪.‬‬
‫‪ ()1869‬الدارة العسكرية )‪.(1/217‬‬
‫‪ ()1870‬فتوح الشام للواقدي )‪.(1/117‬‬
‫ويحذرهم من ارتكاب المعاصي)‪ ،(1871‬هذا وكللان‬
‫مللن مهللام أمللراء العشللار فللي إدارة الفللاروق‬
‫رضي الله عنه التحريض في القتال)‪.(1872‬‬

‫‪ -9‬أن يذكرهم بثواب الله وفضل الشهادة‪ :‬ففللي‬


‫عصر الفاروق قللام سللعد بللن أبللي وقللاص فللي‬
‫القادسية يذكر جنده بثواب الله تعالى ومللا أعللد‬
‫لهم في الخرة من النعيم ورغبهم في الجهللاد‬
‫وأعلمهم ما وعد الله نللبيه مللن النصللر وإظهللار‬
‫الدين وبين لهم مللا سللوف يكللون بأيللديهم مللن‬
‫النفل والغنائم والبلد وأمللر القللراء أن يقللرأوا‬
‫سورة الجهاد )النفال( )‪ ،(1873‬كما قام أبو عبيدة‬
‫بن الجراح في جند الشام خطيبا ً ومذكرا ً إيللاهم‬
‫بثللواب الللله تعللالى ونعيملله ومخللبرا ً إيللاهم أن‬
‫الجهاد خير لهم من الللدنيا ومللا فيهللا)‪ ،(1874‬كمللا‬
‫اشللتهر عللن عمللرو بللن العللاص قللوله لجنللد‬
‫فلسللطين‪ :‬مللن قتللل شللهيدا ً ومللن عللاش كللان‬
‫سلعيدا ً وأملر الجنلد أن يقلرأوا القلرآن وحثهلم‬
‫على الصبر ورغبهم في ثواب الله وجنته)‪.(1875‬‬
‫‪ -10‬أن يلزمهم بما أوجبه الله مللن حقللوق‪ :‬فقللد‬
‫كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى سعد‬
‫بن أبي وقاص ومللن معلله مللن الجنللاد يوصلليه‬
‫بقللوله‪ :‬أمللا بعللد فللإني آملرك ومللن معللك مللن‬
‫الجناد بتقوى الله على كللل حللال فللإن تقللوى‬

‫الدارة العسكرية )‪.(1/239‬‬ ‫‪()1871‬‬


‫الدارة العسكرية )‪.(1/239‬‬ ‫‪()1872‬‬
‫تاريخ الطبري )‪.(4/356‬‬ ‫‪()1873‬‬
‫الدارة العسكرية )‪.(1/243‬‬ ‫‪()1874‬‬
‫فتوح الشام )‪.(1/18،20‬‬ ‫‪()1875‬‬
‫الله أفضل العدة علللى العللدو وأقللوى المكيللدة‬
‫في الحرب وآمرك ومن معللك أن تكونللوا أشللد‬
‫احتراسللا ً مللن المعاصللي مللن احتراسللكم مللن‬
‫عدوكم فإن ذنوب الجيللش أخللوف عليهللم مللن‬
‫عدوهم وإنما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم‬
‫لله)‪…(1876‬‬

‫‪ -11‬أن ينهللاهم عللن الشللتغال بتجللارة وزراعللة‬


‫ونحوها‪ :‬فقد أمر عمر بن الخطاب رضللي الللله‬
‫عنه مناديه أن يخرج إلى أمراء الجنللاد فللي أن‬
‫يبلغللوا العسللكر أن عطللاءهم قللائم وأن رزق‬
‫عيالهم سائل وأن ينهوهم عللن الزراعللة حللتى‬
‫إّنه عاقب مللن لللم يمتثللل ذلللك)‪ ،(1877‬كللل ذلللك‬
‫حرصلا ً مللن الفللاروق رضللي الللله عنلله بتفريللغ‬
‫الجند للجهاد ونشر السلم ولن ل يلتصقوا‬
‫بالرض حين يزرعوا فيركنوا إلى ذلللك ويصللبح‬
‫ل‪ ،‬ولذلك استطاع عمر رضي الله‬ ‫قلبهم منشغ ً‬
‫عنه أن يوجد جندا ً متفرغا ً للقتال جاهزا ً لوقت‬
‫الحاجة والطلب وضمن عدم انتشللارهم لجنللي‬
‫الثمار والزراعة وما يتبعهللا مللن حصللاد وحلرث‬
‫وتسويق)‪.(1878‬‬

‫رابعًا‪ :‬اهتمامه بحدود الدولة‪:‬‬


‫كان عمر رضي الله عنه من خوفه على‬
‫المسلمين وحدود الدولة السلمية لتساعها‬
‫وكرهه لقتال الروم يقول إذا ذكر الروم‪ :‬والله‬
‫‪ ()1876‬الفاروق عمر بن الخطاب‪ ،‬محمد رشيد رضا ص ‪. 119‬‬
‫‪ ()1877‬الدارة العسكرية )‪.(1/256‬‬
‫‪ ()1878‬المصدر نفسه )‪.(1/257‬‬
‫لوددت أن الدرب جمرة بيننا وبينهم لنا ما دونه‬
‫وللروم ما وراءه)‪ .(1879‬وقال الشيء نفسه حول‬
‫حدود الدولة السلمية نحو الفرس‪ :‬لوددت أن‬
‫بين السواد وبين الجبل سدا ً ل يخلصون إلينا ول‬
‫نخلص إليهم‪ ،‬حسبنا من الريف السواد‪ ،‬وإني‬
‫أوثر سلمة المسلمين على النفال)‪ ،(1880‬فأمر‬
‫بإقامة قواعد عسكرية إسلمية لها عدة وظائف‬
‫ومهام والتي سبق وأشرنا إلى بعض منها‬
‫بالضافة إلى كونها مراكز حربية في مواقع‬
‫استراتيجية متقدمة على الحدود بينها وبين‬
‫البلد المفتوحة لترد أي عدوان خارجي وكمراكز‬
‫تجمع للجند ولنشر السلم وكان في طليعتها‬
‫مدينتا البصرة والكوفة في مجاورة الدولة‬
‫الفارسية والفسطاط بمصر)‪ ،(1881‬وثغور أخرى‬
‫بسواحلها وسواحل الشام لرد هجمات الروم من‬
‫البحر‪ ،‬وجند أربعة أجناد فيما بعد فيقال جند‬
‫حمص وجند دمشق وجند الردن وجند فلسطين‬
‫حيث كانت لختصاصهم حتى عرفوا بها وصارت‬
‫لهم علمة زائدة على النسب يتميزون بها عند‬
‫أمرائهم لتسهيل عملية إدارتهم في المهمات‬
‫العسكرية ولرعاية شؤونهم والتي كان منها‬
‫العطاء)‪ ،(1882‬هذا إلى جانب المعسكرات‬
‫والتحصينات التي بالثغور والتي سبق إجلء‬
‫العدو عنها واستولى عليها المسلمون واتخذوها‬
‫قواعد عسكرية لهم وأسكنوا بها جندهم لحماية‬
‫تاريخ اليعقوبي )‪.(2/155‬‬ ‫‪()1879‬‬
‫تاريخ الطبري نقل ً عن الدارة العسكرية )‪.(1/352‬‬ ‫‪()1880‬‬
‫الدارة العسكرية )‪.(1/452‬‬ ‫‪()1881‬‬
‫فتوح البلدان )‪.(1/156‬‬ ‫‪()1882‬‬
‫حدود الدولة السلمية)‪ ،(1883‬ثم صار المسلمون‬
‫كلما تقدموا في الفتح أقاموا في نهاية توسعهم‬
‫ثغرا ً يحرس الحدود يشحن بالجند المرابطين‬
‫ويتولى أمره قائد من أكفأ القواد)‪ ،(1884‬ومن أهم‬
‫تلك الجراءات التي اتخذها الفاروق رضي الله‬
‫عنه بإقليم العراق والمشرق المسالح التي‬
‫أقيمت بين المسلمين والفرس فحينما بلغ‬
‫اجتماع الفرس على يزدجرد للقائد المثنى بن‬
‫حارثة والمسلمين كتبوا إلى الخليفة عمر بذلك‬
‫فجاءهم الرد بقوله‪ :‬أما بعد فأخرجوا من بين‬
‫ظهراني العاجم وتفرقوا في المياه التي تلي‬
‫العاجم على حدود أرضكم وأرضهم‪ ..‬فنفذ‬
‫المثنى المر)‪ ،(1885‬كما أوصى الخليفة عمر رضي‬
‫الله عنه سعدا ً قبل القادسية بقوله‪ :‬وإذا انتهيت‬
‫إلى القادسية فتكون مسالحك على أنقابها)‪.(1886‬‬
‫وفي جلولء كتب عمر رضي الله عنه إلى سعد‪:‬‬
‫إن هزم الله الجندين‪ ،‬جند مهران وجند النطاق‬
‫فقدم القعقاع بن عمرو بثغر حلوان بجنود‬
‫المسلمين لحماية المنطقة والحفاظ عليها من‬
‫تقدم العداء وحتى يكون ردءا ً لخوانه من جند‬
‫المسلمين الغازي منهم والمقيم)‪ ،(1887‬لذا كان‬
‫القائد سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه‬
‫بالعراق يطلب من الجند ويحثهم على التقدم‬
‫نحو الفرس مخبرا ً إياهم أن الثغور والفروج قد‬

‫تاريخ التمدن‪ ،‬جرجي زيدان )‪.(1/179‬‬ ‫‪()1883‬‬


‫الدارة العسكرية )‪.(1/453‬‬ ‫‪()1884‬‬
‫الدارة العسكرية )‪.(1/453‬‬ ‫‪()1885‬‬
‫المصدر نفسه )‪.(1/453‬‬ ‫‪()1886‬‬
‫المصدر نفسه )‪ (1/454‬نقل ً عن الطبري‪.‬‬ ‫‪()1887‬‬
‫سدت بقوله‪ :‬ليس وراءكم شيء تخافون أن‬
‫تؤتوا منه كفاكموهم أهل اليام وعطلوا ثغورهم‬
‫وأفنوا ذاتهم)‪ ،(1888‬والملحظ أن هذه المسالح‬
‫في عهد الفاروق ل تنشأ إل بأمر من القيادة‬
‫العليا المركزية للدارة العسكرية وذلك في قول‬
‫الخليفة عمر لقادة المسالح‪ :‬اشغلوا فارس عن‬
‫إخوانكم وحوطوا بذلك أمتكم وأرضكم وأقيموا‬
‫على حدود ما بين فارس والهواز حتى يأتيكم‬
‫أمري)‪ ،(1889‬وقد بلغت ثغور الكوفة وحدها في‬
‫عهد الفاروق أربعة ثغور هي‪ :‬ثغور حلوان وعليه‬
‫القعقاع بن عمرو التميمي‪ ،‬وثغر ماسبذان‬
‫وعليه ضرار بن الخطاب الفهري‪ ،‬وثغر‬
‫قرقيسيا)‪ (1890‬وعليه عمر بن مالك الزهري‪ ،‬وثغر‬
‫الموصل وعليه عبد الله بن المعتم العبسي وكان‬
‫لكل قائد من هؤلء من ينوب عنه في ثغره‬
‫لدارته إذا توجه لمهمة ما‪ ،‬ومن الجدير بالذكر‬
‫أن جند المسلمين ل يبنون الثغور حصنا ً ول‬
‫يمصرون مدينة إل وأقاموا المسجد في المقدمة‬
‫لما له من دور دعوي وتربوي وجهادي كما هو‬
‫معروف)‪ ،(1891‬وأما فيما يتعلق بحماية الحدود بين‬
‫الروم والمسلمين في الجبهة الشامية في عهد‬
‫عمر رضي الله عنه‪ ،‬فقد بدأت عنايته بها أيضا ً‬
‫منذ الفتح السلمي لبلد الشام حيث اتخذ لذلك‬
‫إجراءات دفاعية كثيرة ومتعددة لحماية المنطقة‪،‬‬

‫‪ ()1888‬المصدر نفسه )‪.(1/454‬‬


‫‪ ()1889‬المصدر نفسه )‪.(1/454‬‬
‫‪ ()1890‬بلد على نهر الخابور قرب مالك بن طوق وعندها مصب‬
‫الخابور في الفرات‪.‬‬
‫‪ ()1891‬الدارة العسكرية )‪.(1/455‬‬
‫منها بناء المناظر وإقامة الحرس واتخاذ‬
‫المسالح به وتحصين المدن الساحلية إلى جانب‬
‫الرباطات الدائمة بالضافة إلى الحصون‬
‫المفتوحة وترتيب المقاتلة فيها أي الجند الغازي‬
‫وسياسة التهجير أو النواقل وجمعه الساحل‬
‫الشامي كله تحت إدارة عسكرية موحدة ففي‬
‫السنة التي سار فيها عمر بنفسه إلى بلد الشام‬
‫لتوقيع الصلح مع أهل بيت المقدس تفقد بعض‬
‫الثغور الشامية ووضع بها الحاميات والمسالح‬
‫ورتب بها أمراء الخبار والقادة وسد فروجها‬
‫ومسالحها وأخذ يدور بها ليرى احتياجاتها‬
‫الدفاعية)‪ ،(1892‬ثم رجع إلى المدينة وخطب‬
‫ل‪ :‬أل قد وليت عليكم‬ ‫الناس قبل رجوعه قائ ً‬
‫وقضيت الذي علي في الذي ولني الله من‬
‫أمركم إن شاء الله قسطنا بينكم فيئكم‬
‫ومنازلكم ومغازيكم وأبلغنا ما لديكم فجندنا لكم‬
‫الجنود وهيأنا لكم الفروج وبوأنا لكم ووسعنا‬
‫عليكم‬
‫ما بلغ فيئكم وما قاتلتم عليه من شامكم‬
‫وسمينا لكم أطماعكم وأمرنا لكم بأعطياتكم‬
‫وأرزاقكم ومغانكم فمن علم علم شيء يينبغي‬
‫العمل به فبلغنا نعمل به إن شاء الله‬
‫ول قوة إل بالله)‪ ،(1893‬وعندما فتح أبو عبيدة بن‬
‫الجراح ثغر انطاكية بالحدود الشامية الشمالية‬
‫كتب إليه الخليفة عمر رضي الله عنه قائ ً‬
‫ل‪ :‬أن‬
‫رتب بإنطاكية جماعة من المسلمين أهل نيات‬
‫وحسبة وأجعلهم بها مرابطة ول تحبس عنهم‬
‫‪ ()1892‬الدارة العسكرية )‪.(1/457‬‬
‫‪ ()1893‬تاريخ الطبري )‪.(4/40‬‬
‫العطاء)‪ ،(1894‬فنقل‬
‫أبو عبيدة قوما ً من أهل حمص وبعلبك مرابطة‬
‫بها لحماية حدود المنطقة من أي عدوان خارجي‬
‫وعين على الثغر حبيب بن مسلمة الفهري الذي‬
‫اتخذ من ثغر إنطاكية قاعدة لنطلقه لغزو ما‬
‫خلف الحدود السلمية فمنها كان يأتي المدد‬
‫للخطوط المامية في الجبهة الرومية وكان منها‬
‫غزوة للجرجومة)‪ (1895‬التي صالح أهلها على أن‬
‫يكونوا أعوانا ً للمسلمين وعيونا ً ومسالح في‬
‫جبل اللكام ضد الروم)‪ ،(1896‬وكذلك عندما سار‬
‫أبو عبيدة إلى ثغر بالس)‪ (1897‬رتب به جماعة من‬
‫المقاتلين وأسكنه قوما ً من عرب الشام الذين‬
‫أسلموا بعد قدوم المسلمين لحفظ الثغر‬
‫وضبطه من هجمات الروم)‪ ،(1898‬ومن التحصينات‬
‫والوسائل الدفاعية التي اتخذها الوالي معاوية‬
‫بن أبي سفيان لحماية الحدود السلمية‬
‫لسواحل الشام في نهاية عهد عمر بن الخطاب‬
‫بداية الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنهما‬
‫هو قيامه ببناء عدة حصون مثل أطرسوس)‪،(1899‬‬
‫ومرقية)‪ ،(1900‬وبلنياس)‪ ،(1901‬وبيت سليمة‪،‬‬
‫‪ ()1894‬فتوح البلدان )‪.(1/175‬‬
‫‪ ()1895‬الجرجومة‪ :‬يقال لهلها الجراجمة على جبل اللكام بالثغر‬
‫الشامي‪.‬‬
‫‪ ()1896‬معجم البلدان )‪.(2/123‬‬
‫‪ ()1897‬بالس‪ :‬بلدة بالشام بين حلب والرقة‪.‬‬
‫‪ ()1898‬فتوح البلدان للبلذري )‪.(1/224‬‬
‫‪ ()1899‬بلد من سواحل بحر الشام وهي آخر أعمال دمشق من‬
‫البلد الساحلية‪.‬‬
‫‪ ()1900‬مرقية‪ :‬قلعة حصينة في سواحل حمص‪.‬‬
‫‪ ()1901‬بلنياس‪ :‬كورة ومدينة صغيرة وحصن بسواحل حمص على‬
‫البحر‪.‬‬
‫بالضافة إلى قيامه بتطوير الحصون التي‬
‫استولى عليها الجند المسلمين بسواحل الشام‬
‫وشحنها جميعا ً بالجند المقاتلة وأقطعهم‬
‫القطائع بها وبنى المناظير ووضع بها الحرس‬
‫لمراقبة اقتراب العدو فتقوم كل منظرة بإشعال‬
‫النار لخبار الخرى التي تليها إلى أن يصل‬
‫الخبر إلى المدينة والثغر والمسلحة في زمن‬
‫قليل فيسرعون نحو الجبهة التي أقبل منها‬
‫العدو للتصدي له ومنعه من التسلل)‪ ،(1902‬وفيما‬
‫يتعلق بحماية الحدود بين المسلمين والروم في‬
‫الجبهة المصرية لدارة عمر رضي الله عنه‪ ،‬فقد‬
‫شملتها الرعاية والعناية كمثيلتها من الجبهات‬
‫الخرى فقد أمر عمرو بن العاص ببناء‬
‫الفسطاط كقاعدة عسكرية أولى ليواء جند‬
‫المسلمين بالمنطقة وجعل لكل قبيلة محرسا ً‬
‫وعريفا ً فمنها كان المنطلق في الفتوحات‬
‫السلمية لشمال أفريقيا بالضافة إلى كونها‬
‫إحدى الحاميات الدفاعية المهمة للثغر المصري‬
‫إلى ما هنالك من مهام تضطلع بها واشترط عمر‬
‫رضي الله عنه في موقعها‪ ،‬كما اشترط في‬
‫مواقع القواعد السابقة بأن ل يفصل بينها وبين‬
‫القيادة العليا المركزية بالمدينة ماء حتى يكون‬
‫التصال بينهما مستمرا ً وميسرا)‪ (ً 1903‬وكان عمرو‬
‫بن العاص يذكر جنوده بأن مقامهم بمصر عبارة‬
‫عن رباط وذلك في قوله‪ :‬اعلموا أنكم في رباط‬
‫إلى يوم القيامة لكثرة العداء حولكم وتشوق‬
‫قلوبهم إليكم وإلى داركم معدن الزرع والمال‬
‫‪ ()1902‬فتوح البلدان )‪ 1/150‬إلى ‪.(158‬‬
‫‪ ()1903‬فتوح مصر لبن عبد الحكم‪ ،‬الدارة العسكرية )‪.(1/462‬‬
‫والخير الواسع والبركة النامية‪ ،‬وفي الفترة‬
‫التي استولى فيها جند المسلمين على الحصون‬
‫والمسالح التي بالثغر المصري قاموا بتجديدها‬
‫وترميمها والستفادة منها في مرابطتهم حيث‬
‫شحنوها بالجنود وكان العريش أول مسالح مصر‬
‫وأعمالها)‪ ،(1904‬وقد أمر الفاروق بإقامة المسالح‬
‫على سواحل مصر كلها)‪ ،(1905‬وحينما فتح عمرو‬
‫بن العاص ثغر السكندرية جعل به ألف رجل من‬
‫أصحابه مسلحة به لحفظه وحمايته وكان عددهم‬
‫ل يفي بالغرض المطلوب مما جعل الروم‬
‫يعودون إليهم من البحر فقتلوا من قتلوا من‬
‫أصحاب المسلحة وهرب من هرب فرجع إليهم‬
‫عمرو بن العاص مرة أخرى وفتح الثغر وجعل‬
‫من أصحابه لرباط السكندرية ربع الجيش كما‬
‫جعل في السواحل الربع الخر وأبقى معه‬
‫بالفسطاط النصف الخر)‪ ،(1906‬وكان الفاروق‬
‫يبعث في كل سنة غازية من أهل المدينة‬
‫المنورة ترابط بثغر السكندرية ويكاتب الولة‬
‫بأن ل تغفل عنها وأن تكثف رابطتها‪ ،‬إضافة إلى‬
‫من جعل بها عمرو بن العاص من‬
‫المرابطين)‪ ،(1907‬وبذلك استكمل عمر رضي الله‬
‫عنه فقهه البعيد في حماية الحدود البرية‬
‫وتحصينها في الجبهات الثلث العراقية والشامية‬
‫والمصرية)‪ ،(1908‬ولم يقتصر المر على هذه‬
‫‪ ()1904‬تاريخ اليعقوبي ص ‪.330‬‬
‫‪ ()1905‬البداية والنهاية )‪.(7/103‬‬
‫‪ ()1906‬البحرية في مصر السلمية وآثارها الباقية سعاد ماهر ص‬
‫‪.77‬‬
‫‪ ()1907‬فتوح مصر ص ‪ ،192‬الخطط للمقريزي )‪.(1/167‬‬
‫‪ ()1908‬الدارة العسكرية )‪.(1/464‬‬
‫الوسائل الدفاعية لحماية الحدود السلمية بل‬
‫أنشأ عمر رضي الله عنه نظام الصوائف‬
‫والشواتي وهي الحملت التي كانت تخرج‬
‫بانتظام سنويا ً كالدوريات المنظمة في فصل‬
‫الصيف وفي فصل الشتاء)‪ ،(1909‬ولم تقتصر‬
‫حملت الشواتي والصوائف على ثغور بلد الشام‬
‫بل شملت كافة حدود الدولة السلمية حينئذ‬
‫وكان يتولها كبار القادة أمثال أبي عبيدة بن‬
‫الجراح‪ ،‬ومعاوية بن أبي سفيان والنعمان بن‬
‫مقرن وغيرهم كثير)‪ ،(1910‬وكان الفاروق يزيد‬
‫في الرزاق والعطيات للجنود الذين يبعثون إلى‬
‫الثغور للمرابطة بها حتى تعينهم على تحمل‬
‫بعدهم ويقطعهم القطائع بها)‪ ،(1911‬ونرى قادة‬
‫الفاروق رضي الله عنه في إدارتهم العسكرية‬
‫للمعارك يقسمون لهل المسالح من الفيء مثل‬
‫الذي يقسم لهم لنهم كانوا ردءا ً للمسلمين لئل‬
‫يؤتوا من وجه من الوجوه)‪ ،(1912‬وحين حضرت‬
‫الخليفة عمر رضي الله عنه الوفاة قال موصيا ً‬
‫الخليفة من بعده‪ :‬وأوصي الخليفة من بعدي‬
‫بأهل المصار خيرا ً فإنهم ردء السلم وجباة‬
‫المال وغيظ العدو‪ ،‬وأن ل يأخذ منهم إل فضلهم‬
‫عن رضاهم)‪.(1913‬‬
‫خامسًا‪ :‬علقة عمر مع الملوك‪:‬‬

‫‪ ()1909‬المصدر نفسه )‪.(1/464‬‬


‫‪ ()1910‬فتوح البلدان للبلذري )‪.(1/194،195‬‬
‫‪ ()1911‬الفن الحربي في صدر السلم عبد الرؤوف عون ص ‪،201‬‬
‫الدارة العسكرية )‪.(1/465‬‬
‫‪ ()1912‬الدارة العسكرية )‪ ،(2/465‬تاريخ الطبري )‪.(4/134‬‬
‫‪ ()1913‬مناقب أمير المؤمنين لبن الجوزي ص ‪.220 ،219‬‬
‫كانت علقة الفاروق مع ملك الفرس حربية فقد‬
‫توفي وجيوشه تطارد يزدجرد في بلده وتدوخ‬
‫ملكه وأما علقته مع ملك الروم فقد استقر‬
‫الصلح بين الدولتين منذ أتم عمر رضي الله عنه‬
‫فتح الشام والجزيرة وجرت بينه وبين ملك‬
‫الروم المكاتبات‪ ،‬وذكر مؤرخو العرب أن هذه‬
‫المكاتبات كانت مع هرقل ولكن لم يذكروا هل‬
‫كانت مع هرقل الول الذي انتزع منه عمر بلد‬
‫الشام أم مع ابنه هرقل الثاني المعروف بهرقل‬
‫قسطنطين لن هرقل الول توفي سنة )‪641‬م(‬
‫الموافقة سنة )‪21‬هل( وتولى الملك ابنه المذكور‬
‫في هذه السنة أي قبل وفاة عمر رضي الله عنه‬
‫بسنتين وسواء كانت المكاتبة والمراسلة مع‬
‫هرقل الول أو الثاني‪ ،‬فقد كانت الرسل تتردد‬
‫بينهما بالمكاتبة وأن‬
‫أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنه‬
‫وزوج عمر بن الخطاب أرسلت مرة مع رسول‬
‫جاء المدينة من قبل ملك الروم هدية من الطاف‬
‫المدينة إلى إمبراطورة الروم امرأة هرقل‬
‫وأرسلت لها هذه في نظيرها عقدا ً نفيسا ً من‬
‫الجواهر‪ ،‬فأخذه منها عمر ورده إلى بيت المال‬
‫وقد جاء في كتب التاريخ أن أم كلثوم أرسلت‬
‫تلك الهدية مع بريد عمر)‪.(1914‬‬
‫سادسًا‪ :‬من نتائج الفتوحات العمرية‪:‬‬

‫‪ -1‬إزالة الدولة الفارسية )الساسانية( من‬


‫الوجود وفي الجانب المقابل حجمت الدولة‬
‫الرومية )البيزنطية( ومن ثم انتهى ذلك‬
‫‪ ()1914‬تاريخ الطبري )‪ ،(5/259‬أشهر مشاهير السلم )‪.(2/359‬‬
‫الصراع الجاهلي الذي كان ناشبا ً بين‬
‫الفرس والروم والذي جّر شعوب المنطقة‬
‫إلى حروب دامية أنهكت الدولتين معًا‪ ،‬ل‬
‫لشيء إل للمحافظة على مصلحة الزعامات‬
‫في كلتا الدولتين‪.‬‬
‫‪ -2‬وجود قيادة عالميلة واحلدة للمنطقللة الللتي‬
‫تقع في وسللط الكللرة الرضللية كلهللا الممتللدة‬
‫مللن حللدود الصللين شللرقا ً إلللى المغللرب غربلًا‪،‬‬
‫ومللن بحللر العللرب جنوبلا ً حللتى آسلليا الصللغرى‬
‫ل‪ ،‬قيللادة جديللدة بمللؤهلت لللم تعهللدها‬ ‫شللما ً‬
‫البشرية‪ ،‬فهي محكومة مثلها مثللل بقيللة أبنللاء‬
‫شعوب المنطقة بقيم ومثل ونظام‪.‬‬
‫‪ -3‬هيمنة المنهج الربللاني علللى جميللع النللاس‪،‬‬
‫دون ضلللغط عليهلللم فلللي تغييلللر معتقلللداتهم‬
‫وديانتهم‪ ،‬ودون تفريللق بيللن السللود والحمللر‬
‫والبيض والصفر‪ ،‬بل الناس كلهم أمام شللرع‬
‫الللله سللواء‪ ،‬ول تفاضللل بينهللم إل بللالتقوى‪،‬‬
‫ولمللس النللاس ثمللار تطللبيق شللرع الللله فللي‬
‫حيلللاتهم ملللن الملللن والتمكيلللن‪ ،‬والبركلللات‪،‬‬
‫والسعة في الرزاق وغيرها‪.‬‬
‫‪ -4‬ظهر في دنيا الناس أمة السلم التي‬
‫جمعت بين أفرادها عقيدة التوحيد‪ ،‬وشريعة‬
‫المولى عز وجل وترفعت عن آصرة العراق‬
‫والنساب والعتبارات الرضية الخرى‪ ،‬وبرز‬
‫في هذه المة قيادات من كل الجناس‬
‫العرقية‪ ،‬فكان لها المكانة العالية في وسط‬
‫هذه المة‪ ،‬ولم يوجد ما يشينها أو يغير من‬
‫مكانتها في المة‪ ،‬ولهذا كانوا يقولون لمن‬
‫يقاتلونهم‪ :‬فإن أجبتم إلى ديننا خّلفنا فيكم‬
‫كتاب الله وأقمناكم عليه‪ ،‬على أن تحكموا‬
‫)‪(1915‬‬
‫‪.‬‬ ‫بأحكامه‪ ،‬ونرجع عنكم وشأنكم بلدكم‬
‫‪ -5‬بللرزت حضللارة ربانيللة متكاملللة‪ ،‬ومتوازنللة‬
‫ومتناسقة ضمت بين أرجائهللا تفللاعلت المللم‬
‫والشللعوب المندرجللة تحللت شللرع الللله تعللالى‬
‫وقبلت فللي عضللويتها العللالم بأسللره‪ ،‬أسللوده‬
‫وأصلللفره وأبيضللله وفلللق المنهلللج الربلللاني‪،‬‬
‫وأحكامه وأصبح الفللاروق نموذجلا ً فللي قيللادته‬
‫الحضارية للبشللرية فللي زمللانه يعطينللا صللورة‬
‫مشرقة للنسان القوي المؤمن العللالم‪ ،‬الللذي‬
‫يسللخر كللل إمكانللات دولتلله وجنللوده وأتبللاعه‬
‫وعلومه ووسللائله وأسللبابه لتعزيللز شللرع الللله‬
‫وتمكيلن دينلله وخدملة النسللانية‪ ،‬وإعلء كلمللة‬
‫الله‪ ،‬وإخراج الناس من الظلمللات إلللى النللور‪،‬‬
‫ومن عبللادة النللاس والمللادة إلللى عبللادة الللله‪،‬‬
‫فللي‬ ‫م ِ‬ ‫مك ّن ّللا ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ن َ‬
‫ن إِ ْ‬ ‫ونفذ قول الله تعالى‪  :‬ال ّل ِ‬
‫ذي َ‬
‫كاةَ َ‬ ‫ض أَ َ‬
‫ف‬
‫عُرو ِ‬ ‫مُروا ِبللال ْ َ‬
‫م ْ‬ ‫وأ َ‬
‫َ‬ ‫وا الّز َ‬‫وآت َ ْ‬‫صل َةَ َ‬‫موا ال ّ‬ ‫قا ُ‬ ‫الْر ِ‬
‫ة‬
‫قَبللللللل ُ‬‫عا ِ‬
‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ول ِلللللللل ِ‬
‫ر َ‬ ‫من ْ َ‬
‫كللللللل ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫عللللللل ْ‬
‫وا َ‬ ‫هللللللل ْ‬ ‫ون َ َ‬
‫َ‬
‫ر)‪)  (41‬الحج‪،‬آية‪.(41:‬‬ ‫مو ِ‬
‫ال ُ‬
‫لقلللد أنتجلللت الفتوحلللات السللللمية حضلللارة‬
‫إنسانية رفيعة في ظلل ديلن السللم‪ ،‬وبلذلك‬
‫نسللتطيع أن نعللرف الحضللارة الربانيللة بأنهللا‪:‬‬
‫تفاعلل النشلطة النسلانية للجماعلة الواحلدة‬
‫لخلفللة الللله فللي الرض عللبر الزمللن‪ ،‬وضللمن‬
‫المفلللاهيم السللللمية علللن الحيلللاة والكلللون‬
‫والنسان)‪.(1916‬‬
‫‪ ()1915‬دراسات في عهد النبوة للشجاع ص ‪. 370‬‬
‫‪ ()1916‬السلم والحضارة للندوة العالمية للشباب )‪.(1/90‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬اليام الخيرة في حياة الفاروق‪:‬‬
‫كان أمير المؤمنين الفاروق رضي الله عنه مثال ً‬
‫للخليفة العادل المؤمن‪ ،‬المجاهللد النقللي الللورع‪،‬‬
‫القوي المين‪ ،‬الحصللن المنيللع للمللة وعقيللدتها‪،‬‬
‫قضى رضي الله عنه خلفته كلها في خدمة دينلله‬
‫وعقيدته وأمته الللتي تللولى أمللر قيادتهللا‪ ،‬فكللان‬
‫القللائد العلللى للجيللش والفقيلله المجتهللد الللذي‬
‫يرجع الجميع إلى رأيه‪ ،‬والقاضي العللادل النزيلله‪،‬‬
‫والب الحنون الرحيم بالرعية‪ ،‬صغيرها وكبيرهللا‪،‬‬
‫ضلللعيفها وقويهلللا‪ ،‬فقيرهلللا وغنيهلللا‪ ،‬الصلللادق‬
‫الملللؤمن بلللالله ورسلللوله‪ ،‬السياسلللي المحنلللك‬
‫المجرب والداري الحكيم الحازم‪ ،‬أحكللم بقيللادته‬
‫صرح المة‪ ،‬وتوطللدت فللي عهللده دعللائم الدولللة‬
‫السلمية‪ ،‬وتحققت بقيللادته أعظللم النتصللارات‬
‫عللللى الفلللرس فلللي معلللارك الفتلللوح‪ ،‬فكلللانت‬
‫م فتللح‬ ‫القادسية والمدائن وجلللولء ونهاونللد‪ ،‬وت ل ّ‬
‫بلد الشللللام ومصللللر مللللن سلللليطرة الللللروم‬
‫البيزنطيين)‪ ،(1917‬ودخل السلم في معظم البلد‬
‫المحيطة بالجزيرة العربية‪ ،‬وكللانت خلفتلله سللدا ً‬
‫منيعا ً أمام الفتن‪ ،‬وكان عمر نفسلله بابللا ً مغلقللا ً‬
‫ل يقدر أصللحاب الفتللن الللدخول إلللى المسلللمين‬
‫في حياته‪ ،‬ول تقدر الفتن أن تطل برأسللها فللي‬
‫عهده)‪.(1918‬‬
‫أو ً‬
‫ل‪ :‬حوار بين عمر وحذيفة حول الفتن )واقتراب كسر الباب(‪:‬‬

‫‪ ()1917‬الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب للعاني ص ‪. 151‬‬


‫‪ ()1918‬الخلفاء الراشدون للخالدي ص ‪. 77‬‬
‫قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه‪ :‬كّنا عند بن‬
‫الخطاب رضي الله عنه‪ .‬فقال أيكم يحفظ حديث‬
‫رسول الله في الفتنة؟ فقللت‪ :‬أنلا أحفظله كملا‬
‫قال! قال‪ :‬هات‪ ،‬لللله أبللوك‪ ،‬إنللك لجريللء‪ .‬قلللت‪:‬‬
‫سمعت رسول الللله ‪ ‬يقللول‪ :‬فتنللة الرجللل فللي‬
‫أهله وماله ونفسه وولده وجاره‪ ،‬يكفرها الصيام‬
‫والصلة والصدقة‪ ،‬والمر بالمعروف والنهي عللن‬
‫المنكر‪ .‬قال عمر‪ :‬ليس هذا أريد‪ .‬إنما أريد الفتن‬
‫الللتي تمللوج كمللوج البحللر! قلللت‪ :‬مالللك ولهللا‬
‫ن بينللك وبينهللا باب لا ً مغلق لًا!!‬ ‫يا أمير المؤمنين؟ إ ّ‬
‫قللال‪ :‬فيكسللر البللاب أو يفتللح؟ قلللت‪ :‬ل‪ .‬بللل‬
‫ُيكسر!! قلال‪ :‬ذاك أحلرى أن ل يغللق أبلدًا‪ ،‬حلتى‬
‫قيللام السللاعة!!! قللال أبللو وائل الللراوي عللن‬
‫حذيفللة‪ :‬هللل كللان عمللر يعلللم مللن البللاب؟ قللال‬
‫حذيفة‪ :‬نعم‪ .‬كمللا يعلللم أن دون غللد الليلللة! إنللي‬
‫حدثته حديثا ً ليس بالغاليط‪ .‬قال أبو وائل‪ :‬فهبنا‬
‫أن نسأل حذيفللة‪ :‬مللن البللاب؟ فقلنللا لمسللروق‪:‬‬
‫سل حذيفة من الباب؟ فقللال مسللروق لحذيفللة‪:‬‬
‫مللن البللاب؟ قللال حذيفللة‪ :‬هللو عمللر)‪ !!!(1919‬إن‬
‫دم العلللم لعمللر رضللي الللله عنهللم‪ ،‬بللأن‬ ‫حذيفة ق ّ‬
‫الباب المنيع هللو الللذي يمنللع تللدفق الفتللن علللى‬
‫ن هللذا سُيكسللر‬ ‫المسلللمين‪ ،‬ويحجُرهللا عنهللم‪ ،‬إ ّ‬
‫كسرًا‪ ،‬وسيتحطم تحطيملًا‪ ،‬وهللذا معنللاه أنلله لللن‬
‫يغلق بعد هذا حتى قيام الساعة‪ ،‬وهذا مللا فهملله‬
‫عمر‪ ،‬أي أن الفتللن سللتبقى منتشللرة ذائعللة بيللن‬
‫قفها أو‬ ‫كنوا من إزالتها أو تو ّ‬ ‫المسلمين‪ ،‬ولن يتم ّ‬
‫القضاء عليها‪ ،‬وحذيفلة رضلي اللله عنله ل يقلرر‬

‫‪ ()1919‬البخاري‪ ،‬ك الفتن رقم ‪. 7096‬‬


‫هذا مللن عنللده‪ ،‬ول يتللوقعه توقعلًا‪ ،‬فهللو ل يعلللم‬
‫الغيب وإنما سمع هذا من رسول الللله ‪ ‬ووعللاه‬
‫وحفظه كما سمعه‪ ،‬ولهذا يعلق على كلمه لعمللر‬
‫ل‪:‬إني حدثته حديثا ً ليس بالغاليط‪ .‬أي حللدثته‬ ‫قائ ً‬
‫حديثا ً صحيحا ً صادقًا‪ ،‬ل أغاليط ول أكللاذيب فيلله‪،‬‬
‫لنني سمعته مللن رسللول الللله ‪ . ‬ثللم إن عمللر‬
‫رضي الله عنلله يعلللم الحقيقللة الللتي أخللبره بهللا‬
‫حذيفللة‪ ،‬فهللو يعلللم أن خلفتلله بللاب منيللع يمنللع‬
‫تدفق الفتن على المسلمين‪ ،‬وأن الفتن لن تغزو‬
‫المسلمين أثناء خلفته وعهده وحياته)‪،(1920‬وكللان‬
‫عمر رضي الله عنه يعلم من رسول الللله ‪ ،‬أنلله‬
‫ل‪ ،‬وسيلقى الله شهيدًا‪ ،‬قال أنس بللن‬ ‫سيقتل قت ً‬
‫مالك رضي الله عنه‪ :‬صعد رسول الله جبل أحللد‪،‬‬
‫ومعللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللله‬
‫أبللو بكللر و عمللر وعثمللان‪ ،‬فرجللف الجبللل بهللم‪.‬‬
‫فضربه رسللول الللله ‪ ‬برجللله‪ ،‬وقللال للله‪ :‬اثبللت‬
‫ي‪ ،‬وصديق‪ ،‬وشهيدان)‪.(1921‬‬ ‫ُ‬
‫حد‪ :‬فإنما عليك نب ّ‬ ‫أ ُ‬
‫‪ -1‬دعاء عمر في آخر حجة له سنة ‪:23‬‬
‫عن سعيد بن المسيب‪ :‬أن عمر رضي الله عنه‬
‫لما نفر من منى أناخ بالبطح فكوم كومة مللن‬
‫بطحاء‪ ،‬فألقى عليها طرف ثوبه‪ ،‬ثم اسللتلقى‬
‫عليها‪ ،‬ورفع يللديه إلللى السللماء فقللال‪ :‬اللهللم‬
‫ك ُلللبرت سلللني‪ ،‬وضلللعفت قلللوتي‪ ،‬وانتشلللرت‬
‫رعّيتي‪ ،‬فأقبضني غير مضّيع‪ ،‬ول مفرط‪ ،‬ثللم‬
‫قدم المدينة)‪.(1922‬‬
‫‪ ()1920‬الخلفاء الراشدون للخالدي ص ‪.79‬‬
‫‪ ()1921‬البخاري ك فضائل أصحاب النبي رقم ‪. 3675‬‬
‫‪ ()1922‬تاريخ المدينة وإسناده صحيح إلى سعيد بن المسيب )‬
‫‪.(3/872‬‬
‫‪ -2‬طلب الفاروق للشهادة‪:‬‬
‫عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر قال‪ :‬اللهم‬
‫ارزقني شهادة في سبيلك‪ ،‬واجعل موتي فللي‬
‫بلللد نبيللك وجللاء فللي روايللة‪ :‬اللهللم قتل ً فللي‬
‫سبيلك ووفاة في بلد نبيك‪ .‬فقال عمللر رضللي‬
‫الله عنه‪ :‬وأنى يكون ذلك؟ قال‪ :‬يأتي بلله الللله‬
‫إذا شللاء)‪ (1923‬وقللد علللق الشلليخ يوسللف بللن‬
‫الحسللن بللن عبللد الهللادي علللى طلللب عمللر‬
‫للشهادة فقال‪ :‬وتمني الشهادة مستحب‪ ،‬وهو‬
‫مخلالف لتمنللي المللوت فلإن قيللل‪ :‬مللا الفلرق‬
‫بينهمللا؟ قيللل‪ :‬تمنللي المللوت‪ ،‬طلللب تعجيللل‬
‫الموت قبل وقته‪ ،‬ول يزيللد النسللان عمللره إل‬
‫خيرًا‪ ،‬وتمني الشهادة هو أن يطلللب أن يمللوت‬
‫عنللد انتهللاء أجللله شللهيدًا‪ ،‬فليللس فيلله طلللب‬
‫تقللديم المللوت عللن وقتلله‪ ،‬وإنمللا فيلله طلللب‬
‫فضيلة فيه)‪.(1924‬‬
‫‪ -3‬رؤيا عوف بن مالك الشجعي‪:‬‬
‫قال عوف بن مالك الشجعي‪ :‬رأيت سببا ً‬
‫)‪(1925‬‬

‫تلللدلى ملللن السلللماء‪ ،‬وذللللك فلللي إملللارة‬


‫أبي بكر رضي الله عنه وأن الناس تطاولوا له‪،‬‬
‫وأن عمر فضلهم بثلثة أذرع‪ ،‬قلت‪ :‬ومللا ذاك؟‬
‫قال‪ :‬لنه خليفللة مللن خلفللاء الللله تعللالى فللي‬
‫الرض‪ ،‬وأنلله ل يخللاف لومللة لئم وأنلله يقتللل‬
‫‪ ()1923‬الطبقات لبن سعد )‪ (3/331‬إسناده حسن‪ ،‬تاريخ المدينة )‬
‫‪.(3/872‬‬
‫‪ ()1924‬محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب‬
‫)‪.(3/791‬‬
‫‪ ()1925‬سببًا‪ :‬أي حب ْل ً ‪ ،‬النهاية )‪.(2/329‬‬
‫شهيدا ً قال‪ :‬فغدوت على أبي بكللر فقصصللتها‬
‫عليلللللللللللللللللللللللله فقللللللللللللللللللللللللال‪:‬‬
‫يا غلم انطلق إلى أبي حفص فادعه لي‪ ،‬فلما‬
‫جاء قال‪ :‬يا عوف اقصصللها عليلله كمللا رأيتهللا‪،‬‬
‫فلما أتيت أنه خليفة من خلفاء الله تعالى قال‬
‫)‪(1926‬‬
‫عمر‪ :‬أكل هذا يلرى النللائم؟ قللال فقصللها‬
‫عليه فلما ولي عمر أتى الجابية‪ ،‬وإنه ليخطللب‬
‫فللدعاني فأجلسللني‪ ،‬فلمللا فللرغ مللن الخطبللة‬
‫قال‪ :‬قص علي رؤياك‪ .‬فقلللت للله‪ :‬ألسللت قللد‬
‫جبهتنللي)‪ (1927‬عنهللا؟ قللال‪ :‬قللد خللدعتك أيهللا‬
‫الرجل)‪ (1928‬وجاء في رواية‪ :‬قللال أولللم تكللذب‬
‫بها؟ قال‪ :‬ل ولكنللي اسللتحييت مللن أبللي بكللر‪،‬‬
‫فقصها علللي)‪ .(1929‬فلمللا قصصللتها‪ ،‬قللال‪ :‬أمللا‬
‫الخلفة فقد أوتيت ما تللرى‪ ،‬وأمللا أن ل أخللاف‬
‫في الله لومة لئم‪ ،‬فللإني أرجللو أن يكللون قللد‬
‫علم ذلك مني‪ ،‬وأما أن أقتل شهيدًا‪ ،‬فأنى لللي‬
‫بالشهادة وأنا في جزيرة العرب)‪.(1930‬‬
‫‪ -4‬رؤيا أبي موسى الشعري حول وفاة عمر‪:‬‬
‫قال أبللو موسللى الشللعري قللال‪ :‬رأيللت كللأني‬
‫أخذت جوادا ً كثيرا ً فجعلت تضمحل حتى بقيللت‬
‫واحدة‪ ،‬فأخذتها فانتهيت إلى جبل زلللق‪ ،‬فللإذا‬
‫رسللللللللول الللللللللله ‪ ‬إلللللللللى جنبلللللللله‬
‫أبللو بكللر‪ ،‬وإذا هللو يللومئ إلللى عمللر أن تعللال‪،‬‬
‫‪ ()1926‬محض الصواب )‪.(3/869‬‬
‫‪ ()1927‬جبهه‪ :‬كمنعه‪.‬‬
‫‪ ()1928‬تاريخ المدينة )‪ ،(3/868،869‬إسناده حسن فيه عبد الرحمن‬
‫بن المسعودي‪ .‬صدوق اختلط قبل موته التقريب رقم ‪. 3919‬‬
‫‪ ()1929‬الطبقات )‪ ،(3/331‬محض الصواب )‪.(3/868‬‬
‫‪ ()1930‬محض الصواب )‪.(3/869‬‬
‫فقلللت‪ :‬أل تكتللب بهللا إلللى عمللر؟ فقللال‪:‬‬
‫ما كنت لنعي له نفسه)‪.(1931‬‬
‫‪ -5‬آخر خطبة جمعة لعمر في المدينة‪:‬‬
‫وقد ذكر عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنلله‬
‫بعض ما قاله عمر فللي خطبللة الجمعللة ‪ 21‬ذي‬
‫الحجة ‪23‬هل وهي آخر خطبة له‪ .‬وقد ذكرت ما‬
‫قاله عبد الرحمن بللن عللوف مللن الخطبللة عنللد‬
‫حديثي عن كيفية استخلف أبللي بكللر الصللديق‬
‫في كتابي النشراح ورفللع الضلليق بسللير أبللي‬
‫بكر الصديق‪ .‬وقد أخبر عمر نفسلله المسلللمين‬
‫عن رؤيا رآها‪ ،‬وعّبرهللا لهللم‪ .‬قللال فللي نفللس‬
‫الخطبللة‪ :‬إنللي رأيللت رؤيللا‪ ،‬ل أراهللا إل حضللور‬
‫أجلي‪ .‬رأيت كأن ديك لا ً نقرنللي نقرتيللن!!! وإن‬
‫قوما ً يللأمرونني أن أسللتخلف وأعيللن الخليفللة‬
‫من بعدي!! وإن الله لللم يكللن ليضلليع دينلله ول‬
‫خلفته‪ ،‬ول الذي بعث به نبّيه‪ ،‬فللإن عجللل بللي‬
‫أمر فالخلفة شورى بيللن هلؤلء السلتة الللذين‬
‫توفي رسول الله ‪ ‬وهو عنهم راض)‪!(1932‬‬
‫‪ -6‬اجتماع عمر مع حذيفة قبل طعنه‪:‬‬
‫قبل استشللهاد الفللاروق بأربعللة أيللام أي يللوم‬
‫الحد ‪ 23‬ذي الحجة قابل الصحابيين حذيفة بن‬
‫اليمان وسللهل بللن حنيللف رضللي الللله عنهمللا‪،‬‬
‫ف حذيفللة ليق لدَّر خللراج الرض‬ ‫وكللان قللد وظّل َ‬
‫ف سللهل بللن‬ ‫التي ُتسقى بماء نهر دجلة‪ ،‬ووظّ َ‬
‫در خللراج الرض الللتي تسللقى بمللاء‬ ‫حنيف ليقل ّ‬
‫‪ ()1931‬الطبقات لبن سعد )‪ (3/332‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪ ()1932‬الموسوعة الحديثية مسند المام أحمد رقم ‪ 89‬إسناده‬
‫صحيح‪.‬‬
‫نهر الفرات‪ .‬وقال لهما‪ :‬كيف فعلتمللا؟ أخللاف‬
‫ملتما الرض مللا ل تطيللق‪ .‬قللال‪:‬‬ ‫أن تكونا قد ح ّ‬
‫ملناها أمرا ً هي له مطيقة‪ .‬فقللال عمللر‪ :‬لئن‬ ‫ح ّ‬
‫ن أرامللل أهللل العللراق ل‬‫سللّلمني الللله‪ ،‬لدعلل ّ‬
‫ن إلى رجل بعدي أبدًا‪ ،‬ولكنلله طعللن فللي‬ ‫ج َ‬
‫يحت َ ْ‬
‫اليلللوم الرابلللع ملللن هلللذه المحلللاروة بينللله‬
‫وبينهما)‪.(1933‬‬

‫‪ ()1933‬الخلفاء الراشدون للخالدي ص ‪ ، 82‬البخاري رقم ‪. 3700‬‬


‫‪ -7‬منع الفاروق للسبايا من القامة في المدينة‪:‬‬
‫كان عمر رضي الله عنلله ل يللأذن للسللبايا فللي‬
‫القطللار المفتوحللة بللدخول المدينللة المنللورة‪،‬‬
‫عاصللمة دولللة الخلفللة‪ ،‬فكللان يمنللع مجللوس‬
‫العراق وفللارس‪ ،‬ونصللارى الشللام ومصللر مللن‬
‫القامة في المدينة إل إذا أسلموا ودخلوا فللي‬
‫هذا الللدين‪ ،‬وهللذا الموقللف يللدل علللى حكمتلله‬
‫وبعللد نظللره‪ ،‬لن هللؤلء القللوم المغلللوبين‬
‫المنهزمين حاقللدون علللى السلللم‪ ،‬مبغضللون‬
‫لللله‪ ،‬مهيئون للتلللآمر والكيلللد ضلللد السللللم‬
‫والمسلمين ولللذلك منعهللم مللن القامللة فيهللا‬
‫ن بعض الصحابة‬ ‫لدفع الشّر عن المسلمين ولك ّ‬
‫رضي الله عنهللم كللان لهللم عبيللد ورقيللق مللن‬
‫هللؤلء السللبايا النصللارى أو المجللوس‪ ،‬وكللان‬
‫ح علللى عمللر أن يللأذن لبعللض عبيللده‬ ‫بعضهم يل ّ‬
‫ورقيقلله مللن هللؤلء المغلللوبين بالقامللة فللي‬
‫المدينة‪ ،‬ليسللتعين بهللم فللي أمللوره وأعمللاله‪،‬‬
‫فأذن عمر لبعضهم بالقامة في المدينة‪ ،‬علللى‬
‫كلللللللللللللللره منللللللللللللللله ووقلللللللللللللللع‬
‫ذر منه)‪.(1934‬‬‫قعه عمر‪ ،‬وما كان ح ّ‬ ‫ما تو ّ‬
‫ثانيًا‪ :‬مقتل عمر وقصة الشورى‪:‬‬

‫‪ -1‬مقتل عمر رضي الله عنه‪:‬‬


‫)‪(1935‬‬
‫‪ ،‬مللا‬ ‫قللال عمللرو بللن ميمللون‪ :‬إنللي لقللائم‬
‫بيني‪ ،‬وبينه إل عبد الله بن عباس‪ ،‬غداة أصيب‬
‫وكان إذا مّر بين الصفين‪ ،‬قللال اسللتووا‪ ،‬فللإذا‬

‫‪ ()1934‬الخلفاء الراشدين للخالدي ص ‪. 83‬‬


‫‪ ()1935‬إني لقائم‪ :‬أي‪ :‬في الصف ينتظر صلة الفجر‪.‬‬
‫دم فكّبر‪ ،‬وربما قرأ سورة يوسللف‬ ‫استووا ‪ ،‬تق ّ‬
‫أو النحل أو نحو ذلك في الركعة الولى‪ ،‬حللتى‬
‫يجتمللع النللاس‪ ،‬فمللا هللو إل أن كب ّللر‪ ،‬فسللمعته‬
‫يقول‪ :‬قتلني – أو أكلني – الكلب‪ ،‬حين طعنلله‪،‬‬
‫فطار العلج بسكين ذات طرفين‪ ،‬ل يمللّر علللى‬
‫أحد يمينا ً ول شمال ً إل طعنه‪ ،‬حتى طعن ثلثللة‬
‫ل‪ ،‬مات منهللم سللبعة‪ ،‬فلمللا رأى ذلللك‬ ‫عشر رج ً‬
‫رجل من المسلمين طللرح عليلله ب ُْرنس لًا‪ ،‬فلمللا‬
‫ن العلج أنه مأخوذ نحر نفسه‪ ،‬وتنللاول عمللر‬ ‫ظ ّ‬
‫دمه – للصلللة‬ ‫يللد عبللد الرحمللن بللن عللوف فق ل ّ‬
‫بالناس – فمن يلي عمر‪ ،‬فقللد رأى الللذي أرى‪،‬‬
‫وأمللا نللواحي المسللجد فللإنهم ل يللدُرون‪ ،‬غيللر‬
‫أنهللم قللد فقللدوا صللوت عمللر وهللم يقولللون‪:‬‬
‫سبحان الله‪ ،‬فصلللى بهللم عبللد الرحمللن صلللة‬
‫خفيفللة‪ ،‬فلمللا انصللرفوا قللال عمللر‪ :‬يللا ابللن‬
‫عباس‪ ،‬انظر من قتلني‪ ،‬فجال ساعة‪ ،‬ثللم جللاء‬
‫صلَنع)‪ ،(1936‬قللال‪:‬‬ ‫فقال‪ :‬غلم المغيرة‪ ،‬قللال‪ :‬ال ّ‬
‫نعم‪ ،‬قال‪ :‬قاتله الللله لقللد أمللرت بلله معروفلا‪ً،‬‬
‫دعي‬ ‫الحمد لله الذي لم يجعل منّيتي بيد رجل ي ّ‬
‫السلللم قللد كنللت أنللت وأبللوك يريللد العبللاس‪،‬‬
‫وابنه عبد الله تحّبان أن تكثر العلوج بالمدينللة‪،‬‬
‫وكان العباس أكثرهم رقيقًا‪ ،‬فقللال عبللد الللله‬
‫إن شللئت‪ ،‬فعلللت‪ ،‬أي‪ :‬إن شللئت َ‬
‫قَتلنللا‪ .‬قللال‪:‬‬
‫كذبت ‪ -‬أي‪ :‬أخطأت – بعدما تكلموا بلسانكم‪،‬‬
‫جكللم‪ .‬فاحتمللل إلللى‬ ‫وصّلوا قبلتكللم‪ ،‬وحجللوا ح ّ‬
‫بيته فانطلقنا معلله‪ ،‬وكللأن النللاس لللم تصللبهم‬

‫صَنع‪ :‬يشير إلى غلم المغيرة بن شعبة‪ ،‬أبو لؤلؤة‪،‬‬


‫)( ال ّ‬
‫‪1936‬‬

‫فيروز‪.‬‬
‫مصيبة قبللل يللومئذ‪ ،‬فلُأتي بنبيللذ)‪ (1937‬فشللربه‪،‬‬
‫م أتي بلبللن فشللربه فخللرج‬ ‫فخرج من جوفه‪ ،‬ث ّ‬
‫جْرحلله‪ ،‬فعلمللوا أنلله ميللت‪ ،‬فللدخلنا عليلله‪،‬‬ ‫مللن ُ‬
‫وجاء الناس فجعلوا يثنون عليه‪ ..‬وقال‪ :‬يا عبد‬
‫دين‪،‬‬ ‫ي مللن اللل ّ‬‫الللله بللن عمللر انظللر‪ ،‬مللا عللل ّ‬
‫ً‬
‫فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألف لا أو نحللوه‪،‬‬
‫ده مللن‬ ‫قللال‪ :‬إن وفللى للله مللال آل عمللر‪ ،‬فللأ ّ‬
‫أموالهم‪ ،‬وإل فسل فللي بنللي عللدي بللن كعللب‬
‫فإن لم تف أمللوالهم‪ ،‬فسللل فللي قريللش‪ ،‬ول‬
‫تعللدهم إلللى غيرهللم‪ ،‬فللأدّ عنللي هللذا المللال‪،‬‬
‫وانطلق إلى عائشة أم المللؤمنين فقللل‪ ،‬يقللرأ‬
‫عليلللللللللللللك عملللللللللللللر السللللللللللللللم‪،‬‬
‫ول تقللل أميللر المللؤمنين‪ ،‬فللإني لسللت اليللوم‬
‫للمللؤمنين أميللرًا‪ ،‬وقللل يسللتأذن عمللر بللن‬
‫الخطاب أن يبقى مع صاحبيه‪ ..‬فسّلم عبد الله‬
‫بللن عمللر‪ ،‬واسللتأذن ثللم دخللل عليهللا فوجللدها‬
‫قاعللدة تبكللي‪ ،‬فقللال‪ :‬يقللرأ عليللك عمللر بللن‬
‫سللللم‪ ،‬ويسلللتأذن أن يلللدفن ملللع‬ ‫الخطلللاب ال ّ‬
‫صاحبيه‪ ،‬فقالت‪ :‬كنت أريده لنفسي‪ ،‬ولوثرّنه‬
‫به اليوم على نفسي‪ ،‬فلمللا أقبللل‪ ،‬قيللل‪ :‬هللذا‬
‫عبلد اللله بلن عملر قلد جلاء‪ ،‬قلال‪ :‬ارفعلوني‪،‬‬
‫فأسنده رجل إليه فقال‪ :‬ما لديك؟ قال‪ :‬الللذي‬
‫تحب يا أمير المؤمنين‪ ،‬أذنت‪ ،‬قال‪ :‬الحمد لللله‪،‬‬
‫ي من ذلللك‪ ..‬فللإذا أنللا‬ ‫م إل ّ‬
‫ما كان من شيء أه ّ‬
‫قضيت فاحملني ثم سلم فقل‪ :‬يسللتأذن عمللر‬
‫بللن الخطللاب فللإن أذن لللي فللأدخلوني‪ ،‬وإن‬
‫ردتنللي ردونللي إلللى مقللابر المسلللمين‪ .‬قللال‪:‬‬
‫‪ ()1937‬المراد بالنبيذ المذكور‪ ،‬تمرة نبذت في ماء‪ ،‬أي نقعت فيه‪.‬‬
‫كانوا يفعلون ذلك‪ ،‬لستعذاب الماء‪.‬‬
‫فلما قبض خرجنا به‪ ،‬فانطلقنا نمشي‪ ،‬فسللّلم‬
‫عبللد الللله بللن عمللر‪ ،‬قللال‪ :‬يسللتأذن عمللر بللن‬
‫الخطاب‪ ،‬قالت عائشة‪ :‬أدخلوه‪ ،‬فأدخل‪ ،‬فوضع‬
‫هنالك مع صاحبيه)‪ ،(1938‬وجاءت روايللات أخللرى‬
‫فصلت بعض الحداث الللتي لللم تللذكرها روايللة‬
‫عمرو بن ميمون قللال ابللن عبللاس رضللي الللله‬
‫طعللن فللي‬ ‫عنهمللا‪ :‬إن عمللر رضللي الللله عنلله ُ‬
‫السلللللللللللللللللللللللحر‪ ،‬طعنللللللللللللللللللللللله‬
‫أبللو لؤلللؤة غلم المغيللرة بللن شللعبة‪ ،‬وكللان‬
‫مجوسيا ً)‪ .(1939‬وقال أبو رافع رضي الللله عنلله‪:‬‬
‫كان أبو لؤلؤة عبللدا ً للمغيللرة بللن شللعبة وكللان‬
‫يصنع الرحاء)‪ ،(1940‬وكان المغيلرة يسلتغله كلل‬
‫يللوم أربعللة دراهللم‪ ،‬فلقللي أبللو لؤلللؤة عمللر‪،‬‬
‫فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬إن المغيرة قد أثقللل‬
‫ي غلللتي‪ ،‬فكّلملله أن يخفللف عنللي‪ .‬فقللال‬ ‫عل ل ّ‬
‫عمر‪ :‬اتق الله‪ ،‬وأحسن إلى مللولك‪ ،‬ومللن نيللة‬
‫عمللر أن يلقللى المغيللرة فيكلملله يخفللف عنلله‪،‬‬
‫؟!‬‫فغضب العبد‪ ،‬وقال‪ :‬وسع كلهم عدله غيري ‍‬
‫فأضمر على قتله‪ ،‬فاصطنع خنجرا ً له رأسللان‪،‬‬
‫مللزان‪ ،‬فقللال‪:‬‬ ‫هْر ُ‬
‫مه‪ ،‬ثم أتى به ال ُ‬‫وشحذه‪ ،‬وس ّ‬
‫كيف تللرى هللذا؟ قللال‪ :‬أرى أنللك ل تضللرب بلله‬
‫أحدا ً إل قتلته‪ .‬قللال‪ :‬فتحيللن أبللو لؤلللؤة عمللر‪،‬‬
‫فجاءه في صلة الغللداة حللتى قللام وراء عمللر‪،‬‬
‫وكللان عمللر إذا أقيمللت الصلللة يتكلللم يقللول‪:‬‬
‫أقيموا صفوفكم‪ ،‬فقال كما كان يقللول‪ :‬فلمللا‬

‫‪ ()1938‬البخاري‪ ،‬ك فضائل الصحابة رقم ‪. 3700‬‬


‫‪ ()1939‬صحيح التوثيق في سيرة وحياة الفاروق ص ‪. 369‬‬
‫‪ ()1940‬الرحاء‪ ،‬جمع رحا‪ ،‬وهي التي يطحن بها‪.‬‬
‫كّبر‪ ،‬وجللأه)‪ ،(1941‬أبللو لؤلللؤة وجللأةً فللي كتفلله‪،‬‬
‫ووجأة في خاصللرته‪ ،‬فسللقط عمللر)‪ ،(1942‬قللال‬
‫عمرو بن ميمون رحمه الله‪ :‬سمعته لما طعللن‬
‫َ‬
‫دوًرا ‪‬‬ ‫م ْ‬
‫قللل ُ‬ ‫ملللُر الّلللل ِ‬
‫ه َ‬
‫قلللدًَرا َ‬ ‫نأ ْ‬‫كلللا َ‬ ‫يقلللول‪َ  :‬‬
‫و َ‬
‫)الحزاب‪،‬آية‪.(38:‬‬

‫‪ -2‬ابتكاره طريقة جديدة في اختيار الخليفة من بعده‪:‬‬


‫استمر اهتمام الفاروق عمللر رضللي الللله عنلله‬
‫بوحللدة المللة ومسللتقبلها‪ ،‬حللتى اللحظللات‬
‫الخيرة من حياته‪ ،‬رغم ما كان يعانيه مللن آلم‬
‫جراحاته البالغة‪ ،‬وهي بل شك لحظللات خالللدة‪،‬‬
‫تجلى فيهلا إيمللان الفللاروق العميلق وإخلصلله‬
‫وإيثاره)‪ ،(1943‬وقد اسللتطاع الفللاروق فللي تلللك‬
‫اللحظات الحرجة أن يبتكر طريقللة جديللدة لللم‬
‫يسبق إليها في اختيار الخليفة الجديللد وكللانت‬
‫دليل ً ملموسًا‪ ،‬ومعلما ً واضحا ً على فقهلله فللي‬
‫سياسللة الدولللة السلللمية‪ .‬لقللد مضللى قبللله‬
‫الرسللول ‪ ‬ولللم يسللتخلف بعللده أحللدا ً بنللص‬
‫صريح‪ ،‬ولقد مضى أبو بكر الصديق واسللتخلف‬
‫الفاروق بعد مشاورة كبار الصحابة ولما طلللب‬
‫من الفللاروق أن يسللتخلف وهللو علللى فللراش‬
‫الموت‪ ،‬فكر فللي المللر ملي لا ً وقللرر أن يسلللك‬
‫مسلكا ً آخر يتناسب مع المقللام؛ فرسللول الللله‬
‫‪ ‬ترك الناس وكلهم مقللر بأفضلللية أبللي بكللر‬
‫وأسبقيته عليهم فاحتمللال الخلف كللان نللادرا ً‬
‫وخصوصا ً أن النبي ‪ ‬وجلله المللة قللول ً وفعل ً‬
‫‪ ()1941‬وجأه بالسكين وجًا‪ :‬ضربه‪.‬‬
‫‪ ()1942‬صحيح التوثيق في سيرة وحياة الفاروق ص ‪. 370‬‬
‫‪ ()1943‬الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب للعاني ص ‪. 161‬‬
‫ديق‬ ‫إلى أن أبا بكر أولى بالمر من بعده‪ ،‬والص ّ‬
‫لما استخلف عمر كللان يعلللم أن عنللد الصللحابة‬
‫أجمعين قناعة بأن عمر أقللوى وأقللدر وأفضللل‬
‫من يحمللل المسللؤولية بعللده‪ ،‬فاسللتخلفه بعللد‬
‫مشاورة كبار الصللحابة ولللم يخللالف رأيلله أحللد‬
‫منهم‪ ،‬وحصللل الجمللاع علللى بيعللة عمللر)‪،(1944‬‬
‫وأما طريقة انتخاب الخليفة الجديد تعتمد على‬
‫جعل الشللورى فللي عللدد محصللور‪ ،‬فقللد حصللر‬
‫ستة من صحابة رسول الللله ‪ ‬كلهللم بللدريون‬
‫وكلهم توفي رسول الللله ‪ ‬وهللو عنهللم راض‬
‫وكلهلللم يصللللحون لتلللولي الملللر وللللو أنهلللم‬
‫يتفاوتون وحدد لهم طريقللة النتخللاب ومللدته‪،‬‬
‫وعدد الصوات الكافية لنتخاب الخليفللة وحللدد‬
‫الحكللم فللي المجلللس والمرجللح إن تعللادلت‬
‫الصوات وأمر مجموعة من جنود الله لمراقبللة‬
‫سللير النتخابللات فللي المجلللس وعقللاب مللن‬
‫يخالف أملر الجماعلة ومنلع الفوضلى بحيلث ل‬
‫يسللللللمحون لحللللللد يللللللدخل أو يسللللللمع‬
‫ما يدور فللي مجلللس أهللل الحللل والعقللد)‪،(1945‬‬
‫وهذا بيان ما أجمل في الفقرات السابقة‪:‬‬
‫أ‪ -‬العدد الذي حدده للشورى وأسماؤهم‪:‬‬
‫أما العدد فهو ستة وهم؛ علي بن أبللي طللالب‪،‬‬
‫وعثمان بن عفللان‪ ،‬وعبللد الرحمللن بللن عللوف‪،‬‬
‫وسللعد بللن أبللي وقللاص‪ ،‬والزبيللر بللن العللوام‪،‬‬
‫وطلحة بن عبيد الله رضي الللله عنهللم جميع لًا‪.‬‬
‫وترك سعيد بن زيد بن نفيل وهو من العشللرة‬
‫‪ ()1944‬أوليات الفاروق ص ‪. 122‬‬
‫‪ ()1945‬أوليات الفاروق ص ‪. 124‬‬
‫المبشرين بالجنة ولعله تركه لنلله مللن قللبيلته‬
‫بني عدي)‪.(1946‬‬
‫ب‪ -‬طريقة انتخاب الخليفة‪:‬‬
‫أمرهم أن يجتمعوا في بيت أحدهم ويتشاوروا‬
‫وفيهم عبد الله بن عمر يحضرهم مشيرا ً فقط‬
‫وليس له من المر شيء ويصلي بالناس أثنللاء‬
‫التشللاور صللهيب الرومللي وأمللر المقللداد بللن‬
‫السللود وأبللا طلحللة النصللاري أن يرقبللا سللير‬
‫النتخابات)‪.(1947‬‬

‫‪ ()1946‬البداية والنهاية )‪.(7/142‬‬


‫‪ ()1947‬أشهر مشاهير السلم في الحرب والسياسة ص ‪. 648‬‬
‫جل‪ -‬مدة النتخابات أو المشاورة‪:‬‬
‫حددها الفاروق رضي الله عنه بثلثة أيام وهي‬
‫فترة كافيللة وإن زادوا عليهللا فمعنللى ذلللك أن‬
‫شقة الخلف ستتسع ولذلك قال لهم‪ :‬ل يللأتي‬
‫اليوم الرابع إل وعليكم أمير)‪.(1948‬‬
‫د‪ -‬عدد الصوات الكافية لختيار الخليفة‪:‬‬
‫دد لهللم أنلله‬
‫لقد أمرهم بالجتماع والتشاور وح ّ‬
‫إذا اجتمع خمسة منهم على رجل وأبى أحدهم‬
‫فليضللرب رأسلله بالسلليف وإن اجتمللع أربعللة‬
‫وفرضلللوا رجل ً منهللم وأبللى اثنلللان فاضللرب‬
‫رؤوسهما)‪.(1949‬‬
‫وهذه من الروايللات الللتي ل تصللح سللندا ً فهللي‬
‫من الغرائب الللتي سللاقها أبللو مخنللف مخالفلا ً‬
‫فيها النصوص الصللحيحة ومللا عللرف مللن سللير‬
‫الصحابة رضي الله عنهم‪ ،‬فما ذكره أبو مخنف‬
‫من قول عمر لصهيب‪ :‬وقم على رؤوسهم أي‬
‫أهل الشورى فإن اجتمع خمسللة ورضللوا رجل ً‬
‫وأبى واحد فاشدخ رأسلله بالسلليف‪ ،‬وإن اتفللق‬
‫أربعة فرضوا رجل ً منهم وأبى اثنللان‪ ،‬فاضللرب‬
‫رؤوسهما)‪ :(1950‬فهذا قول منكللر وكيللف يقللول‬
‫عمر رضي الله عنه هللذا وهللو يعلللم أنهللم هللم‬
‫الصفوة من أصحاب رسول الله ‪ ،‬وهو الللذي‬
‫اختللللارهم لهللللذا المللللر لعلملللله بفضلللللهم‬
‫وقدرهم)‪ ،(1951‬وقد ورد عن ابن سللعد أن عمللر‬
‫‪ ()1948‬الطبقات لبن سعد )‪.(3/364‬‬
‫‪ ()1949‬تاريخ الطبري )‪.(5/226‬‬
‫‪ ()1950‬تاريخ الطبري )‪.(5/226‬‬
‫‪ ()1951‬مرويات أبي مخنق في تاريخ الطبري د‪.‬يحيى اليحيى ص‬
‫‪. 175‬‬
‫قللال للنصللار‪ :‬أدخلللوهم بيتلا ً ثلثللة أيللام فللإن‬
‫اسلللتقاموا وإل فلللادخلوا عليهلللم فاضلللربوا‬
‫أعنللاقهم)‪ ،(1952‬وهللذه الروايللة منقطعللة وفللي‬
‫إسنادها )سماك بن حللرب( وهللو ضللعيف وقللد‬
‫تغير بآخره)‪.(1953‬‬
‫والصحيح في هذا ما أخرجه ابللن سللعد بإسللناٍد‬
‫رجللاله ثقللات أن عمللر رضللي الللله عنلله قللال‬
‫لصهيب‪ :‬صل بالناس ثلثا ً وليخل هؤلء الرهط‬
‫في بيت فإذا اجتمعوا على رجل فمن خالفهم‬
‫فاضربوا رأسه)‪ ،(1954‬فعمر رضي الله عنلله أمللر‬
‫بقتل من يريد أن يخالف هؤلء الرهللط ويشللق‬
‫عصا المسلمين ويفرق بينهم‪ ،‬عمل ً بقللوله ‪:‬‬
‫مللن أتللاكم وأمركللم جميللع‪ ،‬علللى رجللل واحللد‬
‫منكلللم‪ ،‬يريلللد أن يشلللق عصلللاكم‪ ،‬أو يفلللرق‬
‫جماعتكم فاقتلوه)‪.(1955‬‬
‫هل‪ -‬الحكم في حال الختلف‪:‬‬
‫لقد أوصى بأن يحضر عبد الله بن عمر معهم‬
‫في المجلس وأن ليس للله مللن المللر شلليء‪،‬‬
‫ولكن قال لهم‪ :‬فإن رضللي ثلثللة رجل ً منهللم‬
‫وثلثة رجل ً منهم فح ّ‬
‫كموا عبد الللله بللن عمللر‬
‫فللأي الفريقيللن حكللم للله‪ ،‬فليختللاروا رجل ً‬
‫منهم‪ ،‬فإن لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمللر‬
‫فكونللوا مللع الللذين فيهللم عبللد الرحمللن بللن‬
‫عوف‪ ،‬ووصللف عبللد الرحمللن بللن عللوف بللأنه‬

‫الطبقات )‪.(3/342‬‬ ‫‪()1952‬‬


‫مرويات أبي مخنف من تاريخ الطبري ص ‪. 176‬‬ ‫‪()1953‬‬
‫الطبقات )‪.(3/342‬‬ ‫‪()1954‬‬
‫مسلم )‪.(3/1480‬‬ ‫‪()1955‬‬
‫مسدد رشيد فقال عنه‪ :‬ونعللم ذو الللرأي عبللد‬
‫الرحمن بن عوف مسللدد رشلليد للله مللن الللله‬
‫حافظ فاسمعوا منه)‪.(1956‬‬

‫‪ ()1956‬تاريخ الطبري )‪.(5/225‬‬


‫و‪ -‬جماعة من جنود الله تراقب النتخابات وتمنع الفوضى‪:‬‬
‫طلب عمر أبا طلحة النصاري وقال للله‪ :‬يللا أبللا‬
‫طلحة إن الله عز وجل أعز السلم بكم فللاختر‬
‫خمسللين رجل ً مللن النصللار فاسللتحث هللؤلء‬
‫الرهللط حللتى يختللاروا رجل ً منهللم)‪ ،(1957‬وقللال‬
‫للمقداد بن السود‪ :‬إذا وضعتموني في حفرتي‬
‫فاجمع هللؤلء الرهللط فللي بيللت حللتى يختللاروا‬
‫رجل ً منهم)‪.(1958‬‬
‫هكذا ختم حياته –رضي الله عنه‪ -‬ولم يشغله ما‬
‫نزل به من البلء ول سكرات الموت عللن تللدبير‬
‫أمر المسلمين‪ ،‬وأرسى نظاما ً صالحا ً للشللورى‬
‫لللللللللللم يسللللللللللبقه إليلللللللللله أحللللللللللد‪،‬‬
‫ول يشك أن أصل الشورى مقللرر فللي القللرآن‬
‫والسنة القولية والفعلية وقد عمل بها رسللول‬
‫الللله – ‪ -‬وأبللو بكللر ولللم يكللن عمللر مبتللدعا ً‬
‫بالنسبة للصل ولكن الذي عمله عمر هو تعيين‬
‫الطريقة التي يختلار بهلا الخليفلة وحصللر عللدد‬
‫معين جعلها فيهم وهذا لم يفعللله الرسللول ‪‬‬
‫ول الصديق ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬بل أول مللن فعللل‬
‫ذلللك عمللر ونعللم مللا فعللل فقللد كللانت أفضللل‬
‫الطللرق المناسللبة لحللال الصللحابة فللي ذلللك‬
‫الوقت)‪.(1959‬‬
‫ثالثًا‪ :‬وصية عمر رضي الله عنه للخليفة الذي بعده‪:‬‬
‫أوصى الفاروق عملر ‪-‬رضلي اللله عنله‪ -‬الخليفلة‬
‫الذي سيخلفه في قيادة المة بوصية مهمة قللال‬

‫‪ ()1957‬المصدر نفسه )‪.(5/225‬‬


‫‪ ()1958‬المصدر نفسه )‪.(5/225‬‬
‫‪ ()1959‬أولّيات الفاروق السياسة ص ‪.127‬‬
‫فيهللا‪ :‬أوصلليك بتقللوى الللله وحللده ل شللريك للله‪،‬‬
‫وأوصيك بالمهاجرين الولين خيرا ً أن تعرف لهللم‬
‫سللابقتهم وأوصلليك بالنصللار خيللرًا‪ ،‬فاقبللل مللن‬
‫محسنهم‪ ،‬وتجاوز عن مسلليئهم‪ ،‬وأوصلليك بأهللل‬
‫المصار خيرًا‪ ،‬فإنهم ردء العدو‪ ،‬وجباة الفيللء‪ ،‬ل‬
‫تحمل منهم إل عن فضللل منهللم وأوصلليك بأهللل‬
‫البادية خيرًا‪ ،‬فإنهم أصل العرب‪ ،‬ومللادة السلللم‬
‫أن تأخلللذ ملللن حواشلللي أملللوالهم فلللترد عللللى‬
‫فقرائهم‪ ،‬وأوصيك بأهل الذمللة خيللرًا‪ ،‬أن تقاتللل‬
‫دوا‬
‫من وراءهم‪ ،‬ول تكلفهللم فللوق طللاقتهم إذا أ ّ‬
‫مللا عليهللم للمللؤمنين طوعللًا‪ ،‬أو عللن يللد وهللم‬
‫صللاغرون‪ ،‬وأوصلليك بتقللوى الللله‪ ،‬والحللذر منلله‪،‬‬
‫ومخافة مقته أن يطلع منك علللى ريبللة وأوصلليك‬
‫أن تخشى الله في الناس‪ ،‬ول تخشى الناس في‬
‫الللله وأوصلليك بالعللدل فللي الرعيللة‪ ،‬والتفللرغ‬
‫لحلللوائجهم وثغلللورك‪ ،‬ول تلللؤثر غنيهلللم عللللى‬
‫فقيرهم‪ ،‬فإن في ذلك بإذن الللله سلللمة قلبللك‪،‬‬
‫وحط لا ً لللوزرك‪ ،‬وخيللرا ً فللي عاقبللة أمللرك حللتى‬
‫تفضي في ذلك إلى من يعرف سللريرتك ويحللول‬
‫بينك وبين قلبك وآمرك أن تشتد فللي أمللر الللله‪،‬‬
‫وفللي حللدوده ومعاصلليه علللى قريللب النللاس‬
‫وبعيللدهم‪ ،‬ثللم ل تأخللذك فللي أحللد الرأفللة‪ ،‬حللتى‬
‫تنتهللك منلله مثللل جرملله‪ ،‬واجعللل النللاس عنللدك‬
‫سواء‪ ،‬ل تبال على مللن وجللب الحللق‪ ،‬ول تأخللذك‬
‫في الله لومة لئم‪ ،‬وإيللاك والمحابللاة فيمللا ولك‬
‫الله ممللا أفللاء علللى المللؤمنين‪ ،‬فتجللور وتظلللم‪،‬‬
‫وتحرم نفسك من ذلك ما قد وسللعه الللله عليللك‪،‬‬
‫وقد أصبحت بمنزلة مللن منللازل الللدنيا والخللرة‪،‬‬
‫فإن اقترفت لدنياك عللدل ً وعفللة عمللا بسللط لللك‬
‫اقللترفت بلله إيمان لا ً ورضللوانًا‪ ،‬وإن غلبللك الهللوى‬
‫اقللترفت بلله غضللب الللله‪ ،‬وأوصلليك أل ترخللص‬
‫ذملة‪ ،‬وقلد‬ ‫لنفسلك ول لغيلرك فلي ظللم أهلل ال ّ‬
‫أوصيتك‪ ،‬وخصصللتك ونصللحتك فللابتغ بللذلك وجلله‬
‫الله والدار الخرة‪ ،‬واخترت ملن دللتلك ملا كنلت‬
‫دال ً عليلله نفسللي وولللدي‪ ،‬فللإن علمللت بالللذي‬
‫وعظتك‪ ،‬وانتهيت إلللى الللذي أمرتللك أخللذت منلله‬
‫نصيبا ً وافرا ً وحظا ً وافيًا‪ ،‬وإن لم تقبل ذلك‪ ،‬ولم‬
‫يهمك‪ ،‬ولم تترك معاظم المور عند الذي يرضللى‬
‫به الله عنك‪ ،‬يكن ذلك بللك انتقاص لًا‪ ،‬ورأيللك فيلله‬
‫ل‪ ،‬لن الهللواء مشللتركة‪ ،‬ورأس الخطيئة‬ ‫مللدخو ً‬
‫إبليس داع إللى كلل مهلكلة‪ ،‬وقلد أضلل القلرون‬
‫السالفة قبلللك‪ ،‬فللأوردهم النللار وبئس المللورود‪،‬‬
‫وبئس الثملن أن يكلون حلظ املرئ مللوالة لعللدو‬
‫الله‪ ،‬الداعي إلى معاصيه‪ ،‬ثم اركب الحق‪ ،‬وخللض‬
‫إليه الغمرات‪ ،‬وكن واعظا ً لنفسك‪ ،‬وأناشدك الله‬
‫إل ترحمللت علللى جماعللة المسلللمين‪ ،‬وأجللللت‬
‫كبيرهم‪ ،‬ورحمت صغيرهم‪ ،‬ووقرت عللالمهم‪ ،‬ول‬
‫تضللربهم فيللذلوا‪ ،‬ول تسللتأئر عليهللم بللالفيء‬
‫فتغضللبهم‪ ،‬ول تحرمهللم عطايللاهم عنللد محّلهللا‬
‫مرهللم فللي البعللوث فينقطللع‬ ‫فتفقرهللم‪ ،‬ول تج ّ‬
‫دولة بين الغنياء منهللم‪،‬‬ ‫نسلهم ول يجعل المال ُ‬
‫ول تغلق بابللك دونهللم‪ ،‬فيأكللل قللويهم ضللعيفهم‬
‫هذه وصيتي إليك‪ ،‬وأشهد الله عليك‪ ،‬وأقرأ عليك‬
‫السلم)‪.(1960‬‬
‫‪ ()1960‬الطبقات لبن سعد )‪ ،(3/339‬البيان والتبيين للجاحظ )‬
‫‪ ،(2/46‬جمهرة خطب العرب )‪ ،(265-1/263‬الكامل في التاريخ )‬
‫‪ ،(2/210‬الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب للعاني ص ‪،171‬‬
‫هذه الوصية تدل على بعد نظر عمر فللي مسللائل‬
‫الحكللم والدارة‪ ،‬وتفصللح عللن نهللج ونظللام حكللم‬
‫وإدارة متكامل)‪ ،(1961‬فقد تضمنت الوصللية أمللورا ً‬
‫غاية في الهمية‪ ،‬فحق أن تكون وثيقللة نفيسللة‪،‬‬
‫لما احتوته مللن قواعللد ومبللادئ أساسللية للحكللم‬
‫متكاملة الجوانب الدينية والسياسللية والعسللكرية‬
‫والقتصادية والجتماعية يأتي في مقدمتها‪:‬‬
‫‪ -1‬الناحية الدينية‪ ،‬وتضمنت‪:‬‬
‫‪ -1‬الوصية بالحرص الشللديد‪ ،‬علللى تقللوى الللله‪،‬‬
‫والخشية منه في السر والعلللن فللي القللول‬
‫والعمل‪ ،‬لن من اتقى الله وقاه ومن خشيه‬
‫صانه وحماه )أوصلليك بتقللوى الللله وحللده ل‬
‫شللريك للله( )وأوصلليك بتقللوى الللله والحللذر‬
‫منه‪ ..‬وأوصيك أن تخشى الله‪.‬‬
‫‪ -2‬إقاملة حلدود اللله عللى القريلب والبعيلد )ل‬
‫تبال على من وجب الحللق( )ول تأخللذك فللي‬
‫الله لومة لئم( لن حدود الللله نصللت عليهللا‬
‫الشللريعة فهللي مللن الللدين‪ ،‬ولن الشللريعة‬
‫حجللة علللى النللاس‪ ،‬وأعمللالهم وأفعللالهم‬
‫تقاس بمقتضاها‪ ،‬وأن التغافل عنهللا إفسللاد‬
‫للدين والمجتمع‪.‬‬
‫‪ -3‬السللتقامة )اسللتقم كمللا أمللرت( وهللي مللن‬
‫الضرورات الدينية والدنيوية التي يجللب علللى‬
‫الحاكم التحلي بها قول ً وعمل ً أول ً ثم الرعية‬
‫)كن واعظا ً لنفسك( )وابتللغ بللذلك وجلله الللله‬
‫والدار الخرة(‪.‬‬
‫‪.172‬‬
‫‪ ()1961‬الدارة السلمية في عصر عمر بن الخطاب ص ‪.381‬‬
‫‪ -2‬الناحية السياسية‪ ،‬وتضمنت‪:‬‬
‫‪ -1‬اللتزام بالعدل‪ ،‬لنلله أسللاس الحكللم‪ ،‬وإن‬
‫إقللامته بيللن الرعيللة‪ ،‬تحقيللق للحكللم قللوة‬
‫وهيبة ومتانة سياسللية واجتماعيللة‪ ،‬وتزيللد‬
‫مللن هيبللة واحللترام الحللاكم فللي نفللوس‬
‫الناس )وأوصيك بالعللدل( )واجعللل النللاس‬
‫عندك سواء(‪.‬‬
‫‪ -2‬العناية بالمسلمين الوائل من المهللاجرين‬
‫والنصللار لسللابقتهم فللي السلللم‪ ،‬ولن‬
‫العقيدة وما أفرزتلله مللن نظللام سياسللي‪،‬‬
‫قللام علللى أكتللافهم‪ ،‬فهللم أهللله وحملتلله‬
‫وحمللاته )وأوصلليك بالمهللاجرين الوليللن‬
‫خيرًا‪ ،‬أن تعللرف لهللم سللابقتهم‪ ،‬وأوصلليك‬
‫بالنصلللار خيلللرًا‪ ،‬فاقبلللل ملللن محسلللنهم‬
‫وتجاوز عن مسيئهم‪.‬‬
‫‪ -3‬الناحية العسكرية‪ ،‬وتضمنت‪:‬‬
‫‪ -1‬الهتملللام بلللالجيش وإعلللداده إعلللدادا ً‬
‫يتناسب وعظم المسللؤولية الملقللاة علللى‬
‫عللاتقه لضللمان أمللن الدولللة وسلللمتها‪،‬‬
‫والعناية بسللد حاجللات المقللاتلين )التفللرغ‬
‫لحوائجهم وثغورهم(‪.‬‬
‫‪ -2‬تجنب إبقاء المقاتلين لمدة طويلة فللي‬
‫الثغور بعيدا ً عن عوائلهم وتلفي لا ً لمللا قللد‬
‫يسببه ذللك ملن مللل وقللق وهبلوط فلي‬
‫المعنويات‪ ،‬فمن الضروري منحهم إجازات‬
‫معلومللة فللي أوقللات معلومللة يسللتريحون‬
‫فيها ويجددون نشاطهم خللها‪ ،‬من جهللة‪،‬‬
‫ويعللودون إلللى عللوائلهم لكللي ل ينقطللع‬
‫نسلهم من جهللة ثانيللة )ول تجمرهللم فللي‬
‫الثغور فينقطع نسلللهم( )وأوصلليك بأهللل‬
‫المصار خيرًا‪ ،‬فإنهم ردء العدو(‪.‬‬
‫‪ -3‬إعطاء كل مقاتل ما يستحقه من فيللء‬
‫وعطللاء‪ ،‬وذلللك لضللمان مللورد ثللابت للله‬
‫ولعائلته يدفعه إلى الجهللاد‪ ،‬ويصللرف عنلله‬
‫التفكير فللي شللؤونه الماليللة )ول تسللتأثر‬
‫عليهللم بللالفيء فتغضللبهم ول تحرمهللم‬
‫عطاياهم عند محلها فتفقرهم(‪.‬‬
‫‪ -4‬الناحية القتصادية والمالية‪ ،‬وتضمنت‪:‬‬

‫‪ -1‬العنايللة بتوزيللع المللوال بيللن النللاس‬


‫بالعدل والقسللطاس المسللتقيم‪ ،‬وتلفللي‬
‫كل ما من شأنه تجميع الموال عند طبقللة‬
‫منهم دون أخرى )ول تجعل الملوال دوللة‬
‫بين الغنياء منهم(‪.‬‬
‫‪ -2‬عدم تكليف أهلل الذملة فللوق طلاقتهم‬
‫إن هم أدوا ما عليهم من التزامللات ماليللة‬
‫دوا‬‫للدولة )ول تكلفهم فوق طللاقتهم إذا أ ّ‬
‫ما عليهم للمؤمنين(‪.‬‬
‫‪ -3‬ضللمان الحقللوق الماليللة للنللاس وعللدم‬
‫التفريط بهللا‪ ،‬وتجنللب فللرض مللا ل طاقللة‬
‫لهللم بلله )ول تحمللل منهللم إل عللن فضللل‬
‫منهللم( )أن تأخللذ حواشللي أمللوالهم فللترد‬
‫على فقرائهم( )‪.(1962‬‬

‫‪ ()1962‬الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب للعاني ص ‪.174،175‬‬


‫‪ -5‬الناحية الجتماعية‪ ،‬وتضمنت‪:‬‬

‫‪ -1‬الهتمللام بالرعيللة‪ ،‬والعمللل علللى تفقللد‬


‫أمورهم وسد احتياجاتهم وإعطللاء حقللوقهم‬
‫من فيء وعطاء )ول تحرمهم عطاياهم عنللد‬
‫محلها(‪.‬‬
‫‪ -2‬اجتناب الثرة والمحاباة واتباع الهوى‪ ،‬لما‬
‫فيها من مخاطر تقود إلى انحللراف الراعللي‪،‬‬
‫وتلللؤدي إللللى فسلللاد المجتملللع واضلللطراب‬
‫علقاته النسانية )وإيللاك والثللرة والمحابللاة‬
‫فيملللا ولك اللللله( )ول تلللؤثر غنيهلللم عللللى‬
‫فقيرهم(‪.‬‬
‫‪ -3‬احللترام الرعيللة وتوقيرهللا والتواضللع لهللا‪،‬‬
‫صغيرها وكبيرها‪ ،‬لما في ذلك من سمو فللي‬
‫العلقات الجتماعية‪ ،‬تؤدي إلى زيادة تلحللم‬
‫الرعية بقائدها وحبها للله )وأناشللدك الللله إل‬
‫ترحمللت علللى جماعللة المسلللمين‪ ،‬وأجللللت‬
‫كبيرهم‪ ،‬ورحمت صغيرهم ووقرت عالمهم(‪.‬‬
‫‪ -4‬النفتلللاح عللللى الرعيلللة‪ ،‬وذللللك بسلللماع‬
‫شلللكاواهم‪ ،‬وإنصلللاف بعضلللهم ملللن بعلللض‬
‫وبعكسلله تضللطرب العلقللات بينهللم ويعللم‬
‫الرتباك في المجتمع )ول تغلق بابك دونهم‪،‬‬
‫فيأكل قويهم ضعيفهم(‪.‬‬
‫‪ -5‬اتبللاع الحللق‪ ،‬والحللرص علللى تحقيقلله فللي‬
‫المجتمللع‪ ،‬وفللي كللل الظللروف والحللوال‪،‬‬
‫لكونه ضللرورة اجتماعيللة لبللد مللن تحقيقهللا‬
‫بيللن النللاس‪) ،‬ثللم اركللب الحللق‪ ،‬وخللض إليلله‬
‫الغمللرات( )واجعللل النللاس عنللدك سللواء‪ ،‬ل‬
‫تبال على من وجب الحق(‪.‬‬
‫‪ -6‬اجتناب الظلم بكل صوره وأشلكاله‪ ،‬خاصلة‬
‫مع أهللل الذمللة‪ ،‬لن العللدل مطلللوب إقللامته‬
‫بين جميللع رعايللا الدولللة مسلللمين وذمييللن‪،‬‬
‫لينعللم الجميللع بعللدل السلللم )وأوصلليك أل‬
‫ترخللص لنفسللك ول لغيللرك فللي ظلللم أهللل‬
‫الذمة(‪.‬‬
‫‪ -7‬الهتمام بأهل الباديللة ورعللايتهم والعنايللة‬
‫بهللم )وأوصلليك بأهللل الباديللة خيللرًا‪ ،‬فللإنهم‬
‫أصل العرب‪ ،‬ومادة السلم( )‪.(1963‬‬
‫‪ -8‬وكان من ضمن وصية عمللر لمللن بعللده‪ :‬أل‬
‫يقللر لللي عللامل ً أكللثر مللن سللنة‪ ،‬وأقللروا‬
‫الشعري أربع سنين)‪.(1964‬‬

‫‪ ()1963‬الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب للعاني ص ‪.175-173‬‬


‫‪ ()1964‬عصر الخلفة الراشدة ص ‪.102‬‬
‫رابعًا‪ :‬اللحظات الخيرة‪:‬‬
‫هذا ابن عباس رضي الله عنه يصف لنا اللحظات‬
‫الخيرة في حيللاة الفللاروق حيللث يقللول‪ :‬دخلللت‬
‫ن‪ ،‬فقلللت‪ :‬أبشللر بالجنللة‪ ،‬يللا‬ ‫على عمر حيللن ُ‬
‫طعل ْ‬
‫أميللر المللؤمنين‪ ،‬أسلللمت حيللن كفللر النللاس‪،‬‬
‫وجاهدت مع رسللول الللله ‪ ‬حيللن خللذله النللاس‪،‬‬
‫ض‪ ،‬ولللم‬ ‫وقبللض رسللول الللله ‪ ‬وهللو عنللك را ٍ‬
‫قتلللت شللهيدا ً فقللال‬ ‫يختلف في خلفتك اثنان‪ ،‬و ُ‬
‫ي‪ ،‬فأعدت عليه‪ ،‬فقال‪ :‬والللله الللذي‬ ‫عمر‪ :‬أعد عل ّ‬
‫ل إله إل هو‪ ،‬لو أن لي ما في الرض من صللفراء‬
‫وبيضاء لفتديت به من هول المطلللع)‪ ،(1965‬وجللاء‬
‫فللي روايللة البخللاري‪ ،‬أمللا مللا ذكللرت مللن صللحبة‬
‫رسول الله ‪ ‬ورضاه فإن ذلك من الله جل ذكره‬
‫ن به علي‪ ،‬وأما ما تللرى مللن جزعللي فهللو مللن‬ ‫م ّ‬
‫طلع‬ ‫أجلللك وأجللل أصللحابك‪ ،‬والللله لللو أن لللي ِ‬
‫الرض ذهبا ً لفتديت به من عذاب الللله علز وجللل‬
‫قبل أن أراه)‪.(1966‬‬
‫لقد كان عمر رضي الله عنه يخللاف هللذا الخللوف‬
‫العظيم مللن عللذاب الللله تعللالى مللع أن النللبي ‪‬‬
‫شهد له بالجنة‪ ،‬ومع ما كان يبذل من جهللد كللبير‬
‫فللي إقامللة حكللم الللله والعللدل والزهللد والجهللاد‬
‫وغير ذلك مللن العمللال الصللالحة‪ ،‬وإن فللي هللذا‬
‫لدرسا ً بليغا ً للمسلمين عامة في تذكر عذاب الله‬
‫الشديد وأهوال يوم القيامة)‪.(1967‬‬
‫وهذا عثمان رضي الله عنه يحدثنا عللن اللحظللات‬
‫الخيرة في حيللاة الفللاروق فيقللول‪ :‬أنللا آخركللم‬
‫‪ ()1965‬صحيح التوثيق في سيرة وحياة الفاروق ص ‪.383‬‬
‫‪ ()1966‬البخاري‪ ،‬ك فضائل الصحابة‪ ،‬رقم ‪.3692‬‬
‫‪ ()1967‬التاريخ السلمي )‪.(19/33‬‬
‫عهدا ً بعمر‪ ،‬دخلت عليلله‪ ،‬ورأسلله فللي حجللر ابنلله‬
‫عبد الله بن عمر فقللال للله‪ :‬ضللع خللدي بللالرض‪،‬‬
‫قال‪ :‬فهللل فخللذي والرض إل سللواء؟ قللال ضللع‬
‫خدي بالرض ل أم لك‪ ،‬في الثانية أو في الثالثة‪،‬‬
‫ثم شبك بين رجليه‪ ،‬فسمعته يقول‪ :‬ويلي‪ ،‬وويل‬
‫أمي إن لم يغفر الله لي حتى فاضت)‪ (1968‬روحه‪،‬‬
‫فهذا مثل مما كان يتصف به أمير المؤمنين عمللر‬
‫رضي الله عنه من خشية الله تعللالى‪ ،‬حللتى كللان‬
‫آخر كلمه الدعاء على نفسه بالويل إن لم يغفللر‬
‫الله جل وعل له‪ ،‬مع أنه أحد العشللرة المبشللرين‬
‫بالجنة‪ ،‬ولكن من كان بالله أعرف كللان مللن الللله‬
‫أخوف‪ ،‬وإصللراره علللى أن يضللع ابنلله خللده علللى‬
‫الرض من باب إذلل النفس فللي سللبيل تعظيللم‬
‫الله عز وجل‪ ،‬ليكون ذلك أقرب لستجابة دعللائه‪،‬‬
‫وهذه صورة تبين لنا قللوة حضللور قلبلله مللع الللله‬
‫جل وعل)‪.(1969‬‬
‫‪ -1‬تاريخ موته ومبلغ سنه‪:‬‬
‫قال الذهبي‪ :‬استشهد يللوم الربعللاء لربللع أو‬
‫ثلث بقين من ذي الحجة‪ ،‬سنة ثلث وعشرين‬
‫من الهجرة‪ ،‬وهو ابن ثلث وستين سللنة علللى‬
‫الصللحيح)‪ ،(1970‬وكللانت خلفتلله عشللر سللنين‬
‫ونصفا ً وأياما ً)‪ ،(1971‬وجاء في تاريخ أبللي زرعللة‬
‫عللن جريللر البجلللي قللال‪ :‬كنللت عنللد معاويللة‬
‫فقال‪ :‬تللوفي رسللول الللله ‪ ‬وهللو ابللن ثلث‬
‫‪ ()1968‬فاضت‪ :‬خرجت‪ ،‬صحيح التوثيق في سيرة وحياة الفاروق‬
‫ص ‪.383‬‬
‫‪ ()1969‬التاريخ السلمي )‪.(45 ،19/44‬‬
‫‪ ()1970‬في التهذيب ق ‪/177‬ب نقل ً عن محض الصواب )‪.(3/840‬‬
‫‪ ()1971‬سير السلف لبي القاسم الصفهاني )‪.(1/160‬‬
‫وستين‪ ،‬وتوفي أبو بكر –رضي الله عنه‪ -‬وهللو‬
‫ابن ثلث وستين وقتل عمر –رضي الللله عنلله‪-‬‬
‫وهو ابن ثلث وستين)‪.(1972‬‬

‫‪ ()1972‬مسلم‪ ،‬فضائل الصحابة رقم ‪ ،2352‬محض الصواب )‬


‫‪.(3/843‬‬
‫‪ -2‬في غسله والصلة عليه ودفنه‪:‬‬
‫عن عبد الله بن عمر ‪-‬رضي الللله عنلله‪ -‬غسللل‬
‫فن‪ ،‬وصلي عليلله‪ ،‬وكللان شللهيدا ً)‪ ،(1973‬وقللد‬ ‫وك ُ ّ‬
‫اختلف العلمللاء فيمللن قتللل مظلوملا ً هللل هللو‬
‫كالشهيد ل يغسل أم ل؟ على قولين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أنه يغسل‪ ،‬وهللذا حجللة لصللحاب هللذا‬
‫القول)‪.(1974‬‬
‫والثاني‪ :‬ل يغسللل ول يصلللى عليلله‪ ،‬والجللواب‬
‫عن قصللة عمللر أن عمللر عللاش بعللد أن ضللرب‬
‫وأقام مدة‪ ،‬والشهيد حتى شللهيد المعركللة لللو‬
‫عاش بعد أن ضرب حتى أكل وشللرب أو طللال‬
‫مقامه فإنه يغسل‪ ،‬ويصلى عليه‪ ،‬وعمللر طللال‬
‫مقامه حتى شرب الماء‪ ،‬وما أعطللاه الطللبيب‪،‬‬
‫فلهذا غسل وصلي عليه رضي الله عنه)‪.(1975‬‬
‫‪ -3‬من صلى عليه؟‬
‫قلللال اللللذهبي‪ :‬صللللى عليللله صلللهيب بلللن‬
‫سنان)‪ ،(1976‬وقال ابن سللعد‪ :‬وسللأل علللي بللن‬
‫الحسين سعيد بللن المسلليب‪ :‬مللن صلللى علللى‬
‫عمر؟ قال‪ :‬صهيب‪ ،‬قال كم كللبر عليلله؟ قللال‪:‬‬
‫صلي عليه؟ قللال‪ :‬بيللن القللبر‬‫أربعًا‪ ،‬قال‪ :‬أين ُ‬
‫والمنلللبر)‪ ،(1977‬وقلللال ابلللن المسللليب‪ :‬نظلللر‬
‫المسلمون فإذا صهيب يصلي لهم المكتوبللات‬
‫بلأمر عملر رضلي اللله عنلله فقلدموه‪ ،‬فصللى‬
‫‪ ()1973‬الطبقات )‪ (3/366‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪ ()1974‬النصاف للمرداوي )‪ (2/503‬محض الصواب )‪.(3/844‬‬
‫‪ ()1975‬محض الصواب )‪.(3/845‬‬
‫‪ ()1976‬محض الصواب )‪.(3/845‬‬
‫‪ ()1977‬الطبقات )‪ (3/366‬وفي إسناده خالد بن إلياس وهو‬
‫متروك‪.‬‬
‫على عمر)‪ ،(1978‬ولم يقدم عمر رضي الله عنلله‬
‫أحدا ً مللن السللتة المرشللحين للخلفللة حللتى ل‬
‫يظن تقديمه للصلة ترشيحا ً له من عمر‪ ،‬كمللا‬
‫أن صهيبا ً كانت للله مكللانته الكللبيرة عنللد عمللر‬
‫والصحابة رضي الله عنهم وقد قال في حقلله‬
‫الفاروق‪ :‬نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم‬
‫يعصه)‪.(1979‬‬
‫‪ -4‬في دفنه رضي الله عنه‪:‬‬
‫)‪(1980‬‬
‫‪،‬‬ ‫قال الذهبي‪ :‬دفللن فللي الحجللرة النبويللة‬
‫وذكر ابن الجوزي عن جابر قال‪ :‬نزل في قبر‬
‫عمر عثمان وسللعيد بللن زيللد‪ ،‬وصللهيب‪ ،‬وعبللد‬
‫الله بن عمر)‪ ،(1981‬وعن هشام بن عروة قللال‪:‬‬
‫لما سقط عنهم –يعني قبر النبي ‪ ‬وأبي بكر‬
‫وعمر ‪-‬رضي الله عنهما‪ -‬في زمن الوليللد بللن‬
‫عبد الملك)‪ (1982‬أخللذوا فللي بنللائه‪ ،‬فبللدت لهللم‬
‫م‪ ،‬ففزعوا‪ ،‬وظنوا أنها قدم النللبي ‪ ‬فمللا‬ ‫قد ٌ‬
‫وجدوا أحدا ً يعلم ذلك‪ ،‬حتى قال لهم عروة‪ :‬ل‬
‫والله ما هللي قللدم النللبي ‪ ‬مللا هللي إل قللدم‬
‫عمر ‪-‬رضي الله عنلله)‪ -(1983‬وقللد م لّر معنللا‪ :‬أن‬
‫عمر أرسلل إللى عائشلة –رضلي اللله عنهملا‪-‬‬
‫ائذني لي أن ُأدفن مللع صللاحبي‪ ،‬فقللالت‪) :‬أي‬
‫والله( وقال هشام بن عروة بن الزبير‪ :‬وكللان‬
‫الرجلللل إذا أرسلللل إليهلللا ‪-‬أي عائشلللة‪ -‬ملللن‬
‫‪ ()1978‬الطبقات )‪ ،(3/367‬محض الصواب )‪.(3/845‬‬
‫‪ ()1979‬الفتاوى )‪.(15/140‬‬
‫‪ ()1980‬محض الصواب )‪.(3/846‬‬
‫‪ ()1981‬ابن مروان الموي من خلفاء بني أمية‪.‬‬
‫‪ ()1982‬البخاري‪ ،‬ك الجنائز رقم ‪.1326‬‬
‫‪()1983‬البخاري‪ ،‬ك العتصام‪ ،‬رقم ‪ 2671‬رقم ‪.6897‬‬
‫الصلللحابة قلللالت‪ :‬ل واللللله ل أؤثرهلللم بأحلللد‬
‫أبدا ً)‪ ،(1984‬ول خلف بين أهللل العلللم أن النللبي‬
‫‪ ‬وأبا بكر وعمر ‪-‬رضي الله عنهما‪ -‬فللي هللذا‬
‫المكان من المسجد النبوي على صاحبه أفضل‬
‫الصلة والسلم)‪.(1985‬‬

‫‪ ()1984‬محض الصواب )‪.(3/847‬‬


‫‪ ()1985‬محض الصواب )‪.(3/847‬‬
‫‪ -5‬ما قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه في الفاروق‪:‬‬
‫قللال ابللن عبللاس‪ :‬وضللع عمللر علللى سللريره‬
‫فتكنفه الناس يدعون ويصلون‪ ،‬قبل أن يرفع‪،‬‬
‫وأنا فيهم‪ ،‬فلم ي َُرعنللي إل رجلل آخللذ منكلبي‪،‬‬
‫فإذا علي بن أبللي طللالب‪ ،‬فللترحم علللى عمللر‬
‫ي أن ألقللى الللله‬ ‫وقال‪ :‬ما خلفت أحدا ً أح ّ‬
‫ب إل ّ‬
‫بمثل عمله منك‪ ،‬وأيم الله إن كنللت لظللن أن‬
‫يجعلك الللله مللع صللاحبيك وحسللبت أنللي كنللت‬
‫كثيرا ً أسمع النللبي ‪ ‬يقللول‪ :‬ذهبللت أنللا وأبللو‬
‫بكر وعمر‪ ،‬ودخلت أنا وأبو بكر وعمر وخرجللت‬
‫أنا وأبو بكر وعمر)‪.(1986‬‬
‫‪ -6‬أثر مقتله على المسلمين‪:‬‬
‫كان هللول الفاجعللة عظيم لا ً علللى المسلللمين‪،‬‬
‫م بعمر‪ ،‬كما كان‬ ‫فلم تكن الحادثة بعد مرض أل ّ‬
‫يزيد من هولها في المسجد وعمر يؤم النللاس‬
‫لصللة الصللبح‪ ،‬ومعرفلة حللال المسلللمين بعلد‬
‫وقللوع الحللدث يطلعنللا علللى أثللر الحللادث فللي‬
‫نفوسهم‪ ،‬يقللول عمللرو بللن ميمللون‪ .. :‬وكللأن‬
‫الناس لم تصبهم مصيبة قبللل يللومئذ‪ ،‬ويللذهب‬
‫ابن عبللاس ليسللتطلع الخللبر بعللد مقتللل عمللر‬
‫ليقللول للله‪ :‬إنلله مللا م لّر بمل إل وهللم يبكللون‬
‫وكأنهم فقدوا أبكللار أولدهللم)‪ ،(1987‬لقللد كللان‬
‫عمر ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬معلما ً من معالم الهللدى‪،‬‬
‫وفارقا بين الحق والباطل فكان من الطبيعي‬
‫أن يتأثر الناس لفقده)‪ ،(1988‬وهذا الثللر يوضللح‬

‫‪ ()1986‬البخاري‪ ،‬ك فضائل الصحابة رقم ‪.3482‬‬


‫‪ ()1987‬العشرة المبشرون بالجنة‪ ،‬محمد صالح عوض ص ‪.44‬‬
‫‪ ()1988‬المصدر نفسه ص ‪.44‬‬
‫شدة تأثر الناس عليه‪ ،‬فعن الحنف بن قيس‪:‬‬
‫قال… فلما طعن عمللر أمللر صللهيبا ً أن يصلللي‬
‫بالناس‪ ،‬ويطعمهللم ثلثللة أيللام حللتى يجتمعللوا‬
‫على رجل‪ ،‬فلما وضللعت المللوائد كللف النللاس‬
‫عن الطعام‪ ،‬فقال العباس‪ :‬يا أيهللا النللاس إن‬
‫رسول الله ‪ ‬قد مات‪ ،‬فأكلنللا بعللده‪ ،‬وشللربنا‬
‫ومات أبو بكر ‪-‬رضي الله عنه‪ ،-‬فأكلنا‪ ،‬وإنه ل‬
‫بد للناس من الكل والشرب‪ ،‬فمد يللده فأكللل‬
‫الناس)‪.(1989‬‬
‫وكان عبد الله بللن مسللعود ‪-‬رضللي الللله عنلله‪-‬‬
‫عندما يذكر له عمر يبكللي حللتى تبتللل الحصللى‬
‫مللن دمللوعه ثللم يقللول‪ :‬إن عمللر كللان حصللنا ً‬
‫للسلللللللللللللم يللللللللللللدخلون فيلللللللللللله‬
‫ول يخرجللون منلله‪ ،‬فلمللا مللات انثلللم الحصللن‬
‫فالناس يخرجون من السلم)‪.(1990‬‬
‫وأما أبو عبيللدة بللن الجللراح‪ ،‬فقللد كللان يقللول‬
‫قبل أن يقتل عمر‪ :‬إن مات عمر رق السلللم‪،‬‬
‫مللا أحللب أن لللي مللا تطلللع عليلله الشللمس أو‬
‫تغرب وأن أبقى بعد عمر‪ ،‬فقيل له‪ :‬لم؟ قال‪:‬‬
‫سترون ما أقول إن بقيتم‪ ،‬وأما هو فإن ولللي‬
‫وال بعد فأخذهم بما كان عمر يأخذهم بلله لللم‬
‫يطع له الناس بذلك ولم يحملللوه‪ ،‬وإن ضللعف‬
‫عنهم قتلوه)‪.(1991‬‬
‫خامسًا‪ :‬أهم الفوائد والدروس والعبر‪:‬‬

‫‪ ()1989‬محض الصواب )‪.(3/855‬‬


‫‪ ()1990‬الطبقات الكبرى )‪.(3/284‬‬
‫‪ ()1991‬الطبقات الكبرى )‪ ،(3/284‬العشرة المبشرون بالجنة ص‬
‫‪.44‬‬
‫‪ -1‬التنبيه على الحقد الببذي انطببوت عليببه قلببوب الكببافرين ضببد‬
‫المؤمنين‪:‬‬
‫ويدل علللى ذلللك قتللل المجوسللي أبللي لؤلللؤة‬
‫لعمر رضي الله عنه‪ ،‬وتلك هي طبيعللة الكفللار‬
‫فلللي كلللل زملللان ومكلللان‪ ،‬قللللوب ل تضلللمر‬
‫للمسللللمين إل الحقلللد والحسلللد والبغضلللاء‪،‬‬
‫ونفللوس ل تكللن للمللؤمنين إل الشللر والهلك‬
‫والتللللف‪ ،‬ول يتمنلللون شللليئا ً أكلللثر ملللن ردة‬
‫المسلللللمين عللللن دينهللللم وكفرهللللم بعللللد‬
‫إسلمهم)‪ ،(1992‬وإن الذي ينظر جيدا ً في قصللة‬
‫مقتللل عمللر ‪-‬رضللي الللله عنلله‪ -‬ومللا فعللله‬
‫المجوسللي الحاقللد أبللو لؤلللؤة يسللتنبط منهللا‬
‫أمرين مهمين‪ ،‬يكشللفان الحقللد الللذي أضللمره‬
‫هللذا الكللافر فللي قلبلله تجللاه عمللر‪ ،‬وتجللاه‬
‫المسلمين‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫‪ -1‬أنه قد ثبللت فللي الطبقللات الكللبرى لبللن‬
‫سعد بسللند صللحيح إلللى الزهللري)‪ ،(1993‬أن‬
‫عمر رضي الله عنه قلال لهللذا المجوسللي‬
‫دث أنك تقللول‪ :‬لللو أشللاء‬ ‫ُ‬
‫ذات يوم‪ :‬ألم أح ّ‬
‫لصنعت رحى تطحن بالريح‪ ،‬فللالتفت إليلله‬
‫المجوسللي عابسللًا‪ ،‬لصللنعن لللك رحللى‬
‫يتحدث الناس بها‪ ،‬فأقبل عمللر علللى مللن‬
‫معه‪ ،‬فقال‪ :‬توعدني العبد‪.‬‬
‫‪ -2‬المر الثاني الذي يدل علللى الحقللد الللذي‬
‫ما طعللن‬ ‫امتل به صدر هذا المجوسي أنه ل ّ‬
‫عمر رضي الله عنه‪ ،‬طعن معه ثلثة عشر‬
‫صللحابيا ً استشللهد منهللم سللبعة جللاء فللي‬
‫‪ ()1992‬سير الشهداء دروس وعبر‪ ،‬عبد الحميد السحيباني ص ‪.36‬‬
‫‪ ()1993‬الطبقات )‪ (3/345‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫روايلللة الملللام البخلللاري قلللوله‪ :‬فطلللار‬
‫العلللج)‪ (1994‬بسللكين ذات طرفيللن ل يمللر‬
‫على أحد يمينا ً ول شمال ً إل طعنلله‪ ،‬حللتى‬
‫ل‪ ،‬ملللات منهلللم‬‫طعلللن ثلثلللة عشلللر رج ً‬
‫سبعة)‪ ،(1995‬ولو كان عمر ‪-‬رضي الله عنه‪-‬‬
‫ظالما ً له فمللا ذنللب بقيللة الصللحابة الللذين‬
‫اعتللدى عليهللم؟!‪ ،‬ومعللاذ الللله تعللالى أن‬
‫يكون عمر ظالما ً له‪ ،‬إذ قد ثبت في رواية‬
‫البخاري أنه لما طعن رضي الله عنه قال‪:‬‬

‫يا ابللن عبللاس‪ ،‬انظللر مللن قتلنللي‪ ،‬فجللال‬


‫ساعة ثم جاء فقال‪ :‬غلم المغيللرة‪ ،‬قللال‪:‬‬
‫صللَنع؟ أي‪ :‬الصللانع‪ ،‬قللال‪ :‬نعللم‪ ،‬قللال‪:‬‬
‫ال َ‬
‫قاتله الله‪ ،‬لقد أمرت بلله معروف لًا‪ ،‬الحمللد‬
‫لله الذي لم يجعل منيتي بيد رجللل يللدعي‬
‫السلم)‪ ،(1996‬وهذا المجوسللي أبللو لؤلللؤة‬
‫قللام أحبللابه أعللداء السلللم ببنللاء مشللهد‬
‫تذكاري له علللى غللرار الجنللدي المجهللول‬
‫في إيران يقول السيد حسللين الموسللوي‬
‫من علماء النجللف‪ :‬واعلللم أن فللي مدينللة‬
‫كاشللان اليرانيللة‪ ،‬فللي منطقللة تسللمى‬
‫)باغي فيلن( مشلهدا ً عللى غلرار الجنلدي‬
‫المجهللول‪ ،‬فيلله قللبر وهمللي لبللي لؤلللؤة‬
‫فيروز الفارسي المجوسي‪ ،‬قاتل الخليفة‬
‫الثاني عمللر بللن الخطللاب‪ ،‬حيللث أطلقللوا‬
‫العلج‪ :‬الواحد من كفار العجم‪ ،‬والجمع علوج وأعلج وهو‬ ‫‪()1994‬‬
‫أبا لؤلؤة‪.‬‬ ‫يعني‬
‫البخاري‪ ،‬ك فضائل الصحابة رقم ‪.3704‬‬ ‫‪()1995‬‬
‫البخاري‪ ،‬ك فضائل الصحابة رقم ‪.3704‬‬ ‫‪()1996‬‬
‫عليه ما معناه بالعربية )مرقد بابللا شللجاع‬
‫الللدين(‪ ،‬وبابللا شللجاع الللدين هللو لقللب‬
‫أطلقوه على أبللي لؤلللؤة لقتللله عمللر بللن‬
‫الخطللاب‪ ،‬وقللد كتللب علللى جللدران هللذا‬
‫المشللهد بالفارسللي‪) :‬مللرك بللر أبللو بكللر‪،‬‬
‫مرك بللر عمللر‪ ،‬مللرك بللر عثمللان( ومعنللاه‬
‫بالعربية‪ :‬الموت لبي بكللر‪ ،‬المللوت لعمللر‪،‬‬
‫الموت لعثمان وهذا المشهد ُيزار من قبل‬
‫الشيعة اليرانيين‪ ،‬وُتلقللى فيلله المللوال‪،‬‬
‫والتبرعلللات‪ ،‬وقلللد رأيلللت هلللذا المشلللهد‬
‫بنفسي‪ ،‬وكللانت وزارة الرشللاد اليرانيللة‬
‫قد باشرت بتوسيعه وتجديده‪ ،‬وفوق ذلللك‬
‫قللاموا بطبللع صللورة علللى المشللهد علللى‬
‫كارتلللات تسلللتخدم لرسلللال الرسلللائل‬
‫والمكاتيب)‪.(1997‬‬
‫‪ -2‬بيان النكسار والخشية والخوف الذي تميز به عمر رضي الله‬
‫عنه‪:‬‬
‫ومما يدل على هذا الخوف الذي سلليطر علللى‬
‫قلب عمللر رضللي الللله عنلله قبيللل استشللهاده‬
‫م أن الذي طعنه هو المجوسي أبو‬ ‫عل ِ َ‬
‫قوله لما َ‬
‫لؤلؤة‪ :‬الحمد لله الللذي لللم يجعللل منيللتي بيللد‬
‫رجللل يللدعي السلللم)‪ ،(1998‬فللإنه رغللم العللدل‬
‫الذي اتصف به عمللر رضللي الللله عنلله‪ ،‬والللذي‬
‫اعلللترف بللله القاصلللي واللللداني‪ ،‬والعربلللي‬
‫والعجمي‪ ،‬إل أنه كان خائفا ً أن يكون قد ظلللم‬
‫أحللدا ً مللن المسلللمين‪ ،‬فللانتقم منلله بقتللله‪،‬‬
‫‪ ()1997‬لله ثم للتاريخ كشف السرار وتبرئة الئمة الطهار ص ‪.94‬‬
‫‪ ()1998‬البخاري‪ ،‬ك فضائل الصحابة رقم ‪.3704‬‬
‫جه عند الله تعللالى‪ ،‬كمللا تللدل علللى ذلللك‬ ‫فُيحا ّ‬
‫رواية ابللن شللهاب‪ :‬أن عمللر قللال‪ :‬الحمللد لللله‬
‫الذي لم يجعل قاتلي يحاجني عند الله بسجدة‬
‫سجدها له قط‪ ،‬وكما تللدل عليلله كللذلك روايللة‬
‫مبارك بللن فضللالة‪ ،‬يحللاجني بقللول‪ :‬ل إللله إل‬
‫الله)‪ ،(1999‬وهذه عجيبة من عجائب هللذا المللام‬
‫الربلللاني‪ ،‬ينبغلللي أن يلللتربى عليهلللا اللللدعاة‬
‫والمصلللحون وأن يكللون النكسللار علمللة مللن‬
‫أكبر علماتهم حتى ينفع الله تعالى بهم‪ ،‬كمللا‬
‫نفللللللللللللع بأسلللللللللللللفهم كعمللللللللللللر‬
‫‪-‬رضي الله عنلله‪ -‬وليكللن مقللال الجميللع قللول‬
‫القائل‪:‬‬
‫ن يلللوم نشلللر‬ ‫مللل ْ‬
‫ِ‬ ‫واحسللللللللللللرتي‪،‬‬
‫كتلللللللللللللللللللابيه‬ ‫واشلللللللللللللقوتي‬
‫أوتيتللله بشلللماليه‬ ‫طللول حزنللي إن‬ ‫وا ُ‬
‫ماذا يكون جوابيه؟‬ ‫أكللللللللللللللللللللللن‬
‫مللللللع القلللللللوب‬ ‫ت عللللن‬ ‫سللللئل ُ‬
‫وإذا ُ‬
‫القاسلللللللللللللللية‬ ‫الخطلللللللللللللللللللا‬
‫عمل ً ليوم حسللابيه‬ ‫واحللللّر قلللللبي أن‬
‫وقساوتي وعذابيه‬ ‫يكللللللللللللللللللللون‬
‫أيلللام دهلللر خاليلللة‬ ‫ت لللي‬ ‫دم ُ‬‫كل ول قلل ّ‬
‫قبللللح المعاصللللي‬ ‫بل إنني لشللقاوتي‬
‫)‪(2000‬‬
‫خافيللللللللللللة‬ ‫بارزت بالزلت في‬
‫مللن ليللس يخفللى‬
‫عنلللللللله مللللللللن‬

‫‪ ()1999‬سير الشهداء دروس وعبر ص ‪.40‬‬


‫‪ ()2000‬الرقائق لمحمد أحمد الراشد ص ‪.121،122‬‬
‫‪ -3‬التواضببع الكبببير عنببد الفبباروق واليثببار العظيببم عنببد السببيدة‬
‫عائشة‪:‬‬

‫‪ -1‬التواضع الكبير عنللد الفللاروق رضللي الللله‬


‫عنه‪:‬‬
‫وقد دل عليه من قصللة استشللهاده قللوله‬
‫لبنلله عبللد الللله‪ :‬انطلللق إلللى عائشللة أم‬
‫المؤمنين‪ ،‬فقل‪ :‬يقرأ عليك عمر السلللم‪،‬‬
‫ول تقللل‪ :‬أميللر المللؤمنين‪ ،‬فللإني لسللت‬
‫اليللوم للمللؤمنين أميللرا ً)‪ ،(2001‬ويللدل عليلله‬
‫كذلك قوله لبنه لما أذنللت عائشللة بللدفنه‬
‫إلللى جنللب صللاحبيه‪ :‬فللإذا أنللا قضلليت‬
‫م‪ ،‬فقل‪ :‬يسللتأذن عمللر‬ ‫فاحملوني‪ ،‬ثم سل ّ ْ‬
‫بن الخطللاب‪ ،‬فللإن أذنللت لللي فللأدخلوني‪،‬‬
‫وإن ردتنللللي فردونللللي إلللللى مقللللابر‬
‫المسلمين)‪ ،(2002‬فرحللم الللله عمللر ‪-‬رضللي‬
‫خُلقلله‪،‬‬
‫خُلقللا ً مللن ُ‬‫الللله عنلله‪ ،-‬ورزقنللا ُ‬
‫وتواضعا ً من تواضعه‪ ،‬وجزاه خير ما يجزي‬
‫به التقيللاء المتواضللعين‪ ،‬إن ربللي قريللب‬
‫مجيب)‪.(2003‬‬
‫‪ -2‬اليثار العظيم عند السلليدة عائشللة رضللي‬
‫الله عنها‪:‬‬
‫ومما يدل على اليثار عند السيدة عائشللة‬
‫أنها رضي الله عنها كانت تتمنى أن تدفن‬
‫بجوار زوجهللا ‪ ،‬وأبيهللا أبللي بكللر‪ ،‬فلمللا‬
‫اسللتأذنها عمللر لللذلك أذنللت وآثرتلله علللى‬

‫‪ ()2001‬البخاري‪ ،‬فضائل الصحابة رقم ‪.3704‬‬


‫‪ ()2002‬المصدر نفسه رقم ‪.3700‬‬
‫‪ ()2003‬سير الشهداء ص ‪.41‬‬
‫نفسللها وقللالت‪ :‬كنللت أريللده لنفسللي‪،‬‬
‫ولوثرنه اليوم على نفسي)‪.(2004‬‬
‫‪ - 4‬المر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو على فراش الموت‪:‬‬
‫إن اهتمام الفاروق بالمر بللالمعروف والنهللي‬
‫عللن المنكللر لللم يتخللل عنلله حللتى وهللو يللواجه‬
‫الموت بكل آلمه وشدائده‪ ،‬ذلك أن شابا ً دخللل‬
‫طعن‪ ،‬فواساه‪ ،‬وقال‪ :‬أبشللر يللا أميللر‬ ‫عليه لما ُ‬
‫المؤمنين ببشرى الله لللك‪ ،‬مللن صللحبة رسللول‬
‫دم في السلم مللا قللد علمللت‪ ،‬ثللم‬ ‫ق َ‬‫الله ‪ ،‬و َ‬
‫وّليللت فعللدلت‪ ،‬ثللم شللهادة‪ ،‬قللال ‪-‬أي عمللر‪-‬‬ ‫ُ‬
‫ي ول لللي‪ ،‬فلمللا‬ ‫دت أن ذلللك كفللاف‪ ،‬ل عل ل ّ‬ ‫وِد ْ‬
‫ي‬
‫دوا عللل ّ‬ ‫س الرض‪ ،‬قللال ُر ّ‬ ‫أدبللر إذا إزاره َيملل ّ‬
‫الغلم‪ ،‬قللال‪ :‬يللا ابللن أخللي‪ ،‬ارفللع ثوبللك فللإنه‬
‫قى لثوبك وأتقى لربك)‪ ،(2005‬وهكذا لم يمنعه‬ ‫أن َ‬
‫‪-‬رضي الله عنه‪ -‬مللا هللو فيلله مللن المللوت عللن‬
‫المر بالمعروف ولذا‪ ،‬قال ابن مسعود ‪-‬رضللي‬
‫عمر بن شللبة‪ :‬يرحللم الللله‬ ‫الله عنه‪ -‬فيما رواه ُ‬
‫)‪(2006‬‬
‫‪،‬‬ ‫عمر لم يمنعه ما كان فيه من قول الحق‬
‫ومللن عنللايته الفائقللة فللي المللر بللالمعروف‬
‫والنهي عن المنكر في هذه الحالللة أيض لًا‪ ،‬لمللا‬
‫دخلت عليه حفصة ‪-‬رضي الله عنها‪ -‬فقالت‪ :‬يا‬
‫صاحب رسول الله‪ ،‬ويا صهر رسول الللله‪ ،‬ويللا‬
‫أمير المؤمنين‪ ،‬فقللال عمللر لبللن عمللر رضللي‬
‫الله عنهما‪ :‬يا عبد الله‪ :‬أجلسني فل صللبر لللي‬
‫على ما أسمع‪ ،‬فأسنده إلى صدره‪ ،‬فقال لهللا‪:‬‬

‫‪ ()2004‬البخاري‪ ،‬ك فضائل الصحابة رقم ‪.3704‬‬


‫‪ ()2005‬المصدر نفسه رقم ‪.3704‬‬
‫‪ ()2006‬فتح الباري )‪ ،(7/65‬سير الشهداء ص ‪.42‬‬
‫إّني أحرج عليك)‪ (2007‬بمالي عليك من الحللق أن‬
‫تندبيني)‪ ،(2008‬بعد مجلسك هذا‪ ،‬فأما عينك فلن‬
‫أملكهللا)‪ ،(2009‬وعللن أنللس بللن مالللك قللال‪ :‬لمللا‬
‫طعللن عمللر صللرخت حفصللة فقللال عمللر‪ :‬يللا‬ ‫ُ‬
‫حفصة أمللا سللمعت رسللول الللله ‪ ‬يقللول‪ :‬إن‬
‫هيب فقللال‪:‬‬ ‫صلل َ‬
‫المعللول عليلله يعللذب؟ وجللاء ُ‬
‫واعمراه فقال‪ :‬ويلك يللا صللهيب أمللا بلغللك أن‬
‫المعول عليه يعذب)‪ ،(2010‬ومن شدته في الحللق‬
‫رضي الله عنه حتى بعللد طعنلله وسلليلن الللدم‬
‫منه فعندما قال له رجل‪ :‬استخلف عبد الله بن‬
‫عمر‪ ،‬قال‪ :‬والله ما أردت الله بهذا)‪.(2011‬‬
‫ش عليه الفتنة‪:‬‬ ‫‪ -5‬جواز الثناء على الرجل بما فيه إذا لم ت ُ ْ‬
‫خ َ‬
‫كما هو الحال هنا مع عمر ‪-‬رضي الله عنه‪ ،-‬إذ‬
‫قبل بعض الصحابة لنهللم كللانوا‬ ‫ُأثني عليه من ِ‬
‫يعلمللون أن الثنللاء عليلله ل يفتنلله‪ ،‬قللال ابللن‬
‫عباس رضي الله عنهمللا وهللو العللالم الربللاني‬
‫والفقيه الكبير‪ :‬أليس قد دعللا رسللول الللله ‪‬‬
‫أن يعللز بللك الللدين والمسلللمين؛ إذ يخللافون‬
‫بمكة‪ ،‬فلما أسلمت كان إسلمك عزا ً وظهر بك‬
‫السلم‪ ،..‬وأدخل الله بك على كللل أهللل بيللت‬
‫مللن توسللعتهم فللي دينهللم‪ ،‬وتوسللعتهم فللي‬
‫أرزاقهللم‪ ،‬ثللم ختللم لللك بالشللهادة‪ ،‬فهنيئا ً لللك‬

‫‪ ()2007‬أحرج عليك‪ :‬أحرج الشيء على فلن أي حّرمه عليه‪.‬‬


‫‪ ()2008‬تندبيني‪ :‬من الندب‪ :‬أن تذكر النائحة الميت بأحسن أو‬
‫صافه‪.‬‬
‫‪ ()2009‬مناقب أمير المؤمنين ص ‪ ،230‬الحسبة د‪ .‬فضل إلهي ص‬
‫‪.27‬‬
‫‪ ()2010‬فضائل الصحابة أحمد بن حنبل )‪ (1/418‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪ ()2011‬سير الشهداء ص ‪.43‬‬
‫وهكذا لم تللؤثر هلذه الكلمللات فلي قللب عملر‬
‫شيئًا‪ ،‬ولم يفرح بها‪ ،‬ولذا ردّ على ابللن عبللاس‬
‫قائ ً‬
‫ل‪ :‬والله إن المغرور من تغرونه)‪.(2012‬‬
‫‪ -6‬حقيقة موقف كعب الحبار من مقتل عمر رضي الله عنه‪:‬‬
‫كعب الحبار هو كعب بن مانع الحميري‪ ،‬كنيتلله‬
‫أبو إسحاق‪ ،‬واشتهر بكعب الحبار‪ ،‬أدرك النبي‬
‫‪ ‬وهو رجللل وأسلللم فللي خلفللة عمللر‪ ،‬سللنة‬
‫اثنتي عشللرة)‪ ،(2013‬وقللد اشللتهر قبللل إسلللمه‬
‫بأنه كان مللن كبللار علمللاء اليهللود فللي اليمللن‪،‬‬
‫وبعد إسلمه أخذ عن الصحابة الكتاب والسللنة‪،‬‬
‫وأخذوا وغيرهم عنه أخبار المم الغللابرة خللرج‬
‫إلى الشام‪ ،‬وسللكن حمللص وتللوفي فيهللا)‪،(2014‬‬
‫وقد اتهم كعب الحبار في ملؤامرة قتلل أميلر‬
‫المؤمنين عمر بن الخطاب فقللد جللاءت روايللة‬
‫في الطبري عن المسور بن مخرمة رضي الله‬
‫عنه تشير إلى اتهامه في مقتل عمر جللاء فللي‬
‫تلك الرواية‪ .. :‬ثللم انصللرف عمللر إلللى منزللله‪،‬‬
‫فلما كان من الغد جاءه كعب الحبار فقال له‪:‬‬
‫يا أمير المؤمنين‪ ،‬إعهد فإنللك ميللت فللي ثلثللة‬
‫أيام‪ ،‬قال وما يللدريك؟ قللال‪ :‬أجللده فللي كتللاب‬
‫الله عز وجل التوراة‪ ،‬قال عمر‪ :‬آلله إنك لتجللد‬
‫عمر بن الخطاب في التللوراة؟ قللال‪ :‬اللهللم ل‬
‫ولكني أجد صفتك وحليتك وأنه قد فني أجلللك‬
‫قللللللللللللللللللللللللال‪ :‬وعمللللللللللللللللللللللللر‬

‫‪ ()2012‬سير الشهداء دروس وعبر ص ‪. 45‬‬


‫‪ ()2013‬جولة تاريخية في عصر الخلفاء الراشدين محمد السيد‬
‫الوكيل ص ‪. 294‬‬
‫‪ ()2014‬سير أعلم النبلء )‪.(494-3/489‬‬
‫ل يحس وجعا ً ول ألما ً فلما كان من الغد جللاءه‬
‫كعب‪ ،‬فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين ذهب يوم وبقي‬
‫يوم وليلة؛ وهي لك إلى صبيحتها‪ ،‬قللال‪ :‬فلمللا‬
‫كللان الصللبح‪ ،‬خللرج إلللى الصلللة‪ ،‬وكللان يوكللل‬
‫ل‪ ،‬فإذا استوت‪ ،‬جللاء هللو فكللبر‪،‬‬ ‫بالصفوف رجا ً‬
‫قال‪ :‬ودخل أبللو لؤلللؤة فللي النللاس‪ ،‬فللي يللده‬
‫خنجر له رأسللان نصللابه فللي وسللطه‪ ،‬فضللرب‬
‫عمر ست ضربات‪ ،‬إحداهن تحلت سلرته‪ ،‬وهلي‬
‫الللتي قتلتلله)‪ ،(2015‬وقللد بنللى بعللض المفكريللن‬
‫المحدثين علللى هللذه الروايللة نتيجللة‪ ،‬مفادهللا‪:‬‬
‫اشتراك كعب الحبار‪ ،‬فلي مللؤامرة قتللل أميللر‬
‫المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه مثل‬
‫د‪ .‬جميللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللل‬
‫عبد الله المصري في كتابه‪ :‬أثللر أهللل الكتللاب‬
‫في الفتن والحروب الهلية فللي القللرن الول‬
‫الهجللري‪ ،‬وعبللد الوهللاب النجللار فللي كتللابه‪:‬‬
‫الخلفاء الراشدون‪ ،‬والستاذ غازي محمد فريج‬
‫في كتابه‪ :‬النشاط السري اليهودي في الفكللر‬
‫والممارسة)‪ ،(2016‬وقد ردّ الدكتور أحمد بن عبللد‬
‫الله بن إبراهيم الّزغيبي على التهللام الملوجه‬
‫لكعللب الحبللار فقللال‪ :‬والللذي أراه فللي هللذه‬
‫القصة المعقدة‪ :‬أن تلك الروايللة‪ ،‬الللتي رواهللا‬
‫المام الطبري رحمه الله تعالى غيللر صللحيحة‪،‬‬
‫لمور كثيرة من أهمها‪:‬‬

‫‪ ()2015‬تاريخ الطبري )‪.(5/182،183‬‬


‫‪ ()2016‬العنصرية اليهودية وآثارها في المجتمع السلمي )‬
‫‪.(2/518،519‬‬
‫أ‪ -‬أن هذه القصة لو صللحت لكللان مللن المنتظللر‬
‫من عمر رضي الللله عنلله أن ل يكتفللي بقللول‬
‫)كعب(‪ ،‬ولكن لجمع طائفللة ممللن أسلللم مللن‬
‫اليهود وله إحاطة بل)التللوراة( مثللل عبللد الللله‬
‫بن سلم‪ ،‬ويسألهم عن هذه القصة‪ ،‬وهللو لللو‬
‫فعل لفتضح أمر )كعب(‪ ،‬وظهر للناس كذبه‪،‬‬
‫ولتبين لعمر رضي الللله عنلله أنلله شللريك فللي‬
‫مؤامرة دبللرت لقتللله‪ ،‬أو أنلله علللى علللم بهللا‪،‬‬
‫وحينئذ يعمللل عمللر رضللي الللله عنلله علللى‬
‫الكشلللف عنهلللا بشلللتى الوسلللائل‪ ،‬وينكلللل‬
‫بمدبريها‪ ،‬ومنهم كعب‪ ،‬هذا هو المنتظللر مللن‬
‫أي حللاكم‪ ،‬فض لل ً عللن عمللر رضللي الللله عنلله‬
‫المعللروف بكمللال الفطنللة‪ ،‬وحللدة الللذهن‪،‬‬
‫وتمحيللص الخبللار لكللن شلليئا ً مللن ذلللك لللم‬
‫يحصل‪ ،‬فكان ذلك دليل ً على اختلقها)‪.(2017‬‬
‫ب‪ -‬أن هذه القصة لللو كللانت فللي التللوراة‪ ،‬لمللا‬
‫اختص بعلمها كعب رحمه الللله تعللالى وحللده‪،‬‬
‫ولشاركه العلم بها كل من له علم بل)التوراة(‬
‫مللن أمثللال عبللد الللله بللن سلللم رضللي الللله‬
‫عنه)‪.(2018‬‬
‫جل‪ -‬أن هذه القصة لو صحت أيضا ً لكللان معناهللا‬
‫أن كعبا ً له يد في المؤامرة وأنلله يكشلف عللن‬
‫نفسه بنفسلله‪ ،‬وذلللك باطللل لمخللالفته طبللاع‬
‫النللاس‪ ،‬إذ المعللروف أنلله مللن اشللترك فللي‬
‫مللؤامرة‪ ،‬يبللالغ فللي كتمانهللا بعللد وقوعهللا‪،‬‬
‫تفاديا ً من تحمل تبعاتها‪ ،‬فالكشف عنها قبللل‬
‫‪ ()2017‬الحديث أو المحدثون‪ ،‬أو عانية المة السلمية بالسنة‪،‬‬
‫محمد أبو زهو ص ‪. 182‬‬
‫‪ ()2018‬المصدر نفسه ص ‪. 182‬‬
‫وقوعهللا ل يكللون إل مللن مغفللل أبللله‪ ،‬وهللذا‬
‫خلف ما كللان عليلله كعللب‪ ،‬مللن حللدة الللذهن‪،‬‬
‫ووفرة الذكاء)‪.(2019‬‬
‫د‪ -‬ثم ما لل)التوراة( وتحديللد أعمللار النللاس؟ إن‬
‫الله تعللالى إنمللا أنللزل كتبلله هللدى للنللاس‪ ،‬ل‬
‫لمثل هذه الخبار التي ل تعدو أصحابها)‪.(2020‬‬
‫و‪ -‬ثم أيضا ً هذه التوراة بيللن أيللدينا ليللس فيهللا‬
‫شيء مللن ذلللك مطلقلا ً وبعللد أن أورد الشلليخ‬
‫محمد محمللد أبللو زهللو)‪ (2021‬تلللك العتراضللات‬
‫الربعة الولى‪ ،‬عقب عليها‪ ،‬بقوله‪ :‬ومن ذلك‬
‫كله‪ ،‬يتبين لك أن هذه القصلة مفلتراة‪ ،‬بلدون‬
‫أدنى اشتباه‪ ،‬وأن رمي كعللب بالكيللد للسلللم‬
‫فللي شللخص عمللر‪ ،‬والكللذب فللي النقللل عللن‬
‫التوراة اتهام باطللل‪ ،‬ل يسللتند علللى دليللل أو‬
‫برهان)‪.(2022‬‬
‫ويقول الدكتور محمد السلليد حسللين الللذهبي‬
‫رحمه الله‪ :‬ورواية ابن جرير الطللبري للقصللة‬
‫ل تدل على صللحتها‪ ،‬لن ابللن جريللر كمللا هللو‬
‫معللروف عنلله لللم يلللتزم الصللحة فللي كللل مللا‬
‫يرويه‪ ،‬والذي ينظر في تفسيره يجد فيه ممللا‬
‫ل يصح شيئا ً كثيرا ً)‪ ،(2023‬كما أن ما يرويه فللي‬
‫تاريخه ل يعدو أن يكون من قبل الخبار التي‬

‫‪ ()2019‬الحديث والمحدثون أو عناية المة السلمية بالسنة النبوية‬


‫ص ‪. 182‬‬
‫‪ ()2020‬العنصرية اليهودية )‪.(2/524‬‬
‫‪ ()2021‬المصدر نفسه )‪.(2/524‬‬

‫‪ ()2022‬الحديث والمحدثون ص ‪. 183‬‬


‫‪ ()2023‬العنصرية اليهودية )‪.(2/525‬‬
‫تحتمل الصدق والكذب‪ ،‬ولم يقل أحد بأن كللل‬
‫ملللا يلللروى فلللي كتلللب التاريلللخ)‪ ،(2024‬ثلللابت‬
‫ل‪ :‬ثلم إن ملا يعلرف‬ ‫وصحيح)‪ ،(2025‬ثم يتابع قائ ً‬
‫عن كعب الحبار مللن دينلله‪ ،‬وخلقلله‪ ،‬وأمللانته‪،‬‬
‫وتوثيق أكثر أصحاب الصللحاح)‪ (2026‬للله‪ ،‬يجعلنللا‬
‫نحكم بأن هذه القصة موضللوعة عليلله‪ ،‬ونحللن‬
‫ننزه كعبا ً عن أن يكون شريكا ً في قتل عمللر‪،‬‬
‫أو يعلم من يدبر أمر قتله ثم ل يكشللف لعمللر‬
‫عنه‪ ،‬كما ننزهه أن يكون كذابا ً وضاعًا‪ ،‬يحتللال‬
‫على تأكيد ما يخبر به من مقتللل عمللر نسللبته‬
‫إلى التوراة وصوغه في قالب إسرائيلي)‪.(2027‬‬
‫إلللى أن يقللول‪ :‬اللهللم إن كعب لا ً مظلللوم مللن‬
‫متهميه‪ ،‬ول أقول عنلله‪ :‬إل أنلله ثقللة مللأمون‪،‬‬
‫وعللالم اسللتغل اسللمه‪ ،‬فنسللب إليلله روايللات‬
‫معظمها خرافات وأباطيل‪ ،‬لتروج بذلك علللى‬
‫العامة‪ ،‬ويتقبلها الغمار من الجهلة)‪.(2028‬‬
‫وأما الدكتور محمد السيد الوكيل فيقللول‪ :‬إن‬
‫أول ما يواجه الباحث هذا هو موقف عبيد الله‬
‫بن عمر الذي لم يكللد يسللمع بمللا حللدث لبيلله‬
‫حللتى يحمللل سلليفه‪ ،‬ويهيللج كالسللبع الحللرب‪،‬‬
‫ويقتل الهرمزان وجفينة وابنللة صللغيرة لبللي‬
‫لؤلللؤة؛ أفللترى عبيللد الللله هللذا يللترك كعللب‬
‫الحبار والشبهة تحوم حوله‪ ،‬ويقتل ابنة أبللي‬
‫لؤلؤة الصغيرة؟ إن أحدا ً يبحث الموضوع بحثا ً‬

‫المصدر نفسه )‪.(2/525‬‬ ‫‪()2024‬‬


‫السرائيليات في التفسير والحديث ص ‪. 99‬‬ ‫‪()2025‬‬
‫المصدر نفسه ص ‪. 96‬‬ ‫‪()2026‬‬
‫المصدر نفسه ص ‪. 99‬‬ ‫‪()2027‬‬
‫السرائيليات في التفسير والحديث ص ‪. 99‬‬ ‫‪()2028‬‬
‫علميلا ً ل يمكللن أن يقبللل ذلللك‪ ،‬ويضللاف إلللى‬
‫ذلك أن جمهور المؤرخين لم يللذكروا القصللة‪،‬‬
‫بل لم يشيروا إليها‪ ،‬فابن سعد في الطبقللات‬
‫وقد فصل الحادث تفصيل ً دقيقا ً لم يشر قللط‬
‫إلى الحادثة‪ ،‬بل كل ما ذكر عن كعللب الحبللار‬
‫أنه كان واقفا ً بباب عمر يبكي ويقول‪ :‬والللله‬
‫لللو أن أميللر المللؤمنين يقسللم علللى الللله أن‬
‫يؤخره لخره)‪ ،(2029‬وأنه دخل على عمر بعد أن‬
‫أخبره الطبيب بدنوا أجله فقال‪ :‬ألم أقل لللك‬
‫إنك ل تموت إل شهيدًا‪ ،‬وأنت تقول‪ :‬من أيللن‬
‫وأنا في جزيلرة العلرب)‪ ،(2030‬ويلأتي بعلد ابلن‬
‫سعد ابن عبللد الللبر فللي السللتيعاب فل يللذكر‬
‫شيئا ً قط عللن قصللة كعللب الحبللار)‪ ،(2031‬وأمللا‬
‫ابلللللللن كلللللللثير فيقلللللللول‪ :‬إن وعيلللللللد‬
‫أبي لؤلؤة كان عشية يوم الثلثاء‪ ،‬وأنه طعنلله‬
‫صللبيحة يللوم الربعللاء لربللع بقيللن مللن ذي‬
‫الحجة)‪ ،(2032‬لم يكن إذن بين التهديد والتنفيللذ‬
‫سوى سللاعات معللدودات‪ ،‬فكيللف ذهللب كعللب‬
‫الحبار إلى عمر‪ ،‬وقال له ما قال‪ :‬اعهد فإنك‬
‫ميت فلي ثلثللة أيلام‪ ،‬ثللم يقلول‪ :‬مضللى يللوم‬
‫وبقي يومللان‪ ،‬ثللم مضللى يومللان وبقللي يللوم‬
‫وليلة‪ ،‬من أيللن لكعللب هللذه اليللام الثلثللة إذا‬
‫كان التهديد في الليل والتنفيذ صبيحة اليللوم‬
‫التالي؟ ويتوالى المؤرخون‪ ،‬فيأتي السيوطي‬
‫فللي تاريللخ الخلفللاء‪ ،‬والعصللامي فللي سللمط‬
‫الطبقات )‪.(3/361‬‬ ‫‪()2029‬‬
‫المصدر نفسه )‪.(3/340‬‬ ‫‪()2030‬‬
‫جولة في عصر الخلفاء الراشدين ص ‪. 296‬‬ ‫‪()2031‬‬
‫البداية والنهاية )‪.(7/137‬‬ ‫‪()2032‬‬
‫النجللوم العللوالي‪ ،‬والشلليخ محمللد بللن عبللد‬
‫الوهاب‪ ،‬وابنه عبد الله في كتابيهما مختصرة‬
‫سيرة الرسللول‪ ،‬وحسللن إبراهيللم حسللن فللي‬
‫تاريللخ السلللم السياسللي وغيرهللم فل نجللد‬
‫واحدا ً منهم يذكر القصة مللن قريللب أو بعيللد‪.‬‬
‫أليللس هللذا دليل ً علللى أن القصللة لللم تثبللت‬
‫بصورة تجعل المحقق يطمئن إلى ذكرها هللذا‬
‫إذا لللم تكللن منتحلللة مصللنوعة كللاد بهللا بعللض‬
‫الناس لكعب لينفروا منه المسلمين‪ ،‬وهذا مللا‬
‫تطمئن إليلله النفللس ويميللل إليلله القلللب‪،‬‬
‫وبخاصللة بعللد مللا عرفنللا أن كعبلا ً كللان حسللن‬
‫لسلم‪ ،‬وكان محلل ثقلة كلثير ملن الصلحابة‬ ‫ا ٍ‬
‫‪.‬‬‫)‪(2033‬‬
‫حتى رووا عنه حديث رسول الله ‪‬‬
‫‪ -7‬ثناء الصحابة والسلف على الفاروق‪:‬‬

‫أ‪ -‬في تعظيم عائشة رضللي الللله عنهللا للله بعللد‬


‫دفنه‪:‬‬
‫عن عائشة رضي الله عنها قالت‪ :‬كنت أدخللل‬
‫بيتي الذي فيه رسللول الللله ‪ ‬وسلللم وأبللي‪،‬‬
‫فلما دفن عمر معهما فوالله ما دخلته إل وأنا‬
‫مشدودة علي ثيابي حياء من عمر)‪ ،(2034‬وعللن‬
‫القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنهللا‬
‫قالت‪ :‬من رأى ابللن الخطللاب‪ ،‬علللم أنلله خلللق‬
‫غناء للسلم‪ ،‬كللان والللله أحوذيلا ً)‪ ،(2035‬نسلليج‬

‫‪ ()2033‬جولة في عصر الخلفاء الراشدين ص ‪. 296‬‬


‫‪ ()2034‬محض الصواب )‪.(3/852‬‬
‫‪ ()2035‬الحوذي‪ :‬هو الجاد المنكمس في أموره‪ ،‬الحسن السياق‬
‫للمور‪.‬‬
‫وحده‪ ،‬قد أعد للمور أقرانها)‪ ،(2036‬وعن عروة‬
‫عن عائشة رضي الله عنها قللالت‪ :‬إذا ذكرتللم‬
‫عمر طاب المجلس)‪.(2037‬‬

‫‪ ()2036‬محض الصواب )‪ (3/853‬رجاله كلهم ثقات إل عبد الواحد‬


‫بن أبي عوف صدوق يخطئ‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ ()2037‬المصدر نفسه )‪ (3/853‬نقل عن مناقب أمير المؤمنين ص‬
‫‪. 249‬‬
‫ب‪ -‬سعيد بن زيد رضي الله عنه‪:‬‬
‫روي عن سعيد بن زيد أنه بكى عند موت عمر‬
‫فقيل له‪ :‬ما يبكيك؟ فقال‪ :‬على السلللم‪ ،‬إن‬
‫موت عمر ث ََلم السلم ثلمة ل ترتق إلللى يللوم‬
‫القيامة)‪.(2038‬‬
‫ت‪ -‬عبد الله بن مسعود رضي الله عنه‪:‬‬
‫قال عبد الله بن مسعود‪ :‬لو أن علم عمر بللن‬
‫الخطاب وضع في كفة الميزان‪ ،‬ووضللع علللم‬
‫الرض في كفة لرجللح علللم عمللر)‪ ،(2039‬وقللال‬
‫أيضللًا‪ :‬إنللي لحسللب عمللر قللد ذهللب بتسللعة‬
‫أعشار العلم)‪ .(2040‬وقال عبد الله بن مسللعود‪:‬‬
‫كان إسلللم عمللر فتحلا ً وكللانت هجرتلله نصللرا ً‬
‫وكانت إمارته رحمة)‪.(2041‬‬
‫ث‪ -‬قال أبو طلحة النصاري‪ :‬والله ما ملن أهلل‬
‫بيت من المسلمين إل وقد دخللل عليهللم فللي‬
‫موت عمر نقص في دينهم وفي دنياهم)‪.(2042‬‬
‫ج‪ -‬قللال حذيفللة بللن اليمللان‪ :‬إنمللا كللان مثللل‬
‫السلم أيام عمللر مثللل مقبللل لللم يللزل فللي‬
‫إقبلللال‪ ،‬فلملللا قتلللل أدبلللر فللللم يلللزل فلللي‬
‫إدبار)‪.(2043‬‬
‫ح‪ -‬عبد الله بن سلم‪ :‬جللاء عبللد الللله بللن سلللم‬
‫رضي الله عنه بعدما صلللى علللى عمللر رضللي‬
‫الله عنه فقال‪ :‬إن كنتم سللبقتموني بالصلللة‬
‫‪ ()2038‬الطبقات )‪ ،(3/372‬أنساب الشراف الشيخان ص ‪. 387‬‬
‫‪ ()2039‬مصنف بن أبي شيبة )‪ (12/32‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪ ()2040‬المعجم الكبير للطبراني )‪ (9/179،180‬وإسناده صحيح‪.‬‬
‫‪ ()2041‬المعجم الكبير للطبراني )‪ (9/178‬إسناده ضعيف فيه‬
‫انقطاع‪.‬‬
‫‪ ()2042‬الطبقات )‪.(3/374‬‬
‫‪ ()2043‬الطبقات )‪ (3/373‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫عليه‪ ،‬فلن تسبقوني بالثنللاء عليلله‪ ،‬ثللم قللال‪،‬‬
‫نعم أخو السلم كنت يللا عمللر جللوادا ً بللالحق‪،‬‬
‫بخيل ً بالباطل‪ ،‬ترضللى مللن الرضللى وتسللخط‬
‫من السخط‪ ،‬لم تكن مللداحا ً ول معيابلًا‪ ،‬طيللب‬
‫عْرف)‪ ،(2044‬عفيف الطرف)‪.(2045‬‬ ‫ال َ‬
‫خ‪ -‬العباس بن عبد المطلللب‪ :‬قللال العبللاس بللن‬
‫عبد المطلللب‪ :‬كنللت جللارا ً لعملر بللن الخطللاب‬
‫رضي الله عنه فما رأيت أحدا ً من الناس كللان‬
‫أفضل من عمر‪ ،‬إن ليله صلة‪ ،‬ونهاره صلليام‪،‬‬
‫وفي حاجات الناس‪ ،‬فلما تللوفي عمللر سللألت‬
‫الله تعالى‪ :‬أن يرينلله فلي النللوم فرأيتلله فلي‬
‫النلللوم مقبل ً متشلللحا ً ملللن سلللوق المدينلللة‪،‬‬
‫ي‪ ،‬ثم قلت للله‪ :‬كيللف‬ ‫فسلمت عليه وسلم عل ّ‬
‫أنت؟ قال بخير‪ .‬قلللت للله‪ :‬مللا وجللدت؟ قللال‪:‬‬
‫الن حيللن فرغللت مللن الحسللاب‪ ،‬ولقللد كللاد‬
‫عرشي يهوي لول أني وجدت ربا ً رحيما ً)‪.(2046‬‬
‫د‪ -‬معاوية بن أبي سفيان‪ :‬قال معاوية‪ :‬أما أبللو‬
‫رده‪ ،‬وأمللا عمللر‬ ‫بكللر فلللم يللرد الللدنيا ولللم ت ُ ل ِ‬
‫ما نحللن فتمرغنللا‬ ‫دها‪ ،‬وأ ّ‬ ‫ر ْ‬‫فأرادته الدنيا ولم ي ُ ِ‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(2047‬‬
‫هرا ً لبطن‬‫فيها ظ ْ‬
‫ذ‪ -‬علي بن الحسين‪ :‬عن ابن أبي حازم عن أبيه‬
‫قلللال‪ :‬سلللئل عللللي بلللن الحسلللين علللن‬
‫أبي بكر وعمر رضللي الللله عنهمللا ومنزلتهمللا‬

‫عْرف‪ :‬الريح طيبة كانت أو خبيثة‪.‬‬


‫ال َ‬ ‫‪()2044‬‬
‫الطبقات )‪.(3/369‬‬ ‫‪()2045‬‬
‫تاريخ المدينة )‪ (3/345‬فيه انقطاع‪ ،‬الحلية )‪.(1/54‬‬ ‫‪()2046‬‬
‫تاريخ السلم عهد الخلفاء الراشدين للذهبي ص ‪. 267‬‬ ‫‪()2047‬‬
‫من رسول الله قال‪ :‬كمنزلتهما اليللوم‪ ،‬وهمللا‬
‫ضجيعاه)‪.(2048‬‬
‫ر‪ -‬قبيصة بن جابر‪ :‬عن الشللعبي قللال‪ :‬سللمعت‬
‫قبيصللة بللن جللابر يقللول‪ :‬صللحبت عمللر بللن‬
‫الخطاب رضي الله عنه فما رأيت أقرأ لكتللاب‬
‫الللله ول أفقلله فللي ديللن الللله‪ ،‬ول أحسللن‬
‫مدارسة منه)‪.(2049‬‬
‫ز‪ -‬الحسللن البصلري‪ :‬قلال الحسلن البصلري إذا‬
‫أردتم أن يطيب المجلللس فأفيضللوا فلي ذكللر‬
‫عمر)‪ ،(2050‬وقال أيضًا‪ :‬أي أهل بيت للم يجلدوا‬
‫فقده فهم أهل بيت سوء)‪.(2051‬‬
‫س‪ -‬علي بن عبد الله بللن عبللاس‪ :‬قللال‪ :‬دخلللت‬
‫فللي يللوم شللديد الللبرد علللى عبللد الملللك بللن‬
‫)‪(2052‬‬
‫ي‬
‫ه ّ‬ ‫مروان فإذا هو فللي قبللة باطنهللا ُ‬
‫فللو ِ‬
‫معصفر‪ ،‬وظاهرها خزاعيز)‪ ،(2053‬وحوله أربعللة‬
‫كللللوانين)‪ ،(2054‬قللللال فللللرأى الللللبرد فللللي‬
‫قفي)‪ ،(2055‬فقال‪ :‬ما أظللن يومنللا هللذا إل‬ ‫ف ُ‬
‫تق ْ‬
‫باردًا‪ .‬قلت‪ :‬أصلح الللله الميللر مللا يظللن أهللل‬
‫الشام أنه أتللى عليهللم يللوم أبللرد منلله‪ ،‬فللذكر‬
‫الدنيا‪ ،‬وذمها‪ ،‬ونال منها‪ ،‬وقال‪ :‬هللذا معاويللة‬
‫‪ ()2048‬محض الصواب )‪.(3/908‬‬
‫‪ ()2049‬المعرفة والتاريخ للفسوي )‪ (1/457‬في إسناده مجالد بن‬
‫سعيد تغير آخر عمره‪.‬‬
‫‪ ()2050‬مناقب أمير المؤمنين لبن الجوزي ص ‪ ، 251‬محض‬
‫الصواب )‪.(3/909‬‬
‫‪ ()2051‬الطبقات )‪.(3/372‬‬
‫ي‪ :‬ثياب بيض‪.‬‬
‫ه ّ‬ ‫‪ُ ()2052‬‬
‫فو ِ‬
‫‪ ()2053‬محض الصواب )‪.(3/911‬‬
‫‪ ()2054‬الكانون‪ :‬الموقد‪.‬‬
‫‪ ()2055‬تقفقف‪ :‬ارتعد من البرد وغيره‪ ،‬أو اضطرب حنكاه‬
‫واصطكت أسنانه )القاموس( ص ‪. 1094‬‬
‫عاش أربعين سللنة عشللرين أميللرًا‪ ،‬وعشللرين‬
‫خليفة‪ ،‬لله در ابن حنتمة ما كان أعلمه بالدنيا‬
‫يعني عمر رضي الله عنه)‪.(2056‬‬
‫‪ -8‬آراء بعض العلماء والكّتاب المعاصرين‪:‬‬

‫أ‪ -‬قال الدكتور محمد محمد الفحام شيخ الزهر‬


‫السابق‪ :‬لقد كشفت أعمال عملر علن تفلوقه‬
‫السياسي‪ ،‬وبّينت مواهبه العديدة التي ملكها‪،‬‬
‫وعن عبقريته الخالللدة‪ ،‬الللتي ل تللزال تضلليء‬
‫أمامنا الطريق في العديد من مشكلت الحياة‬
‫المختلفللة فللي معالجللة القضللايا والمشللاكل‬
‫التي واجهته أثناء خلفته)‪.(2057‬‬
‫ب‪ -‬قال عباس محمللود العقللاد‪ :‬إن هللذا الرجللل‬
‫العظيم أصعب من عرفت من عظماء الرجللال‬
‫نقللدا ً ومؤاخللذة ومللن مزيللد مزايللاه أن فللرط‬
‫التمحيص وفللرط العجللاب فللي الحكللم للله أو‬
‫عليلله يلتقيللان‪ ،‬وكتللابي عبقريللة عمللر ليللس‬
‫بسلليرة لعمللر ول بتاريللخ لعصللره علللى نمللط‬
‫التواريخ الللتي تقصللد بهللا الحللوادث والنبللاء‪،‬‬
‫ولكنه وصف له ودراسة لطواره‪ ،‬ودللة على‬
‫خصائص عظمته واستفادة من هذه الخصائص‬
‫لعلم النفس وعلللم الخلق وحقللائق الحيللاة‪..‬‬
‫وعمر يعد رجل المناسبة الحاضرة في العصر‬
‫الذي نحن فيه‪ ،‬لنه العصر الللذي شللاعت فيلله‬
‫عبادة القوة الطاغية وزعم الهللاتفون بللدينها‬
‫أن البأس والحق نقيضان؛ فإذا فهمنا عظيملا ً‬

‫‪ ()2056‬محض الصواب )‪ ،(3/911‬ابن الجوزي ص ‪. 252‬‬


‫‪ ()2057‬الدارة في السلم في عهد عمر بن الخطاب ص ‪. 391‬‬
‫واحللدا ً كعمللر بللن الخطللاب‪ ،‬فقللد هللدمنا ديللن‬
‫القوة الطاغيللة علللى أساسلله‪ ،‬لننللا سللنفهم‬
‫رجل ً كان غاية في البأس‪ ،‬وغاية فللي العللدل‪،‬‬
‫وغاية فللي الرحمللة‪ ..‬وهللذا الفهللم تريللاق داء‬
‫العصلللر يشلللفى بللله ملللن ليلللس بميئوس‬
‫الشفاء)‪.(2058‬‬
‫ت‪ -‬قال الدكتور أحمد شلبي‪ .. :‬وكان الجتهللاد‬
‫من أبرز الجوانب في حيللاة عمللر خلل حقبللة‬
‫خلفتلله الحافلللة بالحللداث‪ ،‬فحفللظ الللدين‪،‬‬
‫ورفع راية الجهاد‪ ،‬وفتح البلد‪ ،‬ونشللر العللدل‬
‫بيللن العبللاد‪ ،‬وأنشللأ أول وزارة ماليللة فللي‬
‫السلم‪ ،‬وكون جيشا ً نظاميا ً للللدفاع وحمايللة‬
‫الحلللدود‪ ،‬ونظلللم المرتبلللات والرزاق‪ ،‬ودون‬
‫الللدواوين‪ ،‬وعيللن الللولة والعمللال والقضللاة‪،‬‬
‫وأقر النقود للتداول الحيللاتي‪ ،‬ورتللب البريللد‪،‬‬
‫وأنشأ نظام الحسبة‪ ،‬وثبت التأريللخ الهجللري‪،‬‬
‫وأبقى الرض المفتوحة دون قسمة‪ ،‬وخطللط‬
‫المللدن السلللمية وبناهللا‪ ،‬فهللو بحللق أميللر‬
‫المؤمنين وباني الدولة السلمية)‪.(2059‬‬
‫ث‪ -‬قللال المستشللار علللي علللي منصللور‪ :‬إن‬
‫رسللالة عمللر فللي القضللاء إلللى أبللي موسللى‬
‫الشعري قبل أربعللة عشللر قرن لا ً مللن الزمللن‬
‫دستور للقضاء والمتقاضين‪ ،‬وهللي أكمللل مللا‬
‫وصلللت إليلله قللوانين المرافعللات الوضللعية‬
‫وقوانين استقلل القضاء)‪.(2060‬‬

‫‪ ()2058‬المصدر نفسه ص ‪. 392‬‬


‫‪ ()2059‬المصدر نفسه ص ‪ ، 392‬التاريخ السلمي )‪.(1/609‬‬
‫‪ ()2060‬المصدر نفسه ص ‪. 392‬‬
‫جللل‪ -‬اللللواء الركللن محمللود شلليت خطللاب‪ :‬وإذا‬
‫كللانت أسللباب الفتللح السلللمي كللثيرة‪ ،‬فللإن‬
‫على رأس تلك السباب ما كان يتمتع به عمللر‬
‫بن الخطاب من سللجايا قياديللة فللذة ل تتكللرر‬
‫فللي غيللره علللى مللر السللنين والعصللور إل‬
‫نادرا ً)‪.(2061‬‬
‫ح‪ -‬الدكتور صبحي المحمصللاني‪ :‬بانقضللاء عهللد‬
‫الخليفة الراشد عمللر‪ ،‬ينقضللي عهللد مؤسللس‬
‫الدولة السلللمية الللتي وسللع رقاعهللا‪ ،‬وثبللت‬
‫دعائمها‪ ،‬فكان مثال القللائد المللوجه‪ ،‬والميللر‬
‫الحازم الحكيم‪ ،‬والراعي المسؤول‪ ،‬والحللاكم‬
‫القللوي العللادل والرفيللق الللرؤوف‪ ،‬ثللم مللات‬
‫ضحية الواجب‪ ،‬وشهيد الصدق والصلح‪ ،‬فكان‬
‫مللع الصللديقين والصللالحين مللن أوليللاء الللله‬
‫تعالى وسيبقى اسم عمر بن الخطاب مخلللدا ً‬
‫ولمعا ً في تاريخ الحضارة والفقه)‪.(2062‬‬
‫س‪ -‬الشلليخ علللي طنطللاوي‪ :‬أنللا كلمللا ازددت‬
‫اطلعا ً على أخبار عمر‪ ،‬زاد إكباري وإعجللابي‬
‫بلله‪ ،‬ولقللد قللرأت سللير آلف العظمللاء مللن‬
‫المسلمين وغيللر المسلللمين‪ ،‬فوجللدت فيهللم‬
‫من هو عظيم بفكره‪ ،‬ومن هو عظيللم ببيللانه‪،‬‬
‫ومن هو عظيم بخلقه‪ ،‬ومن هو عظيم بآثاره‪،‬‬
‫ووجدت عمر قد جمع العظمللة مللن أطرافهللا‪،‬‬
‫خلللق والبيللان‪ ،‬فللإذا‬
‫فكللان عظيللم الفكللر وال ُ‬
‫أحصيت عظماء الفقهاء والعلماء‪ ،‬ألفيت عمر‬
‫‪ ()2061‬الدارة السلمية في عهد عمر بن الخطاب ص ‪. 393‬‬
‫‪ ()2062‬تراث الخلفاء الراشدين في الفقه والقضاء ص ‪. 46،47‬‬
‫في الطليعة‪ ،‬فلو لم يكن له إل فقهه لكان به‬
‫عظيمًا‪ ،‬وإن عددت الخطباء والبلغاء كان اسم‬
‫عمر مللن أوائل السللماء‪ ،‬وإن ذكللرت عبللاقرة‬
‫المشللرعين‪ ،‬أو نوابللغ القللواد العسللكريين‪ ،‬أو‬
‫كبار الداريين النللاجحين‪ ،‬وجللدت عمللر إمام لا ً‬
‫في كل جماعة‪ ،‬وعظيما ً في كل طائفلة‪ ،‬وإن‬
‫ل‪ ،‬وتركللوا‬ ‫استقريت العظمللاء الللذين بنللوا دو ً‬
‫ل مللن‬ ‫في الرض أثرًا‪ ،‬لم تكد تجللد فيهللم أج ل ّ‬
‫عمر‪ .‬وهو فوق ذلك عظيم في أخلقه عظيم‬
‫في نفسه)‪.(2063‬‬
‫‪ -9‬آراء بعض المستشرقين في عمر رضي الله عنه‪:‬‬

‫أ‪ -‬قال موير في كتابه الخلفة‪ :‬كانت البسللاطة‬


‫والقيام بالواجب من أهم مبادئ عمر وأظهللر‬
‫ما اتصفت به إدارته عدم التحيز والتعبد وكان‬
‫يقللدر المسللؤولية حللق قللدرها وكللان شللعوره‬
‫بالعدل قويا ً ولم يحاب أحدا ً في اختيار عماله‪،‬‬
‫ومع أنه كللان يحمللل عصللاه ويعللاقب المللذنب‬
‫في الحال حللتى قيللل إن ِدرة عمللر أشللد مللن‬
‫سيف غيره إل أنه كان رقيق القلب وكانت له‬
‫أعمال سجلت له شفقته‪ ،‬ومللن ذلللك شللفقته‬
‫على الرامل واليتام)‪.(2064‬‬
‫ب‪ -‬وقالت عنه دائرة المعارف البريطانية‪ :‬كللان‬
‫عمللر حاكمللا ً عللاق ً‬
‫ل‪ ،‬بعيللد النظللر‪ ،‬وقللد أدى‬
‫للسلم خدمة عظيمة)‪.(2065‬‬
‫‪ ()2063‬أخبار عمر ص ‪. 5‬‬
‫‪ ()2064‬الفاروق عمر بن الخطاب‪ ،‬محمد رشيد رضا ص ‪. 54،55‬‬
‫‪ ()2065‬المصدر نفسه ص ‪. 55‬‬
‫ت‪ -‬وقال الستاذ واشنجتون إيرفنج فللي كتللابه‬
‫محمد وخلفاؤه‪ :‬إن حياة عمر مللن أولهللا إلللى‬
‫آخرهللا تللدل علللى أنلله كللان رجل ً ذا مللواهب‬
‫عقليلللة عظيملللة‪ ،‬وكلللان شلللديد التمسلللك‬
‫بالستقامة والعدالة‪ ،‬وهو الذي وضللع أسللاس‬
‫الدولللة السلللمية ونفللذ رغبللات النللبي ‪‬‬
‫وثبتها‪ ،‬وآزر أبا بكر بنصائحه في أثناء خلفته‬
‫القصيرة‪ ،‬ووضع قواعد متينة للدارة الحازمة‬
‫في جميللع البلللدان الللتي فتحهللا المسلللمون‪،‬‬
‫وإن اليللد القويللة الللتي وضللعها علللى أعظللم‬
‫قللواده المحبللوبين لللدى الجيللش فللي البلد‬
‫النائيللة وقللت انتصللاراتهم‪ ،‬لكللبر دليللل علللى‬
‫كفاءته الخارقة لدارة الحكللم وكللان ببسللاطة‬
‫أخلقلله واحتقللاره للبهللة والللترف‪ ،‬مقتللديا ً‬
‫بالنبي ‪ ‬وأبي بكر‪ ،‬وقللد سللار علللى أثرهمللا‬
‫في كتبه وتعليماته للقواد)‪.(2066‬‬
‫جل‪ -‬وقال الدكتور مايكل هللارت‪ :‬إن مللآثر عمللر‬
‫مؤثرة حقًا‪ ،‬فقد كان الشخصية الرئيسية في‬
‫انتشللار السلللم بعللد محمللد ‪ ،(2067)‬وبللدون‬
‫فتوحاته السريعة من المشكوك به أن ينتشللر‬
‫السلم بهذا الشكل الللذي هللو عليلله الن‪ ،‬زد‬
‫على ذلك أن معظم الراضي التي فتحها في‬
‫زمنه بقيت عربية)‪ (2068‬منللذ ذلللك العهللد حللتى‬
‫الن‪ ،‬ومللن الواضللح أن محمللد ‪ ‬للله الفضللل‬
‫‪ ()2066‬المصدر نفسه ص ‪. 55‬‬
‫‪ ()2067‬يبدو أن المستر مايكل هارت ل يعرف سيرة أبي بكر‬
‫الصديق رضي الله عنه‪.‬‬
‫‪ ()2068‬الراضي أصبحت ضمن الدولة السلمية‪.‬‬
‫الكبر فللي هللذا المضللمار‪ ،‬ولكللن مللن الخطللأ‬
‫الفللللادح أن نتجاهللللل دور عمللللر وقيللللادته‬
‫الواعية)‪.(2069‬‬
‫‪ -10‬ما قيل من الشعر في رثاء الفاروق رضي الله عنه‪:‬‬

‫قالت عاتكة بنت زيد بللن عمللرو بللن الخطللاب‬


‫رضي الله عنها‪:‬‬
‫ل للكتللاب‬‫بللأبيض تللا ٍ‬ ‫عني فيللروز ل در‬
‫ج َ‬
‫ف ّ‬
‫منيلللللللللللللللللللللب‬
‫ُ‬ ‫دره‬
‫أخللللي ثقللللة فللللي‬ ‫رؤوف على الدنى‬
‫النائبللللات مجيللللب‬ ‫غليظ على العدا‬
‫سريع إلى الخيللرات‬ ‫قلللل ل‬‫ملللتى ملللا ي َ ُ‬
‫)‪(2070‬‬
‫غيلللر قطلللوب‬ ‫ُيكللذب القللول فعللله‬
‫وقالت أيضًا‪:‬‬
‫مّلي على المام‬ ‫ل تَ َ‬ ‫عيللن جللودي بعللبرة‬
‫النجيلللللللللللللللللللب‬ ‫ونحيلللللللللللللللللللب‬
‫المعلللم يللوم الهيللاج‬ ‫فجعتنللللي المنللللون‬
‫)‪(2071‬‬
‫والتلللللللللللبيب‬ ‫بالفللللللللللللللللارس‬
‫الللللللدهر وغيللللللث‬ ‫عصلللللمة النلللللاس‬
‫المنتاب والمحللروب‬ ‫والمعيلللللن عللللللى‬
‫‪ ()2069‬من الخطأ الفادح أيضا ً أن نتجاهل دور الصديق وقيادته‬
‫الوعية بعد وفاة رسول الله ‪.r‬‬
‫‪ ()2070‬المائة الوائل ترجمة خالد عيسى وأحمد سبانو ص ‪. 163‬‬
‫‪ ()2071‬التلبيب‪ :‬الخذ بالصدر‪ ،‬كناية عن اشتداد المعركة‪.‬‬
‫قللد سللقته المنللون‬ ‫قللل لهللل السللراء‬
‫)‪(2072‬‬
‫شلللعوب‬‫كلللأس َ‬ ‫والبلللللؤس موتلللللوا‬

‫هذا وقد طويت بوفاة الخليفة الراشد العللادل‬


‫عمر بن الخطاب رضي الللله عنلله صللفحة مللن‬
‫أنصع صفحات التاريخ وأنقاها فقد عرف فيلله‬
‫التاريخ رجل ً فذا ً من طراز فريد‪ ،‬لم يكن همه‬
‫جمع المال‪ ،‬ولم تسللتهوه زخرفللة السلللطان‪،‬‬
‫ولم تمل به عللن جللادة الحللق سللطوة الحكللم‪،‬‬
‫ولللم يحمللل أقللاربه ول أبنللاءه علللى رقللاب‬
‫النللاس‪ ،‬بللل كللان كللل هملله انتصللار السلللم‪،‬‬
‫وأعظم أمانيه سيادة الشريعة وأقصللى غللايته‬
‫تحقيق العدالة بين أفللراد رعيتلله‪ ،‬وقللد حقللق‬
‫ذلك كله بعون الله عز وجل فللي تلللك الفللترة‬
‫الوجيزة الللتي ل تعللد فللي عمللر الللدول شلليئا ً‬
‫مذكورا ً)‪.(2073‬‬
‫إن دراسللة هللذه السلليرة العطللرة تمللد أبنللاء‬
‫الجيل بالعزائم العمرية التي تعيد إلى الحيللاة‬
‫روعلللة اليلللام الجميللللة الماضلللية‪ ،‬وبهجتهلللا‬
‫وبهاءها‪ ،‬وترشد الجيال بأنه لن يصلح أواخللر‬
‫هذا الملر إل بملا صللحت بله أوائلله وتسلاعد‬
‫الدعاة والعلمللاء علللى القتللداء بللذلك العصللر‬
‫الراشدي ومعرفللة معللالمه وصللفاته ومنهجلله‬
‫في السير في دنيا الناس وذلك يسللاعد أبنللاء‬
‫المة على إعادة دورها الحضاري من جديد‪.‬‬
‫‪ ()2072‬تاريخ الطبري )‪ ،(5/214‬اليام الخيرة في حياة الخلفاء د‪.‬‬
‫إيلي منيف شهلة ص ‪. 40‬‬
‫‪ ()2073‬جولة في عصر الخلفاء الراشدين ص ‪. 297‬‬
‫هذا وقد انتهيت من هذا الكتاب يللوم الربعللاء‬
‫الساعة السابعة وخمس دقائق صللباحا ً بتاريللخ‬
‫‪ 13‬رمضللان ‪1422‬هللل الموافللق ‪ 28‬نوفمللبر‬
‫‪2001‬م والفضللل لللله مللن قبللل ومللن بعللد‪،‬‬
‫وأسأله سبحانه وتعالى أن يتقبل هللذا العمللل‬
‫ويشرح صدور العباد للنتفاع بلله ويبللارك فيلله‬
‫ح الل ّ ل ُ‬
‫ه‬ ‫بمنه وكرمه وجوده قال تعالى‪َ  :‬‬
‫ما ي َ ْ‬
‫فت َ ْ‬
‫فل َ‬ ‫سل ْ‬
‫ك َ‬ ‫م ِ‬ ‫مللا ي ُ ْ‬
‫و َ‬‫هللا َ‬‫ك لَ َ‬ ‫سل َ‬‫م ِ‬‫م ْ‬ ‫ُ‬ ‫فل َ‬ ‫ة َ‬ ‫مل ٍ‬‫ح َ‬
‫ن َر ْ‬‫مل ْ‬ ‫س ِ‬‫ِللّنا ِ‬
‫م)‪ (2‬‬ ‫كي ل ُ‬ ‫زي لُز ال ْ َ‬
‫ح ِ‬ ‫و ال ْ َ‬
‫ع ِ‬ ‫هل َ‬
‫و ُ‬‫َ‬ ‫ه‬
‫د ِ‬ ‫عل ِ‬‫ن بَ ْ‬
‫مل ْ‬ ‫ه ِ‬‫ل ل َل ُ‬
‫سل َ‬‫مْر ِ‬
‫ُ‬
‫)فاطر‪،‬آية‪.(2:‬‬
‫ول يسعني في نهاية هذا الكتاب إل أن أقللف‬
‫بقلب خاشع منيب بيللن يللدي الللله عللز وجللل‪،‬‬
‫ل‬‫ضلل ُ‬ ‫معترفا ً بفضله وكرمه وجوده فهللو المتف ّ‬
‫ق‪ ،‬فللله‬ ‫فلل ُ‬‫وهو المكرم وهو المعين وهللو المو ّ‬
‫ي أول ً وآخرًا‪ ،‬وأسأله‬ ‫ن به عل ّ‬
‫الحمد على ما م ّ‬
‫سبحانه بأسمائه الحسلنى وصلفاته العللى أن‬
‫يجعل عملي لوجهه خالصا ً ولعباده نافعًا‪ ،‬وأن‬
‫يللثيبني علللى كللل حللرف كتبتلله ويجعللله فللي‬
‫ميللزان حسللناتي‪ ،‬وأن يللثيب إخللواني الللذين‬
‫أعانوني بكافة ما يملكون من أجل إتمام هللذا‬
‫الجهد المتواضع‪ ،‬ونرجو من كل مسلم يطلللع‬
‫على هللذا الكتللاب أن ل ينسللى العبللد الفقيللر‬
‫إلى عفو ربه ومغفرته ورحمته ورضوانه مللن‬
‫شللك َُر‬‫ن أَ ْ‬ ‫َ‬
‫عِنللي أ ْ‬
‫ز ْ‬
‫و ِ‬
‫َ‬
‫بأ ْ‬‫دعللائه‪ .‬قللال تعللالى‪َ  :‬ر ّ‬
‫مل َ‬
‫ل‬ ‫ن أَ ْ‬
‫ع َ‬ ‫وأ ْ‬
‫عل َللى وال ِلدي َ‬
‫َ ّ َ‬ ‫َ‬ ‫و َ‬
‫ي َ‬ ‫ع َل َل ّ‬
‫ت َ‬ ‫مل َ‬
‫ع ْ‬
‫َ‬
‫ك ال ِّتي أن ْ َ‬ ‫مت َ َ‬
‫ع َ‬
‫نِ ْ‬
‫فلللللي‬ ‫َ‬
‫مِتلللللك ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ْ‬
‫خلِنلللللي ب َِر ْ‬ ‫وأ د ْ ِ‬‫ضلللللاهُ َ‬‫حا ت َْر َ‬‫صلللللال ِ ً‬ ‫َ‬
‫ن)‪)  (19‬النمل‪،‬آية‪.(19:‬‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫َ‬
‫عَباِدك ال ّ‬ ‫ِ‬
‫سبحانك اللهم وبحمدك‪ ،‬أشهد أن ل إللله إل أنللت‬
‫أستغفرك وأتوب إليك وآخر دعوانا أن الحمد لللله‬
‫رب العالمين‪.‬‬
‫الفقير إلى عفو ربه ومغفرته ورحمته ورضوانه‬

‫ص ّ‬
‫لبي‬ ‫علي محمد محمد ال ّ‬

You might also like